درس هيباتيا الأخير ـ أرماندو روسا

Page 1

0


‫أرماندو ناسيمينتو روسا‬

‫ترجمها إلى اإلنجليزية‬ ‫ألكس الد‬

‫ترجمة‬ ‫ناصر الحلواني‬

‫‪1‬‬


2


‫درس هيباتيا األخري‬ ‫مرسح‬ ‫مؤلف‪ :‬أرماندو ناسيمينتو روسا‬ ‫ترمجة عن الربتغالية إىل اإلنجليزية‪ :‬ألكس الد‬

‫ترمجة عن اإلنجليزية‪ :‬نارص احللواين‬ ‫كافة حقوق الرتمجة حمفوظة للمرتجم‬ ‫طبعة أوىل‬ ‫ديسمرب‪2021‬‬

‫‪3‬‬


4


‫مقدمة املؤلف‬ ‫أرماندو ناسيمينتو روسا‬

‫[‪]1‬‬

‫درس هيباتيا األخري[‪ :]2‬اسرتجاع لقصتها بواسطة اخليال الدرامي‪.‬‬

‫[‪ ]1‬أرماندو ناسيمينتو روسا ‪ :Armando Nascimento Rosa‬هو أستاذ في قسم املسرح‪،‬‬ ‫بكلية الفنون املسرحية والسينما‪ ،‬في لشبونة‪ ،‬وأحد أنجح الكتاب املسرحيين البرتغاليين‬ ‫الذين ظهروا في القرن الحادي والعشرين‪ .‬قام بتأليف ثالثين عمال دراميا أصليا‪ .‬ألف ‪21‬‬ ‫ُ‬ ‫كتابا من املسرحيات واملقاالت األصلية عن الدراما‪ ،‬ترجمت مسرحياته إلى اإلنجليزية‪،‬‬ ‫واإلسبانية‪ ،‬والفرنسية‪ ،‬واإليطالية‪ ،‬والكتالونية‪ ،‬واليونانية‪ ،‬والصربية‪ ،‬والعربية اآلن‪،‬‬ ‫بترجمتي ملسرحيته "درس هيباتيا األخير"‪ ،‬وحصل على عدد من الجوائز املرموقة‪.‬‬ ‫[املترجم]‬ ‫[‪ ]2‬هيباتيا ‪355( :Hypatia‬م‪415/‬م) فيلسوفة‪ ،‬وعاملة رياضيات‪ ،‬ومعلمة عاشت في‬ ‫اإلسكندرية‪ .‬في عصر مضطرب للغاية في تاريخ اإلسكندرية ‪ .‬وهي ابنة الفيثاغورثي الشهير‬ ‫"ثيون"‪ ،‬الفيلسوف ومدير مكتبة اإلسكندرية‪ ،‬الذي َّنقحت شروحه في علم الفلك‪،‬‬ ‫وكتبت تفسيرات وشروحا لكتاب القوانين الفلكية لبطليموس‪ ،‬وشروحات لكتاب‬ ‫املخروطات ألبولونيوس البرجي‪ ،‬وتخصصت في الفلسفة األفالطونية املحدث‬ ‫كانت معلمة ومحاضرة مشهورة في املوضوعات الفلسفية ذات الطبيعة األقل تخصصا‪،‬‬ ‫وجذبت العديد من الطالب املخلصين والجمهور الكبير‪ .‬كان ُينظر إليها على أنها "وثنية"‬ ‫في وقت الصراع الديني املرير بين املسيحيين (األرثوذكس و "الهرطقيين" على حد سواء)‪،‬‬ ‫واليهود‪ ،‬والوثنيين‪.‬‬ ‫كانت مفكرة بارزة في املدرسة األفالطونية الحديثة في اإلسكندرية حيث درست الفلسفة‬ ‫‪5‬‬


‫تصور مرسحية درس هيباتيا األخري ‪ ،‬بشكل درامي‪ ،‬الظروف املحيطة‬ ‫بعملية القتل الوحشية هليباتيا ‪415-370‬م)‪ ،‬الفيلسوفة الوثنية‪،‬‬

‫وعلم الفلك‪ .‬اشتهرت هيباتيا في حياتها كمعلمة عظيمة ومستشارة حكيمة‪ .‬قامت هيباتيا‬ ‫ببناء اإلسطرالب ومقاييس الهيدرومتر‪ ،‬لكنها لم تخترع أيا منهما‪ ،‬وكالهما كان قيد‬ ‫االستخدام قبل والدتها بفترة طويلة ‪.‬‬ ‫على الرغم من أنها كانت وثنية‪ ،‬إال أنها كانت متسامحة تجاه املسيحيين‪ ،‬وعلمت العديد‬ ‫طالبهم‪ ،‬بما في ذلك سينيسيوس‪ ،‬أسقف املستقبل لبطليموس‪ .‬تسجل املصادر القديمة‬ ‫أن هيباتيا كانت محبوبة على نطاق واسع من قبل الوثنيين واملسيحيين على حد سواء‬ ‫وأنها كانت ذات تأثير كبير على النخبة السياسية في اإلسكندرية‪ .‬قرب نهاية حياتها‪،‬‬ ‫نصحت هيباتيا أوريستيس‪ ،‬محافظ اإلسكندرية الروماني‪ ،‬الذي كان في خضم نزاع‬ ‫سياس ي مع كيرلس‪ ،‬أسقف اإلسكندرية‪.‬‬ ‫وانتشرت شائعات متهمة إياها بمنع أوريستيس من املصالحة مع كيرلس‪ ،‬وفي مارس‬ ‫ُ‬ ‫معلم ُيدعى بطرس‪ .‬حيث‬ ‫‪415‬م‪ ،‬قتلت على يد حشد من املسيحيين املتعصبين بقيادة ِّ‬ ‫سحبوها من عربتها في أحد شوارع اإلسكندرية‪ ،‬وجروها إلى الكنيسة‪ ،‬وجردوها من‬ ‫مالبسها‪ ،‬وضربوها حتى املوت‪ ،‬وسلخوها‪ ،‬ومزقوا أطرافها‪ ،‬وأحرقوا بقاياها‪.‬‬ ‫صدم مقتل هيباتيا اإلمبراطورية وحولها إلى "شهيدة للفلسفة"‪ ،‬مما أدى إلى أن يصبح‬ ‫األفالطونيون الجدد متحمسين بشكل متزايد في معارضتهم للمسيحية‪ .‬خالل العصور‬ ‫الوسطى‪ ،‬تم اختيار هيباتيا كرمز للفضيلة املسيحية ويعتقد العلماء أنها كانت جزءا من‬ ‫أساس أسطورة سانت كاترين في اإلسكندرية‪ .‬خالل عصر التنوير‪ ،‬أصبحت رمزا ملعارضة‬ ‫الكاثوليكية‪ .‬في القرن التاسع عشر‪ ،‬جعلها األدب األوروبي‪ ،‬رومانسية على أنها "آخر‬ ‫الهيلينيين"‪ .‬في القرن العشرين‪ ،‬أصبح ُينظر إلى هيباتيا على أنها رمز لحقوق املرأة ومقدمة‬ ‫للحركة النسوية‪ .‬ومنذ أواخر القرن العشرين‪ ،‬ربطت بعض الصور بوفاة هيباتيا بتدمير‬ ‫مكتبة اإلسكندرية‪ ،‬على الرغم من الحقيقة التاريخية بأن املكتبة لم تعد موجودة في‬ ‫حياة هيباتيا‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪6‬‬


‫وعاملة الفلك‪ ،‬وعاملة الرياضيات‪ ،‬واملعلمة‪ ،‬واملرأة الوحيدة التي تولت‬ ‫إدارة أكاديمية اإلسكندرية يف العصور الوسطى‪ .‬يشري املؤرخون عادة‬ ‫إىل تاريخ وفاهتا عىل يد املتعصبني الدينيني‪ ،‬يف عام ‪ ،415‬باعتباره‬ ‫البداية الرمزية للعصور الوسطى إىل جانب إغالق أكاديمية أفالطون‬ ‫يف أثينا‪ ،‬يف نفس الوقت تقريبا)‪ .‬عىل الرغم من أن عميل هو أداء درامي‬ ‫حر حلياة هيباتيا‪ ،‬إال أنني حاولت‪ ،‬أيضا‪ ،‬أن أكون وفيا قدر اإلمكان‬ ‫للحقائق التارخيية‪ ،‬باستشارة مصادر‬

‫(‪)1‬‬

‫السرية الذاتية الشحيحة‬

‫املوجودة حول هذه املرأة الرائعة‪ ،‬باإلضافة إىل السري الذاتية‬ ‫للشخصيات التارخيية األخرى‪ ،‬يف ذلك الوقت‪ ،‬ممن يظهرون يف‬

‫( ‪ )1‬مقال لنانس ي نيتوبسكي‪" ،‬هيباتيا اإلسكندرية‪ :‬عالم رياضيات وفلك وفيلسوفة" ظهر في‬ ‫املجلد الثاني من "اإلسكندرية ‪ -‬مجلة التراث الكوني الغربي" (تحرير ديفيد فيدلر‪ ،‬جراند‬ ‫رابيدز‪ ،‬ميشيجان‪ ، 1993 ،Phanes Press :‬ص ‪ ،)56-45‬كان مفيدا جدا بالنسبة لي‪،‬‬ ‫حيث أن نيتوبسكي تعلق على املصادر العديدة التي لدينا عن هيباتيا (بدءا من املصادر‬ ‫الثمانية األولية املكتوبة)‪ ،‬تليها الترجمة اإلنجليزية لثالثة من أهم هذه املصادر‪ ،‬مترجمة‬ ‫بواسطة جيرميا ريدي‪" :‬حياة هيباتيا" ‪ ،‬من موسوعة ‪ The Sudda‬البيزنطية‪ ،‬و"حياة‬ ‫هيباتيا" لسقراط سكوالستيكوس‪ ،‬و"حياة هيباتيا" بقلم جون أسقف نيكيو (ص ‪-57‬‬ ‫‪( .)64‬املؤلف)‬ ‫‪7‬‬


‫مرسحيتي‪ ،‬أو ُذكروا فيها‪ ،‬مثل‪ :‬سينسيوس من قورينا[‪ ،]1‬أسقف‬ ‫وتلميذ سابق هليباتيا التي بقيت رسائله إليها)‪ ،‬واحلاكم أوريستيس‪،‬‬ ‫والبطاركة‪ :‬ثيوفيلوس‪ ،‬وكريلس األول السكندري‪ ،‬وإيريا بوخلريا‪،‬‬ ‫حيل هذا بيني‬ ‫إمرباطورة بيزنطة‪ ،‬وباالداس السكندري‪ ،‬النحوي‪ .‬مل ُ‬ ‫وبني اخرتاع العديد من الشخصيات‪ ،‬مما سمح يل بالتصوير الدرامي‬ ‫للمعلومات التارخيية التي اعتربهتا جوهرية ملرسحية من هذا النوع‪.‬‬ ‫مثال عىل ذلك‪ :‬ديميرتيا‪ ،‬زوجة أورستيس املمثلة‪ .‬حيث ساعدت‬ ‫مواجهتها هليباتيا يف إعادة احلياة إىل اخلالف الشهري القائم بني‬ ‫أوريستس وهيباتيا‪ ،‬حينام كان تلميذها املصاب بعشقها‪ .‬كام أنه يساعد‬ ‫يف إضفاء الطابع الدرامي عىل التقارير التي تشري إىل الصلة بني مقتل‬ ‫هيباتيا وافتتاح مرسح يف اإلسكندرية‪ ،‬بأمر من أوريستس بصفته‬ ‫حمافظا‪ .‬وجعل أوريستس كاتبا مرسحيا‪ ،‬يكتب حتت االسم املستعار‬ ‫أريستيوس من طيبة‪ ،‬هو أحد النزوات العديدة التي استسلمت هلا‪ ،‬يف‬

‫[ ‪ ]1‬قورينا‪ :‬مدينة تاريخية أسسها اإلغريق في الجبل األخضر‪ ،‬في أقص ى شمال شرق ليبيا‪.‬‬ ‫[املترجم]‬ ‫‪8‬‬


‫تكريم‪ ،‬من نوع ما‪ ،‬ملفهوم أرسطو‪ ،‬بأن عامل احلقائق التارخيية هو ما‬ ‫حدث اجلزئي)‪ ،‬وأن عامل الشعر الدرامي هو ما قد حيدث الكيل)[‪.]1‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬فهذا يفيد‪ ،‬يف هذه احلالة‪ ،‬التي ال نعرف فيها سوى القليل عام‬ ‫حدث عىل أي حال‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن طالب هيباتيا الصغار يف األكاديمية‬ ‫املحرر‪،‬‬ ‫هم شخصيات درامية متخيلة‪ ،‬من بينهم إبونيوس‪ ،‬العبد‬ ‫ّ‬ ‫ونزاريوس اليهودي‪ ،‬وكاريوتيس‪ ،‬اجلاسوس الذي سلم هيباتيا إىل‬ ‫أتباع كريلس األول‪ ،‬وستيال‪ ،‬التي وصلت حديثا إىل األكاديمية‪ ،‬وابنة‬ ‫سينسيوس وهو ما يتعارض مع السجل التارخيي الذي خيربنا أن ابني‬ ‫أسقف بينتابوليس ماتا يف طفولتهام)‪ .‬وعىل الرغم من أن مطالبة‬ ‫سينيسيوس بأن تقبل الكنيسة زواجه قبل أن يصبح أسقفا موثقة جيدا‪،‬‬

‫[‪ ]1‬يقول د‪ .‬سعيد توفيق‪" :‬الفلسفة عنده [أرسطو] هي األصل واملرجع واملعيار حينما يميز‬ ‫الشعر بقوله‪" :‬إن الشعر أكثر من التاريخ حظا من الفلسفة"؛ ألن التاريخ يعبر عن‬ ‫الجزئي‪ ،‬في حين أن الشعر يعبر عن الكلي‪ .‬ولقد أفاض الفالسفة في تفسير هذا القول‬ ‫الذي ال يزال صالحا حتى يومنا هذا؛ ألن الشعر الحق يشارك الفلسفة في أنه يقدم لنا‬ ‫رؤية كلية للوجود‪ ،‬ولكنها مكثفة في اللغة الشعرية؛ إذ إن الشاعر ال يعبر عن هذه الرؤية‬ ‫بلغة التصورات الفلسفية املجردة‪ ،‬وإنما يعبر عنها في طابعها الحس ي امللموس الذي‬ ‫يتجسد فيه املعنى والداللة بلغة ال يمكن استبدالها‪ ،‬أي من خالل الكلمات بصوتياتها‬ ‫وإيحاءاتها التي تومئ إلى املعنى‪( .‬مقال‪ :‬الفلسفة والشعر)‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪9‬‬


‫إال أن ملفي الشخيص عن زوجته‪ ،‬الفينيا‪ ،‬هو نتاج خميلتي‪ ،‬ويعالج‬ ‫االفتقار إىل بيانات سريهتا الذاتية‪.‬‬ ‫نُرش ت مرسحية "الدرس األخري هليباتيا" ألول مرة‪ ،‬يف الربتغال‬ ‫عام ‪ 2004‬كاملة يف ثالثة فصول‪ .‬يف هذا اإلصدار‪ ،‬تشكل الساعات‬ ‫األخرية من حياة الفيلسوفة الفصل الثاين من املرسحية‪ ،‬التي تنخرط يف‬ ‫نوع من احلوار املرسحي مع قصة معارصة عن العنف املدريس‪ .‬من هذا‬ ‫النص الكامل‪ ،‬جاءت هذه املرسحية املكونة من فصل واحد عن‬ ‫هيباتيا‪ ،‬لتحقق فكرة خطرت يل منذ بضع سنوات‪ ،‬والتي أصبحت اآلن‬ ‫حقيقية‪ ،‬بفضل تشجيع سوزان روالند‪ ،‬املسؤولة عن القراءة املرحلية‬ ‫األوىل هلذا العمل املرسحي القائم عىل الرتمجة اإلنجليزية ألليكس‬ ‫الد)‪ ،‬يف إيثاكا نيويورك‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية) يف جامعة‬ ‫كورنيل مركز روبرت بورسيل املجتمعي‪ ،‬قاعة املحارضات‪،‬‬ ‫‪ .)1()2010/08/11‬هذه إذن مرسحية جديدة‪ ،‬وإن ليست جديدة‬

‫( ‪ )1‬تم تقديم قراءة العرض املسرحية األولية "للدرس األخير لهيباتيا"‪ ،‬تحت إشراف سوزان‬ ‫روالند‪ ،‬في جامعة كورنيل كجزء من برنامج "على الحافة‪ :‬النفس في األخالق والفنون‬ ‫والطبيعة"‪ :‬مؤتمر للبحوث حول علم نفس يونج وعلم النفس التحليلي (العاشر إلى الرابع‬ ‫‪10‬‬


‫متاما‪ ،‬ألنني أضفت أيضا مقدمة وخامتة ملساعدة هذا البديل األقل طوال‬ ‫عىل الوقوف بمفرده‪ ،‬بمنأى عن سابقته األطول‪.‬‬ ‫ُأتيحت يل الفرصة‪ ،‬بني اإلصدار األول من مرسحيتي يف عام‬

‫‪ 2002‬والوقت احلارض‪ ،‬لقراءة كتاب ماريا دزيلسكا "هيباتيا‬ ‫السكندرية" يف الطبعة الربتغالية‪ ،)2009 ،‬والتي تقول‪ ،‬من بني أمور‬ ‫أخرى‪ ،‬أهنا قراءة خاطئة للسجل التارخيي اإلرصار عىل أن هيباتيا كانت‬ ‫تبلغ من العمر ‪ 45‬عاما حني وفاهتا‪ .‬تذهب الباحثة البولندية ‪ -‬ألول‬ ‫مرة – إىل أن هيباتيا كانت ستكرب وستحتفل بالفعل بعيد ميالدها‬ ‫الستني يف عام ‪415‬م‪ ،‬وهو العام الذي ُقتلت فيه هيباتيا‪ .‬عىل الرغم من‬ ‫أن أطروحة دزيلسكا التي تعدل عام ميالد هيباتيا التي تعود إىل عام‬ ‫‪ 355‬بعد امليالد) تبدو معقولة‪ ،‬فقد قررت التمسك بالرسد األصيل‬ ‫حول هيباتيا‪ .‬لذا فإن قصتي تتبع التفسري التقليدي للبيانات التارخيية‪،‬‬ ‫الذي يذكر أن موهتا كان يف زهرة األربعينيات من عمرها‪ ،‬وهو أيضا‬

‫عشر من أغسطس ‪ ،)2010‬الذي عقد باالشتراك مع جمعية يونج للدراسات العلمية‬ ‫والرابطة الدولية لدراسات يونج‪( .‬املؤلف)‬ ‫‪11‬‬


‫اختيار صانع األفالم اإلسباين أليخاندرو أمينابار يف فيلمه ‪Agora‬‬

‫‪ ،)2009‬وهو أول غزو هليباتيا يف السينام‪ ،‬حيث لعبت دورها املمثلة‬ ‫الربيطانية املولد راشيل وايز‪.‬‬ ‫كانت نقطة البداية لكتابة هذه املرسحية هي القصيدة التي تنتهي هبا‪،‬‬ ‫والتي كُتبت يف تاريخ سابق عىل كتابة بقية النص‪ .‬يف هذه القصيدة‪،‬‬ ‫نفهم أن عامل الرياضيات ثيون ‪ -‬والد هيباتيا ‪ -‬كان ال يزال عىل قيد‬ ‫احلياة‪ ،‬عندما تم انتزاع حياة ابنته منها بوحشية‪ ،‬وهو األمر الذي قد‬ ‫يكون غري دقيق تارخييا ويتعارض مع املرسحية نفسها‪ .‬يف الواقع‪ ،‬فإن‬ ‫ديميرتيا‪ ،‬يف مشهدها مع أوريستس‪ ،‬تشري إىل ثيون بصيغة املايض‪ ،‬مما‬ ‫يؤدي بنا إىل إدراك أنه كان ميتا بالفعل يف ذلك الوقت‪ .‬تشري لوسيندا‬ ‫رصاحة إىل وجود نسخ خمتلفة عن وقت وفاة هيباتيا يف املرسحية ويف‬ ‫القصيدة‪ .‬إن لوسيندا ـ األشبه باألنيام[‪ ]1‬ـ هي قناع مراهق صنعته لنفيس‬

‫[‪ ]1‬األنيما ‪ :Anima‬لفظ يوناني قديم يعني‪ :‬القطب األنثوي في الرجل‪ .‬وقد استخدمه يونج في‬ ‫مذهبه لالشعور الجمعي‪ ،‬حيث يذهب إلى أن في كل رجل أنثى هي األنيما‪ ،‬التي تشكل‬ ‫الطاقة اإلبداعية الكامنة فيه‪ ،‬وفي كل امرأة رجل هو األنيموس‪ ،‬الذي يشكل الجانب‬ ‫االنبساطي واملجتمعي فيها‪ .‬فهما أشبه بطاقتان في الرجل واملرأة تعمالن على التقارب بين‬ ‫‪12‬‬


‫كمؤلف‪ ،‬مما منحني احلرية اإلبداعية‪ ،‬واملسافة التي احتاجها لتجنب‬ ‫كتابة مرسحية مستوحاة من األحداث التارخيية فقط‪ .‬سمح يل قرار‬ ‫لوسيندا يف هناية املرسحية باحلفاظ عىل هذه النسخ املتباينة عن مصري‬ ‫هيباتيا‪ ،‬مما يؤكد بشكل رمزي مدى ضآلة ما نعرفه يقينا عن هذه املرأة‬ ‫الفيلسوفة‪ .‬كان عدم اليقني هذا هو أطلق لدي الرغبة يف اللجوء إىل‬ ‫اخليال الدرامي إلعادة ختليق هيباتيا كشخصية مرسحية‪ ،‬شخصية‬ ‫تسعى للتواصل معنا‪ ،‬عن طريق العاطفة واألفكار‪ ،‬وعن طريق املرح‬ ‫املرسحي‪ ،‬واحلدس‪ ،‬صانعة للرموز‪.‬‬ ‫إيثاكا‪ 11 ،‬أغسطس ‪2010‬‬

‫أرماندو ناسيمينتو روزا‬

‫املتآلفين فيهما‪ .‬ويقصد املؤلف هنا أن شخصية لوسيندا تمثل الجانب األنثوي فيه هو‬ ‫شخصيا‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪13‬‬


