39 joba web مجلة الجوبة العدد 39 Aljoubah@gmail.com

Page 1

‫درا�سات ونقد‬ ‫ن�صـــــو�ص‬ ‫مواجهـــــات‬ ‫نوافـــذ‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫شهادات‬

‫إبداعية في القصة القصيرة‬

‫‪39‬‬


‫برنامـج ن�شر الدرا�سات والإبداعـات الأدبية ودعم البحوث والر�سائل العلمية‬ ‫في م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري الخيرية‬ ‫‪ -1‬ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‬

‫يهتم بالدرا�سات‪ ،‬والإبداعات الأدبية‪ ،‬ويهدف �إلى �إخراج �أعمال متميزة‪ ،‬وت�شجيع حركة الإبداع‬ ‫الأدبي والإنتاج الفكري و�إثرائها بكل ما هو �أ�صيل ومميز‪.‬‬ ‫وي�شمل الن�شر �أعمال الت�أليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت الن�شر‪:‬‬ ‫�أ ‪ -‬الدرا�سات التي تتناول منطقة الجوف في �أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬الإبداعات الأدبية ب�أجنا�سها المختلفة (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدرا�سات الأخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف (وفق ًا لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من �شروط الن�شر)‪.‬‬ ‫�شروطه‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن تت�سم الدرا�سات والبحوث بالمو�ضوعية والأ�صالة والعمق‪ ،‬و�أن تكون موثقة طبق ًا للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُتكتب المادة بلغة �سليمة‪.‬‬ ‫‪� -٣‬أن ُيرفق �أ�صل العمل �إذا كان مترجم ًا‪ ،‬و�أن يتم الح�صول على موافقة �صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ُتقدّم المادة مطبوعة با�ستخدام الحا�سوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قر�ص ممغنط‪.‬‬ ‫‪� -٥‬أن تكون ال�صور الفوتوغرافية واللوحات والأ�شكال التو�ضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومنا�سبة للن�شر‪.‬‬ ‫‪� -٦‬إذا كان العمل �إبداع ًا �أدبي ًا فيجب �أن ي ّت�سم بالتم ّيز الفني و�أن يكون مكتوب ًا بلغة عربية ف�صيحة‪.‬‬ ‫‪� -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفق ًا لل�شكل الذي �ست�صدر فيه ‪ -‬على النحو الآتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة �صفحة بالمقا�س المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تن�شر �ضمن مجالت محكمة ت�صدرها الم�ؤ�س�سة‪ :‬تخ�ضع لقواعد الن�شر في تلك‬‫المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة �صفحة‪( .‬تحتوي ال�صفحة على «‪ »250‬كلمة تقريب ًا)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت الن�شر‪ ،‬في�شمل الأعمال المقدمة من �أبناء وبنات منطقة‬ ‫الجوف‪� ،‬إ�ضافة �إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪� ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج) في�شترط �أن‬ ‫يكون الكاتب من �أبناء �أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬تمنح الم�ؤ�س�سة �صاحب العمل الفكري ن�سخ ًا مجانية من العمل بعد �إ�صداره‪� ،‬إ�ضافة �إلى مكاف�أة‬ ‫مالية منا�سبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخ�ضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬

‫‪ -2‬دعم البحوث والر�سائل العلمية‬

‫يهتم بدعم م�شاريع البحوث والر�سائل العلمية والدرا�سات املتعلقة مبنطقة اجلوف‪ ،‬ويهدف‬ ‫�إلى ت�شجيع الباحثني على طرق �أبواب علمية بحثية جديدة يف معاجلاتها و�أفكارها‪.‬‬ ‫(�أ) ال�شروط العامة‪:‬‬ ‫ي�شمل الدعم المالي البحوث الأكاديمية والر�سائل العلمية المقدمة �إلى الجامعات‬ ‫‪ -١‬‬ ‫والمراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما ي�شمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك المرتبطة بم�ؤ�س�سات غير �أكاديمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة متعلق ًا مبنطقة اجلوف‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب �أن يكون مو�ضوع البحث �أو الر�سالة جديد ًا يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪� -٤‬أن ال يتقدم الباحث �أو الدار�س مب�شروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلب ًا للدعم مرفق ًا به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخ�ضع مقرتحات امل�شاريع �إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للم�ؤ�س�سة حق حتديد ال�سقف الأدنى والأعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل �إج��راء تعديالت جذرية ت��ؤدي �إلى تغيري وجهة‬ ‫املو�ضوع �إال بعد الرجوع للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث ن�سخة من ال�سرية الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) ال�شروط اخلا�صة بالبحوث‪:‬‬ ‫يلتزم الباحث بكل ما جاء في ال�شروط العامة(البند «�أ»)‪.‬‬ ‫‪ -١‬‬ ‫‪ -٢‬ي�شمل املقرتح ما يلي‪:‬‬ ‫ تو�صيف م�شروع البحث‪ ،‬وي�شمل مو�ضوع البحث و�أهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪ ،‬واملدة‬‫املطلوبة لإجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تف�صيلية متوافقة مع متطلبات امل�شروع‪ ،‬ت�شمل الأجهزة وامل�ستلزمات املطلوبة‪،‬‬‫م�صاريف ال�سفر والتنقل وال�سكن والإعا�شة‪ ،‬امل�شاركني يف البحث من طالب وم�ساعدين‬ ‫وفنيني‪ ،‬م�صاريف �إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما �إذا كان البحث مدعوم ًا كذلك من جهة �أخرى‪.‬‬‫(ج) ال�شروط اخلا�صة بالر�سائل العلمية‪:‬‬ ‫�إ�ضافة لكل ما ورد في ال�شروط الخا�صة بالبحوث(البند «بــ«) يلتزم الباحث بما يلي‪:‬‬ ‫‪� -١‬أن يكون مو�ضوع الر�سالة وخطتها قد �أق ّرا من اجلهة الأكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪� -٢‬أن ُيق ّدم تو�صية من امل�شرف على الر�سالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫الجوف‪ :‬هاتف ‪ - 04 626 3455‬فاك�س ‪� - 04 624 7780‬ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا ‪ -‬الجوف‬ ‫الريا�ض‪ :‬هاتف ‪ - 01 201 5494‬فاك�س ‪� - 01 201 5498‬ص‪ .‬ب ‪ 10071‬الريا�ض ‪11433‬‬ ‫‪nashr@asfndn.com‬‬


‫الـمحتويــــات‬

‫العدد ‪39‬‬ ‫ربيع ‪1434‬هـ ‪2013 -‬م‬ ‫‪6.........................‬‬

‫ملف ثقايف ربع �سنوي ي�صدر عن‬

‫�شهادات تحكي‪..‬‬ ‫رحلة كتّاب الق�صة الق�صيرة‬

‫امل�شرف العام‬ ‫�إبراهيم احلميد‬ ‫�أ�سرة التحرير‬ ‫حممود الرحمي‬ ‫حممد �صوانة‬ ‫عماد املغربي‬ ‫املرا�سالت‬ ‫توجه با�سم امل�شرف العام‬ ‫ّ‬

‫هاتف‪)+966()4(6263455 :‬‬ ‫فاك�س‪)+966()4(6247780 :‬‬ ‫�ص‪ .‬ب ‪� 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪www.aljoubah.org‬‬ ‫‪aljoubah@gmail.com‬‬ ‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬

‫�سعر الن�سخة ‪ 8‬رياالت‬ ‫تطلب من ال�شركة الوطنية للتوزيع‬

‫قواعد الن�شر‬ ‫‪� - 1‬أن تكون املادة �أ�صيلة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مل ي�سبق ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 3‬تراعي اجلدية واملو�ضوعية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬تخ�ضع املواد للمراجعة والتحكيم قبل ن�شرها‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ترتيب املواد يف العدد يخ�ضع العتبارات فنية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬ترحب اجلوبة ب�إ�سهامات املبدعني والباحثني والك ّتاب‪،‬‬ ‫على �أن تكون املادة باللغة العربية‪.‬‬ ‫«اجلوبة» من الأ�سماء التي كانت ُتطلق على منطقة اجلوف �سابقاً‬

‫‪114......................‬‬ ‫حوار مع‬ ‫القا�ص محمد النجيمي‬

‫‪122......................‬‬ ‫معار�ض الكتب‪ :‬ثقافة و�صناعة‬ ‫معر�ض الريا�ض الدولي �أنموذجا‬

‫النا�شـــــــــر‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫�أ�س�سها الأمري عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري (�أمري منطقة اجلوف من ‪1362/9/5‬هـ ‪1410/7/1 -‬هـ املوافق‬ ‫‪1943/9/4‬م ‪1990/1/27 -‬م) بهدف �إدارة ومتويل املكتبة العامة التي �أن�ش�أها عام ‪1383‬هـ املعروفة با�سم دار‬ ‫اجلوف للعلوم‪ .‬وتت�ضمن برامج امل�ؤ�س�سة ن�شر الدرا�سات والإبداعات الأدبية‪ ،‬ودعم البحوث والر�سائل العلمية‪،‬‬ ‫و�إ�صدار جملة دورية‪ ،‬وجائزة الأمري عبدالرحمن ال�سديري للتفوق العلمي‪ ،‬كما �أن�ش�أت رو�ضة ومدار�س الرحمانية‬ ‫الأهلية للبنني والبنات‪ ،‬وجامع الرحمانية‪ .‬ويف عام ‪1424‬هـ (‪2003‬م) �أن�ش�أت امل�ؤ�س�سة فرع ًا لها يف حمافظة‬ ‫الغاط (مركز الرحمانية الثقايف) له وقف م�ستقل و�أهدافه تنبثق من الأهداف الأ�سا�سية للم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪136......................‬‬ ‫د‪ .‬الحميد يلتقي د‪ .‬الجا�سر‬ ‫في جناح م�ؤ�س�سة ال�سديري‬ ‫بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب‬ ‫الغالف‪ :‬لقطة في ف�صل الربيع جنوب‬ ‫�شرقي �سكاكا ‪ -‬الجوف‪.‬‬

‫االفتتاحية ‪4 ........................................................‬‬ ‫م��ل��ف ال��ع��دد‪� � :‬ش �ه��ادات �إب��داع �ي��ة ف��ي ال�ق���ص��ة ال�ق���ص�ي��رة ‪-‬‬ ‫جبير المليحان‪ ،‬د‪ .‬ح�سن النعمي‪ ،‬خالد اليو�سف‪ ،‬د‪�.‬سناء ال�شعالن‪،‬‬ ‫�صالح القر�شي‪ ،‬طاهر الزهراني‪� ،‬ضيف فهد‪ ،‬تركية العمري‪،‬‬ ‫�شـيمة ال�شــمري‪ ،‬زهرة بو�سكين‪ ،‬عبداهلل ال�سفر‪ ،‬عبدالرحمن‬ ‫الدرعان‪ ،‬عبداهلل الزماي‪ ،‬علوان ال�سهيمي‪ ،‬عمار الجنيدي‪ ،‬فهد‬ ‫الخليوي‪ ،‬فهد الم�صبح‪ ،‬محمد التازي‪ ،‬محمد �صوانة‪ ،‬محمد‬ ‫م�ستجاب‪ ،‬محمد محقق‪ ،‬محمود العزازمة‪ ،‬نايف النواي�سة ‪6 ......‬‬ ‫درا�سات ونقد‪ :‬الكتابة ال�صينية وفن الر�سم بالكلمات ‪ -‬غازي‬ ‫خيران الملحم ‪90 .................................................‬‬ ‫ديوان‪ :‬ر�سالة �إلى عمر الخيام ‪� -‬سليمان العتيق ‪ -‬د‪� .‬إبراهيم‬ ‫الدهون ‪94 ........................................................‬‬ ‫«المنـــــارة» حكاية اال�ستبداد في الزمان والمكان والإن�سان ‪-‬‬ ‫زكريا العباد ‪99 ...................................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة‪ :‬انتكا�سة ‪ -‬عبدالكريم محمد النملة ‪103 ..........‬‬ ‫�أبحث عن �ساق! ‪ -‬طاهر الزهراني ‪104 ............................‬‬ ‫ن�صو�ص ‪ -‬عبداهلل ال�سفر‪105 ......................................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا ‪ -‬فهد الخليوي ‪106 ..........................‬‬ ‫ق�صة ‪ -‬حكاية المطر ‪� -‬صالح القر�شي‪107 ........................‬‬ ‫ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا ‪ -‬محمد �صوانة‪108 ..........................‬‬ ‫�شعر‪ :‬هوا ٌء �أكثر جاِذِ بية ‪ -‬محيي الدين جرمة‪109 ..................‬‬ ‫جند اهلل ‪� -‬سليمان عبدالعزيز العتيق ‪110 .........................‬‬ ‫لحزن عينيك �صلت جوارحي‪ - ..‬نجاة الزباير‪111 .................‬‬ ‫هديل ال�ضياء ‪� -‬أ�سامة محمد علي‪113 .............................‬‬ ‫مواجهات‪ :‬القا�ص محمد النجيمي ‪ -‬حاوره‪ :‬خلف القر�شي ‪114 ..‬‬ ‫ال�شاعر المغربِي محمد اللغافي ‪ -‬حاوره ر�شيد الخديري ‪120 ......‬‬ ‫نوافذ‪ :‬معار�ض الكتب‪ :‬ثقافة و�صناعة ‪ -‬مر�سي طاهر ‪122 .........‬‬ ‫الم�سكن بين الأدب والهند�سة ‪� -‬صالح بن ظاهر الع�شي�ش ‪126 .....‬‬ ‫المدينة وروح ال�شاعر ‪ -‬مي�سون النوباني‪129 .......................‬‬ ‫عين على الجوبة‪ :‬مالك الخالدي ‪133 ............................‬‬ ‫قراءات ‪134 ........................................................‬‬ ‫الأن�شطة الثقافية ‪136 ............................................‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪3‬‬


‫■ �إبراهيم احلميد‬

‫تتباين تجارب كتاب الق�صة و تتقارب‪� ،‬إال �أن القا�سم بينها بالت�أكيد هو الإبداع‪ ،‬الذي يلوّنها‬ ‫�ضمن تجربة الكاتب المتفردة؛ فالمنجز الإبداعي الذي و�صل �إليه الكاتب‪ ،‬و ما توافر لديه‬ ‫من طموحات ور�ؤى‪ ،‬تو�ضح الأبعاد الحقيقية التي تترك ب�صماتها خلف كل عمل �أدبي ي�ضعه‬ ‫الكاتب بين يديّ قرائه؛ ولهذا نجد �أن (ثمة لحظة ما في حياة كل �شخ�ص‪ ،‬ت�شبه ال�صرخة‬ ‫الالمعة‪ ،‬هي ‪ -‬من دون �سواها‪ -‬ما �سوف تبقي اللحظة الحيّة التي تجدد �أ�صداءها‪ ،‬وتترك‬ ‫�شظاياها مطبوعة على كل لحظة تالية)‪..‬‬ ‫مرة �أخ��رى‪ ،‬ت�أتي مجلة الجوبة‪ ،‬لتوا�صل تقديم ملفاتها الأدبية التي د�أبت عليها‪ ،‬لتتوّج‬ ‫عددها هذا بملف ثقافي‪ ،‬ي�أتي بعنوان «�شهادات تحكي رحلة كتّاب الق�صة الق�صيرة»‪ ..‬يوثّق‬ ‫فيها عدد مميز من نجوم الق�صة �شهاداتهم الإبداعية حول تجربتهم الإبداعية‪ ،‬والدروب التي‬ ‫قادتهم �إلى م�سالك الق�صة‪� ،‬إذ نجد في هذه ال�شهادات مالمح رئي�سة لم�شاهد كاملة للحظات‬ ‫الت�شكّل ومفارقات الطرق التي �أدت �إلى و�صول المبدع �إلى الخط الإبداعي‪ ،‬الذي �شكّل هويته‬ ‫في �صورتها الحا�ضرة اليوم‪.‬‬ ‫قد ال يختلف م�ضمون �شهادات مبدعينا الم�شاركين في ملف المجلة على ت�شابهها �أو‬ ‫تباينها‪ ،‬مع تجارب عالمية لكتّاب الق�صة‪ ،‬فالمفارقات الأ�سا�سية في حياة �أي كاتب ال ب َّد و�أن‬ ‫تم�ضي في توغّ لها لت�صل �إلى �آفاقها الوا�سعة؛ لكن ما يلوِّن هذه ال�شهادات‪ ،‬هو اقترابها من‬ ‫قرّائها‪ ،‬و�شفافيتها التي ك�شفت عن البدايات‪ ،‬ومالمح الذات التي تقف خلف ن�صو�ص طالما‬ ‫قر�أناها‪ ،‬وحملت لنا معها رياحها المفعمة بالده�شة والإبداع‪..‬‬ ‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اف����������������ت����������������ت����������������اح����������������ي����������������ة‬

‫افتتاحية العدد‬

‫�إن ما يميز الكثير من تجارب ال�سرد التي يعر�ضها الملف في �شهادات‪ ،‬هو حملها‬ ‫لمقوّمات التميّز في كل تجربة �إبداعية‪ ،‬حيث الخ�صو�صية التي لوّنت تجربة كل مبدع‪،‬‬ ‫وفقا للبيئة والتجربة الحياتية التي مر بها‪ ،‬والتي انعك�ست بال�ضرورة‪ ،‬على مُجمل تجربته‬ ‫الإبداعية؛ ومما ي�ؤكد ذلك‪� ،‬أن مناجم الإبداع التي ينهل منها ه�ؤالء‪� ،‬شكّلت في مجملها‬ ‫تجاربهم التي عا�شوها‪ ،‬و�إن كانت مالمح البدايات الأولى‪ ،‬ومدارج ال�صبا والقرية‪� ،‬أو‬ ‫�أزقة الحارة‪ ،‬بقيت المنبع الأول الذي ي�ستقي منه جلّهم ن�صو�صه وتجربته‪.‬‬ ‫تتنوّع �شهادات الملف بين من يحار (ماذا �سيفعل �شخ�ص �ألفى نف�سه بين �أنقا�ض‬ ‫مدينة تداعت كثيرا‪ ،‬وم�ضى الكثير من �سكانها‪� ،‬أكثر من محاولة �صنع �ضفيرة من خيط‬ ‫دخان؟)‪ ،‬ومَ ن ي�ؤكد ت�أثير نافذة الإنترنت ال�سحرية في ت�أ�صيل تجربته الإبداعية‪ ،‬وبين‬ ‫مَ ن ي�ستمع يافعا �إلى ق�صته عبر المذياع في ح�ضرة الرجال في مجل�س والده‪ ،‬و�سط تهليل‬ ‫ال�شيوخ الحا�ضرين‪� ،‬إلى من يقول (كبرت وظلت الحكايات التي خب�أتها في ذاكرتي ت�شدني‬ ‫�إلى الطفولة والقرية وجدتي)‪ ،‬ومن ي�ؤكد �أن (الكتابة جاءت من�ساقة مطواعة �إلى قلمي ال‬ ‫تكلف ًا وال بحثا و ال اعت�سافا‪� ،)..‬إلى من يرى ان (الكتابة رف�ض‪ ،‬ثورة على الواقع)‪ ،‬و(�أن‬ ‫الن�ص �أي ًا كان ثوبه البد �أن يزلزل �أعماق كاتبه وقارئه‪ ،)..‬وحتى مَ ن يعترف �أن (�شظف‬ ‫تلف مدارات الر�ؤيا حولي‪،‬‬ ‫العي�ش الذي ذقته‪ ،‬والحرمان والخوف والق�سوة التي كانت ّ‬ ‫قد تركت ب�صماتها الوا�ضحة على م�سيرة حياتي‪ ،‬وعلى وعيي الثقافي والإبداعي‪)..‬‬ ‫ومَ ن يقول (كنت �ألوذ �إلى انك�ساري‪ ،‬قبل �أن نلتقي في �إغما�ضة عين الرقباء‪ ،‬ف�أكتب لها‬ ‫هذياناتي التي �سرعان ما عرفت �أنها تنتمي �إلى فن الق�صة الق�صيرة‪ ،‬وتلوذ في �أحايين‬ ‫كثيرة �إلى ال�شعر)‪ ..‬ومَ ن يكتب‪ ،‬ليبعد من طريقه بع�ض الحجارة �أو ليمحو خطاباتهم‬ ‫الفجة من ذاكرته‪ ..‬وحتى مَ ن ي�ؤكد �أن رحلته مع الحرف ولدت تلك ال�سنة من فوهة‬ ‫الحيرة‪ ،‬والقلق والخوف على م�صير الأمة‪ ..‬ولذا‪ ،‬فهو لم يترك وعا ًء معرفي ًا �إال و اغترف‬ ‫منه ما يروي ظم�أه‪..‬‬ ‫في العمل الثقافي‪ ،‬ال يمكنك �أن تحقق مبتغاك‪ ،‬وت�شفي نهمك من المادة االبداعية؛ �إال‬ ‫�أن الملف‪ ،‬ي�أتي ليقدم تجارب �إبداعية‪ ،‬تميّزت تجربتها بالتنوّع والجديّة‪ ،‬لقامات �أدبية‬ ‫تعد اليوم من مداميك الكتابة الإبداعية في الوطن العربي ‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪5‬‬


‫■ جبري املليحان ‪ -‬ال�سعودية‬

‫�شهادات‬

‫�إبداعية في الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ �إعداد وتقدمي حممود عبداهلل الرحمي*‬

‫�إذا كانت الجوبه قد طرقت في �أعدادها ال�سابقة مجموعة من الملفات‪ ،‬تناولت من‬ ‫خاللها �أجنا�سا �أدبية متنوعة؛ كال�شعر‪ ،‬والرواية‪ ،‬والق�صة الق�صيرة‪ ..‬تلك الملفات‬ ‫التي �أدل��ى فيها مبدعونا –من كتاب ونقاد‪ -‬من داخ��ل المملكة وخارجها بدالئهم‪،‬‬ ‫و�أتحفوا المتلقين في كل مكان بما حوته تلك الملفات من ���س��ردٍ‪ ،‬انتقل بهم �إلى‬ ‫عوالم مختلفة في الأدب‪ ..‬فقد �آن الأوان �أن تت�سلل الجوبه �إلى دواخل الكتاب �أنف�سهم‬ ‫ومكامن �أ���س��راره��م؛ لتقف على حقائق و�أ���س��ب��اب جعلتهم يتناولون �أل���وان �إبداعهم‬ ‫المتميز‪ ،‬والم�ؤثرات التي جنحت بهم ودفعتهم �إلى ركوب قطار هذا اللون �أو ذاك‪..‬‬ ‫فكان منهم ال�شاعر والروائي والقا�ص‪..‬‬

‫‪6‬‬

‫ف��ي ه��ذا الملف‪ ،‬ت�ستعر�ض الجوبه ا�ستقرار �أحيانا �أخر ى‪..‬‬ ‫�شهادات‪ ،‬تحكي تجارب وم�سارات �إبداع‬ ‫لقد ركبت الجوبه قطارها‪ ..‬و�سارعت‬ ‫�أولئك الكتاب في فن الق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫تجوب عالمنا العربي الكبير‪ ،‬فطرقت‬ ‫التي �شغلت المتلقي كثير ًا ب�أ�شكالها‬ ‫�أب��واب��ه ��ش��رق��ا وغ��رب��ا‪�� ،‬ش�م��اال وج�ن��وب��ا‪..‬‬ ‫وتجني�ساتها‪ ،‬و�أ�ساليبها‪ ..‬فكثيرا ما‬ ‫يكون وراء الق�صة ق�صة‪ !..‬وكثيرا ما �سائلة �أحيانا ومت�سائلة �أحيانا �أخ��رى‪..‬‬ ‫تحكي ظ��اه��را م��ن ال �ق��ول يختلف عن م��اذا‪ ..‬وكيف‪ ..‬ولماذا؟! فكانت لها هذه‬ ‫باطنه‪ ..‬فتـذهب بذهن قارئها بعيدا الح�صيلة‪ ،‬وك��ان لها هذا الملف الزاخر‬ ‫بعيدا‪ ..‬يفكر ويفكر‪ ..‬ولكن‪� ،‬إلى �أين؟! بالحكايات‪ ,‬وال �م ��ؤث��رات‪ ،‬والإب��داع��ات‪..‬‬ ‫�إلى ما ال نهاية �أحيانا‪� .،‬أو لي�ستقر بال الجديرة باال�ستك�شاف‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫لما�ض بعيدٍ ‪ ،‬وتذكرت حائل‪ ،‬وقريتي ق�صر الع�شروات‪ ،‬و�أنني قد كتبت ن�صاَ بعنوان‬ ‫عدت ٍ‬ ‫(حلم يتحقق) و�أن��ا في ال�سنة الثانية المتو�سطة‪� .‬شجعني �صديق ك��ان يدر�س في الثانوية‬ ‫قائالً‪ :‬هذه ق�صة! كنت محتاراً وال �أعرف �شيئاً عن الق�صة‪� .‬أر�سلتها في ظرف ورقي �إلى برنامج‬ ‫(مع ال�شباب) في �إذاعة الريا�ض‪.‬‬ ‫ف� ��ي ي�� ��وم ال� �ج� �م� �ع ��ة‪ ،‬ب�ع��د‬ ‫ال�صالة‪ ،‬و�أنا �أقف �أدير فناجين‬ ‫القهوة على الرجال في مجل�س‬ ‫وال��دي رحمه اهلل‪ ،‬قال المذيع‪:‬‬ ‫ق�صة ال�ع��دد (ح�ل��م يتحقق)‪..‬‬ ‫�أذكر �أني ارتجفت‪ ،‬وهلل ال�شيوخ‬ ‫ال �ح��ا� �ض��رون‪ ،‬اب�ت���س��م وال���دي‪،‬‬ ‫ونهرهم ال�شاعر مح�سن الجنفاوي‬ ‫المم�سك بجهاز الراديو �أن ي�صمتوا‬ ‫لي�سمع‪� ،‬سمعنا الق�صة‪� ،‬سلمت دلة‬ ‫القهوة لأخي‪ ،‬وخرجت �إلى المزرعة‪،‬‬ ‫ورك�ضت بين النخيل‪ ،‬حامال فرحاً‪ ،‬ال‬ ‫�أدري ما �أفعل به!‬ ‫ب�ع��د ت�خ��رج��ي م��ن ث��ان��وي��ة معهد‬ ‫المعلمين بالريا�ض‪ ،‬وتعييني معلما في‬ ‫الدمام‪ ،‬كان مدير مدر�ستنا االبتدائية‬ ‫الأ� �س �ت��اذ �صديق ج�م��ال ال�ل�ي��ل‪ ،‬م �ح��رر ًا لل�صفحات‬ ‫الريا�ضية في جريدة اليوم‪ .‬كان يُح�ضر معه عدد الأم�س‬ ‫ف�أقر�أ كل حرف كتب فيه‪� ،‬أعطيته بع�ض المقاالت با�سم‬ ‫(في�صل الجبير) فنُ�شِ رت‪ .‬تابعت الملحق الأدبي في‬ ‫الجريدة‪ ،‬وكان يحرره ال�شاعر الأ�ستاذ محمد العلي‪.‬‬ ‫كان مدير ًا لإدارة االمتحانات بتعليم ال�شرقية‪ ،‬زرته‬ ‫في مكتبه‪ ،‬و�سلمته ق�صة «الحلم»‪ ،‬فن�شرها في الملحق‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫تجربتي في الق�صة‬

‫الأدبي‪.‬‬ ‫�أخذت �أت��ردد على الجريدة‪،‬‬ ‫وت� �ع ��رف ��ت ع �ل��ى ال �م �ح��رري��ن‪،‬‬ ‫وتعاونت مع الجريدة م�صححا‬ ‫لغويا‪ .‬كان مبنى الجريدة يمتلئ‬ ‫كل م�ساء بالأدباء‪ :‬محمد العلي‪،‬‬ ‫خليل الفزيع‪ ،‬محمد ال�صويغ‪،‬‬ ‫عبدالكريم ال�سبعاوي‪ ،‬محمد القي�سي‪,‬‬ ‫ع�ل��ي ال��دم�ي�ن��ي‪� ,‬إب��راه �ي��م ال�غ��دي��ر‪..‬‬ ‫وغ �ي��ره��م؛ وي ��أت��ي ج� ��اراهلل الحميد‬ ‫�أحيانا‪� .‬أخذت �أكتب ق�ص�صا و�أن�شرها‬ ‫في ملحق الجريدة‪ .‬كان ما يبهرني‪،‬‬ ‫ه ��ذه ال �ل �غ��ة ال �ج��دي��دة ف��ي الق�صة‬ ‫وال�شعر‪ .‬انكببت كثيرا على ق��راءة‬ ‫�أغلب الإ�صدارات الأدبية الجديدة من‬ ‫بغداد ودم�شق وبيروت والقاهرة‪ .‬كانت‬ ‫الكتب ت�صلني من �أ�صدقاء‪� ،‬أو كنت �أ�سافر ل�شرائها‪.‬‬ ‫ن�شرت ن�صو�صا في مجلة «كلمات» البحرينية‪ ،‬وجريدة‬ ‫الريا�ض‪ ،‬ومجلة اليمامة‪ .‬و�أ�صبحت �أكرّ�س وقتي كها ٍِو‬ ‫لكتابة الق�صة‪ .‬لكنني لم �أُق��دِ م على طبع مجموعة‬ ‫لظروف الن�شر والتوزيع‪ ،‬وعدم رغبتي في ذلك‪ .‬وقد‬ ‫خ�سرت الكثير من الن�صو�ص التي �ضاعت مع �أوراقي‬ ‫القديمة‪� ،‬أو في ال�صحف التي لم �أحتفظ ب�أعدادها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪7‬‬


‫‪8‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫تجاوزني الوقت كثيرا ب�سبب �إهمالي‬ ‫لن�صو�صي‪ .‬ول��م �أل�ت�ف��ت ل��ذل��ك �إال في‬ ‫وقت مت�أخر‪� ..‬إذ كنت محررا ل�صفحة‬ ‫«الطفل» في جريدة «القافلة» الأ�سبوعية‬ ‫التي ت�صدرها �شركة �أرامكو ال�سعودية‪،‬‬ ‫فطلبوا مني �إ�صدار مجموعة ق�ص�صية‬ ‫ل�ل�أط�ف��ال با�سم (ال �ه��دي��ة)‪ ،‬بمنا�سبة‬ ‫اليوبيل الذهبي لل�شركة‪ ،‬كهدية مجانية‬ ‫لمن�سوبي ال���ش��رك��ة‪ .‬وق��د �شجعني �أن‬ ‫الطبعة الأولى �ستكون مائة وخم�سين �ألف‬ ‫ن�سخة توزعها ال�شركة بالمجان‪ .‬كان‬ ‫ذلك عام ‪2004‬م‪ ،‬وقد تم ذلك‪ .‬وكانت‬ ‫�أول مجموعة ق�ص�صية �أُ�صدرها‪ ،‬وهي‬ ‫مكر�سة للطفل‪.‬‬ ‫وم��ع تنقلي بين ال�صحف (ال�ي��وم‪،‬‬ ‫المدينة‪ ،‬ال�ج��زي��رة)‪ ،‬وتوقفي برغبتي‬ ‫�أو �إيقافي‪� ،‬أ�س�ست ع��ام ‪2000‬م موقع‬ ‫الق�صة العربية على ال�شبكة‪ ،‬لأن�شر فيه‬ ‫ق�ص�صي وكتاباتي‪ .‬غير �أن الموقع �سريعا‬ ‫ما انت�شر وتعملق؛ ما �شجعني على طباعة‬ ‫كتابين م��ن محتويات (�شبكة الق�صة‬ ‫ال�ع��رب�ي��ة)‪ ،‬الأول «ق�ص�ص �سعودية»‪،‬‬ ‫بدعم من الأ�ستاذ خالد الروي�شان وزير‬ ‫الثقافة في جمهورية اليمن‪ ،‬حيث دُعيتُ ‪،‬‬ ‫و ُك� ِّر َم الموقع‪ ،‬و�سُ لِّمتُ خم�سمائة ن�سخة‬ ‫م��ن الكتاب‪ .‬وق��د �ضم الكتاب �سبعين‬ ‫ن�صا لقا�صين �سعوديين‪ .‬كان ذلك عام‬ ‫‪2004‬م‪ .‬وف��ي ع��ام ‪2011‬م‪� ،‬أ� �ص��درت‬ ‫الكتاب الثاني ل�شبكة الق�صة العربية‬ ‫بعنوان «ق�ص�ص عربية»‪ ،‬طبع في م�صر‬ ‫بالتعاون مع دار �سندباد للن�شر والتوزيع‪.‬‬ ‫وق��د اح�ت��وى الكتاب على (‪ )135‬ن�صا‬ ‫ق�ص�صيا‪� ،‬شارك فيها كُتاب من جميع‬ ‫ال��دول العربية‪ .‬كما طبعنا كتابا ثالثا‬ ‫بعنوان «نور�س وحيد» �سيرة وتحية لزميلنا‬

‫في موقع الق�صة العربية الأديب الكبير‬ ‫الأ�ستاذ �سمير الفيل‪� ،‬أعده ال�صحفي‬ ‫الالمع الزميل �إبراهيم حمزة‪.‬‬ ‫في عام ‪2008‬م‪� ،‬صدرت مجموعتي‬ ‫الق�ص�صية الثانية «الوجه ال��ذي من‬ ‫ماء»‪ ،‬عن نادي حائل الأدبي‪ ،‬من�شورات‬ ‫دار االنت�شار العربي ببيروت‪ ،‬وفي عام‬ ‫‪2009‬م �أ��ص��در ن��ادي ال�ج��وف الأدب��ي‬ ‫مجموعتي الثالثة «ق�ص�ص �صغيرة»‪،‬‬ ‫وهي المجموعة التي فازت في جائزة‬ ‫�أبها الثقافية عام ‪2010‬م‪ .‬وكان �آخر‬ ‫�إ�صداراتي مجموعتي الرابعة (ج ي م)‬ ‫التي �صدرت عام ‪2012‬م عن دار �أثر‬ ‫بالدمام‪.‬‬ ‫ما �أزال �أتطلع �إلى كتابة الق�ص�ص‪،‬‬ ‫ولدي ن�صو�ص لم تن�شر ل�سبب �أو لآخر‪.‬‬ ‫و�أنا مت�شبث بالق�صة الق�صيرة‪ ،‬و�أزعم‬ ‫�أن��ي �أول من كتب (الق�صة الق�صيرة‬ ‫ج��دا) في ال�سعودية؛ �إذ كتبت �إحدى‬ ‫ع�شرة ق�صة ق�صيرة جدا ن�شرت في‬ ‫ملحق (المربد) بجريدة اليوم بتاريخ‬ ‫‪1976/4/10‬م‪ ،‬و�أ�سميها (الق�صة‬ ‫ال�صغيرة)‪ ،‬حيث تمثلها مجموعتي‬ ‫الق�ص�صية الثالثة «ق�ص�ص �صغيرة»‪،‬‬ ‫التي تحتوي على �ستة و�ستين ن�صا من‬ ‫هذا النوع‪.‬‬ ‫ترجمت بع�ض ن�صو�صي �إلى اللغتين‬ ‫الإنجليزية والفرن�سية في كتب و�صحف‬ ‫وم��واق��ع الكترونية‪ ،‬كما نالت �إح��دى‬ ‫الطالبات درج��ة البكالويو�س بامتياز‬ ‫لترجمتها مجموعتي (الوجه الذي من‬ ‫ماء) �إلى اللغة الإنجليزية‪.‬‬

‫حديث الذات‪ ..‬حديث الخيال‬ ‫كلمات في تجربتي الق�ص�صية‬ ‫■ د‪ .‬ح�سن النعمي ‪ -‬ال�سعودية‬

‫عندما كنت في الخام�سة‪� ،‬أخذتني �أمي �إلى بئر القرية‪ ،‬حيث تجد الن�ساء وقتاً للثرثرة عن‬ ‫�أزواجهن‪ ،‬الذين يتو�سدون من تعب الحرث والرعي �أذرعهم‪ ،‬وينامون باكراً من تعب النهارات‬ ‫ال�صفراء‪..‬‬ ‫كانت تلك اللحظة �أول وعي �أر�صده في ذاكرتي؛‬ ‫فقد عرفت �أن لقريتنا ا�سم ًا كما للب�شر �أ�سماء‪،‬‬ ‫و�أن لها روح� ًا تميزها‪ .‬ر�أي��ت حينها ام��ر�أة غريبة‬ ‫عن قريتنا‪ ،‬تعانق �أمي‪ ،‬وبعد التحايا‪� ..‬س�ألت �أمي‬ ‫عن ا�سم قريتنا‪ .‬ردت �أمي بما ي�شبه اال�ستغراب‪،‬‬ ‫(قرية مندر العو�ص)‪� .‬أ�شكلت عليَّ الت�سمية‪ .‬بعدها‬ ‫بحين �س�ألت �أمي ما معنى ا�سم قريتنا‪ .‬قالت بما‬ ‫ي�شبه اليقين‪ ،‬يا ولدي‪� ،‬إنها مكان والدة ال�شعراء‪.‬‬ ‫لم �أعرف ما معنى �شعراء‪ ،‬فازداد الأمر تعقيداً‪.‬‬ ‫تطوّعت �أم��ي ب ��أن ت�شرح �أك�ث��ر‪ ،‬ي��ا ول��دي قريتنا‬ ‫تقع ف��ي التقاء وادي العو�ص ب��وادي حلي‪ ،‬ف ��إذا‬ ‫جاء ال�سيل انطلق الرجال والن�ساء ي�شربون من‬ ‫�أوله حتى ي�صبحوا �شعراء‪ .‬منذ ذلك الحين بيَّتُ‬ ‫النية �أن �أ�صبح �شاعراً‪ .‬في الم�ساء رجوت �أبي �أن‬ ‫يوقظني عندما ي�أتي ال�سيل‪ ،‬وعالجت ده�شة �أبي‬ ‫التي بدت على محياه ب�أني �أريد �أن �أ�صبح �شاعراً‪،‬‬ ‫تب�سّ م �أبي‪ ،‬ونمتُ على �أمل �أن �أ�صبح �شاعراً‪ .‬لكن‬ ‫موهبتي انحرفت نحو الحكايات التي وجدتها‬ ‫منجم ًا ال ين�ضب عند جدتي‪ .‬منذ ه��ذه اللحظة‬ ‫عرفت نكهة القرية بمعنى �آخر‪ ،‬فقد وجدت عند‬ ‫جدتي قرية �أخ��رى‪ ،‬لم �أجدها عند �أم��ي‪� ،‬أو حتى‬ ‫عند �أبي‪� .‬شعرت �أنني �أحب جدتي �أكثر‪� ،‬أو �أحب‬ ‫حكاياتها �أكثر‪ .‬كانت جدتي تتو�سد عتبة الباب‪،‬‬

‫ترقب المارة وهم غ��ادون �إل��ى غاياتهم‪� .‬أم��ا �أنا‪،‬‬ ‫و�أنا ما زلت دون �سن الدرا�سة‪ ،‬فكنت �أتو�سد ركبتها‬ ‫�أ�صغي �إلى حكاياتها‪ .‬لم �أكن في الغالب بحاجة‬ ‫�إل��ى طلب حكاية‪ ،‬بقدر ما كانت هي تبحث عن‬ ‫م�ستمع لها‪ ،‬ي�شاركها عالمها‪ .‬ال �أدري ما الذي كان‬ ‫يجذبني‪ ،‬غير �أنني كنت �أجد عالمها �أكثر بريقاً‪،‬‬ ‫ورومان�سية‪� ..‬إن �شئتم‪.‬‬ ‫حدثتني عن �شموخ جبل طالن الذي �أعد لنف�سه‬ ‫متك�أ يرقب فيه موا�سم القرى‪ ،‬حدثتني عن �أن‬ ‫القرية ال يتبدل حالها �إال �إذا نزل فايع من عقبة‬ ‫القرون‪� .‬س�ألتها من هو فايع‪ ،‬لكنها �سبحت بعينيها‬ ‫ال�ضيقتين في �سماء القرية‪ ،‬حيث ب��د�أت تتجمع‬ ‫�سحب ال�صيف‪ .‬غير �أنني بعد �أن كبرت عرفت‬ ‫ما كانت تخ�شاه جدتي‪ .‬وربما �أن التعبير بنزول‬ ‫فايع من القرون مجرد رمز لغرابة التحوّل الذي‬ ‫�سي�صيب القرية بعد ذلك‪ .‬حدثتني عن �أ�سطورة‬ ‫الخ�ضر الذي عبر فوق جبين القرى حين �أجدبت‪،‬‬ ‫فهطل مطرها كما لم يهطل من قبل‪ .‬حدثتني عن‬ ‫رجال عبروا القرية وتركوا تاريخ ًا خلف ظهورهم‬ ‫مملوء ًا بالأ�سرار ورحلوا‪ .‬ال �أدري �إذا كان مهم ًا �أن‬ ‫اُ�سمي‪ :‬يحيى بالبل‪ ،‬وابن عنقب‪ ،‬وم�شعان‪ ،‬و�أبو‬ ‫نوا�س‪ ،‬وبنت الوزير‪ ،‬وحطابة‪ ،‬لقد حدثتني عنهم‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪9‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫التي كانت �آمنة مطمئنة لم تعد كذلك‪ .‬عندما‬ ‫بد�أت كتابة الق�صة‪ ،‬كنت مدفوع ًا بفطرة الكتابة‬ ‫نحو القرية التي ت�شكّلت عبر واقع ع�شت طرف ًا منه‬ ‫فيما م�ضى‪ ،‬كنت مدفوع ًا للتعبير عن القرية التي‬ ‫وجدتها مختبئة في حكايات جدتي‪ .‬كانت مهمتي‬ ‫في المجموعتين الأولى والثانية كذلك هو البحث‬ ‫ع��ن ه��ذه القرية‪ ،‬ث��م �إع ��ادة �إنتاجها‪ ،‬م��ا جعلها‬ ‫تبدو خيالية غير ممكنة الحدوث‪ ،‬رغم �أنها كانت‬ ‫حا�ضرة بقوة‪ .‬كتب �أحد النقاد معلق ًا على تجربتي‬ ‫ب�أنها تجربة ت�سعى �إلى توظيف الأ�سطورة ال�شعبية‪.‬‬ ‫ما درى ذل��ك الناقد �أن ما ي��راه �أ��س�ط��ورة؟! كان‬ ‫واقع ًا معا�شاً‪ ،‬و�أن ما يبدو �شكله عالم ًا غرائبي ًا هو‬ ‫حالة االنف�صام الجذري‪ ،‬عن عالم لي�س ببعيد من‬ ‫الناحية الزمنية‪ ،‬لكنه بعيد من الناحية المعنوية‪.‬‬ ‫روي��ت في ق�ص�صي عالم القرية كما الم�سته‬ ‫عيناي‪ ،‬وكما �صاغته جدتي في حكاياتها‪ ..‬كما‬ ‫ر�أي �ت��ه ف��ي �سواعد ال��رج��ال‪ ،‬وف��ي حيوية الن�ساء‬ ‫وزغاريدهن وابتهاجاتهن‪ .‬كنت �أبحث عن داللة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪10‬‬

‫عن كيف جاءوا‪ ،‬وكيف اختفوا؛ حدثتني عن المر�أة‬ ‫الحارثية التي ا�ستوطنت القرية حين ًا من الزمن‪،‬‬ ‫ج��اءت فاقدة عقلها‪ ،‬ابتدعوا لها ا�سم ًا وحكاية‪.‬‬ ‫فقالوا �إنها مطلقة‪ ،‬وكان ابنها وهو في الثالثة في‬ ‫ح�ضانتها عندما جاء �أبوه و�أخذه‪ ،‬بينما كانت هي‬ ‫ترعى غنمها‪ .‬عندما جاءت في المغيب‪ ،‬لم ي�أت‬ ‫ابنها ال�ستقبالها كالمعتاد‪ ،‬فلما �س�ألت �أخبروها‬ ‫ب�أن ابنها قد �أكله الذئب! حدثتني عن �صندلية التي‬ ‫�أ�صرت على �أن ال تعود حتى يتم ذبح م�سعود الذي‬ ‫�ألقاها في البئر‪ .‬حدثتني عن الجن وال�سعالي‪،‬‬ ‫حدثتني حديث ًا لم �أجده في ال�سِ يَر ال�شعبية‪ ،‬وال في‬ ‫�ألف ليلة وليلة‪ ،‬بل قل كان لجدتي حكاياتها‪ ،‬وهو ما‬ ‫جعلني �أعتقد �أنها لم تكن مجرد راوية‪ ،‬بل منتجة‬ ‫للحكايات �أي�ضاً‪ .‬حدثتني كثير ًا وك�ث�ي��راً‪ ..‬حتى‬ ‫�أ�صبحت �أنوء بحملٍ من حكاياتها‪.‬‬ ‫حين بد�أت خطواتي الأولى في المدر�سة وجدت‬ ‫�صعوبة في الت�أقلم‪ .‬فقد كانت الحكايات مخب�أة‬ ‫ف��ي ذاك��رت��ي‪ ،‬كنت �أحُ ����سُّ �ه��ا تتثنى بين دف��ات��ري‬ ‫وكتبي‪ ،‬كنت �أراها تتقافز �أمام قلمي‪ .‬كنت �أهرب‬ ‫بعد الح�صة الأولى و�أذهب �إلى جدتي حيث كانت‬ ‫تجل�س‪ ،‬وه��و ما جعل الع�صا تتلوى على ظهري‪.‬‬ ‫تعلمت ب�ع��ده��ا ك�ي��ف �أوف ��ق ب�ي��ن ح�ك��اي��ات جدتي‬ ‫وعالمي الجديد‪.‬‬ ‫كبرت وظلت الحكايات التي خب�أتها في ذاكرتي‬ ‫ت�شدني للطفولة وال�ق��ري��ة وج��دت��ي‪ .‬ول�ع��ل ولعي‬ ‫بالكتابة بعد ذلك ب�سنوات يعود لرغبة دفينة في‬ ‫�إعادة القرية التي ع�شتها عندما كنت طفالً‪ .‬كنت‬ ‫�أرى القرية تهرب من حكايات جدتي نحو عالم لم‬ ‫ت�ستطع الت�صالح معه‪ .‬فقد هجر الأبناء �أر�ضهم‬ ‫وه��اج��روا وراء وهْ ��م الوظيفة‪ ،‬كما تقاعد الكبار‬ ‫و�أ�سلموا كفاحهم للن�سيان‪� .‬أما الن�ساء‪ ،‬فقد �سقطن‬ ‫�سهواً‪ ،‬خلف ظلمة الجدران المعتمة‪.‬‬ ‫�أ�شعر �أن القرية التي كانت في ي��وم ما واقع ًا‬ ‫�أ��ص�ب�ح��ت خ �ي��االً‪ .‬فحا�ضر ال�ق��ري��ة ل��م ي��ول��د من‬ ‫ما�ضيها‪ ،‬بل جاء وافد ًا بكل ما له وما عليه‪ .‬والقرية‬

‫الغياب التي �أورثتنا فاجعة‬ ‫الرحيل‪ .‬رويت حكاية (مانع‬ ‫الأزدي) في عدم ت�صالحه‬ ‫م ��ع ال��م��دي��ن��ة‪ ،‬وال � �م� ��ر�أة‬ ‫ال� �ح ��ارث� �ي ��ة ف���ي ت �م��رده��ا‬ ‫وبحثها ع��ن ذات �ه��ا‪ ،‬وذل��ك‬ ‫في ق�صة (�آخر ما جاء في‬ ‫ال �ت ��أوي��ل ال� �ق ��روي)‪ .‬روي��ت‬ ‫في ق�صة (وللحكاية نب�ض‬ ‫�آخ��ر) كيف تُهزم الأع��راف‬ ‫�أم��ام جبروت الحا�ضر‪ ،‬بل‬ ‫�أم��ام الف�ضيلة الطوباوية‪،‬‬ ‫رويت حكاية نابت في ق�صة‬ ‫(حولية الفجر الخام�س)‬ ‫الذي حورب في �أر�ضه‪ ،‬وفي‬ ‫لقمة عي�شه‪ ،‬وفي هويته‪.‬‬ ‫تركت القرية للعي�ش في‬ ‫�أبها‪ .‬ك��ان االنتقال تغيير ًا‬ ‫ف��ي ر�ؤي��ة الحياة �أك�ث��ر من‬ ‫ك��ون��ه ت�غ�ي�ي��ر ًا ل�ل�م�ك��ان‪ ،‬ال‬ ‫�أزع��م �أن��ي �أحببت المدينة‬ ‫ف� ��ي ي � ��وم م � ��ا‪ .‬ال �م��دي �ن��ة‬ ‫بالن�سبة ل��ي ف��ر���ص للعمل‬ ‫والترقي والتعليم‪ ،‬ال �شئ‬ ‫غير ذل��ك‪ .‬المدينة تفتقر‬ ‫لإن �� �س��ان �ي��ة ال �ح �ي��اة‪ .‬نحب‬ ‫المدينة للعمل‪ ،‬ال للحياة‬ ‫الطبيعية‪ .‬كتبت في �إحدى‬ ‫ق�ص�صي ع��ن �أب �ه��ا‪( ..‬في‬ ‫مدينة مثلجة خلخالها من‬ ‫ال���ض�ب��اب‪ ..‬وب��رده��ا �سيف‬ ‫ل�شهريار‪ ..‬عاي�شت عالم ًا‬ ‫ج ��دي ��داً‪ ..‬ر�أي��ت��ه‪ ،‬ف�ضعت‬ ‫ي��وم� ًا ك��ام�لاً‪ ..‬وج��اء ليلها‬ ‫يد�سني في ح�ضنها الأثير‪..‬‬

‫ومن زواياها العميقة �صنعت الدفء‪..‬‬ ‫نادمت الخمول وا�ستكنت في حنجرة‬ ‫ال�ن��وم ال�ل��ذي��ذ)‪ ،‬م��ن ق�صة بطوالت‬ ‫مانع الأزدي‪.‬‬ ‫في �أبها �أكملت تعليمي المتو�سط‬ ‫والثانوي‪ .‬في هذه ال�سنوات تك�شفت‬ ‫ل��ي ع�ل��ى الأق� ��ل رغ �ب��ة ف��ي ال�ك�ت��اب��ة‪،‬‬ ‫ق��ر�أت ما لم يقر�أه �أقراني‪ ،‬ا�ستمعت‬ ‫وا�ستمتعت ببرامج الإذاعة التي كانت‬ ‫ثرية �إلى حد كبير‪.‬‬ ‫ف��ي ح �ي��اة م�ع�ظ��م ال �ن��ا���س نقطة‬ ‫تحوّل‪ ،‬تغير م�سار حياة‪ ،‬وتخلق حياة‪.‬‬ ‫كنت ممن ك��ان��ت لهم ه��ذه الحالة‪.‬‬ ‫ببطء �شديد‪ ،‬وبحزن �أكثر جاء مر�ض‬ ‫�أخ��ي الح�سين ال��ذي ك��ان ي�صغرني‪.‬‬ ‫كنت يومها في الأول ثانوي‪ ،‬وهو في‬ ‫ال �ث��ان��ي م�ت��و��س��ط‪ .‬ع��ان��ى م��ن مر�ض‬ ‫ال�سرطان‪ ،‬وعانى �أبي و�أمي ما ال يمكن‬ ‫و�صفه‪ .‬كنت �أكبر �إخوتي‪ ..‬نُبتُ عن‬ ‫وال��دي في �سفره لعالج �أخ��ي‪ ،‬كبرت‬ ‫قبل �أوان��ي‪ .‬في لحظة تيقن منها �أبي‬ ‫ولم �أ�ستوعبها �إال بعد �سنوات‪ ..‬رحل‬ ‫�أخي رحمه اهلل‪ ،‬لكن كان قد ترك في‬ ‫نف�سي �أثر ًا غيَّر م�سار حياتي‪ .‬اعتزلت‬ ‫الحياة والمدر�سة والأه��ل لأ�شهر قبل‬ ‫�أن �أع��ود لتلم�س طريق ًا ح�سبت �أني‬ ‫فقدته‪ .‬ما �أثارني هو اللغة التي جرت‬ ‫على ل�ساني وام �ت��دت لقلمي‪ .‬ب��د�أت‬ ‫�أكتب ما لم يكن معروف ًا في محيطي‬ ‫االجتماعي‪ .‬اقترح �أحدهم على �أبي �أن‬ ‫يرقيني عند ال�شيوخ‪ ،‬ف�أنا في نظرهم‬ ‫ق��د ح�ل��ت ب��ي لعنة ال�ع��زل��ة وال�ن�ف��ور‪،‬‬ ‫وا�ستبدلتها بمنادمة ال�ك�ت��اب‪ .‬كان‬ ‫م�ساري الدرا�سي طبيعياً‪ ،‬فلم يقلق‬ ‫والدي‪ ،‬بل خ�ص�ص لي غرفة مجاورة‬

‫‪11‬‬


‫�إذا �أنت �أكرمت الكريم ملكته‬ ‫و�إن �أن�������ت �أك�����رم�����ت ال���ل���ئ���ي���م ت����م����ردّا‬

‫‪12‬‬

‫تحو ًال �آخ��ر‪ ،‬حدَّد م�ساري في الكتابة الأدبية‪.‬‬ ‫ك�ت�ب��ت ق���ص��ة ع�ن��ون�ت�ه��ا ب��ـ «خ��ات �م��ة ال �م �ط��اف»‪،‬‬ ‫ا�ستح�سنها الأ�ستاذ‪ ،‬وكانت بداية ن�شري للق�صة‪،‬‬ ‫وبداية م�سيرتي مع ال�سرد كتابة ونقداً‪ .‬هل �أقول‬ ‫�إنني قد و�ضعت قدمي على الطريق‪ .‬هذا ما �شعرت‬ ‫به‪ ،‬لأني �شعرت ب�سيطرتي على ن�صي الق�ص�صي‬ ‫�أثناء الكتابة‪ ،‬عك�س ال�شعر الذي �أج �دْتُ فيه ولم‬ ‫�أُخلَق له‪.‬‬ ‫ف��ي ع ��ام ‪1979‬م ال�ت�ح�ق��ت ب�ج��ام�ع��ة الملك‬ ‫عبدالعزيز‪ ،‬ق�سم اللغة العربية‪ ،‬حيث وج��دت‬ ‫�ضالتي من ال�ق��راءات المنهجية في عوالم اللغة‬ ‫والأدب‪ .‬كانت �سنوات ال��درا��س��ة الأرب ��ع تعزيز ًا‬ ‫لقدراتي الإبداعية‪ ،‬وتو�سيع ًا لمداركي المعرفية‪ .‬ما‬ ‫�إن �أنهيت درا�ستي الجامعية حتى قدمت مجموعتي‬ ‫الأول���ى (زم��ن الع�شق ال���ص��اخ��ب) ال�ت��ي ن�شرها‬ ‫ن��ادي �أبها الأدب��ي في عام ‪1984‬م‪ .‬قدمتني هذه‬ ‫المجموعة ب�شكل جيد للو�سط الثقافي‪ .‬و�أج��رت‬ ‫جريدة عكاظ �أول لقاء معي‪ ،‬وقبلها فُزتُ بجائزة‬ ‫ن��ادي الطائف الأدب��ي عن ق�صة «�سقوط الج�سر»‬ ‫عام ‪1982‬م‪ .‬كل هذه المواقف ت�صنع انت�صارات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫للبيت كانت عالمي فيما بعد‪.‬‬ ‫التحدي الذي واجهته لم يكن �إال تحدٍ نف�سي‪.‬‬ ‫�س�ألت نف�سي‪ :‬هل ما �أمار�سه من ق��راءة وكتابة‬ ‫وعزلة �أم��ر ًا طبيعياً؟ قررت حينها �أن �أعر�ض ما‬ ‫�أكتب على طرف محايد‪ .‬اخترت �أن �أن�شر بع�ض ًا‬ ‫مما توهمت �أن��ه �شعر في تلك المرحلة في مجلة‬ ‫(اقر�أ) في جدة‪ .‬المفاج�أة �أن المادة ن�شرت‪ .‬هذا‬ ‫الن�شر �أغراني باال�ستمرار‪ .‬لكن كان في النف�س‬ ‫�شيء‪� .‬صوت جدتي يح�ضر كلما �أردت الكتابة‪،‬‬ ‫وك�أنها تقول‪ :‬لماذا لم تبرني وتكتب حكاياتي؟!‬ ‫ومثلما كان موت �أخي تح ّوالً‪ ،‬كان طلب �أ�ستاذ‬ ‫التعبير كتابة ق�صة تنتهي بهذا البيت‪:‬‬

‫ذاتية وتعزز الم�سار‪ ،‬ربما انت�صارات ال ي�شعر بها‬ ‫الآخ��رون‪ ،‬لكنها مهمة في تعزيز االهتمام الأدبي‬ ‫وتنميتة‪ ..‬الق�ص�صي على وجه التحديد‪.‬‬ ‫ك��ان عليّ وق��د �أ�صبحت معيد ًا في ق�سم اللغة‬ ‫العربية في جامعة الملك عبدالعزيز �أن ا�ستعد‬ ‫للذهاب ف��ي بعثة درا�سية �إل��ى �أم��ري�ك��ا‪ .‬ل��م �أك��ن‬ ‫م�سرور ًا بذلك؛ لأني بد�أت �أجد االهتمام النقدي‬ ‫والم�شاركة في الأم�سيات‪ ،‬وهو عالم لذيذ وم�ألوف‪،‬‬ ‫بينما الذهاب �إلى �أمريكا مغامرة مجهولة‪ .‬تغلب‬ ‫المنطق والواقع على رغبات القا�ص‪ ،‬وكانت الرحلة‬ ‫الدرا�سية التي عدت منها وقد ك�شفت لي الجانب‬ ‫الآخر من الن�ص الق�ص�صي وهو النقد‪ .‬تخ�ص�صت‬ ‫في الأدب ال��روائ��ي‪ ،‬ودر��س��ت ال�سينما والم�سرح‬ ‫والفلكلور‪ ،‬و�أخ ��ذت م��ن المعارف م��ا ا�ستطعت‪.‬‬ ‫عدت بعدها �أمار�س الكتابة نقد ًا وق�صاً‪ .‬وجدت‬ ‫في النقد ما لم �أجده في الق�صة‪ .‬فالق�صة حوار‬ ‫مع ال��ذات والعالم‪ ،‬بينما النقد ح��وار مع الق�صة‬ ‫والعالم‪ .‬والم�سافة بينهما ‪-‬بالن�سبة لي‪ -‬واحدة‪،‬‬ ‫�أحب الق�صة والنقد‪ ،‬وال �أ�شقى �إال حين �أجدني قد‬ ‫ان�شغلت عنهما‪ .‬ف�أنا دائم العهد بهما قراءة وكتابة‪.‬‬ ‫فبعد عودتي �أ��ص��درت مجموعتي الثالثة (ح�دّث‬ ‫كثيب ق��ال) ع��ام ‪1999‬م‪ ،‬ول��دي رواي��ة مخطوطة‬ ‫بعنوان (العين ال�سحرية)‪� .‬أم��ا ف��ي النقد فقد‬ ‫�أ�صدرت كتاب (رج��ع الب�صر)‪ ،‬وكتاب (الرواية‬ ‫ال�سعودية‪ :‬واقعها وت�ح��والت�ه��ا)‪ ،‬وك�ت��اب (بع�ض‬ ‫الت�أويل‪ :‬مقاربات في خطابات ال�سرد)‪ ،‬وغيرها من‬ ‫الكتب‪ .‬ملأت الق�صة عالمي وا�شتغاالتي؛ فبت كائن ًا‬ ‫�سردياً‪ .‬في الو�سط الثقافي �أ�شرف على «جماعة‬ ‫حوار» المعنية بالق�ضايا ال�سردية‪ ،‬و�أر�أ���س تحرير‬ ‫مجلة «الراوي» التي تعنى بال�سرديات العربية‪ .‬وفي‬ ‫الجامعة �أقوم بتدري�س مادتي ال�سردية المعا�صرة‪،‬‬ ‫والم�سرح لطالب الدرا�سات العليا‪.‬‬ ‫الأحالم كبيرة‪ ،‬ومتعتها �أن كل ق�صة �أكتبها �أو‬ ‫�أقر�ؤها تب�سط الحياة �أمامي‪� ،‬إذ �أرى من خاللها ما‬ ‫قد ال يراه الآخرون‪.‬‬

‫خالد اليو�سف‬ ‫وم�شوار الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ قا�ص من ال�سعودية‬

‫جاءت الق�صة الق�صيرة من�ساقة مطواعة �إلى قلمي‪ ،‬ال تكلفاَ وال بحثاَ وال اعت�سافاَ لمقدرتي‬ ‫في الكتابة الأدبية؛ فهي تعي�ش في دمي وخيالي وواقعي‪ .‬فمنذ المرحلة االبتدائية‪ ،‬وتجاربي في‬ ‫كتابتها لم تنقطع‪ ،‬وبعد �أن عر�ضت �أول ن�صين �شعرت باكتمالهما ق�ص�صياَ على كاتب ومترجم‬ ‫عزيز عليّ من م�صر الحبيبة ا�سمه «طه حوا�س»‪ ،‬رحمه اهلل‪� ،‬أقر و�أجاز كتابتي‪ ،‬واعتبر خطواتي‬ ‫بداية لعالم وا�سع‪� ،‬سيدخلني �إلى عالم الإبداع ال�سردي‪ ،‬وتنب�أ لي بم�ستقبل م�شرق �إذا ما وا�صلت‬ ‫الكتابة والقراءة واالطالع والتجديد‪ ،‬و�أ�شار عليّ بالم�سرح؛ لأنه العمل ال�شامل‪ ،‬كان ذلك في‬ ‫عام ‪1398‬هـ(‪1978‬م)‪.‬‬ ‫لم �أكن جديد ًا في عالم الن�شر على �صحافتنا‬ ‫الأدبية‪ ،‬فهي ت�ستقبل ق�صائدي وبع�ض مقاالتي‬ ‫وك�ت��اب��ات��ي‪� ،‬إال �أن الجديد �أن �أزوده���ا بق�صة‬ ‫ق�صيرة‪ .‬فنُ�شر لي �أول ن�ص ق�ص�صي بعنوان‪:‬‬ ‫«وه ��م ال�م�ط��ر» ف��ي �صحيفة «ال �ج��زي��رة» ع��ام‬ ‫‪1399‬ه � �ـ(‪1979‬م)‪ ،‬ثم وا�صلت بين �صحيفتي‬ ‫«الجزيرة» و«الريا�ض»‪ ،‬والتقيت وقتئذ الرائد‬ ‫والأديب الكبير الأ�ستاذ‪ /‬عبدالعزيز الرفاعي‪،‬‬ ‫رحمه اهلل‪ ،‬بعد ان�ضمامي �إلى المجلة المدر�سية‬ ‫«عالم الكتب» �أواخ��ر عام ‪1400‬ه�ـ (‪1980‬م)‪،‬‬ ‫وكان وجودي فيها كمحرر متخ�ص�ص في عالم‬ ‫المكتبات والمعلومات �أثناء درا�ستي الجامعية‪،‬‬ ‫ودار الحديث معه حول الكتابة الأدبية والإبداع‬ ‫وال �ن �� �ش��ر‪ ،‬و�أخ� �ب ��ره �أ� �س �ت��اذي ال��دك �ت��ور يحيى‬

‫ال�ساعاتي �أني قا�ص و�شاعر‪ ،‬فطلب مني ق�صة‬ ‫جديدة‪ ،‬ففرحت و�أح�ضرت له ما بين يدي من‬ ‫جديد‪ ..‬ف�أعجب به‪ ،‬واختار ق�صة منها‪ ،‬و�أخبرني‬ ‫�أنه �سير�سلها �إلى المجلة العربية‪ ،‬ب�صفته ع�ضو ًا‬ ‫في الهيئة اال�ست�شارية لها‪ ،‬الق�صة التي اختارها‬ ‫كانت بعنوان‪« :‬وجفت الأر���ض»‪ ،‬وهي �أول ن�ص‬ ‫ق�ص�صي ين�شر ف��ي ال��دوري��ات ال�شهرية‪ ،‬ولم‬ ‫يكتف‪ ،‬رحمه اهلل بذلك‪ ،‬بل ا�ستمر ي�س�ألني بين‬ ‫ِ‬ ‫وقت و�آخر عن الجديد‪ ،‬وي�شجعني على موا�صلة‬ ‫الكتابة والن�شر‪ ،‬طبع ًا تم ه��ذا �إ�ضافة له مع‬ ‫الأ�ستاذين عبدالرحمن المعمر‪ ،‬والدكتور يحيى‬ ‫ال�ساعاتي‪.‬‬ ‫هذه البدايات‪ ،‬المحتفية بكتابة ون�شر الق�صة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪13‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫�إال �أنَّ ع��ام ��ص��دوره��ا ��ص��ادف ب��داي��ة ذروة‬ ‫ح��رك��ة ال �ح��داث��ة‪ ،‬وزع��زع��ة ال���س��ائ��د والمتفق‬ ‫عليه؛ الحداثة التي غيّرت في معالم وخرائط‬ ‫ومفاهيم و�أفكار‪ ،‬بد�أت تتكون وتتبلور وتبرز على‬ ‫ال�ساحة الثقافية‪ ،‬لكن �سرعان ما �أجهزت عليها‬ ‫بالفرقة والت�شتت‪ ،‬وه��ي ال‬ ‫ت��زال ف��ي مرحلة التبرعم؛‬ ‫ب�سبب تطرف م��ا تطرحه‪،‬‬ ‫�أو ع ��دم ال�ف�ه��م الحقيقي‬ ‫للحداثة‪� ،‬أو لتداخل �أوراقها‬ ‫مع معطيات الحياة الأخرى‪،‬‬ ‫وهي بداية تعددية الأ�صوات‬ ‫الكتابية والإبداعية والنقدية‬ ‫وال�ك�ت�ل�ي��ة‪ ،‬وال� �ق ��ارئ لتلك‬ ‫ال�ف�ت��رة �سيرى �أن�ه��ا لي�ست‬ ‫ل�ل���ش�ع��ر ف �ق��ط‪ ،‬و�إن� �م ��ا هي‬ ‫ك��ذل��ك للق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫ما �أخرج �أ�سما َء وكتاباً‪ ،‬كل‬ ‫واحد يريد الدفاع عن توجهه‬ ‫وكتابته‪ ،‬ال�شعراء انق�سموا‬ ‫على �أنف�سهم ليكونوا �شعراء‬ ‫الق�صيدة العمودية الخليلية‪،‬‬ ‫و�شعراء ق�صيدة التفعيلة‪،‬‬ ‫و� �ش �ع��راء ق���ص�ي��دة ال�ن�ث��ر‪،‬‬ ‫ولكل فئة نقادها ومريدوها‬ ‫وم �ن �ظ��روه��ا وال �م��داف �ع��ون‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪14‬‬

‫الق�صيرة‪ ،‬حفزتني لموا�صلة‬ ‫ن�صو�ص ًا ون ��دوات ودرا� �س��ات‬ ‫كتابتها‪ ،‬ثم وجدت �أن عالمها‬ ‫و�شهادات لعدد من الكتـ ّاب؛‬ ‫�أكبر و�أو�سع مما �أتوقع و�أتخيل‪،‬‬ ‫�إال �أن ال �م��واق��ف الم�ساندة‬ ‫فحر�صت جد ًا على قراءة كل‬ ‫لهذه الحوافز والمناف�سات هو‬ ‫ما يقع تحت يدي في الثقافة‬ ‫دخولي �إلى فريق عمل �إ�صدار‬ ‫والأدب‪ ،‬ب��ل �سعيت القتناء‬ ‫ملف الق�صة ال�سعودية‪ ،‬الذي‬ ‫م �ج �م��وع��ات ك �ث �ي��رة محلية‬ ‫�أ�صدرته مجلة «عالم الكتب»‬ ‫وع��رب�ي��ة و�أج�ن�ب�ي��ة‪ ،‬ث��م ر�أي��ت‬ ‫ع� ��ام ‪1401‬ه � � � � � �ـ(‪1981‬م)‪،‬‬ ‫المناف�سة م��ن حولي ب�أقالم‬ ‫ث ��م م �ل��ف ج �م �ع �ي��ة ال �ث �ق��اف��ة‬ ‫�أ�صدقائي والجيل الجديد‪،‬‬ ‫وال�ف�ن��ون‪ ،‬ال�ع��دد ال��راب��ع‪ ،‬في‬ ‫وه��م‪ :‬ع �ب��داهلل العتيق‪ ،‬فهد‬ ‫رجب ‪1402‬ه �ـ (�أبريل‪ /‬مايو‬ ‫العتيق‪ ،‬عبدالعزيز ال�صقعبي‪ ،‬تركي الع�سيري‪1982 ،‬م)‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬ ‫الجوهرة المزيد‪ ،‬ح�سن النعمي‪� ،‬أحمد الدويحي‪،‬‬ ‫ت��م تتويج ه��ذه الحيوية الإب��داع �ي��ة بطلب‬ ‫ح�صة العمار‪ ،‬خالد البليهد‪ ،‬رقية ال�شبيب‪� ،‬أحمد‬ ‫المهند�س‪� ،‬سعد الدو�سري‪� ،‬شريفة ال�شمالن‪ ،‬و�صلني من جمعية الثقافة والفنون بالريا�ض‬ ‫�صالح الأ�شقر‪ ،‬عبداهلل بامحرز‪ ،‬بهية بو�سبيت‪ ،‬لإ�صدار مجموعتي الق�ص�صية الأول��ى‪ ،‬فعكفت‬ ‫عبداهلل ال�سالومي‪ ،‬عبداهلل الكويليت‪ ،‬فوزية على اختيار ما يتنا�سب ن�شره في كتاب‪ ،‬وكان‬ ‫العريفي‪ ،‬عبده خ��ال‪ ،‬نجاة عمر‪ ،‬محمد علي بين ي��دي ح�صاد خم�س ��س�ن��وات م��ن الكتابة‬ ‫ال�شيخ‪ ،‬مريم الغامدي‪ ،‬علي ال�شامي‪ ،‬قما�شة ال�ق���ص���ص�ي��ة‪ ،‬وه ��ي ت��زي��د ع�ل��ى (‪ )60‬ق�صة‬ ‫ال�سيف‪ ،‬م�سفر القحطاني‪� ،‬سهلي ب��ن �سهلي ق���ص�ي��رة‪ ،‬وق��دم��ت للجمعية مجموعتي التي‬ ‫عمر‪ ،‬الجوهرة الع�سعو�س‪ ،‬جبرين الجبرين‪ ،‬عنونتها «الجماجم تنخر من الداخل»‪� ،‬إال �أن‬ ‫فوزية الجاراهلل‪ ،‬محمد ال�شمري‪ ،‬عهود ال�شبل‪ ،‬الإع�لام رف�ض العنوان‪ ،‬فاخترت‪« :‬مقاطع من‬ ‫خ��ال��د ب��اط��رف��ي‪ ،‬ن�ج��وى ها�شم وغ�ي��ره��م‪ ،‬وتم حديث البنف�سج» عنوان ًا ب��دي�لاً‪ ،‬ف ُقبِل ن�شرت‬ ‫لنا الن�شر المتوا�صل في ال�صفحات الأدب�ي��ة‪ ،‬المجموعة الأولى‪ ،‬التي احتوت على �سبع ع�شرة‬ ‫وه��ي ال�ن��اف��ذة ال��وح�ي��دة لنا جميعاً‪ ،‬وات�سعت ق�صة ق�صيرة‪� ،‬صدرت مع بدايات عام ‪1404‬هـ‬ ‫المناف�سة حينما بد�أت الق�ص�ص تُن�شر ب�أ�سماء (‪1984‬م)‪ ،‬وا�ستقبلت بحفاوة كبيرة‪ ،‬ونُ�شر عنها‬ ‫كاتبات �سعوديات‪ .‬وات�سعت الدائرة بعد اهتمام درا�سات وقراءات كثيرة في ال�صحافتين المحلية‬ ‫المتابعين من نقاد ودار�سين لتحليل ما يُكتب والعربية‪ ،‬ولم ي�صدر حينها مجموعات ق�ص�صية‬ ‫ويُن�شر من ق�ص�ص جديدة‪ ،‬وجاء الحافز الكبير من جيلي �إال الكـتّاب‪ :‬عبداهلل ال�سالومي‪� /‬شروخ‬ ‫حينما �أ� �ص��درت ال�صفحات الأدب �ي��ة مالحق في وجه الإ�سفلت‪ ،‬رقية ال�شبيب‪ /‬حلم‪ ،‬محمد‬ ‫خا�صة عن الق�صة الق�صيرة في المملكة‪ ،‬ت�ضم علي ال�شيخ‪ /‬العقل ال يكفي‪ ،‬ح�سن النعمي‪/‬‬

‫زمن الع�شق ال�صاخب‪ ،‬عبداهلل العتيق‪� /‬أكذوبة‬ ‫ال�صمت وال��دم��ار‪ ،‬خالد باطرفي‪ /‬العام ‪،24‬‬ ‫عبدالعزيز ال�صقعبي‪ /‬ال ليلك ليلي وال �أنت �أنا‪،‬‬ ‫�أحمد المهند�س‪ /‬حبيتك بال�صيف‪.‬‬

‫عنها‪ ،‬والق�صة الق�صيرة التي لم تتفتق �أكمامها‬ ‫بعد‪ ،‬ت�أثرت بهذا االنجراف والفرقة وال�ضياع‪،‬‬ ‫وراء مدار�س نظرية �أو غير قابلة للواقع‪ ،‬ف�أ�صبح‬ ‫هناك الق�صة الواقعية‪ ،‬والق�صة التقليدية‪،‬‬ ‫والق�صة التجريبية‪ ،‬وتحت هذه �أ�صناف و�أنواع‪،‬‬ ‫والق�صة اللغوية البنائية؛ �إال �أن الق�صة الق�صيرة‬ ‫حظيت‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬بمتابعات نقدية عقالنية‬ ‫وواق �ع �ي��ة‪ ،‬ح��رك��ة ن�ق��دي��ة ب�ع�ي��دة م��ن الإ� �ض��رار‬ ‫بالمنجز الإب ��داع ��ي ف��ي ب �ن��اء وح ��دة الق�صة‬ ‫الق�صيرة‪ .‬وه ��ؤالء النقاد والدار�سون متعددو‬ ‫االت�ج��اه��ات والفهم‪ ،‬وينتمون‬ ‫�إل��ى م��دار���س نقدية مت�أ�صلة؛‬ ‫ف �ن��ال��ت ال �ق �� �ص��ة ال �ق �� �ص �ي��رة‬ ‫ال�سعودية اتفاق الجميع‪ ،‬ور�ضي‬ ‫عنها كثير من المتابعين‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫�سعد البازعي‪ ،‬را�شد عي�سى‪،‬‬ ‫فايز �أب��ا‪ ،‬من�صور الحازمي‪،‬‬ ‫ف � ��ؤاد ن���ص��ر ال ��دي ��ن‪ ،‬محمود‬ ‫ال�ح���س�ي�ن��ي‪ ،‬م �ح �م��ود رداوي‪،‬‬ ‫يو�سف نوفل‪� ،‬سعيد ال�سريحي‪،‬‬ ‫�أح �م��د ��س�م��اح��ة‪ ،‬طلعت �صبح‬ ‫ال�سيد‪ ،‬عبدالرحمن �شل�ش‪،‬‬ ‫�أمل ال�صباغ‪ ،‬محمد ال�شنطي‪،‬‬ ‫ن �� �س �ي��م ال� ��� �ص� �م ��ادي‪ ،‬ن���ص��ر‬ ‫عبا�س‪� ،‬سباعي عثمان‪ ،‬خالد‬ ‫ال �م �ح��ام �ي��د‪ ،‬م�ح�م��د ال�ط�ي��ب‪،‬‬ ‫مختار الك�سار‪ ،‬عالي القر�شي‪،‬‬ ‫حامد بدوي وغيرهم‪.‬‬ ‫مرت هذه المرحلة بالن�سبة‬ ‫ل��ي ب��رواف��د �أخ� ��رى‪� ،‬إذ كنت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪15‬‬


‫‪16‬‬

‫جيلنا هو جيل الثمانينيات‬ ‫الميالدية‪� ،‬أو ما بعد الأربعمائة‬ ‫للهجرة‪� ،‬إال �أن �ه��م لي�س كل‬ ‫م��ا ذك ��رت‪ ،‬ول�ك��ن ف��ي ن�صفه‬ ‫الأخير جاءت �أ�سماء عا�شقة‬ ‫للق�صة الق�صيرة‪ ،‬وبح�ضور‬ ‫مناف�س‪ ،‬واقتدار �أدبي‪ ،‬وتمكن‬ ‫ف �ن��ي‪ ،‬و�إح �� �س��ا���س �إب ��داع ��ي‪،‬‬ ‫وتاريخي ًا وفني ًا لهم امتداد‬ ‫طبيعي وه ��م‪ :‬عبدالحفيظ‬ ‫ال�شمري‪ ،‬جبريل �أبو دية‪ ،‬ليلى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫�أ�� � � �ص � � ��درت م �ج �م��وع �ت��ي‬ ‫الق�ص�صية ال�ث��ان�ي��ة «�أزم �ن��ة‬ ‫ال� �ح� �ل ��م ال� ��زج� ��اج� ��ي» ع ��ام‬ ‫‪1407‬ه� � �ـ(‪1987‬م)‪ ،‬و�صاحب‬ ‫ع ��ام � �ص��دوره��ا ���ص��دور ع��دد‬ ‫م���ن ال��م��ج��م��وع��ات ال �ث��ان �ي��ة‬ ‫ل �ك �ت �ـّ��اب م ��ن ج �ي �ل��ي‪ ،‬وه ��م‪:‬‬ ‫رق �ي��ة ال�شبيب‪ ،‬محمد علي‬ ‫ال�شيخ‪ ،‬خالد باطرفي‪ ،‬ح�سن‬ ‫ال �ن �ع �م��ي‪ ،‬ع� �ب ��داهلل م�ح�م��د‬ ‫ح�سين (ال�سالومي)‪� ،‬أحمد‬ ‫المهند�س‪� ،‬سعد الدو�سري‪،‬‬ ‫وعبدالعزيز ال�صقعبي‪.‬‬ ‫�أم� � ��ا ال� ��ذي� ��ن �أ��� �ص� ��دروا‬ ‫مجموعاتهم الأولى من الجيل‬ ‫ن�ف���س��ه ف �ه��م‪ :‬ع�ب��دال��رح�م��ن‬

‫وب �ع��د �سنتين م��ن العمل‬ ‫ال� �ت� �ح ��ري ��ري ال� �ث� �ق ��اف ��ي ف��ي‬ ‫ج��ري��دة «ال �م �� �س��ائ �ي��ة» ال��ذي‬ ‫عمق االهتمام ل��ديّ بالق�صة‬ ‫الق�صيرة كتاب َة ون�شراً‪ ،‬لي�س‬ ‫في م�سيرتي الخا�صة‪ ،‬و�إنما‬ ‫في ال�ساحة المحلية كافة؛ �إذ‬ ‫�إن��ي �سعيت �إل��ى التركيز على‬ ‫ن�شر الن�صو�ص الق�ص�صية‬ ‫ودرا�ستها‪ ،‬ومناف�سة ال�صحف‬ ‫الأخ � ��رى ال �ت��ي ت���ض��ع ال�شعر‬ ‫ف��ي � �ص��در ��ص�ف�ح��ات�ه��ا‪ ،‬ب���أن‬ ‫ت�ك��ون الق�صة الق�صيرة في‬ ‫� �ص��در ال�صفحة الأول� ��ى من‬ ‫ال�م�ل�ح��ق‪ .‬وه���ذا ج��دي��د على‬ ‫ال�ساحة ال�صحافية‪ ،‬بخالف‬ ‫ن�شر ال �ق��راءات وال��درا� �س��ات‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أت� �ع ��اون ف��ي ن���ش��ر ال �ل �ق��اءات‬ ‫الأدب�ي��ة مع ال�شعراء والكتـ ّاب‬ ‫وال �م �ف �ك��ري��ن ف ��ي �صحافتنا‬ ‫المحلية‪ ،‬وب�خ��ا��ص��ة �صحيفة‬ ‫ال��ري��ا���ض‪ ،‬ث��م ال �ج��زي��رة‪ ،‬ثم‬ ‫المجلة العربية‪ ،‬ونُ�شر لي في‬ ‫ه ��ذه ال�م��رح�ل��ة �أول �أع�م��ال��ي‬ ‫الببليوجرافية‪ ،‬التي حللت فيها‬ ‫المجلة العربية بك�شاف �شامل‪،‬‬ ‫ول��م ت�ن�ت� ِه ه��ذه ال �خ �ط��وات �إال‬ ‫بان�ضمامي للعمل ال�صحافي‬ ‫ف��ي الجريدة الم�سائية‪ ،‬التي‬ ‫ب� ��د�أت م��ن خ�لال �ه��ا مناف�سة‬ ‫ال �� �ص �ح��ف الأخ� � ��رى بالن�شر‬ ‫الإبداعي الق�ص�صي‪ ،‬والتركيز‬ ‫ع �ل �ي��ه‪ ،‬ال� �س �ي �م��ا ب �ع��د ت �ع��اون‬ ‫الأ�ستاذ را�شد عي�سى بالكتابة‬ ‫النقدية المنتظمة‪ ،‬والمتابعة‬ ‫القرائية للإنتاج الإبداعي‪.‬‬

