مجلة الملحدين العرب / العدد الثالث والستون / فبراير شباط / 2018

Page 1

‫هل عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫تفاحة املسلمني وعراة‬ ‫الليربالية‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫هدم أسطورة دين العفة‬ ‫(‪ :)5‬الدعارة الرشعية ‪2‬‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫العدد الثالث والستون من مجلة امللحدين العرب ‪ -‬فرباير ‪ /‬شباط لسنة ‪.2018‬‬

‫مجد حرب‬ ‫يف حوار مع‪..‬‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫قام علامء النفس االجتامعي بالعديد من التجارب للتعرف عىل أثر‬ ‫املجموعة عىل الفرد‪ ،‬وكان من ضمنها تجارب سولومون آش التي نرشت‬ ‫يف خمسينات القرن املايض‪ ،‬وسميت ـبـ�‪Asch Conformity Experi‬‬ ‫‪ ments‬تجارب آش لالمتثال‪ ،‬حيث تم وضع ممثلني مع ٍ‬ ‫شخص دخيلٍ هو‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط مرسوم ٍة‬ ‫موضع الدراسة‪ ،‬وتم توجيه أسئل ٍة لهم كانت عبار ًة عن‬ ‫ٍ‬ ‫عىل ورقة‪ٍ ،‬‬ ‫خطوط أخرى عىل اليمني‪ ،‬وكان‬ ‫خط طو ٍيل عىل اليسار وثالثة‬ ‫املطلوب تحديد الخط املطابق له يف الطول يف كل مرة‪ ،‬يف البداية كانت‬ ‫أجوبة املجموعة صحيح ًة وكذلك األشخاص موضع الدراسة‪ ،‬ولكن بعد ذلك‬ ‫بدأ أعضاء املجموعة بإعطاء أجوب ٍة خاطئة وكلهم نفس اإلجابة‪ ،‬فكانت‬ ‫املفاجأة أن األشخاص موضع الدراسة كانت إجاباتهم مطابق ًة للمجموعة‬ ‫رغم أنها خاطئة! وكانت النتيجة أنه يف ‪ 37%‬من الحاالت تم الخضوع‬ ‫لضغط املجموعة‪ ،‬وعند سؤالهم فيام بعد عن دوافعهم لإلدالء باإلجابات‬ ‫الخاطئة املوافقة للمجموعة‪ ،‬كانت أسبابهم مختلفة‪ ،‬منهم من قال أنه‬ ‫يعلم أنها خاطئة ولكنه أراد أن يجنب نفسه االصطدام مع املجموعة‪،‬‬ ‫ومنهم من قال أنهم أكرث عد ًدا وبالتايل ستكون إجاباتهم صحيح ًة حتى لو‬ ‫مل تكن مقنعة!‬ ‫حني يكون الشخص عىل علم أن اإلجابة املوافقة للمجموعة صحيحة‪،‬‬ ‫هذا يسمى باالنصياع املعريف‪ ،‬أما حني تكون خاطئ ًة هذا يسمى باالنصياع‬ ‫لضغط األقران‪ ،‬حيث يكون الشخص يف مجموع ٍة قد تكون صغري ًة أو‬ ‫كبرية‪ ،‬ويخضع يف النهاية ملا يرونه صحي ًحا حتى لو كان ضد مبادئه أو‬ ‫أفكاره ورغم أنه يراه خاطئًا‪ ،‬فيخوض رصا ًعا داخليًا مع نفسه تكون نتيجته‬ ‫االستسالم لضغط األقران حتى يحظى بالقبول بينهم!‬ ‫وهذا أم ٌر خط ٌري ألنه يضطر األشخاص الطيبني إىل االنخراط يف أعام ٍل قد‬ ‫تكون مؤذي ًة فقط ليك ترىض عنهم املجموعة أو القطيع‪.‬‬ ‫لذلك الحل ال يكون مبوافقتهم عىل الخطأ‪ ،‬بل بتحكيم العقل والتحيل‬ ‫بالشجاعة للمعارضة‪ ،‬وأحد الطرق للتخلص من ضغط املجموعة هو‬ ‫االنعزال عنها ومراجعة وتقييم األفكار مبعز ٍل عن تأثريها‪ ،‬والخروج بصيغ ٍة‬ ‫يكون فيها الشخص متصال ًحا مع نفسه ومبادئه حتى لو أدى هذا إىل نفيه‬ ‫أو إبعاده من املجموعة‪ ،‬البد من التحيل بالشجاعة لقول كلمة «ال» لكل‬ ‫رغم عنا‪..‬‬ ‫ما يُفرض علينا ً‬ ‫ومهام كان الشخص وحي ًدا فهذا أفضل له من الرصاع الدائم والشعور‬ ‫بالخزي والعار‪ ،‬ومهام كان مختلفًا فعليه أن يعلم أن هناك من يشاركه‬ ‫ويشجعه ولكن عليه أن يبوح بآرائه ومواقفه دون خوف‪.‬‬ ‫فلنكن متفردين وواثقني ومتصالحني مع أنفسنا‪ ،‬وال نخىش مخالفة البقية‬

‫‪2‬‬

‫فريق التحرير‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫إيهاب فؤاد‬

‫مبواقفنا وآرائنا وال نخضع لضغط األغلبية أو القطيع‪،‬‬ ‫حتى ال نتحول إىل حجر شطرنج يحركه اآلخرون كام‬ ‫يشاؤون!‬ ‫دمتم عقالء متفردين‪...‬‬ ‫‪Gaia Athiest‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫تفاحة املسلمني وعراة الليربالية‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪4‬‬

‫هدم أسطورة دين العفة (‪:)5‬‬ ‫الدعارة الرشعية ‪ -‬الجزء الثاين‬ ‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫‪10‬‬

‫رحلة الرافدين‪ :‬وحوش األساطري‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫‪25‬‬

‫مجد حرب‪ ..‬يف حوار مع‬

‫‪40‬‬

‫هل يجب عىل امللحد أن يكون فقي ًها يف دينه‬ ‫حتى ينبذه؟‬ ‫‪Usama Al-Binni‬‬

‫‪54‬‬

‫سرية محمد بن آمنة‬ ‫ترجمة عن منشورات شاريل إيبدو‬

‫‪61‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪68‬‬

‫‪3‬‬


‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫تفاحة املسلمني‬ ‫وعراة الليربالية‬

‫مقال للدكتور عيل محمد فخرو بعنوان وأما بقية املقال وما استهجنه السيد فخرو عىل الليرباليني‬ ‫قرأت مؤخ ًرا ً‬ ‫(عندما تنقلب الليربالية إىل ثرثرة) وقد نُرش يف جريدة أو بعضهم‪ ،‬رغم أن الليربالية مفهو ٌم حدا ٌيث وليس موح ًدا‬ ‫قابل لإلضافة والتعديل‪.‬‬ ‫بل ً‬ ‫الرشوق بتاريخ ‪ 11‬يناير من العام الجديد (‪.)2018‬‬ ‫والدكتور فخرو شغل العديد من املناصب الثقافية‬ ‫والوزارية ومثّل بلده البحرين كسفريٍ يف العديد من‬ ‫العواصم األوروبية‪.‬‬

‫فهناك الليربالية السياسية واالجتامعية واالقتصادية‬ ‫وجميعها مرت بفرت ٍ‬ ‫ات من التنظري والتمكني واملامرسة‪،‬‬ ‫أسايس يركز عىل الحرية‬ ‫مفهوم‬ ‫ولكن جميعها ترتكز عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫الفردية‪ ،‬ويرى وجوب احرتام استقالل األفراد‪ ،‬ويعتقد أن‬ ‫الوظيفة األساسية للدولة هي حامية حريات املواطنني‬ ‫مثل حرية التفكري‪ ،‬والتعبري‪ ،‬واملِلكية الخاصة‪ ،‬والحرية‬ ‫الشخصية وغريها‪.‬‬

‫وذكر السيد فخرو يف بداية املقال بأنه ال يختلف يف‬ ‫منصوصا عليها يف مختلف‬ ‫الدعوة إىل الحريات كونه‬ ‫ً‬ ‫إعالنات حقوق اإلنسان‪ ،‬ويف تواجدها ‪-‬كام ي ّدعي‪ -‬بغالبية‬ ‫الدساتري العربية‪ ،‬رغم أن تواجد مفردة ومفهوم الحرية ال‬ ‫يعني بالرضورة مامرسته مجتمع ًيا وإال ملا وجدنا العديد ولهذا تسعى الليربالية إىل وضع لقيود عىل السلطة‪،‬‬ ‫من قوانني ازدراء األديان ومسجوين الرأي والتعبري ومعتقيل وتقليل دورها‪ ،‬وإبعاد الحكومة عن السوق‪ ،‬وتوسيع‬ ‫السياسة وتيارات املعارضة يف غالبية الدول العربية يعانون الحريات املدنية‪.‬‬ ‫من القتل أو التعذيب أو النفي‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫تفاحة املسلمني وعراة الليربالية‬ ‫وتقوم الليربالية عىل ٍ‬ ‫أساس علام ٍّين يعظّم اإلنسان‪ ،‬وترى أنه‬ ‫مستقل بذاته يف إدراك احتياجاته‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ويف هذا الصدد تقول املوسوعة األمريكية األكادميية‪« :‬إن‬ ‫النظام الليربايل الجديد الذي ارتسم يف فكر عرص التنوير بدأ‬ ‫بدل من اإلله يف وسط األشياء‪ ،‬فالناس بعقولهم‬ ‫يضع اإلنسان ً‬ ‫املفكرة ميكنهم أن يفهموا كل يشء‪ ،‬وميكنهم أن يطوروا أنفسهم‬ ‫ومجتمعاتهم عرب فعلٍ‬ ‫نظامي وعقال ّين»‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫وتتعدد التيارات الليربالية يف الوطن العريب مع اختالف‬ ‫مسمياتها‪ ،‬وتتفاوت بالدعوة إىل الليربالية بنا ًء عىل وعي النخب‬ ‫ومستوى تعليمهم ومدى جرأتهم يف طرح األفكار ومواجهة‬ ‫أقوى مؤسستني تناقضان وترفضان الليربالية ومفاهيم التنوير والحداثة وهام مؤسسة الحكم بسطوتها واستبدادها‬ ‫ٍ‬ ‫ومرشوعات تنويري ٍة فكري ٍة حديث ٍة‬ ‫ومؤسسة الدين بقوتها يف تحريك الغوغاء والجامهري للتأثري عىل أية أفكا ٍر حداثي ٍة‬ ‫إلنقاذ مجتمعاتنا من التخلف واالنحطاط‪.‬‬ ‫فام أغضب السيد فخرو يف هذا املقال وجعله يرى يف دعاة الليربالية أفرا ًدا عدميي اإلحساس هو مطالبة أحدهم بأن‬ ‫يأكل تفاح ًة يف أحد الشوارع العربية دون أن تعتقله الرشطة وتضعه بالسجن نظري انتهاكه حرمة املسلمني وأذية‬ ‫مشاعرهم املرهفة وعدم احرتام شهر رمضان وعدم تقديس املناسبات الدينية والدين والرشيعة…إلخ من قامئ ٍة طويل ٍة‬ ‫تعج بها وزارات الداخلية وأمن الدولة واملخابرات األمنية عىل طول وعرض الوطن العريب لتجعل كل من تس ّول له نفسه‬ ‫بأكل تفاح ٍة يف نهار رمضان عرض ًة للعقاب والتشهري والسجن‪.‬‬ ‫جيل بعد جيلٍ‬ ‫الشك أن األديان لها مكانتها منذ نشوءها عىل األرض وإميان املاليني من الناس بها والدفاع عنها وتوارثها ً‬ ‫باعتبارها أهم وأكرب معرف ٍة برشي ٍة عرفها اإلنسان‪ .‬ولعل تجربة السيد فخرو كسفريٍ يف عد ٍد من العواصم الغربية تكون‬ ‫أكرث ثرا ًء مبعرفة دور األديان وحدودها‪ ،‬وكيف يتعايش املسلمون تحدي ًدا يف شهر رمضان وبينهم وحواليهم من يأكل‬ ‫تفاح ًة وغريها من الطعام دون أن ينتقص ذلك شيئًا من إميانهم‪.‬‬ ‫أيضا أن األديان احتفظت مبكانتها ووظيفتها وروحانيتها‪ ،‬ولكن فقط يف املجتمعات التي استطاعت نقاشها‬ ‫وال شك ً‬ ‫ونقدها وتفكيكها وإيقاف حدود سطوتها عىل اإلنسان واملجتمع‪.‬‬ ‫مثل وحتى األديان غري الساموية استطاعت التواجد بأكرث املجتمعات علامني ًة وليربالية ومل تتعرض‬ ‫فاألديان يف الغرب ً‬ ‫لالختفاء أو الهدم‪ .‬بينام الزالت األديان يف مجتمعاتنا العربية واإلسالمية محاط ًة بأسيج ٍة دوغامئية وقوانني قراقوشية‬ ‫متنع أي انتقا ٍد أو إصال ٍح يطالها‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫تفاحة املسلمني وعراة الليربالية‬ ‫أول عىل أنفسنا السؤال التايل‪ :‬هل حقًّا أن حرية وفردانية صاحبنا‬ ‫وطرح السيد فخرو بعد ذلك السؤال التايل‪« :‬لنطرح ً‬ ‫املتحدث‪ ،‬غري املنضبطة‪ ،‬واملستفزة لآلخرين‪ ،‬لن تكتمل إال بحقه املطلق يف عدم إعطاء املقدس الديني الجمعي أي‬ ‫اعتبار؟ بل واعتباره قي ًدا اجتامع ًيا يجب تحطيمه؟»‬ ‫هذا السؤال استمر طرحه لعرشات السنني وحتى اليوم ويقوم عىل فرضي ٍة خاطئ ٍة متا ًما باعتبار أن هناك املقدس وهناك‬ ‫املدنس وبينهام يجب أن يتوقف اإلنسان وال يتجاوز حدوده الفكرية والسياسية‪ .‬وما غاب عن السيد فخرو أن الليربالية‬ ‫وخصوصا الرأي والتعبري والفردية‪.‬‬ ‫يف أساسها النظري قامت عىل قدسية اإلنسان والدفاع عن حرياته‬ ‫ً‬ ‫وحضت عىل استخدام العقل بشجاع ٍة كام أشار (كانط) وكام‬ ‫وألغت الليربالية وأفكار الحداثة والتنوير مفهوم املق ّدس ّ‬ ‫ذكر ماركس بأن نقد الدين هو بداية كل نقد‪.‬‬ ‫وما مسألة املقدس الجمعي التي يريدنا السيد فخرو أن نقف عندها‪ ،‬إلّ شامع ٌة لنتوقف عن التفكري والنقد والسؤال‬ ‫يف إمكانية تطوير الرؤية الدينية لكونها الثقافة السائدة املرتبطة بكثريٍ من عوامل إخفاقاتنا السياسية واالجتامعية‬ ‫واالقتصادية‪ .‬إن عدم نقد الدين هو مبثابة العجز عن التقدم ومحاول ًة إلبقاء رشوط التكفري والكراهية والقتل فعال ًة يف‬ ‫مامرسة ما ينتج عنها من قيو ٍد ومفاهي َم وفتا ٍو عفا عنها الزمن وأصبحت غري صالح ٍة لكل زمانٍ ومكان‪.‬‬ ‫ثم لنأيت ونسأل نحن هذا السؤال‪ :‬ماهي املشاعر املستفزة للعقل‬ ‫الجمعي املسلم؟‬ ‫فعل عاطف ًيا وشأنًا ال‬ ‫وهل املشاعر خاص ًة باإلنسان نفسه كونها ً‬ ‫مثل من يقتل‬ ‫يؤثر عىل الحياة العامة‪ ،‬أم عىل الجميع أن يحرتم ً‬ ‫باسم الدين ويرسق ويفجر ويكذب ألنه يضع فوق رأسه عامم ًة أو‬ ‫أيضا انتهاكًا للمشاعر وبشاع ًة يف السلوك؟‬ ‫جب ًة إسالمي ًة‪ ،‬أليس هذا ً‬ ‫أم يجب علينا أن نرى فقط رؤية العقل الجمعي ونحرتم تواجده‬ ‫وننكر عىل اآلخرين مامرسة حرياتهم الفردية؟‬ ‫ثم ملاذا ال يحرتم املسلمون من ال يود صيام شهر رمضان ومن‬ ‫يرغب بأكل تفاح ٍة يف نهار رمضان؟ ‪ ..‬فهل ينتقص من اإلميان‬ ‫شيئًا؟‬ ‫وهل الدين عاج ٌز عن التواجد يف مكانٍ يترصف فيه األفراد بحري ٍة‬ ‫طاملا ال يدعون إىل رضر اآلخرين‪ ...‬ثم أال يقول املسلم نفسه‬ ‫ويدعو إىل مفهوم ال إكراه يف الدين؟ ولكم دينكم ويل دين؟‬ ‫‪6‬‬


‫تفاحة املسلمني وعراة الليربالية‬ ‫محاول مساواة‬ ‫ً‬ ‫واملغالطة األخرى التي أشار إليها السيد فخرو‬ ‫عقاب من يأكل بشهر رمضان وعقاب من مييش عاريًا يف‬ ‫بعض الدول الليرباليبة مبثل العدالة يف تطبيق القانون‬ ‫ومحاسبة من يتعدى عىل الذوق العام وثقافة املجتمع‪.‬‬ ‫وتناىس السيد فخرو بأن تلك الدول من ناحي ٍة أخرى أتاحت‬ ‫ملن مييش عاريًا أن ميارس هذه الهواية يف نوا ٍد مخصص ٍة‬ ‫لذلك‪ ،‬بل وصلت األمور إىل افتتاح مطاعم خاص ٍة للعراة‪،‬‬ ‫فهم ال يخالفون من مييش عاريًا إال يف األماكن العامة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جداالت‬ ‫وقد تم تحقيق تلك الرغبات مثلها مثل استخدام الحشيش وحق اإلجهاض واملوت الرحيم وزواج املثليني بعد‬ ‫ٍ‬ ‫وموافقات برملانية‪ ،‬وبعد أن وصلت الليربالية إىل مست ًوى يؤهلها للدفاع عن الحريات الفردية وإتاحة‬ ‫فكري ٍة وديني ٍة‬ ‫الفرصة لجميع املواطنني بالتمثيل عن رغباتهم ضمن القانون واملساواة والعدالة‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬أيضا وكام أشار السيد فخرو بأن أخطاء الليربالية يف مجتمعاتنا تتمثل يف خلط األولويات‪ ...‬وال أختلف مع السيد‬ ‫ٍ‬ ‫أولويات ليربالية يف مجتمعاتنا العربية أهم من نوادي العراة‪،‬‬ ‫فخرو بأن هناك‬ ‫مثل‪ ،‬هناك أمو ٌر يجب علينا الكفاح والسعي إىل مامرستها قانون ًيا ومؤسسات ًيا ومنها حرية الرأي والتعبري وتداول السلطة‬ ‫ً‬ ‫وفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وعلينا ّأل ننظر إىل الليربالية الغربية بكونها اإلطار األخري للمامرسة بل علينا توطني الليربالية‬ ‫ٍ‬ ‫جانب آخر علينا ألّ نتوقف عند حدود تلك الثقافة ونفس‬ ‫العربية اإلسالمية يف‬ ‫مجتمعات لها ثقافتها وتراثها‪ ،‬ولكن من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات متقدم ٍة ومواطنني أحرار‪.‬‬ ‫قيم وأخالقٍ ظلت عاجز ًة عن صنع‬ ‫مضامينها الفكرية وما تنتجه من ٍ‬ ‫فالنهضة الغربية بدأت حينام استطاع اإلنسان انتقاد املؤسسة الحاكمة وسلطة الدين‪ ،‬فإبقاء املؤسسة الدينية واألديان‬ ‫ٍ‬ ‫أدوات شكلي ٍة‬ ‫بعيد ًة عن النقد يخالف األسس الفكرية للحداثة ويجعل من الليربالية والعلامنية والدميقراطية مجرد‬ ‫رسعان ما تحتضنها السلطة لقمع الحريات من خالل قوننة الحريات‪ ،‬أو يتم استغالل تلك املفاهيم من ِقبل التيارات‬

‫‪7‬‬


‫تفاحة املسلمني وعراة الليربالية‬ ‫وخصوصا أن مجتمعاتنا‬ ‫الفاسدة للوصول إىل الحكم وتدمري األسس الفكرية والحداثية ملفاهيم الليربالية والدميقراطية‬ ‫ً‬ ‫مل متر مبرحلة التنوير الفكري‪ ،‬وما زالت أسس القبلية والطائفية والفئوية مهيمن ًة عىل مؤسسات الدولة واملجتمع‪.‬كام‬ ‫وعلينا أن نرفض الهيمنة الدينية يف تشكيل ثقافة املجتمع وتأطري حريات األفراد؛ فاملساواة وحقوق اإلنسان والحريات‬ ‫املذكورة يف غالبية الدساتري العربية ستبقى مجرد ح ٍرب عىل ورقٍ إذا مل تضمن حرية املسلم وغري املسلم يف العبادة وعدم‬ ‫العبادة‪ ،‬يف الصيام والصالة وعدم الصيام والصالة‪ ،‬يف تحقيق املساواة الكاملة بني الرجل واملرأة‪ ،‬يف خلق فضا ٍء دميقراطي‬ ‫ٍ‬ ‫بانتخابات حر ٍة وتداو ٍل للسلطة وإنشاء األحزاب السياسية عىل ٍ‬ ‫أسس تنموي ٍة سياسي ٍة وليست ديني ًة أو مذهبي ًة‪.‬‬ ‫يسمح‬ ‫فالرثثرة الليربالية التي يقول عنها الدكتور فخرو ستظل هي األساس يف تنضيج وعي الشعوب وفتح آفاق التنوير وإسقاط‬ ‫كل ما من شأنه يسحق كرامة اإلنسان وحرياته ومكانته‪ ،‬فلوال هذه الرثثرة ملا قامت فلسفة األنوار‪ ،‬وملا نجحت‬ ‫أول وأخ ًريا‪.‬‬ ‫املجتمعات املتقدمة اليوم يف بناء دو ٍل ليربالية ومبادئٍ كوني ٍة ومستقبلٍ يهتم باإلنسان ً‬

‫‪8‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbangroup/

9


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫نكمل هنا الجزء الثاين من الحلقة الخامسة‪ :‬الدعارة‬ ‫الرشعية من هذا البحث املفصل‬

‫اغتصاب النساء من أهم دوافع الجهاد‬ ‫تلك املامرسة املشينة – االغتصاب والدعارة وبيع النساء ورشائهن كالبهائم‪ -‬كانت‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وصحابته‪ ،‬الذين أرسوا النساء واغتصبوهن وباعوهن‬ ‫منترش ًة متا ًما بني‬ ‫وكانوا يهدوا منهن إىل بعضهم البعض؛ كان ذلك يتكرر يف كل غزو ٍة ينجح فيها‬ ‫املسلمون يف أرس سكان القبائل‪ ،‬مثلام حدث يف غزوة بني قريظة عىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫حني تم قتل جميع الرجال وأرس النساء واألطفال حيث تم إرسالهم للبيع واشرتى‬ ‫خيل وسال ًحا لرجاله‪ ،‬كام ورد يف كتب األحاديث كـ»البخاري»‬ ‫محم ٌد باألموال ً‬ ‫وكتب السرية مثل «املغازي» للواقدي وغريه‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وال شك أن أَ ْس الصحابة لزوجات الناس وبناتهن كان من أقوى دوافع الجهاد‬ ‫من سورة َالتوبة ونقرأ قوله‬ ‫مع نبيهم‪ ،‬فحني ننظر يف اآلية ‪49‬‬ ‫َ ْ ُ ْ َّ َ ُ ُ ْ َ ّ َ َ َ ْ‬ ‫ْ ْ َ َ َ ُ ْ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ِإَون َج َه َّنمَ‬ ‫﴿‪ ...‬ومِنهم من يقول ٱئذن ِل وال تفت ِ ِن أال ِف ٱلفِتنةِ سقطوا‬ ‫ح َ‬ ‫لَ ُ‬ ‫يط ٌة بٱلْ َكف ِر َ‬ ‫ين﴾‪،‬‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نعود إىل سبب نزولها لنجد أن محم ًدا كان يغري أصحابه بالنساء الجميالت‬ ‫الاليت سيقومون بأرسهن واغتصابهن يف الجهاد‪ ،‬فتحفظ أحدهم (الجد بن‬ ‫قيس) عىل األمر من الناحية األخالقية وعاتب محم ًدا عىل أنه يغريهم بالنساء‪،‬‬ ‫فنزل القرآن يلوم الجد ويهدده بالجحيم باعتباره منافقًا ساقطًا يف الفتنة!‬ ‫‪ ‬نقرأ الرواية من تفسري الطربي لآلية السابقة (قال رسول الله صىل الله عليه‬ ‫وسلم‪« :‬ا ْغ ُزوا تُ ُب َوك تَ ْغ َن ُموا بَ ِ‬ ‫وم» فقال الج ّد‪ :‬ائذن لنا‪،‬‬ ‫األص َف ِر َونِسا َء ال ُّر ِ‬ ‫نات ْ‬ ‫وال تفتنا بالنساء)‪،‬‬ ‫ويف موضعٍ آخر (ور ٌجل من املنافقني يقال له‪ :‬الج ّد بن قيس‪ ،‬فقال له رسول الله صىل الله عليه وسلم العام « نَ ْغ ُزو بني‬ ‫األصفر ونتخذ منهم رساري ووصفانًا» فقال‪ :‬أي رسول الله‪ ،‬ائذن يل وال تفتني)‪.‬‬ ‫ويف تفسري القرطبي نجد نفس الواقعة (قال رسول الله صىل الله عليه وسلم للج ّد بن قيس أخي بني سلمة ملا أراد‬ ‫الخروج إىل تبوك‪« « :‬يا ج ّد‪ ،‬هل لك يف جِالد بني األصفر تتخذ منهم رساري و ُو َصفاء» فقال الج ّد‪ :‬قد عرف قومي أين‬ ‫أخىش إن رأيت بني األصفر أال أصرب عنهن‪ ،‬فال تَ ْف ِت ّني وأذن يل يف القعود وأعينك مبايل؛ فأعرض عنه‬ ‫مغرم بالنساء‪ ،‬وإين‬ ‫ٰ‬ ‫رسول الله صىل الله عليه وسلم وقال‪« :‬قد أذنت لك»)‪ ،‬وتخربنا الروايات أن «بنات األصفر» كن مشهور ٍ‬ ‫ات بالجامل‬ ‫الشديد‪ ،‬وبالتايل فمن غري املستغرب أن يلجأ النبي إىل هذا اإلغراء ليدفع رجاله إىل الجهاد معه‪.‬‬

