مجلة الملحدين العرب / العدد الثاني والسبعون / نوفمبر تشرين ثاني / 2018

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫آيات إنساني ٌة‬ ‫ٌ‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫اإللحاد جـ ‪1‬‬

‫إنيك‬

‫املرأة التي انترصت عىل‬ ‫اإلله‬

‫العدد الثاين والسبعون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬نوفمرب ‪ /‬ترشين ثاين لسنة ‪.2018‬‬

‫‪Omar Hussein‬‬

‫النقد القرآين جـ‪:1‬‬ ‫الفرتة ما بني السنوات‬ ‫‪700‬م و‪825‬م‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤول ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫إحدى أهم أهداف مرشوعنا التنويري سوا ًء يف مجلة امللحدين‬ ‫العرب أو شبكة ومنتدى امللحدين العرب عىل شبكة التواصل‬ ‫االجتامعي أو موقع قناة امللحدين بالعريب هو إعطاء الصوت للنقد‬ ‫الحقيقي للتابوهات واملح ّرمات التي تستبد بالجميع مسلح ًة بنو ٍع‬ ‫مغتصب من حقوق اآلخرين وقيمة‬ ‫مستحق من الحصانة ولكن‬ ‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أمس الحاجة إليه‪ ،‬فقد‬ ‫الحقيقة والعدالة‪ ,‬هذا النقد الذي نحن يف ّ‬ ‫كانت هذه التابوهات واملح ّرمات وال زالت تشكّل أرضي ًة وب ًنى‬ ‫تحتي ًة للكثري من أنواع الظلم والفساد والغش‪ ,‬ولعل الوباء الذي‬ ‫وإرهاب‬ ‫ديني‬ ‫ٍ‬ ‫تعاين منه أغلب البلدان الرشق أوسطية من تط ّر ٍف ٍّ‬ ‫أوضح مثالً عىل نتيجة غياب النقد والحوار‪.‬‬ ‫النقد والحوار ومواجهة الكلمة بالكلمة والفكرة بالفكرة هو السبيل‬ ‫الوحيد للنهوض باألفراد واملجتمع والدول حيث أن نتيجتها دو ًما‬ ‫تكون بتب ّني األفضل وترك ما هو أكرث فسا ًدا‪.‬‬ ‫تقدم وازدهار‪،‬‬ ‫اليوم يرى العامل ما وصلت إليه الحضارة الغربية من ٍ‬ ‫والكثري من أبناء شعوبنا هربوا من جحيم بلدانهم إىل واحات الحرية‬ ‫تلك‪ .‬تلك الواحات الحضارية التي مل تكن ممكن ًة لوىل وجود ثقافة‬ ‫النقد الحر والتعبري بدون قيو ٍد وتابوهات‪ .‬تلك الثقافة التي ت ُعترب‬ ‫تقديسا حتى‬ ‫عند الكثري من الدول املتقدمة األساس الفكري واألكرث‬ ‫ً‬ ‫أصبحت مرادف ًة للكرامة اإلنسانية‪.‬‬ ‫من السهل علينا أن نتسوق الحلول وأن ننظر للتجارب الناجحة‬ ‫ونستوردها‪ ،‬ولكننا بحاج ٍة أكرث إىل صناعة حضارتنا بأنفسنا ليس‬ ‫خوفًا من اتهامنا بالعاملة للغرب وتقديسه بل ألن أي تجرب ٍة حضاري ٍة‬ ‫حقيقي ٍة تحتاج أن تكون أصيل ًة من جذور املجتمع وليست دخيل ًة‬ ‫عليه حتى تنجح وتستمر وتزدهر‪.‬‬ ‫الغراب الحكيم‬

‫‪2‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪RoRo Evil-Girl‬‬ ‫‪Rama Salih‬‬ ‫‪Sami Jamal‬‬ ‫‪Olga Loutfi‬‬ ‫‪Osama al Abbas‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪Liza Paloulian‬‬ ‫‪Saad Taher‬‬ ‫‪Yusuf Askar‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫آيات إنساني ٌة‬ ‫ٌ‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫‪9‬‬

‫اإللحاد جـ ‪ :1‬بؤس اإللحاد التقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪17‬‬

‫النقد القرآين جـ ‪:1‬‬ ‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫‪38‬‬

‫املرأة التي انترصت عىل اإلله (قصة قصرية) ‪49‬‬ ‫‪Omar Hussein‬‬ ‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪54‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪61‬‬

‫‪3‬‬


‫آيات إنساني ٌة‬ ‫ٌ‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫عب اليوم عن قيم ٍة مفقود ٍة‬ ‫الوطن كهوي ٍة وانتام ٍء وشعو ٍر يُ ّ‬ ‫يف الوعي العريب‪ ،‬بعد أن اخرتقتنا هويات الدين واملذهب‬ ‫والقبيلة والعرق والتي أعادتنا أكرث إىل العصور البدائية‬ ‫ٍ‬ ‫وانحطاط ِق َي ِم ٍّي‬ ‫أو ج ّمدتنا عىل ما نحن فيه من تراجعٍ‬ ‫وحضاري‪ ،‬فالوطن مل يعد يُد َّرس يف التعليم إلّ كبقع ٍة‬ ‫جغرافية‪ ،‬بينام الوالء للوطن أصبح مأسو ًرا باملذهبية‬ ‫والطائفية والعرقية والقبَلية‪ ،‬وهو ما يُشكّل أحد األسباب‬ ‫الرئيسية يف إخفاق واستكامل مرشوع النهضة العربية‬ ‫املنشودة‪.‬‬

‫وشيعية‪ ،‬ومقابل ذلك فشلنا يف بناء هوية الوطن والوالء‬ ‫أي‬ ‫الوطني واكتفينا بالشعارات الوطنية فقط دون غرس ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعارض أو ضبابي ٍة‬ ‫مضامني وطنية يف العقل العريب لوجود‬ ‫أو تضا ٍد بني مفهومي الوطن ِ‬ ‫والدين‪ ...‬فبينام يرى البعض‬ ‫مذهب‬ ‫الوطن هو أنت وأنا وال يجمعنا داخله ال دي ٌن وال‬ ‫ٌ‬ ‫وال عرق‪ ،‬بل تجمعنا قيم املواطنة والعدالة واملساواة التي‬ ‫تتمثل باالندماج اإلنساين والحضاري واألخالقي‪ ،‬يراه البعض‬ ‫اآلخر مجرد كيانٍ يخدم اإلسالم ضمن رشوط الكُفر واإلميان‬ ‫ٍ‬ ‫تعامالت‬ ‫ودار الحرب ودار السالم وما يستتبع ذلك من‬ ‫خاص ٍة للمسلمني وللكفار حتى ولو كانوا مواطنني‪.‬‬

‫من املُؤكَّد أ ّن غياب مفهوم الوطن واملواطنة أث ّر بشكلٍ كبريٍ‬ ‫عىل تعاطينا مع األزمات السياسية واالجتامعية من خالل‬ ‫إدخال مجتمعاتنا العربية يف أُتون الرصاعات اإلقليمية‬ ‫وخصوصا بعد انتشار تنظيم الدولة اإلسالمية‬ ‫والدولية‬ ‫ً‬ ‫ومتددها اإلسالمي‪ ،‬وما تبع ذلك من ه ّز ٍ‬ ‫ات طائفي ٍة سني ٍة‬

‫تشع‬ ‫نحن اليوم لسنا بحاج ٍة إىل األديان حتى تحكمنا أو ّ‬ ‫لنا‪ ،‬بل نحن بحاج ٍة أكرث إىل اإلنسانية والتعايش واألخالق‬ ‫الكونية‪ ،‬وال ميكن أن يُق ِّدم هذه املنظومة من القيم واملفاهيم‬ ‫واملبادئ الرائعة سوى العلامنية مبا تحمله من ٍ‬ ‫غايات وإدار ٍة‬ ‫‪4‬‬


‫آياتٌ إنساني ٌة‬ ‫كل الُمسميات اإلسالمية والشيوعية والوسطية الدينية يف‬ ‫واعي ٍة عقالني ٍة ملختلف الشعوب والثقافات واألديان‪ ،‬فقد فشلت ّ‬ ‫كل الشعارات الدينية والقومية يف وحل االستبداد‬ ‫القيام بدورها اإلنساين يف تقريب الشعوب أو خلق الحضارة‪ ،‬وسقطت ّ‬ ‫والهيمنة والوصاية وتطبيق الرشيعة‪ ،‬لقد فهم املسلمون الحداثة بأنها بنا ٌء وماد ٌة وتكنولوجيا‪ ،‬ولكن غاب عنهم أ ّن الحداثة‬ ‫سيايس تصنع اإلنسان وتخلق التنمية وتسترشف املستقبل بخطًى واعي ٍة ونظر ٍة عقالني ٍة وقدر ٍة عىل‬ ‫اقتصادي‬ ‫اجتامعي‬ ‫تطو ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أي قيود‪.‬‬ ‫االبتكار دون ّ‬ ‫هاجسا مخيفًا وترد ًدا كب ًريا وكراهي ًة ديني ًة ملفهوم العلامنية‪ ،‬ألنّه إىل اليوم مل يتعايش معها‬ ‫املواطن العريب اليوم يحمل‬ ‫ً‬ ‫إلحادي يسعى إىل تشويه سمعة‬ ‫تغريبي‬ ‫فكل ما تعرفه غالبية الشعوب العربية عن العلامنية أنّها تيا ٌر‬ ‫أو حتى يج ّربها‪ّ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫طويل من الدعوة الدينية‬ ‫نتاج ٌ‬ ‫املسلمني ونرش الرذيلة بأوساط النساء‪ ،‬وهذا املفهوم أو الوعي السائد يف العقل العريب هو ٌ‬ ‫ض ّد العلامنية‪ ،‬ونتاج عرشات الفتاوي الرشعية بتكفري العلامنيني عىل طول الوطن العريب وعرضه‪ ،‬وبالتايل وأمام هذا الوعي‬ ‫ٍ‬ ‫بخوف وحذ ٍر وكراهية‪،‬‬ ‫الزائف املنترش يف التعليم واملساجد والفضائيات الدينية مل تتعاطى الشعوب العربية مع العلامنية ّإل‬ ‫وأيضا مل تساهم األنظمة العربية يف دعم الثقافة العلامنية ألنها تخاف من مبادئها يف نرش ودعم حقوق اإلنسان والحريات‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫كسلوك وثقاف ٍة‬ ‫نظام عر ٍيب ي ّدعي بأنّه نظا ٌم علام ٌين دون أن تتواجد حرية الرأي واالعتقاد والدميقراطية‬ ‫السلطة‪ ،‬فكل ٍ‬ ‫وتداول ُ‬ ‫كاذب ي ّدعي زو ًرا وبهتانًا بأنّه علام ٌين لخداع الشعوب واملجتمع الدويل‪ .‬فالعلامنية ليست عقيد ًة‬ ‫ومجتمعٍ مدين‪ ،‬فهو نظا ٌم ٌ‬ ‫وال دي ًنا‪ ،‬بل هي آلي ًة إلدارة املجتمع بصور ٍة حيادي ٍة أمام مختلف التنوعات الفكرية والدينية والالدينية‪ ،‬وبالتايل فالعلامنية‬ ‫تتطلّب الحياد التام والرؤية العقالنية واالهتامم باإلنسان أولً وأخ ًريا من خالل توفري البيئة املجتمعية القامئة عىل العدالة‬ ‫واملساواة والحريات واحرتام القانون والتعايش مع اآلخر املختلف‪.‬‬ ‫فكيف نستطيع أن نتغري أو نحدث التغيري وسط هذه الحالة املحبطة‬ ‫السائدة؟‪ ...‬عندما أقرأ بإمعانٍ عن نية الشعوب العربية بالتغيري‪ ،‬ولكنها تعتز‬ ‫ج ًدا بنفس الوقت بذاكرتها املاضوية‪ ،‬وكيف تتعامل مع حارضها‪ ،‬وكيف تريد‬ ‫ويائسا إزاء مجتمعاتنا العربية التي‬ ‫أن يكون مستقبلها‪ ،‬أجد نفيس ُمحبطًا ً‬ ‫ٍ‬ ‫حاالت‬ ‫ال تتزحزح قيد أمنل ٍة عن بني ٍة صلد ٍة من التفكري الديني وهي ترتع يف‬ ‫فوضوية‪ ،‬ومصالح سياسية‪ ،‬وترديد شعار ٍ‬ ‫ات دينية‪ ،‬وتتعامل مع أفكا ٍر رجعية‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بعواطف ماورائية‪ .‬إن أسوأ ما نجده يف املجتمعات العربية هو‬ ‫وتتشبّع‬ ‫للتعصبات الدينية والطائفية والقَبلية‪ ،‬وخضوع النخب املثقفة‬ ‫هذا التواصل‬ ‫ُّ‬ ‫بتياراتها املدنية والعلامنية والدميقراطية لثقافة املجتمع السائدة وعدم القدرة‪،‬‬ ‫وأنا أراها عدم الرغبة يف املواجهة الحقيقية للتيارات اإلسالمية‪ ،‬وتفضيل ما هو‬ ‫حاصل مع إلقاء اللوم دامئًا عىل الحكومة والحاكم بأنه هو املسؤول متا ًما عن‬ ‫ٌ‬ ‫رعاية التيارات الدينية وتفاقم حضورها‪ ،‬وإن كانت هذه التهمة حقيقي ًة‪ّ ،‬إل‬ ‫أ ّن إخفاقات النخب يف دعم وتشجيع الثقافة العلامنية هو الخوف األول وهو األزمة التي نعيشها يف مجتمعاتنا والتي أ ّخرت‬ ‫ٍ‬ ‫تشوهات فكري ًة ملفاهيم ومصطلحات العلامنية والحريات الشخصية‪ ،‬وجعلت من العلامنية يف‬ ‫التح ّول املدين وخلقت‬ ‫خطابهم مجرد شعار ٍ‬ ‫مآرب أخرى‪.‬‬ ‫ات لها ٌ‬ ‫‪5‬‬


‫آياتٌ إنساني ٌة‬ ‫هنا‪ ،‬وأمام هذا النوع من اإلخفاقات النهضوية‪ ،‬ال ب ّد لنا كعلامنيني حقيقيني من أن نحارب الواقع وأن نفرض التغيري وأن‬ ‫املؤسسني األوائل وواضعي أدبيات‬ ‫نصنع الثورة التي تأ ّخرت كث ًريا بعد عرص النهضة العربية األوىل‪ ،‬وأن نستكمل جهود ّ‬ ‫الفكر العلامين العريب لنخلق مسار ٍ‬ ‫ات جديد ًة وثور ًة حقيقي ًة عىل السائد واملوروث والثابت الديني والسيايس‪ ،‬لقد آن األوان‬ ‫لتحطيم القيود‪ ،‬وقيادة مجتمعاتنا العربية وفقًا ملبادئ العلامنية وتحقيقًا لقيم العدالة واملساواة والحريات‪ .‬العلامنية مل تعد‬ ‫وأمل ُمرت ًجى ٍ‬ ‫وآيات إنساني ًة تقود وقادت املجتمعات إىل ب ّر السالم‬ ‫اليوم خيا ًرا هامشيًا أو نخبويًا بل أصبحت خيا ًرا مستحقًا ً‬ ‫والتحض واألخالق‪ ،‬بعد مسري ٍة طويل ٍة من التضحيات والدماء ّ‬ ‫وفك قيود الدين والعرق عن اإلنسان ل ُيحلّق عال ًيا يف‬ ‫والعلم‬ ‫ُّ‬ ‫فضاء العلم والفلسفة والفنون‪.‬‬ ‫يف مجتمعاتنا العربية حال ًيا نعيش‬ ‫اكتامل مرحلة التط ُّرف الديني‪ ،‬وهي‬ ‫مرحل ٌة َمرضي ٌة خطري ٌة ج ًدا‪ ،‬فقد بدأ‬ ‫االستقطاب يأخذ مسار ٍ‬ ‫ات مذهبي ًة‬ ‫ٍ‬ ‫وعمليات لوجستي ًة وإرهابي ًة متثّلت يف‬ ‫ٍ‬ ‫بتصفيات وحوادث قتلٍ‪،‬‬ ‫القيام العميل‬ ‫وهو األمر الذي يُن ّبئ بخطور ٍة كبري ٍة عىل‬ ‫مستقبل الوطن العريب وأجياله‪ ،‬فالحقيقة‬ ‫رش يف مختلف الثقافات‬ ‫أ ّن التط ُّرف مست ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منعطفات دال ًة‪ ،‬ساعدت عىل انتشاره فئاتٌ اجتامعي ٌة متنوعة‪ ،‬وامتدت‬ ‫الدينية‪ ،‬إلّ أ ّن متثّله يف الدين اإلسالمي قد أخذ‬ ‫جذوره عرب مختلف الدول العربية واإلسالمية‪ .‬فأصبحت مظاهر الغل ّو والتكفري والقتل نو ًعا من االلتزام بالدين‪ ،‬وأصبح رمي‬ ‫أصل من أصول الدين‪ ،‬يتم تدريسه والدفاع عنه بل وإقامة املحاكامت القانونية ضد‬ ‫اآلخرين بالكُفر والخروج عن الدين ً‬ ‫املفكّرين واملثقفني‪ .‬كام انعكست مظاهر اإلرهاب اإلسالمي عىل املستوى االجتامعي‪ ،‬من خالل تفكيك املجتمع ومتزيق‬ ‫نسيجه‪ ،‬وتفرقة الناس بني مؤمنٍ وكافر‪ ،‬ثم غرسه لقيم التشدد ودعمه بالكتب والفكر واإلعالم‪ ،‬لِ ُيعاد إنتاجه مع كل جيلٍ‬ ‫كثقاف ٍة مجتمعية‪ ،‬ال تعرتف باالختالف والتع ّدد‪ ،‬فتُقيص االجتهاد العقيل لتفرض النظرة األرثوذكسية عىل النصوص الدينية‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬جاءت بعد مراحلٍ من تغييب‬ ‫كل هذه التطورات‪ ،‬نحو التطرف واإلرهاب اإلسالمي يف املجتمعات العربية والخليجية ً‬ ‫الوعي العلامين‪ ،‬وتعزيز الهيمنة الدينية الذكورية‪ ،‬وإعالء النقل والتقليد والعنعنة مقابل تحريم وعدم االهتامم بالفلسفة‬ ‫سهل‪ ،‬فاملرحلة الحالية هي مرحلة تم التخطيط لها بدق ٍة من ِق َبل الكهنوت اإلسالمي‪،‬‬ ‫والعلم والفنون‪ .‬التغيري لن يكون ً‬ ‫فمرشوع الحاكمية‪ ،‬وبعد ثورات الربيع العريب‪ ،‬مل يكن مرشو ًعا نظريًا فقط‪ ،‬بل اسرتاتيجي ًة ُعليا وهدفًا أسمى إلقامة دولة‬ ‫تأت من العدم‪ ،‬ومل ِ‬ ‫الخالفة و ُحكْم العامل وهدايتهم إىل الدين الصحيح‪ .‬هذه تجلياتٌ تاريخي ٌة مل ِ‬ ‫تأت من الخيال‪ ،‬بل جاءت‬ ‫كأوامر إلهي ٍة ال بد من تحقيقها عىل أيدي خري أ ّم ٍة أُخرجت للناس‪ .‬هنا ماذا نحن فاعلون؟ وكيف نستطيع أن نُحدث التغيري‬ ‫واملواجهة مع من يريد إلغاء الحضارة واإلنسانية والحب ليستبدلهم بالدم والجلد والرجم‪ .‬الدين لن يكون املظلوم أب ًدا‪ ،‬فهو‬ ‫حق إنسا ٌين لكل البرش واملحافظة عليه وفق العلامنية هو الغاية الحضارية لإلنسان الحر الواعي‪ ،‬لكن التغيري املطلوب من‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنسان العريب أن يبدأ يف تغيري نفسه وفكره وسلوكه‪ .‬أن يقرأ يك يكتشف فضاء املعرفة‪ ،‬أن يؤمن بحرية الرأي واالعتقاد‪،‬‬ ‫‪6‬‬


‫آياتٌ إنساني ٌة‬ ‫أن يفرض عىل حكومته العدالة واملساواة والدميقراطية‪ ،‬أن يصنع الغد بدلً من أن يلعن الحارض‪ ،‬فقد أخفقنا يف الحارض‪،‬‬ ‫مستقبل أب ًدا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومن ال يتعلّم من الحارض لن يكون له‬ ‫وحتى نكو َن أكرث وضو ًحا يف حكمنا عىل اإلسالم والعلامنية‪ ،‬نقول أن العلامنية تُدير املجتمعات وفقًا لكل املعتقدات واألفكار‬ ‫بعدالٍة ومساواٍة ضمن رشوط القانون املدين ومواثيق حقوق اإلنسان‪ ،‬إال أن اإلسالم يرفض وجود التيارات املعارضة ألفكاره‪،‬‬ ‫مبعنى أن الحكم يف املجتمع اإلسالمي يجب بل ال ب ّد أن يكون إسالمي التو ّجه‪ ،‬أي بتطبيق الرشيعة التي بدورها تتعامل مع‬ ‫اآلخر املُختلف وفقًا لإلميان أو الكُفر‪ ،‬الحالل والحرام‪ ،‬وبالتايل ال وجود ألفكار الحرية واملساواة والعدالة إال داخل الجامعة‬ ‫املؤمنة‪ ،‬أما غري املسلم أو الالديني فُيعامل وفقًا للحدود اإلسالمية والتي تبدأ من الجزية إىل بقية الحدود املعروفة يف التمييز‬ ‫بني املواطنني وبني الذكر واألنثى‪ .‬فالعلامنية وخالل تاريخها السيايس واالجتامعي يف العرص الحديث مل ِ‬ ‫ُتقص أي تيا ٍر أو أي‬ ‫فرٍد بل هي املُدافعة برشاس ٍة عن الحقوق اإلنسانية ومن ضمنها االعتقاد الديني‪ ،‬وكم رأينا من قضايا تم الحكم فيها لصالح‬ ‫وخصوصا يف القضايا األمنية بعد‬ ‫املسلمني كام حدث مؤخ ًرا فيام يُعرف بقضية البوركيني‪ ،‬إال فيام يتعارض مع قانون الدول‬ ‫ً‬ ‫تزايد اإلرهاب اإلسالمي من ِقبل املسلمني وتوحش الدعوة إىل الدين يف دول الغرب‪.‬‬ ‫بينام يف الدول التي يحكمها اإلسالم أو حتى التي ت ُ َحكم قوانينها بالرشيعة اإلسالمية فرنى املآيس والقضايا وأحكام القتل‬ ‫والجلد والرجم تطلق عىل كل من يُخالف أو ينتقد أو يرفض الدين يف صورٍة خطريٍة يغيب فيها حق اإلنسان يف الحياة ويف‬ ‫حرية الرأي واالعتقاد‪ .‬باإلضافة إىل غياب التنمية وإخفاق الدميقراطية وفشل التعليم واإلنتاج والصناعة‪ ،‬وهم من ي ّدعون‬ ‫بأن اإلسالم قد أعطاهم الوصفة السحرية للتقدم‪ ،‬ولكن إىل اليوم مل ن َر أي واقعٍ يشهد عىل صحة هذه املقولة وباعتقادي‬ ‫الجازم أننا لن نرى ذلك أب ًدا‪.‬‬

