جريدة كلنا سوريون العدد 19

Page 1

‫حناول أن تكون فضا ًء إعالميّاً مفتوحاً على‬ ‫الشأن السور ّي‪ ،‬وتشارك السوريّني حياتهم يف‬ ‫بالد النزوح‪ ،‬ونسعى ألن تكون ساحة لتبادل‬ ‫الرأي وتبادل املعلومة‪ ،‬حماولة جادّة للمساهمة‬ ‫يف صناعة إعالم سور ّي جديد وج ّدي‪ ،‬يساهم‬ ‫ب��دوره يف صياغة وعي وط ّ‬ ‫ين س��ور ّي جامع‪،‬‬ ‫يؤ ّسس لصياغة اهلويّة الوطنيّة اجلامعة ‪.‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية‬ ‫العدد ‪ - 19 -‬السنة األوىل‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني‪2014 /‬‬

‫‪ 12‬صفحة‬

‫من حلب «دي ميستورا» يطرح مبادرته‬ ‫ما بني الطائف والطوائف‪ ،‬ضيّعنا اهلويّة الوطنيّة‬

‫تكليف حكومة وســقوط ائتالف‪ ،‬الفشــل من جديد‬

‫‪newspaper.allsyrians.org‬‬

‫الطريق إلى المؤتمر‬ ‫الوطني العا ّم ال يمرّ عبر‬ ‫ّ‬ ‫مؤتمرات «الطوائف»‬ ‫َّب فشل المعارضة السوريّة في قيادة الثورة السوريّة‪ ،‬وغياب‬ ‫سب َ‬ ‫مشروع وطنيّ جامع يلتقي حوله السوريّون‪ ،‬وأمور أخرى كثيرة‬ ‫شة أساسا ً‬ ‫في زيادة تفتيت البنية االجتماعيّة السوريّة‪ ،‬هذه البنية اله ّ‬ ‫والتي لم تتصلّب تاريخ ّيا ً بما يكفي لكي تقاوم ّ‬ ‫الهزات التي تصيب‬ ‫المجتمعات عادة‪ ،‬وال يكفي هنا لتفسير هذه الهشاشة أن نتح ّدث‬ ‫فقط عن مسؤوليّة النظام طوال ما يقارب خمسة عقود ودوره‬ ‫في تعميق هذه الهشاشة وتكريسها ومحاصرة وسحق ك ّل ما يمكن‬ ‫أن يواجهها‪ ،‬إذ الب ّد هنا أيضا ً من الرجوع إلى تاريخ سوريّة‬ ‫خالل القرون الماضية‪ ،‬هذا التاريخ الذي لم يُتح للشعب السوريّ‬ ‫ّ‬ ‫المتمثل‬ ‫أن يرسّخ مرتكزات دولته ضمن هذا الظرف االستثنائيّ‬ ‫ّ‬ ‫منظمة مكانها‪،‬‬ ‫بغياب الدولة بصيغتها الحديثة وحلول عصابة‬ ‫ّ‬ ‫وتسخر ك ّل إمكانات المجتمع لتعميم‬ ‫عصابة تملك ك ّل أدوات القمع‬ ‫هذا القمع‪ ،‬وبغياب ك ّل ما يمكن أن يش ّكل حصانة أليّ مجتمع‬ ‫في وجه أزماته‪ ،‬كالمؤسّسات والقانون والجيش‪ ،‬ضمن ك ّل هذا‬ ‫انفجرت الثورة السوريّة‪.‬‬ ‫كان الحلم بوطن جديد هو الدافع إلطالق الشعارات األولى‬ ‫للثورة السوريّة حول وح��دة الوطن والشعب وح��ول الحريّة‬ ‫والديمقراطيّة وحول كرامة اإلنسان‪ ،‬لكنّ العنف الشديد الذي‬ ‫جوبهت به طالئع الثورة السوريّة استطاع أن يزيح هذه الشعارات‬ ‫عن واجهة الثورة ليتق ّدم خطابٌ آخر خطابا ً كلّنا يعلم من أين يستم ّد‬ ‫مفرداته‪.‬‬

‫كلّنا سوريون ‪ -‬عدسة زياد عيسى‬

‫تحقيقات العدد‬

‫المبادرات الدولّية في‬ ‫صيغتها الجديدة‬

‫‪ -‬اجلنود األطفال يف سورية‬

‫ص‪6‬‬

‫‪ -‬يف اخليام وحتت القصف‬

‫ص‪6‬‬

‫‪ -‬طلاّ ب سوريّون يف بالد اللجوء‬

‫ص‪7‬‬

‫إن وجد الدواء!‬ ‫‪ -‬ضحايا األسعار‪ْ ،‬‬

‫ص‪7‬‬

‫االقتصادي في‬ ‫تح ّديات النم ّو‬ ‫ّ‬ ‫المستقبل‬ ‫ص‪8‬‬ ‫التحول يتط ّلب النجاح في عدّ ة أمور منها‪:‬‬ ‫إنّ بلوغ هذا‬ ‫ّ‬ ‫الداخلي واستعادة األمن واالستقرار والتقدّ م‬ ‫أ_تسوية النزاع‬ ‫ّ‬ ‫وبخاصة إصالح البنى‬ ‫في عمل ّية إعادة التأهيل والتنمية الشاملة‬ ‫ّ‬ ‫التحت ّية وتحديث الهياكل االقتصاد ّية واإلفادة من آخر التطبيقات‬ ‫والمبتكرات العلم ّية والتقن ّية الحديثة‪.‬‬ ‫د‪ .‬حممّد حاج بكري‬

‫كسر «التابوهات»‬ ‫الثالثة‬ ‫ص‪9‬‬

‫ان��ت��ش��رت ظ��اه��رة المساكنة‬ ‫الجنسي) بين‬ ‫التحرر‬ ‫(كمثال عن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السور ّيين القاطنين في تركيا‪ .‬واألمر يكاد ينطبق على السور ّيين‬ ‫المنتشرين في أنحاء أوروب��ا‪ ،‬سواء كانت المساكنة تحدث بين‬ ‫�وري‪ ،‬ومن المه ّم‬ ‫سور َّيين اثنين‪ ،‬أو بين‬ ‫سوري وآخر غير س� ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلشارة إلى أمور عديدة ساعدت في انتشار هذه الظاهرة ريم احلاج‬

‫السلطة‪ :‬بين الضرورة‬ ‫ُ‬ ‫والحاجة االجتماعّية‬

‫ص ‪10‬‬

‫المشــكلة األســاســـ ّية في‬ ‫الســلطة ه��ي االع��ت��ـ��راف بما‬ ‫ّ‬ ‫حـق وواجـب عند‬ ‫تقـوم بـه من‬ ‫طرفيهـا‪ ،‬فـإذا ك��ان االعتراف‬ ‫متبـادالً وتا ّمـا ً اســتقامت الســلطة‬ ‫كعالقــة أمر ّيـة مشروعة‬

‫عبدو نيب‬

‫ص‪2‬‬

‫استباحة جعلت من سور ّية ساحة لكل ّ‬ ‫فنون اإلرهاب‪ ،‬كما دفعت وتدفع بماليين‬ ‫السور ّيين للهروب خوفا ً من الموت‪،‬‬ ‫محولة سور ّية التي لم تعرف اإلرهاب‬ ‫ّ‬ ‫عالمي لكل ّ إرهاب ّيي العالم‪ ،‬ح ّتى أضحت مسرحا ً ألكثر من‬ ‫سابقاً‪ ،‬إلى مركز جذب‬ ‫ّ‬ ‫المتطرفين‬ ‫ثالثة آالف أور ّب ّي مهووس بقطع الرؤوس البشر ّية‪ ،‬ولعشرات اآلالف من‬ ‫ّ‬ ‫الشيشان ّيين والتونس ّيين والجنس ّيات األخرى‪.‬‬ ‫لؤي حاج بكري‬

‫بين جحيم دانتي‬ ‫وجنّة داعش‬

‫ص‪3‬‬

‫جحي ُم السور ّيين ابتدأ منذ عقود خمسة‬ ‫ماضية بتو ّلي األسد وطغمته المجرمة مقاليد‬ ‫السلطة‪ ،‬لك ّنهم بثورتهم وانتفاضتهم ضدّ‬ ‫الظلم واالستبداد األسود كانوا على موعد مع‬ ‫جحيم آخر على غرار جحيم دانتي الذي م ّثلته‬ ‫لوحة «بوتشي ّلي»‪ ،‬فهم يدركون منذ اليوم‬ ‫األول للثورة بأنّ المواجهة لن تكون ه ّينة أو‬ ‫ّ‬ ‫مأمونة العواقب‬ ‫مصطفى اجلرادي‬

‫إعالن‬ ‫سورية‬ ‫ال ّثورة السور ّية‬ ‫التي أعاد ِ‬ ‫وح‬ ‫الر َ‬ ‫ت ّ‬ ‫إل�����ى ال��ش��ـَّ��ع��ب‬ ‫�وري‪ ،‬هي‬ ‫ال��س��ـ��ـ� ِّ‬ ‫أه����� ُّم ح�����د ٍ‬ ‫ث في‬ ‫ص‪4‬‬ ‫ت���اري���خ س��وري��ة‬ ‫شــعب عظي ٌم أدهـش العال َم ك ّله‪ ،‬الســترجاع وعيه وإرادتـه وثقته‬ ‫المعاصر‪ ،‬قام بها‬ ‫ٌ‬ ‫والتحول إلى ذا ٍ‬ ‫ت حاضر ٍة وفاعل ٍة بعد عقو ٍد من إقصائه وتهميشــه‪.‬‬ ‫بنفســه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بالتعرف على بعضهم بعضا ً من دون‬ ‫فمنذ انطالقتها شــرع الســور ّيون‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حواجـز‪ ،‬وصـاروا يتواصـلون ويتفاعـلون ُمنهـين حقبـة طويلة من االنعزال‬ ‫والجهل ببعضهم‪ ،‬وأخذوا يتبادلون معاناتهم وآالمهم‪ ،‬ويســتردّ ون ذواتـهم التي‬ ‫كلّنا سوريون‬ ‫بدَّ دها القمع واالســتبداد‪.‬‬

‫لم تفشل األحزاب السياسيّة فحسب‪ ،‬بل فشلت ال ُنخب الثقافيّة‬ ‫واالقتصاديّة والدينيّة في إرساء صيغة وطنيّة يمكنها أن تحمي‬ ‫المجتمع السوريّ في أزمة كهذه‪ ،‬كان علينا أن نتعمّق في فهم‬ ‫الدرس العراقيّ جيّداً وأن ندرك أنّ ما ينتظر سوريّة يشابه إلى ح ّد‬ ‫كبير ما جرى في العراق‪ ،‬ال بل‪ ،‬أفظع إذا الحظنا وجود عامل‬ ‫دخول قوّ ات أجنبيّة في العراق‪.‬‬ ‫يمكن القول اآلن‪ ،‬إنّ ما تملكه سوريّة من ركائز إقامة‬ ‫المشروع الوطنيّ يكاد يقارب الصفر‪ ،‬وربّما سيكون األفجع إنْ‬ ‫قلنا إنّ معيقات هذا المشروع وعقباته قد أصبحت أكبر بكثير من‬ ‫نقاط قوّ ته‪.‬‬ ‫لع ّل الرافعة األه ّم التي يجب أن نعمل عليها لقيامة سوريّة هي‬ ‫وعيّ السوريّين بحقيقة المخاطر التي ته ّددهم وته ّدد وطنهم بك ّل‬ ‫وجوهه‪ ،‬يجب أن تلعب ال ُنخب الثقافيّة واالقتصاديّة والسياسيّة‬ ‫والدينيّة دوراً مه ّما ً في صياغة هذا المشروع الوطنيّ الجامع‪،‬‬ ‫مشروع يعيد تشبيك ما ته ّتك من النسيج االجتماعيّ السوريّ ‪،‬‬ ‫ويعيد ثقة السوريّين بالدولة الواحدة الديمقراطيّة‪.‬‬ ‫من هذا المنظور تبدو المؤتمرات التي ّ‬ ‫تمثل مكوّ نات المجتمع‬ ‫السوريّ (طائف ّياً) هي مؤتمرات في السياق الخاطئ بغضّ النظر‬ ‫عن نوايا أفرادها‪ ،‬هذه المؤتمرات التي يُسوَّ ق لها على أ ّنها مق ّدمة‬ ‫لمؤتمر وطنيّ عا ّم‪ ،‬لك ّنه من السهولة القول إنّ الوصول للمؤتمر‬ ‫الوطنيّ العا ّم ال يتطلّب أبداً المرور عبر هذه المؤتمرات‪ ،‬وأنّ‬ ‫التحضير لمؤتمر وطنيّ عا ّم يتطلّب صياغة مشروع وطنيّ وليس‬ ‫صياغة تمثيالت طائفيّة‪.‬‬ ‫لعلّه من اإلجحاف الكبير أن نص ّنف مؤتمر «كلّنا سوريّون»‬ ‫الذي عُقد في القاهرة في آذار ‪ 2013‬ضمن هذه المؤتمرات‬ ‫لسببين رئيسيّين‪:‬‬ ‫أوّ الً – َمن حضروا هذا المؤتمر كانوا ّ‬ ‫يمثلون ك ّل المعارضة‬ ‫السوريّة يومها وليس معارضي طائفة ما‪.‬‬ ‫ثانيا ً – كان هدف هذا المؤتمر هو منع الوصول لهذه الصيغة‬ ‫من المؤتمرات عبر إلغاء ربط طائفة ما بالنظام‪ ،‬هذا الربط الذي‬ ‫عمل عليه النظام لتكريس صورة الحرب األهليّة في الثورة‬ ‫السوريّة‪ ،‬ولوضع مكوّ نات المجتمع السوريّ في حالة حرب فيما‬ ‫بينها‪ ،‬وبالتالي كان هدف المؤتمر األساسيّ هو إعادة وضع النسيج‬ ‫السوريّ كلّه في مواجهة النظام‪ ،‬وال يخفى على أحد من السوريّين‬ ‫وغير السوريّين النتائج الكارثيّة التي تر ّتبت عن فشل هذه المحاولة‬ ‫وبقاء مكوّ نات المجتمع السوريّ رهينة مشاريع اآلخرين وليست‬ ‫رهينة المشروع الوطنيّ ‪.‬‬ ‫إ ّننا بأمسّ الحاجة لمؤتمر وطنيّ عا ّم يلتقي فيه السوريّون‬ ‫ونخبهم على مشروع وطنيّ يعيد انتماء السوريّين إلى وطنهم‬ ‫ّ‬ ‫متأخرة‪.‬‬ ‫أوّ الً‪ ،‬انتما ًء يُعيد غيره من االنتماءات إلى مراتب‬ ‫أخيراً‪ ،‬إنّ الوصول إلى المؤتمر العا ّم عبر المؤتمرات الطائفيّة‬ ‫هو تأسيس لمحاكاة الصيغة اللبنانيّة وهذا مايجب أن يقف ك ّل‬ ‫ب ّسام يوسف‬ ‫السوريّين ض ّده‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫المبادرات الدولّية في صيغتها‬ ‫الجديدة‬

‫مع اقتراب ثورة الغضب الشعبيّ السوريّ من عامها‬ ‫الرابع‪ ،‬لم يغيّر النظام في دمشق من خياراته‪ ،‬باستخدام‬ ‫ك ّل أشكال العنف إلنهائها‪ ،‬وباإلصرار المستمرّ لخلق‬ ‫دام‪ ،‬بين مختلف مكوّ نات المجتمع‪،‬‬ ‫صراع اجتماعيٍ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حفاظا ً على السلطة المطلقة لحاكمه الفرد‪ ،‬ممّا جعل من‬ ‫تلك الخيارات سببا ً رئيسا ً في تحويل البالد نحو ساحة‬ ‫لإلرهاب العالميّ ‪ ،‬جاذبة لك ّل تلك العناصر اإلرهابيّة‬ ‫في معظم التجمّعات البشريّة‪ ،‬التي يُق ّدر عددها ح ّتى‬ ‫اآلن بأربعة وثمانين بلداً‪ ،‬وممّا قد يجعل من كا ّفة‬ ‫الحلول والمبادرات السياسيّة المعلنة مجرّ د فقاعات‪،‬‬ ‫تتالشى بُعيد إطالقها‪ ،‬وقبل استكمال عمليّة تفسيرها‪،‬‬ ‫لتظهر كنوع من حراك مبدعيها الذاتيّ ‪ ،‬أو كنوع من‬ ‫إشعار اآلخرين بوجودهم‪ ،‬مع الفصول الجديدة في‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة في السيطرة المتزايدة‬ ‫دراما العصر السوريّة‪،‬‬ ‫لقوى اإلسالم المتطرّ ف‪ ،‬وتراجع قوى الثورة عن‬ ‫المناطق التي ت ّم تحريرها من قبضة النظام‪ ،‬وفقدان‬ ‫النظام للعديد من مناطق ومراكز انتشار قوّ اته‪.‬‬

‫‪-1-‬‬

‫قد يكون الفشل الذي‬ ‫أصاب مؤتمر جنيف‪،2‬‬ ‫نتيجة لالختالف الدوليّ‬ ‫ف��ي ال��وص��ول إل��ى ح ّل‬ ‫ت��واف��ق��يّ ح���ول صيغة‬ ‫جنيف‪ ،1‬السبب الرئيسيّ‬ ‫م���ن أس���ب���اب ال��غ��ي��اب‬ ‫الالحق لح ّل سياسيّ ‪،‬‬ ‫في حين أنّ التطوّ رات‬ ‫المأساويّة التي أعقبت‬ ‫ذلك المؤتمر‪ ،‬تعتبر سببا ً‬ ‫كافيا ً لتكثيف الجهود‪،‬‬ ‫لكن م��ا ُي��ط��رح اليوم‬ ‫م��ن م��ب��ادرات وخطط‬ ‫سياسيّة‪ ،‬بعيدة عمّا ت ّم بحثه في مؤتمرات جنيف‪ ،‬ال‬ ‫يدلّل إلاّ على الرؤى الفر ّدية ألصحابها‪ ،‬فالمبادرة‬ ‫الروسيّة األخيرة‪ ،‬التي يحلو للبعض رؤيتها كمق ّدمة‬ ‫لموسكو‪ 1‬أو لجنيف‪ ،3‬والمستندة إلى فكرة تشكيل‬ ‫حكومة من النظام وبعض أطياف المعارضة‪ ،‬دون‬ ‫أيّة إضافات أخرى تتعلّق ببنية النظام القائم‪ ،‬ممّا دفع‬ ‫بالعبها األساسيّ الشيخ الخطيب‪ ،‬ليعلن براءته من‬ ‫التفسيرات التي حملتها المبادرة‪ ،‬في اإلبقاء على األسد‬ ‫ّ‬ ‫الذي ّ‬ ‫خطة‬ ‫تلطخت يداه بدماء السوريّين‪ ،‬كذلك فإنّ‬ ‫المبعوث الدوليّ «دي ميستورا» المنطلقة من انسداد‬ ‫آفاق الح ّل السياسيّ ‪ ،‬طارحة البدء بتجميد الصراع‬ ‫انطالقا ً من مدينة حلب‪ ،‬عبر ا ّتفاقات وقف للنار‪،‬‬ ‫وصوالً لتحقيق مصالحات‪ ،‬وتوسيع اإلدارات المحلّيّة‬ ‫كشكل المركزيّ ‪ ،‬قبل إجراء انتخابات محلّيّة وبرلمانيّة‬ ‫ترتق في هذا الطرح‪ ،‬كما هو‬ ‫تلغي النظام السابق‪ ،‬لم‬ ‫ِ‬ ‫واضح‪ ،‬ح ّتى إلى مستوى القبول األوّ ليّ ‪ ،‬ناهيك عن‬

‫ما العمل؟‬

‫أصبح من المألوف‪ ،‬والشائع‪ ،‬األحاديث‬ ‫ ‬ ‫النقديّة التي تدور حول «االئتالف الوطنيّ » الذي‬ ‫ي ّدعي تمثيل الثورة السوريّة والمعارضة‪ ،‬ويحتكر هذا‬ ‫التمثيل‪ ،‬وفشل هذا االئتالف بأن يكون قائداً سياس ّيا ً‬ ‫للثورة‪ .‬وبالتالي عجزه عن مواجهة استحقاقات الثورة‪،‬‬ ‫التي أفرزها الصراع الطويل مع نظام الطاغية‪،‬‬ ‫والمستمرّ ح ّتى اآلن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تتمثل أوّ الً‪ ،‬في التمثيل‬ ‫هذه االستحقاقات‬ ‫ ‬ ‫السياسيّ للثورة‪ .‬فاالئتالف وقبله المجلس الوطنيّ منذ‬ ‫تش ّكله ّ‬ ‫وزع األوهام حول السقوط السريع للنظام‪ ،‬بفعل‬ ‫ّ‬ ‫للتدخل‬ ‫دعواته عبر الفضائيّات‪ ،‬ألمريكا والغرب‬ ‫العسكريّ على الطريقة الليبيّة‪ .‬وبعد أن وضع َقدَ ر‬ ‫الثورة وأوراقها على موائد الحاضنة األوّ ليّة العربيّة‪،‬‬ ‫وخاصّة «السعوديّة وقطر» باإلضافة إلى تركيا‪،‬‬ ‫استراح ليلتفت إلى تشكيل نفسه‪ ،‬وانشغل بصراعاته‬ ‫الداخليّة على المواقع والمناصب داخل االئتالف بما‬ ‫يؤ ّ‬ ‫شر للجوع التاريخيّ المتالك السلطة والتسلّط‪ .‬كما‬ ‫حصل عبر مسيرته وانتقاله من المجلس الوطنيّ ‪ ،‬إلى‬ ‫االئتالف‪ ،‬ث ّم توسعة االئتالف‪ ،‬ث ّم تشكيل الحكومة‬ ‫المؤ ّقتة‪ ،‬التي لم تش ّكل سوى مستنقع جديد لمؤسّسات‬ ‫الثورة الجديدة‪ .‬وأيضا ً كما حصل في الشهور الثالثة‬ ‫الماضية وانشغاله بانتخاب رئيس االئتالف‪ ،‬ورئيس‬ ‫الحكومة المؤ ّقتة‪ ،‬والمجلس العسكريّ ‪ .‬وهو يجهّز‬ ‫نفسه منذ اآلن لثالثة أشهر جديدة‪ ،‬وانتخابات جديدة‪،‬‬ ‫وهكذا‪ .‬بمعنى آخر لم يكن في برنامجه أن يعمل‬ ‫بالسياسة‪ ،‬التي تعني إدارة شؤون الثورة والشعب‬ ‫على كا ّفة األصعدة السياسيّة والعسكريّة واالجتماعيّة‬ ‫واالقتصاديّة‪.‬‬ ‫‪-2‬‬‫لم تتو ّقف هذه االنتقادات عند عموم الشعب السوريّ ‪،‬‬ ‫إ ّنما التقطها أعضاء االئتالف أنفسهم ليواجهوا بها‬ ‫منتقديهم في أيّ لقاء يجمعهم مع الناشطين والذين‬ ‫يدعون أيضا ً اهتمامهم بشؤون الثورة والمجتمع‪ ،‬وهم‬ ‫يتح ّدثون عن غياب السياسة في االئتالف‪ ،‬وفقدانهم‬ ‫للقرار الوطنيّ المستقلّ‪ ،‬والشرذمة عند الكتائب‬ ‫المسلّحة‪ ،‬والفساد الذي أصبح ظاهرة طبيعيّة في‬ ‫دهاليز االئتالف والحكومة‪ ،‬وعدم قدرتهم على إدارة‬ ‫المناطق المحرّ رة‪ ،‬وهجرة الماليين من الشعب نحو‬ ‫مخيّمات الدول المجاورة‪ ،‬ليس بسبب قصف النظام‬ ‫بالصواريخ والبراميل المتفجّ رة فقط‪ ،‬إ ّنما النعدام‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫قراءة سياسية‬

‫إ ّن ما جيري‪ ،‬ال يشري إلاّ إىل وقوع املزيد من املناطق‬ ‫حتت رمحة السيف اإلرهاب ّي‪ ،‬عرب تنظيمي «داعش» و‬ ‫«النصرة»‪.‬‬

