الجوبة العدد 20

Page 1

‫‪ -‬العدد ‪ - 20‬صيف ‪1429‬هـ ‪2008 -‬م‬

‫من �إ�صدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬

‫الكتابة قنطرة من ذهب‬ ‫شهادة لليلى األحيدب‬ ‫إشكاليات قصيدة النثر‬ ‫نازك املالئكة بني غربتني‬ ‫عبدالوهاب املسيري‬ ‫سيرة حافلة بالعلم‬

‫‪ISSUE NO. 18 July 2008‬‬

‫قصص‬ ‫هويدا صالح‬ ‫فاطمة الناهض‬ ‫إبراهيم احلميد‬

‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ‪ -‬ﺭﺟﺐ ‪١٤٢٩‬ﻫـ ‪ -‬ﻳﻮﻟﻴﻮ ‪٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﺎﻣﻦ ﻋﺸﺮ ‪ -‬ﺭﺟﺐ ‪١٤٢٩‬ﻫـ ‪ -‬ﻳﻮﻟﻴﻮ ‪٢٠٠٨‬ﻡ‬

‫شعر‬ ‫محمد بنيس‬ ‫ميسون أبو بكر‬ ‫يوسف العارف‬

‫‪July 2008‬‬

‫مواجهات مع‪:‬‬

‫‪ISSUE NO. 18‬‬

‫‪20‬‬

‫أحمد السالم‪ ،‬وكمال أبو ديب‪ ،‬وعائشة الدوسري‪ ,‬وسناء شعالن‬

‫‪20‬‬


‫تنتشر النقوش الثمودية‪ ،‬والنبطية وغيرها في منطقة اجلوف‪ ،‬والصورة لنقش‬ ‫رسم صخري تظهر فيه صورة بقر وحشي يعود إلى آالف السنني‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫‪1‬‬


‫العدد ‪20‬‬ ‫صيف ‪1429‬هـ ‪2008 -‬م‬

‫ملف ثقافي ربع سنوي‬ ‫يصدر عن مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬

‫املشرف العام‬

‫‪ -‬العدد ‪ - 20‬صيف ‪1429‬هـ ‪2008 -‬م‬

‫من اإ�سدارات م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬

‫الكتابة قنطرة من ذهب‬ ‫شهادة لليلى األحيدب‬ ‫إشكاليات قصيدة النثر‬ ‫نازك املالئكة بني غربتني‬ ‫عبدالوهاب املسيري‬ ‫سيرة حافلة بالعلم‬ ‫قصص‬ ‫هويدا صالح‬ ‫فاطمة الناهض‬ ‫إبراهيم احلميد‬

‫‪ISSUE NO. 18 July 2008‬‬

‫شعر‬ ‫محمد بنيس‬ ‫ميسون أبو بكر‬ ‫يوسف العارف‬

‫إبراهيم احلميد‬ ‫املراسالت‬ ‫توجه باسم املشرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966( )4( 6245992 :‬‬ ‫فاكس‪)+966( )4( 6247780 :‬‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا‬ ‫اجلـ ــوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪aljoubah@gmail. com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬

‫مواجهات مع‪:‬‬

‫‪20‬‬

‫أحمد السالم‪ ,‬وكمال أبو ديب‪ ,‬وعائشة الدوسري‪ ,‬وسناء شعالن‬

‫‪20‬‬

‫قواعد النشر‬

‫‪ - 1‬أن تكون املادة أصيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لم يسبق نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملوضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل نشرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد في العدد يخضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة بإسهامات املبدعني والباحثني والكتّاب‪،‬‬ ‫على أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫اجلوبة من األسماء التي كانت تطلق على منطقة اجلوف سابق ًا‬

‫الناش ـ ـ ـ ــر‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫أسسها األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري (أمير منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ‬ ‫ ‪1410/7/1‬هـ املوافق ‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف إدارة ومتويل املكتبة العامة‬‫التي أنشأها عام ‪1383‬هـ املعروفة باسم دار اجلوف للعلوم‪ .‬وتتضمن برامج املؤسسة‬ ‫نشر الدراسات واإلبداعات األدبية‪ ،‬ودعم البحوث والرسائل العلمية‪ ،‬وإصدار مجلة‬ ‫دورية‪ ،‬وجائزة األمير عبدالرحمن السديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما أنشأت روضة ومدارس‬ ‫الرحمانية األهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫الـمحتويــــات‬

‫>‬

‫‪62.‬‬

‫كمال أبو ديب وشعرية النقد‬

‫أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن‪,‬‬ ‫شعرية النقد‪..‬‬ ‫كمال أبو ديب‪ :‬أسعى إلى‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أصبح ألعوبة‬ ‫والتراث َ‬

‫>‬

‫حوار مع الشاعر أحمد السالم‬

‫‪65‬‬

‫الشاعر أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبدالله السالم‬ ‫من ال يشعر باالنتماء للوطن في كل‬ ‫حلظة من حلظات حياته يبقى بال هوية‬

‫>‬

‫د‪ .‬املسيري وسيرة حافلة‬

‫‪74...‬‬

‫الدكتور عبدالوهاب املسيري‬ ‫سيرة حافلة بالعلم‬ ‫لوحة الغالف‪:‬‬

‫لقطة ضوئية ملقطع من حجارة قلعة مارد‬ ‫باجلوف‪ ،‬بعدسة منار احلميد‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4.........................................................‬‬ ‫دراسات‪ :‬االنسياب في رواية «خاتم» ‪ -‬عبدالعزيز الراشدي ‪6.......‬‬ ‫المنهج الجمالي‪ :‬عرض وتحليل ‪ -‬رامي أبو شهاب‪11................‬‬ ‫دراسة أدبية لمجموعة «مدن العزلة» ‪ -‬د‪ .‬عدنان الظاهر‪16.........‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬ال شيء هنا ‪ -‬هويدا صالح ‪24.....................‬‬ ‫ذاكرة لالرتزاق ‪ -‬سهام الدهيم‪26.....................................‬‬ ‫ثالث قصص قصيرة جدا ‪ -‬إبراهيم الحميد‪29......................‬‬ ‫غافة عليا ‪ -‬فاطمة الناهض ‪31.......................................‬‬ ‫الصاعدون على جثث األغاني ‪ -‬زهرة بو سكين ‪33...................‬‬ ‫استغالل العشق ‪ -‬خالد األحمد‪34....................................‬‬ ‫شعر‪ :‬البريق ‪ -‬شعر د‪ .‬يوسف حسن العارف ‪36.....................‬‬ ‫إلى ذات الوجه المستدير ‪ -‬محمود مغربي ‪37........................‬‬ ‫حب محال ‪ -‬ميسون أبو بكر ‪38.......................................‬‬ ‫حياتي‪ ..‬زورق مثقوب ‪ -‬عماد الدين موسى ‪39.......................‬‬ ‫محمود درويش سالماً ‪ -‬حمدى هاشم حسانين ‪40...................‬‬ ‫غافلتني روحي وهفت إليك ‪ -‬فاتن محمود ‪41........................‬‬ ‫الروح المهجورة شعر ‪ -‬ترجمة‪ :‬محمد أحمد بنيس‪42...............‬‬ ‫مُكاشفة ‪ -‬أسامة رابعة‪43.............................................‬‬ ‫نص مفتوح? ‪ -‬جعفر العقيلي ‪44.............‬‬ ‫نقد‪ :‬هل قصيدة النثر ّ‬ ‫قراءة في قصة إستغالل العشق ‪ -‬صالح الحسيني‪49................‬‬ ‫نازك المالئكة بين غربتين ‪ -‬دجلة أحمد السماوي ‪53...............‬‬ ‫جدلية النقد واإلبداع ‪ -‬عالء الجابري‪56.............................‬‬ ‫حفر ما ردمه األوصياء ‪ -‬محمد البشير ‪58...........................‬‬ ‫قراءة في ديوان «لزمن لن يراني» ‪ -‬سعيد نوح‪60.....................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬كمال أبو ديب ‪ -‬عصام أبو زيد‪62........‬‬ ‫حوار مع أ‪ .‬د‪ .‬أحمد السالم ‪ -‬محمود الرمحي‪65....................‬‬ ‫حوار مع األديبة سناء شعالن ‪ -‬دعاء صابر ‪68.......................‬‬ ‫حوار مع الروائية عائشة الدوسري ‪ -‬ياسر عبدالباقي‪72............‬‬ ‫نوافذ‪ :‬عبدالوهاب المسيري سيرة حافلة بالعلم ‪74.................‬‬ ‫المسيري الذائد عن حياض األمة ‪ -‬عمار الجنيدي‪88...............‬‬ ‫كــلمــة في الح ــرف العـربـي ‪ -‬د‪ .‬خ ــيرالله س ـ ــعيد‪90.................‬‬ ‫صنارة األفكار ‪ -‬محمد صوانه‪92.....................................‬‬ ‫حتى ال ننسى محمود درويش ‪ -‬صالح مفلح الطراونه‪94.............‬‬ ‫ترجمة أمهات الكتب ‪ -‬د‪ .‬حامد الوردة الشراري‪95..................‬‬ ‫نجيب محفوظ‪ :‬عمالق الرواية العربية ‪ -‬حواس محمود‪98..........‬‬ ‫شهادات‪ :‬الكتابة‪ :‬قنطرة من ذهب ‪ -‬ليلى إبراهيم األحيدب ‪100....‬‬ ‫شؤون زراعية‪ :‬دراسة «قطاع التربة» ‪ -‬زامل الحميد ‪104...........‬‬ ‫م ـ ــال واقتصـاد‪ :‬المصارف اإلسالمية ‪ -‬د‪ .‬نضال الرمحي ود‪.‬‬ ‫حسين سمحان‪106...................................................‬‬ ‫قراءات‪112...........................................................:‬‬ ‫نشاطات ثقافية‪118.................................................‬‬ ‫رسالة إلى المحرر‪ :‬حنا ميخائيل سالمة‪119........................‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫عبد الوهاب املسيري‪ :‬املفكر النموذج‬ ‫> إبراهيم احلميد‬

‫نستعيد اليوم في ذاكرتنا‪ ،‬وفي يومياتنا‪ ،‬المفكر العربي الراحل عبدالوهاب‬ ‫المسيري‪ .‬ونتوقف عند رجل نذر جل حياته في خدمة األمة العربية واإلسالمية‪،‬‬ ‫يقصر غالبيتنا عن اإلحاطة بها‪ ،‬أو قراءتها والتمعّن‬ ‫من خالل كتاباته ‪ -‬التي ِ ّ‬ ‫فيها‪ -‬ما يجعل منه نموذجاً فريداً للعالم الموسوعي‪ ،‬والذي بقدر ما يمثل فخراً‬ ‫ألمتنا‪ ،‬نجده يشكّل تحدياً لألجيال القادمة الحتذاء نهجه‪.‬‬ ‫ظلَّ هذا المفكر الموسوعي‪ ،‬وف ّياً لما انتهى إليه في تفكيره من مبادئ‪ ،‬قادته‬ ‫إلى قناعة‪ ,‬وأوصلته إلى أن التقدم الغربي هو ثمرة النتهاك العالم الثالث‪ ,‬والحداثة‬ ‫الغربية ال يمكن إال أن تكون نتاجاً لذلك‪.‬‬ ‫ولم يتوقف المسيري عند حد ما‪ ،‬فقد تنقّل في كتاباته كما أفكاره‪ ،‬من األدب‬ ‫إلى الفكر إلى السياسة‪ ،‬فهو ينتقل بنا من كتاب «مقدمة لدراسة بنية الفـكر‬ ‫الصهيوني»‪ ،‬إلى كتاب «ال��فِ �� ْردَوس األرض��ي‪ :‬دراس��اتٌ وانطباعات عن الحضارة‬ ‫األمريكية»‪ ،‬ال��ذي يخلص فيه إلى أن اإلنسان األمريكي إنسان م��ادي بالمعنى‬ ‫الفلسفي‪ ،‬يحلم بأن يؤسس فِ ْردَوساً أرضياً‪ ،‬يتحكم في كل جوانب حياته األرضية‬ ‫أو الزمنية‪ ،‬وينتهي في نهاية المطاف إلى العيش في الجحيم‪ ،‬وصوالً إلى كتاب‬ ‫«مختاراتٌ من الشعر الرومانتيكي اإلنجليزي» وإلى كتاب «دراس��ات في الشعر»‬ ‫الذي تناول فيه إشكاليات مختلفة؛ من بينها كيفية استجابة بعض األدب��اء في‬ ‫الشرق والغرب إلى قضية تحديث المجتمع‪ ،‬وعالقة األدب بالسياسة والصراع‬ ‫العربي اإلسرائيلي‪ ،‬واإلشكاليات الفلسفية التي يواجهها األدباء األمريكيون؛ ثم‬ ‫إلى كتاب «صمويل تايلور كوليردج»‪ ،‬الذي نقرأ فيه قصيدة المالح القديم للشاعر‬ ‫االنجليزي صمويل تايلور‪ ،‬وانتهاء بكتابه الشهير «الموسوعة الصهيونية»‪.‬‬

‫ا فتتا حيــــة‬ ‫‪4‬‬

‫ويمكننا القول إن مسيرة ذلك المفكر الكبير الذي رحل عن عالمنا بجسده ال‬ ‫بفكره‪ ،‬تمثل كنزاً معرفياً‪ ،‬يمكن أن يكون أنموذجاً لكل طالب علم ومعرفة‪ ،‬من‬ ‫خالل مراحل حياته الفكرية‪ ،‬خاض خاللها تيارات فكرية عديدة‪ ،‬انتهت به في‬ ‫نهاية المطاف‪،‬إلى أن ينحاز ألمته وقضيتها األس��اس‪ ،‬وهي محاربة الصهيونية‬ ‫واإلمبريالية‪ ،‬واألفكار الهدامة التي تحاول النيل من هذه األمة‪ ،‬وتثبط عزيمتها‪،‬‬ ‫لتواصل كفاحها لنيل حقوقها المشروعة‪.‬‬ ‫��ري بنا أن نستذكر تلك الحادثة التي أشار إليها في كتابه‪ ،‬وتواترت في‬ ‫وح ّ ٌ‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫كثير من الكتب والدراسات‪ ،‬فـ (أثناء تعرفه على‬ ‫إحدى زميالته في الدراسة سألها عن جنسيتها‪،‬‬ ‫فقالت إن��ه��ا ي��ه��ودي��ة‪ ,‬ف��أك��د لها أن��ه ي��س��أل عن‬ ‫جنسيتها ال ع��ن دينها‪ ,‬ولكنها ك��ررت اإلجابة‬ ‫نفسها)‪ .‬ب��دأ يبحث عن تفسير لتلك اإلجابة‪،‬‬ ‫وأخ���ذ ي��ق��رأ الكثير ع��ن الصهيونية واليهودية‬ ‫واليهود واإلسرائيليين‪ ,‬وكان ذلك عام ‪1963‬م‪،‬‬ ‫ويغادر المسيري أمريكا إلى وطنه مصر‪ ،‬حامال‬ ‫ف��ي رأس��ه «إدراك وثنية الصهيونية وبدائيتها‬ ‫وواحديتها الهستيرية وانتمائها إل��ى التقاليد‬ ‫الحضارية الغربية»‪ ,‬وعرف أن «وحشا صهيونياً‬ ‫معرفياً» بداخله‪ ،‬حسب وصفه في كتابه «رحلتي‬ ‫ال��ف��ك��ري��ة»‪ .‬إض��اف��ة إل���ى ع��ن��اص��ر أخ���رى كثيرة‬ ‫أسهمت في أن يتخصص في دراسة الصهيونية‪,‬‬ ‫انتهت بإصدار موسوعته الشهيرة‪.‬‬ ‫ونتساءل‪ :‬كم منا مر ‪ -‬في حياته اليومية‪ ،‬وفي‬ ‫مختلف مناحي الحياة ‪ -‬بمواقف مشابهه‪ ،‬فعزم‬ ‫على تصحيح مساره أو تغييره‪ ،‬كما فعل الدكتور‬ ‫المسيري ؟!‬ ‫وعلى ال��رغ��م مما ك��ان يمثله المسيري من‬ ‫خطر كبير على أع��داء األم��ة‪ ،‬وعلى الصهيونية‬ ‫وحلفائها‪ ،‬فإنهم لم يستطيعوا النيل منه‪ ،‬بسبب‬ ‫التزامه أساليب البحث العلمي والموضوعي‪،‬‬ ‫وإدراج الحجج والوقائع التي تثبت األفكار التي‬ ‫صدح بها طويالً‪ ،‬وتكللت بكتبه الموسوعية‪.‬‬ ‫وإذا كنا اليوم ‪ -‬ومع كل التداعيات على أمتنا‬ ‫العربية واإلسالمية ‪ -‬ال نتمكن من ق��راءة كتبه‬ ‫العديدة‪ ،‬وموسوعاته المتعددة‪ ،‬فال يسعنا إال‬ ‫نثر الزهور على قبره والترحم عليه‪ ،‬بقراءة كتاب‬ ‫«رحلتي الفكرية‪ ..‬في البذور والجذور والثمر»‪،‬‬ ‫الذي يلخص فيه مسيرته الفكرية الرائعة‪ ،‬التي‬

‫يقول في مقدمتها‪« :‬الصفحات التالية هي قصة‬ ‫حياتي‪ ,‬أو رحلتي الفكرية كمثقف عربي مصري‪,‬‬ ‫ت��رص��د تحوالتي ال��ف��ردي��ة ف��ي الفكر والمنهج‪,‬‬ ‫ولكنها ت��ؤرخ في الوقت نفسه لجيلي أو لقطاع‬ ‫منه‪ ,‬كما أن الجزء الثاني هو محاولة لعرض‬ ‫بعض أفكاري األساسية‪ ,‬كما تتمثل في معظم‬ ‫أعمالي»‪.‬‬ ‫وإن رح���ل ال��م��س��ي��ري‪ ،‬ف��إن��ه ب���اق ف��ي قلوب‬ ‫الماليين وعقولهم من أبناء أمتنا‪ ..‬وإننا لنخجل‬ ‫ك��ث��ي��راً ع��ن��دم��ا ن���رى ح���ال ه���ذه األم����ة‪ ،‬وحالتها‬ ‫الثقافية والفكرية‪ ،‬وح��ال شبابها الذين ذهبت‬ ‫بهم ظاهرتي التسطيح والفراغ‪ ،‬فأخذتا منهم كل‬ ‫مأخذ‪ ،‬دون أن نجد من يحفل بنتاج المفكرين‬ ‫وم��ن��ه كتابات ال��دك��ت��ور المسيري‪ ،‬إال م��ن رحم‬ ‫رب��ي‪ .‬وإن��ه لحري بكل مخطط‪ ،‬وصاحب قرار‬ ‫على ام��ت��داد وطننا ال��ع��رب��ي الكبير‪ ،‬أن يجعل‬ ‫م��ن المسيري أن��م��وذج��ا يتم ت��دري��س��ه ويحتذى‬ ‫بسيرته ومسيرته العلمية‪ ،‬وإن لم يكن بجميع‬ ‫مؤلفاته فليكن ببعضها‪ ،‬ومنها كتاب «رحلتي‬ ‫الفكرية‪ ..‬في البذور والجذور والثمر»‪ ،‬كما أن‬ ‫على م��راك��ز البحوث والفكر والجامعات تبنّي‬ ‫كتبه وأثاره وطباعتها ونشرها‪ ،‬وقد نفدت أغلب‬ ‫طبعاتها‪ ،‬خاصة القديمة منها‪ ،‬وحسناً ما فعلته‬ ‫بعض المراكز الفكرية التي تبنت كتباً تتحدث‬ ‫عن مسيرة الراحل قبل وفاته‪ .‬كما أن شهادتي‬ ‫مجروحة في وقفة المملكة العربية السعودية‬ ‫معه‪ ،‬ممثلة في استجابة سمو ولي العهد األمير‬ ‫سلطان ب��ن عبدالعزيز للدعوتين الخاصتين‬ ‫بعالجه‪ ،‬واللتين أطلقهما في وقتين مختلفين كل‬ ‫من الدكتور عبدالواحد الحميد والدكتور سعد‬ ‫البازعي للوقوف إلى جانبه في مرضه ودعوته‬ ‫للعالج داخل المملكة قبيل وفاته‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫االنسياب في رواية «خامت» لرجاء عالم‬ ‫> عبدالعزيز الراشدي*‬ ‫رواية خاتم للروائية السعودية رجاء عالم‪ ،‬هي رواية اللغة والتصوف والحكاية؛ رواية الماضي‬ ‫الذي يتلبس الحاضر ويكوّنه‪ .‬إنها كذلك‪ ،‬وبالضرورة‪ ،‬سيرة حواء العالم العربي المختلفة‪ ،‬التي‬ ‫ُقدِّر لها أن تسافر عبر عالم مغلق‪ ،‬ماسحة بعين النقد الكاشفة صور العالم المهتز‪ ،‬الذي قُدِّر‬ ‫لنا أن نعيش فيه‪ ،‬حيث المرأة عالمة زائدة مكمّلة‪ ،‬والذكر أساس!‬ ‫لقد بنت الروائية عالمها بمقومات نصية جديدة تاوية داخل النص‪ ،‬فالتفكيك ال يظهر مباشراً‪،‬‬ ‫ما يبدو كمهادنة للشكل‪ ،‬على عكس ما فعلت مع نصوص أخرى‪ .‬والتفكيك الذي اتبعته رجاء عالم‬ ‫هنا‪ ،‬تفكيك منهجي داخلي‪ ،‬يبتغي الثورة على المألوف‪ ،‬وخلخلة البناء العام للنص والمجتمع‪.‬‬ ‫تكسير النمط بصيغة هادئة‪ ،‬توصل للقارئ ما تريد‪ ،‬دون صراخ أو إدّعاء‪ ،‬بل على العكس من‬ ‫ذلك‪ ،‬ال تستفز القارئ‪ ،‬وإنما تخلق معه عالقة حميمة‪ ،‬من خالل استدعاء الفن والموسيقى وكل‬ ‫ما يتصل بالروح‪ .‬وقد حافظت رجاء عالم في روايتها هذه‪ ،‬على خاصية أساسية‪ ،‬هي االنسياب‬ ‫الذي يجعلها واحدة من الروايات التي تستحق القراءة بعشق مضاعف‪.‬‬

‫درا��������س�������ات‬ ‫‪6‬‬

‫رواية رجاء تعاند الخراب والموت‪ ،‬من خالل شخصية أساس هي «خاتم»‪ ،‬نموذج البراءة‪،‬‬ ‫الطفلة التي ولدت مكان الولد المنتظر‪ .‬وألن الذكر يحظى بعظيم االهتمام‪ ،‬فقد تلبست بالولد‬ ‫كما تمنى الشيخ نصيب «أبوها»‪ ،‬لقد ألبسها ثوب الذكورة‪ ،‬وتركها تحلّق في فضاء‪ ،‬ال يردعها‬ ‫انتماؤها لبنات حواء‪ ،‬هكذا عاشت وسط الرجال‪ ،‬كأي فتى كامل الحقوق‪ ،‬وألنها أيضا أنثى‬ ‫حين تخلو إلى ذاتها‪ -‬فقد تمكّنت من التواجد دائما إلى جانب النسوة‪ ،‬حيث أسرار الحريم‬‫وطقوسهن‪.‬‬ ‫تنتقل «خاتم» بين عالمين فتكون الرواية تجربتها؛ لكن «خاتم» تتشعب مع الزمن لتصبح‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫خواتم كثيرة‪ ،‬داخل الرواية‪ :‬نساء ألقت بهن الحياة‬ ‫بين دهاليزها‪ ،‬حتى لم يعد لهن غير الخيال والفن‬ ‫ملجأ للنجاة‪ ،‬والتوحّ د بأجسادهن المسلوبة‪.‬‬

‫‪-1‬إنسياب المكان‬ ‫تبدأ الرواية بهذه الجملة‪( :‬في المنعطف العشرين‬ ‫للدرب الضيق الذي تتخلله ساللم متآكلة يقوم البيت‬ ‫الكبير «بيت نصيب»)‪ ..‬هكذا ينزل القارئ درجات‬ ‫السُ لَّم‪ ،‬رفقة سارده منذ الوهلة األولى‪ ،‬كأنما هو سلم‬ ‫الحكي‪ ،‬وكأنما يغوص في بئر ينحدر به‪ ،‬تتراقص‬ ‫تحت أقدامه وهو يقتحم الرواية‪ .‬سلسلة طويلة من‬ ‫األلغاز والحكايات والتاريخ في بيت شيّد أركانَه تاري ٌخ‬ ‫من الطاعة واالنضباط‪.‬‬ ‫ال ج��دران في الصحراء‪ ،‬لذلك ك��ان من السهل‬ ‫على الساردة في الرواية أن تدفع بشخوصها لتعبر‬ ‫األمكنة‪ ،‬وتكتشف ‪ -‬ويكتشف معها القارئ ‪ -‬الثراء‬ ‫الذي تزخر به فضاءات‪ ،‬تبدو للبعيد عنها قاتمة وغير‬ ‫مجدية وفارغة‪ ،‬لكن للمكان تاريخ وسطوة تتغذى من‬ ‫الذاكرة‪ ،‬والمحكي الشعبي والعالقات الصارمة التي‬ ‫يعرفها الصغير والكبير‪ ،‬ويحفظها الجميع‪ ،‬كفاتحة‬ ‫الكتاب‪ .‬إن ات��خ��اذ فضاء الصحراء مكاناً للرواية‬ ‫ساعد شخوصها على االنسياب والتنقّل والتعبير‬ ‫عما ي��رد ف��ي ك��ل األمكنة‪ ،‬س��واء م��ن خ�لال الرحلة‬ ‫األولى بحثا عن المرضع‪ ،‬أو في جموح «خاتم»‪ ،‬بحثا‬ ‫عن المعرفة‪ ،‬أو في غيرها من أشكال الجموح‪ ،‬التي‬ ‫تطوح بشخوص النص رغم كوابح الزمن والتقاليد‪.‬‬

‫بؤس وموت وانحالل؛ ثم‪ ،‬في الوقت ذاته‪ ،‬ستكتشف‬ ‫الموسيقى مع ه�لال المشاغب‪ ،‬ال��ذي يشبهها في‬ ‫التمرد واالنسياب‪ ،‬في اتجاه ما ترغب روحه‪ ،‬ال ما‬ ‫يرسمه اآلخرون‪ ،‬والذي أصاب دماغها بحجر‪ ،‬يفتح‬ ‫عينيها هالل على زاوية من العالم المختلف‪ ،‬ويكسر‬ ‫الميت يَخر ُج الحي‪-‬فمن‬ ‫ِ‬ ‫خوفها من ذاك العالم‪ -‬من‬ ‫المنحدر‪ -‬عالم البؤس الذي ضجت به تلك األنواء‪،‬‬ ‫حيث اندفع بها هالل‪ -‬اختمر في صدر «خاتم» حب‬ ‫ال��ع��ود فحنت عليه ب��وج��د ص��وف��ي أف���زع أم��ه��ا حين‬ ‫اكتشفت ما حصل؛ وتجيء «خاتم» للعود على الدوام‬ ‫باندفاع‪ ،‬يُعانق إيقاعه جسدها عارية‪ ،‬يُقرّبها من‬ ‫اآلخرين ويصلها بأعماقها‪.‬‬ ‫هي لم تكن ترغب سوى اكتشاف العالم من حولها‪،‬‬ ‫فقد كانت تعيش بين عالمين‪ :‬عالم الغربان والجوع‬ ‫والموت والخراب والعبودية وأناس يبيعون أبناءهم‬ ‫م��ن إم�ل�اق‪ ،‬وع��ال��م يفيض بالجواهر وال��ن��ق��اء! لعل‬ ‫الموسيقى مكان نركض فيه حين تضيق بنا األمكنة‪،‬‬ ‫مكان هالمي عميق ووردي‪ ،‬ننسى خالله كل التعب‬ ‫والحواجز؛ فكم هو مُتعِ بٌ هذا التنقل‪ ،‬وكم هو صعب‬ ‫على جسد نحيل كجسد «خاتم» أن يتنقل بين العوالم‬ ‫المتناقضة في رمشة عين‪ .‬والمعرفة حزن كما يقول‬ ‫بايرون‪ ،‬لذلك قال لها الجواهرجي سفر ياقوت‪ ،‬حين‬ ‫أغراها مكان آخر هو روح الجوهرة‪« :‬جوف الجوهرة‬ ‫مثل متاهة‪ ،‬إن سلكت من غير بصيرة انهارت على‬ ‫رأس��ك‪ ،‬وتقوضت‪ ،‬وقوضت جسدك وفرصتك في‬ ‫كشف عروش تلك المملكة المخيفة»‪ ،‬فهل تستطيع‬ ‫«خاتم» أن تسلك بين الشوك طريقها‪ ،‬وأن تكتشف‬ ‫المكان دون أن يتقوض على رأسها؟!‬

‫لقد تربت «خاتم» داخل البيت الذي يحرس حياتها‪،‬‬ ‫وتحرس بالمقابل طقوسه‪ ،‬وطبعا لن يتسنى لها تغيير‬ ‫نظرة أبيها‪ ،‬وال رغبته وال حسرته على الولد الذي‬ ‫جاءت بدالً عنه؛ لكنها ‪ -‬في المقابل ‪ -‬ستكتشف ذات ‪-2‬إنسياب الحكاية‬ ‫ي��ع��رف ال��ن��اس أن ب��ي��ت ال��ش��ي��خ نصيب (أب��وه��ا)‬ ‫صدفة ما يضج به المكان البعيد عن ديارها خلف‬ ‫ُ‬ ‫المسجد ‪ -‬حيث العالم ال��ذي لم تَ��تَ��ربّ فيه ‪ -‬من تدور أس��راره حول المفاتيح‪ ،‬والمفاتيح تخلق نوعاً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫بانغالق ما؛ وربما هو االنغالق ذاته‬ ‫ٍ‬ ‫من اإلحساس‬ ‫الذي يتوالى في الحكاية الشعبية العربية‪ ،‬حتى أن‬ ‫البيت الموصد األخير الذي ينتظر من يفتحه يظهر‬ ‫في العديد من النصوص التراثية‪ ،‬ومنها ألف ليلة‬ ‫وضح بورخيس وكيليطو هذا جيداً في‬ ‫وليلة‪ .‬ولقد ّ‬ ‫دراساتهما عن أشهر نص عربي؛ الحكاية إذاً في‬ ‫هذه الرواية‪ ،‬تنظر خلفها لتتّعض وتستعين بما سلف‪،‬‬ ‫وتستوعب كل الزخم‪ ،‬وال تبدأ من الصفر‪.‬‬ ‫وحين سافر نصيب وأس��رت��ه في اتجاه المدينة‬ ‫بحثاً ع��ن ال��ص��در المرضع‪ ،‬طلع ال��غ��ول م��ن نظرة‪.‬‬ ‫إن الغول هنا يلعب دوراً أساسيا في تأزيم مسار‬ ‫األح���داث وم��ح��اول��ة رف��ع اإلي��ق��اع‪ ،‬ثمة غ��ول ف��ي كل‬ ‫مقطع من مقاطع الرواية‪ ،‬العين والحسد في بدايتها‪،‬‬ ‫المرأة التي تبيع جسد النسوة في وسطها‪ ،‬وهالل‬ ‫ال��ذي يهدد سكينة جسد «خاتم» مع العود والغزاة‬ ‫في نهاية الرواية؛ لكن مسار الشخوص دائماً على‬ ‫األرض‪ ،‬تهديء انسيابية الحكاية من روع الموقف‬ ‫ب����األوراد واألدع��ي��ة وال��س��ك��ون والموسيقى‪ ،‬وأيضا‬ ‫بالعراك من أجل تفريغ الطاقة‪ ،‬أو حتى الموت كما‬ ‫حدث في الختام‪ ،‬ما دام الموت نوعاً من السكون‬ ‫وإعادة األشياء إلى نصابها‪.‬‬

‫وعيون الزوار‪ .‬فناجين الشاي المحزمة بالذهب‪،‬‬ ‫م��ص��ف��وف��ة ع��ل��ى األرض ت��غ��وص م��ف��رش ال��ت��ل‪،‬‬ ‫المالعق المذهبة غ��ارق��ة ف��ي مطبقية السكر‬ ‫الشفافة والمنقوشة بطيور خرافية‪ ،)..‬كل ذلك‬ ‫يعطي للحكاية أصالتها وقوتها‪ ،‬ويجعل من بصمة‬ ‫رجاء عالم واحدة من أكبر البصمات‪ ،‬التي تتقن‬ ‫فن اكتشاف العالم الصحراوي (الصالة والسالم‬ ‫عليك يا رسول الله محمد‪ ،‬صيحة تعقبها زخة‬ ‫من الزغاريد‪ ،‬بدأت على إثرها أم العروس تبكي‪،‬‬ ‫وتبعتها قريباتها‪ .‬طقس البكاء مقصود‪ ،‬لإلشعار‬ ‫بقيمة العروس‪ ،‬وعزتها في أهلها)‪.‬‬

‫‪-3‬إنسياب اللغة‬ ‫منذ ال��ب��داي��ة تفاجئنا ال��رواي��ة بمقاطع شعرية‬

‫مبثوثة داخل السرد‪ ،‬تسقينا الحيرة‪ ،‬وتجعلنا نعيد‬ ‫قراءتها م��رات وم��رات‪ ،‬لنكتشف الجمال النابع في‬ ‫اللغة (لم يعتن بانفراج باب الدهليز إال الماء‪ .‬برجفة‬ ‫في مياه البركة ر ُِصد االنفراج ولم يُثر أي اهتمام)‪،‬‬

‫لكن هذا االنسياب اللغوي يتبع انسياب الماء والناس‬

‫والحياة‪ ،‬وانسياب المكان والجسد؛ وانسياب الماء‬

‫يتبعه انسياب «خاتم»‪ ،‬فقبل أن تخرج من طفولتها‬

‫كانت قد تمردت على ما تواطأ الناس عليه‪ ،‬وخرجت‬

‫تلقي بنا الكاتبة في يم المغامرة والحدس‪ ،‬والترقّب (تتبع الميازيب‪ ..‬تتبع الموسيقى الجامحة في جريان‬ ‫ص��ح��ي��ح‪ ،‬لكنها س��رع��ان م��ا ت��ع��ي��د األم����ور إل��ى الماء في الجدران‪ ،‬تضحك تلك الضحكة المُرسلة‬ ‫نصابها‪ ،‬وتتجه بنا نحو ال��ه��دف‪ .‬وف��ي خضم‬ ‫المبهورة األنفاس)‪.‬‬ ‫ال��ح��ك��ي‪ ،‬نعبر ال��ع��وال��م ال��ش��رق��ي��ة ال��ت��ي تذكرنا‬ ‫كانت «خ��ات��م» تؤمن باألغنية (ت��ؤم��ن ب��أن أغنية‬ ‫ب��أل��ف ليلة ول��ي��ل��ة ‪ -‬ك��م��ا أس��ل��ف��ت ‪ -‬بمتاهاتها‬ ‫وبانسيابها على الخصوص‪ ،‬وذاك الخليط من مخباة لها في كل الموجودات) لكنها في المقابل‪،‬‬ ‫الروائح والموسيقى‪ ،‬واإلحساس بالفرح والحزن‪ ،‬كما لو تدرك الكوابح (تخاف أال ترجع لو تبعت أغنية‬ ‫وال��ت��رقّ��ب‪ ،‬وأح��م��ال الحمير المنقوشة بالحناء كهذه الجوامح)‪ ،‬ماذا تخفي داللة اللغة؟ ولماذا يرتبط‬ ‫وال��ه��وادج (ال��ش��اي من مهام ال��س��ادة في البيوت جمال اللغة وصوفيتها وعمقها بعالم الصحراء؟هل‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وبمهارة أوق��دت السماور‪ ،‬وب��دأ بخار يرجع ذلك إلى سيادة المعنى والروح على المادة في‬ ‫رق��ي��ق يصعد‪ ،‬وي��ح��اول التعلّق بسقف الحجرة هذا الفضاء البهي؟ ف ـ «خاتم» تنساب إلى األغنية‬

‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫بقلب واج��ف يخاف الكوابح لكنها كانت قد عرفت يخبيء جوهراً أساسياً‪ ،‬وحكمة‪ ،‬انتقلت إلى اللغة‬ ‫طريقها في أقوى لحظات الرواية‪ ،‬أعني أن روحها لم المحكية عبر عصور من التجربة‪.‬‬ ‫تعد تهتم للحواس والعقل‪ ،‬كما يحدث لشيوخ الطريقة‬ ‫‪-4‬إنسياب الجسد‬ ‫وأتباعها حين يسيل الوجد من أرواحهم‪ ،‬فيتعلقون‬ ‫حين سقط جسد «خاتم» باتجاه األرض‪ ،‬انساب‬ ‫بالفكرة وضبابها‪ ،‬وال تعود الحواس تشتغل‪.‬‬ ‫معه كثير من الدماء‪ ,‬والرائحة التي مألت حواس‬ ‫ث��م تنساب «خ��ات��م» ب��ات��ج��اه المسجد المهجور‪,‬‬ ‫األبوين‪ ,‬ونفذت إلى الحجر والشجر‪ .‬وحين خرجت‬ ‫فتهمس الريح‪ :‬صلوا على أبينا آدم‪ .‬أما هي‪ ،‬فـ (تقع‬ ‫على حين غفلة من أهلها‪ ،‬انسكب الماء على جسدها‪,‬‬ ‫شفتاها على الحجر‪ ,‬وتهمس‪ :‬صلوا على أمنا حواء)!‬ ‫فعانقته‪ ,‬والتحمت به‪ ،‬ثم ها هي تمارس الركض في‬ ‫هل هناك عالقة ضرورية بين المكان واللغة؟ أعني‬ ‫األقبية‪( :‬ما إن يغادر جسد «خاتم» أنوثته يأخذه توق‬ ‫هل يصنع المكان لغته الخاصة به؟ فلغة الصحراء‬ ‫للتجسد في أتم البساطة واالختزال)‪ ,‬فتنطلق دون‬ ‫عامرة بالزخرف‪ ,‬كامرأة جميلة بكامل حليها‪ ،‬على‬ ‫أن تلتفت خلفها‪..‬‬ ‫عكس لغة المدينة السهلة البسيطة العجولة‪ ،‬التي ال‬ ‫ال مع لغة رجاء عالم وح��ي��ن تكبر ق��ل��ي�لاً‪ ،‬تنساب عبر ال���درج إل��ى حيث‬ ‫يغريها الخلود‪ ..‬ثم أن توقفاً قلي ً‬ ‫مجلس الشيوخ‪ ،‬وتحمل معها في انسيابها فكرة‬ ‫في هذه الرواية‪ ،‬يجعلنا نكتشف جدة على مستويات‬ ‫االكتشاف‪ ،‬التي عمّرت قلبها (لها شحوب لؤلؤة‬ ‫عدة؛ لغتها صحراوية‪ ،‬لكنها أيضا «مقشرة» وعارية‪،‬‬ ‫يبرق تحت لمعان الشعر القصير)‪ ..‬لقد سمح‬ ‫م��ش��ذب��ة‪ ،‬ت��ت��وجّ ��ه إل��ى ال��م��وض��وع م��ب��اش��رة؛ إن��ه��ا لغة‬ ‫لها أبوها بحضور دروس الدين‪ ،‬فأضربت صفحاً‬ ‫الكاتبة التي أف���ادت مما ت��راك��م لديها م��ن تجربة‪،‬‬ ‫ع��ن ال��ت��ري��ث‪ ،‬ث��م غ��ام��رت ب��دخ��ول مجامع اللهو‬ ‫لتؤسس م��س��اره��ا ال��ل��غ��وي ال��خ��اص‪ ..‬تسترسل في‬ ‫تبحث أي��ن تختبيء األغنية‪ .‬ول��م تكتف بذاتها‪،‬‬ ‫وص���ف ال��ف��ض��اء ال��ب��دوي بلغة س��ن��ق��ول إن��ه��ا ب��دوي��ة‬ ‫ال يسكنها السؤال لوحدها‪ ،‬فقد صدّ رت روحها‬ ‫صافية‪ ،‬تسير دون توقّف؛ إذ لم تكن ثمة كوابح أمام‬ ‫المنفلتة لسند‪ ،‬إذ أمرته بالبحث عن جلد آللة‬ ‫اللغة الراكضة في الصحراء‪ ،‬تستكشف ما يحدث‪،‬‬ ‫النقر‪ ،‬وأصرت إص��رارا‪ ،‬ثمة شيء بداخلها وُلد‬ ‫خصوصا م��ع شخصية روائ��ي��ة‪ ،‬همها الوحيد هو‬ ‫ف��ي غفلة م��ن المعتاد (ه��ن��اك بقايا مدهشة ال‬ ‫االنطالق‪ .‬هكذا يُعين هذا المكان المفتوح الروائية‬ ‫تعرف أصلها‪ ،‬قادمة بذاكرة أمكنة بعيدة‪ ،‬ذاكرة‬ ‫على االسترسال والتوجّ ه نحو الحكي دون فواصل‪،‬‬ ‫جوالة تعطي للنقر دنيا‪ ،‬تمنحه من دهشتها)‪..‬‬ ‫وأيضا يُعينها على مواجهة كل الكوابح‪ ،‬التي تقف‬ ‫لكن مَن هي «خاتم»؟ بنت أم ولد؟ أم كائن ثالث؟‬ ‫ضد األغنية واالنطالق‪.‬‬ ‫وما هذا الكائن الثالث؟ هل ُول��د ثالثاً حين مد‬ ‫اللغة في الرواية قوية‪ ،‬ومفرداتها منتقاة‪ ،‬وزاخرة‬ ‫الشيخ يديه بين رجلي الوليد ليستطلع األمر‪ ،‬آن‬ ‫باألمثال والحكم التي ال تفسد بساطتها المرجوة؛‬ ‫جاء زوجته الطلق؟ أم تبدل مع مرور الزمن بفعل‬ ‫وحين تقتحم بعض المفردات العامية نسيج السرد‬ ‫انتقاله من حال إلى أخرى‪ ،‬عبر حياة طويلة من‬ ‫ال تعقّده‪ ،‬بل تزيده بهاء؛ إنها تكسر الخطية الطاغية‬ ‫التناقض والشك؟ من حال الولد ولباسه إلى حال‬ ‫للغة الشعر المنثور‪ ،‬كأنما تذكّرنا بحالوة ما نقرأ‪،‬‬ ‫البنت ولباسها‪ ،‬والعكس؟ وما أهمية الجسد حين‬ ‫وال��ك�لام ال��ع��ام��ي ال يقل ج��م��اال ع��ن الفصيح‪ ،‬ألنه‬ ‫نخفيه؟ وما داللة «خاتم»؟ هل لها عالقة بالخاتم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫الذي نلبسه في أي إصبع نختاره؟ يلبسه الرجل الرواية رغم العقبات‪ ،‬فهذه المغنية الحلبية «زرياب»‬ ‫والمرأة؟ ما داللة انفتاحها على عوالم متنافرة‪ :‬مسكونة هي كذلك بالسفر مع الذكريات‪ ،‬واالنسياب‬ ‫عالم النساء وعالم ال��رج��ال‪ ..‬عالم العز وعالم وراء روحها‪ ،‬التي أغواها العشق الذي ال يفنى (زرياب‬ ‫الفقر؟ من يتحمّل ذنب هذا االنفتاح؟ من يتحمّل تقودها للتخاطب مع جسدها‪ ،‬دون وجل‪ ،‬تقول منه‬ ‫وزر انحباس الجسد بين لغتين؟ ونحن نعرف األعمق واألف���دح) وزري���اب تقول‪( :‬ال��ع��ود جسدي)‪،‬‬ ‫كيف تبدأ الحكايات‪ ،‬لكننا ال نضمن كيف تنتهي‬ ‫وتقول‪( :‬حين أمسك بالعود ال أعود‪ ،‬أعرف أيُّنا يغني‪،‬‬ ‫(لم تعرف تلك الصغيرة كيف توقف األغنية‪ ،‬كما‬ ‫أوتاره أم عروقي…)! لكن «زرياب» وطّ نت نفسها على‬ ‫ال تعرف اآلن كيف تظل تتسلقها وتأكل منها‪..‬‬ ‫النسيان‪ ،‬ولم تشأ أن تعاند التاريخ والقدر‪ ،‬واحترمت‬ ‫«أنا طبطاب جنة‪ ،‬وقدم هالل زنجبيل»)‪.‬‬ ‫رغ��ب��ة أبيها‪ ،‬رغ��م عشق الموسيقى تبقى الكوابح‬ ‫ربما أفرطت «خاتم» في التفاؤل حين كانت (تؤمن‬ ‫وأولها اإلسم «زرياب»‪ ،‬الذي لم تختره‪ ،‬ولم تعجب به؛‬ ‫بأن أغنية مخبأة لها في كل الموجودات)‪ ،‬فانطالق‬ ‫لكنه اختيار أبيها‪ .‬ولننظر لما حدث للشيخة (تحفة)‪،‬‬ ‫جسد البطلة ال يستمر كما ينبغي‪ ،‬ألن الزمان يصنع‬ ‫التي ظلت طوال ربع قرن تقطع وتقاوم هواجس عودة‬ ‫الكوابح على ال���دوام‪ :‬ك��ان أبوها ينظر فترى حزناً‬ ‫الحبيب (روحها تدربت‪ ،‬وطوال ربع قرن من الهجر‬ ‫عميقاً في عينيه‪ ،‬وتقرأ انكساراً ورغبة ال تفصح‬ ‫كيف تميل للسالم‪ ،‬حتى م��ا ع��اد فيها ن���ار)‪ ..‬كما‬ ‫في أن تكون ولداً‪ ،‬والرغبة في الولد تتعدى القدرة‬ ‫دربت «خاتم» نفسها على المماراة‪ ،‬لتعيش بعد أن‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬إنها تنظم كيمياء ال��روح والفكر‪ ..‬وحين‬ ‫تنظر إلى ما وراء المسجد تحذوها رغبة اكتشاف عرفت سر الحياة‪ ،‬واستكانت‪ ،‬ومع ذلك لم تتركها‬ ‫العالم المترامي‪ ،‬حيث المختلف هناك‪ ،‬مما ال تعرف األيام تهنأ‪ ،‬فعرفت مصيرها في النهاية‪ ..‬أما سند‪،‬‬ ‫فانساب إلى داخل اللؤلؤ وغاب‪ ،‬لكن الحياة لم تمهله‬ ‫وتتوق إلى اكتشافه‪ ،‬لكن تتربص بها المحاذير‪..‬‬ ‫في عُرس إحدى الصبايا‪ ،‬استرسلت دموع «خاتم»‬

‫وأقسمت أال تمنح نفسها لرجل‪ ،‬ك��ان لقا ًء جديداً‬ ‫مع كوابح الجسد‪ ،‬فقد تبيّن لها أن العرس طقس‬

‫أيضاً فقتله الغزاة‪ ،‬وهالل سرقته المعارك ورفض‬

‫كل شيء‪ ،‬فسار يبحث عن أسطورته ولم ينج‪.‬‬ ‫ونخلص إلى القول‪ :‬ثمة رؤيتين تتقاسمان الرواية‪،‬‬

‫للذبيحة (حين رجعت النسوة للبيت كانت «خاتم» رؤية االنسياب واالنفالت‪ ،‬ورؤية الكبح‪ ..‬هناك نوع من‬ ‫ملمومة لعودها‪ ،‬كانت على يقين من أن بنت الجيران الجدل الضروري لبناء جسد الرواية‪ ،‬لصياغة حياة‬ ‫قد سيقت الليلة‪ ،‬وتحت أبصار الجميع‪ ،‬لمذبح)‪ ..‬ضرورية‪ ،‬تفتقدها الكثير من النصوص المطروحة‬ ‫الكوابح كالعادة تتبع انسياب البطلة‪ ،‬يختل التوازن على قارعة النشر‪ ،‬نوع من كيمياء االنسياب والجمال‬ ‫ثم يعود‪..‬‬

‫التي تسحر روحنا‪ ،‬وتجعلنا نقرأ الرواية مرات رغم‬

‫ليست «خاتم» لوحدها المسكونة باالنطالق في مرور سنوات على إصدارها‪..‬‬ ‫* ما هو داخل األقواس مقاطع من الرواية (رواية خاتم) للكاتبة السعودية رجاء عالم‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪-‬‬ ‫الدار البيضاء ‪2001‬م‬ ‫** كاتب من المغرب‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫املنهج اجلمالي‪ :‬عرض وحتليل‬ ‫> رامي أبو شهاب*‬

‫مدخل‬ ‫من المؤكد أن المناهج النقدية دائمة الحضور في قانون اإلزاحة واإلحالل الممارس في‬

‫الدراسات اإلنسانية؛ ولكن هذا النمط ال يعني انفكاك عملية النقد من هذه المناهج‪ ،‬بشكل‬ ‫قاطع ونهائي؛ إذ تبقى المناهج حاضرة عند كل عملية تهدف إلى سبر أغوار النص‪ ،‬وتبقى‬ ‫االستعانة بجزئيات ومقوالت بعض تلك المناهج مبررة‪ ،‬وأحيانا تفرض بعض النصوص منهجا‬

‫بعينه‪ ،‬وال سيما إذا ما تم التطرق إلى جزئية محددة تحتاج إلى آلية ما‪ ،‬فيتم استدعاء منهج‬ ‫معين للعمل عليه بغية الوصول إلى أفضل النتائج‪.‬‬

‫وفي مجال النقد المعاصر‪ ،‬غالباً ما يلجأ النقاد إلى المنهج التكاملي‪ ،‬بغية تحقيق شمولية‬ ‫متكاملة في عملية الدراسة النقدية؛ فهناك الكثير من الدارسين الذين يتخففون من منهجية‬ ‫أكاديمية صارمة‪ ،‬فينتقلون ما بين المناهج‪ ،‬بحثاً عن فضاء أكثر حرية‪ ،‬في تعزيز النتائج التي‬ ‫يسعون إليها‪ .‬وم��ن ه��ذه المناهج المتعددة التي عملت على صياغة وح��دة المناهج‪ :‬المنهج‬ ‫الجمالي‪ ،‬الذي يعد من أكثر المناهج حيوية واستمراراً وتجدداً‪ ،‬بوصفه منهجاً دائ َم الحضور‪،‬‬ ‫وكيف ال؟! وللنصوص األدبية سحر خاص‪ ،‬عماده التشكيالت الجمالية التي تصطنع أدبية األدب‪،‬‬ ‫تمهيداً لتحقيق تميّزه وخصوصيته‪ ،‬ومن هذا المنطلق‪ ،‬تبقى األسس الجمالية في الدرس النقدي‬ ‫حاضرة‪ ،‬شئنا أم أبينا‪ ،‬وتبقى مسطرة يستعان بها‪ ،‬كلما يممنا شطر النص لنمارس متعة القراءة‬ ‫واالكتشاف‪.‬‬ ‫في هذه الدراسة‪ ،‬محاولة للبحث في ماهية المنهج الجمالي ومفهومه ونشأته‪ ،‬والعالئق‬

‫التي يقيمها مع عدد من القضايا‪ ،‬كأخالق المجتمع‪ ،‬وجذوره في النقد العربي القديم‪ ،‬وآلياته‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪11‬‬


‫في التعاطي مع النص األدبي‪ ،‬وقد اعتمدت في هذه خ��اص‪ ،‬ف��أي معنىً يمكن أن يكتنهه اإلن��س��ان في‬ ‫الدراسة أسلوب العرض والتحليل‪ ،‬وصوالً إلى رؤية الطبيعة‪ ،‬فإن الطبيعة ذاتها ال تعبّر عنه كما يعبّر‬

‫واضحة لهذا المنهج‪ ،‬وقد استعنت ببعض المراجع الفنان عن معناه في فنه‪ .‬إن الجمال في الطبيعة‬ ‫التي تناولت هذا الموضوع‪ ،‬وقد أثبتها في نهاية يختلف من حيث النوع عن الجمال المعبر عنه في‬ ‫الدراسة‪ ،‬لمن يبحث عن استزادة‪.‬‬

‫المفهوم‬ ‫يقصد ب��ال��ج��م��ال‪ ،‬ف��ي رؤي���ة المنهج الجمالي‪،‬‬

‫الجمال في الفن‪ ،‬وليس الجمال المطلق‪ ،‬أي معرفة‬ ‫العلل التي تثير فينا الشعور به عند هذا الفنان أو‬

‫ذاك؛ فالجمال موجود في الطبيعة‪ ،‬ومن ثم ال تعيره‬ ‫الفلسفة الجمالية أهمية بوصفه منجزاً‪ ،‬وبناء على‬ ‫ذلك‪ ،‬يتطلع الجماليون إلى ما يضيفه الفنان إلى‬

‫موضوعه‪ ،‬بحيث يثير عواطف ومشاعر مختلفة‬

‫الفن‪ ،‬ويقارب «شوبنهور» تلك المقولة من منطلق أن‬ ‫الفن تأمل صوفي تكاد تنمحي فيه اإلرادة مستغرقا‬

‫في الوجود أو في المثال المطلق‪.‬‬

‫ومما ال شك فيه‪ ،‬أن فلسفة الجمال تعد أعم‬

‫وأشمل من فلسفة الفن‪ ،‬التي نقاربها هنا‪ ،‬ففلسفة‬ ‫الفن تنطلق في قراءتها من مدار أضيق‪ ،‬إذ تقصر‬

‫نفسها على المفاهيم والمسائل التي ترتبط باألعمال‬ ‫الفنية‪ ،‬وم��ن ه��ذا ال��م��دار تنبثق آلية النقد الفني‬

‫المعني بتحليل األعمال الفنية وتقويمها فقط‪.‬‬

‫ل��دى المتلقي‪ .‬إن موضوع الفلسفة الجمالية هو تاريخية المنهج الجمالي‬ ‫الجمال الفني الذاتي‪ ،‬ال��ذي يتكون من عنصرين‪:‬‬ ‫الطبيعة والفنان‪ ،‬وإنطالقاً من ذلك‪ ،‬فهي ال تتجه‬

‫للبحث في الفنانين وبيئاتهم وعصورهم وظروفهم‪،‬‬ ‫فذلك مناط بمؤرخي الفن‪.‬‬

‫ي��رى د‪ .‬ع��ز ال��دي��ن إسماعيل أن الجمال عند‬

‫اإلغريق كان مقتصراً على الجمال المطلق؛ فهم لم‬ ‫يضعوا نظرية في الجمال‪ ،‬وكان الجمال ‪ -‬بالنسبة‬

‫لهم ‪ -‬يمثل الخير أو الحق‪ ،‬ومن ذلك نظرية اإللهام‬

‫ت��ت��ح��دد الفلسفة ال��ج��م��ال��ي��ة ك��ون��ه��ا تبحث في عند أفالطون‪ ،‬التي تنطلق من محاكاة المثل العليا‬ ‫إدراكها للجمال ومقاييسه وأحكامها عليه‪ ،‬إذ يرى أو صورة الجمال المطلق‪ ،‬وهكذا حمل على مالحم‬ ‫« بومجارتن» أن المقصود بها علم المعرفة الحسية هوميروس بوصفها ال تحمل أي مثل أخالقية أو‬ ‫والمعرفة البسيطة‪ ،‬وفن التفكير االستداللي‪.‬‬ ‫تعليمية أو تربوية‪ ،‬لينتهي الشعراء خارج جمهوريته‬

‫ويعرفها «باركر» بأنها الكشف عن الخصائص الفاضلة‪ ،‬بينما نجد أن أرسطو هو أول من تحدث‬ ‫النوعية للفن الجميل‪ ،‬وتحديد العالقة بين الفن عن اللذة والمأساة‪ ،‬التي تطهرنا وتطلق االنفعاالت‬

‫وال��م��ظ��اه��ر ال��ح��ض��اري��ة‪ ،‬بينما ي���رى « ك��ن��ت» أنها المكبوتة‪ ،‬وحدد أهمية الفن بقدرته على تحقيق أكبر‬ ‫اإلدراكات التي يصحبها في العقل إحساس باللذة‪ ،‬قدر من المتعة للمتلقي‪ ،‬محيّدا مقولة أن للفن هدفاً‬ ‫دون أي شعور بعالقة أو اتصال ما‪ ،‬وهي وحدها تعليمياً أو تربوياً‪ ،‬وتبرز آراء الفيلسوف «لونجينوس»‬ ‫مشاعر الجمال الحرة؛ فالفن بالنسبة إليه متعة متفقة تماما بما جاء به أرسطو‪ ،‬ومفادها أن غاية‬

‫جمالية؛ وعلى ذلك‪ ،‬ال ينبغي للعمل الفني أن يكون الفن جمالية بحتة‪ ،‬وال ينبغي أن يسعى وراء غاية‬

‫تقليداً‪ ،‬إنما عليه أن يفسر األشياء ولكن بأسلوب تربوية أو أخالقية أو نفسية‪ ،‬وبذلك‪ ،‬فإنه انطلق‬

‫‪12‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫من القيمة التأثيرية لألثر الجمالي‪ ،‬مع اإلسقاط وضعت أسسها المدرسة الجمالية األلمانية‪ ،‬وخاصة‬

‫المباشر لمضامين النص األدبي‪ ،‬وقيمها الخلقية‪.‬‬

‫«ك��ن��ت»‪ ،‬وج��اءت ك��ردة فعل على النزعة الواقعية‪،‬‬

‫أول ظهور للمنهج الجمالي بشكل اصطالحي وتنطلق من مقولة أن الفن يميزنا بالسرور‪ ،‬أما غيره‬ ‫ب��دأ على يد «بومجارتن» األلماني‪ ،‬وتحديداً في فيزودنا بالمعرفة؛ ولذا‪ ،‬فإن الحكم على الفن بما‬ ‫النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ،‬وركّ��ز فيه يزودنا به من عظات هو حكم خاطئ‪ ،‬فـ «أوسكار‬ ‫على المعرفة ال��ح��س�� ّي��ة‪ ،‬ع��وض��اً ع��ن أن��ه صاحب وايلد» و«ولتر بانز» يريان أن الفن معاد لألخالق‪.‬‬ ‫الفضل في شيوع كلمة «الجمالية» في قالب ذاتي وهما هنا يناقضان «أف�لاط��ون» حين اتخذ حكمه‬

‫خاص بها‪ ،‬إذ اتخذت هذه القيمة واألثر في أدبيات بطرد الشعراء من جمهوريته المثالية ألخالقهم‬ ‫المناهج النقدية التي تدين في معظمها لفلسفات ال��م��زري��ة‪ ،‬وم��ن هنا ن��ؤس��س للتساؤل ال��ت��ال��ي‪ :‬هل‬

‫تؤسس ظهورها كما هو في استناد المنهج الجمالي‪ ،‬يطلب من الفن أن يمثل فضيلة؟ يرى علماء الفلسفة‬ ‫إلى النزعة المثالية في الفن‪ ،‬وعلى نحو ما‪ ،‬نجد الجمالية أن الفن ال غاية له وراء الغايـة‪ ،‬وكما يقال‬

‫البراجماتية في أمريكا‪ ،‬والتجريبية في انكلترا‪ ،‬فإن «الوردة ليست بحاجة إلى تبرير الشذى الصادر‬ ‫والعقلية في فرنسا‪ ،‬والمثالية في ألمانيا‪ ،‬والواقعية عنها»‪ ،‬ليبرز الصراع فيما بعد‪ ،‬وال سيما بعد ظهور‬ ‫في االتحاد السوفيتي سابقاً‪.‬‬

‫عوامل الظهور‬

‫ديوان «أزهار الشر» للشاعر الفرنسي بودلير‪ ،‬الذي‬ ‫مجّ د تلك القيم الجمالية في نصوصه‪ ،‬وبالتالي‬ ‫حقق رد الجماليين على الذين يرون أن الفن أصبح‬

‫هناك من يرى أن الجمالية جاءت كرد فعل على أداة للرذيلة‪ ،‬من خالل أن الفن يجب أن يمثل الحياة‬ ‫المدرسة الرومانسية‪ ،‬وال سيما أنها قد وجدت بطهرها وإثمها‪ ،‬والحكم عليه‪ -‬أي (الفن) ‪ -‬عبر‬

‫ضالتها في الفلسفة الفنية‪ ،‬التي صاحبت المدرسة مقاييس جمالية‪ ،‬ال م��ن خ�لال القيم األخالقية‪،‬‬ ‫الرومانسية ف��ي ألمانيا وفرنسا؛ فالرومانسيون وفلسفة الفن الجمالية‪ ،‬ت��رى أن وظيفة الفن أن‬ ‫يؤمنون بالفائدة في الشعر إلى جانب المتعة‪ ،‬وبناء ينسينا الحياة عن طريق اللهو والمتعة‪.‬‬ ‫على ذلك عملت الرومانسية على االشتغال على قيمة‬

‫المتعة‪ ،‬وإسقاط قيمة الفائدة‪ .‬وهناك من يرى أنها الفن والمجتمع‬ ‫جاءت كرد فعل لظهور المعسكر االشتراكي‪ ،‬الذي‬

‫فرض االلتزام على الفنان تجاه مجتمعه وفنه‪.‬‬

‫عالقة المنهج الجمالي‬ ‫بالمجتمع واألخالق‬ ‫نظرية الفن للفن‬

‫قد يعكس الفن صورة المجتمع‪ ،‬ولكن ال يسمح له‬

‫بالتدخل في خلق العمل الفني؛ فالفنان يستمد من‬

‫الفن أكثر مما يستمد من الطبيعة؛ لذلك‪ ،‬فإن نقّاد‬ ‫المنهج الجمالي يعزلون الغرض أو المعنى عن قيمة‬

‫العمل الفني‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ ،‬غزل أبي نواس في‬ ‫الغلمان‪ ،‬فنحن غير معنيين بمناقشة غرض منكر‪،‬‬

‫قامت نظرية «الفن للفن» في القرن التاسع عشر إنما يعنينا دراسة شعره‪ ،‬وكيف كشف التطور الذي‬

‫ام��ت��داداً للفلسفة االستاطيقية (‪ )Aesthetics‬التي أحدثه هذا التعبير في التقاليد الجمالية الشعرية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪13‬‬


‫المنهج الجمالي في النقد العربي القديم‬

‫البديع أصوال فنية‪.‬‬

‫كما هو شائع في وقائع النقد‪ ،‬من أن المالحظات األسس الجمالية‪ :‬بين نظرة النقد العربي‬ ‫النقدية الجمالية في النقد العربي‪ ،‬كانت ترتكز القديم والمفهوم الغربي‬

‫في معظمها‪ ،‬على مالحظات طفيفة‪ ،‬تكتفي بتتبع‬ ‫الصفات الحسية في الشعر‪ ،‬كمحاسن المحبوبة‪،‬‬

‫إل��ى غير ذل��ك؛ ول���ذا‪ ،‬ك��ان التركيز على الجوانب‬ ‫الجمالية ينصب على ل��ذة ال��ح��واس‪ ،‬كما نلمحه‬

‫ل��دى «اب��ن طباطبا» في تناوله نماذج من الحسن‬ ‫والقبيح‪.‬‬

‫ولكن هذه النظرة ال تعدم التطور كالذي أحدثه‬

‫الغزالي حين أض��اف إل��ى الحواس عناصر أخرى‬

‫كالقلب أو الخلق الحسن أو السيرة الحسنة؛ وتكمن‬

‫ الشعر عند العرب صناعة‪ ،‬وعند الغربيين تجربة‪،‬‬‫والتجربة تختلف كثيراً عن جمالية الصنعة‪.‬‬

‫ النظرة الغربية تحدد المعاني وال مجال للحدس‬‫أو التخمين‪ ،‬بينما يرى العرب فيها الكثير من‬ ‫االتساع واإلبهام‪.‬‬

‫ النظرة الغربية تصور العمل الفني كامال في جميع‬‫مراحله وعناصره‪ ،‬على حين عند النقاد العرب‬

‫تغلب عليه الجزئية‪.‬‬

‫أهمية مالحظاته حين قسّ م الجمال إلى قسمين‪ - :‬ال��ن��ظ��رة ال��غ��رب��ي��ة ت���وحّ ���د اإلح���س���اس ال��ج��م��ال��ي‬ ‫للغة والتجربة الشعرية‪ ،‬وتنظر للغة ككائن له‬ ‫الجمال الظاهر ش��أن ال��ح��واس‪ ،‬والجمال الباطن‬

‫شأن البصيرة‪ ،‬ما يعني ابتعاداً عن سذاجة التحليل‬ ‫لمفهوم الجمال كما كان آنفا‪.‬‬

‫شخصية‪ ،‬بينما نجد ال��ع��رب لديهم تصور أن‬ ‫اللغة منفصلة غالباً عن التجربة‪.‬‬

‫وللمضي في تتبع تطور النظرة الجمالية لدى ‪ -‬ال��ن��ظ��رة ال��غ��رب��ي��ة تنظر للشعر ب��وص��ف��ه ظ��اه��رة‬ ‫إنسانية‪ ،‬وللقصيدة بأنها عمل فني متكامل‪،‬‬ ‫الناقد العربي القديم‪ ،‬ال بد من الوقوف عند آراء‬ ‫أبي حيان التوحيدي‪ ،‬في رؤيته لألسس الجمالية‬

‫في النص‪ ،‬إذ اتكأ على عناصر متعددة‪ ،‬كالناحية‬

‫النسبية؛ أي العناصر الحسية‪ ،‬إضافة إلى األثرين‬

‫االجتماعي والشرعي‪ ،‬ليصل في النهاية إلى الفكري‬ ‫والجنسي‪.‬‬

‫بينما نجد أن ابن سينا ينطلق من ثالث غايات‪،‬‬

‫هي‪ :‬خير ونافع ولذيذ‪ .‬واللذيذ ال تصدر عنه غاية‬

‫نفعية‪ ،‬وهذا يوازي ما عند «كروتشه» ‪ -‬أحد أهم‬ ‫أع��م��دة الفلسفة الجمالية‪ -‬لتتحقق ف��ي النهاية‬ ‫مقولة الفن للفن عملياً‪ ،‬السيما لدى كتّاب القرن‬

‫الرابع الهجري‪ ،‬حين اعتمدوا على النثر المصنوع‪،‬‬

‫إض��اف��ة إل��ى تأمل م��واق��ع األل��ف��اظ‪ ،‬واعتماد فنون‬

‫‪14‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫بينما لدى العرب تقل العناية بالقصيدة وتنظر‬ ‫لألجزاء فقط‪.‬‬

‫المنهج الجمالي وحركة النقد‬ ‫الشكل والمضمون‬ ‫ننطلق في هذه الجزئية من تساؤلنا حول الكيان‬ ‫الفني‪ ،‬هل يكون في المضمون‪ ،‬أو في المادة‪ ،‬أم‬ ‫في الشكل؟ وبناء على ذلك يجب أن نفرّق بين‬ ‫المضمون والموضوع‪ ،‬فالموضوع يظل واح��داً‬ ‫وتتغير صورته تبعا للفنان‪ ،‬فهو استجابة الفنان‬ ‫ل��م��وض��وع معين‪ ،‬وق��ي��ل إن��ه م��وق��ف ال��ف��ن��ان من‬ ‫موضوعه ورؤيته للحياة‪ ،‬وتقابله عملياً الصورة‬ ‫أو الشكل وال��ق��ال��ب ال���ذي ي��ص��اغ ف��ي��ه؛ فبدون‬


‫األل��ف��اظ ال يكون ال��ن��ص‪ ،‬فالكاتب ال��ذي يفكر فالفنان يمتلك حرية كاملة‪ ،‬ويجب أال تطغى عليه‬ ‫في الموضوع منفص ً‬ ‫ال عن الشكل أو العكس‪ - ،‬أي الفنان ‪ -‬أي فكرة نفعية؛ لذا‪ ،‬عليه أن يتخفف‬ ‫ل��ن يكتب ل��ه النجاح؛ ف��ـ «ب��رن��اردش��و» تناقصت من االلتزام‪ .‬ومن األدباء العرب مَن يؤيد هذا الرأي‪،‬‬ ‫أهميته بعد أن فقدت أفكاره جدتها‪ ،‬ألنه كان كعباس محمود العقاد‪ ،‬وتوفيق الحكيم‪ ،‬وطه حسين‪،‬‬ ‫يركز على الفكرة دون الشكل أو الوسيلة‪ ،‬بينما ومحمد مندور‪ ،‬وخاصة في كتاباتهم المبكرة‪.‬‬ ‫نجد شكسبير خالداً إلى اآلن‪.‬‬ ‫الجمالية ال تؤمن بالتفسير المادي أو التاريخي‬

‫الحكم على القصيدة‬

‫لألدب؛ ألنه يخضع العمل لعوامل خارجية‪ ،‬وهي ال‬

‫ يرى «برادلي» أن الحكم على القصيدة من الداخل تنظر إلى قضية الصدق الفني‪ ،‬أو أخالق الكاتب‪،‬‬‫أمر مضلل؛ فنحن نقترب إليها من خارجها‪ .‬ومن بل إلى الخلق الفني‪.‬‬

‫أمثلة ذلك شعر «دانتي» و«بيرون» وشعر الهجاء‪ .‬اللغة والجمالية‬

‫‪ -‬اتخذ المنهج الجمالي صورة النقد الموضوعي‪،‬‬

‫اللغة عندهم هي رمز‪ ،‬ال تعبير عن ذات األديب‪.‬‬

‫ورائ��ده « ت س اليوت»‪ ،‬و«إدج��ار ألن بو» الذي وينبغي أن تكون قريبة من الشيء الذي ترمز إليه‪،‬‬ ‫رف��ض ف��ك��رة أن ال��ف��ن تعبير ع��ن النفس‪ ،‬ومن حتى تطابقه مطابقة تامة‪ ،‬ويجب أال يزيد الرمز‬ ‫ال��ذي��ن تبنوا ه��ذا األس��ل��وب ف��ي العالم العربي عن اإلحساس أو العكس؛ ألن النتيجة في الحالة‬ ‫رشاد رشدي‪ ،‬وفاطمة موسى‪ ،‬وفايز اسكندر‪.‬‬ ‫األولى عاطفة مفتعلة‪ ،‬وفي الحالة الثانية غموض‬

‫ بروز مدرسة النقد الشارح‪ ،‬الذي يحصر نفسه وإبهام‪.‬‬‫ف��ي ال��ن��ص األدب���ي‪ ،‬ليتناوله م��ن خ�لال الشرح‬

‫والتفصيل والكشف عن نواحي اإلب��داع‪ ،‬ويمثل المراجع‬

‫ه���ذا االت��ج��اه ك��ل م��ن ش��وق��ي ض��ي��ف‪ ،‬وعائشة‬ ‫عبدالرحمن‪.‬‬

‫ الجماليون ال يريدون للناقد األدبي أن يجول في‬‫األعمال األدبية‪ ،‬ليسجل إحساساته ومشاعره‬ ‫إزاءه����ا‪ ،‬أو ق��ي��اس األع��م��ال بمقاييس خارجة‬ ‫عنه‪ ،‬أو طبقا لقواعد موضوعة‪ ،‬أو نظريات‪ ،‬بل‬ ‫للقوانين األدبية‪.‬‬

‫حرية األديب‬ ‫الجمالية تعمد إلى تحقيق حرية األديب المطلقة‪،‬‬

‫فهي ال تحده وال تلزمه كما يقول «سنت بيف»؛‬

‫ عبد المنعم الحفني‪ :‬موسوعة الفلسفة والفالسفة‪،‬‬‫ط‪ ،2‬مكتبة مدبولي‪1999 ،‬م‪.‬‬ ‫ ع��ز ال��دي��ن إسماعيل‪ :‬األس��س الجمالية ف��ي النقد‬‫العربي‪ :‬عرض وتفسير ومقارنة‪ ،‬دار الفكر العربي‪،‬‬ ‫القاهرة‪2000 ،‬م‪.‬‬ ‫ عصام الشنطي‪ :‬الجمالية والواقعية في نقدنا األدبي‬‫ال��ح��دي��ث‪ ،‬المؤسسة العربية ل��ل��دراس��ات‪ ،‬ب��ي��روت‪،‬‬ ‫‪1979‬م‪.‬‬ ‫ نبيل راغب‪ :‬موسوعة النظريات األدبية‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة‬‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪2003 ،‬م‪.‬‬

‫* شاعر وناقد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪15‬‬


‫عاشق في فرنسا‬

‫دراسة أدبية لمجموعة «مدن العزلة»‬ ‫د‪.‬شريف بقنه الشهراني‬

‫> د‪.‬عدنان الظاهر*‬

‫عنوان الدراسة‬ ‫كيف‪ ,‬ولماذا وقع اختياري على عنوان هذه الدراسة (عاشق في فرنسا)? ألنَّ شريف وألول‬

‫مرة يكتب غزالً وحباً مشوبين بلوعة المحبين‪ ،‬وما يعاني المحب من حرقة الفراق بعد اللقاء‪.‬‬

‫الموضوع يغريني ألنه ‪ -‬في رأيي ‪ -‬المحك الدقيق والمرآة األمينة لرصد مصداقية الشاعر‬ ‫واإلنسان عموماً‪ ،‬والبرزخ أو المعبر‪ ،‬الذي يصب الشاعر خالله أصدق مشاعره‪ ،‬وما يعانيه من‬

‫محب حبه فكيف بشاعر؟! من هي رشا؟ االسم عربي ألنثى‬ ‫ٌّ‬ ‫عذاب الحب والفرقة‪ .‬ال يخفي‬ ‫التقاها‪ ،‬في مدينة أنسي شرقي فرنسا‪ .‬كتب القصيدة في شهر آب «أغسطس» عام ‪2005‬م‪.‬‬

‫المهم أن نعرف أنَّ السيد شريف بقنة يتورط في عالقة حب‪ ،‬من النوع الذي يحصل ويتكرر كل‬ ‫يوم‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬في هذا البلد األوربي أو غيره‪ .‬ما الذي جعل الطبيب شريف يخترق الشرنقة‬ ‫ويتجاوز الخطوط‪ ،‬لينغمر في رومانس سياحي قصير األجل‪ ،‬ال تترتب عليه أي مسؤوليات أو‬

‫التزامات‪.‬‬

‫طفرة‪ ،‬أجلْ‪ ،‬إنها طفرة أو قفزة على مانع‪ ،‬كما يحصل في ميادين الرياضة والمباريات األولمبية‪.‬‬

‫ما تكلم شريف في كتابه األول ال عن امرأة وال عن رومانس‪ ،‬لعل من المناسب أن أذك َر أنَّ شريفاً‬

‫كان حين نشر كتابه األول مجرد طالب في كلية الطب‪ ،‬في حين غدا طبيباً عندما نشر كتابه الثاني‬

‫«موضوع البحث»‪ .‬ترتب على هذا التحول التدريجي في سلّم حياة شريف‪ ،‬تغيّر شديد الوضوح‪ ،‬في‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫تركيبة مزاجه وتفكيره‪ ،‬ثم التزاماته االجتماعية‪ ،‬وربما‬

‫قناعاته السياسية‪ .‬كان شاباً ثورياً ومصلحاً اجتماعياً‬

‫قصيدة انتحارات الماء‬ ‫ما قال شريف المتيّم في رشا؟ هل أغامر بالجزم‬

‫واضح الصوت‪ ،‬عالي النبرة‪ ،‬ناقداً جريئاً ألحوال ناسه أنَّ رش��ا هي أول قصة حب في حياة شريف بقنة‬ ‫ومجتمعه‪ ،‬حتى أنني عبّرت له عن خوفي عليه من الشهراني؟ لو كانت هناك أخرى في حياته ألفصح َ‬ ‫النتائج‪ ،‬وشبّهته بـ «مارتن لوثر» و«نلسون مانديال»؛ ثم أو لتسرّب َ خبرها جهاراً أو رمزاً وتوري ًة أو حتى بزلة‬ ‫تساءلتُ ‪ :‬أيبقى شريف على ثوريته وتمرده‪ ،‬بعد أن يبلغ لسان‪ ..‬وما في القلوب نجده على اللسان أو يظهر‬

‫الخمسين من العمر‪ ،‬وبعد أن يشبع طباً وخبر ًة وماالً؟ في األحالم‪ .‬هل ننسى ما قاله شاعر قبل اإلسالم؟‬ ‫وك��ان تساؤلي في محله؛ إذ بعد مضي ثالثة أع��وام ومهما تكنْ عند ام��رئ ٍ من خليقة ٍ‬

‫ال أكثر (‪2007 -2004‬م) خفّتْ ثورية شريف‪ ،‬بدرجة‬ ‫كبيرة‪ ،‬وخفتت نبرة صوته المحتج وحدّته‪ ،‬كما النت‬ ‫حياته الشخصية والعامة‪ ،‬بعد أن أصبح طبيباً جرّاحا‬

‫يعمل في مستشفى‪ ،‬ويتمتع بإجازات يقضيها في بلدان‬

‫أوربية جميلة‪ ،‬مثل فرنسا‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫وإنْ خالها تُخفى على الناس ِ تُعلم ِ‬ ‫رش��ا هي حب شريف األول‪ .‬ال نعرف هل كتب‬

‫فيها وعنها‪ ،‬بعد لقائه بها‪ ،‬أشعاراً أخرى؟ بالتأكيد‬

‫ستكون رقيقة غزلية‪ ،‬تميل إلى شيء من التصوف‬ ‫والروحانية‪ ،‬كشأن أغلب أشعار الهوى بين الشباب‪،‬‬

‫ل��ك��ي أك���ون ص��ادق��اً م��ع��ه وم���ع ن��ف��س��ي‪ ،‬ال ب���دَّ أن وخاص ًة إذا ما كانت تلك هي تجربتهم األول��ى في‬

‫أق��و َل إنَّ اإلنسان الثائر في شريف احتفظ بشيء عالم ال��ح��ب‪ .‬وأك��ي��د سينأى أكثر بنفسه ع��ن عالم‬

‫من روحه الثائرة‪ ،‬وبآثار من حقده ونقمته على عالم التمرد والسياسة‪ ،‬وسيميل بقوة إلى توظيف ألفاظ‬ ‫الرأسمالية الظالم‪ ،‬وعالم البرجوازية‪ ،‬وإ ْن جاءت في ٍ أكثر رق�� ًة وأع��ذب بياناً وأبعد عن األلفاظ القوية‬ ‫موضع واحد في قصيدة واحدة اسمها (أناشيد موت المكشوفة ال��ت��ي ظ��ه��رت ف��ي كتابه األول‪ .‬وإه���داء‬ ‫منفرد)‪ .‬أنقل ثورة شريف بألفاظه من الصفحة ‪ :62‬شريف قصيدته (إنتحارات الماء) يعزز الكثير من‬ ‫«البرجوازيون‪ ..‬رعاة البقر‪ ..‬طغاة األرض‪ ..‬هكذا‬

‫مزاج عبثي‪ ..‬يُنعشني اليوم‪ ،‬هؤالء البشر! أحتاج إلى‬ ‫غضب ع��ارم للبقاء بينهم‪ ،‬أ ْن تتعلم َ من أي��ن تؤكل‬

‫الكتف! وعلى الجوعى نقمة السماء»‪.‬‬

‫تكهناتي واستنتاجاتي عندما قال «إلى رشا‪ ..‬فقط»‪.‬‬

‫إذاً فهي حبه األول حتى اللحظة‪ ،‬وال نعرف طبيعة‬ ‫تقلبات اإلنسان في قلبه أو معه‪ ،‬فالقلب قلَّب‪ ،‬مشتق‬

‫من التقلب‪ .‬وهنا‪ ,‬إلى رشا فقط‪ ..‬تفرّد بها وعزلها‬ ‫عن باقي النساء‪ .‬بعد مقامة التفرد هذه مباشرةً‪،‬‬

‫ال يحتاج مثل هذا الكالم إلى شروح وإضافات‪ .‬استعار الشاعر ق��والً للشاعر الفيلسوف (طاغور)‬ ‫الكل يعرف مَن هم البرجوازيون‪ ،‬رعاة البقر وطغاة ق��ال فيه‪« :‬كلمة واح��دة تبقى لي في صمتك َ أيها‬

‫األرض!! تعلّم شريف من المتنبي فلسفة التكيّف العالم حين أموت‪ :‬هي أنني قد أحببتُ »‪ .‬كلمة جميلة‬ ‫والتعايش مع الظالم ومَ��ن ال يستحق المعاشرة أو تتطابق تماماً مع حال شريف العاشق‪ ،‬وتستجيب لما‬ ‫الصداقة‪:‬‬

