١
َّ النسيم تفسي القرآن الكريم يف ر أبو أمحد املصري باحث يف علم تفسري القرآن الكريم
سلسلة
في تفسير القرآن الكريم احلزب األول
من أول سورة الفاحتة حتى سورة البقرة اآلية رقم 74
جمال حسين عبد الفتاح
m اسم الكتاب :النسيم يف تفسري القرآن الكريم -احلزب األول املؤلف :مجال حسني عبد الفتاح ،أبو أمحد املرصي تاريخ النرش :الفاتح من شهر ممجادى اآلخرة 1443هـ -املوافق 2022 / 1 / 4
© مجيع احلقوق حمفوظة للمؤلف Jamal_houssin@hotmail.com لالشرتاك بخدمة تعبري الرؤيا والدورات الدراسية يف علم التعبري ميرجى مراسلة املؤلف صورة الغالف :مكة املكرمة يف حدود عام 1304هـ -املوافق 1887 تصوير :السيد عبد الغفار املكي رمحه اهلل املصدرThe Atlantic :
مقدمة تفسري النسيم
مقدمة ومن سي ِ أنفسنا ِ رشور ِ ِ َّ ئات أعاملِناَ .من هيده اهللم َفال ونستغفر مه ،ونَعو مذ باهللِ من نحمدم مه ونَستعينم مه ِّ م إن احلمدَ هللِ َ
مم َّ وأشهدم َّ حممدً ا عبدم مه ورسو مل مه. وأشهدم أن ال اله اإال اهللم، هادي ل مه. ضل ل مه ،و َمن ميضلِ ْل اهللم فال َ َ َ أن َّ ﴿ َيا َأ ه َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنموا ا َّت مقوا اهللَ َح َّق مت َقاتِ ِه َو َال ََتمو مت َّن إِ َّال َو َأنتمم هم ْسلِ مم َ ون﴾ [آل عمران.]102: سو ِ ِ احدَ ٍة َو َخ َل َق ِمن َْها َز ْو َج َها َو َب َّث ِمن مْه َام ِر َج ًاال كَثِ ًريا َونِ َسا ًء َّاس ا َّت مقوا َر َّبك ممم ا َّلذي َخ َل َقكمم ِّمن َّن ْف ٍ َ ﴿ َيا َأ ه َهيا الن م ون بِ ِه َو ْاألَ ْر َحا َم إِ َّن اهللَ ك َ َوا َّت مقوا اهللَ ا َّل ِذي ت ََسا َء مل َ َان َع َل ْيك ْمم َر ِقي ًبا﴾ [النساء]1:
﴿ َيا َأ ه َهيا ا َّل ِذي َن آ َمنموا ا َّت مقوا اهللَ َو مقو ملوا َق ْو ًال َس ِديدً ا .مي ْصلِ ْح َلك ْمم َأ ْع َام َلك ْمم َو َي ْغ ِف ْر َلك ْمم مذنمو َبك ْممَ .و َمن ميطِ ِع اهللَ َو َر مسو َل مه َف َقدْ َف َاز َف ْو ًزا َعظِ ًيام﴾ [األحزاب]71-70: ٍ ٍ ٍ ِ ِ ِ حمدثة بدع ٌةَّ ، حمدثاُتاَّ ، َّ بدعة وكل وكل األمور ورش اهلدي وخري كتاب اهللِ، احلديث خري م م م هدي حممد ﷺَّ ، َ إن َ
ضالل ٌةَّ ، وكل ضاللة يف النار. بدأت قصة هذا الكتاب بأمنية منذ أن كنت ً طفال أستمع للقرآن ميتيل من حويل يف كل مكان وال أفهم معناه. فتمنيت أن أجد ممع ِّلام أو كتا ًبا يعينمني عىل الفهم. بدأت يف مرحلة مبكرة من العمر بقراءة كتب التفسري التقليدية املنترشة بني الناس كتفسري الطربي وابن ثم م كثري وغريها ،وبعض هذه الكتب جيد من ناحية تأصيل التفسري ،لكن فيها بعض األمور منها صعوبة اللغة، وابتعادها عن األسلوب العرصي ،باإلضافة إىل التطويل الكثري والتفصيل العلمي يف قضايا بعيدة عن مصلب التفسري ،وكذلك تعدد وتشعب األقوال املنقولة عن السلف الصالح ،مما قد يؤدي لتشتيت الفهم. أيضا عىل بعض الكتب التقليدية املنترشة يف التفسري أخطاء يف العقيدة مُتالف ما كان عليه السلف ومما يؤخذ ً السنة واجلامعة .ومنها تأويل أسامء اهلل وصفاته وإنكار بعض الصفات .كقوهلم رمحة اهلل إرادة الصالح من أهل ه اخلري ،واحلياء انكسار ،واالستهزاء إظهار خالف الباطن .وكذلك إنكارهم صفة اليد والوجه والساق واالستواء معان مُتالف ظاهرها ،فقالوا :اليد هي القدرة ،والوجه هو ِ ٍ القبلة ،والساق هي هلل تعاىل وغريها ،وتأويلها عىل السلطان ،واالستواء عىل العرش هو االستيالء عليه .وهذا باب واسع يطول الكالم فيه ،لكنه انحراف ظاهر يف كثري من كتب التفسري التي ما تزال تمطبع وتمباع دون أن ميصحح أحد ما فيها من البدعة.
3
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ومن اإلشكاالت يف كتب التفسري التي مجعت أقوال السلف االستشهاد باألحاديث الضعيفة عن رسول اهلل ﷺ ،وكذلك ضعف العديد من أسانيد األقوال وانقطاعها ،وعدم َتييز أكثر املفرسين بني اجليد الصحيح املقبول منها والضعيف البعيد .فليس كل قول وارد يف التفسري يصلح يف بيان املعنى .فهناك أقوال دخيلة أو مدسوسة بطريق ناس غري ثقات ،وهناك أمور اجتهادية من بعض السلف قد تقع فيها أخطاء ظاهرة .ناهيك عن اإلرسائيليات واألوهام غري املقبولة التي تنترش يف بعض هذه الكتب. املفرسين تفسري اآليات بخصوص السبب الذي وردت به بعض ومن األخطاء التي وقع فيها العديد من ِّ املفرس أن هذه اآلية تشمل هؤالء الناس وتشمل اآلثار رغم أن لفظ اآلية عام يشمل ما سوى ذلك .فال مي ِّبني ِّ حمصورا بعيدً ا عن الفهم الصحيح. غريهم ممن تنطبق عليه هذه األحوال .وهذا اخلطأ من املفرسين جيعل التفسري ً وكذلك من اآلفات التي ابتمليت هبا الكثري من كتب التفسري يف القديم واحلديث االجرتاء عىل تفسري أمور غيب َّية بأقوال ضعيفة وخمتلف فيها عن بعض السلف .وتفسري الغيب َّيات يف القرآن ،سواء كانت من املايض أو من املستقبل ،هو مما جيب االحرتاس فيه وعدم تفسريه إال بدليل قاطع بعيد عن التأويالت واالحتامالت. أما كتب التفسري بالرأي واالجتهاد ففي كثري منها من الشطحات والفلسفة ما اهلل به عليم .ويكفي أن تقرأ تفسريا مثل الرازي أو اآللويس لتدرك حجم االعتداء عىل معاين كتاب اهلل تعاىل .والعياذ باهلل. ً فالواقع أن كتب التفسري فيها الصحيح املقبول وفيها الضعيف غري املقبول .وهي هبذه احلالة حتتاج إىل كثري من املراجعة والتنقية والتصحيح .وقد قرأت العديد من هذه الكتب قراءة واعية مع دراسة أصول التفسري وقواعد الرتجيح بني األقوال الصحيحة والضعيفة ،ثم رشعت يف كتابة هذا التفسري الذي استغرق سنوات يف اإلعداد اململ وال بالقصري املم ِ ودل .فال هو بالطويل ِ قل َّ له .وقد خططت أن يكون هذا التفسري ما َّ خ ال ،مع استبعاد كل ما رصح به .وقد استعملت لغة عرصية مل يثبت ،وإضافة ما يكتمل به املعنى أو املفهوم ضمنًا من اآلية الكريمة ،ومل مي َّ بسيطة ليسهل عىل القارئ فهم املعنى دون عناء إن شاء اهلل. وما أردت إال اإلصالح ما استطعت ،وما توفيقي إال باهلل. الفقري إىل عفو ربه أبو أمحد املرصي /مجال حسني عبد الفتاح
4
تفسري النسيم :سورة الفاحتة :احلزب األول
سورة الفاحتة
ه ٱلرِنَٰمۡح ه ٱَّللِ ه ٱلرحِي ِم ١ ِمۡسِب وتربكًا بذكره َّ جل وعال. ( )1افتتح قراءيت لكتاب اهلل باسم اهلل ً تعظيم هلل ،واستعانة بهُّ ، وهو اإلله الرمحن الذي وسعت رمحته مجيع اخلالئق .ومن آثار رمحته هبم إرسال حممد ﷺ وإنزال القرآن هلداية الناس. اختص برمحته عباده املؤمنني .ومن آثار رمحته هبم هدايته هلم ،ومنها إدخاهلم اجلنة يف اآلخرة. وهو اإلله الرحيم الذي َّ
ٱۡل حم ُد ِ هَّللِ َرب ٱلح َعَٰلَم َ حَ ني ٢ ِ ِ
وشكرا له عىل نعمته عىل عباده. تاما مستح ًّقا لكمل ذاته، ً ثناء ًّ ( )2أثني عىل اهلل ً رب السموات واألرض وما بينهم. فهو السيد واملالك والرئيس واملدبر ألمور هذا الكون بجميع خملوقاتهُّ :
ٱلرِنَٰمۡح ه ه ٱلرحِي ِم ٣ ( )3وهو الر ُّب الرمحن الذي وسعت رمحته مجيع اخلالئق .ومن آثار رمحته هبم طعامهم ورشاهبم ورزقهم ونعيم دنياهم. الرب الرحيم بعباده املؤمنني .ومن آثار رمحته هبم ما أعطاهم من متاع الدنيا ونعيمها جزاء إيمهنم وعبادهتم هلل. وهو ُّ
ومن رمحته سبحانه َّ كل نعمة أنعمها عىل خملوقاته .ومن رمحته سبحانه كل ختفيف وتيسري للمشقة عىل خملوقاته. ومن رمحته سبحانه َّ رش ورضر حفظ منه خملوقاته. كل ٍّ رشا أكرب. ومن رمحته سبحانه أن يبتيل املؤمن بالش تكفريا لذنوبه ورفعة لدرجاته وليكفيه ًّ ً وكل ما تنصلح به أحوال املخلوقات وتستقيم يف الدين أو الدنيا أو اآلخرة ما أح َّبوا منه أو كرهوا وما فهموا حكمته أو مل يفهموا داخل يف معنى رمحة اهلل.
َمَٰل ِ َ ح ِين ٤ ِك يو ِم ٱل ِ ( )5اهلل هو صاحب األمر املترصف يف شؤون العباد يوم القيامة. وهو يوم احلساب واجلزاء باجلنة أو النار للناس مجي ًعا .وهو يوم يزول كل ملك يف اإلرض وال يبقى إال ملك اهلل. رضا ،وال مصالح بينهم يف ذلك اليوم كم كانوا يف الدنيا إال ما شاء اهلل. وهو يوم ال يملك الناس لبعضهم نف ًعا وال ًّ
1
اك َن حع ُب ُد ِإَويه َ إيه َ اك ن َ حس َتعِ ُ ني ٥ ِ
( )5نحن املسلمون ال نعبد إال اهلل وحده ال رشيك له ،فنشهد َّأال إله إال اهلل ،وأن حممدً ا رسول اهلل.
.1ويف قراءة أخرى﴿ :ملِ ِ ك يو ِم الدِّ ين﴾. َ
5
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ونطيع اهلل فيم أمر يف القرآن ،ونطيع رسوله ﷺ فيم أمر يف سنَّتِه .فهذه عبادة اهلل التي أمرنا هبا يف كتابه الكريم. ونحن املسلمون ال نستعني عىل أمور ديننا ودنيانا إال باهلل وحده ال رشيك له. ِ فاستعن باهلل». وهذا ما أمرنا به اهلل عىل لسان رسولنا حممد ﷺ ،فقال« :وإذا استعنت
1
والعبادة واالستعانة باهلل هو التكليف اإلهلي الذي أوجبه اهلل عىل املسلمني وأساس دينهم ،فجاء يف اآلية عىل لساهنم.
ح َ ٱلص َر َٰ َط ٱل ح ُم حس َت ِق َ يم ٦ ٱهدِنا ِ ( )6قال املؤمنون داعني رهبم :اللهم اهدنا إىل طريقك املستقيم ،فثبتنا عىل دين اإلسالمِ ، وزدنا فيه من اهلدى. فذلك هو الدين احلق ،وهو طريق اهلل املستقيم ،فال عوج فيه وال ضالل وال انحراف عن الصواب. من استمسك باإلسالم استقام ،واستقامت أحواله ،وسار عىل طريق رضوان اهلل وجنَّتِه...
َ َح ح ََ ه َ َٰ َ ه َ َ ح َ ح َ َ َ ح ح َ ح ح َ ح ُ َ وب علي ِهم وَل ٱلضٓال ِني ٧ ِ ۡي ٱلمغض ِ صرط ٱَّلِين أنعمت علي ِهم غ ِ
(... )6اللهم ثبتنا عىل دين اإلسالم الذي استقام عليه من أنعمت عليهم به من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني.
2
اللهم إنا نعوذ بك من دين اليهود الذين غضبت عليهم ،فال ن َّتبع سبيلهم ،فتغضب علينا مثلهم. اللهم إنا نعوذ بك من دين النصارى الذين ض ُّلوا عن احلق ،فال نتَّبع سبيلهمِ ، فنض َّل مثلهم. 3
إن الدين عند اهلل اإلسالم .فاحلمد هلل عىل نعمة اإلسالم.
آمني
انتهى تفسري سورة الفاحتة بحمد اهلل تعاىل
ظ اهللَ حي َف ْظك ،اح َف ِ كلامت :اح َف ِ ٍ ِ ظ اهللَ ِ جتدْ ه رسول اهللِ ﷺ يو ًما قال يا غال مم ،إين أع ِّل ممك خلف َ كنت .1يف احلديث الرشيف عن ابن عباس ،قال :م ِ ِ الرتمذي] فاسأل اهللَ ،وإذا استعن َْت فاستع ْن باهللِ[ .»...حديث صحيح رواه سألت اهك ،إذا َ مجت َ ا الصدِّ يق هو لقب ميطلق عىل بعض من صدَّ قوا األنبياء ونرصوهم كالصحابة مثل أيب بكر الصدِّ يق أو كمريم ابنة عمران أو غري ذلك. ِّ .2 ِ .3الغضب صفة ثابتة هلل تعاىل .وغضب اهلل عىل اليهود ألهنم كفروا باهلل بعد أن عرفوا احلق ،فكان كفرهم عىل علم؛ وغضب اهلل عىل النصارى ألهنم كفروا باهلل ،فقالوا عليه ما ال يعلمون ،فعبدوه بغري ِعلم .أما املسلمون فهم الذين عبدوا اهلل عىل ِعلم ،فاجتنبوا سبيل اليهود والنصارى.
6
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
سورة البقرة ٓ ال ٓم ١
ِ ميم، فرقة مع سكون آخرها :ألفْ ال ْم ْ ( )1حروف تقرأ م َّ وهي فواتح افتتح اهلل هبا بعض سور القرآن الكريم. سمى هبا السور كسورة ق ،وسورة ص ،وسورة يس ،وسورة طه؛ وهي أسمء ت َّ (السجدة) ،و ﴿حم﴾ (الدُّ خان). وقوهلم﴿ :امل تنزيل﴾ َّ وهلذه احلروف من املعاين ما اهلل به عليم ،فنفوض ِعلمها هلل تبارك وتعاىل. 1
ب فِيهِ ُهدى ل ِلح ُم هت ِق َ َ َ ح َ ُ َ َح َ ني ٢ ذَٰل ِك ٱلكِتَٰب َل ري َۛ ِۛ
شك أنه احلق ِ ( )2هذا القرآن ال َّ والصدق واحل ّجة والربهان الذي أنزله اهلل عىل رسوله حممد ﷺ. وهو الكتاب اهلادي من الضاللة إىل البيان ،ومن الكفر إىل اإلسالم ،ومن الشك إىل التوحيد ،ومن عبادة املخلوق إىل عبادة حرم اهلل إىل ما َّ أحل اهلل ،ومن الشك إىل اليقني ،ومن اخليبة إىل الرجاء ،ومن اخلالق ،ومما يغضب اهلل إىل ما يريض اهلل ،ومما َّ اخلسارة إىل الكسب ،ومن الفشل إىل النجاح ،ومن اخلزي إىل الفالح ،ومن احلزن إىل السعادة ،ومن اليأس إىل األمل ،من اجلهل إىل العلم ،ومن الضعف إىل القوة ،ومن الذل إىل الرفعة ،ومن اهلزيمة إىل النرص ،ومن عذاب النار إىل نعيم اجلنة. وهو مصدر اهلداية وأساسها ومنبعها وم ِعينها الذي ال ينضب يف كل زمان ومكان للمؤمنني الصاحلني الذين ي َّتقون غضب اهلل فخصهم كرمهم اهلل َّ حرمه ،فال ينتفع هبذا القرآن غريهم ،وال حيقق الغاية منه سواهم ،ف ّ وعقابه بالتزام ما افرتضه واجتناب ما َّ باالهتداء يف هذا املقام.
ه َ ُح ُ َ حَح َُ ُ َ ه َ ح ُ َ ٱلصل َٰو َة َوم هِما َر َزق َنَٰ ُه حم يُن ِفقون ٣ ب وي ِقيمون ٱَّلِين يؤمِنون بِٱلغي ِ ( )3ومن صفات هؤالء املؤمنني باهلل املتقني ملعصيته أهنم-: (أ) يؤمنون إيمنًا يقينًّا ال ريب فيه بأركان اإليمن التي أوحى اهلل هبا لرسوله ﷺ ،وهذه األركان هي: اإليمن باهلل ،ومالئكته ،وكتبِ ِه ،ورسلِ ِه ،واليوم ِ اآلخر ،والقضاء والقدرِ : خريه ورشه ،ح ِ لوه ومره : 2
فاإليمن باهلل أن تؤمن أنه اإلله الواحد واملعبود بحق ال رشيك له ،فال نِدَّ له وال شبيه وال مثيل،عىل اإلنْس ِ الس ْجدَ مة ،و ﴿ ْ هل أتَى َ ان﴾[ .متفق عليه] .وعن عبد اهلل َ النبي ﷺ يقرأ يف اجلمعة يف صالة الفجر ﴿امل َتن ِْز ميل﴾ َّ .1يف احلديث الرشيف« :كا َن ه املغرب بـ ﴿حم﴾ الده ِ ِ خان[ .حديث حسن-نتائج األفكار البن َح َجر] بن مسعود أن رسول اهلل ﷺ قر َأ يف السنة واجلامعة يشمل التصديق بالقلب مع خضوعه واستسالمه هلل ،وإقرار .2اإليامن يف اللغة هو التصديق .ويف املصطلح الرشعي لعقيدة أهل ه
باللسان بالدخول يف اإلسالم والقبول برشائعه ،وعمل باجلوارح ملا افرتضه اهلل عليه مع ترك ما حرمه اهلل .وأن اإليامن يزيد بالطاعة وينقص باملعصية. وتفسري اإليامن بالتصديق القلبي فقط باملعنى اللغوي بدعة خمالفة لعقيدة السلف.