14


‫"أي روح تغنت على شفاه رائعة الجمال‬ ‫و احترق صفاؤها في عيون ملهمة؟‬ ‫نفس أفالطون وجسد أفروديت‬ ‫رحال إلى األبد إلى سماء هيالس الجميلة" !‬ ‫الشاعر الفرنس ي لوكونت دي ليسلي‪ ،‬هيباتيا (‪)1847‬‬

‫‪15‬‬


16


‫الشخصيات‪:‬‬ ‫لوسيندا‬ ‫هيباتيا السكندرية‬ ‫سينسيوس القورينائي‬

‫ستيلال‬ ‫الفينيا‬ ‫أوريستس‬ ‫ديمتريا‬ ‫نازاريوس‬ ‫كاريوتيس‬ ‫إبونيوس‬ ‫كيرلس‬ ‫مرتدو األقنعة‬ ‫هيلين الصورية‬ ‫سمعان الساحر‬ ‫بلوكيريا‬ ‫حارسان‬

‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪:‬‬

‫طالبة شابة‪ ،‬مؤلفة‪.‬‬ ‫فيلسوفة من اإلسكندرية‪.‬‬ ‫أسقف بنتابوليس‪ ،‬تلميذ سابق لهيباتيا‪.‬‬ ‫ابنة سينسيوس والفينيا (تلعب لوسيندا دورها)‪.‬‬ ‫زوجة سينسيوس‪.‬‬ ‫حاكم اإلسكندرية‪.‬‬ ‫ممثلة‪ ،‬زوجة أوريستس‪.‬‬ ‫تلميذ هيباتيا‪ ،‬يهودي‪.‬‬ ‫تلميذ هيباتيا‪ ،‬جاسوس يعمل لصالح كيرلس‪.‬‬ ‫تلميذ هيباتيا‪ ،‬نوبي‪.‬‬ ‫بطريرك اإلسكندرية‪.‬‬ ‫أتباع كيرلس‪.‬‬ ‫شخصية تلعب ديمتريا دورها‪.‬‬ ‫أحد شخصيات مسرحية ديمتريا‪.‬‬ ‫إمبراطورة اإلمبراطورية الشرقية‪.‬‬ ‫وآخرون مختلطون بالجمهور‪.‬‬

‫‪17‬‬


18


‫مقدمة‬ ‫لوسيندا‬

‫‪:‬‬

‫تأثرت‬ ‫حماطة بكتب‪ ،‬وكراسات‪ ،‬وجهاز البتوب) لقد‬ ‫ُ‬ ‫ورغبت يف‬ ‫وبحثت عنها يف اإلنرتنت‪،‬‬ ‫بسامع قصتها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫تأليف رواية مرسحية باالستعانة بشخصيات تارخيية‪.‬‬ ‫وغرقت يف النوم‬ ‫طلبت بعض الكتب بواسطة الربيد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يوما وأنا أقرأ أحد تلك الكتب‪ ،‬عندما زارين شبح‬ ‫هيباتيا‪.‬‬ ‫تدخل هيباتيا وهي تتمتم برسعة ببعض الكلامت‪ ،‬غري‬

‫املفهومة)‬ ‫ِ‬ ‫زلت‬ ‫ال أدري إن كنت نائمة أم يقظة‪ ،‬لكنك ما‬ ‫تتحدثني إيل‪ِ .‬‬ ‫أنت صوت خيتبئ يف عيني‪ .‬عندما‬ ‫اكتشفت وجودك شعرت بطيفك‪ .‬وأتيتي إيل‬ ‫‪19‬‬


‫وسألتني ماذا أريد‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬لوسيندا‪ ،‬أريدك أن تكتبي قصتي‪ .‬القصص تُطيل‬ ‫حياة الشفاه التي تنطق هبا‪ .‬وقصتي حتتاج ِ‬ ‫إليك‪ ،‬حتى‬ ‫ال تنزلق إىل مهوى النسيان‪ .‬أي فائدة تكون إذا‬ ‫ذكرتني الكتب ولكنها تبقى مغلقة عىل األرفف‪ ،‬أو‬ ‫يتم تسجيلها عىل أسطوانات ال يديرها أحد؟ أما‬ ‫املرسح‪ ،‬فهو كتاب مفتوح ألولئك الذين يرغبون يف‬ ‫قراءهتا‪ .‬اسمي هيباتيا‪ ،‬معلمة يف اإلسكندرية‪،‬‬ ‫وأموت يف كل مرة تُعرض فيها هذه املرسحية‪ .‬لكنني‬ ‫س ُأولد من جديد يف كلامتِك‪ .‬تفتح لوسيندا جهاز‬ ‫الالبتوب‪ ،‬وتضغط عىل املفاتيح بحامس) أكتبي‪ ،‬أكتبي‬ ‫لوسيندا‪ .‬من اللية فصاعدا سأسكن يف جهاز‬ ‫الكمبيوتر خاصتك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫سأعرفك عىل شخصيات مرسحيتي‪ .‬ها هم املمثلون‬ ‫يصلون‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫ُيسلط الضوء عىل مجيع شخصيات املرسحية) املرسح فضاء‬ ‫تتشارك فيه الضحكات واألحزان‪ .‬خيرج اجلميع عدا‬ ‫سينسيوس‪ ،‬وستيلال‪ ،‬والفينيا‪ .‬ترتدي لوسيندا مالبس‬

‫ستيلال)‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫مشهد ‪1‬‬ ‫سينسيوس القورينائي‪ ،‬رجل في األربعينيات من عمره‪،‬‬ ‫يظهر مخاطبا الجمهور‪.‬‬ ‫يرتدي سترة خفيفة‪ ،‬تخبرنا أنه كاهن‪.‬‬ ‫سينسيوس ‪ :‬اسمي سينسيوس‪ ،‬سينسيوس القورينائي ـ من املعتاد‬ ‫بيننا إضافة مكان امليالد إىل اسم الشخص‪ُ .‬ولدت يف‬ ‫نفس العام الذي ُولدت فيه هيباتيا‪ ،‬عام ‪470‬‬ ‫ميالدي‪ .‬رغم أننا يف نفس العمر‪ ،‬إال أهنا معلمتي يف‬ ‫مسائل الروح‪ .‬يف عمر احلادي والعرشين‪ ،‬غادرت‬ ‫قورينيا إىل اإلسكندرية؛ ألدرس عىل هذه املرأة‪ ،‬التي‬ ‫ذاعت شهرهتا يف أنحاء البحر املتوسط‪ .‬عاملة فلك‪،‬‬ ‫وفيلسوفة‪ ،‬وعاملة باألجرام الساموية‪ ،‬وبنجوم الروح‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫هيباتيا كانت أول امرأة تقوم بالتدريس ـ وإدارة ـ‬ ‫أكاديمية اإلسكندرية‪ ،‬تلك املؤسسة الشهرية‪ ،‬التي‬ ‫ُبنيت عىل غرار أكاديمية أفالطون يف أثينا‪ .‬وما أنا عليه‬ ‫اليوم‪ ،‬وما أعلمه‪ ،‬إنام أدين هلا به‪ .‬دروسها احلكيمة‬ ‫أشعلت الرشارات اإلهلية اخلامدة يف مجاجم البرش‪.‬‬ ‫مرحب هبم يف‬ ‫التالميذ من كل األطياف العقائدية‬ ‫ٌ‬ ‫مدرسة هيباتيا‪ ،‬رشيطة أن يملكوا رغبة طبيعية يف‬ ‫التعلم‪ .‬فقط يف اإلسكندرية‪ ،‬املدينة التي أنشأها البطل‬ ‫املقدوين من أجل توحيد الناس واملعتقدات يف تعايش‬ ‫سلمي‪ ،‬يمكن ملثل هذه املدرسة أن تكون‪ .‬يف ذاك‬ ‫الوقت كنت مغويا بكلمة املسيح‪ .‬هيباتيا معجبة‬ ‫باملسيح‪ ،‬لكنها من أتباع ديانة فيثاجورس[‪ .]1‬بالنسبة‬ ‫هلا‪ ،‬فإن يسوع واحد من األرواح املستنرية التي هبطت‬

‫[‪ ]1‬ديانة فيثاغورس‪ :‬من مبادئ العقيدة الفيثاغورية‪ :‬االمتناع عن امللذات الجسدية‪.‬‬ ‫واعتماد املوسيقى والشعر كوسائل شعائرية لترقية النفس‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪23‬‬


‫عىل األرض‪ ،‬بعد أورفيوس[‪ ،]1‬وأفالطون‪،‬‬ ‫وإقليدس[‪ ،]2‬وأفلوطني[‪ .]3‬مل تشأ أن تضع أحدهم يف‬ ‫مرتبة أعىل من اآلخرين‪ ،‬فقط مقربة هلؤالء الصفوة‬ ‫من العظامء‪ ،‬حيث لكل واحد منهم مذبحه‪ ،‬قد‬ ‫يرضيها‪ .‬هلذا السبب اهتمها أصحاب الطوائف‬ ‫املذهبية بأهنا مل تنبذ عقيدهتا الوثنية‪ .‬إهنم ال يفهون أنه‪،‬‬ ‫إضافة إىل التسامح‪ ،‬فإن هيباتيا متثل حب التنوع‪ .‬مل‬ ‫يكن هناك صوت نسائي مثل صوهتا يف جمال الفلسفة‪،‬‬ ‫منذ موت معلمة سقراط ـ ديوتيام‪ .‬تقول هيباتيا‪،‬‬ ‫نصف مازحة‪ ،‬إهنا ربام تكون تناسخا لديوتيام‪ .‬ومن‬ ‫يمكن له القول إهنا ليست كذلك؟ نوبة سعال)‬

‫[‪ ]1‬أورفيوس‪ :‬أحد شخصيات األسطورة اليونانية‪ ،‬وهو شاعر وموسيقي‪[ .‬املترجم]‬ ‫[‪ ]2‬إقليدس (‪ 323‬ق‪.‬م‪ 283–.‬ق‪ .‬م‪ :).‬عالم رياضيات يوناني‪ ،‬يلقب بأبي الهندسة‪ .‬خاض‬ ‫مشواره العلمي في اإلسكندرية في أيام حكم بطليموس األول‪[ .‬املترجم]‬ ‫[‪ ]3‬أفلوطين (‪205‬م ‪ 270 -‬م)‪ :‬فيلسوف يوناني‪ ،‬يعد أهم شخصيات األفالطونية املحدثة‪.‬‬ ‫ولد في مصر‪ ،‬وعاش فترة شبابه في اإلسكندرية‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪24‬‬


‫لقد علمتني كيف يمكن ألرواحنا أن تتحرر‪ .‬يف‬ ‫غادرت فيه اإلسكندرية‪ ،‬كان عيل أن‬ ‫الوقت الذي‬ ‫ُ‬ ‫أرشع يف سلوك طريقي اخلاص‪ .‬فأنا أيضا رجل‬ ‫أفعال‪ ،‬كام ترون‪ .‬حاربت‪ ،‬وانترصت عىل الوندال‬

‫[‪]1‬‬

‫يف ليبيا‪ .‬ثم قبلت منصبا يف السلطة‪ ،‬يف بنتابوليس‪،‬‬ ‫املقاطعة التي ُولدت فيها‪ ،‬وإن بدون تردد‪ .‬و ُأرسلت‬ ‫إىل القسطنطينية‪ ،‬وهناك خفضت الرضائب التي‬ ‫كانت تثقل كاهل مدينتي‪ ،‬وازداد قدر ي لدى أهل‬ ‫املدينة‪ .‬ووقعت يف حب الفينيا‪ ،‬شابة مرصية‪،‬‬ ‫وتزوجتها‪ .‬أنجبنا ثالثة أطفال‪ ،‬صبيني وفتاة‪ .‬لكن‬ ‫لألسف‪ ،‬مات الصبيان ومها بعد صغريين‪ .‬وبقيت‬ ‫ابنتنا‪ .‬هي اآلن امرأة‪ .‬منحناها اسم ستيلال‪ .‬تظهر‬

‫[‪ ]1‬الوندال‪ :‬لوندال (أو الفندال)‪ ،‬إحدى القبائل الجرمانية الشرقية‪ ،‬الذين اقتطعوا أجزاء‬ ‫من اإلمبراطورية الرومانية‪ ،‬في القرن الخامس امليالدي‪ ،‬وأسسوا لهم دولة في شمال‬ ‫إفريقيا‪ ،‬مركزها مدينة قرطاج‪ ،‬وضموا إليها جزيرة صقلية والعديد من جزر البحر‬ ‫املتوسط‪ .‬يعتقد أن اسم األندلس مشتق من اسم هذه القبيلة‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪25‬‬


‫ستيلال وتتحدث إىل والدها)‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬أيب‪ ،‬سريهقك كثرة احلديث‪ ،‬كام أنك تسبب امللل‬ ‫هلؤالء املساكني بذكرياتك‪ .‬ناهيك عن تأثري ذلك عىل‬ ‫التهاب ُّ‬ ‫الشعب لديك‪.‬‬

‫سينسيوس ‪ :‬دعيني أواصل‪ ،‬يا طفلتي‪ .‬يمكنني أن أرى يف عيوهنم‬ ‫أن بعضهم‪ ،‬عىل األقل‪ ،‬يتابع باهتامم ما أقول‪ .‬يواصل‬

‫مونولوجه[‪ )]1‬ذات يوم‪ ،‬بينام كان البطريرك‬ ‫ثيوفيلوس[‪ ]2‬يف زيارة لقورينيا‪ُ ،‬أ ِخذ بمهارايت‬

‫[‪ ]1‬مونولوج‪ :‬مصدر الكلمة يوناني "مونو" يعني‪ :‬أحادي‪ ،‬و"لوجوس" تعني‪ :‬خطاب‪ .‬وهو‪:‬‬ ‫خطبة تلقيها الشخصية املسرحية وحدها على انفراد أو على مشهد من الحضور‪ ،‬تكشف‬ ‫فيها عن خبايا النفس وما تنوي فعله‪ ،‬أو تشرح فيها أمرا من األمور‪ .‬أو هو‪ :‬حديث‬ ‫النفس‪ ،‬أو النجوى‪[ .‬املترجم]‬ ‫[‪ ]2‬ثيوفيلوس‪ :‬بطريرك اإلسكندرية (الكنيسة القبطية) رقم ‪ .23‬تولى الكرازة املرقسية من‬ ‫‪ 385‬حتى ‪ .412‬حطم وحول معابد إلى كنائس‪ ،‬ومنهم متحف مكتبة اإلسكندرية‬ ‫والسرابيوم (معبد لعبادة سرابيس وفي الوقت نفسه املكتبة األخت الصغرى ملكتبة‬ ‫اإلسكندرية)‪ .‬شجع عصابات املسيحيين على تدمير املعابد الوثنية (ومعها املكتبات‬ ‫الفلسفية الغنوصية) وعلى قتل الوثنيين رغم إرسال اإلمبراطور ثيودوسيوس األول رسالة‬ ‫إليه تسمح له بتحويل املعابد إلى كنائس ولكن تنهاه بشدة عن قتل الوثنيين‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪26‬‬


‫اخلطابية‪ ،‬وقرر أن جيعلني أسقفا لبنتابوليس[‪ .]1‬أقلقني‬ ‫رؤية نفيس مرتديا رداء اخلدمة الكنسية‪ .‬استغرقني‬ ‫األمر شهورا ألجل أن أقرر إن كنت أقبل أم ال‪ .‬انتهى‬ ‫يب األمر باملوافقة‪ ،‬لكنني اشرتطت رشوطا‪ :‬أال أختىل‬ ‫عن اعتقادي بالوجود السابق للروح اإلنسانية‪،‬‬ ‫وخلود الكون‪ .‬وأال حياولوا إقناعي باعتقاد قيامة‬ ‫اجلسد يوم القيامة؛ فاجلسد جمرد رداء نخلعه حني ال‬ ‫يعود النسيج البايل قادرا عىل اإلمساك بالروح داخله‪.‬‬ ‫نوبة سعال أخرى) كان عىل الكنيسة أن تقبل يب عىل ما‬ ‫أنا عليه إذا أرادتني يف سلكها الكهنويت‪ .‬تظهر الفينيا‪،‬‬ ‫وقد أحرضت له قلنسوته‪ ،‬التي يضعها عىل رأسه‪ .‬يسريان معا‪،‬‬

‫[‪ ]1‬بنتابوليس‪ :‬املدن الخمسة‪ :‬من الكلمة اليونانية‪( :‬بنتا) وتعني خمسة و(بوليس) وتعني‬ ‫مدينة‪ ،‬أو املدينة الدولة‪ .‬وهي مدن أسسها اإلغريق بداية من القرن السابع قبل امليالد في‬ ‫إقليم قورينائية بشرق ليبيا‪ ،‬لتكون مركزا للحضارة اإلغريقية في أفريقيا‪ .‬واملدن هي‪:‬‬ ‫قورينا‪( ،‬شحات الحالية) وأبولونيا‪ ،‬وتوجد في موقعها مدينة سوسة الحالية‪.‬‬ ‫ويوسبريديس‪ ،‬وهي بنغازي الحالية‪ .‬وتوخيرا‪ ،‬وتوجد في موقعها مدينة توكرة حاليا‪ .‬وبرقه‪،‬‬ ‫وهي املرج القديمة حاليا‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪27‬‬


‫يد بيد‪ ،‬عرب املرسح) وفوق كل ذلك‪ ،‬فإين لن أختىل عن‬ ‫زواجي بالفينيا‪ .‬إن حبي لزوجتي ال يقلل أبدا من‬ ‫قدرايت كراعي لألرواح‪ .‬عندها فقط عمدين‬ ‫ثيوفيلوس يف الكاتدرائية‪ ،‬ورسمني أسقفا فيام‬ ‫زوجتي وابنتي تنظران إيل بفخر‪.‬‬ ‫الفينيا‬

‫‪ :‬كان احتفاال ال ُينسى‪ .‬وأرسلت هيباتيا العظيمة رسالة‬ ‫مؤثرة إىل سينسيوس‪ ،‬هتنئه عىل شجاعته‪ ،‬شجاعتنا‪،‬‬ ‫تعصب املتخلفني عاطفيا‪.‬‬ ‫يف مواجهة‬ ‫ُّ‬

‫يسعل‬

‫سينسيوس‪ ،‬وجيلس عىل حافة الرسير‪ ،‬الذي سيكون رسير‬

‫موته) غري أن أعداءنا تآمروا علينا بشدة‪ ،‬حتى أنني‬ ‫فقدت اثنني من أوالدي كانا ال يزاال صغارا‪ ،‬واآلن‬ ‫فإن سينسيوس هو من حيترض‪ ،‬يوما بعد يوم‪ .‬أسقفي‬ ‫املحارب يبلغ من العمر أربعة وثالثني عاما‪ ،‬وأنا يف‬ ‫الثامنة والثالثني‪ ،‬وسأصبح أرملة قريبا‪ .‬إن الربو‬ ‫يفتك برئتيه‪ ،‬وسوف يرسقه مني‪ .‬وابنتي‪ ،‬التي هي‬

‫‪28‬‬


‫كل ما بقي يل‪ ،‬تريد أن ترتكني وترحل‪ ،‬ألبقى وحيدة‬ ‫يف هذا املنزل القديم املوحش‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬ها أنت مرة أخرى‪ ،‬أمي‪ ،‬ونواحك‪ .‬ليس األمر كام لو‬ ‫أنني ذاهبة إىل فينيسرتا[‪ .]1‬اإلسكندرية ليست هبذا‬ ‫البعد‪.‬‬

‫سينسيوس ‪ :‬دعي الصبية تذهب‪ .‬لقد بلغت من العمر ما جيب‬ ‫عليها فيه أن تبدأ باالهتامم بحالتها الروحية‪ .‬سأموت‬ ‫سعيدا إذا علمت أهنا ستدرس يف أكاديمية هيباتيا‪،‬‬ ‫فعلت‪.‬‬ ‫مثلام‬ ‫ُ‬ ‫الفينيا‬

‫‪ :‬لكنك رجل‪ ،‬يمكنك الدفاع عن نفسك‪ .‬أما هي‬ ‫فصبية دون أب‪ ،‬يف ثاين أكرب مدن بيزنطة‪.‬‬

‫سينسيوس ‪ :‬ستحصل ستيلال عىل خطاب توصية أكتبه بيدي‪.‬‬

‫َّ‬ ‫فينيسترا ‪ :.Finisterra‬اسم التيني يعني "نهاية األرض" ولعل هذا هو املعنى املقصود هنا‪.‬‬ ‫[‪]1‬‬ ‫ُ‬ ‫وجاء هذا االسم من حقيقة أن املنطقة التي تسمى به تقع في شبه جزيرة نائية‪ ،‬تعد‬ ‫واحدة من أقص ى النقاط الغربية لألرض في إسبانيا‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪29‬‬


‫ستعتني هيباتيا هبا كام لو كانت ابنتها‪.‬‬ ‫الفينيا‬

‫‪ :‬لكن طريق الرحلة‪ ،‬يا إهلي‪ ،‬الرحلة! الطرق خطرة‬ ‫للغاية‪ ،‬وثم لصوص يرتبصون عند كل مفرتق طرق‪.‬‬ ‫منذ قاموا بتقسيم اإلمرباطورية إىل قسمني‪ ،‬مل يعد‬ ‫هناك أمان باملرة‪ .‬يسعل سينسيوس جمددا) أليس كافيا‬ ‫أنني سأفقد زوجا بسبب هذا املرض اللعني‪ ،‬واآلن‬ ‫سأفقد ابنتي الوحيدة‪ .‬أوه! إن آهلة األسالف‪ ،‬الذين‬ ‫ختليت عنهم ألجل أن أتزوجك‪ ،‬ينتقمون مني‪.‬‬ ‫تغطي وجهها وهي تبكي)‪.‬‬

‫سينسيوس ‪ :‬ك ّفي عن هذه االنفعاالت الدرامية‪ ،‬الفينيا‪ ،‬تلك‬ ‫ليست مأساة يونانية تُعرض يف مرص‪ .‬الربابرة عىل‬ ‫أبواب روما‪ ،‬لكن القسطنطينية ستصمد لقرون‬ ‫قادمة‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬آه يا أماه‪ ،‬أرجوك كفي عن هذا‪ ،‬وإال سينتهي يب األمر‬ ‫وأنا ال أعرف ما سأفعله‪ .‬سأسافر مع قافلة من‬ ‫‪30‬‬


‫احلجاج العائدين من األرض املقدسة‪ .‬سيمرون‬ ‫باإلسكندرية‪ .‬سأكون يف أمان‪ .‬يرقد سينسيوس بال‬ ‫حراك‪ ،‬وتغطيه الفينيا بغطاء أسود‪ ،‬وتعاين حدادها يف صمت‪.‬‬

