مجلة الملحدين العرب: العدد الواحد والثلاثون / شهر يونيو / 2015

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫إن مل تكن داعش مسلمة‬

‫العدد الحادي و الثالثون من مجلة امللحدين العرب للثاين عرش من شهر يونيو لسنة ‪2015‬‬

‫احلواجز الفكرية التي‬ ‫تقف أمام تق ّدم العرب‬ ‫‪Rami Rustom‬‬ ‫حامد عبد الصمد‬ ‫حوار مع ‪....‬‬ ‫اإلسالم لم ينتشر بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫مجلة امللحدين العرب هي مجلة هدفها نشر‬ ‫أفكار امللحدين العرب على إختالف توجهاتهم‬ ‫السياسية و العرقية بحرية كاملة‬ ‫اجمللة عبارة عن مجلة رقمية مبنية بجهود فردية‬ ‫وال تنتمي الي توجه سياسي ‪..‬‬ ‫املعلومات و املواضيع املوضوعة في اجمللة تعتبر‬ ‫مسؤلية أصحابها من الناحية األدبية و ناحية‬ ‫حقوق النشر و حفظ امللكية الفكرية‬


‫فريق التحرير‬ ‫املشارك في هذا العدد‬ ‫رئيس التحرير‪:‬‬ ‫‪........... Gaia Athiest‬‬ ‫أعضاء هيئة التحرير و بناء‬ ‫اجمللة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫الغراب احلكيم‬ ‫‪McKie Theman‬‬ ‫‪Alia`a Damascéne‬‬ ‫‪Ali Alnajafi‬‬ ‫‪Ghaith Jabri‬‬ ‫‪Almolhed Alarabi‬‬ ‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬ ‫‪Hamdi Belhadjyoussef‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Moussa tamanoon‬‬ ‫‪Monaf Andiwi‬‬ ‫ماري غزال‬ ‫‪Abdu Safrani‬‬

‫كلمة حترير اجمللة‬ ‫جاء شهر رمضان‪ ،‬شهر التقوى والغفران‪ ،‬ال اعتراض‪ ،‬ولكن‪...‬‬ ‫أليس من املثير للسخرية أن يُصبح تناول الطعام والشراب‬ ‫جرمية‪ ،‬يُعتقل صاحبها ويُعاقب بالسجن والغرامة؟ إنه ملن‬ ‫الغريب العجيب حني منعن النظر فيه‪ ،‬فاألكل والشرب حاجة‬ ‫طبيعية بيولوجية جلسم اإلنسان‪ ،‬ولكن هناك من يقول‪ ،‬أن‬ ‫جرح ملشاعر املسلمني‪،‬‬ ‫في األكل والشرب في نهار رمضان‬ ‫ٌ‬ ‫حسنًا هل بقي شيء ال يجرح مشاعرهم؟ حتى تكتمل القائمة‬ ‫وضحاها ويصبح واألكل والشرب‬ ‫وتنقلب املفاهيم بني ليلة ُ‬ ‫جرمية!!!‬ ‫ألهذه الدرجة وصل غسيل األدمغة‪ ،‬حيث ال معيار أخالقي أو‬ ‫قانوني‪ ،‬إال ما يحدده الدين؟ احلقيقة أنه ليس من املستغرب‬ ‫ذلك‪ ،‬فالدين جنح على مر ّ العصور بقلب املفاهيم وتعطيل ملكة‬ ‫التفكير‪..‬‬ ‫يهمه‬ ‫فمن يتبع ما يحدده له الدين فيما يفعل وما ال يفعل‪ ،‬لن ّ‬ ‫أساسا‪ ،‬وكل ما‬ ‫كثيرًا أن يعترض أو يقول كلمة أل‪ ،‬هو عاجز ٌ عنها‬ ‫ً‬ ‫يحسن فعله هو إعطاء التبريرات والتسويغات ‪.‬‬ ‫حيث أنه في نفس الوقت الذي يشجع فيه على معاقبة من‬ ‫يأكل ويشرب في نهار رمضان‪ ،‬هو مقتن ٌع أن شرب اخلمر ممنوع‬ ‫وفي نفس الوقت هناك جائزة في حياة أخرى وهمية عبارة عن‬ ‫أنهار خمر!‬ ‫فكيف يكون ما ُمنعت من فعله هو نفسه مكافآة لك؟ وهل‬ ‫سيء؟ إن قلت جيد فقد أحرجت نفسك وإن قلت‬ ‫هو جيدٌ أم‬ ‫ٌ‬ ‫سيء فقد تضاعف اإلحراج‪ ،‬أنظر للمرآة وأعد التفكير‪ ،‬ال تخف‪،‬‬ ‫رقيب عتيدٌ سيحجر على أفكارك التي تدور في‬ ‫فليس هناك‬ ‫ٌ‬ ‫خلدك‪ ،‬وقس على مثال اخلمر ما ال يعد وال يحصى من التناقضات‪،‬‬ ‫بد ًءا بالزنى وتعدد الزوجات‪ ،‬وزواج الصغيرات‪ ،‬واخلتان‪ ،‬والقتل‪،‬‬ ‫والسبي‪ ،‬والغزو‪ ،‬والغنائم‪ ،‬والعبيد‪ ،‬إلى ما التكفيه الكتب وال‬ ‫اجمللدات‪...‬‬ ‫وأنظر كيف يتم غسل األدمغة‪ ،‬وحقنها بكل التناقضات دون أن‬ ‫ّ‬ ‫يرف لصاحبها جفن!!‬ ‫فمن يأكل ومن يشرب‪ ،‬ومن ال يؤذيكم مبمارسة حياته‪ ،‬ال تؤذوه‬ ‫مبمارسة طقوسكم‪.‬‬ ‫وكل عام ونحن للمنطق أقرب‪.‬‬ ‫رئيس التحرير‬

‫‪Gaia Athiest‬‬

‫‪Hasna Nina Khaled‬‬ ‫أسامة الوراق‬

‫‪2‬‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة رئيس التحرير‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫إن لم تكن داعش مسلمة‬ ‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬

‫‪4‬‬

‫احلواجز الفكرية التي تقف أمام تق ّدم العرب‬ ‫‪Rami Rustom‬‬

‫‪9‬‬

‫اإلسالم لم ينتشر بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫‪15‬‬

‫حامد عبد الصمد‬ ‫حـوار مع ‪....‬‬

‫‪23‬‬

‫مسرحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬

‫‪33‬‬

‫مناظرة‬ ‫ناجح سهلب ‪Socrates Averioce /‬‬

‫‪44‬‬

‫رواية فاتنة (‪)3‬‬ ‫سام مار‬

‫‪62‬‬

‫رسالة الي اهلل‬ ‫أبو لهب‬

‫‪78‬‬

‫األثر القرآني في البعد الوجداني‬ ‫شذى الروابي‬

‫‪81‬‬

‫‪3‬‬


‫إن مل تكن داعش مسلمة‬ ‫فمحاكم التفتيش‬ ‫مل تكن كاثوليكية‬ ‫‪abdulkarim ahmad Azizi‬‬

‫ال يوجد شيء إسمه الدين الصحيح‬

‫ترجمة لـ مقال ‪ :‬جري كوين‬

‫بينام تفتح داعش طريقها يف سوريا والعراق‪ ،‬أصبح من املحتّم أن نسمع من‬ ‫«املدافعني» عن اإلسالم أن داعش ال متثل اإلسالم الحقيقي‪ ،‬وأن أفعالها وما تقوم‬ ‫به من أعامل كالنهب له دوافع أخرى وليست دينية‪ ،‬ويقول املدافعون ‪ :‬تلك‬ ‫الدوافع هي دوافع سياسية كاإلستعامر الغريب الذي يولّد اإلستياء ‪،‬أو ثقافية‬ ‫أي يشء آخر غري الدين‪.‬‬ ‫كالتقاليد اإلجتامعية‪ ،‬أو ّ‬ ‫هؤالء املدافعون الذين أصبحوا اآلن يشملون حتى الرئيس أوباما‪ ،‬تح ّركهم رغبة‬ ‫خصوصا اإلسالم‪ .‬يف أمريكا إنتقاد الدين هو إنتحار‬ ‫تجنب إنتقاد الدين بأي مثن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫سيايس‪ ،‬والرئيس أوباما بطبيعة الحال يريد أن يفعل ما بوسعه ليشجع املسلمني‬ ‫املعتدلني‪ .‬كام ل ّخص ‘سام هاريس’ يف منشور عىل موقعه اإللكرتوين ‪ ،‬وبعض‬ ‫العلامء وأشباه العلامء الذين يتشبثون بفكرة سخيفة ترمي إىل أن دوافع الجهاديني‬ ‫كالدواعش ليست دينية‪ ،‬وكام أشار‪ :‬أن الخرباء يعتقدون أنه ال ميكننا اإلعتامد عىل‬ ‫أقوال أو إدعاءات اإلسالميني والجهاديني‪ ،‬فإعالناتهم املستمرة عن الله‪ ،‬والجنة‬ ‫والشهادة‪ ،‬ورشور الردة ليست أكرث من قناع إلخفاء دوافعهم الحقيقية‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫إن مل تكن‬ ‫داعش مسلمة‬

‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬

‫املدافعون لديهم أسلوب آخر لإلنكار‪ ،‬فتجدهم يقولون‪ :‬نعم‪ ،‬قد يكون دافع هؤالء الجهاديني إسالمياً‪ ،‬لكن ليس اإلسالم‬ ‫الحقيقي‪ ،‬فاإلسالم الصحيح ُمسامل‪ ،‬ومعتنقوه من املستحيل أن يذبحوا املرتدين‪ ،‬أو أن يقطعوا رؤوس الصحفيني‪ ،‬أو أن‬ ‫يُجربوا غري املسلمني عىل دخول اإلسالم ُمك َرهني‪ .‬هذا ما قاله أوباما يف الليلة التي كان يرشح فيها خطته لتفكيك الدولة‬ ‫اإلسالمية يف العراق والشام أو الدولة اإلسالمية يف العراق والرشق كام أسامها‪.‬‬ ‫نوضح أمرين‪ :‬الدولة اإلسالمية يف العراق واملرشق ليست إسالمية‪ ،‬ال يوجد دين يتغاىض عن قتل األبرياء‪،‬‬ ‫«اآلن دعونا ّ‬ ‫والغالبية العظمى من ضحايا الدولة اإلسالمية يف العراق واملرشق كانوا مسلمني‪ ...‬الدولة اإلسالمية يف العراق واملرشق‬ ‫واضح وبسيطٌ‪».‬‬ ‫منظمة إرهابية‪ ،‬األمر‬ ‫ٌ‬ ‫الصحفي «جيمس فويل» ‪:‬‬ ‫وهنا ما قاله ر ًّدا عىل قطع رأس ّ‬ ‫أي دينٍ تتحدث دولة اإلسالم يف العراق واملرشق‪ ...‬اليوجد إميا ٌن يعلّم أتباعه أن يرتكبوا مجازر بحق األبرياء‪ ،‬ال‪،‬‬ ‫«عن ّ‬ ‫فقط الله سيقف يف وجه ما فعلوه البارحة وما يفعلونه كل يوم‪».‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬قطع الرأس قد حدث‪ ،‬وهذا يعني أحد أمرين‪ ،‬إما أن الله ليس عادالً‪ ،‬أو أن الله غري موجود‪ ،‬ومن الواضح أن‬ ‫أوباما ال ميكنه ذكر هذا اإلحتامل‪( .‬حس ًنا‪ ،‬لنتجاهل للحظة أن كال الكتابني القرآن والكتاب املقدس بالتأكيد يعلمون‬ ‫الناس أن يرتكبوا مجازر بحق األبرياء)‪.‬‬ ‫شكل من أشكال اإلسالم الحقيقي من قبل أولئك الذين يدلّلون الدين‪ .‬هنا‬ ‫غال ًبا ما تتكرر اإلدعاءات أن «داعش» ليست ً‬ ‫«ايجور فولسيك» و«جاك جنكينز» من «‪ »Think Progress explaining‬يقوالن‪ :‬ملاذا داعش ليست يف الواقع إسالمية‬ ‫(بعد إقتباس آية من القرآن الذي يبدو أنه يع ّزز التناغم بني سكان العامل)‪ ،‬الحظوا ‪:‬‬ ‫«لكن من الواضح أن «داعش» لديها اعتبار لهذا‪ ،‬أو ملبادئ أخرى أساسية يف اإلسالم‪ .‬لقد أثاروا غضب املسلمني يف‬ ‫العراق‪ ،‬بتفجريهم بإهام ٍل نسخاً من القرآن‪ ،‬وقتلهم ملسملني مثلهم سوا ًء كانوا سنة أو شيعة‪ .‬حتى املسلمني املتطرفني‬ ‫الذين أشعلوا الحرب لديهم قوانني صارمة لإلشتباك‪ ،‬تحظر إيذاء النساء واألطفال‪ ،‬لكن اختارت «داعش» أن تتجاهل‬ ‫حتى هذا‪ ،‬عن طريق ذبح الشباب األبرياء‪ ،‬واستخدام االغتصاب واالستعباد الجنيس كسالح‪».‬‬ ‫كام أنهم إقتبسوا عن السيناتور «راند بول»‪:‬‬ ‫«أعتقد أنه من املهم ليس فقط للجمهور األمرييك‪ ،‬ولكن للعامل والعامل اإلسالمي‪ ،‬أن نشري إىل أن هذا ليس النموذج‬ ‫شكل شا ٌذ ال ينبغي أن ميثّل معظم دول العامل اإلسالمي املتحرض»‪.‬‬ ‫الحقيقي لإلسالم‪ .‬هذا ٌ‬ ‫‪5‬‬


‫إن مل تكن‬ ‫داعش مسلمة‬

‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬

‫إستنتج فولسيك وجنكينز أنه من الواضح بشدة أن «داعش» ليست إميانًا حقيق ًيا‪( ،‬اليهم كم من الناس سيقتلون ليصلوا‬ ‫إىل السلطة‪ ،‬وكم من املسلمني مثلهم سريهبون ليجربوهم عىل الخضوع‪ ،‬و مهام عال رصاخهم بإنكار كفرهم للسامء)‪،‬‬ ‫داعش ليست –ومل تكن أب ًدا‪ -‬إسالمية‪.‬‬ ‫حس ًنا‪ ،‬إذا مل تكن داعش إسالمية‪ ،‬فمحاكم التفتيش مل تكن كاثوليكية‪ .‬والحقيقة هي أنه ال توجد معايري للدفاع عن ما‬ ‫إذا كان اإلميان «صحيحاً»‪ ،‬ألن جميع األديان هي من صنع البرش‪ ،‬وال ميكننا القول أن العقيدة الحقيقية تأيت من الله‪،‬‬ ‫ألن الله نفسه من صنع البرش‪ ،‬وهذا أصبح جزءا ً اليتج ّزء من تلك األديان‪.‬‬ ‫مهام كان معنى عبارة اإلميان الصحيح‪ ،‬فهي ال تعني الدين الصحيح‪ ،‬الدين الذي يدلنا عىل وجود الله وعىل كون عقيد ٍة‬ ‫ما هي العقيدة الصحيحة‪ ،‬إذا كان كذلك‪ ،‬فام كنا لرنى الغربيني يحاولون أن يقولوا لنا ما هو «اإلسالم الحقيقي»‪.‬‬ ‫أي يشء‪ ،‬فإنها يجب أن تعني «صحيح لبعض املبادئ»‪ .‬حسب ما رأيت‪ ،‬هناك نوعان‬ ‫ال‪ ،‬إذا كانت كلمة «صحيح» تعني ّ‬ ‫فقط من هذه املبادئ‪ :‬صحيح بالنسبة للنص املق ّدس أو صحيح بالنسبة لبعض قواعد السلوك التي يوافق عليها الكاتب‪.‬‬ ‫و لكن هذان التعريفان غالبا ما يناقضان بعضهام البعض‪ ،‬بحيث ال ميكن تحديد أي دين هو «الحقيقي»‪.‬‬ ‫أول‪ ،‬الدين «األصح» بإمكانه أن يكون الدين األكرث متسكًا‬ ‫ً‬ ‫بالنص املق ّدس‪ .‬يف هذه الحالة املسيحية واليهودية «األصح»‬ ‫ستكون األكرث متسكًا بالحرفية واألصولية‪ .‬فهي تص ّدق بقصة‬ ‫الخلق الواردة يف سفر التكوين‪ ،‬فضال عن السلوكيات غري‬ ‫األخالقية التي أقرها الله يف العهد القديم‪ .‬التي تشمل قتل‬ ‫األبناء الذين لعنوا والديهم‪ ،‬والزناة وأولئك الذين يعملون يف‬ ‫يوم السبت‪ .‬عىل الرغم من أن هذه قوانني أخالقية واضحة‬ ‫رشعها الله‪ ،‬إال أن املسيحني واليهود املعارصين ال ينصاعون‬ ‫ّ‬ ‫لها‪ ،‬و اللوم هنا يقع عىل القوانني نفسها‪ ،‬ال عىل من ال‬ ‫يطبقونها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬الب ّد من اإلقرار أ ّن املعمدانية الجنوبية‬ ‫األصولية هي» املسيحية األصح» مقارنة مع مسيحية‬ ‫املوحدين الليرباليني‪ ،‬وأ ّن اليهود األرثوذكس املعادين للمرأة‬ ‫أصح من دعاة اإلصالح الحديث لليهودية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪6‬‬


‫إن مل تكن‬ ‫داعش مسلمة‬

‫‪Abdulkarim Ahmad Azizi‬‬

‫ميكنك أن تختار اختيارا انتقائيا من القرآن بنفس سهولة اختيارك من اإلنجيل‪ ،‬فكالهام ممتلئان بالكراهية والتحريض‬ ‫عىل العنف واإلبادة الجامعية التي أرعبتنا‪ .‬ففي حني إقتبس فولسيك وجنكينز آية تصالحية من القرآن اليزال هنالك‬ ‫عدد أكرب بكثري من اآليات التي تدعو للعنف‪ ،‬ومتييز اليهود بوصفهم قردة وخنازير‪ ،‬والتحريض عىل قتل الكفار‬ ‫واملرتدين‪ ،‬وحتمية ذهاب غري املؤمنني اىل الجحيم‪ .‬ملاذا ال نعترب أن أتباع هذه اآلراء هم املسلمون «الحقيقيون»‪.‬‬ ‫كل ما يش ّجع‬ ‫يف الواقع الناس أمثال أوباما‪ ،‬بول‪ ،‬فولسيك وجنكينز يعتربون أن اإلميان الحقيقي هو التايل‪« :‬اإلميان هو ّ‬ ‫نوع السلوك الذي يعجبني»‪ .‬لذا وكام يفعل كل املؤمنني واملدافعني‪ ،‬ينتقون ويختارون من النصوص ما يجدونه مالمئًا‪،‬‬ ‫ويتجاهلون الباقي‪.‬‬ ‫لدى العديد من الطوائف اإلسالمية معتقداتٌ مثل تشويه األعضاء التنسالية األنثوية (الختان)‪ ،‬كام أن الرشيعة اإلسالمية‬ ‫تعترب شهادة املرأة نصف شهادة الرجل يف املحكمة‪ ،‬هذه املعتقدات ال تجدها بشكل رصيح يف القرآن‪ ،‬كالم الله املُوحى‬ ‫فرضاً إىل محمد‪ .‬باألحرى‪ ،‬ترتبط هذه املعتقدات باإلسالم من خالل أحاديث محمد وسنته (ما قاله أو قام بفعله أو‬ ‫متعص ّب بحرف ّية تعاليم اإلسالم‪ ،‬بنفس‬ ‫متس ٌك‬ ‫ّ‬ ‫أق ّر أصحابه عىل فعله) أو من خالل العادات والتقاليد‪« .‬داعش» لديها ّ‬ ‫الطريقة التي اعتمدتها محاكم التفتيش حيث أن اإلجهاض واملثلية الجنسية ومامرسة الجنس قبل الزواج‪ ،‬والطالق‬ ‫أصبحت جز ًءا من الكاثوليكية‪ .‬هي تفسريات الهوتية للكتاب املقدس‪ ،‬تتوافق مع نظرة البعض ملعنى األخالق‪ ،‬بينام ال‬ ‫أي اإلميانيني هو األصح!‬ ‫تروق للبعض‪ ،‬ويبقى السؤال‪ّ :‬‬ ‫يف النهاية‪ ،‬ال وجود للدين «الحقيقي» باملعنى الواقعي‪ ،‬ألنه ليس هناك أدلة قوية تدعم إدعاءات أي طرف‪ ،‬وال‬ ‫وجود لألديان «الحقيقية» باملعنى األخالقي‪ .‬كل األديان ت ّربر نفسها ومامرساتها التي تستخدمها للوصول إىل السلطة‬ ‫بالوحي والعقيدة‪ .‬هناك فقط بعض الديانات نفضلها عىل غريها بسبب نتائجها العملية‪ .‬إذا كان هذا ما نعنيه باإلميان‬ ‫«الصحيح» ‪ ،‬فعلينا االعرتاف بهذا‪ ،‬ليس هناك عيب يف ذلك‪ ،‬الواقع يقول أن املجتمعات التي تستند إىل بعض الديانات‬ ‫هي أكرث إختاللً من غريها بالتأكيد‪ .‬األخالق يف ح ّد ذاتها موضوعيا تحتمل الص ّحة والخطأ‪ ،‬ألنها بالنهاية تستند عىل‬ ‫التفضيالت الشخصية ‪»:‬املسؤوليات» التي نراها عواقب للترصف بطريقة عكس أخرى‪.‬‬ ‫بكل الوسائل‪ ،‬دعونا نقول أن «داعش» متثل القسم املختل والرببري يف اإلسالم‪ ،‬لكن ال تسمعونا أي هراء عن كونها‬ ‫متثيل خاطئ للدين‪« .‬داعش» مثل كل الحركات الدينية‪ ،‬مبنية عىل اإلميان‪ .‬اإلميان‪ ،‬الذي هو االعتقاد يف ظل غياب أدلّ ٍة‬ ‫مقنع ٍة‪ ،‬ليس صحيح أو خاطئ‪ ،‬ولكن ببساطة غري عقالين‪.‬‬

‫‪7‬‬


8


‫الحواجز الفكرية‬ ‫التي تقف أمام‬ ‫تقدم العرب‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫أحرزت العديد من الدول‬ ‫ملاذا‬ ‫تقدماً يف حني تخلفت الدول‬ ‫العربية عنهم؟ لإلجابة عن هذا‬ ‫السؤال بشكلٍ ٍ‬ ‫واف‪ ،‬يتعني علينا أن‬ ‫مالئم ميكّننا من‬ ‫ننظر فيه من منظو ٍر ٍ‬ ‫فهم العنارص األساسية الالزمة لقيام‬ ‫التقدم‪ ،‬إذ بذلك ندرك منطويات غياب‬ ‫تلك العنارص عىل املجتمع‪.‬‬ ‫لو رجعنا إىل التاريخ ونظرنا إىل املجتمعات‬ ‫التي حققت تقدماً كبريا ً لرأينا أن بني حضارات‬ ‫تلك املجتمعات مثة ميزة مشرتكة‪ .‬والحضارات‬ ‫التي تتميز عن غريها بتلك امليزة بشكلٍ إستثنا ٍّيئ‬ ‫هي حضارة اإلغريق القدمية‪ ،‬والحضارة األوروبية‬ ‫خالل عرص التنوير‪.‬‬ ‫عند اإلغريق نرى التقدم قد إستم ّر بضعة قرونٍ قبل أن‬ ‫تخمد أوار ناره‪ ،‬لكن عرص التنوير األورويب بدأ وما زال‬ ‫حياً رغم إنقضاء قرونٍ عىل إنبالج فجره‪ ،‬بل وإمتد ليطول‬ ‫الحضارات غري األوروبية حيث ولد‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪Rami‬‬ ‫‪Rustom‬‬ ‫ترجمة‪Raghed Rustom :‬‬


‫الحواجز الفكرية التي تقف‬ ‫تقدم العرب‬ ‫أمام ّ‬

‫‪Rami Rustom‬‬

‫قبل أن أرشع بتبيان املزية التي تشرتك فيها تلك الحضارات سيكون من املفيد أن نفهم الحال التي كانت عليه تلك‬ ‫الحضارات قبل ظهور عالئم التقدم فيها‪ .‬ففي مدارس اليونان القدمية كان عىل الطالب أن يتعلموا ما يلقنهم معلموهم‬ ‫دومنا أدىن ٍ‬ ‫تحد‪ ،‬حيث حاول املعلمون إستنساخ أفكارهم يف عقول طالبهم‪ .‬وتبعاً لذلك‪ ،‬مل يشهد املر ُء الكثري يف ذلك‬ ‫العرص من التغريات االجتامعية يف حياته‪ ،‬ومل يتغري عليه اليشء الكثري من عادات املجتمع [‪.]1‬‬ ‫ثم أتت مرحلة جديدة يف حياة اإلغريق القدماء جلبت معها مدرسة فكر جديد‪ ،‬مدرسة توقعت من الطالب أن يتحدوا‬ ‫أفكار معلميهم‪ ،‬وأن يأتوا بأفكار جديدة تضاهي بل وتتفوق عىل أفكار املعلمني‪ ،‬حينئذ بات اإلنشقاق الفكري يلقى‬ ‫الرعاية بعد إذ كان يتم إجتنابه‪ .‬وكنتيجة لظهور هذه املدرسة الفكرية‪ ،‬صار اإلنسان اإلغريقي يشهد يف حياته تغريات‬ ‫جمة يف تقاليد مجتمعه‪ .‬وهي تغريات كانت محمودة ومتوقعة‪.‬‬ ‫وكان مام ميز هذا النهج الجديد أنه َولّ َد إحرتاماً لألفكار الجديدة وللنقد‪ ،‬بعكس النهج القديم الذي مل يحرتم األفكار‬ ‫الجديدة وال النقد‪ .‬وهذا النهج النقدي هو العنرص األساس الذي يفتح باب التقدم أمام الحضارة‪.‬‬ ‫ثم بعد مرور ألف عام عىل أفول اإلغريق‪ ،‬بدأ الناس يف أوروبا ينهلون من معني معارف اليونان القدمية ويتعلمون منها‪.‬‬ ‫وإنبثقت يف عقول األوروبيني شعلة النهج النقدي من جديد‪ ،‬وإنذر ذلك مبولد عرص التنوير‪ .‬وكان إلحياء هذا النهج‬ ‫املندثر جل األثر يف إحراز تقدم يف السياسة و العلم ويف شتى املجاالت‪ .‬وتكونت قناعة لدى الناس أن عليهم زيادة‬ ‫وتوسعة املعرفة إىل ما وراء حدود معرفة من سبقوهم‪ .‬وأضحى التغري أمرا ً محمودا ً يتوقعه الناس ويرحبون به‪.‬‬ ‫وحتى نرشح التباين بني هذين املوقفني املختلفني‪ ،‬سنقوم بوصفهام كالتايل‪ :‬املوقف األول يؤمن مبا مؤداه أنه ميتلك‬ ‫الحقيقة‪ ،‬كل الحقيقة‪ ،‬فكل ما يحتاجه من أفكار موجود يف حوزته بالفعل‪ ،‬فهو إذن ال يحتاج لتحدي األفكار السائدة‪،‬‬ ‫إذ أي اعرتاض عىل تلك األفكار يكون يف حكم الخاطئ تلقائياً‪ .‬أما املوقف الثاين فيؤمن أنه ال ميتلك كل الحقيقة‪ ،‬وأنه‬ ‫يجب عليه البحث عنها‪ ،‬ولتحقيق ذلك عليه أن يتحدى مزاعم أفكاره الحالية‪.‬‬ ‫املوقف األول سمة املجتمع السكوين‪ ،‬والثاين سمة املجتمع املتحرك الفعال‪ .‬ومآل املجتمعات السكونية عىل عمومها‬ ‫اإلندثار لعجزها عن مواكبة التغريات والتأقلم معها‪ .‬أما املجتمعات املتحركة فتتقدم مام ميكنها من التأقلم مع عامل‬ ‫متغري‪.‬‬ ‫عادة‪ ،‬يُك ّن الناس يف املجتمع املتحرك احرتاماً للنقد ويرونه نعمة‪ ،‬ويعتربون أنفسهم أندادا ً متساوين‪ .‬ومن كان ذلك‬ ‫ديدنه سعى وراء النقد درءا ً لخطر الخمود والركود‪ .‬وباملقارنة‪ ،‬فبغياب هذا النهج النقدي‪ ،‬يستحيل النقد يف نظر الناس‬ ‫‪10‬‬


‫الحواجز الفكرية التي تقف‬ ‫تقدم العرب‬ ‫أمام ّ‬

‫‪Rami Rustom‬‬

‫إهانة واعتداءا ً عىل شخوصهم‪ ،‬فيفرون منه أو يواجهونه بعنف استباقي يهدف إىل قمعه‪ .‬والناس يف ذلك املجتمع‬ ‫يبذلون قصارى جهودهم يف محاولة الحفاظ عىل وضعهم القائم بدالً من محاولتهم التعلم أو تحسني أنفسهم‪.‬‬ ‫وهذه عني املشكلة التي يعاين منها العرب اليوم‪ .‬فنهج النقد مل يرتقي إىل أن يكون جزءا ً متكامالً من كيانهم‪ .‬ال زالت‬ ‫غالبية العرب تعتقد أن احرتام الوالدين يعني أن ال يخالفهام املرء يف الرأي أبدا ً‪ ،‬فريون يف ذلك الخالف قلة احرتام‬ ‫ألسالفهم‪ .‬بل ويزيدون عىل ذلك برتبيتهم أطفالهم عىل نفس املنوال الذي تربوا عليه‪ ،‬إذ يرون أن يف أي شذوذ عن ذلك‬ ‫قلة احرتام لوالديهم‪ ،‬مام يعني أن الجيل الالحق ال يتطور كثريا ً عن السابق‪ ،‬وأن الخمود جزء ال يتجزأ من حضارتهم‪.‬‬ ‫لقد رشحت آيان حريس عيل هذا التباين يف كتابها “الكافر” ‪ .Infidel‬ومع‬ ‫أن الصومال‪ ،‬بلدها‪ ،‬ليس بلدا ً عربياً‪ ،‬إال أنه كبالد العرب يفتقد لتلك‬ ‫امليزة التي أسلفنا رشحها‪ .‬حيث تقول أن الصوماليني ال ينقدون بالدهم‬ ‫يف حضور األغراب ألن ذلك ينطوي عىل إهانة تيسء إىل سمعتهم‪،‬‬ ‫يف حني ال يتواىن أهل الغرب عن انتقاد بالدهم إدراكاً منهم ألهمية‬ ‫ذلك يف سبيل التقدم‪ .‬وتقول أن ذلك يحدث أيضاً عىل نطاق أضيق‪،‬‬ ‫فالصومايل ال يوجه النقد لعائلته بحضور من ليس منها‪ ،‬كام أن‬ ‫الصومايل ال يعرتف بأخطائه عىل املأل‪ ،‬بل ويؤثر اإلبقاء عليها‬ ‫أرسارا ً تدفن معه عند مامته‪ ،‬اعتقادا ً منه أن االعرتاف بالخطأ‬ ‫يرض بصيته‪.‬‬ ‫يشكل العرف املسمى بثقافة العيب والرشف‪ ،‬والذي سأشري‬ ‫إليه هنا اختصارا ً بثقافة الرشف‪ ،‬جزءا ً ال يتجزأ من الثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬وهو يؤدي بالناس إىل طريقة تفكري تعتمد املكانة‬ ‫االجتامعية بدالً من الحقيقة كأساس لقيمهم‪ ،‬مام يصب اهتاممهم عىل سمعتهم وسمعة عائلتهم وعشريتهم وبلدهم‬ ‫ودينهم ويحوله عن الحقيقة املتجردة من تلك االعتبارات‪ .‬فإن انتقدهم املرء أو انتقد أياً من تلك االنتامءات فرسوا‬ ‫األمر ٍ‬ ‫بتعد عىل رشفهم بدالً من أن يستغلوا النقد كفرصة لتعلم يشء جديد‪ .‬وهذا املوقف يؤثر عىل أسلوب تفكريهم‬ ‫وعىل أحاسيسهم‪ ،‬فيجعلهم يفضلون إخفاء الحقيقة إن كان يف ذلك حفاظاً عىل سمعتهم‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫الحواجز الفكرية التي تقف‬ ‫تقدم العرب‬ ‫أمام ّ‬

‫‪Rami Rustom‬‬

‫وما يعجزون عن إدراكه هو أن الساعي وراء الحقيقة ال يكن احرتاماً ملن يسعى وراء املرتبة االجتامعية ويخفي الحقيقة‬ ‫خوفاً عىل مكانته بني الناس‪ .‬فالذي يستحق االحرتام هو من يعرتف بخطئه عىل املأل‪ ،‬والسمعة بني محبي الحقيقة تنبني‬ ‫ال باعرتاف املرء بخطأ ارتكبه وحسب‪ ،‬وامنا بأنه ليس معصوما ً عن الخطأ‪]2[ .‬‬ ‫وثقافة الرشف تتعارض مبارشة مع النهج النقدي‪ ،‬فحتى يتبنى املرء النهج النقدي متاماً ال مجال أمامه سوى نبذ ثقافة‬ ‫الرشف متاماً‪ ،‬فثقافة الرشف تقف عقبة أمام اعتناق النقد نهجاً‪.‬‬ ‫تكمن املشكلة يف أن تقاليد الرشف متثل جزءا ً من اإلسالم‪ ،‬الدين السائد لدى العرب‪ .‬ال أدعي أن اإلسالم هو من ابتدع‬ ‫هذه التقاليد‪ ،‬فهي سابقة عىل اإلسالم‪ ،‬لكن اإلسالم تبنهاها‪ ،‬مام ولد عداءا ً للنقد الزم اإلسالم ووقف حائالً دون انتشار‬ ‫الفكر النقدي بني املسلمني‪.‬‬ ‫وللمشكلة وجه آخر يتمثل يف أمور ابتدعها اإلسالم نفسه فاقت الرتاث السابق لإلسالم مبعاداتها للنهج النقدي‪ .‬ومن‬ ‫أمثلة ذلك حد الردة يف اإلسالم الذي أمر به محمد حني قال يف حديث رواه البخاري “من بدل دينه فاقتلوه”‪]٣[ .‬‬ ‫واخرتاع اإلسالم لحد الردة ميثل أكرب عقبة يضعها يف وجه النقد‪.‬‬ ‫وكأن اإلسالم يقول‪“ :‬حفاظي عىل وجود أفكاري ال يتم دون قتل كل من يأيت بأفكار مغايرة‪ .‬ولن أسمح لألفكار بالتنافس‬ ‫الحر‪ ،‬ألن أفكاري ستندثر يف حلبة الفكر‪ ”.‬فقتل العقول التي تأيت بجديد األفكار هو طريقة فعالة لوقف األفكار‬ ‫الجديدة من أن تنترش أو حتى أن تتولد‪.‬‬ ‫وال ينتمي هذا املوقف إىل تاريخ قديم مىض ووىل‪ ،‬فحتى يف القرن الواحد والعرشين نرى الشيخ القرضاوي‪ ،‬أحد أكرث‬ ‫علامء املسلمني تأثريا ً وأحد أبرز قياديي اإلخوان املسلمني يقول‪“ :‬لو تركوا الردة ما كان هناك إسالم‪ ”.‬فهو يعرتف أن‬ ‫اإلسالم ما كان ليسود بقوة اإلقناع‪ ،‬وأن انتصار اإلسالم هو انتصار بالسيف‪ .‬فال عجب أن يخاف املسلمون من الجهر بأية‬ ‫أفكار معارضة‪ ،‬فيعمد أغلبهم إىل فرض رقابة ذاتية خوفاً عىل حياتهم‪.‬‬ ‫بل واألنىك من ذلك أن اإلسالم يجرم كل من يشكك يف الدين‪ ،‬ويجعل مصريه نار جهنم‪ .‬والقرآن يزخر باآليات التي تفصل‬ ‫ذلك بشكل يجعل املسألة فكرة سائدة يف القرآن‪ ،‬فمثالً نرى ذلك يف قول القرآن‬ ‫اب أَ ْن إِذَا َس ِم ْعتُ ْم آيَ ِ‬ ‫وضوا ْ ِف َح ِد ٍ‬ ‫يث‬ ‫﴿ َوقَ ْد نَ َّز َل َعلَ ْي ُك ْم ِف الْ ِكتَ ِ‬ ‫ات اللّ ِه يُ َك َف ُر ِب َها َويُ ْستَ ْه َزأُ ِب َها فَالَ ت َ ْق ُع ُدوا ْ َم َع ُه ْم َحتَّى يَ ُخ ُ‬ ‫غ َْيِ ِه إِنَّ ُك ْم إِذًا ِّمثْلُ ُه ْم إِ َّن اللّ َه َجا ِم ُع الْ ُم َنا ِف ِق َني َوالْكَا ِفرِي َن ِف َج َه َّن َم َج ِمي ًعا﴾ [النساء‪]٤٠:‬‬ ‫‪12‬‬


‫الحواجز الفكرية التي تقف‬ ‫تقدم العرب‬ ‫أمام ّ‬ ‫أو يف اآليتني التاليتني‪:‬‬

‫‪Rami Rustom‬‬

‫﴿يَا أَيُّ َها ال َِّذي َن آ َم ُنوا ْ الَ ت َْسأَلُوا ْ َع ْن أَشْ َيا َء إِن تُ ْب َد لَ ُك ْم ت َُس ْؤكُ ْم َوإِن ت َْسأَلُوا ْ َع ْن َها ِح َني يُ َن َّز ُل الْ ُق ْرآ ُن ت ُ ْب َد لَ ُك ْم َعفَا اللَّ ُه َع ْن َها‬ ‫َواللَّ ُه َغفُو ٌر َحلِي ٌم ‪ .‬قَ ْد َسأَلَ َها قَ ْو ٌم ِّمن قَ ْبلِ ُك ْم ث ُ َّم أَ ْص َب ُحوا ْ ِب َها كَا ِفرِي َن ﴾ [املائدة‪]102-101 :‬‬ ‫وغري هذين املثالني الكثري‪ .‬وال شك أن إميان املسلم بذلك املصري يثبط عنده حتى ظهور أفكار معارضة‬ ‫أو التشكيك يف معتقدات أسالفه‪ ،‬مام يؤدي بغالبية‬ ‫املسلمني إىل تكميم أفواهم طوعاً وإحباط أي فكر‬ ‫نقدي مخالف قد يبزغ يف عقولهم وهم يعتقدون‬ ‫واهمني أن مآلهم النار لو فكروا أفكارا ً تخالف ما‬ ‫أمرهم القرآن أن يفكروا‪.‬‬ ‫ال يؤدي هذا التحليل إىل القول بأن عىل اإلسالم أن‬ ‫يندثر حتى تقوم قامئة للفكر النقدي بني العرب‪،‬‬ ‫فمن املمكن جدأ أن يتبع العرب نهجاً نقدياً مع‬ ‫بقاء غالبيتهم مسلمني‪ .‬فالتقدم سيستلزم حدوث‬ ‫تغيري ال محالة‪ ،‬لكنه ال يستلزم القضاء عىل اإلسالم‪.‬‬ ‫أنا أعتقد أن مصري اإلسالم أن يتطور كام تطورت‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ‪ ،‬لن يرد املسلمون بالعنف عىل‬ ‫املسيحية‪.‬‬ ‫النقد‪ ،‬سواء ما كان مكتوباً منه أو مرسوماً بشكل‬ ‫ساخر‪ ،‬وسينبذ املسلمون ثقافة الرشف ليحل محلها‬ ‫تراث نقدي‪.‬‬

‫[‪ ]1‬لالستزادة يف هذا املوضوع وما اتصل به من مواضيع يف نظرية املعرفة واألخالق والعلم والسياسة وغريها‪ ،‬أرجو الرجوع إىل كتاب “بداية الالنهاية” ملؤلفه ديڤد‬ ‫دويتش ‪ .David Deutsch‬الكتاب حالياً طور الرتجمة إىل العربية‪.‬‬ ‫[‪ ]2‬لرشح أوىف عن ثقافة الرشف وأثرها عىل فكر اإلنسان ومشاعره وترصفاته‪ ،‬راجع مقالتي املعنونة “جرائم الرشف” واملنشورة يف مجلة امللحدين العرب‬ ‫[‪ ]2‬صحيح البخاري‪ ،‬الكتاب التاسع‪ ،‬الحديث ‪1214‬‬

