وتلك اللغة الغريبة ،اللتينية ،التي دأب على استظهار تصريف أفعالها في غدوه وفي رواحه. "بورتي ..بورتا ..بورتاريس ..بورتيس ..بورتيس" باتت مثل أغاني راديو اقهوة الباسطي ،محفورة على صفحات عقلي الباطن .ذلك مما حدا بأخيي لستدعائك مرة إلى غرفته ،لتلقين أحد أصداقائه التصريف الصحيح لحد الفعال .كما كان يحملني على حفظ وترديد منطوق "نظرية فيثاغورس" ،أو الحرص على إتقان رسم خارطة العالم العربي ،وفلسطين بالذات ،بكل تفاصيليها. "ُحسن" و "إكتمال" ،أختاي اللتان تكبران "عابد" ،كانتا أيضا في الصفوف الثانويه .وكانتا تتمتعان أيضا ر بسمعة طيبة فيما يتعلق بالدرس والتحصيل والجتهاد والمطالعة. وبعد إنهاء السنة الثانوية الثانية ،وهي أعلى ما كانت تصل إليه مدارس البنات الحكومية السائدة ،لم يسمح لهما والدي بمواصلة الدراسة في "دارالمعلمات" ،بالرغم من وساطة مديرة المدرسة ومعلماتها ،لسبب لم تعرفه في حينها. ربما كان ذلك مما أوجد تغييرا شامل في حياة "إم العابد" وبناتها، ومما فرض عليها حالة من التفرغ والتأهب استعدادا لحياة جديدة تقتضي الهتمام وتعلم وإتقان مهارات أخرى جديدة مثل التدبيرالمنزلي والتطريز والتفصيل والخياطة ،إنتظارا لبن الحلل المناسب الذي طال انتظاره. كأنما كان ذلك مما زاد من إنشغال أمي وانصراف الجميع أكثر وأكثرعن الهتمام بي ،ومما زاد من انطوائي وشعوري بالوحدة. * * * لعل أن عادة "المطالعة" ،مبكرار ،كانت في البداية مجرد رغبة مني في تقليد أخي "عابد" وشقيقتري الكبريين .فقد كنت أشهد مباريات في القراءة بينهم .كل من الثلثة يستظهر ما اقرأه أمام الخرين، فأشعرأنا بالغيرة تأكلني .ويلحظ أخي ذلك. ر أتذكره في أحد اليام ،حينما ضبطني "متلبسا" بمحاولة اقراءة كتاب "دمعة وابتسامة" لـ"جبران خليل جبران". 160