‫غياب أيّ مؤ ّ‬ ‫شرات لتخلّي النظام عن خياراته في القتل‬ ‫والتدمير‪.‬‬ ‫بالمقابل‪ ،‬فإنّ ما يجري‪ ،‬ال يشير إلاّ إلى وقوع‬ ‫المزيد من المناطق تحت رحمة السيف اإلرهابيّ ‪ ،‬عبر‬ ‫تنظيمي «داعش» و «النصرة»‪ ،‬بالرغم من الضربات‬ ‫الجوّ يّة الواقعة عليهما من قبل التحالف الدوليّ ‪،‬‬ ‫حيث تحوّ لت المعارك في عين العرب (كوباني)‬ ‫إلى مسألة تأكيد «داعشيّ » على البقاء والتم ّدد‪ ،‬فيما‬ ‫ُتحكم «النصرة» سيطرتها المطلقة على مواقع هامّة‬ ‫للمعارضة المسلّحة السوريّة في إدلب وحماة‪ ،‬بإخراج‬ ‫«جيش المجاهدين» و «حركة حزم» بينما تشهد‬ ‫مناطق القلمون وريف دمشق تحرّ كا ً ملحوظا ً لتلك‬ ‫القوى المتطرّ فة‪ ،‬مع األحاديث الواردة عن الرفض‬ ‫الشعبيّ لـ «جيش اإلسالم» في معقله األساسيّ بدوما‪،‬‬ ‫في حين تتواصل عمليّات التق ّدم على قوّ ات النظام‬ ‫جنوبا ً في القنيطرة ودرعا‪ ،‬مشيرة إلى مشاركة واسعة‬ ‫من قبل «النصرة» مع تلك الوقائع ال يمكن مالحظة‬ ‫أيّ تق ّدم مه ّم للنظام‪ ،‬الذي بات يعاني كذلك‪ ،‬من حاالت‬ ‫مختلفة من الردود السلبيّة في صفوف المؤيّدين‪ ،‬بعد‬ ‫عمليّات الذبح المصوّ رة لضباطه من قبل «الداعشيّين»‬ ‫بينما ال تشير الحرب التي أعلنها التحالف الدوليّ بقيادة‬ ‫الواليات الم ّتحدة‪ ،‬إلى أيّ خروج عن إطار الضربات‬ ‫ّ‬ ‫المتقطعة لمواقع مح ّددة‪ ،‬برغم التصريحات‬ ‫الجوّ يّة‬ ‫ّ‬ ‫مؤخراً‪ ،‬في ربطه بين‬ ‫الصاخبة للرئيس األمريكيّ‬ ‫إزاحة األسد وهزيمة «داعش» التي سارع لتهدئتها‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة باعتبار التعاون معه‬ ‫عبر التصريحات الالحقة‬ ‫لتحقيق ذلك إضعافا ً للتحالف‪.‬‬ ‫في اإلشارة إلى تلك التحوّ الت‪ ،‬كتحوّ الت من ثورة‬ ‫شعب ض ّد المستب ّد المهيمن على ك ّل مق ّدرات البالد‪،‬‬

‫إلى وطن مستباح بآالت الموت والدمار المختلفة‪،‬‬ ‫من قبل جند النظام والميليشيات التي استقدمها من‬ ‫ّ‬ ‫المتنطعين لحمايته‬ ‫األوساط الشيعيّة اإلقليميّة‪ ،‬كما من‬ ‫من وافدين وأمراء حروب محليّين‪ ،‬استباحة جعلت‬ ‫منه ساحة لك ّل فنون اإلره��اب‪ ،‬كما دفعت وتدفع‬ ‫بماليين السوريّين للهروب خوفا ً من الموت‪ ،‬محوّ لة‬ ‫سوريّة التي لم تعرف اإلره��اب سابقاً‪ ،‬إلى مركز‬ ‫جذب عالميّ لك ّل إرهابيّي العالم‪ ،‬ح ّتى أضحت مسرحا ً‬ ‫ألكثر من ثالثة آالف أوربّيّ مهووس بقطع الرؤوس‬ ‫البشريّة‪ ،‬ولعشرات اآلالف من المتطرّ فين الشيشانيّين‬ ‫والتونسيّين والجنسيّات األخرى‪.‬‬ ‫في الحديث عن اإلره���اب‪ ،‬ال��ذي ش ّكل الورقة‬ ‫األساسيّة للنظام‪ ،‬ملوّ حا ً بها ح ّتى قبل وقوعه‪ ،‬ربّما‬ ‫يمكن القول بأنّ ثمّة ما هو جدير بالتو ّقف عنده‪ ،‬بعيداً‬ ‫عن المماحكات في األسباب والنتائج‪ ،‬سواء أكان ذلك‬ ‫النظام مسبّبا ً له أو مستشعراً به‪ ،‬والب ّد من البحث‬ ‫عن ال َمخرج من تلك المتاهة التي فُرضت على ك ّل‬ ‫السوريّين‪َ ،‬مخرج قد ال يت ّم العثور عليه من خالل‬ ‫تلك المبادرات الخارجيّة المتالحقة‪ ،‬التي تثير التساؤل‬ ‫بعد ك ّل ذلك االنتشار الواسع لألعمال اإلرهابيّة‪ ،‬حول‬ ‫إمكانيّة التوصّل إلى ح ّل مناسب‪ ،‬مالم يتضمّن البدء‬ ‫بإقامة دولة جديدة قادرة على دحر ك ّل اإلرهابيّين‪ ،‬من‬ ‫«دواعش» وميليشيات شيعيّة ومجرمين سوريّين‪ ،‬أم‬ ‫أنّ تلك المبادرات ليست أكثر من محاوالت محكومة‬ ‫بالفشل‪ ،‬مع تعاظم الخطر الطاغي على المنطقة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والمتمثل في «اإلسالم القاعديّ الجديد» الذي ا ّتخذ من‬ ‫سوريّة والعراق مركزاً له‪ ،‬والساعي للتم ّدد في واليات‬ ‫متناثرة كما في سيناء وليبيا‪.‬‬

‫لؤي حاج بكري‬

‫يصرخ أعضاء االئتالف بأ ّن اجملتمع الدول ّي هو املسؤول ألنّه مل‬ ‫يق ّدم الدعم الكايف‪ ،‬ومل يعمل على إسقاط النظام‪.‬‬

‫األم����ن واألم����ان‬ ‫في هذه المناطق‪،‬‬ ‫وع������دم ت��أم��ي��ن‬ ‫ال���ض���روريّ���ات‬ ‫األساسيّة للحياة‪.‬‬

‫وح��ي��ن ينتقل‬ ‫ال����ح����دي����ث ع��ن‬ ‫المسؤولية تجاه‬ ‫ه������ذا ال���ف���ش���ل‪،‬‬ ‫ي��ص��رخ أع��ض��اء‬ ‫االئ����ت��ل�اف ب���أنّ‬ ‫المجتمع ال��دول��يّ‬ ‫هو المسؤول أل ّنه لم يق ّدم الدعم الكافي‪ ،‬ولم يعمل‬ ‫على إسقاط النظام‪ .‬ويتجرّ أ آخر ويصف أغلبيّة‬ ‫أعضاء االئتالف بالالمسوؤليّة إلى ح ّد نزع الصفة‬ ‫الوطنيّة عن غالبيّتهم‪ .‬ويعزو عضو ثالث هذا الفشل‬ ‫إلى التك ّتالت السياسيّة داخل االئتالف المرتهنة إلى‬ ‫قطر‪ ،‬أو السعوديّة‪ ،‬أو أمريكا‪ ،‬وانعكاس صراع هذه‬ ‫الدول على مسيرة االئتالف‪ .‬ويضيف رابع لكي ينهي‬ ‫النقاش‪ ،‬بأ ّننا جميعا ً مسؤولون عن هذا الفشل‪ .‬وهي‬ ‫محاولة مكشوفة للتعمية‪ ،‬وتبديد المسؤوليّة ونثرها‬ ‫على رؤوس الجميع‪ .‬بحيث يمكن القول إنّ الشعب‬ ‫هو المسؤول عن نتائج ثورته‪ ،‬والشهداء مسؤولون‬ ‫عن استشهادهم‪ ،‬واألطفال مسؤولون عن تشرّ دهم‪.‬‬ ‫لكي يهرب من االعتراف بأنّ االئتالف الذي يحتكر‬ ‫تمثيل الثورة‪ ،‬ويتسوّ ل األموال باسمها‪ ،‬لكي ينفقها‬ ‫على رفاهيّته‪ ،‬وتجواله في فنادق العالم‪ ،‬هو المسؤول‬ ‫األوّ ل عن هذا الفشل في إسقاط النظام ح ّتى اآلن‪.‬‬ ‫‪-3‬‬‫يستمرّ الحوار إلى أن يصل إلى السؤال الها ّم‪ :‬ما‬ ‫هو الحلّ؟ ما هو المخرج من المأزق الراهن المظلم؟‬ ‫لقد ّ‬ ‫وزع رئيس االئتالف الجديد «البحرة» في لقائه مع‬ ‫النشطاء في غازي عنتاب تفاؤله بالدورة الجديدة‪ ،‬وأنّ‬ ‫لديه الخطط االستراتيجيّة الجديدة إلخراج االئتالف‬ ‫من غيبوبته ومشاكله وفساده‪ ،‬إلخ‪ .‬والتأسيس لقيادة‬ ‫سياسيّة‪ ،‬وجيش وطنيّ ‪ ،‬وكذلك انتقال الحكومة المؤ ّقتة‬ ‫للداخل‪ .‬بعد انتقاده آلليّات العهد القديم‪ ،‬وبطريقة ال‬ ‫تختلف عن خطاب مدير عا ّم جديد في إحدى مؤسّسات‬ ‫الدولة التي نعرفها جيّداً‪ .‬وبالتالي ك ّل المؤ ّ‬ ‫شرات تشير‬ ‫إلى أنّ أيّ إصالح حقيقيّ لالئتالف لن يحدث‪.‬‬ ‫بالمقابل‪ ،‬الدعوة إلسقاط االئ��ت�لاف‪ ،‬ليس هو‬

‫الح ّل أل ّن��ه الوحيد‬ ‫المعترف به عرب ّيا ً‬ ‫ودول � ّي �اً‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ي��ج��ب أن يبقى‬ ‫ح�� ّت��ى ال تصبح‬ ‫الثورة يتيمة!‪ .‬دون‬ ‫التطرّ ق إلى أه ّميّة‬ ‫أن يكون االئتالف‬ ‫معترفا ً به من قبل‬ ‫الشعب ال��س��وريّ‬ ‫المشرّ د في الداخل‬ ‫وال����خ����ارج‪ .‬ألنّ‬ ‫الخارج بنظرهم هو األه ّم‪ .‬وهو صاحب النعمة الذي‬ ‫يدفع لهم مر ّتباتهم‪ ،‬والداخل أصبح بيد الجهاديّين‬ ‫اإلرهابيّين من جهة‪ ،‬والنظام من جهة ثانية‪ .‬وبالتالي‬ ‫هم جا ّدون بالعمل مع تركيا خاصّة‪ ،‬من أجل توفير‬ ‫منطقة آمنة بالداخل‪ ،‬ح ّتى ينقلوا إليها فنادقهم‪ ،‬وخاصّة‬ ‫بعد حصول العديد منهم على الجنسيّة التركيّة‪.‬‬ ‫‪-4‬‬‫ببساطة‪ ،‬االئتالف بالرغم من انعدام أه ّميّته‬ ‫السياسيّة عند الشعب‪ ،‬وح ّتى عند «أصدقاء سورية»‬ ‫إلاّ أ ّنه مستمرّ فوق رؤوسنا‪ ،‬لعدم وجود البديل‪ .‬فهذا‬ ‫َقدَ رنا‪ ،‬وهذه بضاعتنا‪ ،‬أو هذا ما أفرزه مجتمعنا خالل‬ ‫السنوات الثالث من عمر الثورة‪ .‬لكنّ المرحلة الراهنة‬ ‫خطيرة ومظلمة في تاريخ الثورة السوريّة والتي يمكن‬ ‫تسميتها «عصر اإلرهاب» إشارة إلى الصراعات‬ ‫الفعليّة على األرض‪ ،‬وهي صراعات بين مكوّ نات‬ ‫إرهابيّة‪ ،‬عناصرها األساسيّة‪ ،‬النظام السوريّ‬ ‫والعراقيّ وميليشياتهم الطائفيّة‪ ،‬والجهاديّين‪ ،‬وبرعاية‬ ‫التحالف الدوليّ الذي يعمل على إدارة هذه الصراعات‬ ‫وتعميقها‪ ،‬واستمرارها لسنوات طويلة‪ ،‬لصالح هذه‬ ‫األنظمة‪ ،‬ودون أن يكون لالئتالف أيّ دور فعليّ فيها‪،‬‬ ‫وهو خارج الساحة نهائ ّياً‪.‬‬ ‫والسؤال الها ّم‪ :‬ما العمل؟ للخروج من المرحلة‬ ‫المستنقعيّة التي تمرّ بها الثورة؟‬ ‫ك بأنّ صعوبة اإلجابة تكمن في الحاجة إلى‬ ‫الش ّ‬ ‫عقل سياسيّ جديد‪ ،‬قادر على االستجابة والعمل على‬ ‫إعادة السياسة إلى الثورة السوريّة‪ ،‬وإعادة خطاب‬ ‫الثورة الوطنيّة السوريّة إلى الواجهة بعد أن أزاحته‬ ‫جانبا ً األعالم السوداء‪ ،‬لكنّ هذا العقل لن يهبط علينا‬ ‫من السماء‪ ،‬أو يمكن أن ننتجه من العدم‪ ،‬وبذلك تبقى‬

‫المراهنة على أنّ هذا الواقع هو الذي سيفرز هذا‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫والمراهنة على مخاض الثورة المستمرّ ‪ ،‬والذي‬ ‫لن يوقفه تسلّط االئتالف الراهن‪ ،‬أو مستنقع الحكومة‬ ‫المؤ ّقتة‪ .‬وك ّل مرحلة مستنقعيّة‪ ،‬تفرز مخاضا ً جديداً‬ ‫للخروج منه‪ ،‬مق ّدمته األساسيّة اإلجابات المتع ّددة على‬ ‫السؤال الها ّم‪ :‬ما العمل؟ تنتجها ورشات عمل حقيقيّة‬ ‫ج ّديّة‪ ،‬وليست خطابيّة فندقيّة‪ ،‬وتستند إلى قراءة واقعيّة‬ ‫لألسباب التي أ ّدت إلى خروج الديمقراطيّين الوطنيّين‬ ‫من ساحة الثورة‪ ،‬والفشل في فرز قيادة سياسيّة للثورة‪،‬‬ ‫والتأسيس لجيش وطنيّ ثوريّ ‪ ،‬بعد تحوّ لها إلى ثورة‬ ‫مسلّحة‪ .‬وهذا بحاجة إلى جهود جماعيّة‪ ،‬والمهم أن‬ ‫ّ‬ ‫متأخرة ج ّداً‪.‬‬ ‫تبدأ‪ ،‬ح ّتى لو كانت البداية‬ ‫ويبدو أنّ المرحلة المقبلة تحمل ارهاصات أوّ ليّة‬ ‫إلعادة البناء‪ .‬مصادرها أوّ الً‪ :‬من االئتالف نفسه‪ ،‬الذي‬ ‫سيفرز مكوّ ناته الوطنيّة الديمقراطيّة‪ ،‬عبر تك ّتالت‬ ‫جديدة قد تفصح عن نفسها في األشهر المقبلة‪ .‬وثانياً‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫المنظمات أو األحزاب التي تش ّكلت حديثاً‪،‬‬ ‫أن تتحسّس‬ ‫المسؤوليّة الوطنيّة‪ ،‬وتنتقل من دكاكينها الصغيرة‪،‬‬ ‫نحو رؤية سياسيّة جديدة للتحالفات‪ ،‬وخاصّة أ ّنها‬ ‫تطرح نفس البرنامج الوطنيّ ‪ ،‬الذي يهدف إلى بناء‬ ‫الدولة الوطنيّة المدنيّة الديمقراطيّة لك ّل السوريّين‪.‬‬ ‫وثالثاً‪ :‬انتقال األفراد المستقلّين من الحالة الفرديّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫منظمة‪ ،‬لالنتقال‬ ‫واالنتظام في مجموعات‪ ،‬أو خاليا‬ ‫من النقد والتوصيف إلى العمل‪ ،‬أو االنتقال من اال ّدعاء‬ ‫باالنضمام للثورة‪ ،‬إلى الفعل السياسيّ الوطنيّ ‪ ،‬والذي‬ ‫ّ‬ ‫المنظم المشترك‪.‬‬ ‫ال يكون كذلك إلاّ بالعمل‬ ‫وعندما ترى النور نتائج هذه اإلرهاصات‪ ،‬تصبح‬ ‫األرض ممهّدة فعل ّياً‪ ،‬للدعوة إلى مؤتمر وطنيّ شامل‬ ‫لك ّل القوى الوطنيّة الديمقراطيّة‪ ،‬ح ّتى ينتج قيادة‬ ‫سياسيّة جبهويّة للثورة‪ ،‬ولتكن على طريقة المقاومة‬ ‫الفلسطينيّة التي اختبرها ويعرفها ك ّل السوريّين‪ ،‬أو أيّ‬ ‫شكل جبهويّ جديد‪ ،‬باإلضافة إلى جسد تنظيميّ على‬ ‫األرض‪ ،‬يحمل ويدافع عن خطاب الثورة السياسيّ ‪،‬‬ ‫إلى جانب الجيش الوطنيّ الثوريّ الذي سيكون عندئذ‬ ‫قادراً على تحرير سورية بالكامل من تسلّط الطاغية‪.‬‬ ‫وإنْ لم يحصل إنقاذ للثورة من مرحلة اإلرهاب‬ ‫الراهنة‪ ،‬فإنّ التاريخ سيكتب بالقلم العريض عجز‬ ‫الطبقة السياسيّة الراهنة‪ ،‬إلى حدود الخيانة‪ ،‬التي‬ ‫يمقتها الجميع‪.‬‬

‫مروان عبد الرزّاق‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫قراءة سياسية‬

‫العدد ‪19‬‬

‫‪3‬‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫بين جحيم دانتي وجنّة داعش‬ ‫لم ي � ُدر في َخ َل ِد «دانتي أليغييري» صاحب‬ ‫«الكوميديا اإللهيّة» والتي ُتعتبر أبرز األعمال األدبيّة‬ ‫على المستوى العالميّ والتي تنقسم إلى ثالثة أجزاء‪:‬‬ ‫الجحيم (انفيرنو)‪ ،‬المطهر‪ ،‬والج ّنة‪ ،‬جحيم دانتي‬ ‫ورؤيته الدنيويّة لها تركت أثراً بالغا ً في ك ّل األعمال‬ ‫اإلبداعيّة وفي ش ّتى المجاالت‪ ،‬وكانت بصمته واضحة‬ ‫على ج ّل المبدعين الذين عرفهم العالم سواء من الذين‬ ‫عاصروه أو تلوه الحقاً‪ ،‬بل ح ّتى مبدعي العصور‬ ‫الحديثة ّ‬ ‫تأثروا به بشكل أو بآخر‪.‬‬ ‫لكن بالرغم من ك ّل هذا لم يكن يتصوّ ر دانتي أنّ‬ ‫أفراداً أو جماعات تستطيع منافسته في تقديم تجسيد‬ ‫واقعيّ للجحيم بك ّل معانيه وأحواله‪ .‬لذا َمنْ أفضل من‬ ‫«داعش» ومجاهديها الذين اجتهدوا إلحالة الجحيم‬ ‫األ ُ ْخ َر ِويّ إلى جحيم دنيويّ يُعاش يوم ّيا ً ويصبح واقعا ً‬ ‫ملموسا ً ال مخياالً يبقى حبيس األذهان والعقول‪ ،‬كان‬ ‫الرسام اإليطاليّ الشهير «ساندرو بوتشيلّي» الشديد‬ ‫ّ‬ ‫التأثر بدانتي أبرع من ق ّدم مقاربة دقيقة لوصف‬ ‫الجحيم المفزع الذي عبّر عنه دانتي بلوحته الشهيرة‬ ‫«المابا ديل إنفيرنو»‪ ،‬فصوّ رت اللوحة الجحيم على‬ ‫شكل قمع تحت األرض وأبرزته على شكل مشهد‬ ‫مخيف من النار والكبريت ومياه الصرف الصحيّ‬ ‫إضافة للشيطان المنتظِ ر في مركز القمع‪ ،‬وبحسب‬ ‫لوحة «بوتشيلّي» فقد كانت مستويات الجحيم عبارة‬ ‫عن حلقات تسع يُعاقب فيه الخطأة والمذنبون بحسب‬ ‫مقدار الخطيئة المرتكبة‪.‬‬ ‫جحي ُم السوريّين ابتدأ منذ عقود خمسة ماضية بتولّي‬ ‫األسد وطغمته المجرمة مقاليد السلطة‪ ،‬لك ّنهم بثورتهم‬ ‫وانتفاضتهم ض ّد الظلم واالستبداد األسود كانوا على‬ ‫موعد مع جحيم آخر على غرار جحيم دانتي الذي‬ ‫ّ‬ ‫مثلته لوحة «بوتشيلّي»‪ ،‬فهم يدركون منذ اليوم األوّ ل‬

‫للثورة بأنّ المواجهة‬ ‫لن تكون هيّنة أو‬ ‫م��أم��ون��ة العواقب‬ ‫‪،‬فالسوريّون الذين‬ ‫رغ��ب��وا باالنعتاق‬ ‫والتحرّ ر من نظام‬ ‫س��ا َم��ه��م ص��ن��وف �ا ً‬ ‫متلوّ نة ومتع ّددة من‬ ‫ال��ع��ذاب ورغ��ب��وا‬ ‫باسترداد حقوقهم‬ ‫اإلنسانيّة األساسيّة‬ ‫ّ‬ ‫متمثلة بشعارات‬ ‫الحرّ يّة والكرامة‬ ‫وال���م���س���اواة التي‬ ‫صدحوا بها عاليا ً‬ ‫ف��ي مظاهراتهم‪،‬‬ ‫ك��ان��ت كفيلة ب��أن‬ ‫يفتح النظام المجرم‬ ‫أب������واب جحيمه‬ ‫ال��م��خ��ب��وءة وق���رّ ر‬ ‫تخييرهم بين بقائه‬ ‫أو جعل البالد جحيما ً حقيق ّيا ً يفرّ منه البشر‪ ،‬متواليات‬ ‫العذاب هذه التي قاساها السوريّون من هذا النظام‬ ‫ بك ّل أنواع األسلحة ‪ -‬تكاد تكون مطابقة لحلقات‬‫الجحيم التي مرّ بها دانتي‪.‬‬ ‫ك ّل ما فعله هذا النظام في مواجهة شعب صمد‬ ‫أمام همجيّته المتواصلة تجاه شعب ال حول له أو‬ ‫قوّ ة لم يثنِه عن المباشرة في جعل الرواية التي تش ّدق‬ ‫بها إعالمه عن وجود قوى إره��اب تكفيريّة تريد‬ ‫إنهاء الدولة الحديثة العلمانيّة ‪ -‬على ح ّد زعمه ‪ -‬فقام‬ ‫بإخراج السجناء المعروفين بخطابهم الدينيّ المتش ّدد‬

‫مقترح دي ميستورا يقلقني‬

‫وانتمائهم وتبعيّتهم‬ ‫لتنظيم ال��ق��اع��دة‪،‬‬ ‫وس��اه��م بشكل أو‬ ‫بآخر بالتغاضي عن‬ ‫دخ��ول الجهاديّين‬ ‫الذين‬ ‫التكفيريّين‬ ‫سيساهمون بجعل‬ ‫روايته المكذوبة‬ ‫إل��ى حقيقة بيّنة ال‬ ‫لبس فيها‪ ،‬وكان ذلك‬ ‫م��ع والدة «جبهة‬ ‫النصرة» الذي بايع‬ ‫الظواهريّ ‪ ،‬والحقا ً‬ ‫تاله والدة ما يُسمّى‬ ‫بدولة العراق والشام‬ ‫اإلسالميّة «داعش»‬ ‫الذي صار التنظيم‬ ‫األخ��ط��ر ع��ال��م� ّي�ا ً‬ ‫وب��������ات ح���دي���ث‬ ‫القاصي والداني في‬ ‫العالم كلّه‪.‬‬ ‫كان هذا الفعل الخبيث بمثابة إخراج الشيطان‬ ‫الذي يتمركز في قعر جحيم دانتي كما توضّحه لوحة‬ ‫«بوتشيلّي»‪ ،‬فهؤالء المجاهدون ذوي اللحى الطويلة‬ ‫والمالبس القصيرة والذين قدموا ‪ -‬بحسب المزاعم‬ ‫المتواترة ‪ -‬لنصرة المستضعفين في بالد الشام‬ ‫الطاهرة المق ّدسة‪ ،‬وكانت األدبيّات الجهاديّة‬ ‫التي اعتمدها «داعش» ونظرائه هو الظفر بالج ّنة‬ ‫والفوز بها من خالل الجهاد في عتبات الشام المباركة‬ ‫ض ّد النظام «النصيريّ » الكافر الذي أمعن في قتل‬

