مجلة الملحدين العرب / العدد الثامن والسبعون / مايو أيار / 2019

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫صوم رمضان‪ ..‬هل له‬ ‫فوائد‪ ،‬أم أنه تعذيب‬ ‫نفيس وجسدي؟‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫املغرب املختلط اإلنساين‬ ‫املتعايش‬

‫العدد الثامن والسبعون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬مايو ‪ /‬أيار لسنة ‪.2019‬‬

‫ياسني اعطية‬

‫خلف خطى‬ ‫يسوع جـ ‪1‬‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫غال ًبا ما يتبادر ألذهان املؤمنني يف املجتمعات العربية أن هناك أم ًرا ُمري ًبا يف‬ ‫تركيز امللحدين عىل نقد اإلسالم دون غريه من األديان‪ ،‬وقد يَصلون الستنتا ٍج‬ ‫مبني عىل عدم فهم هذه الظاهرة إىل أن هناك مؤامر ًة ما وغال ًبا هي نابع ٌة‬ ‫ٍّ‬ ‫من املنافسة‪ ،‬أي أنها مؤامر ٌة مسيحي ٌة يهودي ٌة أو ميكن أن ت ُلبس ثوب السياسة‬ ‫فتكون مؤامر ًة إرسائيلي ًة أمريكيةً‪ ...‬وملاذا يا ترى يتآمر هؤالء أو هؤالء عىل الدين‬ ‫اإلسالمي!؟ بالطبع سيكون االستنتاج هو أنه بسبب الحسد أو الخوف أو حب‬ ‫املعايص والرغبة يف إتالف الشباب العريب والنيل من فحولته…‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫‪Osama al Abbas‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬

‫رشا إال أنه مدعا ٌة‬ ‫ال يخفى عىل القارئ أن هذا النوع من املنطق وإن كان منت ً‬ ‫للضحك‪ ،‬فالفكرة تتحول هنا من محاولة تفسري ظاهر ٍة ما إىل محاولة استخدام‬ ‫هذه الظاهرة إلثبات فكر ٍة مسبقة‪ .‬رمبا بداية الحكم عىل هذه الظاهرة والتقاطها‬ ‫من املؤمن قد يكون مش ّو ًها؛ فالهندوسيون يف الهند يقولون إن امللحدين ال‬ ‫ينتقدون إال الهندوسية‪ ،‬ويف الواليات املتحدة أيضً ا يقولون إن امللحدين متفرغني‬ ‫كل يغني عىل لياله‪ ،‬وكام يقول املثل العامي‪( :‬كل‬ ‫للن ْيل من املسيحية‪ ...‬فكام نرى ٌّ‬ ‫بيحسس عليها)‪ .‬امللحدون يقفون عىل مساف ٍة واحد ٍة من‬ ‫مني عىل راسو بطحة ّ‬ ‫جميع األديان وال يحابّون دي ًنا عىل حساب دينٍ آخر ألن كل األديان بالنسبة لهم‬ ‫خرافاتٌ مؤذية‪.‬‬ ‫نأيت للواقع‪ ،‬هل امللحدون العرب تحدي ًدا ينتقدون فقط اإلسالم دون غريه؟ بالتأكيد‬ ‫ال‪ ،‬ف ُهم ينتقدون كافة األديان دون التورع عن نقد و«فصفصة»أي معتقد‪ ،‬فكام‬ ‫ٌ‬ ‫اختالف يف كمية النقد بني املعتقدات‬ ‫سبق وقلنا كلها خرافاتٌ مؤذية‪ .‬هل هناك‬ ‫واألديان يف أجندة امللحد؟ بالتأكيد نعم ومر ّد ذالك ليس إىل مؤامر ٍة شيطاني ٍة‬ ‫أو دسائس مسيحي ٍة أو عامل ٍة يهودي ٍة بل ببساط ٍة لعاملني رئيسيني‪ ،‬األول هو‬ ‫فمثل نسبة املسيحيني للمسلمني يف العامل العريب أقل من ‪10‬‬ ‫النسبة والتناسب‪ً ،‬‬ ‫‪%‬وبالتايل من الطبيعي أن يكون النقد املو ّجه للمسيحية سوا ٌء يف اإلنتاج والكتابة‬ ‫أو يف االستهالك والقراءة والتفاعل بنفس النسبة ‪ ،9:1‬ومل أذكر هنا اليهودية ألن‬ ‫قيمتها كتعدا ٍد سكا ٍّين يف العامل العريب مهمل ٌة وتقل عن ‪ ،% 0.1‬والسبب الثاين هو‬ ‫مثل ال يُسمع لهم صوتٌ إال عندما تحدث‬ ‫األثر عىل أرض الواقع‪ ،‬فاملسيحيون ً‬ ‫مذبح ًة بحقهم أو إي عملٍ إرها ٍّيب آخر‪ ...‬األغلبية املسلمة لها األثر األكرب عىل‬ ‫الحياة واملجتمع والثقافة بل وتتخطى تلك األدوار لتأخذ دور البلطجي يف كثريٍ من‬ ‫األحيان‪ ،‬فيقوم اإلعالم متعم ًدا بالتغطية عىل األخبار اإليجابية عن غري املسلمني‬ ‫ومحاولة إخفاء القصص والقضايا السلبية للمسلمني‪.‬‬ ‫وشعوب أحيانًا يسبب أكرث األزمات تشن ًجا‬ ‫يف الواقع إن اإلسالم كدينٍ وثقاف ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وتدم ًريا‪ ،‬ولعل نصيب األسد من الرضر‪ -‬إن مل يكن الكعكة كلها‪ -‬يقع عىل املسلمني‬ ‫ٍ‬ ‫أنفسهم‪ ،‬فاملسلمون هم أول ضحايا اإلسالم‪ ،‬لذا فالتطرق إىل أديانٍ‬ ‫ومعتقدات‬ ‫رض وال تنفع (وإن كان إحصائ ًيا أم ًرا مقبولً هو‬ ‫أخرى ال أثر لها وال صوت وال ت ّ‬ ‫نو ٌع من الهروب من املشاكل األكرب واألولويات التي تستحق النظر فيها ونقدها‬ ‫ٍ‬ ‫عالجات وحلو ٍل لها)‪.‬‬ ‫والبحث عن‬ ‫يف حقيقة األمر إذا ما نظرنا إىل كل هذه العوامل فإننا نخلص إىل أن امللحد‬ ‫العريب الذي يتجنب الحديث عن الدين اإلسالمي ويركز جهده ووقته يف نقد‬ ‫ديان ٍة كالشينتو أو الجانية يف محاول ٍة منه إلثبات أنه غري متحاملٍ عىل اإلسالم يقوم‬

‫‪2‬‬

‫عمل ًيا بالهروب أو تجاهل املشاكل الحقيقية والعمل‬ ‫وتضييع الوقت عىل مشاكل وهمي ٍة فقط ليك يحافظ‬ ‫عىل صورته‪ ...‬وما أحب أن أذكره هو أننا كملحدين‬ ‫فقدنا صورتنا يف اللحظة التي خرجنا فيها من تحت‬ ‫عباءة اإلسالم فال يوجد يش ٌء يجعل املؤمنني راضني ع ّنا‪.‬‬ ‫أيها امللحد ال تتعب نفسك واخرت معاركك بضمريٍ ودون‬ ‫اهتامم لكالم الناس‪ ،‬فهو بالنهاية وكام قال‬ ‫إعطاء أي‬ ‫ٍ‬ ‫وسوف (كالم الناس ال بيق ّدم وال يأخر)‪.‬‬ ‫الفنان جورج ّ‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫‪8‬‬

‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪18‬‬

‫املغرب املختلط اإلنساين املتعايش‬ ‫ياسني اعطية‬

‫‪32‬‬

‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬ ‫ويف نوري جعفر‬

‫‪36‬‬

‫خلف خطى يسوع جـ ‪1‬‬ ‫الغريب بن ماء السامء‬

‫‪44‬‬

‫اإلله يتعرث بجلبابه (قصة قصرية)‬ ‫رويدة سامل‬

‫‪56‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪61‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪71‬‬ ‫‪3‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‬

‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ِ ،‬مثل من ينىس اإلسالم طوال العام‬ ‫ثم يأيت يف شهر رمضان يك يزعجنا بإميانياته ونفاقه وكذبه‬ ‫وعباداته يف الشارع وأمام الناس ويف العمل وداخل املساجد‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ِ ،‬مثل من يعتقد أن شهر رمضان‬ ‫هو للعبادة وأكل الطعام والرشاب فقط‪ ،‬وأن الكذب‬ ‫والغش ومخالفة القانون والتعدي عىل اآلخرين هي أمو ٌر‬ ‫ال تجرح الصيام أو تبطله‪.‬‬

‫يك يقبض عليه بتهم ٍة سخيف ٍة وهي األكل وجرح مشاعر‬ ‫الصامئني‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬فصيامهم هذا ال نفع فيه وال‬ ‫فائدة وال طائل من وراءه‪ .‬فلم تتغري أخالقهم منذ قرون‪،‬‬ ‫ومل تتحسن مخرجات تعليمهم وصناعاتهم وثقافتهم‬ ‫وسلوكياتهم‪ .‬فام زالوا يف الدرك األسفل من الجهل والوضاعة‬ ‫واالنحطاط‪ ،‬وما زالوا يخوضون الحروب الطائفية واملذهبية‬ ‫والقبلية‪ ،‬وما زالوا يقتلون املرأة باسم الرشف والقبيلة‪ ،‬وما‬ ‫زالوا يحبسون ويجلدون ويقتلون الناس من أجل كلم ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫وحرف وتغريد ٍة ومقال‪ ،‬وما زالوا ينظرون إىل أسامة بن‬ ‫الدن وحسن نرص الله وأيب بك ٍر البغدادي عىل أنهم أصحاب‬ ‫أهل للخالفة وعودة الدولة الدينية‪،‬‬ ‫النرص اإللهي وبأنهم ٌ‬ ‫وما زالوا يك ّنون العداء لآلخر املختلف بل ينظرون إليه‬ ‫مسلم وال ينتمي‬ ‫بنظر ٍة دوني ٍة واستعالئي ٍة فقط ألنه غري‬ ‫ٍ‬

‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ِ ،‬مثل من يطالب بأقىس وأقىص‬ ‫عقوب ًة ملن يجاهر باإلفطار يف نهار رمضان دون مراعاة أن‬ ‫العرص الحديث الذي نعيش فيه يختلف متا ًما عن العصور‬ ‫السابقة من ناحية زيادة األمراض لدى البرش ووجود الصغار‬ ‫وكبار السن ممن يحتاجون إىل الطعام والرشاب‪ ،‬باإلضافة‬ ‫إىل انتشار مفهوم حرية املعتقد الذي يسمح لإلنسان أن‬ ‫رشطي من الدولة‬ ‫ميارس حياته الطبيعية دون أن يأيت إليه‬ ‫ٌ‬ ‫‪4‬‬


‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‬ ‫لرشف جامعتهم الدينية‪ ،‬وما زالوا‪ -‬ويا للمفارقة املضحكة‪ -‬ينتظرون تحرير فلسطني وغزو العامل من ٍ‬ ‫جديد وإخضاع البرش‬ ‫تحت رايتهم وسلطانهم‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬فمن يرضب‬ ‫ويقمع املرأة‪ ،‬ومن يؤدلج األطفال دينيًا رغم‬ ‫إرادتهم‪ ،‬ومن يغتصب براءة البنات الصغار‬ ‫بالحجاب هم مسلمون‪ ،‬ومن ينادي بتجريم‬ ‫العلامنية ومنع الحريات وتقديم النقل‬ ‫عىل العقل ونبذ الفلسفة والشك والسؤال‬ ‫هم مسلمون‪ ،‬ومن ميارس حياته الطبيعية‬ ‫خارج بلده كرشب الخمر ومامرسة الجنس‬ ‫جليل يدعو إىل محاربة املنكر واألمر باملعروف هم مسلمون‪ ،‬ومن‬ ‫والتسكع بالبارات‪ ،‬ثم إذا رجع إىل وطنه أصبح صحاب ًيا ً‬ ‫يريد دميقراطي ًة إسالمي ًة تنسف أسس الدميقراطية الليربالية‪ ،‬ومن يريد هوي ًة طائفي ًة يستقوى بها ضد اآلخر ويترسبل بها‬ ‫وقت االنتخابات‪ ،‬ومن يريد مرجعي ًة قبلي ًة تكون أقوى من الوطن واملواطنة والدستور هم مسلمون‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬فاإلميان عندهم بعي ٌد بينام الشكليات واملظاهر والرياء والتكسب بالدين هو الغالب‪ .‬ال تصوموا‬ ‫ِمثل املسلمني‪ ،‬فهم يرتكون الجوعى واملرىض واملحتاجني ميوتون أمامهم‪ ،‬ال ليش ٍء سوى ألنهم غري مسلمني‪ .‬ال تصوموا ِمثل‬ ‫املسلمني‪ ،‬فصيامهم تبذي ٌر وتفاخ ٌر أكرث من كونه مشارك ًة بإحساس الفقراء‪ .‬ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬ففي هذا الشهر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ومناسبات ديني ٍة بينام الفقراء ينالهم الدعاء وبناء‬ ‫واستقباالت وموائد عامر ٍة‬ ‫باحتفاالت‬ ‫متتلئ بيوتهم ومخازنهم ورساديبهم‬ ‫املساجد الفاخرة‪.‬‬ ‫يقل العمل وتنخفض معدالت اإلنتاج ويهرب املوظف من العمل وتتكاثر‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬ففي هذا الشهر ّ‬ ‫اإلجازات وامل َرضيات ليك ينام املسلم من تعب السهر وحتى يتفرغ لألكل طوال الليل‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬ففي هذا الشهر يريدون من كل‬ ‫ٍ‬ ‫العامل أن مينحهم إجاز ٍ‬ ‫وتخفيضات ومراعا ًة ملشاعرهم‬ ‫ات‬ ‫وخواطرهم بينام هم يقتلون ويسجنون ويقطعون‬ ‫ٍ‬ ‫وحديث ٍ‬ ‫ديني ضاربني‬ ‫ويرجمون بنا ًء عىل فت ًوى‬ ‫ونص ٍ‬ ‫بعرض الحائط معنى ومفهوم وقيم اإلنسانية‪.‬‬ ‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‪ ،‬هو ٌ‬ ‫مقال ال أعمم فيه عىل كل‬ ‫العرب واملسلمني يف العامل‪ .‬وليك أكون واض ًحا يف إصابة‬ ‫الهدف من املقال أطرح املثال التايل‪ :‬حينام أعمم الجهل‬ ‫‪5‬‬


‫ال تصوموا ِمثل املسلمني‬ ‫والتخلف وسوء صيام العرب واملسلمني بشكلٍ عام‪ ،‬فإنني أقصد بأن ذلك الجهل والتخلف وسوء الصيام موجو ٌد لدى نسب ٍة‬ ‫ال يستهان بها من بني الشعوب العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بترصفات سيئ ٍة ومسيئ ٍة ورث ّة‪ ،‬فهذا يكفي ليك نتكلم عن‬ ‫مثل بني ‪ 10‬و‪ 60‬باملائة تقوم‬ ‫فإذا كانت نسب ٌة من السكان ترتاوح ً‬ ‫أيضا وبنفس‬ ‫الجهل والتخلف وسوء صيام املسلمني كظاهر ٍة عام ٍة مجتمعي ٍة تعاين منها مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‪ ،‬ولكن ً‬ ‫الوقت ال تعني هذه العبارة أن كل العرب واملسلمني متخلفني‪ ،‬فهناك من بينهم من يرفض الترصفات املسيئة‪ ،‬وهناك من‬ ‫بينهم امللحدون‪ ،‬وهناك من بينهم من ال يزال يبحث عن الحقيقة‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪7‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬

‫حمدي الراشدي‬

‫منذ فرت ٍة قصرية‪ ،‬تك ّونت حرك ٌة يف أمريكا قامت بوضع‬ ‫االدعاء القديم عن الخلق بصور ٍة جديد ٍة لتسويقه تحت‬ ‫راية العلم‪.‬‬ ‫وهذه الحركة ت ّدعي أن الكثري من الظواهر الطبيعية تبدو‬ ‫وكأنها جرى تصميمها من ِقبل «عقلٍ ذيكّ»‪ ،‬وتنفي أن يكون‬ ‫سبب نشوئها سلسل ًة طويل ًة من عمليات التطور‪.‬‬ ‫وهذا الطرح يُس َّوق تحت اسم نظرية «التصميم الذيك»‬ ‫‪ ،Intelligent Design‬ويناضل أتباعها إلدخالها يف املناهج الدراسية‪،‬‬ ‫بالرغم من أن األغلبية املطلقة لعلامء البيولوجيا ال يعرتفون بهذا‬ ‫الطرح‪ ،‬وبالرغم من أن املؤسسات العلمية تؤكد باإلجامع عدم‬ ‫علمية هذا الطرح‪ .‬فام هي حيثيات املوضوع؟‬ ‫‪8‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫الغالبية تتفق عىل أن الكائنات الحية أكرث تعقي ًدا من‬ ‫غريها‪ ،‬فحبة الكستناء أكرث تعقي ًدا من الحجر‪ ،‬وإذا‬ ‫وضعناهام يف الرتاب‪ ،‬فإن الكستناء وحدها هي التي‬ ‫ستطرأ عليها تغيرياتٌ بنيوية‪ .‬ويف بطن الكستناء توجد‬ ‫شبك ٌة معقد ٌة من الخاليا واألحامض األمينية تجعل الحبة‬ ‫تنمو وتتحول إىل شجرة‪.‬‬ ‫ووصف تشارلز داروين ألول مر ٍة قواعد التطور يف القرن‬ ‫التاسع عرش‪ ،‬وقام َمن تبعه من العلامء ببناء وتشذيب‬ ‫النظرية األصلية باملعرفة األحدث التي توصلوا إليها‪ ،‬مبا يف ذلك من خالل معطيات علم الوراثة‪ .‬وباختصارٍ‪ ،‬تقول نظرية‬ ‫مناسب ًة هم‬ ‫التطور إن التنوع الجيني بني األفراد‪ ،‬بالرتابط مع الرصاع عىل الطعام‪ ،‬يؤدي إىل أن األفراد ذوي البنية األكرث َ‬ ‫وأيضا الفرصة إلنجاب أطفا ٍل أكرث‪ .‬ولهذا السبب ستسود جيناتهم مع الزمن‪ ،‬وهذا‬ ‫الذين سيتاح لهم الحياة لفرت ٍة أطول‪ً ،‬‬ ‫األمر يتفق أغلب العلامء‪.‬‬ ‫وبعض األوساط‪ ،‬مبا يف ذلك يف أمريكا‪ ،‬تدعي أن التطور ال ميكنه تفسري كل يش ٍء يف مجال البيولوجيا‪ .‬وهم يعرتفون بأن‬ ‫هناك شيئًا من التطور الطبيعي يحدث‪ ،‬وأنه قد أدى إىل منو الكستناء‪ ،‬ولكنهم يشريون إىل أن بعض الظواهر البيولوجية‬ ‫اكم متدر ٍج يف عملية تطور‪.‬‬ ‫من التعقيد مبكان يف بنيتها الداخلية لدرجة أنه من املستحيل أن تكون نتيجة تر ٍ‬ ‫واالستنتاج الوحيد‪ ،‬حسب أتباع هذه النظرية‪ ،‬أنه ال بد أن يكون قد جرى تصميمهم متا ًما كام هم اآلن ونشأوا جاهزين‬ ‫يف شكلهم النهايئ وبالتايل فهناك مصم ٌم ذيكٌّ يجب أخذه يف االعتبار‪ ،‬وهنا تنتهي قدرتهم عىل التعبري يف تعريف ماذا‬ ‫يعنون بتعبري «املصمم الذيك» ‪ Intelligent Designer‬وتنتهي حتى وحدتهم حول هذا املفهوم‪.‬‬ ‫اسم لهذا املصمم املحتمل أو ما يعنيه‪ ،‬وبالتايل يرتكون الباب‬ ‫وإن األفراد الذين يدافعون عن هذا الطرح ال يشريون إىل ٍ‬ ‫مفتو ًحا لكل فر ٍد أن يتصور ما يناسبه وما يناسب قناعاته‪ ،‬وعىل األغلب هذا بالذات هو ما يسعون إليه وما يكفيهم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات قادم ٍة من أكوانٍ أخرى‪ ،‬إىل مختلف أنواع اآللهة املتداولة‬ ‫ومن املمكن أن يكون املقصود مختلف املصادر‪ ،‬من‬ ‫يف القناعات الدينية السائدة‪ ،‬وكل امرئٍ يستطيع إطالق العنان لتخيالته الخاصة‪ ،‬ولذلك نجد أن أغلبية العلامء ال‬ ‫يستطيعون أخذهم بج ّدية‪.‬‬ ‫ولكن ملاذا ال ميكن قبول مثل هذه االحتامالت التي يقدمونها؟‬ ‫علمي ال يستحق االهتامم؟‬ ‫وملاذا يعتربها العلامء تفك ًريا غري ٍّ‬ ‫‪9‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫إن إحدى األعمدة الرئيسية يف هذه النظرية هو مفهوم «التعقيد غري القابل‬ ‫لالختزال» ‪ .Irreducible Complexity‬وهذا املفهوم ابتدعه أحد أشهر أتباع‬ ‫هذه النظرية البيوكيميايئ األمرييك مايكل بيهي ‪ ،Michael Behe‬الذي يوضح‬ ‫هذا املفهوم بكون بعض الظواهر البيولوجية من التعقيد مبكانٍ لدرجة أنهم‬ ‫يؤدون وظائفهم فقط عند وجود مجموع ٍة أخرى من األجزاء‪ ،‬موجود ٍة بحال ٍة‬ ‫وظيفي ٍة كاملة‪ ،‬ويشري إىل أنه ال ميكن تصور وجود مرحل ٍة انتقالي ٍة وسطي ٍة قابل ٍة‬ ‫للحياة تسمح بالتطور من حال ٍة بسيط ٍة إىل الحالة املعقدة‪.‬‬

‫مايكل بيهي‬

‫واعتام ًدا عىل هذه املقدمة‪ ،‬ال بد أن يكون االستنتاج الوحيد املمكن هو أن يكون هناك من صممها يف حالتها الجاهزة‪،‬‬ ‫وقام برتكيبها عىل الفور يف الحالة املعقدة‪ .‬ومن األمثلة عىل هذه الظواهر املعقدة غري القابلة لالختزال يُقّدم لنا الـ (دي‬ ‫إن إيه)‪ ،‬ونظام املناعة‪.‬‬ ‫ومن املثري أن تشارلز داروين قد تنبأ بهذا النوع بالذات من النقد يف كتاب «أصل األنواع» حيث كتب‪:‬‬ ‫«إذا كان هناك من يستطيع أن يربهن عىل وجود عض ٍو ٍ‬ ‫حي‪ ،‬ال ميكنه أن يظهر من خالل مراحل‬ ‫معقد من أعضاء كائنٍ ّ‬ ‫متعدد ٍة ومتتابع ٍة لتغيري ٍ‬ ‫ات صغرية‪ ،‬فسيؤدي ذلك إىل انهيار النظرية الكامل»‪.‬‬ ‫غري أنه كان يقصد أن مثل هذا «العضو» غري موجو ٍد ومن غري املمكن وجوده‪.‬‬ ‫ومفهوم «التعقيد غري القابل لالختزال» قام العلامء‬ ‫بدحضه بعدة حج ٍج‪ ،‬ومنها أن الحالة االنتقالية التي‬ ‫يعتقد مايكل بيهي أنها مستحيل ٌة بدون الوجود‬ ‫املسبق للنظام املعقد‪ ،‬ال تتطلب بالرضورة أن يكون‬ ‫العضو املعني به ربع أو نصف مكوناته الحالية‪ ،‬ولكن‬ ‫باإلمكان أن تكون أقسا ٌم من أجزائه داخل ًة يف تركيب‬ ‫أجزا ٍء أخرى لها وظائف بيولوجي ٌة أخرى‪.‬‬ ‫من أكرث األمثلة ورو ًدا يف حجج منارصي فكرة التعقيد غري القابل للتنقيص‬ ‫(االختزال) اإلشارة إىل السوط الذي تستعمله بعض البكترييا يف الحركة‪ ،‬والذي‬ ‫كان محور املحاكمة التي خرسوها‪ ،‬والتي جرت يف مدينة دوڤر األمريكية يف‬ ‫والية پنسلفينيا عام ‪.2005‬‬

‫‪10‬‬

‫والبيولوجيا تقدم لنا عرشات األمثلة عىل مثل هذه‬ ‫الحالة الديناميكية‪.‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫وكنموذج عىل مثل هذه التحوالت‪ ،‬ميكن ِذكر ‪Krebs‬‬ ‫‪( Cycle‬حلقة كريبس)‪ ،‬والتي هي عبار ٌة عن تفاعلٍ‬ ‫كيميا ٍّيئ باالرتباط مع التبادل الغذايئ‪ .‬والربوتينات‬ ‫الداخلة يف هذا التفاعل ظهر أن لها وظائف أخرى‬ ‫أيضا‪ ،‬بالرغم من أنها ليست وظائفها الرئيسية‪ ،‬مام‬ ‫ً‬ ‫يشري إىل إمكانية نشوء وظائف ثانوي ٍة وإمكانية تحولها‬ ‫أيضا يف‬ ‫إىل وظائف رئيسية‪ ،‬وهذا األمر نراه بوضو ٍح ً‬ ‫مورفولوجيا نشوء السمع عند ظهور الحيوانات الربية‪،‬‬ ‫أسباب أخرى ملربرات نشوء األعضاء املعقدة غري الظاهرة لنا اليوم‪.‬‬ ‫وبالتايل ال ميكن استبعاد وجود‬ ‫ٍ‬

‫املعضلة مع نظرية املصمم الذيك‬ ‫ينقسم النقد املوجه إىل نظرية التصميم الذيك إىل نوعني هام‪:‬‬ ‫‪ -1‬رفض حجج النظرية من خالل الوقائع واملعطيات التي تربهن عىل عدم صحتها‪،‬‬ ‫‪ -2‬أو من خالل اإلشارة إىل أنها بذاتها نظري ٌة قامئ ٌة عىل ٍ‬ ‫أسس غري علمية‪ ،‬وبالتايل ال ميكنها بحا ٍل من األحوال الوصول‬ ‫ٍ‬ ‫معطيات قادر ٍة عىل أن تحل محل أي نظري ٍة علمي ٍة عىل اإلطالق‪،‬‬ ‫إىل‬ ‫غري أن كال الطريقني لديهام نواقصهام‪.‬‬ ‫مثل الربهنة عىل وجود مراحل تطوري ٍة انتقالي ٍة‬ ‫وعندما يقوم العلامء بالربهنة عىل عدم صحة حجج أتباع هذه النظرية‪ً ،‬‬ ‫للظاهرة املعقدة‪ ،‬يكونوا عمل ًّيا قد تعاملوا مع النظرية كام يتعاملون مع النظريات العلمية‪.‬‬ ‫ونحن نعلم أن استخدام املعطيات العلمية للربهنة عىل عدم صحة «فرضية» من الفرضيات ال يعني أن الفرضية بذاتها‬ ‫غري علمية‪ ،‬بل عىل العكس‪ .‬وحسب الضوابط الكالسيكية ملنهج البحث العلمي‪ ،‬فإنه من الرضوري للنظرية حتى تكون‬ ‫علمي ًة أن تكون دامئًا يف وضعٍ يسمح بنقدها بهدف الربهنة عىل عدم صحتها‪ .‬لذلك فإن فرضي ًة خاطئ ًة ميكن أن تكون‬ ‫ممتلئ بالفرضيات الفاشلة‪.‬‬ ‫علمي ًة‪ ،‬فتاريخ العلم‬ ‫ٌ‬ ‫وإذا اختار العلامء أن يرفضوا النظرية لكونها ت ُق َّدم بضوابط غري علمية‪ ،‬فال يعني ذلك أوتوماتيك ًّيا أن مضمونها خاطئ‪.‬‬ ‫علمي ال يعني أنه ٌ‬ ‫قول قد وضع املحتوى تحت االختبار وبرهن عىل عدم‬ ‫والقول بأن الفرضية مطروح ٌة بشكلٍ غري‬ ‫ٍّ‬ ‫صحته‪ ،‬بالرغم من أن هذا بذاته ال يعني بالرضورة أن املحتوى صحيح‪ ،‬كام أن من املمكن متا ًما أن تكون هناك حقائق‬ ‫خارج نطاق كوننا الخاص‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫وبفضل اإلنجازات الهائلة‪ ،‬متكّن العلم اليوم من فرض احرتامه يف وعي املاليني‪ ،‬لذلك فإن مساعي أتباع نظرية املصمم‬ ‫الذيك لالعرتاف بنظريتهم عىل أنها علمي ٌة يكمن سببه يف الرغبة لتقاسم مكاسب العلم من االحرتام واستغالل ذلك لتربير‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعات جديدة‪ ،‬أكرث من كونه بسبب أنهم متكنوا من الربهنة عىل يش ٍء ما عىل اإلطالق أو أنهم قد ّموا‬ ‫التغلغل إىل‬ ‫للعلم خدم ًة فعلي ًة‪.‬‬

‫التعارض بني النظرية والعلم‬ ‫إذا اعتربنا أن النموذج املق َّدم عىل أنه «التعقيد غري‬ ‫القابل لالختزال» غري صحي ٍح‪ ،‬فهذا يجعل نظرية‬ ‫املصمم الذيك خاطئ ًة‪ ،‬ولكن ال يجعلها بالرضورة‬ ‫غري علمية‪ .‬فام هو املطلوب من أجل إطالق صفة‬ ‫الالعلمية عىل نظري ٍة ما؟‬

‫بالدخول عليك‬ ‫حظى‬ ‫حتى ت جل مشاهداتك‪،‬‬ ‫أولً أن تس‬ ‫يتك وتستخرج‬ ‫ثم تصوغ فرض‬ ‫صها وبعدها أن‬ ‫ها تنبؤات تفح‬ ‫من‬ ‫ملراجعة نتائجك‬ ‫تدعو نظرائك‬

‫رصح علمي‬

‫وماذا لو‬ ‫و‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫لك‬ ‫رضبة إل‬ ‫م هية بد ًل‬ ‫ن ذلك؟‬

