● احلرب والسالم
مهمة �سرية في سبتمبر (أيلول) عام ،2007في مهمة محاطة بالسرية واكتنفتها سياسة كتمان منيعة من كل األطراف .قامت إسرائيل بشن هجوم سري متهور قد يكون كارثيا على منشآت غامضة في الصحراء السورية .وما زالت الشائعات تدور حول ما حدث حتديدا في ليلة 6سبتمبر في ذلك العام ،ولكن ظهرت رواية موثوق بها ،وإن كانت خيالية ،تشير إلى مساعدة كوريا الشمالية في برنامج أسلحة نووية مشترك إيراني -سوري ،وهو ما أوقفه سريعا التصرف العسكري اإلسرائيلي الذي كان عالجيا كما كان مثيرا للجدل. ووفقا لبحث استقصائي أجرته صحيفة «دير شبيغل» ،علم املوساد (جهاز االستخبارات اإلسرائيلي) أوال باحتمال دعم كوريا الشمالية لتعزيز أسلحة سورية عندما تولى بشار األسد رئاسة البالد عام .2001وفي الوقت ذاته ،مت التعامل مع معلومات تشير إلى احلديث عن أسلحة نووية بشيء من التشكك .ولكن على مدار األعوام القليلة التالية ،مت جتميع ملف كبير من املعلومات. وأشارت االستخبارات األميركية إلى حتول لم يكن في احلسبان في االتصاالت الهاتفية بني بلدة الكبر في الصحراء السورية وبيونغ يانغ .ووقع مسؤول سوري رفيع املستوى ضحية عملية جتسس على طريقة هوليوود ،حيث استطاع عمالء املوساد اختراق جهاز الكمبيوتر احملمول الذي تركه من دون حذر في غرفته في أحد فنادق لندن ،وكان يحتوي على وثائق وصور هائلة حتتوي على تفاصيل إنشاء مجمع في الكبر .وظهر في إحدى الصور خبير نووي كوري شمالي بارز في املقدمة .أدى هروب نائب وزير الدفاع
السابق من إيران إلى تسليم «سي آي إيه» معلومات ثمينة ،تتضمن ادعاء مبهما بأن إيران متول مشروعا نوويا شديد السرية في سورية ومبساعدة من كوريا الشمالية. وتصل قصة جتسس على طراز «العباءة واخلنجر» إلى ذروتها في مهمة ليلية محيرة عبرت فيها املروحيات اإلسرائيلية على ارتفاع منخفض إلى سورية وحصلت على عينات من تربة قريبة من منطقة الكبر .ولم تكن نتائج حتاليل التربة حاسمة ،ولكن ظل إيهود أوملرت، الذي كان رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت ،يتتبع األحداث ويفكر في شن غارة على أصل املشكلة. وتغلب على غياب دليل قاطع على وجود تهديد نووي محتمل بالقرب من إسرائيل ،الدليل الظرفي املتزايد الذي يتضمن اآلن تقارير عن شحن يورانيوم من بيونغ يانغ إلى ميناء مدينة طرطوس السورية. وفي الصباح الباكر من يوم 6سبتمبر ،قامت سبع مقاتالت إسرائيليات طراز «إف »15باختراق اجملال اجلوي السوري وقصفت مجمع الكبر سريعا .ما حدث بعد ذلك يوضح مدى قلة املعلومات املعلنة .حتى اآلن ،تظل سورية وإسرائيل متحفظتني في الروايات الرسمية عما حدث تلك الليلة .وبالنسبة لسورية، يعد ذلك وسيلة حلفظ ماء الوجه ،وال ترغب إسرائيل من دون شك في حتمل مسؤولية ما يعتبر بالضرورة اختراقا غير مشروع .وفي هذه احلالة ،في مصلحة الطرفني أن يظال صامتني ويتظاهرا بأن شيئا لم يحدث ،ولكن تشير تلك احلادثة إلى فكرة مثيرة للقلق حول ما قد يحدث إذا أصبح هناك تهديد نووي آخر في الشرق األوسط ،عندما يقابل تصرف مشابه بانتقام عنيف ،بدال من اإلنكار اخلانع.