‫ُ‬ ‫كثر الحديث في اآلونة األخيرة عن المقترح‬ ‫الذي تق ّدم به المبعوث األمميّ السيّد «ستافان دي‬ ‫ميستورا» بتاريخ ‪ 2014/10/30‬بخصوص إقامة‬ ‫ما سمّاه «بالمنطقة المجمّدة» في سوريّة ليت ّم تعليق‬ ‫النزاع فيها والسماح بإيصال المساعدات اإلنسانيّة‬ ‫إليها‪ ،‬واعتبر «دي مستورا» أنّ مدينة حلب المقسّمة‬ ‫قد تكون مر ّ‬ ‫شحة بشكل جيّد لتجميد النزاع فيها‪.‬‬ ‫مقترح قد يبعث للوهلة األولى الطمأنينة في‬ ‫نفوس أغلب السوريّين الذين أنهكتهم الدماء والدموع‬ ‫على مدى ثالث سنوات ونيّف‪ ،‬إلاّ أنّ بعض التمعّن في‬ ‫هذا المقترح يرسم حوله هالة من إشارات االستفهام‪،‬‬ ‫إذ لم يح ّدد السيّد «دي ميستورا» مفهوم وماهيّة هذه‬ ‫المنطقة‪ ،‬سيّما وأنّ هذا المصطلح يُستخدم ‪ -‬وعلى ح ّد‬ ‫علمي ‪ -‬ألوّ ل مرّ ة في القانون الدوليّ ‪ ،‬ث ّم لماذا لم يت ّم‬ ‫استخدام المصطلح المتعارف عليه في القانون الدوليّ ؟‬ ‫وهو مصطلح المنطقة منزوعة السالح ال��وارد في‬ ‫«البروتوكول» األوّ ل لعام ‪ 1977‬الملحق باتفاقيّات‬ ‫جنيف لعام ‪ 1949‬والذي يعني إجالء جميع المقاتلين‬ ‫واألسلحة المتحرّ كة من تلك المنطقة‪ ،‬وعدم القيام بأيّ‬ ‫نشاط ي ّتصل بالمجهود الحربيّ ‪ ،‬وهذا المصطلح ال‬ ‫لبس فيه‪.‬‬ ‫إلاّ أنّ المصطلح الجديد «المنطقة المجمّدة»‬ ‫والذي ت ّم اختراعه حديثا ً من قبل السيّد «دي ميستورا»‪،‬‬ ‫يعني لغة إبقاء الحال على ما هو عليه‪ ،‬وبالتالي عدم‬ ‫إجالء المقاتلين وعدم نزع األسلحة الموجودة في تلك‬ ‫المنطقة‪ ،‬وعليه ستكون تلك المنطقة مالذاً آمنا ً للمدنيّين‬ ‫إن تمّت مراقبة المنطقة وحمايتها دول ّيا ً بشكل ج ّدي‪،‬‬ ‫إلاّ أ ّنني أرى أنّ تلك المنطقة ستكون ناراً تحت الرماد‪،‬‬ ‫إن ت ّم خرق الهدنة من قبل أيّ من طرفي النزاع‪ ،‬أو‬ ‫تهاونت القوّ ة الدوليّة في حمايتها‪.‬‬ ‫لذلك يتوجّ ب على الفصائل المعارضة‬ ‫والهيئات السياسيّة الفاعلة‪ ،‬وقبل القبول بالمقترح‬ ‫المذكور‪ ،‬االستفسار من صاحب المبادرة عن مقصده‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫إذاً‪ ،‬الحذر مطلوب في التعامل مع مبادرة «دي‬ ‫ميستورا»‪ ،‬فال نريد أن نعيد لألذهان تجربة البوسنة‬ ‫والهرسك عام‪ 1995‬عندما اجتاحت القوّ ات الصربيّة‬ ‫منطقة سربرنيتسا عنوة وقامت بعزل الذكور وتصفيتهم‬ ‫ودفنهم في مقابر جماعيّة‪ ،‬كما وتمّت عمليّات اغتصاب‬ ‫واسعة وممنهجة للنساء في تلك المنطقة‪ ،‬مع أ ّنها كانت‬ ‫منطقة آمنة وتحت الحماية الدوليّة بموجب قرار مجلس‬ ‫األمن رقم ‪ 819‬لعام ‪.1993‬‬ ‫وغير خا ٍ‬ ‫ف على أحد أنّ «دي ميستورا» غربيّ‬ ‫المنشأ والهوى‪ ،‬ومصالح بني قومه تعلو لديه وال يُعلى‬ ‫عليها‪ ،‬ومن غير المستبعد أن يكون القصد من طرحه‬ ‫الغدر بالثورة السوريّة‪ ،‬والقضاء على المعين الذي‬ ‫تنهل منه‪ ،‬أيّ الحدود التي تصل حلب خاصّة وسوريّة‬ ‫عامّة بالخارج‪ ،‬وبالتالي منح الفرصة لألسد للملمة‬ ‫صفوفه وترتيبها في أرياف ك ٍّل من دمشق وحمص‬ ‫ودرع��ا‪ ،‬وغيرها من المناطق التي تقضّ مضجعه‬ ‫وتؤرّ ق سكينته‪ ،‬وما يزيد الشكوك هو قبول األسد بتلك‬ ‫المبادرة‪ ،‬فمتى كان األسد وشبّيحته الذين رفعوا شعار‬ ‫األسد أو نحرق البلد غيورين على الد ّم السوريّ ؟! ال‬ ‫أريد أن نتشاءم كثيراً من وعود المجتمع الدوليّ ‪ ،‬ولكن‬ ‫من غير المعقول أن نعلّق عليه ك ّل آمالنا‪ ،‬بعد الذي‬ ‫القيناه من مرارة العيش داخل سوريّة وخارجها بفضل‬ ‫صمت هذا المجتمع‪.‬‬

‫القاضي رياض علي‬

‫صحيح أنّ السوريّين عندما ثاروا دخلوا أبواب‬ ‫الجحيم بأرجلهم كما في رحلة دانتي‪ ،‬ألنّ نظاما ً‬ ‫مجرما ً كنظام األسد لم يتورّ ع عن فتح أبواب الجحيم‬ ‫المغلقة واستجلب ك ّل شياطين الجحيم في سبيل إطالة‬ ‫حكمه وديمومة بقائه‪ ،‬لكنّ السوريّين الذين عبروا‬ ‫طبقات الجحيم بمستوياتها‬ ‫وطبقاتها المتع ّددة سيصلون مثلما وصل دانتي إلى‬ ‫«المطهر» إلى فردوس اإليمان على األرض‪ ،‬يمرُّ‬ ‫السوريّون بالجحيم للوصول إلى ج ّنتهم بالخالص‬ ‫من هذا النظام اإلجراميّ وقطع ك ّل الصالت معه‪،‬‬ ‫وتكون بالخالص أيضا ً من ج ّنة «داعش» الموعودة‬ ‫ومجاهديها الذين سيالقون سعيراً يقاسون حرّ ها‬ ‫وعذاباتها جزاء ما اقترفت أيديهم من قباحات‬ ‫ومن َكرات‪.‬‬ ‫مصطفى اجلرادي‬

‫داعش والنصرة وجهان لعملة واحدة‬ ‫قبل أكثر من عام ظهر تنظيم «داعش» كفصيل‬ ‫معارض للنظام ال��س��وريّ ‪ ،‬مظهراً للسوريّين أنّ‬ ‫التنظيم يساعدهم لنيل الحريّة ولبناء بلد ديمقراطيّ ‪،‬‬ ‫إلاّ أنّ بعض الناشطين ّ‬ ‫حذروا من سياسة هذا التنظيم‪،‬‬ ‫مؤ ّكدين أنّ التنظيم يحاول سرقة الثورة‪ ،‬لكن ولألسف‬ ‫لم يصغ لهم أحد‪.‬‬

‫من «المنطقة المجمّدة»‪ ،‬وما هي األسس التي ستقوم‬ ‫عليها؟ وكيف ستت ّم حمايتها واإلشراف عليها؟ ومن‬ ‫قِبل َمنْ ؟ سيّما وأنّ نظام األسد مشهود له بنكث العهود‪،‬‬ ‫والغدر بالخصم‪ ،‬وخرق القوانين والقرارات الدوليّة‬ ‫وبمباركة ‪ -‬سواء سريّة أو علنيّة ‪ -‬من قبل بعض‬ ‫القوى اإلقليميّة والدوليّة‪ ،‬فكم من مرّ ة ّ‬ ‫مزق وداس‬ ‫األسد الخطوط الحمراء التي رُسمت له‪ ،‬وقوبل ذلك‬ ‫بالصمت المخجل من قبل المجتمع الدوليّ عامّة‬ ‫ومجلس األمن خاصّة‪.‬‬

‫المسلمين وأس��رف في تعذيبهم‪ ،‬لك ّنهم كانوا أشبه‬ ‫بشياطين خارجة من أتون الجحيم‪ ،‬بدؤوا بالتغلغل‬ ‫في المناطق المحرّ رة التي خرجت من قبضة األسد‬ ‫وعصابته‪ ،‬فانتشرت حفالت قطع الرؤوس وتعليقها‬ ‫في الساحات العامّة وقاموا بفرض شروطهم الخاصّة‬ ‫على الناس‪ .‬وبدأت عمليّة قتال ّ‬ ‫الثوار و ُغيّب نشطاء‬ ‫الثورة األوائل في غياهب السجون وأُزيلت الرايات‬ ‫الكافرة (أعالم الثورة) من ساحات المدن وشوارعها‪،‬‬ ‫وبدأ المتطرّ فون يتوافدون من ك ّل حدب وصوب إلى‬ ‫ج ّنة «داعش» التي تب ّ‬ ‫شر بها فمن مات فله الج ّنة‪،‬‬ ‫ومن بقي فهو ينافح عن دولة اإلسالم ويذود عنها‪،‬‬ ‫هذه الج ّنة التي تعد بها «داعش» أتباعها وتهلّل‪ ،‬ما‬ ‫هي إلاّ جحيم مؤجّ ل وسوء عاقبة لك ّل من واالها‬ ‫وناصرها أل ّنهم قتلوا األبرياء ون ّكلوا بهم وأحالوا أيّام‬ ‫ليال سوداء مدلهمّة ال فرح فيها وال‬ ‫السوريّين إلى ٍ‬ ‫حبور‪.‬‬

‫فترة وجيزة‪ ،‬وبدأ التنظيم بمحاربة السارقين من‬ ‫فصائل الجيش الحرّ في محاولة منه لتأييد شعبيّ ‪،‬‬ ‫وخصوصا ً في مدينة حلب عندما أعلن التنظيم الحرب‬ ‫على «جزرة والحيّاني» المعروفان بسمعتهما السيّئة‪،‬‬ ‫وهنا عادت أصوات بعض الناشطين السوريّين للتحذير‬ ‫من أهداف التنظيم ليس دفاعا ً عن «جزرة وحيّاني»‪،‬‬ ‫بل للتنويه بأنّ التنظيم يحاول كسب تأييد شعبيّ له‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يتدخل في األمور الحياتيّة‬ ‫تطوّ ر األمر وبات التنظيم‬ ‫للسوريّين «كمنع التدخين‪ ،‬وفرض الحجاب ‪ ...‬إلخ»‪،‬‬ ‫وكان الشعب آنذاك معجبا ً بالتنظيم وبمحاربته للمفسدين‬ ‫في المناطق المحرّ رة‪ ،‬تسارعت األمور بشكل ملحوظ‬ ‫وبدأ التنظيم باعتقال الناشطين وخاصّة اإلعالميّين‬ ‫منهم‪ ،‬بحجج مختلفة كانتمائهم العلمانيّ ‪ ،‬وبات ك ّل من‬ ‫يحلم بدولة ديمقراطيّة ومدنيّة معرّ ض للخطف‪.‬‬ ‫بعد تلك التجاوزات واالنتهاكات من قبل التنظيم‬ ‫تنبّه الجيش الحرّ في حلب خاصّة ألهداف ونوايا هذا‬ ‫التنظيم‪ ،‬وبالفعل بدأ الجيش الحرّ بحرب ضارية لدحر‬ ‫التنظيم من حلب‪ ،‬وبالفعل استطاع الحرّ دحره في أيّام‬ ‫قليلة لينسحب لبعض القرى في ريف حلب‪ ،‬ولمقرّ ه‬ ‫األساسيّ في الر ّقة التي استولى عليها بعد أن دحر‬ ‫منها حركة أحرار الشام‪ ،‬وجبهة النصرة‪ ،‬ومن هنا‬ ‫أو ّد مقارنة ممارسات التنظيم مع ممارسات النصرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫تتدخل شيئا ً فشيئا ً في األمور الحياتيّة‬ ‫النصرة بدأت‬ ‫في بادئ األمر في إدلب خصوصاً‪ ،‬ومن الواضح‬ ‫أ ّنها تسعى إلقامة خالفتها هناك‪ ،‬فبدأت بمنع التدخين‬ ‫وفرض الحجاب‪ ،‬إلاّ أ ّنها تحاول إقامة إمارتها بطرق‬ ‫تختلف قليالً عن طرق «داع��ش»‪ ،‬النصرة كسبت‬ ‫تأييداً من فصائل الجيش الحرّ ‪ ،‬والمدنيّين والناشطين‪،‬‬ ‫وذلك بسبب تواجدها الكثيف وتعاونها مع فصائل‬ ‫الجيش الحرّ في الجبهات القتاليّة ض ّد قوّ ات األسد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫والتدخل بين فصائل الحرّ عند نشوب أيّة مشاكل‬ ‫بينهم ساعية لحلّها‪ ،‬فالنصرة بات لها أكثر من عامين‬ ‫تعمل بشكل ج ّديّ لكسب تأييد جميع األطراف لها‪،‬‬ ‫الطامة الكبرى للنصرة بدأت عند انسحابها من جبهات‬ ‫«مورك» وتوجّ هها إلى ريف إدلب لمحاربة المفسدين‬ ‫من الحرّ ‪ ،‬ما أ ّدى لتق ّدم كبير لقوّ ات األسد في تلك‬ ‫المنطقة‪ ،‬كما أ ّدى لخسائر فادحة في األرواح على‬ ‫تلك الجبهة‪ ،‬وبدأت نقاشات الناشطين حول ذلك منهم‬ ‫من يبرّ ر فعلها ومنهم من يعارضه ويحاول تأكيد أنّ‬ ‫النصرة تقلّد «داعش» بسياستها‪.‬‬

‫منذ أسابيع بدأت النصرة بمحاربة جبهة ثوار سوريّة‬ ‫بقيادة «جمال معروف» الذي توعّد تنظيم الدولة‪،‬‬ ‫مؤ ّكداً أ ّنه سيقضي على التنظيم في حلب والر ّقة والدير‬ ‫الزور‪ ،‬النصرة قالت‪ :‬إنّ معروف اعتدى على بلدتي‬ ‫«البارة وكنصفرة»‪ ،‬وعلى بعض عناصرها‪ ،‬ولذلك‬ ‫ّ‬ ‫للتدخل بهدف إنهاء وجود «معروف» في‬ ‫اضطرّ ت‬ ‫تلك المنطقة‪ ،‬تاركة حلب المه ّددة من قبل قوّ ات النظام‪،‬‬ ‫متوجّ هة إلى إدلب للقضاء على «معروف» المدعوم‬ ‫من الغرب‪.‬‬ ‫كما أ ّكدت النصرة أنّ صقور الشام وأحرار الشام‬ ‫وجند الشام شاركوها في حربها على جبهة ثوار سوريّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحق‬ ‫ونشرت النصرة مقاطع فيديو لمجازر جماعيّة‬ ‫مدنيّين ومجاهدين على ح ّد قولها قُتلوا وت ّم رمي جثثهم‬ ‫في اآلبار و ُدفنوا في مقابر جماعيّة مؤ ّكدة أنّ مرتكب‬ ‫تلك المجازر «جمال معروف» المدعوم من الغرب‪،‬‬ ‫ولكن االقتتال لم يقف عند جبهة ثوار سوريّة‪ ،‬بل ت ّم‬ ‫توجيه أسلحة النصرة باتجاه حركة حزم أيضاً‪ ،‬دون‬ ‫أيّة أسباب واضحة‪ ،‬وأضاف «الجوالني» في مقطع‬ ‫صوتيّ له ّبثته «المنارة البيضاء» أنّ «معروف» يع ّد‬ ‫من الشخصيّات التي يدعمها الغرب‪ ،‬وأ ّنه ال يسعى‬ ‫لتحقيق ما يرمي إليه «المجاهدون في سوريّة»‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫إنّ باب التوبة مفتوح أمام «معروف» وغيره لقطع‬ ‫عالقاتهم بالمخابرات الخارجيّة‪ ،‬أي أنّ السبب الرئيسيّ‬ ‫لمهاجمة «معروف» هو ليس قتل المدنيّين والمجاهدين‬ ‫على ح ّد قول «الجوالني» في ريف إدلب‪ ،‬وإ ّنما بسبب‬ ‫تخابره مع الغرب‪ ،‬ودافع بشكل غير مباشر عن تنظيم‬ ‫الدولة التي تحارب النصرة أيضا ً وت ّتهمه بالر ّدة عندما‬ ‫قال‪ :‬إنّ التحالف الدوليّ يستهدف المجاهدين في الر ّقة‬ ‫ودير الزور وحلب‪ ،‬ومن المعروف أنّ الر ّقة مسيطر‬ ‫عليها من قبل التنظيم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النصرة هي فرع للقاعدة‪،‬‬ ‫انشق عنها البغداديّ‬ ‫وش ّكل تنظيم الدولة‪ ،‬أي أنّ األهداف واأليديولوجيا‬ ‫ذاتها في الفرعين‪ ،‬وهذا يد ّل أنّ النصرة في المستقبل‬ ‫القريب ربّما ستبدأ باعتقال ك ّل من يطالب بدولة مدنيّة‬ ‫وديمقراطيّة‪ ،‬أل ّنها في نظرهم دولة تخالف الشريعة‬ ‫اإلسالميّة‪ ،‬لن أخ��وض هنا في أحقيّة قيام خالفة‬ ‫إسالميّة في سوريّة‪ ،‬لنترك ذلك لصناديق االقتراع في‬ ‫حال سقط نظام األسد‪ ،‬لكن أن تفرض شكل الدولة‬ ‫المستقبليّة بالسالح واالعتقال فهذا غير مقبول‪.‬‬ ‫وهنا أكرّ ر تحذيرات أطلقناها سابقا ً حول نيّة تنظيم‬ ‫«داعش»‪ ،‬لكن هذه المرّ ة أو ّد أن أطلق التحذيرات ذاتها‬ ‫على جبهة النصرة‪ ،‬أتمنى أن تلقى هذه التحذيرات من‬ ‫يصغي لها ويحاول أن يضع ح ّداً لتصرّ فات النصرة‬ ‫التي باتت بالفعل ته ّدد ما تب ّقى من الثورة السوريّة‪.‬‬

‫حممّد احلاج‬ ‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪4‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫أحوال‬

‫إعالن سورية‬ ‫نص وثيقة «إعالن سورية» اليت صدرت عن مؤمتر «كلّنا سوريّون‪ ..‬معاً حنو‬ ‫ّ‬ ‫وطن للجميع»‬ ‫ُّ‬ ‫أل َّننا ننتمي إلى شع ٍ‬ ‫نعتز‬ ‫ب يدعو إلى الفخر؛ وأل َّننا‬ ‫بما ق َّدمه خالل العامين الماضيين من أجل الحريّة‬ ‫والكرامة اإلنسانيّة والعدالة االجتماعيّة؛ وأل َّننا نؤمن‬ ‫مركز الفعل بعد عقو ٍد من ال ّتهميش‬ ‫بح ِّقه في العودة إلى‬ ‫ِ‬ ‫واإلقصاء واإلفقار؛ وإدراكا ً م ّنا للتح ِّديات التي تواجهه‬ ‫في طريق بناء الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الحديثة؛‬ ‫ُ‬ ‫يليق بها؛‬ ‫وأل َّننا نؤمنُ بأ َّنه ال ينبغي لسورية إلاّ ما‬ ‫ت شعبنا‬ ‫واحتراما ً ووف��ا ًء ألرواح شهدائنا وتضحيا ِ‬ ‫العظيم؛ أل َّننا نؤمنُ بذلك كلّه؛ ا ّتفقنا‪ ،‬نحن المو ِّقعين‬ ‫أدناه‪ ،‬على مجموع ٍة من الرّ ؤى والمبادئ واألسس‪،‬‬ ‫فجر جدي ٍد لسورية والسوريّين‪ .‬ونحنُ إذ ُنعلنُ‬ ‫من أجل ٍ‬ ‫ِّين؛‬ ‫إيما َننا بهذه المبادئ‪ ،‬ندعو ك َّل المثقفين والسِّياسي َ‬ ‫االلتزام بها‪ ،‬وندعو ك َّل أبنا ِء‬ ‫وناشطين‪ ،‬إلى‬ ‫ق��اد ًة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫العمل من أجلها‪:‬‬ ‫الوطن إلى‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫الثورة السوريّة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وح‬ ‫الثورة السوريّة التي أعاد ِ‬ ‫ت الرّ َ‬ ‫إلى ال َّشعب السوريِّ ‪ ،‬هي أه ُّم حد ٍ‬ ‫ث في تاريخ سورية‬ ‫المعاصر‪ ،‬قام بها شعبٌ عظي ٌم أدهش العال َم كلّه‪،‬‬ ‫السترجاع وعيه وإرادته وثقته بنفسه‪ ،‬والتحوّ ل إلى‬ ‫ذا ٍ‬ ‫ت حاضر ٍة وفاعل ٍة بعد عقو ٍد من إقصائه وتهميشه‪.‬‬ ‫فمنذ انطالقتها شرع السوريّون بالتعرّ ف على بعضهم‬ ‫بعضا ً من دون حواجز‪ ،‬وصاروا يتواصلون ويتفاعلون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويلة من االنعزال والجهل ببعضهم‪،‬‬ ‫حقبة‬ ‫مُنهين‬ ‫وأخذوا يتبادلون معاناتهم وآالمهم‪ ،‬ويستر ّدون ذواتهم‬ ‫التي ب َّددها القمع واالستبداد‪ .‬هدف ّ‬ ‫الثورة هو ال ّتغيير‬ ‫البنيويُّ الشام ُل الذي ال يعني إسقاط النظام فحسب‪،‬‬ ‫بل أيضا ً تفكي ُ‬ ‫ك بنية الدولة الشموليّة وإع��ادةُ بنائها‬ ‫عبر تأسيس عق ٍد اجتماعيٍّ جدي ٍد أساسُه المواطنُ‬ ‫ٌ‬ ‫اختالطات‪ ،‬وهذه‬ ‫السوريُّ ‪ .‬يرافق أيّ ثور ٍة أو يتبعها‬ ‫ُ‬ ‫االختالطات الكريه ُة أو المربك ُة تتبع في ش ّدتها وقوّ تها‬ ‫وسوئها درج َة سو ِء النظام الذي قامت ض ّده ّ‬ ‫الثورة‪.‬‬ ‫وفي الطريق إلى انتصار ّ‬ ‫الثورة‪ ،‬وبعد انتصارها‪،‬‬ ‫سيخرج إلى السّطح ك ُّل األمراض التي نشرها نظا ُم‬ ‫الحكم في مجتمعنا عبر تاريخه‪ .‬األخطا ُء الحاصل ُة في‬ ‫الثورة ال ُتهين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫إدانة‬ ‫الثورة أو تقلِّل من شأنِها‪ ،‬بل هي‬ ‫للنظام ذاته‪ ،‬وهذا ليس تبريراً ألخطاء ّ‬ ‫الثورة بل تفسي ٌر‬ ‫لها‪ّ .‬‬ ‫ً‬ ‫فرصة للخالص من أخطاء الماضي‪،‬‬ ‫الثورةُ تق ِّدم‬ ‫وهذا ممكنٌ عندما ال يجري السكوت عنها ويت ُّم فضحُها‬ ‫ونشرُها على المأل والقيام بك ِّل ما يلزم لتجاوزها‪ ،‬وهذا‬ ‫هو الفع ُل الثوريُّ الحقيقيُّ ‪ّ ،‬‬ ‫ً‬ ‫الفتة نرفعُها‬ ‫فالثورة ليست‬ ‫هدم وبنا ٍء متالزمين‪.‬‬ ‫أو شعاراً نصد ُح به‪ ،‬بل هي فع ُل ٍ‬ ‫النظام السوريّ‬

