الطبيعة القانونية السابقة على التعاقد المقدمــــــة: إذا قام أحد أطراف التفاوض بسلوك معين ،وأخل بمبدأ حسن النية أو أخل بأحد االلتزامات المتفرعة عن هذا المبدأ فأنه يكون بسلوكه هذا مخطئ ومسؤوالً عما سببه من ضرر للطرف األخر ،واذا كان البد من أن يعاقب المتفاوض مدنيا ً عن خطأه ، فأن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما طبيعة المسؤولية التي تقع على عاتق المتفاوض ؟ هل هي مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية أم مسؤولية متميزة ؟ لإلجابة على هذا التساؤل سوف نبحث في هذا الصدد هذه الفكرة في مبحثين ،نبحث في المبحث األول األتجاهات الفقهية في طبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد وفي المبحث الثاني نبحث في النظرية المختارة لطبيعة هذه المسؤولية . المبحث األول األتجاهات الفقهية في طبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد في حقيقة األمر عندما ظهرت المسؤولية المدنية السابقة على التعاقد والسيما في مرحلة التفاوض أختلف الفقه بشأن تحديد طبيعتها() .فمن الفقه من قال ان هذه المسؤولية هي عقدية دائما ً ،ومنهم من قال بأنها التتعدى كونها مسؤولية عن فعل ضار على أساس أن مرحلة التفاوض ماهي اال مرحلة عادية وما يصدر خاللها اليعد اال من قبيل األعمال المادية المحضة ،وهناك أتجاه يذهب الى المناداة بجعلها مسؤولية متميزة أي مسؤولية خاصة تتالءم مع طبيعة المرحلة السابقة على التعاقد وعلى هذا األساس سنقوم بدورنا في هذا المجال ببحث هذه االتجاهات والتعرف على مضمونها في مطلب مستقل لكل منها وعلى النحو االَتي : المطلب األول نظرية المسؤولية العقدية عن الخطأ قبل التعاقدي يمكن القول إِ َّن هناك اتجاهين أثنين متفقين من وجه ومختلفين من وجه أخر ،فوجه االتفاق يتحدد في أن مضمونها واحد وهو أن المسؤولية السابقة على التعاقد هي مسؤولية عقدية ،أما وجه االختالف فيتمثل في اختالفها من حيث األساس ،فاالتجاه األول يرى أن أساس المسؤولية السابقة على التعاقد هو وجود العقد الضمني المفترض بين أطراف التفاوض فاإلخالل الحاصل في هذه المرحلة يكون خطأ عقديا وبالتالي يجب معالجة الضرر الناتج عنه وفق أحكام المسؤولية العقدية . أما األتجاه الثاني فيرى أن أساس المسؤولية السابقة على التعاقد هو وجود عقود أولية ممهدة إلبرام العقد األصلي ،وتكون هذه العقود مستقلة عنه وغايتها التمهيد له والتحضير للعقد المنشود ،فأي خرق لاللتزامات تحصل في هذه المرحلة تعد مخالفة عقدية وبالتالي تجبر األضرار وفق أحكام المسؤولية العقدية .وعليه سوف نبحث هذين االتجاهين وعلى النحو التالي-: األتجاه األول يعد الفقيه (أهرنج) من أهم أنصار هذا االتجاه وذلك بفكرته عن "الخطأ عند تكوين العقد "() ،إِذ يرى أن الخطأ في الفترة السابقة على التعاقد وسواء ترتب عليه عدم أنعقاد العقد أم أدى الى بطالن هذا العقد هو خطأ عقدي يثير المسؤولية العقدية على عاتق مرتكبه بتعويض الضرر الذي لحق الطرف األخر ويستخلص أهرنج في ضوء ذلك أن العقد بالرغم من بطالنه ينشىء التزاما بالتعويض كعقد ال كواقعة مادية وبذلك 1
فأن دعوى التعويض تستند الى دعوى العقد ذاتها() .وينحصر الخطأ العقدي في نظر أهرنج في أقدام المتعاقد الذي أتى سبب البطالن من جهته على التعاقد وكان واجبا ً عليه أن يعلم بذلك ،وحتى لوفرض أنه كان ال يعلم بسبب البطالن ،فمن العدل أن يتحمل الضرر الذي أصاب المتعاقد األخر حسن النية،بمعنى أن الخطأ عند أهرنج هو وجود سبب البطالن في جانب أحد المتعاقدين مما يتعين معه تعويض المتعاقد األخر() .وأما عن تكييف أهرنج لهذا الخطأ بأنه عقدي على الرغم من عدم أبرام العقد أو بطالنه فأنه يستند الى افتراض وجود عقد ضمني مقترن بكل تعاقد ،بمقتضاه يتعهد كل شخص مقدم على التعاقد للطرف األخر بصحة التصرف وبان ال يقوم من جانبه سبب يوجب بطالن العقد وبذلك يكون رضاء المتعاقد األخر في الوقت نفسه أيضا ً قبوالً ضمنيا ً لهذا التعهد فيتم عقد الضمان بأيجاب وقبول ضمنيين(). وقد قال أهرنج إِ َّن التصرف القانوني (العقد) الذي يضفي الطبيعة العقدية على المفاوضات هو عبارة عن عقد ضمني بين المتفاوضين يلتزم بمقتضاه كل واحد من المتفاوضين تجاه األخر بأن يجعله في وضع يسمح له بأبرام العقد محل التفاوض ،كما يلتزم في الوقت ذاته باألمتناع عن أي عمل من شأنه أعاقة عملية أبرام العقد فإذا قطع المفاوضات دون عذر مشروع يكون قد أخل باأللتزام الذي يفرضه عليه العقد الضمني وبالتالي يسأل مسؤولية عقدية عن تعويض الضرر الذي لحق الطرف األخر() .