‫الأحيدب‪� ،‬سعود الجراد‪ ،‬خالد‬ ‫خ���ض��ري‪ ،‬يو�سف المحيميد‪،‬‬ ‫بدرية الب�شر‪� ،‬أميمة الخمي�س‪،‬‬ ‫فهد الم�صبح‪� ،‬أحمد �إبراهيم‬ ‫ي��و��س��ف‪ ،‬ع �ب��داهلل ال�سحيمي‪،‬‬ ‫عبدالرحمن الدرعان‪� ،‬أمجاد‬ ‫محمود ر�ضا‪ ،‬عقيلي الغامدي‪،‬‬ ‫عمرو العامري‪ ،‬فاطمة ح�سين‬ ‫ب��ن ط��ال��ب‪ ،‬ف��وزي��ة ال �ج��اراهلل‪،‬‬ ‫محمد من�صور مدخلي‪ ،‬منيرة‬ ‫الغدير‪ ،‬لطيفة ال�شعالن‪ ،‬نجوى‬ ‫غ��رب��اوي‪ ،‬وف��اء الطيب‪ ،‬تركي‬ ‫ال�ن��ا��ص��ر ال �� �س��دي��ري‪ ،‬قما�شة‬ ‫العليان‪.‬‬

‫الدرعان‪ ،‬بهية بو�سبيت‪ ،‬فهد‬ ‫العتيق‪� ،‬شريفة ال�شمالن‪ ،‬فهد‬ ‫الم�صبح‪� ،‬أح�م��د الدويحي‪،‬‬ ‫عبده خ��ال‪� ،‬صالح الأ�شقر‪،‬‬ ‫علي الحبرتي‪ ،‬عبداهلل محمد‬ ‫ح�سين (ال�سالومي)‪ ،‬عمرو‬ ‫العامري‪ ،‬وهناك من �أ�صدر‬ ‫مجموعته الأول ��ى والوحيدة‬ ‫ح �ت��ى الآن‪ ،‬وه � ��م‪� :‬أح �م��د‬ ‫�إبراهيم يو�سف‪ ،‬وفاء ح�سن‬ ‫منور‪ ،‬نجوى ها�شم‪� ،‬سليمان‬ ‫ال �� �ش��راري‪ ،‬ت��رك��ي الع�سيري‪،‬‬ ‫نجوى م�ؤمنة‪.‬‬

‫ع ��ن ال��ت��ج��ارب وال �ك �ت��اب��ات‬ ‫الق�ص�صية‪ ،‬وب��داي��ة ن�شر‬ ‫ال �ب �ب �ل �ي��وج��راف �ي��ا الأدب� �ي ��ة‬ ‫ال�سعودية‪ ،‬التي من خاللها‬ ‫تابعت حركة الن�شر والإنتاج‬ ‫الأدب � ��ي ال �� �س �ع��ودي ل��ر��ص��ده‬ ‫وح�صره‪ ،‬والكتابة عنه‪ ،‬وبعد‬ ‫ذل ��ك‪ ،‬ج��اء ال�ع�م��ل ال�شامل‬ ‫والأع� �م ��ق م��ن خ�ل�ال ن��ادي‬ ‫الق�صة ال�سعودي‪-‬هذا الق�سم‬ ‫ال�صغير من اللجنة الثقافية‬ ‫في الجمعية العربية ال�سعودية‬ ‫للثقافة والفنون منحته الكثير‬ ‫والكثير م��ن �أج��ل علو وبناء‬ ‫مكانة كبيرة للق�صة عامة في‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية‪-‬‬ ‫والذي من خالله انطلقت من‬ ‫كتابتي الخا�صة �إل��ى الكتابة‬ ‫ال�ع��ام��ة‪ ،‬وال �ح��راك ال�سردي‬ ‫ف ��ي ال �م �م �ل �ك��ة‪ ،‬وم���ن خ�لال��ه‬ ‫ت��م التفاتي �إل��ى ن�شر الكتب‬ ‫ودوري��ة ال��واح��ات الم�شم�سة‪،‬‬ ‫و�إقامة الأم�سيات الق�ص�صية‪،‬‬ ‫وال� �ن ��دوات وال �م �ح��ا� �ض��رات‪،‬‬ ‫وتفعيل الم�سابقات ال�سنوية‬ ‫في كتابة الق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫و�إن �� �ش��اء م��رك��ز ال�م�ع�ل��وم��ات‬ ‫والمكتبة‪ ،‬وربط النادي بغيره‬ ‫من الأندية الم�شابهة عربياً‪،‬‬ ‫ونزعت كل نجاح لي لأن يكون‬ ‫با�سم ال �ن��ادي‪ ،‬ل�ه��ذا قدمت‬

‫‪17‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪18‬‬

‫ك��ل م��ا �أم�ل��ك م��ن كتب خا�صة‬ ‫الثالثة‪�« :‬إليك بع�ض �أنحائي»‪.‬‬ ‫بي – المجموعات وق�صا�صات‬ ‫وف � ��ي ه � ��ذه ال� �م ��رح� �ل ��ة ك ��ان‬ ‫ال�صحف وال�م�ج�لات والكتب‬ ‫التناف�س بين �أبناء هذا الجيل‬ ‫النقدية ‪ -‬لهذا النادي؛ فجاءت‬ ‫قوياً‪ ،‬فقرر عدد منهم �إ�صدار‬ ‫النتائج باهرة ومفرحة‪ ،‬وتنبئ‬ ‫مجموعته الق�ص�صية الأول��ى‬ ‫ع��ن تفاعل كبير م��ن الو�سط‬ ‫بعد �أن ت��أخ��ر كثير ًا ف��ي جمع‬ ‫ال�سردي والثقافي‪ ،‬وخرجتُ من‬ ‫ن�صو�صه الق�ص�صية‪ ،‬وت�صاعد‬ ‫النادي وهو في قمة نجاحه‪.‬‬ ‫ال�ت�ن��اف����س ف��ي ك�ت��اب��ة الق�صة‬ ‫الق�صيرة ون���ش��ره��ا ف��ي ه��ذا‬ ‫ف��ي ب��داي��ة ه��ذه ال�م��رح�ل��ة‪،‬‬ ‫العقد‪ ،‬وخرجت �أ�سماء جديدة‬ ‫�أ� �ص��درت كتابي (ال��را� �ص��د)‪،‬‬ ‫ت�ستحث الأول ��ى للموا�صلة �أو‬ ‫وه� ��و‪ :‬ب �ب �ل �ي��وج��راف �ي��ا را� �ص��دة‬ ‫حا�صرة للق�صة الق�صيرة في المملكة العربية التراجع ثم التوقف �أو التحول �إلى كتابة �أخرى‪،‬‬ ‫ال���س�ع��ودي��ة خ�ل�ال ع���ش��ر � �س �ن��وات ‪1400‬ه� � �ـ ‪ -‬فعزمت على �إ�صدار مجموعتي الرابعة «امر�أة ال‬ ‫‪1410‬ه� �ـ‪ ،‬وه��ذا الكتاب ج��اء بعد مغامرة في تنام» عام ‪1419‬هـ(‪1999‬م)‪.‬‬ ‫�إ�صداره ون�شره وطباعته على ح�سابي ال�شخ�صي‪،‬‬ ‫�أثناء هذه الفترة ‪1420 -1419‬هـ (‪-1999‬‬ ‫و�أح��دث لدي قلق ًا من عدم ا�ستقباله والإقبال ‪2000‬م) كانت الثورة التقنية المعلوماتية في‬ ‫عليه ل�شدة خ�صو�صيته‪ ،‬لكن بعد م�ضي الوقت ب��داي��ة وه�ج�ه��ا‪ ..‬فجذبتني لال�ستفادة منها‪،‬‬ ‫فوجئت �أنه تحول �إلى مقرر و�أداة ومفتاح لكل ف�أ�س�ست موقع ًا على �شبكة «الإن�ت��رن��ت» تحت‬ ‫دار�سي الق�صة الق�صيرة في ال�سعودية‪ ،‬والكل عنوان‪« :‬الرا�صد» لخدمة ال�سرد ن�ص ًا و�أخبار ًا‬ ‫يطلبه ويبحث عنه‪ ،‬بعد �أن تخل�صت من ن�سخه وم�ت��اب�ع��ة‪ ،‬وق��د تلقته ال�ساحة ب��ال�ق�ب��ول‪ ،‬على‬ ‫الكثيرة ب��الإه��داءات والتوزيع‬ ‫الرغم من توا�ضع الإمكانات‬ ‫المجاني‪ ،‬وقد فتح عليّ باب ًا في‬ ‫ال�ف�ن�ي��ة‪� ،‬إال �أن م��ا ي�شفع لي‬ ‫موا�صلة البحث الببليوجرافي‬ ‫ال�م��ادة العلمية التي تتجدد‪،‬‬ ‫وطرح درا�ساته وبحوثه ون�شرها‬ ‫وال�م�ت��اب�ع��ات ال�ت��ي ك�ن��ت �أزود‬ ‫لكي تخدم الدار�سين ل�ل�أدب‬ ‫القراء بها‪ ،‬وب�سبب عدم التفرغ‬ ‫ال���س�ع��ودي‪ ،‬وبخا�صة الق�صة‬ ‫فني ًا و�إداري� ًا توقف بعد عامين‬ ‫ال �ق �� �ص �ي��رة ال �ت��ي ت���ص��اع��دت‬ ‫م��ن الن�شاط ال��رائ��د ف��ي هذا‬ ‫الر�سائل الجامعية عنها‪.‬‬ ‫المجال‪ ،‬ثم ان�ضممت للتعاون‬ ‫في المجال نف�سه مع الأ�ستاذ‬ ‫في عام ‪1414‬ه� �ـ(‪1994‬م)‬ ‫�أ�صدرت مجموعتي الق�ص�صية‬ ‫جبير المليحان‪ ،‬عند ت�أ�سي�س‬

‫موقع الق�صة العربية‪ ،‬وكذلك �أ�س�ست موقع ًا وهو ما ح�صل كذلك لهذا الكتاب الذي اعتمد‬ ‫با�سم نادي الق�صة ال�سعودي يخت�ص بكل �أعماله عليه ع��دد من هيئات التدري�س في جامعاتنا‬ ‫ون�شاطه‪ ،‬وا�ستمر ت�أكيد عملي وخطواتي البحثية ال�سعودية‪.‬‬ ‫في مجال الببليوجرافيا؛ ف�سخرت كثير ًا منها‬ ‫ومع بداية العقد الجديد ‪1432‬ه �ـ(‪2011‬م)‬ ‫لكتـ ّاب الق�صة ال ��رواد‪ ،‬ف�أخرجت ع��دد ًا منها‬ ‫�أ�� �ص ��درت م�ج�م��وع�ت��ي ال�ق���ص���ص�ي��ة ال���س��اب�ع��ة‬ ‫ونُ�شر في الدوريات المحلية‪� ،‬إ�ضافة �إلى توا�صلي‬ ‫مع عدد من المطبوعات العربية لإ�صدار ملفات وع�ن��ون�ت�ه��ا ب �ـ «ي�م���س��ك ب �ي��ده��ا‪ ..‬وي �غ �ن��ي»‪ ،‬مع‬ ‫خا�صة بالق�صة ال�سعودية‪ ،‬ب��ل �إن القائمين موا�صلة كتابتي ون�شري للجديد من الق�ص�ص‬ ‫على الدوريات الأدبية محلي ًا وعربي ًا �أ�صبحوا الق�صيرة والق�صيرة ج��د ًاَ‪ ،‬التي نالت مزيد ًا‬ ‫يتوا�صلون معي ويكلفونني بهذه المهمة بعد من االهتمام في مجموعتيّ الأخيرتين‪ ،‬ثم مع‬ ‫نجاح الملفات ال�سابقة‪ ،‬مثل دورية الراوي‪ ،‬التي بداية ه��ذا العام ‪1433‬ه� � �ـ(‪2012‬م)‪ ،‬ها �أن��ذا‬ ‫ي�صدرها ن��ادي ج��دة الأدب��ي‪ ،‬وق��د اتفقوا على �أج ��دد ال�ح��ر���ص وااله �ت �م��ام ب��إن���ش��اء �صفحات‬ ‫تر�شيحي �ضمن هيئة التحرير وعملت معهم فترة تهتم بالق�صة الق�صيرة ف��ي ال�سعودية عبر‬ ‫من الزمن‪.‬‬ ‫موقع‪ :‬الفي�سبوك العالمي‪ ،‬تحت م�سمى ‘‘نادي‬ ‫ف��ي ال �ع��ام ‪1429‬ه� � �ـ (‪2008‬م) �أ� �ص��درت الق�صة ال�سعودي’’‪ ،‬لي�ضم الن�صو�ص الجديدة‬ ‫مجموعتي الق�ص�صية ال�ساد�سة‪ ،‬التي عنونتها بـ والقراءات والأخبار والتوا�صل بين كتاب الق�صة‬ ‫«المنتهى‪ ..‬رائحة الأنثى»‪ ،‬لت�ؤكد ع�شقي وم�ساري ومحبيها وع�شاقها‪ ،‬وحث الأجيال للتوا�صل فيما‬ ‫ال��ذي خططت له في م�شروعي الق�ص�صي‪ .‬ثم بينها‪ ،‬وبخا�صة مَ ن توقّف �أو انقطع من جيلي‪،‬‬ ‫�أ�س�ست لعملٍ مرجعيٍ كبير‪ ،‬ا�ستنفر �أربعة �أعوام جيل ‪1400‬ه � � �ـ(‪1980‬م)‪ ،‬وق��د ب��د�أت تد�شينه‬ ‫من العمل المتوا�صل‪ ،‬حتى �صدر مع بداية عام و�أول خطواته بن�شر بدايات الق�صة الق�صيرة‬ ‫‪1430‬ه� �ـ (‪2009‬م)‪ ،‬وه��و ك�ت��اب‪« :‬انطولوجيا‬ ‫ف��ي ب�ل�ادي‪ ،‬م��ن خ�لال الكتـ ّاب والمجموعات‬ ‫الق�صة الق�صيرة في المملكة العربية ال�سعودية‪:‬‬ ‫وال��دوري��ات‪ ،‬م�ستفيد ًا من تقنيات كثيرة‪ .‬ولعل‬ ‫ن�صو�ص و�سير» مع مقدمة تاريخية فنية‪ .‬وهذا‬ ‫ال���ص��ورة �أه��م و�أ� �س��رع و�سيلة ت�خ��دم ثقافتنا‪،‬‬ ‫الكتاب خال�صة جهد متوا�صل من خالل تجربة‬ ‫�إ��ص��دار الملفات الخا�صة بالق�صة الق�صيرة فكانت مرافقة لعدد م��ن الكتابات‪ .‬وتت�سابق‬ ‫في ال�سعودية‪ ،‬وت��وات��ر مكان �صدورها داخلي ًا الخطى والطموحات من �أجل الق�صة الق�صيرة‬ ‫وخارجياً‪ ،‬من مطبوعات ودوري��ات متخ�ص�صة في بلدي‪ ،‬و�أملي �أن انتهي قريب ًا من كتاب يخ�ص‬ ‫بالأدب والثقافة‪ ،‬وتم �إقرار عدد منها كمراجع الق�صة الق�صيرة كذلك‪ ،‬وهو‪‘‘ :‬معجم الإبداع‬ ‫وم�صادر في درا�سة الأدب ال�سعودي؛ الحتوائها الأدب��ي في المملكة العربية ال�سعودية‪ :‬الجزء‬ ‫على مادة ثرية وغنية للباحث والدار�س والناقد‪ ،‬الخا�ص بالق�صة الق�صيرة’’‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫ّ‬ ‫الذاكرة وال ّتجربة وال ّتكوين‬ ‫■ الأديبة الأردنية‪ :‬د‪�.‬سناء ال�شعالن‬

‫المعتاد والتّقليدي �أن يتحدّث المبدع عن تجربته من زاوي��ة الأر�شفة والجرد والتّ�صنيف‬ ‫والعر�ض‪ ،‬وهذا �أمر ي�شبه التعليب وجدولة المواعيد‪ ،‬وال عالقة له �أبداُ بج�سد الإبداع‪ .‬ولكنّني‬ ‫�أ�ؤمن بعمق ب�أ ّن الحديث عن الإبداع ال يكون �إ ّال بالإبداع نف�سه‪ ،‬تماماً كما ال يكون الحديث عن‬ ‫الأخالق �إ ّال بممار�ستها‪ ،‬وهكذا تتحوّل من فكرة �إلى حقيقة‪.‬‬ ‫الإبداع بالإبداع‬

‫‪20‬‬

‫الج ّد المن�سي‪ ،‬وال ت�شبه الجدّة ال�شّ مطاء‪ ،‬نكاية‬ ‫بالأم �أ�سماها الأب �سناء؛ لتذكّره بحبِّ بائد من‬ ‫الزّمن الغابر‪ ،‬ونكاية بالأب �أ�سمتها الأم �سناء‬ ‫لتحب�س ذكرياته في وجه ابنتهما‪ ،‬ونكاية بالأب‬ ‫والأم �أ�سمت الطّ فلة نف�سها �سونا؛ لأنّها تكره‬ ‫الأ�سماء التي على �شاكلة كلمة مواء!‬

‫بالق�صة‬ ‫ّ‬ ‫الق�صة �إ ّال‬ ‫ال �أفهم البوح عن فن ّ‬ ‫ذاتها‪ ،‬تمام ًا كما ال نفهم الحديث عن الحياة‬ ‫�إ ّال بالحياة‪� ،‬أو معاينة مغامرة الموت �إ ّال بالموت‬ ‫نف�سه؛ ولذلك ال �أرى جدوى من التنّزه في عوالم‬ ‫الق�صة؛ فذلك عبث بحت؛‬ ‫�سناء بعيد ًا ع��ن ّ‬ ‫حكاية (‪)2‬‬ ‫الق�صة �أر�� ٌ�ض م�ضيّعة �صمّاء‬ ‫ف�سناء بال دروب ّ‬ ‫بال خرائط‪� .‬سناء المبدعة والإن�سانة هي جمع‬ ‫ال�صغيرة ك��ان��ت �أل�ع��وب��ة الجميع‪،‬‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫حكايا متالطمة ال�سّ رد‪ ،‬متواترة الت�أثير فيَّ وفي وال�ج�م�ي��ع ك��ان��وا �أل�ع��وب�ت�ه��ا‪ ،‬و ّزع� ��وا مالمحها‬ ‫منجزي الإبداعي كامالً‪.‬‬ ‫و�صفاتها بمنطق المحا�ص�صة على ك ّل �أف��راد‬ ‫الأ�سرة‪ ،‬حتى �أنّها كانت ت�شبه الدّاية �أم محمود‬ ‫حكاية (‪)1‬‬ ‫بقدرتها على ز ّم �شفتيها كلّما انزعجت‪� ،‬إ ّال‬ ‫هما كانا بال ذاك��رة تمنّي‪ ،‬عندما وهبهما ابت�سامتها الدّائمة لم ي�ستطيعوا �أن يعرفوا لها‬ ‫الزّواج هدية فوريّة �إجباريّة‪ ،‬ا�سمها �سناء‪ .‬على مورثاً؛ فعق ُد الحاجبين تقلي ٌد �أ�سريٌّ ووطنيٌّ‬ ‫ّ�س! لذلك كانوا كلّما �أرادوا �أن يُ�ضحكوها‬ ‫عجل‪ ،‬اختارا �أن تكون الهدية ذكر ًا يحمل ا�سم مقد ٌ‬ ‫الجدّ‪ ،‬ومالمح الجدّة نزو ًال عند رغبات مزوّرة يحزنوها ب�شدّة‪ ،‬فتخدعهم وت�ضحك بقوة كلّما‬ ‫بتخليدهما‪ ،‬فكانت الهدية فتاة‪ ،‬ال تخلّد ا�سم �أحزنوها! فكبرت مراوِغة لك ّل الم�شاعر؛ تبكي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫حكاية (‪)3‬‬ ‫ال�صغيرة ذات طباع‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫غريبة‪ ،‬ترى ما ال يُرى‪ ،‬وترتطم‬ ‫بالحائط؛ لأ ّن �ه��ا ت�صمّم على‬ ‫�أنّ هناك باب ًا فيه‪ ،‬ي�أخذونها‬ ‫�إل��ى طبيب ال�ع�ي��ون لي�ضع لها‬ ‫نظارة ت�صحيح ب�صر‪ ،‬فيعطيها‬ ‫الطّ بيب ب��دل ذل��ك ح�ل��وى من‬ ‫ال � ّن��وع ال� �رّديء ج�ب��ر ًا لخواطر‬ ‫الكبار ال لخاطرها ال�ف��والذي‬ ‫غير القابل للك�سر‪ ،‬واع�ت��ذار ًا‬ ‫لهم عن �صحّ ة ب�صرها!‬ ‫في الم�ساء‪ ،‬تحدِّ ث والديها‬ ‫ع��ن ال � ّذي��ل الم�شعور ال � ّرط��ب‬ ‫ال��ذي تملكه �إح��دى قريباتها‪،‬‬ ‫وع� ��ن ف� �ك ��يّ ال� �ق ��ر� ��ش ال��ذي��ن‬ ‫يملكهما ال�ج�دّ‪ ،‬وع��ن الأطفال‬ ‫الذين �أكلتهم �أمّنا الغولة التي‬ ‫ت�سكن ال��طّ ��اب��ق ال�ع�ل��وي‪ ،‬وعن‬ ‫دعوة حفل الرّبيع التي و�صلتها‬ ‫من الج ّد �سنفور بيدي �ضفدع‬ ‫�أزرق‪ ،‬وع��ن زع�ن�ف��ة ال�سّ مكة‬ ‫التي تملكها في ج�سدها‪ ،‬وعن‬ ‫الأقزام الذين تربّيهم �س ّر ًا في‬ ‫خزانة المطبخ‪ ،‬فيقرّر الأب �أن‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫حكايتي مع كتابة الق�صة الق�صيرة‬

‫عندما تفرح‪ ،‬وت�ضحك عندما‬ ‫ت �ح��زن‪ ،‬وت ��أت��ي عندما ت�غ��ادر‪،‬‬ ‫وت �غ��ادر ع�ن��دم��ا ت���أت��ي‪ ..‬ففرح‬ ‫الأه��ل بهذه الطّ فلة الم�سلّية‪،‬‬ ‫و�ضحكت كثير ًا لهم‪ ،‬ولم يدروا‬ ‫�أنّ �ضحكها بكاء!‬

‫طبيب عيون �آخر ي�أخذ خم�س َة‬ ‫دن��ان�ي��ر ب��دل دي �ن��اري��ن‪ ،‬ولكنّه‬ ‫يجيد عالج ابنته ذات العينين‬ ‫المري�ضتين‪ ،‬والحكايا الحوالء‪،‬‬ ‫وتبحث لها ال�ج�دّة الهبلة عن‬ ‫حجاب عين! �أمّا الأم فت�شتري‬ ‫لها قلم ًا ودفتر ًا لتكتب ما تراه‬ ‫وال يراه الآخرون؛ فهي تعلم �أنّ‬ ‫�سونا �ستكتب من دون توقّف‪.‬‬ ‫حكاية (‪)4‬‬ ‫ال�صغيرة تنعم بحبٍّ‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫عري�ض‪ ،‬وبح�شد من الأمهات‪،‬‬ ‫فماما ماما تعني والدتها‪ ،‬وماما‬ ‫(ت�ي�ت��ا) تعني ج��دت�ه��ا‪ ،‬وم��ام��ا‬ ‫(خالتو) تعني خالتها الوحيدة‬ ‫�أو زوجة خالها الكبير التي تحبّها‬ ‫ح ّد التعلّق‪ ،‬وماما �صباح تعني‬ ‫ال �ج��ارة ال�شي�شانيّة الجميلة‪،‬‬ ‫وم��ام��ا ال �غ��ول��ة ت�ع�ن��ي ك� � ّل تلك‬ ‫الأمهات عندما تغ�ضب منهنّ ‪،‬‬ ‫وماما الطّ يّارة تعبير ت�صف به‬ ‫ك� ّل ام��ر�أة ال تحبّها‪ ،‬فت�شبّهها‬ ‫بال�سّ احرة ال�شّ ريرة التي تطير‬ ‫على مكن�سة‪ ،‬في�ضحك النّا�س؛‬ ‫لأ ّن �ه��م ال ي�ع��رف��ون معنى كلمة‬ ‫ط�� ّي��ارة‪ ،‬وت�ضحك ه��ي لأ ّن �ه��م‬ ‫ال ي �ع��رف��ون م�ع�ن��ى م ��ا ت �ق��ول‪،‬‬ ‫وتتوعدها الأم بالعقاب لو�صفها‬ ‫النّ�ساء بالطّ يارات‪ ،‬ثم كعادتها‬ ‫ال تعاقبها؛ لأنّها تكون م�شغولة‬ ‫ي�أخذها �إلى‬ ‫بال�ضحك ال�سّ ري من كلمات ابنتها ال�شّ قي ّة عن‬ ‫ّ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪21‬‬


‫حكاية (‪)5‬‬ ‫ح�شد �أم�ه��ات�ه��ا ي ��ؤم��نّ بها‪،‬‬ ‫ماما ماما تحكي لها الق�ص�ص‪،‬‬ ‫وت�صدّق ك ّل حكاياها الكاذبة‪،‬‬ ‫ماما (خالتو) ت�سمح لها ب�أن‬ ‫تف�سد ك ّل ترتيب بيتها ومطبخها‬ ‫لت�صنع م��ا ع�ل��ى ه��واه��ا‪ ،‬كي‬ ‫تعبّر ع��ن ذات�ه��ا بك ّل الأ�شكال‬ ‫حتى بالفو�ضى‪ ،‬م��ام��ا �صباح‬ ‫ت�ؤكّد �أنّ عينيها الزرقاوين هما‬ ‫ه�ب��ة م��ن ال �ج �ي��ران ال�شّ ي�شان‬ ‫وال�شرك�س‪ ،‬ولذلك فقد ورثت‬ ‫ب�ه�م��ا ك� � ّل ح �ك��اي��ا ��س��ر��س��وق��وا‬ ‫ون ��ارت‪ ،‬وحظيت ب��ر�ؤي��ة مائيّة‬ ‫للأ�شياء ب��دل ر�ؤي��ة �صحراويّة‬ ‫جافة‪ ،‬وماما ال�شّ يطان هي من‬ ‫تطاردها في �أحالمها ويقظتها‪،‬‬ ‫وتنفث في نف�سها ق�ص�ص ًا لم‬ ‫تع�شها‪ ،‬لكنّها تجيد الحديث‬ ‫عنها‪ ،‬وقول ب�سم اهلل الرحمن‬ ‫الرحيم‪ ،‬يبخّ ر ماما ال�شّ يطانة‪،‬‬ ‫ولكنّ ق�ص�صها تظّ ل عالقة في‬ ‫خيالها حتى تمليها على والدتها‬ ‫في دفتر �صغير‪ ،‬فهي ال تجيد‬ ‫الكتابة وهي ذات خم�س �سنين‪،‬‬ ‫وق�ص�صها ال تجيد االنتظار‬ ‫حتى تكبر لتكتبها‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫ينتهي االجتياح‪ ،‬ويوزع الموت‬ ‫م�ج��ان� ّي� ًا ع�ل��ى ك�� ّل فل�سطينيي‬ ‫مخيم �صبرا و�شاتيال‪ ،‬وت�شرع‬ ‫قنوات التلفزة ببث �أفالم عربية‬ ‫ع��اط�ف� ّي��ة تنتهي بقبل فمويّة‬ ‫ممطوطة‪ ،‬ومو�سيقى رومان�سيّة‬ ‫غير منا�سبة ل�ل�أح��داث‪ .‬وتظ ّل‬ ‫�أك �ف��ان م��وت��ى ��ص�ب��را و�شاتيال‬ ‫تطاردها‪ ،‬تتخيل الموت ي�سكن‬ ‫�ستائر البيت‪ ،‬فال تنام وال تدع‬ ‫�أح��د ًا ينام‪ ،‬فيكون الخيار �أن‬ ‫ت�صبح الجئة عاطفيّة في بيت‬ ‫خالها حتى تن�سى �أكفان الموتى‬ ‫الملطّ خة بالبيا�ض!‬

‫يطول المقام في بيت خالها‪،‬‬ ‫ين�سى الجميع الأك�ف��ان �إ ّاله��ا‪،‬‬ ‫تكت�شف �أ ّن�ه��ا تخاف الأك�ف��ان‪،‬‬ ‫لأ ّن �ه��ا �أج �� �س��اد ب�لا وج ��وه وب�لا‬ ‫م�ل�ام ��ح‪ ،‬ت �� �ش��رع ت �ت �خ � ّي��ل لها‬ ‫وجوهاً‪ ،‬وتتخيّل للوجوه حكايات‬ ‫ت��روي �ه��ا لأت��راب �ه��ا م��ن �أط �ف��ال‬ ‫الأ� �س��رة‪ ،‬في�أن�س الأط �ف��ال بما‬ ‫حكاية (‪)6‬‬ ‫ي�سمعون‪ ،‬وت�ك��ف الأك �ف��ان عن‬ ‫ه��م يعتقدون �أ ّن �ه��ا �أ�صغر م��ن �أن تخاف‪ ،‬مطاردتها في اليقظة‪ ،‬وت�سكن �أعماق �أحالمها‬ ‫ّ‬ ‫وال�صهاينة يريدونها �أن تخاف و�أن يخاف للأبد‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫تتعلّم الكتابة وال �ق��راءة ف��ي �أ�شهر قليلة‪،‬‬ ‫المعلمات ي�سمين هذا ذكاء‪� ،‬أمّها ت�سمّيه وراثة‬ ‫جينية‪ ،‬ولكّنها تعلم �أنّ الحكاية هي ال�سّ بب؛‬ ‫فهي تريد �أن يتحرّر قلمها من �سيطرة �أمّها‬ ‫لتكتب ما ت�شاء ومتى ت�شاء‪ ،‬من دون �أن تنتظرها‬ ‫ال�صبر حتى تنتهي من �أعمالها المنزليّة‬ ‫بفارغ ّ‬ ‫المو�صولة‪ ،‬لتملي عليها ما تحا�صره طوال النّهار‬ ‫في نف�سها من حكايا قد تتفلّت وتهرب قبل �أن‬ ‫تحب�سها في ورق��ة �أثيرة‪ ،‬تجيد �أن ترتبها في‬ ‫مكانها في الدّرج الوحيد في خزانتها الخ�شبيّة‬ ‫الخ�ضراء القديمة‪.‬‬ ‫حكاية(‪)8‬‬ ‫العالم ي�صبح �أرحب عندما‬ ‫تم�سك بالقلم‪ ،‬وتبد�أ بالكتابة‪.‬‬ ‫تكت�شف �أنّ العالم كلّه م�صنوع‬ ‫من مادة الحكاية‪ ،‬لذلك تفهم‬ ‫العالم بمنطقها‪ ،‬وتتعامل معه‬ ‫وفق منطق ال�شّ خو�ص والزّمان‬ ‫وال �م �ك��ان وال �ع �ق��دة وال� �ت� ��أزم‬ ‫والح ّل والر�ؤّية واللغة‪ .‬ك ّل �شيء‬ ‫له حكاية‪ ،‬وهي تتقنها؛ ولذلك‬ ‫تح�صل على ع�لام��ات كاملة‬ ‫ف��ي جميع ال�م��واد؛لأ ّن�ه��ا م��واد‬ ‫تجيد الحكايا‪� ،‬أمّا الريا�ضيات‬ ‫فتخفق فيها دائماً! لأنّ الأرقام‬ ‫ال تحبّ الحكايا‪ ،‬ولها منطق‬ ‫�آخر ال تفهمه!‬ ‫حكاية (‪)9‬‬ ‫ال��طّ �ف �ل��ة ال ��ّ��ص �غ �ي��رة‪ ،‬لها‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أيّ �شيء �آخر!‬

‫الجميع‪ ،‬و� �ش��ارون ي�خ��اف من‬ ‫الدّم‪ ،‬ولذلك يقتل وهو مغم�ض‬ ‫العينين‪ ،‬و�شبكات التلفزة تبثّ‬ ‫ب�شكل مبا�شر م��ذاب��ح �صبرا‬ ‫و� �ش��ات �ي�لا‪ ،‬وه ��ي ت �� �ش��اه��د ك � ّل‬ ‫التّفا�صيل بفزع �صامت‪.‬‬

‫حكاية(‪)7‬‬

‫ع��ادات غريبة‪ ،‬ولها دفتر �أزرق �صغير ب�رّاق‬ ‫ال�غ�ط��اء‪ ،‬تجمع فيه الكلمات ال�ج��دي��دة التي‬ ‫ت�سمعها‪ ،‬وال ت �ع��رف م�ع�ن��اه��ا‪ ،‬ول �ك��ن تُعجب‬ ‫بجر�سها المو�سيقي‪ ،‬تردّدها كثير ًا بفرح حتى‬ ‫ت�ألف لفظها‪.‬بع�ضهم يرجّ ح �أنّ الطّ فلة مجنونة‪،‬‬ ‫الأم الخالة ت��راه��ن على م�ستقبلها الم�شرق‬ ‫الفيّا�ض بالمُنى‪ ،‬ووالدتها ت�شرح لها معاني‬ ‫الكلمات المو�سيقيّة التي تجمعها بفرح مَ ن‬ ‫يجمع �أ�صداف ًا من بحيرة م�سحورة‪ ،‬وال تعنيها‬ ‫�آراء الن�ساء الطّ يارات!‬ ‫حكاية (‪)10‬‬ ‫ال�صغيرة تح�صل‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫ع �ل��ى ج �م �ه��ور م ��ن ال� �ق� �رّاء‬ ‫ل�ق���ص���ص�ه��ا‪ ،‬ال��ت��ي تنتجها‬ ‫ب �ط��ري �ق �ت �ه��ا ال �خ��ا� �ص��ة وم��ن‬ ‫م�صروفها المدر�سيّ بطريقة‬ ‫التبادل الحرّ؛ فمقابل �أن تقر�أ‬ ‫�صديقاتها ومعلماتها وزوج��ة‬ ‫خ��ال�ه��ا و�أم��ه��ا و�أت��راب �ه��ا في‬ ‫الأ�سرة ق�ص�صها‪ ،‬فهي تعطي‬ ‫��ش�ط��ائ��ره��ا ل�صديقاتها في‬ ‫المدر�سة‪ ،‬وتظ ّل بال طعام في‬ ‫وتكف‬ ‫اال�ستراحات المدر�سيّة‪ّ ،‬‬ ‫ع��ن ��ش �ق��اوت�ه��ا ف��ي الح�صة‬ ‫لإر� �ض��اء معلّماتها‪ ،‬وتنظّ ف‬ ‫المطبخ ال��ذي د ّم��رت��ه دم��ار ًا‬ ‫�شام ًال في بيت زوجة خالها‪،‬‬ ‫وتنظّ ف �سجادة ال �رّده��ة في‬ ‫البيت �إكرام ًا لأمّها‪ ،‬وتتنازل‬ ‫ع��ن زع��ام��ة ع�صابة �أط �ف��ال‬ ‫الأ�سرة البنة خالها!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪23‬‬


‫وم��ن يثبت بالدليل القاطع ب ��أ ّن��ه ل��م يقر�أ‬ ‫الق�صة بعد �أن تهاجمه بالأ�سئلة عيار �أر�ض جو‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فهي تُعلن عليه حرب ًا طفوليّة ال تعرف هوادة �أو‬ ‫ال�صغير �أو الكبير وفق‬ ‫�صلحاً‪ ،‬وت�صفه‪:‬بالحمار ّ‬ ‫درجة غ�ضبها منه!‬ ‫حكاية (‪)11‬‬

‫‪24‬‬

‫ت�شارك في الم�سابقة ال�سنويّة ب��رواي��ة لها‬ ‫بعنوان «عازفة القانون» عمرها عندئذ ال يتجاوز‬ ‫العا�شرة‪ ،‬تظ ّل ت�س�أل �أ ّم�ه��ا ك � ّل ي��وم �إن كانت‬ ‫القاهرة قد ات�صلت بها؟ الأم تومئ بالنّفي‪،‬‬ ‫وتقول لها قد يفعلون ذلك غداً‪ .‬وتنتظران مع ًا‬ ‫غد ًا الذي ي�أتي من دون ات�صال من القاهرة‪،‬‬ ‫ه��ي ال ت�ع��رف ل �م��اذا ل��م تتحّ قق حكايتها مع‬ ‫القاهرة‪� ،‬أ ّم��ا �أمّها التي رافقتها حتى البريد‬ ‫المركزي في و�سط عمان القديمة‪ ،‬ودفعت ثمن‬ ‫ال��طّ ��رد الم�ستعجل ال��ذي حمل م�شاركتها في‬ ‫خم�س ن�سخ مطبوعة �إلى القاهرة‪ ،‬فتعرف �أنّ ال‬ ‫ات�صال �سي�أتي من جائزة عربية عريقة ي�شترط‬ ‫�أن يكون عمر المت�سابق فيها ف��وق الأربعين‪،‬‬ ‫وترف�ض م�شاركات الأطفال الطّ امحين للحكاية‬ ‫ال�صغيرة ذات الأعوام الع�شر!‬ ‫مثل ابنتها ّ‬

‫ال�صغيرة تحبّ الكلمة بك ّل تجلياتها؛‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫تحبّها مكتوبة ب�شكل حرفيّ ‪� ،‬أو مغنّاة ب�شكل‬ ‫�صوتيّ ‪� ،‬أو مر�سومة على لوحة‪ .‬تجيد الرّ�سم‬ ‫ك �ث �ي��راً‪ ،‬وع�ن��دم��ا تُعييها ال�ك�ل�م��ات‪ ،‬تر�سمها‬ ‫تفا�صيل على مالمح وجوه من تر�سمهم‪ .‬تتجادل‬ ‫والدتها وزوجة خالها كثير ًا في طور التخمينات‬ ‫حكاية (‪)13‬‬ ‫لم�ستقبلها‪ ،‬الأم تراها ر�سّ امة �شهيرة‪ ،‬وزوجة‬ ‫حكايتها الجديدة �أنّها خلعت ج�سد الطفلة‪،‬‬ ‫الخال تراها روائ� ّي��ة مجيدة‪ ،‬وه��ي تبحث عن‬ ‫مبراة لقلمها‪ ،‬وال ت�أبه بهذا الجدال المكرور‪ .‬ولب�ست ج�سد امر�أة‪ ..‬ك ّل �شيء فيها غدا �أكبر‪� ،‬إ ّال‬ ‫عينيها؛ فهما لم ت�صبحا �أكبر‪ ،‬ولكنّهما �أ�صبحتا‬ ‫حكاية (‪)12‬‬ ‫�أ�ش ّد عُ مقاً‪ ،‬غدت تجيد �أن ترى الحكايا في ك ّل‬ ‫الطّ فلة ّ‬ ‫ال�صغيرة تحقّق ك � ّل م��ا تحلم به مكان‪ ،‬تراها على الجدران‪ ،‬في ظالل الأج�ساد‪،‬‬ ‫بمنطق الحكاية‪ ،‬فتهب وتحرم وتنتقم وتع�شق في �سيرة النّظرات‪ ،‬في تقا�سيم الأي��دي‪ ،‬في‬ ‫وتبكي وت�ضحك وتن�سى وتتذكر وتمر�ض وت�شفى جغرافيا ال�شَّ عر‪ ،‬ف��ي ح�سي�س ال �ح��روف‪ ،‬في‬ ‫وتزور وتهجر بمنطق الق�صة‪ ،‬حتى �أنّها تنتقم رائحة الأج�ساد‪ ،‬في نب�ض الأماكن‪ .‬دائم ًا هناك‬ ‫بالق�صة؛ فالذين تكرههم تحيك لهم حكايا حكاية‪ ،‬وهي تجيد �أن ت�شمّها‪� ،‬أن تح�سّ ها‪� ،‬أن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫حكاية (‪)14‬‬

‫حكاية (‪)16‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�شريّرة‪ ،‬والذين تحبّهم ت�صنع لهم حكايات ذات‬ ‫تغريبات هالليّة وق�صائد طلليّة‪ ،‬والقاهرة التي‬ ‫تع�شقها �ستزورها عندما تفوز بجائزة المجل�س‬ ‫الأعلى للثقافة والفنون في حقل الرّواية‪ ،‬هذه‬ ‫هي الحكاية التي حاكتها عن زيارتها الم�أمولة‬ ‫للقاهرة‪.‬‬

‫تذوقها‪� ،‬أن تكتبها‪ .‬دائم ًا هناك حكاية‪ ،‬بع�ضهم‬ ‫ي�سميها ق��ا��ص��ة‪ ،‬و�آخ� ��رون م��وه�ب��ة‪ ،‬وغيرهم‬ ‫ي�سميها مجنونة‪ ،‬ولكنّها تعرف �أنّها تملك عينين‬ ‫تجيدان الر�ؤية خلف ال ّر�ؤية‪ ..‬وهذا �س ّر �سعادتها‬ ‫الملغزة! ول�سعادتها حكاية �أي�ضاً‪.‬‬

‫ك � ّل �أق��داره��ا؛ فهذه حكايتها‪ ،‬ام ��ر�أة تتحقّق‬ ‫تع�ضها!‬ ‫حكاياتها‪ ،‬و�أحيان ًا تهاجمها‪ ،‬وكثير ًا ما ّ‬ ‫وغالب ًا ما ت�صيبها ب�صداع ال�سّ رد والتّفا�صيل‬ ‫ال�صغيرة التي تتقن �أن تجمعها بمهارة من‬ ‫ّ‬ ‫ك� ّل مكان‪ ،‬وتد�سّ ها بهدوء وتكتّم في جعبتها‬ ‫ب�صخب م�ؤجّ ل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال�سّ حرية! وتغادر‬

‫الحياة هزيمة كبرى‪ ،‬وهذه الحكاية الأولى‬ ‫في عُ رفها‪ ،‬وكي تنت�صر على الهزائم كلّها‪ ..‬ال‬ ‫للحكاية حكاية �أي�ضاً؛ فالحكاية مراوغة‬ ‫تنقطع تكتب الحكايا‪ .‬من الهزيمة �صنعت �أطواق م��دالع مغناج‪ ،‬ال ت�ستطيع �أن ت�ستدرجها �إ ّال‬ ‫النّجاة؛ ومن الموت �صنعت ب�شر ًا ال يموتون؛ وفي بالخديعة العذبة‪ ،‬كلّما �أرادت �أن تكتب �أوهمت‬ ‫الفقد زرعت �أطراف ًا ال تبتر‪ ،‬و�أع�ضاء ال تعطب‪ ،‬نف�سها ب�أنّها خارجة في موعد‪ ،‬فتلب�س جديدها‪،‬‬ ‫ووه �ب �ت �ه��ا ل �ك � ّل ال�م�ح��روم�ي��ن‬ ‫وت �ت �ع��طّ ��ر‪ ،‬وت �ت��ز ّي��ن‪ ،‬وتحمل‬ ‫وال�م�ن�ك��وب�ي��ن‪ ،‬ب�ع��د �أن نبتت‬ ‫الورق الأزرق‪ ،‬والقلم ال�سّ ائل‬ ‫�أحالم ًا وفر�ص ًا جديدة؛ ومن‬ ‫الأزرق‪ ،‬وت� �ه ��مّ ب��ال �خ��روج‪،‬‬ ‫�سنابل الجوع �صنعت بطون ًا ال‬ ‫فتندلق الحكايا عليها بنزقٍ‬ ‫تعرف ال �خ��واء؛ وم��ن عناقيد‬ ‫ط �ف��ول��يّ ت��رج��وه��ا �أن تذهب‬ ‫الحرمان جدّلت جدائل الألفة‬ ‫م �ع �ه��ا‪ ،‬ف �ي �ك��ون � �ش��رط �ه��ا �أن‬ ‫وال�سّ كينة والحبور‪ .‬هي ال تملك‬ ‫تكتبها قبل ال�خ��روج؛ فتوافق‬ ‫غير الحكاية‪ ،‬تهبها مجان ًا لك ّل‬ ‫الحكايا مجبرة مقهورة‪� ،‬أمّا‬ ‫�سائل �أو حزين �أو باحث عن‬ ‫�إن لم ترد �أن تكتب‪ ،‬فما عليها‬ ‫طريق‪ ،‬تزرعها تحت مخدّتها‪،‬‬ ‫�إ ّال �أن تعلن �أ ّن �ه��ا ل��ن ت�غ��ادر‬ ‫وت�ن��ام بعد �أن تتعوّذ بها من‬ ‫ال �ب �ي��ت‪ ،‬و�أ ّن��ه��ا �ستجل�س في‬ ‫يم�س‬ ‫ال�شّ ر ال��ذي ال يمكن �أن ّ‬ ‫�سريرها غير مهندمة ك�صورة‬ ‫ام��ر�أة تتمتر�س خلف ف�ضيلة‬ ‫بال �ألوان �أو �إطار‪ ،‬حتى تهرب‬ ‫الحكاية!‬ ‫ك ّل الحكايا نحو العدم!‬ ‫حكاية (‪)15‬‬

‫ال��ذي��ن ل��م ي� ��أت ��وا حقيقة‬ ‫ا�ستولدتهم قهر ًا في حكاية‪،‬‬ ‫الذين ما ك��ان يجب �أن ي�أتوا‬ ‫نفتهم �إلى حكاية بعيدة جداً‪،‬‬ ‫عليها فقط �أن تكتب لتتغيّر‬

‫ه �ك��ذا ه��و ع��ال �م �ه��ا‪ ،‬بحر‬ ‫فيه م � ّد وج��زر م��ن الحكايا‪،‬‬ ‫ووحدها من ت�ستعذب الغرق‬ ‫والنجاة فيه! ووحدها الحكاية‬ ‫من تهبها �سبب ًا جديد ًا ك ّل يوم‬ ‫لت�ستيقظ من نومها!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪25‬‬


‫■ �صالح القر�شي ‪ -‬ال�سعودية‬

‫«كلنا خرجنا من معطف غوغول» العبارة ال�شهيرة لدي�ستوف�سكي‪،‬لكنني عرفت ت�شيخوف قبل‬ ‫�أن �أعرف «غوغول» ومعطفه ال�شهير‪.‬عرفت «ت�شيخوف» في مرحلة مبكرة‪ ،‬و�أ�صابني بالكثير من‬ ‫الده�شة‪ .‬وهكذا‪ ,‬قدم الرو�س الرواية والق�صة الق�صيرة كما لم يقدمها �أحد �سواهم‪ .‬ولعل كثيرا‬ ‫ممن ع�شقوا هذين الفنين يدينون للأدب الرو�سي العظيم بالف�ضل الكبير‪.‬‬ ‫و�إذا كانت ال��رواي��ة هي ابنة المدن والمجتمعات الكبيرة‪ ،‬فالق�صة الق�صيرة هي �صديقة‬ ‫الإن�سان‪ ،‬حتى لو كان وحيدا‪ ،‬ال ي�صاحب �سوى النجوم وبع�ض الأغنام التي يرعاها �أو يحر�سها‬ ‫في منطقة مهجورة‪ ..‬والإ�شارة هنا �إلى ق�صة «�صوت الليل» التي كتبتها هي الأخرى في مرحلة‬ ‫مبكرة من حياتي‪ ،‬ثم �أعدت تنقيحها لأن�شرها في موقع «ج�سد الثقافة» وبعد ذلك في مجموعتي‬ ‫الق�ص�صية الأولى «ثرثرة فوق الليل»‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫قلت �إن الرواية هي ابنة المدن؛ لأنها تتناول عبده خال «مدن ت�أكل الع�شب»‪.‬‬ ‫المجتمعات وت �ح��والت �ه��ا‪ ،‬فيما تبقى الق�صة‬ ‫وال ��ش��ك ل ��دي‪ ،‬ف��ي �أن ��س��ر ّ ع�ظ�م��ة الفنون‬ ‫الق�صيرة تتلم�س ال�ف��رد الإن���س��ان ال��ذي يجمع ال�سردية هو �أنه ال يمكن ت�أطيرها بنظم وحدود‬ ‫«الروبل على الروبل»‪ ،‬ليح�صل على معطف جديد و�أ�س�س وق��وان�ي��ن‪ ..‬هي فنون م��راوغ��ة ال تتوقف‬ ‫في ال�شتاء؛ وعندما يحقق حلمه‪ ،‬ويح�صل على عن �أن ت�أتي بالجديد والمختلف؛ ولهذا‪ ،‬ال يمكن‬ ‫المعطف‪ ،‬يفقده في �أول ي��وم‪� ..‬أم��ا محلي ًا فقد مطلقا الحديث عن قواعد خا�صة بكتابة الق�صة‬ ‫كانت ال�صحف والمالحق الثقافية و�سيلة مهمة الق�صيرة‪ ..‬لكن هنالك �شيئا واح��دا مهما في‬ ‫لقراءة الكثير مما كان يقدمه كتابنا وكاتباتنا‪ ..‬ن�ظ��ري ال�م�ت��وا��ض��ع‪ ..‬وه��و م��ا ي�ف��رق بين تمثال‬ ‫عبده خال مثال‪ ،‬ما �أزال �أتذكر تفا�صيل بع�ض وبين �إن�سان حي‪ ..‬الحياة داخل الن�ص �أو داخل‬ ‫ق�ص�صه ال�ت��ي ق��ر�أت�ه��ا ف��ي تلك ال�م��رح�ل��ة‪ ..‬ما الق�صة‪ ..‬و�إال �ستكون الق�صة مجرد قالب جامد‬ ‫�أزال �أتذكر تلك الق�صا�صة التي اقتطعتها من ال ينب�ض وال يتحرك‪ .‬ولهذا‪ ،‬ربما يبقى �أمثال‬ ‫�إحدى ال�صحف‪ ،‬وهي ق�صة بعنوان (وا�صب قل ت�شيخوف وغوغول مثيرين ومهمين ومده�شين‬ ‫و�أمعني‪ ) ..‬وهي ق�صة عن فتى جنوبي يهرب �إلى حتى الآن‪ ،‬ذلك �أن ق�ص�صهما تمتلئ بالحياة‪.‬‬ ‫ال �أت��ذك��ر ب�شكل ج�ل��يّ م�ح��اوالت��ي الأول���ى �أو‬ ‫جدة‪ ..‬وبالمنا�سبة فهذه الق�صة هي نواة رواية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ولهذا‪ ،‬ال �أدري كيف تكون بداية الحديث عن‬ ‫الكتابة‪ ..‬هل تكون عن ع�شق الكتابة نف�سها؟ �أم‬ ‫عن حلم الكاتب في داخلي؟‬ ‫�أتذكر �أنني كنت �أ�صمم �أغلفة كتب لم �أكتبها‬ ‫بعد‪ ،‬ولن �أكتبها فيما بعد‪ ،‬دواوين �شعر‪ ،‬وروايات‪،‬‬ ‫�أ�سماء و�أ�سماء ال �أكثر من ذلك‪.‬‬ ‫�أت��ذك��ر �أي�ضا �أنني كتبت ق�صة بولي�سية في‬ ‫مرحلة مبكرة من عمري‪ ،‬وربما فعلت ذلك مت�أثرا‬ ‫بالمغامرين الخم�سة الذين كنت �شغوفا بتتبع‬ ‫حكاياتهم «توفيق ولوزة ونو�سه ومحب وعاطف»‪.‬‬ ‫لعلي وقتها كنت في الثانية ع�شرة من عمري‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫رحلتي مع‬ ‫الق�صة الق�صيرة‬

‫ق�ص�صي الأول��ى‪ ،‬وكم يحزنني �أنني فقدت ذلك‬ ‫الدفتر «المزرك�ش» الذي كنت �أ�ضع بداخله الكثير‬ ‫م��ن خ��واط��ري و�أف �ك��اري وذك��ري��ات��ي ف��ي مرحلة‬ ‫المراهقة وال�شباب الأول‪.‬‬

‫الأيام‪ ،‬وللهموم اللذيذة التي كانت تدفعني لكتابة‬ ‫رومان�سية حالمة‪..‬‬ ‫لكنني م��رة واح��دة‪ ،‬وف��ي المرحلة الثانوية‪،‬‬ ‫ن�شرت �شيئا با�سمي الحقيقي‪ ،‬من خالل مجلة‬ ‫كانت ت�صدر كل �أربعاء مع جريدة ال�شرق الأو�سط‪،‬‬ ‫وكانت تقدم �شبه م�سابقة للق�صة ت�شرف عليها‬ ‫كاتبة من �سوريا‪ ..‬وكم كنت �سعيدا عندما ن�شرت‬ ‫ق�صتي على �صفحتين‪ ،‬مع ر�سومات جميلة‪ ،‬وتعليق‬ ‫من تلك الكاتبة ت�شيد بالق�صة‪ ..‬هذه الق�صة هي‬ ‫ق�صة «في �سيارته»‪ ،‬ولعلها �أقدم ق�صة ن�شرتها في‬ ‫مجموعة بعد ذلك‪ ،‬لأن كل ق�ص�ص تلك الفترة‬ ‫�إما مفقودة‪� ،‬أو �إنني ال �أرغب في ن�شرها‪.‬‬ ‫�أ�شعر الآن �أن ق�ص�صي الأول��ى �أو «حكاياتي»‬ ‫الأولى‪ ،‬كانت موغلة كثيرا في الذاتية‪ ،‬كان يكفي‬ ‫�أن �أغ�ضب من والدي �أو والدتي لأكتب حكاية عن‬ ‫الوحدة والحزن والقيود‪� ،‬أو �أن �أ�شعر بالحنق على‬ ‫مادة اللغة االنجليزية‪ ،‬ف�أكتب ق�صة عن المدر�سة‬ ‫ومعلم الإن�ج�ل�ي��زي‪ ،‬ال��ذي يتباهى بلوي ل�سانه‬ ‫بطريقة م�ضحكة‪.‬‬

‫وفي مقابل �أحالم ال�صحو والمنام تلك‪ ،‬كنت‬ ‫�شديد الخجل من �أن �أواجه �أحدا بكتابة تخ�صني‪،‬‬ ‫فكل ما �أكتبه يبقى حبي�س تلك الدفاتر ال�صغيرة‪.‬‬ ‫وكان هذا االنف�صام ي�ؤلمني كثيرا‪ ،‬لماذا �أخ�شى‬ ‫حكاية مع �شبكة الإنترنت‬ ‫�أن يتعرف الآخ��رون على ما �أكتب؟ لماذا يحم ّر‬ ‫وجهي هكذا‪ ،‬حين يعثر �أحدهم على �أحد دفاتري‬ ‫نافذة الإنترنت‪ ،‬النافذة ال�سحرية كما كنت‬ ‫تلك؟‬ ‫�أ�سميها‪ ،‬عالجت م�شكلتي مع الخجل؛ فمن خاللها‬ ‫ا�ستمر ذلك الخجل يملأني حتى بعد �أن كبرت امتلكت الجر�أة �أن �أعر�ض كتاباتي على �آخرين‪،‬‬ ‫ونلت �شهادتي الجامعية‪ ،‬فكانت �أول وظيفة عملت و�أطالع ر�أيهم من دون �أن يحم ّر وجهي‪.‬‬ ‫بها بعد بطالة م�ؤلمة ا�ستمرت لأكثر من �سنة‪ ،‬هي‬ ‫قبل ف�ضاء الإن�ت��رن��ت ‪-‬وك�م��ا �أ�سلفت‪ -‬كنت‬ ‫العمل كمنفذ �صفحات في جريدة عكاظ‪ ،‬وربما �أرا�سل بع�ض ال�صحف بطريقة متباعدة‪ ،‬لكنني‬ ‫لهذا كنت عندما �أرا�سل بع�ض ال�صحف ا�ستخدم لم �أ�سع �أبدا �إلى التعرف على مجموعة �أدبية‪� ،‬أو‬ ‫ا�سما م�ستعارا بدال من ا�سمي‪.‬‬ ‫محاولة تقديم �إنتاجي من خالل نادٍ �أدبي مثال‪.‬‬ ‫فعلت ذلك في ملحق «دنيا الثقافي» بجريدة ولكن‪ ،‬مع «النت» كان الأمر مختلفا تماما‪ ،‬لم �أكن‬ ‫عكاظ‪ ،‬وفي ملحق «الأربعاء» بجريدة المدينة‪ ،‬بحاجة �إلى �أن يقدمني �أحد‪.‬‬ ‫وعندما �أنظر الآن �إلى بع�ض الق�صا�صات لدي‬ ‫جربت الكتابة ‪ -‬في البداية‪ -‬با�سم م�ستعار‪..‬‬ ‫من تلك الفترة‪ ..‬ي�صيبني حنين ج��ارف لتلك ون���ش��رت بع�ض الق�ص�ص ال�ت��ي وج���دَ تْ الكثير‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪27‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫الرواية والق�صة‬ ‫بعد مجموعتي الق�ص�صية‬ ‫الأول��ى ب�سنوات‪ ،‬ن�شرت روايتي‬ ‫الأولى «بنت الجبل»‪ ،‬ثم الرواية‬ ‫الثانية « تقاطع»‪ ،‬ورغ��م �شغفي‬ ‫بالرواية كتابة وقراءة‪� ،‬إال �أنني لم‬ ‫�أقطع عالقتي بالق�صة الق�صيرة‬ ‫«الحب الأول»‪ ،‬وما �أزال �أكتبها‪،‬‬ ‫و�أ�شعر بالقلق الكبير والحزن‬ ‫عندما يمر وقت طويل من دون‬ ‫�أن �أ�ستطيع كتابة ق�صة جديدة‪..‬‬ ‫وقد ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية‬ ‫الثانية عن طريق نادي ال�شرقية‬ ‫الأدب ��ي‪ ،‬وكانت بعنوان «�أي��ام»‪.‬‬ ‫ولديَّ الآن مجموعتان جاهزتان‬ ‫ل �ل �ط �ب��اع��ة‪� ،‬إح��داه��م��ا خ��ا��ص��ة‬ ‫بالق�صة الق�صيرة ج��دا‪ ،‬وهو‬ ‫نوع من الكتابة الق�ص�صية التي‬ ‫�أحبها كثيرا‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪28‬‬

‫م��ن ال�ث�ن��اء‪ ،‬كما وج��دت الكثير‬ ‫من النقد �أي�ضا‪ ..‬ح�صلت من‬ ‫خ�لال ه��ذه ال�ن��اف��ذة ال�سحرية‬ ‫على كثير م��ن الآراء المفيدة‬ ‫والقيّمة‪ ،‬وتعرفت م��ن خاللها‬ ‫على تجارب ق�ص�صية لمجموعة‬ ‫من المهتمين بالق�صة مثلي‪.‬‬ ‫ف�� ��ي ال� � �ب�� ��داي�� ��ة‪ ،‬وج�� ��دت‬ ‫�صدفة موقعا الكترونيا با�سم‬ ‫«الزومال»‪ ..‬كان قد �أ�س�سه �أدباء‬ ‫�شباب بداية من �صاحب الموقع‬ ‫عبداهلل التعزي‪..‬‬ ‫�أر�سلت له ق�صة‪ ..‬فن�شرها‬ ‫ف � ��ورا وا���ض��ع��ا ا� �س �م��ي ك ��أح��د‬ ‫القا�صين ال�سعوديين‪ ..‬ووجدَ ت‬ ‫الق�صة كثيرا من الثناء‪ ..‬كانت‬ ‫ق�صة « ثرثرة فوق الليل»‪.‬‬ ‫ف��ي الفترة نف�سها تقريبا‪..‬‬ ‫ت�ع��رف��ت ع�ل��ى م��وق��ع م�ه��م ج��دا‪،‬‬ ‫ول �ع��ب دورا ك�ب�ي��را ف��ي تر�سيخ‬ ‫ثقافة �إلكترونية و�أدب �ي��ة راقية‬ ‫ومحترمة‪� ..‬إنه موقع «ج�سد الثقافة»‪..‬‬ ‫�شاركت بداية با�سم م�ستعار‪ ..‬ن�شرت مجموعة‬ ‫م��ن الق�ص�ص ب�ه��ذا اال� �س��م‪ ..‬وك ��ان للترحيب‬ ‫الجميل الذي ح�صلت عليه من م�شرفي الق�صة‬ ‫وقتها الأ�ستاذين �سعيد الأحمد‪ ،‬وبدر ال�سماري‪،‬‬ ‫دافعا مهما لأن �أ�شعر �أنني وج��دت القناة التي‬ ‫يمكن من خاللها �أن �أن�شر ما �أريد‪ ،‬و�أن �أح�صل‬ ‫على كثير من التوجيه القيِّم والمفيد‪ ..‬فكان �أن‬ ‫قررت دخول الموقع با�سمي الحقيقي‪ ،‬كما اتخذ‬ ‫قرار ًا مماث ًال ‪-‬في الوقت نف�سه تقريبا‪ -‬الروائي‬ ‫عوا�ض الع�صيمي‪ ،‬الذي كان ي�شارك �أي�ضا با�سم‬ ‫م�ستعار‪ ..‬وكذلك الأديبة الأردنية رقية كنعان‪..‬‬

‫ال �شك �أن «ج�سد الثقافة»‬ ‫�شكَّل نقل ًة نوعية؛ فمن خالله‬ ‫ت�ع��رف��ت �إل ��ى كثير م��ن الأدب���اء‬ ‫ال�شباب‪ ..‬تعرفت على كتابتهم‬ ‫�أوال‪ ..‬ث��م تعرفت‪ -‬بعد ذل��ك‪-‬‬ ‫على بع�ضهم �شخ�صيا‪ ..‬ووجدت‬ ‫من خالل الموقع ما كنت افتقده‬ ‫من حوار �أدبي وتوا�صل جميل‪..‬‬ ‫ذل��ك �أن ك��ل �أ��ص��دق��ائ��ي خ��ارج‬ ‫ه��ذا العالم االفترا�ضي‪ ،‬كانوا‬ ‫قليال ما يهتمون بم�سائل �أدبية‬ ‫وبخا�صة الق�صة الق�صيرة‪.‬‬ ‫تعرفت بعد ذل��ك على موقع‬ ‫الق�صة العربية‪-‬الحلم الكبير‬ ‫وال �ج �م �ي��ل‪ -‬وال� ��ذي ت �ح��ول �إل��ى‬ ‫م��ؤ��س���س��ة �أدب �ي��ة ع��رب�ي��ة فاعلة‬ ‫بقيادة الأديب جبير المليحان‪..‬‬ ‫ف�شاركت في الموقع‪ ..‬ون�شرت‬ ‫العديد من الق�ص�ص التي نال‬ ‫بع�ضها اال�ستح�سان م��ن خالل‬ ‫تعليقات متنوعة م��ن �أ�شخا�ص‬ ‫ال تربطني بهم معرفة �سابقة‪..‬‬ ‫ولعل ميزة موقع الق�صة �أنه حقق التوا�صل الأدبي‬ ‫العربي‪ ،‬ربما �أكثر بكثير مما فعلت وزارات الثقافة‬ ‫العربية‪ ..‬فقد كانت التعليقات والم�شاركات ت�أتي‬ ‫من �أدب��اء من م�صر والمغرب العربي والخليج‬ ‫العربي وبالد ال�شام‪.‬‬ ‫بعد �أك �ث��ر م��ن �سنة م��ن ن�شر ق�ص�صي في‬ ‫المواقع الأدبية الإلكترونية‪ ،‬وبعد ن�شر كثير من‬ ‫ق�ص�صي في ال�صحف والمجالت الأدبية‪ ،‬و�صلت‬ ‫�إل��ى قناعة �أنني لكي �أدخ��ل مراحل �أخ��رى من‬ ‫الكتابة‪ ،‬ف�إنني ال بد من �أن �أُلقي بمرحلة �سابقة‬ ‫وراء ظهري‪ ،‬وهكذا ق��ررت �أن �أن�شر مجموعتي‬ ‫الق�ص�صية الأول��ى‪ ،‬من �أج��ل التوثيق �أوال‪ ،‬ومن‬

‫�أج ��ل االن �ط�ل�اق �إل ��ى مرحلة‬ ‫كتابية جديدة ومختلفة‪.‬‬ ‫�أخذت المجموعة �إلى فرع‬ ‫وزارة الثقافة بمكة المكرمة‪،‬‬ ‫للح�صول على الف�سح‪ ،‬لكنهم‪..‬‬ ‫وبعد �أكثر من �شهر �أبلغوني �أن‬ ‫المجموعة ال يمكن ف�سحها‪،‬‬ ‫من دون �إبداء �أ�سباب مقنعة‪،‬‬ ‫فقررت حينها م�ضطرا �أن �أبدِّ ل‬ ‫ا�سم المجموعة م��ن (ق�شرة‬ ‫م ��ن ال �ك��اك��و) �إل� ��ى (ث��رث��رة‬ ‫ف��وق الليل)‪ ،‬لكي �أتمكن من‬ ‫ف�سحها مجددا بعد طباعتها‬ ‫خارجيا‪ ،‬وكانت ال�صدمة �أن‬ ‫الدار �أر�سلت لي كامل الكمية‬ ‫المطبوعة ل�ك��ي �أت��ول��ى ‪�-‬أن��ا‬ ‫بنف�سي‪ -‬م�س�ألة التوزيع‪ ،‬وهو‬ ‫الأم ��ر ال��ذي ال �أتقنه تماما‪،‬‬ ‫ورغم هذه ال�صدمة التوزيعية‪،‬‬ ‫�إال �أنني كنت �سعيدا جدا بهذه‬ ‫ال�م�ج�م��وع��ة‪ ،‬وب��ذل��ت ج�ه��ودا‬ ‫كبيرة لكي �أبعث ن�سخا منها‬ ‫�إل� ��ى ك �ث �ي��رٍ م��ن الأ���ص��دق��اء‪،‬‬ ‫وال �ن �ق��اد‪ ،‬والأن��دي��ة الأدب �ي��ة‪،‬‬ ‫وال �� �ص �ح��ف‪ ،‬وك ��م ه��و جميل‬ ‫�أن �ه��ا ن��ال��ت ا�ستح�سان كثير‬ ‫ممن طالعوها‪ ،‬وكتبت عنها‬ ‫ال�صحف بع�ض التقديمات‬ ‫الجميلة‪.‬‬ ‫الخال�صة‪� ،‬أن تجربة الن�شر‬ ‫رغم كل م�شاكل التوزيع‪ ،‬كانت‬ ‫تجربة مفيدة جدا‪ ،‬بل ورائعة‪،‬‬ ‫وم ��ا زل ��ت �إل� ��ى الآن‪ ..‬كلما‬ ‫نظرت �إل��ى مجموعة «ثرثرة‬

‫ف��وق ال�ل�ي��ل» ��ش�ع��رت بكثير من‬ ‫الحب تجاهها‪.‬‬

‫لتبقى الكتابة دائ�م��ا �أ�شبه‬ ‫ب�م�ح��اول��ة م�ستمرة ل�ل�إم���س��اك‬ ‫بالحياة‪� ،‬أق��اوم الزمن والحزن‬ ‫من خاللها‪� ،‬أو كما قال الروائي‬ ‫ال�ل�ب�ن��ان��ي ال�ك�ب�ي��ر رب �ي��ع ج��اب��ر‪:‬‬ ‫«الوقت يمحو والأدب يتذكر»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪29‬‬


‫■ طاهر الزهراين ‪ -‬ال�سعودية‬

‫قبل الكتابة‪ ,‬كنت �شغوفاً بالق�ص�ص والحكايات‪� ،‬سمعاً وقراءة‪ ،‬كانت جدتي (حمامة)‬ ‫حفظها اهلل‪ ,‬ه��ي �أول حكواتي عرفته ف��ي حياتي؛ كانت تحكي لنا ق�ص�ص القرية‪،‬‬ ‫ق�ص وال رقيب؛ بهذا علمتني‬ ‫وق�ص�ص ال�سعالي والغيالن‪ ،‬وكانت تحكي لنا من دون ٍّ‬ ‫فن الق�ص والك�شف وتوظيف الكلمات‪..‬ثم كانت هناك �أ�شرطة ت�أتي من بيروت تق�ص‬ ‫علينا بع�ض الق�ص�ص‪ ،‬وكان بها بع�ض الم�ؤثرات ال�سمعية والمو�سيقية‪.‬‬ ‫لكن ت�شجيع الوالد لي على القراءة التقليدية‪ ،‬وتوفير الكتب‪ ،‬كان له �أعظم الأثر‬ ‫في حياتي ب�شكل عام‪ ،‬وفي الكتابة ب�شكل خا�ص‪ .‬وكانت عندنا وما تزال مكتبة عظيمة‬ ‫تحوي كل الفنون الإن�سانية‪ ،‬ومنها �أل��ف ليلة وليلة‪ ،‬و�أ�ساطير �شعبية لعبد الكريم‬ ‫الجهيمان‪ ،‬وق�ص�ص مترجمة‪ ،‬والكثير من ال�سير والتراجم‪..‬‬

‫‪30‬‬

‫كنت في كل مرحلة �أق��ر�أ الق�ص�ص التي‬ ‫تنا�سبها‪ ،‬لكني لم �أقر�أ الق�صة ب�شكلها الفني‬ ‫النا�ضج‪� ،‬إال بعد اطالعي على �أعداد كثيرة‬ ‫من مجلة العربي الكويتية‪ ،‬والمجلة العربية‪،‬‬ ‫�سواء المترجم منها‪� ،‬أو ما كتب بل�سان عربي‬ ‫مبين‪� ،‬أذك��ر‪� :‬سومر�ست م��وم‪ ،‬عبدالحميد‬ ‫جودة ال�سحار‪ ،‬نجيب محفوظ؛ و�أذك��ر �أني‬ ‫قر�أت ل «موم» مقاال في مجلة العربي �إن لم‬ ‫تخُ نِّي الذاكرة‪ ،‬عن كتابة الق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫ومما قاله‪� :‬إن الإن�سان حتى يكتب ق�صة ال‬ ‫بد �أن يوفر �أربعة �أ�شياء‪ :‬ورقة‪ ،‬وقلم‪ ،‬وفكرة‬ ‫جيدة‪ ،‬وتفاحة!‬ ‫ثم كانت قراءة مو�سّ عة في الأدب العربي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫والفرن�سي والرو�سي‪ ،‬وك��ان الأدب الرو�سي‬ ‫�أدب ًا عظيم ًا وم�ؤثر ًا جداً‪.‬‬ ‫كنت �أبحث عن بع�ض العناوين وال �أجدها‬ ‫ف��ي ال�م�ك��ات��ب‪ ،‬ل�ك��ن مكتبة ج��ام�ع��ة الملك‬ ‫عبدالعزيز كانت حديقة عظيمة ل�ل�أدب‪،‬‬ ‫�أجد فيها كثير ًا من العناوين العظيمة‪ ،‬كانت‬ ‫تحوي على كثير من النتاج الرو�سي العظيم‪..‬‬ ‫�أما بالن�سبة للكتابة‪ ،‬فقد كتبت الق�صة‬ ‫الق�صيرة في وقت مبكر جداً‪� .‬أتذكر �أن �أول‬ ‫ق�صة كتبتها كانت �أيام الثانوية‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫�إث��ر م�سابقة نظمها المركز ال�صيفي الذي‬ ‫كنت م�شارك ًا فيه �أثناء الإجازة؛ �صحيح �أني‬ ‫لم �أ�شارك في تلك الم�سابقة‪ ،‬لكنها كانت‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫تجربتي في كتابة الق�صة‬ ‫الق�صيرة‬

‫ال��داف��ع لي لكتابة �أول ق�صة‪.‬‬ ‫بعد ذلك كانت هناك محاولة‬ ‫لكتابة بع�ض الن�صو�ص‪ ،‬وكانت‬ ‫متوا�ضعة‪ ،‬كان بع�ضها يحكي‬ ‫بع�ض هموم النا�س‪ ..‬كنت فقط‬ ‫�أك �ت��ب‪ .‬حينها ل��م يكن هناك‬ ‫�إن �ت��رن��ت وال م�ن�ت��دي��ات‪ ،‬كنت‬ ‫�أكتب فقط‪ ،‬و�أغ�ل��ب ما �أكتبه‬ ‫مبتور‪ ،‬ولم �أكن حري�ص ًا على‬ ‫تطوير ما �أكتب‪ ،‬ولم �أتوا�صل‬ ‫مع مهتمين بال�سرد والفن‪ ،‬ثم‬ ‫�صاحبَ ذلك انقطاع طويل‪.‬‬ ‫بعد االنقطاع‪ ،‬داهمتنا ثورة‬ ‫معلوماتية هائلة؛ �أال وهي ثورة الإنترنت‪� .‬أذكر �أني‬ ‫كتبت ق�صة بعنوان‪�( :‬أج�ساد بال �أرواح) وبعثتها‬ ‫لموقع الق�صة العربية الذي ي�شرف عليه القا�ص‬ ‫الجميل جبير المليحان‪ ،‬كنت �أنتظر ن�شر الق�صة‬ ‫في الموقع‪ ،‬لكني ُ�صدمتُ بعدم الن�شر‪ ،‬وقد ذكر‬ ‫لي الأ�ستاذ جبير م�شكور ًا المبررات‪ ،‬وكان هذا‬ ‫�أول انتقاد ي�صلني من قا�ص خبير ومتمر�س‪.‬‬ ‫البداية الفعلية لي في كتابة الق�صة الق�صيرة‬ ‫كانت في منتدى ج�سد الثقافة‪( ،‬ق�سم الق�صة‬ ‫ال�ق���ص�ي��رة)‪ ،‬وق��د ب���د�أت ف��ي ال�ك�ت��اب��ة ف�ي��ه ع��ام‬ ‫‪2006‬م‪ ،‬وق ��د ا� �س �ت �ف��دت ك �ث �ي��ر ًا م��ن تعليقات‬ ‫الأ�صدقاء ومالحظاتهم ونقدهم‪ ،‬وكذلك �أطلعت‬ ‫على تجارب محلية جميلة ورائعة‪.‬‬ ‫وقد وجدتْ ن�صو�صي قبو ًال من رواد المنتدى‬ ‫والأ���ص��دق��اء‪ ،‬وك ��ان ذل��ك م���ش�ج�ع�اً‪.‬ح��اول��ت في‬ ‫الوقت نف�سه‪ ،‬وحتى �أ�صبح قريب ًا من هذا الفن‬ ‫و�أه�ل��ه �أن �أق��ر�أ لأ�ساطين الق�صة الق�صيرة في‬ ‫العالم‪ ،‬وبخا�صة العالم العربي‪� ،‬أمثال‪:‬يو�سف‬ ‫�إدري�س‪ ،‬محمد زفزاف‪� ،‬إبراهيم �أ�صالن‪ ،‬محمد‬ ‫المخزنجي‪ ،‬ومحلياً‪:‬عبداهلل باخ�شوين‪ ،‬عبده‬ ‫خال‪ ،‬جبير المليحان‪..‬‬

‫من عام ‪2006‬م �إلى ‪2010‬م‬ ‫كتبت ع�شرات الق�ص�ص‪ ،‬تلك‬ ‫الن�صو�ص كتبتها ف��ي �أوق��ات‬ ‫مختلفة‪ ،‬وظ ��روف متفاوتة‪،‬‬ ‫وعن �أحداث و�أنا�س مختلفين‪،‬‬ ‫ولم �أهتم بالتقنيات ال�سردية‬ ‫في تلك المرحلة‪ ،‬فكنت �أكتب‬ ‫الن�ص بكل عفوية‪ ،‬وقد وجدت‬ ‫لهذا �أثر ًا جمي ًال على المتلقي‪.‬‬ ‫في عام ‪2010‬م �صدرت لي‬ ‫�أول مجموعة ق�ص�صية بعنوان‪:‬‬ ‫(ال�صندقة) عبر نادي الباحة‬ ‫الأدب��ي‪ ،‬وق��د �ضمت المجموعة �أغلب الن�صو�ص‬ ‫التي كتبتها في تلك المرحلة‪ ،‬مرحلة الكتابة في‬ ‫ج�سد الثقافة‪ ،‬وقد كانت متفاوتة وكنت متعمد ًا في‬ ‫ذلك‪ ،‬حيث �أني رغبت في توثيق المرحلة تلك‪ .‬وقد‬ ‫وجدَت قبو ًال واحتفاء لم �أتوقعه‪ ،‬رغم قلة الخبرة‪،‬‬ ‫وتوا�ضع التجربة‪ ،‬لكن الأ� �ص��داء كانت مفرحة‬ ‫وم�شجعة‪..‬‬ ‫�أغ �ل��ب ن���ص��و��ص��ي ت �ت �ح��دث ع��ن المهم�شين‬ ‫والغالبا‪ ،‬وهذا لم �أعتد الكتابة عنه‪ ،‬لكني وجدتني‬ ‫مهتم ًا بهم‪ ،‬وهذه وظيفة الفنان‪� ..‬أن يكون قريب ًا‬ ‫من الب�سطاء‪..‬‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪ ،‬ف��ن �صعب ج ��داً‪ ،‬يحتاج‬ ‫كاتبها �إلى وعي بالفن والحياة‪ ،‬و�أن يلتقط بعد�سته‬ ‫�صور النبل والإن�سانية‪ ..‬هذا من ناحية الم�ضمون‪،‬‬ ‫�أما من ناحية الفن‪ ..‬فال بد للقا�ص �أن يختار اللغة‬ ‫المنا�سبة لكل ن�ص‪ ،‬و�أن يحكم بناء الق�صة ب�شكل‬ ‫جيد‪ ،،‬فهو محا�سب على الكلمات‪ ..‬فكيف بالجمل‬ ‫ال��زائ��دة!! �أن يكون بعيد ًا عن الح�شو قريب ًا من‬ ‫االختزال‪ ،‬لأن الن�ص الق�صير ن�ص فا�ضح‪ ،‬وهذا‬ ‫ما �شجعني على كتابة الق�صة الق�صيرة!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪31‬‬


‫■ �ضيف فهد ‪ -‬ال�سعودية‬

‫«�أن��ا �أفكر كقارئ عندما �أكتب‪ .‬القارئ ال��ذي فيّ ال يريد‬ ‫�أن يجد ما يقر�أه ن�سخة طبق الأ�صل عما يحياه في حياته‪.‬‬ ‫الإخال�ص للواقع في الأدب قلبا وقالبا لي�س ف�ضيلة» بيتر هاندكه‪.‬‬ ‫�أذكر الن�ص الأول الذي كتبته‪� :‬أين‪ ،‬ومتى‪ ،‬وكيف‪� .‬أذكر نوعية الورق والقلم الذي ا�ستخدمته‪.‬‬ ‫الأه��م من كل ه��ذا‪� ..‬أذك��ر ال�سبب ال��ذي كتبت من �أجله ذل��ك الن�ص‪ ،‬وه��و ال�سبب نف�سه الذي‬ ‫يدفعني للكتابة �إلى اليوم‪ :‬من دون �سبب يذكر‪!..‬‬ ‫لم ترتبط عندي الكتابة بغاية‪� ،‬أي �أن الكتابة في حد ذاتها كانت هي الغاية المتناهية؛ لذا‪،‬‬ ‫ومع �أنني �أتذكر كل هذا عن الن�ص الأول‪ ،‬وكل تلك الطقو�س‪ ،‬والأج��واء‪ ،‬والحالة؛ �إال �أنني ال‬ ‫�أتذكر الآن ما الذي كان يتحدث عنه ذلك الن�ص‪ ،‬وال ما �إذا كان ق�صيدة �أو ق�صة �أو كان غير‬ ‫م�صنف‪ !..‬ما يعني �أنني ال زلت �أحتفظ بنف�س دوافعي للكتابة‪ :‬الرغبة المجردة‪ ،‬الطاهرة‪،‬‬ ‫النظيفة تماما من الطمع‪.‬‬

‫‪32‬‬

‫لديَّ �إح�سا�س �أن جميع كتاب الدنيا يبتدئون من‬ ‫هذا الدافع بالتحديد‪ ..‬من هذه البراءة‪ .‬لكنهم‬ ‫وبمجرد �أن ي�صادفوا نجاحا �أولي ًا يتنكرون لهذا‬ ‫الإخال�ص‪ ،‬ويحيلون الكتابة �إل��ى طريق يتقدمون‬ ‫عليه لي�صلوا �إل��ى �شي ٍء م��ا‪ .‬ي�ستوي في ذل��ك ما‬ ‫�إذا ك��ان ذل��ك ال���ش��يء ال��ذي يتقدمون للو�صول‬ ‫�إليه �شخ�صي ًا (نجاحاً‪� ،‬أم �شهرة‪� ،‬أم م��ادة)‪� ،‬أو‬ ‫اجتماعي ًا (وع�ظ�اً‪� ،‬أم �إ�صالحاً‪� ،‬أم تربية)‪� ..‬أو‬ ‫�سيا�سي ًا �أو �أيديولوجياً‪ ..‬كل هذه النهايات التي‬ ‫يتجه �إليها ال�ك� ّت��اب‪� ،‬سالكين طريق الكتابة‪ ،‬ال‬ ‫�أ�ستطيع �أن �أظهر عليها �أي نوع من االعترا�ض‪،‬‬ ‫لكنني ما �أزال �أنحاز �إلى �أخوية الكتّاب الأبرياء‪،‬‬ ‫ذلك النوع من الكتّاب الذين تتعرف على �أرواحهم‬ ‫بين ال�سطور‪� ..‬أرواح خالية من الطمع‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫�إذا لم �أ�ستطع �أن �أوظّ ف الكتابة كطريق و�أداة‪..‬‬ ‫�أحببت و�أخل�صت وال �أزال لفكرة �أن الكتابة هي‬ ‫الأمر النهائي‪ ..‬المنتهي‪ ..‬المُنجز لذاته‪.‬‬ ‫هناك �أمر �آخر �أفكر فيه‪ ،‬يدفعني لالعتقاد �أن‬ ‫الكتابة لديَّ تمثل عمال مقد�سا �إيمانيا متعاليا على‬ ‫الغائية‪ ..‬هي �أنني في الأ�سا�س ل�ست كاتبا‪ ،‬و�أنني‬ ‫في الحقيقة ال �أزيد عن كوني قارئا مهوو�سا‪ ،‬و�أنه‬ ‫مر�ض يمكن و�صفه على �أنه (التوحد‬ ‫لو كان هناك ٌ‬ ‫ال�ق��رائ��ي)‪ ،‬ف�س�أكون �أن��ا المري�ض المثالي بهذا‬ ‫المر�ض‪..‬‬ ‫�أُجِ � �لُّ‪ ،‬و ُ�أق ��دِ � � ُ�س‪ ،‬و�أ ِق� ��فُ م�ست�شعرا ك��ل �آي��ات‬ ‫االمتنان والعرفان لكل تلك الأ�شياء المذهلة التي‬ ‫تمر بي �أثناء القراءة‪ ..‬و�أ�شعر بالخجل‪ ،‬و�أنظر �إلى‬ ‫نف�سي ب�أ�سف �إذا لم �أتح َل بالتربية الكافية التي‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫م�شواري مع‬ ‫الق�صة الق�صيرة‬

