د .يوسف محمد الصواني أستاذ السياسة والعلاقات الدوليةن جامعة طرابلس ،ليبيا ليبيا :الثورة وتحديات بناء الدولة نالت ليبيا استقللها في 24كانون الول /ديسمبر 1951عن طريق هيئة المم المتحدة وبقرار من جمعيتها العامة في سابقة هي الولى من نوعها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقبل بدء عمليات تصفية الستعمار في إفريقيا وآسيا 1.عاشت البلد تحت قيادة الملك إدريس السنوسي الذي تميز عهده بانطلق البدايات الحقيقية لتأسيس الدولة الحديثة وتمكنت من تحقيق إنجازات حقيقية في مجالت التنمية التي حددتها خطتأن خمسيتان رئيسيتان للتنمية ما بين 1974-1963فساهمت المشروعات المنبثقة عنهما في رفع معدلت وأداء القتصاد الوطني ،ومساهمة القطاعات المختلفة وفي زيادة الناتج المحلى الجمالي عامة والنفطي خاصة .لقد تركزت اهتمامات المشروعات التنموية ،التي نفذ ما تبقى منها خلل العهد الجمهوري ،على البنى الساسية للقتصاد الليبي وبزيادة رأس المال الجتماعي والتنمية البشرية ،وهو ما ساهم خلل سنوات قليلة في رفع مستويات المعيشة بشكل عام وتحسن مؤشرات التنمية على كل المستويات.
2
النفط والفساد وال ننقل ب على الملكية تتتم اكتشتتاف النفتتط فتتي ليبيتتا وبتدأ تصتتديره بكميتتات تجاري ة إعتبتتا ار متتن ، 1963وه و العتتام التتذي تتتم فيتته التخلي عن النظام التحادي لتعتود ليبيتا دولة موحدة بستيطة ،مستتفيدة متن العوائتد الماليتة لتصتدير النفتط ولتنطلتق عمليات تنمية وتحتديث واستعة النطتاق .إل أن متا نجتم عتن هتذه التثروة ،أيضتا ،كتان مولدا لمتراض مختلفتة عتانى منها النظام الملكي الذي قلتتل متن نطتاق الحريات وجعتل النظتتام البرلمتتاني مستتخا ل يعتبر عتن أي ديمقراطيتة ،فيمتتا انتشر الفساد وبدأ ينخر جسد النظام ،ولم يتمكن الملك الضعيف من القيام بما يمليه عليه الواجب .كانت الظتتروف القليميتتة المحيطتتة ذات تتتأثير هائتتل علتتى ليبيتتا لطبيعتتة التحتتولت التتتي كتتانت تمتتر بهتتا المنطقتتة ممتتا خلتتق أوضتاعا
2
Adrian Pelt, Libyan Independence and the United Nations, New Haven, New Yale University Press, 1970 علي خضير ميرزا ،ليبيا :الفرص الضائعة والمال المتجددة ،بيروت ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،2012 ،ص 131
1
1
حملت بذور التهديد للنظام الملكي .بدا أن ثروة النفط كانت سلحا ذو حدين ولم يتمكتن الملتك رغم بستاطته وورعه وصوفيته وزهده من التصدي للقوى التي بدأت تفعل فعلها ضمن النظام وخارجه.
3
فشتتل النظتتام الملكتتي فتتي الستتتجابة لطموحات الشتتعب وجمتتد المؤسستتات الديمقراطيتتة بعتتد تزوير متواصتتل للنتخابتتات ونختتر بنيتتانه الفستتاد 4.تراجعتتت بشتتكل حتتاد قتتدرة النظتتام الملكتتي علتتى الستتتجابة لشتتتراطات وتحتتديات البيئتتتين المحليتتة والقليميتتة فتتي وقتتت ارجتتت فيتته الثتتورات أو النقلبتتات العستتكرية العربيتتة رافعتتة أفكتتار التحرري ة والعروبة والشتتتراكية التتتي انتشتترت بفاعليتتة بيتتن أوساط الشتتباب الليتتبي وبخاصتتة أبنتتاء الفقتراء والشترائح التتدنيا متتن "الطبقة المتوسطة" سواء كانوا مدنيين أوعسكريين والذين كانت مصر عبدالناصر قبلتهم.
5
هكذا كانت البلد مهيأة للتغيير فتمكن مجموعة من الضباط الصغار بقيادة معمر القذافي من الستيلء على السلطة إواقامة النظام الجمهوري بانقلب عسكري في ايلول/سبتمبر .1969على الرغم من أن القذافي جاء إلى السلطة عن طريق انقلب عسكري ،فقد كان قاد ار في البداية على بناء قاعدة واسعة بما فيه الكفاية من الدعم الشعبي .نجح في السنوات الولى من حكمه في بناء شرعية شعبية تستجيب لتطلعات وآمال واحتياجات السكان ،لكنه كان بعدها حريصا على البقاء في السلطة ,وقام باتباع سياسات ونفذ ممارسات أدت إلى تغيير قاعدة نظامه الجتماعية 6.حكم القذافي ليبيا وكانت حالة فريدة ،فرغم قسوته ودكتاتوريته لم يكن القذافي حاكما قويا رغم سعيه المتواصل لتعزيز سلطته .لقد كان حاكما ضعيفا تمسك بالسلطة لنه سعى بكل ما أمكنه ،لجعل الناس في وضعية تجبرهم على العمل من أجل البقاء وليس النشغال بقضايا الحكم والسياسة رغم ادعاءه المتواصل بأن الشعب هو الحاكم وهو ما أفرغ العملية السياسية من أي محتوى وجعلها مجرد صدى لصوته شخصيا.