‫‪7‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

8


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬

‫حمدي الراشدي‬

‫الفالسفة اإلغريق وضعوا انطالقة التفكري الحر‬ ‫لرؤية صورة العامل‪ ،‬غري أن ظهور الدين القائم عىل‬ ‫اإلله الواحد صاد َر هذا الحق ليبدأ رصا ٌع مري ٌر عىل‬ ‫استعادته‪ .‬والنخبة الدينية ترفض التنازل عن تف ّردها‬ ‫بحق وضع صورة العامل بالرغم من أن هذه الصورة‬ ‫التي يق ّدمها النص املق ّدس تتعارض مع العلم‪ .‬ويف عرص‬ ‫الفالسفة اإلغريق‪ ،‬مل تكن اآللهة قادر ًة عىل كل يش ٍء ومل‬ ‫تكن قادر ًة عىل التف ُّرد بتسيري الكون وخلق األسباب‪،‬‬ ‫‪9‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫ٍ‬ ‫شخصيات خلفي ًة تراقب األمور عن بُعد‪ ،‬تارك ًة اإلنسان ‪ -‬الطفل ‪ -‬يلعب حسب رغباته لتضحك عىل أخطائه‪.‬‬ ‫بل كانت‬ ‫وعندما نشأ اإلله الواحد القادر الذي تسري كل األمور مبشيئته وحكمته‪ ،‬مل يعد هناك مكا ٌن للتفكري الذايت باألسباب‪،‬‬ ‫فاألسباب كلها من عند الله وخاضع ٌة ملشيئته‪ .‬ولكن بغياب مثل هذا اإلله يف عهد اإلغريق‪ ،‬كان اإلنسان مج ًربا عىل‬ ‫التفكري يف األسباب من خالل تجربته الشخصية‪ .‬وهذا األمر بالذات هو الذي أعطاهم الدافع لوضع أكرث األسس جوهري ًة‬ ‫املؤس َسة للعلم واملالحظة العلمية‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫وإىل ح ٍّد كبري‪ ،‬ميكن القول إن حركة تطور العلوم الطبيعية ونضجها خالل األلفي سن ٍة األخرية هي التي جعلت من‬ ‫اإلنسان الحديث كائ ًنا قاد ًرا عىل التفكري النقدي والتفكري املستقل وحررته من الخضوع والعجز‪ .‬وهذه الحركة نحو‬ ‫الحرية يعود الفضل فيها إىل كبار الفالسفة اإلغريق‪ ،‬مثل دميقريطوس‪ ،‬وفيثاغورس‪ ،‬وأرسطو‪ ،‬وحتى أرخميديس عندما‬ ‫قوى وهمي ٍة خالقة‪ ،‬لعدم‬ ‫انطلقوا يف سعيهم للوصول إىل تفسري الظواهر الطبيعية بدون الحاجة إىل إرجاعها إىل ً‬ ‫وجودها يف منظومتهم الفلسفية التي تربّوا عليها‪ ،‬مام خلق الرتبة النطالق ٍة حرة‪.‬‬ ‫وأحد االمثلة عىل األسلوب العلمي للتفكري عند‬ ‫اإلغريق هو كتاب “‪ ”Geographia‬الذي كتبه الجغرايف‬ ‫بطليموس عام ‪ 150‬قبل امليالد‪ .‬ويف هذا الكتاب جمع‬ ‫معرفة زمانه عن القارات الثالث‪ ،‬أوروبا وأفريقيا وآسيا‪،‬‬ ‫وأشار إىل أنه ال بد أن توجد قار ٌة رابع ٌة هي األرض‬ ‫املجهولة “‪ ،”Terra Incognita‬وإال فإن األرض ستكون‬ ‫غري متوازنة‪ ،‬حسب تفكريه‪.‬‬ ‫وأصبح بطليموس أبًا لعلم الجغرافيا‪ ،‬وبقيت مالحظاته‬ ‫خارطة العامل بحسب بطليموس‬ ‫ورشوحه ورسوماته يف االستخدام حتى القرن السادس‬ ‫عرش‪ .‬غري أن الكنيسة األوروبية‪ ،‬بعد أن أشاعت طريقتها الدينية يف التفكري عىل الساحة األوروبية‪ ،‬رفضت عىل اإلطالق‬ ‫إمكانية وجود قار ٍة غري مكتشفة‪ .‬فالبابا أوغيستينوس‪ ،‬يف عام ‪ 400‬ميالدية‪ ،‬برر عدم إمكانية وجود القارة الرابعة‬ ‫بنصوص الكتاب املقدس‪ .‬ويشري الكتاب املقدس إىل أن كل ٍ‬ ‫واحد من أبناء نو ٍح الثالثة اختار لنفسه قار ًة من القارات‬ ‫الثالث‪ ،‬ولهذا من املستحيل أن توجد قار ٌة رابعة‪.‬‬ ‫وأوغيستينوس مل يكن عىل استعدا ٍد لتقديم أي تناز ٍل يسمح بالطعن يف إميانه املطلق ويف صحة الكتاب املقدس‬ ‫وحجيته عىل أي ادعا ٍء آخر‪ .‬ويف حني أن بطليموس كان يعلم أن األرض كروي ٌة وأن اإلنسان ليس عىل اطال ٍع إال عىل‬ ‫قسم صغريٍ منها‪ ،‬ما زالت توجد مساح ٌة كافي ٌة لقار ٍة أخرى غري مكتشفة‪ ،”Terra Incognita“ ،‬ومل تكن بالطبع إال‬ ‫ٍ‬ ‫حق والبابا عىل باطلٍ بالرغم من أنه‬ ‫فرضي ٌة‪ ،‬وهي فرضي ٌة قامت عىل مجرد التوقعات‪ ،‬ولكننا نعلم اليوم أنه كان عىل ٍّ‬ ‫‪10‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫اتّبع النص املقدس‪ .‬وهذا األمر ال يزال يتكرر حتى اليوم‬ ‫بنفس الطريقة‪ ،‬ليس فقط يف الجانب املسيحي بل وحتى‬ ‫يف الجانب اإلسالمي وبشكلٍ أكرب‪.‬‬ ‫وقصة القارة الرابعة ٌ‬ ‫مثال عىل أن املعارف الدوغامئية‪،‬‬ ‫الثابتة وغري القابلة للنقاش والتغيري‪ ،‬كانت عىل الدوام‬ ‫مشكل ًة وعائقًا أمام التفكري الحر‪ .‬وهذه القضية جرى‬ ‫حسمها بفضل الرحالت املتكررة التي انتهت بعبور املحيط‬ ‫أيضا إىل أن بطليموس كان عىل‬ ‫الهادئ‪ .‬ولكن القصة تشري ً‬ ‫ألسباب خاطئة‪ .‬فمن جه ٍة كانت هناك أكرث من أربع‬ ‫حق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫لوحة زيتية تصور محاكمة غاليليو غاليليه ‪1633‬‬ ‫قار ٍ‬ ‫ات‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى نعلم اليوم أن األرض ليست غري‬ ‫متوازن ٍة وال تحتاج قار ًة أخرى لغرض التوازن‪ ،‬كام أن أغلب القارات مجتمع ٌة يف كتل ٍة واحدة‪ .‬ولكن‪ ،‬وعىل الرغم من أن‬ ‫خلفية الفرضية كانت خاطئ ًة‪ ،‬إال أنها شكلت الصفعة األوىل يف وجه النص املقدس‪ ،‬كمصدر ترشيعٍ‪ ،‬وحامية الوصاية‬ ‫الدينية‪ .‬وعىل مدى بضع ٍ‬ ‫مئات من السنني‪ ،‬جرت تجربة نظرية القارات األربع وجرى تحديثها‪ ،‬وبدأ بفضلها صعود‬ ‫نجم العلوم الطبيعية وتأسيسها‪ ،‬ومن هنا‪ ،‬ظهر فضل اكتشاف القارة األمريكية عىل التغيريات الجذرية يف حرية التفكري‬ ‫والتخلص من الدوغام الدينية‪ ،‬واض ًعا أسس التفوق الغريب‪.‬‬ ‫وبالرغم من أن اإلغريق وضعوا أسس العلوم الحديثة‪ ،‬غري‬ ‫أنهم كانوا‪ ،‬بشكلٍ‬ ‫رئييس‪ ،‬مفكرين‪ .‬إذ ال يوجد لدينا الكثري‬ ‫ّ‬ ‫من الدالئل عىل أنهم قاموا عمليًّا بإجراء تجارب عدا وضع‬ ‫املصطلحات األساسية للعلوم الطبيعية‪ .‬وانطالقة التجارب‬ ‫العلمية الجدية كانت للمرة األوىل فيام بني عامي ‪ 1580‬و‬ ‫‪ 1680‬ميالدية‪ ،‬وهي نفس الفرتة التي انفصل العلم فيها‬ ‫بج ّدي ٍة عن الدوغام الدينية املتعنتة والوصائية‪ ،‬ليصبح مأوى‬ ‫الباحثني األحرار‪ .‬وبذلك ظهر إىل العلن الرصاع بني املعرفة‬ ‫واإلميان‪.‬ويف العامل الغريب‪ ،‬جرى حرق الكثري من العلامء بتهمة‬ ‫الزندقة والكفر ملجرد أن أفكارهم تطرح صور ًة عن العامل‬ ‫مغاير ًة للصورة التي تروج لها املؤسسة الدينية‪ .‬فالحكم عىل‬ ‫غاليليو غاليليه عام ‪ 1633‬أصبح رم ًزا للرصاع بني الدوغام‬ ‫الدينية والفكر املعريف‪ .‬واتهمت املؤسسة الدينية غاليليو‬ ‫اقرتح كوبرنيكوس أن األرض ليست مركز الكون وإمنا أنها تدور حول‬ ‫غاليليه بدعم الصورة التي أطلقها كوبرنيكوس عن الكون‪،‬‬ ‫الشمس التي صارت املركز يف منوذجة‬ ‫حيث جعل الشمس مرك ًزا واألرض تدور يف فلكها‪ ،‬وهي صور ٌة‬ ‫‪11‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫رآها يف تليسكوبه‪ ،‬ولكن الكتاب املقدس مل يرش إليها‪ .‬ويف النتيجة‪ ،‬نجحت املؤسسة الدينية يف إجبار غاليليو عىل‬ ‫الصمت‪ ،‬ولكن قبل ذلك نجح يف وضع قواعد البحث العلمي ونرشها باللغة العامية مام ساعد عىل انتشارها‪ ،‬كام كان‬ ‫من أوائل من استخدموا التجربة للربهنة عىل النظرية‪ ،‬حيث برهن أن رسعة سقوط االجسام ال عالقة له بالوزن‪.‬‬ ‫والرصاع بني غاليليو والكنيسة كان املعركة األخرية التي برهنت عىل أن األدلة عىل الظواهر العلمية ال يجوز البحث عنها‬ ‫يف النص املقدس وإمنا يف املالحظة واالختبار‪.‬‬ ‫ويف العامل اإلسالمي‪ ،‬مل يكن األمر مختلفًا من حيث الجوهر‪ ،‬فاملؤسسة الدينية‬ ‫كانت تستفرد عمليًّا بالوصاية عىل األفكار وعىل صورة العامل‪ ،‬فرؤية رجال‬ ‫الدين املست َمدة من النص املقدس كانت هي الحكم والقياس‪ .‬وبالرغم من أن‬ ‫ٍ‬ ‫ملستويات حضاري ٍة متقدم ٍة يف بداية تأسيسه‪ ،‬إال أن هذه‬ ‫العامل اإلسالمي وصل‬ ‫املرحلة بالذات كانت تتميز بضعف وجود مؤسس ٍة ديني ٍة وضعف هيمنتها‪،‬‬ ‫وبكونها مرحل ًة للرصاع بني رجال الدين والنخبة الحاكمة لتحديد الحدود‬ ‫واألدوار‪ .‬وهذا األمر جعل العلوم ال تتعرض لهيمنة ووصاية رجال الدين الذين‬ ‫كانوا يف طور التشَ كُّل كمؤسس ٍة تحت تأثري حاجة السلطة السياسية‪ ،‬مام جعل‬ ‫أحكام القمع األوىل تبقى يف إطار الرصاع الديني لحسم الخالفات وتصفية‬ ‫التوجهات الدينية املناوئة للحاكم والتيارات الرئيسية‪ ،‬وهو األمر ذاته الذي‬ ‫سمح لفكر اإلغريق أن يبقى ح ًّيا بني نخبة علامء الخالفة اإلسالمية‪ ،‬بعي ًدا‬ ‫عن وصاية رجال الدين اإلسالمي الذين مل ينتهوا من إنشاء مؤسستهم الدينية‬ ‫املندمجة مع السلطة‪ ،‬يف الوقت الذي يجري اجتثاثه يف الغرب عىل يد املؤسسة‬ ‫الدينية الناضجة البنيان باعتبارها أسبق‪.‬‬

‫لوحة تظهر إحراق الكنيسة ملجموعة كتب‪.‬‬

‫ويف أوج عظمة الخالفة اإلسالمية ‪،‬كانت املؤسسة الدينية قد وطدت أركانها لتظهر بكل عنفوانها بقيادة الحنابلة يف‬ ‫أيضا‪ .‬لذلك ليس من الغريب‬ ‫بغداد لتصفية كل مخالفيهم‪ ،‬فارض ًة وصايتها ليس فقط عىل التفكري الديني وإمنا العلمي ً‬ ‫أن يظهر موقف الغزايل من الفلسفة الذي يتطابق وموقف الكنيسة الغربية‪ ،‬ليبدأ قمع ابن ٍ‬ ‫رشد وإحراق كتبه‪ ،‬واجتثاث‬ ‫املعتزلة وفكرهم‪ ،‬لينتهي عرص االزدهار ويبدأ عرص االنحدار فينتج لنا ابن تيمية صاحب تحريم الكيمياء وتكفري أتباعها‪،‬‬ ‫وليصبح العلم الديني وحده العلم الحق‪.‬‬ ‫وهذا الخط الدوغاميئ الوصايئ ال يختلف يف مضمونه عن موقف الكنيسة الغربية‪ ،‬غري أنه استمر يف العامل اإلسالمي‬ ‫ح ًّيا حتى القرن العرشين بل وحتى اليوم‪ ،‬حيث استهزأ رجال الدين بخرب إطالق أول مركب ٍة فضائي ٍة والوصول إىل القمر‪،‬‬ ‫ودوران األرض وثبوت الشمس‪ ،‬وحرموا تعليم البنات والتلفزيون والتليفون‪ ،‬ورفضوا االعتامد عىل علم الفلك ملعرفة‬ ‫‪12‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫ورطات مخزية‪ .‬ومع أن العلم يحصل باستمرا ٍر عىل اعرت ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اف بإنجازاته‬ ‫دخول الشهر مام أدى إىل وقوعهم‪ ،‬وال يزالون‪ ،‬يف‬ ‫التي رفضتها املؤسسة الدينية اإلسالمية‪ ،‬إال أنها تتمكن عىل الدوام من تجنب االضطرار لالعتذار واالعرتاف بخطئها‬ ‫أو التخيل عن وصايتها عىل الفكر والعلم والدين‪ ،‬مستغلني ضعف املؤسسة العلمية يف بالدنا وعمق ثقافة االنصياع‬ ‫والتقديس‪ ،‬ونجاحهم يف إعطاء االنطباع أنهم والدين جز ٌء واح ٌد ال ينفصالن‪ ،‬ونقدهم هو بذاته ته ّج ٌم عىل الدين‪ ،‬بل‬ ‫دمياغوغي إىل أبعد الحدود‪ ،‬إذ يعطون االنطباع وكأنهم دامئًا كانوا إىل جانب العلم وأول‬ ‫وعىل العكس نجد أن خطابهم‬ ‫ٌّ‬ ‫أنصاره‪ ،‬متجاهلني عىل الدوام اإلشارة إىل ماضيهم ومتهمني من يذكِّرهم به بالتهجم عىل اإلسالم ليضيفوا االبتزاز إىل‬ ‫تاريخهم‪.‬‬ ‫واليوم نجد أن مواقف املؤسسة الدينية اإلسالمية توحد جهودها مع بقايا القوى املسيحية يف الدفاع عن حصنهم األخري‬ ‫بعمق أنهم ممثلو الله‬ ‫ضد نظرية التطور‪ ،‬مستمرين يف مامرسة الوصاية‪ ،‬رافعني سوط التكفري وغضب الله‪ ،‬معتقدين‬ ‫ٍ‬ ‫املخلصون عىل األرض‪.‬‬

‫من اإلميان إىل العلم‬

‫يق ّدم لنا الفكر الديني أجوبته عىل التساؤالت انطالقًا من مرجعية النص املقدس‬ ‫كحقيق ٍة منزل ٍة من املعرفة املطلقة والشاملة‪ ،‬وأي اعرت ٍ‬ ‫اض يُد َرج عىل أنه من ِقبل‬ ‫العقل القارص ضد العقل الكامل والكيل‪ .‬ومهام كان األمر فيبقى النص املقدس‬ ‫هو املرجعية العليا للخطأ والصواب‪ .‬ويف العلم‪ ،‬ت ُق ِّدم لنا املعرفة نه ًجا مختلفًا‪ ،‬إذ‬ ‫قائم عىل‬ ‫تقوم عىل مرجعية املعطيات الواقعية يف مجرى التجربة ضمن منه ٍج ٍ‬ ‫قواعد محددة‪ .‬فالعلم يقوم عىل قواعد أساسي ٍة هي‪ :‬املالحظة‪ ،‬والفرضية‪ ،‬والبحث‬ ‫والتجربة‪ ،‬والشك والحق بالنقد والتعديل‪ ،‬وأخ ًريا العلنية‪.‬‬ ‫وظهر منهج البحث العلمي التجريبي ألول مر ٍة يف القرن التاسع عرش يف‬ ‫إغناتس سيملفيس‬ ‫مستشفيات الوالدة‪ ،‬حيث كانت نسبة الوفاة بحمى الوالدة عالي ًة للغاية‪ .‬ففي‬ ‫إحدى املستشفيات النمساوية كان يعمل الطبيب إغناتس سيملفيس (‪ ،)Ignaz Semmelweis‬الذي الحظ أن من‬ ‫قسم مجاو ٍر ال تتجاوز ‪ .2%‬وأثار هذا التفاوت‬ ‫بني كل مثان نساء‪ ،‬متوت امرأ ٌة يف قسمه‪ ،‬يف حني أن نسبة الوفيات يف ٍ‬ ‫استغرابه وجعله يبحث عن الفروقات بني القسمني‪ .‬وكان قسم الطبيب يُستخ َدم لتدريب األطباء‪ ،‬يف حني أن القسم‬ ‫اآلخر يستخدم لتدريب املمرضات‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ 1847‬مات أحد أصدقائه األطباء بعد أن أصيب بالحمى نفسها التي تصيب النساء‪ ،‬وكان قد جرح إصبعه‬ ‫خالل إحدى عمليات الترشيح‪ .‬وهذا األمر جعل إغناتس يفرتض أن النساء يُ َص ْب بالحمى بسبب أن األطباء يستخدمون‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات جراحي ًة قد استخدموها سابقًا يف الترشيح‪ ،‬أو أنهم ال يغسلون أيديهم بعد الترشيح‪ ،‬وهذه الفرضية يجب‬ ‫معهم‬ ‫‪13‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫تجربتها للتأكد من صحتها عمل ًّيا بعد أن كان قد درس العديد من الفرضيات‬ ‫األخرى مثل اختالف نوعية الطعام أو سوء املعاملة أو سوء التهوية كام كان‬ ‫االعتقاد سائ ًدا‪.‬‬ ‫وعندما فُرِض تعقيم األدوات واأليدي عىل األطباء‪ ،‬انخفضت اإلصابة بالحمى‬ ‫بنسب هائلة‪ .‬ولقد استنتج أن األطباء نقلوا سبب اإلصابة من الجثث إىل النساء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ولذلك فُرِض تعقيم كافة األدوات واملعدات يف كافة األقسام لتنخفض نسبة‬ ‫املوت إىل الصفر تقري ًبا‪.‬‬

‫واستخدم إغناتس طريقة البحث التجريبي الجنايئ يف الوصول إىل األسباب‪ ،‬والتي‬ ‫أصبحت اليوم إحدى أهم طرق البحث العلمي‪ .‬ولقد قام مبالحظة سري العمل‬ ‫يف القسمني ووضع مجموع ًة من االحتامالت املمكنة لنشوء الظاهرة‪ .‬وعىل ضوء‬ ‫الفرضيات قام بتجربة كل فرضي ٍة عىل حد ٍة من خالل تجارب منفصل ٍة لتحييد‬ ‫الفرضيات الخاطئة من الحساب‪ .‬ويف النتيجة‪ ،‬تبقى الفرضية الصحيحة لتتحول‬ ‫حل ليس فقط لإلصابة‬ ‫إىل نظري ٍة ت ُستخدم يف التطبيق‪ .‬وكان استخدام التعقيم ًّ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫بحمى الوالدة‪ ،‬ولكن أغلب األمراض املعدية ً‬

‫‪14‬‬


‫تاريخ الرصاع بني اإلميان واملعرفة‬ ‫حمدي الراشدي‬

‫النظرية العلمية ال ميكن الربهنة عليها نهائ ًّيا‬ ‫هذه التجربة أعاله سنتّخذها اآلن منوذ ًجا ملناقشة الفرق بني الطرق العلمية والطرق‬ ‫التي تتوشح بالعلم لخداع اإلنسان‪ .‬وعمل ًّيا‪ ،‬جاءت الطريقة من خالل تحليلٍ‬ ‫تتابعي‬ ‫ٍّ‬ ‫ومنطقي بني املالحظة والنتائج بدون معرفة األسباب‪ .‬ولقد احتاج اإلنسان إىل مائة‬ ‫ٍّ‬ ‫عام أخرى حتى يكتشف األسباب التي تقف خلف هذه الظاهرة‪ ،‬وبنا ًء عليه طريقة‬ ‫ٍ‬ ‫بناء النظريات والطرق العلمية‪ .‬ولقد كان الفيلسوف كارل بوبري (‪Karl Popper‬‬ ‫‪ (1994-1902‬الذي وضع الفرق بني البحث العلمي والبحث الالعلمي والذي أطلق‬ ‫عليه مبدأ التخطئة (‪.)Falsification Principle‬‬

‫كارل بوبري‬

‫وبالنسبة لبوبري‪ ،‬تعترب الفرضية علمي ًة فقط إذا كان باإلمكان تجربتها للتأكد من صحتها أو خطئها‪ .‬وكلام زاد عدد‬ ‫التجارب الفاشلة الهادفة إىل الربهنة عىل خطأ الفرضية‪ ،‬كلام ازدادت صحة الفرضية وقوتها‪ .‬ومن هنا نرى أن الفرضية‬ ‫قد تتحول إىل نظري ٍة تحت ضغط قوة وقوفها أمام التجارب‪ ،‬ولكن أب ًدا ال تنتهي إمكانية االستمرار بوضعها تحت‬ ‫التجربة‪ .‬ولذلك فالقول بأن هناك نظري ًة مطلق ًة ال ميكن التشكيك فيها ليس صحي ًحا مهام كان عدد التجارب التي‬ ‫برهنت عىل صحتها‪ .‬وهذا األمر يشري إىل طريقة عمل املنهج العلمي خالل كل هذه السنوات وأسباب النجاح الذي‬ ‫حمله‪ ،‬كام يوضح لنا أسباب قدرة البعض عىل استخدام هذا األمر بذاته «ك ُحجة» لتضعيف النظريات التي ال تروق‬ ‫ٍ‬ ‫معطيات تقف ضد مضمون النظرية أو حتى يكون لديهم قدر ٌة عىل الحصول عليها‪ ،‬غري‬ ‫لهم بدون أن يكون لديهم أي‬ ‫األمل بأن يتغري يش ٌء ما يف املستقبل‪ ،‬وإىل ذلك الحني‪ ،‬التوكل عىل أن هذا األسلوب وحده ٍ‬ ‫كاف لكبح نجاحات النظرية‪.‬‬

‫قابل للتخطئة (الفحص بهدف البحث‬ ‫اض ٌ‬ ‫أبيض هو افرت ٌ‬ ‫افرتاض أن كل البجع ٌ‬ ‫عن الخطأ)‪ ،‬فاكتشاف بجع ٍة سوداء واحد ٍة فقط ٍ‬ ‫كاف لتخطئته‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫وحتى عندما ال يكون العلامء قادرين عىل فهم اآللية‬ ‫التي تقف خلف الظاهرة‪ ،‬تتمكن طريقة البحث‬ ‫التجريبي الجنايئ من إعطائنا ماد ًة للتفكري والتعامل مع‬ ‫الظاهرة وتداعياتها بالكثري من الصحة‪ .‬والتجربة أعاله‬ ‫حل‬ ‫تشري بوضو ٍح إىل أن الطبيب قد نجح يف الوصول إىل ٍّ‬ ‫صحي ٍح بالرغم من أنه‪ ،‬يف عرصه‪ ،‬مل يكن يعلم بوجود‬ ‫البكترييا عىل اإلطالق‪ ،‬ومل يكن يعلم ملاذا التعقيم يؤدي‬ ‫إىل نتائج صحيحة‪.‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

16


‫‪Enki‬‬

‫يف الفرتة التي سبقت ظهور امللحدين‬ ‫العرب عىل وسائل التواصل االجتامعي‪،‬‬ ‫تواجد عىل منتديات اإلنرتنت‪.‬‬ ‫كان لهم‬ ‫ٌ‬ ‫وأحد أهم املنتديات يف تلك الفرتة‪ ،‬منتدى‬ ‫شبكة امللحدين العرب‪ ،‬وهو الذي متخض‬ ‫عنه منتدى وشبكة امللحدين العرب عىل‬ ‫الفيسبوك‪ ،‬وهو مع مجلة امللحدين العرب‪،‬‬ ‫ميثالن جانبني متكاملني لنفس املرشوع‪.‬‬ ‫أحد أبرز الناشطني يف املنتدى القديم كان‬ ‫اسمه إنيك ‪ ،Enki‬ويف هذا العدد سنبدأ‬ ‫سلسل ًة لنرش كتابه املعنون «اإللحاد»‪،‬‬ ‫وقد قام بنرشه عام ‪ 2008‬كملف ‪pdf‬‬ ‫يقع يف ‪ 98‬صفح ًة و‪ً 19‬‬ ‫فصل‪ ،‬فيام‬ ‫ييل عناوين فصوله‪:‬‬