7
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
الرب الواحد املالك املترصف يف مجيع املخلوقات ،وأن تؤمن بأسمئه وصفاته وأفعاله ،ال تنسبها ألحد غريه. وأن تؤمن أنه ُّ واإليمن باملالئكة هو أن تؤمن بوجودهم ،وأهنم عباد مكرمون خلقهم اهلل لعبادته ،وهلم أسمء وأعمل وصفات نؤمن هبا كموالسنَّة. أخرب عنها اهلل ورسوله ﷺ يف القرآن ُّ واإليمن بالكتب التي أنزهلا اهلل كالقرآن واإلنجيل والتوراة والزبور وصحف إبراهيم وغريها،وأن العقيدة فيها كلها واحدة مع اختالف رشائعها ،مع االلتزام بم يف القرآن فقط ،فهو آخرها. وقد ألغى اهلل بالقرآن العمل بشائع سائر الكتب أو اتباع ما فيها. حرفوها؛ أما العقائد فاختالف عقائد القرآن مع ما عند اليهود والنصارى من الكتب دليل عىل أهنم َّ ألن القرآن مطابق ملا سبقه من الكتب يف العقيدة ،فال يتَّبع يف ذلك غري القرآن. واإليمن بالرسل أن نؤمن بجميع األنبياء واملرسلني ،وأهنم مجي ًعا عباد مكرمون صاحلون.وال نفرق بني أحد منهم ،فال نؤمن ببعض ونكفر ببعض كم فعلت اليهود والنصارى. واإليمن باليوم اآلخر هو التصديق اجلازم بجميع ما يقع من أحداث يوم القيامة من لقاء اهلل واحلساب وميزان األعملوشفاعة الرسول ﷺ للمؤمنني واجلنة والنار ورؤية املؤمنني لرهبم يوم القيامة وغريه مما أخرب اهلل ورسوله ﷺ. واإليمن بالقضاء والقدر هو أن نؤمن أن اهلل قد كتب ِبع ْل ِم ِه وعدْ لِ ِه مقادير املخلوقات كلها ،وأن مشيئته واقعة هبم ،وأنه قد أيضا مشيئة رفعت األقالم وج َّفت الصحف .ومع ذلك فاهلل مل يقهر أحدً ا عىل الكفر أو اإليمن وال الش وال اخلري ،فالإلنسان ً واختيار حياسبه اهلل عليه ،لكن وما تشاؤون إال أن يشاء اهلل .وعىل املسلم أن جيتهد يف حتصيل اخلري الذي يريض اهلل ،واالبتعاد عن الش الذي يغضبه ،وأال خيوض يف القضاء والقدر بغري ِعلم ،ويقدر اهلل ما يشاء ،وهو أحكم احلاكمني وأرحم الرامحني. وأركان اإليمن أوحاها اهلل لرسوله بالغيب ،أي بالوحي الذي ال يراه الناس ،وهو جربيل عليه السالم. وأركان اإليمن هي يف ذاهتا غيب مل يشاهدها الناس ومل يعرفوها إال بالوحي. فأركان اإليمن غيب وعرفناها بطريق الغيب ،فإيمننا إيمن بالغيب
1
تطوعوا به من النوافل. (ب) يؤ ُّدون الصالة بشوطها وأركاهنا مع املداومة عليها سواء كانت مفروضة أو ما َّ (ج) ينفقون مما رزقهم اهلل من احلالل يف سبيل اهلل سواء كان زكاة مفروضة أو غريها من النفقات الواجبة واملستح َّبة.
2
َ ه َ ُح ُ َ َ ٓ ُ َ َح َ َ َ ٓ ُ َ َ َ َ ُ نزل مِن ق حبل ِك َوبِٱٓأۡلخ َِرة ِ ه حم يُوق ُِنون ٤ نزل إَِلك وما أ ِ وٱَّلِين يؤمِنون بِما أ ِ
( )4ومن صفات هؤالء املؤمنني املتقني أهنم-: ً مشموال باالتباع لتشيعاته. (هـ) يصدقون بالقرآن الذي أنزله اهلل إليك يا حممد ﷺ تصدي ًقا يقين ًّيا تفصيل ًّيا
والر مسل من الغيب وقد رآهم الناس؟ نقول :غيب الرسل أن اهلل أرسلهم ،وغيب الكتب أن اهلل أنزهلم. .1فإذا قيل :كيف يكون اإليامن بال مكتمب ه تعظيام هلذه األعامل وحثَّا عليها. .2الصالة والزكاة جزء من اإليامن ،فعطفهام عىل اإليامن يف اآلية الكريمة هو من عطف اخلاص عىل العام ً
8
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
(و) يؤمنون بالكتب السابقة التي أنزهلا اهلل عىل األنبياء قبلك يا حممد ﷺ تصدي ًقا إمجال ًّيا دون التزام باتباعها.
1
والسنَّة. (ز) يؤمنون إيمنًا يقين ًّيا ال ريب فيه بم يقع بعد املوت ويوم القيامة مما أخرب به اهلل ورسوله ﷺ يف القرآن ُّ
ُ َ َ ُ ح ح َ ُ ْ َ َ َ َ َٰ ُ لَع هدى مِن هرب ِ ِه حمۖۡ َوأ ْولـئِك ه ُم ٱل ُمفل ُِحون ٥ أولـئِك
( )5أولئك املوصوفون هبذه الصفات السابقة مجيعها هم وحدهم الذين هداهم اهلل للثبات عىل اإليمن احلق. فال جيوز وصف غريهم ممن ال يؤمن باهلل ورسوله ﷺ باهلداية أو الصالح أو التد ُّين. وكذلك فهم الفائزون برضوان اهلل وبالنرص والغنيمة والثواب والنعيم ودخول اجلنة ورؤية اهلل عز وجل يف اآلخرة.
ه ه َ ََ ْ ٓ َ َ َ َ َ َ َ ُ ُ َ ح ِين كف ُروا َس َوا ٌء َعل حي ِه حم َءأنذ حرت ُه حم أ حم ل حم تنذ حِره حم َل يُؤم ُِنون ٦ إِن ٱَّل
( )6إن الذين كفروا بدعوتك يا حممد ﷺ فعارضوا وعاندوا يف قبول احلق، خوفتهم من عقاب اهلل أم مل ختوفهم. لن يستجيبوا لك ولن يؤمنوا أو يدخلوا يف دين اإلسالم يف كل األحوال سواء َّ فال حتزن عليهم ،فإنك قد ب َّلغت الرسالة وأديت األمانة كم أمرك اهلل عز وجل...
َ َ َخ َت َم ه ُ ِش َوة َ ۡۖٞول َ ُه حم َع َذ ٌ اب َع ِظ ٞ لَع قُلُوب ِه حم َو َ َ َٰ ٱَّلل َ َ َٰ لَع َس حمعِ ِه حمۖۡ َو َلَع أبح َص َٰ ِره حِم غ َ َٰ يم ٧ ِ
(... )7ذلك أن اهلل قد علِم سل ًفا أهنم سريفضون دعوة اإليمن وأهنم سيختارون الكفر، فكتبه عليهم ِ بعلمه هبم وعدلِه معهم ،فطبع عىل قلوهبم وأسمعهم،
فال يدخل قلوهبم إيمن ،وال خيرج منها كفر؛ وإن استمعوا إىل القرآن أو دعوة احلق ال هيتدوا. وكذلك ،فقد جعل اهلل عىل أبصارهم غطاء ،فإن رأوا آيات اهلل ال يؤمنوا. وسيجازهيم اهلل بعذاب كبري يف نار جهنم بسبب رفضهم قبول دعوة اإليمن وعدم دخوهلم يف دين اإلسالم. خريا هلداهم ووفقهم إىل دين اإلسالم. ولو علم اهلل فيهم ً خريا فتاب عليهم من الكفر وعفا عنهم ،فاستثناهم برمحته من الضالل والعذاب. ومع ذلك ،علم اهلل يف بعضهم ً
َ َُ ُ َ َه ه َ ح ٱَلَ حو ِم ٱٓأۡلخِر َو َما ُهم ب ُم حؤ ِمن َ ِني ٨ َوم َِن ٱنله ِ ِ اس من يقول ءامنا بِٱَّللِ وب ِ ِ
( )8وبعض الناس منافقون .يقولون :نحن مسلمون مؤمنون باهلل وبيوم القيامة؛ ي ِ ظهرون اإلسالم كذ ًبا وقلوهبم كافرة به.
2
ور مسله .بعضها نعرفه وبعضها ال نعرفه .أما الكتب التي مع اليهود والنصارى اآلن ،فهذه دخل عليها .1نؤمن أن اهلل أنزل كمتبًا سابقة عىل أنبيائه م التحريف والتزييف ،فليست هي التوراة أو اإلنجيل اللذين أنزهلام اهلل عىل موسى وعيسى عليهام السالم. ِ وُيفي الكفر .ذكر اإليامن باهلل .2النفاق إظهار اخلري أمام الناس مع إرسار الرش والكراهية والرضر يف النفس .و ميطلق هنا عىل من ميظهر اإلسالم كذ ًبا م وخص اإليامن باهلل واليوم اآلخر واليوم اآلخر من اإلجياز البالغي .فهم يزعمون اإليامن باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر والقضاء والقدر. َّ تعظيام وَتمييزً ا. بالذكر يف اآلية ً
9
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ْ َح ح َ هٓ َ ُ َ ُ َ َٰ ُ َ ون ه َ ٱَّلل َو هٱَّل َ ِين َء َام ُنوا َو َما َي َد ُعون إَِل أنف َس ُه حم َو َما يَش ُع ُرون ٩ يخدِع ( )9خيادعون اهلل بإظهار اإلسالم وإرسار الكفر وخيدعون الذين آمنوا بذلك. والواقع أهنم ال خيدعون بنفاقهم أال أنفسهم؛ ألن اهلل ال ينخدع فهو بكل يشء عليم، وألن اهلل فضحهم فكشفهم للمؤمنني يف القرآن ،وألنه يعاقبهم يف نار جهنم خالدين فيها. يرضهم ،بل ي َّ توَّهون أنه ينفعهم. ومع ذلك ،ال يشعرون أهنم خمدوعون أو أن نفاقهم ُّ
1
ُُ ه َ ُ ُ َ َ َ ٞه ُ َ َ َ َ ُ ح َ َ ٌ َ ُ ُۢ َ َ ُ ْ َ ح ُ َ ِِف قلوب ِ ِهم مرض فزادهم ٱَّلل مرضاۖۡ ولهم عذاب أ َِلم بِما َكنوا يكذِبون ١٠
( )10يف قلوهبم شك يف الدين وارتياب يف احلق الذي نزل من عند رب العاملني ،فهي قلوب مريضة بالكفر والنفاق. ً وكفرا ونفا ًقا ،فلم يوفقهم للهداية أو يعينهم عليها، وضالال فعاقبهم اهلل فزادهم شكًّا ً وز َّين هلم كفرهم ونفاقهم فرأوه حسنًا ،وتركهم يتمدون يف الضالل والفساد، ووعدهم عذا ًبا يؤملهم يف جهنم بسبب كذهبم عىل اهلل وعىل املؤمنني وتكذيبهم هلل ورسوله ﷺ. ً ضالال. وهذا من سنة اهلل تعاىل يف أن من اختار الضالل بعد معرفة احلق ،واستحب الكفر عىل اإليمن زاده اهلل
َ َ َُ ح َ ُح ُ ْ ح َ َ ُْٓ ه َ َح ُ ُ ح ُ َ ۡرض قالوا إِنما َنن مصل ِحون ١١ ِإَوذا قِيل لهم َل تفسِدوا ِِف ٱۡل ِ
( )11وإذا ن ِصح املنافقون باالنتهاء عن الكفر أو املعايص أو حماربة الدين أو االحتكام إىل غري رشيعة اهلل؛ ألن هذا يغضب اهلل ويفسد الدنيا واآلخرة .قالوا :ما فعلنا إال ما تنصلح به احلياة وما قصدنا إال اخلري واإلصالح. ومن يظهر اإلسالم ثم يرى أو يقول أن معصية اهلل ً عمال حسنًا مع علمه باحلكم بالدليل الشعي ،فهو من عالمات النفاق.
ََ ٓ ه ُ ح ُ ُ حُ ح ُ َ َ َ ه َح ُُ َ َٰ كن َل يشعرون ١٢ أَل إِنهم هم ٱلمفسِدون ول ِ
( )12الواقع أن املنافقني يف حكم اهلل هم املفسدون بسبب خمالفتهم رشيعة اهلل التي ال تنصلح احلياة إال هبا، ومع ذلك ،ال يشعرون أهنم مفسدون رغم علمهم باألحكام الشعية من حالل وحرام، بل قد يظن الواحد منهم أن الدين يفسد احلياة ،وأنه ال إصالح لألحوال إال برتكه والتخيل عنه.
ُيا ِدعمو َن إِالَّ َأن مف َس مهم﴾ .اخلداع إظهار شخص خالف باطنه بقصد اإلرضار .وكل عمل صالح ال ميبتغى به وجه اهلل أو فيه حتايل .1يف قراءةَ ﴿ :و َما َ ْ سمى خداعًا هلل؛ فهو عمل يف ذاته ميط َلق عليه خداع ،وال ينطيل خداع عىل اهلل .ومن أمثلة ذلك ما جاء عن ابن عباس موقو ًفا أنه عىل الدين جيوز أن مي َّ ِ ِ جاء مه ٌ رج ٌل؟ فقال َمن ُياد ِع اهللَ ُيد ْع مه» [إسناده ثابت-إعالم املوقعني البن القيم وبيان الدليل البن عمي ط َّلق امرأ َت مه ثال ًثا ،مأحي هلها له م رجل فقال« :إن ِّ تيمية] و«ُيادع» و«ُيدع» باملعنى نفسه.
10
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
َ َ َ ُ ح َ ُ ْ َ َ ٓ َ َ َ ه ُ َ ُ ٓ ْ َ ُ ح ُ َ َ ٓ َ َ َ ُّ َ َ ٓ ُ َ َ ٓ ه ُ ح ُ ُ ُّ َ ٓ ٱلسف َها ُء ِإَوذا قِيل لهم ءامِنوا كما ءامن ٱنلاس قالوا أنؤمِن كما ءامن ٱلسفهاء ُۗ أَل إِنهم هم ه َ َ َ كن َل َي حعل ُمون ١٣ َول َٰ ِ
( )13وإذا ن ِصح املنافقون أن ي َّتبعوا سبيل املؤمنني من صحابة رسول اهلل ﷺ وأن يقتدوا هبم فيلزموا اإليمن احلق، قالوا مستكربين مستنكرين :هل نقتدي بمثل هؤالء اجلهالء فنكون معهم سواء؟! والواقع أن املنافقني يف حكم اهلل هم اجلهالء ؛ ألهنم تركوا عبادة رب الناس التي ال تنصلح الدنيا واآلخرة إال هبا، وفضلوا نعيم الدنيا القليل عىل نعيم اآلخرة الكثري .فهل من جهل أكرب من ذلك؟! واختاروا عبادة الناسَّ ، ومع ذلك ،فهم ال يعلمون أهنم بكفرهم ونفاقهم هم اجلهالء، بل قد يظن الواحد منهم أنه من أهل العلم والثقافة ،وأنه أذكى وأعلم من أهل الصالح والتقوى من املؤمنني. وسب الصحابة واملؤمنني أو احتقارهم إليمهنم من عالمات النفاق. ُّ
واعتقاد من يظهر اإلسالم أن شيئًا مما عند الناس يف الفكر والعقيدة أفضل وأحكم وأعدل مما أنزل اهلل هو من عالمات النفاق.
َ َ ُ ْ ه َ َ َ ْ َ َ َ ُ ه َح ِين َء َام ُنوا ْ قَال ُ ٓوا ْ َء َ ِإَوذا لَ ُقوا ْ هٱَّل َ ام هنا ِإَوذا خل حوا إ ِ ََٰل ش َيَٰ ِطين ِ ِه حم قال ٓوا إِنا َم َعك حم إِن َما َن ُن ُم حس َت حه ِز ُءون ١٤ ( )14وإذا التقى املنافقون مع املؤمنني ،قالوا :نحن مؤمنون مسلمون نشهد أال إله إال اهلل وأن حممدً ا رسول اهلل. فهذا هو املعلن منهم أمام عموم الناس. وبالعكس ،إذا التقوا مع أصحاهبم وأمثاهلم يف الكفر، قالوا :نحن معكم يف الكفر باإلسالم ،والعداوة للمؤمنني ،ومنارصتكم عليهم. لكن قلنا أمام املسلمني أننا مسلمون مثلهم استهزاء هبم ،أي استخفا ًفا بعقوهلم؛ لكي ال ينكشف أمرنا عندهم .واالستهزاء باملؤمنني إليمهنم عالمة من عالمات النفاق .فال يستهزئ بأهل اإليمن إال من ال إيمن يف قلبه.
ح ُ َ ُ هُ ٱَّلل ي َ حس َت حه ِزئ ب ِ ِه حم َويَ ُم ُّده حم ِِف ُطغ َيَٰن ِ ِه حم َي حع َم ُهون ١٥ ( )15اهلل يستهزئ باملنافقني استهزاء جيازهيم به عىل استهزائهم باملؤمنني .جزاء ً عادال من جنس عملهم.
1
تبني هلم طريق احلق فيتبعوه. ويعاقبهم اهلل بعدم التوفيق للهداية ،فيرتكهم يف كفرهم يتمدون فيه حائرين ال ي َّ وهذا من سنة اهلل سبحانه وتعاىل يف إعانة من أراد اهلداية وجاهد للوصول إليها وحتقيقها، وإضالل من أعرض عن احلق وعاند دعوة اإليمن ،باإلمالء له يف ذلك فيتمدى فيه، أو بتزيني فساده له فرياه حسنًا فال يعود عنه .ويتوب اهلل عىل من تاب.
.1صفة االستهزاء ثابتة هلل تعاىل جزاء ملن استهزأ باملؤمنني .واالستهزاء يف اللغة السخرية .وللعلامء اجتهادات كثرية يف كيفية استهزاء اهلل هبؤالء لكن مل يثبت منه يشء حمدد عن السلف .فنؤمن هبذه الصفة كام جاءت يف القرآن دون تأويل هلا ،ونفوض كيفيتها ِ لعلم اهلل .وهذا مذهب السلف.
11
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
َُْ َ ه َ ح ََ ُْ ه ى َف َما َرب َ حت ت َِجَٰ َر ُت ُه حم َو َما ََكنُوا ْ ُم حه َتد َ ٱلض َلَٰلَ َة بِٱل ح ُه َد َٰ ِين ١٦ أولـئِك ٱَّلِين ٱشَتوا ِ فضلوا طريق الضاللة عىل طريق اهلداية ،واستح ُّبوا الكفر فاختاروه ،وكرهوا الدين فنبذوه، ( )16أولئك املنافقون قد َّ فعاقبهم اهلل بضياع ثواب أعمهلم فال جيازهيم هبا إال نار جهنم ،وعاقبهم باحلرمان من اهلداية ،فلم يوفقهم لإليمن. ويتوب اهلل عىل من تاب.
َُ َ َ ه ح َ ح َ َ َ َ َ ه ٓ َ َ ٓ َ ح َ َ ح َ ُ َ َ َ ه ُ ُ ح َ َ َ َ ُ ح ُ ُ َ َٰ ه ُ ح ُ َ ِصون ١٧ َمثل ُه حم ك َمث ِل ٱَّلِي ٱستوقد نارا فلما أضاءت ما حوَلۥ ذهب ٱَّلل بِنورِهِم وتركهم ِِف ظلمت َل يب ِ
( )17هؤالء املنافقون يف حاهلم مع اإليمن الذي تركوه والكفر الذي اختاروه نارا له وألصحابه. يشبهون ً شخصا أوقد ً
فلم أضاءت النار املكان حوهلم ،أزال اهلل نورها عنهم ،فبقوا يف الظالم ال ي ِ برصون شيئًا. َّ هذا مثل رضبه اهلل للمنافق يعلن اإلسالم للناس ،فيعرف احلق والدين ويتكلم به ،ثم ينقض ذلك بالكفر والنفاق ،فيعاقبه اهلل باحلرمان من اهلداية ،فال ينفعه إسالمه الظاهر شيئًا. فنعوذ باهلل من الكفر بعد اإليمن ومن الضالل بعد اهلدى .ويتوب اهلل عىل من تاب.
1
َ ُ ُّ ُۢ ُ ح ك ٌم ُع ح ُ َ ٞح َ َ ح ج ُعون ١٨ صم ب ۡم فهم َل ير ِ األصم ( )18هؤالء املنافقون يف غفلتهم عن احلق والدين يشبهون َّ الذي إن سمع دعوة احلق ال يستجيب كأنه مل يسمعها؛ خريا أو يسأل عن ِعلم ينفعه عند اهلل؛ واألخرس الذي ال ينطق بخري أو يطلب ً يمر عىل آيات اهلل فرياها كأن مل يرها ،فال يؤمن هبا وال بخالقها وال بدينه. واألعمى الذي ُّ فهؤالء املنافقون هبذه الغفلة كالبهائم ال خري فيهم ،فكيف ملغ َّفل أن يتوب ويعود إىل طريق اهلل ودين اإلسالم؟! فاهلل قد عاقبهم باحلرمان من اهلداية الستحقاقهم ذلك ،واختيارهم الكفر بعد أن عرفوا طريق اهلداية. ِ ً خريا فهداهم ،فأولئك ويستثنى من ذلك من أراد اهلداية ،ونفض عن نفسه غفلتها ،فتاب وآمن وعمل صاحلا ،وعلم اهلل فيهم ً يتوب اهلل عليهم ،ويغفر هلم ما قد سلف...