3 4 5
حول دور النفط ،أنظر الدراسة ،التي يمكن اعتبارها"كلسيكية" ،لشكري غانم ،النفط والتقتصاد الليبي ،بيروت ،معهد النماء العربي1985 ، انظر تحليل للوضاع في ،مالك عبيد ابوشهيوة ،اسباب تقيام الثورة في ليبيا ،رسالة ماجستير غير منشورة ،جامعة القاهرة 1976 ابراهيم فتحي عميش ،التاريخ السياسي ومستقبل المجتمع المدني في ليبيا ،الجزء الول ،بنغازي ،برنيق للطباعة والترجمة والنشر ،2008 ،ص،
،300-251ص 401-351 Jadaliyya, interview with Ali Abdullatif Ahmida, www.jadaliyya.com/pages/index/7892/new-texts-out-now_aliabdullatif-ahmida-libya-soci 6
2
القضاء على المعارضة والديمقراطية المزيفة سعى القذافي وعمل على القضاء على كل معارضة ،وتهديد أو تحدي لسيطرته ،وكان ذهنه قد تفتق عن تعزيز الدكتاتورية والتسلطية باستخدام الديمقراطية ذريعة ووسيلة .أدخل البلد في غمار تجربة اعتمدت الخداع الديمقراطي ورغم استجابة شعبية لها في البداية ،إل أن سياسته وممارساته الغير معقولة أدت إلى تدمير معنى السلطة والمؤسسات وحكم القانون .بذل القذافي جهودا متواصلة وقام بدعاية مكثفة لقناع الناس بنموذجه الفريد ،إل أن ديمقراطيته المزورة لم تعد تنطلي على أحد ،حيث برزت بقوة ظاهرة عزوف الناس عن حضور مؤتمراته ولقاءاته ،فلجأ إلى تدابير متعددة لخلق حراك سياسي واجتماعي لصالحه ولتقوية نظامه .شملت هذا المحاولت تطبيق مبادارت خبيثة مثل الجمهرة وتطبيق أفكار مثل " السلطة شعبية والدارة ثورية" إوانشاء القيادات الشعبية والروابط الشبابية الجتماعية وغيرها من الليات التي ابتدعها لحكام السيطرة إواشاعة مناخ مصطنع من التأييد الشعبي .هكذا ومع أن القذافي حافظ على استخدام التوجهات اليديولوجية االقومية والسلمية والحديث عن المثل العليا للديمقراطية والعدالة والمساواة ،فقد كشفت السياسات الممارسة تناقضا بين الفكر والتجربة المعاشة على كل المستويات.
7
ص وتتت المعارض لذلك فإّنه اّتخذ كل الوسائل لم يكن هناك استعداد لدى القّذ اتفي ليقبل مجّر دتال ّ
لمواجهة المعارضة في الخارج .كان القذافي ل يقبل المساومة ،عندما تعلق المر بتحدي سلطته ،لذلك أنهى كل أشكال المعارضة القائمة والمحتملة بالداخل ،وعندما لجأ معارضون للعمل بالخارج ،فلم يألو القذافي جهدا أو وسيلة للقضاء عليهم .لذلك فقد شهد النصف الول من الثمانينات حملت اغتيال متزايدة لعضاء المعارضة الليبية في الخارج ،والذين أطلق عليهم الفاظا مهينة للكرامة النسانية مثل "الكلب الضالة" .كان كل ليبي أشهر معارضته أو انتقاده للقذافي هدفا مشروعا في أي مكان في العالم .لم يبال القذافي بالثمن السياسي والخلقي لعماله الرهابية ولم يقم وزنا للرأي العام الدولي ،فقد فسحت الحرب الباردة المجال لممارسات إرهاب الدولة في العلقات الدولية بشكل عام .لذلك كان صارخا في تهديداته التي جعلته يقول
Mohamed Berween, the political belief system of Qaddafi: power politics and self fulfilling prophecy,
7
http://sgsnow.files.wordpress.com/2011/03/political_belief_system_of__qaddafi_1.pdf
3
عن المعارضين لحكمه في عام " ،1978هم أحرار في السفر حتى إلى القطبين الشمالي أو الجنوبي إذا أرادوا ،ولكن إذا انتقدوا الثورة فستتم ملحقتهم "حيثما وجدوا".
8
كانت الحياة "السياسية" تعاني سيطرة اللون والرأي الواحد ولم يكن أمام المواطنين وخاصة المهتمين بالشأن العام أية فرصة للتعبير خارج حدود النظام .لم يكن هناك مجال للصحافة المستقلة أو للمجتمع المدني والحزاب .الدولة الشمولية ،وأن أنشأت تنظيمات مجتمع مدني فهي ضمن الكوربوراتية المسيطرة والمهيمنة على كل شيء .كان النظام يرى في موارد النفط قوة هائلة وكافية لجعل الدولة قادرة على شراء المجتمع ، كما أن الموارد وفرت للنظام وهم أن بأمكانه تحقيق طموحاته خارج الحدود .لذلك بدأ القذافي في ممارسة التجاهل للشأن الداخلي واتجه لتحقيق طموحاته ومجده الشخصي بمغامرات خارج الحدود .من هنا أصبحت الدولة تنفصل بشكل أو آخر عن المجتمع وتتغاضى عن أي مطالبات باستثناء سد المطالبات الحياتية .مع ذلك ،لم تسكت الناس فكانت هناك محاولت انقلبية تعد بالعشرات ،كما جرت مظاهرات احتجاح في كثير من المدن والقرى الليبية ،ولكن بفضل التعتيم والهيمنة لم يكن هذا معروفا. عمل القذافي على تطبيق سياسات كانت ل تستهدف سوى إرهاق المجتمع والعبث بما احتفظ به من مقدرات ووشائج .وظف كل الليات التي ابتدعها في تدمير كل ما يمكن أن يشكل خط ار ضده .اعتمد على ما كان يقيمه من أشكال وهياكل لتحل محل المجتمع ،الذي رأى فيه عدوا وخصما ،كانت أقل عيوبه ،وفقا للقذافي، أنه لم يتشرب نظريته الجماهيرية ولم يحسن الصغاء لتوجيهات" القائد الملهم" ،الذي رأى نفسه هبة وطاقة وقيادة ل يستحقها الليبيون .لجأ القذافي إلى ما أقامه من ترتيبات وانكفأ إليها ،بدل عن السعي للتصالح مع المجتمع ، وحرص على إدامة حالة عدم الستقرار و تغيير الهياكل الحكومية في ليبيا م ارٍت عديدة ،على مدار أربعة عقود معتمدا سياسة الخلخلة المتواصلة لكل شيء ،للحيلولة دون مأسسة السياسة والممارسة ،وهو مانظر إليه الوسيلة الفعالة لمنع تشكل قوى معارضة.