‫الجزء األول‪:‬‬ ‫بؤس اإللحاد التقليدي‬

‫‪17‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪ -1‬بؤس اإللحاد التقليدي (‪.)1‬‬ ‫‪ -2‬بؤس اإللحاد التقليدي (‪.)2‬‬ ‫‪ -3‬بؤس اإللحاد التقليدي (‪.)3‬‬ ‫‪ -4‬أسئل ٌة وأجوب ٌة عن اإللحاد‪.‬‬ ‫‪ -5‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬العلم‪.‬‬ ‫‪ -6‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬كليات العامل‪.‬‬ ‫‪ -7‬مفاهيم يف اإللحاد‪ :‬الصدفة‪.‬‬ ‫‪ -8‬يف استحالة إعادة املعدوم بعينه‪.‬‬ ‫فاعل طبعي‪.‬‬ ‫‪ -9‬يف إن العلة األوىل هي ٌ‬ ‫‪ -10‬لهذه األسباب فإن اإلله ليس هو العلة األوىل‪.‬‬ ‫‪ -11‬نظر ٌة عىل حجج الفالسفة اإللهيني يف إثبات أزل العامل‪.‬‬ ‫‪ -12‬ملاذا ال نؤمن بالخلق من العدم؟‬ ‫‪ -13‬حول إمكان التسلسل الالنهايئ‪.‬‬ ‫‪ -14‬املعتزلة يهدونا حج ًة إلحادي ًة‪.‬‬ ‫‪ -15‬أنا موجو ٌد إذن اإلله غري موجود!‬ ‫‪ -16‬نق ٌد لدليل الحدوث عند املتكلمني‪.‬‬ ‫‪ -17‬حتى يف املطاعم تدل البعرة عىل البعري!!!‬ ‫رشا سويًا؟‬ ‫‪ -18‬هل ميكن أن يكون النبي ب ً‬ ‫صحفي مع الله‪.‬‬ ‫‪ -19‬لقا ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫يف هذا الجزء األول سنق ّدم الفصول الثالثة األوىل املعنونة «بؤس اإللحاد التقليدي»‪.‬‬

‫‪ -1‬بؤس اإللحاد التقليدي‪ :‬القسم األول‬ ‫تعريف اإللحاد‪:‬‬

‫غالبًا ما يُع ّرف اإللحاد عىل أنه عدم اإلميان بوجود إله‪ .‬وهذا هو التعريف التقليدي الذي نجده يف الكتب‬ ‫‪18‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫اإللحادية ويف املواقع املختصة‪ ،‬ولكن مشكلة هذا التعريف هو أنه ليس بـالتعريف الجامع املانع ألنه‬ ‫بحسب هذا التعريف فإن الحجارة ستكون ملحـد ًة ألن الحجـارة ال تـؤمن بوجود إله! بل بإمكاننا أن‬ ‫نذهب إىل أبعد من هذا ونكتب أنه‪ :‬كل حج ٍر ملحد! كل جام ٍد ملحد! كل طفلٍ ملحد! طب ًعا أرجو أال يقع‬ ‫البعض بوهم االنعكاس فيقلبوا القضايا املتقدمة باملقلوب كام لـو قـال أحدهم‪ :‬كل ٍ‬ ‫طفل بدل كل‬ ‫ملحد ٌ‬ ‫واضح أن هذا ليس هو مقصودنا من تعريف اإللحاد ألنه أمر مختص باإلنـسان‪،‬‬ ‫طفلٍ ملحد! عىل أي حا ٍل‬ ‫ٌ‬ ‫بينام التعريف املتقدم ال مينع من ضم ما هو غري إنسانٍ إىل هذا التعريف واألكرث أننا بحديثنا عن امللحدين‬ ‫ال نريد أن نُدخل األطفال يف هذا التعريف‪ .‬ولحل هذا اإلشكال لجأ الكثري من املفكرين إىل إضافة قيد‬ ‫اإلدراك يعني يجب أن يكون مـن يصدق عليه لقب ٍ‬ ‫ملحد مدركًا ملعنى اإلله قبل أن يقرر وجوده أو عدمه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ومتفق عليه ملفهوم‬ ‫معروف‬ ‫تعريف‬ ‫ولكن حتى مع إضافة هذا الرشط فإن اإلشكال يبقى قامئًا ألنه ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫فيلسوف يف العامل له نظرته ومفهومه الخاص لأللوهية وإذا كان يتوجب عىل امللحد‬ ‫اإلله‪ ،‬فكل دينٍ وكل‬ ‫حتى يكون ملح ًدا أن يكون مدركًا ملعنى‬ ‫كل هذه اآللهة التـي ت ُعـ ّد باآلالف فإنه‬ ‫ليس هناك أي ٍ‬ ‫ملحد عىل األرض كلها ألنه ال‬ ‫فهم بكل هذه اآللهة عىل‬ ‫ميكن أن تحيط ً‬ ‫تنوعها وتكرثها‪ .‬لو فرضنا أن أحد املؤمنني‬ ‫بالهندوسية اكتشف زيف اإلله الذي كان‬ ‫يعبده فهل هذا يجعل منـه ملح ًدا إذا‬ ‫فرضنا أنه مل يعد يؤمن بأي إله؟ لقد كنا‬ ‫نشرتط أن يكون امللحد ٌ‬ ‫مدرك ملعنى اإلله قبل أال يؤمن به وهنا نجد أن هذا املؤمن السابق بالهندوسية‬ ‫كان مدركًا لإلله الهندويس ولكنه غري ٍ‬ ‫مدرك لوجود آله ٍة أخرى كثري ٍة غري اإلله الهندويس‪ ،‬فعندما يقول أنا ال‬ ‫أصل‪ ،‬هنا يف مثال‬ ‫أؤمن بأي إل ٍه فإمنا مثله مثل ذاك الطفل الذي ال يؤمن بـأي إل ٍه ألنه ال يعرف معنى اإلله ً‬ ‫املؤمن نجد زياد ًة عن الطفل يف أنه يـدرك معنى إل ٍه ٍ‬ ‫واحد بني أالف اآللهة!‬ ‫رجل أنكر اإلسالم أو املسيحية أو اليهودية ويقول إنه ملح ٌد فهذا خطـأٌ ألن إنكار وجود‬ ‫يعني عندما يأيت ٌ‬ ‫يهودي‪ ،‬ومن البديهي‬ ‫مـسيحي أو غري‬ ‫مسلم أو غيـر‬ ‫الله أو يهوه ال يجعل منك ملح ًدا وإمنا يجعل منك غري ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أن مفهوم غري املسلم أوسع بكثريٍ من مفهوم ملحد‪ .‬إذًا مجرد إنكار الدين ال يجعل منا ملحدين ألن هناك‬ ‫آله ًة كثري ًة بال أديانٍ يؤمن بها اإللهيني! وكام قلنا سابقًا فإنه من املحال أن تدرك وتفهم كل إل ٍه ومن ثم ال‬ ‫‪19‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫متحقق يف أي‬ ‫تؤمن بوجوده حتى يـصدق فيك رشط اإلدراك وتكون عندها ملح ًدا فالرشط املفروض غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ملحد يف العامل‪ ،‬إننا هنا يجب أن نكون كلنا ال أدريني ألنه ال مينع أن يكون هناك إل ٌه مل أسمع به يف حيـايت‬ ‫ومل أدركه ومبواصفات ال أعلمها ويكون هو اإلله الحقيقي! أي أننا سننكر أشيا َء بنا ًء علـى جهلنا بها وهو‬ ‫من ٌط مام يفعله الدينيون ونلومهم عليه! الكثري من امللحدين يظنون أن اإللحاد يقع خلف إنكار الدين الذي‬ ‫وجدوا آباءهم وأجداهم عليه فام أن يخرج من دينه حتى تجده يقول ويصف نفسه بأنه ملحد! وهذا ليس‬ ‫إلحاد! أقصد أنه ليس اإللحاد العلمي القائم عىل إدراك معنى وجود اآللهة باختالف أنواعها ومن ثم عدم‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف يعبّـر متامـًا‬ ‫تعريف آخر‪،‬‬ ‫اإلميان بها‪ .‬لذا حتى نكون ملحدين حقيقيني يجب علينا أن نبحث عن‬ ‫ٌ‬ ‫عام نريد أن نقوله ونصف به أنفسنا‪.‬‬

‫سلبي وإيجايب‪:‬‬ ‫اإللحاد ٌ‬

‫سلبي معناه أال تؤمن بوجود إل ٍه لعدم وجـو ٍد دليـلٍ عىل وجوده‪،‬‬ ‫غال ًبا ما يُ َّ‬ ‫قسم اإللحاد إىل قسمني‪ ،‬إلحا ٌد ٌ‬ ‫وإلحا ٌد إيجا ٌيب وهو يختلف عن ذاك بأنه قائ ٌم عىل أدل ٍة فلسفي ٍة وعلمي ٍة يتم البيـان من خاللها أنه ال وجود‬ ‫دليل للعدم‪ ،‬بينام عدم الدليل ليس بالرضورة أن‬ ‫إلله‪ .‬مشكلة اإللحاد السلبي هو أنه يعترب عدم الدليل ً‬ ‫دليل عىل وجود‬ ‫دليل للعدم‪ .‬إيضاح ذلك أننا ال منتلك ً‬ ‫يكون ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يقينـي عىل ذلك‬ ‫إثبـات‬ ‫مخلوقات فضائي ٍة ومل يأيت أح ٌد بأي‬ ‫ٍّ‬ ‫تجريبي‪ ،‬فبنا ًء عىل امللحدين السلبيني فإن الفضائيني‬ ‫أو‬ ‫ٍّ‬ ‫ال ميكن أن يكونوا موجودين ألن عدم وجود دليلٍ عىل‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات فضائي ٍة معناه أن الكائنات الفضائية غيـر‬ ‫وجود‬ ‫موجـودة! وهذا خطأٌ ألن االتجاه العلمي الحايل هو باتجاه‬ ‫وجود مثل هذه الكائنات ورمبا يتم اكتشافها يف املستقبل‪،‬‬ ‫فإذًا إنكارنا لوجود يش ٍء صار إنكارا متجاوزًا للمنطق! فإذا‬ ‫مل يكن هناك أح ٌد فـي زماننا قاد ٌر عىل وضع دليلٍ عىل‬ ‫وجود إل ٍه فإن هذا ال يعني أن اإلله غري موجو ٍد فقد يكـون‬ ‫دليل عىل وجوده‪ ،‬وقد متر‬ ‫موجو ًدا ولكن ال ميتلك أح ٌد ً‬ ‫دليل عىل وجود إل ٍه فنحن‬ ‫سنني طويل ًة ويضع أحد الناس ً‬ ‫ال نعلم ما قد يأيت به املستقبل‪ ،‬فإنكارنا لوجود إل ٍه فقط‬ ‫‪20‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫ٍ‬ ‫جديد ينبغي أن نكون ال أدريني يف مثل هذه الحالة ألنه ال‬ ‫لغياب األدلة يبدو موقفًا ضعيفًا ج ًدا‪ .‬ومن‬ ‫دليل عىل عدم وجوده وهكذا‪ ،‬فإن اإللحاد السلبي يف حقيقة أمره ال‬ ‫دليل عىل وجود إل ٍه وال يوجد ٌ‬ ‫يوجد ٌ‬ ‫يعـدو أن يكـون ال أدرية مق ّنعة‪ .‬أما اإللحاد اإليجايب فاألساس فيه هو أنه يعتمد‬ ‫عىل البحث عن ٍ‬ ‫تناقض فـي صـفات اإللـه املختلفة ومن ثم يتم إثبات‬ ‫مـثل‬ ‫أن اإلله غري موجو ٍد بنا ًء عىل كون املتناقض ممتنع الوجود‪ً ،‬‬ ‫تناقض يف صفة الرحمة والعدل بحيث من‬ ‫إذا كان هناك‬ ‫ٌ‬ ‫يكون عادلً ال يكون رحيم ًـا فإن اإلله بالتأكيد يكون‬ ‫غري موجود‪ .‬ولكن املشكلة أن مثل هذه األدلة تُبنى‬ ‫وفهم لكل صف ٍة فإذا تم تغييـر‬ ‫عىل تفسريٍ ُم ّ ٍ‬ ‫عي ٍ‬ ‫معنـى الصفة فإن الدليل يتهاوى ويسقط نهائ ًيا‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال قد ت ُع َّرف الرحمة عىل أنها‪:‬‬ ‫التجاوز عن اإلساءة بينام تعرف العدالة عىل‬ ‫أنها عدم التجاوز عن اإلساءة‪ ،‬وهنا من يكون‬ ‫عـادل ألن الرحمـة‬ ‫ً‬ ‫رحيم ال ميكن أن يكون‬ ‫ً‬ ‫صارت بحسب التعريف نقيض العدل! ولكن‬ ‫باإلمكان مهاجمة هذا الدليل بكل بـساط ٍة عـن‬ ‫طرق إعادة تعريف معنى الرحمة والعدالة عند‬ ‫وتفـصيل‪ .‬ثم‬ ‫ً‬ ‫اإلله وهكذا يسقط الـدليل جملـ ًة‬ ‫ٍ‬ ‫بصفات ال أعلم‬ ‫أنه قد يكون اإلله الحقيقي متمتّ ًعا‬ ‫عنها شيئًا ومل أسمع بها يف حيايت ولـيس هناك كلم ٌة أو‬ ‫أعب به عنها وهكذا ال أستطيع أن أضع‬ ‫مفهو ٌم أستطيع أن ّ‬ ‫استدالل فلسف ًيا عىل تناقض يش ٍء ال أعرف عنه شيئًا وال أستطيع إدراكه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وبكلامت أخرى فإن اإللحاد لن يـستطيع وضع استدال ٍل من نوع السالبة الكل ّية‬ ‫ينفي فيه وجود كل إل ٍه محتملٍ وإن كان غري معـروف‪ .‬ومر ًة أخرى يجب أن نكون ال أدريني ألننا ال نعلم‬ ‫شيئًا عن هذا اإلله ال من حيث الوجود وال من حيث الصفات‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫محاول ٌة للحل‪:‬‬

‫ترد يف بعض النصوص اإللحادية وال أعلم بالضبط أين قرأت هذا‪ ،‬أن اإللحاد يتـضمن اإلميان بواقعٍ ٍ‬ ‫واحد ال‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف إيجا ٍّيب لإللحاد بدل التعريف‬ ‫يوجد غريه وقد أثرت يب هذه املقولة ج ًدا ألنها مثل محاولـ ٍة لوضـع‬ ‫ٍ‬ ‫بتعريف إيجايب (الواقع واحد)‬ ‫السلبي التقليدي القائم عىل السالبة الكلية (كل إل ٍه غيـر موجود) واستبداله‬ ‫ومنه االستدالل عىل أنه ال يوجـد إل ٌه‪ ،‬ولكن هذه املحاولة غري مكتمل ٍة مع األسف ألن وجود واقعٍ ٍ‬ ‫واحد ال‬ ‫ينفي وجود واقعٍ ثانٍ ألن الوحدة العددية ال متنع من ضم املامثل واملشابه إليها فباإلمكان ضم الواحد إىل‬ ‫الواحـد بـال محظو ٍر ويكون عندنا اثنان‪ ،‬فالواحدية من هذا الجانب مختلف ٌة عن الوحدانيـة مـن حيـث أن‬ ‫الواحد ال يطرد غريه وال ميتنع ضم غريه إليه‪ .‬فأنت إذا آمنت بواقعٍ ٍ‬ ‫واحد فهل ميتنع أن يكون هناك واق ٌع ثانٍ‬ ‫ال تعلم عنه شيئًا ومل تفكر بـه ومل تدركه بل ال تستطيع أن تدركه! ثم أنه ما املانع أن يكون الواقع الواحد‬ ‫هـذا هـو االله؟ ويكون هناك وحد ٌة وجودي ٌة بيننا وبينه؟ فأنا هو وهو أنا كام يقول املتصوفة؟ مر ًة أخرى‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف يتضمن السالبة الكلية‪.‬‬ ‫مل نوفّق للوصول إىل‬

‫اإللحاد من حيث هو اإلميان بوحدانية الواقع‪:‬‬

‫ال أُخفي عليكم أن هذا املوضوع عذبني كث ًريا حتى اهتديت إىل الحل بالصدفة فيـا ملحاسـن الصدف!‬ ‫فهم صحي ٍح‪ ،‬وال أدري‬ ‫والفكرة بسيط ٌة ج ًدا وان كنت سأطلب من القارئ املحرتم بعض الرتكيز من أجـل ٍ‬ ‫ملاذا وجد بعض الزمالء املوضوع صع ًبا عليهم حينام عرضـته فـي ٍ‬ ‫رشيط سابق‪ .‬لنسأل أنفسنا ماذا نحتاج‬ ‫ليك يصح التعدد فيكون عندنا أكرث من واقع؟ فرض التعدد معناه أنه البد من م ْي ٍز يتميز به الواقع األول عن‬ ‫فمثل هناك متاي ٌز بني‬ ‫الواقع الثاين فـصاع ًدا‪ ،‬بحيـث تكون جهة التاميز هي املنشأ للتفريق بني األول والثاين‪ً ،‬‬ ‫العـدد واحـد والعدد اثنني من حيث أن العدد اثنني يتضمن زياد ًة يف الكم عن العدد واحد‪ .‬ولكن حينام‬ ‫ال يكون هناك متاي ٌز بني أم ٍر وآخر ال من حيث الكم وال من حيث النوع وال مـن حيث الجهة فهل ميكن أن‬ ‫يتحقق التعدد؟ ٌ‬ ‫مثال بسي ٌط عىل هذا األمر‪ :‬هل تجد أن هناك متاي ًزا بني الهواء الذي أمامك والهواء الذي‬ ‫خلفـك وأنت تجلس أمام الكمبيوتر؟ طيب اغرتف غرف ًة من الهواء الذي أمامك وغرف ًة أخرى من الذي‬ ‫خلفك وضعهام يف وعـا ٍء ٍ‬ ‫فاصل‬ ‫واحد وقل يل هل تستطيع أن متيز بني االثنني؟ هل تستطيع أن ترسم ح ًدا ً‬ ‫فاصـل بـني‬ ‫ً‬ ‫مثل بلونني مختلفني الستطعت أن ترى متاي ًزا وحـ ًدا‬ ‫بـني األول والثاين؟ نعم لو كان الهواء ملونًا ً‬ ‫االثنني ولكن حينام ال يكون هناك متاي ٌز بني شيئني فإن إضافة أحدهام إىل اآلخر ال تحيلهمـا اثنني بل يرجع‬ ‫اليشء الثاين مع األول واح ًدا‪ ،‬فعندما أضفت الهواء الذي أمامك إىل الذي خلفك عاد كالهام هوا ًء واح ًدا ومل‬ ‫يصبح عندنا هواءان! إذًا عندما يكون اليشء رصفًا ال ميز فيه فانه ال ميكن فرض التعدد فيه بل يكون واح ًدا‬ ‫‪22‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫ولكن ليس بالوحدة العددية أو الوحدة النوعية ولكن مبا يُعرف بالوحدة الحقة‪.‬‬ ‫وهذا هو يف حقيقة األمر مفهوم وحدانية اإلله يف الفلسفة اإللهية الرشقية حيث ال ميكن فرض وجود إل ٍه‬ ‫ثانٍ ألن اإلله ٌ‬ ‫رصف ال ماهية له يتاميز بها وهكذا ال ميكن أن يكـون لـه ثـانٍ ‪ .‬إذًا نريد أن نثبت أن الواقع أو‬ ‫الوجود بالحقيقة واح ٌد بالوحدانية الحقة حتى يتحقق لنا املطلوب‪ ،‬مفهوم وحدة الوجود هو من املفاهيم‬ ‫التي أبدعها الفيلسوف العظيم محيي الدين بن عريب ولكن إثبات ابن عريب يعتمد عىل علم اإلله وهو أم ٌر‬ ‫ال يسع امللحد استخدامه! أما العرفانيون فهـم غري مهتمني بوضع ٍ‬ ‫يل عىل هذه املسألة‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫إثبات عق ٍ‬ ‫إثبات ًا واح ًدا يُطـرح فـي هـذا السياق وهو إثباتٌ ال يخلو من إشكا ٍل حيث يبتنى إثبات العرفانيني لوحدة‬ ‫الوجود عىل الربهان التايل‪:‬‬ ‫‪ -1‬الوجود يساوي الوجوب الذايت‪.‬‬ ‫‪ -2‬الوجوب الذايت يساوي الوحدة من جميع الجهات‪.‬‬ ‫‪ 3‬لذا‪ :‬الوجود يساوي الوحدة من جميع الجهات‪ .‬ولكن هذا اإلثبات ممكن أن يُهاجم من الكثري من‬‫الجهات‪ ،‬فاملقدمة األوىل إشكالي ٌة ج ًدا‪ ،‬فوجـود اليشء ال يساوي الوجود الذايت مبعنى أن كل موجو ٍد هو‬ ‫واجب الوجود بذاته وغري محتـا ٍج إىل عل ٍة وجودي ٍة وبقائي ٍة‪ ،‬فاستخدام مثل هكذا إثباتًا سيوقعنا يف مشاكل‬ ‫واعرت ٍ‬ ‫اضات عويـص ٍة ال سبيل للتخلص منها‪.‬‬

‫تصور فنان البن عريب‬

‫اإلثبات الذي أريده كام رشحت يف موضوع «أنا موجو ٌد إذًا‬ ‫مبنـي عىل أنه ال متايز يف العدم من حيث‬ ‫اإلله غري موجـود» ٌّ‬ ‫هو عد ٌم‪ ،‬وهكذا العدم واح ٌد بالوحدة الحقـة وملـا كـان‬ ‫الوجود نقيض العدم فإن نقيض الواحد ال يكون متعد ًدا بل‬ ‫البد أن يكون واح ًدا‪ ،‬وهكـذا يكـون عندنا الوجود واح ًدا‬ ‫بالوحدة الحقة! أي أن الوجود ٌ‬ ‫رصف ال متايز فيه! وملّا مل يكن‬ ‫هناك متايز يف الوجود فإنه ال ميكن أن يكون هناك وجو ٌد ٌ‬ ‫أول‬ ‫وثـانٍ فـصاع ًدا‪ ،‬وهكذا ال ميكن أن يكون هناك واق ٌع آخر بل‬ ‫هناك فقط واق ٌع واح ٌد وميتنع وجود واقعٍ آخر غري واقعنا‬ ‫الذي نعيش فيه! أنا اآلن ال أعلم كل إل ٍه محتملٍ سيخرتعه‬ ‫‪23‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫البرش ويدعي وجوده وال علـم لـي بكـل اآللهة املوجودة حال ًيا ولكن أنا استدل عىل أنه ال يوجد واق ٌع غري‬ ‫واقعي ومنه يثبـت عنـدي عـدم وجود أي إله‪ .‬وهنا نستذكر كلمة ابن عريب املشهورة «من قال بالحلول‬ ‫ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫معلول وما قال باالتحـاد إال أهل اإللحاد» إذًا تعالوا نقول باالتحاد!‬ ‫فدينه‬ ‫ولكن ال يزال محيي الدين بن عريب وصدر املتألهني الـشريازي والعرفـانيون يطاردوننـا بقولهم إن هذا الواقع‬ ‫الحقيقي هو الله وأن واقعنا ليس سوى ظل ذلك الواقع‪ ،‬فوجودنا يف الحقيقة ليس هو الوجود الحقيقي‬ ‫وإمنا هو وجود ر ٍ‬ ‫ابط والوجود الحقيقي إمنا هو االله!‬ ‫ت‬ ‫صور فنان لصدر‬ ‫الدين الشريازي‬