‫عورة الجارية‪ :‬من الرسة للركبة‬ ‫يبقى أن نعرف أن أولئك الجواري‪ -‬أسريات الحرب الاليت كن يُبعن ويُشرتين ويتم مامرسة الجنس عليهن تحت رشع‬ ‫الله‪ -‬ال تنطبق عليهن رشوط االحتشام اإلسالمية‪ ،‬بل عورتهن من الرسة إىل الركبة فقط‪ ،‬وذلك بإجامع الفقهاء (مع‬ ‫ٍ‬ ‫اختالفات طفيفة) وذلك استنا ًدا عىل أدل ٍة واضح ٍة من القرآن والسنة وأفعال الصحابة‪.‬‬ ‫وللمسلم املتحمس بشد ٍة لحجاب املرأة (االسم الدارج لغطاء الرأس) والخامر أو النقاب (من األسامء الدارجة لغطاء‬ ‫الوجه) واالحتشام عمو ًما‪ ،‬الالعن للعري واإلباحية العلامنية‪ ،‬نقولها بشكلٍ أوضح‪ :‬دينك يبيح أن تسري الفتاة أو املرأة‬ ‫عارية الصدر بالكامل وجز ٍء من البطن والساق‪ ،‬إن كانت تلك الفتاة جاري ًة‪ -‬أما الحجاب واالحتشام فللحرائر باألساس‪،‬‬ ‫والجارية ليست مطالب ًة بالحجاب‪ ،‬بل ممنوع ًة منه! كام سرنى‪.‬‬ ‫‪11‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫نقرأ من «املوسوعة الفقهية الكويتية» ‪49\24‬‬ ‫أيضا ‪ -‬أخف من‬ ‫(عورة اململوكة يف الصالة ‪ -‬ويف خارجها ً‬ ‫عورة الحرة‪ ،‬فهي عند املالكية ويف األصح عند الشافعية‪،‬‬ ‫من الرسة إىل الركبة‪ ،‬واستدلوا بحديث أيب داود مرفو ًعا‪:‬‬ ‫«إذا زوج أحدكم خادمه عبده أو أجريه‪ ،‬فال ينظر إىل ما‬ ‫دون الرسة وفوق الركبة» ‪ .‬ويزيد الحنفية‪ :‬البطن والظهر‪،‬‬ ‫ويف كالمهم ما يفيد أن أعىل صدرها ليس بعورة‪ ،‬ثم قال‬ ‫املالكية‪ :‬ال تطالب األمة بتغطية رأسها يف الصالة ال وجوبًا‬ ‫وال ندبًا بل هو جائز‪ .‬وظاهر كالمهم أن األمة إن صلت‬ ‫مكشوف ًة يشء مام عدا العورة املذكورة أعاله ال إعادة‬ ‫عليها)‬ ‫إذن‪ :‬صدر الجارية ليس بعور ٍة حسب رشع اإلسالم‪ ،‬وهي‬ ‫ال يجب عليها تغطية رأسها ‪-‬أو رمبا باقي جسدها‪ -‬حتى‬ ‫يف الصالة‪.‬‬ ‫سؤال عن عورة الجارية‪ ،‬وضمن إجابة‬ ‫ويف مصد ٍر آخر هو «إسالم ويب» – مركز الفتوى‪ ،‬رقم الفتوى ‪ 114264‬نقرأ ً‬ ‫ٍ‬ ‫مبتذالت بكرثة الذهاب واملجيء‪ ،‬وكان‬ ‫املفتي نقرأ (وملا كانت اإلماء تك ُرث إليهن الحاجة يف االستخدام وأمو ِر املهنة‪ ،‬وك ّن‬ ‫يشق مشق ًة بالغ ًة‪ ،‬كان من رحمة الله بعباده أنه مل يفرض عليهن الحجاب كام فرضه عىل‬ ‫ُ‬ ‫فرض الحجاب عليهن مام ُ‬ ‫ودليل ذلك النص واتفاق السلف)‪.‬‬ ‫الحرائر‪ُ ،‬‬ ‫يالها إذن من رحم ٍة إلهي ٍة عظيم ٍة بالعباد‪ :‬خالق الكون الحريص عىل العفة دو ًما‬ ‫مل يقم بفرض الحجاب عىل النساء‬ ‫عفوا أقصد الجواري!‪ -‬ويالها من قدر ٍة مذهل ٍة قدرة كهنة الدين عىل قلب‬‫األوضاع وتربير كل املواقف واألحكام‪.‬‬ ‫ويذكر املوقع نفس اليشء عن أن صالة الجارية عارية الصدر حالل‪ ،‬وكذلك يف‬ ‫حكم النظر إليها فيجوز النظر إىل كل جسدها ما عدا ما بني الرسة والركبة‪ ،‬فنقرأ‬ ‫(قال ابن قدامة رحمه الله يف املغني‪ :‬وصالة األ َمة مكشوفة الرأس جائز ٌة هذا قول‬ ‫عامة أهل العلم)‪( ،‬وزاد العالمة العثيمني األم َر إيضا ًحا ونح ُن ننقل كالمه بطوله‬ ‫لنفاسته وسهولة عبارته‪ ،‬قال يف رشحه املمتع عىل زاد املستقنع‪ :‬األَ َم ُة ‪ -‬ولو بالغة ‪-‬‬ ‫‪12‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫السة إىل ال ُّركبة‪،‬‬ ‫وهي اململوكة‪ ،‬فعورتها من ُّ َّ‬ ‫فلو صلَّت األَ َم ُة مكشوفة البدن ما عدا ما بني‬ ‫السة وال ُّركبة‪ ،‬فصالتها صحيحة‪ ،‬ألنَّها سرتت‬ ‫ُّ َّ‬ ‫الصالة‪ .‬وأما يف باب‬ ‫ما يجب عليها َس ْ ُته يف َ‬ ‫ال َنظر‪ :‬فقد ذكر الفقها ُء رحمهم الله تعاىل أن‬ ‫السة وال ُّركبة)‪.‬‬ ‫عورة األَ َمة ً‬ ‫أيضا ما بني ُّ َّ‬ ‫وهكذا أجمع فقهاء املسلمني أن عورة األمة‬ ‫كعورة الرجل‪ ،‬ما بني الرسة والركبة‪ ،‬فنقرأ يف‬ ‫«البحر املديد» ‪( 115\5‬أما اإلماء فال تسرتن‬ ‫شيئًا إال ما بني الرسة والركبة كالرجل)‪ ،‬ونفس‬ ‫املعنى يف «عون املعبود» ‪« ،161\2‬تحفة األحوذي» ‪« ،406\1‬نيل األوطار» ‪ ،481\2‬كام نقرأ ذلك الحكم يف الكتب‬ ‫الخاصة بالفقه واملذاهب اإلسالمية‪ ،‬مثل كتاب «املغني» و»فقه العبادات» و»البحر الرائق» و»الفتاوى الهندية»‬ ‫و»مجمع األنهر يف رشح ملتقى األبحر» و»الرشح الصغري عىل أقرب املسالك إىل مذهب اإلمام مالك»‪ ،‬و»الروض املربع»‬ ‫وكتاب «االختيار لتعليل املختار» و»املهذب يف فقه اإلمام الشافعي» وغريها من مصادر الفقه اإلسالمي‪.‬‬ ‫ونفس اليشء لدى الشيعة‪ ،‬ففي كتاب «وسائل الشيعة» ‪ 148\21‬نقرأ (عن جعفر عن أبيه (عليه السالم) أنه قال‪ :‬إذا‬ ‫زوج الرجل أمته فال ينظرن إىل عورتها والعورة ما بني الرسة والركبة)‪.‬‬

‫التحرش والحجاب‪ ،‬بني الجارية والحرة‬ ‫أهم دليلٍ جعل الفقهاء يف ّرقون بني عورة الحرة َوعورة الجارية‬ ‫ٰ ُّ َ َّ ُّ ُ‬ ‫ب قل‬ ‫يخاطب القرآن النبي َ ً‬ ‫هي آية الحجاب ذاتها‪:‬‬ ‫َ‬ ‫قائل ﴿يأيها ٱنلَ ِ‬ ‫ْ‬

‫َْ َ َ​َ​َ َ َ َ ِ ُ ْ ِ َ ُْ َ َ‬ ‫ِني عليْ ِه َّن مِن َجالبِيب ِ ِه َّن‬ ‫جك و َبنات ِك ون ِسآء ٱلمؤمن ِني يدن‬ ‫ألزوا َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ن أن ُيع َرف َن فال يُؤذ ْي َن َوكن ُ‬ ‫ورا َّرح ً‬ ‫ٱلل غف ً‬ ‫ذٰل َِك أد ٰ‬ ‫ِيما﴾‬

‫(األحزاب‪.)59 :‬‬

‫‪13‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫وتُجمع التفاسري أن اآلية نزلت بسبب تحرش بعض أهل املدينة (الصحابة أو املنافقني‪ -‬اخرت أي التسميتني تُفضل)‬ ‫بالنساء والفتيات وهن يف طريقهن إىل قضاء حاجاتهن (وهو أم ٌر ال يجب أن نستغربه كث ًريا بعد أن أخذنا فكر ًة عن‬ ‫طبيعة ذلك املجتمع)‪ ،‬وبالتايل أمر القرآن الزوجات والبنات بالتحشم يف مالبسهن خارج املنزل‪ ،‬وذلك –انتبه‪ -‬ليك يتم‬ ‫متييزهن عن اإلماء فال يتم التحرش بهن‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫النبـي قل ألزواجك وبناتك‬ ‫مـحمد صىل الله عليه وسلم‪ :‬يا أيها‬ ‫من تفسري الطربي لآلية‪( :‬يقول تعالـى ذكره لنبـيه‬ ‫ّ‬ ‫ونساء الـمؤمنـني‪ ،‬ال يتشبهن بـاإلماء فـي لبـاسه ّن إذا هن خرجن من بـيوته ّن لـحاجته ّن‪ ،‬فكشفن شعوره ّن ووجوهه ّن‪،‬‬ ‫ولكن لـيدنـني علـيه ّن من جالبـيبه ّن‪ ،‬لئال يعرض له ّن فـاسق‪ ،‬إذا علـم أنه ّن حرائر بأذًى من قول)‪.‬‬ ‫ويقول‪ِ :‬‬ ‫النبـي صىل الله عليه وسلم وغريه ّن إذا‬ ‫النبـي صىل الله عليه وسلم الـمدينة علـى غري منزل‪ ،‬فكان نساء ّ‬ ‫(قدم ّ‬ ‫كان اللـيـل خرجن يقضني حوائجه ّن‪ ،‬وكان ٌ‬ ‫ِـي ق ُْل ألَ ْز َواج َِك‬ ‫رجال يجلسون علـى الطريق للغزل‪ ،‬فأنزل الله‪« :‬يا أيُّها ال َّنب ُّ‬ ‫َوبَناتِ َك َونِسا ِء الـ ُم ْؤ ِم ِنـ َني يُ ْدنِـ َني َعلَـ ْي ِه َّن ِم ْن َجالبِـي ِب ِه َّن» يقنعن بـالـجلبـاب حتـى تُعرف األمة من الـح ّرة)‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وغريهن كن يلبسن مثل اإلماء (كيف كانت تلك املالبس يا ترى؟)‪ ،‬فكان أهل املدينة املنورة يجلسون‬ ‫إذن فنساء‬ ‫ٍ‬ ‫محمد وأصحابه بتغطية أجسادهن‪ ،‬ليك يتم متييزهن عن‬ ‫عىل الطريق ملغازلتهن والتحرش بهن‪ ،‬فنزلت اآلية تأمر نساء‬ ‫الجواري‪.‬‬ ‫ناس من فساق‬ ‫ويف تفسري ابن كثريٍ نجد نفس املعنى‪ ،‬أن اآلية نزلت ملنع أهل املدينة من التحرش بنساء نبيهم (كان ٌ‬ ‫أهل املدينة يخرجون بالليل حني يختلط الظالم إىل طرق املدينة يتعرضون للنساء‪ ،‬وكانت مساكن أهل املدينة ضيق ًة‪،‬‬ ‫فإذا كان الليل‪ ،‬خرجت النساء إىل الطرق يقضني حاجتهن‪ ،‬فكان أولئك الفساق يبتغون ذلك منهن‪ ،‬فإذا رأوا املرأة عليها‬ ‫جلباب‪ ،‬قالوا‪ :‬هذه حرة‪ ،‬فكفوا عنها‪ ،‬وإذا رأوا املرأة ليس عليها جلباب‪ ،‬قالوا‪ :‬هذه أمة‪ ،‬فوثبوا عليها)‬ ‫‪14‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫تجس ٍد‬ ‫وال ندري كم تكرر ذلك «الوثوب» عىل نساء النبي واملؤمنات قبل نزول اآلية‪ ،‬ولكن املهم أن الصورة هي خري ّ‬ ‫لطبيعة ذلك املجتمع النبوي النموذجي و «الراقي ج ًدا»‪.‬‬

‫ماذا تفعل‬ ‫!هنا؟‬

‫ثم ينقل لنا ابن كثري أن األمر بالحجاب والجلباب كان‬ ‫هدفه متييز نساء النبي عن الجواري والعاهرات! فيقول‬ ‫(‪...‬إذا فعلن ذلك‪ُ ،‬عرفن أنهن حرائر‪ ،‬لسن بإما ٍء وال‬ ‫عواهر)‪ ،‬فيبدو إذن – والعهدة عىل الراوي‪ -‬أن الناس‬ ‫كان يختلط عليهم األمر قبل ذلك‪ ،‬فال يستطيعون‬ ‫شكل بني زوجة النبي وبني العاهرة!‬ ‫التمييز ً‬ ‫أما عن طبيعة ذلك الحجاب الذي أمر به القرآن‪ ،‬فتنقل‬ ‫التفاسري عن ابن عباس أن الله هنا أمر (نساء الـمؤمنـني‬ ‫إذا خرجن من بـيوته ّن فـي حاج ٍة أن يغطني وجوهه ّن‬ ‫من فوق رؤوسه ّن بـالـجالبـيب‪ ،‬ويبدين عي ًنا واحدةً)‬ ‫وهو الرداء املعروف اليوم باسم النقاب‪ ،‬أي تغطية‬‫الوجه ما عدا فتح ًة بسيط ًة تكفي للرؤية‪ ،‬ولو بع ٍني‬ ‫واحدة (رمبا در ًءا لفتنة العني األخرى‪. -‬‬

‫أنتظر خروجك‬ ‫للتربز‬

‫وللتأكيد عىل املعنى‪ ،‬نعود إىل فتوى موقع «إسالم ويب» سابقة الذكر(برقم ‪ )114264‬لنقرأ فيها قول ابن تيمية عن تلك‬ ‫دليل‬ ‫اآلية (قال شيخ اإلسالم يف الفتاوى‪ :‬قوله «قل ألزواجك وبناتك ونساء املؤمنني يدنني عليهن من جالبيبهن» اآلية‪ٌ ،‬‬ ‫عىل أن الحجاب إمنا أمر به الحرائر دون اإلماء) – واملصدر يف كتاب «مجموع فتاوى ابن تيمية» ‪.371\3‬‬ ‫إذن‪ ،‬فمن اآلية‪ ،‬سياقها وأسباب نزولها وصياغتها‪ ،‬ميكننا أن نستنتج أن العري والعهر كان موجو ًدا يف مجتمع املسلمني‬ ‫األوائل‪ ،‬وأن آية الحجاب مل تنزل لتمنع أيّا من ذلك‪ ،‬وإمنا نزلت فقط لتمييز فئ ٍة بعينها هي فئة «نساء النبي واملؤمنني»‪.‬‬ ‫اهتامم بتعرض الجارية إىل التحرش و «الوثوب‬ ‫ونالحظ هنا أن القرآن مل يطالب اإلماء باالحتشام‪ ،‬كام أنه مل يُ ِبد أقل‬ ‫ٍ‬ ‫مبستغرب لو انتبهنا إىل حال تلك الجواري ودورهن املحوري‬ ‫أيضا ليس‬ ‫ٍ‬ ‫عليها» من ِقبل فساق مجتمع املدينة‪ -‬وهو أم ٌر ً‬ ‫ٍ‬ ‫مسميات مختلفة‪ -‬هل‬ ‫يف منظومة اإلباحية الجنسية اإلسالمية‪ ،‬كام رأينا وسرنى؛ فمن ير ّخص للدعارة املنظمة ‪-‬تحت‬ ‫سيهتم بأن تقوم الداعرة بتغطية جسدها؟!‬ ‫‪15‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫خصيصا لتمييز الحرة عن‬ ‫وهنا ال يفوتنا مالحظة أن سكوت القرآن عن حجاب الجارية‪ ،‬ثم تعليله للحجاب بأنه جاء‬ ‫ً‬ ‫حريص‬ ‫طبقي بامتياز‪ ،‬كل ذلك يؤكد لنا أن اإلسالم ال يتجاهل فقط أمر الجارية بالحجاب‪ ،‬وإمنا هو‬ ‫الجارية‪ ،‬وهو أم ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫متا ًما عىل منعها من ذلك‪ ،‬كام سرنى‪.‬‬

‫إسالمي عىل الجارية‬ ‫فرض‬ ‫التع ّري ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫نعود مر ًة أخرى إىل فتوى «مركز الفتوى» السابقة‪ ،‬وهي تكمل لنا من كالم ابن تيمية‪ ،‬الذي يذكر لنا رواي ًة مهم ًة عن‬ ‫النبي‪ ،‬مفادها أن الحجاب كان بالفعل وسيلة املسلمني لتمييز الحرة من الجارية‪ ،‬فيقول (‪...‬فهذا مع ما يف الصحيح من‬ ‫أنه ملا اصطفى صفية بنت حييى‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن َح ّجبها فهي من أمهات املؤمنني‪ ،‬وإال فهي مام ملكت ميينه‪َ ،‬د ّل عىل أن‬ ‫ختصا بالحرائر)‪.‬‬ ‫الحجاب كان ُم ًّ‬ ‫فمحم ٌد أَرس صفية بنت حيي يف إحدى الغزوات (وسنتعرض للقصة بالتفصيل الحقًا)‪ ،‬ثم قام بضمها إىل نسائه‪ ،‬وحني‬ ‫تساءل املؤمنون هل تعترب صفية زوجته أم جاري ًة لديه؟ مل يجدوا وسيل ًة للتمييز بني الصنفني إلّ الحجاب‪ :‬فإن حجبها‬ ‫فهي زوجة‪ ،‬وإن تركها فهي جارية‪.‬‬ ‫والحديث املقصود نقرأه يف «صحيح البخاري» ‪( 4213‬فقال املسلمونَ‪ :‬إِ ْح َدى أُ َّم َه ِ‬ ‫ملكت ميي ُن ُه؟‬ ‫مم‬ ‫ْ‬ ‫ات املؤمن َني‪ ،‬أو َّ‬ ‫فقالوا‪ :‬إ ْن َح َج َبها فهي إِ ْح َدى أُ َّم ِ‬ ‫فلم ا ْرت َ َح َل وطَّأَ ل َها َخلْ َف ُه‪ ،‬وم َّد‬ ‫مم‬ ‫ْ‬ ‫ملكت ميي ُن ُه‪َّ .‬‬ ‫هات املؤمن َني‪ ،‬وإن مل يَ ْح ُج ْبها فهي َّ‬ ‫ِ‬ ‫اب)‪ ،‬وكذلك نقرأه يف «صحيح مسلم» ‪( 1365‬وقال الناس‪ :‬ال ندري أتز َّوجها أم اتخذها أ َّم ٍ‬ ‫ولد ‪ .‬قالوا‪ :‬إن ح َجبها‬ ‫الح َج َ‬ ‫فهي امرأتُه ‪ .‬وإن مل يح ِج ْبها فهي أ ُّم ٍ‬ ‫ولد ‪ .‬فلام أراد أن يركب ح َجبها ‪ .‬فقعدتْ عىل ع ُج ِز البعريِ فعرفوا أنه قد تز َّوجها)‬ ‫دليل آخر لجأ إليه الفقهاء للقول بأن عورة الجارية تختلف عن عورة الحرة‪.‬‬ ‫– تلك القصة هي ٌ‬

‫الفاروق يرضب الجارية لتتع ّرى‬ ‫مختص بالحرة فقط‪ ،‬وأن الجارية‬ ‫نصا آخر من فعل الصحابة‪ ،‬يؤكد أن الحجاب‬ ‫ٌ‬ ‫ويذكر ابن تيمية‪ ،‬كام تنقل لنا الفتوى‪ً ،‬‬ ‫مختص بالحرائر دون اإلماء‪ ،‬كام كانت ُس ّن ُة املؤمنني يف زمن النبي‬ ‫والحجاب‬ ‫ممنو ٌع عليها الحجاب (وقال كذلك‪:‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫رضبها وقال‪ :‬أتتشبهني بالحرائر؟)‪.‬‬ ‫وخلفائه‪ :‬أن ال ُح َّر َة تحتَج ُ‬ ‫ِب‪ ،‬واألَ َمة ت ُربز‪ .‬وكان عمر إذا رأى أَ َم ًة ُمختَ ِمرة‪َ ،‬‬ ‫نصوصا أخرى تؤكد نفس املعنى‪ :‬أن عمر كان يرضب الجارية إذا تحجبت ويأمرها بالتكشف (ولنا‪ ,‬أن‬ ‫وتنقل الفتوى‬ ‫ً‬ ‫عمر ريض الله عنه رضب أم ًة آلل أنس رآها متقنع ًة‪ ,‬وقال‪ :‬اكشفي رأسك‪ ,‬وال تش ّبهي بالحرائر)‪( ،‬قال أبو قالبة‪ :‬إن عمر‬ ‫بن الخطاب كان ال يدع أم ًة تق ّنع يف خالفته‪ ,‬وقال‪ :‬إمنا القناع للحرائر)‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هذا كله يؤكد أن املسألة ال عالقة لها باألخالق والحشمة‪ ،‬وإمنا بالطبقية وحامية فئ ٍة معين ٍة فقط من النساء‪.‬‬ ‫حريصا عىل ترسيخ تلك الطبقية واستمرارها يف املجتمع‪ ،‬مع ًربا عنها بشتم ورضب‬ ‫ونالحظ أن الفاروق كان عىل ما يبدو‬ ‫ً‬ ‫املرأة املسكينة حتى تنزع حجابها رغام عنها؛ والرواية وارد ٌة يف كتاب «الطبقات» البن سعد ‪ 127\7‬أن (عمر بن الخطاب‬ ‫أمري املؤمنني كان يطوف يف املدينة فإذا رأى أم ًة محجب ًة رضبها بدرته الشهرية حتى يسقط الحجاب عن رأسها ويقول‪:‬‬ ‫فيم اإلماء يتشبهن بالحرائر؟!)‪ ،‬ويف «نصب الراية» ‪ ،250\4‬والدراية ‪( 230\2‬وكان عم ُر إذا رأَى جاري ًة متنقِّب ًة عالها‬ ‫بالد َّر ِة وقال أَلقي ِ‬ ‫عنك الخام َر يا َدفَا ِر تتش َّبه َني بالحرائرِ)‪ ،‬ويف «مصنف أيب شيبة» ‪( 6292‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬دخلت‬ ‫جلباب متقنع ًة به‪ ،‬فسألها‪ُ « :‬ع ِ‬ ‫تقت؟»‪،‬‬ ‫عىل عمر بن الخطاب أم ٌة قد كان يعرفها ببعض املهاجرين أو األنصار‪ ،‬وعليها‬ ‫ٌ‬ ‫قالت‪« :‬ال»‪ ،‬قال‪« :‬فام بال الجلباب؟» ضعيه عن رأسك؛ إمنا الجلباب للحرائر من نساء املؤمنني»‪ ،‬فتلكأت‪ ،‬فقام إليها‬ ‫بالدرة‪ ،‬فرضب بها رأسها‪ ،‬حتى ألقته عن رأسها»)‪ ،‬ونفس القصص يف كتاب «املغني» ‪ 351\1‬وغريها من املصادر‪.‬‬ ‫حريصا عىل تغطية عورات املسلامت الحرائر إىل درجة أنه صلب وقتل ِذم ًيا من أهل الكتاب ألنه‬ ‫فعمر‪ ،‬الذي كان‬ ‫ً‬ ‫نخس دابة (أي دفعها بعصا) فسقطت مام أدى إىل انكشاف جزء من عورة امرأ ٍة حر ٍة مسلمة («تفسري القرطبي» ‪،83\8‬‬ ‫و»حاشية الدسوقي عىل الرشح الكبري» ‪ ،)288\7‬يبدو أن ذلك الفاروق كان يتمتع بنفس الحرص عىل تكشف الجاريات‪.‬‬ ‫حريص عىل كشف رأس الجارية فقط‪( ،‬وهي مصيب ٌة حني نأخذ يف االعتبار تشدد‬ ‫وقد يبدو من تلك املَشاهد أن عمر‬ ‫ٌ‬ ‫نصوص‬ ‫مشايخ اإلسالمي يف كشف شعر ٍة واحد ٍة من رأس املرأة ويعتربونها فتن ًة مهلك ًة وفضيح ًة مدوي ًة)‪ ،‬ولكن هناك‬ ‫ٌ‬ ‫أخرى تؤكد أن املسألة أكرب من ذلك‪.‬‬ ‫أنس بنِ ٍ‬ ‫ففي مصادر أخرى‪ ،‬مثل «السنن الكربى» للبيهقي ‪ ،227\2‬و»إرواء الغليل» ‪ 204\6‬نقرأ هذا املشهد (عن ِ‬ ‫مالك‬ ‫ريض الل ُه عن ُه يَ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا يف كتاب «حجاب املرأة»‬ ‫كاشفات عن شعورهن‬ ‫خد ْم َننا‬ ‫تضطرب ث ُ ُد ِي ِه َّن)‪ ،‬وواردة ً‬ ‫ُ‬ ‫قال ك َّن إما َء عم َر َ‬ ‫لأللباين ‪ ،45‬وكتاب «كنز العامل يف سنن األقوال واألفعال‪ ،‬حرف امليم»‪.‬‬ ‫بوضو ٍح أكرث‪ :‬فالصحايب أنس بن ٍ‬ ‫مالك يقول أن جواري عمر بن الخطاب كن يقدمن لنا الخدمة وهن كاشفات شعورهن‬ ‫تهتز صدورهن أمام الجميع ‪-‬فيالها من صور ٍة تليق مبجتمع العفة واالحتشام‪.‬‬ ‫ليس هذا فقط‪ ،‬بل روي أن عمر أعلن أنه ال حد عىل الجارية لو زنت‪ ،‬وذلك باملخالفة للقرآن والسنة! فحني ُسئل عن‬ ‫حجاب لخروجها إىل كل موضعٍ يرسلها أهلها إليه ال تقدر عىل االمتناع منه‪ ،‬فلذا‬ ‫األمر قال أن األمة ليس عليها قنا ٌع وال‬ ‫ٌ‬ ‫ال تكاد تقدر عىل االمتناع من الفجور‪ ،‬فال حد عليها‪ ،‬نجد الرواية يف «املوطأ» ملالك‪ -‬كتاب الحدود‪ -‬باب ما جاء يف حد‬ ‫الزنا‪ ،‬وكذلك يف «التحرير والتنوير» ‪ 388\3‬و»تفسري القرطبي» ‪.)143\5‬‬ ‫‪17‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫كخادمات وعاهر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ات يتم رشائهن من األسواق بهدف‬ ‫ذلك التبذل للجواري كان أم ًرا طبيع ًيا يف إطار وضعهن االجتامعي‬ ‫الخدمة الجنسية للمؤمنني‪ ،‬فيجب النظر إىل عوراتهن للتأكد من سالمة البضاعة‪ -‬وكذلك كان يفعل الصحابة‪ :‬عىل سبيل‬ ‫املثال نقرأ يف «املحيل» البن حزم ‪( 31\10‬عن أيب موىس األشعري إباح ُة النظ ِر إىل ما فوق الرس ِة ودون الركب ِة)‪.‬‬ ‫وبعد هذا فال مانع من ابتذال الجواري بني الرجال فهي أنجح وسيل ٍة للحفاظ عىل نساء املؤمنني محصنات؛ تلك الدعارة‬ ‫كانت تتم بطريق ٍة منظمة‪ ،‬تحت تواطؤ الحاكم والفقهاء‪ ،‬حتى أنهم سمحوا للجواري باالختالط والخروج والسفر بدون‬ ‫ٍ‬ ‫اجتامعي كاملٍ مقنن‪.‬‬ ‫انفالت خاصة‪ ،‬وإمنا عن فسا ٍد‬ ‫محرم («رشح السري الكبري» ‪ ،)66\1‬فنحن ال نتحدث عن حاالت‬ ‫ٍّ‬

