مجلة الملحدين العرب / العدد الثالث بعد المائة / نونيو حزيران / 2021

Page 1

‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر يف الثاين عرش من كل شهر‬

‫الرتاجع والتخلف بني‬ ‫سيايس وديني‬ ‫ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫هل الله يخلق من عدم؟‬

‫سقراط بن رشد‬

‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬

‫العدد الثالث بعد املئة من مجلة امللحدين العرب لشهر يونيو ‪ /‬حزيران ‪2021‬‬

‫بنور نبيل‬

‫األدب املنحول‬

‫املسكوت عنه يف العهدين‬ ‫القديم والجديد‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫تهدف مجلّة امللحدين العرب إىل نرش وتوثيق أفكار امللحدين العرب املتنوعة وبحريّ ٍة كاملة‪ ،‬وهي مجلّ ٌة رقمي ٌة غري ربح ًّية‪ ،‬مبني ٌة‬ ‫أي توج ٍه سيايس‪ .‬املعلومات واملواضيع املنشورة يف املجلّة متثل آراء كاتبيها فقط‪ ،‬وهي مسؤل ّيتهم من‬ ‫بجهو ٍد طوعي ٍة ال تتبع َّ‬ ‫الناحية األدب ّية ومن ناحية حقوق النرش وحفظ امللك ّية الفكريّة‪.‬‬


‫كلمة تحرير املجلة‬

‫فريق التحرير‬

‫منذ ُولدت مجلة امللحدين العرب وهي تحاول أن تكون‬ ‫من ًربا وأرشيفًا ألفكار امللحدين وكلامتهم‪ ،‬مل تكن الوحيدة‬ ‫أو األوىل ولكن رمبا كانت هويتها الواضحة املعامل أكرث‬ ‫من مثيالتها‪ ،‬وبهذا استطاعت تحقيق ٍ‬ ‫بعض من الحظوة‬ ‫والشهرة‪.‬‬ ‫نحاول يف فريق العمل أن نسعى باستمرا ٍر لبقائها‬ ‫وازدهارها آملني ومثابرين لتحقيق مستقبلٍ منري‪ .‬هذا‬ ‫املنرب عىل الرغم من حجمه الصغري استطاع ه ّز بعض‬ ‫عروش الخرافة يف عقول املؤمنني وتحريك الكثري من‬ ‫األفكار وتغيري الكثري من املواقف يف عاملنا الناطق‬ ‫بالعربية‪ ،‬ويعود الفضل الحقيقي فيه للكتّاب واألحرار‬ ‫واملحاربني الشجعان الذين يعملون عىل إنشاء وتدقيق‬ ‫وتنقيح وتوثيق املحتوى ليظهر بأفضل شكلٍ ممكن‪.‬‬ ‫وأُحب هنا أن أشكرهم بحرار ٍة‪ ،‬فبدونهم ما كان هذا‬ ‫املرشوع ليستمر‪ .‬مازال الوقت مبك ًرا لالحتفال والطريق‬ ‫طويل‪ ،‬وقد ينتابنا اليأس أحيانًا عندما تنهار‬ ‫ً‬ ‫ما يزال‬ ‫األمور وتع ّم الفوىض لربهة‪ ،‬ويطفو عىل السطح ذلك‬ ‫الوحش املصنوع من الجهل والعنف يف رداء الدين‬ ‫ويفرتس أحد األنفس الثمينة التي ترفع القلم يف محاربة‬ ‫الجهل والتطرف من أمثال عمر باطويل (عىل صغر‬ ‫سنه) وناهض حرت‪ .‬ولكن املكتسبات والخطوات التي‬ ‫نحققها ترتاكم‪ ،‬ومع األيام سيبدأ الناس بالتغري وإدراك‬ ‫حقيقة ذلك الوحش‪ ،‬وروي ًدا روي ًدا سيتم خنقه بالتعليم‬ ‫وتب ّني مبادئ الحرية الفكرية والكرامة اإلنسانية‪ ،‬ومن‬ ‫يدري لعل كل هذا األمل الذي نعيشه اليوم ليس إال حالة‬ ‫مخاض ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قادم سيكون أفضل‪.‬‬ ‫لغد ٍ‬ ‫وأن كل الفوىض والتخلف و(الجعري) والعنف يف أوطاننا‬ ‫مثل العراق وسوريا وليبيا ستكون بداية تح ّو ٍل تقودنا‬ ‫‪2‬‬

‫املشارك يف هذا العدد‬

‫رئيس التحرير‬ ‫الغراب الحكيم‬ ‫أعضاء هيئة التحرير وبناء املجلة‬ ‫‪John Silver‬‬ ‫أسامة البني (الوراق)‬ ‫‪Alia’a Damascéne‬‬ ‫غيث جابري‬ ‫‪Abdu Alsafrani‬‬ ‫‪Raghed Rustom‬‬ ‫‪Johnny Adams‬‬ ‫ليث رواندي‬ ‫‪Yonan Martotte‬‬ ‫‪Tatiana Almeer‬‬

‫لتقدم وتطو ٍر بدأ بالفعل يف أماكن‬ ‫ٍ‬ ‫مثل اإلمارات العربية املتحدة واململكة‬ ‫العربية السعودية‪.‬‬ ‫وروي ًدا روي ًدا سيبدأ عاملنا الصغري‬ ‫الكبري باالرتقاء من قعر الزجاجة‬ ‫عىل أمل العبور من عنقها إىل العامل‬ ‫املعارص‪ .‬مازلنا نحمل ذلك األمل وهذه‬ ‫هي رسالتنا يف مجلة امللحدين العرب‪.‬‬

‫الغراب الحكيم‬


‫الفهرس‬ ‫كلمة تحرير املجلة‬

‫‪2‬‬

‫الفهرس‬

‫‪3‬‬

‫سيايس وديني‬ ‫الرتاجع والتخلف بني ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز القناعي‬

‫‪5‬‬

‫هل الله يخلق من عدم؟‬ ‫سقراط بن رشد‬

‫‪9‬‬

‫كونفوشيوس ‪ 孔子‬نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫‪14‬‬

‫األدب املنحول‬ ‫املسكوت عنه يف العهدين القديم والجديد‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫‪22‬‬

‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫‪30‬‬

‫فرعون وهامان‬ ‫يف أساطري العرب قبل اإلسالم‬ ‫‪Ihab Ghazal‬‬

‫‪40‬‬

‫ملحق‪ :‬رأي علامء املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫‪44‬‬

‫املسيحية واملحروسة الجزء ‪7‬‬ ‫محمد شومان‬

‫‪62‬‬

‫كاريكاتور‬

‫‪72‬‬

‫‪3‬‬


http://arabatheistbroadcasting.com/aamagazine https://www.aamagazine.blogspot.com https://www.facebook.com/pages/AAMagazine/498136386890299 https://issuu.com/928738

4


‫الرتاجع والتخلف بني‬ ‫سيايس وديني‬ ‫ما هو‬ ‫ٌ‬

‫د‪.‬عبد العزيز القناعي‬

‫فمن أجل مواجهة هذه األفكار والتغلب عليها وبناء ثقاف ٍة‬ ‫علامني ٍة تؤمن باحرتام اإلنسان وتقديس كرامته وحريته‬ ‫واختياراته‪ ،‬أصبح لزا ًما علينا مواجهة البنى الفكرية والثقافية‬ ‫التي شكّلت مدارك العقل العريب وأشكال تفكريه وإرادته‪.‬‬

‫كلام ننظر إىل واقعنا العريب بدقة‪ ،‬كلام نجد أن السمة‬ ‫الغالبة يف مجتمعاتنا هي الجمود واالنغالق ورفض الحداثة‬ ‫واستمرار التعاطي مع األشكال القدمية يف السياسة والتدين‬ ‫ّجهت‬ ‫واالقتصاد‪ ،‬ورغم أن العديد من الدول واألنظمة قد ات ْ‬ ‫إىل االنفتاح والسعي إىل التمدين‪.‬‬

‫ولعل االختالف بني الكثري من املثقفني حول أسباب‬ ‫سيايس ناب ٌع من الدولة‬ ‫الرتاجع والتخلف بني ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫وأجهزتها‪ ،‬أو بني تحميل الشعوب وثقافتها الدينية‬ ‫املسؤولية يف الرتاجع واإلخفاق‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫عقليات شبابي ٍة متقدم ٍة ومخرتع ٍة ومبدعة‪،‬‬ ‫ورغم وجود‬ ‫إال أن اإلطار العام واألغلبية العظمى من الشعوب العربية‬ ‫ال تزال تخىش التغيري ومواجهة العوائق األساسية يف التطور‬ ‫واالنفتاح‪ ،‬فالشعور بفقدان الحرية مع تالزم الخوف‪،‬‬ ‫القلق‪ ،‬التوتر‪ ،‬اإلحباط‪ ،‬فقدان قيم الحياة‪ ،‬جميعها عوامل‬ ‫نفسي ٌة أث ّرت عىل السلوك والتفكري‪ ،‬وهذا ما نعيشه يف‬ ‫العامل العريب تحدي ًدا‪ .‬ورغم تعدد األسباب‪ ،‬إال أن السمة‬ ‫الغالبة املنتجة لهذه األمناط من التفكري هي سيطرة البنى‬ ‫الفكرية والثقافية القدمية يف حياة املواطن وعجزه عن‬ ‫االنطالق خارج مدارك الثوابت واملسلامت التقليدية‪.‬‬

‫إال أن الغالبية من املثقفني تتّفق بأن هناك تالز ًما بني تلك‬ ‫وخصوصا أن هياكل وطبيعة األنظمة العربية‬ ‫األسباب‬ ‫ً‬ ‫الزالت تستند إىل القبيلة والدين والتوريث يف إدارة‬ ‫شؤونها‪ ،‬وأصبحت بالتايل املنهجية البدائية تُشكّل العمود‬ ‫الفقري ألجهزتها للحفاظ عىل سلطتها والسعي إلخضاع‬ ‫الشعوب ملشيئتها‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫سيايس وديني‬ ‫الرتاجع والتخلف بني ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫فكلام عظم شأن الهويّات القدمية يف املناصب السيادية واألمنية‬ ‫والسياسية‪ ،‬كلام سنحت الفسحة لها لتوارث البنى الفكرية والثقافية‬ ‫ٍ‬ ‫مسميات مختلف ٍة مخادعة‪.‬‬ ‫املؤدلجة عرب األجيال تحت‬ ‫إن دولة القبيلة والدين ال شأن لها بنشوء وتطور الدول الحديثة‬ ‫خاص بدا ٌّيئ يستمد رشعيته من األعراف والقيم‬ ‫يف العامل‪ ،‬إنها نظا ٌم ٌ‬ ‫املاضوية املتوارثة عرب األجيال‪ ،‬فهذا النمط من الدول ال يهتم بصالح‬ ‫األمة وتطورها إال باليشء القليل‪ ،‬بل تُس ّخر جميع موارد الدولة ألجل‬ ‫تقوية أجهزتها السياسية ورشاء الذمم وتعزيز ِصالتها الدولية مع الغرب‬ ‫وحكّامه لتثبيت أقدامها يف الحكم ٍ‬ ‫وألمد غري محدود‪.‬‬ ‫نظام شمويل‪ ،‬دول ًة استبدادي ًة ال تسعى إلخضاع‬ ‫وت ُعد الدولة املستندة إىل ٍ‬ ‫جميع فئات املجتمع لتوجهاتها فقط‪ ،‬بل إلخضاع اإلنسان ذاته إىل الفكر‬ ‫ٍ‬ ‫محاوالت‬ ‫الواحد الذي ميثّل الحاكم‪ ،‬ولن تتواىن عن استخدام العنف مع أي‬ ‫ٍ‬ ‫دعوات تُفقد‬ ‫تنادي بالحرية واملساواة واملواطنة والدميقراطية باعتبارها‬ ‫النظام ُسلطته وتوارث حكمه‪ .‬ولعل دول الخليج العربية من أكرث الدول‬ ‫تعزي ًزا ملبدأ القبلية والدين يف الحفاظ عىل منط الحكم من التغيري والتطور‪.‬‬ ‫من املؤكد أن غياب مفهوم الوطن واملواطنة داخل البنى الفكرية والثقافية أث ّر بشكلٍ كبريٍ عىل تعاطينا مع مفاهيم‬ ‫الدميقراطية وحقوق اإلنسان‪ ،‬فقد فشلت األنظمة العربية يف بناء هوية الوطن والوالء الوطني واكتفينا بالشعارات الوطنية‬ ‫فقط دون غرس أي مضامني وطني ٍة يف العقل العريب وذلك لوجود ٍ‬ ‫تعارض أو ضبابي ٍة أو تضا ٍد بني مفهومي الوطن والدين‪.‬‬ ‫مذهب وال عرق‪ ،‬بل تجمعنا قيم املواطنة والعدالة‬ ‫فبينام يرى البعض الوطن هو أنت وأنا وال يجمعنا داخله ال دي ٌن وال‬ ‫ٌ‬ ‫واملساواة التي تتمثل باالندماج اإلنساين والحضاري واألخالقي‪ ،‬يراه البعض اآلخر مجرد كيانٍ يخدم الدين أو مذهب‬ ‫ٍ‬ ‫تعامالت خاص ٍة للمسلمني وللكفار حتى لو كانوا مواطنني‪.‬‬ ‫األكرثية ضمن رشوط الكفر واإلميان‪ ،‬وما يستتبع ذلك من‬ ‫فحني تضعف إقامة الرشوط السياسية الدميقراطية لألنظمة العربية‪ ،‬يأيت هنا العقل العريب مح ّم ًل بشتى رواسب العجز‬ ‫تناقض‬ ‫عن التكامل واالتحاد من جهة‪ ،‬واإلعجاب بالنامذج املاضوية الدينية من جه ٍة أخرى‪ ،‬ليتشكّل يف نهاية املطاف ٌ‬ ‫يدفع إىل هيمنة البنى الذهنية الفكرية القدمية عىل كل يشء‪ ،‬لنبحر جمي ًعا دون رؤي ٍة واقعي ٍة أو قياد ٍة ثوري ٍة قادر ٍة عىل‬ ‫مسك زمام التحرك والتنظري واتخاذ القرار بصور ٍة شعبية‪.‬‬ ‫وتجل ذلك يف عجز هياكل األنظمة العربية‬ ‫لقد فشلت املامرسة التاريخية العربية يف تجاوز تحديات البناء والتنمية‪ّ ،‬‬ ‫عن ترجمة طموحات الشعوب العربية يف التقدم وبناء املجتمعات وفقًا لنموذج الدولة الحديثة‪ ،‬مام جعل غالبية‬ ‫الشعوب العربية تعترب مشاريع النهضة عاجز ًة عن التحقق واالستمرار‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫سيايس وديني‬ ‫الرتاجع والتخلف بني ما هو‬ ‫ٌ‬ ‫هنا‪ ،‬تبدو املشكلة أعمق مام تبدو ظاهريًا‪ ،‬إذ ال‬ ‫يقف انقسام الدول العربية والشعوب عند منطه‬ ‫انقسام آخر أكرث خطور ًة‬ ‫اآلين‪ ،‬بل تجاوزه إىل‬ ‫ٍ‬ ‫عىل الصعيد العقيل واالجتامعي متثّل يف التقليد‬ ‫والتاريخانية‪ ،‬ونعني بها استمرار إنتاج املنظومات‬ ‫التاريخية بصور ٍة اجتامعي ٍة واقتصادي ٍة ريعي ٍة غارق ٍة‬ ‫يف النمذجة‪ ،‬مع هيمنة الثقافة القبلية والدينية‬ ‫التي ت ُعيل من عوامل االنشطار وعدم التسامح‪،‬‬ ‫مام جعل املجتمعات العربية تعيش يف حركة ركو ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫وثبات وجمود‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعات وشعوبًا تعيش الحداثة املظهرية التي جعلتنا نركن‪ ،‬بل ونكتفي بوضعنا الحايل‪ ،‬فتغليف‬ ‫وهو ما خلق‬ ‫مجتمعاتنا بإنتاجات الغرب املادية جعل من اإلنسان العريب يكتفي من الحداثة ماديًا‪ ،‬وينكر عليها الفلسفات السياسية‬ ‫واالجتامعية الداعمة للتغيري وتداول السلطة وخلق اإلنسان الحر‪ ،‬فك ًرا وعقيد ًة ورأيًا‪.‬‬ ‫وهكذا أىت التفكري العقيل العريب كأحد عنارص ثقافتنا الغارقة بالتدين والقبلية‪ ،‬بعي ًدا ج ًدا عن القواعد واآلليات‬ ‫ومحتكم إىل الصدفة والتقليد‪ ،‬ومجاف ًيا لرشوط العقلنة التي‬ ‫العقالنية ليكون مشحونًا بالعاطفة‪ ،‬مع ّولً عىل النوايا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تربط املقدمات بالنتائج‪ ،‬حتى أصبح القرار السيايس‪ ،‬سوا ٌء الصادر من األنظمة العربية أو من الخيار الشعبي محكو ًما‬ ‫فضل عن اإلمالءات والتبعية‪.‬‬ ‫مبنطق األزمات وردود األفعال ً‬

‫اﻟﺤﺮﻳﺔ ﻟﺮاﺋﻒ ﺑﺪوي‬ ‫‪#FreeRaif‬‬ ‫ﻓﻲ اﻟﺴﺠﻦ ﻣﻨﺬ‬ ‫‪2012‬‬ ‫‪7‬‬


https://www.facebook.com/groups/arbathnetgroup

8


‫هل الله يخلق من عدم؟‬

‫سقراط بن رشد‬

‫ال نجد يف القرآن ترصي ًحا بالخلق من عدم‪،‬‬ ‫أيضا يف الحديث والتفسري‪ ،‬ففكرة الخلق‬ ‫وال ً‬ ‫عدم ظهرت الحقًا كر ٍد عىل الفالسفة‬ ‫من ٍ‬ ‫واملتكلّمني م ّمن قالو ب ِقدم العالَم‪ ،‬كام ال نجد‬ ‫فكرة العدم‪ ،‬بل نجد تصو ًرا لوجود يش ٍء ما‪،‬‬ ‫ونجد من كالم املعارصين يف ادعاء خلق الله‬ ‫مدعوم بالنص الديني‪،‬‬ ‫عدم غري‬ ‫ٍ‬ ‫للعامل من ٍ‬ ‫واضح لهم وكال َمهم ليس‬ ‫وال أعتقد أن هذا‬ ‫ٌ‬ ‫سوى ردة فعلٍ تجاه كالم املُلحد الذي يقول‬ ‫أن الله مل يخلق العامل‪.‬‬

‫‪9‬‬


‫هل الله يخلق‬ ‫من عدم؟‬

‫سقراط بن رشد‬

‫نوضح معنى الكلامت املتعلقة بالخلق يف القرآن وهي (خالق) و (بديع) و (فاطر)‪.‬‬ ‫بداي ًة ّ‬ ‫يقول ابن منظور يف كتابه (لسان العرب) وال َخل ُْق يف كالم العرب‪ :‬اب ِتداع اليشء عىل‬ ‫وكل يش ٍء خلَقه الله فهو ُمبْتَ ِدئه عىل غري مثا ٍل ُسبق إِليه‪ ،‬وقال‬ ‫ِمثا ٍل مل يُسبق إِليه‪ُّ :‬‬ ‫أَبو بكر بن األنباري‪ :‬الخلق يف كالم العرب عىل وجهني‪ :‬أَحدهام ا ِإلنْشاء عىل مثال‬ ‫أيضا‪ ،‬فاإلبداع هو اإلتيان بيش ٍء‬ ‫أَبْد َعه‪ ،‬واآلخر التقدير‪ ،‬ونجد هنا تعريف البديع ً‬ ‫عىل شكلٍ مل يُسبق‪ ،‬منها ونسمي الشخص مبدع‪ ،‬ومن ابن كثري قوله تعاىل‪« :‬بديع‬ ‫الساموات واألرض» أي‪ :‬خالقهام عىل غري مثا ٍل سبق‪ ،‬وقال مجاهد والس ّدي‪ :‬وهو‬ ‫مقتىض اللغة‪ ،‬ومنه يقال لليشء املحدث‪ :‬بدعة‪.‬‬ ‫الشق عن اليشء‪ ،‬يُقال‪ :‬فطرته‬ ‫أ ّما فاط ٌر من القرطبي‪ :‬والفاطر الخالق‪ ،‬والفطر ُّ‬ ‫فانفطر‪ ،‬وتفطّر اليشء تشقّق‪ ،‬والفطر االبتداء واالخرتاع‪ .‬وقال ابن عباس‪« :‬فاطر الساموات واألرض» بديع الساموات‬ ‫ٍ‬ ‫كلامت‬ ‫كل يش ٍء يف القرآن فاطر الساموات واألرض فهو‪ :‬خالق الساموات واألرض‪ ،‬إذًا الثالث‬ ‫واألرض‪ .‬وقال الضحاك‪ّ :‬‬ ‫عدم قبل‬ ‫فهم ملعنى ٍ‬ ‫خالق من ٍ‬ ‫تفيد نفس املعنى وهو اإلتيان بيش ٍء ال ِمثال ٌ‬ ‫سابق له وليس اإلتيان من عدم‪ ،‬ال نجد ً‬ ‫ظهور مسألة ِقدم العامل من الفالسفة‪.‬‬

‫لننظر اآلن إىل ما يقوله القرآن عن خلق العامل‬ ‫َّ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫ُ‬

‫َ​َ ْ‬

‫َّ َ َّ ُ‬ ‫الل الِي َخل َق َّ‬ ‫ك ْم َّ ُ‬ ‫﴿إِن رب‬ ‫ات َواأل ْر َ َض ِف س َِّتةِ أيَّا ٍم ث َّم ْاس َت َوى ع ال َع ْر ِش﴾‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َّ َّ َ َ َ َ ْ ُ ُ َ َ َْ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َو ُه َو الِي َخل َق َّ‬ ‫ات َواأل ْر َض ِف سِتةِ أيا ٍم وكن عرشه ع الماءِ﴾‬ ‫الس َم َو ِ‬

‫الس َم َوات واألرض يف ِستَّة أَيَّام من أَيَّام ال ُّدنْ َيا‪ .‬ومن الجاللني‪ :‬كان عرش‬ ‫يف تفسري الجاللني‪ :‬إِ َّن َربّ ُك ْم اللَّه الذي َخل َ​َق َّ‬ ‫شء‪َ ،‬وأَنَّ ُه َخل َ​َق‬ ‫الله عىل املاء قَ ْب َل أن يَ ْخلِق َّ‬ ‫الساموات واألرض‪ ،‬وجاء يف تفسري ابن كثري‪ :‬يُ ْخ ِب الله َع ْن قُ ْد َرته َع َل ك ُِّل َ ْ‬ ‫الس َم َوات واألرض ِف ِستَّة أَيَّام‪َ ،‬وأَ َّن َع ْرشه كَا َن َع َل ال َْمء‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫شى يَا أَ ْهل الْ َي َمن‪ .‬قَالُوا قَ ْد قَ ِبلْ َنا‪ ،‬فَأَ ْخ ِ ْبنَا َع ْن أَ َّول َهذَا األمر كَ ْيف كَانَ؟ ق َ​َال النبي‪ :‬كَا َن اللَّه‬ ‫وقد قال النبي‪ :‬اِقْ َبلُوا الْ ُب ْ َ‬ ‫وس ِئ َل النبي‪ :‬يَا َر ُسول اللَّه‪ ،‬أَيْ َن كَا َن َربّ َنا قَ ْبل أن‬ ‫شء‪ُ .‬‬ ‫شء‪َ ،‬وكَا َن َع ْرشه َع َل ال َْمء‪َ ،‬وكَتَ َب يف اللَّ ْوح الْ َم ْحفُوظ كل َ ْ‬ ‫قَ ْبل كل َ ْ‬ ‫السحاب) َما ت َ ْحته َه َوا ٌء‪َ ،‬و َما فَ ْوقَ ُه َه َوا ٌء‪ ،‬ث ُ َّم َخل َ​َق الْ َع ْر َش بَ ْع َدذلك‬ ‫يَ ْخلُق َخلْقه؟ فأجاب ً‬ ‫قائل‪ :‬كَا َن ِف َع َم ٍء (ال َع َمء هو َّ‬ ‫(عىل املاء)‪َ .‬وق َ​َال ابْن َجرِير‪ :‬كان َع ْرشه َع َل ال َْمء قَبْل أَ ْن يَ ْخلُق شَ يْئًا‪.‬‬ ‫‪10‬‬


‫هل الله يخلق‬ ‫من عدم؟‬

‫سقراط بن رشد‬

‫ولوح محفو ٌظ قبل أن يخلق الله السامء‬ ‫سحاب وهوا ٌء وما ٌء ٌ‬ ‫ال يوجد ذك ٌر للعدم هنا‪ ،‬بل توجد أشياء‪ ،‬فهناك‬ ‫وعرش ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫واألرض‪ ،‬وكام ذكر الخلق هو إحداثٌ جدي ٌد ال سابق له وهذا ال يعني عدم وجود يش ٍء آخر‪.‬‬

‫وننظر اآلن لخلق الساموات واألرض‬ ‫َ َ‬

‫َ‬

‫َّ‬

‫َ‬

‫ْ‬

‫َ‬

‫ْ‬

‫ُ َّ َ‬

‫َ​َ‬

‫ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ​َ ًَْ َ​ََْ ُ‬ ‫ك َف ُروا أن َّ‬ ‫ش ٍء َ ّ‬ ‫اه َما َو َج َعل َنا م ِْن ال َماءِ ك ْ‬ ‫ح أفال يؤمِن‬ ‫ات َواأل ْرض كنتا رتقا ففتقن‬ ‫﴿أ َول ْم يَ َرى الِين‬ ‫ون﴾‪.‬‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قال ابن منظور يف لسان العرب‪ :‬ال َّرت ُْق هو ضد ال َفتْق‪ ،‬وقال ابن سيده‪ :‬ال َّرت ُْق هو إلحام الفتْ ِق وإصالحه‪ .‬نقول‪ :‬رتقه‪،‬‬ ‫يرتقه‪ ،‬رتقا‪ ،‬فارتتق‪ ،‬أي التَأَم‪ .‬ونقول‪ :‬فتقه يفتقه فتقًا‪ ،‬أي شقَّه‪ ،‬فالفتق خالف الرتق‬

‫وعن ابن عباس‪ ،‬أن املعنى هو‪ :‬كانتا شيئًا واح ًدا‪ ،‬كانتا ملتصقتني‪ ،‬ففصل الله بينهام‪ ،‬ورفع السامء إىل حيث هي‪ ،‬وأق َّر‬ ‫األرض‪.‬‬ ‫اكم‪ ،‬بعضه فوق ٍ‬ ‫متصل بعضه ٍ‬ ‫بعض يف ابتداء األمر‪ ،‬ففتق هذه من‬ ‫ومن ابن كثري‪ :‬أي كان الجميع ً‬ ‫ببعض متالصقًا مرت ً‬ ‫هذه‪ .‬فجعل الساموات سب ًعا‪ ،‬واألرض سب ًعا‪َ ،‬وفصل بني سامء الدنيا واألرض بالهواء‪ ،‬فأمطرت السامء وأنبتت األرض‪،‬‬ ‫َ َ َ ْ َ ْ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ّ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫ون‬ ‫ح أفال يؤمِن‬ ‫الساموات رتقًا ال متطر‪ ،‬وكانت‬ ‫«كانت‬ ‫اس‪:‬‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ابن‬ ‫وقال‬ ‫﴾‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ولهذا قال‪﴿ :‬وجعلنا مِن الماءِ ك ش ٍء ٍ‬ ‫أهل فتق السامء باملطر‪ ،‬وفتق األرض بالنبات»‪.‬‬ ‫فلم خلق لألرض ً‬ ‫األرض رتقًا ال تنبت‪َّ ،‬‬ ‫إذًا كان هناك يش ٌء قام الله بفتقه ليخلق األرض والسامء‪ ،‬وهناك املاء يخلق منه الحي‪ ،‬وال توجد إشار ٌة أو دالل ٌة عىل‬ ‫أن هذا اليشء أو املاء ُخلق من عدم‪.‬‬ ‫حس ًنا لننظر اآلن آللية الخلق بالقرآن‪ ،‬ما نجده هو العبارة املشهورة «كن فيكون» وطبعا هناك من سيعرتض عىل كالمي‬ ‫هنا أ ّن كن فيكون تعني الخلق من عدم‪ ،‬وهذا غري صحيح‪ ،‬وما نجده هنا هو فعل أم ٍر وهذا يحتاج آلم ٍر ومأمور‪ ،‬وكام‬ ‫نحتاج لجه ٍة ت ُصدر األمر نحتاج لجه ٍة أخرى يصدر األمر إليها موجود ٌة عند صدور األمر‪ ،‬وكالعادة اختلف فيها املفرسون‬ ‫فهناك من قال بخصوص األمر للموجود‪ ،‬وهناك من حاول الخروج من اإلشكالية وقالوا أن أمر كُن «ال يتقدم وجود‬ ‫الذي أراد إيجاده وتكوينه‪ ،‬إرادته إياه‪ ،‬وال أمره بالكون والوجود‪ ،‬وال يتأخر عنه» وهذا ال يُفهم منه يش ٌء مفيد‪ ،‬وينفي‬ ‫وال يخربنا بيشء‪.‬‬ ‫والنقطة األهم هي أنهم أجازوا ذلك ومل يربهنوا عىل إمكانيته أو حتى أن هذا هو املعني املقصود‪ ،‬فعندما ننظر للقرآن‬ ‫صف الفهم األول بأن هذا أم ٌر ملوجود‪ ،‬واآلية التالية ستوضح لنا‬ ‫نجد األمثلة املذكورة يف ّ‬ ‫َ‬

‫َ‬

‫َ‬

‫ُ َ َ َ‬

‫َ ُ‬

‫ُ ُ ْ َ ُ‬ ‫َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َّ َ َ َ َ َ َ ُ ْ ُ َ‬ ‫اب ث َّم قال ل كن فيك‬ ‫ون﴾‬ ‫﴿إِن مثل عِيس عِند اللِ كمث ِل آدم خلقه مِن تر ٍ‬

‫‪11‬‬


‫هل الله يخلق‬ ‫من عدم؟‬

‫سقراط بن رشد‬

‫اب وليس‬ ‫نرى هنا بوضو ٍح أن الخلق ت ّم من تر ٍ‬ ‫عدم‪ ،‬بعدها صدر أمر كن‪ ،‬واألمر صدر لهيئة آدم‬ ‫اب وليس للعدم‪ٌ .‬‬ ‫ومثال آخر الستخدام أمر‬ ‫من تر ٍ‬ ‫كُن عندما أمر اليهود أن يكونوا قرد ًة وخنازير‪.‬‬ ‫مطابق ملا سبق حيث نجد شيئًا‬ ‫ما نجده هنا‬ ‫ٌ‬ ‫أو ماد ًة تتحول لشكلٍ آخر عرب عملية الخلق‪،‬‬ ‫ومفهوم التحول هذا سائ ٌد يف القرآن فالله يُخرج‬ ‫الحي من امليت وامليت من الحي‪ ،‬ومل يقل أخرج‬ ‫الحي من العدم‪.‬‬ ‫وإذا بحثنا يف القرآن عن مصري العامل سنجد ما يؤكّد فكرة التحول من شكلٍ آلخر هذه‪.‬‬ ‫َ‬

‫ّ ْ ُ‬

‫َ‬

‫ْ َ َ‬

‫ْ‬

‫ََْ َْ‬ ‫السجل ل ِلك ُتب ك َما بَ َدأنَا أ َّول َخلق نُع ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ َ َ َ‬ ‫يدهُ﴾‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿يوم نطوِي السماء كط ِ ّي ِ ِ ِ‬ ‫الس َم َو ُ‬ ‫ي األرض َو َّ‬ ‫﴿يَ ْو َم ُت َب َّد ُل األرض َغ ْ َ‬ ‫ات﴾‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الس َم َو ُ‬ ‫ِيها َما َد َام ْ‬ ‫ت َّ‬ ‫ِين ف َ‬ ‫ال َ‬ ‫ات َواأل ْر ُض﴾‬ ‫﴿خ ِ‬

‫ففي نهاية العامل أو القيامة السامء ت ُطوى وترجع لحالتها األوىل (ملتصق ًة) واألرض والسامء‬ ‫ت ُب ّدل ٍ‬ ‫وكل األوصاف األخرى‬ ‫ألرض وسام ٍء جديد ٍة ويبقي أهل الج ّنة وال ّنار خالدين فيها‪ّ ،‬‬ ‫للقيامة ال نجد فيها فنا ًء أو عود ًة للعدم فاألرض تزلزل والجبال ّ‬ ‫تدك والسامء تنشق‬ ‫والشمس والقمر يكوران والكواكب تُنرث‪ ،‬ولكن ال نجد إشار ًة لفناء العامل أو مكوناته وإمنا‬ ‫عملية تح ّول جديدة‪.‬‬ ‫سابق له‪ ،‬وأ ّن هذا يتم عن طريق‬ ‫مم تقدم رأينا أن ال َخلق هو صنع يش ٍء بدون مثا ٍل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ملتصق فت ّم فتْقه لخلق األرض‬ ‫تح ّول يش ٍء أو ماد ٍة من شكلٍ آلخر ‪ -‬كان هناك يش ٌء‬ ‫ٌ‬ ‫رش وأصبح آدم‪.‬‬ ‫اب ُخلق عىل شكل ب ٍ‬ ‫والسامء‪ ،‬وكان هناك تر ٌ‬ ‫والعامل لن ينتهي إىل فناء‪ ،‬بل سيتحول مجد ًدا ليش ٍء آخر‪.‬‬ ‫‪12‬‬


13


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬

‫سامل الدليمي‬ ‫ُولِد كونفوشيوس عام ‪ 551‬قبل امليالد يف مدينة «زو»‬ ‫إحدى مدن مقاطعة «لو» الصينية واسمه كونغ فوتيس‪ ،‬فأ ّما‬ ‫(كونغ) فهي اسم قبيلته‪ ،‬وأ ّما كلمة (فوتيس) فتعني الفيلسوف‬ ‫أو الرئيس‪ ،‬وهنا فإن اسمه (كونفوشيوس) يعني أنه رئيس قبيلة‬ ‫كونغ أو فيلسوفها‪ .‬ت ّ‬ ‫ُوف يف عام ‪ 479‬قبل امليالد بعد أن ّأسس‬ ‫مذهب الكونفوشيوسية والذي أصبح منه ًجا لإلمرباطورية الصينية‪.‬‬ ‫فأرىس بتعاليمه مبادئ سلوك التفاعل االجتامعي األخالقي بني‬ ‫األفراد وركّز من خالل هذه التعاليم عىل مبادئ ومناذج التعليم‪.‬‬ ‫‪鄒‬‬

