issue 1553 AR

Page 30

‫أكثر من رأي‬

‫الفوز مقابل االنفصال‬ ‫انسحاب المنافسين للبشير صفقة سياسية أرضت أمريكا وجميع األطراف السودانية‬ ‫في سادس انتخابات تشهدها السودان منذ استقالل البالد عام ‪ ،1955‬وأول انتخابات تجرى منذ ‪ 24‬عا ًما‪ ،‬لم يكن كافيًا أن يصف البشير االنتخابات بأنها‬ ‫أمينة وحرة ونزيهة وشفافة ومثالية لتستقر األمور‪ ،‬في ظل انسحاب موجع ألربعة من أبرز المنافسين للبشير على منصب الرئاسة؛ وهم ياسر عرمان‪ ،‬مرشح‬ ‫الحركة الشعبية‪ ،‬والصادق المهدي‪ ،‬زعيم حزب األمة‪ ،‬ومبارك الفاضل المهدي زعيم حزب األمة ‪ -‬اإلصالح والتجديد ‪ -‬ومحمد إبراهيم نقد‪ ،‬زعيم الحزب‬ ‫ضا في ظل اتهامات المعارضة للحكومة بتزوير االنتخابات وأن ما جرى لم يكن سوى مسرحية هزلية النتخابات غير شرعية‪.‬‬ ‫الشيوعي‪ ،‬الجانب اآلخر‪ ،‬وأي ً‬

‫ولم يغير وجود بعثة مراقبة االنتخابات التابعة‬ ‫لجامعة الدول العربية ومراقبون من مؤسسة‬ ‫كارتر األمريكية‪ ،‬واالتحاد اإلفريقي‪ ،‬واليابان‪،‬‬ ‫أو حتى ثناء الرئيس األمريكي األسبق‪ ،‬جيمي‬ ‫كارتر على عملية التحضير لالنتخابات‬ ‫ودور المفوضية العليا في إخراجها بهذا‬ ‫الشكل‪ ،‬قناعة المعارضة بتزوير االنتخابات‪.‬‬ ‫فالسودان التي شهدت والدة أول مجلس‬ ‫تشريعي‪ ،‬في عام ‪ ،1953‬قبل خروج المستعمر‬ ‫اإلنجليزي‪ ،‬مهد الستقالل السودان من داخل‬ ‫البرلمان وشهدت في عام ‪ ،1955‬انتخابات‬ ‫جمعية تأسيسية "برلمان مؤقت"‪ ،‬شاركت‬ ‫فيها األحزاب السودانية‪ ،‬أتت بمجلس سيادة‬ ‫من ‪ 5‬أشخاص من حزبي األمة الوطني‬ ‫االتحادي‪ ،‬شكل رأس الدولة‪ ،‬بالتناوب بين‬ ‫الحزبين الفائزين‪ ،‬ورئيس الوزراء من الوطني‬ ‫االتحادي‪ ،‬وهو الزعيم إسماعيل األزهري‪،‬‬ ‫أعلن من داخل هذه الجمعية استقالل السودان‬ ‫في عام ‪ - ،1965‬انتخابات في عام ‪،1965‬‬ ‫بعد عام من ثورة أكتوبر‪/‬تشرين أول الشعبية‬ ‫‪ ،1964‬التي أقصت الرئيس العسكري‪ ،‬الفريق‬ ‫إبراهيم عبود‪ ،‬الذي أتى بانقالب عسكري في‬ ‫عام ‪ ،1958‬وأتت بمجلس السيادة المكون من‬ ‫‪ 5‬أشخاص‪ ،‬ورأس دولة واحد ثابت‪ ،‬وهو‬ ‫إسماعيل األزهري (الوطني االتحادي)‪ ،‬ورئيس‬ ‫الوزراء محمد أحمد المحجوب (حزب األمة )‪.‬‬ ‫وقدر له أن يشهد انتخابات جديدة عام ‪،1986‬‬ ‫بعد عامين من انتفاضة شعبية‪ ،‬أقصت الرئيس‬ ‫جعفر نميري من الحكم‪ ،‬شكل من خاللها‬ ‫مجلس رأس الدولة برئيس ثابت وهو الراحل‬ ‫أحمد الميرغني (االتحادي الديمقراطي)‪،‬‬ ‫ورئيس الوزراء الصادق المهدي رئيس‬ ‫حزب األمة‪ ،‬كان ينتظر ميالدًا جديدًا عبر‬ ‫انتخابات أبريل‪/‬نيسان‪ ،2010‬تعيد وصل‬ ‫ما انقطع بين شماله وجنوبه وتؤسس لمرحلة‬ ‫جديدة من العمل الوطني يستوعب الجنوبيين‬ ‫ويتخطى أحداث دارفور وما جرى فيها‪.‬‬ ‫لكن شواهد كثيرة تقودنا لسؤال مهم في‬ ‫ظل حتمية فوز الرئيس الحالي‪ ،‬عمر‬ ‫البشير بمقعد الرئيس‪ ،‬وهو هل كان‬ ‫الفوز باالنتخابات ثمنًا للقبول باالنفصال؟‬ ‫والسؤال على غرابته تدعمه أسانيد كثيرة‬ ‫كلها تسير في نفس االتجاه‪ ،‬وأول هذه‬ ‫العدد ‪1553‬‬