‫تمنعني من الجر�أة على اقتراف‬ ‫فعل ال�ك�ت��اب��ة‪ ،‬بعد ك��ل م��ا يمر‬ ‫بي من معجزات قرائية‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫ولأنني ول ٌد فيما يخ�ص الأوراق‪،‬‬ ‫م �ب �ه��ور ت �م��ام��ا ب �ه��ذه الأل��ع��اب‬ ‫ال�صياغية‪ ،‬مبهور بهذا العالم‬ ‫الملون بالكلمات‪ ،‬ال �أ�ستطيع‬ ‫منع نف�سي بين فترة و�أخرى من‬ ‫محاولة التجريب‪.‬‬ ‫كتبت في الوقت الذي كانت‬ ‫ل��ديَّ �أم��ور كثيرة �أفعلها‪ ،‬كتبت‬ ‫و�أن� ��ا ��ص�غ�ي��ر‪� ،‬صغير ل�ل��درج��ة‬ ‫التي تجعلنا نفكر �أن من يقوم‬ ‫ب��ال �ك �ت��اب��ة ع �ل��ى �أن��ه��ا ن ��وع من‬ ‫الت�سلية ‪ -‬وهو في ذلك العمر‪-‬‬ ‫�إما �أن يكون عبقريا‪� ،‬أو م�صاب ًا‬ ‫ببالهة‪ ،‬لكن‪ ..‬وك�إحقاق للحق‪،‬‬ ‫لم يت�ضح �إل��ى الآن ما �إن كنت‬ ‫ع �ب �ق��ري � ًا �أو م �� �ص��اب � ًا ب�ب�لاه��ة‬ ‫م��زم�ن��ة‪ ..‬ك��ل م��ا يمكنني قوله‬ ‫�إنَّ ما دفعني وال ي��زال يدفعني‬ ‫للكتابة لي�س الطموح وال الهدف‪،‬‬ ‫�إنما هو ق��رار ال يمكنني التحكم ب��ه‪� ..‬أج��د �أنني‬ ‫بحاجة للكتابة ف�أكتب‪ ..‬م��اذا ينتج عن ه��ذا؟! ال‬ ‫�أفكر فيه مطلقا‪.‬‬ ‫فيما ب�ع��د‪ ،‬اخ �ت��رت �شكال للكتابة وم��ا �أزال‬ ‫م�ستمرا عليه‪� ،‬شك ًال يمكن �أن يكون �أقرب �شيء �إلى‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪� ،‬صحيح �أنني ال �ألقي اهتماما‬ ‫للمهوو�سين بالت�صنيف‪ ،‬لكنني ال �أبدي �أي اعترا�ض‬ ‫على من يقوم به‪..‬‬ ‫كتبت في �شكل يخ�صني وح��دي‪ ،‬قمت ببع�ض‬ ‫الأل �ع��اب ال�خ��ا��ص��ة‪ ،‬ب�ع�ي��د ًا ع��ن �أع �ي��ن العباقرة‬ ‫الكال�سيكيين‪ ،‬جربت‪ ،‬كتبت‪ ،‬كما لو �أنني �س�أكون‬ ‫القارئ الوحيد لما �أقوم به‪ ..‬لم �أعتمد �أنموذج ًا‬

‫متعاليا‪ ،‬وال �إط��ارا متفقا عليه‪،‬‬ ‫ك���س��رت ‪ -‬م��ن دون رغ �ب��ة في‬ ‫التك�سير في حد ذات��ه‪ ،‬من دون‬ ‫هدف م�سبق على �أن �أكون مب�شرا‬ ‫بطريقة جديدة في الكتابة‪ -‬كل‬ ‫�أنواع الق�ص و�أ�شكاله المعترف‬ ‫بها‪� ،‬أجريت تجاربي‪ ،‬وابتكرت‬ ‫م��ن دون خ��وف لغتي الخا�صة‬ ‫غ �ي��ر ال � ُم � َق��دِ �� ّ�س��ة ل �� �ش��يء؛ ثم‬ ‫عندما وج��دت تلك الن�صو�ص‬ ‫طريقها للن�شر‪ ،‬وج ��دت �أن�ه��ا‬ ‫القت وما ت��زال تالقي معجبين‬ ‫هنا وه �ن��اك‪ ،‬و�أ� �ش��ار لها ق��راء‬ ‫ومهتمون �إ�شارات جيدة دفعتني‬ ‫لعدم التردد في الموا�صلة‪..‬‬ ‫و�أن� ��ا �أك �ت��ب‪� ،‬أت��ذك��ر غالب ًا‬ ‫�آث��ار الفرح‪� ..‬أتعقب الذكريات‬ ‫ال� �ج� �ي ��دة‪ ،‬و�أخ �ت �ل��ق‪-‬ع �ن��دم��ا‬ ‫ا�ستنزف كل �شيء‪ -‬عالما يميل‬ ‫�إلى المبالغة الخارقة‪ ،‬و�أتجنب‬ ‫تماما �أمرا وحيدا‪ :‬الأ�سى‪..‬‬ ‫لهذا‪ ،‬ال �أجد �أنني ر�سوليا على م�ستوى الكتابة‪،‬‬ ‫و�أعرف تماما‪ ،‬ومقتنع ‪-‬حتى و�إن يكن يبدو للوهلة‬ ‫الأول��ى وم��ن دون تفكير خط�أ ه��ذه القناعة‪� -‬أن‬ ‫م�شكالت العالم ال تحل داخل ن�ص‪ ..‬و�أن م�شكالتي‬ ‫الخا�صة �أكثر رفعة من �أن تبتذل في هذا االتجاه‪..‬‬ ‫�صدرت لي مجموعتان ق�ص�صيتان‪:‬‬ ‫الأولى‪« :‬مخلوقات الأب» عن نادي حائل الأدبي‬ ‫بالتعاون مع االنت�شار العربي‪2008‬م‪.‬‬ ‫والمجموعة الثانية‪« :‬ع» الطبعة الأولى ‪1433‬هـ–‬ ‫‪2012‬م‪ ،‬عن نادي الجوف الأدبي الثقافي‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪33‬‬


‫حكايتي مع الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ تركية العمري ‪ -‬ال�سعودية‬

‫�أنا وهي‪� ،‬أم هي و�أنا‪.‬‬ ‫�أت�����س��اءل ه��ل كانت تختبئ بين �أ�صابع دميتي؟ �أم بين حكايات �أم��ي ع��ن الحقول والمطر‬ ‫والأتقياء؟!‬ ‫ولكن الحقيقة التي اكت�شفتها هي �أنها ت�سكن �أعماقي‪ ،‬وتعرف �أ�شيائي‪ ،‬ومالمح �أمي و�إخوتي؛‬ ‫لي�س ذلك فح�سب‪ ،‬بل �إنها تعرف �أي�ضاً �أوقات لعبي مع �أطفال جيراننا‪ ،‬وعدد حجرات بيتنا‪.‬‬ ‫�إنها الق�صة الق�صيرة‪.‬‬ ‫عندما بد�أت �أم�سك القلم بيدي ال�صغيرة‪،‬‬ ‫كانت تراقب بعينيها ال�صغيرتين مخيلتي‪ ،‬تلك‬ ‫المخيلة التي � َِأ�سرتها �صرخة (�أمينة) �إح�سان‬ ‫عبدالقدو�س «�أن��ا ح��رة»‪ ،‬والتي كانت تكبرني‬ ‫ب�أعوام قليلة‪.‬‬ ‫التقيت الق�صة الق�صيرة بين �صفحات‬ ‫م �ل��ون��ة‪ ،‬ذات غ�ل�اف ل��ه ل ��ون زم ��رد ال�ح�ي��اة‪،‬‬ ‫�صفحات قادمة من �أر�ض الكنانة وتالل الرند‪،‬‬ ‫قر�أتها ب�شغف‪ ،‬وات�سعت مخيلتي‪ .‬كنت �أ�سرد‬ ‫ما �أقر�أ على �أمي‪ ،‬و�أ�ضيف عليها من �إيماءاتي‪،‬‬ ‫وحركات يدي ال�صغيرتين‪ ،‬وعندما �أنام‪� ..‬أرى‬ ‫�أبطال الق�ص�ص التي قر�أتها في مناماتي‪.‬‬ ‫‪34‬‬

‫ت�ساءلت كثيرا ع��ن معنى ا�سم «راب �ن��زل»‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫في المدر�سة‪ ،‬بد�أت تكبر الق�صة الق�صيرة في �أعماقي‪،‬‬ ‫وكانت البداية عندما كنت في المرحلة االبتدائية‪ ..‬من‬ ‫خ�لال ح�ص�ص التعبير‪ ،‬لن �أن�سى معلمة اللغة العربية‬ ‫القادمة من حم�ص الحبيبة‪ ،‬والتي كانت تطلب مني �أن �أقف‬ ‫�أمام زميالتي بكبرياء‪ ،‬و�أق��ر�أ مو�ضوعي‪ ،‬لينتهي الم�شهد‬ ‫االحتفالي بت�صفيق حاد‪ ،‬و�إطراء منها على لغتي ال�شعرية‬ ‫وخيالي‪ ،‬ف�أعود �إلى البيت‪ ..‬و�أن��ا ممتلئة بالفرح والزهو‪،‬‬ ‫و�أذكر ذلك لأمي و�إخوتي‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أحببت «ليلى والأق��زام ال�سبعة»‪ ،‬و�أخافتني ق�صة «جميلة‬ ‫والوح�ش»‪ ،‬وبللت دموعي �أوراق «حكاية �سندريال»‪ ،‬والم�ست‬ ‫وفتنت مخيلتي ال�صغيرة ب�م�م��رات ق�صور ال�سالطين‬ ‫المخملية‪.‬‬

‫بد�أت �أتابع الق�صة الق�صيرة في كل مكان في‪ ..‬زوايا‬ ‫المجالت‪ ،‬وفي المالحق الأدبية التي تهتم ب�إبداع المواهب‬ ‫ال��واع��دة‪ ،‬ف��ي �أث�ن��اء متابعتي لها‪ ،‬التقيت بلغة عبداهلل‬ ‫الجفري ال�شعرية الباذخة‪ ،‬وبخالتي كدرجان‪ ،‬وجوجول‪،‬‬ ‫وت�شيكوف‪ ،‬و�آخرين‪.‬‬ ‫وف��ي لحظة ذات ده�شة و�ضعت �أم ��ام ال�ع��ال��م وثيقة‬ ‫ارتباطي بالق�صة الق�صيرة‪ ،‬وان�ضمامي �إل��ى ع�شاقها‬ ‫المبدعين‪ ،‬عندما �أطلقت نوار�س �أول �سردي‪ ،‬مجموعتي‬ ‫الق�ص�صية «احتراقات �أنثى»‪ ،‬تلك اللحظة‪� ..‬شعرت برهبة‬ ‫البدء‪ ،‬تلك الرهبة التي تحملني م�سئولية اال�ستمرار في‬ ‫خلق ف�ضاء �سردٍ �إن�ساني حقيقي‪ ،‬ولغة متجددة تبوح بر�ؤيتي‬ ‫عن الإن�سان والطبيعة والحياة �إلى العالم‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن الق�صة الق�صيرة �ستبقى بالن�سبة لي الروح‬ ‫الدافئة التي �أراه��ا بين الغيوم‪ ،‬و�أ�سمع �ضحكتها العذبة‬ ‫القادمة من �شفاه �صغيرات الحقول اليانعة؛ و�أعتقد �أي�ضا‬ ‫�أنها �ستظل تنهل من حكايات تلك الطفلة الجبلية التي‬ ‫ت�سكن ذاك��رات�ه��ا �أغنيات الجبال ال�شاهقة‪ ،‬ومو�سيقى‬ ‫الجداول الحانية‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪35‬‬


‫■ �شـيمة ال�شــمري ‪ -‬ال�ســعودية‬

‫�أ�شعر �أ َّن ت�سجيل �شهادة المبدع عن �إبداعه ت�أخذ طريقا مو�ضوعيا‪ ،‬كلما اقترب المبدع من‬ ‫�سبر مراحل حياته‪ ،‬وبع�ض تفا�صيلها بهدوء وحكمة‪ ..‬وهو ما تدفعني �إليه هذه الدعوة الكريمة‪،‬‬ ‫التي �أعود فيها �إلى تملّي تفا�صيل جميلة �أذكرها بمزيد من الحنين والحب‪ ،‬و�أعي �أن لدى كل‬ ‫منا من الذكريات الأول��ى ما ال ي�ستطيع تجاوزه؛ ول��ذا‪� ،‬أجدني ممتنة و�شــاكرة لهذه الدعوة‬ ‫الكريمة‪ ،‬راجية �أن تجدوا في �شهادتي المتوا�ضعة ما يثير ويثري‪...‬‬

‫‪36‬‬

‫عند الحديث ع��ن ال�ب��داي��ات‪ ،‬ع��دت �أفت�ش هناك‪ ،‬وه��و ان�ف��راد فر�ضته عليَّ ه��ذه الحياة‬ ‫في حجيرات الذاكرة‪ ،‬لأ�سجل لي ولكم نقاط الجديدة التي لم �أجد فيها �سوى القراءة منفذا‪،‬‬ ‫االنطالقة الكتابية‪ ..‬تلك البدايات التي تتوارى �أمام عدم وجود منافذ �أخرى‪.‬‬ ‫مع الأي��ام‪ ،‬لكنها ال تغيب �أب��دا‪ ،‬ب�ألمها و�آمالها‬ ‫اتجهت نحو ال�ق��راءة المتنوعة التي كانت‬ ‫وبراءتها وطموحها وجموحها �أي�ضا‪ ..‬بداية بدايتها �شرعية بحتة‪ ،‬فقد ق��ر�أت في التف�سير‬ ‫ع�شق القلم وهَ وَ�س الإبداع؛ فمنذ �أيام الدرا�سة والحديث‪ ،‬ومو�ضوعات كثيرة مذهلة متعلقة‬ ‫المتو�سطة‪ ،‬كنت مولعة بالكتابة على ال�صفحات بالإن�سان‪ ،‬والجنة والغيب‪ ،‬والجن‪� ..‬إ�ضافة �إلى‬ ‫الأخيرة من كتبي ودفاتري‪ ،‬وكنت �أكتب ما يمكن الكتب التراثية التي توافرت لي‪� ،‬أو ا�ستطعت‬ ‫�أن �أ�سميه ‪-‬وفق ر�ؤيتي �آنذاك‪� -‬شعرا‪ ،‬خواطر‪ ،‬الح�صول عليها‪ ،‬و�أجدني هنا �شاكرة هلل الذي‬ ‫وم�ضات ق�ص�صية‪ ..‬لم يعنني حينها الت�صنيف قدّر لي �أن �أقر�أ في هذه المو�ضوعات؛ �إذ �أنني‬ ‫الأدبي‪ ،‬بقدر ما تعنيني الكتابة ور�سم الكلمات‪� ،‬أعتقد �أنها �أ�سهمت بلغتها النا�صعة‪ ،‬و�أ�سلوبها‬ ‫ال �ع��رب��ي ال�ج�م�ي��ل ف��ي ع�شقي ل�ل�غ��ة ال�ع��رب�ي��ة‪،‬‬ ‫وما ي�صاحب ذلك من �شعور جميل‪..‬‬ ‫وجمالياتها التي ال تحد‪.‬‬ ‫لم �أ�ستطع حتى اليوم تحديد �سر اندفاعي‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬قر�أت في ال�شعر والنقد والرواية‬ ‫نحو القلم‪ ،‬وهل كان زواجي المبكر‪ ،‬وانتقالي‬ ‫من حياة �إلى حياة �أخرى مختلفة هو ال�سبب؟ والق�صة‪ ،‬ومن الكتّاب الذين ق��ر�أت لهم على‬ ‫حيث توطدت معرفتي بالقرية والمزارع والهدوء �سبيل ال��ذك��ر ال الح�صر‪ :‬غ��ازي الق�صيبي‪،‬‬ ‫والب�ساطة والم�س�ؤولية‪ ،‬ربما كان لذلك �أثر في وع �ب��داهلل ال�ج�ف��ري‪ ،‬وغ ��ادة ال�سمان‪ ،‬و�أج��اث��ا‬ ‫انكبابي على القراءة واالنفراد بالذات‪ ،‬تعوي�ضا كري�ستي‪ ،‬و�إيليا �أبو ما�ضي‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬ ‫عن قرب الأهل وزحام المدينة وو�سائل الترفيه‬ ‫�إ�ضافة �إلى الم�صدر المهم لأي كاتب و�أديب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫الكون ب�أكمله محفّــز للتـ�أمل والكتـابة �إذا ما‬ ‫اقترن بالإح�سا�س الذي يترجمه ب�شكل مختلف‪..‬‬

‫هذه الم�صادر المختلفة �أ�سهمت في �صناعة‬ ‫ن��وع من الوعي‪ ،‬ور�سخت ف��يَّ االت��زان الفكري‬ ‫وال��و� �س �ط �ي��ة‪ ،‬واالن� �ط�ل�اق ف��ي م �ج��ال الكتابة‬ ‫الإبداعية‪ ..‬وقد ا�ستفدت من التجارب ال�ســابقة‬ ‫لعدد كبير من المبدعين والمبدعات من دون �أن‬ ‫�أحذو حذوها؛ فلكل تجربة نكهة مختلفة‪ ،‬ولكل‬ ‫قلم طريقة يختارها باحثا عن التفرد والإ�ضـافة‬ ‫في مجاله الذي ع�شقه و�أحب الكتابة فيه‪ .‬وهذا‬ ‫مبد�أ انقدت �إليه‪ ،‬وقرار اتخذته مع نف�سي ب�أن‬ ‫�أكون مختلفة عنهم على الأقل من وجهة نظري‪..‬‬

‫الكتابة معاناة وجهد ومحاوالت و�ألم‪ ،‬ثم ت�أتي‬ ‫ن�شوة الظهور للقارئ المتذوق‪ .‬منذ البدء لم �أرد‬ ‫�أن ير�سم لي �أي خط لأ�سير عليه‪ ،‬كنت �أعي �أنني‬ ‫قادرة على �أن �أقر�أ‪ ،‬وقادرة على اختيار الأ�سلوب‬ ‫المنا�سب لأع� ّب��ر ع��ن ذات��ي‪�..‬أع � ّب��ر ع��ن فكري‬ ‫و�إح�سا�سي‪ ،‬و�إح�سا�س غيري ب�أ�سلوب �أدب��ي‪،‬‬ ‫محاولة ردم الهوّة بين الن�ص والقارئ‪..‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫حكايتي مع الق�صة الق�صيرة‬

‫وهو «الواقع»‪ ،‬بكل ما فيه من �أحداث وتناق�ض التي تتجه نحـو االخت�صـار والتكثيف)‪.‬‬ ‫وتحوالت و�ألم وفرح‪ ..‬الواقع في كل مكان‪..‬‬ ‫نعم‪� ..‬إن الأنثى تكثّف وتوجز وتعمق‪ ،‬وتعي �أن‬

‫�أن��ا ابنة مجتمعي‪� ..‬أرى و�أ�سمع و�أ�شعر بما‬ ‫حولي‪ ،‬و�أتــ�أثر به‪ ،‬و�أمزجه بثقافتي ومدخراتي‬ ‫الأدبية‪� .‬أغو�ص في الواقع وبيدي م�شعل الخيال‪..‬‬ ‫�أُطَ عِّمُ به هذا الواقع ليرى النور‪� ..‬أخرجه وفق‬ ‫قناعاتي عمال ي�ستحق القراءة‪..‬‬ ‫كتبت الق�صة الق�صيرة‪ ،‬والق�صة الق�صيرة‬ ‫جدا‪ ،‬والمقال‪ ،‬والخاطرة‪ ،‬وق�صيدة النثر؛ لكن‪،‬‬ ‫�صدقاً‪� ،‬أجدني �أع�شق �أ�صعبها و�أوجزها حتى‬ ‫�إنها ا�ستولت على م�ساحة الإبداع لديَّ ‪ ،‬فلم تبق‬ ‫ولم ت��ذر‪� ..‬إنها الق�صة الق�صيرة ج��دا‪ ،‬النوع‬ ‫الأدب��ي الذي اتجهت لكتابته‪ ،‬ووجدته الأقرب‬ ‫في تكثيف لحظة الإبداع التي يجب �أن تجد لها‬ ‫فنا موجزا‪ ،‬يتناغم مع �سرعة الع�صر الحديث‪،‬‬ ‫وي�ف�ت��ح للمتلقي م���س��اح��ة م��ن ال�م���ش��ارك��ة في‬ ‫ا�ستح�ضار وت�أمل ما قاله الن�ص‪� ،‬إنه الفن الذي‬ ‫يح�ضر في لحظة جارفة‪ ،‬فيدفعني للكتابة دفعا؛‬ ‫ول��ذا فلي�س للكتـابة عندي طق�س معين‪ ،‬فقد‬ ‫�أكتب في المقـهى‪ ،‬في المـطار‪ ،‬في المـزرعة‪ ،‬في‬ ‫(البـر)‪ ،‬في غرفتي‪ ،‬في الطائرة‪ ..‬هي لحظة‬ ‫�إبداع‪ ..‬جنون‪ ..‬ميالد فكرة‪ ..‬تهطل مكتملة‪� ،‬أو‬ ‫تنتظر الت�أمل والتهذيب وال�صياغة‪..‬‬

‫يتهمني بع�ضهم ب���أن كتاباتي ت�ف��وح منها‬ ‫رائ �ح��ة الأن �ث��ى‪ .‬و�أرد عليـهم‪ :‬زي�ـ��دون��ي تهم ًا‬ ‫زي��دون��ي! فما �أجملها م��ن تهمة‪ ،‬وه��ل �أن��ا �إال‬ ‫�أنثــى؟! و�أفخر بذلك‪ ،‬ولعلي خرجت عن ال�سياق‬ ‫الذي حدده الرجل للأنثى‪ ،‬و�صورها من خالله‪.‬‬ ‫و�أ�ستح�ضر هنا ما قاله الناقد الدكتور عبداهلل‬ ‫حامد في قراءة نقدية لمجموعتي الق�ص�صية‬ ‫الأولى «ربما غدا» حيث يقول‪( :‬ت�أتي المجموعة‬ ‫منذ البدء مكرّ�سة لخطاب الأنثى‪ ،‬لي�س بو�صفه‬ ‫خطابا احتجاجيا مبا�شرا‪ ،‬بل من خالل الأنثى‬ ‫التي تمار�س نوعا من االختالف على م�ستويات‬ ‫ع��دة‪ ،‬ي�أتي من �أهمها اعتمادها على الق�صة‬ ‫الق�صيرة جدا؛ لتعلن من خالل ذلك رف�ضا لما‬ ‫كرّ�سته الأنثى عن نف�سها‪� ،‬أو كرّ�سه لها الرجل‪،‬‬ ‫حين م��ار��س��ت منذ ال �ق��دم الق�صة الطويلة‪،‬‬ ‫والحكي‪ ،‬واخترعت لذلك الليالي؛ حتى �أو�شك‬ ‫العقل الجمعي االجتماعي �أن ي�صم الق�ص‬ ‫�أ��س�ه� َم��تْ بعد ذل��ك �أم�سياتي وم�شاركاتي‬ ‫والحكي بالأنثى‪� .‬إن المفارقة هنا �أن الأنثى هي الثقافية والأدب�ي��ة في دع��م ثقتي بنف�سي وبما‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪37‬‬


‫وق��د �سعدت بمجموعة من‬ ‫القراءات النقدية التي قدمت‬ ‫تجربتي ب�شكل مختلف‪ ،‬ولفتت‬ ‫الأنظار �إلى كتاباتي‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ما كتبه الأ�ستاذ الدكتور عاطف‬ ‫ب �ه �ج��ات ع��ن ب�ع����ض ق�ص�صي‬ ‫الأول��ى‪ ،‬حين ق��ال‪�( :‬إذا كانت‬ ‫ال�م��ر�أة تعي�ش �أزم��ة مع الرجل‬ ‫على م�ستوى الواقع‪ ،‬ف�إني �أعي�ش‬ ‫�أزم��ة م��ع ه��ذا الن�ص (ف��راق)‬ ‫على م�ستوى النقد‪ ،‬فقد لعبت‬ ‫��ش�ي�م��ة ب��ال�م�ت�ل�ق��ي ف��ي خ��دع��ة‬ ‫��س��ردي��ة‪ ..‬ه��ذا م��ا �أ��ش��رت �إليه‬ ‫في بداية مقالي من الإ�شعاعات‬ ‫غ �ي��ر ال�م�ت�ن��اه�ي��ة‪ ،‬واالن �ط�لاق‬ ‫م��ن قيود المعنى وخ�صو�صية‬ ‫ال� �ب ��وح‪ ..‬وه ��ا ه��ي ذي �شيمة‬ ‫تحاول �إعادة �صياغة المعادلة بوعيها ال�سردي‪،‬‬ ‫ومنطقها الخا�ص‪ ..‬ولكن �شهرزاد �أدركت عدم‬ ‫قدرتها �إعادة الت�شكيل‪.)..‬‬

‫‪38‬‬

‫كانت تلك القراءات تمنحني‬ ‫�شهادات مهمة‪ ،‬وت�شعرني �أن‬ ‫ل��دي �شيئ ًا ي�ستحق �أن يقال‪،‬‬ ‫فقد ظهرت ب�شكل �أو� �ض��ح في‬ ‫الم�شهد ال�ث�ق��اف��ي ال���س�ع��ودي‪،‬‬ ‫و�أ�صبحت ال�صحف والمجالت‬ ‫تطلب ق�ص�صي ‪ -‬م�شكورة ‪-‬‬ ‫لن�شرها‪ ،‬بعد �أن كنت �أنا من يرا�سلهم‪ ..‬وهو‬ ‫تحوّل يمنحني ثقة و�سعادة‪ ،‬وتطلع نحو المزيد‬ ‫من ال��وف��اء والعناء للحظة الإب ��داع التي تبدو‬ ‫دائما حلما جميال‪ ،‬ما �أن نقطع مرحلة للو�صول‬ ‫وم ��ن ال� �ق���راءات ال �ت��ي �أع �ت��ز ب �ه��ا ك�ث�ي��را‪� ،‬إليه‪ ،‬حتى تظهر مرحلة �أخرى‪..‬‬ ‫قراءة الأ�ستاذ الدكتور عبداهلل �سليم الر�شيد‬ ‫تتالت القراءات النقدية والن�شر والم�شاركات‬ ‫لمجموعتي «ربما غدا»‪� ،‬إذ قال‪�( :‬إن ظل هذا والأم�سيات الأدبية‪ ،‬والدعوات لح�ضور م�ؤتمرات‬ ‫الفن ع�صيا على التنظير‪ ،‬مت�أبيا على كثير وملتقيات ومعار�ض ومنا�سبات‪ ،‬كما ا�ستهوتني‬ ‫من الم�صطلحات‪ ،‬فذلك ال يلغي �أننا نقر�أ منه الكتابة النقدية‪ :‬ال�سيما �أنه مجال تخ�ص�صي‪،‬‬ ‫نماذج تجمع �شعرية التعبير وتكثيف العبارة ف�أنا حا�صلة على الماج�ستير في الأدب والنقد‪،‬‬ ‫وم�ف��اج��أة ال�ف�ك��رة‪ ،‬مثلما وج��دت ف��ي ق�ص�ص ومقبلة على مرحلة الدكتوراه بم�شيئة الرحمن؛‬ ‫�شيمة ال�شمري)‪.‬‬ ‫فقدمت قراءة بعنوان «االحتراق حزنا» لديوان‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ال�شاعرة مالك الخالدي ن�شرتها مجلة الجوبة‪،‬‬ ‫كما �شاركت بقراءة في ملتقى الرواية الرابع‬ ‫بنادي الباحة الأدبي في ال�سعودية عن تمثيالت‬ ‫الآخر في الرواية العربية‪ ،‬وكانت ورقتي بعنوان‬ ‫«الآخر بو�صفه �أعمى‪ ..‬قراءة في �أدوار الجماعة‬ ‫المهم�شة في رواي��ة نزل الظالم»‪ .‬وقد طبعت‬ ‫و�س�أقول �إنني وهلل الحمد رزقت زوجا مختلفا‪،‬‬ ‫م�ؤخرا في كتاب نقدي �صدر عن �أدبي الباحة‪،‬‬ ‫كما ق��دم��ت ورق��ة ع��ن االت�ج��اه��ات الفنية في �ساند و�شجع و�أ�سهم ومنح بكل حب ووفاء‪� ،‬إنه‬ ‫الق�صة ن�شرت في الجوبة‪..‬‬ ‫زوجي الأ�ستاذ عبداهلل ال�شمري الذي تعهدني‬ ‫م��ن �إ�� �ص ��دارات ��ي «رب �م��ا غ���دا» مجموعتي بالرعاية والحنان‪ ،‬وتوفير كل ما �أحتاجه من‬ ‫الق�ص�صية الأول� ��ى ال �ت��ي � �ص��درت ع��ن ن��ادي ح��ب و�أم ��ان وثقة ونبل و� �ص��دق‪ ..‬وه��و الداعم‬ ‫ال���ش��رق�ي��ة الأدب� ��ي ع ��ام ‪1430‬ه� � �ـ‪ ،‬وق ��د الق��ت الم�ؤازر‪ ..‬الأخ وال�صديق والزوج الحبيب الذي‬ ‫ال�م�ج�م��وع��ة �أ�� �ص ��داء جميلة داخ���ل المملكة �أغبط نف�سي عليه كثيرا ‪-‬حفظه اهلل ورع��اه ‪-‬‬ ‫وخارجها‪� ،‬إذ قدمت لها ق��راءات نقدية كثيرة وتحيتي و�شكري وتقديري لهذا الرجل العظيم‪..‬‬ ‫من نقاد المملكة و�سوريا والمغرب‪..‬‬ ‫�إن ت�أمالتي ‪ -‬وال �أق��ول معاناتي ‪ -‬ت�أتي من‬ ‫ث��م �أ���ص��درت مجموعتي ال�ث��ان�ي��ة «�أق��وا���س‬ ‫نفر قليل �ضئيل‪ ،‬يح�شرون �أنف�سهم في تقييم‬ ‫ون��واف��ذ» ع��ن دار ال �م �ف��ردات ب��ال��ري��ا���ض ع��ام‬ ‫‪1432‬ه� �ـ‪ ..‬حاولت فيها التمرد والتجديد في تجربتي الق�ص�صية‪ ،‬وهم و�إن كانوا ال يمثلون‬ ‫الكتابة ال�سردية‪ ..‬ووج��دت حفاوة من الكتاب قيمة نقدية يمكن الإفادة منها‪� ،‬إال �أنهم يمثلون‬ ‫والنقاد‪ ،‬وما �أزال �أقر�أ ر�أي النقاد في الم�شهد عبئا ع�ل��ى ال��ر��ص�ي��د الإب��داع��ي وال�ث�ق��اف��ي في‬ ‫الثقافي‪ ..‬و�أح��اول �أن �أالحق الق�صة الق�صيرة المملكة‪ ،‬ب�شكل عام!‬ ‫ج��دا‪ ،‬التي تفتح لي بتكثيفها و�إيجازها عالما‬ ‫هذه الفئة من الواهمين والواهمات يكتبون‬ ‫رحبا من التعبير والتنفي�س‪..‬‬ ‫اليوم ما ينكرونه بالأم�س‪ ،‬ويجربون ما حاربوه‪،‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬ي�أتي ال�س�ؤال عن التحديات التي يتناق�ضون ب�شكل غريب‪ ،‬ويهرفون بما ال يعرفون!‬ ‫يمكن �أن تكون قد اعتر�ضت طريقي ك�أنثى تعود و�س�أكون �صادقة حين �أقول �إنني �أ�شعر بنعمة اهلل‬ ‫�إل��ى م�ؤ�س�سة قبلية محافظة‪ ..‬و�س�أعود ف�أقول‬ ‫عليَّ كلما قر�أت م�صادراتهم الغريبة‪ ..‬وكل ذلك‬ ‫�إنني ال �أحب وال �أجيد �أن �أتقم�ص بطولة وهمية‪،‬‬ ‫فعلى طول الطريق لم �أعانِ من �أ�سرة �أو قبيلة يدفعني با�ستمرار �إلى الإيمان ب�أن الغابة الأدبية‬ ‫�أو مجتمع! فمجتمعي له ظروفه الخا�صة التي والنقدية لدينا ت�ضم في جنباتها الغث وال�سمين‪،‬‬ ‫يتحرك من خاللها‪ ،‬وهو المجتمع الذي �أعي �أن ولكني �أث��ق �أن هناك م�ساحة كبيرة من الوعي‬ ‫جدتي ووالدتي كانتا تتحركان فيه بكل �أريحية التاريخي �ستك�شف الزبد‪ ،‬وتبقي ما ينفع‪ ..‬وربما‬ ‫ووق��ار وح�شمة‪ ،‬ولئن تغيرت الظرف ف�ضاقت غدا‪ ..‬تفك الأقوا�س‪ ،‬وتفتح نوافذ الأمل‪!..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أكتب‪ ،‬حيث �ألم�س �صدى حرفي‬ ‫وكلماتي عند المتلقي‪� ،‬أت��اب��ع‬ ‫تعليقاتهم ونقدهم وانطباعهم‬ ‫عن ق�ص�صي مبا�شرة‪..‬‬

‫ولن �أن�سى �أم�سيتي في مركز‬ ‫�أب��و رم��ان��ة بدم�شق وح�ضورها‬ ‫ال �م �ت �م �ي��ز م ��ن ك��ب��ار ال �ك �ت��اب‬ ‫والأدباء‪ ،‬والقبول الذي �أبهرني‬ ‫ه �ن��اك‪ ،‬ك��ذل��ك م�شاركتي في‬ ‫ملتقى الق�صة الق�صيرة جدا‬ ‫في حلب‪ ،‬حين �أن�صفني النقاد‬ ‫على يد فار�سهم الدكتور �أحمد‬ ‫زي� ��اد م �ح �ب��ك‪ ،‬ع �ن��دم��ا �أن �ه��ى‬ ‫ق ��راءات ��ه ال �ن �ق��دي��ة لن�صو�ص‬ ‫المبدعين والمبدعات في ذلك‬ ‫الم�ساء الأدب��ي الأخ��اذ بقراءته‬ ‫لق�ص�صي قائال‪�( :‬أفيدكم ب�أني‬ ‫بد�أت من الجيد �إلى الأجود‪.)..‬‬

‫م�ساحات وا�سعة‪ ،‬وقل�صت المباحات لأهداف‬ ‫غير مدركة ل�سماحة الدين و�سمو مقا�صده‪ ،‬ف�إن‬ ‫هذا المجتمع هو �أهلي وقبيلتي ووطني الذين‬ ‫�أحب �أن �أعي�ش معهم لحظتهم المفرو�ضة عليهم‬ ‫بكل ما فيها من �ألم و�أمل‪..‬‬

‫‪39‬‬


‫■ قا�صة من اجلزائر‬

‫�إن �أ�صعب الأ�شياء �أن يتحدث الفرد عن نف�سه‪ ،‬و�أن يتحدث المبدع عن �إنجازاته؛ لأنه لن يكون‬ ‫من�صفا في حقه؛ فمهما حقق‪ ،‬ومهما �أثرى م�ساره الإبداعي‪ ،‬يبقى دوما يالحق حلما لن يتحقق‪،‬‬ ‫ويفت�ش عن ن�ص لم يكتبه بعد‪ ،‬وير�سم في عوالم المعنى �أطيافا لحياة هو وحده يفهمها‪.‬‬ ‫زهرة بو�سكين ا�سم ما يزال ي�شق طريقه في عالم الإبداع‪ ،‬منذ �أكثر من ع�شرين عاما ع�شت‬ ‫فرحة الن�شر الأول��ى‪ ،‬التي كنا نراها خطوة يعتد‪ ،‬بها حين لم يكن الن�شر في المنابر الأدبية‬ ‫متاحا و�سهال؛ فكانت فاتحة لن�ضال بالكلمة‪ ،‬وجدت من خاللها الت�شجيع من �أ�ساتذتي و�أ�سرتي‪،‬‬ ‫ومن الو�سط الأدبي الذي دخلته في �سن مبكرة‪ ،‬والقيت الت�شجيع من كبار الأ�سماء في الجزائر‪،‬‬ ‫�أمثال الروائي‪ :‬الطاهر وطار‪ ،‬والأديبة زهور وني�سي‪ ،‬و�آخرون‪ .‬كنا نقت�سم رحلة الن�ص‪ ،‬ورحلة‬ ‫الكتابة‪ ،‬وفرحة والدة الق�صيدة‪.‬‬ ‫م�شواري الأدبي ميّزه العديد من المحطات‬ ‫ال �ت��ي ل�ه��ا ب�صماتها ع�ل��ى ن���ص��و��ص��ي؛ �أول �ه��ا‬ ‫تخ�ص�صي في الإع�ل�ام‪ ،‬وعملي ال�صحفي هو‬ ‫بدوره �إبداع؛ في �سنواته الأولى‪ ،‬ع�شت �صراعا‬ ‫بين الن�ص الأدب���ي وال�ن����ص ال�صحفي‪ ،‬بين‬ ‫الق�صيدة‪ ،‬وتحرير خبر ع��ن تفكيك جماعة‬ ‫�إره��اب �ي��ة �أو ان�ف�ج��ار قنبلة �أو‪�...‬أو‪ ...‬لكن‬ ‫بعدها عملت م�صالحة بين الكتابة ال�شعرية‬ ‫وال�صحفية‪ ،‬وحاولت �أن �أ�ستثمر التجربتين‪،‬‬ ‫وكان للعديد من التجارب التي ع�شتها �إعالميا �أو‬ ‫ا�شتغلت عليها‪ ،‬ت�أثيرها على الكتابة وح�ضورها‬ ‫في ن�صو�صي‪.‬‬

‫‪40‬‬

‫تتويجي بجائزة �سعاد ال�صباح �أُعِ � � ُّد ُه من‬ ‫المحطات ال�ب��ارزة في م�شواري الأدب��ي؛ لأنها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫كانت لي دفعا قويا في فترة �شعرت فيها بال‬ ‫جدوى الكتابة‪ ،‬و�شعرت فيها ب�أن الأنثى يدينها‬ ‫المجتمع الذكوري بن�صو�صها‪ ،‬وب ��أن الأدب ال‬ ‫أح�س ب��أن هناك من يقيّمك‬ ‫يغيّر وال ي��ؤ ّث��ر‪ ..‬ل ّ‬ ‫ب�إن�صاف خارج حدود بلدك‪ ،‬فال �شاعر ي�صدح‬ ‫ف��ي مدينته على م �ن��وال «ال ك��رام��ة لنبي في‬ ‫وطنه»‪..‬وكانت دائما تح�ضرني �أبيات �شعرية‬ ‫للدكتورة �سعاد ال�صباح تقول فيها‪:‬‬

‫كان بو�سعي �أن �أبتلع الدمع‬ ‫و�أن �أبتلع القمع‬ ‫و�أن �أت�أقلم مثل جميع الم�سجونات‬ ‫لكني خنت قوانين الأنثى‬ ‫واخترت مواجهة الكلمات‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫زهرة بو�سكين‬ ‫ا�سم ما يزال ي�شق طريقه في عالم الإبداع‬

‫وع �ب��رت ع��ن ه ��ذا ال��رف ����ض ال��داخ �ل��ي في‬ ‫مجموعتي الق�ص�صية المتوجة والمو�سومة‬ ‫«ال��زه��رة وال�سكين»‪ ،‬وه��ي �إ�شتقاق جميل من‬ ‫ا�سمي‪ ،‬فيه العديد من الإي�ح��اءات التي ت�شير‬ ‫�إلى تالقي المتناق�ضات‪ ،‬والجمع بين ثنائيات‬ ‫عديدة كالألم والأمل‪ ..‬الموت والحياة‪ ..‬الرف�ض‬ ‫واال� �س �ت �� �س�لام‪...‬وك��ل ال�ث�ن��ائ�ي��ات ال�ت��ي تر�سم‬ ‫تفا�صيل الحياة‪.‬‬ ‫فالكتابة رف�ض‪ ،‬ث��ورة على ال��واق��ع والن�ص‬ ‫كيفما كان ثوبه(�شعر‪ ،‬ق�صة‪ ،‬رواي��ة) البد �أن‬ ‫يزلزل �أعماق كاتبه وقارئه‪ ،‬وال بد �أن ي�صنع‬ ‫االختالف واال�ستثناء‪ ،‬و�إال ولد بال روح‪.‬‬ ‫وكانت جائزة �سعاد ال�صباح م�ستهل رحل ٍة مع‬ ‫الجوائز العربية‪ ،‬مثل جائزة ناجي نعمان بلبنان‬ ‫عام ‪2008‬م عن مجموعتي الق�ص�صية «كي ال‬ ‫تغيب ال�شم�س» التي �أعتبرها تجربة تختلف عن‬ ‫«الزهرة وال�سكين» من حيث الن�سج الإبداعي‪،‬‬ ‫ت�ضمنت ال�ع��دي��د م��ن ال��وم���ض��ات الق�ص�صية‬ ‫المكثقة اللغة‪ ،‬ثم جائزة القلم الحر في م�صر‬ ‫عام ‪2011‬م‪.‬‬

‫للوطن»‪ ،‬و« �إف�ضاءات من زمن الده�شة» التي‬ ‫ك�ت��ب ل��ي تقديمها ال���ش��اع��ر ال �ع��راق��ي الكبير‬ ‫�أديب كمال الدين‪ ،‬و�آخر ما �صدر لي مجموعة‬ ‫ق�ص�صية مو�سومة «م�سافات المالئكة»‪ ،‬هذه‬ ‫الم�سافات التي �ضمنت تحت عنوانها عنوانا‬ ‫فرعيا �أعده �شكال جديداً‪ ،‬و�سابقة في �إخراج‬ ‫الكتاب‪ ،‬و«ال تعبر حافيا على الجراح»‪ ،‬و�أنتظر‬ ‫�إ�صدارين جديدين‪ ،‬الأول رواي��ة تروي معاناة‬ ‫المبدع في زمن الأزمة‪ ،‬ومن �أبطالها �صديقتي‬ ‫ال�صحفية ن��اي�ل��ة‪ ،‬و� �ش �ه��ادات ع��ن ال�سنوات‬ ‫الدامية‪ ،‬وكذلك مجموعة �شعرية عنوانها «يقين‬ ‫المعنى»‪ ،‬هي م�شروع مع دار ن�شر بلبنان‪ .‬كما‬ ‫�أ�شتغل على كتاب ع��ن التجربة الإذاع �ي��ة في‬ ‫الجزائر‪.‬‬

‫�إل��ى جانب الجوائز العربية بحوزتي �أي�ضا‬ ‫جوائز وطنية‪ ،‬مثل جائزة ثقافة وفنون‪ ،‬وجائزة‬ ‫عبدالحميد بن هدوقة‪ ..‬وقد لم�ست في الو�سط‬ ‫الثقافي �أن الجائزة العربية تعد ت�أ�شيرة دخول‬ ‫ال�ك��ات��ب �إل ��ى ب �ل��ده‪ ،‬لأن �ه��ا تمنحه م�صداقية‬ ‫و�إن�صافا‪ ،‬وتحمله م�سئولية الإبداع؛ لأنه لم يعد‬ ‫يمثل ا�سمه فقط‪ ،‬بل يمثل بلده في المحافل‬ ‫ال��دول�ي��ة‪ ،‬وبخا�صة بالن�سبة لجوائز م��ا ت��زال‬ ‫ه ��ذا ب�ح�ك��م ان �ت �م��ائ��ي ال�م�ه�ن��ي ل�ل��إذاع��ة‬ ‫تحافظ على قيمتها الإبداعية وم�صداقيتها‪.‬‬ ‫الجزائرية التي اعتز بها كثيرا‪ ،‬فتجربة العمل‬ ‫�إن �أه��م المحطات بالن�سبة ل�ل�أدي��ب‪ ،‬هي الإذاع ��ي هي تجربة �إب��داع بالدرجة الأول��ى‪..‬‬ ‫الإ�صدارات‪� ،‬أو كما �أ�سميها (�أبناء الخلود)‪ ..‬ال يمكن �أن تكون مذيعا ناجحا و�أن��ت ال تملك‬ ‫في ال�شعر �صدرت لي «تراتيل للنب�ض و�أخ��رى ح�س ًا �إبداعيا ولغ ًة راقي ًة وم�ستوىً فكرياً؛ لأنك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪41‬‬


‫عملي الإذاعي قدّم لي الكثير من الن�صو�ص‬ ‫ال�ج�م�ي�ل��ة ف��ي ال���ش�ع��ر وال �ق �� �ص��ة؛ ف�م��ن خ�لال‬ ‫برنامجي نب�ض ال��واق��ع الم�ست معاناة فئات‬ ‫اجتماعية كثيرة‪ ،‬ت�أثرت بها وع�شتها بكياني‬ ‫فكتبت «اب��ن الجبل» ن�ص ي��روي م�أ�ساة ذلك‬ ‫الطفل ال��ذي ول��د ف��ي كتيبة �إره��اب�ي��ة‪ ،‬م��ن �أم‬ ‫�إره��اب�ي��ة تعر�ضت للإغت�صاب با�سم الجهاد‬ ‫الزائف‪ ..‬وكتبت «نوارة امر�أة الزمن ال�صعب»‬ ‫عن تلك ال�م��ر�أة القوية التي غلبت ال�سرطان‬ ‫والموت فعانقتها الحياة‪ ،‬ون�صو�ص ًا �أخرى عبرتْ‬ ‫عني‪ ،‬من خالل تجاربي وتجارب �أخرى تركت‬ ‫وقعها في نف�سي‪.‬‬

‫م�شواري الأدبي فيه الكثير من المراحل التي‬ ‫هي محطات مختلفة‪ ،‬من خاللها تغيرت عندي‬ ‫الكثير من ال��ر�ؤى‪� ،‬سواء منعرجات في حياتي‬ ‫الخا�صة �أو على الم�ستوى المهني‪� ،‬أو من خالل‬ ‫معطيات ال�ساحة الثقافية‪ ..‬فالمبدع ال يحتاج‬ ‫�إلى �أي هيئة تتبناه ليكتب ويت�ألق‪ ،‬والأديب يحتاج‬ ‫ومن خالل برنامجي «مرافيء ثقافية»‪ ،‬الم�ست دوما للحرية‪ ..‬هو كطائر الهزار يقتله القف�ص‬ ‫مختلف التجارب الإبداعية لكتاب جزائريين‪ ،‬ومن وتحرره الطبيعة‪.‬‬ ‫مختلف الوطن العربي من خالل حوارات جمعتني‬ ‫ت�ن��اول��ت ك�ت��اب��ات��ي ال�ع��دي��د م��ن ال��درا� �س��ات‬ ‫بهم‪ .‬هذه �أكثر البرامج التي �أعتبر ت�أثيرها وا�ضحا‬ ‫على ن�صو�صي الأدبية‪ .‬و�إ�ضافة �إلى الإ�صدارات الأكاديمية في عدة جامعات جزائرية‪ ،‬خا�صة‬ ‫المختلفة والعمل الإذاع��ي‪� ،‬أعُ � ُّد الن�شر الم�ستمر م��ذك��رات ال �ت �خ��رج‪ ،‬و�أك �ث��ره��ا ا�شتغلت على‬ ‫في مختلف المنابر الثقافية العربية همزة و�صل مجموعة «ال��زه��رة وال�سكين»‪ ،‬و«�إف �� �ض��اءات‬ ‫مهمة‪ ،‬بيني وبين القارئ في الوطن العربي‪ ،‬و�أهم م��ن زم��ن ال��ده���ش��ة»‪ ،‬و«م���س��اف��ات المالئكة»‪،‬‬ ‫المنابر التي �أتعامل معها‪ :‬مجلة الرافد‪ ،‬ونزوى‪ ،‬على م�ستوى جامعة �سكيكدة‪ ،‬وجامعة عنابة‪،‬‬ ‫والجوبة‪ ،‬والحقائق اللندنية‪ ،‬وكذلك منذ �سنوات وجامعة الجزائر‪ ،‬والمدر�سة العليا للأ�ساتذة‬ ‫�شرفتني مجلة «حيفا لنا» بع�ضوية التحرير‪ ،‬وكثير ببوزريعة‪ ،‬وكذلك جامعة عمان وتون�س‪� ،‬إ�ضافة‬ ‫م��ن العناوين التي لها ح�ضورها الثقافي لدى �إلى قراءات عديدة قدمت لن�صو�صي من طرف‬ ‫كتاب ونقاد جزائريين منهم‪ ،‬الدكتور �شريبط‬ ‫النخبة العربية‪.‬‬ ‫كذلك �أ�شتغل في ن�صو�صي خالل ال�سنوات �أحمد �شريبط‪.‬‬

‫‪42‬‬

‫هذه بع�ض المحطات التي �أعدها مهمة في‬ ‫الأخيرة على الجانب النف�سي‪ ،‬بحكم تخ�ص�صي‬ ‫الثاني في علم النف�س الإكلينيكي (درا��س��ات م�ساري الأدب ��ي لتتوا�صل التجربة بمعطيات‬ ‫عليا)‪ ،‬ال��ذي �أع��ده �أي�ضا محطة مهمة خدمت مختلفة تولد من رحم المجهول‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ٌ‬ ‫مهب الكلمات‬ ‫�سعفة ت�ضطرب في ّ‬ ‫■ عبداهلل ال�سفر‪ -‬من ال�سعودية‬

‫قبل يو�سف �إدري�س‪ ،‬قبل نجيب محفوظ‪ ،‬قبل �إح�سان عبدالقدو�س‪ ،‬قبل توفيق الحكيم‪ ،‬قبل‬ ‫�أني�س من�صور‪ ،‬قبل غ��ادة ال�سمان‪ ،‬قبل «المكتبة الخ�ضراء»‪ ..‬قبل وقبل‪ ،‬كان «�سعد بن حجر»‬ ‫حكّاء القرية وراويتها �أوّل من نبّهني �إلى فتنة الحكاية و�سطوتها‪« .‬ابن حجر» الينبوع الذي ال‬ ‫يني يتدفّق؛ ننهل وال نرتوي‪ .‬كل مرّة يتركنا مت�أججين باالنفعاالت و�سعفة الخيال ت�ضطرب في‬ ‫مهب كلماته‪ .‬ال �أن�سى «ع�صريّات رم�ضان» تحت جدار «م�سجد الديرة» حين كنا نجتمع حوله‬ ‫بعد الخروج من الم�سجد مبا�شرة ويبد�أ في ن�سج خيوط حكاياته واح��د ًة تلو �أخ��رى‪ .‬لم تكن‬ ‫جديدة علينا‪ ،‬ا�ستمعنا لها مرارا وتكرارا لكنها تتبدّى لنا ك�أننا نتلقّاها لأول مرة‪ .‬طريقته فذّة‬ ‫في الإم�ساك بع�صب الإ�صغاء وط��رْقِ م�شاعر م�ستمعيه بت�صوير مواقف �أبطاله؛ �إنْ في لحظة‬ ‫الجد الم�شبعة بالنخوة‪� ،‬أو الحزن‪� ،‬أو تلك اللحظة الغارقة في ال�سخرية‪ .‬وكثيرا ما تتجاور في‬ ‫حكاياته الدمعة وال�ضحكة‪� ،‬إلى جوار ما ي�ست ّل ُه من دفتر حياته و�سطورها التي تقطر بجنون‬ ‫المغامرة‪ .‬كنّا نغت�سل في ينبوع «ابن حجر»‪ ،‬تلك ال�شخ�صية ال�سمراء التي قدمت �إلى القرية في‬ ‫�أربعينيات القرن الما�ضي بخزانة من التجربة ال�شخ�صية في تهامة والحجاز‪� ،‬أقرب ما تكون �إلى‬ ‫حالة �أ�سطورية يمتزج فيها المر ُح واللهو بالعملِ في �ضنك الع�سكرية والهرب منها واال�شتغال‬ ‫بمهن متعددة؛ �أعطته خال�ص َة حياة وفو َح حكاياتٍ ال يتبدّد‪..‬‬ ‫في درج الإ�صغاء‪ ،‬تح�ضر مدر�ستي االبتدائية‬ ‫في القرية؛ ال كتاب ًا مقرّرا وال منهج ًا درا�س ّياً‪.‬‬ ‫معلمان فل�سطينيان؛ «محمد الع�شا» و«علي‬ ‫�أب��و معال»‪ .‬ما �أزال �أتذكرهما جيداً‪ ،‬ول��م تغب‬ ‫عني �أبدا �صورتهما‪ .‬الأول كان م�سكونا بالجرح‬ ‫الفل�سطيني ال��راع��ف‪ ..‬ويريد لنا �أن نحدّق في‬ ‫الجرح على طريقته؛ حكايات تترى عن النكبة‬ ‫والنك�سة‪ ،‬كنا �أواخر ال�ستينيات الميالدية‪ ،‬وكنتُ‬ ‫�أدر�س في ال�صف الرابع‪ ..‬حكايات عن الخيانات‬ ‫الدولية والعربية‪ ..‬حكايات عن العمليات الفدائية‬ ‫البطوليّة ُت��ذك��ي حما�سنا وتغر�س الق�ضية في‬ ‫النخاع‪ .‬لم ي�ستمر «الع�شا» في تدري�سنا‪� ،‬أعرف‬ ‫�أنه انتقلَ �إلى مكان �آخر‪ ،‬و�أع��رف �أي�ضا ما قيل‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ت�ؤدي ر�سالة من خاللها ت�ؤثر وتغير الآخر‪ ،‬ذلك‬ ‫المتلقي في ال�ضفة الأخ��رى من الأث�ي��ر الذي‬ ‫يتعامل بمحبة ا�ستثنائية‪.‬‬

‫�إب��داع��ي وك �ت��اب��ات��ي‪ ..‬لأن �ه��ا منحتني تقنيات‬ ‫وفنيات التوغّ ل في �أعماق نف�سية �شخ�صيات‬ ‫الق�صة والرواية‪ ،‬ومن خاللها �أحاول �أن �أربط‬ ‫بين علم النف�س والأدب‪ ،‬كما ربطت من خالل‬ ‫درا�سة علمية قمت بها العام الما�ضي بين العمل‬ ‫الإذاع��ي وعلم النف�س «الإج�ه��اد النف�سي عند‬ ‫المذيعين»‪ ،‬وتعد الدرا�سة الأولى في نوعها في‬ ‫الجزائر‪ ،‬والثانية في الوطن العربي بعد درا�سة‬ ‫�سعودية‪.‬‬

‫وقتَها �أنه ال يدرّ�س بقدر ما يحكي خارج المقرر‪.‬‬ ‫المعلم الثاني «علي �أبو معال»‪ ،‬الغزاوي خريج‬ ‫الجامعات الم�صرية ت� � ّواً‪� ،‬أذك��ر دخ��ول��ه الأول‬ ‫علينا في ال�صف الخام�س معرّفا بنف�سه وبالمادة‬ ‫التي �سوف يدرّ�سها‪ ،‬على خالف الآخرين الذين‬ ‫يبد�أون في «ال�شرح» مبا�شرة مخلوط ًا بالعقاب‬ ‫الثقيل؛ حيث ��ش� ّد الآذان و�أق�ل�ام الر�صا�ص‬ ‫التي تع�صر الأ�صابع‪ .‬كان «�أبو معال» فريد ًا في‬ ‫هدوئه وت�سامحه وابت�سامته الدائمة‪ .‬ن�سيتُ الآن‬ ‫المادة التي كان يدرّ�سها لنا‪ ،‬لكني �أذك��ر جيدا‬ ‫وهجَ حكاياته الخالبة‪ ،‬وجميعها من الأ�ساطير‬ ‫اليونانية نحو �أودي ��ب وبنيلوب وبروميثيو�س‪،‬‬ ‫عرفتُ ذلك فيما بعد و�أعجب �إلى الآن كيف كان‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪43‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪44‬‬

‫يو�صل �إلينا تلك الأ�ساطير‪ ،‬من‬ ‫ِ‬ ‫دون �أ�سمائها‪ ،‬في حكاية �سهلة‬ ‫�سل�سة‪ .‬ومن الغريب �أن معلمنا‬ ‫هذا لم ي�ستمر ال ب�سبب النقل‪،‬‬ ‫لكنه ق�ضى ف��ي ح ��ادث �سير‬ ‫نزيف داخلي‪ ،‬وك�أن حياته‬ ‫�إث َر ٍ‬ ‫وم�صرعه في �أول �شبابه وج ٌه‬ ‫�آخ��ر لحكاياته وال �ق��در ال��ذي‬ ‫يتردد فيها مثل الأنفا�س‪.‬‬ ‫مِ ��ن ه � ��ؤالء ال �ث�لاث��ة (اب��ن‬ ‫حجر؛ �أبو معال؛ الع�شا) كانت‬ ‫ال��وق��دة التي نقلتْني من نعمة‬ ‫الإ�صغاء الجماعي وال�سباحة‬ ‫في �أح�لام يقظة م��وازي��ة‪� ،‬إلى‬ ‫نعمة �أخ��رى لها الطعمُ نف�سه‬ ‫ال� ��ذي ي�� َه��بُ ال�م�ت�ع��ة و�إرواء‬ ‫الحوا�س‪ ،‬لكن في �شكلٍ �أخ��ذَ‬ ‫يتحوّل م��ن الحالة الجماعية‬ ‫�إل��ى حالة ف��ردي��ة تجمعني مع‬ ‫الكتاب فقط في مكتبة «نادي‬ ‫الخليج»؛ نادي القرية الوحيد‬ ‫الذي لم يكن ريا�ضيا وح�سب‪.‬‬ ‫ك��ان ال�ن��ادي ال��ذي �صار ا�سمه‬ ‫بعد �سنوات ع�شرٍ على ت�أ�سي�سه «نادي الرو�ضة»‬ ‫محطّ ًة اجتماعي ًة ثقافي ًة ريا�ضي ًة لكبار القرية‬ ‫و�شبابها و�صغارها‪ .‬وقتَها بد�أت عالقتي بالكتاب‬ ‫في مكتبة النادي الزاخرة بمئات الكتب ال�سيا�سية‬ ‫(معظمها ع��ن ال�ق��وم�ي��ة ال�ع��رب�ي��ة)‪ ،‬والدينية‬ ‫والأدبية التي �أخذتُ في التهامها التهاما‪ .‬و�أذكر‬ ‫�أن كثيرا من تلك الكتب كانت ت��رد �إل��ى مكتبة‬ ‫النادي �إهدا ًء من ابنَيْ القرية‪ :‬خليل الفزيع و�سعد‬ ‫الخنيفر رحمه اهلل‪� .‬إ�ضافة �إلى ن�شاط القراءة‬ ‫المحموم‪ ،‬كنتُ �أ�شارك في �إنتاج �إحدى ال�صحف‬ ‫الحائطية وك��ان ا�سمها «ك��ل ��ش��يء» والت�سمية‬ ‫تعود �إل��ى مجلة م�صرية قديمة راقَ لي اال�سم‬

‫فجعلته ع�ن��وان��ا ل�صحيفتنا‪.‬‬ ‫�أذك��ر عددا منها‪� .‬صبغنا فرخ‬ ‫ال��ورق الأبي�ض باللون الأ�صفر‬ ‫ال� �م ��ائ ��ي‪ ،‬و�أل �� �ص �ق �ن��ا عليها‬ ‫المقاالت المكتوبة في �أوراق‬ ‫المق�ص �أطرافها‪ ،‬لنترك‬ ‫ُّ‬ ‫هذّبَ‬ ‫ف��راغ��ات للخلفية ال�صفراء‪.‬‬ ‫واحدة من تلك الكتابات ق�صة‬ ‫لي عن محا�سب خان الأمانة‪،‬‬ ‫��ص�ح��ا ��ض�م�ي�رُه ف�ل��م يحتمل‪،‬‬ ‫ف ��أق��دمَ على االن �ت �ح��ار‪� .‬أذك��ر‬ ‫تجربة �صحف الحائط في نادي‬ ‫الخليج‪ ،‬وبعد ذل��ك ف��ي ن��ادي‬ ‫ال��رو��ض��ة‪ ،‬بكثيرٍ م��ن الإع ��زاز‬ ‫وال�م�ح�ب��ة؛ ف�ه��ي ال �ت��ي ع�ق��دتْ‬ ‫�صلتي الأول ��ى بالكتابة �سوا ًء‬ ‫الإب��داع �ي��ة‪� ،‬أو االجتماعية‪،‬‬ ‫�أو ال��ري��ا��ض�ي��ة‪ ..‬وه��ذه حكاية‬ ‫طويلة ام �ت��دتْ معي م��ن �أي��ام‬ ‫«ال�خ�ل�ي��ج» ال��ري�ف�ي��ة �إل ��ى �أي��ام‬ ‫«الرو�ضة» الذهبية في الدرجة‬ ‫ال �ث��ان �ي��ة والأول� � ��ى وال �م �م �ت��از‪،‬‬ ‫ح�ي��ث ك�ن��تُ �أك �ت��ب‪ ،‬بم�شاركة‬ ‫ال�صديق عبداهلل ال�سيف‪ ،‬عن مباريات النادي‪،‬‬ ‫و�أعلّق الكتابة في ممر النادي‪ ،‬و�أبرز ما في هذه‬ ‫الكتابة التعليق الذي �أخ�ص به كل العب؛ مدحا‬ ‫�أو قدحا‪ ..‬م�ستفيدا من طريقة نجيب الم�ستكاوي‬ ‫وفهمي عمر؛ الأول م��ن ج��ري��دة الأه ��رام التي‬ ‫�أذهب �إلى الهفوف حا�ضرة الأح�ساء ثالث مرات‬ ‫في الأ�سبوع للح�صول عليها وعلى جريدة الأخبار‬ ‫ومجالت‪ :‬الم�صوّر و�آخ��ر �ساعة وروز اليو�سف‬ ‫و�صباح الخير و�أكتوبر وال�ك��واك��ب‪� .‬أم��ا الثاني‬ ‫فقد كنتُ �أ�ستمع �إليه في �إذاع��ة القاهرة يحلّل‬ ‫مباريات الدوري الم�صري‪.‬‬ ‫خ�لال ه��ذه الفترة �أو �آخ��ره��ا على التحديد‬

‫ت�ع� ّرف��تُ على ال�صديق �أحمد‬ ‫المال‪ ،‬الذي �أعد التعرّف �إليه‬ ‫«انقالباً» في حياتي الثقافية؛‬ ‫ق ��راء ًة وك�ت��اب��ة‪ ،‬فقد انفتحت‬ ‫�شرفة وا�سعة عب َر مكتبة �أحمد‬ ‫المال المنزلية وعبر �أ�سفاره‬ ‫التي ت�أتي لنا بطازج الحرف‬ ‫و�أب�ه��اه على عالم جديد كنتُ‬ ‫�أ�سمع عنه فقط؛ عالم الكتابة‬ ‫الجديدة ب�أعالمه الكبيرة في‬ ‫ال�شعر وال �� �س��رد وال �ف �ك��ر‪ .‬في‬ ‫ه��ذه المرحلة‪ ،‬الن�صف الأول‬ ‫من الثمانينيات كانت ال�ساحة‬ ‫الثقافية تمور مورا وت�ضطرب‬ ‫بالحِ راك الذي �سجل ْت ُه مالحقُ‬ ‫تلك المرحلة في جرائد‪ :‬اليوم‬ ‫وعكاظ والريا�ض والجزيرة‪،‬‬ ‫لكن �أق��رب�ه��ا �إل��ى النف�س كان‬ ‫ملحق «ال�ي��وم الثقافي» ال��ذي‬ ‫ك� ��ان ي �� �ش��رف ع �ل �ي��ه ال��راح��ل‬ ‫الكبير �شاكر ال�شيخ‪ ،‬وكوكبة‬ ‫م��ن ال�م�ح��رري��ن �أب��رزه��م في‬ ‫ر�أي ��ي ال�صديق ع �ب��دال��ر�ؤوف‬ ‫الغزال‪ ،‬الذي كنتُ �أتوا�صل معه و�أبعث له كتاباتي‬ ‫فين�شرها‪� .‬أت�صوّر قلق االنتظار الع�صيب بعد‬ ‫�إر��س��ال الن�صو�ص‪ ،‬والفرح العارم حين �أطالع‬ ‫الكتابة من�شورة ومعها ا�سمي الثالثي‪ ،‬بعد �أن‬ ‫كففتُ عن ا�ستخدام اال�سم الم�ستعار الذي �أرفق‬ ‫به ن�صو�صي الأولى‪ ،‬التي ن�شرتُها مبكّرا في ملحق‬ ‫«المربد» بجريدة اليوم �أيام درا�ستي في المرحلة‬ ‫الثانوية‪.‬‬ ‫في منت�صف الت�سعينيات انتقيتُ من ن�صو�صي‬ ‫م��ا ح�سب ُت ُه حينَها نا�ضجا وي�صلح �أن �أن�شره‬ ‫ف��ي ك�ت��اب‪ ،‬وبعثتُها لل�صديق قا�سم ح��داد في‬ ‫البحرين‪ ،‬الذي كان ير�أ�س تحرير مجلة «كلمات»‪،‬‬

‫وع�ن�ه��ا ك��ان��ت ت���ص��در �سل�سلة‬ ‫«كتاب كلمات»‪ ،‬لكن لظروف‬ ‫ال �أذك��ره��ا الآن انقطعت هذه‬ ‫ال�سل�سلة‪ ،‬فاقترح قا�سم الذي‬ ‫ه ّي�أ الكتاب وجهزّه للطبع‪� ،‬أن‬ ‫نر�سله �إلى «الم�ؤ�س�سة العربية‬ ‫ل �ل��درا� �س��ات وال �ن �� �ش��ر»‪ .‬ت��و ّل��ى‬ ‫ال���ص��دي��ق �أح �م��د ال �م�لا �أم� � َر‬ ‫متابعة الكتاب وبروفاته‪ ،‬ولن‬ ‫�أن�سى ل��ه �أب��دا �أن��ه دف��ع تكلفة‬ ‫ال�ط�ب��اع��ة‪ .‬ف��ي ال �ع��ام ‪1995‬م‬ ‫�صد َر كتابي الأول «يفتح النافذة‬ ‫وي ��رح ��ل» ب �غ�لاف م��ن �إه� ��داء‬ ‫ال�صديقة الفنانة ال�شاعرة‬ ‫مي�سون �صقر‪ .‬في هذا الكتاب‬ ‫نوا ُة �شخ�صيّتي الإبداعية التي‬ ‫يطبعُها االلتبا�س‪ ،‬فتخرج من‬ ‫ت�صنيف الن�ص القار في ال�شعر‬ ‫�أو ال�ق���ص��ة‪ .‬ك�م��ا �أن �ه��ا تجمع‬ ‫ب�ي��ن المخيّلة وان�ف�لات�ه��ا من‬ ‫�شرط الواقع و�إكراهاته‪ ،‬وكذا‬ ‫االنفتاح على �أعطيات الأحالم‬ ‫« ن����ص‪ :‬طقو�س �أول � ّي��ة لجثث‬ ‫ال تنتهي»‪« ..‬ن�ص‪ :‬الطريق»‪« ..‬ن�ص‪� :‬صغيران‬ ‫�أبدا»‪« ..‬ن�صو�ص‪ :‬انتباذيّة»‪ ..‬وبين االنتهال من‬ ‫الواقعة اليومية ال�شخ�صية الت�سجيلية «ن�ص‪ :‬في‬ ‫غير موعدهم يخونون»‪« ..‬ن�صو�ص‪ :‬المعلم»‪ .‬هذا‬ ‫التالزم بين المخيلة والت�سجيل‪ ،‬هل �أج ُد جذر ُه‬ ‫عند حكّاء القرية «ابن حجر» الذي نث َر �أمامنا‬ ‫حكاياته ال�شعبية ومعها �أحداث حياته‪ ،‬بما فيها‬ ‫من مغامرات �أو حتّى �أحداث عاديّة ي�صعّدها �إلى‬ ‫حكاياتٍ م�شوّقة‪ .‬هل �أجده عند «علي �أبو معال»؟‬ ‫ل�ستُ على يقينٍ من هذا الفهم‪ ،‬غير ما �أنا عليه‬ ‫من حريّة في الكتابة ت�أنف الجمركة و�أختام‬ ‫العبور‪.‬‬

‫‪45‬‬


‫ومحاولة �صنع ظفيرة من خيط دخان‬ ‫■ كاتب من ال�سعودية‬

‫((�أنا مغتاظ من كتاباتي‪ ،‬مثل عازف كمان �أذنه ممتازة لكن �أ�صابعه ت�أبى �إعادة �إنتاج ال�صوت‬ ‫الذي ي�سمعه بداخله)) غو�ستاف فلوبير‪.‬‬ ‫هناك ط��رق ال متناهية ت���ؤدي �إل��ى الموت‪ ،‬من بينها الحياة نف�سها‪ ،‬غير �إن المبدع يدرك‬ ‫بحد�سه ال بمعرفته ‪� -‬أو هكذا يزعم ‪� -‬أن الكتابة هي الطريق الوحيدة للنجاة‪ .‬وغالبا لم يحدث‬ ‫�أن نال �أحد ما‪ ،‬هذا الحظ عبر خطة مدبرة كرد فعل على ال معنى الحياة‪ ،‬لكن ال بد من �أ�سئلة‬ ‫الالمعنى‪ ،‬لكي تخ�صب الظروف التي تدفع بالمبدع قدماً نحو هذا ال�سبيل‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫و�أن ت�ستدرج لاللتفات �صوب بداية التجربة‪،‬‬ ‫والخو�ض في تفا�صيل �أ�سرارها من خالل هذا‬ ‫ال���س��ؤال ال�م��رب��ك‪ :‬م��ا ال��ذي دفعك للولوج �إل��ى‬ ‫عالم الكتابة؟ ف�إنه �سوف يعطيك فر�صة لتزوير‬ ‫فهر�س ل�سيرة �شخ�ص هو على الأرج��ح الآخ��ر‬ ‫الذي حلمت �أن تكونه‪ ،‬و�أن ت�ستعير ب�أثر رجعي‪،‬‬ ‫من حيوات الأبطال الذين حاولت �أن تتقم�صهم‬ ‫�أكثر ما يواكب �أكاذيبك بريقاً‪ .‬لكنك في الوقت‬ ‫نف�سه ينع�ش في داخلك ذلك التوتر والع�صاب‪،‬‬ ‫جراء العجز المتولّد عن �أن ما تكتبه في الواقع‬ ‫يبقى دائما �أقل مما تود �أن تكتبه‪ ،‬و�سرعان ما‬ ‫تنتبه �إل��ى ما ينطوي عليه ال�س�ؤال من �إ�شارة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م�ضمرة �إلى �أعرا�ض جفاف التجربة‪ ،‬المهددة‬ ‫دوم��ا بالن�ضوب؛ بو�صفها م�شروع ًا ناجز ًا غير‬ ‫قابل للتطوير‪ ،‬حان الوقت لترحيله �إلى �صندوق‬ ‫الذكريات البائتة‪.‬‬ ‫في ظني �أن كل التفاتة ن�صوّبها �إل��ى ال��وراء‬ ‫محكومة بخيبة القب�ض ع�ل��ى ال �� �ص��ورة التي‬ ‫�ستت�آكل‪� ،‬إن ل��م تكن ت�آكلت فعال تحت ع�ضة‬ ‫الزمن و�صيرورته المتحوّلة‪ ،‬ولن تعود هي نف�سها‬ ‫�أب��داً‪� ،‬إال في هذا الأث��ر البليد وح�سب‪ .‬وتلفتت‬ ‫عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب‪.‬‬ ‫�أن��ت �أم ��ام تلك اللحظة ال�ت��ي تعطلت فيها‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫عبدالرحمن الدرعان‬

‫الحا�سة الب�صرية عند ال�شاعر العذري‪ ،‬حيث‬ ‫تتهاوى كل الأ�شياء والأم��اك��ن‪ ،‬وتذهب �سريع ًا‬ ‫نحو فنائها تحت �ضربات الزمن الناعمة‪ ،‬وال‬ ‫يبقى �سوى ذاكرة يحيط بها التلف‪ ،‬ولن يعود في‬ ‫و�سعها �إال �أن توثق م�شهد الموت‪ ،‬بقدر ما ت�شيد‬ ‫موعدا ينت�صر للحياة‪ ..‬بو�صفها حلم ًا يثابر على‬ ‫تجديد نف�سه با�ستمرار لئال ين�ضب‪.‬‬ ‫ال �أعرف �سببا يجعلني �أعتقد ب�أن ثمة لحظة‬ ‫ما في حياة كل �شخ�ص ت�شبه ال�صرخة الالمعة‪،‬‬ ‫هي دون �سواها ما �سوف تبقى اللحظة الحيّة التي‬ ‫تجدّد �أ�صداءها‪ ،‬وتترك �شظاياها مطبوعة على‬ ‫كل لحظة تالية؛ بحيث تبدو م�ضاعفة؛ و�سوف‬ ‫تظل هي الواقعة ال�سرية التي ال تني تمدّك بما‬ ‫يغذّي الوهم الذي لن يكون في مقدورك موا�صلة‬ ‫�أجدني م�ضطر ًا �أن �أ�ؤدي دور �أمين المكتبة في‬ ‫الحياة من دونه‪.‬‬ ‫غيباته الق�صيرة‪ ،‬ويحدث ذات يوم (�أقول يحدث‬ ‫�س�أترك الحكاية تتداعى كما هي في الزمن ب�صيغة الم�ضارع عن ق�صد) �أن �أ�صادف كه ًال‬ ‫الذهني‪ ..‬ال زم��ن ال�ساعات المزيّف‪ .‬لم �أكن ‪-‬لم يكن يح�سن القراءة‪ -‬يدخل المكتبة‪ ،‬يجل�س‬ ‫قد تجاوزت العا�شرة عندما ولدت للمرة الثانية �إل��ى ط��اول��ة ال �ق��راءة بيدين عاريتين‪ ،‬ويطلب‬ ‫كما يحلو لي �أن �أزع��م‪ ،‬كنت �أذه��ب في الفترة مني البحث ع��ن ق�صائد م��ن دواوي���ن ال�شعر‬ ‫الم�سائية و�أي ��ام الإج� ��ازات المدر�سية برفقة‬ ‫ال�شعبية‪ ،‬لأق��ر�أ له فيما هو يجل�س �إلى جواري‪،‬‬ ‫عمي �إل��ى مكتبة الثقافة العامة (النواة الأول��ى‬ ‫م�ستغرقا في حالة �إ�صغاء عميق‪ ،‬ي�شبه حداء‬ ‫لمكتبة دار ال�ج��وف للعلوم)‪ ،‬ال��ذي ك��ان يعمل‬ ‫�صامتا يحدوني للرك�ض �صوب �ضفاف جديدة‪،‬‬ ‫�أمينا عاما لها �آن��ذاك‪ ،‬وهناك اكت�شفت ف�ضا ًء‬ ‫خارج �أقفا�ص الف�صول الدرا�سية‪ ،‬حيث الرفوف وعلى نحو مفاجئ كنت �ألمح �سرب حمام �أبي�ض‬ ‫عامرة بالكتب التي لم نعهدها في المدر�سة‪ ،‬من يفز من مالمحه‪ ،‬حينما ت�ضرب �أوت��ار وجدانه‬ ‫بينها عثرت على الروايات الكال�سيكية ال�شهيرة ق�صيدة ما‪ ،‬ليكلفني بلهجة �أبوية حانية �أن �أكتبها‬ ‫التي ا�ستهوتني‪ ،‬عالوة على عدد ال ب�أ�س به من له‪ .‬كهل ي�سترد �أيامه المهدورة خارج الأبجدية‬ ‫ال�صحف والمجالت الثقافية ال�شهيرة‪� ،‬أتذكر عبر �صبيّ ! تتهي�أ ل��ه فر�صة ال��وث��ب �إل��ى م��ا هو‬ ‫منها الآن مجلة العربي الكويتية ب�شكل خا�ص‪� .‬أبعد من حدود كتاب الأنا�شيد الباردة‪ ،‬يجل�سان‬ ‫وح�ي�ن��ذاك ك��ان ف�ضول الطفل يقودني �أحيانا معا كما لو �أنهما اثنان �سواهما؛ �إنه الولد الذي‬ ‫لأتعلم ال�ضرب على الآل��ة الكاتبة‪ ،‬و�أنخرط في �أدعي الآن �أنني كنته‪ ،‬وبندر الذي ما يزال ا�سمه‬ ‫التعرف على الأعمال المكتبية‪ ،‬وفي �أحيان �أخرى الأخ�ضر عالقا بذاكرتي ك�أعواد النعناع‪ ..‬بندر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪47‬‬


‫�أنني قبل ذلك ب�سنوات قليلة‪ ..‬حيث لم �أكن بلغت‬ ‫�سن المدر�سة‪ ،‬كنت �أذهب برفقة �أبي الذي كان‬ ‫يقوم بتحفيظ القر�آن للتالميذ في جامع ال�شيخ‬ ‫في�صل‪ ،‬بمعيّة ال�شيخ حمود البليهد‪ ،‬وحالما‬ ‫ينتهي الدر�س اليومي‪ ،‬ي�شرع كل منهما بالحديث‬ ‫عن ال�شعر والأدب‪ ..‬من تلك النافذة كنت �ألتقط‬ ‫النماذج ال�شعرية و�أ�ستظهرها قبيل الولوج في‬ ‫الأبجدية‪ .‬كنت �أحفظ نقائ�ض الأخطل وجرير‬ ‫والفرزدق على �سبيل المثال‪ ،‬وكان العالم يبدو‬ ‫لي وا�سعا ومحت�شدا �إلى الح ّد الذي ال �أ�ستطيع‬ ‫تخيله‪..‬‬

‫‪48‬‬

‫ع�ل��ى خلفية ه ��ذا ال�م���ش�ه��د‪ ،‬ع ��رف الطفل‬ ‫الطريق التي عليه �أن ي�سلكها لل�سيطرة على قلب‬ ‫�أبيه‪ ،‬كلما تلك�أ في تحقيق رغبته‪ :‬ورقة �صغيرة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ما يكون ع�صي ًا على الواقع يدفعني للجوء‬ ‫�إل��ى تزييفه‪ ،‬فالحياة لي�ست تلك الوقائع التي‬ ‫حدثت بالفعل‪ ،‬ولكنها �أي�ضا تلك التي كانت على‬ ‫و�شك �أن تحدث �أي�ضا‪ .‬كتبت ومزقت الكثير من‬ ‫ال��ورق‪ ،‬وما �أزال‪ ،‬كلما باغتتني �شهوة الكتابة‪،‬‬ ‫�أرت �ج� ُ�ف كطفلٍ يخط جملته الأول ��ى‪ .‬ت��رى هل‬ ‫يكون هذا الت�صحيف م�صادفة بين (المكتوب)‬ ‫و(ال �م �ك �ب��وت)؟! وه��ل ق��دم «ف��ان ج��وغ» ف��ي كل‬ ‫�أعماله الباهرة ما يعادل �أذن��ه المبتورة؟!! ال‬ ‫الكلمات وال الأل ��وان تقول �شهقتي �أم��ام زرق��ة‬ ‫البحر‪ .‬ترى ماذا �سيفعل �شخ�ص �ألفى نف�سه بين‬ ‫�أنقا�ض مدينة تداعت كثيراً‪ ،‬وم�ضى الكثير من‬ ‫�سكانها �أكثر من محاولة �صنع �ضفيرة من خيط‬ ‫دخان؟!!‬

‫تجربتي في كتابة‬ ‫الق�صة الق�صيرة‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ال�سهيان‪ ،‬المعلم الذي وثَّق �صلتي بالكتاب‪ ،‬وفتح‬ ‫عيني على تلك الطاقة الكهربائية في الكلمات‪،‬‬ ‫�إلى الحد الذي تجعل هذا الكهل القوي يتداعى‬ ‫�إزاء �صورة �شعرية‪ ،‬حتى ليبدو ه�ش ًا يكفكف‬ ‫دمعته على حافة ق�صيدة‪� ،‬أو ينتت�شي كالأطفال‬ ‫عند ق�صيدة �أخ��رى‪ .‬ما �أزال �أ�شعر �أنني مدين‬ ‫ومحظوظ لتلك المرحلة الم�شرقة‪ .‬وفيما بعد‬ ‫حالفني الحظ �أن �أك��ون تلميذا يتلقى درو���س‬ ‫التربية الجمالية على يد الأ�ستاذ �سعود بادي‬ ‫الطريف‪ ،‬الذي كنا نتفر�س في خطوط يديه‪ ،‬وهو‬ ‫ي�شد من �أوتار ال�شم�س لي�شيد لنا خيمة من نهار‪،‬‬ ‫و�أن يكون بمعيته الأ�ستاذ �سلمان جمعة العر�سان‪،‬‬ ‫ذلك الفنان ال��ذي �س�أ�صدق �أن��ه يخبئ �أعطافه‬ ‫الب�ساتين‪ ،‬كما تخبئ �شتلة اليا�سمين عطرها‬ ‫يت�سلل ليد�سها في جيبه بعد �أن ي�سوّدها بخرب�شة‬ ‫الباذخ‪.‬‬ ‫ق�صيدة تكفي للإطاحة ب�أكبر الءات��ه‪ ،‬وهكذا‬ ‫�س�أكتفي بهذه الوقفة الق�صيرة على �أح��د‬ ‫بد�أت اللعبة الماكرة بتواط�ؤ �سرّيٍّ ‪ ،‬حتى واتتني‬ ‫المكونات الأول��ى التي قادتني �إلى هذه الطريق‬ ‫الخ�ضراء‪ ،‬غير �أنني �س�أ�شير �إ�شارة �سريعة �إلى الجر�أة ذات يوم لخو�ض �ضفاف �أبعد بكثير‪.‬‬