وأما الكيفية التي نشأ بها العقد الضمني حسب رأي أهرنج فهي :أن األيجاب الصادر من أحد المتفاوضين يتحلل الى أيجابين األول موضوعه العقد الذي يجري التفاوض بشأنه ،أما األيجاب الثاني فموضوعه عدم أعاقة أبرام هذا العقد .ولما كان هذا األيجاب األخير يتمخض لمصلحة الموجب له فأن مجرد سكوته يعد قبوالً يقوم به العقد الضمني() .اال أن هذا الرأي منتقد ،فهو يقوم على مجرد األفتراض ،وذلك ألن أي عقد لكي ينشأ البد أن تنصرف إِليه األرادة بشكل صريح وبات هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن المتعاقد عندما يعلن عن أرادته فهو يستهدف أبرام العقد الذي يجري التفاوض بشأنه وال يخطر في باله أبرام عقد أخر (العقد الضمني الذي يفرض عليه التزام بعدم أعاقة ابرام العقد) ثم أن العقد الضمني يرتب األلتزام بعدم أعاقة ابرام العقد منذ لحظة األيجاب ومن باب مفهوم المخالفة فأن المتفاوض حر في قطع المفاوضات قبل توجيه األيجاب(). وقد ظهر الى جانب رأي أهرنج رأي أخر في تفسير نشوء التصرف القانوني الذي يضفي الطبيعة العقدية على المفاوضات .وحسب هذا الرأي فأن المفاوضات تتشابك ابتدا ًء بنا ًء على دعوة يتم قبولها .وهذا األتفاق األول هو المصدر المباشر للضمان المتبادل في مرحلة المفاوضات ،ذلك أنه ينطوي على شرط ضمني بمقتضاه يتعهد كل متفاوض قبل األخر بأن يستمر في المفاوضات وأن ال يقوم بقطعها تعسفا ً حتى يتحقق الغرض النهائي منها واال التزم بتعويض المتفاوض األخر عن فوات هذا الغرض(). وهذا الرأي منتقد أيضا ً ألنه يغفل حقيقة العقد وهي ان هذا األخير ال يبرم اال بتالقي أرادة األطراف بشكل بات ال لبس فيه فال يجوز أفتراض العقد أو فرضه ،كما ان قبول الدعوة الى التفاوض ال ينشأ أتفاقا ً يكون مصدراً لأللتزام بالضمان ألن األرادة لم تنصرف الى أحداث مثل هذا األثر القانوني (األلتزام بالضمان )() .ومن الجدير باألشارة الى أن هناك نظريات اخرى طرحها الفقه في بيان أساس المسؤولية العقدية 2
الناتجة عن الخطأ قبل التعاقدي ومن أهمها نظرية الوكالة التي نادى بها الفقيه (شورل) الذي ذهب الى أن كل عقد يقترن بمجرد الدعوة إلى ابرامه بتوكيل ضمني للطرف األخر باتخاذ اإلجراءات الالزمة إلبرام هذا العقد ومن ثم يلتزم الموجب اذا لم يتم العقد بتعويض الطرف األخر عن المصروفات التي أنفقها على أساس أحكام الوكالة ومن ثم فأن مسؤوليته في هذا الصدد مسؤولية عقدية .وكذلك تقترب من هذه النظرية أيضا ً نظرية الفضالة التي قال بها الفقيه (تون) الذي نادى بتأسيس المسؤولية قبل التعاقدية على فكرة الفضالة لتكون المسؤولية عقدية ،على أساس أن من يوجه الدعوة الى التعاقد دون أن يكون مالكا ً للشيء أو صاحب الحق ،موضوع العقد وال واثقا ً من الحصول عليه دون أن يخطر بذلك الطرف األخر يعد فضوليا ً ومن ثم يجب تعويض المتضرر على أساس أسترداد ما أنفق بدعوى الفضالة() .في الحقيقة وأن كانت النظرية التي اسسها (أهرنج) ماهي اال نتيجة الظروف السائدة أنذاك() .اال أنه يمكن األعتراف وبكل صراحة أنه قد نجح في سد ثغرة من ثغرات القانون الروماني الذي كان ساريا ً في ألمانيا آنذاك ،إال أنه ال يوجد مبرر لألخذ بها في الوقت الحاضر. األتجاه الثاني يعد الفقيه (سالي) من أبرز أنصار هذا األتجاه ،اذ نادى بفكرة العقد التمهيدي يرى أنه يوجد بجانب العقد األصلي عقد تمهيدي عبارة عن وعد بالتعاقد يتضمن تعهداً جديا ً من جانب الواعد ويثير مسؤوليته العقدية اذا صادف قبوالً من الطرف األخر ،وبالتالي تتحقق المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد األصلي(). ولكن ماهو العقد التمهيدي ؟ وماهو أساس الفصل بين العقد الممهد واألتفاق الممهد في المرحلة السابقة على التعاقد ؟ لألجابة على هذه األسئلة نحاول التطرق لتعريف العقد التمهيدي في الفقرة األولى وفي الفقرة الثانية نتكلم عن اساس الفصل بين العقد الممهد واألتفاق الممهد في المرحلة السابقة على التعاقد وعلى النحو األتي-: أوالً -:تعريف العقد التمهيدي يلجأ اطراف العالقة التعاقدية في بعض الحاالت الى أبرام عقود من شأنها أن تمهد للعقد النهائي المقصود ومثال ذلك عقد القرض الذي يمهد لشراء العقار أذ أن أبرام العقد النهائي هذا (شراء العقار) غير ممكن عمليا ً وماديا ً من دون أن يتوافر المبلغ الالزم لدفع الثمن ومن خالل عقد القرض الذي يساهم بذلك في تحقيق أهم الوسائل الالزمة للتعاقد ومن ثم فأن الخلط بين العقد التمهيدي وغيره من العقود التي تسهل التعاقد أمر وارد .فمن الضروري أن يتم تمييز هذه الصورة من التعاقد مثالً عن العقد المعلق على شرط ،فاألخير هو العقد النهائي ،وهو مقصود لذاته فال يمهد لعقد أخر وكل مافي األمر أن وجوده أو أستمراره معلقان على تحقق شرط معين .وعليه فأنه يمكن تعريف العقد التمهيدي بأنه(ذلك العقد الذي يسبق أبرام العقد النهائي المنشود والذي يكون بدوره ممهداً للعقد النهائي ويترتب على مخالفته المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد النهائي). ثانياً-:أساس الفصل بين العقد الممهد واألتفاق الممهد 3