‫التصميم‬ ‫الذيك‬

‫ثابت للعلوم الطبيعية‪.‬‬ ‫يف الحقيقة ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫تعريف ٌ‬ ‫والبحث العلمي عاد ًة معق ٌد وتتداخل فيه مختلف العلوم‪ ،‬ولذلك فمضمون العلم اختلف من زمنٍ إىل آخر ومن ٍ‬ ‫شخص‬ ‫إىل آخر‪ .‬ومع ذلك فقد جرى استخدام العديد من املعايري‪ .‬إحداها هو مبدأ أن املفهوم العلمي يجب أن يكون باإلمكان‬ ‫الربهنة عليه‪ ،‬وتجربته ونقده‪.‬‬ ‫وهذا املبدأ من الصعب عىل الكثري من النظريات مراعاته مبا يف ذلك أجزا ٌء من نظرية التطور‪ ،‬ومع ذلك فهي قاعد ٌة‬ ‫يتفق عليها من حيث املبدأ أغلب العلامء‪.‬‬ ‫وإحدى القواعد األخرى أن العلوم الطبيعية ال بد أن تكون توضيحاتها عىل اإلطالق ذات جذو ٍر طبيعي ٍة قامئ ٍة عىل عالق ٍة‬ ‫واضح ٍة بني الفعل والسبب‪ .‬غري أن مثل هذه القاعدة تحتاج إىل توضيح املعنى لتعبري «طبيعي»‪ .‬واليوم نعلم أن يف‬ ‫مجال فيزياء الكم يظهر وكأن امليكانيكا التي تتحكم بجزيئات الذرة ليست عىل الدوام لها مع ًنى مرتاب ٌط مع الفعل‬ ‫والسبب‪.‬‬ ‫أيضا إىل مبدأ «القدرة عىل التحكم»‪ ،‬عىل األقل نظريًّا‪ ،‬باعتباره إحدى الصفات األخرى لعلمية الفرضية‪.‬‬ ‫وميكن اإلشارة ً‬ ‫وهذا األمر يعني أن الفرضية واضح ٌة ومحدد ٌة مبا يكفي للقيام بتجربتها أو مالحظتها‪ .‬وأخ ًريا «مبدأ احتامل الخطأ‬ ‫الضمني»‪ ،‬إذ أنه غال ًبا ما يقال إن استنتاجات العلوم الطبيعية ليست نهائي ًة وإمنا دامئًا يُف َرتض احتامل وجود الخطأ‬ ‫فيها‪ ،‬إذ أن قاعدة البحث العلمي تقوم عىل البحث املستمر عن الحقيقة من خالل الشك املستمر باملعطيات‪ ،‬وليس‬ ‫من خالل االدعاء أنه جرى اكتشاف الحقيقة‪.‬‬ ‫‪12‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫وبالرغم من عدم وجود تعاريف ثابت ٍة للعلم الطبيعي‪ ،‬إال أنه يسود اتفاق‬ ‫(الجنتلامن) عىل القواعد املذكورة أعاله‪.‬‬ ‫ونظرية املصمم الذيك ال تتطابق مع أغلب القواعد أعاله للحصول عىل صفة‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫فمثل‪ ،‬يشار إىل أن نظرية «املصمم الذيك» قد وضعت مسبقًا الهدف من سعيها‬ ‫ً‬ ‫وهو البحث عن براهني علمي ٍة إلميانها الديني‪ ،‬وبالتايل فقد وضعت االستنتاج‬ ‫وتبحث له عن فرضي ٍة مناسب ٍة تقود إليه بكل األحوال‪.‬‬ ‫ولهذا السبب من السهل فهم الشك الواسع الذي يحيط باستنتاجاتهم املوجهة‬ ‫لتتطابق مع متنياتهم‪ ،‬بالرغم من أنها ال تصمد للنقد أو تتطابق مع سري التفكري‬ ‫املنطقي‪.‬‬ ‫واملبدأ الرئييس الذي يتمسك به العلم أن األبحاث العلمية يجب أن تكون بعيد ًة‬ ‫عن املعتقدات والقيم املسبقة‪ ،‬وأن تُرتك للنتائج وحدها تقرير االستنتاجات‬ ‫بغض النظر عام إذا كانت تتطابق مع قيم الباحث املسبقة أم ال‪.‬‬ ‫وهناك مجموع ٌة كبري ٌة من النواقص األخرى التي تعاين منها هذه النظرية‪ ،‬فإنها‬ ‫ال تق ّدم أي فرضي ٍة أو مقول ٍة علمي ٍة ميكن الربهنة عليها أو تجربتها‪،‬‬ ‫كام أنهم ال يق ّدمون أي ردو ٍد عىل الرباهني التي تُق َّدم لهم ويتابعون استخدام‬ ‫حججهم القدمية بدون مراعاة الردود أو التعبري عن وجهة نظرهم بشأنها‪ ،‬وأنه‬ ‫يظهر وكأن النقد املوجه إليهم ال يعنيهم عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫مصمم‬ ‫وإحدى أهم االعرتاضات عليهم أن ما يقدمونه من استنتاج عن وجود‬ ‫ٍ‬ ‫استنتاج نها ٌّيئ ومؤك ٌد ليس خاض ًعا‬ ‫قابل للنقاش‪ ،‬وإمنا‬ ‫ذيكٍّ ليس فرضي ًة أو اقرتا ًحا ً‬ ‫ٌ‬ ‫إلعادة النظر أو االعرتاض‪ ،‬وهذا يتعارض مع كافة القواعد العلمية ويعيد‬ ‫الوصاية الدينية‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫النظرية العلمية يجب أن تخضع لقوانني الطبيعة‬ ‫املشكلة الرئيسية يف نظرية املصمم الذيك أنها تحيلنا إىل استنتا ٍج‬ ‫خارقٍ فوق طبيعي‪ .‬والعلوم الطبيعية تصف املبادئ التي يقوم عليها‬ ‫العامل باعتبارها نتيجة قوانني املادة‪ .‬ولهذا السبب فإن أي نظري ٍة‬ ‫تشري إىل أن األسباب خارج قوانني الطبيعة ال ميكنها أن تكون عائد ًة‬ ‫للعلوم الطبيعية‪ .‬والظواهر البيولوجية لها دامئًا تفسرياتٌ طبيعي ٌة‬ ‫ويجب أن تتبع مبدأ أن كل يش ٍء مرتاب ٌط مع بعضه يف سلسل ٍة من‬ ‫األسباب ورد الفعل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ضعف أخرى‪ ،‬هي أن «املصمم»‬ ‫ونظرية املصمم الذيك متلك نقطة‬ ‫امل َّد َعى ال ميكن أن منلك عنه أي تصو ٍر أو برهانٍ أو حتى قدر ٍة عىل‬ ‫الربهنة عليه‪ .‬مبع ًنى آخر‪ ،‬ال ميكن السيطرة عىل هذه النظرية‪.‬‬ ‫ويف الكتاب الشهري «ملاذا فشل التصميم الذيك» ‪ Why Intelligent Design Fails‬الذي صدر عام ‪ 2006‬نجد املالحظة‬ ‫ٍ‬ ‫مصطلحات خاص ًة بهم وتعاريف ضعيف ًة وفضفاض ًة من أجل إخفاء‬ ‫التالية‪« :‬رجال العلوم املزورة يستخدمون عاد ًة‬ ‫انعدام وجود مضمونٍ منطقي»‪ .‬وهذا األمر ال نجده فقط عند أتباع نظرية املصمم الذيك‪ ،‬بل عند أغلب من يحاول‬ ‫إضفاء العلمية عىل النصوص الدينية‪ ،‬مبن فيهم أتباع اإلعجازات العلمية ‪.‬‬

‫املحكمة تحكم بالعلمية نظرية املصمم الذيك‬ ‫يف إحدى املدارس األمريكية‪ ،‬يف مدينة دوڤر ‪Dover‬‬ ‫بوالية بنسيلفانيا‪ ،‬قررت إدارة املدرسة عام ‪ 2004‬أنه‬ ‫بديل عن نظرية‬ ‫س ُيع َرض عىل طلبة البيولوجيا خيا ٌر ٌ‬ ‫التطور هو نظرية املصمم الذيك‪ .‬وهذا القرار أدى إىل‬ ‫اعرتاض سبع ٍة من أولياء أمور الطالب‪ ،‬ونظروا إىل األمر‬ ‫عىل أنه محاول ٌة لتسلل التعليم الديني وهو أم ٌر يتعارض‬ ‫مع الدستور‪ ،‬لذلك تم رفع األمر إىل املحكمة‪ .‬وكانت‬ ‫هذه هي املرة األوىل التي تقرر فيه املحكمة مدى علمية‬ ‫النظرية‪ ،‬مام خلق اهتام ًما كب ًريا‪.‬‬

‫رسم يوضح املحاكمة يف مدينة دوڤر‬

‫‪14‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫ويف عام ‪ 2005‬أعلن القايض جون جونز الثالث يف املحكمة الفيدرالية املحلية ملدينة هاريسبورغ حكمه الذي تضمنته‬ ‫بديل أو‬ ‫‪ 139‬صفح ًة من الدراسات والشهود والرباهني‪ ،‬أن نظرية التصميم الذيك نظري ٌة غري علمي ٍة وال يجوز تدريسها ً‬ ‫يف حصة البيولوجيا وأن إدارة املدرسة خرقت الدستور األمرييك لفرضها تعليم النظرية‪.‬‬ ‫ديني يختفي تحت عباءة النظرية العلمية»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫وأيضا‬ ‫وأطلقت املحكمة عىل النظرية تسمية «قصة الخلق»‪ً ،‬‬ ‫«بديل ٌّ‬ ‫والعديد من املؤسسات العلمية أيدت املحكمة يف حكمها‪ ،‬ومنها األكادميية الوطنية العلمية التي كان قد وافق الطرفان‬ ‫عىل تحكيمها واعتبارها أفضل املراجع العلمية يف البالد‪.‬‬ ‫وقرار املحكمة تضمن ثالث حج ٍج رئيسي ٍة عىل عدم علمية النظرية‪:‬‬ ‫أولً ‪ :‬نظرية التصميم الذيك تخرق القاعدة املعمول فيها يف البالد منذ أكرث من مائة سنة‪ ،‬والتي تعارض اإلشارة إىل القوى‬ ‫خارج الطبيعة لتفسري الظواهر الطبيعية‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬مصطلح «التعقيد غري القابل لالختزال» يستخدم نفس الحجج التي استخدمتها نظرية «الخلق» القدمية والتي‬ ‫كانت عىل اإلطالق وعل ًنا ذات روابط ديني ٍة وحاولت ربط الدين بالعلم‪.‬‬ ‫وتفصيل‬ ‫ً‬ ‫ثالثًا‪ :‬طعن نظرية التصميم الذيك بنظرية التطور ال تتفق معه كافة املؤسسات العلمية وجرى رفضه جمل ًة‬ ‫عىل أنه بدون أساس‪.‬‬ ‫وقرار املحكمة التفصييل والقائم عىل شهادات العلامء ودراسات املعاهد العلمية أدى إىل ردود فعلٍ إيجابي ٍة يف الكثري‬ ‫من املدارس األمريكية‪ .‬ويف املدرسة املعنية سقطت اإلدارة القدمية يف االنتخابات عام ‪.2005‬‬

‫التوضيحات الخارقة ال توضح أي يشء‬ ‫وإحدى أهم االعرتاضات عىل نظرية التصميم الذيك تتعلق مبفهوم «االحتامالت»‪ .‬فالنظرية تدعي أن بعض العالقات يف‬ ‫العامل البيولوجي من التعقيد مبكانٍ لدرجة أن احتامل ظهورها بنتائج عملي ٍة بيولوجي ٍة مرتاكم ٍة يقرتب من الصفر‪.‬‬ ‫ولكن هل ميكن القبول بالقول أن احتامل حصول ظاهر ٍة خارق ٍة وغري طبيعي ٍة أكرب من احتامل حصول عملي ٍة طبيعي ٍة‬ ‫مهام كان االحتامل صغ ًريا؟ ما هي قوة الحجة التي ترفض تفسري ظاهر ٍة طبيعي ٍة باحتام ٍل صغريٍ للغاية وتق ّدم تفس ًريا‬ ‫بديل احتامله أصغر‪ ،‬كام تفعل نظرية املصمم الذيك؟‬ ‫ً‬ ‫‪15‬‬


‫نظرية املصمم الذيك‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫ٍ‬ ‫مساحات ما زالت نظرية التطور ال تستطيع توضيحها‪ ،‬ال ميكن أن يكون سب ًبا‬ ‫وإن أغلب البيولوجيني يعتربون أن وجود‬ ‫لتب ّني تفسريٍ يقوم عىل وجود إله‪ .‬وإنهم يشريون إىل أنه ال يجوز استخدام مرهم «الله» ملعالجة ثغرات معرفتنا‪ ،‬متا ًما‬ ‫كام كان يفعل اإلنسان القديم الذي التجأ إىل اخرتاع األشباح واألرواح واآللهة لتغطية جهله‪ .‬وإذا كنا سنقوم باستخدام‬ ‫مرهم الله لتغطية الثغرات املعرفية‪ ،‬ماذا سنفعل بهذا الله بعد أن نكتشف السبب الحقيقي؟‬ ‫ٍ‬ ‫مسافات هائل ٍة عىل قاعدة قواعد البحث العلمي الكالسييك التي ال يوجد فيها مكا ٌن لله‪،‬‬ ‫إن اإلنسان متكّن من قطع‬ ‫حقيقي عىل طول العصور‪ ،‬فلامذا علينا اآلن أن نتخىل عن قواعدنا لصالح‬ ‫مكسب‬ ‫ونظريات الخلق مل تقدم لإلنسانية أي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫القديم الذي كان لديه الكثري من الزمن للربهنة عىل صالحياته‪ ،‬وملاذا علينا أن نعتقد أن قواعد العلم الكالسيكية مل تعد‬ ‫قادر ًة عىل تقديم املزيد من االكتشافات؟‬ ‫ومن الرضوري اإلشارة إىل أن نظرية املصمم الذيك ليست النظرية الوحيدة التي تحاول أن تتوشح بوشاح العلمية‬ ‫ٌ‬ ‫معروف تحت اسم ‪Homeopathy‬‬ ‫للحصول عىل مكاسب خاصة‪ ،‬بل يوجد العديد من النظريات املامثلة ومنها‪ ،‬ما هو‬ ‫سليم بإفرازها ملعالجة عوارض مشابه ٍة للعوارض‬ ‫وهؤالء يقومون مبعالجة املريض مبواد طبيعي ٍة كالتي يقوم جسم إنسانٍ ٍ‬ ‫املرغوب معالجتها عند املريض املعني‪.‬‬ ‫مركب واح ٌد يتشابه مع املادة الفعالة‬ ‫واملثري مع هذا العالج أن اإلكسري املقدم يضاف إليه املاء إىل درجة أنه ال يبقى‬ ‫ٌ‬ ‫األصلية‪ .‬غري أن أتباع هذه الطريقة يرصون عىل أن الفعالية يبقى اإلكسري «متذكّرها» وتزداد قو ًة من خليط املاء‬ ‫والكحول عىل شكل بصمة إصبع‪ ،‬ولكن ال ميكن تفسريه‪ .‬ومع ذلك تجد لها أتبا ًعا‪.‬‬ ‫ونظري ٌة أخرى تربط نفسها بعلم الفلك حيث ت ّدعي أن حركة‬ ‫الكواكب والشموس تؤثر مبارش ًة عىل مصرينا‪ .‬وهذا التأثري ميكن‬ ‫كشفه وقراءته إذا كنا نعلم يوم الوالدة ومكانها‪.‬‬ ‫واملنجمون بعلم األفالك يقارنون مكان النجوم املتحركة عىل خلفية‬ ‫النجوم غري املتحركة ويقسمونها إىل اثنى عرش رم ًزا‪ .‬والشمس‬ ‫ُعتب أنها تؤثر‬ ‫عتبان كالكواكب‪ ،‬وحتى أسامء الكواكب ت َ‬ ‫والقمر يُ َ‬ ‫عىل مصرينا‪ .‬وقراءة النجوم تجري منذ عصو ٍر ولكن يف الفرتة األخرية‬ ‫جرى اكتشاف كواكب جديدة‪ .‬وهذه املشكلة يحلها قُ ّراء النجوم‬ ‫من خالل االدعاء أن النجوم تؤثر علينا من لحظة اكتشافها‪.‬‬ ‫‪16‬‬


17


‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫‪Enki‬‬

‫وصلنا إىل نهاية رحلتنا مع كتاب إنيك‬ ‫املعنون «اإللحاد» والذي تم نرشه عام‬ ‫‪ 2008‬كتجميعٍ ملنشورات قام إنيك بكتابتها‬ ‫ُقدم لكم‬ ‫يف منتدى شبكة امللحدين العرب‪ .‬ن ّ‬ ‫اآلن الجزء األخري منه‪ .‬ويحتوي هذا الجزء‬ ‫ٍ‬ ‫مقاالت متفرق ًة تقابل الفصول من‬ ‫عىل‬ ‫السابع عرش إىل التاسع عرش‪ ،‬وعناوينها‬ ‫تبا ًعا هي‪:‬‬ ‫‪ -17‬حتى يف املطاعم تدل البعرة عىل‬ ‫البعري!!!‬ ‫رشا‬ ‫‪ -18‬هل ميكن أن يكون النبي ب ً‬ ‫سويًا؟‬ ‫صحفي مع الله‪.‬‬ ‫‪ -19‬لقا ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫‪18‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪ -17‬حتى يف املطاعم تدل البعرة عىل البعري!!!‬

‫كنت قبل مد ٍة يف زيار ٍة إلحدى الجامعات وقررت بعد ذلك دخول أحد املطاعم وألين فضو ٌّيل بطبعي مل أستطع أن أمنع‬ ‫نفيس من التحديق يف ثالث ٍة من الشبان جلسوا أمامي وبـدأ علـى هيئتهم أنهم من طلبة الجامعة‪ ،‬ليس هناك موضو ٌع‬ ‫يتكلم فيه من هو يف املرحلة األوىل أكرث من الدين رمبا العتقاد الشاب الرشقي أن الفتاة ال تلتفت إال ملن يعـرف الـدين‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت ديني ٍة رنانة! املهم أنني مل أسمع ما قالوه ولكن يبدو أن‬ ‫ويخـاف الله فيسعى للفت انتباهها عن طريق بضع‬ ‫أحدهم كان يلعب دور العالِم بالـدين بينمـا اآلخـرون معارضون أو هكذا بدا األمر يل‪ ،‬قال متكلمهم‪( :‬إن املعجزات‬ ‫تأيت مبثل ما اشتهر به الناس يف ذاك الزمن)‪.‬‬