‫املزيد من العري واالبتذال‬ ‫أما عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ،‬ابن الفاروق والذي اشتهر بأنه أكرث الصحابة اتّبا ًعا لسنة النبي‪ ،‬فقد روي أنه كان‬ ‫خب ًريا مبسألة تفحص الجواري وتحسس أجسادهن يف األسواق‪.‬‬ ‫وأيضا يف «إرواء الغليل» ‪( 201\6‬عن ابن عمر‪ :‬أنه كان إذا اشرتى‬ ‫نقرأ يف‪« ‬السنن الكربى» للبيهقي ‪ً 329\5‬‬ ‫جارية كشف عن ساقها ووضع يده بني ثدييها وعىل عجزها وكأنه كان يضعها عليها من وراء الثوب)‪.‬‬ ‫ويف «مصنف عبد الرازق» ‪( 286\7‬عن نافع أن ابن عمر كان يكشف عن ظهرها وبطنها وساقها ويضع يده عىل‬ ‫قوم يبتاعون جاري ًة‪ ،‬فلام رأوه وهم يقلبونها أمسكوا عن ذلك‪ ،‬فجاءهم‬ ‫عجزها)‪( ،‬عن مجاهد قال‪ :‬مر ابن عمر عىل ٍ‬ ‫ابن عمر فكشف عن ساقها ثم دفع يف صدرها وقال اشرتوا)‪ ،‬ويف نفس املصدر ‪( 13203‬قال كنت مع ابن عمر يف السوق‬ ‫فأبرص بجاري ٍة تباع فكشف عن ساقها وصك يف صدرها وقال اشرتوا‪ ،‬يريهم أنه ال بأس بذلك)‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬خاص ًة إن كان‬ ‫وذلك يدل عىل أن املسلم يباح له ليس فقط النظر إىل جسد الجارية كام يحلو له‪ ،‬وإمنا ملسه ً‬ ‫ينوي رشاءها؛ ويف «تحفة املحتاج يف رشح املنهاج» – باب االسترباء‪ ،‬نقرأ أنه يجوز االستمتاع بالنظر واللمس للجارية‪،‬‬ ‫وأن هذا سمح به النبي وفعله الصحابة (‪...‬ألنه صىل الله عليه وسلم مل يحرم منها غريه مع غلبة امتداد األعني واأليدي‬ ‫إىل مس اإلماء سيام الحسان وألن ابن عمر ريض الله عنهام قبِل أم ًة وقعت يف سهمه ملا نظر عنقها كإبريق فضة فلم‬ ‫يتاملك الصرب عن تقبيلها والناس ينظرونه ومل ينكر عليه أحد؛ رواه البيهقي)‪.‬‬ ‫فأيادي الصحابة كانت متتد عل ًنا إىل أجساد اإلماء خاص ًة الجميالت منهن والنبي يسمح بذلك؛ كام أن الصحايب الجليل‬ ‫عبد الله بن عمر وقعت يف نصيبه جارية‪ ،‬فنظر لها فأعجبته (خاص ًة عنقها) فلم يتاملك نفسه فقبلها أمام الناس‪ ،‬ومل‬ ‫ينكر عليه أحد!‬ ‫‪18‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫هكذا‪ ،‬من القرآن والسنة وأفعال الصحابة‪ ،‬نجد أن وجه الجارية وشعرها وصدرها وظهرها وساقيها ليست بعور ٍة يف‬ ‫رشع اإلسالم‪ ،‬وأنه يف تلك البيئة كانت النساء تسري شبه عارية‪ ،‬وكن يُعرضن يف األسواق عىل هذا النحو‪ ،‬وكان الصحابة‬ ‫يشرتون ويبيعون وميتلكون‪ ‬النساء‪ ،‬وكان املورد األكرب لهن هي الفتوحات‪ ،‬فكم من فتا ٍة أو امرأ ٍة أُخذت من بني أرستها‬ ‫أو بعد قتلهم‪ -‬لينتهي بها الحال يف تلك املنظومة الهائلة من الدعارة اإلجبارية‪.‬‬‫«شكل» مع «االنحالل العلامين الغريب» الذي يحلو للمسلمني التنديد به‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ونالحظ أن تبذل وعري اإلماء هنا قد يتفق‬ ‫وإن كان يختلف عنه موضو ًعا؛ فنمط الحياة الغريب (أيّا كان رأيك فيه) يدور الجانب األكرب منه يف فلك التحرر النابغ‬ ‫من الرغبة الشخصية للذكور واإلناث عىل السواء‪ ،‬بشكلٍ ممنو ٍع فيه قانونًا اعتداء ٍ‬ ‫أحد عىل اآلخر بالجرب أو األذى‪ ،‬أما‬ ‫االنحالل اإلسالمي فهو معتم ٌد باألساس عىل االغتصاب لألسريات املخطوفات من وسط أهلهن واملباعات يف األسواق‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مزيف من األخالق‪ ،‬مام يجعله نظا ًما منافقًا بامتياز‪ -‬فهو من ناحي ٍة‬ ‫ثوب‬ ‫رغم إرادتهن؛ ثم هو كذلك‬ ‫انحالل ٍّ‬ ‫متخف يف ٍ‬ ‫يتطرف يف حامية املرأة الحرة‪ ،‬زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه‪ ،‬إىل درجة الهوس‪ ،‬فيهتم بتغطيتها بأمتار القامش ويبالغ يف‬ ‫حصارها إىل درجة القمع والتشدد‪ ،‬ومن ناحي ٍة أخرى يتساهل يف أجساد األمة أو السبية‪ ،‬إىل درجة إجبارها عىل التعري‬ ‫وابتذالها يف كل نواحي الحياة‪.‬‬ ‫أخالقي ٌ‬ ‫عادل‬ ‫هذا التناقض قد يبدو مدهشً ا للشخص العادي سليم النية‪ ،‬والذي يتعامل مع الدين عىل أنه إطا ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫وعقالين‪ ،‬مام يجعلنا نتساءل‪ :‬ملاذا يف ّرق اإلسالم بني عورة الحرة وعورة الجارية؟‪ ‬لو كان الهدف من الحجاب ‪ -‬كام نتوهم‬ ‫ هو درء الفتنة يف املجتمع والحفاظ عىل استقامة شبابنا‪ ،‬فكيف يتم قرصه عىل فئ ٍة معين ٍة من النساء دون األخرى؟‬‫أليست الجارية امرأةً؟ ألن يؤدي كشف عورتها إىل ما يدعي اإلسالم أنه يحاربه‪ ،‬وهي الفنت وانتشار الشهوات‪...‬إلخ؟‬ ‫والجواب ببساط ٍة يكمن فيام ناقشناه وكررناه‪ ،‬وفيام سنستمر يف توضيحه‪ :‬أن الترشيع اإلسالمي ال عالقة له باملبادئ‬ ‫األخالقية بقدر ما يهتم بإدارة شؤون مجتمعه بطريق ٍة نفعية (براغامتية)‪ ،‬لصالح الذكر املسلم الحر‪ ،‬وعىل حساب‬ ‫عنرصي وطائفي‪.‬‬ ‫ذكوري‬ ‫طبقي‬ ‫الفئات األخرى جمي ًعا‪ -‬فهو نظا ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫بهذا املقياس فمن الطبيعي أن النساء هنا نوعان عىل طريف نقيض‪ :‬فئ ٌة أوىل تابع ٌة لرجلٍ مسلم‪ ،‬يجب الحفاظ عليها‬ ‫وإخفاءها عن عيون الرجال اآلخرين‪ ،‬وفئ ٌة ثاني ٌة دنيا غري تابع ٍة ألحد إال بالبيع والرشاء‪ ،‬فيحق للجميع رؤية جسدها أو‬ ‫معاينته‪ ،‬فال حاجة لحاميتها وال خوف من انتهاكها‪.‬‬ ‫وهي ليست صدف ًة أب ًدا أن القرآن يس ّمي املرأة الحرة بالـ «محصنة» – مام يجعل املسكينة األخرى «مستباح ًة» أو‬ ‫«مبتذل ًة»‪ ،‬كام رأينا وكام سرنى‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫بغاء الجواري‬ ‫مام سبق نجد أن مجتمع املدينة كان أبعد ما يكون عن حياة العفة والتقشف والزهد التي يتخيلها البعض‪ ،‬ولكن‬ ‫ليل ونها ًرا بغض األبصار‬ ‫املشايخ املعارصون ال يجدون داع ًيا إلظهار مثل تلك الروايات أمام الشباب الذين يطالبوهم ً‬ ‫وحفظ الفروج والصيام‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫محمد عن إجبار الجواري عىل مامرسة البغاء‬ ‫تتضح تلك الصورة أكرث حني نرجع إىل القرآن‪ ،‬لنجده ينهي أصحاب‬ ‫(الدعارة) للحصول عىل املال‪ ،‬يف حالة أن أولئك الفتيات مل يردن ذلك!‬ ‫َ َ ُ ْ ُ ْ َ‬ ‫ْ َ َ ْ َ َ َ ُّ ً ّ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ َ ُّ ْ‬ ‫ُ َ​َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿وال تك ِرهوا ف َت َيات ِك ْم ع ٱلِغآءِ إِن أردن تصنا ِلبتغوا عرض ٱلياة ِ ٱدلنيا ومن‬ ‫نقرأ اآلية ‪ 33‬من سورة النور‬ ‫َ ْ ْ َ َّ َ ُ‬ ‫ُ ْ‬ ‫هه َّن فَإ َّن َّ َ‬ ‫كر ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٱلل مِن بع ِد إِكراهِ ِهن غفور رحِيم﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ي ِ‬

‫ومن تفسري الطربي نجد معنى اآلية‪( :‬عن ابن عباس‪ :‬وال تكرهوا إماءكم علـى الزنا)‪ ،‬ويف بعض الروايات نجد أن اآلية‬ ‫نزلت يف عبد الله بن أيب بن سلول‪ ،‬الذي‪ -‬نقرأ من تفسري القرطبي‪( -‬كانت له جاريتان إحداهام تسمى ُمعاذة واألخرى‬ ‫ُم َسيْكة‪ ،‬وكان يُكرههام عىل الزىن ويرضبهام عليه ابتغاء األجر وكسب الولد)‪.‬‬

‫فالبعض كان يرسل جواريه ملضاجعة الرجال ليكسب أمرين‪ :‬املال‪ ،‬والولد؛ حيث أن الجارية حني تنجب من أولئك‬ ‫استثامري ممتا ٌز كام ترى‪ ،‬ال يختلف كث ًريا عن مشاريع تربية الدواجن أو‬ ‫الرجال كان سيدها يبيع ولدها ‪-‬وهو مرشو ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫العجول‪ ،‬ولكن هذا لألكل وذاك للمضاجعة!‬ ‫‪20‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫نالحظ يف اآلية أنها مل تعترب ذلك البغاء زنًا أو جرمي ًة يف حد ذاته‪ ،‬بدليل أنه مل يُحىك لنا أنه تم فرض أي عقوب ٍة عىل من‬ ‫ضاجع الجاريتني أو من ساهم يف حدوث ذلك االغتصاب؛ واألهم أن اآلية يف صياغتها مل تنه عن البغاء ذاته‪ ،‬وإمنا عن‬ ‫اإلكراه عىل البغاء!؛ وهذا يظهر من قوله (ت ُكرهوا) وقوله (إن أردن تحص ًنا)‪ ،‬فالقرآن لجأ لفظ ًيا ‪-‬مرتني‪ -‬إىل تأكيد أنه إمنا‬ ‫ينهى عن البغاء الجربي عىل وجه التحديد‪ -‬مام يعني أنه‪ ،‬مبفهوم املخالفة‪ ،‬ال ينهى عن البغاء الطوعي‪.‬‬

‫مثن الجارية‬ ‫وأيا يكن‪ ،‬فالواضح أن مامرسة الجنس مع الجواري كان يتم التساهل فيه دامئًا‪ ،‬فقد ُسئل‬ ‫محمد عن الشخص الذي يضاجع جاري ًة متتلكها زوجته‪ ،‬فر ّد بأن الجارية إن كانت ُمكره ًة‬ ‫(اغتصبها الزوج) فليتم تحريرها وعىل الزوج أن يشرتي جاري ًة أخرى للزوجة –هكذا‪ ،‬ال‬ ‫عقوبة عىل املغتصب وال تعويض للمغتصبة وال رعاية ملشاعر الزوجة التي تم خيانتها!‪-‬‬ ‫مكمل االحتامل الثاين‪ :‬أما لو قامت الجارية مبطاوعة الرجل‬ ‫ً‬ ‫ثم يزيد محمد الطني بل ًة‪،‬‬ ‫بديل لها («السنن الكربى» للنسايئ ‪7195‬‬ ‫تصبح جاريته هو‪ ،‬وعليه أن يشرتي لزوجته ً‬ ‫و»سنن أبو داود» ‪ 4460‬و»العلل الكبري» للبخاري ‪ 235‬وغريها) – ففي كل الحاالت ال‬ ‫عقوبة عىل الزنا بالجواري‪ ،‬ويف كل الحاالت يبدو أننا ال نتعامل مع إنسان ٍة وإمنا مع متا ٍع‬ ‫أقىص ما يجب هو تعويض صاحبها بقيمتها مال ًيا‪.‬‬ ‫رجل من‬ ‫ويف «تاريخ دمشق» البن عساكر ‪ 332\11‬نقرأ القصة املخزية بتفصيلٍ أكرث (أن ً‬ ‫أصحاب النبي كان ال يزال يسافر ويغزو‪ ،‬وإن امرأته بعثت معه جاري ًة لها‪ ،‬قالت تغسل‬ ‫رأسك وتخدمك وتحفظ عليك ومل تجعلها له‪ ...‬وإنه طال سفره يف وجهه فوقع بالجارية‪،‬‬ ‫فلام فعل أخربت الجارية موالتها بذلك‪ ،‬غارت غري ًة شديد ًة فغضبت وأتت النبي فأخربته‬ ‫بالذي صنع‪ ،‬فقال لها النبي‪« :‬إن كان استكرهها فهي عتيق ٌة وعليه مثلها وإن كان أتاها‬ ‫عن طيب ٍ‬ ‫نفس منها ورضاها فهي له وعليه مثل مثنها لك» ومل يقم فيه ح ًّدا)‪.‬‬ ‫بالطبع مل يقم محم ٌد عليه الحد‪ ،‬فام فعله الرجل حالل مائة باملائة‪ ،‬وليس زنًا؛ وذلك‬ ‫حسب املفهوم اإلسالمي العجيب للزنا‪ ،‬حيث يبيح النبي للرجل أن يضاجع الجواري‬ ‫كيفام يشاء‪ ،‬برضاهن أو غص ًبا‪ ،‬برشط تعويض الزوجة ‪-‬فام أسعد الذكر صاحب املال‬ ‫تحت رشع إله اإلسالم‪ ،‬وما أتعس النساء خاص ًة املفتقرات إىل املال والسند‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫املزيد من العهر‬ ‫تلك األلوان من اإلباحية واالنحالل واالغتصاب والدعارة اإلسالمية مع‪ ‬الجواري وأسريات الحرب ستستمر مع الصحابة‬ ‫ويف زمن الخلفاء «الراشدين»‪ ،‬فسرنى الخليفة األول أبا بك ٍر حني يحارب املرتدين يقوم بسبي نساءهم وأوالدهم‬ ‫طالب جاري ٌة مسبي ٌة‬ ‫يل بن أيب ٍ‬ ‫باعتبارهم كفا ًرا (رشح النووي عىل مسلم‪ ،)91 -‬ويف إحدى تلك الغزوات كان من نصيب ع ّ‬ ‫وهي التي ولدت له محمد بن الحنفية («املبسوط»‪ -‬كتاب السرية ‪ ،246\12‬و»نهاية األرب يف فنون األدب» ‪.)334\2‬‬ ‫طفل أسو َد عرف أنها زنت مع رجلٍ آخر («موسوعة‬ ‫حامل‪ ،‬وحني ولدت ً‬ ‫أما عمر بن الخطاب‪ ،‬فقد وجد جاري ًة له ً‬ ‫حائضا فأمره النبي بأن يتصدق بنصف‬ ‫الحديث الرشيف» ‪ ،46‬و»املوطأ» ملالك‪ -‬كتاب النكاح)‪ ،‬ثم أنه وطئ جاري ًة ً‬ ‫دينار («عون املعبود» – كتاب الطهارة‪ -‬يف إتيان الحائض ‪.)312‬‬ ‫يل بن أيب‬ ‫ويف مناسب ٍة أخرى كان عمر صامئًا فرأى جاري ًة له متر أمامه فأعجبته فضاجعها‪ ،‬وحني سأل الصحابة أفتاه ع ّ‬ ‫طالب بأن ما فعله هو أم ٌر حالل؛ نقرأ من «الطبقات الكربى» البن سعد ‪َ ( 2411‬ع ْن َس ِع ِيد بْنِ الْ ُم َس ِّي ِب‪ ،‬ق َ​َال‪َ :‬خ َر َج ُع َم ُر‬ ‫ش ٍء َص َن ْعتُ ُه الْ َي ْو َم‪ ،‬فَقَالُوا‪َ :‬ما ُه َو يَا أَ ِم َري الْ ُم ْؤ ِم ِن َني؟ ق َ​َال‪َ :‬م َّرتْ ِب َجا ِريَ ٌة‬ ‫بْ ُن الْ َخط ِ‬ ‫َّاب َع َل أَ ْص َحا ِب ِه يَ ْو ًما‪ ،‬فَق َ​َال‪ :‬أَفْتُ ِ‬ ‫ون ِف َ ْ‬ ‫ل َساكِ ٌت‪ ،‬فَق َ​َال‪َ :‬ما تَق ُ‬ ‫ُول يَا ابْ َن أَ ِب طَالِ ٍب؟ فَق َ​َال‪« :‬‬ ‫ِل فَأَ ْع َجبَتْ ِني فَ َوقَ ْع ُت َعلَيْ َها َوأَنَا َصائِ ٌم! ق َ​َال‪ :‬فَ َعظَّ َم َعلَيْ ِه الْ َق ْو ُم َو َع ِ ٌّ‬ ‫ِجئْ َت َحالال َويَ ْو ًما َمكَا َن يَ ْو ٍم! « فَق َ​َال‪ :‬أَنْ َت َخ ْ ُي ُه ْم فَتْ َوى)‪ ،‬فيبدو أن حالة الصيام مل متنع الفاروق من النظر إىل النساء‬ ‫والتفكري يف الجنس‪ ،‬كام مل متنعه من مامرسة «الزنا الحالل» مع إحداهن‪.‬‬ ‫ونقرأ قص ًة مشابه ًة البن عباس‪ ،‬يف «مصنع عبد الرازق»‪ ‬باب الرجل‬ ‫يطأ جاري ًة ب ِغ ًيا ‪( 12810‬عن سعيد بن أيب الحسن قال‪ :‬دخلت عىل‬ ‫ابن عباس أول النهار‪ ،‬فوجدته صامئًا‪ ،‬ثم دخلت عليه يف نهاري ذلك‪،‬‬ ‫فوجدته مفط ًرا‪ ،‬فسألته عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬رأيت جاري ًة يل فأعجبتني‬ ‫فأصبتها‪ ،‬قال‪ :‬أما أين أزيدك أخرى‪ ،‬قد كانت أصابت فاحش ًة‬ ‫فحص ّناها)‪ ،‬ويف «السنن الكربى» للبيهقي ‪( 155\7‬أن ابن عباس رىض‬ ‫الله عنهام خرج عليهم ورأسه يقطر وقد كان حدثهم أنه صائ ٌم فقال‬ ‫إنها كانت حسن ًة هممت بها وأنا قاضيها يو ًما آخر ورأيت جاري ًة‬ ‫يل فأعجبتني فغشيتها‪ ،‬أما أىن أزيدكم أنها كانت بغت فاردت أن‬ ‫أحصنها)‪ ،‬فابن عباس كان ينوي الصيام لكنه قرر مضاجعة الجارية؛‬ ‫وهنا يزيدنا ابن عباس معلوم ًة مهم ًة هي أن جاريته هذه كانت‬ ‫تسلك سلوكًا عاه ًرا وتزين‪ ،‬فأراد بذلك إرجاعها إىل طريق الحالل! تعايل أزين بك ألين أخاف عليك من الزنا!‬ ‫‪22‬‬


‫هدم أسطورة دين الع ّفة‬ ‫جـ ‪ :5‬الدعارة الرشعية ‪2 -‬‬

‫‪Moussa Eightyzz‬‬

‫أما عثامن بن عفان ف ُحيك عنه أن النبي منحه جاري ًة يف أحدى الغزوات وكان لها زوج‪ ،‬وكانت تكره عثامن («املغازي»‬ ‫للواقدي ‪« ،944‬أسد الغابة» ‪ ،)359\3‬والحقًا قام أحدهم بإهداء عثامن جاري ًة أخرى اشرتاها بالبرصة ولها زوج‪ ،‬فرفض‬ ‫عثامن أن يضاجعها حتى يرىض زوجها! («املنتقى» رشح املوطأ – ‪ ،368\3‬و»تنوير الحوالك» رشح موطأ مالك – ‪-)388\2‬‬ ‫وقيل إن عثامن ملا مات ترك خلفة آالف العبيد (كام ورد يف «الطبقات الكربى» و»السرية الحلبية» و»مروج الذهب»)‪.‬‬ ‫يل («تحفة األحوذي» ‪ )125\9‬أنه يف إحدى الرسايا واقع جاري ًة دون انتظا ٍر لقسمة الغنائم ودون‬ ‫وقد ُحيك عن ع ّ‬ ‫استرباء (أي دون انتظار للعدة)‪ ،‬مام أثار حفيظة الصحابة‪.‬‬ ‫واملعروف عن قصة ٍ‬ ‫خالد بن الوليد يف حروب الردة‪ ،‬حني قتل مالكًا بن نويرة (الذي كان يشهد أن ال إله إال الله ويقيم‬ ‫الصالة)‪ ،‬ثم أخذ زوجته لنفسه‪ ،‬والتي اشتهرت بجاملها‪ ،‬وقيل أن خالد كان يهواها قبل اإلسالم؛ القصة وارد ٌة يف العديد‬ ‫من املصادر اإلسالمية مثل «تاريخ الطربي» ‪ 502\2‬و»النهاية البن األثري» ‪ 15\4‬و»تاريخ أيب الفداء» ‪ – 87\18‬ومن األخري‬ ‫نقرأ أن خالد (‪...‬تقدم إيل رضار بن األزور برضب عنقه فالتفت مالك إيل زوجته وقال لخالد‏‪:‬‏ هذه التي قتلتني وكانت‬ ‫يف غاية الجامل‪ ،‬فقال خالد‏‪:‬‏ بل الله قتلك برجوعك عن اإلسالم‏‪ ،‬فقال مال ًك‏ا‪:‬‏ أنا عىل اإلسالم فقال خالد‏‪:‬‏ يا رضار ارضب‬ ‫عنقه‏)؛ ويُحىك أن عمر استقبل خال ًدا ٍ‬ ‫مسلم ثم نزوت عىل امرأته؟! والله ألرجمنك بأحجارك)‪،‬‬ ‫قائل (قتلت امر ًؤا‬ ‫بعنف ً‬ ‫ً‬ ‫لكن أبا بكر دافع عنه باعتبار أن خال ًدا اجتهد فأخطأ‪ -‬وكاملتوقع مل يعاقبه أحد‪.‬‬ ‫حتى عائشة نفسها كانت تقوم مبا قد يفهم عىل أنه تجار ٌة جنسي ٌة بالجواري؛ حيث نقرأ يف «مصنف ابن أيب شيبة‪-‬‬ ‫كتاب النكاح‪ -‬باب ما قالوا يف الجارية تشوف ويطاف بها» (عن عائشة أنها شوفت جارية‪ ،‬وطافت بها وقالت‪ « :‬لعلنا‬ ‫نصطاد بها شباب قريش»)؛ ورواي ٌة مشابه ٌة يف «مصنف ابن أيب شيبة» ‪ -‬كتاب البيوع واألقضية ‪ -‬يف تزيني السلعة (الحظ‬ ‫العنوان!)‪.‬‬ ‫ويف كتاب «أخبار مكة» للفاكهي‪ ،‬املتويف يف القرن الثالث الهجري‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مكشوفات يف‬ ‫يذكر أن عادة تجميل الجواري والطواف بهن‬ ‫أرجاء املدينة كان عاد ًة عربي ًة‪ ،‬يبدو أنها استمرت بعد اإلسالم‪،‬‬ ‫كام نرى يف سلوك عائشة‪.‬‬ ‫تلك مجرد أمثل ٍة معدود ٍة إلعطاء صور ٍة عام ٍة عن حياة العفة‬ ‫والفضيلة والزهد التي كان يعيش فيها الصحابة األجالء‪ ،‬عىل‬ ‫حسب ما يتوهم املسلم املعارص املسكني – والحقًا سنتعرض إىل‬ ‫املامرسات النسائية للنبي نفسه‪.‬‬ ‫‪23‬‬