‫ر ٌّد عىل برهان صدر املتألهني‪:‬‬

‫هناك برها ٌن مشهو ٌر يف الفلسفة اإللهية يعرف باسم برهان الصديقني‬ ‫املل صدر الدين الشريازي عندما كان يف البرصة يف‬ ‫الذي وضعه ّ‬ ‫رحلته للحج وبرهانه هو نـو ٌع مـن االسـتدالل املبارش عىل وجود‬ ‫الواجب‪ ،‬وملخص االستدالل هو أنه ملّا ثبت عنـدنا أن األصـالة‬ ‫تكـون للوجود وأن الوجود حقيق ٌة ال تقبل العدم فإن وجودنا أنا‬ ‫وأنت ووجود سائر املحسوسات لـيس هو الوجود الحقيقي ألنه‬ ‫قابل للعدم فأنا موجو ٌد هنا وغري موجو ٍد هناك وأنا موجو ٌد اآلن‬ ‫ٌ‬ ‫ورمبا غري موجو ٍد غ ًدا‪ ،‬فأنا محدو ٌد بحدو ٍد مكاني ٍة وزماني ٍة ومحدو ٌد‬ ‫ٍ‬ ‫بجنس وفصلٍ وكل هذه هي حدو ٌد عدمي ٌة‪ ،‬فإذن وجودي ليس هو‬ ‫الوجود الحقيقي وملّا مل يكن وجودنا هو الوجود الحقيقي فـإذن‬ ‫الوجود الحقيقي هو ليس هذا الذي نراه حولنا وإمنا هو غريه وهـذا‬ ‫نان ألنسلم‬ ‫تصور ف‬ ‫الغيـر هـو الواجـب‪ .‬إذن صدر املتألهني وضع الربهان واالستدالل‬ ‫للعالقة بني الخالق وبني املخلوق‪ ،‬فهذه العالقـة أرقى من عالقة‬ ‫تجل من تجليات الخالق‬ ‫الصانع باملصنوع بل هي عالقة الظل بصاحب الظل فالعامل كله ليس سـوى ٍّ‬ ‫وهذا هو املقصود بوحدة الوجود‪ ،‬فالعامة تفهم من وحدة الوجـود أن الله هو العامل والعامل هو الله بينام‬ ‫وانعكاس لوجود الخالق‪ ،‬فكل يش ٍء يكون يف الحقيقة مرآ ٌة لوجود‬ ‫تجل من تجلياته‬ ‫املقصود هو أن العامل هو ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫«جلت يف تجليه الوجود لناظري ففي كل مر ٍّيئ أراها برؤيته» وبرهان‬ ‫الله وبهذا املعنى يقول ابن الفارض‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫صدر املتألهني يشبه برهان أنسلم ‪ Anselm‬الذي يعد أحد أولياء الدين املـسيحي وتابعـه عليه جمل ٌة من‬ ‫‪24‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫الفالسفة الغربيني مثل ديكارت وسبينوزا وليبنتز ولكن الفيلسوف كانط‬ ‫سليم‪ ،‬ويف الحقيقة برهان صدر املتألهني أكرث‬ ‫انتقـده وع ّده برهانًا غري ٍ‬ ‫إحكا ًما من برهـان أنـسلم املقدس‪ .‬من عجائب األمور أن اإللهيني حينام‬ ‫يتحدثون عن العامل يتحـدثون عـن الكـرة والـصخرة واإلنسان وكأن هناك‬ ‫من قال أن اإلنسان واجب وجو ٍد من امللحدين من دون أن نعلم! نحـن‬ ‫يف حديثنا كله ومن أيام أيب العالء املعري نتحدث عن كليات العـامل‬ ‫وكليـات العـامل هـذه موجود ٌة يف كل مكانٍ ومحيط ٌة بكل يشء‪ ،‬وحديثنا‬ ‫ليس عن جزئيات العـامل وهـذه الكليـات خارج ٌة عن كالم صدر املتأهلني‬ ‫فهي ليست عني املحدودية وتوأم العدم وإن كان هو يريد أن يجعلها‬ ‫رغم ع ّنا محتاج ًة ومعوز ًة يف وجودها إىل إل ٍه فنحن ال نناقش مثل هذا‬ ‫ً‬ ‫املستوى مـن الكالم الغصبي! إن ما أغفله صدر املتألهني ومن تبعوه‬ ‫هو أن الحدود التي نراها يف ما حولنا من املحسوسات سببها محدودية‬ ‫املشا ِهد (بكرس الهاء) ال محدودية املشا َهد (بفتح الهاء)‪ ،‬فنحن ال نرى‬ ‫من الجسم سوى إسقاطه عىل األبعاد املكانية الثالثية األبعاد‪ ،‬ولو أننا‬ ‫تسنى لنا أن نـرى األشـياء عىل حقيقتها وبكامل أبعادها فلن نرى عندها‬ ‫تجسم‪ ،‬بل أن كل يش ٍء سـيمتد امتدا ًدا النهائ ًيا بال أن‬ ‫أي محدودي ٍة وأي‬ ‫ٍ‬ ‫جسم واح ًدا وذاتًا واحد ًة وما‬ ‫يكون له حدو ٌد بل إن كل األجسام ستصبح ً‬ ‫واعتباري عائ ٌد إىل ٍ‬ ‫نقص يف املـشاهد‬ ‫مجازي‬ ‫التاميز يف ما نرى إال متاي ٌز‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫والنـاظر ولقـد صدق املتصوفة قد ًميا حينام قالوا‪:‬‬ ‫أصل بل لها صفاتٌ هي‬ ‫«إن الواقع ليس إال ذاتٌ واحد ٌة ال تركيب فيها ً‬ ‫عينها وهي حقيقـة الوجود املن ّزهة يف حد ذاتها عن شوائب العدم وسامت‬ ‫اإلمكان ولها تقيداتٌ بقيو ٍد اعتباري ٍة بحسب ذلك ترتاءى موجوداتٌ‬ ‫متاميزة‪ ،‬فيتوهم من ذلك تعد ٌد حقيقي»‪.‬‬ ‫واملحقق الالهيجي حينام أورد كالمهم يف كتابه شوارق اإللهام رد عليهم‬ ‫خروج مـن طور العقل‪ ،‬ألن البداهة شاهد ٌة بتعدد املوجودات‬ ‫بأن هذا‬ ‫ٌ‬ ‫ومحصل باملشاهدة‬ ‫ً‬ ‫تعد ًدا حقيق ًيا‪ .‬ولكن ماذا إذا كان ما نظنه بديه ًيا‬ ‫‪25‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫ووهم وخداع برص؟ ماذا إذا كانت كـل تصوراتنا للواقع ليست سوى تصور ٍ‬ ‫ات مغلوط ٍة بعيد ًة كل البعد‬ ‫ً‬ ‫عن عني الواقع؟‬

‫ماذا يقول البحث العلمي؟‬

‫شاشة‬

‫حاجز‬

‫حاجز‬

‫تراكب‬ ‫ه ّدام‬

‫تراكب‬ ‫ب ّناء‬

‫إحدى أهم الحقائق الفيزيائية‬ ‫واملحرية يف نفس الوقت هي‬ ‫الطبيعة املزدوجة للمـادة‬ ‫مصدر‬ ‫ضويئ‬ ‫كأجسام لها‬ ‫فاملـادة تترصف‬ ‫ٍ‬ ‫أبعا ٌد محدود ٌة بأبعا ٍد مكاني ٍة‬ ‫شقوق‬ ‫تجربة شقّي يونغ‪ :‬تظهر الطبيعة املزدوجة للامدة والضوء‬ ‫وزماني ٍة معين ٍة وهذا هو ما‬ ‫نالحظه يف طبيعة األجسام التي حولنا‪ ،‬وطبيع ٌة أخرى هي طبيع ٌة موج ّي ٌة فاألجسام تترصف كأموا ٍج مثلام‬ ‫كأجسام وإذا كانت كتلة الجسم من حيث هو جس ٌم محصور ٌة ومحبوس ٌة يف أبعاده املكانية‪ ،‬فإنـه‬ ‫تترصف‬ ‫ٍ‬ ‫من حيث هو موج ٌة تنترش كتلت ٍة عىل طول خط انتشار املوجة واألمواج ألنها تنترش يف كـل مكانٍ فإن كل‬ ‫جسم سيكون له امتدا ٌد النها ٌّيئ وكوننا ال نالحظ هـذه الطبيعـة املوجيـة فـي األجسام املحسوسة فألنه‬ ‫ٍ‬ ‫قليل ج ًدا إلـى درجـ ٍة يصعب معها قياسه‪ ،‬ولكنه مع هذا‬ ‫يرجع إىل كون الطول املوجي لتلك األجسام ٌ‬ ‫قابل للقياس والتجربة مع األجـسام دون الذريـة مثـل اإللكرتونات والفوتونات‪ ،‬وهناك العديد من‬ ‫فهو ٌ‬ ‫رش هي أننا نحكم عىل أشياء مل نصل بعد إىل‬ ‫التجـارب إلثبـات الطبيعـة الثنائيـة لألجـسام‪ .‬مشكلتنا كب ٍ‬ ‫درجة اليقني حول طبيعتها فالفيلسوف يتحدث عن املادة وكأنه ٌ‬ ‫مدرك ملاهيتها!‬ ‫كجسد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫واحد ذي طبيع ٍة واحد ٍة فكل القوى صارت يف الحقيقة‬ ‫إن الكون يف ظل النظريات املوحدة يبدو‬ ‫قو ًة واحد ًة ولكن عن أي ق ًوى أتحدث؟ إن الطاقة ‪ /‬الكتلة ليست سوى خاصـي ًة مـن خواص الفراغ ولكن‬ ‫نحن اعتدنا أن نتحدث عن أن الكتلة ‪ /‬الطاقة هي األسـاس واملوجـود القائم بذاته وأن الزمكان خاصي ٌة من‬ ‫خواصه!!! إن العلم الحديث قلب الصورة وقلب فهمنـا لكثريٍ من األمور‪.‬‬

‫ملخص القول‪:‬‬

‫إننا نطعن يف استدالل الفالسفة عىل كون وجودنا ليس هو الوجود الحقيقي ونطـرح حجـج املتصوفة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫كتأييد ملا نقوله وال ميكن عندها االستدالل عىل أن هذا الواقع ليس هو‬ ‫كسند الدعائنا والعلم الحديث‬ ‫‪26‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫الواقع الحقيقي ألن االحتامل يبطل االستدالل‪ ،‬ثم إننا بإثباتنا أن هذا هو الواقـع الحقيقي فانه يستحيل أن‬ ‫يكون هناك غريه ويستحيل أن يكون هناك إل ٌه من أي نو ٍع حتـى وإن كنت ال أعرفه‪ .‬الحظ أن الفالسفة‬ ‫القدماء مل يكونوا مخطئني بكالمهم عن الظل وصاحب‬ ‫الظل وكالمهم عـن التجيل‪ ،‬كل ما يف األمر أن ما وصفوه‬ ‫ليس هو اإلله بل هو غريه ففي الحقيقة عندما تنظـر‬ ‫إىل الكون يف ظل أربعة أبعا ٍد أو أكرث فأنت ترى شيئًا‬ ‫مختلفًا وما الواقع الحايل إال إسقا ٌط ملا هو موجو ٌد يف‬ ‫تلك األبعاد عىل واقعنا أو قل هو ما نـستطيع أن نـراه‬ ‫ونالحظـه بحواسـنا املحدودة‪ ،‬وهذا هو عني ما يقوله‬ ‫الفالسفة كام رأينا من أن الواقع الحايل هو ظل املوجود‬ ‫لجسم‬ ‫أيضا نو ٌع من اإلسقاط‬ ‫الحقيقي ألن الظل هو ً‬ ‫ٍ‬ ‫ميني‪ :‬ما يقابل املكعب يف أربعة أبعاد‪.‬‬ ‫يسار‪ :‬إسقاطات املكعب رباعي األبعاد يف ثالثة أبعاد‪.‬‬ ‫ثال ّيث األبعاد عىل سطح ثنـا ّيئ األبعـاد وهكذا فواقعنا هو‬ ‫ظل رباعي األبعاد‪.‬‬ ‫إسقاط (أو ظل) ثاليث األبعاد لصاحب ٍّ‬ ‫مزعوم قد ال نعرف عنه شيئًا لَمـا صار اإللحاد هو‬ ‫ويف النهاية رأينا كيف أنه صار اإللحاد حصي ًنا من كل إل ٍه‬ ‫ٍ‬ ‫اإلميان بوحدانية الواقع‪.‬‬

‫‪ -2‬بؤس اإللحاد التقليدي‪ :‬القسم الثاين‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫نقضا لفك ٍر ما فإنهم يحاولون قبل هذا أن يُل ّموا مبا يقوله املقابـل وما يطرحه‬ ‫العلامء حينام يق ّدمون نق ًدا أو ً‬ ‫رأي إذ لعله أن يكون املقابل محقًا فيام يطرح ويشري إليه من آراء وأفكـا ٍر دون أن يفطن إىل ذلك الناقد‬ ‫من ٍ‬ ‫فيحسب األمر عىل غري وجه ٍه فيقـع فـي املحظـور ويعـود االختالف كله إىل سوء فهم املراد من الطرفني‪.‬‬ ‫ولعله ميكن أن ت ُر ّد كث ٌري من االختالفات بني الناس إىل الجهل‪ ،‬فالعلامء نـاد ًرا مـا يختلفـون وناد ًرا ما يجدون‬ ‫بعضا لعلمهم أن كل صاحب فكر ٍة صاحب وجهة نظ ٍر وأن الفروقات بني األفكار إذا‬ ‫ما ينقدون به بعضهم ً‬ ‫فُهمت عىل وجهها وأُعطيت حقها يف الرشح والتوضـيح تكـاد تكون قليل ًة ومتداخل ًة مع بعضها‪.‬‬

‫معنى العلة األوىل‪:‬‬

‫إن أكرث ما يؤسف له هو الطريقة التي يتناول بها أغلب امللحدين لفكرة أن الله هو الواجب أو العلة األوىل‪،‬‬ ‫‪27‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫ف ُهم يظنون أنه بنا ًء عىل هذه الفكرة فإن الله موجو ٌد يف بداية العامل وأنه هو سبب االنفجار العظيم أو هو‬ ‫سبب أول يش ٍء يف الكون مل يكن هناك يشء قبله ولعله حتـى بعـض املؤمنني أنفسهم من أدعياء املعرفة‬ ‫واملتكلمني ينرصون هذه الفكرة فتجـد أحـدهم يتـصور الكون كسلسل ٍة من األحداث التي تعود يف سجل‬ ‫الزمان إىل الوراء روي ًدا روي ًدا حتى نصل إىل لحظة االنفجار العظيم يف نظرية االنفجار العظيم لتك ّون الكون‪،‬‬ ‫فإذا قلبنا هذه الصفحة وجـدنا الله خلفها وكان هو السبب فيها وامللحد يريد بكتاباته أن يقول إن سبب‬ ‫وكل‬ ‫االنفجار العظيم لـيس الله بل هو غريه‪ .‬لقد كُتبت مئات املقاالت وأُلفت الكتب الكثرية من الفريقني ٌّ‬ ‫يحاول أن يثبت وجهة نظـره‪ ،‬فهذا يقول إن سبب االنفجار العظيم ليس الله وهذا يقول نعم هو الله ولو‬ ‫ٍ‬ ‫محرتم النقلب عىل ظهره من شدة الضحك وتهافت هذه الفكـرة‪.‬‬ ‫إلهي‬ ‫أنك عرضـت األمـر عىل أي‬ ‫ٍ‬ ‫فيلسوف ٍّ‬ ‫إن الفالسفة اإللهيني يف حديثهم عن العلة األوىل مل يعنوا أب ًدا أن الزمان واملكـان محـدودان وأن الله يبدأ‬ ‫خلف آخر نقط ٍة مكاني ٍة من الكون وأنه ميكننا أن نجد الله إذا بحثنا يف أصل الكون ورجعنا إىل بداياته‬ ‫األوىل‪ .‬ليس األمر هكذا عىل اإلطالق‪.‬‬

‫ماذا تقول الفلسفة اإللهية‪:‬‬

‫إن الفلسفة اإللهية تؤكد أن من يسري يف متابعة األسباب املادية ومالحقة سبب‬ ‫كل يش ٍء فـي عاملنا املادي عائ ًدا يف بحثه إىل الوراء يف الزمن فإنه لن يصل إىل‬ ‫مادي آخر ولن‬ ‫مادي‬ ‫ٍ‬ ‫الله عىل اإلطـالق بـل سيستمر يف مشاهدة ٍ‬ ‫لسبب ٍّ‬ ‫سبب ٍّ‬ ‫يصل أب ًدا إىل بداي ٍة لهـذه السلـسلة‪ ،‬إن الفالسفة اإللهيني يعتربون العامل أز ٌّيل‬ ‫كأزلية خالقه ويرون أن سلسلة األحداث التي تقـع فـي العامل املادي ال تنتهي‬ ‫وهكذا‪ ،‬فأنت إذا تابعت العامل إىل لحظة االنفجار العظيم فستجد خلف هذه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وأحداث أخرى ولن‬ ‫وأحداث وإذا تابعتها فأنت ستجد ماد ًة‬ ‫اللحظة ماد ًة‬ ‫مادي ال سبب له‪ .‬إن العلم الحديث يف سعيه الدؤوب‬ ‫تصل أب ًدا إلـى‬ ‫ٍ‬ ‫سـبب ٍّ‬ ‫للبحث عن أصل الكون قد وضع عدة مناذج للطريقة التـي تك ّون فيها الكون‬ ‫ولِام كان موجو ًدا قبل االنفجار العظيم‪ ،‬والكثري من هـذه النمـاذج تفتـرض‬ ‫رص عىل أن‬ ‫أكوانًا النهائية سابقة للكون الحايل‪ ،‬فتجد امللحد التقليدي هنا ي ّ‬ ‫قائل‪ :‬إن هذا هو‬ ‫هذا يدحض فكـرة وجود اإلله بينام زميله الفيلسوف يجيبه ً‬ ‫ما كنت أقوله منذ مئـات الـسنني‪ .‬إن الفلسفة اإللهية متيز بني سلسلتني عللية‪.‬‬ ‫األوىل هي السلسلة العرضية‪ :‬يف هذه السلسلة تقع كل األحداث يف العامل‬ ‫‪28‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫املادي فيكون فيها هذه الحركة سببها هذه القوة وهذه القوة سببها تلك وهكذا وهذه السلسلة ال بدايـة‬ ‫لهـا فمهمـا رجعت فيها إىل الوراء فأنت لن تصل إىل بداي ٍة ولهذا فإن الفيلسوف اإللهي يتنبأ بأن العلم لـم‬ ‫يكتشف من بداية للعامل ولن يصل يف بحثه إىل يش ٍء ال سبب له أو ال سـابق لـه أو غيـر مسبوقٍ مبادة‪.‬‬ ‫والثانية هي السلسلة الطولية‪ :‬يف السلسلة الطولية ينظر إىل العوامل ككيل‪ ،‬فهنا نحن ال نبحث عن سبب‬ ‫وجود ٍ‬ ‫زيد أو القمر أو الشمس ألنه من الواضح أن أسباب مثل هذه األشـياء هـي جز ٌء من السلسلة‬ ‫العرضية والتي ال تعود إىل بداية‪ ،‬فنقول إن األرض سببها انفجا ٌر حـصل يف الشمس والشمس جز ٌء من درب‬ ‫بكالم‬ ‫التبانة وهكذا دون أن نصل إىل بداية‪ .‬ولكن حينام نأخذ العامل املادي ٍّ‬ ‫ككل فاألمر مختلف‪ .‬يعني ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بسيط نحن لدينا نظرية االنفجار العظيم تفرس لنا شكل الكون الحايل وتفـرس لنـا كيف نشأ‪ ،‬لكنها ال تفرس‬ ‫لنا ملاذا هناك يشء؟ ملاذا هناك طاق ٌة نشأ منها الكون؟ ملاذا هنـاك فراغ؟ ملاذا هناك مكان؟‬

‫محتاج إىل غريه فـي وجوده‪،‬‬ ‫هذه األسئلة هي ما يطرحه الفيلسوف اإللهي‪ ،‬فهو هنا يرى أن هذا الكيل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا مثله‬ ‫فكل العامل املادي‬ ‫معلول وله عل ٌة وعلته هي عامل املثل (عامل العقول بحسب أرسطو) وعامل املثل ً‬ ‫أسباب عرضي ٍة ولكنه ككلٍ له عل ٌة وعلتـه هو عامل العقول وعامل العقول بدوره‬ ‫مثل العامل املادي له سلسلة‬ ‫ٍ‬ ‫علته هو الله‪ .‬يعني الفيلسوف اإللهي يقسم العلل إىل قسمني‪ ،‬فتارة هو ينظر يف أسباب األجزاء فـي العـامل‬ ‫علـل طولي ًة تنتهي بالعلة‬ ‫ويرى أن ال بداية لها وال أول لها بل هي أزلي ٌة وتار ًة ينظر إىل كل العامل فيجعل لـه ً‬ ‫األوىل التي هي الله‪.‬‬ ‫رمبا من السهل تخيل املوضوع بشكل دوائر متمركز ٍة فالدائرة الداخلية هي العامل املادي حيث يجري يف‬ ‫داخلها عد ٌد النها ٌيئ من األحداث ويحيط بهذه الدائرة دائر ٌة أكرب هي عاملٌ أوسع من العامل املادي وهي عامل‬ ‫املثل وهكذا‪ .‬إن الفيلسوف اإللهي يرى أن العلم لن يتوصل إىل وجود الله ألنه يبحث يف االتجاه الخطـأ إذ‬ ‫‪29‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫أنه ال يقف هناك خلف االنفجار العظيم ويف نهاية سلسلة األسباب العرضية‪ .‬وهذا هو أحد األخطاء التي‬ ‫يقع فيها امللحدون التقليديون فتجد أحدهم يكتب تفاه ًة فكريـ ًة ثـم ينفش ريشه ألنه أفحم الجميع بينام‬ ‫هو مل يفحم سوى نفسه ومل يفضح سوى جهله‪.‬‬

‫قسم الفالسفة العلل إىل طولية وعرضية؟‬ ‫ملاذا ّ‬

‫طب ًعا الفالسفة ال يبنون آراءهم عىل الكتب املقدسة أو الثوابت املتناقلة من جيلٍ إىل آخر وما سواه مام‬ ‫صحيح فقط ألنه اعتاد عىل االعتقاد بأنه الحق الـذي ال يأتيـه الباطل من بني يديه وال‬ ‫يتوهمه البعض أنه‬ ‫ٌ‬ ‫بكالم آخر كيف صـدر الكثري‬ ‫من خلفه‪ .‬املشكلة التي يواجهها الفيلسوف هي يف كيفية صدور العامل من الله‪ٍ .‬‬ ‫عن الواحد؟ فنحن نرى أن العامل متك ٌرث ومتعد ٌد بينام الله واحد‪ ،‬فكيف جاء الكثري من الواحد؟ اإلشكال يف‬ ‫هذا املوضوع هو أنه حتى يكون الكثري علة ليش ٍء ٍ‬ ‫واحد فالبد أن تكون يف هـذا الواحد خصوصياتٌ متكرث ٌة‬ ‫ٍ‬ ‫خصوصيات‬ ‫بعدد خصوصيات املعلول أو املعاليل حتى يصح أن يكـون هـذا عل ًة لذلك‪ ،‬ولكن القول بوجود‬ ‫متعدد ٍة يف الواجب معناه القول بالتكرث فيه وإذا كان متك ًرثا وما به االختالف غري ما به االتفاق فإنه يلزم منه‬ ‫أن يكون مركب ًـا والزم تركبـه أن تكون أجزاؤه محتاج ًة لبعض البعض والزم الحاجة هو اإلمكان واملعلولية وال‬ ‫معلول‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ميكن أن يكون الواجب محتا ًجا وإال كان‬ ‫لحل هذا اإلشكال جاء الفالسفة اإللهيون ومن زمن اليونانيني بيش ٍء مشاب ٍه لنظريـة التطـور الحديثة‪ ،‬فبدل‬ ‫أن نضع تص ّو ًرا سطح ًيا مفاده أن الله خلق الكون بصور ٍة مباشـر ٍة وخلـق كـل أجزاءه وجزئياته بصور ٍة‬ ‫مبارش ٍة فخلق اإلنسان والحيوان بيديه بصور ٍة مبارش ٍة فإن الفالسـفة فكّروا بتسلسلٍ لصدور املوجودات‬ ‫املتعددة من الواحد‪ .‬فواجب الوجود مل يخلق العامل الذي نعرفه وإمنا أوجد العقل األول أو قل املوجود‬ ‫عقل فأنا ال أقصد شيئًا مثل عقل اإلنسان أو أداة التفكري وإمنا أقصد املوجود بالفعل أزل ًيا‬ ‫األول‪ ،‬حينام أقول ٌ‬ ‫وتحول من شكلٍ إىل آخر ومن نو ٍع‬ ‫ً‬ ‫ورمبا تحتاج هذه إىل رشح (للمرة املليون) يف األشياء ما نجد فيه تغ ًريا‬ ‫إىل آخر فنجد املاء يتحول إىل بخا ٍر والفحم يتحول إىل ٍ‬ ‫ماس وهكذا‪ ،‬فالقـدماء قالوا أن اليشء ال يتغري من‬ ‫شكلٍ إىل آخر بصور ٍة عشوائي ٍة ألن هذا خالف املشاهد (أي أنه لو كان عشوائ ًيا الميكن أن يتحول أي يش ٍء‬ ‫إىل أي يشء) فقالوا إذًا البد أن يكون يف املاء االستعداد أو القابلية عىل التحول إىل بخا ٍر والبد أن يكون يف‬ ‫الفحم القابلية عىل التحول إلـى ٍ‬ ‫ماس فاملاء ألنه يتضمن االستعداد عىل التحول إىل بخا ٍر فنحن نقول إن‬ ‫املاء هو بخار بالقوة (أي باالستعداد) وما ٌء بالفعل (ألنه يف هذه اللحظة ماء) فـالتغري يتـضمن إذن خـروج‬ ‫اليشء من القوة (االستعداد) إىل الفعل (الوجود الفعيل)‪ ،‬وملّا كان الواجب غري متغريٍ فإنه ال ميكن أن يكون‬ ‫‪30‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫فعل عىل الدوام‬ ‫فيه قوة (أي استعداد) وإال تغري‪ ،‬ولهذا فهو ٌ‬ ‫عقل والعقل مجر ٌد‬ ‫سمه الفالسفة ٌ‬ ‫وهـذا الفعـل عىل الدوام ّ‬ ‫من املادة أي أنه مجر ٌد من القوة (أي االستعداد عىل التغري)‪.‬‬

