رجوي: موجة التغيير في الشرق الأوسط تؤثر على ايران

Page 51

‫● احلرب والسالم‬

‫مهمة �سرية‬ ‫في سبتمبر (أيلول) عام ‪ ،2007‬في مهمة محاطة‬ ‫بالسرية واكتنفتها سياسة كتمان منيعة من كل‬ ‫األطراف‪ .‬قامت إسرائيل بشن هجوم سري متهور‬ ‫قد يكون كارثيا على منشآت غامضة في الصحراء‬ ‫السورية‪ .‬وما زالت الشائعات تدور حول ما حدث‬ ‫حتديدا في ليلة ‪ 6‬سبتمبر في ذلك العام‪ ،‬ولكن‬ ‫ظهرت رواية موثوق بها‪ ،‬وإن كانت خيالية‪ ،‬تشير إلى‬ ‫مساعدة كوريا الشمالية في برنامج أسلحة نووية‬ ‫مشترك إيراني ‪ -‬سوري‪ ،‬وهو ما أوقفه سريعا التصرف‬ ‫العسكري اإلسرائيلي الذي كان عالجيا كما كان‬ ‫مثيرا للجدل‪.‬‬ ‫ووفقا لبحث استقصائي أجرته صحيفة «دير‬ ‫شبيغل»‪ ،‬علم املوساد (جهاز االستخبارات‬ ‫اإلسرائيلي) أوال باحتمال دعم كوريا الشمالية لتعزيز‬ ‫أسلحة سورية عندما تولى بشار األسد رئاسة البالد‬ ‫عام ‪ .2001‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬مت التعامل مع معلومات‬ ‫تشير إلى احلديث عن أسلحة نووية بشيء من‬ ‫التشكك‪ .‬ولكن على مدار األعوام القليلة التالية‪ ،‬مت‬ ‫جتميع ملف كبير من املعلومات‪.‬‬ ‫وأشارت االستخبارات األميركية إلى حتول لم يكن‬ ‫في احلسبان في االتصاالت الهاتفية بني بلدة الكبر‬ ‫في الصحراء السورية وبيونغ يانغ‪ .‬ووقع مسؤول‬ ‫سوري رفيع املستوى ضحية عملية جتسس على‬ ‫طريقة هوليوود‪ ،‬حيث استطاع عمالء املوساد اختراق‬ ‫جهاز الكمبيوتر احملمول الذي تركه من دون حذر في‬ ‫غرفته في أحد فنادق لندن‪ ،‬وكان يحتوي على وثائق‬ ‫وصور هائلة حتتوي على تفاصيل إنشاء مجمع في‬ ‫الكبر‪ .‬وظهر في إحدى الصور خبير نووي كوري‬ ‫شمالي بارز في املقدمة‪ .‬أدى هروب نائب وزير الدفاع‬

‫السابق من إيران إلى تسليم «سي آي إيه» معلومات‬ ‫ثمينة‪ ،‬تتضمن ادعاء مبهما بأن إيران متول مشروعا‬ ‫نوويا شديد السرية في سورية ومبساعدة من كوريا‬ ‫الشمالية‪.‬‬ ‫وتصل قصة جتسس على طراز «العباءة واخلنجر» إلى‬ ‫ذروتها في مهمة ليلية محيرة عبرت فيها املروحيات‬ ‫اإلسرائيلية على ارتفاع منخفض إلى سورية وحصلت‬ ‫على عينات من تربة قريبة من منطقة الكبر‪ .‬ولم تكن‬ ‫نتائج حتاليل التربة حاسمة‪ ،‬ولكن ظل إيهود أوملرت‪،‬‬ ‫الذي كان رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت‪ ،‬يتتبع‬ ‫األحداث ويفكر في شن غارة على أصل املشكلة‪.‬‬ ‫وتغلب على غياب دليل قاطع على وجود تهديد نووي‬ ‫محتمل بالقرب من إسرائيل‪ ،‬الدليل الظرفي املتزايد‬ ‫الذي يتضمن اآلن تقارير عن شحن يورانيوم من بيونغ‬ ‫يانغ إلى ميناء مدينة طرطوس السورية‪.‬‬ ‫وفي الصباح الباكر من يوم ‪ 6‬سبتمبر‪ ،‬قامت سبع‬ ‫مقاتالت إسرائيليات طراز «إف ‪ »15‬باختراق اجملال‬ ‫اجلوي السوري وقصفت مجمع الكبر سريعا‪ .‬ما حدث‬ ‫بعد ذلك يوضح مدى قلة املعلومات املعلنة‪ .‬حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬تظل سورية وإسرائيل متحفظتني في الروايات‬ ‫الرسمية عما حدث تلك الليلة‪ .‬وبالنسبة لسورية‪،‬‬ ‫يعد ذلك وسيلة حلفظ ماء الوجه‪ ،‬وال ترغب إسرائيل‬ ‫من دون شك في حتمل مسؤولية ما يعتبر بالضرورة‬ ‫اختراقا غير مشروع‪ .‬وفي هذه احلالة‪ ،‬في مصلحة‬ ‫الطرفني أن يظال صامتني ويتظاهرا بأن شيئا لم‬ ‫يحدث‪ ،‬ولكن تشير تلك احلادثة إلى فكرة مثيرة للقلق‬ ‫حول ما قد يحدث إذا أصبح هناك تهديد نووي آخر في‬ ‫الشرق األوسط‪ ،‬عندما يقابل تصرف مشابه بانتقام‬ ‫عنيف‪ ،‬بدال من اإلنكار اخلانع‪.‬‬