‫‪13‬‬


14


‫فې‬

‫العراق و الشام ‪...‬‬

‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬

‫اإلسالم مل يخلق اإلمرباطورية‬ ‫العربية‪ ،‬اإلمرباطورية العربية‬ ‫هي من خلقت اإلسالم‪.‬‬

‫تبدأ الحكاية حني ظهر من‬ ‫الهاشميني عبد الله بن الزبري كن ٍّد‬ ‫ملعاوية بن أيب سفيان‪ ،‬وذُكر اسم‬ ‫محمد ألول مر ٍة حينها أي سنة ‪ 685‬م‪.‬‬ ‫بحسب رأي الكاتب محمد آل عيىس بكتابه‬ ‫التاريخ املبكر لإلسالم فقد ترا َود إىل ذهن‬ ‫ابن الزبري فكرة إيقاظ الدين اإلسالمي وتب ّنيه‬ ‫صح التعبري‪ -‬تربي ًرا إلقامة امرباطوري ًة‬ ‫له ‪-‬إن ّ‬ ‫مقتديًا مبا سبق وفعله قسطنطني يف استغالله‬ ‫للمسيحية كذريع ٍة لتأسيس امرباطوريته‪.‬‬ ‫الفرق يف هذه املقاربة هو يف انتصار هذه الفكرة‬ ‫مع قسطنطني وفشلها مع ابن الزبري‪ ،‬لكن من هذا‬ ‫الفشل استطاعت العبقرية األموية استغالل تلك‬ ‫الحركة الذكية من ابن الزبري كحج ٍة لبناء امرباطورية‪.‬‬ ‫فبعد هزمية ابن الزبري بدأ األمويون من حيث انتهى‬ ‫وساروا عىل نهجه ‪-‬أي تب ّني اإلسالم لرشعنة بناء امرباطورية‪-‬‬ ‫كانت فكر ًة عبقري ًة فشلت مع ابن الزبري فاستغلها األمويون‬ ‫ٍ‬ ‫مدروس أكرث ونجحوا‪.‬‬ ‫بدها ٍء‬ ‫‪15‬‬

‫‪Aliaa Damascéne‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬ ‫مثل ّ‬ ‫مسلم‪ ،‬بل ببعض‬ ‫تدل عىل أنه كان‬ ‫أيضا أنه ال توجد أيّة إشار ٍة يف سجالت معاوية بن أيب سفيان ً‬ ‫امللفت هنا ً‬ ‫ً‬ ‫املصادر األرمينية والرسيانية والنسطورية هناك حديثٌ يصفه بالقائد املسيحي حاكم الشام! وال يوجد أي ذك ٍر ملحمد‪.‬‬ ‫هل من املمكن أ ّن العرب أرادوا أن يكون لهم دينهم الخاص أسو ًة بباقي األمم العظمى؟ فاملسيحية للروم‪ ،‬والزرادشتية‬ ‫ٍ‬ ‫ونبي خاص بهم‪ ،‬يضمن لهم سلط ًة أقوى‪ ،‬وانتشا ًرا أوسع؟‬ ‫مم دفعهم ذلك الخرتاع دينٍ‬ ‫للفرس‪ّ ،‬‬ ‫جديد ٍّ‬ ‫التفسري األكرث منطقي ًة بحسب نادر قريط بكتابه غولدتسهري اإلسالم وفارس‪ ،‬هو أ ّن معاوية كان قائ ًدا محليًا قويًا جمع‬ ‫حوله العشائر العربية النرصانية التي ُعرفت بالغساسنة‪ ،‬وقد تسلّم قيادة البالد سنة ‪ 622‬م أي نفس السنة التي انترص‬ ‫فيها هرقل عىل الفرس وسحق مجدهم‪ .‬امللفت هنا هو ما ذكره املؤرخ كارل هاينز أوليغ عن دفع معاوية جزي ًة للروم‬ ‫مقدارها ثالثة آالف قطع ٍة ذهبي ٍة والعديد من العبيد والخيول العربية مقابل تثبيته بالحكم‪ ،‬فكيف يدفع الخليفة‬ ‫مستقل أم مندوبًا سام ًيا قامئًا باألعامل فحسب؟‬ ‫ً‬ ‫حاكم‬ ‫املسلم املنترص جزي ًة للروم؟ هل كان ً‬ ‫يل إىل ملك‪،‬‬ ‫ثم بعد وفاة هرقل سنة ‪ 641‬م‪ ،‬نالت بالد الشام استقاللها‪ ،‬فتح ّول معاوية يف نفس العام من ٍ‬ ‫حاكم مح ٍّ‬ ‫أصل واملعروف والذي كان يُطلق عىل األسقف يف كثريٍ‬ ‫وفيام بعد ألمري املؤمنني‪- ،‬أمري املؤمنني‪ -‬ذلك اللقب املسيحي ً‬ ‫من األحيان باملايض‪.‬‬ ‫نصب نفسه خليف ًة يف بيت املقدس‪،‬‬ ‫معاوية ّ‬ ‫أيضا‪ ،‬الغياب امللفت لذكر مكة بالتاريخ رغم كل ما وصلَنا عن األهمية التي نالتها‬ ‫من األمور املريبة يف قصة اإلسالم ً‬ ‫يف ذاك العرص مام يثري الشك‪ ،‬حتى هريوديت امللقب بأيب التاريخ والذي زار شبه الجزيرة العربية يف منتصف القرن‬ ‫الخامس امليالدي وكتب عن طبيعتها وجغرافيتها مل ين ّوه أو يذكر مكة إطالقًا‪ ،‬األمر غدا هنا باديًا وكأننا نتكلم عن مدينة‬ ‫السنافر التي مل تذكرها إال مصادر واحد ًة هي من اخرتعتها من األساس‪.‬‬ ‫وصل لهذه املناسبة عند الكنيسة الجسامنية وقرب مريم! (‪)1‬‬ ‫ّ‬

‫نبدأ الحكاية من البداية‪ ،‬أ ّول من ث ّبت فكرة أ ّن ال ّدين عند الله اإلسالم هو عبد امللك بن مروان‪ ،‬حينام ّ‬ ‫صك نقو ًدا‬ ‫الناري للمسيح‪ ،‬وكتب إىل جانب الصورة‬ ‫للمرة األوىل تحمل اسم محمد (‪ )2‬نقش عليها صور ًة لرجلٍ وبيده سيف العدالة‬ ‫ّ‬ ‫باآلرامية “هلفت الله” أي خليفة الله‪ ،‬كام ث ّبت عليها عبار ًة توحيدي ًة مأخوذ ًة من الناموس اليهودي‪:‬‬ ‫رب واح ٌد؛ وبالعربانية ‪ :‬يهوه آخاد‪ ،‬وترجمتها ‪ :‬قل هو ﷲ أحد‪.‬‬ ‫إسمع يا إرسائيل الرب إلهنا ٌّ‬ ‫وبالوجه اآلخر كتب ال إله ّإل الله محمد رسول الله أرسله بالهدى والحق‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫ومن امللفت بتلك العملة بالعرص األموي‪ ،‬وجود اسم يسوع عليها مكتوبًا باللغة الرسيانية‪ ،‬ويظهر مشاب ًها متا ًما لكتابة‬ ‫اسم محمد باللغة العربية ‪:‬‬ ‫مع وجود الصلبان عىل العملة يجعل إشارة إستفهام كبرية عند هذا‬ ‫الغموض املريب‪ ،‬فام رس هذا التشابه بني اس َم ْي يسوع بالرسيانية‬ ‫ومحمد بالعربية؟ وماسبب وجود الصليب عىل هذه العملة؟‬ ‫وبُنيت قبة الصخرة‪ ،‬حيث ُجعلت الصخرة التي ُجلد عليها املسيح أو‬ ‫صعد إىل السامء بالوسط‪ ،‬واملسجد األقىص مكان الهيكل اليهودي‪ ،‬كل‬ ‫هذا ما كان ليت ّم لوال وجود قو ٍة وسلط ٍة يف فلسطني ال يستهان بها بالطبع؛‬ ‫يهودي دون مقاوم ٍة تُذكر‬ ‫تفس لنا كيف وصل به األمر للتع ّدي عىل رم ٍز‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫منهم! فلامذا مل يقاوم املسيحيون واليهود املوجودون يف فلسطني حينها ما‬ ‫إسالمي لبلدهم؟ وكيف صمدت النرصانية يف بالد‬ ‫ُس ّوق لنا عىل أنه غز ٌو‬ ‫ّ‬ ‫مثل بينام اندثرت الزرادشتية برسع ٍة ملفت ٍة يف العراق بعد دخول‬ ‫الشام ً‬ ‫الغزاة «املسلمني» إليهام؟ أال ميكن أن يكون التفسري األكرث عقالني ًة أنهم مل‬ ‫يدخلوا باسم اإلسالم بالبداية؟‬ ‫فالسؤال هنا إذًا‪:‬‬ ‫هل من أدل ٍة تاريخي ٍة تشري إىل أ ّن فاتحي بالد الشام والعراق كانوا مسلمني؟‬ ‫مل يُذكر دين الفاتحني العرب بأيّة مراجع تاريخية‪ ،‬ال بيزنطي ًة وال حتى‬ ‫فارسية‪ ،‬فكيف ميكننا التأكد من أ ّن اإلسالم كان موجو ًدا عند دخول العرب‬ ‫لبالد الشام والعراق؟‬ ‫كام أنّه يف السجالت التاريخية للقرن السابع امليالدي مل‬ ‫أيضا‪ ،‬بل ذكرت الفاتحني باسم‬ ‫أي ذك ٍر لإلسالم َ‬ ‫يكن يوجد ّ‬ ‫السارسنيني أو املهاجرين أو االسامعيليني‪ ،‬ولغاية مئة سن ٍة من‬ ‫تاريخ وفاة محمد املزعوم مل يؤىت عىل ذكر مكة كمكانٍ جاء‬ ‫منه محمد وال حتى بالقرآن‪.‬‬ ‫يف مخطوطة الرد عىل رسالة يوشوعيهب من سيمون(‪ )1‬أسقف‬ ‫مطرانية الرديفارداسري‪:Robert Hoyland -‬‬ ‫‪ « : 1‬سيمون أسقف الريفارداسري» (مطرانية الريفارداسري كانت تقع عىل الطريق البحري املبارش إىل الهند بالقرب من رأس خليج الفاريس بالقرب من البرصة)‬

‫‪17‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫أنتم فقط من دون جميع شعوب األرض منعزلون عن الجميع‪ ،‬وبسبب هذه العزلة ظهر تأثري اإلثم بوضو ٍح بينكم‪.‬‬ ‫فهذا الغاوي { أي محمد } الذي قام بغوايتكم وإقتالع كنائسكم من جذورها‪ ،‬قد ظهر بيننا ألول مر ٍة بالقرب من‬ ‫رادن {منطقة تقع بني سلوقية واملدائن} حيث املانيويون {الحنفيون أي الوثنيون} أكرث عد ًدا من املسيحيني‪ .‬عىل‬ ‫الرغم من ذلك –ويرجع الفضل للمسيحيني– يف عدم اتباع املانيويني للغاوي‪ ،‬بل ت ّم طرده ملحقًا بالعار‪ .‬ليس فقط أنه‬ ‫أيضا تم استئصاله‪.‬‬ ‫فشل يف إقتالع الكنائس من جذورها بل هو ً‬ ‫أما منطقتك من بالد فارس فقد استقبلتوه‪ ،‬وفعل مع املانيويني واملسيحيني كام يحلو له‪ .‬وكان املانيويون راضني‬ ‫ومطيعني واملسيحيون غريمبالني وصامتني‪.‬‬ ‫أما بالنسبة للعرب الذين أعطاهم الرب السلطة عىل أنحاء العامل‪ ،‬فأنتم تعلمون جي ًدا كيف يتعاملون معنا‪ ،‬ليس‬ ‫ألنهم ال يعارضون املسيحية فقط ولكنهم ميجدون عقيدتنا ويحرتمون القديسني والرهبان ويساعدون الكنائس‬ ‫ٌ‬ ‫متمسك بعقيدته؟ يف حني أ ّن الشعب العامين‬ ‫واألديرة‪ .‬وملاذا الشعب العامين يرفض عقيدتهم {أي العرب} بحجة أنه‬ ‫نفسه يعرتف أ ّن العرب مل يجربوهم عىل التخيل عن عقيدتهم‪ ،‬بل سألوهم فقط أن يعطوا نصف ممتلكاتهم مقابل‬ ‫االحتفاظ بإميانهم ولكنهم تركوا إميانهم الذي هو باقٍ لهم واحتفظوا بنصف ثرواتهم الزائلة»‬ ‫أيضا العرض الذي‬ ‫أيضا بني املهاجرين والعرب وأثنى عىل العرب‪ .‬ونلحظ ً‬ ‫الواضح من املخطوطة هو أ ّن األسقف ف ّرق ً‬ ‫ق ّدمه العرب للعامنيني‪ ،‬أي أ ّن الجزية كانت أهم لديهم من نرش الدين‪ ،‬وهذا يدلّنا أكرث عىل أ ّن هدفهم األسايس كان‬ ‫بناء دول ٍة أكرث منه التبشري بدينٍ معنيٍ‪ ،‬وأ ّن اإلسالم مل يكن أكرث من وسيل ٍة لتربير التوسيع ودعمه‪.‬‬ ‫أيضا ملاذا مل تنشأ أهم دول اإلسالم سوا ٌء األموية أو العباسية يف مكة؟ ملاذا أقيمتا يف دمشق‬ ‫وال ب ّد هنا أن نستفرس ً‬ ‫مثل؟ بل طُمس دورها بعد محمد كحارض ٍة لإلسالم واملسلمني؟‬ ‫وبغداد؟ ملاذا مل تكن مكة هي املعقل أو املركز لهام ً‬ ‫وهذا يأخذنا لسؤا ٍل آخر‪:‬‬ ‫هل كانت الفتوحات نتيج ًة لإلسالم أم كان اإلسالم نتيج ًة لتلك الفتوحات؟‬ ‫وأيا األسبق‪ ،‬دين اإلسالم أم امرباطورية العرب؟‬ ‫ُّ‬ ‫‪ - 1‬يخربنا التاريخ أنّه ومنذ أوائل القرن السابع والحروب بني الفرس والروم قد أنهكت هاتني القوتني الجبارتني يف‬ ‫ذلك الحني‪ ،‬وهو أحد املربرات التي وضعها املؤرخون ملحاولة تفسري ما ر ّوجته املصادر التاريخية اإلسالمية عن انتصار‬ ‫أعوام‪ ،‬بينام الحقيقة ك ُمنت يف ضعفهام واستنفاذ‬ ‫املسلمني الكاسح باملناطق املتنازع عليها بني الفرس والروم طيلة ٍ‬ ‫قوتيهام كامرباطوريتني عظيمتني؛ فكانت األرض ممهد ًة ولقم ًة سائغ ًة لغ ْزو بدو الصحراء لتلك األماكن‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫حاكم يف العامل وقتها أو قبوله بالهزمية‬ ‫لكن إشارة‬ ‫إستفهام تبقى حامئ ًة حول إمكانية هزمية هرقل عظيم الروم وأقوى ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بهجوم مضا ٍد السرتجاع مناطق‬ ‫أصل‪ ،‬أي عىل فرض أنّه قد ُهزم فهل يستسلم بسهول ٍة هكذا وال يحاول إعادة اعتباره‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫سبق ودفع مث ًنا باهظًا للحصول عليها بحروبه مع الفرس؟‬ ‫ومن املعروف أ ّن الفرس بسطوا نفوذهم يف العراق عىل من كانوا يُعرفون باملناذرة فيها‪ ،‬والروم يف سوريا عىل‬ ‫استغل العشائر العربية يف البلدين لخدمة مصالحهام فيام بدا وكأنه إطالق‬ ‫ّ‬ ‫الغساسنة‪ ،‬وكالهام ‪-‬أي الروم والفرس‪-‬‬ ‫أيدي رؤساء تلك العشائر واتخاذهم حلفاء‪ ،‬لكن الحقيقة كانت اتخاذهم ُحام ًة مأجورين لهم من قطاع الطرق‬ ‫والصعاليك‪ ،‬وأن يقوموا بحروب وكال ٍة نياب ًة عن االمرباطوريتني‪ .‬أفليس غريبًا أن يسلّم هرقل سوريا بعد كل ما قاساه‬ ‫لالستبقاء عليها لثل ٍة من البدو مل يتع ّدوا الثالثة آالف وهو الذي مل يُقم لهم وزنًا يو ًما‪ ،‬فلم يكونوا أكرث من ٍ‬ ‫حرس‬ ‫لحدود امرباطوريته بتلك السهولة؟‬ ‫مهام بلغ به الضعف فهل هزمية مجموعة عشائر كان باألمر املستحيل إىل ذاك الحد؟ وهو من مت ّرس الحروب‬ ‫رص مؤ ّز ٍر عىل الفرس ثاين أقوى امرباطوريات املنطقة من بعده حينها؟ واألكرث‬ ‫والغزوات لثالثني عا ًما! الخارج من ن ٍ‬ ‫غراب ًة أنه مل يذكر ولو مصد ٌر واح ٌد يف القرن السابع أ ّن هرقل تو ّجه بجيوشه جنويب القدس أو مدينة مؤتة بالذات‬ ‫ملحاربة ٍ‬ ‫أحد هناك كام تزعم املصادر اإلسالمية‪.‬‬ ‫يقول لويس شيخو يف كتابه (النرصانية وآدابها بني عرب الجاهلية)‬ ‫محاولً تفسري ذلك‪ ،‬أنه سنة ‪ 627‬م وصلت قوات هرقل إىل قلب‬ ‫بالد الفرس وأجربتهم عىل االستسالم‪ ،‬ويف العام التايل أي ‪ 628‬م ت ّم‬ ‫الصلح بني الجانبني بعد أن أنهكتهام الحروب‪ ،‬فرتك الفرس العراق‬ ‫للمناذرة عقب هزميتهم املنكرة أمام البيزنطيني‪ ،‬وتنازل البيزنطة‬ ‫عن سوريا بسبب استنزاف الفرس لهم رغم انتصارهم‪ ،‬ولرغبتهم‬ ‫ٍ‬ ‫بفتوحات بأماكن جديد ٍة كأرمينيا‪.‬‬ ‫أي أ ّن العراق وسوريا مل يحررهام العرب من البيزنطة والفرس كام‬ ‫بحروب معهم‪ ،‬فالتاريخ العاملي‬ ‫ي ّدعي التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ومل يدخلوا‬ ‫ٍ‬ ‫مم جاءت به النصوص‬ ‫مل مي ّر عىل ذلك إطالقًا ما يدعو لل ّريبة ّ‬ ‫التاريخية اإلسالمية حول هذا األمر‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫الحقيقة إذًا من املمكن تص ّورها وتلخيصها بالتايل بحسب الكاتب محمد آل عيىس مبؤلّفه اتاريخ املبكر لإلسالم‬ ‫كالتايل ‪:‬‬ ‫وأمني سارع العرب مللئه‪ ،‬وأقاموا فيها‬ ‫سيايس‬ ‫أنه وبعد انسحاب كال االمرباطوريتني من املنطقة‪ ،‬ساد فيها فرا ٌغ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫رشيعتهم ‪-‬أي اإلسالم‪ -‬إذن النظرية الراجحة هنا هي قدوم العرب كغزا ٍة توسعيني يف البداية ليس ّإل‪ ،‬وبعدها ارتأوا‬ ‫رس الحكم طويل األمد الذي ال يهتز‪ ،‬متا ًما كام‬ ‫نرش الدين اإلسالمي لتسهيل وتعزيز بسط نفوذهم‪ ،‬فالثيوقراطية هي ّ‬ ‫كان عبد الله بن الزبري يطمح ويخطط عىل خطى قسطنطني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاميات لها‪.‬‬ ‫سنة ‪ 636‬م بالتحديد‪ ،‬استكملت قوات البيزنطة انسحابها من بالد الشام مستبقي ًة عىل بضع‬ ‫يل بحكم العراق‪.‬‬ ‫فانفرد عىل إثر تلك االنسحابات الغساسنة بقيادة معاوية بحكم بالد الشام‪ ،‬واملناذرة بقيادة ع ْ‬ ‫مجال أليّة معارك أو‬ ‫الظروف الجيوسياسية التي كانت عليها املنطقة فور معاهدة الصلح بني الروم والفرس‪ ،‬ال ترتك ً‬ ‫ٍ‬ ‫غزوات عربي ٍة أو إسالمي ٍة قادم ٍة من جزيرة العرب‪.‬‬

‫لكن أهم املفارقات الجل ّية التي ال ميكن إغفالها والتي تدحض ما رواه التاريخ اإلسالمي من معارك مفرتض ٍة لفتح بالد‬ ‫وي عن استيالء الغزاة العرب عىل دمشق سنة ‪ 635‬م‪ ،‬يف حني أ ّن معركة الريموك والتي تبعد‬ ‫الشام والعراق‪ ،‬كانت ما ُر َ‬ ‫مئ ًة وخمسني كيلوم ًرتا فقط جنويب دمشق والتي اضطرت هرقل إىل مغادرة سوريا وقعت سنة ‪ 636‬م؟ وبعدها‬ ‫تسقط القدس سنة ‪ 638‬م؟ منطقيًا يجب أن يحدث العكس‪ ،‬أي أن يُهزم الروم يف الريموك فيرتاجعوا فيزحف الغزاة‬ ‫نحو دمشق‪ .‬كام وأ ّن الفحوصات اآلركيولوجية لخ ّط وادي الريموك تشري إىل أ ّن الروم تركوا املنطقة قبل ذلك ٍ‬ ‫بوقت‬ ‫طويلٍ ‪ ،‬وكان الغساسنة ينوبون عنهم يف الحكم إىل أن خرج الروم نهائ ًيا واستلم العرب مكانهم‪ .‬وتشري الدراسات التي‬ ‫جرت يف بالد الشام أ ّن غالبية العرب الذين قدموا من جزيرة العرب إليها كانوا وثنيني أو عىل دين النصارى‪ ،‬حتى‬ ‫الوثنيون منهم مالوا نحو النرصانية والتزموا بها بكثريٍ من أمور حياتهم‪ ،‬لكن بكل األحوال ماكان يُعرف عنهم أنهم مل‬ ‫ٍ‬ ‫يكونوا شديدي التديّن‪ ،‬وال ّدين بالنسبة لهم مل يكن أكرث من طريقة ٍ‬ ‫طقوس وثني ٍة أخرى‪.‬‬ ‫عيش مثل أيّة‬ ‫املصادر الرسيانية التي د ّونت تلك الفرتة مل تذكر شيئًا عن الفتوحات اإلسالمية للشام‪ ،‬وال حتى تلك املصادر التي‬ ‫د ّونت ما بعد تلك الفرتة‪.‬‬ ‫والتفسري الغالب بحسب نادر قريط يف كتابه إسبانيا وفتح األندلس‪ ،‬أنها مج ّرد ذاكر ٍة وهمي ٍة وليست أحدا ًثا حقيقي ًة‬ ‫ٍ‬ ‫ثقافات شاخت؛ والحضارة اإلسالمية يف‬ ‫باملطلق‪ .‬فالفتوحات فتوحاتٌ بلغ ٍة كتابي ٍة عربي ٍة متددت تاريخ ًيا عىل حساب‬ ‫جوهرها هي حضار ٌة عربية اللسان فارسية العقل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫غزوات إسالمية‪،‬‬ ‫لفتوحات أو‬ ‫ويستغرب يهودا نيفو يف كتابه (اإلسالم عىل مفرتق طرق) عدم ذكر أية مصادر بيزنطي ٍة‬ ‫رغم أن التاريخ اإلسالمي ي ّدعي ط ْرق أبواب القسطنطينية وتهديدها!‬ ‫‪20‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫إذًا القصة التي بني أيدينا اليوم عن مايض اإلسالم وإنتشاره وكل تفاصيل بداياته ومغامراته وحروبه وإنتصاراته‪...‬هي‬ ‫من مصادر إسالمي ٍة وحسب‪ ،‬أي مصادر بعينٍ واحد ٍة هي عني أبطال تلگ الرواية‪.‬‬ ‫ڪ‬ ‫فمثل ماكان يُعرف بيهود الحجاز مل يكونوا بتلك الكثافة أو‬ ‫ويستمر التضليل بنقاط عدة مبدونات التاريخ اإلسالمي‪ً ،‬‬ ‫األهمية التي صورها التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فالكتابات التاريخية التي ُوضعت عن يهود الحجاز كلها مبال ٌغ فيها‪ ،‬قد كانوا‬ ‫قالئل ال كام صورتهم الروايات اإلسالمية وض ّخمت من تهديدهم وتواجدهم ونزاعاتهم مع محمد وأتباعه‪ ،‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات يهودي ٍة أو غري يهودي ٍة تتحدث عن يهود الحجاز ويرثب وال حتى مكة‪،‬‬ ‫نجد أنه من الغريب عدم وجود أيّة‬ ‫رغم خطورة وأهمية ماحدث حينها من ٍ ٍ‬ ‫تهجي لهم أو إباد ٍة وحروب اشتعلت بينهم وبني املسلمني يف ذاك الوقت‬ ‫كام يروي املسلمون‪ .‬وبحسب محمد النجار بكتابه مدخل إىل تاريخ املدينة‪ ،‬فغياب أيّة آثا ٍر أو ٍ‬ ‫نقوش بالعربية تدل‬ ‫عىل الوجود اليهودي فيها يدعم تلك الفرضية التي تقول ّأل يهود بيرثب أو باملدينة‪ ،‬بل ما ُوجد كان نقوشً ا صفوي ٍة‬ ‫مثل‪ ،‬وما ُوجد لهم من آثا ٍر كانت قرب مدائن صالح وتيامء أي شاميل الحجاز وجنويب األردن‪ ،‬وهذا ينايف‬ ‫ولحياني ٍة ً‬ ‫الحكاية اإلسالمية التي صورت تواجدهم القوي وجربوتهم وأنهم هناك مذ قرون‪.‬‬ ‫مثل استقبلوا الجيوش العربية‬ ‫يقول إرسائيل ولفنسون بكتابه تاريخ اليهود ببالد العرب صـ ‪ ،10‬أ ّن اليهود يف العراق ً‬ ‫الفاتحة بالحفاوة‪ ،‬والسبب أ ّن العرب الفاتحني كانوا يؤثرونهم عىل غريهم باعتبارهم مؤمنني بإله موىس وابراهيم‪،‬‬ ‫ومستقبل شاركوهم بدخول األندلس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫سؤايل هنا‪:‬‬ ‫إغفال من ِقبل اليهود عىل ذكر مجزر ٍة كمجزرة بني قريظة تلك بحقهم‪ ،‬وهم من‬ ‫أليس من الغريب ماميكن اعتباره ً‬ ‫احرتفوا عرب تاريخهم عدم إضاعة أيّة فرص ٍة يف توثيق مظاملهم الستدرار عطف العامل؟‬ ‫أول يف أ ّن‬ ‫السبب األرجح برأيي يف إرصار الروايات اإلسالمية عىل اختالق تلك الحوادث وإقحام اليهود فيها‪ ،‬يعود ً‬ ‫فكرة خلق عد ٍّو خائنٍ لهم يزيد من متعة الحكاية‪ ،‬متا ًما كام يف أسطورة أيّة ديانة‪ ،‬ولنا يف فكرة الشيطان خري دليل‪،‬‬ ‫ناهيك عن أنّه يف إظهار رصامة اإلسالم كدينٍ بذاك الشكل تجعله باعتقادهم يظهر كجدي ٍر بأن يؤسس دول ًة ويقود‬ ‫وحزم مل يزد الناس ّإل انصيا ًعا لهام ومل‬ ‫تنظيم‬ ‫قبائل متناثر ًة ويفرض قوانينه‪ ،‬أسو ًة مبا شاع عن الفرس والروم من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يزدهام إلّ رهبة‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫اإلسالم مل ينترش بالسيف‬ ‫‪Aliaa Damascéne‬‬

‫والسبب الثاين كان يف إقحام اسم يرثب ومكة واملدينة كمحاول ٍة إلثبات أ ّن اإلسالم ُولد يف شبه الجزيرة العربية ال يف‬ ‫بالد الشام كام ذهب العديد من املؤرخني واملراقبني بالقول‪.‬‬ ‫امللفت أننا نلحظ الكثري من مظاهرالتق ّرب اإلسالمي باليهود لو قارنّاها بتق ّربهم الضعيف من املسيحية يف محاول ٍة‬ ‫الستاملتهم‪ ،‬فقد وافقت الروايات القرآنية أجزاء هام ًة من الروايات التوراتية فيام يتعلق باملسيح‪ ،‬لقد ب ّرؤوا اليهود‬ ‫من دم املسيح حني رفض القرآن االعرتاف بصلبه‪ ،‬وألصقها بالرومان‪ ،‬وكان ذلك بنفس الوقت تأكي ًدا عىل ما جاء به‬ ‫التوراة عن أ ّن األنبياء ال ميوتون إال بسالم‪.‬‬

‫يقول حسام عيتاين بكتابه «الفتوحات العربية يف روايات املغلوبني» موض ًحا سبب سهولة دخول العرب إىل املنطقة ‪:‬‬ ‫تنسيق بني البيزنطة والساسانيني ملواجهة التقدم العريب‪،‬عىل الرغم من وجود ٍ‬ ‫قوات‬ ‫أي‬ ‫ٍ‬ ‫إ ّن حقيقة عدم حصول ّ‬ ‫ألسباب مختلف ٍة يف االنسحاب بعد التوصل لالتفاق بالسالم بني‬ ‫بيزنطي ٍة وأخرى ساساني ٍة وأخرى فارسية تأخرت‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تساؤالت عن مدى الجدية التي نظرت بها اململكتان الكبريتان إىل الهجامت اإلسالمية املبكرة‪ ،‬وميكن‬ ‫الدولتني تثري‬ ‫حرب مدمر ٍة ماكانوا قد ط ّوروا بعد هذا املستوى من‬ ‫التذرع أ ّن الروم والفرس الذين كانوا قد خرجوا لت ّوهم من ٍ‬ ‫كل‬ ‫تخص طرفًا ثالثًا‪ ،‬ناهيك عن تبني النظامني نظريتني مختلفتني إىل موقع ٍّ‬ ‫التطور الدبلومايس يف تبادل املعلومات ّ‬ ‫منهام يف العامل ومصالحه‪ ،‬مايجعل من العسري قيامهام مبواجه ٍة مشرتك ٍة للخطر العريب‪.‬‬ ‫إذًا‪ ،‬وسط كل هذا الغموض حول الغزو العريب من شبه الجزيرة العربية ملنطقتي بالد الشام والعراق تحدي ًدا بهذا‬ ‫غيض من فيض بالطبع‪ ،‬مام يفتح املجال أمام الكثري‬ ‫املقال‪ ،‬وببعض االختصار والتنويه عىل بعض النقاط فقط فهذا ٌ‬ ‫من األسئلة واالستفسارات‪ ،‬أ ّولهام وأه ّمهام ما الوسيلة التي دخل بها هذا الدين إىل بالدنا؟ وهل دخل وانترش‬ ‫بالسيف كام يُشاع أم أنه كان نتيج ًة ال سبب؟‬ ‫املصادر‪:‬‬ ‫(‪)1‬محمد آل عيىس‪ -‬التاريخ املبكر لإلسالم‬ ‫(‪)2‬باتريشيا كرونة ‪-‬الهاجريون‪ -‬ترجمة نبيل فياض‬ ‫تاريخ الكنيسة الرشقية للمطران ميشيل يتيم واألرشمندريت أغناطيوس ديك من منشورات املكتبة البولسية‪ -‬بريوت لبنان‪.‬‬ ‫نادر قريط ‪ -‬غولدتسهري االسالم وفارس‬ ‫لويس شيخو ‪-‬النرصانية وادابها بني عرب الجاهلية‬ ‫نادر قريط‪-‬إسبانيا وفتح االندلس‬ ‫يهودا نيفو ‪ -‬اإلسالم عىل مفرتق طرق‬ ‫إرسئيل ولفنسون‪ -‬تاريخ اليهود ببالد العرب‬ ‫حسام عيتاين ‪ -‬الفتوحات العربية يف روايات املغلوبني‬

‫‪22‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع ‪...........‬‬

‫محلل سيايس مرصي أملاين‪ُ ،‬ولد يف الجيزة‬ ‫كاتب‪ ،‬روا ٌيئ‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫عام ‪ 1972‬وتعلّم يف جامعة عني شمس بالقاهرة‪،‬‬ ‫درس عدة ٍ‬ ‫لغات (اإلنكليزية والفرنسية واليابانية)‪ ،‬يف‬ ‫الثالثة والعرشين من عمره انتقل إىل أملانيا ودرس‬ ‫العلوم السياسية يف جامعة أوجسربج‪ ،‬ثم عمل ُمد ّر ًسا‬ ‫للدراسات اإلسالمية بجامعة إيرفورت األملانية‪ ،‬ثم‬ ‫درسا للتاريخ اإلسالمي واليهودي بجامعة ميونيخ‪،‬‬ ‫ُم ً‬ ‫ورغم انضاممه إىل جامعة اإلخوان املسلمني يف سنوات‬ ‫ٍ‬ ‫تشكيكات فكري ٍة قادته إىل‬ ‫الجامعة‪ ،‬إال أنه تع ّرض إىل‬ ‫فقدان إميانه؛ وقد اختلط بالعديد من الثقافات‪ ،‬منها‬ ‫الروحانية الرشقية التي تع ّرف عليها يف اليابان‪.‬‬ ‫صار حامد عبد الصمد معروفًا للرأي العام املرصي‬ ‫واألملاين من خالل روايته الجريئة‪" :‬ودا ًعا أيتها‬ ‫السامء" التي صدرت عام ‪ 2009‬باللغتني العربية‬ ‫واألملانية‪ ،‬ولعلّها ال تعترب نق ًدا للفكر الديني بقدر ما‬ ‫هي محاول ٌة منه لفهم التناقضات التي أملّت بحياته‬ ‫نفسه‪ ،‬الجدير بالذكر أنه عىل إثر نرش الكتاب قامت‬ ‫دم‬ ‫إحدى املجموعات املتطرفة بإصدار فتوى إهدار ٍ‬ ‫بحق عبد الصمد‪ ،‬ما استدعى وضعه تحت حامية‬ ‫الرشطة‪.‬‬ ‫يقل جرأ ًة بعنوان‪:‬‬ ‫يف ‪ 2010‬صدر كتابه اآلخر الذي ال ّ‬ ‫"سقوط العامل اإلسالمي"‪ ،‬يتناول فيه املؤلف األحوال‬ ‫كل املستويات‬ ‫املرتدية التي مت ّر بها الدول اإلسالمية عىل ّ‬ ‫الفكرية واالجتامعية‪ ،‬ويشري‪ ،‬برصاح ٍة صادمة‪ ،‬إىل‬ ‫احتضار العامل اإلسالمي بشكلٍ عا ٍّم‪.‬‬