‫البرونزية‬ ‫هذه األمور‬ ‫تنفصل يف الفكر‪...‬‬ ‫لكنها ال تنفصل يف الواقع‬

‫نظرية الفيض اإللهي‪:‬‬

‫الكروية‬

‫الفكر‬

‫نعود للعقل األول‪ ،‬العقل األول هذا كان أكرث تعقي ًدا بدرج ٍة‬ ‫عن الواجب ألن فيه ناحيتني ناحية الوجود وناحية اإلمكان‬ ‫الواقع‬ ‫(ألنه محدو ٌد وكل محدو ٍد له ماهية)‪ ،‬فالعقل األول كان‬ ‫كرة برونزية‬ ‫معق ًدا بدرجـ ٍة عىل الواجب وهذا العقل األول أوجد العقل‬ ‫الثاين وهذا بدوره كان أكرث تعقي ًدا من العقل األول وهكذا‬ ‫حتى نصل إىل ما يسمى بالعقل الف ّعال‪ ،‬والعقل الفعال كان‬ ‫له من التعقيد والخواص ما ميكن به أن يخلق العامل‪ ،‬تسمى هذه النظرية نظرية الفيض اإللهي وهي تعـود‬ ‫إلـى زمـن أرسطو ومرت يف رحلتها التطورية واالستكاملية عرب كثريٍ من الفالسفة مثل أفالطون وحتى املعلم‬ ‫الثالث ‪ :‬ابن سينا‪.‬‬ ‫هيكـل‬ ‫ٌ‬ ‫إذًا القضية ليست عشوائي ًة وليست لعب ًة عىل اإلطالق وإمنا هنـاك‬ ‫هرمـي لـصدور املوجودات‪ ،‬ومام يذكر يف هذا الصدد أن أرسطو كان‬ ‫ٌّ‬ ‫يعترب أن الكامل ال ميكن أن يعلم مبـن هو دونه وال يكلمه وال يخاطبه‬ ‫ولهذا فالله عنده ال يعلم عىل اإلطالق بـأمور املخلوقـات وال شأن له بها‪،‬‬ ‫ال يحادثها وال يكلمها‪ ،‬والله عىل هذا ال يتدخل يف أحـداث العـامل وال‬ ‫يرسـل صواعق عىل ٍ‬ ‫أحد وال يثري الرباكني ويقلب العصا أف ًعى وال ينزل‬ ‫رشا أو ملكًا وال يتدخل يف الجزئيات ومل يخلق‬ ‫رحم ًة وال عذابًا وال يرسل ب ً‬ ‫اإلنـسان مـن طـ ٍني بـصور ٍة مباشـرة‪ .‬ثم يأيت بعد ذلك أحد امللحدين‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت مفادها‪ :‬تقول نظرية التطور أن اإلنسان‬ ‫السطحيني ويكتب عرش‬ ‫صحيح والله غري موجود‪،‬‬ ‫تطور من ماد ٍة غري حي ٍة بالبحر‪ ،‬لذا فاإللحاد‬ ‫ٌ‬ ‫جهل وسخاف ٌة فنظرية التطور ليست من األدلة‬ ‫وهـذه بحقيقـة األمر ٌ‬ ‫القوية عىل اإللحاد‪ .‬رمبا تخالف نظرية أهل األديان ولكن مع الفالسفة‬ ‫منمنة تظهر صورة ابن سينا‬ ‫األمر مختلف‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫‪ -3‬بؤس اإللحاد التقليدي‪ :‬القسم الثالث‬ ‫من أوجد الكون؟‬

‫غال ًبا ما نظرت إىل هذا االعرتاض الذي يورده إخواننا املؤمنني مبنتهـى الوثـوق لـدحض اإللحاد عىل أنه ر ٌّد‬ ‫ٌ‬ ‫مضحك فقائله ال يدرك أنه يغالط مبغالطـة تعـرف بالتمـاس الـسؤال ‪ Begging the question‬فامللحد مل‬ ‫مخلوق بحيث يحتـاج إىل من يوجده أو يخلقه وأنه يرى أن السؤال خطأٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يثبت عنده أن الكون موج ٌد أو‬ ‫ألن املدعى بالسؤال غري ٍ‬ ‫جواب عىل السؤال خطأٌ ويتوجب عىل املؤمن قبل أن‬ ‫ثابت عنده وعليـه فكل‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خالق وبعدها يحق له أن يسأل من‬ ‫مخلوق‬ ‫يسأل هذا السؤال أن يثبت لنا بالفعل أن الكون‬ ‫ومحتاج إىل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫خلق الكون‪ .‬مغالطة التامس السؤال غال ًبا ما تجد املحامني يستخدموها لنزع اعرت ٍ‬ ‫افات من املتهمني وإن كان‬ ‫مثل انظر معي‪ ،‬تصور محامي يستجوب متهم بالرسقة‪:‬‬ ‫بوسيل ٍة غري سليمة‪ً ،‬‬ ‫املحامي‪ :‬أين خبأت املال الذي رسقته؟‬ ‫املتهم‪ :‬مل أخبأه يف أي مكان‪.‬‬ ‫املحامي‪ :‬إذن تعرتف أنك رسقت املال!‬ ‫جواب‬ ‫املحامي يسأل املتهم سؤالً خاطئًا فلم يثبت أنه رسق املال بعد ولكنه يقول له أين خبأتـه ألن أي‬ ‫ٍ‬ ‫عىل هذا السؤال معناه أن املتهم يقر بأنه رسق املال! إنها حيل ٌة ذكية‪.‬‬

‫وجيه ولكن بصيغ ٍة خاطئة‪:‬‬ ‫سؤال ٌ‬

‫فعل ال توجد وجهة نظ ٍر ملن يطرح هذا التساؤل أم أنه توجـد وجهة نظ ٍر‬ ‫ولكن بعي ًدا عن السؤال هل ً‬ ‫تأت يل التفكري يف هذا األمر ووجـدت أن مـا يطرحـه املؤمن هنا قد يكون من أقوى‬ ‫له؟ يف الحقيقة مؤخ ًرا ّ‬ ‫الحجج التي توجه ضد اإللحاد لوال أنهم ال يحـسنون صـياغة الحجج وال يحسنون أن يرشحوا مكمن الخطأ‬ ‫يف النظريات املقابلة‪ ،‬إنهم يطرحون أم ًرا ميزق اإللحاد التقليدي متا ًما بل ويعجز امللحد عن الرد ولكنه مل‬ ‫محام فاشل‪.‬‬ ‫يُصغ بصور ٍة صحيحة‪ .‬أنه كام قيل‪ :‬قضي ٌة رابح ٌة بيد ٍ‬ ‫هل الكون ماكين ُة ذاتية الحركة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫خارجي ويقول إن الكون يفرس نفسه بنفسه ويشمخ‬ ‫موجد‬ ‫يقول امللحد التقليدي أن الكون ال يحتاج إىل‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫موجد‬ ‫بأنفه وهو يحدثك عن نظرية االنفجار العظيم وكيف تك ّون الكون وأننا ال نحتاج إىل إل ٍه أو إىل‬ ‫‪32‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫خارجي‪ ،‬الكون يفرس نفسه بنفسه‪ ،‬إذن عىل كالمكم‬ ‫فإن الكون ماكينـة ذاتيـة الحركة ‪Perpetual Motion‬‬ ‫‪ Machine‬ومن املستحيل فيزيائ ًيا أن توجـد ماكينـة‬ ‫ذاتيـة الحركة‪ ،‬هذا مستحيل‪ ،‬والسبب يف هذه االستحالة‬ ‫هي أنها إما أن تخـالف قـانون االنتقـال الحراري األول‬ ‫أو قانون االنتقال الحراري الثاين‪ .‬يعني املاكينة ذاتية‬ ‫الحركة هـي ماكينـ ُة تتحرك باستمرا ٍر دون توقف وال‬ ‫تحتاج إىل مصدر طاقة‪ .‬وتصنف املكائن ذاتية الحركة‬ ‫إىل صنفني‪:‬‬ ‫الصنف األول منها هي هذه املكائن التي يُدعى فيها‬ ‫تصميم ملاكينة ذاتية الحركة (وهمية طب ًعا)‪.‬‬ ‫أي نـو ٍع مـن أنـواع الطاقة بل تتولد‬ ‫أنها ال تحتاج إىل ٍ‬ ‫فيها الطاقة تلقائ ًيا وهذا يخالف قانون االنتقال الحراري األول أو قانون حفـظ الطاقة حيث أن الطاقة ال‬ ‫تفنى وال تخلق‪ .‬يسمى هذا النوع باملكائن ذاتية الحركة من الدرجة األوىل‪.‬‬ ‫الصنف الثاين منها هي هذه املكائن التي يُدعى فيها استمرار تحول الطاقة من شكلٍ إىل آخر ومن ثم‬ ‫رجو ًعا إىل الشكل األول‪ ،‬يعني تخيل معي‪ ،‬سيار ٌة تعمل بالطاقة الكهربائية تخيل لو أن عبقريًا قال لنا ‪:‬‬ ‫أنا سأستخدم املحرك الكهربايئ ألجعل السيارة تتحرك ويف نفـس الوقـت سأربط هذا املحرك ٍ‬ ‫مبولد كهربا ٍّيئ‬ ‫يولد الطاقة الكهربائية ثم سأستخدم هذه الطاقة الكهربائيـة لتشغيل املحرك الكهربايئ وهكذا لن نحتاج‬ ‫خلق للطاقة هنا‬ ‫إىل مصدر طاق ٍة خارجي‪ ،‬رمبا إذا فكـرت فـي هذه الفكرة ستجدها «منطقي ًة»‪ ،‬إذ ال يوجد ٌ‬ ‫مستحيل؟‬ ‫ً‬ ‫تحويل من شكلٍ إىل آخر فام هي املشكلة؟ ملاذا يكون هذا األمر‬ ‫ٌ‬ ‫وإمنا‬ ‫الجواب أنه يخالف قانون االنتقال الحراري الثاين من حيث أن التحوالت تكون دامئ ًـا بحيـث تزداد اإلنرتوپيا‬ ‫بكالم آخر أن التحوالت تكون دامئًا بحيث تقل عـدد الحـاالت املمكنـة لالنتقال من وضعٍ إىل‬ ‫‪ Entropy‬أو ٍ‬ ‫قليل‪:‬‬ ‫آخر‪ .‬هذه تحتاج رش ًحا‪ .‬فانتبه معي ً‬ ‫تخيل أن لدينا قطع ًة من النقود وهذه القطعة لها وجهان هام‪ :‬الكتابة والوجه‪ .‬إذا رمينـا هـذه القطعة‬ ‫عىل األرض فإن هناك طريقتني ميكن أن تقع يهام هذه القطعة علـى األرض إمـا أن تكون يف حالة وجه أو‬ ‫تكون يف حالة كتابة‪.‬‬ ‫اآلن تخيل أن لدينا قطعتني نقديتني هنا سيكون لدينا أربع حاالت‪ .‬فإذا كان عندنا خمس قطع نقدية فإن‬ ‫هناك ‪ 32‬حال ًة لرتتب القطع النقدية عىل األرض‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫بكم طريقة ميكن أن ترتتب بها هذه الخمس قطعٍ النقدية بحيث تكون واحد ًة منها يف حالة وجه والبقية‬ ‫يف حالة الكتابة؟‬ ‫الجواب‪ :‬خمس طرقٍ فإما أن تكون األوىل يف‬ ‫حالة وج ٍه أو الثانية أو الثالثـة أو الرابعـة أو‬ ‫الخامسة‪ .‬بكم طريق ٍة ميكن أن ترتتب هذه‬ ‫اإلنرتوپيا هي مقياس الفوىض يف الفيزياء‪ .‬كومة الطوب العشوائية متلك‬ ‫الخمس قطعٍ بحيث يكون اثنانٍ منها بحالة‬ ‫إنرتوپيا عالية‪ ،‬بيام ترتيبها عىل شكل جدار يخفض اإلنرتوپيا‪.‬‬ ‫وجه؟‬ ‫الجواب عرش طرق‪ .‬بكم طريقة ميكن أن ترتتب هذه الخمس قطعٍ بحيث تكون كلها يف حالة وجه؟‬ ‫الجواب طريق ٌة واحدة‪.‬‬ ‫إذن عدد الحاالت املمكنة التي ترتتب بها القطع النقدية تكون مختلفـ ًة‪ ،‬فهنـاك حالـ ٌة ميكـن الوصول إليها‬ ‫باحتام ٍل ٍ‬ ‫واحد وهناك حال ٌة ميكن الوصول إليها بعرش طرقٍ فالحالة التي نـصل إليها بطريق ٍة واحد ٍة نسميها‬ ‫فوض‪ ،‬والعمليات‬ ‫حال ٌة عالية النظام والحالة التي نصل إليها بطرقٍ كثري ٍة نسميها حال ٌة أقل نظا ًما أو حالة ً‬ ‫الفيزيائية التلقائية تتم بحيث يكون االنتقال مـن الحالـة األعىل نظا ًما إىل الحالة األقل نظا ًما‪.‬‬ ‫ففي مثال السيارة فإن االنتقال من الطاقة الحركية إىل الكهربائية هو حالة انتقا ٍل من أقل نظا ًما إىل أعىل‬ ‫نظا ًما‪ ،‬وهذا ال يتم بصور ٍة تلقائي ٍة بل يحتاج مقدا ًرا من الطاقة وعليه فإن كمية الطاقة الكهربائية املتولدة‬ ‫ستكون أقل من كمية الطاقة الحركية الداخلة ومل ّـا كانـت هـذه الكميـة ستستخدم يف تدوير املحرك فإن‬ ‫كمية الحركة الناتجة ستكون أقل‪ ،‬وهكذا كمية الكهرباء أقـل منها وبالتدريج تقل الحركة يف هذه املاكينة‬ ‫حتى تتوقف‪.‬‬

‫عود ٌة للموضوع‪:‬‬

‫لو فرضنا صحة كالم امللحدين التقليديني فإن الكون باعتبار أنه ماكينة ذاتية الحركة من النوع الثاين فإن‬ ‫الكون سيكون مثل املروحة التي يُقطع عنها التيار الكهربايئ فتبدأ بالدوران أبطأ وأبطأ حتى تتوقف‪ .‬إن‬ ‫الكون يف مثل هذه الحالة لن يستمر إىل األبد بل ستتزايد اإلنرتوپيا ‪ Entropy‬فيه حتى تقل الفرتة الزمنية‬ ‫لكل دور ٍة فيه وتصبح صف ًرا‪ ،‬لكن ثبوت الكون يدل عىل أن هـذه الفكرة خطأ‪ .‬فهل الكون ال يتبع النموذج‬ ‫الدوري؟ أم أن هناك أم ًرا آخر قد أغفلناه؟‬ ‫‪34‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫اعرتاض‪:‬‬

‫قد يقال إن املغالطة هنا هي أننا نفرتض صحة النموذج الدوري للكون ‪Cyclic Model of the Universe‬‬ ‫فلِم ال يكون النموذج الحايل وهو النموذج املعتمد عىل نظريـة التضخم ‪ Inflation theory‬هو الصحيح؟‬ ‫حجم الكون‬

‫وسع‬

‫ن يت‬ ‫لكو‬

‫ا‬

‫ان‬

‫س‬ ‫حاق‬

‫ش‬ ‫ديد‬

‫الزمن‬

‫الجواب عىل االعرتاض‪:‬‬

‫بحسب هذا النموذج فإن الكون سيموت حراريًا بينام يستمر يف التمدد إىل األبد وعىل الـرغم من أن لهذا‬ ‫الكون بداي ٌة فإنه النهاية له ومشكلتنا ليست مع فرض أنه النهاية لـه ولكـن مـع فرض أن له بداية‪ ،‬ملاذا‬ ‫الحقبة املظلمة‬

‫الكون بعد عودة التأيّن‬

‫حقبة التضخم‬

‫حقبة التذبذبات البدائية‬ ‫حقبة عودة التأيّن‬ ‫حقبة تكون إشعاع امليكروويڤ‬ ‫املشاهد اليوم‬

‫‪35‬‬


‫اإللحاد جـ ‪:1‬‬ ‫بؤساإللحادالتقليدي‬ ‫‪Enki‬‬

‫حصل التضخم؟ وملاذا هذا التفاعل بني مكوناته منغ ٌم بدق ٍة كبرية؟ ملاذا هناك بداي ٌة للكون؟ وطب ًعا هناك‬ ‫العديد من املشاكل الفيزيائية التي يواجههـا النمـوذج ولكن نحن هنا نهتم بالجوانب التي تفيد مناقشتنا‬ ‫من حيث أن هـذا موضـو ٌع لنقـد اإللحـاد التقليدي‪.‬‬ ‫ملخص القول إن االدعاء بأن الكون مثل ماكين ُة تستمر فيها التحوالت بني الطاقة من شكلٍ إىل آخر ومن‬ ‫ثم رجو ًعا إىل الشكل األول إىل األبد هو كال ٌم يخالف العلم وكال ٌم يخـالف الفلـسفة وال ميكن أب ًدا للكون أن‬ ‫يستمر بنفسه إىل ما النهاية‪ .‬هذا هو ما يفشل امللحد التقليـدي فـي رؤيته وما يفشل املؤمن يف عرضه‪.‬‬

‫الحل املقرتح‪:‬‬

‫يف الحقيقة ما أطرحه دامئًا يف هذا املجال هو رؤي ٌة فلسفي ٌة ورؤي ٌة علمية‪ :‬الرؤيـة الفلـسفية هي أن هناك‬ ‫بالفعل واجب وجو ٍد وواجب الوجود هذا هو ما يستند إليه الكون وأسميته كلـي العامل‪ ،‬حيث هذا الكيل‬ ‫ليس إل ًها مبعنى أنه ال علم له وال وعي ومع ذلك فهو مـصدر وجـود الكون أو قل هو العلة التي يستند‬ ‫الكون إليها يف وجوده وأنه للكون مثل صاحب الظل لظلـه‪ .‬وهنا نف ّرق بني سلسلة عللٍ أفقي ٍة وسلسلة‬ ‫عللٍ عمودي ٍة حيث يكون واجب الوجود يف السلسلة العمودية‪ .‬الرؤية العلمية تعتمد عىل النظريات‬ ‫الخيطية ‪ ،string theory‬هنا طاقة التثاقـل ‪ Gravitational Energy‬تلعب دو ًرا مركزيًا فهي ما يولّد‬ ‫األغشية ‪ Membranes‬بالطاقة وهي ما ينتج عنـه الطاقـة املوجبة واإلشعاع وعن طريق اصطدام غشائني‬ ‫مع بعضهام يتولد الكون‪ ،‬وهكذا يكون عنـدنا باستمرا ٍر ٌ‬ ‫تحول من شكلٍ للطاقة إىل آخر بال حاج ٍة للعكس‬ ‫ومثل هذه الصورة تكافئ الصورة الفلسفية وتوازيها بالفكرة واملنطلق‪.‬‬

‫‪36‬‬


‫قناة جسور | ‪Bridges.TV‬‬

‫رب ملن ال منرب له‪ ،‬وقنا ٌة لحرية التعبري والتواصل والتعايش مع‬ ‫قناة جسور هي من ٌ‬ ‫املختلف ولتالقح األفكار بصور ٍة حضارية‪ ..‬صوتك مقبول هنا مهام كان‪.‬‬ ‫عنوان القناة عىل اليوتيوب‪:‬‬

‫‪https://www.youtube.com/channel/UChuvYgfSwGXkLtZYmSGc8eQ‬‬ ‫صفحة جسور عىل الفيسبوك‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/Bridgestv2‬‬ ‫انضموا إلينا يف مجموعة جمهورية الردة‪:‬‬

‫‪https://www.facebook.com/groups/186192008960773/‬‬ ‫إمييل القناة‪:‬‬

‫للتواصل عرب سكايب‪:‬‬

‫‪Bridgestv1‬‬

‫‪bridgestv1@gmail.com‬‬

‫لدعم القناة عىل الـ‪:PayPal‬‬

‫‪https://www.paypal.me/SalBridgesTV‬‬

‫‪37‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬

‫‪Ibn Warraq‬‬

‫ٍ‬ ‫مالحظات هام ٍة‬ ‫لقد قام عد ٌد من علامء املسلمني املرموقني عىل م ّر السنني بإبداء‬ ‫عن القرآن‪ ،‬وهذا يتعلق خاص ًة مبفرسين من أمثال الزمخرشي والطربي والسيوطي‪،‬‬ ‫حد من نطاق‬ ‫والذين كانوا بطبيعة الحال يعملون ضمن إطا ٍر إسالمي‪ ،‬مام ّ‬ ‫قدم الفالسفة والربوبيون والالأدريون وامللحدون والزنادقة‪،‬‬ ‫استنتاجاتهم‪ .‬كذلك ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إسهامات ق ّيمة‪ ،‬لكننا ال نستطيع أن نتوقع‬ ‫من أمثال الرازي وابن و ّراق والرواندي‪،‬‬ ‫منهم أن يروا القرآن يف بيئته وسياقه التاريخي واللغوي والطائفي الرشق أوسطي‪،‬‬ ‫أو عىل ضوء خلفيته اآلرامية التوحيدية‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫تيودور نولدكه‬

‫إيغناتز غولدتسيهر‬

‫ومن الصعب القول بوجود ٍ‬ ‫علمي رص ٍني عن القرآن قبل‬ ‫بحث ٍ‬ ‫ما قد ّمه جيل الرواد‪ :‬تيودور نول ِْدكِه ‪،Theodor Nöldeke‬‬ ‫املتوىف عام ‪ ،1930‬وإيغناتز غولدتسيهر ‪Ignaz Goldziher‬‬ ‫(املتوىف عام ‪ ،)1921‬وغوستاف ڤايْل ‪( Gustav Weil‬املتوىف‬ ‫عام ‪ ،)1889‬وآوغوست فيرش ‪( August Fischer‬املتوىف عام‬ ‫‪ ،)1949‬وياكوب بارت ‪( Jacob Barth‬املتوىف عام ‪،)1914‬‬ ‫وآبراهام غايغر ‪( Abraham Geiger‬املتوىف عام ‪،)1874‬‬ ‫وغريهم ممن أنتجوا وكتبوا يف أواخر القرن التاسع عرش‬ ‫علم ودراي ٍة يف‬ ‫وبدايات العرشين*‪ .‬فقد أظهر هؤالء سعة ٍ‬ ‫دراسة القرآن طالت عدة ٍ‬ ‫لغات سام ّي ٍة مشفوع ًة برصام ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫مبني عىل الشك‪ ،‬والتي هي من أساسات أي‬ ‫علمي ٍة‬ ‫وموقف ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫علمي جاد‪ .‬وقد كانت هذه األمور مفقود ًة يف أعامل من‬ ‫جهد ٍ‬ ‫سبقهم‪ ،‬ومل يساويهم فيها إال قل ٌة ممن جاء بعدهم‪.‬‬ ‫رغم ذلك‪ ،‬فقد وقعت مواجهاتٌ عقائدي ٌة بني اإلسالم من‬ ‫جهة‪ ،‬واملسيحية واليهودية من جه ٍة أخرى؛ بني مسلمني وغري‬ ‫مسلمني‪ ،‬وذلك منذ والدة اإلسالم وحتى القرن التاسع عرش‪.‬‬ ‫وقد نجم عن هذه املواجهات نق ٌد للقرآن‪ ،‬وإن امتزج ذلك‬ ‫بيش ٍء من نية النقد العدايئ الهادف للنقض من الجانب‬ ‫املسيحي‪ .‬وتستحق هذه االنتقادات الدراسة‪ ،‬ملا لها من أث ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لنظريات تطورت الحقًا بصدد أصل القرآن‪.‬‬ ‫كمقدمات‬

‫آوغوست فيرش‬

‫ياكوب بارت‬

‫* نولدكه كان مسترشقًا وباحثًا أملان ًيا اهت ّم بدراسات العهد القديم واللغات السام ّية‬ ‫وآدابها‪ ،‬أما غولدتسيهر فكان باحثًا هنغاريًا‪ ،‬يُعترب هو وونولدكه من مؤسيس علم‬ ‫الدراسات اإلسالمية‪ .‬ڤايل كان مسترشقًا ومؤرخًا أملان ًيا‪ ،‬وكذلك كان آوغوست فيرش‬ ‫متخصصا يف اللغويات‬ ‫الذي درس الالهوت وفيلولوجيا الرشق‪ .‬أما ياكوب بارت فكان‬ ‫ً‬ ‫السامية‪ ،‬ودرس التلمود والفيلولوجيا السامية‪ ،‬وأخ ًريا‪ ،‬آبراهام غايغر كان حاخا ًما أملانيًا‬ ‫يعترب من مؤسيس الحركة اإلصالحية يف اليهودية‪ ،‬ويف أبحاثه ركز عىل التأثري الذي لعبته‬ ‫اليهودية عىل املسيحية واإلسالم‪[ .‬مالحظة املرتجم]‬

‫غوستاف ڤايل‬

‫آبراهام غايغر‬

‫‪39‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫مناظرة الراهب من بيت حاليه مع أحد أرشاف العرب يف القرن الثامن‪:‬‬

