شيخ ازهري مناهض للتيار االخواني
صودر فيها كتابه وفصل من القضاء ،وأخرج من زمرة العلماء بإيعاز من امللك أحمد فؤاد. يذكر محمد محمد حسني أن املؤتمر انعقد آخر األمر -بعد أن أجل مرتنيقبل ذلك -في غرة ذي القعدة 1344هـ ( 13مايو/أيار سنة 1926م) وحضره أربعة وثالثون عضوا -على رأي املقطم -أو ثالثون عضوا -على رأي السياسة وبعض هؤالء قد حضر بشخصه ال يمثل هيئة أو حكومة ،وبعضهم حضرلالستماع دون املشاركة أو إبداء الرأي مثل مندوب إيران .وفشل املؤتمر ،إذ انتهى إلى تقرير أن «الخالفة الشرعية املستجمعة لشروطها املقررة في كتب الشريعة الغراء ،التي من أهمها الدفاع عن حوزة الدين في جميع بالد املسلمني وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها ،ال يمكن تحقيقها بالنسبة للحالة التي عليها املسلمون اآلن» .ثم أراد أن يستر هذا الفشل ،فقرر أن «تبقى هيئة املجلس اإلداري ملؤتمر الخالفة بمصر .على أن ينشئ له شعبا في البالد اإلسالمية يكون على اتصال بها لعقد مؤتمرات موالية فيها حسب الحاجة .وبعث هذا املؤتمر بقراره هذا إلى (مؤتمر مكة) الذي أعلن السلطان ابن سعود عقده لوضع نظام للحكم في البالد املقدسة ،راجيا له التوفيق ،املرجع نفسه» ،ج ،2ص.50 ويرى محمد محمد حسني أن هذا القرار السلبي ،وأن هذا الفشل الذي انتهىإليه مؤتمر الخالفة ،كان الوسيلة الوحيدة للتخلص من املأزق الذي وقع فيه الداعون إلى املؤتمر ممن يعملون لحساب امللك فؤاد ،بعد الذي شاع عن عزم مندوبي الدولة اإلسالمية على إحباط مسعاهم ،بأن يدعو كل منهم مللكه أو أميره .املرجع نفسه ،الصفحة نفسها. وينقل عن هاملتون جيب قوله في كتابه «إل��ى أين يتجه اإلس�ل�ام؟»« :وقدظلت الخالفة بعد ذلك موضع تنافس ملوك املسلمني وأمرائهم ،مما كان سببا في فشل كل الجهود التي بذلت إلحيائها وإعادة منصبها ،حتى لقد اضطر الزعيم الهندي املسلم شوكت إل��ى نفي ما أشيع من أن��ه سيدعو في مؤتمر القدس اإلسالمي سنة 1931إلى إعالن عبد املجيد -آخر خلفاء العثمانيني خليفة للمسلمني ،ذا سلطة روحية فقط .وذلك حني تبني معارضة كثير مناملسلمني في ذلك ،وبعد أن عارضته مجلة (نور اإلسالم) التي تمثل األزهر». املرجع نفسه ،الصفحة نفسها. عندما ن��غ��ادر مصر إل��ى الهند ،سنلقى حماسة دينية للدولة العثمانية،وبخاصة السلطان عبد الحميد ال��ذي إح��دى م��زاي��اه عندهم ،أن��ه أحيا فكرة الخالفة اإلسالمية ،وحزنا عميقا على خلع االتحاديني ونفيهم له. وقد قابل املسلمون الهنود بطوائفهم كافة ،سنة وإسماعيلية وإثني عشرية،تقليديني وعصريني ،إلغاء الخالفة باحتجاج عارم. في املداوالت حول الخالفة في تلك الفترة تتردد أسماء هندية كشوكت ومحمد علي (اإلخ����وان علي) وشعيب قرشي وسليمان ال��ن��دوي وه��م أع��ض��اء (وف��د الخالفة) وآخرين. تعج الهند منذ ال��ق��رن التاسع عشر ب��ت��ي��ارات إسالمية كثيرة وه��ي ف��ي هذا الجانب أغنى من مصر -ومن بني هذه التيارات ،تيار «ندوة العلماء» و«الجماعة اإلسالمية» التي كانت الوعاء التنظيري لإلسالم الحركي في العالم اإلسالمي، وأصل رئيس ملقوالته السياسة واآليديولوجية .فاإلخوان املسلمون املصريون
ومعهم سيد قطب تتلمذوا على كتابات هذين التيارين ،وعلى كتابات مسلمني هنود ،ال ينتمون إلى ذينك التيارين. واملسلمون الهنود -كما رأينا فيما تقدم -كانوا مجمعني على الوالء للخالفة العثمانية وعلى أن الخالفة مسألة دينية ،وليست مسألة تاريخية. أبغي مما تقدم شرحه الوصول إلى الخالصات التالية: أن اإلخوان املسلمني بما أنهم من حيث املكان نشأوا في مصر -ومصر كان لفكر الجامعة اإلسالمية ثقل كبير فيها -وبما أنهم من حيث الفترة الزمنية نشأوا في ظل املعركة حول الخالفة ،فقد نقلوا فكرة توحيد املسلمني توحيدا سياسيا تحت راية خليفة واحد ،وكذلك نقلوا الفكرة املتممة لها ،وهي تجاوز االختالفات الطائفية في اإلسالم واالختالفات العقدية في املذهب السني ،من فكر الجامعة اإلسالمية .