‫أما أحدث‬ ‫كتب عبد الصمد‬ ‫فهو "الفاشية اإلسالمية"‬ ‫الصادر باألملانية‪ ،‬الذي‬ ‫يف القاهرة‬ ‫جاء بعد محارض ٍة للكاتب‬ ‫يف ‪ 2013‬بعنوان "الفاشية الدينية يف مرص"‪ ،‬صدرت‬ ‫عىل إثرها فتوى أخرى بإهدار دمه؛ يف هذا الكتاب‬ ‫يغوص عبد الصمد يف التاريخ والفقه اإلسالميني‪ ،‬ليقرتب‬ ‫لب املشكلة األسايس‪ ،‬وهو املنابع الدينية‬ ‫أكرث وأكرث نحو ّ‬ ‫اإلسالمية ذاتها‪.‬‬ ‫متاعب‬ ‫رغم ما تع ّرض ويتع ّرض له حامد عبد الصمد من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتهديدات‪ ،‬إال أن الرجل ال يجامل أو مييل للحلول الوسط‬ ‫املائعة‪ ،‬وهو ينتقد التاريخ والفكر والنصوص اإلسالمية‬ ‫برصاح ٍة ووضو ٍح تامتني‪ ،‬وآخر أعامله برنامج "صندوق‬ ‫اإلسالم" الذي يتم بَثّه عىل (اليوتيوب)‪ .‬وهدفه من كل‬ ‫ذلك ‪ -‬كام يشري دو ًما‪ -‬ليس زعزعة إميان الناس‪ ،‬فهذا‬ ‫اإلميان الداخيل ال يعنيه‪ ،‬إمنا الهدف محاولة حامية‬ ‫‪23‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫املجتمعات اإلسالمية من التأثري املُدمر لهذا الفكر‪ ،‬تلك التأثريات التي مل تتوقف يف املايض‪ ،‬إمنا ممتد ٌة لتؤثر سل ًبا عىل‬ ‫الواقع الحارض‪ ،‬وتقف حجر عرث ٍة يف طريق املستقبل‪.‬‬ ‫س‪ : 01‬هل تحب إضافة يش ٍء لهذا التقديم قد نكون أغفلناه؟‬ ‫ ال‪ ..‬أعتقد أنّها مقدم ٌة وافي ٌة‬‫س ‪ : 02‬نشأتك كانت تقليدي ًة للغاية تحايك حياة أغلب املرصيني‪ ،‬فهل ترى أن لهذه البيئة أث ًرا يف جذور نفسيتك‪،‬‬ ‫ماذا تستطيع إخبار الق ّراء عنها؟‬ ‫كل ٍ‬ ‫واحد م ّنا نتاج بيئته ومحيطه االجتامعي‪ .‬أنا نشأت يف أرس ٍة محافظ ٍة ومتدين ٍة‪ ،‬والدي كان إما ًما وخطيبًا‪،‬‬ ‫ طب ًعا‪ّ ،‬‬‫حفظت القرآن صغ ًريا‪ ،‬كنت أفكّر يف معانيه وقصصه‪ ،‬فكرة الرقابة الذاتية التي زرعها اإلسالم يف داخيل أث ّرت عىل‬ ‫ُ‬ ‫نفسيتي‪ ،‬الخوف من عذايب النار والقرب‪ ،‬الخوف من عقوبة تارك الصالة‪ ،‬الخوف من ارتكاب املعايص‪ ،‬الخوف من‬ ‫ٍ‬ ‫كل ذلك أدى إىل تكوين ضمريٍ‬ ‫صارم بداخيل يتناقض‬ ‫وعتيد اللذين يكتبان كل صغري ٍة وكبري ٍة أفعلها‪ّ ،‬‬ ‫رقيب‬ ‫ٍ‬ ‫أخالقي ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫تحب الفضول والتجارب الجديدة‪ ،‬والقفز فوق الحدود والحواجز‪ .‬وحني تح ّررت من هذا الخوف‬ ‫مع طبيعتي التي ّ‬ ‫أدركت حجم الجرمية التي يرتكبها آباؤنا يف حقنا حني يربّوننا عىل السمع والطاعة والخوف‪ ،‬لكني يف‬ ‫وعذاب الضمري‬ ‫ُ‬ ‫النهاية أستفيد اليوم دراستي للقرآن منذ الصغر‪ ،‬ألنك ال ب ّد أن تعرف ما تنتقده جي ًدا حتى تستطيع نقده‪.‬‬ ‫س ‪ : 03‬يعاين الكثريون يف تعلم لغ ٍة جديد ٍة واحد ٍة‪ ،‬لكنك درست عدة ٍ‬ ‫لغات يف مرص قبل أن تسافر إلكامل‬ ‫دراساتك يف أملانيا‪ ،‬فكيف كان أثر هذه اللغات عىل تنوع قراءاتك‪ ،‬وهل تنصح القراء بتعلم لغ ٍة جديد ٍة؟‬ ‫كل لغ ٍة جديد ٍة كانت نافذ ًة جديد ًة عىل العامل‪ .‬من يقرأ باللغة العربية فقط يظل أس ًريا لقواعد هذه اللغة‬‫ّ‬ ‫ومحدوديتها‪ .‬نحن ال نزال أرسى للغ ٍة مقدس ٍة‪ ،‬لغ ٌة ولّدها القرآن مبصطلحاته‪ ،‬ورؤيته املتوجسة للمجتمع واإلنسان‪.‬‬ ‫س ‪ : 04‬بني اليابان وأملانيا ومرص كيف وجدت التباين الحضاري واالجتامعي‪ ،‬وكيف كان أثره بك‪ ،‬وكيف تستطيع‬ ‫وصفه؟‬ ‫ من الصعب عمل مقارن ٍة شامل ٍة بني الدول الثالث يف سطو ٍر بسيط ٍة دون الوقوع يف ف ّخ الصور النمطية‪ ،‬لكن لو قارنا‬‫ٍ‬ ‫األسلوب التقليدي لتناول الطعام يف البالد الثالثة‪ ،‬فمن املمكن أن نفهم طبيعة هذه البالد بشكلٍ‬ ‫مبسط‪.‬‬ ‫أيضا‬ ‫املرصيون يحبون أن يتناولوا اللحوم باليد قبل أكلها‪ .‬هذا‬ ‫رش وفيه حميمي ٌة مع الطعام‪ ،‬لكن فيه ً‬ ‫ٌ‬ ‫أسلوب مبا ٌ‬ ‫نو ٌع من البدائية والعنف‪ ،‬بينام األملان يقطعون اللحم بالشوكة والسكني إىل قطعٍ صغري ٍة ج ًدا قبل أكلها‪ ،‬وهذا يشري‬ ‫ٍ‬ ‫وإحساس‬ ‫للتحليل الذي مييل إليها األملان يف تناول القضايا‪ ،‬يف حني أن اليابانيني يستخدمون العىص الخشبية بأناق ٍة‬ ‫‪24‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫عا ٍل ج ًدا‪ ،‬وهي إشار ٌة إىل األسلوب غري املبارش يف التعامل مع القضايا‪ .‬هذا تشبي ٌه فيه بعض الكليشيهات طب ًعا‪ ،‬لكنه‬ ‫محلل‪ ،‬الياباين ال مييل‬ ‫عاطفي تلقا ٌّيئ‪ ،‬األملاين عقال ٌّين ٌ‬ ‫يشري لبعض صفات يتميز بها املرصي واألملاين والياباين‪ ،‬فاملرصي‬ ‫ٌّ‬ ‫للنقاش املبارش والنزاعات ويحب الهارموىن‪ ،‬حتى لو كان مصطن ًعا‪ .‬لكن هذا ال يعنى أنه ال يوجد مرصيون عقالنيون‪،‬‬ ‫وال يابانيون عاطفيون‪ ،‬وال أملان تلقائيون‪.‬‬ ‫قليل عن فكرتها للقراء؟‬ ‫س‪ : 05‬أول رسال ٍة لك كانت عن صورة اليهود يف الكتب املرصية الدراسية‪ ،‬هال تكلمت ً‬ ‫ أزمتنا مع اليهود ال تبدأ بالرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪ ،‬بل بنشأة اإلسالم نفسه‪ .‬القرآن يص ّور اليهود عىل أنهم خون ٌة‬‫(ينقضون عهدهم يف كل م ّر ٍة) ويصفهم بالقردة والخنازير‪ .‬واألحاديث النبوية ال تنظر للرصاع مع اليهود عىل أنه‬ ‫أبدي حتى قيام الساعة‪ ،‬حيث سيأيت خالص املسلمني بعد معرك ٍة‬ ‫رصا ٌع محدو ٌد بني مح ّم ٍد ويهود املدينة‪ ،‬بل كرصا ٍع ٍّ‬ ‫حاسم ٍة بني املسلمني واليهود‪ ،‬فيها سيختبئ اليهودي خلف الشجر والحجر‪ ،‬فينادى الشجر والحجر‪ :‬يا مسلم ورايئ‬ ‫يهودي فاقتله‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫هذه فكر ٌة سنجدها يف الفكر النازي األملاين‪ ،‬حيث كان هتلر يربط فكرة الخالص للشعب األملاين بفكرة القضاء عىل‬ ‫كل يهود العامل‪ .‬الكتب املدرسية غرست فينا فكرة أننا عظام ٌء وخري أ ّم ٍة أخرجت للناس‪ ،‬وأن اآلخر شيطا ٌن رشي ٌر‪،‬‬ ‫وسبب كل مشاكلنا‪ .‬متجيد الذات وشيطنة اآلخر‪ ،‬هام الحاجزان اللذان يحوالن بيننا والتقدم‪.‬‬ ‫س‪ : 06‬مل تتحول حقيق ًة إىل الالدينية إال بعد ولوجك يف عامل جامعات اإلخوان املسلمني‪ ،‬ماذا تستطيع أن تحيك‬ ‫لنا عن هذه التجربة‪ ،‬وكيف حدث التح ّول؟‬ ‫ اإلنسان الذي يفكر يف بالدنا اإلسالمية يكون يف الغالب مشتتًا غري ًبا يف بلده‪ ،‬يحتاج إىل جامع ٍة تحتضنه وتعرتف‬‫إحساسا أنهم قادرون‬ ‫بوجوده‪ .‬اإلخوان كانوا ناجحني ج ًدا يف اصطياد هذه النوعية من طالب الجامعات‪ ،‬يعطونهم‬ ‫ً‬ ‫عىل تغيري املجتمع وتحقيق العدالة‪ .‬ولكن من يقرتب منهم يالحظ نفاقهم وكذبهم‬ ‫هل وصفت للقراء رأيك يف هذا املجال؟‬ ‫واضح بني اإلسالم السيايس واإلسالم‪ّ ،‬‬ ‫س‪ : 07‬لديك متيي ٌز‬ ‫ٌ‬ ‫رشع وليس اإلنسان‪ ،‬وال نقاش أو تفاوض‬ ‫ اإلسالم السيايس‪ :‬التطبيق الصادق املبارش لإلسالم‪ .‬اإلسالم يرى أن الله هو امل ِّ‬‫سبيل‪ .‬اإلسالم جعل من الجهاد‬ ‫أضل ً‬ ‫يقسم العامل ملؤمنٍ وكافرٍ‪ ،‬ويرى أن الكفار كاألنعام بل ّ‬ ‫حول قوانني الله‪ .‬اإلسالم ّ‬ ‫ليس فقط وسيلة للدفاع عن النفس‪ ،‬بل وسيل ٌة للتق ّرب من الله‪ .‬املؤمن ال يجاهد يك يحيا‪ ،‬بل يحيا يك يجاهد‪ .‬اإلسالم‬ ‫يل لهذه املبادئ‪ .‬طب ًعا هناك ٌ‬ ‫فروق كثري ٌة بني املسلمني يف إندونيسيا واملسلمني يف السودان واملغرب‪،‬‬ ‫السيايس‬ ‫ٌ‬ ‫تطبيق عم ٌّ‬ ‫وهناك ٌ‬ ‫مسلم قرآنًا مييش عىل األرض‪ ،‬لكن عندما يصري اإلسالم‬ ‫فروق ين الشيعة والسنة والصوفية واألحمدية‪ ،‬وليس ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫سياس ًيا تختفي كل هذه الفروق‪.‬‬ ‫‪25‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ : 08‬يطول الكالم عن رواية "ودا ًعا أيّتها السامء" فهي تعترب من األعامل امله ّمة املج ّددة الجريئة ج ًدا يف وصف‬ ‫الواقع الذي ال يزال الكالم عنه من املح ّرمات‪ .‬فهل كانت روايتك رصخ ًة هدفها إيقاظ املجتمع‪ ،‬أم أنها كانت نو ًعا من‬ ‫التوثيق للواقع القبيح؟‬ ‫لدي النية لنرش هذا الكتاب بالذات حني كتبْتُه‪.‬‬ ‫يعب ّ‬ ‫عم بداخل الكاتب‪ .‬ومل تكن ّ‬ ‫ العمل األديب ال هدف له سوى أن ّ‬‫رمبا لهذا السبب يبدو صاد ًما وجريئًا‪.‬‬ ‫س‪ : 09‬تكلّمت يف الرواية عن مواضيع مثل اغتصاب األطفال وتزويج الصغريات والختان‪ ،‬فهل ترى أن هذه‬ ‫املامرسات عىل أرض الواقع اختلفت منذ إصدار الرواية‪ ،‬وهل تعتقد أن املجتمع املرصي (أو العريب) يتط ّور ويتعلم؟‬ ‫أيضا تط ّو ٌر إىل الوراء‪ .‬املجتمع املرصي يعيش حاليًا حالة رصاع الحضارات‬ ‫طب ًعا‪ّ ،‬‬ ‫كل مجتمع يتط ّور ويتعلّم‪ ،‬لكن هناك ً‬ ‫طويل‪ ،‬وسيكلفنا الكثري من الجهد والتضحيات‬ ‫الداخيل بني القوى املستنرية والقوى الرجعية‪ ،‬وهو رصا ٌع سيدوم ً‬ ‫والضحايا‪.‬‬ ‫س‪" : 10‬سقوط العامل اإلسالمي" من الكتب التي أحدثت ض ّج ًة‪ ،‬حيث إنك وصفت واقع الدول اإلسالمية باعتبارها‬ ‫دول مستهلك ًة غري منتج ٍة‪ ،‬وتنبأتَ مبستقبلٍ أسود ينتظرها إن هي بقيت كام هي‪ ،‬ما الحلول التي ميكن أن تنقذ‬ ‫ً‬ ‫الدول اإلسالمية من هذا املصري برأيك؟‬ ‫ صدر هذا الكتاب قبل شهو ٍر من بداية ثورات الربيع العريب‪ .‬تنبأتُ فيه أن الدول العربية تتجه نحو انهيا ٍر‬‫سيايس واضطر ٍ‬ ‫لحروب أهلي ٍة‪ .‬أسباب االنهيار سياسي ٌة واقتصادي ٌة وفكري ٌة واجتامعي ٌة‪ ،‬الـستالينية‬ ‫ابات ستؤدى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫والتعصب الديني واألصولية‪،‬‬ ‫القبلية يف الحكم‪ ،‬االقتصاد القائم عىل الجباية والسياحة والبرتول‪ ،‬بال إنتا ٍج وال إبداعٍ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والدميوجرافية املتوحشة‪ :‬معظم العرب من الشباب تحت الثالثني‪ ،‬بال رؤي ٍة سياسي ٍة وال اقتصادي ٍة واضح ٍة‪ ،‬طاقاتٌ‬ ‫متفائل‪ ،‬وإن كنت أمت ّنى أن تحدث معجز ًة وتتغري األحوال لألحسن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لست‬ ‫جنسي ٌة مكبوت ٌة‪ّ ،‬‬ ‫كل ذلك ال ّ‬ ‫يبش بالخري‪ ،‬أنا ُ‬ ‫مرضا‪ ،‬وحني‬ ‫لكني أعتقد أن االنهيار سيأيت قبل التغيري‪ ،‬أو رمبا كان رشط التغيري‪ ،‬ألننا تأخرنا كث ًريا يف االعرتاف أن هناك ً‬ ‫اعرتفنا باملرض قمنا بتشخيصه بطريق ٍة خاطئ ٍة‪ ،‬لذلك أخذنا العالج الخطأ‪.‬‬

‫‪26‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫عطب جوهري‪ ،‬وهو غياب النظام اإلنتاجي فيه‪ ،‬لهذا‬ ‫س‪ : 11‬هناك فكرة عن أن اإلسالم كنظام دول ٍة يعاين من ٍ‬ ‫اعتمد يف بداياته عىل الغزو؛ ليس ّد رمقه ويستطيع االستمرار‪ ،‬إىل أن استحوذت الدولة اإلسالمية عىل مصادر اإلنتاج‬ ‫واالقتصاد ومناهجها من مرص وبالد الشام بعد غزوها‪ ،‬واالعتامد املفرط عىل اليد العاملة املجانية املتمثلة بالسبايا‬ ‫والعبيد‪ ،‬ماذا تخربنا حول هذا املوضوع؟‬ ‫ االقتصاد اإلسالمي منذ نشأة دولة املدينة قائ ٌم عىل فكرة الجباية والغنائم‪ ،‬مح ّم ٌد وأتباعه باملدينة مل يكن لديهم‬‫مصدر رزقٍ غري غنائم الحروب‪ ،‬وفدية أرسى الحرب‪ ،‬وبيع العبيد والجزية‪ .‬وقد استم ّر ذلك يف التاريخ اإلسالمي حتى‬ ‫سقوط الدولة العثامنية يف القرن العرشين‪ ،‬وكانت الدول اإلسالمية آخر الدول التي متارس تجارة العبيد‪ .‬لكن االقتصاد‬ ‫العاملي اليوم يعتمد عىل اإلنتاج والتجديد واإلبداع‪.‬‬ ‫س‪ : 12‬ما رأيك مبا يُس ّمى باالقتصاد اإلسالمي املعارص؟‬ ‫ البنوك العاملية تقول لك‪ :‬استثمر أموالك عندنا وسنعطيك ربح ‪ 10%‬عىل رأساملك‪ .‬االقتصاد اإلسالمي يقول‬‫لك‪ :‬استثمر أموالك عندنا وسنعطيك ربح ‪ 10%‬إن شاء الله‪ .‬هذا هو الفرق الوحيد‪ .‬ال يوجد يش ٌء اسمه االقتصاد‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬هي خدع ٌة كبري ٌة تفتح أبوابًا للنصب عىل الناس‪.‬‬ ‫كتاب مه ٌم باألملانية مل يرتجم بعد للعربية عن الفاشية اإلسالمية وعالقتها‪ ،‬وأوجه التشابه بينها‬ ‫س‪ : 13‬صدر لك ٌ‬ ‫والفاشية النازية‪ ،‬فهل حقا اإلسالم مشاب ٌه للنازية يف تكوينه‪ ،‬وهل سيكون له نفس املصري؟‬ ‫شعب مختا ٌر من حقه أن يسود‬ ‫هناك نقاط تشابه أيديولوجي ٌة وبنيوي ٌة بني اإلسالم والنازية‪ ،‬فكالهام يرى أتباعه أنهم ٌ‬ ‫الحق املق ّدس‪،‬‬ ‫يقسم العامل لعد ٍو‬ ‫ٍ‬ ‫وصديق‪ ،‬كالهام يؤمن بفكرة الزعيم امللهم وصاحب ّ‬ ‫العامل ويسيطر عليه‪ ،‬وكالهام ّ‬ ‫فكرة الكفاح النازي شبيهة ج ًدا بفكرة الجهاد اإلسالمي‪ ،‬حيث الحرب ٌ‬ ‫هدف يف ح ّد ذاتها والشهيد يف منزلة عالية‪،‬‬ ‫عالقة النازية واإلسالم باليهود متشابه ٌة‪ ،‬حيث يتم النظر لليهود عىل أنهم دون مستوى البرش‪ ،‬ويستحقون الفناء‬ ‫مقدس‪ .‬كل أيديولوجي ٍة مطلق ٍة تحتقر ما دونها من البرش مصريها الهزمية والفناء طب ًعا‪.‬‬ ‫الجامعي ويف فنائهم مغزى‬ ‫ٌ‬

‫‪27‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫يخص التاريخ اإلسالمي‪ ،‬تشكك يف‬ ‫س‪ : 14‬إنترشت يف العقود األخرية نظرياتٌ ميكن تسميتها "راديكالية" فيام ّ‬ ‫وتفضل عليها املصادر املسيحية واليهودية والفارسية‪ ،‬وكذلك‬ ‫مصداقية املصادر اإلسالمية املكتوبة يف العرص العبايس‪ّ ،‬‬ ‫مكتشفات التنقيبات األثرية؛ هذا الرأي ‪ -‬الذي ظهر يف كتاب الهاجرية مثال لباتريشيا كرون الذي ترجمه نبيل فياض‬ ‫ٍ‬ ‫سيناريوهات بديل ًة‬ ‫إىل العربية‪ ،‬كذلك فيلم قصة اإلسالم لتوم هوالند‪ -‬يرفض القصة التقليدية لظهور اإلسالم‪ ،‬ويقرتح‬ ‫مختلف ًة ملكان ظهور اإلسالم‪ ،‬فيجعله يف شامل الجزيرة العربية‪ ،‬كذلك زمان ظهوره حيث يربطه بالخلفاء األمويني‪.‬‬ ‫هل اطّلعت عىل مثل تلك النظريات‪ ،‬وما رأيك فيها؟‬ ‫أطلعت عليها‪ .‬يف بعض هذه النظريات يش ٌء من الحقيقة‪ ،‬حيث إن أسامء مح ّم ٍد واإلسالم والقرآن مل يظهروا‬ ‫ طب ًعا‬‫ُ‬ ‫يف الوثائق الرسمية العربية‪ ،‬أو عىل العمالت املعدنية وجدران املساجد إال بعد ‪ 60‬عا ًما من وفاة مح ّم ٍد‪ ،‬وهذا لغز‬ ‫كبري مل يجب التاريخ اإلسالمي عليه‪ ،‬وال توجد لدينا مخطوطاتٌ للقرآن من زمن مح ّم ٍد أو الخلفاء الراشدين‪ ،‬لكن كلها‬ ‫من العرص األموي‪ .‬كام أن لغة القرآن ومواضيعه أقرب للغة عرب الشام ونقاشاتهم حول طبيعة املسيح والجدل حول‬ ‫مهم يف تشكيل اإلسالم‬ ‫اليهود يف القرنني السابع والثامن امليالديّني‪ .‬بالفعل لعب الخلفاء األمويون والعباسيون دو ًرا ً‬ ‫الذي نعرفه اليوم‪ ،‬لكنى ال أعتقد أنهم اخرتعوا اإلسالم ومح ّم ًدا من األساس‪ .‬أعتقد أنه كان هناك ثالثة مح ّمدين‪،‬‬ ‫بحروب دامي ٍة‪ ،‬ومح ّم ٌد الذي اخرتعه األمويون‬ ‫مح ّم ٌد الشخصية التاريخية القائد العسكري الذي و ّحد الجزيرة العربية‬ ‫ٍ‬ ‫والعباسيون ليعطيهم رشعي ًة للقمع والسبي وتع ّدد الزوجات والجواري‪ ،‬ومح ّم ٌد املسكوت عنه املجهول النسب‪،‬‬ ‫املريض بالرصع!‬ ‫نفس اليشء ينطبق عىل القرآن‪ ،‬هناك قرآ ٌن قبل القرآن‪ ،‬وهو ترنيامتٌ رسياني ٌة مسيحي ٌة وأساط ٌري فارسي ٌة ويهودي ٌة‪،‬‬ ‫وقرآ ٌن من زمن مح ّم ٍد نفسه يصف حروبه وزيجاته ومجتمعه‪ ،‬وقرآ ٌن بعد القرآن فيه تعديالتٌ تخدم مصالح حكام‬ ‫األمويني والعباسيني!‬ ‫س‪ : 15‬عندما نقرأ التاريخ اإلسالمي‪ ،‬تتجىل لنا كراهية وعداء اليهود كواحد ٍة من أبرز صفات اإلسالم‪ ،‬تنعكس‬ ‫هذه الكراهية اليوم يف الرصاع العريب ‪ -‬اإلرسائييل‪ ،‬فهل تتوقع أن امللحد العريب سيتح ّرر من كراهية اليهود وعداء‬ ‫إرسائيل؟ أم أن أسباب هذا الرصاع أكرث من ديني ٍة؟‬ ‫ديني‪ ،‬لكن أسبابه اليوم ليست فقط ديني ًة‪ .‬فستجد العداء لليهود بني اليساريّني العرب عىل نفس‬ ‫ هذا العداء أصله ٌّ‬‫ح ّدة عداء اإلسالميني لليهود‪ .‬هي فكرة أنك تحتاج عد ًوا تبنى دعائم هويتك عىل الرصاع معه‪ ،‬فالقومية العربية‬ ‫احتاجت العداء لليهود مثل اإلسالميني لتكوين هذه الهوية‪ .‬ال أعتقد أن اإللحاد يف ح ّد ذاته سيح ّرر اإلنسان العريب‬ ‫من كراهيته لآلخر تلقائ ًيا‪ ،‬فهناك ملحدون أنكروا الدين لكنهم ال يزالون محبوسني يف نفس أُطر الفكر اإلسالمي‬ ‫التقليدية‪ ،‬ونفس نظرتهم الذكورية للمرأة واملجتمع‪ .‬القصة ليست فقط قصة إميانٍ أو إلحا ٍد‪ ،‬إمنا فكرة تنوي ٍر أو‬ ‫سلطوي ٍة‪ ،‬ح ّري ٍة أو وصاي ٍة!‬ ‫‪28‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ : 16‬يستخدم العرب املسلمون اليوم عىل نطاقٍ واسع صور ضحايا حروب إرسائيل‪ ،‬مر ّوجني أن املسلمني ضحايا‬ ‫بريئني تستهدفهم آلة القتل اإلرسائيلية‪ ،‬وبالتايل زرع املزيد من الحقد يف نفوس أبنائهم‪ ،‬فهل ترى أ ّن العرب املسلمني‬ ‫بحق اليهود يف القرن العرشين‬ ‫ضحايا بريئون حقا؟ وهل هناك جدوى من فتح امللفات املخفية ملجازر العرب ّ‬ ‫مجال أكرث عقالنية للتعامل مع هذه القضية؟‬ ‫كالفرهود والخليل وغريها‪ ..‬لتفسح ً‬ ‫أيضا قصص الحروب‬ ‫ ال ب ّد من إعادة قراءة التاريخ بصور ٍة أخرى غري عاطفي ٍة‪ ،‬ليس فقط تاريخنا مع اليهود‪ ،‬لكن ً‬‫الصليبية واالستعامر ال ب ّد أن نقرأها من وجهة نظ ٍر تحليلي ٍة‪ ،‬وليس من وجهة نظر الضحية‪ ،‬حينها سنفهم ملاذا نقف‬ ‫أيضا مشكلتنا التاريخ املق ّدس‪.‬‬ ‫اآلن حيث نقف‪ .‬مشكلتنا ليست فقط قدسية النصوص اإلسالمية‪ ،‬لكن ً‬ ‫س‪ : 17‬املرأة يف اإلسالم تخاف من التفكري‪ ،‬لدرجة أنها سلّمت املهمة إىل الرجل يف حياتها‪ ،‬وحتى إن كان ابنها‬ ‫متفائل من بعض ر ّدات الفعل النسائية الصادمة مبنطقتنا مؤخ ًرا مثل مشاركة البعض‬ ‫ٌ‬ ‫ببعض األوقات‪ ،‬هل انت‬ ‫ٍ‬ ‫بفعاليات جريئ ٍة كمنظمة (فيمن) للفت االنتباه ملعاناة النساء عندنا كصفع ٍة للمجتمع؟ كيف تقيّم وترى مثل هذه‬ ‫النشاطات برأيك؟‬ ‫ أنا تقري ًبا فقدتُ األمل يف الرجال‪ ،‬وآخر قشة أملٍ أتعلّق بها هي املرأة وذكاؤها وجرأتها وفطرتها اإلنسانية‪.‬‬‫س‪ : 18‬هل ترى أن املسلم املعتدل أسطورةٌ؟ وما دور األغلبية املعتدلة برأيك يف واقع اإلسالم اليوم؟‬ ‫املسلم املعتدل موجو ٌد وأعرف الكثريين منهم‪ .‬لكن األسطورة هي اإلسالم املعتدل‪ .‬املسلم إنسا ٌن له دوافع كثري ٌة‬ ‫لترصفاته ودوافعه ليست دامئًا ديني ًة‪ .‬ولكن املسلم الذى يفعل الخري ويؤمن بالتسامح ال يفعل ذلك بالرضورة ألنه‬ ‫مسل ٌم‪ ،‬لكن ألنه إنسا ٌن‪ .‬لكن املسلم الذى يقطع رأس غري املسلم يستشهد ٍ‬ ‫بآيات من القرآن ويصيح الله أكرب‪ ،‬لكن‬ ‫من يفعل الخري قد يفعله بدافعٍ من إميانه أو لدواف َع أخرى‪.‬‬ ‫س‪ : 19‬ي ّدعي الكثري من املسلمني أن داعش وأخواتها ال متثّل اإلسالم‪ ،‬بل وينجرفون إىل نظريات مؤامرة قد تكون‬ ‫مضحك ًة أحيانًا‪ ،‬ماذا تستطيع إخبارنا عن هذا املوضوع؟‬ ‫سبي‪ ،‬قطع ٍ‬ ‫رؤوس‪ ،‬طرد أصحاب الديانات األخرى واالستيالء‬ ‫ ماذا فعلت داعش ومل يفعله محمد وأصحابه؟ ٌ‬‫قتل‪ٌّ ،‬‬ ‫عىل ديارهم أو غصبهم عىل الجزية؟ داعش هي التطور الطبيعي لإلسالم ونصوصه ورؤيته املتعالية للعامل‪.‬‬

‫‪29‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ : 20‬عىل املدى القريب واملتوسط‪ ،‬ما توقعاتك ملستقبل الحركات اإلسالمية يف الوطن العريب واإلسالمي‪ ،‬سواء‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ونهوض وإحياء أم‬ ‫تصاعد‬ ‫الفكرية أم السياسية أم حتى العسكرية اإلرهابية (داعش)‪ ،‬هل تتوقع أنها يف مجملها إىل‬ ‫إىل أفو ٍل وزوا ٍل؟‬ ‫ مصري هذه الحركات سيكون كمصري الفاشية يف أوروبا‪ ،‬يف البدء صعو ٌد وانتصاراتٌ ‪ ،‬ويف النهاية هزمي ٌة ساحق ٌة وفنا ٌء‪.‬‬‫ألن البقاء لألصلح!‬ ‫س‪ : 21‬تكلّمت عن املسلمني األوروبيني كث ًريا‪ ،‬وهم ال يك ّنون لك الكثري من الحب‪ .‬فامذا تستطيع القول عن‬ ‫واقعهم بنصفيهم املهاجر إىل أوروبا‪ ،‬والنصف اآلخر من ذوي األصول األوروبية‪،‬والذين تب ّنوا اإلسالم ثقاف ًة وهوي ًة؟‬ ‫سالم ورخا ٍء‬ ‫ كنت أمت ّنى أن تأيت الرشارة األوىل إلصالح املجتمعات اإلسالمية من مسلمي أوروبا‪ ،‬ألنهم يعيشون يف ٍ‬‫وحري ٍة‪ ،‬لكن لألسف العكس متا ًما هو ما يحدث‪ ،‬بعض الكتّاب والناشطني يف املجتمعات العربية مثل رائف بدوي‬ ‫وأحمد حرقان وغريهم يجازفون بحياتهم وينتقدون اإلسالم‪ ،‬بينام يدافع مسلمو أوروبا عن اإلسالم باستامت ٍة ويحاولون‬ ‫تلميع صورته يف الغرب‪ .‬أما "املتحولون" الذين يعتنقون اإلسالم يف أوروبا معظمهم مصابون بعقدة ٍ‬ ‫نقص‪ ،‬ألن‬ ‫مواهبهم محدودةٌ‪ ،‬ومع ذلك طموحاتهم كبريةٌ‪ ،‬واإلسالم السيايس يعطيهم فرصة يك يصبحوا نجو ًما بال إنجازات‪.‬‬ ‫س‪ : 22‬بالحديث عن امللحدين العرب‪ ،‬ش ّدتني مقول ٌة منسوب ٌة لك‪:‬‬ ‫كل يش ٍء يف هذا الدين دون محظورات»‪.‬‬ ‫«نحتاج إىل إلحا ٍد وملحدين للتشكيك بطريق ٍة إلحادي ٍة يف ّ‬ ‫فهل ترى أن اإللحاد ونقده للدين طريق ٌة ما إلجبار اإلسالم عىل تجديد نفسه؟‬ ‫طويل‪ ،‬ألن هذه املؤسسات تعيش من‬ ‫من ينتظر أن يأيت اإلصالح من داخل املؤسسات اإلسالمية نفسها سوف ينتظر ً‬‫ٍ‬ ‫خطوات للح ّد من هذه القدسية‪ ،‬كام أن املصلحني الذين يقولون إن املشكلة‬ ‫قدسية اإلسالم ونصوصه‪ ،‬ولن تتخذ أي‬ ‫حقيقي‪ ،‬فهم يضحكون عىل‬ ‫ليست يف النبي والقرآن‪ ،‬بل يف األحاديث والتفسري الخاطئ للقرآن‪ ،‬لن يأتوا بإصال ٍح‬ ‫ٍّ‬ ‫أنفسهم قبل أن يضحكوا علينا‪ .‬امللحدون لديهم القدرة عىل التح ّرر من قدسية النصوص‪ ،‬لذلك يسهل عليهم رؤيتها‬ ‫يف سياقها التاريخي الحقيقي‪ ،‬ليس السياق املستحب عند املدافعني عن اإلسالم باسم اإلصالح‪ .‬اإلسالم ال يحتاج مارتن‬ ‫لوثر‪ ،‬بل فولتري وسلامن رشدي‪ ،‬وشاريل إبدو!‬

‫‪30‬‬


‫حامد عبد الصمد‬ ‫يف حوار مع‪...........‬‬

‫س‪ : 23‬ع ّم ِت العامل العريب ظاهر ٌة جديد ٌة نو ًعا ما‪ ،‬وهي ظهور امللحدين العرب بشكلٍ كبريٍ وعل ّو صوتهم‬ ‫ونشاطهم عرب وسائل التواصل االجتامعي‪ ،‬ما َ‬ ‫رأيك يف هذه الظاهرة؟‬ ‫ اإللحاد ليس ر ّد فعلٍ عىل ظهور داعش واإلخوان كام يحاول أن يص ّوره البعض‪ ،‬ألن اإللحاد هو األساس يف النظر‬‫للدين وليس اإلميان‪ .‬لكن جرأة امللحدين يف الظهور بأسامئهم الحقيقية وصورهم وصوتهم ر ّد فعلٍ للثورات العربية‬ ‫وما تالها‪ .‬وسائل التواصل االجتامعي هي التي ساعدت عىل رؤية ظاهرة اإللحاد‪ ،‬لكن ليست هي التي خلقتها‪ .‬لكن‬ ‫وسائل تساعد املؤمن عىل قراءة وجهات نظ ٍر مخالف ٍة للرسدية الدينية املعتادة‪ ،‬وهذا بدوره يقود البعض‬ ‫ٌ‬ ‫بالطبع‬ ‫ّ‬ ‫للشك ثم اإللحاد‪.‬‬ ‫س‪ : 24‬هل ترى للملحدين فرص ًة يف تغيري الواقع يف مرص والعامل العريب‪ ،‬إذا كان حتى املسلمني املعتدلني الذين‬ ‫يحاولون تجميل صورة اإلسالم ال ينجون من بطشه‪ ،‬عىل خلفية الحكم عىل إسالم بحريي بالسجن خمس سنوات مع‬ ‫االشغال الشاقّة بتهمة ازدراء اإلسالم؟‬ ‫أي قدسي ٍة‪،‬‬ ‫ كام قلت اإللحاد يف ح ّد ذاته ليس الحل‪ ،‬بل التنوير والفكر العقالين الح ّر‪ .‬اإللحاد فرص ٌة ألنّه متح ّر ٌر من ّ‬‫وقاد ٌر عىل عالج املجتمعات بالصدمات‪ ،‬والحديث عن الدين دون تجميلٍ ‪.‬‬ ‫س‪ : 25‬يف العارش من شهر حزيران‪ /‬يونيو بدأت بث برنام ٍج عىل اليوتيوب بعنوان‪" :‬صندوق اإلسالم"‪ ،‬ماذا تحدثنا‬ ‫عنه‪ ،‬وعن موضوعاته وطبيعته؟‬ ‫جوانب مجهول ٍة من‬ ‫ هي مجموع ٌة من الحلقات عن نشأة اإلسالم وأصول القرآن بطريق ٍة علمي ٍة نقدي ٍة‪ ،‬أتكلّم عن‬‫َ‬ ‫حياة مح ّم ٍد وعالقته بالنساء واليهود‪ ،‬ومصادر القرآن الفارسية واملسيحية واليهودية‪ ،‬ومخطوطات القرآن األوىل‬ ‫والفرق بينها والقرآن الذي نعرفه اليوم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‪ ،‬وماذا سيكون موضوعه؟‬ ‫كتاب‬ ‫س‪ : 26‬هل تخطط لنرش ٍ‬ ‫ كتايب الجديد سيصدر باألملانية يف ترشين األ ّول‪ /‬أكتوبر بعنوان‪" :‬محمد‪ ..‬كشف حساب!"‪.‬‬‫س‪ : 27‬ما رسالتك عرب مجلة امللحدين العرب للق ّراء من ملحدين ومؤمنني يف العامل العريب؟‬ ‫أقول للملحدين‪ :‬ال تجعلوا من اإللحاد دي ًنا‪ .‬وأقول للمؤمنني‪ :‬أنصتوا للملحدين‪ ،‬فقد تتعلمون منهم أشياء عن دينكم‪،‬‬ ‫لن تسمعوه من غريهم!‬ ‫إعداد ‪ :‬الغراب الحكيم | غايا آثيست | موىس ايتيز | غيث جابري | ‪Ali’a Damascéne‬‬ ‫‪31‬‬


32


‫مسرحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬

‫لطاملا ألهمتنا مرسحيات شكسبري وإدموند روستان‬ ‫وألبري كامو بفلسفاتها يف الوجود والحب واملوت‬ ‫والثورة واملقاومة والحرية والشعر‪ ،‬لكن‪ ،‬مثة مرسحي ٌة‬ ‫أعتربها ملحمي ًة وتحمل يف طياتها أرسار الخلق‪ ،‬فقد‬ ‫وفك طالسمها‬ ‫حيت الق ّراء وأصحاب ّ‬ ‫الدين يف سبيل فهمها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫رغم عن أنّ املرسحية كانت عبار ًة‬ ‫وما تحتويه من‬ ‫غموض ً‬ ‫عن آي ٍة واحد ٍة فقط يف سورة البقرة‪ ،‬وهي تحتوي عىل عد ٍد من‬ ‫الشخصيات التي لها أدوا ٌر رئيسي ٌة مهم ٌة كآدم أو يسوع‪ ،‬واملالئكة‬ ‫املفسون كابن كثري والطربي‪،‬‬ ‫والجن وإبليس واإلله‪ ،‬ك ّتاب السيناريو هم ّ‬ ‫وكذلك املسيحيون والقرآنيون‪ ،‬واملتفرج هنا‪ ،‬ليس املسلم فحسب ألنه‬ ‫مسلم بالوراثة من الذين ال يقرؤون القرآن‪،‬‬ ‫يؤمن بـ"كهنوت املعبد"‪ ،‬فهو‬ ‫ٌ‬ ‫فان قرأه فهو ال يفهمه‪ ،‬وهو يريد فقط صكوكًا وحسنات من قراءته الرسيعة‬ ‫حدثه ووعده كهنوته‪ ..‬فغريه من الجمهور‬ ‫واملتك ّررة لينال الجنة وحور العني كام ّ‬ ‫املتفرج من باقي الديانات ومن الذين يشاهدون هذه املرسحية الهزل ّية كرثٌ‪.‬‬

‫‪33‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫اآلية ‪ 30‬من سورة البقرة ‪:‬‬ ‫قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ ق َ​َال َربُّ َك لِلْ َمالئِ َك ِة إِنِّ َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض َخلِي َف ًة قَالُوا أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء َونَ ْح ُن‬ ‫نُ َسبِّ ُح ِب َح ْم ِد َك َونُ َق ِّد ُس ل َ​َك ق َ​َال إِنِّ أَ ْعلَ ُم َما ال تَ ْعلَ ُمونَ﴾ اآلية ‪ 30‬من سورة البقرة‪.‬‬ ‫طاملا وقفت مرا ًرا وتكرا ًرا عند هذه اآلية من سورة البقرة ملا فيها من التساؤالت والشبهات وأرسار بداية الخلق‪،‬‬ ‫كل علامء التفسري القديم وأنصار الرتاث اإلسالمي والحديث يف رشحها‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫خلق آدم تحدي ًدا‪ ،‬فقد أختلف ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بجديد‪ ،‬فعلامء املسلمني مختلفون دامئًا وغري متفقني أب ًدا ّإل يف آيات القتل والسبي والعداء لباقي الديانات‪ ،‬وهم‬ ‫يفسون اآليات‪ ،‬يحتقرون القارئ املسلم ومستوى تفكريه فيزيدون من املح ّدثني أو من العنعنة وسطور التفسري‬ ‫حني ّ‬ ‫حرب‬ ‫ليضيع املسلم يف زخم املعنى‪ ،‬وذلك يعود لعدم فهمهم‪ ،‬فهم ال يريدون االعرتاف بذلك مهام يكن‪ ،‬وكأنها ٌ‬ ‫وتحدي عىل حساب عقل اإلنسان املسلم‪ .‬من الناحية األخرى‪ ،‬تكفّل املسيحيون وفرسوها مبا يتامىش مع كتابهم‬ ‫املق ّدس للفوز يف هذه املنافسة‪ ،‬من وجهة نظرهم‪ ،‬فجميعهم يلعب نفس الدور بالتناوب يف هذه املرسحية امللحم ّية‪.‬‬ ‫كل املفرسين ومن ثم نحلل اآلية بشكلٍ‬ ‫نقدي‪:‬‬ ‫هنا سأعرض تحليل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أولً ‪ -‬املفرسون املسلمون‪:‬‬ ‫تفسري الطربي‬ ‫فاعل‪.‬‬ ‫جاعل‪ ﴾ ‬فقال بعضهم‪ :‬إين ٌ‬ ‫﴿إِنِّ َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض﴾ ‪ :‬اختلف أهل التأويل يف قوله ﴿ إين ٌ‬ ‫فاعل‪.‬‬ ‫جاعل يف األرض خليف ًة﴾ قال لهم‪ :‬إين ٌ‬ ‫عن الحسن وقتادة قال ﷲ تعاىل ذكره ملالئكته‪﴿ :‬إين ٌ‬ ‫خالق‪.‬‬ ‫وقال آخرون‪ :‬إين ٌ‬ ‫عن‪ ‬أيب روق‪ ،‬قال‪ :‬كل يش ٍء يف القرآن «جعل» فهو خلق‪ .‬‬ ‫مستخلف يف األرض خليف ًة‪ ،‬ومصري فيها‬ ‫جاعل يف األرض خليفة﴾ أي‬ ‫قال‪ ‬أبو جعفر‪ :‬والصواب يف تأويل قوله‪﴿ :‬إين ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫خلفًا‪ .‬وذلك أشبه بتأويل قول‪ ‬الحسن‪ ‬وقتادة‪ .‬وقيل‪« :‬إ ّن األرض التي ذكرها الله يف هذه اآلية هي مكة»‪.‬‬ ‫حدثنا‪ ‬ابن حميد‪ ‬قال‪ :‬حدثنا‪ ‬جري‪ ،‬عن‪ ‬عطاء‪ ،‬عن‪ ‬ابن سابط‪ ‬أ ّن النبي ﷺ قال‪:‬‬ ‫دحيت األرض من‪ ‬مكة‪ ،‬وكانت املالئكة تطوف بالبيت‪ ،‬فهي أول من طاف به‪ ،‬وهي األرض التي قال اهلل ‪:‬‬ ‫جاعل يف األرض خليف ًة﴾ وكان النبي إذا هلك قومه‪ ،‬ونجا هو والصالحون‪ ،‬أتاها هو ومن معه فعبدوا الله بها‬ ‫﴿إين ٌ‬ ‫حتى ميوتوا‪ .‬فإ ّن قرب‪ ‬نوح‪ ‬وهود‪ ‬وصالح‪ ‬وشعيب‪ ،‬بني زمزم والركن واملقام»‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫{خلي َف ًة}‪:‬‬ ‫جل ثناؤه‪ ﴿ :‬ثم‬ ‫والخليفة الفعيلة من قولك‪ :‬خلف فال ٌن فالنًا يف هذا األمر‪ ،‬إذا قام مقامه فيه بعده‪ .‬كام قال ّ‬ ‫جعلناكم خالئف يف األرض من بعدهم لننظر كيف تعملون﴾ سورة يونس اآلية ‪14‬‬ ‫يعني بذلك أنه أبدلكم يف األرض منهم‪ ،‬فجعلكم خلفاء بعدهم‪ .‬ومن ذلك قيل للسلطان األعظم‪ :‬خليفة‪ ،‬ألنه خلف‬ ‫الذي كان قبله‪ ،‬فقام باألمر مقامه‪ ،‬فكان منه خلفًا‪ .‬يقال منه‪ :‬خلف الخليفة‪ ،‬يخلف‪ ‬خالف ًة‪.‬‬ ‫جاعل يف األرض خليف ًة﴾ يقول‪ :‬ساك ًنا وعام ًرا يسكنها ويعمرها خلفًا‪ ،‬ليس منكم‪ .‬‬ ‫عن‪ ‬ابن إسحاق‪﴿:‬إين ٌ‬ ‫قائل‪ :‬فام الذي كان يف األرض قبل بني آدم لها عام ًرا‪ ،‬فكان بنو آدم منه بدلً وفيها منه خلفًا؟‪ ‬‬ ‫فإن قال ٌ‬ ‫قيل‪ :‬قد اختلف أهل التأويل يف ذلك‪:‬عن‪ ‬ابن عباس‪ ‬قال‪ :‬أ ّول من سكن األرض الجن‪ ‬فأفسدوا فيها وسفكوا فيها الدماء‬ ‫بعضا‪ ،‬فبعث الله إليهم إبليس يف ٍ‬ ‫جند من املالئكة‪ ،‬فقتلهم إبليس ومن معه حتى ألحقهم بجزائر‬ ‫وقتل بعضهم ً‬ ‫جاعل يف األرض خليفة﴾‪ ،‬فعىل هذا القول‬ ‫البحور وأطراف الجبال‪ ،‬ثم خلق آدم فأسكنه إياها‪ ،‬فلذلك قال ﴿إين ٌ‬ ‫فالج ّن يخلفونهم فيها فيسكنونها ويعمرونها‪.‬‬ ‫عن الربيع بن أنس قال‪« :‬قال إن الله خلق املالئكة يوم األربعاء‪ ،‬وخلق الجن يوم‪ ‬الخميس‪ ،‬وخلق آدم يوم الجمعة‪،‬‬ ‫فكفر قوم من الجن‪ ،‬فكانت املالئكة تهبط‬ ‫إليهم يف األرض فتقاتلهم‪ ،‬فكانت الدماء‪،‬‬ ‫وكان الفساد يف األرض‪.‬‬ ‫جاعل يف‬ ‫ٌ‬ ‫قال إبن مسعود‪ ‬وإبن عباس‪ :‬إين‬ ‫األرض خليف ًة مني يخلفني يف الحكم بني‬ ‫خلقي‪ .‬وذلك الخليفة هو آدم‪ ‬ومن قام مقامه‬ ‫يف طاعة الله والحكم بالعدل بني خلقه‪.‬‬ ‫والذي دعا املتأ ّولني إىل أ ّن معنى الخالفة التي‬ ‫ذكرها الله إمنا هي خالفة قرنٍ منهم قرنًا‬ ‫غريهم ملا وصفنا‪ .‬‬