‫ومن نَكد الدنيا على الحر ِّ أنْ يرى‬

‫في داخله من لواعج‪ .‬كان صادقاً مع نفسه‪ ،‬وكان‬ ‫جريئاً‪ ,‬إذ فتح صدره كطبيب جرّاح‪ ،‬ليكشف لنا عما‬

‫ع����دو ًا ل��ه م��ا ِم���ن ْ ص��ـ��ـ��داق��ت��هِ ب ــد ُّ فيه‪ ..‬ها أنذا يا عالم! ليس لديَّ ما أ ُخفيه عنكم‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪17‬‬


‫وليس فيَّ ما أخشاه وأتجنبه!!‬

‫غموض ما يريد التعبير عنه‪ .‬الصراع المرير بين‬

‫(إنتحارات الماء) قصيدة طويلة من ‪ 17‬صفحة م��ا ي��ري��د أن يقوله وم��ا ال ي��ري��د ق��ول��ه؛ بين شعوره‬ ‫(‪ )96-79‬و‪ 22‬مقطعاً‪ ،‬سأختار أجم َل ما وجدتُ فيها الذي يعرفه‪ ،‬وعواطفه التي يجهل كنهها‪ ،‬أو يخشى‬ ‫ترجمتها إلى ألفاظ يكتبها ويقرأها الناس‪ .‬صراع‬ ‫من مقاطع؛ المقطع رقم ‪:2‬‬ ‫مرير‪ ،‬يشق طريقه من خ�لال إلتباسات مختلطة‪،‬‬ ‫ضجيج ٌ وفوضى يع ُّج بهما المكان‪.‬‬ ‫ما بين الغيب والحضور‪ ،‬الباطن والظاهر‪ ،‬المباح‬ ‫كنت بينهم ذات صبيحةٍ صائمةٍ ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والمحظور‪.‬‬ ‫لكأنَّ الحيا َة كانت كلها تكتفي بأرقها في تلك‬ ‫مقطع ناجح‪ ،‬كل ما فيه ينضح توتراً‪ ،‬يفهم قارئه‬ ‫الغرفة الملغّ مة‪.‬‬ ‫طبيعة الجو السائد فيه بإشارات‪ ،‬ال تتكلم من جنس‬ ‫أتسرب بهدوءٍ‬ ‫ُ‬ ‫وما أن تحلينَ برد ًا وسالماً‪ ..‬أُراني‬ ‫(البنتوميما)‪ .‬يحس بهذه األج��واء‪ ،‬وال يعرف كيف‬ ‫بين شقوق البالط‪..‬‬ ‫ال ليس بحاجة إلى تفسيرات‪.‬‬ ‫يفسرها؛ بل إنه أص ً‬ ‫نتماس على حواف ماء ٍ عطشى‪.‬‬ ‫يحس بمجسّ ات الكثير من الحواس المجهولة األصل؛‬ ‫نتالسعُ عن شفاهٍ تُتوّجُ ‪..‬‬ ‫فيستوعب ما يريد هو استيعابه‪ ،‬ال ما يريد الشاعر‬ ‫شفا ُه متعَبة ٌ تلفظ ُ انتقامات أسفار ٍ ِعجاف‪..‬‬ ‫أن يمليه عليه‪ .‬ال يتطابق القارئ والشاعر بالضرورة‪.‬‬ ‫التباسات‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫قُ بلتها أضغاث ُ‬ ‫األفضل أن ال يتطابقا‪ ،‬وأن يظال مختلفين؛ ففي‬ ‫تجتاح ُ أوصالي رغبة ٌ جامحة ٌ لتدمير الطبيعة‪.‬‬ ‫االخ��ت�لاف ج��م��ال وس��ح��ر وخ��ل��ق وق���وة‪ .‬ن��ع��م‪ ،‬الجو‪،‬‬ ‫في هذا المقطع‪ ،‬نجد بُغيتنا فنرتاح كثيراً‪ ،‬ونحمد‬ ‫الطقس واإلي��ح��اء‪ .‬قلتُ وأظ�� ُّل أق��ول إنَّ السريالية‬ ‫ال��ش��اع�� َر ك��ث��ي��راً ونطالبه بالمزيد‪ .‬وه��ن��ا ال يفصح‬ ‫ليست قانوناً واحداً أو ح ّداً مقنناً‪ ،‬إنما هي وسائل‬ ‫ال��ع��اش��ق ع��ن تفاصيل لقائه بمحبوبته‪ ،‬بتعبيرات‬ ‫وآليات شتى‪ ،‬منوَّعة ومتفاوتة‪ ،‬تختلف من شاعر إلى‬ ‫مباشرة مستقيمة الخطوط‪ ،‬ظاهرة المغازي‪ ،‬وإنما‬ ‫آخر‪ ،‬وتتنوّع وتثرى بتنوّع الشعراء‪ ،‬وتعتمد على ثقافة‬ ‫يسلك ال���دروب السريالية وال��رم��زي��ة‪ ،‬وي��غ��وص في‬ ‫الشاعر ودرجة وعيه الشعري‪ ،‬ومكنته اللغوية وعمق‬ ‫أعماق عقله الباطن؛ فيقلب ويتقلّب‪ ،‬وال يتسرّب منه‬ ‫معرفته بنفسه وثقته بوسائله الخاصة‪ ،‬للتعبير عما‬ ‫ومن عقله الواعي‪ .‬إال إش��ارات خاطفة‪ .‬وانتقاالت‬ ‫يجول في عوالمه العميقة الغور‪ ،‬ثم قدرته على ترجمة‬ ‫رشيقة‪ .‬وإيماءات ألوانها خافتة الضوء‪ ،‬وقد أجاد إذ‬ ‫ما في هذه العوالم إلى أشياء ملموسة؛ لكنها عديمة‬ ‫عبّر عن ذلك كله بقوله‪:‬‬ ‫الملمس؛ ومرئية‪ ،‬لكنها ال تُ��رى؛ وناطقة‪ ،‬لكنها ال‬ ‫«أُراني أتسرّب بهدوءٍ ‪ ،‬بين شقوق البالط»‪.‬‬ ‫تتكلم‪ ..‬وإذا تكلمت‪ ،‬فبلغتها الخاصة‪ ،‬التي يتجاوب‬ ‫ليس هو مَن يتسرب بين الشقوق حسب ُ‪ ،‬إنما وكل القارئ معها ويتأثر بها؛ لكنه ال يفهمها وال يفهم ما‬ ‫المدفون عميقاً فيه من مشاعر الحب وهوس التوله يريد الشاعر منها‪ .‬لكل شاعر سرياليته الخاصة به‬ ‫وضربة العشق «النووية»‪ .‬التسرب واالنسياب غير كآلية للتعبير الشعري‪ ،‬ولغة غامضة لترجمة األكثر‬ ‫��از لتحويل ال��ص��وت إل��ى ض��وء ي��راه‬ ‫الواعي‪ ،‬مع قدر قليل من الضبط والمراقبة‪ ،‬ونوبة غ��م��وض��اً‪ ،‬وج��ه ٍ‬ ‫من الحراسة المخففة على طوفان فكره‪ ،‬وجيشان القارئ؛ لكنه يجهل ما وراءه من أص��وات‪ .‬لشريف‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫بقنة سرياليته الخاصة‪ ،‬كشأن باقي الشعراء؛ هي‬

‫أعود من سياحتي لشريف الشهراني‪ ،‬ألقرأ ما قال‬

‫بصمات أصابع يديه‪ ،‬التي ال تتكرر وليس لها من في سطور هذا المقطع‪ ،‬وما تسرب بين السطور‪ ،‬وما‬ ‫شبيه أو نظير؛ هي جيناته الخاصة به‪.‬‬ ‫المقطع رقم (‪)5‬‬ ‫«جبلت ِ من ضلعي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يا أناي‪..‬‬

‫فاته أن يقول‪ ،‬وما خشي َ أ ْن يقول‪ .‬من نافلة القول أن‬ ‫أذكر أنَّ الشاع َر يُحيلنا لما قرأناه في تراثنا‪ ،‬وغيره من‬

‫قصة خلق حواء أمنا األولى أو جدتنا من أحد أضالع‬ ‫بلت من ضلعي»‪ ..‬هي إذاً حواء زوج آدم‬ ‫جدنا آدم «جُ ِ‬ ‫خرجت منه‪ .‬شريف يريد أو يتمنى أن تكون (رشا)‬

‫أحبّك ِ قلَق ًا وجودي ًا يحققني كل َّ مرّة‪..‬‬

‫زوجه وبعضاً منه‪ ،‬وهذا شيء جميل ونبيل‪« ،‬أحبّك‬

‫بك‬ ‫وأتصو ُّف ِ‬

‫الوجودي‪ ،‬وفض ُل شيوعه وانتشاره يعود كما هو معلوم‬

‫أحبّك ِ وجد ًا أصلي ًا‬

‫قلق ًا وجودياً»‪ ..‬شاع كثيراً في زماننا تعبير القلق‬

‫للوقت والفراغ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫في هذا التوفر األبدي‬

‫لجان بول سارتر وغيره من فالسفة الوجودية‪ .‬القلق‬

‫ال أجدُ عم ًال أفضل َ من بقائي جالساً»»‬

‫الوجودي ما هو إال قلق اإلنسان نفسه‪ ،‬مكبّراً مئات‬

‫ّات‪ ،‬مع الكثير من المبالغة وبعض‬ ‫تتجلى‪ ،‬هنا ثانيةً‪ ،‬شعرية شريف الشهراني‪ ،‬وتفرّد أو ربما آالف المر ٍ‬ ‫أساليب نهجه السريالي‪ ،‬التي لوال هذا التفرد‪ ،‬لما النرجسية‪ ،‬ومحاولة التخلص من مشاكلنا الخاصة‪،‬‬ ‫كان الشاعر شاعراً أبداً‪ ،‬ولن يكون‪ .‬شريف‪ ،‬شاعر بتعليقها على مشجب الزمان أو الكون والوجود‪ ،‬أو‬ ‫التفعيلة‪ ،‬ال يمكن أن يكون سرياليا أبداً؛ ألنه مقيد ترحيلها لمكان وزم���ان آخ��ري��ن‪ ،‬للتخفيف م��ن ثقل‬

‫بقالب وصفيحة (تنكة) التفعيلة المعدنية المحددة وطأتها على كواهلنا الضعيفة‪ .‬إنه قلق الشاعر الغارق‬ ‫المساحة والزوايا واألضالع‪ ،‬التفعيلة سجن فسيح‪ ،‬في عشقه حتى إلى ما فوق أذنيه‪ ..‬قلقه عليها عند‬ ‫وليس زنزانة سجن إنفرادي‪ ،‬ونزيلها ليس محكوماً أي ف��راق! محنة حقيقية يعايشها الشاعر الطبيب‬ ‫بالشنق حتى ال��م��وت؛ فيها فتحة دائ��ري��ة صغيرة ال��ش��اب‪ .‬ثالثية‪ :‬القلق ال��وج��ودي ‪ +‬ال��وج��د األصلي‬

‫للتنفس‪ ،‬وإمكانية متواضعة لرؤية الشمس والسماء‪ + .‬التصوف‪ .‬ليس من باب العبث أن يجمع الشاع ُر‬ ‫أقرر هذا الكالم‪ ،‬وأتحمل عتاب أصدقائي‪ ،‬وهم كُث ٌر عناصر هذا الثالوث‪ ،‬وهو يستحضر طقوس عالقته‬ ‫من شعراء التفعيلة‪ ،‬الذين كانوا ثوريين ج��داً‪ ،‬يوم برشا‪ ،‬وجميل أي��ام��ه‪ .‬راح يدخل رأس��ه في دهاليز‬ ‫الممضة‬ ‫ّ‬ ‫ت��م��ردوا‪ ،‬وأعلنوا العصيان على بحور الفراهيدي؛ روحية‪ ،‬لعله يجد فيها بلسماً وط ّباً لمعاناته‬

‫فهدموها تفعيل ًة تفعيلةً‪ ،‬وفتحوا أسوارها العالية‪ ،‬الموجعة‪ .‬ه��ذا سبيل م��ع��روف منذ ال��ق��دم‪ ،‬للهرب‬

‫وصفق لهم شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية‪ ،‬مما نواجه من مشاكل وإشكاالت‪ ،‬الهرب من خطر‬ ‫حيث انتصرت ه��ذه ال��م��درس��ة بشكل س��اح��ق‪ ،‬وإ ْن غير قاتل شاخص ٍ أمامنا‪ ،‬واللجوء إلى خطر موت‬

‫س��م��ح��ت للشعر ال���م���وزون ال��م��ق��فّ��ى ب��ه��ام��ش ضيق أكيد‪ ،‬غير شاخص أو ال نراه‪ .‬هذا الكالم لشكسبير‬

‫محدود للتنفس‪ ،‬ثم للتأريخ والعرض في المتاحف‪ ،‬وليس لي‪ .‬التصوف هو االنكفاء على الذات الواعية‪،‬‬ ‫من باب تقديس الذكريات الجميلة‪ ،‬والمحافظة على وااللتفاف على شبكة الحواس البشرية‪ ،‬في مسعى‬

‫الموروث!!‬

‫ليس بريئاً تماماً‪ ،‬لتعطيلها كما يعطل طيرا ُن العدو‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪19‬‬


‫شبكة رادارات ع��دوه‪ .‬نعطل حواسنا للتخلص من‬ ‫اإلحساس بالمعاناة‪ .‬تخدير الجلد والعصب بالترياق‬

‫لجة النور‬ ‫بعد السماء التاسعة في ّ‬ ‫ترقص ُ قدماك ِ على سقف الجنّة‬

‫والحشيش الصوفي‪ .‬مصيبة العشاق كبيرة‬ ‫األمد‬ ‫ِ‬ ‫«يخشون من جزع ٍ للذتهم أن ال تكونَ طويل َة‬

‫رشو‪..‬‬ ‫إيه ٍ ّ‬

‫‪ /‬لألخطل الصغير»‪.‬‬

‫جسدك‪!..‬‬ ‫ِ‬ ‫ذهل في‬ ‫يا لهذا الكسل المُ ِ‬

‫أج����د م���ص���داق م���ا س������ردتُ ل��ل��ت��و م���ن ت��ك��ه��ن��ات‬

‫واس���ت���ط���رادات‪ ،‬ف��ي ال��س��ط��ور األرب��ع��ة األخ��ي��رة من‬

‫المقطع الخامس‪:‬‬

‫«كنت أبحث ُ عن وعي ٍ ما‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫أتفحص ُّ أداة َ وعي ِّ‪..‬‬ ‫أُطمئن ُ سريرتي‪..‬‬ ‫‪ ..‬لكنني دائماً‪ ..‬أغووور»‪.‬‬ ‫يبحث الشاعر‪ ,‬ال��ذي التجأ لعالم الروحانيات‬

‫والتصوف‪ ,‬عمّا فقد من وعي‪ ,‬لكنه ال يجد ضالته؛‬

‫فيشكك في وسائل بحثه عن وعيه‪ ،‬لكي يريح ضميره‬ ‫ويبرئ ذمته أمام نفسه؛ فتداهمه الصدمة القاسية‪ :‬ال‬

‫يجد شيئاً باقياً من وعيه فينزلق في أعماق التيه أكثر‬

‫فأكثر‪ ،‬ويظل يغور حتى بلوغ حدود العدم الوجودي‪ ،‬ما‬ ‫يلفت النظر إلى الكيفية التي بها كتب الفعل (أغور‪..‬‬

‫أغووور)‪ ،‬الغور ثم الغور حتى األعماق!‬

‫وتسيل ُ أنفال أفالك‪..‬‬

‫سَ كَن ٌ يشبه ُ ثمل السماء‪ ،‬قبل الغروب‪..‬‬ ‫عند األفول‪.‬‬ ‫وتنعسين‪..‬‬ ‫أي فضول ٍ يمألني ألعرف َ فقط‪..‬‬ ‫كيف تفكِّ ر ُ تلك العينان في هذه الدنيا‪..‬؟!»‪.‬‬ ‫«ي���ا ب��ع��د ع��م��ري»‪ ،‬تعبير غ���ارق ف��ي العاطفية‬

‫��ال ونفيس‪ ،‬من أجل‬ ‫واالستعداد للتضحية بكل غ ٍ‬ ‫المعشوق‪ .‬يقول العراقيون «ي��ا بعد ع��ي��ن��ي»‪ ..‬يا‬

‫عزيز ال��روح يا بعد عيني‪ ..‬التي تعني ‪ -‬من بين‬

‫ما تعني‪ -‬أني أفدي المخاطب بعيني‪ ،‬أو أنها فدا ًء‬

‫له‪ .‬وه��ذا تماماً ما ذهب إليه الشاعر السعودي‪،‬‬ ‫في قوله القريب من العراقي‪ ،‬من حيث المغزى‬

‫والمعنى‪ .‬كذلك تقوله األمهات لألبناء في العراق‪،‬‬

‫أو يقوله الواحد منا لعزيز عليه‪« .‬يا بعد عمري»‪..‬‬ ‫تعبير ي��أخ��ذ بمجامع ال��ق��ل��وب لبساطته وب��راءت��ه‬

‫وعفويته‪ ،‬وما فيه من حرارة صادقة‪ ،‬وانفتاح صدر‬

‫ه��ل عرفنا ل��م��اذا ذه��ب الشاعر م��ن ال��ح��ب إلى في مخاطبة المعشوق‪ .‬ال يكتفي شريف بتقديمه‬ ‫ال���ت���ص���وّف؟ ه���ل ه���و م���ن ق��ب��ي��ل ع��ش��ق ال��م��ت��ص��وف��ة‪ ،‬عمره قرباناً لحبيبته رشا‪ ،‬إنما يقرِّب لها أكثر من‬

‫ومحاوالت االندماج والحلول المتبادلة فيه؟ أقول تقدمة‪ :‬يضيف لعمره حزنه فيها ومن أجلها ونهاره‬ ‫نعم‪ .‬حقق الشاعر ما يروم من نجاح‪ .‬ربط ٌ محكم والنجوم‪..‬‬

‫ومحاولة موفّقة‪ ،‬من حيث الفكر والمنحى والشعر‪.‬‬

‫نشهد في السطور األخرى من المقطع الثامن‬

‫أنقل ُ أج��زا ًء جيدة‪ ،‬تخدم أغراض دراستي‪ ،‬من تعبيرات واض��ح��ة‪ ،‬ت��دل على إنتقال الشاعر إلى‬ ‫المقطعين السادس والثامن‪:‬‬ ‫ملكوت الليل‪ ،‬وفي الليل يهجع الناس وي��أوون إلى‬ ‫«يا بعد عمري‪..‬‬ ‫بعد حزني‪ ،‬بعد النهار‪..‬‬ ‫بعد النجوم العذارى الفارعات‪..‬‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫ف��راش��ه��م‪ .‬ك��ل��م��ات قليلة واض��ح��ة ال����دالالت مثل‪:‬‬ ‫الكسل‪ ،‬وال��سَ ��ك��ن أو ال��س��ك��ون‪ ،‬وال��ثَ��مَ��ل‪ ،‬واألف���ول‪،‬‬

‫والنعاس‪ .‬الحبيبة في فراشها‪ ،‬يحوم العاشق حول‬


‫�لا ع��ن محبوبته‪ ,‬إذ خاطبها‬ ‫سريرها محاوالً معرفة «كيف تفكّ ر تلك العينان ال��م��ح��ب نفسه ق��ل��ي ً‬ ‫في هذه الدنيا!»‪ .‬النائم كذلك يفكر ويحلم‪ ،‬والحلم بالقول‪« :‬يا بنتُ »‪,‬خاطبها باللفظ غير المُعرَّف‪..‬‬

‫تفكير‪ ،‬والنائم يتكلم‪ ،‬ويجهر في كالمه أحياناً‪.‬‬

‫المقطع ‪13‬‬

‫بدل أيتها البنتُ ‪ .‬أفسر ذلك بأنه يتأهب إلحساس‬

‫ما قد يقع من أذى أو فراق‪ .‬وضع فضا ًء مكانياً بينه‬ ‫وبين رشا‪ ،‬فسحة نفسية مكانية خالية‪ ,‬لكنها ليست‬

‫ف��ي ه���ذا ال��م��ق��ط��ع‪ ،‬يبلغ ال��س��ه��م المنطلق م��داه من الفراغ على أي حال‪ ،‬بقعة محايدة‪ ،‬قد يتدخل‬ ‫األق��ص��ى‪ .‬ي��ت��وحّ ��د ال��ش��اع��ر ال��ع��اش��ق م��ع المعشوق؛ الزمن فيردم هوة المكان ه��ذه‪ .‬فيلتئم الجمعان‪،‬‬ ‫والمعشوق بشرٌ‪ ،‬أنثى إسمها رش��ا‪« ،‬رش��و» تدليالً‪ .‬للتصوف هنا حضور ق��وي ج��داً‪ ,‬وه��و امتداد لما‬ ‫يتوحّ د أو يتح ّد بها إتحاداً سرمدياً إفنائياً‪ ،‬والفناء هو رأينا في مقاط َع سابقة‪ .‬يتكلم الشاعر هنا عن‬

‫الموت‪ .‬لكأنَّما قال الشاعر فيما سبق تمهيد ٌ وتوطئة الغيب والنزول‪ .‬ذكر ال��روح والتوحّ د‪ ،‬بل والتوحّ د‬ ‫لمضمون هذا المقطع‪ .‬إنه يتدرج في خطوات مقننة السرمدي‪ .‬ثم ذكر الموتَ فتذكّر جنة حيث المست‬ ‫محسوبة بدقة‪ ،‬يعرف أواخرها كما يعرف أوائلها‪ .‬سقفها أقدا ُم حبيبته في المقطع السادس‪.‬‬ ‫وال من عجب؛ فالشاعر طبيب‪ ..‬والطب علم‪ ..‬والعلم‬ ‫جُ لَّ المقطع الرابع عشر كالم مقتبس من الشاعر‬ ‫تفكير وتخطيط وبرمجة ثم تنفيذ‪.‬‬ ‫األلماني راينر ماريا ريلكة‪ ،‬وجد الشاعر فيه ما‬ ‫سأكتب المقطع م��ع إه��م��ال الكثير م��ن النقاط يتطابق مع أوضاعه النفسية وما في قلبه من حب‬

‫التي حرص الشاعر على وضعها في الكتاب وال أرى ووجد الذي «من فرط خشيته من الفقدان‪ ،‬يبدو‬ ‫للغالبية العظمى منها أي أهمية‪.‬‬ ‫عاجزاً عن امتالك سعادته»‪ ،‬هذا كالم ريلكة‪.‬‬ ‫بنت‪..‬‬ ‫«يا ُ‬

‫يبدأ فراق الشاعر لمن أحب في المقطع الثامن‬

‫إنني أحبك ِ غيب ًا أتقمصهُ‬

‫عشر وما بعده‪ .‬مقابلة ستكون دون ريبَ طريفة‪.‬‬

‫توحد ٌ ناجزٌ‬ ‫أحبك‪ّ ..‬‬ ‫ِ‬

‫ينقلب الشاعر من حال العشق االندماجي الصوفي‬

‫أحسست فيها‬ ‫ُ‬ ‫أحبك لدرجةٍ‬ ‫ِ‬

‫العالم‪ .‬وضع في مقاطع الفراق كل حزنه وقنوطه‬

‫خَ دَر ٌ تسرّب َ من الجنةِ ‪ ،‬فأبا َد كلَّ حواسي‬

‫وت��أث��ي��رات سبعة عشر مقطعاً‪ ،‬خصصها للحب‬

‫ِ‬ ‫رأيت روحي في‬ ‫أحبك‪ ،‬حتى ُ‬ ‫ِ‬ ‫نُزُ ًال حميد ًا‬ ‫روحك وجه الحياة الثاني األسود في مقابل الوجه األبيض‪.‬‬ ‫إنتحارات الماء‬ ‫الفراق وم��ا أقتله وأصعبه على قلوب المحبين!!‬ ‫توحد ٌ سرمدي ٌّ‬ ‫ّ‬ ‫أموت‬ ‫ُ‬ ‫أنني‬ ‫‪ ..‬كان َ مهرُ ها إوزّة ٌ من زجاج!»‪.‬‬

‫بالمحبوب‪ ،‬إلى حال الالطم الباكي‪ ،‬وكأنها نهاية‬

‫وس��واد لياليه‪ ،‬فجاءت بالحق‪ ،‬تعادل وتلغي آثار‬ ‫والرومانس‪ .‬سأختار أج��زا َء قصيرة من المقاطع‬

‫مقطع جميل مفع ٌم باإليحاءات والصور الشعرية‪ 18 ,‬و ‪ 22‬المتبقية ألنني ال أستطيع احتمال ما‬ ‫وجزَع‪ .‬كيف ينهار‬ ‫م��رس��وم��ة ب��ري��ش��ة وض���رب���ات أص��اب��ع ال��ش��اع��ر‪ ,‬ال جاء فيها من حسرات ثقيلة وه ٍّم َ‬ ‫بأصاب َع غيره من البشر‪ .‬بصمات أصابعه واضحة الطبيب الجرّاح‪ ،‬وفي مشارطه ِجراح ودماء البشر‬

‫تدل عليه‪ ,‬وترسم في اللوحة كل ما فيه هو‪ .‬أبعد م��ن م��رض��اه؟ س��أدم��ج األج���زاء القصيرة ببعضها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪21‬‬


‫ليكو َن وقعها أكبر وأشد إيالماً‪.‬‬ ‫طاعن في النيل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫«صمت‬ ‫ٌ‬ ‫مر ًة أخرى في حجرتي‪،‬‬ ‫أُراني أعرّبدُ وحيد ًا‬

‫بقسوة ٍ ‪ ..‬تسحقني نفحة ُ روح ٍ خامدة»!‬ ‫جموع وم��رارة وموت غير م��رّة‪ .‬ذكريات الحبيبة ال‬

‫تفارق مخيلة الشاعر‪ .‬يتهيأ له أنَّ رائحة عنقها ما زالت‬ ‫عالق ًة أو متخلل ًة نسيج كوفيته‪ .‬لعلها جففت دموع الوداع‬

‫أنفث في أنايَ ماءَها‬ ‫خفقت ُ‬ ‫ُ‬

‫بهذه الكوفية‪ ،‬أو ألقت برأسها على كتفه‪ - ،‬والكوفية‬

‫بوهج رتيب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الشمس تشرقُ‬ ‫َ‬ ‫غي َر أنَّ‬

‫كل ُّ شيء حوله‪ .‬كل شيء‪ ..‬بينما وع َد «هاملت»‪ ،‬أمير‬

‫أرقدَ‪ ..‬قفر ًة أخرى‬

‫وليس كل َّ شيء‪ .‬ليتَ أم َر شاعرنا ينتهي بالدموع حسبُ ‪،‬‬

‫أُبلل كلَّ شيء ٍ حولي‬

‫تتدلى على الكتفين عاد ًة ‪ -‬والدموع تغرق المكان‪ ،‬فيبتّل‬

‫تبخرُ ما بقيَ منها‬ ‫ّ‬

‫الدنمارك‪ ،‬مهدداً أ ْن يُغر َق المسر َح بالدموع‪ ،‬المسرح‬

‫رائحةُ عُ نقها في كوفيته‪،‬‬

‫لَ ُكنّا جففناها بمناديل الحرير ب��دل كوفيات القطن‪،‬‬

‫مرات»‪.‬‬ ‫فيموت سبع ِ‬ ‫ُ‬ ‫يتلثّمها‬

‫وواسيناه وخففنا عنه من وطأة مصابه‪ .‬لكنه يرى نفسه‬

‫الدجال‬ ‫ّ‬ ‫«مشهدُ جنازتي يمشي وراءها أعو ُر‬

‫إثر الفراق ميتاً محموالً في تابوت‪ ،‬واألع��ور الدجّ ال‬

‫«يا ابن عُ رْس!‬

‫المسيحي وهناك األعور الدجّ ال في التراث اإلسالمي‪،‬‬

‫ك ٌ‬ ‫َفن من غزل ِ دودةِ قز ٍّ خنثى‪ ،‬يرفعُ رف��اتَ أمنيتي أح�� ُد مشيعيه‪ .‬م��ا رم��ز ه��ذا األع���ور بالنسبة لشريف‬ ‫الوحيدة»‪.‬‬ ‫الشاعر المقتول حباً؟ هناك المسيح الدجّ ال في التراث‬ ‫وألتمس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وجهك‬ ‫َ‬ ‫ولتحرق النا ُر ما َء‬

‫الذي يعني المهدي المزيّف‪ ،‬ال المهدي الحقيقي‪ ،‬الذي‬

‫لدي أية ُ حيلة ٍ أو وسيلة ٍ أو احتمال‪..‬‬ ‫ليس َّ‬

‫في األرض‪ .‬وكثرة أولئك الذين ادعوا النبوة في سالف‬

‫تباريح أحالمي‬ ‫ِ‬ ‫في‬

‫أو شانئيه أو غرمائه‪ ،‬أو إنه رجل بعينه ال يوده الشاعر؟‬

‫أعاودُ النكاية َ كلَّ فينة ٍ وضحاها‬ ‫«حتى في انحرافات ال وعيي‬

‫الزمان وكلهم كانوا عوراً دجالين‪ .‬هل هو أحد حاسديه‬

‫الموت‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫في أثير خَ دَري‪ ،‬على حافة‬

‫لقد ذكره شريف بصيغة (أعور الدجّ ال)‪ ،‬وهي صيغة‬

‫ال يمكنُ لهبائي أنْ يحوم حول أُنثى سواها!‬ ‫كم تخبّلني عندما تخرجُ عن النص بعفوية الحاذقة‬ ‫‪..‬‬ ‫وتبر ُأ زجاجة ُ روحها‬ ‫أحبك يا بعدْ عمري)‬ ‫ْ‬ ‫تترقرق ُ (من جَ د‬ ‫وأنا أبتهلُ إلى الله عشقك ِ‬ ‫أنا أستحي إلى اللهِ عشقك ِ‬ ‫لت‬ ‫قح ْ‬ ‫فما قلبي غير صبخة ملح ٍ قد ُ‬ ‫تنبتين منها كزهرة ِ توليب‬ ‫تحبينني‪ ..‬تحبينني بكل تلك القسوة ِ !‬

‫‪22‬‬

‫ينهض في نهاية التاريخ‪ ،‬إلحقاق الحق‪ ،‬وإقامة العدل‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫مخطوءة في نظري‪.‬‬

‫ُرس! هكذا يرى الشاعر نفسه‪ ،‬وقد فارق‬ ‫يا ابن ع ٍ‬

‫معشوقته‪ .‬ال شيء‪ .‬حيوان بائس بسيط من فصيلة‬ ‫الجرذان أو الفئران أو السناجب يتنقل بين باسقات‬

‫النخيل‪ ،‬سعياً وراء رزقه‪ .‬استعار هذا الحيوان رمزاً‬

‫لبؤس حاله‪ ،‬وقد فارق الحبيب‪.‬‬

‫أحبك يا بعد عمري‪ /‬المقطع ‪ 21‬في‬ ‫ْ‬ ‫«من جَ د‬ ‫ِ‬

‫الصفحة ‪ ..»95‬كررها للمرة الثانية؛ فجاءت دافئ ًة‬ ‫صادقة‪ ،‬كما في المرة األولى‪ .‬يا بعد عمري‪ ..‬تعبير‬


‫شعبي جميل‪ ،‬شائع على ما يبدو‪ ،‬يضع الشاعر فيه ال يزا ُل يعيش ُ غُرب ًة مأساوي ًة مع الله والكون)‪.‬‬ ‫كلَّ ما في قلبه من طاقات الحب والوفاء والحنين‬

‫نفهم من هذا الكالم شديد التركيز أن َّ الشاعر‬

‫ب��راءات اختراع؛ يكتبها‪ ،‬كأنه يغنيها‪ ،‬والغناء طربٌ‬

‫الكعبة‪ ،‬ألداء فريضة الصالة‪ ،‬أو ألداء مناسك الحج‬

‫للمحبوبة‪ .‬إنه بهذا المثال وغيره القليل من أمثاله‪ ،‬واإلنسان فيه محافظان على أداء الشعائر والواجبات‬ ‫في الكتاب سجلَّ الشاعر‪ ،‬ماركات مسجّ لة باسمه‪ ،‬المفروضة على الرجل المسلم‪ .‬فهو يتجه صوب‬ ‫وال��ط��ربُ أق��ص��ى درج���ات ال��س��رور‪ .‬ح��ب��كَ ووف���اؤك أو ال�� ُع��م��رة‪ ،‬بخشوع واب��ت��ه��ال وت��واض��ع‪ ،‬ف��ي حضرة‬ ‫يدهشني ي��ا ش��ري��ف ال��ش��ه��ران��ي‪ ،‬وق��د أب��دع��تَ في خالقه‪ ،‬ينتصب هذا المسلم المثالي‪ ،‬وقد فرغ من‬

‫التعبير عنهما معاً‪ ،‬وبجدارة رغم صعوبة الموضوعات ص�لات��ه ومناسكه أم��ام��ن��ا ف��ج��أةً‪ ،‬ليعلن بكل ج��رأة‬ ‫وعسرة الوسائل للتعبير عنها‪ ،‬فالشعور بالشيء أمرٌ‪ ،‬ووض���وح أن��ه ف��ي ش���كّ ‪ ٍ،‬وإن��ه يشعر بالعزلة والبعد‬ ‫والتعبير عنه باأللفاظ أم�� ٌر آخ��ر‪ .‬هذه هي معضلة عن ال��ك��ون!! صرخة عميقة خافتة الجرس رهيبة‬ ‫الشعراء ومحنتهم‪ :‬كيف يحوِّلون مشاعرهم ورؤاهم النتائج‪.‬‬

‫إلى ألفاظ‪ ،‬هي كلمات من ح��روف صائنة تلتقطها‬ ‫آذان ُ البشر‪ ،‬وصوت الحرف ظاهرة فيزيائية محددة‪،‬‬ ‫لك ْن كيف مطابقته باإلحساس الذي ال يتكلم وليس له‬

‫حروف مسموعة‪ ..‬تلك هي المشكلة‪.‬‬

‫العزلة‪ /‬الغربة‪ /‬الفراغ‪ /‬التشاؤم‬

‫المثال الثاني على تشاؤمية هذا الشاعر‪ :‬وجدته‬

‫كذلك كمقدمة وضعها لقصيدة (تدليس الرتابة‪/‬‬ ‫الصفحة ‪ .)101‬هذه المقدمة‪ ،‬اقتباس حرفي من‬

‫«كولن ويلسون»‬

‫(وما الذي يمكن أنْ نطلبه من هذا الكوكب الشقي‬

‫بعد سياحتنا الطويلة م��ع (رش���ا) و(إن��ت��ح��ارات ال��ذي تتسكع فيه سوداويتنا وكآبتنا ع��دا األفكار‬ ‫ال��م��اء)‪ ،‬رأي��تُ أن ألخّ ص َ أب��رز دفائن روح الشاعر الشاحبة التي قد تساورنا عن هذه اللحظة؟)‪،‬‬ ‫وهواجسه‪ ،‬فوجدتها ُ تتلخص في‪ :‬الشعور بالعزلة‪/‬‬ ‫الغربة‪ /‬الفراغ‪ /‬التشاؤم‪ .‬ثمّة َ أم ٌر آخ ُر ال عالقة َ له‬

‫بهذه الموضوعات‪ ،‬أال وهو كثرة االقتباسات‪.‬‬

‫السوداوية والكآبة وشحوب األفكار‪ ..‬تلكم أعباء‬

‫الشاك‪ ،‬المنقسم‬ ‫ّ‬ ‫ثقيلة ينوء بها كاهل الشاعر‪ ،‬المفكر‬

‫على نفسه‪ ،‬بين مؤمن ومرتاب‪ .‬الكآبة والسوداوية‪،‬‬

‫س��أذك��ر ن��م��وذج��ي��ن ق��وي��ي��ن ي��ع��ب��ران ع��ن ع��م��ق روح هما طبياً المالينخوليا التي يعرفها األط��ب��اء قبل‬ ‫ال��ت��ش��اؤم ف��ي ال��ش��اع��ر‪ ،‬ج��اء األول كمقدمة لقصيدة غيرهم وأفضل منهم‪.‬‬

‫(إستسقاء لقلبي‪ /‬الصفحة ‪ .)68‬وضع هذه المقدمة‬

‫ف��ي كتاب (م��دن العزلة) الكثير م��ن اإلش���ارات‪،‬‬

‫بين أقواس لكنه لم يبين هل هي مُقتبسة عن غيره أم الدالّة على الحزن والغربة والتشاؤم‪ ،‬أجد كفايتي‬ ‫إنها خاصة به؟‬ ‫فيما قدمتُ من أق��وال للشاعر نفسه‪ ،‬أو فيما قد‬ ‫(ع��ل��ى ال��رغ��م م��ن دم��ع��ات ِ ن��اع��م��ات ٍ ن��اع��س��ات ٍ‬

‫اقتبس من س��واه‪ .‬وع��ن��وان الكتاب ليس ببعيد عن‬

‫تترقرق ُ على وجنتيه ِ كلما استقبل َ الكعبة‪ ..‬إال أنه مضمون هذه األقوال والمقتبسات‪.‬‬ ‫* د‪ .‬وناقد عربي في ألمانيا‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪23‬‬


‫ال شيء هنا‬ ‫حتما ستعرفين كيف تُبعدين األشياء الحارقة عن‬ ‫ُكوّرين ك��رات لهبك وتزيحينها‬ ‫السطح‪ .‬تعرفين كيف ت ِ‬ ‫للجوف‪ ..‬ال‪ ..‬بل ألقصى نقطة هناك في الداخل‪ ،‬ربما‬ ‫بجانب الرحم الذي شال صغيرتك يوما‪ .‬ربما تتمرد تلك‬ ‫األشياء وتتكور على نفسها بعنكبوتية شديدة‪ ،‬وتصنع من‬ ‫نفسها خاليا تتمدد وتستطيل‪ .‬حتما ستفعل ذلك‪ .‬تجيد‬ ‫وادعيت واهمة‬ ‫ِ‬ ‫التَّكور تلك األشياء التي تجاهلتها دوما‪،‬‬ ‫أال شيء هناك‪ ..‬هناك ال ش��يء‪ ..‬فستان العيد القديم‬ ‫الذي أصلحته لك أم��ك‪ ..‬وهللتْ بفرح‪ :‬شفتي بقى زي‬ ‫امتعضت في يأس وأخذته من يدها وارتدته‬ ‫ِ‬ ‫الجديد‪..‬‬ ‫بضيق ال يليق بجمال وبهجة العيد‪ .‬دموع أمك أمام الفرن‬ ‫تكوّر كرات اللهب وتُلقيها في العين الملتهبة‪ ..‬وتُعدد‬ ‫وهي ِ‬ ‫عدودة حزنها المقدس‪.‬‬ ‫أم��ي تغطيني بشعر ال���راس وت��خ��اف علي م��ن كالم‬ ‫الناس‪.‬‬

‫قصص‬ ‫قصيرة‬ ‫‪24‬‬

‫ي��ده��ا الضعيفة وه��ي تتحسس ال���ورم ال���ذي يأكل‬ ‫جوفها‪ ،‬وبكاؤها ألبيك أن يذهب بها إل��ى الطبيب في‬ ‫المدينة‪ .‬وانكساره ألن��ه يفتح محفظته ذات الكباسين‬ ‫الفضية الالمعة فال يجد فيها نقودا تكفي للسفر؛ فترتد‬ ‫النظرة خائبة وي��ق��وم م��ن أمامها‪ .‬األل��م الرهيب ال��ذي‬ ‫صاحب أيامها األخيرة‪ .‬حاالت تقلص المعدة التي تنتابك‬ ‫وأنت تغسلين لها جسدها من أثر التغوط والتبول‪ .‬ضغط‬ ‫عماتك على أبيك أن يتزوج بامرأة أخرى تحمي شبابه‬ ‫الذي ما زال غضا‪.‬‬ ‫بكاؤك الليلي وأنت تتسمعين لصوت امرأة أبيك وهي‬ ‫تحرضه ض��دك‪ ،‬وتقول له‪ :‬البنت كبرت وممكن تجيب‬ ‫لكم العار‪.‬‬ ‫وردة ذابلة وسط كتاب النصوص الذي لم يَ ُه ْن عليك‬ ‫إلقاؤها بعد أن دسها لك الولد النحيل‪.‬‬ ‫سطور بعينها في رواية أنا كارنينا‪ ،‬حين أخذها منك‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫> هويدا صالح*‬

‫ذاك الشاب الذي رافق دراستك ولم يستطع أن يرافق‬ ‫روحك‪ ،‬وأبعدته بعند ال يليق برهافة امرأة ا َدّعتْ أال شيء‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫حزنك الدائم الذي سكن روحك ألنك لم تعطه فرصة‬ ‫يوما للبوح؛ فاكتفى بوضع خطوط باهتة بقلم رصاص‬ ‫أسفل سطور؛ لتخبرك عن خجله‪ ،‬واحتراقه من أجلك‪.‬‬ ‫ال شيء هناك‪ ،‬سوى تنهيدة حارقة‪ ،‬وأنت تتذكرين‬ ‫أمك‪ ،‬واألعياد تمر‪ ،‬والمرأة زوجة أبيك تتسسل بهدوء‬ ‫إلى كل المساحات التي تركتها أمك‪.‬‬ ‫ال شيء هناك وصوت عماتك يتآمرن ضدك؛ حتى‬ ‫يدفنك أبوك داخل حظيرة ابن عمك‪.‬‬ ‫ال شيء هناك سوى صوت أبيك‪ ،‬وهو يوصيك أال‬ ‫فظللت قيدا ورقيبا على ذاتك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫تمرّغي شاله في الوحل؛‬ ‫ِ‬ ‫حتى ال يشعر ه��و بالهزيمة أم��ام إخ��وت��ه ال��ذي��ن كرهوا‬ ‫خروجك للمدرسة والجامعة‪.‬‬ ‫تزوجك‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال شيء هناك‪ ،‬هناك ال شيء سوى رجل‬ ‫وأغرقك بحنانه وعطفه‪ ،‬واعترف بحقك في الحياة‪ ،‬لكن‬ ‫روحه سلبتها كائنات ما تسللت إليه عبر القسوة والقهر؛‬ ‫فلم يزد على الصمت‪ .‬ما ذنبه هو‪ .‬فقط هو أصابه صمت‬ ‫لك‪ ،‬لكنه صمت؛ ففقدت بقية‬ ‫وحزن‪ .‬ربما غير مبررين ِ‬ ‫روحك أمام عطفه وصمته غير المبرر‪.‬‬ ‫ال شيء سوى صغيرة تظل تتعلق في جلبابك البيتي‬ ‫كلما فكرت بينك وبين نفسك أن تذهبي بعيدا بروحك‬ ‫التي أصابها العطب‪ ،‬أن تهربي من رتابة وموت محققين‬ ‫إلى عالم أشد رحابة‪.‬‬ ‫وم��ا ه��ذه األش��ي��اء المنسية ال��ت��ي ل��م تتسرطن مع‬ ‫الخاليا التي تكونت؟!‬ ‫آه‪ ..‬هي رعشتك البكر وأنت تجلسين أمام الرجل‬ ‫ال��ذي أغرقك بجرأة عينيه‪ ،‬واح��ت��واك بصوت هامس‪،‬‬


‫وحدثك عن جدله مع ذات��ه‪ ،‬وع��ن تفكيره الدائم أن البنات‬ ‫كائنات ال تعرف الحب؛ ألن��ه داوم على رؤيتهن في األف�لام‬ ‫القديمة وهن يمارسن التجاهل المتعمد ويرفضن توسالت‬ ‫الرجال إليهن ويمزقن خطاباتهن‪.‬‬ ‫كم أربكك بعيونه السوداء الواسعة‪ ،‬وهو يردد مثلك النبي‬ ‫محمد [!‬ ‫ك��م تهللت روح��ك وأن��ت تستمعين إل��ي��ه‪ ،‬وتكتشفين أنه‬ ‫شاركك نفس األوه��ام واألح�لام رغم الفارق الواضح بينكما‬ ‫في الزمان والمكان!‬ ‫ال شيء هناك سوى روحك التي كانت تقفز‪ ،‬وهو يحكي‬ ‫لك عن طفولته التي تشبه طفولتك رغم أنه أتى في زمن غير‬ ‫زمنك‪ ،‬وكأن حياتكما تطابقت في زمن ما!‬ ‫ال شيء سوى رعشتك البكر‪ ،‬وهو يمد يده؛ ليأخذ كوب‬ ‫الشاي وتلمس أصابعه ي��دك؛ فترتعشين‪ ،‬وتهربين بعينيك‬ ‫بعيدا ألن��ك تدركين جيدا الفارق بينكما‪ ،‬وألن رج�لا ‪ -‬هو‬ ‫زوجك‪ -‬يجلس هناك في اطمئنان بانتظارك كي تعودي‪ ،‬وأن‬ ‫بنتا يتشكل وعيها وتخشين أن تسمع صوتك المرتعش في‬ ‫الهاتف وأنت تسألينه‪:‬‬ ‫انت فين‪...‬‬ ‫ستجلسين أمامه‪ ،‬وتقولين ب��ذات الرقابة التي أتقنتها‪،‬‬ ‫وذات الهروب ال شيء هناك؛ فأنت مجرد صديق عرف كيف‬ ‫ومتى ينظر داخلي‪.‬‬ ‫ستدعين أنك ال تشتهين جزيرته التي تخيلك فيها‪ ،‬وأنه‬ ‫جالس تحت قدميك يغسلهما بماء النهر‪ ،‬ثم يتسلل إليك من‬ ‫الخلف‪ ،‬ويقبلك في موضع الرعشة التي ال يعرفها أحد عنك‪.‬‬ ‫ستفعلين هذا ألنك تجيدين تكوير األشياء وإلقاءها في‬ ‫الجوف هناك‪..‬‬ ‫ولكن أبدا ال تدركين أن هذه األشياء المبعدة قسرا تتحد‬ ‫ضدك اآلن‪ ،‬وأنها تتكورلتصنع كائنا آخر يلتهم روحك‪.‬‬ ‫اذهبي اآلن‪ ،‬واجلسي في شرفتك المظلمة‪ ،‬اغلقي بابك‬ ‫جيدا؛ حتى ال ترى ابنتك دموعك المنسابة‪.‬‬ ‫يمكن لك أن تداري الدموع بظهر يدك‪ ،‬وأنت تتظاهرين‬ ‫بعرك عينيك حين تطرق فتاتك الصغيرة الباب‪ ،‬وتعطيك كوب‬

‫الشاي الساخن‪.‬‬ ‫تنتظر برهة‪ ،‬وتتردد قليال‪ ،‬ثم تقول‪ :‬ماما أنت بتعيطي‪..‬‬ ‫تستجلبين ابتسامة متعبة‪ ،‬وتقولين في صوت خافت‪:‬‬ ‫ال يا ماما عيني أطرفت‪.‬‬ ‫يمكنك أن تتظاهري بالسعادة ؛فتسألينها عن حلقة (هانا‬ ‫مونتانا) التي تحبها‪ .‬يمكنك أن ِتدّعي االهتمام‪ ،‬وتستمعين‬ ‫لها بشغف‪ ،‬وهي تحكي عن مغامرة هانا مونتانا في المدرسة‪.‬‬ ‫تظاهري بالدهشة والفرح‪ ،‬وهي تخبرك أنها وجدت صورة‬ ‫لهانا على النت وأنها سوف تجعلها خلفية لهاتفها المحمول‪...‬‬ ‫ث��م تسمعين ص���وت زوج���ك ق��ادم��ا يحمل أك��ي��اس الفاكهة‬ ‫والطعام‪.‬‬ ‫تجففين عيونك وتسرعين إليه‪ .‬تهمسين في مشقة‪:‬‬ ‫معلش يا بابا السلم طويل‪.‬‬ ‫يضع أحماله‪ ،‬ويجلس على الكنبة دون أن ينتبه للشعيرات‬ ‫الدموية الملتهبة داخ��ل عينيك‪ ،‬رغ��م أن��ك جهزت سيناريو‬ ‫محكم ع��ن فزعك إث��ر ك��اب��وس داه��م��ك‪ ،‬وأن��ك تكرهين نوم‬ ‫المغربية ؛ألن الكوابيس تهاجمك بضراوة‪.‬‬ ‫الهواء الذي يحتل المساحة بينك وبين زوجك الجالس‬ ‫بجانبك على الكنبة يعرف أنك تكذبين؛ فيتسلل إلى عيونك‬ ‫ويزيد من حمرتها‪.‬‬ ‫ت��واص��ل��ي��ن دع���ك عينيك ب��ك��ف��ك‪ ،‬وه���و يقلب ف��ي ق��ن��وات‬ ‫التلفزيون دون أن يعي ما يعتصرك من أفكار‪.‬‬ ‫ال ش��يء هناك‪ ،‬وعليك أن تكوني أق��وى من عيون رجل‬ ‫جرئ يعرف أن يباغتك‪ ،‬وأق��وى من أشياء غاضبة أهملتها‬ ‫يوما وأزحتها للداخل‪.‬‬ ‫نعم ال شيء هناك‪ ..‬هناك ال شيء‪ ..‬رددي معي بصوت‬ ‫يسمعه المالك الجالس يحرسك هناك ؛ كي يعينك على طرد‬ ‫بقية األشياء للداخل‪.‬‬ ‫ال شيء هناك وأنا بخير‪ .‬رددي بصوت أعلى‪ :‬لدي طفلة‬ ‫جميلة تتفتح مثل زهرة يانعة‪.‬‬ ‫زيدي من الترديد ورائي؛ فالمالك يعرف حاجتك للدعم‪،‬‬ ‫لدي زوج محب وعطوف علي أن أواصل العناية به‪ ..‬ها‪ ..‬هل‬ ‫عرفت اآلن أال شيء هناك؟!‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪25‬‬


‫ذاكرة لالرتزاق‬ ‫> سهام الدهيم*‬ ‫يغريها الضجر بأن تقصد َمنْحتها‪ ،‬علّها تجد شيئا ينسيها وحدتها‪..‬‬ ‫تقف مل ّياً تتأمل منحوتاتها المترامية‪..‬‬ ‫كل هذه األشياء ال تبهجها؛ فلكل واحدة منها ظروفها التي خلقت‪/‬نحتت بها‪..‬‬ ‫فذاك القلم ُق ّد ذات ألم‪!..‬‬ ‫وتلك الشجرة ُقدّت ذات خطيئة؛ لتطفق عليها من ورقها‪!..‬‬ ‫وتلك الوردة ُقدّت للقاء فراق‪!..‬‬ ‫عندما نؤرخ ذاكرتنا بمحسوسات‪ ،‬فليس ثمة ثقب للنسيان‪..‬‬ ‫جمعت كل منحوتاتها ووضعتها في صندوق قصي‪ ،‬ورمقتها بنظرة ساخرة‪ ،‬لتلقي معها‬ ‫ذاكرتها‪ ،‬فال شيء يستحق تخليده‪!..‬‬ ‫فبعض من العري حرية‪!..‬‬ ‫ٌ‬ ‫ارتدت فستاناً كحلياً بال أكمام‪ ،‬ويكشف عن ساقيها‪..‬‬ ‫دست سماعة صغيرة في أذنها‪ ،‬لتهمس لها وحدها بتلك الموسيقى‪ ،‬التي تحلق بروحها‪..‬‬ ‫لتعتق من ظالم الجسد‪..‬‬ ‫لن تفكر‪ ،‬ولن تقرر فيما ستنحت‪ ،‬بل ستجعل روحها من تنحت بأناملها‪..‬‬ ‫فعندما ندع الذاكرة هي التي تسيرنا‪ ..‬ستقودنا إلى ذكريات في غياهب النسيان‪ ،‬كبلورات‬ ‫صغيرة متواصلة‪ ،‬تلك الذكريات التي تسكننا‪ ،‬لتكوّن في مجموعها جوهر الروح‪..‬‬ ‫في كل دروب حياتنا نترك ذكريات‪ /‬أرواحاً‪ ..‬حتى نقتفي أثرها ساعة ألم وغربة‪!..‬‬ ‫فابتسمت حينما بدأت تلك األنامل تعبث وتنحت‪..‬‬

‫‪26‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ال في منحتها حتى أعياها التعب‪ ..‬فابتسمت‪ ،‬وهي تنظر إليه‪ ..‬ثمة سعادة نؤثثها لذواتنا‬ ‫بقيت طوي ً‬ ‫فأغلقت اإلضاءة وعادت إلى غرفتها‪ ،‬وارتمت فوق لنسكنها‪..‬‬ ‫سريرها‪ ،‬قبل أن تعرف األوهام واآلالم لها طريقاً​ً‪!..‬‬ ‫ (ي����اااااه‪ ..‬أك��ان��ت ه��ذه األن��ث��ى التي تبتسم لي‬‫فعناء الجسد يُصمت ضجيج الذاكرة‪..‬‬ ‫كدلو في بئر‬ ‫ٍ‬ ‫هي مَن تقاسمني روحها‪ ..‬واتخذتني‬ ‫ألقت بكتابها جانباً‪ ،‬وخطت نحو منحتِها‪ ،‬علَّها ذاكرتها؟)؛ فالروح عندما تجوع تنوح بوحاً‪!..‬‬ ‫ترى ذاك الذي ارتأته لها ذاكرتها باألمس‪..‬‬ ‫‪(-‬صوت الباب ينبيء بأنها قادمة‪.)!..‬‬

‫أضاءته فإذا برجل معرّى يقف في تلك الزاوية‬ ‫دخلت إلى مَنحتها‪ ،‬وفي يدها أكياس تنبيء بأنها‬ ‫ال باألمس‪..‬‬ ‫التي بقيت فيها طوي ً‬ ‫بقيت نهارها تتسكع في األس���واق‪ ..‬رم��ت أكياسها‬ ‫وبدأت تفرغ محتوياتها لتستر عريه‪..‬‬ ‫أدهشها ذاك النحت‪..‬‬ ‫(ه���ذا البنطلون الجينز‪ ،‬والقميص الصوفي‬‫رمقته بسخرية‪( :‬تعجبني لعبة التخفي القدرية‪،‬‬ ‫فبعد االنتهاء منك سأجد ذاكرتي ترتديك‪ ،‬فأذكر ال��رم��ادي‪ ،‬وال��وش��اح األس���ود‪ ،‬وال��ج��وارب‪ ،‬والجزمة‪،‬‬ ‫وهذا الشعر المستعار األسود سيهبك جماالً‪ ..‬وهذه‬ ‫بعضاً مما في قعرها‪.)!..‬‬ ‫القبعة السوداء‪ ..‬وهذا العطر الباريسي‪ ،‬كان أغلى‬ ‫فابتسمت وارت��دت فستانها‪ ،‬لتكمل روحها ذاك‬ ‫ما اشتريته‪ ،‬لتجعل ذاكرتك معطرة‪ ..‬ما رأيك بكل‬ ‫الواقف أمامها بال مالمح تميّزه‪..‬‬ ‫هذه األشياء!!‬ ‫رسمت وجهه في نصف التفاته‪ ،‬تكره البحلقة‪..‬‬ ‫أوه‪ ..‬نسيت أن أخبرك بأنك ستقاسمني فقري‪..‬‬ ‫تقلقها ت��ل��ك ال��ن��ظ��رات ال��م��وج��ه��ة إل��ي��ه��ا م��ب��اش��رة‪،‬‬ ‫آآآه‪ ..‬شيء من السعادة يختلجني‪ ..‬ألول مرة أتعرى‬ ‫المتجولة ف��ي مالمحها‪ ..‬تخشى دوم���اً أن يتسلق‬ ‫من فقري أل ُلبسه غيري‪ ..‬هكذا نحن عندما نلقي‬ ‫أحدهم أسوارها بحلقة‪!..‬‬ ‫بهمومنا على اآلخرين‪.‬‬ ‫فبدأت بنحت أنفه‪..‬‬ ‫هوسنا بالماديات جعلنا ال نُلقي ل��ل��روح ب��االً‪..‬‬ ‫األنف كبوصلة تشير دوماً إلى جهة التفاتنا‪!..‬‬ ‫دجالون أولئك الذين قالوا إن الهموم واألحزان ال ثقل‬ ‫ (رائحة عطرها تنبيء بأن من تنحتني أنثى‪ ،)!..‬لها‪ ..‬بل لها ثقل؛ ولكن بمكيال ال��روح‪ ..‬ولكن عجز‬‫حاجتها ألن يصغي إليها أح��د دون تأفف‪ ،‬جعلتها اإلنسان عن اإللمام بالشيء يغريه بأن ينفيه ولو موتاً‪،‬‬ ‫الفقر يُعرّي األشياء‪ ،‬فتبصرها على حقيقتها‪ .‬أليس‬ ‫تتجه إلى نحت أذنيه‪..‬‬ ‫حكماء وفالسفة الكون من ثدي الفقر تغذوا‪..‬؟!)‪.‬‬ ‫ (دفء أنفاسها ف��ي أذن����ي‪ ..‬وموسيقى تمأل‬‫يسْ َمعُها ويشكرها على تلك النظرة التي ارتأتها‬ ‫المكان تتسلل إليّ ‪ ..‬أأسمع أنا حقاً‪..‬؟!)‪.‬‬ ‫لعينيه‪ ،‬وكأنها تعلم مسبقاً بأنه سيتحدث سراً‪.‬‬ ‫ث��م ع���ادت إل��ى وج��ه��ه لتكمل م�لام��ح��ه‪ ..‬رسمت‬ ‫(يا لهذه الطفلة بقلب أنثى‪.)!!..‬‬ ‫عينيه بنظرة إعجاب ودهشة‪..‬‬ ‫تحلم دوماً بنظرة كتلك‪ ،‬لها وحدها ال تتخطاها‪..‬‬

‫بقيت تنظر إليه ملياً‪ ،‬فابتسمت وأغلقت الباب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪27‬‬


‫خلفها‪..‬‬

‫في كتابة بحثها‪ ،‬بعد م��دة اختطفها النوم من بين‬

‫مرت أيام وأيام‪ ،‬قبل أن يتجرأ صباحاً ‪ -‬بعد أن أوراقها‪ ..‬ليدسها بين أغطيتها ويكمل عنها بحثها‪..‬‬ ‫سمعها توصد بابها خارجة ‪ -‬على أن يتسلل إلى ويؤقّت المنبه لها‪..‬‬ ‫غرفتها‪..‬‬ ‫استيقظت صباحاً وجمعت أوراقها المبعثرة‪..‬‬ ‫وقف ينظر إليها من نافذتها‪ ،‬وهي تتالشى في‬ ‫أتون الضباب‪..‬‬ ‫الصراخية‪ ..‬وه��ذا م��ا سيكون عليه صباحي هذا‬ ‫‪( -‬أووه يا لهذا النوم اللعين‪ ..‬أك��ره الصباحات‬

‫اقترب من منضدتها‪ ..‬ليجدها بين أشيائها‪ ..‬اليوم!)‪.‬‬ ‫فكل ما هو لنا هو نحن‪!..‬‬ ‫يرمقها بفرح‪ ..‬فقد استطاع إنقاذها من صباح‬ ‫عطرها برائحة الياسمين‪ ..‬بقايا من خصالت صراخ وضجر‪..‬‬ ‫شعرها األشقر في مشطها الخشبي‪..‬‬ ‫حملت حقيبتها‪ ،‬وعند الباب نظرت إليه بابتسامة‬ ‫صورتها وهي صغيرة مع مجموعة من األطفال ساخرة‪..‬‬ ‫ال��ذي��ن يقاسمونها عمرها وبهجتها‪ ،‬ول��وح��ة تلفهم‬ ‫ (عذراً أيها الصديق الذي أغرمت به حد العشق‪،‬‬‫كما الحزن قد ُكتِب عليها جمعية األطفال األيتام‪..‬‬ ‫برزخ الفقر سيحول دون لُقيانا‪ ،‬فمصروفات دراستي‬ ‫ودميتها المرقعة النائمة في سريرها‪..‬‬ ‫تبيح لي عرضك في معرض للمبيعات‪ ،‬لم يمت من‬ ‫ورقة من مذكراتها وقد ذيلت بتاريخ اليوم‪ ،‬ودقائق‬ ‫أمتهن االرتزاق من ذاكرته‪.)!!..‬‬ ‫ماتت قبل ه��ذه ال��دق��ائ��ق‪( ..‬ب��داي��ة ي��وم م��ن انتظار‬ ‫أرست إليه قبلة‪ ..‬وأغلقت الباب خلفها‪..‬‬ ‫على الرصيف لسائح يأتي ليهبني بعضاً من المال‬ ‫ومالمحه‪ ،‬ألرتزق منها رسماً)‪.‬‬ ‫خرجت‪ ،‬قبل أن تفضحه دمعته بأنه يسمعها‪..‬‬ ‫كل أشيائها تشي بطهرها وجمالها‪..‬‬

‫بعد شهر م��ن إيمانها بأنه سُ ���رِ ق‪ ،‬ه��ا ه��ي تقرأ‬

‫عاد إلى غرفته‪ /‬منحتها‪ ،‬بعد أن رآها وقد لفظها رسالة و ُِسدَت عتبتها‪..‬‬ ‫الضباب مرة أخرى‪..‬‬ ‫(ال تكوني ك��أم تقاسم أبناءها حزنهم‪ ،‬فرحهم‪,‬‬ ‫أضاءت منحتها وهي تبتسم‪.‬‬ ‫جوعهم وب��رده��م‪ ،‬ال لشيء بقدر إحساسها بذنب‬ ‫(عمت مسا ًء أيها الرجل؛ فمنذ زمن لم نلتق‪ ..‬توريطهم في الوجود‪ ،‬فأنا أتحسس الحياة بأنامل‬‫ِ‬ ‫عذراً‪ ،‬لدي أوراق بحث دراسي لم أنته منها‪ ،‬بل على ذاكرتك‪،‬‬ ‫األصح لم أبدأ بها بعد‪ ،‬ما رأيك أن تشاركني غرفتي؟‬ ‫أظن أن حاجتك ألن يصغي إليك أحدهم سولت‬ ‫فالوحدة قد نخرت عظام حياتي!)‪.‬‬ ‫لك جعلي بال لسان وشفتين‪ ،‬فقدري كذاكرة أن ال‬ ‫ِ‬ ‫وض��ع��ت��ه ب��ق��رب ن��اف��ذت��ه��ا واب��ت��س��م��ت ل���ه‪ ،‬وب���دأت أتحدث إال صمتاً‪!..‬‬ ‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ثالث قصص قصيرة جدا‬ ‫> إبراهيم احلميد*‬

‫سمين الشحيمان!‬ ‫عندما التهم المواطن سمين الشحيمان‬ ‫وجبة العشاء الدسمة‪ ،‬طبطب على كرشه‬ ‫البارزة كنتوء جبل في هضاب الحرة‪ ،‬وشكر‬ ‫الله على نعمه‪ ،‬التي ال تعد وال تحصى‪ ،‬وتمدد‬ ‫تحت فتحة التكييف في ليلة حارة من ليالي‬ ‫شهر آب‪ ،‬وطلب لبناً ومشروباً غازياً لهضم‬ ‫ما التهمه‪.‬‬ ‫ولما انتهى م��ن ذل��ك‪ ،‬ل��م يبال أن يطلب‬ ‫من زوجته التي يتدلى كرشها ‪-‬هي األخرى‬ ‫�لا ف��ي شهرها التاسع‪ ،‬أن تقطِّ ع له‬ ‫ ح��ام ً‬‫البطيخة الكبيرة شرائح تمأل اليدين‪ ،‬وأن‬ ‫تحضر له من العنب الحلواني‪ ،‬والتين األسود‬ ‫الذي أوصى عماله اليوم بجنيه‪..‬‬ ‫وفي الصباح كان سمين الشحيمان يطلق‬ ‫الشتائم على أم العيال‪ ،‬ألن أوالده��ا يأكلون‬ ‫«الهميم والرميم»‪ ،‬وال يدعون شيئاً لهذا الذي‬ ‫يسمونه أب��وه��م؛ ك��ان يحسدها على كرشها‬ ‫الذي ستتخلص منه قريباً‪..‬‬ ‫وفي المساء كان سمين الشحيمان على‬ ‫م��وع��د م��ع الشحم وال��ل��ح��م ف��ي ع��رس أحد‬ ‫الجيران‪ ،‬ولم ينس بالطبع أن يأخذ أوالده ‪-‬‬ ‫أفواه جبلت على أن تفتح أبوابها لكل صنوف‬ ‫الموائد ‪ -‬ممنياً إي��اه��م بوجبة تليق بشهر‬ ‫آب‪.‬‬

‫التوأمان!‬ ‫ترجل األخوان التوأمان من سيارة الجيب‬

‫العتيقة‪ ،‬بصق كل منهما تحت قدميه وبدءا‬

‫المسير باتجاه السوق‪..‬‬

‫اتجه األول ش��رق��اً‪ ،‬ويمم األخ��ر غ��رب��اً‪..‬‬

‫وواص�ل�ا مسيرهما إل��ى ال��س��وق المركزي‪..‬‬ ‫توقفا عند أك��ش��اك الباعة ال��ذي��ن افترشوا‬

‫أرضية السوق اإلسمنتية‪.‬‬

‫أخذا يفاوضان الباعة كل على طريقته‪..‬‬

‫من بعيد أرى أيديهم تلوح إليهم معبرين لهم‬ ‫عن تذمرهم من غ�لاء األس��ع��ار‪ ،‬وأن جميع‬

‫األصناف كانت متوافرة قبل يومين‪ ،‬وبسعر‬

‫ال يقارن مع أسعار اليوم‪..‬‬

‫يواصل التوأمان مسيرهما بين صفوف‬

‫ال��ع��ل��ب ال���ك���رت���ون���ي���ة‪ ،‬ال���ت���ي ص��ف��ه��ا ال��ب��اع��ة‬ ‫المصريون والهنود بعناية‪ ،‬بعد أن ألزمتهم‬

‫البلدية بذلك قبل أيام‪..‬‬

‫ف��ي منتصف ال���س���وق‪ ،‬ال��ت��ق��ى األخ����وان‪،‬‬

‫وأش�����ار األول إل���ى إح����دى ج��ه��ات ال��س��وق‪،‬‬ ‫فيما أبدى األخر تبرماً واضحاً مما حوله‪..‬‬

‫انحرف االثنان وس��ارا مبتعدين‪ ..‬بصق كل‬ ‫منهما تحت قدميه‪ ،‬واتجها إلى سيارة الجيب‬

‫العتيقة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪29‬‬


‫مطبات صناعية‬ ‫أدي��ر محرك سيارتي‪ ،‬وأسير في طريقي‬ ‫اليومي‪ ،‬فتبدأ في إصدار أصوات جديدة كل‬ ‫ي���وم‪ ..‬ف��ي ك��ل م��رة أعبر مطباً ج��دي��داً‪ ،‬يصر‬ ‫المطب على ترك بصماته على مؤخرة سيارتي‬ ‫وعلى محركاتها على شكل صرير مزعج‪..‬‬

‫مميزة لكل منها‪ ..‬قام جارنا القريب مؤخرا‬ ‫بوضع مطبين جديدين أمام منزله الذي نعبر‬ ‫الطريق أمامه يومياً‪ ..‬المطبات كانت مزعجة‬ ‫لدرجة أن كثيراً من الجيران يقومون بوضع‬ ‫وسائد لحماية ظهورهم من قفزاتها‪ ..‬لم يكن‬ ‫جارنا في حاجة لهذه المطبات‪ ،‬اال أن��ه كان‬ ‫ي��رغ��ب ف��ي ح��م��اي��ة أط��ف��ال��ه ال��ذي��ن ي��م��ارس��ون‬ ‫متعتهم األزلية في اللعب بكروزاتهم ودراجاتهم‬ ‫وسط الطريق‪..‬‬

‫يأتي صوت المذيع محيياً مستمعيه بالورد‬ ‫والياسمين‪ ..‬فأتلفت ألبحث عن لون أخضر‬ ‫يبعد شحوب المكان‪ ..‬فأصحو على الواقع‬ ‫المرير‪..‬‬

‫في متاهة الطريق الطويل عبر المدينة ما‬ ‫يسميه الرسميون الطريق االقليمي‪ ،‬ويتندر‬ ‫عليه الناس بالطريق األليمي‪ ،‬تنتشر المطبات‬ ‫الصناعية‪ ،‬تستوقفني مأساوية الطريق‪ ،‬في‬ ‫إح��دى المرات أجهضت سيدة مسافرة على‬ ‫ظهر إحدى المطبات‪ ،‬وفي مرة أخرى تحطمت‬ ‫سيارة مرسيدس من أسفلها وأفرغت زيوتها‬ ‫بعد ارتطامها بها ليال!‬

‫تستوقفني أرتال النفايات‪ ،‬وبقايا المباني‬ ‫المهدّمة‪ :‬طوب مكسر‪ ،‬وبقايا أعتاب‪ ،‬وأبواب‬ ‫تالفة‪ ،‬وأج���زاء متناثرة من حديد لم يستطع‬ ‫اللصوص االستفادة منها‪ ،‬وإط��ارات متهرئة‪..‬‬ ‫ال بأطفال من أعمار‬ ‫يعبر باص المدارس محم ً‬ ‫عندما بنى جارنا عمارة جديدة‪ ،‬قام بشق‬ ‫شتى‪ ..‬أراقب حركاتهم من وراء زجاج الباص الطريق إلى منتصفه ليسرق ماسورة ماء من‬ ‫الخلفي؛ فيثير فضولي الصمت الرهيب الذي م��ش��روع البلدية‪ ..‬بعد م��رور أكثر م��ن أربعة‬ ‫يبدو عليهم‪ ..‬ألتفت إلى الشارع وإلى األراضي أع���وام كانت الحفرة الممتدة م��ا ت��زال ماثلة‬ ‫المحيطة‪ ..‬وإلى النفايات ومظاهر البؤس‪..‬‬ ‫للعيان‪ ،‬لم تأت فرقة البلدية بعد لردمها‪..‬‬

‫طالما تساءلت عن سر انتشار المطبات‬ ‫الصناعية‪ ،‬وش��وارع كلها حفر وشقوق مضت‬ ‫عليها س��ن��وات‪ ..‬ثمة أح��د ال��ش��ق��وق والحفر‬ ‫ردمته البلدية بعد ستة أع��وام‪ ..‬أقسم جارنا‬ ‫أن��ه شاهد فرقة البلدية للصيانة تقوم بردم‬ ‫الحفرة‪..‬‬

‫بعد رسائل عديدة للبلدية‪ ،‬ولكل الجهات‬ ‫التي يمكن االحتجاج إليها‪ ،‬ق��ررت البلدية‬ ‫بعد خروجي من منزلي بأقل من مائتي متر‪ ،‬بناء مطب صناعي لكل مواطن‪ ،‬وبناء نصب‬ ‫يبدأ مسلسل المطبات الصناعية‪ ..‬تعودت تذكاري يتوسط المدينة ألقدم مطب صناعي‬ ‫سيارتي عليها‪ ،‬حتى أصبحت تصدر أصواتا فيها‪!!..‬‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫غافة عليا‬ ‫> فاطمة الناهض*‬ ‫استطيع أن أتذكر بوضوح شديد‪ ،‬تفاصيل ذاك المساء‪ ،‬وكيف لحقتنا سيارة الشرطة ‪ -‬مستفزين‬ ‫إلى أقصى حد ‪ -‬بتلك األضواء الحمراء والزرقاء التي تعمي البصر‪ .‬شيء ما ضرب في أفئدتنا‪ ،‬ذلك‬ ‫الغروب المرير‪ ،‬حين رأينا سيارة اإلسعاف في ذيل الدورية‪ ،‬تنعطف صوب المزارع‪ .‬مكان لم يقربه‬ ‫لبالب الحياة‪ .‬ال أطفال يتراكضون في هدأة العصر بين ال��زرع‪ ،‬وال بنات يتلصصن على الشارع من‬ ‫فتحات األبواب‪ ،‬وال نساء يتزاورن في النهارات الطويلة في غياب رجالهن‪ ،‬وال مجالس تنادي الكسالى‬ ‫والمتعبين حين تعتلي النجوم دكة الليل‪.‬‬ ‫هنا يتعايش حراس المزارع اآليلة إلى زوال‪ .‬زرّاع محبطون النحسار الماء‪ .‬ذكور فقط‪ ..‬قلقون على‬ ‫ما سيؤول إليه الغيب‪ ،‬فالشارع سيشق المزارع‪ ،‬كوحش أسطوري‪ ،‬فارداً جناحيه من إسفلت وحجر‪،‬‬ ‫وسيشردهم قاطعاً أرزاقهم‪ ،‬كسيف سلط على رقابهم ليقطعها‪.‬‬ ‫كنت هناك حين ربط مصبّح نفسه بجذع شجرة الغاف!‬ ‫«غافة»‪ .‬ال هي نخلة وال هي سدرة‪.‬‬ ‫ال تكاد تختلف عما ينبت من شجر‪ ،‬إال بظلها الوارف‪ .‬وبمثلها تمتلىء األرض دون رغبة‪ .‬لكن «مصبّحً »‬ ‫ربط نفسه إليها بحبال من ليف النخل‪ ،‬وقال اقطعوني معها!‬ ‫حاول أفراد الدورية أن يُفهموه بأنها تعيق الشارع الذي سيجعل الحياة أسهل وأرحب‪ .‬لكن الناظر إلى‬ ‫وجه مصبّح يدرك عدم استماعه لهم لما أصابه من هَ لَعٌ‪ ،‬وكأنه رجفة الموت تغيبه عما يقال‪ ،‬وتجعله‬ ‫يردد بال وعي‪ :‬غافة عليا‪ .‬غافة عليا!‬ ‫ولم يعرف أحد من هي عليا‪ ،‬صاحبة الغافه!!‬ ‫جاء مندوب البلدية‪ ،‬وأحمد الركبي‪ ،‬ابن المنطقة‪ ،‬ومهندس المشروع‪ ،‬وجاء ضابط المخفر القريب‬ ‫ومعه شرطيان‪ ،‬ومسعف‪ ،‬وممرض‪ ،‬من المستوصف الوحيد‪ ،‬والطبيب المناوب‪ ،‬وكان عائدا من‬ ‫نوبته‪ ،‬وتجمع الباكستانيون الذين يحرسون المزارع‪ ،‬ثم استدعي صاحب األرض‪ ،‬الذي تقع الغافة في‬ ‫أمالكه والتي سيقطعها الشارع الجديد‪ ،‬وجاء أوالده وأصدقاؤهم الذين تصادف وجودهم معهم‪ ،‬وارتفع‬ ‫اللغط وتوالت المحاوالت‪ ،‬وطارت الشائعات‪ ،‬وحط األسى‪ ،‬ولكن‪ ..‬دون أن يتحرك مصبح شبراً واحدا‬ ‫عن الغافه‪.‬‬ ‫ومع سدول الليل‪ ..‬كان ال بد من أن «يُسلخ» مصبح عن الجذع ولو بالقوة‪ ،‬وفيما انقض عليه كل من أعتقد‬ ‫أن بإمكانه السيطرة عليه‪ ،‬انغرزت إبرة التخدير بقوة في ذراعه النحيل‪ ،‬ودارت عيناه المغادرتان على الوجوه‬ ‫وسقطت نظرته الحزينة قبل أن تغيب على وجه الركبي‪ ،‬من سيشق الشارع فيما بعد‪ ،‬ولربما قلب مصبّح أيضا‪.‬‬ ‫القليلون الذين يعرفون مصبّح الذي تجاوز الستين مطلع العام‪ ،‬يقولون إنه ليس ‪ -‬في األصل‪ -‬من‬ ‫هنا‪ .‬لكنه اختار العيش معهم وبينهم منذ آخر رحلة لجماعته‪ ،‬الذين كانوا يهبطون ليروجوا منتجاتهم‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪31‬‬


‫الغذائية‪ ،‬ثم يتابعون سيرهم إلى أماكن أخرى‪.‬‬ ‫كبر مصبح ‪ -‬بعيداّ عنهم‪ ..‬يفلح ويداري األرض في‬ ‫إحدى المزارع‪ ،‬وحيداً دون أسره‪ ،‬ال يغادر إلى أهله في‬ ‫الجبال القريبة إال من شتاء آلخر‪.‬‬ ‫لكن القليلين الذين يعرفونه‪ ،‬ال يعرفونه حق المعرفة‪،‬‬ ‫فهم ال يدرون لماذا اتخذ قراره بالبقاء هنا؟ وصوال إلى‬ ‫حادثة الغافة الغريبة‪.‬‬ ‫ومن بين ذلك الجمع ال��ذي ح��اول إقناع مصبّح بفك‬ ‫ارتباطه بالغافة‪ ،‬رج��ل سبعيني ف��ارع‪ ،‬صقري النظرة‪،‬‬ ‫ح��ازم العبارة‪ ،‬تشاركه الكالم خيزرانة رفيعة يؤشر بها‬ ‫شارحاً‪ ،‬وتدب معه في الطرقات‪ ،‬وجاهة ال سنداً‪ ،‬والذي‬ ‫يعرف الكثير الكثير عن مصبح وبقائه هنا‪..‬‬ ‫غير أنهم حين اخ��ذوا مصبّحاً كخرقة بال روح‪ ،‬بعد‬ ‫أن أرخ���وا حباله الملتصقة بالغافة‪ ،‬وغ����ادروا المكان‬ ‫في المساء‪ ،‬وتفرّق الجمع‪ ،‬تكلم الشيخ في تلك الليلة‪،‬‬ ‫تدحرجت في ص��دره حصاة الخوف من الموت‪ ،‬وثبوت‬ ‫تهمة الجنون على مصبّح‪ ،‬وإدراك مفاجيء بتناقص‬ ‫أسباب الحياة‪ ،‬وسقطة الرجاء‪.‬‬ ‫أمسك بالركبي الذي تخلّف عنهم يحوم حول الغافة‬ ‫ف��ي ح��ي��رة‪ ،‬وي���ذرع محيطها تحت قمر ارت��ف��ع ف��ي غمرة‬ ‫الفوضى‪ ،‬ورج��ع األس��ى‪ ..‬سحبه إلى جذع الغافة‪ ،‬وبدأ‬ ‫يقص عليه حكاية مصبّح‪..‬‬ ‫«كان الناس يتركون بيوت الجص والحجر في المدينة‪،‬‬ ‫وي��أت��ون لقضاء الصيف هنا ق��رب النخيل‪ ..‬فتقيم كل‬ ‫أس���رة ع��ري��ش��اً م��ن ج��ري��د ال��ن��خ��ل‪ ،‬وم��ن��ام�� ًة ف��ي ال��ع��راء‪..‬‬ ‫يشاكسون بالدة األيام وينتهكون جالفة التكرار؛ بل كانوا‬ ‫يجلبون معهم أحيانا دوابهم مؤونة ورعاية‪ ،‬وال يغادرون‬ ‫إال باعتدال الجو وانطفاء القيظ‪ ..‬والغافة هذه‪ ..‬كانت‬ ‫عالمة مميزة‪ ..‬حضن األطفال‪ ،‬وم�لاذ الطير‪ ،‬وأحيانا‬ ‫تصبح مجلساً للرجال‪ ،‬وأحيانا أخرى‪ ،‬ينزل تحتها باعة‬ ‫يتحلق حولهم الناس‪ .‬وعندها رأيت مصبح ألول مره‪.‬‬ ‫انظر هناك‪ ،‬وأش��ار بخيزرانته جهة الشمال وسط‬ ‫* قاصة من اإلمارات‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫ال��ظ�لام‪ ،‬هنا ك��ان عريش أه��ل عليا! وتحت ه��ذه الغافة‬ ‫نبضت فراشة قلب مصبّح أول مرة‪ ،‬حين لمح عليا في‬ ‫ظل العريش‪ ،‬وتحت هذه الغافة اكتمل جناحاها‪ ،‬فطارت‬ ‫صوب عليا وحطت على زهرة قلبها‪ ،‬وهنا جاءه وعد منها‬ ‫بالعودة في صيف قادم‪ ،‬لتحلِّق الفراشة بالوردة‪ ،‬صوب‬ ‫الجبال‪ ،‬وأقسمت عليا على ذلك ما دامت الغافة ولو بعد‬ ‫مئة عام‪ ،‬وعلى القسم حفر حروف اسمها على الشجرة‪.‬‬ ‫وه��ن��ا‪ ،‬ب��دا كما ل��و أن غصة نشبت ف��ي حلق الشيخ‬ ‫فمنعته من االسترسال‪ ،‬في حين أن اللهفة أخذت بتالبيب‬ ‫الركبي‪ ،‬فقاوم كثيراً ليترك الرجل المهيب ينتقي الكالم‪:‬‬ ‫لكن عليا لم تعد‪ ،‬كان ذلك آخر صيف يرتفع فيه عريش‬ ‫عن التراب‪ .‬لم يعد الناس يأتون ال صيفاً وال شتاء‪ ،‬أكلتهم‬ ‫المدينة‪ ،‬واستغنوا عن حفيف النسيم يدور بين البراجيل‪،‬‬ ‫افتتنوا بحياة معبأة بوفرة األضداد‪.‬‬ ‫حاولت أن أقنع مصبّح أن يمضي في حياته‪ ..‬فالبنات‬ ‫ال يمكثن طويال في بيوت آبائهن‪ ..‬لكنه ظل ينتظر‪ ،‬وكان‬ ‫يشعر أن قطع الغافة سيقتلع أمله في رؤية عليا من جديد‪،‬‬ ‫فربط نفسه بالرجاء‪.‬‬ ‫مرت على حادثة الغافة أربعة أصياف مسعورة‪ ،‬قضت‬ ‫على سالالت كاملة من النخيل واألشجار‪ ،‬تاركة أشالء‬ ‫حروب البقاء‪ ،‬شواهد تبعث القشعريرة في جلود المارّة‪.‬‬ ‫ومَحَ َل المكان‪ ،‬واستسلم للهواء العابر أمام ربوة السنين‬ ‫يحمل غموض الذكريات‪ ،‬ولم يعد أحد يسمع عن مصبح‬ ‫الذي دخل فجوة النسيان في الجبال الحجريه‪.‬‬ ‫وال��ق��ادم اآلن م��ن جهة الجنوب نحو المنطقة‪،‬‬ ‫لن يعرف سبب انحناء الشارع الذي يخترق البلدة‪،‬‬ ‫انحناءة ناعمة جهة اليسار على هيئة هالل قبل أن‬ ‫يستأنف استقامته من جديد‪ .‬تاركاً حضن الهالل‬ ‫لشجرة غاف عظيمه‪ ،‬تحرس خصر الشارع وتحرث‬ ‫أخيلة العابرين‪ ،‬لكنه لو توقف ليستريح في ظلها كما‬ ‫أفعل اآلن‪ ،‬سيلمح اسم عليا محفوراً على الجذع بكل‬ ‫وضوح‪ ،‬كأنه كُتب هذا الصباح‪.‬‬