إِ َّن التطور الحديث للعقود وتقسيم بعضها الى مراحل تسبق إبرامها يفتح الباب أمام أمكانية بحث هذا التقسيم على أساس ومبررات تشريعية وعملية ،فمن الناحية التشريعية فأن المشرع في بع ض الدول نظم العقود التمهيدية وترك المجال مفتوحا أمام الفقه والقضاء لتأكيد وجود اتفاقيات ممهدة للعقود ،كما نظم أنواعا ً من هذه االتفاقيات بنصوص خاصة،كاتفاقيات العمل الجماعية() ويعود هذا التقسيم الى أمرين-: -1نية األطراف : إذ تتجه في حين الى أبرام عقد تمهيدي ،وفي حين أخر الى مجرد االتفاق وبشكل مبدئي على التفاوض تمهيداً للتعاقد ،من دون أن يكون لدى أي من هذه األطراف نية التعاقد حالياً،فتصر األطراف في مثل تلك الحاالت مع التأكيد كتابةً على عدم قيام أي عقد في مرحلة التفاوض بل أن كل مايتم األتفاق في شأنه في هذه المرحلة اليعدو أن يكون اتفاقا ممهداً() -2المسؤولية : هذا األمر يرتبط بالمسؤولية المترتبة على عدم االلتزام بما تم التوصل إليه ،فأن كنا أمام عقد تمهيدي فأن المسؤولية تكون عقدية بكل ماتعنيه هذه الصفة وما ترتبه من أثار في أثبات الخطأ والضرر وفي مدى التعويض ،في حين أن خرق االتفاق التمهيدي اليثير المسؤولية العقدية ،وأنما التقصيرية للطرف غير الملتزم وبكل مايرتبه ذلك من أثار في أثبات وجود األلتزام والخطأ والضرر والرابطة بينهما وفي مدى التعويض(). ومن الناحية العملية ،فأن تقسيم التصرفات القانونية السابقة على العقد الى عقود وأتفاقيات يتناسب مع متطلبات الكثير من العقود الحديثة فكم من عقد في العمل يحتاج الى عقد أو عقود أخرى تمهد له ومن ذلك مثالً شراء العقار الذي يمهد له بعقد قرض يتم من خالله توفير المبلغ أو جزء من المبلغ الالزم للوفاء بثمن العقار،وكم من عقد يمهد له بأتفاق ال بعقد أخر ويكون مؤدى هذا األتفاق تأكيد ألتزام األطراف بالتفاوض للوصول الى العقد النهائي(كعقود بيع المؤسسات والشركات الكبرى) أو يكون هدفه تدوين أو تأكيد ماتم التوصل إليه في بعض مراحل التفاوض ليكون ذلك أساسا ً ينطلق منه الى مراحل أخرى في سبيل الوصول في نهاية األمر الى العقد المقصود وهذا هو حال عقد دراسات الكومبيوتر والتزويد باألنظمة األلكترونية ،فال تتوافر عناصر العقد المقصود اال من خالل هذه األتفاقيات ،فقد ال يبرم أي عقد في هذه المرحلة ألن األطراف ذاتها ترغب في الحفاظ على حريتها خالية من كل ألتزام عقدي(). رأينا في الموضوع نحن بدورنا نتفق مع هذا األتجاه الذي يجعل المسؤولية السابقة على التعاقد مسؤولية عقدية إذا وجدت عقود أولية ممهدة للعقد األصلي المنشود فأي أخالل أو خرق يقع في هذه المرحلة تحتضنه قواعد المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد األصلي. المطلب الثاني نظرية المسؤولية التقصيرية عن الخطأ قبل التعاقدي ذهب الكثير من الفقهاء الى أن فكرة المسؤولية التقصيرية هي التي تحكم مرحلة التفاوض وتعد هي أسهل الوسائل وأيسرها تطبيقا على هذه المرحلة لحجة مفادها أن أحكام هذه المسؤولية هي وحدها التي تطبق عند عدم وجود عقد() .وحاول أنصار هذا 4
األتجاه تأسيس هذه النظرية على أساس فكرة التعسف() .ولكن يبدو أن التمسك بالتعسف اساسا ً لهذه المسؤولية يستوجب وجود حق يتعسف المتفاوض في استعماله وليس ثمة مثل هذا الحق() .هذا وأن هذه النظرية ظهرت عندما لم يكتب لنظرية (الخطأ عند تكوين العقد) النجاح في الفقه المعاصر وكان تكييفها للخطأ السابق على التعاقد بأنه خطأ عقدي يثير المسؤولية العقدية لمرتكبه محل أعتراضات فمن ناحية أولى فأن هذه النظرية تجعل قيام سبب البطالن في جانب المتعاقد خطأ حتما ً رغم أن هذا المتعاقد قد يكون جاهالً كل الجهل قيام سبب البطالن في جانبه فالخطأ هنا أقرب الى فكرة تحمل التبعة() .