‫‪14‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫كنت يف‬ ‫يقول كونفوشيوس عن نفسه‪« :‬عندما ُ‬ ‫فلم‬ ‫الخامسة عرش وقفت نفيس عىل االطالع‪ّ ،‬‬ ‫فلم أصبحت يف‬ ‫بلغت الثالثني توطّدت معلومايت‪ّ ،‬‬ ‫األربعني زالت شكويك ويف الخمسني م ّيزت إرادة‬ ‫السامء‪ ،‬ويف الستني كنت مستع ًدا لإلصغاء إليها‪ ،‬ويف‬ ‫تيس يل إطاعة رغبة قلبي دون أن أتجاوز‬ ‫السبعني ّ َ‬ ‫ما هو حق»‪.‬‬ ‫أيضا‪« :‬إنني ال أجأر بالشكوى ضد الشعائر‬ ‫ويقول ً‬ ‫وال ألقي باللوم عىل الناس‪ ،‬إ ّن مطالعايت ودراسايت‬ ‫– وإن كانت متواضع ًة – تخرتق أعىل مكانٍ ول َع ّل‬ ‫– قبل كل يشء – معروفًا لدى السامء»‪.‬‬ ‫والكونفوشيوسية تُنسب لهذا الفيلسوف الذي ظهر يف القرن السادس قبل امليالد‪ ،‬داعيًا إىل إحياء الطقوس والعادات‬ ‫والتقاليد الدين ّية التي ورثها الصين ّيون عن أجدادهم مضيفًا إليها جان ًبا من فلسفته وآرائه يف األخالق واملعامالت والسلوك‬ ‫القويم‪ ،‬وهي تقوم عىل عبادة إله السامء أو اإلله األعظم‪ ،‬وتقديس املالئكة‪ ،‬وعبادة أرواح اآلباء واألجداد‪ ،‬فهي ليست‬ ‫دي ًنا سامويًّا‪ ،‬لك ّن تعاليمها تدعو إىل ُخل ٍُق َح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وسلوك قويم‪ ،‬وقد كان املزج املُحكم بني الفلسفة الخلق ّية‬ ‫سليم‬ ‫ورأي ٍ‬ ‫ميد ٍ‬ ‫والتعاليم الدين ّية عىل أت ّم وضو ٍح يف الكونفوشيوس ّية (فلسفة كونفوشيوس)‪.‬‬ ‫الصني‪ ،‬تلك األ ّمة العظيمة العريقة بحضارتها وتراثها اإلنساين‪ ،‬رغم تعاقب‬ ‫األزمان واألجيال وتغري أحوال الصني إلّ أنها ظلّت وف ّي ًة لفالسفتها ومعلّميها‬ ‫وحافظت عىل روحها الثقافية وشخصيتها وآدابها القومية‪.‬‬ ‫ومن أبرز الشخصيات التي مثّلت روح الصني هو الحكيم «كون فوت‬ ‫سو»‪ ،‬ومن املعلوم أن القرنني الخامس والسادس قبل امليالد كانا من أعظم‬ ‫العصور الخصبة يف تاريخ الفكر اإلنساين‪ ،‬فكان يف الهند بوذا‪ ،‬ويف اليونان‬ ‫فيثاغورس وأرسطو وطاليس‪ ،‬ويف بالد الفرس كان زرادشت‪ ،‬وكان يف الصني‬ ‫حكيمها العظيم (كون فوت سو) كام يُلفَظ بالصينية وكونفوشيوس كام‬ ‫نلفظه نحن‪.‬‬ ‫‪15‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫محارب شجاع‪ ،‬وبعد وفاة والده‬ ‫ألب‬ ‫ٍ‬ ‫ُولد كونفوشيوس ٍ‬ ‫عاىن االبن الفقر والحرمان‪ ،‬ومع ذلك كان ت ّواقًا للتز ّود‬ ‫بحكمة أجداده الصينيني‪ ،‬وهذا ما أ ّهله إلشغال مناصب‬ ‫مهم ٍة يف والية «لو» فقد شغل مدي ًرا ألشغال القضاء‬ ‫وس ّن القوانني للوالية‪ ،‬حتى بلغ منصب رئيس وزراء‬ ‫الوالية ومع هذا بقي ينرش حكمته وتعاليمه بني الناس‬ ‫حتّى تح ّولت داره إىل ِقبل ٍة للطّالب من مختلف أنحاء‬ ‫الصني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واليات تُدار من ِق َبل حكا ٍّم يع ّينهم إمرباطور الصني‪،‬‬ ‫قسم ًة إىل‬ ‫كانت الصني وقتها من أعظم وأهم البلدان‪ ،‬وكانت ُم َّ‬ ‫التحض واملدنية‪،‬‬ ‫وكانت إحداها هي والية «لو» التي عاش فيها كونفوشيوس‪ ،‬فاستطاعت أن تحقق قفز ًة كبري ًة يف‬ ‫ّ‬ ‫فكانت مدين ًة مزدهر ًة عرصي ًة يف معايري ذلك الزمن‪.‬‬ ‫وكل ذلك كان لوجود كونفوشيوس وتأثريه فيها والذي عمل عىل س ّن القوانني والسهر عىل انتظام ق َيم وعمل العدالة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل أرجاء الصني‬ ‫مرتحل بني واليات الصني مو ّجها نًصحه للحكّام و ُمتَّ ِص ًل بالناس‪ .‬حيث ذاع صيته يف ِّ‬ ‫ً‬ ‫ومنها انتقل‬ ‫وانترشت تعاليمه وامت ّدت حتى األقاليم املجاورة للصني‪ ،‬وقد ُعر َِف عن كونفوشيوس ولَعه بالغناء والعزف واملوسيقى‪،‬‬ ‫عظيم من التعاليم والحكمة للصني‬ ‫وتويف حوايل عام ‪ 479‬قبل امليالد عن عم ٍر ناهز الثانية والسبعني عا ًما وترك إرث ًا‬ ‫ً‬ ‫ولإلنسانية جمعاء‪.‬‬ ‫وتعاليمه مل يكتبها بنفسه فهو كاملسيح وسقراط‪ ،‬تالمذته تولّوا مسؤولية تدوين تعاليمه وفلسفته‪.‬‬ ‫رشفون باالنتامء ألفكاره‪ ،‬وقد شَ ّيدوا له التامثيل وأُ ِّس َست‬ ‫وبلغت مكانته عند الشعب الصيني أ ّن ال ُحكامء واألباطرة يت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مناسبات وطني ًة لالحتفال يشارك بها جميع الشعب طو ًعا‪.‬‬ ‫مدارس تحمل اسمه‪ ،‬وصار يوم والدته ويوم وفاته‬ ‫ومع مرور الزمن ات ّخذ الكثري من تالمذته ومريديه سكنهم جوار قربه‪ ،‬ومع ازديادهم بدأت الرشوحات لتعاليمه وبدأت‬ ‫والشاح حتّى صارت الكونفوشيوسية مذه ًبا يُشبه الديانة عند البعض وأُس ِب َغت هال ٌة من‬ ‫بعض الخالفات بني اتباعه ُ ّ‬ ‫القداسة عىل كونفوشيوس ونشأت بعض الطقوس لتعظيمه ومتجيده‪.‬‬ ‫وهي بهذا تشبه تح ّول «الطاويّة» من فلسف ٍة إىل ديانة‪ ،‬كام هو الحال مع بوذا والبوذية‪ ،‬ويجدر بالذكر أ ّن تلك املذاهب‬ ‫لكل يش ٍء يَنظر بأحوال عباد ِه ل ُيجازيهم‬ ‫الدينية (الرشق آسيوية) هي ليست كاألديان اإلبراهيمية‪ ،‬فليس لها إل ٌه مدبّ ٌر ِّ‬ ‫ويحاسبهم‪ ،‬بل ديانات الرشق آسيوية هي تعالي ٌم يتبعها اإلنسان ُلتشده لل ُخلق السليم والراحة النفسية والتصالح مع الذات‪.‬‬ ‫‪16‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫ولو وصفنا فلسفة كونفوشيوس فسنوجز بالقول أنها فلسف ٌة حياتي ٌة عملي ٌة وال تتجاوز حياة اإلنسان وواقعه‪ ،‬فهي ال‬ ‫ٍ‬ ‫صفات لإلله وال قدراته وكيده و َمكرِه‪ ،‬ومل يهتم كونفوشيوس يف أرسار الكون وقوانني‬ ‫تبحث يف امليتافيزيقية وال ت ُص ّور لنا‬ ‫الطبيعة‪ ،‬فقد كان كل اهتاممه هو فهمه لإلنسان والعمل عىل إصالحه وتقوميه وبالتايل إصالح املجتمع‪ .‬فكانت فلسفته‬ ‫بسط ٍة وكانت يف متناول إدراك‬ ‫عملي ًة خالي ًة من الخرافات والغيبيات‪ ،‬فهي نزع ٌة إنساني ٌة خالص ٌة ذات ِحكم ٍة وتعاليم ُم ّ‬ ‫الجميع‪.‬‬

‫األبعاد األخالقية والسياسية لفلسفة كونفوشيوس‪:‬‬ ‫بكل تفاصيلها وتأث ّ َر وأث ّ َر فيها‪ ،‬لذلك كان البناء النظري‬ ‫منعزل كالصوفيني‪ ،‬بل عاش الحياة ّ‬ ‫ً‬ ‫مل يكن هذا الفيلسوف‬ ‫األخالقي عنده يستند لتجارب الواقع‪ ،‬ويرتكز عىل ثالثة أركانٍ ترتبط ببعضها وهي‪:‬‬ ‫التحل بها‪.‬‬ ‫‪ -1‬الفضيلة الواجب ّ‬ ‫‪ -2‬القاعدة السلوكية الواجب ات ّباع هديها‪.‬‬ ‫‪ -3‬الغاية النهائية وهي وصول اإلنسان إىل الحياة الفاضلة السعيدة‪.‬‬ ‫يؤمن كونفوشيوس أ ّن يف الطبيعة البرشية نزو ًعا‬ ‫فطريًا نحو الخري‪ ،‬وأ ّن اإلنسان يُولد نق ًيا يحمل مشاعر‬ ‫صادق ًة نبيل ًة‪ ،‬لك ّن هذا امليل الفطري للخري يتش ّوه‬ ‫بفعل الظروف الحياتية الصعبة فقد يفقد نتيجة‬ ‫ذلك استقامته وسعادته‪ ،‬فهو يرى أ ّن اإلنسان قاد ٌر‬ ‫عىل إصالح نفسه إذا ما عاد لصفائه وصحوة ضمريه‬ ‫ونقاء نفسه‪ ،‬فسيعود سعي ًدا‪ ،‬نرى أن كونفوشيوس‬ ‫يربط بني السعادة وسلوك الخري‪ .‬فالخري هو السعادة‪،‬‬ ‫والسعادة هي حياة الفضيلة‪.‬‬ ‫وأهم فضيلتني يركّز عليهام كونفوشيوس هام فضيلة «جيم» وفضيلة «يل» وتنضوي تحت خانتهام الكثري من القيم‬ ‫األخالقية‪ ،‬وفضيلة «جيم» متثّل القيم الواجب التحيل بها يف معاملة اآلخرين كحب الغري واحرتامهم ومساعدتهم‬ ‫والعطف عىل صغريهم وإعانة كبريهم والتكافل االجتامعي فيام بينهم‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫أما فضيلة «يل» فتمثّل مجموع ًة من القيم الذاتية كالصدق واألمانة ونظافة النفس واحرتام الذات والع ّزة والكرامة‪....‬‬ ‫إلخ‪ .‬فربأي كونفوشيوس إن إصالح املجتمع يبدأ بإصالح النفس‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫فام هو سبيل بلوغ تلك الفضيلة التي يعنيها كونفوشيوس؟‬ ‫يرى كونفوشيوس أ ّن األمر يرتكز عىل ركنني أساسيني‪:‬‬ ‫األول‪ :‬هو السعي للعلوم واملعرفة والحكمة‪ ،‬فالعلم نو ٌر والجهل ظالم‪ ،‬فاملتعلّم أقدر من الجاهل عىل متييز الخطأ حيث‬ ‫الخية والقوانني األخالقية املزروعة فطريًا يف داخله‪.‬‬ ‫يتفتّح عقله ملعرفة املبادئ ّ‬ ‫ونالحظ هنا أن كونفوشيوس وسقراط يتفقان عىل أ ّن الفضيلة هي املعرفة‪ ،‬وأن الرذيلة هي الجهل‪.‬‬ ‫مفروض حيث يُ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سلوكيات ميكن تلخيصها بتلك‬ ‫خضع الفرد نفسه للرتويض عىل تب ّني‬ ‫أما الركن الثاين‪ ،‬فهو أم ٌر ذايتٌ غري‬ ‫املقوالت‪« :‬عامل غريك كام تحب أن ت ُعا َمل‪ ،‬وافعل لغريك ما تحب فعله لنفسك»‪ ،‬وااللتزام بتلك القاعدة السلوكية‬ ‫األخالقية يتطلّب مراعاة أمرين مه ّمني أولهام‪:‬‬ ‫الرتكيز عىل القيمة األخالقية للفعل األخالقي (كأن تكون صادقًا‪ ،‬حتى لو تسبب ذلك بنتيج ٍة سلبي ٍة عليك‪ ،‬ألجل ذاته‬ ‫ال ألجل منفع ٍة أو كسب رىض اآلخرين)‪ ،‬فقيمة العمل اإلنساين برأي كونفوشيوس تكون يف ذات الفعل نفسه‪ ،‬وهذا‬ ‫يتطابق مع رأي الفيلسوف (إميانويل كانط) يف نظريته «أخالق الواجب»‪.‬‬ ‫والثانية هي االعتدال يف مامرسته‪ ،‬ويتمثّل هذا االعتدال بالح ّد الذي مينع الفرد من املبالغة يف مامرسة الفعل األخالقي‬ ‫من جهة‪ ،‬والتقليل من قيمة هذا الفعل من جه ٍة أخرى‪ .‬فالشجاعة عىل سبيل املثال قيم ٌة فضيل ٌة لكن املبالغة فيها‬ ‫يح ّولها إىل ته ّور‪ ،‬وتح ّول الكرم إىل إرساف‪ ،‬والرصاحة إىل وقاحة‪.‬‬ ‫فلو استطاع اإلنسان ترويض نفسه عىل ما سبق ذكره من تركي ٍز للفكر وإعام ٍل للعقل وإمنا ٍء للثقافة‪ ،‬والسعي نحو‬ ‫الخية واالحتكام للضمري‪ ،‬والجمع بني العمل األخالقي واالعتدال فيه وعمل كل ذلك برو ٍح‬ ‫املعرفة والعودة للطبيعة ّ‬ ‫خالي ٍة من األنانية‪ ،‬عندها سيصل إىل اإلنسان املثايل وتلك هي الغاية النهائية للوصول ملجتمعٍ يقرتب من الكامل‪.‬‬ ‫ويصف كونفوشيوس هذا اإلنسان بأنه‪« :‬املتَّ ِسم ِ‬ ‫بالحكمة واملُج ِّل ألهل العلم‪ ،‬املسيطر عىل رغباته املتواضع املعتز‬ ‫بنفسه واملستحق لثقة الناس واحرتامهم‪ ،‬يف حديثه أُل َف ٌة ويف خطاب ِه أ َدب‪ ،‬والنظافة يف يده ولسانه‪ ،‬ويُق ّدس األرسة‬ ‫حسه األخالقي السليم ويطمح نحو الكامل»‪.‬‬ ‫ويُحب الناس ويُحافظ عىل ّ‬ ‫‪18‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫الجانب السيايس يف فكر كونفوشيوس‪:‬‬ ‫نجد كونفوشيوس يعترب أن اإلنسان هو أمثن ما‬ ‫بالوجود‪ ،‬وهذا ما يتفق مع الفكر الشيوعي القائم‬ ‫حال ًيا يف الصني‪ ،‬لذا نجده منتق ًدا للطغيان واالستبداد‪،‬‬ ‫ويرى أن ال ُحكم هو وسيل ٌة لخدمة الناس وليس‬ ‫العكس وأ ّن صالح الرعية من صالح الحاكم وبالعكس‪.‬‬ ‫يتحل الحاكم بأعىل مراحل االلتزام بالقيم‬ ‫ويرى أ ْن ّ‬ ‫واملُثُل األخالقية وعليه أن يكون القدوة املُثىل‬ ‫للرعية‪ .‬فهذا سيقود أفراد حكومته إىل االلتزام التام‬ ‫حتم‬ ‫بخدمة املواطنني‪ ،‬وأ ّن تلك القيم املُثىل ستنتقل ً‬ ‫للموظفني ولعموم الناس‪.‬‬ ‫ويدعو الحكّام لثالث‪ :‬احرتام رشائع الطبيعة‪ ،‬وضامئر الرجال‪ ،‬وأهل الصالح‪.‬‬ ‫وبالجانب اآلخر يويص كونفوشيوس الحاكم بالش ّدة يف تنفيذ القوانني‪ ،‬ويدعو املعارضني إىل تج ّنب العنف‪ ،‬ويرى أ ّن‬ ‫لإلنسان حقوقًا مكتسب ًة طبيعيًا كحقّه يف الحياة والحرية واملساواة‪.‬‬ ‫لك ّنه مل يكن َمشاع ًيا (أي ال يؤمن مبشاعة امللكية لتصبح عام ًة‪،‬‬ ‫بل ش ّدد عىل امللكية الخاصة‪ ،‬وهذا ما يخالف النهج الشيوعي‬ ‫للثورة الصينية‪ ،‬لهذا اتهمته الحكومة الشيوعية بأنه ُمداف ٌع‬ ‫عن حقول الرأساملية والرجعية‪.‬‬ ‫وكان كونفوشيوس ينصح الحكّام برضورة كسب حب الرعية‬ ‫سيحصن البالد من أي مطامع للعدو‪ ،‬وذهب أكرث من‬ ‫فذلك‬ ‫ّ‬ ‫ذلك إىل تفصيالت السياسة الخارجية والداخلية وعن س ّن‬ ‫القوانني العادلة وما إىل ذلك من ٍ‬ ‫أسس للمدارس والتعليم‬ ‫ومناهجها‪.‬‬ ‫‪19‬‬


‫كونفوشيوس ‪孔子‬‬ ‫نبي الصني وفيلسوفها‬ ‫سامل الدليمي‬

‫وهذه جمل ٌة من أقواله‪:‬‬ ‫‪« -1‬إن الطيبة ال َحقّة‪ :‬هي أن تحب أخيك اإلنسان‪ ،‬وإن ال ِحكمة الحقّة‪ :‬هي معرفة إخوانك من بني اإلنسان»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫رشيف فال تنظر له‪ ،‬أو ألذنك فال تستمع له‪ ،‬أو لفمك فال تنطق به»‪.‬‬ ‫‪« -2‬إذا ُعر َِض لك يش ٌء غري‬ ‫أعي تُحدّ ق بك»‪.‬‬ ‫‪« -3‬ليكُن سلوكك كام لو أنّ هناك عرشة ُ ٍ‬ ‫‪« -4‬لو قال اإلنسان ما ٌيفكّر به بصدقٍ فس ُيصبح الحوار بني الناس مفيدً ا وقص ًريا»‪.‬‬ ‫‪« -5‬سلِّح عقلك بالعلم قبل أن تٌزيّن جسدك بالجواهر»‪.‬‬ ‫‪« -6‬العقل كاملعدة‪ ،‬املهم ما تهضمه وليس ما تبتلعه»‪.‬‬ ‫‪« -7‬تَجا ُوز الهدف كعدم بلوغه»‪.‬‬ ‫رصفه»‪.‬‬ ‫‪« -8‬الرجل املتف ّوق يو ّد أن يكون بطي ًئا يف أقواله‪ ،‬وجا ًّدا يف ت ّ‬ ‫‪« -9‬ما يبحث عنه الرجل املتفوق يف نفسه‪ ،‬يبحث عنه الرجل العادي يف اآلخرين»‪.‬‬

‫«ستقوم السامء بتعليم السيد كام الجرس الخشبي إليقاظ الجميع حتى يتبعوا الطريق الصحيح»‪.‬‬ ‫تعاليم كونفوشيوس ‪.24 :3‬‬ ‫‪20‬‬


‫ﻣﺠﻠﺲ اﻟﻤﺴﻠﻤﯿﻦ‬ ‫اﻟﺴﺎﺑﻘﯿﻦ ﻓﯽ ﺑﺮﯾﻄﺎﻧﯿﺎ‬

‫‪Council of Ex-Muslims of Britain‬‬ ‫‪www.ex-muslim.org.uk‬‬

‫ﻧﺤ‬

‫ﻦﻣ‬ ‫ﺴ‬ ‫ﻠ‬ ‫ﻤ‬ ‫ﻮ‬ ‫نﻧ‬

‫ﺒﺬ‬

‫ﻧﺎ دﻳﻨﻨﺎ‬

‫ﺑﱰﻛﻨﺎ اﻹﺳﻼم ﻧﻜﴪ ﻣﺤ ّﺮﻣﺎﺗﻪ‪ ،‬ﻟﻜﻨﻨﺎ ﰲ ذات اﻟﻮﻗﺖ ﻧﻌﻤﻞ ﻋﲆ ﺗﺪﻋﻴﻢ اﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﺤﻘﻮق واﻟﻘﻴﻢ اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ‬ ‫واﻟﻌﻠﻧﻧﻴﺔ‪ .‬وﰲ ﻧﺸﺎﻃﻨﺎ ﻧﻄﺎﻟﺐ ﺎﺎ ﻳﲇ‪:‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﻘﻮق اﻟﻌﺎﳌﻴﺔ واﻟﺘﺴﺎوي ﰲ اﳌﻮاﻃﻨﺔ ﺑ اﻟﺠﻤﻴﻊ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ ﰲ ﻧﻘﺪ اﻟﺪﻳﻦ‪.‬‬ ‫ﺑﺎﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ واﻹﻟﺤﺎد‪.‬‬ ‫ﻓﺼﻞ اﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ اﻟﺪوﻟﺔ واﻟﻨﻈﺎﻣ‪ ،،‬اﻟﻘﺎﻧﻮ واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ‬ ‫ﺣﻈﺮ اﳌررﺳﺎت واﻟﻌﺎدات واﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﻬﻚ ﺣﻘﻮق اﻟﻨﺎس وﺗﻀﻴﻖ ﻋﲆ ﺣ ّﺮﻳﺎﺗﻬﻢ‪.‬‬ ‫إزاﻟﺔ ﻛﻞ اﻟﻌﺎدات اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻀﻄﻬﺪ اﳌﺮأة وﺗﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻗﻬﺎ واﺳﺘﻘﻼﻟﻬﺎ‪ ،‬وﺣﻈﺮ ﻓﺼﻞ اﻟﺠﻨﺴ‪..‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺘﺪﺧﻞ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ أﻳﺔ ﺳﻠﻄﺔ ﻋﺎﺋﻠﻴﺔ أو رﺳﻤﻴﺔ ﰲ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ واﻟﻌﺎﻃﻔﻴﺔ واﻟﺠﻨﺴﻴﺔ ﻟﻠﻨﺎس‪.‬‬ ‫ﺣﻳﻳﺔ اﻷﻃﻔﺎل ﻣﻦ اﻟﺘﻼﻋﺐ ﺑﻬﻢ واﻹﺳﺎءة إﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ اﻟﺪﻳﻦ واﳌﺆﺳﺴﺎت اﻟﺪﻳﻨﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ اﻟﺪﻋﻢ اﻟﺮﺳﻤﻲ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺳﻮاء اﳌﺎدي أو اﳌﻌﻨﻮي‪.‬‬ ‫ﺣﻈﺮ ﺟﻤﻴﻊ أﻧﻮاع اﻟﺘﺨﻮﻳﻒ واﻟﺘﻬﺪﻳﺪ اﻟﺪﻳﻨﻲ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫األدب املنحول‬

‫الجزء األول‬ ‫املسكوت عنه‬ ‫يف العهدين القديم والجديد‬

‫نجِد أن الكثري من الناس‪ ،‬مبن يف ذلك املؤمنني‪ ،‬غال ًبا ما يقابلون الكتاب املقدس‬ ‫وكلامت الرب يف العهد الجديد بالالمباالة‪ ،‬بينام ينك ّبون حاملا يعلمون باكتشاف‬ ‫ٍ‬ ‫مخطوط ما عن يسوع املسيح‪ ،‬واالهتامم يزداد بقدر ما تزداد الغرابة‪.‬‬ ‫يف هذه املقالة سننظر إىل الكتب املنحولة املرتبطة بالعهدين القديم والجديد‪.‬‬ ‫فدراسة الكتب املنحولة للعهدين القديم والجديد تُعترب دراس ًة جامع ًة ال‬ ‫ميكن فيها فصل العهدين‪ ،‬وال ميكن بالتايل اختصار املسألة إىل فصل املسار‬ ‫اليهودي ‪ -‬التورايت عن املسار النرصاين – اإلنجييل‪.‬‬ ‫‪22‬‬

‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫وإن كانت مالمسة النقاط التي حاولت فيها بعض الكتابات‬ ‫املنحولة الخروج عن التيار اليهودي‪ -‬النرصاين تبدو أكيد ًة يف‬ ‫الكتابات غنوصية(‪ )1‬الطابع مثل إنجيل توما(‪ ،)2‬لكن الجانب‬ ‫الذي سوف نتناوله يتعلق مبخطوطات البحر امليت(‪ )3‬بشكلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫خاص هو‬ ‫جانب مشب ٌع بالفكر األسيني ‪ -‬النرصاين(‪ )4‬وقد ارتدى‬ ‫ٌ‬ ‫املعطف «املسيحي»‪.‬‬ ‫يهودي يف أصله‪ ،‬جمع بني التعلق بالتشدد‬ ‫وهذا الفكر هو فك ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫تجل مبا ُعرف باألدب‬ ‫الديني ومحاولة بناء تصو ٍر خاليص‪ّ ،‬‬ ‫الرؤيوي(‪ )5‬من جهة‪ ،‬واملنظور األخروي من جه ٍة أخرى‪.‬‬ ‫وقد عاد هذا الفكر لينسج بعد مخطوطات البحر امليت األسينية فك ًرا كنس ًيا «أخرويًا» نجد أصوله بوضو ٍح يف املخطوطات‬ ‫القمرانية‪ ،‬أو نجد مالم ًحا منه يف بعضها‪.‬‬ ‫‪ -1‬كلمة (الغنوصية) مشتق ٌة من الكلمة اليونانية ‪ γνοσισ‬أي (معرفة)‪ ،‬وقد أُطلقت عىل حرك ٍة ديني ٍة ظهرت يف شكلها املسيحي يف القرن الثاين‪ ،‬وثبت أن األصول الفكرية‬ ‫فعل يف الديانات الوثنية‪ ،‬وقد ظهرت الحركة أولً كمدرس ٍة أو مدارس فكري ٍة داخل الكنيسة‪ ،‬ورسعان ما انترشت يف‬ ‫للغنوصية املسيحية كانت يف نفس القرن‪ ،‬فقد كانت موجود ًة ً‬ ‫فعل طوائف مستقلةً‪ ،‬وبعض كتابات العهد الجديد املتأخرة مثل رسالة يوحنا األوىل والرسائل الرعوية رفضت‬ ‫مراكز مسيحي ٍة رئيسية‪ ،‬وبنهاية القرن الثاين كان الغنوصيون قد صاروا ً‬ ‫صو ًرا من التعليم الكاذب التي تتشابه مع نظام التعليم الغنويص الذي أشار إليه كتّاب القرن الثاين رغم أنها أقل منه تطو ًرا‪.‬‬ ‫‪ -2‬يعد توما واحدًا من رسل املسيح االثنى عرش‪ ،‬وقد ُولد يف العام األول للميالد وبالتحديد يف ‪ 21‬ديسمرب ومات يف العام الـ ‪73‬م‪ ،‬ويعرفه الكثريون بسبب اإلنجيل الذي يُنسب‬ ‫كتاب باسم إنجيل توما ويرجع للقرن الخامس امليالدى‪ .‬وإنجيل توما من األناجيل‬ ‫إليه واملسمى (إنجيل توما) وهو من بني املخطوطات املكتشفة يف نجع حامدي‪ ،‬حيث ُوجد ٌ‬ ‫املسيحية األوىل غري القانونية التي ُحفظت يف حال ٍة جيدة‪ ،‬وتم اكتشافه يف ديسمرب‪1945‬م‪ ،‬يف مجموع ٍة من الكتب تُعرف مبكتبة نجع حامدي‪ ،‬و ُعرث عليه ضمن مجموع ٍة من ‪52‬‬ ‫ٍ‬ ‫مقتطف من كتاب الجمهورية ألفالطون‪ ،‬أناجيل يُزعم أنها كُتبت مبعرفة فيليب‪ ،‬تلميذ عيىس‪ ،‬والباحثون يعتقدون أن األعامل أُخفيت ودُفنت نتيج ًة لرسال ٍة‬ ‫عمل تضمنت بجوار‬ ‫ً‬ ‫قول منسوبًا للمسيح‪ ،‬تقري ًبا نصف تلك األقوال تشبه‬ ‫من األسقف آثناثيوس (‪373-296‬م) الذي أعلن ألول مر ٍة قانونًا متشددًا للكتابات املسيحية‪ .‬والنص القبطي‪ ،‬يتكون من ‪ً 114‬‬ ‫تلك املوجودة يف األناجيل القانونية‪ ،‬بينام باقي األقوال مل تكن معروف ًة من قبل‪ ،‬ومكان صدور اإلنجيل قد يكون سوريا‪.‬‬ ‫‪ُ -3‬وجدت املخطوطات ألول مر ٍة يف عام ‪1946‬م يف كهوف قمران بالقرب من البحر امليت‪ ،‬وتضم حوايل ‪ 972‬مخطوط ًة قدمي ًة يف آالف القطع‪ .‬ومتت كتابة النصوص بشكلٍ‬ ‫أسايس‬ ‫ٍّ‬ ‫عىل جلود الحيوانات‪ ،‬وتتضمن أجزا ًء من الكتاب املقدس العربي‪ ،‬باإلضافة إىل مجموع ٍة متنوع ٍة من الوثائق‪ ،‬ومع ذلك مل يُعرف إال القليل عن الكاتب أو الكتبة الذين جاهدوا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫استنتاجات ذاتي ٍة وبالتايل مثري ٍة للجدل‬ ‫مخطوطات فردية ‪ -‬حيث مل يتم التوقيع عىل األعامل‪ .‬وعاد ًة ما يؤدي الفحص بالعني لخصائص األحرف املكتوبة عىل اللفائف إىل‬ ‫إلنتاج‬ ‫يف كثريٍ من األحيان‪.‬‬ ‫(نقل عن دائرة املعارف األمريكية)‪ .‬يحتل القديس أوغسطني‬ ‫رشبت يف الواقع الكثري من الفلسفات الكالسيكية ً‬ ‫‪ -4‬رغم رفض املسيحية للحضارة اليونانية والرومانية الوثنية‪ ،‬إال أنها ت ّ‬ ‫جذري يف الفكر «املسيحي»‪ .‬ووفقًا لدائرة املعارف الربيطانية الجديدة‪ ،‬كان «عقل أوغسطينوس هو البوتقة التي انصهر فيها كليًا دين‬ ‫مرك ًزا ال جدال فيه بني الذين كان لهم تأث ٌري‬ ‫ٌّ‬ ‫العهد الجديد مع التقليد األفالطوين للفلسفة اليونانية‪ .‬كام كان أيضً ا الوسيلة التى نُقل عربها نتاج هذا االنصهار إىل العاملني املسيحيني‪ :‬الكاثولييك الروماين يف القرون الوسطى‬ ‫والربوتستانتي يف عرص النهضة»‪ .‬وىف الواقع بقي إرث أوغسطينوس إىل اليوم‪ .‬فقد قال دوغالس ت‪ .‬هولدن عن مدى تأثري الفلسفة اليونانية يف العامل املسيحي‪« :‬لقد أصبح الالهوت‬ ‫مزيج من تسعة أجزا ٍء من الفكر اليوناىن مقابل جز ٍء ٍ‬ ‫حد ٍ‬ ‫املسيحي مندم ًجا إىل ٍ‬ ‫واحد من الفكر املسيحي»‪.‬‬ ‫بعيد يف الفلسفة اليونانية حتى أنه أنتج أفرادًا تفكريهم هو ٌ‬ ‫حسن املسيحية وهي يف مستهل منوها‪ ،‬أغنى تعليمها‪ ،‬وجعلها أكرث إقنا ًعا‪ .‬زكريا (مجدي)‪ :‬الفلسفة اليونانية ‪ -‬هل أغنت‬ ‫يؤمن بعض العلامء بشكلٍ راس ٍخ أن هذا التأثري الفلسفي ّ‬ ‫املسيحية؟ (‪ .)2-1‬الحوار املتمدن‪-‬العدد‪.12:26 - 14 / 8 / 2013 - 4184 :‬‬ ‫ٍ‬ ‫مستقيم‪ ،‬وهو ليس تاريخًا‬ ‫ًا‬ ‫ط‬ ‫خ‬ ‫يتبع‬ ‫ال‬ ‫ألنه‬ ‫ًا‪،‬‬ ‫مئ‬ ‫دا‬ ‫زه‬ ‫ي‬ ‫مت‬ ‫أن‬ ‫وميكنك‬ ‫ا‪.‬‬ ‫املقدس‬ ‫الكتاب‬ ‫يف‬ ‫يظهر‬ ‫تأكيد‬ ‫‪ -5‬يظهر األدب الرؤيوي يف العديد من األماكن يف العامل القديم‪ ،‬وبكل‬ ‫أيضً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫فتمثال بأجزا ٍء‬ ‫مستقيم‪ ،‬بل ميتلئ بالصور البالغية‪ .‬ليس األمر أن هذه الصور البالغية ال عالق ٍة لها بالتاريخ‪ ،‬بل هي ت ُستخدم يف الكثري من األحيان لتتنبأ مبا سيكون عليه املستقبل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مختلف ٍة يف سفر دانيال يتنبأ باإلمرباطوريات املتتابعة وأن األدب الرؤيوي يتميز بالظهور يف صور ٍة من الفسيفساء نو ًعا ما‪ .‬ويُسعدنا أن الكتاب املقدس ككلٍ ليس رؤيويًا‪ ،‬ألنه لو‬ ‫كان كذلك ألصبح رمبا لدينا صعوب ٌة يف فهمه‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫مدخل لدراسة منحوالت العهدين القديم والجديد‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫الفصل األول‪:‬‬

