2الطبيعة القانونية السابقة على التعاقد

Page 1

‫الطبيعة القانونية السابقة على التعاقد‬ ‫المقدمــــــة‪:‬‬ ‫إذا قام أحد أطراف التفاوض بسلوك معين ‪ ،‬وأخل بمبدأ حسن النية أو أخل بأحد‬ ‫االلتزامات المتفرعة عن هذا المبدأ فأنه يكون بسلوكه هذا مخطئ ومسؤوالً عما سببه‬ ‫من ضرر للطرف األخر ‪ ،‬واذا كان البد من أن يعاقب المتفاوض مدنيا ً عن خطأه ‪،‬‬ ‫فأن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما طبيعة المسؤولية التي تقع على عاتق المتفاوض‬ ‫؟ هل هي مسؤولية عقدية أم مسؤولية تقصيرية أم مسؤولية متميزة ؟ لإلجابة على هذا‬ ‫التساؤل سوف نبحث في هذا الصدد هذه الفكرة في مبحثين ‪ ،‬نبحث في المبحث األول‬ ‫األتجاهات الفقهية في طبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد وفي المبحث الثاني نبحث‬ ‫في النظرية المختارة لطبيعة هذه المسؤولية ‪.‬‬ ‫المبحث األول األتجاهات الفقهية في طبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد‬ ‫في حقيقة األمر عندما ظهرت المسؤولية المدنية السابقة على التعاقد والسيما في مرحلة‬ ‫التفاوض أختلف الفقه بشأن تحديد طبيعتها()‪ .‬فمن الفقه من قال ان هذه المسؤولية هي‬ ‫عقدية دائما ً ‪ ،‬ومنهم من قال بأنها التتعدى كونها مسؤولية عن فعل ضار على أساس‬ ‫أن مرحلة التفاوض ماهي اال مرحلة عادية وما يصدر خاللها اليعد اال من قبيل األعمال‬ ‫المادية المحضة ‪ ،‬وهناك أتجاه يذهب الى المناداة بجعلها مسؤولية متميزة أي مسؤولية‬ ‫خاصة تتالءم مع طبيعة المرحلة السابقة على التعاقد وعلى هذا األساس سنقوم بدورنا‬ ‫في هذا المجال ببحث هذه االتجاهات والتعرف على مضمونها في مطلب مستقل لكل‬ ‫منها وعلى النحو االَتي ‪:‬‬ ‫المطلب األول نظرية المسؤولية العقدية عن الخطأ قبل التعاقدي‬ ‫يمكن القول إِ َّن هناك اتجاهين أثنين متفقين من وجه ومختلفين من وجه أخر ‪ ،‬فوجه‬ ‫االتفاق يتحدد في أن مضمونها واحد وهو أن المسؤولية السابقة على التعاقد هي‬ ‫مسؤولية عقدية ‪ ،‬أما وجه االختالف فيتمثل في اختالفها من حيث األساس ‪ ،‬فاالتجاه‬ ‫األول يرى أن أساس المسؤولية السابقة على التعاقد هو وجود العقد الضمني المفترض‬ ‫بين أطراف التفاوض فاإلخالل الحاصل في هذه المرحلة يكون خطأ عقديا وبالتالي‬ ‫يجب معالجة الضرر الناتج عنه وفق أحكام المسؤولية العقدية ‪.‬‬ ‫أما األتجاه الثاني فيرى أن أساس المسؤولية السابقة على التعاقد هو وجود عقود أولية‬ ‫ممهدة إلبرام العقد األصلي ‪ ،‬وتكون هذه العقود مستقلة عنه وغايتها التمهيد له‬ ‫والتحضير للعقد المنشود ‪ ،‬فأي خرق لاللتزامات تحصل في هذه المرحلة تعد مخالفة‬ ‫عقدية وبالتالي تجبر األضرار وفق أحكام المسؤولية العقدية ‪.‬وعليه سوف نبحث هذين‬ ‫االتجاهين وعلى النحو التالي‪-:‬‬ ‫األتجاه األول‬ ‫يعد الفقيه (أهرنج) من أهم أنصار هذا االتجاه وذلك بفكرته عن "الخطأ عند تكوين‬ ‫العقد "() ‪ ،‬إِذ يرى أن الخطأ في الفترة السابقة على التعاقد وسواء ترتب عليه عدم‬ ‫أنعقاد العقد أم أدى الى بطالن هذا العقد هو خطأ عقدي يثير المسؤولية العقدية على‬ ‫عاتق مرتكبه بتعويض الضرر الذي لحق الطرف األخر ويستخلص أهرنج في ضوء‬ ‫ذلك أن العقد بالرغم من بطالنه ينشىء التزاما بالتعويض كعقد ال كواقعة مادية وبذلك‬ ‫‪1‬‬