‫ظهرت املناظرة بني الراهب من بيت حاليه وأحد أرشاف العرب مؤخ ًرا يف مخطوطتني مكتوبتني بالرسيانية الرشقية‪ ،‬تم‬ ‫تأريخهام دون ٍ‬ ‫تام إىل فرت ٍة ما بعد العام ‪710‬م(‪ ،)1‬وهي مناظر ٌة مبهرة‪.‬‬ ‫تأكد ٍ‬ ‫يسأل فيها العريب‪« :‬ما الذي يدفعك لتقديس الصليب يف حني أنه (أي يسوع) مل‬ ‫أيضا مل تحصل عىل‬ ‫يأمرك بذلك يف اإلنجيل؟» فري ُد عليه الراهب‪« :‬أعتقد أنك أنت ً‬ ‫كل ترشيعاتك من القرآن الذي علمك إياه محمد‪ ،‬فبعضها يأتيك من سورة البقرة‬ ‫أيضا لدينا بعض الوصايا التي علمنا‬ ‫وبعضها من غيغي وبعضها من توره‪ .‬فنحن ً‬ ‫إياها الرب‪ ،‬ومنها ما تفوهت به الروح القدس عىل لسان ُخ ّدامها و ُر ُسلها‪ ،‬وبعضها‬ ‫علّمنا إياها معلمون ب ّينوا لنا ُس ُبل الحياة وطريق النور»(‪.)2‬‬ ‫منفصل للترشيع‬ ‫ٌ‬ ‫من الواضح أن هذا الراهب يعتقد أن سورة البقرة هي مصد ٌر‬ ‫اإلسالمي عن القرآن‪ .‬ويف أسطورة الراهب بحريى يف الرتاث الرسياين الغريب تظهر‬ ‫هذه السورة باعتبارها اسم الكتاب ككلٍ دومنا أي ذك ٍر للقرآن‪« :‬كان اسم الكتاب‬ ‫سورة البقرة»(‪ ،)3‬وحتى املؤرخ العريب ابن سعد قال إن ابن ٍ‬ ‫عباس قد استحث رجاله عىل‬ ‫القتال يف معركة حنني وهو ينادي‪« :‬يا أصحاب سورة البقرة!»(‪ ،)4‬أما لفظتا «غيغي» و«توره» فهام عىل األرجح إشاراتٌ‬ ‫إىل اإلنجيل والتوراة(‪ .)5‬كام ويزعم الراهب من بيت حاليه أن محم ًدا تعلم التوحيد من «رسغيس بحريى»(‪.)6‬‬ ‫ترد قصة بحريى الراهب بعدة نسخ‪ ،‬فهي موجود ٌة يف الرتاث الرسياين واملسيحي العريب والالتيني واألرمني والعربي‪ ،‬كام‬ ‫ٍ‬ ‫ونجد القصة عن الراهب الذي شهد بنبوة‬ ‫اب مسيحيون‬ ‫محمد يف سرية ابن إسحاق ويف تاريخ الطربي(‪ .)7‬وقد قام كتّ ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫نصا دين ًيا(‪ )8‬يشار إليه أحيانًا بسورة البقرة‪،‬‬ ‫عىل تطوير النسخة اإلسالمية‪ ،‬حيث يضيفون بأن الراهب كتب ألجل‬ ‫محمد ً‬

‫‪1- Robert G. Hoyland, Seeing Islam As Others See It. A Survey and Evaluation of Christian, Jewish and Zoroastrian Writings on Early Islam. Prince‬‬‫‪ton, N.J.: The Darwin Press Inc. 1997, p. 471‬‬ ‫‪ -2‬نفس املصدر السابق‪.‬‬

‫‪ -3‬نفس املصدر السابق وهو يشري فيام أعتقد إىل‪:‬‬ ‫‪.R. Gottheil. A Christin Bahira Legend, in Zeitschrift für Assyrologie 13 (1898), 189-242; 14 (1899) 203-268‬‬ ‫‪ -4‬نفس املصدر السابق يشري إىل كتاب الطبقات الكبري البن سعد [مالحظة املرتجم‪ :‬انظر الجزء الثاين ص‪ ،115 .‬حيث يقول محمد للعباس‪« :‬ناد يا معرش األنصار يا أصحاب السمرة‬ ‫يا أصحاب سورة البقرة!»]‬ ‫‪ -5‬مالحظة من األستاذ محمد املسيح الذي راجع املقال بعد الرتجمة مشكو ًرا‪ :‬سورة غيغي هي سورة العنكبوت ألنها غيغي من أصل رسياين تعني العنكبوت أنظر الهامش ‪ 57‬من‬ ‫صفحة ‪ 471‬من نفس الكتاب أما السورة الثالثة وهي ‪ twrh‬مبعنى سورة الجبل وهي السورة رقم ‪ 52‬سورة الطور والطور باللغة الرسيانية معناه الجبل‪[ .‬مالحظة املرتجم]‬ ‫‪ -6‬نفس املصدر السابق ص‪ 472 .‬يف إشار ٍة إىل مناظرة الراهب من بيت حاليه واملخطوطة رقم ‪ 95‬م مجموعة مخطوطات ديار بكر‪ ،‬الصفحات ‪ 8-1‬يف نسخة يقوم بتحضريها‬ ‫‪.Han Drijvers‬‬ ‫‪ -7‬نفس املصدر السابق ص ‪ ،477‬انظر سرية رسول الله البن هشام وتاريخ الطربي‪.‬‬ ‫‪ -8‬نفس املصدر السابق ص‪.477‬‬

‫‪40‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫ويف أحيانٍ أخرى يف النسخ الرسيانية‬ ‫بالقرآن ويف النسخ العربية بالفرقان(‪.)9‬‬ ‫ال ميكن للتنقيحات العربية والرسيانية‬ ‫ألسطورة بحريى أن تتعدى القرن التاسع‪،‬‬ ‫لكن مام ال شك فيه أن األسطورة كانت‬ ‫متداول ًة بصور ٍة ما قبل ذلك بكثري(‪.)10‬‬

‫يوحنا الدمشقي‪ :‬القرن الثامن‬

‫قسيسا وراه ًبا نشطًا يف الكتابة حول العام ‪730‬م‪ ،‬ولرمبا كان موظفًا رفيع املستوى يف البالط‬ ‫كان يوحنا الدمشقي‬ ‫ً‬ ‫فصل عن اإلسالم‬ ‫اإلسالمي لفرت ٍة ما‪ .‬ويف كتابه الرئييس «نبع املعرفة»‪ ،‬والذي يدافع فيه عن املعتقد األورثوذوكيس‪ ،‬نجد ً‬ ‫يف جز ٍء أسامه‪« :‬عن الهرطقات» ‪ .De Hæresibus‬لكن هذا الفصل يختلف يف أسلوبه وطوله عن سائر الكتاب‪ ،‬مام يثري‬ ‫الشك بأن كاتبه كان هو نفسه يوحنا الدمشقي‪ ،‬لكن االعتقاد يسود اليوم بأن هذا الفصل قد كُتب بالفعل حوايل العام‬ ‫‪730‬م(‪.)11‬‬ ‫نقرأ يف «عن الهرطقات»‪:‬‬ ‫«وحتى فرتة حكم هرقل‪ ،‬فإنهم (أي الرساكينوس ‪ Σαρακηνός‬أو الهاجريني أو اإلسامعيليني) كانوا وثنيني أقحا ًحا‪،‬‬ ‫كذاب اسمه محمد (مامد)‪ ،‬كان قد وقع عىل العهدين القديم والجديد‪،‬‬ ‫نبي ٌ‬ ‫ومنذ ذلك الحني وحتى اآلن ظهر بينهم ٌ‬ ‫اهب آري‪ ،‬فقام بدمج هذه املصادر ومنها صاغ هرطقته‪ .‬وبعد أن كسب و ّد الناس‬ ‫وكان قد تحادث كام يبدو مع ر ٍ‬ ‫كتاب نزل إليه من السامء‪ ،‬فبعد أن كتب فيه بعض العقائد السخيفة غري‬ ‫بالتظاهر بالورع والتقوى نرش إشاع ًة عن ٍ‬ ‫املعقولة‪ ،‬ق ّدمه للناس وعىل أساسه ك ّون هذه الديانة»(‪.)12‬‬ ‫‪ -9‬نفس املصدر السابق ص‪.478‬‬ ‫‪ -10‬نفس املصدر السابق ص‪.479‬‬ ‫ٌ‬ ‫وجدل كبريان حول تاريخ وأصالة الفصل رقم ‪ 101‬من كتاب «عن الهرطقات»‪ ،‬انظر املراجع التالية‪:‬‬ ‫‪ -11‬مثة لغ ٌط‬ ‫‪A. Abel. Le Chapitre CI du Livre des Heresies de Jean Damascene: son inauthenticite. in Studia Islamica, XIX (1963), 5-23. Contra Abel are [1]:‬‬ ‫‪Adel-Theodore Khoury. Les theologiens byzantins et l`Islam, I.Textes et auteurs (VIIIe-XIII S.) 2e.tirage. Editions Nauwelaerts, Louvain/Beatrice-Nau‬‬‫‪.welaerts, Paris, 1969, pp.50-55. [2] Daniel J.Sahas. John of Damascus on Islam. The “Heresy of the Ishmaelites.Leiden:E.J.Brill , 1972 , pp.60-66‬‬ ‫‪12- Robert G. Hoyland, Seeing Islam As Others See It. A Survey and Evaluation of Christian, Jewish and Zoroastrian Writings on Early Islam.‬‬ ‫‪Princeton, N.J.: The Darwin Press Inc. 1997, p.486, referring to John of Damascus, De haeresibus C/ CI , 60-61 in ed. B. Kotter.Die Schriften des‬‬ ‫‪Johannes von Damaskos, 5 vols. (Patristische Texte und Studien 7, 12, 22, 29; Berlin, 1969-88) (= PG (Patrologia Graecae cursus completus, ed..J.‬‬ ‫)‪P. Migne, 161 Vols. Paris, 1857-66). 94. 764A-765A‬‬

‫‪41‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫ويستمر «عن الهرطقات» يف هجومه عىل القرآن‪:‬‬ ‫«كام أسلفنا‪ ،‬فقد ألّف املدعو محم ٌد العديد من القصص الخالية من‬ ‫ككتاب عن املرأة‪ ،‬يحض فيه بجال ٍء عىل أن‬ ‫اسم‪،‬‬ ‫املعنى‪ ،‬وأعطى ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫لكل منها ً‬ ‫ٍ‬ ‫زوجات وآالف املحظيات إن أمكن ذلك»‪ .‬بعد ذلك‬ ‫يتخذ الرجل أربع‬ ‫حد كبريٍ قصة ٍ‬ ‫يروي قص ًة تشابه إىل ٍ‬ ‫زيد كام جاءت يف اآلية ‪ 37‬من سورة‬ ‫نصا عن الجمل» ويف هذا إشار ٌة لناقة‬ ‫األحزاب‪ .‬ويكمل‪« :‬وهنالك ً‬ ‫أيضا ً‬ ‫صال ٍح كام وردت يف سورة الشمس ‪ ،14-11‬واألعراف ‪ .77‬ثم يقول‪ ...« :‬ثم‬ ‫إنك تقول أنك يف الجنة ستحصل عىل ثالثة أنهار‪ ،‬واحدها من ما ٍء وآخر من‬ ‫ٍ‬ ‫محمد ‪« .15‬ثم يذكر‬ ‫خم ٍر والثالث من لنب» وهو مثل ما يرد يف سورة‬ ‫محم ٌد نص املائدة‪ ،‬ويقول فيه أن املسيح طلب من الرب مائد ًة وأن الرب‬ ‫استجاب له‪ ،‬إذ يقول إن الرب أخربه‪« :‬إين أعطيتك ومن معك مائد ًة ال‬ ‫تفسد»‪ ،‬ومجد ًدا يذكر نص البقرة وعد ًدا من األشياء األخرى السخيفة‬ ‫الخرقاء‪ ،‬والتي بسبب كرثة عددها لن أذكرها»(‪.)13‬‬ ‫يوحنا الدمشقي‬

‫روبرت هويالند‬

‫أيًا كان كاتب هذا النص‪ ،‬فهو ينقل تصور املسلم عن املسيح بشكلٍ دقيق ‪.‬‬ ‫يعتقد هويالند أن «هذه اإلشارات واالقتباسات املبارشة من القرآن التي متأل هذا‬ ‫الفصل ت ُّبي أن الكاتب كان عىل اطّال ٍع عىل القرآن»(‪ .)15‬لكن هويالند ال يالحظ أن‬ ‫كاتب الفصل مل ِ‬ ‫يأت عىل ذكر القرآن باالسم ولو مر ًة واحدةً‪ .‬هذا أم ٌر ذو مدلو ٍل‬ ‫بال شك‪ .‬إن الناقد الذي يعتقد أن القرآن مل يوجد بصورته الحالية إال بأواخر القرن‬ ‫الثامن أو أوائل التاسع سيشكك بأصالة نص «عن الهرطقات» أو تأريخه إىل حوايل‬ ‫العام ‪730‬م‪ .‬وحتى لو قَبِل بهذا التأريخ‪ ،‬فهو سيقول إن عدم ذكر القرآن باالسم‬ ‫يدل عىل أن القرآن مل يكن قد ُوجد بصورته النهائية بعد آنئذ‪ ،‬رغم أن اإلشارات‬ ‫الدقيقة ملحتوى القرآن ت ُظهر أن أجزا ًء منه قد كانت موجود ًة حتى يف القرن‬ ‫الثامن‪.‬‬ ‫(‪)14‬‬

‫‪ -13‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ 487‬يف إشار ٍة ليوحنا الدمشقي يف «عن الهرطقات» ‪ .)=PG 94 , 769B-772D( 64-67‬انظر الهامش ‪ 11‬أعاله للحصول عىل اإلشارة الكاملة للمصدر‪.‬‬ ‫‪ -14‬يوحنا الدمشقي يف «عن الهرطقات» ‪ ،)=PG 94 , 765A-B( 61‬كام اقتبسه روبرت ج‪ .‬هويالند ‪:Robert G. Hoyland‬‬ ‫‪Robert G. Hoyland, Seeing Islam As Others See It. A Survey and Evaluation of Christian, Jewish and Zoroastrian Writings on Early Islam‬‬ ‫‪Princeton, N.J.: The Darwin Press Inc. 1997, p.489‬‬ ‫‪ -15‬املصدر السابق لهويالند ص‪.489 .‬‬

‫‪42‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫مراسالت ليو الثالث (‪ )41-717‬وعمر بن عبد العزيز (‪ :)20-717‬نهاية القرن الثامن‪ ،‬أوائل‬ ‫القرن التاسع‬

‫النص ملراسالت اإلمرباطور البيزنطي ليو الثالث (اإليساوري) مع‬ ‫إن تت ّبع التاريخ ّ‬ ‫عمر بن عبد العزيز‪ ،‬ييش بتواصلٍ بالغ التعقيد بينهام‪ .‬مام ال شك فيه أن بعضها‬ ‫يعود إىل نهاية القرن الثامن وأوائل القرن التاسع(‪ .)16‬وتتمخض عن الجدل الذي‬ ‫دار بينهام مشاكل مثري ًة لالهتامم بعضها مل يتم حلّه إىل اآلن‪ ،‬وأحدها يتعلق‬ ‫مبسألة املع ّزي الفارقليط ‪ .παράκλητος‬يكتب ليو يف نسخ ٍة دونها غڤوند‬ ‫‪:Ghevond‬‬ ‫«نحن ندرك أن متّى ومرقس ولوقا ويوحنا هم مؤلفو اإلنجيل‪ ،‬لكنني أدرك أن‬ ‫هذه الحقيقة التي نق ّر بها نحن معرش املسيحيني تجرحك‪ ،‬فتحاول إيجاد رشكا ٍء‬ ‫يتواطؤون معك يف كذبتك‪ .‬وباختصار‪ ،‬أنت تعرتف أننا نقول أن الله كتبها وأنها‬ ‫متثال لإلمرباطور ليو الثالث‬ ‫نزلت من السامء‪ ،‬متا ًما كحال فرقانك كام ت ّدعي‪ ،‬لكننا نعرف أن من كتبه كان عمر‬ ‫اب وسلامن الفاريس‪ ،‬رغم أن الشائعات انترشت بني معرش قومك أن الله أنزله من السامء‪ ...‬وقد اختار الله‬ ‫وأبو تر ٍ‬ ‫طريقة اصطفاء األنبياء لريسلهم إىل بني البرش‪ ،‬ولهذا السبب فإن الرب بانتهائه من هذه األمور التي كان قد قررها‬ ‫مسبقًا‪ ،‬وبعد أن كان قد أعلن عن تجسده عرب أنبيائه‪ ،‬وملعرفته أن البرش سيظلون بحاج ٍة ملساعدته‪ ،‬وعد بإرسال الروح‬ ‫حل بهم مبغادرة ربهم وسيدهم‪ .‬أكرر‪ ،‬لهذا السبب فقط‬ ‫القدس تحت مسمى املع ّزي لتعزيتهم يف الضيق والكرب الذي ّ‬ ‫أسمى يسو ُع الروح القدس باسم املع ّزي‪ ،‬إذ أراد تعزية تالميذه بعد مغادرته إياهم وتذكريهم بكل ما قاله أمامهم وما‬ ‫فعله بحضورهم‪ ،‬وكل ما كُلّفوا بنرشه بشهادتهم‪ .‬فالفارقليط‪ ،‬هو املع ّزي‪ ،‬أما محم ٌد فيعني الحمد‪ ،‬والشكر عىل الربكات‪،‬‬ ‫متت بصل ٍة لكلمة فارقليط»(‪.)17‬‬ ‫وهي معانٍ ال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محمد عرفوا أنه كان عىل اتصا ٍل مبخربينَ من‬ ‫تلميحات بأن بعض معارصي‬ ‫بحق أن القرآن نفسه أعطى‬ ‫ويالحظ جفري ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ​َُ ْ َ َ‬ ‫َ​َ‬ ‫ْ ٌ ْ َ​َ‬ ‫تاهُ َوأ َعنَهُ‬ ‫أديانٍ أخرى يعطونه بعض محتوى كالمه‪ .‬ففي سورة الفرقان ‪ 4-5‬يقول‪﴿ :‬وقال الِين كفروا إِن هذا إِال إِفك اف‬ ‫َ َ ُ َ َ ُ َ َّ َ ْ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ ُ ْ َ‬ ‫َ َْ ٌَْ َ ُ َ َ​َ ْ َ ُ‬ ‫اؤوا ُظلْ ًما َو ُز ً‬ ‫ورا ‪ ٪‬وقالوا أساطِري األول ِني اكتتبها ف ِ َ‬ ‫ك َرةً َوأ ِصيال﴾‪.‬‬ ‫ه تمل عليهِ ب‬ ‫عليهِ قوم آخرون فقد ج‬ ‫ولنا أن نالحظ هنا أن تسمية كتاب املسلمني هنا هي الفرقان‪ ،‬وليست القرآن‪ .‬وتظهر كلمة الفرقان ومشتقاتها عدة‬ ‫مر ٍ‬ ‫حيت هذه الكلمة املفرسين العرب‪ ،‬ففرسوها لتعني‬ ‫ات يف القرآن(‪ ،)18‬وهو عنوان السورة الخامسة والعرشين‪ .‬وقد ّ‬ ‫‪ -16‬ملصدر السابق لهويالند ص‪.499 .‬‬ ‫‪17- Arthur Jeffery.Ghevond’s Text of the Correspondence Between `Umar II and Leo III. Harvard Theological Review.XXXVII (1944), p. 269-332.‬‬ ‫‪pp.292- 293.‬‬ ‫‪ -18‬القرآن‪ :‬البقرة‪185 ،2 :‬؛ آل عمران‪3 :‬؛ األنفال‪41 ،29 :‬؛ األنبياء‪48 :‬؛ الفرقان‪.1 :‬‬

‫‪43‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫رديف للقرآن نفسه‪ .‬لكن هيغر(‪ )19‬قد‬ ‫ما يف ّرق أو مييز أو يفصل أو يكون معيار التفريق بني الحق والباطل أو عىل أنها ٌ‬ ‫ّبي بشكلٍ مقنعٍ أنها كلم ٌة مشتق ٌة من الرسيانية وتعني الخالص مبعناه املسيحي‪ .‬لذا‪ ،‬فإن سورة الفرقان من منظور‬ ‫هيغر هي ترنيم ٌة مسيحي ٌة عن يسوع املسيح‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ​َ َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َّ َ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ون ل ِل َعال ِم َني (للعالَ َمنيِ) نَذ ًِيرا﴾‪.‬‬ ‫ار َك الِي ن َّزل الف ْرقان (أي الخالص) ع عب ِده ِ ِلك‬ ‫﴿تب‬ ‫يل ابن عم الرسول ورابع‬ ‫كانت اإلشارة يف نص رسالة ليو إىل عمر بن الخطاب‪ ،‬الخليفة الثاين وإىل أيب تراب (أي ع ٌ‬ ‫نص آخر لبارتولوميو من إديسا (أورفة أو الرها)(‪ )20‬يعترب أن عل ًيا هو من قام بنرش القرآن‪ ،‬وهذا النص‬ ‫الخلفاء)‪ .‬وهنالك ٌ‬ ‫عنوانه «ضد محمد» ‪ Contra Muhammad‬وقد متت طباعته يف نهاية كتاب ‪.Elenchus et Confutatio Agareni‬‬ ‫أما سلامن الفاريس فهو شخصي ٌة أسطوري ٌة ترتبط باسمه الكثري من القصص‪ .‬ويقول أحد الباحثني‪« :‬إن واقع الحال أن‬ ‫شخصية سلامن الفاريس التاريخية يلفها الغموض‪ ،‬بل ومن الصعب أن يُق ّر املرء أن أسطورته مبني ٌة عىل حقائق تتعلق‬ ‫باعتناقه اإلسالم يف املدينة بعد أن كان عب ًدا من أصلٍ فاريس»(‪ .)21‬وعىل أي حال‪ ،‬فإن هذه األسطورة هي ما يربطه بإنتاج‬ ‫القرآن‪.‬‬ ‫واآلن نصل إىل أكرث املقاطع إثار ًة يف رسالة ليو املتعلقة باملع ّزي‪ .‬فلطاملا زعم املسلمون بأن وعد الفارقليط املوجود يف‬ ‫سفر يوحنا اإلصحاح ‪ ،14‬اآليات ‪ 16‬و‪ ،26‬واإلصحاح ‪ ،15‬اآلية ‪ ،26‬واإلصحاح ‪ 16‬اآلية ‪ 6‬قد تحقق ِ‬ ‫مبقدم محمد‪ )22(.‬حيث‬ ‫الصف يف َالقرآن لدعم ّهذا الزعم‪:‬‬ ‫سورة‬ ‫املسلمون إىل اآلية السادسة من‬ ‫يشري‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ َ َْ​َ َ َ‬ ‫َُ‬ ‫َّ ْ ُ ُّ َ ّ ً َ َ ْ َ َ َ َّ َ َّ ْ َ َ ُ َ ّ ً َ ُ‬ ‫ول يَأ ِت مِن َب ْعدِي‬ ‫﴿ِإَوذ َقال عِيس ابن مريم يا ب ِن إِسائِيل إ ِ ِن رسول اللِ إِلكم مصدِقا ل ِما بي يدي مِن اتلوراة ِ ومب ِشا بِرس ٍ‬ ‫ُ‬ ‫اس ُم ُه أ ْ َ‬ ‫ح ُد فَلَ َّما َج َ ُ ْ ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ات قَالوا َه َذا س ِْح ٌر ُّمبِ ٌني﴾‪.‬‬ ‫اءهم بِالَيِن ِ‬

‫وتأيت كلمة أحمد من نفس جذر اسم محمد‪ ،‬ويعني كالهام املحمود أو املشكور‪ ،‬والتي تعني باليونانية ‪.periklutos‬‬ ‫ويقول االدعاء اإلسالمي أن هذه اآلية القرآنية هي إشار ٌة واضح ٌة لآليات التالية من سفر يوحنا‪:‬‬ ‫‪και εγω ερωτησω τον πατερα και αλλον παρακλητον δωσει υμιν ινα μενη μεθ υμων εις‬‬ ‫‪τον αιωνα‬‬

‫اآلب فَ ُي ْع ِطي ُك ْم ُم َع ِّزيًا آ َخ َر لِ َي ْمكُثَ َم َع ُك ْم إِ َل األَبَ ِد» (يوحنا ‪.)16 :14‬‬ ‫« َوأَنَا أَطْل ُ​ُب ِم َن ِ‬

‫‪ο δε παρακλητος το πνευμα το αγιον ο πεμψει ο πατηρ εν τω ονοματι μου εκεινος υμας‬‬ ‫‪διδαξει παντα και υπομνησει υμας παντα α ειπον υμιν‬‬

‫‪19--C.Heger.Koran XXV.1 : Al-Furqan and the “Warner”. In Ibn Warraq , ed., What the Koran Really Says, Prometheus Books :Amherst, 2002, pp.‬‬ ‫‪387-390‬‬ ‫اشتق هيغر ‪ Heger‬تفسريه النهايئ من غونرت لولنغ ‪.Gunter Luling‬‬ ‫‪20--Bartholomeus of Edessa , Elenchus et Confutatio Agareni. PG, CIV 1384-1448‬‬ ‫متت طباعة كتاب «ضد محمد» يف نهاية هذا الكتاب عىل الصفحات ‪ .1448-1458‬أما بارتولوميو نفسه فقد عاش ونشط عىل األرجح يف أوائل القرن الثامن‪ .‬أما «ضد محمد» فهو‬ ‫عىل األرجح ليس من تأليفه‪ ،‬وكام يبدو تم تأليفه يف أواخر القرن الثامن‪.‬‬ ‫‪21--G.Levi Della Vida, Salman al-Farisi, in EI Ist Edn. Leiden: E.J.Brill, 1913-1936‬‬ ‫‪ -22‬قارن معتقدات املونتانية التي ازدهرت يف القرن الثاين امليالدي‪ ،‬والتي اعتقد معتنقيها الحقًا بأن نبيهم مونتانوس ‪ Montanus‬جاء تحقيقًا لنبوءة يوحنا‪ ،‬حيث يقول مونتانوس‪:‬‬ ‫«أنا األب والكلمة والفارقليط (املعزي)»‪ .‬انظر ‪.Didymus, “De Trin.”, III, xli‬‬