‫ٌ‬ ‫‪)1‬أصول لغوية ‪ -‬تاريخي ٌة للفظة «منحوالت»‪:‬‬

‫كلمة «منحول» مشتق ٌة من الكلمة الالتينية ‪ .apokryphus‬حيث أن ‪ apo‬تعني «بعي ًدا عن» الصفة و‪kruphis‬‬ ‫التي تعني «مخفي» أو « ُمخبأ»‪ ،‬وهي ترجع إىل أصلٍ يونا ٍّين كالسي ّ‬ ‫يك ‪ ،ἀπόκρυφος‬حيث نجدها عند هريودوت‬ ‫ويوريبيدس(‪ )6‬وكسينوفون(‪ )7‬وتأخذ لديهم معنى الرس‪.‬‬ ‫وفيام بعد استُخدمت يف األدب املسيحي لإلشارة إىل الكتابات املجهولة األصل‪ ،‬أو إىل الكتابات التي كانت تتناول‬ ‫مواضيع مامثل ًة ملواضيع العهد الجديد إمنا التي مل تكن مقبول ًة بني الكتب املقدسة‪ ،‬وبعبار ٍة أخرى الكتب التي كانت‬ ‫مستبعد ًة من الكنيسة الرسمية‪.‬‬ ‫ويف الحقيقة‪ ،‬فقد ارتبط أو اختلط إىل ٍ‬ ‫الساين‪ ،‬واجتمع املعنيان يف شكلٍ‬ ‫حد ما فهم املعنى الرسي للكتابات مع املعنى ِّ‬ ‫من الرتاث غري املطابق للفهم الرسمي الديني‪.‬‬ ‫وهذا تالزم األدب الرسياين(‪ )8‬املعروف يف منطقتنا املرشقية منذ ما قبل األدب التورايت واملسيحي بالطبع‪ .‬ونجد هذا‬ ‫أيضا‪ ،‬ونحن نعلم أن العديد من الرقيامت البابلية وغريها كانت تشري إىل‬ ‫املعنى منذ فرت ٍة مبكر ٍة ً‬ ‫ماثل يف أدب املرشق ً‬ ‫معلم من معامل القداسة الطقسية التي كانت تُ ا َرس يف املعابد القدمية (‪.)9‬‬ ‫رضورة حفظ التعاليم والكتابات التي متثّل ً‬ ‫رصا للروائيني اليونانيني‬ ‫اجيدي‬ ‫مرسحي تر‬ ‫‪ -6‬يُعترب يوربيديس ( ‪ 480‬ق‪.‬م ‪ 406 -‬ق‪.‬م ) ثالث شاع ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫إغريقي حسب التسلسل الزمني لظهور هؤالء الكتّاب‪ ،‬وكان يوربيديس معا ً‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫إسخيلوس وسوفوكليس‪ ،‬وكان ثالثتهم من أشهر روائيي اليونان القدمية‪ .‬كان يوربيديس رسا ًما‪ ،‬إال أنه احرتف األدب يف سنني حياته األخرية‪ ،‬وقد كتب عددًا كب ًريا من املرسحيات‪،‬‬ ‫عميق ودائ ٌم يف املرسح الغريب‪ ،‬ومن أشهرها‪ :‬ألسيستيس‪ ،‬وميديا‪ ،‬وهيبوليتوس‪ ،‬وأوريستيس‪ ،‬والكرتا‪ ،‬وكل هذه‬ ‫ْ‬ ‫وبقيت حوايل ‪ 20‬مرسحي ًة يُعتقد أنه كاتبها‪ ،‬وقد كان لها تأث ٌري ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات شهري ٍة يف امليثولوجيا اإلغريقية اليونانية أو التاريخ القديم‪ ،‬وتتميز كل هذه املرسحيات مبهارة حبكتها‪ ،‬وموضوعها الدرامي‪ ،‬وسهولة حوارها‪،‬‬ ‫املرسحيات ُس ّميت بأسامء‬ ‫ومحتواها املأساوي الرتاجيدي‪ .‬عزا املؤرخون اليونانيون القدماء وعىل رأسهم سويداس إىل يوربيديس اثنتني وتسعني مرسحيةً‪ ،‬ولكن يبدو أن عددًا منها قد فُقد يف العرص الذي‬ ‫تال الشاعر مبارش ًة والعصور التي تلته‪ ،‬ومنها من ارتاب النقاد يف صحة نسبتها إليه‪ .‬مل يبق من هذا العدد الضخم إلّ سبع عرشة رواي ًة وتراجيدي ًة ساتريوسي ًة واحدةً‪ .‬ومل يُعرف‬ ‫إال تواريخ ظهور سبعٍ منها‪ ،‬وها هي حسب الرتتيب الزمني يقي ًنا كان أو ترجي ًحا‪ :‬الكيستيس‪ ،‬ميديا‪ ،‬هيبوليتو‪ ،‬الرتواديات‪ ،‬هيلينية‪ ،‬لوريستيس‪ ،‬ايفيجينا يف أوليس‪ ،‬الباكوسيات‪،‬‬ ‫اندروماخيه‪ ،‬الهرياكليسيون‪ ،‬هيكوبيه‪ ،‬الضارعات‪ ،‬ايليكرتا‪ ،‬هرياكليس مخبوال‪ ،‬ايفجنيا يف توريس‪ ،‬يون‪ ،‬الفينيقيات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مرتزق‬ ‫وجندي‬ ‫خ‬ ‫ومؤر‬ ‫م‬ ‫قدي‬ ‫ين‬ ‫يونا‬ ‫فيلسوف‬ ‫وهو‬ ‫امليالد)‬ ‫قبل‬ ‫‪354‬‬ ‫‪ -7‬زينوفون أو كسينوفون‪ ،‬باإلنجليزية (‪)Xenophon‬‏وباليونانية ‪)Ξενοφῶν(:‬‏ ُولد عام ‪ 430‬تقري ًبا – وتويف‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫وكان أحد طالب سقراط‪ُ .‬عرف زينوفون بتأريخه لزمانه املعارص يف أواخر القرن الخامس وأوائل القرن الرابع قبل امليالد‪ ،‬حيث يروي عمله «هيلينيكا» السنوات السبع األخرية‬ ‫للحرب البيلوبونيسية وآثارها (‪ 404–431‬قبل امليالد)‪ ،‬ويُعترب استمرا ًرا لتاريخ ثوسيديديس للحرب البيلوبونيسية‪ .‬كان أحد املرتزقة اليونانيني “العرشة آالف” الذين شاركوا أيضً ا يف‬ ‫مهم عن سقراط مثل زميله‬ ‫حملة قورش األصغر الفاشلة للمطالبة بعرش الدولة األخمينية من أخيه أردشري الثاين‪ ،‬ورسد هذه األحداث يف كتاب أناباسيس‪ .‬يُعترب زينوفون مصد ًرا ً‬ ‫أفالطون (‪ 427-347‬قبل امليالد)‪ ،‬وكتب عنه العديد من كتب الحوارات (التذكارات) ودفاع سقراط أمام هيئة املحلفني‪ ،‬الذي يروي محاكمة الفيلسوف يف عام ‪ 399‬قبل امليالد‪.‬‬ ‫ورغم كونه مواط ًنا أثين ًيا‪ ،‬إال أن زينوفون كان مرتبطًا أيضً ا مبدينة إسربطة‪ ،‬العدو التقليدي ألثينا‪ .‬كانت سياسته املؤيدة لحكم القلة‪ ،‬وحروبه تحت قيادة الجرناالت اإلسربطيني‬ ‫يف الحملة الفارسية ومعارك أخرى‪ ،‬وصداقته مع امللك أجيسالوس الثاين‪ ،‬كلها عوامل قربته من اإلسربطيني‪ .‬تحوي بعض أعامله تحي ًزا لإلسربطيني‪ ،‬وال سيام سرية امللك أجيسالوس‬ ‫وصفه‬ ‫ودستور اإلسربطيني‪ .‬تشمل أعامل زينوفون أصنافًا عديد ًة وهي مكتوب ٌة بلغة أهل أتيكا‪ ،‬ولهذا السبب فهي تُ ثل متري ًنا لطالب الرتجمة املعارصين من اللغة اليونانية القدمية‪َ .‬‬ ‫ديوجينس اليرتوس يف سريته عن الفالسفة البارزين بأنه «إله‪ ،‬إلها ٌم من أتيكا» ألسلوبه السلس يف اإللقاء‪.‬‬ ‫‪ -8‬ارتبط األدب الرسياين يف نشأته بانتشار املسيحية‪ ،‬إال أن جذوره التاريخية أبعد من ذلك بكثري‪ ،‬حيث تعود إىل اآلداب اآلرامية التي ترقى إىل القرن التاسع ق‪.‬م‪ ،‬حيث ظهرت‬ ‫الكتابات األوىل يف بالد ما بني النهرين‪ .‬وأ ُوىل معامل األدب الرسياين تعود إىل قصة أحيقار الحكيم‪ ،‬كاتب امللك سنحاريب‪ ،‬والتي ترجع إىل القرن الخامس ق‪ .‬م‪ ،‬مام يدل عىل مدى‬ ‫أهمية اللغة اآلرامية وآدابها يف معظم بالد املرشق آنذاك‪ ،‬وميكن اعتبارها الحلقة األوىل يف األدب اآلرامي‪ .‬لقد مر األدب الرسياين مبراحل عد ٍة يف القرون امليالدية األوىل‪ ،‬وخاص ًة يف‬ ‫مجال الكتابات التي ُعرث عليها يف الرها عاصمة مقاطعة أرسونيا‪ ،‬وقد لعبت دو ًرا ها ًما يف نشأة األدب اآلرامي ثم الرسياين وتطوره وازدهاره حتى أُطلق عليها مهد األدب اآلرامي‪.‬‬ ‫‪ -9‬راجعوا مقالتي‪« :‬الرب والجنس»‪ ،‬العدد ‪ 95‬من مجلة امللحدين العرب‪ ،‬أكتوبر ‪.2020‬‬

‫‪24‬‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫وينعكس ذلك الحقًا يف سفر دانيل(‪ )10‬حيث يشار إىل رضورة أن «تُحفظ‬ ‫رسية» عبارات الكتاب أو اللوح «املحفوظ حتى نهاية الدهور»‪ .‬وقد‬ ‫أشري يف كتاب عزرا الرابع(‪ ،)11‬وهو من الكتب التي تصنف يف األدب‬ ‫الرؤيوي‪ ،‬ويعود إىل نهاية القرن األول للميالد‪ ،‬إىل رضورة نرش الكتب‬ ‫األربعة والعرشين [الكتب املقدسة] بني الناس‪ ،‬يف حني يجب حفظ‬ ‫الكتب السبعني األخرى للمساررين‪ ،‬أي للحكامء‪ .‬ومن هنا فإن كلمة‬ ‫«مخفي» التي كانت مطبق ًة يف حضارات املرشق القديم‪ ،‬ويف اليهودية‬ ‫عىل الكتابات املقدسة مل تكن تعني بالرضورة مع ًنى محق ًرا لهذه‬ ‫الكتب‪ .‬وهكذا فقد أُطلقت يف اليهودية لفظة «املخفية» غنوزيم‬ ‫גננוזים من الجذر غاناز גנז ومنها اشتقت الغنيزاه גניזה عىل‬ ‫ألسباب مادي ٍة أو ظرفي ٍة من‬ ‫الكتب التي كان يجب إخفاؤها أو سحبها‬ ‫ٍ‬ ‫التداول بني أيدي الناس‪.‬‬

‫حاوية غنيزاه معارصة تحوي أغراضً ا مقدس ًة مل تعد‬ ‫ككتب مقدسة‪.‬‬ ‫مستخدمةً‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫ٍ‬ ‫ونقاش وكانوا يط ّبقون‬ ‫وأُطلق املصطلح نفسه أو الصفة نفسها عىل الكتب التي كانت قداستها ال تزال موضع جد ٍل‬ ‫أيضا هذا املصطلح عىل الكتابات التي كانت ال تزال نوعيتها مثار جد ٍل يف نسبتها إىل الكتب املقدسة‪ ،‬والتي تختلف عن‬ ‫ً‬ ‫الكتابات التي «تدنس» األيدي أو الكتابات املقدسة‪.‬‬ ‫‪ -10‬سفر دانيال هو سف ٌر أخروي من أسفار العهد القديم‪ ،‬ويعود تاريخه إىل القرن الثاين ق‪.‬م وهو يجمع بني النبوءة والتاريخ وعلم اآلخرات‪ ،‬وهي كوني ٌة من حيث النطاق‬ ‫والسياسة يف تركيزها‪ .‬ويف لغ ٍة أكرث دنيويةً‪ ،‬هو “رس ٌد ألنشطة ورؤى دانيال‪ ،‬النبي اليهودي يف املنفى يف بابل”‪ ،‬ورسالته هي أنه مثلام أنقذ إله إرسائيل دانيال وأصدقاءه من أعدائهم‪،‬‬ ‫لذلك هو سوف ينقذ إرسائيل كلها يف قمعها الحايل‪ .‬يوجد السفر يف جزء أسفار الكتابات‪ ،‬بينام يف الكتاب املقدس املسيحي ُجمع مع األنبياء الرئيسيني‪ .‬ينقسم الكتاب إىل قسمني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫حكايات قضائي ٍة يف اإلصحاحات‪ .1-6‬تليها أربع رؤًى عن نهاية العامل يف اإلصحاحات ‪ .7-12‬تحتوي األسفار القانونية الثانية عىل ثالث ٍ‬ ‫قصص إضافية‪ .‬يعود تأثري‬ ‫مجموع ٌة من ست‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫السفر إىل العصور التالية‪ ،‬من مخطوطات البحر امليت ومؤلفي األناجيل وسفر الرؤيا‪ ،‬إىل حركات مختلفة من القرن الثاين إىل اإلصالح الربوتستانتي وحركات األلفية الحديثة والتي‬ ‫عميق عليها‪.‬‬ ‫ال يزال لها تأث ٌري ٌ‬ ‫‪ -11‬هو يحتوي عىل ما يوصف بأنه رؤى عزرا أثناء السبي بعد تدمري أورشليم وفيها حكم ٌة جميل ٌة ِ‬ ‫والسفر األصيل يبدأ من اإلصحاح ‪ 3‬إىل اإلصحاح ‪ ،14‬ويُعترب اإلصحاح الثالث هو‬ ‫البداية الحقيقية للكتاب‪ ،‬ويبدأ بصال ٍة تشغل كل اإلصحاح‪ ،‬واستجاب ًة لهذه الصالة يرسل الله أورئيل املالك الذي يعلن لعزرا – برمو ٍز مختلفة ‪ -‬خطة الله بالنسبة إلرسائيل‪ ،‬وذلك‬ ‫حتى منتصف اإلصحاح الخامس‪ ،‬ويشكّل هذا الجزء الرؤيا األوىل‪ .‬وبعد صوم سبعة أيامٍ يظهر أورئيل مر ًة أخرى لعزرا ويبدأ ذلك بالصالة أيضً ا كام يف الرؤيا األوىل‪ ،‬ثم تعقب ذلك‬ ‫سلسل ٌة من األسئلة‪ ،‬الغرض منها إظهار محدودية فهم اإلنسان‪ ،‬وعندما تنتهي هذه األسئلة‪ ،‬يروي أورئيل لعزرا تاريخ العامل منذ الخليقة وتنتهي هذه الرؤيا يف ‪ ،35 :6‬وللرؤيا الثالثة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ووصف كاملٍ للوياثان‬ ‫إضافات بالغي ٍة‬ ‫أهمي ٌة خاصة‪ ،‬فقد كان سبعون عددًا منها مفقودًا ومل يُكتشف إال مؤخ ًرا‪ .‬وتروي هذه الرؤيا قصة الخليقة كام هي يف سفر التكوين مع‬ ‫وبهيموث‪ ،‬كام يرى عزرا يف الرؤيا صهيون الساموية كمكانٍ يصعب بلوغه‪ .‬والجزء الذي اكتُشف حديثًا‪ ،‬يتحدث عن مكان العقاب‪ ،‬كام يرد فيه ذكر الفردوس‪ ،‬وينتهي هذا الجزء‬ ‫كاتب آخر (‪ .)20 :8‬وتبدأ الرؤيا الرابعة من ‪ ،26 :9‬وفيها يرى عزرا امرأ ًة تبيك‪ ،‬تعب ًريا عن صهيون‪ .‬ثم تتحول املرأة إىل مدينة (‪ .)27 :10‬والرؤيا الخامسة‬ ‫واضح أنها من إنشاء ٍ‬ ‫بصال ٍة ٌ‬ ‫رس له ثالثة ٍ‬ ‫رؤوس واثني عرش جنا ًحا‪ ،‬ويفرس ذلك باإلمرباطورية الرومانية‪ ،‬كام تذكر مثانية أجنح ٍة أخرى‪ ،‬ثم يظهر أس ٌد يوبخ النرس ذا االثنى عرش جنا ًحا‪،‬‬ ‫وهي أهمها‪ ،‬تبدأ بظهور ن ٍ‬ ‫ثم يُقتل النرس‪ .‬واألسد إشار ٌة إىل املسيا وملكوته‪ .‬وتبدأ الرؤيا السادسة باإلصحاح الثالث عرش‪ ،‬وتتحدث عن مجيء املسيح‪ .‬ونجد يف الرؤيا السابعة إعادة كتابة األسفار بإمالء عزرا‬ ‫واالحتفاظ بالسبعني سف ًرا الرسية املقدسة‪ .‬واإلصحاحات األخرية من نفس القلم الذي كتب اإلصحاحني األولني‪ ،‬وقد ض ّمها فريتز ودعاها إسدراس الخامس‪ .‬وهو سف ٌر كاتبه ينقل‬ ‫بعض األشياء الشفوية التي كانت منترش ًة يف هذا الزمان‪ ،‬ولكنه مؤك ٌد أنه كُتب يف نهاية القرن األول امليالدي وهو سف ٌر غري قانو ٍّين‪ ،‬ولكنه يصلح لدراسة فكر هذا الزمان لليهود‪.‬‬ ‫واإلصحاحان األوالن مكتوبان عىل منط نبوءات (موقع األنبا تكال هيامنوت‪ ،‬تراث الكنسية القبطية األرثوذكسية)‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫ٍ‬ ‫ككتابات مهرطقة‪ ،‬وخاص ًة‬ ‫باملقابل‪ُ ،‬س ّميت الكتابات املعتربة‬ ‫الكتابات اليهودية النرصانية منها‪،‬‬ ‫سفاريم حيتسونيم הספרים החיצוניים‪ ،‬أي «الكتابات‬ ‫ٍ‬ ‫ككتابات ال يجب أن يطّلع عليها‬ ‫وصنفت مذ ذاك‬ ‫الغريبة»‪ُ ،‬‬ ‫كل الناس‪ ،‬ال يف االجتامعات العامة وال بشكلٍ فردي‪.‬‬

‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫نستطيع القول بيق ٍني إذًا أن لفظة ‪ apokruphos‬اليونانية‬ ‫ورسي وليس لها أي مع ًنى تحقريي‪.‬‬ ‫خفي‬ ‫ٌ‬ ‫كانت تشري إىل ما هو ٌ‬ ‫وقد استخدم هذا املصطلح عد ٌد من املؤلفني املسيحيني خاصة إيريناوس(‪ Irenaeus )12‬وترتوليانوس(‪Tertullianus )13‬‬ ‫من القرن الثاين للميالد وعوسيب وأثناثوس ‪ Athanasius‬من القرن الرابع‪.‬‬ ‫تقني كان‬ ‫يف إطار العديد من الجداالت التي نشأت ضد الهرطقة‪ ،‬وربطوها مبصطلح ‪ ،νόθος nothos‬وهو‬ ‫ٌ‬ ‫مصطلح ٌّ‬ ‫مستخ َد ًما يف النقد النيص اإلسكندراين ويشري إىل الكتابات الهجينة (أو غري الرشعية)‪ ،‬أي التي نشأت من أصو ٍل غري رشعي ٍة‬ ‫أو باألحرى مل تعترب رشعي ًة‪.‬‬ ‫نوعي ملصطلح املنحول (األبوكريف) يف ٍ‬ ‫مسيحي عند إيرينه الليوين(‪ )14‬حيث استخدمه يف‬ ‫وسط‬ ‫ونجد أول‬ ‫ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫استخدام ٍّ‬ ‫إطار الجدل مع الغنوصيني‪.‬‬ ‫‪ -12‬إيرينيئوس‏؛ باللغة اليونانية (‪( )Εἰρηναῖος‬القرن الثاين امليالدي ‪ -‬نحو عام ‪ 202‬م)‪:‬‬ ‫علم وجز ًءا من اإلمرباطورية الرومانية (اآلن هي مدينة ليون بـ فرنسا)‪ .‬وكان القديس إيرينيئوس أحد أشهر آباء الكنسية‬ ‫هو أسقف مدينة لوغدونوم يف بالد الغال‪ ،‬ثم أصبح ً‬ ‫ً‬ ‫األوائل ومن أهم املدافعني عن العقيدة املسيحية‪ ،‬وكانت كتاباته تقوميية خالل فرتة بداية انتشار ومنو علم الالهوت املسيحي‪ .‬كام كان مستم ًعا لألسقف بوليكاربوس‪ ،‬والذي كان‬ ‫كتب العديد من الكتب أهمها كتابه الشهري ‪ Adversus Haereses‬أو ضد الهرطقات (حوايل عام ‪ 180‬م)‪ ،‬حيث قدّم فيه تفنيدًا‬ ‫بدوره حواريًا وتاب ًعا للقديس يوحنا اإلنجييل‪َ .‬‬ ‫مفصل لفضح الغنوصية‪ ،‬التي كانت ت ُعد آنذاك خط ًرا حقيقيًا يهدد الكنيسة‪ ،‬خاص ًة الفكر الغنويص امل ُنتمي ملدرسة فاالنتينوس الغنويص‪ ،‬والذي يُعد أحد أشهر وأنجح‬ ‫ً‬ ‫وهجو ًما‬ ‫خاصة هيئة األساقفة‬ ‫األساسية‪،‬‬ ‫الكنيسة‬ ‫ومقومات‬ ‫عنارص‬ ‫عن‬ ‫ا‬ ‫ري‬ ‫كث‬ ‫إيرينيئوس‬ ‫القديس‬ ‫تحدث‬ ‫الالهوت‪،‬‬ ‫علامء‬ ‫أهم‬ ‫من‬ ‫ًا‬ ‫د‬ ‫واح‬ ‫وباعتباره‬ ‫املبكرين‪.‬‬ ‫املسيحيني‬ ‫الغنوصيني‬ ‫الالهوتيني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والكتاب املقدس والتقليد الكنيس‪ .‬وخالل دفاعه عن املسيحية ضد البدع الغنوصية التي تزعم امتالكها تعاليم شفهي ًة تعود للمسيح نفسه‪ ،‬أكد أيضً ا أن جميع القساوسة يف مختلف‬ ‫املؤسسة من ِقبَل الرسل هي وحدها القادرة عىل تقديم تفسريٍ قويمٍ وصحي ٍح آليات الكتاب املقدس‪ .‬كام‬ ‫املدن هم رسل ‪ -‬وال أح ٌد منهم كان غنوصيًا ‪ -‬وأضاف ً‬ ‫قائل‪ :‬إن الكنائس َّ‬ ‫ٍ‬ ‫شاهد أدرك وحاول‬ ‫ت ُعد كتاباته مع القديس كليمنت والقديس إغناطيوس واحد ًة من العالمات األوىل الدالة عىل انتشار وسيادة تعاليم مذهب األبرشية الرومانية‪ .‬كام يُعد أول‬ ‫برهنة تطبع األناجيل األربعة بالطابع املسيحي الكنيس‪.‬‬ ‫‪Church (New York: Oxford University Press, 2005),‬‬ ‫‪Cross, F. L., ed. The Oxford Dictionary of the Christian.‬‬ ‫‪Caesar and Christ (New York: Simon and Schuster, 1972).‬‬ ‫ٍ‬ ‫مهم‬ ‫مسيحي مبك ٌر بونيقي‪ ،‬وأول من كتب‬ ‫أمازيغي‬ ‫مؤلف‬ ‫‪ -13‬ترتليانوس بالالتينية ‪ Tertullianus‬أو ترتليان (حوايل ‪ 160‬إىل ‪220‬م) هو ٌ‬ ‫كتابات مسيحي ًة باللغة الالتينية‪ .‬كان ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يف الدفاع عن املسيحية ومعاداة الهرطقات‪ .‬وقد أُطلق عىل ترتليان “والد املسيحية الالتينية”‪ ،‬و”مؤسس الالهوت الغريب” وكان وراء إعطاء أول رش ٍح للعقيدة املسيحية من األفكار‬ ‫ٍ‬ ‫أشخاص أو أقانيم‪ ،‬ماد ًة واحد ًة باللغة الالتينية‪ ”tres Personae, una Substantia “ :‬وهي من اليونانية الكوينية “ ‪treis Hypostases,‬‬ ‫األخرى التي ت ُظهر يف كتاباته “ثالثة‬ ‫‪ ،”Homoousios‬وأيضً ا عبارة العهد القديم “ ‪ ”vetus testamentum‬والعهد الجديد “ ‪..”novum testamentum‬‬ ‫‪T.D. Barnes, Tertullian: a literary and historical study Oxford, 1971.‬‬ ‫‪ -14‬عزرا الرابع‪ XIV)، 45 ،‬ـ ‪.)47‬‬

‫‪26‬‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫مخصصا للنخبة أو للمساررين يف عقيد ٍة ما أو‬ ‫وهكذا مل يعد «املنحول» كتابًا أو مؤلفًا كان الوصول إليه أو إىل معناه‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫وفاسد وغري أصيل‪ .‬وبعبار ٍة أخرى‪ ،‬فإن الكتاب املنحول يوافق‬ ‫رشعي‬ ‫كتاب غري‬ ‫التباع فئ ٍة معينة‪ ،‬بل أصبح يشري إىل ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫وفاسد وغري أصيل‪.‬‬ ‫رشعي‬ ‫كتابًا مخفيًا ورسيًا وغري‬ ‫ٍّ‬ ‫ظهر بعد ذلك معنى آخر للفظة «منحول»‪ ،‬فقد ص ّنفت السلطات املسيحية بني‬ ‫الكتب «الرسية» ‪ -‬كام فعلت بالنسبة للكتب الغنوصية التي ص ُنفت عىل أنها‬ ‫«منحولة» ‪ -‬الكتب اليهودية التي كانت السلطات اليهودية نفسها قد استبعدتها‪،‬‬ ‫كتب كانت قد شهدت لدى املسيحيني أنفسهم شهر ًة وشعبي ًة واسع ًة‪ ،‬وهي‬ ‫وهي ٌ‬ ‫كتب تنتمي إىل نوع الكتب الرؤيوية‪ ،‬وشكلها ومحتواها ينحو بشكلٍ‬ ‫يف أغلبها ٌ‬ ‫كبريٍ إىل الرسانية‪ ،‬والتي نصنفها اليوم عىل أنها «منحوالت العهد القديم»‪ .‬وبهذا‬ ‫املعنى إمنا يتكلم أوريجينس(‪.Origènès )15‬‬ ‫نت مكتشفات نجع حامدي أن املؤلفني الغنوصيني كانوا‬ ‫عن مثل هذه الكتابات عىل أنها كتاباتٌ منحولة‪ .‬وقد بيّ ْ‬ ‫يُق ّدمون تعاليمهم عىل أنها «عقيد ٌة رسية»‪ ،‬بل وتحمل إحدى الوثائق عنوان «منحول يوحنا»‪ .‬ونعرف عرب التاريخ إىل‬ ‫أي ٍ‬ ‫كأدب «مزيف»‬ ‫حد جرت محاربة األدب الغنويص‬ ‫ٍ‬ ‫عىل يد اآلباء األوائل أو الكتّاب الكنسيني من القرنني‬ ‫الثاين والثالث‪ .‬وهكذا أصبحت لفظة «منحول» مرادفًا‬ ‫لـ«مهرطق»‪ .‬وكان إيريناوس نفسه من قا َرب بني‬ ‫أبوكريفوس ‪( apokryphos‬املنحول) ونوثوس ‪nothos‬‬ ‫(أي «معيب» أو «مفسد»)(‪ ،)16‬ومن جهته استخدم‬ ‫ترتوليانوس ‪ Tertullianus‬لفظة أبوكريفا ‪apocrypha‬‬ ‫بالالتينية كمكافئ ٍة لـ «مزيف» أو «معيب»(‪.falsa ،)17‬‬ ‫‪ -14‬عزرا الرابع‪ XIV)، 45 ،‬ـ ‪.)47‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -15‬أوريجينس (‪254-185‬م) (‪ )Ὠριγένης- Origénés‬كان من أبرز أوائل آباء الكنيسة املسيحية‪ .‬تويف يف قيصاريا ‪ 254‬م‪ .‬كتاباته هامة بوصفها واحد ًة من أوىل املحاوالت‬ ‫الفكرية لوصف املسيحية‪ .‬اشتهر أيضً ا مبساندته وتشجيعه للمؤمنني الذين يتعرضون لالضطهاد وكان يق ّويهم يف اإلميان حتى يستشهدوا‪ .‬ووصل إىل أن يكون مدي ًرا ملدرسة‬ ‫رئيسا ملدرسة اإلسكندرية الالهوتية خلفًا ألكليمنضس اإلسكندري‪ .‬كان ن َِشطًا‬ ‫اإلسكندرية املسيحية وهو يف سن الثامنة عرشة بعد أن عيّنه البابا دمييرتيوس األول البطريرك الـ ‪ً 12‬‬ ‫يف تفسري الكتاب املقدس والدراسات اإلنجيلية امل ُقارنة‪ .‬وقد كتب أكرث من ‪ 6000‬تفسريٍ للكتاب املقدس‪ ،‬باإلضافة إىل كتاب «هيكسابال» الشهري‬ ‫(موسوعة تاريخ أقباط مرص نسخ ٌة محفوظ ٌة ‪ 23‬يوليو ‪ 2017‬عىل موقع واي باك مشني)‪.‬‬ ‫املوسوعة العربية املسيحية‪ :‬نؤمن بإل ٍه واحد ‪ /‬القديس جريوم نسخ ٌة محفوظ ٌة ‪ 23‬ديسمرب ‪ 2017‬عىل موقع واي باك مشني‪.‬‬ ‫مــــنتدى ايبارشيـــة الفـــيوم نسخ ٌة محفوظ ٌة ‪ 13‬مارس ‪ 2016‬عىل موقع واي باك مشني‪ .‬إذاعة الفاتيكان نسخ ٌة محفوظ ٌة ‪ 12‬أبريل ‪ 2016‬عىل موقع واي باك مشني‪.‬‬ ‫‪16- Contre les hérésies, I, xiii, 1.‬‬ ‫‪17- La Pudicité, x, 12.‬‬

‫‪27‬‬


‫األدب املنحول‬ ‫الجزء األول‬ ‫د‪ .‬سمرياميس العامري‬

‫فيام بعد‪ ،‬أدرجت الكنيسة بني الكتب «الرسية»‪ -‬عىل غرار «املنحوالت» الغنوصية‪ -‬الكتابات التي من أصلٍ‬ ‫يهودي‬ ‫ٍّ‬ ‫والتي كان حاخامات الكنيس اليهودي قد استبعدوها من مجلد الكتابات املقدسة‪ .‬وهكذا ظهر استخدا ٌم جدي ٌد لكلمة‬ ‫«منحول»‪ .‬وقد عرفت هذه الكتب خالل مرحل ٍة معين ٍة شهر ًة كبري ًة بني املسيحيني‪ ،‬إىل حد أنها ُدمجت أحيانًا أو ال ميكن‬ ‫التمييز بينها وبني الكتب القانونية‪ .‬وتلك كانت بشكلٍ ٍ‬ ‫خاص حالة األعامل الرؤيوية (مثل كتاب أخنوخ األول(‪ ،)18‬وكتاب‬ ‫الخمسينيات يف الكنيسة اإلثيوبية(‪ ،))19‬حيث كان يُنظر إىل محتواها بشكلٍ ٍ‬ ‫خاص كموضو ٍع رساين‪ .‬ويف هذا املعنى‬ ‫ٍ‬ ‫كتابات «منحولة»‪ .‬ونحو سنة‬ ‫نجد أن أوريجينس (النصف الثاين من القرن الثالث) يتحدث عن هذه الكتابات مثل‬ ‫‪ 400‬استخدم املعنى التخفيفي للفظة أبوكريفوس‪ ،‬كام يشهد عىل ذلك القديس أغسطينوس‪ ،‬لإلشارة إىل هذه النصوص‬ ‫املوروثة يف جز ٍء كبريٍ منها عن اليهود‪.‬‬

‫مخطوطة لكتاب أخنوخ‬

‫صفحات من كتاب الخمسينيات‬

‫‪ -18‬سفر أخنوخ من األسفار غري القانونية ويس ّمى أيضً ا «نسخة أخنوخ األثيوبية» أو «الحبشية» ويسمى أيضً ا أخنوخ األول‪ .‬ويُنسب خطأً إىل أخنوخ املذكور يف تكوين ‪23 :5‬و‪.24‬‬ ‫أصل باللغة اآلرامية عىل وجه الرتجيح‪ .‬وقد فُقد األصل اآلرامي‪ ،‬ولكن ُوجدت أجزا ٌء من هذا الكتاب يف الرتجمة اليونانية‪.‬‬ ‫الكتاب عبار ٌة عن مجموع ٍة من األسفار اليهودية كُتبت ً‬ ‫كتب‬ ‫خمسة‬ ‫إيل‬ ‫الكتاب‬ ‫وينقسم‬ ‫ق‪.‬م‬ ‫‪163‬و‪80‬‬ ‫سنة‬ ‫بني‬ ‫ُتب‬ ‫ك‬ ‫أنه‬ ‫رجح‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫امي‬ ‫ر‬ ‫اآل‬ ‫األصل‬ ‫عن‬ ‫ُرجمت‬ ‫ت‬ ‫َورها‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫التي‬ ‫وكذلك توجد نسخ ٌة حبشي ٌة ت ُرجمت عن النسخة اليونانية‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫امي وقد استشهد به يوحنا يف إنجيله‬ ‫كامل باللغة اإلثيوبية الحبشية‪ ،‬وله ٌ‬ ‫جزئية‪ :‬كتاب الساهرين‪ ،‬كتاب األمثال‪ ،‬كتاب النريات‪ ،‬كتاب األحالم‪ ،‬رسالة أخنوخ‪ ،‬والكتاب موجود ً‬ ‫أصل آر ٌ‬ ‫وبش بقدومه يف‬ ‫الرابع يف العهد الجديد‪ ،‬والكتاب ميل ٌء بأرسار الكون والسامء واألقدار واألرواح واملالئكة العالني والعرش واملختار البار الذي وجده قبل خلق البرش يف املأل األعىل ّ‬ ‫نهايات الزمان‪ ،‬وأهم األسفار فيه سفر األحالم الذي يتحدث فيه عن رؤيا الدنيا والبرش املتمثله يف رؤيا الثور األبيض وزوجته والخراف والرعاة وسيد الرعاة واألهم منه رؤيا األسابيع‬ ‫كل منها ‪ 700‬عام‪ ...‬فصل ‪.91‬‬ ‫قسم الدنيا فيها إىل أسابيع ٌ‬ ‫التي ّ‬ ‫‪Chad T. Pierce (2011). Spirits and the Proclamation of Christ: 1 Peter 3:18-22 in Light of Sin and Punishment Traditions in Early Jewish and Chris‬‬‫مؤرشف من األصل يف ‪ 08‬ديسمرب ‪ .2019‬اطّلع عليه بتاريخ ‪ 24‬فرباير ‪.2014‬‬ ‫‪ .tian Literature. Mohr Siebeck‬صفحة ‪.70‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫اإلنجيل الناسخ ماتري كريستوس‬ ‫َ‬ ‫‪ -19‬كُ ِتب هذا اإلنجيل بتغراي‪ ،‬يف شامل إثيوبيا‪ ،‬يف أوائل القرن الرابع عرش‪ ،‬وكان ذات يومٍ ملكًا لكنيسة القديس جورج بدبري ماركوس‪ .‬كتب‬ ‫(‪ )መጥሬ፡ ክርስቶስ፡‬باللغة الجعزية‪ ،‬وهي لغة الشعائر الرسمية بإثيوبيا‪ .‬وأكرث ما مييز هذا اإلنجيل هو مجموعة الصور االستهاللية‪ ،‬التي تُشري إىل األماكن املقدسة بالقدس‬ ‫مثل الغلغثة ورضيح السيد املسيح مثلام كانا يبدوان يف القرن السادس‪ .‬ولذلك يبدو أن املخطوطة تستند إىل منوذ ٍج يرجع إىل القرن السادس ويحتوي عىل صو ٍر ذات صل ٍة بتبجيل‬ ‫البيزنطيني لألماكن املقدسة‪ .‬تم التعرف عىل العديد من املخطوطات ذات الصلة التي تبدو أنها تستند إىل النموذج نفسه‪ ،‬السيام ‪ eth. 32‬من املكتبة الوطنية يف باريس وجز ٌء‬ ‫مخطو ٌط مبعهد الدراسات اإلثيوبية‪ ،‬بجامعة أديس أبابا يحمل السجل رقم ‪ ،3475a−b‬وجز ٌء آخر باملتحف الوطني‪ ،‬بستوكهومل‪ .NM B 2034 ،‬تحتوي املخطوطة الباريسية عىل‬ ‫تلفت نتيج ًة للِبلل‪ ،‬إال أن هذا‬ ‫بيانات نس ٍخ ترجع ملنتصف القرن الرابع عرش مام يساعد يف معرفة تاريخ املجموعة‪ ،‬وعىل الرغم من أن بعض صفحات املخطوطة دقيقة الزخرفة ْ‬ ‫سجل ها ًما لعودة الرهبنة وازدهارها يف إثيوبيا يف القرن الرابع عرش (عن املكتبة الرقمية العاملية)‪.‬‬ ‫اإلنجيل ال يزال يُعترب ً‬

‫‪28‬‬


‫األخطاءاللغوية يف‬

‫ال���� ال��ي�‬ ‫د‪ .‬سامي الذيب‬

‫كتاب أخطاء القرآن حيصر أكثر من ألفني ومخسمائة خطأ لغوي يف القرآن ويرتجم‬ ‫النص القرآني لثالث لغات ويقدمه ألول مرة بالرتتيب التارخيي الصحيح‬ ‫ً‬ ‫متوفر اآلن على موقع أمازون وجمانا على الرابط التايل‬ ‫‪goo.gl/emoQDp‬‬ ‫‪29‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة المح ّمدية‬

‫مل يُقتل مف ّك ٌر إال عىل فتوى فقيه‪،‬‬ ‫ومل يُقتل فقي ٌه‬ ‫إال عىل فتوى فقي ٍه مثله!‬