24


‫‪Mohammed Waleed‬‬

‫نشد الرحال يف رحل ٍة عىل ضفاف‬ ‫وصول إىل‬ ‫ً‬ ‫نهر الزمن والقرون‬ ‫املنابع األوىل املوغلة يف القدم يف‬ ‫محاول ٍة منا مللء جرتنا من معني‬ ‫ذاك الزالل القديم‪ ،‬نسرب تراث بالد‬ ‫الرافدين وأساطريها القدمية بكل ما‬ ‫تحمله من صو ٍر وأقاصيص تروي‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات عن الخوف والرغبة‬ ‫لنا‬ ‫والحلم واملعنى يف الرتاث اإلنساين‬ ‫عندما كانت البرشية والحضارة‬ ‫بل وحتى اللغة ال تزال يف‬ ‫مهدها األول‪.‬‬

‫رحلة الرافدين‬

‫الحلقة السادسة ‪ :‬وحوش األساطري‬ ‫‪25‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫وصلت رحلتنا إىل نهايتها مع هذه الحلقة‪ ،‬التي سنتكلم فيها عن الكائنات األسطورية يف حضارة بالد الرافدين‪،‬‬ ‫وهي ليست ضمن اآللهة وإمنا يف مرتب ٍة أقل منها‪ ،‬وأستطيع أن أقول إن هذه الكائنات هي شبيه ٌة بالدور الذي‬ ‫تلعبه املالئكة والشياطني والجن يف الديانات اإلبراهيمية‪ ،‬ومشابه ٌة كذلك لبعض الكائنات يف الدين اإلسالمي‪ ،‬مثل‬ ‫الباق الذي طار عليه محمد‪ ،‬والدابة التي ستخرج يف نهاية الزمان‪ ،‬ويأجوج ومأجوج‪ .‬وسنتعرف يف هذه الحلقة‬ ‫ُ‬ ‫عىل مجموع ٍة منها وهي «بازوزو»‪ ،‬و‪« ‬اإلنسان العقرب»‪ ،‬و‪« ‬موشخوشو»‪ ،‬و‪« ‬إيدمو»‪ ،‬و‪« ‬الماسو»‪ ،‬و‪« ‬زو»‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫الشيطان بازوزو‬

‫«بازوزو» أحد اآللهة الشيطانية القدمية‪ ،‬الذي تم اكتشاف الكثري من اآلثار والتامثيل له يف العراق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لوحش هجني‪ ،‬ويتصف وجهه بتكشرية‬ ‫روح رشير ٌة‬ ‫هو ابن إل ٍه من عامل الجحيم يُد َعى « َخنبابو» ‪ ،Hanbabu‬له ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫أسد بعينني مخيفتني وله قرنان يعتليان رأسه‪ ،‬ويحمل جسده العاري زوجان من األجنحة يف الظهر‪ ،‬وله ذيل‬ ‫عقرب مق َّوس‪ ،‬وتنتهي ذراعاه مبخالب ٍ‬ ‫أسد وقدماه مبخالب طريٍ جارح‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪27‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫يعب عن القوة‬ ‫إن املظهر املرعب الذي ميثل بازوزو ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كرئيس للعفاريت‪،‬‬ ‫الرشيرة التي ميكن له أن يبديها‬ ‫مسؤو ٍل بصور ٍة خاص ٍة عن نرش األوبئة‪ .‬وتشري الكتابة‬ ‫التي يف ظهر التمثال عن قو ٍة ُمتلفة‪:‬‬ ‫«أنا بازوزو بن خنبابو ملك أرواح الرياح الخبيثة‪،‬‬ ‫التي تخرج عنيف ًة من الجبال وتفعل الخراب‪ ،‬هو‬ ‫أنا»‬ ‫خيةً‪ ،‬إذ ميكن لق ّوته أن‬ ‫لكن بازوزو ميلك ً‬ ‫أيضا أبعا ًدا ِّ‬ ‫تر ّد ضد عفاريت أخرى‪ ،‬حيث ميكن أن تُهزم بفضله‪،‬‬ ‫إذ ميكن باالبتهال أن يسمح مبقاومة الرياح النتنة‬ ‫حاملة ال ُح َّمى‪ ،‬بالضد من زوجته العفريتة «الماشتو»‬ ‫‪ ,‬حتى يجربها عىل الخروج من أجساد املرىض‪.‬‬ ‫ومثة متاثيل صغرية‪ُ ،‬د ًمى أو متائم‪ ،‬فيها صور ٌة له‬ ‫كانت ت ُ َعلَّق عند فراش النساء الحوامل أو يف أثناء‬ ‫الوالدة من أجل الوقاية ضد فعل خبث الماشتو‪.‬‬ ‫ويف بابل‪ ،‬كانت عفريتة الحمى الماشتو تُص َّور كامرأ ٍة‬ ‫عجو ٍز بنهدين مته ِّدلني وقوائم طريٍ جار ٍح ورأس ٍ‬ ‫أسد‬ ‫قبيح‪.‬‬ ‫وكانت تُص َّور عاد ًة وهي واقف ٌة أو تركب حام ًرا وهي‬ ‫وكلب وهام‬ ‫مقوسة الظهر‪ ،‬يرضع من ثديها خنزي ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫الحيوانان القذران بالنسبة للبابليني‪.‬‬ ‫وتطورت فكرة قذارة الخنزير والكلب يف الحضارات‬ ‫الالحقة‪ ،‬عىل وجه الخصوص‪ ،‬يف التعبري األديب يف الرشق‬ ‫األوسط يف الثقافة املسيحية كام يف العربية اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫وقد تم متثيله يف أحد أفالم هوليوود سنة ‪ 1971‬بعنوان‬ ‫«طارد األرواح الرشيرة»‪ ،‬وتدور قصته حول فتا ٍة ت َل َّبسها‬ ‫بازوزو أثناء تنقيب األب «مريين» يف أحد املواقع اآلشورية‬ ‫يف املوصل‪،‬‬ ‫وبعد عثوره عىل متثال بازوزو يصله ٌ‬ ‫اتصال من الواليات‬ ‫املتحدة األمريكية أن فتا ًة تحتاج إىل تعويذ ٍة إلخراج‬ ‫شيطانٍ من جسدها كان قد تل َّبسها‪،‬‬ ‫فيسافر األب مريين من املوصل إىل الواليات املتحدة‬ ‫األمريكية لعمل تلك التعويذة‪ ،‬فيجد أن الشيطان الذي‬ ‫تَل َّبس الفتاة هو نفسه الشيطان الذي ُعرث عىل متثاله يف‬ ‫مدينة آشور أثناء تنقيبها (‪. )1‬‬

‫‪ -1‬د‪ .‬إيفلني كلينكل ‪ -‬براندت‪ ،‬رحل ٌة إىل بابل القدمية‪ ،‬ت‪ .‬د‪ .‬زهدي الداوودي‪ ،‬دار الجليل‪ ،‬ص ‪.136‬‬

‫‪29‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫عقرابواميلو‬

‫عقرب مع الذيل‬ ‫برشي ونصفه السفيل من جسم‬ ‫جسم‬ ‫ٍ‬ ‫أو اإلنسان العقرب هو كائ ٌن نصفه العلوي مؤل ٌّف من ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫رجل‪ ،‬بوابة جبل «ماشو» األسطوري التي‬ ‫الذي يحمل إبرة اللدغ‪ ،‬ويحرس اإلنسان العقرب‪ ،‬سوا ًء كان امرأ ًة أو ً‬ ‫يدخل منها إله الشمس صبا ًحا ويغادرها مسا ًء‪.‬‬ ‫وكان اإلنسان العقرب من جملة الكائنات العمالقة التي خلقتها «تيامات» لتجهيزها يف حمل ٍة هجومي ٍة ضد اآللهة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫منحوتات من‬ ‫وقد ُعرث عىل أقدم تصوي ٍر لإلنسان العقرب داخل القبور امللكية يف «أور»‪ ،‬كام كان مص َّو ًرا عىل‬ ‫قوسا ب ِنبلة(‪.)2‬‬ ‫أحجار الحدود من العرص البابيل الوسيط وهو يشد ً‬ ‫‪ -2‬قاموس اآللهة واألساطري‪ ،‬تأليف إدزارد‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫موشخوشو‬ ‫وتعني التنني األحمر‬ ‫الناري‪ ،‬وهو كائ ٌن له رأس‬ ‫وجسم مغطًّى‬ ‫أف ًعى بقرن ٍني‬ ‫ٍ‬ ‫بحراشف أف ًعى‪ ،‬وقامئتني‬ ‫أماميتني عىل شكل مخالب‬ ‫أسد‪ ،‬وقامئتني خلفيتني عىل‬ ‫شكل مخالب نرس‪ ،‬وذيل‬ ‫عقرب‪،‬‬

‫وهو من الكائنات التي أوجدتها‬ ‫«تيامات» ضمن املخلوقات العمالقة‬ ‫لتج ّهز بها حملتها ضد اآللهة‪ ،‬وهو شعار‬ ‫اإلله «مردوخ» الذي اتخذه شعا ًرا بعد أن‬ ‫استطاع أن يقهره ويتغلب عليه‪.‬‬ ‫وت ُزيِّن رسوماته بوابة عشتار يف مدينة‬ ‫بابل حيث تعترب األشهر له(‪.)3‬‬ ‫‪ -2‬قاموس اآللهة واألساطري‪ ،‬تأليف إدزارد‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫إدميو‬

‫‪Edimmu‬‬

‫رسب إىل الديانة األكادية ويعني‬ ‫عفريت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫سومري ت َّ‬ ‫اسمه روح امليت‪ ،‬حيث كانت الطقوس الجنائزية‬ ‫تعتبـر ذات أهمي ٍة لدى الناس يف املرشق‪ ،‬فقد‬ ‫ساد االعتقاد أنه إذا مل تق َّدم القرابني للموىت‪ ،‬سوا ًء‬ ‫الطعام أو املاء أو إقامة الشعائر عىل األموات‬ ‫يف يوم الندب‪ ،‬فسوف تخرج أرواح هؤالء املوىت‬ ‫املحرومني بهيئة أشبا ٍح وعفاريت رشيرة‪ ،‬تعكر‬ ‫رشا‪ .‬فإحدى‬ ‫صفو حياة األحياء وتعيث فسا ًدا و ًّ‬ ‫مسامري تقول عىل‬ ‫نص‬ ‫التعاويذ املقروءة عىل ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫لسان إنسانٍ يبدو أنه ضحية ٍ‬ ‫مرض أو شأنٍ‬ ‫سلبي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فَهِم منه أنه يعاين من شبح‪« :‬سوا ٌء كنت شبح‬ ‫ٍ‬ ‫شخص غري مدفون‪ ،‬أو كنت شب ًحا مل يلق عناي ًة‬ ‫الئق ًة‪ ،‬أو شبح امليت الذي مل تق َّدم له القرابني‬ ‫الجنائزية أو الذي مل يُسكَب له املاء‪.»...،‬‬

‫حيث كان ابن الرافدين يعتمد يف تعليله عىل‬ ‫ٍ‬ ‫اعتقادات طقوسية‪ ،‬جعلته يف حالة مرضه‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫العضوي أو النفيس‪ ،‬يلجأ إىل اإلشارة بإصبع االتهام‬ ‫إىل األرواح الرشيرة؛ وهذا ما استمر ولو بشكلٍ أقـــل حتى حياتنا املعارصة وعند بعض رشائح املجتمع‪ ،‬وال سيام‬ ‫شخص ابتُ ِل ٍ‬ ‫أيضا عن ٍ‬ ‫مبرض ما‪ ،‬وحسب اعتقاده برو ٍح رشيرة‪،‬‬ ‫التي ال متلك املعرفة العلمية‪ .‬وتتحدث النصوص ً‬ ‫بحس وجدا ٍّين عال‪:‬‬ ‫حيث يترضع إىل أرواح املوىت من عائلته لينقذوه فيقول ٍّ‬ ‫كنت أق ِّدم ِ‬ ‫إليك القرابني الجنائزية‬ ‫«يا أرواح عائلتي‪ ،‬يا أرواح أيب وأمي وأجدادي وأخي وأختي وكل أهيل وأقربايئ‪ُ .‬‬ ‫لك وأبذل العناية ِ‬ ‫وأسكب املاء ِ‬ ‫لك وأبجلك‪ِ .‬قفي اآلن أمام شمش وجلجامش واعريض قضيتي واحصيل عىل قرار‬ ‫رأف ٍة بحقي‪ .‬ليتسلم منتار الروح الرشيرة التي يف جسدي وأعصايب وليمنعها نيدو من العودة ثاني ًة‪ ،‬خذي هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خادمك‪ ،‬ح ًّيا‪ .‬سأقدم املاء البارد‬ ‫الروح إىل أرض الالعودة ودعيني‪ ،‬أنا‬ ‫لرشبك فامنحيني الحياة ألغني مبديحك»(‪.)4‬‬

‫‪ -4‬د‪ .‬نائل حنون‪ ،‬عقائد ما بعد املوت يف حضارة بالد الرافدين القدمية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬بغداد ‪.1985‬‬

‫‪32‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫الماسو الثور املجنح‬

‫أيضا «شيدو الموسو» كام ورد يف الكتابات اآلشورية‪.‬‬ ‫ويسمى ً‬ ‫وأصل كلمة «الماسو» هو من المو يف اللغة السومرية‪ ،‬وكان هذا‬ ‫االسم يُستع َمل ألنثى من الجن مهمتها حامية املدن والقصور‬ ‫ودور العبادة‪ ،‬أما الجن الذكر الحامي فكان بالسومرية يعرف‬ ‫باسم «آالدالمو» وباآلشورية القدمية ُس ِّمي «شيدو»(‪.)5‬‬ ‫وهو ٌ‬ ‫متثال ضخ ٌم يبلغ طوله ‪ 4.42‬مرت‪ ،‬ويزن أكرث من ‪ 30‬ط ًّنا‪ .‬وهو‬ ‫فر ٌد من زو ٍج يحرس بابًا من أبواب سور مدينة «دور رشوكني»‬ ‫التي شيدها امللك اآلشوري رسجون الثاين (‪ 705 - 721‬ق‪.‬م)‬ ‫والتي هجرها سنحاريب بن رسجون الثاين‪ ،‬حيث نقل العاصمة‬ ‫إىل مدينة نينوى‪.‬‬ ‫‪5-“The Doctrine of Sin In the Babylonian Religion”, Julian Morgenstern, P: 25, “Book Tree” Publishing, 2002.‬‬

‫‪33‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫وكان يرمز إىل القوة والحكمة والشجاعة‬ ‫والسمو‪ ،‬وقد اشتهرت الحضارة اآلشورية‬ ‫بالثريان املجنحة‪ ،‬وال سيام مملكة آشور وقصور‬ ‫ملوكها يف مدينة نينوى وآشور يف شامل بالد ما‬ ‫بني النهرين‪ ،‬والتي غدت رم ًزا من رموز هذه‬ ‫الحضارة التي كانت تعتمد القوة كمبدأٍ يف‬ ‫سياستها وانتشارها‪.‬‬ ‫وكان يُعتقَد بأن اآلشوريني القدماء قد عبدوا‬ ‫الثور املجنح‪ ،‬ولكن ُر ِف َضت هذه االعتقادات‬ ‫من ِق َبل علامء اآلثار اآلشورية‪ ،‬ومنهم جون‬ ‫راسل‪ ،‬الذي ذكر أن اسم هذا الج ّني قد ورد يف‬ ‫كتابات امللك اآلشوري سنحاريب كام ييل‪:‬‬ ‫«لقد جلبت رجالً أرسى من املدن التي غزوت ُها وبنوا يل قرصا يقف عىل بوابته اثنان من اآلالدالمو» (‪)6‬‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫حارسا عىل بوابة قرص‬ ‫وبهذا القول تم إلغاء هذه الفرضية املزعومة حيث أنه ليس من املمكن أن يكون اإلله ً‬ ‫مجنح برأس‬ ‫عبده‪.‬والالماسو هو نو ٌع من الكائنات األسطورية املختلطة التكوين‪ ،‬فهي يف أكرث األحيان ثو ٌر‬ ‫ٌ‬ ‫إنسانٍ وأقدام أسد‪ ،‬أو برأس إنسانٍ وأقدام ثور‪ ،‬وقد أخذ‬ ‫أشكالً عد ًة خالل ِحقَب التاريخ‪ ،‬وحتى يف آشور نفسها‪،‬‬ ‫حيث نجده أحيانًا تح َّول إىل ٍ‬ ‫أسد غري مجن ٍح ولكن برأس‬ ‫إنسانٍ ذي ٍ‬ ‫مخصص للحامية أثناء االستحامم‪ ،‬حيث‬ ‫أيد‪ ،‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫تقول املعتقدات اآلشورية القدمية إن َر ْم َي أو تحريك املياه‬ ‫الساخنة يجذبان الروح الرشيرة التي تدعى بازوزو‪ ،‬وال تزال‬ ‫النساء حتى اليوم يستعملن عبارة (كش) عفويًا‪ ،‬وذلك لطرد‬ ‫األرواح الرشيرة لدى َر ْمي أو تحريك املاء الساخن‪ ،‬ويُس َّمى‬ ‫هذا األسد املجنح باآلشورية «أورمالولو»‪ ،‬وقد ُوجِدت إحدى‬ ‫لوحات األورمالولو يف حامم قرص امللك آشور بانيبال‪ ،‬ويعود‬ ‫عمر اللوحة إىل عام ‪ 640‬قبل امليالد‪.‬‬ ‫‪6- John Malcolm Russel, “Sinnacherib’s Palace Without RivalAt Nineveh”, P: 101.‬‬

‫‪34‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫كام أن الالماسو هو قو ٌة ت َج َمع أربعة عنارص ت ُك ِّون الكامل (األسد للشجاعة والثور للقوة والنرس للمجد واإلنسان‬ ‫للحكمة)‪ ،‬وهو فكر ٌة مست َمد ٌة من اعتقاد البرش بالعناية الخارقة‪ ،‬وقد امت َّدت هذه الفكرة ملختلف الحضارات‬ ‫حيث أن حزقيال يف التوراة حني كان مسب ًّيا من ِقبل اآلشوريني‪ ،‬تح َّدث عن مركب ٍة رآها فوق نهر الخابور لها رأس‬ ‫إنسانٍ وأقدام عجلٍ وجسم ٍ‬ ‫أسد وأوج ٍه ُمطل ٍة يف كافة االتجاهات (حزقيال‪.)1-14 :1 ،‬‬ ‫رسخها يف الكنيسة الفيلسوف ديونيسيوس األريوباغي مستمد ٌة من فكرة عناية‬ ‫كام أن فكرة املالك الحارس التي َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ألشخاص مختارين لهداية البرش وهم يف أغلب األحيان الق ِّديسون‪ ،‬وقد انترشت هذه الفكرة لتتمثل‬ ‫الله وحاميته‬ ‫يف الفن الديني مثل األيقونات لدى العديد من الكنائس‪ ،‬وقد َمثَّلت الحيوانات األسطورية تلك الحامية‪ ،‬فمثالً‬ ‫النرس ملرقس والثور للوقا واإلنسان ملتَّى‪ ،‬كام أن الثور املجنح نفسه رمز لوقا ٍ‬ ‫بنقش واض ٍح من العاج يف بعض‬ ‫الكنائس األوروبية‪.‬‬ ‫والجدير بالذكر أن ططيانوس اآلشوري (‪130-180‬م) من أوائل من جمع األناجيل األربعة يف كتابه دياطرسون(‪،)7‬‬ ‫لذلك فمن الطبيعي أن يتم وضع بصم ٍة آشوري ٍة عىل فكرة املربع اإلنجييل‪ ،‬ك ْون البشارة تتصف بالكامل (الحكمة‬ ‫والشجاعة والقوة واملجد)‪ ،‬وهذا ما أراده ططيانوس للبشارة بالسيد املسيح‪.‬‬ ‫‪7- “Catholic Encyclopedia”, Gospel of Saint Luke.‬‬

‫‪35‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫زو‬

‫‪ANZU‬‬

‫هو طري العاصفة الخرايف يف املصادر‬ ‫رس‬ ‫األكادية‪ ،‬ويص َّور عىل شكل ن ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا يف‬ ‫برأس أسد‪ ،‬وهو‬ ‫معروف ً‬ ‫العرص البابيل القديم ويف نصوص‬ ‫العرص اآلشوري الحديث‪.‬‬ ‫ومضمون األسطورة هو عندما كان‬ ‫مشغول بخلع مالبسه‬ ‫ً‬ ‫اإلله ’’إنليل»‬ ‫استعدا ًدا لالستحامم‪ ،‬يتسلل «زو»‬ ‫إىل بيته‪ ،‬ويرسق ألواح القدر حتى‬ ‫يتمكن بواسطتها من الوصول إىل‬ ‫سدة العرش اإللهي الرئييس يف‬ ‫َمجمع اآللهة‪.‬‬ ‫ويتوجه زو باأللواح املرسوقة‬ ‫إىل الجبال ويتوارى عن األنظار‪،‬‬ ‫وباختفاء ألواح القدر يختل النظام‬ ‫اإللهي وتدب الفوىض يف الكون‪.‬‬ ‫ويبحث اإلله «آن” عن مطار ٍد يكون بإمكانه أن يعيد األلواح املرسوقة‪ ،‬إال أن بحثه يضيع س ًدى‪ ،‬إذ أن إله الطقس‬ ‫«أدد» وإله النار «وشارا» ابن اإللهة «إنانا» يعربان عن عجزهام وعدم مقدرتهام عىل تنفيذ هذه املهمة الصعبة‪،‬‬ ‫وعندها تتدخل اإللهة األم بنا ًء عىل نصيحة اإلله الحكيم «إنيك» وتطلب من ابنها «نينجرسو»‪ ،‬أو «نينورتا» يف‬ ‫النص اآلشوري‪ ،‬أن يع ّد العدة ويجهز نفسه ملالقاة السارق‪ ،‬وتزوده بسبع ريا ٍح لرتافقه خالل رحلته‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫رحلةالرافدين‬ ‫وحوش األساطري‬

‫سهم‪ ،‬إال أن السهم يطيش يف الفضاء‬ ‫وعندما يعرث عليه يصوب نحوه ً‬ ‫ألن زو ص َّده بتعويذ ٍة بواسطة ألواح القدر التي بحوزته‪ ،‬وعندها‬ ‫يَبعث نينجرسو إله الطقس إىل اإلله إنيك ليطلعه عىل جلية األمر‬ ‫ويأخذ مشورته‪،‬‬ ‫فينصح إنيك نينجرسو بأن يعيد ال َك ّرة ضد زو ألن الريح الجنوبية قد‬ ‫شلَّت مقدرته عىل النطق‪ ،‬وبذا مل يعد مبقدوره رد السهام املوجهة‬ ‫إليه بواسطة التعويذات‪.‬‬ ‫ونهاية النص ناقصة‪ .‬ولكن يُعتقد أن نينجرسو ينجح يف القضاء عليه‬ ‫خالل هجومه الثاين أو الثالث‪.‬‬ ‫ويصف أحد النصوص األكادية اإلله نينورتا بأنه وضع قدمه فوق‬ ‫جسم الطائر الخرايف زو كإشار ٍة للنرص‪ ،‬ويصف نص تراتيل الصلوات‬ ‫للملك آشور بانيبال اإلله مردوخ بأنه هو الذي هشَّ م رأس زو‪ ،‬وبذا‬ ‫يكون مردوخ قد أخذ دور اإلله نينجرسو يف اآلداب اآلشورية‪،‬‬ ‫وعىل كل حا ٍل ال ميكن أن نتصور أسطورة زو دون أصلٍ‬ ‫سومري مع‬ ‫ٍّ‬ ‫بعض التعديل األكادي الذي لحق بها يف الشكل واملضمون‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫بهذا تنتهي رحلتنا عرب تاريخ بالد الرافدين وأساطريها وقصصها التي نسجت هويتها‪ ،‬التي كانت حجر األساس‬ ‫للكثري من املعتقدات والثقافات يف املنطقة والتي ال تزال تؤث ّر إىل اليوم‪ .‬فمن متوز الشهيد الذي يلطم عليه‬ ‫الشيعة إىل أوتنابشتي وسفينته التي تبنتها كل األديان اإلبراهيمية‪ ،‬وليس انتها ًء بقصة رسجون األكادي الذي‬ ‫السلة وتركته يف النهر حيث أصب َحت تلك القصة قصة موىس واليهود‪.‬‬ ‫وضعته أمه يف َّ‬ ‫وقد ال نكون أعطينا التفاصيل حقها‪ ،‬وقد نكون نسينا ذكر بعض األمور‬ ‫املهمة‪ ،‬وذلك أم ٌر متوقَّ ٌع يف أول رحل ٍة لنا عرب نهر الزمن‪ ،‬حيث أن كل رحل ٍة‬ ‫ما هي إال مقدم ٌة لرحل ٍة أخرى تجعلنا نغوص أعمق يف جامليات وجهتنا‪،‬‬ ‫وفرص ٌة جديد ٌة الكتشاف املزيد من الجواهر والدرر الخفية عنا‪ .‬وعىل الوعد‬ ‫برحل ٍة جديد ٍة أخرى عرب الزمن‪ ،‬وهكذا نصل إىل نهاية هذه السلسلة‪.‬‬ ‫ودمتم بود‪.‬‬ ‫‪Mohammed Waleed‬‬ ‫‪38‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