‫تتوجه ستيلال بحديثها إىل اجلمهور)‬ ‫لكنني مل أذهب حينذاك‪ .‬انتظرت عامني آخرين‪ .‬مات‬ ‫أيب الصالح‪ ،‬واحتاجت أمي إىل وجودي بجانبها‪،‬‬ ‫واحتجت أنا إىل وجودها بجانبي‪ .‬اآلن فقط‪ ،‬علمت‬ ‫كم قدر حاجتي إليها‪ ،‬ألهنا‪ ،‬هي أيضا‪ ،‬تركتني‪ .‬كام لو‬ ‫أن أيب وأخواي قد لوحا هلا يف أحالمها لتنضم إليهم‪.‬‬ ‫ماتت الفينيا بسبب تسمم غذائي بعدما أكلت حساء‬ ‫ِ‬ ‫الفطر‪ .‬كانت قد أعدت طعاما آخر يل ذلك اليوم‪.‬‬ ‫الفينيا‬

‫‪:‬‬

‫تنظر إىل اجلمهور أثناء تناوهلا الطعام يف صحن من الفخار)‬ ‫أرادت ستيلال أن تذهب إىل اإلسكندرية للدراسة‪،‬‬ ‫لكنها مل تفعل‪ ،‬ألجل أمها‪ .‬كانت ختشى أن ترتكني مع‬ ‫أحزاين‪ .‬ذلك ِ‬ ‫الفطر املجفف‪ ،‬الذي اشرتيته من بائع‬

‫‪31‬‬


‫فينيقي‪ ،‬سيحررها من املوانع التي حتدها بسببي‪ .‬إىل‬ ‫جانب ذلك‪ ،‬فمنذ موت سينسيوس‪ ،‬مل تعد يل حياة‪.‬‬ ‫سأذهب إليه‪ .‬أوقن أنه وولداي يف حاجة إ ِّيل‪ .‬لقد‬ ‫قتلت لدغة األفعى كليوباترا‪ ،‬أما أنا فمن عامة‬ ‫الناس‪ ،‬ويكفيني ِ‬ ‫الفطر املسموم‪ .‬تتلوى الفينيا يف سكرة‬ ‫موهتا مستسلمة‪ .‬تتمتم ستيلال بالصالة إىل جوارها يف صمت‪.‬‬

‫ثم تستطرد مونولوجها)‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬ ‫ودعت أمي املتوفاة الوداع األخري‪ ،‬ورحلت إىل‬ ‫ُ‬ ‫اإلسكندرية مع مجاعة من التجار‪ .‬ارتديت مالبس‬ ‫الرجال حتى ال يالحظني أحد‪ .‬حينام وصلت إىل‬ ‫املدينة‪ ،‬كانت هيباتيا تنتظرين يف امليدان‪ .‬كان جندي‬ ‫قريب يل قد سلمها خطايب من قبل‪ ،‬وأخربها بموعد‬ ‫وصويل‪ .‬تدخل هيباتيا)‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مشهد ‪2‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬مرحبا عزيزيت ستيلال‪ .‬أرى محاسة سينسيوس يف‬ ‫ِ‬ ‫عينيك‪ .‬كان صديقا عظيام‪ ،‬أخذه قدره مبكرا‪ .‬كان‬ ‫أبيك روحا عظيمة‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬أعلم‪ ،‬وأنا فخورة بذلك‪ .‬لكن ِ‬ ‫معك تعلم التفكري‪.‬‬ ‫آمل أن ُتنريي يل سبييل بتعاليمك أنا أيضا‪ .‬ال أحد‬ ‫ُيع ِّلم سادة اليونان ـ الذين منحوا الكثري من املجد‬ ‫للفلسفة ـ مثل هيباتيا‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬والذين جلبوا لنا الكثري من املجد‪ ،‬أنت حمقة‪ .‬لكنهم‬ ‫مل يعودوا يفعلون ذلك‪ .‬أنا ال أريد أن ُأضل ِك‬ ‫ستيلال‪ .‬الفلسفة اآلن امرأة مجيلة‪ ،‬يظن اجلميع أهنم‬ ‫يعرفوهنا‪ ،‬ولكنها يف داخلها ميتة‪ .‬متيض حاملة االسم‬ ‫‪33‬‬


‫نفسه‪ ،‬ولكنها‪ ،‬اآلن‪ ،‬تضع الكثري من مساحيق‬ ‫التجميل حتى تداري شيخوختها‪ .‬اآلن‪ ،‬هي جمرد‬ ‫مومياء‪ .‬تلعب دور امليتة حتى ال يتم قتلها‪ .‬لقد أتيتي‬ ‫إيل لتتعلمي فن استحضار املوتى‪ .‬احذري من أن‬ ‫ِ‬ ‫هموك بمامرسة السحر بسببي‪ .‬نحن نعيش يف زمن‬ ‫يت‬ ‫غريب من اجلهل والتعصب‪ .‬كل ما تبقى من‬ ‫اليونان‪ ،‬اآلن‪ ،‬جمرد حب غامض لألساطري‪ ،‬ومن‬ ‫روما‪ ،‬الرائحة الطازجة لدم املصارعني‪ .‬أعلن املسيح‬ ‫عن إله خمتلف‪ ،‬لكن رسعان ما س ُيفسد ورثته أقواله‬ ‫بعقائد سخيفة‪ .‬أتعلمني‪ ،‬ستيلال‪ ،‬كثريا ما أفكر إن‬ ‫كانت ملهمتي جدوى‪ .‬قليل من البرش من يستطيعون‬ ‫الرتقي نحو الكامل يف هذا العامل املظلم‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫أرجوك‪ ،‬ال تقويل ذلك‪ .‬إن هيباتيا نجمة حية‪ ،‬ترشق‬ ‫بالضوء عىل الشباب‪ .‬مات أيب‪ ،‬ثم ماتت أمي‪ ،‬لكنني‬ ‫مل أفقد حبي للحياة‪ .‬حبي للتعلم هو مالذي األخري‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫أؤمن باملستقبل‪ ،‬وإال ملا أتيت ِ‬ ‫إليك‪ .‬كان يراودين‬ ‫احللم ليل هنار بأن أنضم‪ ،‬يف هناية األمر‪ ،‬إىل‬ ‫مدرستك‪ .‬مبتهجة) أنا يف اإلسكندرية‪ِ ،‬‬ ‫معك‪ ...‬ما‬ ‫زال األمر يبدو يل غري حقيقي‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫ِ‬ ‫محاسك ُمعدي‪ .‬ربام كنت أبالغ‪ .‬مع تقدمنا يف‬ ‫‪ :‬إن‬ ‫العمر يتملكنا وهم أن العامل سيموت معنا‪ .‬تنظر إىل‬

‫السامء بنظرة ساخرة)‬ ‫انظري‪ ،‬هذا كله خطأ ُزحل؛ إذ تقاطع مساره مع‬ ‫مسار املريخ‪ ،‬وهو ما يسبب يل الضيق دائام‪.‬‬ ‫تضحكان)‪ .‬هيا‪ ،‬سأريك أين أعيش‪ .‬ستكونني‬ ‫ضيفتي‪ ،‬االبنة‪ ،‬أو األخت‪ ،‬التي مل تكن يل قط‪.‬‬

‫‪35‬‬


‫مشهد ‪3‬‬ ‫ديمتريا‪ ،‬تجلس أمام مرآة‪ ،‬على وشك االنتهاء من تجميل‬ ‫وجهها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أحرض يل اإلكليل من‬ ‫متشط شعرها) أوريستس‪،‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬أين ذهب كل اخلدم يف هذا القرص؟ ملاذا عيل أن أقوم‬

‫اخلزانة العاجية! بصوت أعىل) أوريستس‪ ،‬هل‬ ‫تسمعني؟ احذر‪ ،‬أنا ممثلة ـ حينام أرصخ‪ ،‬يمكن‬ ‫لرصختي أن حتطم الزجاج‪ .‬يدخل أوريستس مرتبكا‬

‫والتاج يف يده)‬

‫بعمل اخلصيان واخلادمات! يناوهلا التاج)‬ ‫ديمتريا‬

‫‪ :‬شكرا عزيزي‪ِ ،‬‬ ‫أنت حبيبي‪ ،‬تربت عىل فخذه) لكن‬ ‫ليس ِ‬ ‫فيك يشء من اخلصيان‪ .‬لقد أرسلت اخلادمات‬ ‫‪36‬‬


‫لرشاء بودرة جتميل للوجه‪ ،‬واخلدم مشغولون‬ ‫بالتجهيز للعيد‪ .‬أريدك هنا بجانبي‪ .‬أنا ال أشعر‬ ‫باألمان أوريستس‪ .‬ال أعلم كيف ستكون ردة فعل‬ ‫اجلمهور جتاه عريض‪.‬‬ ‫أوريستس‬

‫‪ :‬هيا‪ ،‬ديمرتيا‪ ،‬سوف يصفقون لك بحرارة‪ .‬أنت‬ ‫زوجتي‪ ،‬يف هناية األمر‪ .‬ال يمكن للضيوف يف‬ ‫العرض األول أن يثريوا استياء احلاكم‪ ،‬أليس‬ ‫كذلك؟‬

‫ديمتريا‬

‫أي تصفيق سيكون بفضل‬ ‫‪ :‬أوه‪ ،‬كم أنت لطيف‪ُّ .‬‬ ‫سلطتك ال موهبتي‪ .‬قلقة) يمكنك كذلك اإلفصاح‬ ‫عام تفكر فيه‪ :‬أنا فنانة فاشلة‪.‬‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬إذا ِ‬ ‫كنت فاشلة ملا تزوجتك‪ .‬يداعبها) عىل أية حال‪،‬‬ ‫إنه فنّك الذي شجعني عىل إعادة افتتاح أكرب مرسح‬ ‫يف املدينة‪ ،‬الذي ظل مغلقا لعرشين عاما‪ ،‬منذ أصدر‬ ‫ثيودوسيوس أمره‪ .‬تعلمني جيدا أنني سأواجه‪،‬‬ ‫‪37‬‬


‫اليوم‪ ،‬أعدائي‪ ،‬أعداء فن ِ​ِّك ـ حشدٌ بغيض من‬ ‫املتعصبني الدينيني‪ ،‬الذين يبصقون عىل كل ما هو‬ ‫نبيل وحي‪ .‬لقد أصبحت الكنيسة أكثر الطوائف‬ ‫خطورة منذ ترسيم كريلس‬

‫[‪]1‬‬

‫أسقفا‪ .‬إهنا كنيسة‬

‫املسيح باالسم فقط‪ .‬حيرقون املذابح الوثنية‪،‬‬ ‫ويدنسون املعابد‪ ،‬ويلقون باالفرتاءات اخلسيسة عىل‬ ‫كل من ال خيضع ملعتقدهم‪ .‬إعادة افتتاح املرسح لن‬ ‫يكون جمرد فعل دنيوي ممل آخر للحاكم‪ .‬أراه‬ ‫كتلميح سيايس للنظام األول‪ .‬إن ما جعل‬ ‫اإلسكندرية مدينة فريدة هو التسامح مع األفكار‬

‫[‪ ]1‬كيرلس األول (‪376‬م ‪ 444 -‬م) البابا السكندري والبطريرك الرابع والعشرون وامللقب‬ ‫"عمود الدين ومصباح الكنيسة األرثوذكسية"‪ .‬كان ابن أخت ثاوفيلس (بابا اإلسكندرية)‬ ‫(رقم ‪ )23‬وتربي عند خاله في مدرسة اإلسكندرية وتثقف بعلومها الالهوتية والفلسفية‬ ‫الالزمة للدفاع عن الدين املسيحي واأليمان األرثوذكس ي‪ .‬وملا توفى خاله البابا ثاؤفيلس في‬ ‫‪412‬م‪ ،‬أجلسوا هذا األب خلفه‪ ،‬ووجه اهتمامه ملناهضة العبادة الوثنية والدفاع عن‬ ‫الدين املسيحي‪ ،‬وقام بمناوئة أصحاب الفكر غير االرثوذكس ى‪ ،‬حتى تمكن من قفل‬ ‫كنائسهم واالستيالء علي مقتنياتها الذهبية‪ .‬ويرتبط اسم كيرلس األول باغتيال هيباتيا‬ ‫الفيلسوفة والرياضية االفالطونية املحدثة‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪38‬‬


‫واملعتقدات‪ ،‬إهنا املكان الذي تتآلف فيه العوامل‬ ‫املختلفة‪ .‬سيساعدنا املرسح لنعيد تعليم املدينة ما‬ ‫نسيته‪.‬‬ ‫ديمتريا‬

‫‪ :‬قد يكون ما تقول صحيح‪ .‬لكن‪ ،‬بدال من أن‬ ‫تطمأنني فقد زدت من توتري‪ .‬أعرف القليل عن‬ ‫السياسة‪ .‬السياسة الوحيدة التي أعرفها هي كيف‬ ‫ألعب دوري بشكل جيد‪ ،‬وكيف أؤثر يف اجلمهور‬ ‫حتى يتصوروا أنفسهم مكان الشخصيات‪ ،‬يعانون‬ ‫ويضحكون معهم‪.‬‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬وهذا كل ما أطلبه ِ‬ ‫منك اليوم‪ ،‬عزيزيت ديمرتيا‪ .‬كلام‬ ‫ازدادت روعة أدائك‪ ،‬زاد نجاح خطتي‪ .‬أحيانا‪ ،‬ال‬ ‫يعلم الناس ما هم أكثر حاجة إليه‪ .‬يوجد ثالثة‬ ‫خمدرات يف احلياة‪ ،‬جيب أن ندمنها‪ :‬املرسح‪ ،‬واحلب‪،‬‬ ‫والذكاء‪ .‬وهذا سبب إدماين لك‪ .‬يتعانقان)‪.‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬لكن ليس هذا ما تعلمته يف مدرسة هيباتيا‪ .‬يبدو يل‬ ‫‪39‬‬


‫أن اليشء الوحيد الذي أدمنته هيباتيا هو الذكاء‪.‬‬ ‫بالنسبة هلا‪ ،‬فإن املرسح يكون جيدا‪ ،‬فقط‪ ،‬إذا ما‬ ‫وافق الفلسفة‪.‬‬ ‫أوريستس‬

‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫تعلمت الكثري من هيباتيا‪ ،‬وأكثر ما‬ ‫أنت غري منصفة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫علمتنيه هو أمهية تفكري املرء يف نفسه‪.‬‬ ‫بازدراء) فِكر‪ ،‬فِكر‪ ،‬فِكر‪ ...‬تلك املرأة عبارة عن مخ‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬ال يمكنك أبدا إخفاء غريتك منها‪.‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬أنت أحببتها حبا شديدا‪ ،‬وبشكل ال جيعلك حتبني‪.‬‬

‫وفرج‪ .‬إهنا نظرية روجها والدها‪ ،‬عامل الرياضيات‪.‬‬ ‫إن هيباتيا تذكّرين بقصة أثينا‪ ،‬إهلة من دون أم‪ ،‬ولدت‬ ‫كاملة اجلسد من رأس أبيها‪ .‬بالنسبة هلا‪ ،‬اجلسد جمرد‬ ‫حمطة عابرة للروح‪.‬‬

‫جتذب أوريستس نحوها بقوة) بالنسبة يل‪ ،‬فاحلب ال‬ ‫ُحيس إال عرب اجلسد‪ .‬وتلك املرأة حتريين دوما؛ ألهنا‬ ‫جتاهر بإيامهنا باحلب اخلالص‪ ،‬اخلاص باملالئكة فقط‪.‬‬ ‫‪40‬‬


‫إذا كانت قبيحة أو معاقة‪ ،‬فهذا قد يكون مقبوال‬ ‫منها‪ ،‬لكن ال‪ ،‬هيباتيا فائقة اجلامل‪ ،‬وقد تباهت‬ ‫بعذريتها من قبل أمام أتباعها الوهلى‪ .‬إهنا ليست من‬ ‫هذا العامل‪ ،‬أوريستس‪ .‬يتباعدان)‬ ‫أوريستس‬

‫‪ :‬ليس منا من ينتمي بأكمله إىل هذا العامل‪ ،‬ديمرتيا‪،‬‬ ‫وهي تعرف ذلك أكثر من أي أحد آخر‪ .‬إن هيباتيا‬ ‫غريبة أبدا‪ ،‬وهلذا يكرهوهنا بشدة‪.‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬أنا ال أكرهها‪ .‬أنا فقط منزعجة من طريقة تدبرها‬ ‫ألمورها‪.‬‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬مل أكن أقصدك‪ ،‬وإنام أقصد املتعصبني الذين يفرتون‬ ‫عليها‪ .‬باملناسبة‪ ،‬إهنا معجبة للغاية باملرسح‪ ،‬حتى إذا‬ ‫مل تصدقي ذلك‪ .‬أذكر ما قالته‪ ،‬يف الدرس‪ ،‬عن‬ ‫افتتاهنا بسوفوكليس[‪ .]1‬وأضحكتنا مجيعا ملا أخربتنا‬

‫[‪ ]1‬سوفوكليس (‪ 496‬ق‪ .‬م‪ 405 – .‬ق‪ .‬م‪ ).‬واحد من أعظم كتاب التراجيديا اإلغريقية‪ ،‬إلى‬ ‫جانب إسخيلوس ويوربيديس‪ .‬كتب ‪ 123‬مسرحية‪ ،‬لم يبقى منها غير ‪ 7‬أشهرها "أوديب‬ ‫‪41‬‬


‫أن أفالطون مل يكتب املحاورات إال ألنه كاتب‬ ‫مرسحي فاشل‪ .‬أراهن أن هيباتيا ستحرض الليلة‪ ،‬يف‬ ‫عرضك املرسحي‪ ،‬وستجلس يف أحد األركان دون‬ ‫أن يالحظها أحد‪.‬‬

‫ملكا"‪ ،‬و"أنتيجوني"‪ ،‬و"إلكترا"‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪42‬‬


‫مشهد ‪4‬‬ ‫على املسرح‪ ،‬هيباتيا وستيلال‪ ،‬املندهشة بما تراه‪ .‬يتجول‬ ‫طالبان‪ ،‬نازاريوس وكاريوتيس‪ ،‬وهما يتبادالن الحديث‪،‬‬ ‫بينما يتدارس طالب آخر‪ ،‬إبونيوس‪ ،‬بردية‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫ِ‬ ‫حلمت هبا كثريا‪.‬‬ ‫‪ :‬هذه هي األكاديمية الشهرية‪ ،‬التي‬ ‫إهنا تُسمى املتحف؛ ألهنا مكرسة لربات الفنون[‪.]1‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬أمر يأخذ باللب! هل يتصل هذا املكان باملكتبة؟‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬نعم‪ .‬نعمل يف ما تبقى من املكتبة‪ .‬حيث يمكننا أن‬ ‫نشارك احلكامء الذين عاشوا قبلنا يف حوار‪ ،‬ورغم ما‬ ‫تعرضت له من دمار‪ ،‬إال أنه ال يوجد يف العامل مكتبة‬

‫[‪َّ ]1‬ربات الفنون‪ :muses ،‬في األسطورة اليونانية القديمة‪ ،‬يقصد بها إلهات اإللهام‪ ،‬للفنون‬ ‫والعلوم‪ ،‬وهن تسع‪ُ ،‬‬ ‫وعرفن كتابعات ألبولو‪ ،‬إله الفنون‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪43‬‬


‫تضاهيها‪ .‬إهنا متاهة‪ ،‬وأنا متأكدة من أنك ستسعدين‬ ‫بالتيه فيها‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬دائام ما كنت أتصورها ك ُفلك نوح ـ سفينة تنقذنا من‬ ‫فيضان اجلهل‪ ،‬يف بحر من النسيان‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬أنت متلكني روحا شاعرة‪ .‬لكن ال ُفلك اليوم معرض‬ ‫للغرق‪ .‬لو كان بمقدوري أن أكون نوح‪ ،‬و ُأبقي عىل‬ ‫كل هذا حيا لقرون آتية‪ ،‬غري أن هناك أصوات تافهة‬ ‫ترغب يف إغراق هذا الكنز‪ ،‬الذي خيصنا مجيعا‪ .‬ال‬ ‫يتوقفون عن التهديد بإحراقه‪ .‬فلتحفظي كلاميت‪،‬‬ ‫سأموت يف حريق يف هذا املعبد‪ ،‬بينام أقرأ إحدى‬ ‫لفائف أرشميدس‪ .‬إن العامي ال يمكنه حتمل أال‬ ‫يكون ذلك‪ .‬احذري ستيلال‪ ،‬امحي نفسك دائام‬ ‫منهم! إن العامة خصوم خطرون‪ .‬يصل تلميذا هيباتيا؛‬

‫نازاريوس وكاريوتيس‪ ،‬ومها يتبادالن احلديث)‬ ‫انظري‪ ،‬ها قد أتى اثنان من تالميذي‪ .‬أرغب يف أن‬ ‫‪44‬‬


‫أعرفك بنازاريوس وكاريوتيس‪ .‬إليهام) زميلتكام‬ ‫ّ‬ ‫اجلديدة‪ ،‬ستيلال‪ ،‬ابنة سينسيوس ! حييي بعضهم بعضا‬

‫بانحناءات خفيفة)‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬مرحبا ِ‬ ‫بك يف األكاديمية‪ .‬والدك كان واحدا من أملع‬ ‫األسامء التي مرت يف هذه القاعات‪.‬‬ ‫ببعض الرت ُّفع) لنأمل أن تتمكني من أن ترقي إىل‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬سأبذل كل ما أستطيع من جهد‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬هل ِ‬ ‫كنت تعيشني يف نفس املدينة التي كان والدك‬

‫مثاله‪.‬‬

‫أسقفا فيها؟‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬نعم‪ ،‬حتى اخرتت الرحيل إىل اإلسكندرية‪.‬‬

‫كاريوتي‬

‫‪ :‬ومل تلتحقي بأي مدرسة من قبل؟‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫حترم التحاق‬ ‫ال‪ ،‬قط‪ .‬كانت املدارس يف بنتابوليس ِّ‬ ‫النساء هبا‪ .‬لكنني مل أفقد الكثري؛ فقد تلقيت دروسا‬ ‫‪45‬‬