‫فأن دعوى التعويض تستند الى دعوى العقد ذاتها()‪ .‬وينحصر الخطأ العقدي في نظر‬ ‫أهرنج في أقدام المتعاقد الذي أتى سبب البطالن من جهته على التعاقد وكان واجبا ً عليه‬ ‫أن يعلم بذلك ‪ ،‬وحتى لوفرض أنه كان ال يعلم بسبب البطالن ‪ ،‬فمن العدل أن يتحمل‬ ‫الضرر الذي أصاب المتعاقد األخر حسن النية‪،‬بمعنى أن الخطأ عند أهرنج هو وجود‬ ‫سبب البطالن في جانب أحد المتعاقدين مما يتعين معه تعويض المتعاقد األخر()‪ .‬وأما‬ ‫عن تكييف أهرنج لهذا الخطأ بأنه عقدي على الرغم من عدم أبرام العقد أو بطالنه فأنه‬ ‫يستند الى افتراض وجود عقد ضمني مقترن بكل تعاقد ‪ ،‬بمقتضاه يتعهد كل شخص‬ ‫مقدم على التعاقد للطرف األخر بصحة التصرف وبان ال يقوم من جانبه سبب يوجب‬ ‫بطالن العقد وبذلك يكون رضاء المتعاقد األخر في الوقت نفسه أيضا ً قبوالً ضمنيا ً لهذا‬ ‫التعهد فيتم عقد الضمان بأيجاب وقبول ضمنيين()‪.‬‬ ‫وقد قال أهرنج إِ َّن التصرف القانوني (العقد) الذي يضفي الطبيعة العقدية على‬ ‫المفاوضات هو عبارة عن عقد ضمني بين المتفاوضين يلتزم بمقتضاه كل واحد من‬ ‫المتفاوضين تجاه األخر بأن يجعله في وضع يسمح له بأبرام العقد محل التفاوض ‪،‬كما‬ ‫يلتزم في الوقت ذاته باألمتناع عن أي عمل من شأنه أعاقة عملية أبرام العقد فإذا قطع‬ ‫المفاوضات دون عذر مشروع يكون قد أخل باأللتزام الذي يفرضه عليه العقد الضمني‬ ‫وبالتالي يسأل مسؤولية عقدية عن تعويض الضرر الذي لحق الطرف األخر()‪ .‬وأما‬ ‫الكيفية التي نشأ بها العقد الضمني حسب رأي أهرنج فهي‪ :‬أن األيجاب الصادر من‬ ‫أحد المتفاوضين يتحلل الى أيجابين األول موضوعه العقد الذي يجري التفاوض بشأنه‬ ‫‪،‬أما األيجاب الثاني فموضوعه عدم أعاقة أبرام هذا العقد ‪.‬ولما كان هذا األيجاب األخير‬ ‫يتمخض لمصلحة الموجب له فأن مجرد سكوته يعد قبوالً يقوم به العقد الضمني()‪ .‬اال‬ ‫أن هذا الرأي منتقد ‪،‬فهو يقوم على مجرد األفتراض ‪ ،‬وذلك ألن أي عقد لكي ينشأ البد‬ ‫أن تنصرف إِليه األرادة بشكل صريح وبات هذا من جهة ومن جهة أخرى فأن المتعاقد‬ ‫عندما يعلن عن أرادته فهو يستهدف أبرام العقد الذي يجري التفاوض بشأنه وال يخطر‬ ‫في باله أبرام عقد أخر (العقد الضمني الذي يفرض عليه التزام بعدم أعاقة ابرام العقد)‬ ‫ثم أن العقد الضمني يرتب األلتزام بعدم أعاقة ابرام العقد منذ لحظة األيجاب ومن باب‬ ‫مفهوم المخالفة فأن المتفاوض حر في قطع المفاوضات قبل توجيه األيجاب()‪.‬‬ ‫وقد ظهر الى جانب رأي أهرنج رأي أخر في تفسير نشوء التصرف القانوني الذي‬ ‫يضفي الطبيعة العقدية على المفاوضات ‪.‬وحسب هذا الرأي فأن المفاوضات تتشابك‬ ‫ابتدا ًء بنا ًء على دعوة يتم قبولها ‪.‬وهذا األتفاق األول هو المصدر المباشر للضمان‬ ‫المتبادل في مرحلة المفاوضات ‪،‬ذلك أنه ينطوي على شرط ضمني بمقتضاه يتعهد كل‬ ‫متفاوض قبل األخر بأن يستمر في المفاوضات وأن ال يقوم بقطعها تعسفا ً حتى يتحقق‬ ‫الغرض النهائي منها واال التزم بتعويض المتفاوض األخر عن فوات هذا الغرض()‪.‬‬ ‫وهذا الرأي منتقد أيضا ً ألنه يغفل حقيقة العقد وهي ان هذا األخير ال يبرم اال بتالقي‬ ‫أرادة األطراف بشكل بات ال لبس فيه فال يجوز أفتراض العقد أو فرضه ‪ ،‬كما ان قبول‬ ‫الدعوة الى التفاوض ال ينشأ أتفاقا ً يكون مصدراً لأللتزام بالضمان ألن األرادة لم‬ ‫تنصرف الى أحداث مثل هذا األثر القانوني (األلتزام بالضمان )()‪ .‬ومن الجدير‬ ‫باألشارة الى أن هناك نظريات اخرى طرحها الفقه في بيان أساس المسؤولية العقدية‬ ‫‪2‬‬


‫الناتجة عن الخطأ قبل التعاقدي ومن أهمها نظرية الوكالة التي نادى بها الفقيه (شورل)‬ ‫الذي ذهب الى أن كل عقد يقترن بمجرد الدعوة إلى ابرامه بتوكيل ضمني للطرف‬ ‫األخر باتخاذ اإلجراءات الالزمة إلبرام هذا العقد ومن ثم يلتزم الموجب اذا لم يتم العقد‬ ‫بتعويض الطرف األخر عن المصروفات التي أنفقها على أساس أحكام الوكالة ومن ثم‬ ‫فأن مسؤوليته في هذا الصدد مسؤولية عقدية ‪ .‬وكذلك تقترب من هذه النظرية أيضا ً‬ ‫نظرية الفضالة التي قال بها الفقيه (تون) الذي نادى بتأسيس المسؤولية قبل التعاقدية‬ ‫على فكرة الفضالة لتكون المسؤولية عقدية ‪ ،‬على أساس أن من يوجه الدعوة الى‬ ‫التعاقد دون أن يكون مالكا ً للشيء أو صاحب الحق ‪ ،‬موضوع العقد وال واثقا ً من‬ ‫الحصول عليه دون أن يخطر بذلك الطرف األخر يعد فضوليا ً ومن ثم يجب تعويض‬ ‫المتضرر على أساس أسترداد ما أنفق بدعوى الفضالة()‪ .‬في الحقيقة وأن كانت‬ ‫النظرية التي اسسها (أهرنج) ماهي اال نتيجة الظروف السائدة أنذاك()‪ .‬اال أنه يمكن‬ ‫األعتراف وبكل صراحة أنه قد نجح في سد ثغرة من ثغرات القانون الروماني الذي‬ ‫كان ساريا ً في ألمانيا آنذاك ‪،‬إال أنه ال يوجد مبرر لألخذ بها في الوقت الحاضر‪.‬‬ ‫األتجاه الثاني‬ ‫يعد الفقيه (سالي) من أبرز أنصار هذا األتجاه ‪،‬اذ نادى بفكرة العقد التمهيدي يرى أنه‬ ‫يوجد بجانب العقد األصلي عقد تمهيدي عبارة عن وعد بالتعاقد يتضمن تعهداً جديا ً من‬ ‫جانب الواعد ويثير مسؤوليته العقدية اذا صادف قبوالً من الطرف األخر‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تتحقق المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد األصلي()‪.‬‬ ‫ولكن ماهو العقد التمهيدي ؟ وماهو أساس الفصل بين العقد الممهد واألتفاق الممهد في‬ ‫المرحلة السابقة على التعاقد ؟ لألجابة على هذه األسئلة نحاول التطرق لتعريف العقد‬ ‫التمهيدي في الفقرة األولى وفي الفقرة الثانية نتكلم عن اساس الفصل بين العقد الممهد‬ ‫واألتفاق الممهد في المرحلة السابقة على التعاقد وعلى النحو األتي‪-:‬‬ ‫أوالً‪ -:‬تعريف العقد التمهيدي‬ ‫يلجأ اطراف العالقة التعاقدية في بعض الحاالت الى أبرام عقود من شأنها أن تمهد‬ ‫للعقد النهائي المقصود ومثال ذلك عقد القرض الذي يمهد لشراء العقار أذ أن أبرام‬ ‫العقد النهائي هذا (شراء العقار) غير ممكن عمليا ً وماديا ً من دون أن يتوافر المبلغ‬ ‫الالزم لدفع الثمن ومن خالل عقد القرض الذي يساهم بذلك في تحقيق أهم الوسائل‬ ‫الالزمة للتعاقد ومن ثم فأن الخلط بين العقد التمهيدي وغيره من العقود التي تسهل‬ ‫التعاقد أمر وارد ‪.‬فمن الضروري أن يتم تمييز هذه الصورة من التعاقد مثالً عن العقد‬ ‫المعلق على شرط ‪،‬فاألخير هو العقد النهائي‪ ،‬وهو مقصود لذاته فال يمهد لعقد أخر‬ ‫وكل مافي األمر أن وجوده أو أستمراره معلقان على تحقق شرط معين ‪.‬وعليه فأنه‬ ‫يمكن تعريف العقد التمهيدي بأنه(ذلك العقد الذي يسبق أبرام العقد النهائي المنشود‬ ‫والذي يكون بدوره ممهداً للعقد النهائي ويترتب على مخالفته المسؤولية العقدية وأن لم‬ ‫يبرم العقد النهائي)‪.‬‬ ‫ثانياً‪-:‬أساس الفصل بين العقد الممهد واألتفاق الممهد‬ ‫‪3‬‬