‫‪30‬‬

‫بنور نبيل‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫ملّا وصل كريستوفر كولومبوس إىل القا ّرة الجديدة والحظ السكان‬ ‫البدائ ّيني وهم مرعوبني من تلك املركبات والسفن الغريبة عن ثقافاتهم‪،‬‬ ‫وأخذوا يُعطون لها تفسري ٍ‬ ‫ات ميتافيزيق ّي ًة ح ّتى عبدوها‪ ،‬ويف بعض‬ ‫الروايات‪ ،‬أنّ املستكشف كريستوفر كولومبوس‪ ،‬هدّدهم بإخفاء‬ ‫علم بأنّه‬ ‫ّ‬ ‫الشمس‪ ،‬إن مل يطيعوا أوامره‪،‬‬ ‫واستغل ظاهرة الكسوف لذلك‪ً ،‬‬ ‫يعلم وقت حدوثها مسبقًا‪.‬‬ ‫الخواص من الحكّام‪ ،‬ورجال‬ ‫مهم‪ ،‬لبعض‬ ‫ُ‬ ‫ترك القوم يف براثن الجهل‪ ،‬أم ٌر ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخاص ًة رجال الدين من أصحاب العامئم‪ ،‬هؤالء الذين لهم‬ ‫السياسة‪ّ ،‬‬ ‫كل ما هو‬ ‫وحش يأكل ّ‬ ‫الفكري‪ ،‬وصناعة ٍ‬ ‫حصة األسد يف تغييب العقل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مذلول‪،‬‬ ‫وإبداعي‪ ،‬يقتل عقل اإلنسان‪ ،‬ويجعله خاد ًما‬ ‫علمي‪ ،‬وف ّني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يطيع فحسب‪ ،‬ويُدخله يف ظلامت الحالل والحرام‪ ،‬فال يتح ّرك إال إذا‬ ‫وافق فقيهه املب ّجل! وال ينطق إال مبا نطق أسالفه من أصحاب اللحى الورعني‪ ،‬ملست ًوى أسقط يف النطق عن الهوى‪.‬‬ ‫واملنحط‪ .‬من املؤكّد أنّ هذا الجهل واالنحطاط له دوافعه‪ ،‬ومل ِ‬ ‫ّ‬ ‫يأت‬ ‫كنت أتساءل‪ ،‬عن سبب تخلّفنا‪ ،‬وموقعنا هذا البائس‬ ‫من العدم‪ ،‬وأنّ له دوافعه وبيئته التي سمحت النتشاره وترعرعه يف كا ّفة مجتمعاتنا‪.‬‬ ‫كل من هذه القوى الف ّعالة يف املجتمع‬ ‫األقل هي محاولة معرفة دور ٍّ‬ ‫يف الحقيقة‪ ،‬ما دفعني لتأليف هذا الكتاب‪ ،‬عىل ّ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬والتي أراها ق ًوى هادم ًة مد ّمر ًة ال خري فيها‪ ،‬يف تحويل ما كان ً‬ ‫فكري‬ ‫قابل للسريورة واالندماج مع العامل‪ ،‬إىل ٍ‬ ‫عائق ٍّ‬ ‫ميتافيزيقي يسكن السامء‪.‬‬ ‫كائن‬ ‫وت ّيا ٍر‬ ‫رجعي يحتمي وراء تهديدات ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫أظ ّن أنّه حان الوقت لوضع اإلصبع عىل الجرح‪ ،‬والتحدّث‬ ‫بكل شجاع ٍة ع ّمن كرس ظهورنا‪ ،‬منذ أربعة عرش قرنًا‬ ‫ّ‬ ‫من الجهل والتبع ّية العمياء‪ ،‬والخوف القهري‪ ،‬ح ّتى لو‬ ‫كلّف هذا العواقب الوخيمة‪ ،‬التي وصلت حدّ القتل‪ ،‬وما‬ ‫هو بيش ٍء صعب‪ ،‬إن كان األمر يتعلّق ببطون أصحاب‬ ‫العامئم‪ ،‬وصناديق الزكاة وإيرادات الحج والعمرة‪.‬‬ ‫وكام قال أحد األمئة الورعني‪« :‬إن نظرت يف قضي ٍة ومل‬ ‫تجد لها ًّ‬ ‫حل‪ ،‬فضع عقلك تحت جزمتك واتّبع إمامك»‪.‬‬ ‫‪31‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫الح ّراس‪:‬‬ ‫بعد سقوط الدولة اإلسالم ّية‪ ،‬التي كانت‬ ‫تشهد تخ ّب ٍ‬ ‫طات سياس ّي ًة من جهة‪ ،‬ومست ًوى‬ ‫فكر ًّيا ال بأس به‪ ،‬بداي ًة من القرن السابع‬ ‫امليالدي‪ ،‬وبعد‬ ‫إىل غاية القرن الثالث عرش‬ ‫ّ‬ ‫سقوط بغداد عىل يد التتار يف القرن الثالث‬ ‫اإلسالمي فراغًا فكريًّا‬ ‫عرش امليالدي شهد العامل‬ ‫ّ‬ ‫يقل العلم وتغيب املعرفة‪،‬‬ ‫رهي ًبا‪ ،‬فعندما ّ‬ ‫لكم أن تتخ ّيلوا كيف يصنع الجهل املعجزات‪.‬‬ ‫يف أوائل القرن السابع عرش‪ ،‬حدث ما ال يجب أن يحدث‪ ،‬يف وقت أنّ الغرب يف أوروبا‪ ،‬رضبوا مبوقف الكنيسة عرض‬ ‫اإلسالمي مبدأ الدين‪ ،‬كسياس ٍة يُحتكم إليها يف كل‬ ‫الحائط‪ ،‬وأعادوا وحش الدين إىل كهفه‪ ،‬وق ّيدوه يف جحره‪ ،‬أخذ العامل‬ ‫ّ‬ ‫متطلّبات حياته‪ ،‬وهنا أطرح السؤال‪:‬‬ ‫من هو املهووس بالتبع ّية الغرب ّية؟ هل هم العلامن ّيون من املفكّرين والعلامء؟ أم رجال الدين املتخلّفون؟‬ ‫حب بدأت‪ ،‬بني ملك السعود ّية محمد بن آل سعود وأمري املؤمنني مح ّمد بن عبد الوهاب‪ ،‬انتهت إىل إشباع بطون‬ ‫ّ‬ ‫قصة ٍّ‬ ‫الوالة‪ ،‬وتجويع نصف العامل فكريًّا وحضاريًّا‪ -‬وهنا مربط الفرس ‪ -‬آل سعود يق ّرر وعبد الوهاب يحلّل‪ ،‬آل سعود مينع وعبد‬ ‫الوهاب ُيح ّرم‪ ،‬والعكس جائ ٌز بالطّبع مادام الخمس لله ولرسوله‪.‬‬ ‫أساس لِام سيأيت من بعد من جرائم‬ ‫مل يكن هذان الجدّان األ ّوالن أكرث فظاع ًة من الذين أتوا من بعدهام‪ ،‬فهام مبثابة حجر ٍ‬ ‫وويالت‪.‬‬ ‫اإلسالمي بأفكارها‬ ‫كل العامل‬ ‫فبعد أن أصبحت الوهاب ّية قط ًبا رائدًا يف مجال التبع ّية والجهل املقدّس‪ ،‬ق ّررت أن تغزو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫جامعات إسالم ّي ًة‪ ،‬يف أكرب العواصم التاريخ ّية‪ ،‬التي كانت تحت الحكم‬ ‫السلف ّية‪ ،‬وحق ُن العلم بفريوسها الننت‪ ،‬فأقامت‬ ‫الفكري الديني املتط ّرف‪،‬‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬منذ الحقبة العثامن ّية‪ ،‬مثل‪ :‬تونس الزيتونة‪ ،‬ومرص األزهر‪ ،‬وباإلضافة إىل الغزو والحشو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مواطن مسلم‪ ،‬ليك يعرف كيف يأكل ويرشب ويجامع زوجته وح ّتى كيف‬ ‫كل‬ ‫عرب قنوات الفضاء‪ ،‬التي أصبحت ملجأ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫اليهودي والنرصا ّين أو يجربه عىل دفع الجزية عن ي ٍد‬ ‫كل األحوال‪ ،‬يجب أيضً ا أن يتعلّم كيف يذبح‬ ‫يقوم باالستجامر‪ ،‬ويف ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهو صاغر‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫كل من يفكّر ً‬ ‫أصل بنقد‬ ‫املؤسسات اإلسالم ّية واملنظّامت الظالم ّية‪ ،‬أنشأت بدورها‪ ،‬ما يُعرف مبحاكم التفتيش‪ ،‬تتت ّبع ّ‬ ‫هذه ّ‬ ‫الدين‪ ،‬أو ح ّتى بالتج ّرؤ عىل ما قبل التفكري فيه‪ ،‬فإ ّما ُيكفّر‪ ،‬و ُيقتل‪ ،‬أو ُيزندق‪ ،‬ف ُيقتل‪ ،‬أو ُيقتل ملج ّرد التفكري يف الالم َفكَّر‬ ‫فيه‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ميس الدين‪ ،‬إىل‬ ‫مسلم‪ُ ،‬يلزمه التبليغ عن ّ‬ ‫فريوسا داخل ّ‬ ‫كل ٍ‬ ‫شخص ّ‬ ‫مل يتو ّقف هؤالء الح ّراس عند هذا الحدّ‪ ،‬بل وضعوا ً‬ ‫أي مرتدّ‪ ،‬وهو مبثابة الحارس‬ ‫السلطات القضائ ّية‪ ،‬ليك تقتيض منه وتعاقبه‪ ،‬ومن ّ‬ ‫أي مسلم‪ ،‬أن يط ّبق حدّ الر ّدة عىل ّ‬ ‫حق ّ‬ ‫األمني عىل الدين‪ ،‬وألنّ الله ال يستطيع الدفاع عن نفسه‪ ،‬فتط ّوعت تلك العقول للدّفاع عنه‪ ،‬تطبيقًا لكتب شيخ اإلسالم‬ ‫وليمت ح ّتى املسلم‪ ،‬وال مكانة لإلنسان‬ ‫ْ‬ ‫كل البرشيّة‪،‬‬ ‫فلتمت ّ‬ ‫ْ‬ ‫ابن تيم ّية‪ ،‬وبعض الشعارات املح ّرضة مثل‪ّ -:‬إل رسول الله ‪-‬‬ ‫يهم‪ ،‬مادامت‬ ‫الحي وسالمته وعافية العامل‪ ،‬ال بل إنْ َ‬ ‫أكل املسلم من الزبالة‪ ،‬ونام عىل الرصيف‪ ،‬وتل ّوى جو ًعا‪ ،‬هذا كلّه ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫املصيبة ليست يف دينه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وشامل‪ ،‬يك ال تسقط كلم ًة عىل أذن هؤالء الح ّراس‪ ،‬ونُج ّر إىل سيف الوهاب ّية الذي ال يرحم‪.‬‬ ‫فأصبحنا اآلن نتكلّم وننظر ميي ًنا‬ ‫دعني عزيزي القارئ‪ ،‬أطرح ً‬ ‫مهم هنا وهو‪:‬‬ ‫سؤال ًّ‬ ‫كيف كانت الدولة اإلسالم ّية يف أوج حداثتها‪ ،‬من القرن العارش إىل غاية القرن الثالث عرش‪ ،‬وملاذا زالت بهذه الرسعة؟‬ ‫أخص هنا أ ًّيا كان من فالسفة ذلك‬ ‫سنناقش هذا برجوعنا إىل املفكّر القديم‪ ،‬والفيلسوف املسلم الذي عاش هذا العرص‪ ،‬وال ّ‬ ‫القرن‪ ،‬وإنّ ا أتحدّث عن روح العلم السائدة يف تلك الحقبة‪.‬‬

‫ال ّنقد‪:‬‬ ‫إنّ عقل اإلنسان ال يتو ّقف عن طرح األسئلة‪ ،‬وال يتو ّقف عن‬ ‫كل يشء‪ ،‬هكذا علّمونا أساتذتنا طَوال مراحلنا‬ ‫التشكيك يف ّ‬ ‫التعليم ّية‪ ،‬فلم أجد أيًّا منهم يوبّخني ّ‬ ‫ألن حاولت فهم تلقينه يل‬ ‫بشكلٍ مخالف‪ ،‬إال طب ًعا أستاذ العلوم اإلسالم ّية والرشع ّية وتعدّد‬ ‫وبديهي‪ ،‬فال تسأل عن أشياء إن‬ ‫فق عليه‬ ‫الزيجات‪ ،‬أم ٌر مرشو ٌع وم ّت ٌ‬ ‫ّ‬ ‫تُبد لك تسؤك!‬ ‫كنت أراجع بعض كتب الراوندي والفراهيدي وغريهم من فالسفة الفرس الذين أسلموا فيام بعد‪ ،‬ومل يلبث إسالمهم ً‬ ‫طويل‬ ‫حتى ارتدّ الكثري منهم‪ ،‬لكن ما شدّ نظري يف قراءاتهم‪ ،‬أنّهم كانوا يشريون إىل فلسفة الغرب التي سبقتهم‪ ،‬من نظريّات‬ ‫‪33‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫أرسطو وأفالطون‪ -‬الذين عاشوا ما قبل املسيح‪ ،‬فلم يقل أحدٌ من هؤالء‬ ‫الفالسفة‪ ،‬أنّ أفكار أرسطو وأفالطون غرب ّي ٌة أو كفر ّية‪ ،‬بل اتخذوها نرب ًاسا‬ ‫الخاصة‪ ،‬ح ّتى أنّ العامل الفيلسوف أبا ح ّيانٍ التوحيدي‪ ،‬كان‬ ‫لتحقيق فلسفتهم ّ‬ ‫يلقِّب أرسطو وأفالطون بالوزيرين‪ ،‬ومل ينقص من شأن أيب ح ّيان شي ًئا‪ ،‬فهو‬ ‫نا ٌر عىل علم‪ ،‬يف املعرفة‪ ،‬ويُعترب أديب الفالسفة وفيلسوف األدباء يف عرصه‪.‬‬ ‫أي فجو ٍة بني علوم الغرب واملرشق؟ طب ًعا ال ‪ ،‬ال وجود يف‬ ‫هل كانت هناك ّ‬ ‫رشقي‪ ،‬بل كانت األفكار وتبادل الخربات العلم ّية هي‬ ‫ذلك العرص لفك ٍر غر ٍّيب أو ّ‬ ‫بغض النظر عن الدين واألصل والقوم ّية‪.‬‬ ‫األساس ّ‬ ‫ويحرضين أيضً ا كتاب ابن رش ٍد األندليس الذي انتقد فيه كتاب أيب حام ٍد الغزا ّيل بعد وفاته بثامنني عا ًما‪ ،‬وعنوان كتاب‬ ‫بكتاب تحت عنوان‪:‬‬ ‫أيب حام ٍد الغزا ّيل هو– الفيصل والتفرقة بني الرشيعة والزندقة‪ ،‬فكان ر ّد ابن رش ٍد عىل هذا الكتاب‬ ‫ٍ‬ ‫فصل املقال فيام بني الحكمة والرشيعة من االتصال‪ .‬أظ ّن هنا ومن الواجب ذكره أنّ ابن رش ٍد ح ّتى يف عرصه‪ ،‬كان‬ ‫يخاف من سيف الر ّدة والتكفري رغم أنّه كان قايض القضاة بقرطبة!‬ ‫العلمي والتطوير الذايت‪ ،‬أتحدّ ث هنا عن النقد الب ّناء عزيزي القارئ ال عن‬ ‫كان نقد املفكّرين فيام بينهم أساس التقدم‬ ‫ّ‬ ‫سبب للقتل والذبح‪ ،‬كام اعتاد املسلم عرب قرونٍ من‬ ‫السب والشتم وإضاعة الطاقة يف البحث عن أسامء اللعن وإيجاد ٍ‬ ‫ّ‬ ‫الزمن‪ ،‬وأنا أخاطب العقل املثقّف‪ -‬مثلك عزيزي‪ -‬الذي يحتكم إىل العقل ال إىل النقل‪.‬‬ ‫الشك ونقد النظريّات العلم ّية‪ -‬مهام كانت‪ -‬إىل أن تقع وتخرج من إطار العلم‪ ،‬أو أن‬ ‫ع ّودنا العلم عىل تصويب سهام ّ‬ ‫تصمد وترسخ وتُدعم لتكون لبن ًة جديد ًة نحو نظريّ ٍة أخرى‪ ،‬تقوم عىل ظهر األوىل وهكذا دواليك‪ ،‬للوصول إىل جس ٍد‬ ‫كل يشء‪.‬‬ ‫علمي يل ّبي صالح املجتمع ويخدم الذات اإلنسان ّية قبل ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫هجومات علم ّي ٍة‬ ‫مل نكتشف أخطاء الفيلسوف أرسطو إال بعد النقد وتصويب‬ ‫ٍ‬ ‫حواس ال غري‪ ،‬وأنّ‬ ‫عم كان يدّ عيه بأنّ لإلنسان خمس ٍ‬ ‫ولكامت تجري ّبي ٍة مخرب ّي ٍة بحتة‪ّ ،‬‬ ‫فكل هذه النظريّات بقيت قامئ ًة لعدّ ة قرونٍ‬ ‫الجاذب ّية خاضع ٌة للثّقل ووزن املا ّدة‪ّ ،‬‬ ‫من الزمن‪ ،‬إىل أن جاء ما دحضها بواسطة العلم الحديث‪ ،‬وهنا البدّ أن نن ّوه لعظمة‬ ‫وكل الفالسفة والعلامء مرو ًرا بالفراهيدي وأيب ح ّيانٍ والراوندي‬ ‫أرسطو وأفالطون‪ّ ،‬‬ ‫وفخر الدين الرازي وغريهم‪ ،‬فهم فكر هذا العامل ودماغ األرض التي نستوطنها‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫لك ّن الفرق بيننا وبني علامء الغرب القدامى‪ ،‬أنّهم تح ّرروا من فكر وسلطة الكنيسة‪ ،‬وأصبح النقد وسيل ًة ف ّعال ًة يف فهم‬ ‫ظواهر علم ّي ٍة كانت مقترص ًة عىل ق ّوة الس ّيد املسيح وبركة مريم العذراء‪ ،‬وتخلّصوا من تدخّل البابا‪ ،‬وأصبحت املرأة‬ ‫املسيح ّية بإمكانها أن تلدَ مبخدّ ٍر بعد أن كانت تحتكم إىل‪ :‬باألمل تلدين وباألمل تحبلني‪ ،‬إنجيل م ّتى اإلصحاح العارش –‬ ‫كان مح ّر ًما كام ح ّرمت الكنيسة العديد من األشياء املتضاربة مع العلم والنصوص من األسفار القانون ّية‪.‬‬ ‫فكيف ميكن التعامل مع ٍ‬ ‫شخص ال يزال يؤمن بوجود ق ًوى خارق ٍة تتدخّل يف حياته وتهبه الق ّوة أو املرض مثل الشيطان‬ ‫أناس دون غريهم؟ أم هناك من يتحكّم يف عقول هؤالء الس ّذج من‬ ‫والج ّن والعفاريت‪ ،‬فهل سكنت الخرافة عقول ٍ‬ ‫املؤمنني؟‬ ‫حاولت أن أجد مع ًنى لوجود الج ّن يف الدين – وعندما أتكلّم عن‬ ‫أخص دي ًنا بعينه‪ ،‬فكلّها سواسي ٌة عىل مستوى املنظور‬ ‫الدين ال ّ‬ ‫الخرايفّ – فأ ّما وجوده فيقترص فقط عىل إضاعة بعض الوقت‬ ‫للمؤمن‪ ،‬بالدخول يف جسده وتخريب بعض خالياه الدماغ ّية‪،‬‬ ‫وحقيق ًة ال أدري ملاذا؟ وما الحكمة منها؟ أو هو هنا فقط ليعكّر‬ ‫صحن واحد‪ ،‬إن مل يذكر اسم الله عليه‬ ‫حياة املؤمن باألكل معه يف ٍ‬ ‫إسالمي‬ ‫أو ينتشل شعر ًة من دبره ليفسد عليه صالته‪ ،‬وهذا منظو ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫غريب أعاذنا الله من الشيطان الرجيم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫كل ما أردت أن أب ّينه يف هذا املوضوع‪ ،‬أنّ تالحم األفكار‪ ،‬واألخذ بالنظريّات‪ ،‬علم ّي ًة كانت أو سياس ّي ًة أو ح ّتى فلسف ّي ًة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فتح لباب دراسة النظر ّية بحد ذاتها ومناقشة الفكرة بذاتها أيضً ا‪ ،‬وال يجب‬ ‫دون النظر إىل صاحبها أو مصدرها‪ ،‬هو ٌ‬ ‫يهودي‬ ‫علينا األخذ بها إن مل تكن صحيح ًة‪ ،‬أو مطابق ًة ألمرنا املُعاش – ال أن ننكرها بح ّجة أنّها أتت من مسترشقٍ أو من‬ ‫ٍّ‬ ‫لكل نظريّ ٍة ومقابلتها‬ ‫العلمي‪ ،‬وتحت مجهر العقل‪ّ ،‬‬ ‫وضع قراء ٍة ودراس ٍة تحت منهج البحث‬ ‫أو من أسود أو أشقر – ُ‬ ‫ّ‬ ‫ورضوري إن أردنا أن منسك ولو بذيل األمم املتف ّوقة‪.‬‬ ‫بالح ّجة العلم ّية أم ٌر ال مف ّر منه‬ ‫ٌّ‬ ‫امليتافيزيقي الذي يعيش يف السامء ويراقب ما إن‬ ‫خاص ًة تحت عدسة الكائن‬ ‫لألسف‪ ،‬ال أظ ّن‪ ،‬أنّ هذا سيكون‪ّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫استنجينا يف مراحيضنا أو رفعنا إصبعنا عند التح ّية اإلبراهيم ّية‪.‬‬ ‫سيمس ببعض األشخاص‪ ،‬أو ح ّتى يصدمهم‪ ،‬لك ّن املشكلة ليست يف مرض الدين‪ ،‬وإنّ ا يف ٍ‬ ‫مرض‬ ‫أعلم أن كالمي هذا‬ ‫ّ‬ ‫أخطر يسمى التفكريوفوبيا‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫التفكريوفوبيا‪:‬‬ ‫إذا أردت أن تخ ّبئ ً‬ ‫كل‬ ‫مال فضعه يف كتاب‪ .‬مقول ٌة قالها يل أحد املفكّرين األصدقاء ‪-‬ال داعي لذكر اسمه فالح ّراس يف ّ‬ ‫االجتامعي‪ ،‬أجد أنّها تتوافق‬ ‫مكان ‪ -‬فعندما أقرأ تاريخ الشعوب التي ذاقت ويالت االستعامر‪ ،‬وأحاول أن أفهم منهجها‬ ‫ّ‬ ‫احل تاريخ ّي ٍة م ّرت بها تلك الشعوب‪ ،‬من إندونيسيا إىل املغرب‪ ،‬مرو ًرا طب ًعا ببالدي الحبيبة الجزائر‪ ،‬التي‬ ‫يف ثالث مر َ‬ ‫ُفرض عليها اإلسالم‪ ،‬بحد السيف‪ ،‬الذي سلّه عىل ترابها عقبة بن نافع‪ ،‬وأصبحت حرائر الجزائر‪ ،‬سبايا ألهل قريش‬ ‫والشام‪ -‬دون الدخول يف هذه التفاصيل‪ ،‬فالتاريخ كتبه املنترصون ال املضطّهدون املغلوبون‪ .‬وقعت الجزائر فريس ًة‬ ‫الستعامر ٍ‬ ‫ات عديدة‪ ،‬أتكلّم هنا عن آخرها‪ ،‬ألنّها موضوع حديثي عن التفكريوفوبيا (وليس االستعامر البوتفليقي بل‬ ‫الفرنيس)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السوري‪ ،‬واللبنا ّين‪،‬‬ ‫ائري‪ ،‬كام فعلت بالشعب‬ ‫ّ‬ ‫فرنسا الق ّوة العظمى آنذاك‪ ،‬ولو أنّها فعلت األفاعيل إزاء الشعب الجز ّ‬ ‫إال أنّها كانت تُقدّ ر العلامء واملفكّرين واملبدعني‪ ،‬أمثال‪ :‬اسياخم‪ ،‬ومولود فرعون‪ ،‬ومح ّمد أركون‪ ،‬وغريهم مثل‪ :‬املفكّر‬ ‫أدونيس يف سوريا‪ ،‬والكثري منهم يف البلدان التي كانت خاضع ًة للسلطة الفرنس ّية‪ ،‬يف ذلك الزمن‪ ،‬مل يكن للعلوم واألدب‬ ‫أي‬ ‫وامليلييش كان موجو ًدا وبق ّو ٍة يف ّ‬ ‫قمع من طرف السلطات‪ ،‬فالفكر املعارض‬ ‫ٌ‬ ‫كل أنحاء العامل‪ ،‬وما عليك إال أن تتصفّح ّ‬ ‫ّ‬ ‫كتاب عن تاريخ هذه البلدان‪ ،‬من حدود الصني إىل أمريكا الالتين ّية‪ ،‬لتجد أبطال النضال والدفاع عن الحر ّية‪ ،‬بصورهم‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذه التضحيات ألجل ماذا يف آخر املطاف؟‬ ‫ومتاثيلهم‪ ،‬لكن ّ‬ ‫هنا جوهر املوضوع‪ ،‬فعندما استعادت هذه البلدان سيادتها ونالت استقاللها –دون الخوض يف السياسات املر ِهقة‬ ‫خاص بها‪ ،‬ويف معرتك اإلصالحات‪ ،‬وغياب التيارات‬ ‫سيايس‪،‬‬ ‫للعقل– تو ّجب عليها القيام بتأسيس منه ٍج‬ ‫واجتامعي ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫تعريف للدولة البليد وهو‪« -:‬الدولة هي جامع ٌة تحتكر الحكم ملامرسة‬ ‫بفرض الديكتاتوريّات القامئة‪ ،‬تو ّجب صياغة‬ ‫الرشعي»‪ -‬فبقيت هذه الشعوب‪ ،‬داخل قوقعة الجهل‪ ،‬وطاعة الحاكم‪ ،‬وداخل قهر السلطة‪ ،‬والخوف من‬ ‫العنف‬ ‫ّ‬ ‫حكم مثل هذا عزيزي‬ ‫السجن واملعتقالت‪ ،‬وسكت القلم‪ ،‬وسكت اللسان‪ ،‬وغابت الكلمة‪ ،‬فامذا تنتظر أن يأيت به ٌ‬ ‫القارئ؟‬ ‫نعم أحسنت! بالطبع‪ ،‬الفشل‪ ،‬فالحكومات السابقة فشلت يف تسيري أمور البالد والعباد ‪-‬وهنا الكارثة‪ -‬ووجدت هذه‬ ‫الدول نفسها تتخ ّبط لتجد البديل عن سياساتها وحكوماتها‪ ،‬فوقعت يف مصيدة الدين وأنياب الوهاب ّية‪ ،‬التي كانت‬ ‫بشعوب ليس لديها مق ّومات‪ ،‬أو باألحرى‪ ،‬طُمست مق ّوماتها االجتامع ّية‪ ،‬والفكريّة‪ ،‬من طرف االستعامر من‬ ‫ترتبّص‬ ‫ٍ‬ ‫يتبق أمامها سوى االحتكام إىل ول ّيها‪ ،‬أمري املؤمنني‪ ،‬الذي‬ ‫جهة‪ ،‬ومن طرف أصحاب العامئم األ ّولني من جه ٍة أخرى‪ ،‬فلم ّ‬ ‫يأيت بالرحمة اإللهية والنور املح ّمدي‪ ،‬ليخرجه من حالته اليائسة‪ ،‬و ُيدخله للجهل املقدّ س‪ ،‬و ُيعطيه سيفًا ليرضب أعناق‬ ‫كل بنان‪.‬‬ ‫الحكام الفاشلني‪ ،‬ويرضب ّ‬ ‫‪36‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫هنا ميوت التاريخ وينتهي عند العرب – فالتاريخ أفكار‪ ،‬وإبداع‪ ،‬وعلم‪ ،‬وتر ّقي‪ ،‬فإذا كان ما قاله الله ورسوله يكفينا‪،‬‬ ‫إ ًذا سال ٌم علينا‪ ،‬فقد بلغنا سقف املعرفة‪ً ،‬‬ ‫وأصل‪ ،‬ال داعي للعلم‪ ،‬ما دامت الج ّنة تحت أقدامنا‪ ،‬فمن قال الشهادتني‬ ‫دخل الج ّنة وحاز املرتبة العىل‪ ،‬ومت ّتع بالج ّنة وحورها – إ ًذا ما قيمة العلم‪ ،‬والتعلّم‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬وتطوير الذات‪،‬‬ ‫وتحسني املجتمع؟ ما هي إال أفكا ٌر شيطان ّية‪ ،‬وبد ٌع كفر ّية‪ ،‬والعياذ بالله‪ ،‬فكتابنا الساموي فيه من العلم ما يكفي‪،‬‬ ‫يتبق منها سوى كلم ٍة واحد ٍة وهي‪ :‬آمني‪.‬‬ ‫لنعيش كامللوك‪ ،‬ونط ّور حامقتنا‪ ،‬وجهلنا‪ ،‬وند ّمر عقولنا‪ ،‬التي مل ّ‬

‫ٌ‬ ‫سؤال يتك ّرر‪:‬‬ ‫شهدت أوروبّا‪ ،‬وبالتحديد‬ ‫ْ‬ ‫يف شهر نوفمرب عام ‪1483‬م‪،‬‬ ‫أملانيا‪ ،‬والدة أحد الد ّجالني املسيح ّيني‪ ،‬الذين أرادوا بعث‬ ‫املسيح ّية من جديد‪ ،‬ملعايريها القدمية الالهوت ّية‪ ،‬أو باألحرى‪،‬‬ ‫املسيح ّية األصول ّية‪ ،‬إنّه رجل الكنيسة املعروف‪ ،‬مارتن لوثر‪،‬‬ ‫لكن لجمع ال ّناس حوله ابتكر طريق ًة جديد ًة لذلك‪ ،‬فقد‬ ‫حاول استغالل الكتاب املقدّ س‪ ،‬ال بنصوصه الالهوت ّية‪،‬‬ ‫والتعليم ّية‪ ،‬والكرازة املسيح ّية‪ ،‬بل حاول إقحام اإلنجيل يف‬ ‫املسيحي‬ ‫العلوم‪ ،‬وإعطائه صبغ ًة إعجازيّ ًة‪ ،‬يك يطم ّنئ الرجل‬ ‫ّ‬ ‫الحق – أخي القارئ أال يذكّرك هذا بيش ٍء ما؟‬ ‫بأنّه عىل دين ّ‬ ‫العلمي‪،‬‬ ‫العلمي يف القرآن‪ ،‬الذي تب ّناه مصطفى محمود‪ ،‬ورزم ٌة أخرى أتت من بعده‪ ،‬ينادون باإلعجاز‬ ‫طب ًعا اإلعجاز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ليزيدوا املجتمع تخلفًا‪ ،‬ما بعده تخلف‪.‬‬ ‫العلمي يف الكتاب املقدّ س‪ ،‬فكر ٌة إسالم ّية؟ أم أنّها من صنع الغرب؟‬ ‫وهنا أك ّرر السؤال‪ :‬هل اإلعجاز‬ ‫ّ‬ ‫العلمي‪،‬‬ ‫العلمي‪ ،‬أو اإلزعاج‬ ‫وعليك أن تذهب بنفسك‪ ،‬وتتحقّق من هذه الخزعبالت‪ ،‬التي يتغ ّنى بها أصحاب اإلعجاز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قريب وال من بعيد‪ .‬لكن ما عسانا أن‬ ‫هات وال ّ‬ ‫كام يحلو للبعض تسميته‪ ،‬فهي كلّها ت ّر ٌ‬ ‫بأي صلة‪ ،‬ال من ٍ‬ ‫متت للعلم ّ‬ ‫نفعل؟ مادام زغلول النجار‪ ،‬وأمثاله‪ ،‬ميتلكون معرفة السامء‪ ،‬وما علينا سوى أن ن ّتبع كالخرفان‪ ،‬ونقول‪ :‬إنّ السامء‬ ‫واألرض كانتا رتقًا ففتقهام الله باالنفجار العظيم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫حضيض نحن فيه؟ فح ّتى السامء ليست كلم ًة علم ّي ًة‪ ،‬فعن ماذا تتحدّ ث يا هذا؟‬ ‫وأي‬ ‫وأي جهل؟ ّ‬ ‫أي هبلٍ هذا؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪37‬‬


‫ح ّراس اإلميان جـ ‪1‬‬ ‫نهاية الخرافة املح ّمدية‬ ‫بنور نبيل‬

‫محصل ٌة علم ّي ٌة غرب ّية‪ ،‬ليك يرتاح من مرضه‪ ،‬وعن‬ ‫املسلم ال يعرتف بعلوم الغرب‪ ،‬لك ّنه يهرول إىل الطبيب‪ ،‬الذي لديه ّ‬ ‫طريق أدوي ٍة غرب ّي ٍة طب ًعا‪ ،‬ألنّ بول البعري ما عاد ينفع يف أيّامنا هذه‪ ،‬وال يعرتف بالنظريّات العلم ّية القدمية منها‪،‬‬ ‫والجديدة‪ ،‬ألنّها مخالف ٌة ملا هو موجو ٌد يف كتابه العزيز الحكيم‪ ،‬وألنّ داروين ليس بعامل‪ ،‬بل كان نامئًا‪ ،‬كام ينام املسلم‪،‬‬ ‫ربا كان القرآن يخاطبه عندما قال بل أساطري األ ّولني‪ ،‬تُ ىل عليه‪ ،‬بكر ًة‬ ‫ويحلم بنظر ّيات‪ّ ،‬‬ ‫ثم يلقيها علينا يف الصباح‪ّ ،‬‬ ‫وأصيل ‪ -‬والعجب أنّ هذا املسلم‪ ،‬مل يفتح كتابًا علم ًّيا‪ ،‬يف حياته‪ ،‬ح ّتى أنّه مل يحرك ً‬ ‫ً‬ ‫أصل مؤخّرته ليذهب إىل املكتبات‪،‬‬ ‫ففوبيا القراءة والتفكري متنعه من ذلك‪ ،‬ويقول‪ :‬إنّ داروين قال‪ :‬إنّ أصل اإلنسان قرد! فلو كلّف نفسه قراءة كتاب‬ ‫أصل األنواع‪ ،‬لهذا العامل الجليل‪ ،‬ملا تف ّوه بهذه الحامقات‪.‬‬ ‫نظر ّية التط ّور‪ ،‬تُد ّرس يف أرقى الجامعات املحرتمة‬ ‫أصل من أصول العلم‪ ،‬ففي‬ ‫يف العامل‪ ،‬وهي ٌ‬ ‫كل م ّر ٍة يزداد العلامء يقي ًنا بها‪ ،‬واعرتا ًفا لهذه‬ ‫ّ‬ ‫حي علامء‬ ‫الشخص ّية العمالقة (داروين)‪ ،‬الذي ّ‬ ‫بكل فضل‪ ،‬ولو‬ ‫البيولوج ّيا‪ ،‬وال يزالون ميت ّنون له ّ‬ ‫الدينيوثيولوجي‪ ،‬لكان‬ ‫بقي هذا الكتاب يف سياقه‬ ‫ّ‬ ‫أحسن من إقحامه يف السياسة‪ ،‬والعلوم‪ ،‬ويضط ّر‬ ‫هؤالء الحمقى إىل ّيل أعناق النصوص القرآن ّية‪،‬‬ ‫لتتالءم مع مقتضيات العلم والحداثة‪ ،‬ويف آخر‬ ‫علم وال‬ ‫املطاف سيجدون أنفسهم مل يخدموا ً‬ ‫دي ًنا‪َ ،‬و َق ِد ْم َنا إِ َ ٰل َما َع ِملُوا ِم ْن َع َملٍ َف َج َعلْ َنا ُه َه َبا ًء‬ ‫َّمنثُو ًرا‪.‬‬ ‫لقد أضعت الوقت الكثري من حيايت‪ ،‬وأنا أحاول‬ ‫كل هذه ال ّرتهات اإلعجازيّة يف القرآن‪،‬‬ ‫الر ّد عىل ّ‬ ‫أي يشء‪ ،‬ليك يج ّروا خرفانهم‬ ‫من خالل مناظرايت العديدة مع أصحاب العامئم‪ ،‬وح ّراس اإلميان األعمى الذين يلفّقون ّ‬ ‫إىل مذابح الكهنوت‪ ،‬ليقدّ موها قرابني للجهل املقدّ س‪.‬‬ ‫أي يشء‪ ،‬نعم حقيقة‪ .‬أعلم أنّ‬ ‫لك ّن أكرثيّة املسلمني عندما تحدّ ثهم يف الدين‪ ،‬يقولون‪ :‬أعرف ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وال أريد سامع ّ‬ ‫أحكام ليست أخالق ّي ًة‪،‬‬ ‫القهري من مواجهة‬ ‫علمهم يف الدين محدو ٌد جدًّ ا‪ ،‬لكن ما يعرفه عن تعلّم دينه‪ ،‬هو الخوف‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وال إنسان ّي ًة وهذا هو موضوعنا القادم‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫اﺷﺘﺮك اﻵن‬ ‫ﻓﻲ ﻗﻨﺎﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب‬ ‫‪https://www.youtube.com/c/ahmedzayedchannel‬‬