‫يُص َلح‪ .‬إ َّنه ليس أكثر من سلط ٍة ضيِّق ٍة مستعد ٍة لسفك‬ ‫دماء السوريّين واضطهادِهم دون هوادة لإلبقاء على‬ ‫هيمنتها على البالد‪ ،‬وال تتر َّدد أبداً في استثارة العنف‬ ‫ّ‬ ‫والتدخالت األجنبيّة كي تبقى‪.‬‬ ‫والطائفيّة‬ ‫إنَّ الدمج بين النظام الحاكم والطائفة العلويّة هو‬ ‫خطأ ٌ سياسيٌّ وأخالقيٌّ قاتلٌ‪ ،‬فالنظام السوريّ ليس نظام‬ ‫الطائفة العلويّة‪ ،‬ولم يكن يوما ً نظاما ً في خدمتها‪ ،‬بل‬ ‫على العكس‪ ،‬كانت الطائف ُة العلو ّي ُة مأسور ًة – وال تزال‬ ‫– من قبل النظام‪ .‬النظا ُم السوريُّ هو المولِّد األساسيُّ‬ ‫للتفكير الطائفيِّ والمصد ُر األوَّ ُل للممارسات الطائفيّة‪،‬‬ ‫فيما المصادر األخرى تختص بها بعض األطراف غير‬ ‫أفعال غير‬ ‫ت‬ ‫العاقلة التي تتعامل مع سلوك النظام بر ّدا ِ‬ ‫ٍ‬ ‫متوازنة‪ .‬إنَّ إحدى مهام ّ‬ ‫الثورة السوريّة‪ ،‬وفي سياق‬ ‫إعادة بناء الهُويَّة الوطنيّة‪ ،‬تحري ُر الطائف ِة العلويّة من‬ ‫أسر النظام الحاكم‪.‬‬ ‫ال َ‬ ‫أفق للسوريّين‬ ‫إلاّ برحيل النظام‪.‬‬ ‫ففي رحيله بداي ُة‬ ‫خير لك ِّل السوريّين‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وخ��ط��وة أول��ى في‬ ‫اتجاه تحقيق السِّلم‬ ‫األهليِّ والمصالحة‬ ‫الوطنيّة‪ ،‬وفي بقائه‬ ‫استمرا ٌر للشروخ‬ ‫الهائلة التي خلقها‬ ‫داخ����ل المجتمع‬ ‫ت الحقد واالنتقام‬ ‫السوري‪ ،‬وتحريضٌ على نموِّ آليّا ِ‬ ‫بين السوريّين‪ .‬ضاقت الطرق أمام النظام‪ ،‬إلاّ أ َّنه‬ ‫بحكم طبيعته وبنيته سيستمرُّ حتى النهاية في خياره‬ ‫يتراجع عنها‪ ،‬فهو ال يمتل ُ‬ ‫ك القدر َة‬ ‫ومقوالته‪ ،‬ولن‬ ‫َ‬ ‫واإلراد َة الالزمين لح ٍّل سياسيٍّ يح ِّقق مصلح َة البلد‬ ‫وال َّشعب‪ .‬دو ُر السوريّين المه ّم هو في كيفيّة تحقيق‬ ‫رحيل النظام مع الحفاظ على ما تب ّقى من الدولة والبلد‪،‬‬ ‫بحيث ال يكونُ المسا ُر هو الفوضى بعد الرَّ حيل‪.‬‬ ‫املبادئ‬ ‫اإلنسان والمواطنة اإلنسان هو المبتدأ والخبر‪ ،‬وهو‬ ‫معيا ُر جميع القيم‪ .‬وإنَّ احترام اإلنسان وتقديره لذاته‪،‬‬ ‫ال لحسبه ونسبه وال لثروته وال لقوته‪ ،‬وال أليِّ صف ٍة‬ ‫أخرى من صفاتِه‪ ،‬هو المبدأ ُ الرئيسُ المؤسِّسُ للدولة‬ ‫الجديدة‪ ،‬وعليه ينبني مبدأ المواطنة الذي يعني تساوي‬ ‫المواطنين في الكرامة اإلنسانيّة وأمام القانون في‬ ‫الحقوق والواجبات من دون أيِّ‬ ‫تمييز بسبب الجنس أو‬ ‫ٍ‬ ‫األصل أو اللغة أو ال ِّدين أو العقيدة‪ ،‬والمعنى العميق‬ ‫أكثر سوري ًّة أو أق َّل‬ ‫لها هو أ َّنه ليس هناك من سوريٍّ‬ ‫َ‬ ‫من سواه‪.‬‬ ‫الدولة الجديدة االلتزام بالمبادئ الفكريّة والسياسيّة‬ ‫واألخالقيّة التي تتأسَّس عليها الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة‬ ‫ً‬ ‫خاصة مبدأ العموميّة التي تتجلَّى في الدستور‬ ‫الحديثة‪،‬‬ ‫والقانون العام‪ .‬فالصفة األساس في الدولة المنشودة‬ ‫هي الوطنيّة ‪ /‬العموميّة‪ ،‬أي أنّ الدولة المستقبليّة ليست‬ ‫دول َة فر ٍد أو طغم ٍة أو طائف ٍة أو عشيرة أو حزب‪ ،‬بل‬ ‫دول ُة جميع المواطنين‪ .‬وتتر ّكز وظيف ُتها األساس ّي ُة في‬ ‫الحفاظ على طابعها العا ّم المشترك‪ ،‬وعلى بقاء جميع‬ ‫مؤسّساتِها مؤسّسا ٍ‬ ‫ت وطني ًّة عام ًّة‪ ،‬أي في حياديّتها‬ ‫وعدم اختالف‬ ‫تجاه األفراد والجماعات والتنظيمات‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أدائِها إلاّ‬ ‫بقدر طفي ٍ‬ ‫ف عندما تتب َّدل السلطة الحاكمة من‬ ‫ٍ‬ ‫خالل االنتخابات الديمقراطيّة الحرّ ة والنزيهة‪.‬‬

‫حكم سورية نظا ٌم استبداديٌّ قام على منطق الغلبة‬ ‫والقهر والعصبيّة‪ ،‬تغلغل فسا ُده طوالً وعرضا ً وعمقا ً‬ ‫في ك ِّل المناحي‪ ،‬وهيمنت سلط ُته على الدولة‪ ،‬وألغت‬ ‫وأدواره��ا‪ ،‬وحوّ لتها إلى أخطبوطٍ‬ ‫مهيمن‬ ‫وظائ َفها‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫على الحياة السياسيّة والتعليميّة والثقافيّة واالجتماعيّة‬ ‫ْ‬ ‫وعملت على‬ ‫ت المجتمع المدنيِّ والنقابات‪،‬‬ ‫ومؤسّسا ِ‬ ‫أشكال‬ ‫سائر‬ ‫تدمير مختلف الفئات االجتماعيّة‪ ،‬وألغت‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المجتمع السوريَّ إلى‬ ‫ال ّتضامن االجتماعيِّ ‪ ،‬وحوّ لت‬ ‫َ‬ ‫سديم بشريٍّ مف ّككٍ‬ ‫ومهلهل‪ ،‬وإلى أف��رادَ منعزلين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ب من أجهزتها األمنيّة‪،‬‬ ‫ومحاصرين بالخوفِ والرع ِ‬ ‫وجرى تخفيضُ “المواطنة” إلى مستوى الوالء الحزبيِّ‬ ‫أو الشخصيِّ ‪ ،‬وال َّشعب إلى مستوى “الرعيّة” التي أراد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لها النظام أن تكون متفرِّ ً‬ ‫ومباركة لك ِّل‬ ‫وصامتة‬ ‫جة‬ ‫ممارساتِه فحسب‪.‬‬

‫إنَّ تاريخ سورية هو تاري ُخ ك ِّل التنوُّ ع الثقافيّ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ‬ ‫والسياسيّ والدينيّ واالجتماعيّ فيها‪ ،‬وليس‬ ‫دين أو مذه ٍ‬ ‫ب دون سواه‪ .‬لكن أمام‬ ‫عرق بعينه أو ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الدولة السوريّة هناك شعبٌ سوريٌّ ‪ ،‬ومواطنٌ سوريٌّ ‪.‬‬ ‫ب السوريّ ‪،‬‬ ‫وإنَّ الثالثيّة المتمثلة بالدولة السوريّة‪ ،‬ال َّشع ِ‬ ‫المواطن السوريّ ‪ ،‬هي أساسُ بنا ِء الدول ِة الجديدة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومنطلق التعاطي مع أيّ قضايا أو إشكاال ٍ‬ ‫ت مطروح ٍة‬ ‫على السوريّين‪.‬‬

‫اعتمد النظا ُم ً‬ ‫آلية وحيد ًة في التعاطي مع السوريّين‬ ‫تقو ُم على القتل والقمع واالعتقال‪ .‬وهو لم يتعامل‬ ‫معهم‪ ،‬في أيِّ لحظةٍ‪ ،‬بوصفهم شعباً‪ ،‬أي كمواطنين‬ ‫أحراراً‪ ،‬بل كجماعا ٍ‬ ‫ت إثن ّي ٍة وطائف ّي ٍة ومذهب ّيةٍ‪ ،‬يجمع‬ ‫بينها بالقوّ ة العسكريّة واألمنيّة‪ ،‬ولذا لم يخلق هُوي ًَّة‬ ‫جامعة‪ ،‬بل إ َّنه َّ‬ ‫ً‬ ‫حطم جنين الدولة الوطنيّة التي‬ ‫وطني ًّة‬ ‫تش َّكلت بعد االستقالل‪ .‬وأصبح واضحاً‪ ،‬بعد انطالق‬ ‫ّ‬ ‫الثورة السوريّة‪ ،‬أنَّ النظام ال َيصلُح وال يُصلِح وال‬

‫النظام ال��دي��م��ق��راط��يّ المعنى العميق للنظام‬ ‫جميع المواطنين يشاركون في‬ ‫الديمقراطيّ هو أنَّ‬ ‫َ‬ ‫صوغ الحقيقة السياسيّة‪ ،‬أي ما يصلح وما ال يصلح‬ ‫ِ‬ ‫مجموعة متكاملةٌ‬ ‫ٌ‬ ‫لخير المجتمع وسعادته‪ .‬ولهذا النظام‬ ‫من العناصر‪ ،‬ومنها مبدأ الفصل بين السلطات الثالث‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫وحق المشاركة‬ ‫ومبدأ سيادة القانون واستقالل القضاء‪،‬‬ ‫مصدر الشرعيّة‬ ‫في الشؤون العامة‪ ،‬واعتبا ُر ال َّشعب‬ ‫َ‬ ‫والسلطات جميعها‪ ،‬واحترا ُم حقوق اإلنسان‪ ،‬ومبدأ‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫ّ‬ ‫وحق التنظيم‪ ،‬وحريّة‬ ‫حماية حريّة التفكير والتعبير‬ ‫الصحافة والنشر‪ ،‬وعدم االستئثار بالسلطة وتركيزها‬ ‫مركز واحدٍ‪ ،‬أي الالمركزية في اإلدارة وتوسيع‬ ‫في‬ ‫ٍ‬ ‫دائرة اتخاذ القرار في المستويات كافة‪ ،‬وتنظيم الحيا ِة‬ ‫قانون ديمقراطيٍّ لألحزاب‪ ،‬وتنظيم‬ ‫السياسيّة عبر‬ ‫ٍ‬ ‫اإلع�لام واالنتخابات البرلمانيّة وفق قوانين توفر‬ ‫الحريّة والشفافية والعدالة والفرص المتساوية‪ .‬الدولة‬ ‫المنشودة هي دولة جميع المواطنين‪ ،‬فأيّ‬ ‫نظام سياسيٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫يستم ُّد شرعي َته من هيمنة أغلب ّي ٍة دين ّيةٍ‪ ،‬أو طائف ّيةٍ‪ ،‬أو‬ ‫أيديولوج ّي ٍة عرق ّيةٍ‪ ،‬إ ّنما يقوّ ض الديمقراطيّة وينته ُ‬ ‫ك‬ ‫ك َّل شروط المواطنة المتساوية‪ .‬لذا ينبغي الوقوف‬ ‫بحزم ض َّد شعارات حماية األقليّات من أيّ طر ٍ‬ ‫ف كان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫أل َّنه ال يعني إال إلغاء مفهوم الدولة والوطن‪ ،‬وإلغاء‬ ‫مفهوم ال َّشعب سياس ّياً‪ ،‬ونشوء حال ٍة دائم ٍة من التو ّتر‬ ‫واالحتقان في المجتمع‪.‬‬ ‫الحريّات والسِّلم األهليّ إنَّ طموح السوريّين ي ّتجه‬ ‫وطن ُتتاح فيه الحر ّي ُة لجميع األديان والمذاهب‬ ‫نحو‬ ‫ٍ‬ ‫واأليديولوجيّات واألح��زاب في التعبير عن نفسها‬ ‫والفعل والتأثير مع استمرار دولتهم السياسيّة في‬ ‫التعبير عن الك ِّل االجتماعيِّ ‪ .‬لذا ينبغي رفض ك ّل‬ ‫رسائل التطمين المبتذلة الموجَّ هة أليّ طائفةٍ‪ ،‬أل َّنها‬ ‫منطلق طائفيٍّ في النظر للسوريين‬ ‫تعبِّر في العمق عن‬ ‫ٍ‬ ‫منطلق وطنيٍّ ‪ ،‬وكذلك رفض انتظار البعض‬ ‫ال عن‬ ‫ٍ‬ ‫للرسائل المطمئِنة أل َّنها تعني أ َّنهم ينظرون ألنفسهم‬ ‫بأ َّنهم مواطنون هامشيّون‪.‬‬ ‫على الرّ غم من الصراع العسكري ال��ذي أدخل‬ ‫النظا ُم البالدَ فيه‪ ،‬فإ َّنه ينبغي التأكي ُد على حُر َم ِة ال ِّدما ِء‬ ‫ت الوطنيّة العا َّم ِة والخاصَّة خارج إطار ال ّدفاع‬ ‫والممتلكا ِ‬ ‫ُ‬ ‫عن النفس‪ ،‬ونبذ العُنفِ بك ِّل صور ِه وأشكالِه‪ ،‬وإدان ُته‬ ‫التحريض‬ ‫الصَّريح ُة القاطع ُة‪ ،‬وتجريمُه وطن ًّيا‪ ،‬وإدان ُة‬ ‫ِ‬ ‫على ال� ُع��ن��فِ ‪،‬‬ ‫أو تسويغِه أو‬ ‫��ره‪ ،‬أو‬ ‫ت���ب���ري� ِ‬ ‫��روي��ج له‪،‬‬ ‫ال�� َّت‬ ‫ِ‬ ‫فاع عنه‬ ‫أو ال ِّد ِ‬ ‫وال ّتأكيد على‬ ‫االل���ت���زام بعد‬ ‫رح��ي��ل النظام‬ ‫ب���ال���وس���ائ���ل‬ ‫ِ‬ ‫ال���س���ي���اس��� ّي��� ِة‬ ‫ال � ِّس��ل��م � َّي � ِة في‬ ‫الع َم ِل الوطنيِّ‬ ‫ُ‬ ‫الفتن الطائف ّي ِة‬ ‫سيج الوطنِيِّ الواح ِد من‬ ‫ِ‬ ‫العا ِّم‪ ،‬وحماية ال َّن ِ‬ ‫ت العُنصُر َّيةِ‪ ،‬ومن‬ ‫المصنوع ِة والحقيق َّيةِ‪ ،‬ومن ال َّدعوا ِ‬ ‫الوطن‪ ،‬وتضام َُن أبنائِه‪ ،‬ووحد َة‬ ‫ُك ِّل ما يُه ِّد ُد سالم َة‬ ‫ِ‬ ‫رابه‪.‬‬ ‫ُت ِ‬ ‫األسس املكمِّلة‬ ‫تنبني الدولة السوريّة على فكرة العدالة‪،‬‬ ‫• ‬ ‫أساسُها سيادة القانون‪ ،‬وتقوم على بنا ٍء قانونيٍّ ال‬ ‫يستثني أحداً من المحاسبة بصرف النظر عن موقعه‬ ‫الوظيفيِّ أو طبيعة المؤسَّسة التي يعمل فيها‪ .‬وتقتضي‬ ‫العدالة وجود هيئ ٍة وطن ّي ٍة للعدالة االنتقاليّة والمصالحة‬ ‫ور ِّد المظالم من أجل المحاسبة والكشف عن المفقودين‬ ‫والتعويض على المعتقلين وضحايا العنف‬ ‫بنا ُء الثقافة الوطنيّة والوعي الوطنيّ على‬ ‫• ‬ ‫أرض ّي ٍة ديمقراط ّيةٍ‪ ،‬وتحري ُر مناهج التربية والتعليم من‬ ‫التشوّ هات التي نمت بفعل االستبداد‪ ،‬واحترام التنوّ ع‬ ‫واالختالف بوصفه مصدر غنىً وطنيّ ‪ ،‬وضمان‬ ‫برامج‬ ‫الحقوق الثقافيّة واالجتماعيّة للجميع‪ ،‬من خالل‬ ‫َ‬ ‫وطنيّة عامة تر ّكز على المشترك الثقافيّ كما على‬ ‫جماليّات االختالف بوصفه منبعا ً لإلبداع والتجديد‬ ‫ضمانُ ّ‬ ‫حق المجتمع في تنظيم نفسه وإقامة‬ ‫• ‬ ‫َّ‬ ‫مختلف المنظمات والجمعيَّات واالت��ح��ادات في‬ ‫كافة أوجه النشاط الروحيّ والثقافيّ واالجتماعيّ‬ ‫واالقتصاديّ ‪ ،‬وتوفير الظروف والمناخات التي تكفل‬ ‫ت المجتمع المدنيّ ‪ -‬تنظيم ّيا ً ومال ّيا ً ‪-‬‬ ‫استقالل مؤسَّسا ِ‬ ‫عن السلطة السياسيّة‬ ‫• ‬

‫ضمانُ حريّة الجماعات اإلثنيّة وحقوقها‬

‫عادل‬ ‫الثقافيّة واالجتماعيّة‪ ،‬وإيجا ُد ح ٍّل ديمقراطيٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫للقضيّة الكرديّة في إطار وحدة سورية أرضا ً وشعباً‪،‬‬ ‫بما يضمن المساواة التامة للمواطنين السوريّين األكراد‬ ‫مع بقية المواطنين من حيث حقوق الجنسيّة والثقافة‬ ‫وتعلّم لغتهم وسائر الحقوق السياسيّة واالقتصادية‬ ‫واالجتماعيّة والقانونيّة‬ ‫ُ‬ ‫إطالق إستراتيجيّة وطنيّة للنهوض بالمرأة‪،‬‬ ‫• ‬ ‫ّ‬ ‫أشكال التمييز‬ ‫جميع‬ ‫وااللتزام باتفاقيّة القضاء على‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َّدها‪ ،‬والعمل على تم ّتعها بكافة حقوقها‪ ،‬وتوفير‬ ‫المناخ المناسب لتوسيع مشاركتها في الحياة السياسيّة‬ ‫وفي التنمية الشاملة‪ ،‬وغرس قيم الشراكة الحقيقيّة‪،‬‬ ‫والوقوف ض َّد ك ِّل المعوقات التي تحول دون ذلك‬ ‫باعتبارها تتعارض مع قيم المواطنة المتساوية‬ ‫أسس وطن ّي ٍة‬ ‫إعادةُ بناء الجيش السوريّ على‬ ‫• ‬ ‫ٍ‬ ‫تح ِّدد مهامه بحماية الوطن وصون وحدته وحراسة‬ ‫ث��روات��ه والحفاظ على تراثه وحضارته ونظامه‬ ‫الديمقراطيّ ‪ ،‬وإبعا ُده عن النزاعات السياسيّة والوالءات‬ ‫الحزبيّة والمناطقيّة‪ ،‬والعشائريّة‪ ،‬والمذهبيّة‪ ،‬أو أيّ‬ ‫ت أخرى أو والءا ٍ‬ ‫صراعا ٍ‬ ‫ت ضيِّق ٍة تخرجُه عن دوره‬ ‫أسس تجعل منها‬ ‫الوطنيّ ‪ .‬وبنا ُء أجهزة األمن على‬ ‫ٍ‬ ‫حارسا ً أمينا ً لمصالح المواطنين‪ ،‬تصونُ دماءهم‬ ‫وأعراضهم وأموالهم وتحمي حرياتِهم‪ ،‬وتكون محد ّد َة‬ ‫ً‬ ‫وخاضعة للمساءلة القانونيّة‬ ‫المرجعيّات والمسؤوليّات‬ ‫ُ‬ ‫على المستويين الشخصيّ واالعتباريّ ‪ ،‬ويخضع عملها‬ ‫للمراقبة ال َّشعبيّة‬ ‫نظام اقتصاديٍّ حدي ٍ‬ ‫ث يقو ُم على التوازن‬ ‫بنا ُء‬ ‫• ‬ ‫ٍ‬ ‫بين الحريّة االقتصادية واالحتفاظ بدور الدولة في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫بالقطاعات‬ ‫خاصة ما يتعلق‬ ‫االقتصاديّة واالجتماعيّة‪،‬‬ ‫اإلستراتيجية‪ ،‬وتطوي ُر سياسا ٍ‬ ‫ت اجتماع ّي ٍة واقتصادي ٍة‬

‫ُتؤمِّن المواطنين ض َّد الفقر‪ ،‬وتضمنُ توزيعا ً عادالً‬ ‫فرص متساوي ٍة أمام الجميع‪،‬‬ ‫للدخل القوميِّ ‪ ،‬وإتاح ُة‬ ‫ٍ‬ ‫وشغ ُل الوظائف استناداً إلى مبدأ الكفاءات ال الوالءات‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وإطالق عمليّة تنمي ٍة متواصل ٍة على المستويات كافة‪،‬‬ ‫البشريّة واالقتصاديّة والعلميّة‪ ،‬بما يضمن تحسين‬ ‫األوضاع المعيشيّة‪ ،‬ومحاربة ظواهر النهب والفساد‬ ‫واإلفساد‪ ،‬ودخول سورية إلى المجتمع العالميّ من‬ ‫بوابة العلم واإلنتاج والمعرفة‬ ‫تلتز ُم السياسة الخارجيّة لسورية الجديدة‬ ‫• ‬ ‫بمبادئ وأهداف ال َّشعب السوريّ وبالمصلحة الوطنيّة‬ ‫ُ‬ ‫الحفاظ على استقالل وسيادة‬ ‫السوريّة‪ ،‬وفي مق ّدمها‬ ‫سورية ووحدتها وحماية أمنها واستقرارها وسالمة‬ ‫أراضيها‪ ،‬وخدمة المصالح االقتصاديّة الوطنيّة ودعم‬ ‫وتعزيز استراتيجيّات التنمية الشاملة‪ .‬سورية الجديدة‬ ‫ٌ‬ ‫دولة تقوم على كامل أراضيها وال تتخلى عن أيِّ جز ٍء‬ ‫محت ٍّل منها‪ ،‬وتستخد ُم كافة الوسائل المتاحة والمشروعة‬ ‫ٌ‬ ‫دولة تقوم عالقاتها مع محيطها‬ ‫لتحرير أراضيها؛‬ ‫أساس تكامليٍّ يح ِّقق المصالح األخويّة‬ ‫العربيّ على‬ ‫ٍ‬ ‫المشتركة‪ ،‬كونها جزءاً من محيطها العربيِّ وحاضنتها‬ ‫ٌ‬ ‫دولة تلتز ُم دع َم ال َّشعب الفلسطينيِّ وح ّقه في‬ ‫العربيّة؛‬ ‫ّ‬ ‫إنشا ِء دولتِه الحرّ ة السيّدة المستقلة وعاصمتها القدس‪،‬‬ ‫ودعم ك ّل الشعوب العربيّة في تطلّعاتها التحرّ ريّة‬ ‫ٌ‬ ‫دولة تقوم عالقا ُتها الدوليّة على‬ ‫ومناهضة االستبداد؛‬ ‫مبدأ النديّة واالحترام المتبادل‪ ،‬وعلى احترام المواثيق‬ ‫والعهود الدوليّة‪ ،‬وتلتز ُم حكومتها بما ورثته من‬ ‫اتفاقيّا ٍ‬ ‫ت وعقو ٍد ال تخ ُّل بسيادتها وال تضرُّ بمصالح‬ ‫شعبها‪.‬‬ ‫القاهرة ‪2013/3/24‬‬ ‫ِ‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫ملف العدد‬

‫العدد ‪19‬‬

‫‪5‬‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫حــوار مــع الدكتور راتـب شـــعبو‬