‫الصاعدون على جثث األغاني‬ ‫> زهرة بو سكني*‬ ‫كان من كبار مثقفي المدينة‪ ..‬ال أحد يستطيع‬ ‫أن ينكر ذلك‪ ،‬حتى األرصفة التي احتضنت خطاه‪ ،‬نفسه‪ ،‬بأن يركن إلى زاوي��ة ما‪ ..‬ويكتفي؛ فالله‬ ‫حتى ذلك المقهى الذي كان يجلس فيه كل مساء‪ ..‬يمنح كل طائر طعامه‪ ..‬حتى الطيور الصغيرة‪،‬‬ ‫وذلك الفنجان الذي يعانق بنه‪ ..‬وشلة الطيبين حتى الطيور الجارحة‪ ،‬حتى الطيور الحمراء!‬ ‫الذين يحتويه حبهم‪ ..‬كان ‪ -‬ككل المثقفين الذين‬ ‫لم يكن يسأل عنه أحد‪ ..‬لقد صار «المثقف‬ ‫جاءوا في زمن غير زمنهم ‪ -‬يحترق كفتيل قديم‬ ‫أنهكه ال��وق��ت‪ ،‬وص��ار ينهكه ال��م��رض والبطالة‪ ،‬الكبير»‪ ..‬ذل��ك المنسي الكبير‪ ..‬حتى جماعة‬ ‫ليشعر أنه مجرد لعبة عبثت بها أيدي األق��دار‪ ،‬الطيبين‪ ،‬ال��ذي��ن ك��ان��وا يشاركونه المقهى وبن‬ ‫الزوال‪ ..‬تفرّقوا واندثروا في غبرة هذه المدينة‪.‬‬ ‫وحين كلت رمتها في زاوية مهملة‪..‬‬ ‫بألم آخر‪ ..‬بوجع أكبر‪ ..‬لتوقفه؛ فاقتنع في قرارة‬

‫قد تكون اللعبة مكسورة أو مشوّهة‪ ..‬ال يهم؛‬ ‫فكل المعاني ت���ؤدي إل��ى ف��وت��وغ��راف��ي��ا واح���دة‪،‬‬ ‫وت��ص��ور م�لام��ح ه��ذا «ال��م��ث��ق��ف» الكبير‪ ،‬ال��ذي‬ ‫ال‬ ‫قضى كل أيامه يضيء‪ ،‬يحمل الحرف قندي ً‬ ‫في الظلمات والمغارات‪ ،‬ويشد القلم سالحاً لكل‬ ‫األزمنة المتعبة‪..‬‬ ‫ه��ا ه��و اآلن تقتله كهرباء ال��واق��ع ال���رديء‪..‬‬ ‫الواقع النيلوني‪ ،‬بعد أن أنهكه المرض والبطالة‪،‬‬ ‫ولم يعد يطعمه الحرف وال القلم‪ ..‬لم يعد يمنحه‬ ‫خبزاً‪ ،‬يؤمنه من جوع أو خوف‪.‬‬ ‫ط��رق الكثير م��ن األب����واب ال��ت��ي ك��ان��ت تبدو‬ ‫مفتوحة أمامه على مصراعيها في زمن ما‪ ..‬إنه‬ ‫ال يريد الكثير‪ ..‬ال يطلب سوى خبزاً‪..‬وكومة حب‬ ‫تهدهده‪ ..‬ويداً تش ّد على يده وتقول له‪« :‬لست‬ ‫وحدك»‪ .‬لكن األقفال تآكلت بفعل الصدأ‪ ،‬لتوخزه‬

‫ذات صباح‪ ،‬أذيع خبر موت «المثقف الكبير»‪،‬‬ ‫وكتبت الصحف ذلك بالبنط العريض‪ ،‬وهرعوا‬ ‫كلهم لحضور جنازته‪ ،‬ونظم القصائد عنه‪ ..‬وكان‬ ‫آخر العراجين‪ ،‬أن خصصت الدولة جائزة ثقافية‬ ‫وطنية معتبرة باسمه‪.‬‬ ‫فتشت في الدفاتر القديمة فسمعت صدى‬ ‫ما يردد‪:‬‬ ‫يا أيها الصاعدون على جثث األغاني‬ ‫أمهلوا موتي قليال‪..‬‬ ‫أللم بقايا الحياة بأجنحتي‪..‬‬ ‫فالرحيل ثقافة عصفور‪..‬‬ ‫يفتش عن مرفأ في الفصول‪..‬‬ ‫بعد أن فقد على أرصفة المدينة خبزه‪.‬‬

‫* قاصة من المغرب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪33‬‬


‫استغالل العشق‬ ‫> خالد األحمد*‬ ‫‪ ..‬حتى وهو يسعى القتناص الفرص لتحسين وضعه؛ يتوقع أن الحظ سيبتسم له؛‬

‫لكنها ابتسامة الساخر الشامت به! لم يحقق مكانة اجتماعية في قريته الصغيرة‪ ،‬حظيَ‬

‫بتعليم متوسط‪ ،‬وتنقل في وظائف عدة‪ .‬كان يعتقد أن هذه المنطقة ال يعرفها إال نو ٌع‬

‫واحد من الحظ‪ ،‬أما النوع األفضل منه‪ ،‬فهو في بالد أخرى؛ رحل إلى العاصمة باحثاً‬

‫عنه‪ ،‬لكنه شعر أن سوء الطالع توأمه الذي لن ينفصل عنه‪ ،‬فلربما هو الذي يقوده إلى‬

‫المشاريع الفاشلة!‬

‫بوظيفة حكومية في مدينة مجاورة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لم يشأ أن يعود إلى قريته الصغيرة‪ ،‬فالتحق‬

‫تحسّ ن وضعه قليالً‪ ،‬لكن مشكلة فريد هي الطمع المبالغ به‪ ،‬وحتى يشبع تلك النزعة‬

‫القذرة‪ ،‬تعلّم سبل النفاق والتملّق لرؤسائه في العمل‪ ،‬بل وفي كل مكان‪ ،‬على الرغم من‬ ‫غبائه‪ ،‬الذي يكاد أن يضيّع عليه مكاسبه أحياناً؛ إال أنه أجاد في تلبّس النفاق‪ ،‬ذلك أن‬

‫هذه الصفة ليست صنعة‪ ،‬إنما بذرة في النفس‪ ،‬تُغذى بالطمع والحسد!‬

‫أصبح زمالؤه يلقبونه ‪ -‬سراً ‪« -‬غراب األخبار»‪ ،‬إذ أنه ينقل فضائح الرؤساء الذين‬

‫يتمسح بهم إلى الموظفين‪ ،‬طمعاً بأن يحظى بنظرة احترام منهم‪ ،‬لطالما حل ُم أن يراها‬ ‫في قريته الصغيرة‪.‬‬

‫عاش فريد بداية حياته وحيداً‪ ،‬متشرداً في شقق ال ُعزّاب‪ ،‬وغرف العمالة الوافدة‪،‬‬

‫فبات حاقداً على المجتمع‪ ،‬خاص ًة والده‪ ،‬الذي ضاق ذرعاً بمشاكله المخلّة بالشرف‪،‬‬ ‫فطرده – مجبراً ‪ -‬في لحظة غضب‪ ،‬إلبعاده عن جاره الذي توعّ ده بالقتل‪ ،‬جرّاء ما فعله‬ ‫بابنته!‬

‫‪34‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ث��ورة اإلنترنت هيأت لفريد لبس األقنعة‪ ،‬على‬

‫اسمه الذكاء! ميساء التي خرجت مؤخراً من تجربة‬

‫الرغم من أنها لم تستطع أن تخفي حماقته التي‬

‫عشق كانت تأمل أن تكون نهايتها زواج��اً‪ ،‬متناسية‬

‫حيث ك��ان يستخدمها ألغ��راض��ه الشخصية‪ ،‬حتى‬

‫يصلها عاشق مع عشيقته‪ .‬بعد كل ذلك التقت ميساء‬

‫تظهر كزوائد من تحت القناع‪ ،‬مثلما تحمل مبالغ كل األع��راف والتعاليم الدينية التي نجح عشيقها‬ ‫طائلة لفاتورة خدمة اإلنترنت ب��إدارت��ه الحكومية‪ ،‬اإليطالي في إغفالها عنها فوصل إلى أعمق نقطة‬

‫تم كشفه وإلزامه بدفع الفاتورة‪ ،‬سبب تعلّق فريد بفريد ال��ذي خلّصها من تلك األزم��ة ببركة خواطر‬ ‫بعالم النت هو تلك الفرصة التي أوجدها له عالم متعثرة‪ ،‬وكالم معسول أنساها تجربتها المريرة‪ .‬ولم‬

‫المنتديات في تمكينه (بشكل أكبر) لممارسة النفاق‪ ،‬يكن فريد يفعل كل ذلك الجهد‪ ،‬إال بعد أن تأكد أن‬ ‫وتجربة مختلف اللحوم البيضاء‪ ،‬من الدول العربية لديها أنهاراً من األرصدة البنكية النابعة من شركات‬ ‫كافة‪ .‬اختار فريد قناع الثقافة واألدب‪ ،‬وبات يسرق‬

‫والدها‪ .‬وفي المقابل‪ ،‬كانت ميساء ترى في فريد‬

‫ليطرحها باسمه فيمتلئ جدوله بالمواعيد الغرامية‪،‬‬

‫االرتباط بعربي‪ ،‬أو حتى الدخول لمنتدياتهم‪ ،‬لكنها‬

‫فترةٍ ممكنة‪.‬‬

‫بضحكة أو قُبلة عبر الهاتف؛ لتطلب منه ما تريد‪،‬‬

‫األفكار من المنتديات واألس��م��اء القليلة االنتشار‪،‬‬

‫لعبة تتسلى بها‪ ،‬فتنسيها ما حدث‪ ،‬فلطالما رفضت‬

‫التي يطرّزها بوعود الزواج ليبقي على العالقة أطول‬

‫وج���دت فيه ذل��ك ال��س��اذج ال���ذي تستطيع تحريكه‬

‫كان فريد يتطلع إلى أبعد من المتعة الوقتية مع‬

‫فباع أصدقاءه وأهله‪ ،‬من أجل صبيّة ما تزال تتعثر‬

‫تلك العشيقات‪ ،‬فهو متزوج‪ ،‬ومستقر إال من الوضع‬

‫المادي‪ ،‬الذي تدهور بعد أن خسر في تجارته خسار ًة‬

‫مفاجئة‪ ،‬قصمت ظهره! العالقة الغريبة تثير األسئلة‬ ‫طريق‬ ‫ٍ‬ ‫دائ��م��اً‪ ،‬خاصة إذا ك��ان ك��ل ط��رف يسير ف��ي‬

‫بعيد عن اآلخر‪ ،‬لكن هذا الفضاء يجمع القلوب التي‬ ‫ٍ‬ ‫يفرقها ال��واق��ع! التقى فريد بميساء‪ ،‬الصبية التي‬

‫بخطواتها في هذه الحياة‪ .‬تمادى فريد في أحالمه‪،‬‬ ‫فصدق هو وميساء كل ما يقوالنه لنفسيهما‪ ،‬وفجأة‬ ‫يجد فريد نفسه يطرق باب منزل والدها طالباً يد‬

‫ميساء‪ ،‬بعد أن حدّثه عن نفسه وأصله‪ .‬كان والدها‬ ‫بحاجة إلى الضحك في تلك اللحظة‪ ،‬فظنَّ فري ٌد أنه‬

‫وضع أول خطوة على طريق المال والثراء‪ ،‬مودعاً بها‬

‫ال‬ ‫عاشت معظم حياتها في المجتمع الغربي‪ ،‬وهي التي الفقر وسخرية الناس‪ ..‬لكن الحلم لم يستمر طوي ً‬

‫فشلت في تجارب العشق‪ ،‬وخسرت أعز ما تخسره حتى وجد نفسه في منزله يخفي وجهه عن زوجته‬

‫الفتاة‪ ،‬وه��ي التي برهنت أن الجمال ليس الهدف وأبنائه‪ ،‬كي ال يسألوه عن سبب وج��ود أث��ر ضربة‬ ‫األول‪ ،‬الذي يبحث عنه الرجل الغربي‪ ،‬فهناك شيء حذاء على وجهه!‬

‫* قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪35‬‬


‫البريق‬ ‫> شعر د‪ .‬يوسف حسن العارف*‬

‫ش��������ع��������ر‬ ‫‪36‬‬

‫شـ ـ ـ ــفتاك‪ ..‬أم ه��ذا ال��ف��ؤاد المل َهمُ!!‬ ‫ال فض ف��وك‪ ..‬قصيدة منســوج ـ ـ ـ ــة‪..‬‬ ‫قال ـ ــت‪ :‬أن��ا (أن��ث��ى ال��س��ح��اب) فليتني‬ ‫ق��ال��ت‪ ..‬وق��ال��ت‪ ..‬واس��ت��ب��دَّ بها الجوى‬ ‫أن ال���ه���وى ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��درٌ‪ ..‬أرق م���ن ال��ه��وا‬ ‫وأس��ـ��ـ��ـ��ـ��اه يفتـ ــك ب���ال���ف���ؤاد‪ ..‬فينجلي‬ ‫ق��د ذقتـ ـ ـ ـ ــه‪ ..‬ف��وج��دت فيه ح�ل�اوة‪..‬‬ ‫ووج����دتُ ف��ي نفسـ ـ ـ ــي اليقين بأنني‬ ‫ي��ا ش ـ ـ ــاعري ال��ف��ت��ان‪ ..‬ليتك زرت��ن��ي‪..‬‬ ‫ورأي��ت��ن��ي ف��ي البحـ ــر أغ���ر ُق باحـ ـ ـ ــثا‬ ‫ورأي����ت عيني والش ـ ـ ــرو ُد يحفهـ ـ ـ ــا‬ ‫حتى اسـ ـ ــتوت ألَ��قَ��اً ي��ف��وح عبي ُرهـ ــا‬ ‫َك��تَ�� َب��ت (ب��م��اء الش ـ ـ ــعر) ك��ل قصيدَها‬ ‫ففتح ـ ـ ـ ـ ــتُ ص����دراً ب��ال��م��ودة أحتفي‬ ‫* شاعر من السعودية‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫نطقا بماء الش ـ ـ ــعر‪ ..‬أم هو ينـ ـ ِـظم؟!‬ ‫م��ن وحـ ـ ــي أن��ث��ى تستبين‪ ..‬وتعجـ ــم‬ ‫م��ن ك��ل م��ا حمـ ــل ال��س��ح��ابُ أ ُترج ـ ــم‬ ‫ي��ا شـ ــاعري الفت ــان‪ ..‬ليتـ ــك تعلم‪..‬‬ ‫ـف م��ن جُ ��ن��ح ال���ظ�ل�ام‪ ..‬وأظ��ل��م‬ ‫وأش ـ ـ ـ ُّ‬ ‫ع��ن ص ـ ــادق الخـفق ـ ــان‪ ..‬ال يتظلّم‬ ‫ه��ي ل��ل��ف��ؤاد سـ ـ ــكينةٌ‪ ..‬ه��ي بلس ـ ــم‬ ‫ف��ي العشق أص���د ُح بالقصيد‪ ..‬وأحلم‬ ‫وأن��ا على (البحـ ــر البس ـ ـ ــيط) أ ُسَ ��لِّ��م‬ ‫ع���ن (ب��ن��ت م��ع��ن��ى) ال ي���راه���ا المغ ــرم‬ ‫والعق ـ ــل ال يصـ ــفو‪ ..‬وال يتــلعثـ ـ ــم‬ ‫ك���ال���ورد أو هـ ــي ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��اد ٌح يترن ـ ـ ــم‬ ‫ومض ـ ـ ــت إلـ ـ ــيَّ بري ُقهـ ــا يتكلـ ــم‬ ‫وقبل ـ ــتُ قلبـ ـ ـ ـاً جـ ـ ـ ــاءني يستسلم‬


‫إلى ذات الوجه املستدير‬ ‫> محمود مغربي*‬ ‫وجهك المستدير‬ ‫ِ‬ ‫شمس‬ ‫ٍ‬ ‫كَعبّاد‬ ‫يُحدّثُ عشب البراءة‬ ‫عن األمنيات اللّواتى تَقاعس َن‬ ‫في رحلةِ التوق‬ ‫عن غُربة الياسمين‪،‬‬ ‫وعن سوسنات تقافز َن في الجوع العاطفي‬ ‫وهيأ َن لي‬ ‫أيك ًة جامحة‬ ‫وجهك المستدي ْر‬ ‫ِ‬ ‫كعباد شمس‬ ‫يُعان ُق فى رعشةِ الصبح وجهي‬ ‫يَه ُّز نعاس نوافذي المغلقة‬ ‫يأخذني‬ ‫نخلك‬ ‫ِ‬ ‫حيثُ‬ ‫نَخْ ل ُِك‬ ‫يرقص‬ ‫ُ‬ ‫ها هو‬ ‫ملتحفاً‬ ‫بالخجلِ القروي‪.‬‬ ‫عيناك‬ ‫ترف ُل في غبشي‬ ‫وته ُّز غطيط عصافيري‬

‫تُسكن كل أنوثة هذا العالم في عينيهَا‬

‫وبعينيهَا تبارزني‬

‫أستحلف رقّة هدُبيها‬ ‫ُ‬ ‫أن تمطرني شعراً‬ ‫تمنحني ثوباً‬ ‫فضفاضاً‬

‫مغزوالً بخيوط الفجرْ‪.‬‬

‫أوقف زمن الكون‬ ‫ُ‬ ‫وأم ّر ُغ عيني‬

‫فى سُ مرة عينيها‬

‫فى خُ صل حقيقة كوثرها‪..‬‬ ‫وتك‬ ‫ص ِ‬ ‫َ‬

‫يخر ُج مخضوضراً‬

‫كالحدائقِ ‪..‬‬ ‫كالظلَّ‬

‫يستقطبُ المتعبين‬

‫ويُهدي لسرب الفراشات ما تشتهيه‬

‫يُعي ُد لهذي النوارس‬

‫تغريدة الموج‪..‬‬

‫نبض السويعات‪..‬‬

‫إطالل ًة للفنار المشو ْق‬

‫* شاعر من مصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪37‬‬


‫حب محال‬ ‫ٌ‬ ‫> ميسون أبو بكر*‬ ‫ومللت من شعر الغرام‬ ‫حب تسلَّ َق أسطري كالياسمين‪..‬‬ ‫ومللت من ٍّ‬ ‫كم من دمِ يّ َر َّويْتُ ُه‬ ‫كل القصائد ليتها عادت به بعد الغياب‪..‬‬ ‫إنا نحب‬ ‫ونسير في درب الهيام بال حساب‪..‬‬ ‫ونسير رغم الشوك واألحزان‬ ‫والموج المسالم للرياح‪..‬‬ ‫ونسير نحو اللحد‪ ..‬نعرف‬ ‫ما بأيدينا عشقنا‬ ‫لكنه الحب المشعوذ قادنا‬ ‫والحب أعمى ما بأيدينا رأينا‬ ‫لكنه قدر وصاب‪.‬‬ ‫هو تلني نحو الجبين‪..‬‬ ‫يا ليت أني لم أعش رهن العذاب‬ ‫ومشيت في درب الحياة بال اغتراب‪..‬‬ ‫يا ليتني ما كنت أطلقت أشرعتي‬ ‫وركبت لج الموت يقذفني‬ ‫إلى شط الغواية والقصيد‬ ‫ولحون حب عن بثينة أو رباب‪..‬‬ ‫عن عنتر العبسي‪ ..‬عن قيس‬ ‫وعن بلقيس‬ ‫عن حبنا المكتوب في وضح النهار‪..‬‬ ‫فمتى أحب المرء يخذله القرار‬ ‫ويعود يجهل ما يراه‪..‬‬ ‫إنا سقينا الروح أحزا َن الفرات‬ ‫إنا حرقنا جثة الماضي لنسعد بالحياة‪..‬‬ ‫إنا ركبنا البحر لم نخش القرار‪..‬‬ ‫* شاعرة وإعالمية عربية‪.‬‬

‫‪38‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫واغتربنا عن طفولتنا وعن أبهى الديار‪..‬‬ ‫إنا بفعل الحب ذبنا‬ ‫مثلما تهمي على األغصان دمعات المطر‪..‬‬ ‫ولقد رأينا كيف يأخذنا الجنون إلى سقر‪..‬‬ ‫ال فرار من القرار وال خيار‬ ‫إذا ركبنا الريح أغرانا الشمال‬ ‫قالوا هناك العشق معبود كآلهة الجمال‪..‬‬ ‫والشمس تشرق ال تغيب‬ ‫حباً ليستتر الظالم‪..‬‬ ‫فالصبح صبح العاشقين‬ ‫والليل تاه بال مكان‪..‬‬ ‫كنا هناك‪..‬‬ ‫نغزل األحالم في وادي الجمال‬ ‫ونطرز اآلمال أثواباً ليلبسها الغرام‪..‬‬ ‫لكنه القلب المُعنّى بالجراح‬ ‫والعشق إذ سكن الفؤاد‬ ‫كالنسر فوق القمة الشمّاء‬ ‫تهواه الجبال‪..‬‬ ‫فلقد عشقنا هكذا‪ ..‬وقد اغتربنا‬ ‫في مفازات الخيال‪..‬‬ ‫الحب أغرانا فسرنا‬ ‫يا ويحنا‪ ..‬طال السفر‬ ‫عدنا من الدرب الطويل بال أمل‬ ‫لكننا بجراح أنفسنا رجعنا‬ ‫يبست على ظمأ سنابلنا‬ ‫وأعيانا المسير‪ ..‬وال أمل‬ ‫هذا هو الحب المحال‬ ‫هذا هو الحب المحال‪..‬‬


‫حياتي‪ ..‬زورق مثقوب‬ ‫‪ -1‬هوامش أولى‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وجهك مرآةٌ‬ ‫ِ‬ ‫وأنا حزين‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫تعذبني الريح‬ ‫حين تمر بي‬ ‫قبل أن تمر بك‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫حياتي‪..‬‬ ‫زور ٌق مثقوب‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫وطني قطا ٌر‬ ‫م ّل من السـفر‪.‬‬

‫(‪)5‬‬

‫حـنيني‬ ‫كوقع خطى الفجر‬ ‫على زجاج نافذتك‪.‬‬ ‫***‬

‫‪ -2‬خطوات السمك‪:‬‬ ‫فـج ـرٌ‪..‬‬

‫> عماد الدين موسى*‬

‫عشرون شجرة‬

‫قمر‬ ‫يبحثُ عن ٍ‬

‫شارداً‬

‫بعصافيرها‪ ،‬وأغصانها‬

‫في السماء‪.‬‬

‫في األعالي‪.‬‬

‫وعشاقها‪..‬‬

‫‪ -‬ف���ي ال���ح���دي���ق���ة‪ ،‬بين‬

‫(‪)2‬‬

‫قلي ٌل من الحبِّ‬

‫وال��ظ�لال تطوي أشرعة األغصان‬ ‫السفن‪،‬‬

‫تماماً‪ ،‬حيث الماءُ‬

‫كي نجعل الذكريات‬

‫بعين واحدة‬

‫قم ٌر‬

‫مسوّد ًة للقصيدة ْ‪،‬‬

‫ينظر البحر إلى األزل‪.‬‬

‫ينظ ُر إلى قمر السماء‪.‬‬

‫وننسى المواعي َد‬

‫خ���ط���وات ال��س��م��ك على ‪ -‬بين األغصان‬

‫طيـراً‪..‬‬

‫المـاء‬

‫في الحديقة‪ ،‬قي الماء‬

‫ع��ل��ى ش���رف���ة االن��ت��ظ��ار‬

‫وعربة النوارس تجري‬

‫قم ٌر‬

‫البعيدة ْ‪.‬‬

‫باتجــاه الشمس‪.‬‬

‫يعشق قمر السماء‪.‬‬

‫‪-2-‬‬

‫‪..‬‬

‫قلي ٌل من الحزنِ‬

‫غروب ٌ‪..‬‬

‫قليل‬ ‫‪ -‬ع َّم ٍ‬

‫ح���ت���ى ن����ظ���� ّل إل������ى أول‬

‫وضوء الحكاية يخفت‬

‫قمر السماء يختفي‪،‬‬

‫الفجر‪،‬‬

‫خمس وعشرون قندي ً‬ ‫ال بينما القمر اآلخر‬

‫(‪)3‬‬

‫نبكي‬

‫مطفأ‪ /‬عمري‬

‫ينتحر‪..‬‬

‫ونمسـ ُح عنـ ّا غبار الرثاءِ‬

‫والبحر ذو العين الخفيّة‬

‫إلى ماء‪.‬‬

‫رح���ي���ل ال���ق���رن���ف���ل ن��ح��و‬

‫حياتنا‪.‬‬

‫***‬

‫‪ -3‬قمرٌ في الماء‪:‬‬

‫ إلى آخر الموج‪:‬‬‫(‪)1‬‬

‫قلي ٌل من الدمع يكفي‬

‫الذبول‪..‬‬ ‫وم��وت العصافير حزنـاً‬ ‫على مفردات الحقول‪.‬‬

‫(‪)4‬‬

‫‪ -‬ف�������ي ال��������م��������اء‪ ،‬ف���ي‬

‫لنبقى‬

‫الحديقة‬

‫إلى آخر الحزن ِ‬

‫قلي ٌل لدي ِـك‬

‫ع���ش���رون ش��ج��رة أس��ف��ل‬

‫بين األغصان‬

‫نمضي‪.‬‬

‫ألبقى إلى آخر الموج‬

‫الخريف‪..‬عمري‪،‬‬

‫قم ٌر‬

‫قلي ٌل ليبقى القمـ ْر‬

‫أغـرقْ‪.‬‬

‫والضوء يشي بالبداية‪.‬‬ ‫***‬

‫* شاعر من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪39‬‬


‫محمود درويش سالما‬ ‫> حمدى هاشم حسانني*‬ ‫أسافرتَ حقا؟‬ ‫إلى سدرة من عبير القرنفلْ؟‬ ‫وغادرتنا قمرا سندسيا‬ ‫وكنا نظنك ال لست تأفلْ‪.‬‬ ‫عرجتَ إلى الشمس ِ‬ ‫فاحترق الوقتُ‬ ‫واختج َل الصمتُ‬ ‫والموتُ كان خجوال‬ ‫وقبلك ما كان يخجلْ‪.‬‬ ‫حملت نواقيس حزن البالد‬ ‫وسافرت في مفردات الرماد‬ ‫تفتش عن وطن ٍ للقصيدة‬ ‫للحب‬ ‫ِّ‬ ‫للغزل المريمي‬ ‫تنادي الربيع الجميل المؤَجلْ‪.‬‬ ‫أدرويش‬ ‫طي ُر المدائن يبكي وحيدا‬ ‫يفتش عنك الغمام البعيد‬ ‫ويسأل عنك العصافير‪:‬‬ ‫شاهدت محمود‬ ‫ِ‬ ‫كالمالك حسنا‬ ‫ِ‬ ‫ذاك األمير الحزين الذي‬ ‫وأجمل ْ‪.‬‬ ‫أرى الريح والماء والورد‬ ‫حتى النسيم أتى عنك يسألْ‪.‬‬ ‫وأنت الذي َسكبَ العط َر في المفردات‬ ‫وعلمتنا كيف يشدو السحاب‬ ‫وكيف تطير البحيرات‬ ‫* شاعر من مصر‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫كيف نراقص بالليل حورية البحر‬ ‫كيف ننسق دمع العيون على المزهرية‬ ‫وكيف نصادق تلك الفراشات‬ ‫حين تهل العشية‪.‬‬ ‫أدرويش‬ ‫كل الفراشات والسوسنات دقت على الباب‬ ‫فافتح وعانق‪.‬‬ ‫أحباء عمرك جاءوك بالزهر والفل‬ ‫باقاتهم قد كستها الزنابق‪.‬‬ ‫ُسجى‬ ‫وأنت الم َّ‬ ‫فكم طاردتك المشانق‪.‬‬ ‫لذا فادخل اآلن عرسك‬ ‫عرس الهوى والمدام‪.‬‬ ‫تظللك البسمات العِ ذاب‬ ‫ويرنو إليك الغمام‪.‬‬ ‫وطر في العُلى‬ ‫طر في الفراديس‬ ‫طر في قصيدتك المخملية‪.‬‬ ‫فبعدك ال يستقيم الكالم‪.‬‬ ‫لتبقى كما أنت‬ ‫أنشودة البوح‬ ‫ترنيمة الشوق‬ ‫تبقى من البدء حتى الختام‪.‬‬ ‫كتاريخ عشق‬ ‫تساقط بالحب بل والغرام‬ ‫سالم عليك‬ ‫عليك السالم‪.‬‬


‫غافلتني روحي وهفت إليك‬ ‫> فاتن محمود*‬

‫غافلتني روحي وهفت إليك‬ ‫نقضت معي كل العهود‬ ‫باالبتعاد عن كل ما يذكرني بك‪.‬‬ ‫اليوم وأنا أتجول بين أوراقي‪،‬‬ ‫تسللت إلى صورتك أصابعي‬ ‫جالت عيناي تلثم مالمحك‪،‬‬ ‫وددت لو استنطق الصمت الجاثم فوق صدرك‬ ‫ليخبرني كيف حالك‬ ‫يحدثني قلبي أنك قريب‬ ‫تسكن الدم‬ ‫في الوريد‪،‬‬ ‫تسافر روحي إليك‬ ‫تتخطى كل الحدود‬ ‫في لحظة يتوقف فيها الزمن‬ ‫وتتعثر بين ثوانيها الساعات‪.‬‬ ‫تغريني تلك النظرة في عينيك‪،‬‬ ‫لإلبحار نحو أعماقي‪،‬‬ ‫ألبحث عنك من جديد‪ ،‬بين الذكريات‬ ‫يا ساكن األجفان‪،‬‬ ‫في يوم ما سيخبو النور في عيني‪،‬‬ ‫وتم ّل روحي قيود جسدي‪،‬‬ ‫فتفارقه؛ ليبلى وحيداً‪،‬‬ ‫ويظل حبك بعد موتي‬ ‫يقاسمني األكفان‪.‬‬ ‫* شاعرة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪41‬‬


‫الروح املهجورة‬ ‫> شعـر‪ :‬بالوم ـ ــا ِف ْرنـانْديث غوما*‬ ‫> ترجمة‪ :‬محمد أحمد بنيس**‬

‫تغدو الروح مهجورة‪.‬‬ ‫أتنفس‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بعيد قد اجْ تا َح الجبين‪.‬‬ ‫صدى حزن ٍ‬ ‫ربما أكون هشة‬ ‫كانت الخطوات تمرق في اندفاعها مثل مهور نافرة؛ ي��رو ُق لي أن أحتفظ بقطع‬ ‫فكان الصدر يخفق مثل شعلة تستعر باستماتة‪،‬‬ ‫الخزف مكسورةً‪،‬‬ ‫لكن بعد قليل ستطفئها آخر ريح‪.‬‬ ‫وأن أرى‪ ،‬وأنا متكئٌة‪ ،‬كيف‬ ‫تخبو النار‬ ‫كانت قطعة الرماد تَتَكوم عساها تعود‪.‬‬ ‫حين تبدأ أوراق الزمن في‬ ‫لكن الوقت كان قد فات‪،‬‬ ‫التساقط على مهل؟‬ ‫وصار على الفكرة الناضجة‬ ‫على مهل يقترب البحر من شَ فتَي‪،‬‬ ‫أن تنبثق‬ ‫ومع انكسار الموجة تتالشى استيهاماتي‪.‬‬ ‫دون رجعة‪.‬‬ ‫ترحل حواسي على حُ َبيْبات الرمل‪.‬‬ ‫سمائي ليست هذه‬ ‫يغمرُني تأثيركَ ‪.‬‬ ‫نهاري يبدو مختلفاً‬ ‫دِ فْؤكَ يخلع عني البردَ‪.‬‬ ‫وليالي صيفي ٌة‬ ‫نسيمك الهادئُ يُطَ وق جسدي‪،‬‬ ‫وذكرياتي خريفيةٌ‪.‬‬ ‫إلى أن يتالشى في العاصفة‬ ‫فليسامحني الماءُ‪،‬‬ ‫ولتسامحني الري ُح‬ ‫مطيحاً بأفكاري‪،‬‬ ‫ألني لم أستجب لحنانها‪،‬‬ ‫تاركاً ذهني مضطرباً ويَدَي باردتين‪.‬‬ ‫وبقيت واجمة في مكاني‬ ‫تنبعثُ الذكريات جنب األثر‪.‬‬ ‫بعيداً عن النوارس المحلقة عالياً‪.‬‬ ‫ربما يجيء سربُ نوارس إلى روحي‬ ‫بعيداً عن البرد‪،‬‬ ‫وي��ح��دثُ��ن��ي ع���ن ال��م��س��اف��ة ال��ق��ص��ي��رة ال��ت��ي ت��ك��ون‬ ‫أتأمل داخل عزلتي‪.‬‬ ‫للرغبة‪،‬‬ ‫حين يزحف البحر ببطء نحو شَ َفتَ​َي‪.‬‬ ‫تتقطع أنفاسي‪.‬‬ ‫* بالوما فِ رْنانْديث غوما (‪ :)Paloma Fernández Gomá‬شاعرة وكاتبة إسبانية من مواليد عام ‪1953‬م بمدريد‪ .‬صدر لها‬ ‫العديد من المجاميع الشعرية منها‪ :‬أفول عباد الشمس ‪1991‬م‪ ،‬واستهالالت ‪1993‬م‪ ،‬وسوناطا األزهار ‪1999‬م‪ ،‬ومالئكة‬ ‫الصحراء ‪2007‬م‪ .‬تشرف بالوما على مجلة « الضفاف الثالث» (‪ ,)Tres Orillas‬وهي إحدى أهم المجالت اإلسبانية ‪-‬‬ ‫تصدر من الجزيرة الخضراء‪ ،‬وتضطلع بدور هام في تشجيع التبادل الثقافي بين المغرب وجبل طارق واألندلس‪ .‬وهذا‬ ‫النص مأخوذ من مجموعتها «استهالالت» (‪.)CALENDAS‬‬ ‫** شاعر من المغرب‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫مكاشفة‬ ‫ُ‬

‫> أسامة رابعة*‬

‫��ت ع���ل���ي ّ َم������ع ال��م��س��ـ��ـ��ـ��ـ��اء ب�لائ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي‬ ‫أل��ق��ـ��ـ��ـ��ـ ْ‬ ‫ف��ـ��ت��ـ��ط��ـ��ـ��اع��ـ��ـ��ـ��نَ ال���ع���ش���ـ ّ َ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���اقُ دون ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��داءِ‬ ‫رق ث���ـ���ـ���ـ���اوٍ ب��اك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي�� ًا‬ ‫ل��ـ��ـ��ـ��وال ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��وى م��ـ��ـ��ا ّ َ‬ ‫ف���ـ���ـ���ي رِ ع��ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةٍ أ ْده���ـ���ـ���ـ���ـ���ى م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��نَ األدْواءِ‬ ‫م��� ّ َزق���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ ِ���ت ج����رح���� ًا ال ي�������زال م��م��ـ��ـ�� ّ َزق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا‬ ‫ي��ـ�� ْب��ـ��ـ��ـ��ـ��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ه�������دا ُه ب�� َدم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ةٍ ح��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م��راءِ‬ ‫ي��ص��ـْ��ـ��ـ��ـ��ب��و ال��ح��ـ��ـ��ل��ـ��ـ��ـ��ـ��ي��مُ إذا ي��راس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��لُ ورد ًة‬ ‫���ك ب��ط��ل��ـ��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ع��ةٍ ح��س��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ن��اءِ‬ ‫ت��غ��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دو إل���ي َ‬ ‫َاش ب��ك��ـ��ـ��ا ُه ي���ـُ���ـ���دْ م���ي ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دْ ر ُه‬ ‫����ف����ـ����ر ِ‬ ‫ف��ـ��ـ��ـ��وقَ ال ِ‬ ‫وال��دم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��عُ أغ����ـْ����ـ����رقَ ف�� ْرش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هُ ب��ال��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��م��اءِ‬ ‫ّس‬ ‫ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ذا ال��ن��ـ��ح��ي��لُ ع��ل��ى األس���ـ���ـ���ى م��ت��م��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ر ٌ‬ ‫ل��ك��ـ��ن��ـّ��َـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��هُ ي��ـ�� ْب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ك��ي م�����نَ األن��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��واءِ‬ ‫���دى وال���دي���ـ���ـ���ن س���ـ���م���ـ ّ َ��� َم درب��ـ��ـ��ـ��ه��ا‬ ‫ت��ه��ـ��ـ��ـ��وى ه���ـ���ـ���ـ ً‬ ‫ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ع��ض��ـّ��َـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ةٍ م�����نْ ح���ي���ـ ّ َ���ـ���ـ���ةً رق���ـْ���ـ���ـ���ط���اءِ‬ ‫���ت ب����ـ����ـ����دْ ري ب��ال��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��وم م���ض��� ّ َرج��� ًا‬ ‫و ّ َدع���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ ُ‬ ‫وأس��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ُّ��ل ن��ف��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي م����ن ب��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��اء ب��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ائ��ي‬ ‫����واك ب��ـ��ـ��ـ�لا دِ م��ـ��ـ��ا‬ ‫��ت ج���رح���ي ف����ي ه����ـ ِ‬ ‫ع��ـ��ت��ـّ��َق��ـْ��ـ��ـ ُ‬ ‫ف��ص��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��در ُْت م��ن��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ِ��ك ك��ن��ب��ت��ـ��ـ��ـ��ةٍ ص���ـ���ف���راءِ‬ ‫درب ت��ك��اث��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َر ق��ـ��ت��ـْ��ـ��ل��هُ‬ ‫درب ال���ه���ـ���ـ���ـ���ـ���وى ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أص���ـ���دائ���ي‬ ‫آهٍ ت��غ��ن��ـِّ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ف����ي ال��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��وى ْ‬ ‫أب��ـ��ـْ��ك��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي وح��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دً ا ف����ي ب���ـَ���ـ�ل�اي���ـ���ا غ�� ْرب��ـ��ت��ي‬ ‫ال ش���مْ ���س ت��ـ ُ ْ��ح��ـ��ـ��ي��ي ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ال��ف��ض��ـ��ـ��ـ��ا أج��ـ��ـ��ـ��وائ��ي‬ ‫م��ـ��ـ��نْ ل��ل��م��ـ��ـ��ت��ـ��ي��ـ ِ ّ ِ��م ف���ي س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�لاس ِ��ل ق��ـ�� ْي��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دهِ‬ ‫ش����ـُ����دّ ت إل��ي��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ف���ي ال���دج���ى أع��ـ��ْـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ض��ائ��ي‬ ‫���ف أنْ ي��ع��ـ��ـ��ـ��ان��قَ ي��ائ��س��ـ��ـ��ـ��ـ�� ًا‬ ‫���وت ي���أن���ـ���ـ���ـ ُ‬ ‫وال���م���ـ���ـ���ـ ُ‬ ‫ي��ه��ـ��ـ��ـ��وى ل��ـ��ـ��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ا ُه ب��ع��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ت��م��ةِ األ ْن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ح��اءِ‬ ‫��������واك ع���ل���ى ال���ه���ـ���م���ـ���ومِ م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ؤازر‬ ‫َ‬ ‫م���ال���ـ���ـ���ـ���ي س‬ ‫��������زّقْ ب��ال��ب��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ل��ى أش��ـ��ـ��ـ��ـ�لائ��ي‬ ‫��وت م ِ‬ ‫ي����ا م��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ ُ‬ ‫واج���ع���ـ���ـ���لْ هُ ���ـ���ـ���دايَ م���ع ال��رم��ـ��ـ��ي ِ��م م��ؤان��ـ��ـ��س��ـ��ـ�� ًا‬ ‫ط��ي��ـْ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ر ًا ي���غ���ـ���ـ ِ ّ���ر ُد ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ي ف���ـَ���ـ�ل�ا ص��ح��رائ��ي‬ ‫* شاعر سوري مقيم في السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪43‬‬


‫نص مفتوح عابر لألنواع‪..‬‬ ‫هل قصيدة النثر ّ‬ ‫«نصاص»?‬ ‫وكاتبها‬ ‫ّ‬

‫> جعفر العقيلي*‬

‫تكتسب كتابات الشاعر عز الدين المناصرة حول قصيدة النثر وإشكالياتها أهمية‬

‫خاصة‪ ،‬تنبع من كونه جرّب كتابة هذا الجنس األدب��ي أوالً منذ منتصف الستينيات‪ ،‬إذ‬ ‫نشر عام ‪1969‬م قصيدته النثرية الشهيرة‪« :‬مذكرات البحر الميت»‪ ،‬كما أصدر مجموعة‬ ‫بعنوان‪« :‬كنعانياذا» عام ‪1983‬م تتضمّن قصائد نثر‪ .‬ولكن يبدو أنه ظ ّل قلقاً تجاه هذا‬ ‫الجنس األدبي‪ ،‬حتى أطلق عليه وصفاً تفرّد به‪« :‬قصيدة النثر جنس كتابي خنثى»! في‬

‫كتابه الذي يحمل االسم نفسه‪ ،‬والذي أعقبه وصف آخر هو «نص مفتوح عابر لألنواع»‪،‬‬ ‫تضمنه كتابه‪« :‬إشكاليات قصيدة النثر»‪ ،‬الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات‬

‫والنشر‪.‬‬

‫والكتاب – كما يصفه د‪ .‬محمد ناصر الخوالدة فيما كتبه على غالفه – هو األه ّم في‬

‫مجاله‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬في الوطن العربي كله‪ .‬إنه كتاب الخالف واالختالف‪ ،‬فقد روّج المناصرة‬ ‫لمشروعية قصيدة النثر بذكاء ودهاء‪ ،‬وبدأت أطروحته‪( :‬الجنس األدبي المستقلّ) تلقى‬ ‫تجاوباً من النقاد العرب منذ عام ‪1997‬م‪ ،‬حتى أنه يمكننا مقارنة كتاب المناصرة األخير‬

‫بكتاب نازك المالئكة‪« :‬قضايا الشعر المعاصر – ‪1962‬م»‪ ،‬وكتاب أدونيس‪« :‬زمن الشعر‬

‫‪1972‬م»‪ ،‬من حيث الفاعلية فقط‪ ،‬وبعيداً عن أساليب الجمود واإلنكار‪.‬‬

‫ويخصص المناصرة الفصل األول لبحث إشكاليات التسمية والتجنيس والتأريخ‬

‫لقصيدة النثر‪ ،‬متناوالً كتاب «سوزان برنار» الشهير‪« :‬قصيدة النثر من بودلير إلى زماننا»‬

‫‪1959‬م‪ ،‬وتنظيرات أدونيس وأنسي الحاج‪ ،‬النقدية‪ ،‬ثم النبر‪ ،‬في النثر والشعر وقصيدة‬

‫ن��������ق��������د‬ ‫‪44‬‬

‫النثر‪ ،‬مروراً بتنظير بول شاءول في الثمانينيات والتسعينيات حول القضايا آنفة الذكر‪،‬‬ ‫وعالقة مجلة «فراديس» بقصيدة النثر‪ ،‬وانتها ًء بوقفة مع أحمد بزّون في كتابه‪« :‬قصيدة‬ ‫النثر العربية»‪.‬‬

‫ويشتمل هذا الفصل‪ ،‬كذلك‪ ،‬على أفكار وسجاالت متعلّقة بقصيدة النثر‪ ،‬شارك فيها‬

‫شربل داغر‪ ،‬ومحمود درويش‪ ،‬وعبد المعطي حجازي‪ ،‬وسميح القاسم‪ ،‬وعباس بيضون‪،‬‬

‫وعبده وازن‪ ،‬ود‪ .‬بسام قطوس‪ ،‬إضافة إلى المناصرة نفسه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ويخلص المناصرة في هذا الفصل إلى أن حركة‬ ‫الشعر المنثور ظهرت اب��ت��دا ًء م��ن «ه��ت��اف األودي���ة»‬ ‫(‪1910‬م) ألمين الريحاني‪ ،‬بينما بدأت حركة النثر‬ ‫الشعري بصدور «دمعة وابتسامة» (‪1914‬م) لجبران‬ ‫خليل ج��ب��ران‪ .‬واس��ت��م��رت ه��ذه الحركة ف��ي كتابات‬ ‫مصطفى الرافعي‪ ،‬وألبير أديب‪ ،‬وإلياس زكريا‪ ،‬وثريا‬ ‫ملحس‪ ،‬ثم تريز عواد‪ ،‬وحسين مردان‪ ،‬وليلى كرنيك‬ ‫وغيرهم؛ لتؤكد أن الشعر المنثور‪ ،‬والنثر الشعري‬ ‫خصوصاً‪ ،‬في النصف األول من القرن العشرين‪ ،‬كان‬ ‫إمّا تمهيداً لقصيدة النثر‪ ،‬أو أنه كان مرحلة أولى من‬ ‫مراحلها في التطور‪.‬‬ ‫ويرى المناصرة في هذا السياق أن قصيدة النثر‬ ‫التي ظهرت عام ‪1954‬م وحُ كمت بمرجعيتين هما‪:‬‬ ‫المرجعية األوروأمريكية «بودلير‪ ،‬ورامبو‪ ،‬وويتمان»‬ ‫الشاعر عز الدين المناصرة‬ ‫م��ن جهة‪ ،‬والمرجعية العربية «الكتابات الصوفية‬ ‫وي��رى المناصرة أن قصيدة النثر م��ن منتصف‬ ‫كالنفري‪ ،‬وأسفار التوراة واللغة اإلنجيلية‪ ..‬الخ»‪ ،‬من الثمانينيات هي «قصيدة العولمة»‪ ،‬وهو تعبير طبيعي‬ ‫جهة أخرى‪.‬‬ ‫عن حالة التشظي العربية منذ نهاية الحرب الباردة‪،‬‬

‫وظل الجدل قائماً‪ ،‬بعد أن ترجم أدونيس مصطلح وهو أيضاً تعبير عن «حالة التجريد» و«تبريد اللغة‬ ‫«قصيدة النثر» عن الفرنسية «‪1960‬م» حول التسمية‪ ،‬الشعرية»‪ ،‬الذي ترغبه السلطة‪ ،‬ألنه يلتقي مع مفهوم‬ ‫فأُطلقت أسماء فرعية كثيرة؛ ولكن الخطأ الشائع «محو األمية» الذي تريده العولمة‪.‬‬ ‫«قصيدة النثر» ظ ّل هو المسيطر طيلة أربعين سنة‪،‬‬ ‫وفي الفصل الثاني‪ ،‬الذي جاء بعنوان‪« :‬تبريد اللغة‬ ‫وألن خطأ شائعاً خي ٌر من تسميات فرعية غير معترف‬ ‫بها‪ ،‬يتوقّع المناصرة أن يبقى مصطلح «قصيدة النثر» الشعرية» يختار الشاعر المناصرة عيّنة عشوائية من‬ ‫«نصاصون»‪ ،‬بعضهم ترسّ خ في‬ ‫قصائد النثر‪ ،‬كتبها ّ‬ ‫هو المسيطر‪ ،‬ألنه أخذ شرعية واقعية‪.‬‬ ‫مجال الكتابة‪ ،‬وبعضهم اآلخ��ر في الطريق‪ ،‬منهم‪:‬‬ ‫ويؤكد المناصرة أن هاجس التصاق قصيدة النثر‬ ‫عباس بيضون‪ ،‬وأنسي الحاج‪ ،‬وفاضل العزّاوي‪ ،‬وبول‬ ‫بالجنس القديم الحديث «الشعر» ظ ّل هاجساً مركزياً‬ ‫لدى كتّاب قصيدة النثر‪ ،‬وإذا كانت قصيدة النثر قد شاءول‪ ،‬وشربل داغر‪ ،‬وبسام حجّ ار‪ ،‬وزكريا محمد‪،‬‬ ‫اعتراف بشرعيتها كجنس ثالث مستق ّل وقاسم ح��داد‪ ،‬ون��وري الجراح‪ ،‬ورفعت س�لام‪ ،‬وزياد‬ ‫ٍ‬ ‫حصلت على‬ ‫بعد الشعر وال��س��رد‪ ،‬إ ّال أن االع��ت��راف بها ‪ -‬كشعر العناني‪ ،‬ونجوان دروي��ش‪ ،‬ووف��اء العمراني‪ ،‬وسلوى‬ ‫كامل على الرغم من شاعريتها العالية أحياناً ‪ -‬ظ ّل النعيمي‪ ،‬ورانة نزال‪ ،‬وغادة الشافعي‪ ،‬وعبده وازن‪،‬‬ ‫في دائرة الشكّ ‪ ،‬حتى هذا التاريخ‪.‬‬ ‫وأحمد الشهاوي وخليل صويلح‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪45‬‬


‫وه���ذه ال��ن��ص��وص ال��م��خ��ت��ارة‪ ،‬تمثّل اإلط���ار العام‬ ‫ال‬ ‫لقصيدة النثر ف��ي الثالثين سنة األخ��ي��رة‪ ،‬تمثي ً‬ ‫توضح الخطوط الرئيسة في األساليب‬ ‫صادقاً؛ فهي ّ‬ ‫التركيبية المستخدمة في واقع قصيدة النثر‪ ،‬مثلما‬ ‫توضح تعددية «المنظور» إلى العالم‪ ،‬وترصد محطّ ات‬ ‫ّ‬ ‫التحوّالت في األساليب‪ ،‬وأول سماتها هي التعددية‪.‬‬

‫النباتات والحيوانات والبحار»‪ ،‬و«السطور الهامشية‬ ‫التفسيرية» و«الخطاب التقريري المباشر»‪ ..‬هناك‬ ‫سرد نثري عقالني خالص‪ ،‬وهناك جمل سردية تأخذ‬ ‫شاعريتها من التشكيل الجديد لها‪ ،‬أو من طريقة‬ ‫استخدامها في السياق‪.‬‬ ‫ويالحظ المناصرة تطورات جديدة مثل «الكثافة‬ ‫الشعرية»‪ ،‬التي تَنْوَجد في السطر وفي الفقرة وفي‬ ‫النص كله أح��ي��ان��اً‪ ،‬م��ا ي��و ّل��د الصفاء الشعري‪ ،‬لكن‬ ‫ن��ص��وص��اً كثيرة ال ع�لاق��ة لها بالكثافة‪ ،‬انسيابية‬ ‫م��ت��رهّ ��ل��ة‪ ،‬وت��ق��ت��رب م��ن ال��ه��وام��ش ال��ت��ف��س��ي��ري��ة‪ ،‬كما‬ ‫الحظ وضوح ظاهرة التكرار األسلوبي في كثير من‬ ‫النصوص‪ ،‬وق��د لعب ه��ذا التكرار ع��دة أدوار منها‬ ‫إشباع اإليقاع بأسلوب يركّز على السطر أو الكلمة‪،‬‬ ‫ومنح الصور الشعرية تعددية تنويعية‪.‬‬

‫ويرى المناصرة أن «ضعاف النصوص» من كتّاب‬ ‫قصيدة النثر هم الذين يرفعون الشعارات التي تعلن‬ ‫القطيعة‪ ،‬تحت اسم المغايرة واالختالف واالنشقاق‬ ‫وال��ت��ج��اوز وال��ت��خ��طّ ��ي‪ ،‬لكن نصوصهم ركيكة لغوياً‬ ‫النصي‪،‬‬ ‫وأسلوبياً إلى درجة عدم االتساق واالنسجام ّ‬ ‫بينما تصبح «نصوص األقوياء» نموذجاً‪ ،‬يُحتذى إلى‬ ‫درجة «االستنساخ»‪ .‬فالمغايرة واالختالف ‪ -‬والكالم‬ ‫هنا للمناصرة ‪ -‬يحدثان في المفاصل التاريخية‪ ،‬مثل‬ ‫الموشحات وحركة الشعر الحديث «التفعيلة» وظهور‬ ‫ويتابع المناصرة أن نصوص البياض م��ا زال��ت‬ ‫قصيدة النثر نفسها في الخمسينيات‪.‬‬ ‫تجريبية‪ ،‬حيث يتم الخلط بين «بنية المكان» في‬ ‫وقد ت ّم التأسيس لقصيدة النثر كتركيب أسلوبي الصفحة‪ ،‬بما يتعلّق بشكل الصفحة‪ ،‬أي «المتخيّل»‪،‬‬ ‫وكنمط في الخمسينيات‪ ،‬ثم تولّدت وقفة جديدة في وبين «الفضاء» خارج الصفحة‪ ،‬أي «المتخيّل»‪ ،‬حين‬ ‫السبعينيات‪ ،‬مضيف ًة بعض األساليب الجديدة بتعميق يصبح ال��ق��ارئ شريكاً ف��ي ال��ن��ص‪ ..‬وف��ي النصوص‬ ‫ما سبق‪ ،‬ثم كانت الدفعة الثالثة في التسعينيات‪ ،‬المختارة تبرز «الالفتة الشعرية» التي غالباً ما تكون‬ ‫بإيصال التجريب اللغوي إل��ى ال��ح�� ّد األق��ص��ى‪ ،‬إلى سطراً شعرياً مكثفاً‪ ،‬له مالمح الحكمة والخالصة‪،‬‬ ‫بعد تأمل عصارة تجربة ما‪ ،‬لكن االنزياح في بعض‬ ‫درجة اإلشباع‪.‬‬ ‫ويقول المناصرة أن أبرز ظاهرة في قصيدة النثر النصوص «الالفتة» لم يصل‪ ،‬فظلّت الالفتة أحياناً‬ ‫هي الميل إلى ما يسميه «تبريد اللغة الشعرية»‪ ،‬أي «ما قبل شاعرية»‪ ،‬أي في منطقة «الفكرة الفلسفية‬ ‫الميل إلى التأمل الهادئ لألشياء‪ ،‬بسبب االهتمام الشعرية»‪.‬‬ ‫باللغة السردية التي تجعل النص يميل إلى النثرية‪.‬‬

‫ك��ذل��ك ه��ن��اك ظ���اه���رة االن��ف��ص��ال ع���ن األش��ي��اء‬ ‫التي تسهم ف��ي تبريد ال��ن��ص‪ ،‬وطغيان ال��س��رد على‬ ‫النصوص الجديدة؛ فنجد «نموذج القصة القصيرة‬ ‫ج����داً»‪ ،‬و«ال��ت��ح��ل��ي��ل الفلسفي ل�لأش��ي��اء»‪ ،‬و«م��ع��اج��م‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫وتسيطر على ال��ن��ص��وص أس��ال��ي��ب «ال��دف��اع عن‬ ‫ال���ذات النرجسية» ف��ي مقابل «قطيعة الجماعة»‪،‬‬ ‫وعلى الرغم من أن بعضها ال يستخدم االستعارات‬ ‫أو اللغة الشعرية ال��م��وروث��ة‪ ،‬إال أننا نشعر بأجواء‬ ‫شاعرية عندما نقرأ ُها‪ ،‬وهذا ما يسمّيه المناصرة‬ ‫«نص الحاالت الشاعرية»‪ .‬كما أن في بعض النصوص‬ ‫ّ‬


‫ص��وف��ي��ة (إس�لام��ي��ة وم��س��ي��ح��ي��ة)‪ ،‬ل��ك��ن الكثير منها‬ ‫يعبر بلغة صوفية مصطنعة‪ ،‬أو يعيد إنتاج صوفية‬ ‫موروثة‪.‬‬

‫المناصرة بأنها أسئلة القراء والواقع؛ مؤكداً عدم‬ ‫اتفاقه م��ع بعض األسئلة‪ ،‬ولكن ال��ه��دف منها نقل‬ ‫الحوار السطحي السائد في الصحافة‪ ،‬واستبدال‬ ‫مستوى علمي أكثر دقة به‪ ،‬واستخراج «المسكوت‬ ‫عنه» بإيصال الحوار إل��ى ح��دّ ه األقصى من خالل‬ ‫جمع األسئلة األكثر واقعية من ال��واق��ع‪ ،‬بعيداً عن‬ ‫االنفصال بين النص والتنظير‪.‬‬

‫وي�لاح��ظ ال��ش��اع��ر ع��ز ال��دي��ن ال��م��ن��اص��رة أن في‬ ‫ن��ص��وص التسعينيات اه��ت��م��ام��اً أك��ب��ر بالتعبير عن‬ ‫«الجسد»‪ ،‬بتجلياته السطحية والعميقة (الشهوة‪،‬‬ ‫والبوح الداخلي‪ ،‬وسوء الفهم‪ ،‬والولع النسائي)‪ ،‬بما‬ ‫وفي إجاباتهم عن أسئلة المناصرة‪ ،‬يخلص شيخ‬ ‫يعني تغيّر معاني الحب؛ لكن تعبيرات ال��م��رأة في‬ ‫التراث عن نفسها أكثر ثورية من التعبير المعاصر‪ ،‬النقاد العرب الدكتور إحسان عباس إلى أنه لم يعثر‬ ‫كما أن بعض كاتبات قصيدة النثر أكثر جرأة من كثير على اإليقاع الداخلي في قصيدة النثر‪ ،‬ويؤكد الناقد‬ ‫الجزائري عبدالملك مرتاض أن قصيدة النثر ليست‬ ‫من كتّاب قصيدة النثر (الذكور)‪.‬‬ ‫وهناك في النصوص تبلور ما يسميه المناصرة شعراً‪ ،‬فيما يرى الناقد المغربي نجيب العوفي أنها‬ ‫«ال��ن��ص ‪ -‬اللقطة السينمائية»‪ ،‬وه��و ن��ص مشهدي ُول���دت م��ن رح��م قصيدة التفعيلة‪ ،‬وي��ش��دّ د الناقد‬ ‫دائ���ري يستخدم لغة السيناريو السينمائي بفعله السعودي د‪ .‬محمد مريسي الحارثي أن هذه القصيدة‬ ‫المضارع‪ ،‬وهناك أيضاً «النص التوقيعة» المكثف لم تخرج عن جنس النثر‪ ،‬ويصفها الشاعر زهير أبو‬ ‫شايب بـ»الكتابة البرزخية»‪ ،‬ويعدّ ها الشاعر حكمت‬ ‫جداً‪.‬‬ ‫النوايسة جنساً نثرياً أو مستقالً‪ ،‬وي��ذكّ��ر الباحث‬ ‫وتشتمل ب��ع��ض ال��ن��ص��وص ع��ل��ى س��خ��ري��ة س���وداء‬ ‫اللبناني د‪.‬عبد المجيد زراقط بالمرجعية الفرنسية‬ ‫سريالية عبثية‪ ،‬تعبّر ع��ن االس��ت��رخ��اء العبثي تجاه‬ ‫لقصيدة النثر‪ ،‬بينما تبدو في نظر الشاعر العراقي‬ ‫العالم‪ ،‬حيث يجري قلب األشياء بواسطة االستعارة‪..‬‬ ‫شاكر لعيبي ن��وع��اً شعرياً م��خ��ادع��اً‪ ،‬ويعتقد كاتب‬ ‫كما أن ف��ي النصوص عموماً ح��ض��وراً للغة الحياة‬ ‫قصيدة النثر العراقي رسول عدنان بفكرة أن الشعر‬ ‫اليومية ورسم الصور التفاصيلية‪ ،‬واهتماماً بأسطرة‬ ‫بدأ في الحضارات القديمة من قصيدة النثر‪ ،‬وهو‬ ‫اليومي أو تحويل األسطوري والتاريخي إلى عادي‪،‬‬ ‫يعود إليها اآلن‪ ،‬ويؤكد الباحث الجزائري د‪ .‬حبيب‬ ‫فالشاعرية ال تنبع من المعجم بح ّد ذاته‪ ،‬وإنّما من‬ ‫ال عن‬ ‫مونسي أن «النثيرة» ليست شعراً‪ ،‬وليست بدي ً‬ ‫السياق‪.‬‬ ‫الشعر‪ ،‬ويكتفي كاتب قصيدة النثر التونسي حاتم‬ ‫ويتضمن الفصل الثالث نتائج االستفتاء الميداني النقاطي بوصفها كتابة إبداعية وكفى‪ ،‬في الوقت‬ ‫الذي قام به المناصرة‪ ،‬وشارك فيه أربعة وأربعون الذي يطالب فيه الشاعر السوري محمد عبدالمولى‬ ‫ش���اع���راً ون���اق���داً وم��ث��ق��ف��اً وب��اح��ث��اً م���ن‪ :‬فلسطين‪ ،‬أن تنض ّم قصيدة النثر إلى النثر «العظيم»!‬ ‫واألردن‪ ،‬وال��ج��زائ��ر‪ ،‬وال��م��غ��رب‪ ،‬وال��ع��راق‪ ،‬وس��وري��ا‪،‬‬ ‫وتتوالى اإلج��اب��ات التي راوح��ت في طولها وفي‬ ‫ولبنان‪ ،‬والسعودية‪ ،‬وتونس‪ ،‬وأجاب هؤالء عن أسئلة‬ ‫دقّتها وشموليتها‪ ،‬حتى يخلص الشاعر عز الدين‬ ‫ي��راوح عددها بين السبعة والخمسة عشر‪ ،‬وصفها‬ ‫مناصرة إل��ى ع��دد من النتائج‪ ،‬أب��رزه��ا‪ :‬أن الشعر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪47‬‬


‫المنثور أو النثر الشعري مهّد لظهور قصيدة النثر النصوص أحياناً‪ .‬فقد ص��درت آالف المجموعات‬ ‫منذ أوائ���ل الخمسينيات‪ ،‬فقد ص���درت مجموعة من نوع قصيدة النثر‪ ،‬ما يوحي ويقرّر أن «االحتياج»‬ ‫«ثالثون قصيدة» لتوفيق صايغ (‪1954‬م)‪ ،‬كما كان للظاهرة متوافر لدى المثقفين العرب‪ ،‬لكن الصراع‬ ‫لترجمة الكتاب المقدّس تأثير على تجلّيات قصيدة بين «الشفهي الصوتي» وبين «الصامت المقروء» ظ ّل‬ ‫النثر‪ ،‬كذلك كتابات الصوفية والنصوص الكنعانية عائقاً أمام وصولها إلى الجماهير‪.‬‬ ‫والمصرية وملحمة جلجامش‪ ،‬إض��اف��ة لترجمات‬ ‫ويؤكد المناصرة أن الجدل التفاضلي بين «شكل»‬ ‫ق��ص��ي��دة ال��ن��ث��ر الفرنسية وال��ش��ع��ر األوروك�����ي‪ ،‬وأن‬ ‫و«شكل» جعل «الشكل» مقولة مقدّ سة!! والصحيح‬ ‫قصيدة النثر ب���دأت م��ن «وح���دة السطر» و«وح���دة‬ ‫– فيما يرى المناصرة – أن «الشكل» ألي نوع أدبي‬ ‫الفقرة»‪ ،‬حتى وصلت إل��ى «التدوير الكامل»‪ ،‬وفي‬ ‫ال يمنحه صفة القداسة وال شرعية المفاضلة‪..‬‬ ‫التسعينيات وصلت قصيدة النثر إلى درجات عالية‬ ‫وي��د ّل��ل الشاعر المناصرة على أط��روح��ت��ه بوصف‬ ‫م��ن الشاعرية‪ ،‬ودرج���ات عالية أي��ض��اً م��ن النثرية‪،‬‬ ‫قصيدة النثر جنساً مستقالً‪ ،‬بمجموعة من الدالئل‬ ‫حتى إنه يمكن تسميتها «النص المفتوح» و«الكتابة‬ ‫أبرزها اإليقاعات التي ال تحصى في هذا الجنس‬ ‫الحرة»‪.‬‬ ‫األدبي‪ ،‬والتداخل بين األنواع الشعرية والنثرية‪ ،‬ما‬ ‫��ص األن����واع» أو النص‬ ‫وبالنسبة لمسألة التجنيس‪ ،‬فقد اتسعت قصيدة يوصل قصيدة النثر إل��ى «ن ّ‬ ‫النثر‪ ،‬من حيث كمية المنجز منها ونوعه‪ ،‬حتى باتت‬ ‫المفتوح‪ ،‬والمنجز النصي الواسع جداً بصدور آالف‬ ‫تشكّل ظاهرة كبرى‪ ،‬تميل إلى االستقالل عن الشعر‬ ‫المجموعات المطبوعة‪ ،‬مما جعله ينتقل من مرحلة‬ ‫بمفهومه الموروث‪ ،‬وعن النثر أيضاً؛ وهي في ذات‬ ‫«التبعية للشعر» و«التبعية للنثر» إلى مرحلة وضوح‬ ‫الوقت تميل إلى الجمع بين السرد والشعر‪ .‬ولم تعد‬ ‫مالمح الهوية الخاصة‪ ،‬إضافة إلى السردية النثرية‪،‬‬ ‫مواصفات «سوزان برنار» قائمة في واقع النصوص؛‬ ‫وهي نوعان‪ :‬نثري يوغل في النثرية‪ ،‬وشعري يحقق‬ ‫فالقصدية ليست ش��رط��اً‪ ،‬والكثافة بوجود السرد‬ ‫درجة أولى أو ثانية من االنزياح‪.‬‬ ‫المهيمن تكاد تتضاءل‪ ،‬ويغيب التوتر الشعري في ظ ّل‬ ‫ويختتم المناصرة الكتابَ بتأكيده على أن قصيدة‬ ‫تبريد اللغة الشعرية‪ ،‬ومع انهيار الحيطان الحديدية‬ ‫ونص مفتوح على األنواع وعلى‬ ‫بين األن��واع‪ ،‬تكاد قصيدة النثر‪ ،‬تشكّل نصاً يجمع النثر جنس مستقل‪ّ ،‬‬ ‫اآلخر «هجين»‪ .‬أما أيديولوجيتها فهي أيديولوجيا‬ ‫األنواع األدبية‪.‬‬ ‫العولمة «التشظّ ي» بجمالياتها الشكلية ووحشيتها‬ ‫ويضيف المناصرة أن قصيدة النثر طيلة األعوام‬ ‫ال��م��رع��ب��ة‪ ..‬إن��ه��ا التعبير ع��ن «ال���ح���وار م��ع اآلخ���ر»‬ ‫الخمسين الماضية لم تحصل على «الشرعية» من‬ ‫بشروط غير مثالية‪.‬‬ ‫التنظير النقدي‪ ،‬ألن ه��ذا التنظير ك��ان شعاراتياً‬ ‫ومثلما ي��ق��ت��رح د‪.‬ع���ز ال��دي��ن تعبير «ن���ص عابر‬ ‫متناقضاً‪ ،‬وبسبب وج��ود فجوة بين التنظير وبين‬ ‫ال��ن��ص��وص‪ .‬لكن قصيدة النثر اكتسبت شرعيتها لألنواع» للتدليل على قصيدة النثر‪ ،‬فهو يقترح لكاتب‬ ‫«نصاص» بدالً من شاعر!‬ ‫��ص��ي ال��م��ت��ن��وع وال��ن��وع��ي في هذا النص وصف ّ‬ ‫م��ن كمية ال��م��ن��ج��ز ال��ن ّ‬ ‫* كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫قراءة في‬

‫قصة*‬

‫(إستغالل العشق خلالد األحمد)‬ ‫قراءة أدبية نقدية‬

‫> صالح احلسيني**‬ ‫ابتدأ النص بنقطتين‪ ،‬كمدخل استفهامي من ذات الكاتب‪ ,‬يمثل بهذا الـ ُ​ُمفتتح بداية‬ ‫جيدة‪ ,‬تتوافق ‪ -‬بشكل نسبي ‪ -‬مع استهالالت الُكتّاب ذوي التجارب الناضجة‪ ،‬أعقبها‬ ‫بـ (حتى)‪ ,‬كومضة مبكرة توحي بنسبة تهكم؛ تعاظم هذا التهكم ضمن مسافات جزئية‬ ‫(‪ ..‬أن الحظ سيبتسم له‪ ،‬لكن‪ ..‬ابتسامة الساخر الشامت به‪ .)..‬ثم أخذ الكاتب ينحى‬ ‫منحى التعريف بفريد (العنصر األساسي) في نصه‪ ،‬من خالل اإلخبار عن حياته‪« ..‬ال‬ ‫مكانة اجتماعية له في القرية الصغيرة»‪( ،‬وتكراره لكلمة الصغيرة) التي وظّ فت توظيفاً‬ ‫جيداً كداللة أخرى أتت بعد (ال مكانة اجتماعية له) مؤشر حي على وضاعة (فريد)‪،‬‬ ‫حتى في بيئته البسيطة‪ ،‬وكناية عن فشل شخصيته حتى في العالقات القريبة‪( ،‬فطنة)‬ ‫أدبية ُتحسب لخالد األحمد إن كان تعمد إقحام مفردة (صغيرة) في أعلى صدر النص‪..‬‬ ‫ولتعليمه البسيط (المتوسط)‪ ..‬سببية أخرى‪ ..‬نحو ضعف اإلدراك‪ ..‬والجهل بالعالم‪.‬‬ ‫ويستمر الكاتب في تبيان تزعزع النفس عند فريد «‪ ..‬تنقل في عدة وظائف‪ ،»..‬ضياع‬ ‫متواصل متسلسل من بيئته غير الرسمية (القرية)‪ ،‬وحتى البيئة الرسمية (الوظيفة)‬ ‫األكثر جدية؛ هنا لمعة (فالش) قوية تفضح عمق تردي حالته‪ ،‬كحلقة ثانية من مسلسل‬ ‫ضياعه‪ ..‬إشارة الكاتب إلى ما ظنه (لعبة حظ)‪ ،‬إدعاء من فريد بأنه قوي‪ ،‬وال عالقة‬ ‫لفشله بسوء شخصه‪ ..‬ثم بعد ارتحاله للعالم الجديد اصطدم بواقعه الحقيقي‪ ..‬تبدّ ت‬ ‫في داخله نتوءات تكبر «‪ ..‬أغرق في التشاؤم‪ ،»..‬وهنا يتضح مدى الدور الفاعل للمنولوج‬ ‫الداخلي الدرامي غير المرئي‪ ،‬حين يتحكم في السلوك إجماالً‪ ..« ،‬لم يشأ أن يعود‪،»..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪49‬‬


‫كبرياء لكنها في ذات الوقت قرار شجاع‪ ،‬يحمل نوعاً‬ ‫من اليقظة اآلنية التي قد تخبو جذوتها‪ ،‬توازياً مع‬ ‫مقولة «سحابة صيف»‪ ،‬مع اختالف النفعية من العام‬ ‫إل��ى ال��خ��اص‪ ..‬وم��ن الكلي إل��ى الجزئي «‪ ..‬ب��دأ‪..‬‬ ‫يعمل‪ ..‬فتعلم ُسبل النفاق»‪ ،‬نما في أسوأ األنماط‪،‬‬ ‫وحين لهبته نار الطمع رأى فرص االستغالل تكثر‪..‬‬ ‫يصور لنا الكاتب أج��واء المدينة وما ُتحدثه في‬ ‫النفس س��وا ًء كانت النفس صافية نقية‪ ،‬أو تعودت‬ ‫ع��ل��ى ت��ص��رف��ات غ��ي��ر م��ح��م��ودة‪ ،‬ك��إش��ارة إل���ى ت��ردي‬ ‫الحياة المدنية وان��زالق إنسان ابن الريف فيها إلى‬ ‫مهاو ٍعدة‪« ،‬تعلم ُطرق‪ُ ..‬سبل النفاق‪ ..‬مع الرؤساء‬ ‫في العمل‪ ..‬في كل مكان‪.»..‬‬ ‫سندخل بدءاً من أول مواطن القصور في النص‪،‬‬ ‫لنسلط الضوء على البنية الفنية له‪ ،‬جنباً إلى جنب‬ ‫مع ال��ق��راءة وتجليات الصور المحققة لهذه الرؤية‬ ‫البسيطة‪ ،‬الموضحة لما أسميته (حقيقة الضياع في‬ ‫القصة) عوداً على منتصف «إن جاز التعبير»؛ وللعبور‬ ‫إلى تفكيك المسرود‪ ،‬كبناء فني‪ ،‬من الضرورة بمكان‬ ‫التوقف عند لبناته‪( :‬عبارات ‪ُ -‬جمل ‪ -‬دالالت) لم‬ ‫ُيحسن القاص تهيئتها وتركيبها؛ ففي السطر األخير‬ ‫من الفقرة الثانية يقع الكاتب في خطأ‪ ،‬عندما أشار‬ ‫إل��ى أن «تلبس النفاق في شخصيته» ليست صفة‬ ‫مكتسبة‪ ،‬قد تكون من األقران أو من منشأ التربية‪،‬‬ ‫أو أي عامل م��ن ال��ع��وام��ل الداخلية أو الخارجية‪،‬‬ ‫المكونة للشخصية والمؤثرة فيها‪ ،‬ويصمها بقوله‪:‬‬ ‫«‪ ..‬إنها بذرة في النفس ُتغذى بالطمع والحسد‪،»..‬‬ ‫ربما نسيَ أن اإلنسان لم ُتبذر فيه إال بذور الخير من‬ ‫خالقه‪ ،‬والبذور هي ما تتشكل منها الكينونة الكبرى‬ ‫كنواة للشيء (نونه)‪ ،‬كما يقول عبدالله ن��ور‪ ،‬رحمه‬ ‫الله‪ ،‬في أحد أبحاثه بما معناه لكل شيء نون‪( ،‬كل ُ‬ ‫مولود ٍ يولد ُ على الفطرة‪)..‬؛ فالفطرة صفاء ٌ ناصعٌ‪،‬‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫إن أحببنا إحالتها إلى البياض تعبيراً للوصول إلى‬ ‫المعنى‪ ..‬أي أن اإلنسان لم يبذر فيه شر‪ ..‬والبذرة‬ ‫أو الشيء قبل النماء كالنطفة تماماً‪ ،‬ولو أن الكاتب‬ ‫اكتفى بعبارة‪« :‬أن هذه الصفة التي تلقاها في سيرة‬ ‫حياته تغذت بالطمع‪/‬الجشع‪ ..‬والحسد»‪ ،‬لكان أجدر‬ ‫قبولها عقلياً‪ ..‬كما ينحدر المستوى الفني للفقرة‬ ‫ال��ت��ي تضمنت التعاطي م��ع ال��زم�لاء‪ ،‬عندما أش��ار‬ ‫الكاتب إلى أن (زمالءَه) ‪ -‬ومن سياق الكالم ‪ -‬يتضح‬ ‫(أنهم جمع ٌ كثير بين الثالثة والعشرة أو أكثر) ويقرر‬ ‫بعبارة (ُيلقبونه ُ سراً بُغراب األخبار) ال يمكن قبول‬ ‫أن السر يبقى سراً في هذا الحالة فقد بزغت في‬ ‫أول البال مقولة العرب (إذا تجاوز‪ ..‬اإلثنان شاع)؛‬ ‫ك��ذل��ك م��ف��ردة ال��غ��راب‪ ،‬وم��ا يكتنفها م��ن دالل���ة‪ ،‬ال‬ ‫ُنغفل صفة المراوغة في حركته وسكونه‪ ،‬وال داللة‬ ‫الغموض في لونه‪ ،‬عند الرجوع إلى طبيعة الغراب‬ ‫فاألخبار التي ينقلها فريد (كغراب)‪ ،‬ال يصلح الحكم‬ ‫وال الجزم بحقيقتها‪.‬‬ ‫نعود إلى مسارب الشخصية وتحليلها‪ ،‬لنكتشف‬ ‫أيضاً مدى رداءة شخصية فريد أكثر في (‪ ..‬تمسّ ح‬ ‫بهم‪ )..‬كتعبير سلبي عن دور التمدن في بيئة غير‬ ‫ناضجة ثقافياً‪ ،‬وما يتأثر به اإلنسان وبمن حوله من‬ ‫خصال غير حميدة الختالط البشر وتباين سلوكياتهم‪،‬‬ ‫والوصول بمرحلة االنحدار إلى حد الدونية‪ .‬يستمر‬ ‫فريد ف��ي ص��راع��ه م��ع نفسه والبحث ع��ن ال��ذات‪/‬‬ ‫(ال��ذات المتمصلحة) من كل شيء حوله بين عالم‬ ‫القرية وعالم المدينة‪ ،‬والمسافات الرؤيوية بينهما‪،‬‬ ‫والخيالية على أقصى تقدير‪ ..‬ن��وازع نفس مشبعة‬ ‫باله ِّم األوح��د له (الثراء بأي طريقة)‪ ،‬نكوص ثالث‬ ‫لبنية النص في ُمبتدأ الفقرة (‪ ..« :)3‬عاش فريد‬ ‫بداية حياته وحيداً في شقق العزاب‪ ،‬وغرف العمالة‬ ‫الوافدة‪ ،»..‬يعيب هذه الجزئية من النص أن الكاتب‬ ‫نسي َ أنه قال‪ :‬أن فريد بدأ حياته الوظيفية في قريته‬


‫الصغيرة (السطر ‪ ،)2‬والتي غالباً ما يقطنها ُسكانها‬

‫والمبادئ اإلنسانية المغروسة فيهم‪ ،‬كالكرم والوفاء‬

‫عمالة «‪ ..‬عاش بداية حياته وحيداً‪ ،»..‬لو حذف في‬

‫نشاز) في هذه البيئة الصغيرة‪ ،‬فلو اكتفى الكاتب بـ‬

‫األصليون‪ ،‬وال مكان في القرى لشقق عزاب أو غرف والشهامة والنخوة‪ ..‬الخ‪ .‬نستطيع القول أن (فريد‬ ‫رأيي عبارة (بداية)‪ ،‬لتصبح الجملة‪( :‬بدأ حياته بعد‬

‫(مشكلته المخلّة بالشرف) وصورها كمشكلة واحدة‬

‫ال بين‪ ..‬و‪ )..‬لردم الهوة التي ربما كانت مقبولة‪ ،‬أو أتى بغير هذه المشكلة لقبول‬ ‫انتقاله إلى المدينة متنق ً‬ ‫انكشفت في طريقة بنائه للنص‪.‬‬