أن الجدل حول من أحق بالخالفة :السلطان عبد املجيد املخلوع واملنفي أم الشريف حسني بن علي أم امللك فؤاد ،صار عند اإلخوان املسلمني في األربعينات وبطريقة غير معلنة أن األحق بها ليس واحدا من ملوك املسلمني ،وإنما زعيم شعبي ،هو حسن البنا مرشد اإلخوان املسلمني .وقد جاء انتقال هذه األحقية من الحكام إلى زعامة شعبية ،بعد موت املحاولة الضعيفة للمناداة بامللك فاروق خليفة للمسلمني في سنة ،1938التي لم يؤيدها من القوى واألحزاب السياسية املصرية سوى اإلخوان املسلمني وحزب مصر الفتاة. وظلت ه��ذه األحقية الجديدة بالخالفة عقيدة سرية ،يبايع فيها كل مرشد لإلخوان املسلمني ،يخلف املرشد السابق .ومثلما كانت دعوة جماعة اإلخوان املسلمني ،استئنافا سياسيا ملا ك��ان ب��دأه عبد الحميد الثاني في سياسته اإلسالمية ،فهي ترى في الوقت نفسه أن دعوتها تتمة للخالفة الراشدة .وال أدل من ذلك اتخاذها لقب املرشد -وهو اللقب الذي أخذته عنها الثورة اإليرانية اسما لزعيمها .فاملرشد مستقى من وصف الخالفة بالراشدة .واملرشد هوالهادي واملوجه للسير على نهج الرسول في الحكم ،كما فعل صحابته من الخلفاء الراشدين. إن تقرير «الباب األول من (النظام العام ل�لإخ��وان) في مادته األول��ى أن مقر القيادة الرئيس هو مدينة القاهرة (مصر)» ،وقول عبد الله النفيسي« :نجد ثمة ميال قويا ف��ي التنظيم ال��دول��ي ل�لإخ��وان نحو تأكيد (مصرية) القيادة، فاملرشد العام -وإن لم ينص على ذلك صراحة -ينبغي أن يكون مصريا، وهذا ما حدث بالفعل»«( ،الحركة اإلسالمية رؤية مستقبلية :أوراق في النقد الذاتي ،اإلخوان املسلمون :التجربة والخطأ ،عبد الله النفيسي» ،ص )244ما هو -إضافة للتعليالت التي ذكرها النفيسي في بحثه -إال استعادة للفكرة التي برزت في مصر بعد قرار إلغاء الخالفة اإلسالمية التركية وهي أن تكون مصر مقر الخالفة ،ويكون الخليفة من مصر. ورث اإلخوان املسلمون الوالء للدولة العثمانية من «الحزب الوطني» الذي أسسه مصطفى كامل ،وكان ينافسهم حزبيا إلى قيام ثورة 23يوليو ،حزب مصر الفتاة في الوالء العثماني .لكن منذ اإلف��راج عنهم في مطلع سبعينات القرن املاضي أصبحوا هم القيومني في مصر على هذا ال��والء وعلى االتجاه الذي يقوم على تمجيد العثمانيني وتاريخ الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد الثاني .وهم في هذا األمر يعتمدون في األساس على كتابات قديمة ألصحاب هذا الحزب واملنتمني له وكتابات متأخرة ملنتمني له وموالني ألفكاره ،وأفكار الحزب الوطني. وف��ي واق��ع األم��ر ،إننا نجد ثمة اشتراكا في بعض األف��ك��ار وامل��واق��ف ما بني اإلخوان املسلمني من جهة والحزب الوطني وحزب مصر الفتاة ،وهذا يرجع بطبيعة الحال -إلى وحدة املنشأ الذي يتمثل في تيار الجامعة اإلسالمية.أما الفروق فهي كثيرة ومن أبرزها خلو خطاب اإلخوان املسلمني -منذ عهد املؤسس حسن البنا -من نبرة القومية والوطنية املصرية التي يجمع الحزب الوطني وحزب مصر الفتاة بينها وبني الوالء اإلسالمي العثماني. إن اإلسالميني واملحافظني عموما ،يدينون تجربة محمد علي باشا ،ويعلون في املقابل -من تجربة السلطان عبد الحميد الثاني .وإدانتهم لتجربة محمدعلي باشا ،ال تقوم على أخطائه الكبيرة وال على أوتوقراطيته في الحكم ،وإنما هي إدانة للنهضة والتحديث الذي أقامه على أسس أوروبية حديثة. ويعلون م��ن ش��أن تجربة السلطان عبد الحميد ال لسبب سياسي وديني وحسب ،بل ألنه حاول أن يصد رياح التحديث التي اجتاحت الدولة العثمانية ووالياتها العربية <
,,
يرفض اإلسالميون تسمية «اإلسالم السياسي» ألنها في نظرهم وسيلة يهدف العلمانيون منها إلى التحذير منهم وإلى التضييق عليهم وعلى أنشطتهم
,,
المجلة /العدد 1595أيار -مايو 2014
63