‫(تتابع «كلّنا سوريّون نشر الجزء الرابع من‬ ‫الحوار الذي أجراه المعارض الصحفيّ غسّان المفلح‬ ‫مع المعارض الكاتب والمترجم والطبيب راتب شعبو)‬ ‫تعليق على التعليق‪:‬‬ ‫شعبو‪ :‬في استبيان حديث يض ّم ‪ 28‬سؤاالً‪ ،‬شمل‬ ‫شخص من السورييّن العلويّي المولد‪،‬‬ ‫أكثر من ‪600‬‬ ‫ٍ‬ ‫كانت لي مساهمة أساسيّة في إعداده وتنفيذه‪ ،‬تبيّن أنّ‬ ‫‪ %44‬من المستطلعين مع تغيير النظام‪ ،‬و‪ %54‬يرون أنّ‬ ‫النظام يتحمّل مسؤوليّة القتل‪ ،‬و‪ %35‬يريدون أن ينتهي‬ ‫الصراع على شكل تسوية بين النظام والمعارضة‪ ،‬فيما‬ ‫يرغب ‪ %22‬منهم بنصر حاسم للمعارضة (بالطبع ال‬ ‫يشمل مفهوم المعارضة هنا جبهة النصرة وال الدولة‬ ‫اإلسالميّة وال أشباهها) مقابل ‪ %43‬يرغبون بنصر‬ ‫حاسم للنظام‪ ،‬ينبغي أن يضع هذا االستبيان‪ ،‬الذي‬ ‫سينشر قريبا ً والذي أنجز بظرف صعب وبمعايير‬ ‫مركز أمريكيّ متخصص باالستبيانات‪ ،‬أصحاب‬ ‫التصوّ رات الذهنيّة المستقرّ ة التي ترى إلى كتلة مذهبيّة‬ ‫ما على أ ّنها كتلة مسمطة‪ ،‬في موضع تساؤل ومراجعة‬ ‫للتصوّ رات على األقلّ‪.‬‬ ‫ال يتماشى ه��ذا االستبيان الواقعيّ مع القول‬ ‫«الذهنيّ » بأنّ آل األسد تحوّ لوا عند العلويّين إلى ربّ‬ ‫سياسيّ ودينيّ ‪ ،‬هذا قول ارتجاليّ وضعيف السند في‬ ‫الواقع رأيي أنّ العكس أقرب إلى الحقيقة‪ ،‬أقصد أنّ‬ ‫العلويّين اليوم‪ ،‬وبعد أن دفعوا ثمنا ً باهظا ً في حماية‬ ‫«سلطة األسد»‪ ،‬بات لديهم تصوّ ر عام من ش ّقين‪:‬‬ ‫‪ -1‬إنّ األسد جرّ عليهم بلوى خسروا فيها ما‬ ‫يقرب من ‪ 100‬ألف شابّ علويّ (تقديرات شخصيّة)‬ ‫مع تحميلهم وزر أخالقي _ على األق ّل _ عن مجازر‬ ‫مروّ عة ارتكبها النظام وينظر إليها قطاع واسع من‬ ‫المجتمع السوريّ على أ ّنها مجازر ُترتكب باسم‬ ‫العلويّين وبيد علويّة‪ ،‬ومعروف أنّ الوزر األخالقيّ‬ ‫قابل للتحوّ ل إلى وزر سياسيّ يتوجّ ب دفع فاتورته حين‬ ‫تتبدل موازين القوى‪.‬‬ ‫‪ -2‬إنّ سلطة األسد هي ملك ك ّل من دافع عنها‪،‬‬ ‫فلم تعد السلطة في سوريّة ملك لألسد كما كانت ح ّتى‬ ‫مطلع ‪ ،2011‬وهذا يرسم خط صراع كامن ضمن‬

‫معسكر النظام‪ ،‬ما أن يطمئنّ الموالون إلى تراجع‬ ‫تهديد اإلسالميّين‪ ،‬أي إنّ النتيجة التي يرسمها هذا‬ ‫الصراع في ذهن العلويّين هي تماما ً سقوط األسد من‬ ‫حيث القيادة ومن حيث األحقيّة بالسلطة وليس تحوّ له‬ ‫إلى ربّ سياسيّ ودينيّ ‪.‬‬

‫من ناحية أخرى‪ ،‬بالفعل أظهر العلويّون خالل‬ ‫التبدالت العميقة التي شهدتها سوريّة في السنوات‬ ‫الثالث والنصف األخيرة‪ ،‬أقصد خالل ما بدأ ثورة‬ ‫حرّ يّة وانتهى صراعا ً أعمى على السلطة يتوسّل‬ ‫ك ّل الوسائل‪ ،‬نكوصا ً طائف ّيا ً ملحوظاً‪ ،‬وهذا جعلهم‬ ‫أق ّل حساسيّة تجاه الممارسات اإلجراميّة التي يقوم‬ ‫ّ‬ ‫والمنظمات العسكريّة الحليفة‬ ‫بها النظام وشبّيحته‬ ‫له‪ ،‬فقد استيقظت في أذهانهم صورة «آخر طائفيّ »‬ ‫يريد «إبادة العلويّين»‪ .‬على هذه الصورة الشيطانيّة‬ ‫نام ضمير قسم كبير من العلويّين وسكت عن مذابح‬ ‫مروّ عة راح ضحيّتها أطفال ونساء س ّنيو المولد‪،‬‬ ‫ومن لم يرتاح ضميره على هذه الصورة‪ ،‬ارتاح على‬ ‫حقيقة أنّ المعارضة تفبرك الفيديوهات وتشتري شهود‬ ‫العيان‪ ،‬وبالتالي فإنّ الفظائع التي تصل إلى اإلعالم‬ ‫إ ّنما هي فبركات إعالميّة‪ ،‬ساعد في ذلك ممارسات‬ ‫غير نزيهة من بعض أطراف محسوبة على الثورة‪،‬‬ ‫بالمقابل نامت ضمائر قطاع واسع من الس ّنة عن جرائم‬ ‫مشابهة لجرائم النظام قام بها إسالميّون متطرّ فون‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بحق علويّين أبرياء‪ ،‬فخسر المجتمع‬ ‫أو جمهور هائج‬ ‫السوريّ بذلك القاسم المشترك األه ّم‪ ،‬وهو الضمير‬ ‫الذي يُفترض أ ّنه كمون الخير في الفرد‪ ،‬النتيجة ّ‬ ‫تعطل‬ ‫الضمير االجتماعيّ وديست األخالق العامّة‪ ،‬ووجدت‬ ‫الطائفيّة لها مكانا ً ومستقراً في أذهان السوريّين‪.‬‬ ‫أ ّم��ا الكالم عن «أم��ر مبيّت سلفاً» فهو يتعامل‬ ‫مع الطائفة العلويّة‪ ،‬أو أيّ جماعة ُتنسب إلى مذهب‬ ‫معين‪ ،‬كما لو أ ّنها جوهر خارج التاريخ‪ ،‬ال تخترقه‬ ‫التمايزات وال الزمن‪ ،‬كما لو أنّ هذه الجماعة جزء‬ ‫متمايز عن المجتمع السوريّ ‪ ،‬يتآمرون فيما بينهم‬ ‫ويكيدون وينتصرون دائما ً لطائفيّتهم على خالف‬ ‫الواقع االجتماعيّ لبقية المذاهب والطوائف‪ ،‬إنّ النظر‬ ‫إلى العلويّين أو إلى غيرهم وفق مفاهيم «معاداة‬ ‫المجتمع السوريّ ‪ ،‬والتواطؤ الجمعيّ ‪ ،‬والتوافق المسبق‬

‫المبيّت على أمر ما ‪..‬الخ»‪ ،‬إ ّنما يندرج في باب تلغيم‬ ‫المستقبل‪ ،‬شخص ّيا ً ال أرى أيّ جدوى سياسيّة يمكن أن‬ ‫تسوّ غ قول مثل هذا الكالم‪ ،‬فضالً عن أ ّنه تصوّ ر غير‬ ‫صحيح‪.‬‬

‫هذا ال ينفي أن يكون ثمّة لحظات تاريخيّة يتوافق‬ ‫فيها عموما ً خط النسب الطائفيّ مع موقف سياسيّ ما‪،‬‬ ‫غير أنّ هذه لحظات عابرة ال تسوّ غ الكالم عن أيّ‬ ‫طائفة ككتلة متمايزة كما لو أ ّنها حزب سياسيّ ‪ ،‬في هذا‬ ‫تنميط ال يمكن أن يقول الحقيقة‪.‬‬ ‫تبلور منذ وقت مبكر وعيّ عام لدى القطاع األكبر‬ ‫من العلوييّن غير متعاطف أو معا ٍد للثورة (أكرر‪ :‬التي‬ ‫انتهت منذ أكثر من سنة إلى صراع على السلطة يتوسّل‬ ‫أيّ وسيلة ويخضع لسياسات غير سوريّة من جانبيه)‪،‬‬ ‫لكن يتعيّن علينا‪ ،‬إذا أردنا ألاّ نستعجل األحكام ونبتسر‬ ‫النتائج‪ ،‬أن نلتفت إلى جوانب مهمّة في سياق الصراع‬ ‫أظهر فيه العلويّون ما يخالف الصورة اإلعالميّة‬ ‫المروّ جة في أوائل آب ‪ 2013‬احتلت تنظيمات إسالميّة‬ ‫مجموعة من قرى شمال الالذقيّة وقتلوا مدنيين ّ‬ ‫عزل‬ ‫وخطفوا ما يزيد عن ‪ 150‬بين طفل وامرأة واختطفوا‬ ‫شيخا ً علو ّياً‪ ،‬ث ّم عرضوا صورته على «النت» بطريقة‬ ‫استفزازيّة وهو يحمل آثار تعذيب ويظهر الدم على‬ ‫جلبابه األبيض‪ ،‬ث ّم بعد يومين أظهروه مقتوالً ومرم ّيا ً‬ ‫على األرض‪ ،‬كانت صدمة كبيرة ال شكّ‪ ،‬ولكن رغم‬ ‫ذلك لم يحدث أيّ ر ّد فعل طائفيّ مقابل‪ ،‬وال يزال إلى‬ ‫اليوم أكثر من ‪ 55‬مخطوفا ً بين طفل وامرأة محتجزين‬ ‫لدى هذه التنظيمات‪.‬‬ ‫لم ينزلق الساحل إلى عمليات قتل وخطف طائفيّ‬ ‫متبادل‪ ،‬كما جرى في حمص مثالً‪ ،‬الحظ أنّ مدن‬ ‫وبلدات الساحل اتسعت لمئات ألوف المدنيّين الفارين‬ ‫من مناطق الصراع العسكريّ في حلب وإدلب وحمص‬ ‫دون أن تحدث احتكاكات تذكر‪ ،‬هذا أمر يُبنى عليه في‬ ‫العالقة الوطنيّة‪ ،‬مع ذلك تجد من يكتب في الصحف‪:‬‬ ‫إنّ أهل الساحل رحّ بوا بالحلبيّين الفارين من القتال‬ ‫طمعا ً بالمكاسب االقتصاديّة‪ ،‬كما لو أنّ أهل الساحل‬ ‫كلّهم أرب��اب عمل يبحثون عن زبائن‪ ،‬أو أنّ ك ّل‬ ‫الحلبيّين أصحاب ثروات ستنهض باقتصاد الساحل‪،‬‬ ‫يمكن للقراءة أن تشوّ ه أيّ واقعة‪ ،‬لكن ح ّتى الحوادث‬

‫الطائفيّة يجب النظر إليها بعين وطنيّة‪ ،‬إذا أردنا‬ ‫التأسيس لمستقبل أفضل من حاضرنا‪.‬‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬إذا كانت األكثر ّية الموضوع ّية‬ ‫الطبيعي جداً‪ ،‬أن تكون نتائج‬ ‫هي من الس ّنة‪ ،‬فمن‬ ‫ّ‬ ‫ممارسات النظام على مدار أربعة عقود ونصف من‬ ‫حصة األسد‬ ‫التمييز والفساد والنهب والقمع‪ ،‬أن ينالها ّ‬ ‫من هذه الممارسات‪ ،‬ما الذي عليهم أن تفعله الناس‬ ‫السوري واحد‪،‬‬ ‫المحتجة غير التظاهرات والشعب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واالنتقال من المطالبة بإصالح النظام إلى اسقاط‬ ‫يتوجب عليها فعله؟‬ ‫سلمي‪ ،‬ما الذي كان‬ ‫النظام بشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن تتثقف علمان ّيا ً مثل ّيا ً مثل آل األسد؟‬ ‫اجلواب الرابع‪:‬‬ ‫االستبداد األسديّ لم يو ّفر أحداً على مدى سنين‬ ‫حكمه‪ ،‬ال عدوّ له سوى صاحب الرأي المستقل والنزوع‬ ‫الحرّ كائنا ً من كان‪ ،‬طالما أنت تحت إبطه فأنت مقبول‬ ‫أكنت يساريا ًّ متطرّ فا ً أو ليبرال ّياً‪ ،‬علمان ّيا ً أو قاعد ّيا ً‬ ‫ّ‬ ‫سيسحق أيّ نزوع استقالليّ لديك ح ّتى لو‬ ‫‪..‬الخ‪ ،‬ولك ّنه‬ ‫كنت بعث ّياً‪ ،‬لم يقمع النظام السوريّ المستبد الثورة أل ّنها‬ ‫اكتسبت لونا ً إسالم ّيا ً مثالً‪ ،‬لم يقمعها أل ّنها خرجت من‬ ‫الجوامع‪ ،‬أو ألنّ صيحتها الغالبة كانت (هللا أكبر)‪،‬‬ ‫أو ألنّ مشايخ ُس ّنة ساندوها وأفتوا لها ‪..‬الخ‪ ،‬قمعها‬ ‫أل ّنها قوّ ة مستقلة خارجة عن سيطرته‪ ،‬وكان سيقمع‬ ‫أيّ مظاهرة ح ّتى لو كانت تهتف بحياة األسد طالما أنّ‬ ‫هذه المظاهرة تخرج بشكل مستقل وليست من تنظيم‬ ‫وترتيب أجهزته األمنيّة‪ ،‬ال يه ّم النظام المستبد أن يتثقف‬ ‫الجمهور علمان ّيا ً أم دين ّياً‪ ،‬ما يهمّه هو الخضوع وال‬ ‫يهمّه وفق أيّ ثقافة يت ّم الخضوع‪ ،‬االحتجاج والخروج‬ ‫من تحت السيطرة واكتساب مساحات حرّ ية مهما كانت‬ ‫ضيّقة‪ ،‬هو ما ينبغي على المقهورين عمله‪.‬‬

‫غ ّسان املفلح‬

‫المستقبلي ‪2/2‬‬ ‫مسيحّيو سورية وسؤال الدور‬ ‫ّ‬ ‫المستقبل السوريّ القادم‪ ،‬بل سيكون دورهم مجرّ د‬ ‫ناتج عن‬ ‫تعبير انفعاليّ ُنكوصيّ سلبيّ ‪ ،‬بل ومُدمِّر لهم‪ٍ ،‬‬ ‫شعورهم بفقدان حالة وجوديّة عاشوها في عهد النظام‬ ‫األسديّ وقد أقنعوا أنفسهم‪ ،‬واهمين ومخطئين‪ ،‬بأ ّنها‬ ‫أفضل حالة يمكن للمسيحيّين أن يوجدوا عليها في‬ ‫سورية (إنْ لم يكن العالم العربيّ ) أو أن يكونوا فيها‬ ‫جزءاً من الكيان السوريّ ‪ .‬باختصار‪ ،‬االنطالق من‬ ‫تفسير وتوصيف خاطئين وغير حقيقين لحالة الوجود‬ ‫الماضية تؤ ّدي منطق ّيا ً واستقرائ ّيا ً إلى ا ّتخاذ مواقف‬ ‫خاطئة وسلبيّة ومدمِّرة تجاه المستقبل‪.‬‬

‫الربوفسور الدكتور الدكتور جنيب جورج عوض‪ ،‬شاعر‬ ‫وباحث الهوت ّي أكادمي ّي من مواليد الالذقيّة‪ ،‬يعيش‬ ‫ويعمل حالياً يف أمريكا‪ ،‬له العديد من املؤلّفات العلميّة‬ ‫والشعريّة واملقاالت‪ ،‬يف ع ّدة لغات‪.‬‬ ‫لم يكن هناك حرّ يّة دينيّة على اإلطالق في سورية‬ ‫البعث ‪ -‬األسد‪ ،‬بل كان هناك إيحاء دائم بإمكانيّة‬ ‫تعرّ ض أيّ مسيحيّ الضطهاد مستطير ح ّده األدنى‬ ‫الموت‪ ،‬وح ّده األقصى القمع والسجون والترهيب‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة‪ ،‬إذا ما ف ّكر أحد‬ ‫وخنق فرص العيش الكريم‬ ‫ّ‬ ‫المسيحيّين بأن يعبِّر في الكنيسة عن رأي حرّ يتعلق‬ ‫بالشأن العا ّم‪ .‬بكلمات أُخرى‪ ،‬مقابل حماية المسيحيّين‬ ‫من أيّ اضطهاد دينيّ من أيّ طرف غير مسيحيّ ‪،‬‬ ‫أُجبر المسيحيّون‪ ،‬أسوة بإخوتهم المسلمين أيضاً‪ ،‬على‬ ‫رض عليهم‬ ‫التنازل عن حرّ يّتهم الدينيّة والمدنيّة وفُ َ‬ ‫التخلّي عن لعب أيّ دور حرّ ‪ ،‬مدنيّ حقيقيّ وفاعل‬ ‫في الساحة المدنيّة العامّة‪ .‬ثمن الحماية من االضطهاد‬ ‫كان الخروج من الحياة العامّة واالنزواء داخل دار‬ ‫العبادة والتخلّي عن لعب أيّ دور فكريّ أو مدنيّ أو‬ ‫دولتيّ نقديّ ‪ ،‬حرّ وإصالحيّ عا ّم‪.‬‬ ‫ما أري��د تبيانه من خ�لال تسليط الضوء على‬ ‫ذينك الجانبين الخاطئين في اال ّدعاء التقليديّ الشائع‬ ‫بين مسيحيّ سورية عن وضعهم المدنيّ خالل عهد‬ ‫البعث ‪-‬األسد هو ما يلي‪ :‬إنْ استمرّ مسيحيّو سورية‬ ‫بالكذب على أنفسهم وعلى العالم أجمع وواظبوا على‬ ‫التوهُّم بأنَّ حياتهم في عهد النظام القمعيّ الفاسد‬ ‫هي الحياة المثلى التي يعيشون هاجس فقدانها ولهذا‬ ‫يريدون التمسّك بها‪ ،‬فإنَّ هذا التمسّك بما فيه من‬ ‫أخطاء لن يدفعهم للعب أيّ دور حقيقيّ وفاعل في‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫إنْ استمرّ المسيحيّون السوريّون باالعتقاد أنّ‬ ‫ّ‬ ‫تستحق التضحية بالحرّ يّة‬ ‫الوقاية من االضطهاد‬ ‫الدينيّة‪ ،‬بل والحرّ يّة عموماً‪ ،‬وأنّ تأمين النجاة أه ّم من‬ ‫لعب دور‪ ،‬فإ ّنهم في سورية المستقبل سيكرّ رون نفس‬ ‫موقفهم في عهد النظام األسديّ وستراهم‪ ،‬انطالقا ً‬ ‫من نفس الهوس بالسالمة‪ ،‬يتمسّحون مرّ ة أخرى‬ ‫بمنظومة السلطة الجديدة وسيبنون عالقات تحالف‬ ‫ومراضاة وخنوع جديدة مع أصحاب القرار فيها‪،‬‬ ‫مضحّ ين في المقابل بح ّقهم البشريّ والمدنيّ والدولتيّ‬ ‫األساسيّ بالحرّ يّة بكا ّفة أنواعها وأشكالها‪ ،‬ومستمرّ ين‬ ‫في انزوائهم وتقوقعهم داخل صومعة الحياة الكنسيّة‬ ‫والدينيّة ‪-‬االجتماعيّة الضيّقة واالنعزاليّة‪ :‬الهوس‬ ‫بالنجاة وبدرء الخطر‪ ،‬سيتغلّب على الرغبة بالوجود‬ ‫الحرّ وبالمشاركة الفاعلة‪ .‬وكلّما تنامى عند المسيحيّين‬ ‫إحساس الخوف من االضطهاد وإمكانيّة حدوثه بسبب‬ ‫غياب حالة األمان الوهميّة التي عاشوا في كنفها لعقود‬ ‫سابقة‪ ،‬كلّما تضاعف عندهم اطراداً هاجس الخوف‬ ‫من اآلخر وهوس االنكماش على الذات‪ ،‬ممّا سيؤ ّدي‬ ‫إلى حالة من األصوليّة المسيحيّة االنعزاليّة‪ ،‬قوامها‬ ‫حنين لحالة وهميّة ماضويّة من الحماية من اضطهاد‬ ‫مُتخيَّل‪ ،‬ووقودها قناعة ال تق ّل وهميّة بأنّ الدور الوحيد‬ ‫ّ‬ ‫يتوخوا‬ ‫المتاح للمسيحيّين في عالمهم السوريّ هو أن‬ ‫الحماية ال أن يقاتلوا ألجل الحرّ يّة وأن يبادروا بلعب‬ ‫أيّ دور‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬إنْ استمرّ المسيحيّون السوريّون‬ ‫ّ‬ ‫تستحق التضحية‬ ‫باالعتقاد بأنَّ الوقاية من االضطهاد‬ ‫بالحرّ يّة وأنّ تأمين النجاة أه ّم من لعب دور‪ ،‬فإ ّنهم في‬ ‫سوريا المستقبل سيكرّ رون نفس خطئهم أثناء عهد‬ ‫النظام البعثيّ بم ّد اليد للتحالف مع دوائر صنع القرار‬

‫ومراكز السلطة‪ ،‬بدل أن يلتفتوا إلى الشارع العا ّم‬ ‫ويبنوا جسور تواصل وشراكة حقيقيّة فاعلة ومدنيّة‬ ‫وعمالنيّة مع باقي أطياف وشرائح وجماعات المجتمع‬ ‫والساحة العامّة السوريّة بك ّل مكوّ ناتها الشعبيّة‪.‬‬

‫أثناء عهد األسد‪ ،‬اكتفت القيادات المسيحيّة السوريّة‬ ‫الروحيّة والزمنيّة على ح ّد سواء بنسج عالقات مصالح‬ ‫مشتركة وعالقات «حماية ‪ -‬طاعة» و»تسامح ‪-‬‬ ‫والء» مع النظام الحاكم ومراكز السلطة وأجهزتها‬ ‫األمنيّة‪ .‬فعلت هذا‪ ،‬بدل أن ُتعيد بناء شبكة عالقات‬ ‫مدنيّة حرّ ة وتفاعليّة وسوسيولوجيّة حقيقيّة مع الشعب‬ ‫والشارع وباقي أفراد المجتمع السوريّ من منطلق‬ ‫التشارك في وحدة الحال والمعاناة من نفس منظومة‬ ‫القمع واالضطهاد والمعاناة من نفس سياسة مقايضة‬ ‫الحماية بالوالء والتسامح بالتنازل عن الحرّ يّات‪ .‬إنْ‬ ‫كان مسيحيّو سورية سينطلقون في نظرتهم لسورية‬ ‫المستقبل من زاوي��ة الخوف من عقدة االضطهاد‬ ‫وزاوي��ة اإليمان الخاطئ باألسطورة الوهميّة التي‬ ‫ذكرتها في األعلى‪ ،‬فهم عندها سيقصّرون في بناء‬ ‫عالقة تواصل وتفاعل وبنيان حقيقيّة مع الشارع‬ ‫السوريّ العا ّم في المستقبل كما قصّروا في فعل ذلك‬ ‫في الماضي‪ ،‬وستراهم يعيدون انتاج خيار التمسّح‬ ‫بالسلطة وتفضيل االنفتاح عليها على االنفتاح على‬ ‫الشارع‪.‬‬ ‫أيُّ دور لمسيحيّ سورية في المستقبل؟ الجواب‬ ‫على هذا السؤال يح ّدده‪ ،‬كما حاولت أن أناقش هنا‪،‬‬ ‫المخيال الذي يحمله مسيحيّو سورية عن حياتهم في‬ ‫الماضي وما إذا كانوا مستع ّدين لتفكيكه وإعادة تقييمه‬ ‫أم ال؟ إنْ كانوا مستع ّدين لفعل ذلك‪ ،‬فلسوف يكتشفون‬ ‫بأنفسهم أنّ ا ّدعائهم بأنّ النظام البعثي ‪ -‬األسديّ كان‬ ‫نظاما ً علمان ّيا ً َحمى المسيحيّين من االضطهاد الدينيّ‬ ‫وأعطاهم حرّ يّتهم الدينيّة‪ ،‬ما هو إلاّ وهم غير حقيقيّ ‪،‬‬ ‫ولم يكن واقع ّيا ً ح ّقا ً يوما ً ما في سورية األسد‪ .‬ولسوف‬ ‫ينطلقون عندها من عمليّة النقد والتفكيك تلك ويأسّسوا‬ ‫عليها موقفا ً مغايراً تماما ً يجعلهم يلعبون دوراً فاعالً‬ ‫وب ّنا ًء يحمل ك ّل مالمح الحرّ يّة (خاصّة الحرّ يّة من‬ ‫االفتراضات الخاطئة وعقد الخوف والهوس باألمان‬ ‫والنجاة) واالنفتاح على الشارع السوريّ ال على‬ ‫مراكز السلطة؛ على أبناء وبنات المجتمع السوريّ‬ ‫ال على ص ّناع القرار فقط‪ .‬أمّا إذا رفض المسيحيّون‬