‫■ عبداهلل الزماي ‪ -‬ال�سعودية‬

‫كتابتي للق�صة الق�صيرة وارتباطي بها‪ ,‬هو ج��زء من �شغفي وولعي بالفن والجمال منذ‬ ‫ال�صغر‪� .‬أحببت الكلمة الجميلة والعبارة الجميلة‪ ،‬و�أغرمت بالأفكار الفنية والإن�سانية العميقة؛‬ ‫حتى �أ�صبح التعامل معها والتعبير عنها بمثابة لعبة ممتعة‪( ،‬الكتابة) �إحدى �صورها‪.‬‬ ‫ب��د�أت الكتابة الأدب��ي��ة منذ �سنوات الدرا�سة بكتابة �أ�شعا ٍر عامية ركيكة‪ ،‬وخ��واط��ر �إن�شائية‬ ‫ب�سيطة‪ ،‬بد�أت تتطور طبيعيا مع زيادة العمر والوعي والتجربة والقراءة واالحتكاك‪ ،‬وغيرها‬ ‫من العوامل التي ما �أزال ازداد منها يوما بعد يوم‪.‬‬ ‫تو�سّ عت قراءتي في الق�صة وال��رواي��ة‪ ،‬وتلقائيا‬ ‫ات�سع �إدراكي لمقوماتهما وكبر حجمهما من ذائقتي‬ ‫الأدب �ي��ة‪ ,‬ال��ذائ�ق��ة ال�ت��ي ك��ان��ت مح�صورة بالقريب‬ ‫والمتي�سر وما هو في المتناول‪ ,‬فقبل �أن ن�ضرب لنا‬ ‫موعدا مع معار�ض الكتب ال�سنوية لم تكن مكتباتنا‬ ‫تكترث �أو تلقي با ًال لنوع الكتب التي تباع هناك من‬ ‫ق�صة ورواية وتاريخ وفكر وغيرها‪.‬‬ ‫تلقائي ًا تحوّل الحلم من �أنني �أكتب �إلى �أنني �أريد‬ ‫�أن �أ�صبح معروفاً‪ ،‬و�أرت��دي نظارة‪� ،‬إلى �أن �أ�صبحت‬ ‫�أكتب لأ�شبع غروري وذائقتي؛ �أكتب ال�ستمتع‪ ،‬ولأمنح‬ ‫عقلي متعة اختبار الأف�ك��ار وتقليبها على �أكثر من‬ ‫وجه؛ �أكتب لأ�صبح �أحد �أفراد هذا العالم‪ ،‬و�أ�ستطيع‬ ‫�سماع الأ�صوات من حولي بو�ضوح حين �أ�صغي �إليها؛‬ ‫�أكتب لأت�أمل ما حولي‪ ،‬و�أمتحن نف�سي في القدرة على‬ ‫�إعادة �صياغته‪.‬‬ ‫هناك الكثير من الأحداث والأ�سماء والمحطات‬ ‫التي �أ ّث��رت بي ككاتب‪ ،‬و�أ ّث��رت كذلك على ت�صوري‬ ‫للكتابة منها‪ :‬حين �أ�صدرت مجموعتي الق�ص�صية‬

‫الأولى «الوقت �أ�صفر �أحيانا» عام ‪2009‬م عن �أدبي‬ ‫حائل بالتعاون مع م�ؤ�س�سة االنت�شار العربي‪ ،‬كانت‬ ‫خطوة جريئة‪ ،‬والب��د �أن�ن��ي ا�ستفدت منها الكثير‪,‬‬ ‫ال �أ�ستطيع �أن �أت��ذك��ر الكثير ح��ول ات�خ��اذي لقرار‬ ‫�إ�صدارها‪� ،‬سوى �أنها فكرة جريئة نوعا ما ‪ -‬قا�سمني‬ ‫�إي��اه��ا وحر�ضني عليها ال�صديق الأ�ستاذ عبداهلل‬ ‫الحربي م�سئول الن�شر في النادي �آنذاك‪ -‬مرت ببالي‬ ‫ول��م تجد الكثير من الممانعة والمقاومة؛ ولكنني‬ ‫�أ�ستطيع �أن �أتذكر ما حدث بعد ذلك‪ ،‬وهو �أن �إ�صداري‬ ‫للمجموعة و�ضعني مبا�شرة �أمام القراء‪ ،‬و�أمام كتّاب‬ ‫الق�صة‪ ،‬و�ضعني فعال �أمام الآخرين‪ .‬الآخ��رون هنا‬ ‫هم �أكبر عدد ممكن من النا�س بعيدا عن دائرتي‬ ‫ال�صغيرة‪ ،‬جعلني في مواجهة �أ�سئلتهم و�أذواقهم‪,‬‬ ‫هذا الموقف الذي و�ضعت نف�سي فيه جعلني م�سئوال‬ ‫ب�شكل �أو ب��آخ��ر‪ -‬لي�س فقط عما �أك�ت��ب‪ ،‬ب��ل حتى‬‫عما يكتب الآخ��ر‪� ,‬أرغمني على �أن �أك��ون متوا�صال‬ ‫�أكثر‪ ،‬وحا�ضر ًا �أكثر‪ ،‬وقارئا �أكثر‪ ،‬ومطلعا �أكثر على‬ ‫تجارب الآخرين‪ ،‬مقارنا بينها؛ ما جعلني فعال حذرا‬ ‫�أكثر �أثناء الكتابة‪ ،‬وكذلك �أكثر اجتهادا لأكون �أكثر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪49‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪50‬‬

‫ت�م�ي��زا و�أك �ث��ر ج �م��اال‪ ..‬ك�ث��رة ما‬ ‫ورد من كلمة (�أكثر) هنا تعك�س‬ ‫�إيماني الكبير بحاجتي لالجتهاد‬ ‫في العمل‪ ،‬وال�صدق في التجربة‪،‬‬ ‫والإخ�لا���ص للفن ال��ذي �أ�صبحت‬ ‫�ضمن كتيبته و�أحد جنوده‪.‬‬ ‫مرّة ت�صفحت بال�صدفة �إحدى‬ ‫ال�صحف الكويتية‪ ،‬فوجدت كالما‬ ‫ع��ن م�ج�م��وع�ت��ي م��ن ��ش�خ����ص ال‬ ‫�أعرفه‪ ،‬وك��ان ذلك م�ؤ�شرا مهما‬ ‫وح ��اف ��زا ث�م�ي�ن��ا‪ ,‬ك ��ان ي�ع�ن��ي �أن‬ ‫خطوتي �أ�صبحت �أبعد و�أ�صدق!‬ ‫كان ي�شغل بالي في تلك الفترة‪ ،‬كيف �أ�ستطيع �أن‬ ‫�أق�دِّم �شيئا جديدا والفتا‪� ،‬أن �أكتب ن�صو�صا جاذبة‬ ‫وممتعة‪ ،‬تعك�س مهارتي‪ ،‬وت�أخذني �إلى القارئ ب�أ�سرع‬ ‫الطرق و�أ�صعبها في الوقت نف�سه‪ .‬كنت حينذاك �أكتب‬ ‫بمنتديات (ج�سد الثقافة) في ق�سم الق�صة والرواية‬ ‫ال��ذي �أ�صبحت م�شرفا عليه فيما بعد‪ ,‬وال��ذي كان‬ ‫�أ�شبه بور�شة �سردية حقيقية ت�ضم �أهم الأ�سماء في‬ ‫كتابة ال�سرد محليا‪ ,‬وكان هناك العديد من الر�ؤى‬ ‫والم�شاك�سات والق�ضايا ال�ساخنة والمهمة‪ ،‬والمتابعة‬ ‫اليومية الكبيرة‪ ،‬على يد عدد من ال�شباب الطامحين‬ ‫والموهوبين‪ ،‬الذين معظمهم �أ�صدقائي الآن‪ ،‬والذين‬ ‫�شكّل احتكاكي معهم ووجودي بينهم �أعظم الأثر في‬ ‫ذائقتي الفنية‪ ،‬واال�ستفادة من تجاربهم و�آرائهم‬ ‫و�إطالعهم على الآداب العالمية الأخرى‪ ,‬الحقيقة �أن‬ ‫تلك الفترة منذ بداية ت�سجيلي عام ‪2008‬م هي التي‬ ‫�شكلتني و�أفادتني كثيرا‪ ،‬ولأنني ذكي و�سريع الت�أثر‪..‬‬ ‫فقد خرجت من تلك الفترة ب�أكبر ق��در ممكن من‬ ‫المكا�سب على ال�صعيد الفني‪.‬‬ ‫�أعتقد �أن تجربتي ال�صغيرة في الكتابة ‪ -‬رغم‬ ‫فترتها الزمنية الق�صيرة ن�سبيا‪ -‬ثرية وجميلة لدرجة‬ ‫�أنها ا�ستحقت �أن تتوج ولو بالي�سير حين حزت على‬ ‫جائزة (�أدبي الريا�ض) للق�صة الق�صيرة عام ‪2011‬م‬

‫عن ن�ص (كيف تنجح في التقاط‬ ‫�صورة جميلة)‪ ،‬هذا الن�ص وهذه‬ ‫ال �ج��ائ��زة ال� �ل ��ذان اف �ت �خ��ر بهما‬ ‫كثيرا‪ ,‬هذه الجائزة التي جعلت‬ ‫�شابا مثلي يعتلي المنبر‪ ،‬ويتفوق‬ ‫على �أ�سماء كبيرة �شاركت في تلك‬ ‫الم�سابقة‪ ،‬وك��ان لها العديد من‬ ‫الإ��ص��دارات‪� ,‬شعرت فعال حينها‬ ‫�أنني قدمت �شيئا جيدا‪.‬‬ ‫ه ��ذا ال�ت�ت��وي��ج ال���ذي �أهّ �ل�ن��ي‬ ‫فيما بعد �أن �أقف موقف الأ�ستاذ‬ ‫�أو ال�م�ق� ّي��م ف��ي م �ج��ال الق�صة‬ ‫الق�صيرة في �أكثر من موقف‪� ،‬سواء حين كنت م�شرفا‬ ‫على ق�سم الق�صة الق�صيرة والرواية والتي بد�أت فيها‬ ‫بتطبيق م�شروع جديد وجميل بم�ساعدة الزميلين‬ ‫�صالح القر�شي وعلي المجنوني‪ ،‬وهو اختيار «ق�صة‬ ‫ال�شهر» من مجموع الق�ص�ص التي تن�شر في الق�سم‪،‬‬ ‫وجعلنا ذلك على مر�أى الأع�ضاء وت�صويتهم‪ ..‬ال�شيء‬ ‫الذي �أثار المزيد من التفاعل واالهتمام‪ ،‬كما عملنا‬ ‫على ن�شر الق�ص�ص الفائزة‪ ،‬وكذلك على ترجمتها‬ ‫�إلى �أربع لغات عالمية‪ ..‬كانت تجربة مميزة وفريدة‪,‬‬ ‫ال ي�ضاهيها في الجمال �إال تجربتي حين عملت على‬ ‫�إعداد كتاب «�سنابل جبلية»‪ ،‬بم�شاركة الزميل القا�ص‬ ‫جاراهلل العميم ‪ ,‬والذي كان يحوي خم�سة وع�شرين‬ ‫ق�صة لمجموعة من �شباب و�شابات منطقة حائل‪,‬‬ ‫كانت تجارب جميلة ومفيدة بمعنى الكلمة‪� ..‬أهّ لتني‬ ‫�أن �أك��ون ع�ضو لجنة تحكيم لأكثر من م�سابقة في‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪ .‬ب�صرف النظر عن نجاحي‪ ..‬ف�إن‬ ‫كوْني محل ثقة الآخرين في هذا المجال هو �شيء‬ ‫ي�ستحق الفخر‪ ،‬ويعني �أن��ك قدمت م��ا ي�ؤهلك في‬ ‫�أعينهم على الأقل‪.‬‬ ‫م��ا ي ��زال ل ��ديَّ الكثير م��ن ال�ط�م��وح��ات الفنية‬ ‫والم�شاريع الكتابية الم�ؤجلة‪� ،‬أتمنى �أن �أجد الفر�صة‬ ‫ي��وم��ا م��ا لإن �ج��ازه��ا بال�شكل ال��ذي �أري���ده وم��ن ثم‬ ‫�إظهارها‪.‬‬

‫تجربتي‬ ‫في الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ علوان ال�سهيمي‬

‫الكتابة تمزّ قنا‪!..‬‬

‫�أ�صعب ما يمر على المبدع �أن يتحدث عن نف�سه‪ ،‬فوظيفته �أن يقدّم ما لديه‪ ،‬ثم يم�ضي بعيداً‬ ‫تاركا للآخرين الحديث كما يحلو لهم‪.‬‬ ‫في البداية �أح��ب �أن اعترف لكم ب�أنني �صرت كاتبا بال�صدفة‪ ،‬و�صرت �أعتقد فيما بعد �أن‬ ‫هذه ال�صدفة �أمر جميل ورائع‪ ،‬لكن بعد مرور �سنوات‪ ،‬اكت�شفت �أن الكتابة هنا ت�شبه كثيرا �أن‬ ‫تتحول �إلى مهرّج‪ ،‬تدهن وجهك بكثير من الأ�صباغ لتمتّع الآخرين‪ ،‬ثم ت�شاهد ب�شاعة وجهك‬ ‫بعد العر�ض‪ ،‬وتت�أمل دمامتك!‬ ‫لكنها لعنة‪� ،‬إن �أ ُِ�صبت بها يوما‪ ،‬فلن تتخل�ص منها �إلى �أن تموت‪� ،‬ست�شعر بداي ًة �أنها �شيء‬ ‫ي�شبه ال�سحر‪ ،‬فلي�س �أجمل من �أن تبقى في قلوب النا�س وفي عقولهم يوما بعد يوم‪ ،‬حتى بعد‬ ‫�أن تموت‪ ،‬وفي المقابل‪� ..‬إن كنت تملك قلبا حياً‪� ،‬ستكت�شف �أن الثقافة والكتابة والإبداع �ستتحول‬ ‫�إلى طوق فيما بعد يطوّق عنقك‪ ،‬وربما ينظر النا�س ‪-‬من بعيد‪� -‬إليه ف َيرْو َن فيه جماال‪ ،‬لكنهم‬ ‫لن يتنبهوا يوما �أنه يخنقك �أكثر ف�أكثر‪.‬‬ ‫ح�ضرت لي �أمي الغداء بعد‬ ‫م�شرد‪ .‬وذات يوم ّ‬ ‫البداية‬ ‫�أن فر�شت �صحيفة الوطن ك�سفرة‪ ،‬و�أثناء تناولي‬ ‫�س�أحكي لكم حكاية‪:‬‬ ‫له‪� ،‬أخذت �أت�أمل الأخبار والمقاالت المن�شورة‬ ‫حينما كنت �أدر���س في الكلية‪ ،‬كنت �أ�صحو ف��ي ذل��ك ال�ع��دد ال��ذي تحول ب�ق��درة ق��ادر �إل��ى‬ ‫مبكرا و�أذه��ب �إليها‪ ،‬وال �أع��ود �إل��ى المنزل �إ ّال �سفرة طعام لطالب ي�صحو مبكرا‪ ،‬ثم يعود �إلى‬ ‫نحو ال�ساعة الرابعة ع�صرا‪ ،‬فكانت �أمي تترك منزله ع�صرا ليتناول غداءه‪.‬‬ ‫بالمنا�سبة‪ ،‬لم ا�ستفد كثيرا من درا�ستي في‬ ‫لي جزءا من الغداء‪ ،‬ف�أتناوله بمفردي مثل قط‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪51‬‬


‫‪52‬‬

‫قر�أت في ذلك العدد ‪-‬و�أنا �أتناول غدائي‪-‬‬ ‫مقاال لكاتبة تتحدث فيه عن تعدد الزوجات‪،‬‬ ‫فا�ستفزني المقال‪ ،‬لدرجة تركت معها طعامي‪،‬‬ ‫وتناولت دفتر محا�ضراتي‪ ،‬وبد�أت �أكتب ردا على‬ ‫الولوج في هذا العالم‬ ‫مقالها‪ ،‬وما �أن انتهيت من كتابته حتى انطلقت‬ ‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬بد�أت �أكتب مقاالت و�أر�سلها‬ ‫�إل��ى مقهى للإنترنت ‪-‬ك��ان مجاورا لمنزلنا‪ -‬لل�صحيفة‪ ،‬كنت �أر�سل خم�س مقاالت وال ين�شر‬ ‫ونقلت المقال في ر�سالة‪ ،‬و�أر�سلته على بريد لي �إال مقال واحد‪ ،‬وهذا ما �شجعني �أكثر ف�أكثر‪،‬‬ ‫�صفحة «نقا�شات» في تلك ال�صحيفة‪.‬‬ ‫�صحيح �إنهم كانوا يحذفون �أ�شياء كثيرة من‬ ‫لم �أكن �أنتظر ن�شره �أبدا‪ ،‬ولم يخطر ببالي م�ق��االت��ي‪ ،‬لكنني كنت �أق ��ول فيما بيني وبين‬ ‫�أن ين�شر �أ�صال‪ ،‬العتقادي �أن ال�صحافة ال يكتب نف�سي‪� :‬إنني �صغير على الحكم‪� ،‬إنهم يعرفون‬ ‫فيها �إال عِ لية القوم من المثقفين والكتاب‪ ،‬و�أنهم �أكثر مني‪.‬‬ ‫لن ينتبهوا لطالب �صغير من مدينة �صغيرة‬ ‫ومع مرور الأيام‪ ،‬ومع ازدياد معدل المقاالت‬ ‫�شمالي المملكة ا�ستفزه مقال لكاتبة عن تعدد التي تن�شر لي‪ ،‬بد�أت �أت�أمل فيما �أكتبه فوجدته‬ ‫الزوجات‪ ،‬لكنني بعدما �أر�سلت المقال �شعرت ركيكا مقارنة مع ما كان يكتب من مقاالت في‬ ‫براحة تامة‪ ،‬و�أنني �أنجزت ما كان ينبغي عليَّ ذات ال�صفحة‪ ،‬فا�ست�شرت �صديقا لي‪ ،‬ف�أمرني‬ ‫فعله‪ ،‬وعدتُ �إلى منزلي بعدما ذيّلت مقالي ذاك ب��ال�ق��راءة‪ ،‬وزودن ��ي بكتب كثيرة‪� ،‬أغلبها كان‬ ‫با�سم م�ستعار‪.‬‬ ‫ممنوعا في ال�سعودية‪ ،‬حتى �أدمنت على قراءة‬ ‫بعد يومين من �إر�سال المقال‪ ،‬فتحت بريدي الكتب الممنوعة‪ ،‬وغدوت مهرّبا محترفا لتلك‬ ‫الإلكتروني‪ ،‬فوجدت ر�سالة من الق�سم الثقافي الكتب من الخارج فيما بعد‪.‬‬ ‫في �صحيفة الوطن تقول (�إن �أردت ن�شر المقال‪،‬‬ ‫ال�ط��ري��ف ف��ي ال�م��و��ض��وع‪� ،‬أن �ن��ي بعد قرابة‬ ‫الرجاء �إر�سال ا�سمك ال�صريح ليتم ن�شره)‪ .‬ال�سنتين من ذلك اليوم الذي ن�شر فيه مقالي في‬ ‫�شعرت ب�ف��رح ال ي�ضاهى‪� ،‬إن�ه��ا بهجة الن�شر ال�صحيفة‪ ،‬تم االت�صال بي من �صحيفة الوطن‬ ‫الأولى‪ ،‬تلك البهجة التي ت�شعر من خاللها ب�أنك ي�س�ألوني �إن كنت �أود االلتحاق بال�صحيفة كمحرر‬ ‫�أ�صبحت �أحد الم�شاهير في العالم‪ ،‬فبادرتهم متفرغ ثقافي‪ ،‬للعمل في المقر الرئي�س في �أبها‪،‬‬ ‫ب�إر�سال ا�سمي‪ ،‬وبقيت طوال ثالثة �أيام �أ�شتري وكنت �أيامها عاطال عن العمل‪ ،‬فالتحقت بها‪،‬‬ ‫�أعداد الجريدة‪ ،‬وال �أجد لمقالي وجودا‪ ،‬ف�شعرت وبعد �أ�سبوعين من التحاقي ا�ستلمت �صفحة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ي �ق��ول ال ��روائ ��ي ع�ب��دال��رح�م��ن منيف (�إن‬ ‫ال��روائ��ي يكتب ج��زءا منه ف��ي �أي عمل روائ��ي‬ ‫ين�شره) و�أنا ال �أنكر �أنني كتبت جزءا مني في‬ ‫كل رواياتي التي ن�شرتها‪ ،‬لأن الكاتب ال ينف�صل‬ ‫�أبدا عما يكتبه‪.‬‬ ‫ظ�ه��رت رواي ��ة «ال� ��دود» بعد لحظة ت�أملية‬ ‫جل�ستها مع نف�سي‪ ،‬هذه الرواية التي تتحدث عن‬ ‫مو�سم الهجرة �إلى ال�شمال‪ ،‬و�أنا هنا ال �أق�صد‬ ‫رواي��ة (مو�سم الهجرة �إل��ى ال�شمال) للروائي‬ ‫ال���س��ودان��ي الطيب �صالح رح�م��ه اهلل‪ ،‬لكنني‬ ‫�أق�صد تلك الفترات التي يذهب فيها �شباب‬ ‫المناطق الحدودية �شمالي المملكة وبخا�صة‬ ‫تبوك �إلى دولة �سوريا‪ ،‬ويمار�سون فيها كل ما‬ ‫يودون‪ ،‬من دون رادع‪.‬‬ ‫وبعد �أق��ل من ثالثة �أ�شهر من ن�شر روايتي‬ ‫الأول��ى «ال��دود» ب��د�أت بكتابة رواي��ة «الأر���ض ال‬ ‫تحابي �أحدا»‪.‬‬ ‫ثم جاءت روايتي الأخيرة «القار»‪.‬‬ ‫في تلك الأيام كنت �أكتب ق�ص�صا ق�صيرة‪،‬‬ ‫وكنت �أفتر�ض في نف�سي �أنني ل�ست قا�صا �أبدا‪،‬‬ ‫�إنما كانت الق�ص�ص بالن�سبة لي م�شاريع روايات‬ ‫م�شوّهة لم تكتمل بعد‪ ،‬ل��ذا �أذك��ر �أن��ه جاءني‬ ‫�صديق م�ب��دع وم�سئول ف��ي ه��ذا ال �ن��ادي ذات‬ ‫يوم وقال لي‪� :‬أود منك �أن تر�سل لي بع�ضا من‬ ‫ق�ص�صك‪ ،‬لأننا ب�صدد �إ�صدار كتاب يتحدث‬

‫لكنني بعد �سنة ون�صف ال�سنة �أو يزيد‪،‬‬ ‫ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الأول ��ى‪( :‬قبلة‬ ‫و�أ�شياء �أخ��رى)‪ ،‬و�أنا �أتراجع الآن عن قناعتي‬ ‫ال�سابقة في �أنني خلقت روائيا فقط‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الكلية‪� ،‬إلى �أن وجدت وظيفة �أقتات منها فيما‬ ‫بعد‪ ،‬و�أن �أحمل في قلبي كرها لبع�ض الدكاترة‬ ‫الذين در�سوني؛ لتعاملهم معنا كتعامل طغاة‬ ‫العرب مع �شعوبهم‪.‬‬

‫بالخيبة‪ ،‬لكن في اليوم الرابع وج��دت مقالي‬ ‫من�شورا في زاوية �صغيرة من الجريدة‪ ،‬عندها‬ ‫�شعرت بن�شوة ال مثيل لها‪ ،‬ومنها ب��د�أت �أدخل‬ ‫عالم الكتابة‪ ،‬لكنني م ُِ�ص ٌر الآن �أنني دخلت‬ ‫�إلى هذا العالم بالم�صادفة‪ ،‬مثل �أن تقف ذات‬ ‫يوم �أمام م�سئول كبير في دولة ما‪ ،‬وي�ستلطفك‪،‬‬ ‫وتتعيّن وزيرا فيما بعد‪.‬‬

‫«نقا�شات» التي كنت �أن�شر فيها مقاالتي‪ ،‬وكانوا عن القا�صين والقا�صات في المنطقة‪ ،‬فقلت له‬ ‫يعدلون الكثير منها‪ ،‬و�أ�صبحت �أنا من يعدل على في ذلك اليوم‪� :‬إنني ال �أعتبر نف�سي قا�صا‪ ،‬لقد‬ ‫مقاالت الآخرين ويجيز ن�شرها مبدئيا‪.‬‬ ‫ولدت روائيا‪ ،‬والق�صة بالن�سبة لي ثرثرة ق�صيرة‬ ‫النف�س‪ ،‬وال �أحب �أن يرح ا�سمي ككاتب ق�صة‪.‬‬ ‫كيف ظهر» الدود»؟‬

‫كيف جاءت فكرة المجموعة؟‬ ‫�أث �ن��اء كتابتي ل��رواي��ة «ال �ق��ار» �أخ��ذت �أق��ر�أ‬ ‫ق�ص�صي التي كنت �أكتفي بن�شرها في مدونتي‬ ‫على الإنترنت‪ ،‬و�شاركت باثنتين �أو ثالث منها‬ ‫في بع�ض المجالت الأدبية‪ ،‬فوجدت �أن بع�ض‬ ‫هذه الق�ص�ص كتب ب�شكل جميل ورائع‪ ،‬ويمكن‬ ‫ن�شره في كتاب؛ فجمعتها كلها‪ ،‬وبد�أت �أنقحها‪،‬‬ ‫فحذفت كثيرا منها‪ ،‬واكتفيت ‪-‬ف��ي النهاية‪-‬‬ ‫بـثالثة ع�شر ن�صا ن�شرتها في مجموعة �صغيرة‬ ‫لم تتجاوز المئة �صفحة‪ ،‬ووجدت معها تفاعال‬ ‫من القراء؛ ف�آمنت ب�أننا في بلد ال يبحث عن كم‬ ‫ال�صفحات في الن�شر‪� ،‬إنما ت�ستهويهم الأعمال‬ ‫ال�صغيرة؛ فبع�ضهم ك��ان يقر�أ المجموعة في‬ ‫�أربع �ساعات‪ ،‬وير�سل لي ر�أيه ب�سرعة‪ ،‬والبع�ض‬ ‫الآخر يخبرني ب�أنه لم يبق معها �أكثر من ن�صف‬ ‫يوم‪ .‬لكن الكائن الثرثار في داخلي لم يتعظ من‬ ‫هذه التجربة‪ ،‬فخرجت روايتي الأخيرة في كم‬ ‫هائل من الكلمات‪ ،‬لكنني �أ�شعر ب�أن لهذا الكم‬ ‫مبرره‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪53‬‬


‫�شهادة �أدبية‬ ‫كلهم خانوا قهوتي‪..‬‬

‫كنت �أل��وذ �إل��ى انك�ساري قبل �أن نلتقي في‬ ‫�إغما�ضة عن �أعين الرقباء‪ ،‬ف�أكتب لها هذياناتي‬ ‫التي �سرعان ما عرفت �أنها تنتمي �إلى فن الق�صة‬ ‫الق�صيرة‪ ،‬وتلوذ في �أحايين كثيرة �إلى ال�شعر‪.‬‬

‫■ عمار اجلنيدي ‪ -‬الأردن‬

‫في الثالث من �أيار ‪1967‬م‪� ،‬أطلّت �سحنتي‪ ،‬لترى نور الحياة‪ ،‬وكان مولدي‬ ‫–على ما بدا‪ -‬نذيراً ببدء المناو�شات الع�سكرية مع الكيان الإ�سرائيلي التي‬ ‫�سرعان ما تحوّلت �إل��ى هزيمة نكراء «�سميت فيما بعد بالنك�سة»‪ ،‬ويعتقد‬ ‫الكثيرون جازمين �أنني �سبب النك�سة‪..‬‬ ‫ولعل �شظف العي�ش الذي ذقته‪ ،‬والحرمان والخوف والق�سوة التي كانت‬ ‫تلفّ مدارات الر�ؤيا حولي؛ قد ترك ب�صماته الوا�ضحة على م�سيرة حياتي‪،‬‬ ‫وعلى وعيي الثقافي والإبداعي‪..‬‬ ‫ففي زمن تغيرت فيه القيم والمبادئ وتبدلت‪� ،‬أبحث عن كبير ي�ستحق �أن �أتمرد عليه؛ فلم �أجد‬ ‫ف�أ�صبح الأزعر يقال عنه (�شاطر) و(قد حاله)‪ ،‬غيره‪� :‬أبي‪.‬‬ ‫وعن الطيب (�أهبل)‪ ،‬والأنيق (مغرور)‪ ،‬والكريم‬ ‫من ال�صعب �أن تتمرد على �أكبر المتمردين‪،‬‬ ‫(م�سرف وم �ب �ذّر)‪ ،‬و� �ص��ارت قيم ال��ود والأل�ف��ة وبخا�صة �إذا كان واثقاً‪ ،‬ويرى الجميع تالميذ في‬ ‫والخير تفهم بغير معناها‪ ،‬رغم �أننا بحاجة �إلى‬ ‫ح�ضرته‪.‬‬ ‫هذه القيم‪ ،‬لنحافظ على ما تبقى من �إن�سانيتنا‪.‬‬ ‫ا�ست�شرته في الأمر‪ ،‬ف�أ�شار عليّ �أن ابحث فيّ‬ ‫وعليه‪ ،‬ف��ان ه�ن��اك نمط ًا م��ن الب�شر ي�شرّعون‬ ‫الخيانة ويبررونها ويعطونها كثيرا من �أخ�لاق عما ي�ؤهلني �أن �أكون متفرد ًا ومميزا‪.‬‬ ‫الفرو�سية‪.‬‬ ‫�أق�ن�ع�ت�ن��ي ال �ف �ك��رة ورح���ت �أب �ح��ث ع��ن تلك‬ ‫وم��ا �أزال �أذك��رن��ي لحظة �ضبطني فيها �أبي الأ�شياء‪ ،‬فلم يجد ال�صغير ذو البنية الج�سمية‬ ‫�أقترف الق�صيدة؛ �أذكر �أنه ا�ست�شاط قهرا‪� ،‬أمر الهزيلة وال�ق��وام ال�شاحب �إال الإب ��داع الفكري‬ ‫والأدبي‪ ،‬وبخا�صة بعد �أن تبرعمت �أ�شتال الحياة‬ ‫بجلدي ثمانين �صفعة‪.‬‬ ‫لم �أكن (وما �أزال) في حالة ت�صالحيه مع كل في مزرعة الوجود‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫و�أم��ي – �سامحها اهلل ‪ -‬ظنّت بي الظنون‪،‬‬ ‫من حولي‪ ،‬ووجدتني مدفوع ًا �إلى حالة من التمرد‬ ‫عليهم‪ .‬وحر�ضني �أح��ده��م �أن �أج��د كبير ًا كي ف�أخذتني �إل��ى ال�شيخ‪ ،‬ال��ذي ق��ر�أ عليّ بع�ض‬ ‫�أتمرد عليه‪ ..‬تطلعت حولي‪ ،‬وحول حولي‪ ،‬ورحت تمائمه وكتب لي حجاب ًا رقدت على �إثره حفنة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫من هذه الأ�ساطير المكتنزة بالخياالت والأوهام‬ ‫والهذيان‪.‬‬

‫وزادن��ي تم�سكا بما �أكتب عندما عرفت �أن‬ ‫المر�أة قادت ابن عربي �إلى ال�شعر‪ ،‬و�إن ال�شعر‬ ‫قاده �إلى الت�صوف‪..‬‬ ‫من ال�سنوات‪..‬‬ ‫تب ّر�أ الأ�صدقاء من م�شاك�ستي‪ ،‬ون�صب �أهل‬ ‫قريتي م�شنقتي على بوابة القرية‪ ،‬وتركوني �أبحث‬ ‫عن غزالة القلب في محمية ال�ضباع‪.‬‬ ‫لكن ذل��ك‪ ،‬كل ذل��ك‪ ،‬لم ي�ؤثر ف��يّ ‪ ،‬بل زادني‬ ‫عناد ًا و�إ�صرار ًا على ارتكاب المزيد من الق�صائد؛‬ ‫�إنما الذي طحن تما�سكي‪� ،‬أن من �أغوتني بكتابة‬ ‫الق�صيدة؛ تزوجت من �أول قاطع طريق‪.‬‬ ‫وف��ي مو�سكو‪ ،‬ك��ان در�سي الأول في الكتابة‬ ‫الأدبية‪ ،‬عندما كنت في ال�سنة التح�ضيرية في‬ ‫جامعة ال�صداقة الرو�سية‪ ،‬التحقت بكلية الطب؛‬ ‫ه��ذا التخ�ص�ص ال��ذي �أمقته تماما كما �أمقت‬ ‫الفقر‪ .‬تعرفت عليها كما يتعرف الأطفال على‬ ‫بع�ضهم البع�ض‪ .‬قلت لها كالم ًا لم �أك��ن واعي ًا‬ ‫حين قلته‪ ،‬لكنه فيما بدا قد �شكل لديها الرغبة‬ ‫ب�أن ت�سمع المزيد من هذه الهذيانات التي تقترب‬ ‫في �صدقها من الأ�سطورة‪.‬‬ ‫�أ�سرني �صمتها ورغبتها في �سماع المزيد‪،‬‬ ‫و�شكل ذلك عندي حافز ًا قوي ًا لكي �أجترح المزيد‬

‫وعندما ٌرتّبتْ لي �إقامة جبرية في م�ست�شفى‬ ‫�ألـ (‪� )64‬سيء ال�صيت‪-‬في مو�سكو‪ -‬بد�أ يراود‬ ‫انتباهي �شعور مختلف‪ ،‬حيث كنت �أتقا�سم الغرفة‬ ‫في الم�ست�شفى مع خم�سة من ال�سوفيات المر�ضى‪،‬‬ ‫كنت �أراهم يجل�سون على �أ�سرّتهم ينهلون الكتب‬ ‫ب�صمت ال�ق�ب��ور‪ ،‬وال يك�سر ه��ذا ال�صمت غير‬ ‫قهقهات �أحدهم وهو يقر�أ موقف ًا م�ضحك ًا بين‬ ‫دفتي الكتاب‪ .‬ا�ستهوتني الفكرة‪ ..‬فبد�أت �أقر�أ‬ ‫ما ينتهون منه بما ت�سعفني اللغة الرو�سية التي‬ ‫تعلمتها ب�سرعة فائقة‪ .‬كانت الق�صيدة �أول ما‬ ‫حطّ ت عليه رحالي الإبداعية‪ ،‬فن�شرت ديواني‬ ‫الأول‪« :‬وه��ج االنتظار الأخير» بدعم من وزارة‬ ‫الثقافة‪1995/‬م‪ ،‬ثم توالت عملية الن�شر تحت‬ ‫فن�شرت ديواني‬ ‫ُْ‬ ‫طائلة الإغراءات التي حا�صرتني‪،‬‬ ‫الثاني‪« :‬راي ��ات على �سفح ال�شفق» ف��ي مطالع‬ ‫ع��ام ‪1999‬م‪ ..‬ون�شرت مجموعتي الق�ص�صية‬ ‫الأولى بعنوان‪« :‬الموناليزا تلب�س الحجاب» عام‬ ‫‪1996‬م‪ .‬ثم ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الثانية‪:‬‬ ‫خيانات م�شروعة‪ ،‬بدعم من وزارة الثقافة عام‬ ‫‪2003‬م‪ ،‬ثم دعمت �أمانة عمان الكبرى مجموعتي‬ ‫ال�شعرية‪ :‬رماح في خا�صرة الوجع ‪2004‬م‪ ،‬ثم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪55‬‬


‫ولعل م�شاركتي في العديد من المهرجانات‬ ‫والأم�سيات والحواريات ال�شعرية والق�ص�صية‪،‬‬ ‫وف ��وزي ب�ع��دد م��ن ال�ج��وائ��ز الأدب �ي��ة‪ ،‬ق��د �أغنى‬ ‫تجربتي‪ ،‬و�أعطتني فر�صة االلتقاء مع المتلقي‬ ‫وجه ًا لوجه؛ ما زاد ثقتي بما يعتمل في قلقي‬ ‫من هذيان وقهر وتمرد‪ ،‬ف�أ�شعرني فوزي بخم�س‬ ‫جوائز �أدبية ب�أن ما �أكتبه يخ�ضع لمقايي�س التميز‬ ‫والإده��ا���ش رغ��م �أنني �شخ�صي ًا غير مده�ش �أو‬ ‫متميز‪ ،‬بل �إنني مُمِ ّل وم�ضجر ح ّد ال�سلبية؛ ما‬ ‫�شكل فجوة بيني وبين م��ا �أك �ت��ب؛ حتى �صرت‬ ‫�أتمنى لو �أنني متميز ًا كما �أكتب‪ ،‬ولدرجة �أنني‬ ‫�صرت �أ�شعر بالغيرة مما �أكتب؛ وعليه‪ ،‬فقد قررت‬ ‫�أن ال �أ�شترك بم�سابقات �إبداعية بعد اليوم‪ ،‬لكن‬ ‫المحزن �أن ي�أتي هذا االعتراف في غالبه بتميز‬ ‫و�أ�صالة الحركة الأدبية الأردنية من خارج الأردن!‬

‫لم يت�سع لها جن�س �أدب��ي واح��د‪ ،‬فقد لج�أت �إلى‬ ‫المزاوجة والمثالثة‪ ،‬حتى اقتنعتُ ب�أن الحقيقة‬ ‫�أكبر من �أن تعك�سها مرايا ال��ذات وال��واق��ع بما‬ ‫تحمله م��ن �صور لها �أب�ع��اده��ا الخا�صة‪ ،‬والتي‬ ‫تبث عمّن ي�شكو تمردها‪ ،‬وظ ّل ما بداخلي �أكبر‬ ‫من �أيٍّ من و�سائل التعبير التي عهدتها‪ ،‬وبقيت‬ ‫دوم ًا �أبحث عن و�سيلة للتعبير عن ذاتي المت�أهبة‬ ‫النطالق طاقاتها وانفعاالت �إرها�صاتها‪ ،‬وعمّا‬ ‫يدور بي من هواج�س قاتلة‪ ،‬قد ال �أكون قادر ًا على‬ ‫كبح جماح لهفتها في البوح واالنطالق‪.‬‬ ‫ولعل هذا الت�شتت والبحث الم�ضني حرمني‬ ‫من متعة اال�ستقرار الأدب��ي‪ ،‬وف �وّت عليَّ فر�صة‬ ‫�أن �أُحدّد هويتي؛ فال �أعرف على وجه التحديد‪..‬‬ ‫هل �أنا �شاعر‪� ،‬أم قا�ص‪� ،‬أم فنان ت�شكيلي؟ وربما‬ ‫قريب ًا روائي‪!..‬‬

‫(‪)2‬‬ ‫فعندما �أكتب الق�صة‪ ،‬ال �أ�ستطيع �أن �أعزل‬ ‫ولقد �أيقنتُ �أن لل�شعر طعم القُبلة الأول��ى ال�شاعر‪ ،‬وعندما تراودني الق�صيدة عن قهري‪،‬‬ ‫عند العا�شق‪ ،‬وللق�صة مذاق االرت��واء بعد �شوط يح�شر القا�ص �أنف ثرثرته رغم ًا عني!‬ ‫م�ضنٍ من اللهاث وراء حبات الرمان النا�ضجة؛‬ ‫ال يعنيني كثير ًا �أن �أك��ون قا�ص ًا �أو �شاعر ًا �أو‬ ‫فالق�صة ال تغني عن ال�شعر‪ ،‬وال يمكن لأحدهما روائيا‪ ،‬بقدر ما يهمني �أن �أكتب �إبداع ًا يحظى بي‬ ‫�أن يكون بدي ًال عن الآخر‪ .‬وهنيئ ًا لكل جن�س �أدبي ويعبر عن قلقي‪.‬‬ ‫ي�ستفيد من الآخر وال ي�سعى لتهمي�شه‪.‬‬ ‫و�أفهم �أن الناقد ي�ضطلع بر�سالة ال تقل �أهمية‬

‫‪56‬‬

‫لم �أك��ن واعي ًا لطبيعة التجني�س الأدب��ي لما‬ ‫�أكتب‪ ،‬وظللت �أتجاهل هذه الق�ضية؛ لأنني منذ‬ ‫ال�ب��داي��ة ك��ان يهمني �أن �أك�ت��ب م��ا بداخلي من‬ ‫هواج�س م�شروخة‪ ،‬وكان الوقت قد فات �أن اختار‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫عن ر�سالة المبدع‪ ،‬لكن هناك من يعتقد بوجود‬ ‫�إ�شكالية خا�صة بين الناقد والمبدع في الأردن‪،‬‬ ‫تحكمها عالقات المح�سوبية وال�شللية‪ ،‬وعدم‬ ‫االعتراف بالقدرات الإبداعية للكثيرين‪ ،‬وك�أن‬

‫و�أن ��ا �شخ�صي ًا بعيد ج��د ًا‬ ‫ع��ن ه��ذه الأج� ��واء‪ ،‬ف�لا �أع �وِّل‬ ‫ع�ل��ى ال�ن�ق��د ك �ث �ي��راً‪ ،‬رغ ��م �أن‬ ‫م��ا ك�ت��ب ن �ق��دي � ًا ع��ن تجربتي‬ ‫ال�شعرية والق�ص�صية �أ�شعرني‬ ‫ب� ��أن ال �م �ب��دع ي�ج��ب �أن يكون‬ ‫الناقد الأول لما يكتب‪ ،‬وبقيتُ‬ ‫�أتمنى �أن يلتفت النقاد لآخرين‬ ‫يجب �أن تكون تجاربهم تحت‬ ‫المجهر‪ ،‬لكنني �أ�ؤمن دائم ًا �أن‬ ‫الن�ص الجميل والمبهر �سي�أخذ ن�صيبه وح�صته‬ ‫من النقد مها طال ال�سبات‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ن�شرت مجموعتي الق�ص�صية الثالثة‪� :‬أرواح بين ال�شعر وبين الق�صة لأنهما كانا متداخلين‬ ‫م�ستباحة‪ ،‬بدعم من وزارة الثقافة عام ‪2009‬م‪ ،‬عندي؛ �إذ وجدتني منخرط ًا فيهما‪ ،‬تمام ًا كفرحة‬ ‫ثم ن�شرت وزارة الثقافة مجموعتي الق�ص�صية العا�شق حين يقطف قبلة من خد الحبيب‪.‬‬ ‫الرابعة‪« :‬ذكور بائ�سة» عام ‪2011‬م‪.‬‬ ‫ذل��ك �أنني وجدتني ب�إمكاناتي ور�ؤاي التي‬

‫ه ��ؤالء النقاد يقللون من �ش�أن‬ ‫�إب��داع��ات ه� ��ؤالء المبدعين‪،‬‬ ‫وي��م��ار���س��ون ع�ل�ي�ه��م ذه�ن�ي��ة‬ ‫الفوقية والإحباط المق�صود‪.‬‬ ‫ف���ص��ار االع �ت �ق��اد ال���س��ائ��د �أن‬ ‫العالقـة بين الناقد والمبدع‪،‬‬ ‫فيها م��ن الخ�صومة وال�ع��داء‬ ‫�أك �ث��ر م�م��ا فيها م��ن التوجيه‬ ‫والإر�شاد‪ ،‬و�أن االحترام والثـقة‬ ‫مفقودة بينهما‪.‬‬

‫أتل�ص�ص‬ ‫�أح �ي��ان��ا؛ �إال �أن �ن��ي � ّ‬ ‫�أحيان ًا و�أغافلني لأكتب ق�صة‬ ‫�أو ق�صيدة‪� ،‬أو �أتجول في زقاق‬ ‫رواي �ت��ي‪« :‬ال��ذاك��رة المثقوبة»‬ ‫ف�ض �أ�سئلتها‬ ‫التي انتهيت من ّ‬ ‫منذ زمن لي�س بالبعيد‪.‬‬ ‫�إن ��ه م�م��ا ال ��ش��ك ف �ي��ه‪� ،‬أن‬ ‫الأب�� �ط� ��ال ال���ذي���ن ي ��ذرع ��ون‬ ‫م� ��� �س ��اح ��ات ق �� �ص �� �ص��ي ه��م‬ ‫�أ� �ش �خ��ا���ص م �ن �ت �خ �ب��ون‪ ،‬ذوو‬ ‫�إمكانات �أثيرة في نف�سي‪� ،‬إال �أن‬ ‫ما يجمعني معهم‪� :‬أننا جميعا‬ ‫مهجو�سون بمحاولة الخروج‬ ‫من الواقع الذي يكبّل ويحجّ م‬ ‫من طموحنا واندفاعنا‪ ،‬لكننا‬ ‫م��ؤم�ن��ون ف��ي ق ��رارات �أنف�سنا‬ ‫�أن المجتمع ح�شرنا في �أت��ون‬ ‫العادي والمملّ‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫ف�أنا رج��ل ال يتقن �شيئا في ه��ذه الحياة �إال‬ ‫الكتابة‪( ،‬يا للأ�سف‪.)!..‬‬

‫وما يحدث من خالفات طاحنة على ال�ساحة‬ ‫و�أن��ا ت �وّاق للتعبير عن وج��ودي ب�شتى ال�سبل‬ ‫النقدية في الأردن ال يعنيني‪ ،‬بل وتُظلم تجربتي‬ ‫�إذا �صرت طرف ًا فيها‪ ،‬ف�أقر�أ النقد كثيراً‪ ،‬وال المتاحة‪(،‬يا للهزيمة‪.)!..‬‬ ‫�أفتعل ال�ع��داءات مع من ال يجامل ما �أكتب‪ ،‬بل‬ ‫(‪)5‬‬ ‫�إنني �أُحرِّ�ض الآخرين على االبتعاد عن كل عوامل‬ ‫الأه ��ل والع�شيرة والمجتمع ت��واط ��أوا على‬ ‫المجامالت التي ال تخدم �أحدا‪.‬‬ ‫رف�ضي كمتمرد‪ ،‬وك�صعلوك‪ ،‬وكعا�شق‪ ،‬لكنهم‬ ‫(‪)3‬‬ ‫جميعا قبلوني كمبدع‪( .‬يا للغرابة!)؛ لذا‪ ،‬ف�إنني‬ ‫ورغم �أن الكتابة ال�صحفية ت�أخذني من الإبداع �س�أموت‪ ،‬و�أنا ناقم عليهم جميعا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪57‬‬


‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫فهد الخليوي‬ ‫وحكايته مع الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ قا�ص من ال�سعودية‬

‫كانت البداية في منت�صف ال�سبعينيات الميالدية‪ ،‬تلك المرحلة الزمنية التي �شهدت ح�ضور‬ ‫الق�صة الق�صيرة المحلية كفن �أدبي حديث‪ ,‬تجاوز �سذاجة الحكاية الم�سرودة لغر�ض الت�سلية‪،‬‬ ‫�إلى �صياغة تلك الحكاية‪ ..‬لت�صبح ق�صة ذات تقنيات فنية عالية‪ ,‬ودالالت �إن�سانية وتاريخية‬ ‫رحبة‪.‬‬ ‫ت�شكلت تجربتي �ضمن تجارب العديد من كتّاب الق�صة في تلك المرحلة‪ .‬كنا مجموعة‬ ‫حالمة من المتمردين على جمود ال��واق��ع الأدب���ي‪ ،‬وك��ان عبدالعزيز م�شري‪� ،‬سليمان �سندي‪،‬‬ ‫عبداهلل ال�سالمي‪ ،‬جبيرالمليحان‪ ،‬ج��اراهلل الحميد‪ ،‬محمد علوان‪ ،‬عبداهلل باخ�شوين‪ ،‬ح�سين‬ ‫علي ح�سين‪ ،‬محمد ال�شقحاء‪ ،‬محمد قد�س‪ ،‬عبداهلل باقازي وغيرهم‪.‬‬ ‫م��رح �ل �ي �اً‪ ،‬ج ��اء ج�ي�ل�ن��ا ب �ع��د رواد الق�صة دو�ستوف�سكي وهيمنجواي‪ ،‬وكافكا‪ ،‬وموب�سان‪،‬‬ ‫التقليدية‪ ،‬من �أمثال الكبار �أحمد ال�سباعي‪ ،‬وماركيز‪ ،‬وغيرهم من عظماء المبدعين في‬ ‫�إب��راه�ي��م النا�صر‪ ،‬ح��ام��د دم�ن�ه��وري‪ ،‬ع�صام العالم الأول‪.‬‬ ‫خوقير‪ ،‬وغيرهم ممن �أ�شرعوا نوافذ ال�سرد في‬ ‫ك�ن��ت �أن �� �ش��ر ف��ي ال���ص�ح��ف المحلية وعلى‬ ‫�أوائل ال�ستينيات‪.‬‬ ‫ف �ت��رات متقطعة بع�ض الق�ص�ص الق�صيرة‪،‬‬ ‫يلف ال�ساحة الأدب �ي��ة المحلية‬ ‫ظ��ل ال�خ��واء ّ‬ ‫لدرجة االنقطاع وعدم التوا�صل مع الإبداعات‬ ‫العربية وال�ع��ال�م�ي��ة‪ ،‬وك��ان��ت �ساحتنا الأدب �ي��ة‬ ‫تحا�صرها رياح التجديد في مجال ال�سرد من كل‬ ‫ف�ضاءات العالم‪ ،‬وتمطر ب�أ�سماء كبيرة وم�ضيئة؛‬ ‫كنجيب محفوظ‪ ،‬وعبد الرحمن منيف‪ ،‬ويو�سف‬ ‫�إدري�س‪ ،‬وزكريا ثامر‪ ،‬وحيدر حيدر‪ ،‬وغيرهم من‬ ‫الم�شرقين في تاريخ الإبداع العربي الحديث‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫وع��ال �م �ي �اً‪ ،‬ك�ن��ا ن �ق��ر�أ ب�ن� َه��م وم �ت �ع��ة‪ ،‬روائ ��ع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ث��م ت��وق�ف��ت ع��ن ك�ت��اب��ة ال�ق���ص��ة‪ ،‬و�أ� �ص �ب��ح جل‬ ‫وقتي مخ�ص�صا للقراءة والعمل في ال�صحافة‬ ‫الثقافية ل�سنوات طويلة‪� ،‬إلى �أن �أقنعني �صديقي‬ ‫العزيز الكاتب والقا�ص �سعود الجراد بطباعة‬ ‫مجموعة ق�ص�صية‪ ..‬جمع بجهده ن�صو�صها‬ ‫و�أطلعني عليها‪ ،‬و��ص��درت عن ا لنادي الأدب��ي‬ ‫في حائل عام ‪2008‬م بعنوان(رياح و�أجرا�س)‪،‬‬ ‫وقد حظيت باهتمام نقدي طيب‪� ،‬شجعني على‬ ‫�إن�ج��از مجموعتي الق�ص�صية الثانية‪ .‬و�أث�ن��اء‬

‫البحث ف��ي �أر��ش�ي��ف مكتبتي‬ ‫لإع ��داد ن�صو�ص المجموعة‪،‬‬ ‫وج ��دت ملفا ي�ضم �أك �ث��ر من‬ ‫�ستين ق�صه‪ ،‬يكفي لإ��ص��دار‬ ‫ث�ل�اث م�ج�م��وع��ات ق�ص�صية‬ ‫دفعة واح ��دة‪ ،‬وك��ان معظمها‬ ‫يمثل ب��داي��ة تجربتي الأول ��ى‬ ‫في كتابة الق�صة؛ ما دفعني‬ ‫�إل��ى ا�ستبعادها لعدم قناعتي‬ ‫بن�ضجها‪ .‬اقتنعت و�أن��ا �أنتقي‬ ‫ن�صو�ص مجموعتي الق�ص�صية‬ ‫الجديدة «م�ساء مختلف» التي‬ ‫�صدرت في العام ‪2011‬م عن‬ ‫ال�ن��ادي الأدب ��ي ف��ي الريا�ض‪،‬‬ ‫ب�أنه لي�س كل ما يكتبه الكاتب‬ ‫ف��ي ��ش�ت��ات ال���ص�ح��ف جدير‬ ‫بن�شره بين دفتي كتاب‪ ،‬كما‬ ‫�أن غ ��زارة الإن �ت��اج بمعيارها‬ ‫الكمّي‪ ،‬ال ت�شكّل عندي هاج�سا‬ ‫م�ؤرقا‪ ،‬مع �إيماني ب�أن غزارة‬

‫الإنتاج تبقى مهمة ومفيدة‪� ،‬إذا‬ ‫كان المنتج الأدب��ي �أو المعرفي‬ ‫نوعيا‪ ..‬ولي�س مجرد كمّ تراكمي‬ ‫يعلوه الغبار بين �أرفف المكتبات‪.‬‬ ‫في مجموعتيَّ الق�ص�صيتين‬ ‫الأول ��ى وال�ث��ان�ي��ة‪� ،‬شعرت �أنني‬ ‫ت �ح��ررت م��ن �أ��ْ�س��ر «التجريب»‬ ‫ال��ذي ك��ان م�سيطرا على بداية‬ ‫تجربتي؛ �إذ ا�ستبعدت ‪-‬كما‬ ‫�أ� �س �ل �ف��ت‪ -‬ت �ل��ك ال �ن �� �ص��و���ص‪،‬‬ ‫وبعبارة �أدق المحاوالت الملتب�سة‬ ‫التي �صاحبت بدايات تجربتي‬ ‫ف��ي كتابة الق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫واق�ت��رب��ت بحميمية م��ن تخوم‬ ‫ال��واق��ع‪ ،‬وم�ح��اول��ة ق��راءت��ه من‬ ‫خ�لال ق��ال��ب � �س��ردي‪ ،‬ومنظور‬ ‫فني‪ ،‬وال �أ ّدع ��ي ف��ي ذل��ك �أنني‬ ‫و�صلت �إل��ى م��ا �أط�م��ح �إل�ي��ه في‬ ‫عالم ال�سرد وفنونه المده�شة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪59‬‬


‫■ فهد امل�صبح – ال�سعودية*‬

‫قبل تعاطيّ الكتابة كانت م�شكلتي مع القراءة‪� ،‬إذ �صادفتني فيها عقبات ثالث‪ ،‬معرفة الكتاب‪،‬‬ ‫والو�صول �إليه‪ ،‬وقيمته‪ .‬ورغم ميلي منذ ال�صغر �إلى الق�ص�ص‪ ،‬لم �أجد فيمن حولي ما ي�شبع‬ ‫هذه الرغبة‪ ،‬عدا حكايا ال�سمّار وحكاوي الجدات‪.‬‬ ‫لكنَّ اهلل جلّت قدرته منّ عليّ بقريبٍ ‪� ،‬أعترف بف�ضله في تعريفي بالكتب والح�صول عليها‪،‬‬ ‫هو ابن خالي عبداهلل الراجح‪ ،‬وكان من �أ�سرة مي�سورة‪� ،‬أعطاني كتاب «�أر�سين لوبين»‪ ،‬قر�أته في‬ ‫زمن قيا�سي‪ ،‬ثم طلبت غيره‪ .‬ومن حينها‪ ،‬عثرت على كنز من الكتب عنده‪ ،‬قر�أتها منبهرا بما‬ ‫�أجد فيها مما يختلف كثيرا عما �أقر�ؤه في الكتب المدر�سية‪ ،‬وانطبعت في نف�سي رغبة ملحّ ة‬ ‫لخو�ض تجربة الكتابة من �شعر وق�صة ومقالة وم�سرح‪ .‬وكانت خطوط التقليد وا�ضحة في‬ ‫كتاباتي‪.‬‬ ‫ومن البدء‪ ،‬لم يعجبني �شعري‪ ،‬فان�صرفت‬ ‫عنه؛ والم�سرح لم يكن وقتها منت�شرا �إال في‬ ‫ال �م��دار���س وف ��رق الك�شافة‪ ،‬و�أن ��ا ع ��ازف عن‬ ‫�أن�شطتها ال �م ��ؤط��رة؛ والمقالة ل��م �أج��د فيها‬ ‫ج��دي��دا؛ فبقيت الق�صة التي �شغفت بها حد‬ ‫الهو�س‪ .‬والأح�ساء تزخر بال�شعر دون الق�صة‪،‬‬ ‫و�إن وُجدت �أُطلق عليها «الحزاية» �أو «ال�سالفة»‪،‬‬ ‫بعد ذلك‪� ،‬أخذت �أفت�ش عن كاتب ق�ص في‬ ‫و�أن��ا �أردت �أن �أ�سرد وي�سمعني من حولي‪ ،‬فلم و�سط يلهج بال�شعر ويغ�ص بال�شعراء؛ ولهذا‬ ‫يكن �أمامي �إال �أطفال الحي‪.‬‬ ‫ف��إن رحلتي مع الق�صة تجربة لم تنقطع منذ‬ ‫ذات ي��وم جمعتهم �أم��ام��ي وجل�ست على الطفولة وحتى هذه اللحظة‪ ،‬ف�شريان الق�ص‬ ‫دكة باب خ�شبي‪ ،‬رويت لهم ق�صة �أخذتها من ال يزال ينب�ض في داخلي بكل هواج�س الحكي‪،‬‬ ‫تلفزيون الظهران «�أرام�ك��و» عن فيلم م�صري م�ستطعما لذة الك�شف وده�شة الكتابة‪.‬‬ ‫للفنانة ال�ق��دي��رة ��ش��ادي��ة‪ ،‬وم��ا �إن ف��رغ��ت من‬ ‫ت���ص��وروا طفال ف��ي الثمانينيات الهجرية‬ ‫الحكاية حتى انف�ضوا من حولي‪ ،‬وبقيت حزينا ‪-‬ال�ستينيات الميالدية‪ -‬بين �أقرانه في جوهم‬ ‫�أن لم يعلق �أح ٌد على ما قلت‪.‬‬ ‫ال�صاخب باللعب وال�شجار والغيرة‪ ،‬ت�صوروا‬

‫ي�شيد بما رويت‪ ،‬كانت امر�أة تت�سمع �إلى الحكاية‬ ‫م��ن خلف ال�ب��اب الخ�شبي ال��ذي �أ�ستند �إليه‪،‬‬ ‫�أعجبتها الحكاية كثيرا‪ ،‬و�أثنت عليّ ب�إطراء زاد‬ ‫�شغفي بالق�صة‪ ،‬ف�أخذت �أن�سج حكايات �ساعدني‬ ‫فيها �أرق �شديد �أ�صبت ب��ه ف��ي �صغري‪ ،‬وقد‬ ‫وجدت من �أرويها له‪ ،‬و�إن كنت �أوليه ظهري‪.‬‬

‫وفج�أة ت�سرب �إليّ �صوتٌ جاءني من الخلف ه��ذا الطفل يفتقد لعبته‪ ،‬وتخيلوا كيف يبرر‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫وت�صوروه بال ث��وب �أو نعل �أو‬ ‫ُك��ر ٍة �أو غيرها‪ ،‬وال�ح��ل �أن �أم��ه‬ ‫�ستح�ضر له ما ينق�صه‪ ،‬لكن �أن‬ ‫يقف هذا الطفل بين �أقرانه فاقد‬ ‫الأم فتلك م�صيبة كبرى!‬ ‫�أتعرفون معنى �أن يكون الطفل‬ ‫بال �أم؟ يعني �أنه يفتقد كل �شيء‪..‬‬ ‫كل �أطفال الحي لديهم �أمهات‬ ‫ع� ��داي‪ ،‬ن�ق����ص ع��و��ض�ت��ه جدتي‬ ‫ال�ت��ي َت� ��رِ ُد ف��ي �أك �ث��ر ق�ص�صي‪،‬‬ ‫لذلك �أج��دن��ي �أكتب بتمكن عن‬ ‫الطفولة‪ ،‬وق��د و�ضح ذل��ك جليا‬ ‫في مجموعتي الق�ص�صية الرابعة‬ ‫«رداء الذاكرة»‪.‬‬

‫م���ن ه� �ن ��ا‪� ،‬أي� �ه���ا الأخ� � ��وة‬ ‫والأخ��وات ب��د�أت الق�صة معي‪،‬‬ ‫فقد كنت �أن�سج ق�ص�صا من‬ ‫خ �ي��ال��ي ب�� ��أن �أم� ��ي ع �ل��ى قيد‬ ‫الحياة‪ ،‬و�أنها تنت�صف لي من‬ ‫كل مَ ن ي�ضايقني‪ ،‬لذلك بع�ض‬ ‫الق�ص�ص ال �أ�ستطيع تدوينها‬ ‫مع �أن��ي �أرويها لأ�صدقائي بكل‬ ‫دقة وت�شويق‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ ‬

‫رحلتي مع الق�صة‬

‫ذلك ب�أن �أمه �ستجلبها له‪ ،‬م�شكلة‬ ‫محلولة بدهاء الطفولة الفطري‪.‬‬

‫عليّ ‪!..‬‬

‫م �ن��ذ وع��ي��ت‪ ،‬و�أن � ��ا �أ��ش�ع��ر‬ ‫ب� ��اخ � �ت �ل�اف ع� �م���ن ح���ول���ي‪،‬‬ ‫وانطوائية بمزاج متكدر على‬ ‫ال��دوام‪ ،‬كنت طفال يتيم الأم‪،‬‬ ‫وه��ذا ج��رح لم يندمل ف��يّ �إلى‬ ‫يومنا ه��ذا‪ ،‬فامتلأت بالق�ص‬ ‫من ن�سج خيالي‪ ،‬ومما �أ�شاهده‬ ‫في تلفزيون الظهران من �أفالم‬ ‫م �� �ص��ري��ة‪ ،‬ك �ن��ت اح�ت�ب����س في‬ ‫داخلي حكايات �أريد �أن �أنفثها‬ ‫من �صدري كي �أرتاح‪.‬‬

‫ف ��ي ال��م��ع��ارك ي �ق��ا���س م��دى‬ ‫االنت�صار بعدد القتلى‪� ،‬أم��ا في‬ ‫ط�ف��ول�ت�ن��ا ف �ك��ان ل�ن��ا م �ع �ي��ا ٌر في‬ ‫االن �ت �� �ص��ار ب � ��أن م��ن ي�ب�ك��ي من‬ ‫المتخا�صمين يكون هو المهزوم‪،‬‬ ‫ت � � � ��أث� � � ��رت ف � � ��ي ال� � �ب � ��دء‬ ‫وك�ن��ت حينها �صلبا ال �أل�ي��ن وال‬ ‫بالمنفلوطي‪ ،‬ث��م بمحفوظ‪،‬‬ ‫�أب�ك��ي ف��ي �شجاراتنا الطفولية‪،‬‬ ‫وانتهاء بت�شيكوف‪ ،‬و�أظ��ن �أن‬ ‫كنت �أ�شاهد الم�صارعة الحرة‬ ‫دخ��ول الترميز في الق�ص هو‬ ‫في تلفزيون الظهران «�أرامكو»‪،‬‬ ‫هروب من �شيء يخ�شاه الكاتب‪،‬‬ ‫وتعلمت منها بع�ض الحركات‪،‬‬ ‫يتناوبه ع��ام�لان‪ ..‬داخلي وهو‬ ‫وك�ن��ت �أط�ب�ق�ه��ا ف��ي ��ش�ج��ارات��ي‪،‬‬ ‫ال�شعور بالعجز‪ ،‬وخارجي وهو‬ ‫ف ��إذا �شعر خ�صمي بذلك‪ ،‬و�أن��ه‬ ‫�سينهزم‪ ..‬كان يلج�أ �إلى الحيلة ليبكيني‪ ،‬ب�أي الخوف من الرقيب‪.‬‬ ‫تدرجت في الق�صة من ن�ص الوعي �إلى ن�ص‬ ‫و�سيلة‪ ،‬فيهتف على الأ�شهاد قائال ب ��أن �أمي‬ ‫ميتة‪ ،‬فتخور قواي و�أبكي بن�شيج يجعله ينت�صر الالوعي‪ ،‬ثم تو�صلت �إلى الن�ص الم�شترك الذي‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪61‬‬


‫�أذكر �أن �أ�ستاذنا الجليل في‬ ‫ال�م��رح�ل��ة المتو�سطة ال�شاعر‬ ‫محمد العمر الملحم‪ -‬رحمه‬ ‫اهلل‪ -‬ك��ان ال ي �ب��د�أ ال��در���س �إال‬ ‫ببيت �أو �أبيات من ال�شعر‪.‬‬ ‫وك��ان ما ي�ضايقني �أنني �إذا‬ ‫ت�ع��رف��ت ع�ل��ى �أح ��د م��ن الأدب ��اء‬ ‫ال ي�خ��و���ض م�ع��ي ف��ي ت�ضاعيف‬ ‫الق�ص‪ ،‬بل يقفز فورا �إلى ال�شعر‬ ‫ق��ائ�لا‪� :‬أ��س�م�ع�ن��ا م��ن ��ش�ع��رك‪.‬‬ ‫ف�أ�صمت منك�سرا‪ ،‬وفي جوانحي‬ ‫حكاية لبلدي الأح�ساء لم تدون‬ ‫بعد‪ ،‬فكتبتُ وعيني تبحث عن‬ ‫رجل ق�ص �أو حكاية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫بعد �ست �سنوات‪� ،‬أي في عام‬ ‫‪1400‬هـ‪ ،‬ن�شرت لي �أول ق�صة في‬ ‫مجلة ال�شرق بعنوان «من حيث ال‬ ‫يحت�سب» �أعجبت رئي�س التحرير‬ ‫الأ�ستاذ من�صور �سحلي‪ ،‬فطلب‬ ‫لقائي‪ ،‬و�صرت بعدها �أن�شر فيها‬ ‫من دون مقابل‪.‬‬

‫�سمعت بالم�سرحي المريخي‬ ‫عليه رح�م��ه اهلل‪ ،‬اق�ت��رب��ت منه‬ ‫ف� � ��إذا ه ��و م�ن���ش�غ��ل ب��ال�م���س��رح‬ ‫وال �ط �ف��ل ت �ح��دي��دا‪ ،‬طلبت منه‬ ‫كتابا في الق�ص‪ ،‬ف�أعطاني كتاب‬ ‫«ح��ي ب��ن ي�ق�ظ��ان» الب��ن طفيل‪،‬‬ ‫قر�أته ف�أده�شني كثيرا‪ ،‬وعرفت‬ ‫ث��م ن�شرت ل��ي ق�صة بعنوان‬ ‫حينها �أنني فقير في قراءاتي‪،‬‬ ‫«ال �ن �ج��اة» ف��ي ج��ري��دة ال �ن��دوة‪،‬‬ ‫فبحثت عن الكتب الق�ص�صية‪،‬‬ ‫هاتفني على �إثرها معد برنامج‬ ‫و�ساعدني ابن خالي على ثمنها‪،‬‬ ‫�إذاع��ي بعنوان ق�صة من الأدب‬ ‫وكم �أبكتنا ق�ص�ص «المنفلوطي» و«الرافعي»‪ ،‬ال�سعودي‪ ،‬هو الأ�ستاذ حامد عبا�س‪ ،‬و�أذيعت‬ ‫ثم روائع «ت�شارز ديكنز» و«هوجو»‪.‬‬ ‫الق�صة ممثلة ب�إتقان‪� ،‬أفرحتي و�شحنني بحما�س‬ ‫كنت �أقر�أ و�أكتب‪ ،‬وكانت كتاباتي ركيكة لم للق�ص‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫كنت منظما جدا في بداياتي‪،‬‬ ‫فيوم الأربعاء خ�ص�صته لجمعية‬ ‫الثقافة والفنون بالدمام‪ ،‬ويوم‬ ‫الأح��د خ�ص�صته لمجلة ال�شرق‬ ‫ق �ب��ل اف �ت �ت��اح ال� �ن ��ادي الأدب� ��ي‬ ‫بالدمام‪ ،‬ويوم ال�سبت لأ�صدقاء‬ ‫الق�ص والمعاناة‪ ،‬ويوم االثنين‬ ‫للقن�ص وا�صطياد الأفكار‪ ،‬كنت‬ ‫�أب�ح��ث ع��ن ك��ل م��ن يتحدث عن‬ ‫الق�ص‪ ،‬ووج ��دت ن��ذرا ي�سيرا‪،‬‬ ‫كلهم من خارج الوطن كالروائي‬ ‫عبدالوهاب الأ��س��وان��ي‪ ،‬وكانت‬ ‫ال�شللية حينها متغلغلة فينا‪،‬‬ ‫والت�صنيفات �أي�ضا �أثناء موجة‬ ‫الحداثة‪.‬‬ ‫ف��ي ع ��ام ‪1410‬ه�� �ـ اف�ت�ت��ح ال��ن��ادي الأدب ��ي‬ ‫بالدمام‪ ،‬وتو�سعت حلقة الق�ص‪ ،‬وكثر الرواد‪،‬‬ ‫وح�صل التزاور والتوا�صل في رحالت الأندية‬ ‫للأم�سيات الق�ص�صية‪.‬‬ ‫و�أول مَ ��ن كتب عني ه��و �أ� �س �ت��اذي القدير‬ ‫محمد ال�شقحاء في جريدة البالد‪� ،‬أتذكر �أنه‬ ‫لم يثنِ على مجموعتي الأولى «�صاحب ال�سيارة‬ ‫البرتقالية»‪ ،‬لكنه تنب�أ لي بم�ستقبل م�شرق‪.‬‬

‫وطبع ن��ادي ال�شرقية الأدب��ي‬ ‫ث��ان��ي مجموعاتي الق�ص�صية‬ ‫‪1414‬هـ «للدموع لغة �أخرى»‪ ،‬ثم‬ ‫توالت المجموعات �إلى �أن بلغت‬ ‫ث�م��ان��ي م�ج�م��وع��ات ق�ص�صية‪،‬‬ ‫حاربتني خاللها الرواية قرابة‬ ‫عقدين من الزمن حتى �صدرت‬ ‫روايتي الأول��ى «الأو�صياء» عام‬ ‫‪1429‬ه� �ـ‪ ،‬في وق��ت ات�سعت فيه‬ ‫ف���س�ح��ة ال�ن���ش��ر ف��ي ال�م�لاح��ق‬ ‫الأدبية ومواقع النت‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫يمزج بين الإثنين‪ ،‬وال �أرتاح �إلى‬ ‫ت�صنيفات الأدب �إل ��ى رجالي‬ ‫ون�سائي و�أطفال‪.‬‬

‫يطلها الن�ضج ب �ع��د‪ ،‬و�أول ما‬ ‫ن�شر لي مقالة في الغناء وكرة‬ ‫القدم عام ‪1394‬ه �ـ في جريدة‬ ‫اليوم بعنوان «�إ�صابة في القلب‬ ‫و�إ�صابة في الهدف»‪ ،‬وكم �أثلج‬ ‫�صدري ن�شرها بعنوان عري�ض‬ ‫جدا‪ ،‬مع �صورة قطبي الغناء �أم‬ ‫كلثوم وفريد‪ ،‬وقطبي كرة القدم‬ ‫بيليه ودي��دي‪ ،‬وزاد من حما�سي‬ ‫ات� ��� �ص ��ال م �� �ش��رف ال���ص�ف�ح��ة‬ ‫الفنية بي‪ ،‬وهو الأ�ستاذ ال�شاعر‬ ‫�إب��راه �ي��م ال �غ��دي��ر‪ ،‬ط�ل��ب مني‬ ‫مقاالت �أخ��رى‪ ،‬ف�أعطيته ق�صة‬ ‫بعنوان «بداية مطرب» لم تن�شر‬ ‫لظروف تلك الفترة في الم�سموح‬ ‫وغيره‪ ،‬وا�ستمريت �أكتب محددا‬ ‫طريقي في الق�ص‪ ،‬وكان الن�شر‬ ‫حينها �صعبا‪.‬‬

‫وط� �ب� �ع ��تُ �أول م �ج �م��وع��ة‬ ‫ق�ص�صية «� �ص��اح��ب ال���س�ي��ارة‬ ‫البرتقالية» على ح�سابي الخا�ص‬ ‫ع��ام ‪1408‬ه � �ـ‪ .‬ومثلت الق�صة‬ ‫التي تحمل عنوان المجموعة في‬ ‫الإذاعة �ضمن البرنامج ال�سابق‪.‬‬

‫من يروي ق�صة بلدته‪ ،‬ف�إن كان‬ ‫ال�شعر ��ص��وت ال ��وج ��دان‪ ،‬ف ��إن‬ ‫الق�ص هو �صوت المكان‪.‬‬

‫و�أخ � �ي� ��را ج��اءت �ن��ي م��رح�ل��ة‬ ‫ال �ت��رج �م��ة‪ ،‬وه ��ي ج��دي��دة عليّ‬ ‫بطعم ي�م��ازج بين ملوحة بحر‬ ‫الدمام وحالوة تمر الأح�ساء‪.‬‬ ‫ك ��ان م��ا ينق�صنا ف��ي تلك‬ ‫ال�ف�ت��رة الملتقيات الثقافية م��ن �صوالين �أو‬ ‫منتديات تحمل �أ�سماء م�ؤ�س�سيها‪ ،‬فالأعمال‬ ‫هي التي تبقى بعد رحيل �أ�صحابها‪ ،‬وقبل �أن‬ ‫يودعنا المريخي كتب �آخر م�سرحياته «ر�سائل‬ ‫ال �� �ش��رق��ي»‪ ،‬ع��ن رج ��ل ف��ي ال�ق�ي���ص��ري��ة يكتب‬ ‫الر�سائل �إلى الم�سافرين من ذويهم‪� .‬شاهدت‬ ‫أح�س �أن �أبا‬ ‫الم�سرحية م��رات‪ ،‬وف��ي كل م��رة � ّ‬ ‫منذر يفتح لنا بابا للكتابة الم�سرودة عن مدينة‬ ‫تزخر بالإحداث بذاكرة �شفاهية حان تدوينها‪.‬‬

‫لذلك �ستظل الأح�ساء ق�صة‪ ،‬ولكل ق�صة‬ ‫كانت ك��ل مدينة ف��ي وطني الجميل تحمل بداية ونهاية‪ ،‬وق�صتي ال تريد �أن تنتهي لأنها لم‬ ‫ق�صة مختلفة‪ ،‬وك��ان القا�ص ال ال�شاعر خير تبد�أ بعد‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪63‬‬


‫■ حممد عز الدين التازي ‪ -‬املغرب‬

‫‪1‬‬

‫جمعتُ بين كتابة الرواية والق�صة الق�صيرة وكتابات �أخرى كالمقالة النقدية والم�سرحية‬ ‫وق�ص�ص الأطفال‪ .‬لكن مدار هذه التجربة هو الإب��داع الق�ص�صي والروائي‪ .‬وقد ن�شرت حتى‬ ‫الآن اثنين وع�شرين رواية وت�سع مجموعات ق�ص�صية‪ ،‬جمعت كلها في الأعمال الق�ص�صية التي‬ ‫ن�شرتها وزارة الثقافة �سنة ‪1995‬م في مجلدين اثنين‪ .‬ثم كتبت بعد ذلك مجموعتين ق�ص�صيتين‬ ‫�إحداهما بعنوان‪�« :‬ألف ظل وظل»‪ ،‬والأخرى بعنوان «المقيم في العراء»‪ ،‬اللتين لم تن�شرا بعد‬ ‫على �شكل كتاب‪ ،‬و�إن تم ن�شر الأولى �إلكترونيا في بع�ض المواقع‪.‬‬ ‫ه��ذا الكم من الق�ص�ص ال��ذي ن�شرته على‬ ‫�شكل مجموعات ق�ص�صية‪ ،‬وقبل ذلك ن�شرت‬ ‫بع�ضا منه ف��ي ال�صحف وال�م�ج�لات العربية‬ ‫والمغربية‪ ،‬هو ما ي�ؤكد �صلتي الوثيقة بكتابة‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪ ،‬وارتباطي بتقنياتها وعوالمها‬ ‫و�أخيلتها‪ ،‬ف�ضال عن م�شاركتي في ندوات عربية‬ ‫ومغربية ك��ان م��دار عرو�ضها ومداخالتها هو‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اخ �ت��زال ال َي��حُ � ُّد م��ن �إم�ك��ان��ات ظهور العوالم‬ ‫الق�ص�صية بتجليات و�أبعاد متعددة؛ ذلك �أن هذا‬ ‫الجن�س الأدبي ال�سردي يلتقي مع ال�شعر في كونه‬ ‫ي�سعى �إلى القب�ض على بع�ض اللحظات الدَّالَّة‪،‬‬ ‫من خالل الر�ؤيا‪ ،‬وال�صورة الق�ص�صية‪ ،‬وترميز‬ ‫العوالم‪ ،‬وكل ما ي ��ؤدي �إل��ى كلية من الكليات‪.‬‬ ‫و�إذا كانت ال��رواي��ة فن ًا للتفا�صيل‪ ..‬فالق�صة‬ ‫الق�صيرة هي فن التكثيف اللغوي واالقت�صاد‬ ‫في م�ساحة الأح��داث وع��دد ال�شخ�صيات‪ ،‬ما‬ ‫يدفع بها نحو الإ�شارة والترميز و�أ�سطرة الواقع‬ ‫والفانتا�ستيك‪.‬‬

‫�إن الق�صة الق�صيرة‪ ،‬ومنذ بداية حياتي‬ ‫الأدب �ي��ة م��ع منت�صف ال�ستينيات م��ن القرن‬ ‫الما�ضي قد �شكلت بالن�سبة لي ‪ -‬كجن�س �أدبي‬ ‫له خوا�صه ومميزاته‪ -‬نوع ًا من الإغراء والبهاء‬ ‫الق�صة الق�صيرة كالق�صيدة‪ ،‬تكتب في‬ ‫والجاذبية؛ وذلك لقدرتها على اختزال العالم لحظة غفل من الزمن‪ ،‬وتعطي نف�سها �أو تتمنع‪،‬‬ ‫الق�ص�صي م��ن خ�لال ق��ان��ون التكثيف‪ ،‬وهو لتكون �أو ال تكون؛ وكل التنقيحات والتحويرات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫�سوف ي�ؤدي هذا الو�ضع �إلى ب�سط مناق�شة‬ ‫حول عالقة الق�صة الق�صيرة بالتقليد والتجديد‪،‬‬ ‫والواقعية والتجريب‪ ،‬ومغامرة ال�شكل وارتباطها‬ ‫بخ�صو�صية الر�ؤية للعالم‪ .‬وهي مناق�شة طويلة‬ ‫ومت�شعبة‪ ،‬قد ال يفيد الر�أي فيها �إال بالعودة �إلى‬ ‫تاريخ الجن�س وت�شكله من ن�صو�ص ق�ص�صية‬ ‫كان لها ح�ضورها عالميا وعربيا‪ ،‬وهو ح�ضور‬ ‫ي�ستوعب العديد من التجارب و�أنماط الكتابة‬ ‫و�أنواع الوعي بها‪ .‬لكن ما يمكن الإجماع عليه‪،‬‬ ‫هو �أن الق�صة الق�صيرة‪ ،‬ومن حيث التجني�س‪،‬‬

‫الق�صة الق�صيرة ت�شتغل‬ ‫على الكتابة التي تُحَ ِّر ُر العالم‬ ‫م��ن ال���س�ط�ح�ي��ة واالب� �ت ��ذال‪،‬‬ ‫ولذلك فهي ت�ستعيد مدخرات‬ ‫ال��ذاك��رة‪ ،‬وتر�صد ما تر�صده‬ ‫ال �ع �ي��ن‪ ،‬و ُت� �� َ��ص� � ِّو ُر المعي�ش‬ ‫والمتذكر والمن�سي والملتب�س‬ ‫الجانح نحو �أ�سطورة واق��ع �أو واق��ع �أ�سطورة‪.‬‬ ‫وهي و�إن كانت �أحداثها تقع في زمن ق�صير ف�إن‬ ‫هذا الزمن قد َيتَّ�سِ ُع ليدل على �أزمنة �أخرى لها‬ ‫عمقها في التجارب الإن�سانية‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫جمالية الق�صة الق�صيرة‬