‫‪44‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫اآلب ب ِْاس ِمي‪ ،‬فَ ُه َو يُ َعلِّ ُم ُك ْم ك َُّل‬ ‫« َوأَ َّما الْ ُم َع ِّزي‪ ،‬ال ُّر ُ‬ ‫وح الْ ُق ُد ُس‪ ،‬ال َِّذي َس ُ ْي ِسلُ ُه ُ‬ ‫ش ٍء‪َ ،‬ويُ َذكِّ ُركُ ْم ِبك ُِّل َما قُلْتُ ُه لَ ُك ْم»‪( .‬يوحنا ‪.)26 :14‬‬ ‫َْ‬

‫‪οταν δε ελθη ο παρακλητος ον εγω πεμψω υμιν παρα‬‬ ‫‪του πατρος το πνευμα της αληθειας ο παρα του‬‬ ‫‪πατρος εκπορευεται εκεινος μαρτυρησει περι εμου‬‬

‫وح الْ َح ِّق‪ ،‬ال َِّذي‬ ‫« َو َمتَى َجا َء الْ ُم َع ِّزي ال َِّذي َسأُ ْر ِسلُ ُه أَنَا إِلَ ْي ُك ْم ِم َن ِ‬ ‫اآلب‪ُ ،‬ر ُ‬ ‫اآلب يَ ْن َب ِث ُق‪ ،‬فَ ُه َو يَشْ َه ُد ِل» (يوحنا ‪.)26 :15‬‬ ‫ِم ْن ِع ْن ِد ِ‬

‫‪αλλ εγω την αληθειαν λεγω υμιν συμφερει υμιν ινα‬‬ ‫‪εγω απελθω εαν γαρ μη απελθω ο παρακλητος ουκ‬‬ ‫‪ελευσεται προς υμας εαν δε πορευθω πεμψω αυτον‬‬ ‫‪προς υμας‬‬

‫«ل ِك ِّني أَق ُ​ُول لَ ُك ُم الْ َح َّق‪ :‬إِنَّ ُه َخ ْ ٌي لَ ُك ْم أَ ْن أَنْطَلِ َق‪ ،‬ألَنَّ ُه إِ ْن لَ ْم أَنْطَلِ ْق الَ‬ ‫يَأْتِي ُك ُم الْ ُم َع ِّزي‪َ ،‬ول ِك ْن إِ ْن َذ َه ْب ُت أُ ْر ِسلُ ُه إِلَ ْي ُك ْم»‪( .‬يوحنا ‪.)7 :16‬‬

‫أيقونة أورثوذوكسية تظهر الحاممة كرمز للروح القدس‬

‫يعترب الفارقليط يف الالهوت الكاثولييك‪ ،‬أو املع ّزي‪ ،‬تسمي ًة تطلق عىل الروح القدس‪ .‬والكلمة اليونانية التي تشري إىل‬ ‫الروح القدس ال ترد إال يف سفر يوحنا‪ ،‬وقد متت ترجمتها مبعانٍ متنوعة‪ ،‬منها النصري والشفيع واملعلم واملساعد واملعزي‪،‬‬ ‫لكنها أيًا كانت تظل بعيد ًة ج ًدا عن معنى «املحمود»‪ ،‬والتي تقابل ‪ periklutos‬يف اليونانية‪.‬‬ ‫اقتباسا من إنجيل يوحنا يعنينا يف هذا املوضع‪:‬‬ ‫نجد يف سرية ابن إسحاق‬ ‫ً‬ ‫يم َجا َء ُه ِم ْن اللَّ ِه ِف الْ ِنْجِيلِ ِلَ ْهلِ الْ ِنْجِيلِ ِم ْن ِص َف ِة َر ُسو ِل اللَّ ِه‬ ‫يس بن َم ْريَ َم ِف َ‬ ‫« َوقَ ْد كَانَ‪ِ ،‬ف َ‬ ‫يم بَلَ َغ ِني َع َّم كَا َن َو َض َع ِع َ‬ ‫الس َل ُم‪ِ .‬ف‬ ‫َص َّل الل ُه َعلَ ْي ِه َو َسلَّ َم‪ِ ،‬م َّم أَث َ َب َت يُ َح َّن ُس الْ َح َوار ُِّي لَ ُه ْم‪ِ ،‬ح َني نَ َس َخ لَ ُه ْم الْ ِنْج َ‬ ‫يس بن َم ْريَ َم َعلَ ْي ِه َّ‬ ‫ِيل َع ْن َع ْه ِد ِع َ‬ ‫ضتِ ِه ْم َص َنائِ َع لَ ْم‬ ‫َر ُسو ِل اللَّ ِه َص َّل الل ُه َعلَيْ ِه َو َسلَّ َم إلَيْ ِه ْم أَنَّ ُه ق َ​َال‪َ :‬م ْن أَبْ َغ َض ِني فَ َق ْد أَبْ َغ َض ال َّر َّب‪َ ،‬ولَ ْو َل أَ ِّن َص َن ْع ُت ِب َح ْ َ‬ ‫يَ ْص َن ْع َها أَ َح ٌد قَ ْب ِل‪َ ،‬ما كَانَ ْت لَ ُه ْم َخ ِطيئَ ٌة‪َ ،‬ولَ ِك ْن ِم ْن ْال َن بَ ِط ُروا َوظَ ُّنوا أَنَّ ُه ْم يَ ِع ُّزونَ ِني [‪َ ،]1‬وأَيْ ًضا لِل َّر ِّب‪َ ،‬ولَ ِك ْن َل بُ َّد ِم ْن أَ ْن‬ ‫تَ ِت َّم الْ َكلِ َم ُة الَّ ِتي ِف ال َّنا ُم ِ‬ ‫ون َم َّجانًا [‪ ،]2‬أَ ْي بَ ِاط ًل‪ .‬فَلَ ْو قَ ْد َجا َء الْ ُم ْن َح َم َّنا َهذَا ال َِّذي يُ ْر ِسلُ ُه اللَّ ُه إلَ ْي ُك ْم ِم ْن‬ ‫وس‪ :‬أَنَّ ُه ْم أَبْ َغ ُض ِ‬ ‫ل َوأَنْتُ ْم أَيْ ًضا‪ِ ،‬لَنَّ ُك ْم ق َِدميًا كُ ْنتُ ْم َم ِعي‬ ‫ِع ْن ِد ال َّر ِّب‪َ ( ،‬و) [‪ُ ]3‬ر ُ‬ ‫وح الْ ِق ْس ِط [‪َ ،]4‬هذَا ال َِّذي ِم ْن ِع ْن َد ال َّر ِّب َخ َر َج‪ ،‬فَ ُه َو شَ هِي ٌد َع َ َّ‬ ‫ِالسيَانِ َّي ِة) [‪ُ : ]3‬م َح َّم ٌد‪َ :‬و ُه َو بِال ُّرو ِم َّي ِة‪ :‬ال َ ْ​ْبقَلِ ِ‬ ‫يط ُس‪َ ،‬ص َّل الل ُه َعلَ ْي ِه َوآلِ ِه‬ ‫ِف َهذَا قُل ُْت لَ ُك ْم‪ :‬لِ َك ْي َم َل تَشْ ُك َوا‪َ .‬والْ ُم ْن َح َم َّنا (ب ُّ ْ‬ ‫َو َسلَّ َم»(‪.)23‬‬ ‫وضح ألفرد غيوم(‪ Alfred Guillaume )24‬بشكلٍ مقنعٍ أن ابن إسحاق كان يقرأ املجلد الفلسطيني الرسياين‬ ‫وقد ّ‬ ‫‪ -23‬سرية ابن هشام الجزء األول ص ‪.234-233‬‬ ‫‪24- A. Guillaume. The Version of the Gospels Used in Medina Circa 700 A.D. Al-Andalus, 15 (1950) pp.289-296.‬‬

‫‪45‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫لألناجيل‪:‬‬ ‫«من الجيل للقارئ أن ابن إسحاق يقتبس من نسخ ٍة سام ّي ٍة من اإلنجيل‪،‬‬ ‫فلوال ذلك ملا وجدنا كلمة الْ ُم ْن َح َم َّنا ذات املغزى هنا‪ ،‬وهي كلم ٌة غري موجودة‬ ‫يف نسخة الپشيتا ‪ ،Peshitta‬النسخة الرسيانية من الكتاب املقدس‪ ،‬ويف‬ ‫األدبيات الرشقية املسيحية القدمية هي كلم ٌة تشري إىل الرب نفسه‪ .‬عالو ًة‬ ‫عىل ذلك‪ ،‬فإن الپشيتا‪ ،‬والرسيانية القدمية‪ ،‬النسخ الرسيانية القدمية من‬ ‫الكتاب املقدس ‪ Philoxenian versions‬كلها تكتب اسم يوحنا عىل الشكل‬ ‫يوحنان‪ ،‬وليس بالشكل اليوناين يُ َح َّن ُس املوجود يف النص العريب‪ .‬وتب ًعا لذلك‪،‬‬ ‫فإليجاد نص األناجيل الذي اقتبس ابن إسحاق النص منه‪ ،‬علينا البحث عن‬ ‫نسخ ٍة تختلف عن البقية بوجود هذه الصفات فيها‪ ،‬وهذا يتحقق يف املجلد‬ ‫الفلسطيني الرسياين لألناجيل(‪Palestinian Syriac Lectionary of the )25‬‬ ‫‪ ، Gospels‬مام يثبت بشكلٍ‬ ‫نص‬ ‫ٍ‬ ‫حاسم أن كاتب النص العريب كان أمامه ٌ‬ ‫رسيا ٌين قام هو أو مخربه بالتالعب فيه برباع ٍة ليوفر القراءة التي نراها اليوم‬ ‫ألفرد غيّوم‬ ‫يف السرية‪ ...‬وباإلضافة إىل تهجئة كلمة‬ ‫يوحنا‪ ...‬فإن أسلوب كتابة فارقليط ‪ Paracletus‬وروح القدس ‪Spiritus veritas‬‬ ‫أيضا مهم ًة‪ ،‬ذلك أنه من املعروف أن املجلد الفلسطيني الرسياين لألناجيل قد تأثر‬ ‫ً‬ ‫بقو ٍة باآلرامية اليهودية‪ ،‬وهذا يظهر بجال ٍء يف ترجمتهم للفظة فارقليط‪ ،‬والتي‬ ‫كانت النسخ الرسيانية والنسخة الالتينية الشائعة من الكتاب املقدس ‪Vulgate‬‬ ‫تقوم بنقل لفظها الحريف بدل ترجمتها‪ ،‬مام حافظ عىل التعبري بشكله اليوناين‪.‬‬ ‫أيضا يف النسخة اإلنجليزية من الكتاب املقدس يف بضع مواضع‪ .‬لقد‬ ‫وهذا يظهر ً‬ ‫وصلت كلمة فارقليط إىل مرحل ٍة صارت فيها جز ًءا من اللغة يف الرتاث التلمودي‪،‬‬ ‫مام يجعل األمر غري ًبا أن املرتجمني الرسيان للمجلد الفلسطيني قد تعمدوا إدخال‬ ‫ترجم ٍة جديدة‪ ،‬وهي يف ضوء معانيها العربية تعني باملصادفة املع ّزي باملعنى الذي‬ ‫نراه يف الكتاب املقدس اإلنجليزي‪ ...‬لكننا ال نجد هذا املعنى يف الرسيانية العادية‪،‬‬ ‫ففيها كلمة منحمنا تعني (مانح الحياة)‪ ،‬وتحدي ًدا تخص من قام من املوت‪ ،‬بينام‬ ‫صحيفة من مخطوطة الپشيتا تعود للقرن تعني كلمة نحاما القيامة يف سياقها يف سفر يوحنا ‪ .25-24 :11‬وهذا من الواضح‬ ‫يتعارض مع كالم الرب يف الفقرة التي بني يدينا‪ .‬فاملقصود املع ّزي الذي يع ّزي الناس‬ ‫التاسع امليالدي‬ ‫‪25- Guillaume’s note: Evangeliarum Hierosolymitanum ed. Count F. M. Erizzo, Verona, 1861, p.347, and The Palestinian Syriac Lectionary of the‬‬ ‫‪Gospels re-edited from two Sinai MSS and from P. de Lagarde`s edition of the Evangeliarum Hierosolymitanum by Agnes Smith Lewis and Magaret‬‬ ‫‪Dunlop Gibson, London, 1899, p.187.‬‬

‫‪46‬‬


‫النقد القرآين جـ‪1‬‬

‫الفرتة ما بني السنوات ‪700‬م و‪825‬م‪.‬‬ ‫‪Ibn Warraq‬‬

‫الذين فقدوا عزي ًزا‪ ،‬فقدوا نصريهم ومق ّويهم‪ ،‬وهو مع ًنى تشهد له القواميس التلمودية والرتغومية (الرتجامت التلمودية)‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ ،‬فيام يتعلق بـ‪ ،spritus vertias‬فإن أفضل مخطوطات كتاب ابن إسحاق تشري إليها بتسمية روح القسط‪ ،‬والتي‬ ‫اب الحقون بتغيريها جزافًا إىل روح القدس‪ .‬لكن كلمة ٍ‬ ‫قسط ال تعني الحقيقة‪ ،‬وإمنا العدل أو املساواة يف الحكم‪.‬‬ ‫قام كُتّ ٌ‬ ‫فمن أين أتت هذه الكلمة؟ ال يوجد ما يربرها بالنظر إىل الرسيانية القدمية أو الپشيتا‪ ،‬حيث نراها مكتوب ًة عىل شكل‬ ‫«رشارا»‪ .‬والجواب مر ًة أخرى موجو ٌد يف مجلد األناجيل الفلسطيني والذي يذكر «روح دي قوشتا»‪ ،‬وهو املعنى الصحيح‬ ‫يف اآلرامية اليهودية»(‪.)26‬‬ ‫يجدر التنويه إىل أن شولتهس ‪ Schulthess‬يف قاموسه الفلسطيني الرسياين‬ ‫يعطي مع ًنى فرع ًيا لكلمة نحم ‪ nHem‬ون ّحم ‪ :naHHem‬التعزية(‪.)27‬‬ ‫إن اكتشاف ِغ ُّيوم ‪ Gauillaume‬لهو يف غاية األهمية‪ ،‬ألنه يعزز النظرية التي‬ ‫ق ّدمها كريستوف لوكسنربغ ‪ Christoph Luxenberg‬بأن القرآن ما هو إال‬ ‫نتاج الرتاث املسيحي الرسياين‪ .‬لقد أثبت غيوم بشكلٍ قاطعٍ أن ابن إسحاق‬ ‫نصوص مسيحي ٌة رسيانية‪ .‬لكن طرح لوكسنربغ يتخذ من ًحى‬ ‫كانت يف حوزته‬ ‫ٌ‬ ‫أكرث جذري ًة‪ ،‬فهو يقرتح أن النص القرآين يف أصله رسياين متت ترجمته بشكلٍ‬ ‫ردي ٍء إىل العربية عىل يد جامع ٍة مل يتقنوا الرسيانية بشكلٍ جيد‪.‬‬ ‫نستكمل املوضوع يف العدد املقبل‪..‬‬ ‫قام بالرتجمة من اإلنجليزية‪ :‬أسامة البني (الوراق)‬ ‫مراجعة علمية بعد الرتجمة‪ :‬محمد املس ّيح‬ ‫النص األصيل جاء من كتاب ‪ Virgins, what virgins? And Other Essays‬البن و ّراق‪ ،‬وهو يحمل نفس عنوان املقال‬ ‫الحايل‪.Koranic Criticism - 700 C.E. to 825 C.E :‬‬ ‫مالحظة‪ :‬املرتجم والكاتب شخصان مختلفان رغم تبنيهام لقب «الو ّراق»‪ ،‬نسب ًة للملحد أيب عيىس الوراق الذي عاش يف‬ ‫القرن التاسع امليالدي‪.‬‬ ‫‪26- A. Guillaume. The Version of the Gospels Used in Medina Circa 700 A.D. Al-Andalus, 15 (1950) pp. 292-293.‬‬ ‫‪27- F. Schulthess. Lexicon Syropalaestinum, Berolini (Berlin), In Aedibus Georgi Reimer, MCMIII (1903) Page 122a: nHem, naHHem, Ptc. act‬‬ ‫‪(Active Participle) mnaHHem -(Greek) parakale^in a) excitiavit, incitavit, Hbr. 10:25 b) consolatus est (Js.10:32 , 35:4, 40:1 sq. 11 , 61:3. Job.21:34,‬‬ ‫‪Rom.12:8 , 1 Thess.4:1,18, Tit.2:15.) (Greek) Paramuthei^sthai (Joh.11:19, 31), Cf. Hom. Anec. 203:26.‬‬

‫‪47‬‬


http://www.thelandofsands.blogspot.com

48


‫املرأة التي‬ ‫انترصت عىل اإلله‬ ‫‪Omar Hussein‬‬

‫‪49‬‬


‫املرأة التي انترصت عىل اإلله‬ ‫‪Omar Hussein‬‬

‫استيقظت فلم تجده بني أحضانها كام اعتادت أن يكون دامئًا‪ ،‬لطاملا كانت‬ ‫يف إحدى ليايل الشتاء الباردة‬ ‫ْ‬ ‫بالحب متأل الوجود‪...‬‬ ‫دقّات قلبيهام‬ ‫ّ‬ ‫بحثت عنه يف كل أرجاء املنزل فلم تجده‪ ،‬فسارعت إىل االتّصال به لكنه مل ي ُرد‪...‬‬ ‫ْ‬ ‫فأخذ الخوف والقلق يفتكان بها‪ ،‬ورسعان ما هرعت إىل الشوارع تبحث عنه‪...‬‬ ‫عم إذا كان أحدهم قد رآه‪ ،‬إىل أن أخربها أحدهم أنه بالفعل قد رآه متّج ًها‬ ‫وأخذت تسأل املا ّرين بالطرقات ّ‬ ‫إىل القرص الواقع عىل شاطئ النهر‪...‬‬ ‫وتح ّدث من دون ٍ‬ ‫صوت عن السبب الذي دفعه للذهاب فجأ ًة إىل هذا املكان‪.‬‬ ‫ومل تنبس بكلمة‪ ،‬لكنها ركضت مرسع ًة يف لهف ٍة إىل القرص‪.‬‬ ‫وصعقت حينام رأته بتلك املالبس التي تفوح منها رائحة الخيانة‪ ،‬دفعته‬ ‫ْ‬ ‫طرقت الباب ليفتح لها بعد دقائق‪ُ ،‬‬ ‫بق ّو ٍة إىل الداخل لرتى ما مل تكن تتوقّع يو ًما أنها سرتاه‪...‬‬ ‫لقد كان القرص مليئًا بالعاهرات‪...‬‬ ‫ٍ‬ ‫نظرت إىل عينيه والدموع تنهمر من عينيها‪ٌ ،‬‬ ‫بحرف منها‪ ،‬لك ّن نظرات عينيها‬ ‫آالف من الكلامت مل تنطق‬ ‫له كانت كفيل ًة بأن تزلزل كيانه وتجعله يتم ّنى املوت علّه يرتاح من العذاب‪ ،‬عذاب الضمري وعذاب قلبه‬ ‫املتألّم ملا ألحقه مبحبوبته من األمل‪.‬‬ ‫تفس يل ما أراه يا عزيزي؟‬ ‫ هل لك أن ّ‬‫ حبيبتي لن أكون كاذبًا ولن أحاول أن أكون مخاد ًعا‪ ،‬سأتح ّدث مبُنتهى الصدق‪.‬‬‫ أمت ّنى ذلك‪.‬‬‫ حبيبتي‪...‬‬‫أحب أن أكون واحد ًة من أولئلك العاهرات اللوايت ميألن‬ ‫ـ ال يا عزيزي ال أو ّد أن أسمعها منك م ّر ًة أخرى‪ ،‬ال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إضافات أخرى‪...‬‬ ‫فضل أن تناديني باسمي بدون أيّة‬ ‫املكان‪ .‬أُ ّ‬ ‫فعلت من تلقاء نفيس‪.‬‬ ‫ـ عزيزيت مل أفعل ما‬ ‫ُ‬ ‫بالحب والسعادة‪ ،‬ال أذكر‬ ‫الحب الذي بيننا؟ لطاملا عشنا حيا ًة مليئ ًة‬ ‫ّ‬ ‫ـ وماذا جنيت يف حقّك يك تخون ميثاق ّ‬ ‫يف م ّر ٍة أنني أدخلت الحزن إىل قلبك يو ًما‪.‬‬ ‫ـ ال يا عزيزيت مل تفعيل‪ ،‬ليس هذا ما أعنيه‪.‬‬ ‫ـ أفصح عام تعنيه‪.‬‬ ‫ذهبت إليه أخربين أنه يريد مكافأيت‪ ،‬فأهداين هذا القرص وأمر بأرسايل‬ ‫ـ لقد أرسل الحاكم يف طلبي‪ ،‬وحينام‬ ‫ُ‬ ‫‪50‬‬


‫املرأة التي انترصت عىل اإلله‬ ‫‪Omar Hussein‬‬

‫جالس يف القرص‪ ،‬فإذا بالباب يُطرق‪ ،‬وحينام فتحته‬ ‫إليه واالنتظار فيه إىل أن تأتيني بق ّية املكافأة‪ ،‬وبينام أنا ٌ‬ ‫يل ويتم ّنى يل قضاء‬ ‫وجدت وصيف ًة تُ سك برسال ٍة وخلفها أولئك الفتيات‪ ،‬وأخربتني أ ّن الحاكم يلقي السالم ع ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وقت جميل‪.‬‬ ‫ـ هل جننت؟ هل تعتقد أين سأص ّدق مثل هذا الهراء؟‬ ‫ـ هذه هي الحقيقة‪.‬‬ ‫ـ كفى كذبًا وخدا ًعا! أيُعقل أن يكون الحاكم الذي ُعرف بعدله واستقامته وكل تلك الفضائل األخرى أن‬ ‫يكون ق ّوا ًدا؟‬ ‫ِ‬ ‫أي حا ٍل إن ِ‬ ‫ميكنك أن تقرأي تلك الرسالة وستجدين ختمه‬ ‫كنت ال تص ّدقني‬ ‫ـ ال داعي لنعته بالق ّواد لكن عىل ّ‬ ‫عليها‪.‬‬ ‫وأخذتْ الرسالة وشعرتْ بق ّمة الخذالن حينام رأت الحاكم وقد ختمها بنفسه‪ ،‬لكنها ما زالت ترفض أن‬ ‫ت ُص ّدق‪ ،‬ال ب ّد أن هناك تزوي ًرا قد ت ّم‪ ،‬رمبا هناك خديع ٌة تُدار لها‪ ،‬ونزلت من القرص مليئ ًة مبشاعر األمل‬ ‫واإلهانة‪ ،‬نظرات الثقة املمزوجة بالوقاحة من عيون تلك العاهرات تذبحها من الوريد إىل الوريد‪ ،‬وهرعت‬ ‫إىل مجلس الحاكم حيث املكان الذي اعتاد أن يذهب إليه الجميع إ ّما زائ ًرا أو من لديه قض ّي ًة يريد أن‬ ‫جالسا!‬ ‫يعرضها عليه‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫ودخلت إىل املكان‪ ،‬وكان عىل كرسيه فوق العرش ً‬ ‫يبق لها ّإل القليل من األمل يف حرضة الحاكم املُب ّجل‪،‬‬ ‫أمام الجميع وقفت تبيك‪ ،‬منكرسةً‪ ،‬حزين ًة‪ ،‬ضائع ًة‪ ،‬مل َ‬ ‫وعدل‪.‬‬ ‫علّها ترجو منه إنصافًا ً‬ ‫ـ س ّيدي‪ ،‬جئت إليك أشكو مام ألحقه يب زوجي من األمل‬ ‫والعذاب‪.‬‬ ‫ـ أنا أصغي ِ‬ ‫إليك وأنا أحكَم الحاكمني‪.‬‬ ‫القصة كامل ًة وركعت عىل ركبتيها تطلب العدل‬ ‫وحكت له ّ‬ ‫بقلب ميلؤه الرجاء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ـ حقًّا ما قاله زوجك حقيق ًة‪ ،‬لقد أحببت أن أكافئه عىل ما‬ ‫منحني من شعو ٍر بالعظمة واعرتافه باستحقاقي بالعبادة‪،‬‬ ‫يستحق املكافأة عليه‪.‬‬ ‫لقد كان هذا لطفًا منه‬ ‫ّ‬ ‫‪51‬‬