‫في مجمل القول‪ ،‬امتألت الفقرة (‪ )3‬بعدة أخطأ‬

‫بنائية وفنية‪ ،‬مثل‪ ..« :‬حاقداً خاصة على والده‪،»..‬‬

‫تصرف األب بعد تحمله لمتاعبه‪.‬‬

‫ف��ي ال��ف��ق��رة (‪ )4‬ب��دأ ال��ك��ات��ب ف��ي تقطيع النص‬

‫بالقفز إل��ى ع��دة مفاهيم «‪ ..‬اإلن��ت��رن��ت‪ ..‬تأثيره‪..‬‬

‫إذا كان هناك موقف من األب جرّاء فعل معين غالباً ال��م��ن��ت��دي��ات‪ ،»..‬واإلش�����ارة إل���ى حمله ع��ل��ى سرقة‬

‫ما يكون القرار الوجداني لإلنسان قرار رضا ولو بنية‬

‫ال��ن��ص��وص األدب���ي���ة ال��خ��اص��ة ب���اآلخ���ري���ن‪ ،‬ونسبها‬

‫النص عبارة (حاقداً)‪ ،‬لكبر حجم الفعل الصادر من‬

‫على سطح ورق‪ .‬من الجميل في فقرة (‪ )4‬اللفتة‬

‫ايجابية بسيطة‪ ،‬ففريد فعل ما فعل‪ ،‬لذا فال يخدم‬ ‫فريد‪ ،‬والذي يجدر به أن يتقبل قرار والده بإبعاده‬

‫كقرار يحمل الرحمة في ثناياه‪ ،‬رغب ًة في الهجرة‬

‫لنفسه‪ ،‬لتكوين شخصية جذابة متخفّية شخصيات‬ ‫السريعة من الكاتب حول ما أسماه (وع��ود زواج)‪،‬‬

‫في ظل عالقات نمت تحت خيوط الشبكة العنكبوتية‬

‫والعيش بسالم‪ ،‬فكيف «يكون االب��ن حاقداً» واألب «اإلنترنت كميدان ضخ للعواطف المختمرة»‪ ،‬قد‬ ‫رحوماً؟ كلمة (حاقداً) كبيرة جداً‪ ..‬ال تليق أن توظف‬

‫لمتلق معين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫يكون جلب هذه الفكرة لمجرد التيقظ‬

‫بين األعداء‪ ،‬ممن ال تربطهم صلة قرابة أو نسب‪..‬‬

‫إع��ادة النظر في مجرد كونه فكرة تحوم في بعض‬

‫بين األصل وفروعه (األب‪/‬االب��ن‪ ..‬الخ)‪ ،‬فهي ُتذكر‬

‫يبحث عنه ال��ك��ات��ب‪ ،‬إلي��ض��اح س��ل��وك مشين‪ ،‬يجب‬

‫كان هذا الجزم وبهذه الطريقة عملية ال تتوافق مع عقول صغيرة ساذجة‪.‬‬

‫المنطق االجتماعي السائد وال ُعرف وطبيعة البشر‬

‫(عند المتلقي االفتراضي ت��ح��دي��داً)‪ ،‬ال��ذي يتمناه‬

‫ف��ي منتصف ال��ن��ص ت��ح��دي��داً يفاجئنا الكاتب‪،‬‬

‫دون أي مقدمات‪ ،‬بأن فريدا متزوج ومستقر!! وقد‬

‫القاص‪.‬‬

‫كان يعيش في شقق العزاب وغرف العمالة‪ ..‬أليس‬

‫حد قول الكاتب أن ُه «‪ ..‬ضاق ذرعاً‪ ،»..‬هل يسكت اآلباء‬

‫تأثير ايجابي على النفس‪ ،‬ولو لفترة قصيرة‪ ،‬كُمعّدل‬

‫المخلّة بالشرف فطرده»‪ ..‬وأي قرية صغيرة يجد‬

‫اإلش����ارة إل��ي��ه ك��اس��ت��ق��رار مستمر‪ ،‬وت��أت��ي إال (أداة‬

‫مقبولة في النص؛ فالمعروف عن مجتمعات القرى‬

‫الفقرة يدل على (اعتدال فريد) في سلوكه «إال من‬

‫ومكشوف‪ ،‬أكثر من حيث النوايا‪ ،‬نظراً لتقارب ثقافة‬

‫ونقطة أخرى‪ ،‬ذُكرت التجارة في حياة فريد في زمن‬

‫ومن الخلل الفني أيضاً وصفه لسلوك األب على للمراحل األولى من فترة الزواج واالقتران العاطفي‬

‫عند أول مشكلة من هذا النوع؟! الشرف «بمشاكله للسلوك ح��ي��ن ن��ذك��ر ( ُوم��س��تِ��ق��ر)‪ ..‬اس��ت��ق��رار تمت‬

‫فيها غير السوي مالذاً لنزواته‪ ..‬جزئية ضعيفة غير االستثناء) لتعزز ذل��ك؛ وج��ود ه��ذه األداة في جزء‬

‫غير ذلك‪ ..‬وألن النسيج االجتماعي في القرى شفاف حُ بّه الجَ م للمال‪ ،‬حب بطمع أفضى بِه إلى جشع»؛‬ ‫وتأصل القيم فشلها مباشرةٌ‪ ،‬دون أي إشارة إلى مراحل بنائه لها‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ال عن التقارب في الُسكنى‪،‬‬ ‫أفراده‪ ،‬فض ً‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪51‬‬


‫أو مجرد لمحة من سيرته المتقدمة!‬

‫بعض المواضع من النص‪ ،‬تجلت في اآلتي‪..« :‬‬

‫في الفقرة (‪ )5‬ج��زء من النص مبتور ُعنو ًة من‬ ‫الكاتب‪ ،‬حين التقى فريد بميساء (ث�لاث��ة أسئلة)‬ ‫ُتفتّش عن إجابات (متى؟ وأين؟ وكيف؟) أخّ ر الكاتب‬ ‫اإلجابات عنها حتى السطر السابع من تلك الفقرة‪،‬‬ ‫بعد أن مهّد لها ج��ي��داً‪ ،‬فال ي��زال ال��داف��ع (الطمع)‬ ‫ُيسيطر على الشخصية‪ ،‬مطلب قديم متجدد‪ ،‬حفّزهُ‬ ‫على اللقاء‪ ،‬كعشق لمصلحة أول���ى‪ .‬ث��م ينقلنا إلى‬ ‫تأثُر ميساء بالخواطر المتعثرة والكالم المعسول‪،‬‬ ‫والذي يتناسب مع رغباتها «معسول»‪ ..‬وفريد ُمتجه‬ ‫نحو هدفه األول‪ :‬الحصول على ال��م��ال‪ ..‬وتستمر‬ ‫العالقة حتى ينتهي به األمر نهاية مناسبة مع ضعف‬ ‫فني تأويلي‪ ..‬يخالف في بعض جزئياته النمطية‬ ‫ال��م��ع��ه��ودة‪ ..‬مناسبة ف��ي شكلها الفعلي – ضربة‬ ‫حذاء – ضعيفة في منطقيتها وفنيتها كردة فعل‪..‬‬ ‫سؤال يتقدم‪« :‬هل اكتفى والد ميساء بالضرب؟»‪ ،‬هل‬ ‫الغيرة عند مناوشة الشرف ضعيفة عند والد ميساء‪،‬‬ ‫حتى يكتفي بالحذاء؟ كذلك هل يعقل أن يصل إنسان‬ ‫غريب ويتقدم ل��ل��زواج دون توطئة محسوبة بدقة؟‬ ‫متى سافر فريد‪..‬؟ إلى أي بلد‪..‬؟ هنا نلمس عملية‬ ‫القفز إلى األمام في عنصرين مهمين‪ ،‬في كل نص‬ ‫قصصي هما الزمان والمكان‪ ،‬يجب أن ُيشبع بهما‬ ‫النص الحكائي‪.‬‬

‫النوع األفضل من الحظ‪ ..« ،»..‬توأمه الذي لن‬ ‫ينفصل عنه‪ ..« ،»..‬أجاد في تلبس النفاق‪..« »..‬‬ ‫لبس األقنعة‪ /‬حماقته التي تظهر كزوائد من تحت‬ ‫القناع‪ ..« ،»..‬العالقات الغريبة ُتثير األسئلة‪،»..‬‬ ‫«‪ ..‬لكن هذا الفضاء (اإلنترنت) يجمع القلوب‬ ‫ويفرقها‪ ،»..‬هذه الصور جعلت النص يرتقي في‬ ‫لحظتها‪.‬‬ ‫‪ -2‬النص يحتاج إل��ى تماسك أكثر‪ ،‬وتكثيف أكثر‪،‬‬ ‫وإلى توظيف المعلومة المحفّزة على ربط األفكار‪،‬‬ ‫وتوظيف المكان بوضوح‪ ،‬ووص��ف القرية‪/‬بيت‬ ‫فريد‪ ،‬والطبيعة‪ ،‬والشارع‪.‬‬ ‫‪ -3‬اختزال عامل الزمن بشكل كبير أثر على القصة‬ ‫بشكل ملحوظ‪.‬‬ ‫وأخيراً‪..‬‬ ‫احتوت القصة على الكثير من المبادئ الحميدة‬ ‫والرؤى الثقافية‪ ،‬المعبرة عن جزء نسبي من الواقع‪،‬‬ ‫القابل للقبول أو الرفض‪ ..‬تجربة جيدة في القص؛‬ ‫لكنها احتاجت إلى السرد‪ ،‬الذي قد يقرب المسافات‬ ‫في حياة النص‪ .‬أتمنى أن أكون قد وفقت فيما أبديت‬ ‫ال من قيمة هذه التجربة؛ فهي‬ ‫من نقاط‪ ،‬لست مقل ً‬

‫ترك الكاتب أسئلة مهمة‪ ،‬ربما تعمد من خاللها‬ ‫إفساح المجال للقارئ لممارسة التوقع‪ ،‬وبقاء الفكرة‬ ‫يستعمل جميع ما تعلم استعماله من أدوات‪ .‬أعتذر‬ ‫في المتناول الذهني‪ ،‬أهم تلك األسئلة‪ ..‬ماذا حلَّ‬ ‫عن اإلسهاب وتواضع أدوات��ي النقدية‪ ،‬لكن حسبي‬ ‫بميساء مع والدها؟‬ ‫أنني حاولت‪ .‬بعد اإللحاح المتواصل من األخ خالد‬ ‫نظرة عامة‬ ‫لتقديم رأي��ي‪ ..‬أشكر له ثقته‪ ..‬وأن يتسع صدره ‪-‬‬ ‫تجربة‪ ،‬وعادة التجارب تجعل من يتعرض للنصوص‬

‫‪ –1‬هناك صور فنية جميلة‪ ،‬تجدر اإلشارة إليها في كما عهدته ‪ -‬لهذه األسطر‪.‬‬ ‫العدد‪.‬‬ ‫* القصة منشورة ص ‪ 34‬من هذا‬ ‫ ‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫** ناقد من السعودية‪.‬‬


‫نازك املالئكة بني غربتني‬ ‫> دجلة أحمد السماوي*‬

‫أطفئ الشمع َة واتركنا غري َبي ِْن هنـا‬ ‫الليل فما معنى السنا‬ ‫ِ‬ ‫زءان من‬ ‫نحنُ ُج ِ‬ ‫فن المساءْ‬ ‫وهمين في جَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يسقط الضوءُ على‬ ‫ُ‬ ‫بعض شظايا من رجاءْ‬ ‫يسقط الضوءُ على ِ‬ ‫ُ‬ ‫يت نحنُ وأدعوها أنا‪:‬‬ ‫ُسمّ ْ‬ ‫ملالً‪ .‬نحن هنا مثلُ الضياءْ‬ ‫غُ ربَاءْ‬ ‫الباهت الباردُ كاليومِ المطيـرِ‬ ‫ُ‬ ‫اللقاء‬ ‫كان قت ًال ألناشيدي وقبرً ا لشعـوري‬ ‫دقّ ِت الساعةُ في الظلمةِ تسعً ا ثم عشرا‬ ‫وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي‪ .‬كنت حَ يرى‬ ‫أسألُ الساع َة ما جَ دْ وى حبوري‬ ‫إن نكن نقضي األماسي‪ ,‬أنتَ أَدْرى‪,‬‬ ‫غُ ربَاءْ‬ ‫غشيها الذُّ بولُ‬ ‫الساعات كالماضي يُ ّ‬ ‫ُ‬ ‫مر ِّت‬ ‫المجهول ال أدري أفجرٌ أم أصيلُ‬ ‫ِ‬ ‫كالغد‬ ‫ِ‬ ‫والصمت كأجواءِ الشتاءِ‬ ‫ُ‬ ‫الساعات‬ ‫ُ‬ ‫مر ِّت‬ ‫خلتُ هُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي‬ ‫خلتهُ يَنبِ ُس في نفسي يقولُ‬ ‫أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ‬ ‫غُ ربَاءْ‬ ‫كثيف‬ ‫ِ‬ ‫ليل‬ ‫وحان في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أطفئ الشمع َة فالرُّ‬ ‫وجهين في لون الخريف‬ ‫ِ‬ ‫يسقط النو ُر على‬ ‫ُ‬ ‫ـول وبـرودٌ‬ ‫أو ال ُتبْصرُ ? عينانا ذب ٌ‬ ‫وخمـودُ‬ ‫أوَال تسمعُ ? قلبانا انطفاءٌ ُ‬ ‫مخيف‬ ‫ِ‬ ‫صمتنا أصداءُ إنذارٍ‬

‫سوف نعودُ‬ ‫َ‬ ‫ساخرٌ من أننا‬ ‫غُ ربَاءْ‬ ‫نحن من جاء بنا اليو َم ? ومن أين بدأنـا‬ ‫األمس رفيقين‪ ..‬فدَعنـا‬ ‫ُ‬ ‫لم يكنْ يَعرفُ نا‬ ‫تك يومً ا من ِصبانا‬ ‫نطفرُ الذكرى كأن لم ُ‬ ‫طاف بنا ثم سالنا‬ ‫َ‬ ‫نزق‬ ‫بعض ح ٍّـب ٍ‬ ‫ُ‬ ‫حيث كنا‬ ‫آهِ لو نحنُ رَجَ عنا ُ‬ ‫قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كالنا‬ ‫غُ ربَاءْ ‪..‬‬ ‫ي��ت��س��اءل ال��ن��ق��اد ع��ن س��ر ن��ب��رة ال��ح��زن في‬ ‫شعر نازك؟ وتساؤلهم غاية في المنطقية! ألن‬ ‫نازك سليلة عائلة منسجمة سعيدة‪ ،‬نشأت في‬ ‫بيئة هادئة قليلة التقلبات والعثرات؛ فمن أين‬ ‫اجتاحها الحزن‪ ،‬ومتى‪ ،‬وكيف‪ ،‬ولماذا؟!‬ ‫الجواب ‪ -‬بسهولة ‪ -‬إن نازك ليست إنسانة‬ ‫إعتيادية‪ ،‬لكي نعاملها كما نعامل األرق��ام من‬ ‫البشر! المبدعة الكبيرة مثل نازك‪ ،‬تستشعر‬ ‫أنها ضمير األمة! فأي جرح في أقصى الدنيا‬ ‫جرحها‪ ،‬وأي دم��ع��ة ليتيم ج��ائ��ع م��ق��رور هي‬ ‫دمعتها! فلنقل إن غربتها ب���دأت م��ن خالل‬ ‫جميل مثل‬ ‫ٍ‬ ‫بعراق‬ ‫ٍ‬ ‫المسافة البعيدة بين حلمها‬ ‫مزر جعل العراق‬ ‫عراق المالئكة‪ ،‬وبين واق ٍ��ع ٍ‬ ‫كأنه عراق عفاريت وأشباح! فوجدت «حضناً‬ ‫ثانياً» بعد حضن أمها‪ ،‬وأعني الطبيعة التي‬ ‫وجدتها معيناً شعرياً ال ينضب‪ .‬إنها تمنح‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪53‬‬


‫ال��ش��ع��ر ط��اق�� ًة وح��ي��وي�� ًة للحب وال��ح��ن��ان وال��م��ن��ح ال وهناك صورة استعارية‪ ،‬وبينهما صورة كنائية‪.‬‬ ‫يضاهى!‬ ‫وكثيراً ما تأتي صور القصيدة عند نازك مصطبغة‬

‫من هنا‪ ،‬عشقت ن��ازك المالئكة الليل والنهار‪،‬‬ ‫والربيع والخريف‪ ،‬عشقت الزمان وأحبته‪ ،‬وكرهت‬ ‫المكان واستوحشته؛ فكانت تعيش داخ��ل ج��دران‬ ‫ال��زم��ان‪ ،‬وتخرج بخيالها عن ج��دران المكان! نعم‬ ‫حاولت ن��ازك في قصائد كثيرة مصالحة المكان؛‬ ‫ال ذريعاً انعكس حتى على إيمانها‪،‬‬ ‫لكنها فشلت فش ً‬ ‫كما تقول هي عن نفسها! كانت تضفي على المكان‬ ‫ط��اب��ع��ه��ا ال��م�لائ��ك��ي‪ ،‬وأس��ل��وب��ه��ا ال��ن��ازك��ي‪ ،‬وسمتها‬ ‫األصيلة؛ فرسمت ل��وح��ات شعرية قلقة‪ .‬لوحاتها‬ ‫الشعرية كانت تغني للطبيعة وتبكي للمكان‪ ،‬وفر ٌق‬ ‫بين المكان المحدود بالجدران والجيران واألعراف‪،‬‬ ‫وبين الطبيعة الحنون المنفتحة على جمال هائل!‬ ‫مع الطبيعة الساحرة تستل الشاعرة ريشتها فترسم‬ ‫الطيور وال��زه��ور والسواقي والفالحات والعشاق‪،‬‬ ‫وتغمسها ريشتها بطيب روحها المتمردة‪.‬‬

‫بايحاءات الحواس الخمس! أي إنها تقلل من طغيان‬ ‫ال عن أن الشاعرة تبني‬ ‫اللوحات التجريدية! فض ً‬ ‫صورها الشعرية باستعمال الكوالج الفني (التلصيق)‪،‬‬ ‫فثمة الليل ممتزجاً بالمطر‪ ،‬وهما ممتزجان بالسنا‬ ‫البعيد‪ ،‬في مساحة من األلم الحسي حتى ليمكنني‬ ‫القول إن الصورة المالئكية تخلق ‪-‬أحيانا‪ -‬معادالت‬ ‫موضوعية تشي بفقدان األمل والغوص في العتمات!‬ ‫وإال فمن ح��دا ب��ن��ازك ك��ي ت��ن��ادي‪ :‬أط��ف��يْ ء الشمعة‬ ‫واتركنا غريبين هنا! نحن جزءان فما معنى السنا؟‬

‫وم��ن خ�لال ق���راءة قصيدة غ��رب��اء‪ ،‬نكتشف أن‬ ‫مجموعة م��ن ال��ص��ور الشعرية وال��ل��وح��ات الفنية‬ ‫المستمدة من الليل والسنا والممتزجة بهما يوصالن‬ ‫خيال المتلقي إلى غربتي ن��ازك‪ ،‬غربة مع المكان‬ ‫ال‬ ‫وغربة مع النفس‪ ،‬فيكون الخطاب الحسي مدخ ً‬ ‫لإلرسال والتعبير؛ لكنها لم تلق مفردات التجريد‪،‬‬ ‫فهي خطابها إلى نفسها‪ ،‬حين يرتد إليها خطابها‬ ‫الحسي‪ ،‬مثل الصدى ال��ذي يعثر بجدار كونكريتي‬ ‫أصم! كما أن نازك ولوعة بتقديم وجبات شعرية‪ ،‬يأنس‬ ‫لها المتلقي مثل الصور التجسيمية والتشخيصية‬ ‫والتراسلية‪ ،‬فهي كنز ممتليء بجماليات القصيدة‬ ‫من خالل أدوات فنية ثقفتها وخبرتها خالل تجربتها‬ ‫الشعرية المديدة‪.‬‬

‫نازك المالئكة ‪ -‬لمن يحصي مفردات الطبيعة في‬ ‫شعرها ‪ -‬جعلت معجمها الشعري كأنه معجم للطبيعة!‬ ‫أكثر من نحو ربع قصائدها له أسماء مستمدة من‬ ‫الطبيعة‪( :‬الليل‪ ..‬النجوم‪ ..‬الريح‪ ..‬العتمة‪ ..‬الضوء‪..‬‬ ‫الشجر‪ ..‬الطير‪ ..‬الجبل‪ ..‬والسهل)‪ .‬لقد مزجت‬ ‫معظم موضوعاتها بمظاهر الطبيعة فكأن الطبيعة‬ ‫عن وعي أو عن ال وعي تتسلل إلى قصائدها برفق‪،‬‬ ‫وتتوغل في عالمها‪ ،‬من خالل كونها مادة فنية مهمة‪،‬‬ ‫أما اللوحات المحسوسة فإن من أكثرها وضوحاً‬ ‫تسهم ف��ي رس��م تضمين ال��ص��ورة الشعرية هموماً لوحات كوالجية هي‪ :‬الروح‪ /‬الليل‪ /‬الداكن‪/‬والسنا‬ ‫عظيمة منتقاة من طبيعة الشاعرة!‬ ‫األزلي‪ ..‬وما يبرز منها وعنها مثل الحنين إلى الوطن‬ ‫وال يهم نازك إذا كانت أمسكت القضية الوجودية المفقود‪ ،‬واألح�ل�ام التي يبست وب��ات��ت مستحيلة‪،‬‬ ‫كيف سيكون شكل تعبيرها بالشعر التقليدي أو وذك��ري��ات الطفولة ال��ت��ي ب���دأت ت��ت�لاش��ى! والحس‬ ‫التفعيلي! نازك مكتفية بذاتها؛ فهي شاعرة‪ ،‬وهي اإلنساني قبالة الحس النفعي الدموي المتدفق‪ ،‬بما‬ ‫ن��اق��دة‪ ،‬وه��ي جمهور أيضا! فال غرابة أن تتقارب يشكل بانوراما بهيئة لوحة كبيرة‪ ،‬تضم في جنباتها‬ ‫األساليب في قصائدها‪ ،‬فنجد هنا صورة تشبيهية‪ ،‬كثيراً من الصور البيانية الصغيرة‪ ،‬فتحرك سماء‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫القصيدة وتتنفس بحيث تبدو الكائنات االنسانية في في البحث عن الرفقة والدفء‪ ،‬وهما ما أخفقت في‬ ‫ظل التشخيص البياني شاناً مشدوداً إلى االقتران! الوصول إليهما‪ .‬وترصد نازك مجيء الليل وحلول‬ ‫ويرى العقاد أن الملكة الشعرية الخالقة هي التي الظالم وئيدا لألحالم والسنا! «كان قتال ألناشيدي‬ ‫«تستمد قوتها من سعة الشعور حيناً ومن دفقه حيناً وقبراً لشعوري»‪.‬‬ ‫وتعزف الشاعرة على الوتر ذات��ه‪ ،‬حين تستبد‬ ‫آخر؛ فالشعور الواسع يستوعب كل من في األراضين‬ ‫والسموات من األجسام والمعاني‪ .‬فإذا هي حياة كلها بفؤادها الغربة وال��وح��دة‪ ،‬ويستحيل اللقاء‪ ،‬ويكون‬ ‫�لا أزل��ي��اً لطائر ال��ح��ب‪ ،‬وق��ب��راً ل��دف��ن المشاعر‬ ‫جزء من تلك الحياة المستوعبة الشاملة»؛ فتعين ق��ت ً‬ ‫الوظيفة األس��اس��ي��ة للتشخيص ال��ش��اع��رة على أن المرتقبة المتوهجة تحت خيمة اإلستعارة المكنية‪.‬‬ ‫تسقط آمالها وآالمها ما حولها من مظاهر الطبيعة؛ الشعر يترك سفنه المعتمة‪ ،‬ليخيم بظالله الكئيبة‬ ‫ألن الشاعرة تنطلق من ذاتها نحو ذات��ه��ا‪ ،‬ومنهما على وحشة الكون وبهائه‪ ،‬وتمنح األلفاظ المستعارة‬ ‫نحو الطبيعة‪ ،‬لتعود ال��ذوات الثالث إلى الشاعرة؛ معجماً كالحاً للقتل ووأداً لألناشيد وقبراً للمشاعر!‬ ‫فيكون التشخيص (األنسنة) متوهجاً باآلمال وصوره هي صور وهمية تشبه العالج المسكّن أو المخدّ ر‬ ‫المفعمة ب��ال��م��خ��اوف واألح�����زان‪ ،‬المنعكسة على ح��ي��ن ي��ح��ض��ر ش��ب��ح ال���م���وت‪ ،‬وت��ح��ت��ض��ر األن��اش��ي��د‬ ‫الطفولية‪ ،‬بل حين يتكرر مشهد الوالدة أمام مشهد‬ ‫الطبيعتين الميتة والحية‪.‬‬ ‫ويرى د‪ .‬أحمد مطلوب أن ظالل الليل السوداء االنتحار‪ ،‬ضمن اتساق حركتين متمازجتين في آن‪:‬‬ ‫في أكثر من ص��ورة بيانية صنعتها الشاعرة تقرن الساعة والظالم‪ ،‬والضربات السريعة للزمن وتسابق‬ ‫الليل بالغربة‪ ،‬كما تقرن الوحدة باختناق المشاعر!! اآلالم‪ ،‬والحوارات الداخلية والخارجية‪ ،‬إضافة إلي‬ ‫ومن هنا‪ ،‬جاء حوارها الداخلي شجياً؛ ألنه حوار الحيرة التي تمتلك حاالت األلم واإلصغاء واإلحصاء‬ ‫ال����ذات ال��ح��ال��م��ة م��ع ال����ذات ال��ج��ري��ح��ة! وال���ذات���ان واألسئلة المطروحة‪ ،‬السنا والضوء وأقاليم الليل‪،‬‬ ‫أضنتهما رحلة البحث عن األم��ان والسكينة بحيث الصورة مع االستعارية‪ ،‬التي أحالت دقات الساعة‬ ‫تفصح ال��ص��ورة التشبيهية البليغة (اللقاء الباهت في الظلمة تسعاً ثم ع��ش��راً‪ ،‬كأنه إع��دام حلزوني‬ ‫البارد كاليوم المطير) عند انصهار المشبه والمشبه يجتاح الروح والزمن!‬ ‫به في متخيل مركب ينم عنه اللقاء الباهت البارد‪،‬‬ ‫لتكون أداة التشبيه (الكاف) أداة غير ضرورية! إن‬ ‫اليوم المطير يمنح المشبه به (المطير) مرجعيات‬ ‫بعيدة ال��غ��ور ف��ي التاريخ الشعري‪ ،‬ولنتذكر رائية‬ ‫المنخل اليشكري‪:‬‬ ‫ولقد أمرُّ على الفتاة الخدر في اليوم المطير‬ ‫هي إذاً سمات العتو والرهبة واإلختناق؛ فيبدو‬ ‫ال مخيفاً يسدل أستاره الكثيفة على تلك‬ ‫الزمن لي ً‬ ‫الرحلة الخائبة ودروبها الشائكة‪ ،‬ليبزر عظم المعاناة‬

‫وت��رص��د ن��ازك األج���واء المحيطة بها لتكتشف‬ ‫الالجدوى من االنتظار المعدم‪ ،‬في آليات الساعة‬ ‫الذي كان محاكاتها في الظلمة الموحشة‪ ..‬واالنتظار‬ ‫ال من الشغف بالنور‬ ‫البهيج الذي يحمل قبساً ضئي ً‬ ‫وأج���وائ���ه ال��م��ق��ت��رن��ة بالخير وال��ح��ب‪ ،‬ف��ق��د جعلت‬ ‫األماسي إنساناً لكي تبثه ما يعتلج بروحها‪ ،‬فجاءت‬ ‫ال��ص��ورة االستعارية التشبيهية مثل لمسة الفنان‬ ‫األخيرة للوحته المكتملة! لوحة حزينة تتنقل من‬ ‫خاللها الشاعرة من غربة الروح إلى غربة المكان‪.‬‬

‫* كاتبة عربية مقيمة في أمريكا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪55‬‬


‫جدلية النقد واإلبداع‬ ‫> عالء اجلابري*‬ ‫يندُر أن تجد مبدعً ا في وقتنا الحالي يبدو راضياً عن النقد المجايل له‪ ،‬فتراه يفيض في اللوم على النقد والنقاد‪،‬‬ ‫ويرميهم بالكسل واإلهمال‪ ،‬والشللية والمصلحة‪ ،‬وغيرها من التهم التي يسوقها في سياق الوصف المجرد لحال‬ ‫النقد؛ دون أن يبدأ بتساؤل بديهي‪ ،‬حول إمكانية أن يحيط ثلة من النقاد بطوفان من المبدعين‪ ،‬أو أن يحيط النقد‬ ‫القليل بالزخم اإلبداعي‪ ،‬الذي تقذفه المطابع ليل نهار‪.‬‬ ‫ال ومراجعاً‪ ،‬يختار‬ ‫إن التاريخ اإلبداعي والنقدي دليل أكيد على حاجة النقد دائماً إلى فترة‪ ،‬يتوقف خاللها متأم ً‬ ‫وينتقي فيبرز‪ -‬غالباً ‪ -‬ما يستحق التفرّد‪ ،‬وقد يغبن في مسيرته ما كان بحاجة إلى المراجعة تارة أو التعاطف تارة‬ ‫أخرى؛ فالظاهرة قديمة‪ ،‬غير أن كثيراً من االنتظار لكلمة تقديم أو إشارة مدح يجعل الحملة على النقد أكثر ضراوة‪،‬‬ ‫وبخاصة أن هذه اللفتات ربما كانت حظ كثير من المبدعين من إبداعه الذي ال تحتفي به مفردات العصر‪.‬‬ ‫غير أن التجرُّد المفترض يقدح في قيمة االنتظار لكلمة النقد‪ ،‬من جهة‪ ،‬ويلفت النظر‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬عن‬ ‫قيمة النقد‪ ،‬بوصفه إنار ًة لمدارات جديدة‪ ،‬عوض أن يقتصر دوره على خيال الظل‪ ،‬أو دوارة الرياح التي تدور مع‬ ‫المبدعين حيث داروا‪.‬‬ ‫النقد ليس لعبة أطفال نضغط على بطنها فتصفق أو تخرج لسانها‪ .‬وينبغي أن نحترز عن مظنة تقديم النقد‬ ‫على اإلبداع؛ فهو وضع للعربة أمام الحصان‪ ،‬ومخالفة لمنطقه الداخلي من حيث كونه محكوماً بالنظرية والعقل‬ ‫واالنتظام‪ ،‬بعيداً عن اإلبداع الذي تحكمه الفردية‪.‬‬ ‫النقد إذاً‪ ،‬يعيش أزمة‪ .‬قد ال نحتاج إلى تقديم مسوغات لهذا الظن‪ ،‬وال نحتاج إلى أدلة‪ ،‬غير أن النقد في أزمته‬ ‫تلك ال يعدو أن يكون فرعاً من األزمات المحيطة بالفكر والثقافة العربية‪ .‬إنه مظهر ووجه ونتاج لألزمة وليس‬ ‫سبباً لها‪ ،‬وهي ذات األزمة ‪ -‬في بعض وجوهها ‪ -‬التي تحيط باإلبداع؛ فالعالقة بين النقد واإلبداع جدلية بامتياز‪،‬‬ ‫تماماً ‪ -‬وإن كان تشبيهاً مستهلكا‪ -‬كاألواني المستطرقة‪ .‬إنهما محكومان بالمشاكل ذاتها وأبرزها النشر‪ ،‬الذي ال‬ ‫يتيح أحكاماً محيطة‪ ،‬أو دقيقة‪ ،‬وسطورنا ال تطمح إلى اختبار حال النقد أو اإلبداع‪ ،‬أما العالقة بينهما فهذا جهد‬ ‫فوق الطاقة‪ ،‬ولكننا نلفت األنظار إلى ما نراه من انعكاس المثالب بين طرفي العملية‪ ،‬أما دور المتلقي بوصفه طرفاً‬ ‫ثالثا فهو أمر يحتاج إلى وقفة خاصة‪.‬‬ ‫يقول المثل‪« :‬الثعلب يعرف أشياء صغيرة كثيرة‪ ،‬والقنفذ ال يعرف غير شيء كبير واحد»‪ .‬والنقد يقترب من اإلبداع‬ ‫في روح الثعلب تلك‪ ،‬فقد يغيّم التجرد أحيانا؛ فنجد الكتابة في فنون كثيرة تراوح حظوظها من الرواية‪ ،‬ثم الشعر‪ ،‬ثم‬ ‫قصيدة النثر‪ ،‬وإهمال للمسرح‪ ،‬وإهمال أكبر لقصيدة العامية‪ .‬ومعظم المبدعين يحاولون العزف على أكثر من آلة!‬ ‫وأغلب نقادنا يحشرون أنوفهم في كل األنواع‪ ،‬في استمرار لغياب التخصص الذي يبهت معه المفهوم؛ فناق ٌد يهتم‬ ‫بالسرد يُدعى لمناقشة ديوان شعري‪ ،‬فال يعتذر على الرغم من بضاعته المزجاة فيه‪ ،‬ويروح يبحث عن السرد في‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫الشعر؛ وهو في ذلك قد يتكلف مقوالت ويحاول البرهنة‬ ‫عليها‪( ،‬وعلى الرغم من قابلية األمر نقدياً‪ ،‬فالتعويل عليه‬ ‫دائماً هو موطن الشاهد)؛ فال يبتعد عن التلفيق – أحياناً ‪-‬‬ ‫في استنطاق النص‪ ،‬حتى يتجاوب مع سطوره التي يصدرها‬ ‫للمفارقة بأن لكل نص أدواته‪.‬‬

‫ذات النسق يفرط النقد في نبذ الذوق بوصفه مفضياً إلى‬ ‫االنطباعية والشخصية وسواها من التهم الجاهزة‪ ،‬غير‬ ‫أن الذهاب في العلمية إلى حدودها القصوى يفضي إلى‬ ‫الحائط المسدود‪ ،‬كما ترى جوليا كريستيفا‪.‬‬ ‫ويلتقي النقد مع اإلب��داع في قلة التجرّد ال��ذي يدفع‬ ‫للتحكيك والمراجعة؛ وهى مشكلة تواجه اإلبداع أوال؛ فقد‬ ‫طغى (فقه الجوائز) ومحاولة اصطيادها‪ ،‬بحيث صار‬ ‫اإلب��داع مدفوعاً بمطاردتها‪ ،‬وص��ارت المراجع األجنبية‬ ‫والمقدمة النظرية الملغزة أساساً لتزيين النص النقدي‪.‬‬

‫تشيع ال��ج��م��ل ال��م��س��ك��وك��ة بشكل الف���ت‪ ،‬ي���ت���وازي مع‬ ‫تعمد الغموض‪ ،‬وحشد المصطلحات‪ ،‬وتوجيه النظر إلى‬ ‫مناطق بعينها‪ ،‬صار بعضها مقتوال بحثاً فيلعب المبدعون‬ ‫بتيمات أساسية‪ ،‬يغازلون النقد بها‪ .‬اإلنطالق من األحكام‬ ‫المسبقة والتصورات الجاهزة أدى إلى العدوانية في بعض‬ ‫إن ال��ن��ص ال��ن��ق��دي ل��م ي��ق��دم ‪ -‬ف��ي أغ��ل��ب األح��ي��ان ‪-‬‬ ‫األحيان‪ ،‬والتملق في أحيان أخ��رى بما أضفى نوعاً من البوصلة الحقيقية التي تجيب على تساؤالت أولية؛ فصار‬ ‫ال عن تحوّل‬ ‫ال صعباً‪ ،‬فض ً‬ ‫النمطية في التقييم‪ ،‬وجموداً يتوازي مع جمود اإلبداع في الوقوع على مفهوم للشعر عم ً‬ ‫بعض األحيان‪.‬‬ ‫أسماء بعض النقاد إلى ما يشبه (الماركات) التي يكفي‬ ‫و يفرّط النقد الحالي ‪ -‬بفضل شيوع مناهج معينة ‪ -‬وجودها على (المنتج) لضمان قبوله و(تسويقه)‪ ،‬ناهيك‬ ‫في البحث عن آليات الداللة وط��رق إنتاج المعنى بعيداً عن السلوك الشائن الذي يصرف أغلب األقالم إلى التسلق‬ ‫ع��ن ماهية ال��دالل��ة أو مساءلة المعنى‪ .‬فقد غ��دا حكم للوصول إلى أعمدة الصحف والمجالت على جثث دواوين‬ ‫القيمة سوءة مشينة‪ .‬وللمبدعين أن يقولوا‪ ،‬وعلى النقد أصحاب الحظوة؛ فصارت بعض األق�لام محسوبة على‬ ‫أن يتأوّل‪ ،‬ما يدفع النقاد إلى االنحراف عن المعنى الذي متعهدي الدواوين على غرار متعهدي الحفالت‪.‬‬ ‫يرتبط البحث فيه بالتراثية والتقليدية‪ ..‬وغيرها من التهم‬ ‫ت��ب��دو اإلشكالية ف��ي ن��ظ��ري ف��ي ان��ح��ص��ار النقد بين‬ ‫الجاهزة؛ فسار النقد في جوقة اإلبداع ولم تعد مناوشة ج��ف��اف األك��ادي��م��ي��ة وت��س��رع ال��ص��ح��اف��ة؛ ف��األك��ادي��م��ي��ون‬ ‫اللغة وجمالياتها أو القيمة وبهائها أمراً ذا بال‪ ،‬على الرغم مشغولون بأبحاثهم ونظرياتهم بعيداً عما يدور في الساحة‬ ‫من أن فقدان المعنى أو المتوقع ‪ -‬بتعبير يوري لوتمان‪ -‬اإلبداعية‪ ،‬فصارت المحاوالت النقدية ذات رائحة معملية‪،‬‬ ‫يجعل النص عديم الفائدة أو القيمة‪ .‬لقد كانت هيمنة وليس هناك خروج إلى قارعة اإلب��داع إال بعض األعمال‬ ‫االجتماعي على الفردي هي فرضية باختين األساسية البسيطة‪ ،‬بحكم الصداقة ت��ارة‪ ،‬أو تطبيق فكرة نظرية‪،‬‬ ‫التي جعلته ‪ -‬تبعاً ل��رأي ت��ودروف ‪ -‬أهم مفكر سوفيتي صادف وجودها دي��وان شاعر جديد‪ ،‬أو رواي��ة السم غير‬ ‫في مجال العلوم اإلنسانية‪ ،‬وأهم منظر لألدب في القرن م��ع��روف‪ ،‬ف�لا ن���زال نقلب دواوي����ن ال��س��ي��اب وأم���ل دنقل‪،‬‬ ‫العشرين‪ ،‬ولكن االجتماعي غائم للغاية في أغلب النقد وصالح عبدالصبور ‪ -‬وغيرهم‪ ،‬من الجيل األول‪ -‬بحثًا‪،‬‬ ‫ال��ح��ال��ي‪ .‬وال ري��ب أن ل�لإب��داع ي���داً ف��ي ذل��ك ف�لا يجتمع ونُعرض عن المعاصرين بما ينذر بتصلب شرايين النقد‬ ‫اإلبداعي واالجتماعي إال على مائدة الظروف الطارئة‪ ،‬على تلك الفترات‪ .‬إن العالقة جدلية بامتياز بين غياب‬ ‫فيروح النقد يقرأ النصوص الجديدة على ضوء اللحظة الصوت الفرد الذي يغير واجهة اإلبداع وبين فتور النقد‬ ‫الراهنة‪ ،‬وقد يغذّي اإلب��داع ذلك التوجُّ ه ويغازله‪ ،‬وعلى تجاه التبشير بالجديد‪.‬‬ ‫* كاتب وناقد مصري‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪57‬‬


‫حفر ما ردمه األوصياء‬ ‫> محمد البشير*‬ ‫رواي��ة األوص��ي��اء لفهد المصبح ال��ص��ادرة عن دار االنتشار العربي في ‪181‬‬ ‫صفحة‪ .‬غالفها صقيل يحمل لوحة جميلة تحتضن بيتاً حديثاً يشي بحداثة الرواية‬ ‫أو مكانها‪ ،‬وما أن تدلف إلى الرواية عبر حجرة شبيب ووالدته في (حارة الفراوي)‬ ‫مسرح الرواية ترى خالف ذلك البتة !‬ ‫لتلك الحارة بعدان‪ :‬زماني ومكاني‪ .‬أما البعد الزماني فيبدأ من قبيل (سنة‬ ‫الرحمة) ص ‪ ،39‬وتقدر ببداية القرن المنصرم‪ ،‬وتمتد أحداث الرواية المسكونة‬ ‫بالتاريخ والتراث حتى (الستينيات) ص ‪ – 163‬حسب تصريح الروائي ‪ -‬من خالل‬ ‫عرس ساري‪ .‬أي أننا أمام فترة زمنية تقترب من األربعين عاماً على أقل التقادير‪،‬‬ ‫من بداية الرواية حتى نهايتها‪ ،‬أو تزيد عن ذلك حسب اختالف التأريخ لسنة‬ ‫الرحمة‪.‬‬ ‫وأحداث الرواية تسير بطريقة سردية انسيابية متسلسلة دون عودة للخلف‪،‬‬ ‫بتقنية االرتجاع الفني‪ ،‬أو استخدام تقنيات سينمائية تنقلك من زمن آلخر‪ ،‬فتقنية‬ ‫الرواية السردية تبدأ من سرد األم لصغيرها بطل الرواية (شبيب) حكاية سرور‪،‬‬ ‫ونموه الطبيعي حتى فحولته وبحثه عن (منور) في الصحراء البكر‪ .‬فالقارئ ال يجد تدويراً في هذه الرواية إال عبر نشيده‬ ‫بعد تغيير األسماء (منور ما في البيت نور إال بك يا منور)ص‪.180‬‬ ‫وأما البعد المكاني فهو محصور باإلحساء‪ ،‬خصوصاً من خالل ما نقرأه من عادات وتقاليد وبيئة‪ ،‬وما تأثثت به الرواية‬ ‫من أدوات‪ ،‬وكذلك ميالد الروائي ! ويقلص ذلك البعد المكاني بدائرة أضيق وهي الهفوف‪ ،‬من خالل ذكر األماكن المتناثرة‬ ‫كعين (الخدود) ص‪ 61‬مثالً‪ ،‬و(قافلة الهفوف) ص‪ 177‬التي لم تَعُد‪.‬‬ ‫وال شك أن من يعمل في الحفريات األثرية سيصاب بزكام من أثر الغبار‪ ،‬وال عجب ! فهو يقوم بدور التأريخ أو شبهه ؛‬ ‫لوصف جملة مما اتصفت به حقبة زمنية‪ ،‬وهذا ما قام به فهد المصبح في روايته (األوصياء)‪ ،‬وكأنك أمام عمل استخدم‬ ‫فيه الروائي عدة الحفر ؛ لترى بعينيك ما استخرجه من أدوات عياناً من تحت التراب كالسراج وفتيلته‪ ،‬وفلقة المطوع‪،‬‬ ‫وبضاعة علي الدوار من أمشاط ومشابك‪.‬‬ ‫والمصبح بدوره كراصد لحقبة زمنية عاش طرفها األخير يافعاً‪ ،‬وحاول وصلها بعمر أبيه من خالل إهدائه له في أول‬ ‫الرواية‪ ،‬وربما هذا ما جعله ينزلق بذكر الستينيات تصريحاً‪ ،‬وكان جديراً بإخفائها ؛ ليقترب من الواقعية أكثر بانتفاء أحدث‬ ‫السلب في مثل هذه المرحلة الزمنية من جانب‪ ،‬وللتقدير العمري ‪ -‬من جانب آخر ‪ -‬لِسن بطل الرواية (شبيب) كشاب‬ ‫ال شيخ حين التقى بمنور‪ ،‬فهو في الثالثة عشرة من عمره ص‪ 10‬قبل الطاعون‪ ،‬وإن أصر على التأريخ باعتبار أن الرواية‬ ‫ال تخضع لتاريخ حقيقي‪ ،‬بقدر ما هي إسقاط لألحداث دون اعتبار لزمنها‪ .‬حين ذاك سنطمع بمزيد من تأريخ حقبة‬ ‫الستينيات بذكر مطرب حقيقي أو أغنية شهيرة لتلك الحقبة كشاهد على العصر‪ ،‬فال أظنه أهمل الحفر في ذاكرة من هو‬ ‫أكبر منه ؛ لتأريخ ذلك‪ ،‬فـ (الذاكرة‪ ..‬مخادعة ال يعول عليها في كل األحوال‪ ..‬وقليلون من يمكنهم استعادة حياتهم الباكرة‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫بوضوح) على حد قول « جدن «‪ ،‬ولكننا أمام عمل ال نستطيع‬ ‫إنكار ذلك الجهد الذي قام به من خالل نبش ذاكرة الشيوخ‪،‬‬ ‫والتأريخ لحقبة زمنية مصيرها ال��درس كغيرها من الحقب‪،‬‬ ‫وتغييبها كمكان دون ذكر على غرار ما غيبه الدارسون ؛ لتواري‬ ‫اإلحساء كمكان في الرواية السعودية أكاديمياً‪ ،‬عدا ما جاء‬ ‫على استحياء كماً إذا ما قورنت بغيرها من المدن‪.‬‬ ‫ويكفي أن فهد المصبح إح��س��ائ��ي ال��م��ول��د‪ ،‬وق���ام ب��دور‬ ‫التأريخ روائ��ي��اً لحقبة من حقب التاريخ اإلحسائي‪ ،‬وحسب‬ ‫الدكتور جونسون (ال يوجد من هو أقدر على كتابة حياة المرء‬ ‫من المرء نفسه)‪ ،‬فال أحد أقدر من كتابة تاريخ اإلحساء من‬ ‫اإلحسائيين أنفسهم‪ ،‬وألن اإلحساء أخذت نصيبها من التأريخ‬ ‫إال أن الحياة تضم الهامشي ال��ذي ال يرعى له المؤرخ باالً‪،‬‬ ‫فال أقدر من الروائي للعب هذا ال��دور‪ ،‬فاألوصياء دوم��اً هم‬ ‫كتبة التاريخ‪ ،‬والواقع تحت سطوتهم ليس له سوى التسليم بما‬ ‫يملونه‪ ،‬فمن لشبيب وساري ومنور وأبي علي وشيخ الحمارة‬ ‫شافي وغيرهم من شخوص ؟! أولئك الشخوص الذين غصت‬ ‫بهم الرواية لكثرتهم في واقعية من حارة مكتظة‪.‬‬ ‫تعبر عدسة الروائي بتلقائية ؛ لتذكر من يمر‪ ،‬وتركز على‬ ‫من تلحقه العدسة بقصد‪ ،‬فمن لهؤالء العابرين في الطرقات‬ ‫سوى الروائي لكتابة سيرهم دون ت��ورع‪ ،‬كأبي سمرة وهذال‬ ‫ومثليتهم على غرار مثلية نور وسهى في (مسك الغزال) لحنان‬ ‫الشيخ ؟! فمن سيخلد ن��اي أب��ي سمرة ويبقي لحنه الجالب‬ ‫لمن يريد ؟!‪.‬‬ ‫وال��وص��اي��ة تختلف م��ن فعل ف���ردي‪ ،‬كوصاية وال���ده حين‬ ‫أخ��ذه إلى المطوع بعد أن وبخه ؛ لتعريه في الحفرة‪ ،‬ونقل‬ ‫هذه الوصاية الفردية إلى المطوع في سلسلة طويلة ال تذكر‪،‬‬ ‫ووصاية جماعية كأولئك األوصياء حين ردموا الحفرة‪ ،‬فحمل‬ ‫المصبح على كاهله عدته ؛ لحفرها وإخراج ما فيها من كنوز‬ ‫روائية‪.‬‬ ‫األوصياء سمموا الكالب ونجت (حجول) كلبة شبيب فاحمة‬ ‫السواد ؛ لتظل روحاً تخفق في األفق‪ .‬تروي الحادثة‪ ،‬وتسرها‬ ‫في أذن السارد حين تآخى شبيب والكالب في الحفرة حَ َّد‬ ‫التعري ككلب ! وهذا يذكرنا بالروائي التونسي جمال العش في‬ ‫روايته (محاكمة كلب) حين مسخ كلباً بفنتازية ؛ إليصال صورة‬

‫المهمش من خاللها‪ ،‬والمصبح دون أن يلج هذه الدهاليز بلغ‬ ‫رسالته بصورة بعيدة عن الفنتازيا وأقرب إلى الواقعية؛ ألننا‬ ‫أم��ام عمل تأريخي‪ .‬حتى أن األس��ط��ورة التي رسمها القراء‬ ‫بحفرة الفراوي ال أظنها إال حقيقة تاريخية ال أستبعدها لما‬ ‫تحويه اإلحساء من هذه المظاهر بسقوط النيازك‪ ،‬وإن لم‬ ‫تكن كذلك فمن الممكن إسقاطها دون إج��ح��اف‪ ،‬فما (بين‬ ‫الذاكرة واألرشيف تواصل وتفاصل في آن‪ ..‬فمخالفة الحقيقة‬ ‫في سياقها التاريخي قائمة) على حَ ِ ّ��د قول إبراهيم محمود‬ ‫في تعليقه على محاضرة أركيولوجيا التوهم انطباع فرويدي‬ ‫لجاك دريدا‪ ،‬وألن العمل الروائي قائم على االستعانة بالتاريخ‬ ‫ال كتابته‪ ،‬وهذا حقيقة ما قام به المصبح في روايته‪ ،‬فهو ذكر‬ ‫التفاصيل مطعمة بمخيال روائي يربط من خالله األحداث في‬ ‫نسيج طرزه بيديه دون تطرف ال أخالقي إلى حد التخمة‪ ،‬وإنما‬ ‫هو مرور بعدسة ال تحاول القفز على الحقيقة بتصوير جائر‬ ‫لمثالية أفالطونية أو انحاللية غربية‪ .‬إنما هو الواقع المعاش‪،‬‬ ‫فما بين خطيئة شبيب ومنور‪ ،‬وقيام المجتمع بمظاهر التعبد‬ ‫خالل مواسم الخيرات كرمضان والحج بكل تفاصيلها‪ ،‬نرى‬ ‫خيطاً رقيقا ما بين الصواب والخطأ‪.‬‬ ‫فهي رواي��ة حكتها سعفات النخيل حين توشوش في أذن‬ ‫السامر‪ ،‬فالنخلة التي كرعت من عرق شبيب حين تشبث بها‬ ‫محموماً بعد الخطيئة‪ .‬هي ذاتها من روت حكايته حين صعد‬ ‫(بالكر) متتلمذاً على ي��د عيسى زوج م��ن��ور‪ ،‬وه��ي الصغيرة‬ ‫المعوجة التي (احتضنها بلهفة النوى)‪ ،‬فهي أمينة في سردها‬ ‫ال تخفي سراً‪ ،‬فكافكا يقول‪( :‬كم عدد الكلمات المحفورة في‬ ‫شجرة الزان؟ إنها تريد تذكيرنا! كما لو أن الكلمات لها القدرة‬ ‫ال‬ ‫على التذكير !)‪ ،‬ونحن أبصرنا في رواية المصبح عدداً هائ ً‬ ‫من الكلمات التي كتبت على جذوع النخيل‪ ،‬وتذكرنا عصراً لم‬ ‫نعشه إال من خالل ذاكرة الحكواتية‪ ،‬وألن الحكاية تغرب غير‬ ‫مؤذنة بإشراق ما لم توثقها األوراق‪ ،‬فها نحن أمام سفر يحفظ‬ ‫طرفاً من حكاية لم تكتمل‪ ،‬وألن المصبح ثري برصيد قصصي‬ ‫قدره سبع مجاميع قصصية ورواية يتيمة‪ ،‬وعبر قفزة نوعية‬ ‫ما بين أول مجموعة قصصية (صاحب السيارة البرتقالية)‬ ‫وآخرها (المعلقة)‪ ،‬فتفاؤلنا يحدونا إلى ترقب ست روايات‬ ‫مقبلة‪ ،‬فهل يفعل ؟‬

‫* كاتب من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪59‬‬


‫الذات بني الهمني العام واخلاص‬

‫وسؤال الهوية في ديوان «لزمن لن يراني»‬ ‫للشاعر عبدالوهاب أحمد‬

‫> سعيد نوح*‬ ‫ي����ع����م����د ال����ش����اع����ر وإن لم يره الشاعر‪.‬‬ ‫عبدالوهاب أحمد في‬ ‫يقول في صفحة ‪:17‬‬ ‫بنائه للنص في ديوانه « لك لون الملح‪ ..‬طعم الريح‬ ‫«لزمن لن ي��ران��ي» إلى صوت الماء في عين البكاء‬ ‫تحريك موقف ال��ذات‬ ‫لك طاحونة من رم��ل‪ ..‬وقناديل ثكلى‪ ..‬وعصافير‬ ‫م��ن س��ك��ون��ي��ة ال��راص��د‬ ‫حصاد‪..‬‬ ‫إل��ى حركية المسائل؛‬ ‫وشظايا‪ ..‬لزغاريد وراء الباب‬ ‫فالماضي بالنسبة له‬ ‫خلف الستر»‬ ‫ق��اف��ل��ة ت��س��ي��ر ك��ال��م��اء‪،‬‬ ‫وت��ظ��ل ال��ع�لاق��ة ملتبسة ب��ي��ن ال��ش��اع��ر وفضائه‬ ‫كلما سد في وجهه مجرى بحث عن مجرى آخر‪.‬‬ ‫الشعري‪ ،‬تتعين ه��ذه العالقة بسؤال ملح ‪ -‬بشكل‬ ‫و إذا كان الشعر العربي المعاصر في بداياته‬ ‫دائ��م‪ -‬على ال��ذات الشاعرة‪ ،‬ما دور الكلمة‪ ،‬ولماذا‬ ‫األول��ى قد أف��اد من الماضي‪ ،‬ف��إن مستقبل هذا‬ ‫أكتب؟ سؤال شديد البساطة‪ ،‬إال أنه يشي أن المسألة‬ ‫الشعر ليس ش��رط��ا أن يتحدد ف��ي ت��زاوج��ه بين‬ ‫ليست ي��س��ي��رة ؛ فالشعر بالنسبة ل��ه ح���اض على‬ ‫الماضي والحاضر‪ ،‬بل ينبغي أن نبحث عن روافد‬ ‫التمرد‪،‬أفق يحلق في عوالم تخيلية ورؤية للعالم‪:‬‬ ‫هذين الزمنيين‪ :‬الماضي والحاضر‪ ،‬في زمن آخر‬ ‫«وجدتني على غصن حرف أنام‬ ‫آت هو المستقبل ؛ فالشاعر منذ العتبة األول��ى‬ ‫ٍ‬ ‫وأفيق على مطر‪ ..‬قطرة منه‪..‬‬ ‫للديوان يخبرنا عن زمنه ال��خ��اص‪ ..‬ال��ذي يهديه‬ ‫كلمة‬ ‫بعض روح��ه‪ ،‬ذلك الزمن المقرر سلفاً أال ي��راه‪..‬‬ ‫هي مثلك مفعمة بالخالص‬ ‫يهدي الشاعر ديوانه لزمن سيأتي حتما دون أن‬ ‫تسير به نحو خيط الضياء‬ ‫تراه الذات الشاعرة‪.‬‬ ‫سفينة نوح يعود‬ ‫فالشاعر الحقيقي هو القادر على تقديم رؤية على هامه وهج كالزمرد‬ ‫واعية للعالم‪ ،‬وواع بأهمية تخطي حدود الماضي‪ ،‬في ردهات الصباح‬ ‫ومفارقة ظالله‪ ..‬والتجربة الشعرية المبدعة هي وتعود تعود تعود‬ ‫التي تقفز بالحاضر قفزة جريئة إلى زمن قادم‪ ،‬حتى تطفئ الشمع أفواه حب‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫وتفرح بالعمر المر م ّر‬ ‫وفي كفه نتف من ضمائرنا‬ ‫هي تضحك‪ ..‬كيف نزف جنازتها‬ ‫وأنا أقطف الحرف من شجر الماء»‬ ‫كما يعمد الشاعر إلى بناء معادل موضوعي جديد‬ ‫للمأثور الفكري والروحي‪ ،‬يعيد فيه البعد التاريخي وفق‬ ‫منظومات فكرية حديثة؛ فهو يجيد توظيف المرجعيات‬ ‫المعرفية والثقافية لتحمل رؤاه وفكره‪ ،‬ها هو يخاطب‬ ‫عبلة الحسناء التي تحضر في ذهن القارئ في تلك‬ ‫اللحظة‪ ،‬ويحضر صوت عنترة وهو يسائلها هال تسأل‬ ‫الخيل عنه في بيت عنترة الشهير‪ « :‬هال سألت الخيل يا‬ ‫ابنة مالك «‪ ،‬ولكن عبلة الحسناء عند الشاعر الحداثي‬ ‫يأتيها عنترة مكبال ً بالحديد‪ ..‬ويتساءل الشاعر عما‬ ‫جرى‪ ،‬وكيف ضاعت رجولته ونخوته‪ ،‬فعنترة صار رمزاً‬ ‫ال لدالالت حداثاوية‪:‬‬ ‫حام ً‬ ‫«طفالن جاءا من بعيد‪..‬‬ ‫من مضارب عبلة الحسناء‪ ..‬عنترة المكبل بالحديد‬ ‫ماذا جرى ؟‬ ‫« هال سألت الخيل « يا ابنة أمنا‬ ‫إن كنت جاهلة بما فعل الظالم»‬

‫على اجتياز برزخ يكتم على أحاسيس الذات الشاعرة‪،‬‬ ‫وال يعطها فرصة للبوح‪ ..‬فقط ذات ترغب في أن تراوغ‬ ‫التابو‪ ،‬تتحايل عليه‪ ،‬ال تقدر على التصادم معه مباشرة‪،‬‬ ‫بل تراوغه في صور شعرية دالة وعميقة‪:‬‬ ‫«حرس الفضيلة حين جاءوا‬ ‫كان نبض يقرأ األحالم‪ ..‬يفتلها شموعا‬ ‫في عروق الليل‪ ..‬يقطر بين كفيه الظالم‬ ‫وتفوح رائحة التراب‪ ..‬تنز كالينبوع‬ ‫بين القلب والرئتين»‬

‫كما يتجلى وعي الذات القومية في عالئقها بوعي‬ ‫اآلخ��ر‪ ،‬هو السبيل إل��ى متابعة استكمال المشروع‬ ‫الحضاري العربي‪ ،‬فيطرح سؤال الذات والهوية‪ ،‬رؤية‬ ‫قومية‪ ،‬ترى الجرح واحداً من النيل إلى الفرات‪ ،‬ترى‬ ‫النخيل والزيتون وزمزم والمقام‪ ،‬كل يخيط رتق الكل‪،‬‬ ‫لو توحدت األرواح وتاقت لعصر كانت فيه العروبة‬ ‫مستضاءة‪ ،‬والحلم واحد ال يفرقه محيط أو خليج‪:‬‬ ‫«على مشارف حرفك الزيتي‪ ..‬يختل لوني‬ ‫يستحيل دمي فراتا‪ ..‬في عروق العاص يجري‬ ‫يرتوي من شال مريم‪ ..‬تاج عيسى‬ ‫يحضن التوباد‪ ..‬طيبة‪ ..‬عند صدر النيل يغفو‬ ‫من كبل فحولة عنترة وكسر تاريخه هو الظالم‪ ..‬في أثير المغرب المخضر‬ ‫ذلك الظالم الذي جعل الوطن يباع واألح�لام تستباح ي��رس��م وج��ه��ه ح��م��ام��ت��ي��ن‪ ..‬وغ��ص��ن زي���ت���ون‪ ..‬وزم����زم‪..‬‬ ‫والمقام‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫يخيط رتقا في المحيط‪ ..‬خيوطه ماء وطين‬ ‫«الشمس غير الشمس‪ ..‬في وطن يباع‬ ‫على مشارف حرفك المسفوح‬ ‫الناس غير الناس‬ ‫بين سحابة نشوى»‬ ‫عنترة الشجاع‪ ..‬شيبوب ضلع‬

‫وتظل عنترة احتالم‬ ‫ل��ق��د ع����رف ع��ب��دال��وه��اب أح���م���د‪ ،‬ذل����ك ال��ش��اع��ر‬ ‫لوال حريم الحي ما رفعوك‬ ‫السعودي‪ ،‬كيف يعبر عن أسئلة الذات والهوية‪ ،‬وكيف‬ ‫لوال عبلة السمراء ما عرفوك»‬ ‫يعبر عن الهمَّين العام والخاص‪ ،‬في لغة دالة وموحية‪،‬‬ ‫يتكون التوهج الشعري في تجلي أزمة الروح المتقدة وصور فيها جدية ومشهدية‪ ،‬مع توظيف المرجعيات‬ ‫ليخرج عن كونه ليس اجتراح قناع وجداني يساعده الثقافية والمعرفية‪.‬‬ ‫* كاتب من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪61‬‬


‫أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن‪ ,‬كمال أبو ديب‪:‬‬

‫ِ‬ ‫شعرية النقد‪..‬‬ ‫أسعى إلى‬ ‫ُ‬ ‫أصبح ألعوبة‬ ‫والتراث‬ ‫َ‬

‫> حاوره عصام أبو زيد‬ ‫يرى الناقد السوري كمال أبوديب أنه في ثقافة متفتحة حيّة‪,‬‬ ‫ومليئة بالحركة وقلق المعرفة‪ ,‬ال تطغى مثل هذه الدرجة من‬ ‫الوعي بالتراث واالهتمام بمشكالته التي نعانيها اآلن في العالم‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ويقول أبوديب أستاذ كرسي األدب العربي في جامعة لندن‬ ‫أ‪ .‬د كمال أبو ديب‬ ‫ في حوار مع «الجوبة» ‪ -‬إنه كما عانى أدونيس من صدمة‬‫الحداثة « فأنا شخصياً أعاني من صدمة التراث»‪ .‬وأشار إلى‬ ‫أنه «من السذاجة أن نتصور أن لدينا تراثاً منسجماً (‪ )...‬وأن التراث عالم معقد ووهم‬ ‫كبير تصعب تنقيته»‪.‬‬ ‫وفيما يلي نص الحوار‪:‬‬ ‫> كيف اكتسبت الثقافة الغربية المزيد من القوة والهوية بتضادها مع الثقافة الشرقية‬ ‫بوصفها ذات ًا بديلة؟‬

‫م����واج����ه����ات‬ ‫‪62‬‬

‫< من الصعب أن نناقش هنا هذا السؤال‪ ،‬بما يستحقه من التفاصيل‪ ،‬وقد ناقشه‬ ‫مفصل‪ ،‬في ع��دد من دراس��ات��ه ومنها « االستشراق»؛ لكن‬ ‫ّ‬ ‫إدوارد سعيد في شكل‬ ‫في خطوة عامة يمكن أن نرى موضعة الغرب لنفسه بإزاء الشرق عملية زادت من‬ ‫تماس ـ ـ ـ ـ ــك «الهوية الغربية»‪ ،‬وأنا أضع الهوية الغربية بين قوسين‪ ،‬ألنها جملة عامة‬ ‫تحوي داخلها درجة عالية من الالتجانس التي تفرضها الكلمة‪ ،‬لكن مع ذلك‪ ،‬ومع‬ ‫التحفظ‪ ،‬يصل المرء إلى أن يقول إن هذه الموضعة للذات مع ما تصورته الذات‬ ‫حد بعيد في خلق نمط من التماسك والصالبة الداخلية‬ ‫ال أسهمت إلى ٍ‬ ‫نقيضاً وبدي ً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫على مستوى الهوية‪ ،‬واإلح��س��اس ب��األن��ا‪ ،‬وتبدو‬ ‫هذه العملية تاريخياً عملية مكررة؛ بمعنى أنها‬ ‫ليست سمة للغرب في شكل خاص‪ ،‬لكنها مكررة‬ ‫في الثقافات والمجتمعات األخ��رى؛ وق��د يكون‬ ‫هذا قانوناً من قوانين تشكّل ال��ذات‪ ،‬واكتسابها‬ ‫اإلحساس بالتماسك والصفاء‪ ،‬وأن تضع نفسها‬ ‫إزاء ذات أخ��رى تتصورها أحياناً دونية؛ لكنها‬ ‫في شكل أو بآخر تمثل اآلخر؛ بمعنى أن عملية‬ ‫تحديد الذات ال يمكن أن تتم إال في شرط من‬ ‫تصور ضدي للعالقة بين األنا واآلخر‪.‬‬

‫صدمة التراث‬ ‫> أال يمكننا في غمار ما نرى أن نقول إن أبحاث ًا‬ ‫تعد في مجال التراث يمكنها أن تعيد تنقية هذا‬ ‫التراث؟‬

‫عناصر كثيرة من محاولة إع��ادة إنتاج الماضي؛‬ ‫فإن ذلك يبدو لي حالة مرضية تماماً‪.‬والخطورة‬ ‫هنا‪ ،‬تكمن في أن التراث أصبح ألعوبة‪ ،‬بمعنى أن‬ ‫كل ذي مرض‪ ،‬يبحث عن شفاء له في ما يسميه‬ ‫التراث‪ .‬والمشكلة األساسية هي أن التراث ليس‬ ‫متجانساً‪ ،‬فنحن ال نملك تراثاً جاهزاً‪ ،‬ألن التراث‬ ‫تاريخ مليء باإلشكاليات والمتناقضات أيضاً؛‬ ‫فالماضي كالحاضر‪ ،‬ال يملك ه��ذه الدرجة من‬ ‫الدرجات التي ننسبه إليها أو نتوهمه بها‪ .‬انظر‬ ‫إلى تاريخنا الثقافي العربي‪ ،‬ستجد في الشعر‬ ‫ال‬ ‫أطرافاً متناقضة متعددة‪ :‬تناقض أبي نواس مث ً‬ ‫مع المتنبي‪ ،‬ستجد شعراء الجسد‪ ،‬وستجد شعراء‬ ‫األخ�ل�اق الرصينة وال��ح��ك��م‪ ،‬وش��ع��راء التصوف‬ ‫وشعراء اإللحاد؛ بهذا المعنى يبدو من السذاجة‬ ‫أن نتصور أن لدينا تراثاً منسجماً‪ ،‬وبهذا المعنى‬ ‫ال أن التراث عالم معقد‪ ،‬ووهم‬ ‫ينبغي أن ندرك فع ً‬ ‫كبير‪ ،‬تصعب تنقيته‪.‬‬

‫ < أعتقد أنه كما عانى أدونيس من صدمة الحداثة‪،‬‬ ‫فأنا شخصياً أعاني من صدمة التراث؛ بمعنى‬ ‫أن العديد من المفكرين يبدون وكأنهم اكتشفوا‬ ‫قصيدة النقد‬ ‫فجأة أن لدينا تراثاً‪ ،‬وبدؤوا ينظرون في جوانب‬ ‫ال اكتشفوا جديداً‪ .‬بهذا المعنى > لك رأي عن «زوال ال��ف��ارق بين اإلب���داع والنقد»‬ ‫منه وكأنهم فع ً‬ ‫أال ت��رى أن ه��ذا غير دقيق على إط�لاق��ه؟ أم أن‬ ‫تبدو اآلن ردة فعل حادة جداً‪ ،‬وقد أسميتها سابقاً‬ ‫للمسألة وجه ًا آخر؟‬ ‫حالة مرضية‪ ،‬بمعنى أن وع��ي الثقافة بالتراث‬ ‫إلى هذه الدرجة الحادة‪ ،‬حالة مرضية وليست < أنا ال أقول بزوال الفارق بين اإلبداع والنقد‪ ،‬وإنما‬ ‫حالة طبيعية؛ فالثقافة المتفتحة الحيّة المليئة‬ ‫أقول إن النشاط النقدي في جوهره نشاط إبداعي‪،‬‬ ‫بالحركة وقلق المعرفة ال تطغى بهذه الدرجة من‬ ‫ال تفسيرياً يتوسط بين النص والقارئ‪،‬‬ ‫وليس عم ً‬ ‫الوعي بالتراث واالهتمام بمشكالته‪.‬‬ ‫كما اعتاد الناس أن يقولوا‪ ،‬وليس تعميقاً شارحاً‬ ‫للنص‪ ،‬أو تعميقاً على أبعاد مسيرة مؤلف النص‪،‬‬ ‫التراث قائم في حياتنا‪ ،‬فينا‪ ،‬بمعنى أن تتابع‬ ‫ ‬ ‫أو الواقع االجتماعي ال��ذي يحيط بالنص‪ ،‬وليس‬ ‫الماضي العرقي والثقافي والسياسي واالجتماعي‬ ‫ال آل��ي��اً ج��ام��داً‪ ،‬ب��ل ه��و ف��ي ج��وه��ره يصدر عن‬ ‫عم ً‬ ‫واالقتصادي في وضع متزن للمجتمعات يكون جزءاً‬ ‫هاجس إب��داع��ي‪ ،‬وع��ن تعامل إب��داع��ي م��ع النص؛‬ ‫طبيعياً ومكوّناً طبيعياً من مكوّنات وجود المجتمع‬ ‫وحين يتعامل ناقد هذا التعامل اإلبداعي مع لغة‬ ‫واإلن��س��ان‪ ،‬أما حين يتجاوز األم��ر ذل��ك‪ ،‬ويصبح‬ ‫النص‪ ،‬ومع المكونات التي تشكّل بنية النص‪ ،‬ومع‬ ‫هماً شاغالً‪ ،‬وينتج عنه عملية بحث تبدو فيها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪63‬‬


‫نقدي إل��ى نقد انطباعي‪ ،‬من األنماط التي كانت‬ ‫سائدة‪ ،‬بل يظل ممتلكاً لمقومات النقد التحليلي‬ ‫البنيوي الذي أمارسه‪.‬‬

‫ ‬

‫ ‬

‫‪64‬‬

‫المكونات التي تظهر النص حين يكون «ال مبنياً»‬ ‫أيضاً وتكتشف مكوناته‪ ..‬حين يمتلك هذه المقدرة‬ ‫ال‬ ‫��ارس عم ً‬ ‫اإلبداعية على التعامل مع النص‪ ،‬ي��م ُ‬ ‫تكوينياً‪ ،‬عم َل خلق وتحليل للعالم‪ ،‬وللنص‪ ،‬وللغة‬ ‫تغيير مستمر‬ ‫ال ل��رؤي��ة معينة للنص‪ ،‬يخلق بها‬ ‫ول��ذات��ه‪ ،‬وتشكي ً‬ ‫> من المالحظ كثرة المصطلحات في أبحاثك‬ ‫طريقة ال تختلف في الجوهر عن الطريقة التي‬ ‫ودراس���ات���ك‪ ،‬وك��ذل��ك ع��دم اس��ت��ق��راره��ا بتغييرك‬ ‫ال مع العالم‪ ،‬من خالل وعيه‬ ‫يتعامل بها الشاعر مث ً‬ ‫المستمر لها‪ ،‬فلماذا تغير آراءك باستمرار؟ أال‬ ‫ألبعاد متعددة في بنية الوجود اإلنساني‪ ،‬ولضغوط‬ ‫يُ حدث ذل��ك خل ًال في تفكيرك ورؤي��ت��ك؟ أم أن‬ ‫ذاتية‪ ..‬إلى آخر ذلك مما هو معروف‪.‬‬ ‫المصطلحات ال تفي بما تبحث عنه معرفياً؟‬ ‫هذان التعامالن‪ ،‬تعامالن إبداعيان؛ فكما أن هناك‬ ‫< اسمح لي أن أقول لك إن ما تقوله ليس دقيقاً‪،‬‬ ‫الشاعر السيئ ال��ذي ينظم وال يكتب ش��ع��راً‪ ،‬أي‬ ‫هناك كثرة ف��ي المصطلحات لكن ليس هناك‬ ‫أن نصه يخلو من روح الشعرية‪ ،‬فإن هناك الناقد‬ ‫تغيير فيها‪ ،‬وحين أغيّر استخدامي للمصطلح‬ ‫السيئ الذي ينظم نقداً وال يكتب شعر النقد؛ أي ال‬ ‫يحدث ذلك نتيجة تفكير طويل جداً‪ ،‬بعد اكتشاف‬ ‫يكتب ما يمكن أن أسميه «قصيدة النقد» أو يكشف‬ ‫أشياء تمنع مقدرتي على استخدام المصطلح‬ ‫شعرية النقد؛ لكن في الجوهر ‪ -‬كما قلت ‪ -‬النقد‬ ‫ذاته بطريقة وافية في كل السياقات‪ ،‬ولذلك قد‬ ‫نشاط إبداعي‪ ،‬وحين أقول ذلك‪ ،‬أعرف أن معظم ما‬ ‫أغيّر مصطلحاً‪ ،‬وحين أفعل ذلك أشير إليه؛ لكن‬ ‫ينتج من نقد ال يمتلك هذه الخصيصة‪ ،‬وذلك جزئي‬ ‫تغييري للمصطلحات قليل جداً‪.‬‬ ‫بسبب ما ارتبط بتاريخ النقد من مقيّدات ومحكّات‪،‬‬ ‫تفرض هيمنة القواعد على النص النقدي‪ ،‬كما > أخيراً‪ ،‬يقال إنك تحوّلت إلى ناقد متخصص في‬ ‫أدونيس‪ ،‬ما تعليقك على ذلك؟‬ ‫تفرض هيمنتها على النص الشعري أو الروائي؛ لكن‬ ‫ما أحاول أن أنجزه في عملي‪ ،‬هو أن أكسر أطواق < أنا أعلم أن هذا شيء يقال عن عملي‪ ،‬لكن إذا‬ ‫هذه القواعد‪ ،‬التي علمتنا أن النص النقدي يتشكل‬ ‫ال إل��ى عملي المنشور‪ ،‬ستجد أن ما‬ ‫نظرت فع ً‬ ‫في أطر معينة‪ ،‬ويحقق شروطاً معينة‪ ،‬من أجل أن‬ ‫يحتله « أدونيس» فيه ليس كبيراً إلى الحد الذي‬ ‫يكون موضوعاً مثالً‪ ،‬ويمتلك مقومات أدبية معينة‪،‬‬ ‫تتصوره ويتصوره الناس‪ ،‬والصحيح أن أدونيس‬ ‫ويكون ذا لغة تتسم بسمات خاصة‪.‬‬ ‫يرد بشكل أو بآخر‪ ،‬في كثير من دراساتي المتعلقة‬ ‫أنا أسعى إلى كسر هذه األط��واق‪ ،‬والخروج منها‪،‬‬ ‫والسماح لنفسي باكتناه العالم والنصوص والثقافات‬ ‫واإلنسان‪ ،‬بدرجة أعلى من الحرية‪ ،‬التي تعي في‬ ‫الوقت نفسه أخطار االنزالق وراء ذاتية مغرقة في‬ ‫العمل النقدي‪ ،‬غير ممتلكة لدرجة عالية من الوعي‪،‬‬ ‫وه���ذا عمل صعب ج���داً‪ ،‬ول��ذل��ك أل��ج��أ إل��ى طرق‬ ‫مختلفة في محاولة تحقيقه‪ ،‬من دون أن يتحول‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫بالشعر ال��ح��دي��ث أو بالثقافة العربية والنظر‬ ‫إليها في تاريخها‪ ،‬وعالقة التراث بها‪ ،‬والسبب‬ ‫البسيط هو أن أدونيس قدّ م نتاجاً ضخماً في كل‬ ‫هذه المجاالت‪ ،‬وإنتاجاً جوهرياً جداً في الفعالية‬ ‫اإلبداعية العربية‪ ،‬وألن له مثل هذه اإلنجازات‪،‬‬ ‫ال أستطيع إال أن أدرج��ه في أي ش��يء أناقشه‬ ‫تقريباً‪ ،‬حتى في قضايا تقنيّة صرف‪.‬‬


‫الشاعر أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبدالله السالم‬

‫من ال يشعر باالنتماء للوطن في كل حلظة من‬ ‫حلظات حياته يبقى بال هوية‬

‫> حاوره محمود الرمحي‬

‫إنه أبو خالد‪ ..‬شاعر العراقة واألصالة‪،‬‬ ‫النابعة من عراقة وأصالة مسقط رأسه‪ ،‬دومة‬ ‫الجندل في منطقة الجوف‪..‬‬ ‫الوطن هاجسه‪ ،‬ال يستبدله أو يتوه عنه‪،‬‬ ‫أو يضع ل��ه ال��ب��دائ��ل‪ ..‬خ��ال�� ٌد م��ا بقي الرمل‬ ‫والحجر‪ ،‬أو ما بقيت الصحراء بنقائها‪ ..‬وإذا‬ ‫ما أردنا تلّمس حُ ب الوطن شعراً وبهاءً‪ ،‬قرأنا‬ ‫ديوانه «بوح الخاطر»؛ فهو الذي يقول‪:‬‬

‫الشاعر في أمسية شعرية في الجوف‬

‫ح����ب س������رى ب���ي���ن ال���ض���ل���وع وت���اه���ا‬

‫رف�����ق����� ًا ب���ه���ا ي�����ا ح�����ب م�����ن أه����واه����ا‬

‫ك����ل ي���ؤم���ل م��ك��س��ب�� ًا ف����ي ش��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��غ��ل��ه‬

‫إال أن��������ا ف����ال����ش����غ����ل ك��������ان ه����واه����ا‬

‫وإذا ت����ف����اخ����رت ال�����دي�����ار ف����دارك����م‬

‫ي���س���م���و ب������أل������وان ال����ف����خ����ار ب���ن���اه���ا‬

‫وادي ال���ن���ف���اخ وال ت���س���ل ع����ن س���ره‬

‫إن ال����م����س����مّ ����ى س�����ر م�����ن س���مّ ���اه���ا‬

‫وهو نفسه‪ ،‬الذي انسكب الدمع من عينيه مرارة وألماً‪ ،‬على فلسطين وشعبها وقدسها‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫م��ا ب��ال عيني منها ال��دم��ع ينسكب‬

‫ت��ب��ك��ي وت����رم����د م���م���ا ي��ب��ك��ي ال���ع���رب‬

‫ال��ك��ل ي��ع��ل��م أن ال���ق���دس غاليـ ـ ـ ــة‬

‫وال ت���ح���رره���ا اآله��������ات وال���خ���ط���ب‬

‫وهو الذي يدافع عن النحو العربي‪ ..‬المادة التي عشقها فتخصص فيها؛ فيقول‪:‬‬ ‫فيه ما في البس ـ ـ ـ ـ ــتان ش��وك وورد‬

‫ف���ان���ت���خ���ب ول���ي���ك���ن ك��ل�ام����ك وردا‬

‫أيها النحو إن ت��داع��ت إل��ى الضعف‬

‫ع����ل����وم ك���ن���ت ال�����ق�����وي األش���ـ���ـ���ـ���ـ���ـ���دا‬

‫فمع بلبل من بالبل الجوف الغِ رِّيدة‪ ،‬وذات الطابع المميز في تغريدها‪ ..‬مع الشاعر أ‪ .‬د‪ .‬أحمد‬ ‫السالم‪ ،‬عميد كلية اللغة العربية بجامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‪ ،‬كان لنا هذا الحوار‪ ،‬الذي‬ ‫حاولنا من خالله الغوص في أعماقه‪ ،‬لنكتشف سره وجديده‪:‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪65‬‬


‫> أحمد السالم الشاعر األص��ي��ل ال��م��ع��روف‪ ..‬متى‬ ‫كان أول عهده بالشعر‪ ..‬وهل يتذكر لنا مطلع أول‬ ‫قصيدة نظمها‪ ،‬وفيم قالها؟‬ ‫< كانت بداياتي الشعرية عام ‪1390‬ه��ـ‪ ،‬حينما كنت‬ ‫طالبا ف��ي المرحلة المتوسطة‪ ،‬وك���ان يدرسني‬ ‫آن��ذاك م��درس فاضل ‪ -‬س��وري الجنسية ‪ -‬كنيته‬ ‫(أبو صالح)‪ ،‬لفت نظره اهتماماتي الشعرية‪ ،‬فقام‬ ‫ب��دوره بتنمية تلك الموهبة‪ ،‬وشجعني على كتابة‬ ‫الشعر الذي تولى اإلشراف عليه بنفسه‪ ..‬وكانت‬ ‫أول قصائدي بعنوان (المعاهد)‪ ،‬وأقول فيها‪:‬‬