‫الأ��س�ل��وب�ي��ة و�إ� �ض �ف��اء عن�صر‬ ‫القوة على الو�صف‪ ،‬هي �أمور‬ ‫ت��أت��ي فيما ب�ع��د؛ لأن الق�صة‬ ‫الق�صيرة ب��ارق��ة تح�ضر في‬ ‫ال��ذه��ن‪ ،‬والقب�ض عليها في‬ ‫ح �ي��ن ت �ل��ك ال �ب��ارق��ة �إم� ��ا �أن‬ ‫يكون �أو ال يكون؛ فال �أحد من‬ ‫ال�شعراء يجل�س وي��أخ��ذ قلما‬ ‫ويقول لنف�سه‪ :‬الآن �أن��ا �سوف‬ ‫�أكتب ق�صيدة‪ ،‬لأن الق�صيدة‬ ‫ه��ي ال�ت��ي تُباغته حيث ك��ان‪.‬‬ ‫وكذلك حال الق�صة الق�صيرة‪ ،‬تباغت فكرتها‬ ‫وه��ي ُم َلبَّ�سَ ٌة بلبا�س ما ي�ضفي طابع ال�شكل؛‬ ‫فلي�س ال�شكل الق�ص�صي قالبا جاهزا كما �أراد‬ ‫بع�ض المنظرين ل�ه��ذا الجن�س الأدب���ي وهم‬ ‫يتحدثون عن البداية والعقدة والحل‪� ،‬أو البداية‬ ‫ولحظة الت�أزيم ولحظة التنوير‪ ،‬وك�أنهم ير�سمون‬ ‫خطاطة ج��اه��زة‪� ،‬أو قالبا ج��اه��ز ًا تُ�صب فيه‬ ‫الأحداث؛ بل �إن فكرة الق�صة الق�صيرة تحمل‬ ‫معها �صوغها ال�شكلي؛ ما يجعل للكتابة دورا‬ ‫مهما في محاولة القب�ض على الفكرة وال�شكل‬ ‫الذي تظهر به في �آن واحد‪.‬‬

‫ال توجد �إال حيث يوجد تكثيف‬ ‫ال �ع��وال��م وت��رم�ي��زه��ا؛ ول��ذل��ك‬ ‫فهي �أق��رب �إل��ى ال�شعر منها‬ ‫�إلى �أي جن�س �أدبي �آخر‪.‬‬

‫كما �أن جمالية الق�صة الق�صيرة‪ ،‬تكمن في‬ ‫قدرتها على �أن تقدم للقارئ متعة قرائية لي�ست‬ ‫عابرة‪ ،‬لأنها ُترَ�سِّ خُ في وعيه تجربة �إن�سانية‬ ‫متميزة تظل حا�ضرة ف��ي ذاك��رت��ه القرائية‪،‬‬ ‫ول��ذل��ك تكثر ن�شر الق�ص�ص الق�صيرة في‬ ‫ال�صحف والمجالت‪ ،‬لتكون قريبة من القارئ‪،‬‬ ‫�إذ يكثر الإقبال على قراءتها‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪ ،‬لي�ست ق�صيرة نظرا‬ ‫لق�صر حجمها �أو عدد �صفحاتها‪ ،‬ولكن ما يقع‬ ‫فيها من �أحداث وما يح�ضر فيها من �شخ�صيات‬ ‫يبرق كالخاطرة‪� ،‬أو يح�ضر كنار ع��اب��رة في‬ ‫ال��ذاك��رة‪� ،‬أو يت�أتى كانفجار له لحظته كما له‬ ‫ال�سطح والعمق‪ .‬والم�س�ألة هنا هي م�س�ألة الأثر‬ ‫الذي يحدثه الن�ص في القارئ‪ ،‬و�أعني �أن الق�صة‬ ‫الق�صيرة‪ ،‬على وقت قراءتها الق�صير‪ ،‬يمكن �أن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪65‬‬


‫‪3‬‬

‫‪66‬‬

‫فما ج�سّ ده المعلم الكبير‬ ‫ي�ح�ي��ى ح �ق��ي ف��ي مجموعته‬ ‫الق�ص�صية (�أم العواجز) من‬ ‫احتفاء رائ��د بالفانتا�ستيك‪،‬‬ ‫وما �سار فيه فنانو الحكاية من‬ ‫قبيل يو�سف �إدري�س‪� ،‬سليمان‬ ‫فيا�ض‪� ،‬إدوار الخراط‪ ،‬هاني‬ ‫الراهب‪ ،‬حيدر حيدر‪ ،‬وزكريا‬ ‫ث ��ام ��ر‪ ،‬ع��زال��دي��ن ال �م��دن��ي‪،‬‬ ‫�أحمد مومو‪ ،‬محمد زف��زاف‪،‬‬ ‫م�صطفى الم�سناوي ومحمد‬ ‫برادة‪ ،‬وغيرهم؛ وما جدد فيه‬ ‫وط�وّر جيل �آخر من ال�شباب‪،‬‬ ‫ح��ق��ق ل �ل �ق �� �ص��ة ال �ق �� �ص �ي��رة‬ ‫امتداداتها في الأدب العربي‬ ‫المعا�صر‪ ،‬كل ذلك كان احتفا ًء بكتابة الق�صة‬ ‫الق�صيرة‪ ،‬وتمظهراتها الجمالية والداللية‪،‬‬ ‫التي جعلت منها جن�سا �أدبيا منفتحا على تيمات‬ ‫ج��دي��دة و�أ��ش�ك��ال ج��دي��دة‪ ،‬ه��ي التي يمكن �أن‬ ‫تت�شخ�ص في عدة مظاهر من بينها‪:‬‬ ‫ •التعامل مع الواقع في تجلياته اليومية‪.‬‬ ‫ •الفانتا�ستيك كو�ضعية تجمع بين العجيب‬ ‫والغريب‪.‬‬

‫نجد �أن ه��ذه الأف �ك��ار العامة‪ ،‬ح��ول جن�س •المفارقة ال�ساخرة والتفكه والإ�ضحاك‪.‬‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪ ،‬هي التي دفعت بق�صا�صين •�أ�سطرة الواقع‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ •المنزع ال�ت��راث��ي بتجلياته‬ ‫ال�م�م�ك�ن��ة؛ � �س��واء ك�أقنعة‬ ‫ل �ل �� �ش �خ �� �ص �ي��ات‪� ،‬أو كلغة‬ ‫م� �ط� �ب ��وع ��ة ب ��الأ�� �س� �ج ��اع‬ ‫وال � �ع � �ب� ��ارات ال�م�ع�ج�م�ي��ة‬ ‫القديمة‪.‬‬ ‫ •ترميز الواقع‪.‬‬ ‫ •�شعرنة لغة الق�ص‪.‬‬ ‫ •التقطيع الم�شهدي‪.‬‬ ‫ •ا� �س �ت �خ��دام ال��و� �ص��ف من‬ ‫خ�لال عين را��ص��دة �أو من‬ ‫ثقب الباب‪.‬‬ ‫‪...‬الخ‪.‬‬ ‫ع �ل��ى �أن ه ��ذه ال�ت�ج�ل�ي��ات‬ ‫والمظاهر التيمية وال�شكلية‬ ‫وه���ي ت�ح���ض��ر ع �ل��ى م���س�ت��وى‬ ‫الإنجاز‪� ،‬إنما ت�سعى �إلى ت�أ�سي�س كتابة ق�ص�صية‬ ‫جديدة ت�سعى �إل��ى تحديث هذا الفن و�إم��داده‬ ‫ب��روح المعا�صرة‪ ،‬وه��ي معا�صرة ت�ق��وم على‬ ‫الوعي بالذات والهوية والتاريخ والتراث‪ ،‬وهو‬ ‫وعي خالق ال ُي َكر ُِّ�س ثقافة الما�ضي و�إنما ي�ؤ�س�س‬ ‫عليها ر�ؤية جديدة للمعا�صرة‪.‬‬ ‫وف ��ي ه ��ذا ال�م�ع�ن��ى م��ا يجعل م��ن الق�صة‬ ‫الق�صيرة ف�ضاء للحياة اليومية‪ ،‬والواقع و�أنواع‬ ‫ح�ضوره‪ ،‬وم��ا ف��وق الواقع وتجلياته في الحلم‬ ‫والفانتا�ستيك والأ�سطرة‪ .‬وكلها مجاالت تتغذى‬ ‫منها الكتابة في جدليتها القائمة على الواقع‬

‫غير �أن كل ن�ص ق�ص�صي‬ ‫مفرد �إال وله عالمه الخا�ص‪،‬‬ ‫وفرادته في التجربة الإن�سانية‪،‬‬ ‫ور�ؤيته للحياة والكون‪ ،‬حيث ال‬ ‫يت�شابه مع ن�ص ق�ص�صي �آخر‬ ‫للكاتب نف�سه �أو حتى لغيره؛‬ ‫لأن��ه �إب��داع ولي�س تقليدا‪� .‬أما‬ ‫ن���ص��و���ص ال �ك��ات��ب مجتمعة‪،‬‬ ‫فيمكن �أن تُقر�أ على �أنها �سجل‬ ‫�أدب ��ي يحفل ب ��أن��واع المتابة‪،‬‬ ‫وت �ع��دد ط��رائ�ق�ه��ا و�أ��ش�ك��ال�ه��ا‬ ‫وم�ضامينها‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫تفجر كوامن و�أ�سئلة وتاريخا‬ ‫و�أن ت�سكن وقائعها وتوقعاتها‬ ‫بين الحلم والأ� �س �ط��ورة‪ ،‬و�أن‬ ‫تتلب�س لغتُها لبو�س االقت�صاد‬ ‫َ‬ ‫وال �ك �ث��اف��ة وال �ج �م��ال ال�ل�غ��وي‬ ‫ال �ت �ع �ب �ي��ري‪ ،‬ف �ه��ي ال تحتمل‬ ‫ال�ت�ق��ري��ر‪ ،‬والإخ��ب��ار ال�ج��اف‪،‬‬ ‫والعبارات الممطوطة المترهلة‬ ‫ب ��أدوات الربط‪ ،‬بالجمل التي‬ ‫يكثر فيها الح�شو؛ وب��دال من‬ ‫ذلك فهي تلج�أ �إلى االقت�صاد‬ ‫اللغوي‪ ،‬الذي يتمثل في الجمل‬ ‫الق�صيرة والكلمات التي تقوم‬ ‫م�ق��ام الجمل‪ ،‬وه��و الأ�سلوب‬ ‫البرقي الذي ابتدعه رائد من‬ ‫رواد الق�صة الق�صيرة عالميا‪،‬‬ ‫وه��و �إرن�ست همنغواي‪ ،‬الذي‬ ‫ا�ستفاد من الأ�سلوب البرقي‬ ‫في ق�ص�صه؛ �إذ تظهر المفردة‬ ‫ال��دال��ة وال �ع �ب��ارة ال�م�خ�ت��ارة‬ ‫والكلمات الموحية‪ .‬وكما يتم‬ ‫�إنجاز االقت�صاد في ال�سرد يتم �إنجاز االقت�صاد‬ ‫في الو�صف‪� .‬أما المو�ضوع‪ ،‬فالق�صة الق�صيرة‬ ‫لي�س لها م��و��ض��وع م�ح��دد م��ن المو�ضوعات‪،‬‬ ‫ب��ل مجالها جميع المو�ضوعات ذات الأب�ع��اد‬ ‫الإن�سانية التي تتج�سد في لحظة �أو موقف �أو‬ ‫معاناة‪ .‬لذلك فالق�صة الق�صيرة ت�شتغل على‬ ‫مختلف المو�ضوعات وتنوعها‪.‬‬

‫ع��رب كثيرين لأن يقتحموا‬ ‫مجاهل ه��ذا الجن�س الأدب��ي‬ ‫و�أن ي �� �س �ه �م��وا ف ��ي ت �ط��وي��ره‬ ‫وت�غ��ذي�ت��ه بتحديث الأ��ش�ك��ال‬ ‫وتجديد المو�ضوعات‪.‬‬

‫ •ا� �س �ت �ح �� �ض��ار �أ� �ش �خ��ا���ص‬ ‫ت��اري �خ �ي �ي��ن �إل� � ��ى ج��ان��ب‬ ‫�شخ�صيات متخيلة‪.‬‬

‫والتخييل‪.‬‬

‫‪4‬‬ ‫لعل �أب�سط ��س��ؤال يح�ضر‬ ‫في لحظة ت�أملنا لمعنى الكتابة‬ ‫ف��ي الق�صة الق�صيرة‪ ،‬لي�س‬ ‫ه��و م��ا ت �ق��ول��ه‪ ،‬ب��ل ه��و كيف‬ ‫ت �ق��ول��ه‪ .‬ف �� �س ��ؤال ال �ك �ي��ف هو‬ ‫ال�س�ؤال الجوهري الذي يُف�ضي‬ ‫بالقراءة �إل��ى تلقي الر�سالة وهي مُ�شَ َّفرَة؛ ما‬ ‫يجعل القارئ في ارتباط �شديد بفك �شفرتها‬ ‫والك�شف عن رموزها ومعانيها‪ .‬ذلك �أن الق�صة‬ ‫الق�صيرة لي�ست مجرد حكاية �أو «حدوثة»‪ ،‬بل‬ ‫�إنها محكي �سردي ي�شتغل على الكتابة بما هي‬ ‫لغة وتخييل‪ ،‬واقتراب من عوالم الواقع والممكن‬ ‫والم�ستحيل‪ ،‬فلذة القراءة ال تكمن في الحكاية‬ ‫نف�سها‪ ،‬و�إنما تكمن في طرائق الكتابة وم�ستويات‬ ‫التخييل و�شحنات اللغة وعنف التجربة ورمزيتها‬ ‫ُو�س واقعي بينما هي على واقعيتها‬ ‫وهي تظهر ِب ُلب ٍ‬ ‫تحيل على �أبعاد �أخرى تخرج بالحدث الواقعي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪67‬‬


‫ل��ذل��ك‪ ،‬ف� �ق ��راءة الق�صة‬ ‫ال� �ق� ��� �ص� �ي ��رة ه� ��ي ك � �ق� ��راءة‬ ‫ال� �ق� ��� �ص� �ي ��دة‪ ،‬ت� �ح� �ت ��اج �إل� ��ى‬ ‫ا�ست�شفاف ما وراء �سطورها‬ ‫م��ن دالالت وم��ع��ان ورم� ��وز؛‬ ‫وب��ذل��ك فقراءتها تحتاج �إل��ى‬ ‫ق ��ارئ� � ًا م ��ن ن���وع خ ��ا� ��ص‪ ،‬هو‬ ‫ال�ق��ارئ المثقف؛ �أم��ا القارئ‬ ‫ال�ع��ادي فمن �ش�أنه �أن يكتفي‬ ‫بالم�ستوى الب�سيط الذي تظهر‬ ‫َ�ض‬ ‫به الحكاية‪ ،‬وهو مجرد عَ ر ٍ‬ ‫ال جوهر‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫ت �ت �ع��دد �أ� �س �ئ �ل��ة ال�ق���ص��ة‬ ‫الق�صيرة وم��داخ��ل قراءتها‪،‬‬ ‫وه��ي �أ�سئلة وم��داخ��ل ق��راءة‬ ‫الأدب على العموم‪ ،‬لكن هذا‬ ‫الجن�س الأدبي‪ ،‬الذي لم يحظ‬ ‫بكثير من التنظير النقدي كما‬ ‫حظيت به ال��رواي��ة‪ ،‬يبقى في‬ ‫ح��اج��ة �إل��ى م�ق��ارب��ات جديدة‬ ‫�إن كانت ت�ستلهم �أبعادها من‬ ‫ال�شعرية وعلم ال�سرد ونظرية‬ ‫الن�ص وما ج��اءت به البنيوية‬ ‫م ��ن ب �ن �ي��ات ل�ل�ح�ك��ي (ال �� �س��رد‬ ‫وال�شخ�صيات والف�ضاء وال��زم��ن)‪ ،‬ف�إنها في‬ ‫حاجة �إلى �أن ت�ؤ�س�س خطابا نقديا يقترب من‬ ‫خ�صو�صية هذا الجن�س‪ ،‬بتحوالته ومتغيراته‪،‬‬ ‫وانعطافاته و�آفاقه‪ ،‬وممكناته وخوا�صه‪ ،‬وهو‬ ‫ما لم يحدث حتى الآن‪� ،‬سواء في النقد الغربي‬ ‫ال�ح��دي��ث �أم ف��ي نقدنا ال�ع��رب��ي‪ ،‬م��ا ع��دا في‬ ‫تنظيرات رائ��دة كالتي قدمها فرانك �أوكونور‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪5‬‬ ‫و�إن ن�شرت حتى الآن اثنين وع�شرين رواية‪،‬‬ ‫وت�سع مجموعات ق�ص�صية‪ ،‬ورغم هذه المفارقة‬ ‫العددية‪ ،‬ف�إنني �أتلذذ بكتابة الق�صة الق�صيرة‬ ‫�أكثر مما تحققه لي كتابة ال��رواي��ة من عذاب‬ ‫على م�ستوى تنظيم الن�ص ال��روائ��ي‪ .‬بل �إنني‬ ‫�أكتب ق�صة ق�صيرة‪� ،‬أحيان ًا في ليلة واح��دة‪،‬‬

‫ك�ت��اب��ة ال�ق���ص��ة ال�ق���ص�ي��رة ُم�ت�ع��ة ك�م��ا هي‬ ‫قراءتها‪ ،‬لم �أنقطع عن كتابتها منذ �ستينيات‬ ‫ال�ق��رن الما�ضي‪ .‬و�أن��ا �أع�ج��ب لمن ي�س�ألونني‬ ‫في بع�ض ال�ح��وارات ال�صحفية‪ :‬لماذا انتقلت‬ ‫من كتابة الق�صة الق�صيرة �إلى كتابة الرواية؟‬ ‫�أنا لم �أنتقل‪ ،‬و�إنما زاوج��ت بين كتابة الق�صة‬ ‫الق�صيرة وكتابة الرواية‪ .‬االنتقال معناه هجر‬ ‫جن�س �أدبي وال�سكن في جن�س �أدبي �آخر‪ ،‬وهو‬ ‫ما لم يحدث في تجربتي‪ .‬كما �أنني ال �أذهب مع‬ ‫الر�أي القائل ب�أننا نعي�ش زمن الرواية‪ ،‬لأنه ر�أي‬ ‫ينفي قوة ال�شعر وح�ضوره في م�شهدنا الثقافي‬ ‫العربي‪ ،‬كما ينفي ح�ضور الق�صة الق�صيرة‬ ‫التي كانت قد فقدت �شيئا من ح�ضورها في‬ ‫ال�صحف والمجالت ب�سبب تحول ثقافي طارئ‪،‬‬ ‫وعزوف بع�ض دور الن�شر عن ن�شر المجموعات‬ ‫الق�ص�صية وتف�ضيل ن�شر رواي��ات عليها‪ .‬لكن‬ ‫ذل��ك ال يعني م��وت جن�س الق�صة الق�صيرة‪،‬‬ ‫لأن كتابها القدامى ما يزالون على وفاء معها‪،‬‬ ‫ولأن �أجياال جديدة من كتابها قد تالحقت في‬ ‫الظهور‪ ،‬ولأن �أعدادا خا�صة من بع�ض المجالت‬ ‫قد بد�أت تخ�ص�ص ملفاتها لهذا الجن�س الأدبي‪،‬‬ ‫ولأن جمعيات قد ت�أ�س�ست وم��دار ا�شتغالها هو‬ ‫الق�صة الق�صيرة‪� ،‬سواء من خالل الندوات �أو‬ ‫من خالل تكريم الرواد �أو من خالل ن�شر بع�ض‬ ‫الإبداعات والدرا�سات والترجمات التي تخ�ص‬ ‫ه��ذا الجن�س الأدب���ي‪ ،‬ولأن م��واق��ع �إلكترونية‬ ‫�أ�صبحت تخت�ص بهذا الجن�س الأدبي‪ ،‬من خالل‬ ‫ن�شر الن�صو�ص ال�ج��دي��دة والتعريف بكتابها‬ ‫و�إج��راء ال�ح��وارات معهم‪ .‬لهذا كله وغيره‪ ،‬ال‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫من محليّته �إلى �أبعاده الكونية‪.‬‬

‫في كتابه «ال�صوت المنفرد»‪،‬‬ ‫وك��ارل��و���س بايكر ف��ي درا�سته‬ ‫لأع� �م ��ال �إرن �� �س��ت ه�م�ن�غ��واي‬ ‫الق�ص�صية‪ ،‬وما قدمه باحثون‬ ‫ع ��رب ك�ع�ب��د ال�ح�م�ي��د يون�س‬ ‫ومحمد �شكري عياد‪ ،‬وبعدهم‬ ‫باحثون ا�شتغلوا في �أبحاثهم‬ ‫الجامعية على جن�س الق�صة‬ ‫ال�ق���ص�ي��رة‪ ،‬وم ��ن بينهم في‬ ‫المغرب �أحمد يبوري ونجيب‬ ‫ال��ع��وف��ي و�أح� �م���د ال �م��دي �ن��ي‬ ‫وع�ب��دال��رح�ي��م م ��ودن وف��ري��د‬ ‫الزاهي و�آخرين‪ .‬لكن كل ذلك‬ ‫ال ي ��ؤدي �إل��ى تنظيرات قوية‪،‬‬ ‫ف�ق��د ك ��ان ال �غ��ال��ب ع�ل��ى تلك‬ ‫الدرا�سات هو طابع الت�صنيف‬ ‫وال�ن�م��ذج��ة وال �ت ��أري��خ‪ ،‬بينما‬ ‫ظلت الكثير م��ن الن�صو�ص‬ ‫الق�ص�صية الجميلة‪ ،‬الحافلة‬ ‫بالر�ؤى والأخاييل وم�ستويات‬ ‫الواقع‪ ،‬تفتقد قارئها الناقد‪،‬‬ ‫و�إن كانت قد �أ�صبحت جزء ًا‬ ‫من ال��ذاك��رة القرائية لبع�ض‬ ‫القراء‪.‬‬

‫و�أحيانا في ثالثة �أي��ام‪ ،‬عدا �أوق��ات مراجعتها‬ ‫و�ضبط مفا�صلها والحر�ص على حذف كل زيادة‬ ‫ال تخدم مبناها ومعناها‪.‬‬

‫يمكن اعتبار الق�صة الق�صيرة جن�سا �أدبيا‬ ‫ميتا في �أدبنا العربي‪ ،‬لأن حياته ال تكمن في‬ ‫مناف�سته للأجنا�س الأدبية الأخرى‪ ،‬و�إنما تكمن‬ ‫في خ�صو�صيته الفنية والجمالية والداللية‪،‬‬ ‫وهي خ�صو�صية تكمن في بالغة التكثيف وعمق‬ ‫الر�ؤيا والتقاط تفا�صيل اليومي بما يجعل منها‬ ‫م ��وادا لكتابة ت��روم ترميزها و�إ��ض�ف��اء البعد‬ ‫الكوني عليها‪ ،‬وذلك من خالل‪:‬‬ ‫ •المجتمع ومظاهره وتحوالته‪.‬‬ ‫ •ال�سيا�سة وح�ضورها في اليومي‪.‬‬ ‫ •الجن�س و�أبعاده االجتماعية‪.‬‬ ‫ •ال �م ��ؤث��رات الثقافية �شعبية �أو عالمية‪،‬‬ ‫م�سموعة �أو مرئية �أو مكتوبة‪.‬‬ ‫ •التاريخ والتراث كفاعلين هامين في ثقافة‬ ‫الأفراد والمجتمعات‪.‬‬ ‫ •عوالم الحلم والأ�ساطير وما لها من �سطوة‬ ‫على الذات الفردية‪ ،‬و�أي�ضا ما لها من قدرة‬ ‫على ت�شكيل رمزي لما هو العالم‪.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫الق�صة الق�صيرة كما هي‪ ،‬ت�شهد على الواقع؛‬ ‫فهي تعيد ب �ن��اءه‪ ،‬عبر اللغة والتخييل‪� .‬إنها‬ ‫مغامرة �أدبية تتداخل فيها عدة مظاهر‪:‬‬ ‫�أولها‪ :‬واقعي يحيل على الواقع‪.‬‬ ‫وثانيها‪ :‬تخييلي يتعامل مع اللحظة من حيث‬ ‫هي تعبير عن اليومي بتفا�صيله وموحياته‪.‬‬ ‫وث��ال�ث�ه��ا‪ :‬رم ��زي يتعامل م��ع اللحظة وم��ع‬ ‫تاريخيتها وكونيتها‪.‬‬ ‫ورابعها‪ :‬ر�ؤيوي انفجاري يبد�أ عالم الق�ص‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪69‬‬


‫‪70‬‬

‫دخلت الكثير من الأنطولوجيات‪ ،‬وترجمت �إلى‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪ -‬المقيم في العراء‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫عدة لغات عالمية‪ ،‬كما �أقبلت معظم المجالت‬ ‫كما هي بداية العالم‪.‬‬ ‫وخام�سها‪� :‬سخروي يقدم الحدث بو�صفه الثقافية العربية على ن�شر بع�ضها‪ ،‬ف�إن ذلك ما‬ ‫يجعلني �أحتار �أمام قراء لم يعرفوني �إال ككاتب‬ ‫�سخرية من الواقع‪.‬‬ ‫روائي‪ ،‬بينما الق�صة الق�صيرة �شكلت في حياتي‬ ‫و�ساد�سها‪ :‬لغوي ت�شرق فيه اللغة على م�ساحة‬ ‫الأدبية مف�صال مهما وع�شقا للكتابة واكت�شافا‬ ‫الن�ص الق�ص�صي‪.‬‬ ‫لبع�ض �أ�سرارها‪.‬‬ ‫و�سابعها‪ :‬زمني يحفل بزمن الن�ص الذي هو‬ ‫لم �أ�ش�أ في هذه الورقة �أن �أنوب عن النقاد‬ ‫كل الأزمنة‪.‬‬ ‫في تو�صيف �أعمالي الق�ص�صية ومناحيها في‬ ‫وثامنها‪ :‬قلق يعي�ش قلق المعي�ش وقلق الكتابة‪.‬‬ ‫التجريب وارتياد �آفاق جديدة‪ ،‬فذلك ما قام به‬ ‫وتا�سعها‪��ِ � :‬س�رِّيٌ وغام�ض مُحَ بَّبٌ بجمالية الكثير من النقاد والباحثين الجامعيين‪ ،‬حتى‬ ‫الغمو�ض‪.‬‬ ‫قيل ذات يوم �إن ما كُتب عن �إحدى مجموعاتي‬ ‫وعا�شرها‪:‬حُ لْمِ يٌّ ينتمي �إلى الحلم الأدبي‪ .‬الق�ص�صية يفوق حجمها مائة مرة �أو �أكثر‪ .‬فما‬ ‫معنى ال�م�غ��ام��رة ه�ن��ا ه��و ارت �ق��اء الكتابة �أردت��ه من ه��ذه ال��ورق��ة‪ ،‬هو ب�سط ر�ؤي�ت��ي لهذا‬ ‫الق�ص�صية �إلى كل هذه المدارج �أو بع�ضها على الجن�س الأدبي‪ ،‬ومفهومي للكتابة فيه‪ ،‬وت�صوري‬ ‫الأقل‪ ،‬ولي�س بالتحديد‪ ،‬فلكل كاتب ق�ص�صي ما لبع�ض ق�ضاياه‪ ،‬راجي ًا �أن �أك��ون قد وُفقت في‬ ‫ي�أخذه من هذا �أو ذاك‪ ،‬وما ي�صنع منه ن�ص ًا ذلك �إلى حدٍ من الحدود‪.‬‬ ‫ق�ص�صي ًا هو بمثابة فاكهة ذهبية‪ ،‬على حد تعبير الأعمال الق�ص�صية المن�شورة‪:‬‬ ‫ناتالي �ساروت‪� ،‬أو غ�صن ًا ذهبي ًا على حد تعبير‬ ‫ �أو�صال ال�شجر المقطوعة‪.‬‬‫جيم�س فريزر‪.‬‬ ‫ النداء بالأ�سماء‪.‬‬‫‪7‬‬ ‫ ال�شبابيك‪.‬‬‫ �شيء من رائحته‪.‬‬‫�ستة و�أربعون عاما م�ضت على ن�شر �أول ق�صة‬ ‫ منزل اليمام‪.‬‬‫ق�صيرة لي �سنة ‪ ،1966‬في جريدة «الأن�ب��اء»‬ ‫المغربية‪ ،‬و�أن��ا تلميذ بالثانوي‪ .‬وخ�لال هذه‬ ‫ يتعرى القلب‪.‬‬‫العقود الأربعة ونيّف‪ ،‬ن�شرت ما يزيد على مائة‬ ‫ �شم�س �سوداء‪.‬‬‫وخم�سين ق�صة ق�صيرة‪ ،‬را َف َقتْها خاللها بع�ض‬ ‫ باب العين‪.‬‬‫الأفكار التي �أدرجتها �سالفا‪ ،‬فبها كنت �أ�ستر�شد‬ ‫ جهة الماء‪.‬‬‫خالل لحظات الكتابة‪ ،‬وبتوجيهاتها كنت �أخو�ض‬ ‫مجموعتان قيد الن�شر‪:‬‬ ‫مغامرة كتابة ن�ص ق�ص�صي بعد �آخر‪.‬‬ ‫ �ألف ظل وظل‪.‬‬‫و�إذا ك��ان��ت بع�ض ق�ص�صي الق�صيرة قد‬

‫تجربتي‬ ‫وخزات ال تتوقف‪!..‬‬ ‫■ حممد �صوانة ‪ -‬الأردن‬

‫من ال�صعب �أن يتحدث المرء عن نف�سه‪ ،‬وهو في ذلك‪ ،‬ال بد �أن ي�ستدرج ذاكرته التي يختزن‬ ‫فيها الكثير من اللحظات والذكريات والأحداث التي ت�شكّل �شخ�صيته‪ ،‬وت�ؤثر في تكوينه الفكريّ‬ ‫والثقافيّ والنف�سيّ ‪ ,‬وبالت�أكيد في تكوينه الإبداعي‪ .‬مَن �أنت؟ ال�س�ؤال الذي يجعلك تحك ر�أ�سك‬ ‫من دون �سبب؛ لكن حقاً �إذا عرفت نف�سك‪� .‬أدركت مَن تكون‪ ،‬وات�ضح هدفك في الحياة‪..‬‬ ‫محمد �صوانة‪ ،‬فتى من «بني عامر»‪� ..‬شبَّ في‬ ‫بيئة ريفية‪ ،‬في قرية وادعة‪ ..‬يقطع �سكونها اليومي‬ ‫عربات محدودة وحافلة واح��دة (با�ص) تخدمها‬ ‫وال�ق��ري��ة ال�م�ج��اورة ل�ه��ا‪� ..‬أذك ��ر عندما ح�ضرت‬ ‫«الجرافة» لت�سوية مو�ضع بناء مع�صرة زيتون‪ ،‬تجمّع‬ ‫جميع �أه��ل القرية لم�شاهدة الآل��ة العجيبة ذات‬ ‫القدرات الخارقة! قرية في �شفا جبال �شرقي نهر‬ ‫الأردن‪ ،‬تطل على �أفق يتيح للناظر من �أعلى جبالها‬ ‫ر�ؤي ًة من بعيد ل�سماء القد�س الأ�سيرة‪ ..‬في مقربة‬ ‫متخيلة في الأفق‪ ،‬غير متاحة على �أر�ض الواقع‪!..‬‬ ‫في ال�صيف‪ ..‬ي�ستمتع الفتى ب�صفاء �سماء تدور‬ ‫ال�شم�س في فلكها ب�شكل قو�سي! وتتجول عيناه في‬ ‫الأفق المفتوح‪ ،‬بحث ًا ف�ضولي ًا ال يدرك كنهه‪!..‬‬ ‫وفي ال�شتاء‪ ..‬تتتابع الغيوم الحبلى بالغيث‪..‬‬ ‫�شم�س‬ ‫متراكمة تباعاً؛ ك�أنما تُدفع دفعاً! قرية تغرب ُ‬ ‫فِتيانها باكراً‪ ،‬ك�أنها تعاند �شغفهم باللعب بكرة‬ ‫القما�ش عندما تغيب كرة الكاوت�شوك ال�صينية‪!..‬‬

‫ينادي رجل طويل القامة‪ ،‬متوا�ضع الثياب‪ ،‬جهور‬ ‫ال�صوت‪ ،‬ب�أمر المحافظ للأهالي ب�إطفاء الأنوار‪،‬‬ ‫وت�غ�ط�ي��ة ال �ن��واف��ذ ب��ال�ب�ط��ان�ي��ات ت�م��وي�ه� ًا لقائدي‬ ‫الطائرات المعادية‪ ..‬كانت �أجواء هزيمة حرب ‪67‬‬ ‫ما تزال تخيّم على الأجواء‪ ..‬وطبولها لم تهد�أ بعد‪..‬‬ ‫الترقّب بادٍ على وجوه الكبار‪ ،‬والأمهات ي�سكنهن‬ ‫الخوف‪� ..‬أما عيون الأطفال وقلوبهم فموزعة بين كل‬ ‫ذلك‪ ..‬في تلك الأثناء من عام ‪( 1968‬بداية الوعي‬ ‫الطفولي على العالم المحيط بالبراءة الغ�ضة)‪،‬‬ ‫كانت �أح ��داث معركة الكرامة حا�ضرة‪ ،‬و�شاهد‬ ‫الفتى الطائرات الإ�سرائيلية تحلق في الأج��واء‪..‬‬ ‫وتع�صف ب�سكون القرية‪ ،‬لم نكن نهرب‪ ،‬بل نخرج‬ ‫لنتتبع الخطوط البي�ضاء المتعرجة في ال�سماء التي‬ ‫تتركها الطائرات خلفها‪ ..‬كانت “الكرامة” عنوان‬ ‫الوعي لذلك الفتى‪ ..‬و�ستظل �إمكانات الن�صر الذي‬ ‫تحقق‪ ،‬متاحة في مخيّلته ووعيه وهاج�سه‪..‬‬ ‫ينتظر الفتى بلهفة بالغة ع��ودة الأب‪ ،‬وي�شعر‬ ‫بالزهو وهو ي��راه ببزته الع�سكرية و�سالحه‪ ..‬ثمة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪71‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪72‬‬

‫�أمان ي�شعر به وهو يُل�صق ج�سده‬ ‫بج�سد وال� ��ده‪ ..‬ك��أن�م��ا ي�ط��اول‬ ‫ق��ام �ت��ه! ن�ب���ض��ات ق�ل�ب��ه ت�ت��وال��ى‬ ‫بتوتر‪ ..‬وال يعرف �سبب ًا لذلك‪!..‬؟‬ ‫ُت��رى ه��ل يطول ه��ذا االلت�صاق‬ ‫كثيراً؟ ويهن�أ الفتى بحياة ي�ؤملها‬ ‫مثل �أت��راب��ه؟ ربما تك�شف هذه‬ ‫الجزئية �شخ�صية الفتى‪ ،‬وجانب ًا‬ ‫من طريقة تفكيره التي انعك�ست‬ ‫على جُ لِّ حياته‪ ،‬فيما بعد!‬ ‫في لحظة �شاردة‪ ،‬لم يح�سب‬ ‫ل�ه��ا ح���س��اب‪ ،‬غ��رب��ت ال�شم�س‪،‬‬ ‫بعد �أن كانت تملأ الأف��ق كله‪..‬‬ ‫وه�ج�م��ت عتمة عجيبة‪ ،‬م�ل�آى‬ ‫ب ��أرت��الٍ م��ن غيوم داك�ن��ة تتكتل‬ ‫كالجبال يلو بع�ضها بع�ضاً‪ ..‬ما‬ ‫�أن تنق�شع بفعل الريح‪ ،‬حتى تعود‬ ‫كما ب��د�أت‪ .‬لم يكن ذل��ك �سه ًال‬ ‫ع�ل��ى الإط �ل��اق‪ ،‬ف�ق��د ح �ف � ّر في‬ ‫جبهته عالمة فارقة‪ ،‬وتجذّرت‬ ‫لت�ستقر في دواخله حتى اللحظة!‬ ‫وفي تلك الليالي الحالكات بد�أ الوعي المختلط‬ ‫ب��الأل��م يت�شكل‪ ..‬ففي جل�سات �سمر م��ع الجدة‬ ‫والعمات الكريمات‪ ،‬رويت له ول�شقيقيه ال�صغيرين‬ ‫قبل ال�ن��وم حكايا «ال ��واوي وال��دج��اج��ات» و «ن�ص‬ ‫ان�صي�ص»‪ ،‬و«الغولة»‪ !..‬و�أ�شركننا معهن في �ألعاب‬ ‫ب�سيطة تغلب عليها الفكاهة البريئة والمفاج�آت‬ ‫الطريفة‪..‬‬ ‫انتهت �سحابة ال�صيف‪ ،‬وانق�شعت ُفرُجات من‬ ‫العتمة‪ ،‬وعاد الفتى �إلى حقيبته المدر�سية ليند�س‬ ‫في الف�صل الرابع «المرحلة الأ�صعب» لدى الفتى‬ ‫المجروح؛ كانت الوخزات الم�ؤلمة ت�أتي تباعاً‪ ..‬من‬ ‫يح�س بم�شاعره �أحد‪ ،‬وهكذا الحياة‪ ..‬ك ٌل‬ ‫دون �أن ّ‬ ‫يُغني على موّال!‬ ‫لم يكن في الحقيبة �سوى بقايا �أقالم ملونة كان‬

‫قد �أح�ضرها وال��ده؛ تحبيبا له‬ ‫في الكتابة‪ ،‬لتحفيزه على تلوين‬ ‫خرب�شاته في دفاتره المدر�سية‪..‬‬ ‫وق ��د ت��رك��ت ت�ل��ك ال �ح��زم��ة من‬ ‫الأقالم �أثرها في �شخ�صيته؟!‬ ‫في معمعة المرحلة الإعدادية‬ ‫(المتو�سطة)‪ ،‬وجد نف�سه �أمام‬ ‫معلم قادم للتو‪ ،‬يدفع التالميذ‬ ‫�إل ��ى زي� ��ارة مكتبة ال�م��در��س��ة‪.‬‬ ‫لكن �صدم ًة غير مح�سوبة كانت‬ ‫تنتظره ف��ي ح�صة التعبير‪� ،‬إذ‬ ‫فوجىء يوما بالمعلم يطلب منه‬ ‫�أن يقف �أمام الطالب ليقر�أ لهم‬ ‫م��و��ض��وع التعبير ال ��ذي كتبه‪..‬‬ ‫فقام مبتهج ًا وق��ر�أه بزهو �أمام‬ ‫ال �ف �� �ص��ل‪ ..‬م �ن �ت �ظ��ر ًا ع �ب��ارات‬ ‫الإط��راء من المعلم المنقب�ض!‬ ‫لكن المفاج�أة كانت باتهامه ب�أن‬ ‫�س�أله‪َ « :‬م��ن كتب لك المو�ضوع‬ ‫ه ��ذا؟!»‪�« .‬أن��ا ي��ا �أ��س�ت��اذ»‪« ..‬ال‪،‬‬ ‫�أف�صح‪ ،‬وقل الحقيقة»! وارت�سمت‬ ‫ع�ل�ام ��ات ال��ره��ب��ة وال �ت��وج ����س‬ ‫واال�ستغراب على الوجه الكالح �أ�صالً‪ ..‬لكنه تجا�سر‬ ‫قائالً‪« :‬يا �أ�ستاذ‪ ،‬ا�س�أل الزمالء‪ ،‬والمدير‪ ،‬كلهم‬ ‫يعرفون �أنني �أكتب مو�ضوعاتي بنف�سي‪ ،‬ولي�ست‬ ‫�أول مرة �أكتب فيها هكذا»‪ ..‬لتنتقل الق�ضية �إلى‬ ‫مكتب المدير‪ ،‬العارف ب�إمكانات الطالب‪ ،‬وتنتهي‬ ‫الم�شكلة م��ع المعلم ال�ج��دي��د بحكمة ال�م��دي��ر‪،‬‬ ‫وتتحول بعدها �إل��ى بُعدٍ جديدٍ مختلف‪� ..‬إذ يبدو‬ ‫�أن المعلم عرف �إمكانات الفتى‪ ،‬فحاول �أن يجرب‬ ‫معه كتابة ال�شعر‪ ..‬و�سريعا انطلق يقر�أ (�ألف ليلة‬ ‫وليلة)! و�أخذ يحفزه على تقديم ملخ�صات لبع�ض‬ ‫ف�صوله‪ !!..‬وتجميعها في (ملف خا�ص)‪ ..‬وما زلت‬ ‫�أ�شعر بالأ�سف لأنه لم ُي ِعدْه �إليّ منذ �أن �سلمته �إياه‬ ‫للم�شاركة في معر�ض خا�ص لم�شاركات مدر�سية في‬ ‫مدار�س محافظة �إربد‪..‬ولم نكن نعرف حينها �آلة‬

‫الن�سخ (الت�صوير)‪.‬‬ ‫تركت تلك العالقة م��ع ه��ذا المعلم �أث ��ر ًا في‬ ‫نف�سية الفتى‪ ،‬وفي ميله نحو النثر وال�سرد والق�صة‬ ‫و�أحيانا ال�شعر‪ ..‬وك��ذا في الن�شاطات الالمنجية‬ ‫في المدر�سة‪ ،‬ومنها الم�شاركة كل عام في الم�سرح‬ ‫المدر�سي‪ ،‬في االحتفال ال�سنوي نهاية العام‪ ،‬فكان‬ ‫م�شارك ًا دائم ًا في التمثيل والتقديم‪ ..‬و�إح�صاء عدد‬ ‫الكتب التي طالعها الفتى لال�شتراك في م�سابقة‬ ‫المطالعة على م�ستوى المحافظة (و�إن لم تت�سن له‬ ‫الم�شاركة الفعلية فيها) لكنها حققت الهدف في‬ ‫تر�سيخ عادة حب القراءة الالمنهجية حتى �صارت‬ ‫الزمة له حتى في �أيام االمتحانات‪ !..‬وكانت المرحلة‬ ‫الأ�سا�س في ت�شكّل ملكة الكتابة لديه‪ ،‬وظلت تختزن‬ ‫في مداده‪ ،‬حتى انطلقت من عنق ذلك القلم تتدفق‬ ‫ب�شكل متوال ٍ‪ ،‬حتى �أ�شعر �أنني بحاجة �إلى التقاط‬ ‫بع�ض االنفا�س وتقييم المرحلة‪..‬‬ ‫ف��ي ال�م��رح�ل��ة ال�ج��ام�ع�ي��ة‪ ،‬اخ �ت��رت ع��ن قناعة‬ ‫درا�سة «ال�صحافة والإع�لام»‪ ،‬التخ�ص�ص الدقيق‬ ‫«التحرير و�إنتاج ال�صحف والمطبوعات»‪ ..‬وكان‬ ‫لذلك دور في �صقل القلم الهاوي �أ�ص ًال للكتابة‪..‬‬ ‫وت�سلمت �سكرتارية التحرير في �صحيفة الق�سم‬ ‫(�صحافة اليرموك) منذ عددها الأول وحتى �سنة‬ ‫التخرج‪ ،‬و�شاركت كذلك في تحرير الكتاب ال�سنوي‬ ‫للجامعة‪ ،‬وكنت �أكتب في كل �إ�صدار منهما‪ ،‬وفزت‬ ‫خالل الدرا�سة ب�أف�ضل تحقيق �صحفي على م�ستوى‬ ‫الق�سم‪.‬‬ ‫وبالطبع‪� ،‬أخذت الموهبة تتطور يوما بعد يوم‪..‬‬ ‫كما ه��ي ح��ال محترف ال�ك�ت��اب��ة‪ ..‬و��ص��اح��ب هذه‬ ‫ال�سطور يظن �أنه لم ي�صل بعد �إلى ما يبتغي في هذا‬ ‫المجال‪ ..‬فما يزال يرى نف�سه هاوي ًا مجرب ًا وربما‬ ‫مغامرا �أحياناً‪..‬‬ ‫في العمل‪ ،‬تنقلت من موقع �إلى �آخر‪ ،‬كان �أغلبها‬ ‫�ضمن مجال التخ�ص�ص‪ ،‬و�أ�شرفت على �إ�صدار‬ ‫ما ال يقل عن (‪ )150‬كتاب ًا ودوري��ة ومطبوعة في‬ ‫مختلف المجاالت الأدبية واالجتماعية واالقت�صادية‬

‫والريا�ضية‪ ..‬وغيرها‪ ..‬ما كان له �أثر كبير في �صقل‬ ‫ملكة الكتابة‪ ،‬وحبها‪ ..‬حتى �أ�صبح القلم رفيقي في‬ ‫حِ لّي وترحالي‪ ،‬فتكثر الق�صا�صات من حولي في‬ ‫المكتب والبيت وال�سيارة‪ ،‬و�صار الهاتف الجوال‬ ‫وعاء كتابة عند الحاجة يقيّد الخاطر عندما ي�أتي‬ ‫�صيده‪ ..‬ف�أقيّده؛ لأع��ود �إليه الح�ق�اً‪ ..‬وف��ي مرات‬ ‫عديدة �أركنها جانبا ‪ -‬ب�سبب قناعتي ب�أنه لم يَحِ نِ‬ ‫الوقت المنا�سب لإطالقها‪..‬‬ ‫�أمي كان لها ال��دور الأكبر في ت�شكيل حياتي‪..‬‬ ‫تلك الإن�سانة الحكيمة المتعلمة في مدر�سة الحياة‬ ‫التي عا�شتها وعاي�شتها‪ ..‬لم تذهب �إلى المدر�سة‪،‬‬ ‫لكنها ممن عركتها الحياة بحلوها وم��ره��ا‪ ،‬و�إن‬ ‫طغت ال�م��رارة‪� ،‬آن��ذاك‪ ..‬رغم م�ساحات متناثرة‬ ‫من ال�سعادة‪ .‬كنت �أقر�أ على م�سامعها ما �أكتبه في‬ ‫مو�ضوعات التعبير والكلمات ال�صباحية المدر�سية‪،‬‬ ‫فكانت ال�سعادة تغمرها‪..‬‬ ‫عندما ا�ستوى القلم خرجت بع�ض الق�ص�ص‬ ‫الق�صيرة �أوال‪ ،‬وق�ص�ص خا�صة بالأطفال‪ ،‬ثم ا�ستقر‬ ‫القلم كثيرا في �ساحة الـ ق‪ .‬ق‪ .‬ج��داً‪ ..‬ربما بفعل‬ ‫ت�أثيرات عديدة تتمثل في �ضيق الوقت والحاجة‬ ‫للتركيز والتكثيف غير الممل‪..‬‬ ‫�أ�صدرت ق�صة موجهة للأطفال بعنوان (مفاج�أة‬ ‫ماجد) ‪2004‬م‪ ..‬ثم مجموعتي الأولى في الـ ق‪ .‬ق‪.‬‬ ‫جد ًا (ح��روف و�سنابل) ‪2010‬م‪ ،‬وقريبا �ست�صدر‬ ‫المجموعة الثانية �إن �شاء اهلل‪..‬‬ ‫في �أحيان كثيرة‪ ،‬ال �أجد لذة الن�ص �إال بعد فترة‬ ‫قد تطول‪� ..‬أحيان ًا عندما �أعود �إلى كتابات �سابقة‪،‬‬ ‫�أقف عندها م�شدوها‪� ،‬أهو بهذا الجمال؟ كيف لم‬ ‫�أدرك ذلك لحظة والدته؟! في كثير من الحاالت ال‬ ‫يتذوق الكاتب لذة ن�صه كما يجده القارىء! و�أحيانا‬ ‫يكت�شف ناقد في ن�صك �أكثر مما �أودعته فيه‪!..‬‬ ‫لم تكن الرحلة ممهدة‪ ،‬بل كانت مليئة بوخزات‬ ‫ال تخلو من الألم؛ وقد ظل بع�ضها حا�ضر ًا مُحرك ًا‬ ‫للذاكرة المتعبة‪ ..‬ال يتوقف عن وخزها‪ !!..‬وال يترك‬ ‫لها مجا ًال لل�سكون!‬

‫‪73‬‬


‫■ حممد حممد م�ستجاب ‪ -‬م�صر‬

‫ف�شلت �أن �أنجب �أديبا‪!!..‬‬ ‫جملة �أنهى بها والدي �إحدى مقاالته‪.‬‬ ‫جملة �شقت حياتي ن�صفين‪ ..‬وملأتني بالحيرة والأ�سئلة‪ ..‬كانت كالزلزال‪ ،‬لم تزل توابعه‬ ‫م�ستمرة‪ .‬جعلت الولد ال��ذي يت�صعلك ويتقافز في المقاهي والمباريات‪ ،‬ويت�شاجر مع طوب‬ ‫الأر���ض‪ ،‬ويتحرك في حياته من دون وجهة‪ ،‬ومن دون هدف محدد‪� ،‬أن يحدد ولأول مرة في‬ ‫حياته‪ :‬ماذا يريد؟وكان القرار‪� ..‬أن �أ�صبح كاتباً‪..‬‬ ‫لكن �أي كاتب‪ ،‬و�أنت خلفك �سد عالٍ �ضخم ا�سمه‪ :‬محمد م�ستجاب؟!‬ ‫لم �أكن �أعلم �أن الحياة ُت ِعد َُّك كي تكون كاتباً؛‬ ‫فبعد هذا الإعالن الوا�ضح من والدي‪ ،‬بف�شله �أن‬ ‫ينجب �أديباً‪ ،‬قررت التحدّي‪ ،‬لكن الحياة �أثبتت‬ ‫�أن��ه لي�س تحدٍّ ‪ ،‬بل �إنها تُعدك �أن تكون كاتباً‪،‬‬ ‫وكاتب ق�صة ق�صيرة‪ ،‬لت�صبح حياتي منق�سمه‬ ‫ن�صفين‪ :‬ن�صف ت�ج��ذب��ه الق�صة وجحيمها‬ ‫ومتعتها وطرقها‪ ،‬ون�صف لإن�سان عادي ي�شاغب‬ ‫ويتعارك ويعي�ش حياة ماليين الب�شر‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫والمهن التى امتهنتها‪ ،‬والأ�صدقاء‪ ،‬والثورة‪،‬‬ ‫وال� �ب� ��ؤ� ��س‪ ،‬وال��ف��ق��ر‪ ،‬وال �� �ض �ح��ك‪ ،‬وال �� �س �ف��ر‪،‬‬ ‫وال�سخرية‪ ،‬والبحث عن عمل‪ ،‬والف�شل‪ ،‬ورحيل‬ ‫�أب ��ي‪� ،‬أ��ش�ي��اء حملتها على ج���س��دي‪ ،‬وت��دث��رت‬ ‫بها؛ ف�أ�صبحت تكويني وخاليا ج�سدي‪� ،‬أ�شياء‬ ‫غام�ضة و�ساحرة ومقلقة و�ساكنة‪ ،‬ت�صرخ فيّ �أن‬ ‫�أ�سكت‪ ،‬و�أ�صمت؛ لأنها َتعِد �أن �أكون كاتباً!‬

‫نعم هي �أ�شياء و�ضعت في تكويني‪ ،‬لم �أكن‬ ‫فالخيال‪ ،‬والمغامرة اللغوية‪ ،‬والحكاية‪� ،‬أفهمها قبل الولوج �إلى عالم الق�صة‪.‬‬ ‫وال �� �ص �ح��راء‪ ،‬وال��ظ�ل�ال‪ ،‬وال �ظ��ل‪ ،‬وال�م��دي�ن��ة‪،‬‬ ‫وبين ال�ش ّد وال �ج��ذب‪� ،‬أرك��ن و�أ�ستريح في‬ ‫والطبيعة‪ ،‬والإ��ش�ب��اع‪ ،‬وال�ح��ارث��ون‪ ،‬والعذوبة‪ ،‬الق�صة‪ :‬معتمدا على جميع ما �شاهدته عيناي‬ ‫والبيت‪ ،‬والكتابة‪ ،‬والعدة‪ ،‬والمدخل‪ ،‬وال��ورق‪ ،‬وم��ا ق��ر�أت��ه م��ن �سطور و�شخ�صيات وم��واق��ف‬ ‫وال�سينما‪ ،‬وال��ر��س��م‪ ،‬والمو�سيقى‪ ،‬وال��وح��دة‪ ،‬حياتيه؛ لأج��د �أن م��ا م��ررت ب��ه ��س��اب�ق�اً‪ ،‬وما‬ ‫وال�م�ك�ت�ب��ة‪ ،‬وال �ح��ب‪ ،‬وال �ح �ي��وان��ات‪ ،‬وال�ب�ح��ر‪ ،‬امتهنته من مهن‪ ،‬هو العداد والعدة لكي �أر�سو‬ ‫وال �ت��راث‪ ،‬والأ�ساطير‪ ،‬وال�ب��داي��ات‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬في ق�صتي الخا�صة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫وثرثراتها‪� .‬إن الق�صة تحتاج �إلى رعاية خا�صة‬ ‫جداً‪ ،‬كي تبد�أ في فتح �أبوابها لك‪.‬‬ ‫يقولون‪« :‬الأ�سد �أربعة خ��راف»‪ ،‬حقيقة لم‬ ‫�أكن �أعرفها ولكني ع�شتها و�أنا ا�ستعد للدخول‬ ‫لعالم الق�صة ال��وا��س��ع ال��رح��ب‪ .‬وك��ان��ت �أول‬ ‫الأ�شياء ما وف��ره لي وال��دي‪� ،‬إال �أنني �أكت�شف‬ ‫�أن جهاز ا�ستقبالي – وهو �شديد الح�سا�سية‬ ‫– قادر على ا�ستقبال وامت�صا�ص كل الأ�شياء‬ ‫حولي‪ ،‬قادر على ا�ستيعاب كل الدقائق والرقائق‬ ‫والمواقف التى �أمر بها‪ ،‬لتت�سع مداركي و�أدين‬ ‫ب�ك��ل م��ا حققته �إل ��ى ك��ل ال��ذي��ن ح��ول��ي‪ ،‬فهم‬ ‫زادي وقوتي والماعون الذي امتلكه‪ ،‬جميعهم‬ ‫من‪� :‬أ�ساتذتي وجيراني و�أقاربي ور�ؤ�ساء دول‬ ‫ومدر�سين وظرفاء وجيران‪ ،‬وكل من قابلتهم‬ ‫من قتلة وبلطجية و�أفاقين وموظفين‪ ،‬ليت�ضح‬ ‫ف��ي النهاية �أن�ه��م �أن��ا‪ ،‬و�أن�ه��م �أ�صبحوا خاليا‬ ‫ج�سدي ونقاط دم��ي‪ ،‬التى �أ�صبحت ج��زء ًا من‬ ‫تكوين عقلي‪ ،‬ب�لازم��ا ال��دم ال��ذي �أعي�ش به‪.‬‬ ‫فالق�صة جعلتني منتبه ًا لكل ذل��ك‪ ،‬ومن دون‬ ‫ق�صد‪� .‬إن الأمر في البداية يحتاج �إلى تدريب‪،‬‬ ‫�إال �أنه بعد فترة‪ ،‬ي�صبح �شيئ ًا �أ�سا�سي ًا ت�سير به؛‬ ‫فكل ما يحدث حولك �سوف ته�ضمه وتمت�صه‪،‬‬ ‫و�ست�أتي له لحظة دقيقة حا�سمة كي تفرغه على‬ ‫الورق و�أنت تكتب ق�صتك‪.‬‬ ‫ي�أتي بعد ذلك الخيال‪ ،‬و�أعترف �أنني وجدت‬ ‫�أن نقطة ال�ضعف الأول��ى في الق�صة العربية‬ ‫الحديثة ه��و ال�خ�ي��ال‪ ،‬ف�ك��ان يجب �أن �أبتعد‬ ‫بتفكيري عن كل الأ�شياء والمو�ضوعات التى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫الأمل‪ :‬كاتب‬

‫وبعد �أن عرجت على �أ�شكال كثيرة من البوح‬ ‫والف�ضف�ضة في ق�صا�صات �صغيرة من الورق‬ ‫والكثير من �أ�ساليب التعبير �سوا ًء الت�صوير �أو‬ ‫كتابة ال�سيناريو‪ ،‬قررت �أن اكتب ق�صة ق�صيرة‪،‬‬ ‫فكانت �أمامي مجموعة من العتبات التى يجب‬ ‫�أن تجتازها الق�صة‪ ،‬هي‪ :‬الإ�شباع‪ ،‬والخيال‪،‬‬ ‫والمغامرة اللغوية‪ ،‬ومناطق جديدة‪ ،‬والعذوبة‪،‬‬ ‫لكن الق�صة ال ت�أتي بتلك ال�سهولة‪ ،‬يجب �أن تم ّر‬ ‫في مراحل و�ضعها �أو والدتها‪ ،‬كي تهبط �أو ت�صبّ‬ ‫في قالب‪ ،‬محدد �سلفاً‪ ،‬فال توجد كلمة �أو جملة‬ ‫زيادة �أو ن�شاز‪� ،‬إنه االختبار الحقيقي لأي كاتب‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬الق�صة مختلفة عن الرواية وال�سيناريو‬ ‫وغيرها من �أ�شكال الكتابة الأدبية‪.‬‬ ‫�إنها المراوغة الحقيقية واالختبار واالختيار‬ ‫ال�صعب‪.‬‬ ‫وبد�أت �أكتب‪.‬‬ ‫لم �أكن �أعرف ماذا �أريد‪ ،‬وماذا �أكتب؛ ففي‬ ‫داخلي �أ�شياء غير منظمة‪ ،‬ومو�ضوعات تطرق‬ ‫باب العقل‪ ،‬فهل هذا ي�سمح‪ ،‬وبد�أتُ القراءة من‬ ‫جديد‪ ،‬وال �أنكر �أنني بد�أت �أقر�أ محمد م�ستجاب‬ ‫– وال��دي‪ -‬بعيد ًا عن فكرة �إنه وال��دي‪ ،‬وماذا‬ ‫فعله بالق�صة العربية‪ ،‬وم��اذا يريد‪ ،‬ليفتح لي‬ ‫باب الق�صة ال�ضخم‪ ،‬ولي�صبح كل �شيء ممهد ًا‬ ‫لي‪ ،‬و�أب��د�أ في اكت�شاف المختبيء في داخلي‪،‬‬ ‫لكن المحيطين بي في تلك الفترة‪ ،‬وبخا�صة‬ ‫الأ�صدقاء والأق��ارب‪ ،‬كانوا يرف�ضون فكرة �أن‬ ‫يروا �أديبا جديد ًا �أمامهم! وك�أنهم يغلقون الباب‬ ‫بكل حب في وجهي‪ .‬لكن القدر يريد �شيئ ًا �آخر‪،‬‬ ‫�شيئ ًا ال نعلمه بداخلنا؛ �إنه الموهبة‪ .‬وال �أنكر‬ ‫هنا �أنني قابلت الكثير من الموهوبين وكانت‬ ‫بدايتهم قوية‪� ،‬إال �أن موهبتهم كانت تموت تحت‬ ‫وط ��أه متطلبات الحياة اليومية التى نعي�شها‪،‬‬ ‫�أو يتم ا�ستهالكهم على المقاهي والمنتديات‬

‫‪75‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪76‬‬

‫ا�ستهلكتها الق�صة الق�صيرة منذ بواكيرها‪ ،‬وقد‬ ‫تجاوز ال�شعر ذلك‪� ،‬إال �أن الق�صة توقفت عند‬ ‫مو�ضوعات م�ستهلكة لأبطالها‪ :‬مثل الح�صول‬ ‫على وظيفة‪� ،‬أو معالجة حبيبته‪� ،‬أو معاناة الأب‬ ‫ل�سداد الم�صروفات المدر�سية لأبنائه‪ ،‬كان‬ ‫ذلك اختبار �أن تكون الق�صة محلقة‪ ،‬جامحة‪،‬‬ ‫ي�صعب �أن تم�سك فكرتها الأ�سا�سية‪� ،‬أي �إنه كلما‬ ‫قر�أتها‪ ..‬كلما فتحت لك �آفاقا جديدة‪ ،‬و�أظهرت‬ ‫وج�ه� ًا م��ن وج��وه�ه��ا؛ ل��ذا ت�شبثت بهذا الركن‬ ‫الأ�سا�س‪� ،‬أن �أحلق بخيالي و�أن يكون �أبطالي‬ ‫واقعيين جداً‪� ،‬إال �أنهم محلقين في الن�ص؛ �أي‬ ‫ي�صعدون على ظهر القمر ويحاربون ال�شياطين‪،‬‬ ‫ويذوبون في نيران جهنم‪ ،‬ثم يتهاوون بين الغيوم‬ ‫لي�ستكينوا في �أح�ضان حبيباتهم‪ ،‬وقد كان ذلك‬ ‫مجهد ًا جداً‪� ،‬إال �أنه �أثمر ق�صة م�صرية خال�صة‪،‬‬ ‫�أو عربية خال�صة‪.‬‬ ‫ثم ي�أتي المكان كبطل في الق�صة‪ ،‬ب�أ�شخا�صه‬ ‫وت�ضاري�سه وم�ف��ردات��ه الخا�صة‪ ،‬فالريف في‬ ‫م�صر يختلف م��ن ق��ري��ة �إل ��ى �أخ� ��رى‪ ،‬وكنت‬ ‫�أحاول �أن تكون الكتابة ذات مذاق خا�ص جداً‪،‬‬ ‫وهذا ما ي�ضعني في اتهام‪� :‬أنني قليل الإنتاج‪،‬‬ ‫وذلك لأنني �أحب �أن �أطرح ما �أعي�شه من خالل‬ ‫كتاباتي؛ ف�أريد �أن �أكتب ن�ص ًا عن ال�صحراء‪،‬‬ ‫�أو �أن افتت التراث والثوابت التى ن�ش�أنا عليها‪،‬‬ ‫لت�صبح الأ�سطورة تلك المعون الأ�سا�سي في‬ ‫ك�ت��اب��ات��ي‪ ،‬ه��ي ال�ن�ه��ر ال�م�ت�ج��دد ال ��ذي يمدني‬ ‫بالطمي والأ�سماك‪ ،‬كما �أنها تفتح جوانحي لما‬ ‫حدث في الما�ضي كي �أ�ستطيع �أن �أ�ضع نبوءتي‬ ‫في ق�صة �أكتبها‪ .‬وه��ذه هي فائدة من ف�ؤائد‬ ‫الق�صة �أو الأدب ب�شكل عام‪� ،‬أن ترى ما ال يراه‬ ‫�أحد‪ ،‬وتتوقع ما ال يتوقعه �أحد‪ ،‬و�إن كان في حينه‬ ‫�أقرب �إلى الجنون لعدم حدوثه �أو واقعيته‪ ،‬مع‬ ‫�أن الجميع يعي�شون تلك الحياة؛ وقد حدث هذا‬ ‫مع ق�صة «هارون»‪ ،‬وهو مراكبي ال يفارق قاربه‪،‬‬

‫�إال �أنه يحب لعبة التحطيب‪ ،‬وعندما تقع جريمة‬ ‫قتل على قاربه‪ ،‬من �أ�شد عائلة في القرية‪ ،‬تنكر‬ ‫القرية تلك الجريمة التي �شاهدها الجميع‬ ‫تحت وق��ع الخوف‪� ،‬إال �أن��ه ي�صمم على تحدّي‬ ‫كل القوى‪ ،‬و�إن الأ�شجار وال�شم�س ومجدافي‬ ‫قاربه هما �شهوده وقوته بعيد ًا عن خوف النا�س؛‬ ‫لي�صبح البطل ال��ذي يقود القرية للثورة على‬ ‫تلك العائلة التى �سلبتها حريتها‪�.‬إن تلك الق�صة‬ ‫كانت من �أولى الق�ص�ص التي كتبتها‪ ،‬وعندما‬ ‫حدثت ث��ورة يناير‪ ،‬وج��دت من يقول �إن��ه تنب�أ‬ ‫بالثورة‪ ،‬هنا يكون التفاعل بين ما تكتبه وتراه‬ ‫وبين الواقع‪ ،‬وهو مهم للكاتب؛ لأنه ي�شعره �إن‬ ‫ق�صته قد �أ�صابت ونجحت‪.‬‬ ‫ي�ضاف �إل��ى ذل��ك �أنني �أح��ب �أن �أكتب عن‬ ‫الحيوانات‪ ،‬و�أن �ألب�سها ك�سا ًء حديثاً‪� ،‬أي يكون‬ ‫بطل الق�صة ح�ي��وان�اً‪ ،‬وم��ع �أن الن�ص العربي‬ ‫والقر�آني ملي ٌء بق�ص�ص الحيوان‪� ،‬إال �أن ذلك‬ ‫نجده نادر ًا في ق�ص�صنا العربية الحديثة‪ ،‬نعم‬ ‫النموذج الأوربي يطغى علي ن�صو�صنا‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ي�ضايقني‪ ،‬حتى �أنني �أكاد �ألقي تلك الن�صو�ص‪،‬‬ ‫�إال �أن الن�ص العربي‪ ،‬ب�إ�شكالياته ومفرداته‬ ‫وت�ج��رب�ت��ه وط�م��وح��ه ي�ج��ذب�ن��ي‪ ،‬فكتبت ق�صة‬ ‫ق�صيرة جداً‪ ،‬في �ست �سطور‪ ،‬عن (الع�صفور‬ ‫الذي يتغنى ب�صوته‪� ،‬إلى �أن يتجمد من البرد‬ ‫ويقع على الأر� ��ض وي�ك��ون ال�م��وت قريب ًا منه‪،‬‬ ‫فتمر عليه بقرة وتتروث عليه‪ ،‬فيذيب الروث‬ ‫ب��رودة ج�سده وتعود له الحياة‪ ،‬فيعود لغنائه‪،‬‬ ‫وهنا ينتبه قط جائع لغنائه‪ ،‬فيقوم بتنظيفه من‬ ‫ال��روث ويبد�أ في التهامه)‪� ،‬إنني هنا �أكتب ما‬ ‫�أ�شعر به على م�ستوى الإن�سان في كل مكان‪ ،‬لكن‬ ‫الهدف من وراء الق�صة يتغير بتغير الأ�شخا�ص‬ ‫وطريقة ا�ستقبالهم للن�ص‪ ،‬وهذه متعة وميزة‬ ‫الكتابة والأدب‪.‬‬ ‫والمدخل ال��ذي ي�ستقبلك في الق�صة كان‬

‫يحيرني‪ ،‬ربما يكون بعيد ًا‬ ‫عما �أري��د طرحه‪� ،‬إال �أنه‬ ‫ال ��ذي ي�ستقبلك قبل �أن‬ ‫تدخل �إلى �صحن �أو قاعة‬ ‫الن�ص الرئي�سة‪ ،‬ف�إذا كان‬ ‫المدخل معتم ًا ودرج��ات‬ ‫��س�ل��م ال �ق �� �ص��ة محطم ًة‬ ‫ف �� �س��وف ت�ع�ي��ق ال��ق��اريء‬ ‫ف��ي ا�ستقباله‪ ،‬وبالتالي‬ ‫�سوف يلقي بالق�صة‪� ،‬إن‬ ‫اال�ستهالل‪� ،‬شيء �صعب‬ ‫في الق�صة لكنه �أ�سا�سي‪،‬‬ ‫لأنه �أول درجات النجاح‪.‬‬ ‫ثم ن�أتي �إلى �أن الق�صة‬ ‫تحب الهواء الطلق‪� ،‬أي البراري وال�صحراوات‬ ‫والأ�شجار وال�شواطيء وال�شم�س‪ ،‬وتموت خلف‬ ‫المكاتب و�شا�شات التلفزيون وظالل المقاهي‬ ‫وثرثراتها‪ ،‬فتذبل جملتها وتتكرم�ش كلماتها‬ ‫وتتجعد حروفها‪ ،‬وتتحول الق�صة �إلى مواعظ‬ ‫و�إن �� �ش��اء م��در��س��ي؛ ف��اق��دة ال�ت��أث�ي��ر والتوا�صل‬ ‫وال��ر�ؤي��ة‪ .‬فالق�صة تحب �أن تخرج من حدود‬ ‫المدن �إلى الهواء الطلق في المزارع والبراري‬ ‫وال �� �ص �ح��راوات؛ فال�شم�س ال تثمر النباتات‬ ‫ال�ضعيفة‪ ،‬والهواء الحر الطلق عالج لكل الك�آبة‬ ‫والنحافة وق�صر النظر وكرم�شة وجه الجملة في‬ ‫الق�صة العربية‪.‬‬ ‫وال �أنكر �أن وال��دي ك��ان محقا في ابتعادي‬ ‫عن المدينة‪� ،‬أي الخروج من الزحام وال�ضجيج‬ ‫والمطالبات اليومية التى ت�ستهلك الإن�سان؛‬ ‫فالمدينة قتلت القمر وفتتته وحولته �إلى كلوبات‬ ‫وم���ص��اب�ي��ح و� �س �ي��ارات‪ ،‬واغ�ت���ص�ب��ت ال�شم�س‬ ‫وحولتها �إل ��ى �أج �ه��زة تكييف وق�ط��ع ح�شي�ش‬ ‫وم��والت تجارية‪ ،‬وكان االنتقال �إلى مكان �أرى‬ ‫فيه ال�شم�س بلهيبها وك�سوفها‪ ،‬و�أنتظر القمر‬

‫بتقلباته‪ ،‬و�أبحث كل ليلة‬ ‫ع ��ن ب �ن��ات ال� �ح ��ور وه��ن‬ ‫يتجولن ح��ول ال�ق�م��ر ثم‬ ‫ي�سامرنه في ن��ور ال�شفق‬ ‫ك��ي ي�ت�ح��ول��ن �إل� ��ى ق�صة‬ ‫ق �� �ص �ي��رة خ ��ا�� �ص ��ة ب ��ي‪،‬‬ ‫وبخيالي الذي خ�شيت �أن‬ ‫تلوّثه المدينة بكل �ضيق‬ ‫�أف�ق�ه��ا وب��ؤ��س�ه��ا اليومي‪،‬‬ ‫ح �ت��ى �أت �م �ك��ن م��ن كتابة‬ ‫و�صاف ورائقٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ن�ص عذب‬ ‫ود� �س��م‪ ،‬ي�شعرك بال�شبع‬ ‫واالم � �ت �ل�اء ال ��وج ��دان ��ي‪،‬‬ ‫ي�ن��او���ش عقلك ويجذبك‬ ‫م��ن م��دي�ن�ت��ك وم��دن�ي�ت��ك‪،‬‬ ‫ويرتد بك �إلى البواكير‪� ،‬أي �أن تكون �إن�سانا فقط‬ ‫كما خلقك اهلل‪.‬‬ ‫في الق�صة �أنها تعطيك �إح�سا�س ًا �شفاف ًا‬ ‫ورائق ًا ب�أن تكاد تح�س �أن �أحد ًا قبلك لم يكتبها‪،‬‬ ‫و�إن ��ك �أول م��ن اخ �ت��رق ه��ذا ال�م��و��ض��وع وتلك‬ ‫الق�ضية‪ ،‬و�إن كتابتك تاركه �أول �أثر على �أديمها‬ ‫الناعم الخ�شن القاتل وال�صادق؛ كي ت�صبح‬ ‫الق�صة ذات �ش�أن وت�أثير وقيمة‪� ،‬أي تجعلك‬ ‫تن�صت �إن�صاتا كام ًال لإيقاع البيئة وعنا�صرها‬ ‫وت�شكيالت جمالياتها‪ ،‬حتى نح�س بطعم المكان‬ ‫ورائحته وجبروته و�سطوته �أي�ضاً‪.‬‬ ‫وال�سفر واالن �ت �ق��ال وال��ذه��اب �إل ��ى �أم��اك��ن‬ ‫ج��دي��دة على القلب وال�ع�ي��ن وال�ج���س��د‪ ،‬تقوم‬ ‫بغ�سلك كل فترة زمنية‪ ،‬تخل�صك من الأدران‬ ‫والطفيليات التي علقت بذاكرتك وبدنك‪ ،‬لذا‬ ‫�أ�صبحت الق�صة ف��ات��رة كئيبة ف��اق��دة الوهج‬ ‫والتنوع‪ ،‬م�ح��دودة الأل�ف��اظ والمعاني‪� ،‬ضيقة‬ ‫ال�صدر وباردة الوجدان‪ ،‬فال�سفر عالج لكاتب‬ ‫الق�صة‪ ،‬فيه يتجدد وينف�ض غبار الحياة اليومية‬

‫‪77‬‬


‫والإ�شباع‪� ،‬أح��د العنا�صر التي و�ضعتها في‬ ‫ب�ؤرتي �أثناء كتابتي للق�صة‪� ،‬أي تلك الحالة التى‬ ‫تح�س معها �أن��ه لم تعد هناك م�ساحة لمزيد‪،‬‬ ‫و�أن الق�صة مكتملة وو�صلت �إل��ى ال ��ذروة‪� ،‬أي‬ ‫متقدمة و�صاعدة ومت�شابكة‪ ،‬ثم انفراجة حتى‬ ‫ت�صل بالقارىء �إلى اال�ستكانة العقلية العذبة‪.‬‬ ‫�إن الإ�شباع عن�صر �أ�سا�سي و�صعب الو�صول �إليه‬ ‫في الق�صة‪ ،‬وت�شعر به كلما ازدادت قراءتك‪،‬‬ ‫وكلما ات�سعت معارفك؛ ف�إذا �شعرت �أن الق�صة‬ ‫لم تقدم لك ذلك العن�صر‪ ،‬فاعلم �أن الإ�شباع‬ ‫هو ال�سبب‪� ،‬إنه ملح الق�صة؛ فال هي حادقة وال‬ ‫هي غير م�ست�ساغة‪ .‬وقليلون هم من فعلوا ذلك‪:‬‬ ‫زكريا تامر ويو�سف �إدري�س ومحمد المخزنجي‪،‬‬ ‫�إن الإ�شباع هنا يقودك �إلى االمتالء الأدبي الذي‬ ‫يفتقده الكثير من الق�ص�ص التى نقر�أها في‬ ‫الكثير من الجرائد والمجالت‪.‬‬

‫‪78‬‬

‫ث��م يلي الإ��ش�ب��اع عن�صر مهم م��ن عنا�صر‬ ‫تكوين الق�صة‪ ،‬وهو العذوبة‪� :‬أي ال�سال�سة في‬ ‫ا�ستقبال الن�ص‪ ،‬بتراكيبه اللغوية‪ ،‬والذي يمنحه‬ ‫اهلل ل�ل�أدي��ب في�ضعه ف��ي �سطوره‪ ،‬تجعلك ذا‬ ‫مذاق خا�ص متوهجا وب�سيطا وقادر ًا على النفاذ‬ ‫للوجدان والعقل‪ ،‬والعذوبة من �أخطر العنا�صر‬ ‫في الق�صة العربية‪ ،‬تلك التى تجعلك تنفر من‬ ‫ن�صو�ص وال ت�صادقها مهما حملت من ق�ضايا‬ ‫�أو مو�ضوعات‪� ،‬إنه اللم�سة ال�ساحرة والم�سمار‬ ‫�إن ال�ط�ب�ي�ع��ة ف��ي ال��خ��ارج ت� ��داور ال�شجر‬ ‫النافذ‪ ،‬هاديء ال ي�شو�شرك بمطبات وتقاطيع‬ ‫خارجة عن الن�ص وعن م�ستوى اللغة؛ فت�شعر وال�صمت وال��رم��ل والحكمة والنجوم والقمر‪،‬‬ ‫ب�أن الق�صة التى تقود يد القاريء غير ممهدة منتظرة فنانا جديدا ي�صنع �أدبا جديدا وق�صة‬ ‫وغير عذبة وغير مكتملة‪.‬‬ ‫جديدة لم تكتب بعد‪ ،‬و�إنني عندما �أكتب الق�صة‬ ‫بعد تلك العنا�صر الأ�سا�سية في الق�صة‪،‬‬ ‫تعلمت �أنه يوجد عنا�صر �أخرى يجب �أن تتوافر ف�إنني غني جدا جدا جدا‪ ،‬و�أتمنى �أن �أكون قد‬ ‫ف��ي ال�ك��ات��ب‪� ،‬أي ك��ات��ب‪� ،‬أول �ه��ا‪ :‬ال�ح��ارث��ون في نجحت في �أن ينجب محمد م�ستجاب الأب �أديبا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫ب�سخافتها وب�ؤ�سها‪.‬‬

‫الأدب‪� ،‬أي الذين قلبوا تربة حياتي من روايات‬ ‫و�أفالم ومو�سيقى ون�صائح وتوجيهات‪� ،‬أمدوني‬ ‫بالمثير من دون �أن �أك��ون منتبه ًا لهذا‪ ،‬وك�أنه‬ ‫ا�ستعداد وتجهيز كي ت��زرع ق�صتك الخا�صة‪،‬‬ ‫�إن�ن��ي �أدي��ن �إليهم ��س��واء ك��ان��وا �شخ�صيات �أم‬ ‫�أماكن �أم كتب �أم حيوانات �أم مواقف حياتيه؛‬ ‫وث��ان �ي �اً‪ :‬ال�ب�ي��ت‪ :‬بتكوينه وج��دران��ه ومكتبته‬ ‫وفر�شته‪ ،‬ذلك البيت الذي يحر�س �إبداعك من‬ ‫ال�صعلكة والمعارك الأدبية الوهمية والجري‬ ‫خلف لقمة العي�ش‪� ،‬إن البيت هو مقر كي يحمي‬ ‫تكوين الفنان �أو الأديب‪ ،‬فهو المكان الذي تركن‬ ‫فيه بعد كل تجاربك‪ ،‬كي تخط ق�صتك‪ .‬والمكان‬ ‫عن�صر �أ�سا�س في ا�ستقبال الق�صة‪ ،‬بنظافته‬ ‫وملب�سه وطقو�سه التى ت�صنعها‪ ،‬فت�صبح جزء ًا‬ ‫�أ�سا�سي ًا من تكوين ق�صتك‪� ،‬أ�ضف �إل��ى ذلك‬ ‫ال�ع��دة التى ت�ستخدمها ��س��واء كانت كتباً‪� ،‬أو‬ ‫معاجم‪� ،‬أو مو�سيقى ت�سمعها‪� ،‬أو �أوراق ًا بي�ضاء‪،‬‬ ‫�أو قلم ًا تتعامل به‪ ،‬قد يبدو هذا �شيئ ًا خارج ًا عن‬ ‫�إطار الكتابة‪ ،‬لكن التجربة �أثبتت �أن المكان بكل‬ ‫طقو�سه جزء �أ�سا�سي ومهم ال�ستقبال ن�صك‪.‬‬

‫الق�صة الق�صيرة‬ ‫■ حممد حمقق ‪ -‬املغرب‬

‫ولدت عام ‪1963‬م في مدينة الدار البي�ضاء‪ ,‬المتميزة بالإبداع الذي حرك حنين ذاتي �إلى‬ ‫لحظات �صفاء الكتابة على �إيقاع االندماج والمعرفة‪ ،‬بحثا عن ت�أثيث تجربة فنية تعطي لي حق‬ ‫االنتماء �إلى ه�ؤالء المهوو�سين لهذه الأجنا�س الأدبية‪...‬‬ ‫ولن �أتوخى الخو�ض في تفا�صيل الن�شوء والتطور لهذا الكائن الأدب��ي «الق�صة الق�صيرة»‪،‬‬ ‫ولكن �أود فقط الت�أكيد ‪ -‬من خ�لال م�ساري الق�صير في درب التعبير الق�ص�صي‪� -‬أن مجال‬ ‫اال�شتغال هنا لي�س له ح��دود �أو قيود‪ ,‬غير الخ�صائ�ص التي تجعل منه جن�سا �أدبيا م�ستقال‬ ‫بذاته؛ ففيها ت�ستمر الحياة‪ ،‬بكل تعقيداتها وتناق�ضاتها‪ ،‬بحلوها ومرها‪ .‬وكما قيل �إن الق�صة‬ ‫مغامرة فكرية الكت�شاف الواقع‪ ،‬وبذلك تكون الق�صة م�ستمد ة تفا�صيلها من الواقع المعي�شي‬ ‫واليومي‪ ..‬راف�ضة �أن تكون �أداة ال�ستن�ساخه �أو التحري�ض عليه‪ ،‬بل هي تحاول فهمه حتى ولو‬ ‫كان ممعنا في الق�سوة والغرابة‪..‬‬ ‫تعود �أولى اهتماماتي بهذا الجن�س بعد اطالعي‬ ‫على ق�ص�ص �ألف ليلة وليلة‪ ،‬وروايات نجيب محفوظ‬ ‫و�إح���س��ان عبدالقدو�س‪ ،‬وق�ص�ص يو�سف �إدري����س‬ ‫وبورخي�س وت�شيخوف‪ ..‬كل ه�ؤالء وغيرهم كان لهم‬ ‫الف�ضل الأول في كتابتي لأول محاولة ق�ص�صية‪ ،‬هي‬ ‫ق�صة «ال�ح��ائ��ر»‪ ،‬التي ح��ازت على �إح��دى المراتب‬ ‫المتقدمة في �إح��دى الم�سابقات؛ ما كان حافزا لي‬ ‫على موا�صلة الخطى في هذا الجن�س الأدب��ي‪ .‬وقد‬ ‫�أح�س�ست بزهو خفيّ الكت�شافي �أنني �شخ�صية مبدعة‪،‬‬ ‫فربطت عالقة حميمية بكتابة الق�صة الق�صيرة‬ ‫والق�صيرة جدا‪ ،‬ا�ستجابة لرغبة دفينة جعلتنني ال‬ ‫�أ�ستطيع مقاومة ارتيادي لعالمها المتميز والمثير‪،‬‬ ‫وذلك لما يتيحه هذا الجن�س الأدبي من �إمكانات قد‬ ‫ال نعثر عليها في باقي �أ�شكال التعبير الأدبي الأخرى‪..‬‬ ‫وكم كنت �سعيدا بهذا العالم الإبداعي الذي جعل‬ ‫مني رحالة �أت�ج��ول عبر �صفحات الكتب المتنوعة‬ ‫الزاخرة بالمغامرة‪ ،‬وكم كان حبي �شديدا لها‪� ،‬أمتح‬