‫‪35‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫﴿قَالُوا أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء َونَ ْح ُن نُ َس ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َونُ َق ِّد ُس﴾‬ ‫بعضا}‪.‬‬ ‫عن‪ ‬ابن عباس‪ ‬قال‪{ :‬فأ ّول من سكن األرض الجن‪ .‬فأفسدوا فيها وسفكوا الدماء وقتل بعضهم ً‬ ‫عن‪ ‬عطاء بن السائب‪ ،‬عن‪ ‬عبد الرحمن بن سابط‪ ،‬قوله ‪﴿ :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ قال‪ :‬يعنون‬ ‫الناس‪.‬‬ ‫حدثنا به‪ ‬الحسن بن يحيى‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا‪ ‬عبد الرزاق‪ ،‬قال‪ :‬أخربنا‪ ‬معمر عن‪ ‬قتادة‪ ،‬يف قوله ‪﴿ :‬أتجعل فيها من يفسد‬ ‫فيها﴾‪ ‬‬ ‫قال‪ :‬كان الله أعلمهم إذا كان يف األرض خلق أفسدوا فيها وسفكوا الدماء‪ ،‬فذلك قوله﴿أتجعل فيها من يفسد فيها ﴾‪.‬‬ ‫وقال بعض أهل العربية‪ :‬قول املالئكة﴿أتجعل فيها من يفسد فيها﴾‪ ‬عىل غري وجه اإلنكار منهم عىل ربهم‪ ،‬وإمنا‬ ‫سألوه ليعلموا‪ ،‬وأخربوا عن أنفسهم أنهم يسبحون‪.‬‬ ‫وقال ‪ :‬قالوا ذلك ألنهم كرهوا أن يُعىص الله‪ ،‬أل ّن الجن قد كانت أُمرت قبل ذلك فعصت‪ .‬‬ ‫تفسري ابن كثري‬ ‫﴿إِنِّ َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض َخلِي َف ًة﴾‬ ‫وجيل بعد جيل‪ ،‬كام قال ﷲ تعاىل‪:‬‬ ‫بعضا قرنًا بعد قرن‪ً ،‬‬ ‫أي قو ًما يخلف بعضهم ً‬ ‫ض﴾‪ .‬آية ‪ ،165‬األنعام‬ ‫﴿ َو ُه َو ال َِّذي َج َعلَ ُك ْم َخ َلئِ َف الْ َ ْر ِ‬ ‫وليس املراد هنا بالخليفة آدم عليه السالم فقط كام تقول طائف ٌة من املفرسين‪ ،‬إذ لو كان ذلك ملا حسن قول املالئكة‪:‬‬ ‫﴿أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء﴾‪ .‬قال ابن جرير‪ :‬وإمنا معنى الخالفة التي ذكرها ﷲ إمنا هي خالفة قرنٍ‬ ‫منهم قرنًا قال‪ :‬والخليفة الفعيلة من قوله‪ :‬خلف فالن فالنًا يف هذا األمر‪ ،‬إذا قام مقامه فيه بعده‪.‬‬ ‫﴿ف األ ْر ِض﴾‬ ‫ِ‬ ‫قال ابن أيب حاتم‪ :‬حدثنا أيب‪ ،‬حدثنا أبو سلمة‪ ،‬حدثنا حامد حدثنا عطاء بن السائب‪ ،‬عن عبد الرحمن بن سابط أن‬ ‫جاعل‬ ‫رسول الله صىل الله عليه وسلم قال‪ُ { :‬د ِحيت األرض من مكة‪ ،‬وأول من طاف بالبيت املالئكة}‪ ،‬فقال ﷲ ‪ :‬إين ٌ‬ ‫يف األرض خليف ًة‪ ،‬يعني مكة‪.‬‬ ‫﴿قَالُوا أَت َ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء َونَ ْح ُن نُ َس ِّب ُح ِب َح ْم ِد َك َونُ َق ِّد ُس﴾‬ ‫ٍ‬ ‫وإستكشاف للحكمة يف ذلك‪ ،‬يقولون‪“ :‬يا ربنا ما الحكمة يف خلق هؤالء‪ ،‬مع أ ّن منهم من‬ ‫إستعالم‬ ‫إمنا هو سؤال‬ ‫ٍ‬ ‫نصل لك‪ ،‬وال يصدر‬ ‫يفسد يف األرض ويسفك الدماء؟” ‪ .‬فإن كان املراد عبادتك فنحن نسبِّح بحمدك ونق ِّدس لك أي ّ‬ ‫منا يشء من ذلك‪ ،‬فهل وقع االستعناء ع ّنا؟ قال اللّه تعاىل مجي ًبا عن هذا السؤال‪﴿ :‬إِنِّ أَ ْعلَ ُم َما ال ت َ ْعلَ ُمونَ﴾‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫ثان ًيا‪ :‬املفرسون املسيحيون‪:‬‬ ‫كام هو معلو ٌم‪ ،‬فإ ّن املسيحيني ينسبون إىل ورقة بن نوفل األسقف املسيحي وبحرية الراهب الذي كان له التأثري الكبري‬ ‫منطلق‬ ‫الس َور القرآنية ويف ثناياها من‬ ‫ٍ‬ ‫عىل محمد‪ ،‬وكان لهام الفضل يف وضع الكثري من املعتقدات املسيحية يف بعض ّ‬ ‫فسوا هذه اآلية‪ ،‬ويف اآلية ‪ 34‬من نفس السورة يوضح الله من هو الخليفة‬ ‫عقائدي‬ ‫ٍّ‬ ‫مسيحي‪ .‬ومن هذا املنطلق ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫فيقول‪:‬‬ ‫كب وكَاَ َن ِم َن الكَا ِفرِي َن﴾ آية ‪ ،34‬البقرة‪.‬‬ ‫﴿وإذ قُل َنا للمالئكة‪ ‬اس ُج ُدوا آل َد َم‪ ‬ف َ​َس َج ُدوا إالَ إبليس َأب وأستَ َ َ‬ ‫معنى خليفة يف اآلية‪:‬‬ ‫ابن الله ألن معنى كلمة خليفة ‪ ‬تأىت مبعنى االبن‪.‬‬ ‫تحليل من وجهة نظر املسيحيني‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ - 1‬إن الله قال للمالئكة‪﴿:‬إِنِّ َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض َخلِي َف ًة﴾‪ .‬وخليفة الله من نفس جوهره‪ ،‬كام لالبن يحمل صفات أبيه‬ ‫كذلك الخليفة يحمل صفات من يخلفه‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لو كانت اآلية تقصد أ ّن خليفة الله هو آدم املخلوق الذي سيعمر األرض من ذريته‪ ،‬ملا قال ﷲ للمالئكة‪ ‬بالسجود‬ ‫مثل أسجدوا لبني آدم‪ ‬أجمعني‪ .‬‬ ‫آلدم فقط دون ذريته‪ ‬الذين يف ُصلبه‪ ،‬بل يقول ً‬ ‫‪ - 3‬عندما قالت املالئكة لله ﴿أَتَ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء﴾‪ ،‬بصيغة الجمع‪ ،‬بعد قوله‪﴿ ‬إِنِّ َجا ِع ٌل‬ ‫ِف األَ ْر ِض َخلِيفَة﴾‪ ،‬بصيغة املفرد‪ ،‬يبدوا التناقض جل ًّيا هنا‪ ،‬ألن الله يتكلم عن‪ ‬خليفته‪ ‬لفر ٍد ٍ‬ ‫واحد‪ ‬فقط ال غري‪ ‬ليتم‬ ‫السجود له‪ .‬أما قول املالئكة‪ ‬الذي يفيد‪ ‬الكرثة‪ ‬من بني آدم أو الخلفاء وليس آدم كفر ٍد وإمنا كجامع ٍة هو ومن يف‬ ‫صلبه وذريته القادمة‪ ،‬ألن سفك الدماء واإلفساد يف األرض‪ ‬تعنى إنه الب ّد من وجود كثريين من البرش بحيث يسفك‬ ‫كل منهام دم اآلخر‪ ،‬ويعيث بعض منهم ضد البعض اآلخر يف الفساد والفسق‪ ‬والرذيلة‪ ،‬وال ميكن لهذا الخليفة الواحد‬ ‫أن يسفك دم نفسه ويقتلها ويظل ح ًيا ؟ أو يعيث يف نفسه ومع نفسه الواحدة الوحيدة فسادة وفسقًا وفجو ًرا‬ ‫؟!‪ ‬لذا يبدو التناقض من القولني‪ ،‬وليك نزيل هذا التناقض‪ ‬بني كالم الله وكالم املالئكة‪ ،‬ال بد وأن يكون‪ ‬الخليفة‪ ‬كائن‬ ‫آخر‪ ‬يختلف عن جنس آدم من البرش‪.‬‬ ‫‪ - 4‬كان يف مقدور الله‪ ‬وهو القادر‪ ‬أن يختار‪ ‬لفظًا آخر غري كلمة خليفة مثل كلمة خليقة ليك يكون أكرث تحدي ًدا‬ ‫ودقة يف أن يكون الخليقة هذا إنسان مخلوق‪ .‬خليفة الله تختلف متا ًما عن خليقة الله‪ ،‬فاإلنسان هو‪ ‬خليقة الله‬ ‫وليس‪ ‬خليفته‪.‬‬ ‫‪ - 5‬وإذا قلنا أ ّن اإلنسان هو‪ ‬خليفة الله‪ ‬عىل‪ ‬األرض‪ ،‬فمعنى ذلك أن الله غري موجو ٍد عىل األرض‪ ‬وجعل آدم خليفته‬ ‫ليقوم بوظيفته وبعمله عىل األرض‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫‪ - 6‬ﷲ يطلب من املالئكة السجود لخليفة الله‪ ،‬فسجدت املالئكة!‬ ‫ويبدو أ ّن املالئكة فهمت من سيكون‪ ‬الخليفة‪ ‬املتميز عن آدم بعد قول الله لهم ﴿إِنِّ أَ ْعلَ ُم َما ال تَ ْعلَ ُمونَ﴾ ألن سجود‬ ‫أيضا‬ ‫املالئكة آلدم جاءت يف اآلية ‪ ،34‬واالعرتاض منهم جاء قبلها يف اآلية ‪ 30‬من نفس السـورة‪ ،‬أمــا إبليس فقد فهم ً‬ ‫كام فهمت املالئكة ولكنه‪ ‬مل يسجد‪ ‬له‪ ‬فأصبح من الكافرين!‪.‬‬ ‫‪ - 7‬يرتتب عىل البند السابق (‪ )6‬أن يكون خليفة الله‪ ‬هو روح الله متجس ًدا‪ ‬وسيأيت يف هيئة آدم‪ ‬وليس هناك تفس ًريا‬ ‫غري ذلك‪ .‬‬ ‫إذن‪ ،‬ليس هذا الخليفة هو آدم البرش املخلوق‪ ،‬وإمنا هو‪ ‬كائن‪ ‬من نوع آخر حتى لو كان هذا اآلخر‪ ‬يف صورة آدم‪،‬‬ ‫واملسيح هو‪ ‬روح الله‪ ‬يف صورة آدم‪ ،‬وآدم ليس كذلك كام جاءت بالقرآن‪.‬‬ ‫يف اإلنجيل وجدت آية شبيه ًة متا ًما بتلك اآلية القرآنية التي جاءت يف سورة البقرة‪ ،‬وقد جاءت يف اإلنجيل يف‪ ‬عربانيني‬ ‫نصا ورو ًحا اآليتان ‪ 30‬و‪ 34‬من سورة‪ ‬البقرة‪ ،‬واملفرسون املسيحيون يف جميع تفسرياتهم قالوا‬ ‫(‪ ،)6 :1‬يقابلها يف القرآن ً‬ ‫أن هذا البكر هو السيد املسيح‪ ،‬وهو آدم الثاين‪.‬‬ ‫«وأيضا متى أدخل‪ ‬البكر(الخليفة) إىل العامل‪ ،)1( ‬ولتسجد له‬ ‫‪ ‬وهى آي ٌة إنجيلي ٌة واحد ٌة تقابلها آيتان قرآنيتان وهام‪:‬‬ ‫ً‬ ‫كل مالئكة ﷲ»‪.)2( ‬‬ ‫وهذه اآلية اإلنجيلية السابقة تشمل‪ ‬نصني آليتني قرآنيتني‪:‬‬ ‫النص األول‪ :)1( ‬يقابل‪ ‬اآلية ‪ 30‬من سورة البقرة‪﴿ :‬وإذ قا ًَل ربك للمالئكة أىن َجا ِع ّل يف ِ‬ ‫األرض‪َ ‬خلي َف َة﴾‪.‬‬ ‫وتتطابق هذه اآلية القرآنية ‪ 30‬مع الجزء األول من اآلية اإلنجيلية تطابقًا عجي ًبا واملعنى واح ٌد متا ًما مع اختالف‬ ‫األسلوب‪ ،‬ويف كل منهام‪ ،‬س ُيدخل الله أو سيجعل يف املستقبل‪ ‬كائ ًنا أله ًّيا‪( ‬خليفة ﷲ) يف صورة آدم إىل العامل األريض!‪.‬‬ ‫والنص الثاين‪ :)2( ‬تقابل‪ ‬اآلية‪ 34 ‬من سورة البقرة يأمر الله املالئكة للسجود لهذا الخليفة‪﴿ :‬وإذ قُل َنا للمالئكة اس ُج ُدوا‬ ‫آل َد َم﴾‪.‬‬ ‫أيضا‪ ،‬مع الجزء الثاين من اآلية اإلنجيلية تطابقًا عجي ًبا واملعنى واحد متا ًما مع اختالف‬ ‫وتتطابق هذه اآلية القرآنية ‪ً 34‬‬ ‫األسلوب‪ ،‬ويف كل منهام الله يأمر املالئكة للسجود آلدم (خليفة ﷲ)‪.‬‬ ‫أي‪ :‬متى أدخل‪ ‬البكر(الخليفة) إىل العامل‪( ‬اإلنجيل) = أىن‪َ ‬جا ِع ّل يف ِ‬ ‫األرض‪َ ‬خلي َف َة‪( ‬القرآن)‪.‬‬ ‫و‪ :‬ولتسجد له‪ ‬كل مالئكة الله‪( ‬اإلنجيل) =‪ ‬وإذ قُل َنا للمالئكة‪ ‬اس ُج ُدوا آل َد َم‪( ‬القرآن)‪.‬‬ ‫من املقارنات السابقة توضح أن ﷲ أمر املالئكة بالسجود آلدم‪ ،‬وآدم هو خليفة ﷲ‪ ،‬وخليفة ﷲ هو املسيح االبن‬ ‫(البكر)‪ .‬جاء يف صورة آدم متجس ًدا‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫وبحرية الراهب هو الذي قام بنقل اآلية اإلنجيلية بشأن بكر الله وابنه بكلم ٍة مرادف ٍة لها وهى كلمة خليفته‪ ،‬ووضعها‬ ‫يف آيتني قرآنيتني‪ ‬من سورة البقرة ‪ ،34-30‬بقصد إظهار أ ّن‪ ‬الخليفة هو املسيح‪ ‬الذي سيأيت يف‪ ‬صورة آدم والذي‪ ‬ينبغي‬ ‫له السجود‪ ،‬وليس آدم أول خليقته البرشية‪.‬‬ ‫بطل!‬ ‫فكام ترى عزيزي القارئ‪ ،‬يريد الجميع أن يظهر نبيه املزعوم ً‬ ‫ثالثا‪ :‬املفرسون القرآنيون‪:‬‬ ‫يزعم كاتب املقال (‪ ،)4‬أ ّن الجنة هي األرض وأن الجنة يف املايض كانت األرض‪ ،‬معتم ًدا يف ذلك عىل القرآن فقط‪ ،‬وقد‬ ‫وضح ذلك كاآليت‪َ ﴿ :‬وإِ ْذ ق َ​َال َربُّ َك لِلْ َمالَئِ َك ِة إِنِّ َجا ِع ٌل ِف األَ ْر ِض َخلِيفَة﴾ أي يف األرض وليس يف السامء‪ ،‬وآدم عليه‬ ‫ّ‬ ‫السالم من قبل كان عىل األرض وكان يأكل هو وحواء من الجنة عىل األرض وليس يف السامء‪،‬‬ ‫يقول تعاىل‪:‬‬ ‫ني﴾ آية‬ ‫﴿ َوقُلْ َنا يَا آ َد ُم ْاس ُك ْن أَ َ‬ ‫نت َو َز ْو ُج َك الْ َج َّن َة َوكُالَ ِم ْن َها َر َغ ًدا َح ْيثُ ِشئْتُ َم َوالَ تَ ْق َربَا َه ِـذ ِه الشَّ َج َر َة فَتَكُونَا ِم َن الْظَّالِ ِم َ‬ ‫‪ ،35‬البقرة‪.‬‬ ‫وكام نعلم وتعلمون أن الشجر ينبت من األرض‪ ،‬ولو كانت الجنة التي كان فيها آدم علية السالم يف السامء لقال الله‬ ‫أيضا الجنة يف السامء كام يعتقد الكثري من العلامء والكثري من الناس‬ ‫تعاىل {أين ٌ‬ ‫جاعل يف السامء خليف ًة} ثم لو كانت ً‬ ‫الذين ال يقرؤون يف القران وإذا قرءوا ال يتدبرون ملاذا سوف يخلق الله يوم القيامة ساموات وأرايض أخرى‪ ،‬يقول‬ ‫تعاىل‪﴿:‬يَ ْو َم تُ َب َّد ُل األَ ْر ُض غ ْ َ​َي األَ ْر ِض َوالس َ​َّم َواتُ َوبَ َرزُوا ْ للّ ِه الْ َو ِ‬ ‫اح ِد الْ َق َّهارِ﴾ آية ‪ ،48‬إبراهيم‪.‬‬ ‫من الذي سوف يسكن األرض مبا أن أهل الجنة سوف يكونون يف السامء؟! وقد قال الله تعاىل عن أهل الجنة‪:‬‬ ‫﴿ َوقَالُوا الْ َح ْم ُد لِلَّ ِه ال َِّذي َص َدقَ َنا َو ْع َد ُه َوأَ ْو َرث َ َنا ْالَ ْر َض نَتَ َب َّوأُ ِم َن الْ َج َّن ِة َح ْيثُ نَشَ اء فَ ِن ْع َم أَ ْج ُر الْ َعا ِملِني﴾ آية ‪ ،74‬الزمر‪.‬‬ ‫من أين أتت الناس بفكرة أ ّن الجنة سوف تكون يف السامء؟! هل أوحى لهم الله بذلك ؟! هذا مل يحدث! وقد ص ّور لنا‬ ‫الله بعض املواقف أيضا عن أهل الجنة وأهل النار ليك ندرك ونعلم أن كل يشء سوف يكون عىل األرض‪.‬‬ ‫﴿ق َ​َال قَائِ ٌل ِّم ْن ُه ْم إِنِّ كَا َن ِل قَرِي ٌن‪ ،‬يَق ُ‬ ‫ُول أَئِ َّن َك لَ ِم ْن الْ ُم َص ِّد ِق َني‪ ،‬أَئِذَا ِمتْ َنا َوكُ َّنا ت ُ َرابًا َو ِعظَا ًما أَئِ َّنا لَ َم ِدي ُنونَ‪ ،‬ق َ​َال َه ْل أَنتُم‬ ‫ُّمطَّلِ ُعونَ‪ ،‬فَاطَّلَ َع فَ َرآ ُه ِف َس َواء الْ َج ِح ِيم﴾ اآليات ‪ ،51-55‬سورة الصافات‪.‬‬ ‫إن القرآن مل يذكر يف آي ٍة من آياته أن الجنة سوف تكون يف السامء‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫يف حوا ٍر مع املفكر اإلسالمي الدكتور أحمـــد صبحي منصور عىل قناة الحياة يف برنامج سؤال جرئ‪ ،‬وعندما ُسئل عن‬ ‫اآلية رقم ‪ 30‬من سورة البقرة قال‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫مخلوق عىل‬ ‫سابق‬ ‫جنس ٌ‬ ‫إن خليفة هم خلفاء بني آدم الذي يخلفون يأجوج ومأجوج‪ ،‬حيث أنه قبل آدم كان هناك ٌ‬ ‫األرض وهو جنس يأجوج ومأجوج‪ ،‬بعد ذلك أراد الله أن يأيت بخليف ٍة وهم آدم وأبناءه‪.‬‬ ‫وكام جاء يف سورة الكهف وسورة األنبياء أن يأجوج ومأجوج أُقفل عليهم يف باطن األرض من قبل ذي القرنني وقبيل‬ ‫معلل كذلك أ ّن العلم يتكلم اآلن عن وجود حيا ٍة يف األرض وعن‬ ‫قيام الساعة سيخرجون وهذا من عالمات الساعة ً‬ ‫وجود آثا ٍر سابق ٍة لثقافتنا بالتقدم العلمي من ضمنها الهرم األكرب وكذلك عىل الظواهر الغريبة التي حدثت يف مثلث‬ ‫برمودا من اختفاء الطائرات والسفن ووجود أطباقٍ طائر ٍة‪.»..‬‬ ‫رابعا‪ :‬التحليل املنطقي‪:‬‬ ‫كل املفرسين مبن فيهم أصحاب اإلنجيل يختلفون يف تفسري هذه اآلية وال يريدون جميعهم أن‬ ‫مم سبق أ ّن ّ‬ ‫يتّضح ّ‬ ‫مهم ج ًّدا وهو‪:‬‬ ‫يق ّروا بأنهم مل يفهموها وبأن الغموض يلفّها‪ .‬ث ّم إ ّن جميع التفاسري السابقة مل تتطرق إىل يش ٍء ٍ‬ ‫معنى األرض يف اآلية‪ ،‬فحسب تفسري القرآنيني كام سبق فهي الكرة األرضية نفسها وليس هناك جن ٌة يف السامء‪ ،‬وأما‬ ‫تفسري الطربي وابن كثري كام سبق فاملقصود باألرض هي مكة‪.‬‬ ‫تحليل اآلية‪:‬‬ ‫هل األرض املقصودة هنا هي أرض الجنة أم األرض التي نحن عليها أي الكرة األرضية؟‬ ‫إذا كان مقصو ًدا من اآلية الكرة األرضية كام جاء يف تفسري الطربي وابن كثري البن سابط أنها مكة أي يف الكرة األرضية‪.‬‬ ‫فلامذا يضع الله آدم يف الجنة يف بادئ األمر وهو يعلم مسبّقًا أنه سيخلفه يف األرض؟!‬ ‫يتضح من النقطتني السابقتني أ ّن الله خلق آدم ل ُيسكنه األرض‪ ،‬أي الكرة األرضية وليس الجنة‪ ،‬التي ال نعلم أين هي‬ ‫يف السامء أو األرض‪ ،‬فهل هي حيل ٌة من الله عىل نفسه أم عىل خلقه يف أن يسكنه الجنة ثم يهبط به إىل األرض؟‬ ‫إذن‪ ،‬سيكون مفهوم اآلية أن الله خلق آدم وهو ينوي أن يُسكنه األرض‪ ،‬الكرة األرضية‪ ،‬وليس الجنة‪ ،‬ولذلك عمل‬ ‫حيل ًة وهي أن يُسكنه الجنة ويضع الشجرة التي نهاه عن األكل منها فيوسوس له الشيطان ليأكل منها ث ّم يُطرد من‬ ‫الجنة ليبدأ رحلته يف الشقاء وتعمري األرض‪.‬‬ ‫فإذا كان الشيطان قد طُرد من الجنة بعد رفضه السجود مع املالئكة آلدم‪ ،‬فكيف وسوس آلدم باألكل من الشجرة‬ ‫وهو مطرو ٌد من الجنة؟!‪ ‬‬

‫‪40‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫يذهب املفرسون من هنا وهناك بوجود السامء األوىل والتي هي خارج أسوار وأبواب الجنة املزعومة فهو يستطيع‬ ‫أساس من‬ ‫التواصل مع آدم‪ ،‬وال نعلم إن كان ذلك عن طريق الرصاخ أو البوقٍ أو الواتس آب! فهذا القول ليس له ٌ‬ ‫الصحة وال يستطيع العقل البرشي تص ّوره‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬تكمن النقطة املهمة يف كيفية أ ّن الله يقوم بذلك وهو يعرف مسبّقًا بأنه هو من سيُسكن آدم الجنة ثم يطرده‬ ‫إىل األرض بعد مرور حيلة الشجرة عليه من الله ومن الشيطان‪.‬‬ ‫وهنا سأتط ّرق لعدة أسئل ٍة مهم ٍة‪ ،‬وان كنت ال أعتقد أنّها ستزيل غموض هذه اآلية‪:‬‬ ‫قال الله يف القرآن‪:‬‬ ‫‪﴿ 1‬إِلَّ إبليس ْاستَك َ َْب َوكَا َن ِم َن الْكَا ِفرِي َن﴾ آية ‪ ،74‬ص‪.‬‬‫من هم الكافرون الذين سبقوا إبليس؟ أليس األصح لغويًّا أن يقول فكان أول الكافرين؟‬ ‫ْت ِب َي َد َّي أَ ْستَك َ ْ​ْبتَ أَ ْم كُ ْن َت ِم َن الْ َعالِ َني﴾ آية ‪ ،75‬ص‪.‬‬ ‫‪﴿ 2‬ق َ​َال يَا إبليس َما َم َن َع َك أَ ْن ت َْس ُج َد لِ َم َخلَق ُ‬‫من هم العالني الذين سبقوا إبليس؟ أليس األفصح القول كنت أول العالني؟‬ ‫‪﴿ 3‬ق َ​َال فَا ْخ ُر ْج ِم ْن َها فَ ِإنَّ َك َرجِي ٌم﴾آية ‪ ،77‬ص‪.‬‬‫واضح‪ .‬اخرج فأنت رجي ٌم ال عودة لك مرة أخرى‪ ،‬إذن كيف دخل إبليس الجنة مر ًة أخرى ليغ ّرر بآدم‬ ‫النص اإللهي‬ ‫ٌ‬ ‫وزوجه يف ٍ‬ ‫آيات أخرى الحق ٍة؟ هل إلبليس القدرة عىل اخرتاق وتغيري أوامر الله؟‬ ‫‪َ ﴿ 4‬وإِ َّن َعلَ ْي َك لَ ْع َن ِتي إ ٰىل يَ ْو ِم الدِّينِ ﴾ آية ‪ ،78‬ص‪.‬‬‫وأي دينٍ ؟! الخطة واملرسحية تتضح‬ ‫أي يوم دينٍ هو ّ‬ ‫أي يوم دينٍ هذا وآدم ما يزال طي ًنا طريًّا مل يرتكب أي معصي ٍة؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل اآليات‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫﴿لَ ْم َلَ َّن َج َه َّن َم ِم ْن َك َو ِم َّم ْن ت َ ِب َع َك ِم ْن ُه ْم أَ ْج َم ِع َني﴾ آية ‪ ،85‬ص‪.‬‬ ‫‪َ 5‬‬‫هل يحتاج الله إىل القسم والحلف أثناء حديثه مع إبليس وهو أمامه؟! ماهو تقدير إبليس للموقف وهو يعلم متاما‬ ‫من هو الله؟‬ ‫إ ّن من كتب هذا الكتاب كتبه عىل عادة أهل الجاهلية يف تكرار القسم وأسقط مفهوم القسم عىل الله أيضا‪.‬‬ ‫‪﴿ 6‬ف َ​َس َج َد الْ َم َلئِ َك ُة كُلُّ ُه ْم أَ ْج َم ُعونَ﴾آية ‪ ،73‬ص‪.‬‬‫أمر الله املالئكة فسجدت آلدم ثم إ ّن املالئكة بفطرتها قالت هلل ﴿أَت َ ْج َع ُل ِفي َها َم ْن يُف ِْس ُد ِفي َها َويَ ْس ِف ُك ال ِّد َما َء﴾‪،‬‬ ‫‪41‬‬


‫مرسحية اإلله‬ ‫م‪/‬سامي القسيمي‬ ‫كان هذا جواب املالئكة الحكيم عىل املرشوع الرباين الطائش فام كان ر ّده؟ ر ّد ﷲ عليهم بحكم ٍة فقال‬ ‫﴿إِنِّ أَ ْعلَ ُم َما ال ت َ ْعلَ ُمونَ﴾‪.‬‬ ‫‪ 7‬أ ّما عندما مل يسجد إبليس فقد سأله ﷲ َ‬‫﴿قال يَا إبليس‬ ‫َما َم َن َع َك أَ ْن ت َْس ُج َد﴾ آية ‪ ،75‬ص‪.‬‬ ‫فر ّد إبليس بفطري ٍة شديد ٍة ﴿ق َ​َال أَنَا َخ ْ ٌي ِم ْن ُه َخلَ ْقتَ ِني ِم ْن‬ ‫نَا ٍر َو َخلَ ْقتَ ُه ِم ْن ِطنيٍ﴾ آية ‪ ،76‬ص‪.‬‬ ‫صحيح‪ ،‬فهو ال يعلم إال ما علّمه الله‪ ،‬وما‬ ‫اض‬ ‫وهو اعرت ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫علمه ّإل أ ّن النار أعىل درج ًة من الطني‪.‬‬ ‫أ َو مل يستطع الله الرد بحكم ٍة عىل عمل إبليس بعدم‬ ‫السجود كام رد بحكم ٍة عىل اعرتاض املالئكة عىل خلق‬ ‫آدم؟‬ ‫حال وبترس ٍع ٍ‬ ‫شديد‪ .‬وهذا‬ ‫مل ينتظر ﷲ؟ فقد لعن إبليس ً‬ ‫رسع والطيش يف أخذ القرار‪.‬‬ ‫ما نسميه بالت ّ‬ ‫تعترب هذه اآلية كام تقدم من أصعب املالحم واملرسحيات‬ ‫التي كُتبت إطالقًا‪ ،‬ملا بها من سيناريو ٍ‬ ‫غامض‬ ‫بسيط ولكنه ٌ‬ ‫مل يتفق عليه أح ٌد ال من املفكرين أو املفرسين اإلسالميني‪،‬‬ ‫فام بالك باإلنسان املسلم البسيط الذي تحرجه أغلب‬ ‫آيات القرآن عىل أن ير ّد عليها!‪.‬‬

‫املراجع‪:‬‬ ‫‪ 1‬تفسري الطربي‪ ،‬تفسري سورة البقرة اآلية ‪ ،30‬ص‪444-442‬‬‫‪ 2‬تفسري ابن كثري‪ ،‬تفسري سورة البقرة اآلية ‪30‬‬‫‪ 3‬املفرسون املسيحيون‪ ،‬مركز الكلمة املسيحي‪ ،‬موقع الكلمة الرد عىل الشبهات والهرطقات والبدع (‪)www.alkalema.net/khalifa.htm‬‬‫‪ 4-‬القرآنيون‪ ،‬موقع أهل القرآن‪ ،‬مقال لـرمضان عبد الرحمن بتاريخ ‪\12‬يناير\‪2011‬‬

‫‪42‬‬


‫‪http://www.ahewar.org‬‬

‫ﺍﳌﻮﻗﻊ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﳌﺆﺳﺴﺔ ﺍﳊﻮﺍﺭ ﺍﳌﺘﻤﺪﻥ‬ ‫ﻳﺴﺎﺭﻳﺔ ‪ ,‬ﻋﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ‪ ,‬ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻴﺔ‬ ‫"ﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎﻧﻲ ﺩﳝﻘﺮﺍﻃﻲ‬ ‫ﺣﺪﻳﺚ ﻳﻀﻤﻦ ﺍﳊﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ"‬

‫‪43‬‬


‫وجها لوجه‬

‫﴿ مسألة وجود اهلل ﴾‬

‫ناجح سهلب‬

‫مقدمة‬

‫‪Socrates Averoice‬‬

‫محي أكرث‬ ‫محي أكرث ّ‬ ‫مم نستطيع أن نتخيل؟ ّ ٌ‬ ‫يقول هالداين ‪ٌ ّ " :‬‬ ‫محي أكرث من قدرتنا عىل‬ ‫ّ‬ ‫مم نستطيع مبدأيًا أن نتخيل؟ أم فقط ّ ٌ‬ ‫التخيل؟"‬ ‫وسؤالنا‪ :‬هل ممكن أن نعترب أ ّن أقوى دليلٍ عىل عدم وجود الله‬ ‫قوي عىل وجوده لآلن؟‬ ‫هو أنه ما من دليلٍ ٍّ‬ ‫يحق لنا أن نعترب أن طاملا ما من دليلٍ مقنعٍ ٍ‬ ‫وواف‬ ‫وباملقابل هل ّ‬ ‫حتم؟‬ ‫بني أيدينا "اآلن" عىل وجوده فهذا يلغي احتاملية وجوده ً‬ ‫وإن مل نتمكن من امتالك اإلجابات لكن‪ ،‬كام قال ريتشارد دوكنز‬ ‫بخامتة مؤلّفه وهم اإلله ‪" :‬سعي ٌد ج ًدا كوين أحيا يف الزمن الذي‬ ‫تُدفع فيه اإلنسانية باتجاه حدود الفهم القصوى ملا نستطيع‬ ‫تعلّمه‪ ،‬بل رمبا سنكتشف يو ًما ما أن ال حدود لذلك"‪.‬‬ ‫وهذه غايتنا من فتح باب النقاشات وتبادل اآلراء بيننا كملحدين‬ ‫وبني املؤمنني يف مناظر ٍة بني الزمالء ناجح سلهب وسقراط‪ ،‬حول‬ ‫مسألة وجود الله‪.‬‬ ‫يبدأها السيد‪ :‬ناجح سلهب مبقدمته‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫افتتاح ّية ناجح سلهب‬ ‫حضاري يف سياق تق ّبل اآلخر وتبادل وجهات النظر وفحص الحجج واألدلّة م ًعا‪،‬‬ ‫إنه ليسعدين تواجدي معكم اليوم‪ ،‬من أجل حوا ٍر‬ ‫ّ‬ ‫ومن أجل مستقبلٍ أفضل يحتمل التعدديّة وتبادل اآلراء بعي ًدا عن التهميش واإلقصاء وأذيّة اآلخر بسبب فكره املخالف ومن أجل‬ ‫هذا الس ّياق فإنني أتواجد معكم اليوم‪.‬‬ ‫الحق لطفه وعونه‪:‬‬ ‫وأبدأ الحوار سائالً ّ‬ ‫أي نظريّ ٍة علم ّي ٍة ت ّدعي أن بإمكانها معرفة حقيقة‬ ‫فإن كونت يعرتف يف منت آرائه يف مؤلفه (دروس يف الفلسفة الوضعية)‪،‬إن ّ‬ ‫الظاهرة تصبح قوالً ميتافيزيقياً ينبغي رفضه متاماً‪ ،‬ألن العلم ال يبحث يف ماه ّية األشياء‪ ،‬وإمنا يكتفي بالوقوف عند ح ّد الوصف‬ ‫الخارجي للظاهرة؛ فام يهم العلم حقيقة هو كيفيّة حدوث الظاهرة‪ ،‬ذلك ألننا ال نعرف الجوهر‪ ،‬وال حقيقة وجود أيّة واقع ٍة‪ ،‬وإمنا‬ ‫نعرف فقط عالقتها بالوقائع األخرى سوا ًء اتخذت هذه العالقة صورة التتابع أو التساوق‬ ‫فلسفة العلوم املشكالت املعرف ّية تأليف الدكتور ماهر عبد القادر‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬عام ‪ ،2000‬صفحة ‪.21‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجودي‪ ،‬ولكن لو قلنا كيف نعلم بوجود يش ٍء فسوف نحصل عىل إجاب ٍة أكرث‬ ‫ماهوي‬ ‫مبحث‬ ‫لو قلنا‪ :‬ما هو املوجود؟ فسندخل يف‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫واقع ّي ٍة وعلم ّية‪.‬‬ ‫إ ّن اليشء حتى يكون موجو ًدا بالنسبة لنا نحن البرش فيجب أن يكون له (أث ٌر) ميكن إدراكه’ وهذا األثر يكون مبثابة الدليل الذي‬ ‫يُخربنا بوجود هذا (اليشء)‪.‬‬ ‫أي أث ٍر فساعتها لن منلك دليالً عىل وجود هذا اليشء‪ ،‬وسوف يستوي وجوده وعدمه أمام اإلدراك‪.‬‬ ‫ولو مل نستطع أن نحصل عىل ّ‬ ‫واملثال التايل يوضّ ح املسألة أكرث فأكرث‪ :‬إ ّن املعالجة اإلدراك ّية العصب ّية آلثار الضوء املنعكس عن وجه ٍ‬ ‫زيد هي الصورة البرصيّة وهي‬ ‫إدراك األثر الضو ّيئ‪.‬‬ ‫ومن ال يقبل هذا فليأت بدليلٍ ٍ‬ ‫واحد عىل وجود يش ٍء من غري وساطة أي أثرٍ!‬ ‫(دليل) عىل وجود فكر ٍة مثل (الله) من حيث أن يكون‬ ‫والسؤال الذي أطرحه اليوم‪ :‬هل ميكن اعتبار هذا الكون صال ًحا ليكون أث ًرا ً‬ ‫الكون مفعوالً لفاعلٍ أو مصنو ًعا لصانعٍ هو (الله)؟‬