‫إحدى أمسياته في المغرب‬

‫أسلحة التميز‪.‬‬

‫> ك��ل إن��س��ان ل��ه أح��اس��ي��س��ه وب��وح��ه ال���خ���اص‪ ..‬أل��م‬ ‫ش��ـ��ـ َ��كَ�� ْرن��ا م��ن أق��ـ��ـ��ـ��ام لنــا المعاهــد‬ ‫يترجم أحمد السالم بوحه وأحاسيسه الخاصة‬ ‫ب��ع��زت��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ه تجنبن ـ ـ ـ ــا ال��ش��ـ��ـ��دائ��ـ��ـ��ـ��د‬ ‫شعراً‪ ..‬وإن حصل فَلِ َم لم ينشره كسائر شعره‪.‬‬ ‫ت�لام��ـ��ـ��ـ��ذة أكَ���ب���ـُّ���ـ���وا ال��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��وم سـ ــعيا‬ ‫< ه��ذا كله جسدته ف��ي دي���وان (ص���دى ال��وج��دان)‪،‬‬ ‫وك��ـ��ـ��ـ��لٌّ ف���ي غ��ـ��ـ ٍ��د ل��ل��م��ج��ـ��ـ��د ح��اص��ـ��ـ��د‬ ‫وديوان (عندما كنت هناك) الذي لم يصدر بعد‪.‬‬ ‫���ص���غَ���رِ اح��ت��ك��امٌ‬ ‫وأخ��ـ��ـ��ذ ال��ع��ل��م ف���ي ال ِّ‬ ‫ف��خ��ذ م��ا اس��ط��ع��تَ م��ن ع��ل ٍ��م وع��ان��ـ��د > صدر ديوانك األول «ب��وح الخاطر» عام ‪1418‬ه��ـ‪..‬‬ ‫وبعد سبع سنوات تقريبا وعلى وجه التحديد عام‬ ‫> من يطلع على ديوانك «بوح الخاطر» يجد أن ُجلّ‬ ‫‪2005‬م ص��در دي��وان��ك الثاني «ق��ب�لات على الرمل‬ ‫قصائدك من باب ما يسمى «شعر المناسبات»‪ ،‬وال‬ ‫والحجر»‪ ،‬فما سبب هذه الجفوة بين اإلصدارين؟‬ ‫حرج في ذلك‪ ،‬فالشعر كله ‪ -‬بال استثناء ‪ -‬وليد‬ ‫< لكل إنسان ظروفه الشخصية‪ ،‬وأنا لم أتوقف عن‬ ‫المناسبات‪ ..‬ولكن هل هي البداية أم القناعة بلون‬ ‫قول الشعر‪ ،‬لكني توقفت عن النشر‪ ،‬ألن لدي تركيز‬ ‫معين تنتهجه في شعرك؟!‬ ‫على نشر بحوثي العلمية الثمانية في المجالت‬ ‫< كال‪ ،‬وإنما ألن البدايات يكون الشاعر فيها أكثر‬ ‫العربية المختلفة كشرط للترقية إلى درجة أستاذ‪،‬‬ ‫استجابة ألي مناسبة؛ لكن في الدواوين الخمسة‬ ‫وهذا يحتاج إلى مراجعة دقيقة لطباعتها األولى‬ ‫التي ج��اءت بعده‪ ،‬أكثر ما فيها من الوجدانيات‪،‬‬ ‫قبل إرسالها للنشر‪.‬‬ ‫باستثناء ديوان (قبالت على الرمل والحجر)‪ ،‬وهو‬ ‫> أح��م��د ال��س��ال��م ش��اع��ر األص��ال��ة وص��اح��ب الشعر‬ ‫الديوان الوطني‪.‬‬ ‫التراثي األصيل‪ .‬هل كانت له تجربة مع الشعر‬ ‫> م��ن ي��ق��رأ قصيدة ح��ق ال��وط��ن يجد فيها منهاج‬ ‫ال��ح��دي��ث‪ ..‬وم���ا ال���ذي ت��ق��ول��ه ف��ي ش��ع��ر ال��ح��داث��ة‬ ‫أحمد السالم‪ ،‬وفيها قوله‪:‬‬ ‫بمختلف أشكاله؟‬ ‫ف��ل��ا دام ح�����ب ق�����د ت���ع���ل���ق غ��ي��ره��ا‬ ‫< لي قصيدة حداثية بعنوان «عالم آخر»‪ ،‬لكني أظن‬ ‫وال ط����اب ش��ع��ر م���ا ت��غ��ن��ى ب���أوط���ان‬ ‫من يكتب القصيدة العمودية ال يمكن أن يهجرها‬ ‫أأن���ظ���م���ـ���ـ���ـ���ه ح���ت���ى أب��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ن أن��ه��ـ��ـ��ـ��ا‬ ‫إلى غيرها‪ .‬أما الشعر الحداثي فله مريدوه‪ ،‬ولست‬ ‫ف��ت��ـ��ـ��ـ��اة ل��ه��ا خ��ـ��ـ��ـ��دٌّ وق�����دٌّ وع��ي��ن��ـ��ـ��ـ��ـ��ان‬ ‫منهم‪ ،‬ألن الشعر كالم العرب الموزون المقفّى‪.‬‬ ‫فهل ذلك حقاً منهجه؟!‬ ‫> ولم شذَّ ت هذه القصيدة بالذات عن المألوف عند‬ ‫السالم‪ ..‬أهي التجربة أم ماذا؟!‬ ‫< م��ن ال يشعر باالنتماء للوطن ف��ي ك��ل لحظة من‬ ‫لحظات حياته‪ ،‬يبقى ب�لا ه��وي��ة مهما أوت���ي من < لم تكن تجربة‪ ..‬لكنها فرضت عليّ فرضا‪ ،‬فقد‬

‫‪66‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫لطلب م��ن م��دي��ر أمسية شعرية‬ ‫ٍ‬ ‫ك��ان��ت استجابة‬ ‫دعيت إليها‪ ..‬وكان ذلك قبل أسبوع من إقامتها‪،‬‬ ‫وبناء عليه؛ كتبتها وألقيتها في األمسية ذاتها‪ ..‬مع‬ ‫أنها لم تَ ْر َق إلى مستوى قصائدي العمودية‪.‬‬ ‫> ه��ل كانت أص��ال��ة شعرك م��ن حبك للنحو ال��ذي‬ ‫تخصصت فيه ودافعت عنه‪ ..‬أم من حبك للشعر‬ ‫الفصيح المتوارث‪ ،‬المتميز بموسيقاه وبالغاته‬ ‫ال��ش��ع��ري��ة‪ ،‬ف��ان��ط��ب��ع ف���ي ع��ق��ل��ك وق��ل��ب��ك‪ ،‬لتأتي‬ ‫انعكاساته على نهجك وشعرك؟!‬

‫< السبب – في نظري – يعود إلى أن تذوق الشعر‬ ‫األصيل يحتاج إل��ى ثقافة معجمية‪ ،‬وث��روة لغوية‬ ‫ض��خ��م��ة‪ ،‬وح���س م��وس��ي��ق��ي‪ ،‬وأذن م��ره��ف��ة‪ ،‬وه��و‬ ‫م��ا يفتقر إليه أكثر المثقفين ال��ي��وم؛ أم��ا الشعر‬ ‫الحداثي‪ ،‬ففيه شيء من المباشرة والسهولة؛ ألن‬ ‫لغته تميل إلى اللغة الدارجة‪ ،‬وإن كانت ضعيفة كما‬ ‫هي لغة الصحافة؛ لكن الشيء المؤكد أن الشعر‬ ‫العربي األصيل والحداثي متى ما جمعا في منبر‬ ‫واحد‪ ،‬فإن الكلمة الفصل هي لألصالة ال للحداثة‪،‬‬ ‫وأكبر دليل مسابقة الشعر في قناتي (أبو ظبي)‬ ‫و(المستقلة)‪.‬‬

‫< م��ط��ال��ع��ات��ي ال��ح��رة ك��ان��ت م��ق��ص��ورة ع��ل��ى الشعر‬ ‫الجاهلي وشعر صدر اإلسالم واألموي والعباسي‬ ‫وكتب األدب األصيلة‪ ،‬وهو ما كان له األثر الكبير‬ ‫في تشكيل هويتي األدبية‪.‬‬ ‫> أبيات قلتها ولها وقع في نفسك‪ ..‬وتحب أن تنشرها‬ ‫عبر هذا الحوار‬ ‫> هل كونك أستاذا للنحو والصرف له تأثير على‬ ‫شكل القصيدة ع��ن��دك؟! بمعنى آخ��ر؛ هل تشعر < هناك أبيات من قصيدة بعنوان‪ :‬على لسان أب‬ ‫بمطرقة النحو أثناء والدة القصيدة لديك؟!‬ ‫عقه أبناؤه‪:‬‬ ‫< أبداً‪ ..‬علما بأن موازين الشعر الخليلية (العروض‬ ‫والقافية) من أهم أسلحتها علوم اللغة؛ لكني إبان‬ ‫كتابة الشعر أنسى أنني نحوي‪.‬‬

‫> لوحظ ف��ي اآلون���ة األخ��ي��رة قلة اهتمام المتلقي‬ ‫بالشعر العربي الفصيح‪ ،‬حتى أن بعضهم أصبح‬ ‫ال ي��ت��ذوق��ه أو يستسيغه؛ ف��ي ال��وق��ت ال���ذي ن��رى‬ ‫فيه إقبا ًال شديد ًا على شعر الحداثة حتى على‬ ‫الضعيف أو الساقط م��ن��ه!! فهل مَ���ردُّ ذل��ك إلى‬ ‫ثقافة المتلقي نفسه أم للشاعر أم لإلثنين معاً؟!‬ ‫وهل من وسيلة للخروج به من هذا المأزق؟‬

‫م��اذا أق��ول وق��د ضاقت ب ــي السـ ــبل‬ ‫وع����ن ح�����رارة ب��ث��ي ض���اق���ت ال��ج��م��ل؟‬ ‫أفنيــت عم ــري ف��ي ك ــد وف���ي نكـد‬ ‫ح��ت��ى ي��ن��ي��ر خ��ط��ى أوالدي األم��ـ��ـ��ـ��ل‬ ‫ك��أن كفي إل��ى العلي ـ ـ ـ ــاء ق��د ثبتت‬ ‫وخلفه ــا الف ـ ــم ب���اإلذك���ار يبتهـ ــل‬ ‫وق��د مضت سنة الرحمن ف��ي ول��دي‬ ‫أن ي��ك��ب��روا وب��ن��ف��س��ي ي��ك��ب��ر األمـ ـ ــل‬ ‫ف��ك��م س��ك��ب��ت دم���وع���ي م���ن شكايتهم‬ ‫وال���ن���اس إالي ق���د أب��ك��اه��م ال��ط��ل��ل؟‬ ‫> كلمة أخيرة يقولها شاعرنا أحمد السالم لمتلقيه‬ ‫عبر هذا الحوار‪..‬‬

‫خالل أمسية شعرية بدار الجوف للعلوم‬

‫< أه���دي إل��ى ك��ل متلق دي��وان��ي ال��س��اب��ع (دم���وع في‬ ‫مواجهة الطوفان)‪ ..‬هذا أوالً؛ وثانياً‪ ،‬إلى اللقاء‬ ‫على منبر من منابر اإلب��داع؛ أما ثالثاً‪ ،‬فأقول له‬ ‫«طاب سماعك وشرفني لقاؤك»‪.‬‬

‫* كاتب وشاعر أردني مقيم في السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪67‬‬


‫حوار مع األديبة سناء شعالن‬

‫أضخم مشروع أدبي للطفل العربي‬ ‫في العصر احلديث‬

‫> حاورتها دعاء صابر*‬ ‫سناء شعالن أديبة أردنية شابة‪ ،‬تحمل درجة الدكتوراه تخصص‬ ‫«النقد الحديث»‪ ،‬بدرجة امتياز من الجامعة األردنية‪ ،‬وتعمل حالياً‬ ‫أستاذة في الجامعة ذاتها؛ ناقدة وقاصة وروائية‪ ،‬ولها إصدارات‬ ‫نقدية وروائية وقصصية ومسرحية متنوعة؛ كما أ ّن لها محاوالت‬ ‫إخراجية لمسرح الطفل‪ ،‬ومشروع قصصي لألطفال انبثقت عنه‬ ‫سبع قصص مصوّرة لألطفال‪ .‬التقينا بها فكان لنا هذا الحوار‪:‬‬ ‫> الكتابة للطفل‪ ،‬دّرب وعر يتحاشاه كثير من األدب��اء؛ ألنّ له‬ ‫شروط ًا خاصة‪ ،‬ومعايير صعبة‪ .‬لماذا اقتحمته األديبة سناء‬ ‫شعالن؟‬ ‫< ألنّني أملك قلب طفلة‪ ،‬وعقل امرأة‪ ،‬وفكر فنان ملتزم؛ فقلب‬ ‫الطفلة هو الذي يجعلني أحبّ ك ّل النّاس‪ ،‬وأحلم مع ك ّل الحالمين‬ ‫السيما األطفال منهم‪ ،‬وأفكر بقلوبهم النقية التي ال تعرف من الدّنيا إ ّال انتظار ك ّل جميل‪ ،‬وعشق‬ ‫ك ّل ح ّر محلّق في عالمه دون قيود‪ ،‬وقلبي هذا هو قلب الطفلة التي داعبتها أميّ الحانية‪ ،‬بقصصها‬ ‫التي ال تنتهي‪ ،‬فما زلتُ أذكر‪ ،‬حتى اآلن‪ ،‬ولعي الطفولي الشديد بالقصص الخرافيّة‪ ،‬التي كنت‬ ‫أعدّها وما أزال كنزاً ال ينضب‪ ،‬تغرف أمّي منه في ك ّل ليلة‪ ،‬وتهبني منه بسخاء‪ ،‬وترسلني بقصصها‬ ‫وقبلها إلى عالمه السحري الرائع؛ ولطالما ظننت أ ّن هذا الكنـز لي وحدي‪ ،‬أليست أمّي هي القيّمة‬ ‫عليه؟!‬ ‫د‪ .‬سناء شعالن‬

‫ال أو طفلة يحفظان ما أحفظ من القصص؛ ظ ّنًا منّي أنّها تعود‬ ‫وكنت أتميّز غيظاً إذا علمتُ أ ّن طف ً‬ ‫لي وحدي؛ فـ «سندريالّ» صديقتي المسكينة‪ ،‬و«عقلة األصبع» صديقي القزم المشاكس‪ ،‬و«عروس‬ ‫البحر» تبوح لي بأسرارها‪ ،‬و«األمير الوسيم» قد يخطبني عندما أكبر‪ ،‬و«السّ احرة الشرّيرة» كم أتمنّى‬ ‫أعضها‪ ،‬و«شهرزاد» تملك ‪-‬مثل أمّي‪ -‬الكثير من القصص‪ ،‬و«عنترة» ليس أقوى من أبي!!‬ ‫أن ّ‬ ‫وما كنتُ ألتسامح مع أيّ رواي��ة تغيّر كلمة ممّا أحفظ‪ ،‬العتقادي الطفولي الراسخ أ ّن حكاياتي‬ ‫مقدّسة‪ ،‬ال تحتمل أيّ تحريف‪ .‬فيما بعد سلّمت بأ ّن شركائي في هذا الكنز كثر‪ ،‬وال طاقة لي باالستئثار‬ ‫به دونهم‪ ،‬وقبلتُ بالعشق الشديد لقصصي غنيمة في هذه القسمة‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫وعقل ال��م��رأة ال��ذي فطره الله على الحبّ الشّ ديد‬ ‫يخصهم‬ ‫ّ‬ ‫لألطفال‪ ،‬والحرص عليهم‪ ،‬والقلق إزاء ك ّل ما‬ ‫هو ما جعلني أتجه إلى أدب األطفال؛ ألقدّمه عبر ما‬ ‫أتمنى أن يقرأه ابني وأب��ن��اء غير ي‪ ،‬فيرتقي بمداركه‬ ‫وحواسه‪ ،‬ويخاطب عقله وخياله‪ .‬أمّا فكر الفنان الملتزم‬ ‫الذي يحاصرني‪ ،‬فهو ما جعلني أخطو تجاه هذه األدب‬ ‫الصعب الممكن؛ ألق��دّم أدب��اً أزع��م أنّه‬ ‫السّ هل الممتنع ّ‬ ‫يربط الطّ فل بعالمه وحضارته وموروثه وواقعه‪ ،‬ويرتقي‬ ‫به عن الخرافات واألوهام واألكاذيب والعنف والتحيّز‪.‬‬ ‫> هل المرأة مضطهدة أدبياً؟‬ ‫< المرأة مضطهدة إنسانياً‪ ،‬وهذا االضطهاد له أشكاله‬ ‫األوسع واألخطر‪ ،‬من رفض أو إقصاء أو إبعاد أديبة‪،‬‬ ‫أو إعدام قلم‪ ،‬أو حصار فكرة؛ والمرأة منذ شرعت‬ ‫تكتب قوبلت بالرّفض واالضطهاد‪ ،‬وتعرّضت النساء‬ ‫اللواتي وقعن في غواية الكتابة لضغوط كبيرة في‬ ‫سبيل إبعادهن عن هذا العالم‪ ،‬ومن وسائل الضغط‬ ‫تلك‪ :‬اتهامها بأ ّن رجاالً يكتبون لها‪ ،‬كما جرى مع وردة‬ ‫اليازجي التي أُتهمت بأ ّن أباها وأخاها يكتبان الشّ عر‬ ‫لها‪ ،‬وتزهيدها بالكتابة وتخويفها منها‪ ،‬وتعريضها‬ ‫لليأس من شباة القلم‪ ،‬وإيصالها إلى حافة الجنون‪،‬‬ ‫كما حدث لباحثة البادية ومي زيادة‪ ،‬واتهامها بالتطفّل‬ ‫على الكتابة‪ ،‬وأ ّن العلم والثقافة ليسا للمرأة‪ ،‬وأ ّن‬ ‫كتابتها دلع! وأعتقد أ ّن مشكلة المبدعة تكون أكبر إن‬ ‫كانت جميلة أو متميّزة أو ناجحة اجتماعياً أو صاحبة‬ ‫موهبة كبيرة‪ ،‬عندها سيجيّر إبداعها إلى غيرها‪،‬‬ ‫وسيشكّك بنزاهة منجزها‪ ،‬وس��وف تتعرّض للكثير‬ ‫م��ن ع��روض النّخاسة وال�� ّرق��ي��ق األب��ي��ض‪ ،‬وستدخل‬ ‫في الكثير من الحروب التي تشغلها عن إبداعها‪،‬‬ ‫وتدخلها في دوامة عي وضياع‪ ،‬إ ّال إن استطاعت أن‬ ‫تنتبذ بنفسها مكاناً قصياً‪ ،‬وتخلص إلبداعها دون‬ ‫غيره‪.‬‬

‫هي حقيقة ندرة تشمل الرّجل المبدع أيضاً‪ ،‬فاإلبداع‬ ‫للطفل في الوطن العربي يعاني من الندرة والتخبّط‪،‬‬ ‫وغ��ي��اب المنهجية‪ ،‬وال��رق��اب��ة‪ ،‬والخطط الواضحة‪،‬‬ ‫والتفرّغ‪ ،‬وتدنّي السّ وية‪ ،‬وتذبذب اإلنتاج‪ ،‬وغيرها‬ ‫من المشاكل التي تجعل أدب الطفل ميداناً خالياً‬ ‫يطرقه أيّ هاو أو فضولي بجملة ما يطرق من أبواب‪،‬‬ ‫��رب سهلة‬ ‫أرض ممهّدة‪ ،‬وح ًٌ‬ ‫معتقداً أ ّن هذا األدب ٌ‬ ‫الخوض‪ ،‬وال يجد من يراقبه ويحاسبه على أدائ��ه‬ ‫يمس بالدرجة األولى‬ ‫في هذا األدب المهم‪ ،‬ال��ذي ّ‬ ‫مستقبل األمة‪ ،‬ويوجّ ه الناشئة إلى الطريق التي قد‬ ‫تكون الدّرب إلى الهاوية إن أساء في ما يقدّم‪.‬‬ ‫الكتابة للطفل ه��ي أدب خطير وصعب بحق‪ ،‬هي‬ ‫باختصار أص��ع��ب ف��ن إب��داع��ي؛ أل ّن���ه ف��ن ل��ه م��ح��دّدات��ه‬ ‫وشروطه وفنياته العالية وتقنياته الدّقيقة الحسّ اسة‪،‬‬ ‫ول��ي��س ف��ن��اً س��ه�لاً‪ ،‬ي��ط��رق��ه ك��� ّل م��ن ال ي��ج��د ل��ه م��ك��ان��اً‪،‬‬ ‫مستبيحاً فيه األخطاء والضعف والوهن والالمنهجية بل‬ ‫والالإبداع أصالً‪.‬‬ ‫> من البدهي أنّ الكتابة لألطفال فن راق يصنع جي ًال‬ ‫عربي ًا جديداً‪ .‬فهل تقدم سناء شعالن الجديد في‬ ‫قصصها الموجهة للطفل العربي‪ ،‬من خالل أفكار‬ ‫جديدة يتمّ طرحها؟‬ ‫< ي��روق لي أن أتبنّى مقولة الجاحظ ال��ذي يعتقد‬ ‫أنّ ال أفكار جديدة‪ ،‬ولكن هناك تعبير وعبارات‬ ‫وأش��ك��ال وق��وال��ب ج��دي��دة‪ ،‬وأن���ا ال أراه���ن أب��داً‬ ‫على األفكار الجديدة‪ ،‬بل أراه��ن على األشكال‬ ‫الجديدة واالستراتيجيات المدروسة‪ ،‬والخطط‬ ‫البناءة المثمرة‪.‬‬

‫أدب الطّ فل عندي ليس ألعوبة أو تسلية للطّ فل‪،‬‬ ‫ب��ل ه��و متعة م��دروس��ة‪ ،‬محمّلة بالتربية والتكوين‪،‬‬ ‫والتشكيل لوعي الطفل وإدراك��ه وفهمه وأحاسيسه‬ ‫وضميره واهتماماته؛ لذلك عندما أكتب للطفل‪،‬‬ ‫> يعاني وطننا العربي ‪-‬على الرّغم من رحابته‪ -‬من أح���رص أن ي��ك��ون م��ا أق�� ّدم��ه ل��ه درس���اً ف��ي التربية‬ ‫ّ‬ ‫ندرة في اإلب��داع النسائي‬ ‫الموجه للطفل‪.‬فهل هذا المشكّلة على شكل ممتع‪ ،‬فأبطال قصصي مسلمون‬ ‫تقصير أم حذر من صعوبة هذا الفن؟‬ ‫خيّرون بانون ومحبون للحياة‪ ،‬متصالحون مع ذاتهم‬ ‫< هذه النّدرة ليست حكراً على إبداع المرأة للطّ فل‪ ،‬بل محبون لمجتمعاتهم‪ ،‬ال مجرد كائنات خيالية خارقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪69‬‬


‫تدمّر وتقتل وتنتقم‪ ،‬وليس لها عالقة بمجتمعها‪،‬‬ ‫وال تعي واقعها ومعضالته‪ ،‬وال تحاول أبداً أن تجد‬ ‫مخرجاً إيجابياً ألزماتها‪.‬‬ ‫> قصة ال ّ��ط��ف��ل م��ن األج��ن��اس األدب��ي��ة المهمة‪.‬كيف‬ ‫تستطيع سناء شعالن توظيف اللغة واختيار المعجم‬ ‫المناسب للفئة العمرية التي تكتب لها‪ ،‬فتخاطب‬ ‫قدراتهم اللغوية والعقلية في آن واحد؟‬

‫للغاية والوظيفة؛ ول��ذا فأنا مستسلمة تماماً لنداء‬ ‫الحالة اإلبداعية عندي‪ ،‬ومنساقة لشكل الدفقة التي‬ ‫تأخذ شكلها دون إرادت��ي‪ ،‬ولكن ب��إدراك لخصوصيتها‬ ‫وم��ح��ددات جنسها ولتجليات حالتها‪ .‬وعندما أكتب‬ ‫قصة على سبيل المثال‪ ،‬فهذا يعني أ ّن الدفقة الشعورية‬ ‫عندي ال يمكن التعبير عنها في لحظتها إال في القصة‬ ‫دون غيرها من األشكال اإلبداعية‪ ،‬وهذا ينطبق على‬ ‫ك ّل األشكال األدبية والنقدية التي أكتبها وفق إمالءات‬ ‫الحالة‪.‬‬

‫ < قبل أن أكتب أيّ قصة أح��دّد المرحلة العمرية التي‬ ‫سأكتب ل��ه��ا‪ ،‬وف��ي ال��غ��ال��ب أك��ت��بُ للمرحلة الوسطى‬ ‫والثالثة‪ ،‬وعندما أشرع في كتابة القصة أوجّ ه اهتمامي وقضية ال��وق��ت هنا ليست قضية وظيفة‪ ،‬بقدر م��ا هي‬ ‫استجابة زمنية لحاجة ال��ك��ت��اب��ة‪ ،‬وي��غ��دو م��ن السّ هل‬ ‫إلى استعارة المعجم التاريخي للفترة التي أكتب عنها‪،‬‬ ‫عند وجود التدفق إيجادها وتوفيرها‪ .‬وهي من تخلق‬ ‫والسيما عندما أكتب قصصاً مستوحاة من التاريخ؛‬ ‫الحميمة في تلك اللحظة‪ ،‬فعندما أكتب القصة تكون‬ ‫ولذلك أعمل على تكوين معجم مقتبس من تاريخ أبطال‬ ‫ه��ي األث��ي��رة ع��ن��دي‪ ،‬وعندما أكتب ال��رواي��ة تكون هي‬ ‫ال��ق��ص��ة‪ ،‬وم��ن وح��ي مجتمعاتهم وحياتهم وأعمالهم‬ ‫األخرى األثيرة حينها‪ ،‬وعندما أكتب النقد يكون كذلك‬ ‫وحضارتهم‪ ،‬وبذلك يتوافر للطفل معجم جديد‪ ،‬أوفّر‬ ‫قي تلك اللحظة‪.‬‬ ‫ل��ه معناه ضمن سياق القصة عبر أق���واس تفسيريه‬ ‫بألوان مختلفة‪ ،‬فال يجد الطفل مناصاً من أن يتوقّف > ح��ص��ل��ت س��ن��اء ال��ش��ع�لان ع��ل��ى ع��ش��رات ال��ج��وائ��ز في‬ ‫عند معاني الكلمات حتى يعرف معانيها؛ ليكمل قراءة‬ ‫مجاالت القصة والمسرح والرواية‪ ،‬وكان آخرها جائزة‬ ‫القصة‪ ،‬وبذلك يتوسّ ع معجم الطفل دون أن يعاني من‬ ‫المسرح من وزارة الثقافة بالمملكة العربية السعودية‬ ‫الدروس الجافة أو من عبء الحفظ االعتباطي‪.‬‬ ‫عن مسرحية دعوة للعشاء لهذا العام‪ ،‬وجائزة شرحبيل‬ ‫ب��ن حسنة ألدب األط��ف��ال للعام ‪2008‬م ع��ن قصتك‬ ‫ كما أنّني معنية باللغة الرشيقة الخالصة من الهنات‬ ‫لألطفال «زرياب»‪ ،‬فهل يمكن أن تحدثينا عن تجربتك‬ ‫واللحن واألخطاء‪ ،‬ولذا فإن قصصي مضبوطة الحروف‪،‬‬ ‫اإلبداعية من بدايتها؟‬ ‫مشكولة األواخر‪.‬‬ ‫والخبرة والمراس وممارسة التّدريس هيأت لي أن أكون‬ ‫موفّقة في اختيار المعجم ومستوى اللغة الموظّ فة‪،‬‬ ‫وأل��ج��أ إل���ى اخ��ت��ب��ار ال��ق��ص��ص ق��ب��ل ن��ش��ره��ا م��ن قبل‬ ‫الفئة العمرية المستهدفة؛ فأقرأها على مسمع بعض‬ ‫األطفال‪ ،‬وأدرس ردود أفعالهم وانطباعاتهم وأسئلتهم‪.‬‬ ‫> س��ن��اء ش��ع�لان لها ال��ع��دي��د م��ن ال��م��ؤل��ف��ات ف��ي حقول‬ ‫القصة والنقد والمسرح وأدب الطفل وال��رواي��ة‪ .‬كيف‬ ‫تجدين الوقت للتوفيق بينها جميعاً؟ وما هو الحقل ‬ ‫المحبّب لك من هذه الحقول؟‬ ‫< التوفيق بين هذه الفنون ليس غاية أو وسيلة‪ ،‬ولكنه‬ ‫ض���رورة مرتبطة ل��زوم��اً بالدفقة الشعورية والشّ كل‬ ‫التعبيري والحالة االنفعالية ومن ثم بمالءمة الشكل‬

‫‪70‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫< أع��ت��ق��د أ ّن ت��ج��رب��ت��ي اإلب���داع���ي���ة م��رت��ب��ط��ة بتجربتي‬ ‫األكاديمية وتجربتي اإلنسانية والنفسية والروحانية‪،‬‬ ‫وهي تجربة يطول الحديث عنها‪ ،‬ولكن يمكن اختزالها‬ ‫في أنّني شخصية جادّة‪ ،‬تمضي معظم وقتها في العمل‬ ‫والقراءة واإلنتاج والتواصل والدراسة‪ ،‬فأنا قليلة النّوم‬ ‫واالن��خ��راط في الحياة االجتماعية الخاصة‪ ،‬وأصف‬ ‫نفسي بالنشيطة والمتواصلة والمتفاعلة والمتابعة‪.‬‬ ‫كما أنّني صاحبة فضول عمالق‪ ،‬يجعلني ال أم ّل من‬ ‫ال��ق��راءة وال��ت��ع��رّف على ت��ج��ارب اآلخ��ري��ن وإبداعاتهم‬ ‫وعلى حضاراتهم ومنتجاتهم وأفكارهم ورؤاهم‪.‬وحلمي‬ ‫ال��م�لازم المقيم هو البحث عن عالم أجمل في هذا‬ ‫الكون المنشغل بخالفاته وحروبه‪.‬‬


‫> الفنان س��واء ك��ان ش��اع��ر ًا أو أدي��ب�� ًا أو روائ��ي�� ًا يحاول ‬ ‫إخ����راج ال��ج��دي��د م��ن ج��ع��ب��ت��ه‪ .‬ف��م��ا ال��ج��دي��د ال��ذي‬ ‫للطفل العربي؟‬ ‫تستطيع سناء الشعالن تقديمه ّ‬ ‫< الجديد هو مشروعي العمالق سلسلة «الذين أضاءوا‬ ‫ال��دّرب» ال��ذي أحلم بأن يكون بصمة خالدة لي في‬ ‫عالم أدب الطفل العربي والمسلم‪.‬‬ ‫> سلسلة «الذين أضاءوا الدرب « مشروع ضخم يحسب‬ ‫لألديبة سناء شعالن‪ .‬فهل تلقين قلي ًال من الضوء‬ ‫على هذا المشروع الرائع؟‬

‫والسلسلة تطمح‬ ‫إلى أن تقدّم في‬ ‫مرحلتها األول��ى‬ ‫أل���ف ق��ص��ة عبر‬ ‫خطة زمنية تمت ّد‬ ‫إلى سنوات‪ ،‬أخذ‬ ‫ن������ادي ال��ج��س��رة‬ ‫على عاتقه إنتاج‬ ‫جميع قصصها‪،‬‬ ‫ال�������ت�������ي ت���ح���ف���ل‬ ‫ب��ال��ش��ك��ل األن��ي��ق‬ ‫وال�� ّرس��م الجميل‬ ‫ال��ذي يجذب الطفل إل��ى المجموعة‪ ،‬ويفتحه على‬ ‫التخيّل‪ ،‬فهي قصص مقدّمه ضمن ش��روط طباعة‬ ‫ورسم وإخراج ومونتاج عالية الجودة‪.‬‬

‫ < مشروع سلسلة «ال��ذي��ن أض���اءوا ال���درب» ال��ذي رأى‬ ‫ال��ن��ور أخ��ي��رًا ت��ح��ت مظلة ن���ادي ال��ج��س��رة الثقافي‬ ‫االج��ت��م��اع��ي ف��ي ق��ط��ر‪ ،‬ي��ق��دّم أد ًب���ا غير م��ل��وث‪ ،‬وال‬ ‫مسمم للناشئة العرب والمسلمين‪ ،‬وذلك‬ ‫ٍ‬ ‫مشوهٍ وال‬ ‫عبر قصص منفصلة تتضمن شخصيات من التاريخ‬ ‫اإلسالمي كان لها فضل حمل نبراس العلم‪ ،‬وإضاءة‬ ‫> هل تؤمنين بما يسمّ ى بـ «طقس الكتابة»؟‬ ‫ال���دّرب لإلنسانية في شتّى حقول المعرفة والعلم‬ ‫وال��ف��ن��ون واإلب����داع وال��ت��م�� ّي��ز‪ .‬وه���ذه القصص تُ��ق��دّم < أؤمن بأ ّن الكتابة حالة ذاتية مفتوحة ‪-‬قبل ك ّل شيء‪-‬‬ ‫على الرّوح والعالم الداخلي للمبدع‪ ،‬وعلى ك ّل أسراره‬ ‫ممتع ومبسّ ط‪ ،‬يالئم األطفال تحت‬ ‫بأسلوب حكائي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وعوالمه وأحالمه وإرثه اإلنساني الذاتي والخبراتي‪،‬‬ ‫سن السادسة عشرة‪.‬‬ ‫وأكاد أجزم أ ّن لك ّل مبدع طقوساً إبداعية‪ ،‬حتى الذين‬ ‫ وقد حرصت السّ لسلة على تقديم شخصيات خالدة‬ ‫يزعمون أن ال طقوس لهم‪ ،‬فهم بإصرارهم على عدم‬ ‫ق�� ّدم��ت الكثير والمميز ف��ي حقول المعرفة والعلم‬ ‫وجود طقوس إنّما يجعلون ذلك طقساً في ح ّد ذاته‪.‬‬ ‫والريادة اإلنسانية‪ ،‬ولكنّها لم تُكرّس كما يجب في‬ ‫قصص لألطفال‪ ،‬وبات من الواجب أن تُقدّم لألطفال طقوس كتابتي مقدّسة والزمة عندي‪ ،‬وأكاد أعدّها‬ ‫ٍ‬ ‫البوابة لتحوّل الحالة الذهنية والشعورية والذاتية‬ ‫في قصص تراعي ذوق األطفال وفهمهم وإدراكهم‪،‬‬ ‫عندي إلى كتابة‪ ،‬ال أستطيع أن أكتب أيّ عمل إبداعي‬ ‫وتمدّهم بما يحتاجون إليه من معلومات دقيقة متكئة‬ ‫إال على ورق أزرق وبقلم حبر سائل أزرق أو أحمر‪..‬‬ ‫على أم��ه��ات الكتب وم��ص��ادره��ا‪ ،‬ف��ه��ذه المجموعة‬ ‫ال يمكن أن أكتب إال إذا كنت أسمع موسيقى واضع‬ ‫القصصية تعمل على الحفاظ على ذاكرتنا القومية‪،‬‬ ‫وأفضله‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫العطر الذي أحبّه‬ ‫حيث تستعرض قصص حياة علماء قلّما يتناولهم‬ ‫> أخيراً‪ :‬بماذا تحلم سناء الشعالن؟‬ ‫البحث‪ ،‬ويجهلهم الكثير من أطفالنا الناشئة‪.‬‬ ‫ ‬

‫كما تُعنى قصص السّ لسلة بتعزيز الكثير من القيم‬ ‫االيجابية‪ ،‬وتحّ ث عليها‪ ،‬مثل‪ :‬اإليمان بالله‪ ،‬والصبر‪،‬‬ ‫واإلخ�ل�اص‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬والتصميم واإلرادة‪ ،‬والعمل‬ ‫ال���ص���ادق‪ ،‬وح����بّ ال��ع��ل��م وال���وط���ن واأله�����ل‪ ،‬وال��ت��ع��اون‪،‬‬ ‫والمغامرة‪ ،‬واالكتشاف‪..،‬الخ‪.‬‬

‫< أحلم بعالم ليس فيه دمعة أو صرخة أو سجون أو‬ ‫أسوار أو جياع أو ظلم أو ظلمة‪ ،‬أحلم بجنّة الله على‬ ‫األرض‪ ،‬إ ّال أنّني أعرف أ ّن جنّة الله في السّ ماء‪ ،‬ولن‬ ‫تكون أبداً في األرض مهما حلم الحالمون‪ ،‬واجتهد‬ ‫المجتهدون‪.‬‬

‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪71‬‬


‫حوار مع الروائية السعودية‬

‫عائشة الدوسري ذات ال ‪ 22‬عاما‬

‫معلمة لغة إجنليزية حتلم بأن تصبح روائية مشهورة‬ ‫> حوار‪ :‬ياسر عبدالباقي *‬ ‫تحلم عائشة الدوسري‪ ،‬معلمة اللغة االنجليزية‪ ،‬بأن تصبح روائية‬ ‫مشهورة‪ ،‬من خ�لال روايتها األول��ى «موعد مهم ج��داً»‪ ،‬وه��ي ت��رى أن‬ ‫الرواية السعودية أصبح لها رواج وانتشار كبيران‪ ،‬وتالقي اهتماماً في‬ ‫معارض الكتب على المستويين المحلي والعالمي‪ .‬كما تؤمن الدوسري‬ ‫بأنها تستطيع أن تفرض نفسها؛ ألنها تحاكي هموم المجتمع وأحالمه‪..‬‬ ‫وللتعرف أكثر على هذه الروائية‪ ،‬كان لنا معها هذا الحوار‪:‬‬ ‫> كيف تقدمين نفسك للقارئ؟‬ ‫< أقدم نفسي للقارئ من خالل ما أكتب‪ .‬ففي روايتي «موعد مهم جداً»‬ ‫قد يراني القارئ بشخصية «حسين» طوال الوقت‪ ،‬إذ تجري أحداث‬ ‫القصة على لسانه‪ ,‬وقد يراني بشخصية «ف��رج» المرحة‪ ،‬أو «مريم» الغلبانة‪ ،‬أو حتى «عبادي»‬ ‫االنتهازي؛ وقد أجمع ما بين كل تلك الصفات‪ ،‬وقد تسيطر عليّ واحدة منها‪ .‬وبعيداً عن الرواية‬ ‫أقدم نفسي للقارئ كاتبة جديدة قادمة للساحة األدبية‪ ،‬تمارس الكتابة كهواية وعشق‪ ،‬منذ الطفولة‬ ‫وحلم تراه حقيقة‪ .‬وبعيداً عن الساحة األدبية أقدم نفسي معلمة للغة اإلنجليزية ومهتمة بالترجمة‪.‬‬ ‫> ماهي وقائع روايتك «موعد مهم جداً»؟‬ ‫< «موعد مهم جداً» إنها الرغبة الحقيقية في التغير دون الفهم الحقيقي لماهيته‪ .‬تدور أحداثها‬ ‫حول األستاذ (حسين الراضي)‪ ،‬المدرس في إحدى المدارس الثانوية‪ ،‬والذي عُدَّ يوما ما قدوة‪،‬‬ ‫راض إلى‬ ‫ليس فقط لطالبه‪ ،‬ولكن ألهالي الحي كافة؛ يثور على وضعه ومجتمعه ويتحول من ٍ‬ ‫ساخط‪ .‬تكالبت عليه ظروف الحياة؛ فهو المعيل الوحيد ألخواته البنات ووالدته‪ ،‬بعد وفاة أبيه‪،‬‬ ‫تأزمت حياته بعد أن انسحبت منها الحبيبة (نوارة)‪ ،‬لتتزوج بأخر ميسور الحال‪ ..‬فيقرر حينها‬ ‫التمرّد على ظروفه متخذاً من (عبادي)‪ ،‬الذي ترك الحارة وأصبح من األثرياء قدوة له‪.‬‬ ‫ ‬

‫سنرى بين طيات القصة الصراع النفسي‪ ،‬داخل حسين ورغبته في التغير‪ ..‬وكيف تكون النهاية؟‬ ‫وكيف سيصل حسين إلى مبتغاة؟ وهل سيصل ويكون راضيا في النهاية؟‬

‫> برأيك هل ساعد األعالم في انتشار الرواية السعودية؟‬ ‫< إلى حد ما‪ ..‬نعم أسهم من خالل معارض الكتب‪ ،‬التي تقام داخل المملكة وخارجها‪ ،‬وقد شاهدنا‬

‫‪72‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫مؤخراً معرض الرياض الدولي للكتاب الذي ضم‬ ‫العديد من الكتب من جميع أنحاء العالم‪.‬‬ ‫ ‬

‫ويسهم اإلعالم السعودي كذلك من خالل إعالمه‬ ‫المرئي والمسموع والمقروء‪ ،‬ومن خالل المواقع‬ ‫وال��م��ن��ت��دي��ات‪ ،‬وح��ت��ى المقاهي األدب��ي��ة‪ ،‬ورص��د‬ ‫الجوائز األدبية وتشجيع بعض دور النشر للكتاب‬ ‫المبتدئين‪ ،‬م��ن خ�لال تقسيط ال��دف��ع لتسهيل‬ ‫عملية طبع الكتاب ونشره وتوزيعه‪.‬‬

‫> وأنت هل ساعدك األعالم على األقل في الدعاية‬ ‫لروايتك األولى؟‬

‫ال يهمني التنميق ف��ي األس��ل��وب‪ ،‬وال الزخرفة‬ ‫ال��ل��غ��وي��ة ال��ت��ي ي��ن��ص��رف إل��ي��ه��ا ب��ع��ض ال��ك��ت��اب‪،‬‬ ‫متخذين م��ن ال��رواي��ة أس��ل��وب إن��ش��اء ووص��ف‪.‬‬ ‫ومن منطلق «خاطبوا الناس على قدر عقولهم»‬ ‫آم��ل أن أف��رض نفسي وأن��ا متأكدة من حسهم‬ ‫األدبي‪ ،‬ووعيهم لما يقرؤون‪ .‬ليس بهذه السهولة‬ ‫تفرض رأيك ونفسك‪ ،‬ولكن كن كما أنت مؤمن‬ ‫بنفسك‪ ،‬وبجمهور القراء الذين تكتب لهم‪ ,‬فلتكن‬ ‫أفكارنا واقعية‪ ،‬وأسلوبنا بسيطاً وواضحاً حتى‬ ‫نصل إليهم‪ .‬ولكي نصل إليهم‪ ،‬علينا أن ندخل‬ ‫عالمهم‪.‬‬

‫ < إلى حد ما أستطيع اإلجابه بنعم‪ ,‬فككاتبه مبتدئة‬ ‫لم يصدر لي س��وى رواي��ة واح���دة‪ ،‬منذ أق��ل من‬ ‫أربعة أشهر‪ ,‬فقد وجدت دعماً ال بأس به‪ ،‬سواء < طبعا‪ ..‬تعد ال��رواي��ة وسيلة من وسائل التعبير‪,‬‬ ‫تحكي حال المجتمع وحيثياته‪ ،‬وفي الوقت نفسه‪،‬‬ ‫من دار الكفاح للطباعة والنشر أو من الصحافة‬ ‫تنفّس عن مكنونات صاحبها ويشارك بها جمهور‬ ‫المحلية‪ ،‬أوال��ن��وادي األدبية التي أب��دت تعاونها‬ ‫القراء‪.‬‬ ‫ودعمها‪.‬‬ ‫> كيف تنظرين إلى واقع الرواية اليوم في السعودية‬ ‫> فتاة سعودية عمرها ‪ 22‬سنه تعرف نفسها بأنها‬ ‫خاصة‪ ،‬والوطن العربي عامة؟‬ ‫روائية ولديها ‪ 12‬رواي��ة‪ ،‬وصدر لها مؤخرا رواية‬ ‫(أنسية)‪ .‬هل أصبح من السهل في السعودية أن < في ظل العولمة الحاصلة اليوم‪ ،‬والعالم الذي‬ ‫أصبح قرية صغيرة‪ ،‬وانصراف الناس إلى وسائل‬ ‫تصبح روائي ًا ؟‬ ‫الترفيه والتقنية الحديثة‪ ،‬المتمثلة بالشبكة‬ ‫< يقول أحد الزمالء من يقرأ ‪ 500‬قصه قصيرة و‪50‬‬ ‫العنكبوتية والهواتف النقالة والفضائيات‪ ,‬انحسر‬ ‫رواية فهو روائي! وإن كنت أختلف معه في الرأي‪.‬‬ ‫دور الرواية كوسيلة للمتعة وقتل أوقات الفراغ‪،‬‬ ‫في رأيي المتواضع أن تكون روائيا؛ يعني أن تملك‬ ‫ح��ت��ى أن م��ن ي��ق��رأ ال��ي��وم ف��إن��ه ي��ق��رأ م��ن النت‬ ‫ثالثة أسس وهي الفكرة واألسلوب والحبكة‪ .‬وأرى‬ ‫والمنتديات‪ .‬ولكن ه��ذا لم يمنع وج��ود مهتمين‬ ‫من السهل أن تصبح روائياً سواء في السعودية أو‬ ‫بالقراءة‪ .‬والرواية السعودية تالقي اليوم رواجاً‬ ‫غيرها‪ ,‬أذا امتلكت الموهبة‪.‬‬ ‫وصدىً أسهمت فيهما وسائل اإلعالم المختلفة‪،‬‬ ‫> «موعد مهم ج��داً» هو كتابك األول‪ ،‬لم أج��د لك‬ ‫وظهر العديد من الروائيين السعوديين‪ ،‬ومنهم‬ ‫أي كتابات أخرى من خالل شبكة اإلنترنت‪ ..‬كيف‬ ‫مبدعون قادمون للساحة بقوة؛ والرواية السعودية‬ ‫ستفرضين نفسك في الساحة األدبية ؟‬ ‫ال تختلف عن مثيلتها العربية من حيث االنتشار‬ ‫< هذه الرواية هي أولى إصداراتي األدبية‪ ،‬ولن‬ ‫وإقبال القراء عليها‪ ،‬وإن كانت الرواية السعودية‬ ‫تكون األخيرة بإذن الله‪ .‬أنا ابنة المجتمع احكي‬ ‫تالقي الدعم الواضح واالهتمام الكبير من قبل‬ ‫همومه‪ ،‬وأش��ارك��ه أح�لام��ه‪ ،‬وأت��ح��دث بلسانه‪..‬‬ ‫معارض الكتب محليا وعالميا‪.‬‬ ‫> في رأيك هل الرواية وسيلة من وسائل التعبير ؟‬

‫* كاتب وقاص من اليمن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪73‬‬


‫الدكتور عبدالوهاب املسيري‬ ‫سيرة حافلة بالعلم‬

‫> احملرر الثقافي‬ ‫بعد معاناة مع مرض السرطان‪ ،‬وعن عمر ناهز الـسبعين عاما‪،‬‬ ‫وف��ي اليوم الثاني والعشرين من شهر يوليو ع��ام ألفين وثمانية‬ ‫ميالدية‪ ،‬رحل عن عالمنا أ‪ .‬د‪ ،‬عبدالوهاب المسيري‪ ،‬أحد أهم‬ ‫المفكرين في عالمنا اإلسالمي‪ ،‬بعد أن أضاف إلى المكتبة العربية‬ ‫ع��ش��رات الكتب وال��م��وس��وع��ات؛ نسأل الله ع��ز وج��ل أن يغفر له‬ ‫ويرحمه ويُعلي منزلته‪ .‬وتقدم «الجوبة» في هذا العدد إطاللة على‬ ‫سيرته الذاتية وتعريفاً بأهم أعماله الثقافية والفكرية‪.‬‬

‫ن��������واف��������ذ‬ ‫‪74‬‬

‫وُلد المسيري في دمنهور بمصر عام ‪1938‬م‪ ،‬وتلقى فيها تعليمه‬ ‫االبتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور)‪ ،‬والتحق عام ‪1955‬م‬ ‫بقسم اللغة اإلنجليزية بكلية اآلداب بجامعة اإلسكندرية‪ ،‬وعُين‬ ‫معيدًا فيها بعد تخرجه‪ ،‬وسافر إلى الواليات المتحدة عام ‪1963‬م‪ ،‬حيث حصل على درجة الماجستير‬ ‫عام ‪1964‬م (من جامعة كولومبيا)‪ ،‬ثم درجة الدكتوراة عام ‪1969‬م من جامعة َرتْجَ رز (‪( )Rutgers‬مرحلة‬ ‫الجذور)‪ .‬وبعد عودته إلى مصر عمل بالتدريس في جامعة عين شمس‪ ،‬وفي عدة جامعات عربية منها‬ ‫جامعة الملك سعود (‪1988 – 1983‬م)‪ ،‬كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية‪ ،‬وجامعة‬ ‫ماليزيا اإلسالمية‪ ،‬وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية واالستراتيجية باألهرام (‪– 1970‬‬ ‫‪1975‬م)‪ ،‬ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة األمم المتحدة بنيويورك (‪1975‬‬ ‫– ‪1979‬م)‪ .‬وكان عضو مجلس األمناء لجامعة العلوم اإلسالمية واالجتماعية بليسبرج بوالية فرجينيا‬ ‫بالواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران‬ ‫والواليات المتحدة وإنجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر)‪.‬‬ ‫نال عدة جوائز من بينها «جائزة أحسن كتاب» في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام‪2000‬م عن‬ ‫موسوعة «اليهود واليهودية والصهيونية»‪ ،‬ثم عام ‪2001‬م عن كتاب «رحلتي الفكرية»‪ ،‬وجائزة العويس‬ ‫عام ‪2002‬م عن مجمل إنتاجه الفكري‪ .‬وحصل على جائزة الدولة التقديرية في اآلداب لعام ‪2004‬م‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫كما نال عدة جوائز محلية وعالمية عن قصصه وعن‬ ‫ديوان الشعر لألطفال‪.‬‬ ‫تزايد االهتمام بأعمال الدكتور المسيرى‪ ،‬فصدرت‬ ‫عدة دراسات عن أعماله‪ ،‬من أهمها‪« :‬فى عالم عبدالوهاب‬ ‫المسيرى‪ :‬كتاب ح���واري» من جزأين (‪2004‬م)‪ ،‬وكتاب‬ ‫تكريمي بعنوان «األستاذ الدكتور عبدالوهاب المسيرى في‬ ‫عيون أصدقائه ونقاده»‪ ،‬ضمن سلسلة «علماء مكرمون»‬ ‫لدار الفكر بسوريا يضم أعمال مؤتمر «المسيرى‪ :‬الرؤية‬ ‫والمنهج»‪ ،‬الذي عُقد في المجلس األعلى للثقافة في فبراير‬ ‫عام ‪2007‬م‪ .‬كما ظهر عدد خاص من مجلة أوراق فلسفية‬ ‫عام ‪2008‬م ضم العديد من دراس��ات العلماء والباحثين‬ ‫العرب في الجوانب المتعددة للدكتور المسيرى‪.‬‬

‫(م��ا بعد ال��ح��داث��ي)‪ ،‬إذ يفضل المسيري أن يتعامل مع‬ ‫الشكل في النقطة التي يتقاطع فيها مع المضمون بحيث‬ ‫يعبر المضمون عن نفسه من خ�لال الشكل‪ ،‬وال يمكن‬ ‫فصل الواحد عن اآلخر إال كضرورة تحليلية‪ .‬ويتناول كل‬ ‫فصل من فصول الكتاب موضوعا مختلفا‪ ،‬فهناك فصل‬ ‫عن «الشعراء والموت» وآخر عن «الشعراء والزمن» وثالث‬ ‫عن «نزع القداسة عن العالم»‪.‬‬ ‫ف��ي األدب وال��ف��ك��ر‪ :‬دراس���ات ف��ي الشعر والنثر ‪( -‬مكتبة‬ ‫الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2007‬م)‪.‬‬

‫يضم ه��ذا الكتاب مجموعة م��ن ال��دراس��ات األدب��ي��ة‬ ‫المتنوعة على مستوى الشكل والمضمون بل والمنهج‪ ،‬وإن‬ ‫كان ينتظمها خيط واحد‪ ،‬فجميعها يتناول قضايا فكرية‬ ‫متنوعة؛ كما أنها جميعاً تلتزم بعدم إطالق أي تعميمات‬ ‫أهم مؤلفاته‬ ‫ونستعرض هنا أهم مؤلفات المفكر الراحل تكريما نقدية دون ق���راءة متمعنة ف��ى ال��ن��ص��وص ودون تجريد‬ ‫النموذج اإلدراكى الكامن فى كل جزئيات النص وتفاصيله‪،‬‬ ‫له‪:‬‬ ‫ثم تحويله إل��ى نموذج تحليلي يستخدم فى ق��راءة هذا‬ ‫دراسات في الشعر ‪( -‬مكتبة الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2007‬م)‪.‬‬ ‫النص فى كليته وتكامله‪.‬‬ ‫يضم ال��ك��ت��اب مجموعة م��ن ال��دراس��ات النقدية في‬ ‫صمويل ت��اي��ل��ور ك��ول��ي��ردج‪ ،‬قصيدة ال��م�لاح ال��ق��دي��م فى‬ ‫الشعر (تخصص الدكتور المسيري األك��ادي��م��ي)‪ ،‬وهي‬ ‫سبعة أقسام‪ ،‬باللغتين العربية واإلنجليزية ترجمة وتعليق‬ ‫كلها تتبع منهج (‪ )explication de texte‬وباإلنجليزية‬ ‫د‪ .‬عبدالوهاب المسيرى ولوحات الفنانة د‪ .‬رباب نمر‪،‬‬ ‫(‪ )explication‬أو (‪ )close reading‬أي «ال��ق��راءة‬ ‫(أويكننج‪ ،‬لندن ‪ -‬كاليفورنيا ‪2007‬م)‪.‬‬ ‫النقدية المتمعنة»؛ وهو منهج يقتضي أال يصدر الناقد‬ ‫الّح‬ ‫يحوي هذا الكتاب النص اإلنجليزي لقصيدة «الم َ‬ ‫أي تعميم بدون أن يقوم بتحليل عميق لبنية النص ولغته‬ ‫وصوره المجازية‪ ،‬وبدون أن يأتي بشواهد‪ .‬وعلى الرغم من ال��ق��دي��م» للشاعر االن��ج��ل��ي��زى صمويل ت��اي��ل��ور ك��ول��ي��ردج‪،‬‬ ‫أنه ركّز على النصوص والبنية والصور المجازية بالدرجة وترجمتها إلى العربية‪ .‬وتَعقُب الترجم َة محاول ٌة لتقديم‬ ‫األول����ى‪ ،‬إال أن��ه��ا ال تسقط قراءة نقدية متمعنة موجزة‪ ،‬تبين تالقى الرؤية المسيحية‬ ‫بأية حال في الشكالنية‪ ،‬أي اإلنسانية م��ع ال��رؤي��ة اإلسالمية اإلنسانية‪ .‬وق��د قامت‬ ‫أن يركز الناقد على الشكل الفنانة رباب نمر برسم تسع لوحات تصويرية للترجمة‪،‬‬ ‫وي��ه��م��ل ال��م��ض��م��ون ت��م��ام��اً؛ مُقدِّمة بذلك رؤية فنانة عربية للقصيدة‪.‬‬ ‫وه��و ات��ج��اه س��اد ف��ي اآلون��ة دراس���ات معرفية ف��ي الحداثة الغربية (مكتبة الشروق‬ ‫األخ��ي��رة ووص��ل إل��ى ذروت��ه الدولية‪ ،‬القاهرة ‪2006‬م)‪.‬‬ ‫ف��ي ال��ن��ق��د ال��ب��ن��ي��وي‪ ،‬وإل��ى‬ ‫يضم ه��ذا ال��ك��ت��اب دراس����ات ع��ن ال��ح��ض��ارة الغربية‬ ‫ه��وت��ه ف��ي النقد التفكيكي ال��ح��دي��ث��ة وال��ن��م��وذج ال��م��ع��رف��ي ال��ك��ام��ن وراء نظرياتها‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪75‬‬


‫وم��ن��ت��ج��ات��ه��ا ال���ح���ض���اري���ة‪،‬‬ ‫ويتناول بعض قضايا المنهج‬ ‫ال��م��ت��ص��ل��ة ب��ق��ض��ي��ة دراس����ة‬ ‫الحضارة‪ ،‬وعالقة األفكار‬ ‫بالواقع‪.‬‬ ‫ال����ص����ه����ي����ون����ي����ة وخ����ي����وط‬ ‫ال��ع��ن��ك��ب��وت (دار ال��ف��ك��ر‪،‬‬ ‫دمشق ‪2006‬م)‪.‬‬ ‫يضم هذا الكتاب عدة مقاالت تتناول طائفة متنوعة‬ ‫من األح��داث والظواهر المتعلقة باليهودية والصهيونية‪،‬‬ ‫وبمسار الصراع العربي الصهيوني‪ .‬ويمكن القول إن هذه‬ ‫ال��دراس��ة ه��ي محاولة الس��ت��خ��دام ال��ن��م��اذج التي طورها‬ ‫المؤلف في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذج‬ ‫تفسيري جديد لتفسير األحداث والوقائع‪ ،‬التي يتعرض‬ ‫لها الكتاب بالتحليل والمعلومات التي ترد فيه‪ .‬ويحاول‬ ‫الكاتب ‪ -‬قدر استطاعته ‪ -‬أن يضع الحدث والمعلومات‬ ‫داخ��ل نمط متكرر‪ ،‬م��ت��ج��اوزاً ال��ح��دث نفسه والمعلومة‬ ‫ذاتها‪ ،‬ليكون أكثر عمومية منهما‪ ،‬إضافة إلى وضعهما‬ ‫في سياقهما التاريخي والثقافي‪ ،‬حتى يمكن فهمهما في‬ ‫أبعادهما المركبة‪.‬‬ ‫ال��م��وس��وع��ة ال���م���وج���زة‪ :‬م��وس��وع��ة ال��ي��ه��ود وال��ي��ه��ودي��ة‬ ‫والصهيونية‪ ،‬مجلدان (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪ ،2004‬طبعة‬ ‫ثانية ‪2005‬م)‪.‬‬ ‫وهذه الموسوعة تلخيص لموسوعة اليهود واليهودية‬ ‫والصهيونية التي صدرت في ثمانية مجلدات‪ .‬وقد احتفظ‬ ‫المسيري بالمادة األساسية في موسوعته الموجزة‪ ،‬ولكنه‬ ‫حاول تقريب موضوعاتها لتكون في متناول القارئ غير‬ ‫المتخصص‪.‬‬ ‫ِّ‬

‫«ح��دث ساخن»‪ ،‬كما يقولون في عالم اإلع�لام؛ وهو‬ ‫يمثل جزءًا من توقعات القارئ من جريدته اليومية‪.‬‬ ‫ولكن مؤلف هذا الكتاب ال يؤمن بجدوى ما يسميه‬ ‫«الموضوعية المادية المتلقية»‪ ،‬التي تتلقى تفاصيل‬ ‫ال��واق��ع ث��م تسجلها دون تصنيف أو ترتيب‪ ،‬بهدف‬ ‫مراكمة المعلومات؛ ولذا فقد حاول أن يضع الحدث‬ ‫داخل نمط متكرر متجاوزاً الحدث نفسه وأكثر عمومية‬ ‫منه‪ ،‬كما كان يضعه في سياقه التاريخي واالجتماعي‬ ‫والثقافي‪ ،‬حتى يمكن فهمه في أبعاده المركبة؛ ولهذا‬ ‫تم تطبيق بعض المفاهيم التحليلية األساسية التي‬ ‫وردت في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية على‬ ‫األحداث اآلنية‪ .‬وقد جمع المؤلف هذه المقاالت في‬ ‫كتاب‪ ،‬بعد أن قام بإعادة تصنيفها حسب الموضوع‬ ‫األس��اس��ي الكامن‪ ،‬وداخ���ل النمط المتكرر‪ .‬وبذلك‬ ‫يمكن للقارئ أن ي��رى ال��ح��دث «ال��س��اخ��ن» ف��ي إط��ار‬ ‫النمط «الدافئ» والسياق الحي‪ ،‬الذي يعطي الحدث‬ ‫معناه وأبعاده الحقيقية‪ .‬فهناك مجموعة من المقاالت‬ ‫عما يسمى «القومية اليهودية» وأخ��رى عما يسمى‬ ‫«الشخصية اليهودية» وثالثة ع��ن الهيكل المزعوم‬ ‫ومحاوالت إعادة بنائه‪.‬‬ ‫الحداثة وم��ا بعد الحداثة‬ ‫ باالشتراك مع د‪ .‬فتحي‬‫التريكي) (دار الفكر‪ ،‬سلسلة‬ ‫لقرن جديد‪ ،‬دمشق‬ ‫ٍ‬ ‫حواراتٌ‬ ‫‪2003‬م)‪.‬‬

‫ي��ت��ض��م��ن ه����ذا ال��ك��ت��اب‬ ‫ت��ل��خ��ي��ص��اً آلراء ال���دك���ت���ور‬ ‫ال���م���س���ي���ري ال����ت����ي ت��ت��ع��ل��ق‬ ‫بفلسفة م��ا ب��ع��د ال��ح��داث��ة‪.‬‬ ‫التجانس اليهودي والشخصية اليهودية ‪( -‬دار الهالل‪ ،‬كما أنه يقدم دراسة مستفيضة لعالقة اليهود واليهودية‬ ‫كتاب الهالل‪2004 ،‬م)‪.‬‬ ‫بها‪ ،‬وسرداً للمواجهة التي حدثت في القاهرة بينه وبين‬ ‫يضم عدة مقاالت نُشرت في عدة جرائد عربية‪ .‬الفليسوف الفرنسي جاك دريدا‪.‬‬ ‫وال��م��ق��ال األس��ب��وع��ي ي���دور ‪-‬ع����ادةً‪ -‬ح��ول ح��دث ما‪،‬‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ال��ب��روت��وك��والت وال��ي��ه��ودي��ة‬ ‫والصهيونية (دار الشروق‪،‬‬ ‫القاهرة يناير ‪ – 2003‬طبعة‬ ‫ثانية إبريل ‪ – 2003‬طبعة‬ ‫ثالثة م��اي��و ‪ – 2003‬طبعة‬ ‫رابعة يناير ‪2005‬م)‪.‬‬ ‫تب ِيّن الدراسة أن الجذور‬ ‫الحقيقية للصهيونية هي‬ ‫االستعمار الغربي وم��ع��اداة‬ ‫السامية‪ .‬وتخل ُص الدراسة إلى أن ترويج البروتوكوالت‬ ‫ويقوّض روح الجهاد‪ .‬ويختتمها بفصل‬ ‫يبث روح الهزيمة ِ‬ ‫عن إبداعات انتفاضة ‪1987‬م وانتفاضة األقصى‪ ،‬وكيف‬ ‫أن مثل ه��ذا اإلب����داع ل��م يكن ممكناً إال بعد أن نَفَض‬ ‫المنتفضون عن أنفسهم غُبا َر الخوف والهزيمة‪.‬‬ ‫الصهيونية والحضارة الغربية الحديثة ‪( -‬دار الهالل‪،‬‬ ‫كتاب الهالل‪ ،‬القاهرة‪2003‬م)‪.‬‬ ‫ش��اع ف��ي ال��خ��ط��اب التحليلي ال��ع��رب��ي أن الصهيونية‬ ‫تضرب بجذورها في التوراة والتلمود والتقاليد الدينية‬ ‫ال‬ ‫واإلثنية اليهودية‪ .‬وي��ذه��ب المسيري إل��ى أن ثمة خل ً‬ ‫تصنيفياً أساسياً هنا‪ ،‬فالصهيونية‪ ،‬كما تحاول أن تبين‬ ‫هذه الدراسة‪ ،‬ذات جذور غربية‪ ،‬ثم أضيفت لها ديباجات‬ ‫يهودية‪ .‬فالبعد اليهودي في معظم األحيان بُعد زخرفي‬ ‫تبريري‪ ،‬أضيف من أجل مقدرته التعبوية‪ .‬وقد أدى هذا‬ ‫الخلل التصنيفي إلى خطأ االفتراضات التي تبدأ بها كثير‬ ‫من البحوث في العالم العربي‪ ،‬وهذا يحدد ‪ -‬بطبيعة الحال‬ ‫ المجال ال��ذي ترصده هذه البحوث‪ ،‬وطريقة تصنيف‬‫المعلومات والنتائج التي يصل إليها الباحث؛ فهي في‬ ‫معظم األحيان ليس لها قيمة تفسيرية أو تنبؤية عالية‪.‬‬ ‫وت��ت��ن��اول ه��ذه ال��دراس��ة تلك اإلشكالية‪ ،‬وت��ح��اول أن‬ ‫توضح العناصر الغربية األساسية (المادية والمعنوية)‬ ‫ّ‬ ‫التي دخلت في تكوين الرؤية الصهيونية للواقع‪ ،‬وأن تبين‬ ‫أن الصهيونية ليست مجرد انحراف عن الحضارة الغربية‬

‫الحديثة‪ ،‬كما يحلو للبعض القول‪ ،‬وإنما هي إفراز عضوي‬ ‫ل��ه��ذه ال��ح��ض��ارة ول��م��ا نسميه بالحداثة ال��داروي��ن��ي��ة‪ ،‬أي‬ ‫الحداثة التي ترمي إلى تحويل العالم إلى مادة استعمالية‪،‬‬ ‫توظف لصالح األقوى (في مقابل الحداثة اإلنسانية التي‬ ‫ترمي إل��ى تحقيق ال��ت��وازن بين ال��ذات والطبيعة‪ ،‬والتي‬ ‫تطالب بتكاتف كل أبناء الجنس البشري إلعمار األرض‬ ‫لصالح البشرية جمعاء بما في ذلك األجيال القادمة)‪.‬‬ ‫دف��اع عن اإلنسان‪ :‬دراس��ة نظرية وتطبيقية في النماذج‬ ‫المركبة‪( ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2003‬م)‪.‬‬ ‫يتضمن الكتاب تعريفاً بالنماذج المعرفية‪ ،‬وعالقة‬ ‫اإلدراك بالواقع‪ ،‬ومقارنة بين النماذج االختزالية والنماذج‬ ‫المركبة‪ ،‬كما يتضمن ج��زءاً عن عالقة المؤشر بكل من‬ ‫هذه النماذج‪ .‬ويحاول الكتاب تطبيق المنهج التفسيري من‬ ‫خالل نماذج مركبة على ظواهر حضارية مختلفة ومتنوعة‬ ‫مثل الماسونية والرأسمالية ومعاداة السامية‪.‬‬ ‫ف��ي ال��خ��ط��اب والمصطلح الصهيوني‪( ،‬دار ال��ش��روق‪،‬‬ ‫القاهرة ‪ - 2003‬طبعة ثانية ‪2005‬م )‪.‬‬ ‫ه��ذا الكتاب محاولة للتأكيد على قضية محورية‪،‬‬ ‫هي قضية المصطلحات أو تسمية الظواهر واألشياء‪.‬‬ ‫فالمصطلحات تخبئ مفاهيم‪ ،‬وهذه المفاهيم قد تكون‬ ‫صكَّ المصطلح معادياً لنا ورؤيته‬ ‫متحيزة ضدنا إن كان من َ‬ ‫للواقع تغيبنا وتهدر حقوقنا؛ فحينما يشير الصهاينة إلى‬ ‫«فلسطين» باعتبارها «إسرائيل» وإلى «القدس» باعتبارها‬ ‫«أورش��ل��ي��م»‪ ،‬وحينما يتحدثون ع��ن «أم���ن إس��رائ��ي��ل» أو‬ ‫«ح��دوده��ا» فإنهم ع���اد ًة م��ا يعطون ه��ذه المصطلحات‬ ‫مضموناً متحيزاً ضدنا‪ ،‬بل ومعادياً لنا‪ .‬ومن هنا تبرز‬ ‫ضرورة إدراك هذا البعد في المصطلحات والتصدي له‪،‬‬ ‫وهذا ما تحاول أن تنجزه هذه الدراسة عن طريق تقديم‬ ‫خطوط نظرية منهجية عريضة مع بعض التطبيقات‪.‬‬ ‫اإلدراك الصهيوني للعرب والحوار المسلح‪( ،‬دار الحمراء‪،‬‬ ‫بيروت ‪2003‬م )‪.‬‬ ‫من أعقد القضايا التي يواجهها المحللون السياسيون‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪77‬‬


‫ه��ي قضية ع�لاق��ة إدراك اإلن��س��ان ل��ل��واق��ع المحيط به‬ ‫وبسلوكه‪ ،‬ومدى تأثير اإلدراك (والوعي واألفكار والرموز)‬ ‫في السلوك اإلنساني‪ ،‬وكيف تكون استجابة اإلنسان الذي‬ ‫يتم تحدي خريطته اإلدراك��ي��ة؛ كما يحدث فى فلسطين‬ ‫المحتله حين يتحدى المنتفضون خريطة الصهاينه‬ ‫اإلدراك����ي����ه ال��ت��ي ت��س��ت��ن��د إل���ى م��ج��م��وع��ة م���ن األس��اط��ي��ر‬ ‫والديباجات التوراتية من خالل المقاومة أو ما نسميه‬ ‫الحوار المسلح‪ .‬وهذه القضية ال تختلف كثيراً عن مشكلة‬ ‫الذاتية والموضوعية في العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬ ‫بل والطبيعية‪ .‬وهذا الكتاب يحاول أن يلقي بعض الضوء‬ ‫على ه��ذه القضية‪ :‬ه��ذا هو هدفه‪ ،‬وه��ذا ما يرمي إلى‬ ‫تحقيقه‪.‬‬ ‫م��ن االنتفاضة إل��ى ح��رب التحرير الفلسطينية‪ :‬أث�� ُر على جائزة منظمة (‪ )IBBY‬العالمية عام ‪2004‬م‪.‬‬ ‫االنتفاضة على الكِ يان اإلسرائيلي (عدة طبعات‪ :‬القاهرة‬ ‫ان��ه��ي��ار إس��رائ��ي��ل م��ن ال��داخ��ل‪( ،‬دار ال��م��ع��ارف‪ ،‬القاهرة‬ ‫ دمشق ‪ -‬برلين ‪ -‬نيويورك ‪ -‬نشر إلكتروني‪ ،‬حقوق‬‫‪2002‬م )‪.‬‬ ‫الطبع لل ُق َرّاء ‪2002‬م)‪.‬‬ ‫الكتاب يضم دراس��ات متنوعة في الكيان الصهيوني‪،‬‬ ‫أراد المسيري أن تكون ه��ذه ال��دراس��ة عن انتفاضة‬ ‫تغطي ال��م��وض��وع��ات األس��اس��ي��ة التالية‪ :‬الديموجرافيا‬ ‫مكمّلة لدراسته السابقة عن انتفاضة ‪1987‬م‬ ‫األقصى ِ‬ ‫ال��ي��ه��ودي��ة‪ ،‬وال��ن��ب��وءات الصهيونية‪ ،‬والعنف الصهيوني‪،‬‬ ‫االن��ت��ف��اض��ة الفلسطينية واألزم����ة ال��ص��ه��ي��ون��ي��ة‪ :‬دراس��� ٌة‬ ‫وإعادة بناء الهيكل‪ .‬ثم تتوجه الدراسة إلى قضية «انهيار‬ ‫ف��ي اإلدراك وال��ك��رام��ة‪ .‬وفيها يب ِيّن االن��ت��ق��ال�� َة النوعي َة‬ ‫إسرائيل من الداخل»‪ ،‬وكيف أن عوامل األزمة آخذة في‬ ‫التي حققها الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الكيان‬ ‫مقوّمات حياة‬ ‫التفاقم‪ ،‬ولكنها لن تؤدي إلى االنهيار؛ ألن ِ‬ ‫الصهيوني‪ ،‬واألث َر العمي َق الذي تركه هذا النضال عليه؛‬ ‫الكيان الصهيوني ليست من داخله‪ ،‬وإنما من خارجه‪ ،‬فهو‬ ‫اب��ت��دا ًء بالخسائر االقتصادية التي ألحقتها االنتفاضة‬ ‫ال يحقق لنفسه االستمرار من خالل جهد المستوطنين‬ ‫بالتج ُمّع الصهيوني‪ ،‬وم��روراً بالعوامل النفسية‪ ،‬وانتها ًء‬ ‫ال��ص��ه��اي��ن��ة‪ ،‬وإن��م��ا م��ن خ�ل�ال ال��دع��م األم��ري��ك��ي الغربي‬ ‫بظاهرة الفرار من الخدمة العسكرية وسقوط اإلجماع‬ ‫السياسي واالقتصادي والعسكري المستمر‪ ،‬ولذا‪ ،‬ال بد‬ ‫بخصوص االستيطان‪.‬‬ ‫من استمرار الجهاد ضد هذا العدو‪.‬‬ ‫أغنيات إل��ى األش��ي��اء الجميلة‪( ،‬دار ال��ش��روق‪ ،‬القاهرة‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنسان والحضارة والنماذج المر َكّبة‪ :‬دراس���اتٌ نظري ٌة‬ ‫‪2002‬م)‬ ‫وتطبيقية‪( ،‬دار الهالل‪ ،‬كتاب الهالل‪ ،‬القاهرة ‪2002‬م)‪.‬‬ ‫دي��وان شعر (ح��ر) لألطفال‪ ،‬يتحدث عن موضوعات‬ ‫ينطلق المسيري في هذا الكتاب من الفكرة المحورية‬ ‫الحياة األساسية؛ مثل الميالد والزواج واكتساب الخبرة‬ ‫األس��اس��ي��ة ف��ي ف��ك��ره‪ :‬اخ��ت�لاف اإلن��س��ان ع��ن الطبيعة‪/‬‬ ‫والموت‪ .‬وقد حصلت هذه المجموعة الشعرية على جائزة‬ ‫ال���م���ادة‪ ،‬وم���ن ثَ���� َّم ض����رورة اس��ت��خ��دام ال��ن��م��اذج المركبة‬ ‫س��وزان مبارك ألدب األطفال ع��ام ‪2002‬م‪ ،‬كما حصلت‬ ‫لتفسير الظواهر اإلنسانية‪ ،‬خاص ًة الظواهر التي تتجاوز‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫المستوى السياسي أو االجتماعي أو االقتصادي‪ ،‬وصوالً‬ ‫إلى المستوى الحضاري والمعرفي‪ .‬فدراسة أي ظاهرة‬ ‫متعد َد األبعاد‬ ‫على هذا المستوى تتطلب نَموذجاً تحليلياً ِ ّ‬ ‫والمستويات‪ ،‬مر َكّباً إلى أقصى درج��ات التركيب‪ ،‬حتى‬ ‫يمكنه اإلحاط ُة بمعظم جوانب الظاهرة موضع الدراسة‪.‬‬ ‫فلسطينيةً كانت ولم َتزَلْ ‪ :‬الموضوعاتُ الكامن ُة المتواترةُ‬ ‫ف��ي شعر المقاومة الفلسطيني (نشر خ��اص‪ ،‬القاهرة‬ ‫‪2002‬م)‪.‬‬ ‫مختارات من شعر المقاومة الفلسطيني‬ ‫ٍ‬ ‫يضم الكتاب‬ ‫حتى عام ‪1980‬م‪ .‬وقد قسمت إلى عدة موضوعات رئيسة‪:‬‬ ‫جماليات ال��م��ق��اوم��ة‪ ،‬ف��ي ال��م��راث��ي‪ ،‬ف��ي ح��ب فلسطين‪،‬‬ ‫الصمود والمقاومة‪ ،‬االنتصار‪ .‬وتتناول مقدمة المسيري‬ ‫النقدية الطويلة ك َّل هذه الموضوعات‪ ،‬وخصوصاً جماليات‬ ‫المقاومة‪ ،‬التي تدور حول إشكالية الشاعر الذي يتطلع‬ ‫إلى تغيير المجتمع وتحطيم الظلم‪ ،‬ولكنه يع ِبّر عن نفسه‬ ‫من خالل شكل جمالي ثابت‪ ،‬متسق مع نفسه (وقد نُشرت‬ ‫هذه المقدمة من قبل باللغة اإلنجليزية في كتاب ال ُعرْس‬ ‫الفلسطيني (‪ ،)The Palestinian Wedding‬الذي تولى‬ ‫لوحات للفنان كمال‬ ‫ٍ‬ ‫المسيري تحريره)‪ .‬ويضم الكتاب‬ ‫بالطة‪ ،‬رسمها لهذا الكتاب ولكتاب آخر‪ ،‬حرره الدكتور‬ ‫المسيري أيضاً (وهو كتاب عاش ٌق من فلسطين ‪A Lover‬‬ ‫‪.)from Palestine‬‬ ‫مقدمةٌ ل��دراس��ة ال��ص��راع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ :‬ج��ذورُه‬ ‫ومسارُه ومستقبُله (دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪2002‬م)‪.‬‬

‫تشكّل الفلسفة المادية ال ِبنْي َة الفكرية التحتية‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫النموذج المعرفي الكامن للعديد من الفلسفات الحديثة‪:‬‬ ‫الماركسية والبرجماتية والداروينية وغيرها‪ .‬كما أنها‬ ‫المرجعي الكام َن لرؤيتنا للتاريخ والتق ُدّم‬ ‫َّ‬ ‫تشكّل اإلط��ا َر‬ ‫ِ‬ ‫والعالقات الدولية‪ ،‬بل وأحياناً ألنفسنا‪ .‬وق��د ارتبطت‬ ‫الفلسفة المادية في عقول الكثيرين بالعقالنية والتق ُدّم‬ ‫والتسامح‪ ...‬إلخ‪ ،‬مع أن الواقع أبع ُد ما يكون عن ذلك!‬ ‫وي��ذه��ب المسيري ف��ي ه��ذه ال��دراس��ة إل��ى أن��ه ق��د حان‬ ‫الوقت لفتح باب االجتهاد بخصوص هذه الفلسفة؛ نظراً‬ ‫ألهميتها وهيمنتها على بعض أعضاء النُّخَ ب الثقافية‬ ‫والفكرية عندنا‪.‬‬ ‫اللغة والمجاز‪ :‬بين التوحيد وو َْحدة الوجود‪( ،‬دار الشروق‪،‬‬ ‫القاهرة ‪2002‬؛ طبعة ثانية ‪2006‬م)‬ ‫ت��ت��ن��اول ه��ذه ال��دراس��ة م��وض��وع��اً ج��دي��داً ن��وع��اً‪ ،‬وهو‬ ‫ع�لاق��ة اللغة وال��م��ج��از ب��رؤي��ة اإلن��س��ان ل��ل��ك��ون‪ ،‬وت��ص��وره‬ ‫لعالقة الخالق بالمخلوق‪ ،‬أي أنها تربط بين عدة مجاالت‬ ‫م��ن النشاط اإلنساني (ال��دراس��ات اللغوية وال��دراس��ات‬ ‫الدينية وال��دراس��ات النفسية)؛ وه��ي تنقسم إل��ى بابين‪،‬‬ ‫يتناول األول منهما الصو َر المجازية بوصفها تعبيراً متعيناً‬ ‫عن رؤي��ة اإلنسان للكون؛ إذ ترصد الدراسة الصورتين‬ ‫المجازيتين األساسيتين في الحضارة الغربية الحديثة‪:‬‬ ‫الصورة اآللية والصورة العضوية؛ كما يتم فيه تطبيق منهج‬ ‫تحليل الصورة المجازية كمدخل لفهم النموذج الكامن‬ ‫المهيمن على العقل الصهيوني‪ ،‬سواء في عالقته بذاته‬ ‫أو في عالقته مع اآلخ��ر‪ .‬أما الباب الثاني من الدراسة‬ ‫فيتعامل مع موضوع أكثر تجريداً‪ ،‬وهو عالقة رؤية الكون‬ ‫الدال (المصطلح اإلشارة االسم)‬ ‫ِّ‬ ‫باللغة‪ ،‬وإشكالية عالقة‬ ‫بالمدلول (المفهوم المشار إليه المس َمّى)‪.‬‬