الصل ح المزعوم والتمهيد للثورة 8
"خطاب القذافي في اللجأن الثورية ،1978/08/03 ،طرابلس ،مركز الكتاب الخضر ،الطبعة الولى ،1986 ،ص .24
4
كان ل بد للظروف المحلية والدولية أن تتغير ،وأن يشهد المجتمع تحولت ديموغرافية وثقافية تزامنت مع اتساع نطاق العولمة والمركة على المستوى الكوني .وجد القذافي تفسه مضط ار للتراجع أمام العاصفة الكونية التي كانت تهدد أمثاله وكان مضط ار إلى إعادة تأهيل نظامه على المستوى الدولي. اتضح للقذافي أن ما كان ممكنا وجائ از من قبل ،لم يعد كذلك ،بعد انفراد الوليات المتحدة المريكية بسدة الهيمنة على النظام الدولي ،إواعلنها العزم ،وقيامها بالفعل ،فرض شروطها ،حتى عندما استلزم ذلك استخدام القوة العارية .أراد القذافي تجاوز المحنة والتحدي دون أن يقرر التغيير .لقد شعر بدون شك بضرورة إعادة النظر في السياسات و"المؤسسات" أو انه أراد توزيع الدوار داخل نظامه إواعطاء فرصة لبنه سيف السلم ،الذي كان قد حقق نجاحات خارجية ملموسة ساهمت تماما في إعادة تأهيل النظام على المستوى الدولي وليجدد شرعية النظام التي كانت تتناقص بشكل مخيف. مع ذلك ،فقد كان واضحا مقدار التردد أو المكر الذي يخفيه القذافي .إنه من المؤكد أن سيف القذافي ووالده ،كانا يدركان أن التحول مفرط السرعة سيؤدي إلى أحداث أثر عكسي ليس أقله شأنا ظهور معارضة أو تذمر وتراجع ولء قوى متزمتة ومحافظة ،ولكنها أساسية في دعم النظام واستم ارره أمنيا ، خاصة إذا رأت أن مصالحها في خطر .ل يمكن للمحلل إل أن يتصور إدراك النظام لمعضلته ،وأن لم تصاحبه استجابة ملئمة لما كان يجري من تغيرديموغرافي واجتماعي ،وارتفاع المطالبات والضغط من البيئة المحلية بمكوناتها الشبابية بشكل خاص .كان هناك ما يكفي من الشارات الواضحة إلى أن قفل البواب أمام أي تغيير بمثابة القدام على الموت ،وأن الستجابة أو التحول البطيء للغاية يعرض النظام لخطر فقدان الرابط مع الجيال الشابة والفئات الطامحة والمحرومة أيضا ،وقد يولد تصاعدا في الخطرالناجم عن ما كان قائما من الحباط العام والشعور المستمر باليأس من قبل الشعب الليبي .لذلك حاول النظام استيعاب ما كان يجري وأطلق مشروعا للصلح والنفتاح السياسي حيث ارتكز بشكل أساسي على إدماج أكبر عدد ممكن من السكان ،وخاصة الشباب والمنادين بالصلح ،ضمن ما عرف ب "مشروع ليبيا الغد" ،وكان سيف السلم يتواصل مباشرة مع معارضين وخبراء ليبيين بالخارج لستمالتهم للعمل ضمن المشروع.
5
ساهمت قوى وطنية إواصلحية ،بالداخل والخارج ،في دعم هذا التوجه أوالسياسة وقدمت الدعم لمبادراته .كان إصلحيو الداخل ويدعمهم الكثيرون من أبناء الشعب مستعدون للعمل ضمن مبادرات سيف ودعمها ،لنهم أروا فيها فرصة لحداث قدر ،ولو محدود ،من التغيير ،في ظل انعدام البدائل الحقيقية للتغيير .كان هناك ادراك بما يواجه الهدف من عقبات وتحديات لكن ذلك لم يثن المؤمنين بالوطن عن العمل في أضيق الحدود المتاحة وبالتالي أهمية فتح كوة ولو صغيرة في جدار التسلط ،وأن أية خطوات ستقود حتما وبشكل منطقي وطبيعي إلى غيرها ،بحكم قانون التداعي ،وتساهم في أحداث حراك أوسع .كان هناك حراكا معارضا وفي لبوس اصلحية على كل المستويات وهو ما أشار اليه المعارض المعروف محمود شمام مق ار بوجود هذا الحراك الذي كان يشكل جزءا ل يتج أز من المعارضة للنظام الذي ل ينبغي إنكار أهميته ودوره " .الذين ينفون وجود حراك سياسي في ليبيا ل يهينون الشعب الليبي فقط ،بل ينكرون حقيقة علمية هي أن التحرك جزء أصيل من طبيعة أي مجتمع".