‫‪45‬‬


‫افتتاح ّية ناجح سلهب‬ ‫ٍ‬ ‫لسبب من خارجه يجعله مضبوطًا فيزيائ ًّيا بحيث يسمح بظهور الحياة‪.‬‬ ‫مكتف بذاته علّ ًيا ويحتاج‬ ‫‪ – 1‬الكون غري‬ ‫ٍ‬ ‫و العالِم البيولوجي (جاك مونود) الحاصل عىل نوبل عام ‪ 1965‬فكام يقول ناقالً عنه فيلسوف العلم الكبري كارل بوبر‪:‬‬ ‫( كتب جاك مونود ( ‪( :)1970‬ظهرت الحياة عىل األرض‪ :‬وقبل الحدث تُرى ماذا كانت احتامالت أن هذا سوف يقع؟)‪ .‬ثم ق ّدم‬ ‫أسباباً وجيه ًة لإلجابة بأن االحتامل كان صف ًرا تقريباً)‬ ‫النفس ودماغها – كارل بوبر– ترجمة د‪ .‬عادل مصطفى صفحة ‪.57‬‬ ‫ويقول ستيفن هوكينغ يف كتابه الشهري تاريخ موجز للزمن‪( :‬قوانني العلم كام نعرفها اآلن‪ ،‬تتض ّمن الكثري من األرقام األساسيّة مثل‬ ‫حجم الشحنة الكهربائيّة لإللكرتون والنسبة بني كتلة الربوتون إىل اإللكرتون‪ .‬الحقيقة املدهشة أن هذه األرقام تبدو وكأنها قد‬ ‫ضُ بطت بحيث ميكن أن تتط ّور الحياة)‪.‬‬ ‫‪p125.8-38016-553-Hawking, Stephen (1988). A Brief History of Time. Bantam Books. ISBN 0‬‬ ‫ويقول بول ديفز‪( :‬مثالً لو أن القوة النوويّة القويّة كانت أقوى ب ‪ 2%‬من قوتها الحاليّة‪ ،‬مع بقاء جميع الثوابت األخرى بدون‬ ‫تغيريٍ‪ ،‬ثنايئ الربوتون سيكون مستق ًّرا وسيندمج مع الهيدروجني بدالً من الديوترييوم والهليوم‪ .‬وبالتايل فإن تغري ٍ‬ ‫ات كبري ٍة ستحدث‬ ‫عىل فيزياء النجوم بحيث أنه سيمنع من ظهور الحياة عىل األرض‪ ،‬حيث أ ّن ثنايئ الربوتون س ُي َسع من االنصهار البطيء للهيدروجني‬ ‫يف الديوترييوم‪ ،‬يف الواقع إن الهيدروجني سينصهر بكل سهول ٍة بحيث أن الهيدروجني املوجود يف الكون كلّه سيستهلك خالل الدقائق‬ ‫األوىل لالنفجار الكبري)‬ ‫‪71-Paul Davies, 1993. The Accidental Universe, Cambridge University Press, p70‬‬ ‫واالفرتاضات امل ُق ّدمة لتفسري هذا الضبط الدقيق للثوابت الفيزيائ ّية هي من خارج الكون‪.‬‬ ‫‪ - 2‬للكون بداي ٌة وله عم ٌر مق ّد ٌر ب " ‪" 0.037 ± 13.798‬مليار سن ٍة‪.‬‬ ‫‪Planck Collaboration (2013). "Planck 2013 results. XVI. Cosmological parameters". arXiv:1303.5076‬‬

‫‪46‬‬


‫افتتاح ّية ناجح سلهب‬ ‫ٍ‬ ‫مكتف بذاته سبب ًّيا من أجل دعم ظهور الحياة‪ ،‬والكون نفسه ظهر للوجود بعد أن مل يكن موجو ًدا‬ ‫ويظهر بوضو ٍح أن الكون غري‬ ‫حتمل وممك ٌن بذاته وليس رضوريًّا وواجب الوجود بنفسه‪.‬‬ ‫وبذلك فكوننا ُم ٌ‬ ‫العلمي التجريبي امل ُط ّبق عىل دراسة الطبيعة يُس ِقط من اعتباره األسباب الغري املبارشة والبعيدة عىل فرض وجودها‪ ،‬ألنه‬ ‫‪ 3‬املنهج‬‫ّ‬ ‫التجريبي يدرس العلل الطبيع ّية عىل أنها‬ ‫يدرس فقط األسباب املبارشة ويُس ِقط من اعتباره فرض فاعلٍ له غاية من الكون؛ فاملنهج‬ ‫ّ‬ ‫رصا األسباب املبارشة وغري الغائية (ليس لها غاية) ومبثال يتضح املقال‪:‬‬ ‫بال غاي ٍة ولذلك فهو يدرس فقط وح ً‬ ‫مزيج من الوقود يحرتق فيح ّرك األجزاء امليكانيكيّة‬ ‫لنأخذ مح ّرك االحرتاق الداخيل للسيّارة كمثا ٍل‪ :‬فغرفة االحرتاق الداخيل يدخلها ٌ‬ ‫فيعمل النظام‪ ،‬وعندما نسأل العلم الذي يعرف (الكيف) فقط فيجيبنا علم الكيمياء أن مزيج الهيدروكربونات اشتعل بفعل الحرارة‬ ‫ٍ‬ ‫جزيئات ذات طاق ٍة منخفض ٍة‪ ،‬وهذه الطاقة الحراريّة املتولّدة تعمل عىل‬ ‫رسا الروابط الكيميائ ّية ذات الطاقة العال ّية ليتحول إىل‬ ‫خا ً‬ ‫مم يتس ّبب يف ٍ‬ ‫ضغط كبريٍ‪ ،‬ويقوم علم الديناميكا الحراريّة مثالً يف وصف مدى فعال ّية‬ ‫مت ّدد الهواء بشكلٍ كبريٍ يف غرفة االحرتاق ّ‬ ‫ويتول علم املعادن إخبارنا عن مدى صمود األجزاء املعدن ّية بأنواعها املختلفة‪ ،‬ور ّدات أفعالها يف التعامل مع‬ ‫ّ‬ ‫االحرتاق وكفاءته‬ ‫يتول علم امليكانيكا بالتح ّدث عن كيفيّة تح ّول الضغط عىل املكبس إىل طاق ٍة حركيّ ٍة وكيفيّة استغالل األجزاء امليكانيكيّة‬ ‫االحرتاق‪ ،‬ثم ّ‬ ‫لهذه الطاقة وهكذا دواليك تتوىل العلوم يف رشح مجال (الكيف)الذي تعرفه‪ ،‬ولكن ماذا بإمكان تلك العلوم أن تخربنا به عن‬ ‫(امل ُص ّمم)؟ ال يشء! تقف خرساء أمام إفادتنا بأية معلوم ٍة عن املص ّمم! من هو؟ يف أي ورش ٍة عمل قام بتصميم هذا امل ُح ّرك؟ ولصالح‬ ‫من قام بهذا التصميم؟ وما هي الخربات التي ميتلكها هذا امل ُص ّمم؟‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫تقف هذه العلوم عاجز ًة أمام إفادتنا بيش ٍء ٍ‬ ‫مفيد عىل مطلوبنا!‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات عنه؟‬ ‫علمي ميكّننا من اقتفاء أثر امل ُص ّمم والحصول عىل‬ ‫والسؤال الذي يطرح نفسه‪ :‬أليس هناك من منه ٍج ٍّ‬ ‫طب ًعا يوجد وهو أقرب إىل علم األدلّة الجنائ ّية (‪ )Forensic science‬ألنّه يستخدم منه ًجا علم ًّيا ال يُس ِقط من اعتباره الغائ ّية‬ ‫واألسباب الغري املبارشة‪ ،‬ويستطيع إخبارنا بالكثري‪.‬‬ ‫العلمي؟‬ ‫والسؤال املثري‪ :‬ماذا لو وضعنا معلوماتنا العلم ّية التجريب ّية وفرض ّية وجود الله باستخدام هذا املنهج‬ ‫ّ‬

‫‪47‬‬


‫افتتاح ّية ناجح سلهب‬ ‫فكل ما يحتاج حصول وجوده (حدوث) إىل غريه فهو‬ ‫كل ما ال يحصل وجوده إالّ بغريه‪ّ ،‬‬ ‫‪ - 4‬املمكن هو كل ما يفتَ ِقر إىل غريه‪ ،‬أو هو ّ‬ ‫ممك ٌن‪.‬‬ ‫عىل سبيل املثال‪ :‬مثرة التفّاح ُمحتاج ٌة إىل شجرة التفّاح ليحصل وجود الثمرة‪ ،‬وشجرة التفّاح محتاج ٌة إىل بذرة التفّاح ليحصل وجود‬ ‫الشجرة؛ فثمرة التفّاح ممكنة الوجود‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫مثال آخ ٌر‪:‬‬ ‫الجندي اآلخر يحتاج أم ًرا ً من الضابط‪ ،‬والضابط يحتاج إىل أم ٍر من مسؤو ٍل‬ ‫جندي آخرٍ‪ ،‬ولكن‬ ‫جندي ينتظر أم ًرا ً بإطالق الرصاص من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫آخر‪ ،‬وهكذا يتسلسل احتياجهم إىل آخرٍ‪ ،‬فإن أردنا للرصاص أن ينطلق فيجب أن يبدأ أمر إطالق الرصاص عند ٍ‬ ‫شخص ال يحتاج إذنًا‬ ‫أو أم ًرا ً من ٍ‬ ‫شخص آخرٍ‪ ،‬وإمنا يبدأ األمر من ذاته وهو غري ُمحتا ٍج‪ ،‬وإالّ فإن تعلّق إطالق النار باملمكن املحتاج إىل غريه فلن يحدث‬ ‫أبدا ً؛ ولذلك يجب أن تصدر الحوادث عن واجب الوجود الذي ال يحتاج ٍ‬ ‫حاصل وجوبًاً‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ألحد يف حصول وجوده فوجوده‬ ‫مبني عىل مفهومني منطقيّني متالزمني وهام املمكن والواجب وحيث برهن الوجود الفيزيا ّيئ نفسه عىل‬ ‫إ ّن برهان واجب الوجود ٌّ‬ ‫بالحس والتجربة (كام ب ّينا) فيجب أن يكون الطرف اآلخر من الربهان ُمربه ًنا عليه بنفس املنطق الريايض والفيزيايئ‪ ،‬وهذا‬ ‫املمكن‬ ‫ّ‬ ‫كقولنا أ ّن معادل ًة رياض ّي ًة ُمتناسق ًة وصحيح ًة متا ًما تكشف عن ع ّدة تن ّب ٍ‬ ‫ؤات‪ ،‬فإن صدق أحد التنبؤات تجريب ّيا فباقي التنبؤات يف‬ ‫حكم‪.‬‬ ‫حكم الصحيحة ً‬

‫‪48‬‬


‫افتتاحيّة سقراط‬ ‫األلوهي‪ ،‬ومفاده أن‬ ‫موضوعنا هو مسألة (وجود الله) وميكن أن نعيد ص ّياغة الجملة إىل (الله موجو ٌد) وهو الطرح الديني أو‬ ‫ّ‬ ‫الديني ميلك معرف ًة بوجود الله كام يقول أن لديه أدل ًة عىل هذا‪ ،‬وجهة نظري والح ّجة التي سأق ّدمها هي أن علينا أن نبدأ بالنظر‬ ‫سأقسم الجملة لشقّني‪،‬‬ ‫لهذه الجملة بتعريف مفرداتها أو مفاهيمها‪ ،‬ونح ّدد إن كان لها معنى وتق ّدم معرف ًة قبل النظر لألدلّة‪ّ .‬‬ ‫الشق الثاين سأنظر ملفهوم الوجود ومعنى أن يكون الله‬ ‫األول هو كلمة (الله)‬ ‫وأحتج بأن هذه الكلمة غري مع ّرف ٍة وال معنى لها‪ ،‬يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫موجو ًدا‪.‬‬ ‫ ‬ ‫املعرفة الناتجة عن املفاهيم الدينية هي معرفة لفظية تعتمد عىل التعريف املتداول يف سياق الحديث‪ ،‬و هذا ال يقدم لنا معنى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سامت) لله بشكلٍ‬ ‫تعريف ملاهيّة اليشء الذي‬ ‫لفظي بدون‬ ‫صفات (أو‬ ‫هذه املفاهيم أو إذا كان لها معنى أصالً‪ ،‬اللغة الدينيّة تقدم‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات ليش ٍء ال منلك له تعريفًا و لذلك ال ميكننا ادعاء معرفة هذا اليشء‪،‬‬ ‫تنسب له هذه الصفات‪ ،‬والح ّجة هي أنه ال ميكننا نسب‬ ‫تعريف ملاه ّية يش ٍء ما فهذا يعني أنه غري موجو ٍد‪.‬‬ ‫وإذا مل يكن لنا‬ ‫ٌ‬ ‫ميكننا أن نضع الح ّجة بهذا الشكل ‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫سامت للموجودات‬ ‫‪ -1‬هناك ثالث‬ ‫أ‪ -‬سامتٌ أولي ٌة‬ ‫ب‪ -‬سامتٌ ثانوي ٌة‬ ‫ج‪ -‬سامتٌ عالئق ّي ٌة‬ ‫ألي كائنٍ حتي يكون لها معنى‬ ‫‪ -2‬السامت الثانويّة و العالئقيّة يجب ربطها بالسامت األوليّة ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لتعريف إيجا ٍّيب للسامت األوليّة‬ ‫‪ -3‬كلمة أو مفهوم الله يفتقر‬ ‫‪ -4‬لهذا مفهوم الله ال يقدم تربي ًرا للسامت األول ّية والثانويّة والعالئق ّية‬ ‫ٍ‬ ‫سامت ال معنى له‬ ‫‪ -5‬مفهو ٌم بدون‬ ‫‪ -6‬إذ مفهوم أو كلمة الله ال معنى لها‬ ‫األسايس لليشء‪ ،‬ماهيّة اليشء تحدي ًدا‪ ،‬التي تسمح له بأفعا ٍل أو تسمح له بالتأثري‬ ‫السامت األوليّة هي الصفة األساسيّة لليشء‪ ،‬املك ّون‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سامت ثانوي ٍة وعالئقي ٍة بيش ٍء أو موجو ٍد‪.‬‬ ‫للسمة األوليّة قبل أن نربط‬ ‫عىل ما حوله بشكلٍ ما‪ ،‬ونحتاج‬ ‫لتعريف إيجا ٍّيب ّ‬ ‫السامت الثانويّة هي سلوك ّياتٌ أو قدراتٌ ميكن لليشء أن ميلكها ويتّصف بها‪ ،‬مثل الرحمة والعلم والقدرة‪.‬‬ ‫السامت العالئق ّية هي قدرة الكائن أّن يشكل عالق ًة مع أشيا ٍء أخرى‪ ،‬يتفاعل معها ويؤثر عليها ويرتبط بها بشكلٍ ما‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف إيجا ٍّيب للسامت األول ّية هو عدم إمكان ّية تحديد عالق ٍة بني يش ٍء و‬ ‫والسبب يف اعتامد السامت الثانويّة و العالئق ّية عىل وجود‬

‫‪49‬‬


‫افتتاحيّة سقراط‬ ‫خصائصه إذا كانت الهويّة امليتافيزيقية لهذا اليشء غري معروفة‪.‬‬ ‫وميكننا أن نوضّ ح هذا مبثال الجمل التال ّية‪:‬‬ ‫تتحل باللّون األبيض‪ ،‬طبيعة الس ّيارة‬ ‫ومم تُصنع و أنها ميكن أن ّ‬ ‫الس ّيارة بيضا ٌء‪ ،‬هذه جمل ٌة ممكن ٌة ألنّنا نعرف طبيعة الس ّيارة ّ‬ ‫امليتافيزيقيّة‪ ،‬أو سامتها األوليّة‪ ،‬يش ٌء ميكنه أن ميتلك اللون األبيض كسم ٍة ثانويّ ٍة‪.‬‬ ‫أبيض‪ ،‬هذه الجملة غري ممكن ٍة ألننا نعرف أن الصوت يصلنا عىل شكل أموا ٍج صوت ّي ٍة وهي ال متتلك لونًا‪ ،‬نالحظ هنا أن‬ ‫الصوت ٌ‬ ‫مفهوم أن ميتلكها تعتمد عىل تحديد هذا اليشء‪ ،‬هنا خطأٌ يف التصنيف ألننا نعرف طبيعة‬ ‫السامت الثانويّة التي ميكن ليش ٍء أو‬ ‫ٍ‬ ‫الصوت األساس ّية وأنه يش ٌء ال ميكنه أن ميتلك لونًا كسم ٍة ثانويّ ٍة‪.‬‬ ‫الروح بيضا ٌء‪ ،‬هذه الجملة بال معنى أل ّن السمة األول ّية لكلمة رو ٍح غري مح ّدد ٍة و غري معروف ٍة‪ ،‬كل ما يخربنا به من يعتقد بوجود‬ ‫سلبي و ال يع ّرفنا مباهيّة الروح‪ ،‬و لذلك ال ميكننا تشكيل ر ٍ‬ ‫ابط بني طبيعة الروح‬ ‫الروح هو أنها غري ماديّ ٍة‪ ،‬و لكن هذا‬ ‫ٌ‬ ‫تعريف ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سامت تنطبق عليها أو‬ ‫أي‬ ‫وأي‬ ‫السمة األول ّية غري معروف ٍة ال ميكننا معرفة ّ‬ ‫امليتافيزيق ّية ّ‬ ‫سامت ثانويّ ٍة نو ّد أن نلحقها بها‪ .‬إذا كانت ّ‬ ‫ال‪ ،‬ألننا ال نعرف ماه ّية هذا اليشء لنعرف الصفات التي ميكن أن ميتلكها‪ ،‬لذلك هذه الجملة بال معنى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ما يقدمه لنا الدين بخصوص الله هو املثال الثالث‪ ،‬يش ٌء غري م ّع ٌ‬ ‫(سامت‬ ‫بصفات‬ ‫رف (أو حتى غري قابلٍ للتعريف) علينا القبول‬ ‫ثانويّ ٍة) منسوب ٍة له رغم عدم معرفتنا مباهيّة هذا اليشء أو حتى إذا وجوده ممك ٌن ناهيك عن إمكانيّة نسب هذه الصفات له و‬ ‫يحل املشكلة ألنه يخربنا ما ليس الله و‬ ‫السلبي‪ ،‬هذا ال ّ‬ ‫شكل آخ ٌر من التعريف يق ّدمه الدين هو التعريف‬ ‫تقديم أدل ٍة عىل وجوده‪ٌ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫سلبي ألنها مبن ّي ٌة‬ ‫المادي أو غري محدو ٍد‪ ،‬و حتى صفاتٌ مثل مطلق الرحمة والقدرة‬ ‫ليس ما هو الله‪ ،‬مثل أن نقول‪ :‬إن الله‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫تعريف ٌّ‬ ‫باإلشارة إىل عكس ما نعرفه وهو املحدوديّة‪.‬‬ ‫طرح خا ٍو وال معنى له‪ ،‬و لكن املوضوع أبعد من ذلك ألن غياب التعريف اإليجايب ملاهيّة الله سببه عدم وجوده‬ ‫يف أقل تقدي ٍر هذا ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫كائنات خراف ّي ٍة مثل الكمرية يف امليثولوجيا اإلغريق ّية‪ ،‬كائ ٌن ينفث النار‬ ‫سوى كفكر ٍة يف عقول البرش‪ ،‬و لتوضيح ذلك ميكننا النظر إىل‬ ‫له جسد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف‬ ‫أسد عىل ظهره رأس ماع ٍز وذيله ينتهي برأس ثعبانٍ ‪ .‬و مع أن هذا الكائن خرا ٌّيف وال وجود له إال أننا بإمكاننا تقديم‬ ‫ٍ‬ ‫لكائنات أخرى‪ ،‬الطرح الديني يحاول أن يفعل نفس اليشء مع فكرة الله‪ ،‬ولكن املشكلة أن التصور‬ ‫له وصور ٌة مبني ٌة عىل معرفتنا‬ ‫الذي يقدمه غري معقو ٍل أو قابلٍ للفهم‪ ،‬إذا كان بإمكاننا أن نقدم تصو ًرا ميكن فهمه عقل ًّيا لكائنٍ خرا ٍّيف بينام كلمة (الله) ال نجد لها‬ ‫تعريفًا ميكن أن يفهم عقليًّا فهذا ألن الكلمة تشري إىل ال يشء‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫افتتاحيّة سقراط‬ ‫ما معنى أن نقول أ ّن الله موجو ٌد؟ ما نعرفه عن الوجود واألشياء املوجودة هو أنها ترتبط باملكان والزمان وباملادة‪ ،‬و لكن من‬ ‫السلبي وال‬ ‫مادي وغري محدو ٍد باملكان والزمان أو خارج نطاقهم‪ ،‬هذا يعيدنا ملشكلة التعريف‬ ‫يتحدث عن الله يقول لنا أن الله غري ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫مادي‬ ‫مادي ال ميكن أن يع ّرف إيجاب ًّيا‪ ،‬ال ميكن أن نفهم شيئًا غري ٍّ‬ ‫يخربنا ما هو الله أو كيف هو موجو ٌد‪ ،‬باإلضافة إىل أن كائ ًنا غري ٍّ‬ ‫ألن مفهوم الوجود مرتب ٌط باملادة‪ ،‬ونفس اليشء مع خارج الزمان واملكان‪ ،‬أضف إىل ذلك أننا ال ميكن أن نالحظه أو نقيسه‪ ،‬لو قلت‬ ‫لك أن هناك مثلثٌ بأربعة أضال ٍع خارج الزمان واملكان وال ميكن مالحظته‪ ،‬هل ستفهم أو تعرف عنه يش ًء؟ مثل هذا الوصف يجعل‬ ‫مادي وخارج الزمان واملكان ال يصف لنا نو ًعا آخ ًرا من الوجود بل ينفي‬ ‫من مفهوم الوجود خايل املعنى‪ .‬من يتحدث عن يش ٍء غري ٍّ‬ ‫الوجود‪.‬‬ ‫املشكلة األخرى مع فكرة وجود الله هي الصفات الغري محدود ٍة أو املطلقة‪ ،‬فهو ليس موجو ًدا فقط بل ال حدود لوجوده‪ ،‬مجد ًّدا‬ ‫سلبي‪ ،‬ألن كل ما نعرفه لديه حدو ٌد مام يعني أن معرفة الله حسب هذا التعريف غري ممكن ٍة‪ ،‬وهذا بدون التطرق‬ ‫هذا‬ ‫ٌ‬ ‫تعريف ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫صفات مطلق ٍة مثل الرحمة والعلم والقدرة كام نرى يف معضلة الرش‪.‬‬ ‫للتناقض املنطقي الذي ينتج عن اجتامع‬ ‫مبني‬ ‫قبل أن أختم سأتطرق إىل مسألة واجب الوجود‪ ،‬و املقصود هنا هو أن وجود الله جز ٌء من ماه ّيته أو جوهره‪ ،‬هذا االفرتاض ٌّ‬ ‫كامل وال يتجزأ ووجوده جز ٌء من كامله وال فرق بني جوهره ووجوده‪ ،‬هنا الجوهر هو ماه ّية اليشء والوجود ما‬ ‫عىل فكرة أن الله ٌ‬ ‫حقيقي‪ ،‬فمثالً ميكن أن نصف ماه ّية التنني بدون أن نقصد أنه موجو ٌد بينام الفرس ميكننا أن نضيف إىل ماه ّيته أنه موجو ٌد‪،‬‬ ‫يجعله‬ ‫ٌّ‬ ‫منفصل عن انطباعنا عن الفكرة‬ ‫ٌ‬ ‫و لكن إضافة الوجود لفكرتنا عن يش ٍء ال تضيف شيئًا ملفهومنا للفكرة‪ ،‬فال يوجد انطبا ٌع للوجود‬

‫‪51‬‬


‫افتتاحيّة سقراط‬ ‫أو اليشء الذي نتحدث عنه‪ ،‬الوجود ليس خصل ًة أو صف ًة منفصل ًة عن األشياء‪ ،‬لذلك واجب الوجود أو أن ال فرق بني جوهر الله و‬ ‫وجوده ال يقدم مضمونًا يفهم و له معنى‪ ،‬فام يقّدم لنا هنا هو أن الفرق بني جوهر اليشء ووجوده هو ما ميكّننا من فهم األشياء‪،‬‬ ‫ولكن ال يوجد ٌ‬ ‫فرق بني جوهر الله ووجوده! فكيف نفهمه إذن؟‬ ‫مبني عىل اإلميان وهو القبول بالغيبيّات بدون دليلٍ ‪ ،‬و كل الحجج التي تقدم عىل وجوده‪ ،‬الهدف منها ليس‬ ‫االعتقاد بوجود الله ٌّ‬ ‫الديني قتل الله يف‬ ‫إثبات وجود الله و إمنا محاول ٌة للتقريب بني العقالن ّية و اإلميان يف مواجهة إنكار العقالن ّية لوجود الله‪ ،‬و الطرح‬ ‫ُّ‬ ‫موقف األغنوستي أو أن الله ال يشء وهذا موقف امللحد‪،‬‬ ‫محاول ٍة إلنقاذه‪ ،‬فخالصة موقفهم هي أن الله يش ٌء ال ميكن معرفته وهذا ُ‬ ‫الله موجو ٌد كفكر ٍة يف عقول البرش فقط ال غري‪.‬‬

‫رد ‪ :‬ناجح سلهب‬

‫تعريف ملاهيّة يش ٍء فهذا يعني أنه غري موجو ٍد)‬ ‫يقول األخ ‪( Socrates Averoice‬وإذا مل يكن لنا‬ ‫ٌ‬ ‫وهذا كالقول أن الوجود غري موجو ٍد ألننا ال منلك تعريفًا له!‬ ‫‪ 1‬الوجود ليس معلوالً للامه ّية الذهن ّية وغري متوق ٍّف عليها ‪.‬‬ ‫‪ 2‬معرفة وجود اليشء موضو ٌع ومعرفة كنه اليشء موضو ٌع آخر‪.‬‬ ‫حي بذاته ليس أسلوبًا وإمنا إثبات‪.‬‬ ‫‪ 3‬قولنا أن الله‬ ‫ٌ‬ ‫واجب بذاته قاد ٌر عاملٌ ٌّ‬ ‫الخاصة‪ .‬ورشط حمل الصفات عىل الواجب ال يستلزم املعرفة بالكنه‪.‬‬ ‫‪ 4‬التعريف كام يكون باملاهيّة يكون بالوظائف أو اللوازم‬ ‫ّ‬ ‫‪ 5‬وهل القول أ ّن املبدأ الرضوري واألول مفهو ٌم ال معنى له؟‬ ‫‪ 6‬افرتاض أن الوجود هو املادة‪ ,‬فهو يعني أن الوجود مجرد معنى مر ٍ‬ ‫ادف ملفهوم املادة وقول أحدهم هل زي ٌد موجو ٌد؟ فيكون‬ ‫الجواب زي ٌد موجو ٌد أو زي ٌد مادة يحمل نفس املعنى والعقل يقيض أنهام مختلفان‪.‬‬ ‫‪ 7‬علمك بآثار الغائب هو دليلك عىل وجوده فاإلميان بالغيب من هذا املنظور قائ ٌم عىل دليلٍ ‪.‬‬

‫رد ‪ :‬سقراط‬

‫مناظري الكريم طرح سؤال‪ :‬هل ميكن اعتبار هذا الكون صال ٍح ليكون أث ًرا (دليالً)عىل وجود فكر ٍة مثل الله؟ ثم ق ّدم أربع ٍ‬ ‫نقاط‬ ‫دليل‪ ،‬هناك إشكال ّي ٌة يف املنهج الذي اتّبعه مناظري فهو مل ينظر إىل مصدر فكرة الله و مل يبدأ بالنظر إىل‬ ‫يرى أنها تشمل أث ًرا و تقدم ً‬ ‫طبيعة الكون و ما نعرفه عنه‪ ،‬مبعنى أنه يبحث عن أدل ٍة لقناع ٍة سابق ٍة لدراسة الظاهرة‪ ،‬سأعود للمشكلة املنهج ّية يف تعقيبي األخري‬ ‫كل ما يطرح من الطرف الديني كحج ٍة أو دليلٍ عىل وجود الله‪ ،‬فمعظمها يدور حول فلك ثالث‬ ‫وأتناول هذه املشكلة بشكلٍ عا ٍّم يف ّ‬ ‫أشكا ٍل من الحجج ‪ -‬الكوزمولوجيّة‪ ،‬التيليولوجيّة و االنتولوجيّة‪ ،‬وأركز هنا يف الرد عىل ال ّنقاط األربعة مبقدمة مناظري‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫افتتاحيّة سقراط‬ ‫مبني عىل الغائ ّية و هي مرفوض ٌة يف العلم‪.‬‬ ‫‪ 1‬بداية هذه النقطة هي االستنتاج الذي يحاول مناظري أن يصل إليه!! كام أنه ٌّ‬‫كتاب جاك مونود‬ ‫‪Jacques Monod. Chance and Necessity: Essay on the Natural Philosophy of Modern Biology. 1970‬‬ ‫ألسباب نهائيّ ٍة او تيليولوجيّ ٍة‪ ،‬مبعنى أن الحياة نتيجة عمليّ ٍة طبيعيّ ٍة‬ ‫ُفس بدون اللجوء‬ ‫ٍ‬ ‫ملخص كتابه أن أنظمة الطبيعة ميكن أن ت ّ‬ ‫و صدف ٍة محض ٍة‪ .‬و الكتاب مستوحي من مقولة دميوقريطس (كل يش ٍء يف الكون هو مثرة الصدفة و الرضورة) وعندما يتحدث‬ ‫معنى للوجود وهي املسؤولة عن خلق‬ ‫عن التطور يقول إن املعجزة أصبحت ّ‬ ‫مفسةً‪ ،‬و يقول إن لدينا حاج ًة جين ّي ًة للبحث عن ً‬ ‫امليثولوجيا و الدين والفلسفة‪ ،‬ويطالب مبوضوع ّي ٍة يف العلم تعيد مراجعة مقدماتنا و تفصلنا عن التقاليد األرواح ّية‪ ،‬كام يطالب بأن‬ ‫يرفع اإلنسان نفسه فوق حاجته للتفسري والخوف من الوحدة ويقبل بأخالق ّيات املعرفة ويضع كإطا ٍر لهذه األخالق ّيات‪ ،‬القبول مبا‬ ‫هو حيوا ٌّين ومثا ٌّيل يف اإلنسان‪ ،‬ويختم كتابه (العهد القديم تحطّم‪ ،‬اإلنسان يعرف أخريا ً أنه وحي ٌد يف ضخامة الكون الذي ال يشعر‪،‬‬ ‫أي مكانٍ ‪ ،‬وال واجباته‪ ،‬اململكة التي فوقه أو الظالم الذي تحته؛ الخيار بيده)‪.‬‬ ‫مصريه غري‬ ‫ٍ‬ ‫مكتوب يف ّ‬ ‫أستغرب أن تستشهد بهذا الرجل فموقفه يخالف موقفك متا ًما‪ ،‬بيولوجي مادي اختزايل كام يقول من انتقده من الدينيني‪ ،‬ولكن‬ ‫مخالف‬ ‫أعتقد أن املشكلة هي أن مصدر االقتباس من بوبر الذي ع ّدل موقفه من التطور الحقًا‪ ،‬وال ننىس أن بوبر أغنوستي وموقفه‬ ‫ٌ‬ ‫للدينيّة‪ ،‬ونفس مشكلة االقتباس مع ستيفن هوكنغ‪ ،‬فهو يرى أن تفسري الكون ال يحتاج لفرضيّة الله‪.‬‬ ‫بالنسبة للثوابت الكون ّية وح ّجة الكون املوزون‪ ،‬لها عدة مشاكل منها االفرتاض بأن الشكل الوحيد للحياة هو املبني عىل الكربون‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أي تغيريٍ‬ ‫طفيف يف هذه الثوابت سيمنع‬ ‫وأنها تخلط بني أننا نشأنا يف كونٍ يسمح بوجودنا و كونٍ خلق لوجودنا‪ ،‬و لكن هل فعالً ّ‬ ‫ظهور النجوم؟ االقتباس الذي وضعته من بول ديفيز قدي ٌم وال يواكب األبحاث العلم ّية يف املوضوع‪ ،‬فريد ادمز قدم بحثًا يوضّ ح أن‬ ‫ٍ‬ ‫أي تغيريٍ‬ ‫طفيف فيها سيمنع تشمل النجوم و‬ ‫النجوم ميكن أن تنشأ يف ‪ ٪٢٥‬من مساحة املعلمة لهذه الثوابت‪ .‬إذًا االحتجاج بأن ّ‬ ‫الكون غري صحي ٍح‪.‬‬ ‫‪Adams. F.C. (2008). "Stars in other universes: stellar structure with different fundamental constants". Journal‬‬ ‫‪of Cosmology and Astroparticle Physics‬‬ ‫كام أ ّن االعتامد عىل الثوابت الفيزيائ ّية إشكالية يف تقديم صيغ ٍة واضح ٍة لح ّجة الكون املوزون‪ ،‬نحن ال نعرف إىل اآلن كم عدد هذه‬ ‫الكوزمولوجي‪ ،‬و لكن الفيزيائيّني يعتقدون أن أرضيّتها نظريّ ٌة أخرى‬ ‫الثوابت‪ .‬يف ‪ standard model‬عددها ‪ ٢٥‬مع إضافة الثابت‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ألن هذا النموذج غري ٍ‬ ‫ظروف مح ّدد ٍة‪ ،‬نحن إذًا نحتاج إىل معرفة املزيد عن هذه النظريّات األخرى مثل ‪quantum‬‬ ‫ثابت تحت‬ ‫‪ field theory‬و نظريّة كم ّية للجاذب ّية كام توضّ ح هذه الدراسة عىل إشكال ّياتها مع الثابت الكوزمولوجي‬ ‫‪Stefano Finazzi, et al. “Cosmological Constant: A Lesson from Bose-Einstein Condensates.” Physical Review‬‬ ‫‪)Letters 108, 071101 (2012‬‬

‫‪53‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫وال أعرف من ق ّدم تفسري للثوابت الفيزيائية عىل أنها من خارج الكون‪ ،‬بل العكس وباألسفل أمثل ٍة‪ ،‬ومنهم مارتن ريس من رواد من‬ ‫حددوا هذه الثوابت و هو ملحد‪.‬‬ ‫مارتن ريس ال يرى أن الكون موزو ٌن لدرج ٍة يحتاج فيها ملص ّم ٍم‪ ،‬و يفرس بنا ًء عىل األكوان املتعددة أن وجودنا هو يف كونٍ يسمح لنا‬ ‫بالوجود‪.‬‬ ‫‪)Martin Rees. "Numerical Coincidences and 'Tuning' In Cosmology" (2004‬‬ ‫فيكتور ستنغر يوضح ان مغالطة الكون املوزون مبنية عىل فهم خاطئ ملا يقدمه العلم‪.‬‬ ‫‪)Stenger, Victor. The Fallacy of Fine-Tuning: Why the Universe Is Not Designed for Us (2011‬‬ ‫ليونارد ساسكند يقدم تفسريات طبيعيّة ملا يسمى الكون املوزون ‪.‬‬ ‫‪)L. Susskind, The cosmic landscape, string theory and illusion of intelligent design (2005‬‬ ‫ستيفن هوكنج يقول أنه ال ميكن تفادي أن نالحظ هذه الثوابت الفيزيائية ألن الكون الحايل يختار فقط األحداث السابقة التي‬ ‫تؤدي للوضع الحايل‪ ،‬و بدون أن يفرتض أكوانًا متعدد ًة ‪.‬‬ ‫‪Hawking, S.W. ; Hertog, Thomas (2006). "Populating the Landscape: A Top Down Approach".Phys.Rev. D73‬‬ ‫‪(12) 123527‬‬ ‫براين غرين يوضح أن بنا ًء عىل ‪ inflationary theory‬شكل الكون كام نراه بعد ‪ 14‬مليار سن ٍة‪ ،‬ليس بتلك الحساس ّية للمتغريات‬ ‫عند نشوء الكون كام يف منوذج االنفجار العظيم التقليدي ‪.‬‬ ‫‪Greene, Brian. The Fabric of the Cosmos: Space, Time and the Texture of Reality‬‬ ‫ديني ومل نرى عليها أي دليلٍ أو ٍ‬ ‫إثبات‪ ،‬وال أعتقد أن بإمكاننا اعتبارها‬ ‫االفرتاضات املق ّدمة من خارج الكون مبنيّ ًة عىل اعتقا ٍد ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫فرضيات علم ّي ٍة آلنها غري قابل ٍة لالختبار‪.‬‬ ‫‪ -2‬بداية الكون هي بداي ًة له كام نعرفه‪ ،‬وبداية الزمان و املكان كام نعرفهم‪ ،‬فال معنى للحديث عن (قبل) هنا ألن هذا مفهو ٌم‬ ‫مبني عىل منوذج االنفجار العظيم الذي يعيد عجلة الزمان إىل الوراء بنا ًء عىل ما هو مالح ٌظ‬ ‫زمني‪ ،‬واألهم هنا هو أن هذا الكالم ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ليصل إىل هذه النقطة‪ ،‬ولكن يتوقف عندها و ال يصل للمفردة ألن النسبيّة العا ّمة و قوانني الفيزياء تتعطل عند تلك النقطة و قبل‬ ‫ٍ‬ ‫مكتف بذاته! اإلنفجار العظيم يرشح لنا تط ّور الكون وال يلقي‬ ‫الوصول للمفردة‪ ،‬ال أرى كيف يظهر بوضو ٍح من هذا أن الكون غري‬ ‫الضوء عىل نشوءه واملفردة‪ ،‬ونشوء الكون بنا ًء عىل الفيزياء الكون ّية ال يحتاج لفرض ّية خالقٍ ‪.‬‬ ‫وباملقابل لدينا نظريّة االنكامش بأن الكون بعد مت ّدده سيصل إىل مرحل ٍة ينكمش فيها للمفردة و يعود فيتم ّدد مجد ًدا‪ ،‬هذا يعني أن‬ ‫دائري‪ ،‬كام أن النظريات املبنيّة عىل التض ّخم تشري أيضً ا إىل أ ّن الكون ال بداية له‪.‬‬ ‫الزمن‬ ‫ٌّ‬

‫‪54‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫‪ -3‬أنت هنا ته ّدم مرشوعك الذي تحاول أن تبنيه فتقول أ ّن العلوم ليس بإمكانها أن تخربك شيئًا عن (املص ّمم) الذي تبحث له عن‬ ‫ٍ‬ ‫جديد‪ ،‬أل ّن عليك النظر إىل اإلطار الذي يعمل داخله‬ ‫علمي‬ ‫أث ٍر و دليلٍ ‪ ،‬وال ميكن أن تقيس بعلم األدلة الجنائ ّية‪ ،‬يف بحثك عن منه ٍج ٍّ‬ ‫علم األدلّة الجنائ ّية‪ ،‬نحن نعرف أ ّن البرش يرتكبون جرائم‪ ،‬ونعرف طبيعة هذه الجرائم فنقوم بتطبيق معرفتنا العلم ّية والتجريب ّية‬ ‫لتقص هذه الجرائم والكشف عنها‪ ،‬ال ميكن أن تقيس وجود الكون بجرائم البرش التي تكاد معرفتنا عنها تكون كامل ًة‪ ،‬فتفرتض‬ ‫ّ‬ ‫الغائ ّية يف الكون‪.‬‬ ‫تضارب يف املعنى ألن العلم يرفض‬ ‫علمي يعتمد عىل الغائ ّية‪ ،‬باإلضافة إىل أنه‬ ‫ٌ‬ ‫كل ما أفهمه من النقطة ‪ ٣‬هو أنك تبحث عن منه ٍج ٍّ‬ ‫ٌ‬ ‫احتامل لوجود منه ٍج يثبت وجود الله!‬ ‫دليل‪ ،‬كل ما تقوله هنا هو أن هناك‬ ‫الغائ ّية‪ ،‬فهو ليس ٌ‬ ‫‪ -4‬تحدثت عن موضو ٍع واجب الوجود يف مقدمتي وأوضحت أن هذه الفكرة ال تقدم لنا معرف ًة أو يش ٍء ميكن أن يفهم‪ ،‬وأن الوجود‬ ‫نختص الله بأن وجوده جز ٌء من ماه ّيته‪ ،‬مقدمتي ركزت عىل الجانب األنتولوجي يف املوضوع‬ ‫ليس صف ًة منفصل ًة عن الكائنات حتى ّ‬ ‫والذي أعتقد أنه أهم يش ٍء يف موضوع املناظرة والنقطة ‪ ٤‬ربطته بالسبب ّية‪ ،‬ومشاكل ح ّجة السبب ّية معروف ٌة‪ ،‬فهي تقع يف مغالطة‬ ‫ومبني عىل املالحظة‪،‬‬ ‫مبني عىل منطقٍ استقرا ًّيئ بعد الحدث‬ ‫التعميم واملرافعة‬ ‫ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫الخاصة‪ ،‬كام أن مبدأ السبب ّية نفسه مطعو ٌن فيه ألنه ٌّ‬ ‫لذلك ال يشكل معرف ًة مستقلّ ًة عن املالحظة و سابق ًة للحدث‪.‬‬ ‫الوجود الفيزيا ُّيئ هو كل ما نعرف وكل ما هناك فال معنى ألن نقول أنه برهن عىل نفسه‪ ،‬ثم نفرتض بنا ًء عىل ذلك وجود برهانٍ‬ ‫منطقي و فيزيا ٍّيئ عىل فكرة (واجب الوجود)‪ ،‬ربط اإلثنني ببعض فرض ّي ٍة مل تثبتها لتستخدم أحدها يف الربهنة عىل األخرى‪ ،‬كام أن‬ ‫ٍّ‬ ‫برهانًا فيزيائ ًّيا عىل الله يعني أ ّن الله جز ٌء من فيزياء الكون‬