39


‫يف حوار مع ‪..‬‬ ‫مجد حرب‬ ‫آراء الضيوف تعرب عن أفكارهم وال متثل موقف املجلة بالرضورة‬

‫شاب من مواليد محافظة السويداء سنة ‪1995‬م‬ ‫مجد حرب طالب هندسة حاسوب مد ّو ٌن وروا ٌّيئ‬ ‫ٌّ‬ ‫سوري ٌّ‬ ‫قدم باكورة أعامله األدبية منذ فرت ٍة وجيزة بعنوان «ياسمني رماد أبيض» ناش ٌط يف مجال حقوق اإلنسان‬ ‫وحائ ٌز عىل شهادة مشارك ٍة من منظمة العفو الدولية يف الحق يف حرية التعبري‪ ،‬يصنف نفسه كعلام ًّين ليربايل‪.‬‬ ‫يقول‪« :‬اخرتت األدب ليكون طريقي ألين أعلم وأدرك أنه‬ ‫يعكس ثقافة الشعوب وأنه املخطوطة التي تبني روح العرص‬ ‫وإدرايك هذا مل ينبع إال من شهادة التاريخ والعظامء واملفكرين‬ ‫عن رأيهم بالكتابة والتنوير واألدب بكل أنواعه‪ ,‬ولهذا اخرتت‬ ‫أن تكون القراءة والثقافة والتَنوير صاليت وفلسفتي الوجودية‬ ‫رغم عن الظروف‬ ‫املبجلة ألكون أنا كام أريد أن أكون ً‬ ‫ورغم عن عبثية هذه الحياة التي تفتقر للعدل بكل أشكاله‬ ‫ً‬ ‫لدي هواي ٌة استثنائي ٌة إن صح التعبري هي اكتشاف الذات البرشية‬ ‫بكل تفاصيلها النفسية والسكسلوجية وفهم كل السلوكيات‬ ‫البرشية واختالف الثقافات بني الشعوب وخاصة الشعوب املتطرفة منهم‪ ,‬وبعدها يجدر يب أن أعلن الحرب‬ ‫ٍ‬ ‫تقديس وال حدود‬ ‫مع كل األفكار الجدلية والالأخالقية واملتطرفة التي صادفتني والتفكري بكل ممنوع دون‬ ‫حتى أجد صياغ ًة قوي ًة أقدمها ليك تكون أحد حجارة البناء ملجتمعٍ أفضل‪ ,‬الحداثة مل تولد يو ًما إال من عمق‬ ‫املمنوع ومل ترتقي يو ًما إال بعد تحطيم املقدسات وإعادة صياغة روح العرص ليأخذ اإلنسان حقه‬ ‫ألنه –إنسان‪ -‬وليس تب ًعا لدينه وال عرقه وال انتامئه الفكري وال‬ ‫مبني عىل االختالفات العنرصية‪».‬‬ ‫ميوله الجنيس وال أي متيي ٍز ٍّ‬ ‫أهل بك بني صفحات مجلتنا‬ ‫ً‬ ‫‪40‬‬


‫مجد حرب‬ ‫س‪ - 1‬يوكل لألرسة الدور األكرب يف تكوين الشخصية‪ ،‬صف لنا العائلة‬ ‫التي ترعرعت فيها وكيف كان تعاطي من حولك مع أسئلتك وما كان‬ ‫نوع تلك األسئلة؟‬ ‫العائلة‪ ،‬تلك البيئة األولية التي تصنع األنسان وتصوغ أفكاره قبل‬‫رص يف‬ ‫املجتمع واالختالفات الرتبوية واألفكار املنوعة‪ ,‬أوجز أنها أهم عن ٍ‬ ‫االرتقاء الجمعي للشعوب‪.‬‬ ‫يف طفولتي كان أيب مينحني دامئًا متعة البحث ومتعة املكافئة‪ ,‬ال أتذكر‬ ‫أنه لقنني أجاب ًة مبارش ًة عن أحد أسئلتي بقدر ما كان يدعوين للبحث‬ ‫فرح بأين توصلت ليش ٍء ما‪.‬‬ ‫والقدوم إلخباره وكيل ٌ‬ ‫بإعجاب ويصطنع املفاجأة من معلومايت البسيطة ويحفظ أغالطي ليدعوين مر ًة أخرى للتأكد‬ ‫أكلمه وهو يهز رأسه‬ ‫ٍ‬ ‫منها وإخباره من جديد‪ ,‬ذلك شكّل عندي شغفًا ال يُنىس وثقاف ًة ال بأس بها بالنسبة إىل عمري يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫مثقف ج ًدا وال يريد املعلومات بل يريدين أن أبحث وأبحث أكرث؛ أُخطئ وأبحث ِمن جديد‪,‬‬ ‫وم ّر الزمن وعلمت أن أيب ٌ‬ ‫فاألخطاء ت َبني األنسان وهكذا كان جز ًءا كب ًريا من النهج الرتبوي الذي تلقيته يف عائلتي‪.‬‬ ‫الغريب بعض اليشء يف املوضوع أنه اليوم أنا وأيب مختلفان بالهوية الفكرية بشكلٍ كامل ولكن ذلك مل يشكل حاج ًزا‬ ‫واجب وأن التعايش بني الجميع دون أن‬ ‫واجب‪ ،‬وأن احرتام حرية األعتقاد‬ ‫تعلمت منه أن احرتام االختالف‬ ‫يو ًما ما بل‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫بسبب أفكاره واجب‪.‬‬ ‫يُضطهد أحد‬ ‫ِ‬ ‫س‪ - 2‬ما كان دور املدرسة يف حياتك‪ ،‬وهل من ذكرى أو حادثة من أيام الدراسة ممكن أن تذكرها لنا؟‬ ‫األثر الوحيد الذي تركته املدرسة يف حيايت هو تف ّهم كيف يتم التطبيع واألدلجة يف املجتمع من خالل املؤسسة التعليمية‪.‬‬ ‫دامئًا النظام التعليمي يف املجتمعات يفتقر لروح اإلبداع وروح البناء والدراسة التحليلية وبكل أسف مل أجد ذلك يف‬ ‫املرحلة الدراسية بقدر ما وجدته يف الحياة العملية‪.‬‬ ‫أكرث املواقف التي أرى أنه من الصعب تجاهلها أو نسيانها هي اللحظة التي ق ّدمت بها أحد حلقات البحث يف‬ ‫مجال الربمجة وقد نالت قد ًرا كب ًريا من االهتامم واملفاجأة من قبل املرشفني ونلت الكثري من الدعم ولكن‪،‬‬ ‫‪41‬‬


‫مجد حرب‬ ‫كنت أسمع كالمهم وآمالهم وأعلم من الداخل أين لن أكمل دراستي بسبب بعض الظروف‪ ،‬كان الوضع يشبه أن أحدهم‬ ‫يفرح بنجا ٍح يعلم أنه لن يكتمل‪.‬‬ ‫تحول تدريجيٍا أوصلك ملا أنت عليه‬ ‫س‪ - 3‬هل كانت هناك نقطة تحو ٍل جذري ٍة يف مفاهيمك الفكرية والدينية أم كان ً‬ ‫اليوم؟‬ ‫نقطة التحول الجذرية كانت للحظة تجرد‪ ,‬تلك اللحظة التي يخرج بها اإلنسان من الظٌلمة إىل النور ليُب َهر بالضوء ومن‬ ‫ثم يبدأ برؤية الحقيقة بعد أن تتأقلم عيناه مع النور‪ .‬وهذا ما قصدت به –فَكر بكل ممنوع‪ -‬أنها لَيست أكرث من لحظ ٍة‬ ‫رسا دون اختيار‪ .‬وأهم ما يف ذلك أن تتخلص من‬ ‫تُغربل بها نفسك من كل يش ٍء وكل األفكار التي كبدك إياها املجتمع ق ً‬ ‫مغالطة التحيز التأكيدي لتبدأ برؤية األمور من زاوي ٍة أخرى‪ ,‬زاوي ٌة حقيقي ٌة خالي ٌة من القضبان الفكرية واملقدسات التي‬ ‫تحمل سيفًا يف وجهك‪ ,‬وأعلم أن التفكري حق والحرية حق والرتهيب ليس أكرث من اسرتاتجي ٍة سياسي ٍة وفكري ٍة استخدمها‬ ‫الدين ليك يحفظ امتداده عرب العصور كام تستخدم يف املجال السيايس اليوم يك تحفظ امتداده عرب السنني‪ ,‬أنهم نفس‬ ‫وذات املنطلق لكن بوجهني مختلفني‪ ,‬ولهذا قررت أن أغربل نفيس ووثقت أال خطيئة إال الجهل والخوف وال فضيلة إال‬ ‫التفكري بحرية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وموقف وخطأٍ وفَشلٍ‬ ‫فيلم ورواي ٍة وقص ٍة‬ ‫ومن ثم بدأ التدرج الفكري مع كل ٍ‬ ‫كتاب وكل حوا ٍر وكل مقا ٍل وكل ٍ‬ ‫عقل يحمل مجموعة أفكار صاغتها تجارب الحياة وتفاصيل دقيقة م َّر بِها ليبني نفسه‪.‬‬ ‫ونجاح‪ ,‬فاإلنسان بالنهاية هو ٌ‬ ‫وأهم ما بذلك أن نعلم أن الفشل ليس أكرث من زياد ٍة يف نسبة النجاح يف املرة القادمة‪ ,‬والنجاح هو أن تنهض بعد كل‬ ‫فشلٍ بنفس وترية الحامس‪.‬‬ ‫لالعب ال يتآمر ضد خصمه ‪-‬إن صح التعبري‪ -‬إذ أ ّن االنتصار‬ ‫س‪ - 4‬يقال أ ّن الحياة كرقعة شطرنج ٌّ‬ ‫كل يسعى ملصلحته وال وجود ٍ‬ ‫أو تحقيق أكرب مكاسب ممكنة يحتاج لتخطيط عىل املدى البعيد ودراسة‪ ،‬فال مجال لالعتباطية واملجانية إال لدى قصريي النظر‪.‬‬ ‫مختلف كليًا‪ ،‬إذ أنها تتخطى كونها اسرتاتيج ًة بل وصلت إىل حكايا كوميدية‬ ‫وتوصيف‬ ‫تعريف آخر‬ ‫لكن يف بالدنا لهذا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫أصل‪ .‬لديك وجهة نظر حول‬ ‫يحيكها ويتداولها العامة حول التآمر إلسقاط أبسط األمور وأكرثها هشاش َة وسقوطًا ً‬ ‫مااصطلح عىل تسميته باملؤامرة يف بالدنا حبذا لو تشاركنا بها؟‬ ‫منذ فرت ٍة قصري ٍة قدمت مقالً عىل موقع ساسه بوست بعنوان «مؤامرة عىل املجتمع العريب أو هروب من واقع يسء»‬ ‫وكانت فكريت بالتحديد أن املجتمعات العربية تستخدم املؤامرة لتهرب من حقيقة عدم قدرتها عىل الخوض يف ارتقاء‬ ‫املجتمع سواء يف املجال الثقايف أو العلمي أو االقتصادي حتى‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫مجد حرب‬ ‫يذكر لنا الدكتور مصطفى حجازي يف كتابه القيم «التخلف االجتامعي‪ :‬مدخل إىل سيكولوجية اإلنسان املقهور» أن‬ ‫تصديق املؤامرة هو أحد طُرق الهروب التي يستخدمها اإلنسان املقهور يف املجتمع املتخلف‪ .‬يبدأ األمر عندما يحاول‬ ‫اإلنسان أن يرمي فشله عىل ٍ‬ ‫شخص آخر‪ ،‬ومن املمكن أن يكون هذا الشخص هو رئيسه يف العمل‪ ،‬أستاذه يف الجامعة‪،‬‬ ‫أحد أفراد عائلته‪ ،‬الحكومة واملستوى االقتصادي والثقايف يف الدولة‪ ،‬أو حتى نظرية املؤامرة بحد ذاتها‪ ،‬ومن هنا تبدأ‬ ‫موجة التصديق للنظرية بهدف الهروب ألي يش ٍء ميكن أن ميثل شامع ًة تعلق عليها أسباب الفشل وعدم القُدرة عىل‬ ‫املواجهة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫متفوق ومتمي ٌز‪ ،‬ولكن الكل يتآمر عليه ويسعى إلحباطه بطريق ٍة‬ ‫تلك النظرية قامئ ٌة عىل أن يشعر الشعب أنه‬ ‫أو بأخرى‪ ،‬ورسعان ما يبدأ الهروب والتربير وال أحد يعمل عىل اإلصالح‪ .‬ال أنكر أب ًدا أننا نعيش يف مجتمعٍ‬ ‫يحمل الكثري والكثري من الحواجز التي تقف يف وجه النجاح‪ ،‬ولكن يتوجب اإليضاح أنه يوجد ٌ‬ ‫فرق كب ٌري‬ ‫وهم يسمى «نظرية املؤامرة»‬ ‫بني معالجة هذه األسباب وبني الهروب منها والجلوس مكتويف األيدي وصنع ٍ‬ ‫س‪ - 5‬املرأة الرشيكة عىل األرض‪ ،‬الغامضة بل املبهمة لدى البعض والبسيطة لدى البعض اآلخر كم تؤيد‬ ‫وجهة نظر الكاتب مصطفى حجازي يف كتابه التخلف االجتامعي سيكولوجيا اإلنسان املقهور‪ ،‬حيث اعترب أن‬ ‫«الرجل يتهرب من مأزقه بصبه عىل املرأة من خالل تحميلها كل مظاهر القهر واملهانة يف عالقته مع املتسلط وقهره‬ ‫من الطبيعة واعتباره إنها محط كل إسقاطات الرجل السلبية واإليجابية عىل حد سواء ولكنها من هوة تخلفها وقهرها‬ ‫ترسخ تخلف البنية االجتامعية من خالل ماتغرسه يف نفوس اطفالها من خراف ٍة وانفعالي ٍة ورضوخ»‬ ‫إىل أي حد توافقه وكيف ترى ماتسري إليه املرأة يف عاملنا العريب يف انتزاع حقوقها وماوصلت إليه؟‬ ‫وأخالقي‬ ‫َلنكز عىل أهمية املرأة يف املجتمع عام ًة ويف النهج الرتبوي خاصة املرأة هنا وبدون مبالغة هي مرج ٌع ثقا ٌّيف‬ ‫ٌّ‬ ‫دقيق ألنها تشكل الجزء األكرب من العنرص األهم يف نشوء املُجتمع «النهج الرتبوي لألطفال»‬ ‫وفكري يف املجتمع بشكلٍ ٍ‬ ‫ٌّ‬ ‫واآلن لنعود إىل فكرة الدكتور مصطفى حجازي الحلقة األضعف يف مجتمعنا املتخلف ‪-‬املرأة غال ًبا‪-‬هو دائر ٌة مغلقة تبدأ‬ ‫بالتسلط برأي ما وبديهيًا سوف تنتهي بالنهج الرتبوي الخاطئ عىل األطفال ليكونوا متنمرين متسلطني عىل الحلقة‬ ‫األضعف منهم يف املستقبل‪.‬‬ ‫املشكلة هنا أن التسلط يشبه املرض املزمن الذي ينتقل إىل املقهور «املُتسلط عليه» وهذا يؤدي أن ذاك املقهور‪-‬املرأة‬ ‫يف املثال املذكور‪ -‬سوف تبحث عن طريقة إفرا ٍغ لقهرها املكمون بسبب تسلط الفكر الذكوري عليه وأقرب طَريق ٍة إىل ذلك‬ ‫هي من خالل التسلط عىل حلق ٍة أضعف منها وهنا يكون األطفال هم الضحية أوالً واملصابني باملرض ثان ًيا لهذا أوافق ما قَدمه‬ ‫الدكتور مصطفى ج ًدا ً ولَيس يف املثال املذكور عن املرأة فقط بل بكثريٍ من األمثلة التي ال تنتهي يف املجتمعات العربية مثل‬ ‫‪43‬‬


‫مجد حرب‬ ‫تسلط الحكومة عىل املواطن وهذا ما يسبب له عدم الشعور باالنتامء ويدفعه للقيام بتنم ٍر آخر عىل حلق ٍة أضعف منه‪.‬‬ ‫تسلط رئيس العمل عىل العامل‪ ,‬تسلط رجل الدين عىل التابعني لَه‪ ,‬ومع ذكر الكثري من األمثلة تبقى النتيجة واحدة‪:‬‬ ‫أن التسلط يولد القَهر الذي بدوره يولد تسلطًا آخر وهذا ما يشكل لدينا حلق ًة مغلق ًة من التخلف االجتامعي تحتاج‬ ‫إىل معالج ٍة من الجذور‪.‬‬ ‫الثورة النسوية العربية من أكرث الحركات التي تتميز بالروعة بقدر متيزها بالتشويه لألسف‪ ,‬وبرأي هذا يعود إىل ردة‬ ‫الفعل العنيفة التي عانتها النساء من املجتمع الذكوري ولهذا أدت إىل حرك ٍة ال تقل تطرفًا عن الفكر الذي يحاربونه‪.‬‬ ‫وهذا يعود بنا إىل فكرة التسلط واملقهور ذاتها‪ .‬بنفس الوقت ومع اعتباري أن بعض تلك الحركات املتطرفة هي فرت ٌة‬ ‫انتقالي ٌة نحو االعتدال واإلصالح مثل كل الحركات الفكرية يف التاريخ‬ ‫أيضا‬ ‫أؤمن وأقدر ج ًدا ما أنجزته املرأة العربية عىل أرض الواقع يف اآلونة األخرية من فعاليات فكرية وعملية ً‬ ‫انترشت مفاهيم املساواة العملية والعلمية واالقتصادية واالجتامعية بشكلٍ غري متوقعٍ وهذا يدعو للفخر ألنهن أثبنت‬ ‫أنهن ثائر ٍ‬ ‫ات بحق ثائرات ضد املجتمع الذكوري‪ ،‬ضد الترشيع الديني القامع للمرأة ضد النظام األب ّوي السائد وأهم ما‬ ‫يف األمر أنهن صاغوا مبدأ االستقالل الفكري واملادي بشكلٍ رائع‬ ‫س‪ - 6‬إالم ميكنك أن تعزو التخلف الذي تعيشه بالدنا بالدرجة األوىل‪ ،‬والذي بتنا نراه متجذ ًرا يف بعض الدول ال ميكن‬ ‫سلبي متسار ٍع يف دول أخرى‪.‬‬ ‫لقو ٍة أن تغريه‪ ،‬ويف تدهو ٍر ٍ‬ ‫أعزو ذلك إىل مزيج املغالطات القومية والتاريخية والدينية التي يقدمها التدين السيايس والسلطة السياسية بحد ذاتها‬ ‫للسيطرة عىل الشعوب‪ ،‬املوضوع أسوأ مام نتخيل ولألسف نحن اليوم نحارب النتائج أكرث من محاربة الجذر‪ ،‬أو كام قال‬ ‫براند شو ساخ ًرا‪ :‬يقتلون املرىض ليتخلصوا من املرض!‬ ‫التَطرف الحاصل ليس مرفق بهوية فكرية أو عقائدية واحدة بل هو نتيج ٌة للتخلف املتفيش يف الثقافة الجتامعية‬ ‫السائدة بد ًءا من النهج التعليمي وانتها ًء بالنهج الرتبوي‪ ،‬ولألسف نحن يف مجتمعٍ ميلك أرضي ًة خصب ًة من التشاريع‬ ‫الدينية واألفكار القبلية املتوارثة لزرع التطرف بكل سهول ٍة بهدف املصلحة الكربى بالنسبة للكهنة والشيوخ والسلطة‬ ‫فارق جيني وال فارق عرقي بني الشعوب بل هناك ٌ‬ ‫السياسية «السيطرة عىل املرىض» ليس هناك ٌ‬ ‫فارق بالنهج الرتبوي‬ ‫والتعليمي وفهم حق املواطنة والتيار الليربايل الذي يؤمن حق الحياة لكل فرد ليك يبدع ويقدم البناء االجتامعي‬ ‫املطلوب‪.‬‬ ‫‪44‬‬


‫مجد حرب‬ ‫وهذا بشكلٍ نظري‪ ،‬لكن عمل ًيا وعند التكلم يف الحلول أرى أن الثورة تبدأ من ثور ٍة عىل الذات قبل أن تعلن وتطالب‬ ‫بالتغيري وتتكلم بالشعارات الجذابة‪ ،‬نحن اليوم نحتاج حوا ًرا براغامت ًيا ال حوا ًرا منوذج ًيا دون تحرك‪.‬‬ ‫وفكري لن‬ ‫سيايس‬ ‫وعي‬ ‫من األفكار املثرية التي طرحها املفكر ممدوح عدوان يف كتابه حيونة اإلنسان أن الثورة بدون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫انقالب من أحد أنواع التطرف نحو ٍ‬ ‫تطرف آخر‪ ،‬وعىل ما أعتقد أن الثورات العربية قَد جسدت ذلك بدقة‪.‬‬ ‫تكون أكرث من‬ ‫ٍ‬ ‫س‪ - 7‬تقول ‪« :‬عندما نقول «ال» أعلم أنهام ليسا ُمجرد حرفني بل هام بُندقيتني لَهم صدى عىل مسمع الخاملني الذين‬ ‫ال َيتلكون أيَّة بندقي ٍة ولهذا نحن نسلحهم لينضموا إلينا يف مسريتنا املجهولة‪ ،‬وألثبت ما أقول راقب الكهنة‪ ،‬راقب‬ ‫املتطرفني‪ ،‬راقب املقدسني‪ ،‬راقب املنقادين عندما نقول لهم «ال» كَيف تهتز أركانهم ويَنرصع رأسهم الُتعري من الحداثة‬ ‫التي نريدها‪ ،‬فأنه أث ّر البندقية ‪»..‬‬ ‫ٍ‬ ‫بغالف من القداسة التي تكفل لها‬ ‫كم نحن بحاج ٍة إىل متر ٍد عىل األعراف البالية والتي الزالت يف عاملنا العريب مغلف ًة‬ ‫استمرارية ال أجل لها‪ .‬مام جعل حلم اللحاق بوكب الحضارة والتطور االجتامعي رضبًا من املستحيل؟‬ ‫كم نحتاج إىل متمردين مثقفني يحملون هذه الشعلة والتي أول من ستحرقهم لتستمر بالتوهج؟‬ ‫متفائل مبستقبل هذه املنطقة وكم تعول عىل أجيال الحروب القادمة؟‬ ‫ٌ‬ ‫هل أنت‬ ‫أذكر عندما قلت تلك الجملة أين كنت مدركًا متا ًما لقوة األقالم املتنورة‪ ،‬قوة أن نقول «ال» يف وجه التطرف الديني‬ ‫والقَمع الفكري الحاصل بعد أن أنجزت الثورة التنورية نه ًجا نقديًا منطق ًيا أثار غضب التيار املتطرف ليكشف عن أنيابه‬ ‫التي غرزت يف أجساد شهداء الحرية مثل عمرو باطويل وفرج فوده ونجيب محفوظ ورائف بدوي وغريهم الكثري ممن‬ ‫تركوا بصمة عا ٍر عىل جبني التطرف الديني وبصمة فخ ٍر عىل جبني الحرية‪.‬‬ ‫حق يف هذه الحياة ليك نَكرس األغالل املقيدة لألقالم الحرة ونكتب التاريخ من جديد‪ ،‬فالخاملني‬ ‫نحتاج أن نؤمن بأ ّن لنا ّ‬ ‫النادبني لحالهم ال يصنعون التغيري وال يكتبون التاريخ بل نحتاج إىل ثور ٍة ثقافي ٍة شبابي ٍة كامل ٍة تصوغ املفاهيم من جديد‪.‬‬ ‫ويتوجب أن أنوه هنا أن املوضوع ال يقترص عىل الكتابة والتيار التنويري‪ ،‬بل يقترص عىل ثور ٍة عىل الذات والرتسبات‬ ‫أي ٍ‬ ‫شخص أن يقوم بذلك وأن يكون‬ ‫االجتامعية والبحث عن اإلنتاجية الثقافية أو العملية بأيّة طريق ٍة تُذكر‪ ،‬ويستطيع ّ‬ ‫صاحب فعالي ٍة يف بناء مجتمعٍ أفضل‪.‬‬ ‫متفائل وأنا مرتد ٌد قليالً‪ ،‬ليس ترد ًدا نات ًجا عن فقدان األمل بل ال أعلم أين‬ ‫ٌ‬ ‫والشطر الثاين من السؤال‪ ،‬أستطيع أن أقول نعم‬ ‫سوف أشهد ذلك أم ال‪ ،‬ألنه سوف يتم خالل فرت ٍة طويل ٍة من التنوير‪ .‬نحن اليوم نجابه نهض ًة فكري ًة مل تشهدها املنطقة‬ ‫‪45‬‬