‫خاصة عىل يد أفضل معلم حميل‪ ،‬أيب‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬كاريوتيس‪ ،‬هل ستخربين بسبب هذا االستجواب!‬ ‫هل أجعلك مسؤوال عن القبول اآلن؟ هل األمر‬ ‫كذلك؟ أي طريقة هذه التي ترحب هبا بزميلة‬ ‫جديدة؟ لن ختمن أبدا أنك طالب هنا‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬آسف‪ ،‬معلمتي‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬ستيلال هي من جيب أن تعتذر هلا‪ ،‬ال أنا‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬ال بأس‪ .‬أنا ابنة أسقف‪ .‬لقد اعتدت عىل كوين‬ ‫مرفوضة‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ال يقصد كاريوتيس أي إهانة‪ .‬هو ليس بالرجل‬ ‫اليسء‪ ،‬لكنه يترصف‪ ،‬أحيانا‪ ،‬بشكل غري الئق‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬وأنت تدافع عنه دائام‪ ،‬وهذا ال يفيد عىل اإلطالق‪.‬‬ ‫جيب عىل كل واحد منا أن يكبح حتيزاته‪ .‬وإال فلن‬ ‫نتمكن من حتصيل املعرفة احلقيقية أبدا‪ .‬يصل‬

‫‪46‬‬


‫إبونيوس‪ ،‬الطالب النويب)‬ ‫إبونيوس‬

‫‪ :‬أي درس فاتني هنا‪ ،‬يف قلب الفناء‪ ،‬معلمتي؟ ويف‬ ‫الصحبة امرأة شابة مجيلة‪ ...‬آمل أهنا ليست زائرة‬ ‫عابرة‪ ،‬أو أسوأ‪ ،‬أهنا جمرد وهم برصي‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬إبونيوس زميل آخر ِ‬ ‫لك‪ ،‬ستيلال‪ .‬النويب مل يأخذ‬ ‫درس أفالطون عىل حممل اجلد‪ .‬إنه متعلق جدا‬ ‫بعجائب اجلسد التي من خالهلا ينفذ إىل مجال الروح‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬سأصل‪ ،‬معلمتي‪ ،‬ولكن بوترييت اخلاصة‪ .‬يف حماورة‬ ‫املأ ُدبة[‪ ،]1‬يقول الفيلسوف إن من أجل الوصول إىل‬ ‫بداهة الروح عليك أن تبدأ مع املتع اجلاملية للجسد‪.‬‬ ‫أعرتف أنني ما زلت يف البداية‪ ،‬لكنني أتقدم‪ .‬أمر‬ ‫آخر‪ ،‬إذا مل تكن هذه الشابة متلك روحا مجيلة‪ ،‬فكيف‬ ‫يمكن هلا االلتحاق بأكاديميتنا؟‬

‫[‪ ]1‬محاورة املأدبة‪ :‬إحدى محاورات أفالطون‪ ،‬والتي يعالج فيها موضوع الحب‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪47‬‬


‫ستيلال‬

‫‪ :‬شكرا عىل املجاملة‪ ،‬زمييل‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬يبدو أن كاريوتيس غري مقتنع متاما‪.‬‬ ‫ساخرا) أوه‪ ،‬لكن معايري كاريوتيس للجامل ختتلف‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬هناركم سعيد‪ .‬مل آيت إىل هنا ألجتادل مع العبيد‬

‫متاما عن معايريي‪.‬‬

‫املحررين‪ ،‬إىل اللقاء‪ ،‬معلمتي‪ .‬خيرج)‬

‫‪48‬‬


‫مشهد ‪5‬‬ ‫إبونيوس‬

‫‪ :‬ال أعرف ما الذي جاء هبذا الرجل هنا‪ .‬لقد أصبح‬ ‫أسوأ مما كان عليه حينام أتى منذ ستة أشهر‪ .‬إنه‬ ‫رجعي‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬لقد أثرت غضبه‪ ،‬إبونيوس‪ .‬إن والءه ممزق بني‬ ‫أكاديميتنا وكنيسة كريلس‪ ،‬حيث يعمل كمساعد‬ ‫كاهن‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬ملاذا يلزم دائام أن ترسع بإنقاذ حبيبك؟ ستتأذى‪،‬‬ ‫فلتحفظ كلاميت! كاريوتيس غادر‪ .‬ليس لديك فكرة‬ ‫عام يقوله عندما ال تكون موجودا‪ .‬فهو يرى أنه كان‬ ‫جيب نفي كل اليهود من املدينة منذ زمن بعيد‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬مل أسمعه قط يقول ذلك‪ ،‬حتى بعد اهلجوم عىل‬ ‫‪49‬‬


‫الكنيس اليهودي‪.‬‬ ‫إبونيوس‬

‫‪ :‬إنه يستغلك‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬كان خطأي أنني أجزت التحاقه باألكاديمية‪ .‬ظننت‬ ‫أن اهتاممه أصيل بالفلسفة‪ ،‬وأن وجوده هنا يمكن أن‬ ‫يساعد يف ختفيف عداء الكنيسة للمعارف التي‬ ‫نع ِّل ُمها يف األكاديمية‪ .‬لكني كنت خمطئة‪ ،‬واآلن‪،‬‬ ‫أحاول جتاهل أسوأ هواجيس‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬كيف ذلك‪ ،‬معلمتي؟ هل يمكن أن تشاركينا إياها؟‬ ‫إىل نازاريوس) أمتنى أن أثق به مثلام تفعل‪،‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ال أريد تصديق ذلك‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬من يدري ما القصص التي خيتلقها كاريوتيس ملجرد‬

‫نازاريوس‪ ،‬لكن حكمك مشوش‪ .‬أظن أن‬ ‫كاريوتيس ليس إال جاسوس يعمل لصالح كريلس‪،‬‬ ‫وأن تعليمي ال أثر له عليه‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫إرضاء رئيسه‪ .‬األسقف كريلس منحرف بقدر ما هو‬ ‫بليغ‪ .‬إىل ستيلال) أعرف ذلك بفضل جتارب‬ ‫شخصية‪ ،‬ستيلال‪ .‬حينام كنت طفال‪ ،‬كنت عبدا له‪،‬‬ ‫حتى اشرتتني هيباتيا وحررتني‪ ،‬هذا هو األمر‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬البد أنه أمر فظيع أن تكون عبدا‪ .‬كان أيب يقول إن‬ ‫العبودية ُجذام أخالقي نسيه الفالسفة‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬وسوف ندفع غاليا ثمن هذا العمى‪ ...‬خائفة) لكن‬ ‫رجاء‪ ،‬ال ختربوا أحدا عن شكوكي تلك‪ .‬يكفي‬ ‫انخراطنا يف تلك احلرب الصامتة‪ .‬خاصة أنت‪،‬‬ ‫نازاريوس‪ ،‬أطلب منك‪ ،‬رجاء‪ ،‬أن حتفظ هذا الرس‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬يمكنك االعتامد عيل‪ ،‬معلمتي‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬ال يمكن الوثوق بنازاريوس عندما يكون قريبا من‬ ‫كاريوتيس‪ .‬العاطفة تتغلب عىل العقل‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬عليك أن تعلم؛ أنت تقع يف هوى كل مجيلة نيلية هتز‬

‫‪51‬‬


‫أساورها قربك‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬عليكام أنتام االثنني أن تسيطرا عىل عواطفكام‪ ،‬إذا ما‬ ‫كنتام ترغبان فعال يف تكريس أنفسكام للفلسفة‪ .‬عىل‬ ‫العقل أن يتعلم التحكم يف اجلسد‪ ،‬وأن يتهيأ حلني ال‬ ‫يعود يسكن اجلسم‪ُ .‬تعلمنا الفلسفة املوت‪ ،‬ألن‬ ‫املوت املادي حيرر النور األبدي الذي يسكننا‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬هكذا قال أفالطون يف حماورة فايدروس‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬لكنها مهمة ليست بالسهلة‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬النمو مؤمل دائام‪ .‬ما هو سهل ال يرقى بنا كثريا‪.‬‬ ‫واآلن‪ ،‬عيل االنرصاف‪ .‬لقد طلب مني احلاكم حتضري‬ ‫خريطة ُبرجه للشهر القادم‪ .‬يبدو قلقا‪ .‬مجيعنا قلقون‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ألن حترضي حفل إعادة افتتاح املرسح اليوم؟‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬تعلم رأيي يف املرسح؛ يمكن أن يكون قوة حمفزة نبيلة‬ ‫للروح‪ ،‬أو يمكن أن ينحدر إىل عبث خالص‪ .‬ال‬

‫‪52‬‬


‫أعرف أي مرسحية اختارت ديميرتيا‪ .‬جيب أن يكون‬ ‫دورا كبريا يمنحها الكثري من الفرص للتألق‪.‬‬ ‫ضحك)‬ ‫إبونيوس‬

‫‪ :‬املرسحية عنواهنا‪ :‬شغف هيلني الصورية[‪ .]1‬مؤلفها‬ ‫ُيدعى أريستوس الطيبي[‪ ،]2‬لكنه قد يكون اسام‬ ‫مستعارا‪ .‬أنا أعرف من هي هيلني طروادة[‪ ،]3‬لكن‬

‫[‪ ]1‬هيلين الصورية‪ :‬نسبة إلى مدينة صور‪ .‬وردت قصتها في "أعمال الرسل"‪ ،‬مع سيمون أو‬ ‫سمعان املجوس ي‪ ،‬وهو أول مبتدع في تاريخ الكنيسة‪ ،‬مزج الغنوصية باملسيحية "‪ .‬كان‬ ‫ً‬ ‫سمعان يتجول مع امرأة داعرة اسمها "هيلين أو هيالنة" قائال عنها إنها "الفكرة؛ أو بنت‬ ‫من بنات أفكاره‪ ،‬وإنها هي أم كل األشياء‪ ،‬وبها خلق املالئكة والعالم‪ .‬وقد حبسها املالئكة‬ ‫في جسد بشري‪ ،‬ومنعوها من الرجوع إلى أبيها‪ .‬وهكذا احترفت البغاء‪ ،‬وصارت الخروف‬ ‫الضال‪ ،‬فجاء "سمعان" ليخلصها‪ .‬لذا يجب على الناس أن يضعوا رجاءهم فيه وفي‬ ‫ً‬ ‫هيلين حتى يخلصوا ويصيروا أحرارا بنعمته‪ .‬وسيأتي ذكر ذلك في متن املسرحية في‬ ‫املشهدين ‪ ،7‬و‪[ .11‬املترجم]‬ ‫[‪ ]2‬الطيبي‪ :‬نسبة إلى مدينة طيبة املصرية‪[ .‬املترجم]‬ ‫[‪ ]3‬هيلين طروادة‪ :‬في إلياذة هوميروس‪ ،‬هي أجمل نساء األرض قاطبة‪ ،‬خطب ودها جميع‬ ‫ملوك اإلغريق وتسابقوا للفوز بقلبها إلى أن اختارت منيالوس زوجا لها‪ ،‬ولكنها وقعت‬ ‫في غرام باريس بسبب سحر فينوس‪ ،‬إلهة الجمال عند اإلغريق‪ ،‬عندما كان في ضيافة‬ ‫زوجها‪ ،‬واختارت الفرار معه إلى طروادة‪ ،‬متسببة باندالع حرب ملدة عشرة سنوات‪،‬‬ ‫انتهت بسقوط طروادة‪ ،‬ومقتل ملكها بريام وأميرها هكتور‪ ،‬ولكن هيلين استطاعت‬ ‫الفرار مع باريس بعد انتهاء سحر فينوس‪ ،‬وعادت إلى زوجها منيالوس‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪53‬‬


‫أعرتف أين مل أسمع قط هبيلني الصورية حتى اآلن‪.‬‬ ‫قلقة) ال يمكن‪ .‬استسلم أوريستوس ألهواء‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬لكن ما اخلطري يف مرسحية هيلني الصورية؟‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬ال وقت لتوضيح ذلك‪ .‬عيل اإلرساع إىل قرص‬

‫زوجته‪ .‬جيب عليه أن يلغي العرض‪ .‬تلك املرسحية‬ ‫ستثري غضب املسيحيني األرثوذكس‪ .‬سيظن كريلس‬ ‫أن أوريستوس قد اختذ قراره بمهامجة الكنيسة‪.‬‬

‫أوريستيس‪ .‬جيب جتنب محام دم آخر يف اإلسكندرية‪.‬‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ليس من احلكمة الذهاب بمفردك‪ .‬أيمكنني الذهاب‬ ‫معك؟‬

‫÷يباتيا‬

‫‪ :‬كام تشاء‪ ،‬أشكرك‪ .‬وأنت يا إبونيوس‪ ،‬يمكنك أن‬ ‫تصحب ستيلال لرتهيا احلجرات اخللفية لألكاديمية‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫يبتسم بدهاء لستيلال) ال يشء أكثر متعة‪ ،‬معلمتي‪.‬‬ ‫يغادر كل اثنني املرسح يف اجتاهني خمتلفني)‬

‫‪54‬‬


‫مشهد ‪6‬‬ ‫كيرلس‪ ،‬وقلنسوة على رأسه‪ ،‬يخط بسرعة على منصة‬ ‫للكتابة‪ .‬يدخل كاريوتيس‪.‬‬ ‫كيرلس‬

‫‪ :‬أنت متأخر اليوم‪ ،‬يا ولدي‪ .‬ظننت‪ ،‬ربام‪ ،‬أنك قد‬ ‫ارتددت بتأثري حورية البحر الوثنية تلك‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬جيب أال تشك يف والئي لك أبدا‪ ،‬كريلس‪ .‬لقد بقيت‬ ‫إىل وقت متأخر يف األكاديمية‪ ،‬ألن هيباتيا عرفتني‬ ‫عىل تلميذة جديدة‪ ،‬ابنة األسقف سينسيوس‪.‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬ذلك األسقف الزاين أنجب ابنة تتظاهر بأن هلا ذكاء‬ ‫الرجال‪ .‬وتركت بيت اخلطيئة لتأيت لتتعلم عىل يد‬ ‫واعظة مهرطقة خطايا األسالف‪ ،‬الذين مل يعرفوا‬ ‫كلمة املسيح قط‪ .‬يا إهلي‪ ،‬أمنحني القوة ألحارب‬ ‫‪55‬‬


‫أعداءك! قلقا) أنت‪ ،‬يا إهلي العظيم‪ ،‬من منحت‬ ‫الشجاعة للمسيحيني األوائل‪ ،‬الذين تعرضوا‬ ‫لالضطهاد والذبح يف ساحات روما‪ ،‬امنحني سيفا‬ ‫سحق به الرش يف هذا العامل‪ .‬أنت شئت أن تتحول‬ ‫أ ُ‬ ‫اإلمرباطورية لإليامن بك‪ ،‬واآلن‪ ،‬فإن لكنيستك‬ ‫القوة املطلقة‪ .‬لن يكون لليهود وال للوثنيني أن‬ ‫يزدهروا يف هذه املدينة اخلاطئة‪ .‬سيتذكر التاريخ يد‬ ‫كريلس الصاحلة‪ .‬جيب أن نسحق األفعى‪.‬‬ ‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬لن يكون األمر بمثل سهولة حرق معبد سريابيس‬ ‫وحتطيم أصنامه احلجرية‪ .‬إن األكاديمية مؤسسة‬ ‫مهيبة‪ ،‬وهيباتيا مستشارة للحاكم‪ ،‬الذي يمثل‬ ‫السلطة اإلمرباطورية يف اإلسكندرية‪.‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬إن مملكة الرب أقوى‪ ،‬والرب يف صفنا‪ .‬اليوم‬ ‫ستحدث أشياء خطرية‪ .‬يريد أوريستيس استفزازي‬ ‫بافتتاح املرسح‪ ،‬وهذا بال شك بتحريض من هيباتيا‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬وما عالقة املرسح بالكنيسة؟‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬املرسح ليس جمرد هلو بذيء‪ ،‬إنه عبادة وثنية‬ ‫لديونيسيوس‪ .‬وبوضعه تلك العاهرة‪ ،‬التي اختذها‬ ‫زوجة‪ ،‬عىل املرسح‪ ،‬فإن أوريستيس يريد أن يمسح‬ ‫إيامنه الفاحش يف وجهي‪ .‬ال يمكن أن أسمح لتلك‬ ‫الطقوس املعربدة بتحدي قرباين املقدس‪ .‬أمس فقط‪،‬‬ ‫مررت باملتحف‪ ،‬وكان ِسفلة الناس يتجمعون عند‬ ‫الباب‪ .‬كانت هيباتيا تلقي خطبة عىل العوام‪ .‬أتى‬ ‫لرؤيتها أناس أكثر ممن أتوا لسامع موعظتي يوم‬ ‫األحد‪ .‬البد وأهنا تظن نفسها مبعوثة األوليمب‪.‬‬ ‫مهرطقة! أرى من الصعب اعتقاد أهنا عذراء‪ .‬إال‪،‬‬ ‫بالطبع‪ ،‬إذا كانت تشري إىل ُب ِ‬ ‫رجها‪ .‬إهنا‪ ،‬يف هناية‬ ‫األمر‪ ،‬مولعة برسم خرائط الربوج‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬لكن يا كريلس‪ ،‬ال يمكن لوم هيباتيا عىل قرار‬ ‫أوريستيس‪ .‬فمثل مجيع األفالطونيني‪ ،‬تتخذ موقفا‬

‫‪57‬‬


‫صارما من املرسح‪.‬‬ ‫ال تكن ساذجا‪ ،‬عزيزي كاريوتيس‪ .‬يمسح عىل رأسه‪،‬‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬إين أغفر لك إهانتك‪ .‬إن حبي لك يمنعني من‬

‫ويربت عىل وجهه) أفهم رغبتك يف الدفاع عنها‪ ،‬يف‬ ‫النهاية‪ ،‬أنت تلميذها‪ .‬أتفه ُم أن دماءك الشابة ليست‬ ‫غري مبالية بقوى الفحولة املغوية‪ .‬لكن تعلم مني‪،‬‬ ‫لقد عشت أكثر منك‪ .‬االنحراف هو السبيل إىل‬ ‫الذنب‪ .‬يمكن للرجل أن ُيعاقب عىل ذنوب مل‬ ‫يرتكبها‪ .‬ما هيم هو إنفاذ العدالة‪ .‬التحالف بني‬ ‫هيباتيا وأوريستيس سيكون سبب سقوط تلك املرأة‬ ‫الطموحة‪.‬‬ ‫بجرأة‪ ،‬رافضا مالطفات كريلس) وروح االنتقاد التي‬ ‫لديك‪ ،‬كريلس‪ ،‬هل تالئم مسيحي صالح؟ لقد أدار‬ ‫املسيح خده اآلخر‪ .‬مل ي ِرد عىل بال ِه أن حيطم‬ ‫اآلخرين‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫لومك‪ .‬ومعلوم أن يسوع قد أدار خده وتواضع‬ ‫ألجل أن جيلب املديح لكهنوته‪ ،‬لكن مصريه أنتهى‬ ‫عىل الصليب شهيدا‪ ،‬ألنه ابن الرب‪ .‬أما نحن‬ ‫فمجرد خدم أذالء‪ ،‬ليس بمقدورنا اتّباع سلوكه‬ ‫متاما‪ .‬إن مصري كنيسة املسيح أال ترى نفسها مصلوبة‬ ‫يف اجللجثة[‪ .]1‬جيب أن نضمن استمرارها عرب‬ ‫القرون‪ ،‬حتى إذا كان رضوريا‪ ،‬يف بعض األحيان‪،‬‬ ‫أن نتناسى التأيس بمن أسسها‪.‬‬

‫[‪ ]1‬الجلجثة‪ :‬أو الجمجمة‪ ،‬املوضع الذي تم فيه صلب املسيح بحسب روايات األناجيل‬ ‫األربعة‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪59‬‬


‫مشهد ‪7‬‬ ‫أوريستيس جالسا‪ ،‬يقرأ في بردية‪ ،‬مخطوطة املسرحية‪.‬‬ ‫تظهر هيباتيا شديدة القلق‪ .‬نازاريوس بعيد عنهما قليال‪،‬‬ ‫ولكنه يبدو منصتا للحوار‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬أوريستيس‪ ،‬آمل أن تكون قد فكرت يف ما يشوب‬ ‫طلبك من جنون‪.‬‬

‫أوريستيس ‪ :‬ما األمر هيباتيا؟ ما لك جتفلني! كام لو كان الغوغاء‬ ‫يطاردونك‪ .‬إن العرض مل يبدأ بعد‪ .‬ديميرتيا يف غرفة‬ ‫املالبس‪ ،‬تتجمل‪ ،‬وقررت أن أجلس قليال هنا عىل‬ ‫املرسح قبل العرض‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬لقد كنت يف منزلك توا‪ ،‬وأخربوين أنك يف املرسح‪.‬‬ ‫أوريستيس‪ ،‬أنصت! ما كان عليك أن ختتار مرسحية‬ ‫بمثل هذا املوضوع املثري للجدل‪ .‬كريلس يرتقب أي‬ ‫‪60‬‬


‫مربر ليحرض الغوغاء‪.‬‬ ‫أوريستيس ‪ :‬أيا ما أفعله سيكون دائام إهانة لكريلس‪ .‬إن جمرد‬ ‫افتتاح املرسح هو سبب اكثر من كاف‪ ،‬بالنسبة له‪،‬‬ ‫ليحرك عصاباته‪ .‬حتى إن كانت ديمرتيا متثل آالم‬ ‫املسيح‪ ،‬وتلعب دور مريم املجدلية‪ ،‬فإن كريلس‬ ‫سيحتج بأننا نزدري اإلنجيل‪ .‬عموما‪ ،‬لتجنب‬ ‫املواجهات‪ ،‬فقد زدت من عدد اجلنود عند املرسح‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬لكن يا أوريستس‪ ،‬هل كان من الرضوري فعال اختيار‬ ‫رواية سمعان الساحر‬

‫[‪]1‬‬

‫للعرض االفتتاحي؟ كل‬

‫الغنوصيني ملعونيني يف نظر الكنيسة؛ ألهنم مل خيضعوا‬ ‫قط لعقائد روما‪ .‬أخذ هؤالء املتمردون عىل عاتقهم‬ ‫خلق جمموعة متنوعة وكبرية من األساطري‪ .‬وأنت‬

‫[‪ ]1‬سيمون أو سمعان الساحر‪ ،‬أو سمعان املجوس ي ‪ :Simon magus‬اسم استعمله الكتاب‬ ‫املسيحيون القدماء لإلشارة إلى شخص عرف بأنه سامري غنوص ي‪ .‬أسس فرقة دينية‬ ‫خاصة به‪ .‬درج املسيحيون األوائل على اعتبار سمعان املجوس ي أول الهراطقة‪ ،‬وفي الوقت‬ ‫عينه أول الغنوصيين‪ ،‬وقد ورد ذكره في أعمال الرسل‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪61‬‬