‫خامتة سقراط وتعقيب عىل رد ناجح سلهب‬

‫سأبدأ بالتعقيب عىل رد مناظري الكريم ملقدمتي ثم أختم‪.‬‬

‫طرحي يف الجزء املتعلق بكلمة 'الله' كان يف نقطتني؛ األوىل هو أنها تفتقر لتعريف إيجايب للسامت االولية أو ماهية اليشء الذي‬ ‫ترمز له الكلمة‪ ،‬لذلك ال ميكن ا ّدعاء معرفة هذا اليشء‪ .‬والنقطة الثانية هي أن سبب غياب هذا النوع من التعريف هو أن الكلمة‬ ‫تشري إىل ال يشء أو عدم الوجود‪ .‬النقطة األوىل مل يرد عليها وهي يف غاية األهمية‪ ،‬فإذا مل يكن لنا القدرة عىل معرفة طبيعة الله‬ ‫كيف لنا أن نتحدث عن صفاته و نقدم أدلة عىل وجوده؟ بالنسبة للنقطة الثانية فهي ال تقول أن الوجود ليس موجو ًدا‪ ،‬و نحن‬ ‫منلك تعريفًا للوجود فهو ما له استمراري ٌة موضوعي ٌة مستقل ٌة عن حضورنا أو ما له مكا ٌن وكينونة‪ .‬و كام ذكرت الوجود ليس شيئًا أو‬ ‫صف ًة منفصلة‪.‬‬ ‫نحن نعرف من كنه اليشء أو ماهيته إذا كان موجو ًدا أو ال‪ ،‬وأعطيت مثال التنني والفرس‪ ،‬فاألول نعرف من ماهيته أنه غري موجو ٍد‬

‫‪55‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫بينام الثاين نعرف منها أنه موجود‪.‬‬ ‫ما معنى قولكم إن الله حي؟ الحياة صفة الكائنات الحية ومصريها املوت‪ ،‬هل الله حي بهذا املفهوم؟ بالطبع ستقول يل ال‪ ،‬و أنه‬ ‫ٍ‬ ‫حي ولكن ليس كالحياة التي نعرفها‪ .‬ونفس اليشء مع‬ ‫حي بشكلٍ آخ ٍر‬ ‫ومخالف لها‪ .‬و هذا هو التعريف السلبي‪ ،‬فأنت تقول أنه ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫قدرته وعلمه‪ ،‬فهي ليست القدرة والعلم الذي نعرفها بحدودها ألنها غري محدودة‪ .‬هذه القدرة و العلم م ّعرفة مبا ليست هي‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واجب ال يقدم لك سب ًبا‪ ،‬ألن هذا الواجب غري‬ ‫صفات ثانوي ٍة وعالئقي ٍة بيش ٍء ال تعرف صفته األولية؟ أن تحتج بأنه‬ ‫كيف تربط‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مغالطات منها املرافعة الخاصة‪ ،‬و أيضً ا التعميم حني تفرتض أن أشياء محددة يف‬ ‫مربهنٍ عليه‪ .‬وفكرة واجب الوجود مبني ٌة عىل عدة‬ ‫الكون ال تقوم بذاته يعني الكون كمجموع األشياء أيضا كذلك‪.‬‬ ‫لفظي ومبهم‪ ،‬فإىل اآلن مل نرى تعريفًا يفهم‬ ‫لنفرتض أن املبدأ الرضوري مفهوم‪ ،‬هل هذا يعني أنه الله؟ والفهم الذي تشري إليه‬ ‫ٌّ‬ ‫لطبيعة الله‪.‬‬ ‫بالنسبة للامدة‪ ،‬أولً املادية مفهوم قديم حل مكانه ‪ physicalism‬الفيزيائية أو الفيزيكالية ألننا ال ننظر للامدة املجردة و لكن كل‬ ‫ما ينشأ عنها‪ ،‬واالستمرار باستخدام كلم ٍة مادي ٍة هو من جراء العادة‪ .‬ملاذا يقتيض العقل أن هناك وجو ٌد لزيد منفصلٍ عن وجوده‬ ‫املادي؟ وجود زيد مرتب ٌط باملادة شأنه شأن أي يش ٍء آخر موجود‪.‬‬ ‫دليل عىل وجوده إذا كنا نعلم ما هو هذا الغائب الذي نبحث عنه لرنبط األدلة به‪ .‬وغياب األدلة أقوة دليلٍ‬ ‫علمنا بآثار الغائب ٌ‬ ‫عىل الغياب إذا بحثنا عن األدلة يف األماكن التي نتوقع أن نجد فيها األدلة ومل نجدها‪ ،‬وهذا حال الله‪ .‬واإلميان هو االعتقاد بالغيب‬ ‫بدون أدلة‪ ،‬وإال أصبح يقي ًنا وليس إميانًا‪.‬‬ ‫عند الحديث عن 'وجود الله' ال بد أن نسأل عن مصدر فكرة الله و ملاذا تطرح كفرضية لتفسري الكون‪ .‬بال شك جذورها امليثولوجية‬ ‫و التاريخية ليس يف صالحها ألنها نتيجة زمن كان االنسان يجهل فيه طبيعة الكون‪ ،‬ودوافعه البيولوجية والبيئة كانت دافع له يف‬ ‫البحث عن تفسري لظواهر الكون‪ .‬ومع تشكل االديان اصبح للفكرة دواعم اجتامعية وترسخت ثقافيًا‪ .‬ولكنها فكرة مصدرها جهل‬ ‫االنسان قد ًميا لطبيعة الكون قبل أن يطور إمكانياته املعرفية‪ .‬لألسف ال زال االنسان متمسك بالفكرة بل حاول توظيف معرفته‬ ‫الفكرية لتقديم مربرات لها‪ .‬وهذه املربرات و الحجج‪ ،‬و ما تقدمه عىل أنه أدلة‪ ،‬غالبا ما تأخد شكل من ثالثة ‪ -‬الكوزمولوجية‬ ‫ٍ‬ ‫مغالطات منطقي ٍة‬ ‫(السببية)‪ ،‬التيليولوجية (الغائية) و االنتولوجية (الوجودية)‪ .‬ومشكلة هذه الحجج أنها بال استثناء مبين ٌة عىل‬ ‫ومنه ٍج يغالط نفسه‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫هذه الحجج تحاول أن تربهن عىل وجود كائنٍ خارقٍ للطبيعة بنا ًء عىل ظواهر الطبيعة‪ ،‬مفرتض ًة أن هذه الظواهر ال ميكن أن تفرس‬ ‫من داخل الطبيعة‪ .‬الديني يعتقد أن هذا الطرح يفرس الكون ويجعله مفهو ًما‪ ،‬عىل عكس موقف امللحد الذي يجعل من الكون شيئًا‬ ‫مفهوم وغري قابلٍ للتفسري بهذا الطرح‪ .‬التفسري يخلق رابطًا‬ ‫غري مفهوم‪ .‬و لكن يف الواقع الديني هو من يجعل من الكون شيئًا غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معروف وما هو معروف‪ ،‬واض ًعا ما نحتاج تفسريه ىف إطار معرفتنا ألننا ال نقدر أن نعرف شيئًا خارج إطار قدرتنا‬ ‫بني ما هو غري‬ ‫املعرفية‪ .‬افرتاض يش ٍء خارج الطبيعة هو تقدي ٌم ملا ال ميكن معرفته كتفسري‪ ،‬وال ميكن أن نفرس غري املعروف باإلشارة إىل ما ال ميكن‬ ‫معرفته‪.‬‬ ‫القول بأن الله تسبب يف الكون هو القول بأن شيئًا ال ميكن معرفته تسبب يف الكون بطريقة غري معروفة‪ .‬هذا ليس تفس ٌري بل‬ ‫اعرت ٌاف بعدم وجود تفسري أو حتى إمكانية للتفسري‪.‬‬ ‫الطرح الديني يفرتض وجود الله (بدون تعريف هذا املفهوم) ويقدمه كتفسريٍ للكون وظواهره ويستدل بها عىل وجوده مفرتضا‬ ‫أن الكون بحاجة لتفسري‪ .‬ولكن هو يهدم مرشوعه بإلغاء اإلطار الذي ميكننا أن نقدم تفسري و فهم من داخله‪ ،‬ألنه يقدم تفسري من‬ ‫طبيعي عىل ما هو غري طبيعي‪ ،‬ما‬ ‫خارج الطبيعة وهو يشء ال ميكن معرفته أو فهمه‪ .‬مشكلة منهج هذه الحجج أنها تستدل مبا هو‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف عىل ما هو غري قابلٍ للمعرفة‪.‬‬ ‫هو‬ ‫باملقابل موقف امللحد هو ما يجعل تفسري و فهم الكون وظواهره ممكن بوضع املفهومني داخل إطار الطبيعة‪ .‬ال يوجد نزاع بني‬ ‫الطبيعية والالطبيعية‪ ،‬والسبب ليس فقط أن الطبيعية تقدم التفسري األبسط مبقتىض مرشط أوكام ولكن الن الطبيعية هي الوحيدة‬ ‫معنى وإمكانية‪ .‬ال معنى ألن نطالب بتفسري الطبيعة أو الكون ألن الطبيعة ميتافزيق ًيا‬ ‫التي تقدم لنا إطا ًرا يعطي ملفهوم التفسري ً‬ ‫رضورية‪ ،‬ومحاولة تفسريها تفرتض منطق ًيا وجودها‪ .‬وهذه املطالبة أبستيم ًيا غري منطقي ٍة ألن الطبيعة والكون املعروف هو ما يقدم‬ ‫لنا اإلطار الذي نفرس ونفهم من داخله فال ميكن أن نخضعها ملفهوم التفسري‪ .‬التفسري والفهم يكون لحقائق الواقع املعروفة من‬ ‫داخل إطار الطبيعة‪ ،‬و إذا أخرجنا مفهوم التفسري والفهم من هذا اإلطار أصبح ال معنى لهم‪.‬‬ ‫يف مسألة 'وجود الله' الطرح الديني يتجاهل عدم وجود تعريف يفهم عقليا لكلمة الله و معنى أن يكون موجود‪ ،‬ويبدأ بافرتاض‬ ‫أن الكون بحاجة لتفسري والتفسري الوحيد من خارج الطبيعة‪ .‬ثم يقدم لنا الله كتفسريٍ ويستدل بافرتاضه لحاجة الكون لتفسريٍ عىل‬ ‫وجود الله‪ .‬و لكن الطبيعة ال تحتاج لنوع التفسري الذي يطالب به الديني ألنها هي من يضع اإلطار الذي ميكن من داخله تقديم‬ ‫نوع التفسري الذي يطالب به الديني‪ .‬الطرح الديني يفشل يف تقديم تفسري ألن منهجه يلغي معنى التفسري‪ ،‬و ألنه يبني هذا‬ ‫ٍ‬ ‫مغالطات منطقي ٍة ليستدل به عىل ويثبت وجود يش ٍء ال ميلك له تعريفًا وباعرتافه غري قابلٍ للمعرفة‪.‬‬ ‫التفسري عىل‬ ‫ال معنى ألن نبحث عن أدل ٍة ونتحدث عن يش ٍء ال منلك له تعريفًا بل من يحدثنا عنه يخربنا أنه غري قابلٍ للمعرفة! والفشل الذريع‬

‫‪57‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫الذي ينتج عن محاولة إثبات 'وجود الله' فلسف ًيا وعلم ًيا قبل تقديم تعريف ملا نتحدث عنه واضح‪ ،‬هذا املرشوع يهدم نفسه بنفسه‬ ‫مفهوم خا ٍو من املعنى‪.‬‬ ‫مبني عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ألنه ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رضب من الجنون‬ ‫معروف عملي ٌة منطقية‪ ،‬أن نفرس ما هو‬ ‫معروف مبا هو‬ ‫"أن نفرس ما هو غري‬ ‫معروف مبا ال ميكن معرفته ٌ‬ ‫الثيولوجي"ديفيد بروكس‪ ،‬رضورة اإللحاد‬

‫خامتة ناجح سلهب‬

‫مرافعتي الختامية ‪:‬‬ ‫بعضً اً من اإلنصاف يا سادة؛ فأنا مل أؤمن ثم أجلب األدلة التي تؤيّد موقفي اإلمياين عىل العكس‪ ،‬ومن الخطأ أن تعتقد ثم تستدل‪،‬‬ ‫أنا مل أجلب يف طرحي قضية ث ّم قلت هذه ثابتة وبعدها بدأت أدعمها باألدلة (مل أفعل ذلك) وكل ما فعلته أنني وضعت املوضوع‬ ‫محرتم يبدأ ببناء ووضع الفرضيات ثم يقوم بفحصها أمام الحقائق‬ ‫علمي‬ ‫ٍ‬ ‫كفرضي ٍة أي أننا نضع فكرة الله كفرضية‪ّ ،‬‬ ‫كأي منه ٍج ٍّ‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫أصل مغالطة) وبالنسبة آلرائهم‬ ‫ث ّم أنا مل أستشهد بجاك مونود وكارل بوبر وستيفن هوكينج استنادا ً إىل سلطتهم املعرفية! (فهذه ً‬ ‫قريب أو بعيد‪ ،‬وإمنا قمت بجلب شهاداتهم العلمية يف حقول تخصصاتهم والتي "تدعمها األدلة‬ ‫الشخصية فال تعنيني من ٍ‬ ‫التجريبية"‪ ،‬أما آراؤهم الشخصية التي ال تدعمها األدلة التجريبية فال حاجة يل بها واالستشهاد بها مغالطة االحتكام اىل السلطة‬ ‫املعرفية كام قمت أنت بذلك‪.‬‬ ‫فمثال‪ :‬اعتامد ستيفن هوكينج يف كتابه التصميم العظيم ليفرس ملاذا هذه القوانني بالذات وملاذا هذا الضبط إىل نظرية إم والتي ال‬ ‫يدعمها أي دليلٍ‬ ‫فلسفي لفرضي ٍة ت ٌعترب مقول ًة ميتافيزيقي ًة حتى تثبت تجريب ًيا!‬ ‫تجريبي وهو بهذا يُق ّدم مجرد ترجي ٍح‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫عليك أن تالحظ أنني ال أتكلم عن "الكيف " وعن نقص املعلومات العلمية التي تتعلق بالسلوك الكيفي للطبيعة املادية حتى أمأل‬ ‫ٍ‬ ‫معلومات اكتشفناها تجريب ًيا وعلمنا كيفها ومن ث ّم أسألك‬ ‫الفراغ "بيد" الله (فهذه أغلوطة إله الفراغات) وإمنا ما أقوم به هو بجلب‬ ‫ملاذا هذا؟ وأنا آسف للذين ال مييزون بني هذين املنهجني‪ ،‬فمعلوماتنا عن القوانني وملاذا هذه القوانني وليست غريها؟ هو ٌ‬ ‫سؤال له‬ ‫معنى‪ ،‬وحتى ستيفن هوكينج يف كتابه التصميم العظيم قد سأله وحاول اإلجابة عنه!‬ ‫• بالنسبة لبحث فريد آدمز فأنا تكلمت عن ظهور الحياة والضبط الدقيق املطلوب لظهور املادة الح ّية وما ق ّدمته أنت هو عن‬ ‫محتمل يف‬ ‫ٌ‬ ‫تغي الثوابت! وحتى بحث فريد آدمز يفيد احتاملية وإمكانية الوجود املادي ألنه‬ ‫احتاملية ظهور املادة غري الح ّية مع ّ‬

‫‪58‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫ٍ‬ ‫التغي للثوابت الكونية فيدعم قضيتي أيضً ا‪.‬‬ ‫هامش ٍّ‬ ‫مئوي من ّ‬ ‫وهنا أضعك أمام سؤا ٍل أيضً ا من نوع‪ :‬ملاذا نعرف أنا املادة غري الحية ال متتلك غاية أو هدفا ولكن املادة الحية متتلك غاي ًة وهدفاً‬ ‫ٍ‬ ‫بسلوك مختلف؟‬ ‫غيت املادة غري الحية من سلوكها لتصبح ماد ًة حيّ ًة تقوم‬ ‫كالبحث والحصول عىل الغذاء والتكاثر وغريها‪ ،‬فلامذا ّ‬ ‫حتى يأيت يف النهاية إنسا ٌن مثلك هو الوحيد الذي يفهم ويعرف قصة الكون!‬ ‫هل السؤال بلامذا ٌ‬ ‫عبثي ال معنى له؟‬ ‫سؤال ٌّ‬ ‫*** كل الفرضيات مسموحة ولكن فرضية الله هي فرضية ممنوعة ***‬ ‫ٍ‬ ‫‪ 1‬ميكن دراسة إشار ٍ‬ ‫كائنات ذكي ٍة موجود ٍة يف الكون (متلك‬ ‫ات راديوي ٍة يف الكون عىل فرض احتامل أنها ميكن أن تكون رسائال من‬ ‫غاية) ولكن ال ميكن أن ندرس التنظيم والرتتيب املوجود يف الطبيعة عىل فرض أنها رسال ٌة من إله (هذه معايري مزدوجة)‪.‬‬ ‫‪ 2‬نضع للمناقشة نظرية ام التي تفيد أزلية املادة وأعدادا فلكية من األكوان األخرى (يا للبساطة!) وهي مجرد فرضي ٍة ليس هناك‬ ‫تجريبي عليها ونرفض يف املقابل فرضية الله (معتذرين أنه فرض غري بسيط)!‬ ‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫• ثم ماذا؟ الطعن يف السببية لتقديم نظرية العادة التي ال تدعمها األدلة وهذا مغالطة االحتكام إىل الجهل‪.‬‬ ‫• العادة التي ال متتلك تعريفًا علم ًيا والتي ال يساندها أي دليلٍ‬ ‫علمي تجريبي؟‬ ‫ٍّ‬ ‫• العادة التي تجعل تكرار رشوق الشمس بعد صياح الديكة من آالف السنني بنفس القيمة لغليان املاء بعد تعرضه لحرارة النار من‬ ‫آالف السنني لنفس التكرار‪ ،‬وكم ديك يظ ّن الشمس ترشق لصياحه؟‬ ‫أصل بحث يف األسباب املؤثرة وما نعلمه هو أن األشياء واألحداث تحتاج إىل مؤثر ٍ‬ ‫ات لحصولها‪ ،‬وهذا هو‬ ‫• نشاط العلم جميعه هو ً‬ ‫ٌ‬ ‫رضب من‬ ‫املعلوم واملعروف‪ .‬وأحاكمك إىل مقولة ديفيد بروكس التي استشهدت بها‪" :‬أن نفرس ما هو‬ ‫معروف مبا ال ميكن معرفته ٌ‬ ‫الجنون الثيولوجي"فإنكار السببية واستبدالها بالعادة فرضياتٌ ال دليل عليها وعملك هذا هو تفس ٌري مبا ال ميكن معرفته ومبا ال يقوم‬ ‫فاعل فهذا هو املعروف واملعلوم‪.‬‬ ‫تجريبي عليه‪ .‬وما نعرفه جي ًدا أ ّن لكل فعلٍ فاعلٍ ‪ ،‬والكون كعملي ٍة وكفعلٍ له ٌ‬ ‫دليل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫رص عىل عدم وجود كيانٍ غري مادي ‪.‬‬ ‫ببساطة أنت تؤمن باملادة فقط وت ّ‬ ‫تعريف‬ ‫تعريف محرت ٌم يف الفيزياء الحديثة لها حتى اليوم‪ ،‬وهي حسب رشطك غري موجود ٍة ألنه ليس لها‬ ‫املادة التي ليس هناك‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ماهوي! وتعريفها بأنها كيا ٌن ميلك تأث ًريا سبب ًيا عىل غريه مطعو ٌن فيه عندك بطعنك يف السببية‪ .‬ودليلك عىل عدم وجود يش ٍء غري‬ ‫مادي‬ ‫مادي هو الوجود املادي االستقرايئ املطعون فيه عندك من طريق االستقراء ومن طريق القياس الفاسد ألننا نقول كيا ٌن غري ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫الحس املادي!‬ ‫فتقولون االستقراء ّ‬

‫‪59‬‬


‫﴿ناجح سلهب﴾ ‪ ﴿ -‬سقراط ﴾‬ ‫بكل بساطة يظهر جل ًيا أننا نوافق ونقبل باملنهج والفرضيات حينام تدعم معتقداتنا ونرفضها حينام ال تخدم معتقداتنا‪.‬‬ ‫العلم بري ٌء يا سادة من اإللحاد فليس هناك من دليلٍ‬ ‫تجريبي يدعم الفرض اإللحادي وإمنا أنتم مؤمنون بالفرض اإللحادي بال‬ ‫علمي‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫دليل ‪.‬‬ ‫ظهور املادة الحية من املادة غري الح ّية وعمل اإلنزميات وتخصصها وتعقيد الشيفرة الوراثية والعرشات من األمناط الذكية جدا يف‬ ‫الطبيعة لتشري إىل صانع حكيم ‪ .‬هو واجب الوجود الذي يشري إله املمكن الفيزيايئ تجريب ًيا‪.‬‬ ‫مثل‬ ‫شكل من الرتميز‪ ،‬فالكلمة يش ٌء واملعنى الذي تشري إليه الكلمة يش ٌء آخر‪ .‬فكلمة تفاحة ً‬ ‫نحن نعلم أن الكلمة يف أية لغ ٍة هي ٌ‬ ‫هي ٌ‬ ‫أحرف ( رموز) وهي يش ٌء واملعنى الذي تشري إليه ( مثرة فاكه ٍة معروفة) هي يش ٌء آخر‪ ،‬وهي يف اإلنجليزية ‪ Apple‬ويف األملانية‬ ‫‪ Apfel‬ويف الرتكية ‪ Elma‬ويف اإلسبانية ‪ Manzana‬ويف الفرنسية ‪ , Pomme‬فالرمز يش ٌء واملعنى يش ٌء آخر‪ ،‬ونحن نعلم أن هذا‬ ‫الربط بني الرمز واملعنى يحتاج إىل ذكاء ‪.‬‬ ‫ونحن نعلم أن الحمض النووي ‪ DNA‬يخزن املعلومات الوراثية والتي هي عىل سبيل املثال مهم ٌة ج ًدا لبناء الربوتينات والحمض‬ ‫ٍ‬ ‫حروف أساسي ٍة كلغة تخزينٍ معلوماتي ٍة‪ ،‬وهذه الحروف هي قواعد نيرتوجينية تدخل يف بناء النيوكليوتيد‬ ‫النووي يعتمد عىل أربعة‬ ‫‪ A.U.G.C‬حيث ينسخ الكود ومن ثم يعرب عن أحامض أمينية تشكل الربوتني املطلوب‪ ،‬والرمز هو يش ٌء والربوتني املطلوب هو يش ٌء‬ ‫آخر ‪ .‬أفال يدل هذا الربط عىل نو ٍع من الذكاء وراء هذه العالقات؟ أنا ال أقول أن هذا الربط ال توجد كيفي ٌة علمي ٌة ترشحه‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا يدل عىل نو ٍع من الذكاء الذي صممه!‬ ‫وهناك يف الطبيعة اآلالف من نوعية املثال األخري‪.‬‬ ‫﴿س ُ ِني ِه ْم َآيَاتِ َنا ِف ْ َ‬ ‫الفَاقِ َو ِف أَنْف ُِس ِه ْم َحتَّى يَتَ َب َّ َي لَ ُه ْم أَنَّ ُه الْ َح ُّق أَ َولَ ْم يَك ِ‬ ‫ش ٍء شَ هِي ٌد (‪ [ .﴾)53‬سورة فصلت ]‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْف ِب َربِّ َك أَنَّ ُه َع َل ك ُِّل َ ْ‬ ‫سيادة القارئ الكريم أختم مرافعتي ‪ ...‬انتهى‬

‫‪60‬‬


61


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬ ‫سام مار‬ ‫‪62‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫الفصل الحادي والعرشون‬ ‫األم‪ :‬وستنزلني هكذا بهذا اللباس؟ ضعي ً‬ ‫شال عىل األقل!‬ ‫فاتنة‪ :‬الجو حا ٌر يا أمي ‪):‬‬ ‫تنزل فاتنة‬ ‫يفتح الدكتور رامي باب السيارة لفاتنة التي ترتدي فستانًا أسود يكشف كتفيها‪ ،‬ومييل من األسفل كاشفًا ساقها‬ ‫اليمنى ومخف ًيا اليرسى‪ ،‬ويف يدها حقيب ٌة صغري ٌة ب ّراقة‪.‬‬ ‫يتعاىل صفري "شباب الحارة" الجالسني عىل الزاوية ليل نهار ويرصخ أحدهم "نيالك يا عم"‬ ‫الدكتور رامي‪ :‬أنا آسف لذلك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬تقصد جوقة الرتحيب؟ ال عليك منهم‪ ،‬اعتدت عليهم‪ ،‬أمتنى لو يعتادوا هم عيل‪ .‬ثم هم مل يقولوا شي ًئا خاط ًئا‪،‬‬ ‫نيالك يا عم هههه‪.‬‬ ‫يحم ّر وجه الدكتور رامي ً‬ ‫قليل ويبدأ بالقيادة‬ ‫مطعم راقٍ جدً ا ويفتح الباب لفاتنة‪ ،‬يتجهان إىل طاول ٍة محجوزة‪.‬‬ ‫يتوقف أمام‬ ‫ٍ‬ ‫النادل‪ :‬ما هو مرشوبكم الليلة؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬عصري التفاح‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كأس مارتيني مع زيتونة إضافية لو سمحت‪ ،‬والدكتور أيضً ا يريد ويسيك سكوتلندي‪ ،‬هذا ما قصده بعصري‬ ‫التفاح‪ ،‬أليس الويسيك تفا ًحا ؟ ‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬أجل‪..‬صحيح‪...‬شك ًرا لك‪.‬‬ ‫بعد أن يذهب النادل‪ :‬رامي‪ :‬مل أكن أعلم ِ‬ ‫أنك ترشبني‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ناد ًرا ما أفعل ‪....‬يف الحقيقة رشبت ثالث مرات مع ملياء ال أكرث‪ .‬وال أخطط للرشب بغري املناسبات‪ .‬اليوم‬ ‫مناسبة أليس كذلك؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬مناسب ٌة رائع ٌة أيضً ا‪ .‬فاتنة أنا‪..‬أعلم أنك رمبا تتساءلني عن مستقبل عالقتنا بسبب اختالف الطائفة‪ ،‬لكن أنا‬ ‫مستعدٌ أن أتحول إىل اإلسالم للزواج منك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أرجوك ال تفتح هذا املوضوع إذا كنت تريد أن تراين مر ًة ثانية! ال أريد الزواج! تعرف ما الذي أفهمه عندما‬ ‫تقول ذلك؟ أنك تنظر إ ّيل كفتا ٍة بسيط ٍة حلمها الزواج‪ ،‬وال تعرف كيف تستمتع بوقتها‪ ،‬وال تعرف ماذا تريد‪ ،‬وتظن‬ ‫أنها إذا خرجت مع شاب خرست جز ًءا من رشفها عليه أن يدفع مثنه باالرتباط بها! إذا مل تجربين عىل يشء ملاذا ترى‬ ‫نفسك مديون؟‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫آسف جدً ا‪...‬يف الحقيقة أنا فعال متفاجىء‪...‬مل أكن أعرفك ‪...‬و‪...‬‬ ‫رامي‪ :‬أنا ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬ما هي "شخصيتي" التي كنت معجبا بها إ ًذا؟‪.‬‬ ‫رامي‪... :‬‬ ‫يعود النادل باملرشوبات‪.‬‬ ‫كأسا ثان ًيا اآلن بعد أن ننهي هذا الكأس‪...‬‬ ‫فاتنة مبتسمة‪ :‬شك ًرا لك ‪...‬نحتاج ً‬ ‫النادل‪ :‬تكرمي‪.‬‬ ‫فاتنة لرامي مع ابتسامة‪ :‬لنبدأ من جديد!‪.‬‬ ‫‪...‬خصوصا يف أمور العشق‪...‬‬ ‫رامي‪ :‬ستتعبني يف حياتك يا فاتنة‬ ‫ً‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا تقول ذلك؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬شخصيتك ليست شخصية املرأة التي يفضلها الرجال‪...‬أنت أقوى مام ينبغي‪...‬تصغرينني بسبع سنوات وأشعر‬ ‫أنك أكرب مني‪...‬‬ ‫فاتنة مبتسمة يف دالل‪ :‬ال بدّ أن لديك يش ٌء تعلمني إياه يا سيدي املُعلم ‪ -‬ثم تغمزه ومتسك يده بضعف واستجداء‬ ‫رامي يذوب يف مقعده‪...‬‬‫فاتنة ‪ :‬املرأة مهام كانت قوية‪...‬تستطيع أن تُشعر الرجل برجولته‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬أحبك!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لنبدأ من جديد‪...‬لنبدأ من جديد‪...‬‬

‫الفصل الثاين والعرشون‬ ‫عم فاتنة يوسف لألم‪ :‬لقد م ّرغت ابنتك سمعة عائلتنا بالرتاب‪ .‬أخبارها يف كل الجامعة والحارة وكل مكان! أما أن‬ ‫شاب نرصا ٍّين فهذه وقاح ٌة ما بعدها وقاحة! ُقمت بزيارة أبو صابر يف السجن وهو قام بتوكييل بوضع‬ ‫تخرج عل ًنا مع ٍ‬ ‫عام أو عامني‪ .‬إذا مل تغري فاتنة سلوكها وتخضع لنا‪ ،‬سيقتلها! انا‬ ‫ح ٍد لها! أهل ملياء أصلحوا وأبو صابر سيخرج بعد ٍ‬ ‫رجل‬ ‫كوين عمها ويهمني أمرها ‪ ،‬مستعدٌ للسرت عليها وتزويجها من إبني‪ .‬إبني صحيح غري متعلم وال يعمل‪ ،‬لكنه ٌ‬ ‫كفؤ‪ ،‬ومستعدٌ للسرت عىل فاتنة‪.‬‬ ‫األم‪ :‬يوسف‪ ،‬أخرج من هنا وال ترينا وجهك‪ ،‬ال شأن لك بابنتي فاتنة‪ ،‬ولن تلمسها إال عىل جثتي!‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬ماذا حدث لك؟ أين الرشف واألخالق؟ اال تستحني بأفعال ابنتك؟‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ماذا قدمتم لها لتطالبوها أنتم؟ اتركونا بحالنا‪ .‬تستغلون ضعفنا ملصلحتكم!‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬الحق عيل‪...‬أردت أن أسرت عىل ابنتك! عىل أية ٍ‬ ‫حال سأركز جهودي عىل إخراج أبو صابر من السجن‪،‬‬ ‫منقلب ينقلبون!‪.‬‬ ‫وعندها سيعلم الذين ظلموا أي‬ ‫ٍ‬ ‫‪64‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫يخرج يوسف مهد ًدا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أعجبك ذلك يا فاتنة؟ ماذا نفعل اآلن؟‪.‬‬ ‫األم تبيك‪ :‬هل‬ ‫فاتنة‪ :‬شك ًرا لكل ما فعلتيه ألجيل يا أمي‪...‬هم لن يرتكوين مهام فعلت‪ ،‬لن يرتكوين كام يكررون "حتى تخضع"‪.‬‬ ‫املسألة ليست ماذا آلبس ومع من أخرج‪ ،‬بل مسألة سلط ٍة وتحكم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‪...‬وأنت ما زلت يف العرشين‪ .‬تحتاجني لرجلٍ يحمييك منهم‪ .‬أملْ تتعبي من‬ ‫األم‪ :‬يا ابنتي ترين حالتي‪...‬لن أدوم طويال‬ ‫تلك الحروب املستمرة؟ ترصفاتك مجنونة‪ .‬انا سأموت قري ًبا‪...‬لكن أنت‪...‬صغرييت فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬يا أمي ال تخايف عيل‪ .‬فقط اعتني بنفسك‪ .‬يو ًما ما سأكون حرة‪...‬‬ ‫األم ‪ :‬والدك مجنون‪...‬أخىش أن يخرج قري ًبا‪ .‬أنا ال أخاف إال من الذي خلقني ولكنه مجنون وأخاف عليك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أنا ال أخاف من أحد‪...‬‬

‫الفصل الثالث والعرشون‬ ‫األم‪ :‬يا ابنتي إذا ِ‬ ‫كنت مرص ًة عىل الخروج مع ذلك الشاب فال تفعليها كاملرة السابقة وتعلمني املدينة كلها بذلك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫نشأت جميل ًة هكذا‪ .‬أنا‬ ‫عمك يوسف يسء وزوجته كالحرباء س ّمت يوم والدتك بيوم النحس فام بالك اآلن بعد أن‬ ‫ال يهمني نفيس فقط أخاف عليك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬فهمت ‪...‬ال أقصد تحديهم‪ .‬فقط أريد أن أعيش‪ .‬سأقول له أن يأخذين يف رحل ٍة إىل جزر املالديف حيث لن‬ ‫يرانا أحد ههه‪.‬‬ ‫رغم عنها وقد اعتادت اُسلوب ابنتها الساخر الذي رسم عالقتهام الغريبة‪ :‬ال فائدة يا فاتنة‪...‬ستبقني‬ ‫األم تبتسم ً‬ ‫شقية‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬تخييل شاب وفتاة يف كوخ فوق املاء طوال اليوم‪...‬ال يوجد كهرباء وفقط ضوء شموع يف الليل ‪....‬ماذا‬ ‫سيفعلون يا تُرى؟‪.‬‬ ‫االم‪ :‬فاتنة ! ! !‬ ‫تُقبِل فاتنة أمها ‪ :‬إىل اللقاء يا أمي‪.‬‬ ‫تقابل رامي بعد الجامعة يف املساء‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل أين اليوم يا كابنت؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬إنها مفاجأة!‪.‬‬ ‫يوقف رامي السيارة خلف املستشفى‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬تحصل عىل نقط ٍة إضافية عىل االبتكار‪ .‬أين اآلن؟‬ ‫ينزل رامي ويفتح لها الباب‪ :‬اتبعيني يفتح باب خاص باملوظفني‪.‬‬ ‫‪65‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫خصوصا أنه عىل رأس تلة؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬هل تعلمني أن املستشفى هو أعىل مبنى يف املدينة؟‬ ‫ً‬ ‫تبتسم فاتنة بينام تضغط زر املصعد ألعىل طابق‪.‬‬ ‫يستطرد رامي‪ :‬والسطح ال يفتح بابه إال ببطاقات خاصة!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬فنان يا دكتور ماذا أقول ؟‪.‬‬ ‫شمع مطفأ وأقداح وزجاجة‬ ‫يفتح رامي الباب ويدخالن إىل السطح املطل عىل املدينة‪...‬تتفاجأ فاتنة بطاول ٍة عليها ٌ‬ ‫نبيذ و شوكوال مغلفة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كيف فعلت ذلك؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬الطاولة هي جزء أسمنتي من السقف غطيته ‪...‬والكرايس من غرفة االنتظار يف الطابق العلوي‪...‬والبقية أتت‬ ‫كام أتينا قبل أن أتجه إلحضارك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كلك زوء ‪.‬‬ ‫يجلسان ويشعل رامي الشموع ويصب رامي النبيذ املعتق‪...‬ونظره مثبت عىل فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬توقف‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال أستطيع ان أوقف النظر ب‪...‬‬ ‫صب النبيذ لقد أهدرته عىل األرض الكأس قد إمتأل‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬اقصد توقف عن ّ‬ ‫يتوقف رامي محر ًجا ‪...‬‬ ‫تنظر به فاتنة‪...‬يتأمل هو بشعرها األملس الذي يتطاير مع الهواء الخفيف‪...‬فيخفي عينيها الالمعتني تار ًة ويظهرهم‬ ‫تارة‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬الله تفنن يف خلقك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل أنت جاد؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬كل الجدية‪...‬لقد تفنن ً‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أعرف أنه تفنن‪...‬لو وجد‪...‬لكن أقصد هل أنت جا ٌّد يف اإلميان بالله؟‪.‬‬ ‫رامي‪ِ :‬‬ ‫أنت ال تؤمنني به؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أجبني أنت ً‬ ‫أول حتى ال تغري إجابتک لتتوافق مع إجابتي!‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال تثقني يب؟‪.‬‬ ‫كأس واحد من النبيذ؟ ال‪...‬رمبا مع الكأس الثاين‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬مع ٍ‬ ‫رامي‪ :‬تعايل‪...‬‬ ‫يذهب إىل طرف السطح‪.‬‬ ‫هل ترين كل هذه املدينة؟‬‫فاتنة ‪ :‬ال لقد أصبت بالعمى يف طريقي إىل هنا من الطاولة‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫رامي‪ :‬أحيانًا أشعر أنك رومانسي ٌة وأحيانًا يبدو يل أن كل ما تريديه هو املزاح!‪.‬‬ ‫تضع فاتنة طرف إصبعها عىل فمه ‪...‬ونشري بأصبعها اآلخر عىل شفتيها "شششش‪...‬إهدأ‪."...‬‬ ‫يبتسم رامي ويتقدم لتقبيلها‪.‬‬ ‫فاتنة تهمس‪ :‬إنه خلفك‪.‬‬ ‫يلتفت رامي برسعة‪...‬ال يرى أحدً ا‪...‬يتساءل؟‪.‬‬ ‫رجل وامرأة‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬اقصد ثالثنا‪...‬الشيطان‪...‬أتعرف ما إجتمع ٌ‬ ‫رامي‪ :‬هذا هراء‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إ ًذا اهلل هرا ٌء أيضً ا ؟ ال تظن أنك أنسيتني السؤال بتغيري املوضوع‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال ‪...‬الله موجود‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬والشيطان هراء؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ال أقصد أنه من غري املعقول أن يرافق الشيطان كل رجلٍ وامرأة‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬ومن املعقول أن يأيت الله عىل شكل نجا ٍر وينتحر عىل خشبة؟‪.‬‬ ‫رامي‪... :‬إنه‪...‬الفداء‪...‬و‪...‬‬ ‫ومثقف ودرست العلوم الحيوية بالتفصيل‪...‬والعام هو ‪ .... 2020‬وتؤمن بهذا الكالم ؟‪.‬‬ ‫طبيب‬ ‫فاتنة‪ :‬أنت‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫رامي‪ :‬كثرية عيل ِ‬ ‫أنت! ال أعرف‪...‬أشعر كاألحمق بوجودك ‪...‬‬ ‫فقط‪...‬لست مج ًربا عىل تغيري معتقداتك ‪...‬ملاذا قلت ستغري معتقداتك من أجيل إذا كنت‬ ‫َ‬ ‫فاتنة‪ :‬كنت أريد إجاب ًة‬ ‫مؤم ًنا بها؟ فقط فكر يف ما قلته لك الليلة‪...‬اآلن‪....‬لنبدأ من جديد!‪.‬‬ ‫أخربين عن املدينة ‪....‬ماذا كنت ستقول‬ ‫رامي‪ :‬نسيت‪...‬لكن‪...‬أنت جميل ٌة جدً ا‪.‬‬ ‫فاتنة تقرتب‪ :‬وشو كامن‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬وجذابة‪...‬‬ ‫تقرتب أكرث‪ :‬كامن‪...‬‬ ‫رامي‪ :‬وفاتنة‪...‬‬ ‫يقبل فاتنة بقوة عىل فمها‪...‬ويضامن بعضهام مع قبلٍ متالحقة ‪ -‬يفتح الباب يتوقفان ويختبئان خلف خزان‪.‬‬ ‫يلق حتى نظرة‪.‬‬ ‫يغادر الشخص الذي يبدو أنه فتح الباب بال سبب ومل ِ‬ ‫عامل جديدٌ تائه‪...‬‬ ‫رامي‪ :‬رمبا ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬أشعر كالطفلة املختبئة بقطعة حلوى عن أمها ههه ‪...‬تعال ننزل‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ولكن‪....‬حسنا‪..‬‬ ‫‪67‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫يف الطابق األول‬ ‫رامي‪ :‬فاتنة كل مر ٍة أرى شكلك يختلف‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أغري ترسيحتي وثيايب وطريقة شعري وأشياء أخرى عدة مر ٍ‬ ‫ات يف اليوم‪ .‬إنها هواية! متنع أن ُيل مني وأن أمل‬ ‫من صوريت يف املرآة‪.‬‬ ‫وقت الشياء أُخرى؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ولكن كيف يبقى لديك ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬هل رأيتني وأنا افعل ذلك؟ لحظة‪...‬‬ ‫تدخل اىل املرحاض السيدات مع حقيبتها ملدة ‪ 3‬دقائق‪.‬‬‫ٍ‬ ‫مختلف وعدسات عني وكحل ٍة مختلف ٍة إضاف ًة لتغيري مكان الشال ولفه حول خرصها‪.‬‬ ‫تخرج فاتنة بشع ٍر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعلمت فن الجاذبية؟‪.‬‬ ‫تعلمت كيف تكونني كاملة؟ وكيف‬ ‫رامي‪ :‬مدهشة‪...‬أين‬ ‫فاتنة‪ :‬كل امرأ ٍة عليها أن تطور فن اإلغواء عندها‪...‬هذا جز ٌء من كونها امرأة‪...‬أال توافقني؟‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬طبعا و‪...‬‬ ‫أمل من ذلك‪...‬يف املرة القادمة أريد منك ر ًدا عىل كالمي‬ ‫فاتنة‪ :‬تعرف؟ ال تجيب‪...‬ألنك توافقني دامئًأ‪....‬إحذر أن ّ‬ ‫اليوم‪ .‬إذا كان موافق ًة فأريد املنطق ‪...‬وإن كان معارض ًة أريد الحجة‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬أمرك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬شاطر ‪...‬‬