‫مجد حرب‬ ‫منذ زمنٍ بعيد‪ ،‬ولنثق أن النور ينبع من بني الحطام وإلصالح الهرم البد من تدمريه‬ ‫قبل ذلك وإعادة بنائه‪ ،‬وهذا ما يحدث اليوم نتيجة األحداث التي جعلت الفكر‬ ‫الشبايب يعيد النظر بكل املفاهيم املوروثة واملقدسات واإليديوجيات بالعموم‬ ‫ٍ‪ - 8‬برأيك أن ‪« :‬الفنان ليس مجرد إنسانٍ بل أصفه بدقة أنه من فئة املنقذين لهذا‬ ‫العامل‪ ،‬وبدون مبالغة أرصح أن الجميع شهد لهم وأدخلهم برس شغفه وإبداعه يف‬ ‫الحياة وحتى إبداعه يف العلم»‬ ‫بالسياق نفسه هل حقًا الفن بكافة مجاالته هو ركيز ٌة متين ٌة مؤهل ٌة ألن تحمل‬ ‫أي تغيريٍ مأمول؟‬ ‫فني نضمن رسعة وبساطة‬ ‫وهل حقًا مبجرد أن غلفنا أية فكرة نريد إيصالها‬ ‫ٍ‬ ‫بقالب ٍّ‬ ‫وقوة وصولها؟‬ ‫أم أن األمر أكرث تعقي ًدا إذ أن الفن ليس أكرث من وسيلة تعبريٍ ذاتي ٍة وتحميله ملهام‬ ‫تسييس وتشوي ٌه له‪ ،‬فالفن للفن ال لتمرير رسائل وإيجاد حلول بل مهمته‬ ‫أخرى هو‬ ‫ٌ‬ ‫إثارة التساؤالت واإلضاءة عليها ليس إال يك نحميه من تحويله لوسيلة تسويق‪.‬‬ ‫إىل أي الرأيني متيل؟‬ ‫بكل العصور كان املنقذ الذي ال يشوه بل يبقى هو كام هو ليكون مرجعي ًة‬ ‫تعكس ثقافة ذاك العرص‪ ،‬عندما رسم الفنان الفرنيس جوزيه ديزيريه لوحة‬ ‫الطوفان ومثّل أن الرجل العجوز بوجهه املظلم بشع املالمح أنه العادات البالية‬ ‫والعقائد الدينية املقدسة والتمسك بها يسبب الغرق‪ ،‬بينام مثل النجاة والتطور‬ ‫واالرتقاء يف املرأة والطفل الشابني املمتلئني بالخصوبة والجامل وهام أقرب إىل‬ ‫املنقذ ولكن مع ذلك يختار التمسك بالعقائد املقدسة ‪-‬الرجل العجوز‪ -‬وهذا ما‬ ‫سوف يسبب له الغرق!‬ ‫تلك اللوحة متثلنا اليوم‪ ،‬التيار املتطرف الديني والفكري هو الرجل العجوز‪ ،‬والرجل‬ ‫هو الشعب الذي يرفض أن ينقذ املرأة والطفل اللذان ميثالن التنوير بينام يتمسك‬ ‫بالرجل العجوز الذي ميثل العقائد التاريخية وال يسبب إال الغرق أكرث وأكرث‪.‬‬ ‫هذا تعب ٌري للفن وقدرته عىل التنوير بلوح ٍة واحد ٍة‪ ،‬ومثله الكثري والكثري بكافة‬ ‫أنواعه من اللوحات واملوسيقى وال ‪ memes‬حتى!‬ ‫‪46‬‬


‫مجد حرب‬ ‫مصنف أنه ف ٌّن يعرب عن األفكار وهو الوسيلة‬ ‫فعل ال ‪ memes‬اليوم هو‬ ‫أعتقد أن الفكرة تبدو المنطقية قليالً ولكن ً‬ ‫ٌ‬ ‫األقوى اليوم لنرش األفكار ومجابهتها بطريق ٍة ذكي ٍة عرب وسائل التواصل االجتامعي‪.‬‬ ‫الفن مجموعة مدارس كبرية وتحتاج الكثري من التفاصيل ولكنها تتوحد بأنها تعكس ثقافة الشعوب كام أنها تغري ثقافة‬ ‫أسايس يف التغيري‪ ،‬الفنان هو إنسا ٌن يعرب عن ذاته وعن رؤيته للتغيري عرب طريق ٍة معين ٍة تحفر يف‬ ‫الشعوب وهو جز ٌء‬ ‫ٌّ‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫ذهن الناظرين أو املستمعني ويف ذهن التاريخ ً‬ ‫س‪ - 9‬هل ت ُجاهر بأفكارك وآرائك كافة وسط مجتمعك؟ وكيف ترى وسائل التواصل االجتامعي كمن ٍرب‬ ‫مثل وممن‬ ‫لطرح االفكار وتشاركها خاصة فبيام يتعلق بالخطوط الحمراء يف مجتمعنا كالدين يف املقدمة ً‬ ‫يقطن يف مجتمعات مغلق ٍة عنيف ٍة وصل بها األمر إىل تصفية من يجرؤ حتى عىل محاولة تجميل الدين‪.‬‬ ‫وهل حقا ميكننا التعويل عىل هذه الوسائل املحدثة لنبذ بعض األفكار أو ض ّخ أخرى؟‬ ‫املجاهرة بكل األفكار موضو ٌع أعتربه نسب ًيا نو ًعا ما‪ ،‬ليس نو ًعا من عدم الثقة أو مساير ًة للمجتمع بل أعرب عن ذلك أنه‬ ‫النهج األصح لإلصالح تحس ًبا من ردة فعل اآلخر التي سوف متنعه من التفهم واالستامع‪ ،‬لهذا اختار طريق ًة حذر ًة وذكي ًة‬ ‫بشكلٍ ما ألجاهر بأيّة فكرة‪ ،‬وهذا يعود إىل أننا منلك فجو ًة كبري ًة ج ًدا يف تقبل اآلخر وإضاف ًة إىل ذلك مغالط ًة منطقي ًة‬ ‫ ُمستفز ًة برأي‪ -‬عن مفهوم احرتام الرأي ووجهة النظر!‬‫األكرثية تخلط بني أمرين ال صلة بينهام وهام أن رفض االقتناع برأي أحدهم هو عدم احرتام حريته يف التعبري عن رأيه‬ ‫بذاته‪ ،‬ولكن املوضوع ليس بهذا الشكل مطلقًا بل الجميع له مطلق الحرية يف بناء اآلراء والتعبري عنها والجميع له‬ ‫مطلق الحرية يف اعتبار تلك اآلراء ساذج ًة ويف دوائر الأخالقية وتستحق النقد والترشيح والدراسة والتعبري عن ذلك‪.‬‬ ‫«أنا أدافع عن حريتك يف االعتقاد والتعبري سواء كانت هذا اآلراء واملعتقد يناسبني أو ال‪ ،‬وبنفس الوقت رفض رأيك‬ ‫ومعتقدك ال يعني أب ًدا رفض حرية اعتقادك»‬ ‫املغالطة الثانية التي مير بها األكرثية بالعموم واملتدينني بالخصوص هي الخلط بني املقدسات واملعتقدات واألشخاص‪.‬‬ ‫ألوضح ذلك؛ عندما يوجه انتقا ًدا معي ًنا ألحد املقدسات أو املعتقدات أو الشخصيات التاريخية أو التيارات الفكرية هذا‬ ‫ال يعني أن النقد موج ٌه لألشخاص املعتنقني تلك األفكار واملعتقدات واملقدسات‪ ،‬وهنا هي مشكلتهم أنهم يربطون‬ ‫شخصيتهم باملقدسات ليكونوا فرسان تحميها من كل نقد ‪-‬وهذا ضد مبدأ حرية التعبري لآلخر‪ -‬وأعتقد ذلك أنه أكرث ما‬ ‫ينهك الحوارات عىل شبكة التواصل االجتامعي‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫مجد حرب‬ ‫ٌ‬ ‫متطرف‬ ‫شبكة التواصل االجتامعي اليوم متلك وجهني من التنوير برصاحة‪ ،‬أحدهم ثقا ٌّيف علام ٌّين ممتا ٌز وأحدهم مظل ٌم‬ ‫ال يسبب إال ردة فعلٍ تزيد الفجوة بني التيارات الفكرية‪ ،‬ولهذا سيف التنوير ذو حدين؛ أحدهام يجيل األفكار املتطرفة‬ ‫فكري محد ٍد بقدر‬ ‫من رؤوس املجتمع واآلخر يزيد الطني بلّة‪ ،‬وهذا بالضبط ما قصدت به أن التطرف ال يتعلق بتيا ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫برتسبات اجتامعي ٍة متطرف ٍة بغض النظر عن الهوية الفكرية أو العقائدية‪.‬‬ ‫تعلقه‬ ‫منهج مع ٌني تفكر باتباعه يف تربية أطفالك؟ وكيف ستتعامل مع أسئلتهم‬ ‫س‪ - 10‬غدوت أبًا منذ فرت ٍة وجيزة‪ ،‬هل لديك ٌ‬ ‫حول الحياة والوجود والغيبيات وتأثريات املجتمع واملناهج واألصدقاء يف تكوين شخصية طفلك؟‬ ‫أكرث ما أسعى إىل تقدميه إىل ماليك الصغري آنجل هو أن أؤمن لها مساح ًة كبري ًة من الخطأ واإلصالح لتبني نفسها‪،‬‬ ‫أبتعد بشكلٍ شبه كاملٍ عن النهج التلقيني وأستعني بالنهج البحثي والتحلييل ليك تبحث هي بنفسها وتجد أفكارها‬ ‫وشخصياتها؛ وألين أثق أن النهج العلمي والفكر التحلييل واملنطق ال يوصل إال إىل أعىل درجات الحقيقة سوف أكون‬ ‫مطمئ ًنا عىل رحلة بحثها‪ ،‬أراقبها من بعيد وهي تتعرث وتبني نفسها وتتعلم من خطأها‪ ،‬وأدعمها بكل ما لدي لتكون‬ ‫إنسان ًة مستقل ًة بكل النواحي يف املستقبل‪ .‬وألين أؤمن ج ًدا أن لكل طفلٍ موهب ٌة متخفي ٌة سوف أسعى بكل جهدي‬ ‫ألكتشفها بداخلها وأخرجها نحو النور لتكون منصة اإلبداع لها يف املستقبل‪.‬‬ ‫األطفال هم علامء‪ ،‬علامء صغار يسألون دو ًما وال يتوقفون عن االكتشاف والسؤال والبحث طاملا أننا ال نلقنهم األجوبة‬ ‫الخام ونقيد أجنحة السفر نحو املجهول لديهم‪ ،‬ولهذا إبنتي عامل ٌة منذ أول لحظات حياتها مثل كل األطفال‪ ،‬سوف‬ ‫أعلمها أن تسأل وتسأل وتكتشف بذاتها‪.‬‬ ‫ال أخفي أن املجتمع واملناهج يسبب مشكل ًة كبري ًة لدي يف الخطة الرتبوية التي أسعى إليها‪ ،‬وخاص ًة كونه‬ ‫مجتم ٌع متنم ٌر بأكرثيته وال يحرتم االختالف أو األفكار الالمنطية وهنا ال أستطيع غري أن أعزز ثقتها بنفسها‬ ‫أكرث وأكرث وليكن الحوار اليومي بيننا سبيل نجا ٍة من أيّة أفكا ٍر مظلم ٍة ممكن أن تقتبسها من املجتمع‪.‬‬ ‫س‪ - 11‬خطوة األلف ميل بدأت‪ .‬هكذا تصف والدة روايتك األوىل‪.‬ياسمني الرماد األبيض مباذا تحدثنا عنها‪ ،‬وما أهم‬ ‫الكتب والكُتاب والشخصيات التي أثرت يف بناء ثقافتك وشخصيتك؟‬ ‫ياسمني! تلك املرأة التي تتمحور حولها أحداث الرواية متثل الكثري من النساء يف املجتمع التي تم قمعهم باسم الدين‬ ‫ٍ‬ ‫وعادات‬ ‫والرشيعة‪ ،‬هي امرأ ٌة ثائر ٌة عىل الجميع لتكون مستقل ًة كام تحلم‪ ،‬لتحب وتعشق بحري ٍة دون حدو ٍد ديني ٍة‬ ‫قبلي ٍة تقمع إرادتها‪ ،‬ثائر ًة لتمثل يف املرسح وتعرب عن ذاتها وعن املرأة املقهورة يف املجتمع العريب من خالل موهبتها‬ ‫‪48‬‬


‫مجد حرب‬ ‫الجمة‪ ،‬وتتكمل األحداث لتُسقط الضوء عىل شخصية ميان‪ ،‬تلك الشخصية التنويرية التي تحلم وتطمح وتحارب وتجاهد‬ ‫لتحقق ذاتها‪ ،‬وتعلن الحرب عىل مشاعرها وعقدة الذنب املتجذرة بها‪ ،‬وكيف تحرر من كل ذلك ليكون كام يريد‪.‬‬ ‫أكرث ما أثر يب يف عامل الفلسفة هو العظيم نيكوس كازنتزاكيس والفيلسوف املجنون فريدرك نيتشه‪ ،‬كانوا يشكلون‬ ‫لدي فلسفة البحث عن الحقيقة والوجود دو ًما وتحطيم كل ممنوع لتجد نفسك وتؤمن بذاتك أكرث‪ ،‬مدرسة الفلسفة‬ ‫عدمي مع أن فلسفته‬ ‫الوجودية تلك لها تأث ٌري كب ٌري يب‪ ،‬وما أستغربه يف بعض األحيان أن الكثري يصنف فريدرك نيتشه أنه‬ ‫ٌّ‬ ‫مل ترش إىل ذلك يو ًما وهو مصنف من فالسفة املدرسة الوجودية‪ ،‬أقدر لهم كت ًبا مهم ًة بالنسبة يل مثل هذا هو األنسان‪-‬‬ ‫أصل األخالق وفصلها‪ -‬زاردشت للفيلسوف فريدرك نيتشه‪.‬‬ ‫وكتاب التصوف منقذو اآللهة‪ -‬كتاب تقرير إىل غريغو ‪-‬رواية األغواء‬ ‫األخري للمسيح‪ -‬رواية زوربا للعظيم نيكوس كازنتزاكيس‪ .‬وأكرث ما شكل‬ ‫وانتقال جذريًا يف األفكار هو املفكر فراس السواح‬ ‫ً‬ ‫عندي نقاطًا محوري ًة‬ ‫يف خامسيته ‪-‬تاريخ األديان‪ -‬وكتابه الذي يَستحق مقولة أسم عىل مسمى‬ ‫بدقة ‪-‬مغامرة العقل األوىل‪ -‬واملفكر ممدوح عدوان يف كتاباته وخاص ًة‬ ‫كتابه القيّم ‪-‬حيونة األنسان‪ -‬الذي يلخص لنا الجالد املتأصل يف النفس‬ ‫البرشية‪ ،‬ويرشح الفكر الديكتاتوري والقمعي القائم من السلطة الدينية‬ ‫دقيق ج ًدا لدرجة أين أثق أن كل ٍ‬ ‫والسياسية بشكلٍ‬ ‫شخص يقرأه سوف‬ ‫ٍ‬ ‫رش يف هذا الكتاب‪.‬‬ ‫يجد شيئًا يلمسه بشكلٍ مبا ٍ‬ ‫واملفكر الكبري جورج طرابليش والدكتور مصطفى حجازي والدكتورة‬ ‫واملفكرة الرائعة نوال السعداوي والروايئ واملفكر أمني معلوف والكثري من‬ ‫الشخصيات التي كل منها ترك شيئًا وانطبا ًعا يف أفكاري وأفكار املجتمع‬ ‫وخط الحداثة الذي نعمل عىل صياغته ليمثل الحرية لكل إنسان‪.‬‬ ‫وأكرث ما أجده ممي ًزا ويجسد الواقع يف ما كتب هؤالء املفكرون هو كتاب‬ ‫الهويات القاتلة ألمني معلوف وكتاب سكلوجية اإلنسان املقهور ودراس ٌة‬ ‫تحليلي ٌة نفسي ٌة لإلنسان املهدور للدكتور مصطفى حجازي‪ .‬وأضيف إىل‬ ‫ذلك كُتي ًبا صغ ًريا لشهيد الحرية فرج فوده إسمه الحقيقة الغائبة؛ لنعلم‬ ‫أن العلامنية هي الحل بدراس ٍة واقعي ٍة تضع مفارق ًة بني عرص الخالفة‬ ‫والوقت الحارض‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫مجد حرب‬ ‫س‪ - 12‬يقول الكاتب جوزيه ساراماغو‪« :‬األكرث رع ًبا من العمى هو أن تكون الوحيد الذي يرى»‬ ‫هل ميكننا القول أن هذا حال املثقفني يف بالدنا وهل من اإلنصاف والدقة وصف حالة هؤالء باألكرث رع ًبا حقًا؟‬ ‫ٍ‬ ‫إحباط وخراسانات تحجب‬ ‫أليس أكرث األمور متع ًة أن تصل إىل إدراك مامل يستطع غريك الوصول إليه أم أن ماينتظرك من‬ ‫كفيل فعال بخنق تلك السعادة؟‬ ‫عنك النور الذي بت تعلم بوجوده هو ٌ‬ ‫الروايئ جوزيه ساراماغو قدم الحقيقة البرشية ‪-‬الوحشية‪ -‬بتلك الرواية ليضع القارئ يف منصة من يرى كل يش ٍء عىل‬ ‫وفعل هذا ما يحدث معنى اليوم وباألخص عند الطبقة املثقفة التي ترى اللوحة كامل ًة وينهكها اإلدراك لكل‬ ‫حقيقته‪ً ،‬‬ ‫ما يحدث من تشوي ٍه وقتلٍ وشهو ٍة بشع ٍة ج ًدا منترش ًة يف املجتمع ‪-‬كام بطلة الرواية بالضبط‪.‬‬ ‫أسمي ذلك بالرضيبة‪ ،‬ولكنها رضيب ٌة تستحق الفخر بها ألن ال يغري العميان الواقع بل يغريه من يرون الحقيقة كاملة‪.‬‬ ‫ككاتب ومدونٍ يف‬ ‫س‪ - 13‬تعترب أن الظروف ليست وسيلة تربي ٍر بل ُوجدت لتُحطَّم بالكامل‪ .‬هل صادفت عوائق معينة‬ ‫ٍ‬ ‫طرح أفكارك وكيف تعاملت مع تلك العوائق إن وجدت؟‬ ‫صعب ألننا نراه من بعيد فقط ومل نحاول بعد‪ ،‬األمر يشبه تعلم اللغة!‬ ‫كنت أثق كل الثقة أن أي يش ٍء‬ ‫ٍ‬ ‫عندما تنظر إىل ٍ‬ ‫شخص يتكلم لغ ًة معين ًة بطالق ٍة تشعر أن من املستحيل أن تتكلم مثله‪ ،‬وهنا تكون أمام خيارين؛ إما‬ ‫ٍ‬ ‫وظروف لتربر لنفسك عدم قدرتك بأن تكون مثله‪،‬ومبجرد أنك وجدت مفارق ًة منطقي ًة بني وضعك‬ ‫أسباب‬ ‫أن تبحث عن‬ ‫ٍ‬ ‫ووضعه هذا يكفيك لتنسحب عن الفكرة بكل رضا‪.‬‬ ‫أو أنك تستبدل وقتك الذي تبحث فيه دامئًا عن التربير لنفسك وعن مراقبة الجميع وتصنع ظروفك أنت لتبدأ رحلتك‪،‬‬ ‫وعندما تبدأ وتخطئ مرة واثنتني وثالث وأكرث سوف تنجح بشكلٍ جز ٍّيئ‪ ،‬بتلك اللحظة سوف تنظر ألخطائك القدمية‬ ‫فشل بل هي طريق وصول‪.‬‬ ‫وتعلم أنها ليست ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ظروف معيشي ٍة ليست‬ ‫ساعات يف اليوم مع‬ ‫مغرتب عن عائلتي وعن وطني‪ ،‬أعمل ملا يزيد عن عرشة‬ ‫كشخص‬ ‫بالنسبة يل‬ ‫ٍ‬ ‫مناسب ًة؛ كنت أستطيع أن أجد الكثري من التربيرات التي تجعلني أتوقف وأتناىس ما أطمح إليه‪ ،‬لكن اكتشفت أين أقيض‬ ‫يل لتحقيق يشء‪ ٍ،‬ومن هنا بدأت خطوة األلف ميل وهل توافق أن للحرية‬ ‫وقتًا يف التفكري بذلك أكرث من وقت عم ٍّ‬ ‫خطوط حمراء وضوابط يف أوقات معينة أم أن الحرية يجب ان تكون حرة هي أيضا وبالدرجة األوىل؟‬ ‫مفهوم الحرية موسع بشكلٍ كبريٍ ويحمل الكثري والكثري من الطيات والرتاكيب الفلسفية‪ ،‬وعىل جميع األحوال ال يشء‬ ‫رسا وليس اختيا ًرا وخاص ًة تلك العبودية‬ ‫اسمه الحرية املطلقة بل الكل يعيش العبودية وتختلف الدرجات بها‪ ،‬وهذا ق ً‬ ‫املرتسخة يف الطبيعة البرشية مثل الحب والشهوة والغرية والغربة واالنتامء‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫مجد حرب‬ ‫ولهذا ألتطَّرق إىل مفهوم الحرية باملعنى الجزيئ‬ ‫ٍ‬ ‫خطوط‬ ‫فقط‪ ،‬ال نستطيع الجزم أن الحرية بدون‬ ‫مباح يف كل املجتمعات بل تتناسب‬ ‫حمراء يش ٌء ٌ‬ ‫وبشدة مع الوعي االجتامعي لذلك املجتمع خوفًا‬ ‫من أن تصاغ بشكلٍ خاطئٍ كام يحدث اليوم‪ ،‬ولهذا‬ ‫أرجح الخيار األول من السؤال ‪-‬حال ًيا يف زمننا‬ ‫الحارض عىل األقل‪ -‬وليك يوضح املوضوع بشكلٍ أكرب‬ ‫عن أحد أمثلة الحرية التي ال متلك خطوطًا حمراء‬ ‫مثل حرية التعبري املطلقة أو كام قال فولتري‪:‬‬ ‫«أنا لست من رأيكم ولكنني سأصارع من أجل‬ ‫قدرتكم عىل القول بحرية»‬ ‫هنا توجد أحقي ٌة كامل ٌة ألن يصعد أحد رجال الدين من التيار املتطرف ويقول رأيه بأن فالن يجب أن يُقتل ألنه كاف ٌر‬ ‫ويحرض وينرش الطائفية‪ ،‬وهذا بالنهاية رأيه!‬ ‫لكن مع وضع خطوط حمراء مثل التي وضعتها منظمة العفو الدولية يصبح لكل إنسانٍ الحق يف التعبري دون‬ ‫تحرييض ضد فئ ٍة معين ٍة بشكلٍ تعميمي‪ .‬وهذا أحد األمثلة من‬ ‫خطاب‬ ‫عنرصي أو‬ ‫خطاب‬ ‫خطاب كراهي ٍة أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫اجتامعي مع ٍني يحفظ عدم تقديم األذى بأي شكلٍ‬ ‫لشخص آخر باسم الحرية‪.‬‬ ‫وعي‬ ‫الكثري التي تحتاج إىل صياغة ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫س‪ - 14‬ما رأيك مبجلة امللحدين العرب ومتى تعرفت إليها للمرة األوىل؟‬ ‫تقديري كب ٌري ج ًدا للمجلة وكل القامئني عىل العمل بها من أصدقاء ومن أشخاص مل أنل رشف التعرف إليهم بعد‪ ،‬املجلة‬ ‫من أكرب الخطوات الجريئة التي ظهرت يف مجتمعنا لتكون منص ًة حر ًة بكل ما تحمل الكلمة من املعنى‪.‬‬ ‫عىل ما أذكر أن أول قراءايت يف املجلة كانت يف العدد السابع والعرشين منها وكانت قراء ًة مميز ًة ج ًدا ومثري ًة للشغف‬ ‫واألمل بأن هناك نشاطًا لفئ ٍة مفكر ٍة ومثقف ٍة من املجتمع بالرغم من أنه يتم مامرسة القمع عليها من قبل التيارات‬ ‫املتطرفة‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫مجد حرب‬ ‫س‪ - 15‬هل من رسال ٍة تود توجيهها لقراء املجلة؟‬ ‫يف البداية سوف أوجه رسال ًة للمجلة نفسها وهي أين أشكر كل طاقم العمل عىل هذا‪.‬‬ ‫قراء املجلة األعزاء‪ ،‬عندما ت ُسكن جزير ٌة من مئة ٍ‬ ‫قمعي ما دون أن يعطيهم حقهم كإنسان‪ ،‬لن‬ ‫شخص يححكمهم نظا ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫يحصلوا عىل حقهم بالتمني‪ ،‬ولن يحصلوا عىل حقهم بالتأقلم مع واقعهم‪ ،‬ولن يحصلوا عىل حقهم بأن ينظر كل ٍ‬ ‫شخص‬ ‫لآلخر راج ًيا أن يتكلم مبا يفكر‪.‬‬ ‫بل يحصلون عىل حقهم بأن يرفضوا التأقلم ليحظوا عىل استقاللهم وحريتهم‪ ،‬والسبيل لها اليوم هو العلامنية و الليربالية‬ ‫ومعاهدة حقوق اإلنسان‪.‬‬ ‫شك ًرا لك‬ ‫قام باملقابلة ‪:‬‬ ‫‪Alia’a Dimashqi‬‬

‫‪52‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪53‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬

‫‪Usama al-Binni‬‬ ‫جاهل بتفاصيل الدين‪ ،‬عىل اعتبار أن‬ ‫يحاول الكثري من املسلمني يف نقاشهم مع امللحدين(‪ )1‬أن يص ّوروا امللحد ً‬ ‫ذلك س ُيظهر أنه قد ترك الدين من منطلق جهل‪ ،‬ال من منطلق فحص‪ ،‬مام يُفقده مصداقيته يف مخ ّيلة الكثري‬ ‫جاهل بالدين‪ ،‬فهو إما تركه اتّبا ًعا للشهوات‬ ‫من املسلمني‪ ،‬ويُنهي النقاش دون حسمه فعل ًّيا‪ .‬فلو كان املرء ً‬ ‫أو انسياقًا وراء من يخدعه‪ ،‬أو غري ذلك من التفسريات التي تهدف لطأمنة املسلم بأن من املستحيل عىل‬ ‫العاقل أن يكفر بعد إميان‪ ،‬حيث يتم ذلك من خالل محاولة إزالة الرشعية من خطاب امللحد الناقد‪.‬‬ ‫مسلم وترك دينه وصار ناقدًا له‪ ،‬وهو قد يعني أيضً ا من ال يؤمن بالله باملعنى الغريب لكلمة ‪ ،atheist‬لكن‬ ‫‪ -1‬تستخدم كلمة «ملحد» هنا مبعناها العريب الذي يصف من كان‬ ‫ً‬ ‫ليس هذا املقصد الرئييس هنا‪.‬‬

‫‪54‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫وينقسم املسلمون الذين يلجؤون إىل هذا األسلوب إىل‬ ‫وعي أو تع ّمد‪ ،‬وقس ٌم‬ ‫قسمني‪ :‬قس ٌم يفعل ذلك عن غري ٍّ‬ ‫آخر يتع ّمد تحويل مسار النقاش من الحوار يف موضو ٍع ما‬ ‫إىل فحص معرفة امللحد بالدين‪ ،‬فبام أن امللحد ال ميكن أن‬ ‫مسلم حقيق ًيا‪ ،‬يف نظرهم‪ ،‬فهو ال بد أنه سيفشل‬ ‫يكون يو ًما‬ ‫ً‬ ‫يف اإلجابة عن أسئل ٍة يف الدين‪ ،‬وشيوع هذا األسلوب يعني‬ ‫أن هنالك ما يجعله بديه ًّيا يف منظور العديد من املسلمني‪،‬‬ ‫فكم م ّنا من مل يسأله مسل ٌم يو ًما ما عن عدد ركعات صالة‬ ‫مثل؟ ولرمبا اعرتضت بعضنا كذب ٌة اختلقوها عن سور ٍة‬ ‫الجنازة ً‬ ‫أسموها املزدلفة‪ ،‬هدف سؤال امللحد عنها إظهار أنه ال يعرف‬ ‫ُسور القرآن‪.‬‬

‫هل قرأت سورة‬ ‫املزدلفة ومتعنت يف‬ ‫اإلعجاز العلمي فيها؟‬

‫دين ما بأنه خاطئ؟‬ ‫فام مدى املعرفة التي يحتاجها املرء حتى يحكم عىل ٍ‬ ‫سؤال مرتبطًا‪ ،‬وهو ما مدى املعرفة التي يحتاجها املرء حتى يُعترب من أتباع دينٍ ما؟‬ ‫ويبدو أن هنالك ً‬ ‫من الواضح أن عىل من ينتقد شيئًا أن يعرف عنه ما يكفي حتى يق ّيمه وينتقده‪ ،‬فمهام كان الدين أو الفكر‪ ،‬ال يستطيع‬ ‫املرء نقده أو الحديث عنه دون معرفة ٍ‬ ‫حد أدىن من فحواه‪ .‬هذا الحد األدىن‪ ،‬بل ويزيد‪ ،‬هو بالضبط ما يتوفر لدى‬ ‫غالبية من يولدون ألبوين مسلمني ويخضعون لرتبي ٍة إسالمي ٍة يف املدرسة والبيت‪ ،‬وينطبق هذا األمر عىل السواد األعظم‬ ‫من امللحدين من أصلٍ مسلم‪ ،‬لذا فالقول من حيث املبدأ أن امللحد من أصلٍ‬ ‫تعام‬ ‫ٍ‬ ‫مسلم ال يعرف شيئًا عن اإلسالم هو ٍ‬ ‫عن مسأل ٍة مفرو ٍغ منها‪ ،‬ويعني إزالة صفة اإلسالم عن غالبية من يس ّمون مسلمني‪ .‬لكن ما يقوله املسلمون املعرتضون‬ ‫هنا من الناحية العملية هو أن املعرفة الدينية النموذجية املتأتية من الرتبية يف املنزل واملدرسة تكفي ألن يكون املرء‬ ‫أصل‪ ،‬فاالعرتاض‬ ‫مسلم‪ ،‬لكنها ال تكفي لغرض نقد اإلسالم‪ .‬ومبا أن غالبية املسلمني يعتقدون أن اإلسالم غري قابلٍ للنقد ً‬ ‫ً‬ ‫هنا ليس أكرث من ٍ‬ ‫ظاهري مساي ٍر يفرتض مسبقًا خطأ ذلك النقد‪ ،‬ولوال ذلك االفرتاض‬ ‫رفض إلمكانية النقد مبطن ًة بقبو ٍل‬ ‫ٍ‬ ‫أصل‪.‬‬ ‫(أو اإلميان) ملا صار النقاش ً‬ ‫فهل يحتاج املؤمن الوارث لدينه أن يتعمق فيه أكرث لو أراد تركه أو مل يفكر يف ذلك؟‬ ‫طاملا أنك مل تشكّك يف يش ٍء من تفاصيل دينك‪ ،‬فال داعي ألن تتعمق فيه‪ .‬إن املتشكك يف دينه‪ ،‬يطرح أسئل ًة وصل إليها‬ ‫فطرحها‪ ،‬ولكن ماذا عن أولئك الذين مل يفكروا ومل يسألوا؟ تبدو إذًا القضية وكأمنا هنالك حدو ٌد وهمي ٌة تحيط باملرء‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت بِغية إبقاء املرء داخل تلك الحدود‪ ،‬وتضيق لدى من يؤدي‬ ‫تُح ّدد أفقه الديني والحيايت‪ ،‬تتوسع لتحيط بأية‬ ‫مسلم قال‪« :‬ال أريد الوضوء قبل الصالة‪ ،‬ال أرى مغ ًزى لذلك الفعل»‪،‬‬ ‫العبادات وال يطرح األسئلة‪ .‬ولنأخذ مثالً ‪ :‬لو أن‬ ‫ً‬ ‫تربيري ميزج بني محاولة عقلنة فعل الوضوء بشكلٍ مستقلٍ عن صفته الطقسية من جهة‪ -‬من‬ ‫فسيأيت يف العادة ر ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫‪55‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫فرضا لوجود ما ينص‬ ‫حيث أنه‬ ‫ٌ‬ ‫تنظيف أو تطهري‪ -‬ومن جه ٍة أخرى يق ّدم التفسري الديني الالعقالين الذي يعترب الوضوء ً‬ ‫عىل ذلك‪.‬‬ ‫إن اقتنع السائل‪ ،‬انتهى األمر عند هذا الحد‪ ،‬ويكون هذا‬ ‫السائل قد شغل حي ًزا دين ًيا أوسع من ذلك الذي يشغله‬ ‫املسلم الذي ال يعرتض أو يتساءل‪ ،‬فإن مل يقتنع فسيحتاج‬ ‫أن يوسع رقعة ذلك الحيز إىل أن يتوقف عند ٍ‬ ‫حد ما أو‬ ‫يرتك الدين ألن رقعته مل تعد تتسع له‪.‬‬ ‫مسلم سابقًا‪،‬‬ ‫جانب آخر‪ ،‬خاص ًة عندما يكون الناقد‬ ‫مثة‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ تشبه أساليب التجار عندما ال يبدي‬ ‫فاملسألة‬ ‫الزبون اهتام ًما كب ًريا بالبضاعة‪ ،‬فيتم عرض جوانب قد‬ ‫تكون خافي ًة من محاسن الغرض الذي يُفرتض أن يشرتيه‬ ‫غرضا‬ ‫الزبون‪ ،‬فإن مل يهتم بعد كل ذلك قد يعرض البائع ً‬ ‫آخر مشاب ًها أو غري مشابه‪ .‬وكل ذلك بهدف الحفاظ عىل‬ ‫ٍ‬ ‫متثالت‬ ‫الزبون بأي مثن وإجراء صفق ٍة معه أيًا كانت‪ ،‬ونرى‬ ‫تعجيزي يجري عىل النحو‬ ‫منطلق‬ ‫لهذه النقطة أحيانًا من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫التايل‪ :‬أنت حتى ترتك الدين ال بد أن تتفقه يف كل جوانبه‬ ‫وأن تف ّند كل تفاصيله حتى تتأكد من خطئه‪ ،‬وهذه مه ّم ٌة مستحيل ٌة ال ميكن ألحد إنجازها‪ ،‬مام يعني أنك ال ميكن أن‬ ‫تطمنئ لرتكك الدين ألنك قد تكون أغفلت جانبًا من جوانبه لرمبا تثبت لك خطأ افرتاضك‪ ،‬وكون العواقب جن ٌة أو نا ٌر‬ ‫أبديتني‪ ،‬فيبدو أن للزبون مصلح ًة يف إجراء الصفقة‪ ،‬كام للتاجر‪ ،‬وإن كانت أقل مبارشةً‪.‬‬ ‫هذه الخدعة التسويقية‪ ،‬أو لنس ّمها سوء الفهم (إن تو ّخينا ُحسن النية)‪ ،‬تفرتض أن الدين هو مجموع قطعٍ متناثر ٍة تم‬ ‫كل واح ًدا‪ ،‬من منطلق أنك إما أن تؤمن بالدين كله أو تكفر به كلّه‪ .‬وهذا يتجاهل الفرق بني التفاصيل‬ ‫حبكها لتك ّون ًّ‬ ‫والترشيعات من جه ٍة واألساسات والعقيدة من جه ٍة أخرى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫متشابك تك ّونت ِقطعه بالتدريج وتغريت بحسب الظروف ومعتنقي‬ ‫هرمي‬ ‫فالدين كغريه من األنظمة الفكرية بنا ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫الدين عىل مدى قرون‪ ،‬رغم ذلك يعتقد الكثري من أهل الدين أن إنكار بعض تفاصيله هو «إنكار املعلوم من الدين‬ ‫خصوصا تجعل‬ ‫بالرضورة»‪ .‬لكن رغم الخطأ الواضح لهذا االفرتاض‪ ،‬فثمة خصائص يف تركيبة الدين عمو ًما واإلسالم‬ ‫ً‬ ‫من التفاصيل بأهمية األسس واألركان‪ ،‬ذلك أن الدين لو كان هو الحقيقة املطلقة اآلتية من أعىل سلط ٍة يف الوجود‬ ‫وكامل مبا يف‬ ‫ٌ‬ ‫صحيح‬ ‫فضلته تلك السلطة واصطفته عىل كل البرش‪ ،‬فال بد أن كل ما فيه‬ ‫وبواسط ٍة من الرسول الذي ّ‬ ‫ٌ‬ ‫‪56‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫رضوري لصيانة قداسة الدين‬ ‫مقدسا‪ ،‬و ِقرص النظر التاريخي والفكري هذا‬ ‫ذلك أصغر التفاصيل‪ ،‬مام يجعل كل ما فيه‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫طب ًعا‪ ،‬فاالستغراق يف الطقوس والتفاصيل وعدم رؤية الصورة الكربى‪ ،‬وجعل كل تفصيل ٍة بنفس أهمية أكرب أساس‪ ،‬يضيع‬ ‫املؤمن يف هذه التفاصيل ويعميه عن رؤية املشاكل التي يراها الناقد للدين‪ ،‬ولعلنا نعيش حقب ًة بدأ بعض املسلمني‬ ‫مقدسا تع ّدى القرآن ليشمل السنة وما يسمى كتب الرتاث بل والتاريخ اإلسالمي‬ ‫أنفسهم يدركون أن مقدار ما صار‬ ‫ً‬ ‫بأرسه‪.‬‬ ‫ولطبيعة عملية تحصيل املعرفة يف الرتاث اإلسالمي من وجهة نظر املسلم كبري األثر يف هذه املسألة‪ ،‬وهو أم ٌر نراه قد‬ ‫اتخذ صبغ ًة رشعي ًة من خالل ما يُعرف بعلم الرجال‪ ،‬حيث نرى تراث ًا من نبذ أو قبول كالم الشخص برصف النظر عن‬ ‫محتواه استنا ًدا لسريته‪.‬‬ ‫ففي منظور غالبية املسلمني يوجد تقدي ٌم للنقل عىل العقل‪ ،‬حيث يكون العالِم هو الناقل األمني قبل أن يكون العاقل‬ ‫املفكر‪ ،‬فلو كانت الحقيقة املطلقة متمثل ًة بالدين اإلسالمي الذي ال حقيقة بعده‪ ،‬فكل ٍ‬ ‫نقاش ال بد أن يدور يف فلك‬ ‫تلك الحقيقة ويؤول إليها يف نهاية املطاف‪ ،‬وهذه الحقيقة ال تحتاج أن تكون مفهوم ًة متا ًما عىل املستوى العقالين‪ ،‬وكل‬ ‫املطلوب هو قبولها التام غري املشوب ٍ‬ ‫بشك أو تساؤل‪.‬‬ ‫محتوم عند نقاش الكثري من املسلمني للملحدين‪ ،‬فامللحد هو‬ ‫لهذا السبب يبدو الوقوع يف مغالطة الشخصنة أم ًرا شبه‬ ‫ٍ‬ ‫شخص مل يقبل هذه الحقيقة بأبسط أشكالها‪ ،‬مام يعني أن خطابه مكذوب‪ ،‬وهذا ليس فقط ألن محتوى هذا الخطاب‬ ‫ٌ‬ ‫محتوى سيقدمه بغض النظر عن صحته أو خطأه‪ ،‬وإثبات‬ ‫خاطئ‪ ،‬ولكن ألن قائله ضال‪ ،‬بل إن ضالله يغطي عىل أي‬ ‫ً‬ ‫ضالله ال يحتاج نقاشه بالتفاصيل (إذ أن نقاش الضال بحد ذاته مدعا ٌة للضالل)‪ ،‬فيكفي إذًا أن يتم إظهار جهله بأي‬ ‫تفصيلٍ من تفاصيل الدين‪ ،‬جوهريًا كان أو سطح ًيا حتى يتم «فضحه» من خالل إفقاد خطابه الرشعية‪.‬‬ ‫ومبا أن العقل من وجهة املسلم النموذجي هو يف تفسري وفهم النقل وتطبيقه‪ ،‬فإن الناقد للدين يُعا َمل معاملة من‬ ‫أساء النقل ال معاملة من يقدم حج ًة عقلي ًة مستقل ًة عن الدين تستدعي الرد عليها بحد ذاتها‪ .‬لذا‪ ،‬نجد أن امللحد يف‬ ‫مجروح يف ٍ‬ ‫نقاط كثري ٍة ليس بسبب تلك النقاط بحد ذاتها ولكن ألنه كإنسانٍ قد ضل الطريق‪.‬‬ ‫منظور الكثري من املسلمني‬ ‫ٌ‬ ‫كاف لجعله مخطئًا يف غريها حتى لو مل تكن ذات عالق ٍة مبا يطرحه‪ .‬فهو قد يكون مخطأً‬ ‫وإظهار خطأه يف تفصيل ٍة ما‪ٍ ،‬‬ ‫ألنه مل يعرف عن سورة املزدلفة املختلقة‪ ،‬أو ألنه يأكل لحم الخنزير‪ ،‬أو ألنه ينكح أخته وما إىل ذلك من أساليب تشتيت‬ ‫النقاش املعهودة التي يتبعها الكثري من املسلمني‪ .‬لذا يرى املسلم أن امللحد غري مؤهلٍ أو مخو ٍل بالحديث يف الدين‪،‬‬ ‫فارتكاب مغالطة الشخصنة يف هذا السياق ليست أكرث من أحد متثالت حاجة املسلم بكبت النقد وإسكات الناقد‪ .‬وهذا‬ ‫مسلم‪.‬‬ ‫مسلم‪ ،‬وعىل الناقد الذي مل يكن يو ًما‬ ‫ينطبق عىل امللحد الذي كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪57‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫فنقاش اإلسالم هو حك ٌر عىل املسلمني يف رأيهم‪ ،‬ونقاش األمور الفقهية التي تحتوي تساؤالت تتع ّدى املعرفة املتاحة‬ ‫يظلن يف إطا ٍر محدو ٍد ال‬ ‫تحدي ًدا هي حك ٌر عىل كهنة الدين‪ ،‬وحتى عندما تصل املسألة إىل هؤالء فإن اإلفتاء والرد ّ‬ ‫يشجع السؤال وحرية التفكري‪ .‬لذا‪ ،‬ترى املسلمني يسعون للتسفيه من شخص الناقد والتقليل من شأن معرفته الدينية‪،‬‬ ‫طائش جاهلٍ انساقوا بشكلٍ أعمى وراء تأثري ٍ‬ ‫شباب ٍ‬ ‫ات خارجي ٍة خبيثة‪ ،‬أو أنهم‬ ‫فيعمدون ً‬ ‫مثل العتبار امللحدين مجموعة ٍ‬ ‫هم أنفسهم تلك التأثريات العميلة‪.‬‬ ‫والرتاث اإلسالمي ميل ٌء مبحفزات كبت السؤال‪ ،‬ولننظر كيف يرِد ذلك من خالل مجموعة مواقف شائعة‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ ُ ْ ُ ُ ُ‬ ‫َ َُ َ ْ‬ ‫ُ َ ُ َ ْ ُ‬ ‫ِين َ‬ ‫مثل‪﴿ :‬يَا َأ ُّي َها َّال َ‬ ‫آم ُنوا َل ت َ ْسألُوا َع ْن أ ْش َي َ‬ ‫نل الق ْرآن تبْ َد‬ ‫اء إِن تبْ َد لك ْم ت ُسؤك ْم ِإَون ت ْسألوا عن َها حِني ي‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫الل َعنْ َها َو َّ ُ‬ ‫ك ْم َعفا َّ ُ‬ ‫الل غف ٌ‬ ‫ور َحل ٌ‬ ‫ِيم﴾ (املائدة‪.)101 :‬‬ ‫ل‬

‫والحديث القائل‪« :‬إن الله كره لكم ثالث ًا‪ :‬قيل وقال‪ ،‬وإضاعة املال‪ ،‬وكرثة السؤال» رواه البخاري (‪ )1407‬ومسلم (‪.)593‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بالخرض‪﴿ :‬ف َو َج َدا عبْ ًدا م ِْن ع َِبادِنا‬ ‫وكذلك قصة موىس والحكيم الوارد ذكره يف سورة الكهف‪ ،‬والذي يسميه املسلمون‬ ‫َ ْ َ ُ َ ْ َ ً ْ ْ َ َ َ َّ ْ َ ُ ْ َ ُ َّ ْ‬ ‫َ َ َ ُ ُ َ َ ْ َ َّ ُ َ َ َ َ ْ ُ َ َّ‬ ‫َّ ُ ّ ْ َ ُ ًْ‬ ‫آ َتيناه رحة مِن عِندِنا وعلمناه مِن‬ ‫لنا عِل ًما ے قال ل موس هل أتبِعك ع أن تعل ِم ِن مِما عل ِمت رشدا﴾‬

‫(الكهف‪.)66-65 :‬‬

‫ويف هذه اإلشارات نرى حض املؤمن عىل تلقي املعرفة الدينية والسكوت عن السؤال ألن هذه املعرفة ال تأيت لكل‬ ‫أصل‪ ،‬أو كان معدو ًدا عىل املسلمني فرتك الدين؟‬ ‫مسلم ً‬ ‫شخص‪ ،‬فام بالك لو مل يكن هذا الشخص‬ ‫ً‬ ‫تقنني املعرفة بهذا الشكل ال يختص باإلسالم وحده‪ ،‬فوجود الكهنة‪ ،‬حراس العقيدة‪ ،‬موجو ٌد يف كل األديان‪ ،‬وتقديس‬ ‫املعرفة الدينية بني أهل الدين يبدو أم ًرا طبيع ًيا‪ ،‬فبدون تقديس هذه املعرفة يفقد الدين سطوته‪ .‬ويف اإلسالم‪ ،‬وغريه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫رسا للقرآن ً‬ ‫نرى وجود‬ ‫رشوط عديد ٍة حتى يصري املسلم مفت ًيا أو مف ً‬ ‫علم بالدين أكرث من عموم املسلمني حتى يتمكنوا من توفري الردود‬ ‫فأولئك هم األفراد الذين يفرتض أنهم ميلكون ً‬ ‫أشخاص م ّروا بأوسع دوائر التعلم الديني وبقوا‬ ‫املفحمة الشافية التي تبقي املسلم داخل حدود الدائرة الدينية‪ :‬هم‬ ‫ٌ‬ ‫مسلم عاديًا بأن قام مبا يقوم به كهنة‬ ‫شخص تعدى صالحياته عندما كان‬ ‫مؤمنني‪ .‬ومن هذا املنطلق يكون امللحد هو ٌ‬ ‫ً‬ ‫الدين دون أن يكون كاه ًنا‪ .‬وكخالصة‪ ،‬فإجابة السؤال األصيل يف هذا املقال هي إذًا‪:‬‬ ‫ال‪ ،‬ال يحتاج امللحد أن يكون فقي ًها بالدين‪ ،‬أي ال يحتاج اإلملام بالدين حتى ميتلك الرشعية لرتكه أو لنقده‪،‬‬ ‫‪58‬‬


‫هل يجب عىل امللحد أن يكون‬ ‫فقي ًها يف دينه حتى ينبذه؟‬ ‫شخصا تعلم الدين وميلك عىل األقل معرفة املسلم النموذجي إن مل يكن‬ ‫فعالو ًة عىل كون املسلم السابق بالتعريف ً‬ ‫أكرث‪ ،‬فالكثري من مزاعم الدين تتعلق بأمو ٍر حياتي ٍة وفلسفي ٍة وإنساني ٍة ومعالجة الدين لها ميكّن ال ُحكم عليها دون حاج ٍة‬ ‫للّجوء لتفاصيل الدين‪ ،‬ولكن إن كان املرء ينتقد تقاطع هذه األمور مع ٍ‬ ‫نقاط محدد ٍة من الدين‪ ،‬ويريد لذلك النقد أن‬ ‫يكون موضع حوا ٍر مع مسلم‪ ،‬فعىل الناقد اإلملام مبا يتصل بفحوى النقاش وإدراج هذا اإلملام يف النقاش‪.‬‬ ‫هذا قد يستفز املسلم فيحاول «فحص» معرفة الناقد‪ ،‬ذلك أن الناقد يق ّدم تح ٍّد للمسلم يتعدى خطأ تفسريه لدينه‬ ‫إىل خطأ دينه ككل‪ .‬والواقع أننا إن نظرنا إىل املوضوع نظر ًة أخرى نرى أن الكثري من امللحدين ينظرون بالفعل نفس‬ ‫النظرة اإلسالمية التقليدية للدين‪ ،‬ولهذا ينتهي بهم املطاف لرتكه‪ :‬فقد يرتك امللحد دينه السابق بسبب تفصيل ٍة محدد ٍة‬ ‫ال يستطيع قبولها‪ ،‬وبدل أن يرفض التفصيلة بأن يحاول البحث عن تفاسري بديل ٍة أو إهامل تلك التفصيلة بشكلٍ‬ ‫ترقيعي‬ ‫ٍّ‬ ‫يفضل ترك الدين كله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مثل‪ ،‬فهو يعج باآليات املتناقضة‪ ،‬ولكنه يف املحصلة يحتوي ٍ‬ ‫آيات تح ّرض عىل إيذاء الكافر‪ ،‬تحض عىل‬ ‫لننظر إىل القرآن ً‬ ‫عدم املساواة بني الرجل واملرأة وغري ذلك‪ .‬وقعت عىل َم ّر العصور الكثري من البهلوانات الفكرية التي متزج بني إعادة‬ ‫تفسري وفهم ٍ‬ ‫كل واح ًدا‬ ‫آيات يف سياقها التاريخي وغري ذلك‪ ،‬وكل ذلك ألن املؤمن يرى القرآن‪ ،‬عىل تشظيه وعدم متاسكه‪ًّ ،‬‬ ‫وصحيح ومحفوظ‪،‬‬ ‫كامل‬ ‫ال يتجزأ نزل من عند الله وكله ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وامللحد باملقابل للسبب نفسه بالضبط قد يرفض القرآن‪ ،‬لكن االختالف بينه وبني املسلم أن امللحد قد أقر بإمكانية‬ ‫خطأ القرآن‪ ،‬وأدرك تعا ُر ًضا حتى ولو تفصيل ًة واحد ًة من القرآن مع فهم الشخص وتصوره لطبيعة أم ٍر ما‪ ،‬سواء أكان أم ًرا‬ ‫أخالق ًيا أو علم ًيا‪ ،‬فإن رفض آي ٍة هو رفض الكتاب ككل‪.‬‬ ‫عىل امللحد الناقد إذًا اإلملام بالجانب الذي ينتقده من الدين وما‬ ‫يتصل به‪ ،‬ويف نفس الوقت عليه أن ينتبه وأن ين ّبه محاوره املؤمن‬ ‫بأن معرفة تفاصيل هذا األمر ال تقتيض معرفة كل تفاصيل الدين غري‬ ‫ذات الصلة‪ ،‬ولرمبا اإليضاح الرصيح املبارش لغياب الربط املنطقي‬ ‫حل إن كان الطرفان مهت ّمني باالستمرار يف النقاش‪ ،‬وجانب‬ ‫هو أفضل ٍّ‬ ‫املبادرة من هذه املسؤولية يقع لألسف عىل عاتق امللحد ال املؤمن‪،‬‬ ‫ذلك أن املؤمن النموذجي يأيت للنقاش بهدف دحض كالم امللحد‬ ‫واالطمئنان لدينه‪ ،‬وبالتايل فإنه إن وجد ما يعتربه مخر ًجا حتى لو مل‬ ‫يكن ذا صل ٍة بالنقاش فهو عىل األرجح سيأخذه‪ ،‬ويف معيار الكثري من‬ ‫املسلمني يعترب هذا مخر ًجا مرشو ًعا‪ ،‬بل وحتى بديه ًيا‪.‬‬ ‫‪59‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