َ َ َ ح َح َ َ ه َٓ ُ ُ َ َٰ َ َ ٞح َ َ ٞح َ ٞح َ ُ َ َ َ َٰ َ ُ ح ٓ َ َ ه َ َ ح َ َ َٰ ت أو كصيِب مِن ٱلسماءِ فِيهِ ظلمت ورعد وبرق َيعلون أصبِعهم ِِف ءاذان ِ ِهم مِن ٱلصوع ِِق حذر ٱلمو ِ ِۚ ح َ َ هُ ُ ك َٰ ِفر َ ين ١٩ ٱل ب ِيُۢط ُم وٱَّلل ِ ِ
ناسا يقفون حتت مطر شديد يف ظلمت الليل، (... )19وهؤالء املنافقون يف حاهلم مع القرآن يشبهون ً .1هذا نظري قول اهلل تعاىلَ ﴿ :ذلِ َك بِ َأ َّهنم ْم آ َمنموا مث َّم َك َف مروا َف مطبِـ َع ع ََىل مق مل ِ ِ وهب ْم َف مه ْم ال َي ْف َق مه َ ون﴾ [املنافقون .]3:وكوهنم مجاعة أضاء هلم واحد يفيد أن النفاق فيه التابع واملتبوع ،والرئيس واملرؤوس.
12
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
ويرضب الرعد بصواعقه فوقهم ،وييضء الربق بومضاته حوهلم. فوضعوا أصابعهم يف آذاهنم خو ًفا من أن تصيبهم صاعقة فتقتلهم. سوءا .وال ينجي وضع األصابع يف األذن من رضبات الصواعق. وال ينجيهم حذرهم من قضاء اهلل إن أراد هبم ً
1
وهذا مثل رضبه اهلل للمنافق اجلبان الذي جيتنب سمع القرآن خشية املوت. ذلك أن اآليات قد تنزل فتفضح املنافق وتكشفه للمسلمني ،فكان املنافق خيشى أن يفضحه القرآن ،فيقتله املسلمون، أو قد تنزل آيات تدعو املسلمني للجهاد ،فكان املنافق خيشى أن خيرج مع املسلمني يف اجلهاد ،فيقتل يف املعركة. فاملنافق حمب للدنيا كاره للموت .وهذا حال من ال يؤمن باآلخرة. ورغم هذا احلذر منهم فاهلل حميط هبم بعلمه ،فال جيهل حاهلم ،وحميط هبم بقدرته، فال يعجزه أن يعاقبهم إن شاء يف الدنيا بالفضيحة واإلهالك أو يف اآلخرة بنار جهنم...
َ َ ُ ح َ ح ُ َ ح َ ُ َ ح َ َٰ َ ُ ح ُ ه َ ٓ َ َ ٓ َ َ ُ ه َ ح ْ َٓ َح َ َ َ َح ح َ ُ ْ َ َح َ َٓ هُ ََ َّل َهبَ يكاد ٱلَبق َيطف أبصرهمۖۡ ُكما أضاء لهم مشوا فِيهِ ِإَوذا أظلم علي ِهم قام ْۚوا ولو شاء ٱَّلل َ ح ح َ َ ح َ َٰ ح ه ه َ َ َ َٰ ُ َ ح َ ٞ ك َشء قدِير ٢٠ بِسمعِ ِهم وأبص ِره ِْۚم إِن ٱَّلل لَع ِ
( ... )20إذا نظر املنافقون إىل السمء ،انبهرت أبصارهم بضوء الربق الشديد ،فكادوا أن يفقدوا أبصارهم؛ فإذا نظروا حتتهم فأضاء هلم األرض ،ساروا يف أثر ضوئه؛ فإن ذهب الضوء وانطفأ ،توقفوا عن السري. هذا مثل رضبه اهلل للمنافق يظهر له احلق والربهان يف القرآن ِ واض ًحا فتقام عليه احل َّجة الشع َّية الدامغة عىل ِصدقه، لكن ،بد ًال من أن يؤمن به كله ،ويسلم هلل ولرسوله ﷺ بالطاعة إطال ًقا ،ويدخل يف السلم كا َّفة، فهو انتقائي متذبذب يف االتباع، فإن وافق القرآن هواه ومصاحله الدنيوية ،فحمه من رضر أو جلب له راحة أو ً جاها، ماال أو ً اتَّبعه ووافقه ،وقال :هذا دين عظيم مبارك، فإن خالف هواه ومصالح دنياه ،فطالبه بتضحية أو بذل جهد أو مال أو جاه ،أعرض عنه أو عارضه أو حتايل عليه، الش واألذى إال من هذا الدين. أو قال :ما جاءنا ُّ
ُ ه َ َ ُّ َ ه ُ ح ْ َ ُ َ ه ُ َ ُ َ َ ََ ُ ك حم َو هٱَّل َ ِين مِن ق حبل ِك حم ل َعلك حم ت هتقون ٢١ اس ٱع ُب ُدوا َر هبك ُم ٱَّلِي خلق يـأيها ٱنل
( )21يا أهيا الناس مجي ًعا اعبدوا اهلل فاختذوه ً إهلا وحده ال رشيك له وال مثيل وال نظري،
2
ِ ِ أخربنا ِ َّبي ﷺ ،فقالوا :يا أبا القاس ِم ِ هو؟ َ موك ٌَّل قال :م َل ٌك م َن املالئكة َ الرعد ما َ عن َّ .1يف احلديث الرشيف عن ابن عباس« :أقب َل ْت َهيو مد إىل الن ِّ اريق ِمن ٍ بالس ِ بالس ِ وت ا َّلذي نسم مع؟ َ حاب َح م م َهي إىل نار حاب م َع مه َخم م الص م يث شا َء اهللم .فقالوا :فام هذا َّ الس َ جر مه حتَّى ينت َ حاب إذا زَ َ قال زَ ْج مر مه َّ يسوق ِهبا َّ َّ ِ م م وصححه األلباين يف صحيح سنن الرتمذي ،والسلسلة الصحيحة]. قت» [رواه الرتمذي ،وقال حديث حسن غريب. َحيث أم َر .قالوا .صدَ َ َّ أيضا كانوا .2املراد بالناس هنا مجيع الناس منذ بداية بعثة رسول اهلل حممد ﷺ إىل يوم القيامة .و َذكَر «الذين من قبلكم» للتوكيد عىل أن السابقني ً خمصوصا بعرص رسول اهلل ﷺ أو ما بعده فقط. مأمورين بعبادة اهلل تعاىل ،فعبادة اهلل والدعوة إليها أمر ليس ً
13
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
فال تشكوا معه غريه يف عبادته؛ فادخلوا يف دينه اإلسالم مع الرباءة من كل ما سواه من ِملل الكفر؛ فأطيعوه فيم رشع لكم من الدين وال تطيعوا من خالفه. مذكورا، فهو الذي أوجدكم يف هذه احلياة ،ومل تكونوا من قبل شيئًا ً أيضا ،وأمرهم بعبادته كم أمركم بعبادته، كم أوجد الناس الذين عاشوا قبلكم ً وأماهتم ،فسريجعون إليه يوم القيامة ليحاسبهم وجيازهيم ،كم متوتون أنتم وترجعون إليه مثلهم. فإن عبدتم اهلل عبادة صحيحة كم رشع لكم ،سيكون ذلك سب ًبا تتَّقون به غضبه وعقابه يف الدنيا واآلخرة...
ه َ َ َ َ ُ ُ ح َ َ َ َٰ َ ه َ ٓ َ َ ٓ َ َ َ َ َ ه َ ٓ َ ٓ َ َ ح ح ه ُ ه َ َ كمۖۡح َ َ َ َٰ ت رِزقا ل ٱَّلِي جعل لكم ٱۡلۡرض ف ِرشا وٱلسماء بِناء وأنزل مِن ٱلسماءِ ماء فأخرج بِهِۦ مِن ٱثلمر ِ ََ َحَ ُ ْ ه َ َ ََ ُ ح َ ح َُ َ فَل َتعلوا َِّللِ أندادا وأنتم تعلمون ٢٢
(... )22فهو اهلل الذي خلق هذه األرض ،وسخَّ رها ملنفعتكم – أهيا الناس -بكل ما فيها من املادة واحليوان، قادرا أن خيلقها غري صاحلة حلياتكم. وجعلها منبسطة ممهدة صاحلة الستقراركم ومعيشتكم عليها ،وكان ً وهو اهلل الذي خلق هذه السمء ،وسخَّ رها ملنفعتكم بكل ما فيها من هواء وسحاب وشمس وقمر ونجوم، وبناها بنيانًا شديدً ا فال تقع عليكم وال يأتيكم منها ما يؤذيكم إال ما شاء اهلل، ويتنزل الوحي منها عىل أنبياء اهلل ورسله هلدايتكم. وهو اهلل الذي أنزل من السحاب املطر ،فارتوت به األرض الزراعية، فكان ذلك سب ًبا أخرج اهلل لكم به منها ثمرات تأكلوهنا وتنتفعون هبا. فإن كان األمر كذلك أهيا الناس ،فال يكون أحد عندكم ً مثيال هلل، فال تعبدوا معه غريه ،وأطيعوه وحده ،وال تطيعوا من خالفه، وال حت ُّبوا أحدً ا مثله ،وال تدعوا معه ِسواه ،وال تشبهوه بمخلوقاته، وال تساووا معه أحدً ا مطل ًقا ،وال تنسبوا أسمئه وصفاته وأفعاله التي ال تنبغي إال له ألحد من خلقه؛ فاجتنبوا هذا الشك باهلل ،وأنتم تعلمون أنه ال رشيك له وال مثيل وال نظري، وأنه مل خيلقكم وال يرزقكم غريه ،فهو اإلله الواحد والرب الواحد واخلالق الواحد والرازق الواحد.
ه َ ه ح َ َ َ َٰ َ ح َ َ ح ُ ْ ح ه ُ َ ح ُ ْ ُ َ ََٓ ُ نت حم ِف َر ح ِإَون ُك ُ ُ َ د ِن م م ك ء ا د ه ش وا ع ٱد و ِۦ ه ل ِث م ِن م ة ور س ب وا ت أ ف ا ِن د ب ع لَع ا نل ز ن ا ِم م ب ي ون ٱَّللِ ِ ِ ِ ِ إن ُك ُ نت حم َص َٰ ِدق َ ِني ٢٣ ِ
( )23وإن كان لديكم – أهيا الكفار – شك يف صدق هذا القرآن الذي أنزله اهلل عىل عبده ورسوله حممد ﷺ، أو كان لديكم شك يف أنه من عند اهلل ،فهاتوا من عندكم -إن استطعتم -سورة واحده متاثله أو تساويه أو ت ِ عادله يف بعض من جوانب اإلعجاز يف األسلوب والتأثري واألخبار والبالغة والفصاحة وغري ذلك،
14
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
واطلبوا املعونة ممن أردتم من اخللق أو من آهلتكم التي تعبدوهنا من دون اهلل ،إن استطاعوا أن يعينوكم، إن كنتم صادقني يف زعمكم أن القرآن كتبه إنس أو جان ،وأن اخللق يستطيعون أن يأتوا بمثله ،وأنتم كاذبون يف ذلك.
َ هح َح َُ ْ ََ َح َُ ْ َ هُ ْ ه َ ه َُ ُ َ ه ُ َ ح َ َُ ُ ه ح ح َ ك َٰ ِفر َ ين ٢٤ فإِن لم تفعلوا ولن تفعلوا فٱتقوا ٱنلار ٱل ِِت وقودها ٱنلاس وٱۡل ِجارة ۖۡ أعِدت ل ِل ِ
( )24فإن علمتم أنكم ال تقدرون عىل أن تأتوا بمثل هذا القرآن ،وال يقدر عىل ذلك خملوق أبدً ا، فاستجيبوا ألمر اهلل بعبادته وحده ال رشيك له، وادخلوا يف دين اإلسالم حتى تتقوا عقاب اهلل يف نار جهنم خالدين فيها، وخصصها لتعذيب الكافرين يف اآلخرة، وجهزها وإال فأنتم وأصنامكم املزعومة وقود هذه النار التي هيأها اهلل َّ َّ فهذا أمر ال يستهني به حريص عاقل ،وال يغفل عن خطورته إال شقي مغ َّفل.
َ َ ٱلص َٰـل َ ِين َء َام ُنوا ْ َو َعملُوا ْ ه َوب َ ِّش هٱَّل َ ت أ هن ل َ ُه حم َج هن َٰـت ََتحري مِن ََتحت ِ َها حٱۡلنح َه َٰ ُر ۖۡ ُُكه َما ُرز ُقوا ْ م حِن َها مِن َث َمرةَ َٰ ِح ِ ِ ِ ِ ِ َ ُ َ ُ ْ َ َ ه َ ُ ُ ْ ح ُ َ َ َٰ َ َ ُ ح َ ٓ ح َ َٰ َ ُّ ٞه َ ُ َ ٞح َ َ َٰ ُ َ ِلون ٢٥ رِ حزقا قالوا هَٰذا ٱَّلِي ُرزِق َنا مِن ق حبل ۖۡ َوأتوا بِهِۦ متشبِهاۖۡ ولهم فِيها أزوج مطهرة ۖۡ وهم فِيها خ ِ
( )25وبش يا حممد ﷺ املسلمني من أ َّمتك ً رسوال ،وآمنوا بالقرآن كتا ًبا، الذين آمنوا باهلل وحده ال رشيك له ،وآمنوا بك عم هنى عنه ،وأطاعوا رسول اهلل ﷺ؛ وأطاعوا اهلل فيم أمر به ،وانتهوا َّ بشهم أن اهلل سيجازهيم بذلك حدائق يف جنَّة اخللد يف اآلخرة، جتري من حتت قصورها وأشجارها أهنار ماء ولبن وعسل ومخر ،وهي أهنار تسيح عىل وجه األرض بال أخدود.
1
ِ يستغربوها ،ولو كانت جديدة عليهم. كلم رزق اهلل أهل اجلنة بيشء من ثمرها ،عرفوها ،ومل
2
فقالوا :هذا الذي رزقنا اهلل به ساب ًقا ،أي نعرفة ونألفه ،فال نفور منه وال وحشة وال عجب. وجاءهم ثمر اجلنة بغري تعب منهم متشا ًهبا يف احلسن واجلودة ،فك ُّله خيار ال عيب فيه. ويرزقهم اهلل يف اجلنة بزوجات طاهرات من كل ما يؤذي الرجل يف جسم املرأة. ويعيشون يف هذه اجلنة خالدين فيها دائـ ًم ،فال يموتون ،وال خيرجون منها. .1عن أنس عن رسول اهلل ﷺ« :لعلكم تظنون أن أهنار اجلنة أخدود يف األرض؟ ال واهلل ،إهنا لسائحة عىل وجه األرض ،إحدى حافتيها اللؤلؤ، م قلت :ما األذ َفر؟ قال :ا َّلذي ال خ ْل َط ل مه [أي اخلالص]»[ .صحيح الرتغيب لأللباين] .واألخدود هو واألخرى الياقوت ،وطينم مه املسك األَذ َفر .قال :م السكر. احلفرة الطولية التي جتري فيها األهنار .ومخر اآلخرة ُتتلف عن مخر الدنيا .فهي بيضاء لذيذة الطعم ال تسبب الصداع وال م .2ذهب بعض املفرسين أن قول اهلل تعاىل ﴿ :مك َّل َام مر ِز مقو ْا ِمنْ َها ِمن َث َم َر ٍة ِّرزْ ًقا َقا ملو ْا َه َذا ا َّل ِذي مر ِز ْقنَا ِمن َقبْ مل﴾ أن ثامر اجلنة تشبه ثامر الدنيا .وهذا غري قال اهللم :أعددت لعبادي الصاحلني ما ال عني رأت ،وال مأ مذن ِ صحيح .ففي احلديث الرشيفَ « : سمعت ،وال خطر عىل قلب برش» ،ثم قرأ [أبو هريرة]: ِ ﴿ َف َال َت ْع َل مم َن ْف ٌس َما مأ ْخ ِف َي َهلم ْم ِم ْن مق َّرة َأع م ٍ ْني﴾ [السجدة .]17 :وعن ابن عباس بسند صحيح« :ليس يف اجلنة يشء ميشبِه ما يف الدنيا إال األسامء» [تفسري القرآن العظيم ممسنَدً ا البن أيب حاتم الرازي-رقم .]260وذهب آخرون إىل أن الالحق من ثامر اجلنة ميشبه السابق .قلنا :فامذا عن الثمرة األوىل التي مل ِ اجلنَّ َة ع ََّر َف َها َهلم ْم﴾ [حممد .]6:واهلل تعاىل أعلم. يسبقها يشء؟ إذن ،فال سبيل هنا لتفسريها إال بقول اهلل تعاىلَ ﴿ :و ميدْ خ مل مه مم ْ َ
15
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ه هَ َ َح َ ح ٓ َ َ ح َ ََ ه َُ َ َ َ َحََ ََه ه َ َ َُ ْ ََح َُ َ ون َأنه ُه ح َ ُّ ۡضب مثَل ما بعوضة فما فوقها ْۚ فأما ٱَّلِين ءامنوا فيعلم ٱۡلق مِن هرب ِ ِه حمۖۡ إِن ٱَّلل َل يست ِ ۡحۦ أن ي ِ َ َ َ َ ه ه َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ٓ َ َ َ ه ُ َ َٰ َ َ َ ا ُ ُّ ضل بِهِۦ كثِۡيا َويَ حهدِي بِهِۦ كثِۡي ْۚا وأما ٱَّلِين كفروا فيقولون ماذا أراد ٱَّلل بِهذا مثَل ي ِ َ َ ُ ُّ ه حَ س ِق َ ني ٢٦ ضل بِهِۦٓ إَِل ٱلفَٰ ِ وما ي ِ ( )26أنزل اهلل األمثال يف القرآن. قصة ،ومنها ما هو موقف ،ومنها ما هو حالة معينة. واألمثال بعض أحوال املخلوقات ،فمنها ما هو َّ ذكرها اهلل لتقريب معنى اإليمن للقلوب ،أو ليعترب الناس ويتعظوا ،أو للتحدي وبيان قدرة اهلل عز وجل. رضب اهلل األمثال ،بعضها بأشياء عظيمة وبعضها بأشياء ضعيفة كالذباب والعنكبوت. فانتهز املشكون الفرصة ،فطعنوا يف الدين والقرآن. قالوا :ال يليق باهلل أن يرضب ً مثال بأشياء وضيعة كالذباب والعنكبوت. وشككوا يف أمثال القرآن ومعناها واهلدف منها ،فقالوا :ال معنى هلا وال هدف منها .ماذا أراد اهلل هبذا ً مثال؟! فأنزل اهلل اآلية. فرغم أن اهلل حيِـي ،فاحلياء صفة من صفات اهلل تعاىل،
1
إال إنه ال يمنعه حياؤه أن يذكر يف القرآن ً مثال بيشء قليل كالبعوضة أو ما هو أعظم منها أو أضعف؛ ألن هذه األمثال حق ،واحلكمة منها إظهار احلق وإعانة الناس عىل طريق اإليمن ،واهلل ال يستحيي من احلق.
2
فموقف املسلم واملؤمن باهلل ورسوله ﷺ من ذلك املثل هو التصديق به وأنه احلق من عند اهلل؛ ألنه يؤمن بالقرآن كله. وأما موقف الكافر فهو التكذيب به؛ ألنه يكذب بالقرآن كله ،مع اجلدال وتربير الكفر بقوله :ماذا أراد اهلل هبذا ً مثال؟ وقد أراد اهلل برضب األمثال يف القرآن أن يرصف هبا عن اإليمن الكفار املستكربين عن دعوة احلق ،وهم كثري، فيثبتوا عىل ضالهلم ،ويزدادوا منه؛ ألن موقفهم العناد مع آيات اهلل ،وعدم التف ُّكر فيها ،وحب الدنيا عىل اآلخرة. وأراد اهلل هبذه األمثال أن يثبت إيمن املؤمنني اخلاشعني له ،اخلاضعني ألمره ،وهم كثري، والتبرص يف آيات اهلل وحكمته ،وهم الذين حيبون اآلخرة. فيزيدهم إيمنًا وهداية؛ ألهنم أهل التف ُّكر ُّ فيميز اهلل هبذه األمثال الصالح من الفاسد ،والعامل من اجلاهل ،والعادل من الظامل ،واملؤمن من الكافر. وال يريد اهلل إضالل العباد ،وال حيب هلم إال اهلداية ،لكنهم اختاروا الكفر بعد ِعلم باحلق ،واستحبوا الباطل، وفضلوا متاع الدنيا القليل عىل اآلخرة ،ففسقوا باخلروج عن طاعة اهلل ،فأعطاهم اهلل من جنس ما اختاروا ،فلم يوفقهم َّ لإليمن.
ِ الرتمذي وصححه األلباين]. فرا خائبتني»[ .رواه .1يف احلديث الرشيف« :إ َّن اهللَ حيِ ٌّى ا كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن مير َّدمها ص ً ٌ .2احلياء صفة ثابتة هلل تعاىل عىل احلقيقة ،فنؤمن هبا ،وهلا كيفية تليق باهلل وال تمشبه أحوال خملوقاته ،وال نعلم الكيفية بل نفوض العلم فيها هلل .وهذا مذهب السلف.