اال يجب أثباته طبقا لقواعد الخطأ التقصيري وفي الحالتين لن يكون خطأ عقدياً ،ومن ناحية ثانية أن هذه النظرية تجعل األلتزام بالتعويض موضوع تعهد ثانوي يقترن بالتصرف الباطل ويبقى رغم بطالن هذا التصرف ليكون اساسا اراديا لتعويض الغير عن الضرر الناشىء عن البطالن وهي تفترض بذلك قيام تعهد بالصحة في جميع العقود دون أن يقوم دليل على ذلك() .ومن ناحية ثالثة حتى لو سلمنا بأفتراض وجود هذا التعهد الثانوي بضمان صحة التصرف األصلي ،فال شك أن بطالن التصرف األصلي سيؤدي الى بطالن هذا التعهد الثانوي أيضا فينعدم بذلك سند تكييف المسؤولية بأنها عقدية واال فأن تجزئة البطالن في هذا الصدد والقول بأنه ينصرف الى التعهد األصلي فقط دون الثانوي هي تجزئة تحكمية غير مقبولة() .وأخيراً فأنه حتى في الحاالت التي يتضمن فيها القانون نصا ً خاصا ً يقرر المسؤولية القانونية بالتعويض عن بطالن العقد فان المسؤولية ستكون قائمة بحكم القانون ال على اساس التصرف الباطل() .وفي ضوء هذه األنتقادات نخلص الى أن المسؤولية قبل التعاقدية الناشئة عن الخطأ قبل التعاقدي هي مسؤولية تقصيرية تستوجب التعويض ومن ثم يجب أن تستكمل دعوى التعويض هنا أثبات عناصرالمسؤولية التقصيرية كافة من خطأ وضرر وعالقة سببية ،وعلى هذا أستقر الرأي السائد في الفقه الحديث لدى الشراح المصريين(). وعلى هذا األساس فأن المسؤولية التقصيرية للعقد في كل مرة يثبت فيها أقتران العدول عن التعاقد أو مصاحبة بطالن العقد لخطأ أرتكبه أحد األطراف المتفاوضة وألحق ضررا باألخر ،وعليه فأن األعمال التحضيرية للعقد أو(مشروع العقد) التي تشمل مرحلة المفاوضة ومرحلة أبرامه التعدوأن تكون عمالً ماديا ً ليس له أي أثر قانوني . أذن أن هذه النظرية قد عدت مرحلة المفاوضات مجرد أعمال مادية ليست لها أي أثر قانوني أي ال ترتب أي التزام على طرفي التفاوض ،فهي ال تلزمهم بضرورة التوصل الى أبرام العقد محل التفاوض ،اال اذا قام أحد األطراف بأرتكاب خطأ ونتج عنه ضرر لحق بالطرف األخر فأنه هنا تقوم المسؤولية التقصيرية عليه . وهذه النظرية منتقدة أيضا النها تجاهلت بأن ثمة ألتزامات يمكن أن تنشأ في هذه المرحلة ناتجة عن مبدأحسن النية الذي يسيطر على هذه المرحلة() .او ناتجة عن العديد من العقود التي قد تبرم بين أطراف التفاوض ويكون الغرض منها تنظيم عملية التفاوض وأسباغ الصفة العقدية على مجرياتها وأبعد من ذلك قديتم توقيع عقد األتفاق على التفاوض بحيث تصبح عملية التفاوض ذات صفة عقدية بحتة() .وبنا ًء على األنتقادات التي وجهت لنظرية المسؤولية العقدية وكذلك نظرية المسؤولية التقصيرية
5
اندفع بعض الفقه للقول بوجود مسؤولية خاصة تالئم طبيعة المرحلة السابقة على التعاقد ،وعليه سوف نتكلم عن هذا األتجاه في المطلب الثالث . المطلب الثالث نظرية المسؤولية الخاصة عن الخطأ قبل التعاقدي/ ، جاءت هذه النظرية لمعالجة األخالل الذي يقع في مرحلة مفاوضات العقد،وقال أنصار هذا األتجاه أنه اليمكن معالجة األخالل بموجب أحكام المسؤولية العقدية بصورة عامة وال بموجب أحكام المسؤولية التقصيرية أيضا دون أن تؤخذ بنظر األعتبار الخصوصية التي تتمتع بها مرحلة المفاوضات وتنبع هذه الخصوصية من كونها تقوم قبل أبرام العقد وقبل الدخول في نطاقه ،وعليه فقد ظهرت هذه المسؤولية لمعالجة األخطاء التي تحصل قبل التعاقد بما لها من خصوصية ()وذهب أنصار هذا األتجاه الى أيجاد هذا النوع من المسؤولية الذي يقف جنبا ً الى جنب مع كل من المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية .وعلى الرغم من األنتقاد الموجه لهذه النظرية وهو قيام هذه النظرية على أساس الخطأ وأن أثبات هذا األخير ليس باألمر اليسير() .اال أن لها صدى مهم وذلك ألنها جعلت المسؤولية الناشئة عن األخطاء التي تقع خالل هذه المرحلة المتميزة هي األخرى متميزة ومتالئمة مع طبيعة المرحلة التي تعالجها . وعليه وحسب رأينا أنه اذا لم يمكن التعرف بسهولة على الخطأ هل هو خطأ عقدي أم هو خطأ تقصيري فال د اعي لبذل الجهد والوقت الضروريين في كل مكان وزمان أي بعبارة أخرى إِذا لم يكن باألمكان معرفة هل أن الخطأ ناتج عن اإلخالل بألتزام عقدي أم أنه كان نتيجة تقصير من جانب الطرف الخاطىء ؟ ففي هذه الحالة يتم اللجوء للمسؤولية المتميزة والخاصة بهذه المرحلة ومن ثم تحل األشكالية بسهولة ،وعليه يمكن القول بأنه ال يمكن في جميع األحوال أن تطبق قواعد المسؤولية التقصيرية على أساس أنه إِذا لم يكن األخالل داخالً ضمن النطاق العقدي فتطبق قواعد المسؤولية التقصيرية وذلك ألنها في بعض األحيان يؤدي تطبيقها الى نتائج شاذة وعكسية ،فمثالً من يرغب ببناء مجمع تجاري ويتضح له أنه البد أن يشتري العرصة المجاورة لألرض المخصصة لمشروعه لسد النقص في المساحة ويتفاوض مع صاحب هذه العرصة هذا بعد أن ينفق نفقات لدراسة المشروع ويتحمل تكاليفا ً ويبذل جهداً ويخسر وقتا ً ،وبعد أن تمر المفاوضات بينهما وتصل لمرحلة معينة حتى يقال إِ َّن مالمح العقد قد بدت تظهر للوجود وفجأة يقطع المتفاوض (صاحب العرصة) هذه المفاوضات ويمتنع عن البيع لسبب غير مبرر ولحكمة غير مشروعة ،أو يتضح فيما بعد أنه قاص ُر فال يمكن تصور هذه الحالة ؟ -فالمسؤولية التقصيرية اليمكن تطبيقها في الحالة األولى وذلك ألنه ال يمكن أهدار الجانب األرادي للمتفاوض ،صحيح أنه لم يبرم العقد اال أن أرادتهما أتجهت ألبرامه وبغته يفاجىء من ال ذنب له بقطع هذه المفاوضات ويخسر ماكان يروم الوصول أليه فتطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية يعني عدم أعطاء الخصوصية التي تتمتع بها مرحلة المفاوضات فهذا يؤدي الى أحجام األفراد على الدخول في مثل هذه العالقات ألن من يريد أن يتفاوض يجب أن يضع نصب عينيه فكرة جوهرية وهي أما أن يبرم عقداً رغما ً عن أرادته وأما أن يقطع المفاوضات ويتحمل التعويض المترتب عليه وفقا ً ألحكام المسؤولية التقصيرية وهذا ال نجد له فكرة 6
قانونية واضحة تجسده او تقول به طائفة من الفقهاء وفي التصور الثاني – إِذا أتضح أنه كان قاصراً – أفال نجد النتيجة العكسية أمام أعيننا إِذا ما طبقت أحكام المسؤولية التقصيرية ؟ يعني أن المفاوضات اذا ما نجحت وكان أحد أطرافها قاصرا فله خيار األجازة والنقض خالل المدة المحددة له قانونا وهذا يعد حقا ً طبيعيا ً يمارسه اذ ينعقد العقد موقوفا ً لمصلحته فإذا ما نقض العقد فأنه ال يسأل عن التعويض ،بينما اذا فشلت المفاوضات فأن القاصر يسأل عن التعويض في حين ال يسأل عن التعويض لو أبرم العقد ونقضه لقصره() .فهذه نتيجة غريبة تترتب على القول بتطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية أما بالنسبة لعدم أمكانية تطبيق قواعد المسؤولية العقدية عموما ً فهو أيضأ قول ال يستقيم مع طبيعة المفاوضات ألن المسؤولية العقدية تعالج األضرار الناشئة عن العقد فاذا حكمنا بها نكون قد جعلنا العقد يمد ظله للمرحلة السابقة على أبرامه ، ومن ثم يصبح المتفاوض ملزما ً بالعقد منذ دخوله في المفاوضات ال من لحظة أبرامه ومن ثم يفوت الغرض المنشود من المفاوضات وهو التروي والتبصير والتأمل والتفكير بمنافع العقد المراد أبرامه قبل التحمل باأللتزامات الناشئة عنه . وعليه وأنسجاما ً مع الطبيعة المتميزة للمفاوضات العقدية نؤيد األتجاه الفقهي الذي يذهب الى أن المسؤولية السابقة على التعاقد هي مسؤولية ذات طبيعة خاصة ،على أساس أن المسؤولية تحمل طبيعة وأوصاف الحق نفسه الذي تحميه وهذه المسؤولية هي مسؤولية ماقبل التعاقد (. )la resposabilite precontractuel وعليه ال بد من أيجاد معيار نطبق بموجبه أحكام أحدى المسؤوليتين اذا كانتا على وجه من الوضوح (العقدية والتقصيرية) فسوف نبحث في المبحث الثاني النظرية المختارة لطبيعة هذه المسؤولية وكما يأتي . المبحث الثاني النظرية المختارة لطبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد أن نوع المسؤولية المدنية للمتفاوضين يتم تحديدها حسب طبيعة العالقة بين األطراف المتفاوضة ،هل هي عقدية أم تقصيرية أم مختلطة تجمع بين الطبيعتين ،أي يجب وضع المشكلة ومنذ البداية في أطارها الصحيح ومن ثم يمكن تحديد طبيعة المسؤولية() .فقد ت كون العالقة بين األطراف المتفاوضة عالقة مادية مجردة تارة ، وقد تكون عقدية تارة اخرى ويمكن أن نتصور أن تكون العالقة مختلطة تجمع بين الطبيعتين كأن يقوم أطراف التفاوض باألجتماع للتشاور بناء على دعوة مجردة وخالل تفاوضهم يقوموا بأبرام أتفاقات ممهدة للعقد النهائي كاألتفاق على ضمان السرية أو عدم التعاقد مع الغير لمدة معينة .......ألخ مما يعني وجود الدليل على توافر عالقة عقدية بين األطراف المتفاوضة() .وعليه فأن المسؤولية تختلف وحسب األحوال ،أي قد تنعقد المسؤولية العقدية مرة وقد تنعقد تقصيرية مرة أخرى وهذا ما يدفعنا الى دراسة هذه النقاط الجوهرية في ثالثة مطالب ،ندرس في المطلب األول المنهجية التي تنعقد بها المسؤولية العقدية ،ونبحث في المطلب الثاني منهجية قيام المسؤولية التقصيرية ومن ثم نختتم هذا المبحث بمطلب ثالث نتناول فيه الخيرة بين المسؤوليتين . المطلب األول 7
