حوار

Page 1

‫ال�سبت ‪ 25‬جمادي االول ‪ 1434‬هـ املوافق ‪ 6‬ابريل ‪ 2013‬م‬ ‫‪Issue 1171 -6 April 2013‬‬

‫الثقافي‬ ‫الروائي احل�سن بكري لـ(الأهرام الثقايف)‪)2-1(:‬‬

‫‪7‬‬

‫ال أكتب لنيل رضا أحد‪ ..‬إنني أكتب أعمالي بالطريقة التي تروقني وباألدوات التي أمتلكها‬ ‫حاوره‪:‬‬

‫عبدالرحيم ح�سن حمدالنيل‬

‫روائي ميلك م�شروعاً‬ ‫كبرياً يتد ّبره بر�ؤية‬ ‫عميقة وثقافة مو�سوعية؛‬ ‫ملع ا�سمه عقب ح�صول‬ ‫روايته (�أحوال املحارب‬ ‫القدمي) على جائزة‬ ‫الطيب �صالح يف دورتها‬ ‫الأوىل؛ والتي �سبقتها يف‬ ‫امليالد بالن�سبة للكاتب‬ ‫روايتا (البالد ال�شاهقة)‬ ‫‪1997‬م و�سمر الفتنة‬ ‫‪2002‬؛ (الأهرام الثقايف)‬ ‫حاورت الروائي احل�سن‬ ‫البكري من مقر اقامته‬ ‫يف قطر والتي يعمل بها‬ ‫�أ�ستاذاً للأدب االجنليزي‬ ‫بجامعة الدوحة؛ عن‬ ‫الرواية والكتابة ال�سردية‬ ‫وامل�شهد الثقايف ال�سوداين‬ ‫والرتجمة وحماور متعددة‬ ‫جتدونها يف منت احلوار‪:‬‬ ‫كانت املدر�سة الأولية‬ ‫�أيامها تقدم تعليم ًا‬ ‫ممتاز ًا ي�ضع التثقيف‬ ‫والت�أديب على �س ُّلم‬ ‫�أولوياته‬