‫إِ َّن التطور الحديث للعقود وتقسيم بعضها الى مراحل تسبق إبرامها يفتح الباب أمام‬ ‫أمكانية بحث هذا التقسيم على أساس ومبررات تشريعية وعملية ‪،‬فمن الناحية التشريعية‬ ‫فأن المشرع في بع ض الدول نظم العقود التمهيدية وترك المجال مفتوحا أمام الفقه‬ ‫والقضاء لتأكيد وجود اتفاقيات ممهدة للعقود ‪،‬كما نظم أنواعا ً من هذه االتفاقيات‬ ‫بنصوص خاصة‪،‬كاتفاقيات العمل الجماعية() ويعود هذا التقسيم الى أمرين‪-:‬‬ ‫‪ -1‬نية األطراف ‪:‬‬ ‫إذ تتجه في حين الى أبرام عقد تمهيدي ‪ ،‬وفي حين أخر الى مجرد االتفاق وبشكل‬ ‫مبدئي على التفاوض تمهيداً للتعاقد ‪،‬من دون أن يكون لدى أي من هذه األطراف نية‬ ‫التعاقد حالياً‪،‬فتصر األطراف في مثل تلك الحاالت مع التأكيد كتابةً على عدم قيام أي‬ ‫عقد في مرحلة التفاوض بل أن كل مايتم األتفاق في شأنه في هذه المرحلة اليعدو أن‬ ‫يكون اتفاقا ممهداً()‬ ‫‪-2‬المسؤولية ‪:‬‬ ‫هذا األمر يرتبط بالمسؤولية المترتبة على عدم االلتزام بما تم التوصل إليه ‪،‬فأن كنا‬ ‫أمام عقد تمهيدي فأن المسؤولية تكون عقدية بكل ماتعنيه هذه الصفة وما ترتبه من أثار‬ ‫في أثبات الخطأ والضرر وفي مدى التعويض‪ ،‬في حين أن خرق االتفاق التمهيدي‬ ‫اليثير المسؤولية العقدية‪ ،‬وأنما التقصيرية للطرف غير الملتزم وبكل مايرتبه ذلك من‬ ‫أثار في أثبات وجود األلتزام والخطأ والضرر والرابطة بينهما وفي مدى التعويض()‪.‬‬ ‫ومن الناحية العملية ‪،‬فأن تقسيم التصرفات القانونية السابقة على العقد الى عقود‬ ‫وأتفاقيات يتناسب مع متطلبات الكثير من العقود الحديثة فكم من عقد في العمل يحتاج‬ ‫الى عقد أو عقود أخرى تمهد له ومن ذلك مثالً شراء العقار الذي يمهد له بعقد قرض‬ ‫يتم من خالله توفير المبلغ أو جزء من المبلغ الالزم للوفاء بثمن العقار‪،‬وكم من عقد‬ ‫يمهد له بأتفاق ال بعقد أخر ويكون مؤدى هذا األتفاق تأكيد ألتزام األطراف بالتفاوض‬ ‫للوصول الى العقد النهائي(كعقود بيع المؤسسات والشركات الكبرى) أو يكون هدفه‬ ‫تدوين أو تأكيد ماتم التوصل إليه في بعض مراحل التفاوض ليكون ذلك أساسا ً ينطلق‬ ‫منه الى مراحل أخرى في سبيل الوصول في نهاية األمر الى العقد المقصود وهذا هو‬ ‫حال عقد دراسات الكومبيوتر والتزويد باألنظمة األلكترونية ‪،‬فال تتوافر عناصر العقد‬ ‫المقصود اال من خالل هذه األتفاقيات ‪،‬فقد ال يبرم أي عقد في هذه المرحلة ألن‬ ‫األطراف ذاتها ترغب في الحفاظ على حريتها خالية من كل ألتزام عقدي()‪.‬‬ ‫رأينا في الموضوع‬ ‫نحن بدورنا نتفق مع هذا األتجاه الذي يجعل المسؤولية السابقة على التعاقد مسؤولية‬ ‫عقدية إذا وجدت عقود أولية ممهدة للعقد األصلي المنشود فأي أخالل أو خرق يقع في‬ ‫هذه المرحلة تحتضنه قواعد المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد األصلي‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‬ ‫نظرية المسؤولية التقصيرية عن الخطأ قبل التعاقدي‬ ‫ذهب الكثير من الفقهاء الى أن فكرة المسؤولية التقصيرية هي التي تحكم مرحلة‬ ‫التفاوض وتعد هي أسهل الوسائل وأيسرها تطبيقا على هذه المرحلة لحجة مفادها أن‬ ‫أحكام هذه المسؤولية هي وحدها التي تطبق عند عدم وجود عقد()‪ .‬وحاول أنصار هذا‬ ‫‪4‬‬