‫تقوم باختيار أكثرها افرتاء عىل اإلطالق‪ .‬سمعان‬ ‫الساحر‪ ،‬الذي ادعى أنه مبعوث السامء‪ ،‬وأنه اكتشف‬ ‫روح العامل متجسدة يف عاهرة شابة من شوارع صور‪.‬‬ ‫ويتجول االثنان عرب املقاطعات الرومانية‪ ،‬يبرشان‬ ‫باحلب احلر‪ ،‬والتناغم الكوين‪ ،‬بعد مخسني عاما من‬ ‫موت املسيح‪ .‬ال يمكنك إجياد جتديف أفظع من هذا‬ ‫الستثارة كريلس‪.‬‬ ‫أوريستس‬

‫‪ :‬لست يف حاجة لرسد احلبكة‪ .‬يف هناية األمر‪ِ ،‬‬ ‫فأنت من‬ ‫أخربتِني بالقصة يف الدرس ذات يوم‪ .‬أنا فقط قررت‬ ‫أن أجعلها مرسحية‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬ها! إذن فأنت من خيتبئ وراء اسم أريستوس طيبة‪،‬‬ ‫الذي مل يسمع به أحد من قبل‪.‬‬

‫أوريستس‬

‫‪:‬‬

‫فخورا) حيق للحاكم أن يؤلف مرسحيات‪ ،‬وخاصة‬ ‫إذا كان متزوجا بممثلة موهوبة‪ ..‬مغريا املوضوع) هل‬ ‫أحرضت خريطة األبراج التي طلبتها ِ‬ ‫ِ‬ ‫منك؟ أريد‬ ‫‪62‬‬


‫استشارهتا قبل أن أقوم بس ِّن سياسايت اجلديدة‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬ال يقدم التنجيم إجابة لكل يشء‪ ،‬أوريستس‪ .‬لقد كان‬ ‫عقيل شديد االنشغال فنسيت إحضارها‪ .‬لكن‪ ،‬إذا‬ ‫كنت متشوقا لرؤيتها‪ ،‬فيمكنني إحضارها‪ .‬بصوت‬

‫عايل) نازاريوس!‬ ‫من مكان قريب) نعم معلمتي‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪ :‬اصنع يل معروفا‪ .‬بتعجيل للمجيء إىل هنا‪ ،‬نسيت‬ ‫خريطة أبراج احلاكم يف مكتبي‪ .‬أيمكن إحضارها لنا‬ ‫قبل رفع الستار؟‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬بالتأكيد‪ ،‬معلمتي‪ .‬خيرج)‬

‫أوريستس‬

‫‪ :‬أن يكون لديك تلميذ مثله هلو مصدر راحة كبرية‬ ‫كنت واحدا منهم‪.‬‬ ‫للروح‪ .‬أفتقد زمن ُ‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫مل يالحظا ديمرتيا‪ ،‬التي كانت تستمع هلام من خلف‬

‫الكواليس) أوريستس‪ ،‬كنت دوما تستمع لنصيحتي‪،‬‬

‫‪63‬‬


‫وأنا أطلب منك أن تلغي هذا العرض‪ .‬نح جانبا‬ ‫فخرك بكتابة تلك املرسحية‪ ،‬واقنع ديمرتيا باإللغاء‪.‬‬ ‫ارشح هلا املخاطر التي نواجهها مجيعا‪ .‬إن كنيسة‬ ‫كريلس هي الديانة الرسمية لإلمرباطورية‪ .‬ونحن‪،‬‬ ‫الوثنيون‪ ،‬كام يدعوننا‪ ،‬أقلية‪ ،‬ونفقد تأثرينا برسعة‪ .‬إن‬ ‫اإلمرباطورة يف القسطنطينية مهووسة بالذهاب إىل‬ ‫الكنيسة‪ ،‬ومتيض أيامها يف االعرتاف‪ .‬إن ما تقوم به‬ ‫غري آمن‪ ،‬صديقي‪ .‬ليلة واحدة عىل املرسح قد تكلفك‬ ‫مستقبلك‪ .‬اذهب وأخرب ديمرتيا بأن تزيل عنها‬ ‫مكياجها‪ ،‬قبل أن تبكي من خيبة األمل‪ .‬من األفضل‬ ‫هلا أن تبكي اآلن قبل أن نبكي مجيعا الحقا‪ .‬ديمرتيا‬

‫تظهر نفسها وتقرتب منهام)‬ ‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫متأثرة) هيباتيا العظيمة تغري! أنا أستعد لتأدية دوري‪،‬‬ ‫بينام السيدة املعلمة هنا‪ ،‬عىل املرسح‪ ،‬تتآمر مع زوجي‪.‬‬ ‫دائام ما يغار الفالسفة من املمثلني‪ .‬ترغبني يف أن‬

‫‪64‬‬


‫تسلبيني حلظة جمدي‪ ،‬لكنني املمثلة هنا‪ ،‬وليس ِ‬ ‫أنت‪.‬‬ ‫هناك الكثري من املنابر حيث يمكنك التألق كخطيبة‪،‬‬ ‫فلامذا‪ ،‬بحق اجلحيم‪ ،‬حترمينني من منربي؟ من‬ ‫الواضح أنك ال تعلمني شيئا عن املرسح‪ .‬ربام ِ‬ ‫كنت‬ ‫ضليعة يف أفكار أفلوطني‪ ،‬وأبراج بطليموس‪ ،‬لكنك‬ ‫ِ‬ ‫وصلت إىل هنا‪،‬‬ ‫ال تعلمني شيئا عن املرسح‪ .‬لقد‬ ‫وبإشارة ِ‬ ‫منك تريدين إلغاء العرض املرسحي‪ .‬هيباتيا‬ ‫تُعطي األوامر وعلينا أن نطيعها مجيعا! لكنني لن‬ ‫أبكي وحدي‪ .‬هناك فريق كبري كان يعمل ليل هنار من‬ ‫أجل إخراج ليلة االفتتاح بشكل ناجح‪ .‬املرسح عمل‬ ‫مجاعي‪ ،‬ال يشبه كتابتك للكتب يف املنزل وحدك‪.‬‬ ‫خشبة املرسح التي ترينها هنا‪ ،‬أولئك املوسيقيني الذين‬ ‫تدربوا لساعات طويلة‪ ،‬أصدقائي املمثلني الذين أتوا‬ ‫من روما‪ .‬كيف أبدو حني أخربهم بعدم وجود‬ ‫مرسحية؟ ملاذا؟ ألن الدكتور هيباتيا‪ ،‬منارة‬

‫‪65‬‬


‫اإلسكندرية الثانية‪ ،‬قد أظهرت لنا الضوء األمحر!‬ ‫أوريستس‬

‫‪ :‬أهدأي‪ ،‬ديمرتيا‪ .‬أتفهم سبب استيائك‪ ،‬لكن هيباتيا‬ ‫هنا للمساعدة‪.‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫ساخرة) حسنا‪ ،‬يف النهاية إهنا مرسحيتك‪ .‬دعنا نلغيها‬ ‫طاعة ألمر الرقيب‪ ،‬لكن ليس علينا أن نخدع‬ ‫اجلمهور‪ ،‬لذا‪ ،‬أقرتح أن نقدم عرضا هزليا صغريا‪،‬‬ ‫يمكننا التدرب عليه اآلن‪ ،‬ألن موعد فتح األبواب قد‬ ‫أوشك‪ .‬ربام تكونوا عىل علم بالقصة‪ ،‬إهنا قصة حب‬ ‫متقاطعة النجوم[‪ ،]1‬لكن ال عالقة هلا بالدين‪ .‬ال‬ ‫ترتددان يف قرع اجلرس إذا ما أخطأت يف فهم أي‬ ‫يشء‪ .‬بأسلوب أستاذي‪ ،‬ختاطب اجلمهور)‬ ‫منذ عرشة سنوات‪ ،‬مل يكن احلاكم أوريستوس حيكم‬ ‫شيئا عىل اإلطالق؛ فقد كان جمرد طالب يف‬

‫[‪ ]1‬متقاطعة النجوم ‪ :Star-crossed‬تعبير يصف حبا محبطا بين اثنين‪ ،‬بسبب مؤثرات‬ ‫خارجية‪ .‬والعبارة صاغها شكسبير في رائعته "روميو وجولييت"‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪66‬‬


‫األكاديمية‪ ،‬يتوق إىل احلكمة‪ ،‬أو من األفضل القول‪،‬‬ ‫كان توقه إىل معلمته أكرب من توقه إىل موضوعات‬ ‫درسه‪ .‬تتحرك هيباتيا مغادرة)‬ ‫تتحدث إىل أوريستس) أرفض أن ُأهان من زوجتك‪.‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫ِ‬ ‫فضلك‪ ،‬أريدك أن تبقي‪.‬‬ ‫‪ :‬تشري إليها بحزم لتجلس) من‬ ‫إذا ِ‬ ‫كنت املرأة القوية كالرجال‪ ،‬كام يقولون يف أنحاء‬ ‫املدينة‪ ،‬ستملكني الشجاعة لعرض مشاهد من‬ ‫ِ‬ ‫نسيت العبارة التي قاهلا الشاعر‬ ‫حياتك‪ .‬هل‬ ‫ِ‬ ‫مرسح تلك‬ ‫عليك؟ "‬ ‫باالداس[‪ ،]1‬وتذخر بالثناء‬ ‫ٌ‬

‫[‪ ]1‬باالداس‪ :‬شاعر يوناني سكندري‪ ،‬عشق فيلسوفة اإلسكندرية هيباتيا‪ ،‬ومما كتبه شعرا في‬ ‫أنت كالنجم الذي يسكن السماء‬ ‫حبها‪ِّ :‬‬ ‫والنجوم بيتها السماء‬ ‫إن ضوء شعاعك‬ ‫ال تستطيع سوى السماء تحمله‬ ‫يا هيباتيا العظيمة‬ ‫إن كلما ِّتك هي الجمال والحكمة‬ ‫وما الجمال والحكمة‬ ‫سوى نجوم تض يء في السماء‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪67‬‬


‫احلياة‪ ،‬وملهاة‪ ،‬لتكن األشياء اجلسام‪ ،‬وتعلم كيف‬ ‫ترقص أو حتيا يف قلب املأساة"‪ .‬هيباتيا تنصت‪ ،‬متوترة‪.‬‬ ‫تواصل ديمرتيا ملهاهتا‪ .‬تقوم هيباتيا لرتحل‪ ،‬لكنها تبق تراقب‬

‫من بعد) الشاب أوريستوس يعشق معلمته بجنون‪.‬‬ ‫دائام ما يكون للمعلامت اجلميالت هذا التأثري عىل‬ ‫تالميذهم‪ .‬يسهل تشتت الشباب بفعل احلمية‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وينسون تغذية أرواحهم‪ .‬لكن هيباتيا عذراء‬ ‫قوية‪ ،‬وتعتزم أن تعطي تلميذها درسا‪ .‬ذات يوم‪ ،‬بعد‬ ‫الدرس‪ ،‬استجمع شجاعته ليعلن هلا عن حبه‪.‬‬ ‫أوريستس‬

‫‪ :‬ديمرتيا‪ ،‬توقفي عن هذا اهلراء اآلن‪.‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬ال أستطيع‪ ،‬أنا أتدرب عىل ملهاة اليوم‪ .‬نستطرد ما‬ ‫كان حينئذ ‪ ...‬يفتح أوريستس قلبه ملعلمته‪ ،‬لكن مل‬ ‫يكن لديه أية فكرة عن إجابتها‪ ،‬التي تدخرها له يف‬ ‫رسواهلا‪ .‬تنقض هيباتيا العظيمة عىل منفرجها‪ ،‬وتضع‬ ‫يدها عليه تصحب ديمرتيا كلامهتا بإخراج قطعة من القامش‬

‫‪68‬‬


‫املخضبة بالدم‪ ،‬من حتت مالبسها) ُ‬ ‫وخترج قطعة قامش‬ ‫خمضبة بدم احليض‪ .‬أوه‪ ،‬يا له من منظر مقزز! كام‬ ‫ترون فإن الفيلسوفات أيضا حيضن‪ ،‬مثلام حيدث‬ ‫جلميع النساء‪ .‬حينها علمته هيباتيا الدرس‪ ،‬دفعت‬ ‫باخلرقة القذرة حتت أنفه‬

‫تُظهر ديمرتيا املنشفة‬

‫ألوريستس‪ ،‬الذي يدير وجهه‪ُ ،‬حمرجا)‪" :‬متعن‪ ،‬أهيا الفتى‪،‬‬ ‫يف هذه اخلرقة‪ .‬هذا ما حتبه يف‪ .‬ليس باملنظر اجلميل!"‪،‬‬ ‫تلك كانت الكلامت‪ .‬ركض الفتى أوريستس‪ ،‬خزيان‪.‬‬ ‫قد توهنه الصدمة املروعة حتى موته‪ .‬ال عجب‪ .‬ضع‬ ‫نفسك مكانه‪ .‬لقد استجمع شجاعته ليعلن حبه لتلك‬ ‫املرأة احلكيمة‪ ،‬وبمنتهى البساطة‪ ،‬تضع أمام أنفه‬ ‫الربهان األمحر عىل وصوهلا لعمر اإلنجاب‪ .‬ومع‬ ‫وجود أيام عديدة يف الشهر‪ ،‬فإن الفتى املسكني مل‬ ‫يصارحها إال يف فرتة إدمائها‪ ،‬مثلام أنا اآلن‪ .‬مل يكن‬ ‫حمظوظا عىل اإلطالق‪.‬‬

‫‪69‬‬


‫أوريستس‬

‫ِ‬ ‫يكفك ذلك؟‬ ‫‪ :‬توقفي‪ ،‬ديمرتيا‪ .‬أمل‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬قاربت عىل االنتهاء‪ .‬أريد فقط أن أستخلص العربة‬ ‫األخالقية من القصة‪ ،‬وهو اجلزء األفضل فيها‪.‬‬ ‫بلهجة أستاذية) ختىل أوريستس عن حبها امليئوس منه‪،‬‬ ‫ومن حينها‪ ،‬كرس نفسه بشغف لدراساته والسياسة‪.‬‬ ‫ترصف هيباتيا‪ ،‬بقدر ما بدا قاسيا‪ ،‬مل يكن بال‬ ‫لكن ُّ‬ ‫مقصد أو سبب‪ .‬ال‪ ،‬لقد أرادت أن ت ُِري أوريستس أنه‬ ‫أحب أدنى ما فيها‪ ،‬من أحوال إنسانية‪ .‬وألجل أن‬ ‫يرتقي سلم املعرفة‪ ،‬عليه أن خيمد مشاعره احلسية‪،‬‬ ‫وأن ُيشعل عواطف الروح‪ .‬كل الفالسفة لدهيم‬ ‫قصصهم املجازية‪ .‬اختار أفالطون قصة الكهف‪،‬‬ ‫وفضلت هيباتيا الفوط الصحية‪ .‬من أنا ألنتقدها؟‬ ‫يصفق أوريستس هبدوء‪ ،‬ساخرا)‬

‫أوريستس‬

‫أحسنت‪ ،‬عزيزيت‪ِ .‬‬ ‫ِ‬ ‫‪:‬‬ ‫كنت دائام رائعة يف االرجتال‪ .‬هذا‬ ‫إذن ما تقرتحني عرضه بدال من مرسحيتي؟‬

‫‪70‬‬


‫ديمتريا‬

‫‪ :‬نعم‪ .‬هل ترضيك؟ عىل األقل لن يقول أحد إهنا غري‬ ‫صحيحة من الوجهة التارخيية‪.‬‬ ‫تقرتب جمددا) لقد فتحتي ُجرحا يف صداقتنا‪ ،‬لن‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪ :‬اآلن تعرفني ما شعرت به حني رأيتك تتآمرين عىل‬

‫يندمل أبدا‪ .‬الحق لك يف االستهزاء يب وبأكثر‬ ‫معتقدايت قدسية‪.‬‬

‫املرسحية التي كنت أعد هلا لشهور‪ .‬وأيضا‪ ،‬ليس‬ ‫لديك حق يف حرماين من ما أعتربه مقدسا بالنسبة يل‪:‬‬ ‫فني‪ ،‬ومرسحي ‪ ...‬اآلن نحن متعادلتان‪ ،‬هيباتيا‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪ :‬لقد فشلت يف مهمتي‪ .‬ال تتوقعا مني أن أبقى وأشاهد‬ ‫رواية هيلني وسمعان الساحر‪ .‬أرجو فقط أال حيدث‬ ‫ما أخشاه‪ .‬وداعا‪ ،‬ولتكن السامء يف عوننا‪ .‬تتوجه‬

‫باحلديث لنفسها) سأذهب للبحث عن نازاريوس‪ .‬ال‬ ‫أستغرب استغراقه هذا الوقت الطويل‪ .‬كان ليذهب‬ ‫ويعود اآلن‪.‬‬ ‫‪71‬‬


‫مشهد ‪8‬‬ ‫عند بركة ملساء كاملرآة‪ ،‬يلتقي نازاريوس بكاريوتيس‬ ‫يمسك بنازاريوس‪ ،‬ويربت عىل جذعه) ملاذا العجلة‪،‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬إذا كنت ذهبت‪ ،‬لكنت دعوتك‪ ،‬كاريوتيس‪ .‬تعلم‬

‫تدعني؟‬ ‫نازاريوس؟ لقد خرجت إىل املدينة‪ ،‬ومل ُ‬

‫أين أهتم بك‪ .‬لكن دعني أذهب‪ .‬أنا متأخر‪ .‬عيل‬ ‫تسليم هذا هليباتيا‪.‬‬ ‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬ما تلك الورقة التي تعتربها أهم مني؟‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ال أستطيع أن أريك إياها‪ ،‬إهنا رسالة إىل أوريستس‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬لقد ترقيت إذن كرسول للحاكم‪ .‬يا لك من رجل‬ ‫عظيم! جيذب ذراعه ويلويه ليجربه عىل إلقاء الرسالة)‬

‫‪72‬‬


‫لكن أوال ستعطيني هذه الرسالة‪ ،‬أهيا الصغري‬ ‫نازاريوس‪ .‬لقد تم تعييني مفتشا عىل الربيد‪ .‬أمن‬ ‫داخيل‪ ،‬كام تعلم‪.‬‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬دعني كاريوتيس‪ ،‬أنت تؤذينني‪ .‬ستكرس ذراعي‪.‬‬ ‫جيربه األمل عىل ترك الرسالة) أنت مهجي!‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬وهلذا حتبني‪ .‬اهلمج يتسمون بشدة احلمية‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬تلك وثيقة رسية‪ .‬ال تفكر حتى يف أن تفضها‪.‬‬ ‫يفض اخلاتم الشمعي ويفتحها) ال تفكري يف األمر‪ ،‬حقا‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬ال يشء‪ .‬فقط ابق هادئا هنا‪ ،‬وال تفعل أي يشء غبي‪.‬‬

‫ها هي‪ُ ،‬فتحت‪ .‬حسنا‪ ،‬حسنا‪ ،‬خريطة أبراج فلكية‬ ‫أخرى هليباتيا‪ ،‬إىل سيادة احلاكم‪.‬‬ ‫بعصبية) ماذا اآلن؟‬

‫يقرأ) عزيزنا أوريستس لديه العديد من‬ ‫االصطفافات املنعكسة للنجوم يف األفق‪ .‬السامء‬

‫‪73‬‬


‫ليست يف صاحله‪ .‬انظر قدر العار‪ .‬اليوم حتديدا‬ ‫تستعد زوجته للصعود عىل املرسح عارية‪.‬‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ملاذا أنت هبذا الغباء‪ ،‬كاريوتيس؟ أمل تعلمك‬ ‫األكاديمية أي يشء؟‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬لكنني جاد‪ .‬أليس التمثيل هو هدية ديمرتيا للعامل‪.‬‬ ‫عىل األقل‪ ،‬فإن من رأوها قبل أن تتزوج‬ ‫أوريستوس‪ ،‬يقولون ذلك‪ .‬لكن املؤسف هو‬ ‫املرسحية التي اختارهتا‪ ،‬رغم ذلك‪ .‬فلن يكون‬ ‫األسقف كريلس سعيدا هبا‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬تلك املرسحية لن يتم عرضها أبدا‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬كيف يمكن أن تقول ذلك؟‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬نصحت هباتيا أوريستس بالتخيل عن خطته‪ ،‬حتى ال‬ ‫يستفز كريلس‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬هيباتيا‪ ،‬تنارص كريلس! وتتوقع مني أن أصدق‬

‫‪74‬‬


‫ذلك؟ جيذبه نحوه ويربت عىل شعره) لقد قضيت‬ ‫الساعات الطوال أفكر يف تلك املكتبة اللعينة‪ ،‬وهي‬ ‫ليست األفضل لرأسك الصغري اجلميل‪ .‬يق ّبله) ملاذا‬ ‫ال تفكر يف بدال من ذلك؟ إنه أكثر صحة من قراءة‬ ‫اللفائف وترتيل التوراة‪.‬‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬سأخربك بيشء‪ ،‬لكن لتعدين أن تبقيه رسا‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬بالتأكيد‪ .‬هل كنت تلعب دور اجلاسوس؟‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬لقد استمعت إىل حوار هيباتيا مع احلاكم‪ .‬إن‬ ‫مرسحية شغف هيلني الصورية من تأليف أوريستس‬ ‫هيباتيا مل تكن تعلم ذلك‪ .‬لقد علم قصة سمعان‬ ‫املجويس عندما كان طالبا منذ عرش سنني‪ .‬يظهر‬

‫كريلس فجأة‪ ،‬كام لو انبثق من الظل)‬

‫‪75‬‬


‫مشهد ‪9‬‬ ‫كيرلس‬

‫‪ :‬يا هلا من قصة مثرية تلك التي حيكيها لك صديقك!‬ ‫يتباعد كاريوتيس ونازاريوس فجأة‪ ،‬وتقع خريطة األبراج‬ ‫الفلكية من يد كاريوتيس يف الربكة‪ .‬يتحدث كريلس إىل‬

‫كاريوتيس) منحت نفيس حرية أن أتبعك كاريوتيس‪.‬‬ ‫يف أجيج اخلطيئة‪ ،‬تتبدى الكثري من األرسار‪ .‬لكن‬ ‫اآلن‪ ،‬حان وقت الكفارة‪ .‬تظهر ست شخصيات رشيرة‬ ‫ترتدي عباءات ذات غطاء رأس‪ ،‬زي رهبانية‪ ،‬ختبئ وجوههم‬