‫هو زمن ال�سرد‪ ..‬لكن ال يجب �أن يكون هذا مدعاة لالحتفاء‬

‫} حدثنا في البدء عن النشأة‪..‬‬ ‫ال��ت��ك��وي��ن‪..‬وم��ا س��اه��م ف��ي تشكيل‬ ‫وعيك الكتابي؟؟‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ونشأت في ودسلفاب‬ ‫‪ ‬ولدت‬ ‫‪ ‬‬ ‫ب���وس���ط اجل�����زي�����رة؛ وه�����ي القرية‬ ‫نفسها ال��ت��ي ت��رع��رع ب��ه��ا صديقي‬ ‫املوسيقار واملغني الشهير الراحل‬ ‫مصطفى سيد أحمد؛ كانت املدرسة‬ ‫األولية أيامها تقدم تعليم ًا ممتاز ًا‬ ‫يضع التثقيف والتأديب على سلم‬ ‫أولوياته فاملدرسة كانت قد ورثت‬ ‫أصول التعليم املتطورة التي جلبها‬ ‫اإلجن��ل��ي��ز م��ع��ه��م ف��ي��م��ا ج��ل��ب��وا من‬ ‫وسائل ومؤسسات التحديث‪ ،‬إذ هم‬ ‫من أنشأوا مشروع اجلزيرة والسكة‬ ‫احلديد واخل��دم��ة املدنية واجليش‬ ‫وغيرها؛‪ ‬أضف إلى ذلك فقد أقيمت‬ ‫< احلسن بكري وهاشم صديق في احدى الفعاليات‬ ‫بقريتنا واحدة من أوائل اجلمعيات‬ ‫التعاونية ف��ي ال��س��ودان وحظينا‬ ‫لألبعاد اجلمالية للرواية‪ .‬من جانبي‪ ،‬ال أزال على ظني بأن‬ ‫مبدرسة منذ األربعينيات كما ساهمت‬ ‫أجيال من سكان البلدة منذ وقت مبكر في تكريس مبادرات ه��ذه ال��رواي��ة هي من أفضل رواي��ات��ي وأتطلع ألن ال تفوت‬ ‫جادة لتكوين خاليا للعمل السياسي واالجتماعي التقدمي‪ ،‬قراءتها على أحد في خضم هذا السيل من الكتب الذي غدت‬ ‫فشهدنا ليالي للسمر واألدب والسياسة منذ نعومة أظفارنا املطابع تضخه دون توقف‪.‬‬ ‫} ‪ ‬هل هو زمن السرد؟؟‬ ‫وتداولنا أعماال أدبية ومجالت وصحف بشكل منتظم ما‬ ‫‪ ‬هو زم��ن السرد بالفعل‪ .‬لكن ال يجب أن يكون هذا‬ ‫أن أصبح بإمكاننا فك اخلط‪ .‬وقد ارتدت املدرسة مع زمرة‬ ‫من الصحاب األذكياء‪ ،‬القراء‪ ،‬الفنانني فكان من بيننا من مدعاة لالحتفاء‪ .‬يتراجع الشعر ألن العالم يفقد شاعريته‬ ‫تأهل فأصبح موسيقي ًا مبدع ًا أو شاعر ًا رقيق ًا أو طبيب ًا ورومانسيته اخل��ال��دة التي شيدتهما عصور متصلة من‬ ‫العالقات االنسانية التي تقوم على الرهافة والصدق‪ .‬أظن‬ ‫م��اه��ر ًا وس��واه��ا م��ن ال��وظ��ائ��ف والفنون‪ .‬وكنا‬ ‫ونحن أطفال أح��داث نتحصل على املعارف في‬ ‫أمهات الكتب‪ .‬أضف إلى ذلك فقد أقام بالبلدة‪،‬‬ ‫مثلها مثل سائر مناطق اجلزيرة‪ ،‬مزيج مدهش‬ ‫من أق��وام ال��س��ودان‪ ،‬أت��وا بأحاجيهم وغنائهم‬ ‫ورقصهم مما ألهب خيالنا وأخصب وجداننا‪ .‬ثم‬ ‫كان التحاقي بجامعة اخلرطوم وتخصصي في‬ ‫األدب اإلجنليزي تتويجا لنضجي اإلبداعي‪ .‬‬ ‫} ‪ ‬أحوال احملارب القدمي) الرواية التي فازت‬ ‫بجائزة الطيب صالح األولى وهي الرواية الثالثة‬ ‫في ترتيب كتبك؛ أثارت جد ًال كثير ًا رغم أنني لم‬ ‫أعثر على أوراق نقدية ت��وازي هذا اجل��دل؛ وقد‬ ‫قرأت لك مداخلة أسفيرية تقول فيها بأن الكتابات‬ ‫التي تعرضت لها كانت متعجلة ومبتسرة؛ كيف‬ ‫يرى احلسن البكري الى حركة النقد في السودان‬ ‫على ضوء ما سبق ؟؟‬ ‫‪ ‬كتب نقاد عديدون عن أحوال احملارب القدمي‬ ‫واستطاع بعضهم النفاذ إل��ى جوهر الثيمات‬ ‫توسلتها الرواية‪ ،‬لكن ما تزال‬ ‫والتقنيات التي‬ ‫ّ‬ ‫بعض موضوعاتها األساسية مغفلة‪ ،‬مغلقة‪ .‬‬ ‫وبينما أش���ار األس��ت��اذ الناقد امللهم واملترجم‬ ‫البارع مصطفى آدم إلى تفاصيل أساسية تخص‬ ‫ث��ي��م��ات وتقنية ال���رواي���ة‪ ،‬ظ��ل��ت إش���ارات���ه عامة‬ ‫ومختصرة ومجهولة‪ .‬كما أن املقدمة املوجزة‬ ‫ال� ّق��ي��م��ة ال��ت��ي ب��ذل��ه��ا ال��ن��اق��د امل��ص��ري املعروف‬ ‫دكتور صبري حافظ أوان نشر الرواية في املجلة‬ ‫اإللكترونية الرصينة التي يرأس حتريرها‪ ،‬مجلة‬ ‫الكلمة‪ ،‬ما تزال رهينة عموميتها التي تقتضب‬ ‫وتختصر العبء االبداعي الضخم لهذه الرواية‬ ‫في بضعة سطور‪ .‬طبعا هناك االسهامات الفطنة‬ ‫لكبار نقادنا‪ ،‬هاشم ميرغني وعز الدين ميرغني‬ ‫ومجذوب عيدروس ومحمد الربيع محمد صالح‬ ‫ومقالة أحمد مكنات الرائدة التي انتبهت مبكرا‬