‫هذا ما سمعته وما اعتدنا أن نسمعه من علامء املسلمني حينام نـسألهم عـن سـر اخـتالف األعاجيب التي جاء بها‬ ‫األنبياء! وللحال غرقت يف التفكري ومل أكن أعرف ما قالـه الـشباب بعد ذلك فقد كان صوتهم خافتًا بعكس (كبريهم)‬ ‫ذو نربة الصوت العالية! «إن املعجزات تأيت مبثل ما اشتهر به الناس يف ذاك الزمن»‪ ،‬هناك تربي ٌر جي ٌد ت ُربر به موقفًا ما‬ ‫شخص مبحرض الدفاع عنـه كمـا يفعـل املحامون يف قاعات املحاكم وهناك من تكون حجته إذا نظرت‬ ‫ً‬ ‫وعمل يقوم به ٌ‬ ‫إليها بالزاوية الصحيحة حج ًة عليه بدل أن تكون حج ًة له‪.‬‬ ‫قوم ما من هو أعلم منهم‬ ‫إذن األنبياء تكون معجزاتهم من جنس ما اشتهر به الناس! ولكنه ال مينع أن يكون يف ٍ‬ ‫بتلك الصنعة مادامت املعجزة واألعجوبة من جنس ما اشتهروا به واعتادوا عىل صناعته‪ ،‬فالناس يف زمننا مشهورون‬ ‫بالصناعات مثل صناعة الكومبيـوتر واملعالجـات الدقيقة فهل ميتنع أن تُعجز رشك ٌة ما باقي املنافسني فيام تطرحه من‬ ‫إنتا ٍج وصناعة؟ فلـيكن إن إحدى رشكات صناعة‬ ‫السيارات صنعت سيار ًة وتح ّدت كل الـرشكات أن‬ ‫تـصنع مثلهـا فعجزوا بأجمعهم‪ ،‬أو ناسا أرسلت‬ ‫رشا إىل املريخ وتح ّدت العامل كله أن يحـذوا‬ ‫ب ً‬ ‫حذوها فعجزوا‪ ،‬أليس هذا هو من جنس ما‬ ‫اعتدنا سامعه من أخبـا ٍر تـصدر عـن املعامـل‬ ‫العمالقة يف هذا العهد الصناعي الكبري؟ فعندما‬ ‫يكون الفعل من جنس ما اعتاد النـاس عليـه فأي‬ ‫حج ٍة وأي إعجا ٍز وأي خرقٍ للأملوف يكون فيام‬ ‫جاء به األنبياء؟؟ وقد كان النـاس ‪ -‬بحسب من‬ ‫يقول‪ -‬أيام فرعون وموىس مشهورين بالسحر فهل ميتنع أن يكون هنـاك سـاح ٌر منهم يكون أعلمهم بفنون الصنعة‬ ‫وخفاياها؟ وقد كان سحرة فرعون قادرين عىل قلب الحبال والعيص إىل ٍ‬ ‫حيات فهل ميتنع أن يكون فيهم من هو قاد ٌر‬ ‫عىل ذلك مع زياد ٍة يف أن تكون حيتـه قادر ًة عىل ابتالع حيات اآلخرين؟ إن ما أىت به موىس ال يعدو أن يكون زياد ًة عام‬ ‫‪19‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫يـستطيع أن يأيت به سواه‪ ،‬فغريه قدر عىل قلب العصا أف ًعى‪ ،‬وموىس زاد عىل ذلك بأن ابتلعت أفعاه أفـاعي اآلخرين‬ ‫ٍ‬ ‫محمد أهل بالغ ٍة وشع ٍر وقريح ٍة‬ ‫فأين اإلعجاز الخارق للعادة والطبيعة يف مثل هذه الحوادث؟ وقد كان العرب أيـام‬ ‫تقطر كال ًما عذبًا ال يزال يُنشَ د يف املحارض ويُقتبس منه يف املحافل فهل ميتنع أن يكون هناك من هو أعلم منهم بهذه‬ ‫بكتاب فيه من لطيـف العبارة وجامل السبك ما تطرب له النفوس؟؟ وما املستغرب إذا كان الفعل مـن‬ ‫الصنعة فيأيت‬ ‫ٍ‬ ‫جـنس مـا اشتهر الناس به؟ حقًا هذا هو العجب العجاب! ثم ما هو الهدف من املعجزات عىل أي حال؟ أنت تأيت وتقول‬ ‫يل أنـا رسـول الله إليـك فأسألك ما هو دليلك أقصد أين اإلثبات عىل صدق كالمك؟ فعندها متـد يـدك فـي جيبـك‬ ‫حق ال يقبل الغلط والباطل! تخيل‬ ‫وتخرجها بيضاء من غري سوء! وهنا وجب أن نصدق أنك رسول الله وأن كالمك كله ٌ‬ ‫رجل يذهب إىل املحكمة فيدعي أنه ميتلك بستانًا ما فيسأله القايض ما دليلك علـى ما ادعيت؟ وبدل أن يخرج‬ ‫معي ً‬ ‫صك متلك أو شهود إذا به ميد يده يف جيبه ويخرجها بيـضاء أو يرمي عصاه فتنقلب حي ًة أو يلقي عليك ِشع ًرا وكال ًما‬ ‫ويتحدى الحضور أن يأتوا مبثله أو يدعي أنه ٌ‬ ‫عارف مبا تقوله حامم ٌة يف إحدى النوافذ أو يشفى أحد الحارضين!!! تخيلوا‬ ‫معي كيـف سيكون عاملنا لو أن كل صاحب إثبات جاءنا بدليلٍ من جنس ما يأيت به األنبياء من بـراهني وأدلة! يقول‬ ‫إثبات البد من وجود ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أهل املنطق أنه يف كل ٍ‬ ‫ووسط والوسط هو ما ينتقل بـه مـن املقدمة إىل اإلثبات والنتيجة‪،‬‬ ‫حد‬ ‫دليـل وشاه ٌد عىل كون الفاعل رسول الله؟ قد يقال‪ :‬إن‬ ‫فأين الوسط هنا وأين الالزم الذي يجعل انقالب العصا حي ًة ٌ‬ ‫الفعل ملا كان يعجز عنه اإلنسان فالبد أن يكون مصدر الفعل هو اإلله ألن الفعل يدل عىل الفاعل فلام كان الفعل مام‬ ‫يعجز عنه اإلنسان دل هذا عىل التأييد اإللهي واملرجعية الربانية‪ .‬رمبا ستجد ماليني ممن يرددون هذا الكالم الخاطئ‬ ‫ونر ّد عليهم من عـدة وجـوه‪:‬‬ ‫الوجه األول‪ :‬إن القسمة غري منحرص ٍة بني اإلنسان واإلله إذ أنه حتى تكون القسمة منحرص ًة البد أن تكون بني نقيضني‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل ثالثٌ فـي البني إذ أن النقيضني ال يرتفعان بالرضورة‪ ،‬ولكن‬ ‫ألنه يف مثل هذه الحالة ال ميكن أن يكون هناك‬ ‫نقيض اإلنسان ليس هـو اإللـه بـل هـو الالإنسان والالإنسان ليس هو الله! فكل ما ميكن استنباطه من الدليل إن فاعل‬ ‫الفعل هو ليس بإنسانٍ ال أنه إل ٌه فالدليل أعم من امل ّدعى‪ ،‬فام املانع أن يكون مصدر الفعل ال إلـه وال إنـسان كأن يكون‬ ‫الشيطان أو الجن بحسب من يؤمن ويصدق بوجود هكذا أمو ٍر وهو ما اعتدنا أن نجد أهل األديان يرشقون به بعضهم‬ ‫اآلخر‪ ،‬فإذا قال لهم أحدهم أن نب ّينا عنده معجز ًة قـالوا لـه إن هذه معجز ٌة من الشيطان!!! عىل أي حا ٍل ال مينع أن‬ ‫يكون هناك ما هو أقدر من البرش مـن دون أن يكون إل ًها حتى لو كان جام ًد‪ ،‬فالقمر قاد ٌر عىل فعل املد والجزر وهو‬ ‫مام يعجز عنـه البرش وغريها من موارد الطبيعة وأرسارها‪.‬‬ ‫الوجه الثاين‪ :‬البد أن يثبت األنبياء أن كل البرش عاجزون عن اإلتيان بهذا الفعل حتى يصح كونها معجز ًة وهو مام ال‬ ‫رش وهو قاد ٌر عىل الفعل فيكـون االدعاء بأن البرش عاجزون عن قلب العصا إىل حي ٍة‬ ‫سيبل إىل إثباته‪ ،‬إذ أن النبي نفسه ب ٌ‬ ‫خاطئ منطقيًا إذ أن أحد البرش استطاع ذلك وهو النبي فيكون عىل املستدل أن يستثني النبـي‬ ‫عىل سبيل املثال ادعا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫قائل‪ :‬إن كل البرش ما عدا موىس عاجزون عن قلب العصا حي ًة تأكل باقي الحيات!!! وهذا‬ ‫مـن اسـتدالله االستقرايئ ً‬ ‫‪20‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫استثنا ٌء غري مرب ٍر ويفيض إىل دليلٍ‬ ‫دائري ومصادر ٍة مفادها أن قلب العصا حي ًة هي معجز ٌة ألنها معجزة! تذكر دامئًا أن‬ ‫ٍ‬ ‫رش فقوله عجز البرش عن ذلك هو خطأٌ كب ٌري ألنه هو مل يعجز عن ذلـك والبد للنبي أن يثبت أنه هو اآلخر عاج ٌز‬ ‫النبي ب ٌ‬ ‫عن ذلك حتى يصح التعميم بأن كل البرش عـاجزون عن اإلتيان مبعجز ٍة من نوع قلب العصا حي ًة! فكيف سيثبت هذا‬ ‫وغريهم جوابًا‬ ‫نتذكر مقولة أهل مكة‬ ‫وهو مام ال سبيل إىل إثباته! وهنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫نزل َّ ْ‬ ‫عىل قول األنبياء وادعائهم‪﴿ :‬قَالُوا َما أ ُ‬ ‫ش ّمِثل َنا َو َما أ َ‬ ‫نت ْم إِل ب َ َ ٌ‬ ‫الرح َم ٰ ُن‬ ‫َ ْ ْ َ ُ ْ َّ َ ْ ُ َ‬ ‫مِن ش ٍء إِن أنتم إِل تكذِب‬ ‫ون﴾ (يس‪ ،)15 :‬وهذه الجملة بحد ذاتها‬ ‫رشا وكان أهل زمانك مشهورين بكرة‬ ‫مقال ً‬ ‫تستحق ً‬ ‫كامـل! فإذا كنت ب ً‬ ‫القدم ومن ث َم جاء مـنهم مـن هـو مبثـال مارادونا يعجز كل العبي‬ ‫العامل أن يكونوا مثله فهل هذا يعني أن مارادونا يلعب كرة القـدم‬ ‫ٍ‬ ‫بتأييد ربا ٍّين ألن كل البرش عاجزون عن ذلك؟ الحظ املغالطة يف الجملة‬ ‫األخرية ألنه ليس كل البرش عاجزين عن ذلك بل فيهم من هو قاد ٌر وهو‬ ‫مارادونا نفسه فيكون التعميم القائل بأن املعجزة التي يأيت بها النبي‬ ‫هي مام يعجـز عنها البرش كل البرش‪ ،‬خطأ!‬ ‫أيضا اسمه (الصريورة)‪ ،‬والـصريورة معناها أن اليشء ال ميكن أن‬ ‫الوجه الثالث‪ :‬هناك قانو ٌن‬ ‫فلسفي وكو ٌّين وفيزيا ٌيئ ً‬ ‫ٌّ‬ ‫ينقلب ويتحول إىل أي يش ٍء آخر بل إن الصور التي تنقلب إليها املواد محدود ٌة فنحن نحكم أن املاء قد ينقلب فيصري‬ ‫نفيسا ونعلم أن الهواء ال يصري‬ ‫بخا ًرا وأن البيضة تصبح دجاج ًة ولكـن نعلم أن املاء ال ينقلب ذه ًبا وال ينقلب معدنًا ً‬ ‫جـواهر نفيـس ًة‪ ،‬فاإلنسان يدرك بفطرته وبديهته أن اليشء ال يصري أي يش ٍء آخر وال ينقلب أي يش ٍء إىل أي يش ٍء آخر‬ ‫وهو ما نسميه الصريورة وما به القدرة عىل الصريورة نقول إن عنده االسـتعداد لالنتقال والتحول من هذه الصورة إىل‬ ‫تلك‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬إذا كان انقالب العصا حي ًة هو من األمور املمكنة بحسب قانون الصريورة واالسـتعداد كأن يقال إن العصا قد‬ ‫تتحلل وتدخل يف الرتبة ومن ث َم تدخل يف تركيب ٍ‬ ‫نبات ومن ث َم تـدخل يف تركيب فأ ٍر ومن ث َم يف تركيب أفعى‪ ،‬فهذا‬ ‫وإن كان استعدا ًدا بعي ًدا بسبب تعدد الوسـائط إال أنه يتطلب أن يحدث هذا كله باآلن واللحظة‪ ،‬فهل إىل هذا األمر‬ ‫من سبيل؟ إذا كان هذا األمر ممك ًنا فلم يأيت النبي بطائل! وإن كان ممتن ًعا فإنه حتى اإلله ال يستطيع إىل املمتنع‬ ‫طـولً ‪ .‬إن الزمن فلسف ًيا هو مقدار التغري وهو هكذا علم ًيا‪ ،‬فإن مثل هذا التحول من يش ٍء إىل آخر إىل آخر البد له من‬ ‫زمنٍ إذ أن كل تغريٍ البد له من زمنٍ فيمتنع أن تحدث مثل هـذه التغييـرات الجسيمة بال ٍ‬ ‫فوات زمني‪ .‬وبعد أن عدت‬ ‫إىل أرض الواقع انتبهت إىل ذاك الشخص املتكلم من بني هؤالء الشباب وهـو يقول ألصحابه (األثر يدل عىل املسري)‪ .‬مل‬ ‫أكن أعرف كيف انتقل الحديث إىل هذا الجانب أو ما سبب ذكر هذا املوضوع! ولكن مل أستطع أن أخفي ابتسامتي‬ ‫فهذا الحديث يُروى يف كل مكانٍ حتى يف املطاعم! وكان صاحبنا الذي مل أسمعه يقول املقدمة الشهرية (البعرة تدل‬ ‫‪21‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫علـى البعري) يقول الجملة ثم يرشحها لزمالئه فرشح‬ ‫لهم معنى األثر يدل عىل املسري ثم قال وهو يبسط‬ ‫ذراعيه عاليًا كإشار ٍة إىل يش ٍء كبريٍ كسام ٍء ذات أبراج‪.‬‬ ‫يا لهذا األعرايب املجهـول الذي صار أشهر من زيدان‬ ‫فرنسا! وهو ال يعدو أن يكون مسفسطًا يتباهى الناس‬ ‫بسفـسطته قائلني إن العرب استخدموا االستدالل! هناك‬ ‫يف املنطق طريق ٌة من طرق االستدالل ت ُدعى بالتمثيل‬ ‫والتمثيل يعني إثبات الحكم لجز ٍّيئ لثبوته يف جز ٍّيئ آخر مشاب ٌه له والفقهاء يس ّمونه «القياس»‪.‬‬ ‫مثل أن النبيذ يشابه الخمر يف تأثري السكْر وقد ثبت عنده أن حكم الخمـر هو الحرمة فله أن‬ ‫مثال‪ :‬إذا علِم الفقيه ً‬ ‫يحكم أن حكم النبيذ هو الحرمة لوجود جه ٍة مشابه ٍة بينهام‪.‬‬ ‫والتمثيل له أربعة أركانٍ كيام يصح من حيث الصورة‪:‬‬ ‫حكم له كام يف الخمر يف املثال‪.‬‬ ‫‪ -1‬األصل‪ :‬وهو الجزيئ األول املعلوم بثبوت ٍ‬ ‫‪ -2‬الفرع‪ :‬وهو الجزء املطلوب إثبات الحكم له مثل النبيذ يف املثال‪.‬‬ ‫‪ -3‬الجامع‪ :‬وهو جهة املشابهة بني الفرع واألصل وهو اإلسكار يف املثال‪.‬‬ ‫‪ -4‬الحكم‪ :‬وهو األمر املعلوم الثبات يف األصل والذي يراد إثباته للفرع وهو الحرمـة فـي املثال‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جهات ال يعني‬ ‫إن التمثيل يف حقيقة أمره ال يفيد سوى االحتامل إذ أن التشابه بني شيئني من جه ٍة أو حتى من عدة‬ ‫بالرضورة ثبوت الحكم لكل منهام‪ ،‬فلو أنك رأيت رجلني يـشبه أحـدهام اآلخر وكان أحدهام مجر ًما فإنك قط ًعا لن‬ ‫تحكم عىل اآلخر بأنه مجر ٌم فقط لوجـود مـشابه ٍة بينهام والناس طب ًعا‬ ‫مـثل فـي مبـارا ٍة‬ ‫معتادون عىل استخدام هذا النوع من الرباهني‪ ،‬فتجد ً‬ ‫باملالكمة بني العبني أحدهام أبيض البرشة واآلخر أسودها‪ ،‬إن الناس تتوقع‬ ‫أن يفوز األسود ألننا اعتدنا أن نرى أبطال العامل باملالكمة سود البرشة!!!‬ ‫فكون الالعب أسود البرشة ال يعني بالرضورة أنه مالك ٌم ج ّيد! وكل ما ميكن‬ ‫أن يُبنى عىل مثل هكذا دليلٍ فهـو ال يفيـد سـوى االحتامل‪ ،‬واالحتامل يف‬ ‫املنطق أوطأ درج ًة من الظن‪ ،‬ومن ثم توجد غلبة الظن أو الرجحـان وهكذا‬ ‫وصول إىل اليقني‪ ،‬وأهل األديان عامتهم وخاصتهم ما فتئوا يستخدمون‬ ‫ً‬ ‫هذا النـوع مـن االستدالل‪ ،‬فتجد أحدهم يقول لك هل هناك مصن ٌع بال‬ ‫ڤيتايل كليتشكو (ميني) هو وأخوه يعتربان من‬ ‫صانعٍ وبنا ٌء بال بانٍ ويقول لك انظر إىل الكومبيوتر وتعقيده وتقنيات النانو‬ ‫أقوى املالكمني يف السنوات األخرية‬ ‫‪22‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫متثيل وكل هذا‬ ‫ثم انظر إىل الدماغ أال ترى أنه يجب أن يكون له صان ٌع كام أن للكومبيوتر صانع؟ وهذا بطبيعة الحال ٌ‬ ‫ميكن إرجاعه إىل َمثـل صـاحبنا األعرايب!‬ ‫فلننظر اآلن إىل استدالل صاحبنا األعرايب يف ضوء ما تعلمناه من التمثيل‪:‬‬ ‫البعرة تدل عىل البعري‬ ‫األثر يدل عىل املسري‬ ‫فسامء ذات أبرا ٍج‬ ‫وأرض ذات فجاجٍ‬ ‫كل من «البعرة» (الحظوا مستوى ما وصل إليـه الحال حينام نناقش بعرةً!) و‬ ‫من الواضح ج ًدا أن األصل يف متثيله هو ٌ‬ ‫«األثر» أما الفرع فهو كل من «السامء ذات األبراج» و «األرض ذات الفجاج» والحكم هو أن البعرة واألثر يدالن عىل‬ ‫غريهام‪ .‬ولكن أين الجامع؟ أين التشابه بني األمرين‪ ،‬تذكر املثال السابق حيث كانت جهة املشابهة هي اإلسكار فاآلن‬ ‫أين هي جهة املشابهة بـني األثر والبعرة وبني السامء واألرض؟ إن جهة املشابهة ال ميكن أن تكون معنوي ًة أو مام يلزم‬ ‫ومعنوي بني األمرين‪.‬‬ ‫لفظي‬ ‫بي بل البد مـن اتحاد‬ ‫لزوم غري ّ ٍ‬ ‫الكالم من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مثال‪:‬‬ ‫زيدٌ إنسانٌ‬ ‫عمر إنسانٌ‬ ‫زيد فانٍ‬ ‫إذن عمر فانٍ‬ ‫فجهة املشابهة أو الجامع هنا هو كونهام إنسانًا‪ .‬ولكن أين جهة املشابهة يف مثال األعرايب؟ ال توجد جهة مشابه ٍة‬ ‫فاالستدالل فاس ٌد من حيث الصورة وحتى إذا صح استدالله فهو ال يفيـد سوى االحتامل‪ .‬اآلن تذكروا كيف يأتيكم‬ ‫قائل‪:‬‬ ‫الديني ً‬ ‫الكومبيوتر معقدٌ‬ ‫الدماغ معقدٌ‬ ‫الكومبيوتر مصنو ٌع‬ ‫إذن الدماغ مصنوع!‬ ‫فهذا الكالم ال يغني عن الحق شيئًا إذ ال يكفي وجود وجه مشابه ٍة بني أمرين من أجل صـحة الحكم بثبوت الحكم‬ ‫لجز ٍّيئ آخر‪ .‬انظر معي‪:‬‬ ‫‪23‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫الكومبيوتر معقدٌ‬ ‫ندف الثلج معقد ٌة‬ ‫الكومبيوتر صنعه إنسانٌ‬ ‫إذن ندف الثلج صنعها إنسان!‬ ‫قليل صوابه فإذا مل يكن هناك مالزم ٌة ما بـني األصل والحكم كأن يكون‬ ‫واضح أن هذا النوع من االستدالل كث ٌري خطأه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫معلول فعند ذاك يصح أن نحكم بصدق انطباق الجزيئ اآلخر وشموله للحكم‪ ،‬وهنا يخرج البحث‬ ‫ً‬ ‫أحدهام عل ًة واآلخر‬ ‫من التمثيل إىل القياس وال داعي هنا لـذكر البعرة أو البعري‪ ،‬فكون السامء واألرض معلول ًة ال تحتاج ِذكر بعر ٍة وأث ٍر من‬ ‫أجل هكذا استدالل‪ ،‬ط ّيب دعنا ندخل يف صلب املوضوع أكرث‪ .‬ففي املنطق هناك مبحث الداللة والداللة والدال هو‬ ‫ذاك اليشء الذي إذا ما ذُكر ينتقل ِ‬ ‫ً‬ ‫الـذهن بذكره إىل يش ٍء آخر فيسمى األول ً‬ ‫مدلول عليه‪ .‬فعندما تسمع‬ ‫دال والثاين‬ ‫شـخصا علـى البـاب‪ .‬وعندما يقول لك أحدهم اقرأ فينتقل ذهنك‬ ‫طرقًا عىل الباب فإن ِذهنك ينتقل مبارش ًة إىل أن هناك‬ ‫ً‬ ‫تلقائ ًيا إىل كون هناك يش ٌء ما تقرأه! (الحظ جواب محمد‪ :‬ما انأ بقارئ)‪ .‬وطب ًعا إن انتقال الذهن من يش ٍء إىل آخر ال‬ ‫سبب فالبد من وجـود عالقـ ٍة بـني األمرين كمثل عالقة األثر واملؤثر وما إليه‪ ،‬فعندما ترى ضوء النهار تستدل‬ ‫يحدث بال ٍ‬ ‫منه مبارش ًة عىل ضوء الشمس ألن هناك عالقة أث ٍر ومؤث ٍر بني األمرين‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫حس ًنا‪ ...‬البعرة تدل عىل البعري يعني البعرة ٌ‬ ‫مدلول عليه وهكذا األثر واملـسري‪ .‬وهنـاك مالزم ٌة بني وجود‬ ‫دال والبعري‬ ‫بعر ٍة وأث ٍر وبني وجود باع ٍر وسائ ٍر فهنا نجد عالقة العلة واملعلول أو األثر واملؤثر‪.‬‬ ‫ولكن البعري ال مينح البعرة الوجود بل هو يعد ويوفر رشائط التوفر عىل هذا املركب ومثـال ذاك املهندس الذي يقوم‬ ‫ُقسم من‬ ‫بنصب ماكينة أو معملٍ فكل ما يفعله املهندس هو أنه يعـ ّد املاكينـة للعمل وينتهي دوره عند ذلك‪ .‬فالعلل ت َّ‬ ‫هذا الجانب إىل جزئني‪:‬‬ ‫‪ -1‬عل ٌة حقيق ٌة وهي تلك التي متنح اليشء وجوده‪.‬‬ ‫‪ -2‬عل ٌة معدّ ٌة وهي تلك التي توفر الرشائط يف املعلول من أجل منحه فيض الوجود‪ ،‬فـالبعري مل يخلق شيئًا ومل يخلق‬ ‫ٍ‬ ‫البعرة فلم يخلق ذر ٍ‬ ‫مختلف عن منح‬ ‫أصل‪ ،‬وهذا‬ ‫تركيب ملا كان موجو ٌد ً‬ ‫تحليـل وإعـادة‬ ‫ٌ‬ ‫وجزئيات وكل ما حدث هـو‬ ‫ات‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫رص علـى الواجب أما باقي العلل فيقترص دورها عىل إعداد املعلول وتوفري الـرشائط الكافيـة‬ ‫الوجود ومنح الوجـود مقتـ ٌ‬ ‫عجب أن تجد الواجـب هنـا محتا ًجا إىل غريه!‬ ‫لتـوفر املعلول عىل الوجود وهذا هو ما يردده الفالسفة اإللهيون‪ ،‬ومن ٍ‬ ‫حس ًنا‪...‬‬ ‫وأرض ذات فجاج‪.‬‬ ‫فسام ٌء ذات أبرا ٍج ٌ‬ ‫إذا فرضنا صحة وجود جهة االشرتاك فإن السامء واألرض ستكون دال ًة كام هو الحال بالبعرة واألثر وسيكون لألرض‬ ‫‪24‬‬


‫اإللحاد‬ ‫ﺻﻮرﺗنيمتفرق ٌة‬ ‫مقاالت‬ ‫ٌ‬ ‫اﳌﻮت ‪..‬جـﰲ‪:7‬‬ ‫ﻛﺘﺎﺑﺔ اﻟﻘﺮآن واﻹﻧﺠﻴﻞ؟ ﺛﻢ ﺗﺬﻛﺮت أن ﻫﺬا اﻟﻨﻮع ﻣﻦ اﻷﺳﺌﻠﺔ ﻫﻮ اﻟﻌﺪو‪.‬‬ ‫اﳌﻤﻜﻦ هو‬ ‫اإللـه ليس‬ ‫ﻋﲆعل ٍةﻧﺎرمعد ٍة‬ ‫اﻟﺠﺎذﺑﻴﺔعىل‬ ‫أنهام يدالن‬ ‫أن‬ ‫ولكـن ﻣﻦ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢ وﻫﻞ‬ ‫وهوﺗﺄﺛري‬ ‫حكمهامﻣﺎ ﻫﻮ‬ ‫نفسﻳﺎ ﺗﺮى‬ ‫والسامءﻧﻔﴘ‬ ‫ﺳﺄﻟﺖ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كالم‬ ‫يدل‬ ‫ال‬ ‫فإذن‬ ‫للوجود‪،‬‬ ‫ة‬ ‫مانح‬ ‫ة‬ ‫حقيقي‬ ‫ة‬ ‫عل‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫بل‬ ‫املعدة‬ ‫العلة‬ ‫ﺛﻘﺐ أﺳﻮد ﺑﺴﺒﺐ ازدﻳﺎد ﻛﺘﻠﺘﻬﺎ؟ ﻣﻦ اﳌﻌﺮوف أن اﻟﻜﻔﺎر ﻛ ٌرث وأﻏﻠﺐ‬ ‫ﺗﺘﺤﻮل إﱃ ٍ‬ ‫االنفجار‬ ‫ﺗﺤﺘﺎجمعد ٍة‬ ‫عىل عل ٍة‬ ‫الخبري بل‬ ‫اﻷرض اللطيف‬ ‫ﺳﻜﺎنايب عىل‬ ‫األعر‬ ‫صحتهإﻧﺴﺎنٍ‬ ‫ﻋﲆ‬ ‫ﺟﻬﻨﻢمثلﻟﺘﻨﻬﺎر‬ ‫بفرض ﻣﻠﻴﺎر‬ ‫اﳌﻄﺎفيدلﻫﻨﺎ‪ .‬ﻛﻢ‬ ‫ﺳﻴﻨﺘﻬﻲ ﺑﻬﻢ‬ ‫يجب أن يفهم املتكلمون أنهم لن يجدوا اإلله بالنظر‬ ‫معدة‪.‬‬ ‫العظيم فهذا‬ ‫أﺳﻮد؟‬ ‫ﻟﺜﻘﺐ‬ ‫ﻧﻔﺴﻬﺎ‬ ‫وﺗﺘﺤﻮلعل ٌة ٍ‬ ‫إىل الجزئيات بل ينبغي النظر إىل الكليات والبحث عن علة الكليات بدل مفهوم‬ ‫يهمهم‬ ‫ﺧﻠﻘﻨﻲفكل ما‬ ‫ﳌﺎذاتقول؟‬ ‫ولكنﻟﻜﻦمـاذا‬ ‫عل ًةﻏريمعدةً!‬ ‫اﻟﻨﻮعأنﻣﻦتكون‬ ‫ﻫﺬا تعدو‬ ‫التي ال‬ ‫علة العلل‬ ‫اﳌﻌﻠﻢ ﺑﻌﻘﻞٍ‬ ‫ﻣﺤﻤﻮد‪،‬‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت أن‬ ‫ﺛﻢ‬ ‫واألحاديث‪.‬‬ ‫القرآن‬ ‫تصحيح‬ ‫هو‬ ‫ﻳﻄﺮح ﻫﺬه اﻷﺳﺌﻠﺔ وﻳﺤﺎﻛﻢ اﳌﻌﻠﻮﻣﺎت‪ ،‬ﺛﻢ ﻳﻌﺎﻗﺒﻨﻲ ﻋﲆ اﺳﺘﺨﺪام ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻪ ﱄ؟‬

‫ﺻﺤﻴﺢ أﻧﻨﻲ ﺳﺄﺣﱰق إﱃ اﻷﺑﺪ ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻓﺮﺻ ٌﺔ ﻻ ﺗﻌﻮض أن أﻛﻮن داﺧﻞ‬ ‫ﻛﻔﻰ أﺳﺌﻠ ًﺔ‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ﺗﻔﺎﻋﻼت وأرﺻﺪﻫﺎ دون أن أﻣﻮت‪.‬‬ ‫ﻫﻜﺬا‬

‫دﺧﻠﺖ ﻧﺎر ﺟﻬﻨﻢ وﺑﺪأ اﻟﻌﺬاب وأﻧﺎ أﴏخ وأﺗﻌﺬب‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ ﻻﺣﻈﺖ وﺟﻮد ﻛﺎﻣريا‬ ‫ﰲ أﻋﲆ ﺟﻬﻨﻢ ﺗﺼ ّﻮر ﻋﺬايب وﺗﺒﺜﻪ ﻷﻫﻞ اﻟﺠﻨﺔ ﻟيك ﻳﺘﻤﺘﻌﻮا ﺑﻌﺬايب‪.‬‬ ‫اﳌﺆﻣﻨﻮن اﻟﺬﻳﻦ ﺗﺤﻤﻠﻮا ﻣﻘﺎﻻيت اﻟﻌﻠﻤﻴﺔ اﻟﻴﻮم ﻳﺴﺘﻄﻴﻌﻮن أن ﻳﺸﻔﻮا ﻏﻠﻴﻠﻬﻢ‪،‬‬ ‫ﻫﺎ أﻧﺎ أﺣﱰق وأﺗﻌﺬب وﻫﻢ ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌﻮن‪ ،‬ﻓﺮﺣني مبﺎ أﻋﻄﺎﻫﻢ اﳌﻌﻠﻢ ﻣﻦ‬ ‫ٍ‬ ‫وإﺟﺎص وﻧﺒﻴﺬ‪ ،‬اﻟﺬﻛﻮر ﻳﻀﺎﺟﻌﻮن اﻟﺤﻮرﻳﺎت واﻟﻨﺴﺎء ﻳﺸﺎﻫﺪن أزواﺟﻬﻦ‬ ‫ﻓﺎﻛﻬ ٍﺔ‬ ‫وﻳﺤﻔّﺰﻧﻬﻢ ﻋﲆ اﳌﺰﻳﺪ‪ .‬ﻛﻢ ﻫﻢ ﺳﻌﺪاء؟!‬ ‫ﺳﻴﺒﻘﻮن ﻋﲆ اﻷراﺋﻚ ﻣﺘﻜﺌني إﱃ اﻷﺑﺪ‪ ،‬ﻳﺄﻛﻠﻮن اﻹﺟﺎص وﻳﺘﻀﺎﺟﻌﻮن دون ﺗﻮﻗﻒ‪،‬‬ ‫ﴫ ﻫﻨﺎ وذاك ﻟﻪ ٌ‬ ‫ﻣﻨﺰل ﻫﻨﺎك‪.‬‬ ‫ﻫﺬا ﻟﻪ ﻗ ٌ‬ ‫ﻳﻮﺟﺪ أﻧﻬﺎ ٌر ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻴﺬ اﻟﺬي ﻻ ﻳﺴﻜﺮ أو ﻣﺎ ﻛﻨﺎ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﻋﺼ ًريا ﻋﲆ اﻷرض‪ ،‬أﻧﻬﺎ ٌر‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻌﺼري‪.‬‬

‫سو ًيا؟‬ ‫يكونﻫﻲالنبي‬ ‫ميكنﺑﺎﱄأن‬ ‫‪ -18‬هل‬ ‫رشاﺟﻨﺎنٍ‬ ‫ﻟﻠﻤﻀﺎﺟﻌﺔ إﱃ اﻷﺑﺪ؟ ﻛﻴﻒ‬ ‫ﻓﻜﺮة‪ ،‬ﻣﺎ‬ ‫ﺧﻄﺮت ﰲ‬ ‫ﻓﺠﺄ ٌة‬ ‫اﻟﻐﺎﻳﺔبﻣﻦ ً‬ ‫مكةأنعلـى‬ ‫بها أهل‬ ‫التي أجاب‬ ‫اﻟﻮﺟﻮداضات‬ ‫حجية االعرت‬ ‫ﻫﻲملناقشة‬ ‫مخصص‬ ‫هذا‬ ‫ﻫﺬا‬ ‫ﺗﺬﻛﺮت‬ ‫اﻟﻜﻮن؟ ﺛﻢ‬ ‫وﻋﻈﻤﺔ‬ ‫اﻟﺠﻮاب ﻋﲆ‬ ‫ﺗﻜﻮن ﻫﺬه‬ ‫املوضوعاﻟﺠﻨﺎن ٌ‬ ‫ﻋﲇ‪.‬ومام ُحيك عنه يف القرآن‪ ،‬ذلك أن الكثري من‬ ‫للنبوة‬ ‫(وسائر‬ ‫محمد‬ ‫األنبياء)ﻗﴣ‬ ‫ﻫﻮ اﻟﺬي‬ ‫اﻷﺳﺌﻠﺔ‬ ‫ادعـاءﻣﻦ‬ ‫اﻟﻨﻮع‬ ‫املفرسين حـني جاءوا إىل تلك اآليات التي تذكر اعرتاض أهل مكة عىل مزاعم‬ ‫‪25‬‬ ‫‪36‬‬

‫ﻣﺠﻤﻮﻋﺔ ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫النبوة حاولوا بكل الطـرق تسفيه قولهم وتشنيعها ووسموهم بالسفه والعته الفكري‪ .‬نريد هنا أن نعرف هل حقًا ما‬ ‫محكم وقامئًا عىل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سند منطقي؟‬ ‫محمد كان اعرت ًاضا‬ ‫قاله هؤالء املفرسون أم أن اعرتاضات أهل مكـة ومـنعهم الدعاء‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫شامل كل مـن ادعـوا النبوة‪:‬‬ ‫محمد ً‬ ‫نأيت يف بداية األمر لذكر بعض ما اعرتض به أهل مكة عىل‬ ‫َ َ​َ‬ ‫{ قَالُوا إِ ْن أَنتم إِ َّل ب َش مثْلُنا تُرِي ُدو َن أَن ت َص ُّدونَا َعم كَا َن ي ْعب ُد آبا ُؤنَا فَأْت ُونَا بِسلْطَانٍ م ِبنيٍ} (إبراهيم‪﴿ ،)10 :‬وأ ُّ‬ ‫سوا‬ ‫ُ ْ َ ٌ ِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ َ ٰ َ َّ َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ْ ُ َ ّ ْ َ َ َ ُ ْ ُ ْ ُ َ‬ ‫انلجوى الِين ظلموا هل هذا إِل بش مِثلكم ۖ أفتأتون السِحر وأنتم تب ِصون﴾ (األنبياء‪.)3 :‬‬ ‫يف الفلسفة هناك قاعد ٌة عقلي ٌة مهم ٌة تقول «حكم األمثال واحد»‬ ‫أيضا إنسا ٌن مثيل وال أالحظ فرقًا‬ ‫يعني أنا اآلن إنـسا ٌن وأنـت ً‬ ‫بيني وبينك فأنت مثيل متا ًما يف كل يش ٍء وإن كـان بيننـا ٌ‬ ‫فروق‬ ‫فهي ٌ‬ ‫فروق نسبي ٌة وليست فروقًا يف النوع‪ .‬حس ًنا أنا عاج ٌز عن‬ ‫أيضا عاج ًزا عن الطريان ألنك‬ ‫الطريان بذايت فالبد أن تكون أنت ً‬ ‫مثلـي ومن نفس نوعي‪ ،‬وحينام يكون هناك شيئان متفقان يف‬ ‫النوع واملامثلة فالبد أن يكون حكمهام واح ًدا وإلّ صار الحكم‬ ‫صحي ًحا بعض األحيان وخاطئًا حي ًنا آخر وهو تناقض! لـذا «حكم‬ ‫رجل ما أن له القدرة عىل معرفة‬ ‫األمثال واحد»‪ .‬فحينام يدعي ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات يف البني‬ ‫خرب السامع وأنه يُوحى إليه أو يرى املالئكـة أو الجن أو تحدثه الحيوانات ومع هذا فهو مثلنا بال‬ ‫فهو يأكل من جنس مـا نأكل ويرشب مام نرشب ومييش يف األسواق ويتزوج النساء وال يوجد أي فرقٍ‬ ‫عضوي بينه وبني‬ ‫ٍ‬ ‫الناس بل هو شبههم يف املثال والخلقة فلو كان صادقًا فيام يدعي من إمكانية ذلك لكنـا رأينا عرشات الناس يقدرون أن‬ ‫يصنعوا مثل ما يصنع ما دمنا بالحكم واحد‪ ،‬فلام مل نجـد فـي أنفسنا من هو قاد ٌر ومستطي ٌع ملا يدعيه النبي مع كونه‬ ‫مثلنا ّ‬ ‫دل هذا عىل كونه كاذبًا فـي مـا يدعيه‪ ،‬وملا رأينا أن مثل أفعال النبي إمنا هي من جنس ما يصدر عن السحرة‬ ‫والعبي الخفـة كان استنتاجنا أنهم سحر ٌة وكاذبون أقرب إىل الصواب من القول أنه يوحى إلـيهم أو قـادرون عىل رؤية‬ ‫وسامع ما ال نسمع مع أنه ال توجد زياد ٌة يف برشيتهم عن برشيتنا ولو كان مجرد البرشية موجبًا لحصول هذه األمور‬ ‫لَك ّنا رأينا يف أنفسنا مثل ما تدعون‪ ،‬فال وجه أن نقبل منهم ما ال نجده يف أنفسنا ومل نعهده يف أمثالنا بل صار اعتذارنا‬ ‫رشا مثلنا وقد‬ ‫بطلب املعجزة والدليل والربهان مقبولً ألن منعنا دعوتهم بكونهم أنبيا ًء يوحى إليهم مسنو ٌد بكونهم ب ً‬ ‫اقتىض عندنا أن يكون حكم األمثال واح ًدا‪ ،‬فكام أن ما يدعونه يخرق العادة وجب عليهم أن يأتوا بآية تخـرق العادة‬ ‫وتتسلط عىل عقولنا بحيث تضطرنا إىل اإلذعان مبا قالوا وا ّدعوا (وهو معنى‪ :‬بسلطانٍ مبني)‪ .‬اسمع ماذا قالت األقوام‬ ‫ٍ‬ ‫تلخيص للكالم السابق‪:‬‬ ‫ر ًدا عىل مدعي النبوة من‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ ُّ ْ َ َ َ ٰ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ ْ َ ُ ُ َّ َ ُ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫﴿ َوقَ َال ال ْ َم َلُ مِن قَ ْو ِمهِ َّال َ‬ ‫ِين كف ُروا َوكذبوا بِل ِقاءِ الخ َِرة ِ َوأت َرفناه ْم ِف الياة ِ ادلنيا ما هذا إِل بش مِثلكم يأكل مِما تأكلون‬ ‫ْ ُ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ ْ َ َ ْ ُ َ َ ً ّ ْ َ ُ ْ َّ ُ ْ ً َّ َ ُ َ‬ ‫اس‬ ‫مِنه ويشب مِما ت‬ ‫ون﴾ (املؤمنون‪.)33-34 :‬‬ ‫ش ُبون ‪ ٪‬ولئِن أطعتم بشا مِثلكم إِنكم إِذا ل ِ‬ ‫‪26‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫قائل ‪:‬‬ ‫موقف آخر‪ ...‬وينسب القرآن موقفًا آخر للمعرتضني عىل األنبياء ً‬ ‫ٌ‬

‫َ ْ َ َ ٰ َ َّ َ َ ٌ ّ ْ ُ ُ ْ ُ ُ َ َ َ َ َّ َ َ َ ْ ُ ْ َ َ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ َ َ َ ً‬ ‫َ َ َ ْ َ َ ُ َّ َ َ َ‬ ‫نزل َملئِكة َّما َس ِم ْع َنا‬ ‫﴿فقال المل ال‬ ‫ِين كف ُروا مِن قو ِمهِ ما هذا إِل بش مِثلكم ي ِريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الل ل‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب ِ َهٰ َذا ِف آبَائ ِ َنا ال َّول َِني﴾ (املؤمنون‪.)24 :‬‬