‫القلنسوات واألقنعة)‬ ‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫مرتعبا) ماذا تريد مني‪ ،‬كريلس؟ لقد أغويت‬ ‫اليهودي للحصول عىل معلومات عن هيباتيا‪ .‬إين‬ ‫أعمل لصاحلك ولصالح كنيستنا‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫كيرلس‬

‫‪ :‬أعلم‪ ،‬ليس هناك ما ختشاه‪ ،‬لقد اجتزت االختبار‪.‬‬ ‫إىل كاريوتيس) خائن مقزز! يرتاجع حماوال الفرار)‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬إنه احلاكم‪.‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬ال‪ .‬سألت عن املؤلف الرشعي‪ .‬إن املؤلف امرأة‪،‬‬

‫اقبض عىل هذا احلمل‪ ،‬كاريوتيس! كاريوتيس يطيع‬

‫ويمسك بمعصم نازاريوس) واآلن‪ ،‬سيخربنا فتانا‪،‬‬ ‫بصوت عال وواضح‪ :‬من هو املؤلف الرشعي‬ ‫للمرسحية التي جيب أن نخضعها للرقابة اليوم؟‬ ‫جيب أن نعرف اسمه لنجعله عربة للهراطقة‪ .‬جيب أن‬ ‫نطهر اإلسكندرية من ذلك الوباء الوثني‪ ،‬الذي حل‬ ‫علينا‪ .‬من هو‪ ،‬يا فتى؟‬

‫أليس كذلك؟ أولئك األخوة حيتاجون سامع اسمها‪،‬‬ ‫ليمكنهم تأدية مهمتهم‪.‬‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬لن خيرج من فمي افرتاء‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫كيرلس‬

‫‪ :‬انعش ذاكرته‪ ،‬كاريوتيس!‬ ‫بعصبية) ال أريد أن أؤذيه!‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬إذن‪ ،‬أنت تفضل أن تعاين العقاب الذي يستحقه‬ ‫اللواطيني؟‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬ال‪ ،‬مطلقا‪.‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬نحن ننتظر‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬تكلم‪ ،‬نازاريوس! من الذي علم أوريستس حبكة‬ ‫املرسحية؟ كاريوتيس يغ ِّطس رأس نازاريوس يف مياه‬ ‫الربكة) ال نريد غري االسم! يكرر ذلك عدة مرات‪ ،‬ويف‬ ‫كل مرة يدع رأس نازاريوس حتت املاء مدة أطول‪ .‬يصبح‬

‫كاريوتيس مفزوعا بسبب صمته) قل اسمها‪ ،‬أهيا‬ ‫اليهودي القذر! ال أريد أن أقتلك‪.‬‬ ‫كيرلس‬

‫‪ :‬إذا أخربتنا باالسم فسوف أغفر لك خطاياك‪ ،‬وهي‬ ‫كثرية وخطرية‪ .‬عليك أن تعترب هذا التعذيب كنوع‬

‫‪78‬‬


‫من التعميد‪ .‬ال نريد موتك‪ ،‬يا بني‪ .‬فأنت ما زلت‬ ‫شابا‪ ،‬وبمقدورك ختليص نفسك‪ .‬ال حتتاج إال أن‬ ‫تذكر اسم الطرف املذنب!‬ ‫واهنا‪ ،‬بعدما جذب كاريوتيس رأسه من املاء) هيباتيا‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬بصوت أعىل‪ ،‬بني! فاثنان من إخواننا يعانيان بعض‬ ‫الصمم‪.‬‬ ‫واهنا‪ ،‬بعدما جذب كاريوتيس رأسه من املاء) هيباتيا‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪ :‬سمع اجلميع ما قال صديقنا‪ .‬لقد تأكدت شكوكنا‪.‬‬ ‫هيا بنا إىل املرسح‪ .‬البد وأن العرض قد بدأ‪ .‬خيرجون‬ ‫مجيعا‪ ،‬عدا نازاريوس‪ ،‬الذي ينتحب إىل جوار الربكة‪،‬‬ ‫وكاريوتيس‪ .‬ينظر كالمها لآلخر نظرة أخرية‪ ،‬ثم خيرج‬ ‫كاريوتيس‪ .‬تدخل ستيلال وإبونيوس‪ ،‬يبحثان عن‬

‫نازاريوس)‬

‫‪79‬‬


‫مشهد ‪10‬‬ ‫ستيلال‬ ‫إبونيوس‬ ‫نازاريوس‬

‫‪ :‬ماذا حدث لك نازاريوس‪ ،‬هل تعرضت للرسقة؟‬ ‫وملاذا تبكي؟ من فعل ذلك بك؟‬ ‫‪ :‬أبكي ألين جبان‪ .‬إين أحقر من دودة‪ .‬أريد أن أموت‪.‬‬ ‫كنتم عىل حق‪ .‬كاريوتيس هو هيوذا اجلديد‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬توقعت أن يكون هو من وراء ذلك‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬هيباتيا كانت قلقة عليك عندما مل جتدك‪ .‬يبدو أهنا‬ ‫قادرة عىل رؤية املستقبل‪.‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬إهنم يريدون قتل هيباتيا‪ .‬البد أن نمنعهم!‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬هل هتذي؟ من هم؟‬

‫نازاريوس‬

‫‪ :‬أتباع كريلس‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫مشهد ‪11‬‬ ‫موسيقى شرقية‪ ،‬املسرح ُمضاء باملشاعل‪ .‬تدخل ديمتريا‬ ‫في دور هيلين الصورية‪ ،‬وترقص محظية رقصة‬ ‫الحجاب‪ .‬يجلس املمثل الذي يقوم بدور سمعان‬ ‫املجوس ي في وضعية اللوتس‪ ،‬يرتدي كساء الصحراء‪.‬‬ ‫يبدأ الحوار حينما تنتهي املوسيقى‪ .‬رجال يرتدون برانس‬ ‫ذات أغطية رأس عند الجمهور‪.‬‬ ‫هيلين‬

‫‪:‬‬

‫رقصت كام أمرتني‪.‬‬ ‫ُ‬

‫الصورية‬

‫أشكرك هيلني‪ .‬أنت ترقصني عىل إيقاع الكواكب‪.‬‬

‫سمعان‬ ‫الساحر‬

‫أنت املرأة التي كنت أبحث عنها يف مجيع موانئ‬ ‫أفريقيا والبوسفور‪.‬‬

‫هيلين‬

‫‪:‬‬

‫لكنك حتى ال تعرفني‪ .‬كيف حيدث أن تبحث‬ ‫عني؟‬ ‫‪81‬‬


‫سمعان‬

‫‪:‬‬

‫هيلين‬

‫‪:‬‬

‫سمعان‬

‫‪:‬‬

‫ألننا التقينا يف حياة سابقة‪ .‬يف عينيك أرى انعكاس‬ ‫الوجوه التي أحببتها عرب قرون عدة‪ ،‬منذ بدء‬ ‫الزمان‪.‬‬ ‫إين أعتقد ذلك حقا‪ .‬كثريا ما حلمت برسول يمكنه‬ ‫الطريان‪ ،‬يأيت باحثا عني‪ ،‬ويأخذين لرؤية العامل‪ ،‬كام‬ ‫لوكنت نجمته اهلادية‪ .‬كانت زميلتي يف السكن‬ ‫تضحك مني‪ ،‬وتقول إننا مجيعا نحلم بالرجل‬ ‫الساحر الذي سينقذنا‪ ،‬لكن ما إن يصل حتى نخونه‬ ‫مع زبوننا التايل‪ .‬لكننا خمتلفان للغاية‪ .‬لكن‪ ،‬كيف‬ ‫علمت أنك ستلقاين يف ماخور‪ ،‬عند رصيف امليناء؟‬ ‫ألنني بحثت يف كل مكان آخر‪ .‬أمل يولد املسيح يف‬ ‫إصطبل بسيط؟ عندما رأيتك يف ذلك املاخور‬ ‫أدركت ِ‬ ‫أنك ال تنتمني إىل هذا املكان‪ .‬إن مهمتك‬ ‫أرقى من جمرد إرضاء النزوات احلقرية للجسد‪.‬‬ ‫هيلني‪ ،‬أنا ساحر أحالمك‪ ،‬قادر عىل صنع‬

‫‪82‬‬


‫العجائب‪ .‬من التحليق يف اهلواء‪ ،‬واهلبوط عىل‬ ‫األرض بخفة ياممة‪ ،‬وآمر الصخور أن تنفث املاء‬ ‫العذب كالينبوع‪ ،‬والتكلم مع الوحوش الربية‪،‬‬ ‫وترويضها برتنيامت‪ ،‬وترتيل قصيدة واإلحياء إىل‬ ‫الناس أن يوقظوا الرب داخلهم‪ ،‬لذا يمكن أن‬ ‫تسميني سمعان الساحر‪ .‬إننا نمر بحياتنا نائمون‪.‬‬ ‫إذا ِ‬ ‫أتيت معي‪ ،‬يمكننا أن نوقظ كل من سيستمع لنا‪،‬‬ ‫يف القرى‪ ،‬ويف املدن‪ ،‬ويف الريف‪.‬‬ ‫هيلين‬

‫‪:‬‬

‫سمعان‬

‫‪:‬‬

‫لكنني خاطئة‪ .‬ما الذي يمكن أن أعطيك إياه‪ ،‬وال‬ ‫تقدر عليه أخرى؟‬ ‫أنت نفس العامل‪ِ .‬‬ ‫اسمعي‪ ،‬هيلني‪ِ ،‬‬ ‫أنت ال تعرفني‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫نفسك‪ ،‬لكن لديك قوة عىل اإلهلام‪ .‬ستكونني املرأة‬ ‫"البابا" لديانتي‪ .‬أنا روح العامل التي تروم الضياء‪،‬‬ ‫لكن وحدي‪ ،‬يزداد حزين‪ ،‬وختبو شعلتي‪ .‬هلذا‬ ‫ِ‬ ‫وأنت حتتاجينني‪ .‬كالنا معا‪ ،‬سنكون‬ ‫أحتاجك‪،‬‬

‫‪83‬‬


‫أقوياء كآهلة‪ .‬سيجعلنا احلب ال نُقهر‪.‬‬ ‫تضحك ضحكة دهشة ساخرة) نف ُس العامل غانية‪،‬‬

‫هيلين‬

‫‪:‬‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪1‬‬

‫‪:‬‬

‫أوقفوا هذه القذارة!‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪2‬‬

‫‪:‬‬

‫إهنم يسخرون من مسيحنا! سيحرتقون يف اجلحيم!‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪3‬‬

‫‪:‬‬

‫هذه فظاعة! يبدو كام لو أنه إنجيل مريم املجدلية‪.‬‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪1‬‬

‫‪:‬‬

‫أراهن أن من كتب تلك القذارة وثني‪ .‬يقاطع‬

‫وروح العامل ساحر! مل أرى شخصا جمنونا مثلك من‬ ‫قبل! لكن إذا كان ذلك هو قانون احلب الذي ستعظ‬ ‫به العامل‪ ...‬يومئ سمعان أن "نعم") فسأكون‬ ‫زوجتك‪ ،‬وأسافر عرب أبعد طرق األرض معك‪.‬‬ ‫ستتعانق النفس والروح يف أجسادنا‪ .‬مل يرى هذا‬ ‫الرسير زواجا بمثل هذه القداسة من قبل‪ .‬يستمتعان‬ ‫بعناق غرامي‪ .‬خيرتق الرجال املقنَّعون صفوف اجلمهور‪ ،‬بني‬

‫رصخات االعرتاض والصفري)‬

‫أوريستس املرسحية‪ .‬يسري إىل منتصف خشبة املرسح‪،‬‬ ‫‪84‬‬


‫وحياول هتدئة األمور)‬ ‫أوريستس‬

‫‪:‬‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪2‬‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫هدوء‪ ،‬أهيا السادة‪ .‬نحن يف مرسح‪ .‬ال أحد هنا‬ ‫حياول اإلساءة إىل معتقدات اآلخرين‪ .‬املمثلون ال‬ ‫يفعلون أكثر من تأدية أدوار متثيلية‪ .‬ارجعوا إىل‬ ‫احلس السليم‪ ،‬وقدروا أن ما نسمعه هو لغة الفن‪.‬‬ ‫املوت للوثنيني! نسمع شتائم‪ ،‬يتبعها مقذوف‪ ،‬أطلقه‬ ‫أحد املقنعني‪ ،‬يصيب رأس أوريستيس‪ ،‬ويؤدي إىل سقوطه‪.‬‬ ‫هترع ديمرتيا بلهفة إىل زوجها‪ .‬الرجال املقنعون يركضون‬

‫عرب املرسح وهم حيملون مشاعل)‬ ‫إىل اجلمهور) أهيا احلراس‪ ،‬أقبضوا عىل أولئك‬ ‫املجرمني! يرفع أوريستيس رأسه املخضبة بالدماء‪ ،‬ويأمر‬ ‫باعتقال مثريي الشغب‪ .‬يشل اثنان من الكومبارس حركة‬

‫املقنَّع ‪ ،2‬وحيمالنه إىل خشبة املرسح)‬ ‫ارضبوا بالسياط ذلك الذي اعتدى عيل‪ ،‬حتى يلفظ‬ ‫بأسامء مجيع املسؤولني عن ذلك العمل اإلرهايب!‬ ‫‪85‬‬


‫مشهد ‪12‬‬ ‫ستيلال وهيباتيا تنزالن من عربة‪ .‬على بعد خطوتين من‬ ‫منزل هيباتيا‪.‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫البد وأن العرض عىل وشك االنتهاء اآلن‪ .‬لدي‬ ‫هواجس مريعة‪.‬‬ ‫كيف سارت األمور برأيك؟ أكد يل إبونيوس أنه‬ ‫سيعلمنا إذا ما كان هناك ما نحذر منه‪.‬‬ ‫أشعر بالسوء أنك مل تذهبي معه بسببي‪ .‬ال يعني‬ ‫ذلك أنني أحب إشعال نار اهلوى بني طاليب‪ ،‬لكن‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وصلت للتو‪ .‬قومي‬ ‫لكنك‬ ‫عليك الذهاب‪.‬‬ ‫ربام كان‬ ‫بزيارته حينام تستطيعني‪ ،‬إنه أفضل مرسح يف املدينة‪.‬‬ ‫سندع ذلك ليوم آخر‪ .‬بعدما عثرنا عىل املسكني‬ ‫‪86‬‬


‫نازاريوس‪ ،‬يف تلك احلالة‪ ،‬مل يعد لدي رغبة يف‬ ‫حضور العرض األول يف املرسح‪ .‬أيمكن أن ندخل‪،‬‬ ‫معلمتي؟‬ ‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫تنظر إىل السامء) لنبقى هنا قليال‪ .‬إهنا من أمسيات‬ ‫شهر مارس الدافئة‪ ،‬أعلم أنك مرهقة من رحلتك‪،‬‬ ‫لكنني أحس بقشعريرة يف أنحاء جسدي‪ ،‬كام لو أن‬ ‫موجودات خفية تريد أن تتواصل معي‪ ،‬وال أستطيع‬ ‫فك شفرة لغتها‪ .‬كم هو حمزن‪ ،‬ستيلال‪ ،‬أن تكوين‬ ‫صامء أمام أرسار الكون العظمى‪.‬‬

‫كأنام حتاول‬

‫اإلنصات ليشء غري مسموع)‬ ‫كم هو غريب أن تقويل ذلك بالتحديد‪ ،‬معلمتي‪.‬‬ ‫أنت من دانت لك‪ ،‬كام مل حيدث ألحد‪ ،‬ألغاز‬ ‫الفلسفة والرياضيات‪ ،‬وعلم الفلك‪ ،‬واملوسيقى!‬ ‫إىل اجلمهور كام لو كانت ختاطب مجهورا متخيال) تعرف‬

‫‪87‬‬


‫هيباتيا أرسار إليوسيس[‪ ،]1‬لذا فأنا غري مندهشة من‬ ‫سامعها لصوت األرواح‪ .‬تتوجه إليها) أخربيني‪ ،‬أهيا‬ ‫أرس إليك هبذه النغمة‪ :‬ترنم) "وأنا أمجع‪ ،‬يا أمي‪،‬‬ ‫وقت‪"...‬‬ ‫النرجس الربي‪ُ ،‬‬ ‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫ِ‬ ‫عرفت هذه األغنية؟ كنت يف مثل عمرك حني‬ ‫كيف‬ ‫كتبتها‪.‬‬ ‫تعلمها أيب ِ‬ ‫منك‪ .‬وعلمها ألمي‪ ،‬وكانت تغنيها يل‬ ‫ألنام‪ ،‬يف الليايل املقمرة‪ .‬وحفظت كلامهتا‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بصوتك‪ .‬سأجلب الناي‪ .‬ربام كان‬ ‫أحب أن أسمعها‬ ‫ذلك ما تريده ربات الفنون مني‪ .‬بجدية) أغنية‬ ‫وداع‪.‬‬ ‫ملاذا وداع؟ لقد وصلت اليوم فقط‪.‬‬

‫ُ‬ ‫[‪ ]1‬أسرار إليوسيس‪ :‬طقوس دخول أو انضمام‪ ،‬تجرى كل عام في عبادة ديميتر وببيرسيفون‪،‬‬ ‫القائمة في إليوسيس‪ ،‬في اليونان القديمة‪ .‬وهي أشهر الشعائر الدينية السرية في اليونان‬ ‫القديمة‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪88‬‬


‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫تقطع املحادثة) وداع‪ ،‬أقصد‪ ،‬قبل أن نذهب للنوم‪.‬‬ ‫تقوم إلحضار الناي) لقد نسيت الناي عىل املقعد يف‬ ‫احلديقة‪ .‬ربام يكون قد ُرسق‪.‬‬ ‫اعتدت عىل الرتنم هبذه األغنية ألمي‪ .‬أشعرها إىل‬ ‫جواري‪ ،‬يف كل مرة أغنيها‪ .‬كام لو كنت بريسيفون‬ ‫املخطوفة‬

‫[‪]1‬‬

‫تنادي أمها‪ ،‬من أرض املوتى‪ .‬جتلس‬

‫هيباتيا‪ ،‬وترشع يف العزف عىل الناي‪ ،‬وتؤديان األغنية معا)‬ ‫وأنا أقطف النرجس الربي‪ ،‬يا أمي‬ ‫هويت إىل أسفل‬ ‫هنا يف القاع‪ ،‬يا أمي‪ ،‬يف تلك التالل املظلمة‬ ‫أفتقدك كثريا‬

‫[‪ ]1‬بيرسيفون املخطوفة‪ :‬في األساطير اليونانية القديمة‪ ،‬هي ابنة ديميتر ربة األراض ي املنزرعة‬ ‫وزيوس‪ .‬جمالها أخاذ‪ .‬أعجب لها هاديس‪ ،‬رب املوتى والعالم السفلي‪ ،‬فاختطفها‪ ،‬وظلت‬ ‫تصرخ‪ ،‬فسمعتها أمها‪ ،‬فانفطر قلبها‪ .‬بعث زيوس بهيرميس إلى هاديس‪ ،‬ليخلى سبيل‬ ‫بيرسيفون‪ ،‬ولكن هاديس كان قد تزوجها في العالم السفلي‪ ،‬وتوجها ملكة على عالم‬ ‫املوتى‪ .‬وأعلن هاديس أنه يمتثل لطلب كبير اآللهة‪ ،‬بإعادة بيرسيفون إلى أمها‪ ،‬ولكن قبل‬ ‫أن يتركها أطعمها حبة من رمان‪ ،‬تجعلها تعود إليه حتما‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪89‬‬


‫رب املوت هو خاطفي‬ ‫رماناته‪ ،‬كخدعة الغراب‬ ‫اآلن أصبحت أحب تلك الليايل الالهنائية‬ ‫وقلبي عالق به بال قتال‬ ‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫ِ‬ ‫أردت أن هتب احلياة اختيارا آخر‬ ‫واحلياة داخيل لن تبقى بعيدا ِ‬ ‫عنك‬ ‫الفيايف ترصخ يف صويت‬ ‫إذ مل أعد أعرف كيف تنمو احلبوب فيها‬ ‫وأنا أقطف النرجس الربي‪ ،‬يا أمي‬ ‫رسعان ما نسيت‬ ‫أنه يف ليلة احلياة التي ترتعد‬ ‫ِم ُّت كثريا‬ ‫تقدست بحبه يل‬ ‫ُ‬ ‫نائمة ولكن عيناي ترى‬ ‫أماه‪ ،‬أشتاق إىل نورك املتألق‬

‫‪90‬‬


‫إن حبي للموت حمنة مؤملة‬ ‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫انظري‪ ،‬يف الربيع ستضمني يديك معي‬ ‫وتدعني زوجك ينتظر هناك وحيدا‬ ‫وروح العامل بأكمله‪ ،‬ابنتي‪ ،‬ستكونني‬ ‫وما وراء احلياة واملوت ستجدين بيتا جديدا‬ ‫بعد االنتهاء من األغنية‪ ،‬منزعجة) أنظري‪ .‬حشد من‬ ‫الناس قادم‪ .‬يبدون كالغوغاء‪ .‬ماذا يفعلون يف‬ ‫الطريق يف هذه الساعة؟‬ ‫اسمعي ستيلال‪ .‬إذا حدث أي يشء يل‪ ،‬يمكنك‬ ‫العيش يف منزيل‪ .‬ليس لدي أوالد‪ .‬مل ألتقي ِ‬ ‫بك غري‬ ‫اليوم‪ ،‬لكن األمر كام لو كنا صديقتان منذ زمن‪.‬‬ ‫كونك ابنة سينيسيوس‪ ،‬فكأنام ِ‬ ‫أنت ابنتي أيضا‪ .‬لقد‬ ‫كتبت ذلك‪ ،‬لذا‪ ،‬فسيكون لديك كل ما حتتاجني‬ ‫إليه‪ .‬واصيل دراستك يف األكاديمية‪ ،‬إذا مل يقوموا‬ ‫بإغالقها‪ .‬عىل أية حال‪ ،‬أيا كان ما سيحدث‪ ،‬ال‬