وتقف عقبتان أساسيتان أمام من يسعون إلى إضعاف شبكة االنتشار النووي لكوريا الشمالية في الشرق األوسط .العقبة األولى واألهم هي املال .تسعى كوريا الشمالية التي تعاني من ضائقة مالية جراء انخفاض حجم جتارتها مع أكبر شركائها التجاريني ،الصني وكوريا اجلنوبية ،إلى تنويع مصادر اقتصادها. وتعد التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل بالنسبة لها املنتجني الوحيدين اللذين يجعالنها تستطيع املنافسة على مستوى دولي .ويظهر الشرق األوسط ،الذي يضم دوال ثرية تشترك منذ عقود في سباق للتسلح ،كسوق مثالية لبيونغ يانغ .وتعني الضغوط التي متارسها الواليات املتحدة على حلفائها ،لعدم بيع أسلحة أو مواد نووية إلى دول معينة في املنطقة ،أن قائمة املوردين احملتملني قصيرة .وتتصدر بيونغ يانغ تلك القائمة ،نظرا للمرحلة املتقدمة التي وصل إليها برنامجها النووي ورغبتها األكيدة في نقل تكنولوجيا اإلنتاج واملنتجات النهائية .وكلما استمر االنتشار تزداد الشبكة قوة ،مما يجعل من كوريا الشمالية موردا أكثر جذبا.
وواشنطن في ظل إدارة باراك أوباما اآلن في النهج املعتاد الذي يعتبر مبوجبه أي تصرف يصدر عن بيونغ يانغ استفزازا يؤدي إلى اإلدانة األميركية .ولكن من املمكن أن يقدم االنتشار النووي في الشرق األوسط وسيلة لكسر هذا النهج ويجعل واشنطن جتتمع مع بيونغ يانغ على طاولة املفاوضات ،وهو ما يسعى نظام كيم جونغ إيل إلى حتقيقه .وكما قال املدير السابق للشؤون اآلسيوية في مجلس األمن القومي األميركي فيكتور دي تشا« :جميع االستفزازات التي تقوم بها كوريا الشمالية ،عاجال أم آجال تتبعها مفاوضات» .واالنتشار النووي أحد تلك االستفزازات .ورمبا تستعد الواليات املتحدة لتقدمي بعض احلوافز لكوريا الشمالية في مقابل وقف الشحنات النووية والصاروخية إلى إيران وسورية وحزب اهلل .وقد جتعل احلوافز االقتصادية والدبلوماسية املناسبة كوريا الشمالية توافق وتنهي شبكة االنتشار النووي في الشرق األوسط .فاحلوار ،وليست العقوبات ،هو الوسيلة األفضل لوقف انتشار السالح النووي من كوريا الشمالية.
باإلضافة إلى ذلك ،تعلم حكومة كيم جونغ إيل أن انتشار التكنولوجيا النووية وأسلحة الدمار الشامل أحد اخليارات القليلة املتبقية لديها ،في ما يتعلق بعالقاتها مع الواليات املتحدة .وعلى الرغم من التوترات األخيرة في شبه اجلزيرة الكورية ،فإن معظم احملللني يتفقون على أنه من غير املرجح أن تبدأ كوريا الشمالية في حرب واسعة النطاق قد تسفر في النهاية عن هزميتها .لذلك تسير العالقات بني بيونغ يانغ
*رامون باتشيكو باردو -خبير في مكافحة االنتشار النووي، وهو محاضر في كلية كينغ في لندن .ويحمل كتابه املقبل عن السياسة اخلارجية لكوريا الشمالية عنوان« :من «محور الشر» إلى «عزيزي رئيس مجلس اإلدارة» :كيف تساوم كوريا الشمالية الواليات املتحدة».
14
نشر هذا في «اجمللة» بتاريخ 10يناير2011