‫ي��ض��م ه���ذا ال��ك��ت��اب ستة‬ ‫فصول‪ ،‬تحاول تقديم رؤية‬ ‫ش���ام���ل���ة ل����ج����ذور ال���ص���راع‬ ‫العربي اإلسرائيلي ومساره‬ ‫العَلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (ج���زآن‪ ،‬دار‬ ‫ومستقبله‪.‬‬ ‫الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2002‬؛ طبعة ثانية ‪2005‬م)‪.‬‬ ‫الفلسفة المادية وتفكيك‬ ‫أهمية ه��ذه ال��دراس��ة م��وازي�� ٌة تماماً ألهمية دراس��ة‬ ‫اإلنسان‪( ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‬ ‫المسيري للصهيونية واليهودية‪ ،‬وتشكّل جزءاً من دراسة‬ ‫‪2002‬م)‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪79‬‬


‫أوس���ع ع��ن ال��ع��ل��م��ان��ي��ة‪ .‬وت��ت��ن��اول قضية العلمانية (ف��ي عمقاً من اإلرهاب‪ ،‬وهو العنف الصهيوني‪ ،‬الذي يتب َدّى في‬ ‫جانبيها النظري والتطبيقي) من منظور مختلف نوعاً أكثر األشياء عمومية (نظرية األمن)‪ ،‬وأيضاً في أكثرها‬ ‫التعريفات الشائعة‪ ،‬خصوصية (الطرق االلتفافية)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عما هو سائد وشائع؛ فهي ال تتبنى‬ ‫بل ِ‬ ‫تفسيري جديد‬ ‫ٌّ‬ ‫تفرّق بين «العلمانية الجزئية» و«العلمانية الشاملة»‪ ،‬الجماعات الوظيفية اليهودية‪ :‬نموذجٌ‬ ‫كما يطلق عليها المسيري؛ والفرق بينهما أن العلمانية (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2001‬؛ طبعة ثانية ‪2003‬م)‪.‬‬ ‫الجزئية تطالب بفصل الدين عن الدولة وحسب‪ ،‬بينما‬ ‫ي��ح ِ��دّد المسيري مفهوم الجماعة الوظيفية بأنها‬ ‫تلزم الصمت بخصوص القيم النهائية والمطلقة‪ ،‬والحياة‬ ‫جماعة يستوردها المجتمع من خارجه أو يج ِنّدها من‬ ‫ال��خ��اص��ة‪ ،‬وال��م��رج��ع��ي��ة ال��ن��ه��ائ��ي��ة ل��ل��ق��رارات السياسية‬ ‫داخله‪ ،‬تُع َرّف في ضوء وظيفتها‪ ،‬ال في ضوء إنسانيتها‬ ‫واالقتصادية والتربوية؛ أما العلمانية الشاملة فهي ليست‬ ‫وظائف ال يضطلع بها عاد ًة‬ ‫َ‬ ‫الكاملة‪ ،‬ويَكِ ل المجتمع إليها‬ ‫فص َل الدين عن الدولة وحسب‪ ،‬وإنما فصل القيم الدينية‬ ‫أع��ض��اءُ المجتمع‪ ،‬إم��ا ألنها مُشينة (البغاء وال��رب��ا)‪ ،‬أو‬ ‫واألخالقية واإلنسانية‪ ،‬ال عن الدولة وحسب وإنما عن‬ ‫متم ِيّزة وتتطلب خبرة خاصة (الطب والترجمة)‪ ،‬أو أمنية‬ ‫مجمل حياة اإلنسان في جانبيها العام وال��خ��اص‪ ،‬وعن‬ ‫صيان المماليك)‪ ،‬أو ألنها تتطلب الحياد‬ ‫(الخ ْ‬ ‫وعسكرية ِ‬ ‫المرجعية النهائية للدولة ولكل ق��رارات اإلنسان؛ بحيث‬ ‫الكامل (التجارة وجمع الضرائب)‪ .‬ويتسم أعضاء الجماعة‬ ‫ت��ن��زع ال��ق��داس��ة ع��ن ال��ع��ال��م‪ ،‬فتصبح ك��ل األم���ور نسبية‪،‬‬ ‫الوظيفية بالحياد‪ ،‬وبأن عالقتهم بالمجتمع عالقة نفعية‬ ‫ويتحول اإلنسان والطبيعة إلى مادة استعمالية يوظفهما‬ ‫تعاقدية‪ ،‬وهم عاد ًة عناص ُر حركية ال ارتباطَ لها وال انتماء‪،‬‬ ‫األقوى لصالحه؛ ونتيج ًة لهذا يظهر العلم المنفصل عن‬ ‫تعيش على هامش المجتمع ف��ي حالة اغ��ت��راب‪ ،‬ويقوم‬ ‫القيمة‪ ،‬والجس ُد المنفصل عن القيمة‪ ،‬والحياةُ المنفصلة‬ ‫المجتمع بعزلها عنه ليحتفظ بمتانة نسيجه المجتمعي‪.‬‬ ‫ع��ن القيمة‪ ،‬وتظهر المنظومة «ال��داروي��ن��ي��ة» باعتبارها‬ ‫وأعضاء الجماعة الوظيفية عاد ًة من حَ مَلة الفكر الحلولي‬ ‫منظومة القيم الوحيدة الممكنة في مثل هذا العالم‪ .‬وإذا‬ ‫والعلماني الشامل‪ .‬وقد استخدم الدكتور المسيري هذا‬ ‫كان من الممكن تقبّل العلمانية الجزئية‪ ،‬أي فصل الدين‬ ‫النموذج في تحليل تاريخ الجماعات اليهودية ووضعها‬ ‫عن السياسة وربما االقتصاد (بمعنى اإلجراءات السياسة‬ ‫وانتماءاتها الثقافية‪ .‬كما درس الدولة الصهيونية بوصفها‬ ‫واالقتصادية)‪ ،‬فالعلمانية الشاملة أمر من العسير تقبُّله‪،‬‬ ‫دول�� ًة وظيفيةً‪ ،‬استيطاني ًة إحاللية‪ .‬وعلى الرغم من أن‬ ‫ألنها أيديولوجية كاسحة ال يوجد فيها مجال لإلنسان أو‬ ‫بوجه‬ ‫ٍ‬ ‫هذا الكتاب يتناول الجماعات الوظيفية اليهودية‬ ‫للقيم‪ ،‬ومن ثَ َّم فهي ال تتصالح مع الدين وال مع اإلنسان‪،‬‬ ‫خاص من التركيز‪ ،‬إال أنه مع ذلك يقدم مفهوم «الجماعة‬ ‫ٍّ‬ ‫مسلماً كان أم مسيحياً أم يهودياً‪ ،‬وتحاول أن تختزل حياة‬ ‫الوظيفية» بوصفه أدا ًة تحليلية أكث َر تفسيري ًة وتركيبي ًة من‬ ‫اإلنسان للبُعد المادي وحسب!‬ ‫مفهوم «الطبقة» التقليدي‪.‬‬ ‫الصهيونية والعنف من بداية االستيطان إلى انتفاضة‬ ‫َّ‬ ‫العالم م��ن منظور غربي ‪ -‬دار ال��ه�لال‪ ،‬كتاب الهالل‪،‬‬ ‫األقصى (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2001‬م)‪.‬‬ ‫القاهرة ‪2001‬م‬ ‫وهي دراسة في عَ القة العنف بالصهيونية ومدى ارتباط‬ ‫يؤكد المسيري في هذا الكتاب أن لكل مجتمع رؤيتَه‬ ‫الواحد باآلخر؛ فالصهيونية إن هي إال شكل من أشكال‬ ‫المتم ِيّزة للكون والتحيزات الناجمة عنها‪ ،‬ولكن ما حدث‬ ‫االستعمار االستيطاني اإلحاللي‪ .‬ويحاول المسيري في‬ ‫هو أن كثيراً من شعوب العالم ب��دأت تتخلى عن رؤيتها‬ ‫الس ْر َد المعلوماتي‬ ‫هذا الكتاب ‪ -‬كعادته دائما ً‪ -‬أن يتجاوز َّ‬ ‫وت��ح��ي��زات��ه��ا‪ ،‬ال��ن��اب��ع��ة م��ن واق��ع��ه��ا ال��ت��اري��خ��ي واإلن��س��ان��ي‬ ‫ألحداث اإلرهاب الصهيوني‪ ،‬ليُب ِيّن أن هناك نمطاً أكث َر‬

‫‪80‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ال��ف��ك��ري‪ ،‬وت��ج��ي��ب ف��ي ال��وق��ت نفسه ع��ن ه���ذه األسئلة‬ ‫وغيرها‪ .‬ولذا‪ ،‬فقد أطلق عليها عبارة «سيرة غير ذاتية»‪،‬‬ ‫وهي ليست حياة فرد‪ ،‬بل هي سيرة مفكر عربي إسالمي‪.‬‬ ‫ولكنها في الوقت نفسه تتضمن الحقائق الخاصة بفرد‬ ‫مع َيّن له أبعاده الخاصة جداً‪ ،‬ولذا‪ ،‬فهي كذلك «سيرة غير‬ ‫موضوعية»‪ .‬وقد حصلت هذه السيرة على جائزة أحسن‬ ‫كتاب في معرض القاهرة الدولي للكتاب لعام ‪2001‬م‪.‬‬

‫والوجودي‪ ،‬وبدأت تتبنى عن وعي أو عن غير وعي الرؤي َة‬ ‫والتحيزات الغربية‪ ،‬وب��دأت تنظر إلى نفسها من وجهة‬ ‫ِ‬ ‫نظر الغرب‪ .‬وتتصدى هذه الدراسة‪ ،‬وهي تطوي ٌر للمقدمة‬ ‫التي كتبها المسيري لكتاب إشكالية التحيز‪ ،‬لهذه القضية‬ ‫بمزيد من التفصيل‪ ،‬وتحاول أن تتجاوز عملية التفكيك‬ ‫وصوالً إلى الجانب التأسيسي‪ ،‬وذلك عن طريق تحديد‬ ‫بعض المنطلقات األساسية للنموذج البديل وبعض األمثلة‬ ‫على محاوالت تطبيقه‪.‬‬ ‫الم ْجهر (باالشتراك مع الدكتور عزيز‬ ‫العَلمانية تحت ِ‬ ‫األكاذيب الصهيونية من بداية االستيطان حتى انتفاضة العَظْ مة) (دار الفكر‪ ،‬دمشق ‪2000‬م)‪.‬‬ ‫األقصى‪( ,‬دار المعارف‪ ،‬سلسلة اقرأ‪ ،‬القاهرة ‪2001‬م)‪.‬‬ ‫صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب «ح��وارات لقرن‬ ‫ج��دي��د» التي تصدرها دار الفكر بدمشق‪ ،‬وه��ي تأخذ‬ ‫شكل حوار مع الدكتور عزيز العظمة‪ ،‬وهو واح ٌد من أهم‬ ‫منظري العلمانية في العالم العربي‪ .‬ويلخص المسيري‬ ‫ِّ‬ ‫في هذا الكتاب رؤيتَه للعلمانية‪ ،‬وهي الرؤية التي وضحها‬ ‫ال في كتابه العلمانية الجزئية والعلمانية‬ ‫بشكل أكثر تفصي ً‬ ‫الشاملة‪.‬‬

‫ي��ح��اول ه���ذا ال��ك��ت��اب تفكيك وإع�����ادة ت��رك��ي��ب بعض‬ ‫المفاهيم وال��م��ص��ط��ل��ح��ات الصهيونية األس��اس��ي��ة مثل‬ ‫«الشعب اليهودي» و«الخصوصية اليهودية» و«الصهيونية‬ ‫المسيحية»؛ حتى تتعمق رؤيتُنا للعدو الصهيوني‪ ،‬وحتى‬ ‫ندرك مواطن قوته وضعفه‪ ،‬ومن ثَ َّم يُمكننا تحسي ُن مقدرتنا‬ ‫على التنبؤ بسلوكه والتصدي له‪ .‬كما يتناول الكتاب جانباً‬ ‫تفسيري‬ ‫ٌّ‬ ‫مه ّماً من الظواهر اليهودية والصهيونية‪ ،‬لم يتم التصدي موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذ ٌج‬ ‫له بما فيه الكفاية‪ ،‬وهو البُعد الديموجرافي‪ ،‬وكيف يوظف جديد (‪ 8‬أجزاء)؛ (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م)‪.‬‬ ‫الصهاينة األرق��ام لترويج مفاهيمهم‪ .‬كما يح ِلّل الكتاب‬ ‫وهي عمل المسيري األب��رز‪ ،‬الذي استغرق من عمره‬ ‫أزمة الصهيونية على مستوى النظرية والتطبيق‪.‬‬ ‫نحو ثالثين ع��ام��اً إلن��ج��ازه‪ .‬وه��ذه الموسوعة ال تكتفي‬ ‫رحلتي الفكرية‪ :‬في البذور والجذور والثمر‪ :‬سيرةٌ غي ُر بالتفكيك‪ ،‬أي نقد المصطلحات الصهيونية‪ ،‬وإنما تنتقل‬ ‫ذات��ي��ة غي ُر موضوعية (الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬إلى التأسيس‪ ،‬أي محاولة طرح رؤية عربية بديلة للظواهر‬ ‫القاهرة ‪2000‬م)‪.‬‬ ‫اليهودية والصهيونية واإلسرائيلية‪ ،‬ووض��ع مصطلحات‬ ‫كثيراً ما تُطرح على الدكتور المسيري أسئل ٌة خاصة جديدة لوصف هذه الظاهرة‪.‬‬ ‫ب���ح���ي���ات���ه ال���ف���ك���ري���ة‪ ،‬وع���ن قضية ال��م��رأة بين ال��ت��ح ُ��رّر‬ ‫انتقاله م��ن دراس���ة الشعر وال���ت���م���رك���ز ح�����ول األن���ث���ى‬ ‫ال��روم��ان��ت��ي��ك��ي إل���ى دراس���ة (دار نهضة م��ص��ر‪ ،‬سلسلة‬ ‫الصهيونية وتاريخ األفكار‪ ،‬التنوير اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‬ ‫وم���ن ال���رؤي���ة ال��م��ادي��ة إل��ى ‪1999‬م)‪.‬‬ ‫الرؤية اإلنسانية اإليمانية‪.‬‬ ‫ق��ض��ي��ة ت��ح��ري��ر ال���م���رأة‬ ‫ولهذا كتب سيرته «الذاتية»‬ ‫من القضايا األساسية التي‬ ‫التي تحاول أن تؤرخ لتطوره‬ ‫ت��واج��ه اإلن��س��ان ف��ي العصر‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪81‬‬


‫الحديث‪ ،‬حيث ظهرت حركات تحرير ال��م��رأة‪ ،‬ثم ظهر األنثى مجرد تج ِلّ َييْن لنموذج العلمانية الشاملة؛ فقد حول‬ ‫ما يس َمّى «الفيمينيزم» (‪ ،)feminism‬والتي يترجمها الدراستين السابقتين إل��ى فصلين في كتابه العلمانية‬ ‫المسيري بـ «التمركّز حول األنثى»‪ ،‬وهو يذهب في هذا الجزئية والعلمانية الشاملة (جزآن‪2002 ،‬م)‪.‬‬ ‫الكتيب إلى أنه يجب التفريق بينهما‪ .‬فبينما تحاول حركات نور والذئب الشهير بالمكار‪ ،‬سندريال وزينب هانم خاتون‪،‬‬ ‫تحرير المرأة‪ ،‬انطالقاً من مفهوم األسرة‪ ،‬أن ِ ّ‬ ‫تحسن وضع رحلة إلى جزيرة الدويشة‪ ،‬معركة كبيرة صغيرة‪،‬سر اختفاء‬ ‫المرأة داخل المجتمع‪ ،‬تحاول حركات التمركز حول األنثى الذئب الشهير بالمحتار‪ ،‬ما هي النهاية؟ (باالشتراك مع‬ ‫انطالقاً من مفهوم الفرد المطلق أن تفصلها عنه‪ ،‬ولذا‪ ،‬د‪ .‬جيهان ف��اروق) قصة خيالية وسريعة ج��داً لألطفال‪،‬‬ ‫فهي تطرح برنامجاً يطالب بتغيير اللغة وإع��ادة دراسة (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م)‪.‬‬ ‫راعي بين الرجال والنساء‪.‬‬ ‫الص َّ‬ ‫التاريخ‪ ،‬مؤكد ًة الجانبَ ِ ّ‬ ‫تصدر هذه القصص في إطار سلسلة تس َمّى حكايات‬ ‫وهي في هذا ال تختلف عن الصهيونية‪ ،‬التي ال تحاول‬ ‫هذا الزمان‪ ،‬وهي تع ِبّر عن األفكار وال��رؤى نفسها التي‬ ‫حماية حقوق أعضاء الجماعات اليهودية في أوطانهم‪،‬‬ ‫تنطلق منها وتع ِبّر عنها أعمال المسيري األخرى (بما في‬ ‫وإن��م��ا تؤكد انفصالهم ع��ن المجتمعات اإلنسانية التي‬ ‫ذلك موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية)‪.‬‬ ‫��ركّ��ز ًة على وقائع الظلم الذي‬ ‫يعيشون بين ظهرانَيْها‪ ،‬م ِ‬ ‫لحق بهم عبر التاريخ‪ ،‬متجاهل ًة ما حققه بعضهم من ثراء إشكالية التحيز‪ :‬رؤي�� ٌة معرفي ٌة ودع��وةٌ لالجتهاد‪ .‬تأليف‬ ‫وبروز‪ ،‬وما حققوه من اندماج وانصهار في مجتمعاتهم‪ ،‬كل وتحرير (مجلدان كبيران)‪( ،‬نقابة المهندسين‪ ،‬القاهرة‬ ‫ذلك من أجل أن يتسنى نقل ُهم إلى فلسطين‪ ،‬فيتحولوا من ‪1993‬ـ المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬واشنطن ‪1996‬‬ ‫مستوطنين في وطننا‪ .‬وتدعو سبعة أج��زاء‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬القاهرة‬ ‫ِ‬ ‫مواطنين في أوطانهم إلى‬ ‫الدراسة إلى استخدام األس��رة كوِ حْ دة تحليلية ب��دالً من ‪1998‬م)‪.‬‬ ‫بدأت فكرة هذا الكتاب أثناء تأليف كتابه «موسوعة‬ ‫الفرد‪.‬‬ ‫فكر حركة االستنارة وتناقضاته‪( ،‬دار نهضة مصر‪ ،‬سلسلة اليهود وال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية»‪ ،‬إذ اكتشف المسيري‬ ‫أن المفاهيم وال��م��ف��ردات المستخدمة لوصف العقيدة‬ ‫التنوير اإلسالمي‪ ،‬القاهرة ‪1999‬م)‪.‬‬ ‫اليهودية وال��ظ��اه��رة الصهيونية متحيزة‪ ،‬وال تع ِبّر عن‬ ‫الفلسفي للحداثة‬ ‫َّ‬ ‫األساس‬ ‫َ‬ ‫يشكل فكر حركة االستنارة‬ ‫التجربة العربية من قريب أو بعيد‪ .‬ول��ذا دعا مجموع ًة‬ ‫كل من المنظومتين الرأسمالية‬ ‫الغربية‪ ،‬التي تب َدّت في ٍ ّ‬ ‫من ال ُكتَّاب العرب (أوالً في الرياض بالمملكة العربية‬ ‫واالش��ت��راك��ي��ة‪ ،‬وه��ي اإلط���ار المرجعي للعلوم اإلنسانية‬ ‫السعودية‪ ،‬ثم في القاهرة) وغير العرب‪ ،‬ليكتب ك ّ ٌل منهم‬ ‫واالج��ت��م��اع��ي��ة ف��ي ال��غ��رب‪ .‬وي��ح��اول المسيري ف��ي هذا‬ ‫دراسة في حقل تخصصه عن التحيزات التي وجدها أثناء‬ ‫الكتيب إظهار بعض التناقضات األساسية الكامنة في هذا‬ ‫بحثه‪ ،‬وإمكانية تجاوز هذا التحيز‪ .‬وكانت الثمرة مؤتمراً‬ ‫الفكر‪ ،‬الذي يبدأ بتمجيد اإلنسان والعقل والتاريخ والفرد‪،‬‬ ‫عُقد في القاهرة عام ‪1992‬م في نقابة المهندسين‪ ،‬وكتاباً‬ ‫وينتهي بإنكار العقل‪ ،‬وإعالن نهاية التاريخ وعدم مقدرة‬ ‫من مجلدين ضخمين صدر في القاهرة عام ‪1993‬م (في‬ ‫اإلنسان على تجاوز سقفه المادي‪ ،‬واألسبقية المطلقة‬ ‫طبعة محدودة) ثم في واشنطن (الطبعة العالمية) عام‬ ‫للمجتمع والطبيعة‪/‬المادة على اإلنسان‪ .‬ويرجع هذا إلى‬ ‫‪1996‬م‪.‬‬ ‫أن فكر حركة االستنارة فكر مادي ال بد وأن يسقط في‬ ‫الواحدية المادية في نهاية األمر‪ .‬وبما أن المسيري يرى اليهود ف��ي عقل ه���ؤالء ‪ -‬دار ال��م��ع��ارف‪ ،‬سلسلة اق��رأ‪،‬‬ ‫�لا من فكر حركة االستنارة وحركة التمركز حول القاهرة ‪ ،1998‬دار العين‪ ،‬القاهرة ‪2008‬م)‪.‬‬ ‫أن ك ًّ‬

‫‪82‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫يضم هذا الكتاب عدة دراسات‪ :‬واحدة عن اليهود في ثالثة ‪2001‬م – طبعة رابعة ‪1997‬م)‪.‬‬

‫عقل األدباء من أعضاء الجماعات اليهودية الذين يرفضون‬

‫ويتناول الكتاب الظاهرة النازية انطالقاً من مستوى‬

‫التاريخي والمستوى‬ ‫َّ‬ ‫الصهيونية أو ال يكترثون بها (أيزاك بابل فرانز كافكا‪ ..‬تحليلي حضاري معرفي‪ ،‬يتجاوز السر َد‬ ‫إلخ)‪ ،‬وعقل األدباء الذين يهتمون بالصهيونية ويرون فيها‬ ‫السياسي‪ ،‬كما يتجاوز منط َق مراكمة المعلومات والحقائق‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ح ً‬ ‫ال للمسألة اليهودية (جوردون وبرنر)‪ .‬كما يضم دراس ًة ويستخدم منهج دراسة الظواهر التاريخية الحضارية من‬ ‫في فكر جمال حمدان االستراتيجي‪ ،‬ال��ذي وضع مصر خالل النماذج التفسيرية‪.‬‬

‫(وم��ن ثَ��� َّم فلسطين) ف��ي ال��م��رك��ز‪ ،‬وف��ي منهجه ال��ذي ال‬ ‫يرفض العام ولكنه ال يكتفي به‪ ،‬إذ يصل إلى الخاص ويع ِبّر‬

‫عنه‪ .‬وأخيراً يضم الكتاب الدراسة التي كتبها المسيري‬

‫من هو اليهودي؟ (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪1997‬م – طبعة‬

‫ثانية ‪ – 2001‬طبعة ثالثة ‪2002‬م)‪.‬‬

‫يواجه المجتمع الصهيوني في فلسطين المحتلة منذ‬

‫بمناسبة زيارة المفكر الفرنسي روجيه جاوردي القاهرة‬ ‫وتقديمه للمحاكمة‪ ،‬ويب ِيّن فيها ال��ف��رق بين األس��ط��ورة تأسيسه ع��ام ‪1948‬م قضية دينية اجتماعية أساسية‪،‬‬ ‫بالمعنى اإليجابي واألسطورة بالمعنى السلبي‪ ،‬ويحاول أن مركّبة األب��ع��اد‪ ،‬متعددة المستويات‪ ،‬هي قضية الهُوية‬ ‫يب ِيّن «منطقية» تحول ج��اوردي لإلسالم‪ ،‬فهو يبحث عن اليهودية وتعريف اليهودي‪ ،‬التي يُشار إليها في الخطاب‬ ‫نظام يؤكد مقدرة اإلنسان على تجاوز عالم المادة وسوق ال��س��ي��اس��ي واإلع�ل�ام���ي‪ ،‬اإلس��رائ��ي��ل��ي وال��غ��رب��ي‪ ،‬بصيغة‬ ‫السـل َع‪ ،‬وقد وجد ضا ّلَتَه في التوحيد اإلسالمي (مقابل التساؤل‪« :‬من هو اليهودي؟»‪ .‬وقد حاول المسيري في هذا‬ ‫ِّ‬ ‫الكتاب إلقاء الضوء عليها‪ ،‬فتناولها من منظور تاريخي‬ ‫«واحدية السوق»)‪.‬‬ ‫واجتماعي وسياسي وديني‪.‬‬

‫ال�� َي��دُ الخفية‪ :‬دراس��� ٌة ف��ي الحركات اليهودية اله َدّامة‬ ‫والسرية (دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪1998‬م ‪ -‬مكتبة األسرة‪ ،‬موسوعة تاريخ الصهيونية (ثالثة أج��زاء‪ ،‬دار الحسام‪،‬‬ ‫القاهرة ‪1997‬م)‪.‬‬ ‫القاهرة ‪2000‬م ‪ -‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪2001‬م)‪.‬‬ ‫يستند هذا الكتاب إلى رؤية جديدة لتاريخ الصهيونية؛‬

‫يتناول الدكتور المسيري في هذا الكتاب ما يُس َمّى‬ ‫«العقلية ال��ت��آم��ري��ة» ال��ت��ي تنظر إل���ى ال��ع��ال��م م��ن خ�لال إذ ي��رى المسيري أن الصهيونية ال تعود بجذورها إلى‬ ‫النموذج االختزالي ذي البُعد الواحد‪ ،‬ومن ثَ َّم تسقط في التوراة والتلمود‪ ،‬وإنما إلى حَ رَكيات التاريخ الغربي وإلى‬

‫تبسط الواقع‪ ،‬وتجعل التعامل معه والتنبؤ الرؤية اإلمبريالية العلمانية الشاملة‪ ،‬ومع ذلك ال يهمل‬ ‫العنصرية‪ ،‬التي ِ ّ‬ ‫والدّيباجات اليهودية الخاصة‪.‬‬ ‫به مسألة صعبة‪ ..‬إن لم تكن مستحيلة‪ .‬ويطرح المسيري الكتاب األبعا َد ِ‬

‫مقابل هذا ما يسميه «النموذ َج المر َكّب»‪ .‬وقد استخدم أسرار العقل الصهيوني (دار الحسام‪ ،‬القاهرة ‪1996‬م)‪.‬‬

‫ع��دة ح��االت ل��ل��دراس��ة‪ ،‬منها‪ :‬ال��ب��روت��وك��والت‪ ،‬والتلمود‪،‬‬

‫تدور فكرة هذا الكتاب حول قضية المنحنى الخاص‬

‫والسحر‪ ،‬والماسونية‪ ،‬والبهائية‪ ،‬والفرانكية‪ ،‬والسبئية‪ ،‬ل�لإدراك وعالقته بالسلوك‪ ،‬وأث��ر كل هذا على التحليل‬ ‫والجاسوسية ال��ي��ه��ودي��ة‪ ،‬وال��ج��ري��م��ة ال��ي��ه��ودي��ة‪ ،‬واللوبي السياسي بشكل عام‪ .‬وعلى الرغم من أن كل األمثلة التي‬ ‫اليهودي والصهيوني‪ .‬كما تناول الكتاب إشكالية العبقرية تناولها الكتاب مستمدة من عالم الجماعات اليهودية‬ ‫اليهودية واللوبي اليهودي الصهيوني‪.‬‬ ‫وال��ص��ه��ي��ون��ي��ة (اإلدراك اإلس��رائ��ي��ل��ي ل��ل��ع��رب‪ ،‬وال��دول��ة‬ ‫الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ‪ :‬رؤي ٌة حضاري ٌة جديدة الفلسطينية‪ ،‬واالنتفاضة‪ ،‬واإلدراك الغربي لليهود‪ ،‬وحادثة‬ ‫(دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪1997‬م طبعة ثانية ‪1998‬م طبعة دري��ف��وس‪ ،‬وتهمة ال���دم‪ ،‬وح��ادث��ة دم��ش��ق)‪ ،‬إال أن الكتاب‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪83‬‬


‫يحاول أن يب ِيّن أن التعامل مع الحقائق ّ ُ‬ ‫الصلبة خارج «عملية التطبيع»‪ .‬ويتناول القسم الثاني موضوعات أخرى‬ ‫السياق التاريخي‪ ،‬ودون دراس��ة البُعد اإلدراك��ي والمعنى مثل «القومية اليهودية» و«التوسعية الصهيونية»‪ ،‬كما‬ ‫الداخلي‪ ،‬يجعل ه��ذه الحقائق بال معنى‪ ،‬أو يجعل من يتناول بعض الممارسات والظواهر اإلسرائيلية‪ ،‬مثل‪:‬‬

‫ُ‬ ‫الممكن‬ ‫فرض أي معنى عليها‪ .‬وأهمية الكتاب المنهجية الجريمة واإلره���اب‪ ،‬والهجرة الصهيونية إل��ى فلسطين‬ ‫تفوق بمراحل مضمونَه المباشر وسائ َر األمثلة‪ ،‬اليهودية المحتلة‪ ،‬والهجرة منها‪.‬‬ ‫والصهيونية‪ ،‬التي وردت فيه‪.‬‬

‫ه��ج��رة ال��ي��ه��ود ال��س��وف��ي��ي��ت‪ :‬م��ن��ه�� ٌج ف��ي ال��رص��د وتحليل‬

‫األم��ي��رة وال��ش��اع��ر‪ :‬قصة لألطفال (دار الفتى العربي‪ ،‬المعلومات (دار الهالل‪ ،‬كتاب الهالل‪ ،‬القاهرة ‪1990‬م)‪.‬‬ ‫القاهرة ‪1993‬م)‪.‬‬

‫ظهر هذا الكتاب أثناء الحديث عن «جريمة العصر»‬

‫يكتب الدكتور المسيري‪ ،‬منذ السبعينيات‪ ،‬قصصاً (أي هجرة اليهود السوفييت) والهلع الذي صاحب ذلك‬

‫��وف م��ن ه��ذه الهجرة‪ ،‬التي قيل وقتها إنها ستكون‬ ‫ل�لأط��ف��ال ان��ط�لاق��اً م��ن اع��ت��ب��اره ه��ذه الكتابة ج���زءاً من ال��خ َ‬ ‫ستحوّل الدولة الصهيونية إلى قوة‬ ‫ِ‬ ‫مشروعه المعرفي األكبر في رفض التحيزات (أ ّي��اً كان هجرة بالماليين‪ ،‬وأنها‬ ‫مصدرها)‪ ،‬وتأكيد الهُوية العربية اإلسالمية‪ .‬ولذا فبطل عظمى! وقد تح َدّت هذه الدراسة هذه الرؤية االختزالية‬ ‫قصص األطفال التي يكتبها الدكتور المسيري جَ َم ٌل (ليس السطحية والمتسرعة‪ ،‬ف��ق�� َّدم��ت ب���دالً م��ن ذل��ك دراس��ة‬

‫ُد ّب��اً) يُس َمّى «الجمل ظريف»‪ ،‬ويشترك معه في البطولة لهجرة اليهود السوفييت بوصفها حركة جذب إلسرائيل‬

‫نور وياسر (أوالد الدكتور المسيري‪ ،‬واآلن انضم إليهما وط��رد م��ن االت��ح��اد السوفيتي‪ .‬كما تناولت ت��اري��خ يهود‬ ‫حفيده نديم)‪ .‬ويمكن ألي طفل أن يصبح بط ً‬ ‫ال في القصة‪ ،‬روسيا وبولندا‪ ،‬منذ القرن التاسع الميالدي حتى الوقت‬ ‫األمر الذي يقوض نمط البطولة التقليدي‪ .‬والجمل ظريف الحاضر‪ ،‬وأن��واع الجماعات اليهودية في هذين البلدين‬

‫يظن نفسه عضواً في األس��رة وال ي��درك «جَ مَليتَه» (إن وثقافاتهم وتواريخهم و«مسائلهم» اليهودية المختلفة‪ .‬وقد‬

‫صح التعبير)‪ .‬ويحاول المسيري أن ِ‬ ‫يطوّر فن القصة في تنبأت الدراسة بأن عدد المهاجرين الصهاينة من االتحاد‬ ‫قصص األطفال التي يرويها‪ ،‬ويجعلهم يدركون أن هناك السوفيتي لن يزيد على نصف مليون‪ ،‬وأنهم إن زادوا عن‬

‫ق��واع��د للقصص يمكن اتباعها أو تغييرها‪ ،‬كما يمكن ذلك فستكون من بينهم أعداد كبيرة من غير اليهود وأنهم‬ ‫رفضها‪.‬‬

‫سيسببون مشاكل اجتماعية عديدة في إسرائيل‪ ،‬من بينها‬

‫اإلسرائيلية (مركز األبحاث العربية‪ ،‬بيروت ‪1990‬م)‪.‬‬

‫هذه إلى تآكُل النسيج المجتمعي في إسرائيل‪.‬‬

‫االس��ت��ع��م��ار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية‪ :‬تزايد الصراع بين المتدينين والسفارد من جهة‪ ،‬وبين‬ ‫دراس���اتٌ ف��ي بعض المفاهيم الصهيونية والممارسات العلمانيين واإلشكناز من جهة أخرى‪ ،‬كما ستؤدي هجرتهم‬ ‫ينقسم الكتاب إل��ى قسمين؛ يتناول أولهما الظاهرة افتتاحيات الهادئ ‪ :Pacific Overtures‬تأليف ستيفن‬ ‫الصهيونية في سياقها الغربي‪ ،‬السياسي واالقتصادي سوندايم وج��ون وي��دم��ان (ترجمة ب��االش��ت��راك) (سلسلة‬ ‫وال��ث��ق��اف��ي‪ ،‬ك��ج��زء م��ن التشكيل االس��ت��ع��م��اري ال��غ��رب��ي‪ ،‬المسرح العالمي‪ ،‬الكويت ‪1988‬م)‪.‬‬ ‫وبوصفها ظاهر ًة استيطاني ًة إحاللية‪ .‬كما يتناول هذا‬

‫مسرحية موسيقية غنائية موضوعها تحديث اليابان‪.‬‬

‫القسم مفهوم تطبيع الشخصية اليهودية‪ ،‬أي تحويل يهود وتتناول المسرحية اليابان القديمة في أيام حكم الشوجن‬

‫المنفى ّ ُ‬ ‫الطفَيليين حسب الرؤية الصهيونية إلى مواطنين «اإلق��ط��اع العسكري» (جميل ًة وغي َر حقيقية)‪ ،‬واليابان‬

‫منتجين ذوي انتماء قومي محدد‪ ،‬وه��ذا ما يُطلق عليه الحديثة (جديد ًة وثريةً‪ ..‬ومل َوّثة أيضاً)‪ .‬واستخدم الكاتب‬

‫‪84‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫األن��واع األدبية المسرحية والشعرية اليابانية المختلفة وإنما تقدم رؤية عالمية حقة‪ ،‬يتنقل صاحبها بسهولة ويسر‬ ‫(النو الكابوكي الهايكو) في تقديم رؤيته المسرحية‪ .‬وقد من المدينة إلى القرية‪ ،‬ومن الحاضر إلى المستقبل‪ ،‬ومن‬ ‫كتب المسيري مقدمة طويلة تناول فيها األن��واع األدبية عالم اآللة إلى عالم الفن‪.‬‬ ‫اليابانية‪ ،‬كما ت��ن��اول قضية تحديث اليابان وحسابات األيديولوجية الصهيونية‪ :‬دراس��ةُ حالةٍ في علم اجتماع‬ ‫المكسب والخسارة الناجمة عن هذه العملية‪ .‬وقد ترجم ال��م��ع��رف��ة (ج����زآن‪ ،‬المجلس ال��وط��ن��ي للثقافة وال��ف��ن��ون‬ ‫المسيري النص نفسه باالشتراك مع يسري حلمي‪ ،‬وكتب واآلداب‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت ‪1981‬م طبعة ثانية في‬ ‫مقدمته‪.‬‬ ‫جزء واحد ‪1988‬م)‪.‬‬

‫االنتفاضة الفلسطينية واألزمة الصهيونية‪ :‬دراس ٌة في‬ ‫اإلدراك والكرامة (منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬تونس‬ ‫‪1987‬م طبعة خاصة‪ ،‬القاهرة ‪1988‬م)‪.‬‬ ‫كان المسيري قد كتب مقاالً بعنوان‪ :‬إلقاء الحجارة‬ ‫في الضفة الغربية (إب��ري��ل ‪1984‬م‪ ،‬ال��ري��اض) تنبأ فيه‬ ‫بوقوع االنتفاضة الفلسطينية قبل وقوعها بأربعة أعوام‬ ‫تقريباً‪ ،‬كما تنبأ أن سالحها األساسي سيكون الحجارة‪.‬‬ ‫وحين اندلعت االنتفاضة بالفعل كتب هذه الدراسة التي‬ ‫يحلل فيها النموذج االنتفاضي بوصفه نموذج التكامل غير‬ ‫العضوي (نموذج مركزه ضعيف وأطرافه قوية)‪ .‬وقد درس‬ ‫��ركّ��زاً على معنى‬ ‫فيها الجوانب المختلفة لالنتفاضة‪ ،‬م ِ‬ ‫االمتالء الفلسطيني مقابل أزمة المجتمع الصهيوني (ط َوّر‬ ‫المسيري هذه الرؤية في مدخل مستقل في المجلد األول‬ ‫من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية بعنوان‪ :‬نموذج‬ ‫التكامل غير العضوي)‪.‬‬

‫وه����ي أول دراس������ة م��ت��ك��ام��ل��ة ب��ال��ل��غ��ة ال��ع��رب��ي��ة في‬ ‫توصل إليه‬ ‫األيديولوجية الصهيونية‪ ،‬وتضم خالصة ما َّ‬ ‫الكاتب في دراساته السابقة‪ .‬تذهب هذه الدراسة إلى أن‬ ‫لكل‬ ‫األيديولوجية الصهيونية أيديولوجية عنصرية‪ ،‬معادية ٍ ّ‬ ‫من العرب واليهود‪ ،‬وأنها نمط من االستعمار االستيطاني‬ ‫اإلحاللي‪ .‬والكتاب يضم عدة فصول من أهمها الفصول‬ ‫ال��ت��ي ت��ت��ن��اول الخلفية ال��ف��ك��ري��ة للصهيونية وعالقتها‬ ‫بالنازية‪.‬‬ ‫أرض الميعاد‪ :‬دراسةٌ نقديةٌ للصهيونية السياسية (سلسلة‬ ‫كُتب مترجمة رق��م ‪ ،247‬الهيئة العامة لالستعالمات‪،‬‬ ‫القاهرة ‪1980‬م)‪.‬‬

‫وه��و ترجمة لكتاب (‪)The Land of Promise‬‬ ‫ال���ذي كتبه المسيري باإلنجليزية ون��ش��ر ف��ي ال��والي��ات‬ ‫المتحدة‪ .‬والترجمة الصحيحة للعنوان هي أرض الوعد‪.‬‬ ‫أنظر وصف الكتاب في الجزء الخاص بالكتب المنشورة‬ ‫الغرب والعالم ‪ :The West and the World‬تأليف كافين باللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫راي��ل��ي (ترجمة ب��االش��ت��راك) (ج���زآن‪ ،‬المجلس الوطني‬ ‫ال ِ��ف�� ْردَوس األرض���ي‪ :‬دراس���اتٌ وانطباعات عن الحضارة‬ ‫للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويت ‪1985‬م)‪.‬‬ ‫األمريكية (المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‬ ‫كافين رايلي‪ ،‬مؤرخ أمريكي معاصر يهتم بتاريخ األفكار ‪1979‬م)‪.‬‬ ‫وعلم اجتماع المعرفة‪ ،‬وه��و صديق للدكتور المسيري‬ ‫دراس���ة ف��ي الحضارة األمريكية‪ ،‬ه��ي ف��ي واق��ع األم��ر‬ ‫وزوجته‪ ،‬الدكتوره هدى حجازي‪ ،‬اللذين ترجما الكتاب‬ ‫دراس���ة ف��ي ال��ح��داث��ة الغربية ومفهوم التقدم واليوتوبيا‬ ‫إلى العربية‪ .‬والكتاب يتناول تاريخ الحضارة من خالل‬ ‫التكنولوجية‪ .‬وترى الدراسة أن اإلنسان األمريكي إنسان‬ ‫موضوعات (ال من خالل السرد التاريخي المألوف)‪ ،‬ومن‬ ‫ٍ‬ ‫مادي بالمعنى الفلسفي يحلم بأن يؤسس فِ ْردَوساً أرضياً‬ ‫خالل رؤية مركبة ال تَ ُر ّ ُد عالم التاريخ واإلنسان إلى عالم‬ ‫بحيث يتحكم في كل جوانب حياته األرضية أو الزمنية‪،‬‬ ‫المادة والطبيعة‪ ،‬وال تعطي للحضارة الغربية أي َة مركزية‪،‬‬ ‫ولكن ينتهي به األم��ر إلى أن يعيش في الجحيم‪ ،‬ألن من‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪85‬‬


‫يحاول التحكم في كل جوانب الواقع هو إنسان إمبريالي‪ ،‬كتبه المسيري باللغة اإلنجليزية (باالشتراك) ونشر في‬ ‫يحاول أن يتألَّه‪ .‬وألن هذا مستحيل إذ إن الواقع دائماً أكثر الواليات المتحدة‪ .‬أنظر وصف الكتاب في الجزء الخاص‬ ‫ثرا ًء وتركيباً من تصورنا له؛ فمثل هذا اإلنسان يحكم على بالكتب المنشورة باللغة اإلنجليزية‪.‬‬ ‫نفسه بالتعاسة والبؤس الشديدين‪ .‬ويضم الكتاب دراسة ‪The Land of Promise: A Critique of Political Zionism‬‬ ‫في التشابه بين الوجدان األمريكي والوجدان الصهيوني‪،‬‬ ‫‪(New Brunswick, N. J: North American, 1977). 1977‬‬ ‫وأخ��رى في حياة الزعيم األمريكي األس��ود الحاج مالك‬ ‫بعد أن عُ�� ِ ّي��ن ال��دك��ت��ور المسيري م��س��ت��ش��اراً إعالمياً‬ ‫الشباز (مالكولم إكس)‪ .‬كما يضم الكتاب دراسات مطولة‬ ‫وثقافياً لوفد الجامعة العربية لدى هيئة األمم المتحدة‪،‬‬ ‫عن حركة تحرير المرأة‪ ،‬التي تنبأ المسيري آن��ذاك أنها‬ ‫وجد أنه ال يوجد أي نص إنجليزي علمي مطول يمكن أن‬ ‫ستكتسب مركزية متزايدة في حياة اإلنسان الغربي‪.‬‬ ‫يُد َرّس كنص دراسي يتناول تاريخ الصهيونية‪ .‬فكل التواريخ‬ ‫ٌ‬ ‫مختارات من الشعر الرومانتيكي اإلنجليزي‪ :‬النصوص المتداولة كتَبَها متعاطفون مع وجهة النظر الصهيونية‬ ‫األساسية‪ ،‬وبعض الدراسات التاريخية والنقدية (المؤسسة الغربية؛ فكتب هذه الدراسة (التي تُرجمت إلى العربية‬ ‫العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت ‪1979‬م)‪.‬‬ ‫في كتاب بعنوان أرض الموعد (وصحتها أرض الوعد)‪ .‬ثم‬ ‫هذا الكتاب محاولة من جانب المسيري لتقديم النصوص أعد المسيري دراسة من جزأين نُشرت في سلسلة «عالم‬ ‫األساسية للحركة الرومانتيكية في الشعر اإلنجليزي حتى المعرفة» الكويتية بعنوان األيديولوجية الصهيونية‪ ،‬ويحتوي‬ ‫يمكّن القارئ العربي الذي ال يعرف اإلنجليزية أن يُل َّم إلماماً هذا الكتاب على أه َّم ما ورد في هذه الدراسة المنشورة‬ ‫ِ‬ ‫تا ّماً بها‪ ،‬وذلك نظراً إلى مدى تأثير الحركة الرومانتيكية باإلنجليزية من آراء ومعلومات)‪.‬‬ ‫في األدب العربي في الثالثينيات‪ .‬وكان المسيري قد ترجم ال��ي��ه��ودي��ة والصهيونية وإس��رائ��ي��ل‪ :‬دراس���� ٌة ف��ي انتشار‬ ‫بعض النصوص األساسية في كتاب بعنوان الرومانتيكية وانحسار ال��رؤي��ة الصهيونية للواقع (المؤسسة العربية‬ ‫في األدب اإلنجليزي نُشر في القاهرة ع��ام ‪1965‬م في للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت ‪1976‬م)‪.‬‬ ‫سلسلة األلف كتاب‪ .‬ويقدم المسيري في كتابه هذا منهجاً‬ ‫هذا الكتاب محاولة لدراسة بعض الجوانب الالعقالنية‬ ‫لترجمة النصوص الشعرية‪ ،‬كما يضم تعليقاً نقدياً على كل‬ ‫في الصهيونية وعالقتها بالفلسفات المختلفة في أوربا‬ ‫القصائد‪.‬‬ ‫الغربية في القرن التاسع عشر‪ .‬كما يتناول الكتاب بعض‬ ‫العنصرية الصهيونية (وزارة الثقافة وال��ف��ن��ون‪ ،‬العراق االتجاهات اليهودية المتحفظة على الصهيونية (ال الرافضة‬ ‫‪1979‬م)‪.‬‬ ‫لها)‪ .‬ومن أهم الدراسات التي يضمها هذا الكتاب‪ :‬دراسة‬ ‫ي��ب�� ِ ّي��ن ه��ذا الكُتيب أن العنصرية الصهيونية ليست ف��ي أس���ط���ورة م���اس���ادا‪ :‬أس���ط���ورة االن��ت��ح��ار الصهيونية‪،‬‬ ‫انحرافاً عن الرؤية الصهيونية‪ ،‬وإنما هي نتيجة حتمية والحسيدية‪ ،‬وفكر ناحوم جولدمان (صهيونية الدياسبورا)‬ ‫لمنطلقاتها اإلقصائية‪ .‬ويدرس الكُتيب التبديات المختلفة وأوري أفنيري (القومية اإلسرائيلية والفكر الكنعاني)‪.‬‬ ‫لهذه الرؤية‪.‬‬ ‫األقليات اليهودية بين التجارة واالدع��اء القومي (معهد‬ ‫إسرائيل وجنوب أفريقيا‪ :‬باالشتراك (سلسلة كُتب مترجمة البحوث والدراسات العربية‪ ،‬القاهرة ‪1975‬م)‪.‬‬ ‫رقم ‪ ،427‬الهيئة العامة لالستعالمات‪ ،‬القاهرة‪ ،‬بال تاريخ)‬ ‫ينقسم ه��ذا الكتاب إل��ى ج��زأي��ن رئيسيين‪ :‬أحدهما‬ ‫‪1979‬م‬ ‫يعالج تاريخ اليهود في أوربا‪ ،‬واآلخر يبحث في االدعاءات‬ ‫وهو ترجمة لكتاب (‪ .)Israel and South Africa‬الذي القومية الصهيونية‪ .‬وعلى الرغم من اختالف الموضوعين‪،‬‬

‫‪86‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫وإع����داده����م����ا ك���دراس���ت���ي���ن بيروت ‪1979‬م)‪.‬‬ ‫منفصلتين‪ ،‬إال أن ثمة ارتباطاً‬ ‫دراس��ة في فلسفة التاريخ الصهيوني‪ ،‬تذهب إل��ى أن‬ ‫بينهما‪ ،‬ف��وض��ع الجماعات‬ ‫الفلسفات الفاش َيّة تحاول دائ��م��اً أن تضع نهاي ًة للتاريخ‬ ‫اليهودية وعالقتها الخاصة‬ ‫(الزمان والمكان)‪ ،‬لتبدأ من نقطة الصفر؛ وهذا ما يصنعه‬ ‫ب��م��س��ار ال���ت���اري���خ األورب�����ي‪،‬‬ ‫لكل من الفلسطينيين ويهود العالم‪ ،‬إذ‬ ‫هما اللذان أ َدّيا ‪ -‬في نهاية الصهاينة بالنسبة ٍ ّ‬ ‫األمر‪ -‬إلى ظهور االدعاءات تتحول فلسطين العربية إلى إرتس يسرائيل أو صهيون‪ ،‬أي‬ ‫القومية الصهيونية‪.‬‬ ‫«أرض بال شعب»‪ ،‬أما يهود العالم‪ ،‬فهم أشخاص مقتلعون‬ ‫م������وس������وع������ة ال����م����ف����اه����ي����م ال وطن لهم‪ ،‬فهم «شعب بال أرض»‪ .‬ويتوقف تاريخ فلسطين‬ ‫والمصطلحات الصهيونية‪ :‬رؤي ٌة نقدية‪( ،‬مركز الدراسات (التي تنتظر أصحابها األصليين‪ ،‬أي اليهود)‪ ،‬كما يتوقف‬ ‫السياسية واالستراتيجية باألهرام‪ ،‬القاهرة ‪1975‬م)‪.‬‬ ‫تاريخ يهود العالم (الذين يعيشون في «المنفى»‪ ،‬ويتوقون‬ ‫هذا العمل هو بداية الجهد الموسوعي للمسيري؛‬ ‫للعودة لوطنهم القومي األص��ل��ي!)‪ .‬وحين يضع الصهاينة‬ ‫إذ اكتشف ما سماه «جيتوية المصطلح الصهيوني»‪،‬‬ ‫نهاية للتاريخ فهم ال يختلفون كثيراً في هذا عن النازيين‬ ‫وهي أن كل المصطلحات بل المفردات التي ترد في‬ ‫الكتابات الصهيونية لها معنى محدد يختلف عن معناه ال��ذي��ن أوق��ف��وا ت��اري��خ ك��ل العناصر التي ق���رروا أنها تَعوق‬ ‫في النصوص األخرى‪ .‬فـ «الحزب السياسي» في الكيان تطور الشعب العضوي (الفولك)‪ .‬وم��ن أه��م فصول هذا‬ ‫الصهيوني يختلف عنه في الدول غير االستيطانية في الكتاب الفصل األول ال��ذي يتناول قضية حلول اإلل��ه في‬ ‫بنيته ومفهومه‪ ،‬وكلمة «الشعب» كما ترد في المعاجم التاريخ‪ .‬ويظهر نموذج الحلولية بوصفه النموذج التحليلي‬ ‫السياسية يختلف معناها عن معنى كلمة «الشعب» كما‬ ‫يعرّفها‬ ‫األس��اس��ي ف��ي كتابات المسيري‪ .‬والحلولية كما ِ‬ ‫ترد في المعجم الصهيوني‪ .‬وهذه الموسوعة محاول ًة‬ ‫هي إلغاء المسافة بين الخالق والمخلوق بحيث يصبحان‬ ‫أ َّول��ي��ة لحصر المصطلحات وال��م��ف��ردات والمفاهيم‬ ‫الصهيونية‪ ،‬وتحديد معناها ومضمونها‪ ،‬واسترجاع جوهراً واحداً‪ ،‬ومن ثَ َّم يستحيل التجاوز‪ ،‬وتسود الحتميات‪،‬‬ ‫البُعد العربي‪/‬النقدي لها‪ .‬وتقدم الموسوعة تعريفاً وتُص َفّى الثنائيات‪ ،‬وتصبح الظواهر ذاتَ بُعد واحد‪ ..‬وفي‬ ‫مستفيضاً لمعظم المصطلحات الصهيونية الشائعة كلمةٍ ‪ :‬تسود الواحدية (الروحية والمادية) بدالً من الثنائية‬ ‫حتى تاريخ صدورها‪ ،‬ابتدا ًء بـ «الصهيونية العمالية»‪،‬‬ ‫والجدل والتدافع‪.‬‬ ‫ع��ل��ى س��ب��ي��ل ال��م��ث��ال‪ ،‬وان��ت��ه��ا ًء ب��ـ «ال��ك��ي��ب��وت��س»‪ .‬وق��د‬ ‫ب��دأ المسيري ف��ي كتابة موسوعة اليهود واليهودية ‪Israel, Base of Western Imperialism (Committee of‬‬ ‫‪Supporting Middle East Liberation, New York, 1969). 1970‬‬ ‫والصهيونية عام ‪1976‬م‪ ،‬كمحاولة لتحديث موسوعة‬ ‫المفاهيم والمصطلحات الصهيونية‪.‬‬ ‫ي��ت��ن��اول ه��ذا الكُتيب (إس��رائ��ي��ل‪ ،‬ق��اع��دة االستعمار‬ ‫نهاية التاريخ‪ :‬مقدمة لدراسة بنية الفـكر الصهيوني (مركز‬ ‫الغربي) جانبين في الكيان الصهيوني إسرائيل كقاعدة‬ ‫ال��دراس��ات السياسية واالستراتيجية ب��األه��رام‪ ،‬القاهرة؛‬ ‫لالستعمار الغربي‪ ،‬وموقف دول العالم الثالث وحركات‬ ‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت القـاهرة ‪1972‬‬ ‫التح ُرّر الوطني منها في الستينيات‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪87‬‬


‫عبدالوهاب املسيري‬ ‫الذائد عن حياض األمة‬

‫> عمار اجلنيدي*‬ ‫اشتهر المفكر العربي اإلسالمي الدكتور عبدالوهاب المسيري‪ ،‬وعُرِ َف بموسوعته‪« :‬اليهود‬ ‫واليهودية والصهيونية»‪ ،‬التي قضى في تأليفها نحو ربع قرن؛ رغم إص��داره مجموعة من‬ ‫المؤلفات‪ ،‬توازي الموسوعة بأبعادها الثقافية المختلفة‪ ،‬ومنها «العلمانية الجزئية والعلمانية‬ ‫الشاملة»‪ ،‬و«إشكالية التحيز‪ :‬الحرية المعرفية دعوه لالجتهاد»‪ ،‬و«دراسات في الشعر وفي‬ ‫اآلداب والفكر»‪ ،‬ودي��وان شعر بعنوان‪« :‬أغاني الخيرة والحيرة والبراءة»‪ .‬ومع هذه الثقافة‬ ‫الموسوعة أفقياً‪ ،‬فقد استأثر الصراع العربي مع كل ما يحيط به من مؤثرات خارجية‬ ‫وداخلية‪ ،‬بمقاالته وعطائه الفكري؛ فظل هاجسه األكثر غوراً في نفسه وكتاباته حتى الرمق‬ ‫األخير من صراعه مع مرض السرطان‪ ،‬الذي فتك به في ‪2008/7/22‬م‪ ،‬في مستشفى صغير‬ ‫استشف منه الكثيرون معنى االرتباط المعنوي الذي يجمع بين‬ ‫ّ‬ ‫يدعى «مستشفى فلسطين»‪،‬‬ ‫األسماء‪.‬‬ ‫وفي مقالة له بعنوان‪« :‬فلسطين المحتلة والعقل األمريكي»‪ ،‬ينتقد من خاللها العقلية‬ ‫األمريكية التي تنظر إلى األمور من موقعها المادي مباشرة‪ ،‬وتقع ضمن ما سماه المسيري‬ ‫بـ «الخريطة اإلدراكية»‪ ،‬وهي مجموعة األساطير والذكريات والرؤى والمقوالت التي تسيطر‬ ‫على تلك العقلية‪ ،‬والتي تحدد رؤيتها اإلدراكية تجاه الواقع‪.‬‬ ‫أما عن الرؤية األمريكية للصراع العربي اإلسرائيلي‪ ،‬فان هذه السياسة تعرض صوراً‬ ‫للظلم الذي يلحق بالفلسطينيين‪ ،‬وكما يؤكد المسيري‪ ،‬فإن هذه الصور ال ولم تُغيّر في واقع‬ ‫الموقف األمريكي إال قليالً‪ ،‬على مدى سنوات االحتالل اإلسرائيلي الطويل لألراضي العربية؛‬ ‫ومع ذلك فقد ظل هذا الموقف مثاالً صارخاً لالمباالة األمريكية إزاء النظام اإلسرائيلي‬ ‫وتشجعه وتناصره في كل حاالته‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫القمعي في األراضي المحتلة‪ ،‬الذي تدفعه‬ ‫والمسيري إذ يفضح وينتقد سياسات إسرائيل في تقطيع األراض��ي المحتلة وتشتيتها‬ ‫وضمها‪ ،‬وتحويلها إلى مناطق فلسطينية ‪ -‬مملوءة بالمستوطنات ‪ -‬يفصلها الجدار العازل‪،‬‬ ‫تعمد إسرائيل إل��ى قيام (دول��ة) كيان فلسطيني مقطع األوص���ال‪ ،‬يزدحم بالجدار العازل‬ ‫والحواجز ونقاط التفتيش‪ ،‬وبيوت الفلسطينيين المهدّمة‪ ،‬وبؤر المستعمرات‪ ،‬المتناثرة هنا‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫وهناك‪ ،‬على نحو ‪ %10‬من أراضيها‪ ،‬مستثنية القدس‬ ‫من هذا الكيان (الدولة)‪.‬‬ ‫ويشير بوضوح إلى الالمباالة التي تمكنت من عقلية‬ ‫الشعب األمريكي وتصرفاتهم الالمسئولة تجاه ما تفعله‬ ‫إس��رائ��ي��ل‪ ،‬وم��ن دور مساند ومشجع تقدمه ال��والي��ات‬ ‫المتحدة األمريكية لها لتدمير الشعب الفلسطيني‬ ‫وتطلعاته القومية والوجودية‪ ،‬وكل َم ْن يتجرأ على فضح‬ ‫الممارسات اإلسرائيلية تلك‪ ،‬يتهم مباشرة بمعاداته‬ ‫للسامية؛ فالتهمة ج��اه��زة‪ ،‬على ال��رغ��م م��ن شيوعها‬ ‫وجدّيتها وتوقع إلصاقها‪.‬‬

‫احتاللها لألراضي العربية‬ ‫م��ن��ذ ال��ع��ام ‪1967‬م‪ ،‬وه��و‬ ‫رصد يتناقض مع األضواء‬ ‫االح��ت��ف��ال��ي��ة ال��م��ص��اح��ب��ة‬ ‫ل���ل���ذك���رى ال���س���ت���ي���ن ع��ل��ى‬ ‫ق��ي��ام ال��دول��ة الصهيونية‪،‬‬ ‫والحديث عن االنتصارات‬ ‫واالن��ج��ازات المرافقة في‬ ‫مثل هكذا احتفال‪.‬‬

‫و يرى المسيري أن ما‬ ‫يوضحه التقرير عن انعكاسات االنتفاضتين‪ :‬األولى عام‬ ‫‪1987‬م والثانية عام ‪2000‬م على اقتصاديات الدولة‬ ‫الصهيونية‪ ،‬إنما جرّت مشاكل عانت منها القطاعات‬ ‫االجتماعية والتعليمية والصحية‪ ،‬خاصة بعد تزايد‬ ‫األعباء العسكرية واألمنية‪ ،‬وتضخم المبالغ المرصودة‬ ‫إلحكام السيطرة على األراضي الفلسطينية المختلفة‪،‬‬ ‫ما أدى إلى الوقوع تحت وطأة ركود ثقيل؛ ستظل تعاني‬ ‫منه لزمن قادم طويل‪.‬‬

‫ويوضح المسيري‪ ،‬أن العقلية األمريكية تحاول‬ ‫دوماً تبرير ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين‪ ،‬والدفاع‬ ‫عنها وأن اليهود لم يفعلوا كل هذا‪ ،‬ولم يكونوا البادئين‬ ‫به‪ ،‬فيكون لزاما علينا تحريرهم من هذا الوهم‪ ،‬بشرح‬ ‫بعض التفاصيل التاريخية لألمر‪ .‬وهنا ال بد من اإلشارة‬ ‫إلى وعد بلفور الصادر عام ‪1917‬م ال��ذي روّج لوطن‬ ‫قومي لليهود في فلسطين‪ ،‬والذين لم يمثلوا آنذاك أكثر‬ ‫من ‪ %10‬من عدد سكانها‪ ،‬ثم يكون التعريج لزاما على‬ ‫ويخلص المسيري إلى أن الدولة الصهيونية لم تنجح‬ ‫قرار التقسيم عام ‪1947‬م القاضي بتخصيص ‪ %55‬من‬ ‫«في ترسيخ وجودها في المنطقة‪ ،‬وفي إخضاع الشعب‬ ‫فلسطين للدولة اليهودية‪ ،‬ويعد ذلك جواباً على‪« :‬من‬ ‫الفلسطيني والشعوب العربية لمشيئتها‪ ،‬رغم ما حققته‬ ‫بدأ األمر؟»؛ ثم يأتي شرح البرنامج الصهيوني للتطهير‬ ‫من توسع بقوة ال��س�لاح»؛ فالباحثون اإلسرائيليون ال‬ ‫العرقي ضد السكان الفلسطينيين‪ ،‬باعتراف المؤرخين ي��ن��ك��رون أن ال��ن��زاع م��ع الفلسطينيين «ي��ق��وّض النمو‬ ‫اإلسرائيليينس‪.‬‬ ‫االقتصادي في إسرائيل ويثقل كاهل ميزانيتها‪ ،‬ويحد‬ ‫وي��خ��لُ��ص ال��م��س��ي��ري م���ن ذل����ك إل����ى أن ال���ص���ورة م��ن ت��ط��وره��ا االج��ت��م��اع��ي‪ ،‬وي��ش��وّش رؤي��ت��ه��ا‪ ،‬ويضرب‬ ‫ع��ن المثقف األم��ري��ك��ي وموقفه م��ن ال��ص��راع العربي بمكانتها الدولية‪ ،‬ويستنزف جيشها ويفتت ساحتها‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬هي صورة سلبية قاتمة كئيبة‪ ،‬ال تبدو معها السياسية ويهدد وجودها كدوله قومية لليهود»‪.‬‬ ‫الحقيقة واضحة ونزيهة في التعامل مع هذا الصراع‪.‬‬ ‫ه��ذا هو العالمة الموسوعي الدكتور عبدالوهاب‬ ‫وف��ي تعليق له على تقرير ص��در عن أح��د المراكز المسيري‪ :‬المدافع عن قضايا األمة ومعاناتها‪ ،‬تعددت‬ ‫البحثية اإلسرائيلية بعنوان‪« :‬ثمن االح��ت�لال‪ ..‬عبء اهتماماته‪ ،‬كموسوعي ومفكر ومترجم وشاعر وناقد‬ ‫النزاع اإلسرائيلي الفلسطيني»‪ ،‬يذكّر المسيري بما وأديب وكاتب لألطفال وباحث وسياسي‪،‬‬ ‫رص��ده التقرير ع��ن معاناة ال��دول��ة الصهيونية ج��رّاء‬ ‫* كاتب من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪89‬‬


‫كــلمــة في احلـــرف‬

‫العـربـي*‬ ‫> د‪ .‬خ ــيرالله س ـ ــعيد**‬

‫تتشاكـس لحظات والدته األولـ ــى مع الرح ــم‬ ‫ال��ذي انبجـ ــس عن ــه‪ ،‬مـع ــززاً والدت ــه بِسَ ْمْت‬ ‫عربي كامل الهـ ــيئة‪ ،‬رافضاً التـ ـمـاث ــل والت ــبع ــية‬ ‫للح ــرف الحم ــيري ال��ذي س ــبقه وك��ان ســبباً‬ ‫لوجــوده‪ ،‬يس ـ ـ ــير الهـ ــوينا في م ــدارج العـ ـقـ ــول‪،‬‬ ‫وينبــش الذاك ــرة العربيــة لتجـ ــد ل ــه الفضـ ــاء‬ ‫النف ــسي وال��ح��س��ـ��ي وال��ج��ـ��غ��ـ��ـ��ـ��راف��ي والبيئي‬ ‫والث ــقافي‪ ،‬ح ــتى يعـ ـبـ ّر ب ـهــا ع ــن نـف ـ ـســه‪.‬‬ ‫س ــطى على المخـ ـيّـلــة الع ــربية في زم ــن‬ ‫الصحـ ــراء‪ ،‬وأب ــدل يـ ــنابيع التــأم ـ ـ ــل الفكري‬ ‫ال اسـ ـمـه عـ ــالم ــة مم ـيّـزة‬ ‫بقحـ ـطـهـ ــا‪ ،‬جاعـ ـ ً‬ ‫لـق ــوم أرشـ ـفــوا أدب ـهــم في المـع ـ ـ ـ ـلـقـ ـ ـ ــات‪،‬‬ ‫وأرج ــزوا بن ــبرات ــه ف ـ ــي أسـ ــواق الجـ ــاهـلـ ــية‪،‬‬ ‫فـك ــان وتــر الق ـ ــوس الذي رمــوا بـ ـ ـ ــه ســهام‬ ‫المع ــرفة من كـنانـة التــأصيـل‪.‬‬ ‫ك���ان مف ــتاح الفص ــاحة ع ــند أع��ـ��ـ��ـ��راب‬ ‫البـ ــوادي‪ ،‬وأه ــل الحـض ــر إل ــيه يـشـ ـدّون‬ ‫الرحـ ـ ــال‪ ،‬بــه عــرفــت األس ــماء األول ــى‪،‬‬ ‫واألبـ ـجـدية األول ــى‪ ،‬وأش ــار إليه المـس ــيح عــند‬ ‫الـ ــوالدة األول ــى‪ ،‬م ــوح ــياً إلى حـ ــمامة نـ ــوح‬ ‫والج ــبل ال ــذي إليه رســت السـ ــفينة‪.‬‬ ‫بــه دوّنت األسـ ــفار األول ــى للع ـ ـقـل الع ــربي‪،‬‬ ‫وب��ـ��ـ��ه ن��ـ��ـ��زل الكـ ـ ـ ــلم المـقـ ـ ّدس‪ ،‬وعــليـ ـ ـ ــه‬ ‫مـ ـ ــدار القـســم الـرب ــاني في الــتن ــزيل‪ ،‬وهو‬ ‫مفتاح «الـسـ ــور»‪ ،‬وب ـ ـ ـ ـ ــه تـش ـ ــاكـلت الع ـ ــقول‪,‬‬ ‫واخـ ــتلفت فـي التـفـ ـسـير والتـ ــأويـل‪ ،‬حـ ـتــى‬ ‫ال ــيوم‪.‬‬ ‫أ ّم بــه األمـ ــوي ـ ــون شـ ـ ـعـوب الش ــرق‪ ،‬وإلى‬ ‫مـ ــدارس ــه شـ ـدّت المـط ــايا‪ ،‬وبه جال الحـ ــديث‬ ‫وعــرفت «الصـ ــحاح» وت ـمـايـ ّزت «الــرجـ ــال»‪.‬‬ ‫حـ ـ ـمـل ــه الـعـ ـ ـبّـاسـ ـيّـون على ه ــاماتـ ـهـم‬

‫‪90‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫ب ــنداً‪ ،‬وتـ ـفـاخــروا بــه على أع ــدائ ـهـم عـهـ ــداً‪.‬‬ ‫احــتضـن ــه الـف ــكر اإلسالمي فــأسـس بــه‬ ‫مــدارس للع ـ ـقـول‪ ،‬ومـ ــذاهـ ــب لألدب فـ ـ ـ ـ ــي‬ ‫المـ ـنـ ــزل والمـ ـن ـ ــقول‪ ،‬وب ــه ص ــال الشـ ــعر‪،‬‬ ‫ـط‬ ‫وع ــلى ه ــدي ــه تـم ــايز النثـ ــر‪ ،‬ب ــه خـ ـ ّ‬ ‫الجاح ــظ بي ــانـه «وأع ــلى الـت ــوح ــيدي سـ ــنانـه‪،‬‬ ‫وعل ــى تـ ــأويـلـه كان الـت ـص ـ ــوف اإلسالمي يـش ــد‬ ‫أرك ــانـه‪ ،‬ويخ ــوض صــراع ــات ــه بـوحـ ــدة بي ــانـه‪،‬‬ ‫وب ــه تـ ـ ـ ـ ــوالــى األق ـ ـطـاب فـي الـشـ ـطـح ـ ــات»‬ ‫وفي اخـ ـ ــتالف رس ــوم ـ ـ ــه كانت الـبي ّـ ــنات‪:‬‬ ‫«بــين التـذلـ ّل والتــدلـ ّل نـقـ ـطــة (‪ ).‬فـي‬ ‫ف ـه ــمهـ ــا يتـحـ ـيـ ّر الـنـحـ ـ ــريـر! هــي نـقـ ـطــة‬ ‫األكــوان إن جاوزتها‪ ،‬فـه ــو الم ــراد وع ـ ــنده‬ ‫األكسـ ـ ـيــر»(‪.)1‬‬ ‫وه ــو عـن ــدهم «حــرف لـغـ ــات وتص ــريف‪،‬‬ ‫وتـف ــرق ــة وت ــأليف‪ ،‬وم ــوصـ ــول ومـقـط ـ ــوع‪،‬‬ ‫ومـ ــبهـم ومـعـ ـ ــجم‪ ،‬وأش ـ ــكال وه ـ ــيئـ ـ ـ ــات»(‪.)2‬‬

‫والح ــروف عـ ــند الش ــيخ األكـ ــبر‪« :‬أئـ ـمــة‬ ‫األلـ ـ ـفـاظ» وتجـ ــليـ ـاً للملك والملـ ـ ــكوت‬ ‫وال��ج��ـ��ب��روت ف���ي «أ ل م» ه��ـ��ـ��ـ��ـ��نّ المنـ ـتــهى‬ ‫والم ــبت ــدأ‪ ،‬وبالحـروف سـ ــارت األقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‬ ‫وش ــدى الوجـد في الوجـود عندهم‪.‬‬ ‫مــع ال ـف ــتح‪ ,‬ف ــتح لبقـ ــية الشـ ــعوب طــاقـات‬ ‫ال ــنور‪ ,‬وسـ ـيّـد رس ــمه على بق ــية الحـ ــروف‬ ‫واللـ ـ ـغـات‪ ،‬فـعـ ـشـقـتـ ــه أع ــين األق ــوام‪ ،‬وم ــالت‬ ‫ال��ـ��ـ��ي��ه نفـوســهم‪ ،‬وب��ـ��ـ��ه س��ـ��ـ��ط��ـ�� ّـ��روا معـ ـ ــاجم‬ ‫وجـ ــدهــم‪ ،‬ولغـ ــات أس ــالفـهم‪.‬‬

‫الحـ ــرف‪ ،‬ه ــو نـقـطـ ــة ال ــبدء في عـلـ ــوم‬ ‫ـف الك ــفاية ل ــهم للتخ ــلص‬ ‫الــوراّقـ ــين‪ ،‬وهـ ــو ك ّ‬ ‫مـ ــن ربق ــة الس ــلطان‪ ،‬وس ــيطرة الـ ــوالي‪،‬‬ ‫وعـنج ـه ــية الـ ــوزير‪ ،‬ب ــه حـ ـرّروا العـقـ ـ ــل من‬


‫ده ــاليز الظـ ــالم‪ ،‬وص ــانوا النـفـ ــس عن ذل ـ ــة الس ــؤال في‬ ‫طـلـب الـنوال؛ فكفكف عيش ــهم وصـ ــان مــروءت ــهم‪ ،‬وحف ــظ‬ ‫إبـ ــداعــهم وإب ــداع غ ـ ــيرهم؛ فنش ــروا على المأل عـ ــلوم ـ ــه‪،‬‬ ‫وت ـ ــدارسـوا فـ ـنـ ّه ورس ــوم ــه‪ ،‬ووضـ ـعـوا األص ــول لكتابت ــه‬ ‫وحج ــوم ــه؛ وعـقـ ّـ ـ ــله ابـن مـق ـ ــلة‪،‬‬ ‫وه ــندس أص ــله وسـ ـقـله‪ ،‬وأخ ــذ‬ ‫ال ــناس عـ ـن ــه منهـ ــاجـه وفصـ ــله؛‬ ‫وف ـت ــح أبـ ــوابـ ـ ــه ابن ال ـب ـ ـ ـ ـ ـوّاب‪،‬‬ ‫وأزال ع���ـ���ن غ��ـ��ـ��ـ��وام��ض��ـ��ـ��ـ��ه ك��ل‬ ‫حـج ـ ــاب؛ فـأشرقـت أن ــواره على‬ ‫مشـ ـ ـ ـ ــارق الدن ــيا ومغارب ـ ـ ـ ــها‪،‬‬ ‫فـت ــغن ـّـت بأق ــالم ــه ن ــوادي األدب‪،‬‬ ‫وعرف ب ــه أصـحــاب الكـفـ ـ ــاءة في‬ ‫ال ــرتب‪ ،‬وبـه خـط الق ـ ـ ـ ــرآن كـ ـ ــتاباً للع ــرب‪.‬‬

‫تح ــاقبت عـ ـل ــيه العـ ـهـ ــود‪ ،‬وم ــا زال في الف ــكر يجـ ــود‪،‬‬ ‫ل ــه مع ــالم اإلش ـ ـ ــراق ت ــبدو‪ ،‬وإلــيه نفـ ــوس الم ــبدعين‬ ‫تـغـ ــدو‪ ،‬تنـق ّــلت بــه الم ـ ــدارس‪ ،‬وتــرس ـّمـت بــه أس ــماء‬ ‫المـ ــدن وأزالت الغـبار عــن كل دارس‪.‬‬

‫في الـك ـ ـ ـ ـ ــوفـة عـ ـلّـم خطــاه‪ ،‬وتـ ــوشـّـحت بــه بغ ـ ـ ـ ــداد‬ ‫فــي «مـ ــأمـ ــونــها»‪ ،‬وب ـ ــه ازدان��ت األمص ــار في رس ــومــه‬ ‫على المـع ــابد‪ ،‬وعلى شرف ــات الم ــآذن ومح ـ ــاريـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب‬ ‫المـس ــاجـد‪ ،‬فك ـ ـ ــان الش ــاخص الثق ــافي األبــرز في ثقــاف ــة‬ ‫اإلسالم‪ ،‬والفـ ـ ــن المميز في عبقــرية األع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالم‪.‬‬

‫ه ـ ــو نقط ـ ــة الفص ــل في الفـنـ ـ ــون‪ ،‬وه ــو أداة الق ـسـ ــم‬ ‫في «ال ـنـ ــون»‪ ،‬وهـ ـ ــو الث ــابت ال��ذي تج ــلي ــه ح ــدقـات‬ ‫العـ ــيون‪ ،‬وهــو المتح ـ ـوّل اليــه في ن ــزوات الف ـ ـتـون‪ ،‬ه ــو‬ ‫الــوت ـ ــد الذي نص ــب عليــه األوائـ ــل خ ــيم المـعـ ــارف‪ ،‬وهـ ــو‬ ‫الط ـ ــنب الذي ش ـ ّد األواخ ــر ب ـ ـ ـ ـ ــه ص ــيوان الت ـع ــارف‪ ،‬هــو‬ ‫ق ــبلة الكتـ ـ ـّـاب في س ـفـر الحجـ ــيج‪ ،‬هــو اله ــوية التي تفصح‬ ‫عن ذات ــها في كــل فــج‪ ،‬ه ـ ـ ـ ــو اللس ـ ـ ــان المت ــرجم عن ذوات‬ ‫حـ ــام ـل ــيه في تف ــاصـ ـ ـ ـ ــح األج ـ ــناس‪ ،‬وه ــو العــالمــة التي‬ ‫ال تنــدرس في صفح ــات الحج ـ ــر أو القـ ــرط ــاس‪.‬‬

‫هــو المع ــادل المـوضـوعي ف��ي تـ ـمــايز الثق ــافات‪،‬‬ ‫واإلش ــارة التي ال ت ــدانيهـ ــا كل الع ــالمــات‪.‬‬

‫هــو القـ ـ ــوة في التعـ ــبير‪ ،‬والباع ــث على الت ـمــاسك‬ ‫في التـ ــدوير‪ ،‬هـ ــو الم ــرونــة ف ـ ـ ـ ــي ريشـ ــة الخـطـ ــاط‪.‬‬ ‫ه ــو المـطـ ــاوعـ ــة في اس ــتدارة‬ ‫الي ــد في الرس ــم على الم ــرامـر‬ ‫والبـ ــالط‪ ،‬ه ــو الجمـ ـ ــال فـ ـ ـ ــي‬ ‫ال��م��ف��ـ��ـ��ـ��ـ��ردات ال��ع��ـ��ـ��ـ��رب��ي��ة‪ ،‬وهـ ــو‬ ‫المقـ ــياس الفنـ ــي ف��ي رســوم‬ ‫األب��ج��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��دي��ة‪ ،‬ه��ـ��ـ��و ص��ـ��ـ��ـ��اح��ـ��ب‬ ‫الق ــابلي ــة على التشكيـ ــل‪ ،‬ه ــو‬ ‫الس ـ ـ ـ ّنـة التي ليـس لـه ــا ت ــبديل‪،‬‬ ‫ه ــو الظ ــاهــر والب ــاط ــن في كل حـ ـ ــروف « التن ـ ـ ــزيل»‪.‬‬ ‫ه ــو اآلي ـ ـ ـ ـ ــة التــي م ـيـ ـ ّزت لس ــان الع ــرب في س ـ ـ ـ ــورة‬ ‫الحض ــارة ومـواقع التفضيل‪ .‬ه ــو الح ــقّ الذي حص ـحــص‬ ‫في عـق ــول المسـ ــتشرقـ ــين‪ ،‬فأشاروا ل ــه في البي ــان‪ ،‬وه ــو‬ ‫الصـ ــورة األوضح في وجـ ــدانه ــم عنــد الك ــالم على مع ــارج‬ ‫الع ــرف ـ ـ ـ ــان‪ ،‬ه ــو رن ــين الم ــاضي التـ ــليد‪ ،‬وايــقاع الح ــاضر‬ ‫المج ـ ــيد‪.‬‬ ‫ل ــم تتج ــاوزه ح ــروف الطـ ــباعة ك ــما تج ــاوزت غ ــيره‬ ‫من الحـ ــروف‪ ،‬وظــل شامخ ـاً في مخـيــلة اإلب ـ ــداع‪ ،‬رغ ــم‬ ‫تـبـ ــاعد سـ ــني الم ــألــوف‪ ،‬ألـ ّــفت في ــه األبح ــاث الط ــويلـ ـ ـ ــة‬ ‫وأنش ــدت في ـ ـ ـ ـ ــه القصـ ــائـد الج ــليل ــة‪.‬‬

‫ه ــو الب ــاعث على اإللـ ـه ــام ف��ي «التشكـ ــيل» وه ــو‬ ‫النقط ــة والس ــطر في لوحــات الف ــن الجم ـ ــيل‪ ،‬تعشـ ـقـه‬ ‫عيــون الن ــاظر‪ ،‬وتشــرئبّ لــه األعن ــاق والن ــواظر‪ .‬هــو‬ ‫س ـ ـيّد المسـ ــاحات على ال ــورق‪ ،‬وهــو نب ــض الكـل ـم ــات‬ ‫في ميـ ــادين القـ ـلـق‪ ،‬هــو المي ــل واالنسياب في زخ ـ ـ ــارف‬ ‫الع ـشـ ـ ـ ــق‪ ،‬وهــو الج ــدائ ــل المـضـ ـفــورة في مقــرنص ــات‬ ‫األفـ ــاري ــز‪ ،‬وحــامـ ــل الكلمات المط ـ ـرّزة باإلبريز‪ ،‬هــو درّة‬ ‫تـاج الفن ــون اإلسالمية‪ ،‬الذي ال ي ــدانيـ ــه ت ــاج آخ ــر في‬ ‫مسارات الثقافة العربيـ ــة‪.‬‬

‫* الفصل الخامس من الباب السادس المعنون‪« :‬شخصية الحــرف العربي» من الجزء الرابع من موسوعـتنا «الــوراقــة وال ـ ــورّاقــون‬ ‫في الحضارة لعــربية االس ــالمي ـ ــة‪( ،‬قــيد النشر)‪.‬‬ ‫** أكاديمي عراقي مقيم في ك ــندا‪.‬‬ ‫‪ -1‬أخ ــبار الح ــالج – ألبن الساعي علي بن أنج ــب ‪ -‬تحقيق لوبس ماســنيون وبـول كراوس‪ -‬منشورات مطبعة العــلم‪ ،‬بيروت ‪1936‬م‬ ‫‪ -2‬المواقف والمخ ــاطبات – للنـفـ ـ ّري‪ ،‬ن المخ ــاطبــة ‪.23-‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪91‬‬