‫‪91‬‬


‫تستسلمي أبدا‪ .‬إن سبيل الروح طويل ومرير‪ .‬لكن‬ ‫حلوة وأبدية ستكون الثمرة التي ستجنينها‪.‬‬ ‫وتذكري‪ ،‬سأتابعك من ما وراء‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫قلقة) إذن‪ ،‬فإن ما يقوله نازاريوس صحيح؟ هؤالء‬ ‫الناس ينون قتلك؟‬ ‫نعم‪ ،‬ستيلال! وأفضل أن أجترع كاسا من سم‬ ‫الشوكران من تلك الطغمة من الوحوش الذين‬ ‫يشقون طريقهم إىل هنا‪ .‬تنظر إىل السامء) إن روحي‬ ‫اآلن تشبه بريسيفوين‪ ،‬التي تطلب من أمها‪ ،‬ديمتري‪،‬‬ ‫أن تأخذها برسعة من هذا اجلحيم‪.‬‬ ‫تُلقي بنفسها بني ذراعي هيباتيا) يا له من أمر رهيب‪،‬‬ ‫هيباتيا! يقتلونك وأنت اليشء األكثر تألقا يف قلب‬ ‫هذه الصحراء‪ .‬إن قدري أن أفقد الذين أحبهم حبا‬ ‫مجا‪ .‬أوال أيب‪ ،‬ثم أخي‪ ،‬ثم أمي‪ ،‬واآلن معلمتي‪.‬‬ ‫حتميل مهك بشجاعة‪ .‬الرصاعات بني اآلهلة تسبب‬ ‫‪92‬‬


‫الذعر للبرش الفانني‪ .‬اخرتت لشاهد قربي سؤال‬ ‫وجهه باالداس[‪ ،]1‬صديق مات قبيل تردد قول‬

‫باالداس السكندري)‪:‬‬ ‫"أيمكن أن نكون موتى بالفعل‪،‬‬ ‫ونبدو‪ ،‬فقط‪ ،‬أحياء‪،‬‬ ‫نحن اليونان‪ ،‬الذين ُحرمنا من النعمة اإلهلية‪،‬‬ ‫وتصورنا أن احلياة حلم‪،‬‬ ‫أم أننا أحياء‪ ،‬ومن مات هو احلياة؟"‬

‫[‪ ]1‬باالداس ‪ :Palladas‬شاعر يوناني ومعلم لألدب‪ ،‬عاش في اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،‬في القرن‬ ‫الرابع امليالدي‪ ،‬وعاصر أعمال الشغب املناهضة للوثنية بقيادة األسقف ثيوفيلوس‪ .‬وله‬ ‫قصيدة في تأبين هيباتيا‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪93‬‬


‫مشهد ‪13‬‬ ‫يتقدم الرجال املقنعون إلى األمام‪ ،‬يحمل بعضهم‬ ‫املشاعل‪ .‬وبينهم كاريوتيس‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫املقنع ‪1‬‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫املكان شديد الظلمة هنا‪ .‬ال يمكنني معرفة ُّأهين هي‬ ‫الساحرة‪.‬‬ ‫سأعثر لك عىل هيباتيا‪ .‬يميش نحو املرأتني) مساء‬ ‫اخلري‪ ،‬معلمة يقبلها عىل وجنتها) تعطني دروس‬ ‫موسيقى بعد الدوام‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫أال ختجل من نفسك؟ تتحدث بأدب بعد ما‬ ‫ارتكبت من رشور مع نازاريوس ومعنا مجيعا؟‬ ‫املصائب ال تأيت ُفرادى‪ ،‬معلمتي‪ .‬وال يمكنني فعل‬ ‫يشء حيال ذلك‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫َّ‬ ‫املقنع ‪1‬‬

‫‪:‬‬

‫َّ‬ ‫املقنع ‪2‬‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫صارخا) لنأخذها‪ ،‬أهيا األخوة! األفعى الوثنية لن‬ ‫ُتبتيل اإلسكندرية بعد ذلك‪ .‬رجالن مقنعان يمسكان‬

‫بذراعيها بعنف)‬ ‫يمسك ذراع ستيلال) وتلميذهتا؟ أنأخذها معنا لتلقي‬ ‫عليها درسها األخري؟‬ ‫دعها‪ .‬لقد وصلت اليوم فقط‪ .‬ال تكاد تعرف‬ ‫إحدامها األخرى‪.‬‬

‫يطيع الرجل املقنَّع كاريوتيس‪.‬‬

‫يمسك الغوغاء الثائرون هبيباتيا ويأخذوهنا إىل خارج‬

‫املرسح‪ .‬تبق ستيلال وحدها مع كاريوتيس)‬

‫‪95‬‬


‫مشهد ‪14‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫حتاول اخلروج خلف الغوغاء‪ ،‬لكن كاريوتيس يمنعها‪،‬‬

‫ويعرتض طريقها) هؤالء الوحوش سيقتلوهنا‪ .‬جيب‬ ‫ألحد أن يفعل شيئا ما‪ .‬استدع السلطات‪ ...‬ال‬ ‫أستطيع تصديق ما فعلت؛ تلميذها يسلمها أليدي‬ ‫أولئك القتلة‪.‬‬ ‫لقد أنقذت حياتك‪ .‬ال تبحثي عن أسباب تضعك يف‬ ‫خطر مرة أخرى‪ .‬ال أحد بمقدوره إيقاف غضب‬ ‫الغوغاء‪ .‬هيباتيا بالنسبة هلم شيطانة وثنية‪ ،‬جيب‬ ‫ذبحها‪ .‬سيمزقون مالبسها‪ ،‬ويسوقوهنا حول‬ ‫امليدان‪ .‬لكنهم لن يرضوا حتى يمزقون حلمها‬ ‫بأصداف املحار‪ ،‬وحيرقون ما يبقى منها عىل جبل‬

‫‪96‬‬


‫سينارون‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫تلك إذن الطريقة التي سيقتلوهنا هبا ‪ ...‬وأنت‬ ‫تصفها كجزار قايس‪ .‬لقد رغبت يف القدوم إىل‬ ‫اإلسكندرية بشدة‪ ،‬لكن ليس من أجل مواجهة الرش‬ ‫اخلالص‪ .‬ال أعلم ملاذا أبقيت عل حيايت‪ .‬ال تتوقع‬ ‫أبدا أن أمتن لك! يرشع كاريوتيس يف احلديث‪ ،‬لكن‬

‫ستيلال تغطي أذنيها بكفيها) أرجوك‪ ،‬ال تدنس أذين أكثر‬ ‫من ذلك بكلامتك! اذهب إليهم‪ .‬أنت تشبههم‪.‬‬ ‫ليس بيننا يشء مشرتك عدا حقيقة أن كالنا يقف يف‬ ‫ذلك املوضع نفسه‪ ،‬يف تلك الليلة امللعونة‪ .‬خيرج‬ ‫كاريوتيس‪ .‬تركض ستيلال‪ ،‬مرتبكة‪ ،‬نحو اجلمهور‪ ،‬فتلق‬

‫كريلس‪ ،‬متنكرا يف هيئة شحاذ كهل)‬

‫‪97‬‬


‫مشهد ‪15‬‬ ‫إىل أين أنت ذاهبة يا طفلتي؟ أال جيب أن تكوين آمنة‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫نحن يف حاجة إىل مساعدة‪ .‬سيقتلوهنا!‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫أوه‪ ،‬يا طفلتي‪ ،‬لقد توقف قلبها عن النبض‪ .‬هناك‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫يف بيتك؟ ستيلال ال تتمكن من منع بكائها) ال تبكي عىل‬ ‫معلمتك‪ .‬لقد كنت خمتبئا يف األمجة‪ ،‬ورأيت املصري‬ ‫املحزن الذي حل هبا‪.‬‬

‫الكثري منهم‪ ،‬وكان غضبهم عارما‪.‬‬ ‫ملاذا كل هذه الكراهية؟ لقد كرست حياهتا ألجل‬ ‫العلم والتدريس‪.‬‬ ‫وأي يشء طيب فعلته كل هذه املعرفة والعلم هلا؟ لقد‬ ‫واجهت مصريا أكثر عارا من مصري الزناة والسحرة‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫وخاهنا أحد تالميذها‪ .‬ال تتخذهيا قدوة‪ ،‬يا طفلتي‪.‬‬ ‫لقد مارست خطيئة الوثنية‪ .‬لقد شاركت إرادة الرب‬ ‫هؤالء البسطاء يف تنفيذهم للعدالة الشعبية‪ .‬هؤالء‬ ‫املؤمنني‪ ،‬ليس لدهيم فكرة عام يتم تدريسه يف‬ ‫األكاديمية‪ ،‬أو ما هي الكتب املصفوفة عىل أرففها‪.‬‬ ‫إهنم حييون حياة بسيطة من العمل الشاق‪ ،‬وبعيدة عن‬ ‫طموح احلكامء‪ ،‬التي مل ينتفعوا بدراساهتم شيئا قط‪.‬‬ ‫هيباتيا بالنسبة هلم مهرطقة‪ ،‬خاطئة‪ ،‬ال تستحق‬ ‫املغفرة‪ ،‬رفضت قطيع كنيستنا‪ .‬كربياؤها هو ما أثار‬ ‫غضبهم العارم‪ .‬كل يشء عىل ما يرام‪ ،‬يا طفلتي‪.‬‬ ‫الرب يعلم ما يفعل‪ .‬املسيحي الصالح ليس يف حاجة‬ ‫إىل سحر النجوم‪ ،‬أو الفلسفات‪ ،‬التي تلقي بظالل‬ ‫الشك عىل كل يشء‪ .‬وماذا إن كان لتلك املرأة‪ ،‬ابنة‬ ‫الزنا‪ ،‬أن متوت؟ وماذا إن ُأحرقت كل أرفف املكتبة؟‬ ‫فكل ما نحتاجه هو كلمة الرب يف اإلنجيل‪ ،‬الكتاب‬

‫‪99‬‬


‫الذي يساوي كل الكتب إن وضعت معا‪.‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫كيرلس‬

‫‪:‬‬

‫أي نوع من املتسولني أنت؟ خلف هيئة الفقر تلك‬ ‫يقبع رسول لعني للجهل‪ .‬ال يمكن أن يكون ربك أبا‬ ‫للمسيح‪ .‬رب املحبة والشفقة ال حيرض أطفاله عىل‬ ‫القتل‪.‬‬ ‫متهكام) أنت فتاة مزعجة‪ ،‬لقد رأيتني خالل تنكري!‬ ‫ظننت أن زي املتسول سيجعلني أختلط بالعامة‪ .‬كام‬ ‫ترين‪ ،‬أنا أعرف شيئا أو شيئني عن املرسح‪ .‬أنا‬ ‫األسقف كريلس‪ ،‬بطريرك هذه املدينة‪ .‬وقد رسم‬ ‫ِ‬ ‫مري عىل‬ ‫عمي ثيوفيلوس أباك أسقفا‪ .‬سعيد بلقائك‪ّ .‬‬ ‫الكاتدرائية يف أي يوم‪ ،‬وافتحي قلبك للطريق احلق!‬ ‫خيرج كريلس‪ .‬تسمرت ستيلال يف مكاهنا‪ ،‬تفتح فمها كام لو‬

‫كانت سرتد عليه‪ ،‬لكنه تعود فتغلقه)‬

‫‪100‬‬


‫مشهد ‪16‬‬ ‫أوريستوس‪ ،‬بضمادات حول رأسه‪ ،‬وديمتريا تنتظر بفارغ‬ ‫الصبر وصول بولكيريا‪ ،‬اإلمبراطورة‪ .‬في الخلفية كرس ي‬ ‫إمبراطوري‪.‬‬ ‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫ألن تصل أبدا؟ لقد أرسلت لنا عىل عجل‪ ،‬وها هي‬ ‫غري موجودة يف انتظارنا‪.‬‬ ‫بولكرييا متارس حرب أعصاب‪ .‬إنه استعراضها‬ ‫للسلطة‪ .‬إهنا ال تريد إال أن أشعر بالعبء األكرب‬ ‫بفعل سلطتها‪.‬‬ ‫سلطة هشة للغاية‪ .‬تبقى بولكرييا إمرباطورة ما دام‬ ‫أخوها صغريا فقط‪ .‬وما أن يبلغ أخوها الصبي‬ ‫السن القانونية للحكم‪ ،‬فسوف تعود إىل الدير‪،‬‬

‫‪101‬‬


‫وتبقى فيه إىل األبد‪.‬‬ ‫أوريستس‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫ربام ال‪ .‬إهنم يقولون إن ثيودوسيوس الصغري‬ ‫ضعيف كأبيه‪ .‬حتى إذا بلغ مبلغ الرجال‪ ،‬فستظل‬ ‫أخته حاكمة ملصري بيزنطة‪ .‬متحديا ديمرتيا) حتب‬ ‫النساء التحكم يف ظل الرجل‪ ،‬والرجال بدورهم‪ ،‬ال‬ ‫يدركون حتى أهنم ُيتالعب هبم‪ .‬ال يتوقف الرجال‬ ‫الناضجون عن الرضاعة من النساء‪ ،‬الالئي حللن‬ ‫حمل أمهاهتم‪.‬‬ ‫العكس هو الصحيح‪ .‬يشعر الرجال بوجوب‬ ‫حتكمهم يف النساء‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت عنيدة جدا! ودرامية للغاية‪ .‬كانت هيباتيا لتظل‬ ‫ِ‬ ‫حية إذا ِ‬ ‫استجبت لنصيحتها‪ ،‬ولكنت أنا جتنبت‬ ‫كنت‬ ‫حرج اإلهانة بواسطة جمموعة من املتعصبني‪.‬‬ ‫ستنزلق اإلسكندرية من بني أصابعي‪ ،‬وسرتين‪.‬‬ ‫بولكرييا كانت تنتظر سببا فقط‪ .‬وها أنت‪ ،‬بعرضك‬ ‫‪102‬‬


‫املرسحي أمس‪ ،‬منحتِها السبب الذي كانت تنتظره‪.‬‬ ‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫عريض املرسحي‪ ،‬أمل يكن عرضك! ال تنسى‪:‬‬ ‫املرسحية من تأليفك‪ .‬وإذا كان ما تقول صحيح‪ ،‬إذا‬ ‫كانت ستقوم بعزلك‪ ،‬فامذا يف ذلك؟ مدينة تبصق‬ ‫عىل املرسح‪ ،‬وحترض عىل قتل أرواح نبيلة‪ ،‬ال‬ ‫تستحق جمهودك‪ .‬و إذا كنت مرصا‪ ،‬فسينتهي بك‬ ‫األمر مثل هيباتيا‪ ،‬وعظامك مشوية يف الساحة‬ ‫العامة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أنت حمقة‪ ،‬ديمرتيا‪ .‬بعد كل ذلك‪ ،‬أشعر بالرغبة يف‬ ‫الذهاب بعيدا بقدر املستطاع‪ ،‬معك‪.‬‬ ‫أترى‪ ،‬وحينئذ تقول يل أين من طلب ذلك‪،‬‬ ‫أوريستيس‪ .‬أنا فقط أقرأ ما يف نفسك‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫مشهد ‪17‬‬ ‫تدخل بولكيريا‪ ،‬في زيها اإلمبراطوري‪ ،‬ترتدي مالبس‬ ‫الحداد‪.‬‬ ‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫لقد اضطررمتا إىل االنتظار قليال بسبب إهناء‬ ‫الصلوات‬

‫التاسوعية‬

‫[‪]1‬‬

‫الصباحية‪.‬‬

‫باستدعائكام لسببني‪ ،‬سأبدأ بأقلهام أمهية‪.‬‬

‫قمت‬ ‫ُ‬ ‫إىل‬

‫ديمرتيا) ديمرتيا تعلم أنني أحتقر ميلها إىل املرسح‪.‬‬ ‫أنا مسيحية‪ ،‬وقد نشأ املرسح مع آهلة اليونان الزائفة‪،‬‬ ‫كنت‬ ‫و ُيعد رذيلة جيب استئصاهلا من تقاليدنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫مستاءة بسامع أهنا بارشت ذلك العرض‬

‫[‪ ]1‬الصلوات التاسوعية‪ :‬في التراث املسيحي‪ ،‬هي صلوات تعبدية‪ ،‬منفردة أو في مجموعة‪،‬‬ ‫تتكرر على مدى تسعة أيام متتالية‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪104‬‬


‫الالأخالقي‪ ،‬هذا غري الئق بزوجة احلاكم‪...‬‬ ‫بحدة)‪ ...‬مل يكد العرض يبدأ حتى قام أولئك‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫جاللتك متنعينني من ممارسة مهنتي إذن؟‬

‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫ِ‬ ‫لست يف حاجة لذلك‪ ،‬فكام ترين‪ ...‬أذكر اآلن‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫األوباش باقتحام املرسح!‬ ‫ال تقاطعينني! ما فعلوه أمر جيد‪ .‬ترسم عالمة‬

‫الصليب) إن الرب يؤكد مشيئته‪ ،‬يف هذا العامل‪ ،‬من‬ ‫خالل الفقراء إىل الروح‪.‬‬

‫السبب الثاين الستدعائكام‪ .‬أوريستيس‪ ،‬كان‬ ‫ترصفك غري مسؤول‪ .‬لقد استسلمت لغرور تلك‬ ‫املرأة‪ ،‬التي تبخرتت نصف عارية فوق أكرب مرسح‬ ‫يف املدينة‪ .‬وأدى بك ذلك إىل القبض عىل مسيحي‬ ‫صالح‪ ،‬وجل ِده حتى املوت يف السجن‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬بولكرييا العظيمة! لقد رضبني ذلك الرجل‬

‫‪105‬‬


‫عىل رأيس‪ ،‬وكان ينتمي إىل طائفة من مثريي الشغب‬ ‫اخلطريين‪ .‬وهم أنفسهم من قىض عىل حياة هيباتيا‬ ‫العظيمة‪.‬‬ ‫متململة) نحن ال نتحدث عن قضيتها‪ ،‬وإنام عن‬

‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫أذكره‪.‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫أتوسل إليك أال تسمحي هلذه اجلريمة الشنعاء‪ ،‬التي‬

‫قضيتك أنت‪ ،‬أوريستيس‪ .‬لقد فقدت سلطتك عىل‬ ‫شعب اإلسكندرية‪ .‬وأرى لزاما عيل أن أعزلك من‬ ‫منصبك‪ .‬ولكن تكريام خلدماتك السابقة اجليدة‪،‬‬ ‫أنوي إرسالك إىل جزيرة قربص‪ ،‬إلدارة مناجم‬ ‫النحاس خاصتنا هناك‪.‬‬ ‫بمرارة) إذن‪ ،‬سوف أكون رئيس عامل يف جزيرة‬ ‫منسية‪ .‬حسنا‪ ،‬مواليت اإلمرباطورة‪ .‬أقبل ما تكرمتي‬ ‫به عيل بطيب خاطر‪ .‬ربام تُعامل هناك ممثلة‪ ،‬مثل‬ ‫ديمرتيا‪ ،‬عىل نحو أفضل‪ .‬لكن يل طلب أخري‪.‬‬

‫‪106‬‬


‫لطخت تاريخ مدينتنا إىل األبد‪ ،‬أن متر دون عقاب‪.‬‬ ‫ما الذي فعلته هيباتيا لتستحق أن متوت بتلك‬ ‫الطريقة البشعة؟‬ ‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫ديمتريا‬

‫‪:‬‬

‫ال أشعر بأي تعاطف مع الوثنيني‪ ،‬لكن هذا ال‬ ‫يمنعني من أن اشعر بالشفقة نحوها‪ ،‬يف فرتة احلداد‬ ‫هذه‪ .‬لذا‪ ،‬طلبت نصيحة مستشار أثق به‪ ،‬لريشدين‬ ‫إىل القرار الصحيح‪ .‬فاقرتح أن ننسى ما كان من أمر‬ ‫الدم املراق‪ ،‬وبذلك نتجنب إراقة املزيد من الدماء‪.‬‬ ‫تلك املرأة كانت روحا ضالة‪ .‬بالتأكيد سريشدها‬ ‫الرب‪ ،‬يف موهتا‪ ،‬إىل النور احلقيقي‪ .‬فلن ندع االنتقام‬ ‫يأكل القلوب‪.‬‬ ‫أنا أطلب العدالة ال االنتقام!‬ ‫ساخرة) سأكون فضولية‪ ،‬جاللة اإلمرباطورة‪،‬‬ ‫برغبتي يف لقاء ذلك املستشار‪.‬‬

‫‪107‬‬


‫بولكيريا‬

‫‪:‬‬

‫أوريستيس‬

‫‪:‬‬

‫يدخل كريلس‪ ،‬بابتسامة ساروفية[‪ )]1‬ها هو ذا! يمكنك‬ ‫تقبيل يده‪ ،‬واحلصول عىل بركته‪ ،‬قبل أن يبحر إىل‬ ‫قربص‪ .‬يمد كريلس يده)‬ ‫يف خضوع ساخر) أوه‪ ،‬ال‪ ،‬مواليت اإلمرباطورة! لقد‬ ‫كنا نحارب احلريق يف املكتبة‪ ،‬وقد تشققت شفاهنا‬ ‫من حر النار والدخان‪ ،‬فيمكن أن يلوثوا اليد‬ ‫املقدسة لألسقف كريلس‪.‬‬

‫[‪ ]1‬ساروفية‪ :‬نسبة إلى ساروفيم‪ ،‬وهي املالئكة من املرتبة الخامسة‪ ،‬في املسيحية واليهودية‪.‬‬ ‫وكلمة ساروفيم‪ ،‬في العبرية‪ ،‬تعني‪ :‬النار‪ ،‬وغالبا هي املقصودة بوصف ابتسامة كيرلس‬ ‫هنا‪ ،‬ولعل املقصود‪ :‬ابتسامة شيطانية‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪108‬‬


‫مشهد ‪18‬‬ ‫تقف ستيلال وإبونيس إلى جوار باب مغلق‪ .‬وثمة نار‬ ‫خلف الباب‪ ،‬يدل عليها وميض الضوء والدخان‬ ‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‪ ،‬افتح الباب! نعلم أنك يف الداخل‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫هل أنت جمنون؟ افتح الباب! هل تريد أن حترتق‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫حتى املوت؟‬ ‫إنه ال جييب‪ .‬هل تراه فقد الوعي؟‬ ‫يدفع الباب دون أن ينجح يف فتحه) هذا األمحق أغلق‬ ‫عىل نفسه يف الداخل‪ .‬أخريا ينجح يف فتح الباب عنوة)‬ ‫ال أستطيع رؤية أي يشء يف هذا الدخان! تعثر‬ ‫عليه) انظر‪ ،‬ها هو ذا عىل األرض!‬

‫‪109‬‬


‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫س ُأحرضه‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫كن حذرا‪ ،‬إبونيوس‪ ،‬السقف عىل وشك االهنيار‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫خيتفي إبونيوس داخل احلجرة‪ ،‬بينام ظلت ستيلال يف اخلارج‬ ‫تراقبه‪ .‬خيرج إبونيوس وهو حيمل نازاريوس فاقد الوعي‪.‬‬ ‫يضعه عىل األرض‪ ،‬وحياول االثنان إفاقته‪ .‬تبلل ستيلال شفتاه‬