‫ُ‬ ‫النمل واخلريطة‬ ‫محمد عثمان عبد النبي‬ ‫أبي مات‪.‬‬ ‫م��������������ن أج������ل������ك������م‬ ‫أق������������وم ب����ح����ف����ر ّي����ات����ي‬ ‫ف�����ي ع���ت���م���ور ال���� ّرغ����ب����ة‪.‬‬

‫شوقها‪ ..‬استغرقتني اللعبة‪ ..‬نصنع قنابل‬ ‫وطائرات وصواريخ من ورق‪ ،‬من الطني‬ ‫غواصات ودبابات وأقمار صناعية ونرتق‬ ‫ح��ذاء (أحمد ال� ّرب��ع��ي)‪ .‬من مركز إعصار‬ ‫الرغبة تقاطروا مندفع َ‬ ‫��ي‪ .‬تسربوا‬ ‫ني إل� َّ‬ ‫ف��ي حل��م ض��ج��ة األس�����واق م��ن��ق��ذف� َ‬ ‫إلي‬ ‫ين َّ‬ ‫والسهو متشردين‬ ‫دروب احليرةش‬ ‫عبر‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ف��ي مدينتي الداخلية ي��ع��دون ويلحفون‬ ‫ف��ي ال��س��ؤال ع��ن��ي ف��ي مدينتهم ودمي‬ ‫يرشح من حيطانها يقطر من رموش‬ ‫الطحلب وأنياب الزهور‪ .‬عندما تركت‬ ‫(ع��ف��اف) عابدها (ح��س��ن) ك��ان البكاء‬ ‫رحلة الرجوع إلى الداخل‪ .‬كذلك كان‬ ‫ال���دم ال���ن���ازف م��ن أش�ل�اء (تاكشيل)‪.‬‬ ‫حت��� ّرك���ت اجل���ن���ازة إل���ى م��ث��واه��ا األخير‬ ‫فتنافزت خاليا جسمي تعثرت األشياء‬ ‫ب���أوت���ار أع��ص��اب��ي ف��ص��در حل���نٌ نشاز‬ ‫ان��غ��ل��ق��ت رم�����وز ال���ع���ال���م ف���ي داخلي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫دفنت أذني وعيني‪.‬‬ ‫فأجهشت بالبكاء‬ ‫لغط النجوم حتت ف��روة رأس املدينة‬ ‫صرير الضحك والثعابني املتساقطة من‬ ‫األيدي املمدودة تتناول (املاه ّية) وصوت‬ ‫النادل يزاحم هواجس املتعطلني‪ .‬أمطار‬ ‫الرصاص املنهمرة من سكينة الطفل‬ ‫ّ‬ ‫مكتظ ًا‬ ‫أم����هِ ‪ .‬ك��ان امل��ن��زل‬ ‫�ان ّ‬ ‫ف��ي أح��ض� ِ‬ ‫ّ‬ ‫الليل ه� ّي� ُ‬ ‫�أت لي فراش َا‬ ‫باملعزين؛ في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫استلقيت على ظهري‬ ‫األرض ثم‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫أطعم‬ ‫القضبان‬ ‫وأخرجت يدي من بني‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫واملرق يسير على‬ ‫اخلبز‬ ‫فتات‬ ‫عصفور ًا‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أطراف أصابعهِ‬ ‫ِ‬ ‫بجبني أجنيال ديفيز‪..‬‬ ‫ِ‬