‫األتجاه تأسيس هذه النظرية على أساس فكرة التعسف()‪ .‬ولكن يبدو أن التمسك‬ ‫بالتعسف اساسا ً لهذه المسؤولية يستوجب وجود حق يتعسف المتفاوض في استعماله‬ ‫وليس ثمة مثل هذا الحق()‪ .‬هذا وأن هذه النظرية ظهرت عندما لم يكتب لنظرية (الخطأ‬ ‫عند تكوين العقد) النجاح في الفقه المعاصر وكان تكييفها للخطأ السابق على التعاقد‬ ‫بأنه خطأ عقدي يثير المسؤولية العقدية لمرتكبه محل أعتراضات فمن ناحية أولى فأن‬ ‫هذه النظرية تجعل قيام سبب البطالن في جانب المتعاقد خطأ حتما ً رغم أن هذا المتعاقد‬ ‫قد يكون جاهالً كل الجهل قيام سبب البطالن في جانبه فالخطأ هنا أقرب الى فكرة‬ ‫تحمل التبعة()‪ .‬اال يجب أثباته طبقا لقواعد الخطأ التقصيري وفي الحالتين لن يكون‬ ‫خطأ عقدياً‪ ،‬ومن ناحية ثانية أن هذه النظرية تجعل األلتزام بالتعويض موضوع تعهد‬ ‫ثانوي يقترن بالتصرف الباطل ويبقى رغم بطالن هذا التصرف ليكون اساسا اراديا‬ ‫لتعويض الغير عن الضرر الناشىء عن البطالن وهي تفترض بذلك قيام تعهد بالصحة‬ ‫في جميع العقود دون أن يقوم دليل على ذلك()‪ .‬ومن ناحية ثالثة حتى لو سلمنا بأفتراض‬ ‫وجود هذا التعهد الثانوي بضمان صحة التصرف األصلي‪ ،‬فال شك أن بطالن التصرف‬ ‫األصلي سيؤدي الى بطالن هذا التعهد الثانوي أيضا فينعدم بذلك سند تكييف المسؤولية‬ ‫بأنها عقدية واال فأن تجزئة البطالن في هذا الصدد والقول بأنه ينصرف الى التعهد‬ ‫األصلي فقط دون الثانوي هي تجزئة تحكمية غير مقبولة()‪ .‬وأخيراً فأنه حتى في‬ ‫الحاالت التي يتضمن فيها القانون نصا ً خاصا ً يقرر المسؤولية القانونية بالتعويض عن‬ ‫بطالن العقد فان المسؤولية ستكون قائمة بحكم القانون ال على اساس التصرف‬ ‫الباطل()‪ .‬وفي ضوء هذه األنتقادات نخلص الى أن المسؤولية قبل التعاقدية الناشئة عن‬ ‫الخطأ قبل التعاقدي هي مسؤولية تقصيرية تستوجب التعويض ومن ثم يجب أن تستكمل‬ ‫دعوى التعويض هنا أثبات عناصرالمسؤولية التقصيرية كافة من خطأ وضرر وعالقة‬ ‫سببية ‪ ،‬وعلى هذا أستقر الرأي السائد في الفقه الحديث لدى الشراح المصريين()‪.‬‬ ‫وعلى هذا األساس فأن المسؤولية التقصيرية للعقد في كل مرة يثبت فيها أقتران العدول‬ ‫عن التعاقد أو مصاحبة بطالن العقد لخطأ أرتكبه أحد األطراف المتفاوضة وألحق‬ ‫ضررا باألخر ‪ ،‬وعليه فأن األعمال التحضيرية للعقد أو(مشروع العقد) التي تشمل‬ ‫مرحلة المفاوضة ومرحلة أبرامه التعدوأن تكون عمالً ماديا ً ليس له أي أثر قانوني ‪.‬‬ ‫أذن أن هذه النظرية قد عدت مرحلة المفاوضات مجرد أعمال مادية ليست لها أي أثر‬ ‫قانوني أي ال ترتب أي التزام على طرفي التفاوض ‪،‬فهي ال تلزمهم بضرورة التوصل‬ ‫الى أبرام العقد محل التفاوض ‪ ،‬اال اذا قام أحد األطراف بأرتكاب خطأ ونتج عنه ضرر‬ ‫لحق بالطرف األخر فأنه هنا تقوم المسؤولية التقصيرية عليه ‪.‬‬ ‫وهذه النظرية منتقدة أيضا النها تجاهلت بأن ثمة ألتزامات يمكن أن تنشأ في هذه‬ ‫المرحلة ناتجة عن مبدأحسن النية الذي يسيطر على هذه المرحلة()‪ .‬او ناتجة عن العديد‬ ‫من العقود التي قد تبرم بين أطراف التفاوض ويكون الغرض منها تنظيم عملية‬ ‫التفاوض وأسباغ الصفة العقدية على مجرياتها وأبعد من ذلك قديتم توقيع عقد األتفاق‬ ‫على التفاوض بحيث تصبح عملية التفاوض ذات صفة عقدية بحتة()‪ .‬وبنا ًء على‬ ‫األنتقادات التي وجهت لنظرية المسؤولية العقدية وكذلك نظرية المسؤولية التقصيرية‬

‫‪5‬‬


‫اندفع بعض الفقه للقول بوجود مسؤولية خاصة تالئم طبيعة المرحلة السابقة على التعاقد‬ ‫‪ ،‬وعليه سوف نتكلم عن هذا األتجاه في المطلب الثالث ‪.‬‬ ‫المطلب الثالث‬ ‫نظرية المسؤولية الخاصة عن الخطأ قبل التعاقدي‪/ ،‬‬ ‫جاءت هذه النظرية لمعالجة األخالل الذي يقع في مرحلة مفاوضات العقد‪،‬وقال أنصار‬ ‫هذا األتجاه أنه اليمكن معالجة األخالل بموجب أحكام المسؤولية العقدية بصورة عامة‬ ‫وال بموجب أحكام المسؤولية التقصيرية أيضا دون أن تؤخذ بنظر األعتبار‬ ‫الخصوصية التي تتمتع بها مرحلة المفاوضات وتنبع هذه الخصوصية من كونها تقوم‬ ‫قبل أبرام العقد وقبل الدخول في نطاقه ‪،‬وعليه فقد ظهرت هذه المسؤولية لمعالجة‬ ‫األخطاء التي تحصل قبل التعاقد بما لها من خصوصية ()وذهب أنصار هذا األتجاه‬ ‫الى أيجاد هذا النوع من المسؤولية الذي يقف جنبا ً الى جنب مع كل من المسؤولية‬ ‫العقدية والمسؤولية التقصيرية‪ .‬وعلى الرغم من األنتقاد الموجه لهذه النظرية وهو قيام‬ ‫هذه النظرية على أساس الخطأ وأن أثبات هذا األخير ليس باألمر اليسير()‪ .‬اال أن لها‬ ‫صدى مهم وذلك ألنها جعلت المسؤولية الناشئة عن األخطاء التي تقع خالل هذه‬ ‫المرحلة المتميزة هي األخرى متميزة ومتالئمة مع طبيعة المرحلة التي تعالجها ‪.‬‬ ‫وعليه وحسب رأينا أنه اذا لم يمكن التعرف بسهولة على الخطأ هل هو خطأ عقدي أم‬ ‫هو خطأ تقصيري فال د اعي لبذل الجهد والوقت الضروريين في كل مكان وزمان أي‬ ‫بعبارة أخرى إِذا لم يكن باألمكان معرفة هل أن الخطأ ناتج عن اإلخالل بألتزام عقدي‬ ‫أم أنه كان نتيجة تقصير من جانب الطرف الخاطىء ؟ ففي هذه الحالة يتم اللجوء‬ ‫للمسؤولية المتميزة والخاصة بهذه المرحلة ومن ثم تحل األشكالية بسهولة ‪ ،‬وعليه‬ ‫يمكن القول بأنه ال يمكن في جميع األحوال أن تطبق قواعد المسؤولية التقصيرية على‬ ‫أساس أنه إِذا لم يكن األخالل داخالً ضمن النطاق العقدي فتطبق قواعد المسؤولية‬ ‫التقصيرية وذلك ألنها في بعض األحيان يؤدي تطبيقها الى نتائج شاذة وعكسية ‪ ،‬فمثالً‬ ‫من يرغب ببناء مجمع تجاري ويتضح له أنه البد أن يشتري العرصة المجاورة‬ ‫لألرض المخصصة لمشروعه لسد النقص في المساحة ويتفاوض مع صاحب هذه‬ ‫العرصة هذا بعد أن ينفق نفقات لدراسة المشروع ويتحمل تكاليفا ً ويبذل جهداً ويخسر‬ ‫وقتا ً ‪ ،‬وبعد أن تمر المفاوضات بينهما وتصل لمرحلة معينة حتى يقال إِ َّن مالمح العقد‬ ‫قد بدت تظهر للوجود وفجأة يقطع المتفاوض (صاحب العرصة) هذه المفاوضات‬ ‫ويمتنع عن البيع لسبب غير مبرر ولحكمة غير مشروعة ‪،‬أو يتضح فيما بعد أنه قاص ُر‬ ‫فال يمكن تصور هذه الحالة ؟‪ -‬فالمسؤولية التقصيرية اليمكن تطبيقها في الحالة األولى‬ ‫وذلك ألنه ال يمكن أهدار الجانب األرادي للمتفاوض‪ ،‬صحيح أنه لم يبرم العقد اال أن‬ ‫أرادتهما أتجهت ألبرامه وبغته يفاجىء من ال ذنب له بقطع هذه المفاوضات ويخسر‬ ‫ماكان يروم الوصول أليه فتطبيق أحكام المسؤولية التقصيرية يعني عدم أعطاء‬ ‫الخصوصية التي تتمتع بها مرحلة المفاوضات فهذا يؤدي الى أحجام األفراد على‬ ‫الدخول في مثل هذه العالقات ألن من يريد أن يتفاوض يجب أن يضع نصب عينيه‬ ‫فكرة جوهرية وهي أما أن يبرم عقداً رغما ً عن أرادته وأما أن يقطع المفاوضات‬ ‫ويتحمل التعويض المترتب عليه وفقا ً ألحكام المسؤولية التقصيرية وهذا ال نجد له فكرة‬ ‫‪6‬‬