‫كامل يبلغه‬ ‫رشا ولـو كانت النبوة ً‬ ‫فهنا نجد عدة حج ٍج فاألول هو مثل ما مر علينا سابقًا من أنهم يحت ّجون بكون النبي ب ً‬ ‫َ َ ُ َ َ َ ً ّ َّ َ ً َّ َّ ُ ُ َّ ً َّ‬ ‫اإلنسان فكيف جاز أال يناله إال واح ٌد منهم؟ الحظ ماذا يقولون يف آي ٍة أخرى‪﴿ :‬فقالوا أبشا مِنا واحِدا نتبِعه إِنا إِذا ل ِف‬ ‫َ‬ ‫َضل ٍل َو ُس ُع ٍَر﴾ ( القمر ‪ ،)24‬وهو بعد هذا مسا ٍو لنا بالبرشية ولوازمها وال نجد فيه زياد ًة عنا فكيف يُختص هو بالوحي‬ ‫دون أن يكون هناك منـا من يدعي نظري َما يدعيه فيكون شاه ًدا عىل صدق كالمه؟ وهو ما أُوضح أكرث يف هذه اآلية‬ ‫َُ ْ َ ّ‬ ‫اذل ِْك ُر َعلَيْهِ مِن بَيْن َِنا بَ ْل ُه َو َك َّذ ٌ‬ ‫اب أ ِ ٌ‬ ‫ش ﴾ القمر(‪ ،)25‬إذن فالبد انه ا ّدعى النبـوة حتـى يتفـضل ويتملك علينا‬ ‫﴿أأل ِق‬ ‫ويُس ّود نفسه ملّا عجز عن إدراك ذلك بأعرافنا وعاداتنا بدليل أنه يأمرنا أن نتبعه وأن نطيعه طاع ًة عمياء مطلق ًة‪.‬‬ ‫لو شاء الله ألنزل مالئك ًة‪.‬‬ ‫هذه حج ٌة مهم ٌة ملن كان يفهم عقائد الوثنيني‪،‬‬ ‫فالوثني ال ينكر وجود الله أو وجود الـرحمن وال‬ ‫ينكر أن يكون هو من خلق الساموات واألرض‬ ‫ومحم ٌد الذي كانت معلوماتـه مـشوش ًة عـن األديان‬ ‫يتعمد مثله مثل املغالطني أن يعرض آراء املخالفني‬ ‫بصور ٍة ساذج ٍة إمعانًا بالتـضليل‪ ،‬فتجده يتعجب من‬ ‫جواب الكفار له حينام يسألهم من َخلق الساموات‬ ‫واألرض؟ فيجيبونه الله ثم بعد هذا نجد عامة املسلمني والصبية والسفهاء يهرجون حول هذه النقطة وكأنهم اكتـشفوا‬ ‫ٍ‬ ‫يل بعقائد الوثنيني‪.‬‬ ‫موضع‬ ‫ضعف عق ٍّ‬ ‫إن الوثنيني ميكن تشبيههم باملفوضة من طوائف املسلمني فعندهم اإلله أو الله أو الـرحمن ال يتدخل يف حوادث العامل‬ ‫فلسفي ألن الواجب البد أن يكون بسيطًا من كـل الجهات‪ ،‬والبسيط من كل الجهات ال ميكن أن‬ ‫وهذا الكالم له سن ٌد‬ ‫ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫يصدر منه سوى فعلٍ‬ ‫واحد ذي خصوصي ٍة واحدة‪ ،‬بينام التدخل املبارش يف حوادث العامل يتطلب أن يكون هناك يف‬ ‫الواجب خصوصي ًة تجعلـه منشأ األثر لكل األفعال‪ ،‬فالبد – عىل سبيل املثال‪ -‬من خصوصي ٍة تجعله العلة فـي سـقوط‬ ‫املطر وخصوصي ٍة تجعله العلة يف الرزق وخصوصي ٍة تجعله العلة يف اإلماتة وأخرى لإلحياء وهلم جرة‪ ،‬ووجود هذه‬ ‫الخصوصيات هي فرع التكرث والتعدد والزم التكرث فـي الواحـد هـو التجزؤ والتبعض بينام ال ميكن أن يكون الواجب‬ ‫متجزئًا‪ .‬إذن البد من تسلسلٍ مع ٍني تصدر منه املوجودات عن الواجب والبد من وجود عام ٍل إلهيـ ٍني تفوض إليهم أعامل‬ ‫تنظيم الخلق فيكون لكل نو ٍع مع ٍني جوه ًرا عقليًا مسؤولً عن ذلـك النـوع وعن إظهار كامالته وإدارة أموره وهؤالء‬ ‫‪27‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫رب يحفظه‪ ،‬والله ف ّوض أمور تنظيم العباد إىل هؤالء األرباب ألنه غري قاد ٍر‬ ‫هم من يس ّمون أرباب األنواع فلكل نو ٍع ٌ‬ ‫عىل التـدخل املباشـر فـي أحداث العامل‪ .‬فعىل هذا األساس فإن الوثني ليس مرشكًا بل هو موح ًدا ألنه يرى أن أربـاب‬ ‫مثل يؤمنون أن تيامات هي من خلقت اآللهة (أربـاب األنـواع)‪ ،‬ولكن‬ ‫األنـواع هـذه صدرت عن اإلله‪ ،‬فالبابليون ً‬ ‫مختلف عن تعريف أهل األديان اإلبراهيمية‪ ،‬وقد كان العـرب يعتبـرون املالئكة أربابًا لألنواع قد‬ ‫تعريفه للتوحيد‬ ‫ٌ‬ ‫فُ ِّوضت إليهم مهام تنظيم وإدارة املخلوقات ومحم ٌد نفسه مل ينكر هذا األمر بل أكد عىل ذلك معت ًربا املالئكة مسؤولني‬ ‫عن قبض األرواح وتشكيل األجنة وترصيف الرياح والتسبيح وكتابة أعامل الخلق إىل غري ذلك من األمور‪ ،‬ولكنه رأى‬ ‫أنهم مـع ذلـك ال يفعلون هذه األمور من عندهم بل هم مـس ّخرون يطيعـون اإللـه فـي كـل مـا يقـول‪ .‬عىل أي حا ٍل‬ ‫فالوثني عنده املالئكة هم الوسطاء بينه وبني الله ألن الله ال يتدخل يف مجريـات العامل فاملالك هو الوسيط‪ .‬فاآلن إذا‬ ‫فرضنا أن الله يريد أن يوصل رسال ًة إىل البرش فالبد أن يكون الرسول من‬ ‫له نـسب ًة حقيقي ًة بني الطرفني (الله والناس)‪ ،‬أما البرش فال نسبة لهم‬ ‫بني الطرفني حتـى يـتم اختيـارهم كرسلٍ ألنهم عاجزون عن االتصال‬ ‫حكيم والحكيم يختار‬ ‫بالله‪ ،‬وبعد هذا فإن اإلله من املفروض أن يكون‬ ‫ً‬ ‫أقرب الطرق إىل املقصود واملالئكة ميثلون أقرب الطرق لهذا القصد‬ ‫لعلو شأنهم وسعة علمهم وشدة سطوتهم فينقاد الخلق إليهم دون‬ ‫أن يشكّوا بهم‪ .‬ومن عجب أن ترى األنبياء يدعون أن الله ال يبعث‬ ‫امللك كرسو ٍل إىل البرش بينام هو من جه ٍة أخرى يقول إن جربيل امللك‬ ‫مبعوثٌ إيل‪.‬‬ ‫فتار ًة يقول ال ميكن أن تبعث مالئك ًة إىل البرش وتار ًة يقول إن املالئكة‬ ‫تكلمني وتوحي إلـي! وختا ًما فقد احتج الوثنيون بحج ٍة أخرى‪ ،‬وهي لو‬ ‫أن األمر كان كام تزعمون التّفـق أن نجـد نظ ًريا ملثل دعوتكم يف التاريخ‬ ‫اإلنساين وآباؤنا أعلم منا ومل نسمع أنه جاء لهم من هو مثلكم‪ ،‬فالبد‬ ‫أن يكون ما جئتم به بدع ًة واختالقًا ولذا فنحن نكفر بكل ما جئتم به‪.‬‬ ‫مالحظة‪ :‬كتاب السيد محمد حسني الطباطبايئ املوسوعي (امليزان يف تفسري القرآن) كان يل خري عونٍ يف كتابة هذه‬ ‫املقالة إذ مل أجد بني ما لدي من التفاسري من كلّف نفـسه عنـاء رشح حجج الوثنيني إال هذا الرجل املقتدر الذي يعجبني‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات يف شـرح حجج الوثنيني ومن ث َم عدة أسط ٍر ر ًدا عليهم!! ولوال أين أعرف أنه مسل ٌم ومؤم ٌن‬ ‫كث ًريا فهو يكتب‬ ‫ٌ‬ ‫وريايض وهو لهذا يحب التامرين العقلية فيحاول أن‬ ‫فيلسوف‬ ‫لكنت رميته باإللحاد! ورمبا يكون السبب هو أن الرجل‬ ‫ٌّ‬ ‫يرفع من شأن الخصم العقيل حتى يفخر بأنه استطاع أن يرد عىل حجج العظمـاء‬ ‫والعقالء بدل أن يقول إننا نرد عىل كالم السفهاء مام ال فخر فيه وال منزلة‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫صحفي مع الله‪.‬‬ ‫‪ -19‬لقا ٌء‬ ‫ٌّ‬

‫يوم بني املنام واليقظة مفك ًرا ومتح ًريا يف شأن هذه اإلله الذي يقول أنه خلقنـا والذي يأمرنا أن نسجد‬ ‫بينام كنت ذات ٍ‬ ‫له‪ ،‬قلت‪ :‬لو أنك موجو ٌد وتسمعنا فلِم ال تدافع عن نفسك وتـرد عنهـا الشبهات؟ وبينام كنت أفكر وأتدبر أمري‬ ‫أحسست أنني ُرفعت وغادرت عاملنا ودخلت عاملًا آخر مع أنني مل أتحرك قيد أمنلة‪ ،‬مل يكن حيث أنا من ٍ‬ ‫أثاث ومناظر‬ ‫ت ُوصف ومل أكـن أرى محديث ولكن أحسست وكأنني أمام ٍ‬ ‫أحد ما‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬أأنت هو؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬فلعلك تعرف لِم أنا هنا وماذا أريد أن أسألك؟‬ ‫قال‪ :‬نعم فهل تعلم جوايب؟‬ ‫قلت‪ :‬ال‪.‬‬ ‫قال‪ :‬فاسأل حتى تعلم الجواب‪.‬‬ ‫بداية الحوار (معضلة الرش)‪:‬‬ ‫قلت‪ :‬ملاذا خلقت الرش؟‬ ‫قال‪ :‬مل أخلق الرش وكل ما خلقت فهو خري‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬هل لك أن توضح؟‬ ‫قال‪ :‬إن الرش هو عدم وجود الخري فالخري موجو ٌد أما الرش‬ ‫رجل طعن آخر بسك ٍني أال‬ ‫يتبق سوى الرش أرأيت لو أن ً‬ ‫فمعدو ٌم ألنه عدم وجـود الخيـر‪ ،‬فحني يغيب الخري فإنه ال ّ‬ ‫رشا؟‬ ‫ت ُسمى هذا ً‬ ‫قلت‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫قال‪ :‬لكن وجود القدرة يف السكني عىل التقطيع خ ٌري ووجود القدرة عىل الحركة عند الرجـل خ ٌري ووجود الليونة يف اللحم‬ ‫خ ٌري ووجود الدم خ ٌري فكل أجزاء الحدث من املوجودات خيـ ٌر وما الرش يف األمر إال انفصال األعضاء عن بعضها وتوقفها‬ ‫رش ال يعدو إلّ أن يكون انعدا ًما ملا هو موجود‪ .‬قلت‪ :‬فام تقول يف األمل‬ ‫عن العمل واالنفصال هو عـدم االتصال فام هو ٌ‬ ‫واملعاناة هل هي موجودة؟‬ ‫قال‪ :‬نعم‪.‬‬ ‫معلول للرش فكيف تكون علة اليشء عد ًما؟ هل يُعقل أن تكون علة اليشء عد ًما؟‬ ‫ً‬ ‫قلت‪ :‬فان كان األمل يكون‬ ‫قال‪ :‬مل ت ُحسن القياس‪ ،‬إن األمل واملعاناة ناتج ٌة عن صريورة املادة‪ ،‬إن عامل املادة هو عـامل التغري والصريورة‪ ،‬وملّا يتغري‬ ‫رشا ومثا ًرا لألمل‬ ‫مادي‪ -‬أي يش ٍء ٍ‬ ‫يش ٌء ٌّ‬ ‫مادي‪ -‬فإن بعض جهاته ت ُعدم‪ ،‬بينام توجد به جهاتٌ أخرى وما يعدم منها يكون ً‬ ‫واملعاناة‪.‬‬ ‫سبب يف حصول الرش واألمل واملعانـاة إذ أنه بجعل اليشء يتغري ويسبب‬ ‫قلت‪ :‬إذا كان البد للتغري من عل ٍة فإن علة املتغري ٌ‬ ‫األمل؟‬ ‫‪29‬‬


‫مقاالت متفرق ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫اإللحاد جـ ‪:7‬‬ ‫‪Enki‬‬

‫قال‪ :‬إن مضمون سؤالك هو أنه حتى يكون خ ًريا فإنه البد أن يخلق ما ال يتغري أي أن يجعـل عامل املادة عاملًا غري املادة‬ ‫وهذا متناقض‪ ،‬إذ أنه ال ميكن أن تُخلق ماد ٌة ال تتغري ولو كانـت ال تتغري فإنها ال تكون مادةً‪.‬‬ ‫مـادي ال يتغري؟ ألنه لو كان ماد ًة‬ ‫رش فكيف جاز هنا أن يوجد نظـا ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫قلت‪ :‬ولكنك ت ِعد املؤمنني بالجنة التي ليس فيها ٌ‬ ‫لكان تغري ولو تغري لحصل الرش فيه كام يحصل يف الحياة الـدنيا؟‬ ‫قال‪ :‬إن املعاد معاد النفوس وليس معاد األجساد فالنفس تولد مادي ًة ولكن عن طريق الحركة الجوهرية فإنها ترتقي‬ ‫عقل مجر ًدا عن املادة وحينها تحيا أب ًدا وال تحتاج إىل حرك ٍة لتنال ما تشاء بل إنها قادر ٌة عىل‬ ‫وتتخلص من املادة وتصبح ً‬ ‫ما تشاء ويكون لها ما تـشاء بـال حركـ ٍة ت ُحدثها يف نفسها وال تفكريٍ‬ ‫وطلب يف وجدانها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أسهبت يف ذكره؟ فإن كان املعـاد للنفوس الغري مادية فهي‬ ‫قلت‪ :‬فام بال الجنة فيها من الفاكهة واللحم واألرشبة ما‬ ‫ْ‬ ‫غري محتاج ٍة للطعام والرشاب‪.‬‬ ‫قال‪ :‬حدثوا الناس عىل قدر عقولهم‪ ،‬فإنه ما من جن ٍة وال نار‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬إن هذا األمر يشبه معنى االرتقاء والتسامي الذي نجده عند الضارميني ولكنه ال يتضمن تناس ًخا لألرواح‪ .‬ولكن‬ ‫أكتفي منك بهذا القدر‪.‬‬

‫ٕاﺪﺪاد وﺗﻘﺪﱘ‬

‫ﺣﺎﻣﺪ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﺼﻤﺪ‬ ‫‪HAMED.TV‬‬

‫‪30‬‬

‫‪FB.ME/BOXOFISLAM‬‬


31


‫املغرب املختلط اإلنساين املتعايش‬ ‫إن املختلطني يف النسل والدم من أمثالنا ال‬ ‫يحسون مببدأ الهوية وفظاعة العنرصية‬ ‫ّ‬ ‫يف النظر والفكر واللغة واللون‪ .‬أمي‬ ‫أمازغية وأيب مختل ٌط مثيل بني أمازيغي‬ ‫وعربية «دكالية»‪ ،‬ال مشكلة يف‬ ‫أن تتكلم أمي مع صديقاتها‬ ‫األمازيغيات بلهجتها األم وال‬ ‫مشكلة يف أن نسمع نغامتها‬ ‫وهي تغني يف املطبخ أهازيج‬ ‫«أحيدوس» وال مشكلة يف‬ ‫أن ميازحها أيب بالعربية‬ ‫العامية أو أن يتفاخرا‬ ‫بكونهام‪ :‬حصال‬ ‫عىل زو ٍج عر ٍيب‬ ‫أو عىل زوج ٍة‬ ‫أمازيغية‪.‬‬

‫ياسني اعطية‬ ‫‪32‬‬


‫املغرب املختلط اإلنساين املتعايش‬ ‫ياسني اعطية‬

‫ترعرعنا يف ج ٍّو تسوده لكنات رويشة وآهات‬ ‫الهيت الغرباوي والعيطة الشعبية‪ ،‬نعيش عىل‬ ‫ٍ‬ ‫إيقاعات ثقافي ٍة مختلف ٍة ونعرتف بغناها‪ ،‬هذا ما‬ ‫تحتمه علينا اإلنسانية الكونية‪.‬‬ ‫نبحث نحن املختلطون عن مثاقف ٍة فعالة‪ ،‬فرغم‬ ‫أنها تبدأ بالكلامت النابية إال أن األمر يشجع عىل‬ ‫فمثل أول ما تعلمته يف األمازيغية هو «إبان‪ ،‬أفوس‪ ،‬أمز» ‪...‬كلامتٌ أمازيغي ُة يعني أولها الثدي‬ ‫املعرفة أكرث‪ً .‬‬ ‫الذي رضعت منه حلي ًبا أموم ًيا‪ ،‬وأتذكر أنني كلام قلت‪« :‬إبان العرص الجاهيل أو األموي‪ »..‬لتالمذيت يف‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وابتسامات هادئة‪...‬فأسارع إىل خلق التغريب‪:‬‬ ‫قهقهات‬ ‫الفصل الدرايس الخاص باللغة العربية أسمع وأعاين‬ ‫«اإلبان يا تالمذيت ليس ما نقصده بالثدي يف األمازيغية والذي تركته لك أمك لرتضع منه تدفئ ًة من الجوع‬ ‫وتقوي ًة ملفاصلك الصغرية‪ ...‬فيجب أن تكون شاك ًرا له ال ضاحكًا عليه»‪ ...‬هكذا تأقلم أمازيغ قسمي مع كلمة‬ ‫تعب عن مرحلة‪.‬‬ ‫اإلبان أو الثدي لتصبح يف نظرهم كلم ًة ّ‬ ‫عىل صفحات األزرق الفيسبويك تتطاير كلامت بعض األصدقاء يف مجا ٍل‬ ‫عنرصي شعويب‪ ،‬يبدو أنها مخلفات العرص العبايس حني كان االختالط‬ ‫ٍّ‬ ‫شعب ميجد عربه‬ ‫وسيل ًة للمثاقفة والشعوبية يف اآلن نفسه‪ ،‬فكان كل‬ ‫ٍ‬ ‫قالب شعو ٍّيب‬ ‫وفُرسه وت ُركه ويستفز هوية اآلخر‪ ،‬فتظهر ثنائية األنا‪/‬اآلخر يف ٍ‬ ‫يخدم حركة األدب والفكر‪ .‬وأستحرض هنا ليل ًة من ليايل «التوحيدي» يف‬ ‫كتابه «اإلمتاع واملؤانسة» حني تكلم بذكا ٍء عن الفرق بني العرب والعجم‬ ‫فاختار فارس ًيا ليتكلم عن فضل العريب‪ ،‬ليك يتجنب الوقوع يف التحيز‬ ‫ويجعل ابن املقفع واع ًيا مبا يسمى باالعرتاف‪ ،‬فاالعرتاف مبا مييز اآلخر‬ ‫هو ما ينقصنا‪ ،‬عوض التهجم واالستهزاء من ثقافته التي قد تكون غني ًة‪ .‬يبدو أننا ال نعيش‬ ‫شعوب ًيا كام هو الحال يف العرص العبايس‪ ،‬إننا نعيش زمن طمس الهوية‪ .‬وأية هوي ٍة لديك يا أخي؟‬ ‫عىل صفحات مواقع التواصل االجتامعي‪ ،‬العرب واألمازيغ ميجدون تاريخهم‪ .‬ال يعرفونه حق املعرفة لكنهم‬ ‫حق مرشو ٌع تب ًعا لعالقة األنا ومفهوم الذات‬ ‫ميجدونه ويعيشون املايض بأفعال الجامعة ك ّنا وفعلنا‪ ،‬أرى أنه ٌ‬ ‫‪33‬‬


‫املغرب املختلط اإلنساين املتعايش‬ ‫ياسني اعطية‬

‫والتوافق النفيس واالجتامعي بالوطن وانتامءاته‪ ،‬لكن هذه املامرسات ال يجب أن تكون عىل حساب اآلخر‬ ‫ٍ‬ ‫أقليات إال يف مجتمعٍ يخىش التعبري عن انتامءاته الدينية واأليديولوجية‪.‬‬ ‫من األقليات التي ال تكون‬ ‫ماذا فعل العريب؟ ماذا فعل األمازيغي؟ ما موقعك أولً ؟ ومن أنت بغض النظر عن لغتك ونسلك؟ ألست‬ ‫إنسانًا قبل كل يشء؟ أتحرص نفسك يف بقع ٍة منبسط ٍة أو قمة جبل؟ أهكذا هويتك؟‬ ‫يعيش العريب مع قوة عنرتة الخيالية‪ ،‬ويعيش‬ ‫األمازيغي مع فكرة نبله‪ .‬يعيش العريب مع قولة‬ ‫اليوم خم ٌر وغ ًدا أمر‪ ،‬ويعيش األمازيغي مع‬ ‫خطبة طارقٍ بن زياد‪ ،‬فهل قالها بالعربية حقًا؟‬ ‫ملاذا مل يكن طارق عنرصيًا؟ يعيش العريب مع‬ ‫أمجاد «حسانٍ بن النعامن»‪ ،‬ويعيش األمازيغي‬ ‫مع أمجاد القائدة «مثاللث»‪ ،‬ويسبون بعضهم‬ ‫يف عنرصي ٍة عكس ما فعل القائدان‪ :‬أمل تطلق‬ ‫القائدة متاللث رساح الجنود للعودة إىل النعامن؟‬ ‫أمل ترتك إال عرب ًيا واح ًدا اسمه خال ًدا ليرتىب مع‬ ‫أبنائها؟ ملاذا أسلم ابنها «ثضا»؟ ملاذا ر ّحبت األم القائدة بقرار أبنائها؟ أمل ترسلهم إىل النعامن ترحي ًبا بالدين‬ ‫جسده الظهري الرببري‪ ،‬وغري ذلك من‬ ‫واللغة؟ أمل ير ّحب النعامن باألمر؟ هذا ما ينكره التاريخ وهذا ما ّ‬ ‫ٍ‬ ‫حلقيات‬ ‫األكاذيب التاريخية التي جعلت أمازيغ وعرب اليوم يف رصا ٍع فار ٍغ يُظهر كث ًريا من ال ّرتهات بد ًءا من‬ ‫فارغة األرضية وانتقالً إىل صفحات التواصل االجتامعي وصفحات بعض املحسوبني عىل الصحافة الصفراء‬ ‫الربحية‪.‬‬ ‫لقد أصبح العامل يف جانبه املتقدم يؤمن بتبادل الخربات يف إطا ٍر ح ٍر ال ت ُشكل فيه الهوية أو اللغة أي مانعٍ‬ ‫للتقدم‪ .‬إنها مرحلة التجاوز حني يصل املرء إىل التعايش مع الهويات املختلفة واألديان املرصح بها جه ًرا‪،‬‬ ‫ال مشكلة يف أن أتبنى فك ًرا أو دي ًنا أو مذه ًبا وأم ّجده‪ ،‬فقط عىل أساس أن يكون رشطًا من رشوط املثاقفة‬ ‫وبعض من الثنائيات‬ ‫بعض من األمازيغ والعرب ٌ‬ ‫والتقدم الفكري ال الطمس والقبلية الرجعية التي يتبناها ٌ‬ ‫والثالثيات املتعايشة يف بلدانٍ متعددة‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫املغرب املختلط اإلنساين املتعايش‬ ‫ياسني اعطية‬

‫لن تحس بحالوة التعايش أيها الصديق‬ ‫العنرصي املتخفي وراء قضبان االفرتاض إال‬ ‫إذا كنت من أمثالنا نحن املختلطون‪ ،‬أ ّمنا‬ ‫أمازيغية وأبانا عر ٌّيب نعيش الهويتني م ًعا‪،‬‬ ‫دم حمرا َء عربي ٍة وبيضا َء‬ ‫دمنا به كريات ٍ‬ ‫أمازيغية‪ ،‬نؤكد لكم أننا ال نشكو من فقر‬ ‫دم أو فوبيا أو سكيزوفرينيا أو شوفينية‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫نحس بأنفسنا ُمعقّمني من مخلفات العصور‬ ‫املتخلفة‪ ،‬ونحس بالحب لإلنسان بأبعاده‬ ‫املتعددة‪.‬‬

‫ﻣﻦ ﻧﺤﻦ؟‬ ‫ﻧﺤﻦ ﻣﺠﻤﻮﻋﻪ ﻣﻦ ﻣﺴﻠﻤني ﺳﺎﺑﻘني وﻣﺴﻠﻤني ﺑﺪرﺟﺎت ﻣﺘﻔﺎوﺗﻪ ﻣﻦ اﻟﺘﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﺎذا ﻧﺮﻳﺪ؟‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺠﺪ اﻟﺤﻘﻴﻘﺔ‪ ،‬ﻣﻬام ﻛﺎﻧﺖ‪ ،‬و أن ﻧﺤﺎرب ﻣﻦ أﺟﻞ ﺣﻘﻨﺎ ﰲ اﺗﺒﺎﻋﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺨﻠﻖ ﻣﻜﺎﻧﺎ آﻣ ًﻨﺎ ﻟﻠﻨﺎس ﻟﻴﺘﺒﺎدﻟﻮا ﻓﻴﻪ اﻷﻓﻜﺎر اﻟﺘﻲ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ أﻻ ﻧﺘﺤﺪث ﻋﻨﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﺴﺎﻧﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ وﻧﺴﺎﻋﺪ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻋﲆ ﻣﻮاﺟﻬﺔ أﺳﺌﻠﺔ اﻷﻫﻞ واﳌﺠﺘﻤﻊ‪ ،‬وﺗﻜﻮﻳﻦ إﺟﺎﺑﺎت ﻟﻬﺎ‪،‬‬ ‫ﻧﺮﻳﺪ أن ﻧﻌﻄﻲ اﻟﻼدﻳﻨﻴني )ﺳﻮاء ﻣﻠﺤﺪﻳﻦ‪ ،‬رﺑﻮﺑﻴني أو ﻏريﻫﻢ( ﰲ اﻟﺒﻼد اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺻﻮﺗ ًﺎ ﻷﻧﻬﻢ‬ ‫ﺳﻴﻘﺘﻠﻮن إذا ﻋﻠﺖ أﺻﻮاﺗﻬﻢ‪.‬‬

‫‪35‬‬

‫مسلمش |‬

‫‪www.muslimish.com‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬ ‫ويف نوري جعفر‬ ‫عزيزيت الصامئة ‪ ...‬عزيزي الصائم‬ ‫صوم شهر رمضان هل له فوائد؟؟ أم أنه تعذيب‬ ‫نفيس وجسدي؟؟‬ ‫ٌّ‬ ‫ما هو الغرض من صوم شهر رمضان؟؟ وملاذا يتجشم‬ ‫الصائم عناء الجوع والعطش طيلة هذا الشهر؟؟ وهل‬ ‫فعل الصوم مفي ٌد وفيه خ ٌري للصائم؟؟ أم أنه عقوب ٌة‬ ‫ً‬ ‫وتعذيب له؟؟‬ ‫نفسي ٌة وجسدي ٌة‬ ‫ٌ‬

‫‪36‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫‪ -1‬الفوائد الصحية‪:‬‬

‫كث ًريا ما نسمع عىل لسان املسلمني أن هناك (دراسات‪ ،‬أبحاث‪ ،‬تجارب علمية)‬ ‫أظهرت الفوائد الصحية العظيمة للصوم اإلسالمي (االمتناع عن األكل والرشب)‪،‬‬ ‫ولكن ال أحد يعطيك أو يشري لك عن مصادر تلك األبحاث أو الدراسات العلمية‬ ‫ٍ‬ ‫بأبحاث‬ ‫املوثقة‪ ،‬اللهم إال من املواقع العربية واإلسالمية طب ًعا‪ ،‬وحتى الذين يأتون‬ ‫ودر ٍ‬ ‫اسات ي ّدعون أنها توافق صومهم اإلسالمي فهي كاذب ٌة ومدلسة‪ ،‬نعم هناك‬ ‫دراساتٌ تتحدث عن االمتناع عن األكل لفرت ٍة طويل ٍة ووفق برنام ٍج محدد‪ ،‬ولكن ال‬ ‫توجد أي دراس ٍة تتحدث عن االمتناع عن رشب املاء لفرت ٍ‬ ‫ات طويلة‪ ،‬وبالرغم من‬ ‫ٍ‬ ‫وجبات‬ ‫أن أغلب األطباء واختصاصيي التغذية ينصحون اإلنسان الطبيعي بأكل ‪5‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجبات رئيسية واثنتان خفيفتان بينهام)‪ ،‬ويجب أن يكون األكل‬ ‫يف اليوم (ثالث‬ ‫متوازنًا ومتنو ًعا وال يصل إىل حد التخمة‪ ،‬ألنها أفضل طريق ٍة غذائي ٍة وصحي ٍة لجسم‬ ‫اإلنسان لتمنع عنه اإلصابة باألمراض مثل مرض السكري‪ ،‬أما امتناع جسم اإلنسان عن رشب املاء لفرت ٍة متتد من (‪ 12‬إىل ‪)18‬‬ ‫مرفوض ويسبب الجفاف واإلصابة بأمر ٍ‬ ‫اض عديدة أو يساعد يف حدوثها!!‬ ‫ساع ًة يوم ًيا‪ ،‬فهذا‬ ‫ٌ‬ ‫وتع ّد قضية احتياج جسم اإلنسان للامء من أوىل األولويات وأوضح الواضحات عند األطباء واملختصني يف علم التغذية‪،‬‬ ‫فأغلب البرش اليوم يعلمون أن جسم اإلنسان بحاج ٍة إىل رشب (لرت ونصف إىل لرتين أو حتى ثالث لرت ٍ‬ ‫ات من املاء يف اليوم‬ ‫مقس ًم عىل عدد ساعات اليوم (ما‬ ‫الواحد)‪ ،‬ويؤكد علامء التغذية واألطباء عىل أن رشب املاء بهذه الكمية يجب أن يكون ّ‬ ‫عدا ساعات النوم طب ًعا)‪ ،‬ولكن سبحان رمضان كيف يقلب املوازين بني ليل ٍة وضحاها‪ ،‬وبقدرة قاد ٍر ينقلب رأي األطباء‬ ‫رأسا عىل عقب‪ ،‬وكأن حديث «صوموا تص ّحوا» قد أصبح نظري ًة علمي ًة ثابت ًة لهم‪ ،‬فيرتاجعون عن‬ ‫واختصاصيي علم التغذية ً‬ ‫رأيهم املعروف ليقولوا أن امتناع جسم اإلنسان الصائم عن رشب املاء ملدة (‪ 12‬إىل ‪ )18‬ساع ًة متتالي ًة يف اليوم وملدة شه ٍر‬ ‫صحي وال توجد فيه أي مشكلة!!‬ ‫كاملٍ هو أم ٌر ٌّ‬ ‫ولو عملنا مقارن ًة بسيط ًة وواضح ًة بني الذين يصومون والذين ال يصومون من مليارات البرش (من غري املسلمني)‪ ،‬يتضح لنا‬ ‫أن نظرية محمد «صوموا تصحوا» هي نظري ٌة فاشل ٌة وغري صحيح ٍة عىل األقل عىل املستوى املنظور‪ ،‬فعندما نرى أكرث من ‪6‬‬ ‫مليار من البرش ممن يأكلون ويرشبون طيلة أيام حياتهم وال يصومون صوم اإلسالم‪ ،‬سنجد أن غالبيتهم أطول أعام ًرا من‬ ‫الذين يصومون‪ ،‬ويف الغالب سنجد صحتهم أفضل بكثريٍ من صحة الذين يصومون‪ ،‬وال حاجة ألن أُخربكم بكرثة عدد أمراض‬ ‫الصوم فلامذا ال نرى آثارها عىل‬ ‫فعل فائد ٌة صحي ٌة يف‬ ‫املسلمني وتنوعها‪ ،‬فأنتم أعلم وأعرف بها مني‪ ،‬وعليه فإذا كان هناك ً‬ ‫ِ‬ ‫الذين ال يصومون ونرى عكس ذلك عىل املسلمني العابدين الصامئني؟؟‬ ‫‪37‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫‪ -2‬الشعور واإلحساس بالفقري‪:‬‬