‫َّ‬ ‫الباقِ ي‬ ‫اجل َناح َ‬

‫ًُ‬ ‫كنت أط��ار ُد فراش ًة وكان‬ ‫يقف‪ ،‬أمام الديوان‪ ،‬طوي ً‬ ‫ال‬ ‫ك����ق����وس ق�������زح‪ ،‬ضخم ًا‬ ‫ك��اجل��ب��ل‪ ،‬مهيب ًا كالليل‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫منهمك في‬ ‫أنظر إليه وأنا‬ ‫أحب‬ ‫م��ط��اردة ال��ف��راش��ة‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫الصليب ألنّ شلوخ أبي‬ ‫ُ‬ ‫وددت‬ ‫ت��ش��ب��ه ال��ص��ل��ي��ب‪.‬‬ ‫ل��و أع��ان��ق حبيبتي حتى‬ ‫أبد ُأ السكينة‪ .‬كالهجليجة‬ ‫����ب عالمة‬ ‫أب����ي وأن�����ا أح� ُّ‬ ‫زائ�����د ش���ارب���اه كأحداق‬ ‫يلوح‬ ‫ال��ب��ح��ي��رة‪ .‬رأي���ت���ه‬ ‫ّ‬ ‫بيده في الهواء ثم يدسها‬ ‫خ��ل��ف��ه��ا‪ .‬وق����ف� ُ‬ ‫���ت أمامه‬ ‫< لوحة عبدالقادر حسن املبارك‬ ‫متام ًا أنظر إليه متسائ ً‬ ‫ال‬ ‫ك��ان��ق��ش��اع ال��غ��م��ام��ا عن‬ ‫انهمكت معها في نشوة ذاهلة‪ .‬قال‪“ :‬خ ّلي‬ ‫القمر املشاغب ضحكة أبي‬ ‫اقتربت من ُه اخلرم واسع عشان العجلة تدور كو ّيس”‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فقفزت (مسكتها بابا)‪ .‬عندما‬ ‫رفع يده فوق مستوى رأسي‪ .‬الفراشة تطل ثم جلس يثقب معي علب الصلصة‪ .‬تد ّلى‬ ‫من بني أصابعه‪ ،‬حت ّدق إلى أعلى‪ ،‬متعن ش��ع��ره ال��ن��اري ع��ل��ى جبينه‪ .‬م��ط لسانه‬ ‫هي التحديق‪ ،‬تخترق احلجب‪ ،‬تستشرف يداعب به شاربه‪ .‬قطر ٌة من اللعاب تعلقت‬ ‫شعرة ذهبية‪ .‬مددت يدي رألزيلها‪ ،‬ثم‬ ‫رفعت يدي برأس‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عامل ًا ساحر ًا غامض ًا مستحيال‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫تباعدت جاذب ًا يدي‪ .‬كان يتنفس كما تتنفس‬ ‫وأخذت ّ‬ ‫ُ‬ ‫أمط جسمي إلى أعلى وقد‬ ‫نحوها‬ ‫جتعد جبيني وت��ه��دل��ت شفتي السفلي‪ .‬أختي الرضيعة (زينب) وهي نائمة‪ .‬كان كل‬ ‫ّ‬ ‫علي ابن‬ ‫منظم ًا إال أن صورة اإلمام‬ ‫�ت منها يبعدها أب���ي عني‪ ،‬شيء‬ ‫ّ‬ ‫كلما اق��ت��رب� ُ‬ ‫يرفعها إل��ى أعلى أكثر وأك��ث��ر‪ .‬لم أقتنع أبي طالب كان يعلوها الغبار فنفضه عنها‪.‬‬ ‫بالهزمية‪ .‬ب���دأت اتسلق جسمه فأمسك‬ ‫دس��ن��ي ف��ي حل��م صدره‪ .‬كانت احل��ج��رة نظيفة إال أن ح���ذاءه كان‬ ‫ب��ي بكلتي ي��دي��ه‪ّ .‬‬ ‫ألف عام مقلوب ًا فأصلح وضعه‪ .‬كان املقهى هادئ ًا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫املدينةِ‬ ‫ُ‬ ‫في‬ ‫أبحث‬ ‫(ظللت‬ ‫تعانقنا‬ ‫ٍ‬ ‫به‪ .‬إال أنّ البوليس جاء واقتاد صديقه الشاعر‬ ‫عن املدينة)‪ .‬تش ّبث بي كاطفل وتش ّب ُ‬ ‫ثت‬ ‫أريد امتالكه‪ .‬أريد أن اغرسه في مناطق الذي كان يجلس معه حلظتها فاندفع يهتف‬ ‫الوعي والال وعي‪ ،‬الشعور والال شعور‪“ ،‬تسقط بريطانيا”‪ .‬قال لي‪“ -:‬اركب عربيتك‬ ‫دفنت أمشي جيب البرسيم للغنم”‪ .‬أفف سقت‬ ‫ُ‬ ‫أن��ت��م��ي ل��ل��ش��يء ال���ذي أح � ّب��ه ف��ي��ه‪.‬‬ ‫الس َّحارة‬ ‫وعيني في ضخامة ص��دره؛ تسللت العربة‪ .‬أفف يزحم الصراع أذني‪َّ .‬‬ ‫�ي‬ ‫ّ‬ ‫أذن� ّ‬ ‫ِّ‬ ‫الشعبة احليطان عمود الشعاع املخترق‬ ‫ال��ف��راش� ُة م��ن إصبعه وط���ارت‪ .‬م��ات أبي‪.‬‬ ‫عتمة احلجرة واجل ّث ُة املُسجا ُة انهمكوا‬ ‫لعبة ش ّيقة‪ .‬امتأل داخلي‬ ‫كان الصراخ كالدوائر املائية حينما يسقط في اخلفاء في‬ ‫ٍ‬ ‫في احمليط جن ٌم ملتهب رويد ًا رويد ًا تبوخ باللعبة وعلى السطح طفت الهواجس‪.‬‬ ‫النار في األع��م��اق وعلى السطح تتباعد‬ ‫الفقاقيع مزمجر ًة ك��ن� ُ‬ ‫�دة على‬ ‫�ت أرس��� ُم خ��ري��ط� ًة مل��دي��ن� ٍ�ة ج��دي� ٍ‬ ‫ال��دوائ��ر املائية تخرج‬ ‫ُ‬ ‫السمك ذو األجنحةِ النارية‪ .‬اجل�����دار ف��ج��رح��ن��ي ح��ج � ٌر ص��غ��ي � ٌر مدبب‬ ‫ُ‬ ‫يتقافز منها‬ ‫�ت َ‬ ‫ف��ن��ادي� ُ‬ ‫س ع���اوز م��ل��ح) ثم‬ ‫س َ‬ ‫(ح���� َر ْ‬ ‫احل���� َر ْ‬ ‫ُ‬ ‫شرعت في الغناء‪ .‬كان النمل‪ ،‬في املقطع‬ ‫ج� ّث��ة أب��ي م��س��ج��ا ٌة على العنقريب‪ ،‬وقد‬ ‫استغرقت ك� ّ�ل األش��ي��اء في تفكير عميق‪ .‬األخ����ي����ر‪ ،‬ي��س��ي��ر ع��ل��ى اخل���ري���ط���ة حسب‬ ‫ٍ‬ ‫ال��س��ق��ف امل���ل���ط���وع ب��ب��ي��وت العنكبوت ق��وان�ين احل��رك��ة ف��ي م��دي��ن��ت��ي اجلديدة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وجمحت في‬ ‫انطويت في ذاك��رة األشياء‬ ‫ِّ‬ ‫والشعبة‬ ‫الع ِرش الفاقح‬ ‫السوداء حطب‬ ‫َ‬