‫صنارة األفكار‪..‬‬

‫كيف تلتقط اخلاطرة وتستثمرها؟‬ ‫> محمد عيسى صوانه*‬

‫ثمة أفكار جميلة وثمينة تخطر على أذهان األدباء والمفكرين وأصحاب األقالم الذهبية‪،‬‬ ‫ورج��ال األع��م��ال وأص��ح��اب المشروعات‪ ،‬في لحظات انشغال أو تأمل‪ ،‬ولربما في أوق��ات‬ ‫استرخائهم‪ .‬والناجح من يسجلها ويوثقها ف��وراً‪ ،‬فتنشأ منها مبادرات ناجحة أو مشروعات‬ ‫كبيرة‪ ،‬عادت على صاحبها بالنفع الكبير‪.‬‬ ‫وهذه األفكار تخطر على البال بصورة عاجلة‪ ،‬بل تأتي أحياناً كوميض البرق الخاطف؛ لذا‪،‬‬ ‫ينبغي تداركها وتسجيلها قبل أن تتالشى َوتُنسى في غمرة اإلنشغال بأمور الحياة واألعمال‬ ‫اليومية‪ ،‬وعند محاولة استرجاعها فإن الذاكرة تخوننا ‪ -‬مع األسف ‪ -‬في كثير من األحيان؛‬ ‫ومن جميل مأثور القول‪« :‬العلم صيدٌ والكتابة قيد»! فعلينا التقاط الفكرة أو الخاطرة‪ ،‬وتدوينها‬ ‫قبل أن تطير‪ ،‬فيتعذر اصطيادها!‬ ‫هناك مَن يملكون ذاكرة قوية‪ ،‬تحفظ لهم خواطرهم فيتذكرونها الحقا‪ ،‬ومع ذلك تفوتهم‬ ‫بعض التفصيالت والعناصر المهمة‪ ،‬التي لو تداركوا تسجيلها منذ البداية‪ ،‬ألدّت دورها في‬ ‫تفعيل الفكرة وتعظيم نتائجها؛ فما علينا إال اإلفادة من الخاطر السريع مهما كان لونه األدبي‬ ‫أو مجاله العملي‪ ،‬حفاظاً عليه من النسيان أو الذوبان‪.‬‬ ‫فكم من فكرة رائعة خطرت ألديب أو مفكر أو حتى إنسان عادي فاستغلها وبادر إلى تنميتها‬ ‫وتغذيتها بفكره وبحثه؛ فأثمرت عن مشروع كبير‪ ،‬وعادت على صاحبها بالنفع العظيم! وفي‬ ‫المقابل‪ ..‬آخرون راودتهم خواطر قيمة في أوقات انشغالهم‪ ،‬أو فراغهم فلم يعيروها اهتماماً‪،‬‬ ‫ظناً منهم أنهم سيتذكرونها الحقاً‪ ،‬لكنها تبخرت واستحال عليهم استرجاعها‪،‬‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫قال ابن الجوزي‪« ،‬إنه لما كانت الخواطر تجول‬ ‫في تصفح أشياء تعرض لها ثم تعرض عنها فتذهب؛‬ ‫كان من أولى األمور حفظ ما يخطر لكيال يُ نسى!»‪.‬‬ ‫وقد جلس أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي طيلة‬ ‫حياته يتصيّد الخواطر ويسجلها حتى تكون عبرة‬ ‫لمن اعتبر‪ ،‬ويعم نفعها‪ ،‬فكتابه «صيد الخاطر»‪ ،‬ما‬ ‫زال يتداوله ال��ق��رّاء على مر الزمان فينتفعون من‬ ‫فوائده وعجائبه ويتندرون بالكثير منها‪.‬‬ ‫مفتاح تنمية الخاطرة‬

‫ومن باب المكسب‬ ‫والخسارة‪ ..‬لن نخسر‬ ‫ش��ي��ئ��اً‪ ،‬ب���ل سنكسب‬ ‫ال��ك��ث��ي��ر ب������إذن ال���ل���ه؛‬ ‫ف���رب���م���ا ك����ان����ت ت��ل��ك‬ ‫األفكار إن لم تدوَّ ن‬ ‫ال����ف����ك����رة ال���خ���اط���رة‬ ‫فهي عرضة للضياع‬ ‫ال����س����ري����ع����ة ب����داي����ة‬ ‫ل��م��ش��روع اق��ت��ص��ادي‬ ‫كبير‪ ،‬أو ميالداً لقصيدة شعرية‪ ،‬أو قصة قصيرة‪،‬‬ ‫أو مقالة أو أي إب��داع أدب��ي‪ ،‬نحلّق من خالله في‬ ‫آفاق األدب والثقافة‪.‬‬ ‫الخاطرة صيد‬ ‫والكتابة قيد!‬

‫ال��ف��ك��رة ت��أت��ي ‪ -‬اب����ت����دا ًء ‪ -‬ك��وم��ي��ض ال��ب��رق؛‬ ‫حقيقة ثابتة تؤكدها ذاكرتي وذاكرتك‪ ،‬سجالتي‬ ‫وس��ج�لات��ك‪ ..‬المترامية على أرف���ف مكاتبنا‪ ،‬أو‬ ‫فلنبادر الغتنام الفكرة أو الخاطرة أينما جاءت‬ ‫أوراقنا المتناثرة هنا وهناك‪ ،‬تنتظر منا البحث وكيفما كانت‪ ،‬وفي أي حين عنّت لنا‪ .‬وال شك أن‬ ‫فيها وتنميتها واستثمارها‪..‬‬ ‫في ذلك دليل الفطنة والجدية‪ ،‬في توظيف المثمر‬ ‫فثمة أف��ك��ار ع��دي��دة وم��ه��م��ة ع�� ّن��ت ل��ن��ا ف��ي أف��ق من تلك الخواطر ‪.‬‬ ‫مخيلتنا في سيرنا أو أثناء عملنا وانشغالنا أو حتى وبعد‪،‬‬ ‫قبيل نومنا فلم نعرها اهتماماً بالتوثيق والتسجيل‬ ‫كثيرة هي الخواطر واألفكار التي تأتي سريعة‬ ‫النشغالنا عنها ناسين أو متجاهلين أهمية تدوينها‬ ‫أثناء انشغال فكرنا‪ ،‬وإن تسجيل كل خاطرة في‬ ‫ولو كرموز أو كلمات تكون أشبه بمفاتيح توصلنا إلى‬ ‫غاية لم تكن مدرجة في جدول أعمالنا أو مشاريعنا؛ حينها يعد استثماراً لنتاج ذهني سريع‪ ،‬حتى ال‬ ‫فتطايرت ولم نعد قادرين على التقاطها أو تذكرها‪ .‬تفوت الفرصة ويضيع «الصيد»‪ ،‬ال��ذي قد يكون‬ ‫ثميناً!‬ ‫ومن هنا‪ ،‬كانت لي همسة في أذن القارئ‪:‬‬ ‫إن ت��واف��ر قصاصة ورق ف��ي جيبك أو سيارتك‬ ‫ما الذي نخسره لو احتفظ الواحد منا بدفتر‬ ‫أو على مكتبك تتيح لك تسجيل مفاتيح أو «رؤوس‬ ‫صغير للمالحظات‪ ،‬أو أوراق الصقة‪ ،‬في جيبه‬ ‫أقالم» لما هو مهم من األفكار السريعة‪ ،‬التي تخطر‬ ‫أو في سيارته‪ .‬وإذا ما جاءتنا الفكرة واقفين أو‬ ‫ف��ي ذهنك أث��ن��اء انشغالك‪ .‬كما يمكن اإلف���ادة من‬ ‫جالسين منشغلين في مكاتبنا‪ ،‬فينبغي أن ندوّنها‬ ‫بسرعة‪ ،‬كما خ��ط��رت بسرعة؛ وإن خ��ط��رت لنا التسجيل في صفحة التقويم المتوافرة في بعض‬ ‫أثناء قيادة السيارة نتغنى بها حتى أول وقفة نقف أجهزة الهاتف المتنقل (الجوال)‪ ،‬أو تدوينها كرسالة‬ ‫عندها‪ ،‬لنقوم بتسجيلها مختصرة حتى يمكن نصية أو صوتية‪ ,‬عند الحاجة‪ .‬ولنعلم أن ما بين‬ ‫نجاح المرء وفشله بدء التفكير وحسن التدبير‪.‬‬ ‫الرجوع إليها الحقاً‪..‬‬ ‫* كاتب وإعالمي من األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪93‬‬


‫حتى ال ننسى محمود درويش‬

‫> صالح مفلح الطراونه*‬

‫محمود درويش من سجن إلى منفى‪ ،‬ومن منفى‬ ‫إلى سجن‪ ..‬هو من كتب (حكاية وطن)‪.‬‬ ‫باألبيض كفنّاه‪ ..‬باألبيض كفنّاه‪ ..‬إنه استثنائي‪..‬‬ ‫أح����ب ال���ق���اه���رة وع���مّ���ان وب���ي���روت وب����اري����س‪ ..‬إن��ه‬ ‫استثنائي‪..‬‬

‫رحل محود درويش‬ ‫ف��أث��ق��ل��ن��ا ب���ال���ح���زن‪..‬‬ ‫بمعنى الفراق الحقيقي‬ ‫لشاعر بحجم درويش‪،‬‬ ‫ال��ذي استفاق بلحظة‪،‬‬ ‫فما وج��د القلب الذي‬ ‫ح��م��ل ال��ق��ض��ي��ة طيلة‬ ‫ع���م���ره ال������ذي مضى‪،‬‬ ‫حمل في شعره الحب‬ ‫ل���ف���ل���س���ط���ي���ن؛ ف����أوق����د‬ ‫مصباح الحرية في كل تلك القصائد الماثلة للتجربة‬ ‫وال��ق��راءة والتمحيص والتحليل‪ ،‬فهل آن اآلوان لنعيد‬ ‫ق��راءة دروي��ش من جديد؟ أم أنها كانت م��ق��روءه منذ‬ ‫البداية لتكوين درويش؟ يحتاج درويش أن نخلد ذكراه‬ ‫في شوارعنا الماثلة أمام المارة‪ ،‬ليكون جسر عبور في‬ ‫ذاكرة جيل قادم ممن يقرأ كُتب درويش‪ ..‬أم أننا نردد‪:‬‬

‫وأخيراً‪ ،‬قهر الموت ذاك الذي كان يؤمن بالحياة‬ ‫والجمال‪ .‬كان آخر الشعراء الكبار‪ ..‬لم يكن وفياً‬ ‫لفلسطين وحسب‪ ،‬بل كان مسكوناً بفلسطين‪ .‬كان‬ ‫شفافاً إلى أبعد الحدود‪ ،‬إنسانيته ورقتها كلها عادت‬ ‫إلى فلسطين‪ ،‬دون أن يعود إليها‪ .‬عشق بيروت عشقه‬ ‫لفلسطين‪ ،‬ف��رف��ض م��غ��ادرت��ه��ا حتى بعد األح��ت�لال‬ ‫اإلسرائيلي لها عام ‪1982‬م‪ ،‬بقي صامداً يتنقل من‬ ‫مقهى إلى آخر في مرحلة ما بعد انحسار االحتالل‬ ‫عن ش��وارع المدينه‪ ،‬لم يرحل عن بيروت‪ ،‬وال عن‬ ‫شقته الواقعه في ش��ارع محاذ لشارع بلس‪ ،‬حيث‬ ‫الجامعه األمريكيه‪ ،‬إال بعد تلقيه تهديدات مباشرة‬ ‫أحن إلى خبزِ أمّ ي‬ ‫ُّ‬ ‫من اإلسرائيليين ومَن كان يمثلهم في تلك المرحله‬ ‫المشؤومه‪ ،‬غادر على أمل العودة‪ ،‬لكن غيابه طال‪ ،‬وقهوةِ أمّ ي‬ ‫ولمسةِ أمّ ي‬ ‫فعادت بيروت ولم يعد هو إليها‪ ،‬ولن يعود‪.‬‬ ‫وتكبرُ فيَّ الطفولةُ‬ ‫َ‬ ‫يقول محمود درويش‪« :‬ال أعرف‬ ‫الشخص الغريبَ يوم ًا على صدرِ يومِ‬ ‫وال مآثرهُ‪ ..‬رأيتُ ِجناز ًة فمشيت خلف النعش‪ ،‬مثل وأعشقُ عمري ألنّي‬ ‫مت‬ ‫اآلخ��ري��ن مطأطئ ال���رأس اح��ت��رام��اً‪ .‬ل��م أج��د سبباً إذا ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ألسأل‪َ :‬م ْن هُو‬ ‫دمع أمّ ي ‬ ‫الشخص الغريبُ ؟ وأين عاش‪ ،‬وكيف أخجلُ من ِ‬ ‫عدت يوم ًا‬ ‫مات؛ فإن أسباب الوفاة كثيرةٌ؛ من بينها وجع الحياة‪ .‬خذيني‪ ،‬إذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫سألتُ نفسي‪ :‬هل يرانا أم يرى عَ دَماً‬ ‫دبك‬ ‫ويأسف للنهاية؟ وشاح ًا لهُ ْ‬ ‫َّعش ال ُمغَطَّ ى بالبنفسج كي‬ ‫كنت أعلم أنه لن يفتح الن َ‬ ‫بعشب‬ ‫ٍ‬ ‫وغطي عظامي‬ ‫ّ‬ ‫ويقول‪..‬‬ ‫بالحقيقة‬ ‫ويهمس‬ ‫َ‬ ‫يُودِّعَ نا ويشكرنا‬ ‫كعبك‬ ‫ْ‬ ‫تعمّ د من ُطهرِ‬ ‫البيت‪ ،‬في الستّي َن من ُعم ٍْر وشدّ ي وثاقي‪..‬‬ ‫اآلن‪ ،‬في المنفى‪ ..‬نعم في ِ‬ ‫سريع يُوقدون الشَّ م َع لك فافرح‪ ،‬بأقصى ما استطعتَ من بخصلةِ شَ عر‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫ثوبك‬ ‫ْ‬ ‫ذيل‬ ‫بخيط يلوّحُ في ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الهدوء‪ ،‬ألنَّ موتاً طائشاً ض َّل الطريق إليك‪.‬‬ ‫* كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ترجمة أمهات الكتب العلمية والتقنية‬ ‫إن المتتبع لحركة الترجمة في الوطن العربي‬ ‫يجد أنها عانت من ضعف واضح‪ ,‬منذ زمن طويل‪.‬‬ ‫والتقرير اإلحصائي المنشور ضمن أحد تقارير‬ ‫التنمية اإلنسانية العربية تأكيد لذلك‪ ،‬والذي فيه‬ ‫أن متوسط ع��دد الكتب المترجمة (‪ )4.4‬كتاب‬ ‫لكل مليون من سكان الوطن العربي‪ ،‬بينما بلغ‬ ‫(‪ )519‬كتاباً في المجر و(‪ )920‬كتاباً لكل مليون‬ ‫في إسبانيا‪.‬‬ ‫يقال أيضا إن م��ا يترجم ف��ي ال���دول العربية‬ ‫مجتمعة‪ ،‬وما ترجمه العرب منذ أيام المأمون حتى‬ ‫عصرنا الحالي يبلغ نحو (‪ )100.000‬كتاب‪ ،‬أي‬ ‫العدد نفسه الذي تترجمه أسبانيا ذاتها في سنة‬ ‫واحدة!! وبصرف النظر عن صحة هذا البيانات‪،‬‬ ‫وعلى أي أساس بنيت؛ فإننا نريد أن تكون هذه‬ ‫ال��ب��ي��ان��ات ح��اف��زاً ل��ن��ا‪ ،‬وأن ي��ج��ري تعظيم جهود‬ ‫الترجمة العربية ‪-‬مع التعريب عند الحاجة‪ -‬هي‬ ‫ألمهات الكتب (أفضل كتاب شامل‪ ،‬معتمد عالميا‪،‬‬ ‫في مجال علمي معين يُختار من قبل متخصصين‬ ‫في المجال نفسه)‪.‬‬ ‫ل��م��اذا ال��ت��رج��م��ة؟ إن ال��ت��رج��م��ة ه��ي مقدمة‬ ‫ل�لإب��داع والبحث العلمي‪ ،‬أل��م يبدأ العرب أوالً‬ ‫بترجمة ثقافات وعلوم اآلخرين إلى لغتهم‪ ،‬قبل‬ ‫أن ينتقلوا إلى اإلبداع والبحث‪ ،‬أضف إلى ذلك‬ ‫هناك مسلّمة مفادها أن اإلنسان ال يمكن أن يبدع‬ ‫ويخترع دون أن يفكر باللغة التي يعرفها جيداً‪.‬‬ ‫وفي هذا المجال يقول (فارتان غريغوريان) «لم‬ ‫يكتف العباسيون بالترجمة‪ ،‬ولكن جمعوا المعرفة‬ ‫وأض���اف���وا إل��ي��ه��ا‪ ..‬ب��ح��ي��ث ك��ان��ت ه���ذه الحقبة‬ ‫اإلسالمية بحق؛ بوتقة للثقافات واألديان والتعلم‬ ‫والمعرفة‪ ،‬حقبة أنشأت حضارات عظيمة وأثرت‬ ‫على أخرى من أفريقيا حتى الصين»‪.‬‬ ‫قبل أن ابدأ بعرض المقترحات حول الترجمة‬

‫> د‪ .‬حامد الورده الشراري*‬ ‫دع���ون���ا ن��ت��م��ع��ن ب��ه��ذا‬ ‫ال���م���ث���ال ال��ح��س��اب��ي‬ ‫ال�����ت�����ق�����دي�����ري ح����ول‬ ‫ت����ك����ال����ي����ف إخ���������راج‬ ‫ت��رج��م��ة ك��ت��اب علمي‬ ‫م���ت���خ���ص���ص (‪600‬‬ ‫ص��ف��ح��ة م���ن ال��ح��ج��م‬ ‫ال��م��ت��وس��ط) ب��ص��ورة‬ ‫نهائية وبجودة عالية‪،‬‬ ‫م��ع مالحظة أن هذه‬ ‫األرقام مبنية على افتراض أن المترجم (العلمي)‬ ‫والمراجع من خيرة المتخصصين‪:‬‬ ‫المثال‪:‬‬ ‫ لتكن تكلفة الترجمة لهذا الكتاب = ‪90000‬‬‫ريال سعودي (‪ 150‬رياالً لكل صفحة)‬ ‫ تكلفة المراجعة (‪ ٪40‬من تكلفة الترجمة) =‬‫‪ 36000‬ريال سعودي‪.‬‬ ‫ تكلفة اإلخراج بصورة نهائية وبجودة عالية =‬‫‪ 30000‬ريال سعودي‪.‬‬ ‫ التكلفة الكلية = ‪ 156000‬ريال سعودي‪.‬‬‫إذا رغبنا بترجمة (‪ )15‬ك��ت��اب��اً مرجعياً في‬ ‫الطب و(‪ )15‬كتاباً مرجعياً ف��ي الهندسة‪ ،‬م��اذا‬ ‫تكون التكلفة؟‬ ‫بطريقة حسابية بسيطة تكون التكلفة الكلية‬ ‫لترجمة (‪ )30‬ك��ت��اب��اً ت��ق��ري��ب��اً (‪ )5‬م�لاي��ي��ن ري��ال‬ ‫سعودي‪ ،‬ماذا يعني هذا الرقم مقابل خدمة أمة‬ ‫في توطين علم متطور بلغتها؟! سؤال ألهل الخير‬ ‫من أثريائنا‪.‬‬ ‫ف��ي ه��ذا ال��م��ق��ال‪ ،‬أق��ت��رح أرب���ع ن��ق��اط موجزة‬ ‫للمسئولين عن الترجمة‪ ،‬في سبيل دعم الترجمة‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪95‬‬


‫محلياً‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬ن��ق��اط أك��ث��ر ل��ل��ت��رج��م��ة ف��ي الترقية‬ ‫اجلامعية‬

‫الجهة المسئولة عن الترجمة على الكتاب‪ ،‬لكي ال يتشتت‬ ‫الجهد في ترجمة كتاب ال يعد مرجعاً قيّماً من قبل‬ ‫اآلخرين‪ ،‬واالختيار للكتاب من قبل عدة متخصصين‬ ‫أفضل من واح��د‪ ،‬وب��دون البيروقراطية اإلداري��ة التي‬ ‫رب��م��ا تحبط ح��م��اس ال��م��ت��رج��م‪ .‬إن ت��ح��دي��ث الكتاب‬ ‫المترجم (إعادة طبعه) مع ما يطرأ من تحديث وتطوير‬ ‫في الكتاب األص��ل��ي‪ ،‬يجب أن يستمر إيكالها لفريق‬ ‫الترجمة نفسه إن أمكن ذلك‪ .‬أخيراً‪ ..‬إن المترجم أو‬ ‫فريق الترجمة (العلمي) ليس متخصصاً باللغة األجنبية‬ ‫المراد ترجمتها‪ ،‬وإنما كانت وسيلة لحصوله على هذا‬ ‫العلم‪ ،‬ولربما عنده بعض القصور في جانب التعريب‬ ‫وقواعد اللغة العربية‪ ،‬وهذا يحتم وجود فريق علمي‬ ‫مؤهل يوفر من قبل الهيئة (انظر الركيزة الرابعة عند‬ ‫الحاجة)‪ ،‬والحمد لله فإن الكفاءات المؤهلة متوافرة‬ ‫بكليات ومعاهد اللغات العربية المنتشرة ف��ي هذا‬ ‫الوطن المعطاء‪.‬‬

‫ال شك أن الترجمة علم بحد ذاته‪ ،‬ومن ثم فإن ترجمة‬ ‫كتاب علمي متقدم ال تقل صعوبة عن البحث والتأليف‪،‬‬ ‫وربما تحتاج لجهد أكبر ووقت أطول‪ .‬وتؤكد ذلك نصيحة‬ ‫أحد اإلخوة لي في أحد مراكز البحث بأن اتجه للبحث‬ ‫بدالً عن الترجمة لسرعة النشر وقلة المجهود‪ ،‬وكالهما‬ ‫له ال��وزن نفسه من النقاط المحتسبة للترقية (نقطة‬ ‫واح���دة للبحث ونقطة مثلها للترجمة!)؛ ل��ذا‪ ،‬أرى أن‬ ‫نقاط أكثر للترجمة بضوابط ‪ -‬تعتمد أساساً‬ ‫ٍ‬ ‫إعطاء‬ ‫على صعوبة ال��م��ادة العلمية وحجم الكتاب ‪ -‬سيكون‬ ‫أحد عوامل التحفيز للعمل بجد من أجل الحصول على‬ ‫الترقية‪ .‬كما أرى أن ترجمة كتاب علمي جيد سيخدم‬ ‫المجتمع أفضل من بحث ينشر في دورية أو مجلة علمية‬ ‫دولية‪ ،‬قد يخدم جهة أجنبية لعدم إمكانية تطبيقه محلياً‬ ‫ثالثا‪ :‬دعم رجال األعمال وأصحاب املكتبات‬ ‫(على سبيل المثال)‪.‬‬ ‫إنني أدعو وزارات التعليم العالي العربي إلى إعادة‬ ‫النظر بنظام الترقية المعمول به حالياً في الجامعات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تكوين فريق للترجمة‬ ‫أرى ان تكون الترجمة بتشكيل فريق عمل (‪Team‬‬

‫واملؤسسات ذات العالقة‬

‫إن تحمّل رج��ال األعمال لتكاليف الترجمة والدعم‬ ‫الفني لذلك‪ ،‬وإسهام أصحاب المكتبات في طباعتها‬ ‫بجودة عالية‪ ،‬وإخراجها بصورة متطورة جذابة متوافقة‬ ‫م��ع ال��ك��ت��اب األص���ل���ي‪ ،‬ون��ش��ره ‪-‬إن أم��ك��ن ذل����ك‪ -‬لهي‬ ‫مسؤولية دينية ووطنية‪ ،‬تسجل الؤلئك الذين يسهمون‬ ‫في توطين العلم الحديث‪ .‬وإلعطاء ج��زء من حقوقهم‬ ‫التاريخية وم��دى مشاركتهم في نشر العلم‪ ،‬فإنني أرى‬ ‫أن ت��دون أسماء الممولين إل��ى جانب أسماء المؤلفين‬ ‫والمترجمين‪.‬‬

‫‪ )Work‬بدالً من الترجمة الفردية‪ .‬وهو من األساليب‬ ‫الحديثة في العمل العلمي؛ ألن المجموعة (أو الفريق)‬ ‫تعطي عمقاً أكثر من الترجمة الراقية‪ ،‬التي ربما تعتمد‬ ‫على الترجمة بالمفهوم المعتمد على القواعد العربية‬ ‫أكثر من الترجمة الحرفية‪ .‬والفريق يكون أكثر تشجيعاً‬ ‫بعضه لبعض بسبب االلتزام باجتماعات دورية لمتابعة‬ ‫وال أعتقد أن أهمية دعم ترجمة كتاب قيّم تقل عن‬ ‫ما توصل إليه بالترجمة ومعالجة القصور إن وجد‪ ،‬كما أهمية بناء قاعة في جامعة‪ ،‬أو بناء كلية تعليمية تبقى‬ ‫يكون إدارة ذاتية ألعضائها‪.‬‬ ‫ذات سمعة ومنفعة داخلية محدودة ‪ -‬وربما داخل أسوار‬ ‫إن تكوين الفريق الجيد ودعمه‪ ،‬لتتراكم خبراته مع المؤسسة التعليمية ‪ -‬إ ّال نادراً‪ ،‬أما الكتاب المترجم ذو‬ ‫الوقت‪ ،‬وم��ع إدخ��ال أعضاء ج��دد بشكل دائ��م للفريق القيمة والجودة العاليتين‪ ،‬فإنه سيجتاز حدود المملكة‪،‬‬ ‫المترجم المتخصص في ترجمة كتاب معين يضمن وينتشر ف��ي معظم ال���دول العربية‪ .‬ويمكن أن تكون‬ ‫االستمرارية والنجاح‪ .‬ربما تتوافر لدى بعض العلماء أيضاً مبادرة من رجال األعمال الخيرين إلنشاء مبنى‬ ‫ال لوحده‪ ،‬وفي أو تأسيس هيئة للترجمة تكون ن��واة لعمل مؤسسي‬ ‫المبدعين اإلمكانية لترجمة الكتاب كام ً‬ ‫هذه الحالة أرى انه تجب الموافقة المسبقة من قبل منتظم‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫تعتز بلغتها‪ ،‬وفي هذا السياق يشير د‪ .‬محمد عصفور‬ ‫رابعا‪ :‬هيئة مستقلة للترجمة‬ ‫بقوله‪( :‬إننا األمة الوحيدة التي تدرس المواد العلمية في‬ ‫إن وج����ود ه��ي��ئ��ة م��ؤه��ل��ة م��س��ؤول��ي��ت��ه��ا التنسيق بين‬ ‫كلياتها بلغة غير لغتها العربية‪ ..‬ال أتوقع أن ينشأ عندنا‬ ‫المترجمين ودور النشر والداعمين له ‪ -‬محلياً أو خليجياً‬ ‫أو عربيا‪ -‬والمؤلفين األصليين مطلب رئيسي‪ ،‬ولتكن علم بدون أن نفكر باللغة العربية‪.).‬‬ ‫تحت مظلة إحدى مؤسسات الدولة العامة أو الخاصة‬ ‫كما أن ال��ه��دف م��ن الترجمة لكتاب متخصص في‬ ‫ذات العالقة‪ ،‬وأن تكون هذه الهيئة مبنية على قواعد علم معين ربما ال يبنى على حاجة السوق اآلنية‪ ،‬وإنما‬ ‫علمية واضحة خالية من البيروقراطية اإلدارية‪ ،‬ولتكون ليسهم في عجلة العلم العربية‪ ،‬لتكوين قاعدة علمية‬ ‫بيت خبرة مع الزمن وتصبح مشاركاً رئيساً باحتضان لألجيال القادمة‪ ،‬وإثرا ًء للمكتبة العربية لزيادة الثقافة‬ ‫العلم وت��وط��ي��ن��ه‪ .‬الهيئة ملزمة ب��إن��ش��اء ق��اع��دة بيانات المعرفية للمجتمع‪ ،‬وخير دليل على ذلك وجود كتب عفا‬ ‫مربوطة بالجهات األكاديمية والمكتبات العامة والخاصة‪ ،‬عليها الزمن في المكتبات العلمية وقد خدمت حقبة من‬ ‫واالستفادة من التقنية الحديثة في مجال الترجمة اآللية التاريخ‪ ،‬وربما تخدم في المستقبل‪.‬‬ ‫واألساليب المعاصرة‪ ،‬في النهوض بالترجمة وتجارب‬ ‫إني أرى أن مجال الترجمة يجب أن يقتصر على أمهات‬ ‫اآلخرين في مجال الترجمة كاليابان وسوريا‪.‬‬ ‫الكتب العلمية (المرجعية) أوالً في وقتنا الحاضر‪ ،‬ومن‬ ‫وم��ن مهام الهيئة المقترحة أن تتولى تنسيق عقد ثم ترجمة الكتب المصاحبة والتأليف والبحث لمستقبل‬ ‫المؤتمرات والندوات وورش العمل‪ ،‬لتبادل الخبرات بين أمة متطورة تقنياً‪ ،‬ليكون متوافقاً لما نسمع عنه في هذه‬ ‫المختصين‪ ،‬والتنسيق مع الجمعيات العربية األخ��رى األي���ام ح��ول توطين التقنية‪ ،‬ومطالبة مجلس الشورى‬ ‫للترجمة‪ ،‬لتالفي االزدواج���ي���ة ف��ي ال��ت��رج��م��ة‪ ،‬وتشتت السعودي بفتح جامعات ذات اختصاصات علمية وفنية‪.‬‬ ‫الجهود‪ .‬ولوضع خطة زمنية كافية لذلك‪ ،‬مع مراعاة‬ ‫إن أمامنا جهوداً كبيرة ينبغي تداركها لترجمة العلوم‬ ‫ظ���روف المترجمين وارت��ب��اط��ات��ه��م األخ�����رى‪ ،‬واق��ت��راح‬ ‫المبالغ المجزية لتكون حافزاً للترجمة‪ .‬وإنشاء موقع العلمية حتى نستطيع فهم الحضارة القائمة‪ ،‬لردم الفجوة‬ ‫لها على الشبكة العنكبوتية ألنظمتها وقواعدها‪ ،‬والكتب العلمية والمعرفية العميقة بين ال��دول العربية وال��دول‬ ‫المترجمة (مكتبة الكترونية)‪ ،‬سيكون من األمور المهمة الصناعية‪ ،‬وبناء اقتصاديات المعرفة‪ .‬إن بعض الدول‬ ‫لتسهيل سبل التواصل‪ .‬وأرى أن وج��ود مركز أو هيئة النامية‪ ،‬في عصر القدرات العلمية أصبحت هي العنصر‬ ‫للترجمة محلية او إقليمية أو عربية لهو خطوة أولى الحاسم في تحقيق السيطرة االقتصادية والعسكرية‪.‬‬ ‫الحتضان العلم وتوطينه‪ ،‬ومن ثم اإلسهام بشكل كبير في‬ ‫أخيراً ال شك أن التقدير من قبل المسئولين للترجمة‪،‬‬ ‫إنتاج المعرفة وصنع الثقافة‪.‬‬ ‫بشكل ع���ام‪ ،‬وخ��ص��وص��اً ف��ي ال��م��ج��االت العلمية المتمثلة‬ ‫إن االهتمام بالترجمة ال ينحصر فقط على اإلضافة‬ ‫العلمية والمعرفية كم ّاً وكيفاً لألدبيات العلمية العربية‪،‬‬ ‫وإنما يمتد ليشمل عنصراً مهماً ومفصلياً يتناول تعميق‬ ‫الثقافة العلمية‪ ،‬أعني تبيئة المفاهيم العلمية في العلوم‬ ‫والهندسة والطب‪ ،‬وإخضاعها للتفكير اللغوي العربي؛ أي‬ ‫جعل اللغة العربية لغة قادرة على التعبير عن المفاهيم‬ ‫العلمية بشكل سلس‪ ،‬ولعل ذلك يساعد على فتح المجال‬ ‫في تدريس العلوم العلمية باللغة العربية‪ ،‬والتأليف بها‪،‬‬ ‫بوصفها لغة قوية وحيّة؛ وهذا ما تفعله جميع األمم التي‬

‫بالحوافز المادية المجزية والمعنوية في الترقية ستكون دافعاً‬ ‫لبذل الجهد من قبل أساتذة الجامعات‪ ،‬وم��ا جائزة الملك‬ ‫عبدالله العالمية للترجمة إال خطوة رئيسة ف��ي التواصل‬ ‫الثقافي والعلمي بين شعوب الشرق والغرب‪ ،‬وفهم صحيح‬ ‫لموروثنا الديني والثقافي الحقيقي‪ ،‬وفرصة لتوطين العلوم‬ ‫العلمية والتقنية‪ ،‬وستسهم ‪ -‬بإذن الله‪ -‬في التنوير الفكري‬ ‫والعلمي الوطني والعربي‪ ،‬وهي دليل على االهتمام من قبل‬ ‫لدن القيادة السعودية وعلى رأسها‪ ،‬خادم الحرمين الشريفين‪،‬‬ ‫الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود ‪ -‬حفظه الله‪.‬‬

‫* أكاديمي وعميد كلية الهندسة بجامعة الجوف السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪97‬‬


‫جنيب محفوظ‪ :‬عمالق الرواية العربية‬

‫> حواس محمود*‬

‫ال بالتأكيد‪ ،‬أنا شخص ما يحب األدب‪،‬‬ ‫« لست بط ً‬ ‫شخص ما يؤمن بعمله ويخلص له‪ ،‬ويحبه أكثر من حب‬ ‫المال أو الشهرة‪ ،‬لو أتى المال وأتت الشهرة فمرحباً‬ ‫بهما‪ ،‬لكنهما لم يكونا غايتي أبداً‪ ،‬فأنا أحب الكتابة‬ ‫أكثر من أي شيء آخ��ر»‪ .‬بهذه الكلمات المتواضعة‪،‬‬ ‫ودّع الراحل العظيم نجيب محفوظ الدنيا في ضحى‬ ‫الثالثين من آب (أغسطس) عام ‪ 2006‬م‪.‬‬ ‫ك��ان يعلم جيداً أن الحياة في مصر صعبة‪ ،‬وأن‬ ‫األمر يحتاج إلى صبر وجلد كبيرين حتى يتمكن من‬ ‫المواصلة؛ بهذا اإلحساس من التقشف والزهد عاش‬ ‫حياته التي امتدت إلى ‪ 95‬عاماً‪ ،‬شاهد فيها الشطر‬ ‫األكبر أحداث القرن العشرين‪.‬‬ ‫كان نجيب محفوظ من أكثر كتاب مصر في التقائه‬ ‫مع الحياة اليومية وأكثرهم معرفة لمعاناة وآالم الرجل‬ ‫البسيط؛ فقد ع��اش موظفاً ف��ي الشطر األك��ب��ر من‬ ‫عمره‪ ،‬وأفادته الوظيفة‪ ،‬إذ أمدته بعشرات من النماذج‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬ول��م ينعزل يوماً عن الناس فظل المقهى‬ ‫بالنسبة له المكان األمثل للجلوس والمسامرة ولقاء‬ ‫األصدقاء‪.‬‬ ‫تدفق سردي‬

‫األس���������رة‪« ،‬ال��س��ي��د‬ ‫أح��م��د عبدالجواد»‬ ‫وأس��رت��ه عبر ثالثة‬ ‫أجيال‪ ،‬وبينما تمدنا‬ ‫ب��م��ق��دار ه���ائ���ل من‬ ‫التفاصيل السياسية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وتعد‬ ‫الثالثية أيضاً دراسة‬ ‫نجيب محفوظ‬ ‫للعالقات الحميمة‬ ‫بين ال��رج��ال والنساء‪ .‬وبعد فترة صمت تزامنت مع‬ ‫السنوات الخمسين األولى التي تلت الثورة المصرية‬ ‫ع��ام ‪1952‬م ب���دأت أع��م��ال محفوظ تتدفق بتعاقب‬ ‫متواصل‪ ..‬روايات‪ ،‬قصص قصيرة‪ ،‬صحافة‪ ،‬مذكرات‪،‬‬ ‫مقاالت وسيناريوهات؛ ومنذ محاوالته األولى لتقويم‬ ‫العالم القديم أصبح نجيب محفوظ كاتباً استثنائياً‬ ‫غزير اإلن��ت��اج‪ ،‬وأح��د المرتبطين بتاريخ عصره‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك كان مصمماً على استكشاف مصر القديمة مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬ألن تاريخها سمح له بأن يكتشف مالمح عصره‬ ‫منعكسة ومقطرة‪ ،‬كي تالئم غايات معقدة تخصه هو‪.‬‬ ‫تأمالت في عالم جنيب محفوظ‬ ‫يقسّ م الناقد د‪ .‬محمود أمين العالم ف��ي كتابه‬ ‫(تأمالت في عالم نجيب محفوظ) التأمالت إلى ثالثة‬ ‫أق��س��ام‪ :‬أولها وأكبرها يحمل عنوان (ث�لاث مراحل‬ ‫متداخلة في روايات نجيب محفوظ)‪ ،‬وهو في حقيقته‬ ‫تطبيق لمنهج نقدي وضع للعالم أسسه النظرية‪ .‬ويؤكد‬ ‫ال حاسماً‪،‬‬ ‫الناقد أوالً وعيه بأن المراحل ليست فاص ً‬ ‫وإنما تحدد طوابع أساسية‪ ،‬ثم نراها وهي تتداخل‬ ‫بدرجات في األعمال اإلبداعية التي انتظمت في‪:‬‬

‫ي��ق��ول الكاتب والمفكر إدوارد سعيد ع��ن نجيب‬ ‫محفوظ‪« :‬ومثل شخصياته‪ ،‬التي يتم التعرف عليها‬ ‫دائ��م��اً ف��ور ظ��ه��وره��ا‪ ،‬يصل إل��ي��ك محفوظ مباشرة‪،‬‬ ‫يغمرك في تدفق سردي كثيف‪ ،‬ثم يتركك تسبح فيه‬ ‫وحدك طوال العمل مواجهاً تيارات ودوامات وأمواج‬ ‫حيوات شخصياته‪ ،‬وتاريخ مصر تحت حكم رؤس��اء‬ ‫وزارات مثل سعد زغلول ومصطفى النحاس‪ ،‬وعشرات‬ ‫التفاصيل األخ��رى حول األح��زاب السياسية العائلية ‪ - 1‬المرحلة التاريخية‪ ،‬وفيها روايات‪ :‬عبث األقدار‬ ‫وما إلى ذلك بمهارة استثنائية»‪.‬‬ ‫‪1939‬م ثم رادو بيس وكفاح طيبة‪.‬‬ ‫الثالثية ودراسة األجيال‬ ‫‪ -2‬المرحلة االجتماعية‪ ،‬وتضم‪ :‬القاهرة الجديدة‬ ‫‪1946‬م‪ ،‬وخان الخليلي‪ ،‬وزقاق المدق‪ ،‬والسراب‪،‬‬ ‫الثالثية ‪ -‬بحسب أدوارد سعيد ‪ -‬ه��ي ت��اري��خ رب‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫وبداية ونهاية‪ ،‬وم��ا يعرف بالثالثية‪ :‬بين القصرين‪ ،‬نصير الفصحى الذي ال يلني‬ ‫قصر الشوق‪ ،‬والسكرية‪.‬‬ ‫و كما قدم روايات خالدة‪ُ ،‬ع َّد إزاءها عمالقا للرواية‬ ‫‪ -3‬المرحلة الفلسفية‪ ،‬وفيها‪ :‬أوالد حارتنا ‪1959‬م‪ ،‬واللص العربية‪ ،‬ونال جائزة نوبل لألدب عام ‪1988‬م‪ ،‬قدَّم أيضاً‬ ‫وال��ك�لاب‪ ،‬وال��س��م��ان وال��خ��ري��ف‪ ،‬وال��ط��ري��ق‪ ،‬والشحاذ مواقف مشرّفة؛ فمنذ بدأ الكتابة سنة ‪1928‬م‪ ،‬وعلى مدى‬ ‫سبعين عاما‪ ،‬اختار أن تكون كتاباته بالعربية الفصحى‪،‬‬ ‫‪1995‬م‪.‬‬ ‫وظ��ل متمسكاً ب��ه��ذا الموقف حتى النفس األخ��ي��ر‪ ،‬ولم‬ ‫وأم����ا ال��ق��س��م ال��ث��ان��ي فيتضمن م��ق��ال��ت��ي��ن ح��ول‬ ‫يستجب للدعوات الكثيرة التي كانت تطالبه ب��أن يكتب‬ ‫عملين روائيين‪ ،‬كانتا قد نشرتا قبل دراسة المعمار‬ ‫ح���وار رواي��ات��ه وقصصه القصيرة ومسرحياته باللهجة‬ ‫الفني (بين القصرين ‪1957‬م)‪ ،‬و(الطريق ‪1964‬م)‪ .‬العامية المصرية‪.‬‬ ‫ويستفيد القارئ من تفاصيل وجوانب من األحكام‬ ‫وكان من هؤالء الذين انتقدوا إصراره على الفصحى أحد‬ ‫النقدية السريعة المقترنة بصدور الروايتين‪ ،‬كما مترجمي رواياته إلى اإلنكليزية وهو المستشرق ديزموند‬ ‫نطالع تحلي ً‬ ‫ال ألح��دث رواي��ة في تلك المرحلة وهي ستيوارت ال��ذي علّق على موقفه من العامية بقول يعكس‬ ‫(ميرامار ‪1967‬م)‪ ،‬مع إشارة إلى رواية (ثرثرة فوق الغيظ والغضب «إن التزام نجيب محفوظ بالعربية في كتابة‬ ‫ال أو الحوار مخل بمطلب الواقعية‪ ،‬وهو عند نجيب محفوظ نوع‬ ‫النيل ‪1966‬م)‪ ،‬فيكون الناقد قد عرض تفصي ً‬ ‫من العناد الطارئ ال يؤدي وظيفة فنية صحيحة»!‬ ‫إشارات متفاوتة لثماني عشرة رواية لمحفوظ‪ ،‬هي‬ ‫وق��د داف���ع نجيب محفوظ م���رارا ع��ن ه��ذا الموقف‬ ‫كل ما أبدعه ونشره‪.‬‬ ‫أي عن اختياره العربية الفصحى ‪ -‬في أعماله األدبية‬‫أم��ا القسم الثالث‪ :‬فيتناول ثالثاً من مجموعات المختلفة‪ ،‬فذكر أن اللغة العامية من جملة األمراض التي‬ ‫القصص القصيرة‪ ،‬وهي (بيت سيئ السمعة ‪1965‬م)‪ ،‬يعاني منها الشعب‪ ،‬والتي سيتخلص منها حتماً عندما‬ ‫و(خمارة القط األسود)‪ ،‬و(تحت المظلة‪1969‬م)‪ .‬وفي يرتقي‪ ،‬وأنا اعتبر العامية من عيوب مجتمعنا مثل الجهل‬ ‫أثناء تحليلها يشير ويقارن بالمجموعتين السابقتين وال��ف��ق��ر وال��م��رض ت��م��ام��اً‪ ،‬وال��ع��ام��ي��ة م��رض أس��اس��ه عدم‬ ‫الدراسة‪ ،‬والذي وسع الهوة بين العامية والفصحى عندنا‬ ‫(ه��م��س ال��ج��ن��ون ‪1948‬م)‪ ،‬و(دن��ي��ا ال��م��ال ‪1963‬م)‪،‬‬ ‫هو ع��دم انتشار التعليم في البالد العربية‪ ،‬وي��وم ينتشر‬ ‫فيتمكن ال��ق��ارئ م��ن تكوين تصور مجمل ع��ن أج��واء‬ ‫التعليم سيزول هذا الفارق‪ ،‬أو سيقل كثيرا‪ ،‬ألم تر تأثير‬ ‫القصص وأساليبها الفنية‪.‬‬ ‫انتشار الراديو في لغة الناس حيث بدؤوا يتعلمون الفصحى‬ ‫جنيب محفوظ واملقاهي‬

‫ويفهمونها ويستسيغونها؟ أنا أحب أن ترتقي العامية‪ ،‬وأن‬ ‫تتطور الفصحى لتتقارب اللغتان وهذه هي مهمة األدب‪.‬‬

‫إذا ك��ان محفوظ ق��د قضى نصف ع��م��ره ف��ي مصر‬ ‫الملكية‪ ،‬ونصفه اآلخر في مصر الجمهورية‪ ،‬فقد قضى المراجع‬ ‫‪ -1‬ادوارد سعيد – قسوة الذاكرة – ترجمة والء فتحي مجلة العربي‬ ‫عمره بالكامل في المقاهي! إذ ظل يتردد ألكثر من عشرين‬ ‫عدد ‪ 577‬ديسمبر‪ 2006 ,‬صفحة ‪.88‬‬ ‫سنة على مقهى «عرابي» في حي الجمالية‪ ،‬وأكثر من عشر‬ ‫‪ -2‬تأمالت في عالم نجيب محفوظ – تأليف محمود أمين العالم عرض‬ ‫سنوات أخرى يتردد على «كازينو األوب��را» وسنوات عشر‬ ‫فايز الداية مجلة العربي عدد ‪ 577‬ديسمبر ‪ 2006‬صفحة ‪.128‬‬ ‫مثلها على مقهى «ريش»‪ ،‬و ال نعلم كم سنة تردد على مقهى ‪ -3‬نجيب محفوظ (‪ )2006 1911-‬رحيل البسيط العظيم‪ ،‬مجلة العربي‬ ‫«بابا» في ميدان التحرير‪ ،‬وعلى مقهى «كازينو قصر النيل»؛‬ ‫عدد ‪ 577‬ديسمبر‪ 2006 ,‬صفحة ‪.28‬‬ ‫وهما المقهيان اللذان التقى فيهما الناقد جهاد فاضل مع ‪ -4‬جهاد فاضل «ما الذي بقي من نجيب محفوظ» مجلة القافلة عدد‬ ‫نجيب محفوظ لمدة ال تقل عن خمس عشرة سنة‪.‬‬ ‫سبتمبر أكتوبر‪ 2006 ,‬صفحة ‪.81‬‬ ‫* كاتب من سوريا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪99‬‬


‫الكتابة‪ :‬قنطرة من ذهب‬ ‫> ليلى إبراهيم األحيدب*‬ ‫عندما كنت أكتب‪ ،‬كنت أشعر أن بحور العالم ستقرؤني ُمن ِْصتة!! كانت الكتابة تحدي للذائقة‬ ‫المطروحة! كانت سباق راليات من التحدي‪ ،‬وكانت غيمات اإلبداع‪ ,‬تنهمر في سمائي من كل اتجاه؛‬ ‫من ملحق اليوم الثقافي الذي كان يزدهر بحضور الدمينين وخالد المحاميد وغيرهما؛ إلى ملحق‬ ‫عكاظ وعثمان صيني‪ ،‬فملحق الرياض والجزيرة‪ ،‬إلى الملحق األهم في مسيرتي‪ ..‬ملحق أصوات!!‬ ‫هذا الملحق الذي أسس لروح اإلبداع لدي؛ وجعلها مشروعاً قائماً‪.‬‬ ‫حينما كنت أقرأ لمحمد العلي‪ ،‬كنت أشعر أن أصابعي تريد أن تكتب من أعمق نقطة في قلبي‪،‬‬ ‫فأكتب بغرف القلب األربع أصدق ما لدي من كتابة‪ ،‬محمد العلي ‪ -‬عراب الحركة الجديدة في‬ ‫عهدي ‪ -‬حينما يكتب نصاً‪ ،‬نجد أذرعنا تمتد من خالله إلى السنابل والحقول؛ وحينما كنت أسمع‬ ‫صوته يهدر كالموج (ال ماء في الماء)‪ ..‬كنت أشعر أن بحور العالم تنسكب في قارورة واحدة‪ ،‬فتلون‬ ‫كتاباتي بلون البحر!!‬ ‫أي تأثير أعمق من هذا؟ ربما لم يستشعر محمد العلي أن له هذا الحضور في داخلي؛ لكنني‬ ‫كنت أعلم ذلك‪ ،‬وكنت أعوّل عليه!!‬

‫�����ش����ه����ادات‬

‫حضور محمد العلي في المشهد الثقافي في الثمانينيات كان حضوراً مؤثراً وفاعالً‪ ،‬فهو لم‬ ‫يترك لنا كتاباً مطبوعاً واحداً نتأبطه‪ ،‬وليس له مجاميع شعرية أو نثرية‪ ،‬لكنه حاضر في المخيلة‬ ‫كوحي!! بينما هناك كتاب آخرون تمأل كتبهم أرفف المكتبات‪ ،‬بل تعلو ثرثرتهم لساعات طويلة فوق‬ ‫المنابر؛ لكنهم ال يثيرون في القلب أي رائحة!! تقرأ لهم؛ فتشعر بأصابعك تتحول إلى مخالب‪،‬‬ ‫مخالب من حديد تريد أن تصحح لهذا الكون رؤيته!! لديهم القدرة على إثارة كراهيتك للكون الذي‬ ‫يمنحهم هذه النوافذ‪ ،‬تقرأ لهم فتزداد طاقتك السلبية‪ ،‬وتبدد وقتك في نصوص تراشقية ال تثري‬ ‫أحداً! هؤالء أسميهم «المثقفين الضفادع»‪ ..‬فهم مثقفون برمائيون يؤمنون دائماً بالحلول الوسط!‬ ‫وباللون الرمادي المحايد! ويقفزون من اليابسة إلى الماء! ومن الماء إلى اليابسة! لزجين ال هوية‬ ‫لهم‪ ،‬وغير فاعلين على الرغم من ضجيجهم‪ ،‬وغير منتجين على الرغم من قعقعتهم!‬ ‫ه��ؤالء أف��س��دوا المشهد الثقافي ‪ -‬آن��ذاك ‪ -‬بالترهات التي كانوا ي��روج��ون لها – وم��ازال��وا‬ ‫يفعلون!!‬ ‫لكن أشخاصاً فاعلين كمحمد العلي وعبدالله باخشوين‪ ،‬وجارالله الحميد‪ ،‬وعبد العزيز مشري‪..‬‬ ‫كانوا يؤسسون للركن البهيج في داخلك‪ ،‬يملئونه بطاقة إيجابية‪ ،‬تجعلك تستدير للعالم بباقة ورد‪،‬‬ ‫مفتشاً في ثنايا روحك عن مزيد من الجمال!‬ ‫نعم‪ ،‬في بداياتي كنت – وغيري كثيرون – متواصلة مع الجيل السابق‪ ،‬تواصل (األستذة) ال تواصل‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫الندية أو العدائية‪ ،‬كنت أقرأ نصاً لجارالله الحميد‬ ‫أكثر من مرة‪ ،‬مرة قراءة لهفة واستكناه‪ ،‬وأخرى لمزيد‬ ‫من االستكناه‪ ،‬ومرات عديدة ألكتشف كيف كتب نصا‬ ‫سلساً دون أن يترك فيه فجوة واح��دة! فالقصة لدى‬ ‫جارالله ليست تقليدية‪ ،‬وال يمكنك اقتناص حدث بارز‬ ‫أو عقدة واضحة‪ ،‬لكنه يهديك نصاً تقرؤه لتقول (ما‬ ‫أسهل أن نكتب قصة)؛ ولكن‪ ،‬عندما تشرع في الكتابة‬ ‫تكتشف أن ما التقطه الجارالله ليس متاحا لك! ومن‬ ‫هنا‪ ،‬كنت أقرأ وأتعلم!!‬

‫عبدالله ال��س��ال��م��ي؛ ق��رأت‬ ‫ل��ه ك��ث��ي��راً‪ ،‬وت��أث��رت بمكعباته‪،‬‬ ‫تعلمت منه كيف تجلس القصة‬ ‫ف���ي م��ق��ه��ى ل��ت��ث��رث��ر!! قصص‬ ‫المقاهي عند السالمي تروق‬ ‫لي ألنها ال تتكئ على الشعبية‬ ‫المغرقة في القرف اليومي‪،‬‬ ‫ال��ذي ن��ق��رؤه لكتّاب المقاهي‬ ‫ال���ي���وم!! ق��ص��ة ال��م��ق��ه��ى عنده‬ ‫قصة مثقفة ت��رت��دي الجينز‪،‬‬ ‫وع��ل��ي أن أع��ت��رف أن قصص‬ ‫المقاهي التي ترتدي الجالبية‬ ‫ال تروق لي أبداً!‬

‫عبدالعزيز مشري‬

‫تجربة عبدالعزيز مشري أدخلتني ف��ي ح��وارات‬ ‫داخلية مع ذات��ي‪ ،‬حول التجريب والصدق والمحلية‪.‬‬ ‫فوزية ابو خالد‬ ‫كتب مشري مجموعته (م��وت على الماء) مستخدماً‬ ‫فيها كل أل��وان التجريب‪ ،‬ثم عاد وكتب بلغة بسيطة؛‬ ‫ق��ص��ص ال��س��ال��م��ي ت��ذك��رن��ا‬ ‫هذا التحول أضاف لتجربتي بعداً جديداً‪ ،‬وكان مشري‬ ‫جريئاً كفاية‪ ،‬ليقول (أنا أريد االقتراب من قارئي)‪ .‬بزمن المقاهي الجميل الذي‬ ‫ه���ذا ال��ت��ح��ول ال��م��ب��رر ع��ن��د م��ش��ري جعلني أم���ارس يجمع مثقفي البلد مع عامتهم‬ ‫ب���ع�ل�اق���ة ال�������ود‪ ،‬أم�����ا ق��ص��ص‬ ‫التجريب بوعي‪.‬‬ ‫ال��م��ق��اه��ي اآلن ف��ت��ح��ك��ي عن‬ ‫جارالله الحميد‬ ‫عبدالله ب��اخ��ش��وي��ن‪ ،‬ت��واص��ل��ت معه منذ بداياتي‬ ‫طبقة متنورة تخلق ع��داءاً مع‬ ‫األولى وعبر رسائل بريدية‪ ،‬كنت أقتات مما يقوله لي‬ ‫واقعها وتتعالى عليه!! وعندما‬ ‫حول الكتابة‪ .‬تلك الرسائل جعلت مني «ليلى» مختلفة‪،‬‬ ‫كتبت مقاال تأبينا في عبدالله‬ ‫ولو أردت أن أسمي «عرابي الحقيقي» في الكتابة لكان‬ ‫ال��س��ال��م��ي أح��زن��ن��ي أن ك�� ّت��اب��اً‬ ‫عبدالله باخشوين! فمنه تعلمت كيف يكون الصدق‬ ‫كث ٌر ال يعرفونه!! ول��م يقرءوا‬ ‫الفني في الكتابة‪ ،‬وكيف أقفز متخطية جحيم اآلخرين‪،‬‬ ‫ل��ه!! وال أدري كيف يؤسسون‬ ‫محمد العلي‬ ‫وكيف أن��زع عصابة الرقيب وأكتب بصدق وج��رأة؟!‬ ‫للوحي واإلل��ه��ام ف��ي داخلهم‬ ‫ويعلم باخشوين جيدا أنني ما زلت أقتات من رسائله‬ ‫دون أن يقرءوا للسالمي!‬ ‫حتى هذه اللحظة؛ فعندما تخونني لحظة الكتابة أعود‬ ‫كنت ف��ي ب��داي��ات��ي أب��ح��ث ع��ن ك��ل اس��م ألق���رأ له‪،‬‬ ‫إلى رسائله‪ ،‬فأجده يقول لي (أكتبي وأغلقي عينيك‬ ‫عند الكتابة) وت��ج��اوزي جحيمهم!! وأه��م ب��اب فتحه فأستبعد من أستبعد‪ ،‬وأبقي على من يثري في داخلي‬ ‫لي باخشوين ب��اب النقد والنقاد؛ فمنه تعلمت كيف سنابل اإلب���داع‪ .‬حينما ق��رأت ‪ -‬ألول م��رة‪ -‬لقاءا مع‬ ‫أغض الطرف عن أي ناقد ليس بمبدع!! بمعنى أن ال فوزية أب��و خالد ‪ -‬ول��م أك��ن أعرفها آن��ذاك ‪ -‬بحثت‬ ‫ألتفت لكتابات نقاد النظرية الذين يلبسون النصوص عن أرشيفها في مكتبة معهد اإلدارة‪ ،‬حيت يحتفظون‬ ‫نظرياتهم‪ ،‬وأن أتّبع الناقد المبدع الذي يدخل للنص بصور من الصحف القديمة‪ ،‬ولم يكن األمر يسيراً كما‬ ‫هو اليوم‪ -‬بضغطة زر في جوجل تحصل على ما تريد ‪-‬‬ ‫من بابه الذي طرقته أنا؛ ناقد ليس له هوية إبداعية‬ ‫قرأت ما كتبت‪ ،‬وتواصلت معها بريديا وشخصياً‪ .‬ومن‬ ‫غير الكتابة النقدية‪ ،‬ال يمكن أن يكون ناقداً أستفيد‬ ‫فوزية أبو خالد تعلمت كيف تحلق المفردة بأجنحة من‬ ‫منه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪101‬‬


‫شعر‪ ،‬دون عكازي القافية والوزن‪0‬‬

‫وق��د ح��دث ه��ذا ال��ل��ق��اء م��ؤخ��راً‪ .‬وق��د كنت أشعر‬ ‫دوماً أنني ال بد أن ألتقيها وأشعرها كم سكنت روحي‬ ‫وأشعلت لؤلؤة قلبي وأنا مراهقة غضة‪ ،‬وأهديها إضبارة‬ ‫قصائدها التي صممتها وأخرجتها‪ ،‬وكنت أهديها لكل‬ ‫عاشق للشعر!‬ ‫ٍ‬

‫ق��رأت لخديجة العمري‪ ،‬وحرصت على التواصل‬ ‫الشخصي معها‪ ،‬وكانت شخصية ثرية جداً تكتب بنبض‬ ‫مختلف وق��وي‪ .‬وحينما تقرأ لخديجة العمري فأنت‬ ‫تناطح هذا الكون بروحك!! نصوصها تعلمك التحدي‬ ‫الجميل‪ ،‬خديجة العمري ضد التلون واألقنعة‪ ،‬وضد كل‬ ‫ق��ص��ائ��د غ��ي��داء ال��م��ن��ف��ى ك��ان��ت سيمفونية عذبة‬ ‫المثقفين الضفادع‪ ،‬الذين حدثتكم عنهم سابقاً؛ وهذه أعزف على أنغامها شجني‪ ،‬أثرت بي ‪ -‬وهذا ال شك‬ ‫الحدة لدى خديجة العمري جعلتها حالة استثنائية ال فيه‪ -‬ولربما جعلت مفرداتها للغتي هذه الثراء وهذا‬ ‫تشبه أحداً!! أفتقد حضور خديجة العمري اآلن وافتقد الجمال!‬ ‫طلتها على مشهدنا الثقافي ‪0‬‬ ‫نعم‪ ،‬أقولها عن لغتي وأعرف أنها كذلك؛ ألنني لم‬ ‫وم������ن ج���ي���ل���ي ك���ن���ت أق�����رأ أخلق هذه اللغة وحدي‪ ،‬بل خلق جمالها كل هذا اإلرث‬ ‫للجميع وأتواصل مع من يروق اإلبداعي ألناس بصموا بجمالهم دواخلي‪.‬‬ ‫لي منهم‪ .‬وقد جمعتني بهدى‬ ‫إنني أدين بالوالء للجيل الذي سبقنا كتاباً وشعراء‪،‬‬ ‫الدغفق صداقة من نوع خاص‪ ،‬فقد كانوا لنا وحياً وإلهاماً‪ ،‬القنطرة مع الجيل السابق‬ ‫جعلتنا نكتب نصوصاً مشتركة؛ ل��م تكن أب��دا مثقوبة‪ ،‬وع��ن نفسي؛ كنت أت��واص��ل مع‬ ‫صداقتي مع هدى كانت إلهاما الجميع بدون استثناء‪ ،‬فكنت أقرأ للجميع‪ ،‬وكنت أتعلم‬ ‫عبدالمحسن يوسف‬ ‫للشقاوة الجميلة في داخلي‪ ،‬من الجميع!‬ ‫نتغنى‬ ‫الجامعة‬ ‫ضحى‬ ‫في‬ ‫كنا‬ ‫فهل الجيل الذي تالنا كذلك؟ هل ينظرون لتجاربنا‬ ‫بقصائد غ��ي��داء ال��م��ن��ف��ى‪ ،‬ثم كما كنا ننظر نحن لتجارب من سبقونا؟ ال أظن ذلك!‬ ‫قررنا أن نبحث عن تلك المرأة أظن أن القنطرة لم تحملنا إليهم‪ ،‬وربما ال ذنب لهم وال‬ ‫التي أوجدت لنا عالماً موازياً لنا‪ ،‬لكن الوقت لم يشرع لهم بحوره‪ ،‬كما فعل معنا نحن‬ ‫من العشق!‬ ‫كتّاب الثمانينيات‪.‬‬ ‫سعيد السريحي‬

‫عبدالله السالمي‬

‫هاشم الجحدلي‬

‫فتشنا عن نصوصها في كل‬ ‫فقد كان المشهد الثقافي (في الثمانينيات) أشبه‬ ‫مكان ول��دى كل معارفنا‪ ،‬وقد ما يكون باألرض الخصبة‪ ،‬كان أرضا مهيأة لإلبداع‪،‬‬ ‫زودنا سعد الدوسري بنصوص وكان المد الحداثي في أوجه‪ ،‬وفي طلته األولى؛ لذا‪،‬‬ ‫كثيرة لها‪ ،‬جمعتُ قصائدها في كان لإلبداع وهجه الذي ال يخبو‪ ،‬كنا ننتظر المالحق‬ ‫إض��ب��ارة واح���دة وأخ��رج��ت كل الثقافية لنقرأ بعضنا‪ ،‬ال لنتسقط الزالت أو نجرح أو‬ ‫قصيدة على حدة‪ ،‬وكنت أنتقي نحطم؛ بل كنا نتشوق أن نعرف إلى أين وصلنا‪ ،‬وما‬ ‫لكل قصيدة صورة تعبيرية‪.‬‬ ‫الذي فاتنا؟ كنا نقرأ بعضنا لنتواصل إبداعيا‪ ،‬لنتناقش‬ ‫كنت أحلم دوما أن ألتقي ح��ول أف��ق تلك القصة أو جماليات تلك القصيدة؛‬ ‫ت��ل��ك ال����م����رأة ال���ت���ي أش��ع��ل��ت كانت القراءة فناً قائماً بحد ذاته؛ لذا‪ ،‬ازده��رت تلك‬ ‫قلبي بحرائق من نوع مختلف اآلونة بقراءة القصص والقصائد‪ ،‬بل وحتى اللوحات؛‬ ‫وم��م��ي��ز‪ ،‬وس��ك��ن��ت غ��ي��م��ات��ه��ا فالفن التشكيلي وقتها ك��ان لصيقاً بموجة اإلب���داع‪،‬‬ ‫ردائي زمنا طويال!‬ ‫وك��ان التشكيليون يرسمون القصائد الحداثية‪ ،‬وكان‬ ‫الكتّاب يقرؤون اللوحات والصور‪ ..‬كان اإلبداع آنذاك‬

‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫إبداعا متكامال‪ ،‬وكان سياقاً فنياً واحداً ال يهدأ‪ ،‬وكانت‬ ‫المالحق الثقافية تتنافس في تقديم هذا المد الحداثي‬ ‫الجديد نسبياً‪-‬مثل ملحق جريدة (ال��ي��وم) الثقافي‪،‬‬ ‫وملحق (ال��ج��زي��رة)‪ ،‬وملحق (ال��ري��اض)؛ أم��ا الملحق‬ ‫األه���م –في مسيرتي اإلب��داع��ي��ة‪ -‬فهو ملحق مجلة‬ ‫اليمامة (ملحق أص���وات)‪ ،‬إذ تجلت في ه��ذا الملحق‬ ‫الصورة المثالية لتكامل اإلب��داع على األق��ل بالنسبة‬ ‫لمبتدئة مثلي؛ فقد كنا نكتب القصص والقصائد وكنا‬ ‫نقرأ ما ننشره‪ ،‬وكانت اللوحات التشكيلية الحديثة‬ ‫هي خلفية هذا اإلب��داع وك��ان القاص يقرأ القصيدة‪،‬‬ ‫والشاعر يقرأ اللوحة‪ ،‬كنا كبارا وصغارا‪ ..‬نتواجد في‬ ‫هذا الملحق‪.‬‬

‫ال���س���ري���ح���ي ف����ي (ع����ك����اظ)‬ ‫و(اليمامة)‪ ،‬وخالد المحاميد‬ ‫في (اليوم)‪ ،‬ومن األسماء التي‬ ‫جايلتني أتذكر‪ :‬عبدالرحمن‬ ‫الدرعان‪ ،‬ويوسف المحيميد‪،‬‬ ‫وه������دى ال���دغ���ف���ق‪ ،‬وه���اش���م‬ ‫ال���ج���ح���دل���ي‪ ،‬وع���ب���ده خ���ال‪،‬‬ ‫وعبدالمحسن يوسف‪ ،‬ووفاء‬ ‫ال��ط��ي��ب‪ ..‬وأس��م��اء أخ���رى ال‬ ‫تحضرني اآلن‪ .‬وقتها كانت‬ ‫ال��ح��داث��ة تهمة‪ ،‬وك���ان ملحق‬ ‫الندوة األسبوعي متخصصاً‬ ‫في الرد عليها‪ ،‬وكانت الكتب‬ ‫التي تدين هذا االتجاه رائجة‬ ‫ولها م��ؤي��دوه��ا‪ ،‬ومنها كتاب‬ ‫(الحداثة في ميزان اإلسالم)‬ ‫وال���ذي فيه ت��ج��نٍّ كبير على‬ ‫أس���م���اء ك��ث��ي��رة‪ ،‬وأت��م��ن��ى أن‬ ‫يكون صاحب هذا الكتاب قد‬ ‫أدرك خطأه؛ فالحداثة كما‬ ‫أفهمها‪ ،‬وكما كانت تستفزني‪،‬‬ ‫ه��ي ال��م��ف��ردة ال���ح���رة‪ ..‬هي‬ ‫التركيب الحر‪ ..‬هي النقطة‬ ‫ال��ت��ي ال ع�لاق��ة ل��ه��ا بجمود‬ ‫السطر‪..‬هي النظرة الجديدة‬ ‫للكون ولألشياء من حولنا‪..‬‬ ‫ه��ي ال��ك��ت��اب��ة ال��ت��ي تعيد لك‬ ‫حماسك للقراءة!‬

‫كنا نشعر بحمَّ ى اإلب��داع‪ ،‬تعترينا مع كل ملحق‬ ‫ثقافي يصدر‪ .‬كنا نقرأ القصة والقصيدة والنص‬ ‫المفتوح‪ ،‬كنا نتشوق إل��ى ت��ج��ارب بعضنا بعضا‪..‬‬ ‫نقرؤها لنتفهم اإلبداع‪ ..‬ونقرؤها ليفهمها اآلخرون‪.‬‬ ‫ك���ان ال��م��ب��دع��ون ي���ق���رؤون اإلب�����داع‪ ،‬ول��ي��س ال��ن��ق��اد‬ ‫األكاديميون! كان علي الدميني في (اليوم)‪ ،‬وسعيد‬

‫باختصار‪ ،‬ك��ان المشهد القصصي واإلب��داع��ي‬ ‫بشكل عام‪ ،‬مشهداً حياً‪ ،‬يناضل لكي ينمو في ظل‬ ‫هجمات شرسة‪ ،‬تستعدي اآلخرين عليه؛ لذا‪ ،‬أحمد‬ ‫الله أن ش��رارت��ي األول���ى انطلقت ف��ي ذل��ك الوقت‬ ‫ال���ذي ك��ان اإلب����داع فيه ق��ض��ي��ة‪ ..‬ال م��ج��رد إثبات‬ ‫حضور ووجاهة كما يحدث اآلن‪.‬‬

‫كان محمد الحربي مشرفا مبدعا على ذلك البحر‬ ‫من اإلبداع‪ ،‬وفتح أمام األصوات الجديدة أبواب التجربة‬ ‫بكافة جهاتها‪ .‬كان ملحق (أصوات) نافذة بحجم الدنيا‬ ‫بالنسبة لنا ‪ -‬نحن األص��وات الجديدة‪ -‬لذا ما زلت‬ ‫أشعر بمرارة الفقد كلما تذكرت أن ملحق (أص��وات)‬ ‫ألغي فجأة ودون مبرر!! لكأننا فقدنا األرض التي نقف‬ ‫عليها شامخين! أنتزع منا الحلم ال��ذي كان اآلخ��رون‬ ‫يحسدوننا عليه‪ ،‬أولئك الذين لم تسمح ظروفهم أن‬ ‫يكونوا ج���زءاً م��ن «أص����وات» إم��ا الرتباطهم بصحف‬ ‫أخ��رى‪ ،‬أو النشغالهم بالهم الصحفي؛ لذا‪ ،‬كنا نشعر‬ ‫بالغبن إللغاء «أص��وات»‪ ،‬هذا الحدث ال��ذي لم يفسر‬ ‫لي‪ ،‬ولعل د‪ .‬فهد العرابي الحارثي يجيبني عليه اآلن‪،‬‬ ‫فقد كان ربان السفينة آنذاك‪ ،‬وبالمناسبة هو أول من‬ ‫منحني زاوية باسمي‪ ،‬مع أني وقتها كنت ما أزال أدرس‬ ‫في الجامعة؛ فكنت أصغر كاتبة تحصل على زاوي��ة‬ ‫أسبوعية‪ ،‬وهذا بالتأكيد أعطاني دفعة إلى األمام‪.‬‬

‫محمد جبر الحربي‬

‫عبدالرحمن الدرعان‬

‫علي الدميني‬

‫أحد أعداد مجلة أصوات‬

‫* كاتبة من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪103‬‬


‫دراسة وتصنيف « قطاع التربة» في منطقة اجلوف‬ ‫املالمح اجلغرافية للمنطقة‬

‫> زامل عايد احلميد*‬

‫تقع ه��ذه المنطقة بين خطي الطـول (‪ 37‬و‪)42‬‬ ‫شـرقاً‪ ،‬ودائرتي العرض (‪ 29‬و‪ )31‬شماالً‪ .‬ويحدها من‬ ‫الشمال والشمال الشرقي منطقة الحدود الشمالية‪،‬‬ ‫ومن الشمال الغربي الحدود األردن��ي��ة‪ ،‬ومن الجنوب‬ ‫والجنوب الشرقي منطقة حائل‪ ،‬ومن الجنوب الغربي‬ ‫منطقة تبوك‪ .‬وتبلغ مساحتها نحو ‪ 425108‬كم‪ .2‬أما‬ ‫عدد سكانها فيقدر بنحو (‪ )415‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫ويالحظ على ه��ذه المنطقة مظهرها الهضابي‪،‬‬ ‫رغ��م ت��ن��وع مظاهر السطح فيها بين ه��ض��اب وت�لال‬ ‫وج��روف شديدة االنحدار يطلق عليها الحافات‪ ،‬إلى‬ ‫ج��ان��ب المنخفضات وال��س��ب��خ��ات وال��ك��ث��ب��ان الرملية‬ ‫المختلفة األش��ك��ال وال��ح��ج��وم‪.‬إض��اف��ة إل���ى األودي���ة‬ ‫المتعددة فيها(‪.)1‬‬

‫���ش���ؤون زراع��ي��ة‬

‫وت��ق��ع ال��م��دن الرئيسة وال��ق��رى ف��ي المنخفضات‬ ‫وبطون األودي���ة‪ ،‬بينما تخلو هضبتا الحماد والحرة‬ ‫شمالي المنطقة‪ ،‬وص��ح��راء النفود الكبير جنوبيها‪،‬‬ ‫من أي مراكز عمرانية‪ ،‬بسبب عمق المياه الجوفية‬ ‫في هضبتي الحماد والحرة‪ ،‬وعدم صالحية صحراء‬ ‫النفود الكبير لالستقرار البشري‪ ،‬وهذا ما ميز منطقة‬ ‫الجوف عن سائر مناطق المملكة‪ .‬وتشير الخرائط‬ ‫الجيولوجية العامة‪ ،‬إلى قدم صخور المنطقة‪ ،‬حيث‬ ‫تتكون تربتها من حجرين أساسيين هما الحجر الرملي‬ ‫وال��ح��ج��ر ال��ج��ي��ري‪ ،‬وق���د يغلب ال��ح��ج��ر ال��رم��ل��ي على‬ ‫تربتها‪.‬‬ ‫وت��م��ت��از ه��ذه المنطقة بمناخها؛ فكثيراً م��ا تظهر‬ ‫الخصائص والصفات القارية عليها‪ ،‬ويغلب عليها المناخ‬ ‫الصحراوي الحار صيفا البارد شتاء‪ ،‬والحار نهاراً البارد‬ ‫ليالً‪ .‬وتتميز بخلوها وبعدها عن المسطحات المائية التي‬ ‫كثيراً ما تؤثر في مناخ أي منطقة‪،‬‬

‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫تتعرض المنطقة‬ ‫ش��ت��ا ًء للمنخفضات‬ ‫الجوية ال��ق��ادم��ة من‬ ‫ال��ب��ح��ر ال��م��ت��وس��ط‪،‬‬ ‫ال����ت����ي ق�����د ت��ص��ح��ب‬ ‫م�����ع�����ه�����ا األم�������ط�������ار‬ ‫الرعدية‪ ،‬وق��د تصل‬ ‫درجات الحرارة فيها‬ ‫شتا ًء إلى نحو (‪ )6‬درج��ات مئوية تحت الصفر‪ ،‬وترتفع‬ ‫صيفاً إلـى (‪ )45‬درجة مئوية‪ .‬أما األمطار فتراوح بيــن ‪50‬‬ ‫و‪200‬ملـم فــي العــام‪ .‬والرطوبــة النســبية نحو ‪5‬و‪.%36‬‬ ‫ه��ذه العوامل مجتمعه جعلت من الجوف منطقة‬ ‫زراعية‪ ،‬صالحة لمختلف أنواع الزراعة‪ ،‬بدءاً بالنخيل‪،‬‬ ‫الذي تقدر أشجاره بنحو (‪000‬ر‪ )550‬شجرة‪ .‬وانتها ًء‬ ‫بأشجار الزيتون‪ ،‬التي وصل تعدادها إلى نحو أربعة‬ ‫ماليين ش��ج��رة‪ .‬إض��اف��ة إل��ى ال��ل��وزي��ات والتفاحيات‬ ‫والحمضيات والخضار‪ ،‬كما تمتاز المنطقة بارتفاع‬ ‫معدالت إنتاجها من محاصيل القمح والشعير‪.‬‬ ‫وق��د أثبتت ج��ذوع الزيتون المتحجرة‪ ،‬التي عثر‬ ‫عليها في المنطقة‪ ،‬أصالة هذه الشجرة وقدمها في‬ ‫منطقة ال��ج��وف‪ ،‬التي تتميز حاليا – كما أسلفت –‬ ‫بزراعتها ووفرة إنتاج زيتها‪.‬‬ ‫وصف منطقة الدراسة (تربة)‬ ‫‪ -1‬على مسافة (‪ )14‬كم شرق مدينة سكاكا‪ ،‬وعلى‬ ‫الطريق المؤدي إلى قرية خوعاء‪ ،‬وقد تم تحديده‬ ‫ب��واس��ط��ة ‪ GPS‬وه���ي ك��ال��ت��ال��ي ‪N=، 2957677‬‬ ‫‪=04019839E‬‬

‫‪ -2‬يصل ارتفاعها عن سطح البحر نحو ‪ 588‬مترا‪،‬‬ ‫وتتكون حدودها الطبيعية من كثبان رملية وتالل‬


‫واضحاً‪ ،‬وشبه مستوٍ ودرجة تماسكه هشة‪.‬‬

‫صخرية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تقدر مساحتها بنحو (‪ )500‬دونم‪.‬‬ ‫‪-4‬سطح منطقة الدراسة متموج بانحدار ال يزيد عن ‪،%8‬‬ ‫وغطاؤها النباتي بعض األعشاب والشجيرات البرية‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬الرمث‪ ،‬والسبط‪ ،‬والقضقاض‪ .‬وتصل نسبة هذا‬ ‫الغطاء نحواً من ‪ %15‬من المساحة اإلجمالية‪ .‬كما يوجد‬ ‫في الموقع نسبة قليلة من الحصى واألح��ج��ار‪ ،‬التي ال‬ ‫تتجاوز ‪ %25‬وهي غير منتظمة األشكال‪.‬‬ ‫‪ -5‬صرف الماء في هذه المنطقة جيد‪ ،‬وانجراف التربة قليل‬ ‫بسبب قلة االن��ح��دار‪ ،‬والنفاذية الجيدة للتربة‪ .‬ويتضح‬ ‫وجود بعض األمالح البسيطة في المنطقة المرورية‪.‬‬ ‫‪ -6‬توجد ف��ي منطقة ال��دراس��ة بعض ال��ب��روزات الصخرية‬ ‫القليلة والمتباعدة‪.‬‬

‫‪ -5‬وعن درجة فوران التربة مع الحامض‪ ،‬فلم يظهر فوران في‬ ‫الطبقتين األولى والثانية‪ ،‬وقد كان طفيفاً في الطبقتين‬ ‫الثالثة والرابعة‪.‬‬ ‫نتائج الدراسة‬ ‫اتضح من نتائج التحليالت المعملية‪ ،‬وباالستعانة بمثل‬ ‫القوام أن التربة رملية؛ إذ أن نسبة الرمل تزيد في كل الطبقات‬ ‫عن ‪ ،%90‬كما اتضح أن نسبة الكالسيوم قليلة ومنخفضة في‬ ‫الطبقات األربعة‪.‬‬ ‫كما اتضح أن الرقم الهيدروجيني ‪ PH‬يتراوح بين ‪- 7.5‬‬ ‫‪7.7‬؛ أي أن التربة تميل إلى التربة القاعدية‪ .‬واتضح أيضا‬ ‫أن التوصيل الكهربائي جيد‪ ،‬وال توجد أي مشاكل بالنسبة‬ ‫لألمالح فيها‪.‬‬

‫وصف قطاع التربة‬ ‫ي���������وم األرب���������ع���������اء ال�����م�����واف�����ق‬ ‫‪2006/5/31‬م تم حفر القطاع‪ ،‬حتى‬ ‫عمق ‪ 120‬سم‪ ،‬وتم تقسيمه إلى أربع‬ ‫طبقات بناء على تغير اللون والحد‬ ‫الفاصل بينها‪.‬‬

‫ويوضح التحليل انخفاض نسبة‬ ‫البوتاسيوم والفوسفور في التربة‪،‬‬ ‫ك��م��ا أن ال��م��ادة ال��ع��ض��وي��ة ال توجد‬ ‫فيها‪.‬‬ ‫لقطة من إحدى المزارع في الجوف‬

‫أوال‪ :‬لون التربة‬ ‫الطبقة األولى‪ :‬اللون أصفر وسمكها (‪20 )20-1‬سم‪.‬‬ ‫الطبقة الثانية‪ :‬اللون أصفر محمّر وسمكها (‪20 )40-20‬سم‪.‬‬ ‫الطبقة الثالثة‪ :‬اللون بني وسمكها (‪18 )58-40‬سم‪.‬‬ ‫الطبقة الرابعة‪ :‬اللون بني غامق وسمكها (‪52 )120- 58‬سم‪.‬‬ ‫‪ -2‬قوامها‪ :‬أخذت عيّنة من كل طبقة‪ ،‬وأرسلت إلى مختبرات‬ ‫التربة في المنطقة لمعرفة قوامها‪ ..‬وقد تم ذلك وأشير‬ ‫إليه في نتائج الدراسة‪.‬‬ ‫‪ -3‬البناء‪ :‬بالنسبة للطبقات ال��ث�لاث األول���ى‪ ،‬فهي عديمة‬ ‫البناء‪ ،‬أما الطبقة الرابعة فهي متوسطة البناء‪ ،‬ونوعه‬ ‫كتلي تحت زاوية‪.‬‬ ‫‪ -4‬أم��ا ع��ن ال��ح��د الفاصل بين الطبقات‪ :‬فقد ك��ان الحد‬