‫ﻗﺮاﺑﺔ ‪ 24‬ﻣﻠﻴﻮن ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫ﻣﺸﺘﺮك‬ ‫أﻟﻒ‬ ‫ﻣﺸﺎﻫﺪة‬ ‫و‪125‬ﻣﻠﻴﻮن‬ ‫ﻗﺮاﺑﺔ اﻟﻌﴩة‬

‫أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ‬ ‫ﻗﻨﺎة أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ ﻋﲆ اﻟﻴﻮﺗﻴﻮب ﻫﻲ ﻗﻨﺎة ﻣﻌﻨﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻨﻮﻳﺮ اﻟﻔﻜﺮي واﻟﺜﻘﺎﰲ وﻫﻲ ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜ اﳌﻮﺿﻮﻋﻲ اﻟﻌﻘﻼ ﻣ ًﻌﺎ‪.‬‬ ‫وﺗﺠﺪون ﻓﻴﻬﺎ اﻟﻌﺪﻳﺪ ﻣﻦ اﻟﺴﻼﺳﻞ وﻣﻨﻬﺎ‪:‬‬

‫أﻟﻒ ﺑﺎء ﻓﻠﺴﻔﺔ ﻟﺘﺒﺴﻴﻂ اﳌﻌﺮﻓﺔ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ‬

‫ﻟﻠﺘﻮاﺻﻞ ﻣﻌﻨﺎ ﻋﲆ ﺻﻔﺤﺔ اﻟﻘﻨﺎة ﻋﲆ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/aszayedtv‬‬

‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺗﻌﺮﻳﻔﻴﺔ ﺑﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻋﺮﺑﻴﺔ وﻏﺮﺑﻴﺔ‬

‫ﺻﻔﺤﺔ أﺣﻤﺪ ﺳﻌﺪ زاﻳﺪ اﻟﺸﺨﺼﻴﺔ‪:‬‬ ‫‪https://www.facebook.com/ahmedsaadzayed‬‬

‫ﺗﺎرﻳﺦ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻻﺳﻼﻣﻴﺔ‬ ‫ﻛﺎﳌﻌﺮي واﻟﺮازي وأرﺳﻄﻮ وﻣﺎرﻛﺲ وراﺳﻞ‬ ‫ﺳﻠﺴﻠﺔ ﺑﺘﺤﻠﻴﻞ ﺧﻼﻓﺎت اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ وﻗﺘﺎﻟﻬﻢ‬

‫ﺳﻠﺴﺔ ﺗﻄﻮر ﺗﺎرﻳﺦ اﻹﻳﺪﻳﻮﻟﻮﺟﻴﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻔﻠﺴﻔﺎت‬

‫وﻏ ذﻟﻚ ﻛﺜ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﴐات وﻣﻘﺎﺑﻼت ﻟﺮﻣﻮز ﻓﻜﺮﻳﺔ ﻓﺎﻟﻘﻨﺎة ﺑﻬﺎ أﻛ ﻣﻦ ‪ 700‬ﻣﺤﺎﴐة‪ ،‬وﻫﻲ ﺟﻬﺪ ﻃﻮﻳﻞ وﻣﺘﻮاﺿﻊ ﻣﻦ اﻟﻌﻤﻞ‬ ‫اﻟﺜﻘﺎﰲ وﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻧﴩ اﻟﻮﻋﻲ واﻟﻌﻘﻼﻧﻴﺔ واﻟﻌﻠﻤﻴﺔ ﻗﺪر اﳌﺴﺘﻄﺎع ﻟﻠﻤﺘﺤﺪﺛ ﺑﺎﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‪.‬‬ ‫ﻟﺪﻋﻢ اﻟﻘﻨﺎة‪:‬‬

‫‪https://www.patreon.com/ahmedzayed‬‬

‫‪39‬‬

‫‪https://www.paypal.me/ahmedsaadzayed/100‬‬


‫فرعون وهامان يف أساطري العرب قبل اإلسالم‬

‫‪Ihab Ghazal‬‬

‫يتغنى كث ٌري من املسلمني بذكر اسمي‬ ‫فرعون وهامان يف القرآن‪ ،‬قائلني إنهام‬ ‫مل يكونا معروفني قبل ذكرهام يف قرآن‬ ‫محمد‪ ،‬ويتخذون بتلك القصة الوهمية‬ ‫دليل عىل أن هذا القرآن مو ًحى به من‬ ‫ً‬ ‫إلهي ويستشهدون بقص ٍة خاطئ ٍة‬ ‫مصد ٍر ٍ‬ ‫فرنيس يُدعى موريس بوكاي‬ ‫لطبيب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ Maurice Bucaille‬مفادها أنه وجد‬ ‫فعل هذين االسمني‪ ،‬وخاص ًة هامان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الوزير املزعوم‪ ،‬حيث مل يكونا أب ًدا‬ ‫معروفني قبل أن يوجدا يف القرآن‬ ‫‪40‬‬


‫فرعون وهامان‬ ‫يف أساطري العرب‬ ‫قبل اإلسالم‬ ‫ولكن يبدو أن هذا الطبيب يفتقد للمنهجية وطرق البحث املألوفة للتأكد‬ ‫فعل إنه مل يكن معروفًا لدى العرب قبل اإلسالم يف أساطريهم الشفهية املنقولة‬ ‫ً‬ ‫غريب لديهم‬ ‫بالتواتر ومل ينتبه أن قريش مل يتفاجؤوا بهذا االسم الذي يُفرتض أنه ٌ‬ ‫مثل يف القصة املعروفة يف‬ ‫ومل يسألوا عنه محم ًدا كام فعل النرض بن الحارث ً‬ ‫سورة الكهف‪.‬‬ ‫وسأوضح يف هذا املقال املنقول وامللخص أنهام كانا معروفني قبل اإلسالم وأن‬ ‫ٍ‬ ‫بجديد مع ذكر املصادر يف هوامش املقال‪.‬‬ ‫محم ًدا مل يأت‬ ‫دفع املؤرخون ببطالن حكم القصص الديني عىل الفرعون الذي ارتبط اسمه مبرص‬ ‫مدعمني دفاعاتهم بروايات مختلفة جاء فيها‪ ..« :‬وقال موىس‪ :‬يا رب‪ ،‬إن فرعون‬ ‫جحدك مائتي سنة‪ ،‬وادعى أنه أنت مائتي سنة‪ ،‬فكيف أمهلته‪ .‬فأوحى الله إليه‪:‬‬ ‫أمهلته لخالل فيه‪ .‬إين حببت إليه العدل‪ ،‬والسخاء‪ ،‬وحفظت له تربيتك‪ ....‬إنه‬ ‫عمر بالدي وأحسن إىل عبادي‪)1(»...‬‬ ‫عادل منز ًها عن الظلم حني عنف وزيره هامان عندما‬ ‫والروايات أظهرت فرعون ً‬ ‫جمع مائة ألف ألف دينار للخزينة مقابل أن يجري هامان للناس املاء إىل أرضهم‬ ‫فعنف فرعون هامان بقوله‪ « :‬بئس ما صنعت من أخذ هذه األموال‪ ،‬أما علمت‬ ‫أن السيد املالك ينبغي له أن يعطف عىل عبيده‪ ،‬وال يأخذ منهم عىل إيصال‬ ‫منفعة أجرا‪ ،‬وال ينظر إىل ما بأيديهم‪ .‬ا ُردد املال إىل أربابه وال تأيت مبثلها‪)2(.»...‬‬ ‫ً‬ ‫بيد أن ذلك مل مينع من أن لفظ (فرعون) قبع يف الذاكرة الشعبية للناس رم ًزا‬ ‫للجربوت‪ ،‬والقوة والتعايل؛ فيصفون من يتخذ هذه الصفات بأنه « ُمت َف ْرعن»‬ ‫ويفرسون ت َفرعنه هذا بخنوع اآلخرين تجاهه‪ ،‬وعدم رده وصده بقو ٍة أكرب‪)3(.‬‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُْ‬ ‫‪ -1‬ابن زوالق‪( :‬الحسن إبراهيم بن الحسني الليثي) (‪306:387‬هـ)‪ :‬فضائل مرص وأخبارها وخواصها‪( ،‬تحقيق‪ :‬عىل عمر‪،‬‬ ‫مكتبة األرسة‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م‪ ،).‬ص ‪ 21‬ابن ظهرية‪ :‬الفضائل الباهرة يف محاسن مرص والقاهرة‪( ،‬تحقيق مصطفى السقا‬ ‫وكامل املهندس‪ ،‬مركز تحقيق الرتاث‪ ،‬دار الكتب‪ ،‬القاهرة ‪1969‬م)‪ ،‬ص ‪.90‬‬ ‫‪ -2‬ابن الوردي‪( :‬رساج الدين أيب حفص عمر)‪ :‬خريدة العجائب وفريدة الغرائب‪( ،‬الطبعة األخرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بدون تاريخ)‪،‬‬ ‫ص ‪.35 ،34‬‬ ‫‪ -3‬ابن ظهرية‪ :‬الفضائل الباهرة يف محاسن مرص والقاهرة‪ ،‬ص ‪89‬؛ الزمخرشي‪ :‬أساس البالغة‪ ،‬مادة فرعن؛ سليم عرفات‬ ‫املبيض‪ :‬مالمح الشخصية الفلسطينية يف أمثالها الشعبية (مكتبة األرسة‪ ،‬القاهرة ‪2006‬م)‪ ،‬ص‪ ، 71‬ص ‪.72‬‬

‫‪41‬‬


‫فرعون وهامان‬ ‫يف أساطري العرب قبل اإلسالم‬ ‫‪Ihab Ghazal‬‬

‫وهو خل ٌط شاع لدى العامة بني اسم الفراعنة ـ مفردها‬ ‫حي ٍ‬ ‫كل من املسعودي‬ ‫فرعون ـ واسم قدماء املرصيني مام َّ‬ ‫وابن خلدون ومن كان يف زمانهم يف سياق بحثهم عن أصل‬ ‫هذا اللقب‪ ،‬فأوردت املصادر التاريخية الكثري من الروايات‪،‬‬ ‫وها هو صاحب النجوم الزاهرة ينقل عن املسعودي قوله‪:‬‬ ‫«قال املسعودي‪ :‬سألت جامعة من أقباط مرص بالصعيد‬ ‫وغريه من أهل الخربة عن تفسري اسم فرعون فلم يخربوين‬ ‫عن معنى ذلك وال تحصل يل يف لغتهم‪ ،‬فيمكن أن هذا االسم كان سمة ملوك تلك األمصار وأن تلك اللغة تغريت»‪)4(.‬‬ ‫كشف املسعودي من املسح التحقيقي الذي أجراه بنفسه يف أيام زمانه‪ ،‬ومع من وصفهم «بأهل الخربة» من األقباط‪،‬‬ ‫كشف لنا أن أهل مرص ال يفقهون ماهية هذا اللقب الشهري(‪ ،)5‬بل ال يوجد يف لغتهم‪ .‬كام اكتشف املسعودي بنفسه‪،‬‬ ‫وأرجع ذلك مبا حدث من تغري اللغة املرصية القدمية التي صبغ اللقب فيها‪ ،‬كتغري اللغات األخرى‪ ،‬األمر الذي نتج عنه‬ ‫جهل أقباط مرص مبعناه القديم‪ ،‬وافرتض املسعودي أنه كان سمة مللوك مرص األقدمني‪ ،‬وميكن القول إن نظرة املسعودي‬ ‫هذه نظرة علمية تتسم بالدقة وسالمة املنهج‪.‬‬ ‫أما ابن خلدون فقال يف باب «الخرب عن القبط وأولية ملكهم ودولهم وتصاريف أحوالهم واإلملام بنسبهم»‪« :‬كانوا‬ ‫يسمون الفراعنة سم ًة مللوك مرص يف اللغة القدمية ثم تغريت اللغة وبقي هذا االسم مجهول املعنى كام تغريت الحمريية‬ ‫لم عىل أهل‬ ‫إىل املرضية‪ )6(.»..‬رغم أن لقب «فرعون» قد ورد يف القرآن بصيغة املفرد ال بصيغة الجمع!(‪ )7‬إال أنه أصبح َع ً‬ ‫مرص يف نعتهم بـ «الفراعنة» (فلقب الفرعون يطلق عىل ملوك مرص‪ ،..‬فإذا أرادوا الجمع يف اللفظ قالوا‪« :‬الفراعنة»‪)8(.‬‬ ‫‪ -4‬ابن تغري بردي (جامل الدين أبو املحاسن) ت ‪874‬هـ‪ :‬النجوم الزاهرة يف ملوك مرص والقاهرة (الجزء األول‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد شلتوت‪ ،‬طبعة دار الكتب‪ ،‬القاهرة)‪ ،‬ص ‪61‬؛‬ ‫املسعودي‪( :‬أبو الحسن عىل بن الحسني) (ت‪346‬هـ)‪ :‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪( ،‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد الحميد‪ ،‬الطبعة الخامسة‪ ،‬مكتبة الرياض الحديثة‪ ،‬الرياض‬ ‫‪1973‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.366‬‬ ‫‪ -5‬لقب (فرعون) مل يستعمل هذا اللقب الذي يوحي إلينا بشخصية ذات عظمة‪ ,‬ومجد من غابر األزمنة‪ ,‬إال يف األلف سنة ق‪ .‬م ‪ ,‬كلقب للملك ‪ ,‬وعندما أنجزت مرص ما أراده لها‬ ‫القدر ‪ ,‬وصيغته املرصية عبارة تعني «البيت العايل» أو «البيت العظيم» ‪ ,‬وكانت عبارة أشار املرصيون بها منذ عصور الدولة القدمية إىل قصور فراعتهم ‪ ,‬ثم صار يطلق عىل امللوك‬ ‫أنفسهم ‪ ,‬غري أن لقب «فرعون» مل يستعمل يف أي وقت من التاريخ كلقب حقيقي رسمي للملك‪ :‬چورچ بوزنر وأخرون ‪ :‬معجم الحضارة املرصية القدمية ‪ ,‬ص ‪255 ,254‬؛ألن رونر‬ ‫‪ :‬مرص الفراعنة (ترجمة ‪:‬نجيب ميخائيل ‪ ,‬الطبعة األوىل ‪ ,‬الهيئة العامة للكتاب ‪ ,‬القاهرة ‪1987‬م) ‪,‬ص‪.71‬‬ ‫‪ -6‬ابن خلدون‪( :‬تاريخ ابن خلدون كتاب العرب وديوان املبتدأ والخرب يف أيام العرب والعجم والرببر ومن عارصهم من ذوي السلطان األكرب‪ ،‬سبعة أجزاء‪ ،‬تقديم‪ :‬عبادة كحيلة‪،‬‬ ‫سلسلة الذخائر‪ ،‬األعداد‪ ،153-159‬القاهرة ‪2007‬م)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪.74‬‬ ‫‪ -7‬ورد لفظ «فرعون» يف القرآن بصيغة املفرد يف أربعة وسبعني موضعا‪ :‬انظر‪ .‬املعجم املفهرس أللفاظ القرآن‪ ،‬ص ‪ ،626‬ص ‪.727‬وجاء لفظ فرعون عند املفرسين يشوبه الضبابية‬ ‫وعدم الوضوح فنجد يف كتب التفسري كجامع البيان يف تأويل القرآن ‪ ,1/213‬النيسابوري غرائب القرآن ‪ ,1/281‬النسفي يف مدارك التنزيل ‪1/47‬وغريهم أن لفظ فرعون اسم كانت‬ ‫ملوك العاملقة تسمى به‪ ،‬كام كانت ملوك الروم يسمى بعضهم قيرص‪ ،‬وبعضهم هرقل‪ .‬ويقول الفخر الرازي يف التفسري الكبري ‪ ”:2/71‬أن لفظ فرعون علم ملن ملك مرص من‬ ‫العاملقة‪ ،‬أما ابن كثري يف تفسري القرآن العظيم ‪ :1/91‬أنه علم عىل من ملك مرص كاف ًرا من العامليق وغريهم‪ .‬وأشار رشيد رضا يف تفسري املنار إىل‪ :‬أنه لقب ملن توىل مرص قبل‬ ‫البطالسة‪ .‬للمزيد انظر‪ :‬مصطفى عبد الحليم متويل‪ :‬قصة موىس يف أعامل املفرسين دراسة مقارنة‪( ،‬رسالة ماچستري ‪-‬غري منشورة ‪ ,-‬كلية اآلداب‪ ،‬جامعة الزقازيق ‪1984‬م)‪ ،‬ص‪.17‬‬ ‫‪ -8‬أولياﭽلبي‪ :‬سياحتنا مه مرص‪( ،‬ترجمة محمد عىل عونه‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الوهاب عزام‪ ،‬وأحمد السعيد سليامن‪ ،‬مراجعة‪ :‬أحمد فؤاد متويل ‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار الكتب والوثائق‬ ‫القومية‪ ،‬القاهرة ‪2005‬م )‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪42‬‬


‫فرعون وهامان‬ ‫يف أساطري العرب قبل اإلسالم‬ ‫‪Ihab Ghazal‬‬

‫وتناول املؤرخون لقب «فرعون» بالتعريب‪ ،‬حيث أطلقوا أسامء عربية‬ ‫عىل فراعنة مرص وملوكها فيقول املقريزي‪:‬‬ ‫«‪ ..‬ثم وقع غال ٌء يف زمن فرعان بن مسور‪ ،‬وهو التاسع عرش من ملوك مرص‬ ‫قبل الطوفان‪ ،‬وسببه أن الظلم والهرج كرث حتى مل ينكره أحد‪ ،‬فأجدبت‬ ‫األرض‪ ،‬وفسدت الزروع‪ ،‬وجاء بعقب ذلك الطوفان‪ ،‬وسببه أن الظلم‬ ‫والهرج كرث حتى مل ينكره أحد‪ ،‬فأجدبت األرض‪ ،‬وفسدت الزروع‪ ،‬وجاء‬ ‫بعقب ذلك الطوفان‪ ،‬فهلك امللك فرعان وهو سكران وهو أول من سمى‬ ‫باسم فرعان‪)9(.»..‬‬ ‫«سمي فرعون ألنه أكرث القتل حتى قتل قرابته وأهل بيته‪ ،‬وخدمه‬ ‫وقيل‪ُ :‬‬ ‫ونساءه وكثريا من الكهنة والحكامء»‪)10(.‬‬ ‫ً‬ ‫أما التلمساين فقال‪:‬‬ ‫«فرعون؛ لقب الوليد بن مصعب ملك مرص وهو عات‪ ،‬وكل عات فرعون والعتاة الفراعنة»‪)11(.‬‬ ‫يلفت النظر هنا تأثري فكرة األنساب العربية يف نسبة كل يشء إىل ٍ‬ ‫أسطوري أعىل يفرسون به معنى االسم الذي‬ ‫جد‬ ‫ٍ‬ ‫رجل عربيًا كان يُعرف بـ «الوليد‬ ‫ارتبط بالتكرب‪ ،‬والتجرب‪ ،‬والظلم‪ ،‬ومام يسرتعي االنتباه أن الروايات جعلت ممن تلقب به ً‬ ‫بن مصعب» كام خلعت أسامء عربي ًة عىل معظم فراعنة مرص‪ ،‬وهو ما يكشف لنا عن أن الوجدان الشعبي العريب قد‬ ‫شغل بقصص فرعون حيث كان معروفًا لدى العرب قبل اإلسالم‪.‬‬ ‫حني كان القصص أحد مكونات التاريخ الشفاهي العريب‪ ،‬وكانت قصص فرعون وعاد ومثود تنتقل بينهم بالتواتر‪ ،‬وعندما‬ ‫مل تشبع روايات اإلخباريني حاجات وجدانهم‪ ،‬راحوا يضيفون من تصوراتهم ومورثاتهم إىل هذه األخبار متأثرين بالروح‬ ‫العربية ونزوعها لتعريب الكلامت واألسامء واألحداث‪.. .‬‬ ‫ٍ‬ ‫إلهي وإنه ليس إعجازًا كام يدعي البعض‪.‬‬ ‫نستخلص مام سبق أن اس َمي فرعون وهامان يف قرآن‬ ‫محمد ليس من مصد ٍر ٍ‬ ‫‪ -9‬املقريزي‪ :‬إغاثة األمة بكشف الغمة‪( ،‬تحقيق‪ :‬يارس سيد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبة اآلداب‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م‪ ،).‬ص‪.6‬‬ ‫‪ -10‬ابن محرشة‪( :‬كاتب مراكيش مجهول) (ت‪598‬هـ تقريباَ)‪ :‬االستبصار يف عجائب األمصار‪( ،‬نرش وتحقيق‪ :‬سعد زغلول عبدالحميد‪ ،‬اإلسكندرية ‪1958‬م)‪ ،‬ص ‪.71‬‬ ‫‪ -11‬التلمساين‪ :‬سكردان السلطان‪ ،‬ص ‪.42‬‬

‫‪43‬‬


‫ملحق‪ :‬رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫إعداد‪ :‬أسامة البني‬

‫‪44‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫مقدمة‬ ‫تلخيص للجدل الذي دار حول زعم موريس بوكاي بصدد‬ ‫هذا امللحق هو‬ ‫ٌ‬ ‫ورود اسم هامان يف القرآن باعتباره معجز ًة إلهي ًة‪ .‬وهو ٌ‬ ‫جدل وصل يف‬ ‫نهايته إىل عد ٍد من األكادمييني الذين بتّوا يف األمر بشكلٍ يوضح أن ذلك‬ ‫خاطئ‪ ،‬مع تفصيل مواضع الخطأ‪ .‬يف البدء يفرتض التأكيد عىل نقط ٍة‬ ‫الزعم‬ ‫ٌ‬ ‫بالغة األهمية‪ ،‬وهي أن بوكاي ال يحمل أي درج ٍة علمي ٍة يف علم املرصيات‪،‬‬ ‫كطبيب ٍ‬ ‫خاص للعائلة‬ ‫مختص بأمراض الجهاز الهضمي‪ ،‬عمل‬ ‫طبيب‬ ‫فهو‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫املالكة السعودية وللرئيس املرصي محمد أنور السادات‪ .‬لذلك‪ ،‬فكالمه‬ ‫املتعلق بتفسري الكتابات الهريوغليفية يف أحسن أحواله ال بد أن يُؤخذ‬ ‫كحديث ها ٍو غري مؤهلٍ لتفسري النقوش املرصية القدمية‪.‬‬

‫موريس بوكاي‬

‫بحث ومر ٍ‬ ‫يتكون هذا امللحق من جزئني‪ .‬األول هو ترجم ٌة لحصيلة ٍ‬ ‫اسالت قام بها راوول كلر ‪ Raoul Keller‬من موقع‬ ‫تعقيب عا ٌم‬ ‫‪ islaminstitut.de‬عام ‪ 2009‬مع ثالثة علامء مختصني بعلوم املرصيات القدمية‪ .‬أما الجزء الثاين فهو‬ ‫ٌ‬ ‫عىل السجال الذي دار بني املسلمني املؤيدين والناقدين‪ ،‬وباألخص موقع ‪ www.answering-islam.org‬املسيحي‬ ‫الناقد لإلسالم من جه ٍة‪ ،‬وموقع ‪ www.islamic-awareness.org‬اإلسالمي من جه ٍة أخرى‪ ،‬والذي جاء جزئ ًيا يف أعقاب‬ ‫التحقيق الذي أجراه راوول كلر‪ ،‬لكن النقاش بدأ قبل ذلك‪ .‬يتناول التعقيب كذلك النصوص الدينية‪ ،‬اإلسالمية واليهودية‬ ‫بصدد القصة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إشكاالت جوهري ًة يف هذا‬ ‫تبي بعد فحص أكادمييني خرباء يف علوم املرصيات القدمية أن مثة‬ ‫وكتلخيص ملا سيتبع‪ ،‬فقد ّ‬ ‫الزعم تتمثل يف نقطتني‪:‬‬ ‫‪ -1‬االسم املنقوش بالهريوغليفية ليس هامان‪.‬‬ ‫‪ -2‬الشخصية التي يتحدث عنها النقش ليست مقرب ًة من الفرعون وغري مؤهلة إلنشاء رص ٍح من الطني‪.‬‬ ‫إليكم اآلن ترجمة بحث راوول كلر‪ ،‬ولإليضاح‪ ،‬فموقع ‪ islaminstiut.de‬هو لـ«معهد الدراسات اإلسالمية»‪ ،‬وهو معه ٌد‬ ‫مسيحي ٌ‬ ‫ناطق باألملانية يتك ّون من شبك ٍة من الباحثني يف أملانيا والنمسا وسويرسا‪ ،‬لكن العلامء‬ ‫پروتستانتي‬ ‫تبشريي‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الذين متت استشارتهم هم أكادمييون محايدون ال يبدو أن لهم أي صل ٍة باملعهد‪ .‬وقد كان العنوان األصيل للمقال‪:‬‬ ‫‪Kein Beweis für göttliche Offenbarung des Korans in ägyptischen Inschriften‬‬ ‫وترجمته «هل ميكن التحقق علم ًيا وتاريخ ًيا من إعجاز القرآن؟»‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫هل ميكن التحقق علم ًيا وتاريخ ًيا من إعجاز القرآن؟‬ ‫زعم يفيد بإمكانية التحقق‬ ‫تداول املسلمون عىل مدى ثالثني عا ًما خلت ً‬ ‫من إعجاز النص القرآين بشكلٍ‬ ‫علمي‪ ،‬وصار ذلك حج ًة هام ًة يلجأ إليها‬ ‫ٍ‬ ‫املسلمون يف إثبات صحة اإلسالم ويروجون لها بكثاف ٍة‪ .‬ويف األثناء‪ ،‬نجد‬ ‫يف املنشورات اإلسالمية ما ال يقل عن ‪ 200‬دليلٍ يدعم الطبيعة اإلعجازية‬ ‫للقرآن يُز َعم بإمكانية التحقق منها علم ًيا‪ .‬وقد تم إجراء البحث اآليت‪:‬‬ ‫يذكر القرآن شخصي ًة باسم «هامان» يف قصة موىس وفرعون يف مواضع‬ ‫ع ّدة‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ًَ ْ‬ ‫﴿إِن ف ِْر َع ْون َعال ِف األ ْر ِض َو َج َعل أهل َها ش َِي ًعا ي َ ْس َتض ِعف َطائِفة ّمِن ُه ْم‬

‫َُ ُ َ‬ ‫ْ ْ‬ ‫ُ َّ َ َ‬ ‫يُ َذبّ ُح َأبْ َن َ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫سد َ‬ ‫يد أن‬ ‫ِين ‪ ٤‬ون ِر‬ ‫اءه ْم َويستح ِي ن َِساءه ْم إِن ُه كن م َِن ال ُمف ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِين ْ‬ ‫اس ُتضعفوا ف األ ْر ِض َون َعل ُه ْم أئ َّمة َون َعل ُه ُم ال َوارث َ‬ ‫َّن ُم َّن ع ال َ‬ ‫‪٥‬‬ ‫ِني‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هامان بريشة رمربانت‬ ‫َ‬ ‫ََُ ّ َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ​َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫امان َو ُج ُنوده َما مِن ُهم َّما كنوا‬ ‫ك َن ل ُه ْم ِف األ ْر ِض َون ِري ف ِرعون وه‬ ‫ونم ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ َ َْ َ ْ‬ ‫َّ ُّ َ‬ ‫ْ ّ َ َ​َ‬ ‫َ َ َ ّ ُ َ ْ‬ ‫ََْ َ‬ ‫َْ‬ ‫ك َو َجاعِلُوهُ‬ ‫اف َوال ت َز ِن إِنا َرادوهُ إِلْ ِ‬ ‫ض ِعيهِ فإِذا خِف ِ‬ ‫يذ ُرون ‪َ ٦‬وأ ْوحيْنا إِل أ ِم موس أن أ ْر ِ‬ ‫ت عليهِ فأل ِقيهِ ِف الَ ِم وال ت ِ‬ ‫َ ْ َ َ َ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ُ َ َ ُ ْ َ ُ ًّ َ َ َ ً َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ‬ ‫ود ُه َما َكنُوا َخا ِطئ َ‬ ‫م َِن ال ْ ُم ْر َسل َ‬ ‫ني﴾ (القصص‪:‬‬ ‫ِني ‪ ٧‬فالقطه آل ف ِرعون ِلكون لهم عدوا وحزنا إِن ف ِرعون وهامان وجن‬ ‫ِ‬

‫‪.)8-4‬‬

‫َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ُّ َ ْ َ َ ُ َ َ ْ ُ َ ُ ّ ْ َ َ ْ َ َ ْ ْ َ َ َ ُ َ َ ّ َ ْ َ ّ َ ْ ً َّ َ ّ َ َّ ُ َ‬ ‫ني فاجعل ِل صحا لع ِل أطل ِع إِل‬ ‫يي فأوق ِد ِل يا هامان ع ِ‬ ‫الط ِ‬ ‫﴿وقال ف ِرعون يا َ أيها المل ما عل ِمت لكم مِن إ ِ ٍل غ ِ‬ ‫ّ‬ ‫إ َلِ ُم َ‬ ‫ِإَون َل ُظ ُّن ُه م َِن الْ َكذِب َ‬ ‫ني﴾ (القصص‪.)38 :‬‬ ‫وس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َ​َ َ َ‬ ‫اء ُهم ُّم َ‬ ‫وس بالَ ّي َنات ف ْ‬ ‫بوا ف األ ْر ِض َو َما كنُوا َسابق َ‬ ‫اس َتك َ ُ‬ ‫ان َول َق ْد َج َ‬ ‫ني﴾ (العنكبوت‪.)39 :‬‬ ‫﴿وقارون وف ِرعون وهام‬ ‫ِ​ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ​َ​َ ْ ََْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ​َ َ َ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫﴿ولقد أرسلنا موس بِآيات ِنا وسلط ٍان مب ِ ٍني إِل ف ِرعون وهامان وقارون فقالوا ساحِر كذاب﴾ (غافر‪.)24-23 :‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ً َّ َ ّ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِإَون َل ُظ ُّن ُه كذِباً‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫﴿ َوقال ف ِْرع ْون يَا هامان اب ِن ِل صحا لع ِل أبلغ األسباب ‪ ٣٦‬أسباب السماو ِ‬ ‫ات فأطل ِع إِل إِلِ موس ِ‬ ‫َ َ َ ْ ُ ْ َ ْ َ َّ‬ ‫وء َع َملِهِ َو ُص َّد َعن َّ‬ ‫ال ف َت َ‬ ‫َو َك َذل َِك ُز ّي َن لِفِ ْر َع ْو َن ُس ُ‬ ‫اب﴾ (غافر‪.)37-36 :‬‬ ‫ب‬ ‫إ‬ ‫ن‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ِر‬ ‫ف‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ك‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫يل‬ ‫ب‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ومثة مسلمون يعتربون أن االكتشاف املزعوم ٍ‬ ‫دليل‬ ‫قديم يحمل اسم هامان قبل اإلسالم بفرت ٍة طويل ٍة هو ٌ‬ ‫لنقش‬ ‫مرصي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صحفي يق ّدم وقائع مهم ًة يف هذا املوضوع‪ ،‬إضاف ًة إىل‬ ‫تحقيق‬ ‫تاريخي داع ٌم لحقيقة القرآن واإلسالم‪ .‬سنقوم هنا بنرش‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بيانات يقدمها ثالثة علامء يف املرصيات ورسال ًة من الدكتور يورغن أوزنغ ‪ Jürgen Osing‬األستاذ املتقاعد من جامعة‬ ‫برلني الحرة ‪ ،Freie Universität Berlin‬والذي يقوم بالرد التفصييل عىل األسئلة املتعلقة بهذا النقش‪.‬‬ ‫‪46‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫إلهي يف القرآن يف النقوش املرصية‬ ‫ال يوجد ٌ‬ ‫وحي ٍ‬ ‫دليل عىل ٍ‬ ‫دحض الزعم املبني عىل علم املرصيات بصدد معجزة‬ ‫مدينة ڤيينا‪ ،‬األول من نوفمرب ترشين ثاين عام ‪ .2009‬عىل مدى ‪15‬‬ ‫أثري من مرص القدمية يف متحف تاريخ الفنون‬ ‫عا ًما‪ ،‬توجد عارضة ٍ‬ ‫باب ٍ‬ ‫عقائدي حا ٍد‪ ،‬إذ‬‫ديني‬ ‫ٍ‬ ‫‪ Kunsthistorischen Museum‬صارت مدار جد ٍل ٍ‬ ‫دليل دام ًغا عىل املصدر‬ ‫يعتقد بعض املسلمني أن عارضة الباب هذه تُع ُّد ً‬ ‫مختصون يف الهريوغليفيات املرصية‬ ‫اإللهي للقرآن‪ ،‬كتابهم املقدس‪ .‬وقد قام‬ ‫ّ‬ ‫بفحص النقش املوجود عىل العارضة‪ ،‬وكان واقع النتيجة أن ذلك الباب األثري‬ ‫ال يكشف عن أي حقيق ٍة ميتافيزيقية‪ .‬يُفرتض أن يقدم وجود اسم هامان‬ ‫دليل يقين ًيا بأن أصل القرآن ليس برشيًا‪ .‬ويصف القرآن هامان بأنه مستشا ٌر‬ ‫ً‬ ‫مق ّر ٌب من الفرعون الذي حكم أيام النبي موىس‪ ،‬كام أنه كان الحاكم املرصي‬ ‫الذي أصدر األمر ببناء الربج الطيني الذي سيصل إىل إله موىس يف السامء‪.‬‬