16
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
حَ َ ُ َ َ ُح ُ َ ََح َ ُ َ َ ه َ ُ ُ َ َ ه ون َما ٓ أَ َم َر ه ُ ۡرض ِين يَنقضون ع حه َد ٱَّللِ ِم ُۢن َب حع ِد مِيثَٰ ِقهِۦ ويقطع ٱَّل ٱَّلل بِهِۦٓ أن يوصل َويفسِدون ِِف ٱۡل ِ ِۚ ُ ْ َ َ ُ ُ ح َ َٰ ُ َ ِسون ٢٧ أولـئِك هم ٱلخ ِ ( )27هؤالء الكافرون الذين صفاهتم-: ( )1عدم الوفاء بعهد اإليمن والطاعة بعد أن ألزمهم اهلل به .ويشمل ذلك كل عهد أخذه اهلل عىل عباده ومنه-: (أ) عهد اإليمن باهلل الذي أخذه عىل مجيع ذرية آدم وهم يف ظ ِ هر ِه قبل والدهتم. وهذا هو فطرة اإليمن التي فطر اهلل الناس عليها ،فغفل عن هذا العهد وتلك الفطرة كثري منهم.
1
فحرفوا كتبهم. (ب) العهود التي أخذها اهلل عىل أهل الكتاب يف كتبهم أن يؤمنوا برسول اهلل حممد ﷺ عندما يبعثَّ ،
2
(ج) العهد الذي أخذه اهلل عىل الناس يف القرآن أن يؤمنوا باهلل ورسوله ﷺ فيدخلوا يف دين اإلسالم، وأن يعبدوا اهلل وحده ال رشيك له ويلزموا رشيعته بالطاعة، ِ وهذا عهد ٍ واملصاحف. باق إىل أن يأذن اهلل برفع القرآن من الصدور
3
( )2عدم إيصال احلقوق إىل أصحاهبا ،ومنها حق اهلل يف اإليمن والعبادة والتوحيد والطاعة، وحق رسوله ﷺ يف التصديق واالتباع والنرصة ،وحق األقارب يف الرب هبم ِ وصلة األرحام، وحق املؤمنني يف اإلحسان والتكافل والرتاحم ،وحق كل الناس يف العدل وأداء األمانة وعدم الغش وغري ذلك كثري. فكل من ض َّيع ح ًّقا من احلقوق الالزم إيصاهلا للخالق أو للمخلوق فهو داخل يف من قطع ما أمر اهلل به أن يوصل. ( )3يفسدون يف األرض بارتكاب ما يغضب اهلل من الكفر والتعويق عن اإليمن وحماربة الدين ومواالة الكافرين ،واقرتاف الكبائر كالقتل والرسقة والزنا ورشب اخلمر والسحر والظلم والعقوق وغريها. أولئك هم اخلارسون ،فال ثواب هلم عند اهلل وال جزاء إال نار جهنم ،وقد ينزل اهلل هبم العقوبات يف الدنيا بذنوهبم.
َ َ ح َ َ ح ُ ُ َ ه َ ُ ُ ح َ ح َ َٰ َ َ ح َ َٰ ُ ح ُ ه ُ ُ ُ ُ ُ ح ُ ُ َ ُ يتك حم ث هم ُييِيك حم ث هم إَِلحهِ ت حر َج ُعون ٢٨ كيف تكفرون بِٱَّللِ وكنتم أموتا فأحيكمۖۡ ثم ي ِم
كيف يعقل – أهيا الكفار – أن تكفروا بعبادة اهلل ،فرتفضوا دعوة رسوله حممد ﷺ ،وال تدخلوا يف دين اإلسالم؛ كيف يعقل أن تفعلوا ذلك مع أن اهلل هو الذي أحياكم بعد أن كنتم قبلها أموا ًتا ال ِذكر لكم،
.1يقول اهلل تعاىلَ ﴿ :وإِ ْذ َأ َخ َذ َر هب َك ِمن َبنِي آ َد َم ِمن مظ مه ِ ور ِه ْم مذ ِّر َّيتَ مه ْم َو َأ ْش َهدَ مه ْم ع ََىل َأن مف ِس ِه ْم َأ َل ْس مت بِ َر ِّبك ْمم َقا ملو ْا َب َىل َش ِهدْ نَا َأن َت مقو ملو ْا َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة إِنَّا مكنَّا َع ْن َه َذا غَافِلِنيَ ﴾ [األعراف.]172: يل ي ْأمر مهم بِاملَعر ِ ِ ول النَّبِي األممي ا َّل ِذي َجيِدم و َن مه م ْكتمو ًبا ِعندَ مهم ِيف الت َّْور ِاة َوا ِ ِ اه ْم ع ِ الر مس َ َن املمنك َِر َو محيِ هل وف َو َين َْه م ْم إلنج ِ َ م م َ ْ َ َّ ِّ َّ .2يقول اهلل تعاىل﴿ :ا َّلذي َن َيتَّبِ معو َن َّ ِ ِ ات و محيرم َع َلي ِهم ْ ِ َهلم ال َّطيب ِ ِ ْص مه ْم َواألَغ َ هور ا َّل ِذ َي مأ ِنز َل َم َع مه ْالل ا َّلتِي كَان ْ َ َ ِّ م ْ م َ م م ِّ َ َرصو مه َوا َّتبَ معو ْا الن َ َت َع َليْ ِه ْم َفا َّلذي َن آ َمنمو ْا بِه َوعَزَّ مرو مه َون َ م اخلبَائ َث َو َي َض مع َعنْ مه ْم إ ْ َ ِ مأ ْو َلئِ َك مه مم املم ْفل محو َن﴾ [األعراف.]157: السنَّة أن اهلل تعاىل يرفع القرآن متى شاء يف آخر الزمان ،فال يبقى منه يشء يف الصدور وال يف املصاحف .فعن عبد اهلل بن مسعود قال: .3يف عقيدة أهل ه ِ ِ الدارم اي بسند صحيح. رت مك آية يف مصحف وال يف قلب أحد إال مرفعت» أخرجه رس َي َّن عىل القرآن ذات ليلة فال مي ْ َ « َليم ْ َ
17
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ثم يميتكم اهلل فيقبض أرواحكم عندما تنتهي أعمركم، ثم يبعثكم أحياء يوم القيامة ،فرتجعون إليه لي ِ حاسبكم وجيازيكم باجلنة أو النار عىل أعملكم يف الدنيا؟!
حَ َُ ه َ ََ َ ُ كم ه ٱلس َمآءِ فَ َس هوى َٰ ُه هن َس حب َع َس َم َٰ َ ۡرض ََجِيعا ُث هم ح ٱس َت َوى إ ََل ه َٰ ت و ِ ٱۡل ِف ا م ل ق ل خ ِي ٱَّل هو ِۚ ِ ِ ََُ ُ َش ٍء َعل ٞ كل َ ح ِيم ٢٩ وهو ب ِ ِ
( )29هو اهلل الذي خلق لكم -أهيا الناس -مجيع ما يف األرض من أشياء وسخَّ رها ملنفعتكم، ثم عال فوق السمء وارتفع عليها ،فبناه َّن سبع سموات ذوات ِخلقة سو َّية بال عيب أو خلل.
1
فكيف تكفرون به ،وهو الذي خلق لكم األرض والسموات ،ومل خيلقه َّن غريه؟! وهو بكل يشء عليم ،فال خيفى عليه يف كونه يشء ،فهو خالِقه. فهو عليم بكم وبأحوالكم وبأعملكم ،فالزموا طاعته واحذروا خمالفته ،واطلبوا ثوابه واحذروا عقابه.
حَ ح َ َ َ ح َ َ ٞ َ َ ۖۡ َ ُ ٓ ْ َ َ ح َ ُ َ َ ُ ح ُ َ َ َ ح ُ ك ٱل َِمآءَ ۡرض خل ِيفة قالوا أَتعل فِيها من يفسِد فِيها ويس ِف ِإَوذ قال َر ُّبك ل ِل َملـئِكةِ إ ِ ِّن َجاعِل ِِف ٱۡل ِ َ َح ُ َُ ُ َح َ َ َُ ُ َ َ َ َ ٓ َ ح َ ُ َ َ َ ح َُ َ وَنن نسبِح ِِبمدِك ونقدِس لك ۖۡ قال إ ِ ِّن أعلم ما َل تعلمون ٣٠
( )30وحني قال ر ُّبك يا حممد ﷺ للمالئكة إنه خالق يف األرض ساكِنًا هلا يعمرها ويتناسل فيها،
ً وجيال بعد جيل ،وهو آدم عليه السالم وذر َّيته. ناسا بعد ناس وخيلف بعضهم ً بعضا يف احلياة عليها ً
2
بعضا ظ ًلم وعدوانًا؛ وبعد أن أخربهم اهلل إن ذر َّية آدم سيكون فيهم من يفسد يف األرض بالكفر واملعايص ويقتل بعضهم ً سألوا اهلل – بعد أن ِ استفسارا عن حكمته سبحانه يف أن خيلق خل ًقا يعصيه ،ويسكنهم األرض، أذن هلم يف السؤال – ً بينم املالئكة يعبدونه وال ِ بعضا، يفسدون ،فقالوا :هل جتعل يف األرض من يفسد فيها بالكفر واملعايص ،ويقتل بعضهم ً ونحن نذكرك بالتنزيه لك عن صفات النقص والثناء عليك بصفات الكمل؟
3
4
وعلو القهر، وعلو الشأن ،أي العظمة واجلالل، علو الذات ،أي الفوقيَّة، السنَّة ا ا العلو فوق املخلوقات صفة ثابتة هلل تعاىل .وهي ا ا ( .1أ) يف عقيدة أهل م ِ ِ أي الغلبة والقدرة واملشيئة .ونعتقد أن اهلل فوق مجيع خملوقاته ،وأنه مم ٍ ستو عىل عرشه ،بائن من خلقة غري ٍّ حال فيهم ،ومع ذلك يقدر عليهم مجي ًعا َتام فسواها. فسو ماهن ،وليس َّ القدرة ويعلم أمورهم كلها َتام العلم .السامء اسم جنس ،فهو ممفرد ميراد به مجيع أنحاء أو أجزاء السامء .وهلذا قيل بعدهاَّ ، (ب) ذهب بعض املفرسين إىل تفسري االستواء بالقصد واإلرادة (انظر تفسري ابن كثري والعثيمني) ،فقالواَ :ق َصد أو ع ََمد إىل السامء .يقول البغوي يف ِ اس َو َأ ْكثَ مر مم َف ِّ ِ معامل التنزيلَ « :ق َال ا ْب من َعبَّ ٍ الس َام ِء» .وقد نقل ابن أيب حاتم الرازي بإسناده احلسن عن أيب العالية تفسريها الس َلفَ :أ ِي ْار َت َف َع إِ َىل َّ رسي َّ
باالرتفاع إىل السامء .وأبو العالية ،رفيع بن مهران الرياحي ،من كبار التابعني .وقد سمع من ابن عباس ريض اهلل عنهام.
.2املراد باخلليفة آدم وذريته .ألن آدم نفسه لن يفسد يف األرض ولن يسفك الدماء .وبالتايل ،فـ«خليفة» اسم جنس يراد به مجيع البرش .وهم الذين ف األَ ْر ِ ض﴾ [األنعام.]165: بعضا يف احلياة عىل األرض .يقول اهلل تعاىلَ ﴿ :و مه َو ا َّل ِذي َج َع َلك ْمم َخالئِ َ ُيلف بعضهم ً ِ ِ ِ يها َو َي ْسف مك الدِّ َماء﴾ هو من باب عطف اخلاص عىل العام .فسفك الدماء هو من مجلة .3عطف سفك الدماء عىل الفساد يف قول اهلل تعاىل ﴿ :مي ْفسدم ف َ تعظيام لقبح الذنب وشناعته وتنبيها عىل خطورته. خص سفك الدماء هنا الفساد ً أيضا .لكن َّ ً ِ ول اهللِ ﷺ مسئ َل َأ هي الك ََال ِم َأ ْف َض ملَ . أن َر مس َ .4تسبيح املالئكة هو قوهلم :سبحان اهلل وبحمده .ففي احلديث الرشيف عن أيب هريرة َّ اص َط َفى قال« :ما ْ اهللم ملَِ َالئِكَتِ ِهَ ،أو لِ ِعب ِ اد ِه :مسبْ َح َ ان اهللِ َوبِ َح ْم ِد ِه» [رواه مسلم] .والتسبيح والتقديس بمعنى تنزيه اهلل بالقول عام ال يليق به من الصفات .لكن التسيبيح ال ْ َ
18
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
قال اهلل جوا ًبا هلم :إين أعلم ما ال تعلمون؛ فلله يف ذلك حكمة ال يعلمها املالئكة. ظن املالئكة. فهؤالء الناس فيهم األنبياء والصاحلون ممن هم أفضل من املالئكة وأعلم ،وليسوا كلهم مفسدين كم َّ ظن املالئكة. وكذلك فبني املالئكة يوجد إبليس ،وهو فاسد القلب مستكرب عاص هلل تعاىل ،وليسوا كلهم صاحلني كم َّ وأيضا وجود الشوالفساد بني الناس يف حياهتم عىل األرض أمر اقتضته حكمة اهلل تعاىل ومشيئته؛ ً ألن اإليمن والعمل الصالح باالختيار وليس باإلكراه ؛ ليحاسبهم اهلل فيدخل الصالح اجلنة والفاسد النار، فوجود الش والفساد من لوازم هذا االختيار الذي أعطاه اهلل هلم ،وهذا االختيار هو أساس احلساب يف اآلخرة. وعىل املسلم أال يمتدح نفسه فيقول :أنا صالح عند اهلل ،أو اهلل يرىض عني ،أو أنا أصلح من غريي من املسلمني، وإنم جيتهد يف عبادة اهلل ويسأله اهلداية يف حياته والثبات عىل اإليمن والعمل الصالح حتى املمت.
َ َ ه َ َ َ َ ح َح َ َٓ ُهَ ُ ه َ َ َ ُ ح ََ حَ َ َ ۢنبوِن بأَ حس َمآءِ َهـ ُؤ ََلٓ ِء إن ُك ُ نت حم َص َٰ ِدق َ كةِ َف َق َال أَ ُ ِني ٣١ ِ ِ ِ ِ وعلم ءادم ٱۡلسماء ُكها ثم عرضهم لَع ٱلملـئ ِ
األول ،عىل املالئكة، (َّ )31 فضل اهلل آدم ،أبو البش ،واإلنسان َّ فع َّلمه األسمء ك َّلها سواء أسمء األشياء يف األرض والسمء ،وأسمء األمم كالناس واجلن واملالئكة. ثم عرض اهلل ما ع َّلمه آلدم عىل املالئكة ،وأمرهم أن خيربوه بأسمئها ،إن كانوا صادقني يف ظنهم أهنم أفضل وأعلم من آدم.
َ ُ ْ ُ ح َ َ َ َ ح َ ََٓ ه َ َ هحََٓ ه َ َ َ حَ ُ ح ُ َ قالوا سبحَٰنك َل عِلم نلا إَِل ما علمتنا ۖۡ إِنك أنت ٱلعل ِيم ٱۡلكِيم ٣٢
( )32عجز املالئكة عن معرفة أسمء األشياء، فقالوا :سبحانك ،أي ننزهك يا رب أن نحيط بيشء من علمك إال بم شئت؛ ال ِعلم لنا إال ما ع َّلمتنا ،أي ليس من بني ما تع َّلمناه منك هذه األشياء. إنك أنت العليم ،فلك بكل يشء ِعلم ،بم فيها هذه األسمء؛ واحلكيم ،فلك يف كل تقدير ِحكمة ،بم فيها حكمتك يف أال تعلمنا أسمء هذه األشياء.
حَ َ َ َ َ َ ُ َ حُ َ ح َ ٓ ح ََه ٓ َ ََ ُ َ ح َ ٓ ح َ َ ََح َُ ه ُ ب ه َ ّن أَ حعلَ ُم َغ حي َ ك حم إ ِ ِ ٓ ۡرض ت َوٱۡل ِ قال يــادم أۢنبِئهم بِأسمائ ِ ِهمۖۡ فلما أۢنبأهم بِأسمائ ِ ِهم قال ألم أقل ل ٱلسم َٰ َو َٰ ِ َ ََ ح َ ُ َ ُح ُ َ َ َ ُ ُ َ ح نت حم تك ُت ُمون ٣٣ وأعلم ما تبدون وما ك
( )33أمر اهلل آدم أن خيرب املالئكة بأسمء هذه األشياء واألشخاص الذين ع َّلمهم له ،ومل يعرفهم املالئكة ،فأخربهم آدم بأسمئهم، ينبغي إال هلل وحده ،فهو تنزيه اهلل عن صفات اخللق وأحواهلم .أما التقديس فقد ميطلق عىل املخلوق ،وبالتايل فهو تنزيه اهلل عن صفات َّ الذ ام .والتسبيح ِ كر مهم باحلمد هو تنزيه اهلل عن صفات اخللق بالثناء عليه بصفات الكامل .ومنه قول :سبحان اهلل وبحمده .ونمقدِّ س لك ،أي نقدسك وحدك .وذ م وخص التسبيح التسبيح والتقديس هنا من باب اإلجياز ،فهم يذ مك مرون جز ًءا من عبادُتم ،ويريدون بذلك معنى الصالح الكامل وعدم اإلفساد التام. َّ ِ ِ ْرب﴾ [العنكبوت.]45: والتقديس دون غريه من عباداُتم وطاعتهم هنا تعظيام لذكر اهلل .يقول اهلل تعاىلَ ﴿ :و َلذك مْر اهللِ َأك َ م ً
19
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
قال اهلل للمالئكة :أمل أقل لكم أين أعلم غيب السموات واألرض...؟ أي أن هذا املوقف هو تفسري وتوضيح وبيان ملا قاله اهلل هلم سابقا :إين أعلم ما ال تعلمون. فآدم عليه السالم أعلم من املالئكة وأفضل ،ويف ذريته من هو مثله ،وعلِم اهلل ذلك ،ومل تعل ْمه املالئكة، حتى أراهم اهلل جتربة عملية بأعينهم .وقال تعاىل هلم ... :وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون؟ أي أن هذا املوقف فيه إجابة شافية عىل ما سألتم عنه رصاحة وما ظننتموه يف نفوسكم دون ترصيح به. وما سألوا عنه رصاحة هو قوهلم :أجتعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ وما ظنُّوه يف نفوسهم مفهوم من فحوى سؤاهلم ،وهو أهنم أفضل من آدم وأعلم منه ،وبالتايل ،فهم أحق منه بعمرة األرض. وهكذا عرف املالئكة أهنم ليسوا أفضل وال أعلم من آدم ،وأنه أصلح منهم للحياة عىل األرض وتعمريها.
1
ح ُ ح َ ح َ َ َ ح ُ ُ ْ َ َ َ َ َ ُ ٓ ْ ه ٓ ح َ َ َ َٰ َ ح َ ح َ َ َ َ َ َ ح َ ك َٰ ِفر َ ين ٣٤ ِإَوذ قلنا ل ِلملـئِكةِ ٱسجدوا ٓأِلدم فسجدوا إَِل إِبل ِيس أَب وٱستكَب وَكن مِن ٱل ِ
( )34وحني أمر اهلل املالئكة بالسجود آلدم سجود حتية وتكريم ملا خلق اهلل بيديه الشيفتني، سجدوا له مجي ًعا ً مأمورا بالسجود آلدم مع املالئكة. تنفيذا ألمر اهلل ،إال إبليس ،وكان من اجلن ،وكان ً استكبارا عليه ،وظنًّا منه أنه أفضل منه ؛ ألنه خملوق من نار وآدم خملوق من طني، امتنع إبليس عن السجود آلدم ً وتوهم إبليس أنه ال ينبغي أن يأمره اهلل بالسجود ملن هو أقل منه يف ِ اخللقة ،فر َّد األمر عىل اهلل، َّ فكان إبليس هبذا املوقف من الكافرين املكذبني بأمر اهلل ،املطرودين من رمحته ،املستحقني لعذابه.