‫وتقف عقبتان أساسيتان أمام من يسعون إلى إضعاف شبكة‬ ‫االنتشار النووي لكوريا الشمالية في الشرق األوسط‪ .‬العقبة‬ ‫األولى واألهم هي املال‪ .‬تسعى كوريا الشمالية التي تعاني من‬ ‫ضائقة مالية جراء انخفاض حجم جتارتها مع أكبر شركائها‬ ‫التجاريني‪ ،‬الصني وكوريا اجلنوبية‪ ،‬إلى تنويع مصادر اقتصادها‪.‬‬ ‫وتعد التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل بالنسبة‬ ‫لها املنتجني الوحيدين اللذين يجعالنها تستطيع املنافسة على‬ ‫مستوى دولي‪ .‬ويظهر الشرق األوسط‪ ،‬الذي يضم دوال ثرية تشترك‬ ‫منذ عقود في سباق للتسلح‪ ،‬كسوق مثالية لبيونغ يانغ‪ .‬وتعني‬ ‫الضغوط التي متارسها الواليات املتحدة على حلفائها‪ ،‬لعدم‬ ‫بيع أسلحة أو مواد نووية إلى دول معينة في املنطقة‪ ،‬أن قائمة‬ ‫املوردين احملتملني قصيرة‪ .‬وتتصدر بيونغ يانغ تلك القائمة‪ ،‬نظرا‬ ‫للمرحلة املتقدمة التي وصل إليها برنامجها النووي ورغبتها‬ ‫األكيدة في نقل تكنولوجيا اإلنتاج واملنتجات النهائية‪ .‬وكلما‬ ‫استمر االنتشار تزداد الشبكة قوة‪ ،‬مما يجعل من كوريا الشمالية‬ ‫موردا أكثر جذبا‪.‬‬

‫وواشنطن في ظل إدارة باراك أوباما اآلن في النهج املعتاد الذي‬ ‫يعتبر مبوجبه أي تصرف يصدر عن بيونغ يانغ استفزازا يؤدي إلى‬ ‫اإلدانة األميركية‪ .‬ولكن من املمكن أن يقدم االنتشار النووي في‬ ‫الشرق األوسط وسيلة لكسر هذا النهج ويجعل واشنطن جتتمع‬ ‫مع بيونغ يانغ على طاولة املفاوضات‪ ،‬وهو ما يسعى نظام كيم‬ ‫جونغ إيل إلى حتقيقه‪ .‬وكما قال املدير السابق للشؤون اآلسيوية‬ ‫في مجلس األمن القومي األميركي فيكتور دي تشا‪« :‬جميع‬ ‫االستفزازات التي تقوم بها كوريا الشمالية‪ ،‬عاجال أم آجال‬ ‫تتبعها مفاوضات»‪ .‬واالنتشار النووي أحد تلك االستفزازات‪ .‬ورمبا‬ ‫تستعد الواليات املتحدة لتقدمي بعض احلوافز لكوريا الشمالية‬ ‫في مقابل وقف الشحنات النووية والصاروخية إلى إيران وسورية‬ ‫وحزب اهلل‪ .‬وقد جتعل احلوافز االقتصادية والدبلوماسية املناسبة‬ ‫كوريا الشمالية توافق وتنهي شبكة االنتشار النووي في الشرق‬ ‫األوسط‪ .‬فاحلوار‪ ،‬وليست العقوبات‪ ،‬هو الوسيلة األفضل لوقف‬ ‫انتشار السالح النووي من كوريا الشمالية‪.‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬تعلم حكومة كيم جونغ إيل أن انتشار‬ ‫التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل أحد اخليارات‬ ‫القليلة املتبقية لديها‪ ،‬في ما يتعلق بعالقاتها مع الواليات‬ ‫املتحدة‪ .‬وعلى الرغم من التوترات األخيرة في شبه اجلزيرة‬ ‫الكورية‪ ،‬فإن معظم احملللني يتفقون على أنه من غير املرجح‬ ‫أن تبدأ كوريا الشمالية في حرب واسعة النطاق قد تسفر‬ ‫في النهاية عن هزميتها‪ .‬لذلك تسير العالقات بني بيونغ يانغ‬

‫*رامون باتشيكو باردو ‪ -‬خبير في مكافحة االنتشار النووي‪،‬‬ ‫وهو محاضر في كلية كينغ في لندن‪ .‬ويحمل كتابه املقبل عن‬ ‫السياسة اخلارجية لكوريا الشمالية عنوان‪« :‬من «محور الشر»‬ ‫إلى «عزيزي رئيس مجلس اإلدارة»‪ :‬كيف تساوم كوريا الشمالية‬ ‫الواليات املتحدة»‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ ‪ 10‬يناير‪2011‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.