‫قانونية واضحة تجسده او تقول به طائفة من الفقهاء وفي التصور الثاني – إِذا أتضح‬ ‫أنه كان قاصراً – أفال نجد النتيجة العكسية أمام أعيننا إِذا ما طبقت أحكام المسؤولية‬ ‫التقصيرية ؟ يعني أن المفاوضات اذا ما نجحت وكان أحد أطرافها قاصرا فله خيار‬ ‫األجازة والنقض خالل المدة المحددة له قانونا وهذا يعد حقا ً طبيعيا ً يمارسه اذ ينعقد‬ ‫العقد موقوفا ً لمصلحته فإذا ما نقض العقد فأنه ال يسأل عن التعويض ‪ ،‬بينما اذا فشلت‬ ‫المفاوضات فأن القاصر يسأل عن التعويض في حين ال يسأل عن التعويض لو أبرم‬ ‫العقد ونقضه لقصره()‪ .‬فهذه نتيجة غريبة تترتب على القول بتطبيق أحكام المسؤولية‬ ‫التقصيرية أما بالنسبة لعدم أمكانية تطبيق قواعد المسؤولية العقدية عموما ً فهو أيضأ‬ ‫قول ال يستقيم مع طبيعة المفاوضات ألن المسؤولية العقدية تعالج األضرار الناشئة‬ ‫عن العقد فاذا حكمنا بها نكون قد جعلنا العقد يمد ظله للمرحلة السابقة على أبرامه ‪،‬‬ ‫ومن ثم يصبح المتفاوض ملزما ً بالعقد منذ دخوله في المفاوضات ال من لحظة أبرامه‬ ‫ومن ثم يفوت الغرض المنشود من المفاوضات وهو التروي والتبصير والتأمل‬ ‫والتفكير بمنافع العقد المراد أبرامه قبل التحمل باأللتزامات الناشئة عنه ‪.‬‬ ‫وعليه وأنسجاما ً مع الطبيعة المتميزة للمفاوضات العقدية نؤيد األتجاه الفقهي الذي‬ ‫يذهب الى أن المسؤولية السابقة على التعاقد هي مسؤولية ذات طبيعة خاصة ‪ ،‬على‬ ‫أساس أن المسؤولية تحمل طبيعة وأوصاف الحق نفسه الذي تحميه وهذه المسؤولية‬ ‫هي مسؤولية ماقبل التعاقد (‪. )la resposabilite precontractuel‬‬ ‫وعليه ال بد من أيجاد معيار نطبق بموجبه أحكام أحدى المسؤوليتين اذا كانتا على وجه‬ ‫من الوضوح (العقدية والتقصيرية) فسوف نبحث في المبحث الثاني النظرية المختارة‬ ‫لطبيعة هذه المسؤولية وكما يأتي ‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‬ ‫النظرية المختارة لطبيعة المسؤولية السابقة على التعاقد‬ ‫أن نوع المسؤولية المدنية للمتفاوضين يتم تحديدها حسب طبيعة العالقة بين األطراف‬ ‫المتفاوضة ‪ ،‬هل هي عقدية أم تقصيرية أم مختلطة تجمع بين الطبيعتين ‪ ،‬أي يجب‬ ‫وضع المشكلة ومنذ البداية في أطارها الصحيح ومن ثم يمكن تحديد طبيعة‬ ‫المسؤولية()‪ .‬فقد ت كون العالقة بين األطراف المتفاوضة عالقة مادية مجردة تارة ‪،‬‬ ‫وقد تكون عقدية تارة اخرى ويمكن أن نتصور أن تكون العالقة مختلطة تجمع بين‬ ‫الطبيعتين كأن يقوم أطراف التفاوض باألجتماع للتشاور بناء على دعوة مجردة وخالل‬ ‫تفاوضهم يقوموا بأبرام أتفاقات ممهدة للعقد النهائي كاألتفاق على ضمان السرية أو‬ ‫عدم التعاقد مع الغير لمدة معينة ‪.......‬ألخ مما يعني وجود الدليل على توافر عالقة‬ ‫عقدية بين األطراف المتفاوضة()‪ .‬وعليه فأن المسؤولية تختلف وحسب األحوال ‪،‬أي‬ ‫قد تنعقد المسؤولية العقدية مرة وقد تنعقد تقصيرية مرة أخرى وهذا ما يدفعنا الى‬ ‫دراسة هذه النقاط الجوهرية في ثالثة مطالب‪ ،‬ندرس في المطلب األول المنهجية التي‬ ‫تنعقد بها المسؤولية العقدية ‪ ،‬ونبحث في المطلب الثاني منهجية قيام المسؤولية‬ ‫التقصيرية ومن ثم نختتم هذا المبحث بمطلب ثالث نتناول فيه الخيرة بين المسؤوليتين‬ ‫‪.‬‬ ‫المطلب األول‬ ‫‪7‬‬