‫منها ق��در الم�ستطاع‪ ،‬ناهيك عن ق��راءة ال�صحف‬ ‫والمجالت على اختالف م�شاربها ومجاالتها‪ .‬و�أثناء‬ ‫درا�ستي الجامعية توطدت عالقاتي ب�أ�ساتذتي‪ ،‬ما‬ ‫جعلني مواظبا على الح�ضور لكل الندوات والحلقات‬ ‫الحافلة‪ ،‬التي كانت تعقد م��ن ط��رف بع�ضهم في‬ ‫منازلهم‪ ،‬والتي �ساعدتني على الم�ستوى الإبداعي‪..‬‬ ‫حيث االج�ت�ه��اد الف�سيح‪ ،‬فدر�ست بع�شق مكونات‬ ‫ال�شخ�صية المغربية والعربية المتمثلة في الإب��داع‪،‬‬ ‫للك�شف عن خبايا الم�شاعر والأحا�سي�س وال��ر�ؤى‬ ‫وجوهر الكائن الإن�ساني وقدراته الخفية‪..‬‬ ‫وكغيري من الأدباء ال�شباب‪ ،‬كانت محاولتي تدوّن‬ ‫على �صفحات الإنترنيت من خالل ت�سجيل ا�سمي في‬ ‫عدة منتديات ومواقع متخ�ص�صة في المجال الأدبي‪،‬‬ ‫ال��ذي انعك�س ايجابيا على حركة موهبتي الأدبية‪،‬‬ ‫�إذ رح��ت �أم�ضي معظم وقتي م�ستمتعا بما يكتبه‬ ‫ه�ؤالء المبدعون‪ ،‬لذلك قررت �أن �أر�سل �أول محاولة‬ ‫ق�ص�صية لي بعنوان «الحائر» ون�صو�صا �أخرى «جراح‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪79‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫وقد نالت ق�ص�صي «جراح الع�شق وانك�سار الألم»‬ ‫المرتبة الثانية في م�سابقة بي بي �سي ومجلة العربي‪،‬‬ ‫كما نالت ق�صة «الحائر» و�ساما منا�صفة مع �صاحب‬ ‫ق�صة «جدل داخل محارة» للكاتب محمد فطومي‪..‬‬ ‫في م�سابقة المجل�س العالمي‪� .‬أم��ا ق�صة «�أ�سطول‬ ‫ال�ح��ري��ة» فقد نالت المرتبة الثالثة ف��ي منتديات‬ ‫دواوين الثقافية والأدبية‪.‬‬ ‫�صدر لي‪:‬‬ ‫‪1.1‬مجموعة ق�ص�صية «خيوط مت�شابكة»‪.‬‬ ‫‪2.2‬ديوان �شعري «مرايا الحنين»‪.‬‬ ‫‪3.3‬رواية ال�شارد �أو�شكت على االنتهاء‪.‬‬ ‫‪4.4‬مجموعة ق�ص�صية «حيث يعلو الجدار» قيد الطبع‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪80‬‬

‫الع�شق وانك�سار الألم» �إلى م�سابقة‬ ‫المجل�س العالمي لل�صحافة‪ ،‬في‬ ‫�إط��ار م�سابقة بي بي �سي ومجلة‬ ‫ال�ع��رب��ي‪ ..‬وه �ك��ذا‪ ،‬وج��دت نف�سي‬ ‫�أوغ ��ل ب�ي��ن دروب الق�صة بحذر‬ ‫لأك�شف عمقها‪ ،‬م�ستنه�ضا بكل‬ ‫ح ��رف ال���س��ت��دراج ال�م�ت�ل�ق��ي كي‬ ‫يجدف بكل ق��واه وف��ي ك��ل اتجاه؛‬ ‫عله يح�صد المتعة الواعية التي‬ ‫�أحر�ص على تقديمها له‪ .‬وككثير‬ ‫من المبدعين دائما �أف�ضل الكتابة‬ ‫باللغة الف�صحى؛ لأنها في نظري‬ ‫ال�سبيل الوحيد ال��ذي يقوى على‬ ‫�إقامة معان ذات �إيحاءات متعددة‬ ‫وم ��ؤث��رة‪ ،‬نا�صبا ال�ه��دف والعبرة‬ ‫مما �س�أكتبه‪ ،‬مركّزا على العالقة‬ ‫بين الأ�شخا�ص والأحداث والأفكار‬ ‫المطروحة‪ ،‬لتحقيق وحدة الحدث‬ ‫باالعتماد على ال �ح��وار وال��زم��ان‬ ‫والمكان‪ ..‬وما ينتج عن ذلك من‬ ‫� �ص��راع؛ ح��ري���ص��ا ع�ل��ى �أن تكون‬ ‫الحبكة متما�سكة ومتمركزة مع‬ ‫ت�سليط ال�ضوء على ال�شخ�صية (دينامية‪/‬هادئة)‬ ‫ح�سب نموها وت�أثيرها في الواقع وت�أثرها به‪ ،‬ل�شد‬ ‫انتباه (المتلقي‪ /‬ال �ق��ارئ‪ /‬ال�ن��اق��د) �إل��ى متابعة‬ ‫القراءة‪ ..‬وكمثال على ذلك ق�صة افتنان‪:‬‬ ‫«افتنن بنجاحاته المزيفة‪/‬احتفلوا به‪� /‬أقاموا له‬ ‫الوالئم‪/‬ميزوه بعالمات‪ /‬فلما عال مات‪.»..‬‬ ‫وكمبدع دوما �أحاول التحرر من الكتابة المبا�شرة‪،‬‬ ‫من خالل توظيف الرموز والإيحاءات؛ لأنها لحظات‬ ‫ا�ستثنائية‪� ،‬أتوارى فيها ل�سراح القلق والأنين‪ ..‬كما ال‬ ‫�أخفيكم �أنني �أثناء الكتابة �أح�س بارتعا�ش‪ ،‬وارتجاف‪،‬‬ ‫و�أخْ � ُذ نف�س ًا عميق ًا قبل الولوج �إلى عالمها‪� ،‬صامتا‬ ‫ومت�أمال بيا�ض الورق‪ ،‬منتظرا بفارغ ال�صبر �إ�شعاعا‬ ‫وب�صي�صا يحفزان على خو�ض هذه المغامرة الأدبية؛‬ ‫�إذ �صرت �أخ�شى الف�شل والالمباالة والتهمي�ش‪ ،‬حيث‬ ‫كانت المعاناة �شديدة الوقع علي‪ ،‬وبخا�صة في بداية‬

‫م�شواري؛ فال �إبداعاتي �أخذت حقها‬ ‫في الن�شر‪ ،‬وال دعو ًة �أتتني لح�ضور‬ ‫الملتقيات‪ ،‬ما كان له �أثره ال�سيئ في‬ ‫نف�سي؛ وكدت �أتوقف عن الكتابة لوال‬ ‫ت�شجيع �أخي الأكبر‪ ،‬وبع�ض الرفاق‪،‬‬ ‫وحثهم المتوا�صل ك��ي �أ�ستمر وال‬ ‫�أغادر هذا ال�صرح العظيم‪ .‬توالت‬ ‫الأي��ام لتعود االبت�سامة بن�شر �أول‬ ‫ق�صة ق�صيرة ج��دا لي في جريدة‬ ‫«ال �م �ن �ع �ط��ف» ال �ت��ي ك��ان��ت فاتحة‬ ‫لت�سل�سل الن�شر لمعظم كتاباتي‬ ‫(ال� �ق ��راءات ال�ن�ق��دي��ة والق�صائد‬ ‫ال�شعرية والق�ص�ص) بجرائد عربية‬ ‫�أذك ��ر منها على �سبيل ال�م�ث��ال ال‬ ‫الح�صر‪ ،‬جريدة االتحاد اال�شتراكي‬ ‫وبيان اليوم والمنعطف (المغرب)‪،‬‬ ‫ج��ري��دة �أخ �ب��ار الأدب (م���ص��ر)‪،‬‬ ‫ج��ري��دة ال�م��دي�ن��ة (ال �� �س �ع��ودي��ة)‪،‬‬ ‫جريدة الج�سر (قطر)‪...‬‬

‫الكتابة رحلة الحب‬ ‫والت�أمل والتعب‪..‬‬ ‫■ حممود العزازمة‪-‬الأردن‬

‫حين �أتذكر ق�صة الكتابة‪� ،‬أتذكر �أمي‪ ،‬المر�أة الطويلة المرتجفة‪ .‬لم تكن �أمي وحدي‪ ،‬كانت‬ ‫�أما لمنطقة كاملة حولنا‪ ،‬منطقة �شرقي بلدة الكرامة �إلى الغرب من مدينة ال�سلط الأردنية؛‬ ‫كانت تخبئ �أ�شياء محببة لنا‪� -‬آنذاك ‪ -‬في �صرر خزانتها (زبيب‪ ،‬حلوى‪ ،‬ق�ضامة‪ ،‬ف�ستق)‪ ،‬لم‬ ‫تكن منطقتنا تمت ب�أي �صلة لهذه الأ�شياء؛ فهي منطقة بين البداوة والريف‪ ،‬ال نلمح فيها �إال‬ ‫�سيارات ال�سائحين وثيابهم الملونة‪ ،‬وتتراءى لعيوننا الأتربة المنبعثة من طرقاتها الترابية‬ ‫غير المعبدة‪.‬‬ ‫كنا نلتف حولها‪ ،‬لأنها �أم��ي‪ ،‬ولأنها تمتلك تلك الأ�شياء‪ .‬كانت مريم ‪ -‬بطلة �أول ق�صة لي‬ ‫ تجيء لت�ضع ر�أ�سها في ح�ضن �أمي‪ ،‬كانت ت�ستحوذ على بع�ض الحلوى ون�شعر بالغيرة منها‪،‬‬‫كنت و�أنا طفل �أ�سمع بع�ضا من كالم مريم‪ ،‬ملخ�صه ب�إيجاز‪� :‬إن �أهلها �أرادوا �أن يزوجوها لرجل‬ ‫يكبرها وال تحبه‪ ،‬وتقول لأمي وهي تولول‪ :‬كيف �أهد�أ وهم قر�ؤوا الفاتحة؟‬ ‫كنت �شاهدا على تلك الأيام‪ ،‬وقد اعت�صرني ولكنني كلما �أعيد قراءتها ترتجف �أ�صابعي‪،‬‬ ‫وتجتاحني رع�شة �صادقة‪.‬‬ ‫�أل ٌم طفولي غام�ض‪:‬‬ ‫ ال��رج��ل ال �ب��دي��ن ال�ق���ص�ي��ر ي�ح�م��ل ع�صا‬‫وي�ضرب مريم‪.‬‬ ‫و�أن��ا في ال�صف الثاني الإع ��دادي‪ ،‬ولم تزل‬ ‫ذك��رى مريم ن��د ّي��ة ف��ي وج��دان��ي‪ ،‬قلت لنف�سي‪:‬‬ ‫�س�أكتب عن مريم ق�صة‪..‬‬ ‫وكانت ق�صتي الأولى في عالم الكتابة‪ ،‬ق�صة‬ ‫مريم؛ الق�صة الوحيدة التي �سجّ لت فيها الأ�شياء‬ ‫على �صورتها الحقيقية‪ .‬م�ضى زمن طويل عليها‪،‬‬

‫كنت في ال�ساد�سة من عمري حافي القدمين‪،‬‬ ‫�أت�سلق ال�صخور و�أق�ف��ز هنا وه�ن��اك‪ ،‬والمبهج‬ ‫�أنني �أتذكرها بدقة؛ تلك ال�سنوات التي انغم�ست‬ ‫فيها وت ��وردت‪ .‬خاللها كنت م�شغوف ًا باللعب؛‬ ‫اللعب وحده ي�أخذ معظم وقتي وج ّل اهتمامي‪،‬‬ ‫ما �أن �أعود من المدر�سة �إلى البيت حتى �أقذف‬ ‫كتبي ودفاتري نحو الأر���ض‪ ،‬و�أم�ل�أ جيوبي تمر ًا‬ ‫وخ �ب��ز ًا و�أرك ����ض باتجاه الجبل‪� ،‬أت��زح�ل��ق فوق‬ ‫ال�صخور المنحدرة‪� ،‬أالحق الطيور و�أنازع رفاقي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪81‬‬


‫‪82‬‬

‫عندما توفيت تذكرت قولها‪ ،‬وبكيت‪ ،‬نعم‪،‬‬ ‫لم �أر نف�سي �أبكي بكا ًء مثل ذل��ك البكاء‪ ،‬ف�أنا‬ ‫كبيرها‪ ،‬و�أخي ال�صغير كان مري�ضاً‪ ،‬كنت �أالحظ‬ ‫�أنه �أ�صفر الوجه‪ ،‬ويحب النوم �أكثر مني‪ ،‬و�أدركت‬ ‫بعدها �أن �أب��ي كان يذهب للعمل في الحقل ثم‬ ‫يذهب �إل��ى دار ج��دي‪ ،‬و�أحيان ًا كثيرة كان ينام‬ ‫هناك‪ ،‬وال �أدري ِل��مَ كان ينام هناك‪ ،‬والمحيّر‬ ‫�أنني لم �أك��ن �أ�شاهد �أب��ي كثير ًا في البيت كما‬ ‫كنت �أ��ش��اه��د �أم��ي‪� .‬أب��ي ك��ان قا�سي المالمح‪،‬‬ ‫هكذا �أذكره الآن‪ ،‬وبخا�صة مع �أمي‪� .‬أمي‪ ..‬كانت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫تقول لي مريم‪ :‬ما ر�أي��ك �أن ت�أخذني �أن��ت؟‬ ‫و�أقول مت�سائ ًال و�أنا �أ�ضع �سبابتي في فمي‪� :‬إلى‬ ‫�أين �آخذك؟ فتنظر بعدها لأمي وتهتز المر�أتان‬ ‫من �شدة ال�ضحك‪ .‬نعم‪ .‬لم �أدر لماذا �آخذها؟‬ ‫و�إل��ى �أي��ن �أذه��ب بها �آن��ذاك‪ .‬لكنني الحظت �أن‬ ‫ثمة �صفرة في وجهها‪� .‬إنها �صفرة ت�شبه وجه‬ ‫�أخ��ي طاهر؛ و�أخ��ي طاهر ك��ان طاهر ًا بحق‪ ،‬ال‬ ‫ي�سمع له �صوت‪ ،‬وغالب ًا ما �أ�شاهده يند�س تحت‬ ‫لحافه �صامتاً‪ ،‬هكذا �أذكره الآن‪� .‬أما �صوت مريم‬ ‫فكان ناعم ًا و�شفيف ًا وطاهراً‪ ،‬ط��وال حياتي لم‬ ‫�أ�سمع �أنعم و�أجمل منه‪ ،‬بعدها ب�سنة تقريب ًا –‬ ‫هكذا �أتذكرها الآن – �أذكر �أنها زارت �أمي‪ ،‬وكان‬ ‫بين يديها طفل ر�ضيع‪ ،‬والحظت �أنه طفل هزيل‪،‬‬ ‫نظراته ثابتة‪ ،‬ووجهه �شاحب قليالً‪ ،‬لكن ا�صفرار‬ ‫وجهها �أ�صبح �أكثر من قبل‪� ،‬شاهدتها تبكي‪،‬‬ ‫تلت�صق ب�أمي وتبكي‪ ،‬ال �أدري ما تقول لها وكم‬ ‫�أرعبني نحولها هذه المرة‪ ،‬كانت نحيلة جداً‪:‬‬ ‫عندما تتالقى يداها على خ�صرها تكاد اليدان‬ ‫تلتقيان‪ ..‬قلت حينها بت�أثر‪ :‬يجب �أن ت�أكل هذه‬ ‫المر�أة وت�شرب الحليب �أي�ضاً‪ .‬اللعنة‪ ،‬كل ما كان‬ ‫ي�شغلني الأكل‪ ،‬واللعب‪ ..‬هذه حياتي بب�ساطة‪.‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫و�أ�شاجرهم‪ .‬نعم‪� ..‬شعرت �أنني‬ ‫الأق ��وى �آن� ��ذاك‪ ،‬ف��أ��ض��رب هذا‬ ‫و�أع�ض ذاك‪ ،‬وغالب ًا ما ينتهي‬ ‫نهارنا بال�شتائم‪ ،‬والم�شجع �أنني‬ ‫كنت �أفوقهم جميع ًا ف��ي قذف‬ ‫�أك �ب��ر ال���ش�ت��ائ��م‪ .‬ع��وي��د و�سالم‬ ‫وح� �م ��دان ه� � ��ؤالء‪� :‬أ� �ص��دق��ائ��ي‬ ‫و�أعدائي‪ .‬ما �أن تتوارى ال�شم�س‬ ‫خ�ل��ف ال�ج�ب��ل وي�ن���ش��ر ال�ظ�لام‬ ‫ط�ل�اءه الأ�� �س ��ود‪ ،‬ح�ت��ى نتبعثر‬ ‫ك ��ل ب��ات �ج��اه ب �ي �ت��ه‪ .‬وك���م كنت‬ ‫�أك��ره الظالم‪� ،‬أكرهه لمجرد �أن��ه ظ�لام‪ ،‬وربما‬ ‫لأنه يحرمني من اللعب و�سط �أقراني‪ ..‬ويقطع‬ ‫عليّ �ساعات لهوي‪� ،‬أع��ود بعدها للبيت مكرهاً؛‬ ‫والغريب �أنني بعد هذا اللعب �أبد�أ بم�شاك�سة �أمي‪،‬‬ ‫و�أمي‪ ..‬اهلل ما �أجمل �أمي! عندما �أعرف �أنها بلغت‬ ‫ذروة غ�ضبها‪� ..‬أرتمي في ح�ضنها كجرو �صغير‪،‬‬ ‫تهدهدني ثم �أنام‪ .‬وما �أن �أتذكر تلك الهدهدات‬ ‫حتى �أ�شعر بتيار يكاد يع�صف بج�سدي كله‪� .‬أح�س‬ ‫�أمي جزء ًا من حياتي كاللعب والمدر�سة‪ .‬كثير ًا ما‬ ‫�أ�سمعها تقول‪« :‬يا رب اتركني �أعي�ش لهما»‪.‬‬

‫ت�خ��اف��ه‪ ،‬و�أن ��ا �أ�صبحت �أخ��اف��ه‬ ‫لأن �ه��ا ت �خ��اف��ه؛ ح �ي��ن ي�ن��ادي�ن��ي‬ ‫�أرك�ض مذعور ًا باتجاهه‪ ،‬ويبد�أ‬ ‫يحادثني ‪ -‬وقلي ًال ما يفعل ‪ -‬ال‬ ‫�أ�ستطيع حينها النظر في وجهه‪،‬‬ ‫كنت �أتالفى النظر في وجهه‪ ،‬وال‬ ‫�أدري حتى الآن لماذا كنت �أفعل‬ ‫ذلك!؟ اللعب والمدر�سة و�أمي‪،‬‬ ‫هذه الدائرة التي تدور بي و�أدور‬ ‫فيها �آن��ذاك‪ .‬وف��ي �أح��د الأي��ام‪،‬‬ ‫وبينما كنت �أهم بالخروج للعب‪،‬‬ ‫�ألفيت ابنة جيراننا «مريم» مقبلة‪ ،‬وكانت قريبة‪،‬‬ ‫فعدت لأخبر �أمي بقدومها‪ ،‬وما كدت �أن �أ�صل �أمي‬ ‫حتى و�صلتنا �ضاحكة‪ ،‬وكانت جميلة‪ ،‬وبا�سمة‪،‬‬ ‫وطويلة‪ ،‬على �صدرها ق�لادة ب��راق��ة‪� .‬أذك��ر �أن‬ ‫يدي كادت �أن تمتد نحو �صدرها‪ ،‬لوال �أنني كنت‬ ‫خجوالً‪ ،‬وحتى الآن وبخا�صة مع الن�ساء‪� ،‬أ�شعر �أن‬ ‫جمال قالدتها يجعلني �أتلعثم! خدّها كان متورد ًا‬ ‫ي�شبه الأق �ح��وان ال��ذي يطلع بجانب بيتنا في‬ ‫الربيع‪ ،‬وجه مريم في ذلك النهار �أنار لنا عتمة‬ ‫بيتنا الذي تلفه الظالل‪ .‬هكذا كنت �أ�شعر؛ فقلما‬ ‫تقع عيناي على فتاة جميلة وبا�سمة �آنذاك‪ ،‬كان‬ ‫لمريم جالل‪ ،‬وكانت �آ�سرة‪� .‬سمعتها تقول لأمي‪:‬‬ ‫(�أه��ذه �سترة يا رب؟! �إني �أف�ضل الموت عليها‪.‬‬ ‫�أنا م�ستورة من دونه‪� ،‬أكرهه‪ ،‬كم �أكرهه) …‬ ‫ثم قالت‪ :‬ما الفائدة؟ وافق �أبي وقر�ؤوا الفاتحة‪.‬‬ ‫ثم �سمعتها تقول وهي ت�سحب نف�س ًا عميقاً‪ :‬يا‬ ‫موت تعال خذني! وكنت �أتخيل الموت رج ًال فح ًال‬ ‫النا�س على كتفيه القويين‪ ،‬وي�أخذهم خلف‬ ‫يُركب َ‬ ‫الجبال‪� ..‬أجل لم �أتعرف على الموت بعد‪ .‬ت�صمت‬ ‫�أمي حينها وت�شبك �إبرة الخياطة في الرداء الذي‬

‫يتكوم ف��ي حجرها‪ ،‬ك��م ك��ان يخيفني �صمتها‪،‬‬ ‫عندما ت�صمت �أمي‪� ،‬أ�شعر �أني على و�شك البكاء‪،‬‬ ‫وعندما تعود �إلى الحركة والكالم تنقذني وي�شرق‬ ‫وجهي‪ ،‬ف�أ�ضج حينها �ضاحك ًا و�أخرج للعب‪.‬‬

‫بها ت��زور �أم��ي مجدداً‪� ،‬أق��ول‪ :‬لوال زيارتها هذه‬ ‫لن�سيتها؛ �أذكرها كما لو �أنها �أمامي الآن‪ ،‬تجل�س‬ ‫قبالة �أمي يكاد ر�أ�سها ي�صطدم بر�أ�س �أمي‪ ،‬وفي‬ ‫�صدغها الأيمن جرح طويل‪ ،‬قالت ب�صوت متهدج‬ ‫«لقد �ضربني اب��ن الكلب»‪ .‬ول��م �أك��ن �أع��رف ما‬ ‫تق�صد‪ ،‬فتخيلت جرو ًا �صغير ًا يع�ضها‪ ،‬وقلت في‬ ‫نف�سي‪� :‬أنا �س�أقتل ذلك الجرو اللعين‪ .‬ومنذ ذلك‬ ‫الحين و�أنا �أكره الكالب ويُفزعني مُجرد نباحها‪.‬‬

‫�أي��ام��ي ال�صغيرة تع�صف ب�أيامي الكبيرة‪،‬‬ ‫و�أن��ا �أج��ر ثمالة ذك��راي نحو الأم����س‪� ،‬آخ��ر مرة‬ ‫�شاهدتها‪ ،‬كانت ترك�ض بين البيوت مط�أطئة‬ ‫ال��ر�أ���س‪ ،‬ت�صرخ ب�أعلى �صوتها وتمزق ثيابها‪،‬‬ ‫يا �إلهي �أي��ن ذهب ذلك االنت�صاب في ر�أ�سها؟‬ ‫حتى �صوتها تخالطه بحّ ة لم �أ�سمعها من قبل‪،‬‬ ‫قذفت الكرة جانب ًا وا�ستغرب �أن ��دادي‪ ،‬فقلما‬ ‫تفلت الكرة من يدي‪ ،‬وجل�ست القرف�صاء �أرقبها‪.‬‬ ‫�شاهدت رج ًال ق�صير القامة �شعره �أبي�ض لكنه‬ ‫قوي البنية‪ ،‬يلب�س ثوب ًا م�شْ رعا حتى الركبتين‪،‬‬ ‫بيده ع�صا تفوق طوله‪ .‬كان بين الفينة والأخرى‬ ‫يوجه ال�ضربات للمر�أة‪ ،‬حين تتعب كانت تجل�س‪،‬‬ ‫تدفن ر�أ�سها في التراب وتعول‪ ،‬لم �أفهم كلمة مما‬ ‫تقول‪ ،‬كان الرجل يقف �إلى جانبها وا�ضع ًا يده‬ ‫على خا�صرته الغليظة‪ ،‬ثم ما يلبث �أن يجرها من‬ ‫�شعرها‪ .‬وقال عندما الحظ وجودي(ف�ضحتيني‬ ‫يا بنت ال�شيطان)‪ ..‬تحدث النا�س عنها بعد ذلك‬ ‫كالم ًا لم يعجبني‪ ،‬ولم �أعد �أميل �إلى اللعب كما‬ ‫في ه��ذه ال��زي��ارة خطر لي �أن �أ�س�ألها‪� :‬أين كنت‪ ،‬قالوا‪� :‬إنها جُ نَّت في �آخر �أيامها ثم ماتت‪.‬‬ ‫ذهب ذلك الأق�ح��وان؟ والمقلق �أن��ه وفي الوقت‬ ‫والغريب �أنني ما زل��ت �أذك��ره��ا‪ ،‬وكثير ًا ما‬ ‫الذي خطر لي �أن �أبعدها عن تفكيري‪ ،‬لم �أ�ستطع �أت�سلل في الليل نحو المقبرة‪ ،‬و�أجل�س بجوارها‬ ‫مجرد �أن �أ�شيح بوجهي عنها‪ ..‬لم �أفلح في ذلك‪� .‬صامتاً‪� ،‬أتذكرها‪� ،‬أ�شعر �أنها ت�ستريح لزيارتي‪،‬‬ ‫ال �أدري ما الذي حدث بعدها‪ ،‬لكني فوجئت كما �أنني مت�أكد �أنها تنعم الآن بالهدوء وال�سكينة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪83‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫الأقحوانة ما تزال بعيدة‪..‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫‪84‬‬

‫�أكثر مني‪ .‬لكنني بعد �أن �أع��ود من زيارتها‪ ،‬بع�ض النا�س الذين �أحببتهم‪ ،‬الكتابة بحاجة‬ ‫و�أجل�س في بيتي �أ�شعر ب�شيء يحيط برقبتي‪� ،‬إل��ى كاريزما م��ا‪� ،‬أن��ا لي�س لي كاريزما‪� ،‬أكتب‬ ‫وي�ضغط عليها‪ ،‬حينها‪ ،‬ال �أ�ستطيع �أن �أتمالك لأنني ع�شت حياة عادية‪ ،‬طفولة مجرحة لكن‬ ‫نف�سي و�أجه�ش في البكاء‪.)..‬‬ ‫الماليين عا�شوا حياة مجرحة‪.‬‬ ‫ثم انتقلت �إلى الجامعة الأردنية‪ ،‬طالبا في‬ ‫م�شيت حافيا في المراعي والقفر‪ ،‬و�شكوت‬ ‫مرحلة (البكالوريو�س) وك��ان ال�م��زاج �آن��ذاك‬ ‫مزاجا �شعريا‪ ،‬و�أذك��ر �أنني اتجهت �إلى ال�شعر من الهجير لرفاقي الحفاة‪ ،‬وكنت �أتثاءب طوال‬ ‫ونحوت بالق�صة وال�سرد جانبا‪ ،‬وطفقت �أق��ر�أ يومي من قلة النوم‪� ،‬أما الآن وقد دخلت الكتابة‬ ‫لل�سياب‪ ،‬ولأمل دنقل‪ ،‬ولبلند الحيدري‪ ..‬ولكثير بت�أمالتها �إل��يّ فقلما �أنجح في النوم‪.‬اليوم يا‬ ‫غ�ي��ره��م‪ ،‬وق��د كتبت بع�ض الق�صائد‪ ،‬ف��ازت �أبي �صار لي طالب جامعيون ي�صغون لدرو�س‬ ‫�إحداها في م�سابقة على م�ستوى الجامعة‪.‬‬ ‫الأدب‪ ،‬ي�صغون للجمل التي �أردده��ا من الكتب‬ ‫بعد �إتمام درا�ستي الجامعية‪ ،‬وجدتني في بلهفة‪ ،‬لهفة ترعبني‪.‬‬ ‫مدينة(�سكاكا) معلما في مدار�س الرحمانية‪،‬‬ ‫�أكتب كي �أُبعد من طريقي بع�ض الحجارة‪،‬‬ ‫ت��زام�ل��ت ف��ي ال�ت��دري����س م��ع ال�ق��ا���ص ال�صديق‬ ‫عبدالرحمن ال��درع��ان‪ ،‬وكانت لقاءاتنا خارج �أكتب لأمحي خطاباتهم الفجة من ذاكرتي‪..‬‬ ‫�سياق العمل مثمرة وجميلة‪� ،‬أذك��ر �أننا قر�أنا‬ ‫هذه الأر���ض التي ما برحت تمد لي ل�سانها‬ ‫�سويا كتابات محمد �شكري(الخبز الحافي‪ ،‬بدهاء امر�أة عارفة‪� ،‬أعلم �أن قدميّ ال ت�ؤلمانها‬ ‫ال�سوق الداخلي‪ ،‬وبع�ضا من �إ�صدارات ميالن‬ ‫كما ي�ج��ب‪..‬الأر���ض كم كانت �سحيقة! �أح��اول‬ ‫ك��ون��دي��را ورائ �ع �ت��ه(غ��رام �ي��ات م��رح��ة)‪ .‬ك��ان‬ ‫�أن �ألعقها و�أح�سب �أنني �أتذوق �شواطئها ودفء‬ ‫ال�صديق عبدالرحمن الدرعان ملهما ومثقفا‬ ‫�أزقتها وكالم الأنيقين من الرفاق الثاوين في‬ ‫فريدا‪� ،‬أفدت منه الكثير‪.‬‬ ‫لجتها‪� .‬أحاول �أن �أدخل هناك في موطن ال�سر‬ ‫بعد هذه المرحلة عدت �إلى الأردن‪ ،‬و�أكملت‬ ‫درا�ستي العليا‪ ،‬وكان هم الكتابة ي�سير جنبا �إلى الأبدي‪ ،‬لكنني �أخاف‪ ..‬يحا�صرني رعب عجيب‪،‬‬ ‫جنب مع هموم الدرا�سة والحياة‪ ،‬كتبت ثالث �أغرق في بكاء �أمل�س‪!..‬‬ ‫مجموعات ق�ص�صية (امر�أة الأقحوان‪ ،‬في تمام‬ ‫�أيتها الكتابة‪ ،‬يا رجفة البيا�ض‪:‬‬ ‫الوح�شة‪ ،‬القاعة ‪)117‬؛ اثنتان منها مخطوطتان‬ ‫�أر�سلي من روحك لي ما يعينني‪� ،‬أحيا ب�أقل‬ ‫وواحدة من�شورة‪.‬‬ ‫وال ب ّد من االعتراف �أن ثمة �شعورا يعاودني وح�شة‪ .‬ولو لمنت�صف الأ�شياء التي ال تختفي‪،‬‬ ‫با�ستمرار‪ ،‬يقول‪� :‬إنني �س�أم�ضي ذات يوم‪ ،‬ولن ولو نقطة من يقين‪ ،‬تجاورني على مقعدي في‬ ‫يكون بمقدوري كتابة �شيء يذكرني من خالله الحافلة‪� ،‬أجاورها لو في ال�صدف‪..‬‬

‫■ نايف النواي�سة ‪ -‬الأردن‬

‫�أكثر من مرة كنت اكت�شف �أني محمولٌ على اال�ضطرار �إلى هذه الم�صالحة البا�سمة بيني‬ ‫وبيني‪ ..‬روحي تنزع �إلى �شيء‪ ،‬وهذا الطين الذي تورطتْ فيه ينزع �إلى �شيء �آخر‪ ..‬و�أ�سا ُل في‬ ‫لحظة قلق‪ :‬هل �أنا مخلوق ملفقٌ تلفيقا؟ هل �أنا �ساحة م�صالحة بين �أطراف متخا�صمة فيّ ؟‬ ‫وا�سكت خافق القلب‪.‬‬ ‫بين حدّين‪ ,‬ال خيار لي بهما‪ ,‬انبثق هذا المخلوق الذي هو �أنا؛ �أولهما‪ :‬ح ّد الوالدة‪ ,‬وثانيهما‪:‬‬ ‫ح ّد الموت‪ ..‬ح��دّان مرعبان‪ ,‬بينهما �أرك�ض الليل والنهار‪ ,‬لحافي هو الأم�� ُل بالدفء وفرا�شي‬ ‫ن�سيان الليلة البارحة‪ ..‬فهل يتحقق لي ذلك؟!‬ ‫قف مكانك‪ ..‬ف�أقف متبلّماً‪ ،‬وتهوي نف�سي فيّ‬ ‫من هنا‪ ،‬ا�ستيقظ فيّ منذ الرم�شة الأول��ى ْ‬ ‫ال�س�ؤال الأ�سا�س‪ ،‬ورح��ت على �شوك البدايات م�سربلة بالقلق‪..‬‬ ‫�أفت�ش عن ج��واب يليق؛ �أن��ا وال�س�ؤال المكبوت‬ ‫وق��ر ف��ي القلب �أن �شرط الحياة الأول هو‬ ‫والأج��وب��ة الم�ست ِعرِّة‪ ،‬ك��ون مت�ألق يلهث وراء‬ ‫القلق‪ ،‬كما �أنه �شرط الإبداع الأول‪ ..‬ف�أول �شرط‬ ‫ال�سنين وال�شم�س ال�ه��ارب��ة والعمر المقموع‪.‬‬ ‫تحقق لي كمبدع هو �أنني تحققت من �إ�صابتي‬ ‫�أكت�شف ك��ل �صباح �أن��ي م��ا زل��تُ على حالي‪،‬‬ ‫ب�ضربة من �شم�س القلق‪..‬‬ ‫مح�شور في كي�س الطين الذي �أجرجرة خلفي‪،‬‬ ‫وال خيار لي فيه‪ ،‬ولكنني بذكاء ا�ستثمرته‪..‬‬ ‫وفوق ر�أ�سي مليون (طوبة) ا�سمها(المفاهيم‪،‬‬ ‫والمتعارف عليه‪ ،‬والم�سكوت عنه‪ ،‬والظاهر‬ ‫بداية الطريق‬ ‫الناطق والباطن الخانق)‪� ..‬أن��ا كائن مثلُ �أي‬ ‫لم �أج��د ملعقة من ذهب في فمي‪ ..‬والدي‬ ‫كائنٍ غريب الأط��وار يخاف من ال�شم�س حين‬ ‫تغرب ويخاف منها �أ ّال تُ�شرق‪ ،‬مُتلب ٌّ�س بهاج�س رجل ب�سيط لكنه طيب‪ ،‬و�أطيب ما فيه �أنه يحب‬ ‫�أن ��ه ف��ي ب�ح��ار ت�م��وج ون �ي��ران ت�ضطرم‪ ،‬وبين المحبة ويكره الكره‪ ..‬لذلك‪ ،‬كان يحب االبت�سام‬ ‫ج��دران �صمّاء و�سقوف متجبرة‪ ،‬وكلها ترفع والكرم‪ ..‬هذه �صورة عنه‪ ،‬مثل وم�ضة الفال�ش‪،‬‬ ‫�إ�صبع ًا تقول‪ :‬ال‪ ،‬ال‪ ..،‬لم يئن �أوان االنفجار‪ ..‬ما تزال عالقة في ذهني‪� ..‬أما والدتي فكانت‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪85‬‬


‫كنا مخلوقات تبحث عن‬ ‫مخارج‪ ،‬لكن الدهليز الطويل‬ ‫جعلنا ك��ره �اـ نت�صالح معه‪،‬‬ ‫فحملنا �أ�سماء نتنادى بها في‬ ‫عتمة ه��ذا ال��ده�ل�ي��ز‪ ،‬وبنينا‬ ‫�شبكة من العالقات‪ ،‬و�صرنا‬ ‫ن��رى م��ن داخ�ل�ن��ا م��اال يوفره‬ ‫لنا الدهليز‪ ..‬وفي كل �صباح‬ ‫ن �� �س ��أل‪ :‬ه��ل �إل���ى خ���روج من‬ ‫�سبيل‪..‬؟!‬

‫‪86‬‬

‫�أن��ا الآن م��دركٌ �أنّ للقلق‬ ‫قيمة‪..‬‬ ‫وكيف؟‬ ‫ح� �ت ��ى ت �� �ص��ل ب �ي �ت��ك م��ن‬ ‫هذا المكان‪ ،‬عليك �أن ت�س�أل‬ ‫نف�سك‪ ،‬كيف �أ�صل؟‬ ‫�إذاً‪ ،‬بد�أت مرحلة القلق من‬ ‫�أجل الو�صول‪..‬‬ ‫بمعنى‪� ،‬أن الذي ال يعي�ش‬ ‫هذه الحالة لم يُخلق بعد‪� ،‬أو‬ ‫�أنه ُولِدَ ولم يدخل الحياة حتى‬ ‫الآن‪!..‬‬ ‫ال �ق �ل��ق‪� ،‬إذاً‪ ،‬ه���و ���ش��رط‬ ‫الحياة‪ ،‬فالدهليز المعتم ال‬ ‫تنجلي معالمه �إ ّال به‪..‬‬

‫وبعــد‪،‬‬ ‫عائالت مت�شابهة في الفقر‬ ‫اندفعت ف��ي ه��ذا الدهليز‬ ‫وال�ه�م��وم واالح �ت �ج��اج‪ ..‬قطع‬ ‫راك�����ض��اً‪ ..‬خ�ل�ف��ي م��ا ال ُي�ع� ّد‬ ‫م�ت�ج��اورات و�أر��ص�ف��ة �سكنها‬ ‫م��ن ال �م �ط��اردي��ن‪ ..‬و�أم��ام��ي‬ ‫ال�صمت‪..‬‬ ‫ت�ضاري�س مُوح�ش ٌة �أ�سهلُها �أنك‬ ‫ُ‬ ‫وف��ي �سنٍ ما الح �ضوء في‬ ‫تتعثر ف��ي ك��ل ح�ي��ن‪ ..‬وعليك‬ ‫الدهليز‪ ،‬فرك�ضت نحوه‪ ،‬كان‬ ‫�أن تنه�ض؛ فالحياة ال تُواتي‬ ‫خيط ًا رفيع ًا ر�أي��ت منه قلبي‬ ‫الواقف والمتعثر والمتلهي �إن‬ ‫وع �ق �ل��ي‪ ،‬وان�ت�ع���ش��ت روح ��ي‪..‬‬ ‫ل��م يُ�شغّل العزيمة والم�ضاء‬ ‫و�أح�س�ست ب�أن �سقف القلق فيّ‬ ‫في نف�سه‪ ..‬و�آليت على نف�سي‬ ‫بد�أ يهزه ُز �سُ جُ َف الإعتام في‬ ‫�أن �أحمل هويتي الخا�صة لأعبر‬ ‫الدهليز‪ ..‬كان ذلك بعد العا�شرة من عمري‪ ،‬بها كل الحدود؛ �إطارها الأمل‪ ،‬ومادتها العقل‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫رحلتي م��ع ال�ح��رف ُول��دتْ‬ ‫تلك ال�سنة من فوهة الحيرة‬ ‫والقلق وال�خ��وف على م�صير‬ ‫الأم� ��ة‪ ..‬م� ّت�ن��تُ قنطرتي مع‬ ‫الدر�س والتثقيف‪ ..‬ويقيني �أن‬ ‫ال��ذي تريده ال يُواتيك مجرد‬ ‫�أن��ك ترغب ب��ه‪ ..‬ال بد من �أن‬ ‫ي �ق��ودك ذل ��ك �إل ��ى �أن تفهم‬ ‫ذاتك وتتلم�س قدراتك‪ ..‬فكان‬ ‫ل��ي ذل��ك حين واج�ه��ت عتمة‬ ‫الدهليز بخم�سمائة �صفحة‬ ‫�أق��ر�ؤه��ا يوميا لي�ستقيم لي‬ ‫ن�ه��اري الممتد؛ وكلما ق��ر�أتُ‬ ‫�أك �ث � َر �أدرك� ��تُ �أن �ن��ي م��ا �أزال‬ ‫�أجهل الكثير‪ ،‬ف�أُعاود القراءة‬ ‫بنهمٍ وع �م��ق‪ ..‬وتيقن ل��ي �أن‬ ‫الإب��داع الحقيقي ال يقوم �إِ ّال‬ ‫على قراءة �إبداعية متوا�صلة‪،‬‬ ‫ولم تكن العبرة عندي بـ(كم)‬ ‫ما �أق��ر�أ‪ ،‬و�إنما بوعي ما �أق��ر�أ‬ ‫و�إدراكه‪..‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫تبحث ف��يّ ع�ن��ي وق� ��ر�أت في‬ ‫عينيّ ومي�ض ًا ما‪ ،‬لذلك راحت‬ ‫تتعقبني و�أن ��ا ك�ه�لٌ‪ ،‬ف�ألقيت‬ ‫القب�ض عليها ذات مرة‪ ،‬وهي‬ ‫متلب�سة بف�ضيلة المطالعة‬ ‫وك��ان��ت �أ ّم � ّي��ة‪ ،‬وجدتها تقلّب‬ ‫�صفحات م��ن ع��دد قديم من‬ ‫مجلة العربي (بالمقلوب)‪،‬‬ ‫تحاول �أن تعرف‪ ،‬لكن عتمة‬ ‫المرحلة �أبعدتها ع��ن طريق‬ ‫ال�شم�س‪..‬‬

‫حين فتحت عيني على عالم‬ ‫�ضاج بالمبهمات‪ ،‬لكنني بد�أت‬ ‫�أت���س�ل��ح ب��ال�م�ه��ارب وق�ن��ادي��ل‬ ‫الر�ؤيا‪..‬‬

‫وورق� �ه ��ا ال� �ح ��ري ��ة‪ ..‬وب� ��د�أت‬ ‫�أُ�شكّل من طال�سمي الغاط�سة‬ ‫�ات يهتدي‬ ‫ف��ي ال�صمت ل��وح� ٍ‬ ‫بها الآخ� ��رون �إل� ��يّ ‪ ..‬وق��ادن��ي‬ ‫الدهليز �إل��ى العا�صمة عمان‬ ‫ذات � �س �ن��ة‪ ،‬و ُرح� ��ت �أت �ه��جّ ��ى‬ ‫حروف حياتي الجديدة فيها‪،‬‬ ‫و�أبني مفاهيمي وان�سج درّاعتي‬ ‫الأدبية‪ ،‬فجاءني الحرف الثغ ًا‬ ‫�سنة ‪1967‬م‪ ،‬وك��ان��ت نك�سة‬ ‫حزيران طامة كبرى تُدحرجنا‬ ‫�إلى �أ�سفل �سافلين‪..‬‬

‫ل��م تكن ال�ح�ي��اة حينذاك‬ ‫�سهلة ومنعّمة‪ ..‬كنا في زمن‬ ‫غير رحيم‪ ..‬و�أمامي طريقان‬ ‫�صعبتان‪ :‬الأول ��ى اال�ستمرار‬ ‫في الحياة‪ ..‬والثانية �أن �أكون‬ ‫ن��وع � ًا م�م�ي��ز ًا ف�ي�ه��ا‪ ..‬وه��ات��ان‬ ‫الطريقان في عالمنا العربي‬ ‫غارقتان في القلق والغمو�ض‬ ‫والمخاطر المحتملة‪..‬‬ ‫ح �ي��اة ال �م �ب��دع‪ ،‬محفوفة‬ ‫بالعوا�صف‪ ،‬وعليه مقاومتها‬ ‫وال�صمود �أم��ام�ه��ا؛ فر�سالته‬ ‫تُملي عليه ذلك‪ ،‬لأنه م�شرو ُع‬ ‫�شهيد‪� ،‬أو �ضحي ُة موقف‪� ،‬أو‬ ‫طري ُد ظلم‪ ..‬والمبدع الأ�صيل‬ ‫�سيقاوم وينت�صر في النهاية‪،‬‬ ‫حتى و�إن كان في القبور‪..‬‬ ‫ول� � � �ي � � ��ت ه� � � �ن � � ��اك م ��ن‬ ‫يعطيني م�ب��دع��ا ح���ر ًا �سلّم‬ ‫� �س�لاح��ه(م��وق �ف��ه) ق �ب��ل �أن‬ ‫ينت�صر ل�ق���ض�ي�ت��ه‪ ..‬ال�م�ب��دع‬ ‫ال �ح �ق �ي �ق��ي ه� ��و ال �م �ن��ا� �ض��ل‬ ‫الحقيقي والحيّ الحقيقي‪ ،‬وهو‬ ‫بالنتيجة ال�شهيد الحقيقي‪،‬‬ ‫و�سيظهر ولو بعد حين‪..‬‬ ‫املواجهــــة‪..‬‬ ‫وكيف يُواجه المبد ُع تبعاتِ‬ ‫م�شروعِ ه الثقافي؟ �أو كيف‬ ‫ي�صنع ر�ؤي�ت��ه الفكرية؟ و�إل��ى‬ ‫�أين ينتهي من خالل توقعاته؟‬ ‫ل �ق��د ب� � ��د�أتُ م ��ن ق�ن�ط��رة‬ ‫ال�صحافة ك��ات��بَ خ��اط��ر ٍة فمقال ٍة ل��زم��نٍ ما‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪87‬‬


‫ث��م م �ح��اوالت �إب��داع�ي��ة كالق�صة والم�سرحية‬ ‫وال�ق��راءة النقدية‪ ،‬وكلما توغلت في مجاهيل‬ ‫هذه الكتابات ا�شتدت بي رغبتي للقراءة؛ ف�أنكب‬ ‫عليها نهِ ماً‪ ،‬من كتب التراث‪� ،‬إلى كتب الأدب‪،‬‬ ‫والفل�سفة وال�ت��اري��خ ون�ح��و ذل��ك؛ م��ن الكتاب‬ ‫العربي �إل��ى الرو�سي �إل��ى الغربي‪ ،‬ول��م �أت��رك‬ ‫وعاء معرفي ًا احتوته مكتبتي �إال غرفت منه ما‬ ‫يروي ظم�أي‪ .‬ونتج من جملة هذه القراءات �سيل‬ ‫معرفي �أجده مترع ًا بالربيع الإبداعي؛ فالن�ص‬ ‫عندي ال �أخرجه فجّ اً‪ ،‬غ�شيم ًا من دون تثقيف �أو‬ ‫تذهيب �أو و�شي‪ ،‬ودون �أن يكون معبّرا عن الواقع‬ ‫ناقال لهمومه ومتورطا بق�ضاياه‪ ،‬ومن دون �أن‬ ‫يكون الب�سا العباءة الجمالية �أو متلب�سا القوام‬ ‫الإبداعي الجميل‪..‬‬ ‫هي رحلة �شاقة منذ كانت المواجهة حتى‬ ‫الآن‪..‬‬ ‫كنت خائف ًا من مقالتي الأولى �سنة ‪..1967‬‬ ‫ُعرف بم�سلكه الأخالقي الح�ضاري العالي‪،‬‬ ‫وي َ‬ ‫ثم خائف ًا من ق�صتي الأولى (قلب �أمي) �سنة وي�أتي عاب ُر �سبيل وي�صفه بغير ذل��ك‪ ..‬فال بد‬ ‫‪1977‬م‪ ،‬وما �أزال م�شفق ًا عليها؛ لأنها تُدَ رّ�س �أنك ت�صاب بالخيبة والذهول‪..‬‬ ‫لطالب ال�صف الثامن ف��ي الأردن منذ ت�سع‬ ‫مثل ذلك �أفراد �أ�سرتك الإبداعية‪ ..‬تتو�سم‬ ‫�سنوات‪..‬‬ ‫فيها �شيئاً‪ ،‬ويقفز لك من الغيب قاطع طريق‬ ‫ثم خائف ًا على كتابي الأول �سنة ‪1980‬م‪،‬‬ ‫في�صيب منها الكبد‪ ..‬لكنني مع مرور ال�سنين‬ ‫مجموعة (�أبو المكارم) للأطفال‪.‬‬ ‫ح�صنت نف�سي ب�ع��دم االك �ت��راث م��ن هجمات‬ ‫ّ‬ ‫لقد �أورثني الإبداع الخوف كما القلق‪ ..‬لأنني (النقد الأ�صفر)‪ ،‬فال�سقف المتين ي�صمد �أمام‬ ‫حري�ص على �أعمالي الأدبية ب�أن تولد مخلوقات تطاول هبات الريح الهوجاء عليه‪..‬‬ ‫�سوية‪� ،‬صالحة‪ ،‬و�س�أظل خائف ًا ما دم��ت حي ًا‬ ‫ودي��دن��ي ف��ي ذل��ك �أن عظمة العقل تخلق‬ ‫طالما �أنني نثرت �أف��راد �أ�سرتي الإبداعية في‬ ‫الحارات الثقافية‪ ،‬و�أخ�شى عليها من (النقاد الحُ �ساد‪ ،‬وعظمة القلب تخلق الأ�صدقاء‪ ،‬و�أنا‬ ‫الهمل)‪ ،‬و�أ�صحاب الأق�ل�ام الطارئة‪ ،‬وكتاب كما قال ال�شاعر‪:‬‬ ‫الحاالت النقدية الهام�شية‪..‬‬ ‫ك��ن كالنخيل ع��ن الأح��ق��اد مرتفعاً‬ ‫‪88‬‬

‫ت�صوروا �أن ي�شهد البنك الجميع بالنجابة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ُت��رم��ى ب�����ص��خ��رٍ ف�� ُت��ل��ق��ي ي��ان�� َع الثمر‬

‫�أنا بب�ساطة محبو�س بالخوف‪ ..‬كلما �أ�ضفتُ‬ ‫كتابا جديدا �إلى كتبي �أُ�صاب بالرعب ال�شديد حين‬ ‫�أرى (جديدي) يدخل الحياة‪ ،‬ومبعث الخوف‪:‬‬ ‫�أن هذا الجديد �أيُرف�ض �أم يُقبل؟ وم�شكلتي هي‬ ‫�أنني ال �أ�ؤمن بتحديد الن�سل‪ ،‬لذلك كبرت عائلتي‬ ‫وات�سعت‪ ،‬ففي ال�سنوات الأخيرة رُزقت بالتوائم‬ ‫بين ق�صة وكتاب تراث �أو م�سرح �أو نقد‪ ،‬و�أ�ضفت‬ ‫�إل ��ى ه��ذه ال�ع��ائ�ل��ة م�خ�ل��وق� ًا ج��دي��د ًا ع��ن(ت��اري��خ‬ ‫الكرك)‪ ،‬و�آخر عن الواجهات المعمارية في معان‪،‬‬ ‫ومجموعة ق�ص�صية جديدة بعنوان(فرج نافذة‬ ‫النهار)‪� ..‬أي �أن ما �سجلته في دفتر عائلتي الأدبية‬ ‫ت�سعة ع�شر كتابا‪ ،‬منها �ست مجموعات ق�ص�صية‪،‬‬ ‫ويت�شكّل الآن بين يدي مجموعتان‪ ،‬واح��دة تتجه‬ ‫�صوب جائزة التفرغ الإبداعي التي فزت بها هذا‬ ‫العام وتحمل عنوان(ال�شم�س من جديد)‪ ،‬وتتجه‬ ‫الأخرى �إلى نا�شر ال �أعلمه وعنوانها(جمجمة)‪..‬‬

‫م � � � � � � � � �ل � � � � � � � ��ف ال � � � � � � � � �ع � � � � � � � ��دد‬

‫�أقول‪ :‬كلما كتبت �شيئ ًا �أجد نف�سي ميت ًا مليون‬ ‫مرة‪ ،‬و�أغط�س في بحر من العرق‪ ،‬و�أظ ّل مُحدّق ًا‬ ‫في ما كتبت لعلني �أجد فيه ما يغريني بو�أده‪..‬‬ ‫ولقد �أطلقت ر�صا�صة الرحمة على مخلوقات‬ ‫كثيرة من ق�ص�صي الأول��ى على الرغم من �أن‬ ‫بع�ضها نُ�شر في مجالت و�صحف‪� ،‬أو قُرئت من‬ ‫منابر محترمة‪ ..‬ولعدم قناعتي بوزنها وقوامها‬ ‫الح�سن �أبعدتها من دفتر عائلتي‪..‬‬ ‫وم��ن المفيد �أن �أ��ض��ع نف�سي كقا�ص بين‬ ‫هاللين‪ ،‬لأن �سيدتي الأول��ى في ف�ضاء الكتابة‬ ‫ه��ي الق�صة‪ :‬وت��ران��ي هنا �أح�ن��ي لها القامة‪،‬‬ ‫و�أق��ول �إنك من �أ�صعب الفنون يا �سيدتي‪ ،‬فال‬ ‫بد لحظة الوقوف بين يديك من موقف فكري‬ ‫�أخ�لاق��ي مكتوب بفنيّة عالية ول�غ��ة مكثفة‪،‬‬ ‫�شروطك �صعبة‪ ،‬وك�أنك ال��وردة الجورية التي‬ ‫ت�صيب ب�شوكها من ال يُح�سن الو�صول �إليها‪.‬‬

‫ل�ق��د �أدرك� ��ت م�ن��ذ ال��زم��ن الأول �أن الفن‬ ‫الحقيقي ه��و رحلة م��ع الت�أمل وال�خ�ي��ال‪ ،‬وفي‬ ‫يقيني �إذا يب�ست م�ساحة الت�أمل ماتت الحياة‬ ‫وهمد العالم‪ ،‬لذلك تجدني في ق�ص�صي دائب‬ ‫الحركة داخل الم�سافة ما بين الخيال والواقع‪،‬‬ ‫�أط��ارد �شخو�ص ق�ص�صي و�أعي�ش �أحداثها‪..‬‬ ‫بمعنى �أن �ن��ي �أع�ي����ش ع�ل��ى ح�ب��ل م���ش��دود بين‬ ‫عالمين‪ :‬الأول مفرو�ض ب�سيرورة الحياة فيه وال‬ ‫وي�س�ألني �سائل‪ :‬وماذا بعد ذلك؟ ف�أقول‪� :‬أنا �أملك له نق�ضاً‪ ،‬والثاني هو لي و�أتدبر �أمره داخل‬ ‫ما �أزال في محاوالتي لأن �أبد�أ‪ !!..‬فالأقحوانة في مواقدي و�أعيد �إنتاجه �أدبي ًا بموقف وا�ضح‪..‬‬ ‫يقيني بعيدة‪ ..‬وكل ما �أعلمه عن نف�سي هو نف�سه‬ ‫بب�ساطة �أنا �إن�سان يبحث عن الراحة غير‬ ‫الذي يثير خوفي‪ ،‬ولعلني من �أكثر النا�س حاجة �أن م�صيدة الحياة حقنتني بجرعة قوية من‬ ‫�إل��ى ا�سمي دون �أو�صاف و�سمات و�إ�ضافات‪ ..‬القلق رافقتني ط��وال العمر وم��ا �أزال‪ ،‬و�أن��ا‬ ‫�أنا �أكره المديح والتبجيل؛ لأنني �أريد �أن �أرى م�سرور بها‪ ..‬ويبدو �أن راحتي كامنة في هذه‬ ‫نف�سي بي�ضاء ال �أ�صباغ عليها وال تلوين‪ ،‬وبعيد ًا الجرعة الرائعة‪ ..‬والمبدع الذي ال يقلق يكون‬ ‫عمّا يبلبلها �أو يحرفها عن حقيقتها‪..‬‬ ‫قد مات‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫‪89‬‬


‫الكتابة ال�صينية‬ ‫وفن الر�سم بالكلمات‬ ‫■ غازي خريان امللحم*‬

‫الر�سم فن ت�شكيلي يعك�س الأ�شياء المو�ضوعية بالخطوط والأل��وان وال�صورة‪،‬‬ ‫وهو يج�سّ د ما ح�صل عليه النا�س خالل �أعمالهم من المعارف والأفكار والم�شاعر‪،‬‬ ‫وف��ي الوقت ذات��ه و�سيلة للتبادالت الفكرية بينهم‪ ،‬وم��ع م��رور الزمن �أ�صبح النا�س‬ ‫ي�ستخدمون هذا النوع من الفن ق�صد التعبير عن �أفكارهم‪ ،‬فتحولوا �إل��ى (الر�سم‬ ‫الكتابي)‪ ،‬وخير من يمثل هذا االتجاه ت�شكيل المقاطع ال�صينية‪ ،‬التي تع ّد من �أقدم‬ ‫الكتابات العالمية التي ظهرت �إلى حيز الوجود كرموز ت�صويرية في المرتبة الأولى‪،‬‬ ‫وهي ت�شبه‪� -‬إلى حد ما‪ -‬الكتابة الهيروغليفية‪ ،‬وما يليها من الكتابات القديمة‪.‬‬ ‫الغراء بعد مزجه بالماء‪ ،‬ليتحول �إلى �سائل‬ ‫رمادي داكن‪ ،‬ثم معالجته ببع�ض المحاليل‬ ‫الملحية لي�صبح ج��اه��ز ًا لال�ستعمال‪،‬‬ ‫و�أحيان ًا كانوا ي�ستخدمون بع�ض الأل��وان‬ ‫لهذه الغاية‪.‬‬

‫‪90‬‬

‫وقد �سمى ال�صينيون ح��روف كتابتهم‬ ‫(ون لي)؛ �أي الأدب الجميل‪ ،‬وال عجب‪..‬‬ ‫فهم يرون ال�صلة وثيقة بين �أدبهم الجميل‬ ‫ه��ذا‪ ،‬وبين �شعرهم وف��ن الر�سم لديهم‪.‬‬ ‫لذا‪ ،‬كان الر�سم في الو�سط قوام اللوحات‬ ‫الفنية ال�صينية‪ ،‬و�أم ��ا ال�شعر وال��رم��وز‬ ‫اه�ت��دى ال�صينيون �إل��ى ال�ج��ذر الأول‬ ‫فتدون في زواياها‪.‬‬ ‫ل��رم��وز كتابتهم منذ ع��ام (‪ )1500‬قبل‬ ‫وكان الكاتب ال�صيني القديم‪ ،‬قد اتخذ ال �م �ي�لاد‪ ،‬وق��د اقتب�ست بع�ض ال�شعوب‬ ‫من الفر�شاة �أداة للكتابة‪ ،‬يتدرج �سمكها الآ�سيوية المجاورة لل�صين تلك الرموز‬ ‫من �شعرة واح��دة �إل��ى خ�صلة كثيفة من وعدّلت فيها بع�ض التعديل‪ ،‬و�أ�ضافوا �إليها‬ ‫ال�شعر الذي ا�ستخل�صه من فراء الأرانب‪ .‬الحركات المنا�سبة‪ ،‬كي تتوافق ولغتهم‬ ‫�أم��ا الحبر الم�ستعمل لهذا الغر�ض فكان الأم‪ ،‬وا�ستعملوها في جميع �ش�ؤون الكتابة‬ ‫م��زي�ج� ًا م��ن ��س�ن��اج ال�صنوبر وم�سحوق وال�ت��دوي��ن‪ ،‬بعدما ه��ذب��وا بع�ض حروفها‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ويذكر علماء اللغة �أن رموز الكتابة ال�صينية‬ ‫الأ�سا�سية تقدر بنحو (‪)214‬جذراً‪ ،‬وتتردد هذه‬ ‫الجذور وتتكرر في �شتى رموز الكتابة ال�صينية‬ ‫و�صورها‪ ،‬ب�إ�ضافات هنا‪ ،‬وتعديالت هناك‪ ،‬حتى‬ ‫يبدو الدور الذي تلعبه هذه الجذور �شبيها �إلى‬ ‫حد ما ب��دور الحروف العادية في �سائر لغات‬ ‫العالم‪.‬‬ ‫عانت اللغة ال�صينية في بداية �أمرها من‬ ‫تخلّف وتعقيد في طريقة كتابتها التي تدون‬ ‫من الأع�ل��ى وتنحدر �إل��ى الأ�سفل‪ .‬وق��د ح�صر‬ ‫علماء اللغات ال�شرقية حروف اللغة ال�صينية‬ ‫بع�شرات الآالف‪ ،‬حتى قيل �إن ع��دد حروفها‬ ‫يت�ألف م��ن خم�س �أرب �ع��ات (‪ )44444‬حرفاً‪،‬‬ ‫لكن (ماوت�سي تونغ) العالم اللغوي وم�ؤ�س�س‬ ‫دولة ال�صين الحديثة‪ ،‬عمل كل جهده لتخفيف‬ ‫ت�ل��ك ال �ح��روف ب��ال�ق��در الممكن ودم�ج�ه��ا في‬ ‫�أبجدية تتكون من (‪ )220‬حرف ًا فقط‪ .‬وقد بذل‬ ‫ال�صينيون ق�صارى جهدهم في �إعداد �آلة كتابة‬ ‫ت�ستوعب الحروف ال �ـ(‪ )220‬ال�سالفة الذكر‪..‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬ورغم ال�صعوبات والتعقيدات التي‬ ‫تعاني منها هذه اللغة الموغلة في القدم‪� ،‬أبى‬ ‫�أهلها التخلي عن حروف لغتهم الأثيرة لديهم‪،‬‬ ‫مهما كانت ال�صعوبات ولأي �أمر كان؛ لأنها تمثل‬ ‫هوية الإن�سان ال�صيني‪ ،‬وذاكرة تراثه‪ ،‬ومحتوى‬ ‫علومه المختلفة التي يعتز بها‪ ،‬ويجد نف�سه من‬ ‫خاللها‪ ،‬كتابة وقراءة ونطقاً‪.‬‬ ‫التحوّل من الر�سم �إلى الكتابة‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫لت�سهيل كتاباتها وقراءتها‪.‬‬

‫الأ��س�ط��وري��ة ف��ي ال��زم��ن ال�غ��اب��ر‪� ،‬أو ت�ع��ود �إل��ى‬ ‫(ت�سانغ جيه)‪ ،‬م ��ؤرخ الإمبراطور الأ�سطورة‪،‬‬ ‫الذي اخترع الكتابة من ال�صور‪� .‬إال �أن كل هذه‬ ‫المعلومات غير موثّقة كما يجب‪ ،‬والم�ؤكد �أن‬ ‫م�صدرها الحقيقي يعود �إل��ى �أ��س�لاف قومية‬ ‫(هان)‪ ،‬الذين �أبدعوها عبر ع�صور مديدة من‬ ‫الممار�سة الإنتاجية‪ ،‬و�أنها ت�شكلت من الر�سم‬ ‫تدريجيا‪.‬‬ ‫وعبر تلك الم�سافات الزمنية ال�شا�سعة‪،‬‬ ‫�شهدت مقاطع الكتابة ال�صينية البدائية تطور ًا‬ ‫م�ستمراً‪ ،‬وذلك من خالل عمليات �إبداع جماعي‬ ‫وجماهيري‪� ،‬أ�صبحت بموجبه تلك المقاطع‬ ‫ذات نظام متكامل‪� ،‬إلى حد ما‪.‬‬ ‫تطور مقاطع الكتابة ال�صينية‬ ‫م��رت م�ق��اط��ع ال�ك�ت��اب��ة ال�صينية بمراحل‬ ‫عديدة‪� ،‬أوجزها علماء الثقافة ال�صينية بمراحل‬ ‫ثالثة‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬ت�صويرية‬ ‫ي��ذك��ر فقهاء اللغة ال�شرقية‪� ،‬أن مقاطع‬ ‫الكتابة ال�صينية الأولى كانت عبارة عن ت�شكّل‬ ‫ت�صويري‪� ،‬إذ �أنها جاءت من (الر�سم – الكتابة‪.‬‬ ‫�إال �أن لهذا ال�شكل حدود �ضيقة ال تفي بالغر�ض‬ ‫المطلوب؛ فهناك �أ�شياء ال �شكل لها‪ ،‬فال يمكن‬ ‫ت�صويرها‪ ،‬كما �أن هناك �أ�شياء �أ�شكالها مختلفة‬ ‫ومعقدة‪ ..‬في�صعب ت�صويرها �أي�ضا‪ .‬ولذلك ال‬ ‫بد من اللجوء �إل��ى رم��وز �أخ��رى م�ساعدة �أكثر‬ ‫تو�ضيحا‪.‬‬

‫المقاطع ال�صينية رم��وز لكتابة لغة قومية ‪ -2‬الرموز الإيمائية‬ ‫دفعت الطريقة الإيمائية المقاطع ال�صينية‬ ‫(ه � ��ان)؛ وي�خ�ت�ل��ف ال �ن��ا���س ف��ي ال � ��ر�أي ح��ول‬ ‫م�صدرها؛ فقيل �إنها تعود �إلى الرموز الثمانية خ�ط��وات كبيرة �إل��ى الأم ��ام‪ ،‬واخترقت بذلك‬ ‫في التنجيم‪ ،‬التي ر�سمها (تو�شي)‪ ،‬ال�شخ�صية محدودية الكتابة الت�صويرية؛ لكن لطريقة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪91‬‬


‫وف�ضال ع��ن ذل��ك‪ ،‬هناك كلمات تعبر عن‬ ‫الن�شاطات النف�سية والمعنوية‪ ،‬مثل‪ :‬الفكر‪،‬‬ ‫وال�شوق‪ ،‬والن�سيان‪ ،‬والغ�ضب‪ ،‬والخوف‪ ..‬الخ‪ ،‬ال‬ ‫يمكن اال�ستدالل عليها بالطريقتين الت�صويرية‬ ‫والإيمائية‪ ،‬لذلك الب��د للمقاطع ال�صينية �أن‬ ‫تتقدم ع��ن الطريقة الإيمائية �إل��ى الطريقة‬ ‫ال�صوتية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الطريقة ال�صوتية‬

‫‪92‬‬

‫طريقة ت�شكيل المقاطع ال�صينية‬ ‫�إن طرق ت�شكيل المقاطع ال�صينية ممتعة‪ ،‬وال‬ ‫بد �أن نذكر م�صطلح (ليو�شو) الذي يعني �سن‬ ‫طرق لت�شكيل المقاطع ال�صينية‪ ،‬ثم اخت�صرت‬ ‫لت�صبح ثالث طرق فقط‪ ،‬وهي طريقة الرموز‬ ‫الإيمائية والطريقة المجازية‪ ،‬وطريقة الربط‬ ‫بين ال���ص��ورة وال �� �ص��وت‪ ،‬وم��ن بين المقاطع‬ ‫ال�صينية ال�ت��ي ت��م ت�شكيلها بطريقة ال��رم��وز‬ ‫الإيمائية ما يتكون من رمز تجريدي‪� ،‬أو رمز‬ ‫ت�صويري مثال (‪ )一‬ويعني واح��د‪)二( ،‬‬ ‫ويعني اث �ن��ان‪ ،‬و(‪ )三‬ويعني ث�لاث��ة‪ ،‬وهكذا‬ ‫دواليك‪.‬‬

‫هذه الطريقة تنق�سم �إلى نوعين‪ ،‬نوع �صوتي‬ ‫مجرد‪ ،‬ينف�صل تماما عن الطريقة الإيمائية‪،‬‬ ‫مثل الكتابات الأبجدية المختلفة في لغات العالم‬ ‫الأخرى‪ ،‬و�آخر يجمع بين الطريقتين الإيمائية‬ ‫وال�صوتية؛ وتنتمي المقاطع ال�صينية �إلى النوع تطور �أ�شكال مقاطع الكتابة ال�صينية‬ ‫الأخير‪ ،‬وقد ظلت نظام ًا لغوي ًا قائم ًا على هذا‬ ‫ظ�ل��ت ال�م�ق��اط��ع ال�صينية ف��ي ح��ال��ة تطور‬ ‫ال�شكل منذ بداياته الأولى حتى �شكلها الحالي‪ .‬وتجديد عبر الآالف م��ن ال�سنين‪ ،‬وتجاهها‬ ‫لماذا لم تتحول �إلى مقاطع �أبجدية؟ العام �أن تلج�أ �إلى الطريقة الإيمائية في ت�شكيل‬ ‫المقاطع ال�ج��دي��دة‪ ،‬وق��د ب��رز ذل��ك ف��ي تحول‬ ‫�إذاً‪ ،‬لماذا لم تتحول المقاطع ال�صينية �إلى‬ ‫كتابة �أبجدية مح�ضة؟ ذلك يرتبط بطبيعة اللغة المقاطع ال�صينية م��ن الكتابة الت�صويرية‬ ‫ال�صينية وخ�صائ�صها؛ �إذ �أن بنية هذه اللغة القريبة من الر�سم الحقيقي �إلى رموز تت�شكل‬ ‫ثابتة ال تتغير‪ .‬فقبل الألف الأولى قبل الميالد‪ ،‬من الخطوط المب�سطة‪ .‬وهذه النقلة تعد منطقة‬ ‫كانت كل كلمات اللغة ال�صينية تقريبا مكونة تحول مهمة في م�سيرة تغيرات �أ�شكال المقاطع‬ ‫م��ن مقطع واح��د‪ ،‬ث��م ازدادت ن�سبة الكلمات ال�صينية‪ ،‬والح ّد الفا�صل بين المقاطع القديمة‬ ‫ذات المقطعين‪� ،‬إال �أن معظمها كانت كلمات والحديثة‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫مع �أن عمليات التب�سيط ظلت ت�ي��ار ًا عام ًا‬ ‫ف��ي م�سيرة ت �ط��ورات المقاطع ال�صينية‪� ،‬إال‬ ‫�أنه توجد �إلى جانبها ظواهر التعقيد‪ ،‬بازدياد‬ ‫عدد المقاطع ال�صينية التي تكتب بطريقتين‪:‬‬ ‫قديمة وحديثة؛ وتحتل ن�سبة المقاطع المكتوبة‬ ‫بهذا ال�شكل‪ ،‬وبما ال فائدة منه ثلثي عددها‪.‬‬ ‫وجملة القول �إن ت�سهيل المقاطع ال�صينية ي�شكل‬ ‫االتجاه العام في م�سيرة تطورها؛ وبذلك‪ ،‬قامت‬ ‫ال�صين الجديدة بتب�سيط تلك المقاطع من‬ ‫حيث خطوطها‪ ،‬وعدد تلك الخطوط �أو الحروف‬ ‫منذ ت�أ�سي�سها عام ‪1949‬م‪ ،‬ما رفع الم�ستوى‬ ‫الثقافي لل�شعب ال�صيني‪ ،‬ودفع بم�سيرة العلوم‬ ‫والتكنولوجيا خطوات كبيرة �إلى الأمام‪.‬‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫الرموز الإيمائية حدود ًا �ضيقة �أي�ضاً؛ �إذ �أن اللغة‬ ‫تعك�س الأ�شياء المو�ضوعية بال�صوت‪ ،‬وتتناول كل‬ ‫موجودات الكون‪ ،‬وهناك �أ�شياء كثيرة ي�ستحيل‬ ‫�إيجاد مقطع �إيمائي للتعبير عنها‪ ،‬مثل ال�شجرة‬ ‫فيمكن ر�سم ( ) للتعبير عنها ت�صويريا‪� ،‬إال‬ ‫�أن هناك مئات الأنواع من ال�شجر‪ ..‬فال ت�ستطيع‬ ‫الطريقة الإيمائية وال حتى الت�صويرية التمييز‬ ‫بينهما‪.‬‬

‫مركبة يحمل ج��ذره��ا معنى معيناً‪ .‬وتتميز‬ ‫الكتابة ال�صينية ب�أن كل كلمة منها ذات مقطع‬ ‫�صوتي واحد‪ ،‬يجمع بين القيم اللغوية الثالثة‪:‬‬ ‫(التدوينية – وال�صوتية – والداللية)‪ .‬وبذلك‬ ‫تتمتع بخا�صية التمييز بين الكلمات المكونة من‬ ‫ذات المقطع ال�صوتي الواحد‪.‬‬

‫تب�سيط المقاطع ال�صينية‬

‫خط �صغير ال غير ويلفظ (يي)‪� ،‬أما‬ ‫كما ترى‪ّ ،‬‬ ‫اثنان فيكتبان هكذا (‪ )二‬ويلفظان (�آر)‪،‬‬ ‫وث�لاث��ة‪ ،‬تكتب بالطريقة ال�ت��ال�ي��ة‪))三( :‬‬ ‫وتلفظ (� �س��ان)‪� .‬أظ ��نّ �أن ��ك � �ص��رت‪ ،‬عزيزي‬ ‫القارىء‪ ،‬تعرف �أن تكتب من الواحد �إلى الثالثة‬ ‫بال�صيني‪ ،‬وتعرف كيف تلفظ ك ّل رقم!‬ ‫ويكفي �أن ت�ضع خطا في و�سط الرقم ثالثة‬ ‫لي�س لت�صل �إلى �أربعة‪ ،‬و�إنما �إلى كلمة �أخرى ال‬ ‫عالقة لها بالأرقام وهي ‪ 王‬وتعني ملك وتلفظ‬ ‫(وان��غ)(‪� ،)1‬ألي�ست هذه اللغة �سهلة؟ �أل�سنا في‬ ‫�أقل من دقيقة تعلمنا خم�س كلمات؟!‬ ‫الم�صادر‬

‫‪�1.1‬أ�شناين‪ ،‬انت�شار اللغة ال�صينية في العالم‬ ‫تعلّم ال�صينية لغة وكتابة‬ ‫– مجلة ال�صين اليوم – العدد ‪� /2/‬ص‪5‬‬ ‫قد يتخيل للكثيرين ممن ال يتكلمون ال�صينية‬ ‫�شباط ‪1991‬م ‪ -‬بكين‪.‬‬ ‫�أن تعلم هذه اللغة من �سابع الم�ستحيالت‪ ،‬كونها‬ ‫لغة غام�ضة وحروفها مت�شابكة معقدة �أكثر من ‪2.2‬قوه �شي ليانغ‪ ،‬م�صدر المقاطع ال�صينية –‬ ‫مجلة ال�صين اليوم – العدد ‪� /2/‬ص‪– 27‬‬ ‫الالزم‪ ،‬وهذا االعتقاد �سلي ٌم �إلى حد ما؛ �إال �أن‬ ‫�شباط ‪1991‬م – بكين‪.‬‬ ‫المتبحر في علوم هذه اللغة‪� ،‬سوف يكت�شف �أن‬ ‫ال�صعوبة الوحيدة في درا�ستها تكمن في مخارج ‪3.3‬فران�سوا �شينغ‪ ،‬اللغة ال�صينية – �سل�سلة‬ ‫ال�ن�ط��ق‪ ،‬وك�ت��اب��ة م�ف��ردات�ه��ا‪ ،‬ول ��دى ا�ستيعاب‬ ‫�آفاق ثقافية ‪ /48/ -‬دم�شق – ‪2007‬م‪.‬‬ ‫ال��دار���س لهذه المرحلة‪ ،‬ف�سوف ي�سهل عليه‬ ‫تعلمها‪ ..‬وحتى �إجادتها‪� ،‬شريطة اتباع الأ�سلوب ‪4.4‬ي��و��س��ف زع��ب�ل�اوي‪ ،‬ال�ك�ت��اب��ة ال�صينية –‬ ‫ال�صحيح في درا�ستها خطوة خطوة‪ ،‬ويمكن له‬ ‫العربي – العدد ‪� 170‬ص‪ – 142‬كانون ثاني‬ ‫ممار�ستها محادثة وقراءة وكتابة ك�أي لغة �أخرى‬ ‫‪1972‬م – الكويت‪.‬‬ ‫في العالم‪.‬‬ ‫‪5.5‬عثمان �سعدي‪ ،‬التجربة ال�صينية – العربي‬ ‫انظر �إلى �سهولة هذه اللغة‬ ‫– العدد ‪� – 303‬ص‪� 112‬شباط ‪1984‬م –‬ ‫الكويت‪.‬‬ ‫(الواحد باللغة ال�صينية يكتب هكذا (‪)一‬‬ ‫* كاتب من �سوريا مقيم بال�سعودية‪.‬‬ ‫(‪ )1‬بت�صرف عن مدونة بالل عبدالهادي ‪ 23‬ت�شرين الثاني ‪2010‬م‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪93‬‬


‫(درا�سة وتحليل)‬

‫■ د‪� .‬إبراهيم الدهون*‬

‫عن دار المفردات للن�شر والتّوزيع في الريا�ض‪ ،‬وبدعم‬ ‫م��ن ن���ادي ح��ائ��ل الأدب����ي ���ص��در دي����وان‪( :‬ر���س��ال��ة �إل���ى عمر‬ ‫الخيام) لل�شّ اعر ال�سّ عودي �سليمان العتيق ع��ام ‪2013‬م‪.‬‬ ‫يقع الدّيوان في مئة و�أرب��ع وثالثين �صفحة من القطع‬ ‫المتو�سط‪ ،‬ي�ضم �سبع ع�شرة ق�صيدة؛ واحدة منها التزمت‬ ‫ع��رو���ض الخليل‪ ،‬بينما رف��رف��ت النّ�صو�ص الأخ���رى على‬ ‫�أجنحة التفعيلة‪ .‬تراوحت النّ�صو�ص في الق�صر والطول‬ ‫بين الوم�ضة الم�ؤلفة من كلمات قليلة وبين الق�صيدة‬ ‫الم�شتملة على عدد من الفقرات المتعانقة في وحدة مو�ضوعية محكمة‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫وم��ن خ�لال ع�ن��وان ال � ّدي��وان‪( :‬ر�سالة (وجد) يقول فيها‪:‬‬ ‫�إل��ى عمر الخيام)‪ ،‬وم��ا ا�شتمل عليه من كم لفني وجدٌ‪ ،‬تدفق وانثنى‪،‬‬ ‫ق�صائد‪( :‬انتظار‪ ،‬والمطر‪ ،‬ورحيل الليل‪،‬‬ ‫في القلب �أفراحٌ‪،‬‬ ‫والمهاجر)‪ ،‬نلم�س ث��ورة داخلية عارمة‬ ‫وفي العينين من فرحي دمو ْع‬ ‫يح�س به ويعانيه‬ ‫تجتاح ال�شّ اعر‪ ،‬نتيجة لما ّ‬ ‫من قلق نف�سي و�صراعات تحيط ب�أمتنا وبخافقي‪ :‬وج ٌد �إذا‪،‬‬ ‫تتجلّى للقارئ التجربة ال�شّ خ�صية من‬ ‫ال�ع��رب� ّي��ة والإ� �س�لام � ّي��ة م��ن ج��ان��ب‪ ،‬وبما‬ ‫يعتري بع�ض مجتمعاتنا م��ن تناق�ضات خالل الأ�سطر ال�شّ عريّة ال�سّ ابقة وا�ضحة‬ ‫و�آف��ات مر�ضية ال �أخالقيّة؛ كاللهاث وراء ال �دّالل��ة‪ ،‬فال�شّ اعر ف��ي لغة ذات �ي��ة يتكئ‬ ‫المظاهر البرّاقة الخادعة‪ ،‬والمداهنة في على ت��داع��ي كثيرٍ م��ن الجمل الإن�شائيّة‬ ‫التعامل والتّوا�صل من جانب �آخر‪.‬‬ ‫المتكررة بدء ًا من العنوان‪ ،‬وانتهاء بالكثير‬ ‫يبد�أ ال�شّ اعر ديوانه بق�صيدة عنوانها‪ :‬م��ن ال�ج�م��ل ال���ّ�ش�ع��ر ّي��ة ال�ت��ي تحيلنا �إل��ى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ي �� �ش �ح��ن ال �ع �ت �ي��قُ جُ �� َم�� َل�� ُه‬ ‫يا وجد‪� ،‬إني �أ�ستظلُّ ظالل‬ ‫ال����شّ �ع��ر ّي��ة بر�صيد ه��ائ��ل من‬ ‫غيمك‬ ‫ال � ��ر�ؤى ال��داخ �ل � ّي��ة ال�م��ر ّك�ب��ة‬ ‫وظالل زهر الأقحوان‬ ‫التي ت�سيطر على ذات��ه‪ ،‬فهو‬ ‫ومراتع الغزالن‬ ‫ينقل بمخيلته ال�شّ عريّة وح�سّ ه‬ ‫ومهابط الوديان‬ ‫المرهف مواجع الأنا الداخليّة‪،‬‬ ‫التي تعك�س في الحقيقة مواجع‬ ‫�أراد ال�شَّ اع ُر �أنْ ي�ؤكدَ بلغته‬ ‫النّا�س و�أحالمهم وطموحاتهم‬ ‫ه ��ذه ع�ل��ى �أه �م �ي��ة الم�شاعر‬ ‫والأحا�سي�س التي يفزع �إليها لحظة الأم��واج التي لونتها معارك الحياة‪ ،‬ومتغيراتها‪.‬‬ ‫المتالطمة‪ ،‬في خ�ضم المادية المتلفعة بالجمود‬ ‫ويتوا�صل ال�شّ اعر وق�صيدة‪( :‬المطر)؛ ليردد‬ ‫وال�صمت القاتل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫�صداها في م�سامع الزمن والوجود الب�شري‪،‬‬ ‫ويحاول ال�شّ اع ُر �أنْ ينطلق من داخل �سدومه‪ ،‬لعلّها تبعث �أنغام ًا وترانيم ال تنقطع‪.‬‬ ‫ويتحرر من قوقعته المادية التي كوّنتها تر�سبات‬ ‫وم��ن المنطلق ال�سّ ابق‪ ،‬ن��درك �أنَّ القيمة‬ ‫ال�ح���ض��ارة ال�م�م�ق��وت��ة‪ ..‬ل�ي��رى ن��ور الإن�سانيّة المعنويّة للمطر عند ال�شّ اعر‪ ،‬ال يمكن �أن تقف‬ ‫ال�سّ ليمة؛ فالعتيق متعط�ش �إلى دغدغة �شغاف عند ح��دود ن��زول��ه على الأر� ��ض‪ ،‬و�إ َّن �م��ا نلحظ‬ ‫القلب والرق�ص على جنباته‪ .‬كما �أنّه ظم�آن �إلى مراهنته على دوره في �إحياء القلوب والنّفو�س‪،‬‬ ‫تجاوز ح�صار التّع�صب الزمني‪ ..‬ليرقى �إلى التي كانت قاب قو�سين �أو �أدنى من الأر�ض؛ لذا‪،‬‬ ‫�آف��اق �أكث َر رحابة و�أعظمَ اتّ�ساع ًا في عطائها يقول‪:‬‬ ‫وتحررها؛ ذلك العالم الذي تتحلّل فيه الأ�شياء �أحب المطر‪:‬‬ ‫من �سال�سلها الحجريّة‪ ،‬وتنفتح فيه ال��ذات‪ ،‬يذيب الك�آبات‪ ،‬يجلو الكدر‪.‬‬ ‫لتتزاوج مع النجوم في انعتاقها‪.‬‬ ‫بجوف الأما�سي‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫ديوان‪:‬‬ ‫ر�سالة �إلى عمر الخيام ‪� -‬سليمان العتيق‬