‫عارضة الباب التي عليها النقش‬

‫يف العام ‪ 1994‬ا ّدعى الطبيب الفرنيس موريس بوكاي ‪ Maurice Bucaille‬يف كتابه املعنون «موىس وفرعون‪ :‬العربانيون‬ ‫يف مرص» ‪ Moïse et Pharaon ; Les Hébreux en Egypte‬أنه وجد شخصية هامان مكتوب ًة يف النقش الهريوغليفي‬ ‫املوجود عىل عارضة الباب‪ ،‬مام أحدث حامس ًة كبري ًة يف أوساط املدافعني املسلمني ال زالت أصداؤها موجود ًة إىل يومنا‬ ‫عمل املحجر»‪ ،‬وهو ما يتفق متا ًما مع القرآن‪ ،‬بحسب‬ ‫هذا‪ .‬وقد كان االسم املهني للشخص الذي يذكره النقش «رئيس ّ‬ ‫بوكاي‪ .‬باإلضافة إىل ذلك‪ ،‬ميكن االستنتاج ضم ًنا من النقش وجود عالق ٍة وثيق ٍة بني الفرعون وهامان‪ .‬ويستنتج بوكاي‪ :‬أن‬ ‫هذا الشخص كان موجو ًدا حقًا‪ ،‬مام يثبت تاريخ ًيا ما يقوله القرآن‪ ،‬عىل عكس ما يقوله الكتاب املقدس‪.‬‬ ‫ويف السنني التي تلت ذلك‪ ،‬تب ّنى العديد من الخطباء املسلمني‬ ‫تحليل بوكاي‪ .‬فعىل سبيل املثال يقول الكاتب الرتيك املثري للجدل‬ ‫هارون يحيى يف كتابه «موىس عليه السالم» ص ‪« :69‬إن وجود اسم‬ ‫هامان يف الكتابات املرصية القدمية يثبت خطأ وسخف املزاعم التي‬ ‫يرغي بها بعض الحاقدين من غري املسلمني‪ ،‬كام أن فيه دالل ًة عىل أن‬ ‫القرآن هو كالم الله الذي ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪.‬‬ ‫ومن دالئل إعجاز القرآن الكريم أنه أطلعنا عىل معلوم ٍة تاريخي ٍة‬ ‫مل يكن ممك ًنا االطالع عليها يف زمن الرسول صىل الله عليه وسلم»‪.‬‬ ‫‪47‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ولكن هل هذه حقًا معجز ٌة إلهية؟ لإلجابة عن هذا السؤال قام اآلن خرباء بفحص النقش املوجود عىل عارضة الباب‪.‬‬ ‫قائل‪« :‬إن الهريوغليفية املرصية القدمية تتكون من أحرف ساكن ٍة‪ ،‬مام‬ ‫يرشح األستاذ الدكتور يورغن أوزِنغ من برلني ً‬ ‫مبهم»‪ .‬فحتى نظريًا‪ ،‬ال ميكن لالسم «هامان» أن يبقى عىل صورته هذه‪ ،‬فأقىص ما هو ممكن أن يرِد عىل‬ ‫يجعل لفظها ً‬ ‫الصيغة «همن»‪ .‬ويضيف أوزِنغ‪« :‬ولكن االسم املوجود عىل الباب ليس حتى «همن» وإمنا ِ‬ ‫«ح ِمن‪-‬ح»»‪.‬‬ ‫وبعد فحص النقش‪ ،‬يرشح أستاذ الهريوغليفيا‪ ،‬الدكتور إيرهارت غريفه‬ ‫‪ ،Erhart Graefe‬وهو مدير مركز الدراسات املرصية والقبطية ‪IAEK -‬‬ ‫‪ Institut für Ägyptologie und Koptologie‬الشهري يف جامعة مونسرت‬ ‫‪ ،Westfälischen Wilhelms-Universität in Münster‬حيث يقول‪:‬‬ ‫«إن خامتة االسم هي بال ٍ‬ ‫اسم آخر مشابه»‪.‬‬ ‫شك اختصا ٌر‪ ،‬فهي تأيت من ٍ‬ ‫وتوافق الدكتورة كاتارينا شتي ْغبا ِور ‪ Katharina Stegbauer‬من معهد‬ ‫علوم املرصيات ‪ Ägyptologischen Institut‬من جامعة اليپتسغ‬ ‫إيرهارت غريفه‬ ‫‪« :Universität Leipzig‬إن االسم الكامل لالختصار هو ِح ِم ِ‬ ‫ن‪-‬ح ِتپ‪.‬‬ ‫اض» أو ِ‬ ‫وهي تعني عند ترجمتها ِ‬ ‫«ح ِمن ر ٍ‬ ‫«ح ِمن كريم»‪ ،‬حيث أن ِح ِمن هو اسم معبو ٍد مرصي‪ .‬وقد كان املرصيون‬ ‫كث ًريا ما يرك ّبون أسامءهم بشكلٍ يربط بني إل ٍه ِ‬ ‫وصف ٍة ما‪ ».‬وتكمل شتيغباور قائل ًة‪« :‬أجل‪ ،‬عند املزيد من التمحيص فإن‬ ‫الهاء يف اسم «هامان» من القرآن ليس الحاء يف النقوش الهريوغليفية‪ ،‬فنطقه مختلف‪ ،‬وقد تم دمج هذين الحرفني الحقًا‬ ‫يف اللغة القبطية‪ ،‬لكن أسلوب النطق الشائع اليوم مصدره من عرصنا نحن»‪.‬‬ ‫يرشح أوزنغ يف كتابه «تشكّل األسامء لدى املرصيني» ‪ Die Nominalbildung des Ägyptischen‬الفرق بني هذين‬ ‫الحرفني‪« :‬كان دمج الحرفني ناد ًرا يف الحقبة التي تعود إليها عارضة الباب‪ .‬وال أعرف إال عن حال ٍة واحد ٍة فقط تعود إىل‬ ‫تلك الحقبة»‪.‬‬ ‫وعند سؤال شتيغباور عام إذا كان منصب «رئيس عامل املحجر» يوحي بوجود‬ ‫عالق ٍة وثيق ٍة بالفرعون‪ ،‬نفت ذلك‪« :‬يف الواقع‪ ،‬فإن املنصب املوجود عىل‬ ‫وح ِم ِ‬ ‫العارضة هو «رئيس قاطعي األحجار لدى آمون» ِ‬ ‫ن‪-‬ح ِتپ كان موظفًا يف‬ ‫املعبد عىل األرجح‪ ،‬وال ميكن االستدالل عىل عالقته بالفرعون من ذلك»‪.‬‬

‫كاتارينا شتيغْباوِر‬

‫ويوافقها غريفه الرأي‪« :‬يتكون باقي النص من األماين التقليدية املوجهة للموىت‪،‬‬ ‫وال يوجد أم ٌر ممي ٌز يوحي بعالق ٍة مق ّرب ٍة من الفرعون»‪.‬‬ ‫‪48‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ويضيف أوزنغ‪« :‬من املشكوك فيه ّأل يقوم ٌ‬ ‫مرصي بتكليف‬ ‫ملك‬ ‫ٌ‬ ‫«رئيس كل مشاريع امللك» بإنشاء مب ًنى هائلٍ كهذا‪ ،‬وإمنا يوكل‬ ‫ذلك لشخص غري ذي شأنٍ ال ميلك مؤهالت إنشاء بنا ٍء من الطوب‬ ‫الطيني مثل «رئيس عامل املحجر أو الح ّجارين»‪ .‬عالو ًة عىل‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن القرآن يتحدث بوضو ٍح عن بنا ٍء من الطني املسخن‬ ‫أو املحروق‪ .‬والدالئل تشري إىل أن استعامل الطني املحروق ال‬ ‫يشكل سوى قد ٍر ضئيلٍ يف تلك الفرتة‪ ،‬وباألخص يف بناء الرصوح‬ ‫العظيمة»‪.‬‬

‫امللك تهاركا (طهارقة) يقدم النبيذ إىل اإلله حمن (الصقر) تق ّربًا‬

‫أما استنتاج األستاذ غريفه‪« :‬مع كل هذه االعرتاضات‪ ،‬فإن مساواة هذا الشخص بهامان القرآين ليست سوى هرا ٍء ذي ضجيج»‪.‬‬ ‫مل يدرك متحف تاريخ الفنون يف ڤيينا أهمية هذه القطعة األثرية عىل مدى ‪ 15‬عا ًما مضت‪ .‬وعند السؤال عام لو كانت‬ ‫أصل‪ ،‬ترد ميكائيال هوتْرن ‪ ،Michaela Hüttner‬أمينة مجموعة‬ ‫كثب ً‬ ‫الفرصة قد سنحت لبوكاي أن يفحص الباب عن ٍ‬ ‫اآلثار املرصية والرشقية يف املتحف‪« :‬عىل حد علمي‪ ،‬فإن قطعتَي عارضة الباب مل تكونا متاحتني للعامة عىل مدى عقو ٍد‪،‬‬ ‫فالعارضة كانت محفوظ ًة يف مستودعنا‪ .‬وال توجد مراسالتٌ مع السيد بوكاي يف سجالتنا‪ ،‬كام وال توجد أي مالحظ ٍة بصدد‬ ‫أي زائ ٍر أراد رؤية هذه القطعة بني األعوام ‪ 1975‬و‪ .1995‬وقد أذهلنا االهتامم الدويل العجيب بعارضة الباب خالل‬ ‫السنوات األخرية‪ ،‬لكن الطلب األول جاء يف العام ‪.»2005‬‬ ‫هل هذه معجز ٌة إلهية؟ هنالك العديد من املدافعني املسلمني الذين يعتربون هاتني القطعتني من عارضة الباب يف‬ ‫متحف الفنون يف ڤيينا كدليلٍ عىل قابلية التوثق العلمي من صحة دينهم‪ .‬لكن الخرباء يختلفون معهم‪.‬‬

‫الرسالة التالية هي من األستاذ الدكتور املتقاعد يورغن أوزنغ‪:‬‬ ‫األستاذ الدكتور املتقاعد يورغن أوزنغ‬ ‫ندوة علم املصريات‬ ‫الجامعة الحرة في برلين‬ ‫برلين في أغسطس آب ‪2009‬‬ ‫السيدات والسادة الكرام‪،‬‬ ‫‪49‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ٌ‬ ‫كل من‬ ‫إن األسماء املوجودة على عارضتي الباب املصريتين واضحة‬ ‫بشكل يكفي للقراءة‪ ،‬وهي تظهر في نهاية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عمودي النص على الشكل «ح من‪-‬ح» ‪ ،ḥ mn-ḥ‬وذلك بحسب تصريح ڤرجنسكي ‪ Wreszinski‬ورانكه ‪.Ranke‬‬ ‫ً‬ ‫مختصرة لهذا االسم تلعب دو ًرا ً‬ ‫فرعيا مقارنة باسم هامان القرآني‪ .‬إن‬ ‫صيغة غير‬ ‫وفي رأيي‪ ،‬فإن إمكانية وجود‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫موجود على عارضة الباب‪ ،‬ويجب أخذ أصوات هذه األحرف بعين االعتبار‪.‬‬ ‫االسم «ح من‪-‬ح»‬ ‫عنصر فيه اإلشارة للحرف الساكن حو ‪ ،ḥw‬والذي ال يمكن‬ ‫إن «ح من‪-‬ح» تتكون من اسم اإلله «ح من» ومن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫بشكل يقيني‪ .‬وهو تم استخدامه في حقبة اململكة الجديدة مرتبطا بالرمز املستخدم للفافات البردي‬ ‫تحديده‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫شائع جدا ِيردان مجتمعين ليعنيا صوت الحرف ح‪ .‬عندما يقوم رانكه بإعادة صياغة االسم على الشكل‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫«ح من‪-‬ح»‪ ،‬فمن العبث تفسير عدم اليقين على النحو الذي يقوم به موقع ‪( islamic-awareness.org‬يوليو‬ ‫تموز ‪ :)2009‬كما لو أنه يقترح أن الحاء «ليست ً‬ ‫فعليا ً‬ ‫جزءا من االسم»‪ ،‬مما يؤدي بهم إلى إزالة ذلك الحرف‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫متبوع بعد ذلك‬ ‫مفتوح للتساؤل‪ ،‬لكن وجودها نفسه ليس موضع تساؤل‪ ،‬وهو‬ ‫كليا‪ .‬إن تفسير الحاء الختامية‬ ‫ُ‬ ‫بالكنية «صادق الصوت‪ ،‬الحق» في سبيل املوتى املباركين‪.‬‬ ‫وإذا ما قورن ذلك باسم هامان العربي‪ ،‬يظهر اختالفان‪:‬‬ ‫‪ -1‬الحاء في نهاية االسم العربي مفقود‪.‬‬ ‫‪ -2‬طبيعة صوت الهاء األولى مختلفة‪ .‬إن من الصحيح أنه في اللغة املصرية يحدث ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تحو ٌل‬ ‫صوتي من «ح» إلى‬ ‫ّ‬ ‫«هـ» عند اقترانه بـ«م»‪ ،‬وهو ٌ‬ ‫ً‬ ‫ابتداء من السالالت ‪ 19‬إلى ‪( .21‬راجعوا كتابي «تشكل‬ ‫مثبت في بعض األحيان‬ ‫األسماء لدى املصريين» ‪ ،Die Nominalbildung des Ägyptischen‬املنشور في ماينتز ‪ Mainz‬عام ‪ 1976‬في‬ ‫تذييل ص‪ .)367 .‬ولكن‪ ،‬في حقبة اململكة الجديدة‪ ،‬والتي يعود تأريخ عارضة الباب إليها‪ ،‬كان هذا النوع من‬ ‫االندماجات ناد ًرا‪ .‬وال أعرف سوى‬ ‫واحد على ذلك من تلك الحقبة املعنية‪ .‬فهذا الصوت ثانوي‪ .‬وأعتقد‬ ‫مثال ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أن من املشكوك فيه أن ُي َخ َ‬ ‫صوت ثانو ٌ‬ ‫ي‬ ‫ملصدر تقبل منه سلطة إلهية‪ .‬لكنني أعتبر أن الفرق في‬ ‫كهذا‬ ‫ص‬ ‫ص‬ ‫ٍ‬ ‫أمرا ً‬ ‫فرعيا‪ً ،‬‬ ‫أصوات الهاء والحاء ً‬ ‫مدلوالت أخرى تشير ضد مساواة االسمين‪.‬‬ ‫نظرا لوجود‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫صرحا ً‬ ‫عاليا من الطين املحروق (اآلجر)‪ .‬تجدر‬ ‫استنادا إلى القرآن‪ ،‬فإن فرعون طلب من هامان أن يبني له‬ ‫عظيم كهذا‪ ،‬وإنما لجأ إلى مجرد‬ ‫بناء‬ ‫اإلشارة أن امللك املصري لم يقم بتكليف «رئيس كل أعمال امللك» بإنشاء ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مؤهل‬ ‫«رئيس عمال املقالع أو البنائين» ألجل ذلك‪ .‬فأهمية هذا األخير محلية وحسب‪ ،‬وهو لم يكن يملك أي ٍ‬ ‫(ملا يفترض أنه) ٌ‬ ‫بناء من اآلجر‪.‬‬ ‫أما فيما يتعلق بحرق الطوب أو اآلجر‪ ،‬فيجب اإلشارة إلى أنه من ضمن املباني العظيمة والضئيلة على مدى‬ ‫ً‬ ‫العصور الفرعونية‪ ،‬كان ثمة ٌ‬ ‫كم ٌ‬ ‫هائل من املباني املبنية من الطوب املجفف بالهواء التي ال تزال محفوظة‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫موجود في شرق دلتا النيل في فترة‬ ‫موقع‬ ‫ٍ‬ ‫كذلك‪ ،‬فإن الدالئل على ٍ‬ ‫مبان من الطوب املحروق والتي بدأت من ٍ‬ ‫مهمل‪ ،‬ال سيما من الصروح‬ ‫قدر‬ ‫ضئيل شبه ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الساللة ‪ 19‬ثم تزايد استخدامها في الفترة املتأخرة ال تشكل سوى ٍ‬ ‫العظيمة (راجعوا ‪ AJ Spencer, Brick Architecture in Ancient Egypt. Warminster 1979‬واملراجع التي فيه)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫كل من العربية‬ ‫نظر لغوية‪ ،‬أود التأكيد مجددا على أن اسم هامان معزول اشتقاقيا (إيتيمولوجيا) في ٍ‬ ‫من وجهة ٍ‬ ‫سامية أخرى‪ً ،‬‬ ‫كلمة على الصورة هـ‪-‬م‪-‬ن‪ ،‬أو أي‬ ‫لغة‬ ‫نظرا لعدم وجود جذر ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والعبرية‪ ،‬وهذا سيكون حاله في أي ٍ‬ ‫كلمة بهذا التركيب‪ .‬وكاسم مصري‪ ،‬فإن هامان سيكون على األقل ً‬ ‫عادي‪ ،‬وهو غير معرو ٍف بالنسبة‬ ‫اسما غير‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لنا لحد اآلن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بأصل مختلف (مثل من الفارسية القديمة همايون «العظيم»‪ ،‬راجعوا ‪.)Köhler-Baumgartner‬‬ ‫إن االسم يوحي ٍ‬ ‫لم يذكرني اسم هامان بالعربية بهامان بالفارسية فقط لهذا السبب‪ ،‬فهو املذكور في سفر إستير باعتباره إدارًيا‬ ‫مصيرا ً‬ ‫ً‬ ‫مشينا بسبب‬ ‫في البالط اإلمبراطوري وحامل أختام زركسيس وعدو الشعب اليهودي الذي يقال أنه لقي‬ ‫ٌ‬ ‫متطابق في النص العبري والشكل العربي ‪ -‬في أحرف العلة كما في األحرف الساكنة‬ ‫أحابيله‪ .‬إن صوت هذا االسم‬ ‫(راجعوا ‪.)Köhler-Baumgartner‬‬ ‫ْ‬ ‫شخصية كهذه ينحصر في النصوص املقدسة لدى اليهودية (واملسيحية) واإلسالم‪ ،‬ومدى التشابه بين‬ ‫إن ِذكر‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل مباشر‪.‬‬ ‫الشخصين املسميان هامان يوحي‪ ،‬في رأيي‪ ،‬أنهما مرتبطان‬ ‫ٍ‬ ‫شاهق يصل إلى السماء والغطرسة املتمثلة في الصعود عليه ملواجهة إله بني إسرائيل قد‬ ‫صرح‬ ‫إن فكرة تشييد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واستنادا‬ ‫تكون مبنية على فكرة برج بابل‪ .‬فهذه الزقورات املبنية من الطوب كانت شائعة في بالد ما بين النهرين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إلى سفر التكوين ‪ ،3 :11‬فإن برج بابل قد ش ِّيد من ِ«ل ْب ٍن مشو ٍي» ومطلي‪.‬‬ ‫مع أطيب تحياتي‪،‬‬ ‫يورغن أوزنغ‬ ‫تعقيب بقلم املرتجم‪.‬‬ ‫هذه كانت نهاية رسالة أوزنغ وكذلك نهاية املقال الذي كتبه راوول كلر‪ .‬اآلن ننتقل إىل‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -1‬املقصود هو القاموس العربي واآلرامي للعهد القديم ملجموعة تشمل كولر وباومغارترن وشتام‪:‬‬ ‫‪Köhler, Ludwig, Walter Baumgartner, M. E. J. Richardson, and Johann Jakob Stamm. 1994. The Hebrew and Aramaic lexicon of the Old Testament.‬‬ ‫‪Leiden: E.J. Brill.‬‬

‫‪51‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫تعقيب املرتجم‬ ‫بداية الكذبة‬ ‫ٍ‬ ‫رش من بوكاي حتى نفهم املسار الذي أوصله إىل زعمه‪ .‬يقول يف كتابه «موىس وفرعون» ص ‪193-192‬‬ ‫لنبدأ‬ ‫باقتباس مبا ٍ‬ ‫من النسخة اإلنجليزية‪:‬‬ ‫هذا الهامان ال يظهر يف الكتاب املقدس‪ ،‬لكنه مذكو ٌر ست مر ٍ‬ ‫ات يف القرآن‪ :‬سورة ‪ ،28‬اآليات ‪ ،8 ،6‬و‪38‬؛ سورة ‪ ،29‬اآلية‬ ‫ص ًحا لَّ َع ِّل‬ ‫‪39‬؛ وسورة ‪ ،40‬اآليات ‪ 24‬و‪ .36‬وقد كان مق ّربًا من الفرعون الذي قال متعجرفًا ومستهزئًا‪« :‬يَا َها َما ُن ابْنِ ِل َ ْ‬ ‫الس َم َو ِ‬ ‫وس َوإِ ِّن َلَظُ ُّن ُه كَا ِذبًا» (سورة ‪ ،40‬اآليات ‪ .)37-36‬ال شك أن هامان‬ ‫اب َّ‬ ‫ات فَأَطَّلِ َع إِ َل إِلَ ِه ُم َ‬ ‫اب‪ ..‬أَ ْس َب َ‬ ‫أَبْلُ ُغ األَ ْس َب َ‬ ‫كان مدير اإلنشاءات‪.‬‬ ‫(نقل حر ٌيف ‪ )transliteration‬دقيق ٌة السم ٍ‬ ‫شخص‬ ‫مكتوب بالعربية يف القرآن‪ ،‬هو نقحر ٌة ٌ‬ ‫س ُن ّبي أن هذا االسم‪ ،‬كام هو‬ ‫ٌ‬ ‫رس للقرآن تعامل‬ ‫بات رسم اسمه ‪ orthograph‬بالهريوغيليفية معروفًا لنا اليوم متا ًما‪ .‬وبحسب علمي‪ ،‬ال يوجد أي مف ٍ‬ ‫مع هذه املسألة عىل ٍ‬ ‫توافق لالسم مع اسم اإلله املرصي‬ ‫هريوغليفي تفصييل‪ .‬فأحد املفرسين كان يبحث عن‬ ‫أساس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اب آخرون إىل القول أن «هامان»‬ ‫«آمون»‪ ،‬عىل أساس أنه قد متت نقحرة اسمه إىل العربية بشكلٍ رديء‪ .‬ثم ذهب كتّ ٌ‬ ‫وش) (وهو االسم الكتايب لزركسيس ‪ )Xerxes‬الذي كان‬ ‫قد تكون إشار ًة لـ«آمان» ‪ ،Aman‬مستشار أسويروس (أَ َحشْ وِي ُر ُ‬ ‫عد ًوا لليهود‪ :‬ولكن هذه املقارنة ال تأخذ يف عني االعتبار تسلسل األحداث التاريخية‪ .‬ويقتيض البحث الوحيد الصحيح‬ ‫أن نسأل خب ًريا باللغة املرصية القدمية لرنى رأيه بصدد وجود هذا االسم يف القرآن‪.‬‬ ‫يف كتايب «تأمالتٌ يف القرآن» ‪ ،Réflexions sur le Coran‬أوردتُ نتائج هذه االستشارة التي تعود إىل ما قبل ‪ 12‬سنة‪،‬‬ ‫تفضل أحد أبرز علامء املرصيات‬ ‫والتي قادتني أن أسأل‬ ‫مختصا يف املوضوع كان يتقن كذلك اللغة العربية الفصحى‪ .‬وقد ّ‬ ‫ً‬ ‫القدمية الفرنسيني ممن تحقق فيهم هذان الرشطان باالستجابة والرد عن السؤال‪.‬‬ ‫كنت قد نسختها بالضبط كام جاءت يف القرآن وأخربته أنها استُخرجت من جمل ٍة من وثيق ٍة‬ ‫أريتُه كلمة «هامان»‪ ،‬والتي ُ‬ ‫ٍ‬ ‫بشخص من التاريخ املرصي‪.‬‬ ‫تعود للقرن السابع امليالدي‪ ،‬وأن الجملة ترتبط‬ ‫السم بالهريوغليفية‪ ،‬ولكن بالنسبة له‪ ،‬من غري املمكن‬ ‫فقال يل‪ ،‬يف هذه الحالة‪ ،‬سيعترب أن هذه الكلمة ستكون نقحر ًة ٍ‬ ‫اسم هريوغليف ًيا مل يكن معروفًا حتى ذلك الوقت‪ ،‬حيث أن الكتابة الهريوغليفية‬ ‫لوثيق ٍة مكتوب ٍة يف القرن السابع أن تحتوي ً‬ ‫كانت قد نُسيت متا ًما آنئذ‪.‬‬ ‫‪52‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ولتأكيد استنباطه بصدد ذلك االسم‪ ،‬نصحني باستشارة «معجم أعالم الشخصيات يف اململكة الحديثة»(‪ )2‬لكاتبه رانكه‬ ‫‪ ،Ranke‬حيث أنني قد أجد االسم مكتوبًا بالهريوغليفية بالصورة التي كتبها أمامي‪ ،‬وبالنقحرة باألملانية‪.‬‬ ‫ُهلت عندما قرأت حرفة هامان‪« :‬رئيس عامل املقالع‬ ‫وقد‬ ‫اكتشفت بالفعل كل ما قام ذلك الخبري بافرتاضه‪ ،‬وفوق ذلك ذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫الحجرية»‪ ،‬وهو بالضبط ما ميكن استنباطه من القرآن‪ ،‬إال أن كلامت الفرعون توحي أنه رئيس مشاريع البناء‪.‬‬ ‫حامل نسخ ًة مصور ًة من صفحة املعجم املختصة باسم «هامان» وأريته إحدى صفحات القرآن حيث‬ ‫عندما عدتُ للخبري ً‬ ‫يرد االسم‪ ،‬عجز عن الكالم من شدة الذهول‪..‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فقد أشار رانكه إىل مرجعٍ نرشه عام ‪ 1906‬عامل املرصيات القدمية ڤالرت ڤرجنسيك ‪ ،Walter Wreszinski‬حيث‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محفوظ يف متحف هوف ‪ Hof‬يف ڤيينا يف النمسا‪ .‬وبعد‬ ‫حجري ‪stela‬‬ ‫شاهد‬ ‫ذكر أن اسم «هامان» كان منقوشً ا عىل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متكنت من قراءة الحرفة املكتوبة عىل الشاهد الحجري‪ ،‬الحظت أن الرسم املعنوي املربوط فيها‬ ‫سنوات عديد ٍة‪ ،‬عندما‬ ‫ُ‬ ‫أكد عىل عالق ٍة وثيق ٍة بالفرعون‪.‬‬ ‫توجد بضع ٍ‬ ‫نقاط مريب ٍة يف هذا الكالم‪:‬‬ ‫‪ -1‬أوالها عدم تسمية املختص الذي استشاره بوكاي (كام‬ ‫لو كان لغد ٍة نسيها عىل رأي العريفي)‪ .‬مل يقل بوكاي‬ ‫كيف اختار هذا املختص ومل يحدد املعايري التي استخدمها‬ ‫الختياره‪ ،‬أو عملية االختيار‪.‬‬ ‫‪ -2‬هذا املختص بعلم املرصيات القدمية والذي يتقن‬ ‫العربية الفصحى مل يتساءل عن طبيعة الوثيقة العجيبة‬ ‫اسم مرصيًا قد ًميا مكتوبًا بالعربية ومن فرتة‬ ‫التي تذكر ً‬ ‫كتابة القرآن‪ ،‬ومل يعرتض عىل أنها بسبب ذلك ليست من بحسب العريفي‪ :‬املرأة ال تستطيع الحديث والتفكري يف نفس الوقت‬ ‫بسبب غد ٍة يف الدماغ نيس اسمها لكنها معروف ٌة يف كتب اإلعجاز العلمي‪.‬‬ ‫تلك الفرتة‪ ،‬ومل مييز أنها من القرآن‪ ،‬وهو املصدر األسايس‬ ‫لتعلّم الفصحى والذي سيكون املختص املزعوم قد درسه ويعرف قصصه ويعرف عن معجم رانكه الشهري وما فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬نقط ٌة أخرى تعزز االفرتاض بأن بوكاي مل يسترش خب ًريا عىل األرجح‪ ،‬تتعلق بغياب أحرف العلة يف الكتابة الهريوغليفية‪،‬‬ ‫فهو يقول أنه ق ّدم الكلمة مكتوب ًة حرف ًيا كام وردت يف القرآن‪ .‬ويف القرآن تحتوي ألفًا‪ ،‬بينام ستظهر يف الهريوغليفية‬ ‫بال أحرف علة‪ ،‬وهي نقط ٌة أساسي ٌة يُفرتض أن يعرفها أي مبدتئٍ (فام بالك بخبريٍ) يف الهريوغليفيا املرصية‪ .‬لو نظرنا إىل‬ ‫‪ -2‬ال وجود لكتاب بهذا العنوان‪ ،‬فالكتاب املشار إليه فعليًا ال يختص باململكة الحديثة وإمنا بكل التاريخ املرصي القديم‪:‬‬ ‫‪Hermann Ranke, Die Ägyptischen Personennamen, Verzeichnis der Namen, Verlag Von J J Augustin in Glückstadt, Band I, 1935. Band II, 1952‬‬

‫‪53‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫أيضا‪ ،‬ال عىل أحرف العلة للفظ األلف‪ ،‬فهو يٌكتب بالعربية « َه َّم ْن» ָה ָמן‪،‎‬‬ ‫االسم بالعربية‪ ،‬لرأينا أنه يعتمد عىل الحركات ً‬ ‫ولوال الرتاث العربي املتوارث الذي أعلمنا بطريقة لفظه‪ ،‬والتي من الواضح اعتامد القرآن عليها‪ ،‬ملا عرفنا بوجود الفتح‬ ‫(أو األلف) بني األحرف الساكنة‪ .‬وهذا طب ًعا يصب يف فكرة أن القرآن أخد االسم العربي وأعاد استخدامه يف غري موقعه‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مدلول عام‬ ‫ً‬ ‫بأحرف تبدو ظاهريًا نفسها) ال تعطي‬ ‫أيضا يشري إىل أن كلم ًة هريوغليفي ًة بنفس األحرف الساكنة (أو‬ ‫ولكنه ً‬ ‫لو كان االسم هو نفسه‪ ،‬إن غياب أحرف العلة يف االسم العربي وظهور األلف لتحايك الحركات عىل االسم العربي تزيد‬ ‫من احتاملية أن االسم القرآين هو ذاته االسم العربي‪ .‬أما االسم املنقوش فعل ًيا فيحتاج تحوي ًرا وتغاض ًيا عن اختالفاته عن‬ ‫اسم هامان حتى يصري قريبًا ولو بعض اليشء من «هامان»‪ ،‬وهذا يناقض ما ا ّدعاه بوكاي إذ قال «أن هذا االسم‪ ،‬كام‬ ‫مكتوب بالعربية يف القرآن‪ ،‬هو نقحر ٌة دقيق ٌة السم ٍ‬ ‫شخص بات رسم اسمه ‪ orthograph‬بالهريوغيليفية معروفًا‬ ‫هو‬ ‫ٌ‬ ‫لنا اليوم متا ًما»‪ ،‬ولنالحظ أن هذا الخبري الفرنيس قدم لبوكاي الفرنيس نقحر ًة أملاني ًة لالسم‪ ،‬ال فرنسية‪ ..‬عجيب‪ .‬لكن يف‬ ‫هذا السياق توجد نقط ٌة أخري ٌة متصل ٌة وهي أن بوكاي اختار كتابة هامان اليهود بصورته اللفظية الفرنسية‪ ،‬بال هاء يف‬ ‫البداية‪ ،‬رمبا ليوحي أن االسم املذكور يف سفر إستري يختلف عن االسم املذكور يف القرآن‪ .‬وعىل كل حال‪ ،‬عندما يذكر‬ ‫حسم للقضية باعتبار أن القرآن خلط بني‬ ‫هذا الهامان نراه يستبعده ألنه يدرك البعد الزمني‪ ،‬لكنه بدل أن يعترب هذا ً‬ ‫مختلف متا ًما‪.‬‬ ‫شخص‬ ‫ٌ‬ ‫الشخصني‪ ،‬فضل اإلرصار عىل أنه ٌ‬ ‫إن الذي حصل كام يبدو‪ ،‬هو أن بوكاي بنفسه قام بالتنقيب يف تلك الكتب دون إرشاد مختصني وخرج باالستنتاج بنفسه‪،‬‬ ‫وذكر املختص جاء إلضفاء هال ٍة من املصداقية عىل ما يقوله‪ .‬فذلك املختص يف علم املرصيات والذي يتقن العربية كذلك‬ ‫فعل مع علامء‬ ‫مل مييّز الفرق بني الهاء والحاء كام أسلف أوزنغ يف رسالته أعاله‪ .‬قام بوكاي عىل األرجح مبحاولة التواصل ً‬ ‫ٍ‬ ‫سخيف‬ ‫يف املرصيات‪ ،‬لكن عدم تسميته للمختص املزعوم قد تعني أن هؤالء األكادمييني رفضوا التعاطي مع موضو ٍع‬ ‫كهذا أو ربط اسمهم عل ًنا به‪ ،‬عىل عكس بوكاي الذي ألقى بنفسه يف أحضان الشيخ الزنداين ومترغ معه يف طني اإلعجاز‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫العلمي حتى الغرق‪ .‬وبوكاي أدرك أنه قد يتورط مبشاكل تشهريٍ يف املحاكم إ ْن هو ذكر اسم خبريٍ مل يتواصل معه ً‬ ‫ورغم أنني (كاتب هذه السطور) مثل بوكاي غري مختص يف املرصيات‪ ،‬كان بإمكاين بسهول ٍة ودون معرفة الصفحة‬ ‫إيجاد معجم رانكه وهو موجو ٌد‬ ‫مجانًا عىل موقع جامعة هارڤرد‪:‬‬ ‫‪ ،http://giza.fas.harvard.edu‬وخالل‬ ‫دقائق وجدتُ املكان املشار إليه عىل‬ ‫الصفحة ‪ 240‬من املجلد األول‪ ،‬فالبحث‬ ‫مختصا‪.‬‬ ‫بهذا الشكل الساذج ال يحتاج‬ ‫ً‬ ‫وقد آثرت إدراج الكلمة املعنية (رقم‬ ‫‪ )25‬والكلمة التي تليها كذلك (رقم ‪،)26‬‬ ‫‪54‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫والسبب هو ما ذكره أوزنغ يف رسالته بصدد محاولة موقع ‪ islamic-awareness.org‬تفسري عدم اليقني (إشارة االستفهام‬ ‫ٌ‬ ‫تشكيك من ِقبل رانكه بعدم وجود الحاء الثانية‪ ،‬لكن التذييل رقم (‪ )2‬يفرس إشارة االستفهام إذ‬ ‫بعد االسم) وكأنها‬ ‫يخمن فيها رانكه أن الحاء اإلضافية هي اختصار حتپ‪ ،‬أي أنه يربط بني الكلمتني رقم ‪ 25‬ورقم ‪.26‬‬ ‫واآلن حتى تكتمل الصورة ندرج صور النقش مع ترجمتها‪ ،‬والتي تعتمد النسخة اإلنجليزية املوجودة عىل موقع‬ ‫‪:globalegyptianmuseum.org‬‬ ‫‪ .1‬قربا ٌن يق ّدمه امللك إىل أوسري (أوسرييس)‪ ،‬أقىص الغربيني‪ ،‬رب‬ ‫املاالنهاية‪ ،‬حاكم األبدية‪ ،‬حتى يعطي كل يش ٍء قُ ِّدم إليه عىل مائدة‬ ‫طعامه؛ أعذب نفح ٍة من ريح الشامل؛ جناز ًة طيب ًة تليق بعمره‬ ‫املتقدم‪ ،‬ألجل «كا» (الروح) الخاصة باملرشف عىل ب ّنايئ آمون‪ِ :‬ح ِمن‪-‬‬ ‫ِح ِتپ‪ ،‬صادق الصوت (املبارك)‪.‬‬ ‫‪ .2‬قربا ٌن يق ّدمه امللك إىل الصحراء الغربية وإىل أمونيت‪ ،‬ربة السامء‪،‬‬ ‫طيب‬ ‫حتى تعطي الطعام والقوت وكافة أنواع العطايا‪ ،‬وكل ما هو ٌ‬ ‫ونقي‪ ،‬ألجل «كا» الخاصة باملرشف عىل ب ّنايئ آمون‪ِ :‬ح ِم ِ‬ ‫ن‪-‬ح ِتپ‪،‬‬ ‫صادق الصوت (املبارك)‪.‬‬ ‫‪ .3‬ابنه ِ‬ ‫پو‪-‬ح ِتپ‪.‬‬ ‫‪ .4‬سيدة منزل نِفرِت‪-‬نوب‪.‬‬ ‫موهوم بني امليت ِح ِم ِ‬ ‫معياري يُستخدم‬ ‫ن‪-‬ح ِتپ وامللك‪ ،‬لكن الواقع أن النص‬ ‫بقرب‬ ‫يبدو أن طبيعة النص أوحت لبوكاي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫لألموات‪ .‬وبحسب ما يذكره موقع ‪ ،answering-islam.org‬فإن هذه الصيغ كانت شائع ًة وال عالقة لها مبكانة امليت‬ ‫لدى امللك(‪ ،)3‬وهذا األمر أشار إليه غريفه أعاله يف مقال راوول كلر‪.‬‬ ‫عجيب‬ ‫ٍ‬ ‫برصف النظر عن الجلبة التي ولّدها بوكاي بالزعم الذي ق ّدمه‪ ،‬لو عدنا إىل ذكر هامان يف القرآن نراه يف موضعٍ‬ ‫مقارن ًة بالنص اليهودي‪ ،‬ذلك أن القصة املتداولة يف الرتاث اليهودي كام جاءت يف سفر إستري تتحدث عن قص ٍة جرت‬ ‫وش» ֲא ַח ְשוֵ רֹוׁש الذي يبدو أنه كان امللك خشایارشا األول‪ ،‬والذي حكم ما بني ‪485‬‬ ‫يف بالط امللك الفاريس «أَ َحشْ وِي ُر ُ‬ ‫ق‪.‬م حتى ‪ 465‬ق‪.‬م‪ .‬وكان اسم وزيره «هامان» ָה ָמן‪ .‎‬تبدو مصادف ًة غريب ًة أن يكون يف التاريخ يف حقبتني مختلفتني‬ ‫ويف بلدين مختلفني وزي ًرا يستهدف اليهود باسم هامان أحدهام فاريس‪ ،‬بحسب اليهود واآلخر مرصي‪ ،‬بحسب القرآن‪.‬‬ ‫]‪3- Winfried Barta, Aufbau und Bedeutung der altägyptischen Opferformel. Ägyptologische Forschungen (24) [J. J. Augustin, Glückstadt, 1968‬‬