‫أنعقاد المسؤولية العقدية‬ ‫كلما أمكن التثبت من وجود عقد كان محصلة لتطابق األيجاب مع القبول خالل مرحلة‬ ‫المفاوضات ‪ ،‬أنعقدت المسؤولية العقدية‪ .‬وال داعي للجدال والنقاش في هذه الحالة حول‬ ‫أنعقادها على أساس العقد المبرم بينهما والذي يحميه القانون بقواعد المسؤولية العقدية‬ ‫إِذا ماتم خرقه()‪ .‬فقد يبرم أطراف التفاوض عقد األلتزام بعدم التفاوض مع الغير أو‬ ‫عقداً يتعلق بتنظيم عملية التفاوض أو عقد ضمان السرية فأنه في مثل هذه الحاالت‬ ‫يجب على القاضي المعروض أمامه النزاع أن ال يتأخر في تطبيق أحكام المسؤولية‬ ‫العقدية كلما تحقق من توافر أركان المسؤولية العقدية()‪.‬‬ ‫فمتى توافرت أركان المسؤولية العقدية()‪ .‬وهي الخطـأ العقدي ‪،‬الضرر والعالقة‬ ‫السببية بين الخطأ والضرر قامت المسؤولية العقدية على مرتكب الخطأ ‪،‬فعدم تنفيذ‬ ‫المتفاوض ألحد األلتزامات الناشئة عن العقد يشكل خطأ عقدي ويستوي في ذلك أن‬ ‫يكون عدم قيام المدين بتنفيذ األلتزام ناشئا ً عن عمده أو عن أهماله ‪ ،‬والخطأ العقدي‬ ‫أما يتمثل بعدم تحقيق النتيجة –إذا كان االلتزام بتحقيق نتيجة – كاأللتزام بعدم التفاوض‬ ‫مع الغير أو األلتزام بضمان السالمة أو يتمثل بعدم بذل العناية الالزمة والمطلوبة –‬ ‫اذا كان األلتزام ببذل عناية – كاأللتزام باألعالم()‪ .‬وال يكفي وجود خطأ عقدي لقيام‬ ‫المسؤولية العقدية في المرحلة السابقة على التعاقد فالبد من وجود ضرر ‪ ،‬والدائن هو‬ ‫المكلف بأثبات الضرر‪،‬ألنه هو الذي يدعيه‪،‬والضرر ال يفترض بمجرد ثبوت الخطأ‬ ‫فقد ال ينفذ المتفاوض (المدين) ألحد التزاماته ومع ذلك ال يصيب الطرف األخر أي‬ ‫ضرر من ذلك ‪ ،‬وعليه يجب على الطرف المدعي أن يثبت الضرر الذي أصابه الى‬ ‫جانب أثباته للخطأ()‪ .‬ويجب أن تكون هناك عالقة سببية بين الخطأ والضرر‪ ،‬وال‬ ‫يكلف الدائن بإثبات هذه العالقة ‪ ،‬بل أن المدين هو الذي يكلف بنفي هذه العالقة اذا‬ ‫أدعى أنها غير موجودة ‪ ،‬فعبء األثبات يقع على المدين ال على الدائن()‪ .‬وأبعد من‬ ‫ذلك قد يجد القاضي عقدا ً معلقا ً على شرط واقف او عقداً منجزاً او وعداً او مجرد عقد‬ ‫بالبدء في التفاوض او باألستمرار فيه()‪ .‬فكلما ثبت في يقين القاضي توافر عقد من‬ ‫العقود أو حتى مجرد وعد به ‪ ،‬فأنه يطبق قواعد المسؤولية العقدية وأن لم يبرم العقد‬ ‫النهائي()‪.‬‬ ‫وعليه نستنتج مما سبق أنه في حالة األخالل بأي التزام عقدي في مرحلة المفاوضات‬ ‫او األخالل بالعقود الممهدة ألبرام العقد األصلي فأن المسؤولية تكون عقدية على عاتق‬ ‫الطرف المخل بشرط توافر اركانها ‪ ،‬وفي الحالة التي ينتفي فيها وجود أي أتفاق خالل‬ ‫هذه المرحلة فأن المسؤولية الناشئة عن المخالفة تكون مسؤولية تقصيرية وهذا ما‬ ‫سنتولى بحثه في المطلب الثاني ‪.‬‬ ‫المطلب الثاني‬ ‫قيام المسؤولية التقصيرية‬ ‫إِذا أجتمع أطراف التفاوض حول مائدة التفاوض نتيجة لتوجيه دعوى مجردة لبدأ‬ ‫التفاوض ولم يقوموا بأبرام أي أتفاقات تنظيمية لعملية التفاوض فأنه في هذه الحالة‬ ‫تكون القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية هي الضابط لهذه المرحلة ففي حالة قيام أحد‬ ‫أطراف التفاوض بالعدول عن المفاوضة وكان فعل عدوله مقترنا ً بخرق األلتزامات‬ ‫‪8‬‬