60


‫ﺳﻴﺮة‬ ‫ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ آﻣﻨﺔ‬

‫اﻟﺤﻠﻘﺔ اﻟﺜﺎﻧﻴﺔ ﻋﺸﺮة‪ :‬اﻟﻤﻼك ﺟﺒﺮﻳﻞ‬

‫ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻋﻦ اﻟﻔﺮﻧﺴﻴﺔ ﻟﻜﺘﺎب‬ ‫‪LA VIE DE MAHOMET‬‬ ‫ﺗﺮﺟﻤﺔ‪ :‬ﺳﺎرة ﺳﺮﻛﺴﻴﺎن‬ ‫إﺧﺮاج‪ :‬أﺳﺮة ﺗﺤﺮﻳﺮ ﻣﺠﻠﺔ اﻟﻤﻠﺤﺪﻳﻦ اﻟﻌﺮب‬

‫‪61‬‬


‫اﻟﻤﻼك ﺟﺒﺮﻳﻞ‬

‫ﺑﻴﻨﻤﺎ ﻫﻮ ﻳﺘﺄﻣﻞ‪ ،‬إذ ﺑﻪ ﻳﺮى ﻓﻲ اﻟﺴﻤﺎء‬ ‫ﺟﺒﺮﻳﻞ ‪.‬‬

‫ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻮﻓ ًﺎ‬ ‫ارﺗﻌﺪ ٌ‬ ‫وأدار وﺟﻬﻪ‪.‬‬

‫ﻓﻲ ﻣﺴﺎء ﻳﻮم اﻹﺛﻨﻴﻦ‪ ،‬وﻓﻲ ﻳﻮم‬ ‫ﺗﻮﺟﻪ ﻣﺤﻤﺪ‬ ‫ﻋﻴﺪ ﻣﻴﻼده اﻷرﺑﻌﻴﻦ‪ّ ،‬‬ ‫)‪(1‬‬ ‫ﻟﻴﺘﻌﺒﺪ‪.‬‬ ‫ﻟﻐﺎر ﺣﺮاء ّ‬

‫ﻟﻜﻦ ﻛﻠﻤﺎ ﻧﻈﺮ إﻟﻴﻪ‪ ،‬رأى ﻫﺬا اﻟﻤﻼك‬ ‫رزﻳﻨ ًﺎ وﻣﻄﻤﺌﻨﺎً‪.‬‬

‫اﻷﻣﺔ‪ ،‬ﻟﻬﺬا ﻋﻠﻴﻚ‬ ‫ﻳﺎ ﻣﺤﻤﺪ‪ ،‬أﻧﺖ رﺳﻮل اﷲ ﻟﻬﺬه ّ‬ ‫أن ﺗﺪﻋﻮ اﻟﺠﻦ واﻷﻧﺲ‬ ‫ﻷن ﻳﺸﻬﺪوا ‪..‬‬

‫أن ﻻ إﻟﻪ إﻻ اﷲ ‪.‬‬

‫وﺿﻊ أﻣﻴﻦ اﻟﻮﺣﻲ اﻹﻟﻬﻲ ﺑﻴﻦ ﻳﺪي ﻣﺤﻤﺪ ﻗﻄﻌﺔ ورق ﻧﻔﻴﺲ ﻣﺰﻳﻨﺔ‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺮواﻟﺰﻣﺮد‪.‬‬ ‫ﻣﺎ أﻧﺎ ﺑﻘﺎرىء !‬ ‫أﻗﺮأ !‬

‫‪62‬‬


‫اﻗﺮأ !‬

‫اﻗﺮأ ﺑﺴﻢ رﺑﻚ اﻟﺬي ﺧﻠﻖ‪ ،‬ﺧﻠﻖ اﻹﻧﺴﺎن‬ ‫ﻣﻦ ﻋﻠﻖ‪ ،‬اﻗﺮأ ورﺑﻚ اﻷﻛﺮم‪ ،‬اﻟﺬي‬

‫ﻣﺎ أﻧﺎ‬ ‫ﺑﻘﺎرىء !‬

‫ﻋﻠّﻢ ﺑﺎﻟﻘﻠﻢ‪ ،‬ﻋﻠّﻢ اﻹﻧﺴﺎن‬ ‫ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻌﻠﻢ‪.‬‬

‫ﻟﻴﻔﺠﺮ ﻧﺒﻊ ﻣﺎء‪ ،‬وأﻣﺮ‬ ‫ﺛﻢ ﺿﺮب اﻷرض ﺑﻘﺪﻣﻪ ّ‬ ‫اﻟﻤﺼﻄﻔﻰ أن ﻳﺘﻮﺿﺄ ﺑﻤﺎﺋﻪ‪.‬‬

‫وﻫﻜﺬا‪ ،‬أوﺣﻰ ﺟﺒﺮﻳﻞ ﻟﻤﺤﻤﺪ أوﻟﻰ آﻳﺎت اﻟﻘﺮآن‪.‬‬

‫ﺛﻢ ﻋﻠﻤﻪ اﻟﺼﻼة‪.‬‬

‫)‪(2‬‬

‫)‪(3‬‬

‫ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﻋﻮدﺗﻪ ﻟﻠﺒﻴﺖ‪ ،‬ﻛﺎن ﻣﺤﻤﺪ ﻓﺰﻋ ًﺎ ﻣﻤﺎ رأى‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫زﻣﻠﻮﻧﻲ! زﻣﻠﻮﻧﻲ!‬

‫ﺑﺎﺳﻢ اﻟﺮب اﻟﺬي ﻳﻤﻠﻚ روﺣﻲ‪ ،‬أﺗﻤﻨﻰ‬ ‫ﻣﻦ ﻛﻞ ﻗﻠﺒﻲ أن ﺗﻜﻮن أﻧﺖ ﻫﻮ اﻟﻨﺒﻲ‬ ‫اﻟﻤﻨﺘﻈﺮ!‬

‫)‪(4‬‬

‫أﺟﻠﺴﺘﻪﺑﻌﺪﻫﺎﺑﻴﻦﺳﺎﻗﻴﻬﺎ‪.‬‬

‫دﻋﺘﻪ ﺧﺪﻳﺠﺔ ﻟﻴﺠﻠﺲ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﻫﺎ‪ ،‬وﻃﻠﺒﺖ ﻣﻨﻪ‬ ‫أن ﻳﺤﻜﻲ ﻟﻬﺎ ﻣﺎ ﺟﺮى ﻟﻪ ﻓﻲ اﻟﻐﺎر ‪.‬‬

‫ﻫﻞ ﺗﺮاه اﻵن ؟‬

‫ﻫﻞ ﺗﺮاه اﻵن ؟‬

‫ﻧﻌﻢ‪ ،‬أراه‬ ‫ﻳﺎﺧﺪﻳﺠﺔ‪.‬‬

‫ﻧﻌﻢ‬ ‫أﻧﺎ أراه‪.‬‬

‫واﻵن ؟‬ ‫ﻻ‪ ،‬ﻟﻢ أﻋﺪ أراه‪.‬‬

‫واﷲ إن ﻫﺬا اﻟﺬي ﺗﺮاه ﻟﻴﺲ ﺷﻴﻄﺎﻧ ًﺎ ﺑﻞ ﻣﻼك‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫)‪(5‬‬


‫أول ﺷﻲٍء ﻗﺎم ﺑﻪ ﻣﺤﻤﺪ ﻫﻮ اﻟﺬﻫﺎب‬ ‫ﻟﻠﻄﻮاف ﺣﻮل اﻟﻜﻌﺒﺔ‪ ،‬ﺣﻴﺚ اﻟﺘﻘﺎه‬ ‫ورﻗﺔ ﺑﻦ ﻧﻮﻓﻞ‪.‬‬

‫ﻫﺬا اﻟﻜﺎﺋﻦ اﻟﻤﻘﺪس‬ ‫ﻫﻮ ﻧﻔﺴﻪ اﻟﺬي‬ ‫ﻛﻠّﻢﻣﻮﺳﻰ!‬

‫ﻟﻢ ﻧﺨﻄﻰء إذاً‪،‬‬ ‫أﻧﺖ ﻓﻌ ًﻼ رﺳﻮ ٌل‬ ‫ﻣﻦ ﻋﻨﺪ اﷲ!‬

‫ﺑﻌﺪ أرﺑﻌﻴﻦ ﺳﻨﺔ‪ ،‬ﻓﻬﻢ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻐﺎﻳﺔ‬ ‫)‪(6‬‬ ‫ﻣﻦ وﺟﻮده ﻓﻲ ﻫﺬه اﻟﺪﻧﻴﺎ‪.‬‬

‫‪65‬‬


‫(‪ .)1‬سن محمد عند بدء الوحي‪:‬‬

‫‪ l‬قال ابن إسحق‪ :‬ملا بلغ رسول الله أربعني سنة بعثه الله رحمة للعاملني‪ ،‬وكافة للناس أجمعني‪ ...‬فعن أنس بن مالك‪« :‬أن رسول الله بعث عىل رأس‬ ‫األربعني» ‪ .‬قال‪ :‬وهذا هو املشهور بني الجمهور من أهل السري‪ ،‬والعلم باألثر‪.‬‬ ‫حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعاىل به ما أراد من كرامته وذلك شهر رمضان‪ ،‬وقيل شهر ربيع األول‪ ،‬وقيل شهر رجب خرج رسول الله إىل حراء‪...‬‬ ‫قال بعضهم‪ :‬القول بأنه يف ربيع األول يوافق القول بأنه بعث عىل رأس األربعني ألن مولده كان يف ربيع األول عىل الصحيح‪ ...‬وسيأيت يف بعض الروايات‬ ‫أن جربيل عليه السالم نزل يف سحر تلك الليلة التي هي ليلة االثنني‪ ...‬ويجوز أن يكون كل من تلك الليايل كانت ليلة االثنني‪ ،‬فقد جاء أن رسول الله قال‬ ‫لبالل‪« :‬ال يفوتك صوم يوم االثنني‪ ،‬ألين ولدت فيه‪ ،‬ونبئت فيه»‪ ...‬ويف كالم بعضهم أتاه صىل الله عليه وسلم جربيل ليلة السبت وليلة األحد‪ ،‬ثم ظهر له‬ ‫بالرسالة يوم االثنني لسبع عرشة خلت من رمضان يف حراء‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب بيان حني املبعث وعموم بعثته‪ ،‬وباب بدء الوحي‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)340 + 322( :‬‬

‫(‪ .)2‬رؤيته لجربيل‪:‬‬

‫‪ l‬ويف سفر السعادة ما يقتيض أنه جاء بالنمط يقظة يف حراء‪ ،‬ونصه «فبينام هو يف بعض األيام قائم عىل جبل حراء إذ ظهر له شخص وقال‪ :‬أبرش يا‬ ‫محمد أنا جربيل وأنت رسول الله لهذه األمة‪ ،‬ثم أخرج له قطعة منط من حرير مرصعة بالجواهر ووضعها يف يده وقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬قال والله ما أنا بقارئ وال‬ ‫أدري يف هذه الرسالة كتابة‪ ،‬قال‪ :‬فضمني إليه وغطني حتى بلغ مني الجهد‪ ،‬فعل ذلك يب ثالثا وهو يأمرين بالقراءة‪ ،‬ثم قال‪ :‬اقْ َرأْ ب ِْاسمِ َربِّ َك‪.‬‬ ‫قال فخرجت‪ ،‬أي من الغار‪ :‬أي وذلك قبل مجيء جربيل إليه صىل الله عليه وسلم باقرأ خالفا ملا يقتضيه السياق‪ ،‬حتى إذا كنت يف شط من الجبل‪ ،‬أي‬ ‫يف جانب منه‪ ،‬سمعت صوتا من السامء يقول‪ :‬يا محمد أنت رسول الله وأنا جربيل‪ ،‬فوقفت أنظر إليه‪ ،‬فإذا جربيل عىل صورة رجل ّ‬ ‫صاف قدميه‪ ،‬أي ويف‬ ‫رواية‪ ،‬واضعا إحدى رجليه عىل األخرى يف أفق السامء‪ ،‬أي نواحيها‪ ،‬يقول‪ :‬يا محمد أنت رسول الله وأنا جربيل‪ ،‬فوقفت أنظر إليه‪ ،‬فام أتقدم وما أتأخر‪،‬‬ ‫وجعلت أرصف وجهي عنه يف آفاق السامء‪ ،‬فال أنظر يف ناحية منها إال رأيته كذلك‪ ،‬فام زلت واقفا‪ ،‬ما أتقدم أمامي وما أرجع ورايئ‪ ،‬حتى بعثت خديجة‬ ‫رسلها يف طلبي فبلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف يف مكاين ذلك‪ ،‬ثم انرصف عني وانرصفت راجعا إىل أهيل حتى أتيت خديجة‪ :‬أي يف الغار‪ ،‬فجلست‬ ‫إىل فخذها مضيفا إليها أي مستندا إليها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا أبا القاسم أين كنت؟ فو الله لقد بعثت رسيل يف طلبك فبلغوا مكة ورجعوا إيل‪.‬‬ ‫وعن عائشة ريض الله تعاىل عنها «جاءه امللك سحرا» أي سحر يوم االثنني يقظة ال مناما‪ ،‬أي بغري منط‪ ،‬فقال له اقرأ‪ .‬قال‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬أي ال أوجد القراءة‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فأخذين فغطني‪ ،‬أي ضمني وعرصين‪ .‬ويف لفظ فأخذ بحلقي حتى بلغ مني الجهد‪ ،‬ثم أرسلني فقال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬أي ال أحسن القراءة‪،‬‬ ‫أي يشء أقرؤه‪ .‬وفيه أنه لو كان كذلك‬ ‫أي ال أحفظ شيئا أقرؤه‪ ،‬فأخذين فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد‪ ،‬ثم أرسلني فقال‪ :‬اقرأ فقلت‪ :‬ما أنا بقارئ‪ ،‬أي ّ‬ ‫لقال ما أقرأ‪ ،‬أو ماذا أقرأ‪ .‬إال أن يقال أطلق ذلك وأراد الزمه الذي هو االستفهام‪ ،‬خصوصا وقد قدمه قال‪ :‬فأخذين فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد‪،‬‬ ‫النْسا َن ِم ْن َعلَقٍ ‪ ،‬اقْ َرأْ َو َربُّ َك ْالَكْ َر ُم‪ ،‬ال َِّذي َعلَّ َم بِالْ َقلَمِ ‪َ ،‬علَّ َم ْ ِ‬ ‫ثم أرسلني فقال‪ :‬اقْ َرأْ ب ِْاسمِ َربِّ َك ال َِّذي َخل َ​َق‪َ ،‬خل َ​َق ْ ِ‬ ‫النْسا َن ما لَ ْم يَ ْعلَ ْم‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب بدء الوحي‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)345 + 342 + 341( :‬‬

‫(‪ .)3‬تعليم جربيل الوضوء والصالة ملحمد‪:‬‬

‫‪ l‬قال ابن إسحاق‪ :‬وحدثني بعض أهل العلم‪ :‬أن الصالة حني افرتضت عىل رسول الله ‪ ،‬أتاه جربيل وهو بأعىل مكة‪ ،‬فهمز له بعقبه يف ناحية الوادي‪،‬‬ ‫فانفجرت منه عني‪ ،‬فتوضأ جربيل عليه السالم‪ ،‬ورسول الله ينظر إليه‪ ،‬لرييه كيف الطهور للصالة‪ ،‬ثم توضأ رسول الله كام رأى جربيل توضأ‪ ،‬ثم قام به‬ ‫جربيل فصىل به‪ ،‬وصىل رسول الله بصالته‪ ،‬ثم انرصف جربيل عليه السالم‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية البن هشام‪ ،‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب الحلبي وأوالده مبرص‪ ،‬الطبعة الثانية‪1375 ،‬هـ ‪ 1955 -‬م‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)244( :‬‬

‫(‪ .)4‬زملوين زملوين‪:‬‬

‫‪ l‬وملا قرأ رسول الله تلك اآلية رجع بها ترجف بوادره‪ ،‬والبادرة اللحمة التي بني املنكب والعنق‪ ،‬تتحرك عند الفزع ويقال لها الفريصة والفرائص‪ :‬أي‬ ‫ويف رواية «فؤاده» أي قلبه‪ ،‬وال مانع من اجتامع األمرين‪ ،‬حتى دخل صىل الله عليه وسلم عىل خديجة فقال‪ :‬زملوين زملوين‪ ،‬أي غطوين بالثياب‪ ،‬فزملوه‬ ‫حتى ذهب عنه الروع‪ ،‬بفتح الراء‪ :‬أي الفزع «ثم أخربها الخرب وقال‪ :‬لقد خشيت عىل نفيس‪ ،‬ويف رواية‪ ،‬عىل عقيل‪ ،‬كام يف «األمتاع»‪ ،‬قالت له خديجة‪:‬‬

‫‪66‬‬


‫كال أبرش‪ ،‬فو الله ال يخزيك الله أبدا‪ ،‬أي ال يفضحك‪.‬‬ ‫قال‪ :‬جاورت بحراء‪ ،‬فلام قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن مييني فلم أر شيئا‪ ،‬فنظرت عن يساري فلم أر شيئا فنظرت من خلفي فلم أر شيئا‪،‬‬ ‫فرفعت رأيس فرأيت شيئا بني السامء واألرض‪ ،‬أي ويف رواية‪ ،‬فإذا امللك الذي جاءين بحراء جالس عىل كريس‪ ،‬زاد يف رواية‪ ،‬مرتبعا عليه‪ ،‬ويف لفظ‪ ،‬عىل عرش‬ ‫يل ماء باردا‪.‬‬ ‫يل ماء بارد فدثروين وصبوا ع ّ‬ ‫بني السامء واألرض‪ ،‬فرعبت منه‪ ،‬فأتيت خديجة فقلت‪ :‬دثروين دثروين‪ ،‬أي ويف رواية‪ ،‬زملوين زملوين‪ ،‬وصبوا ع ّ‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب بدء الوحي‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)357 + 346( :‬‬

‫(‪ .)5‬اختبار خديجة للوحي‪:‬‬

‫‪ l‬وعن إسامعيل بن أيب حكيم‪ :‬أنه ح ّدث عن خديجة أنها قالت لرسول الله‪ :‬أتستطيع أن تخربين بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال نعم‪ ،‬أي‬ ‫وذلك قبل أن يأتيه بالقرآن‪ :‬أي بيشء منه‪ ،‬وهو اقْ َرأْ ب ِْاسمِ َربِّ َك‪ ،‬بناء عىل أنه أول ما نزل‪ .‬فجاءه جربيل‪ ،‬فقال لها رسول الله‪ :‬يا خديجة‪ ،‬هذا جربيل قد‬ ‫جاءين‪ :‬أي قد رأيته‪ ،‬قالت‪ :‬قم يا بن عمي فاجلس عىل فخذي‪ ،‬فقام رسول الله فجلس عىل فخذها‪ ،‬قالت‪ :‬هل تراه؟ قال نعم‪ ،‬قالت‪ ،‬فتحول فاجلس يف‬ ‫حجري‪ ،‬فتحول رسول الله فجلس يف حجرها‪ ،‬قالت‪ :‬هل تراه؟ قال نعم‪ ،‬فألقت خامرها ورسول الله جالس يف حجرها ثم قالت‪ :‬هل تراه؟ قال ال‪ ،‬قالت‪:‬‬ ‫يابن عمي اثبت وأبرش فو الله إنه مللك ما هذا بشيطان‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب بدء الوحي‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)358( :‬‬ ‫‪ l‬عن خديجة أنها قالت لرسول الله‪ :‬أي ابن عم‪ ،‬أتستطيع أن تخربين بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬فإذا جاءك فأخربين به‪ .‬فجاءه‬ ‫جربيل كام كان يصنع‪ ،‬فقال رسول الله‪ :‬يا خديجة‪ ،‬هذا جربيل قد جاءين‪ ،‬قالت‪ :‬قم يا بن عم فاجلس عىل فخذي اليرسى‪ ،‬قال فقام رسول الله فجلس‬ ‫عليها‪ ،‬قالت‪ :‬هل تراه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قالت‪ :‬فتحول فاجلس عىل فخذي اليمنى‪ ،‬قالت‪ :‬فتحول رسول الله فجلس عىل فخذها اليمنى‪ ،‬فقالت‪ :‬هل تراه؟ قال‪:‬‬ ‫نعم‪ .‬قالت‪ :‬فتحول فاجلس يف حجري‪ ،‬قالت‪ :‬فتحول رسول الله فجلس يف حجرها‪ ،‬قالت‪ :‬هل تراه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فتحرست وألقت خامرها ورسول الله‬ ‫جالس يف حجرها‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬هل تراه؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬قالت يا بن عم‪ ،‬اثبت وأبرش‪ ،‬فو الله إنه مللك وما هذا بشيطان‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وقد حدث عبد الله‬ ‫بن حسن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬قد سمعت أمي فاطمة بنت حسني تحدث بهذا الحديث عن خديجة‪ ،‬إال أين سمعتها تقول‪ :‬أدخلت رسول الله بينها وبني‬ ‫درعها‪ ،‬فذهب عند ذلك جربيل‪ ،‬فقالت لرسول الله‪ :‬إن هذا مللك وما هو بشيطان‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية النبوية البن هشام‪ ،‬رشكة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب الحلبي وأوالده مبرص‪ ،‬الطبعة الثانية‪1375 ،‬هـ ‪ 1955 -‬م‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)239( :‬‬

‫(‪ .)6‬التقاء محمد بورقة بعد حادثة رؤيته لجربيل يف الغار‪:‬‬

‫‪ l‬قال «ثم حدثتها بالذي رأيت» ‪ :‬أي من سامع الصوت ورؤية جربيل‪ ،‬وقوله له‪ :‬يا محمد أنت رسول الله‪ ،‬فقالت أبرش يا ابن عمي واثبت‪ ،‬فو الذي‬ ‫نبي هذه األمة‪ ،‬ثم قامت فجمعت عليها ثيابها‪ :‬أي التي تتجمل بها عند الخروج‪ ،‬ثم انطلقت إىل ورقة بن نوفل فأخربته‬ ‫نفيس بيده إين ألرجو أن تكون ّ‬ ‫مبا أخربها به رسول الله أنه رأى وسمع‪ :‬أي رأى جربيل وسمع منه أنت رسول الله وأنا جربيل‪ ،‬فقال ورقة‪ :‬قدوس قدوس بالضم والفتح‪ ،‬والذي نفيس بيده‬ ‫لنبي هذه األمة‪ ،‬فقويل له يثبت‪.‬‬ ‫لنئ كنت صدقت يا خديجة‪ ،‬لقد جاءه الناموس األكرب الذي يأيت موىس الذي هو جربيل‪ ،‬وإنه ّ‬ ‫فلام قىض رسول الله جواره وانرصف‪ :‬أي فرغ ما تز ّوده‪ ...‬فعند ذلك صنع كام كان يصنع‪ ،‬بدأ بالكعبة فطاف بها‪ ،‬فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف بالكعبة‪،‬‬ ‫فقال له‪ :‬يا ابن أخي أخربين مبا رأيت وسمعت‪ ،‬فأخربه رسول الله‪ ،‬فقال له ورقة والذي نفيس بيده إنك لنبي هذه األمة ولقد جاءك الناموس األكرب الذي‬ ‫جاء موىس‪ ،‬ولتكذبنه ولتؤذينه‪ ،‬ولتقاتلنه ولتخرجنه بها السكت‪ ،‬وال تكون إال ساكنة‪ .‬ولنئ أنا أدركت ذلك اليوم ألنرص ّن الله نرصا يعلمه‪ ،‬ثم أدىن ورقة‬ ‫رأسه صىل الله عليه وسلم منه وقبل يأفوخه‪ ،‬أي وسط رأسه‪ ،‬ثم انرصف رسول الله إىل منزله‪.‬‬ ‫‪ n‬السرية الحلبية ‪ -‬إنسان العيون يف سرية األمني املأمون‪ ،‬لعيل بن إبراهيم بن أحمد الحلبي‪ ،‬دار الكتب العلمية – بريوت‪ ،‬الطبعة الثانية ‪ 1427 -‬هـ‪،‬‬ ‫باب بدء الوحي‪ ،‬الجزء‪ ،)1( :‬الصفحة‪.)343( :‬‬

‫‪67‬‬


‫‪Joud Zidane‬‬

‫الشيطان والله وجهان لعملة واحدة‪ ،‬زائد العني الواحدة‬ ‫التي ترمز للرؤية املشرتكة‪ ..‬جميل‬

‫‪Samer Younes‬‬

‫عيني‬ ‫ال الله أختار وال الشيطان‪ ،‬كالهام جدار‪ ،‬كالهام يغلق يل ّ‬ ‫فهل أبدل الجدار بالجدار ‪--‬أدونيس‬

‫‪Murad Jamal‬‬

‫أقدم تحالف عرفته البرشية‬

‫‪Akram Shady‬‬

‫خلق اإلنسان ما بداخله من خري وأسامه باإلله‪ ..‬ومن رش وأسامه‬ ‫بالشيطان‪ ..‬ليست سوى صورة للنفس البرشية من الداخل‬

‫‪68‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab Atheists Magazine is a digital publication The Arab AtheistsbyMagazine a digital publication produced produced volunteersis and committed to promoting by volunteers and and committed thought and the thought writingstoofpromoting atheists ofthe various persuawritings of atheists of various withdoes complete freesions with complete freedom.persuasions The Magazine not adopt dom. TheorMagazine not adopt or endorse any form of politiendorsedoes any form of political ideology or affiliation cal ideology or affiliation Contributors bear the full responsibility of the content, illustraContributors bear the fullprovide responsibility content, illustrations tions and topics they insofarofasthe it covers copyright and and topics they provide insofar as it covers copyright and issues of issues of intellectual property intellectual property Express permission for to publish in the Magazine is provided Express permission for to publish Magazineofisthe provided by conby contributors, whether theyinarethemembers Arab Atheists tributors, whether are members of the Arab Atheists Magazine Magazine Groupthey of other atheists and non-religious contributors Group of other atheists and non-religious contributors The Magazine does not publish material that is unethical or that The Magazine does not publish material that is unethical or bigotry that inincites racism or cites racism or bigotry The Editorial Board reserves the right to republish content The Editorial Boardpublished reserves the rightMagazine’s to republish content group, originally originally on the Facebook as published on the Magazine’s Facebook group, as publishing there publishing there implicitly contains consent for republication implicitly contains consent for republication in theinMagazine the Magazine

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.