‫مجرّ د إعادة تقييم قراءتهم لواقعهم في عهد النظام‬ ‫األس��ديّ ‪ ،‬فلن يكون هناك أيّ تغيير بنيويّ ملموس‬ ‫في آليّة عيشهم وطبيعة حضورهم في المجتمع‬ ‫السوريّ في المستقبل‪ .‬ما سينتج عن هذا هو تمسّك‬ ‫أعمى بالهُويّة الدينيّة يشبه تماما ً األصوليّة المسيحيّة‬ ‫القائمة على التشكيك باآلخر وعقدة األقلّيّات والتورّ ط‬ ‫ّ‬ ‫متمثالً في‬ ‫في صراعات قوى ومذهبيّات نراه اليوم‬ ‫الدرك األصولي الذي تنحدر إليه المسيحيّة اللبنانيّة‬ ‫(العونيّة تحديداً)‪ .‬ما سينتج عن هذا‪ ،‬كذلك‪ ،‬إمعان‬ ‫في االنعزال والتقوقع والبحث عن مخرج آمن من‬ ‫الوطن‪ ،‬ممّا سيفرّ غ الشرق من أهله األصليّين بأيدي‬ ‫أهله األصليّين أنفسهم‪ ،‬وليس بالضرورة بأيدي من‬ ‫يعتقد المسيحيّون‪ ،‬في خضم غرقهم المريض في بحر‬ ‫عقدة األقلّيّات وبعبع الذ ّميّة‪ ،‬أ ّنهم مصدر خطر وليسوا‬ ‫شركاء في الوطن‪.‬‬

‫في مقاالت عديدة سابقة‪ ،‬وجّ هت ع ّدة نداءات‬ ‫للمسلمين السوريّين كي يم ّدوا يدهم ألخوتهم المسيحيّين‬ ‫في الوطن ويرسلوا لهم رسالة تطمين وأخ��وّ ة في‬ ‫الوطن ويدعونهم للمشاركة معهم في تحرير وبناء‬ ‫سورية جديدة للجميع‪ .‬اليوم‪ ،‬أوجّ ه رسالة ألخوتي‬ ‫وأخواتي‪ ،‬ألهلي المسيحيّين السوريّين‪ ،‬بأنَّ عليهم‬ ‫أن يبحثوا عن لعب دور في سورية المستقبل‪ ،‬ال أن‬ ‫ينتظروا أن يق ّدم لهم أحد ما الفرصة للعب هذا الدور‪.‬‬ ‫أدعوهم لكي نف ّكر معا ً في ماهيّة وطبيعة هذا الدور‬ ‫الذي يجب علينا كواجب وطنيّ وأخالقيّ وإنسانيّ أن‬ ‫نلعبه في سورية المستقبل‪ ،‬وأن نقوم بهذا انطالقا ً من‬ ‫إعادة تقييم وتفنيد صريحة وشجاعة وعقالنيّة ونقديّة‬ ‫مفتوحة للتصوّ ر التقليديّ الذي حملناه أثناء عيشنا‬ ‫خالل األربع عقود الماضية بأنَّ ضمانة وجودنا هي‬ ‫نظام مثل نظام البعث األسديّ ‪ ،‬الذي لطالما توهّمنا‪،‬‬ ‫ضمِن حرّ يّتـنا الدينيّة لمجرّ د‬ ‫بأ ّنه نظام علمانيّ وبأ ّنه َ‬ ‫أ ّننا في عهده لم نتعرّ ض لالضطهاد‪.‬‬ ‫إ ّنني أدع��و أهلي‪ ،‬مسيحيّي س��وري��ة‪ ،‬للتحلّي‬ ‫بالشجاعة لفحص وتفكيك وإعادة تقييم حقائقيّة تلك‬ ‫النظرية‪ ،‬كيما نتأ ّكد من أ ّننا ال نبني استشرافنا للمستقبل‬ ‫على فرضيّات ومخياالت غير صحيحة ووهميّة عن‬ ‫الماضي‪ .‬البداية الخاطئة تو ّدي دوما ً لنتائج خاطئة‪،‬‬ ‫ومصيرنا المستقبليّ سترسمه تصوّ راتـنا عن حياتنا‬ ‫الماضويّة‪.‬‬ ‫أ‪.‬د‪.‬د‪ .‬جنيب جورج عوض‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪6‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫تحقيقات‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫الجنود األطفال في سورية‬

‫الكارثي‬ ‫مقاتلون سحرتهم الطوباوّية الدينّية واإليديولوجيا بديالً لواقعهم‬ ‫ّ‬

‫مشاهد األطفال الذين ُتدرّ بهم كتائب البعث على‬ ‫حمل السالح في سورية‪ ،‬ال تختلف كثيراً عن صور‬ ‫أطفال الكتائب اإلسالميّة الذين قالوا‪« :‬قد نعيش وقد‬ ‫ّ‬ ‫منظمة «هيومن‬ ‫نموت» وهي العبارة التي ا ّتخذتها‬ ‫رايتس ووتش» عنوانا ً لتقريرها األخير عن ظاهرة‬ ‫تجنيد األطفال واستخدامهم من قبل الجماعات المسلّحة‬ ‫في سورية‪ ،‬اختصرت تلك العبارة واقع فئة اجتماعيّة‬ ‫ودينيّة بعينها‪ ،‬نقل التقرير شهادات ‪ 25‬طفالً سور ّيا ً‬ ‫شاركوا بالعمليّات القتاليّة في الصفوف األماميّة أو‬ ‫بتقديم الدعم واإلم��داد‪ ،‬وسقط من التقرير ألسباب‬ ‫أمنيّة وسياسيّة قدرة رصد واقع أطفال الجانب األخر‪،‬‬ ‫الجانب الذي يحمل تقريبا ً ذات العقليّة والذهنيّة الدينيّة‬ ‫االجتماعيّة اإلقصائيّة‪ ،‬فعناصر تنظيم الدولة اإلسالميّة‬ ‫في العراق والشام «داعش» الذين ج ّندوا مراد أحمد‬ ‫حلاّ ق (‪16‬عاماً) الملقب بأبو القعقاع كمسؤول أمنيّ‬ ‫في إمارة اعزاز بريف حلب الشماليّ ‪ ،‬ال يختلفون عن‬ ‫عناصر فيلق بدر الشيعيّ العراقيّ الذي نعى مقاتله‬ ‫أحمد حيدر عبد العال الوائلي (‪ 17‬عاماً) والذي قضى‬ ‫في سورية‪ .‬أرقام التقرير تتح ّدث عن ‪ 194‬طفالً غير‬ ‫مدنيّين قضوا في سورية ح ّتى نهاية أيّار ‪.2014‬‬ ‫«إمّا وإمّا»‬ ‫بالطبع‪ ،‬سقوط جزئيّة اإللمام بالجانبين في تقرير‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة الحقوقيّة له أسبابه ومبرّ راته‪ .‬ولكن العين‬ ‫الواحدة ال تكفي لرصد الظاهرة وال لحلّها‪ .‬أمّا وضع‬ ‫اليد على المرض ربّما يقود لإلجابة عن مجموعة‬ ‫ُقبل هؤالء‬ ‫األسئلة المحيّرة التي تبدأ بـ «لماذا ي ِ‬ ‫بحماسة على االنخراط باألعمال العسكريّة؟ وكيف يت ّم‬ ‫تجنيدهم؟ وكيف سيكون مستقبلهم؟ وهل من ح ّل لهذه‬ ‫الظاهرة؟ وإن وجد الح ّل فكيف يطبّق؟»‪.‬‬ ‫ربّما تكون آليّة البحث بالمحرّ كات النفسيّة‪ ،‬إحدى‬ ‫الطرق القويمة للوصول إلى تفسير قريب من الواقع‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬يرى أستاذ الصحّ ّة النفسيّة والجنسيّة في جامعة‬ ‫بيدغوش ببولونيا الدكتور بسّام عويل‪ ،‬أنّ سهولة‬ ‫االنضمام لصفوف هذه الجماعات الدينيّة المسلّحة‬ ‫يعود إل��ى «المرجعيّة البسيطة والتي ال تحتاج‬ ‫للفهم‪ ،‬يكفي اإليمان وخاصّة عندما يكون الطفل ابن‬ ‫تنشئة دينيّة‪ ،‬وهذا مرتبط أيضا بسيكولوجيّة النموّ‬ ‫المعرفيّ واألخالقيّ لليافعة‪ ،‬والذي ي ّتسم بالقطبيّة إمّا‬

‫وإمّا‪ ،‬أي أبيض أو أسود» وهذا يهوّ ن على هؤالء‬ ‫األطفال االنخراط بالعمل المسلّح مع وجود المبرّ رات‬ ‫االجتماعيّة واالقتصاديّة أل ّنهم مستع ّدون نفس ّيا ً له‪.‬‬ ‫«يعيش الطفل قبل البلوغ وعنده صراعات نفسيّة‬ ‫جنسيّة وأزم��ات نموّ تجعله أكثر قابليّة لاليحاء‬ ‫بالحقائق النهائيّة» ربّما هذه الحقيقة النفسيّة التي‬ ‫يطرحها الدكتور عويل تشرح اآلليّة النفسيّة لدفع‬ ‫هؤوالء وجذبهم لإلنخراط في العمل العسكريّ الدينيّ‬ ‫المتطرّ ف «باإلضافة إلى أ ّنه يسعى إليجاد ذاته عبر‬ ‫رفض الواقع والتمرّ د عليه‪ ،‬وهنا نرى أنّ فسحة‬ ‫الطوباويّة في التفكير أكثر نشاطا ً من أيّ فسحة عقليّة‬ ‫أخرى» وترافق ما سبق مع «حال الفقر والعوز حيث‬ ‫ّ‬ ‫يتمثل معظم األطفال واليافعين دور المنقذ‪ ،‬وفي حال‬ ‫األلم والحرب وصعوبة تحقيق الحاجات ّ‬ ‫يتمثل األطفال‬ ‫واليافعين دور كبش الفداء» وهذا ما يضعهم على‬ ‫طريق السعي نحو المطلق األبديّ ‪ ،‬أي أنّ الطريقين‬ ‫يؤ ّديان إلى ذات النتيجة‪.‬‬ ‫فقر مدقع‬ ‫نظرة خاطفة على خريطة الفقر السوريّ التي‬ ‫أنجزتها األمم الم ّتحدة في سورية عام ‪ 2010‬ولم‬ ‫ُتنشر أبداً بقرار من النظام السياسيّ ‪ ،‬نرقب فيها حلب‬ ‫مركز القتال الكبير اليوم‪ ،‬فنجد أنّ هذه المحافظة التي‬ ‫تشتمل على ‪ 1407‬نقطة سكنيّة‪ّ ،‬‬ ‫موزعين على ثمانية‬

‫يف اخليام وحتت القصف‬

‫(واقع التعليم يف ريف حلب اجلنوب ّي)‬ ‫تتعرّ ض مناطق واسعة في ريف حلب الجنوبيّ ‪،‬‬ ‫لعدوان مستمرّ من طيران نظام األسد‪ ،‬ما أ ّدى إلى‬ ‫تدمير عدد كبير من البلدات والقرى‪ .‬وكان النصيب‬ ‫األكبر من القصف والدمار الهائل للمدارس‪ ،‬فقد ر ّكز‬ ‫طيران األسد عليها منعا ً للطلاّ ب من متابعة دراستهم‪،‬‬ ‫وبالتالي تدمير جيل كامل ببربريّة نظام يستهدف‬ ‫الحياة بكاملها‪ ،‬وأوّ لها المدارس‪.‬‬ ‫املدارس أهداف لطريان األسد‬

‫مناطق هي أعزاز‪ ،‬والسفيرة‪ ،‬وجبل سمعان‪ ،‬والباب‪،‬‬ ‫ومنبج‪ ،‬وعفرين‪ ،‬وعين العرب‪ ،‬وجرابلس‪ .‬كانت مع ّدة‬ ‫لالنفجار بأيّ وقت ودون وجود عامل موضوعيّ هو‬ ‫الثورة‪ ،‬بل وكانت مع ّدة للذهاب إلى الخيارات المتطرّ فة‬ ‫إذا ما نظرنا إلى واقعها التعليميّ واالقتصاديّ وبالذات‬ ‫مناطق الريف المهملة والبعيدة عن ك ّل أشكال العناية‬ ‫الحكوميّة؛ ‪ 1407‬نقطة سكنيّة فيها ‪ 14‬نقطة سكنيّة‬ ‫تصل نسبة الفقر فيها إلى ‪ ،%100‬و‪ 639‬نقطة سكنيّة‬ ‫يتراوح الفقر فيها بين ‪ %25‬إلى ‪ ،%99‬وبعضها غير‬ ‫مص ّنف على خارطة الفقر ألسباب تقنيّة‪ ،‬وهذا يوضح‬ ‫سبب انخراط بعض األطفال بحسب التقرير الحقوقيّ‬ ‫في العمل العسكريّ مقابل المال‪.‬‬ ‫ولكنّ الدكتور عويل يرى أنّ «االكتفاء التا ّم والتخمة‬ ‫ال يلغيان السعي إلثبات ال��ذات الذي يصبح حافزاً‬ ‫لهؤالء األطفال» أمّا عن ماذا بعد االنخراط في هذه‬ ‫األعمال فيرى أنّ «التشوّ ه النفسيّ الذي يصيب األطفال‬ ‫والشباب لألسف ال ينتهي بانتهاء األزمة‪ ،‬فالشخصيّة‬ ‫عبارة عن مصفوفة لوغاريتميّة تنمو وفق األسس التي‬ ‫نشأت عليها وأيّ تشويه سيُنتج بالطبيعة تشويها ً آخراً‪،‬‬ ‫إنْ لم يتم تصحيح النموّ باإلرشاد والعالج‪ ،‬ومن المؤ ّكد‬ ‫أنّ تشوّ هات الشخصيّة بمكنوناتها االنفعاليّة يمكن أن‬ ‫تتطوّ ر إلى حاالت نفسيّة مرضيّة خطيرة ومنها ذهنيّة»‬ ‫وهذا يعني «مجتمعا ً موغالً بالمرض النفسيّ » والكالم‬ ‫للدكتور عويل‪.‬‬

‫في إحدى المعارك التي دارت رحاها في ريف حلب‬ ‫الجنوبيّ ‪ ،‬ا ّتخذت قوّ ات النظام من المدارس مقرّ اً لها‬ ‫ومتاريسا ً لق ّناصيها‪ ،‬وبعد تحريرها أصبحت وطلاّ بها‬ ‫هدفا ً لطيران األسد وبراميله المتفجّ رة ومدافعه‪ ،‬ومثلها‬ ‫كثير من المدارس والمعاهد والجامعات الخاصّة‪ ،‬كما‬ ‫تحوّ لت بعض المدارس إلى مكان سكن للنازحين من‬ ‫مناطق الصراع العسكريّ ‪ ،‬وحرم النظام المدارس‬ ‫في المناطق المحرّ رة من استحقاقاتها‪ ،‬كما أصبح‬ ‫المدرّ سون والمعلّمون عرضة لالعتقال بالطرق‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫في األع��وام األول��ى من الثورة‪ ،‬تعرّ ض الكادر‬ ‫االختصاصات‪،‬‬ ‫التعليميّ لنقص كبير في بعض‬ ‫وخاصّة اللغتين اإلنكليزيّة والفرنسيّة‪ ،‬والرياضيّات‪،‬‬ ‫ألسباب كثيرة‪ ،‬كما أسلفنا‪ ،‬ومنها التحاق عدد من‬ ‫المدرّ سين بالجيش الحرّ ‪ ،‬فتمّت االستعانة بمدرّ سين‬ ‫من خارج المالك‪ .‬أمّا المناهج‪ ،‬فقد اع ُتمد المنهاج‬ ‫الحكوميّ ‪ ،‬والمنهاج المع ّدل والصادر عن وزارة‬ ‫التربية في الحكومة المؤ ّقتة‪.‬‬ ‫مناذج من التعليم‬ ‫مدارس تعليم القرآن‪ :‬بدأ تجمّع عدد من المعلّمين‬ ‫وطلبة العلم الدينيّ بافتتاح مدارس تعليم القرآن الكريم‪،‬‬ ‫ومبادئ القراءة والكتابة والحساب‪ ،‬فيما يشبه الكتاتيب‬

‫ما سبق من حلول لم يجد كبير صدى «لألسف ك ّل‬ ‫النداءات لم تصل إلى مسامع المموّ لين الذين ارتؤوا‬ ‫الدعم واإلغاثة المباشرة» هذا مختصر المشهد‪ ،‬ولكنّ‬ ‫المحاوالت لم تزل قائمة وهناك بعض التجارب ولكن‬ ‫«لألسف الكثير من المشاريع التي يت ّم الحصول على‬ ‫تمويل لها تن ّفذ من قبل غير الخبراء مع أ ّني وزمالئي‬ ‫نعرض مساعدتنا بشكل دائم‪ ،‬وتبدو هناك مخاوف من‬ ‫أن نكتشف ضعف الخبرة وبالتالي يت ّم االنغالق على‬ ‫الذات وخاصّة أنّ الثقافة النفسيّة غريبة نوعا ً ما عن‬ ‫مجتمعاتنا»‪.‬‬ ‫أمّا عن دور المعارضة السوريّة السياسيّة التي‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة الحقوقيّة بالعمل على‬ ‫تعهّدت بحسب تقرير‬ ‫الح ّد من انخراط األطفال بالقتال لم تقدِم على أيّ‬ ‫فعل حقيقيّ بالمعنى النفسيّ واالجتماعيّ والوقائيّ أو‬ ‫العالجيّ لهذه الحاالت والسبب برأي الدكتور عويل‬ ‫الذي يرى المعارضة السورية عبارة عن «دكاكين‬ ‫سياسيّة يتن ّفع منها أصحابها‪ ،‬وبالتالي ال المجلس وال‬ ‫االئتالف مهت ّم باألمر‪ ،‬وأصبح األمر اليوم أكبر من‬ ‫الفوضى كتوصيف‪ ،‬ولذا فأيّ مشروع لوقف القتل‬ ‫مهما كان الثمن هو أفضل من هذا العبث» يختتم‬ ‫الدكتور عويل كالمه‪.‬‬

‫جابر بكر‬

‫ريف حلب الجنوبيّ ‪ .‬وتالقي إقباالً كبيراً وارتياحا ً لدى‬ ‫األهاليّ ‪ ،‬والكثير من هذه المدارس ا ّتخذت من الخيام‬ ‫مكانا ً للتعليم لعدم تو ّفر البناء‪.‬‬ ‫من اخليام إىل مدارس منوذجيّة‬ ‫من خالل الزيارات ومتابعة العمل على موضوع‬ ‫التعليم في ريف حلب الجنوبيّ ‪ ،‬استطاع بعض نشطاء‬ ‫ّ‬ ‫منظمات وهيئات إنسانيّة ُتعنى‬ ‫الثورة التواصل مع‬ ‫بالتعليم‪ ،‬وافتتحوا م��دارس ثانويّة م��رّ ت بمراحل‬ ‫متع ّددة‪ ،‬بدءاً من الخيام ح ّتى االنتقال إلى بناء جديد‬ ‫كمدرستي مزارع آباد المحدثة‪ ،‬ومزرعة الشحاذات‬ ‫الجديدة‪ ،‬وازداد عدد الطلاّ ب من ‪ 100‬طالب إلى‬ ‫‪ 400‬كانوا محرومين من التعليم‪ ،‬ويعود الفضل‬ ‫في ذلك إلى مؤسّسة «بناء» التي بنت المدرستين‬

‫التعليم يف ظ ّل الثورة‬

‫كانت أوّ ل مدرسة قصفها طيران نظام األسد في‬ ‫حلب وريفها‪ ،‬هي مدرسة طالفح الواقعة في أقصى‬ ‫الجنوب الغربيّ من ريف حلب‪ ،‬ث ّم تالها تدمير العديد‬ ‫من المدارس‪ ،‬ومنها مدرسة العيس‪ ،‬ومدرسة الزربة‪،‬‬ ‫ومدرستي الحاضر‪ ،‬ومدرسة ت ّل الحطابات‪ ،‬ومدرسة‬ ‫البطرانة التي تعرّ ضت لحرق كامل من عصابات‬ ‫األسد واللصوص‪.‬‬

‫دكاكني «سياسة»‬

‫رغم املأساة اليت يعيشها الناس يف البيئات احمل ّررة‪ ،‬استطاع املعلّمون‬ ‫الذين أفرزتهم الثورة وبالتعاون مع احلاضنة الشعبيّة أن تنتج حلوالً‬

‫ال��ت��ع� ّس��ف� ّي��ة ال��م��ع��روف��ة‬ ‫للنظام‪ ،‬إذ اعتقل المئات‬ ‫من الكوادر التدريسيّة‪،‬‬ ‫فاضطرّ المعلّمون إلى‬ ‫ت��رك مدارسهم وراح��وا‬ ‫ي��ب��ح��ث��ون ع���ن ف��رص��ة‬ ‫عمل أخ��رى ف��ي رحلة‬ ‫ش��ت��ات م��ج��ه��ول��ة‪ ،‬كما‬ ‫حُرم الطلاّ ب في أماكن‬ ‫القصف من التعليم بشكل‬ ‫نهائيّ ‪.‬‬

‫رغ���م ال��م��أس��اة التي‬ ‫يعيشها الناس في البيئات‬ ‫ال���م���ح���رّ رة‪ ،‬اس��ت��ط��اع‬ ‫المعلّمون الذين أفرزتهم الثورة وبالتعاون مع الحاضنة‬ ‫الشعبيّة أن تنتج حلوالً تعوّ ض عن حرمان الطلبة‬ ‫لمدارسهم وإكمال تعليمهم‪ ،‬وانبرى عدد من حملة‬ ‫الشهادات المختلفة للعمل كمتطوّ عين في المدارس‪،‬‬ ‫في ظ ّل ظروف بالغة القسوة على الصعيد األمنيّ‬ ‫والما ّدي والفقر المسيطر‪.‬‬

‫أ ّم��ا عن الحلول الممكنة‪ ،‬فهو يرى أ ّنها واجبة‬ ‫منذ األم��س وأهمّها «تصحيح نموّ ه��ؤالء األطفال‬ ‫ومساعدتهم أو عالجهم‪ ،‬وهو برنامج طويل األمد‬ ‫وبحاجة إلى تعاون الكثير من المؤسّسات التربويّة‬ ‫والطبيّة واالجتماعيّة فاإلرشاد والعالج يمكن أن يت ّم‬ ‫بطريق العمل أو تنمية القدرات والمهارات الفرديّة أو‬ ‫بالرياضة وغيرها» وهذا كلّه غير متاح قبل «وقف‬ ‫القتل إلنقاذ ما يمكن إنقاذه‪ ،‬ومن ث ّم برامج عمل‬ ‫واسعة يسبقها تجهيز الخبراء النفسيّين والتربويّين‬ ‫واالجتماعيّين‪ ،‬الذين بإمكانهم التعامل مع هذه الحاالت‬ ‫وانتاج أفضل الحلول لها ضمن إمكانات الواقع‪،‬‬ ‫وبالطبع األعداد الموجودة من النفسيّين والتربويّين ال‬ ‫تكفي‪ ،‬ومن هم موجودون خبراتهم بسيطة ج ّداً وبحاجة‬ ‫إلى تدريب لكسب المهارات» والكالم للدكتور عويل‬ ‫أيضاً‪.‬‬

‫في مرحلة سابقة من التاريخ السوريّ ‪ ،‬وفي لقاء لنا‬ ‫مع الشيخ «عبد الكريم» الذي يشرف على مدرسة‬ ‫لتعليم القرآن‪ ،‬قال «إ ّنها تجربة جيّدة رغم المعاناة‪،‬‬ ‫وقد استفاد التالميذ كثيراً نظراً لحرمانهم من التعليم‪،‬‬ ‫فحفظوا طريقة تالوة القرآن الكريم‪ ،‬والكتابة‪ ،‬بطريقة‬ ‫مرنة‪ ،‬وأسلوب يتناسب وأعمارهم»‪ .‬وأضاف الشيخ‬ ‫عبد الكريم «لدينا كادر تعليميّ مقبول من اإلخوة‬ ‫المتطوّ عين‪ ،‬وقد قامت إحدى الجمعيّات الخيريّة‬ ‫بتقديم بعض الدعم‪ ،‬من لباس وإغاثات عينيّة للتالميذ‪،‬‬

‫وتعويض ما ّديّ لإلخوة المعلّمين ال يتجاوز الخمسة‬ ‫عشر ألف ليرة سوريّة»‪.‬‬ ‫ويالحظ انتشار هذه المدارس على نطاق واسع في‬