2
َ ُ ح َ َ َ َ ُ ح ُ ح َ َ َ َ ح ُ َ حَ َ ُ َ َ ُ ح َ َح ه َ ٱلش َ ج َر َة ٱۡل هنة َولُك م حِن َها َرغ ًدا َح حيث شِئ ُت َما َوَل تق َربَا هَٰ ِذه ِ وقلنا يــادم ٱسكن أنت وزوجك ََ ُ َ َ ه ٱلظ َٰـلِم َ ني ٣٥ فتكونا مِن ِ
حواء أن يسكنا جنة اخللد التي يف السمء، ( )35وأمر اهلل آدم وزوجته َّ
1
.1السؤال يف قول اهلل تعاىل﴿ :أمل أقل لكم إين أعلم غيب الساموات واألرض وأعلم ما تمبدون وما كنتم تكتمون﴾ ليس معناه أن املالئكة لدهيم شك يف علم اهلل ،أو أهنم حيتاجون إلثبات ذلك ،كام قد يظن بعض الناسِ . فعلم اهلل بكل يشء معلوم للمالئكة بدليل قوهلم قبلها﴿ :إنك أنت العليم وبني احلكيم﴾ .ولكن صيغة هذا السؤال من اهلل تعاىل لتوكيد املمستفاد من املوقف واملوعظة املأخوذة منه .فمعنى السؤال أن اهلل قد أجاب عىل سؤاهلم َّ هلم احلكمة من ذلك .وقد ذهب بعض املفرسين أنه سؤال توبيخ للمالئكة وهذا خطأ ،فالتوبيخ معناه صدور اخلطأ من املالئكة ،بينام هم معصومون. يقول اهلل تعاىل﴿ :ال َي ْسبِ مقو َن مه بِا ْل َق ْو ِل َو مهم بِ َأ ْم ِر ِه َي ْع َم ملو َن﴾ [األنبياء.]27:
.2كفر إبليس هو نوع من الكفر ميسميه علامء العقيدة كفر اإلباء واالستكبار .ومعناه أن يعتقد الكافر أن اهلل قد أمر بيشء غري صحيح ،أو أنه ال جيب عىل اهلل أن يأمر بذلك ،أو أن أمر اهلل ال جيب عىل الشخص وال يلزمه القيام به أو تنفيذه ً أصال .والعياذ باهلل .كل ذلك من الكفر والتكذيب بأمر اهلل. يقر معها باألمر اإلهلي وأنه مم ِ لزم جلميع الناس .فمعصية إبليس كفر ؛ ألنه استكرب عىل أمر اهلل ور َّد األمر عىل اهلل، وهذا ُيتلف عن معصية املسلم التي ا أيضا حتريم ما َّ حرم اهلل واعتقاد كفرا .ومن هذا الكفر ً أحل اهلل أو استحالل ما َّ أما معصية املسلم ،فهي ضعف نفس مع إقرار بالذنب .وهذا ليس ً أيضا والعياذ باهلل. ذلك .فهذا كفر يلحق هبذا النوع ً
20
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
حرم اهلل عليهم األكل منها، وأباح هلم األكل منها كم شاءا وأينم شاءا دون تقييد إال شجرة واحدةَّ ، أرضا هبا بتعريضها للعقاب اإلهلي. فإن أكال منها فقد وقعا يف معصية اهلل ،فظلم أنفسهم بمخالفة أمر اهلل ،ف َّ
2
ََ ه َ ٞ ه َ َ َح ََ ح ُح ح ْ ُ ُ فأ َزل ُه َما ٱلش حي َطَٰ ُن عن َها فأخ َر َج ُه َما م هِما َكنا فِيهِِۖ َوقل َنا ٱهب ِ ُطوا َب حعضك حم ِلِ َ حع ٍض ع ُدو ۖۡ حَ ُ ح ََ َ ٌ َََ ٞ َ ُ َٰ َٰ ۡرض مستقر ومتع إَِل حِني ٣٦ َولك حم ِِف ٱۡل ِ
حرمة ،فأكال منها، ( )36فوسوس هلم الشيطان باألكل من الشجرة امل َّ فكان الشيطان سب ًبا يف أن أبعدَّها اهلل عن اجلنة عقا ًبا هلم عىل ذلك. وبالتايل ،إخراجهم وحرماهنم من حياة النعيم التي كانا يعيشان فيها. فأمر اهلل هببوط آدم وحواء وإبليس من اجلنة يف السمء إىل األرض، وحكم بالعداوة بني آدم وذريته وإبليس وذريته إىل يوم القيامة. ومنذ ذلك احلني ،أصبحت األرض مكانًا يعيش عليه اإلنسان، ويرتزق منه إىل حني حضور أجلِه وانتهاء حياته عليها باملوت.
3
َََه َ َ اد ُم مِن هربهِۦ َُك َِمَٰت َف َت َ اب َعلَ حيهِ إنه ُهۥ ُه َو ٱتله هو ُ ٱلرح ُ اب ه ِيم ٣٧ فتلَّق ء ِۚ ِ ِ
( )37علِم اهلل من آدم الندم واالنكسار عىل ما اقرتف من املعصية ،فأنعم عليه ،وع َّلمه كيف يتوب من الذنب. فأوحى إليه بكلمت يقوهلا إعالنًا للندم وعدم العزم عىل التكرار ،وطل ًبا للعفو واملغفرة من اهلل. لنكونن من اخلارسين. وحواء :ربنا ظلمنا أنفسنا ،وإن مل تغفر لنا وترمحنا، َّ فقال آدم َّ وحواء ،فغفر هلم ما كان منهم. فقبِل اهلل توبته هو َّ فهو التواب ،الذي ييرس لعباده أسباب التوبة ،ثم يقبلها منهم ،فيجعلها سب ًبا ملغفرة ذنوهبم والعفو عنهم. وهو الرحيم بعباده التائبني ،فيصلح شأهنم وال يعاقبهم عىل ما كان منهم من الذنوب قبل توبتهم.
َ َ َ َ ُ َ َ ََ َ حٌ َ َح ح ََ ُ ح َحَُ َ ُ ُ ح َ ح ُ ْ ح َ َ اۖۡ َ ه َ ح َ ه ُ قلنا ٱهبِطوا مِنها َجِيع فإِما يأت ِينكم م ِِّن هدى فمن تبِع هداي فَل خوف علي ِهم وَل هم ُيزنون ٣٨
( )38حكم اهلل عىل آدم وحواء وإبليس باهلبوط من اجلنة إىل األرض،
.1ذهب بعض املفرسين أهنا جنة عىل األرض ،وليست جنة اخلملد التي يف السامء .وهذا خطأ .والثابت باحلديث الصحيح أهنا جنة اخلملد التي يف السامء .ففي احلديث الرشيف عن رسول اهلل ﷺ« :جيمع اهلل تبارك وتعاىل الناس ،فيقوم املؤمنون حتى تمزلف هلم اجلنة ،فيأتون آدم ،فيقولون:يا أبانا، استفتِح لنا اجلنة ،فيقول :وهل أخرجكم من اجلنة إال خطيئة أبيكم آدم[ »...وللحديث بقية ،ورواه مسلم عن أيب هريرة]. وعرضها للرضر بالعقاب .2خلق اهلل اإلنسان ليطيعه وليعبده ،فإن عصا اهلل فقد وضع نفسه يف غري موضعها ،واستعملها يف غري ما مخلقت لهَّ ، سمى القرآن ال معصاة الظاملني ،أي الظاملني ألنفسهم. اإلهلي .وهذا هو مظلم النفس .وقد َّ .3يف قراءة﴿ :فأزاهلام الشيطان عنها﴾.
21
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ثم َّبني هلم – ولذر َّيتهم من بعدهم – أنه سريسل إليهم دينًا وتشي ًعا واجب االتباع، وفيه بيان للحق من الباطل ومتييز للصواب من اخلطأ. فمن أطاع اهلل فيم أمر ،وانتهى عم هنى عنه ،فقد ريض اهلل عنه، ووعده بزوال كل كرب عنه بعد موته ،وحسن عاقبته يف احلياة اآلخرة، فال خيشى عليه يف اآلخرة رضر عذاب من اهلل ؛ ألن اهلل ينجيه منه ويدخله اجلنة، وال حيزن عىل ما فاته من نعيم الدنيا ؛ ألن يف نعيم اجلنة عوض أعظم من ذلك. والسنَّة. وال هدى اآلن إال دين اإلسالم ورسالة حممد ﷺ .وال طاعة واجبة إال ما أمر اهلل ورسوله ﷺ به يف القرآن ُّ
َ ه َ َ َ ُ ْ َ َ ه ُ ْ َ َٰ َ ٓ ُ ْ َ َ َ ح َ َٰ ُ ه ُ ح َ َ َٰ ُ َ ِلون ٣٩ وٱَّلِين كفروا وكذبوا َِٔبيتِنا أولـئِك أصحب ٱنلارِِۖ هم فِيها خ ِ
يتمرد عىل دينه ،وال يدخل فيه ،وال يكون عابدً ا هلل كم أمر اهلل، ( )39أما هذا الذي يكفر باهلل ،ف َّ وأما هذا الذي ينكر صدق آيات اهلل التي أرسلها مع أنبيائه ورسله ،فيكذب هبا، فال يطيع اهلل ،وال يمتثل هلداه ،ويستكرب عىل أمره ،ويستحب احلياة الدنيا عىل اآلخرة؛ فهذا يغضب اهلل عليه ،ويعذبه يوم القيامة ،في ِ دخله نار جهنم خالدً ا فيها ،بال موت أو خروج ،والعياذ باهلل. وال كفر اآلن إال الكفر بدين اإلسالم ،وال تكذيب اآلن إال التكذيب بآيات القرآن وبسنَّة رسول اهلل ﷺ.
َ ح ُ ْ ح َ ه َح َ ح ُ َ َح ُ ح ََح ُ ْ َ ح ٓ ُ َ ح ُ ح ه َٰ َ َ ح َ ُ ّن إ ِ ح َ ِت ٱل ِ ٓ ۡس ءِيل ٱذك ُروا ن ِعم ِ َ َي َٰ َب ِ ٓ ون ٤٠ ِت أنعمت عليكم وأوفوا بِعهدِي أ ِ وف بِعهدِكم ِإَويـي فٱرهب ِ
( )40يا أهيا اليهود من أحفاد النبي يعقوب عليه السالم:
1
اذكروا اهلل بم أعطاكم أنتم وأسالفكم من النعم الكثرية العظيمة يف الدين والدنيا ،فاشكروه وأطيعوه عىل ذلك. وأوفوا بم ألزمكم اهلل به من العهد يف التوراة أن تؤمنوا بمحمد ﷺ ورسالته وعندكم صفاته مكتوبة يف التوراة. فإن و َّفيتم العهد مع اهلل ودخلتم يف دين اإلسالم وأطعتم اهلل ورسوله ﷺ، يوف اهلل إليكم ما عاهدكم عليه يف التوراة بأن يغفر لكم ويدخلكم اجلنة. وخافوا من اهلل -إن مل تشكروا نعمته وتوفوا بعهده فتؤمنوا بمحمد ﷺ ودين اإلسالم – أن يعذبكم يف الدنيا واآلخرة...
2
.1اخلطاب ليهود املدينة يف عرص الرسول ﷺ .وبني إرسائيل هم أبناء يعقوب عليه السالم اإلثنا عرش ،ومنهم يوسف عليه السالم وبنيامني ،والذين أيضا .فبني إرسائيل جنس واليهودية ِم َّلة. هم رؤساء أسباط أو شعوب بني إرسائيل .أما اليهود فهم أتباع موسى عليه السالم ،وهو من بني إرسائيل ً فكل هيودي من جنس بني إرسائيل وليس كل أبناء إرسائيل هيود .واملراد ببني إرسائيل يف اآلية الكريمة اليهود الذين عاشوا مع الرسول ﷺ واملسلمني يف بداية اهلجرة إىل املدينة املنورة .وخماطبة اهلل تعاىل هلم يف بداية دعوُتم لإلسالم بـ يا بني إرسائيل تلطف يف الدعوة بالقول اللني وتذكري هلم أهنم من نسل األنبياء لتأليف قلوهبم لدعوة اإلسالم .فال تمبدأ معهم الدعوة بقول غليظ .واهلل أعلم. .2من حكمة اهلل يف احلديث عن بني إرسائيل معرفة حقيقتهم وعداوُتم للمسلمني ،وكذلك أن جيتنب املسلمون األقوال واألفعال التي أغضبت اهلل عىل اليهود ،فال تتكرر منهم .ومع ذلك فقد جاء يف احلديث الرشيف أن املسلمون سيخرج منهم من يكرر هذه املصائب .فقد روي عن الرسول ﷺ:
22
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
ََ ُ ْ ََٓ َح َ َ َ ُ ح َ َ َ ُ ُ ْٓ َه َ َ َ َ َ ح َ ُ ْ َ َٰ َ َ َ ه َٰ َ َ ه ُ َ ُ ُ ون ٤١ وءامِنوا بِما أنزلت مصدِقا ل ِما معكم وَل تكونوا أول َكف ِر ِۢ بِهِۖۡۦ وَل تشَتوا َِٔبي ِِت ثمنا قل ِيَل ِإَويـي فٱتق ِ
(ِ ... )41 وآمنوا بالقرآن الذي أنزل اهلل عىل رسوله حممد ﷺ،
وهو الكتاب املوافق ملا عندكم يف التوراة من بيان صفة رسول اهلل حممد ﷺ واألمر اإلهلي باإليمن به واتباعه. وال تكونوا أول هيود يكفرون بالقرآن ،وعندكم من ِ العلم بالتوراة وبصفة الرسول حممد ﷺ ما ليس عند غريكم من الناس 1
تتحملوا أوزار اليهود الذين سيكفروا بعدكم ويقتدون بكم يف ذلك. ومن املشكني الوثنيني عابدي األصنام ،وحتى ال َّ
2
وال تبيعوا دين اهلل وكتابه واإليمن به بالقليل من متاع الدنيا. وهو قليل -ولو كثر -باملقارنة بمتاع اآلخرة .وهو قليل باملقارنة بجريمة الكفر بدين اهلل. واتقوا اهلل أن يعاقبكم يف الدنيا واآلخرة إن مل تستجيبوا لدعوة رسول اهلل حممد ﷺ وتدخلوا يف دين اإلسالم...
ح َ َ ح ُ ُ ْ حَ ه َ َ ُ ح َ ح َ ُ َ َو ََل تَلحب ِ ُسوا ْ ح َ ٱۡل هق بِٱل َبَٰ ِط ِل وتكتموا ٱۡلق وأنتم تعلمون ٤٢
(... )42وال ختلِطوا احلق الذي نزل من عند اهلل يف التوراة بالكذب الذي افرتيتموه بأنفسكم ،فت ِ ظهروا الباطل يف صورة احلق. حرفوا التوراة ،فكتبوها بأيدهيم ثم قالوا إهنا من عند اهلل .فخلطوا بني احلق من اهلل وباطلهم. وذلك أهنم َّ وال تكتموا احلق وتتك َّتموا عليه ،وهو ما عندكم يف التوراة من صفة رسول اهلل حممد ﷺ، فأعلِنوها ،وال ختفوها عن الناس؛ وأنتم تعلمون أنه حق ،وأن إعالنه واجب، وأن إخفاءه جريمة منكرة يف حق اهلل وحق عباده.
3
ِيموا ْ ه ٱلر َٰكِعِ َ ٱلز َك َٰو َة َو ح ٱلصلَ َٰو َة َو َءاتُوا ْ ه َوأَق ُ ٱر َك ُعوا ْ َم َع ه ني ٤٣
(... )43وادخلوا يف دين اإلسالم ،فالزموا رشيعته ،ويأمركم اهلل فيه بالصالة والزكاة كم أمركم ساب ًقا يف التوراة، َّعل بالن ِ ذو الن ِ يصنع ذلِ َكَّ . وإن َبني إرسائيل َّعل ،حتَّى إن كا َن ِمنهم من أتى مأ َّم مه عالنيَ ًة َلكا َن يف أ َّمتي من م «ليأتنيَّ عىل مأ َّمتي ما أتى عىل بني إرسائيل َح َ قال :ما َأنا ع َل ِ ِ ٍ تفرقت عىل ثِ ِ ثالث وسبعنيَ م َّل ًة ،ك هلهم يف الن ِ رسول اهللِ؟ َ َ م يه هي يا وتفرتق أ َّمتي عىل نتني وسبعنيَ م َّل ًة، َّار َّإال م َّل ًة واحد ًة ،قالوا َ :من َ َّ األلباين]. وحسنه الرتمذي و َأصحايب» [رواه ا َّ ا .1كانت صفة رسول اهلل حممد ﷺ مكتوبة يف منسخة التوراة واإلنجيل يف عرص الرسول ﷺ عند نزول هذه السورة .وقد مح ِّرفت هذه الكتب بعدها، مستمرا حتى اآلن .م لو هذه الكتب حاليًا من صفة رسول اهلل ﷺ دليل عىل حتريفها .وهذا متوقع أال يرتك هؤالء يف كتبهم - وما زال التحريف فيها وخ ا ً بعد نزول هذه اآليات -أي أثر من قريب أو بعيد يشري لرسول اهلل حممد ﷺ. ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ وهنم بِغ ْ ِ َري ِع ْل ٍم َأالَ َساء َما َي ِز مرو َن﴾ [النحل .]25:ويف قوله تعاىل ﴿وال .2يقول اهلل تعاىل﴿ :ليَ ْحم ملو ْا َأ ْوزَ َار مه ْم كَام َل ًة َي ْو َم ا ْلقيَا َمة َوم ْن َأ ْوزَ ار ا َّلذي َن ميض هل َ م
موجه لليهود يف عرص الرسول حممد ﷺ. تكونوا َّأول كافر به﴾ دليل عىل أن الكالم َّ ول اهللِ َوا َّل ِذي َن َم َع مه َأ ِشدَّ اء ع ََىل ا ْل مك َّفارِ .3قام اليهود بإخفاء صفات رسول اهلل ﷺ املذكورة يف التوراة .ومما يدل عىل ذلك قول اهلل تعاىل ﴿ :هحم ََّمدٌ َّر مس م ِ وه ِهم من َأ َث ِر السج ِ ر َمحَاء بينَهم تَر ماهم ر َّكعا سجدً ا يبتَغمو َن َف ْضال من اهللِ و ِر ْضوانًا ِسيام مهم ِيف وج ِ ود َذلِ َك َمثَ مل مه ْم ِيف الت َّْو َراة[ ﴾...الفتح .]29:فهل ه م ِّ ْ َ ْ م م َ َ ِّ َ َ ْ م ْ َ ْ م ً م َّ َ ْ م يوجد أي أثر هلذا املثل فيام عند اليهود من الكتب اآلن؟ ال يوجد .وهل يوجد كالم عن رسول اهلل حممد ﷺ فيام عند اليهود من الكتب اآلن .ال يوجد.
وهذا دليل عىل أهنم أخفوا ذلك من التوراة منذ بعثة الرسول ﷺ وإيقاهنم أنه هو النبي املذكور عندهم يف التوراة.
23
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
فأقيموا الصالة املفروضة يف رشيعة اإلسالم ،وداوموا عليها بشوطها وأركاهنا الشعية، وأعطوا الزكاة املفروضة ملستحقيها يف رشيعة اإلسالم ،وأقيموا صالتكم هلل مع مجاعة املسلمني من أمة حممد ﷺ...
1
َ َ ح ُ ُ َ ه َ ح َ َ َ ح َ َ ُ َ ُ ح َ َ ُ ح َ ح ُ َ ح َ َٰ َ َ َ َ َ ُ َ ب أفَل ت حع ِقلون ٤٤ َب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون ٱلكِت ْۚ أتأمرون ٱنلاس بِٱل ِ ِ
(... )44هل يعقل أو يقبل عند أهل الفطرة السليمة والطباع املستقيمة أن تأمروا الناس باإليمن وبمكارم األخالق، وأال تأمروا أنفسكم بذلك ،فيكون لكم نصيب منه ومن العمل به؛ رغم أنكم تقرأون التوراة التي فيها األمر باإليمن برسول اهلل حممد ﷺ وبالتزام األخالق الكريمة؟! أفال تعقلون أن األمر باملعروف مع عدم فِعله ،والنهي عن املنكر مع فِعله ،حالة تقام هبا عليكم احل َّجة الشعية، فال يكون لكم عند اهلل عذر يوم القيامة ،وال جيازيكم بذلك إال نار جهنم يف اآلخرة؟! ال ينهاهم اهلل أو يلومهم عىل األمر باملعروف ،فهذا عمل طيب ،لكن يلومهم عىل أهنم ال يفعلون ما يأمرون به الناس...
َ ح َ ُ ْ ه ح َ ه َ َٰ ه َ َ َ َ ٌ ه َ َ ح َ خَٰشِ عِ َ ني ٤٥ َب وٱلصلوة ِِۚ ِإَونها لكبِۡية إَِل لَع ٱل وٱستعِينوا بِٱلص ِ (... )45واستعينوا عىل القيام بم يريض اهلل ،وعىل اجتناب ما يغضبه ،وعىل طلب اجلنة ،والنجاة من النار، بالصرب ،وهو احتمل املكاره ومحل النفس عىل مشقة العبادات واجتناب املعايص، وبالصالة ،وهي أساس الصلة بني العبد وبني اهلل ،وفيها الراحة والسلوان لنفس املؤمن. وإن االلتزام بالصالة واملداومة عليها أمر ثقيل عىل اإلنسان بطبيعة احلال ،ألن النفس تستثقل االلزام وبذل اجلهد، َّ إال عىل املؤمنني اخلاشعني هلل ولطاعته ،ييرس اهلل عليهم أمر الصالة ومش َّقتها ،وهيون اهلل عليهم اجلهد يف سبيل رضوانه واجلنة، طوعوا أنفسهم ألمره ،وأخضعوا أنفسهم لشعه ،فجعلوا هواهم تاب ًعا ملا يرضيه... وهؤالء هم اخلاضعون هلل الذين َّ
ه َ َ ُ ُّ َ َ ه ُ ُّ َ َٰ ُ ْ َ ح َ َ ه ُ ح َ ح َ َٰ ُ َ جعون ٤٦ ٱَّلِين يظنون أنهم ملقوا رب ِ ِهم وأنهم إَِلهِ ر ِ
(... )46وهؤالء اخلاشعون هلل هم الذين يومنون يقينًا أهنم سيلقون اهلل يوم القيامة ،فيسأهلم وحياسبهم عىل أعمهلم، مرة ليجازهيم باجلنة أو النار. ويؤمنون أهنم مهم طالت هبم احلياة راجعون إىل اهلل يوم القيامة كم خلقهم َّأول َّ وبالتايل ،فهم يستعدُّ ون باألعمل الصاحلة للقاء اهلل والسؤال واحلساب طم ًعا يف الفوز باجلنة والنجاة من النار يف هذا اليوم العظيم.