‫د‪.‬هشام جبران‬

‫خيار االنفصال ليس‬ ‫طرحا جدي ًدا لواشنطن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لكنه ظل خطًا أمريكيًا‬ ‫ثابتًا منذ مفاوضات‬ ‫السالم‪ ،‬التي جرت بين‬ ‫الحكومة السودانية‬ ‫والحركة الشعبية‬ ‫الجنوبية بقيادة جون‬ ‫جارانج‬ ‫الشواهد هي انسحاب المرشح األقوى في‬ ‫مواجهة البشير‪ ،‬ياسر عرمان‪ ،‬الذي ينتمي‬ ‫لتحرير السودان‬ ‫الشعبية‬ ‫إلى الحركة‬ ‫( المسلحة)‪ ،‬وهي شريك الحكم في الخرطوم‬ ‫شمالاً ‪ ،‬وتسيطر فعليًا على مقاليد األمور‪،‬‬ ‫وليس الحكم فقط في الواليات الجنوبية‪ ،‬وكانت‬ ‫حجة االنسحاب الخوف من تزوير االنتخابات‪،‬‬ ‫ليعود عرمان عقب انسحابه مباشرة ويؤكد أن‬ ‫استفتاء الجنوب سيُجرى في موعده شاء من‬ ‫شاء وأبى من أبى‪ ،‬ألنه استحقاق واجب النفاذ‪.‬‬ ‫وهنا يسير األمر نحو االنفصال‪ ،‬فالحركة‬ ‫الشعبية‪ ،‬التي ينتمي إليها عرمان‪ ،‬خاضت‬ ‫حربًا طاحنة من أجل انفصال الجنوب‪ ،‬وجندت‬ ‫كل إمكاناتها مستهدفة نظام الحكم في السودان‪،‬‬ ‫وهي ال تملك سوى أجندة واحدة عنوانها االنفصال‬ ‫وال تعرف شيئًا عن أي أجندات وحدوية‪،‬‬ ‫ولذلك نجدها أقرب وأحرص على شركاء‬ ‫المعارضة‪ ،‬وخاصة لقاء جوبا مع شركائها في‬ ‫الحكم‪ ،‬الرئيس البشير وحزبه وهو ما يجعلنا‬ ‫نفكر في أن االنسحاب والقبول بالبشير لم يكن‬ ‫سوى صفقة سياسية أرضت جميع األطراف‪.‬‬ ‫الواليات المتحدة األمريكية كان موقفها من‬ ‫االنتخابات بشكل عام والرئيس البشير بشكل‬ ‫خاص الفتًا للنظر‪ ،‬فالقوة األعظم في العالم لم‬ ‫تجد حرجًا في التغاضي عن فوز الرجل الذي‬

‫طالما اعتبرته مطلوبًا على المستوى الدولي‬ ‫وفق اتهامات المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬لكن‬ ‫تصريحات سكوت جريشن‪ ،‬المبعوث الرئاسي‬ ‫األمريكي إلى السودان وقوله إن بالده تتوقع‬ ‫انفصال جنوب السودان وإنها مستعدة لذلك‪ ،‬جاء‬ ‫ليضع النقاط علي الحروف خاصة أن أمريكا‬ ‫دعمت إجراء االنتخابات العامة السودانية بجميع‬ ‫مستوياتها في موعدها المقرر على اعتبار‬ ‫االنتخابات هي الخطوة التي ستؤدي مباشرة إلى‬ ‫إجراء االستفتاء في جنوب السودان في يناير‪/‬‬ ‫كانون ثان ‪ ،2011‬الذي تتوقع الواليات المتحدة‬ ‫أن يسفر عن تحقق خيار االنفصال وبالتالي قيام‬ ‫دولة مستقلة جديدة في الجنوب‪.‬‬ ‫وخيار االنفصال ليس طرحًا أمريكيًا جديدًا‬ ‫لواشنطن‪ ،‬لكنه ظل خطًا أمريكيًا ثابتًا منذ‬ ‫مفاوضات السالم‪ ،‬التي جرت بين الحكومة‬ ‫السودانية والحركة الشعبية الجنوبية بقيادة‬ ‫جون جارانج‪ ،‬قبل سنوات(اتفاقية نيفاشا)‪،‬‬ ‫التي انتهت خطوطها األولى عام ‪،2003‬‬ ‫في كينيا ودخلت حيز التطبيق الفعلي‬ ‫عام‪ ،2005‬ونصت على تمكين شعب جنوب‬ ‫السودان من ممارسة حق تقرير المصير‬ ‫عن طريق استفتاء عام يطرح خيارين‪:‬‬ ‫ولم يكن (اتفاق نيفاشا ) سوى ترجمة للمشروع‬ ‫الذي قدمه معهد الدراسات اإلستراتيجية‬ ‫والدولية بواشنطن إلى إدارة الرئيس بوش‪،‬‬ ‫يهدف إلى وضع نهاية للحرب في جنوب‬ ‫السودان وتقرير مستقبل الجنوب من خالل‬ ‫مفاوضات بين الجنوب‪ ،‬كما تمثله الحركة‬ ‫الشعبية والشمال كما يمثله نظام اإلنقاذ‪.‬‬ ‫وما بين رؤية غالبية الجنوبيين أنه ال حل‬ ‫يرضيهم سوى االنفصال بعد أن أصبحوا في‬ ‫ظل حكم الشمال مواطنين من الدرجة الثانية‪،‬‬ ‫ورفع الشماليون شعار "ال جنوب بال شمال‬ ‫وال شمال بال جنوب" يبقى الحديث عن صفقة‬ ‫سياسية نجح بمقتضاها البشير مقابل السماح‬ ‫بانفصال الجنوب‪ ،‬هو االحتمال األكثر منطقية‬ ‫ويبقى االنفصال في انتظار إعالنه رسميًا بعد‬ ‫أن تحقق بالفعل على أرض الواقع‪.‬‬ ‫باحث مصري متخصص في الشئون‬ ‫السياسية‪ ،‬مقيم بالسعودية‬ ‫‪33‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.