حوار كل من سوريا وإسرائيل بشكل منفرد .ولكنني ما زلت أعتقد أن التوصل التفاق بين إسرائيل وسوريا أسهل من التوصل التفاق بين اإلسرائيليين والفلسطينيين ،على األقل من الناحية النظرية. فالخالف بين إسرائيل و سوريا يدور حول أربع قضايا رئيسية هي :االنسحاب والتطبيع واألمن والمياه .وهناك بالطبع مسألة كيفية ترتيب التطبيع واالنسحاب وأيهما سيتم تنفيذه أولاً .في رأيي الشخصي أنه يمكن بسهولة التوصل التفاق بشأن هذه القضايا ،بعكس محاولة التوصل التفاق بشأن القضايا المتنازع عليها بين اإلسرائيليين و الفلسطينيين والتي تشمل القدس والالجئين والحدود واألمن ،فهي قضايا أصعب بكثير. المجلة :إذا كان الوضع سهلاً فيما بين سوريا وإسرائيل .فلماذا تتعطل المفاوضات؟ التعقيد الحادث اآلن في المفاوضات اإلسرائيلية- السورية يعود إلى كون مبدأ «األرض مقابل السالم» لم يعد يصلح ،أساسًا ،مناسبا للمفاوضات. ومن المؤكد أن اإلسرائيليين سيطالبون بدعم خارجي من الواليات المتحدة ،بأن تبذل سوريا جهودًا الحتواء حزب هللا في لبنان وحماس في فلسطين .كما ستتضمن المفاوضات ،أيضًا ،مسألة إيران والعالقات السورية-اإليرانية ،مما سيصعب من عملية التوصل إلى اتفاق .كما أنه من المؤكد أن اإلسرائيليين سيرغبون في أن تنهى سوريا عالقاتها القوية من الناحية األمنية ،بحماس وحزب اللـه وإيران .فلم تعد إسرائيل ترى في تحسين العالقات الثنائية سببًا كافيًا للتوصل إلى اتفاق، كما كان الحال عليه في الماضي ،فقد أصبحت القضايا المتعلقة بالحدود والتهديدات الخارجية تحظى باالهتمام و باألولوية بالنسبة إلسرائيل. ولن تجد إسرائيل صعوبة في الحصول على دعم حقيقي من واشنطن فيما يتعلق بهذا األمر. المجلة :وهل لدى الطرفين استعداد للتفاوض؟ األمر يبدو لي اآلن على النحو التالي :ال أرى كثيرًا من التحفيز أو الدافعية لدى الجانب اإلسرائيلي في التقارب مع السوريين ما لم تعتبر سوريا ذلك بمثابة جزء من معادلة معقدة وأوسع نطاقًا لثني السوريين بعيدًا عن اإليرانيين وهذا من الصعب جدًا تحقيقه .فالعالقة السورية اإليرانية صمدت أكثر من أي تحالف عربي في التاريخ الحديث لمنطقة الشرق األوسط .ألنها عالقة تقودها الحاجات واالهتمامات الفعلية .والبلدان ليسا متنافسين على المستوى اإليديولوجي مثل التحالف المصري السوري ،مما يشير إلى أن هذه العالقة مهمة بالنسبة لكال الطرفين .وتحجم سوريا عن التخلي عنها ولن تتخلى عنها .فاالهتمامات المشتركة قوية ،ومن شأنها أن تحول دون المساس بهذه العالقة لبعض الوقت في المستقبل. المجلة :البعض يرى أنه لم تعد هناك حاجة ملحة لدى كال الطرفين السوري واإلسرائيلي للتوصل إلى اتفاق سريع؟ الحاجة الملحة أحد العوامل التي تدفع إلى الجلوس على طاولة المفاوضات والنجاح فيها، العدد 1537
ما زلت أعتقد أن التوصل التفاق بين إسرائيل وسوريا أسهل من التوصل التفاق بين اإلسرائيليين والفلسطينيين ،على األقل من الناحية النظرية وهذه الحاجة ليست موجودة اآلن .فليس هناك من مغنم أو مغرم محتمل .وربما يتطلب األمر من الجانب اإلسرائيلي أو السوري أن يقرر توليد شعور بالحاجة الملحة من أجل التفاوض بهدوء وحكمة؛ وعلى المستوى الثنائي دون إقحام طرف ثالث .وال أرجح كثيرًا حدوث ذلك. المجلة :أال ترون أن الخالف بين الواليات المتحدة األمريكية وإسرائيل بشأن مطالبة أوباما منذ فترة للدولة العبرية بتجميد االستيطان في الضفة الغربية أمر غير مفيد؟ نعم ،طالبت اإلدارة األمريكية بذلك ،وأعلنت عن هدف ال يمكن تحقيقه أبدًا وهو التجميد الشامل للمستوطنات ،بما فيها النمو الطبيعي للمستوطنات ،وما تحقق على أرض الواقع أقل بكثير مما طُلب وهذا أمر سيئ للغاية .وبمرور عام على إدارة أوباما الجديدة ،فإنها تواجه ثالثة اعتراضات .االعتراض األول يأتيها من قبل إسرائيل بشأن تجميد االستيطان ،وأما االعتراض الثاني فيأتيها من قبل الدول العربية بشأن التطبيع الجزئي ،االعتراض الثالث يأتيها من قبل الفلسطينيين بشأن العودة إلى طاولة المفاوضات. المجلة :هل الشلل الذي أصاب المفاوضات الفلسطينية اإلسرائيلية يحول دون التحرك على المسار اإلسرائيلي السوري؟ إنها مسألة وجهات نظر .فالكثير من الناس يقولون إن السوريين ال يمكن أن يتفاوضوا مع إسرائيل طالما أن المسار اإلسرائيلي الفلسطيني في أزمة .فدمشق مقيدة بصورتها وحريصة على أال تفقد مصداقيتها لدى الشارع السوري .فسوريا ال تستطيع أن تبرم اتفاقًا مثلما فعل المصريون. وأعتقد ،إلى حد كبير ،أن تلك هي الحقيقية .وأنا ال أرى فرصة كبيرة للتوصل إلى اتفاق إسرائيلى سوري ما لم يكن ذلك مرتبطًا بشكل أساسي بتحسين سوريا لعالقتها مع الواليات المتحدة، وهو ما يريده السوريون ،باإلضافة إلى مرتفعات الجوالن ،وذلك كصفقة تعويضية .ويفترض أن سوريا سوف تبتعد عن إيران ،لذا فإنها ستحتاج لمليارات الدوالرات في مقابل ذلك ،باإلضافة إلى وجود قوات أمريكية في الجوالن .وسيتعين على السوريين اعتماد عالقة جديدة مع حماس وحزب اللـه .وما سيحتاجه السوريون هو اقتراض صفحة من المصريين واألردنيين وحتى الفلسطينيين، حتى يفهموا أن العالقة مع واشنطن تتغير جذريًا إذا تم االتفاق مع إسرائيل .فسوريا تريد أن تتغير
األمور ألنها تحتاج إلى أمريكا بوصفها راعيًا جادًا ومانحًا مه ًما .وثمة معضلة هنا :سوريا ليست مثل األنظمة العربية األخرى والدول التي تعقد اتفاقات مع إسرائيل .إنها ليست متجانسة .إنها ال تملك تاري ًخا مع بريطانيا ،كما الحال بالنسبة لألردنيين، كما أنها ليست معتمدة على الواليات المتحدة مثلما أصبح الفلسطينيون .إنها دولة بإحساس عميق من االستحقاق ،تحركها أيديولوجيات وساللة حاكمة، كما أن لديها شعورًا عميقًا بعدم األمن وذلك يجعل العالقة معقدة للغاية بين الواليات المتحدة وسوريا ،لذا فإنه من الصعب بالنسبة لي أن أتوقع تحولاً في موقف دمشق بحيث تتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يكون مماثلاً التفاقات الدول التي سبقتها في ذلك .ال أعرف كيف يمكن أن يحدث ذلك .فهناك الكثير من المفارقات والتشابكات. المجلة :وماذا عن لبنان؟ من الواضح أن بشار األسد يتعامل من موقع قوة كبيرة وثقة عالية اآلن .فالنفوذ السوري في لبنان أعلى مما كان عليه في السنوات القليلة الماضية، بالرغم من انسحاب القوات السورية من لبنان .أنا ال أرى الناس يدقون طبول المطالبة بإجراء التحقيقات حول اغتيال رئيس الوزراء السابق «الحريري». وبالرغم من نتائج االنتخابات األخيرة ،فإن الحركات السياسية المتنافسة يبدو أنها قد راجعت بعضها البعض ،ويبدو أن حزب هللا وزعيم الكتائب المسيحية ميشيل عون قد استفادا بدرجة كبيرة .أما بشار األسد فيشعر بارتياح كبير جدًا. المجلة :هل نجح األسد في التخلص من عناصر نظام والده؟ قراءة السياسة الداخلية لسوريا أمر صعب ،ولكن ثقة دمشق نابعة من شعور أكبر باألمن والسلطة وربما الشرعية. المجلة :كل هذا يبدو مفزعًا للغاية. نعم ،أشعر باليأس من احتماالت إحراز تقدم على المسار اإلسرائيلي السوري .هل من الممكن أن أصاب بالدهشة إذا فتحت صحيفة «الواشنطن بوست» األسبوع القادم وقرأت أن إسرائيل وسوريا تجريان محادثات سرية وأن هناك تقد ًما كبيرًا؟ لن أشعر بالدهشة .فعلى الورق تبدو األمور أسهل دائ ًما حيث إن األمر ال يتضمن أيًا من التعقيدات االنفعالية واأليديولوجية والدينية للمسار األمريكي الفلسطيني ،كما ال يتضمن تعثر المسار اإلسرائيلي الفلسطيني .فلديك اثنتان من الدول لدى كل منهما القدرة على السيطرة على قوى العنف في مجتمعهما .فحكومة دمشق حكومة مركزية تسيطر على كل األمور في البالد .لكنني لست متفائلاً للغاية .ففي الحكومة ،تعاملنا مع الجميع من ثالث زوايا :الخيار رقم واحد هو الصراع الكارثي. والخيار رقم اثنين هو إحالل السالم ،والخيار رقم ثالثة هو تحقيق شيء من النجاح رغم التخبط. ويبدو أننا سنظل قابعين في الخيار رقم ثالثة لبعض الوقت في المستقبل.
أجرى الحوار ستيفن جلين 39