‫النموذجيّتين في ريف حلب الجنوبيّ ؛ وما زالت هذه‬ ‫المدارس تعتمد المناهج السوريّة بعد تعديل بعض‬ ‫المواد‪ ،‬حيث نجحت قوى المعارضة باعتماد مناهج‬ ‫تعليميّة جديدة تناسب واقع الثورة‪ ،‬وانحصر التعديل‬ ‫بعمليّة «تنقيح» من خالل إزالة ك ّل ما له عالقة بحزب‬ ‫البعث والمجرمين ب ّ‬ ‫شار األسد وأبوه من مواد التربية‬ ‫القوميّة والجغرافيا والتاريخ‪.‬‬ ‫وال تزال العمليّة التربويّة في ريف حلب الجنوبيّ‬ ‫تعاني من مصاعب كبيرة أمنيّة وما ّديّة ولوجستيّة‪.‬‬

‫مصطفى فرحان‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫تحقيقات‬

‫العدد ‪19‬‬

‫‪7‬‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫التعليم في مدينة الر ّقة إلى أين!؟‬ ‫اخ ُتطف أو ت ّم اعتقاله أو طرده ألسباب سياسيّة‪.‬‬ ‫في مدينة الر ّقة السوريّة‪ ،‬والتي غاب عنها النظام‬ ‫منذ ما يزيد عن السنة ونصف السنة‪ ،‬وببنية تحتيّة‬ ‫شبه مدمّرة وغياب للمؤسّسات العاملة والمديريّات‬ ‫ّ‬ ‫المنظمة‪ ،‬أعلن تنظيم «داعش» عن بدء عام دراسيّ‬ ‫بشكل «داعشيٍّ » جديد!‬ ‫جديد‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫عا ٌم سابق ال ّ‬ ‫يبشر باخلري!‬ ‫عندما انتصف العام الدراسيّ الماضي‪ ،‬كان التنظيم‬ ‫قد بسط سيطرته بشكل كامل ومنفرد على الر ّقة‪ ،‬ليبدأ‬ ‫عناصره با ّتباع مقولة «ك ٌل يغ ّني على لياله!» فتارة‬ ‫ُتغ َلق المدارس بحجّ ة تبعيّتها للنظام‪ ،‬وتارة أخرى ُتمنع‬ ‫المدرّ سات من القيام بأعمالهنّ ‪.‬‬

‫طفل ّ‬ ‫حق أصي ٌل في الحياة»‬ ‫«لك ّل‬ ‫ٍ‬ ‫تلك كانت الما ّدة السادسة من حقوق الطفل‪ ،‬ولكنّ‬ ‫السؤال الذي يطرح نفسه اليوم‪ ،‬هل مازال هذا القانون‬ ‫ينطبق على أطفال سوريّة‪ ،‬أم أ ّنهم ليسوا كباقي أطفال‬ ‫العالم وليس لهم ٌ‬ ‫حق في الحياة؟!‬ ‫للحرب كلمة!‬ ‫عندما تقع المدارس تحت ّ‬ ‫خط النار وتتحوّ ل تلك‬ ‫المقاعد التي كانت تستخدم للدراسة إلى توابيت يدفن‬ ‫ُني‬ ‫فيها الطلاّ ب‪ ،‬ويسقط السقف فوق‬ ‫رؤوس كان قد ب َ‬ ‫ٍ‬ ‫ليحميها‪ ،‬دون أن يحرّ ك أحد لساكن‪ ،‬نكونُ بذلك قد‬ ‫فقدنا جيالً كامالً منهم من مات ومنهم من أصيب بعاه ٍة‬ ‫أو بجروح‪ ،‬أو أصيب بأزمات نفسيّة حا ّدة جرّ اء تلك‬ ‫االنتهاكات التي رآها بأ ّم عينه‪ ،‬ال وبل مورست عليه‬ ‫أيضاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وثقت الشبكة السوريّة لحقوق اإلنسان استهداف‬ ‫ما ال يق ّل عن ‪ 3878‬مدرسة خالل السنوات األربع‬ ‫الماضية‪ ،‬نصفها ُدمّرت بشكل كامل‪ ،‬وبعض منها‬ ‫م��ازال صالحا ً للترميم واالستفادة منه‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫استهداف الكادر التعليميّ التربويّ ‪ ،‬فمنهم من قُتل أو‬

‫وفي أغلب األحيان‪ ،‬كانت ُتقتحم المدارس و ُتفرض‬ ‫العقوبات على المدراء والمدرّ سين‪ ،‬أو يُفرض على‬ ‫المدرّ سات تغطية وجوههنّ أم��ام الطلاّ ب‪ ،‬لتقول‬ ‫إحداهنّ باستنكار‪« :‬إنّ التلميذ بحاجة إلى رؤية وجه‬ ‫المعلّمة ليفهم المعاني من خالل التعابير‪ ،‬وليتعلّم‬ ‫مخارج الحروف وطريقة لفظها بسهولة وخاصّة في‬ ‫المرحلة األولى»‪.‬‬ ‫كما منع التنظيم االختالط بين الطلاّ ب من الصفّ‬ ‫الخامس فما فوق‪ ،‬فقال التربويّون في هذا الخصوص‬ ‫«هذه أزمة كبيرة‪ ،‬ألنّ التالميذ في هذا العمر بحاجة‬ ‫إلى التعرّ ف على الجنس اآلخر ح ّتى ال تختلط المفاهيم‬ ‫االجتماعيّة لديهم»‪ ،‬كما فُرض الزيّ اإلسالميّ على‬ ‫الطالبات اللواتي تجاوزن سنّ الحادية عشر‪ ،‬لتعلّق‬ ‫إحداهنّ قائلة «لقد منعونا من ح ّقنا في اللعب‪ ،‬هذا‬ ‫اللباس ليس مريحا ً وال يسمح لنا بسهولة الحركة»‪.‬‬ ‫استطاع التنظيم ضبط هذه القوانين بتسيير دوريّا ٍ‬ ‫ت‬ ‫تجوب م��دارس المدينة‪ ،‬مقتحمة الصفوف ومه ِّددة‬ ‫األطفال بالجلد والسجن في حال حدوث مخالفات‪.‬‬ ‫عداك عن البرد القارس الذي جاء متزامنا ً مع غالء‬ ‫المحروقات‪ ،‬حارما ً الدفء من الدخول إلى صفو ٍ‬ ‫ف‬ ‫خسرت نوافذها جرّ اء القصف‪ ،‬أو تحوّ لت مقاعدها‬ ‫إلى حطب للفقراء‪ ،‬حيث قالت إحدى المدرّ سات «إنّ‬ ‫التالميذ باتوا ال يتحمّلون ك ّل هذا البرد القارس‪ ،‬بل‬ ‫كانوا يبكون كثيراً‪ ،‬أحاول تدفئتهم ببعض التمارين‬

‫الرياضيّة الصباحيّة‪ ،‬قلبي كان يحترق ولكن ما باليد‬ ‫حيلة»‪.‬‬ ‫عن أيّة مدارس يتح ّدثون!؟‬ ‫في تلك المدينة الصغيرة التي تضاعف عدد س ّكانها‬ ‫مع توافد النازحين من مختلف القرى والمدن المجاورة‪،‬‬ ‫ولسير عمليّة تعليميّة نموذجيّة سيتطلّب األمر ضعف‬ ‫أع��داد المدارس والبُنى التحتيّة‪ ،‬لكن الحرب كان‬ ‫رأيها معاكس لذلك‪ ،‬فمن المدارس من فتحت أبوابها‬ ‫مقار عسكريّة للتنظيم‬ ‫للنازحين‪ ،‬ومنها من تحوّ لت إلى ٍ‬ ‫كحال مدرسة «أبو ذرّ الغفاريّ » وروضة «السنابل»‬ ‫الواقعتين قرب دوّ ار باسل غربيّ المدينة‪ ،‬اللتان‬ ‫استولى عليهما عناصر األخير‪ ،‬كما تمركزوا في بناء‬ ‫مجاور لمدرسة «أبي بكر الرازيّ » األمر الذي زرع‬ ‫الخوف في قلوب األطفال وذويهم‪ ،‬والقلق من ضربات‬ ‫طيران التحالف الغربي‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى قصف طيران النظام المتكرّ ر‪ ،‬الذي‬ ‫ال يميّز بين مقرٍّ عسكريّ ومدرسة مدنيّة‪ ،‬ولنا في‬ ‫«ثانوية التجارة» خير دليل حيث تعرّ ضت للقصف‬ ‫أثناء الدوام الرسميّ ما أ ّدى الستشهاد وجرح العديد‬ ‫من تالميذها وكادرها التدريسيّ ‪.‬‬ ‫تقول إحدى المعلّمات معلّقة على حالة الهلع التي‬ ‫أصابت طلاّ بها «كان التالميذ يصرخون بشكل رهيب‬ ‫عندما يسمعون صوت الطيران‪ ،‬ال نستطيع سوى‬ ‫تهدئتهم‪ ،‬قدر اإلمكان‪ ،‬منتظرين ذهاب الطائرة ح ّتى‬ ‫تعود األمور إلى طبيعتها ونكمل إعطاء الدروس»‪.‬‬ ‫تعلي ٌم على املنهج الداعش ّي‬ ‫مع نهاية الصيف وقدوم العام الدراسيّ الجديد‪،‬‬ ‫سمح التنظيم بافتتاح المدارس والبدء بالعمليّة التعليميّة‬ ‫مع فرض مجموعة من القوانين وال��ق��رارات التي‬ ‫ّ‬ ‫وزعت ورق ّيا ً على كا ّفة المدارس‪ ،‬وأيّة مخالفة من هنا‬ ‫بقرار ليس من‬ ‫أو هناك‪ ،‬قد ُتنهي حلم الطفل التعليميّ‬ ‫ٍ‬ ‫وليّ أمره‪ ،‬بل من وليٍ نصّب نفسه أميراً عليهم‪ ،‬وسنّ‬ ‫قوانينا ً منها‪:‬‬ ‫• يبدأ ال��دوام اليوميّ عند السابعة والنصف‬ ‫بدالً من الثامنة صباحاً‪ ،‬وبعطلة أسبوعيّة تكون يوميّ‬ ‫الخميس والجمعة بدالً من الجمعة والسبت‪.‬‬

‫• يُفرض على ك ّل تلميذ رس ٌم للتسجيل وقيمته‬ ‫ألف ليرة سوريّة للفصل الواحد‪ُ ،‬تدفع عن شخصان من‬ ‫ك ّل أسرة ويُعفى منها أبناء «المجاهدين»‪.‬‬ ‫س ومدرّ سة حضور‬ ‫• يُفرض على ك ّل م��درّ ٍ‬ ‫دورة شرعيّة يق ّدمها أحد مراكز التنظيم‪ ،‬ويُمنع أيّ‬ ‫س من القيام بعمله في حال عدم حصوله على‬ ‫مدرّ ٍ‬ ‫شهادة إتمام الدورة‪.‬‬ ‫• يُفرض على جميع المدرّ سات ارتداء الحجاب‬ ‫ّ‬ ‫والمتمثل بالعباءة‪،‬‬ ‫الشرعيّ الكامل داخل المدرسة‬ ‫النقاب‪ ،‬والكاب «الدرع»‪.‬‬ ‫• يُمنع على المعلّم تدريس المواد التي قام‬ ‫التنظيم بحذفها من المنهاج سابقاً‪ ،‬وهي التاريخ‪،‬‬ ‫الفلسفة‪ ،‬التربية القوميّة‪ ،‬الرسم‪ ،‬الموسيقى والرياضة‪.‬‬ ‫• استبدال المواد المحذوفة بمواد الفقه‪ ،‬الحديث‪،‬‬ ‫السيرة‪ ،‬القرآن والعقيدة‪.‬‬ ‫ُتمنع المدارس من تدريس ما ّدة اللغة اإلنكليزيّة‬ ‫• ‬ ‫للتالميذ ما بين الصفّ األوّ ل والرابع للمرحلة االبتدائيّة‪.‬‬ ‫تلك القوانين الجائرة حالت دون إرس��ال معظم‬ ‫األهالي ألطفالهم إلى المدارس وألسباب أخرى‪ ،‬تقول‬ ‫«أ ّم محمّد»‪« :‬كيف لي أن أدفع رسوم المدرسة عن‬ ‫أطفالي األربعة‪ ،‬ونحن ال نملك ثمن خبز لنأكله»‪ ،‬كما‬ ‫يوضح السيّد «علي» الوافد من مدينة حلب واألب‬ ‫لطفلين «بدالً من إرسال أبنائي إلى المدارس في هذا‬ ‫الجوّ المرعب والرسوم التي ال أقدر عليها‪ ،‬أفضّل أن‬ ‫أصطحبهم للعمل معي ح ّتى يعيناني على مصروف‬ ‫الحياة»‪.‬‬ ‫لألسف هذا ما بدأ يحدث فعالً‪ ،‬فالكثير من األطفال‬ ‫تركوا مقاعدهم الدراسيّة والتحقوا بالعمل لمساعدة‬ ‫أهاليهم‪ ،‬بعد أن أوشك الفصل األوّ ل على االنتهاء‬ ‫والمدارس لم تقف على أقدامها بعد!‬ ‫ٌ‬ ‫مدينة باتت تكتسي السواد عباء ًة لها‪ ،‬ومستقبل‬ ‫مظل ٌم ينتظر أطفاالً لم يحصلوا على أبسط حقوقهم‪،‬‬ ‫فمتى سيفتح ح ّكام العالم أعينهم ويد ّقون ناقوس الخطر‬ ‫كامل من الضياع المح ّتم!‬ ‫جيل سوريٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلنقاذ ٍ‬

‫ُعبادة عبدالسالم‬

‫ضحايا األسعار‪ْ ،‬‬ ‫إن وجد الدواء!‬ ‫بعد دخول الثورة السوريّة عامها الرابع‪ ،‬مازال‬ ‫المواطن في سوريّة يُفرض عليه دفع فواتير عديدة‪،‬‬ ‫سببها الفوضى وعدم التنظيم وغياب الرقيب ومن‬ ‫هذه الفواتير «الفوضى الدوائيّة» وفوضى انتشار‬ ‫الصيدليّات العشوائيّة‪ ،‬ناهيك عن الفاتورة األكبر‬ ‫التي يدفعها نتيجة وحشيّة النظام‪ ،‬حيث شهد القطاع‬ ‫الصحيّ في سوريّة فوضى عارمة خالل السنوات‬ ‫الماضية‪ ،‬فقد عانى المواطن من ارتفاع حا ّد بأسعار‬ ‫األدوي��ة نتيجة جشع أصحاب الصيدليّات وتجّ ار‬ ‫الدواء الذين لم يراعوا فيه ال ذمّة وال ضميراً‪ ،‬ممّا‬ ‫أثقل كاهله بالمصاريف الزائدة‪ ،‬وكان على المواطن‬ ‫أن يدفع ثمن جهل أصحاب الصيدليّات بسبب صرف‬ ‫الوصفات الخاطئة بعد أن أصبحت مهنة من ال مهنة‬ ‫له‪.‬‬ ‫أين الرقابة؟‬ ‫صحيفة «كلنا س��ور ّي��ون» التقت مع عدد من‬ ‫المواطنين في ريف حلب الشماليّ ‪ ،‬الذين عبّروا عن‬ ‫استيائهم من هذا االرتفاع غير المقبول في ظ ّل هذه‬ ‫الظروف الصعبة؛ «أبو مصعب» الذي صادفناه‬ ‫أم��ام إح��دى الصيدليّات (‪ 50‬ع��ام�اً) ق��ال‪ :‬تشهد‬

‫األدوية‪ ،‬كأدوية «السرطان والجلطات وأدوية الضغط‬ ‫والس ّكر» قياسا ً للصيدليّات الموجودة في مناطق النظام‪.‬‬ ‫أمّا «أنس» وهو طالب جامعيّ ‪ ،‬فقد اشتكى من عدم‬ ‫وج��ود اختصاصيّين بهذا المجال حيث أصبحت‬ ‫الصيدلة كمهنة «ال��س � ّم��ان» وب��ع��ض أصحاب‬ ‫الصيدليّات ال يعرف صرف وصفة الطبيب‪ ،‬وهذا‬ ‫كلّه دون رقيب أو حسيب من أيّة جهة‪ .‬و «عليّ »‬ ‫مريض بحاجة إلى أدوية جلطة (مُميّعات دم‪ ،‬و‪)..‬‬ ‫بشكل دائم‪ ،‬قال‪ :‬توجد مجموعة من األصناف – إنْ‬ ‫تو ّفرت ‪ -‬غير خاضعة للرقابة‪ ،‬وال يوجد أيّ رقيب‬ ‫على التجّ ار وأصحاب الصيدليّات‪.‬‬ ‫فوضى األسعار‬

‫معظم الصيدليّات المنتشرة في المناطق المحرّ رة‬ ‫ارتفاعا ً «جنون ّياً» بأسعار األدوية ممّا أثقل كاهلنا‬ ‫بالمصاريف‪ ،‬وأضاف أبو مصعب‪ ،‬كما أنّ هناك‬ ‫تفاوتا ً كبيراً باألسعار بين ك ّل صيدليّة وأخرى‪ ،‬دون‬ ‫أن يكون هناك أيّ رقيب أو حسيب‪ .‬وأفادنا مواطنون‬ ‫بأنّ ‪ :‬الصيدليّات تعاني من فقدان أصناف هامّة من‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫عن هذا الموضوع وزيادة في التفاصيل‪ ،‬يح ّدثنا‬ ‫ّ‬ ‫توزع بمعامل األدوية‬ ‫الدكتور محمّد قائالً‪ :‬هناك‬ ‫منتشرة بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة‬ ‫الثوّ ار فاألدوية المنتشرة في المناطق المحرّ رة هي‬ ‫من المعامل الموجودة ضمن مناطق الثوّ ار حصراً‬ ‫حيث يمنع النظام وصول األدوية إلى هذه المناطق‪.‬‬ ‫وأضاف الدكتور محمّد‪ :‬أنّ األدوية الموجودة في‬ ‫األسواق حال ّيا ً ال أحد يعرف كيفيّة تصنيعها وتركيبها‪،‬‬ ‫هل هي تخضع للرقابة الدوائيّة‪ ،‬وهل يت ّم تحديد‬ ‫تسعيرة دوائيّة من أيّة جهة؟ هذا كلّه يت ّم دون أيّة‬

‫مراقبة من أيّة جهة كانت! وعن فوضى األسعار‪ ،‬قال‬ ‫الدكتور محمّد‪ :‬هناك فوضى عارمة في هذا المجال‬ ‫والسبب غياب الضمير من أصحاب‬ ‫الصيدليّات والرقيب من الجهات‬ ‫المختصّة في المناطق المحرّ رة‪ ،‬أمّا‬ ‫عن واق��ع انتشار الصيدليّات غير‬ ‫ّ‬ ‫المرخصة‪ ،‬فأشار الدكتور محمّد‪:‬‬ ‫عمل الصيدليّة هو مهنة يعمل بها‬ ‫ذوي االختصاص في هذا المجال‬ ‫ولك ّنها اليوم أصبحت مهنة من ال مهنة‬ ‫له‪ ،‬حيث يوجد تجاوزات كبيرة في‬ ‫هذا المجال‪ ،‬فأصبح ك ّل شخص يفتتح‬ ‫صيدليّة دون الحصول على ترخيص‬ ‫أو الخضوع للمعايير االختصاصيّة‬ ‫في هذا المجال‪ ،‬والسبب كلّه غياب‬ ‫الرقيب والحسيب وتخلّي ك ّل الجهات‬ ‫المسؤولة بتكليف نفسها بمتابعة هذا‬ ‫الموضوع ووضع ضوابط له‪.‬‬ ‫وأضاف الدكتور محمّد‪ :‬نتيجة هذه الفوضى تحدث‬ ‫أخطاء من أصحاب الصيدليّات عبر الوصفات تصل‬ ‫إلى ‪ %10‬وتصل األخطاء في الوصفات المباشرة‬ ‫التي ُتصرف من صاحب الصيدليّة إل��ى ‪%80‬‬

‫وهذا كلّه يدفع فاتورته بالنتيجة المواطن‪ ،‬ومتابعة‬ ‫لهذا الموضوع التقت صحيفتنا «كلنا سوريّون»‬ ‫بالصيدليّ «أحمد أحمد» فح ّدثنا قائالً‪ :‬إنّ أسباب هذه‬ ‫الفوضى هو عدم وجود الرقابة من الجهات المسؤولة‬ ‫في المناطق المحرّ رة تجاه أصحاب الصيدليّات‬ ‫باإلضافة لعدم قيام هذه الجهات المسؤولة كالهيئة‬ ‫الشرعيّة ومجلس المحافظة بوضع معايير لهذه‬ ‫المهنة والسماح لمن يجتاز المعايير بفتح صيدليّة‪.‬‬ ‫وأضاف الصيدليّ «أحمد» هناك مشاكل أخرى تواجه‬ ‫الصيدليّات هي عدم تو ّفر األدوي��ة بشكل مستمرّ ‪،‬‬ ‫وخاصّة ألنواع عديدة‪ ،‬كما تواجه الصيدليّات مشكلة‬ ‫ارتفاع األسعار من المستودعات‪ ،‬والتي تقوم بتوزيع‬ ‫األدوية للصيدليّات‪ ،‬ويعلّل أصحاب المستودعات‬ ‫السبب هو ارتفاع أجور المواصالت وتباعد الطرق‪،‬‬ ‫وأش��ار «أحمد» أنّ انقطاع الكهرباء بشكل دائم‬ ‫يسبّب لنا مشاكل كبيرة وهي عدم قدرتنا على وضع‬ ‫أدوية مهمّة ومطلوبة كونها تحتاج إلى ثلاّ جات مثل‬ ‫«األنسولين»‪.‬‬

‫في النهاية‪ ،‬المواطن هو من يدفع الثمن‪ ،‬وهو‬ ‫الضحيّة نتيجة ك � ّل خطأ يحدث والسبب الجهة‬ ‫المسؤولة التي نص ْ‬ ‫ّبت نفسها على المواطن دون أن‬ ‫تح ّقق له أدنى المطالب‪.‬‬

‫بدر حسني‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪8‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫اقتصاد و قانون‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫االقتصادي‬ ‫روسيا واألسد في الميزان‬ ‫ّ‬ ‫هل اقتربت بداية النهاية؟‬

‫الجميع يعلم أنّ أعظم قوّ تين في العالم هما روسيا‬ ‫و الواليات األمريكيّة الم ّتحدة‪ ،‬وقد ش ّنوا صراعات‬ ‫كثيرة‪ ،‬لع ّل من أشهرها الحرب الباردة التي بدأت في‬ ‫نهاية األربعينات وانتهت في أوائل التسعينات‪ ،‬وكانت‬ ‫نتيجتها تف ّكك القوّ ة العظمى لال ّتحاد السوفي ّتيّ ليصبح‬ ‫ع ّدة دول بعد أن كانوا م ّتحدين وكانت الحرب الباردة‬ ‫ّ‬ ‫تتمثل في حرب اقتصاديّة واجتماعيّة‬ ‫بين القوّ تين‬ ‫وعسكريّة‪ ،‬ولك ّنها لم تصل إلى المواجهة المباشرة بين‬ ‫القوّ تين بسبب علم كال الطرفين أ ّنها ستنهي العالم بسبب‬ ‫وجود األسلحة النوويّة‪ ،‬ومن أبرز هذه المواجهات‬ ‫حرب فيتنام والغزو السوفي ّتيّ ألفغانستان وكذلك أزمة‬ ‫الصواريخ في كوبا؛ وعندما أنهى الطرفان تلك الحرب‬ ‫واستطاعت الواليات الم ّتحدة أن تبسط يدها على أكثر‬ ‫من نصف العالم ومن ضمنها الشرق األوسط مستبعده‬ ‫كلاّ ً من ليبيا والعراق وسورية‪ ،‬الذين ظلّوا تابعين‬ ‫لروسيا‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وبعد ح��رب ال��ع��راق وسقوط نظام ص � ّدام‬ ‫حسين كانت بداية لحرب باردة ثانية‪ ،‬حيث استغلّت‬ ‫الدولتان الربيع العربيّ لتبسط ك ّل من القوّ تين يدها على‬ ‫المنطقة‪ ،‬فبعد ثورة تونس ومصر أتت الثورة الليبيّة‬ ‫التي أطاحت بالقذافي‪ ،‬وكانت السبب في خسارة روسيا‬ ‫ألكثر من أربعة مليارات دوالر على شكل صفقات‬ ‫سالح‪ ،‬بعدها أتت ثورتنا الكريمة ض ّد الطاغية ب ّ‬ ‫شار‬ ‫األسد‪ ،‬وكان هذا النظام صادقا ً في جملتين األولى‬ ‫(هذه مؤامرة عالميّة كونيّة على سورية) أي أنّ جميع‬ ‫دول العالم تآمروا على تحطيم ثورتنا التي خرجت‬ ‫في وجه نظام األسد‪ ،‬وكانت الثانية (األسد أو نحرق‬