‫املرأة التي انترصت عىل اإلله‬ ‫‪Omar Hussein‬‬

‫ـ س ّيدي !!!‬ ‫ـ هذه هي الحقيقة‪.‬‬ ‫عظيم‬ ‫حاكم‬ ‫ٍ‬ ‫ـ أتدري يا س ّيدي؟ مل أكن أتوقع يو ًما من ٍ‬ ‫مثلك ّأل يكون مكرتث ًا مبشاعر امرأ ٍة ُجرحت يف كرامتها‪،‬‬ ‫وتألّمت من الغدر من محبوبها وخيانته لها‪ ،‬مل أكن‬ ‫يوم من األيّام‬ ‫أتوقّع يو ًما أ ّن حاكمنا العظيم سيغدو يف ٍ‬ ‫ق ّوا ًدا‪...‬‬ ‫يرصخ الحاكم بأعىل صوته‪:‬‬ ‫ـ أيّتها الوقحة كيف تجرؤين؟ وع ّزيت وجاليل أللقني ِ‬ ‫بك‬ ‫يف الجحيم‪...‬‬ ‫وقاطعته‪:‬‬ ‫طلب أخريٍ قبل أن أُخلَّد يف نريانك س ّيدي؟‬ ‫ـ هل من ٍ‬ ‫ـ ِ‬ ‫لك هذا‪.‬‬ ‫الحب‪ ،‬الوفاء‪ ،‬اإلخالص‪ ،‬الصدق؟‬ ‫ـ أو ّد أن أسأل ّ‬ ‫كل من يف املجلس هل تعرفون ّ‬ ‫لكن ال أحد يجيب بل اكتفوا بنظر ٍ‬ ‫ات مليئ ٍة بالجهل ولسان حالهم ما ذاك الذي تقوله تلك املرأة‪.‬‬ ‫الحب‪ ،‬العشق‪ ،‬الغرام؟ هل ج ّربته يو ًما؟‬ ‫ـ س ّيدي هل أستطيع أن أسألك سبحانك‪ ...:‬هل تعرف معنى ّ‬ ‫مل ينطق بكلم ٍة واكتفى بنظر ٍة حائر ٍة يف املكان‪ ،‬ونظرت إليه نظرة استهزا ٍء واحتقا ٍر ث ّم قاطعت صمته مكمل ًة‬ ‫حديثها‪:‬‬ ‫ـ عذ ًرا س ّيدي نسيت أنك الواحد األحد‪ ،‬الفرد الصمد‪ ،‬الذي مل يلد ومل يولد‪ ،‬ومل يكن له كف ًوا أحد‪...‬‬

‫‪52‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

53


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬ ‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ واﻟﻌﺸﺮون‪ :‬اﻹﺳﺮاء‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫ﺗﺪﻗﻴﻖ ﺗﺮﺟﻤﺔ وﺗﺪﻗﻴﻖ ﻣﺼﺎدر وإﺧﺮاج‪:‬‬ ‫أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬ ‫‪54‬‬


‫اﻹﺳﺮاء‬

‫ﺗﺮوي ﻟﻨﺎ ﻓﺎﺧﺘﺔ أم ﻫﺎﻧﻰء ﺑﻨﺖ أﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ‪ ،‬اﻟﺘﻲ ﻛﺎن‬ ‫ﻣﺤﻤﺪﻳﻤﻀﻲاﻟﻠﻴﻠﺔﻋﻨﺪﻫﺎ‪:‬‬ ‫ﻳﺎ ﺑﻨﺖ ﻋﻤﻲ!‬ ‫ﻛﻨﺖ ً‬ ‫ﻧﺎﺋﻤﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮي ﻫﻞ ﺗﻌﻠﻤﻴﻦ ﻣﺎ ﺣﺪث‬ ‫ﺳﺎﻋﺔ اﻟﻔﺠﺮ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺟﺎء‬ ‫ﻣﻌﻲاﻟﻠﻴﻠﺔ؟‬ ‫ﻣﺤﻤﺪوﻗﺎل‪:‬‬ ‫ٌ‬

‫ﻓﻲ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺤﺎدﻳﺔ ﻋﺸﺮ ﻟﻠﺒﻌﺜﺔ‪،‬‬ ‫ﺟﻌﻞ اﷲ ﻣﺤﻤﺪًا ﻳﻌﻴﺶ ﻣﻐﺎﻣﺮ ًة‬ ‫ﻋﺠﻴﺒﺔ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ أﻣﻀﻴﺖ اﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ أﻗﺪس‬ ‫اﻟﻤﻘﺪﺳﺎت‪ ،‬ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ اﻟﻘﺪس!‬ ‫ﻗﺮﻳﺸﺎ‬ ‫ﺳﻮف أﺧﺮج وأﺧﺒﺮ ً‬ ‫ﺑﻤﺎ رأﻳﺖ ﻫﻨﺎك‪.‬‬

‫ﻓﻠﺤﻘﺖ ﺑﻪ وأﻣﺴﻜﺘﻪ ﻣﻦ ﺛﻮﺑﻪ‪.‬‬ ‫أرﺟﻮك‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ّأﻻ ﺗﻔﻌﻞ!‬

‫أﺧﺮج ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻗﻠﺒﻪ‪ ،‬وﻏﺴﻠﻪ ﺛﻼث ٍ‬ ‫ﻣﺮات ﺑﻤﺎء زﻣﺰم‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ﻣﻨﺘﺰﻋﺎ ﺑﻘﺎﻳﺎ اﻟﺒﻘﻌﺔ‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ‪،‬‬ ‫ﻃﻔﻮﻟﺔ‬ ‫أﻳﺎم‬ ‫ﻓﻌﻞ‬ ‫ﻣﺜﻠﻤﺎ‬ ‫ً‬ ‫اﻟﺴﻮداء‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﻓﻲ اﻟﻜﻌﺒﺔ‪،‬‬ ‫ﻣﺎ ﺣﺪث ﻟﻴﻠﺘﻬﺎ‪ ،‬ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻛﺎن ٌ‬ ‫ﻧﺰل ﺟﺒﺮﻳﻞ وﻣﻴﻜﺎﺋﻴﻞ ٌ‬ ‫وﻣﻼك ﺛﺎﻟﺚ‪ ،‬وﺷﻘﻮا ﺻﺪره‪.‬‬

‫‪55‬‬


‫ﺛﻢ ﺟﺎؤوا ﺑﺎﻟﺒﺮاق‪ ،‬وﻫﻮ داﺑ ٌﺔ ﺑﻴﻀﺎء رﻛﺒﻬﺎ ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺮﺳﻞ ﻗﺒﻠﻪ‪.‬‬

‫وﻫﻜﺬا ﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺠﺰة اﻹﺳﺮاء ﻣﻦ ﻣﻜﺔ إﻟﻰ‬ ‫اﻟﻘﺪس‪ ،‬واﻟﻤﻌﺮاج إﻟﻰ اﻟﺴﻤﻮات اﻟﺴﺒﻊ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﻣﻦ اﻟﻜﻌﺒﺔ إﻟﻰ‬ ‫ﻃﺎر ٌ‬ ‫ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻋﻠﻰ ﻇﻬﺮ‬ ‫)‪(2‬‬ ‫اﻟﺪاﺑﺔاﻟﻤﺠﻨﺤﺔ‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫رﺑﻂ اﻟﺒﺮاق ﻋﻨﺪ ﺑﺎب اﻟﻤﺴﺠﺪ اﻷﻗﺼﻰ‪ ،‬ﺣﻴﺚ اﺳﺘﻘﺒﻠﻪ إﺑﺮاﻫﻴﻢ‬ ‫وﻣﻮﺳﻰ وﻋﻴﺴﻰ وأﻧﺒﻴﺎء آﺧﺮون‪.‬‬

‫ﺟﻤﺎﻋﺔ‬ ‫ﻟﻘﺪ ﺻﻠﻴﺖ ﺑﻬﻢ‬ ‫ً‬ ‫وﻛﻨﺖ أﻧﺎ اﻹﻣﺎم‪ ،‬وﺗﺠﺎذﺑﻨﺎ‬ ‫)‪(3‬‬ ‫أﻃﺮافاﻟﺤﺪﻳﺚ‪.‬‬

‫ﺿﺨﻢ اﻟﺠﺜﺔ‪ ،‬أﺳﻤﺮ اﻟﺒﺸﺮة‪،‬‬ ‫ﻣﻮﺳﻰ ‪:‬‬ ‫أﺟﻌﺪ اﻟﺸﻌﺮ‪ ،‬ﻏﺎﺋﺮ اﻟﻌﻴﻨﻴﻦ‪ ،‬وأﺳﻨﺎﻧﻪ‬ ‫ﻣﺘﻼﺻﻘﺔ‪،‬ﺗﻈﻬﺮﻟﺜﺘﻪﺣﻴﻦﻳﺒﺘﺴﻢ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪا اﺳﺘﻄﺎع وﺻﻒ أﺷﻜﺎﻟﻬﻢ‪.‬‬ ‫ﺑﻞ إن ً‬

‫ﻋﻴﺴﻰ ‪:‬‬

‫إﺑﺮاﻫﻴﻢ ‪:‬‬

‫‪57‬‬

‫ﻻ ﻃﻮﻳﻞ وﻻ ﻗﺼﻴﺮ‪ ،‬ﻋﺮﻳﺾ اﻟﻜﺘﻔﻴﻦ‪،‬‬ ‫أﺷﻘﺮ اﻟﺸﻌﺮ‪ ،‬وﻛﺄﻧﻪ ﺧﺮج ﻟﻠﺘﻮ‬ ‫ﺣﻤ ٍ‬ ‫ﺎم ﺳﺎﺧﻦ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ ّ‬

‫ﺷﺨﺼﺎ أﻗﺮب‬ ‫واﷲ ﻟﻢ َأر ً‬ ‫ً )‪(4‬‬ ‫إﻟﻲ ﻣﻨﻪ ً‬ ‫ﺷﻜﻼ وﻋﻘﻼ‪.‬‬ ‫ّ‬


‫وﺑﻌﺪ اﺟﺘﻤﺎع ﻣﺤﻤﺪ ﺑﺎﻟﺮﺳﻞ‪ ،‬ﺟﺎءه ﺟﺒﺮﻳﻞ ﺑﻘﺪﺣﻴﻦ‪،‬‬ ‫اﻷول أﺑﻴﺾ واﻟﺜﺎﻧﻲ أﺣﻤﺮ‪.‬‬

‫ﻟﻘﺪ اﺧﺘﺮت اﻟﺤﻠﻴﺐ وﺗﺮﻛﺖ اﻟﻨﺒﻴﺬ‪،‬‬ ‫)‪(5‬‬ ‫وﻟﻮ ﻓﻌﻠﺖ اﻟﻌﻜﺲ ﻻرﺗﺪ ﻗﻮﻣﻚ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ أﻫﻞ ﻣﻜﺔ‪ ،‬رد ﻋﻠﻴﻪ‬ ‫ﻋﻨﺪﻣﺎ أﺧﺒﺮ ٌ‬ ‫رﺟ ٌﻞ اﺳﻤﻪ اﻟﻤﻄﻌﻢ ﺑﻦ ﻋﺪي‪:‬‬

‫أوﺣﻰ اﷲ ﻟﻤﺤﻤﺪ ﺑﺎﻵذان وﻫﻮ ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء‪،‬‬ ‫واﺧﺘﺎر ﻣﺤﻤٌﺪ ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ اﻟﻌﺒﺪ اﻷﺳﻮد ﺑﻼل‬ ‫)‪(6‬‬ ‫اﻟﻤﻌﺮوفﺑﺠﻤﺎلﺻﻮﺗﻪ‪.‬‬

‫ﺷﻬﺮا‬ ‫ﻧﺤﻦ ِﺑﺠﻤﺎﻟﻨﺎﻧﺤﺘﺎج ً‬ ‫وﺷﻬﺮا آﺧﺮ ﻟﻠﻌﻮدة‪،‬‬ ‫ﻟﻠﻮﺻﻮل ﻟﻠﻘﺪس‪ً ،‬‬ ‫وأﻧﺖ ﺗ ّﺪﻋﻲ ﺑﺄﻧﻚ ﺳﺎﻓﺮت إﻟﻰ ﻫﻨﺎك‬ ‫ﻓﻲ ٍ‬ ‫ﻟﻴﻠﺔ واﺣﺪة؟‬ ‫واﻟﻼت واﻟﻌ ّﺰى‬ ‫ﻻ أﺻﺪﻗﻚ‪.‬‬

‫ﻣﺎذا ﺗﻘﻮل؟ أﺟﺰم ﺑﺄﻧﻚ ﻛﺎذب!‬

‫ﻗﺎﺋﻼ‪:‬‬ ‫ﻟﻜﻦ أﺑﺎ ﺑﻜ ٍﺮ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻮﻓﻲ وواﻟﺪ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻧﻬﺮه ً‬ ‫ّ‬

‫ﺑﺌﺲ ﻣﺎ ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﻣﻄﻌﻢ! اﺗﺠﺮؤ ﻋﻠﻰ ﺗﻜﺬﻳﺒﻪ؟‬ ‫)‪(7‬‬ ‫أﻧﺎ أﺷﻬﺪ أﻧﻪ ﺻﺎدق‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫(‪ .)1‬حديث فاختة أم هانئ عن مرسى الرسول‪:‬‬

‫‪ l‬قال محمد بن إسحاق‪ :‬وكان فيام بلغني عن أم هانئ بنت أيب طالب ريض الله عنها‪ ،‬واسمها هند‪ ،‬يف مرسى رسول الله ﷺ‪ ،‬أنها كانت تقول‪ :‬ما أرسي‬ ‫برسول الله ﷺ إال وهو يف بيتي‪ ،‬نام عندي تلك الليلة يف بيتي‪ ،‬فصىل العشاء اآلخرة‪ ،‬ثم نام ومننا‪ ،‬فلام كان قبيل الفجر أهبنا رسول الله ﷺ‪ ،‬فلام صىل‬ ‫الصبح وصلينا معه‪ ،‬قال‪ :‬يا أم هانئ‪ ،‬لقد صليت معكم العشاء اآلخرة كام رأيت بهذا الوادي‪ ،‬ثم جئت بيت املقدس فصليت فيه‪ ،‬ثم قد صليت صالة‬ ‫الغداة معكم اآلن كام ترين‪ ،‬ثم قام ليخرج‪ ،‬فأخذت بطرف ردائه‪ ،‬فتكشف عن بطنه كأنه قبطية مطوية‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا نبي الله‪ ،‬ال تحدث بهذا الناس‬ ‫فيكذبوك ويؤذوك‪ ،‬قال‪ :‬والله ألحدثنهموه‪ .‬قالت‪ :‬فقلت لجارية يل حبشية‪ :‬ويحك اتبعي رسول الله ﷺ حتى تسمعي ما يقول للناس‪ ،‬وما يقولون له‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية البن هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب الحمريي‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ - ،‬باب ذكر اإلرساء واملعراج‪ .‬ص‪.402 :‬‬

‫(‪ .)2‬جربيل يشق صدر محمد‪:‬‬

‫‪ l‬حدثنا يحيى بن بكري قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك قال كان أبو ذر يحدث أن رسول الله ﷺ قال‪ :‬فرج عن سقف‬ ‫بيتي وأنا مبكة فنزل جربيل ﷺ ففرج صدري ثم غسله مباء زمزم ثم جاء بطست من ذهب ممتلئ حكمة وإميانًا فأفرغه يف صدري ثم أطبقه ثم أخذ‬ ‫بيدي فعرج يب إىل السامء‪.‬‬ ‫‪ n‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب كيف فرضت الصالة يف اإلرساء‪ ،‬الحديث رقم ‪ ،342‬صفحة ‪.135‬‬

‫(‪ .)3‬محمد يؤم األنبياء يف الصالة‪:‬‬

‫‪ l‬وحدثني زهري بن حرب حدثنا حجني بن املثنى حدثنا عبد العزيز وهو ابن أيب سلمة عن عبد الله بن الفضل عن أيب سلمة بن عبد الرحمن عن أيب‬ ‫هريرة قال‪ :‬قال رسول الله ﷺ‪... :‬وقد رأيتني يف جامعة من األنبياء فإذا موىس قائم يصيل فإذا رجل رضب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيىس ابن‬ ‫مريم عليه السالم قائم يصيل أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود الثقفي وإذا إبراهيم عليه السالم قائم يصيل أشبه الناس به صاحبكم ‪-‬يعني نفسه‪-‬‬ ‫فحانت الصالة فأممتهم‪ ،‬فلام فرغت من الصالة قال قائل‪ :‬يا محمد‪ ،‬هذا مالك صاحب النار فسلم عليه فالتفت إليه فبدأين بالسالم‪.‬‬ ‫‪ n‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬باب ذكر املسيح ابن مريم واملسيح الدجال ص‪.157 :‬‬

‫(‪ .)4‬وصف محمد إلبراهيم وموىس وعيىس‪:‬‬

‫‪ l‬قال ابن إسحاق‪ :‬وزعم الزهري عن سعيد بن املسيب أن رسول الله ﷺ وصف ألصحابه إبراهيم وموىس وعيىس حني رآهم يف تلك الليلة‪ ،‬فقال‪ :‬أما‬ ‫إبراهيم‪ ،‬فلم أر رجال أشبه (قط) بصاحبكم‪ ،‬وال صاحبكم أشبه به منه‪ ،‬وأما موىس فرجل آدم طويل رضب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة وأما عيىس‬ ‫بن مريم‪ ،‬فرجل أحمر‪ ،‬بني القصري والطويل‪ ،‬سبط الشعر‪ ،‬كثري خيالن الوجه‪ ،‬كأنه خرج من دمياس‪ ،‬تخال رأسه يقطر ماء‪ ،‬وليس به ماء‪ ،‬أشبه رجالكم‬ ‫به عروة بن مسعود الثقفي‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية البن هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب الحمريي‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ - ،‬باب ذكر اإلرساء واملعراج‪ .‬ص‪.400 :‬‬

‫(‪ .)5‬محمد يرشب الحليب‪:‬‬

‫‪ l‬فمىض رسول الله ﷺ‪ ،‬ومىض جربيل عليه السالم معه‪ ،‬حتى انتهى به إىل بيت املقدس‪ ،‬فوجد فيه إبراهيم وموىس وعيىس يف نفر من األنبياء‪ ،‬فأمهم‬ ‫رسول الله ﷺ فصىل بهم‪ ،‬ثم أيت بإناءين‪ ،‬يف أحدهام‪ ،‬خمر‪ ،‬ويف اآلخر لنب‪ .‬قال‪ :‬فأخذ رسول الله ﷺ إناء اللنب‪ ،‬فرشب منه‪ ،‬وترك إناء الخمر‪ .‬قال‪ :‬فقال‬ ‫له جربيل‪ :‬هديت للفطرة‪ ،‬وهديت أمتك يا محمد‪ ،‬وحرمت عليكم الخمر‪ .‬ثم انرصف رسول الله ﷺ إىل مكة‪..‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية البن هشام‪ ،‬عبد امللك بن هشام بن أيوب الحمريي‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ - ،‬باب ذكر اإلرساء واملعراج‪ .‬ص‪.399 :‬‬

‫(‪ .)6‬محمد يتعلم األذان يف السامء‪:‬‬

‫‪ l‬حدثنا محمد بن عثامن بن مخلد الواسطي‪ ،‬قال‪ :‬نا أيب‪ ،‬عن زياد بن املنذر‪ ،‬عن محمد بن عيل بن الحسني‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬عن عيل‪ ،‬قال‪ :‬ملا أراد‬ ‫الله أن يعلم رسوله األذان أتاه جربيل صىل الله عليهام بدابة يقال لها‪ :‬الرباق‪ ،‬فذهب يركبها فاستصعبت‪ ،‬فقال لها جربيل‪ :‬اسكني فوالله ما ركبك عبد‬ ‫أكرم عىل الله من محمد‪ ،‬قال‪ :‬فركبها حتى انتهى إىل الحجاب الذي ييل الرحمن تبارك وتعاىل قال‪ :‬فبينام هو كذلك إذ خرج ملك من الحجاب‪ ،‬فقال‬ ‫رسول الله‪ :‬يا جربيل من هذا؟ قال‪ :‬والذي بعثك بالحق‪ ،‬إين ألقرب الخلق مكانًا‪ ،‬وإن هذا امللك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه‪ ،‬فقال امللك‪ :‬الله‬

‫‪59‬‬


‫أكرب الله أكرب‪ ،‬قال‪ :‬فقيل له من وراء الحجاب‪ :‬صدق عبدي أنا أكرب أنا أكرب‪ ،‬ثم قال امللك‪ :‬أشهد أن ال إله إال الله‪ ،‬قال‪ :‬فقيل له من وراء الحجاب‪ :‬صدق‬ ‫عبدي أنا ال إله إال أنا‪ ،‬قال‪ :‬فقال امللك‪ :‬أشهد أن محمدا رسول الله‪ ،‬قال‪ :‬فقيل من وراء الحجاب‪ :‬صدق عبدي أنا أرسلت محم ًدا‪ ،‬قال امللك‪ :‬حي عىل‬ ‫الصالة‪ ،‬حي عىل الفالح‪ ،‬قد قامت الصالة‪ ،‬ثم قال امللك‪ :‬الله أكرب الله أكرب‪ ،‬قال‪ :‬فقيل من وراء الحجاب‪ :‬صدق عبدي أنا أكرب أنا أكرب‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال إله إال‬ ‫الله‪ ،‬قال‪ :‬فقيل من وراء الحجاب‪ :‬صدق عبدي ال إله إال أنا‪ ،‬قال‪ :‬ثم أخذ امللك بيد محمد فقدمه فهم أهل السامء فيهم آدم‪ ،‬ونوح‪.‬‬ ‫‪ n‬البحر الزخّار املعروف مبسند الب ّزار‪ ،‬مسند عيل بن أيب طالب‪ .‬أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق العتيك البزار‪ ،‬مكتبة العلوم والحكم‪ .‬سنة النرش‪:‬‬ ‫‪2003‬م‪ .‬ص ‪.146‬‬

‫(‪ .)7‬أبو بكر يشهد بصدق محمد‪:‬‬

‫‪ l‬فلام رجعت نبعة أخربتني أن رسول الله ﷺ انتهى إىل نفر من قريش يف الحطيم‪ ،‬فيهم املطعم بن عدي‪ ،‬وعمرو بن هشام‪ ،‬والوليد بن مغرية‪ ،‬فقال‬ ‫ﷺ‪ :‬إين صليت الليلة العشاء ىف هذا املسجد‪ ،‬وصليت به الغداة‪ ،‬وأتيت فيام وأتيت فيام بني ذلك بيت املقدس فنرش ىل رهط من األنبياء منهم إبراهيم‬ ‫وموىس وعيىس عليهم السالم‪ ،‬فقال مطعم بن عدي إن أمرك قبل اليوم كان أم ًرا يس ًريا غري قولك اليوم‪ ،‬هو يشهد أنك كاذب‪ .‬نحن نرضب أكباد اإلبل إىل‬ ‫بيت املقدس مصع ًدا شه ًرا ومنحد ًرا شه ًرا‪ ،‬أتزعم أنك أتيته يف ليلة واحدة؟ والالت والعزى ال أصدقك‪ .‬وما كان هذا الذي تقول قط‪ .‬قال أبو بكر ريض الله‬ ‫عنه‪ :‬يا مطعم بئس ما قلت البن أخيك جبهته وكذبته أنا أشهد أنه صادق‪.‬‬ ‫‪ n‬عيون األثر يف فنون املغازي والشامئل والسري‪ ،‬أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري‪ ،‬املجلد االول‪ ،‬مكتبة دار الرتاث‪ ،‬املدينة‬ ‫املنورة‪ .‬صفحة ‪.242‬‬

‫«أفضل املوت واقفًا عىل أن‬ ‫أموت راك ًعا»‬ ‫ستيفان شاربونييه‬

‫ستيفان شاربونييه (شارب)‪ :‬أحد رسامي شاريل إيبدو‪ ،‬تم اغتياله خالل‬ ‫اعتداء إسالميني متطرفني عىل مقر املجلة يوم ‪ 7‬يناير كانون ثاين ‪.2015‬‬

‫‪60‬‬


‫اله الفراغات الذي ال ميىلء سوى عقول الجهلة‪.‬‬

‫‪Alzihewawee Ameer Hameed‬‬ ‫ـ‬

‫رغم التقدم العلمي يبقى «يقيننا بالجهل» هو األفضل !!‬

‫‪Zakaria Ezzayer‬‬ ‫ـ‬

‫‪Nicholas Nahhat‬‬

‫ما زال املهابيل الثالثة يبتسمون الن ما زال اكرث من نصف العامل‬ ‫أغبياء لدرجة تصديقهم‪.‬‬

‫‪Mvr Almisqi‬‬

‫ألنهم ال يستطيعون مواجهة مصاعب الحياة و قسوتها لذلك يلجأ‬ ‫املؤمنون إىل الحلول الخرافية و األسهل لعقولهم‪.‬‬

‫‪61‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab MagazineMagazine is a digital produced TheAtheists Arab Atheists is apublication digital publication by volunteers andbycommitted and produced volunteerstoandpromoting committedthetothought promoting writingstheofthought atheists and of various complete freewritingspersuasions of atheists with of various persuadom. Thewith Magazine doesfreedom. not adoptThe or endorse formnotof adopt politisions complete Magazineanydoes cal ideology affiliation or or endorse any form of political ideology or affiliation Contributors of of thethe content, illustrations Contributorsbear bearthethefullfullresponsibility responsibility content, illustraandtions topicsandthey provide insofar as it covers copyright and issues topics they provide insofar as it covers copyright andof intellectual property issues of intellectual property Express permission for tofor publish in the in Magazine is provided by conExpress permission to publish the Magazine is provided tributors, whether they are members of the Arab Atheists by contributors, whether they are members of the Arab Magazine Atheists Group of other atheists and non-religious contributors Magazine Group of other atheists and non-religious contributors TheTheMagazine does notnot publish material thatthat is unethical or or thatthat inMagazine does publish material is unethical cites racism or bigotry incites racism or bigotry The Editorial Board reserves the rightthe to republish content originally The Editorial Board reserves right to republish content published on the Magazine’s Facebook group, as publishing originally published on the Magazine’s Facebook group,there as implicitly contains consent for republication in the Magazine publishing there implicitly contains consent for republication in the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.