9
استطاع سيف السلم أن يجذب إليه المثّقفين الصلحيين والشباب في ليبيا وقد زاد من شعبيته وجاذبيته أنه كأن هدفًا لمشاعر الريبة التي عبرت عنها اطراف الحرس القديم ،ومن وصفهم بالقطط السمان ،وخاصة في أوساط اللجان الثورية والمؤسسات المنية .ولعل ما ساعده في الوصول إلى قلوب الناس والصلحيين انه استحوذ ،في الوقت نفسه ،على مخّي لتة الساسة والمراقبين الغربيين ،الذين أروا في
ما كان يعبر عنه ويقوم به في مجال إعادة تأهيل ليبيا ،وعودتها إلى المجتمع الدولي فاتحة إصلح
داخلي أيضًا .لكن ورغم ما قد يكون قد تحقق من إيجابيات ،فإن جميع مبادرات الصلح وصلت لطريق مسدود وتبين أن القذافي ل يتغير .فقد الليبيين بشكل عام المل في الصلح وشككوا في النوايا والسياسات من خلفه ،ولم تؤد تصريحات سيف السلم القذافي ومبادراته السياسية العديدة ،في نهاية المطاف ،إلى أي نتيجة وثبت أنها لم تكن سوى عملية تجميل لتغطية العيوب .لقد تغلبت روح الفرد المتسلط كخاصية جوهرية للنظام الذي أقامه القذافي وتمحور حوله شخصيا ،فقضت على كل فرص الصلح وقفلت آفاق التغيير من الداخل ن إوان كانت بعض قوى ومقومات التغيير قد انطلقت من 9ليبيا المستقبل ،حوار مع العلمي والمحلل السياسي الليبي محمود شمام، http://archive.libya-al-mostakbal.org/moqabalat2009/shammam_interveiw_161009.html
6
عقالها ولم يعد ممكنا إعادة التاريخ للوراء .هكذا كانت البلد جاهزة ومستعدة لتلقي ومعانقة أفق تغيير جديد. ثورة 17شباط/فبراير 2011ومآل تنها انطلقت الحتجاجات في شباط/فبراير 2011معلنة بداية مرحلة جديدة في تاريخ ليبيا المعاصر ،ومؤذنة بتحولت هائلة .انضمت ليبيا إلى بلدان الربيع العربي الخرى 10عندما اندلعت الحتجاجات الشعبية ضد عقود من حكم القذافي الستبدادي صنفها الليبيون "بفترة اللنظام" ،لتميزها بالشذوذ من خلل تجنب بناء مؤسسات الدولة ،والقدام على كل مستغرب أو فريد من الممارسات. دعت الحتجاجات واسعة النطاق إلى إسقاط النظام إواقامة الديمقراطية واحترام حقوق النسان والحرية .ان انتفاضة الشعب الليبي احتجاجا على شمولية ودكتاتورية نظام القذافي وان بدأت مظاهرات واحتجاجات حول قضايا السكن في مطلع كانون الثاني/يناير 2011فذلك لم يكن القضية أو السبب الساسي وراء الحتجاجات إذ أنها كانت تحمل في طياتها مشاعر سياسية عميقة. وتصاعدت هذه الحتجاجات في نهاية المطاف إلى انتفاضة دعت إلى تنحي القذافي لم يكن يتوقع من القذافي أن يتنازل عن السلطة بسهولة فكان العنف ش ار ل بد منه وقد أثار التحول من الحتجاج السلمي إلى العنف رد فعل النظام القمعي .عندما قتلت قوات المن المتظاهرين المسالمين رميا بالرصاص أمام مقر المن في بنغازي ،أطلقت دعوات توسيع الحتجاج في أنحاء البلد مرة أخرى يوم 17شباط/فبراير 2011عبر مواقع النترنيت ووسائل التواصل الجتماعي .بدت هذه الحتجاجات سلمية جدا ولكن سرعان ما تصاعدت إلى انتفاضة مسلحة أدت إلى حرب واسعة النطاق لم تجتاح البلد فحسب وانما أدت أيضا لتدخل القوات العسكرية الدولية في نهاية المطاف .احتكم مجلس المن إلى مبدأ مسؤولية الحماية ) (R2Pوأصدر القرار 1973الذي بموجبه فرضت منطقة حظر الطيران ) (NFZعبر ليبيا .كان المقصود من القرار حماية المدنيين 10
لقراءة تحليل مثير للهتمام حول ما إذا كانت هذه ثورات أو مجرد حركات تمرد ،أنظر، Zenonas Tziarras, “ New Prespectives on the Sociology of the Arab Spring”, http://thegwpost.com/2011/12/01/new-perspectives-on-the-sociology-of-the-arab-spring-mark-ii/
7
