أكثر من رأي
الفوز مقابل االنفصال انسحاب المنافسين للبشير صفقة سياسية أرضت أمريكا وجميع األطراف السودانية في سادس انتخابات تشهدها السودان منذ استقالل البالد عام ،1955وأول انتخابات تجرى منذ 24عا ًما ،لم يكن كافيًا أن يصف البشير االنتخابات بأنها أمينة وحرة ونزيهة وشفافة ومثالية لتستقر األمور ،في ظل انسحاب موجع ألربعة من أبرز المنافسين للبشير على منصب الرئاسة؛ وهم ياسر عرمان ،مرشح الحركة الشعبية ،والصادق المهدي ،زعيم حزب األمة ،ومبارك الفاضل المهدي زعيم حزب األمة -اإلصالح والتجديد -ومحمد إبراهيم نقد ،زعيم الحزب ضا في ظل اتهامات المعارضة للحكومة بتزوير االنتخابات وأن ما جرى لم يكن سوى مسرحية هزلية النتخابات غير شرعية. الشيوعي ،الجانب اآلخر ،وأي ً
ولم يغير وجود بعثة مراقبة االنتخابات التابعة لجامعة الدول العربية ومراقبون من مؤسسة كارتر األمريكية ،واالتحاد اإلفريقي ،واليابان، أو حتى ثناء الرئيس األمريكي األسبق ،جيمي كارتر على عملية التحضير لالنتخابات ودور المفوضية العليا في إخراجها بهذا الشكل ،قناعة المعارضة بتزوير االنتخابات. فالسودان التي شهدت والدة أول مجلس تشريعي ،في عام ،1953قبل خروج المستعمر اإلنجليزي ،مهد الستقالل السودان من داخل البرلمان وشهدت في عام ،1955انتخابات جمعية تأسيسية "برلمان مؤقت" ،شاركت فيها األحزاب السودانية ،أتت بمجلس سيادة من 5أشخاص من حزبي األمة الوطني االتحادي ،شكل رأس الدولة ،بالتناوب بين الحزبين الفائزين ،ورئيس الوزراء من الوطني االتحادي ،وهو الزعيم إسماعيل األزهري، أعلن من داخل هذه الجمعية استقالل السودان في عام - ،1965انتخابات في عام ،1965 بعد عام من ثورة أكتوبر/تشرين أول الشعبية ،1964التي أقصت الرئيس العسكري ،الفريق إبراهيم عبود ،الذي أتى بانقالب عسكري في عام ،1958وأتت بمجلس السيادة المكون من 5أشخاص ،ورأس دولة واحد ثابت ،وهو إسماعيل األزهري (الوطني االتحادي) ،ورئيس الوزراء محمد أحمد المحجوب (حزب األمة ). وقدر له أن يشهد انتخابات جديدة عام ،1986 بعد عامين من انتفاضة شعبية ،أقصت الرئيس جعفر نميري من الحكم ،شكل من خاللها مجلس رأس الدولة برئيس ثابت وهو الراحل أحمد الميرغني (االتحادي الديمقراطي)، ورئيس الوزراء الصادق المهدي رئيس حزب األمة ،كان ينتظر ميالدًا جديدًا عبر انتخابات أبريل/نيسان ،2010تعيد وصل ما انقطع بين شماله وجنوبه وتؤسس لمرحلة جديدة من العمل الوطني يستوعب الجنوبيين ويتخطى أحداث دارفور وما جرى فيها. لكن شواهد كثيرة تقودنا لسؤال مهم في ظل حتمية فوز الرئيس الحالي ،عمر البشير بمقعد الرئيس ،وهو هل كان الفوز باالنتخابات ثمنًا للقبول باالنفصال؟ والسؤال على غرابته تدعمه أسانيد كثيرة كلها تسير في نفس االتجاه ،وأول هذه العدد 1553
د.هشام جبران