‫المنبثقة عن مبدأ حسن النية ‪ ،‬فيكون بعدوله هذا قد أرتكب خطأ‪ ،‬وعلى المتفاوض‬ ‫األخر أن يثبت بأن فعل العدول لم يكن مشروعا ً وقد أخل بواجب األلتزام بحسن نية ‪،‬‬ ‫وكذلك عليه أن يثبت انه قد الحق به ضرراً من جراء فعل العدول وبالطبع فأن العالقة‬ ‫السببية مفترضة بين الخطأ والضرر()‪ .‬وفي الحقيقة ليس فعل العدول فقط هو الذي قد‬ ‫يلحق الضرر بالمتفاوض الدائن‪ ،‬بل قد يلحق به الضرر اي فعل أخر يقوم به الطرف‬ ‫األخر ويجعل هذا األخير مسؤوالً عن التعويض ‪ ،‬مثل قيام أحد المتفاوضين بتقديم‬ ‫مقترحات غير جدية وبعيدة كل البعد عن الواقع ‪ ،‬فيكون بذلك قد أخل بضرورة التعاون‬ ‫مع الطرف األخر وذلك دون قيامه بالعدول عن التفاوض ‪.‬‬ ‫صحيح أن حرية العدول مصونة لكل طرف من أطراف التفاوض ويستطيع ممارستها‬ ‫في أي وقت يشاء اال أنه يجب أن يكون عدوله هذا منطقيا ً ومبرراً وال يخل بمبدأ حسن‬ ‫النية ومن ذلك ان تطرأ ظروف أقتصادية جديدة تؤثر على القدرة المالية للمتفاوض‬ ‫بحيث تجعل هذا المتفاوض غير قادر على تنفيذ ألتزاماته المستقبلية فيما لو أبرم العقد‬ ‫‪ .‬وعموما ً يمكن القول ‪ :‬أن المفاوضات كلما قطعت شوطا ً طويالً نحو ابرام العقد كلما‬ ‫تقلصت حرية اطراف التفاوض بالعدول عنها()‪ .‬ويترتب على ذلك أن هذه المسؤولية‬ ‫تستوجب التعويض كأثر ناتج عن العقد الباطل ولكن بوصفه واقعة مادية وليس بوصفه‬ ‫عقداً‪،‬وذلك اذا كان البطالن يعزى لخطأ أرتكبه أحد المتفاوضين ومن ثم يجب أثبات‬ ‫جميع عناصر المسؤولية التقصيرية ويمكن القول أن الرأي الغالب في الفقه والقضاء‬ ‫قد تشيع لهذا األتجاه()‪ .‬وبقي أن نشير لنقطة جديرة بالذكر وهي مسألة األعفاء من‬ ‫المسؤولية‪ ،‬ففيما يتعلق بمسألة األعفاء من المسؤولية العقدية نجد أن من الفقه من يحرم‬ ‫جواز األتفاق على األعفاء من المسؤولية العقدية()‪ ،‬بينما ذهب رأي أخر من الفقه الى‬ ‫جواز األتفاق المعفي من المسؤولية العقدية ولكن يدرجون في الوقت ذاته بعض‬ ‫الحاالت التي ال يجوز فيها األتفاق على األعفاء من المسؤولية العقدية واهم هذه‬ ‫الحاالت هي حالتي الغش والخطأ الجسيم()‪.‬‬ ‫أما موقف المشرع العراقي من مسألة األعفاء من المسؤولية العقدية فقد نجده أتخذ‬ ‫منحى متميزاً وصائبا ً في الوقت ذاته وذلك بأنه جعل األصل هو الجواز على األتفاق‬ ‫حول أعفاء المدين من المسؤولية العقدية ‪ ،‬وجعل حالتي الغش والخطأ الجسيم من‬ ‫الحاالت التي اليجوز فيها األعفاء من المسؤولية العقدية ومع ذلك فأنه يجوز للمدين‬ ‫أن يشترط عدم مسؤوليته في حالتي الغش والخطأ الجسيم اذا وقع من أشخاص‬ ‫يستخدمهم في تنفيذ التزامه‪.‬‬ ‫أي هناك أصل وأستثناء على األستثناء ‪،‬فاألصل هو كما ذكرنا هو جواز األتفاق على‬ ‫األعفاء من المسؤولية العقدية ‪،‬واألستثناء هو يجوز أعفاءه اذا صدر من المدين غش‬ ‫أو خطأ جسيم ‪،‬واألستثناء على األستثناء هو أنه اليجوز أشتراط األعفاء من المسؤولية‬ ‫في هاتين الحالتين اذا كان يقع من أشخاص يستخدمهم المدين في تنفيذ التزامه()‪ .‬وبما‬ ‫أن المبدأ في العقود هو حسن النية في تكوينها وتنفيذها ‪ ،‬فاذا أرتكب المدين غشا ً او‬ ‫خطأ ً جسيما ً يكون قد خالف مبدأ حسن النية الواجب في العقد ‪،‬أي يكون قد أرتكب‬ ‫أخالالً غير متوقع أثناء التعاقد ترتب عليه ضرر غير متوقع للدائن فثبت سوء نيته‬ ‫‪،‬لهذا السبب قررت التشريعات المدنية أعتبار حالتي الغش والخطأ الجسيم من قبل‬ ‫‪9‬‬


‫األخطاء غير العقدية أي من األخطاء الناشئة عن الفعل الضار وبالتالي ال يجوز‬ ‫أشتراط األعفاء منها ألنها متعلقة بالنظام العام()‪ .‬أما فيما يتعلق بشرط األعفاء من‬ ‫المسؤولية التقصيرية ‪،‬فأن أي شرط يتعلق باألعفاء من المسؤولية عن الفعل الضار‬ ‫يعد باطالً ألن هذه المسؤولية تعد من النظام العام وورود مثل هذا يعد مخالفة صريحة‬ ‫للنظام العام()‪ .‬أما فيما يتعلق بشرط األعفاء من المسؤولية ذات الطبيعة الخاصة فأنه‬ ‫حس ب تقديرنا اليمكن القول بجوازه فيها وذلك ألن منشأ هذه المسؤولية هو الطبيعة‬ ‫الخاصة للمرحلة التي تمر بها المفاوضات بين األطراف ‪ ،‬ومع العلم أن كل متفاوض‬ ‫ال يجهل شخصية المتفاوض األخر الذي يقابله ‪،‬فاذا ما أجيز للمتفاوض ان يشترط على‬ ‫المتفاوض األخر أعفاءه من المسؤولية عن األخطاء التي يرتكبها في مرحلة التفاوض‬ ‫والتي حالت دون أبرام العقد أو كانت سببا ً في بطالنه والتي قد تلحق الضرر بالطرف‬ ‫األخر ‪ ،‬فأن ذلك يعني الترخيص له بألحاق الضرر بالطرف األخر وهذا مالم يقل به‬ ‫أحد عالوة على أن هذا يعد مخالفة صريحة لمبدأ حسن النية الذي يهيمن على هذه‬ ‫المرحلة‪.‬‬ ‫المطلب الثالث‬ ‫الخيرة بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية‬ ‫تجد المسؤولية العقدية شأن المسؤولية التقصيرية أساسها في الخطأ ‪ ،‬وقد يشكل هذا‬ ‫الخطأ – بوصفه واقعة ضارة – خطأ عقديا ً وخطأ تقصيريا ً في آن واحد ‪ ،‬وهنا يثور‬ ‫التساؤل عن مدى أحقية الدائن في الخيرة بين أقامة دعواه أستناداً الى توافر خطأ عقدي‬ ‫أو خطأ تقصيري ؟ وكذلك حقه في الجمع بين المسؤوليتين ؟()‪ .‬لألجابة على هذا‬ ‫التساؤل يمكن القول أنه ال خالف بين الفقهاء على عدم جواز مسألة الجمع بين‬ ‫المسؤوليتين‪ ،‬فلو أخل أحد أطراف التفاوض باأللتزام الناشىء عن عقد ضمان السرية‬ ‫مثالً في مرحلة المفاوضات فأنه اليجوز للدائن أن يطالب بتعويضين ‪ ،‬تعويض على‬ ‫أساس المسؤولية العقدية أستناداً الى أن أي أخالل بألتزام عقدي يقيم المسؤولية العقدية‬ ‫ويطالب بتعويض على أساس المسؤولية التقصيرية أستناداً الى أن هذا األلتزام الذي‬ ‫تم خرقه يكون التزاما ً عاما ً يتفرع عن مبدأ حسن النية فيكون محميا ً وفقا ً لقواعد‬ ‫المسؤولية التقصيرية‪ ،‬النه وحسب الرأي الراجح ينبغي أن ال يجاوز التعويض مقدار‬ ‫الضرر()‪ .‬وفي الوقت ذاته ال يجوز للدائن و أن طالب بتعويض واحد أن يجمع في‬ ‫دعواه المدنية بين خصائص المسؤولية العقدية وخصائص المسؤولية التقصيرية ووفقا ً‬ ‫لما يفيده من كل منهما واال ظهرت دعوى غير معروفة ال هي بالعقدية وال هي‬ ‫بالتقصيرية ‪ ،‬وكذلك ال يجوز له اذا رفع أحدى الدعويين فخسرها أن يلجأ الى الدعوى‬ ‫األخرى ألن قوة الشيء المقضي فيه تحول دون ذلك فعليه هو أن يتحمل غرم ذلك()‪.‬‬ ‫أما مسألة الخيرة بين المسؤوليتين ‪ ،‬فأن القضاء في فرنسا()‪ .‬ومصر()‪ .‬قد أنتهى الى‬ ‫عدم جواز الخيرة اال اذا كان االخالل باأللتزام العقدي يكون جريمة او خطأ جسيما ً‬ ‫وعلى هذا األساس ليس أمام ضحية الخطأ العقدي اال دعوى المسؤولية العقدية من‬ ‫حيث المبدأ ‪ ،‬فاذا كان الخطأ العقدي يشكل جريمة او خطأ جسيما ً كان له الخيرة بين‬ ‫دعوى المسؤولية العقدية ودعوى المسؤولية التقصيرية‪ .‬وتطبيقا ً لذلك ليس أمام‬ ‫المتفاوض ضحية األخالل باأللتزامات التفاوضية اال دعوى المسؤولية العقدية او‬ ‫‪11‬‬