‫م�شهد درام��ي ناب�ض بالحياة‬ ‫وال��ح��رك��ة‪ ،‬م��ن خ�ل�ال وج��دٍ‬ ‫يانعٍ يطفح بالأقحوان والزهر‬ ‫لقوله‪:‬‬

‫�أفرد جناحك يا خفوق‬ ‫وا����ص���ع���د ف�������ض���اء ف����ي ك��ب��د‬ ‫ال�سماء؛‬

‫ل� ��ذا‪ ،‬ي �ت��اب��ع ال �ع �ت �ي��ق � �س �ي��ره ب�ق���ص�ي��دت��ه‪ :‬وغُ ب الأ�ضاحي‬

‫ال�صعود والتّحليق في عوالم‬ ‫(االنتظار) �إل��ى ّ‬ ‫الكون‪ ،‬وانعتاق النّف�س من محيط الأر���ض بما‬ ‫فيها من متناق�ضات الآالم والأح��زان والأت��راح‬ ‫والم�آ�سي وال ��ر�ؤى المادية التي تركت �أثرها‬ ‫الم�ؤلم على نف�سه‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫يا قلب‪� ،‬إن كظت بمهجتك الكروب‬ ‫ما بين �آهات المخافة؛ وا�شتهاءات القلوب‪:‬‬

‫�إنّ من يمعنِ النَّظر في المقطوعة ال�سّ ابقة‬ ‫يلحظ جمالية ال� ّل�غ��ة وال ��ّ��ص��ورة ال���ّ�ش�ع��ر ّي��ة‪،‬‬ ‫فال�شّ اعر يك�شف عن قيمة المطر الحقيقية‪ ،‬وهو‬ ‫الذي كان وما يزال رمز ًا للحياة والنّماء‪ ،‬وب�ؤرة‬ ‫ال��والدة والتّكاثر‪ .‬كما �أنَّ المطر من منظور‬ ‫ال�شَّ اعر كا�شفٌ لحقيقة الأ�شياء؛ لأنَّه يعبّر عن‬ ‫�أفكار بعيدة الغور‪ ،‬متنحي ًا عن التّ�سطيح الذي ال‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪95‬‬


‫‪96‬‬

‫فال�شَّ اعر نجح في م��داراة ال�ج��راح‪ ،‬وطرد وفي خاتمتها ‪� -‬أحيان ًا كثيرة‪ -‬وجل تلك الأ�سئلة‬ ‫براثن الألم‪ ،‬ف�ض ًال عن كفكفة دموع الب�ؤ�ساء‪ ،‬تحمل عدم اليقين �أو الر�ضاء من �أي �شيء؛ وك�أنّ‬ ‫و�أبعاد ثيمات اال�ستكانة والخنوع‪ ،‬فنف�س ال�شّ اعر ال�شَّ اعر الموجوع ال تعجبه الإجابات ال�سّ طحيّة‪،‬‬ ‫و�ضاء‪ ،‬وابتالج فجر جديد‪.‬‬ ‫تب�شّ ر ب�أفقٍ ّ‬ ‫فيهرب من �صدفة الواقع �إلى �آفاق ال�سّ �ؤال باحث ًا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫يا حامل الم�صباح‬ ‫في قلب العوا�صف يا عمر!‬ ‫هل في الرياح ذبالة؟‬ ‫تهديك في درب ال�سرى‪.‬‬

‫ينقلنا ال���َّ�ش��اع� ُر ف��ي خطابه ال�شّ عري �إل��ى‬ ‫ال�شّ اعر الخيام‪ ،‬ذلك الفيل�سوف الذي �سيطرت‬ ‫على �شخ�صيته م�لام��ح الغمو�ض والفل�سفة‬ ‫ال�صوفية‪ .‬فنلحظ �أنَّ العتيق يميط اللّثام عن‬ ‫ّ‬ ‫ذات��ه‪ ،‬وم��ا تعانيه من �أج��واء الحزن ال�شجي‪،‬‬ ‫كما �سعى �إلى �أن يرمي بهمه و�أحماله في ذهن‬ ‫المتلقي‪ ،‬ب�إيجاد ج ٍّو من التّفكير به�ؤالء الذين‬ ‫ال�صواب‪ ،‬وبالتالي فقد جاء‬ ‫انحرفوا عن جادة ّ‬ ‫ا�ستدعاء �شخ�صية الخيام مثا ًال �صارخ ًا على‬ ‫ال�ضياع والتيه؛ لذلك يكرّر القارئ وينبّه ذهنه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫للتخفيف عمّا يجي�ش به �صدره‪.‬‬

‫تزرع النّور بجفن الكون‬ ‫وت�ساقيه جما ًال وبهاء‬ ‫و�سناء وعطاء‬

‫�إنَّ رف�ض ال�سّ ائد يُدخل الذات في �صراع مع‬ ‫الم�ألوف‪ ،‬وتناق�ض مع الواقع الجاثم‪ ،‬فيكون‬ ‫الهروب �إلى الطبيعة والأن��ا هما طوق النّجاة؛‬ ‫وهذه النّزعة تجعل ال�شّ اعر متهم ًا بال�سّ وداويّة‪،‬‬ ‫وهي تهمة مالحقة لمعظم ال�شّ عراء‪.‬‬

‫وتحيلنا عناوين الق�صائد في الدّيوان �إلى‬ ‫اختيارات ال�شّ اعر في الحياة‪ ،‬وتر�سم مواقفه‬ ‫م��ن ال��واق��ع‪ ،‬وت�ع��ري زي��ف الأ��ش�ي��اء‪ ،‬كما تبرز‬ ‫تمزقه‪ ،‬وه��و يلتم�س زي��ف الأح���داث‪� ،‬إذ �إنّها‬ ‫مجرد م�سرحية تك�سر الأ�صفاد وتظهرها الأيام؛‬ ‫ما يجعل هذه التّ�صورات تج�سّ د �إيمان ال�شَّ اعر‬ ‫ب ��أنَّ الحرية ق��در ال منا�ص منه‪ ،‬و�أ ّن�ه��ا �ست�أتي‬ ‫وهكذا تظ ّل لغته ال�شّ عريّة ت�سحّ بوجع الأ�سئلة‪ ،‬مهما ت�أخرت‪ ،‬وهو طموح فيه الكثير من التّفا�ؤل‬ ‫فتحا�صره لتكون خاتمة لكثير من ق�صائده‪ ..‬ما والوثوق بالأمل القادم‪.‬‬ ‫يدفعه �أحيان ًا �إلى الإلحاح على عنا�صر النّماء‬ ‫وفي نهاية الدّيوان‪ ،‬ي�ستب ّد الحزن ال�شّ ديد‬ ‫والإ�شراق والنّور في ق�صائده الالحقة‪�( :‬ساري بال�شّ اعر لموت زوجته‪ ،‬فيعزف عن كثير من‬ ‫البيد‪ ،‬وعيون ميدوزا‪ ،‬و�أعطني حقي‪ ،‬وت�سبيحة)‪ .‬الحياة وملذاتها‪ ،‬فوفاتها كانت �صدمة عاتية له‪،‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يطرح ال�شّ اعر في ديوانه منظور ًا ويرى �أنَّ الحياة بكلِّ ما جمعت من غنى ومال‬ ‫�آخ���ر ل�ل�ك�ت��اب��ة م��ن خ�ل�ال ت �ن � ّوع��ه الأ� �س �ل��وب��ي‪ ،‬و�أمجاد‪ ..‬لم يعد لها في نظره قيمة‪ ،‬بعد �أن فقد‬ ‫واالعتماد على التّنا�ص والتَّ�ضمين القر�آني‪ ،‬الحافز الكبير لحياته‪ ،‬وهو زوجته‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫مازج ًا بين ال�شِّ عر والخواطر الذاتيّة؛ ما جعل �أحكي عليك؛ وت�سمعين حكايتي‬ ‫النّ�صو�ص تحوي ًال للج�سد �إل��ى �صفحة كتابة؛ يا عذبة النجوى‬ ‫وهذا ما نلم�سه من خالل اعتماد تلك العنا�صر بعد ارتعا�شات التوهج‪ ،‬وابتهاجات اللقا‬ ‫في ن�سيج هيكل الق�صائد‪ ،‬وت�شكّل الذات القلقة وبعد‪ ...‬م�شتبك العناق‬ ‫الحائرة التي ان�سكبت على بيا�ض ال � ّدي��وان‪� ،‬ألقي �إليك بما جرى‪...‬‬ ‫و�أخذت ت�سطّ ر كون ًا يمتلئ نور ًا وده�شة‪ ،‬فت�سري حكاية الحزن الذي‪ ...‬قد هزني‬ ‫فيها حياة جديدة كلّها نقاء وطهر؛ ما ي�شكّل وكل لوعات الفراق‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫يبعث في النّفو�س غير ال�سّ �أم والملل‪.‬‬ ‫وي�سبغ العتيقُ الحياة على الجمادات‪ ،‬فيبد�أ‬ ‫�إنَّ ال�شَّ اع َر يوائم بين الخير والبركة‪ ،‬والتّعري بمخاطبة الجبل‪�( :‬أج��ا) على �شاكلة ال�شّ اعر‬ ‫ال�صورة الأندل�سي اب��ن خفاجة حينما خاطب الجبل‬ ‫والمكا�شفة للمطر‪ ،‬فالأولى �أظهرتها ّ‬ ‫الحقيقية للمطر‪ ،‬بينما الثّانية اتّخذها ال�شَّ اعر بقوله‪:‬‬ ‫رم��ز ًا ال�ستجالء عنا�صر الظلم واال�ستبداد‪ ،‬و�أرع������ـ������نَ ط���ـ���مّ���ا ِح ال�������ذ�ؤاب�������ةِ‪َ ،‬ب������اذ ٍخ‬ ‫�أو الحريات في النّفو�س وقتل الأمل في الذات‬ ‫ُي���ـ���ط���ـ���اولُ �أع����ن����ا َن ال���� َّ���س���م���ا ِء ب���غ���اربِ‬ ‫الإن�سانيّة‪.‬‬ ‫فالعتيق يفد من تلك الحادثة؛ لي�سكبها على‬ ‫�إذاً‪ ،‬فال�شَّ اعر يدفع بالقارئ �إلى �شركه الذي ذات��ه‪ ،‬فيعبّر من خاللها عن حالة الك�آبة التي‬ ‫ن�صبه بمهارة‪ ،‬ليوقعه ويوقعنا في فخ ذات��ه‪ ،‬يعي�شها بعد �أن بقي وحيداً‪ ،‬وغادر �أهله‪ ،‬فك�أنّه‬ ‫فنجد �أنف�سنا مت�شاركين في لعبته ال�شّ عريّة‪� ،‬أو والجبل يحكيان الغربة والوحدانيّة القا�سيّة‪.‬‬ ‫في خطابه الذاتي الرومان�سي‪ ،‬ونحن منب�سون كما تج�سّ د لديه �صورة الطموح والمحبة والأمل‪،‬‬ ‫ف��ي ذل��ك م��ن دون ع �ن��اء؛ وف��ي ذل��ك ح�صافة فهو �شخ�ص تتدفق منه الم�شاعر الإن�سانيّة‬ ‫ال�شّ اعر‪ ..‬ي�أخذ الإن�سان في لغة تفا�ؤلية ونف�س والمظاهر الحياتيّة المعبّرة عمّا في �صاحبها‬ ‫واثبة‪ ،‬و�أحالم �سعيدة‪ ،‬من خالل ق�صيدته‪« :‬بدر من عنا�صر ودالالت التّقارب والتّوا�صل‪.‬‬ ‫الزمان»‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫وغ��ال �ب � ًا م��ا ي �ل �ج ��أ ال ��� ّ�ش �ع��راء �إل� ��ى ت�سمية‬ ‫اهلل‪ ..‬ما �أحالك يا بدر الزمان‪،‬‬ ‫ق�صائدهم‪ ،‬و�إع�ط��اء ك� ّل واح��دة عنوان ًا داخل‬ ‫اهلل‪ ..‬ما �أحالك ت�ضحك فوق قريتنا‬ ‫الديوان‪ ،‬ما ي�سعف القارئ على الممايزة بين‬ ‫وت�شيع فينا ن�شوة الأحالم‪ ،‬يا بدر الزمان داللتها‪ ،‬غير �أ ّن��ه في دي��وان‪( :‬ر�سالة �إلى عمر‬ ‫وت�شيع فينا الأمنيات ال�شاعرة‪...‬‬ ‫الخيام) لوال العناوين لخلنا �أننا �أمام ق�صيدة‬ ‫يحيلنا ال�شَّ اع ُر �إلى م�شهد التّعانق الروحي واحدة من�سابة تحت عنوان‪« :‬بوح الذات»‪.‬‬ ‫مع مظاهر الطبيعة‪ ،‬عبر التّماهي والتّوا�صل‬ ‫لهذا‪ ،‬يرتكز العتيق على حقيقة الم�صارحة‬ ‫ال �ع��اط �ف��ي‪ ،‬م���س�ت�خ��دم� ًا ت �ق��ان��ة اال� �س �ت �ط��راد ف��ي الق�ضايا ال�م�ل�ح��ة‪ ،‬و�أنَّ ه��ذا الم�صطلح‬ ‫ال �ج��اح �ظ � ّي��ة‪ ،‬ل�ي���ص��ف رح �ل��ة اال��س�ت�ك���ش��اف يج�سّ د في طياته لهفة �شاعرنا للح�صول على‬ ‫ف��ي الطبيعة‪ ..‬وال�ت��ي ي�ح��اول �أنْ ي�ستدعيها؛ معلومة �صحيحة‪ ،‬بعيدة ك ّل البعد عن التزييف‬ ‫ّ‬ ‫لتع�ضد من موقفه ال��ذي بات يُح�سد عليه من والتّدلي�س‪.‬‬ ‫الآخرين‪ ،‬و�أمام ذاته المتعط�شة للحبّ ‪ ،‬والحياة‬ ‫ومن المالحظ في هذا الدّيوان كثرة الأ�سئلة‬ ‫ال�صالبة‪ ،‬ال بمظهر ّ‬ ‫والظهور بمظاهر ّ‬ ‫ال�ضعف التي ي�صوغها ال�شَّ اعرُ‪ ،‬ويطرحها في ف�ضاء‬ ‫واال�ستكانة‪.‬‬ ‫يخترق ج�سد الق�صيدة‪ ،‬في �أول�ه��ا وثناياها‪،‬‬

‫عن دليل �أو �إج��اب��ة‪ ،‬ولنقر�أ ر�سالته �إل��ى عمر ف�ضاء وخيال ال�شّ اعر‪� ،‬إذ يقول‪:‬‬ ‫الخيام دلي ًال على ذلك‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫هذه ال�شّ م�س التي تعطيك دفئاً و�ضياء؛‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪97‬‬


‫وال�شَّ اع ُر يُ�شي ُر منذ ا�ستهالل الق�صيدة �إلى‬ ‫م��دى ف��داح��ة فقده زوج�ت��ه؛ لي�صل ع��ن طريق‬ ‫هذه الأحا�سي�س والم�شاعر العميقة �إلى �إيقاظ‬ ‫ذاك ��رة المتلقي‪ ،‬وم�شاركته م�لام��ح تجربته‬ ‫الخا�صة و�أبعادها؛ وبخا�صة في تعامله مع ذلك‬ ‫ّ‬ ‫الموقف على �أنَّه مخزو ٌن قاب ٌل للرجوع �إليه في‬ ‫�أي وقت‪� .‬إذاً‪ ،‬فرحيل زوجته من المحاور التي‬ ‫ولم تكن هذه المجموعة ال�شّ عريّة لل�شّ اعر‬ ‫�شكلّتْ هاج�س ًا وب�ؤرة مركزية انطلق منها‪ ،‬وعبّر‬ ‫هي الأول��ى‪ ،‬بل هناك مجموعة �أخ��رى �سابقة‬ ‫الخا�صة تجاهها‪ ،‬بكلِّ‬ ‫ّ‬ ‫من خاللها عن م�شاعره‬ ‫عليها‪ ،‬ومن خالل اطالعي على هذه المجموعة‪،‬‬ ‫ال�ضياع والهجران‪.‬‬ ‫دالالت ّ‬ ‫�أح�س�ست �أنَّ ال���ّ�ش��اع��ر ب ��د�أ م �ج��دد ًا ف��ي نهج‬ ‫ويعدّد العتيقُ في مراثيه بع�ض فرائد زوجته الق�صيدة‪ ،‬فهو متحرر �إل��ى حد ما من النّمط‬ ‫وم ��آث��ره��ا‪ ،‬وم��ا ق��دم�ت��ه ف��ي حياتها لإ��س�ع��اده التّقليدي للق�صيدة العربيّة‪ ،‬وق��د �شمل هذا‬ ‫والتخفيف عنه‪ ،‬وفي ذلك يقول‪:‬‬ ‫التّجديد معظم ق�صائده‪ ،‬خال ق�صيدة واحدة‬ ‫يهزني التذكار‪:‬‬ ‫هي‪« :‬بوح»‪.‬‬

‫حين �أرى مكانك‪ ،‬من حلقة القر�آن‬

‫وعليه‪ ،‬فقد تميّزت لغة �شاعرنا بال�شّ فافيّة‬ ‫وحين ي�سقط المطر‬ ‫والو�ضوح‪ ،‬فهي بعيدة عن لغة التّعتيم والتّهويم‬ ‫ويغ�سل الأحزان وال�شجر‬ ‫ف��ي �صرف ال��وه��م وال�لاوع��ي‪ ،‬تلك اللّغة التي‬ ‫و�أنت يا محبوبتي‪ ،‬تهوين رجفة المطر‬ ‫ال�ضبابية القائمة وال��رم��ز ّي��ة المبهمة‪،‬‬ ‫تلفها ّ‬ ‫وف��ي ختام مرثياته الزوجيّة نجد ال�شّ اعر‬ ‫فلغته نا�صعة وا�ضحة ال غمو�ض فيها‪ ،‬وتعبّر‬ ‫يلج�أ لربّه كي يعينه على م�صائبه‪ ،‬نحو قوله‪:‬‬ ‫عن م�ضامينه ب�أ�سلوب �أقرب فيه �إلى التّ�صريح‬ ‫هلل ما ي�أخذ‬ ‫المليح منه �إلى التّلميح؛ ما يعني �أنَّ ال�شَّ اعر ذو‬ ‫هلل ما يعطي‬ ‫منهج تعبيري �سل�س‪ ،‬وقامو�سه ال�شِّ عري ال يحتاج‬ ‫هلل ك ّل االختيار‬ ‫�إلى كدٍّ ذهني وبحث في تقعير اللّغة‪.‬‬ ‫وقوله‪:‬‬ ‫وفي نهاية المطاف حيث المحطة الأخيرة‪:‬‬

‫ر�ضيتُ بحكمِ اهلل‪ ،‬في ك ِّل ما ق�ضى‬ ‫(مرثياته)‪ ،‬وقفنا ن��ودع فيها �شاعرنا‪ ،‬الذي‬ ‫ما�ض على العبد‬ ‫و�أن ق�ضاء اهلل‪ٍ ،‬‬ ‫ح��اول حينا �أنْ يُتحفنا بما ج��ادت به قريحته‪،‬‬ ‫ه �ك��ذا‪ ،‬ت�ت�ك� ّث� ُ�ف ال� ��ر�ؤى ال �دّالل � ّي��ة والأب �ع��اد و�أنْ يحلق بنا في خياالته العاطفيّة‪ ،‬ويذيبها في‬ ‫الإ�شراقيّة في ق�صيدة العتيق‪ ،‬وت�شكّل لوحة ف ّنيّة بوتقة مرثياته الذاتيّة المعطاءة حينا �آخر‪.‬‬ ‫* ناقد و�أكاديمي بجامعة الجوف‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫لتعلمي؛ يا حلوة اللمحات‪ ،‬عن كم مرة �أبكيتني‬

‫�صاخبة‪� -‬أحياناً‪� -‬ألوانها العاطفة‪ ،‬وخطوطها‬ ‫الم�شاعر والأحا�سي�س‪ ،‬و�إيقاعها الحزن والأ�سى‪،‬‬ ‫وخلفيتها النّوازع الدّينيّة والإن�سانيّة‪ .‬كما تختلط‬ ‫في ق�صيدة ال�شَّ اعر الأدوار التي ر�أيناه ي�ستهلها‬ ‫بالجراح النّازفة‪ ،‬ج��راح المجتمع الغارق في‬ ‫االن�ك���س��ار وال���ض�ي��اع‪ ،‬وج ��راح الأن ��ا ال�شَّ اعرة‬ ‫الفاقدة للأنثى الرقيقة في الحياة‪.‬‬

‫«المنـــــارة»‬

‫حكاية اال�ستبداد في الزمان والمكان والإن�سان‬ ‫■ زكريا العباد*‬

‫لم تبد�أ رواية (المنارة)‪ ،‬الرواية الأخيرة للروائي‬ ‫ال�سعودي ح�سن ال�شيخ‪ ،‬ب�سرد حكاية مدينة المنارة‬ ‫ال��ت��ي ت��ول��ي��ه��ا �أه��م��ي��ة خ��ا���ص��ة‪ ،‬م���ن خ�ل�ال زج��ه��ا في‬ ‫العنوان‪ ،‬وجعلها م�سقط ر�أ�س العمود الفقري للرواية‪،‬‬ ‫والم�آل الذي ت�ؤول �إليه الأحداث في عدد من المدن‬ ‫المتجاورة‪.‬‬ ‫لكن ال��رواي��ة ت��ب��د�أ‪ ،‬م��ن نقطة �أخ��رى‪،‬م��ن مدينة‬ ‫(ال�����ض��وي��ح��ي��ة)؛ لأن��ه��ا تتعمد ‪-‬ع��ل��ى م��ا ي��ب��دو ‪ -‬خلق‬ ‫ثنائية البحر والنخيل‪� ،‬ضمن جملة من المت�ضادات والمتقابالت التي تنك�ؤها الرواية‬ ‫في ثناياها؛ كثنائية الواحة وال�صحراء‪ ،‬المدينة وال�صحراء‪ ،‬مدينة الواحة ومدينة‬ ‫ال�ساحل‪ .‬وت�شكل جملة المت�ضادات هذه خلفية تمهّد ل�صراع اجتماعي بين طبقات‬ ‫كادحة و�أخرى مهيمنة‪.‬‬ ‫غافية ف��ي نومها ال �ه��ادئ‪ ،‬وك��أن�ه��ا غير‬ ‫مالمح �أ�سطورية للواقع‬ ‫تبد�أ الرواية بداي ًة هادئة بو�صف مدينة مكترثة لما حولها من �ضجيج»‪.‬‬ ‫لمن تراءت ال�ضويحية؟ و�أي زمن هو‬ ‫الواحة (ال�ضويحية)‪ ،‬التي تت�سم بهدوء‬ ‫يمكن �أن يو�صف بالمبالغ فيه‪« :‬ت��راءت ذل��ك الزمن ال��ذي ت�شير �إليه ال��رواي��ة بـ‬ ‫ال�ضويحية‪ ،‬وهي تقبع في الركن ال�شرقي «ذل��ك ال��زم��ن»؟ و�أي �صحراء تلك التي‬ ‫من ال�صحراء الكبرى‪ ،‬في ذلك العهد‪ ،‬تغفو في ركنها ال�شرقي مدينة ال�ضويحية؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪99‬‬


‫درا���س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ات ون��ق��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��د‬

‫و�أي مدينة هي مدينة المنارة التي تقبع بجوار وحتميته المتكررة والبليدة‪ ،‬وحركية الخيالي‬ ‫البحر؟ بمعنى‪ :‬هل تعالج الرواية ق�ضايا ووقائع والأ�سطوري وفاعليته الخالقة‪.‬‬ ‫تاريخية‪� ،‬أم تن�سج �أح��داث� ًا متخيلة لي�س لها‬ ‫�إنها حكاية مدينتين متجاورتين‪ ،‬ما �إن تبد�أ‬ ‫�صلة بالوقائع التاريخية والحقائق المكانية و�إن الأحداث في التواتر في �إحداهما‪ ،‬حتى ينقطع‬ ‫ت�شابهت معها كثيراً؟‬ ‫ال�سرد ليتابع الأحداث في الأخرى‪ ،‬قبل �أن يعود‬ ‫تلك �أ�سئلة يعالجها ال ��راوي على مراحل ثانية لمالحقة الخيوط المت�شعبة في الأولى‪ ،‬ثم‬ ‫ف��ي ف�صول ال��رواي��ة‪ ،‬ي��ؤج��ل بع�ضها‪ ،‬وي�ق�دّم يجدل �ضفيرة الحكايتين مع ًا في نهاية الرواية‪.‬‬ ‫بع�ضها الآخ���ر ب�م��ا ي �خ��دم حبكة ت�صب في‬ ‫تظهير �صورة يمتزج فيها التاريخي الواقعي‬ ‫بالخيالي والأ� �س �ط��وري‪ ،‬عبر تفكيك متعمد‬ ‫للتاريخ والجغرافيا و�إع ��ادة تركيبهما‪� .‬إنك‬ ‫�أمام مدن تكاد تكون واقعية تاريخي ًا وجغرافياً‪،‬‬ ‫ولكنها لي�ست ك��ذل��ك؛ ب�سبب عملية متعمدة‬ ‫لتعتيم وتعمية ال���ص��ورة‪ ،‬و��ص��وال �إل��ى تمويه‬ ‫ال��واق�ع��ي وت�ضبيب ال��ر�ؤي��ة بين ثقل الواقعي‬

‫‪ 100‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫وال تبدو مجاورة مدينة ال�ضويحية لمدينة‬ ‫ال�م�ن��ارة �أم ��ر ًا اعتباطي ًا تلعب فيه ال�صدفة‬ ‫الطبيعية دورها‪ ،‬بقدر ما هو ترتيب لأغرا�ض‬ ‫فنية متعددة؛ �إذ يلعب ال��راوي لعبة ت�شويقية‬ ‫للتخفيف من ثقل ال�سرد على مدينة المنارة‬ ‫وحدها‪ ،‬من خالل نقل �سرد الأحداث �إلى مدينة‬ ‫ال�ضويحية‪ ..‬محرز ًا بذلك الت�شويق من خالل‬ ‫ت�أجيل الفكرة‪ ،‬وتقنية القطع والو�صل في تدفق‬ ‫الأح��داث في ذروات �سردية وعقد م�أزومة‪،‬ما‬ ‫يخلق حالة من االنتظار‪ ،‬تبقي القارئ مرتبط ًا‬ ‫بخيوط الحكي‪� ..‬سعي ًا �إلى فك العقد‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من ذلك‪..‬فقد وقعت الرواية‬ ‫ف��ي ب��داي�ت�ه��ا ف��ي ف��خ ال��رت��اب��ة‪ ..‬ح�ي��ن ب ��د�أت‬ ‫بالو�صف المبا�شر لرتابة مدينة ال�ضويحية‪،‬‬ ‫و�أجّ �ل��ت �إل��ى �صفحات ع��دي��دة ح��دث� ًا ك��ان من‬ ‫جذب‬ ‫الممكن �أن يخلق بداية حيوية‪ ،‬ونقطة ٍ‬ ‫و�شدٍّ وتوتُّرٍ منذ اللحظة الأولى في الرواية‪ ،‬وهي‬ ‫حادثة وفاة �أبي ن�صير العبدي �سيد ال�ضويحية‬ ‫الم�ستبد‪ ،‬الذي جثا طوي ًال على �صدرها‪ ،‬حتى‬ ‫بدا انفكاكه عنها وك�أنه �أم ٌر م�ستحيل‪ ،‬و�أنَّ �أهل‬ ‫المدينة م�ست�سلمون لقدر بائ�س‪ ..‬ومتعاي�شين‬ ‫معه‪ ،‬بل �إنَّ انفكاكهم عنه بدا �أ�شبه بالمزحة‪،‬‬

‫وك�أنه غدا كائن ًا �أ�سطوريا ال ي�صل �إليه الموت‪.‬‬ ‫حتى موته‪ ..‬ال ي�أتي كحادثة حا�سمة قاطعة‬ ‫ل�ل�أق��وال والإ� �ش��اع��ات‪ ،‬وال�ت�ن��درات التي تفرّغ‬ ‫من احتقان الب�سطاء‪ ،‬بل تبدو كحادثة قابلة‬ ‫للأخذ والرد‪ ،‬يحتمل �أن تكون مجرد �إ�شاعة من‬ ‫معار�ضيه الذين ال يملكون �شيئ ًا �أمام ُقوَّته �سوى‬ ‫ب��ثّ الإ�شاعات‪ .‬ول��م تت�أكد المدينة من موته‬ ‫حتى ر�أوه محمو ًال على الأكتاف‪:‬‬ ‫«– بو ن�صير مات وال تمزح‪..‬‬ ‫ �صار لنا �أ�سبوع ما �سمعنا ح�سًّ ا وال هم�ساً‪.‬‬‫�أك�ي��د م��ات و�شبع م��وت �اً‪ ،‬ب�س طالبينه �إدارة‬ ‫المتحف عل�شان يخلونه بجنب فرعون‪.‬‬

‫ا�ستغاللها ب�شكل �أكبر من خالل افتتاح الرواية‬ ‫بهذا الم�شهد‪ ،‬لكنّ ال��راوي �آثر البدء بو�صف‬ ‫�ستاتيكية مدينة ال�ضويحية‪ ،‬ونومها الطويل‬ ‫ال��ذي ي�شبه ال�م��وت‪ ،‬بجملٍ ا�سمية متتابعة‪.‬‬ ‫هذه الطبيعة المتجذرة في واحة ال�ضويحية‪..‬‬ ‫ل��م تكن بعيدة ع��ن طبيعة النا�س ف��ي مدينة‬ ‫المنارة المجاورة المنفتحة على البحر‪ ،‬و�إن‬ ‫قادت االعترا�ضات على الطبقة الم�ستبدة في‬ ‫المنارة �إلى ما هو �أكثر ج��ر�أة من حركة �أهل‬ ‫ال�ضويحية‪ ،‬وه��و ت�صنيع خ�ي��ار عملي بديل‬ ‫لتحكّم الطبقة الم�سيطرة في اقت�صاد المدينة‪،‬‬ ‫وابتكار �أعمال تح ّد من احتكارها للمال‪ ،‬و�إن تمّ‬ ‫�إجها�ض هذه المحاولة قبل و�صولها �إلى الثمار‬ ‫المبتغاة منها‪.‬‬

‫ ح �رّك محمود ي��ده �إل��ى �أن�ف��ه‪ ،‬ث��مّ تلفّت‬‫�إال �أنّ البدء بهذه ال�ستاتيكية يبدو مبرر ًا‬ ‫خلفه‪:‬‬ ‫بع�ض ال�شيء؛ لأن الرواية تحكي ن�ضال مدينتين‬ ‫ قول �آمين‪� ..‬صخرة وانزاحت عن طريق غارقتين في اال�ستبداد منذ �أعماق تاريخية‬‫الم�سلمين‪.».‬‬ ‫غائرة من دون اعترا�ضات حقيقية ذات �أهمية؛‬ ‫�إن �ه��ا ح��ادث��ة م �ه �م��ة‪ ..‬ك ��ان م��ن الممكن ما يجعل لوحة ال�صمت المتثائب التي ابتد�أت‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪101‬‬


‫وع�ل��ى ال��رغ��م م��ن اخ �ت�لاف ال �ظ��روف في‬ ‫المدينتين �إ ّال �أن النهاية واحدة‪ ،‬وهي ا�ستمرار‬ ‫اال�ستبداد‪ ،‬ووراث�ت��ه‪� ،‬أو ا�ستبداله با�ستبداد‬ ‫�آخ��ر‪ ،‬فزعيم ال�ضويحية حين يموت‪ ،‬ال يتغير‬ ‫في �أمر اال�ستبداد الجاثم على �صدور النا�س‬ ‫�شيء‪� ..‬سوى وعود االبن بتح�سين الأو�ضاع التي‬ ‫ال تلبث �أن يثبت الواقع كذبها‪.‬‬ ‫يت�أثّر اال�ستبداد في الرواية بتغير الزمن‪،‬‬ ‫متغيرات �أو�سع �أفق ًا من‬ ‫ٍ‬ ‫وانفتاح الع�صر على‬ ‫�أج ��واء ال��ري��ف و� �ص��راع ال�م�لاك بالفالحين؛‬ ‫يتم ا�ستبدال الم�ستبد الزراعي مالك الأر�ض‬ ‫بم�ستبد �آخر �أكثر تطوراً‪ ،‬يعي �أهمية التجارة‬ ‫وا�ستغالل الطبيعة وا�ستخراج نفائ�س البحر‪،‬‬ ‫�إذ يقوم زعيم المنارة الجديد بغزو ال�ضويحية‬ ‫وال�سيطرة عليها‪ ،‬ثم يغزو ع��ددا من المدن‬ ‫المجاورة‪ ،‬م�ستغ ًال عوامل القوة النابعة من‬ ‫ق��درة �أه��ل ال�صحراء على ممار�سة الحرب‪،‬‬ ‫وع�ج��ز �أه��ل ال�م��دن عنها‪ ..‬م��ا يجعل المدن‬ ‫المجاورة �صيد ًا �سه ًال ل��ه‪ ،‬با�ستثناء مدينة‬ ‫واحدة من مدن ال�ساحل �أبدت بع�ض المقاومة‪،‬‬ ‫ب�سبب طبيعة �أهلها ذات الجذور البدوية‪.‬‬ ‫تتوحد المدن جميعها تحت راي ِة وا�سمِ مدينة‬ ‫المنارة‪ ،‬لت�صبح مجرد �أحياء فيها‪ ،‬وت�أتي هذه‬ ‫* كاتب من ال�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 102‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫مالمح ال�شخو�ص و�شخ�صية المجتمع‬ ‫ع�ل��ى ال��رغ��م م��ن ع�ن��اي��ة ال ��رواي ��ة بر�سم‬ ‫تفا�صيل المكان عناية فائقة‪ ،‬تنم عن قدرة‬ ‫هائلة على ال��ر��ص��د‪ ،‬وتنقل �أدقّ التفا�صيل‬ ‫لمجتمعات و�أمكنة ال تنتمي �إلى الحا�ضر‪� ،‬إال‬ ‫�أن ال��رواي��ة‪ ،‬الواقعة في (‪� )175‬صفحة من‬ ‫الحجم المتو�سط‪ ،‬في المقابل‪ ..‬ال تهتم غالب ًا‬ ‫بالر�سم الدقيق لمالمح ال�شخو�ص الج�سدية‬ ‫والنف�سية‪� ،‬أو نموّها و�إن�ضاجها‪ ،‬بقدر ما تطارد‬ ‫التغيّرات النف�سية للمجتمع ب�أكمله‪ ،‬وتر�سم‬ ‫مالمح �شخ�صيته في ك ّل فترة‪ ،‬وك�أنها تر�سم‬ ‫م�لام��ح �شخ�ص واح��د يمثل الجميع‪ .‬وتبرع‬ ‫الرواية في تحريك جموع المجتمع بتناق�ضاته‬ ‫وطبقاته و�شخ�صياته الكثيرة والمتنوعة‪ ،‬التي‬ ‫تفرز ت�ضاد ًا بين اال�ستبداد وكافة ال�شرائح‪،‬‬ ‫الم�س َت ْتبَع منها والنافر‪ ،‬ولكنه ت�ضاد ال يكاد‬ ‫ي�صل �إل��ى درج��ة ال�صراع �سوى ف��ي لحظات‬ ‫نادرة ال يكتب لها النجاح‪.‬‬

‫انتكا�سة‪..‬‬ ‫■ عبدالكرمي حممد النملة*‬

‫ب��ال���ش�م��وع وق �ن��ادي��ل ال�ب�ه��اء �أ��س��رج��ت‬ ‫منزلها ال�صغير‪� ،‬أ� �ض��اءت ك��ل م�صابيح‬ ‫ال�غ��رف‪� ،‬أ�سدلت ال�ستائر على النوافذ‪،‬‬ ‫رمقت المكان بعين دافئة محت�ضنة‪ ،‬جلبت‬ ‫عدة �أفكار لنزع كل المظاهر الأولى‪ ،‬وجع ِْل‬ ‫المنزلِ ق�صيد ًة عذب ًة ولحن ًا �شجيًّا‪ ،‬عزمت‬ ‫�أن تكون ه��ذه الليلة ليلة تعارف جديدة‬ ‫واحتواء‪� ،‬سعيدة هي بكل جزئيات حياتها‪.‬‬ ‫حر�صت على �صنع �أي��ام�ه��ا على عينها‪،‬‬ ‫تماما كما حلمت‪.‬‬ ‫رم��ت خلفها ك��ل م��ا علق ب�أذنيها قبل‬ ‫االلتقاء به من �إيحاءات و�إيماءات �أملتها‬ ‫�أفوا ٌه مرتاب ٌة مت�شككة‪ .‬بدت مولودة جديدة‬ ‫تتقافز كطفل مرح‪� ،‬أنحت الهاتف جانبا‪..‬‬ ‫ف�لا يت�سع المكان ل�صوت ث��ال��ث‪ ،‬نغمان‬ ‫امتزجا ف�أبدعا �سيمفونية �أخاذة‪ .‬عطرت‬ ‫المكان بعطر الليلة الأولى‪ ،‬ليلة بكر كتلك‬ ‫الليلة‪..‬‬ ‫(الليلة الأولى هي الليلة‪ ..‬وكل ليلة)‬ ‫فتحت خ��زان��ة مالب�سها‪ ،‬بحثت عن‬ ‫ف�ستان الليلة الأولى‪ ،‬وجدته �صامتا مرتابا‪،‬‬ ‫ان�ت��زع�ت��ه و�أزاح� ��ت غ �ط��اءه البال�ستيكي‬ ‫ال�شفاف‪ ،‬لب�سته‪ ،‬ب��دت قريبة من ليلتها‬ ‫تلك‪ ،‬ق َّلبَت عينيها في المر�آة طويال‪ ،‬مدَّت‬

‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫بها الرواية �أم��ر ًا مبرر ًا للتمهيد لأزلية حكم‬ ‫الطغيان وا�ستمراره حتى نهاية الرواية‪ ،‬على‬ ‫نف�س ق�صير تحدث‬ ‫الرغم من انتفا�ضات ذات ٍ‬ ‫بين حينٍ و�آخر‪.‬‬

‫التغيرات الكبرى‪ ،‬قبيل تغيرات �أك�ب��ر‪ ،‬هي‬ ‫ا�ستبدال الخيل بال�سيارات‪ ،‬وافتتاح المدار�س‪،‬‬ ‫وا�ستيراد الغذاء المُعلَّب‪ ،‬واكت�شاف النفط‪،‬‬ ‫ور�س ِّو البواخر الأمريكية محملة بالم�ست�شارين‬ ‫والخبراء‪ ،‬وابتداء ع�صر جديد تفد فيه ثقافات‬ ‫�أخ��رى مع القادمين لطلب العمل‪ ..‬لت�ؤثر في‬ ‫ن�سيج هذا المجتمع عوامل كثيرة‪ ،‬جاءت دفعة‬ ‫واحدة مع اكت�شاف النفط‪.‬‬

‫�أ�صابعها الدقيقة البالغة النعومة لتتخلل‬ ‫ذلك ال�شعر الهائج‪� ،‬أزاحته عن وجهها‪،‬‬ ‫ان�ت�ف����ض قلبها كع�صفور ع�ن��دم��ا الح��ت‬ ‫�صورته في خيالها‪ ،‬ع�شقته مبكرا‪.‬‬ ‫قرَّبت ر�أ�سها من المر�آة‪ ،‬نزعت ب�ضع‬ ‫�شعيرات من �أعلى حاجبيها َو َب��د�أت رحل َة‬ ‫ان �ت��زاع الجمال م��ن �أع �م��اق م�ساحيقها‪،‬‬ ‫نظرت �إلى �ساعة الحائط‪ ،‬الوقت مبكرٌ‪.‬‬ ‫بحثت عما يمكن �أن تفعله‪ ،‬فتحت خزانة‬ ‫مالب�سها‪ ،‬بحثت عن �صور الليلة الأول��ى‪،‬‬ ‫انتقت �أكثر ال�صور تعبيرا عن حالتها هذه‪،‬‬ ‫و�ضعت ال�صور في كل جانب من منزلها‪،‬‬ ‫نظرت �إليها بعجب وفرحة‪ ،‬تمنت لو تنبعث‬ ‫الحياة مجددا في �صورها‪.‬‬ ‫�أع��ادت ترتيب المائدة للمرة العا�شرة‬ ‫وفي لحظات مجيئه‪ ،‬قرب قلبها من الباب‪،‬‬ ‫�أدارت ك��و َة ال�ب��اب لت�شرق �أم��ام��ه‪ .‬دخل‬ ‫بخطوات حاول تثبيتها في الأر�ض‪� ،‬أمالت‬ ‫ر�أ�سها نحوه‪ ،‬قربت من �أنفا�سه‪ ،‬ا�شم�أزت‪،‬‬ ‫التفتت �إلى منزلها الم�ضيء‪ ،‬هرعت �إلى‬ ‫لب�س عباءتها‪ ،‬ا�صطدم ر�أ�سها بحافة الباب‬ ‫الخارجي‪ ،‬تركت منزلها يلهو في البحث‬ ‫عن الليلة الأولى‪.‬‬

‫* قا�ص من ا ل�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪103‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫�أبحث عن �ساق!‬ ‫■ طاهر الزهراين*‬

‫وال�سبات كهفي الذي ال �أملَّ منه‪.‬‬ ‫‪1978‬م‬ ‫وكنت �أب�ح��ث ع��ن ع��زاء ف��ي م�شاهدة‬ ‫عندما ول ��دت ُ‪ ،‬ظ�ه��رتَ على �شا�شات‬ ‫التلفاز �شخ�صية كرتونية عظيمة‪ ،‬لكني لم (ج��ون �سيلفر)‪ ،‬الرجل ال��ذي فقد �ساقه‬ ‫�أتعرّف عليها �إال في العا�شرة من عمري‪ ،‬وا�ستبدلها ب�ساق من خ�شب‪.‬‬ ‫ول��م �أت���ص�وّر حينها �أن ه��ذه ال�شخ�صية‬ ‫‪2011‬م‬ ‫�ستالزمني طوال حياتي!‬ ‫ثم جاء (ن�شوان)‪ ،‬جاء ليخرجني من‬ ‫(ج ��ون �سيلفر)الطباخ ال ��ذي يق�شر‬ ‫كهفي و�سباتي‪ ،‬وطلب مني �أن �أرك�ض‪� ،‬أن‬ ‫ال��ب��ط��اط��ا‪ ،‬وي �ط �ه��و ال� �ط� �ع ��ام‪ ،‬وي�غ�ن��ي‬ ‫�أفرح‪� ،‬أن �أغني‪� ،‬أن �أرق�ص‪..‬‬ ‫ل �ل �� �ص �ن��دوق‪ ،‬وي� �ط ��رق الأر�� � ��ض ب���س��اق��ه‬ ‫(ن�شوان) يحب اللذة والبهجة‪ ،‬يحب‬ ‫الخ�شبية‪ ،‬انقلب فج�أة �إلى قر�صان عنيد‬ ‫الن�ساء وال�سفر وال�صحف‪ ،‬وت�ؤلمه الخطايا‬ ‫ثائر يبحث عن الكنز‪�( ،‬سيلفر) ترك في‬ ‫فيكفّرها بالك�ؤو�س!‬ ‫داخلي �صوتا جهورا‪ ،‬و�ضحكة مجلجلة‪،‬‬ ‫يعج بيته بال�صحف‪ ،‬ي�ن��ام وي�صحو‬ ‫وبقايا من حكمة الكبار‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬يفر�شها للطعام وال�شراب‪ ،‬يتكئ‬ ‫عليها عندما يدخن‪ ،‬وي�صنع بها طائرات‬ ‫‪2001‬م‬ ‫كنت على يقين �أن الحياة �شاقة ع�صيّة‪ ،‬ورقية للأطفال!‬ ‫ف�ق��د �صحفه ذات ��ص�ب��اح‪ ،‬فثمل في‬ ‫م��ن دون رف �ي��ق �أ��س�ت�ن� ُد �إل �ي��ه‪ ،‬وق��د ك��ان‬ ‫(�صالح) نعم الرفيق ونعم المتك�أ‪ ،‬لكنه الم�ساء‪ ،‬ف�أخذ ي�سب الجميع لأنهم �سرقوا‬ ‫ير�ض بالقعود‪� ،‬صحفه‪� ،‬أخ��ذ يقرع �أب��واب�ه��م ويمطرهم‬ ‫لم يت�صالح مع الحياة؛ فلم َ‬ ‫فتركني وذهب �إلى جبال �أفغان�ستان ومات ب��واب��ل م��ن ال�شتائم البذيئة‪ ،‬لكنهم لم‬ ‫يفتحوا له‪.‬‬ ‫هناك‪.‬‬ ‫(ن�شوان) لم يق�صد بابي ليقرعه‪ ،‬ولم‬ ‫وب �م��وت��ه � �ش �ع��رت �أن� ��ي ف �ق��دت �ساقي‬ ‫اليمنى؛ فلم �أعد �أ�سلك طرق الأولياء‪ ،‬ولم ير�سل لي �شتيمة ليخبرني �أنه بحاجة �إليّ ‪.‬‬ ‫لعن المدينة‪ ،‬واتجه �إلى قريته‪ ،‬ين�شد‬ ‫تعد خطواتي ت�شق الظلمة طلبا للنور‪.‬‬ ‫ت��رك��تُ الم�شي فتكد�س ال�شحم تحت المطر‪ ،‬لكن الطريق لفظه في وادٍ �سحيق‪.‬‬ ‫وبموت (ن�شوان) فقدت �ساقي الأخرى‪.‬‬ ‫جلدي‪ ،‬لقد جعلت البدانة كفنا للوحدة‪،‬‬ ‫* قا�ص من ا ل�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 104‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ن�صو�ص‬ ‫■ عبداهلل ال�سفر*‬

‫توقُّ ف‬ ‫حك هذه القروح‪ ،‬عن بعثِ‬ ‫(توقّفي عن ِّ‬ ‫هذه الذكريات)‬ ‫قر�أَها‪...‬‬ ‫أ�سقط القلم بين ال�صفحات‪ ،‬فيما‬ ‫و� َ‬ ‫رائح ٌة كريه ٌة تتف�شّ ى في جوفِه‪.‬‬

‫دود‬ ‫في قلب ال�ضجيج‪ ،‬ن�ضجَ �صم ُتهُ‪.‬‬ ‫بن�شو ِة الك�شف وجذلِ الدود الناغل‪،‬‬ ‫قامَ �إلى عرب ِت ِه يدفعُها �إلى المنحدر‪.‬‬ ‫محا‪ ..‬والت‬ ‫طفل ُت ُه تقرُع كتفيه بقدميها‪.‬‬ ‫جناحا ُه مق�صو�صانِ‬ ‫والرما ُد يرب�ض تح َتهُ‪.‬‬ ‫عبثا ت�شحذينَ حل َم ُه ال�شائخ‪.‬‬

‫�إطفاء‬ ‫د�س‬ ‫لم يكن يري ُد اختبا َر الألم‪ ،‬عندما ّ‬ ‫يدَ ُه في الجمر‪.‬‬ ‫ممر‬ ‫تلك طريق ُت ُه في �إطفاء ال�صور‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ف��ي المم ِّر اندلعتْ ال��رائ�ح��ة‪ .‬ل��م يكن‬ ‫يريقُ الألمَ عليها حتّى تخمدَ �أنفا�سُ ها هناك �أح ٌد غي َرهُ‪.‬‬ ‫وتعودُ‪ ،‬ثانيةً‪� ،‬إلى الغياب‪.‬‬ ‫يمت�ص ال��وج� َه‬ ‫ّ‬ ‫دف� � َع بخج ِل ِه وج�ل����س‪،‬‬ ‫الغائبَ بعينينِ غائبتيْن‪.‬‬ ‫رماد‬ ‫لم ينتبه لجر�س الم�صعد‪ ،‬وال للوجه‬ ‫فرا�ش ٌة غريب ٌة تحومُ حولَ‬ ‫الذي عبرَه‪.‬‬ ‫ج ّث ِة فجرِ ه‪.‬‬ ‫؟؟؟؟‬ ‫وخط‬ ‫بلّلَ رما َد �أ�صاب ِعهِ‪َّ ،‬‬ ‫يعرف �أنّ قل َب ُه ميّت منذ �أنْ غادر ْتهُ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫لكن ماذا يفعل بكل هذا البيا�ض؟‬ ‫يومَ ُه التالف‪.‬‬ ‫* قا�ص من ال�سعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪105‬‬


‫ق�����������������ص�����������������ص ق�����������������ص����ي���رة‬

‫ق�صة ‪ -‬حكاية المطر‬

‫ق�ص�ص ق�صيرة جدا‬ ‫■ فهد اخلليوي*‬

‫�أحالمنا!‬

‫■ �صالح القر�شي*‬

‫ت�سامح‬ ‫على المن�صة جل�ست مقدمة الأم�سية‬ ‫قال‪:‬‬ ‫ف��وق الكر�سي‪ ،‬ك�ل��ؤل��ؤة انت�شر �ألقها في‬ ‫دعينا نعود لكهف �أمي ونبني من جديد‬ ‫�أرجاء القاعة‪.‬‬ ‫جل�س ب �ج��واره��ا وان�ه�م��ك ف��ي ترتيب مدينة ف�سيحة‪ ،‬نعلق القناديل في �شوارعها‬ ‫�أوراق��ه ا�ستعدادا لبدء الأم�سية‪� ،‬أ�شارت‬ ‫�إليه بال�ضغط على رافعة كر�سيه لكي يكون ونغمر �أ�سوارها بحقول الورد واليا�سمين‪.‬‬ ‫العلو بينهما مت�ساوياً‪ ،‬تجاهل الإ��ش��ارة‬ ‫�أحفاد‬ ‫بمح�ض م�شاعره و�أراد �أن تبقى هي الأعلى‪.‬‬ ‫حلقوا كالطيور الر�شيقة ف��وق ر�أ���س‬ ‫تو�أمان‬

‫المطر الذي ال يزورنا �إال مرة �أو مرتين‬ ‫في العام نبقى نتحدث عنه طويال كلما‬ ‫جاء‪ ،‬نفرح به كثيرا رغم �أنه دائما يترك‬ ‫حيّنا وه��و �أق��رب ل�ل�خ��راب‪ ،‬وم��ا �أن تبد�أ‬ ‫المياه تنهمر م��ن ال�م��زاري��ب لت�صب في‬ ‫الأزق��ة ال�صغيرة �أو في �أح��وا���ش البيوت‪،‬‬ ‫حتى يج ّد ال��رج��ال والفتيان ف��ي العمل‪،‬‬ ‫وهم يتدثرون ب�شرا�شف قديمة‪� ،‬صاعدين‬ ‫الأ�سطح لإزاحة ما يعوق المياه عن التدفق‪،‬‬ ‫فيما ين�شغل �آخرون ب�إبعاد �سياراتهم نحو‬ ‫الأر���ض الم�ستوية‪ .‬الن�ساء لديهن �أي�ضا‬ ‫�أعمالهن الكثيرة؛ مثل �إبعاد الأث��اث عن‬ ‫موا�ضع يتدفق منها الماء‪� ،‬أو و�ضع بع�ض‬ ‫ال��ق��دور الل��ت��ق��اط م��ا ي�ت��دف��ق م��ن �أ�سقف‬ ‫ال�غ��رف‪ ،‬فيما تقف الكبيرات ف��ي ال�سن‬

‫* قا�ص من ال�سعودية‪.‬‬

‫* قا�ص من ا ل�سعودية‪.‬‬

‫�س�أل ال�شاب �أخته الجميلة‪:‬‬ ‫لماذا ولدنا في ف�ضاء �صغير؟‬ ‫�شعر الجد ب�ألم الوحدة‪ ،‬ا�ستجمع قواه‬ ‫�أجابت الأخت‪:‬‬ ‫لأن �أم��ي لم تجد مكانا كبيرا بحجم وطار معهم!‬ ‫«جدهم»‪ ..‬هبطوا وقبّلوا جبينه ثم طاروا!‬

‫‪ 106‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫بجوار النوافذ‪ ،‬ي��رددن ت�سابيحهن كلما‬ ‫ارتفع �صوت الرعد‪.‬‬ ‫المطر ال��ذي ال ي��زورن��ا ��س��وى م��رة �أو‬ ‫مرتين ال يدوم طويال‪ ،‬ف�سرعان ما ت�صفو‬ ‫ال�سماء‪ ،‬وتبدو الجبال المعة وبراقة‪ ،‬فيما‬ ‫يوا�صل الرجال تفقد ال�شارع الذي حفره‬ ‫ال�سيل‪� ،‬أما النوافذ التي تبقى مفتوحة بعد‬ ‫المطر‪ ،‬فهي فر�صة ال تعو�ض ليرى العا�شق‬ ‫فتاته التي تبدو �صافية ومبتهجة ترنو �إلى‬ ‫الحيّ من �شباكها بفرح‪.‬‬ ‫بعد فترة تعود الحياة �إل��ى طبيعتها‪،‬‬ ‫تقفل ال �ن��واف��ذ ال�م�ل��ون��ة‪ ،‬وتنتهي حكاية‬ ‫المطر‪� ،‬أما العا�شق فيبقى دائما في انتظار‬ ‫�سحابة جديدة‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪107‬‬


‫ق�ص�ص ق�صيرة جد ًا‬ ‫■ حممد �صوانة*‬

‫■ حميي الدين جرمة*‬

‫تتح�شرج �أنفا�سه كمواء قطة ت�شدها‬ ‫�إبرة‪..‬‬ ‫�شاكته �إب���ر ٌة مهملة �سقطت �أر� �ض �اً؛ رائحة بقايا ع�شاء‪..‬‬ ‫�أم��ام عين �ضامرة‪� :‬سيارات وراجلة‪..‬‬ ‫ف� ��أدم ��تْ �إ� �ص �ب��ع ق��دم��ه‪ ..‬ف �ق��رر معاقبة‬ ‫جميع بنات جلدتها‪ ..‬و�صار يجمع الإب��ر وبطون متدلية‪..‬‬ ‫المت�ساقطة‪..‬‬ ‫ظِ لُّ ُه يعدو بعيداً‪..‬‬ ‫هبتْ الريحُ ف�أطلقها في الف�ضاء‪..‬‬ ‫ثم ينك�س؛‬ ‫مت�أبط ًا لفائف من �سراب‪...‬‬ ‫اغتراب‬ ‫ي�شدّه ال�شوق‪،‬‬ ‫عرفان‪..‬‬ ‫ت�غ�م��ره �أج� ��واء ال�ح���ض��ور‪ ،‬ت�سبقه كل‬ ‫زرافات ووحداناً‪..‬‬ ‫ٍ‬ ‫يهرعون �إليها‬ ‫�أحا�سي�سه‪..‬‬ ‫لم تجرّبْ يوم ًا �أن تقب�ض يدَ ها‬ ‫يُهي ُء مركباً‪ ..‬يُزيّنه‪..‬‬ ‫عندما �أ�صابها الخَ دَ ُر في �أطرافها‪،‬‬ ‫ثم ينام!‬ ‫وتكوّمت وحيدة‪ ،‬في ركنها القديم‪..‬‬ ‫اقتربت هرة البيت؛‬ ‫�أمل‪..‬‬ ‫تب�سط يدها وتموء‪..‬‬ ‫�صفي ُر ال��ري��ح يتغلغل � �ص��داه ف��ي كل‬ ‫ج�سدها‪..‬‬ ‫م�سح �ضوئي‬ ‫ُت ْب ِع ُد �ستارة النافذة بيدٍ مرتجفة‪..‬‬ ‫في بوابة العبور‪ ،‬نفّذت توعّ دها؛‬ ‫�أغ�صانُ الأ�شجار تتراق�ص‪..‬‬ ‫لتمحي�ص دقيق‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫�أخ�ضعت جميع حقائبه‬ ‫ت�ضغط على هواج�سها؛‬ ‫ُ‬ ‫عبر �آلة الم�سح (ال�سكانر)‪..‬‬ ‫وتنتظر‪!...‬‬ ‫خارج البوابة‪،‬‬ ‫ث��ار ه��رجٌ‪ :‬جميع قم�صانه‪ُ ،‬ق��دّت من‬ ‫من المهد �إلى اللحد‬ ‫ُدبُرٍ ‪!..‬‬ ‫ين�س ّل من لفافة الح�صير؛‬

‫الليل يِجيء في موعِ ده تماماً‬ ‫�س�أنتظِ ر ُه على موعدٍ‬ ‫لي�س م�ضرُوبا بيننا‪.‬‬ ‫ال�صباح ي�ستيقظ قبل الجميع‪.‬‬ ‫اعرف ذِلك‬ ‫وهذا ما يُحَ ي ُر في الأمر‪.‬‬ ‫الهواء ال ي�أ َب ُه بالآخرين‬ ‫ُف�سر حياة الموتى‬ ‫وهذا ما ي ِّ‬ ‫�إذ يهُبُ نقياً في الأعلى‬ ‫ومُلوثاً بقطرة ِالإ�سفلت‪.‬‬ ‫التُراب كثير في الهواء‬ ‫كثير جداً‪/‬‬ ‫َي ِق ُل‬ ‫كلمَا انخف�ضنَا‪.‬‬ ‫الهَواء لي�س �إال التراب‬ ‫كما لم نت�صوره من قبل‪.‬‬ ‫الحقيقة الباحثة‬ ‫ار�ضي‬ ‫عن �سرابٍ ِ‬ ‫النبات في الهواء زهرة‬

‫* قا�ص من الأردن مقيم في ال�سعودية‪.‬‬

‫* �شاعر من اليمن‪.‬‬

‫‪ 108‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫هواء �أكثر ج ِا ِذبية‬ ‫ٌ‬

‫وفي الأر�ض ذبول‬ ‫في حدق ِة حدِ يقة ياب�سة‪.‬‬ ‫الوردة في ال�سحاب ِ‬ ‫قطرة �سحاب‪.‬‬ ‫القمر في ال�سماء‬ ‫خيال ال�ضوء‬ ‫ال ال�ضوء نف�سهُ‪.‬‬ ‫مثلما ال ينطلي على ع�صافير‪:‬‬ ‫ م�ستقبل �أف�ضل ‪ -‬لو�أ ِد هوا ٍء‬‫بهاوية‪.‬‬ ‫�أو �شرنقة مدين ٍة مُغلقة‬ ‫في وريد‪.‬‬ ‫مثلما تظل ر�ؤية القمر من الأر�ض ِ‬ ‫�ضيِّقة‪ /‬وبخِ يلة‪.‬‬ ‫ما يجعل ‪ -‬الفاكهة العمياء ‪ -‬ت�أكلُنا َ‬ ‫ب�أقدام البنادق‪.‬‬ ‫غير �أن هوا ًء يبقى �أكثر جاذبية‬ ‫من الجاذبية ِ نف�سها‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪109‬‬


‫■ �سليمان عبدالعزيز العتيق*‬

‫كل ما في الكون‪ :‬جن ٌد من جنود اهلل‬ ‫�إن اهلل قادر‪.‬‬ ‫هذه ال�شم�س التي تعطيكَ دفئاً و�ضياءَ؛‬ ‫تزر ُع النور بجفن الكونْ‬ ‫وت�ساقيه ِجما ًال وبها َء‬ ‫و�سنا ًء وعطا َء‬ ‫تغ�س ُل الظلمة َعن كل تفا�صيلِ الحياة ْ‬ ‫أر�ض‪..‬‬ ‫تعلن الح�سنَ بوجه ال ْ‬ ‫وت�سط ُع في كل الجهات‬ ‫ُتـنـبِـتُ البهج َة في الأ�شياءِ‪ ،‬والأمداء‬ ‫وقلوبِ ال�شعراء‬ ‫و�أنا�شيدِ الرعا ْة‬ ‫هي جن ٌد من جنود اهلل‪..‬‬ ‫�إن اهلل قادرْ‪.‬‬ ‫أر�ض التي راحتْ ‪ ..‬تجوبُ الكون‬ ‫هذه ال ُ‬ ‫كالطير المهاجر‬ ‫وت�سافرْ‪..‬‬ ‫نح َو �أبعاد الم�سافات‪ ..‬وتحنو‬ ‫كحنو الأم‪ ،‬ت�ؤويكَ وت�سقيكَ نمي َر الماء‬ ‫وخيرات البيادر‪.‬‬ ‫كحنان الأم‪ ،‬تزجي لكَ يا �إن�سا ُن خـ ِ�صباً‬ ‫وعطاء‬ ‫وتهاديك ا�شتهاءاتٍ وخبزاً و�أزاهر‬ ‫هي جن ٌد من جنود اهلل‬ ‫�إن اهلل قادر‪.‬‬ ‫هذه الري ُح التي ت�سري‪ ..‬رُخا ًء وعُذوب ْة‬ ‫تن�ش ُر العط َر بهبات ال�صَ با‬ ‫وتثي ُر ال�شجنَ العذبَ ‪ ،‬بوديا َن ع�شيب ْة‬ ‫ت�ص ُل الأفا َق بالأ�شواق‬ ‫وتمت ُد ر�سوالً‪ ،‬للمواجيد الحبيب ْة‬

‫كلما جاءتْ على ا�ستحياء تم�شي‬ ‫تحم ُل ال�شوقَ‪ ،‬وباقاتِ التحايا‬ ‫وتبا�شي َر الخـ ُ�صوب ْة‬ ‫تزر ُع الحبَ ليلت َّم ال�شتات‬ ‫بين كل الكائنات‬ ‫ت�ستثي ُر المو َج في البحر‬ ‫وتندا ُح �أعا�صيرَ‪ ..‬على البيد الرحيب ْة‬ ‫هي جند ٌمن جنود اهلل‬ ‫�إن اهلل قادرْ‪.‬‬ ‫كيف جئتِ ؟‬ ‫كيف �سافرتِ ب�أحمالك فو َق الريح؟!‬ ‫مث َل �أ�سراب النوار�س‬ ‫مث َل �أفراح العـرائ�س‬ ‫�أنتِ كالحلم الجميلِ العذبِ ‪ ،‬بي�ضا َء نقيه‬ ‫تحملين الخِ �صبَ للوديانْ‬ ‫والإن�سانْ‬ ‫ولرو�ضات الجنانْ‬ ‫فوق �سيفِ البرق والرعدِ ‪� ..‬أتيتِ‬ ‫والتقيناك‪� ،‬شيوخا وكهوالً‪ ..‬نت�ساقى‬ ‫فر َح الأطفال‪ ..‬في يوم المط ْر‬ ‫حينَ جئتِ ‪ ،‬بين �شوقِ الأر�ض‬ ‫وا�شتهاءاتِ ال�شجرْ‪.‬‬ ‫غيم ًة بي�ضاءْ‪..‬‬ ‫قُـبل ًة حرى لأر�ض اهلل‪ ،‬من ثغر ال�سماءْ‪.‬‬ ‫�أنتِ غيثٌ ‪ ،‬وعطاء‬ ‫�أنتِ حبٌ ‪ ،‬و َنـماء‬ ‫وابتها ٌج من �سَ مَانا‪ ..‬ينهمر‪.‬‬ ‫�أنتِ جـن ٌد مـن جـنود اهلل‬ ‫�إن اهلل قادرْ‪.‬‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫جند اهلل‬

‫لحزن عينيك‪..‬‬ ‫«مواطنون نحن في مدن البكاء»‬ ‫نزار قباني‬ ‫■ جناة الزباير*‬

‫القهر ير�سم مالمح انهياري‬ ‫فمَن غيرك يجمع انك�ساري؟‬ ‫‪1‬‬

‫في عينيك‬ ‫يفتح الجرح بابه‬ ‫ادخلي‬ ‫قالت موانئ ع�شقك‬ ‫ر�أيتك تطل علينا‬ ‫من هناك‪..‬‬ ‫‪2‬‬

‫كان العمر دافئاً‬ ‫وكنت �أعدو عرجاء‬ ‫�سقطتُ في بئر ع�شقك‬ ‫مددتَ �أمنياتك‬ ‫وفي �أبهاء هواك �سكنت‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫�س�ألتُني و�أنا �أت�سكّع في عينيك‬

‫ما لهذا الع�شق الذابح‬ ‫ي�أ�سر �أهداب ارتعا�شاتي‬ ‫فكلما لفّنا العتاب‬ ‫�أراني �أمتطي براق ذكراك‬ ‫ولكل الع�شاق �أنثر نجواي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫هل قلت قبل الآن‬ ‫ب�أن عينيك �أغنية نزارية‬ ‫تُع�شب فيهما �أر�ضي‬ ‫وت�ضيع �سفن ابتهاالتي؟‬ ‫‪5‬‬

‫عربدي‬ ‫قال كفيف ي�ستعجل خطاي‬ ‫تراك تعرفه؟!‬ ‫ذاك الذي‬ ‫قادنا في دروبه العمياء‬ ‫وكتبَنا بحروف من ماء‬ ‫فن�سينا بين جفونه كل الأ�شياء‪.‬‬

‫* �شاعر من ال�سعودية‪.‬‬ ‫‪ 110‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪111‬‬


‫‪6‬‬

‫ها هو النهار‬ ‫ي�سحب �شموع �أحجياته‬ ‫ف�أرى في عينيك وطنا‬ ‫تتمايل في زوابعه الأزقة‬ ‫يدير قر�ص العويل‬ ‫ي�سمعني انك�سار العروبة‬ ‫�أحاول فهم طال�سمه‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫الأفق ذبيح‬ ‫هل تدحرجت في جنونه؟‬ ‫تقول عيناك‬ ‫ب�أن العمر هرىء‬ ‫والأم�س كفن‬ ‫يتفي�أ حد�س الجراح‬ ‫ف�أي �إفك يقود �صباحاتي؟‬ ‫‪8‬‬

‫في عينيك طفولة دم�شقية‬ ‫تتنف�س جمر الحلم‬ ‫فتحترق‪.‬‬ ‫ف�آ ٍه من وطن يج ّر خطاياه‬ ‫هل عليَّ �أن �أ�س�أله‬ ‫�أم �أكتفي بالنظر في عينيك‬ ‫كي �أفهمه‬ ‫* �شاعرة وناقدة من المغرب‪.‬‬ ‫‪ 112‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫���������������������������������ش��������������������������������ع��������������������������������ر‬

‫انك�سرنا في بيادره‬ ‫و�أفقنا في هديره‬ ‫�أغنية خر�ساء‪.‬‬

‫وهو ين�سج من الموت ثورته؟‬ ‫‪9‬‬

‫قنديل عينيك �شاحب‬ ‫ار َف ْع �ستار �ضوئه‬ ‫كي �أراك‬

‫هديل ال�ضياء‬

‫فهنا حطام‪..‬‬ ‫وخريف ي�سترق ال�سمع‬ ‫�أهرب من لطمته‬ ‫لثقب في مفا�صلي‬ ‫ف�أجد الغد بال عيون‬ ‫يتلم�س في الدماء طريقه‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫هيا افتح �شبابيك نب�ضي‬ ‫ترى الكون يخلع ثيابه‬ ‫يم�شي عاريّا في �أوردتي‬ ‫ينادي عن حرية‬ ‫كانت تراق�ص كلماتي‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫لكن عيناك �أقبرتا �إ�شاراتي‬ ‫ولم يبق غير �أقوا�س دجى‬

‫■ �أ�سامة حممد علي*‬

‫�أيها الطفل الجميل‬ ‫فيّ‬ ‫�أيها الولد الع�صيً‬ ‫ال تنظر وراءك‬ ‫وانظر �أمامك‬ ‫وتوك�أ علي الذي في قلبك من نور‬ ‫�سّ ر خلف القطيع‬ ‫و�أمامه‬ ‫وجاهد الغيمات النازفات‬ ‫بالقروح‬ ‫ا�ست ّل من روحي وجع المهابة بالق�صيد‬ ‫وغنّي مع الآقدمين‬ ‫مواويل الحداء‬ ‫فال�صبح ابتداء‬

‫والليل انتهاء‬ ‫وما بينهما قلب تلظي بالمواجيد‬ ‫ا�شتعل كال�سو�سنه في قلب الم�سافات‬ ‫عانق �شظايا الليل الم�ضفر بال�شحوب‬ ‫وبالأغنيات التي تتلم�س‬ ‫ظل الروح فوق �أقبية الحداء‬ ‫ن ِّح الدمع جانباً‬ ‫وافتح قلبك لهديل ال�ضياء‬ ‫فالزمن الع�صيّ‬ ‫تذوب متاري�سه‬ ‫تهطل غيماته‬ ‫بين حاء وباء‬

‫يخا�صر حكاياتي‪.‬‬ ‫* �شاعر من م�صر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪113‬‬


‫ما �أكتبه موهبة تع�ضدها معرفة ووعي‬ ‫باللحظة المنا�سبة للخلق! وال �أكتب‬ ‫�إال عن ن�ص حرَّك �شيئا بداخلي!‬ ‫■ حاوره‪ :‬خلف �سرحان القر�شي*‬

‫ال��ق��ا���ص م��ح��م��د ال��ن��ج��ي��م��ي ا���س��م ل��ه ح�����ض��وره ف��ي ال��م�����ش��ه��د ال��ث��ق��اف��ي‪ ،‬م��ن خ�لال‬ ‫مجموعاته الق�ص�صية الأربع‪�( :‬أول المغفرة)‪ ،‬و(�سفر)‪ ،‬و(�أحالم م�سكونة بالموت)‪،‬‬ ‫و(قبل �أن ي�صعد �إلى جهنم)؛ ومن خالل روايته (مدونة هيكاتيو�س)‪ ،‬والتي فازت‬ ‫بالمركز الثاني في جائزة �أدبي حائل الأدبي لعام ‪٢٠١٢‬م‪ ،‬ونالت قبل ذلك تنويها من‬ ‫جائزة ال�شارقة‪.‬‬ ‫النجيمي له مقاربات نقدية لبع�ض الأعمال ال�سردية‪ ،‬كما �أ َّن له زاوية �أ�سبوعية في‬ ‫�صحيفة ال�شرق‪.‬‬ ‫كان ع�ضوا فاعال في لجنة �إبداع ب�أدبي الطائف‪ ،‬وع�ضواً في تحرير دورية (مجاز)‬ ‫التي �أ�صدرها �أدبي الطائف‪ ،‬و�شارك في بع�ض لجان مهرجان �سوق عكاظ‪..‬‬ ‫كما �أنه �أحيا بع�ض الأم�سيات الق�ص�صية وقدم عددا منها‪.‬‬ ‫له تواجده الملحوظ في الف�ضاء ال�سيبروني من خالل منتديات ج�سد الثقافة‬ ‫وغيرها‪ ،‬ومن خالل مدونته‪ ،‬و�صفحته في الفي�س بوك‪ ،‬وموقعه في تويتر‪.‬‬ ‫(الجوبة) حاورت النجيمي في عدد من الق�ضايا المتعلقة بالم�شهد الثقافي عموما‬ ‫وبنتاجه الأدبي ب�شكل خا�ص‪.‬‬

‫• اب���ت���داء‪ ،‬ل��م��ن ول���م���اذا وم��ت��ى يكتب‬ ‫محمد النجيمي‪ ،‬ومتى يتوقّف؟‬

‫■ الكتابة بالن�سبة لي حاجة وجودية‪ ،‬من‬ ‫خاللها �أتنف�س‪ ،‬وعبرها �أحاول �أن �أخلق‬ ‫�صورة �أجمل للعالم‪ .‬هي حالة موازية‬ ‫للواقع ال��ذي �أعي�شه‪� ،‬أق��ر�أه ثم �أ�شتبك‬ ‫‪ 114‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫معه لأعيد �إنتاجه بال�صورة التي �أفهمها‬ ‫و�أ�ستطيع �أن �أتعاي�ش معها‪.‬‬ ‫ �أن��ا �أكتب لي‪ ،‬ثم لذلك ال�صديق الذي‬ ‫ال �أعرفه‪ ،‬ولم �ألتق به يوماً‪ ،‬و�أتيقّن �أنه‬ ‫�سيفهمني‪ ،‬و�سيت�صالح مع ما �أعبّره‪،‬‬ ‫و�سيجد ف��ي كلماتي تعبيرا ع��ن كثير‬

‫• ع���ال���م ال��ن��ج��ي��م��ي ال�������س���ردي‪ ..‬م���ن �أي���ن‬ ‫ي�شكّله؟ وما �أب��رز �سماته من وجهة نظر‬ ‫النجيمي ناقداً؟‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫القا�ص محمد النجيمي‪:‬‬

‫مما يح�س به‪� .‬أنا �أكتب عندما ال يعود الكالم‬ ‫م �ج��دي �اً‪ ،‬وع �ن��دم��ا ي���ص��رخ ال�ه��اج����س ال��ذي‬ ‫ي�سكنني منا�شد ًا �إي��ايَ �أن يغادرني ويفارق‬ ‫قيد ال�صورة وحب�س الفكرة‪� .‬أنا �أكتب لأنني ال‬ ‫�أملك �أن �أتوقف‪.‬‬

‫تبع ًا لطبيعة الأمور‪ -‬تفاوت هذا الوعي‪ .‬هذه‬ ‫الأ�سماء التي ذكرتها لم تكتب عني‪ ،‬ولكنها‬ ‫تقاطعت مع الن�ص‪ ،‬وتحدثت عنه‪ ،‬وحاورت‬ ‫�شخو�صه و�أحداثه ور�ؤاه‪ .‬يختلفون في زوايا‬ ‫نظرهم‪ ،‬ومناطق اهتماماتهم وخلفيتهم‬ ‫م�س‬ ‫المعرفية‪ ،‬لكنهم جميعا توا�صلوا مع ن�ص َ‬ ‫�شيئا ما فيهم‪ ،‬و�إن اختلفت القيمة بين قراءة‬ ‫و�أخرى من ناحية التلقّي‪.‬‬

‫■ ال�سرد كما �أراه ال توجد و�صفة جاهزة له‪ ،‬هو • بعد �إ�صدارك لأربع مجموعات ق�ص�صية‬ ‫اتجهت للرواية‪ ،‬ورغم �أنها الأول��ى لك‪..‬‬ ‫كون ي�سكنه الكثير من العوامل التي بو�سعها‬ ‫�إال �أنها حظيت باهتمام تمثل في تنويه‬ ‫�أن تجعله قابال للمقاربة �أو منفرة منه‪ .‬يحتاج‬ ‫جائزة ال�شارقة بها‪ ،‬وف��ي ح�صولها على‬ ‫ال�سارد لمعرفة تنمو للجن�س الأدب ��ي ال��ذي‬ ‫ال��م��رك��ز ال��ث��ان��ي ف��ي ج��ائ��زة �أدب���ي ح��ائ��ل‪..‬‬ ‫يكتبه م��ن ناحية تاريخه وت�ط��وره و�أع�لام��ه‬ ‫ماذا يمثل هذا لمحمد النجيمي المبدع‬ ‫ون�صو�صه المتجاوزة وتقنياته و�أ�ساليبه‪،‬‬ ‫م�ستقبال‪ ،‬وهل �سيهجر الق�صة الق�صيرة‬ ‫يحتاج �أي�ضا لموهبة الحكي التي �أظ��ن �أنها‬ ‫بعد �أن وجد نف�سه في (الرواية)؟‬ ‫تولد مع بع�ضهم‪ ،‬وال تكفي ال�صنعة وحدها‬

‫لت�شكيلها و�صقلها‪.‬‬ ‫ ■ الكتابة حالة تفر�ض نف�سها على المبدع‬ ‫ بالن�سبة لما �أكتبه فهو ح�سب اع�ت�ق��ادي ال‬ ‫وتطوعه‪ ،‬وال ي�سعه هو �أن يحدد ح�ضورها‬ ‫يخرج عن ذلك‪ ،‬موهبة تع�ضدها معرفة ووعي‬ ‫�أو �شكلها �أو طبيعة الجن�س الإب��داع��ي الذي‬ ‫باللحظة المنا�سبة للخلق ومعانقة الهواج�س‬ ‫ت�سكنه‪ .‬الق�صة الق�صيرة �أل�صق بروحي‬ ‫التي ت�سكننا‪ ،‬ونثرها على �صورة حكاية ال‬ ‫و�أقدر ‪ -‬كما �أ�شعر‪ -‬من غيرها على التعبير‬ ‫نعرفها قبل الكتابة‪ ،‬ولكنها تنمو وتكبر معنا‬ ‫عن ا�شتباكنا مع هذا العالم‪ ،‬وعن التفا�صيل‬ ‫ونحن نعانق الحكي ونمار�سه‪ .‬هو �أي�ضا رغبة‬ ‫ال�صغيرة ال�ت��ي تعبث ف��ي ج��وه��ره وج��وه��ر‬ ‫ملحة في التجاوز‪ ،‬يع�ضدها تجريب واعٍ ‪ ،‬وروح‬ ‫الكائنات التي ت�سكنه؛ ومع ذلك فلو ح�ضرت‬ ‫تح�سن الإ�صغاء لتلك التفا�صيل ال�صغيرة جد ًا‬ ‫الكتابة وتعتق الهاج�س‪ ،‬وكانت الرواية هي‬ ‫والحميمة جد ًا التي ت�ستوطن �أعماقنا‪.‬‬ ‫الج�سد الأل�ي��ق بهما‪ ،‬فلن �أت��ردد في خو�ض‬ ‫التجربة مرة ثانية‪.‬‬ ‫• نقاد كثيرون قاربوا بع�ض نتاجك‪ ،‬منهم‬ ‫(جمعان عبدالكريم ‪ -‬عالي القر�شي – بخ�صو�ص الجزء الأول من ال�س�ؤال‪ ،‬فهاج�سي‬ ‫حمدان الحارثي – زكريا العباد – �صالح‬ ‫كان تقديم الرواية للقراء من خالل الم�شاركة‬ ‫الغازي ‪� -‬شوقي عريف ‪ -‬عبداهلل ال�سفر‬ ‫في الجائزة‪ ،‬فهو عمل ا�شتغلت عليه بوعيٍّ ‪،‬‬ ‫– علوان ال�سهيمي)‪ ،‬كيف ترى تقاطعهم‬ ‫وه��و ي�ستحق ال�ح���ض��ور م��ن وج �ه��ة ن�ظ��ري‪،‬‬ ‫مع نتاجك؟ و�أيهم اقترب منه بعمق‪ ،‬وكان‬ ‫وا�ستمراره في مختلف مراحل جائزة حائل‬ ‫�أكثر �إن�صافا لثيماته وتقنياته الفنية؟‬ ‫حقق ه��ذا ال�ه��دف‪ ،‬و�سمح ب�ت��داول عنوانه‪،‬‬ ‫ولفت انتباه القارئ الذي �أحتاج للفت نظره‬ ‫■ جميعهم قاربوا الن�ص بحب ووع��يّ و�إن ‪-‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪115‬‬


‫الرمزية حريّة ي�صعب فهمها وتبريرها!‬ ‫غادرت اال�سم الم�ستعار عندما عرفت �أنه‬ ‫ال يمثلني و�أنه ا�ست�سالم لوعي الجماعة!‬ ‫جماعة (ح���وار) تقدم فعل مثاقفة‬ ‫جيد‪ ،‬ومن يعتر�ض فلي�أت ببديل!‬ ‫ف��ي خ�ضم بحر م��ن ال��رواي��ات الجديدة كل‬ ‫عام‪.‬‬

‫• ال��ن��ج��ي��م��ي ي��ك��ت��ب ال��م��ق��ال ال��ث��ق��اف��ي في‬ ‫زاوي��ت��ه الأ�سبوعية في �صحيفة ال�شرق‪.‬‬ ‫هل يعني ذلك �إيمانه ب�أن الن�ص الإبداعي‬ ‫وح���ده‪ ،‬ل��م يعد كافيا للتعبير ع��ن هموم‬ ‫المثقف ومعاناته وطموحاته؟‬

‫■ المقال �شكل من �أ�شكال التعبير‪ ،‬ونافذة‬ ‫�إ�ضافية مهمة‪ ،‬تهَب الكاتب فر�ص ًة للقول‬ ‫وال�م�ن��اق���ش��ة وال�ت�ح�ل�ي��ل‪ .‬ه��و و��س�ي�ل��ة لطرح‬ ‫الأ�سئلة‪ ،‬واقتراح االحتماالت وت�صور الدالالت‬ ‫و�صوال لتقريب المعنى لذهني �أوال‪ ،‬ثم لقارئ‬ ‫محتمل ثانيا‪ .‬هو و�سيلة حية للحوار والمثاقفة‬ ‫واالنفتاح �أكثر على العالم‪ .‬مثل هذه النافذة ال‬ ‫تهدر‪ ،‬ولكل الأ�سباب ال�سابقة �أجدني محتاجا‬ ‫لهذا ال�شكل من التعبير‪.‬‬

