أفكار فأولاً ،عناصر المعارضة المحلية تستغل بقوة الطبيعة التفجيرية للعالقات الثنائية بين البلدين كي تعزز المكاسب السياسية السريعة .فعلى الجانب الهندي ،بعد إلقاء اللوم عن كل هجوم إرهابي كبير على المتشددين عبر الحدود ،سعيًا للحصول على الدعم ،ينادي القوميون الهندوس بالرد الذي يتراوح بين الهجوم بالصواريخ على المعسكرات اإلرهابية الباكستانية وشن حرب نووية واسعة النطاق .لكنه بمجرد أن يسيطر حزبهم على الحكومة ،يتخلون على الفور عن هذا الخطاب االنتهازي والتحريضي. وثانيًا ،فإن القدرات النووية لكال البلدين أدت إلى نشوب حرب باردة محدودة في جنوب آسيا ،مع حدوث مأزق بسبب الدمار المؤكد الذي يمكن أن يحدث على كلتا الجبهتين .ومن ثم فإنه ليس هناك الكثير مما يحفز أيًا من البلدين للضغط على الزر األحمر وتشير األبحاث األخيرة إلى حذرا أن المسئولين عن القيادة والسيطرة أكثر ً وعقالنية بالفعل مما كان يفترض في السابق. وأخيرا ،فإن هناك ً أيضا اهتمامًا كام ًنا لدى ً القوى الكبرى األخرى بالمبالغة في احتماالت نشوب حرب نووية .وادعاء برافادا أن األمر يرجع إلى روسيا والواليات المتحدة إلجبار الهند وباكستان للدخول في حوار ليس من قبيل الصدفة البعيدة عن أي نوايا سيئة .فكل من موسكو وواشنطن وقد انضمت الصين إليهما أخيرا مهتمة باستكشاف أي فرصة متاحة ً للتدخل في منطقة تم اعتبارها لوقت طويل أنها بمثابة الفناء الخلفي اإلستراتيجي للهند.
تقارب بطيء ولكن بإيقاع ثابت وقد اشتكى أحد محرري الهند المعروفين أخيرا ويدعى إى جى أكبر ،في معرض تعليقه ً على العالقة بين البلدين المتخاصمين قائلاً : "نحن لسنا جيرا ًنا ،بل عالمان مختلفان أشد االختالف" .بيد أن االتجاهات الحالية تشير إلى حقيقة مختلفة ،حيث أصبحت الهند وباكستان، وللغرابة الشديدة ،تتبادالن أشياء أخرى عبر الحدود بينهما أكثر من مجرد االتهامات المعتادة واإلرهابيين وإطالق النار. ً أخيرا معهد فوفقا لتحليل سياسي موجز قام به ً بيترسون لالقتصاد الدولي ،ارتفعت التجارة بين الهند وباكستان من 300مليون دوالر في عام 2004/2003إلى أكثر من 2مليار دوالر في العام الماضي ،أو ما يقرب من 5 مليارات دوالر لو أدرجنا التجارة غير الرسمية بينهما عبر منطقة الشرق األوسط .وبينما تغري الفرص االستثمارية الجذابة في باكستان مجاالت البنية التحتية والرعاية الصحية والترفيه في الهند ،فإن الشركات الباكستانية قد أصبحت موجودة اآلن ً أيضا في كل النواحي التجارية الرئيسية في الهند. ويأتي هذا كنتيجة مباشرة للحوار الشامل ،وهو عملية من التشاور المتبادل تم وضعها في عام .2004وقد أدت هذه العملية إلى اتخاذ مجموعة من اإلجراءات المتعلقة ببناء الثقة التي لم يسبق لها مثيل ،حيث تم تخفيف إجراءات منح العدد 1541
التأشيرات ،كما تم فتح معابر جديدة تشمل السكك الحديدية والطرق والطيران عبر الحدود في كشمير والبنجاب وراجستان ،وإعادة تنشيط االتصاالت التي ظلت متوقفة على مدى عقود، كما تم السماح في بعض الحاالت للعائالت بإعادة جمع شملهم بعد نصف قرن من الزمان. . وقد أدى هذا على المستوى الرسمي إلى تنفيذ العشرات من المعاهدات الجديدة وآليات التشاور ،بما في ذلك الجولة الثانية من اجتماعات الخبراء ،والخطوط الساخنة "الجديدة" بين
ارتفعت التجارة بين الهند وباكستان من 300مليون دوالر في عام 2004/2003 إلى أكثر من 2مليار دوالر في العام الماضي ،أو ما يقرب من 5مليارات دوالر لو أدرجنا التجارة غير الرسمية جهات عليا عسكرية ودبلوماسية .وتتبادل الهند وباكستان اآلن األسرى بانتظام .وحتى على المستوى األمني الحساس ،فقد وضعت دلهي وإسالم أباد آلية مشتركة لمكافحة اإلرهاب وتبادل قوائم المنشآت النووية للحد من مخاطر اندالع حرب غير مقصودة.