‫الفصل الرابع والعرشون‬ ‫ٍ‬ ‫رضبات موجه ًة عىل معاقل تنظيم جيش‬ ‫نرشة األخبار ‪ :‬وجهت الطائرات األمريكية بالتعاون مع الدولة الكردية‬ ‫تحرير العراق والشام من الكرد واملجوس ‪ -‬جتعشكم‪ .‬هذا وشاركت يف الهجوم طائرات ال ف‪ ١٢٦-‬التي تستخدم‬ ‫رشاشات أشعة الليزر‪...‬‬ ‫فاتنة تقلب املحطة‪ :‬كم أكره السياسة ‪...‬‬ ‫قناة العلوم‪ :‬املسارع الجزيئي الجديد سيكون أكرب كث ًريا من مسارع سويرسا ‪ ،‬ويأمل العلامء من كشف بقية أرسار‬ ‫الجزيئات الذرية عن طريق ‪...‬‬ ‫األم‪ :‬غريي املحطة‪.‬‬ ‫فاتنة تغري إىل قنا ٍة دينية‪.‬‬ ‫الشيخ‪ :‬وضع العطر نوع من الزنا والله أعلم‪...‬لكن ماذا نتوقع من نساء هذا الزمن‪...‬أين الحجاب من هؤالء‬ ‫الكاسيات العاريات املائالت املياالت املانعات الراغبات ال ‪...‬‬ ‫األم‪ :‬ال ليس هذا! ضعي شي ًئا ترفيه ًيا‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫فاتنة‪ِ :‬‬ ‫إليك جهاز التحكم يا أمي‪ .‬كنت سأخرج قري ًبا عىل أية حال‪.‬‬ ‫األم‪ :‬عمك و زوجته قادمون لرؤيتك‪ .‬مل أستطع الرفض ألنهم كانو لطيفني جدً ا هذه املرة‪ .‬وعمك يوسف اعتذر عن‬ ‫املرة السابقة وعن عرضه ابنه عليك‪ .‬يريدون ان ي َروك فقط‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أمي ِ‬ ‫أنت تعلمني أنهم ال يحبونني ملاذا يريدون رؤيتي لغري غاي ٍة يف نفس يعقوب؟‪.‬‬ ‫األم‪ :‬يا ابنتي اجليس معهم وافهمي‪ .‬أن تعلمي مخططاتهم أفضل من ّأل تعلمي‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كنت أتأمل أن ينسوين‪.‬‬ ‫يدق الباب‪...‬‬ ‫يوسف‪ :‬فاتنة ابنة اخي وحبيبتي!‪.‬‬ ‫زوجة يوسف‪ :‬كيف حال الجميلة اليوم؟‪.‬‬ ‫فاتنة تهمس ألمها‪ :‬مجانني أقسم أنهم مجانني ومعاتيه! بعد كل ما فعلوه يتوقعون أن أتقبلهم هكذا بكلمتني؟!‪.‬‬ ‫يوسف‪ِ :‬‬ ‫أنت عظيم ٌة يا فاتنة‪ ،‬وأنا اعتذر عن طلب تزويجك البني الفاشل!‪.‬‬ ‫األم‪ :‬ابنك خري وبركة يا يوسف و‪...‬‬ ‫يوسف‪ :‬ال ال فاتنة مقامها أعىل من ذلك بكثري‪...‬لدي أخبا ٌر رائع ٌة لك يا فاتنة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬هل تم قبويل يف هارفاررد؟‪.‬‬ ‫زوجة يوسف‪ :‬ال بل أفضل من ذلك بكثري!‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬السيد رفيق‪....‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل اللقاء‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬ولكن مل أكمل‪...‬‬ ‫بنات غريي يف هذه املدينة؟ متى سيرتكني! مل يبدوا عليه‬ ‫فاتنة‪ :‬هذا الرجل يريد رشايئ البنه منذ زمن‪...‬أال يوجد ٌ‬ ‫الهوس عندما رأيته‪...‬ظننته محرت ٌم و والدي قد غ ّرر به‪...‬‬ ‫يوسف‪ :‬أنا وافقت عنك و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬كم سيدفعو لك؟‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬يا ابنتي هذه فرص ٌة وإذا ه ّبت رياحك فاغتنمها‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬اغتنمها أنت! أنا لست للبيع! للمرة األلف! اتركوين!‪.‬‬ ‫زوجة يوسف‪ :‬هل ستظلني جالسة وترتكني ابنتك الوقحة بال رباط؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬اخريس يا أفعى الرمال!‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬هكذا تخاطبني زوجة عمك!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أتعرف؟ سأتصل بابن السيد رفيق بنفيس وأنهي هذا الجنون! سأخرب عليكم الصفقة أيها السامرسة ! سأجد‬ ‫رقمه وأكلمه!‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫األم‪ :‬يوسف‪...‬أرجو ان تغادروا اآلن‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬حس ًنا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لن تهدد؟ هدد كعادتك هيا!‪.‬‬ ‫يوسف‪ :‬ال نحن فقط أردنا عمل خريٍ معك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بل أنت ال تهدد ألنك تخاف السيد رفيق ‪...‬ال تخف لن أهيجه ضدك طاملا لن تريني وجهك‪ .‬فقط سأرشح له‬ ‫ملاذا ال أريد الزواج حتى ينتهي مسلسل البيع والرشاء هذا‪.‬‬

‫الفصل الخامس والعرشون‬ ‫فاتنة تتصل بجميل ابن السيد رفيق‪.‬‬ ‫فاتنة‪:‬سيد جميل‪...‬أريد مقابلتك لو سمحت‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬حقًا؟! أخريًا ‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يا سيد جميل أريد التكلم معك مبوضوعٍ جا ٍّد‪ .‬فقط توضيح وجهات نظر ال أكرث‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أمرك‪...‬أين اللقاء ومتى؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬مكانٌ عام‪...‬ما رأيك بساحة األمراء؟ هناك مقهى عىل الشارع ‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬لكنه مكانٌ شعبي‪...‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬أنا شعبية|ٌ نو ًعا ما‪...‬كام أسلفت اللقاء لتوضيح وجهات نظ ٍر ال أكرث‪ ،‬أرجو أن تتفهم ذلك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أي ساعة؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬الخامسة‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هل ممكن جعلها السابعة؟‪.‬‬ ‫مظلم و‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سيكون الجو‬ ‫ً‬ ‫جميل‪ :‬سأرسل سائقي ألخدك من البيت يف السادسة والنصف متا ًمأ‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال داعي أستطيع املجيء وحدي‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أنا ُم ِص‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال مشكلة‪...‬أراك غدً ا إذا‪.‬‬ ‫وقميصا أبيض وال تضع أية مواد تجميل‪ .‬يصل السائق يف‬ ‫ اليوم التايل‪ ،‬فاتنة ترتدي جين ًزا بسيطًا أزرق اللون‪،‬‬‫ً‬ ‫السيارة الفارهة‪ .‬يرحب بها لكن ال يتبادل معها أيّة كلمه وكأنه تحت أوامر مشددة‪ ،‬الشوارع مغلق ٌة بحواجز حول‬ ‫ساحة األمراء‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬هل هناك مشكل ٌة أمنية؟‪.‬‬ ‫‪70‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫السائق‪ :‬ال تقلقي يا سيديت‪.‬‬ ‫يتجاوز السائق الحواجز بدون أن يوقفه رجال األمن والجيش‪...‬‬ ‫يفتح الباب لفاتنة لتنزل يف وسط الساحة ‪...‬الساحة نظيف ٌة وليس فيها أحدٌ من العامة ‪...‬واألرض مفروش ٌة ببتالت‬ ‫الورد األحمر واألبيض ‪...‬وهناك طاول ٌة فخم ٌة يف الوسط‪ ،‬ويف طرف الساحة أوركسرتا تعزف موسيقى فيفالدي‪...‬بينام‬ ‫يحيط املكان رجال يرتدون البدالت السوداء‪.‬‬ ‫جميل يقرتب من فاتنة ببذل ٍة بيضاء أنيقة ‪...‬ينحني أمام فاتنة بكل احرتام ويقبل يدها ويأخذها إىل الطاولة فـ‬ ‫يجلسان‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سيد جميل‪...‬مل نتفق عىل هذا ‪...‬أنت تحرجني كث ًريا وال أعرف ماذا أقول‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أعتذر ِ‬ ‫منك ‪...‬لكنني شعرت أنها فرصتي الوحيدة‪..‬فبادرتها ‪...‬أنا ال أضيع الفرص وال حتى أنصاف الفرص يا‬ ‫آنسة فاتنة‪ .‬أمتنى أن تناديني جميل‪...‬سيكون لذلك وقع املوسيقى عىل أُذين‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا ‪..‬ولكن‪..‬‬ ‫يشري جميل بيده إىل أحد الرجال بالبذالت السوداء‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ماذا تُحبني أن ترشيب الليلة؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بعض املاء‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أحرض لآلنسة فاتنة بعض املاء‪...‬والويسيك االسكتلندي املعتق من القرن املايض‪...‬والنبيذ من القرن التاسع‬ ‫عرش لتختار‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سيد جميل! أقصد جميل‪...‬ما الذي تفعله؟ أرجوك تخيل موقفي اآلن!‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬تخيلت موقفك وأنت آتي ٌة لتقويل يل ما يف نصيب ‪...‬وقررت أن أجعلك تعدلني عن قرارك‪ .‬كل ما أطلبه هو‬ ‫فرص ٌة فقط‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أشعر بأنك ووالدك تالحقونني منذ زمن وأنا ال أقوى عىل نفوذكم و‪...‬‬ ‫جميل‪ :‬فاتنة! والدك كذب علينا‪...‬وعمك كذب علينا‪...‬فقط البارحة اعرتف بعد أن اضطر ليجيب ملاذا ال يستطيع‬ ‫تحديد موعد الخطوبة! عندما علمت مبا كان يحدث احتقرت نفيس‪...‬كنت أظن أن الوصول لك يكون بالعادات‬ ‫واألعراف وطلب يدك من والدك‪...‬لكن بعد أن أخربنا عمك عن فاتنة الحقيقية‪...‬تضاعف إعجايب بك ألف مرة‪ .‬كل‬ ‫ما أطلبه منك أن تعطيني فرص ًة هذه الليلة‪...‬إذا أعجبتك توافقني عىل لقايئ ثاني ًة‪...‬إذا مل أعجبك عندها تقولني ما‬ ‫ِ‬ ‫جئت لقوله‪ .‬حس ًنا؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل‪...‬‬ ‫جميل‪ :‬ماذا؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬قلت جميل‪...‬كصفة عىل كالمك وليس اسمك ‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أخريًا!‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬أنت ال تعرفني يا جميل‪...‬ومل تعرف شي ًئا عني بدليل أنك كنت تظن حتى البارحة أنني أنتظر و ّيل أمري‬ ‫ليزوجني ملن يرىض دينه ودنياه‪...‬فام الذي يجعلك تهتم يب إىل هذا الحد؟ ال تقل يل الجامل فأنت يف موق ٍع ميكنك‬ ‫من االرتباط بأيّة من الجميالت‪.‬‬ ‫جميل‪ِ :‬‬ ‫أنت أجمل نساء العامل‪...‬‬ ‫رجل يريدك فقط بسبب‬ ‫مقياس للجامل ليحدد من األجمل ‪...‬ثم قل يل‪...‬لو كنت مكاين‪ ،‬وهناك ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يوجد‬ ‫ٌ‬ ‫الجاذبية الجنسية ‪...‬‬ ‫جميل‪ :‬كيف كنت سأعرف شخصيتك؟ سحرين جاملك فأردت أن أعرف شخصيتك والخطوبة بدت كأنها الطريق ألنّ‬ ‫شاب دون خطوبة‪.‬‬ ‫عائلتك متشددة كام بدا من والدك‪...‬مل أعرف أنك مستعد ٌة للخروج مع ٍ‬ ‫فاتنة‪ :‬إ ًذا توقعتني فتا ًة جميل ًة بسيط ًة من عائل ٍة متخلف ٍة‪ ،‬ومع ذلك أردت االرتباط يب؟ هل تعرف ما الذي تريده يا‬ ‫سيد جميل؟‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أريدك أنت يا فاتنة‪.‬‬ ‫ووسيم ولطيف‪...‬وصاحب مكان ٍة عالية‪ .‬لو كنت أبحث عن عريس‬ ‫شاب ذيك‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة ‪ :‬سأكون رصيح ًة معك‪...‬أنت ٌ‬ ‫أهداف أكرب من‬ ‫لكنت عىل رأس قامئة الشبان املحتملني‪...‬لكنني حقيق ًة وبكل أمان ٍة ال أفكر يف الزواج اآلن‪ .‬لدي‬ ‫ٌ‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هدفك إكامل دراستك؟ العمل؟ ما هو هدفك؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أن أعيش! أي كل ذلك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬كل ما عليك هو قول كلمة نعم‪....‬وستدرسني يف هارفاررد أو كامربيدج ‪...‬ستعملني مديرة رشك ٍة أو متلكني‬ ‫أكرب مستشفى‪ ...‬ستتحقق جميع أحالمك ‪...‬أنت تعرفني أننا منلك نصف املدينة‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل ‪...‬أحالمي هي أحالمي ‪...‬ال تستطيع ان تشرتي أحالمي يل‪.‬أنا لست غبي ًة ألرفض عرضً ا كهذا‪...‬لكنني‬ ‫أعرف نفيس‪ .‬الغني والفقري لديهم نفس الحاجات‪ ،‬الفقري يحصل عليها بصعوب ٍة والغني براح ٍة كبري ٍة ‪...‬لكن يف النهاية‬ ‫ليس املهم كيف تحصل عىل حاجاتك‪...‬فأنا ال يهمني التعب‪ .‬املهم كيف تشعر تجاه نفسك ‪ .‬لو تزوجتك اآلن‬ ‫سأتساءل دو ًما كيف كانت ستكون حيايت كام أردتها سابقًا‪ .‬قد أسكن القصور ولكن إذا شعرت يو ًما بامللل سأندم‪...‬‬ ‫يل‬ ‫إذا تلفت ترسيحة شعري سأغضب‪...‬أتعرف ملاذا؟ ألنها ليست طريقي‪...‬أما لو أكملت كفاحي‪ ،‬فحتى لو ص ّوبوا ع ّ‬ ‫البنادق يبقى ذلك خياري‪...‬وإذا اخطأين العيار سأفرح ‪...‬متع الحياة نسبي ٌة يا جميل‪...‬لذلك‪...‬اعذرين‪...‬عىل األقل‬ ‫ليس اآلن‪ .‬مستعد ٌة ألن نكون أصدقاء ال أكرث‪ .‬أتقبل صداقتي؟‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫الفصل السادس والعرشون‬ ‫فاتنة متد يدها لجميل ‪ :‬أصدقاء؟ ما رأيك؟‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هل ستقابلينني مر ًة أخرى إذا طلبت ذلك؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬أجل‪ ،‬لكن برشط‪ّ ،‬أل تفعل ما فعلته اليوم‪ .‬ال إغالق شوارع وال أجواء رومانسية‪ .‬فقط أصدقاء‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬هل لديك حبيب؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪....‬‬ ‫جميل‪ :‬إ ًذا من ذلك الشاب يف املستشفى؟ أقصد الدكتور‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬صديق‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬إ ًذا ‪...‬تقضني عطلة نهاية األسبوع مع صديق‪...‬وأنا سأكون صديق؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حسب نوع الصديق‪ ،‬ستكون صديق‪.‬‬ ‫صديق من هذا النوع غريي إ ًذا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أريد أن أكون النوع الذي تقضني معه نهاية األسبوع‪ ،‬وال أريد أن يكون لك‬ ‫ٌ‬ ‫فاتنة‪ :‬هل هذا أمر؟‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أجل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬وما هي عواقب مخالفة أمرك؟‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬عواقب وخيمة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال مشكلة أنا معتاد ٌة عىل ذلك‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أنت تعرفني أنني ألعب معك‪ .‬أنت التي تأمرين‪...‬‬ ‫تقرتب فاتنة من جميل مبشيتها املتامئلة الشهرية‪...‬ثم تقرب وجهها من وجهه وتهمس ثم يعلو صوتها بالغناء ‪ :‬كم‬ ‫جمييييل لو بقينا أصدقاء ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫جميل‪...‬آآآه‪...‬كم‬ ‫جميل لو بقينا أصدقاء‪....‬كم ٌ‬ ‫يل أن أفعل ألحصل عليك!‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أنت تعذبينني‪...‬قويل يل ماذا ع ّ‬ ‫فاتنة برقة ودالل‪ً :‬‬ ‫جيش معك إىل املوعد ليتفرج‪ ،‬لن يساعد قضيتك معي‪...‬‬ ‫أول‪ ،‬أنا فتا ٌة خجولة ‪...‬لذلك إحضار ٍ‬ ‫جميل‪ :‬لن تري أحدً ا عىل بعد ٍ‬ ‫أميال يف املرة القادمة!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ً :‬‬ ‫مهل‪...‬ما زلت مرص ًة عىل مسألة أصدقاء فقط‪ .‬كنت ألعب معك‪...‬كام لعبت معي قبل قليل‪...‬كام تعلم‬ ‫األصدقاء يلعبون م ًعا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬العبي معي كام تشائني ‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أجل؟‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬كنت أقصد الصفة‪...‬أي أنّ الكالم جميل‪...‬أقصد أن ألعب كام أشاء ‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬ماذا اآلن؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يشء ‪...‬تقول لسائقك أن يعيدين إىل البيت‪...‬أو ّدعك ‪...‬وقد تسمع مني مر ًة أخرى قري ًبا‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬أرجوك أعطني فرص ًة لنيل قلبك مل أعد أحتمل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أرجوك؟ ماذا حدث يف العامل؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬جميل رفيق بذاته يقول‬ ‫جميل‪ :‬ألجلك أفعل أي يشء!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪...‬أنت أفضل من ذلك بكثري‪ .‬انت جميل رفيق الذي يقول لليشء كن فيكون‪ .‬الذي إذا تنافس مع الرجال‬ ‫جعلهم يبدون كمقعدين يتنافسون مع عدّ ا ٍء مخرضم‪ .‬ماذا تريد بفتا ٍة مسكين ٍة من العامة مثيل؟‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬القلب وما يهوى‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بل العني وما ترى‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬وهل ذلك عيب؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال‪...‬فقط أُس ّمي األمور مبسمياتها‪ .‬يعجبني الكثري يف طريقة تفكريك‪ .‬لكن لنتعرف أكرث يف مر ٍة أخرى‪ .‬الوقت‬ ‫تأخر‪.‬‬ ‫جميل‪ :‬سأطلب من السائق إيصالك ً‬ ‫حال‪...‬ال تنقطعي عني مد ًة طويلة‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سأحاول ‪...‬‬ ‫جميل‪ :‬طابت ليلتك‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬وليلتك‪.‬‬ ‫تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي يف تلك الليلة‪ :‬جميل ليس الغني األبله الذي يسري كالخراف وراء والده كام توقعته أن‬ ‫شاب ذيك‪ ،‬وليس ً‬ ‫هوس يدمر‬ ‫سهل‪ .‬لكنني ال أريد الزواج‪ ،‬وأخىش إن رفضته متا ًما أن تتحول رغبته إىل ٍ‬ ‫يكون‪ .‬بل ٌ‬ ‫كل من حويل ويدمرين‪ .‬لكن أخىش أيضً ا إن تقربت منه كثريًا ّأل يسمح يل بالرتاجع‪ .‬والدكتور رامي ماذا أفعل به؟‬ ‫ليت ملياء كانت هنا لتشاركني برأيها‪ .‬اشتقت لها‪.‬‬

‫الفصل السابع والعرشون‬ ‫فاتنة يف املحارضة‬ ‫الدكتورة املدرسة للطلبة سناء‪ :‬العلم ال يتعارض مع الدين‪ .‬فقط أحيانًا نحن ال نفهم اإلعجاز إال الحقًا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬لكن ملاذا مل نخرتع شي ًئا من النصوص الدينية ً‬ ‫نصا يناسب االكتشافات؟‪.‬‬ ‫بدل من أن نجد ً‬ ‫الدكتورة سناء‪ :‬هل تقصدين أنّ العلم والدين يتعارضان؟؟؟‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬بالتأكيد هذا متا ًما ما أقصده‪ .‬واألمثلة كثرية ‪.‬‬ ‫الدكتورة سناء‪ :‬أنتم صغريات السن ال تفكرون عند الحديث ‪ .‬وما هو تفسريك إن كانا يتعارضان؟ هل خالق الكون‬ ‫ال يعرف خلقه؟ استغفر الله العظيم!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬السؤال يجب أن يكون؛ إذا كانا يتعارضان فام هو مصدر النص إ ًذا؟‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬الاااا أنت ً‬ ‫فعل وقحة! تعايل قفي هنا يف وسط الصف!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ملاذا يا دكتورة؟‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬إذا مل تقفي اآلن أقسم أنك سرتسبني يف هذه املادة طوال حياتك!‪.‬‬ ‫فاتنة ‪ :‬حس ًنا ‪...‬‬ ‫تقف فاتنة أمام الطالب كام طلبت الدكتورة‬ ‫ٍ‬ ‫مهم ألجل خرصك النحيل‬ ‫تدور الدكتورة حولها‬ ‫بخطوات واسع ٍة ويديها خلف ظهرها وتستطرد‪ :‬تظنني نفسك شي ًئا ً‬ ‫وعيونك الواسعة؟ تظنني األهمية بالجامل الخارجي؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬مل أقل ‪...‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬اخريس! انتي تجربينني عىل معاملتك كطالبة مدرسة! وأنت ِمن املفروض أنك جامعي ٌة راشدة!‪.‬‬ ‫أحد الشباب يقاطع د‪ .‬سناء عىل أمل كسب و ّد فاتنة ‪ :‬لكنها كانت تناقش فقط يا دكتورة‪...‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬انت اىل خارج الصف اآلن! ما أوقح هذا الجيل ! ِ‬ ‫وأنت‪...‬ال تظني أن جاملك األخاذ سيشفع لك هنا!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ولكن‪...‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬اصمتي! اخرجي من الصف ومخصوم منك ‪ ١٠‬عالمات!‪.‬‬ ‫تخرج فاتنة منزعج ًة جدً ا‪.‬‬ ‫الدكتورة ‪ :‬بنات هذا الزمن!‪.‬‬ ‫تتصل فاتنة برامي‪.‬‬ ‫رامي‪ً :‬‬ ‫اهل بآلهة الجامل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تحدثني عن الجامل اآلن‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬ماذا حدث؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يشء‪...‬متضايقة‪...‬‬ ‫رامي‪ :‬من ّماذا؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬من العهر والغباء!‬ ‫رامي‪ :‬تعايل نخرج اليوم إ ًذا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال أريد‪..‬أتعلم؟ ال أعرف ملاذا اتصلت بك ً‬ ‫أصل‪..‬رمبا مل أعد أعرف ما أريد‪.‬‬ ‫أي يش ٍء أنا هنا ألجلك ‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬إذا احتجتي ّ‬ ‫‪75‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫فاتنة‪ :‬شك ًرا رامي‪...‬إىل اللقاء‪.‬‬ ‫رامي‪ :‬إىل اللقاء‪.‬‬ ‫فاتنة حزينة‪....‬‬ ‫راندي بالصدفة‪ :‬هااااي فاااتنههه‪.‬‬ ‫فاتنة؛ ً‬ ‫أهل راندي‪...‬كيف حالك؟‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬رررائع‪ِ ،‬‬ ‫وأنت؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬سيئة!‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬ملاذا؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬الدكتورة هاجمتني بشدة أمام الجميع‪...‬بالعادة ال أهتم لكن مرسحية اليوم كانت أمام العرشات ‪ ،‬شعرت‬ ‫بأنها تكرهني‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬النها تغار منك‪...‬لكن هل جربتي أن تشعري بذلك كلام عرف أحدهم حقيقتك؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ماذا تقصد؟‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬ال يشء‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬انا أعرف يا راندي‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬تعرفني ماذا؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬بأنك ‪...‬ال تنجذب إىل النساء‪.‬‬ ‫ميتقع وجه راندي‪ :‬لكن‪...‬كيف‪...‬‬ ‫فاتنة‪ :‬من نظراتك‪ .‬ثم طريقة كالمك ولباسك‪ .‬أعرف أنك تحاول إخفاء ذلك‪ .‬ال تقلق رسك معي يف أمان‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬هناك آخرون يعرفون لكنهم قالئل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال تقلق‪ .‬هذا املجتمع يرفض املختلف ألي سبب‪ .‬لست مضط ًرا لكسب رضاهم‪ .‬تذكر ذلك‪.‬‬ ‫راندي‪ :‬هل تقبلني صداقتي؟ أقصد أكرث من مجرد أحاديث عابرة مثل السابق‪.‬‬ ‫فاتنة تضع يدها عىل كتفه‪ :‬يسعدين ذلك‪.‬‬ ‫تكتب فاتنة يف دفرتها الرسي يف تلك الليلة‪:‬‬ ‫حيث أعيش ‪...‬هناك عقد‪...‬الكثري من العقد‪...‬الكثري الكثري من العقد‪.‬‬

‫الفصل الثامن والعرشون‬ ‫الدكتورة سناء تنهي تسليم نتائج امتحان منتصف الفصل‬ ‫فاتنة‪ :‬دكتورة مل أستلم ورقتي‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫روايـــة فاتنـــة‬

‫‪3‬‬

‫سام مار‬

‫د سناء‪ :‬أوه‪...‬فاتنة يا عزيزيت يبدو أن ورقتك ضاعت‪...‬ال مشكلة سأعيد لك االمتحان بأسئل ٍة مختلفة‪.‬‬ ‫فاتنة‪.... :‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬يف الحقيقة االمتحان البديل معي اآلن‪ .‬ابدأي به بينام يسري الصف‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬حس ًنا‪...‬‬ ‫االمتحان من خارج املنهاج واألسئلة صعبة جدً ا‪ .‬فاتنة تجيب بقدر استطاعتها‪.‬‬‫د‪ .‬سناء يف نهاية املحارضة تأخذ الورقة‪.‬‬ ‫يف املحارضة التي بعدها تسلم فاتنة النتيجة والعالمة ‪ . ٪٥٠‬التصحيح كان قاس ًيا جدً ا أيضً ا‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬دكتورة سناء‪ ،‬أنا ال اريد أن أنجح فقط‪ ،‬لذلك أدرس جيدً ا‪ ،‬وأعتقد أنني كنت ألحرز عالم ًة كامل ًة يف االمتحان‬ ‫األصيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخص قدراته العقلية التي أعطاه إياها الله ‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬هذه هي نتيجتك يا عريزيت‪ ،‬ال تغضبي فلكل‬ ‫فاتنة‪ :‬وأتباع الله أيضً ا مثله يستغلون مركز القوة لتصفية الحسابات أليس كذلك؟‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬ماذا ِ‬ ‫قلت؟‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال يشء يا سيديت‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬طفح الكيل! سأح ّولك إىل مكتب العميد! إذا مل تُفصيل من الكلية لن يكون اسمي الدكتورة سناء!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬إىل حيث ألقت رحلها‪ ،‬مللت تلقي اإلهانات عىل أية حال‪.‬‬ ‫يف مكتب العميد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بقصص كاذب ٍة‬ ‫يل‬ ‫د‪ .‬سناء للعميد‪ :‬هذه طالب ٌة ملحد ٌة ووقحة‪ ،‬وتنرش الرذيلة يف الكلية‪ .‬كام أنها تشتمني وتتكلم ع ّ‬ ‫وراء ظهري‪ .‬أويص بفصلها‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬مل أشتمك!‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬لدي شاهد!‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬ال اصدق!‪.‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬الشاهدة هنا يف غرفة االنتظار‪ .‬رائدة‪...‬تعايل‪.‬‬ ‫فاتنة‪ :‬رائدة‪...‬‬ ‫د‪ .‬سناء‪ :‬هذه صديقتها أيها العميد‪ ،‬لكن مل يهن عليها طريقة كالمها عيل فأتت لتشهد‪ .‬تكلمي يا رائدة هيا‪.‬‬ ‫رائدة‪ :‬لقد سمعت فاتنة تخطط إليذاء الدكتورة سناء‪.‬‬ ‫العميد‪ :‬هل لديك يش ٌء تقولينه لتدافعي عن نفسك؟‪.‬‬ ‫يتبــ‪ ۶‬يف العدد القادم ‪...‬‬ ‫‪77‬‬


‫رسالة إىل الله‬ ‫صاحب الجاللة‬ ‫﴿‪﴾4‬‬

‫‪78‬‬

‫أبو لهب‬


‫صـاحب الجاللـة‬ ‫أبو لهب‬

‫أُكمل إقتدا ًء بسنة نبيكم نوح الذي ح ّدثكم مبا تعلمونه مسبقا‪ ،‬رغم علمه بأنكم تعلمونه مسبقًا‪ ،‬وأخط لكم رسالتي‬ ‫الرابعة‪ ،‬فال زال عندي الكثري مل أقله‪ ،‬وأنتم تعلمون أين مل أقل كل ما عندي‪ ،‬وتعلمون ما سأقول ومل أقله يف السابق‪..‬‬ ‫فأنتم تعلمون الغيب وما تخفي الصدور‪.‬‬ ‫قبل أن تصلنا رسالتكم األخرية التي يقال أنها نزلت يف قريش‪ ،‬كانت فرضية وجودكم موجودة‪ ،‬فقد إدعى أقوام‬ ‫كثريون أن الوجود ُوجد بفعل كائن أو كائنات سحرية سميت اآللهة‪ ،‬يف غياب الحقائق العلمية‪ ،‬وادعوا أنهم يتواصلون‬ ‫مع تلك اآللهة يف الخفاء وعن طريق السحر والكتب املقدسة‪ ..‬لكن أغلبهم كاذبون‪ ،‬فأنتم لستم زيوس‪ ،‬ولستم ثور‪،‬‬ ‫ولستم إله من آلهة الهند أو الصني‪..‬‬ ‫أنتم إله إبراهيم وموىس‪ ،‬الذي يقول أنه أرسل نبيا يف كل أمة‪ ..‬وهنا أسأل جنابكم‪ ،‬من هو نبي الفرنسيني؟ واألملان؟‬ ‫من هو نبيكم الرويس‪ ،‬وكم نبيا بعثتم لشامل إفريقيا؟ التاريخ الذي بني أيدينا ال يخربنا أي يشء عن هؤالء األنبياء‪ ،‬بل‬ ‫التاريخ يخربنا أن أقدم أثر للدين يعود لـ حوالي‪ 230000‬سنة قبل امليالد‪ ،‬ومل تكن ساعتها أديان كاملة بل مجرد‬ ‫طقوس دفن وما شابه ذلك‪.‬‬ ‫التاريخ يخربنا أن اإلنسان أقدم بكثري من‪ 230000‬سنة‪ ،‬فآثار أسالفه تعود ملاليني من السنني خلت‪ .‬فهل أرسلتم‬ ‫أنبياء لهؤالء األقوام؟‬ ‫هل أرسلتم نبيا لفصيلة النياندرتال املنقرضة؟‬ ‫هل أرسلتم رسالة إلنسان فلوريس املنقرض؟ «‪»Homo floresiensis‬‬ ‫هل خاطبتم إنسان بحرية رودولف املنقرض؟ «‪»Homo rudolfensis‬‬ ‫هل أرسلتم جربيل ألحد أفراد ال «‪ »Homo erectus‬ليقرأ عليه كالمكم؟‬ ‫وهل كان لتلك األنوا‪ ۶‬البرشية املنقرضة لغة أساسا حتى تخاطبوهم بها؟‬ ‫فأنا هنا أقف حائرا‪ ،‬وال أجد سواكم ألسأله‪ ،‬وال أظن أن غريكم يعلم الجواب‪ ،‬هذا إن كان هنالك جواب منطقي أصال‪.‬‬

‫‪79‬‬


‫صـاحب الجاللـة‬ ‫أبو لهب‬

‫سؤايل بإختصار ‪:‬‬ ‫ما هي خطتكم وماذا تريدون؟ ملاذا إنتظرتم أكرث من‪ 10‬مليار سنة ليك توجدوا الحياة عىل كوكب تافه تائه يعترب‬ ‫ذرة يف صحراء الكون‪ ،‬ثم إنتظرتم حوالي‪ 3‬مليار سنة ليك ترسلوا أول رسائلكم آلخر نوع متبقي من أنواع اإلنسان‬ ‫وهو الهوموسابيان؟ ماذا عن أبناء عمومتنا املنقرضني؟ أال يهمكم أمرهم كام يهمكم أمرنا؟ وملاذا خلقتموهم أساسا إذا‬ ‫كان مصريهم اإلنقراض يف نهاية املطاف؟ وحتى رسائلكم للهوموسابيان مل تصل للجميع‪ ،‬فبينام كانت رسالتكم تنزل يف‬ ‫قريش!‬ ‫كان هناك ماليني البرش يف باقي بقاع الكوكب يعيشون حياتهم بعيدا عنكم‪ ،‬ال يعلمون بوجودكم‪ ،‬ال يهمهم أمركم‪ ،‬ال‬ ‫يعبدونكم‪ ،‬وال يأمترون بأوامركم وينتهون بنواهيكم فالرسالة مل تصلهم أصالً ومل تصل أراضيهم إال بعد قرون من وفاتهم‬ ‫وبعد أن قام أبناء قريش بالغزو والسلب والنهب تحت حجة نرش الرسالة‪ ..‬فامذا عن هؤالء؟‬ ‫هل سكان قريش أهم عندكم من سكان روسيا الذين عاشوا يف نفس فرتة نزول وحيكم وماتوا قبل أن تصل الرسالة‬ ‫لهم؟ وماذا عن كل هذا الكون الفسيح؟ ما فائدته وما الهدف من خلقه؟ ملاذا خلقتم أكرث من‪ 100‬مليار مجرة‪،‬‬ ‫بكل مجرة أكرث من‪ 100‬مليار نجم‪ ،‬وحول تلك النجوم ماليري من الكواكب‪ ،‬ليك تجعلوا لكم خليفة عىل أحد تلك‬ ‫الكواكب‪ ،‬فيعبدكم ويسبح بحمدكم ويقول لكم ما تعلمونه مسبقـًا وهو أنكم ﴿ﷲ﴾ الواحد األحد السميع البصري‬ ‫القدوس الرحيم املاكر املتكرب الجبار وهلم ج ًرا‪ ،‬فإن قالها دخل بستانًا واس ًعا مليئًا باألنهار واألشجار والنساء األبكار‪.‬‬ ‫وإن مل يفعل دخل فرن ًـا نوويـ ًـا ليذوق العذاب البشع‪..‬‬ ‫هنا اسمحوا يل أن أعرب لكم عن أسفي الشديد‪ ،‬أن عقيل الصغري ال يستطيع أن يجد ذرة منطق يف هذه القصة‪ ..‬فهال‬ ‫وضحتم له املوضوع حتى يؤمن؟ أم لعلكم تفضلون إحراقه يف اللهب ألنه سأل عن أشياء إن تبدوا له تسوؤه؟ أمل تقولوا‬ ‫يف رسالتكم ﴿أدعوين أستجب لكم﴾ ها أنا دعوتكم لتجيبوا عن أسئلتي‪.‬‬ ‫فَـ َهالّ إستجبتم و أوفيتم وعدكم ؟ ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫شذى الروايب‬