‫• النجيمي قدم قراءات نقدية قارب فيها‬ ‫نتاج بع�ض زمالئه في م�ضمار ال�سرد‪..‬‬ ‫هل يعك�س توجهه هذا الرغبة في ت�سليط‬ ‫ال�ضوء على نتاجات المبدعين‪ ،‬كردة فعل‬ ‫على قلة اهتمام الناقد الأدبي لدينا بهذا • للنجيمي م��وق��ف م��ن الأن���دي���ة الأدب��ي��ة‬ ‫�لا‬ ‫وم����ن االن���ت���خ���اب���ات‪� ،‬أع��ل��ن��ه ق����و ًال وع��م ً‬ ‫النتاج‪ ،‬وعنايته بالتنظير الأكاديمي؟ �أم‬ ‫م���ن خ�ل�ال اع���ت���ذاره ع���ن ال��م�����ش��ارك��ة في‬ ‫ماذا؟‬ ‫فعالياتها‪ .‬ولكنه َق�� ِب��ل (ج��ائ��زة ح��ائ��ل)‪،‬‬ ‫■ �أكتب عن الن�ص عندما �أ�شعر �أن لديَّ �شيئ ًا‬ ‫وهي من ناد �أدب��ي مثله مثل غيره‪ .‬كيف‬ ‫ي�ستحق �أن �أقوله عنه‪ ،‬ال �أتع�سف الكتابة وال‬ ‫تف�سر ذلك؟‬

‫�أتق�صدها‪ .‬لم ي�سبق لي �أن قررت �أن �أكتب عن ■ موقفي لي�س موقفا من الأندية كم�ؤ�س�سات‬ ‫عمل لم �أقر�أْه‪ ،‬لم ي�سبق لي �أن تعمدت الكتابة‬ ‫يمكن تطويرها واال�ستفادة منها‪ ،‬وقد كنت‬ ‫عن ا�سم بعينه‪ .‬الكتابة ت�أتي بعد فراغي من‬ ‫ف��اع�لا ف�ي�ه��ا ذات ي ��وم‪ ،‬ول�ك�ن��ه م��وق��ف من‬ ‫عمل �أكت�شف مع طي �صفحاته �أنه قد حرَّك‬ ‫الئحة �أرى �أنها تغولت على الأدباء‪ ،‬وفر�ضت‬ ‫�شيئا في داخلي‪ ،‬و�أجدني �أجيب هذا الخاطر‬ ‫عليهم �إرادة �صانعيها‪ .‬هو موقف ال عالقة له‬ ‫من خالل ت�سجيل مالحظات وهوام�ش تتحول‬ ‫بالأ�شخا�ص �أو الفعاليات التي تديرها الأندية؛‬ ‫لحوار على �شكل مقال مع هذا الأثر الأدبي‪.‬‬ ‫بل يت�صل مبا�شرة برف�ض العمل وفق �شروط‬ ‫هذه الالئحة المعيبة من وجهة نظري‪.‬‬ ‫ ال يح�ضر النقد وال دوره‪ ،‬وال تح�ضر فكرة‬ ‫ت�سجيل مواقف‪ .‬ال��ذي يح�ضر هو ا�ستجابة م��ن ه ��ذا ال�م�ن�ط�ل��ق‪ ،‬ك��ان��ت م���ش��ارك�ت��ي في‬ ‫تلقائية من قارئ يقيم ج�سره الخا�ص‪ ،‬الذي‬ ‫الجائزة‪ ،‬وعلى ه��ذا الأ�سا�س بنيتُ موقفي‬ ‫الذي �أتمنى �أن ي�سهم مع مواقف �آخرين في‬ ‫ي��ردم ال�ه�وّة بينه وبين العمل ال��ذي قاربه‪.‬‬

‫‪ 116‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫• النجيمي مجيد للغة الإنجليزية‪� ..‬إل���ى(�أي مدى‬ ‫حققت تلك ال��ق��راءة نفعاً لك كمبدع) م��دى حققت‬ ‫القراءة بها نفعا لك كمبدع‪ ،‬ولماذا لم تقارب الترجمة‬ ‫الأدبية منها و�إليها �إ�ضافة لنتاجك ال�سردي والنقدي‬ ‫والمقالي‪ ،‬وكيف ترى واقع الترجمة الأدبية لدينا؟‬

‫ ■ الترجمة �إبداع وممار�سة تلتزم الكثير من الوقت والجهد‬ ‫والدربة وهو ما ال �أملكه؛ الق�ضية تتجاوز �إتقان لغة ما‬ ‫وت�صل �إلى �أبعد من ذلك‪� .‬أ�ستفيد من اللغة في القراءة‪،‬‬ ‫وه��ذا زاد ثمين يخلق ث��را ًء معرفيا وتنوع ًا جميال؛ كما‬ ‫�أنها نافذة جميلة تو�سع الأفق‪ ،‬وتجعلك �أكثر الت�صاقا بما‬ ‫ي�ستجد على م�ستوى الفكر والإب��داع؛ ما ي�سهم في �صقل‬ ‫�أدوات القارئ‪ ..‬وهو ما يثمر ب�شكل �إيجابي عند ا�ستخدامه‬ ‫وتوظيفه كتابيا‪.‬‬ ‫ فيما يتعلق بالترجمة محلياً‪ ،‬فهناك جهود فردية رائعة‬ ‫وم�ح��اوالت خجولة على م�ستوى الم�ؤ�س�سات‪ .‬ه��ذا يمثل‬ ‫�إ�ضافة لم�شهدنا الثقافي‪ ،‬ولكنها تظل �إ�ضافة محدودة‬ ‫و�أثرها بالتالي محدود‪ .‬الأمر ي�ستوجب ح�ضورا م�ؤ�س�ساتيا‬ ‫حقيقيا مع ما يتطلبه ذلك من موارد مالية وب�شرية كافية‪.‬‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫�أف�����دتُ م���ن ال���ق���راءة ب��الإن��ج��ل��ي��زي��ة‬ ‫ومنحتني زاد ًا ثمين ًا خلق ثراءً معرفي ًا‬ ‫وتنوع ًا جميالً!‬

‫ح���ص��ل ه ��ذا م��ع ن���ص��و���ص محلية وع��رب�ي��ة‬ ‫وعالمية‪ ،‬ك��ان �آخ��ره��ا على �سبيل المثال‪:‬‬ ‫(دروز بلغراد) و(�صائد اليرقات)‪.‬‬

‫رد الأمر لأهله‪ ،‬وت�صويب الخلل الذي �أراه و�أنفر منه‪.‬‬

‫• �شاركت م�ؤخرا بفعالية في تكريم لل�شاعر ال�شعبي‬ ‫ال‬ ‫الحميدي الثقفي‪ ..‬كيف ترى ال�شعر ال�شعبي فاع ً‬ ‫في الحراك الثقافي �سلباً و�إيجاباً؟‬

‫■ ه��و ف��اع��ل عندما ي�ستفيد م��ن التوجهات وال�ط��روح��ات‬ ‫الجديدة في ال�شعر في تجاوز ال�شكل التقليدي وزواي��ا‬ ‫النظر التقليدية وال�صور التقليدية‪ ،‬لأن هذا يعني تغييرا‬ ‫في الفكر على م�ستوى �إنتاج الن�ص وم�ستوى تلقيه‪ .‬هذا‬ ‫يعني المغايرة ال الم�سايرة بالن�سبة للمبدع‪ ،‬وبالن�سبة‬ ‫لقارئ ن�صه الإبداعي‪ ،‬وظني �أن الحميدي الثقفي يمثل‬ ‫مثاال جيدا على ما قلته هنا‪ .‬هذا �إجماال يعني فعال حداثيا‬ ‫ح ّي ًا يتفاعل مع الجديد ويتبناه ويوظفه؛ ما يعني مغادرة‬ ‫الثبات والجمود ناحية تفاعل حقيقي مع ما ا�ستج َّد على‬ ‫م�ستوى الع�صر من الناحيتين الجمالية والمعرفية‪.‬‬ ‫■ نقي�ض ذلك ي�أتي محمال بال�سلب من وجهة نظري‪ ،‬فهو ال‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪117‬‬


‫• النجيمي متهم بالرمزية المبالغ فيها‬ ‫في �أعماله‪� ..‬إن �صحت التهمة‪ ،‬فما الذي • ي��ق��ول ال��ق��ا���ص وال���روائ���ي ال��م��غ��رب��ي ح�سن‬ ‫تهرب من الإف�صاح عنه مبا�شرة وتواريه‬ ‫البقالي‪�( :‬أحيانا �أرى الكتابة مجرد وهم‬ ‫بالرمزية والغمو�ض؟‬ ‫كبير يعي�شه الكاتب كي يقفز ف��وق الفراغ‬ ‫�أو ال��ج��ن��ون‪ ..‬وه��م �شبيه بممار�سة ال��ع��ادة‬ ‫■ �أ�ؤم��ن �أن الن�ص يخلق نف�سه ويت�أثر بمعارف‬ ‫ال�سريّة بو�صفها ت��وحّ ��دا م��ع ال���ذات ونفياً‬ ‫وثقافة ووعيّ منتجه‪ .‬هو انعكا�س حيّ لتجربة‬ ‫ل�ل�آخ��ر‪ ..‬فكم هو مخجل ومثير للدوخة‪،‬‬ ‫حيّة؛ ومن ثمَّ ‪ ،‬فهو �شكل التعبير الذي يتنا�سب‬ ‫العدد ال��ذي يباع من ن�سخ �إ���ص��دار �إبداعي‬ ‫مع روح مبدعه‪ .‬ال ي�صح �أن تكون الرمزية‬ ‫ف��ي ب��ل��د ال��ث�لاث��ي��ن م��ل��ي��ون��ا‪� ..‬إن��ن��ا نمار�س‬ ‫تهمة �أو ميزة ف��ي اع�ت�ق��ادي‪ ،‬ب��ل ه��ي حرية‬ ‫«حرفة» ال حاجة للمجتمع بها)!‬ ‫ي�صعب فهمها‪ ،‬وي�صعب ف��ي ال��وق��ت نف�سه‬ ‫تبريرها‪.‬‬ ‫ م��ا تعليقك على ه��ذه المقولة م��ن خالل‬ ‫ت��ج��رب��ت��ك الإب����داع����ي����ة؛ ك��ت��اب��ة و�إ������ص�����داراً‬ ‫• ���ش��ارك��ت ك��ث��ي��راً ف���ي م��ن��ت��دي��ات الج�سد‬ ‫وت�سويقاً؟‬ ‫وغيرها‪ ،‬وكان لك م�ساجالت مع كثيرين‬ ‫ارت���ف���ع ف��ي��ه��ا ال�����ص��وت وب���ودل���ت ال��ل��ك��م��ات ■ للأ�سف‪� ،‬أنا �أتفق معه تماماً‪� .‬صحيح �أن الكاتب‬ ‫بالمعنى الرمزي‪ ..‬هل ترى ذلك ظاهرة‬ ‫يكتب لحاجته للكتابة من ناحية وجودية‪ ،‬ويكتب‬ ‫���ص��ح�� ّي��ة؟ ول���م���اذا ك��ت��ب ال��ن��ج��ي��م��ي با�سم‬ ‫حتى يقيم ج�سرا مع الآخ��ر؛ �إال �أن المردود‬ ‫م�ستعار (�صمت عتيق) فترة من الزمن‬ ‫محبط‪ ،‬والأثر �ضعيف‪ ،‬من الناحيتين المادية‬ ‫ثم ك�شف اال�سم بعد ذلك؟ ما الذي تغير؟‬ ‫والإن�سانية‪.‬‬

‫ ■ كتبت با�سم م�ستعار لأن الجميع كان يفعل النا�شر ي�خ��ذل��ك‪ ،‬وال �م��وزع ال يح�سن عمله‪،‬‬ ‫ذل ��ك‪ ،‬وك ��ان ه��ذا ه��و ال�م�ت�ع��ارف عليه‪ ،‬ثم‬ ‫وال� �ق ��ارئ للن�ص ي�ق��ع ��ض�م��ن دائ� ��رة منتجي‬ ‫غادرته عندما عرفت �أن هذا ال يمثلني‪ ،‬و�أنه‬ ‫الن�صو�ص‪ .‬وهي فئة محدودة تطحنها الهموم‬ ‫ا�ست�سالم لوعيّ الجماعة‪ .‬المهم هنا‪ ،‬هو �أنني‬ ‫ذات�ه��ا‪ .‬الكثيرون يجرحون قيمك و�أح�لام��ك‬ ‫كتبت ال�صدق فقط في الحالتين‪ ،‬وعبّرت عن‬ ‫عندما تتقاطع معهم مادي ًا ومعرفي ًا و�إن�سانياً‪،‬‬ ‫ذاتي ب�شفافية لم يحكمها ال ال�سر وال العلن‪.‬‬ ‫فال يتم التعامل مع الكتاب من خ�لال قيمته‬ ‫ مرحلة ج�سد الثقافة ‪ -‬فيما يخ�ص الجزء الآخر‬ ‫الإبداعية‪ ،‬وال يتم التعامل مع مبدعه تعام ًال‬ ‫من ال�س�ؤال ‪ -‬كانت مرحلة مهمة‪ ،‬وبخا�صة �أن‬ ‫�إن�سانياً‪.‬‬ ‫كثيرا من �أع�ضائه كانوا موجودين على ال�ساحة‬ ‫باختالفاتهم وتنوّعهم وتفاوت وعيهم‪ ،‬وهذا هذا واقع ال ي�سعنا تجاهله‪ ،‬وال يمكننا في الوقت‬ ‫نف�سه التغطية عليه‪.‬‬ ‫خلق ج��وا �صحيا‪ ،‬و�أ�سهم ف��ي �صقل مهارات‬ ‫و�أدوات الكثيرين �سواء على م�ستوى الحوار �أم • جماعة (حوار) ب�أدبي جدة من العالمات‬

‫‪ 118‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫يغادر الجمود‪ ،‬ويح�شر نف�سه في زاوية �ضيقة‪.‬‬ ‫هو بب�ساطة يروّج لقيم و�صور و�أ�شكال تعبير‬ ‫ال تنتمي للع�صر وال تتفاعل معه؛ ما يكرّ�س‬ ‫النمطي‪ ،‬ويعيد اجترار م�ضامين ميتة‪.‬‬

‫النظر للن�ص‪� .‬صحيح �أن بع�ض الحوارات كانت‬ ‫�ساخنة‪ ،‬وبع�ض ال�صراعات كانت �سافرة‪� ،‬إال‬ ‫�إنها كانت مثريّة على الم�ستوى ال�شخ�صي‪،‬‬ ‫وعلى م�ستوى قراءة ال�شخو�ص والتعمّق في فهم‬ ‫طبيعة النف�س الب�شرية‪.‬‬

‫الأعمال؛ لأنه ال ينا�سبنا �أو ي�ضم �أ�سماءنا؛ �أو‬ ‫لأنه ‪ -‬بب�ساطة ‪ -‬ال يت�سع لر�ؤانا؛ لكننا ملزمون‬ ‫عندما ننتقد �أمرا �أن نقدم البدائل‪ ،‬و�أن نحدد‬ ‫بدقة �أ�سباب اعترا�ضنا‪ .‬علينا ‪ -‬م��ن وجهة‬ ‫نظري‪� -‬أن نغادر الذاتي �إلى المو�ضوعي؛ ولذا‪،‬‬ ‫ف�أنا �أقدّر جهد هذه الجماعة و�أتابعه‪ ،‬و�أتمنى‬ ‫�أن يمتد حوارها ليتجاوز المنطقة �إلى الوطن‬ ‫والأ�صدقاء والجميع‪.‬‬

‫• اق���ت���رب���ت �أك����ث����ر م����ن ع����وال����م ال��م��ث��ق��ف��ي��ن‬ ‫والمبدعين ال�شخ�صية وعاي�شتهم عن كثب‬ ‫ف��ي مهرجان ع��ك��اظ‪ ،‬وف��ي معر�ض الكتاب‬ ‫وغيرها؟ ماذا �أ�ضافت لك هذه التجربة؟‬ ‫■ الإ� �ض��اف��ة الرئي�سة كما �أع�ت�ق��د ه��ي �إ�ضافة‬ ‫�شخ�صية على م�ستوى �صناعة معارف جدداً‪،‬‬ ‫�إال �أن �ه��ا �ضعيفة على الم�ستويين المعرفي‬ ‫والإب ��داع ��ي‪ .‬ق��د ت�ك��ون الم�شكلة ذات عالقة‬ ‫بطبيعة هذه المهرجانات والقائمين عليها‪� ،‬أو‬ ‫قد تكون ب�سبب �ضيق الوقت والم�ساحة المتاحة‪.‬‬

‫• م�شروع النجيمي القادم‪ ،‬ما هو؟ وهل لك‬ ‫من كلمة تختتم بها؟‬

‫الرئي�سة في التعاطي مع الأعمال ال�سردية‬ ‫ال��م��ح��ل��ي��ة وق�����ض��اي��اه��ا‪ .‬ر���ض��ي ع��ن��ه��ا �أق����وام‬ ‫و���س��خ��ط �آخ�����رون‪ .‬النجيمي ال�����س��ارد كيف‬ ‫يراها؟‬ ‫■ �أي فعل ثقافي هو فعل جيد من ناحية مبدئية‪.‬‬ ‫المثاقفة �ضرورة‪ ،‬والحوار �أداة ت�صقل الفهم‪،‬‬ ‫وتعلمنا ال�س�ؤال ومراودة االحتماالت‪.‬‬ ‫ يحق لنا بعدها �أن نختلف مع �أي جهد ب�شري‪،‬‬ ‫ب�شرط �أن ال ن�صادره‪ .‬يجوز لنا �أن ننتقد جدول‬

‫■ ل ��ديَّ م���س��ودة ج��اه��زة لمجموعة ق�ص�صية‬ ‫عنونتها م�ؤقتا ب�ـ‪« :‬ال ��راوي» ول��ن �أ�ستعجل في‬ ‫ن�شرها‪� .‬أكثر ن�صو�صها لم يطّ لع عليه �أحد‪ ،‬وفيه‬ ‫تجريب �أراهن عليه‪ ،‬و�آمل �أن ي�ضيف لتجربتي‬ ‫ال�سردية‪.‬‬ ‫ �أختم ب�شكرك و�شكر مجلة (الجوبة) على هذه‬ ‫الم�ساحة‪ ،‬وبالقول �إنه لي�س من الي�سير ت�سهيل‬ ‫مر�ض للمقروء‪ ،‬الذي‬ ‫القراءة وتقديم تف�سير ٍ‬ ‫ال يمثل كيانا م�ستقال بذاته‪ ،‬في ر�أي بع�ضهم؛‬ ‫فهو امتداد لإرث مت�صل من المعرفة والتجارب‬ ‫الإن���س��ان�ي��ة‪ ،‬ويكتنفه وع��ي ب�شفرات الجن�س‬ ‫الأدب��ي‪ ،‬وت�م��ا ٍه معها من قبل الكاتب؛ وه��و ما‬ ‫يفتر�ض �أن يعيه القارئ حتى يزعم خلق معناه‬ ‫الخا�ص �أو ما يتوهّ م �أنه ق�ص ُد الكاتب‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪119‬‬


‫ُ‬ ‫الذات العا�شقة‬ ‫عبر‬ ‫ِ‬ ‫«ي�سقط �شقي ًا» هو ٌ‬ ‫�سفر َ‬

‫ال�شاعر المغر ِبي محمد اللغافي‬ ‫ُّ‬ ‫�سيظل َو ِف ّي ًا ِل َت ْج ِر َبة ال َيو ِم ّي‬ ‫ي�ؤكدُ �أَ َّنه‬ ‫■ حاوره ر�شيد اخلديري*‬

‫بعد حُ ُ�ضو ٍر لربع قرنٍ فِي الم�ش َه ِد ال�شعري المغ ِربِي‪ ،‬ما َي��زَا ُل ال�شاعِ ُر المغربي‬ ‫محمد اللغافِي مُ���ِ��ص�� ّراً على اق�� ِت��حَ ��ا ِم مجاهِ لِ الق َِ�صيدَة‪ ،‬ع ْب َر �إِ���ص��دَا ٍر جَ �� ِدي��دٍ وَ�سَ َم ُه‬ ‫بـ‪« :‬يَ�سقُطُ �شَ قِياً»‪ ،‬ظ َّل َوفِياً لمَ�سَ ا ٍر �شعرِي َي ْر َتكِنُ في الأَ�سَ ا�س على مُ�سَ ا َءلَة الذَات‬ ‫ْ�ض ال�شَّ اعِ ر وذَا ِت ِه المَ�سْ كُونَة بِال َكثِير‬ ‫َا�صيلِ اليَومِ يّ ‪ِ ،‬ل ُنن ِْ�صت فِي َهذَا الحِ وَار �إِلَى َنب ِ‬ ‫و َتف ِ‬ ‫منَ القَلق والأَلَم‪.‬‬

‫• ف��ي ال��ب��داي��ة‪ ،‬حدثنا ع��ن منجزك • ال���م���ت���ت���ب���ع ل���ت���ج���رب���ت���ك ال�����ش��ع��ري��ة‬ ‫ال�شعري الأخير «ي�سقط �شقياً»؟‬ ‫ي�ل�اح���ظ �أن������ك ت����ن����زاح ل��ت��ف��ا���ص��ي��ل‬ ‫اليومي‪ ،‬ما ال�س ُّر في ذلك؟‬ ‫■ «ي�سقط �شقياً»‪ ،‬عمل ا�ستثنائي‪ ،‬حاولت‬ ‫فيه ال�سفر عبر ال��ذات العا�شقة وواقع‬ ‫كينونتي‪ ،‬ك�شخ�ص مثقل بهموم العالم‪،‬‬ ‫ي�ستنزفه التفكير في ما هو �أعمق من‬ ‫ال�ي��وم��يّ ‪ ،‬ال��ذي ي�ستعبدنا ف��ي المعي�ش‬ ‫المفرو�ض‪ ..‬وهو كذلك �سقوط فاجر في‬ ‫ع�شق متعثر �أو حلم عابر راودن��ي ذات‬ ‫فجوة منفلتة‪ ،‬ثم حاولت �أ َّال �أكرر نف�سي‬ ‫وال �أعرف هل نَجَ حتُ فِي ذلكَ �أم ال؟ • �إل���ى ج��ان��ب الإب����داع‪ ،‬ت�شتغلون في‬ ‫■ ال�سر وا�ضح‪ ،‬فعالقتي باليومي ي�ؤثر‬ ‫ب�شكل كبير على تجربتي‪ ،‬وال مالذ لي‬ ‫بعده؛ لأن محيطي االجتماعي وبيئتي‬ ‫الب�سيطة ومالزمتي للب�سطاء‪ ،‬تلزمني‬ ‫�أن �أبقى وفي ًا لتجربة اليومي‪� ،‬إن �صح‬ ‫التعبير‪.‬‬

‫‪ 120‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫■ ال�ع�م��ل ال�ج�م�ع��وي بالن�سبة ل��ي ه��و تكملة‬ ‫لم�ساري الإب��داع��ي‪� ..‬أو ًال لأك��ون في خدمة‬ ‫الثقافة والفِكر‪ ،‬وحتى �أك��ون قبل الإب��داع‬ ‫منا�ضال جاد ًا لتكري�س الفعل الثقافي الجاد‪،‬‬ ‫�ضد بهرجة التمييع والف�ساد والتحر�ش‬ ‫الثقافي ال��ذي �أ�صبحت ت�شهدُه ال�ساحة‬ ‫الثقافية من بع�ض الم�ؤ�س�سات الم�سترزقة؛‬ ‫ثم �إنني بالعمل الجمعوي �أ�ستطيع �أن �أو�صل‬ ‫ر��س��ال��ة �أخ ��رى �شريفة‪ ،‬تقت�صر �أوال على‬ ‫تعميم الإبداع تحت �شعار «الثقافة للجميع»‪،‬‬ ‫وت�شجيع ال�شباب على الكتابة وال�ت��روي��ج‬ ‫للكتاب‪ ،‬لن�صنع على الأق ��ل جيال ق��ارئ� ًا‬ ‫ومتابعا‪.‬‬ ‫■ �صدقني‪� ،‬أن��ا ل�ست �ضد المكتب الجديد‬ ‫التحاد كتاب المغرب‪ ،‬وال المكتب القديم‪،‬‬ ‫• جامعة المبدعين المغاربة ا�ستطاعت‬ ‫�أن ت���راك���م ت��ج��رب��ة م���ائ���زة‪���� ،‬س���واء على‬ ‫لكني �ضد االحتكار الثقافي؛ فمن ال ي�شتغل‬ ‫م�ستوى الن�شر ال��ج��م��اع��ي‪� ..‬أو تنظيم‬ ‫بنكران ال��ذات ال يمكنه �أن ي�سير بم�ؤ�س�سة‬ ‫لقاءات مفتوحة مع المبدعين المغاربة‪،‬‬ ‫تَحمِ لُ على عاتقها مِ �شعَل الثقافة فِي بالدنا‪.‬‬

‫هل تتلقون دعما من الجهات الو�صية �أم‬ ‫فقط تعتمدون على مجهودات ذاتية؟‬

‫م��������������������������واج��������������������������ه��������������������������ات‬

‫ال��ع��م��ل ال��ج��م��ع��وي‪ ،‬ك��ي��ف ت�ستطيعون‬ ‫التوفيق بين العملين؟‬

‫• هل يمكن �أن نرى محمد اللغافي يوماً‬ ‫ع�ضواً في هذا الإتحاد؟‬

‫ ■ في الحقيقة‪ ،‬نحن لم نتلق �أي دع��م حتى‬ ‫الآن‪ ،‬ون �ح��اول االع�ت�م��اد على مجهوداتنا ■ ال‪ ،‬لم �أعُ دْ الآن في حاجة للع�ضوية في اتحاد‬ ‫كتاب المغرب‪ ،‬لكن هذا ال ينفي ب�أننا في‬ ‫الذاتية؛ و�أتمنى م�ستقبال �أن نتوا�صل مع‬ ‫وزارة الثقافة والجهات الم�سئولة للدعم‪،‬‬ ‫جمعية جامعة المبدعين المغاربة يمكننا‬ ‫�سي�أتي ه��ذا بعد ت�أثيث بيت الجمعية التي‬ ‫التن�سيق معه ك ��أي جمعية ج ��ادة‪ ..‬خدمة‬ ‫�أ�صبحت في حاجة ما�سّ ة �إلى �إعادة النظر‬ ‫للثقافة الهادفة والر�صينة‪ ،‬ويمكن �أي�ض ًا مع‬ ‫في مكتبها‪ ،‬و�ضخ دماء جديدة فيها‪.‬‬ ‫وزارة الثقافة المغربية‪.‬‬

‫• ان�� ُت��خ��ب م���ؤخ��را مكتب ج��دي��د الت��ح��اد • هل من كلمة �أخيرة؟‬ ‫كتاب المغرب‪ ،‬هل الأ�سماء التي تك ُِّو ُنُه‬ ‫قادرة على �إعادة عجلة االتحاد �إلى �سِ َّك ِت ِه ■ �أتمنى �أن ت�ستعيد الثقافة ماء وجهها الذي‬ ‫ّاب الفي�سبوك‪.‬‬ ‫فقدته مع ُكت ِ‬ ‫ال�صحيحة؟‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪121‬‬


‫معر�ض الريا�ض الدولي �أنموذجا‬ ‫■ مر�سي طاهر*‬

‫ُي��ع�� ُّد معر�ض ال��ك��ت��اب (‪ )Book Fair‬ف��ي �أي‬ ‫بلد م�ؤ�شراً لقيا�س الحالة الثقافية والأدبية‬ ‫التي تعي�شها البالد‪ ،‬وانعكا�سا لحركة الت�أليف‬ ‫والن�شر وال��ت��وزي��ع ف��ي��ه؛ كما ُي��ع��د واح����داً من‬ ‫الظواهر الثقافية المهمة التي تُحدِث حراكاً‬ ‫ثقافياً‪ ،‬وتنمّي معارف المثقفين ومداركهم‪.‬‬ ‫وت��م�� ّث��ل م��ع��ار���ض ال��ك��ت��ب م��وا���س��م ثقافية‬ ‫وت�����ج�����اري�����ة‪ ،‬ت�������ش���ك���ل ت����ظ����اه����رة ج���م���اه���ي���ري���ة‬ ‫ثقافية واقت�صادية‪ ،‬ت�ستقطب ك��ل الطبقات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وجميع الم�ستويات التعليمية‬ ‫ال��م��خ��ت��ل��ف��ة‪ ،‬ب��ك��اف��ة ال�����ش��رائ��ح ال��ع��م��ري��ة؛ فهي‬ ‫للطفل‪ ،‬وال�شيخ‪ ،‬والمر�أة‪ ،‬والرجل‪ ،‬والمثقف‪،‬‬ ‫وال�������ع�������ادي؛ ف���ت���خ���ل���ق ب���ي���ن ه������ذه الأط�����ي�����اف‬ ‫والم�ستويات جواً من التفاعل الفكري الموحّ د‬ ‫نحو م�صدر معرفي‪ ،‬وهدف ثقافي‪� ..‬أال وهو‬ ‫الكتاب‪0‬‬

‫‪ 122‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ولدت فكرة �إقامة معار�ض الكتب من ر�ؤيتين‪:‬‬ ‫�أوالهما اقت�صادية‪ ،‬تقوم على ت�ضييق الم�ساحة‬ ‫الجغرافية �أم��ام طالب الكتاب والباحث عن‬ ‫الجديد في عالم المعرفة والثقافة؛ وم��ن ثمَّ‬ ‫�إتاحة الفر�صة �أمام النا�شر لعر�ض �إ�صداراته‬ ‫لأكبر �شريحة ممكنة من النا�س‪ ،‬وكذلك �إيجاد‬ ‫�أ��س��واق جديدة �أم��ام ه��ذا الرافد االقت�صادي‬ ‫المهم‪0‬‬ ‫والثانية ثقافية‪� ،‬إذ تخلق ج��و ًا من التفاعل‬ ‫ال�ف�ك��ريّ بين رواد المعر�ض‪ ،‬وت�شكل منبر ًا‬ ‫مفتوح ًا على كل الثقافات؛ فتظهر الإبداعات‬ ‫الأدب �ي��ة بكل مجاالتها ال�شعرية‪ ،‬وال��روائ�ي��ة‪،‬‬ ‫والنقدية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬وال�سيا�سية‪ ،‬والعلمية‪،‬‬ ‫م��ن دون عناء البحث ع��ن عناوين �أو �أ�سماء‬ ‫محددة في �أماكن عدة؛ فتقدم نتاجات النخب‬ ‫المخ�ضرمة م��ع �أح��دث الإ� �ص��دارات لمختلف‬ ‫الأجيال في جميع المجاالت‪.‬‬ ‫وال تقت�صر المعار�ض على ع��ر���ض الكتب‬ ‫فقط‪ ،‬بل تتعدى هذا المفهوم لت�شمل كل الو�سائل‬ ‫التي تخدم الكتاب‪ ،‬كالتعريف به وبيان �أهميته‪،‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫معار�ض الكتب‪ :‬ثقافة و�صناعة‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪123‬‬


‫‪ 124‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫فهناك فعاليات م�صاحبة ت�شمل �أن�شطة وندوات‬ ‫ثقافية‪ ،‬ومهرجانات فنية متعددة‪ ،‬ت�صاحبها‬ ‫تغطية �إعالمية وا�سعة‪ ،‬وقد ت�شمل حفالت توقيع‬ ‫عقود لإ�صدارات جديدة‪..‬‬ ‫ونظر ًا لأهمية ه��ذه المعار�ض‪ ،‬فهي غالب ًا‬ ‫م��ا تتبع وتخ�ضع ل�ل�إ��ش��راف الكامل م��ن قبل‬ ‫ال�ح�ك��وم��ات‪ ،‬ف�ض ًال ع��ن رق��اب��ة ر�سمية ت�صل‬ ‫�إلى حد التدخل بم�صادرة كتب ذات توجّ هات‬ ‫�سلبية‪ .‬فهناك معر�ض القاهرة الدولي للكتاب‬ ‫ال��ذي تنظمه الهيئة ال�ع��ام��ة للكتاب التابعة‬ ‫ل��وزارة الثقافة الم�صرية‪ ،‬ومعر�ض الريا�ض‬ ‫الدولي للكتاب تنظمه وزارة الثقافة والإعالم‪،‬‬ ‫ومعر�ض الدار البي�ضاء الدولي للكتاب تنظمه‬ ‫وزارة االت�صال والثقافة المغربية‪ ،‬ومعر�ض‬ ‫البحرين الدولي للكتاب ينظمه المجل�س الوطني‬ ‫للثقافة والفنون والآداب التابع لوزارة الإعالم‬ ‫البحرينية‪ .‬كما يوجد ع��دد ال يخ�ضع ب�صورة‬ ‫مبا�شرة للحكومة‪ ،‬كما هو الحال في معر�ض‬ ‫عمّان الدولي للكتاب الذي ينظمه وي�شرف عليه‬ ‫اتحاد النا�شرين الأردن�ي�ي��ن‪ ،‬ومعر�ض بيروت‬ ‫للكتاب الذي ينظمه اتحاد النا�شرين اللبنانيين‪،‬‬ ‫وعلى ال�صعيد الدولي نجد �أح��د �أه��م و�أ�شهر‬ ‫المعار�ض الدولية العالمية‪ ،‬معر�ض فرانكفورت‬ ‫الدولي للكتاب‪ ،‬الذي ينظمه اتحاد النا�شرين‬ ‫الألمان‪0‬‬ ‫ويعد معر�ض الريا�ض الدولي للكتاب �أحد‬ ‫�أهم المعار�ض الدولية للكتاب في العالم العربي؛‬ ‫بل في العالم كله‪ ،‬حيث �سجلت �أعداد الزائرين‬ ‫له خالل هذا العام ‪2013‬م مليونان و�أربعمائة‬ ‫�ألف زائر ح�سب تقدير الجهة المنظمة‪ ،‬بينما‬ ‫تم ت�سجيل ما يزيد على ثمانية ماليين زائر‬ ‫ل�صفحة المعر�ض على �شبكة الإنترنت‪ ،‬هذا‬ ‫بخالف الندوات والفعاليات الثقافية الم�صاحبة‬ ‫للمعر�ض وحفالت التوقيع للكتب‪.‬‬

‫وعلى �صعيد �أخ��ر‪ ،‬الم�ست حجم المبيعات‬ ‫داخل المعر�ض (‪)71‬مليون ًا و(‪� )645‬ألف رياال‬ ‫�سعوديا‪ ،‬وذلك في ظل تنامي عمليات ال�شراء‬ ‫م��ن ج��ان��ب ال� ��زوار‪ ،‬وك��ذل��ك عمليات التعاقد‬ ‫ال�ت��ي يجريها ع��دي��د م��ن ال�ج�ه��ات الحكومية‬ ‫والأكاديمية من داخل ال�سعودية وخارجها‪ ،‬كما‬ ‫�شهد المعر�ض في دورت��ه المنتهية �أكبر تجمع‬ ‫للنا�شرين والعار�ضين والجهات والتوكيالت‪،‬‬ ‫�إذ �شارك �أكثر من (‪ )970‬جهة من (‪ )32‬دولة‬ ‫قدمت ما يزيد على (‪�)250‬أل��ف عنوان ورقي‪،‬‬ ‫و�أكثر من مليون ومائتي �ألف عنوان �إلكتروني‪.‬‬ ‫ويت�ضح م�م��ا ��س�ب��ق‪� ،‬أن م�ع��ر���ض ال��ري��ا���ض‬ ‫الدولي للكتاب �أ�صبح عالمة فارقة في الم�شهد‬ ‫الثقافي ال�ع��ام بح�ضوره الكثيف‪ ،‬وع��دد دور‬ ‫ال�ن���ش��ر ال�م���ش��ارك��ة ف �ي��ه‪ ،‬وح �ج��م ال�م�ع��رو���ض‬ ‫وتنوّعه‪� ،‬إ�ضافة �إلى حجم المبيعات‪ .‬وقد القى‬ ‫ذلك اهتماما غير عادي من الجهة المنظمة‪،‬‬ ‫ف�أ�صبحت كل دورة تحمل تطوير ًا و�آلي ًة جديد ًة‬ ‫تواكب وت�صاحب التطور الحادث في الثقافة‬ ‫وال�صناعة المرتبطة ب�ه��ذا ال �ح��دث؛ فرغم‬ ‫ممرات ف�سيحة‪ ،‬ودور ن�شر مرقمة‬ ‫ٍ‬ ‫الزحام تجد‬ ‫ومرتبة‪ ،‬وفي المدخل مكتب للعالقات العامة‪..‬‬ ‫نجد فيه خريطة للموقع وج��دول الفعاليات‪،‬‬ ‫�إ�ضافة �إلى وجود �أجهزة حا�سب �آلي توفر عليك‬ ‫لي�س فقط البحث عن كتاب‪ ..‬بل ت�ستطيع �أن‬ ‫تحدد لك دور الن�شر والممر بالأرقام والأحرف‬ ‫و�سعر الكتاب‪.‬‬ ‫وخ�ل�ال ه��ذا ال �ع��ام‪ ،‬ت��م االح �ت �ف��اء باليوم‬ ‫العالمي للمر�أة‪ ،‬فقررت �إدارة المعر�ض تكريم‬ ‫ع��دد م��ن ال��رائ��دات ال�سعوديات ف��ي ع��دد من‬ ‫المجاالت‪ ،‬و�أ�صدرت كتيب ًا بذلك‪0‬‬ ‫كما �أعلنت �أثناء المعر�ض نتيجة جائزة وزارة‬ ‫الثقافة والإعالم لأف�ضل كتاب عن عام ‪1434‬هـ‪،‬‬ ‫والتي فاز بها كل من‪ :‬تركي بن نا�صر ال�سديري‬

‫عن كتابه «الإ�سالم والريا�ضة»‪ ،‬والدكتور را�شد‬ ‫العبدالكريم ع��ن كتابه «البحث النوعي في‬ ‫التربية»‪ ،‬والدكتور �صالح زياد الغامدي عن كتابه‬ ‫«ال��رواي��ة العربية والتنوير‪ ..‬ق��راءة في نماذج‬ ‫مختارة»‪ ،‬وعبداهلل بن حكم باخ�شوين عن كتابه‬ ‫«ال �ش�أن لي ب��ي»‪ ،‬والدكتور عبداللطيف دبيان‬ ‫العوفي عن كتابه «حمالت التوعية الإعالمية‪..‬‬ ‫الأ�س�س النظرية والإجراءات التطبيقية»‪ ،‬وعبده‬ ‫خ��ال عن رواي��ة «لوعة ال�غ��اوي��ة»‪ ،‬ومحمد جبر‬ ‫الحربي عن كتابه «جنان حنايا»‪ ،‬والدكتور نزار‬ ‫بن عبيد مدني عن كتابه «ق�ضايا ومواقف في‬ ‫الفكر وال�سيا�سة»‪ ،‬والدكتورة هناء حجازي عن‬ ‫كتابها «مختلف‪ :‬طفل اال�سبرج مختلف‪ :‬ولكن‬ ‫لي�س �أقل»‪ ،‬ويو�سف بن �إبراهيم المحيميد عن‬ ‫كتابه «رحلة الفتى النجدي»‪.‬‬ ‫وبعد ه��ذا العر�ض لأهمية معار�ض الكتب‬ ‫ب�صفة عامة‪ ،‬ومعر�ض الريا�ض الدولي ب�صفة‬ ‫خا�صة‪ ،‬وذلك من منظور الثقافة وال�صناعة‪،‬‬ ‫ينبغي �أن ي�ستثمر ه��ذا التالحم الحقيقي مع‬ ‫النا�س‪ ،‬في ا�ستقطابهم بكل الطرق والو�سائل‬ ‫الممكنة‪� ،‬إلى القراءة واالط�لاع‪ ،‬وخلق عالقة‬ ‫فعلية مع الكتاب‪ ،‬وخا�صة في ظل ما تواجهه‬ ‫معار�ضنا العربية من م�شكالت كالأمية‪ ،‬و�ضعف‬ ‫�صناعة الن�شر‪ ،‬وغياب �صناعة القارئ‪ ،‬ورقابة‬ ‫بع�ض المطبوعات‪0‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪125‬‬


‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫الم�سكن بين الأدب والهند�سة‬ ‫■ �صالح بن ظاهر الع�شي�ش*‬

‫الم�سكن كداللة لغوية ا�شتقت من ال�سكون‪ ..‬وهو الهدوء وال��راح��ة‪� ،‬أم��ا الداللة‬ ‫الح�سية فهو ال��م���أوى ال���ذي ي�ضم ال��ف��رد والأ����س���رة‪ ،‬وه��و ن���واة اال���س��ت��ق��رار الج�سدي‬ ‫والنف�سي؛ وذلك �شرط �أ�سا�س من �شروط العطاء الإن�ساني؛ ب�أبعاده الح�سية والعاطفية‬ ‫والفكرية‪.‬‬ ‫فالم�سكن‪ ،‬هو الأول عند الأدباء وال�شعراء‪ ،‬بل عند عامة النا�س‪ ..‬لكني هنا �أخ�ص‬ ‫الأدباء وال�شعراء؛ لأنهم يوثقون �أحا�سي�سهم‪ ،‬وين�شرون بوحهم وي�شيعون م�شاعرهم‪،‬‬ ‫فهذا الم�سكن‪ ،‬عند ه�ؤالء‪ ،‬مكان الن�ش�أة الأولى‪ ،‬ومرتع ال�صبا‪ ،‬وذكريات الأيام الخوالي‬ ‫مع الإخوة والأخوات والأتراب والأقارب والأ�صحاب‪.‬‬ ‫طال به العمر‪ ،‬وامتد به الأجل‪ ،‬ورحل عنه �إلى‬ ‫كم منزلٍ في الأر���ض ي�ألفه الفتى‬ ‫وح��ـ��ـ��ن��ي��ـ��ـ��ـ��ـ��ن�� ُه �أب���ـ���ـ���داً لأولِ م��ن��ـ��زلِ م�سكن �آخر‪ ،‬و�إلى جيران جدد‪ ،‬حيث ي�ستدعي‬ ‫الذكرى للحبيب والمنزل البكاء‪.‬‬ ‫وهو رمز العزة والمنعة‪.‬‬

‫قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ‬ ‫ومن لم يذد عن حو�ضه ب�سالحه‬ ‫يُهدّم وم��ن ال يظلم النا�س يُظل ُم‬ ‫ب�سقط اللوى بين الدخول فحوملِ‬ ‫ِ‬

‫ومكان ال�ضيافة وبذل الكرم‪.‬‬ ‫كما �أن البعد يثير لواعج النف�س‪ ،‬ويظهر‬ ‫ما كانت النف�س تواريه وتكنه من حنينٍ �إلى‬ ‫�أم���������اوي �إن ال����م����ال غ������ا ٍد ورائ������حٍ‬ ‫ويبقى من المال الأحاديث والذك ُر الدار‪ ..‬ومن ي�سكنها �أو �سكنها‪.‬‬ ‫وتحقيق ال ��ذات عندما ي�شتد ال�ساعد‪ ،‬ب���ك���لٍ ت���داوي���ن���ا ول����م ي�����ش��فَ م���ا بنا‬ ‫على �أن قرب الدار خي ٌر من البع ِد‬ ‫وي�ستقل ال�م��رء ع��ن ذوي��ه بم�سكنه الخا�ص‬ ‫به‪ ،‬كما يتحول ب��دوره �إل��ى الم�سكن الأول في ع��ل��ى �أن ق���رب ال����دار ل��ي�����س ب��ن��اف�� ٍع‬ ‫�إذا ك��ـ��ان م��ن ت��ه��واه لي�س ب��ذي و ِد‬ ‫مرحلة ال�شباب‪ ،‬فيحن �إليه و�إلى الجيران �إن‬

‫‪ 126‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫�أما من الناحية الهند�سية‪ ،‬فالم�سكن هو البناء‬ ‫المعروف ذو ثالثة �أبعاد‪ ،‬مق�سم �إلى فراغات معينة‪،‬‬ ‫لكل فراغ وظيفة �أو وظائف ي�ؤديها‪ ،‬تبد�أ من الإيواء‪،‬‬ ‫وتنتهي بتحقيق الذات وما بينهما من وظائف؛ مثل‪:‬‬ ‫الخ�صو�صية‪ ،‬والإنتاجية‪�� ،‬س��وا ًء كانت فكرية‪�،‬أم‬ ‫ح�سية‪ ،‬وتربية الأبناء‪ ،‬وا�ستقبال ال�ضيوف والزوار‪،‬‬ ‫والن�شاطات الف�سيولوجية‪ ،‬ولتحقيق هذه الوظائف‬ ‫بفاعلية واق�ت���ص��اد‪ ،‬ولي�سهم ف��ي التحفيز على‬ ‫الن�شاط المثمر‪� ،‬سوا ًء كان ح�سي ًا �أم فكرياً‪ ،‬ال بد �أن‬ ‫يكون هذا الم�سكن وفق �أ�صول ومعطيات هند�سية‬ ‫�صحيحة‪ ،‬تراعي �أح��وال المكان‪ ،‬وظروف الزمان‪،‬‬ ‫وثقافة المجتمع‪.‬‬ ‫ف�إذا �أخذنا المكان‪ ،‬فلكل مكانٍ متطلباته من بيئة‬ ‫وطق�س وع��ادات وتقاليد‪ ،‬يت�أثر بها بناء الم�سكن؛‬ ‫فلي�س الم�سكن المقام في المدينة كالمقام في قرية‪،‬‬ ‫ولي�س الم�سكن المقام في مزرعة‪ ،‬ويعد م�سكن ًا ريفي ًا‬ ‫كالذي يقام في حي مزدحم �أو �ضاحية مترفة؛ ولي�س‬ ‫ال�شمال مثل الجنوب‪ ،‬وال تتطابق القارات والمواقع‪.‬‬ ‫كما �أن لكل زمان خ�صو�صية‪ ،‬فالتغيّر في المجتمع‬ ‫من الأ�سرة الممتدة في ما م�ضى من الزمان �إلى‬ ‫الأ�سرة النواة‪ ،‬في �أوان هذا الزمان‪ .‬و�أنماط الحياة‬ ‫ي�ؤثران على تكوين الأ�سرة وامتدادها‪ ،‬كما �أن الزمان‬ ‫له ت�أثيره على تغيّر مواد البناء‪ ،‬ومع تغيّر الزمن‪..‬‬ ‫تتغير وتتطور التقنية‪ ،‬وتلك لها ت�أثير مبا�شر على‬ ‫كيفية بناء الم�سكن وعلى نوعية عنا�صره‪.‬‬ ‫و�أم ��ا م��راع��اة ثقافة المجتمع‪ ،‬فلكل مجتمع‬

‫خ�صو�صيته و�أ�سلوب معا�شه‪ ،‬وتلك لها ت�أثير كبير‬ ‫على ت�صميم الم�سكن؛ فالمجتمعات الإ�سالمية‬ ‫المحافظة فيها ف�صل بين الرجال والن�ساء الأجانب‬ ‫ف��ي المعي�شة‪ ،‬كما �أن �أ��س�ل��وب الحياة وا�ستقبال‬ ‫ال�ضيوف وغير ذلك‪ ،‬مختلف تماما بين مجتمع و�آخر‪.‬‬ ‫وهذا يقودنا �إلى ت�صميم الم�سكن و�إع��داد وثائقه‬ ‫التي يجب �أن ت�أخذ بكل ما تقدم‪ ،‬حيث �أنها الخطوة‬ ‫الهند�سية العملية الأولى نحو �إيجاد الم�سكن‪ ،‬والتي‬ ‫�س�أو�ضحها بلغة �سهل ٍة مفهوم ٍة للجميع‪ ،‬وبعيد ٍة عن‬ ‫الرطانة الهند�سية ولغة المهند�سين؛ لأننا نكتب في‬ ‫مجل ٍة �أدبية‪.‬‬ ‫تتكون وثائق الت�صميم للم�سكن من ثالثة �أجزاء‬ ‫رئي�سة هي‪:‬‬ ‫‪1.1‬مخططات الت�صميم المعماري والهند�سي‪.‬‬ ‫‪2.2‬موا�صفات المواد‪.‬‬ ‫‪3.3‬جداول الكميات و�أ�سعارها‪.‬‬ ‫فالت�صميم المعماري‪ ،‬هو تحويل المتطلبات‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪127‬‬


‫* مهند�س ا�ست�شاري متخ�ص�ص في هند�سة القيمة و�إدارة الم�شاريع‪.‬‬ ‫‪ 128‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫الوظيفية ل�صاحب الم�سكن‪ ..‬مثل‪ :‬المجل�س‪ ،‬وغرف‬ ‫ال�ن��وم‪ ،‬والمطبخ‪ ،‬و��ص��االت اال�ستقبال‪..‬الخ‪� ،‬إلى‬ ‫�أ�شكال وفراغات معمارية ذات عالقة تكاملية فيما‬ ‫بينها‪ ،‬بحيث ك ٌل منها ي ��ؤدي دوره �ضمن الوظيفة‬ ‫الكلية للم�سكن‪ ،‬وهذه الفراغات تبيّنها وتحددها‬ ‫المخططات (الر�سومات)‪ ،‬وف��ق قواعد هند�سية‬ ‫قيا�سية تنظم �إعدادها‪.‬‬ ‫�أما الت�صميم الهند�سي‪ :‬في�شمل الأعمال المدنية‬ ‫والإن�شائية والنظم الكهربائية والميكانيكية الداخلة‬ ‫في تكوين الم�سكن‪ ،‬وه��ذه الأع�م��ال وتلك النظم‬ ‫تتكامل مع الت�صميم المعماري لتجعل من الم�سكن‬ ‫بيئة مالئمة للن�شاط الإن�ساني‪ ،‬ومحفزة لإمكاناته‬ ‫الذهنية‪ ،‬ومطلقة لقدراته العملية‪.‬‬ ‫فالأعمال المدنية هي ما ت�شتمل عليه �أعمال‬ ‫الحفر وال��ردم والت�سوية وغيرها‪ ،‬و�أم��ا الأعمال‬ ‫الإن���ش��ائ�ي��ة فهي ال�ب�ن��اء �إن ك��ان بطريقة الهيكل‬ ‫الإن�شائي‪( :‬ق��واع��د‪ ،‬وج�سور‪ ،‬و�أع�م��دة‪ ،‬وبالطات‬ ‫�سقف)‪� ،‬أو بطريقة الجدران الحاملة‪ ..‬وهي التي‬ ‫تحمل �أوزان الأ�سقف وما عليها من ب�شر و�أث��اث‪،‬‬ ‫وهي الطريقة المتبعة في الع�صور البعيدة‪ ،‬وكانت‬ ‫ت�ستخدم الحجارة في المناطق كثيرة المطر‪ ،‬ومن‬ ‫الطين‪ ..‬كما في م�ساكن و�سط الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫�أما النظم الكهربائية فيق�صد بها العنا�صر التي‬ ‫تعمل بالكهرباء‪ ،‬مثل‪ :‬الإن��ارة وم�ع��دات المطبخ‪،‬‬ ‫و�أجهزة الترفيه‪ ،‬والمعلومات وغيرها‪ ،‬مما يحدده‬ ‫م�ستوى التقنية الداخلية في تكوين الم�سكن؛ وقد‬

‫ا�ستخدمت قديم ًا الإنارة الطبيعية بطريق ٍة ال نحتاج‬ ‫معها �إنارة �صناعية في النهار‪ .‬والنظم الميكانيكية‬ ‫في الم�سكن هي التكييف (تبريد وتدفئة)‪ ،‬والتغذية‬ ‫بالماء‪ ،‬و�صرف الماء‪ ،‬وما يحتاجه من م�ضخات‬ ‫وغيرها من �أجهزة ومعدات؛ فالتكييف في ال�سابق‬ ‫اعتمد على �إدخال التيارات الهوائية �إلى المنزل من‬ ‫خالل ت�صميم الم�سكن وتوجيهه وفق م�صدر الرياح‪،‬‬ ‫وا�ستخدام المالقف الهوائية‪� ،‬أما الآن فهو يعتمد‬ ‫على التكييف ال�صناعي البحت‪.‬‬ ‫و ُت�ع��د الموا�صفات للمباني‪ ،‬ومنها الم�سكن‪،‬‬ ‫بثالثة طرق‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫التو�صيف‪ :‬وتعني تو�صيف المواد‪ ،‬وطريقة تنفيذ‬ ‫الأعمال بالم�سكن بلغة وا�ضحة و�سليمة‪ ،‬وتحدد م�ستوى‬ ‫الجودة المطلوبة‪ ،‬مثل‪ :‬تو�صيف نوع الطالء المطلوب‬ ‫لطالء المنزل تو�صيف ًا دقيقاً‪ ،‬ك ��أن يذكر التركيب‬ ‫الكيميائي ونِ�سَ بُه‪ ،‬وهل هو مائي �أو زيتي‪..‬الخ‪.‬‬ ‫الأداء‪ :‬وهو تحديد م�ستوى الأداء المطلوب من‬ ‫المواد الداخلة في بناء الم�سكن‪ ،‬من دون تحديد‬ ‫المواد تحديد ًا دقيقاً‪ ،‬مثل‪� :‬أن يذكر عن الطالء �إن‬ ‫كان قاب ًال للغ�سيل ومقاوم ًا للت�شققات‪..‬الخ‪.‬‬ ‫الإح��ال��ة‪ :‬وه��ي تحديد التو�صيف والأداء من‬ ‫خالل الإحالة �إلى عن�صر معروف‪� ،‬أو معدة محددة‬ ‫ومجربة لتقلي�ص مجلد الموا�صفات وعدم الدخول‬ ‫في التف�صيالت الدقيقة والطويلة‪ ،‬مثل‪� :‬أنْ يذكر �أنَّ‬ ‫الطالء من نوع كذا‪ ،‬ومن �شركة كذا‪� ،‬أو ما يعادله‪،‬‬ ‫من دون ذكر �أي تف�صيالت‪.‬‬ ‫�أم��ا ج ��داول الكميات‪ ،‬فهي ج ��داول �أو قوائم‬ ‫بعنا�صر الم�سكن وكمياتها و�أ�سعارها الحقيقية �أو‬ ‫التقريبية‪ ،‬وهذه �ضرورة لمعرفة تكاليف الم�سكن؛‬ ‫ومن ثَمّ َ‪ ،‬تحديد ميزانية بنائه‪ ،‬كما تفيد في عدم‬ ‫�إغفال �أي عن�صر قد ال يكون وا�ضح ًا ومحدد ًا في‬ ‫المخططات‪.‬‬

‫المدينة وروح ال�شاعر‬ ‫قراءة �أولية في المنجز ال�شعري لل�شاعر ال�سعودي يو�سف العارف‬ ‫■ مي�سون النوباين*‬

‫�صور فنية نا�ضجة‪ ،‬تت�شكل من الأل��م والأم���ل‪ ،‬تلك المعادلة التي طالما عزفها‬ ‫ال�شعراء لقرائهم‪ ،‬كهدايا مغلفة بحروف قوية �أحيانا‪ ،‬و�سهلة �أحياناً �أخ��رى؛ تلك‬ ‫ال�سهولة الممزوجة بالطبيعة واللجوء �إل��ى الروحانيات والتعلُّق ب��الآخ��رة؛ ر�ؤي��ة‬ ‫متفردة وتعاي�ش مع الواقع مع جنوح �إلى خيال عذب ومتعلق بالطبيعة‪.‬‬ ‫في ثنايا ذلك‪ ،‬تعزف المدينة عزفها الثقيل في معظم ق�صائده‪ ،‬لتكون الق�صيدة‬ ‫و�شاحاً من عذرية الروح التي تميل �إلى الأر�ض وتع�شق التراب وال�صحراء‪ ،‬والمدينة‬ ‫ذلك الرداء الثقيل الذي يحتمله ال�شاعر �صخباً ور�ؤى وحياة‪ ،‬هي قا�سية وموجعة رغم‬ ‫�سهولتها؛ فهو يحن ربما بالفطرة �أو بروح ال�شاعر �إلى الطبيعة البدوية‪ ،‬وقد �صرخت‬ ‫ق�صائده في باطنها تحتج على المدينة وتنكر بهرجتها الزائفة‪.‬‬ ‫الوطن بخ�صو�صيته الدينية و�صحاريه تموج البحار على حروفه‪ ،‬فتزخرف المدى‬ ‫المترامية يزهو بين الحروف ويط ُّل من بين الناطق با�سم الوطن وبا�سمه‪.‬‬ ‫ثنايا الق�صيدة‪ ،‬بما يوحي �أنه جزء منها �ساحليّ �أنا‬ ‫ينب�ض بكل الحب‪ ..‬ينت�سب ال�شاعر لتلك بيني وبين البحر ع�شق الم�سافات التي‬ ‫ال�شط�آن؛ فهو ال�ساحلي الخ�صب بالمحبة‪ ،‬قاربت بيننا‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪129‬‬


‫ثم تعلُّ ٌق بالمكان الذي ي�أويه حتى لو كان م�ؤقتا في ديوانه‬ ‫(ب�ي��ان��غ)‪ ،‬وه��ذا د�أب ال�شعراء‪� ،‬إح�سا�س ع��الٍ بالطبيعة‪،‬‬ ‫وا�ستيحاء الوطن الذي يعي�ش في �أعماق ال�شاعر‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫«برلي�س»‬ ‫يا خ�ضرة تحفُّنا‬ ‫من كل جانب على الطريق‬ ‫وما�ؤها الذي يحفنا‬ ‫من الأعالي والذرى‬ ‫لف�سحة الوادي ال�سحيق‬ ‫والفجر فيها �ضاحك‬ ‫ي�ستقبل البعيد وال�صديق‬ ‫لعلَّ ال�شاعر ذك��ر معظم ال�م��دن والأم��اك��ن التي زاره��ا‬ ‫ب�أ�سمائها (لنكاو) وفندق (�أوان ��ا) و(برلي�س)‪ ...‬را�سم ًا‬ ‫بري�شة الفنان �أ�ساطيرها وحكاياتها‪ ،‬حيث �أبدع في و�صف‬ ‫المكان بخ�ضرته وتماثيله ومائه و�إيحاءاته‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫إليك يا «لنكاو»‬ ‫� ِ‬ ‫تقاط َر الب�شر‬ ‫وحو َل «ن�سرك» ال‬ ‫يمدُّ جانحي ِه‬ ‫ي�ستعذبُ ال�سهر!!‬ ‫داتارا النج‪/‬ميدان الن�سر القرمزي‬ ‫تامان الجيندا‪ /‬متحف الأ�ساطير‬

‫‪ 130‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫الح�س الديني في ق�صائد ال�شاعر فهو �أ�صيل ناب�ض‬ ‫�أما ّ‬ ‫متنا ٍه في العفوية وال�سطوع‪ ،‬يلج بكلماته ويعبُر كطير مغرد‪،‬‬ ‫�أو كن�سر يقتن�ص منه اللحظة ويم�ضي في �سويداء روحه وروح‬ ‫القارئ ب�شكل الفت‪..‬‬

‫(‪ )...‬من كواال‬ ‫يدغدغن الم�شاعر‬ ‫�إذ م�سها الجدب وح َّل الوجيب‬ ‫وي�شهدن بالألق ال�صافي‬ ‫محطات الخريف على مفرقي‬ ‫وما كنت غِ رّا �أ�ستجيب!!‬ ‫فعندي من الحب‬ ‫ما يُ�شهد اهلل‬ ‫�أنّي �إليه �أنيب‬ ‫�سالم على �آخر العمر‪...‬‬

‫ن����������������������������������������������واف����������������������������������������������ذ‬

‫بيننا نبت الحب‬ ‫ومن بيننا هرع الموج نحو ال�سواحل‬ ‫يلقي عليها التحايا ‪/‬ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫�أي ع�شق خرافيّ زواج ال�ساحل بالبحر؟‬ ‫وال�شط بالماء؟‬

‫تيلوك توجوه!!الآبار ال�سبعة‪...‬‬

‫في قمّة �ألمه ووح��دت��ه يخ�شع هلل م�ست�أن�س ًا به متو�س ًال‬ ‫�إليه بالدعاء‪ ،‬ليبدو الح�س الروحاني اليقظ عالم ال�شاعر‪،‬‬ ‫الذي يلج من خالله �إلى طريق النور؛ في�ستوحي رجاءه من‬ ‫�ألمه لثقته باهلل‪ ،‬محاوال بذلك �إبعاد كل ما يخرجه عن هذه‬ ‫الطريق‪:‬‬

‫ها �إنني �أرتدي الطهر وال�صلوات‬ ‫�أيمم كفيّ بالدعوات‬ ‫و�أم�سح عن خاطري كل رج�س الذنوب‬ ‫�أعلن بيني وبيني �أن �أتوب‪�..‬أن �أتوب‬ ‫ها �إنني �أ�سبح في فلوات اليقين‬ ‫�أخرج مني وعني‬ ‫و�أدخل في ملكوت ال�صالحين‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪131‬‬


‫والناظر في ق�صائد ال�شاعر يجد �سمة بارزة‬ ‫فيها‪ ،‬وه��ي ت�ك��رار �أ��س�م��اء الأع�ل�ام‪� ،‬إذ ت�شير‬ ‫ه��ذه الأع�لام �إل��ى هيئات ال�شخو�ص بعفويتها؛‬ ‫فيدرك المتلقّي �أن �أولئك الأ�شخا�ص حقيقيون‬ ‫من تنقلهم في الق�صيدة‪ ،‬وحركتهم الدائبة‬ ‫وتفاعلهم‪� ،‬سيجد القارئ ه�ؤالء على ال�سلم وفي‬ ‫الم�صعد وفي الحافلة‪ ،‬هم ب�أ�سمائهم الحقيقية‬ ‫محمد وتركي وم�شعل وغازي ومفتاح من البنغال‪،‬‬ ‫فين�سجمون م��ع ن�صو�ص ت�شعر ب��أن�ه��ا قريبة‬ ‫وعفوية‪ ،‬مغمو�سة �أحيانا ب�أنفا�س (الغالبا)‬ ‫الذين انغم�سوا في مجتمع مخملي‪ ،‬يراه ال�شاعر‬ ‫بعينه التي تميل �إل��ى الب�ساطة‪ ،‬وقد بدت هذه‬ ‫الظاهرة في ديوانه (كلما)‪ ،‬الذي كان زاخرا‬ ‫بهم منغم�س ًا في �آالمهم؛ فهو ال يرتجل م�شاعره‬ ‫ارتجاال‪ ،‬بل تيَّقظت كلماته من �أعماقه لت�ستوحي‬ ‫فتات عي�شهم‪ ،‬ولتتعاي�ش مع معاناتهم‪....‬‬

‫�أجيء في ال�صباح‬

‫هي ذي القاهرة‬ ‫من �ضياء ال�شم�س قامت ت�ستحم‬ ‫وبعينيها اكت�سى بالي ّم ي ّم‬ ‫وتباهت‪..‬‬ ‫ف�إذا القا�صي‪..‬‬ ‫�أب‪ ،‬خال‪ ،‬وعم‬ ‫هي ذي القاهرة!!‬

‫ا�ستحوذني ذل��ك الت�أريخ للم�شاعر‪ ،‬وتلك‬ ‫ك�سائر العمال في حياتنا‬ ‫ال�شفافية الهادئة المو�سومة بحب اهلل والنا�س‬ ‫ك�سائر «المكافحين»‬ ‫وال�شجر وال�ح�ج��ر‪ ،‬وال �ت��ي ت ��ذرف حنينا �إل��ى‬ ‫و«الغالبا»‬ ‫الوطن في ال�ف��راق‪ ،‬وتعبُّ من جمال الأمكنة‬ ‫وحاملي الجراح‬ ‫لتترك روحها ال�شاعرة في ال�صحراء المترامية؛‬ ‫الأن �ث��ى ف��ي ق�صائد ال�شاعر ه��ي الأر� ��ض‪ ،‬فتراها دائما الأجمل بكعبتها ونا�سها ورمالها‬ ‫تن�سج خياالته‪ ،‬وت�سطو على كلماته وذاكرته‪ ،‬الوا�سعة‪..‬‬ ‫* �شاعر ِة من الأردن‪.‬‬ ‫(‪ )1‬و (‪ )2‬جزر �سياحية زارها ال�شاعر في ماليزيا‪.‬‬

‫‪ 132‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫الجوبة‪ ..‬فخامة مداد وامتداد‬ ‫■ بقلم القا�صة وال�شاعرة مالك اخلالدي‬

‫ع������ي������ن ع���������ل���������ى اجل���������وب���������ة‬

‫�آ ٍه من الخبث الدنيء �إذا دنا‬ ‫و�أخرجني من دروب المتقين!!‬

‫بكل الحب والأل��م‪ ،‬هي ع�سير وجدة‪ ،‬وهي رمل‬ ‫البحار يبني من المراكب �سُ َّل َم ًا للحياة في �سبيل‬ ‫الترقّب لحياة �أج�م��ل‪ ،‬وف�ضاء �أو��س��ع‪ ،‬ي�سافر‬ ‫�إليها ويحملها بين جنبات روح��ه‪ ..‬هي العراق‬ ‫ب�أوجاعها و�آالمها‪ ،‬والفرات الذي تجري الدماء‬ ‫في مائه‪ ..‬يوقظ حزنه ويولِّد �صخب الق�صيدة‬ ‫وانتماءاتها العربية الأ�صيلة‪ ،‬فيذرف دموعها‬ ‫�ألما وانتظارا ليوم ي�شرق عليها في �سالم‪..‬‬ ‫ويقف على �شرفته في القاهرة يت�أمل ال�شوارع‬ ‫وينثر ال �ح��روف ف��وق ج�ب��اه ال �ع��راة وال�ج�ي��اع‪،‬‬ ‫وي�ستلهم من النيل فرات المعاني فيبحر قا�سما‬ ‫م�شتركا بين كل �أر�ض زارها‪..‬‬

‫من «الجوف» �أ�شرقتْ عذق عطاء‪ ،‬فتجاوزت المكان والحا�ضر والرهان! لكنني لن‬ ‫�أتجاوز ثنا ًء ها هنا و�إن كانت ت�ستحق‪� ،‬إال �أنني �س�أقف على �شواهد مرت بي فمررتُ بها‪،‬‬ ‫وازددتُ يقيناً و�شغفاً واعتزازاً بها‪.‬‬ ‫لقد كانت مجلة الجوبة ال�سِ فر الثقافي‬ ‫الأول ال��ذي انبثق من جوف ال�شمال عبر‬ ‫م�ؤ�س�سة الأم �ي��ر عبدالرحمن ال�سديري‬ ‫ال �خ �ي��ري��ة‪ ،‬ف�� ��أروى المتعط�شين لمعين‬ ‫ال�ح��رف‪ ،‬بعد ط��ول انتظار؛ و�إن �سبقتها‬ ‫بع�ض المطبوعات الثقافية التي لم تعلق‬ ‫بذهني �أو �سبقت زمني‪� ،‬إال �أن «الجوبة»‬ ‫وبحكم فخامة م��داده��ا وا�ستمراريتها‬ ‫وامتدادها تُعد الأول��ى في جوف ال�شمال‬ ‫بال منازع‪ ،‬بل �إنها تفوق جود ًة الكثير من‬ ‫المطبوعات الثقافية ال�سابقة لها زمن ًا‬ ‫وخبر ًة ومكانا!‬

‫حين دلفتُ هنا مكتبة الجامعة �سرّني‬ ‫�أن ر�أي ��تُ «مجلة الجوبة» كمرجعٍ �ضمن‬ ‫قوائم مراجع عددٍ من الدرا�سات العلمية‪،‬‬ ‫واكتمل اندها�شي المُبهج حين كلّفنا �أ�ستاذ‬ ‫�إح ��دى ال �م��واد ب �ق��راءة �إح ��دى مقاالتها‬ ‫لمناق�شته كمتطلب درا�سي‪.‬‬ ‫وك ��ان �أن التقيتُ ب ��إح��دى الزميالت‬ ‫المبتعثات لدرا�سة الماج�ستير من �إحدى‬ ‫دول المغرب العربي‪ ،‬ولأن�ه��ا ت�شاطرني‬ ‫بع�ض االهتمامات جمعنا حديثُ طويل وما‬ ‫�أن قلتُ ‪ :‬الجوف‪ ،‬حتى قالت‪ :‬حيثُ ت�صدر‬ ‫مجلة الجوبة؟!‬ ‫ف�ع��رف��تُ منها �أن �ه��ا ق ��ر�أت �أع � ��داد ًا ال‬ ‫ب�أ�س بها من المجلة في مكتبة الجامعة‬ ‫التي تخرجت منها في بلدها‪ ،‬و�أخبرتني‬ ‫�أن المجلة مُتابعة هناك م��ن المثقفين‬ ‫والمهتمين‪.‬‬

‫ففي ال�سنة والنيف التي ق�ضيتها هنا‬ ‫في ريا�ض الخير ال�ستكمال الدرا�سة العُليا‬ ‫في درجة الماج�ستير‪� ..‬شعرتها و�أحببتها‬ ‫�أك �ث��ر‪ ،‬لي�س ان �ج��ذاب � ًا ل���ض��وءٍ ي�شرق من‬ ‫م�سقط ر�أ��س��ي ال��ذي �أحبه و�أب��اه��ي بحبه‬ ‫الذي يجعلني �أرى الوطن كل الوطن جنائن‬ ‫لذا‪ ،‬قلتُ في البدء �أنها تجاوزت المكان‬ ‫انتماء وحب وبهجة‪ ،‬ولي�س لكونها الموئل والحا�ضر وال��ره��ان‪� ،‬إن��ه �إخ�لا���ص البذل‬ ‫الأول لبوحي‪� ،‬إنما لأنني �أدركت روعة هذا والرغبة الحقيقية في �إبقاء ال�ضوء ممتد ًا‬ ‫ووارفاً؛ ف�شكر ًا لأ�صحاب البذل وال�ضوء‪.‬‬ ‫ال�ضوء �أكثر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪133‬‬


‫امل�ؤلف ‪ :‬منذر امل�صري‬

‫امل�ؤلف ‪ :‬فاطمة عبداحلميد‬

‫النا�شر ‪� :‬أثر للن�شر والتوزيع‬

‫النا�شر ‪ :‬طوى للثقافة والن�شر والإعالم – لندن‬

‫�صدر ه��ذا ال��دي��وان في (‪� )128‬صفحة من‬

‫فاطمة عبدالحميد‪ ،‬وه��ي ت��درك �صعوبة المغامرة في‬ ‫ال�ساحة الروائية وبخا�صة ونحن في زمن الرواية‪ ..‬نعم‪،‬‬ ‫في زمن الرواية �أ�صدرت «حافة الف�ضة» عن دار طوى‬ ‫للثقافة والن�شر‪ -‬ل�ن��دن‪2013 -‬م‪ .‬وق��د �سبق لفاطمة‬ ‫عبدالحميد �أن �أهدت المكتبة الثقافية مجموعة ق�ص�صية‬ ‫متميزة‪ ،‬وهي «كطائرة ورقية» عن نادي �أدب��ي ال�شرقية‬ ‫‪2010‬م‪ ،‬ابتعدت بها عن النمطية‪ ،‬التي تن�شب مخالبها‬ ‫في الكثير من التجارب الق�ص�صية‪ .‬و«حافة الف�ضة» توثق‬ ‫هذه الروح التي تتميز بها كاتبتنا‪ ،‬حيث و�ضعت روايتها‬ ‫الأولى بين يدي القارئ لتجذبه نحو عالم يعي�شه الإن�سان‬ ‫ف��ي �شتى ال�م��راح��ل وبتفا�صيل م��ن ال�صعب �أن تحاور‬ ‫النف�س بها نف�سها ولو �أمام المر�آة‪ .،‬لكن كاتبتنا تر�صدها‬ ‫وبجر�أة لت�صعد بنا �إلى تلك الحافة‪ !..‬التي نطل بها �إلى‬ ‫عالم �أبطال الرواية‪ ،‬وهذه الأ�سطر بوح من الرواية «‪..‬‬ ‫تذكرت الآن ق�صة عمتي التي �أ�سماني �أبي با�سمها حين‬ ‫�سكبت �أمي الق�صة بين �ضلوعنا‪ ،‬كنا �صغارا‪ ،‬ولكني كنت‬ ‫حينها بذاكرة �شر�سة! �أخبرتنا �أن عمتي ف�ضة وبعد �شهر‬ ‫من عر�سها‪ ،‬نبت ال�شعر فوق ج�سدها مجددا‪ .‬كانت ت�شبه‬ ‫�أر�ضا هجرتها يد حارثها! نما ع�شب غامق وفو�ضوي في‬ ‫كل مكان‪ ،‬وحين تتغامز الن�ساء في المجال�س ب�أنها ال‬ ‫تتزين كالأخريات‪ ،‬وال تزيل �شعر ج�سدها‪ ،‬ليهن�أ زوجها‬ ‫بملم�س الزبد الطري‪ ،‬كانت تتنهد وتخف�ض ر�أ�سها �أر�ضا»‪.‬‬

‫ق��������������������������������������������������������������������������������������راءات‬

‫الكتاب ‪ :‬ال�صدى الذي �أخط�أ (ديوان �شعر)‬

‫الكتاب ‪ :‬حافة الف�ضة «رواية»‬

‫نموذج قيا�سي هيكلي القت�صاد‬ ‫المملكة العربية ال�سعودية‬ ‫‪1970- 1960‬م (نموذج تاريخي)‬ ‫امل�ؤلف ‪ :‬د‪ .‬في�صل �صفوق الب�شري‬

‫القطع المتو�سط‪ ،‬وقد ت�ضمن مجموعة من‬ ‫ق�صائد ال�شاعر ال�ت��ي ع��رف ب�ه��ا‪ ،‬ومنها‪:‬‬ ‫(ر�أ�سان على و�سادة �ضيقة‪� /‬أجابني ال�صدى‬ ‫ا�سما �آخر‪/‬كلما ر�أيت غرابا طائرا تذكريني‪/‬‬ ‫ال�شعر‪� ..‬شجرة تعتر�ض طر يق الب�شر‪�/‬إن كان‬ ‫محتم ًا عليَّ �أن �أعبد �إلها‪ ..‬وق�صائد �أخرى)‪..‬‬ ‫وت��ؤك��د ال�سيدة كلود ك��رال القارئة ال�شاملة‬ ‫والمدققة لتجربة ال�شاعر‪ ،‬بحكم عملها �أن‬ ‫«ال�صدى الذي �أخط�أ» �أهم مجموعات ال�شاعر‬ ‫ال�شعرية قاطبة‪ ،‬لكن ال�شاعر يرجو �أال يوافقها‬ ‫�إال �أقلة على ر�أيها؛ لأن هذه المجموعة بالن�سبة‬ ‫له ال يعدّها �أكثر من نهاية ذلك الطريق الذي‪:‬‬ ‫« بد�أ وا�سعا في �أوله‬ ‫ثم �ضاق �شيئا ف�شيئا‬ ‫وهو يم�ضي قدما �إلى حافة الأفق‬ ‫حتى انتهى بنقطة»‪.‬‬

‫‪ 134‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫النا�شر ‪ :‬م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬ ‫ال�سنة ‬

‫‪1434 :‬هـ (‪2013‬م)‬

‫�أ�صل هذا الكتاب يمثل م��ادة �أطروحة الدكتوراه‬ ‫التي ح�صل عليها الم�ؤلف ع��ام ‪1973‬م‪ .‬وق��د �صدر‬ ‫الكتاب بالإنجليزية ع��ام ‪1977‬م ف��ي نيويورك عن‬ ‫دار جون ويلي‪ ..‬بعد �أن حدّث الم�ؤلف بع�ض البيانات‬ ‫الإح�صائية‪ ..‬وحذف �أجزاء نظرية من الأطروحة‪ .‬وقد‬ ‫تم و�صفه في المجلة العلمية الأمريكية ال�شهيرة (‪The‬‬ ‫‪ )American Economic Review‬في عددها ال�صادر‬ ‫ف��ي يونيو ‪1977‬م ب��أن��ه (�أول عمل رئي�س كمّي عن‬ ‫االقت�صاد ال�سعودي‪ ،‬وهو كتاب فريد‪ ،‬يبين كيف يمكن‬ ‫التعامل بطريقة ريا�ضية �إح�صائية مع اقت�صاد يت�سم‬ ‫ب�شحِّ المعلومات والبيانات الإح�صائية الدقيقة‪ ،‬وكيف‬ ‫يمكن تكييف الم�صطلحات والتعريفات االقت�صادية‬ ‫مع الواقع الميداني االقت�صادي بهذه الخ�صائ�ص)‪.‬‬ ‫يمثل الكتاب نموذجا ريا�ضيا �إح�صائيا يمكن‬ ‫تق�سيمه �إل��ى �أرب��ع مجموعات رئي�سة‪ ،‬تحتوي كل‬ ‫مجموعة على عدد من المعادالت على النحو التالي‪:‬‬ ‫ •الدخل الكلي‪ :‬ويحتوي على ثماني معادالت رئي�سة‪.‬‬ ‫ •الإنفاق الكلي‪ :‬ويحتوي على ت�سع معادالت‪.‬‬ ‫ •القطاع النقدي‪ :‬ويحتوي على معادلتين‪.‬‬ ‫ •تعريفات‪ :‬وتحتوي على �ست معادالت‪.‬‬

‫ويتفرع عن هذه المعادالت الخم�س والع�شرين‪،‬‬ ‫ع�شرات المعادالت الفرعية‪ ،‬كل ذل��ك تم تقديره‬ ‫وقيا�سه رقميا م��ن قبل ال�م��ؤل��ف رغ��م ع��دم توافر‬ ‫ال �ب �ي��ان��ات الإح �� �ص��ائ �ي��ة ال��دق�ي�ق��ة ع��ن االق�ت���ص��اد‬ ‫ال�سعودي‪ .‬وق��د تكلل ه��ذا الجهد ع��ن بناء نموذج‬ ‫ريا�ضي �إح�صائي ي�صور االقت�صاد ال�سعودي‪ ،‬وفق‬ ‫معطيات علم االق�ت���ص��اد‪ ،‬وبا�ستخدام التقنيات‬ ‫الريا�ضية الإح�صائية‪.‬‬ ‫ورغ ��م م�ضي م��دة طويلة على ن���ش��ره‪ ،‬وتغيُّر‬ ‫مالمح االقت�صاد ال�سعودي‪ ،‬و�صدور العديد من‬ ‫الكتب والأبحاث العلمية عن اقت�صاد المملكة‪ ،‬فال‬ ‫ي��زال يتمتع بمركز ال��ري��ادة؛ لأن��ه �أول كتاب يقدم‬ ‫ما يُعرف ب��أل(ن�م��وذج القيا�سي االقت�صادي) �أو‬ ‫�أل(‪.)Economic Model‬‬ ‫وقد تم تكريم الم�ؤلف الدكتور في�صل الب�شير‬ ‫في منتدى الأمير عبدالرحمن بن �أحمد ال�سديري‬ ‫للدرا�سات ال�سعودية في دورته الرابعة تقديرا لذلك‬ ‫الجهد المتميز للدكتور الب�شير وريادته‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ ‪135‬‬


‫الأن�شـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ــة الثقـ ـ ـ ــافيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫�أن�شطة الم�ؤ�س�سة‬

‫من إصدارات اجلوبة‬

‫■ �إعداد‪ :‬عماد املغربي*‬

‫د‪ .‬الحميد يلتقي د‪ .‬الجا�سر‬ ‫في جناح م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب‬ ‫في جناح م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬ ‫الخيرية بمعر�ض الريا�ض الدولي للكتاب لهذا‬ ‫العام‪ ،‬التقى معالي نائب وزير الثقافة والإعالم‬ ‫الدكتور عبدالعزيز الجا�سر مع معالي الدكتور‬ ‫عبدالواحد بن خالد الحميد نائب وزير العمل‬ ‫ال�سابق ورئي�س هيئة الن�شر بالم�ؤ�س�سة‪.‬‬ ‫وقد ا�ستعر�ض معالي د‪ .‬الحميد مطبوعات‬ ‫الم�ؤ�س�سة وب��رام�ج�ه��ا الثقافية ف��ي منطقتي‬ ‫الجوف وال��غ��اط‪ ،‬وبرنامج الن�شر ال��ذي تقوم‬ ‫بموجبه بطباعة الكتب والأب �ح��اث‪ ،‬كما ق�دّم‬ ‫�شكره لمعالي د‪ .‬الجا�سر‪ ،‬ولمعالي وزير الثقافة‬ ‫الدكتور عبدالعزيز خوجة‪ ،‬ول�سعادة وكيل وزارة‬

‫‪ 136‬اجلوبة ‪ -‬ربيع ‪1434‬هـ‬

‫معالي د‪ .‬الحميد يعر�ض �أحد �أعداد مجلة الجوبة الثقافية‬ ‫لمعالي د‪ .‬الجا�سر نائب وزير الثقافة والإعالم ال�سعودي‪.‬‬

‫الثقافة الدكتور نا�صر الحجيالن على جهودهم‬ ‫الكبيرة ف��ي �إق��ام��ة فعالية معر�ض الريا�ض‬ ‫الدولي للكتاب‪ ،‬م�شيدا بالنجاح الكبير الذي‬ ‫يحققه عاما بعد عام‪.‬‬ ‫ي��ذك��ر �أن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري‬ ‫الخيرية ت�شارك في معر�ض الريا�ض الدولي‬ ‫للكتاب ‪2013‬م‪� ،‬ضمن م�شاركاتها ال�سنوية‪،‬‬ ‫حيث تعر�ض جميع كتبها ومطبوعاتها �إ�ضافة‬ ‫�إلى مجلتي الجوبة الثقافية‪ ،‬و�أدوماتو الآثارية‬ ‫المحكّمة‪.‬‬


‫�صدر حديثاً عن م�ؤ�س�سة عبدالرحمن ال�سديري اخلريية‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.