‫تصنيف التربة في منطقة‬ ‫الدراسة‬

‫تم التصنيف وفقاً للتصنيف األمريكي‪ ،‬ومنه يتضح أن‬ ‫التربة تقع ضمن رتبة الترب حديثة التكوين (‪ )Entisols‬ورتبة‬ ‫الترب الرملية (‪ ،)Pasmments‬وضمن مجموعة العظمى‬ ‫األراض��ي الجافة (‪ )Torripasamnts‬تحت مجموعة الترب‬ ‫العميقة (‪ ،)Typic‬وعليه فإن تصنيف هذا القطاع هو (‪Typic‬‬ ‫‪.)Tirri Pasamaents‬‬ ‫ويتضح من الدراسة المورفولوجية والتحليالت المخبرية‬ ‫أن األرض صالحة ل��ل��زراع��ة‪ ،‬على أن ت��ض��اف إليها بعض‬ ‫األسمدة البوتاسية والفوسفاتية لنقص تلك العناصر فيها‪..‬‬ ‫وينصح أيضا بإضافة المادة العضوية لتحسين خواص التربة‬ ‫الفيزيائية والكيميائية‪ .‬كما نوصي باستخدام الري بالتنقيط‬ ‫لألشجار‪ ،‬ن��ظ��راً ل��زي��ادة نفاذية التربة م��ع مالحظة تقريب‬ ‫فترات الري‪.‬‬

‫* الجوف ‪ -‬السعودية‬ ‫(‪ )1‬خالد مفلح مريح الجوفي منطقة الجوف دراسة في الجغرافية اإلقليمية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪105‬‬


‫املصارف اإلسالمية‬

‫ماهيتها وواقعها الذي فاق كل التوقعات‬ ‫> د‪ .‬نضال الرمحي‪ ،‬د‪ .‬حسني سمحان*‬ ‫إن المحاوالت الجادة في العصر الحديث للتخلص من المعامالت المصرفية التقليدية‬ ‫التي ال تناسب من يلتزمون بأحكام الشريعة اإلسالمية‪،‬وإقامة مصارف تقوم بالخدمات‬ ‫واألعمال المصرفية بما يتفق معها‪ ،‬بدأت منذ عام ‪1963‬م عندما أنشئت بنوك االدخار‬ ‫المحلية بإقليم الدقهلية في مصر على يد الدكتور أحمد عبدالعزيز النجار‪ ،‬حيث كانت بمثابة‬ ‫صناديق ادخار تـوفير لصغار الفالحين‪.‬‬ ‫ثم جاء إنشاء بنك ناصر االجتماعي عام ‪1971‬م بالقاهرة‪ ،‬وعمل في مجال جمع وصرف‬ ‫الزكاة والقرض الحسن‪ ،‬ثم كانت محاولة مماثلة في الباكستان‪ ،‬ثم البنك اإلسالمي للتنمية‬ ‫بالسعودية ع��ام ‪1974‬م‪ ،‬ت�لاه بنك دب��ي اإلسالمي ع��ام ‪1975‬م‪ ،‬ثم بنك فيصل اإلسالمي‬ ‫السوداني عام ‪1977‬م‪ ،‬فبيت التمويل الكويتي عام ‪1977‬م‪ ،‬فبنك فيصل اإلٍ سالمي المصري‬ ‫عام ‪1977‬م‪ ،‬وفي األردن كانت البداية بالبنك اإلسالمي األردني للتمويل واالستثمار الذي‬ ‫تأسس عام ‪1978‬م فالبنك العربي اإلسالمي الدولي عام ‪1997‬م‪.‬‬ ‫وحاليا انتشرت البنوك اإلسالمية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬حتى أن البنوك التقليدية‬ ‫العالمية عملت على فتح نوافذ أو فروع أو بنوك إسالمية لها مثل سيتي بنك ولويدز وغيرهما‬ ‫مما يؤكد صالحية النظام االقتصادي الخالي من الفائدة للتطبيق‪ ،‬وإمكانية تفوقه على‬ ‫األنظمة االقتصادية السائدة‪.‬‬

‫مـــــال واقت�صـاد‬

‫آلية عمل المصارف اإلسالمية‬ ‫إن المهتم في شؤون البنوك اإلسالمية يدرك أهمية عقد المضاربة ودوره في قيام هذه‬ ‫البنوك ووصولها إلى ما هي عليه اآلن‪ .‬فالمعروف أن البنوك مهما كان نوعها ‪ -‬إسالمية أو‬ ‫تقليدية ‪ -‬أو المبدأ الذي تعمل على أساسه‪ ،‬ال بد لها من الحصول على كم هائل من األموال‬ ‫لتستطيع القيام بالدور الذي قامت من أجله‪.‬‬ ‫فالبنك يعتمد بالدرجة األولى على أموال الناس في تحقيق الجزء األكبر من أرباحه‪ ،‬لذا‬ ‫فانك تجد أن رأسمال البنك ال يتجاوز في كثير من األحيان عُشر ودائعه‪.‬ومن هنا كان ال بد‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫للمصارف اإلسالمية من البحث عن أسلوب تستطيع‬ ‫من خالله تجميع األموال من الناس وإغرائهم باستثمار‬ ‫أموالهم معها‪ ،‬فكان عقد المضاربة الشرعية هو العقد‬ ‫المناسب للقيام بهذه المهمة‪ .‬فما هو هذا العقد وكيف‬ ‫ساهم في نشوء وتطور المصارف اإلسالمية‪.‬‬

‫أن ي��ك��ون ال��ع��م��ل م��ش��روع��اً م��م��ا ت��ج��وز فيه‬ ‫ ‬‫ال يجوز‬ ‫المضاربة؛ وحسب شروط عقد المضاربة؛فمث ً‬ ‫أن يعمل المضارب في التجارة وما ينتج عنها كالرهن‬ ‫واإليجار واالستئجار وتأخير الثمن إلى أجل متعارف‬ ‫عليه إال إذا نص العقد على عدم القيام بأحد األعمال‬ ‫السابقة‪،‬كأن يشترط رب المال على المضارب عدم‬ ‫تأخير الثمن إل��ى أج��ل م��ع��روف‪ .‬وال يجوز للمضارب‬ ‫أن ي��ق��رض م��ال ال��م��ض��ارب��ة أو العتق وال��ه��ب��ة م��ن مال‬ ‫المضاربة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الشروط الخاصة برأس المال‬

‫ال يصح أن يشترط أحد المتعاقدين لنفسه‬ ‫ ‬‫كمية محدده من الربح‪.‬‬

‫تعرف المضاربة بأنها عقد بين طرفين يقدم أحدهما‬ ‫المال للطرف اآلخ��ر ليعمل فيه بهدف الربح على أن‬ ‫يتم توزيع هذا الربح بينهما بنسب متفق عليها ابتداء‪.‬‬ ‫أم��ا الخسارة فيتحملها صاحب ال��م��ال وح��ده بشرط‬ ‫عدم تقصير الطرف اآلخر أو تعديه‪ .‬ويسمى صاحب‬ ‫ثالثاً‪ :‬الشروط الخاصة بالربح‬ ‫المال «رب المال» ويسمى الطرف اآلخ��ر «العامل أو‬ ‫تحديد نصيب كل من رب المال والمضارب‬ ‫ ‬‫المضارب»‪ .‬وفي المصارف اإلسالمية يكون أصحاب‬ ‫من الربح عند التعاقد‪.‬‬ ‫الحسابات االستثمارية هم أرب��اب األم��وال والمصرف‬ ‫أن يكون نصيب كل طرف نسبة شائعة من‬ ‫ ‪-‬‬ ‫هو المضارب‪.‬‬ ‫الربح وليس مقداراً محدداً‪.‬‬ ‫وه��ذا المفهوم يختلف عن المضاربة في األس��واق‬ ‫اشترطت الشافعية أن يكون الربح مشتركاً‬ ‫ ‬‫المالية (‪ )Speculation‬التي ينصرف إليها ذهن‬ ‫االق��ت��ص��ادي��ي��ن ع��ن��د ال��ت��ح��دث ع��ن ال��م��ض��ارب��ة‪ .‬فهذه ب��ي��ن ال��ط��رف��ي��ن‪ .‬ف�لا ي��ج��وز أن ي��خ��ت��ص ب��ال��رب��ح أح��د‬ ‫المتعاقدين دون اآلخر‪.‬‬ ‫المضاربة لها شروط شرعية منها‪:‬‬ ‫أن يكون رأس المال من النقود المضروبة‬ ‫ ‬‫كالدنانير مثال‪ .‬أما األموال غير النقدية (العروض أو‬ ‫األصول الملموسة) ففيها اختالف بين الفقهاء‪.‬‬

‫أه����م أدوات ال��ت��م��وي��ل واالس��ت��ث��م��ار في‬ ‫المصارف اإلسالمية‪:‬‬

‫ت��ق��وم ال��م��ص��ارف اإلس�لام��ي��ة ب��اس��ت��ث��م��ار األم����وال‬ ‫أن ي��ك��ون رأس ال��م��ال معلوماً لكل م��ن رب‬ ‫ ‬‫المال والمضارب علماً نافياً للجهالة‪ .‬من حيث الجنس المتجمعة لديها من اجل تحقيق الربح لها وللمستثمرين‬ ‫معها (أصحاب حسابات االستثمار) من خالل أدوات‬ ‫والصفة والقدر‪.‬‬ ‫تتناسب مع ما أفتى به علماء المسلمين‪ ،‬مما يرفع‬ ‫ ‬‫أن ال ي���ك���ون رأس ال���م���ال دي���ن���اً ف���ي ذم��ة الحرج عنها وعن المستثمرين معها إذا التزمت بهذه‬ ‫المضارب‪.‬‬ ‫الفتاوى‪ ،‬ومن أهم هذه األدوات‪:‬‬

‫ثانياً‪ :‬الشروط الخاصة بالعمل‬

‫‪ -‬تمويل المضاربة‬

‫أن يتم تسليم رأس مال المضاربة للمضارب‬ ‫ ‬‫حيث يقوم المصرف اإلسالمي بدفع مبلغ معين من‬ ‫وإطالق يده فيه على أن ال يكون قبض المال من قبل المال ألحد المتعاملين معه حسب ش��روط المضاربة‬ ‫المضارب قبض ضمان إال في حال تعدي المضارب السابق ذكرها‪ .‬وفي هذا حل لكثير من مشاكل االقتصاد‬ ‫على هذا المال أو تقصيره بالتصرف فيه‪.‬‬ ‫والتجار ال مجال لذكرها هنا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪107‬‬


‫‪ -‬ال���م���راب���ح���ة ال���م���رك���ب���ة(ال���م���راب���ح���ة ل�لآم��ر تصرف المالك‪.‬‬

‫بالشراء)‬ ‫ويعرّفها آخرون بأنها‪ :‬تعاقد بين أثنين أو أكثر على‬ ‫هي قيام من يريد ش��راء سلعة معينة بالطلب من العمل للكسب بواسطة األموال أو األعمال أو الوجاهة‪.‬‬ ‫طرف آخر (البنك اإلسالمي مثال) بان يشتري سلعة ليكون الغُنم بالغُرم بينهم حسب االتفاق‪.‬‬ ‫معينة ويعده بأن يشتريها منه بربح معين‪ .‬ويسمى من‬ ‫وم����ن أه����م أن������واع ال���م���ش���ارك���ات ف���ي ال��م��ص��ارف‬ ‫يريد السلعة باآلمر بالشراء أما الطرف اآلخر (البنك اإلسالمية‪:‬‬ ‫اإلس�لام��ي) فيسمى المأمور بالشراء أو البائع‪ .‬هذا‬ ‫وق��د يقوم اآلم��ر بالشراء بدفع الثمن للبنك ح��االً أو أوالً ‪ :‬المشاركة الدائمة‬ ‫مقسطاً أو مؤجالً‪ .‬وع��ادة ما يتم دف��ع الثمن بموجب‬ ‫وهي اشتراك البنك في مشروع معين بهدف الربح‬ ‫أقساط شهرية أو سنوية متساوية أو دفعة واحدة بعد دون أن يتم تحديد أجل معين النتهاء هذه الشركة‪ ،‬ومثال‬ ‫أجل محدد‪ .‬وبهذا فإن بيع المرابحة لآلمر بالشراء ذل��ك اشتراك البنوك اإلسالمية في إنشاء الشركات‬ ‫(المرابحة المركبة) يتم على مراحل هي‪:‬‬ ‫المساهمة‪ ،‬أو المساهمة فيها بهدف السيطرة عليها‬ ‫المرحلة األولى‪ :‬وعد من اآلمر بالشراء للمأمور بأن أو البقاء فيها ألسباب معينه‪.‬‬ ‫يشتري منه السلعة التي أمره بشرائها بعد أن يمتلكها‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬المشاركة المؤقته‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬إبرام عقد البيع األول بين المأمور‬ ‫وهي اشتراك البنك في مشروع معين بهدف السرعة‬ ‫بالشراء والبائع األول‪.‬‬ ‫مع تحديد أجل أو طريقة إلنهاء مشاركة البنك في هذا‬ ‫المرحلة الثالثة‪ :‬إبرام عقد البيع الثاني بين اآلمر المشروع في المستقبل‪ ،‬وهذه المشاركة على نوعين‪:‬‬ ‫بالشراء والمأمور بالشراء‪.‬‬ ‫أ‪-‬المشاركة في تمويل صفقه معينه‪ :‬وهي اشتراك‬ ‫وتتعامل البنوك اإلسالمية ببيع المرابحة لآلمر البنك اإلسالمي مع أحد التجار أو إحدى المؤسسات‬ ‫ب��ال��ش��راء على أس���اس اإلل����زام ب��ال��وع��د لكل م��ن اآلم��ر في تمويل صفقه معينه على أن يقتسما الربح بنسب‬ ‫بالشراء والبنك اإلسالمي‪( .‬اآلمر بالشراء ملزم بشراء معينه‪ ،‬فيتم تصفية الصفقه واحتساب حصة كل طرف‬ ‫السلعة إذا اشتراها البنك اإلسالمي‪ .‬والبنك ملزم ببيعه من األرباح وتسليمها له بعد إعادة رأسماله‪ ،‬وبهذا تنتهي‬ ‫الشركة‪ ،‬ومثال ذلك اشتراك البنك مع أحد المقاولين‬ ‫هذه السلعة إذا اشتراها)‪.‬‬ ‫في تنفيذ عطاء بناء مجمع تجاري أو اشتراكه مع أحد‬ ‫ تمويل المشاركة‬‫تجار المواد الغذائية في استيراد مواد غذائية معينة‬ ‫تعتبر المشاركة إحدى مجاالت االستثمار الهامة في تحتاجها البلد لصالح الحكومة أو لصالح المؤسسات‬ ‫ال ناجحاً في كثير االستهالكية المدنية أو العسكرية‪.‬‬ ‫المصارف اإلسالمية‪ .‬كما تعتبر بدي ً‬ ‫من األحيان لتمويل المرابحة المثير للجدل‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ال��م��ش��ارك��ة ال��م��ن��ت��ه��ي��ة ب��ال��ت��م��ل��ي��ك (ال��م��ش��ارك��ة‬ ‫الشركة‪ .‬المتناقصة)‪ :‬وهي اشتراك البنك اإلسالمي مع طرف‬ ‫وف��ي اللغة يرتبط لفظ المشاركة بلفظ َّ‬ ‫���ش��� ْرك���ة ه���ي االخ���ت�ل�اط أو مخالطة أو أط���راف أخ��رى ف��ي إن��ش��اء م��ش��روع معين برأسمال‬ ‫���ش���رِ ك���ة أو ال َّ‬ ‫وال َّ‬ ‫معين وب��ه��دف ال��رب��ح‪ ،‬بحيث يسهم البنك والشركاء‬ ‫الشريكين‪.‬‬ ‫في رأسمال هذا المشروع بنسب معينه‪ ،‬على أن يقوم‬ ‫أما في االصطالح فهي استقرار ملك شيء له قيمة‬ ‫الطرف اآلخر(الشريك اآلخر أو أحد الشركاء) بشراء‬ ‫مالية بين مالكين فأكثر لكل واح��د أن يتصرف فيه‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫حصة البنك تدريجيا من األرباح التي يحصل عليها إلى (ال��م��واد ال��خ��ام) م��ن عند ال��ص��ان��ع‪ .‬وذل��ك مقابل ثمن‬ ‫أن تنتقل حصة البنك في رأسمال المشروع بالكامل معين يدفعه المستصنع للصانع إما ح��االً أو مقسطاً‬ ‫وبشكل تدريجي للطرف اآلخر‪ ،‬بحيث يصبح الشريك أو مؤجالً‪.‬‬ ‫اآلخر هو مالك المشروع ويخرج البنك من الشركة‪.‬‬ ‫السـلَـمْ‬ ‫ بـَيْ ـع َّ‬‫وقد أفتى مؤتمر المصارف اإلسالمية األول المنعقد‬ ‫السلم لغة ه��و التقديم والتسليم‪ ،‬وأس��ل��م بمعنى‬ ‫بدبي عام‪1979‬م بجواز هذه المشاركة‪.‬‬ ‫أسلف‪ ،‬أي قدم وسلم‪.‬‬

‫مزايا المشاركة‬ ‫أما في االصطالح فهو البيع الذي يتم فيه تسليم‬ ‫‪ -1‬صيغة غير مثيرة للجدل من النواحي الشرعية الثمن في مجلس العقد وتأجيل تسليم السلعة الموصوفة‬ ‫كما هو حال المرابحة‪ ،‬وهي خالية من العيوب بدقة إلى وقت محدد في المستقبل‪.‬‬ ‫الشرعية ومن الربا‪.‬‬ ‫ويعرفه فقهاء الشافعية والحنابلة بأنه عقد على‬ ‫‪ -2‬تحقيق عوائد اقتصادية واجتماعية مجزية‪ .‬فهي موصوف في الذمة مؤجل بثمن مقبوض في مجلس‬ ‫تعمل على معالجة األمراض االقتصادية من خالل العقد‪.‬‬ ‫ويمكن للمصارف اإلسالمية استغالل عقد السلم‬ ‫زي��ادة الناتج القومي والدخل القومي وتخفيض‬ ‫فيما يلي‪:‬‬ ‫البطالة وتقليل اآلثار السلبية للتضخم‪....‬الخ‪.‬‬

‫‪ -3‬استغالل السيولة ال��زائ��دة ع��ادة في المصارف ‪ -1‬تمويل عمليات الزراعة للمزارعين الذين يتعاملون‬ ‫معها‪ ،‬مما يمكنهم من زرع أراضيهم ومساهمتهم‬ ‫اإلسالمية مع تحقيق عوائد مرتفعة في العادة‪.‬‬ ‫في اإلنتاج‪.‬‬ ‫‪ -4‬توزيع المخاطر بين أصحاب رؤوس األموال وتوفير‬ ‫‪ -2‬تمويل النشاط التجاري والصناعي خاصة تمويل‬ ‫الجهود بسبب توزيع المسؤوليات بين الشركاء‪.‬‬ ‫المراحل السابقة إلنتاج وتصدير السلع والمنتجات‬ ‫ تمويل االستصناع‬‫الرائجة من خالل شرائها سلما وإعادة بيعها بأسعار‬ ‫أعلى بعد استالمها‪.‬‬ ‫اإلستصناع لغة هو طلب الصنعة‪ ،‬واستصنع الشيء‬ ‫دعا إلى صنعه‪.‬‬ ‫‪ -3‬ت��م��وي��ل الحرفيين وص��غ��ار المنتجين ع��ن طريق‬ ‫أما اصطالحاً فقد وردت له تعريفات كثيرة منها‪:‬‬

‫إمدادهم بمستلزمات اإلنتاج كرأسمال سلم مقابل‬ ‫الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها‪.‬‬

‫أن��ه «عقد على مبيع في الذمة وش��رط عمله على‬ ‫ التأجير‬‫الصانع»‪.‬‬

‫يعتبر عقد التأجير من العقود المفعلة في المصارف‬ ‫أو أنه‪ »:‬طلب شخص من آخر صناعة شيء ما له‪،‬‬ ‫على أن تكون المواد من عند الصانع نظير ثمن معين» اإلسالمية‪ ،‬فهو يمكّن المصرف وعمالءه من الحصول‬ ‫على مزايا تتناسب وأهداف كل منهم كما سنرى‪.‬‬ ‫ف��ه��و ع��ق��د ب��ي��ن ط��رف��ي��ن ي��ق��وم أح��ده��م��ا (ال��ص��ان��ع)‬ ‫اإلجارة لغة مشتقة من األجر‪ ،‬وهو العِ وَض‪.‬أمـ ــا في‬ ‫بموجب هذا العقد بصنع شيء محدد الجنس والصفات‬ ‫(ب��ش��ك��ل ي��م��ن��ع أي ج��ه��ال��ة م��ف��ض��ي��ة ل��ل��ن��زاع) للطرف الشرع فهي (بيع منفعة معلومة بعوض معلوم) أو هي‬ ‫اآلخر(المستصنع)‪ ،‬على أن تكون المواد الالزمة للصنع عقد يتم بموجبه تمليك منفعة معلومة ألصل (عين)‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪109‬‬


‫معلوم من قبل مالكها لطرف آخر مقابل عوض(ثمن)‬ ‫معلوم لمدة معلومة‪ ،‬وعرفها القانون المدني األردني‬ ‫بأنها(تمليك المؤجر للمستأجر منفعة مقصودة من‬ ‫الشيء المؤجر لمدة معينه لقاء عوض معلوم)‪.‬‬

‫أنواع التأجير في البنوك اإلسالمية‬ ‫أوالً ‪ :‬التأجير التشغيلي‬

‫ويتميز ه��ذا النوع من التأجير بطول مدته نسبياً‬ ‫وبارتفاع بدل اإليجار‪ ،‬ويتحمل فيه المستأجر جميع‬ ‫المصروفات التشغيلية‪ ،‬أما المصروفات الرأسمالية‬ ‫فيتحملها المستأجر إذا تمت بناءاً على رغبته‪ ،‬مثل‬ ‫إضافة س��ور للمنزل أو مصعد للبناية‪ ،‬أم��ا إذا كانت‬ ‫ه��ذه المصروفات ض��روري��ة لحصول المستأجر على‬ ‫منفعة األصل التي تم االتفاق عليها عند توقيع العقد‬ ‫فيتحملها المؤجر‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬انهيار جزء من المنزل‬ ‫المؤجر نتيجة ظروف طبيعية(زلزال مثالً) فيكون ثمن‬ ‫ترميم هذا الجدار على المؤجر‪.‬‬

‫وه��و التأجير ال���ذي ي��ق��وم على تمليك المستأجر‬ ‫منفعة أصل معين لمدة معينة على أن يتم إعادة األصل‬ ‫لمالكه(البنك اإلسالمي) في نهاية مدة اإليجار‪ ،‬ليتمكن‬ ‫المالك من إعادة تأجير األصل لطرف آخر أو تجديد نمو المصارف اإلسالمية فاق كل التوقعات‬ ‫العقد مع نفس المستأجر إذا رغب الطرفان بذلك‪.‬‬ ‫إن أكثر المتفائلين بالبنوك اإلسالمية لم يكن يتوقع‬ ‫وع����ادة م��ا ي��ك��ون ه���ذا ال��ن��وع م��ن ال��ت��أج��ي��ر قصير أن تصل إلى ما وصلت إليه في اقل من خمس عقود‪،‬‬ ‫األجل نسبياً‪ ،‬ويتميز بتحميل المصروفات الرأسمالية فقد أصبح يشار إلى هذه التجربة بالبنان وأصبحت‬ ‫على األصل للمؤجر‪ ،‬أما المصروفات التشغيلية مثل تنافس بشدة ال��م��ص��ارف التقليدية التي مضى على‬ ‫مصروف الكهرباء والماء فيتحملها المستأجر‪.‬‬ ‫فكرتها ق���رون م��ن ال��زم��ان‪ ،‬ب��ل وأصبحت ق���دوة لتلك‬ ‫كما أن ه��ذا التأجير يتم ألص���ول امتلكها البنك البنوك ومنارة لها بسبب رواج فكرتها‪،‬مما جعل البنوك‬ ‫ألسباب خاصة به قد يكون أحدها الطلب على استئجار التقليدية تنشيء بنوكا أو فروعا أو نوافذ لها لتقديم‬ ‫ه��ذا األص��ل في السوق بشكل ع��ام‪ ،‬وال يتم امتالكها الخدمات المصرفية كما يريدها المسلمون‪ ،‬أو كما‬ ‫وتأجيرها بناءاً على طلب المستأجر(أي ال يتم شراؤها تقدمها المصارف اإلسالمية‪ ،‬ليس إعجابا بالفكرة بل‬ ‫إيمانا بأنها ستحقق لهم أرباحا أكثر وهذا يعزى إلى‪:‬‬ ‫لتأجيرها لشخص محدد)‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬التأجير المنتهي بالتمليك(التأجير ‪ -‬الصحوة الدينية التي عاشتها وتعيشها امة اإلسالم‬ ‫ال��ت��ي تمتلك ث����روات ه��ائ��ل��ة ت��ل��ه��ث األم����م األخ���رى‬ ‫التمويلي)‬ ‫وراءها‪.‬‬ ‫في هذا النوع من التأجير يتم تمليك منفعة األصل‬ ‫خالل مدة التأجير للمستأجر مع وعد من المالك بتمليك ‪ -‬النجاح الذي حققته المصارف اإلسالمية على صعيد‬ ‫تجميع األموال واستثمارها بأساليب مبتكرة لتجمع‬ ‫األصل للمستأجر في نهاية مدة التأجير بسعر السوق‬ ‫بين عوامل اإلنتاج بأسلوب أثار إعجاب الغرب‪.‬‬ ‫في وقته‪ ،‬أو بسعر يحدد في الوعد‪،‬أو بسعر رمزي أو‬ ‫بدون مقابل‪.‬والوعد بتمليك األصل للمستأجر في نهاية ‪ -‬العوائد التي تحققها أساليب االستثمار اإلسالمي‬ ‫مدة التأجير بدون مقابل هو المقصود هنا (التأجير‬ ‫على صعيد االقتصاد الكلي أو على صعيد المصرف‬ ‫التمويلي) وهو المطبق في المصارف اإلسالمية‪ ،‬ألن‬ ‫نفسه‪.‬‬ ‫ال��م��ص��رف ي��ك��ون ق��د اس��ت��وف��ى ثمن األص���ل م��ن خالل‬ ‫ويمكننا الوقوف على ما وصلته المصارف اإلسالمية‬ ‫أقساط التأجير التي كان قد حصل عليها أثناء فترة‬ ‫التأجير‪ ،‬ل��ذا يكون ب��دل اإليجار في ه��ذا النوع أعلى اآلن من خالل اإلحصائية المختصرة التالية التي أعدتها‬ ‫شركة مكنزي اند كو األمريكية‪:‬‬ ‫بكثير منه في التأجير التشغيلي‪.‬‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫ حجم قطاع التمويل اإلسالمي بلغ أكثر من ‪ - 750‬العائد على األصول في المصارف اإلسالمية في‬‫مليار دوالر‪.‬‬ ‫دول مجلس التعاون‪ /‬الخليج العربي ‪ %2.45‬مقابل‬ ‫‪ %1.61‬في البنوك التقليدية حسب دراس��ة معهد‬ ‫ أصول المصارف اإلسالمية مجتمعة بلغت أكثر من‬‫الدراسات المصرفية هناك‪.‬‬ ‫‪ 265‬مليار دوالر‪.‬‬

‫المراجع‬

‫ استثمارات المصارف اإلسالمية ‪ 450‬مليار دوالر‪.‬‬‫ معدل نمو استثمارات المصارف اإلسالمية يبلغ‬‫‪ %23‬سنويا‪.‬‬

‫‪ )1‬‬

‫االسس النظرية والتطبيقات العملية‪ ،‬ط‪ ،2‬دار المسيرة‪،‬‬

‫ ‪ -‬ال���ودائ���ع ال��م��ص��رف��ي��ة اإلس�لام��ي��ة ل���دى ال��م��ص��ارف‬ ‫اإلسالمية بلغت أكثر من ‪ 200‬مليار دوالر‪.‬‬ ‫‪ )2‬‬ ‫ يوجد حاليا أكثر م��ن ‪ 270‬مصرفا إسالميا في‬‫ال��ع��ال��م‪ ،‬وق���د ي��ك��ون ال��رق��م ق��د ب��ل��غ ‪ 300‬مصرف‬ ‫قول للدكتور محمد عبدالحليم عمر‬ ‫إسالمي حسب ٍ‬ ‫‪ )3‬‬ ‫في األزهر‪.‬‬ ‫ ي��زي��د ع��دد ال��ن��واف��ذ اإلس�لام��ي��ة للبنوك التجارية‬‫التقليدية على ‪ 300‬نافذة‪.‬‬

‫‪ )4‬‬

‫عمان ‪2008‬‬ ‫الشعار‪ ،‬نضال‪ ،‬أسس العمل المصرفي االسالمي والتقليدي‪،‬‬ ‫هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية االسالمية‪،‬‬ ‫المنامة ‪.2005‬‬ ‫ارشيد‪ ،‬محمود‪ ،‬الشامـل فـي معامـالت وعمليات المصارف‬ ‫اإلسالمية‪،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان‪:‬دار النفائس‪ 2001 ،‬م‪.‬‬ ‫خـان وأحمد‪ ،‬ط��ارق الله وحبيب‪ ،‬إدارة المخاطر‪ :‬تحليل‬ ‫قضايا فــي الصناعة المالية اإلس�لام��ي��ة‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬ترجمة‬

‫ ستكون ال��م��ص��ارف اإلس�لام��ي��ة مسئولة ع��ن إدارة‬‫نصف م��دخ��رات ال��ع��ال��م اإلس�لام��ي خ�لال العشر‬ ‫سنوات المقبلة‪.‬‬

‫عثمان بابكر احمد‪ ،‬جدة‪ ،‬المملكة العربيـة السعودية‪:‬البنك‬ ‫اإلسالمي للتنمية‪ :‬المعهد اإلسالمي للبحوث والتدريب‪،‬‬ ‫‪ 2003‬م‪.‬‬

‫ تم إنشاء مؤشرات مالية في البورصة األمريكية‬‫لألسواق المالية اإلسالمية عام ‪1999‬م مثل مؤشر‬ ‫داو جونز ومؤشر ايفاننشال تيمز‪.‬‬

‫‪ )5‬‬

‫ناصر‪ ،‬سليم ــان‪ ،‬تطوير صيغ التمويل قصير األجل للبنوك‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬الجزائر‪:‬جمعية التراث‪.2002 ،‬‬

‫‪ )6‬‬

‫ في منطقة الخليج العربي وحدها تتولى المصارف‬‫اإلسالمية إدارة م��دخ��رات بقيمة ‪ 60‬مليار دوالر‬ ‫‪ )7‬‬ ‫أمريكي‪.‬‬ ‫ أصدرت ‪ 20‬دولة حتى اآلن قوانين خاصة بتنظيم‬‫العمل المصرفي اإلس�لام��ي‪ ،‬وه��ن��اك دول حولت‬ ‫النظام المصرفي فيها بالكامل إلى نظام مصرفي‬ ‫إسالمي مثل السودان وإي��ران‪ .‬وهناك دول أخرى‬ ‫تستعد ل��ذل��ك ‪ -‬حسب م��ا نشر ف��ي بعض مواقع‬ ‫اإلنترنت ‪ -‬مثل السعودية‪.‬‬

‫ال��وادي‪ ،‬محمود وسمحان‪،‬حسين‪ ،‬المصارف االسالمية‪،‬‬

‫‪ )8‬‬ ‫‪ )9‬‬

‫مجلة البنوك في األردن – عمان‪ ،‬العدد األول‪ ،‬المجلد‬ ‫الثاني والعشرون‪ ،‬تشرين ثاني‪ 2003 ،‬م‪.‬‬ ‫التقارير السنوية للبنك اإلسالمي األردني‬ ‫التقارير السنوية للبنك العربي اإلسالمي الدولي‬ ‫التقارير السنوية لبنك دبي االسالمي‬

‫‪ )10‬التقارير السنوية لبيت التمويل الكويتي‬ ‫‪ )11‬التقارير السنوية لشركة الراجحي المصرفية‬ ‫‪ )12‬م������وق������ع ال����م����ج����ل����س ال�������ع�������ام ل����ل����ب����ن����وك االس��ل��ام�����ي�����ة‬ ‫ ‬

‫‪www.islamicfi.com‬‬

‫* جامعة الزرقاء الخاصة – األردن‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪111‬‬


‫الكتاب ‪ :‬من هنا يبدأ التغيير‬ ‫املؤلف ‪ :‬تركي احلمد‬

‫ق���������������راءات‬

‫> مهند صالحات*‬ ‫يطرح الكاتب والمفكر السعودي تركي الحمد في يشكل (ماسترو) اللحن االجتماعي‪ ،‬والتنظيم الذي‬ ‫هذا الكتاب الصادر في طبعته الثانية حديثاً‪ ،‬وفي ‪ 350‬يحكم الدولة والمجتمع وعالقتهما معاً‪ ،‬ليحافظا على‬ ‫صفحة‪ ،‬وم��ن خ�لال المقدمة‪ ،‬دع��وات ع��دة العتماد قيمته واستمراريته‪.‬‬ ‫المنهجية الوسطية في مناحي الحياة اإلنسانية‪ ،‬على‬ ‫كما يناقش في فصول الكتاب أزمة الفكر والثقافة‬ ‫كافة الصعد السياسية واالجتماعية والدينية والفكرية؛‬ ‫وال��ح��ري��ة وال��ه��وي��ة ف��ي المجتمعات ال��ع��رب��ي��ة‪ .‬وعبر‬ ‫بوصفها النهج األكثر عقالنية ومنطقية؛ منطلقًا في‬ ‫استرشاد في التاريخ‪ ،‬يعود المؤلف إلى حادثة الخليفة‬ ‫ذل��ك‪ ،‬من أن الفضيلة ال تعني الوصول إلى المثالية‬ ‫علي بن أبي طالب‪ ،‬رضي الله عنه‪ ،‬مع الخوارج الذين‬ ‫المطلقة بقدر ما هي «تحقيق أقصى كمال ممكن»‪ ،‬ما‬ ‫أرادوا من وراء مطالبتهم بتطبيق حكم الله‪ ،‬وهي كلمة‬ ‫يمكّنها من الوقوف بوجه التطرف والتعصب‪.‬‬ ‫حق‪ ،‬لكن أُري��د بها باطل؛ وكيف أن علي رغم تكفير‬ ‫رس���م ال��م��ؤل��ف م��ن��ذ ال��ب��داي��ة منهجية ت��ب�� ّن��ي وجهة الخوارج له ومن قبله عثمان بن عفان لم يمنع عنهم‬ ‫نظر الوسطية في كل ش��يء‪ :‬الحب‪ ،‬والحق‪ ،‬والحرية‪ ،‬الفيء‪ ،‬ولم ي��ر ّد عليهم التكفير بالمثل‪ ،‬ولم يقاتلهم‪،‬‬ ‫وال��ج��م��ال‪ ،‬واالق���ت���ص���اد‪ ،‬وال��ب��ن��ي��ة الطبقية للمجتمع‪ ،‬وهو أيضاً ما حدث بينهم وبين الخليفة األموي عمر‬ ‫وال��دس��ات��ي��ر ووس��ط��ي��ت��ه��ا ال��ت��ي ت����ؤدي إل���ى االس��ت��ق��رار‬ ‫بن عبدالعزيز‪.‬‬ ‫السياسي‪ ..‬مؤكدًا أنه يستند في تلك الوسطية لمنهجية‬ ‫وم��ن خ�لال ه��ذه ال��ح��وادث التاريخية‪ ،‬يريد تركي‬ ‫اإلس�لام‪ ،‬التي ال يتخلف فيها فعل ونقل‪ .‬وداعمًا تلك‬ ‫الرؤية باإلسناد القرآني والسيرة النبوية الشريفة‪ ،‬كما الحمد أن يبين خطأ فكرة التطرف‪ ،‬التي تقوم على‬ ‫في اآلية القرآنية «وال تجعل يدك مغلولة إلى عنقك وال تكفير األخ��ر‪ ،‬من منطلق أن الطوائف اإلسالمية لها‬ ‫تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً» (اآلية ‪ - 29‬مرجعية واحدة هي الدين الواحد‪ ،‬وأن االختالف فيما‬ ‫سورة اإلسراء)‪ ،‬والعديد من األحاديث النبوية الشريفة‪ .‬بينها هو مجرد اختالف في طريقة تفسير النص‪.‬‬ ‫وفي السياق ذاته يرى أن الوسطية شكّلت األساس‬ ‫ال���ذي ق��ام��ت عليه ال��ح��ض��ارات ال��ك��ب��رى ف��ي ال��ع��ال��م‪،‬‬ ‫وتأسست عليه المجتمعات السليمة؛ فالوسطية في‬ ‫الحضارة والمجتمع‪ ،‬هي تلك المعادلة الدقيقة بين‬ ‫الحرية والضبط الذي يقوم على القانون الناظم‪ ،‬أو‬

‫* كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في األردن‪.‬‬

‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫لكن المؤلف ‪ -‬الذي أراد من هذا الكتاب توضيح‬ ‫أهمية الوسطية ودورها في معالجة العقل العربي‪ -‬لم‬ ‫يكن وسطياً في تناوله للكثير من القضايا في الكتاب‬ ‫والحكم عليها‪ ،‬فقدم العديد من االحكام الجائرة‪ ،‬التي‬ ‫خرجت أحيانًا عن منطق الوسطية والعقالنية!‬


‫الكتاب ‪« :‬قصة سنغافورة‪ ،‬مذكرات لي كوان يو»‬ ‫املترجم ‪ :‬هشام الدجاني‬

‫> احملرر الثقافي‬ ‫يعالج كتاب قصة سنغافورة ال��ص��ادر حديثاً ع��ن دار‬ ‫العبيكان للنشر‪ ،‬ف��ي ‪ 672‬صفحة م��ن ال��ق��ط��ع الكبير‪،‬‬ ‫وترجمه إلى العربية د‪ .‬هشام الدجاني‪ ،‬نشأة هذا البلد‪،‬‬ ‫وال��س��ن��وات الهادئة لحكم االح��ت�لال البريطاني‪ ،‬وصدمة‬ ‫الحرب والسنوات القاسية لالحتالل الياباني والعصيان‬ ‫الشيوعي المسلح منذ ع���ودة بريطانيا‪ ،‬واالض��ط��راب��ات‬ ‫الطائفية في ماليزيا‪ ،‬التي انتهت باالستقالل المفاجئ‬ ‫لسنغافورة عن ماليزيا عام ‪1965‬م‪ ،‬واصفًا المؤلف‪ ،‬وهو‬ ‫«لي كوان يو»‪ ،‬رئيس وزراء سنغافورة سابقًا‪ ،‬والذي تسلم‬ ‫في بداية تسعينيات القرن الماضي منصب الوزير األول‪،‬‬ ‫الصعود الشاق على مدى ‪ 25‬عاما من الفقر واالحتالل‬ ‫إلى الرخاء واإلزده��ار‪ ،‬وذلك من خالل سرد يحمل بعضه‬ ‫الطابع القصصي عن حياته الشخصية‪ ،‬والمواقف األكثر‬ ‫تأثيرًا به‪ ،‬مازجً ا األحداث الكبرى التي حدثت في سنغافورة‬ ‫وجنوب شرقي أسيا‪ ،‬وبعض األحداث العالمية المؤثرة في‬ ‫دائرة الجغرافيا السياسية التي يتحدث عنها‪.‬‬ ‫يفسر المؤلف في مقدمة كتابه ‪ -‬الذي يفترض أنه سيرة‬ ‫ذاتية‪ ،‬لكنها أخذت مفهومًا أشمل‪ ،‬بسبب الدور الذي لعبه‬ ‫المؤلف في رحلة االستقالل ‪ -‬كيفية اقتطاع دولة صغيرة‬ ‫تفتقر إلى الموارد الطبيعية من أرضها الخلفية الطبيعية‪،‬‬ ‫��اس من‬ ‫عالم ق ٍ‬ ‫وكيف عليها أن تحافظ على وجودها في ٍ‬ ‫الدول القومية الجديدة في جنوب شرقي أسيا؛ مشيرًا إلى‬ ‫اعتياد العالم على أن يعيد البنك الدولي تصنيف سنغافورة‬ ‫في أقل من ‪ 40‬عامًا‪ ،‬من دول��ة دون مستوى التطور إلى‬ ‫دول��ة متطورة‪ ،‬وأه��م التحديات الكبرى التي واجهها هذا‬

‫البلد ليصل إل��ى مرحلة متقدمة من ال��رخ��اء واالزده���ار‪،‬‬ ‫والعوامل التي أسهمت في وصوله‪ ،‬وذلك من خالل العديد‬ ‫من القصص الذاتية‪ ،‬وخاصة في مراحل االستقالل‪ ،‬وأهم‬ ‫العقبات والحروب التي واجهته‪.‬‬ ‫ويوضح الكاتب كيف لم يس َع السنغافوريون أب��دًا إلى‬ ‫االستقالل‪ ،‬ففي استفتاء جرى قبل عام ‪1962‬م صوت ‪%70‬‬ ‫من المقترعين السنغافوريين لصالح االندماج مع ماليزيا‪،‬‬ ‫ومنذ ذلك الحين لم تتغير حاجة سنغافورة في أن أن تكون‬ ‫ج��زءًا ال يتجزأ من االتحاد في دول��ةٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ‬ ‫واقتصاديةٍ واح��دة‪ .‬لم يتغير شيء «عدا أننا كنا مبعدين‪،‬‬ ‫كنا نقول إن كانت سنغافورة مستقلة‪ ،‬فهي ببساطة غير‬ ‫قابلة للحياة‪ ،‬ففيها مهاجرون من الصين والهند وماليزيا‬ ‫وأندونيسيا وأجزاء أخرى عديدة من أسيا‪».‬‬ ‫مشيرًا بذات الوقت إلى أن سنغافورة‪ ،‬الجزيرة الصغيرة‬ ‫ال مربعًا على المد‬ ‫التي ال تزيد مساحتها ع��ن ‪ 214‬مي ً‬ ‫المنخفض‪ ،‬ك��ان سبب انتعاشها‪ ،‬يعود لوقوعها في قلب‬ ‫اإلمبراطورية البريطانية في جنوب شرقي أسيا؛ بمعنى‬ ‫أن ه��ذه الجغرافيا التي تحولّت لسياسية بسبب امتداد‬ ‫اإلم��ب��راط��وري��ة البريطانية التي كانت توصف ف��ي حينها‬ ‫باإلمبراطورية التي ال تغيب عنها الشمس‪ ،‬التساعها الهائل‬ ‫حول العالم‪ ،‬قد أصبحت مع االنفصال قلبًا بال جسد‪ ،‬إذ‬ ‫إن ‪ %75‬من سكان سنغافورة البالغ عددهم مليوني شخص‪،‬‬ ‫كانوا من الصينيين المهاجرين‪ ،‬شكلوا أقلية ضئيلة وسط‬ ‫أرخبيل من ‪ 30‬ألف جزيرة يقطنها أكثر من ‪ 100‬مليون‬ ‫مسلم من الماليو وأندونيسيا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪113‬‬


‫الكتاب ‪ :‬االنسداد التاريخي‪ :‬ملاذا فشل مشروع‬ ‫التنوير في العالم العربي؟‬ ‫املؤلف ‪ :‬هاشم صالح‬

‫> احملرر الثقافي‬

‫يطرح المفكر العربي هاشم صالح في ه��ذا الكتاب نتيجة إنتهاء صالحية الفكرة أو تحجرها أو تكلسها؛ وهنا‬ ‫الصادر عام ‪2007‬م عن دار الساقي في ‪ 304‬صفحات‪ ،‬يبدأ البحث عن وسائل وسبل التغيير واالنقالب عليها‪.‬‬ ‫عدداً من القضايا اإلشكالية في أزمة الفكر العربي؛ وهي‬ ‫وه���و ي���رى أن سبيل ال��خ�لاص ال���ذي أوص���ل أوروب���ا‬ ‫واح���دة م��ن مجمل قضايا مهمة شكلت ال��م��أزق العربي‬ ‫لالتحاد األوروبي بفهمه العميق الفلسفي اليوم‪ ،‬هو نتاج‬ ‫الحالي بأشكاله التاريخية والفكرية والسياسية والثقافية‪،‬‬ ‫ذلك االشتغال للذات على ذاتها‪ ،‬بشكل جدلي خالّق أوصل‬ ‫وجعلت تلك القضايا من نفسها الشغل الشاغل للمفكرين‬ ‫أوروبا إلى مرحلة عدم تعارض الدين مع العلم والعقل‪ ،‬في‬ ‫والمحللين اإلستراتيجيين والقراء والمتابعين العرب‪.‬‬ ‫حين ال ي��زال هذا االشتغال غير واقعي في المجتمعات‬ ‫ي��ح��اول المؤلف ‪ -‬وه��و أح��د تالميذ المفكر العربي العربية واإلسالمية‪.‬‬ ‫اإلسالمي محمد أركون‪ ،‬والذي تولى ترجمة أهم كتبه التي‬ ‫وي��ش��ت��رط ه��اش��م ص��ال��ح ع��ل��ى ال��م��ج��ت��م��ع��ات العربية‬ ‫ناقشت فكرة التنوير‪ ،‬ويعد كذلك أح��د مؤسسي رابطة‬ ‫العقالنيين العرب ‪ -‬أال يخرج في هذا الكتاب من رؤى واإلسالمية‪ ،‬كما في المجتمع األوروبي وخاصة الفرنسي‪،‬‬ ‫وتطلعات أعضاء الرابطة‪ ،‬وكذلك رؤى أركون في مفهوم للوصول للحداثة‪ ،‬ب��أن يتم تأسيس علم جديد هو علم‬ ‫التنوير وأزمته وإشكاليته‪ ،‬وأسباب فشله كمشروع عربي‪ .‬األص��ول��ي��ات كما أس��م��اه‪ ،‬وال���ذي ي��دع��و إل��ي��ه منذ فترة‪،‬‬ ‫والذي يرمى لدراسة أصول الصراع بين األصولية الدينية‬ ‫وكما هي منهجية أستاذه محمد أركون‪ ،‬يسترشد هاشم‬ ‫وصراعها مع فالسفة التنوير للوصول إلى الحداثة‪ ،‬حيث‬ ‫صالح بالتجارب األوروبية في البناء والتغيير‪ ،‬ومنطلقًا‬ ‫ع��رّف الحداثة بأنها الخالصة أو ال��زب��دة النهائية التي‬ ‫كذلك من رؤيته للفكر بأنه يقوم على التجديد والتغيير‪،‬‬ ‫فيرى ‪ -‬كما يقول على لسان بعض المفكرين‪« -‬بأنه لوال تتمخض عن هذا الصراع الطويل‪ ،‬وبما أن هذا الصراع‬ ‫ت��ردي المسيحية في القرون الوسطى إلى أسفل وهدة‪ ،‬لم يحدث حتى اآلن في المجتمعات العربية اإلسالمية‪،‬‬ ‫ول��وال جفاف نسغها وتحولّها إل��ى ق��وال��ب ج��ام��دة فاقدة فإنه يجيب على السؤال الذي طرحه في بداية الكتاب عن‬ ‫ال��روح‪ ،‬لما كان انفجار لوثر‪ ،‬ووالدة اإلصالح الديني في أسباب عدم وصول هذه المجتمعات لمرحلة التنوير التي‬ ‫تسبق مرحلة الحداثة‪.‬‬ ‫بداية القرن السادس عشر‪.‬‬ ‫فالواقع أن اإليمان المسيحي كان قد وصل في ذلك‬ ‫الحين إلى درجة هائلة من التحجر؛ بحيث إنه لم يعد ينفع‬ ‫معه أي ترقيع أو مجاملة أو أنصاف حلول‪ ،‬بمعنى آخر يريد‬ ‫المؤلف أن يوضح‪ ،‬وعبر مجموعة من الشواهد من التاريخ‬ ‫يأت إال‬ ‫األوروبي‪ ،‬أن اإلصالح والتغير الذي يعني الفكر‪ ،‬ال ِ‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫يعود المؤلف م��رة أخ��رى للتذكير بالحضارة العربية‬ ‫–اإلسالمية الكالسيكية‪ ،‬وأس��ب��اب انهيارها المفاجئ‪،‬‬ ‫والنظريات التي وضعت لتحليل هذا االنهيار من اقتصادي‬ ‫أو سياسي أو غ��ي��ره‪ ،‬وه��و ال ينفي أو يؤكد أ ًي��ا م��ن تلك‬ ‫النظريات‪.‬‬


‫الكتاب ‪ :‬دراسة تربوية في «األسس الفسيولوجية‬ ‫للسلوك»‬ ‫املؤلف ‪ :‬محمد محمود بني يونس‬

‫> احملرر الثقافي‬

‫يقدم د‪ .‬محمد محمود بني يونس‪ ،‬في كتابه األكاديمي‪،‬‬ ‫ال���ص���ادر ح��دي��ث��اً ع��ن دار ال���ش���روق‪ ،‬ف��ي ‪ 620‬صفحة‪،‬‬ ‫ال لعدد من المفاهيم السلوكية‬ ‫شروحات وافية‪ ،‬وتأصي ً‬ ‫في علم النفس؛ منطلقاً من أن دراسة السلوك اإلنساني‬ ‫هي دراسة قديمة قدم اإلنسان ذاته‪.‬‬ ‫لكن مُنطَ لق الكتاب يأتي م��ن خ�لال ض���رورة دراس��ة‬ ‫المستجدات على سلوكيات اإلنسان النابعة من التغيرات‬ ‫ال��س��ري��ع��ة ف��ي ش��ك��ل ح��ي��ات��ه وم��ض��ام��ي��ن��ه��ا‪ ،‬وخ��اص��ة في‬ ‫العالم المعاصر‪ ،‬الذي يصفه المؤلف بأنه عالم متغير‪،‬‬ ‫تنوّعت فيه سلوكيات األفراد والجماعات في مدخالتها‬ ‫وإجراءاتها ومخرجاتها‪ ،‬بحيث بدت هذه السلوكيات على‬ ‫خارطة العالم المعرفية منتشرة بشكل تكتالت مقسومة‬ ‫إلى ثالث فئات‪ :‬الفئة األولى منها تتركز في بؤر التأثير؛‬ ‫بينما تتركز الثانية في بؤر االستجابة؛ وأما الفئة الثالثة‬ ‫فتتركز في بؤر التأثر واالستجابة معاً‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من اللغة األكاديمية الجامدة للكتاب‪،‬‬ ‫إال أنه قدم رؤية واضحة ومبسطة للمهتمين في مفاهيم‬ ‫السلوك اإلنساني‪ ،‬المتفرّع عن علم النفس‪ ،‬رؤية شاملة‬ ‫ومفصلة عن مضامين دراسة السلوك‪ ،‬بدأها في تأصيل‬ ‫مفهوم السلوك ذاته لغوياً وإجرائياً‪ ،‬وإخراج المفهوم من‬ ‫ال��خ�لاف وال��ج��دل وال��ن��ق��اش ال��ذي دار حوله بين علماء‬ ‫النفس والميادين المعرفية األخ��رى‪ .‬وقد خرج المؤلف‬ ‫بنتيجة في تأصيل ه��ذا المفهوم بأنه لغة‪ :‬يعني سيرة‬ ‫اإلنسان ومذهبه واتجاهه الذي يحدد آلية سير حياته؛‬ ‫أم��ا إجرائياً‪ -‬وعلى الرغم مما يقوله المؤلف من عدم‬

‫وج��ود تعريف جامع ‪ -‬يمكن اعتماده كمعيار ثابت لدى‬ ‫علماء الميادين المعرفية‪ ،‬لعدة أسباب يبدو أهمها عدم‬ ‫الثبات في نسب المكونات الداخلة في تركيبته‪ ،‬وتغيرها‬ ‫الدائم بتغير الظروف الذاتية والموضوعية معاً‪ ،‬إال أنه‬ ‫خ��رج بجملة تعريفات توفيقية ل��ه تتناسب وال��ظ��روف‬ ‫اإلنسانية الحالية‪.‬‬ ‫فقد قام بتقسيم مكنونات التعريف‪ ،‬كل واح��دة على‬ ‫ال منها ليصل إلى تعريف تفصيلي توفيقي‬ ‫انفراد‪ ،‬وعرّف ك ً‬ ‫لكل واحدة؛ فقسّ م المكنونات إلى‪ :‬السلوك‪ ،‬والتصرفات‪،‬‬ ‫وردود ال��ف��ع��ل‪ ،‬واألف���ع���ال‪ .‬وب���دأ بتعريف ال��س��ل��وك ال��ذي‬ ‫يعني النشاط الفيزيقي الخارجي المُالحظ؛ بينما عُني‬ ‫بالتصرفات‪ :‬األفعال الواعية الهادفة التي يتم التفكير‬ ‫بانجازها مسبقاً‪ .‬وأما األفعال فهي جملة من ردود الفعل‬ ‫المترابطة فيما بينها لمواقف معينة‪ .‬أما ردود األفعال‬ ‫فهي أفعال بسيطة تتألف من حركات عدة‪ ،‬تُنجز تماماً‬ ‫بشكل عفوي‪ ،‬وال يوجد فيها قصد مسبق‪.‬‬ ‫ويختم المؤلف الكتاب بفصل بعنوان‪« :‬علم النفس‬ ‫الفسيولوجي التمايزي»‪ ،‬وه��و بحث استكمالي للبحوث‬ ‫السابقة ال��ت��ي وردت ف��ي ف��ص��ول ال��ك��ت��اب‪ ،‬ك��ون الكتاب‬ ‫مجموعة أب��ح��اث منفصلة‪ ،‬نجد ف��ي معظمها وخاصة‬ ‫من الفصل الرابع إلى التاسع بعض اإللتقاء والتواصل؛‬ ‫ال بذاته‪،‬‬ ‫بينما نجد في فصول أخرى كل بحث منها مستق ً‬ ‫ويجمعها فقط الموضوع المشترك‪ .‬كما وكأن لكل فصل‪،‬‬ ‫مراجعه وم��ص��ادره وآلية التعامل معه‪ ،‬وأحياناً مفاتيح‬ ‫قراءته وتدريسه‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪115‬‬


‫الكتاب ‪ :‬تقييم نظام اخلدمات املقدمة لألطفال في‬ ‫منطقة اجلوف باململكة العربية السعودية‬ ‫املؤلف ‪ :‬فهد بن عبدالله الفياض‬ ‫الناشر ‪ :‬مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‬ ‫‪2008‬م‬ ‫> محمد صوانه‬

‫ض��م��ن ب��رن��ام��ج ال��ن��ش��ر ال����ذي ت���رع���اه م��ؤس��س��ة دراسته الميدانية‪.‬‬ ‫عبدالرحمن السديري الخيرية‪ ،‬صدر حديثاً‪ ،‬كتاب‬ ‫وي��م��ث��ل ال��ف��ص��ل األول م���دخ�ل�اً ع���ام���اً ل��دراس��ة‬ ‫بعنوان‪« :‬تقييم نظام الخدمات المقدمة لألطفال في‬ ‫الموضوع‪ ،‬ويتضمن أه��داف ال��دراس��ة ومفاهيمها‪،‬‬ ‫منطقة الجوف بالمملكة العربية السعودية»‪ ،‬تأليف‬ ‫ويعرض الدراسات ذات الصلة بموضوع الدراسة‪.‬‬ ‫الباحث فهد بن عبدالله الفياض‪.‬‬ ‫وف��ي الفصل الثاني يتحدث المؤلف ع��ن الطفولة‬ ‫جاء الكتاب خالصة دراسة ميدانية على عيّنات‬ ‫واألس����رة‪ ،‬وم��راح��ل نمو الطفل وأث���ر البيئة عليه‪،‬‬ ‫من أولياء األمور الذين رافقوا أطفالهم خالل عالجهم‬ ‫في مستشفيات منطقة الجوف‪ ،‬للوقوف على وجهات وعن نظام الخدمات الصحية في المملكة العربية‬ ‫نظرهم المبنية على معايشة واقعية لواقع الخدمات السعودية وبرامجه‪ ،‬كما يستعرض مظاهر االهتمام‬ ‫الصحية التي تقدمها المستشفيات لألطفال‪ .‬كما العالمي والعربي وال��س��ع��ودي بالطفولة‪ ،‬والبرامج‬ ‫شملت ال��دراس��ة عيّنة شملت جميع العاملين في الموجهة لصحة الطفل‪ ،‬والنمو السكاني وعالقته‬ ‫أقسام األطفال‪ ،‬والمسؤولين في المستشفيات مدار بالخدمات الصحية في المملكة‪.‬‬ ‫البحث‪ ،‬ويشير المؤلف إلى أن أفراد العيّنة األولى‬ ‫أم����ا ال��ف��ص��ل ال���ث���ال���ث وع���ن���وان���ه‪« :‬ال��ط��ري��ق��ة‬ ‫تم اختيارهم بطريقة عشوائية‪ ،‬من خالل االستعانة‬ ‫واإلج���راءات» فقد تضمن منهجية التقويم ومنهج‬ ‫بالسجالت اإلحصائية للمراجعين‪.‬‬ ‫ال��دراس��ة وبياناتها‪ ،‬ومجتمع ال��دراس��ة واألساليب‬ ‫وق��د هدفت ال��دراس��ة إل��ى التعرّف على ماهية‬ ‫اإلح��ص��ائ��ي��ة المستخدمة ف��ي ال��ب��ح��ث‪ .‬واخ��ت��ص‬ ‫الخدمات الصحية المقدمة لألطفال في مستشفيات‬ ‫المنطقة‪ ،‬ومدى كفاءتها من وجهة نظر المرافقين ال��ف��ص��ل ال���راب���ع ب��ت��ح��ل��ي��ل ال��ب��ي��ان��ات اإلح��ص��ائ��ي��ة‬ ‫والعاملين على السواء‪ ،‬وكذلك خصائص األطفال ومناقشتها؛ ليخلص الباحث إلى النتائج والتوصيات‬ ‫التي ضمنها فصل الكتاب الخامس واألخير‪ ،‬التي‬ ‫المرضى ومرافقيهم والعاملين فيها‪.‬‬ ‫يشتمل الكتاب على مقدمة وخمسة فصول‪ ،‬أظ��ه��رت ت��واف��ر ال��خ��دم��ات الطبية ال��م��س��ان��دة في‬ ‫ومالحق لالستمارات المستخدمة في الدراسة‪ ،‬المستشفيات ب��ص��ورة ك��ب��ي��رة‪ ،‬وت��واف��ر الخدمات‬ ‫إض��اف��ة إل��ى نحو (‪ )50‬ج���دوالً تحليلياً للبيانات الطبية بصورة متوسطة‪ ،‬وحسن معاملة المرضى‬ ‫اإلح��ص��ائ��ي��ة ال��ت��ي ح��ص��ل عليها ال��ب��اح��ث‪ ،‬خ�لال وذويهم من قبل العاملين فيها‪.‬‬ ‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


‫الكتاب ‪ :‬رؤى وآفاق‬ ‫املؤلفة ‪ :‬فهدة محمود احلسن الكريع‬ ‫الطبعة ‪ :‬األولى ‪1428‬هـ ‪2007 -‬م‬

‫> محمود الرمحي‬ ‫اسم على مسمى «رؤى وآف��اق» تجربة حياتية‪ ،‬اجتماعية‪،‬‬ ‫تعليمية تربوية تربو على الثالثين عاماً‪ ..‬جاءت في شكل خواطر‬ ‫وأفكار ومقاالت؛ منها ما سبق نشره في الصحف المحلية‪ ،‬ومنها‬ ‫ما هو وليد الساعة‪ .‬تجارب تنم عن وعي كاتبتها‪ ،‬وتفهمها ألمور‬ ‫الحياة العامة وألمور وطنها ومجتمعها بشكل خاص‪ ،‬وال غرو في‬ ‫ذلك؛ فالكاتبة تربوية نضجت تجاربها من خالل سني عمرها‬ ‫التي قضتها في التعليم في المجالين الفني واإلداري؛ فجاءت‬ ‫تلك التجارب نقداً وبنا ًء وتحليالً‪ ،‬تدعو للتساؤل والتفاهم ال‬ ‫للقطيعة والتمسك ب��ال��رأي‪ ،‬تؤرقها القضايا التي ته ّم بنات‬ ‫جنسها أو مجال عملها‪ ..‬فجنّدت قلمها استشعاراً منها بأهمية‬ ‫المرحلة التي تمر فيها المرأة السعودية‪ ،‬والقضايا المصيرية‬ ‫التي ت��دور حولها‪ ..‬إلى جانب تناولها القضايا التربوية التي‬ ‫تهم الطالبة والمعلمة والمنهج والبنية التربوية‪ ،‬تناوال منصفاً ال‬ ‫إجحاف فيه‪ .‬فكانت بذلك أنموذجاً لألقالم النسائية المتميزة؛‬ ‫خاصة المثقفة والواعية منها‪.‬‬ ‫كتاب يتضمن العديد من الزوايا األدبية‪ ..‬وص��فٌ ينم عن‬ ‫وطنية صادقة أظهرت من خالله حبها لبلدها‪ ،‬فتطرقت إلى‬ ‫معطياته اإليجابية بهدف تقويتها‪ ،‬وإلى سلبياته بغية تالفيها أو‬ ‫على األقل إضعافها‪ ..‬ونق ٌد ألولئك الذين ينظرون إلى كثير من‬ ‫األمور بعين واحدة‪ ،‬وال تتعدى نظرتهم موطئ أقدامهم‪ ..‬وتحلي ٌل‬ ‫لما يدور في مجتمعها سلباً وإيجاباً‪.‬‬ ‫هي التي وجهت سهامها إلى أولئك األزواج الذين ينظرون‬ ‫إلى المرأة وكأنها قطعة من أثاث المنزل‪ ،‬متناسين أنها نصف‬ ‫المجتمع الذي تبنيه بإنسانيتها‪ ..‬والمفترض قيامه على الود‬ ‫والتفاهم‪.‬‬ ‫كما تناولت هموم المعلمة بآمالها وآالم��ه��ا؛ لتبحث عن‬

‫تكريمها وراحتها‪.‬‬ ‫وه��ي التي تهاجم تلك الجامعات التي سهلت نيل شهادة‬ ‫الدكتوراة بالمراسلة‪ ،‬وعدّته أسلوب التفاف باختيار موضوعات‬ ‫واهية ال تفيد الباحث وال بلده‪ ..‬وف��ي رأيها أن��ه تذكرة مرور‬ ‫لوضع حرف الدال أمام اسم حاملها‪..‬‬ ‫وهي التي تتغنى بالجوف‪ ..‬وكم يحلو الجوف في عينيها‪،‬‬ ‫وتتمنى أن يكون بالحالوة نفسها في عيون اآلخرين الذين يتركوه‬ ‫مسافرين إلى أماكن خارجية منفقين األم��وال ومبعثرينها هنا‬ ‫وهناك؛ تاركين حقيقة الجمال وسحره في ربوع الجوف‪ ،‬اللؤلؤة‬ ‫التي ال يملها التاريخ‪.‬‬ ‫وهي التي تتناول افتتاح جامعة الجوف وتعدها خطوة مهمة‬ ‫ف��ي الطريق السليم نحو التنمية الشاملة حيث تقاس األم��م‬ ‫بكوادرها المؤهلة‪.‬‬ ‫ولم يخل كتابها من رثاء لبنات جلدتها من زميالت مسيرتها‬ ‫التعليمية‪ ,‬أو من سيدات مجتمع الجوف؛ ممن تركن في نفسها‬ ‫دمعة حزن حتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫ه��ي التي تقول إن الكاتب الناجح ي��رى المشكلة فيبحث‬ ‫عن الحل‪ ..‬تحدد البوصلة اتجاهه ليقود السفينة نحو الهدف‬ ‫بصرف النظر عن عدد المبحرين معه أو عدد من سيقذفون‬ ‫سفينته بالبيض الفاسد أو حتى بالحجارة‪ ..‬وفي هذا إصرار‬ ‫على الوصول إلى بر األمان‪.‬‬ ‫لقد سمت بتواضعها وصراحتها وتفهمها لمجتمعها الذي‬ ‫تعيشه حين تقول في تقديمها إن كتابها هذا ‪ -‬وفي رحلته األخيرة‬ ‫ قد تحول إلى شأن عام‪ ،‬يتفق حوله المتلقون أو يختلفون‪ ..‬ولكنها‬‫تأمل أن ال يفسد االختالف للود قضية‪ ..‬فكل ابن آدم خطاء وخير‬ ‫الخطائين التوابون‪ ..‬وفي هذا قمة الفهم والتواضع‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪117‬‬


‫األزمة املالية العاملية ندوة بدار اجلوف في ‪ 26‬نوفمبر‬

‫الجوبة ‪-‬خ��اص‪ :‬ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن السديري الخيرية‬ ‫للعام ‪1429‬هـ ينظم «منتدى األمير عبدالرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية» ندوة‬ ‫علمية تناقش األزمة المالية العالمية وتداعياتها على اإلقتصاد السعودي‪ ،‬وذلك من ‪ 26‬إلى‬ ‫‪ 28‬نوفمبر ‪2008‬م‪.‬‬ ‫يشارك في الندوة نخبة من اإلقتصاديين واألكاديميين المتخصصين في مجال اإلقتصاد‬ ‫والمال‪ ،‬وتتضمن فعاليات الندوة جلستين يديرهما كل من معالي الدكتور عبدالواحد الحميد‪،‬‬ ‫والدكتور محمد القنيبط‪ ،‬لمناقشة مختلف جوانب األزمة وأسبابها وتداعياتها والحلول الممكنة‬ ‫لتجاوزها‪ .‬وسيقدم الخبراء المشاركون أوراقاً علمية ضمن محاور الندوة‪ .‬وقد دعي لحضور‬ ‫فعاليات المنتدى عدد من المهتمين من داخل منطقة الجوف وخارجها‪.‬‬

‫اجلامعات اجلديدة‪..‬‬

‫التحديات واملعوقات‬

‫ن�شاطات ثقافية‬

‫ضمن خطة النشاط الثقافي لمؤسسة عبدالرحمن‬ ‫السديري الخيرية للعام ‪1429/1428‬ه����ـ‪ ,‬وفي قاعة‬ ‫العرض والمحاضرات بدار الجوف للعلوم‪ ,‬أقيمت مساء‬ ‫يوم الثالثاء ‪1429/5/22‬ه���ـ الموافق ‪2008/5/27‬م‪,‬‬ ‫وبعد صالة المغرب مباشرة‪ ,‬ندوة بعنوان‪« :‬الجامعات‬ ‫الجديدة ‪ ..-‬التحديات والمعوقات»‪ ,‬شارك فيها كل من‬ ‫د‪ .‬عبدالغفار بن سعيد بازهير ‪ -‬وكيل جامعة جازان‪،‬‬ ‫ود‪ .‬طارش بن مسلم الشمري – وكيل جامعة الجوف‬ ‫وأدارها د‪ .‬ماهر العنزي – عميد كلية العلوم بجامعة‬ ‫ال��ج��وف‪ ،‬وق���دم لها بكلمة ترحيبية عضو المجلس‬ ‫الثقافي األستاذ إبراهيم بن موسى الحميد‪.‬‬ ‫وح��ض��ر ال��ن��دوة ج��م��ع م��ن رج���ال التعليم وأه��ال��ي‬ ‫المنطقة‪ ،‬وع��دد من نساء المنطقة الالئي شاهدنها‬ ‫عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة‪ ،‬في القسم النسائي‬ ‫بالدار‪.‬‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬

‫أمسية شعرية‬

‫أقيمت ب��دار ال��ج��وف للعلوم‬ ‫ض��م��ن خ��ط��ة ال��ن��ش��اط الثقافي‬ ‫بالمؤسسة أمسية شعرية مساء‬ ‫ي����وم ال���ث�ل�اث���اء ‪1429/6/6‬ه���������ـ‬ ‫الموافق ‪2008/6/10‬م‪ ،‬شارك‬ ‫فيها الشاعر األستاذ أحمد بن‬ ‫صالح الصالح (مسافر) والشاعر‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬أحمد بن عبدالله السالم‪،‬‬ ‫وق����د أدار األم���س���ي���ة األس���ت���اذ‬ ‫ع��ب��دال��رح��م��ن ال���درع���ان‪ ،‬أمين‬ ‫المجلس الثقافي بالمؤسسة‪.‬‬ ‫ح���ض���ر األم���س���ي���ة ج���م���ع م��ن‬ ‫محبي الشعر‪ ،‬الذين استمتعوا‬ ‫ب��م��ا ح��ف��ل��ت ع��ل��ي��ه األم��س��ي��ة من‬ ‫قصائد شعرية بمختلف ألوانها‪،‬‬ ‫كما نقلت إلى القسم النسائي عبر‬ ‫الدائرة التلفزيونية المغلقة‪.‬‬


‫األرب‬ ‫األدب وغايـَة‬ ‫جوهرة‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫اجلوبة‪َ ...‬‬ ‫> حنا ميخائيل سالمة*‬ ‫تجاوباً ملحوظاً‪ .‬يتأتى هذا‪ ،‬لجمعها رجاحة‬ ‫ال��رأي إلى سالسة اللغة‪ ،‬وسم ِّو التفكير إلى‬ ‫ب�لاغ��ة ال��ت��ع��ب��ي��ر‪ .‬ف��م��ن ال��ب��ح��وث وال���ح���وارات‬ ‫األدبية والنقدية التي توقظ إحساس القارئ‪،‬‬ ‫مشعة من الشعر والنثر والرواية‬ ‫ٍ‬ ‫صفحات‬ ‫ٍ‬ ‫إلى‬ ‫والقصة وفن السيرة وغيرها من الموضوعات‬ ‫الشائقة‪ .‬التي تفتح العقل على مخزون المكتبة‬ ‫العربية الغنيـ َّةِ بالذخائر والنفائس‪ .‬هذه المجلة‬ ‫��أق�لام واع��ي ٍ��ة على أس��اس أنَّ «القلم‬ ‫ٍ‬ ‫خـُطـ َّت ب‬ ‫وس��راجُ �� ُه‬ ‫هو عـ ُدَّ ة األدي��ب‪ ،‬وه��و ص��وتُ الحق ِ‬ ‫ال��وض��اء‪ .‬وخ��ي�� ُر األق�ل�امِ م��ن ج��ان��ـ َ��بَ اإلغ���را َق‬ ‫والمغاالة وجَ ـنـ َ َح إلى الحقيقة»‪.‬‬

‫ر�سالة �إىل املحرر‬

‫في زحمة األعاصير التي تجتاح العالم من‬ ‫وصوب‪ ،‬وفي الوقت الذي تحتقن فيه‬ ‫دب َ‬ ‫ك ِّل حَ ٍ‬ ‫الساحة الثقافية بآالف اإلنتاجات التي انحرف‬ ‫الكثير منها ع��ن رس��ال��ة الثقافة ومقتضيات‬ ‫وتعصف بفكره‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫الحياة‪ ،‬وباتت تخذل القارئ‬ ‫ُرصف‬ ‫ُ‬ ‫وتـ ُضع ِْضعـُهُ‪ ،‬لعقم مضامينها‪ ،‬حيث ي‬ ‫كالم ‪ -‬رصفاً‪ ،‬تبزغ ُ علينا‬ ‫ٍ‬ ‫فيها الكال ُم ‪ -‬أيُّ‬ ‫ِمات‬ ‫بطلعتها المشرقة كالشمس‪ ،‬مجل ٌة ذاتُ سـ ٍ‬ ‫إب��داع��ي ٍ��ة م���ائ���زة‪ ،‬ت��زده��ي ال��س��اح��ة الثقافية‬ ‫والتربوية واالجتماعية بإشراقتها‪ .‬إنها مجلة‬ ‫الجوبة الثقافية ال��زاه��رة‪ ،‬التي بسبب ِحكمة‬ ‫ودراي����ة و َدف��ـَ��قِ محبة القائمين عليها‪ ،‬وق��وة‬ ‫دفعهم لمسيرتها‪ ،‬ودوام رعايتهم لشؤونها‪،‬‬ ‫«إن معرفة الخير تؤدي إلى فِ علهِ » هذا ما‬ ‫ارت��ف��ع��ت ل��ت��ك��ون م��ص��در إش���ع ٍ‬ ‫���اع‪ ،‬وف��ي��اض��ات تعلمناه من الفيلسوف سقراط قبل أكثر من‬ ‫فكر‪.‬‬ ‫معرفية‪ ،‬ومنارة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ألفين وخمسمائة سنة‪ .‬وفع ُل الخير هذا‪ ،‬كان‬ ‫لقد أخ���ذت مجلة الجوبة موقعها‪ ،‬فكان نهج حياة المغفور له بإذن الله األمير األديب‬ ‫لها مركزها ال�لائ��ق ف��ي حلقات األدب وبين األري���ب‪ ،‬وال��ش��اع��ر المُجيد‪ ،‬عبدالرحمن بن‬ ‫أه��ل القلم‪ ،‬الذين رأوا فيها ع��ودة إل��ى مرفأ أح��م��د ال��س��دي��ري‪ ،‬ص��اح��ب ال���رؤي���ة ال��ث��اق��ب��ة‪،‬‬ ‫النفس ال��ه��ادئ‪ ..‬لتجاوب أص��داء الفكر فيها والبصيرة الواعية‪ ،‬والثقافة الواسعة‪ ،‬ومـ ُحَ ر ِ​ِّك‬

‫اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ ‪119‬‬


‫الكثير من اإلنجازات واألعمال الثقافية والتربوية‬ ‫والخيرية والعلمية‪ ،‬وروحها‪ ،‬وحاملِ همـ ِّها‪.‬‬

‫في معقِ لِ الفضيلة والهداية‪ ،‬ومنار ِة العلم والمعرفة‬

‫«المملكة العربية السعودية»‪ ،‬ألن الهدف الكامن من وراء‬ ‫هذا الحديث هو إنارة األفكارِ ‪ ،‬وإضاءة األذهان‪ ،‬بغزير‬

‫وال يَسعنا هنا ‪ -‬ونحن نتبصر اإلنجازات الكبيرة‬ ‫التي هي امتدا ٌد لفكر ِه النيّر طيَّب الله ث��راه‪ ،‬يقوم ما قدموه ألمتهم‪ ،‬وليغرف جيل الحاضر والمستقبل‬ ‫ُلص األمناء في إدارة مؤسسة عبدالرحمن من بحرهم الطامي‪ ،‬أحلى الدُّر ْر وأبهى الآلليء‪.‬‬ ‫عليها الخـ ُ‬ ‫ابن أحمد السديري الخيرية‪ -‬إال أن نـ ُشي َد بفضله‬ ‫ج��ا َء على لسانِ الشاعرِ اإلسباني فرانسيسكو‬ ‫على األدب العربي‪ ،‬وبـ ِ‬ ‫ِيض أياديه على لغة الضاد فيال سبازا الذي كان متوطناً البرازيل‪« :‬يولد العرب‬ ‫التي ك��ان يُـكِ ُّد ذهنـ َه‪ ،‬ويُـسْ هـ ِ ُر جَ فنـ َه عليها لتبقى‬ ‫فيخلق معهم ال��ن��ض��وج وت��واك��ب��ه��م ال��ح��ك��م��ة‪ ،‬وإن��ك‬ ‫محلقة إلى أسمى الذرى‪ .‬يقول الشاعرْ‪:‬‬ ‫لتستشف في نظرات أطفالهم العذراء‪ ،‬روحاً قديماً‪،‬‬

‫بعض الوجوهِ تـُحَ ُّب وهي بعيدة ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ ‬

‫ـراب تـَهـمُّ أن تتكـشـَّفا‬ ‫ـلف الت ِ‬ ‫خ َ‬

‫تجول الخبرة فيه‪ ،‬فال تلبث أن تقول‪ :‬ما ذلك من‬ ‫هذا العالم بل من قوةٍ وراء هذا العالم»! ويجو ُل في‬

‫وثمة شيءٌ يـ ُ ِل ُّح علينا‪ ،‬نرى الفرصة مواتية لطرحهِ ‪ ،‬الخاطر في الوقت عينه ما أكدهُ األديب الكبير طه‬ ‫فقد آن األوان‪ ،‬أن يأخذ روا ُد الفكر‪ ،‬وحـَمـ َلة األقالمِ ‪ ،‬حسين‪« :‬أنَّ األدبَ العربي ليس أقل حياة من اآلداب‬ ‫وأربابُ العلم والفضل‪ ،‬الذين كانوا النواةَ التي انطلقت األجنبية‪ ،‬مهما ت��ك��ن‪ ...‬وليس األدب العربي أقل‬ ‫منها النهضة األدب��ي��ة في المملكة العربية السعودية صالحاً للبقاء‪ ،‬واستحقاقاً للعناية الخصبة والدرس‬ ‫العامرة‪ ،‬موقعهم على رأس قائمة روادِ وأعالم النهضة المنتج من اآلداب األجنبية»‪.‬‬ ‫الثقافية العربية‪ ،‬فمن المُستـ َغرَب أن تـُقـَلـ ِّبَ المؤلفات‬ ‫بقي أن نقول‪ ،‬إنَّ األدب الحق هو ال��ذي يص ِّو ُر‬ ‫الصادرة عن بعض األقطار واألمصار‪ ...‬والمتخصصةِ‬ ‫ال��ح��ي��اة‪ ،‬ماضيها وح��اض��ره��ا ومستقبلها‪ ،‬القريب‬ ‫بدراسات عن روّادِ النهضة الثقافية العربية‪ ،‬وال تج ُد‬ ‫ٍ‬ ‫والبعيد‪ ،‬ويضع مخطط الصرح الحضاريِّ الذي تراه‬ ‫ذِ ك��راً ألع�لامِ الجيلِ األول من نوابغ ال��دي��ارِ السعودية‬ ‫مخيلة األديب المن َّز ِه الموهوب مُثمراً نافعاً‪.‬‬ ‫العامرة الذين يـُمـَثـ ِّلو َن ط��وراً مهماً من أط��وارِ نهضتنا‬ ‫وال يُخامرنا شك بأنه سيأتي ي��و ٌم ن��رى فيه هذا‬ ‫األدبية‪ ،‬والذين جمعوا بين ذكاء الفطرة واحتشادِ النبوغ‬ ‫واستنصروا جهدهم الذاتي وطاقاتهم الفكرية‪ ،‬ففاضت المِ لـ َْف الثقافي الرائد الرائع «الجوبة» متداوالً بأيدي‬ ‫بإبداعات ق َّل نظيرُها في األدب العربيّ ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫قريحتهم‬ ‫عبقات أزاهيره‬ ‫ِ‬ ‫القراء مرة ً كـ ُلَّ شهر‪ ،‬لينش َق من شذى‬ ‫ما و َِسعَه النشوق‪ .‬وللحق نقول‪ ،‬إنَّ هذا المِ لـ َْف جعلنا‬

‫قناعة‪ ،‬أنَّ سلسلة روادِ النهضةِ األدبية‬ ‫ٍ‬ ‫ونحن على‬ ‫والثقافية العربية‪ ،‬ستبقى غير مكتملة الحلقات‪ ،‬في نقتربُ أكث َر فأكثر من فكرِ وعَ الـ َمِ سادة القلم وأعالمِ‬ ‫األدب وق��اد ِة ال��رأي في السعودية ال��زاه��رة‪ ،‬التي ما‬ ‫ِ‬ ‫كوكبة ممن امتلكوا ناصية اللغة وتجاهلِهم‬ ‫ٍ‬ ‫حجب‬ ‫ِ‬ ‫ظ ِّل‬ ‫ونكرانهم‪ ،‬واستوثقوا من أص��ول البيان‪ ،‬وأبدعوا في انفكت تهيئ الترب َة الصالحة‪ ،‬والريَّ المناسب‪ ،‬والهواء‬ ‫فنون األدب سواءٌ في روائع شعرهم‪ ،‬أم بليغ نثرهم‪ ،‬أم الطلقْ‪ ،‬واألشعة الدافئة‪ ،‬لينمو ويـ ُزهِ ر ويُـثمر األدبُ‬ ‫مأثور ِحكـ َمِ هـِم وخـطـَب ِـه ِـمْ‪ ،‬من اآلباء واألجداد الكرام الذي هو قـ ُوا ُم الحياةِ‪ ،‬وهو الذي يسمو بضمير األمة‪.‬‬ ‫* كاتب وباحث من األردن‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬صيف ‪1429‬هـ‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.