‫نسم ُع ونقرأ كث ًريا عن إحدى غايات الصوم وأهدافه‪ ،‬أال‬ ‫وهي مواساة الفقري والشعور بجوعه وعطشه‪ ،‬وهنا‬ ‫يحق لنا أن نسأل الصائم أو الذي ي ّدعي هذا االدعاء‬ ‫ُ‬ ‫الفارغ فنقول‪ :‬إذا كان الصوم والشعور بالجوع والعطش‬ ‫يجعلك توايس الفقراء وتشعر بجوعهم ومعاناتهم‪ ،‬فهذ‬ ‫تجسده عىل أرض الواقع‬ ‫الشعور واملواساة ميكنك أن ّ‬ ‫وعىل طول أيام السنة دون الحاجة ألن تجوع وتعطش‪،‬‬ ‫وذلك بتقديم املساعدة لهم جهد إمكانك وحسب‬ ‫يوم وال حاجة ألن تصوم شهر رمضان‪ ،‬فمساعدتك ودعمك للفقراء (أكي ٌد مع التمكن واالستطاعة) تع ّد من‬ ‫استطاعتك يف كل ٍ‬ ‫وأيضا لتشعر بهم ومبعاناتهم‪ ،‬كام وأن الشعور بجوع الفقراء ومأساتهم ال يحتاج منك صيام (‪ )12-18‬ساع ًة‬ ‫أكرب املواساة لهم ً‬ ‫يف اليوم طوال شه ٍر كامل‪ ،‬ألن إحساسك بالجوع والعطش يف أي لحظ ٍة يكون فيها األكل والرشاب بعي ًدا عن متناول يدك‬ ‫سيكون كاف ًيا ليك تشعر بجوعهم وعطشهم ومعاناتهم!!‬ ‫وإذا قلت أن هدف الصوم هو أن يشعر الغني مبعاناة الفقري‪ ،‬فلامذا مل يفرض الله الصوم عىل األغنيا ِء فقط ويُسقطه عن‬ ‫الفقراء؟؟ أليس من األوىل أن يشعر الله بالفقراء ويعفيهم من صوم شهره املرهق والقايس عليهم واملسبب لزيادة أمراضهم‪،‬‬ ‫أال يكفي الفقراء ما يعانوه يف حياتهم اليومية بسبب عدم وجود املال الكايف لعالج أمراضهم املزمنة‪ ،‬واملحرومني طيلة‬ ‫حياتهم من تناول املأكوالت واملرشوبات اللذيذة؟؟‬

‫‪ -3‬إنها فريض ٌة كُتبت علينا‪:‬‬

‫إذا كنت ت ّدعي أن الصوم عباد ٌة وفريض ٌة كُتبت عليك وعىل املؤمنني‪ ،‬فهل فريضة‬ ‫الله شملت املؤمنني به فقط ومل تشمل الكافرين من بقية خلقه؟؟ ثم حتى لو‬ ‫قوم هم‬ ‫قلت أنه كتب ُه وفرض ُه عىل غري املؤمنني‪ ،‬فام فائدة أن يكتبه ويفرض ُه عىل ٍ‬ ‫أصل ال يؤمنون وال يعرتفون به؟؟ ثم ملاذا عىل املؤمن أن يجوع ويعطش وميرض‬ ‫ً‬ ‫بسبب صوم ِه كل سنة‪ ،‬واآلخر الكافر يتمتع بلذيذ الطعام والرشاب طيلة حياته؟؟‬ ‫ويف هذه الحالة سنجد إشكالي ًة واضح ًة مرتتب ًة عىل مسألة الثواب والعقاب‪،‬‬ ‫فكيف سيحاسب الله الذين مل يؤدوا فرائضه؟؟ فهل يتساوى حساب املؤمنني‬ ‫والكافرين به يوم القيامة عىل ٍ‬ ‫حد سواء؟؟ وهل سريزق الجميع جناته وحورياته‬ ‫وأنهار خمره؟؟‬ ‫‪38‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫ثم من جه ٍة أخرى نتساءل عن الفائدة واملصلحة‬ ‫الحقيقية التي تعود عىل الله عندما يفرض عىل‬ ‫عباده املؤمنني صوم شهر رمضان يف كل سن ٍة‬ ‫وهو يستمتع برؤيتهم وهم يعانون من الجوع‬ ‫والعطش؟؟ وهناك فئ ٌة كبري ٌة من الصامئني‬ ‫الذين يعيشون يف بلدانٍ تكون ساعات نهارهم‬ ‫أطول بكثريٍ من ساعات الليل‪ ،‬وفيهم من‬ ‫يتجاوز عدد ساعات صيامه ألكرث من ‪ 18‬أو ‪20‬‬ ‫ساع ًة يف اليوم؟؟ فهل يعلم الله مسبقًا بهؤالء‬ ‫مسجد إيقالويت يف شامل كندا قرب الدائرة القطبية حيث يدوم صيام الصيف ‪ 22‬ساعة‬ ‫وبأنهم سيقضون هذا الوقت الطويل بال أكلٍ‬ ‫ورشب؟؟ وهل كان يعلم أن شهره الال مبارك سيأيت عىل بعض املناطق التي تكون أيامهم نها ًرا فقط‪ -‬أي بدون ليل؟؟ وهل‬ ‫كان يعلم أن شهره الال مبارك يأيت عىل البعض اآلخر منهم يف أشد أيام الصيف ح ًرا كالعراق والسودان وغريها من الدول‪،‬‬ ‫عليم‬ ‫بحيث تصل درجات الحرارة عندهم إىل أكرث من ‪ 45‬درج ًة مئوي ًة؟؟ فهل هذه الفريضة اإللزامية تصدر حقًا من ٍ‬ ‫وحكيم؟؟ أال تشعر عزيزي املؤمن بأن فريضة الصوم هي عبار ٌة عن عقوب ٍة شديد ٍة وقاسي ٍة من ِقبل إلهك؟؟ ومن ث َم ما هذا‬ ‫التناقض الذي يعيش فيه هذا اإلله؟؟ فمن جه ٍة يريد من الغني أن يشعر بالفقري ويواسيه بجوعه وعطشه‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى‬ ‫غني عن العاملني ومع ذلك ال تجده يوايس الفقري وال يشعر بجوعه وعطشه ليعفيه من هذه الفريضة السادية؟؟‬ ‫يزعم أن ُه ٌّ‬ ‫قلت بأن الله يري ُد اختبار عباده وهو ليس بحاج ٍة لعبادتهم؟؟ وهنا نتساءل هل يريد الله يف اختباره أن يعرف مقدار‬ ‫وإن َ‬ ‫تعبدهم وطاعتهم وخضوعهم إليه؟؟ ولكن ملاذا يختربهم وهو يعلم مسبقًا من قبل أن يخلقهم مبا سيفعلونه؟؟ ثم إذا كان‬ ‫غني عنهم وهم الفقراء إليه‪ ،‬فاملفروض أن الفقري هو الذي‬ ‫الله ً‬ ‫فعل ال يستفيد من عبادة خلقه وغري محتا ٍج إليهم ألن ُه ٌّ‬ ‫يحتاج ويطلب ويسأل الغني ألنه فقري‪ ،‬ولكن هنا نجد العكس‪ ،‬فالله الغني هو الذي يأمر ويطلب ويسأل من الفقري أن‬ ‫ورصيح عىل أن الله ليس غنيًّا بل هو املحتاج وهو الفقري إىل خلقه‪ ،‬فالطلب‬ ‫واضح‬ ‫يؤ ّدي فروض الطاع ِة إليه‪ ،‬وهذا ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫دليل ٌ‬ ‫غني حميد!!‬ ‫واإلرادة مل تكن يو ًما من العبد الفقري بل من الله الذي يزع ُم أن ُه ٌ‬ ‫أيضا نجد أن الله يؤكد دامئًا عىل مراقبته لكل أفعال خلقه وأن ُه أقرب إليهم من حبل الوريد‪ ،‬فرياقبهم ويفرح‬ ‫ومن جه ٍة أخرى ً‬ ‫ويغضب إن مل يصوموا ويصلوا له‪ ،‬ولكن هل يراقب ما يحصل لبقية خلقه من الجياع والفقراء‬ ‫عندما يصوموا ويؤدوا فرائضه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫واملعدمني والذين يتعرضون للمجاعات والترشيد والقتل؟؟ فهل يغضب حقًا لهم؟؟ إن كان كذلك فلامذا ال نرى غضبه و َر ّدة‬ ‫فعله ملن تس ّبب لهؤالء بالجوع والفقر والترشيد والقتل؟؟ فهل ترى عزيزي املؤمن الصائم كمية التناقضات واالزدواجيات‬ ‫يف أفعال إلهك؟؟‬ ‫‪39‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫وطريق للتأمل والراحة النفسية‪:‬‬ ‫‪ -4‬الصوم جها ٌد للنفس‬ ‫ٌ‬

‫مام ال شك فيه أن هناك طرقًا مختلف ًة ومتنوع ًة للرياضات الروحية والتأملية ميكن لإلنسان أن ميارسها‪ ،‬فيتق ّرب إىل الله بها‬ ‫أيضا مجاهدة نفسه ومنعها من ارتكاب األمور القبيحة بطرقٍ شتّى‪،‬‬ ‫ويشعر من خالل مامرستها باالرتياح النفيس‪ ،‬ويستطيع ً‬ ‫ومثل هذه األمور املباحة كاألكل والرشب والجنس وغريها من الحاجات الرضورية ال يحتاج اإلنسان السوي إىل االمتناع عنها‬ ‫وبهذه الطريقة اإلجبارية يف الصوم‪ ،‬وكث ًريا ما نسمع من الصامئني عىل أن الصوم يُشعرهم بالراحة واالستقرار النفيس‬ ‫خفيف عىل النفس‬ ‫واملعنوي‪ ،‬فنجدهم يكررون املقولة املعروفة «أمتنى أن يطول شهر رمضان أكرث» ففي الصوم راح ُة وأنه ٌ‬ ‫إضاف ًة إىل أن ُه يجلب الخري والربكة والثواب‪ ،‬فأقول لهذا الصائم املردد لهذا الكالم‪ :‬إن ما تشعر به وتقوله وإن كان صحي ًحا‬ ‫نفيس خ ّداع‪ ،‬فمن خالل تجربتي الشخصية وتجربة‬ ‫بالنسبة لك‪ ،‬لكنه ال يعدو عن كونه حال ًة نفسي ًة ومجرد ٍ‬ ‫وهم وشعو ٍر ٍّ‬ ‫من أعرفهم ممن كان يصوم النهار ويقوم الليل‪ ،‬حينام ك ّنا ولسنني طوا ٍل نتعبد ونصوم ونصيل مثلك‪ ،‬بالنسبة يل عىل األقل‬ ‫أستطيع أن أخربك بأين كنت أعيش نفس هذه الحالة ونفس الوهم‪ ،‬وملا توقّفت عن الصيام وخرجت من ِ‬ ‫الدين اتّضح يل أين‬ ‫كنت غارقًا آنذاك يف الوهم‪ ،‬واليوم بعد أن تركت الصوم والصالة فأنا أشعر براح ٍة نفسي ٍة ومعنوي ٍة واطمئنانٍ أكرث مام كنت‬ ‫ٌ‬ ‫أشعر به وأعيشه مع الدين والصوم!!‬

‫‪ -5‬صيام آخر الزمان‪:‬‬

‫اليوم كلنا يشاهد ويعلم كيف هو حال أغلب املؤمنني‬ ‫الصامئني يف هذا الزمان‪ ،‬وكلنا مطّل ٌع عىل ترصفاتهم‬ ‫وأفعالهم وعباداتهم‪ ،‬سوا ًء كان يف بيوتهم أو عملهم أو‬ ‫يف الشارع‪ ،‬والله حسب زعمهم يراقبهم ويرى ما نراه‪،‬‬ ‫وال أعتقد أنه ر ٍ‬ ‫اض عن أفعالهم وترصفاتهم خالل أيام‬ ‫شهره الال مبارك‪ ،‬فإذا كان للصوم فائد ٌة ومنفع ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقريش و َمن حولها يف‬ ‫محمد‬ ‫للصامئني آنذاك يف زمان‬ ‫جزيرة العرب ألنه مل تكن أية وسيل ٍة ترفيهي ٍة متوفر ٍة‬ ‫لهم كالتي يعيشها صائم هذا الزمان‪ ،‬فاألمر كان‬ ‫مختلف معهم‪ ،‬فال وجود للعلم وال للتقنيات الحديثة‬ ‫ٌ‬ ‫وال تكنولوجيا متقدم ٍة ال راديو وال تلفزيون‪ ،‬وال إنرتنت‬ ‫ٍ‬ ‫ويوتيوب وفيسبوك‪ ،‬وال ٍ‬ ‫ومسلسالت عىل مدى ‪ 24‬ساع ًة و(رمضان يجمعنا عىل تلفزيون ‪ ،)MBC‬فالصوم يف‬ ‫قنوات فضائي ٍة‬ ‫مختلف ج ًدا وقد أثبت فشله و ُخل ّوه من أي ٍ‬ ‫تعبد وانقطا ٍع لله ومن أي فائد ٍة روحي ٍة ومعنوي ٍة تُذكر ألغلب الصامئني‪،‬‬ ‫أيامنا‬ ‫ٌ‬ ‫فينطبق عىل صائم هذا الزمان القول املشهور واملعروف يف أوساط املتدينني وهو «ليس للصائم من صومه إال الجوع‬ ‫والعطش»!!‬ ‫‪40‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫وأيضا يف وقتنا الحارض وبسبب الجوع والعطش وال َح ّر الالهب طب ًعا‪ ،‬نجد أن سلوك وترصفات أغلب الصامئني غري موزونة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فالضعف الشديد والكسل وقلة الرتكيز من أبرز العالمات الواضحة عليهم‪ ،‬وهذه الترصفات تنعكس بشكلٍ واض ٍح عىل قلة‬ ‫فضل عن أخذ أكرثهم لإلجازات وعدم الذهاب إىل العمل بحجة التعب والكسل ويف أحيانٍ‬ ‫ساعات عمل الصائم أثناء النهار‪ً ،‬‬ ‫كثري ٍة يهربون من عملهم يف ٍ‬ ‫وقت مبكر‪ ،‬فيرتتب عىل ذلك قلة اإلنتاج ونسبة اإلنجاز‪ ،‬وبات من الواضح أن أكرث الناس‬ ‫املحتاجني إلنجاز معامالتهم ال يذهبون يف أيام شهر رمضان إىل الدوائر بسبب تكاسل املوظفني أو عدم تواجدهم‪ ،‬ويضطرون‬ ‫النتظار انقضاء شهر الخري والربكة (شهر انقطاع العمل وتوقفه)‪ ،‬وطب ًعا هذه الترصفات واملامرسات من ِقبل الصامئني أثناء‬ ‫شهر رمضان كلها تتعارض مع الحديث القائل «العمل عند الله عبادة» وأن الله يحب العمل والعاملني!!‬ ‫أيضا نجد الصائم يف كثريٍ من‬ ‫ويف زماننا ً‬ ‫األحيان يقيض ساعات نهاره نامئًا‪ ،‬معتم ًدا‬ ‫يف ذلك عىل استحباب حديث نبيه املفضل‬ ‫(النوم للصائم عبادة‪ ،‬وأنفاسه فيه تسبيح)‪،‬‬ ‫فنجد ُه يف الليل ساه ًرا وملَ ال فالليل بالنسبة‬ ‫للصائم عي ٌد وسعادة‪ ،‬حيث االنشغال‬ ‫الدائم بإتخام البطون باألكل والرشب الزائد‬ ‫مام ل ّذ وطاب من موائد رمضان الشهرية‬ ‫واللذيذة‪ ،‬ومن املفارقات العجيبة فإن‬ ‫الشعور بالفقري ومواساته تجده معدو ًما‪،‬‬ ‫بحيث ينىس أغلب الصامئني هذا األمر‬ ‫ألنهم ينشغلون برصف األموال ح ّد اإلرساف‬ ‫يف رشاء ما ل ّذ وطاب من املواد الغذائية املتنوعة‪ ،‬فينسون الفقراء وينشغلون بإشباع بطونهم‪ ،‬وال لوم عليهم طب ًعا وهذا من‬ ‫حقهم‪ ،‬ألن عليهم التحضري واالستعداد لصيام الساعات الطويلة من يومهم القادم!!‬ ‫وكام قلت بأن ليل الصامئني يعترب عي ًدا لهم‪ ،‬فتجدهم منشغلني بتعويض ما فاتهم من تدخني السجائر أثناء النهار‪ ،‬فنجدهم‬ ‫يكرثون من تدخينهم للسجائر واألركيالت (الشيشة) وطب ًعا هذه املامرسات كلها مرض ٌة وغري صالحة‪ ،‬أ ّما السهر واللهو مع‬ ‫الفضائيات ومسلسالت رمضان املثرية والكثرية فح ّدث وال حرج‪ ،‬وكثري منهم يخرج يف الليل لريتاد املقاهي والنوادي وينشغل‬ ‫باأللعاب التقليدية الجامعية (كاملحيبس والدومنة والطاويل وغريها)‪ ،‬وأما استغالل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة بفضل‬ ‫جالسا مع موبايله يستمتع مبنشورات الفيس أو مشاهدة‬ ‫امتالكهم للهواتف الذكية (املوبايالت) فنجد أغلبهم طول الوقت ً‬ ‫الفيديوهات عىل اليوتيوب ووسائط التواصل االجتامعي!!‬ ‫‪41‬‬


‫صوم شهر رمضان‪ ،‬هل له فوائد؟‬ ‫نفيس وجسدي؟‬ ‫أم أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تعذيب ٌّ‬

‫ويف نوري جعفر‬

‫أعل ُم جي ًدا أنني أسهبت يف رشح املوضوع واألكيد أن هناك أسبابًا وأمو ًرا أخرى مل أتطرق لها‪ ،‬وأعتقد أن ما ذكرته يكفي‬ ‫إلثبات عدم وجود أي فائد ٍة للصوم‪ ،‬وأن الصوم عبار ٌة عن فريض ٍة وثني ٍة وتقليدي ٍة ممل ٍة ومزعج ٍة بل هي يف الحقيقة عبار ٌة‬ ‫وجسدي للصائم‪ ،‬والصوم ليس عقوب ًة مزعج ًة للصامئني فحسب‪ ،‬بل وكذلك عقوب ًة لآلخرين الذين ال‬ ‫نفيس‬ ‫عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعذيب ٍ‬ ‫يصومون‪ ،‬فاملفطرون أو الذين ال يؤمنون بالصيام يجب عليهم احرتام مشاعر الصامئني وأن ميتنعوا عن األكل والرشب يف‬ ‫األماكن العامة‪ ،‬بل يف بعض الدول يتم منعهم ومعاقبتهم وعدم السامح لهم باألكل والرشب ليك ال يؤذوا الصامئني وال يزعجوا‬ ‫فعل رمضان ال مبارك عىل الذين ال يصومون فام ذنب هؤالء املساكني الذين ال يريدون أن يصوموا؟؟‬ ‫مشاعرهم‪ً ،‬‬ ‫ومن خالل ما تَق ّدم أنا أنصح من يريدون صيام‬ ‫شهر رمضان أن يتأملوا ويفكروا جي ًدا فيام ذكرت‬ ‫فرض جاء‬ ‫لهم بهذا البحث‪ ،‬وليعلموا أن الصوم ٌ‬ ‫ومقبول‪،‬‬ ‫ً‬ ‫به األولون‪ّ ،‬ربا كان يف وقتهم مناس ًبا‬ ‫فرض غري‬ ‫ولكن من املؤكد يف وقتنا الحارض هو ٌ‬ ‫مناسب صح ًيا وال نفس ًيا وال يقبل به اإلنسان‬ ‫ٍ‬ ‫العاقل املنصف‪ ،‬ولكن لألسف هذا الفرض استمر‬ ‫ألسباب عديد ٍة منها التقديس األعمى والرتهيب‬ ‫ٍ‬ ‫وربا بسبب العقوبات النفسية‬ ‫والتخويف‪ّ ،‬‬ ‫والجسدية عىل من ال يصوم من ِقبل األهل واألقارب أو من ِقبل فتاوى وتسلط الكهنوت الديني‪ ،‬وكذلك بسبب تلقني رجال‬ ‫واجب أداءه‪ ،‬فتو ّهم الجميع بقدسية هذا‬ ‫فرض من الله‬ ‫الدين وخطباء املنابر املركّز عىل عقول البسطاء وإيهامهم بأن ُه ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كتاب اسمه القرآن‪ ،‬واملشكلة أن أغلب املؤمنني بالقرآن ال يعرفون كيف نزل القرآن ومن كَتب ُه ونس َخ ُه‬ ‫الفرض ألنه جاء يف ٍ‬ ‫ومن ث َم من أوصل ُه لهم ورمى كل مخلّفاته السيئة عليهم مبا يف ذلك فريضة الصيام!!‬ ‫وأخ ًريا عزيزيت الصامئة وعزيزي الصائم عليكم أن تفكروا وتتأملوا مر ًة أخرى‪ ،‬هل تعتقدون أن خالقكم املزعوم (الله) الذي‬ ‫خلق كل هذه املليارات من املجرات والذي أوجد الحياة عىل هذا الكوكب الصغري ج ًدا ج ًدا الذي يشبه حبة الرمل املتناثرة‬ ‫شغل وال عمل‪ ،‬إال أن يهتم مبراقبة من يصوم هذا الشهر ومن ال يصوم أو هل‬ ‫يف صحراء هذا الكون الشاسع ليس لديه ٌ‬ ‫تعتقدون أنه يراقب بشكلٍ مكث ٍّف ماذا يدخل ملعدة كل إنسان فيكم؟؟ فأفهموا وفكروا وتأملوا لعلكم تعقلون!!‬ ‫****************************‬ ‫مالحظة‪ :‬كل األديان عىل األرض هي من صنع البرش!!‬ ‫‪42‬‬


TV

25 OCTOBER 2014

3rd Year

www.freemindmag.com

43


‫خلف خطى يسوع‬

‫دراسة تفكيكية ألسطورة املسيح جـ ‪:1‬‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫هل ُوجد‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫يصدق‬ ‫ٌ‬ ‫شخص‬ ‫الديني هو‬ ‫يعتقد البعض أن الشخص‬ ‫جاهل ال يستعمل عقله وأنه ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫غبي‪ ،‬وكام‬ ‫ديني ّ‬ ‫غبي يوجد ال ٌّ‬ ‫ديني ٌّ‬ ‫الخرافة‪ ،‬وهذا كال ٌم غري صحيح‪ ،‬فكام يوجد ٌّ‬ ‫ديني متف ّو ٌق وبلغ‬ ‫ديني متف ّو ٌق وبلغ أعىل املراتب العلم ّية فكذلك يوجد ٌّ‬ ‫يوجد ال ٌّ‬ ‫أعىل املراتب‪ ،‬وهذا ال يكون فقط يف الجوانب العلم ّية أو االجتامع ّية خارج الدين‪،‬‬ ‫بل داخله أيضً ا‪ ،‬فرتى املسلم ً‬ ‫املسيحي ويُخرج له عيوبه وينقده‬ ‫مثل ينقد الدين‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمي وينقده‬ ‫املسيحي يرى عيوب الدين‬ ‫نقدا عقل ًّيا ومنهج ًّيا واض ًحا‪ ،‬وترى أيضً ا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بدالئل وإثباتات‪ ،‬فملَكة النقد والتحليل موجود ٌة وليست غائب ًة‪..‬‬ ‫‪44‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫اللمح الذيكّ الذي كنت تستمع إليه منذ قليلٍ‬ ‫ولكن ما أن يتعلّق النقد بدين الشخص نفسه‪ ،‬ترى هذا العقل الفطن ّ‬ ‫ينقلب عىل عقبيه وال يرى الخطأ يف دينه هو‪.‬‬ ‫إذًا فإن العقل املبدع الذي رأيناه ينقد دين غريه نراه يتوقّف عن التفكري حني يصطدم بالدوغامئيّة‪ ،‬دوغامئيّة دينه‪،‬‬ ‫بل ويتع ّجب من هؤالء املكابرين الذين ال يرون الحقيقة الواضحة أمامهم‪ ،‬ولنا كمثا ٍل أحمد ديدات وزكريّا بطرس‪،‬‬ ‫فكالهام ال يرى إالّ عيوب غريه‪ ،‬وتلك هي املنظومة الدين ّية التي تغ ّيب عقل معتنقيها‪ ،‬لكن تجدر اإلشارة إىل أن هذا‬ ‫وكل‬ ‫يخصها‪ ،‬لكن يكون العقل متوث ّ ًبا يف الديانات األخرى وكذلك املجاالت األخرى من الحياة‪ٌّ ،‬‬ ‫التغييب ال يكون إالّ فيام ّ‬ ‫عىل حسب ثقافته ومعرفته‪.‬‬ ‫الهبل؟‬ ‫املسلم‪ :‬كيف تجعلون إلها يُصلب عىل الصليب‪ ،‬ما هذا ْ‬ ‫جاهل وال تعرف الله وح ّبه لنا‪.‬‬ ‫املسيحي‪ :‬هذا ألنّك ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ث ّم‪:‬‬ ‫ينشق القمر فهذا ض ّد قوانني الطبيعة‪ ،‬ما هذا‬ ‫املسيحي‪ :‬كيف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال َهبَ ْل؟‬ ‫املسلم‪ :‬هذا ألنّك ال تعرف الله‪ ،‬أيّها الجاهل‪ ،‬فهو قاد ٌر عىل‬ ‫كل يش ٍء‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فكل ٍ‬ ‫شخص ال يرى إالّ األساطري التي يف دين غريه ويسخر منها‪ ،‬وهكذا دواليك‪ ،‬لك ّنه ال يستطيع رؤية‬ ‫وقس عىل ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ْ‬ ‫الحق‪ ،‬وما سواها باطل‪ ،‬بل ويؤكّد أن إميانه قائ ٌم عىل العقل‪.‬‬ ‫أساطريه أل ّن دوغامئيّته متنعه‪ ،‬فهي ّ‬ ‫قصة مح ّمد‪ ،‬من حيث جمع القرآن يف اإلسالم‬ ‫قصة يسوع تتشابه يف العديد من تفاصيلها مع ّ‬ ‫ُسقْت هذه املق ّدمة أل ّن ّ‬ ‫وقصة يسوع الحقيق ّية‬ ‫قصة مح ّم ٍد الحقيق ّية يف اإلسالم واملكتوبة من الذاكرة‪ّ ،‬‬ ‫وجمع األناجيل يف املسيح ّية‪ ،‬من حيث ّ‬ ‫يف املسيح ّية واملكتوبة من الذاكرة‪.‬‬ ‫رص ‪-‬وهو مقتن ٌع‪ -‬عىل أصالة كتابه املق ّدس وأح ّق ّيته وهيمنته‪ ،‬وال يقتنع مبا دون ذلك‪ ،‬بينام يقتنع‬ ‫وكال الفريقني ي ّ‬ ‫وفجأةً!‪ -‬إن طال النقد كتاب غريه‪.‬‬‫العلمي وال يشء غريه‪،‬‬ ‫ونحن هنا يف هذا املقال الذي سنجعله عىل ثالثة فصول (مبا فيها هذه املق ّدمة)‪ ،‬سنعتمد الطرح‬ ‫ّ‬ ‫كل املخطوطات القدمية وآخر الدراسات وآراء الباحثني ونجعلها كلّها عىل ّ‬ ‫محك النقد والعقل‪.‬‬ ‫ونتناول ّ‬ ‫‪45‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫املسيحي؟ وما وجاهة تعاليمه‪ .‬هذا ما سنطرحه يف هذا‬ ‫من هو يسوع؟ هل ُوجد حقًّا؟ ومتى عاش؟ وما عالقته بالدين‬ ‫ّ‬ ‫املقال‪.‬‬ ‫كل الشهادات القدمية التي ذكرت يسوع يف القرن األ ّول ميالدي‪.‬‬ ‫الجزء األ ّول‪ :‬عرض وقراءة ّ‬ ‫الجزء الثاين‪ :‬قراء ٌة يف األناجيل القانون ّية ونشأة املسيح ّية‪.‬‬