‫األثر القرآين‬ ‫يف‬ ‫البعد الوجداين‬ ‫‪81‬‬

‫القرآن دستور‬ ‫املسلمني وعمدة‬ ‫أدلتهم التي‬ ‫يحا ّجون بها‬ ‫العاملني‪ ،‬فهو من‬ ‫كتاب‬ ‫وجهة نظرهم ٌ‬ ‫فريد قاد ٌر عىل‬ ‫إعجاز رافضيه أو‬ ‫مخالفيه‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫وأوجه هذا اإلعجاز متعدد ٌة ومتباين ٌة‪ ،‬فمنها اللغوي والبالغي‪ ،‬ومنها العلمي‪ ،‬ومنها الطبي ومنها العددي‪ ،‬ومنها ما يرتكه‬ ‫هذا القرآن من أث ٍر يف النفوس أو يف نفس ّية املستمع لتالوته املج ّود ِة‪ ،‬وهذا الوجه األخري من أوجه اإلعجاز الذي ي ّدعونه‬ ‫هو موضوع هذا املقال الذي جاء ليحلله ويناقشه بشكلٍ‬ ‫موضوعي‪ ،‬إذ يعتقد املؤمن أ ّن للقرآن أث ًرا يريح النفسية‬ ‫ٍّ‬ ‫ُوب﴾ [الرعد‪،]28:‬‬ ‫ويدعوها للسكينة والطأمنينة ﴿ال َِّذي َن آ َم ُنوا َوتَطْ َم ِ ُّئ قُلُوبُ ُهم ب ِ​ِذكْ ِر اللَّ ِه أَلَ ب ِ​ِذكْ ِر اللَّ ِه تَطْ َم ِ ُّئ الْ ُقل ُ‬ ‫فالقرآن عندهم كال ُم الله وأفضل سبيلٍ إىل ذكره‪ ،‬فهل له أث ٌر بالفعل عند تالوته أو االستام ِع إليه؟‬ ‫اإلجابة املبدئية لهذا السؤال هي نعم‪ ،‬له أث ٌر يف نفسي ِة اإلنسان‪ ،‬وأثره‬ ‫بي‪ ،‬غري أ ّن الخالف مع املسلم يكمن يف‬ ‫ملموس ّ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫سبب هذا التأثري ونوعيت ِه‪ ،‬ولنبدأ بالسبب‪ ،‬املُال َحظ أ ّن القرآن يخاطب عاطفة اإلنسان وغرائزه أكرث مام يخاطب عقل ُه‬ ‫فلم كان خطاب ُه مو ّج ًها للعاطفة والوجدان كان الب ّد من أن يكون له أث ٌر يف نفسي ِة اإلنسان‪ ،‬وقد يعرتض أحدهم‬ ‫وفكره‪ّ ،‬‬ ‫صحيح‪ ،‬ولك ّن السمة‬ ‫قائل بأ ّن القرآن يخاطب العقل ويطالب اإلنسان بالتفكّر والتدبّر يف الكون وآيات الله‪ ،‬وهذا‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫العاطفي‪ ،‬ولو مل يكن كذلك وكان خطاب ُه موج ًها للعقل فقط‪ ،‬فعىل أي ٍ‬ ‫أساس تحاججون الناس‬ ‫الغالبة عليه هي خطابه‬ ‫ّ‬ ‫والنفيس؟ فالعقل أدا ٌة تحليلي ٌة منطقي ٌة‪ ،‬يستقبل املدخالت‪ ،‬ثم يعالجها‪ ،‬ثم يعطي النتائج واملخرجات‪،‬‬ ‫بتأثري ِه الوجدا ٌّين‬ ‫ّ‬ ‫كالحاسوب متا ًما والذي ال ينبغي له أن يتفاعل وجدان ًيا! بل إنّه من املالحظ أ ّن القرآن أحيانا يطالب بالتفكّر والتدبّر من‬ ‫ُوب يَ ْع ِقلُو َن ِب َها أَ ْو آذَا ٌن يَ ْس َم ُعو َن ِب َها فَ ِإنَّ َها لَ ت َ ْع َمى الْ َبْ َصا ُر َولَٰ ِك ْن‬ ‫خالل القلب ﴿أَفَلَ ْم يَ ِس ُريوا ِف ْالَ ْر ِض فَتَكُو َن لَ ُه ْم قُل ٌ‬ ‫الص ُدورِ﴾ [الحج‪،]46 :‬وكأنّه يطالب اإلنسان بالتفكر عقليًا وبأن يرتافق هذا مع التفاعل وجدانيًا‬ ‫ُوب الَّ ِتي ِف ُّ‬ ‫ت َ ْع َمى الْ ُقل ُ‬ ‫مثل ودون ِعظ ٍة واعتبارٍ! إ ّن القارئ‬ ‫وقلب ًيا ال أن يكون التفكر مجرد عملي ٍة عقلي ٍة ميكانيكي ٍة بحت ِة كتفاعل الحاسوب ً‬ ‫املوضوعي للقرآن سيلحظ توجه واستهداف الخطاب القرآين لعواطف اإلنسان وغرائزه املختلفة والتي البد لها من ترك‬ ‫ّ‬ ‫أث ٍر تب ًعا لذلك‪.‬‬ ‫ومن زاوي ٍة أخرى‪ ،‬فمن املعلوم للجميع أ ّن لغة القرآنِ التي ت ُتىل ويُكتب بها هي العربية‪ ،‬وللغة أث ٌر وتأث ٌري يف نفسي ِة‬ ‫اإلنسان باعتبارها وسيل ًة للتفاعل والتواصل اإلنساين‪ .‬وقد تأخ ُذ اللغة العربية درج ًة متميز ًة يف هذا الشأن‪ ،‬فهي لغ ٌة‬ ‫موسيقي ٌة عذب ٌة غاي ٌة يف الجامل والروعة‪ ،‬ولرمبا كانت أفضل مخرتعات ومنجزات العرب يف تاريخهم عىل اإلطالق‪ ،‬فكلّام‬ ‫ج ّودت كالمك وأتقنت فنون الفصاحة والبالغة كان تأث ُري خطابك أكرثَ قو ًة يف املستمعني‪ ،‬أال ترى أ ّن خطيب الجمعة أو‬ ‫الخطباء والدعاة بشكلٍ عا ٍّم يزداد تأثري خطاباتهم بازدياد قوتهم اللغوية وفصاحتهم؟! هذا أم ٌر مالحظٌ‪ ،‬فاإلنسان ينفر‬ ‫من املتحدث الركيك الذي ينشز ويلحن كث ًريا يف كالمه وخطابه‪ ،‬وينجذب للبليغ الفصيح‪ ،‬ذلك أ ّن الفصاحة والبالغة‬ ‫تج ِّمل وتصقل النربة الصوتية الصادرة عن املتكلم وتوازنها بحيث يقع لها أث ٌر وصدى يف أذن املستمع‪.‬‬

‫‪82‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫ويف هذا الصدد‪ ،‬سنجد أ ّن محم ًدا (كاتب القرآن حسب قناعة امللحد‬ ‫أو الذي ال يشارك املسلمني اإلميان به)‪ُ ،‬ولد ونشأ يف زمن الفصاحة‬ ‫والخطابة‪ ،‬ومبج ّرد والدته تم إرساله إىل بادية بني ساعدة (سعد)‪ ،‬إذ‬ ‫كان صقل لغة األطفال وبالغتهم من أسباب إرسال قريش ألطفالهم‬ ‫إىل تلك البادية‪ ،‬ولقد شهد أهل زمان محمد بفصاحته وبالغته وتفوقه‬ ‫عليهم يف الفصاحة والبالغة‪ ،‬واآلثار اإلسالمية يف ذلك كثرية‪ ،‬بل إنّه من‬ ‫ٍ‬ ‫محمد يف البالغ ِة وعدم قدر ِة‬ ‫عاد ِة املسلمني أن يفاخروا الدنيا بتميز‬ ‫ٍ‬ ‫أحد عىل مجاراته يف هذا الفن! حس ٌن‪ ،‬ما دام متفوقًا عىل الجميع وال‬ ‫يجاريه أح ٌد كان من الطبيعي إذن أن يكتب القرآن ويتحدى أن يأتوا‬ ‫فأي ٍ‬ ‫شخص عل َم بتفوق ِه يف مجال معني بشكلٍ ال يُضاهى‪ ،‬سيتج ّرأ‬ ‫مبثله! ُّ‬ ‫عىل تحدي الجميع يف هذا املجال ألنه يعلم مسبقًا أنّه لن يجاريه‬ ‫وعي يف القرآن استخدا ُم عديد املؤثرات‬ ‫أحد! ً‬ ‫فضل عن ذلك‪ ،‬قد ُر َ‬ ‫حسنات كالسجع والجناس والطباق ورسم الصور الفنية وانتقاء‬ ‫وامل ُ ّ‬ ‫الكلامت الجزلة واملتينة واملتنوعة‪ ،‬وتم إنشاء ما يس ّمونه علم التالوة‬ ‫أو التجويد‪ ،‬فاملطّلع عىل هذا العلم سيلحظ كمية الجهد املبذول من‬ ‫ِقبلهم إلخراج أو تالوة القرآن بأجمل ٍ‬ ‫صوت وأبهى صور ٍة ممكن ٍة‪.‬‬ ‫مكتوب بلغ ٍة موسيقي ٍة مؤثر ٍة‪ ،‬ويعمل عىل استهداف ومخاطبة عاطفة اإلنسان مام ُ‬ ‫يرتك أث ًرا‬ ‫فخالصة ما سبق‪ ،‬أ ّن القرآن‬ ‫ٌ‬ ‫يف نفس ّيته‪ ،‬ولكن ما هي نوعية هذا األثر؟‬ ‫محصلة أثر‬ ‫باإلمكان القول إ ّن هذا األثر إ ّما أن يكون باإليجاب (‪ )+‬أو بالسلب (‪ ،)-‬بالطبع سيحاول املسلم ادعاء أ ّن ّ‬ ‫دقيق وفيه نظ ٌر‪ ،‬ملا ييل‪:‬‬ ‫القرآن إيجابي ٌة يف حياة اإلنسان‪ ،‬وهذا ادعا ٌء غري ٍ‬ ‫أول ‪ -‬بالنسبة للتأثري اإليجايب (‪ :)+‬وهو تأث ٌري ال يكون إال إذا ُسبق باعرتاء اإلنسان حال ًة سلبي ًة ناتج ٌة عن هموم وضنك‬ ‫ً‬ ‫الحياة‪ ،‬أحالم وهواجس اإلنسان‪ ،‬التشاؤم واإلحباط‪ ،‬املرض واليأس‪ ،‬الخوف والرعب‪ ،‬املوت وهواجسه والحزن واألمل‪..‬‬ ‫إلخ‪ ،‬جميعها عواطف وحاالتٌ نفسي ٌة تعرتي اإلنسان وتعكّر صفو حياته وتؤثر فيه سل ًبا‪ ،‬وهنا يأيت دور القرآن ليحاول‬ ‫معالجة هذه النفس ّية من خالل الرفع املعنوي‪ ،‬فإذا مرضت فهو يشفي‪ ،‬وإذا خفت فبذكره تطمنئ القلوب‪ ،‬وإن ضاق‬ ‫بك رزقك فهو الرزّاق ولسوف يعطيك ربك فرتىض‪ ،‬وإذا تكالبت عليك الهموم فهو فارج الهم وكاشف الغ ّم‪ ،‬وإذا حزنت‬ ‫لفراق عزي ٍز فهناك الجنة حيث يتجدد اللقاء‪ ،‬وإذا خشيت املوت فهناك الغفور الرحيم ونعي ٌم مقي ٌم‪ ..‬إلخ‪ ،‬فام يفعله‬ ‫القرآن هو أنّه يعطي اإلنسان دف ًعا نفس ًيا ورف ًعا معنويًا من خالل إيهامه بوجود ٍ‬ ‫سند يستطيع االتكال عليه يف حاالت‬ ‫‪83‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫ضعفه وانكساره‪.‬‬ ‫هذه امليزة ليست حرصي ٌة عىل القرآن‪ ،‬فاإلنسان إذا ما شعر بوجود ٍ‬ ‫سند له يعين ُه يف أي يشء من شؤون الحياة تحسنت‬ ‫ٍ‬ ‫مفرتس وفجأة يجد سال ًحا أو حص ًنا مني ًعا‬ ‫كهارب من وحش‬ ‫تقدم لوظيف ٍة وله واسط ٌة‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫نفسيته وارتفعت معنوياته‪ ،‬ك ُم ٍ‬ ‫يحميه‪ ،‬أو كمن يتهور يف عر ٍ‬ ‫اك معتم ًدا عىل عزوته‪ ،‬واألمثلة يف ذلك كثريةٌ‪ ،‬واملُالحظ أ ّن اإلنسان يف حال ضامنه لوجود‬ ‫الرب يف حال فقد الدعم‬ ‫رب ً‬ ‫أصل‪ ،‬لكنه سيتذكر بالتأكيد هذا ّ‬ ‫السند الذي يعتمد عليه فإنه ال يكاد يتذكّر إذا كان هناك ٌّ‬ ‫السبل‪ ،‬عندها يكون الرب مبثابة امللجأ األخري! قس عىل ذلك بالنسبة ٍ‬ ‫لبائس فقريٍ‪ ،‬فالله هنا مبثابة‬ ‫والسند وضاقت به ُ‬ ‫مظلوم عاج ٍز عن اسرتداد حقه بنفسه لكنه يج ُد ربًا‬ ‫العزاء الوحيد الذي يعده بالتعويض‪ ،‬نفس األمر بالنسبة ملقهو ٍر‬ ‫ٍ‬ ‫يعده بذلك وإن طال الزمن!‬ ‫يبيع القرآن هنا الوهم لهؤالء املتعرثين والبائسني‪ ،‬وبالطبع تلك الوعود واألماين لن تتحقق عمليًا! وهنا يرب ُز هنا دور‬ ‫لعل الله يستجيب)‪ ،‬اإلنسان بطبيعته خ ّو ٌاف من‬ ‫(لعل الله يسمع‪َّ ،‬‬ ‫األمل‪ ،‬فاألمل يلعب دو ًرا كب ًريا يف مثل هذه األمور َّ‬ ‫أي بصيص أملٍ ليق ّويها عىل مواجهة الخطوب والكروب‪ ،‬كالغريق‬ ‫محب لنفس ِه سا ٍع لرضاها يبحث لها عن ِّ‬ ‫املجهول ٌ‬ ‫الذي يتعلق بقش ٍة‪ ،‬والقرآن هنا ال يق ّدم له مج ّرد قش ٍة‪ ،‬وإنّ ا يوهمه بوجود ٍ‬ ‫قوي ال مثيل له قاد ٍر عىل تحقيق كل‬ ‫سند ٍّ‬ ‫أيضا إذا‬ ‫ما يصبو إليه‪ ،‬وهذا بدوره يش ّد من أزر اإلنسان ويرفع همته‪ .‬غري أ ّن هذا التأثري اإليجايب قد يعطي نتائج سلبي ٌة ً‬ ‫ما آل إىل اتكاء اإلنسان وتواكله عىل هذا السند الوهمي دون األخذ بأسباب النجاح وتجاوز املحن‪ ،‬واإلسالم هنا يطالب‬ ‫اإلنسان دو ًما باالتكال عىل هذا السند (الله) وعدم التواكل عليه ويحفّزه عىل األخذ باألسباب العملية‪ ،‬وهذا ألنّه يعلم‬ ‫أنّه مجرد ٍ‬ ‫وهمي مهمته حفز اإلنسان ورفع همته وتحسني نفسيته‪ ،‬ولن يق ّدم لإلنسان أكرث من ذلك عمل ًيا‪.‬‬ ‫سند‬ ‫ٍّ‬ ‫ومن ناحي ٍة أخرى‪ ،‬وقبل أن يقفز أحد املسلمني للقول بأ ّن هذا األثر اإليجايب ميز ٌة إسالمي ٌة قرآني ٌة‪ ،‬نقول له‪ :‬رويدك‪ ،‬ال‬ ‫تتعجل‪ ،‬هذا األثر ليس حك ًرا عليكم‪ ،‬فاملسيحي يلمس هذا األثر يف كتابه املقدس ويف سنده (يسوع)‪ ،‬واليهودي يجده‬ ‫أي يش ٍء كان‪ ،‬فهذا التأثري‬ ‫يف (يهوه)‪ ،‬وكذا الحال مع البوذي والهندويس والوثني‪ ،‬وكذا الحال مع أي إنسانٍ يجد سن ًدا يف ِّ‬ ‫اإليجايب ليس ناب ًعا من ربّك أو قرآنك‪ ،‬وإنّ ا من فكرة السند بحد ذاتها‪ ،‬فأينام ُوجد هذا السند ُوجد هذا التأثري ولو كان‬ ‫صنم‪ ،‬املسألة هنا نفسي ٌة بحت ٌة‪ ،‬فقرآنك مل يخلق ومل يُعطي هذا الشعور االيجايب من ذاته‪ ،‬وإنّ ا استخدم فكرة السند‬ ‫عن ٍ‬ ‫إلعطاء هذا الشعور‪ ،‬متا ًما كام استخدمها غريه من األديان األخرى‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬إن قلت‪« :‬أال بذكر الله تطمنئ القلوب»‪ ،‬سيكون باإلمكان توسيع القاعدة بالقول‪« :‬أال بذكر السند تطمنئ القلوب‬ ‫صنم»‪ ،‬نعم‪ ،‬أال تالحظ أنك لو قلت ٍ‬ ‫ميئوسا منها‪،‬‬ ‫مصاب بالرسطان أو اإليدز بصفتها أمر ًاضا فتّاك ًة‬ ‫ملريض أنّه‬ ‫ولو كان ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫رهيب كأنه بنا ٌء يتهاوى‬ ‫فإ ّن معنوياته ستنهار وتتد ّمر نفسيته؟ وكيف سيفقد وزنه وتسوء حالته الصح ّية بشكلٍ ُمتسار ٍع‬ ‫ٍ‬

‫‪84‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫تهاويًا!؟ ملاذا؟ أين ذهب سنده املتمثل بالله؟‬ ‫يل‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫يحدث هذا أل ّن اإلنسان يعلم يف قرارة نفسه أنّه سن ٌد‬ ‫وهمي ولن يقدم له شيئًا إن مل يكن هناك ٌ‬ ‫عالج فع ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫وهم يف سبيل دعم ذاته‪ ،‬تعال اآلن وقم بتبشري ذلك املريض بأ ّن‬ ‫أي بصيص أملٍ ولو كان ً‬ ‫كام أسلفت القول يتّبع ّ‬ ‫األط ّباء والعلامء اكتشفوا دوا ًء وعال ًجا رهي ًبا ٍ‬ ‫كاف لسحق هذا املرض‪ ،‬ث ّم راقب كيف ستتحسن نفسيته وترتفع معنوياته‬ ‫ويطم ّنئ قلبه روي ًدا روي ًدا‪ ،‬فام الذي استج ّد؟ ببساط ٍة لقد وجد اآلن سن ًدا حقيق ًيا يستطيع االتكاء عليه (هو فكرة وجود‬ ‫مزعوم‪ ،‬ورمبا يُقال أ ّن هذا الشخص ضعيف اإلميان‪ ،‬فلو كان يؤمن بالله حق اإلميان ملا‬ ‫وهم‬ ‫العالج الشايف) وليس مجرد ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا بأ ّن القرآن يعترب وسيلة للتداوي والشفاء بتالوة آياته‪ ،‬ولكن برشط اإلميان املطلق‬ ‫انهار نفس ًيا‪ ،‬بالطبع وهذا يذكّ ُر ً‬ ‫اللف والدوران الذي سيعيدنا‬ ‫رضب من ّ‬ ‫بأ ّن الله سيشفيك ‪ 100%‬دون أن يترسب إىل قلبك يش ٌء من الشك! لك ّن هذا ٌ‬ ‫يف النهاية إىل فكرة السند‪ ،‬فذلك املريض تحسنت نفسيته وارتفعت معنوياته ألنه بُ ّش بدوا ٍء سيشفيه بال ٍّ‬ ‫شك‪ ،‬فوثق به‬ ‫وتحسن‪ ،‬نفس األمر بالنسبة لهذا املؤمن القوي الذي استطاع إقناع نفسه بأن الله سن ٌد‬ ‫كسند واطمنئ إليه فتو ّرد وجهه ّ‬ ‫سيشفيه بال ٍّ‬ ‫فعل‪ ،‬فالذي اختلف هو موضوع السند فقط‪ ،‬وذلك‬ ‫فتحسن تب ًعا لذلك وهذا ال يعني أنّه سيشفى ً‬ ‫شك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ضعيف ليس ضعيفًا وإنّ ا عقله أكرث واقعية فرتجم له أنّه البد ٌ‬ ‫هالك إن مل يتوفّر العالج فعل ًيا‪ ،‬كام‬ ‫املوصوف بأنّه مؤم ٌن‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا يف أي دين آخر كام أُسلف‪.‬‬ ‫أ ّن املؤمن القوي حال ٌة وارد ٌة ً‬ ‫سلبي يف القرآن‪ ،‬بينام سنجد‬ ‫ثان ًيا ‪ -‬التأثري السلبي (‪ :)-‬سيحاول املسلم إقناع نفسه أولً وإقناع اآلخرين أنّه ما من تأثريٍ ٍّ‬ ‫يف الحقيقة أ ّن األثر السلبي هو السمة الغالبة عليه‪ ،‬وميكن االستدالل عىل ذلك من خالل الشواهد اآلتية‪:‬‬ ‫‪ .1‬يعمل القرآن عىل زرع وبث الرعب والخوف يف النفوس‪ ،‬وبشكلٍ‬ ‫مثيل وال نظ ٌري‪ ،‬فال ولن تجد شيئًا‬ ‫وحيش ليس له ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫وترهيب غاي ٌة يف القسوة واللؤم بشكلٍ ٍ‬ ‫كاف لتدمري نفسية اإلنسان‬ ‫يضاهي بشاعة وهول جه ّنم وعذابها‪ ،‬تهدي ٌد ووعي ٌد‬ ‫ٌ‬ ‫متوجسا مرعوبًا‪.‬‬ ‫وجعله يقىض عمره خائفًا‬ ‫ً‬ ‫‪ .2‬الخوف والرعب من هذا الرب شديد االنتقام الذي ال تعرف الرحمة طريقًا إليه إذا ما غضب‪ ،‬جبا ٌر قوي ال مجال‬ ‫للفرار منه!‬ ‫‪ .3‬األثر السلبي للتهديد والوعيد واالنتقام يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فأنت مه ّد ٌد بأن تقع عليك اللعنة واالنتقام حتى يف دنياك‪،‬‬ ‫فضل عن آخرتك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫خصوصا آيات العذاب والهوال‪ ،‬بل إن مل‬ ‫‪ .4‬دامئًا ما كنا نطالَب بالبكاء والنواح والعويل عند تالوة أو سامع القرآن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متثيل! نعم ولو بالنفاق! واإلنسان الطبيعي سيجد نفسه يف ورط ٍة‪ ،‬فقد يستمع إىل‬ ‫نستطع ذلك فعلينا بالتبايك ولو ً‬ ‫القرآن وإىل نواح القارئ ونواح املستمعني‪ ،‬ثم يجد نفسه عاج ًزا عن البكاء بل حتى عن التبايك نفاقًا‪ ،‬فتعرتيه املخاوف‬ ‫والهواجس والقلق‪ ،‬فيهاجم ذاته‪ :‬ما بك؟ ملاذا ال تبك؟ كلهم يبكون إال أنت؟ ماذا سيفعل بك الله؟ سيشويك ويقليك يف‬ ‫‪85‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫جهنم؟ ما الحل؟‪ ..‬إىل غري ذلك من الهواجس‪ ،‬فأجب أيها املسلم‪ ،‬ماذا عىس اإلنسان أن يرث من تلك األجواء املتشبّعة‬ ‫ويأس وقنوطٌ‪ ،‬بحيث ال‬ ‫بالنواح والبكاء سوى االختناق والحزن وضيق الصدر وكراهية النفس والحياة والوجود‪ ،‬إحبا ٌط ٌ‬ ‫يعود هناك أي معنى للحياة وال للدافعية والحيوية والنشاط‪.‬‬ ‫‪ .5‬األثر السلبي للجنة‪ ،‬فبعد تلك املؤثرات النفسية املرعبة واملدمرة‪ ،‬يأيت دور الرتغيب وفتح باب األمل‪ ،‬جن ٌة ونعي ٌم قد‬ ‫قاتل ذاب ًحا ألخيه‬ ‫بصيص من األمل والنور جاء يتسلل من العدم‪ ،‬فينطلق اإلنسان ً‬ ‫تحصل عليه لو نفّذت أوامر هذا الرب‪ٌ ،‬‬ ‫أي رحم ٍة أو شفق ٍة‪ ،‬ظ ًنا منه أنّه يفعل خ ًريا ويق ّدم ما يريض ربه‪ ،‬فيكسب‬ ‫اإلنسان‪ ،‬سابيًا لنسائه‪ ،‬ناهبًا ألمواله‪ ،‬وبدون ِّ‬ ‫بذلك جنته ويتّقي ناره وعذابه وانتقامه!‬ ‫عم ُحرم منه يف دنياه‪ ،‬ومتثّل له مكانًا إلفراغ كبته‬ ‫سلبي آخر‪ ،‬إذ يتعاظم أثرها لكونها ت ِعد اإلنسان‬ ‫ً‬ ‫تعويضا ّ‬ ‫‪ .6‬للجنة أث ٌر ٌّ‬ ‫الداخيل‪ ،‬لحو ٌم وكنو ٌز وفواكه‪ ،‬وأنها ٌر‪ ،‬وخمو ٌر‪ ،‬ونسا ٌء وحو ٌر‪ ،‬إنها مخاطب ٌة واضح ٌة لغرائز وشهوات اإلنسان‪ ،‬مام يدفعه‬ ‫للسعي إليها بكل السبل‪ ،‬ولفعل الخري يف سبيل نيل نعيمها‪ ،‬أو اتقاء هول جهنم‪ ،‬وهذا ما يُفقد فعل الخري ملعناه‪ ،‬أن‬ ‫متخي‪.‬‬ ‫خيا وإنّ ا ّ‬ ‫تنتظر أج ًرا لقاء فعلك للخري يعني أنّك لست ّ ً‬ ‫حجم‬ ‫‪ .7‬األثر السلبي لتلك املشاعر املمزوجة بالخوف والرعب والذعر والكبت واليأس واألمل والرجاء والتي بلغت ً‬ ‫كاف ًيا لتعطيل عقل اإلنسان وإلغاءه‪ ،‬بل حتى تعطيل ضمريه وإنسانيته!‬ ‫ٍ‬ ‫ومرشك‪ ،‬وقيامه بتحقري‬ ‫مسلم وكاف ٍر ومؤمنٍ‬ ‫‪ .8‬األثر السلبي املتمثّل يف صناعته للعنرصية من خالل تقسيمه للبرش بني ٍ‬ ‫املخالفني‪ ،‬مام يرفع من روح العنرصية والحقد والكراهية لدى املسلم تجاه اآلخرين‪..‬‬ ‫‪ .9‬األثر السلبي التابع والذي البد أن يرتت ّب عىل زرع العنرصية واألحقاد والكراهية‪ ،‬والذي يتمثل بقيام املسلم بالقتل‬ ‫والذبح والسبي والسلب والنهب ملخالفيه ومعارضيه استجاب ًة ألوامر القرآن‪ ،‬فرتى املسلم يذبح ويقطع رأس أخيه‬ ‫اإلنسان متلذذًا متشف ًيا دون أدىن شعو ٍر بنو ٍع من الندم وتأنيب الضمري‪ ،‬بل تراه يأخذ صو ًرا إىل جانب الرؤوس مزه ًوا‬ ‫خل ٍب! لقد نجح القرآن يف سلب إنسانيته ومسخها! كام وسرتاه‬ ‫طبيعي ّ‬ ‫مبتسم وكأنّه يلتقط صور ًة عىل خلفية منظ ٍر‬ ‫ً‬ ‫ٍّ‬ ‫يسبي النساء ويستعبد البرش دون أن يستنكر شيئًا من هول ما يفعل! املصيبة يف أ ّن القرآن جعله يفعل الخطأ معتق ًدا‬ ‫أنّه الصواب!‬ ‫‪ .10‬األثر السلبي املتمثّل يف افتقاد معنى الحياة وجاملها ومتعتها‪ ،‬فالقرآن يحقّر الحياة أميا تحقريٍ بل ويتو ّعد كل َمن‬ ‫يغفل عن ذكر ذلك الرب اله ًيا يف متاع هذه الدنيا بالويل والثبور‪ْ ﴿ ،‬علَ ُموا أَنَّ َا الْ َح َيا ُة ال ُّدنْ َيا لَ ِع ٌب َولَ ْه ٌو َوزِي َن ٌة َوتَفَا ُخ ٌر‬ ‫‪86‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫َاب‬ ‫بَ ْي َن ُك ْم َوتَكَاث ُ ٌر ِف الْ َ ْم َوا ِل َوالْ َ ْو َل ِد كَ َمثَلِ َغ ْي ٍث أَ ْع َج َب الْ ُكفَّا َر نَ َباتُ ُه ث ُ َّم يَه ُ‬ ‫ِيج ف َ َ​َتا ُه ُم ْص َف ًّرا ث ُ َّم يَكُو ُن ُحطَا ًما َو ِف ْال ِخ َر ِة َعذ ٌ‬ ‫شَ ِدي ٌد َو َم ْغ ِف َر ٌة ِم َن اللَّ ِه َور ِْض َوا ٌن َو َما الْ َح َيا ُة ال ُّدنْ َيا إِلَّ َمتَا ُع الْ ُغ ُرورِ﴾ [الحديد‪ ،]20:‬واآليات املشابهة كثريةٌ‪ ،‬وباإلمكان‬ ‫مالحظة ذلك املنطق املقلوب والعجيب الذي أشارت إليه تلك اآلية!‬ ‫فهذه الحياة التي يولد فيها اإلنسان ليقضيها بالج ّد والدراسة والبحث والعمل‪ ،‬والك ّد والتعب والكفاح‪ ،‬يزرع‪ ،‬يحصد‪،‬‬ ‫يبني‪ ،‬يصنع‪ ،‬يبيك‪ ،‬يتأمل‪ ،‬يحزن‪ ،‬ميرض‪ ،‬يجوع‪ ،‬يخاف‪ ،‬يشقى‪ ،‬ويتح ّدى الصعاب والهموم والكروب والغموم‪ ،‬هذه الحياة‬ ‫لعب وله ٍو وزين ٍة ومتا ٍع وغرورٍ!! ويف مقابل ذلك الجنة التي ال ميرض بها اإلنسان وال يتعب‬ ‫بالنسبة ملنطق القرآن مجر ُد ٍ‬ ‫وال يجوع وال يشقى‪ ،‬ويقيض وقته يتن ّعم بني أنهار الخمر واللنب والعسل وما ل ّذ وطاب‪ ،‬وله فيها كل ما يتم ّنى مبا يف‬ ‫وجنس ميت ّد لسنني‬ ‫ذلك حور العني حيث يطلق العنان لثورته الجنسية وميتلك ذك ًرا ال ينثني‪ ،‬وشهو ًة ال تنقطع‪ ،‬وجام ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫كل هذا ال يُس ّمى مبنطق القرآن لع ًبا وله ًوا وزين ًة!! رمبا هو ج ٌد واجتها ٌد!!‬ ‫طوا ٍل‪ ،‬فينتقل من حضن حورية إىل أخرى‪ّ ..‬‬ ‫فمن الواضح إذًا أ ّن القرآن يفسد املعاين ويقلب املضامني ويُفقد الحياة ملتعتها ومعناها ويجعل اإلنسان سلب ًيا تجاهها‪،‬‬ ‫ويف هذا الصدد لطاملا رددوا وقالوا‪« :‬الدنيا سجن املؤمن وجنة الكافر»!‬ ‫يعج بها القرآن ال يعود هناك أي معنى ملسألة أ ّن الله غفو ٌر رحي ٌم‪ ،‬فام‬ ‫بالطبع يف ظل تلك األهوال والعذابات التي ّ‬ ‫دمت تقرأ القرآن سرتتعب‪ ،‬وستخاف من هذا الرب‪ ،‬ملاذا؟ أل ّن الخري والرش‪ ،‬والرحمة والقسوة‪ ،‬والنور والظالم‪ ،‬نقائض‬ ‫ٍ‬ ‫ال يُفرتض أن تجتمع يف كيانٍ واحد‪ ،‬فلو أطلقناها عىل كيانٍ‬ ‫واحد ستكون الغلبة لصفات الرش والظالم واللؤم والقسوة‬ ‫بالنسبة لنفسية الراصد‪ ،‬وهذه الغلبة تؤدي لتعكري صفو الحياة وملئها بالقلق والتوتر والرتقب والخوف‪.‬‬ ‫شل عقول املُتلقني وتعطيلها‪ ،‬وحبس نفوس املسلمني يف صندوق‬ ‫وقد أفاد محمد كث ًريا من هذا األسلوب الذي ضمن له َّ‬ ‫الرعب الذي لن تستطيع الفكاك منه‪ ،‬ولقد اعرتف محمد بنفسه بأ ّن السمة الغالبة عىل القرآن هي السلبية والخشية‬ ‫والخوف‪ ،‬إذ قال‪﴿ :‬لَ ْو أَنْ َزلْ َنا َهذَا الْ ُق ْرآ َن َع َل َج َبلٍ لَ َرأَيْتَ ُه َخ ِاش ًعا ُمتَ َص ِّد ًعا ِم ْن َخشْ َي ِة اللَّ ِه﴾ [الحرش‪ ،]21:‬فحتى الجبل‬ ‫العظيم الذي ال يعدو كونه مجرد جام ٍد يفرتض أن ال يتأثر‪ ،‬سنجده تأثر خوفًا ورع ًبا بل وتصدع تصد ًعا من شدة الخوف!‬ ‫وتدب به الحياة والنشاط واألمل‪ ،‬بل‬ ‫فام بالنا باإلنسان؟ مل يقل محمد أنّه لو نزل القرآن عىل جبلٍ فإ ّن الجبل سيزهو‬ ‫ّ‬ ‫سيتصدع خوفًا! وبالفعل يؤدي القرآن لتص ّدع ومت ّزق نفسية اإلنسان واضطرابه سلوك ًيا ونفس ًيا‪.‬‬ ‫رس تأثري القرآن ليس يف كونه كالم الله كام يظن املسلم‪ ،‬بل يف موسيقيته واستهدافه‬ ‫عىل ضوء ما سبق سيتضح أ ّن ّ‬ ‫للوجدان والعاطفة واستخدامه ملؤثرات نفسيه سل ًبا وإيجابًا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ملزيد من التوضيح نقول؛ لو كان رس تأثري القرآن يكمن يف كونه كال ًما معج ًزا من الخالق‪ ،‬يُفرتض آنذاك أن نلمس نفس‬ ‫ٍ‬ ‫تفاوت‪ ،‬فلو تفاوت هذا التأثري بتفاوت النوتات الصوتية أو املوسيقية الصادرة عن‬ ‫التأثري كيفام تلوناه أو سمعناه دون‬ ‫‪87‬‬


‫األثر القرآين يف البعد الوجداين‬ ‫شذى الروابي‬

‫القارئ فهذا يعني أ ّن اللغة واملوسيقى هي صاحبة األثر الفعيل‪ ،‬وإليك الشواهد التالية‪:‬‬ ‫‪ .1‬يتفاوت تأثري القرآن من قارئٍ إىل آخر حسب جامل صوته ونوعيته‪ ،‬فقد يستمع الشخص ٍ‬ ‫آليات تؤثر فيه بصوت‬ ‫القارئ أحمد العجمي‪ ،‬لكن إذا سمع نفس اآليات بصوت السديس فال يتأثر! وهذا أم ٌر شائ ٌع‪ ،‬فالكثري من املسلمني‬ ‫يفضل قارئًا عىل قارئٍ ‪ ،‬فام دام كالم الله املؤثر بذاته فلامذا تفاوت التأثري؟ ملاذا يتفاوت األثر بتفاوت النغمة الصوتية؟‬ ‫‪ .2‬من ال ُق ّراء املشاهري عميقي األثر عبد الباسط عبد الصمد‪ ،‬وهناك الكثري ممن ال يطيقونه‪ ،‬وهذا المتالكه نرب ًة أو نوت ًة‬ ‫وغم وحزنًا وشعو ًرا باليأس والقنوط عىل األقل بالنسبة إليهم‪ ،‬ولرمبا يقول بعض املسلمني‬ ‫صوتي ًة كافي ًة ملأل الدنيا نك ًدا ً‬ ‫كل‪ ،‬ليست مسألة خشوعٍ‪ ،‬بل مسألة نرب ٍة صوتي ٍة عربي ٍة موسيقي ٍة حزين ٍة مرعب ٍة ال أكرث‬ ‫بأ ّن صوته يجعل الدنيا تخشع‪ّ ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تجويد فلن يجد ذلك الشعور الذي وجده عند استامعه‬ ‫وال أقل‪ ،‬فإذا قرأ الشخص بنفسه نفس اآليات يف تالو ٍة عادي ٍة بال‬ ‫لها بصوت عبد الباسط‪ ،‬فام الذي اختلف؟ هي ببساط ٍة املوسيقى وجاملية الصوت‪.‬‬ ‫‪ .3‬نفس القرآن ونفس اآليات لو قُرأت بلغ ٍة أخرى غري العربية (إنجليزي ٍة أو أملاني ٍة أو فرنسي ٍة أو إيطالي ٍة أو يابانية‪..‬‬ ‫رسدي ال يتع ّدى مستوى تأثريه مستوى تأثري الخطاب العادي‬ ‫إلخ)‪ ،‬فستلحظ تاليش أثر القرآن بحيث سيصبح مج ّرد ٍ‬ ‫كالم ٍ‬ ‫ألي لغ ٍة كانت‪ ،‬فلو كان تأثريه يف كونه كالم الله املنزل والذي فيه سم ٌة خارق ٌة للعادة‪ ،‬فسيكون من املفرتض أن نلمس‬ ‫ّ‬ ‫نفس األثر مهام كان نوع الصوت أو اللغة أو القارئ‪.‬‬ ‫وقبل أن نختم‪ ،‬ال ب ّد من اإلشارة إىل أ ّن الهالة القدسية التي غلّف بها املسلمون قرآنهم‪ ،‬بأن جعلوه كالم الله املن ّزل الذي‬ ‫ال يأتيه الباطل‪ ،‬قد ساهمت بشكل ٍ‬ ‫ملفت يف صناعة ج ٍّو مؤث ّ ٍر للقرآن‪.‬‬ ‫ويف النهاية‪ ،‬ميكن تلخيص أهم أفكار هذا املقال مبا ييل‪:‬‬ ‫وهم إيجاب ًيا اعتام ًدا‬ ‫القرآن‬ ‫مكتوب بلغ ٍة عربي ٍة موسيقية مؤثر ٍة‪ ،‬وهو يستهدف عاطفة ووجدان اإلنسان بأن يبيعه ً‬ ‫ٌ‬ ‫عىل فكرة السند‪ ،‬وهو يصبغ حياة اإلنسان بالرعب والخوف والحزن واليأس‪ ،‬ويقلب املعاين واملفاهيم‪ ،‬ويُفقد الحياة‬ ‫متعتها ومعناها‪ .‬والسمة السلبية له هي السمة الحاكمة والغالبة‪ ،‬فهو يدفع اإلنسان إىل أذيّة أخيه اإلنسان‪ ،‬ويعطل‬ ‫رجم حتى املوت! ويف واقع املسلمني وما يعيشونه من‬ ‫العقل‪ ،‬ويشل الضمري‪ ،‬ويقتل اإلنسانية‪ ،‬ويُعدم معنى الرحمة ً‬ ‫حروب وحشي ٍة ودموي ٍة إرهابي ٍة‪ ،‬خري ٍ‬ ‫شاهد عىل كل ما سبق‪.‬‬ ‫تخل ٍّف ورجع ّي ٍة يف مختلف نواحي الحياة‪ ،‬وما يقيمونه من‬ ‫ٍ‬

‫‪88‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

‫مجلّة امللحدين العرب مجل ٌة رقمي ٌة مبني ٌة‬ ‫ج ٍه سياسي؛‬ ‫ي تو ّ‬ ‫بجهودٍ فردي ٍة؛ وال تتبنّى أ ّ‬ ‫هدفها نشر أفكار امللحدين على اختالف‬ ‫جهاتهم وانتماءاتهم بحرّي ٍة كامل ٍة‪.‬‬ ‫تو ّ‬ ‫املعلومات والرسومات واملواضيع املطروحة‬ ‫تُعتبر مسؤولية أصحابها من الناحية األدبية‬ ‫وناحية حقوق النشر وحفظ امللكية الفكرية‪.‬‬ ‫الناشرون‬ ‫امللحدين‬ ‫والالديني‬ ‫ّ‬ ‫بالنشر ‪.‬‬

‫هم من أعضاء مجموعة مجلة‬ ‫العرب‪ ،‬أو من الك ّتاب امللحدين‬ ‫ممّن مت ّ التواصل معهم ألخذ اإلذن‬

‫العامة‪،‬‬ ‫مناف لألخالق‬ ‫ُينع نشر كل ماهو‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وكذلك التحريض أو التصريحات العنصرية‪.‬‬ ‫لهيئة التحرير احلق ّ في نشر ما تراه مناس ًبا‬ ‫من املواضيع املوجودة في مجموعة اجمللة على‬ ‫موضوع ضمنها يُعتبر‬ ‫ي‬ ‫الفيس بوك ‪ ،‬فنشر أ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫تفويضا ً للمجلّة بنشره‪.‬‬

‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‪:‬‬ ‫‪www.aamagazine.blogspot.com‬‬ ‫البريد اإللكتروني‬ ‫‪el7ad.organisation@gmail.com‬‬ ‫‪magazine@arabatheistbroadcasting.org‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.