خيار االنفصال ليس طرحا جدي ًدا لواشنطن، ً لكنه ظل خطًا أمريكيًا ثابتًا منذ مفاوضات السالم ،التي جرت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية الجنوبية بقيادة جون جارانج الشواهد هي انسحاب المرشح األقوى في مواجهة البشير ،ياسر عرمان ،الذي ينتمي لتحرير السودان الشعبية إلى الحركة ( المسلحة) ،وهي شريك الحكم في الخرطوم شمالاً ،وتسيطر فعليًا على مقاليد األمور، وليس الحكم فقط في الواليات الجنوبية ،وكانت حجة االنسحاب الخوف من تزوير االنتخابات، ليعود عرمان عقب انسحابه مباشرة ويؤكد أن استفتاء الجنوب سيُجرى في موعده شاء من شاء وأبى من أبى ،ألنه استحقاق واجب النفاذ. وهنا يسير األمر نحو االنفصال ،فالحركة الشعبية ،التي ينتمي إليها عرمان ،خاضت حربًا طاحنة من أجل انفصال الجنوب ،وجندت كل إمكاناتها مستهدفة نظام الحكم في السودان، وهي ال تملك سوى أجندة واحدة عنوانها االنفصال وال تعرف شيئًا عن أي أجندات وحدوية، ولذلك نجدها أقرب وأحرص على شركاء المعارضة ،وخاصة لقاء جوبا مع شركائها في الحكم ،الرئيس البشير وحزبه وهو ما يجعلنا نفكر في أن االنسحاب والقبول بالبشير لم يكن سوى صفقة سياسية أرضت جميع األطراف. الواليات المتحدة األمريكية كان موقفها من االنتخابات بشكل عام والرئيس البشير بشكل خاص الفتًا للنظر ،فالقوة األعظم في العالم لم تجد حرجًا في التغاضي عن فوز الرجل الذي
طالما اعتبرته مطلوبًا على المستوى الدولي وفق اتهامات المحكمة الجنائية الدولية ،لكن تصريحات سكوت جريشن ،المبعوث الرئاسي األمريكي إلى السودان وقوله إن بالده تتوقع انفصال جنوب السودان وإنها مستعدة لذلك ،جاء ليضع النقاط علي الحروف خاصة أن أمريكا دعمت إجراء االنتخابات العامة السودانية بجميع مستوياتها في موعدها المقرر على اعتبار االنتخابات هي الخطوة التي ستؤدي مباشرة إلى إجراء االستفتاء في جنوب السودان في يناير/ كانون ثان ،2011الذي تتوقع الواليات المتحدة أن يسفر عن تحقق خيار االنفصال وبالتالي قيام دولة مستقلة جديدة في الجنوب. وخيار االنفصال ليس طرحًا أمريكيًا جديدًا لواشنطن ،لكنه ظل خطًا أمريكيًا ثابتًا منذ مفاوضات السالم ،التي جرت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية الجنوبية بقيادة جون جارانج ،قبل سنوات(اتفاقية نيفاشا)، التي انتهت خطوطها األولى عام ،2003 في كينيا ودخلت حيز التطبيق الفعلي عام ،2005ونصت على تمكين شعب جنوب السودان من ممارسة حق تقرير المصير عن طريق استفتاء عام يطرح خيارين: ولم يكن (اتفاق نيفاشا ) سوى ترجمة للمشروع الذي قدمه معهد الدراسات اإلستراتيجية والدولية بواشنطن إلى إدارة الرئيس بوش، يهدف إلى وضع نهاية للحرب في جنوب السودان وتقرير مستقبل الجنوب من خالل مفاوضات بين الجنوب ،كما تمثله الحركة الشعبية والشمال كما يمثله نظام اإلنقاذ. وما بين رؤية غالبية الجنوبيين أنه ال حل يرضيهم سوى االنفصال بعد أن أصبحوا في ظل حكم الشمال مواطنين من الدرجة الثانية، ورفع الشماليون شعار "ال جنوب بال شمال وال شمال بال جنوب" يبقى الحديث عن صفقة سياسية نجح بمقتضاها البشير مقابل السماح بانفصال الجنوب ،هو االحتمال األكثر منطقية ويبقى االنفصال في انتظار إعالنه رسميًا بعد أن تحقق بالفعل على أرض الواقع. باحث مصري متخصص في الشئون السياسية ،مقيم بالسعودية 33