‫دعوى المسؤولية التقصيرية حسب األحوال‪ ،‬وأن كان له الخيرة بينهما اذا شكل الخطأ‬ ‫جريمة أو غشا ً او خطأ ً جسيما ً فيكون للدائن في أي من هذه الحاالت أن يرفع دعواه‬ ‫أستناداً الى قواعد المسؤولية التقصيرية او قواعد المسؤولية العقدية وحسب احوالها()‪،‬‬ ‫فقد يرى من مصلحته على سبيل المثال دعوى المسؤولية التقصيرية اذا كان صالحه‬ ‫في تضامن المدينين او في التزاماتهم بالتعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع او‬ ‫في أبطال ما أدرجوه من بنود لألعفاء من المسؤولية()‪.‬‬ ‫ونستخلص من هذا كله ‪،‬أنه اذا وجد هناك شرط يقضي باللجوء الى قواعد المسؤولية‬ ‫العقدية وحدها ‪ ،‬فال يجوز ألي منهما األلتجاء الى قواعد المسؤولية التقصيرية ‪،‬ألن‬ ‫الطرفين قد أفصحا بأدراج هذا الشرط عن أرادة صريحة وواضحة ‪.‬ونرى أن هذا‬ ‫األمر يسري حتى في حالة كون الخطأ جسيما ً فال يجوز األلتجاء لقواعد المسؤولية‬ ‫التقصيرية ‪،‬ألن هذ الخطأ ال يخرج المتعاقد عن دائرة المسؤولية العقدية وهذا ما أخذ‬ ‫به المشرع العراقي اذ قضى بأن جزاء الخطأ الجسيم أو العمد هو تعويض المتعاقد‬ ‫عما لحقه من ضرر مباشر كان متوقعا ً أو غير متوقع()‪ .‬ونحن في هذا المقام نذهب‬ ‫لما ذهب إليه األستاذ الكتور حسن علي الذنون من أنه اذا كان أخالل المتعاقد بتنفيذ‬ ‫ألتزامه التعاقدي يشكل جريمة يعاقب عليها قانون العقوبات ‪،‬كما يعد في الوقت ذاته‬ ‫جريمة مدنية فحينئذ يجوز األلتجاء ألحدى المسؤوليتين ‪،‬أي يجوز للمتعاقد الذي أصابه‬ ‫الضرر الرجوع على المتعاقد األخر أما بدعوى العقد او بدعوى الفعل الضار ‪ ،‬لكن‬ ‫يبقى األصل هو أنه اذا أختار أحد هذين الطريقين أستنفذ حقه ولم يعد له بعد أن يلجأ‬ ‫الى الطريق األخر اال اذا كان عدوله عن الطريق الذي أختاره قد تم قبل صدور الحكم‬ ‫النهائي في دعواه()‪.‬‬ ‫الخاتمــــــة‬ ‫بعد أن تطرقنا في هذا البحث للطبيعة القانونية للمسؤولية السابقة على التعاقد وتعرضنا‬ ‫لألتجاهات الفقهية المطروحة في هذا الصدد ووجدنا الحاالت التي تنعقد فيها المسؤولية‬ ‫العقدية واألخرى تنعقد فيها المسؤولية التقصيرية وقبل ختام البحث تطرقنا لمسألة‬ ‫الخيرة بين المسؤوليتين توصلنا لما يأتي ‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ال ضير من أبتداع نوع ثالث من المسؤولية وتحدد شرائطه وفقا ألحتياجات العدالة اذ‬ ‫تحكم قواعد هذه المسؤولية مرحلة المفاوضة ألنها مرحلة سابقة على أبرام العقد وفيها‬ ‫خصوصية وهي أن ماتم طرحه فيها يعد ناتجا ً عن أرادة األطراف المتفاوضة وال‬ ‫يجوز تجاهل هذه األرادة ‪.‬‬ ‫وعليه نؤيد األتجاه الفقهي الذي ينادي بجعل المسؤولية في مرحلة التفاوض مسؤولية‬ ‫خ اصة وسابقة على التعاقد وتعالج خطأ يتمتع بخصوصية وهو يتمثل باألخالل بالثقة‬ ‫المشروعة المتولدة في هذه المرحلة ‪،‬و تعالج ضرراً ناتجا ً بمناسبة محاولة أبرام العقد‬ ‫وعليه اذا كان األصل هو وكما رأينا بعد األطالع على العديد من المصادر نعتقد أن‬ ‫المسؤولية الناشئة في المرحلة السابقة على التعاقد هي مسؤولية تقصيرية اال أن هناك‬ ‫حاالت يدق فيها التمييز وتكون المسؤولية عقدية فيها ‪،‬ومثلها الحاالت التي يقطع فيها‬ ‫الطرفان مراحل جادة في طريقها الى التعاقد اذ يتوصلوا الى أبرام اتفاقات أولية سابقة‬ ‫على أبرام العقد األصلي ‪ ،‬ولذلك فأن عدم تنفيذ أي ألتزام ورد في هذه األتفاقات‬ ‫‪11‬‬


‫التمهيدية يرتب مسؤولية عقدية فمثالً لوكان األتفاق التمهيدي ينص على أن يكون هناك‬ ‫شخص ثالث يحدده احد األطراف يقوم بتعيين ثمن الشيء المراد بيعه ‪،‬فأن عدم قيام‬ ‫ذلك الطرف بأختيار هذا الشخص قصداً منه الى عدم أبرام العقد األصلي ‪ ،‬يجعله‬ ‫مسؤول مسؤولية عقدية ناتجة عن مخالفة األتفاق التمهيدي‪.‬‬

‫‪12‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.