أنعقاد المسؤولية العقدية كلما أمكن التثبت من وجود عقد كان محصلة لتطابق األيجاب مع القبول خالل مرحلة المفاوضات ،أنعقدت المسؤولية العقدية .وال داعي للجدال والنقاش في هذه الحالة حول أنعقادها على أساس العقد المبرم بينهما والذي يحميه القانون بقواعد المسؤولية العقدية إِذا ماتم خرقه() .فقد يبرم أطراف التفاوض عقد األلتزام بعدم التفاوض مع الغير أو عقداً يتعلق بتنظيم عملية التفاوض أو عقد ضمان السرية فأنه في مثل هذه الحاالت يجب على القاضي المعروض أمامه النزاع أن ال يتأخر في تطبيق أحكام المسؤولية العقدية كلما تحقق من توافر أركان المسؤولية العقدية(). فمتى توافرت أركان المسؤولية العقدية() .وهي الخطـأ العقدي ،الضرر والعالقة السببية بين الخطأ والضرر قامت المسؤولية العقدية على مرتكب الخطأ ،فعدم تنفيذ المتفاوض ألحد األلتزامات الناشئة عن العقد يشكل خطأ عقدي ويستوي في ذلك أن يكون عدم قيام المدين بتنفيذ األلتزام ناشئا ً عن عمده أو عن أهماله ،والخطأ العقدي أما يتمثل بعدم تحقيق النتيجة –إذا كان االلتزام بتحقيق نتيجة – كاأللتزام بعدم التفاوض مع الغير أو األلتزام بضمان السالمة أو يتمثل بعدم بذل العناية الالزمة والمطلوبة – اذا كان األلتزام ببذل عناية – كاأللتزام باألعالم() .وال يكفي وجود خطأ عقدي لقيام المسؤولية العقدية في المرحلة السابقة على التعاقد فالبد من وجود ضرر ،والدائن هو المكلف بأثبات الضرر،ألنه هو الذي يدعيه،والضرر ال يفترض بمجرد ثبوت الخطأ فقد ال ينفذ المتفاوض (المدين) ألحد التزاماته ومع ذلك ال يصيب الطرف األخر أي ضرر من ذلك ،وعليه يجب على الطرف المدعي أن يثبت الضرر الذي أصابه الى جانب أثباته للخطأ() .ويجب أن تكون هناك عالقة سببية بين الخطأ والضرر ،وال يكلف الدائن بإثبات هذه العالقة ،بل أن المدين هو الذي يكلف بنفي هذه العالقة اذا أدعى أنها غير موجودة ،فعبء األثبات يقع على المدين ال على الدائن() .وأبعد من ذلك قد يجد القاضي عقدا ً معلقا ً على شرط واقف او عقداً منجزاً او وعداً او مجرد عقد بالبدء في التفاوض او باألستمرار فيه() .فكلما ثبت في يقين القاضي توافر عقد من العقود أو حتى مجرد وعد به ،فأنه يطبق قواعد المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد النهائي(). وعليه نستنتج مما سبق أنه في حالة األخالل بأي التزام عقدي في مرحلة المفاوضات او األخالل بالعقود الممهدة ألبرام العقد األصلي فأن المسؤولية تكون عقدية على عاتق الطرف المخل بشرط توافر اركانها ،وفي الحالة التي ينتفي فيها وجود أي أتفاق خالل هذه المرحلة فأن المسؤولية الناشئة عن المخالفة تكون مسؤولية تقصيرية وهذا ما سنتولى بحثه في المطلب الثاني . المطلب الثاني قيام المسؤولية التقصيرية إِذا أجتمع أطراف التفاوض حول مائدة التفاوض نتيجة لتوجيه دعوى مجردة لبدأ التفاوض ولم يقوموا بأبرام أي أتفاقات تنظيمية لعملية التفاوض فأنه في هذه الحالة تكون القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية هي الضابط لهذه المرحلة ففي حالة قيام أحد أطراف التفاوض بالعدول عن المفاوضة وكان فعل عدوله مقترنا ً بخرق األلتزامات 8
المنبثقة عن مبدأ حسن النية ،فيكون بعدوله هذا قد أرتكب خطأ ،وعلى المتفاوض األخر أن يثبت بأن فعل العدول لم يكن مشروعا ً وقد أخل بواجب األلتزام بحسن نية ، وكذلك عليه أن يثبت انه قد الحق به ضرراً من جراء فعل العدول وبالطبع فأن العالقة السببية مفترضة بين الخطأ والضرر() .وفي الحقيقة ليس فعل العدول فقط هو الذي قد يلحق الضرر بالمتفاوض الدائن ،بل قد يلحق به الضرر اي فعل أخر يقوم به الطرف األخر ويجعل هذا األخير مسؤوالً عن التعويض ،مثل قيام أحد المتفاوضين بتقديم مقترحات غير جدية وبعيدة كل البعد عن الواقع ،فيكون بذلك قد أخل بضرورة التعاون مع الطرف األخر وذلك دون قيامه بالعدول عن التفاوض . صحيح أن حرية العدول مصونة لكل طرف من أطراف التفاوض ويستطيع ممارستها في أي وقت يشاء اال أنه يجب أن يكون عدوله هذا منطقيا ً ومبرراً وال يخل بمبدأ حسن النية ومن ذلك ان تطرأ ظروف أقتصادية جديدة تؤثر على القدرة المالية للمتفاوض بحيث تجعل هذا المتفاوض غير قادر على تنفيذ ألتزاماته المستقبلية فيما لو أبرم العقد .وعموما ً يمكن القول :أن المفاوضات كلما قطعت شوطا ً طويالً نحو ابرام العقد كلما تقلصت حرية اطراف التفاوض بالعدول عنها() .