فأنشئ نظام فعال لتنفيذه سمح باستخدام طائرات حلف شمال الطلسي لفرض منطقة الحظر الجوي ثم تدمير القدرات القتالية والمقدرات العسكرية وغيرها مما يمكن للنظام استخدامه للمواجهة. لقد عبرت النتفاضات والثورة على مخزون هائل من الغضب الذي كان يسكن نفوس جميع الليبيين تقريبا تجاه القذافي ونظامه .ومع أنه ما ل يمكن تجاوز السباب القتصادية والمعيشية عندما يتعلق المر بالحتجاجات ،فإن السباب الحقيقية القوى تظل ،في الواقع ،مرتبطة بطبيعة نظام القذافي ،والكيفية التي تعامل بها مع مكونات المجتمع المختلفة .يمكن القول بوثوقية مناسبة أن الثورة قامت أساسا بدافع التخلص من الظلم والقهر وبحافز التحرر من التسلطية والولوج لعصر الديمقراطية والحريات ،أكثر من أي سبب آخر ،اي أنها كانت ثورة الحريات والكرامة .11ومع بعض الخصوصيات التي ميزت الحالة الليبية عن غيرها فإن ما حدث في ليبيا في 2011من مظاهرات واحتجاجات وتمرد تحول إلى عصيان وثورة ضد القذافي يشترك في كثير من العناصر والخصائص مع ما حصل في بلدان الربيع العربي .فلقد بلغ الحباط بالشعب عامة ،والشباب خاصة ،مبلغا بعد عقود طويلة من الستبداد وبعد إحباط هائل من عدم تحقق وعود الصلح. إن الثورة ضد نظام القذافي عكست ،بشكل أو آخر ،طبيعة هذا النظام وسياساته خلل أكثر من أربعة عقود ،بقدر ما عكست طبيعة المجتمع الليبي وتطوره القتصادي والجتماعي أيضا .إل أنه ل بد من الشارة إلى أن القوى الفاعلة في الثورة ومشاركتها في العمل ضد النظام حتى إسقاطه ،ل تزال فاعلة بمستويات مختلفة بعد سقوط النظام ،بينما اتخذت بعض القوى الفاعلة أدوا ار جديدة ،وتمكنت من قدرات إضافية وفرتها الثورة وعملياتها وتداخل القوى الداخلية مع التدخل الخارجي أيضا .يبدو هذا واضحا في ما عرفته المرحلة النتقالية ،التي تعكس بشكل متواصل الحضور الفاعل والمكثف للديناميات التي كانت حاضرة في عمل الثورة ضد القذافي ،كما تعكس أيضا ،وبشكل ينذر بتطورات أخرى ذات تاثير مستقبلي ،الثار المباشرة وغير المباشرة لسياسات القذافي من جهة ،والثار المرتبطة بالتدخل الجنبي من جهة أخرى ،والذي جعل انتصار الشعب على النظام ممكنا ،لكنه أدخل عناصر في السياق الوطني تبين في المرحلة النتقالية مدى تأثيرها على الوضاع. Francis Fukuyama, the drive for dignity, www.foreignpolicy.com/articles/2012/01/12/the_drive_for_dignity
8
11
المآل الهم والخطر للثورة ،هو أن الليبيين لم يتخلصوا فقط من نظام القذافي ،بل أن الثورة والصراع نجم عنهما تدمير أي تمثل للسلطة المعاصرة ولمركزها ،الذي كان يفتقر إلى جذور راسخة في التربة والثقافة الليبية .أسفرت الثورة والحرب عن تدمير شامل ،بما يعني الحاجة للبداية من الصفر .حقا أن البداية من الصفر يمكن أن تمثل عنص ار إيجابيا لكن وبسبب مكونات السياق والحالة الليبية ،فإن هذه البداية تقف في طريقها الكثير من المعوقات التي لها علقة بالخلفيات التاريخية والطبيعية والجغرافية وبمعطيات القبيلة والتدخل الخارجي .لكنها أيضا مرتبطة بما حدث أثناء الثورة من ديناميات وتفاعلت وصراع ،عبرت عنه بشكل ما ،النزعة اللمركزية للنتفاضات التي انطلقت في الطراف لتعزز المكونات والديناميات المحلية والقبلية .لقد قاد ذلك إلى بروزالنزعات القبلية والمحلية والمناطقية ،المتناقضة أحيانا ،حاضرة بقوة ،وهو ما يجعل عملية التخلص من السلحة والمسلحين ،إوادماجهم ضمن مؤسسات للدولة أمر خطير يهدد ويعوق بناء مؤسسات الدولة لنجاح عملية النتقال الديمقراطي ،ويعطل بناء المنتظم السياسي الجديد بشكل كبير. ال ننتقال الديمقراطي وتحديات بناء المجتمع والدولة أن ما تحقق في ليبيا منذ سقوط نظام القذافي ،حتى الن ،إيجابي بجميع المقاييس ،رغم كل ما يتردد يوميا في عناوين الخبار من أحداث عنف أو اعتداء على الشرعية المؤقتة .ما تحقق إيجابي ،إذا ما قيس بما عرفته البلد خلل مرحلة طويلة من تراكمات .يأتي في مقدمة ما تحقق تحرر الناس من كل العقد والقيود وفي مقدمتها الخوف ،وبالتالي رغم أن القذافي كأن دائما يردد بكل صفاقة أن الناس لها الولية على السلطة ،فإن هذه المقولة لم تتحقق إل بعد انهيار نظامه. لذلك نجد الحوادث المتكررة ،من استهزاء بالسلطة ،واعتداء على رموزها وأشخاص ممثليها ،مثلما نشهد أسبقية مستويات مختلفة من الشارع وحضوره ،ولو على حساب المصلحة العامة الوطنية .مع ذلك فل بد من الشارة والتأكيد على أنه ما زال أمام البلد طريق طويل وشائك قبل أن تصل إلى تحقيق النجاز التاريخي بإقامة الدولة الديمقراطية إذ تقف في طريق هذا الهدف تحديات وعقبات متنوعة.