‫أن ال��وق��ائ��ع ف��ي روايتي‬ ‫األخ���ي���رة “طقس حار”‬ ‫متنازعة بشكل مستمر‬ ‫ب�ين احل��ن�ين إل��ي الشعر‬ ‫ف���ي ج��م��ال��ه األب�����دي من‬ ‫ج��ه��ة وراه��ن��ي��ة الواقع‬ ‫وصفاقته التي ال تتيح‬ ‫أي ام��ك��ان��ي��ة للرمسنة‬ ‫والشعرية‪ .‬لكن ال يظنن‬ ‫أحد أن األنواع األدبية ال‬ ‫مت��وت‪ ،‬لقد شهد العالم‬ ‫منذ ق��رون سحيقة موت‬ ‫املالحم واملغازي مثال‪.‬‬ ‫} ‪ ‬في ط��ق��س حار”‬ ‫ن��ل��م��ح ش��ي��ئ� ًا ع��ن احللم‬ ‫باخللود ومحاربة الفناء‬ ‫وال��������زوال ‪..‬ه�����ل تقاوم‬ ‫“املوت” بالسرد ؟؟‬ ‫‪ ‬على م���دى سنوات‬ ‫ك���ت���اب���ت���ي ل���ط���ق���س ح����ار‬ ‫ك���ان امل���وت ي��ت��رص��دن��ا م��ن كل‬ ‫االجت����اه����ات‪ ،‬وه����ذه الرواية‬ ‫هي قطعا محاولة لصد املوت‪ .‬‬ ‫لألسف ظل الفناء س��ادر ًا في‬ ‫غ��ي��ه الفظ‪ .‬ب��ال��ط��ب��ع تتعدد‬ ‫الثيمات فيتم التكريس ألحالم‬ ‫ال تنفد تتعلق باحلب والنضال‬ ‫والشجاعة بل وحتى باخلوف‬ ‫والهزمية والذكريات‪.‬‬ ‫} ‪ ‬أس�����ط�����رة م�����ف�����ردات‬ ‫ال���ي���وم���ي‪ ،‬واإلس����ت����ف����ادة من‬ ‫امل�����وروث واحمل��ك��ي الشعبي‬ ‫وتوظيفهما في عاملك الروائي‬ ‫وكتابتك “احلداثوية”؛ هل‬ ‫يعيد احل��س��ن البكري قراءة‬ ‫وكتابة التاريخ بطريقته ؟‬ ‫‪ ‬تستلهم كتاباتي السردية‬ ‫ال��ت��اري��خ واحل��ك��ي الشعبي ع��ل��ى م��س��ت��وى ب��ن��ي��وي فقط‪ .‬‬ ‫فالتاريخ لدي ليس تاريخا إال مبقدار ما تتيحه النصوص‬ ‫التاريخية من معمار انشائي وما توفره من بيانات (داتا)‬ ‫تتصل بتسجيل األحداث وأرشفتها‪ .‬يصح هذا أيضا على‬ ‫استلهامي للتراث احلكائي الشعبي‪ .‬بل أن جغرافيا املكان‬ ‫لدي هي في كثير من األحيان مجرد خرائط تخص النص‬ ‫ّ‬ ‫السردي أكثر مما تتعلق باملكان في طوبغرافيته املعروفة‪ .‬‬ ‫إن��ه س��رد يحتفي بنفسه ويتناول الواقع باعتباره متاهة‬ ‫ترفده باملفردات التي حتقق امكانية وقوعه كمتخيل ابداعي‬ ‫صرف‪ .‬‬ ‫‪ ‬أنت تصدم أحيان ًا بتناولك مواضيع مح ّرمة غالب ًا‪،‬‬ ‫}‬ ‫َ‬ ‫هي على عالقة باجلسد واجلنس ووضع املرأة‪ ،‬مما يستفز‬ ‫قراءك التقليديني؛ فكيف يتلقى القارىء السوداني كتاباتك‬ ‫هذه؟‬ ‫‪ ‬التحرمي ف��ك��رة ملتبسة وي��ت��ف��اوت تصنيفها بتفاوت‬ ‫األزمنة واملجتمعات؛‪ ‬فبينما كان عاديا قبل سنوات قالئل‬ ‫أن ترتدي كثير من الفتيات تنانير من موديالت امليني جيب‬ ‫بالغة القصر‪ ،‬أمسى صعبا اآلن على كثير منهن مغادرة‬ ‫دورهن دون احكام لف حجبهن؛‪ ‬لكن فيما يتصل باجلنس‬ ‫فقد كان على الدوام موضوع ًا ابداعي ًا مهم ًا؛ وميتد تاريخ‬ ‫استلهامه على مدى ق��رون متصلة‪ ،‬بل ميكن الزعم أنه قد‬ ‫كان على الدوام ومنذ األزل الثيمة األكثر حضور ًا عبر كافة‬ ‫أن��واع االب��داع‪ ،‬حتى أن فقيه ًا كبير ًا كابن حزم األندلسي‬