2
.1يف هذه اآلية دعوة ضمنيَّة هلم بدخول اإلسالم ؛ إذ ال تمقبل هذه األعامل إال من مسلم .وفيها األمر بصالة اجلامعة. .2عطف الرجوع إىل اهلل عىل لقاء اهلل هو من عطف العام عىل اخلاص مع تقديم اخلاص .فالرجوع إىل اهلل يكون يوم القيامة .ولقاء اهلل جزء من وتعظيام للقاء اهلل تعاىل. وخص لقاء اهلل بالذكر وقدَّ مه عىل الرجوع َتييزً ا أحداث يوم القيامة. َّ ً
24
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
ح َ َ ح ُ ُ ْ ح َ ه َح َ ح ُ َ َح ُ ح ََ َ ه حُ ُ ح ََ لَع ٱلح َعَٰلَم َ ِت ٱل ِ ٓ ّن إِۡس ءِيل ٱذكروا ن ِعم ِ َ َي َٰ َب ِ ٓ ني ٤٧ ِت أنعمت عليكم وأ ِّن فضلتكم ِ ( )47يا أهيا اليهود من أحفاد النبي يعقوب عليه السالم-: اذكروا اهلل بم أعطاكم أنتم وأسالفكم من النعم الكثرية العظيمة التي سيأيت ذكرها يف اآليات التالية، فضل اهلل أسالفكم يف زمان موسى عليه السالم هبذه النعم عىل مجيع الناس يف عرصه، واذكروا كيف َّ فضلكم اهلل عىل أكثر الناس بمجاورة رسول اهلل ﷺ يف املدينة املنورة، واذكروا كيف َّ فضلكم اهلل عىل العرب املشكني بالتوراة املكتوب فيها صفة رسول اهلل ﷺ، واذكروا كيف َّ فضلكم عىل كثري من الناس باألموال واحلصون واألمن والرخاء. واذكروا كيف أنعم اهلل عليكم و َّ فاشكروه عىل هذه النعمة ،باإليمن برسالة حممد ﷺ ،وطاعة اهلل فيم أمر به يف القرآن الكريم...
هُ ْ هح َح َ ح َ َ ُ ح َ ُ ح َ َ َ َٰ َ ُ َ َ ٞح َ ُ ح َ َ ح ُ َ َ ٞح ُ َ ُ َ ه َح نِصون ٤٨ َوٱتقوا يَ حوما َل َت ِزي نف ٌس َعن نفس شيا وَل يقبل مِنها شفعة وَل يؤخذ مِنها عدل وَل هم ي (... )48واتقوا عذاب اهلل يوم القيامة باإليمن برسالة حممد ﷺ والدخول يف دين اإلسالم. يتحمله عنكم أحد غريكم ،فلن يعاقب واحد ً بدال منكم عىل كفركم ،ولكن كل كافر يعاقب بذنبه، ذلك العذاب لن َّ تغرتوا بمن يزينون لكم الكفر ويعينونكم عليه ،فلن يغنوا عنكم من عذاب اهلل شيئًا يوم القيامة. فال ُّ ذلك العذاب لن ينجيكم منه اعتذار منكم أو من غريكم ،فلن يشفع لكم يف ذنب الكفر شافع وال يقبل اهلل شفاعتهم، تغرتوا برؤسائكم يف الكفر الذين يزينون لكم الباطل وي ِعدونكم ويمنُّونكم باألوهام. فال ُّ 1
ذلك العذاب ال خيرجكم منه فدية مال أو ذهب تفتدوا هبا أنفسكم ،وال يقبلها اهلل منكم، تغرتوا بأموالكم ،فلن تنجيكم من عذاب اهلل يوم القيامة مهم كثرت. فال ُّ وال ينجيكم من عذاب اهلل سبب يوم القيامة ،وال ينرصكم منه نارص كم كنتم تنرصون بعضكم ضد املسلمني يف الدنيا. وال يعينكم عىل اخلروج منه أي يشء أو شخص ،إن كفرتم بدين اإلسالم ومتُّم عىل الكفر .فاستمعوا للنصيحة وآمنوا.
ح َح َ َُ ُ َ ُ ح ُ َٓ حَ َ َُ ُ َ َحََٓ ُ ح ََح َ ح ُ َ َ َٓ ُ ح َ ه ح َ َٰ ُ كمح كم م حِن َ ذ ع ٱل ء و س م ك ون وم س ي ن و ع ِر ف ل ا ء ِإَوذ َنين اب يذ ِِبون أبناءكم ويستحيون ن ِساء ْۚ ِ ِ ه ُ ك حم َع ِظ ٞ َ َ ُ ََٓٞ يم ٤٩ و ِِف ذَٰل ِكم بَلء مِن رب ِ
نجى اهلل أسالفكم من بطش فرعون وقومه ( )49واذكروا – يا بني إرسائيل – حني َّ الذين أذاقوهم أسوأ العذاب ،فكانوا يقتلون ذكورهم ويرتكون النساء عىل قيد احلياة.
1
.1ال يقبل اهلل شفاعة يف كافر يوم القيامة .و ميستثنى من ذلك فقط شفاعة الرسول ﷺ لعمه أيب طالب ،فخفف اهلل عنه هبا العذاب يف نار جهنم .ففي ب َ ٍ هل َن َف ْع َت أ َبا َطالِ ٍ ب َل َكَ « . احلديث الرشيف عن العباس بن عبد املطلب قال :يا رسول اهللْ ، قالَ :ن َع ْم ،هو يف حيو مط َك و َيغ َْض م بيشء؟ فإنَّه كا َن َ م َّار» .ويف رواية مسلمَ « :لع َّله َتنْ َفعه َشفاعَتي يوم ِ ِ ضاح ِمن ٍ األس َف ِل ِم َن الن ِ َض ْح َضاحٍ ِمن ن ٍ القيا َم ِة ،فيم ْج َع مل يف َض ْح ٍ نار َيبْ مل مغ َ م مم َ َ َارَ ،ل ْو َال أنا َلكا َن يف الدَّ ْرك ْ حضاح هو اليشء السطحي أو غري العميق. والض َ َك ْعبَيْ ِهَ ،يغ ِْيل منه ِدما مغ مه»[ .رواه البخاري ومسلم]َّ .
25
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
واختبارا لصربهم وإيمهنم، عظيم من اهلل ألسالفكم، وهذا العذاب كان ً ً ابتالءا ً واختبارا لشكرهم وإحساهنم، وهذه النجاة كانت كذلك نعمة عظيمة هلم، ً أيضا واختبار مثلهم لشكركم وطاعتكم هلل... وهي نعمة لكم ً
ح َ ح ُ ُ ح َ ح َ َ َ َ ح َ َٰ ُ ح َ َ ح َ ح َ ٓ َ َ ح َ ح َ َ َ ُ ح َ ُ ُ َ ِإَوذ ف َرق َنا بِكم ٱِلحر فأَنينكم وأغرقنا ءال ف ِرعون وأنتم تنظرون ٥٠
(... )50واذكروا -أهيا اليهود -حني هرب أسالفكم من مالحقة فرعون وجنوده بمرص يف اجتاه البحر، يابسا عربوا منه ساملني إىل الشاطئ اآلخر، فقسمه اهلل هلمَّ ، فشق هلم يف البحر طري ًقا ً حتى إذا عربه فرعون وجنوده خلفهم ليلحق هبم ويؤذهيم ،انطبق عليهم البحر فغرق هو وجنوده. وقد رأى أسالفكم هذه املعجزة بأعينهم ،وأنتم تعلموهنا يقينًا ،فال جمال إلنكارها. فاشكروا اهلل عىل نعمته وفضله .وأساس شكر النعمة هو اإليمن باهلل ورسوله ﷺ ،وطاعتهم بالدخول يف دين اإلسالم. وتذكري اهلل لليهود يف عهد رسول اهلل بنعمة النجاة من فرعون التي كانت يف أسالفهم قبل قرون طويلة من الزمان ؛ ألن هذه نعمة لكل اليهود يف كل العصور ،فلو كان فرعون قد أدرك السابقني من اليهود يف ذلك الوقت ،ومل يغرق، لكان قد قتلهم مجي ًعا عىل الراجح ،وملا بقى هيودي واحد عىل ظهر األرض بعد ذلك أبدً ا وحتى يومنا هذا، أثرا بعد عني كأقوام هود وصالح ولوط وأمثاهلم من اهلالكني. ولكانوا قد أصبحوا يف الدنيا ً وكذلك فهي نعمة عظيمة ألن اهلل نجاهم من فرعون وقومه بدون حرب وال رصاع، بل جاءت النجاة ِمنَّة من اهلل تعاىل عليهم دون جهد منهم ً أصال، ِ عدوك املجرم من عنده دون أن تفعل له شيئًا؟ فأي نعمة يف الدنيا أعظم من ذلك :أن هيلك اهلل َّ ُّ
ح َ َٰ َ ح َ ُ َ َ ح َ َ َ َ ُ ه َ ح ُ ح َ َ ََ ُ َ نت حم ظَٰل ُِمون ٥١ ني َلحلة ث هم ٱَّتذت ُم ٱل ِع حجل ِم ُۢن َب حع ِده ِۦ وأ ِإَوذ وعدنا موَس أرب ِع
( )51واذكروا – أهيا اليهود -حني أعطى اهلل موسى ِ موعدً ا عند جبل الطور؛
لينزل عليه ألواح التوراة يف أربعني ليلة ،فيكون كتاب اهلل هداية لكم وبيان ملا فيه صالح دينكم ودنياكم. صنم عىل شكل ِعجل. فلم ترككم موسى وذهب إىل ميقات اهلل ،انتهزتم غيابه ،فعبدتم من دون اهلل ً َّ تحمل إثمه غريكم ،فأنتم وحدكم الظاملون ألنفسكم بذلك، وهذا الكفر ال يالم عليه وال ي َّ فلم يقرص نب ُّيـكم معكم من قبل يف بيان سبيل احلق من الباطل واإليمن من الكفر،
2
لكن ً بدال من شكر نعمة اهلل بأن أنجاهم من فرعون بأن يلزموا توحيد اهلل وطاعته ،قابل بنو إرسائيل نعمة اهلل بالكفر... أيضا. . 1ترك النساء عىل قيد احلياة بدون رجال مصيبة قد تعرضهن لكافة أشكال الرضر واخلطر واإلذالل ،فهذا من البالء ً ِ ِ ِ رسائ َيل ا ْلبَ ْح َر . 2يقول اهلل تعاىل يف كيف أن موسى قد بني لقومه حكم عبادة األصنام بعد نجاُتم من فرعون وغرقه ،يقول اهلل تعاىلَ ﴿ :و َج َ اوزْ نَا بِبَني إ ْ َ ِ آهل ٌة َق َال إِ َّنكمم َقوم َ ْجته ملو َن .إِ َّن َهؤم الء متَرب ما مهم فِ ِ ِ يه َو َباط ٌل َّما كَانمو ْا َي ْع َم ملو َن. ْ ْ ٌ َ وسى ْ م َّ ٌ َّ ْ َف َأت َْوا ع ََىل َق ْو ٍم َي ْع مك مفو َن ع ََىل َأ ْصنَا ٍم َّهلم ْم َقا ملو ْا َيا مم َ اج َعل َّلنَا إِ َهلًا َك َام َهلم ْم َ ِ َري اهللِ َأ ْب ِغيك ْمم إِ َهلًا َو مه َو َف َّض َلك ْمم ع ََىل ا ْل َعاملَِنيَ ﴾ [األعراف .]140-138:ومعنى مم َّترب :هالك. َق َال َأغ ْ َ
26
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
َ َ َ ه ُ َح ُ َ ُ ََ َ ُ ث هم عف حونا َعنكم ِم ُۢن َب حع ِد ذَٰل ِك ل َعلك حم تشك ُرون ٥٢
قادرا أن يعجل لكم بعقوبة، (... )52ثم تاب اهلل عليكم من هذا الذنب ،وقبِل منكم التوبة ،فغفره لكم ،وكان ً فيهلككم هبذا الذنب كم أهلك أمم ًـا سابقة بكفرهم. فهذا العفو منه نعمة عظيمة تستوجب شكركم هلل عز وجل عليها باالمتثال لطاعته وترك املعايص.
وذكَّرهم اهلل بكفر أسالفهم ؛ ألهنم سائرون عىل طريق العناد نفسه بكفرهم برسالة حممد ﷺ.
َ ح َ َ ح َ ُ َ ح َ َٰ َ ح ُ َ َ َ ه ُ َ ب َوٱلف حرقان ل َعلك حم ت حه َت ُدون ٥٣ ِإَوذ ءاتينا موَس ٱلكِت ( )53واذكروا – أهيا اليهود -حني أنزل اهلل التوراة عىل موسى، شاف ٍ وفيها بيان فاصل ٍ واف َّفرق اهلل لكم به بني احلق والباطل. عرفكم اهلل به يف الكتاب. وكان هذا سب ًبـا يستوجب هدايتكم للحق ،بعد أن َّ فال اهتدى أسالفكم بالتوراة ،فأطاعوا اهلل ،وال اهتديتم بم فيها من صفة رسول اهلل ﷺ ،فآمنتم برسالته، وال آمنتم بالقرآن الكريم ،فدخلتم يف دين اإلسالم.
1
ْ َ ُ ح َ ح ُ ُ ْٓ َ ُ ح َ َ ح َ َ ُ َ َٰ َ َ َٰ َ ح ِ ه ُ ح َ َ ح ُ ح َ ُ َ ُ كم ب ِ ِ ٱَّتاذِك ُم ٱلعِ حجل ف ُتوبُ ٓوا إ ِ ََٰل بَارِئِكم فٱقتلوا وَس ل ِق حو ِمهِۦ يقوم إِنكم ظلمتم أنفس ِإَوذ قال م ُ ح ََ َ َ َح ُ َ ُ َ ُ ح َ َٰ ُ ح َ ح ٞه ُ ك حم ع َ ِند بَ ك حم إنه ُهۥ ُه َو ٱتله هو ُ ٱلرح ُ اب ه ِيم ٥٤ ي ل ع اب ت ف م ك ئ ار أنفسكم ذل ِكم خۡي ل ْۚ ِ ِِ
( )54واذكروا – أهيا اليهود – حني قال موسى عليه السالم ألسالفكم ممن عبدوا صنم ِ العجل من دون اهلل : يا قوم إنكم قد أخطأتم يف حق أنفسكم ،فظلمتموها بمعصية اهلل ،وآذيتموها بتعريضها لغضب اهلل وعقابه، بعضا ،فهذا ك َّفارة لذنبكم العظيم. فإن أردتم التوبة من هذا الذنب ،فليقتل بعضكم ً هذه الكفارة الشديدة أفضل لكم عند اهلل ،فيتوب عليكم ويغفر لكم هذا الذنب يف الدنيا، ً بدال من أن متوتوا ،فتلقوا اهلل عىل هذا الذنب الشنيع ،فيعذبكم يف نار جهنم خالدين فيها أبدً ا. فبهذه الكفارة يقبل اهلل منكم التوبة ويعفو عنكم ،فهو التواب الذي يعني عباده عىل التوبة ويقبلها منهم، وهو الرحيم الذي يغفر هلم بتوبتهم ما قد سلف فال يعاقبهم به.
وعىل املؤمن االبتعاد عن الذنوب وعدم االتكال عىل مغفرة اهلل للتمدي فيها ،فقد تكون هلا عواقب مؤملة وإن غفرها اهلل، كم غفر اهلل لبني إرسائيل لكن بعد هذه الكفارة األليمة ،وكم غفر آلدم لكن بعد أن خرج من نعيم اجلنة إىل شقاء األرض.
2
.1الكتاب هنا هو التوراة .والفرقان صفة له بمعنى أن فيه من األحكام ما فرق اهلل هبا بني احلق والباطل .وعطف الفرقان عىل الكتاب هو يف اللغة تفسريي ،أي يكون املعطوف صفة للمعطوف عليه ،وليس شيئًا خمتل ًفا عنه. عطف ا ِ إْصا كام محله عىل الذين من قبلنا من األمم. .2احلمد هلل الذي جعل التوبة يف أمة حممد ﷺ بكلمة يقوهلا املسلم .ومل حيمل علينا ً
27
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ه َ َ ح َ َ َ َ َ ح ُ ُ ه َٰ َ ُ َ َ ُ َ ُ َ ح ُ ح ُ ح َ َٰ ُ َ َٰ َ ُّ ح َ َ َ َ ه َٰ َ نت حم تنظ ُرون ٥٥ ِت ن َرى ٱَّلل جهرة فأخذتكم ٱلصـعِقة وأ ِإَوذ قلتم يموَس لن نؤمِن لك ح ( )55واذكروا -أهيا اليهود -حني قالت طائفة من أسالفكم ملوسى عليه السالم-: لن نصدقك فيم ب َّلغتنا به عن اهلل إال أن تدعو اهلل أن يرينا ذاته عيانًا بيانًا بغري حجاب.
1
فاشرتطوا عىل رب العاملني رش ًطا لإليمن بالدين ،فقالوا :إما أن نرى اهلل فنؤمن ،أو ال نراه فنكفر ،والعياذ باهلل. فاشرتطوا عىل اهلل ،فتجاوزوا احلدود ،واقرتفوا كبرية عظيمة. وطلبوا ما ال ينبغي لبش ،فرؤية اهلل يف الدنيا ممنوعة. وكفروا باهلل وآياته عندما مل يتحقق ما أرادوا. فعاقبهم اهلل بصاعقة رضبتهم ،فأرجفتهم ،فقتلتهم مجي ًعا. وكانوا ينظرون إىل هذه العقوبة تصيبهم بال حول هلم وال قوة أو حيلة يستطيعون هبا ر َّد عقاب اهلل عن أنفسهم فهؤالء أرادوا أن يروا اهلل ،فأراهم صاعقة العذاب...
2
ُ ُ َ ه ُ َح ُ َ ح ُ ث هم َب َعث َنَٰكم ِم ُۢن َب حع ِد َم حوت ِك حم ل َعلك حم تشك ُرون ٥٦ (... )56ثم أعاد اهلل من ماتوا إىل احلياة مرة أخرى بعد أن قتلتهم الصاعقة، فهذه نعمة تستوجب شكر اهلل عليها باإليمن والطاعة. فاعتربوا أهيا اليهود ،وال تتجاوزوا يف حق اهلل ورسوله ﷺِ ، وآمنوا فال يعاقبكم كم عاقب أسالفكم. وقد ذكَّرهم اهلل هبذا الذنب والعقاب رغم أنه كان يف أسالفهم؛ ألهنم ساروا يف الطريق نفسه ،فسألوا رسول اهلل حممدً ا ﷺ أن ينزل عليهم كتا ًبا من السمء مجلة واحدة كم نزلت التوراة يف ألواح عىل موسى ،وجعلوا ذلك رش ًطا لإليمن.