9
من الواضح أن ليبيا تشترك مع الحالت العالمية المشابهة في ما يتصل بمرحلة ما بعد الصراعات أو الحروب الهلية ،وكيف تلقي هذه بظللها الكثيفة على أي انتقال ديمقراطي ،ولكن ليبيا تتوفر ايضا ،على مكّو نتتات وتحديات خاصة بها .بعض هذه التحديات تجد جذورها في الثقافة
السياسية ،وفي طبيعة القتصاد الوطني ،بينما ترتبط أخرى بما ترّتب على حكم القذافي ،والظروف والوضاع التي نجمت عن الطاحة به .ومع أن التهديد الخارجي ،أو التدخل الجنبي يبرز كأخطر
تحّد للسيادة الوطنية ،ويهدد أية توازنات أو توافقات يمكن التوصل إليها بين الطراف ،فإنه يضاعف من حّد ةت التحديات الخرى ،وخاصة تلك المتعّلقة بإعادة البناء إواعادة العتبار للدولة وهيبتها 12.أن التجربة المّرة التي عاشتها البلد خلل العقود الماضية ،أدت إلى عدم الهتمام بالجوانب المؤسسية
بشكل واضح ونشوء ثقافة تحتقر المؤسسات والقواعد وتسوغ الفساد وتحتقر الخير العام.
إن ليبيا تواجه اليوم تحّد يت إعادة العتبار للمقاييس أو المؤسسات بما يؤسس لتنمية حقيقية .إن لذلك صلة أيضا بتحقيق الهداف الجتماعية ،مثل تنظيم التقسيم المنتج للعمل ،وتوليد وصيانة النمو الموالي للبسطاء ،مثلما هو معّز ز تلداء واتخاذ الق اررات اللمركزية ،وبناء وتعزيز رأس المال الجتماعي .أدى التدخل العسكري لحلف الطلنطي مدعوما بالمال والسلح من بعض بلدان الخليج – قطر والمارات في المقام الول -إلى تعميق اشتغال اللية القبلية والجهوية سلبيا ,من ناحية أولى ,إوالى بدء عملية تحويل ليبيا إلى منطقة لممارسة النفوذ الجنبي من ناحية ثانية ،بينما تتوقع بعض التحليلت استنادا إلى تطورات الحداث أن السوأ لم يقع بعد حيث هناك أشارات على وقوع تداعيات قاسية مثلما بينت أحداث اوائل صيف .2013 ل يبدو أمام الليبيين إل السعي للتمسك بقيم تم تجاهلها لوقت طويل لتجنيب البلد العواقب الوخيمة للعسكرة والتدخل الجنبي بدل الدعوة إلى مزيد منه ،حيث تتعاظم أخطار التدخل ويتكرر الخطأ في اعتبار هدف إسقاط الحكم التسلطي أكثر أهمية من هدف الحفاظ على البنية المجتمعية من التفكك وحماية الكيان السياسي من الضمحلل 13.إن من شأن إسقاط الدكتاتورية بثورة مسلحة في مواجهة 12محّمد الفيتوري" ،تقطر تقود ليبيا خارجيًا"http: //www. alwatan-libya. com/more-18776-13 ، 13
محمد عبدالشفيع عيسى ،بدايات ونهايات ثورة يناير :رؤية فكرية ،منشورات الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة ،2012 ،ص
129
10
آلة القتل التي يستخدمها الدكتاتور الطاغية أن يجعل العنف ومؤسساته ،وربما اللجوء إليه في ل في مرحلة لحقة .إن هذا يبدو نتيجة واضحة، مستويات مختلفة من الممارسة ،أم ًار قائمًا أو محتم ً خاصة إذا ما تذّك رتنا أن الدكتاتورية تقتل أو تضعف وتهّم شت كّل قوى الديمقراطية والتغيير .إن
أساليب النضال المستخدمة ذات صلة وثيقة بتوزيع القوى المؤثرة من أجل تحقيق أهداف الثورة في القضاء على الطغيان وخلق نظام ديمقراطي ،مثلما هي وثيقة الصلة بهدف الحيلولة دون ظهور
دكتاتورية جديدة .وفي هذا السياق ،يقرر جين شارب أّنه لن "الشعوب ومؤسسات المجتمع المدني
تكون ضعيفة في ظّل وجود أنظمة الحكم الدكتاتورية ،وتكون الحكومة في المقابل قوية جدًا ،فإذا لم يحدث تغيير في موازين القوى هذه ،فإن الحّك اتم الجدد يستطيعون أن أرادوا أن يكونوا حّك اتمًا دكتاتوريين كأسلفهم".