ويترتب على ذلك أن هذه المسؤولية تستوجب التعويض كأثر ناتج عن العقد الباطل ولكن بوصفه واقعة مادية وليس بوصفه عقداً،وذلك اذا كان البطالن يعزى لخطأ أرتكبه أحد المتفاوضين ومن ثم يجب أثبات جميع عناصر المسؤولية التقصيرية ويمكن القول أن الرأي الغالب في الفقه والقضاء قد تشيع لهذا األتجاه() .وبقي أن نشير لنقطة جديرة بالذكر وهي مسألة األعفاء من المسؤولية ،ففيما يتعلق بمسألة األعفاء من المسؤولية العقدية نجد أن من الفقه من يحرم جواز األتفاق على األعفاء من المسؤولية العقدية() ،بينما ذهب رأي أخر من الفقه الى جواز األتفاق المعفي من المسؤولية العقدية ولكن يدرجون في الوقت ذاته بعض الحاالت التي ال يجوز فيها األتفاق على األعفاء من المسؤولية العقدية واهم هذه الحاالت هي حالتي الغش والخطأ الجسيم(). أما موقف المشرع العراقي من مسألة األعفاء من المسؤولية العقدية فقد نجده أتخذ منحى متميزاً وصائبا ً في الوقت ذاته وذلك بأنه جعل األصل هو الجواز على األتفاق حول أعفاء المدين من المسؤولية العقدية ،وجعل حالتي الغش والخطأ الجسيم من الحاالت التي اليجوز فيها األعفاء من المسؤولية العقدية ومع ذلك فأنه يجوز للمدين أن يشترط عدم مسؤوليته في حالتي الغش والخطأ الجسيم اذا وقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ التزامه. أي هناك أصل وأستثناء على األستثناء ،فاألصل هو كما ذكرنا هو جواز األتفاق على األعفاء من المسؤولية العقدية ،واألستثناء هو يجوز أعفاءه اذا صدر من المدين غش أو خطأ جسيم ،واألستثناء على األستثناء هو أنه اليجوز أشتراط األعفاء من المسؤولية في هاتين الحالتين اذا كان يقع من أشخاص يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه() .وبما أن المبدأ في العقود هو حسن النية في تكوينها وتنفيذها ،فاذا أرتكب المدين غشا ً او خطأ ً جسيما ً يكون قد خالف مبدأ حسن النية الواجب في العقد ،أي يكون قد أرتكب أخالالً غير متوقع أثناء التعاقد ترتب عليه ضرر غير متوقع للدائن فثبت سوء نيته ،لهذا السبب قررت التشريعات المدنية أعتبار حالتي الغش والخطأ الجسيم من قبل 9
األخطاء غير العقدية أي من األخطاء الناشئة عن الفعل الضار وبالتالي ال يجوز أشتراط األعفاء منها ألنها متعلقة بالنظام العام() .أما فيما يتعلق بشرط األعفاء من المسؤولية التقصيرية ،فأن أي شرط يتعلق باألعفاء من المسؤولية عن الفعل الضار يعد باطالً ألن هذه المسؤولية تعد من النظام العام وورود مثل هذا يعد مخالفة صريحة للنظام العام() .أما فيما يتعلق بشرط األعفاء من المسؤولية ذات الطبيعة الخاصة فأنه حس ب تقديرنا اليمكن القول بجوازه فيها وذلك ألن منشأ هذه المسؤولية هو الطبيعة الخاصة للمرحلة التي تمر بها المفاوضات بين األطراف ،ومع العلم أن كل متفاوض ال يجهل شخصية المتفاوض األخر الذي يقابله ،فاذا ما أجيز للمتفاوض ان يشترط على المتفاوض األخر أعفاءه من المسؤولية عن األخطاء التي يرتكبها في مرحلة التفاوض والتي حالت دون أبرام العقد أو كانت سببا ً في بطالنه والتي قد تلحق الضرر بالطرف األخر ،فأن ذلك يعني الترخيص له بألحاق الضرر بالطرف األخر وهذا مالم يقل به أحد عالوة على أن هذا يعد مخالفة صريحة لمبدأ حسن النية الذي يهيمن على هذه المرحلة. المطلب الثالث الخيرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية تجد المسؤولية العقدية شأن المسؤولية التقصيرية أساسها في الخطأ ،وقد يشكل هذا الخطأ – بوصفه واقعة ضارة – خطأ عقديا ً وخطأ تقصيريا ً في آن واحد ،وهنا يثور التساؤل عن مدى أحقية الدائن في الخيرة بين أقامة دعواه أستناداً الى توافر خطأ عقدي أو خطأ تقصيري ؟ وكذلك حقه في الجمع بين المسؤوليتين ؟() .لألجابة على هذا التساؤل يمكن القول أنه ال خالف بين الفقهاء على عدم جواز مسألة الجمع بين المسؤوليتين ،فلو أخل أحد أطراف التفاوض باأللتزام الناشىء عن عقد ضمان السرية مثالً في مرحلة المفاوضات فأنه اليجوز للدائن أن يطالب بتعويضين ،تعويض على أساس المسؤولية العقدية أستناداً الى أن أي أخالل بألتزام عقدي يقيم المسؤولية العقدية ويطالب بتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية أستناداً الى أن هذا األلتزام الذي تم خرقه يكون التزاما ً عاما ً يتفرع عن مبدأ حسن النية فيكون محميا ً وفقا ً لقواعد المسؤولية التقصيرية ،النه وحسب الرأي الراجح ينبغي أن ال يجاوز التعويض مقدار الضرر() .