3
َ َ ه ح َ َ َ ح ُ ُ ح َ َ َ َ َ َ ح َ َ َ ح ُ ُ ح َ ه َ ه ح َ َٰ ُ ُ ْ َ َ َٰ َ َ َ ح َ َٰ ُ كمح وظللنا عليكم ٱلغمام وأنزنلا عليكم ٱلمن وٱلسلوىۖۡ ُكوا مِن طيِب ِ ت ما رزقن ْۚ َ َ َ َ ح َ ُ َْ ُ َ كن َكن ٓوا أنف َس ُه حم َيظل ُِمون ٥٧ َو َما ظل ُمونا َول َٰ ِ
( )57بعد أن نجى اهلل بني إرسائيل من فرعون ،فعربوا منطقة البحر األمحر إىل صحراء سيناء، أنعم اهلل عليهم فأرسل فوقهم السحاب يظللهم من حرارة الشمس،
.1هذا مثال عىل كمفرهم بآيات اهلل واجرتائهم عىل مقام رب العزَّ ة سبحانه .نعوذ باهلل منهم ومن أعامهلم. .2ال جيوز لإلنسان أن يرى اهلل يف الدنيا فهذا غري ممكن ومل يقع حتى لألنبياء .وال جيوز لإلنسان أن يضع رشو ًطا لإليامن باهلل ،وكفى ما وعد اهلل به عباده املؤمنني من دخول اجلنة ورؤيته بغري حجاب يوم القيامة .وعندما طلب موسى من اهلل أن يراه قال له تعاىلَ ﴿ :لن ت ََر ِاين﴾ [األعراف.]143: أن حمم ََّمدً ا ﷺ َر َأى َر َّب مه ،ف َقدْ ك ََذ َب ،وهو م وعن عائشة ريض اهلل عنهاَ « :من َحدَّ َث َك َّ يقولَ ﴿ :ال تمدْ ِر مك مه األ ْب َص مار﴾ [األنعام[ ]103 :رواه البخاري]. َاب َأن متنَزِّ َل َع َلي ِهم كِتَابا من السامء َف َقدْ س َأ ملو ْا موسى َأكْرب ِمن َذلِ َك َف َقا ملو ْا َأ ِرنَا اهللَ جهر ًة َف َأ َخ َذ ُْتم الص ِ .3يقول اهلل تعاىلَ ﴿ :ي ْس َأ مل َك َأ ْه مل ا ْلكِت ِ اع َق مة م م َّ َ َْ ََ م َ َ ْ ْ ً ِّ َ َّ َ بِ مظ ْل ِم ِه ْم[ ﴾...النساء.]153:
28
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
طعاما ً اختصهم به ،فكان يأتيهم يف مكاهنم بال تعب منهم، مجيال، وأنزل عليهم َّ ً املن ،وهو يشبه العسل ،وينزل عىل األشجار ،فيجمعونه ويأكلونه؛ والسلوى ،وهو طائر الس َّمن لذيذ الطعم. وهو ُّ
1
ورغم أن اهلل قد رزقهم هبذا الطعام اجلميل ،وأباح هلم األكل منه ،وأمرهم بعدم اإلفساد يف األرض باملعايص، فقد عصوا اهلل ،فلم يتقوه ،رغم ما أنعم عليهم ،فأكلوا النعمة ،وعصوا املنعم ،ومل يؤ ُّدوا حقه فيها، وكم أنعم اهلل عىل سلف اليهود من عظيم النعمة ،أنعم عىل اخللف من اليهود يف عرص الرسول حممد ﷺ، فرزقهم األموال واملساكن واحلصون ،فكفروا بنعمة اهلل مثل السابقني. أيضا. وهلذا ذكَّرهم اهلل بم أنعم عىل أسالفهم ،ألن النعمة من اهلل عليهم مستمرة ،والكفر بالنعمة مستمر ً َّ وكذلك فهذه النعمة التي أنعمها اهلل عىل السابقني من اليهود هي نعمة لليهود يف كل العصور، فلو كان هؤالء السابقني قد هلكوا يف الصحراء من احلر الشديد أو اجلوع ،ملا بقي هيودي واحد منهم حتى يومنا هذا. ومع ذلك ،ورغم ما أنعم اهلل عليهم مجي ًعا من النعمة العظيمة، ترضه ذنوب الناس، ورغم أهنم مل يؤدوا حق اهلل يف شكرها ،فاهلل ال تؤذيه املعايص وال ُّ وما آذى هؤالء بذنوهبم وخمالفتهم أمر اهلل إال أنفسهم بتعريضها لغضب اهلل وعقابه. ِ فاعتربوا -أهيا اليهود -فإن رضر كفركم برسالة حممد ﷺ ومعصية اهلل ،رغم ما أنعم به عليكم، أرض أسالفكم ،فاتعظوا بذلك وآمنوا باهلل ورسوله ﷺ ،فتنجوا من عذاب اهلل. عائد عليكم بالرضر كم َّ
ح ُ ح َ ح ُ ُ ْ َ َٰ ح َ ح َ َ َ ُ ُ ْ ح َ َ ح ُ ح ُ ح َ َ َ ح ٱد ُخلُوا ْ حٱِلَ َ اب ُس هجدا ِإَوذ قلنا ٱدخلوا ه ِذه ِ ٱلقرية فُكوا مِنها حيث شِئتم رغدا و َ ُ ُ ْ ه ٞه ح ح َ ُ ح َ َ َٰ َ َٰ ُ ك حم َو َس ََن ُ ح ح سن َ ِني ٥٨ يد ٱل ُمح ِ وقولوا حِطة نغ ِفر لكم خطي ْۚ ِ
نجى اهلل بني إرسائيل من فرعون فعربوا منطقة البحر األمحر وخرجوا إىل صحراء سيناء، ( )58بعد أن َّ أمرهم اهلل أن يذهبوا إىل بيت املقدس ،أي مدينة القدس ،فيتخذوا من أرض فلسطني وطنًا هلم، يعيشون فيها حياة كريمة ،ويأكلون منها بال عناء ً التشد والعذاب يف صحراء سيناء القاحلة، بدال من حياة ُّ قوما جبارين من العمليق، ولكن كان يف أرض فلسطني ً وكان جيب عىل بني إرسائيل أن يقاتلوهم ،وأن ينترصوا عليهم ،ليستوطنوا هذه األرض، لكن امتنع بنو إرسائيل عن دخول أرض فلسطني ،وتقاعسوا عن اجلهاد ،وقالوا مقولتهم الشهرية ملوسى: اذهب أنت ور ُّبك فقاتِال إنا هاهنا قاعدون. وسى .وماؤم ها ِشفا ٌء لِ ْل َع ْ ِ .1قال رسول اهلل ﷺ« :الك َْم َأ مة ِم َن املَ ِّن الذي أنْزَ َل اهللم َ ني» [رواه البخاري ومسلم] .الكمأة هي نبات ال َفقع .وهو نبات عىل مم َ صحراوي .واحلديث هنا حممول يف معناه عىل املجاز أو التشبيه .وهو أن الكمأة نعمة عظيمة من نعم اهلل تعاىل مثل ما أنعم اهلل عىل بني إرسائيل بنعمة املن .وذلك ألن الكمأة هي مما تنبت األرض ،والثابت أن املن الذي أنزله اهلل عىل بني إرسائيل ليس مما تنبت األرض بدليل أهنم سيطلبوا من موسى بعد ذلك أن يدعو هلم أن يبدهلم اهلل عن املن والسلوى بام تنبت األرض .واهلل تعاىل أعلم.
29
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
فحرمها عليهم أربعني سنة عقا ًبا هلم، فحكم اهلل عليهم باحلرمان من دخول أرض فلسطنيَّ ، يظلون هكذا تائهني يف الصحراء بال وطن .وهذا ما يعرف تارخي ًّيا باسم «التيِه» .وقد مات موسى يف هذه الفرتة. ثم جاء بعد موسى النبي يوشع بن نون ،وهو فتى موسى الذي صاحبه يف رحلته للقاء العبد الصالح.
1
ومضت األربعون سنة ،وانتهت فرتة العقوبة اإلهلية بالتيه. فقاد يوشع النبي جنود بني إرسائيل ،ليدخلوا إىل بيت املقدس ،ويقاتلوا وينترصوا. فاذكروا -أهيا اليهود -عندما أمر اهلل أسالفكم أن يدخلوا مدينة القدس ،فيستوطنوا هذه األرض، ويأكلوا منها ً أكال رغيدً ا واس ًعا من ثمرها اجلميلة ،فيعيشوا فيها حياة كريمة، شكرا عىل هذه النعمة العظيمة، وأمرهم اهلل عندما يدخلوها أن يسجدوا له ً نعمة الوطن ِ اآلمن بعد التشد يف الصحراء ،ونعمة احلياة الكريمة الرغدة بعد الضنك وشظف العيش، وأمرهم اهلل أن يستغفروه ،فيقولواِ :ح َّطة ،أي ح ّط عنا خطايانًا السابقة ،فاغفرها لنا. وتقرب إليه بم افرتضه عليهم... ووعدهم اهلل بالزيادة من فضله ملن أحسن منهم العمل ،فأطاع اهلل ،واتقاهَّ ،
ََهَ ه َ َ َُ ْ َحً َحَ ه َ َُ ح ََ َحَ ََ ه َ َ َ ُ ْ َ ه َٓ َ َ ُ ْ َح ُ ُ َ ح ۡي ٱَّلِي قِيل لهم فأنزنلا لَع ٱَّلِين ظلموا رِجزا مِن ٱلسماءِ بِما َكنوا يفسقون ٥٩ فبدل ٱَّلِين ظلموا قوَل غ
( ... )59ودخل بنو إرسائيل إىل بيت املقدس بعد أربعني سنة من التيه ،وانترصوا يف املعركة بقيادة النبي يوشع، وأعاهنم اهلل عىل النرص بأن حبس هلم شمس يوم اجلمعة ،فال تغرب عليهم قبل دخول املدينة.
2
ورغم كل ذلك ،مل يسجدوا عند دخوهلا ومل يستغفروا ،بل استبدلوا ما أمرهم اهلل به بقول خمتلف وعمل خمتلف، فدخلوها زح ًفا عىل أدبارهم ،وقالوا :ح َّبة يف شعرة!
3
وهذا عمل وقول عجيب ،ال معنى له وال تفسري إال االستعباط ،واملزاح يف الدين ،واالستهانة بأمر اهلل. لكن الدين ليس باألمر الذي يمزح فيه أو يستهزأ به ،فأصاهبم اهلل بعقاب، فأنزل عىل هؤالء العصاة من السمء ً مرضا طاعونًا قتلهم بسبب ما فعلوه من عدم االلتزام بم أمرهم اهلل به. وقد ذكَّرهم اهلل هبذه النعمة عىل أسالفهم ،ألن اهلل كم أنعم عىل السابقني بنعمة الوطن واالستقرار الرغيد يف بيت املقدس، فإنه سبحانه قد أنعم عىل اليهود يف عرص الرسول ﷺ باالستقرار والعيش الرغيد يف املدينة املنورة. وستكون نتيجة عدم إيمهنم برسول اهلل حممد ﷺ التشيد وإخراجهم من املدينة ومن جزيرة العرب كم وقع التيه ألسالفهم. .1قصة موسى عليه السالم وفتا مه مذكورة يف سورة الكهف. .2يف رشيعة اليهود حيرم القتال يف السبت .فكانوا يف طريقهم إىل مدينة القدس يوم اجلمعة واقرتبت شمس اجلمعة من الغروب .ولو غربت عليهم لن حيل هلم دخول مدينة القدس .فدعا يوشع اهلل ،فحبس هلم اهلل الشمس ساعة ال تغرب حتى يدخلوا مدينة القدس قبل الغروب .ويف احلديث الرشيف ِ عن رسول اهلل ﷺ« :ما حبِس ِ يوشع ِ ٍ الشمس عىل َ ٍ البيت املم َقدَّ ِ برش ا س» [رواه أمحد-صحيح]. سار إىل ت قط َّإال عىل َ َ م ليايل َ بن نون ِ َ م َ ِ اهمَ .وقالوا: أستَ م .3يف احلديث الرشيف عن رسول اهلل ﷺ« :قيل لبني إرسائيل﴿ :ا ْد مخ ملوا البَ َ اب مس َّجدً ا َو مقولوا ح َّط ٌة﴾ ،فبدَّ لوا ،فدخلوا يزحفون عىل ْ َحبَّ ٌة يف َش ْع َر ٍة» [رواه البخاري.]3403/
30
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
َُ حَ ح َ َ َ حَ َ َ َ َ َ َ ح ح ُ ح َ َ َ ح َ َ ِإَوذِ ح َّق ُم َ َٰ َ ح ٱستَ حس َ َٰ ّش َة ع حيناۖۡ ٱۡضب بِعصاك ٱۡلجر ۖۡ فٱنفجرت مِنه ٱثنتا ع وَس ل ِقو ِمهِۦ فقلنا ِ ه ََ َ حَحْ ح َ ه ح َ َُ ح ُُ ْ َ ح َ ُ ْ ُح َ ح َ َ ُ ُّ ُ َ ح َ سدِين ٦٠ قد عل ِم ك أناس مّشبهمۖۡ ُكوا وٱۡشبوا مِن رِز ِق ٱَّللِ وَل تعثوا ِِف ٱۡل ِ ۡرض مف ِ نجى اهلل أسالفكم من فرعون وقومه، ( )60واذكروا -أهيا اليهود -بعد أن َّ فعربوا منطقة البحر األمحر إىل صحراء سيناء، فأصاهبم العطش ،فدعا موسى اهلل أن يسقيهم حتى ال هيلكوا ،فأوحى اهلل إليه أن يرضب بعصاه حج ًرا، فانفجرت من احلجر اثنتا عشة عينًا من عيون املاء ،بعدد أسباط بني إرسائيل.
1
فشب كل منهم من مكان خمصص له من هذه العيون ،وانتظموا مجي ًعا يف الشب ،وارتووا مجي ًعا بفضل اهلل. رزقهم اهلل الطعام والشاب ،فأباح اهلل هلم األكل من املن والسلوى الذي أنزله عليهم ،وأباح هلم الشب من هذه العيون، وأمرهم أن ينتهوا عن اإلفساد الشديد يف األرض وعدم ارتكاب كبائر الذنوب. فمن شكر النعمة استعمهلا يف طاعة اهلل ،واالنتهاء هبا عن معاصيه .فتكون النعمة عونًا عىل طاعة اهلل ،وليس عىل الذنوب.
ح ُ ح ُ ح َ ُ َ َٰ َ ه ح َ َ َ َ ح ُ ََ َه َ ُح ح ََ ه ُ ُ ح َ ُ ۡرض ِم ُۢن َب حقل َِها َوق هِثآئهاَ لَع َط َعام َ َٰ َٰ ٱۡل ت ب ۢن ت ا ِم م ا نل ج ر َي ك ب ر ا نل ع ٱد ف ِد ح و ِإَوذ قلتم يَٰموَس لن نص َِب ِ ِ ِ َُ َحَ ه َُ َ َ َ َ َ ََ َ َ َ َ ََح َح ُ َ ه َُ َ حٌ ح ُ ْ ح َ ه َ ُ كم هما َس َأ حتلُمُۗح َٰ وفومِها وعدسِها وبصل ِهاۖۡ قال أتستبدِلون ٱَّلِي هو أدّن بِٱَّلِي هو خۡيْۚ ٱهبِطوا مِِصا فإِن ل َ ُ َ ح ََ هُ ح ََُ ٓ ه ََح ُُ َ َ ه َ َٰ َ َ ه ُ ح َ ُ ْ َ ح ُ ُ َ َ َ َ َٰ ت ٱَّللِ ويقتلون ۡضب ت عل حي ِه ُم ٱَّلِلة َوٱل َم حسكنة َوبَا ُءو بِغضب مِن ٱَّللُِۗ ذل ِك بِأنهم َكنوا يكفرون َِٔبي ِ و ِ ْ َ ُ ْ َ ه َ َ ح حَ َ َ ٱۡل ِقِّۗ ذَٰل ِك ب ِ َما َع َصوا هوَكنوا َي حع َت ُدون ٦١ ۡي ٱنلب ِ ِيۧن بِغ ِ
( )61واذكروا – أهيا اليهود – حني كفر أسالفكم بم أنعم اهلل عليهم من طعام املن والسلوى الذي أنزله عليهم، واختصهم به ،ففضلهم عىل العاملني ،فكرهوا النعمة ،ونبذوها ،وعدُّ وها بالء ال يستطيعون الصرب عليه، َّ فطلبوا من موسى أن يدعو اهلل أن يبدهلا هلم بطعام من نباتات األرض املأكولة ،فقالوا: ادع لنا ربك خيرج لنا ما يؤكل من النبات مثل اخلرضوات والثوم والعدس والبصل. فو َّبخهم موسى عىل ذلك؛ إذ ال يعقل أن يرفض اإلنسان النعمة العظيمة األفضل ويطلب ما هو أقل منها، ستنكرا :كيف تطلبون الطعام األقل يف اجلودة ً بدال من األفضل؟! فقال هلم م ً ثم قال هلم :إن أردتم النبات فاخرجوا إىل بلد من البلدان غري هذا املكان ،جتدون فيه ما طلبتم من الطعام. وقد يكون هذا البلد مرص التي كانوا فيها ،أو الشام ،أو غري ذلك من البالد الزراعية القريبة. فبعد أن كان يأتيهم طعامهم من أفضل األنواع يف مكاهنم ،بغري تعب منهم، وبعد أن أغناهم اهلل به ،وحفظ هلم كرامتهم ،فال يسألون الناس،
.1أسباط بني إرسائيل هي قبائل أو شعوب بني إرسائيل وعددها اثنا عرش .وتنتسب كل قبيلة منهم إىل ابن من أبناء يعقوب عليه السالم.
31
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
أصبحوا اآلن مضطرين للسفر والتعب والتذلل للناس والتسول منهم للحصول عىل الطعام اجلديد. فعاقبهم اهلل بكفرهم نعمته ،فأنزل هبم الذل واإلهانة بني الناس والفقر واحلاجة للناس ،وأدامه عليهم فال َّ ينفك عنهم. أيضا ألهنم كفروا بآيات اهلل البينات التي أنزهلا عىل موسى عليه السالم هلدايتهم، ذلك العقاب ً وألهنم كانوا يقتلون األنبياء عمدً ا إن خالفوا هواهم مع علمهم أهنا جريمة شنعاء ال حق هلم يف ارتكاهبا. ذلك العقاب من اهلل هو جزاء معاصيهم وخمالفتهم أوامر اهلل ،وذلك العقاب هو جزاء اعتدائهم عىل عباد اهلل بالظلم واألذى. فاعتربوا أهيا اليهود فاشكروا نعمة اهلل عليكم ،وتوقفوا عن معصية اهلل وإيذاء العباد، ِ وآمنوا باهلل ورسوله حممد ﷺ ،فال يعاقبكم اهلل كم عاقب أسالفكم.
ه ح َ َ ه ه َ َ َُ ْ َ ه َ َ ُ ى َو ه ني َم حن َء َ ب َ ادوا ْ َوٱنله َص َٰ َر َٰ ام َن بِٱَّللِ َوٱَلَ حو ِم ٱٓأۡلخ ِِر َو َع ِمل صَٰل ِحا ٱلص َٰـ ِ ِ إِن ٱَّلِين ءامنوا وٱَّلِين ه ََُ ح َ ح ُ ُ ح َ َ ح ََ َ حٌ َ َح ح ََ ُ ح َحَُ َ فلهم أجرهم عِند رب ِ ِهم وَل خوف علي ِهم وَل هم ُيزنون ٦٢ ( )62إن الذين آمنوا بمحمد ﷺ ورسالته من املسلمني ،وعملوا ما افرتضه اهلل عليهم من العمل الصالح. واليهود الذين آمنوا بموسى ورسالته ومل يسمعوا بعيسى وحممد ﷺ ،وعملوا ما افرتضه اهلل عليهم من العمل الصالح. والنصارى الذين آمنوا بعيسى ورسالته ومل يسمعوا بمحمد ﷺ ،وعملوا ما افرتضه اهلل عليهم من العمل الصالح.
1
بنبي بعده ،وعملوا ما افرتضه اهلل عليهم من العمل الصالح. واملؤمنني الذين آمنوا بنبيهم ورسالته ومل يسمعوا ٍّ كل هؤالء إن مجعوا بني اإليمن الصحيح بأنبيائهم وعملوا ما افرتضه اهلل عليهم من العمل ِوفق رشائعهم، فثواهبم عىل صدق إيمهنم وأعمهلم الصاحلة حمفوظ عند اهلل يوم القيامة، فال خوف عليهم من عقاب اهلل ألهنم يدخلون اجلنة، وال حيزنون عىل فوات نعمة يف الدنيا؛ ألن يف اجلنة من النعيم العظيم ما يعوضهم اهلل به.