المجتمع المدني يتولى زمام األمور ومع ذلك ،يمكن العثور على أكثر القوى ً نفوذا في المجتمع المدني .ولم تمح أربع حروب وخمسون عامًا من الكراهية المتبادلة مشاعر الماليين من الناس ،حيث يشعرون بأن تقسيم عام 1947يمثل "خطأً تاريخيًا جسيمًا". وهذا ينطبق على كبار السن واألجيال الشابة على السواء .وبالنسبة لمن ال يزالون في السلطة ،تربطهم "بالجانب اآلخر" عالقات أكبر من استبعادهم له أو القضاء عليه: فالرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف وُلد في نيودلهي ،ووُلد كل من رئيس وزراء الهند الحالي وزعيم المعارضة فيما يعرف اليوم بباكستان. وفي المقابل ،بالنسبة لألجيال الشابة تعتبر صدمات الماضي بعيدة وغامضة ج ًدا لدرجة تعرقل تحديد المسار المستقبلي لمنطقة جنوب آسيا ،وتعتبر الوعود بالثروة المادية والحراك الدولي والتدفق الثقافي الحر أكبر جاذبية بكثير من مواجهة عدو مسلح نوويًا في خندق متجمد بجبال الهيمااليا. وهكذا ،بينما شغلت حمى "بوليوود" الطبقة الوسطى الباكستانية في الهور وكراتشي،
تقوم فرق روك باكستانية مثل "جنون" أو "فزون" أو سترنجز" بجولة في الهند بنجاح اآلن وتكتسب اآلالف من المشجعين الجدد بين شباب المناطق الحضرية نيودلهي وبومباي وبنجالور ،وتؤدى عروضها في كثير من األحيان في بيئة مثل "وودستوك" تقوم على أساس مبدأ "اصنع السالم وليس الحرب". وفي الرياضة ،يستمر التنافس المحموم في لعبة الكريكيت ،ولكن يتنافس الرياضيون من باكستان والهند اآلن جنبًا إلى جنب في مسابقات عبر الحدود الوطنية مثل البنجاب .وتكونت مبادرات مثل أصدقاء بال حدود ،حيث يتبادل اآلالف من األطفال من باكستان والهند الرسائل بانتظام ،كما تبشر هذه المبادرات بإحداث تغيير جذري في األفكار المشتركة .وتشجع المشروعات اإلعالمية مثل مجلة "هيمال" الجنوب آسيوية ،والتي تصدر من كاتماندو، وتشجع الهنود والباكستانيين على النظر إلى شبه القارة نظرة شاملة ،بما يتجاوز النظرة األبدية للنزاع الثنائي.
وبدأ الجدل للتو والتقارب ليس كافيًا؛ فالهند وباكستان في حاجة إلى وجود رؤية لتحريك الحوار بينهما إلى األمام .وهناك بوادر مشجعة على كال الجانبين .فبعد أن تم انتخاب رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ في عام ،2004ظهرت مجموعة مؤثرة من الوظيفيين الجدد في الهند الذين يدعون إلى التكامل اإلقليمي .و كانوا وراء إنشاء رابطة جنوب آسيا للتعاون اإلقليمي في عام .1985وكانوا رأس الحربة في الحوار الشامل ،الذي تم فيما بعد عام ،2004حيث كان لديهم اعتقاد بأن نيودلهي ستربح الكثير في حالة وجود باكستان مستقرة وصديقة ،ويمكن تحقيق ذلك من خالل التكامل اإلقليمي ويتضح ذلك في تصريحات سينغ " برفع القيود عن الحدود". وعلى الجانب الباكستاني ،يبدو أن هناك نظرة واضحا أن التعاون جديدة لألمور حيث بدا لهم ً مع الهند ليس مجرد اختيار ،بل ضرورة لمكافحة اإلرهاب الذي يُنظر إليه اآلن على أنه "عدو مشترك" .ويعتبر اقتراح الرئيس أخيرا الباكستاني زارديري الذي صرح به ً خطوة في االتجاه الصحيح والذي يشير إلى أن الهند يجب أن تصبح جزءًا من مجموعة أصدقاء باكستان الديمقراطية. ومع ذلك ،فإن جيل الشباب هو الذي سيقرر إلى أي مدى ستتمكن كل من الهند وباكستان من التعايش معًا في جنوب آسيا .ومن الواضح أنهم مستعدون لقبول التحدي .ففي عام ،2007 شهد منتدى المصالح الوطنية الهندية وهو أحد ً نشاطا من المنتديات الشابة في الهند وأكثرها الناحية اإلستراتيجية جدلاً حا ًدا بشأن مدى إمكانية إعادة توحيد الهند وباكستان .والحقيقة أن مثل هذا السؤال االستفزازي تتم مناقشته اآلن عل ًنا من كال الجانبين ويشير إلى وجود استعداد لنقل العالقة من مستوى العداء إلى مستوى الصداقة. 35