‫< احلسن بكري‬ ‫الظاهري لم يجد ب��د ًا من تناوله دون أي إحساس بالذنب‬ ‫في كتابه البديع “طوق احلمامة”‪ .‬ك ّرس األدب العربي على‬ ‫مدى العصور تاريخ ًا من املقاربة احلسية للنصوص ال ميكن‬ ‫ألي كاتب ينتمي بأي قدر لذلك التراث األدبي تفادي االنطالق‬ ‫من “منصاتها” أو تناصاتها‪ .‬على كل حال‪ ،‬لم يجابهني أي‬ ‫قراء تقليديني باحتجاجات تختص مبواضيع كتابتي‪ ،‬وعلى‬ ‫نحو ع��ام أن��ا ال أكتب لنيل رض��ا أح��د‪ ،‬إنني أكتب أعمالي‬ ‫بالطريقة التي تروقني وباألدوات التي امتلكها وأدرك كيفية‬ ‫استخدامها‪ .‬فلتحفظنا املالئكة‪ ،‬على قول محمد عبد احلي‪.‬‬ ‫} ‪ ‬من أين يلتقط احلسن البكري شخوصه؛ كيف تعايشها‬ ‫وهل تستمر عالقتك معها عقب االنتهاء من الكتابة؟؟؟‬ ‫‪ ‬في روايتي األول��ى “أهل البالد الشاهقة” كانت واقعة‬ ‫املتمة التاريخية التي أفضت إلى اغتيال إسماعيل باشا حرقا‬ ‫هي ما أوحى باختالق الشخوص‪ ،‬وفي سمر الفتنة حاولت‬ ‫حتقيق “قيامة” من نوع ما لشخصية عجوبا األسطورية‪ .‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ ،‬تتسرب أحداث وشخصيات تقترب من أن‬ ‫تكون حقيقية في “أحوال احمل��ارب القدمي”‪ ‬وف��ي روايتي‬ ‫األخيرة “طقس حار”‪ .‬في الغالب أترك للنص نفسه مجابهة‬ ‫الشخوص مبصائرها‪ ،‬لكنني اهتم كثيرا باتساق الوقائع‬ ‫وإل��ى ح� ٍ�د ما ببناء الشخوص‪ .‬يظل النص ال��س��ردي بكل‬ ‫مكوناته لصيق ًا بوجداني طاملا كنت أكتبه‪ ،‬إال أنني ‪ ‬سرعان‬ ‫ما أتخلى عنه حال اكتماله ويأتي ذلك ضمن مساعي واعية‬ ‫وغير واعية لالنهماك في ابتداع أعمال أخرى‪.‬‬