وفي الوقت ذاته ال يجوز للدائن و أن طالب بتعويض واحد أن يجمع في دعواه المدنية بين خصائص المسؤولية العقدية وخصائص المسؤولية التقصيرية ووفقا ً لما يفيده من كل منهما واال ظهرت دعوى غير معروفة ال هي بالعقدية وال هي بالتقصيرية ،وكذلك ال يجوز له اذا رفع أحدى الدعويين فخسرها أن يلجأ الى الدعوى األخرى ألن قوة الشيء المقضي فيه تحول دون ذلك فعليه هو أن يتحمل غرم ذلك(). أما مسألة الخيرة بين المسؤوليتين ،فأن القضاء في فرنسا() .ومصر() .قد أنتهى الى عدم جواز الخيرة اال اذا كان االخالل باأللتزام العقدي يكون جريمة او خطأ جسيما ً وعلى هذا األساس ليس أمام ضحية الخطأ العقدي اال دعوى المسؤولية العقدية من حيث المبدأ ،فاذا كان الخطأ العقدي يشكل جريمة او خطأ جسيما ً كان له الخيرة بين دعوى المسؤولية العقدية ودعوى المسؤولية التقصيرية .وتطبيقا ً لذلك ليس أمام المتفاوض ضحية األخالل باأللتزامات التفاوضية اال دعوى المسؤولية العقدية او 11
دعوى المسؤولية التقصيرية حسب األحوال ،وأن كان له الخيرة بينهما اذا شكل الخطأ جريمة أو غشا ً او خطأ ً جسيما ً فيكون للدائن في أي من هذه الحاالت أن يرفع دعواه أستناداً الى قواعد المسؤولية التقصيرية او قواعد المسؤولية العقدية وحسب احوالها()، فقد يرى من مصلحته على سبيل المثال دعوى المسؤولية التقصيرية اذا كان صالحه في تضامن المدينين او في التزاماتهم بالتعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع او في أبطال ما أدرجوه من بنود لألعفاء من المسؤولية(). ونستخلص من هذا كله ،أنه اذا وجد هناك شرط يقضي باللجوء الى قواعد المسؤولية العقدية وحدها ،فال يجوز ألي منهما األلتجاء الى قواعد المسؤولية التقصيرية ،ألن الطرفين قد أفصحا بأدراج هذا الشرط عن أرادة صريحة وواضحة .ونرى أن هذا األمر يسري حتى في حالة كون الخطأ جسيما ً فال يجوز األلتجاء لقواعد المسؤولية التقصيرية ،ألن هذ الخطأ ال يخرج المتعاقد عن دائرة المسؤولية العقدية وهذا ما أخذ به المشرع العراقي اذ قضى بأن جزاء الخطأ الجسيم أو العمد هو تعويض المتعاقد عما لحقه من ضرر مباشر كان متوقعا ً أو غير متوقع() .ونحن في هذا المقام نذهب لما ذهب إليه األستاذ الكتور حسن علي الذنون من أنه اذا كان أخالل المتعاقد بتنفيذ ألتزامه التعاقدي يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات ،كما يعد في الوقت ذاته جريمة مدنية فحينئذ يجوز األلتجاء ألحدى المسؤوليتين ،أي يجوز للمتعاقد الذي أصابه الضرر الرجوع على المتعاقد األخر أما بدعوى العقد او بدعوى الفعل الضار ،لكن يبقى األصل هو أنه اذا أختار أحد هذين الطريقين أستنفذ حقه ولم يعد له بعد أن يلجأ الى الطريق األخر اال اذا كان عدوله عن الطريق الذي أختاره قد تم قبل صدور الحكم النهائي في دعواه(). الخاتمــــــة بعد أن تطرقنا في هذا البحث للطبيعة القانونية للمسؤولية السابقة على التعاقد وتعرضنا لألتجاهات الفقهية المطروحة في هذا الصدد ووجدنا الحاالت التي تنعقد فيها المسؤولية العقدية واألخرى تنعقد فيها المسؤولية التقصيرية وقبل ختام البحث تطرقنا لمسألة الخيرة بين المسؤوليتين توصلنا لما يأتي : ً ال ضير من أبتداع نوع ثالث من المسؤولية وتحدد شرائطه وفقا ألحتياجات العدالة اذ تحكم قواعد هذه المسؤولية مرحلة المفاوضة ألنها مرحلة سابقة على أبرام العقد وفيها خصوصية وهي أن ماتم طرحه فيها يعد ناتجا ً عن أرادة األطراف المتفاوضة وال يجوز تجاهل هذه األرادة . وعليه نؤيد األتجاه الفقهي الذي ينادي بجعل المسؤولية في مرحلة التفاوض مسؤولية خ اصة وسابقة على التعاقد وتعالج خطأ يتمتع بخصوصية وهو يتمثل باألخالل بالثقة المشروعة المتولدة في هذه المرحلة ،و تعالج ضرراً ناتجا ً بمناسبة محاولة أبرام العقد وعليه اذا كان األصل هو وكما رأينا بعد األطالع على العديد من المصادر نعتقد أن المسؤولية الناشئة في المرحلة السابقة على التعاقد هي مسؤولية تقصيرية اال أن هناك حاالت يدق فيها التمييز وتكون المسؤولية عقدية فيها ،ومثلها الحاالت التي يقطع فيها الطرفان مراحل جادة في طريقها الى التعاقد اذ يتوصلوا الى أبرام اتفاقات أولية سابقة على أبرام العقد األصلي ،ولذلك فأن عدم تنفيذ أي ألتزام ورد في هذه األتفاقات 11
التمهيدية يرتب مسؤولية عقدية فمثالً لوكان األتفاق التمهيدي ينص على أن يكون هناك شخص ثالث يحدده احد األطراف يقوم بتعيين ثمن الشيء المراد بيعه ،فأن عدم قيام ذلك الطرف بأختيار هذا الشخص قصداً منه الى عدم أبرام العقد األصلي ،يجعله مسؤول مسؤولية عقدية ناتجة عن مخالفة األتفاق التمهيدي.
12