issu 1541 AR

Page 28

‫أفكار‬ ‫فأولاً ‪ ،‬عناصر المعارضة المحلية تستغل بقوة‬ ‫الطبيعة التفجيرية للعالقات الثنائية بين البلدين‬ ‫كي تعزز المكاسب السياسية السريعة‪ .‬فعلى‬ ‫الجانب الهندي‪ ،‬بعد إلقاء اللوم عن كل هجوم‬ ‫إرهابي كبير على المتشددين عبر الحدود‪ ،‬سعيًا‬ ‫للحصول على الدعم‪ ،‬ينادي القوميون الهندوس‬ ‫بالرد الذي يتراوح بين الهجوم بالصواريخ على‬ ‫المعسكرات اإلرهابية الباكستانية وشن حرب‬ ‫نووية واسعة النطاق‪ .‬لكنه بمجرد أن يسيطر‬ ‫حزبهم على الحكومة‪ ،‬يتخلون على الفور عن‬ ‫هذا الخطاب االنتهازي والتحريضي‪.‬‬ ‫وثانيًا‪ ،‬فإن القدرات النووية لكال البلدين أدت إلى‬ ‫نشوب حرب باردة محدودة في جنوب آسيا‪ ،‬مع‬ ‫حدوث مأزق بسبب الدمار المؤكد الذي يمكن‬ ‫أن يحدث على كلتا الجبهتين‪ .‬ومن ثم فإنه ليس‬ ‫هناك الكثير مما يحفز أيًا من البلدين للضغط‬ ‫على الزر األحمر وتشير األبحاث األخيرة إلى‬ ‫حذرا‬ ‫أن المسئولين عن القيادة والسيطرة أكثر ً‬ ‫وعقالنية بالفعل مما كان يفترض في السابق‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬فإن هناك ً‬ ‫أيضا اهتمامًا كام ًنا لدى‬ ‫ً‬ ‫القوى الكبرى األخرى بالمبالغة في احتماالت‬ ‫نشوب حرب نووية‪ .‬وادعاء برافادا أن األمر‬ ‫يرجع إلى روسيا والواليات المتحدة إلجبار‬ ‫الهند وباكستان للدخول في حوار ليس من قبيل‬ ‫الصدفة البعيدة عن أي نوايا سيئة‪ .‬فكل من‬ ‫موسكو وواشنطن وقد انضمت الصين إليهما‬ ‫أخيرا مهتمة باستكشاف أي فرصة متاحة‬ ‫ً‬ ‫للتدخل في منطقة تم اعتبارها لوقت طويل أنها‬ ‫بمثابة الفناء الخلفي اإلستراتيجي للهند‪.‬‬

‫تقارب بطيء ولكن بإيقاع ثابت‬ ‫وقد اشتكى أحد محرري الهند المعروفين‬ ‫أخيرا‬ ‫ويدعى إى جى أكبر‪ ،‬في معرض تعليقه ً‬ ‫على العالقة بين البلدين المتخاصمين قائلاً ‪:‬‬ ‫"نحن لسنا جيرا ًنا‪ ،‬بل عالمان مختلفان أشد‬ ‫االختالف"‪ .‬بيد أن االتجاهات الحالية تشير إلى‬ ‫حقيقة مختلفة‪ ،‬حيث أصبحت الهند وباكستان‪،‬‬ ‫وللغرابة الشديدة‪ ،‬تتبادالن أشياء أخرى عبر‬ ‫الحدود بينهما أكثر من مجرد االتهامات‬ ‫المعتادة واإلرهابيين وإطالق النار‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أخيرا معهد‬ ‫فوفقا لتحليل سياسي موجز قام به ً‬ ‫بيترسون لالقتصاد الدولي‪ ،‬ارتفعت التجارة‬ ‫بين الهند وباكستان من ‪ 300‬مليون دوالر‬ ‫في عام ‪ 2004/2003‬إلى أكثر من ‪ 2‬مليار‬ ‫دوالر في العام الماضي‪ ،‬أو ما يقرب من ‪5‬‬ ‫مليارات دوالر لو أدرجنا التجارة غير الرسمية‬ ‫بينهما عبر منطقة الشرق األوسط‪ .‬وبينما‬ ‫تغري الفرص االستثمارية الجذابة في باكستان‬ ‫مجاالت البنية التحتية والرعاية الصحية‬ ‫والترفيه في الهند‪ ،‬فإن الشركات الباكستانية قد‬ ‫أصبحت موجودة اآلن ً‬ ‫أيضا في كل النواحي‬ ‫التجارية الرئيسية في الهند‪.‬‬ ‫ويأتي هذا كنتيجة مباشرة للحوار الشامل‪ ،‬وهو‬ ‫عملية من التشاور المتبادل تم وضعها في عام‬ ‫‪ .2004‬وقد أدت هذه العملية إلى اتخاذ مجموعة‬ ‫من اإلجراءات المتعلقة ببناء الثقة التي لم‬ ‫يسبق لها مثيل‪ ،‬حيث تم تخفيف إجراءات منح‬ ‫العدد ‪1541‬‬