‫و ِك ْت ٌ‬ ‫مان‬ ‫َك َو ْتهُم احليا ُة‬ ‫و�صعلك ٌة‬ ‫بلفظ جمر ِة احليا ِة الفاتن ْة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ون�سيان‪.‬‬ ‫ع ّذ َب ْتهُم‬ ‫‪َ ‬م ْن ُيغم ُِ�ضو َن العيون‬ ‫مالب�س نومِ ها اخلفيف ْة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ك�أ َّنهُم َيع ِز ُفون ال َك َمان‬ ‫ل َّو َع ْتهُم‬ ‫التي اْ ْبت�س َمتْ َف َغ َو ْت‬ ‫َيف َتحون العيون‬ ‫و َب َكتْ‬ ‫ك�أ َّنهُم ال َك َمان‬ ‫مِ ْنهُم‪.‬‬ ‫َف َ�ضاعُوا‪.‬‬ ‫الوح�ش ُّيون‬ ‫هكذا تعرفهم‪:‬‬ ‫�إىل ح ِّد ين�صبون �أمام الزهرة‬ ‫كال ُمهم حلوى‬ ‫ال�ص ُ‬ ‫العمياء مر�آ ًة‬ ‫مت لأط َفالهِ‪.‬‬ ‫‪ُ ‬يريدُها َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ف َ‬ ‫رتى‬ ‫كل َم ْن مل تر ُه �أبداً مِ ْنهُم‪.‬‬ ‫َمن تذ ُكر ُه عبثاً‬ ‫زهر ًة عمياء‬ ‫مِ ْنهُم‪.‬‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫الن َّقـا ُد ال َق َر ِو ُّيون‬ ‫َمن لمَ ْ يجر ْح قل َبك‬ ‫لل َّنبَاتِ المْ ُعا�ص ْر‪.‬‬ ‫لمَ َي ِعد َْك ب�شي ْء‬ ‫يقتلون ما ال يقولونه‪.‬‬ ‫منهم‪.‬‬ ‫من لو �صادفوا �إخوتهم يف امل�صيبة يبنون املعابد‬ ‫ال يدخلونها �أبداً‪.‬‬ ‫ال يقولون‬ ‫عاب الف�ضول �إىل �أحدٍ ‪..‬مِ ْنهُم‪.‬‬ ‫ال ُي ْه ِر ُقون ُل َ‬ ‫ْ‬ ‫العيون‪.‬‬ ‫وال ترم�ش‬ ‫من َي ْل َز ُمهُم‬ ‫للح ِّب َج ٌ‬ ‫هل و َغ ْطر�س ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ولل َم َحب ِة َم ْع ِرف ٌة و� ٌ‬ ‫إمالق‬ ‫رب‬ ‫ولل�ضغين ِة �ص ٌ‬ ‫‪‎‬خالد ح�سن عثمان‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.