2
ح َ َ ح َ َ َ ُ ح َ َ َ ح َ َ ح َ ُ ُ ُّ َ ُ ُ ْ َ ٓ َ َ ح َ ُ ُ ه َ ح ُ ُ ْ ََه ُ ح َهُ َ َ ِإَوذ أخذنا مِيثَٰقكم ورفعنا فوقكم ٱلطور خذوا ما ءاتينَٰكم بِقوة وٱذكروا ما فِيهِ لعلكم تتقون ٦٣
( )63واذكروا -أهيا اليهود -حني : (أ) ألزمكم اهلل يف التوراة باإليمن به وطاعة رشيعته وأخذ عليكم العهد املؤكَّد بذلك، ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ وت َ ومل ْ ميؤْ ِم ْن با َّل ِذي اين ،مث َّم َي مم م .1يف احلديث الرشيف عن أيب هريرة« :والذي َن ْف مس محم ََّمد ب َيده ،ال َي ْس َم مع يب َ أحدٌ من هذه األم َّمة َ مهيود ٌّي وال ن َْرص ٌّ ِ ِ حاب الن ِ أص ِ َّار» [رواه مسلم]. مأ ْرس ْل مت بهَّ ،إال كا َن من ْ ِ ِ ِ ِ ِ اخل ِ ِ َري ا ِ ارسي َن﴾ [آل عمران ،]85:فال ميقبل من أي إنسان إل ْسال ِم دينًا َف َلن مي ْقبَ َل منْ مه َو مه َو ِيف اآلخ َرة م َن ْ َ .2نزل بعد ذلك قول اهلل تعاىلَ ﴿ :و َمن َيبْتَ ِغ غ ْ َ
فحكم اآلية خمصص باليهود والنصارى وأتباع األنبياء الذين عاشوا قبل اإلسالم وآمنوا برساالت غري دين اإلسالم بعد بعثة رسول اهلل حممد ﷺ .م أنبيائهم .وقوله تعاىل﴿ :من آمن بِاهللِ وا ْليو ِم ِ اآلخ ِر﴾ من اإلجياز البالغي ،واملراد :آمنوا بالدين ً كامال بكل ما فيه من عقائد وترشيعات .الصابئون يف َ َْ َ ْ َ َ صحيحا وال يعمل اللغة هم التاركون للدين .والظاهر أهنم هنا من ليس هلم دين حمدد ،ولكن جيب أن يكونوا من أتباع األنبياء؛ ألنه ال يؤمن إيامنًا ً
صاحلًا ميثاب عليه يف اآلخرة إال من كان تاب ًعا لنبي من األنبياء ممتَّب ًعا لرشيعته.
32
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
(ب) وشدَّ د عليكم يف هذا االلتزام تشديدً ا عمل َّيا، فرفع فوق رؤوسكم جبل الطور ،لتذكريكم بعقاب اهلل إن مل تستجيبوا، فظننتم أن اجلبل يمكن أن يسقط عليكم إن أعرضتم عن اإليمن باهلل وطاعته.
1
(ج) وأكَّد عليكم هذا العهد مرة أخرى فأمركم بااللتزام القوي به وبعدم التهاون أو الرتاخي يف طاعة أوامره يف التوراة. (د) وعزَّز هذا العهد فأمركم باملداومة عىل ِذكر ما يف التوراة فال هتملوها وال تنسوا ما فيها.
(هـ) وجعل هذا اإليمن والطاعة سب ًبا يف اتقاء غضبه وعقابه لكم يف الدنيا واآلخرة...
ُۢ َ ح َ َٰ َ َ َ ح َ َ ح ُ ه َ َ ح ُ ح َ َ ح َ ُ ُ َ ُ ُ َ ح َ ُث هم تَ َو هَلح ُ خَٰ ِِس َ ين ٦٤ ٱل ِن م م نت ك ل ۥ ه ت ۡح ر و م ك ي ل ع ٱَّلل ل ض ف َل و ل ف ِك ل ذ د ع ب ن م ِ م ت ِ ِ ۖۡ ِ (... )64ورغم كل هذا اإللزام والتشديد والتأكيد عىل اإليمن باهلل وطاعته كفرتم ،فلم تلتزموا ال بإيمن وال طاعة، ولوال فضل اهلل عليكم بإمهاله لكم ،وعدم تعجيل العقوبة، ألهلككم بعذاب يستأصلكم به مثل األمم السابقة ،فكان مصريكم جهنم خالدين فيها أبدً ا. تغرتوا بإمهال اهلل لكم وال ألسالفكم، فتوبوا إىل اهلل وآمنوا باهلل ورسوله ﷺ ،وال ُّ مفر من العذاب والعقاب اإلهلي. فمهم طال اإلمهال ،فال َّ
َََ ح َ حُُ ه َ ح ََ حْ ُ ت َف ُقلح َنا ل َ ُه حم ُكونُوا ْ ق َِر َدةً َخ َٰ ِسِ َ ح ه ح ني ٦٥ ب ٱلس ِف م ِنك م ولقد عل ِمتم ٱَّلِين ٱعتدوا ِ ِ
( )65وأنتم – أهيا اليهود – تعلمون أصحاب القرية من أسالفكم الذين عصوا اهلل بصيد األسمك يوم السبت، وكان صيد السمك فيه عليهم حرام، فعاقبهم اهلل عقا ًبا أهاهنم به َّ وأذهلم بأن مسخهم قرو ًدا. فاحذروا إن عصيتم اهلل أن يعاقبكم بم يسؤكم مثلم عاقب أسالفكم...
َ َ َ ح َ َٰ َ َ َ ني يَ َد حي َها َو َما َخلح َف َها َو َم حوع َِظة ل ِلح ُم هت ِق َ كََٰل ل َِما بَ ح َ ني ٦٦ فجعلنها ن (... )66هذه القرية التي عاقب اهلل أهلها ،فنكَّل هبم، فجعلها عربة رادعة للقريب والبعيد من عموم الناس ،ليحذروا من معصية اهلل، تذكريا للمؤمنني بعقاب اهلل ،ليتَّعظوا ،وليثبتوا عىل إيمهنم ،وليحمدوا اهلل الذي عافاهم، وجعلها ً فكونوا – أهيا اليهود -من املتقني الذين تنفعهم هذه املواعظ ،فأطيعوا اهلل ،وآمنوا باهلل ورسوله حممد ﷺ، وال تكونوا ممن يعاقبهم اهلل فيعترب الناس هبم.
.1جعل اهلل جبل الطور يميل فوق رؤوسهم يف املكان الذي كانوا يعيشون فيه ُتوي ًفا هلم أن يعاقبهم اهلل بإسقاطه عليهم إن مل يلتزموا .فلم ينفع معهم التخويف وال الوعظ ،ومل يرصفهم أي يشء عن الكفر واملعصية.
33
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
ح َ َ ُ َ َٰ َ ح ٓ ه ه َ َ ح ُ ُ ُ ح َ َ ح َ ُ ْ َ َ َ َ ُ ٓ ْ َ َ ه ُ َ ُ ُ خذنا هزواۖۡ ِإَوذ قال موَس ل ِقو ِمهِۦ إِن ٱَّلل يأمركم أن تذِبوا بقرة ۖۡ قالوا أتت ِ َ َ َ ُ ُ ه َح َ ُ َ َ ح َ َ َٰ قال أعوذ بِٱَّللِ أن أكون مِن ٱلج ِهل ِني ٦٧
( )67قتل إنسان من بني إرسائيل يف عهد موسى عليه السالم ،فتنازعوا فيه ،وتبادلوا االهتام بقتله ،ومل يعرف قاتِله، فأراد اهلل أن يكشف هلم القاتل بمعجزة تكون هلم برهانًا؛ لعلهم إىل طريق رهبم هيتدون ،ولشيعته يمتثلون. فقال هلم موسى :إن اهلل يأمركم أن تذبحوا بقرة ،ومل حيدد هلم رشو ًطا أو مواصفات هلا. تعجبوا من األمر اإلهلي أو مل يفهموا ما هو االرتباط بني التنازع حول دم القتيل وذبح البقرة. فيظهر أهنم َّ فأساؤوا الظن بنبيهم ،واهتموه باالستهزاء هبم .وهذا من جهلهم وسوء أدهبم. فاهلل ال يستهزئ بالناس فيم يأمرهم به ،وال األنبياء .والواجب طاعة اهلل ورسوله وإن مل تظهر لنا احلكمة مما أمر به. فأجاهبم موسى ناف ًيا عن نفسه االستهزاء هبم وسوء ظنهم فيه ،فقال :أعوذ باهلل أن أكون من اجلاهلني، رهبم. أي أعوذ باهلل أن أكون من الذين يمزحون يف أمور الدين أو يستهزؤون بعباد اهلل فيم أمرهم به ُّ
َ ُ ْ ح ُ ََ َه َ َُ هَ َ َ َ َ هُ َُ ُ هَ ََ ٞه َ َ ٞ ح َ ُ ُۢ َ ح َ َ َ قالوا ٱدع نلا ربك يب ِني نلا ما ِ هْۚ قال إِنهۥ يقول إِنها بق َرة َل فارِض َوَل بِك ٌر ع َوان بني ذَٰل ِك ۖۡ َ َ ح ُ ْ ُح فٱف َعلوا َما تؤ َم ُرون ٦٨
أي بقرة ،ودون حتديد لبقرة مع َّينة .وما أسهل ذلك وما أيرسه. ( )68كان املطلوب من بني إرسائيل ذبح بقرةّ ، لكن بدأوا بالتشديد عىل أنفسهم والسؤال عن صفات البقرة املطلوبة ،وال داعي للسؤال عن ذلك. فتك َّلفوا ما مل يكلفهم اهلل به ،واستجلبوا عىل أنفسهم املشقة. قالوا لنبيهم :ادع لنا ر َّبك أن خيربنا ما هي ،أي ما هي صفات البقرة املطلوبة.
1
فأجاهبم اهلل إىل ما طلبوا ،فشدَّ د عليهم؛ ألهنم أرادوا ذلك التشديد وطلبوه. ِ كرا ،بل متوسطة العمر بني ذلك. فقال هلم موسى :إن اهلل يقول إهنا بقرة ،ال كبرية يف العمر هرمة ،وال صغرية بِ ً ثم أمرهم نب ُّيهم :فافعلوا ما تؤمرون ،أي افعلوا ما أمركم اهلل به ،وال تشددوا عىل أنفسكم بأسئلة أخرى ال داعي هلا.
َ ُ ْ ح ُ ََ َ ه َ ُ َ هَ َ َح ُ َ َ َ هُ َ ُ ُ ِس ٱنله َٰـ ِظر َ ول إ هن َها َب َق َرة َ ٞص حف َرا ٓ ُء فَاق ِٞع ل ه حو ُن َها ت َ ُ ُّ ين ٦٩ قالوا ٱدع نلا ربك يب ِني نلا ما لونها ْۚ قال إِنهۥ يق ِ ِ
( )69مع ذلك ،ورغم ما نصحهم به نب ُّيهم ،زادوا يف التشديد عىل أنفسهم بكثرة السؤال عن مزيد من صفات البقرة. فقالوا ملوسى عليه السالم :ادع لنا ر َّبك أن خيربنا ما لوهنا. فازدادوا تشديدً ا عىل أنفسهم بسؤال ال داعي له ،فزادهم اهلل تشديدً ا.
.1يف قوهلم :ادع لنا ر َّبك أسلوب فيه جفاء مع اهللً . فبدال من أن يقولوا ادع لنا ر َّبنا ،قالوا :ر َّبك.
34
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
فأجاهبم اهلل عىل لسان موسى :إهنا بقرة صفراء فاقع لوهنا، ِ وترس من ينظر إليها من مجال لوهنا. أي ناصعة ُّ الصفرة ،ال تشوب صفرهتا شائبةُّ ،
َ ُ ْ ح ُ َ َ َ ه َ ُ َ ه َ َ َ ه ح َ َ َ َ َ َٰ َ َ َ َ ح َ ه ٓ َ ٓ َ ه ُ َ َ ٱَّلل ل ُم حه َت ُدون ٧٠ قالوا ٱدع نلا ربك يب ِني نلا ما ِه إِن ٱِلقر تشبه علينا ِإَونا إِن شاء
( )70ثم كرروا السؤال األول مرة أخرى عىل نبيهم إىل درجة أصبحت غري مفهومة ويظهر منها اجلدال العقيم. فقالوا ملوسى عليه السالم :ادع لنا ر َّبك أن خيربنا ما هي ،أي ما هي مواصفاهتا غري ما ذكِر ساب ًقا.
1
ثم بدأوا بتعليل ذلك السؤال ً تعليال عجي ًبا ال يستقيم .ولعلهم أدركوا أهنم جتاوزوا حدَّ املعقول بالتشديد يف السؤال. لكن مل يمنعهم ذلك اإلدراك من التمدي يف اخلطأ. قالوا :إن البقر تشابه علينا ،أي كثري من البقر يتشابه يف أنه متوسط العمر وأصفر اللون، وبالتايل ،فنحن حائرون ال نعرف أي بقرة منها نختار بسبب كثرهتا وتشاهبها يف هذه الصفات. يرس هلم ذلك دون تك ُّلف. وهذا منطق معكوس ،فكان يمكنهم بسهولة اختيار أي بقرة منها ،وأن حيمدوا اهلل أن َّ لكنهم فكروا بالعكس ،أن هذا أمر مشكل وصعب وحمري أن يكون الكثري من البقر هبذه الصفات، فطلبوا املزيد من التشديد والتحديد ملواصفات البقرة املطلوب ذبحها. ثم سألوا اهلل أن هيدهيم ملواصفات البقرة ،ففوضوا األمر هلل ومشيئته. فقالوا :وإنَّا إن شاء اهلل ملهتدون ،أي نسأل اهلل أن هيدينا لصفات البقرة املطلوبة ،ونحسن الظن به يف ذلك. وهذا أمر طيب منهم فيه توكل عىل اهلل وتفويض األمر هلل ،رغم ما ارتكبوه من أخطاء بكثرة السؤال.
َ َ هُ َ ُ ُ ه َ ََ َ ٞه َُ ُ ُ ٞح َ َ ََ َ حَ ح َ ح ث ُم َسله َمة ٞهَل ش َِي َة فِيها َْۚ قال إِنهۥ يقول إِنها بقرة َل ذلول تثِۡي ٱۡلۡرض وَل تس َِّق ٱۡلر َ ُ ْ ح ُ َ َ ُ ْ ح َ ح َ حَ َ َ َ َ ق فذِبُوها َو َما َكدوا َيف َعلون ٧١ جئت بِٱۡل ِ ِۚ قالوا ٱلَٰٔـن ِ
( )71أجاهبم اهلل إىل ماطلبوا من صفات البقرة ،فشدَّ د عليهم ألهنم أرادوا التشديد عىل أنفسهم وطلبوه. فقال هلم موسى عليه السالم :إهنا بقرة ليست مذللة يف حرث األرض الزراعية ،أي ال تستعمل يف الزراعة، أيضا .وهي بقرة ساملة من كل عيب من العيوب التي تكون يف احليوان. وهي ليست بقرة مما يستعمل يف سقاية الزرع ً ٍ صاف ،ال يعكره أي يشء غريه. وكذلك ليس يف جلدها أية عالمة أو لون خيالف اللون األصفر ،أي أن لوهنا قالوا ملوسى :اآلن جئت باحلق ،أي اآلن عرفنا منك صفات البقرةِ ، وفهمنا ،ولن نسألك غري ذلك. ثم ذبحوا البقرة بالكاد ،أي بعد أن وجدوها هبذه املواصفات اخلاصة بمشقة شديدة. احلجَ ،ف مح هجوا ،فقال رجل :ه أكل .1هنى رسول اهلل ﷺ عن كثرة السؤال .فعن أيب هريرةَ « :خ َطبنا رسول ﷺ ،فقال :أهيا الناس قد فرض اهلل عليكم َّ لوجبَت ،وملا استطعتم ،مث َّم َ قالَ :ذروين ما تركتمكمم ،فإنام هلك من كان عام يا رسول اهلل؟ فسكت حتى قاهلا ثال ًثا ،فقال رسول اهلل ﷺ :لو م قلت نعمَ ، قبلكم بكثرة سؤاهلم ،واختالفهم عىل أنبيائهم ،فإذا أمرتكم بيشء ،فأتوا منه ما استطعتم ،وإذا هنيتمكمم عن يشء ،فدَ عوه» [رواه مسلم].
35
أبو أمحد املصري :مجال حسني عبد الفتاح
فمن فرط صعوبة إجياد بقرة هبذه الصفات ،كادوا َّأال جيدوهاَّ ، وأال يذبحوها. ول َّ عل اهلل قد و َّفقهم يف النهاية أن جيدوها ويذبحوها بتفويضهم األمر هلل بقوهلم :وإنَّا إن شاء اهلل ملهتدون.
َ ح ََحُح َح َ ه ُ ح َ َ هُ ُح ٞه ُ ُ َ ح نت حم تك ُت ُمون ٧٢ ِإَوذ قتلتم نفسا فٱد ََٰٰٔرتم فِيهاۖۡ وٱَّلل ُم ِرج ما ك ( )72تنكشف اآلن احلكمة اإلهلية من األمر بذبح البقرة ،وأن موسى عليه السالم مل يكن يستهزئ هبم. وبم أنكم -يا بني إرسائيل – قد قتل فيكم إنسان ،والقاتل واحد منكم، وبم أنكم قد تنازعتم بشأن القاتل املجهول ،وتبادلتهم االهتام بقتله، وبم أن اهلل قد حكم بكشف هذا الرس املكتوم بينكم ،وإظهار حقيقة القاتل ...
َ ُ ح َ ح ُ ُ َ ح َ َ َ َٰ َ ُ ح ه ُ ح َ َ ه ُ َ ُ َ َ ُ ٱَّلل ٱل َم حو َٰ َت َويُ ِريك حم َءايَٰتِهِۦ ل َعلك حم ت حع ِقلون ٧٣ ۡح ٱۡضبوه بِبع ِ ضها ْۚ كذل ِك ي ِ فقلنا ِ ( ... )73فيأمركم اهلل بعد أن تذبحوا البقرة ،أن ترضبوا ج َّثة القتيل بقطعة منها، فإن فعلتم ذلك ،سيعود للحياة ،وخيربكم بمن هو القاتل. فرضبوه بقطعة من البقرة ،فعاد للحياة وأخربهم عن القاتل. كذلك ،كم رأيتم – يا بني إرسائيل – هذا اإلنسان املقتول يعود للحياة أمامكم، سيحيي اهلل املوتى يوم القيامة ،فيبعثهم من قبورهم أحياء بعد موهتم. وهذا املوقف العجيب الذي رأيتموه بعيونكم هو معجزة من معجزات اهلل التي تدل عىل قدرته عىل إحياء الناس يوم القيامة وأنه سبحانه وتعاىل ف َّعال ملا يريد. فهذا املوقف الرهيب جيب أن يكون سب ًبا يف هداية كل إنسان عاقل منكم إىل الدين ،يا بني إرسائيل، وإىل عبادة اهلل وطاعته واالعتصام به واالستعداد لآلخرة.
َ ح َ َٰ َ َ َ َ ح َ َ َ ح َ َ ُّ َ ح َ ه َ ح َ َ َ ُه َ َ ح ُُ ح َح َ ُ ارة ِ ل َما َي َتف هج ُر م حِن ُه ٱۡلن َه َٰ ُ ْۚر ت قلوبُكم ِم ُۢن بع ِد ذل ِك ف ِِه كٱۡل ِجارة ِ أو أشد قسوة ْۚ ِإَون مِن ٱۡل ِج ثم ق س َ َ ُ َ ه حَ ََ َه ه ُ ََ ح ُ ُ حُ حَُٓ ه حَ ََ َح ُ ح َ ح َ ه ََ هُ َ ٱَّلل بِغ َٰ ِف ٍل ع هما ت حع َملون ٧٤ ِإَون مِنها لما يشقق فيخرج مِنه ٱلماء ْۚ ِإَون مِنها لما يهبِط مِن خشيةِ ٱَّللُِۗ وما
( )74ثم هذه قلوبكم قاسية عن قبول اإليمن باهلل وطاعته – يا بني إرسائيل – بعد أن أراكم اهلل معجزة إحياء امليت. فال أسالفكم يف عرص موسى عليه السالم أو بعده النت قلوهبم لإليمن باهلل ورساالته، وال من جاؤوا بعدهم من اليهود يف عرص الرسول ﷺ النت قلوهبم لإليمن برسالته. فقلوبكم يف قسوهتا عن قبول اإليمن ومعارضتها له كاحلجارة الصلبة التي ال تلني، بل إن قلوبكم يف كفرها وعنادها عن قبول احلق أشد قسوة من احلجارة نفسها، فبعض احلجارة قد يلني ،فتنفجر منه األهنار التي تنفع الناس ،فيشبون منها وتروي األرض، وبعض احلجارة قد يلني بالتشقق فيخرج منه املاء ،كم خرجت منها عيون املاء ملوسى عندما استسقى لقومه،
36
تفسري النسيم :سورة البقرة :احلزب األول
علو من خشيته هلل ،كم اهنار اجلبل عندما َّ وخر موسى مصعو ًقا. وبعض احلجارة يسقط من ّ جتىل اهلل له َّ أما أنتم -أهيا اليهود -فال تلني قلوبكم لإليمن ،وال خشية هلل فيها. فاحلجارة الشديدة فيها خري ومنفعة وتقوى هلل ما ليس يف قلوبكم. فإن كانت نفوسكم الضالة وشياطينكم أوَّهوكم أن اهلل ال يعلم عن أعملكم الفاسدة شيئًا ،فتمديتم فيها، وجتربتم، غركم فنسيتم أنه بأعملكم عليم ،أو ظننتم أنه سبحانه قد ترككم أو نسيكم ،فطغيتم َّ وإن كان إمهال اهلل قد َّ عسريا إن مل تتوبوا منها. فاعلموا أن اهلل ليس بغافل عن أعملكم الفاسدة ،وسيحاسبكم عليها حسا ًبا ً
انتهى الكتاب األول بحمد اهلل ويليه الكتاب الثاين بمشيئة اهلل
37