‫بقارورة ماء‪ .‬يفيق نازاريوس)‬ ‫لنخرج من هنا‪ .‬األرضية عىل وشك االحرتاق‪.‬‬ ‫حيمالنه إىل أسفل املرسح)‬ ‫مرجتفا) ملاذا أيقظتامين؟ كنت أريد أن أموت بصحبة‬ ‫كتبي‪.‬‬ ‫اهلجوم الثالث عىل املكتبة هذا العام‪ .‬لكن هذا هو‬ ‫األخطر من بينها‪.‬‬ ‫من الصعب التصديق أنه يمكن ألي شخص فعل‬ ‫ذلك‪ .‬املكتبات هي غابات املعرفة‪ ،‬ولكن بعد‬

‫‪110‬‬


‫حرقها ال تنمو من جديد‪.‬‬ ‫إىل نازاريوس) ملاذا تريد أن متوت؟ أال ترى أن‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫هؤالء الربابرة‪ ،‬القوا بالشعالت يف حجرة القراءة‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫لقد وصلت يف الوقت املناسب لكي أرى املكان‬

‫ناززاريوس‬

‫‪:‬‬

‫هناك ما يكفي من املوت؟ أمل يكفي موت هيباتيا‪،‬‬ ‫واآلن يريدون قتل املوتى من األساتذة‪ ،‬الذين حييون‬ ‫يف الكتب فقط‪ .‬ال يمكن أن ندعهم يفوزون‪ .‬لن‬ ‫نرتك هذه األكاديمية مغلقة ما دمنا أحياء‪ ،‬وما دامت‬ ‫هناك خمطوطة واحدة باقية‪ ،‬سنقاتل من أجل أن‬ ‫تبقى مفتوحة‪.‬‬

‫الذي حلمت به حيرتق‪ .‬اإلسكندرية‪ ،‬لقد وصلت‬ ‫متأخرة‪.‬‬ ‫وقمت أنا بخيانة هيباتيا‪ .‬أنا ال أستحق صداقتكام‪.‬‬ ‫كان جيب أن ترتكوين يف الداخل‪ ،‬ألصري مسودا‬

‫‪111‬‬


‫ومتفحام‪.‬‬ ‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫ستيلال‬

‫‪:‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫نازاريوس‬

‫‪:‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪:‬‬

‫أوه! إذن ألصبح لدينا طالبا أسود آخر‪ ،‬رغم أين‬ ‫أفضل أن أكون الوحيد‪.‬‬ ‫اسمع‪ ،‬نازاريوس! لقد قلت ما قلت حتت التعذيب‪.‬‬ ‫لقد دبروا قتل هيباتيا بأي حال‪ .‬إنام فعلوا ذلك‬ ‫معك إلخافتنا مجيعا‪.‬‬ ‫من الرضوري أن ننقذ أعامهلا‪ .‬لقد أحرقوا قسم‬ ‫القراءة العام‪ ،‬لكن كل ما تركته هيباتيا لنا ما زال آمنا‬ ‫يف مكتبها‪.‬‬ ‫متجدد الروح) أشكركم ملنحي القوة‪ ،‬أصدقائي‪.‬‬ ‫أشعر أنني كالعنقاء التي تنبعث من الرماد‪ .‬هل‬ ‫تعلامن ما أنوي فعله؟ إطفاء ذلك احلريق حتى ال‬ ‫يمتد إىل بقية املتحف‪.‬‬ ‫عمل جيد‪ .‬سننضم إليك بعدما نتأكد من سالمة‬

‫‪112‬‬


‫كتاباهتا‪ .‬خترج ستيلال وإبونيوس‪ ،‬ويصتدمان بكاريوتيس‬

‫حيمل لفائف يف عربة يدوية‪ ،‬حتارصه ستيلال وإبونيس)‬

‫‪113‬‬


‫مشهد ‪19‬‬ ‫ستيلال‬

‫‪ :‬ماذا تفعل هنا؟‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬إىل أين تظن أنك تأخذ هذه اللفائف؟‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬إىل مثواها األخري؛ املحرقة‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬كيف أمكن أن تكون تلميذا هليباتيا؟‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬تلك الكتابات أعداء إليامين‪.‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬لن ندعك تقتلها مرة ثانية‪ .‬تلك األعامل هي كل ما‬ ‫تبقى منها لألجيال القادمة‪.‬‬

‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬إرثها سيكون موهتا الوحيش‪ .‬الناس حيبون اجلرائم‬ ‫الدموية‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬كل طائفتك يشعرون بالغرية من هيباتيا‪ ،‬حتى بعد‬ ‫‪114‬‬


‫موهتا‪ .‬وأسقفك احلبيب كريلس ال يستطيع مواجهة‬ ‫حقيقة أهنا ستجد يف منتداها إقباال أكرب مما سيجده يف‬ ‫عظاته املنربية‪ .‬وأنت اخلادم املتزلف هلذا القاتل‪ ،‬الذي‬ ‫يستدعي اسم الرب كلام سنحت له الفرصة‪.‬‬ ‫كاريوتيس‬

‫‪ :‬عاهرة! لقد وصلتي أمس فقط‪ ،‬وها ِ‬ ‫أنت تشاركني‬ ‫هذا العبد‪.‬‬

‫ستيلال‬

‫‪ :‬أنت هو العبد‪ ،‬عبد للشيطان الذي امتلكك‪.‬‬ ‫بإيامءات فاحشة) أما ِ‬ ‫أنت‪ ،‬أيتها العاهرة‪ ،‬فقد امتلكك‬

‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫إبونيوس‬

‫‪ :‬ال هتني ستيلال أمامي يطرحه إبونيوس أرضا‪ ،‬ويتقاتالن‪.‬‬

‫عاشقك األسود‪ ،‬الذي تشتاقني إىل جسده‪.‬‬

‫ُخيرج كاريوتيس خنجرا قصريا‪ ،‬ويمسك بستيلال كرهينة‪،‬‬

‫واضعا النصل عىل رقبتها)‬ ‫كاريوتيس‬

‫‪:‬‬

‫إىل إبونيوس) إذا ملست تلك اللفائف‪ ،‬فهي امرأة ميتة‪.‬‬ ‫رجالن مقنعان بغطاء رأس يظهران‪ ،‬ويأخذان العربة‬

‫واللفائف خارج املرسح‪ .‬يطلق كاريوتيس رساح ستيلال)‬ ‫‪115‬‬


‫مشهد ‪20‬‬ ‫سينيسيوس‪ ،‬مواجها الجمهور‪ ،‬شبح حي‪.‬‬ ‫سينيسوس‬

‫‪:‬‬

‫ينظر إىل ستيلال‪ ،‬التي تقف خلفه‪ ،‬ساكنة متاما) ال‪ ،‬يا‬ ‫ابنتي‪ ،‬مل آيت آلخذك‪ .‬مل حين الوقت بعد بالنسبة ِ‬ ‫لك‬ ‫لرتحيل إىل هذا اجلانب‪ .‬لكن حزين عظيم؛‬ ‫فاإلسكندرية التي لقيتِها ال عالقة هلا باملدينة التي‬ ‫أحببتُها كثريا‪ .‬أنا‪ ،‬سينسيوس القورينائي املتوَّف‪،‬‬ ‫هنا‪ ،‬ألخربك أن أعداء هيباتيا حصلوا عىل مرادهم‪.‬‬ ‫فقط ثالثة أو أربعة من كتبها هي املعروفة‪ ،‬ألن‬ ‫بقيتها ُفقدت يف احلريق‪ .‬األمر األكثر ترويعا هو‬ ‫املجد الذي حازه كريلس‪ ،‬الذي يعلم اجلميع أنه‬ ‫العقل املدبر لتلك اجلريمة‪ .‬لكن هذا مل يؤدي إىل‬

‫‪116‬‬


‫تشويه صورته‪ .‬لقد ُولد ذلك الثعلب الكهل يف‬ ‫ولدت فيه‪ ،‬وعاش حتى واَّف‬ ‫نفس العام الذي‬ ‫ُ‬ ‫الرابعة والسبعني ‪ ...‬يف النهاية‪ ،‬قد ُسوه‪ .‬هذا‬ ‫صحيح! جعلوه قديسا‪ ،‬القديس كريلس‬ ‫السكندري‪ ،‬وحيتفل به املسيحيون الكاثوليك يف‬ ‫التاسع من فرباير‪ ،‬واألرثوذكس يف التاسع من‬ ‫يونيو‪ .‬ويف عام ‪ ،1882‬أعلنه البابا ليو الثالث عرش‬ ‫معلام للكنيسة[‪ .]1‬أنا شبح املرسح‪ ،‬لكنني لست‬ ‫كاذبا‪ .‬ارجعي إىل املوسوعة إذا ِ‬ ‫كنت ال تصدقينني‪.‬‬ ‫وداعا أصدقائي‪ .‬واستمعوا إىل بعض النصائح من‬ ‫رجل أصلع‪ ،‬مات منذ زمن‪ ،‬وكان أسقفا‪ ،‬ولكنه‪،‬‬ ‫قط‪ ،‬مل يبقى صامتا يف مواجهة األكاذيب‪ ،‬ومل يصيل‬ ‫قط للقديس كريلس! يضحك وهو خيرج)‬

‫[‪ :doctor of the Church ]1‬لقب‪ ،‬معناه‪ :‬املعلم‪ ،‬تمنحه الكنيسة الكاثوليكية للقديسين‬ ‫املعروفين بمساهماتهم املميزة لالهوت من خالل أبحاثهم وكتاباتهم وتعليمهم‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪117‬‬


‫مشهد ‪21‬‬ ‫كل املمثلين فوق خشبة املسرح‪ ،‬يجمعون األوراق‬ ‫املتناثرة‪ .‬يتناوبون على قراءة القصيدة التي تقرأ عنوانها‬ ‫عال املمثلة التي تقوم بدور ستيال‪ :‬درس هيباتيا‬ ‫بصوت ٍ‬ ‫األخير ‪ -‬قصيدة في سبعة مقاطع‪ .‬يتم املشاركة في القراءة‬ ‫من جانب طاقم العمل بأكمله‪ ،‬في نوع من القراءة‬ ‫املسرحية‪ .‬يجب أن تقرأ مونولوجات هيباتيا نفس‬ ‫املمثلة التي لعبت دورها‪.‬‬ ‫لوسيندا‬

‫‪:‬‬

‫كتبت قصيدة قبل كتابة هذا النص املرسحي ـ نسخة‬ ‫ُ‬ ‫خيالية أخرى ليومها األخري‪ .‬يف الوقت الذي كنت‬ ‫ال أعرف فيه إال القليل جدا عن هيباتيا‪ ،‬وما زلت ال‬ ‫أعرف إال القليل‪ .‬ومل يتبق لنا سوى القليل من‬ ‫أعامهلا لنعرفها‪ .‬جيب علينا‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬أن نخرتع‬ ‫حقيقتها‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫عاصفة هتب عاتية يف روحك‬ ‫كسحابة غبار قاتم تتخمر يف األفق‬ ‫رياح الصحراء الالفحة هتب يف مسارك‬ ‫رغم أهنا ال تعرف تعقيدات اهلندسة‬ ‫رسعان ما اجتاحت بوابات أكاديميتك‬ ‫ِ‬ ‫أرسعت ألجل نظرة عن ُقرب‬ ‫بشجاعة دائمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تالميذك‬ ‫وناديت‬ ‫عىل غضب زيوس‪.‬‬ ‫ورغم تآلف عقلك مع عقل أفالطون‬ ‫فقد ألقيتي درسك األخري بأسلوب أرسطي‬ ‫مشائية تتجولني عرب األديرة التي تعصف هبا الريح‬ ‫"أكثر البرش ال يعلمون ما ينتظرهم من مصري"‬ ‫ربام ِ‬ ‫قلت وأنت تنظرين إىل الوجه املكرتث واملمنون‬ ‫لطالب]‬ ‫ذك ِ‬ ‫رك بسينسيوس‬

‫‪119‬‬


‫مثل كاساندرا[‪ ]1‬غافلة عن نذيرها املفاجئ‬ ‫ما كاد درسك ينتهي‪ ،‬حتى قدم رسول‬ ‫بأنباء حتطم قلبك‪:‬‬ ‫وقع ِ‬ ‫أبوك من أعىل الدرج‬ ‫يف املكتبة حيث يعمل‬ ‫ونادى عىل ابنته الفيلسوفة‬ ‫يف النظريات الثرثارة اهلاذية‬ ‫متنى ِ‬ ‫أبوك رؤيتك قبل أن ُيسلم الروح‬ ‫خيول جفلة تنتظر عند أبواب معبد معارفك‬ ‫ِ‬ ‫لتأخذك إليه‬ ‫ومركبة‬ ‫مل تفكري مرتني‪ .‬وركضتي إىل اخلارج يف كرب‬ ‫ِ‬ ‫ألبيك املحترض‬ ‫لتمدي يد احلكمة‬

‫[‪ ]1‬كاساندرا‪ :‬في األساطير اإلغريقية هي ابنة ملك طروادة‪ ،‬وكان أبولو يحبها‪ ،‬فوعدها بنعمة‬ ‫التبصر والتنبؤ إن استجابت لرغباته‪ ،‬فوافقت‪ ،‬لكن ما إن حصلت على املوهبة حتى‬ ‫سخرت من أبولو وطلبه‪ ،‬ورفضت تحقيقه‪ .‬فانتقم أبولو بأن جعل كل تنبؤاتها تكذب‪.‬‬ ‫[املترجم]‬ ‫‪120‬‬


‫لكنه كان فخا نصبوه ِ‬ ‫لك‬ ‫ليأخذوا ِ‬ ‫بك إىل خمالبهم الوحشية‬ ‫مل تكن حياة ِ‬ ‫أبيك املعرضة للخطر‬ ‫بل حياتك ِ‬ ‫أنت هيباتيا‬ ‫هاجم الرعاع الغضبى مركبتك‬ ‫مثل كالب مسعورة‬ ‫ِ‬ ‫وجذبوك يف الليل‬ ‫وأطلقوا خيولك اخلائفة‬ ‫ِ‬ ‫وقيدوك إىل عجلة حملولة‬ ‫وجلبوا أجولة مليئة باحلجارة‬ ‫وأصداف حمارات‬ ‫ليسلخوا جلدك هبا‪ .‬وقالوا عن أنفسهم‪ ،‬تصو ِري‪،‬‬ ‫أتباع املسيح‪.‬‬ ‫زجمر الرعاع املخبولون بكلامت ُلقنت هلم‬ ‫ِ‬ ‫وأمطروك بتلك األشياء املميتة‬ ‫وقالوا ِ‬ ‫عنك‪ :‬وثنية‬ ‫‪121‬‬


‫تعبد هريمس‪ ،‬اإلله الزائف‪.‬‬ ‫وقالوا إنك تستحرضين أرواح املوتى‬ ‫من أساتذة اليونان‪ ،‬عندما تقومني بالتدريس‬ ‫وأن دروسك كانت مالذا للفجور‬ ‫ِ‬ ‫وأنك تأرجحتي عارية مثل حمظية‬ ‫بني أذرع طالبك الصبيانية‬ ‫وبرشيت بأن أرواحنا حتيا عدة حيوات‬ ‫ِ‬ ‫وأنك عشت حيوات سابقة كرجل‬ ‫وأنك ِ‬ ‫ِ‬ ‫كنت تلميذة لسافو[‪ ]1‬املتوحشة‬ ‫ِ‬ ‫وأنك خنثى‬ ‫أنه البد‬ ‫ألنه ال يمكن المرأة أن تكون هبذه احلكمة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سخرت من رب موسى الغاضب‬ ‫وأنك‬ ‫وزعمتي أنه كان عفريتا إلخافة األطفال الصغار‬

‫[‪ ]1‬سافو‪ :‬شاعرة إغريقية ولدت في جزيرة لسبوس في بحر إيجة باليونان بين عامي ‪630‬‬ ‫و‪ 612‬قبل امليالد‪ ،‬وتوفيت عام ‪ 570‬قبل امليالد‪ .‬كانت تعبر في قصائدها عن ميلها إلى‬ ‫النساء‪[ .‬املترجم]‬ ‫‪122‬‬


‫ِ‬ ‫ووجهك صار جرحا‬ ‫فجأة‪ ،‬مل تعودي تسمعني‪،‬‬ ‫مفتوحا‬ ‫مسيح أنثى من دون تاج من الشوك‬ ‫قبل أن تستقر الغيبوبة ومتسح حواسك‬ ‫ِ‬ ‫لديك وقت للتساؤل‪:‬‬ ‫ما زال‬ ‫ملاذا جيب أن أختىل عن جسدي‬ ‫مع كل هذه املعاناة واإلذالل؟‬ ‫هل كان احلظ متقلبا هكذا‬ ‫حتى يكون مويت هبذا الثِّقل؟‬ ‫ال‪ ،‬يا أفالطون‪ ،‬لقد كنت خمطئا!‬ ‫إذا ما كنت خربت بنفسك عمق مثل تلك السكرات‬ ‫لعلمت أن الرش ليس‬ ‫جمرد غياب للخري‬ ‫الرش وجود يف ذاته‬ ‫له وجه‪ ،‬فارغ ومعتم‬

‫‪123‬‬


‫الرش موجود‪ ،‬وله أصل‬ ‫الرش مكتوب يف خمطوطة اخللق‬ ‫ألقى به اإلله األصغر الذي صنع هذا الكون‬ ‫الرش‪ ،‬الرش‪...‬‬ ‫إهنم يواصلون قتلك حتى بعد موتِ ِ‬ ‫ك‬ ‫تستحوذ عليهم شياطني مبهمة‬ ‫مزقوا جسد ِك العاري‪ ،‬نبتات متعطشة للدماء‬ ‫ِ‬ ‫جثتك املمزقة كغنيمة صيد‬ ‫وعرضوا‬ ‫وادعى جالدوك أن فعلتهم القبيحة ألجل املسيح‬ ‫لكن من يقدر عىل مقاربة تلك األفعال الوحشية‬ ‫مع أسطورة النارصة للحب املؤمل؟‬ ‫ِ‬ ‫درسك األخري هيباتيا‬ ‫ِ‬ ‫موتك‬ ‫مثل سقراط؛ كان‬ ‫ال كأس شوكران هذه املرة‪ ،‬بل جمرد دم‬ ‫دماء جسدك املمزق‬ ‫‪124‬‬


‫يترشهبا الرمل‬ ‫غبار اإلسكندرية‬ ‫من هذا العامل املوبوء ُطردت روحك‬ ‫ِ‬ ‫كنت أكثر من الالزم له‪ ،‬ضوء أكثر مما يمكنه احتامله‬ ‫ِ‬ ‫بكتك السامء بدموع حمتدة‬ ‫وأطلقت يف الطرقات عاصفة عنيفة‬ ‫ورسعان ما غسلت األمطار آثار تلك اجلريمة‬ ‫ِ‬ ‫جسدك الدامي‬ ‫من الشوارع حيث ُسحب‬ ‫ِ‬ ‫بقاياك جوع الكالب الضالة‬ ‫وأختمت‬ ‫وتالميذك‪ ،‬يف اليوم التايل‪ ،‬أنتيجون‬

‫[‪]1‬‬

‫وطأوا املدينة املبتلة خائفني‬

‫[‪ ]1‬أنتيجون‪ :‬كما جاء في مسرحية سوفوكليس "أنتيجون"‪ ،‬هي ابنة أوديب‪ ،‬تقاتل أخواها‬ ‫إتيوكليس وبولينيس على حكم طيبة‪ ،‬وماتا‪ ،‬وجاء كريون‪ ،‬امللك الجديد‪ ،‬فدفن‬ ‫إتيوكليس‪ ،‬ومنع دفن بوليونيس (وهو ما يتعارض مع العقيدة اإلغريقية بوجوب دفن‬ ‫املوتى) تتمرد أنتيجون على الحكم املستبد‪ ،‬وقرار امللك‪ ،‬فيأمر بدفنها حية‪ .‬ومن هذا‬ ‫يتضح املعنى الرمزي من تشبيه هباتيا بأنتيجون‪[.‬املترجم]‬ ‫‪125‬‬


‫ِ‬ ‫قربك‬ ‫لكنهم مل جيدوا ما يضعوه يف‬ ‫ولو عظمة يأخذوهنا من بني أسنان كلب‬ ‫وبني من احلزانى لفقدك كان شخص حيدّ ق يف الليل‬ ‫ويداه مرفوعتان إىل السامء]‬ ‫مانحا السكينة جلميع العاجزين‪:‬‬ ‫ـ انظروا‪ ،‬أصدقائي‪ ،‬رفاقي يف هذا األمل‬ ‫هيباتيا اآلن نجمة حية‬ ‫رشارة إهلية تعود إىل مسكنها الساموي‬ ‫بعيدا‪ ،‬فيام وراء عامل املوت والوهم‬ ‫مل ترتك شيئا من جوهرها يف السجن اللعني هلذا‬ ‫العامل‬ ‫فقط ذكراها داخلنا‪ ،‬من أحببناها بإخالص‬

‫‪126‬‬


‫خامتة‬

‫تعاود لوسيندا الكتابة على الالبتوب‪ ،‬وتراقبها هيباتيا‬ ‫عن قرب‪.‬‬ ‫لوسيندا‬

‫‪:‬‬

‫هيباتيا‬

‫‪:‬‬

‫هكذا تنتهي املرسحية‪ ،‬بقصيدة مرعبة‪ .‬لكني ما‬ ‫زلت أرغب يف معرفة املزيد عمن ِ‬ ‫كنت‪ ،‬هيباتيا‪ .‬لقد‬ ‫أعدت إنشاء اليوم األخري الذي أمضيته يف األرض‬ ‫مرتني معي‪ ،‬لكن ما أردته حقا أن أستمع لدرسك‪،‬‬ ‫وأن أرى أفكارك متحققة‪ .‬أنا مل أعرفك قط‪...‬‬ ‫ال تقلقي‪ ،‬لوسيندا‪ .‬ما ألفناه سويا كايف بالنسبة يل‪،‬‬ ‫أن يتم تذكُّري من جانب القلة من الناس‪ .‬كل من‬ ‫سيشاهد تلك املرسحية سيمكنه ختيل هيباتيا اخلاصة‬ ‫به‪ .‬من اآلن فصاعدا‪ ،‬سيكون هناك طيف يل‪،‬‬

‫‪127‬‬


‫سيعمل عىل أن يكون شعور الوحدة‪ ،‬لدى كل من‬ ‫يف هذه احلجرة‪ ،‬أخف وطأة‪.‬‬

‫النهاية‬

‫‪128‬‬


129


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.