‫‪55‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫إدراك هذه املشكلة املحرجة ليس جدي ًدا طب ًعا‪ ،‬ف ُكتُب اليهود واملسلمني كانت متاح ًة للطرفني عىل مدى قرون‪ .‬لنقرأ‬ ‫ٍ‬ ‫يل عنق املوضوع يف تفسريه لآلية ‪ 36‬من سورة‬ ‫النص املضحك التايل لفخر الرازي وهو يحاول تقديم‬ ‫بهلوانات لغوي ٍة ل ّ‬ ‫متداول يف عرصه فاحتاج ذكره رصاح ًة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫غافر‪ ،‬حيث يبدو أن االعرتاض كان‬ ‫ٍ‬ ‫شخص اسمه هامان يف عهد موىس‬ ‫إذ قالوا‪ :‬إ ّن الذين درسوا تاريخ بني إرسائيل وفرعون يُجمعون عىل عدم وجود‬ ‫وفرعون‪ ،‬وإمنا ظهرت شخصية هامان بعد ذلك بقرونٍ طويل ٍة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإ ّن القول بوجود هامان يف عرص فرعون خطأٌ‬ ‫تاريخي فاضح‪ .‬وأضاف املستشكلون‪ :‬ال ينبغي القول‪ :‬إ ّن وجود ٍ‬ ‫سمي‬ ‫شخص ٍ‬ ‫باسم مع ٍني يف زمن ال ينفي أن يكون له ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫السمي موجو ًدا يف عرص فرعون‪ ،‬ويحتل املكانة املرموقة يف بالطه ـ عىل نحو‬ ‫سابق عليه؛ إذ لو كان مثل هذا‬ ‫يف زمنٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫مبي يف القرآن ـ‪ ،‬ملا خفي وجوده‪ .‬ث ّم مثَّل املستشكلون لذلك مبثال‪ ،‬فقالوا‪ :‬يعلم الجميع بظهور ٍ‬ ‫شخص اسمه‬ ‫ما هو ّ ٌ‬ ‫سمي له يف عرص النبي األكرم‪ ،‬وأنه غري أيب حنيفة‬ ‫أبو حنيفة بعد رحيل النبي األكرم بسنوات‪ ،‬فلو ادعى ٌ‬ ‫شخص وجود ٍّ‬ ‫املعروف‪ ،‬لَام قُبِل منه ذلك‪ ...‬إ ّن امل ّدة الزمنية التي تفصلنا عن عرص النبي موىس وفرعون ضارب ٌة يف القدم‪ ،‬وإ ّن األخبار‬ ‫واملعلومات التي قطعت غبار القرون لتصل إلينا مش ّوش ًة ومضطرب ًة للغاية‪ ،‬وال ميكن الركون إليها‪ ،‬والوثوق بها‪ .‬وعليه‬ ‫وجل الوارد يف القرآن الكريم هو األَ ْوىل‪ ...‬إ ّن‬ ‫ال ميكن األخذ بقول املؤرخني يف هذه الناحية‪ ،‬فيكون األخذ بكالم الله ع ّز ّ‬ ‫قريب من عرص الن ّبي ج ًدا‪ ،‬وإن املعلومات التي‬ ‫قياس هامان عىل أيب حنيفة ٌ‬ ‫قياس مع الفارق؛ وذلك أل ّن عهد أيب حنيفة ٌ‬ ‫كل هذه امل ّدة املوغلة يف القدم‪.‬‬ ‫بأيدينا عنه واضح ٌة وغري مضطربة‪ ،‬بخالف هامان الذي تفصله عن عرصنا ّ‬ ‫مريب يف بعض عنارص قصة موىس مع فرعون مرص من‬ ‫ليس عجي ًبا أن يحدث خل ٌط بني القصتني‪ ،‬ذلك أنه يوجد تشاب ٌه ٌ‬ ‫جه ٍة‪ ،‬وقصة إستري اليهودية مع ملك فارس من جه ٍة أخرى‪ ،‬وكيف أن اليهود يف الحالتني كانوا موضع استغالل امللك‪ .‬يف‬ ‫حالة فارس كان امللك‪ ،‬بحسب سفر إستري يف حالة ٍ‬ ‫إفالس بعد خسارته الحرب أمام اليونان‪ ،‬واحتاج املال من الرضائب‪:‬‬ ‫فَق َ​َال َها َما ُن لِلْ َملِ ِك أَ َحشْ وِي ُر َ‬ ‫وب ِف ك ُِّل ِبالَ ِد َم ْملَ َك ِت َك‪َ ،‬و ُس َن ُن ُه ْم‬ ‫وش‪« :‬إِنَّ ُه َم ْو ُجو ٌد شَ ْع ٌب َّما ُمتَشَ تِّ ٌت َو ُمتَ َف ِّر ٌق بَ ْ َي الشُّ ُع ِ‬ ‫يق بِالْ َملِ ِك تَ ْركُ ُه ْم‪ .‬فَ ِإذَا َح ُس َن ِع ْن َد الْ َملِ ِك فَلْ ُي ْكتَ ْب أَ ْن يُ َبا ُدوا‪،‬‬ ‫ُم َغا ِي َر ٌة لِ َج ِميعِ الشُّ ُع ِ‬ ‫وب‪َ ،‬و ُه ْم الَ يَ ْع َملُو َن ُس َن َن الْ َملِ ِك‪ ،‬فَالَ يَلِ ُ‬ ‫ش َة آال َِف َو ْزنَ ٍة ِم َن الْ ِف َّض ِة ِف أَيْ ِدي ال َِّذي َن يَ ْع َملُو َن الْ َع َم َل لِ ُي ْؤ َت ِب َها إِ َل َخ َزائِنِ الْ َملِ ِك»‪( .‬إستري ‪.)9-8 :3‬‬ ‫َوأَنَا أَ ِز ُن َع َ َ‬ ‫نالحظ هنا أن ذكر هامان يف القرآن جاء أحيانًا مقرتنًا‬ ‫وكل من هؤالء لدى اليهود‬ ‫بذكر قارون وفرعون‪ٌ ،‬‬ ‫ولدى املسلمني قد استهدف اليهود‪ ،‬وإن كان قارون‬ ‫باعتباره من أقارب موىس يشذ باعتباره هو نفسه‬ ‫يهوديًا‪ .‬إن القرآن يذكر رصاح ًة مصريي فرعون وقارون‬ ‫ويتفق يف ذلك مع النصوص اليهودية‪ ،‬ففرعون مات‬ ‫‪56‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫غرقًا وقارون خسفت به األرض وابتلعته (القصص ‪َ ،)81‬أما هامان فال يذكر القرآن عنه شيئًا رصي ًحا‪ ،‬فيفرتض املسلمون‬ ‫عاد ًة أنه غرق مع فرعون‪ ،‬كون القصة القرآنية تقول‪« :‬فَأ ْغ َر ْق َناهُ َو َمن َّم َع ُه َج ً‬ ‫ِيعا» (اإلرساء‪ .)103 :‬لكن موت هامان يف‬ ‫مخصصا لقتل مردخاي اليهودي‪:‬‬ ‫سفر إستري مل يكن بالغرق‪ ،‬وإمنا ببنا ٍء عا ٍل بناه هو تنفيذًا لتوصية زوجته َز َر ُش‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫فَقَال َْت لَ ُه َز َر ُش َز ْو َجتُ ُه َوك ُُّل أَ ِح َّبائِ ِه‪« :‬فَلْ َي ْع َملُوا َخشَ َب ًة ا ْرتِفَا ُع َها‬ ‫اي َعلَيْ َها‪ ،‬ث ُ َّم‬ ‫َخ ْم ُسو َن ِذ َرا ًعا‪َ ،‬و ِف َّ‬ ‫الصبَا ِح ق ُْل لِلْ َملِ ِك أَ ْن يَ ْصلِبُوا ُم ْر َد َخ َ‬ ‫ا ْد ُخ ْل َم َع الْ َملِ ِك إِ َل الْ َولِي َم ِة فَ ِر ًحا»‪ .‬فَ َح ُس َن الْ َكالَ ُم ِع ْن َد َها َما َن َو َع ِم َل‬ ‫الْ َخشَ َب َة‪( .‬إستري ‪.)14 :4‬‬ ‫ثم الحقًا بعد أن قام امللك باختالق تهم ٍة لهامان واستعمل تلك‬ ‫الخشبة إلعدامه (الرتجمة اليونانية التي يعتمد عليها العرب تقول‬ ‫أنه ُصلب‪ ،‬لكن األصل العربي يوحي أن الخشبة كانت للشنق أو رمبا‬ ‫كخازوق‪ ،‬إال أن اليهود يرون أنها للشنق)‪:‬‬ ‫فَق َ​َال َح ْربُونَا‪َ ،‬و ِ‬ ‫اح ٌد ِم َن ال ِْخ ْص َيانِ ال َِّذي َن بَ ْ َي يَ َد ِي الْ َم ِل ِك‪ُ « :‬ه َوذَا‬ ‫اي ال َِّذي ت َ َكلَّ َم بِالْ َخ ْ ِي نَ ْح َو‬ ‫الْ َخشَ بَ ُة أَيْ ًضا الَّ ِتي َع ِملَ َها َها َما ُن لِ ُم ْر َد َخ َ‬ ‫الْ َملِ ِك ق َِائَ ٌة ِف بَ ْي ِت َها َمانَ‪ ،‬ا ْرتِفَا ُع َها َخ ْم ُسو َن ِذ َرا ًعا»‪ .‬فَق َ​َال الْ َملِ ُك‪:‬‬ ‫اي‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫«اصلِ ُبو ُه َعلَ ْي َها»‪ .‬ف َ​َصلَ ُبوا َها َما َن َع َل الْ َخشَ َب ِة الَّ ِتي أَ َع َّد َها لِ ُم ْر َد َخ َ‬ ‫ث ُ َّم َس َك َن غ َ​َض ُب الْ َملِ ِك‪( .‬إستري ‪.)10-9 :7‬‬ ‫فالبناء العايل الذي بناه هامان يف سفر إستري مل يكن رص ًحا طينيًا وإمنا‬ ‫خشب ًة طويل ًة هدفها إعدام مردخاي‪.‬‬

‫عن مخطوط ٍة للفافة سفر إستري توضح شنق هامان عىل الخشبة‬ ‫الطويلة التي نصبها ملردخاي‪ .‬هولندا‪ ،‬القرن ‪.17‬‬

‫مام يعزز فكرة أن القصة القرآنية كام ترد يف سورة القصص (اآليات ‪ )6-4‬مقتطع ٌة من قصة إستري‪ ،‬ال من قصة موىس‪،‬‬ ‫حتى وإن ذُكر موىس يف اآليات التي تيل‪ ،‬هو ذكر الجنود وتعذيب بني إرسائيل‪ ،‬وهو ما يتفق عليه القرآن وسفر إستري‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬فرمبا ما حصل كان أن كاتب القرآن قد خلط القصتني م ًعا‪ ،‬فأدمج هامان بقامئة شخوص قصة موىس وخرج بقص ٍة‬ ‫تحافظ عىل معاملها التناخية‪ ،‬لكن مع شخصي ٍة تنتمي لقص ٍة أخرى متا ًما‪ .‬يبدو إذًا أن املغامرة التي بدأت كمحاولة إثبات‬ ‫لنصوص سابق ٍة عديدة عن ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫قصص مختلفة‪.‬‬ ‫أن القرآن كالم الله انقلبت عىل أصحابها لتظهر أنه إعادة صياغ ٍة غري موفق ٍة‬ ‫‪57‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ٍ‬ ‫سياقات غري سياقاتها السابقة‪.‬‬ ‫يعج بخلط القصص اليهودية واملسيحية يف‬ ‫لفكرة الخلط هذه ما يدعمها‪ ،‬ذلك أن القرآن ّ‬ ‫كأمثل ٍة عىل ذلك‪ ،‬تتحدث سورة البقرة يف اآليات ‪ 252-246‬عن طالوت الذي يرى مفرسون أنه شاؤول ָשאּול‪ ،‬أول‬ ‫ملوك إرسائيل املوحدة‪ ،‬وتضعه القصة القرآنية مع داود الذي جاء بعده‪ .‬أما كيف تحول شاؤول إىل طالوت‪ ،‬فرمبا تتعلق‬ ‫املسألة بهوس القرآن بالكلامت التي تنتهي بنفس الخامتة‪ ،‬فطالوت لها نفس نهاية جالوت (العمالق الذي واجه داود‬ ‫مثال آخر للدمج يف قصة السامري وموىس كام ترسدها سورة طه‪ ،‬ذلك أن مملكة السامرة مل تؤسس إال‬ ‫يف املعركة)‪ .‬نرى ً‬ ‫بعد قرونٍ من عهد موىس‪ ،‬فوصف «سامري» ما كان ذا مع ًنى يف حقبة موىس‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫واضح للدمج يف حالة هامان‪ ،‬وهو أن كاتب القرآن مل يكن‬ ‫سبب‬ ‫ٌ‬ ‫يوجد ٌ‬ ‫يعرف القصص اليهودية بشكلٍ ٍ‬ ‫جيد‪ ،‬وهذا يتناسب مع فكرة أنه كان أم ًيا‬ ‫ال يقرأ‪ ،‬ويسمع القصص من هنا وهناك وتختلط عليه‪ .‬لكن‪ ،‬من ناحي ٍة‬ ‫أخرى‪ ،‬ميكن تصور أنه كان يعيد تصميم القصص لتتناسب مع الظروف‬ ‫املحيطة به‪ ،‬فالقرآن كان يتناسب كام يبدو مع أحداث حياة محمد‪ .‬يف‬ ‫ٍ‬ ‫لشخص‬ ‫متداول‬ ‫ً‬ ‫اسم‬ ‫دمج هامان الفاريس ً‬ ‫مثل‪ ،‬نرى أن القصة استعملت ً‬ ‫رشي ٍر من منظور اليهود يقع يف نفس فئة الفرعون (إىل اليوم ال يُذكر‬ ‫اسم هامان إال ويُتبع اسمه بصفة «الرشير»)‪ ،‬فيبدو أن التأثري الذي أراده‬ ‫كاتب القرآن كان إبهار القارئ بعدد أعداء املؤمنني الذين يلقون جزاءهم‬ ‫مهام علت مكانتهم وطغوا يف األرض‪.‬‬ ‫قليل يف السبب وراء اعتبار املسلمني أن‬ ‫ولكن حتى دون ذلك‪ ،‬لو فكرنا ً‬ ‫نتبي وجود افرت ٍ‬ ‫ضمني لديهم يبنون عليه الكثري من‬ ‫اض‬ ‫ٍ‬ ‫األمر معجزةٌ‪ّ ،‬‬ ‫ٍ شنق هامان يف أسطورة سفر إستري من عام ‪.1950‬‬ ‫افرتاضات اإلعجاز العلمي‪ ،‬وهو أن اإلسالم جاء بعد مرحلة جاهلي ٍة مطبقة‬ ‫نالحظ الصليب املعقوف النازي بُعيد الحرب العاملية‬ ‫ٍ‬ ‫مل يكن يعرف الناس فيها شيئًا‪ ،‬مام يعني أن أي‬ ‫كشف قرآ ٍ‬ ‫ين هو إعجازٌ‪ ،‬الثانية‪ ،‬يف دالل ٍة عىل اقرتان هامان يف الوعي اليهودي‬ ‫إلهي ال يقبل أي تفسريٍ آخر‪ ،‬فرناهم يتغاضون بالرش‪ .‬اليهودي الجالس عىل الطاولة يحمل حلوى عيد‬ ‫وأن هذا اإلعجاز ال محالة ٌ‬ ‫الپوريم واسمها أذن هامان‪.‬‬ ‫عن كل معارف الحضارات التي سبقت اإلسالم بآالف السنني ويتغاضون‬ ‫ضيق للعامل وما‬ ‫عن إمكانية توارث هذه املعارف ووصولها عرب مصادر غري إعجازية‪ ،‬فيتقوقعون عىل أنفسهم يف تص ّو ٍر ٍ‬ ‫فيه‪ ،‬وكان بعض هذا ما قام الكاتب إيهاب غزال أعاله قد ب ّينه بالتفصيل يف مقاله‪ .‬فاسم فرعون واسم هامان والكثري من‬ ‫األسامء املذكورة يف كتب اليهود مل تكن مندثرةً‪ ،‬بل كانت متداول ًة ومتاح ًة‪ ،‬ومل تكن غريب ًة عىل سكان املنطقة‪ .‬فحتى لو‬ ‫افرتضنا جدلً أن هامان القرآين ليس هامان التناخي‪ ،‬فليس من املستحيل أن يتم تناقل القصص مشافه ًة حتى لو كانت‬ ‫الكتابة الهريوغليفية نفسها غري مفهوم ٍة عىل مدى آالف السنني‪.‬‬ ‫‪58‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫مغلوط لواقع ٍة أو ظاهر ٍة ما‪،‬‬ ‫منقوص أو‬ ‫كغريها من خرافات اإلعجاز العلمي تعتمد الفكرة األساسية هنا عىل فهم‬ ‫مع مزي ٍج من التضليل أحيانًا‪ .‬لكن املركّب األسايس هو الحبكة التي متأل الفجوة بني الظاهرة أو الواقعة وبني الفهم‬ ‫النموذجي للنص القرآين‪ ،‬ذلك أن الفهم اإلعجازي يقتيض بالرضورة إعادة قراءة وتفسري معنى النص القرآين و ّيل عنقه‬ ‫ليتوافق مع ما يريده صاحب القصة‪.‬‬ ‫شخص يف القرن‬ ‫إن حبكة بوكاي تقفز بكل كسلٍ إىل اإلعجاز مبارش ًة دون أي اعتبا ٍر للبدائل غري الخارقة‪ :‬كيف عرف ٌ‬ ‫السابع عن ٍ‬ ‫شخص يُفرتض أنه عاش قبل آالف السنني بعد مرور عصو ٍر عىل نسيان كل ما يتعلق بالكتابة املرصية‪ ،‬وهي‬ ‫ُفضل املسار اإلعجازي عىل املسار املنطقي البديهي‪ :‬اسم هامان كوزير مللك اضطهد اليهود شاء أن يتواجد لدى‬ ‫حبك ٌة ت ّ‬ ‫اليهود يف إطار قص ٍة أخرى‪ ،‬ال بل إنهم يحتفلون بالقصة التي تنتهي‬ ‫مبوت هامان ب ٍ‬ ‫ּפּורים يشبه الهالويني‬ ‫سنوي مبهر ٍج اسمه پوريم ִ‬ ‫ِعيد ٍ‬ ‫اليوم إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪ .‬املعجزة تحتاج أن تكون مقنع ًة واضح ًة للعيان ال‬ ‫مجال لتأويلها أو تفسريها عىل أكرث من نحو‪ ،‬خاص ًة عند وجود بديلٍ‬ ‫بديهي واض ٍح يفرض نفسه‪ .‬وال يقترص دور البديهيات عىل ذلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫مرصي هو «حمن»‪،‬‬ ‫فاالسم املوجود عىل النقش يف سياقه يرتبط بإل ٍه‬ ‫ٍ‬ ‫الصقر‪ .‬هذا اس ٌم من البديهي توقعه عىل ٍ‬ ‫اسيمي‪ ،‬ال‬ ‫نقش‬ ‫ٍ‬ ‫مرصي مر ٍ‬ ‫جانب من احتفال أطفال يهود بعيد الپوريم‬ ‫«همن» الذي يظهر يف غري مكانه هنا‪.‬‬

‫ٌ‬ ‫ألي من الـ«هامانني»؟‬ ‫يربز هنا‬ ‫تساؤل بديهي‪ :‬ما مدى الصحة التاريخية ًّ‬ ‫قبل محاولة اإلجابة عن هذا السؤال يجب أن نتذكر أن قصة الخروج عىل مركزيتها يف الهوية اليهودية يبدو أنها ليست‬ ‫قريب وال من بعيد ملوىس وال استعباد اليهود أو خروجهم من مرص‪ ،‬وال طب ًعا‬ ‫أكرث من خيال‪ ،‬إذ ال يوجد أي ذك ٍر ال من ٍ‬ ‫لل َم ْخرج الدرامي الخارق الذي شقّه موىس عرب البحر بواسطة عصاه‪ .‬هذا بحد ذاته‪ ،‬عىل جانب القصة اإلسالمية‪ ،‬يجعل‬ ‫من ذكر هامان يف السجالت املرصية أم ًرا عجي ًبا‪ :‬عندما مل يُذكر موىس أو بنو إرسائيل أو غرق امللك أثناء مطاردتهم‪،‬‬ ‫ولكن يا ملحاسن الصدف‪ ،‬خلّدت عارضة باب ق ٍرب ذكر هامان!‬ ‫إن ما سلف‪ ،‬من دو ٍر فرعي لشخص حمن‪-‬حتپ الذي توهم بوكاي (أو رمبا أُوهم؟) أنه هو هامان القرآين يُظهر أن‬ ‫جانب‬ ‫مؤهل لبناء رص ٍح من طني‪ ،‬وال هو ذو‬ ‫حمن‪-‬حتپ ليس ً‬ ‫ٍ‬ ‫منصب رفيعٍ يجعله عىل عالق ٍة وثيق ٍة بامللك‪ .‬لكن هنالك ٌ‬ ‫آخر للشخصية الهامانية القرآنية‪ ،‬حيث أن القرآن يشمل هامان مع فرعون عند الحديث عن الجنود‪ .‬أي يُفرتض فينا أن‬ ‫نتخيل أن رئيس عامل املقالع املوصوف بالنقش كان يف وقت فراغه قائ ًدا عسكريًا يقود الجنود بصف ٍة ما! هذه املهزلة‬ ‫جهل كب ًريا مبدى التخصص املطلوب ملهنة العمل بالحجارة من جه ٍة‪ ،‬وللتخصص املطلوب ملهنة الجندية‪ .‬فها هنا‬ ‫تُظهر ً‬ ‫‪59‬‬


‫رأي علامء‬ ‫املرصيات القدمية‬ ‫أسامة البني‬

‫شخص مزرو ٌع من القصة التناخية التي دارت أحداثها يف فارس‪ ،‬والتي كان‬ ‫موض ٌع آخر يُظهر لنا أن هامان القرآين هو ٌ‬ ‫مسؤول بالفعل عن الجنود‪ ،‬يف حني أن البناء مل يكن مهمته‪ ،‬ف ُج ُّل ما بناه كان منص ًة خشبي ًة عالي ًة لإلعدام‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فيها هامان‬ ‫عظيم‪.‬‬ ‫ال رص ًحا طين ًيا‬ ‫ً‬ ‫وماذا عن هامان املذكور يف القصة اليهودية؟ قصة سفر إستري متزج بال ٍ‬ ‫شك عنارص واقعي ًة مؤرخ ًة‪ ،‬بأخرى خيالي ٍة‬ ‫مختلقة‪ .‬شخص امللك الفاريس حقيقي‪ ،‬وكذلك ضائقته املالية إثر حربه مع اليونان وتفاصيل عديد ٍة من املجتمع‬ ‫والعادات الفارسية املذكورة يف ِ‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيات القصة املركزية‪ :‬إستري ومردخاي وهامان يبدو أنها كلها مختلق ٌة بال‬ ‫السفْر‪ ،‬لكن‬ ‫أساس(‪ ،)4‬ويبدو أن القصة قد اختُلقت لتفسري االحتفال بعيد الپوريم وليس العكس(‪ .)5‬مع ذلك فقد اقرتح باحثٌ باسم‬ ‫جيكوب هوشاندر أن شخصية أومانوس ‪ Omanus‬التي يذكرها املؤرخ اليوناين سرتابو هي أساس شخصية هامان(‪ ،)6‬لكن‬ ‫هذا الكالم ال يبدو شائ ًعا أو مدعو ًما من ِقبل جمهور الباحثني‪ ،‬ال سيام أن أومانوس بحسب سرتابو هو معبو ٌد لدى بعض‬ ‫الفرس‪ ،‬لكنه غري مذكو ٍر يف نصوصهم‪ِ .‬ذكْر هذه النقطة هنا يرتبط بأن هامان كان يتطلب السجود له‪ ،‬ورف ُْض مردخاي‬ ‫للسجود له كان كام يبدو سبب حقد هامان عىل اليهود يف القصة‪:‬‬ ‫فَكَا َن ك ُُّل َعب ِ‬ ‫اي فَلَ ْم يَ ْجثُ‬ ‫ِيد الْ َملِ ِك ال َِّذي َن ِب َب ِ‬ ‫اب الْ َملِ ِك يَ ْجثُو َن َويَ ْس ُج ُدو َن لِ َها َمانَ‪ ،‬ألَنَّ ُه ه َكذَا أَ ْو َص ِب ِه الْ َملِ ُك‪َ .‬وأَ َّما ُم ْر َد َخ ُ‬ ‫َولَ ْم يَ ْس ُج ْد‪( .‬إستري ‪.)2 :3‬‬ ‫ٍ‬ ‫كترصف ديني‪.‬‬ ‫علم‪ ،‬وإمنا كان لقبًا كهنوتيًا‪ ،‬حيث تم تفسري هذا السجود‬ ‫وما يقرتحه هوشاندر هو أن هامان مل يكن اسم ٍ‬ ‫لغرضنا الحايل إذًا سنعترب أن كلتا القصتني‪ ،‬القرآنية والتناخية‪ ،‬خياليتان‪ .‬أي أن الرصاع عىل من ميلك حقيقة هامان هو‬ ‫وهمي يف محصلته‪ ،‬والنقطة من هذا املقال ليس كشف الحقيقة التاريخية ملن هو هامان‪ ،‬إذ ال يبدو أن هنالك ما‬ ‫رصا ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫يكفي للحديث عن وجوده‪ ،‬ناهيك عن هويته‪ ،‬لكن الهدف هو كشف حقيقة كذبة اإلعجاز التي ا ّدعاها بوكاي وجرى‬ ‫معقول؛ فلو كانت القصة التناخية جاءت من وعي اليهود الذي‬ ‫ً‬ ‫وراءه فيها املسلمون‪ .‬ومن ناحي ٍة ما‪ ،‬يبدو دمج القصتني‬ ‫تعيش فيه قصة الخروج من مرص حي ًة‪ ،‬فليس غريبًا تطويع ٍ‬ ‫بعض منها إلنتاج حبك ٍة أخرى‪.‬‬ ‫إن القضية هنا تتعدى مجرد الحديث عن اسم هامان والفربكة الفجة التي قام بها بوكاي‪ ،‬إمنا هي كذلك محاول ٌة لكشف‬ ‫زيف الهالة التي اكتسبها بوكاي يف أوساط املسلمني‪ ،‬فهو برأيهم ذلك العامل الشهري عىل مستوى العامل الذي لعب الدور‬ ‫النموذجي الذي يتخيلونه للعامل الذي يعتنق اإلسالم بسبب إعجاز القرآن فيصري نص ًريا مفو ًها لإلسالم‪ ،‬والذي كغريه من‬ ‫الدعاة الذين انضم إىل صفوفهم ال يتورع عن اختالق وفربكة ما يحتاجه يف سبيل الدعوة‪ ..‬أو رمبا النقود(‪.)7‬‬ ‫‪4- Barton, John; Muddiman, John (2007). The Oxford Bible Commentary. Oxford University Press. ISBN 9780199277186.‬‬ ‫‪5- Browning, W. R. F., ed. (2009), “Ahasuerus”, A Dictionary of the Bible (2nd ed.), Oxford University Press, doi:10.1093/acref/9780199543984.001.0001,‬‬ ‫‪ISBN 978-0-19-954398-4.‬‬ ‫‪6- Jacob Hoschander, The Book of Esther in the Light of History, Oxford University Press, 1923.‬‬ ‫‪ -7‬راجعوا مقال «الدور املحوري الذي لعبه علامء غربيون يف الرتويج لإلعجاز القرآين» لدانييل غولدن‪ ،‬ترجمة أسامة البني‪ ،‬مجلة امللحدين العرب‪ ،‬العدد ‪ ،77‬ص‪.46 .‬‬

‫‪60‬‬


‫ﻣﺴﻠﻤﻮ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ ﺍﻟﺸﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﺴﺎﺑﻘﻮﻥ‬

Ex-Muslims of North America NO BIGOTRY, NO APOLOGY

‫دون ﺗﻌﺼﺐ أو اﻋﺘﺬار‬ ‫ﻧﺒﻨﻲ ﺟﻤﺎﻋﺎﺕ ﺩﺍﻋﻤﺔ‬

Building Communities

‫ﻧﻨﺸﺮ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ‬

Promoting Secular Values

‫ﻧﻌﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺨﻔﻴﻒ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﺩﺓ‬