14
الكيان الليبي :الهوية والاقاليمية مع أن أحد أخطر التهديدات التي برزت بعد سقوط نظام القذافي هي المتعلقة بالمناداة بالفدرالية وما يمكن أن يشكله ذلك من خطر مباشر أو غير مباشر على الوحدة الوطنية والهوية الوطنية الهشة ،فل بد في المقابل من التذكير بضخامة المظاهرات الرافضة للفدرالية والتي عمت بشكل خاص مدن الشرق الليبي ،وبنتائج عدد من استطلعات الرأي التي بينت تدني شعبية الفدرالية خاصة بشرق البلد .لقد حفلت المواقع العلمية اللكترونية الليبية وشبكات التواصل الجتماعي بمجادلت ونقاشات شارك فيها اللف حول الفدرالية وبدأ واضحا النقسام حولها بما يعكس عدم المعرفة الواضحة بالمصطلحات والمفاهيم و حالة الخوف والرغبة في مقاومة التهمي ش، علوة على بروز إشارات واضحة في النقا ش تستحضر سلبيات الفدرالية على المستوى العربي حيث انقسم العراق لعدة كيانات مستقلة واقعيا ،بينما حدث النفصال بالسودان مع نذر حرب بين البلد الم والبلد الوليد .كل ذلك يلقي بظلل من الشك على المستقبل ،رغم إعلن الداعين للفدرالية الحرص على وحدة ليبيا والعتراف بشرعية السلطات النتقالية ،ورفضهم تقسيم البلد ،وتبرير دعواهم بمعالجة التهمي ش والستبعاد الذي أحسوا به متواصل بعد سقوط نظام القذافي. 14جين شارب ،المقاومة اللعنفية :دراسة في النضال بوسائل اللعنف؟ ،ترجمة خالد دار عمر ،بيروت ،الدار العربية للعلوم ناشرون 2009 ،ط ،1ص 72
11
ومع اختلف المقاربات الكاديمية بشأن الهوية الليبية وتكونها ،فإن الكثير من الدبيات تتسائل عن حقيقة وجود هذه الهوية وتسعى لتحليل تاريخها وخاصة صلتها بنظم الحكم التي توالت على البلد وأقاليمها المختلفة .يدور قدر كبير من هذه الدبيات حول الطروحة الستشراقية القائلة بأن تاريخ ليبيا هو في الواقع تاريخ الخارج الذي وفد إليها خلل فترات تاريخها ،ومن ثم فإنه ل وجود لكيان اسمه ليبيا ،إل بوجود الخارج الذي يعطي للمجال معنى ومحتوى ،وبذلك فإن من العبث البحث عن هوية ليبية .كما طرحت مقاربات ترى البلد في واقعها المعاصر مجتمعا حديثا يتركز معظم سكانه في مناطق حضرية ويتمتعون بمعدل عالي من التعليم ولم تعد القبيلة تشكل فيه قوة رئيسية 15.إن الجدل حول الهوية والكيان الليبي هو أحد النتائج المباشرة لسقوط نظام القذافي ،وهو موضوع محوري اليوم على كل المستويات الفكرية والسياسية والجتماعية .تتنوع مقاربات ورؤى الدارسون اللليبيون حول المسألة خاصة بعد بروز مطالبات الجماعات الثقافية كالمازيغ ،البربر ،التبو ،والطوارق ،بحقوق خاصة وبإعادة النظر في هوية البلد واسمها ودوائر انتمائها المختلفة وهو جدل يزيزد من قوته الستقطاب السياسي واليديولوجي الجاري والرغبة في التخلص من كل ما كان يمت للقذافي بصلة مهما كان. يرى بعض الدارسين أن للهوية الليبية عراقة ترجع إلى أعماق التاريخ معتمدة على التصاهر والختلط بين المكونات المختلفة للمجتمع والتوافق الظاهر في العادات والتقاليد التي ساهمت المدن الكبرى في بللورتها ثقافة ليبية واحدة إوان تنوعت 16.وبينما يرى علي احميدة أن الفكرة القائلة أن ليبيا مجتمع قبلي هي من اختراع القذافي وخارج التاريخ ،فإنه ل بد من التيقظ إلى ما يمكن أن يؤدي إليه هذا القول من إغفال لجوانب هامة من المسألة 17.إن ذلك ل يلغ حقيقة التنوع القبلي والعرقي" الثني" وهو تنوع يعتمد تأثيره على الهوية والندماج على السياسات المتبعة وعلى مدى قدرة القادة على صنع التوافقات المتعددة المستويات والوظيفة بشأن الكيان الوطني وادارته ايضا. إن هوية ليبيا ل يمكن فصلها عن البلدان المجاورة لها ،لسباب تاريخية ،حيث الحدود الجغرافية السياسية لليبيا ل تتفق واقعيا مع حقيقة التداخل الجتماعي على الحدود مع الدول المجاورة ،ول تتفق 15
Ali Abdullatif Ahmida,Libya, social origins of dictatorship and the challenge for democracy, Journal of Middle East )and Africa, 3.1(2012 16البشير علي الكوت ،ليبيا :الهوية والستبداد والثورة ،طرابلس ،دار الفسيفساء للطباعة والنشر والتوزيع ،2012 ،ص 35-30 17 Jadallyya, interview with Ali Abdullatif Ahmida, op.cit.
12
الحدود الرسمية مع الحدود الديموغرافية تماما حيث القبائل الليبية تتواجد بشكل ملحوظ في الدول المجاورة.
18
كما أن الجهاد والمقاومة الليبية ضد الطليان قد كشفت عن عمق هذه المتدادات ،مثلما
كشفت عنها سياسات دولة ما بعد الستقلل ،حيث كان التمسك بالهوية والدين جامعا للسكان ضد المستعمر وهو ما اعطى هذه الهوية زخما كان واضحا في رفض تقسيم البلد عندما حانت لحظة الستقلل وقبول الطرابلسيين لحكم السنوسي من أجل الوحدة الوطنية ،إل أن ذلك ل يلغ حقيقة التنوع وهيمنة البنى الجتماعية وخاصة القبلية على كل شيء تقريبا. وبغض النظر عن كون قسم من المقاربات ل تعطي ما كان يجري بين قبائل ليبيا خلل تاريخها المعاصر مكانته المناسبة فإن القسم الخر منها يغفل محتوى ومضامين مراحل هامة من تاريخ المجال الجغرافي المعروف بليبيا اليوم الذي شهد استقلل حقيقيا وقامت بين جوانبه دول وسلطات محلية وحدت المجال بالهوية .ل بد من الشارة إلى أن ليبيا الحالية خضعت في أغلب تاريخها المعاصر لسلطة الخارج أو الجنبي ،لدرجة أن الكثيرين يقررون أن عهد المملكة الليبية ،كان هو الخر ،أجنبيا لصول عائلة ادريس السنوسي العائدة للجزائر ،كما أن روايات برزت بعد سقوط القذافي تؤكد أصوله اليهودية وليس الليبية ،بما يثير سؤال أجنبية السلطة مجددا في المخيال والثقافة الشعبية ،مثلما يكشف عمق البعد القبلي ايضا ،والذي لم تختف تمثلته رغم مظاهر التحديث ،كما لم تختف حتى في ذروة الجهاد ضد الحتلل اليطالي. لكن ما يمكن استخلصه من المقاربات المختلفة هو أن ليبيا الحديثة والمعاصرة عرفت ظاهرة افتقار الحكومات للشرعية وقبول السكان وشكهم بدرجات متفاوتة ،ولسباب مختلفة ،في مراحل مختلفة. ول شك أن لظاهرة غياب سلطة مركزية مهيمنة فاعلة على مجمل أو كل المجال الليبي المعروف ،عبر مراحل متواصلة) رغم بعض استثناءات( كان سببا قويا ومباش ار ليس فقط في الحيلولة دون حدوث التطور الملئم لنشوؤ الهوية الجامعة ،بل حرم البلد من كتابة تاريخها العام بمنطق وأطروحة المجال الوطني والهوية ،بل تم ذلك بفعل تشرذم السلطات بإبراز الهويات والقاليم والقبائل.