‫شخص اسمه يسوع حقًّا؟ وكان هو املسيح؟‬ ‫هل ُوجد ٌ‬ ‫رأي أو نظر ٍة لها ما يدعمها من األدلّة‪:‬‬ ‫ينقسم الباحثون‬ ‫املختصون يف تاريخ املسيحية عىل خمسة آراء‪ ،‬وكل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫أشخاص كانوا شهود عيانٍ‬ ‫بإلهام من الروح القدس‪.‬‬ ‫‪ -1‬النظرة التقليديّة‪ :‬يسوع هو املسيح وهو ابن الله‪ ،‬وكتب سريته‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫الحقيقي الذي عاش يف بداية القرن األ ّول ميالدي‪ ،‬إالّ‬ ‫‪ -2‬النظرة العلامن ّية‪ :‬يسوع املوجود يف األناجيل يتشابه مع يسوع‬ ‫ّ‬ ‫من بعض اإلضافات األسطوريّة التي أدخلتها األناجيل عليه‪ ،‬كوالدته من عذراء ومشيه عىل املاء ‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫فعل‪ ،‬لك ّنه ليس مطلقًا الشخص الذي ذكرته لنا األناجيل‪ ،‬بل كان يهوديًّا ثائ ًرا‪.‬‬ ‫‪ -3‬النظرة التأويل ّية‪ :‬يسوع ُوجد ً‬ ‫شخصا‬ ‫‪ -4‬النظرة املتسامحة‪ :‬يسوع ُوجد ً‬ ‫فعل‪ ،‬لك ّننا ال نستطيع أب ًدا معرفة ماذا فعل‪ ،‬حيث أن األناجيل ق ّدمت لنا ً‬ ‫أسطوريًّا‪.‬‬ ‫النص تزيد‬ ‫‪ -5‬النظرة املاد ّية‪ :‬يسوع مل يوجد‪ّ ،‬‬ ‫وكل الدالئل التاريخ ّية التي تشري إىل وجوده ما هي إالّ تأويالتٌ خارج ّ‬ ‫األمر تعقي ًدا بدل حلّه‪.‬‬ ‫قراءة وتحليل الشهادات التاريخ ّية‪:‬‬ ‫للقصة التي يف األناجيل يف الفصل القادم‪ ،‬وسرنكّز عىل‬ ‫سنتع ّرض ّ‬ ‫الشهادات التي خارج األناجيل‪.‬‬ ‫‪ -1‬يذكر يوليوس األفريقي ‪ Sextus Julius Africanus‬يف بدايات‬ ‫القرن الثالث امليالدي أن ثالوس السامري ‪ Θαλλός‬كتب حوايل‬ ‫‪ 52‬ميالدي(‪:)2 ،1‬‬

‫يوليوس األفريقي‬

‫ثالوس السامري‬

‫‪ -1‬يوليوس اإلفريقي يذكر هذه الشهادة اعتامدًا عىل الكتاب الثالث يف التاريخ لثالوس الذي مل يصلنا‪.‬‬ ‫‪ -2‬احتوى النص األصيل للمقال عىل العديد من اإلشارات لألسامء واملصادر بالفرنسية‪ ،‬فآثرنا ردّها إىل اللغة األصلية التي وردت فيها حيثام أمكن‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫«ذكر ثالوس يف كتابه الثالث يف التاريخ أن الظُلمة التي حدثت كانت بسبب كسوف الشمس»‪.‬‬ ‫أي يشء‪ ،‬وإنّ ا هذه الشهادة تشري إىل حدوث ظلم ٍة‬ ‫النقد‪ :‬ال يشء يف هذه الشهادة يشري إىل يسوع وال إىل حياته وال إىل ّ‬ ‫دليل‬ ‫اعتربها ثالوس كسوفًا للشمس‪ ،‬وإذ تذكر األناجيل حدوث هذه الظلمة إثر صلب يسوع‪ ،‬وبسببه‪ ،‬فهذا ليس ً‬ ‫ٌ‬ ‫كسوف يف ذلك الوقت وقام كتبة اإلنجيل برتكيبه عىل حياة‬ ‫تاريخ ًّيا عىل وجود يسوع فال يشء مينع أن يكون قد حدث‬ ‫نبي يف القرن العرشين وقام البعض بقتله‬ ‫يسوع واعتربوه معجز ًة تدعم كالمهم‪ .‬متا ًما كأن أقول‪ :‬لقد كان يف أمريكا ٌّ‬ ‫فأرسل الله عليهم إعصار «كاترينا»‪ ،‬ث ّم نجد مؤ ّر ًخا يح ّدثنا أنه حدث يف أمريكا إعصا ٌر اسمه كاترينا منذ سنوات‪ ،‬فهل‬ ‫النبي أن يد ّعم رأيه بأن يقول لنا‪ :‬الدليل عىل وجوده هو حدوث هذا اإلعصار؟‬ ‫ّ‬ ‫يحق ملن يعتقد يف وجود هذا ّ‬ ‫الشهادة هي‪ :‬لقد حدث إعصا ٌر اسمه كاترينا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كسوف للشمس‪ .‬فقط ال غري‪.‬‬ ‫وشهادة ثالوس‪ :‬لقد حدث‬ ‫‪ -2‬كتب سويتونيوس(‪ )3‬يف «حياة كالوديوس»(‪:)4‬‬ ‫«مبا أن اليهود مل يتوقّفوا عن إثارة الفوىض بسبب تحريض من يُس ّمى ‪Chrestus‬‬ ‫فقد قام ‪-‬أي كالوديوس‪ -‬بطردهم من روما»‪.‬‬ ‫النقد‪« :‬سويتونيوس» يتكلّم عن حادث ٍة وقعت حوايل سنة ‪ 49‬ميالدي‪ ،‬بينام يسوع‬ ‫مات حوايل سنة ‪ 30‬ميالدي‪ ،‬لكن األه ّم هو التايل‪ :‬هناك ٌ‬ ‫فرق بني ‪ Christos‬و‬ ‫‪ )χρηστός) Chrestos‬فاألوىل تعني املسيح أو «املمسوح» بينام الثانية ‪-‬والتي‬ ‫أيضا‬ ‫يذكرها سويتونيوس هنا‪ -‬تعني «الط ّيب»‪ ،‬بل وهناك من كان اسمه كذلك ً‬ ‫مثل نائب املحافظ أولپيانوس ‪ Ulpianus‬الذي كان اسمه ‪ Chrestus‬وهو اس ٌم‬ ‫متثال لسويتونيوس‬ ‫مشهو ٌر نراه بكرث ٍة يف النقوش اإلغريق ّية‪ ،‬فال يشء ميكّننا من استخالص يش ٍء عن‬ ‫يسوع من هذه الشهادة‪ ،‬وهي قابل ٌة للتأويل‪ .‬كام أن سويتونيوس نفسه يذكر يف «حياة نريون»(‪:)5‬‬ ‫«قام ‪-‬أي نريون‪ -‬بتعذيب املسيح ّيني ‪ christiani‬وذلك أنّهم جاؤوا بخراف ٍة جديد ٍة وخطرية»‪.‬‬ ‫‪ -3‬سويتونيوس ‪ Gaius Suetonius Tranquillus‬مؤرخ روماين عاش بني السنوات ‪ 69‬و‪ 125‬ميالدية‪.‬‬ ‫‪ -4‬إحدى سري األباطرة الرومان التي كتبها املؤرخ سويتونيوس ُجمعت تحت عنوان «سرية القيارصة» ‪ ،De vita Caesarum‬أحدها عن اإلمرباطور كالوديوس ‪ ،Claudius‬الذي‬ ‫حكم بني السنوات ‪ 41‬و‪ 54‬ميالدية‪ ،‬واإلشارة هنا إىل الجزء ‪[ XXV.11‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -5‬نفس املرجع السابق الجزء ‪.XVI.3‬‬

‫‪47‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫النص السابق ونفهم أنه يقصد «املسيح ّيني»‪ ،‬لكن ما‬ ‫انظروا هنا كيف يذكر ‪ Christiani‬وليس ‪ Chrestiani‬بعكس ّ‬ ‫الذي يُثبت أنه يقصد املسيح ّيني الذين يؤمنون بأن املسيح هو ابن الله والله‪ ،‬وأنه ُصلب عىل الصليب‪ ...‬إلخ؟ بل ميكننا‬ ‫كل اليهود‪ -‬الذين ينتظرون املسيح وانبثقت منهم‬‫أيضا أن نقول أنه يقصد املسيح ّيني مبعنى «املسيانيني» وهم اليهود ّ‬ ‫ً‬ ‫حرك ًة مسياني ًة تتح ّدث عن املسيح املحارب ملك اليهود والذي سيعيد مجدهم‪ ،‬وهم ينتظرونه منذ فرتة‪ ،‬لذلك هذه‬ ‫كل حال ‪-‬و مهام تع ّدد التأويل‪ -‬فال يشء نستخلصه عن يسوع‬ ‫الحركة هي حركة (خطرية) كام وصفها سويتونيوس‪ .‬وعىل ّ‬ ‫فعل كام روته‬ ‫مثل أن يذكره لنا إن كان ً‬ ‫وقصة حياته وهي التي ته ّمنا يف هذا البحث‪ ،‬وكان ميكن لسويتونيوس ً‬ ‫املسيح ّ‬ ‫األناجيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬مارا بار رسافيون(‪ ،Mara Bar-Serapion )6‬مخطو ٌط رسيا ٌين(‪ )7‬من العام ‪ 73‬ميالدي‪:‬‬ ‫«ما الّذي ربحه اليهود من قتل ملكهم الحكيم؟ ومملكتهم ُد ّمرتْ‬ ‫بعد فرت ٍة قليلة‪»...‬‬ ‫النقد‪ :‬ال يشء عن يسوع وال عن املسيح‪ ،‬وإنّ ا يتح ّدث عن ملك اليهود‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث وقعت‬ ‫الحكيم الذي قتلوه‪ ،‬وال يشء ينفي أنه يتح ّدث عن‬ ‫قبل يسوع بعرشات أو مئات السنني‪ ،‬وأ ّولها قتل امللقب بـ«معلّم‬ ‫الحق»(‪ )8‬الذي ذكرته لنا مخطوطات قمران عن األسين ّيني‪ ،‬كام أن‬ ‫املخطوط يشكو من تواريخ عديد ٍة خاطئة‪ ،‬وال أفهم كيف يستشهد‬ ‫بعض من لفائف مخطوطات قمران التي ُوجدت يف ٍ‬ ‫كهف‬ ‫به املسيحيون إلثبات وجود يسوع‪.‬‬ ‫بجانب البحر امليت عام ‪.1947‬‬

‫‪ -4‬كتب كورنيليوس تاكيتوس(‪ )9‬حوايل ‪ 115‬ميالدي(‪:)10‬‬ ‫«لقد ت ّم اشتقاق اسم املسيح ّيني من املسيح ‪ Christos‬الذي حوكِ َم أثناء حكم تيربيوس قيرص‪ ،‬بأم ٍر من الحامي ‪-‬النائب‪-‬‬ ‫بيالطس»‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫رواقي عاش يف القرن األول امليالدي‪ ،‬وكتب رسال ًة البنه بالرسيانية حوايل العام ‪ 72‬أو ‪ 73‬ميالدي‪ ،‬فيها ما تبدو إشار ٌة‬ ‫فيلسوف‬ ‫‪ -6‬مارا بار رسافيون ܡܪܐ ܒܪ ܣܪܦܝܘܢ هو‬ ‫ٌّ‬ ‫مبهم ٌة للمسيح‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -7‬الرسالة موجودة يف مخطوط رسياين من القرن السادس أو السابع‪ ،‬وهو محفوظ يف املتحف الربيطاين تحت رقم ‪.14658‬‬ ‫‪ -8‬معلم الحق מורה הצדק هو شخصي ٌة يُشار إليها يف مخطوطات قمران عىل أنه زعيم الطائفة‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫وسيايس روماين‪ ،‬عاش بني السنوات ‪ 56‬و‪ 120‬م‪ ،‬يرد اسمه أحيانًا بصيغ ٍة أخرى‪ :‬تاسيتوس‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -9‬كورنيليوس تاكيتوس ‪ ،Cornelius Tacitus‬مؤر ٌخ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -10‬حوليات تاكيتوس هي جز ٌء من مؤل ٍَف يشمل «التأريخ» و«الحوليات»‪ ،‬واإلشارة هنا إىل الجزء ‪ 15.44‬من الحوليات ‪.Annals‬‬

‫‪48‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫النص ت ّم تدليسه وليس أصل ًّيا‪ ،‬ويرون أن كاتبه هو پو ّجو براتشوليني ‪Poggio‬‬ ‫النقد‪ :‬لقد ّ‬ ‫وضح الباحثون أن هذا ّ‬ ‫النص فيه خطأٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ Bracciolini‬سنة ‪ 1429‬ميالدي‪ ،‬وهذا الشخص‬ ‫معروف بأنه من أكرب املدلّسني يف املسيح ّية(‪ ،)11‬كام أن ّ‬ ‫تاريخي وهو ذكره لبيالطس ‪ Pontius Pilatus‬بأنّه «الحامي» أو «النائب»‬ ‫ٌّ‬ ‫‪ procurator‬بينام رتبة بيالطس الحقيق ّية هي «املحافظ» ‪ praefectus‬كام‬ ‫أثبته النقش الذي نقشه عىل املعبد الذي بناه لرشف تيربيوس ‪ Tiberius‬وكان‬ ‫فيه(‪:)13 ،12‬‬

‫‪[DIS AUGUSTI]S TIBERIÉUM‬‬ ‫‪[...PO]NTIUS PILATUS‬‬ ‫‪[...PRAEF]ECTUS IUDA[EA]E‬‬ ‫]‪[...FECIT D]E[DICAVIT‬‬

‫أي ٍ‬ ‫شخص من‬ ‫‪ ]PRAEF]ECTUS IUDA[EA]E‬أي محافظ منطقة اليهوديّة‪ ،‬كام أن هذا ّ‬ ‫النص مل يقع اقتباسه من ّ‬ ‫رجال الكنيسة قبل پو ّجو براتشوليني‪.‬‬ ‫‪ -5‬كتب پلينيوس األصغر(‪ )14‬حوايل العام ‪ 112‬ميالدي رسال ًة(‪ )15‬إىل اإلمرباطور ترايان ‪:Trajan‬‬ ‫طويل ويذكر أن پلينيوس يطلب النصيحة من اإلمرباطور حول كيف ّية معاملة املسيح ّيني‪ ،‬ويذكر أنّهم يتّبعون‬ ‫النص ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص مسيح ّيني يعتقدون يف هذا الـ ‪ Christo‬وال توجد إشار ٌة ال‬ ‫النص هو وجود‬ ‫املسيح‪ ،‬ولكن ما نفهمه من هذا ّ‬ ‫مم ترويه األناجيل‪ ،‬كام أن بعض الباحثني شكّكوا يف‬ ‫أي يش ٍء ّ‬ ‫إىل ألوه ّيته وال حتى إىل اسم يسوع وال إىل صلبه وال إىل ّ‬ ‫أصالة هذه الرسالة ولك ّننا ال نشكّك فيها‪ ،‬وسنشري فيام بعد ملاذا نعترب هذه الشهادة غري مه ّم ٍة إطالقًا يف إثبات وجود‬ ‫يسوع من عدمه‪.‬‬ ‫‪ -11‬توجد بالفعل اتهاماتٌ مو ّجه ٌة نحو پو ّجو براتشوليني بصدد تزييف ملخطوطة تاكيتوس وبعض األعامل األخرى‪ ،‬لكن وصفه باملدّلس بحسب تعبري الكاتب هو أم ٌر تتحفظ‬ ‫مثل‪:‬‬ ‫املجلة عليه‪ ،‬لكونه موضع جد ٍل بني الباحثني‪ ،‬ونرتكه عىل حاله مع التنويه ملوقفنا‪ ،‬حفاظًا عىل النص األصيل للمقال‪ .‬للمزيد من املعلومات‪ ،‬من املمكن مراجعة ما ييل ً‬ ‫‪.Carrier, Richard (2014) “The Prospect of a Christian Interpolation in Tacitus, Annals 15.44” Vigiliae Christianae, Volume 68, Issue 3, pp 264 – 283‬‬ ‫[تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫مضاف بني ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أقواس مربعة‪.‬‬ ‫‪ -12‬النص املحذوف‬ ‫‪ -13‬كان يتم تعيني الوكالء أو النواب ‪ procuratores‬كمحافظني ‪ praefecti‬يف عهد أغسطس وتيربيوس يف املقاطعات صغرية الحجم‪ .‬لالستزادة‪ ،‬راجعوا‪:‬‬ ‫‪[ .Richardson, J, Roman Provincial Administration, p. 85‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -14‬پلينيوس األصغر ‪ Plinius Minor‬كان محاميًا وكاتبًا وقاضيًا رومانيًا عاش بني السنوات ‪ 61‬م وحوايل ‪ 113‬م‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -15‬راجعوا القسم العارش من رسائل پلينيوس إىل ترايان ‪ ،Panægyricus Traiano Augusto‬وتحديدًا الرسائل ‪ 96‬و‪.97‬‬

‫‪49‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -6‬كتب لوقيان السميساطي(‪ )16‬حوايل النصف الثاين من القرن الثاين ميالدي‪:‬‬

‫الغريب بن ماء السامء‬ ‫(‪)18 ،17‬‬

‫ٍ‬ ‫لشخص ت ّم صلبه وأنّهم إخو ٌة ومستع ّدون‬ ‫يذكر املسيح ّيني (‪ )19‬وعبادتهم‬ ‫للشهادة وأنّهم يتّبعون تعاليم هذا الحكيم‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫رش ويشري إىل املسيح ّية والصليب لك ّنه متأ ّخ ٌر‬ ‫نص‬ ‫النقد‪ :‬هذا ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫واضح ومبا ٌ‬ ‫يصح االستشهاد به [مثله مثل كلسوم‬ ‫يف الزمن [بعد ‪ 150‬ميالدي] وال ّ‬ ‫الذي ذكره أوريغانوس كام سرنى] حيث أن املسيح ّية كانت قد تك ّونت‬ ‫كام سنشري فيام بعد‪.‬‬

‫مجموعة كتب التلمود البابيل‬

‫‪ -7‬التلمود‪:‬‬ ‫قصة يسوع ابن «الزانية» اليهوديّة‬ ‫حيث يذكر يسوع وتعليقه ليلة الفصح‪ ،‬كام أن ّ‬ ‫الجندي الروما ّين پانتريا ‪ Panthera‬ما هي إالّ صور ٌة كاريكاتوريّة من اليهود‬ ‫مريم من‬ ‫ّ‬ ‫كل حا ٍل ال أدري كيف نعترب كتابًا من أواخر القرن‬ ‫للسخرية من اإلنجيل‪ ،‬وعىل ّ‬ ‫قصته فيام بعد بفضل‬ ‫دليل عىل وجود يسوع‬ ‫الرابع ميالدي ً‬ ‫التاريخي الذي انترشت ّ‬ ‫ّ‬ ‫األناجيل فأخذها اليهود بطريق ٍة ساخرة؟‬ ‫‪ -8‬يوسيفوس فالڤيوس(‪ )20‬نهاية القرن األ ّول ميالدي‪:‬‬

‫(‪)21‬‬

‫يوسيفوس فالڤيوس‬ ‫‪ -16‬لوقيان السميساطي ‪ ،Λουκιανὸς ὁ Σαμοσατεύς‬هو كاتب وخطيب ساخر عاش يف سوريا ومرص يف اإلمرباطورية الرومانية بني األعوام ‪125‬م وحوايل ‪180‬م‪[ .‬تحرير‬ ‫املجلة]‪.‬‬ ‫‪« -17‬موت پريغرينوس» ‪ De Morte Peregrini‬هو مؤل ٌَّف ساخر كتبه لوقيان كسرية حيا ٍة للفيلسوف اليوناين پريغرينوس پروتيوس ‪ Περεγρῖνος Πρωτεύς‬الذي عاش بني‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات بني املسيحيني األوائل يف فلسطني‪[ .‬تحرير‬ ‫السنوات ‪ 95‬م و‪ 165‬م وكان موته بعد إشعال النار بجسده خالل األلعاب األوملپية عام ‪ 165‬م‪ ،‬وارتحل خالل حياته فقىض‬ ‫املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -18‬موت پريغرينوس‪ ،‬الفقرات ‪.13-11‬‬ ‫‪ -19‬يلقي أحد شخوص كتاب لوقيان خطب ًة يستهزئٍ فيها من املسيحيني وسهولة خداعهم وجهلهم‪ ،‬لكنه يقدّم لهم شيئًا من االحرتام بسبب أخالقهم‪ .‬ويشري الخطيب يف الرسالة‬ ‫إىل املسيح‪ ،‬واصفًا إياه بـ«السوفسطايئ املصلوب» الذي عاش يف فلسطني قبله مبا يقرب القرن‪ ،‬وكان من ضمن تعاليمه أن أتباعه سينالون الخلود‪ .‬لالستزادة‪ ،‬راجعوا‬ ‫‪Van Voorst, Robert E. (2000), Jesus Outside the New Testament: An Introduction to the Ancient Evidence, Grand Rapids, Michigan: Wm. B. Eerdmans‬‬ ‫‪[ .Publishing Co‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫يهودي روماين‪ ،‬حارب ضد الرومان ثم انضم إليهم بعد‬ ‫خ‬ ‫مؤر‬ ‫وهو‬ ‫מתתיהו‪،‬‬ ‫בן‬ ‫יוסף‬ ‫متتياهو‬ ‫بن‬ ‫يوسف‬ ‫هو‬ ‫العربي‬ ‫اسمه‬ ‫‪.Titus‬‬ ‫‪Flavius‬‬ ‫‪Josephus‬‬ ‫‪ -20‬يوسيفوس فالڤيوس‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫هزمية القوة اليهودية‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪« -21‬تاريخ اليهود» ليوسيفوس فالڤيوس‪ ،‬الكتاب ‪ ،18‬الفصل ‪.3‬‬

‫‪50‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫معلم ملن‬ ‫يحق لنا أن ندعوه ً‬ ‫«يف ذلك الوقت ظهر يسوع‪ٌ ،‬‬ ‫رجل حكيم‪ ،‬إن كان ّ‬ ‫رجل‪ ،‬ألنه كان يصنع العجائب وكان ً‬ ‫كانوا يتق ّبلون الحق بسعادة‪ ،‬وجذب إليه الكثريين من اليهود واليونان ّيني عىل ح ٍّد سواء‪ ،‬وكان هو املسيح‪ ،‬وعندما أصدر‬ ‫بيالطس الحكم عليه بالصلب‪ ،‬بإيعا ٍز من رؤسائنا‪ ،‬مل يرتكه أتباعه الذين أح ّبوه من البداية‪ ،‬إذ أنه ظهر لهم ح ًّيا مر ًة‬ ‫أخرى يف اليوم الثالث‪ ،‬كام تنبأ أنبياء الله عن هذه األشياء وعن آالف األشياء العجيبة بشأنه‪ .‬وجامعة املسيحيني‪ ،‬الذين‬ ‫تس ّموا باسمه‪ ،‬مازالوا موجودين حتى هذا اليوم»‪.‬‬ ‫كل ما سبق والتي‬ ‫النص هو الشهادة الحقيق ّية الوحيدة الواضحة ضمن ّ‬ ‫هذا ّ‬ ‫تستحق التوقّف عندها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫انقسم الباحثون إىل ثالثة أقسام‪:‬‬ ‫يل وقاله يوسيفوس‪.‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫النص أص ٌ‬ ‫يل لكن فيه مقاطع مز ّيف ًة متّت إضافتها فيام بعد‪.‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫النص أص ٌ‬ ‫ف كلّه‪.‬‬ ‫النص مزيّ ٌ‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫املسيح كشاب يهودي‪ ،‬بريشة رمربان ْدت‬

‫النص مزيّ ٌف يف بعض الكلامت فقط‪ ،‬وسأضعها بني قوسني‪[ :‬هناك‬ ‫أغلب الباحثني اليوم ير ّجحون االحتامل الثاين وهو أن ّ‬ ‫أيضا ولكن سنورد املتّفق عليه]‪.‬‬ ‫بعض االختالفات حول الكلامت األخرى ً‬ ‫رجل) ‪،‬ألنّه كان يصنع العجائب وكان معل ًّم ملن‬ ‫يحق لنا أن ندعوه ً‬ ‫«يف ذلك الوقت ظهر يسوع‪ٌ ،‬‬ ‫رجل حكيم‪( ،‬إن كان ّ‬ ‫كانوا يتق ّبلون الحق بسعادة‪ ،‬وجذب إليه الكثريين من اليهود واليونان ّيني عىل ح ٍّد سواء‪( .‬وكان هو املسيح)‪.‬‬ ‫وعندما أصدر بيالطس الحكم عليه بالصلب‪ ،‬بإيعا ٍز من رؤسائنا‪ ،‬مل يرتكه أتباعه الذين أحبوه من البداية‪( ،‬إذ أنه ظهر‬ ‫لهم ح ًّيا مر ًة أخرى يف اليوم الثالث‪ ،‬كام تنبأ أنبياء الله عن هذه األشياء وعن آالف األشياء العجيبة بشأنه)‪ .‬وجامعة‬ ‫املسيحيني‪ ،‬الذين تس ّموا باسمه‪ ،‬مازالوا موجودين حتى هذا اليوم»‪.‬‬ ‫الذين مييلون إىل فكرة التزييف الجزيئ يعتمدون عىل مخطوطات يوسيفوس األخرى والتي ال توجد فيها هذه الكلامت‬ ‫املُختلف حولها مثل تاريخ جاورجيوس كيدرينوس(‪ )22‬وتاريخ محبوب بن قسطنطني(‪ )23‬حوايل [القرن ‪ 10‬ميالدي باللغة‬ ‫العرب ّية] حيث يقول‪:‬‬ ‫رجل حكي ٌم اسمه يسوع‪ ،‬وكان صال ًحا‪ ،‬و ُعرف بتقواه‪ ،‬وجذب إليه الكثري من اليهود واألمم عىل‬ ‫«يف ذلك الوقت ظهر ٌ‬ ‫بيزنطي عاش يف أواخر القرن ‪ ،11‬ومن مؤلفاته «ملخص التاريخ» ‪[ .Synopsis historion‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -22‬جاورجيوس كيدرينوس ‪ Γεώργιος Κεδρηνός‬هو مؤر ٌخ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -23‬محبوب بن قسطنيطن‪ ،‬كان أسقفًا يف مدينة منبج شامل سوريا‪ .‬يُعرف أيضً ا باسم ‪ Agapius‬من هرياپوليس ‪ ،Hierapolis‬مدينة يونانية يف تركيا‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫ح ٍّد سواء‪ ،‬وأصدر بيالطس الحكم عليه بالصلب واملوت‪ ،‬مل يرتكه أتباعه الذين أحبوه‬ ‫من البداية وقاموا بنرش دعوته‪ ،‬ويقولون أنه ظهر لهم ح ًّيا مر ًة أخرى يف اليوم الثالث‪،‬‬ ‫وكانوا ‪-‬الذين ات ّبعوه‪ -‬يعتربونه املسيح كام تنبأ أنبياء الله عن هذه األشياء العجيبة‬ ‫بشأنه»‪.‬‬ ‫يرى الباحثون أن يوسيفوس يقول يف هذه النسخة العرب ّية‪« :‬يقولون أنه ظهر ح ًّيا‪،‬‬ ‫النص املزيّف حني يقول‪« :‬إذ‬ ‫ويعتربونه أتباعه أنه املسيح»‪ ،‬وليس كام يبدو لنا يف ّ‬ ‫كيهودي‬ ‫أنه ظهر لهم ح ًّيا مر ًة أخرى يف اليوم الثالث‪ ،‬وكان هو املسيح»‪ ،‬فيوسيفوس‬ ‫ٍّ‬ ‫ينتظر املسيح ال ميكن أن يعترب يسوع هو املسيح دون أن يتّبعه‪ ،‬ولكن رغم ذلك‬ ‫يوسابيوس القيرصي‬ ‫فإ ّن هذا االختالف يف التعبري بني املخطوطات يؤكّد التزييف‪ ،‬وهذا ال يستثني النسخة‬ ‫كل املخطوطات هو‪« :‬يف ذلك الوقت‬ ‫أيضا‪ ،‬ولكن نالحظ أن ما تتّفق فيه ّ‬ ‫أيضا التي ذكرناها أل ّن كاتبها‬ ‫مسيحي ً‬ ‫العرب ّية ً‬ ‫ٌّ‬ ‫رجل حكي ٌم اسمه يسوع‪ ،‬وكان صال ًحا‪ ،‬و ُعرف بتقواه‪ ،‬وأنه ُصلب»‪ ،‬أ ّما البق ّية ففيها نظر‪.‬‬ ‫ظهر ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫النص ليوسيفوس يف كتابات رجال الكنيسة كان من طرف يوسابيوس القيرصي‬ ‫تجدر اإلشارة إىل أن أ ّول‬ ‫اقتباس لهذا ّ‬ ‫قصة التزييف‪.‬‬ ‫يف القرن الرابع امليالدي‪ ،‬وت ّم تجاهله متا ًما من ّ‬ ‫كل رجال الكنيسة األسبقني مل ّدة ثالثة قرون‪ ،‬وهو أم ٌر يؤيّد ّ‬ ‫(‪)25‬‬ ‫ّ‬ ‫(توف يف القرن الثالث ميالدي) يف «ضد‬ ‫ويشري الباحثون إىل أن أوريغانوس‬ ‫كِل ُْسوم» ‪ Contra Celsum‬الكتاب الرابع‪ ،‬الفصل العارش يستشهد يوسيفوس‬ ‫بنص عن موىس‪،‬‬ ‫النص بل ٍّ‬ ‫حني يتح ّدث عن يسوع لك ّنه ال يستشهد بهذا ّ‬ ‫مم يزيد من‬ ‫وكذلك ويف موضعٍ آخر ال يستشهد بهذا ّ‬ ‫النص وكأنّه ال يعرفه ّ‬ ‫تأييد فكرة التزييف التي وقعت بعده‪.‬‬ ‫(‪)24‬‬

‫مكتوب أواخر القرن األ ّول‬ ‫أصيل أم ال فهو‬ ‫النص ً‬ ‫وعىل ّ‬ ‫كل حا ٍل ومهام كان ّ‬ ‫ٌ‬ ‫امليالدي‪ ،‬وال يشء ينفي أن الفكرة املسيح ّية بدأت تتك ّون قبل ذلك الوقت‬ ‫[وهو ما سنطرحه يف موضعٍ الحق]‪.‬‬