‫التأشيرات‪ ،‬كما تم فتح معابر جديدة تشمل‬ ‫السكك الحديدية والطرق والطيران عبر الحدود‬ ‫في كشمير والبنجاب وراجستان‪ ،‬وإعادة تنشيط‬ ‫االتصاالت التي ظلت متوقفة على مدى عقود‪،‬‬ ‫كما تم السماح في بعض الحاالت للعائالت‬ ‫بإعادة جمع شملهم بعد نصف قرن من الزمان‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫وقد أدى هذا على المستوى الرسمي إلى‬ ‫تنفيذ العشرات من المعاهدات الجديدة وآليات‬ ‫التشاور‪ ،‬بما في ذلك الجولة الثانية من اجتماعات‬ ‫الخبراء‪ ،‬والخطوط الساخنة "الجديدة" بين‬

‫ارتفعت التجارة بين الهند‬ ‫وباكستان من ‪ 300‬مليون‬ ‫دوالر في عام ‪2004/2003‬‬ ‫إلى أكثر من ‪ 2‬مليار دوالر في‬ ‫العام الماضي‪ ،‬أو ما يقرب من‬ ‫‪ 5‬مليارات دوالر لو أدرجنا‬ ‫التجارة غير الرسمية‬ ‫جهات عليا عسكرية ودبلوماسية‪ .‬وتتبادل الهند‬ ‫وباكستان اآلن األسرى بانتظام‪ .‬وحتى على‬ ‫المستوى األمني الحساس‪ ،‬فقد وضعت دلهي‬ ‫وإسالم أباد آلية مشتركة لمكافحة اإلرهاب‬ ‫وتبادل قوائم المنشآت النووية للحد من مخاطر‬ ‫اندالع حرب غير مقصودة‪.‬‬

‫المجتمع المدني يتولى زمام األمور‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬يمكن العثور على أكثر القوى ً‬ ‫نفوذا‬ ‫في المجتمع المدني‪ .‬ولم تمح أربع حروب‬ ‫وخمسون عامًا من الكراهية المتبادلة مشاعر‬ ‫الماليين من الناس‪ ،‬حيث يشعرون بأن تقسيم‬ ‫عام ‪ 1947‬يمثل "خطأً تاريخيًا جسيمًا"‪.‬‬ ‫وهذا ينطبق على كبار السن واألجيال الشابة‬ ‫على السواء‪ .‬وبالنسبة لمن ال يزالون في‬ ‫السلطة‪ ،‬تربطهم "بالجانب اآلخر" عالقات‬ ‫أكبر من استبعادهم له أو القضاء عليه‪:‬‬ ‫فالرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف وُلد‬ ‫في نيودلهي‪ ،‬ووُلد كل من رئيس وزراء الهند‬ ‫الحالي وزعيم المعارضة فيما يعرف اليوم‬ ‫بباكستان‪.‬‬ ‫وفي المقابل‪ ،‬بالنسبة لألجيال الشابة تعتبر‬ ‫صدمات الماضي بعيدة وغامضة ج ًدا لدرجة‬ ‫تعرقل تحديد المسار المستقبلي لمنطقة جنوب‬ ‫آسيا‪ ،‬وتعتبر الوعود بالثروة المادية والحراك‬ ‫الدولي والتدفق الثقافي الحر أكبر جاذبية بكثير‬ ‫من مواجهة عدو مسلح نوويًا في خندق متجمد‬ ‫بجبال الهيمااليا‪.‬‬ ‫وهكذا‪ ،‬بينما شغلت حمى "بوليوود" الطبقة‬ ‫الوسطى الباكستانية في الهور وكراتشي‪،‬‬