19
18البشير علي الكوت ،المصدر السابق ،ص ،35-30ص 68-67 19محمود ابوصوة :تاريخ ليبيا العام :جدل المجال والهوية ،دار الرواد ،طرابلس .2013 ،هذا الكتاب يمثل عمل رياديا بجميع المقاييس يحلل هذه الجدلية برؤية تستند على اهمية الهوية الجامعة وفكرة التنوع والتناغم.
13
تحديات ال ننتقال الديمقراطي ومستقبل ليبيا سقط نظام القذافي وتأسس نظام انتقالي اعتمد على دستور مؤقت وخارطة طريق للنتقال الديمقراطي .العامين الماضيين بينا أن ليبيا تواجه تحديات كثيرت تتصل بتاريخها ومكوناتها القتصادية والجتماعية وبما ترتب على إرث القذافي والثورة ضده وما ولدته من استقطاب وشرخ اجتماعي واضح. أن إرث القذافي اللمؤسسي إضافة إلى الثورة جعل ليبيا تفتقد إلى مؤسسات الدولة عشية النتخابات التي إوان حققت نسبة عالية من إقبال الناخبين وصلت %63وبلغت مشاركة المراة نحو % 50من المشاركين فأنها عكست خصائص النتخابات التي تجري عقب الصراع .ورغم غياب مظاهر العنف والقتال فإن النتخابات ذاتها مثلت مجال للصراع والتنافس المجتمعي التقسيمي الذي جعل ليبيا أكثر انقساما ل اكثر وحدة. لقد كان لنتخابات يوليو 2012دو ار في تسهيل خلق مناخ سياسي جديد شجع على استمرار النقسامات والتكتلت والتشرذم الجتماعي اكثر من أن يعمل على معالجتها .لم يتمكن المؤتمر الوطني الذي تم انتخابه في تموز/يوليو 2012حتى الن سوى من تحقيق تقدم بطيء بشأن الدستور، فرغم صدور قرار المؤتمر في فبراير 2013بشأن اختيار اعضاء لجنة الستين المكلفة بإعداد الدستور عن طريق النتخاب ،فإن المؤتمر لم يقم بأية خطوات ذات أهمية سوى إصدارقانون انتخابها الذي لم ينجح في تحقيق التوافق لعدم استجابته لمطالب الجماعات الثقافية التي هددت بمقاطعة العملية برمتها. ويرجع ذلك إلى الضعف في المؤتمر الوطني الذي يعكس قد ار ل بأس به من التشرذم والنقسام ويعج بالمناورات السياسية القائمة في الغالب على الولءات الحزبية والشخصية والجهوية والقبلية. وبينما تتناقض المؤشرات في تحديد اتجاه ما يحدث أو سيحدث في المرحلة النتقالية الحاسمة وما يمكن أن يسود في النهاية من اتجاهات وأوضاع بعد نهايتها ،فإن ما كتبته لي از أندرسون قبل أكثر من عشرين عاما يبدوا اليوم أكثر أهمية .ذلك أن "سياسات القذافي الخاصة اقد حددت إرث نظامه في ليبيا ،وسوف تكون هناك حاجة ل ي نظام جديد للتعامل مع الضطرابات الاقتصادية والجتماعية الناجمة عن ...ثورته" 20إن ليبيا في حاجة إلى قطع شوط طويل حتى تتمكن من Lisa Anderson, Qaddhafi and his opposition, Middle East Journal, Vol.40, No.(Spring 1986), p. 226. 14
20
معالجة العواقب والثار المترتبة عن مساويء حكم القذافي الذي أتى على الخضر واليابس .لم تقتصر آثاره السلبية في انتهاكات حقوق النسان وجرائم الحرب ،أو إهدار الصول الطبيعية والمالية الوطنية فحسب ،بل تجاوزت جرائم القذافي الهدر المادي فدمر القيم الخلقية التي أدت إلى تعطل ثقافة المجتمع السياسية ،وهوعنصر أساسي للتنمية الثقافية .قلد خلقت تركة القذافي تحديات هائلة سوف تجعل تجاوز العقبات صعبا وهو ما سيجعل المصالحة الجتماعية أكثر صعوبة ،رغم أنها تعتبر ضرورية لرساء الديمقراطية إواعادة العمار في نهاية المطاف.21
21
تقرير المين العام للمم المتحدة حول بعثة المم المتحدة إلى ليبيا2011/01/12 ،
http://unsmil.unmissions.org/LinkClick.aspx?fileticket=v_-F2Xr3c9I%3d&tabid=3543&mid=6187&language=en-US ,”Jason Pack and Barak Barfi,” in Wars Wake: the Struggle for Post-Qadhafi Libya
17/3/2012
http://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/in-wars-wake-the-struggle-for-post-qadhafi-libya
15