‫صفحة من «ضد كلسوم»‬

‫قائل[مسيحي]‪ :‬ملاذا ال نأخذ إالّ الجانب املتشائم من النصوص‪ ،‬أي‬ ‫قد يقول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشك واعتبار النصوص مز ّورةً؟ ملاذا ال نأخذ‬ ‫ملاذا نذهب مبارش ًة إىل النفي‬

‫‪ -24‬يوسابيوس القيرصي ‪ Εὐσέβιος τῆς Καισαρείας‬هو أسقف القيرصية‪ ،‬كان منظّ ًرا ومؤرخًا مسيح ًيا‪ ،‬ويشار إليه أحيانًا عىل أنه أبو التاريخ الكنيس‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫‪ -25‬أوريغانوس اإلسكندري ‪ Ὠριγένης‬كان الهوتيًا مسيحيًا كتب وعمل يف اإلسكندرية‪ .‬عاش بني السنوات ‪ 184‬م و‪ 253‬تقريبًا‪ .‬يف كتابه «ضد كلسوم» يرد أوريغانوس عىل‬ ‫ٍ‬ ‫وثني اسمه كلسوم‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫فيلسوف ٍ‬

‫‪52‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫بعض النصوص السابقة التي تحتمل التأويل يف صالح يسوع بدل أن نختار الرأي اآلخر؟‬ ‫وهذا ٌ‬ ‫سؤال وجيه‪ ،‬ولكن لنا وجاهتنا يف الطرح وهي التالية‪:‬‬ ‫مثل‪،‬‬ ‫لنفرض أنه كان يوجد يف زمن مح ّم ٍد ثالثة مؤ ّرخني معارصين له‪ ،‬واح ٌد يف مكّة وواح ٌد يف املدينة وواح ٌد يف الياممة ً‬ ‫كل األحداث التي وقعت يف تلك الفرتة بوصفهم شهود عيان‪ ،‬لكن مل يذكر أح ٌد منهم اسم‬ ‫وقام هؤالء املؤ ّرخون برواية ّ‬ ‫كل الذي كان يحدث‪.‬‬ ‫أي يش ٍء عنه‪ ،‬رغم أنّهم وصفوا لنا ّ‬ ‫مح ّم ٍد وال غزواته وال ّ‬ ‫شخص يف تلك الفرتة اسمه مح ّم ٌد وأنه كان نبيًّا وقام‬ ‫ث ّم وبعدهم بسبعني سن ًة جاء مؤ ّر ٌخ آخر وروى لنا أنه كان يوجد ٌ‬ ‫بغزو القبائل وات ّبعه العديد من الناس‪.‬‬ ‫ألن يصيبنا التع ّجب ونتساءل ملاذا مل يذكره املؤ ّرخون املعارصون الثالثة رغم اختالف أماكنهم؟ ألن نذهب مبارش ًة إىل‬ ‫قص ًة خيال ّي ًة رواها له أحدهم أو أنه ينوي إنشاء ديان ٍة جديد ٍة اعتام ًدا‬ ‫أن هذا املؤ ّرخ املتأ ّخر إ ّما أنه يدلّس أو أنه ص ّدق ّ‬ ‫أي يش ٍء آخر؟ هذا ما سنفعله منطقيًّا‪.‬‬ ‫عىل تاري ٍخ‬ ‫وهمي أو ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫وكاتب يف عرصه كشاهد عيانٍ أو بعده مبارش ًة(‪:)26‬‬ ‫نعود إىل يسوع‪ ،‬كم كان يوجد من مؤ ّر ٍخ‬ ‫ٍ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -1‬پرسيوس ‪ ،Persius‬وهو شاع ٌر روما ٌين كتب فيام كتب عن التاريخ الروماين (‪ 34‬م ‪ 62 -‬م)‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -2‬مارتياليس ‪ ،Martialis‬شاع ٌر روما ٌين ساخ ٌر (حوايل ‪ 34‬م و‪ 104‬م)‬ ‫ٌ‬ ‫رص متا ًما ليسوع‪.‬‬ ‫‪ -3‬سينيكا األصغر ‪( Seneca‬متيي ًزا عن والده سينيكا األكرب) بني ‪ 4‬قبل امليالد و‪ 65‬بعد امليالد‪ ،‬أي معا ٌ‬ ‫رسائل مز ّور ٌة متّت نسبتها له مع الق ّديس بولس]‪.‬‬ ‫[صمت مطبق‪ ،‬هناك ُ‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -4‬فلوطرخس (پلوتارخ) ‪ ،Plutarch‬مؤر ٌخ وكاتب سرية (‪ 46‬م ‪ 120 -‬م)‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -5‬يوڤيناليس ‪ Juvenalis‬شاع ٌر روما ٌين ساخر (بني القرنني ‪ 1‬و‪ 2‬م)‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫يهودي عاش يف القرن األول امليالدي‬ ‫كاتب ومؤر ٌخ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -6‬يوستوس الطربي ‪ٌ ،Justus Tiberias‬‬ ‫ٌ‬ ‫طبيعي روما ٌين عاش ما بني السنوات ‪ 23‬م و‪79‬م‬ ‫وفيلسوف‬ ‫كاتب‬ ‫‪ -7‬پلينيوس األكرب ‪ ،Gaius Plinius Secundus‬وهو ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مطبق رغم أنه زار فلسطني وروى أحداثها حتّى أنه ذكر األسين ّيني(‪ )27‬يف كتابه عن التاريخ الطبيعي]‪.‬‬ ‫[صمت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أصل‪ .‬وتجدر اإلشارة أن هذه القامئة يف معظمها هي تكرا ٌر لقامئ ٍة مشابه ٍة ذُكرت أول مر ٍة يف كتاب‬ ‫‪ -26‬قمنا بإضافة جملٍ تعريفي ٍة عن بعض األسامء إضاف ًة إىل ما ذكره الكاتب ً‬ ‫«املسيح» ‪ The Christ‬للكاتب األمرييك جون رمسربغ ‪ John Remsburg‬املنشور عام ‪ .1909‬والقامئة كام هو متوق ٌع كانت موضع ٍ‬ ‫نقد مستم ٍر من حينها من ِقبل املسيحيني‬ ‫املدافعني‪ .‬ومن ضمن االعرتاضات أن القامئة تحوي شعراء أو مؤرخني مل يهتموا لغري الشأن الروماين‪ .‬أما وجهة نظر رمسربغ فتتمثل يف االقتباس التايل من كتابه «املسيح»‪« :‬وصلتنا‬ ‫لكاتب يهودي‬ ‫من كتابات من ذُكروا يف القامئة ما ميأل مكتب ًة بأرسها‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬ففي كل كتابات اليهود والوثنيني ال نجد ذك ًرا ليسوع املسيح‪ ،‬ما عدا يف فقرتني مزيفتني منسوبتني‬ ‫ٍ‬ ‫مختلف عليهام لدى كتّاب رومانيني»‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬ ‫وفقرتني أخريني‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -27‬اإلسينييون ִא ִסיִ ים هم طائف ٌة يهودي ٌة ازدهرت يف حقبة املعبد الثاين بني القرن الثاين قبل امليالد حتى األول بعد امليالد‪[ .‬تحرير املجلة]‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫خلف خطى يسوع جـ‪ :1‬هل ُوجد‬ ‫شخص اسمه يسوع ح ًقا؟‬ ‫ٌ‬

‫الغريب بن ماء السامء‬

‫كاتب روما ٌين كتب يف السياسة يف عرص اإلمرباطور تيبرييوس وكان‬ ‫‪ -8‬ڤالرييوس ماكسيموس ‪ ،Valerius Maximus‬وهو ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫رصا ليسوع‪ .‬عاش بني السنوات ‪14‬م و‪ 37‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫معا ً‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -9‬لوكانوس ‪ Lucanus‬كان شاع ًرا رومانيًا عاش بني األعوام ‪39‬م و‪ 65‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ ،Dion Chrysostone -10‬وكان كات ًبا ومؤر ًخا يونان ًيا اهتم بالتاريخ الروماين‪ .‬عاش ما بني ‪ 40‬م و‪ 115‬م‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -11‬ستاتيوس ‪ ،Statius‬كان شاع ًرا رومان ًيا عاش ما بني‪ 45‬م و ‪96‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -12‬سيليوس اإليطايل ‪ ،Silius Italicus‬كان سياس ًيا وخطي ًبا رومان ًيا عاش ما بني ‪28‬م و‪103‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -13‬ڤالرييوس فالكوس ‪ ،Valerius Flaccus‬وهو شاع ٌر روما ٌين مات حوايل ‪ 90‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫رص ليسوع كان كاتبًا ومن رجال بالط نريون عاش ما بني ‪ 27‬م و‪ 66‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -14‬پرتونيوس ‪ Petronius‬معا ٌ‬ ‫[صمت مطبق]‪.‬‬ ‫‪ -15‬كوينتليانوس ‪ Quintilianus‬كان كات ًبا مرب ًيا رومان ًيا عاش يف هسپانيا ما بني ‪ 35‬م و‪ 100‬م‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪...‬إلخ‪ ،‬فالقامئة ما زالت تطول‪ ،‬لكن وما يعتربه البعض «الرضبة القاضية» أو الدليل‬ ‫أي كلم ٍة‬ ‫القاصم هو عدم ذكر فيلون اإلسكندري [‪ 13‬قبل امليالد ‪ 54 -‬بعد امليالد] ّ‬ ‫عن يسوع رغم معارصته له‪ ،‬بل أنه مل يرتك شيئًا إالّ وذكره يف فلسطني وكتب‬ ‫ما يزيد عن ‪ 50‬رسال ًة منها واحد ٌة تتح ّدث عن عهد بيالطس‪ ،‬حتّى أنه يُس ّمى‬ ‫بأفلوطني اليهوديّة‪ ،‬ورغم ذلك مل يذكر كلم ًة واحد ًة عن يسوع‪ ،‬وما يزيد التع ّجب‬ ‫أكرث هو أن فلسفته عن اللوجوس ‪ Logos‬قريب ٌة فيام بعد من فلسفة املسيح ّيني‬ ‫األوائل‪.‬‬ ‫إذًا ماذا حدث يف تلك الفرتة؟ نكمل يف املرة القادمة‪.‬‬

‫فيلون اإلسكندري‬

‫مالحظات حول تحرير املقال‪:‬‬ ‫تم استخراج محتوى هذا املقال من مجموعة منشور ٍ‬ ‫ات قام بكتابتها الغريب بن ماء السامء عىل منتدى شبكة امللحدين العرب يف العام ‪ .2010‬ولتعذّر‬ ‫التواصل مع الكاتب وقت نرش املقال يف املجلة‪ ،‬قامت هيئة تحرير املجلة بعمل بعض التعديالت نود هنا إيضاحها فيام ييل‪:‬‬ ‫‪ -1‬كانت كل األسامء األجنبية مكتوب ًة باللغة الفرنسية دون مقابلٍ عريب‪ ،‬فقمنا بكتابة االسم العريب واملقابل له بلغة االسم األصلية‪ ،‬وقد قمنا بإضافة‬ ‫هوامش لهذا الغرض وللتعريف بأصحاب بعض األسامء‪ ،‬ووضعنا إشار ًة بأن ذلك إضافة املجلة بني ٍ‬ ‫أقواس مربع ٍة عىل هذا النحو‪[ :‬تحرير املجلة] متيي ًزا‬ ‫عن هوامش الكاتب‪.‬‬ ‫‪ -2‬استخرجنا التوثيقات من منت النص وق ّيدناها كهوامش‪ ،‬كونها كانت مدمج ًة يف النص األصيل‪.‬‬ ‫تفصيل لبعض ما جاء يف املقال‪ ،‬وقد كنا نشري إىل أن تلك هي إضافة املجلة حيثام ورد ذلك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ -3‬أضفنا بعض املحتوى يف أماكن متفرق ٍة‬ ‫محتوى يوافق معايري النرش‪ ،‬فقد ارتأينا إضافة بعض التعليقات كهوامش عىل بعض مواقف الكاتب‬ ‫رش تقف عىل الحياد من أي‬ ‫‪ -4‬كون املجلة كمنصة ن ٍ‬ ‫ً‬ ‫نصه كام هو‪ ،‬لكننا أوضحنا موقفنا‪ ،‬أو أضفنا ما رأيناه تصويبًا‬ ‫واستزاد ًة يف بعض ما أورد‪ ،‬وذلك لعدم إمكانية التواصل معه بهدف النقاش‪ ،‬فأبقينا عىل ّ‬ ‫توس ًعا مع التوثيق‪.‬‬ ‫أو ّ‬

‫‪54‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪55‬‬


‫اإلله ّ‬ ‫يتعث‬ ‫بجلبابه‬ ‫رويدة سامل‬

‫‪56‬‬


‫اإلله ّ‬ ‫يتعث بجلبابه‬ ‫رويدة سامل‬

‫ككل األطفال أحببت الطيور‪ ،‬كنت أراقبها من نافذة غرفتي ترتاقص عىل األغصان الخرضاء ُمر ّدد ًة ألحان الحرية وال ُحب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل األحالم تُزهر‪ ،‬أحالمي ترتدد ألحانًا عذب ًة يف الفضاء الرحب‪،‬‬ ‫يلف الكون بسحر أزهاره وأريجها‪ ،‬وكانت ّ‬ ‫كان الربيع ّ‬ ‫كل العيون‪ ،‬وكان حلول الليل رسي ًعا‪.‬‬ ‫كنت أرى الوجوه باسم ًة والرضا يرتسم عىل ّ‬ ‫ّلف الظالم الكون واختفت الطيور بعي ًدا و َع ّم الصمت؛‬ ‫وس ّد األبواب‬ ‫مع الليل غزى الثلج الروايب وسطوح املنازل َ‬ ‫التي كانت ذات فج ٍر مفتوح ًة ملعانقة الشمس الرقيقة‪،‬‬ ‫وسك َننا الخوف‪ٌ ،‬‬ ‫خوف من سيف‬ ‫تسلّل الرب ُد إىل القلوب َ‬ ‫رس الثلوج‪،‬‬ ‫الشتاء القايس ومن الحلم باالنعتاق من أَ ِ‬ ‫كنت وأمي نعيش يف ٍ‬ ‫بيت صغريٍ عند التلة يف أطراف‬ ‫املدينة‪ ،‬كانت أمي ت ُخفي بالقبو طائ ًرا صغ ًريا يف ٍ‬ ‫قفص‬ ‫ذهبي اللون أهدت ْنيه قائل ًة‪« :‬تعلمي الطريان صغرييت‬ ‫ّ‬ ‫وإن كان دون ذلك املوت فالكون مل يُخلَق للمستكينني»‪.‬‬ ‫يدي وغ ّردنا م ًعا‪ ،‬يف غفل ٍة من العامل تعلّمنا أرسا ًرا محروس ًة يف عقر بيوت ال ُك ّهان‪ ،‬تعلّمنا كيف نكرس‬ ‫حملت طائري بني ّ‬ ‫كل لغات البرش‪ ،‬صنعت مبعيته أجنح ًة ووقفت بهيكل آلهة‬ ‫الجليد ونبحث عن ماهية األشياء‪ ،‬كَربنا مع الزمن وأتق ّنا ّ‬ ‫أجدادي‪ ،‬أغمضت عيوين ومتنيت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫حياتك واحد ٌة فال‬ ‫كانت أمنيايت بسيط ًة‪ ،‬قال طائري قبل أن يو ّدعني‪« :‬ها أنا قد منحتُ ِك من روحي أجنح ًة ستحملك إليه‪،‬‬ ‫تفقديها يف الوقوف ببابه والرهبة من مقابلته‪ ،‬سأكون ِ‬ ‫معك فثقي بنفسك ويب»‪ .‬دخلت غرف ًة كبري ًة جدرانها بيضاء‪ ،‬بها‬ ‫ناس كثريون ينتظرون‪ ،‬يتساءلون‪ ،‬يصيحون‪« :‬إنّ ا نحن الصادقون‪ ،‬نحن أصحاب النعيم األبدي وأنتم أيها اآلخرون أهل‬ ‫أُ ٌ‬ ‫الجحيم واللعنة الربّانية»‪ ،‬لكن ال أحد منهم يتجرأ عىل فتح الباب والدخول‪ ،‬يناديهم منا ٍد من وراء الباب‪« :‬أ ْن هل ّموا‬ ‫يا عبادي إن كنتم صادقني»‪ ،‬فريتعدون ويتقهقرون‪ ،‬وملّا يسكن الصدى يعودون للتساؤل والصياح والشجار من جديد‪.‬‬ ‫كنت الطفلة الوحيدة بينهم وكانت غرفتهم تخنقني‪ ،‬كنت أبحث عن أرض األحالم التي طاملا وعدتْني ج ّديت بأخذي‬ ‫جميل وكنت أسري عىل‬ ‫ً‬ ‫إليها‪ُ ،‬خ ِّيل إ ّيل أين سمعت صوتها فدفعتهم وفتحت الباب و َدلفت هر ًعا إليها‪ ،‬كان املكان‬ ‫قناديل ذهبية‪ ،‬وكان الصوت املد ّوي يرتدد يف كل مكان «أ ْن‬ ‫ُ‬ ‫ناعم كالحرير‪ ،‬حويل كانت تلمع‬ ‫السحاب‪ ،‬كان أبيض ً‬ ‫َهلُ ّمي»‪ ،‬كنت أبحث عن الطريق‪ ،‬تذكرت قارور ًة علّ َقتْها أمي بحزامي‪ ،‬أمسكتُها وفتحتها وشممتها‪ ،‬إنّه املاء القُديس‬ ‫رب األرباب سيقابلني‪ ،‬أمسكت‬ ‫الذي با َركتْه ب ُح ِّبها وحنانها‪ ،‬رشبته كله وانتظرت أن يستبني يل السبيل‪ ،‬ناداين منا ٍد بأن ّ‬ ‫‪57‬‬


‫اإلله ّ‬ ‫يتعث بجلبابه‬ ‫رويدة سامل‬

‫وخوف من ف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َقدها‪ ،‬يف ح ٍني حملتني إليه فراشاتٌ نورانية‪ ،‬وقفت بني يديه َوجِل ًة‪ ،‬بدا يل يف البدء شي ًخا‬ ‫أجنحتي بغري ٍة‬ ‫عظيم يحمله‬ ‫كريس‬ ‫ٍ‬ ‫وقو ًرا ت ُالمس لحيته األرض‪ ،‬يلبس ردا ًء من حري ٍر أبيض ُ‬ ‫وي ِسك َصولجانًا من ذهب‪ ،‬يجلس عىل ٍّ‬ ‫مالئك ٌة ال يكفّون عن التسبيح باسمه وال ُدعاء له بدوام النعمة واملُلك‪ ،‬قال يل‪:‬‬ ‫ لكل البرش الذين امتلكوا ال ُجرأة والتح ّدي أمنح بركايت‬‫وأُحقّق األحالم‪.‬‬ ‫ أُريد أن تكون أجنحتي حقيقي ًة‪ ،‬أُريد املعرفة والحكمة‪ ،‬أُريد‬‫أن أصري إل ًه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وعليك ِ‬ ‫أنت‬ ‫ رويدك يا فتاة‪ ،‬أنا أمنح كلامت‪ ،‬فقط كلامت‪،‬‬‫ج ْعلها تتحقق كام فعلنا دو ًما‪ ،‬اإلنسان وأنا منذ ُوجِدنا م ًعا‬ ‫عىل ذلك الكوكب األزرق‪.‬‬ ‫قلت لنفيس إ ّن هذا الرب الذي قاد البرش عرب التاريخ بكل ِم َحنه ومآسيه س َي ْسخر م ّني‪ ،‬لك ّني سأحاول الثبات‪ ،‬لبست‬ ‫قدمي بل‬ ‫أجنحتي وأوصلتها بجسدي وأمرتها أن تكون حقيقي ًة فكانت‪ ،‬ح ّركتها فرفرفت وأحسست ّأن مل أ ُعد أقف عىل ّ‬ ‫كل يش ٍء فقط بإراديت وإمياين‬ ‫أط ُري مع الفراشات التي ت َ ُح ّف برب األرباب‪ ،‬قلت لنفيس‪« :‬إنني إنسان ٌة قادر ٌة عىل صنع ّ‬ ‫كل هذا الشك الذي َز َرعتْه أ ّمي بعقيل له ما يد َعمه!!؟؟ حني رأى إغراقي يف‬ ‫بذايت فام دور هذا اإلله؟»‪ .‬تساءلت هل ّ‬ ‫األفكار سألني َع ّم يشغلني‪ ،‬فقلت‪ :‬أنت اإلله وأنت تعلم ما تُخفيه نفيس‪ِ ،‬‬ ‫ضح َك وقال يل‪:‬‬ ‫ كيف يل أن أعل ُم وأنا سجني قرصي هنا يف هذه السامء السابعة التي صنعتموها وجعلتم دونها جنو ًدا ومالئك ًة وأبوابًا‬‫ُمحكَمة اإلغالق!!‬ ‫ابتسمت وقلت‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بعضا وت ُسفَك دمائُنا ونُردد أنّك األعلم واألقدر ِم ّنا جمي ًعا رغم أنّك تنتحي‬ ‫ نتقاتل نحن البرش إلرضائك‪ ،‬يُكفِّر بعضنا ً‬‫خبين‪.‬‬ ‫جان ًبا متف ِّر ًجا كأنّك عاج ٌز عن نُرصة ُمريديك ُمط ْم ِئ ًنا إيّاهم بصحة وجودك‪ ،‬أَ ِ ْ‬ ‫ أيُّكام كان األول‪ :‬أنت الرب أم اإلنسان ؟ أيّكام الخالق؟‬‫متثال عىل شكلهم‪ ،‬ومن روحهم منحوه الحياة وعىل أقدا َم ُه‬ ‫ عندما كانوا وحيدين ومسكونني بالخوف صنعوا من الطني ً‬‫ٍ‬ ‫سموات افرتضوها قصو ًرا أسكنوه فيها‪ ،‬د ّونوا أحالمهم‬ ‫سكبوا دما ًء ساخن ًة‪ ،‬ثم صنعوا عىل قمم الجبال العالية ويف‬ ‫تقديسا السمي وتكر ًميا‬ ‫صحائف ُمق ّدس ًة واختلفت النصوص مع اختالف األهواء واملطامع‪ ،‬و ُر ِف َع السيف و ُدك َّْت الرقاب‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫خجل من غباء البرش‪.‬‬ ‫مللكويت‪ ،‬فسقى الدم القاين الزه َر الذي احم ّر ً‬ ‫ ستنزل معي إليهم وت ُخربهم الحقيقة ثم تتنازل لهم عن العرش‪ ،‬ستقول لهم إن األجداد خلقوك من العدم ومنحوك‬‫القوة وكل املجد‪.‬‬ ‫ لن يصدقوين‪ ،‬سيقولون إين ُم ّد ٍع وسيذبحونني قُربانًا عىل الهيكل ويواصلون التسبيح يل‪ ،‬مل ينظروا يو ًما لوجهي لريوا‬‫الوهم الذي رسموه يف أعامقهم‪ ،‬ستسيل دما ٌء أُخرى وتضيع الحقيقة من جديد‪ ،‬لقد َمللت يا صغرييت وأُريد أن أكون‬ ‫‪58‬‬


‫اإلله ّ‬ ‫يتعث بجلبابه‬ ‫رويدة سامل‬

‫ما أنا عليه حقيق ًة‪ ،‬ثم وقف ساخطًا‪ ،‬فإذا به قصري القامة‪ ،‬نحيف‪ ،‬تَح ّرك‬ ‫السلّم ّ‬ ‫أرسعت الفراشات النورانية‬ ‫فتعث بطرف جلبابه وسقط‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫لينزل ُ‬ ‫لتُنجِده‪ ،‬فإذا يب يف حظرة طفلٍ يبيك بُحرق ٍة وقد سقط القناع‪ ،‬ح ّركت‬ ‫أجنحتي ببط ٍء ألتأكد من ثباتها ثم قفزت يف الفضاء الرحب وحملتني‬ ‫كل األغالل‬ ‫تكست ّ‬ ‫الرياح وحلّقت‪ ،‬كان الكون رح ًبا والدنيا حلو ًة زاهي ًة‪ّ ،‬‬ ‫ورقص قلبي لكلامت الرب‪ ،‬ويف البعيد رأيت الربيع ينساب كاألحالم ميألُ‬ ‫الدنيا أري ًجا‪ ،‬وبني األغصان الخرضاء واألزهار اليانعة بدأتْ ترتاقص طيو ٌر‬ ‫صغري ٌة نارش ًة أجنحتها الشفّافة القوية ٍ‬ ‫بثبات وعزم‪.‬‬ ‫طويل حتى شعرت بإعيا ٍء فتم ّددت عىل رسي ٍر أبيض يف غرف ٍة‬ ‫حلَّقت ً‬ ‫يدي ويبتسم‪،‬‬ ‫بيضاء‪ ،‬فتحت عيوين ألجد نفيس أمام‬ ‫ٍ‬ ‫طبيب يش ّد عىل ّ‬ ‫ث ّبت نظّارته عىل أنفه األفطس الكبري ثم قال‪:‬‬ ‫‪ -‬ها إ ّن العملية قد نجحت وها إنها قد عادت إلينا‪ ،‬دعوا الصغرية تحلم‪.‬‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من‬ ‫ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن‬ ‫ويرتجم النص القرآني لثالث لغات‬ ‫ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي‬ ‫الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا‬ ‫على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬

‫األخطاء اللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫‪59‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

60


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺴﺎﺑﻌﺔ واﻟﻌﺸﺮون‪ :‬ﻏﺰوة أﺣﺪ وﺻﻠﺢ اﻟﺤﺪﻳﺒﻴﺔ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫ﺗﺪﻗﻴﻖ ﺗﺮﺟﻤﺔ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﻣﺼﺎدر وإﺧﺮاج‪:‬‬ ‫أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬ ‫‪61‬‬


‫ُ‬ ‫ﻏﺰوة أﺣﺪ‬

‫وﻫﻦ‬ ‫وﻟﻢ ﺗﺮﺟﻊ ﻣّﻜﺔ ﻛﺴﺎﺑﻖ ﻋﻬﺪﻫﺎ‪ ،‬ﻓﺎﻟﻨﺴﻮة اﻟﺘﺤﻔﻦ ﺑﺎﻟﺴﻮاد ّ‬ ‫ﺤﻴﺒﻬﻦ اﻟﺨﺎﻓﺖ‬ ‫ﻛﻞ ﺑﻴﺖ‪ ،‬ﺗﺴﻤﻊ ﻧ‬ ‫ﻳﺨﺮﺟﻦ ﻓﻲ ﺟﻨﺎزات اﻟﺪﻓﻦ ﻣﻦ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻛﻞ ﻣﻜﺎن‪.‬‬ ‫ﺑﻌﺪ أن ﻛﻨﺖ ﺗﺴﻤﻊ اﻟﻐﻨﺎء وﺿﺮب اﻟﺪﻓﻮف ﻓﻲ ّ‬

‫ﻟﻢ ﻳﻨﺲ ﻣﺸﺮﻛﻮ‬ ‫ِ‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ ﻋﺎر ﻫﺰﻳﻤﺔ‬ ‫ﻣﻌﺮﻛﺔﺑﺪر‪.‬‬

‫رﺟﺎﻻ‪ ،‬ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎن‬ ‫ﻧﺴﺎءا ً‬ ‫ﻛﺒﺎرا‪ً ،‬‬ ‫ﺻﻐﺎرا ً‬ ‫ً‬ ‫اﻟﻘﺮﺷﻴﻴﻦ ﻏﻴﺮ ٍ‬ ‫ﻛﻠﻤﺔ واﺣﺪة‪ :‬اﻻﻧﺘﻘﺎم!‬

‫ﺷﻮال‪ ،‬اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ ﻟﻠﻬﺠﺮة‪،‬‬ ‫ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺴﺒﺖ‪ ،‬اﻟﺴﺎﺑﻊ ﻣﻦ ّ‬ ‫ﻣﻬﻤﺔﻗﻴﺎدةاﻟﺠﻴﺶاﻟﺬيﺳﻴﺜﺄرﻟﻬﺰﻳﻤﺔﺑﺪر‪،‬‬ ‫ﺗﻮﻟّﻰأﺑﻮﺳﻔﻴﺎن ّ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ أﺛﻨﺎء رﺣﻠﺘﻬﺎ‬ ‫وﻫﻮ اﻟﺬي أﻧﻘﺬ ﻗﺎﻓﻠﺔ ﻗﺮﻳﺶ ﻣﻦ ﻫﺠﻮم ّ‬ ‫إﻟﻰاﻟﺸﺎم‪.‬‬

‫دﻋﺎ أﺑﻮ ﺳﻔﻴﺎن رﺟﺎل ٍ‬ ‫ﻓﻠﺒﻰ اﻟﺪﻋﻮة أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺛﻼﺛﺔ آﻻف‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ ﻟﻠﺤﺮب‪ّ ،‬‬ ‫رﺟﻞ‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫وﻟﻜﻦ ﻟﻢ ﻳﻤﻠﻚ رﺳﻮل اﷲ ﺳﻮى ﺳﺒﻌﻤﺎﺋﺔ‬ ‫رﺟﻞ‪.‬‬


‫ﻣﻊ أﻧﻪ وﻋﺪ ﺟﻴﺸﻪ ﺑﺎﻟﻨﺼﺮ ﻓﻲ ﻣ ٍ‬ ‫ﺤﺎوﻟﺔ‬ ‫أن وﻗﻮع‬ ‫ﻟﺮﻓﻊ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎت اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ّ ،‬إﻻ ّ‬ ‫ﻫﺰ أﺳﻄﻮرة ﺟﻴﺶ اﷲ‬ ‫ﺑﻌﺾ اﻷﺧﻄﺎء ّ‬ ‫اﻟﺬي ﻻ ﻳُﻘﻬﺮ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ أﻧﻔﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻧﺘﺸﺮت إﺷﺎﻋ ٌﺔ ﺑﺄﻧﻪ‬ ‫أﺻﻴﺐ ٌ‬