‫تقوم فرق روك باكستانية مثل "جنون" أو‬ ‫"فزون" أو سترنجز" بجولة في الهند بنجاح‬ ‫اآلن وتكتسب اآلالف من المشجعين الجدد بين‬ ‫شباب المناطق الحضرية نيودلهي وبومباي‬ ‫وبنجالور‪ ،‬وتؤدى عروضها في كثير من‬ ‫األحيان في بيئة مثل "وودستوك" تقوم على‬ ‫أساس مبدأ "اصنع السالم وليس الحرب"‪.‬‬ ‫وفي الرياضة‪ ،‬يستمر التنافس المحموم في‬ ‫لعبة الكريكيت‪ ،‬ولكن يتنافس الرياضيون من‬ ‫باكستان والهند اآلن جنبًا إلى جنب في مسابقات‬ ‫عبر الحدود الوطنية مثل البنجاب‪ .‬وتكونت‬ ‫مبادرات مثل أصدقاء بال حدود‪ ،‬حيث يتبادل‬ ‫اآلالف من األطفال من باكستان والهند الرسائل‬ ‫بانتظام‪ ،‬كما تبشر هذه المبادرات بإحداث‬ ‫تغيير جذري في األفكار المشتركة‪ .‬وتشجع‬ ‫المشروعات اإلعالمية مثل مجلة "هيمال"‬ ‫الجنوب آسيوية‪ ،‬والتي تصدر من كاتماندو‪،‬‬ ‫وتشجع الهنود والباكستانيين على النظر إلى‬ ‫شبه القارة نظرة شاملة‪ ،‬بما يتجاوز النظرة‬ ‫األبدية للنزاع الثنائي‪.‬‬

‫وبدأ الجدل للتو‬ ‫والتقارب ليس كافيًا؛ فالهند وباكستان في‬ ‫حاجة إلى وجود رؤية لتحريك الحوار بينهما‬ ‫إلى األمام‪ .‬وهناك بوادر مشجعة على كال‬ ‫الجانبين‪ .‬فبعد أن تم انتخاب رئيس الوزراء‬ ‫الهندي مانموهان سينغ في عام ‪ ،2004‬ظهرت‬ ‫مجموعة مؤثرة من الوظيفيين الجدد في الهند‬ ‫الذين يدعون إلى التكامل اإلقليمي‪ .‬و كانوا‬ ‫وراء إنشاء رابطة جنوب آسيا للتعاون اإلقليمي‬ ‫في عام ‪ .1985‬وكانوا رأس الحربة في الحوار‬ ‫الشامل‪ ،‬الذي تم فيما بعد عام ‪ ،2004‬حيث كان‬ ‫لديهم اعتقاد بأن نيودلهي ستربح الكثير في‬ ‫حالة وجود باكستان مستقرة وصديقة‪ ،‬ويمكن‬ ‫تحقيق ذلك من خالل التكامل اإلقليمي ويتضح‬ ‫ذلك في تصريحات سينغ " برفع القيود عن‬ ‫الحدود"‪.‬‬ ‫وعلى الجانب الباكستاني‪ ،‬يبدو أن هناك نظرة‬ ‫واضحا أن التعاون‬ ‫جديدة لألمور حيث بدا لهم‬ ‫ً‬ ‫مع الهند ليس مجرد اختيار‪ ،‬بل ضرورة‬ ‫لمكافحة اإلرهاب الذي يُنظر إليه اآلن على‬ ‫أنه "عدو مشترك"‪ .‬ويعتبر اقتراح الرئيس‬ ‫أخيرا‬ ‫الباكستاني زارديري الذي صرح به‬ ‫ً‬ ‫خطوة في االتجاه الصحيح والذي يشير إلى‬ ‫أن الهند يجب أن تصبح جزءًا من مجموعة‬ ‫أصدقاء باكستان الديمقراطية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن جيل الشباب هو الذي سيقرر‬ ‫إلى أي مدى ستتمكن كل من الهند وباكستان‬ ‫من التعايش معًا في جنوب آسيا‪ .‬ومن الواضح‬ ‫أنهم مستعدون لقبول التحدي‪ .‬ففي عام ‪،2007‬‬ ‫شهد منتدى المصالح الوطنية الهندية وهو أحد‬ ‫ً‬ ‫نشاطا من‬ ‫المنتديات الشابة في الهند وأكثرها‬ ‫الناحية اإلستراتيجية جدلاً حا ًدا بشأن مدى‬ ‫إمكانية إعادة توحيد الهند وباكستان‪ .‬والحقيقة‬ ‫أن مثل هذا السؤال االستفزازي تتم مناقشته‬ ‫اآلن عل ًنا من كال الجانبين ويشير إلى وجود‬ ‫استعداد لنقل العالقة من مستوى العداء إلى‬ ‫مستوى الصداقة‪.‬‬ ‫‪35‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.