Mitigating Costs of Apostasy

‫ﻧﺴﻌﻰ ﻟﺘﻄﺒﻴﻊ ﺍﻻﻧﺸﻘﺎﻕ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ‬

Normalizing Religious Dissent

facebook.com/exmna

exmna.org

@exmuslimsofna

theexmuslim.com

E MNA 61


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء ‪7‬‬ ‫واآلن نصل إىل التصور الشائع عند جامهري‬ ‫املؤمنني املسيحيني من أ ّن ديانتهم هي‬ ‫ديانة الرحمة‪ ،‬وأ ّن مسيحهم هو أ ّول‬ ‫جسد الرحمة عىل األرض‪ ،‬ت ُرى‬ ‫من ّ‬ ‫هل هذه هي الحقيقة املأخوذة من‬ ‫الكتاب املق ّدس؟ أم أنها الحكمة‬ ‫املقطوفة من أفواه الكهنة؟ عىل‬ ‫كل لنقرأ األناجيل املق ّدسة مر ًة‬ ‫ٍّ‬ ‫أخرى‪-‬بعقولنا‪ -‬لرنى املسيح‪،‬‬ ‫رب الرحمة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫محمد شومان‬ ‫‪62‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫النص التايل‪:‬‬ ‫أشهر النصوص اإلنجيلية التي يست ّدل بها كهنة املسيحية عىل رحمة ربهم هو ّ‬ ‫السا ِمعونَ‪ِ :‬‬ ‫أحبّوا أعدا َءكُ ْم‪ِ ،‬‬ ‫«لكني ُ‬ ‫وصلّوا ألجلِ الّذي َن يُسيئو َن‬ ‫أحسنوا َإل ُمب ِغضي ُك ْم‪ ،‬بارِكوا ال ِعني ُك ْم‪َ ،‬‬ ‫أقول ل ُك ْم أيُّها ّ‬ ‫سألك ِ‬ ‫أيضا‪ ،‬وك ُُّل َم ْن َ‬ ‫فأعط ِه‪ ،‬و َم ْن‬ ‫ضبَ َك َ‬ ‫أيضا‪ ،‬و َم ْن أ َخ َذ رِدا َء َك فال مت َنع ُه ث َ ْوبَ َك ً‬ ‫عل َخ ِّد َك فاعر ِْض ل ُه اآل َخ َر ً‬ ‫إلَي ُك ْم‪َ ،‬م ْن َ َ‬ ‫أ َخ َذ الّذي َلك فال ت ُطالِب ُه» (لوقا ‪.)30-27 :6‬‬ ‫حب‬ ‫فلنحاول أن نقرأ هذا النص كام تع ّودنا قراء ًة عقلي ًة‪ ،‬إنّه يطلب م ّنا أن نُ ّ‬ ‫أعداءنا فكيف ميكن لنا أن نُطيع هذا التوجيه؟ وإذا أحببنا أعداءنا فمن سنكره؟‬ ‫إذا قيل ال داعي للكره قلنا إ ّن هذا ال يجوز حتى وال يف العامل الساموي كام‬ ‫رأينا من قبل يف سفر التكوين التورايت وكذا يف سفر الرؤيا اإلنجييل‪ ،‬فالكراهية‬ ‫اإليجابية هي وقود الحياة التي لوالها لعشنا يف موات‪ ،‬ث ّم يطلب م ّنا أن نبارك‬ ‫الذين يلعنوننا ونصيل ألجل الذين يُسيئون إلينا‪ ،‬وهنا نتذكر الفيلسوف األملاين‬ ‫الضعف‬ ‫العظيم نيتشه (‪ )1900-1844‬الذي كان يصف املسيحية بأنّها ديانة ُ‬ ‫والتخاذل والتي جاءت معها بكل القيم السلبية التي فرضتها عىل اإلمرباطورية‬ ‫الحربية فأ ّدت إىل دمارها ومن ث ّم سيادة أخالق العبيد‪.‬‬ ‫منوذج ألخالق العبيد التي قال عنها نيتشه؛ تخ ّيل‬ ‫أيضا» هو‬ ‫ضبَ َك َ‬ ‫عل َخ ِّد َك فاعر ِْض ل ُه اآل َخ َر ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫والنص السابق‪َ « :‬م ْن َ َ‬ ‫شخصا يصفعك «باألمل» عىل خ ّدك اليمني فتبتسم له يف رسور «وانفشاخ» وتدير له خ ّدك ِ‬ ‫الشامل ليصفعه‬ ‫حفظك الله ً‬ ‫وكل هذا تحت مس ّمى الرحمة‪ ،‬ويصل‬ ‫أيضا‪ ،‬وإذا ما صفعك عىل قفاك رمبا تدير له باقي جسمك ليفعل به ما يشاء‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫أيضا وت ُعطي للّص ثوبك‪ ،‬فلو كنت‬ ‫التخاذل إىل ح ّد أن يطلب منك يسوع إذا ما تع ّرضت لرسقة ردائك فعليك أن تتطوع ً‬ ‫مم معك‪ ،‬وأخ ًريا طلب منك أن تخلع قميصك فتخلعه مضط ًرا ث ّم تبتسم‬ ‫سائ ًرا ذات ليل ٍة يف الطريق وقابلك ٌّ‬ ‫لص وج ّردك ّ‬ ‫وربا ما تحته‪ ،‬وأ ّما إذا أخذ أح ٌد الذي لك فال تطالبه‪ ،‬أي إذا اغتصب أحدهم‬ ‫له ابتسام ًة مسيحي ًة وتخلع له بنطلونك ً‬ ‫أيضا ّ‬ ‫مالك أو زوجتك أو حتى أمك فال تحاول‬ ‫أن تغضب ألن الغضب حامقة‪ ،‬وال تحاول‬ ‫حتّى مج ّرد محاول ٍة أن تسرت ّد حقّك‪ ،‬فلو‬ ‫احتل العدو أرضك فاتركها له حتّى يعلم‬ ‫أنّك بترصفك هذا من شيعة املسيح‪ ،‬ولو‬ ‫خطف أحدهم زوجتك فاتركها له‪ ،‬ليس‬ ‫عقاب كام قد يتبادر إىل ذهنك‪،‬‬ ‫كوسيلة‬ ‫ٍ‬ ‫بل هو نو ٌع من أنواع األدب املسيحي‬ ‫تنفيذًا لوصايا السيد‪!...‬‬ ‫‪63‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫كل مل نتبني نحن‬ ‫بالله عليكم هل هذا هو التسامح أو الرحمة أم هي أخالق العبيد واملخنثني والشواذ جنس ًيا‪ ،‬عىل ٍّ‬ ‫مكمن الرحمة يف هذه التعليامت وال نعتقد أنّها ت ُع ّد مصدر فخ ٍر للذين يطبقونها‪ ،‬بل هي من باب أوىل مصدر رثا ٍء‬ ‫النص املق ّدس ما يدعونا إىل اإلعجاب به أو االقتداء بتعاليمه‪.‬‬ ‫ألصحابها‪ ،‬وبالتايل فنحن ال نرى يف ّ‬ ‫الرب‬ ‫نأيت إىل ثاين النصوص اإلنجيلية املق ّدسة التي يتفاخر بها دعاة املسيحية باعتبارها آي ًة من آيات الرحمة التي أبداها ُّ‬ ‫والنص مشهو ٌر باسم الزانية‪:‬‬ ‫يسوع‪ّ ،‬‬ ‫يس ُّيو َن ا ْم َرأَ ًة أُ ْم ِسك َْت ِف ِزنًا‪َ .‬ول ََّم أَقَا ُمو َها ِف الْ َو ْس ِط قالوا له‪ :‬يَا ُم َعلِّ ُم‪ِ ،‬‬ ‫« َوقَ َّد َم إِلَ ْي ِه الْ َكتَ َب ُة َوالْ َف ِّر ِ‬ ‫هذ ِه الْ َم ْرأَ ُة أُ ْم ِسك َْت‬ ‫وس أَ ْو َصانَا أَ َّن ِمث َْل ِ‬ ‫َو ِه َي ت َ ْز ِن ِف ذ ِ‬ ‫وس ِف ال َّنا ُم ِ‬ ‫هذ ِه ت ُ ْر َج ُم‪ .‬ف َ​َمذَا تَق ُ‬ ‫ُول أَنْ َت؟»‬ ‫َات الْ ِف ْعلِ ‪َ ،‬و ُم َ‬ ‫« َول ََّم ْاستَ َم ُّروا يَ ْسأَلُونَ ُه‪ ،‬انْتَ َص َب َوق َ​َال لهم‪ :‬من كَا َن‬ ‫ِم ْن ُك ْم ِبالَ َخ ِط َّي ٍة فَل َ ْ​ْي ِم َها أَ َّو ًل ِب َح َجرٍ! ث ُ َّم انْ َح َنى أَيْ ًضا إِ َل‬ ‫أَ ْسف َُل َوكَا َن يَ ْكتُ ُب َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬وأَ َّما ُه ْم فَل ََّم َس ِم ُعوا‬ ‫اح ًدا فَ َو ِ‬ ‫َوكَانَ ْت َض َمئِ ُر ُه ْم ت ُ َب ِّكتُ ُه ْم‪َ ،‬خ َر ُجوا َو ِ‬ ‫اح ًدا‪،‬‬ ‫ُمبْتَ ِدئِ َني ِم َن الشُّ يُو ِخ إِ َل ِ‬ ‫اآلخرِي َن‪َ .‬وبَ ِق َي يَ ُسو ُع َو ْح َد ُه‬ ‫َوالْ َم ْرأَ ُة َوا ِق َف ٌة ِف الْ َو ْس ِط‪ ،‬فَلَمَّ انْتَ َص َب يَ ُسو ُع َولَ ْم‬ ‫يَ ْنظُ ْر أَ َح ًدا ِس َوى الْ َم ْرأَ ِة‪ ،‬ق َ​َال لَ َها‪ :‬يَا ا ْم َرأَةُ‪ ،‬أَيْ َن ُه ْم‬ ‫أُول ِئ َك الْ ُمشْ تَكُو َن َعلَ ْي ِك؟ أَ َما َدانَ ِك أَ َح ٌد؟ فَقَال َْت‪ :‬الَ‬ ‫أَ َح َد‪ ،‬يَا َس ِّي ُد! فَق َ​َال لَ َها يَ ُسو ُع‪َ :‬والَ أَنَا أَ ِدي ُن ِك‪ .‬ا ْذ َهبِي‬ ‫َوالَ تُ ْخ ِط ِئي أَيْ ًضا» (يوحنا ‪.)11-3 :8‬‬ ‫لعل من أه ّمها أنّه من مصادر فخر الكهنة برحمة ربّهم يسوع‬ ‫ألسباب كثري ٍة ّ‬ ‫هذا النص الجميل يستحق القراءة املتأنية‬ ‫ٍ‬ ‫املسيح‪ ،‬ولك ّننا لألسف مل نجد فيه ذلك‪ ،‬بل وجدنا العجائب كام سيأيت‪:‬‬ ‫يوم‬ ‫كان العهد القديم يحكم عىل املرأة الزانية بالرجم حتّى املوت‪ ،‬وكان كهنة اليهود يعلمون ذلك بالطبع‪ ،‬ويف ذات ٍ‬ ‫قائل‪َ « :‬ما ِجئْ ُت‬ ‫أمسكوا امرأ ًة متارس الزنا وجاءوا بها إىل يسوع ليتبينوا إن كان واح ًدا من كهنة اليهود كام ا ّدعى سابقًا ً‬ ‫يحق لهم االبتعاد عنه‪ ،‬وقالوا له إ ّن ُحكم الرشيعة يف هذه الحالة‬ ‫ألَنْق َُض‪ ،‬بَ ْل ِلُكَ ِّم َل» أو أنّه‬ ‫منشق عىل اليهود وبالتايل ّ‬ ‫ٌّ‬ ‫هو رجم هذه الزانية حتّى املوت كام قال لنا موىس النبي‪ ،‬فام هو ُحكمك أنت؟ أو مبع ًنى آخر‪ :‬هل أنت يا يسوع واح ٌد‬ ‫م ّنا تسري عىل نفس مبادئنا أم أنك هرطيق؟‬ ‫‪64‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫ولك ّن يسوع مل ير ّد عليهم مبارش ًة بل وضع رأسه يف األرض‪ ،‬ويبدو أنّه قد تذكّر يف هذه اللحظات ذكريات طفولته األليمة‬ ‫وربا تخيّل أ ّن هذه الزانية الواقفة أمامه كان ميكن أن تكون هي أ ّمه العفيفة‪ ،‬كام‬ ‫حني ات ّهم اليهود أ ّمه الرشيفة بالزنا‪ّ ،‬‬ ‫أ ّن بعض جدات يسوع املسيح كُ ّن من الزانيات الشهريات ‪-‬والعهدة عىل التوراة املق ّدسة‪ -‬وأ ّمه كانت تحيك له بالتأكيد‬ ‫يف ليايل الشتاء الباردة تاريخ ذلك النسل الذي منه انحدر يسوعنا‪ ،‬وهنا مل يجد يسوع بُ ًّدا من القول للكهنة‪ :‬الذي يعلم‬ ‫برشي بال خطيئ ٍة‬ ‫يوم من األيام فليبدأ يف رجم هذه الزانية‪ ،‬ومن الطبيعي أنّه ال يوجد‬ ‫منكم يف نفسه أنّه مل يخطئ يف ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا ‪-‬نالحظ هنا التناقض الذي‬ ‫وبالتايل مل يرجمها أحد‪ ،‬وأ ّما يسوع الذي يُقال أنّه بال خطي ٍة فلم يشأ أن يرجمها هو ً‬ ‫سبق وأن أرشنا إليه يف ترصفات يسوع‪ ،‬فهو يرفض أن يرجم اليهودية الزانية ويرفض يف نفس الوقت أن يرحم الكنعانية‬ ‫املريضة وما بني الرجم والرحم نقط ٌة حائرة؟ وهو ما دفع ببعض ضعاف النفوس إىل القول بأ ّن يسوع اإلنجييل كان‬ ‫يح ّرض عىل الفاحشة برفضه تنفيذ ح ّد الزنا‪ ،‬ولكننا رمبا نلتمس له بعض العذر إذا ما تذكرنا أنّه قد عاىن األم ّرين من‬ ‫اتهام اليهود أل ِّمه مبامرسة الفاحشة يف حني أنّها كانت طاهر ًة كالوردة‪.‬‬ ‫ولكن التساؤل املنطقي هو‪ :‬إذا ك ّنا بدافع الرحمة لن نطبّق الحدود يف املجتمع فكيف ميكن أن تستمر الحياة؟ مبعنى‬ ‫أ ّن القايض إذا رفض أن يعاقب الزواين واللصوص واملجرمني ألنّه ٍ‬ ‫قاض ط ّي ُب القلب وال يحب أذيّة البرش‪ ،‬أو حتّى ألنّه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ذكريات سيئ ًة‪ ،‬املهم هو كيف سيكون حال املجتمع البرشي إذا ط ّبق رؤية يسوع؟‬ ‫قاض مع ّق ٌد نفس ًيا يحمل من طفولته‬ ‫أي نو ٍع من الرحمة يف رفض تنفيذ الحد عىل الزانية‪ ،‬بل عىل العكس نرى أنّه دعو ٌة نبوي ٌة لالنحالل‬ ‫إنّنا لألسف ال نرى ّ‬ ‫ومامرسة الرذيلة بغطا ٍء رشعي‪ ،‬ونربأ بيسوع ابن الطاهرة الرشيفة أن يتغاىض عن إقامة حدود الله‪.‬‬ ‫وذات مر ٍة كان يسوع يف منطق ٍة اسمها «كورة الجدريني» التي هي عىل ساحل البحر كام يقول لنا الروح القدس شخص ًيا‬ ‫شخص مجنو ٌن يعيش يف الصحاري‬ ‫باملناسبة هذه املنطقة كانت بعيد ًة متا ًما عن البحر‪ -‬وكان يعيش يف تلك املنطقة ٌ‬‫والقبور‪ ،‬وكان كأي مجنونٍ يرضب نفسه أو‬ ‫اآلخرين بالطوب باعتباره من املجانني الذين ال‬ ‫يلومهم أح ٌد عىل سوء ترصفاتهم‪ ،‬وحتّى عندما‬ ‫كانوا يربطونه بالسالسل كان يهرب منهم بعد‬ ‫أن ّ‬ ‫يفك قيوده بقو ٍة ال يستطيعها إالّ مجنون‪:‬‬ ‫«فَلَمَّ َرأَى يَ ُسو َع ِم ْن بَ ِع ٍيد َرك َ​َض َو َس َج َد لَ ُه‪،‬‬ ‫ص َخ ب َِص ْو ٍت َع ِظ ٍيم‪َ :‬ما ِل َول َ​َك يَا يَ ُسو ُع ابْ َن‬ ‫َو َ َ‬ ‫ل! أَ ْستَ ْحلِف َُك بِاللّ ِه أَ ْن لَ ت ُ َع ِّذبَ ِني! ِلَنَّ ُه‬ ‫اللّ ِه الْ َع ِ ِّ‬ ‫ق َ​َال لَ ُه‪ :‬ا ْخ ُر ْج ِم َن ْ ِ‬ ‫ِس‬ ‫النْ َسانِ يَا أَيُّ َها ال ُّر ُ‬ ‫وح ال َّنج ُ‬ ‫اب‪ْ :‬اس ِمي لَ ِجئُونُ‪ِ ،‬لَنَّ َنا‬ ‫َو َسأَلَ ُه‪َ :‬ما ْاس ُم َك؟ فَأَ َج َ‬ ‫كَ ِث ُريونَ» (مرقس ‪.)9-6 :5‬‬ ‫‪65‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫روح نجس ٌة عندما رأى يسوع عرف عىل الفور أنّه ابن الله‪ ،‬طب ًعا فالشياطني تعلم أكرث من‬ ‫هذا املجنون الذي كانت به ٌ‬ ‫بني البرش‪ ،‬وهنا اإلشكالية‪ ،‬فإذا كانت الشياطني كلّها التي كان يسوع يقابلها طوال مسريته اإلنجيلية الطاهرة تعلم عىل‬ ‫كل سنفرتض أ ّن الشياطني‬ ‫الفور أنّه ابن الله الحي فكيف مل يعرف إبليس كبري الشياطني هذا يف التجربة يف ال ّربية؟ عىل ٍّ‬ ‫الصغرية مل تكن تكتب تقري ًرا يوم ًيا للشيطان الكبري‪ ،‬أو رمبا أنّها كانت تخاف من ابن الله العيل أكرث من خوفها من‬ ‫مهمل فلم يكن يقرأ التقارير بانتظام‪،‬‬ ‫إبليس‪ ،‬أو رمبا أنّها كانت تكتب تقري ًرا يوميًا وترفعه إلبليس اللعني ولك ّنه كان ً‬ ‫ولن نقول كام يقول املالحدة أ ّن يسوع كان يستأجر بعض املمثلني ليمثّلوا دور املرىض حتى يشفيهم‪ ،‬ولن نقول كام‬ ‫اسم ٍ‬ ‫واحد من أسامء الذين شفاهم الرب يسوع‪.‬‬ ‫يقول اآلخرون أ ّن كتَب ُة اإلنجيل قد لفّقوا هذه القصص بدليل عدم ذكر ٍ‬ ‫املهم أ ّن يسوع عندما سأل الروح النجس الذي يتل ّبس باملجنون عن‬ ‫اسمه قال له أن اسمه «لَ ِجئُونُ»‪ ،‬ويبدو أنّه كان عفريتًا مثقفًا يتكلم‬ ‫اليونانية‪ ،‬فكلّمة لجئون تعني فرقة جنو ٍد روماني ٍة تعدادها ستة آالف‬ ‫جندي‪ ،‬أي أ ّن هذا املجنون كان يعيش بداخله ستة آالف عفريت‪ ،‬وال‬ ‫ريب أنّهم كانوا يعانون من أزمة إسكانٍ داخل جسد هذا املسكني‪،‬‬ ‫فمنهم من كان يعيش يف القلب أو األمعاء ومنهم من كان يعيش يف‬ ‫املجاري البولية‪ ،‬أ ّما أدناهم درج ًة فالبد أنهم حكموا عليه بأن يسكن‬ ‫فتحة الرشج‪ ،‬ويبدو أ ّن يسوع كان ذا سلطانٍ‬ ‫عظيم عىل الشياطني‬ ‫ٍ‬ ‫ربا أنّها ملّت من الحياة داخل جسد هذا املجنون فق ّررتْ أخ ًريا‬ ‫أو ّ‬ ‫طلب واح ٌد عند يسوع الرب‪:‬‬ ‫الرحيل‪ ،‬ولكن كان لها ٌ‬ ‫«فَطَل َ​َب إِلَ ْي ِه ك ُّ​ُل الشَّ َي ِاط ِني قَائِلِ َني‪ :‬أَ ْر ِسلْ َنا إِ َل الْ َخ َنازِي ِر لِ َن ْد ُخ َل ِفي َها‬ ‫اح ال َّنج َِس ُة َو َد َخل َْت ِف‬ ‫فَأَ ِذ َن لَ ُه ْم يَ ُسو ُع لِلْ َوق ِْت‪ .‬فَ َخ َر َج ِت ْالَ ْر َو ُ‬ ‫الْ َخ َنازِيرِ‪ ،‬فَانْ َدفَ َع الْق َِطي ُع ِم ْن َع َل الْ ُج ْر ِف إِ َل الْ َب ْح ِر َوكَا َن نَ ْح َو أَلْف َْيِ‪،‬‬ ‫فَا ْختَ َن َق ِف الْ َب ْحرِ» (مر‪.)14 :12 5-‬‬ ‫وهنا السؤال عن سبب هذه العالقة الودية التي تربط بني يسوع والشياطني‪ ،‬فهي تأمتر بأمره وتخرج من جسد املجنون‪،‬‬ ‫ثم تتدلّل عليه وتطلب منه أن تذهب إىل الخنازير‪ ،‬فيلبي طلبها يف الحال‪ ،‬ولكن ما يهمنا يف املوضوع هو التايل‪ :‬ما‬ ‫ذنب الخنازير املسكينة حتى يَحكم عليها الرب يسوع باملوت غرقًا؟ وما ذنب أصحابها املساكني يف أن ميوت لهم قطي ٌع‬ ‫مك ّو ٌن من ألفي خنزير‪ ،‬وهو ما دفع بأهل القرية إىل طرد يسوع من قريتهم هو وتالميذه‪ ،‬وهو ما يدفعنا للتساؤل عن‬ ‫مكمن الرحمة يف هذه األعجوبة!‬ ‫‪66‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫هذه هي جملة النصوص املق ّدسة التي ت ُح ّدثنا عن رحمة ربّنا يسوع املسيح‪ ،‬ولك ّننا لألسف مل نستطع بعقولنا الفاسدة‬ ‫تبي مكمن الرحمة يف هذه التعاليم التافهة املضادة ألي فك ٍر إنسا ٍين سوي‪ ،‬بل نرى فيها عىل األرجح بذرة الخراب‬ ‫ّ‬ ‫والفشل ألي إمرباطوري ٍة أو دول ٍة تأخذ تلك التعليامت اإللهية عىل محمل الج ّدية‪.‬‬ ‫ومن هنا نستطيع أن نقول بثق ٍة أ ّن حامسة املسيحيني األوائل يف تطبيق رشيعة املسيح اإلنجييل رمبا كانت هي السبب‬ ‫األسايس يف خراب اإلمرباطورية الرومانية وانهيارها‪ ،‬فهذه التعاليم إذا ما حاولنا أن نُخضعها للتّمحيص العقيل بعي ًدا عن‬ ‫التربيرات الكهنوتية الغبية لوجدنا أنّها تحمل قد ًرا ال بأس به من التخلّف الفكري والعقم العقيل الذي يؤدي بالرضورة‬ ‫إىل االنهيار الحضاري والتخلّف املعريف‪ ،‬وبالتايل فبسيادة هذه األفكار الشاذة عىل العقل الجمعي لإلمرباطورية العريقة‬ ‫كان الب ّد لها من االنهيار‪ ،‬ث ّم الدخول يف عصو ٍر من التخلّف والتي يُطلقون عليها العصور الوسطى‪ ،‬حتّى استطاعت‬ ‫أوروبا أخ ًريا أن تتخلّص من تلك األفكار التافهة وتدخل إىل عرص التنوير‪ ،‬الذي بدأ مبجرد التخلص من تلك األفكار‬ ‫اإلنجيلية الشاذّة واملنافية للعقل‪.‬‬ ‫ونحاول اآلن أن نُلقي نظر ًة عىل يسوع اآلخر‪ ،‬أي يسوع املسيح حني يكون واق ًعا تحت‬ ‫ٍ‬ ‫نفيس حيث نرى فيه الجانب اآلخر من يسوع الرحيم والذي يحاول الكهنة‬ ‫ضغط‬ ‫ٍّ‬ ‫إخفاءه‪ ،‬أ ّما (مسرت هايد) هذا الذي وضعناه عنوانًا لفقرتنا فهو كام يقول لنا علامء‬ ‫التحليل النفيس ذلك الجانب الخفي يف الالشعور اإلنساين‪ ،‬أي ذلك الجانب السيئ الذي‬ ‫أيضا وذلك لكونه يحوي بداخله‬ ‫يحاول ٌّ‬ ‫كل م ّنا إخفاءه عن اآلخرين وكذلك عن نفسه ً‬ ‫كل الرغبات الرشيرة واألماين املح ّرمة التي يقوم اإلنسان بك ّبتها يف داخله فتنزاح إىل‬ ‫َّ‬ ‫منطقة الالشعور اإلنساين‪.‬‬ ‫ومن هذا املنطلق فنحن نتعامل مع يسوع املسيح اإلنسان الذي يحمل بداخله ‪-‬مثلنا‪-‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وشهوات مستحيلة التحقيق يختزنها يف عقله الباطن‪ ،‬وقد أوضحنا منذ‬ ‫رغبات مكبوت ًة‬ ‫البداية أنّنا النتّهم إخواننا املسيحيني بتحريف كتابهم املق ّدس‪ ،‬وبالتايل فهم يف مأزقٍ أمام أنفسهم قبل اآلخرين حني نضع‬ ‫لهم هذه النصوص تحت املجهر‪ ،‬آملني بأن يُخضعوها لحكم العقل فقط بعي ًدا عن تربيرات الكهنة املنافية للمنطق‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عنيف للرب يسوع املسيح رمبا قاله عىل لسانه «مسرت هايد» يف لحظ ٍة خرج فيها مكبوت الالشعور‬ ‫ونبدأ بعرض قو ٍل‬ ‫إىل عتبة الشعور‪:‬‬ ‫«الَ تَظُ ُّنوا أَ ِّن ِجئْ ُت ألُلْ ِق َي َسالَ ًما َع َل األَ ْر ِض‪َ ،‬ما ِجئْ ُت ألُلْ ِق َي َسالَ ًما بَ ْل َس ْيفًا‪ ،‬فَ ِإ ِّن ِجئْ ُت ألُفَ ِّر َق ا ِإلنْ َسا َن ِض َّد أَبِي ِه‪َ ،‬واالبْ َن َة‬ ‫ِض َّد أُ ِّم َها‪َ ،‬والْ َك َّن َة ِض َّد َح َمتِ َها ‪َ ،‬وأَ ْع َدا ُء ا ِإلنْ َسانِ أَ ْه ُل بَ ْي ِت ِه» (متّى ‪.)36-34 :10‬‬ ‫‪67‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫رب الرحمة والسالم‪ ،‬ولكننا بعد قراءتنا لهذا الترصيح العنيف بدأنا يف‬ ‫الرب يسوع هو ُّ‬ ‫ك ّنا قبل هذا القول نعتقد أ ّن ّ‬ ‫مراجعة تصوراتنا عنه‪ ،‬فهذا القول العنيف ال ميكن أن يصدر عن نبي الرحمة‪.‬‬ ‫والسؤال هو‪ :‬إذا كان يسوع قد جاء بالسيف فلامذا مل يخرج سيفه‬ ‫من غمده عىل اإلطالق‪ ،‬وتركهم يصفعونه عىل قفاه ويسخرون منه‬ ‫فارسا ُه َم ًما‬ ‫ثم يصلبونه عىل خشبة‪ ،‬وإذا كان يسوع يرى يف نفسه ً‬ ‫حرب فلريينا أتباعه اإلمرباطوريات التي أخضعها والدول‬ ‫ورجل ٍ‬ ‫التي أهلكها بسيفه البتّار‪ ،‬ث ّم أين جنوده وفرسانه املحاربني؟ ألنّنا‬ ‫مل نعرف من األناجيل املق ّدسة أ ّن له أتبا ًعا سوى صيادي السمك‬ ‫والعشّ ارين‪ ،‬ث ّم كيف يقول لنا إله الرحمة أنّه قد جاء للدنيا ليفنت‬ ‫بعضا؟ وإذا قيل لنا أنّه يف ّرق بني‬ ‫األُرس ويجعلهم يكرهون بعضهم ً‬ ‫أهل البيت الواحد باعتبار أ ّن البعض يؤمن والبعض يختار اإللحاد‪،‬‬ ‫رب الرحمة أن يؤمن الجميع‪ ،‬أو عىل األقل يرتك‬ ‫فلامذا مل يشأ ُّ‬ ‫البيوت تعيش يف سالم؟ ويُلفت نظرنا ختام العبارة « َوأَ ْع َدا ُء ا ِإلنْ َسانِ‬ ‫أَ ْه ُل بَيْ ِت ِه» وهي ت ُشعرنا مبدى إحساس املسيح بالظلم الذي تع ّرض‬ ‫له من إخوته ومن أبيه الن ّجار‪.‬‬ ‫عجيب ج ًّدا يف االختيار‪:‬‬ ‫يف بداية الدعوة كان يسوع يختار تالميذه وكان له رش ٌط‬ ‫ٌ‬ ‫َت َوق َ​َال لَ ُه ْم‪ :‬إِ ْن كَا َن أَ َح ٌد يَأْ ِت إِ َ َّل َوالَ يُ ْب ِغ ُض أَبَا ُه َوأُ َّم ُه َوا ْم َرأَت َ ُه َوأَ ْوالَ َد ُه َوإِ ْخ َوتَ ُه‬ ‫« َوكَا َن ُج ُمو ٌع كَ ِث َري ٌة َسائِرِي َن َم َع ُه فَالْتَف َ‬ ‫َوأَ َخ َواتِ ِه َحتَّى نَف َْس ُه أَيْ ًضا فَالَ يَق ِْد ُر أَ ْن يَكُو َن ِل تِلْ ِميذًا» (لوقا ‪.)27-25 :14‬‬ ‫إذًا كان يسوع اإلنجييل يرى أ ّن رشط التلمذة عىل يديه أن يكون التلميذ حقو ًدا كار ًها لل ّدنيا ومن فيها مبن فيهم أهله‬ ‫املق ّربون‪ ،‬بل حتّى أباه وأ ّمه‪ ،‬مع أ ّن وصية موىس الخامسة كانت‪« :‬أكرم أباك وأمك»‪ ،‬فكيف يطلب موىس من أتباعه أن‬ ‫يُكرموا والديهم بينام يطلب يسوع الوديع من أتباعه أن يكرهوا والديهم؟ وفوق ذلك يشرتط املسيح املب ّجل أن يكون‬ ‫التلميذ كار ًها لنفسه‪ ،‬وينىس املسيح املقولة الشهرية‪:‬‬ ‫«وماذا يفيد املرء لو كسب العامل كله وخرس نفسه»‪.‬‬ ‫حب اآلخرين؟ بل حتّى أن‬ ‫ث ّم ما الفائدة التي ستعود عىل املسيح من هذا الكُره‪ ،‬وهل يستطيع من يكره نفسه أن يُ ّ‬ ‫حب املسيح؟‬ ‫يُ ّ‬ ‫‪68‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫ض أَ َّو ًل‬ ‫« َوق َ​َال لَ ُه آ َخ ُر ِم ْن تَالَ ِم ِيذ ِه‪ :‬يَا َس ِّي ُد‪ ،‬ائْ َذ ْن ِل أَ ْن أَ ْم ِ َ‬ ‫َوأَ ْد ِف َن أَ ِب‪ ،‬فَق َ​َال لَ ُه يَ ُسو ُع‪ :‬ات ْ َب ْع ِني‪َ ،‬و َد ِع الْ َم ْو َت يَ ْد ِف ُنو َن‬ ‫َم ْوت َا ُه ْم» (متّى ‪.)22-21 :8‬‬ ‫النص ميثّل لنا لغ ًزا كب ًريا‪ ،‬يسوع يدعو أحدهم ليسري معه‪،‬‬ ‫هذا ّ‬ ‫يوافق الشاب ويستأذن فقط من يسوع أن يدفن أباه ثم‬ ‫يلحق به‪ ،‬يسوع يرفض أن يدع الشاب ليدفن أباه‪ ،‬ويتح ّجج‬ ‫بعبار ٍة من عباراته الغامضة « َد ِع الْ َم ْو َت يَ ْد ِف ُنو َن َم ْوتَا ُه ْم»‪،‬‬ ‫ونحن بالطبع ال ندري كيف يرتك أحدهم جثّة أبيه ل َيل َحق بيسوع‪ ،‬وهل هذه هي األخالقيات الجديدة التي جاء بها دين‬ ‫يسوع أن ترتك جثّة أبيك يف العراء لتتبعه؟ وإذا مل يكن لك خ ٌري يف أبيك فكيف يُفرتض بك أن تكون داعي ًة لدين الرحمة؟‬ ‫رب الرحمة‪:‬‬ ‫وللرب يسوع املسيح عبار ٌة قاسية‪ ،‬لو نسبناها إىل «مسرت روتشيلد» لحقّت له‪ ،‬ولكنها ال ّ‬ ‫تصح أن تصدر عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫«ألَ َّن ك َُّل َم ْن لَ ُه يُ ْعطَى فَ َي ْز َدا ُد‪َ ،‬و َم ْن لَ ْي َس لَ ُه فَال َِّذي ِع ْن َد ُه يُ ْؤ َخ ُذ ِم ْن ُه» (متّى ‪.)12 :13‬‬ ‫قد نستطيع استيعاب أ ّن ال ُرسل قد جاءوا إىل البرش ليأخذوا من الغني ليعطوا للفقري‪ ،‬ولك ّننا ال نستطيع استيعاب ذلك‬ ‫القول الرشير بأ ّن السيد املسيح قد جاء ليعطي للذين ميلكون‪ ،‬بينام يأخذ من الذين ال ميلكون شيئًا‪ ،‬ولو قال هذه‬ ‫لصلب يف نفس اليوم من ِقبل جامهري املطحونني‪ ،‬ويف نفس الوقت فإنّنا ال نستطيع‬ ‫املقولة أي رأسام ٍّيل إمربيا ٍّيل عفنٍ ُ‬ ‫نبي‪ ،‬فاألنبياء عىل الدوام يتو ّجهون بدعوتهم للمطحونني وامله ّمشني يف املجتمع‪ ،‬الذين هم دامئًا‬ ‫قبول هذه العبارة من ّ‬ ‫وقود الثورات مبا يحملونه يف داخلهم من ٍ‬ ‫نبي ليهاجم رجال ثورته‪ ،‬فهذا هو‬ ‫حقد عىل األغنياء واملن ّعمني‪ ،‬أ ّما أن يأيت ٌ‬ ‫الوضع الشاذ الذي يوقعنا يف الحرية‪.‬‬ ‫النص‬ ‫عىل ٍّ‬ ‫كل هناك ما يثري حريتنا أكرث من ذلك‪ ،‬وهو ّ‬ ‫املق ّدس الذي يحيك لنا عن التينة امللعونة‪ ،‬وهاكم هذا‬ ‫النص الغريب املق ّدس‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫الصبْ ِح إِ ْذ كَا َن َرا ِج ًعا إِ َل الْ َم ِدي َن ِة َجا َع‪ ،‬فَ َنظَ َر شَ َج َر َة‬ ‫« َو ِف ُّ‬ ‫ِيق‪َ ،‬و َجا َء إِلَ ْي َها فَلَ ْم يَ ِج ْد ِفي َها شَ ْيئًا إِالَّ َو َرقًا‬ ‫تِ ٍني َع َل الطَّر ِ‬ ‫فَ َقطْ‪ .‬فَق َ​َال لَ َها‪ :‬الَ يَ ُك ْن ِم ْن ِك َث َ ٌر بَ ْع ُد إِ َل األَبَ ِد! فَ َيب َِس ِت‬ ‫التِّي َن ُة ِف الْ َحا ِل» (متّى ‪.)19-18 :21‬‬ ‫‪69‬‬


‫املسيحية واملحروسة‬ ‫الجزء السابع‬ ‫محمد شومان‬

‫أحس بالجوع الشديد ‪-‬هل تشعر األرباب بالجوع مثلنا نحن البرش؟‬ ‫الرب يسوع مييش ذات ٍ‬ ‫كان ّ‬ ‫يوم يف الطريق‪ ،‬وفجأة ّ‬ ‫ويف تلك اللّحظة أبرص شجرة ت ٍني عىل مقرب ٍة منه‪ ،‬فذهب إليها فلم يجد بها ت ٌني ‪-‬ببساطة ألنّه مل يكن وقت التني‪ -‬ويبدو‬ ‫الرب نفسه عندما‬ ‫الرب يسوع املسيح كان من نوعية األرباب التي تفقد أعصابها عند اإلحساس بالجوع‪ ،‬فلم يتاملك ّ‬ ‫أ ّن ّ‬ ‫الرب فيبست يف الحال؟ وهنا نسأل‪:‬‬ ‫مل يجد مث ًرا عىل الشجرة يس ّد به جوعه فقام بلعن الشجرة‪ ،‬التي استجابت للعنة ّ‬ ‫وما ذنب شجرة التني التي مل تحمل مث ًرا يف غري موعدها‪ ،‬هل أل ّن عيىس حملت به أ ّمه يف غري موعدها له أن يط ّبق هذه‬ ‫كل الكائنات الكونية؟‬ ‫املعجزة عىل ّ‬ ‫وهنا نستدعي إىل ذاكرتنا اتهامات اليهود ليسوع بأنّه ٌ‬ ‫أكول‬ ‫يب‬ ‫رش َ‬ ‫رشيب خمر‪ ،‬فر ّد عليهم بأ ّن يوح ّنا مل يكن أكولً وال ِّ‬ ‫و ِّ‬ ‫خم ٍر فرفضتموه‪ ،‬وملّا جئت إليكم أنا آكل وأرشب الخمر إذا‬ ‫أيضا! أي أنّه يف ر ّده عليهم أكّد اتهامهم له‬ ‫بكم ترفضونني ً‬ ‫بأنّه إنسا ٌن أكول‪ ،‬فهل لهذا السبب لَ َعن شجرة التني لكونه ال‬ ‫يستطيع أن يصرب عىل جوع بطنه؟ وإذا كان اآللهة ال يستطيعون‬ ‫الصرب عىل جوع بطونهم‪ ،‬فكيف بنا نحن البرش الفانون؟‬ ‫يحق لنا أن نتساءل عن اتهام اليهود ليسوع وتالميذه‬ ‫وهنا ّ‬ ‫بأنّهم ال ميارسون الصوم مثل تالميذ يوحنا‪ ،‬فهل كان السبب‬ ‫الرب وتالميذه ال يحتملون الجوع؟ وبالتايل مل تكن لهم‬ ‫أ ّن ّ‬ ‫كل نحن نسينا التعجب من كرثة رسدنا‬ ‫قدر ٌة عىل الصيام؟ عىل ٍّ‬ ‫لحوادث العهدين املق ّدسني‪.‬‬ ‫مم‬ ‫الرب يسوع‪ ،‬وهذا الجزء ما هو إالّ عين ٌة صغري ٌة ّ‬ ‫ونكتفي نحن اآلن بهذا الجزء البسيط من الجانب اآلخر لشخصية ّ‬ ‫للنص األصيل‪ ،‬ألن هدفنا كام قلنا سابقًا ليس تبيان أخطاء‬ ‫ورد يف الكتاب املق ّدس‪ ،‬وعىل من يريد االستزادة أن يرجع ّ‬ ‫النص‬ ‫العهد الجديد‪ ،‬بقدر ما هو إلقاء الضوء عىل املناطق املُعتمة واملحظورة يف الرتاث الديني املسيحي املأخوذة من ّ‬ ‫البكر‪ ،‬والتي مل يتم التعامل معها بعقالني ٍة حتّى اليوم‪ ،‬وحتّى هذه ال نوردها ب ُحسبانها أخطا ًء بقدر ما نوردها ل ُنثبت‬ ‫النص األصيل والفكر‬ ‫صدق تو ّجهنا يف أ ّن ال ّنص الديني األصيل يُخالف متا ًما الفكر الديني الكهنويت‪ ،‬وأ ّن االثنني م ًعا –أي ّ‬ ‫وأيضا العقل اإلنساين‪.‬‬ ‫الكهنويت‪ -‬يخالفان متا ًما الفطرة السوية والطبيعة البرشية ً‬

‫‪70‬‬


s www.facebook.com/M-80-II-941772382615672

71


‫‪Fad›l Amnsor‬‬

‫ال تُقصيني عندما أُجيبك عام سأَلتني‪ ،‬وإال‬ ‫فال تسألني مادمت تنتظر إجابتك أنت‬ ‫لكن من لساين!‬

‫‪Rami Alli‬‬

‫محمد‪ ..‬تحدى من كان يعارضه ومن ضمن‬ ‫محيطه الذي ادعى انه نزل عليه‪ ،‬وليس‬ ‫عىل العامل كله‪ ،‬لو قارنته يف األدب الغريب‬ ‫لوجدته أفضل منه ‪ ...‬مع العلم توجد‬ ‫الكثري من الروايات والقصص واالشعار‬ ‫والبالغة وبااللغة العربية أفضل منه ‪ ،‬لكن‬ ‫لو جهر بها كاتبها سيكون مصريه القتل‬

‫‪Abdu Alsafrani‬‬

‫وتجيب سورة نحبسوك‬

‫‪Tha Way‬‬

‫اشكيك ملني وانت الحكم‬ ‫‪Shady Srur‬‬

‫صلعمي‪ :‬اتحداك ان تأيت من مثله‬ ‫…‪ ..‬ومن هو الحكم ؟‬ ‫صلعمي‪ :‬الصالعمة سيحكمون اذا كانت‬ ‫االية افضل من القران‪ ،‬وهم بكامل‬ ‫الحيادية واذا كانت افضل سيعرتفون بهذا‬ ‫كل ما ذكر اعاله ال ميت الواقع بصلة وال‬ ‫ثومة امنا من وحي خيال الكاتب‬ ‫الواقع ‪:‬‬ ‫نرش سورة الويسيك يف صفحة فيسبوك‬ ‫صالعمة‪ :‬حكمنا سجن ‪ ٣‬سنوات‬

‫‪72‬‬


‫مجلة شهرية بجهود فردية تصدر في الثاني عشر من كل شهر‬

The Arab AtheistsisMagazine a digital publication Arab Atheists Magazine a digitalispublication produced produced by volunteers and committed to promoting entirely by volunteers committed to freedom of thought, inf thought and writings of atheists of various persuaormativetheand enlightening articles regardless of ethnicity sionsorwith complete with freedom. The Magazine not adopt gender persuasion autonomy, completedoes independenc endorse anyfree form of political ideology or affiliation e and mostorimportantly from geopolitical censorship. Contributors bear the responsibility the form content, illustraThe Magazine does notfull adopt or endorseofany of political tions and topics theyContributors provide insofar it covers and ideology or affiliation. will as assume fullcopyright responsibility issues intellectual property for the content, illustrations and topics theyofprovide pertaining to infringement of copyright and issues of intellectual property. Express permission for to publish in the Magazine is provided contributors,permission whether they members the Arab Atheistsis Theby expressed to are publish in ofthe Magazine Magazine Group of other atheists non-religious contributors provided by contributors, whether theyand are members of the Arab Atheists Magazine Editorial or other atheists and non-religious contributors. The Magazine does not publish material that is unethical or that racism bigotry The Magazine does not publish unethicalincites material thatoramongst other things perpetuate incitement to racism or bigotry. The Editorial Board reserves the right to republish content originally published theright Magazine’s Facebook group, as The Editorial Board reservesonthe to republish content origipublishing there contains consent republication nally shared on ourimplicitly magazine’s Facebook page for publishing there in the Magazine gives implicit consent to republish to the Magazine.

:‫موقع املدونة اخلاصة بنا لألرشفة على اإلنترنت‬ www.aamagazine.blogspot.com ‫البريد اإللكتروني‬ el7ad.organisation@gmail.com magazine@arabatheistbroadcasting.org


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.