‫ﻗﺪ ﻣﺎت‪..‬‬

‫ﺑﺄﻻ ﻳﻐﺎدروﻫﺎ‪ ،‬وﻟﻜﻦ ﻣﺎ إن‬ ‫ﻣﺤﻤ ٌﺪ ﻛﺘﻴﺒﺔ اﻟﺮﻣﺎة ﻓﻮق ﺗﻠّ ٍﺔ وأﻣﺮﻫﻢ ّ‬ ‫وّزع ّ‬ ‫ﻣﻤﺎﻓﺘﺢ‬ ‫ُأﻋﻠﻦاﻧﺘﺼﺎراﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦﺣﺘﻰﺗﺴﺎﺑﻖاﻟﺮﻣﺎةإﻟﻰﺟﻤﻊاﻟﻐﻨﺎﺋﻢ‪ّ ،‬‬ ‫اﻟﻤﺠﺎلأﻣﺎماﻟﻌﺪوﻟﻼﻟﺘﻔﺎفﻋﻠﻰاﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦواﻟﻬﺠﻮمﻣﻦﺟﺪﻳﺪ‪،‬ﻓﻜﺎد‬ ‫ذﻟﻚأنﻳﻜﻠّﻒاﻟﺮﺳﻮلﺣﻴﺎﺗﻪ‪.‬‬

‫ﻣﻤﺎ أﺛّﺮ ﺳﻠﺒًﺎ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﻨﻮﻳﺎت أﺗﺒﺎﻋﻪ‪ ،‬ﻓﺎﻧﻬﺰﻣﻮا‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪63‬‬


‫أن إﺣﺪى ﻧﺴﺎء‬ ‫ﻛﺎن ً‬ ‫ﺷﺪﻳﺪا ﻋﻠﻰ اﻟﻜ ّﻔﺎر ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺑﺪر‪ ،‬ﻟﺪرﺟﺔ ّ‬ ‫ﺳﺎدة ٍ‬ ‫ﺗﻮﻋﺪت ﺑﺎﻟﺜﺄر ﻣﻨﻪ ﻟﻘﺘﻠﻪ أﻗﺮﺑﺎﺋﻬﺎ‪.‬‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ ّ‬

‫ُﻗﺘﻞ ﺣﻤﺰة ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ أﺣﺪ‪ ،‬وﻫﻮ اﻟﺼﺤﺎﺑﻲ اﻟﺠﻠﻴﻞ‬ ‫ﺟﺪه ﻋﺒﺪاﻟﻤﻄﻠﺐ ﻣﻦ زوﺟﺘﻪ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬اﺑﻦ ّ‬ ‫وﻋﻢ ّ‬ ‫ﻣﻐﻮارا‪.‬‬ ‫ﻓﺎرﺳﺎ ً‬ ‫ﻫﺎﻟﺔ اﺑﻨﺔ ﻋﻢ آﻣﻨﺔ‪ ،‬وﻛﺎن ً‬

‫ﻋﺒﺪا اﺳﻤﻪ وﺣﺸﻲ ﻟﻴﺄﺧﺬ‬ ‫اﺳﺘﺨﺪﻣﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﺴﻴﺪة ً‬ ‫ﺑﺜﺄرﻫﺎ ﻓﻲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬وﻛﺎن ﻣﺤﺘﺮًﻓﺎ ﺑﺮﻣﻲ اﻟﺮﻣﺎح‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﻛﺎن ﺣﻤﺰٌة ﻓﻲ اﻟﺴﺘﻴﻦ ﻳﻮم ﻗُﺘﻞ‪ ،‬ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻛﺎن ٌ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺴﺎدﺳﺔ واﻟﺨﻤﺴﻴﻦ‪ ،‬وﻗﺪ ﺑﻜﺎه ﻛﻤﺎ ﻟﻢ ﻳﺒﻚ‬ ‫أﺣﺪا ﻣﻦ ﻗﺒﻞ‪.‬‬ ‫ً‬

‫ٍ‬ ‫ﻣﺴﺎﻓﺔ‬ ‫ﻓﻘﺘﻞ وﺣﺸﻲ ﺣﻤﺰَة ﻣﻦ‬ ‫ﺑﻌﻴﺪة‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻣﺜّﻞ ﺑﺠﺜﺘﻪ اﻧﺘﻘﺎﻣًﺎ‬ ‫ّ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ‬ ‫ّ‬

‫ﻣﺤﻤ ٍﺪ ﻓﻲ ﻏﺰوة أﺣﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ ﻗﺘﻠﺖ ﺳﺒﻌﻴﻦ‬ ‫ﻧﺠﺤﺖ ٌ‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ ﺑﺄﺧﺬ ﺛﺄرﻫﺎ ﻣﻦ ّ‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ﻗﺘﻴﻼ ﻣﻨﻬﺎ ﻓﻲ ﻏﺰوة ﺑﺪر‪.‬‬ ‫ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻣﻘﺎﺑﻞ اﻟﺴﺒﻌﻴﻦ ً‬

‫‪64‬‬


‫ﺻﻠﺢ ُ‬ ‫اﻟﺤﺪﻳﺒﻴّﺔ‬

‫ﺑﻌﺪ اﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮوب واﻟﻐﺰوات واﻻﻧﺘﺼﺎرات ﻋﻠﻰ أﻋﺪاء اﷲ‪،‬‬ ‫اﻷﻣﺔ اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺻﺎرت ﺗﺨﺸﺎﻫﺎ اﻟﺪول اﻟﻤﺠﺎورة‪،‬‬ ‫ﻛﺒﺮت ّ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬ ‫ﻷن اﻟﻤﺰﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﺗﺤﺎﻟﻔﺖ ﻣﻊ ّ‬

‫ﻣﺮت ﺳﺖ ٍ‬ ‫ﺳﻨﻮات ﻋﻠﻰ اﻟﻬﺠﺮة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وﺑﺪأﻣﺤﻤﺪﻳﺸﻌﺮﺑﺎﻟﺤﻨﻴﻦ‬ ‫إﻟﻰ ﻣﻜّﺔ‪.‬‬

‫وﻟﻜﻦ ﺑﻘﻴﺖ ﻣﻜّﺔ ﻋﻠﻰ ﻛﻔﺮﻫﺎ‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻮﻫﺮة ﺟﺰﻳﺮة اﻟﻌﺮب‬ ‫وﻣﺪﻳﻨﺔ اﺑﺮاﻫﻴﻢ اﻟﺨﻠﻴﻞ‪ ،‬وﻫﺬا ﻣﺎ ﻻ ﻳﻘﺒﻠﻪ ﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬

‫ﻓﻘﺮر اﻟﺰﺣﻒ إﻟﻰ ﻣﻜّﺔ ٍ‬ ‫ﺑﺠﻴﺶ ﻗﻮاﻣﻪ أﻟﻔًﺎ وأرﺑﻌﻤﺎﺋﺔ رﺟﻞ‪،‬‬ ‫وﻟﻜﻦ ﻟﻴﺲ ﻟﻠﻘﺘﺎل‪ ،‬إﻧﻤﺎ ﻷداء اﻟﻌﻤﺮة‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ﻗﻄﺎع اﻟﻄﺮق‪ ،‬وﻋﻨﺪﻣﺎ وﺻﻠﻮا‬ ‫أﺳﻠﺤﺔ‬ ‫وﻟﻢ ﻳﺤﻤﻞ ﻫﻮ ورﺟﺎﻟﻪ ﺳﻮى‬ ‫ﺧﻔﻴﻔﺔ ﻟﻠﺪﻓﺎع ﻋﻦ أﻧﻔﺴﻬﻢ ﻣﻦ ﻫﺠﻮم ّ‬ ‫ﻣﺸﺎرف ﻣﻜّﺔ‪ ،‬ﻟﺒﺴﻮا ﻣﻼﺑﺲ اﻹﺣﺮام اﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﻨﺎﺳﻚ اﻟﻌﻤﺮة‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫ﺮﻳﺶ ﺑﻮﺻﻮﻟﻬﻢ‪ ،‬ﻗﺮروا‬ ‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻤﻊ ﺳﺎدة ﻗ ٍ‬ ‫ﻟﺼﺪﻫﻢ‪.‬‬ ‫ﺟﻤﻊاﻟﺠﻴﺶ ّ‬

‫اﻟﻘﺮﺷﻴﻮن ﻛﻼم ﻋﺜﻤﺎن‪ ،‬ﻟﻜﻨﻬﻢ ﺑﻌﺜﻮا‬ ‫ﺳﻤﻊ‬ ‫ّ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﻟﻴﺘﺄﻛﺪوا ﻣﻦ ﻧﻮاﻳﺎه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫رﺳﻮﻻ إﻟﻰ ّ‬

‫‪ ..‬واﻟﻘﻴﺼﺮ واﻟﻨﺠﺎﺷﻲ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻲ‬ ‫ﻣﺒﺠﻼ ﻣﻦ أﺗﺒﺎﻋﻪ‬ ‫ﻟﻢ أر ﻣﻠﻜًﺎ ً‬ ‫ﻣﺜﻞﻣﺤﻤﺪ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪا ﻟﻢ ﻳﺮد اﻟﻘﺘﺎل ﻫﺬه اﻟﻤﺮة‪ ،‬ﻓﺒﻌﺚ ﻟﻬﻢ‬ ‫ﻟﻜﻦ ً‬ ‫رﺳﻮﻻ‪.‬‬ ‫ﻋﺜﻤﺎن ﺑﻦ ﻋ ّﻔﺎن ً‬ ‫أﺧﺒﺮﻫﻢ أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﺄت ﻟﻨﻘﺎﺗﻠﻜﻢ‪ ،‬وإﻧﻤﺎ أﺗﻴﻨﺎ ﻷداء ﻣﻨﺎﺳﻚ‬ ‫اﻟﻌﻤﺮة‪ ،‬ادﻋﻬﻢ ﻻﻋﺘﻨﺎق اﻹﺳﻼم‪ ،‬وأﺧﺒﺮ ﻣﻦ ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻨﻬﻢ‬ ‫ﺑﺄﻧﻨﺎ ﺑﺼﺪد إﻧﺸﺎء ٍ‬ ‫ﻣﺪﻳﻨﺔ ودوﻟﺔ‪ ،‬وأن اﻹﺳﻼم ﺳﻴﻨﺘﺼﺮ ﻻ ﻣﺤﺎﻟﺔ‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ﺑﺎﻧﺪﻫﺎش ﻣﺎ‬ ‫ﺑﻌﺪ ﻋﻮدة اﻟﺴﻴﺎﺳﻲ اﻟﻤﺤّﻨﻚ ﻋﺮوة ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮٍد ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪ ،‬روى‬ ‫رآه ﻫﻨﺎك‪:‬‬

‫ﻟﻘﺪ ﺷﺎﻫﺪت ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻠﻮﻛًﺎ ودﺧﻠﺖ‬ ‫ﺑﻼط ﻛﺴﺮى‪..‬‬

‫ﺨﺎﻣﺔ‬ ‫ﻓﻼ ﻳﺒﺼﻖ ﻧُ ً‬ ‫ّإﻻ وﻳﻠﺘﻘﻄﻬﺎ أﺣﺪ أﺗﺒﺎﻋﻪ‬ ‫ﻓﻴﻤﺴﺢ ﺑﻬﺎ وﺟﻬﻪ وﺟﻠﺪه‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺘﻮﺿﺄ‪ ،‬ﻳﺘﻘﺎﺗﻞ أﺗﺒﺎﻋﻪ ﻋﻠﻰ‬ ‫اﻟﻤﺎءاﻟﺬياﺳﺘﻌﻤﻠﻪ‪.‬‬

‫أن‬ ‫ﺛﻢ أﺧﺒﺮ ﻋﺮوة ﺑﻦ ﻣﺴﻌﻮدٍ ﻗﺮﻳ ًﺸﺎ ّ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪا ﻳﻌﺮض ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻌﺎﻫﺪة ٍ‬ ‫ﺳﻼم‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وﺻﻠﺢوﻳﺪﻋﻮﻫﻢﻟﻠﺤﻮار‪.‬‬

‫ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺨﺎﻃﺒﻬﻢ‪ ،‬ﻳﺨﻔﻀﻮن أﺻﻮاﺗﻬﻢ وﻻ ﻳﻨﻈﺮون‬ ‫ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻴﻪ اﺣﺘﺮاﻣًﺎ ﻟﻪ‪.‬‬

‫ﺪﻳﺒﻴﺔ ﻛﺎﻟﺘﺎﻟﻲ‪:‬‬ ‫ﻛﺎﻧﺖ ﺑﻨﻮدﺻﻠﺢ ُ‬ ‫اﻟﺤ ّ‬

‫‪ .1‬ﻛ ّﻞ ٍ‬ ‫ﻟﻘﺮﻳﺶ أو ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪.‬‬ ‫ﺷﺨﺺ ﺣﺮٌ ﻓﻲ وﻻﺋﻪ ٍ‬ ‫‪ .2‬ﺗﺘﻮﻗﻒ اﻟﺤﺮوب ﻟﻤﺪة ﻋﺸﺮ ﺳﻨﻮات‪.‬‬ ‫‪ .3‬ﻳﻐﺎدر اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن وﻳﻌﻮدون اﻟﻌﺎم اﻟﻤﻘﺒﻞ ﻷداء اﻟﻌﻤﺮة‪.‬‬ ‫‪ .4‬ﺗُﻤﻨﻊ اﻻﻋﺘﺪاءات ﻋﻠﻰ اﻷﺷﺨﺎص أو ﻋﻠﻰ اﻟﻘﺒﺎﺋﻞ ﻣﻬﻤﺎ‬ ‫ﻛﺎﻧﺖ اﻷﺳﺒﺎب‪.‬‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ إﻟﻰ اﻟﻨﺒﻲ ﻳﺮﻳﺪ اﻟﺪﺧﻮل ﻓﻲ اﻹﺳﻼم‪،‬‬ ‫‪ .5‬ﻛ ّﻞ ﻣﻦ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ٍ‬ ‫ﻳﺮدّه اﻟﻤﺴﻠﻤﻮن إﻟﻰ ﻗﺮﻳﺶ‪ ،‬أﻣّﺎ ﻣﻦ ﻳﺬﻫﺐ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‬ ‫ﻗﺮﻳﺶ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﺣﻤﺎﻳﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻳﻘﺒﻠﻮه وﻳُﺪﺧﻠﻮه ﻓﻲ ﺣﻠﻔﻬﻢ‬ ‫إﻟﻰ ٍ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫وﻻ ﻳُﺮدّ إﻟﻰ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫بعض من وقائع غزوة أحد‪:‬‬ ‫(‪ٌ .)1‬‬ ‫ُ‬ ‫ورجال أخر من أرشاف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫قريش إىل أيب سفيان‬ ‫‪ l‬وملا أصاب قريشً ا يوم بد ٍر ما أصابها مىش عبد الله بن أيب ربيعة وعكرمة بن أيب جهلٍ وصفوان بن أمية ]‪[...‬‬ ‫]‪ ،[...‬وإىل من كانت له تجار ٌة يف تلك العري‪ :‬أي التي كان سببها وقعة بدر‪ ،‬وكانت تلك العري موقوف ًة يف دار الندوة مل تعط ألربابها‪ ،‬فقالوا ‪:‬إن محم ًدا قد‬ ‫وتركم‪ ،‬أي قتل رجالكم ومل تدركوا دماءهم‪ ،‬وقتل خياركم فأعينونا بهذا املال عىل حربه لعلنا ندرك منه ثأ ًرا عمن أصاب منا‪ :‬وقالوا نحن طيبو النفوس‬ ‫أن تُجهزوا بربح هذه العري جيشً ا إىل محمد‪ ،‬فقال أبو سفيان ‪:‬وأنا أول من أجاب إىل ذلك وبنو عبد مناف معي فجعلوا لذلك ربح املال [‪ ]...‬وتجهزت‬ ‫قريش ومن واالهم من قبائل كنانة وتهامة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫قريش وهم ثالثة آالف رجل‪ ،‬وقال بعض الحفاظ‪ :‬جمع أبو سفيان قري ًبا من ثالثة ٍ‬ ‫آالف من ٍ‬ ‫قريش والحلفاء واألحابيش‪ ،‬وخرج معه أبو عامر‬ ‫وسارت ٌ‬ ‫فارسا من األوس‪ .‬وخرج (محمد) يف ألف‪ ،‬وقيل تسعامئة‪ ،‬ولعله تصحيفًا عن سبعامئة ملا سيأيت أن عبد الله بن أيب بن سلول رجع ومعه‬ ‫الراهب يف سبعني ً‬ ‫ثالمثائة‪ ،‬فبقي سبعامئة من أصحابه ﷺ منهم مائة دارع‪ .‬وخرج السعدان أمامه ﷺ يعدوان‪ :‬سعد بن معاذ وسعد بن عبادة دارعني‪.‬‬ ‫السحر فحانت صالة الصبح بالشوط (حائ ٌط بني املدينة وأحد)‪ ،‬ومن ذلك املكان رجع عبد الله بن أيب بن سلول ومن معه من أهل‬ ‫وأدلج رسول الله يف َ‬ ‫علم ما ندري عالم نقتل أنفسنا؟ ارجعوا أيها الناس فرجعوا‪ ]...[ ،‬وكان يف‬ ‫النفاق وهم ثالمثائة رجل‪ ،‬وهو يقول‪ :‬عصاين وأطاع الولدان ومن ال أرى له ً‬ ‫الخزرج كعبد الله بن أ ٍّيب يقول‪ :‬يا قوم أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم‪ :‬أي ترتكوا نرصتهم وإعانتهم عندما حرض من عدوهم‪ ،‬قالوا‪ :‬لو نعلم أنكم‬ ‫قتال وأبوا إال االنرصاف‪ ،‬فقال لهم ‪:‬أبعدكم الله أي أهلككم الله أعداء الله‪ ،‬فس ُيغني الله تعاىل عنكم نب ّيه‪.‬‬ ‫تقاتلون ملا أسلمناكم‪ ،‬ولكن ال نرى أنه يكون ً‬ ‫ومىض رسول الله ﷺ حتى نزل ِ‬ ‫وصف املسلمني يف جبل أحد‪ ]...[ ،‬وقال‪ :‬ال تربحوا‬ ‫الشعب من أحد‪ ،‬فجعل ظهره وعسكره إىل أحد‪ .‬قال ‪:‬واستقبل املدينة‪ّ ،‬‬ ‫رجل‪ ،‬وأ ّمر عليهم عبد الله بن جبري [‪ ]...‬ويف رواية «إن رأيتمونا تتخطفنا الطري‬ ‫حتى أوذنكم وقال‪ :‬ال يقاتلن أح ٌد حتى آمره بالقتال‪ ،‬وكان الرماة خمسني ً‬ ‫فال تربحوا حتى أُرسل إليكم‪ ،‬وإن رأيتمونا ظهِرنا عىل القوم وأوطأناهم فال تربحوا حتى أُرسل إليكم» زاد يف رواية «وإن رأيتمونا قد غنمنا فال ترشكونا»‪،‬‬ ‫ويف رواي ٍة أنه قال‪ ،‬أي للرماة ‪«:‬الزموا مكانكم ال تربحوا منه‪ ،‬فإذا رأيتمونا نهزمهم حتى ندخل يف عسكرهم فال تفارقوا مكانكم‪ ،‬وإن رأيتمونا نُقتل فال‬ ‫تغيثونا وال تدفعوا عنا وارشقوهم بالنبل‪ .‬فإن الخيل ال تقدم عىل النبل‪ ،‬إنا لن نزال غالبني ما مكثتم مكانكم‪ ،‬اللهم إين أُشهدك عليهم»‪.‬‬ ‫وأكب حمزة عليه ليأخذ درعه‪ .‬قال وحيش غالم جبريٍ بن مطعم‪ :‬إين ألنظر إىل حمزة يهد الناس بسيفه [‪ ]...‬أي وقد عرث حمزة‪ ،‬فانكشف الدرع عن بطنه‬ ‫فهززت حربتي حتى إذا رضيت عنها دفعتها عليه فوقعت يف ثنيته باملثلثة‪ :‬وهو موض ٌع تحت الرسة وفوق العانة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫كاشفات‬ ‫ثم [‪ ]...‬انهزم املرشكون وولوا ال يلوون عىل يشء‪ ،‬ونساؤهم يدعون بالويل بعد فرحهم ورضبهم بالدفوف وألقني الدفوف‪ ،‬وقصدن الجبل‬ ‫سيقانهن يرفعن ثيابه ّن‪ ،‬وتبع املسلمون املرشكني يضعون فيهم السالح وينتهبون الغنائم‪ ،‬ففارقت الرماة محلهم الذي أمرهم ﷺ ألّ يفارقوه‪.‬‬ ‫فنظر خالد بن الوليد إىل خالء الجبل من الرماة وقلة من به منهم‪ ،‬فك ّر بالخيل ومعه عكرمة بن أيب جهل [‪ ]...‬فحملوا عىل من بقي من الرماة فقتلوهم‬ ‫مع أمريهم عبد الله بن جبريٍ ومثّلوا به‪ ]...[ .‬وأحاطوا باملسلمني‪ .‬فبينام املسلمون قد شُ غلوا بالنهب واألرس‪ ،‬إذ دخلت خيول املرشكني [‪ ]...‬ووضعوا‬ ‫السيوف يف املسلمني وهم آمنون‪ ،‬وتفرق املسلمون يف كل وج ٍه وتركوا ما انتهبوا‪ ،‬وخلّوا من أرسوا‪ ،‬وانتقضت صفوف املسلمني‪ ،‬واختلط املسلمون وصار‬ ‫يرضب بعضهم بعضً ا من غري شعار‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬إن كان رسول الله ﷺ قد قُتل أفال تقاتلون عىل دين نبيكم وعىل ما كان عليه نبيكم حتى تلقوا الله شهداء‪.‬‬ ‫وبقرت‪ ،‬أي شقّت هند بطن سيدنا حمزة ريض الله عنه‪ ،‬وأخرجت كبده فالكتها‪ ،‬فلم تستطع أن تسيغها‪ ،‬أي تبتلعها‪ ،‬فلفظتها أي ألقتها من فيها ألنها‬ ‫كانت نذرت إن قدرت عىل حمزة ريض الله عنه لتأكلن من كبده‪.‬‬ ‫فجاء رسول الله ﷺ نحو حمزة فوجده ببطن الوادي قد بُقر بطنه و ُمثّل به فُجدع أنفه وأذناه‪ ،‬وقُطعت مذاكريه‪ ،‬فنظر ﷺ إىل يش ٍء مل ينظر إىل يش ٍء‬ ‫قط كان أوجع لقلبه منه ‪.‬أي وقال ‪:‬لن أُصاب مبثلك‪ ،‬ما وقفت موقفًا أغيظ يل من هذا‪ ،‬وقال‪ :‬رحمة الله عليك‪ ،‬فإنك كنت ما علمتك‪ ،‬فعولً للخريات‪،‬‬ ‫رجل منهم مكانك»‪.‬‬ ‫وصول للرحم‪ ،‬أما والله ألمثل ّن بسبعني» ويف رواية «بثالثني ً‬ ‫ً‬ ‫يل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427( -‬هـ‪/‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لع ٍّ‬ ‫‪2006‬م)‪ ،‬الجزء (‪ ،)2‬الصفحة (‪.)335-295‬‬

‫‪68‬‬


‫(‪ .)2‬صلح الحديبية‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ - l‬وخرج ﷺ بعد أن اغتسل ببيته‪ ، ،‬ولبس ثوبني‪ ،‬وركب راحلته القصوى من عند بابه‪ ]...[ ،‬وكان الناس سبعامئة رجلٍ فكانت كل بدنة عن عرشة‪،‬‬ ‫وقيل كانوا أربع عرشة مائة‪ ،‬وقيل خمس عرشة وقيل ست عرشة‪ ،‬وقيل كانوا ألفًا وثالمثائة‪ ،‬وقيل وأربعامئة‪ ،‬وقيل وخمسامئة وخمس ًة وعرشين [‪ ]...‬أي‬ ‫سالح إال السيوف يف ال ِقرب‪ ،‬وقال له عمر بن الخطاب ريض الله عنه‪ :‬أتخىش يا رسول الله من أيب سفيان وأصحابه ومل تأخذ للحرب عدتها؟‬ ‫وليس معهم ٌ‬ ‫فقال‪ :‬لست أحب أن أحمل السالح معتم ًرا‪.‬‬ ‫يل أيها الناس‪ ،‬أتريدون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه؟ فقال أبو بكر‪ :‬يا‬ ‫وملا سمع رسول الله ﷺ بأن قريشً ا تريد منعه عن البيت قال‪ :‬أشريوا ع ّ‬ ‫رسول الله خرجت عام ًدا لهذا البيت ال تريد قتل ٍ‬ ‫أحد وال حربًا‪ ،‬فتو ّجه له فمن صدنا عنه قاتلناه‪.‬‬ ‫بديل بن ورقاء [‪ ،]...‬فسألوه ما الذي جاء به؟ فأخربهم أنه مل يأت يريد حربًا؛ وإمنا جاء زائ ًرا للبيت ومعظ ًّم لحرمته‪.‬‬ ‫فلام اطأمن رسول الله ﷺ أتاه ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بديل ومن معه من خزاعة ملا رجعوا إىل ٍ‬ ‫محمد وإن محم ًدا مل يأت لقتال وإمنا‬ ‫قريش قالوا‪ :‬يا معرش قريش إنكم تعجلون عىل‬ ‫[‪ ]...‬والرواية املشهورة أن ً‬ ‫قتال فو الله ال يدخلها علينا عنوةً‪ ،‬أي قه ًرا أب ًدا‪ ،‬وال‬ ‫جاء زائ ًرا لهذا البيت فاتهموهم وجبهوهم‪ :‬أي قابلوهم مبا يكرهون‪ ،‬وقالوا إن كان جاء وال يريد ً‬ ‫تتحدث بذلك عنا العرب‪.‬‬ ‫ثم بعثوا إىل رسول الله ﷺ عروة بن مسعو ٍد الثقفي [‪ ]...‬فخرج حتى أىت رسول الله ﷺ فجلس بني يديه‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا محمد جمعت أوباش‪ ،‬أي أخالط‬ ‫الناس ثم جئت بهم إىل بيضتك‪ ،‬أي أصلك وعشريتك لتفضها بهم‪ ،‬إنها قريش قد خرجت معها العوذ املطافيل‪ ،‬قد لبسوا جلود النمر يعاهدون الله ّأل‬ ‫تدخلها عليهم عنو ًة أب ًدا‪.‬‬ ‫فقام (عروة) من عند رسول الله ﷺ وقد رأى ما يصنع به أصحابه‪ ،‬ال يتوضأ‪ ،‬أي يغسل يديه إال ابتدروا وضوءه‪ ،‬أي كادوا يقتتلون عليه‪ ،‬وال يبصق‬ ‫بصاقًا إال ابتدروه‪ ،‬أي يدلك به من وقع يف يده وجهه وجلده‪ ،‬وال يسقط من شعره يش ٌء إال أخذوه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده‪ ،‬وال يح ّدون النظر‬ ‫ٍ‬ ‫تعظيم له ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا معرش ٍ‬ ‫محمد يف‬ ‫قريش إين جئت كرسى يف ملكه‪ ،‬وقيرص يف ملكه‪ ،‬والنجايش يف ملكه‪ ،‬والله ما رأيت ملكًا يف قومه قط مثل‬ ‫إليه‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫أصحابه‪ ،‬ولقد رأيت قو ًما ال يسلمونه ليشء أب ًدا‪ ،‬فروا رأيكم فإنه عرض عليكم رش ًدا فاقبلوا ما عرض عليكم‪ ،‬فإين لكم ناصح‪ ،‬مع أين أخاف ّأل تنرصوا عليه‪.‬‬ ‫بكتاب لقريش‪ :‬أي قيل فيه إنه ما جاء لحرب أحد‪ ،‬وإمنا جاء معتم ًرا بدليل ما يأيت يف ر ّدهم عليه‪.‬‬ ‫وذكر بعضهم أنه ﷺ بعث عثامن ريض الله عنه‬ ‫ٍ‬ ‫ وملا علمت قريش بهذه البيعة خافوا‪ ،‬وأشار أهل الرأي بالصلح عىل أن يرجع ويعود من قابل‪ ]...[ ،‬فبعثوا سهيل بن عمرو [‪ ]...‬فلام رآه رسول الله‬‫ﷺ مقبال قال‪ :‬أراد القوم الصلح حيث بعثوا هذا الرجل‪ ]...[ ،‬ومن جملة ذلك أن النبي ﷺ قال له تخلوا بيننا وبني البيت فنطوف به‪ ،‬فقال له سهيل‪:‬‬ ‫والله ال تتحدث العرب بنا أنا أخذنا ضغطة بالضم‪ :‬أي بالشدة واإلكراه‪ ،‬ولكن ذلك من العام القابل‪ ،‬ثم التأم األمر بينهام عىل الصلح عىل ترك القتال إىل‬ ‫آخر ما يأيت‪ ،‬ومل يبق إال الكتاب بذلك‪.‬‬ ‫ويكف بعضهم عن بعض‪ ،‬أي‬ ‫وكان الصلح عىل وضع الحرب عن الناس عرش سنني‪ ،‬وقيل سنتني‪ ،‬وقيل أربع سنني‪ ،‬أي وصححه الحاكم‪ -‬تأمن فيه الناس ّ‬ ‫ويقال لهذا العقد هدن ٌة ومهادن ٌة وموادع ٌة ومساملة‪ .‬وقال زياد ًة عىل اشرتاط الكف عن الحرب عىل أنه من أىت محم ًدا ﷺ من ٍ‬ ‫قريش ممن هو عىل دين‬ ‫ٍ‬ ‫محمد بغري إذن ول ّيه رده إليه ذك ًرا كان أو أنثى [‪ ]...‬ومن أىت قريشً ا ممن كان مع محمد‪ :‬أي مرت ًدا ذك ًرا كان أو أنثى مل نر ّده إليه‪.‬‬ ‫يل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1427( -‬هـ‪/‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لع ٍّ‬ ‫‪2006‬م)‪ ،‬الجزء (‪ ،)3‬الصفحة (‪.)30-12‬‬

‫‪69‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

70


‫ح ّرم منص الحاجب وفرض الختان‪ ..‬سبحانه ما أعظم حكمته‪.‬‬

‫‪Dan Brown‬‬

‫ـ‬

‫أحسنت االختيار سبحانك‪.‬‬

‫‪Antonov Hoshi‬‬ ‫ـ‬

‫صديقي صلعم عنده عبيد ولن أحرمه منهم‪.‬‬ ‫متجيد القبح ومحاربة الجامل‪ ،‬وظيفة ربهم األساسية‪..‬‬

‫‪71‬‬

‫‪Abdu Alsafrani‬‬

‫زياد عبد الرحمن‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse anydoes formnotof adopt politisions complete Magazine cal ideology affiliation or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property issues of intellectual property Express permission for tofor publish in the in Magazine is provided by conExpress permission to publish the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group of other atheists and non-religious contributors Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.