‫البلد) وصدق وقام بتدمير أكثر من (‪ )%70‬من البنية‬ ‫التحتيّة وشرّ د أكثر من تسعة ماليين سوريّ ‪ .‬ك ّل هذا‬ ‫كان مدعوما ً بقوّ ة روسيا‪ ،‬والتي لم يعد لها قاعدة في‬ ‫الشرق األوسط سوى سورية‪ ،‬ولكنّ روسيا ال يهمّها‬ ‫األسد وال غيره ك ّل ما يه ّم روسيا هو أن يكون لها نقطة‬ ‫في الشرق األوسط وأن يت ّم شراء السالح منها‪ ،‬وهي‬ ‫التي تعتبر ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج السالح‪،‬‬ ‫ومن البديهي أن تضع ك ّل قوّ تها في الحفاظ على نظام‬ ‫‪ %78‬من أجماليّ مشترياته للسالح منها والتي تفوق‬ ‫الماليين من الدوالرات بل المليارات‪ ،‬ولدى روسيا‬ ‫أيضا ً استثمارات اقتصاديّة تقدر بعشرين مليار دوالر‪،‬‬

‫الشاعر‬ ‫المعتقل‬

‫وأه ّم المجاالت االقتصا ّدية المدنيّة التي تخدم المصالح‬ ‫الروسيّة في سورية مجال التنقيب عن النفط والغاز‬ ‫وانتاجهما‪ ،‬حيث نجد شركتي تاتنفت وسويوزفت غاز‪،‬‬ ‫الروسيّتين تقومان حال ّيا ً باستخراج النفط في سورية‪،‬‬ ‫وتنخرط الشركات الروسيّة في تنفيذ مشروعات أخرى‬ ‫في مجال الطاقة بما في ذلك الخطط التي أعلنتها شركة‬ ‫روساتوم الروسيّة في ‪ 2010‬لبناء أوّ ل مفاعل إلنتاج‬ ‫الطاقة النوويّة والخدمة المستمرّ ة من شركة روسيّة‬ ‫لمرافق إنتاج الطاقة التي أقامتها في سورية‪ ،‬ول َم ال‬ ‫تتمسّك به ولديها في محافظة طرطوس قاعدة بحريّة‬ ‫عسكريّة كبيرة ج ّداً لتكون منفذاً لها للشرق األوسط‬

‫ما هي التحدّ يات التي سنواجهها‬ ‫في المستقبل؟‬

‫إنّ األسباب الدقيقة العتقال ناصر بندق غير معروفة وقالت‬ ‫ّ‬ ‫لمنظمة العفو الدوليّة‪ :‬إ ّنه يشارك في أنشطة المساعدة‬ ‫زوجته‬ ‫اإلنسانيّة‪ ،‬مثل مساعدة النازحين داخل ّيا ً وفريزة جهجاه بندق‬ ‫ناشطة سياسيّة سلميّة ومن المعروف حضورها في المظاهرات‬ ‫وقد هربت مع أطفالها خوفا ً من االعتقال وذلك قبل القبض على‬ ‫زوجها‪.‬‬ ‫ممّا كتبه الشاعر ناصر‪:‬‬ ‫انتعل ذاكرة النمل علّه‬ ‫يقتفي هجرة البيادر‬ ‫لكنّ رياح الغريب‬ ‫ال يميّز الدروب‬ ‫معتقلينا للوطن وليسوا للسجون‪ ،‬الحريّة للشاعر اإلنسان‬ ‫ناصر بندق‪.‬‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫أمري جنم الدين‬

‫ف��ي االق��ت��ص��اد ال��وط��ن��يّ ‪،‬‬ ‫وهي مهمّة ترتبط ارتباطا ً‬ ‫م��ب��اش��راً ب��إص�لاح القطاع‬ ‫العا ّم عن طريق التأهيل وفق‬ ‫معايير الجدوى االقتصاديّة‬ ‫ب��اإلض��اف��ة إل���ى ال��م��ض��يّ‬ ‫لتطوير بنية االستثمار‬ ‫وسوق العمل‪.‬‬

‫ما هي العوامل التي تؤدّي إلى‬ ‫االقتصادي واإلصالح‬ ‫النهوض‬ ‫ّ‬ ‫والمنوع؟‬ ‫الهيكلي المتوازن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫االقتصادي‪:‬‬ ‫النمو‬ ‫تحدّ يات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫فريزة جهجاه بندق زوجة ناصر بندق التي تعيش في الخارج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قالت‬ ‫لمنظمة العفو الدوليّة‪ :‬إنّ أحد معارفها في الحيّ أخبرها أنّ‬ ‫أفراد األمن السوريّة الذين يُعتقد أ ّنهم من المخابرات العسكريّة‬ ‫وصلوا إلى منزل ناصر في ضاحية صحنايا الدمشقيّة حوالي‬ ‫الساعة ‪ 6,30‬صباحا ً في ‪ 17‬شباط وألقوا القبض عليه وكسروا‬ ‫بعض الموجودات في المنزل‪ ،‬كما أفاد معتقل أُفرج عنه أ ّنه رأى‬ ‫ناصر بعد وقت قصير من اعتقاله في فرع المخابرات العسكريّة‬ ‫‪ 227‬في دمشق منذ ذلك الحين لم َ‬ ‫تتلق زوجته أيّة معلومات عن‬ ‫ً‬ ‫مكان وجوده‪ ،‬على الرغم من أنّ مصدرا غير رسميّ أخبرها في‬ ‫أواخر نيسان ‪ 2014‬أ ّنه بخير‪.‬‬

‫إذاً‪ ،‬فروسيا ترى في سورية قلعتها األخيرة في‬ ‫الشرق األوسط بعد أن خسرت حضورها فيه‪ ،‬ويبدو‬ ‫أ ّنها غير مستع ّدة للتنازل عن سورية وستسعى لتحقيق‬ ‫تسوية عالميّة على غرار ما حصل نهاية الحرب‬ ‫العالمية الثانيّة بشكل يرضي مصالحها‪ ،‬ح ّتى ولو كان‬ ‫الثمن التخلّي عن ب ّ‬ ‫شار األسد‪.‬‬

‫االقتصادي في المستقبل‬ ‫تح ّديات النم ّو‬ ‫ّ‬

‫وم����ا ه���ي االخ����ت��ل�االت في‬ ‫�ادي وم��واط��ن‬ ‫الهيكل االق��ت��ص� ّ‬ ‫وخاصة المتع ّلقة‬ ‫والقوة‬ ‫الضعف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالسياسة المال ّية والنقد ّية؟‬

‫ناصر صابر بندق شاعر من مدينة السويداء‪ ،‬اقتحمت قوّ ات‬ ‫من فرع األمن العسكريّ منزله في صباح ‪ ،2014/2/17‬وقامت‬ ‫بتحطيم الموجودات واعتقلته‪ ،‬كما قامت باعتقال ثالثة أشخاص‬ ‫من منطقة صحنايا في ذاك اليوم‪ ،‬أُطلق صراح اثنين منهم‬ ‫و ُسلّمت ّ‬ ‫جثة الثالث الشهيد «مروان حاصباني» بعد فترة قصيرة‬ ‫من االعتقال لذويه‪.‬‬

‫مستفيدة من الموقع الجغرافي لسورية‪ ،‬ك ّل هذا لروسيا‬ ‫في سورية‪ ،‬فمن سوف يضمن لها هذا المال؟! روسيا‬ ‫اليوم‪ ،‬ومن خالل ع ّدة لقاءات أجرتها مع عدد من‬ ‫المعارضين السوريّين‪ ،‬تريد أن ترسل رسالة بأ ّنها ال‬ ‫تريد أن تخسر ك ّل تلك األموال وال أن تخسر سورية‬ ‫كحليف لها وأ ّنها ال تهت ّم بوجود األسد‪ ،‬والتي كانت‬ ‫قد ق ّدمت العديد من النصائح له أن يقوم بحوار مع‬ ‫معارضيه‪ ،‬روسيا اليوم‪ ،‬متململة من نظام األسد والذي‬ ‫بات خاتما ً في إصبع إيران‪ ،‬األمر الذي جرّ روسيا‬ ‫لتخسر الكثير من قيمتها وحضورها دول ّيا ً خصوصا ً‬ ‫بعد صمتها المجبر أمام قرار ضرب «داعش» في‬ ‫سورية وتجاوزها وعدم دعوتها لالشتراك به‪ ،‬وهنا‬ ‫يظهر أنّ المستفيد األكبر من إنهاء الحرب في سورية‬ ‫على طريقة سلميّة سياسيّة هو روسيا‪ ،‬ولن نفاجأ إنْ‬ ‫وبشكل سريع‪ ،‬وأن تق ّدم‬ ‫قامت بطلب انعقاد جنيف‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫الكثير من التنازالت‪ ،‬فذلك سوف يكون مثل الضمان‬ ‫لها أنّ استثماراتها وعقودها التي أجرتها مع نظام األسد‬ ‫باقية ولن تلغى‪ ،‬على عكس سقوطه عسكر ّيا ً والذي‬ ‫سيكون سببا ً إللغاء ك ّل العقود والديون واالتفاقيّات التي‬ ‫جرت مثل الحال في ليبيا بعد القذافيّ ‪.‬‬

‫‪ _1‬تتو ّفر في سورية مقوّ مات ومصادر نهضة‬ ‫ّ‬ ‫وتتمثل بسعة الموارد الطبيعيّة الغنيّة‬ ‫حقيقيّة‬ ‫والمتنوّ عة على امتداد المساحة الجغرافيّة بدءاً‬ ‫من الموارد النفطيّة الى المائيّة والثروات المعدنيّة‬ ‫باإلضافة إلى موارد المغتربين والموارد البشريّة‬ ‫المتو ّفرة بأعداد هائلة‪ ،‬لذلك فإنّ استثماراً سليما ً‬ ‫وإدارة فعّالة لهذه الموارد‪ ،‬من شأنهما أن يساعدا‬ ‫سورية على اجتياز المرحلة االنتقاليّة التي ستمرّ‬ ‫بها ولتوجد مكانا ً لنفسها كبلد من فئة الدخل‬ ‫المتوسّط في البداية‪ ،‬وهي المرحلة الهادفة لالنتقال‬ ‫من االقتصاد الشموليّ إلى االقتصاد الحرّ والمنفتح‬ ‫على االقتصاد العالميّ وف��ق ضوابط وأسس‬ ‫ومعايير وسياسات اقتصاديّة تصون المصالح‬ ‫الوطنيّة‪.‬‬ ‫‪_2‬إنّ بلوغ هذا التحوّ ل يتطلّب النجاح في ع ّدة‬ ‫أمور منها‪:‬‬ ‫أ_تسوية ال��ن��زاع الداخليّ واستعادة األمن‬ ‫واالستقرار والتق ّدم في عمليّة إع��ادة التأهيل‬ ‫والتنمية الشاملة وبخاصّة إصالح البنى التحتيّة‬ ‫وتحديث الهياكل االقتصاديّة واإلف��ادة من آخر‬ ‫التطبيقات والمبتكرات العلميّة والتقنيّة الحديثة‪.‬‬ ‫ب_التق ّدم في انجاز االصالحات االقتصاديّة‬ ‫واالنتقال من اقتصاد تسيطر عليه الدولة‪ ،‬إلى‬ ‫اقتصاد حرّ بشكل تدريجيّ مدروس بقيادة القطاع‬ ‫الخاصّ والسعي نحو زي��ادة النمو االقتصاديّ‬ ‫وتشجيع االستثمار وتوسيع حجم االقتصاد الوطنيّ ‪.‬‬ ‫ت_ تنويع االقتصاد الوطنيّ وتوسيع موارد‬ ‫الدخل‪ ،‬من خالل تطوير القطاعات االنتاجيّة‬ ‫والخدميّة األساسيّة كالصناعة والتجارة والسياحة‬ ‫وخلق مقوّ مات لزيادة الصادرات غير النفطيّة‬ ‫والنفطيّة (البحث والتنقيب عن مصادر جديدة‬ ‫وخاصّة الغاز الطبيعيّ )‬ ‫‪_3‬إنّ هذه المهمّات والتح ّديات تطرح بإلحاح‬

‫الحاجة إلى خيارات مُجدية على صعيد السياسات‬ ‫العامّة‪ ،‬واالنطالق من رؤية اقتصاديّة متكاملة‬ ‫ذات أولويّات استراتيجيّة واضحة تستند إلى‬ ‫أسس ومنهج يحسب كامل الحساب لخصائص‬ ‫وامكانات االقتصاد الوطنيّ السوريّ ‪ ،‬ويؤ ّدي ذلك‬ ‫إلى تحديد مجاالت التركيز على صعيد البرامج‬ ‫والسياسات العمليّة من حيث األهداف واآلليّات‬ ‫تشمل المجاالت التالية‪:‬‬ ‫أ‪ :‬تطوير الطا ّقة االنتاجيّة لقطاع النفط والغاز‬ ‫وتوسيع أشكال االستثمار بما يكفل وجود فائض‬ ‫للتصدير وس ّد الحاجات إلى مستويات جيّدة (البحث‬ ‫والتنقيب وخاصّة في البحر)‬ ‫ب‪ :‬تطوير القطاعات االقتصاديّة غير النفطيّة‬ ‫تمهيداً لخلق اقتصاد متنوّ ع ومتوازن‪ ،‬يكفل اشباع‬ ‫حاجات السوق المحلّيّة من المنتجات الزراعيّة‬ ‫والصناعيّة والخدميّة ويفتح الطريق لتوجيه‬ ‫االقتصاد نحو التصدير‪.‬‬ ‫ت‪ :‬خلق بيئة استثماريّة مالئمة عن طريق‬ ‫إصالح األطر المؤسّسيّة والقوانين في مجاالت‬ ‫المال والتجارة والمصارف والتأمين وسواها‪،‬‬ ‫والسعي إلى تنظيم قانون استثمار جديد يتالءم‬ ‫مع األوضاع الجديدة ومعطياتها ويكسب جذب‬ ‫رؤوس األموال من الخارج‪.‬‬ ‫‪ _ 4‬إنّ مشكلتيّ البطالة والفقر تش ّكالن عائقا ً‬ ‫أساس ّيا ً أمام النموّ االقتصاديّ ‪ ،‬وهما تبلغان نسبة‬ ‫عالية كما هو معلوم‪ ،‬وممّا يزيد تفاقم هذه التظاهرة‪،‬‬ ‫التشوّ هات التي ستكون موجودة في سوق العمل ‪-‬‬ ‫والتي هي أصالً بحاجة إلى تنظيم – وأبرزها‪ :‬قلّة‬ ‫فرص العمل‪ ،‬وتزايد عدد الوافدين إلى هذا السوق‪.‬‬ ‫األمر الذي يتطلّب معالجة لهذا االختالل بصورة‬ ‫ج ّديّة ومهنيّة‪ ،‬وخارج إطار البطالة المق ّنعة‪.‬‬ ‫‪ _5‬اعتماد استراتيجيّة فعّالة لتنمية القطاع‬ ‫الخاصّ ‪ ،‬فال يمكن للمرحلة االنتقاليّة باتجاه اقتصاد‬ ‫السوق أن تبلغ أهدافها دون أن تعالج هذه المسألة‪،‬‬ ‫وبما يكفل تبوُّ ء القطاع الخاصّ دوره القياديّ‬

‫‪_6‬االه���ت���م���ام ب��ال��ب��ع��د‬ ‫االجتماعيّ بما يكفل تحسين‬ ‫دخ��ول الغالبيّة الساحقة من المواطنين ورفع‬ ‫مستوى معيشة الس ّكان وتوفير الخدمات االجتماعيّة‬ ‫والصحّ يّة والثقافيّة وسواها من المنافع التي تعود‬ ‫بالخير على الفئات الضعيفة من المواطنين أي‬ ‫الجمع بين زي��ادة النموّ االقتصاديّ والمساواة‬ ‫االجتماعيّة على أسس عادلة وعصريّة‪.‬‬ ‫‪ _7‬األه ّم واألساسيّ لخلق اقتصاد جديد هو‬ ‫النجاح في االصالحات االقتصاديّة كإصالح‬ ‫السياسة الماليّة والنقديّة واستحداث قوانين جديدة‬ ‫في مجال التجارة والمصارف والعمل وغيرها‬ ‫واأله�� ّم هو السعي إلى عدم وج��ود اختالل في‬ ‫الموازنة العامّة للدولة وتقليص اإلنفاق العا ّم‬ ‫وتنويع مصادر التمويل‪.‬‬ ‫‪ _8‬المعونات الخارجيّة لها أه ّميّة خاصّة في‬ ‫تمويل الفعّاليّات االقتصاديّة وإعادة اإلعمار‪ ،‬لذلك‬ ‫يجب أن ُتش ّكل لجان للمتابعة واإلشراف ضمن‬ ‫رؤية مشتركة بين االقتصاديّين السوريّين والدول‬ ‫والمؤسّسات المانحة وهي مهمّة كبيرة على صعيد‬ ‫السياسة االقتصاديّة‪.‬‬ ‫‪ _9‬من أبرز معوّ قات اإلص�لاح االقتصاديّ‬ ‫الوطنيّ هو الفساد فقد كان اآلفة التي ب ّددت جزء‬ ‫كبير من ثروتنا الوطنيّة وأظهر حجم الضعف‬ ‫الحقيقيّ لجميع المؤسّسات فال ب ّد من سنّ القوانين‬ ‫الالزمة وتعزيز عمل الجهات الرقابيّة الثوريّة‬ ‫لحماية موارد البالد وحقوق المواطنين‪.‬‬ ‫‪ _10‬إنّ ه��ذه المهمّات والتح ّديات الكبيرة‬ ‫المستندة إلى رؤية اقتصاديّة مستقبليّة واضحة‬ ‫وآليّات وأدوات تنفيذ فعّالة على صعيد الحكومة‬ ‫وقطاع رجال األعمال‪ ،‬فضالً عن دعم حقيقيّ‬ ‫من جانب الدول والمؤسّسات المانحة‪ ،‬ستفتح آفاقا ً‬ ‫عريضة لخلق اقتصاد وطنيّ فعّال ومتوازن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة‬ ‫ويجب أن تكون السياسة الماليّة للدولة‬ ‫فعل ّيا ً في الموازنة العامّة في مق ّدمة المها ّم الواجب‬ ‫دراستها لصوغ استراتيجيّة وطنيّة شاملة‪.‬‬

‫د‪ .‬حممّد حاج بكري‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫مجتمع‬

‫العدد ‪19‬‬

‫كسر «التابوهات»‬ ‫الثالثة‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫انتشرت ظاهرة املساكنة (كمثال عن التح ّرر اجلنس ّي) بني السوريّني‬ ‫القاطنني يف تركيا‪ .‬واألمر يكاد ينطبق على السوريّني املنتشرين يف‬ ‫أحناء أوروبا‬

‫طفت على السطح ظواهر عديدة فيما بعد‬ ‫بدء الثورة‪ ،‬وفيما تباينت ردود األفعال حول‬ ‫هذه الظواهر ما بين مشجّ ع ومستنكر وغير‬ ‫مبال بها‪ ،‬ال تزال األغلبيّة تغضّ بصرها عنها‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫وتنكر وجودها بشكل فعليّ ‪ .‬ونظرا أله ّميّة‬ ‫موضوع التحرّ ر الدينيّ الذي طرأ كنتيجة أو‬ ‫كتبعيّة للثورة‪ ،‬ونظراً لما للناحية الجنسيّة من‬ ‫أه ّميّة في المجتمع والحياة بشكل عا ّم‪ ،‬أعتقد‬ ‫أ ّننا بحاجة إلى دراسة هذه الظاهرة التي تبدو‬ ‫واضحة ج ّداً لدى السوريّين في تركيا‪.‬‬

‫انتشرت ظاهرة المساكنة (كمثال عن‬ ‫التحرّ ر الجنسيّ ) بين السوريّين القاطنين في‬ ‫تركيا‪ .‬واألمر يكاد ينطبق على السوريّين‬ ‫المنتشرين في أنحاء أوروب��ا‪ ،‬سواء كانت‬ ‫المساكنة تحدث بين سوريَّين اثنين‪ ،‬أو‬ ‫بين سوريّ وآخر غير سوريّ ‪ ،‬ومن المه ّم‬ ‫اإلشارة إلى أمور عديدة ساعدت في انتشار‬ ‫هذه الظاهرة‪ ،‬كخروج الشباب (أي الفئة الشابّة من‬ ‫الجنسين) من تحت عباءة العائلة وتحرّ رهم من التقاليد‬ ‫المفروضة بالشكل العا ّم‪ ،‬سواء من الناحية االجتماعيّة‬ ‫أو األسريّة‪ ،‬وعدم تح ّفظ المجتمعات األوربيّة والمجتمع‬ ‫التركيّ في أمور كهذه وتقبّلها في المجمل العا ّم‪ ،‬وغياب‬ ‫الشعور بالمراقبة‪ ،‬حيث بات السوريّ متحرّ راً نوعا ً ما‬ ‫من المعارف واألقرباء ووجد نفسه غريبا ً بشكل شبه‬ ‫كامل باستثناء بعض األصدقاء في مكان حياته الجديد‪.‬‬ ‫المثير لالنتباه هو ردود الفعل المثارة حول هذا‬ ‫الموضوع بالذات‪ ،‬ومن الطبيعيّ ج ّداً أن تكون أقوى‬ ‫من تلك التي أثيرت حول ظواهر أخرى ‪ -‬كاإلشهار‬ ‫باإلفطار في رمضان ‪ -‬وغيرها من الظواهر الحديثة‬ ‫التي طرأت على المجتمع السوريّ ‪ ،‬حيث يمكن أن‬

‫يُفهم هذا األم��ر‪ ،‬وذلك لما يكتنف األم��ور الجنسيّة‬ ‫من تحريم مضاعف (دينيّ واجتماعيّ )‪ ،‬ولذلك فإنّ‬ ‫أغلب ردود الفعل جاءت بشكل مستهجن لها ووسمتها‬ ‫بالدعارة واالنفالت األخالقيّ ‪ ،‬ورغم وجود ردود‬ ‫فعل إيجابيّة تجاهها إلاّ أنّ األكثر انتشاراً هي السابقة‪.‬‬ ‫والمه ّم في هذه الظاهرة هو كنهها‪ ،‬والتساؤل حول‪:‬‬ ‫كيف ظهرت بشكل سريع ج ّداً وانتشرت بين الشباب‬ ‫السوريّ ؟ أي‪ ،‬هل ظهرت كر ّد فعل على ظروف‬ ‫اجتماعيّة ونفسيّة خاصّة‪ ،‬أم هي ظاهرة كامنة استغلّت‬ ‫الظروف للبزوغ إلى السطح؟ أي‪ ،‬هل التحرّ ر الجنسيّ‬ ‫هو تحرّ ر ظاهريّ وليس أكثر من فقاعة فارغة‪ ،‬أم‬ ‫هو موجود منذ زمن أبعد من اآلن ويم ّد جذوره في‬ ‫الفترات السابقة للثورة؟‬ ‫يمكننا أن نالحظ‪ ،‬أ ّنها ظهرت كر ّد فعل قويّ ض ّد‬

‫‪9‬‬

‫العجز المسيطر بشكل عام حال ّياً‪ ،‬وكرفض للتطرّ ف‬ ‫الدينيّ الحا ّد المنتشر بقوّ ة‪ ،‬ويمكننا القول إ ّنها موجة‬ ‫ظهرت كر ّد فعل على األحداث السياسيّة والنواحي‬ ‫االجتماعيّة والدينيّة وح ّتى النفسيّة العامّة والخاصّة‬ ‫أيضاً‪ ،‬ولكن هذا ال ينفي وجودها بشكل كامن‪ ،‬ولكن‬ ‫بأق ّل ح ّدة بشكل كبير عن كونها “موجة” حيث عُرفت‬ ‫ع ّدة حاالت للمساكنة في مدينة حلب قبل بدء الثورة‬ ‫وبداياتها‪ ،‬كما نجدها منتشرة بشكل ملحوظ في دمشق‪،‬‬ ‫ورغم عدم تعارض هذه الظاهرة مع جوهر الزواج‬ ‫في الدين اإلسالميّ ‪ ،‬إلاّ أ ّنه مرفوض دين ّيا ً وألسباب‬ ‫مختلفة‪ ،‬وحيث أنّ من أه ّم شروط الزواج هو اإلشهار‪،‬‬ ‫فإ ّننا نجد هذا الشرط محق ّقا ً تماما ً في المساكنة‪ ،‬وأنّ‬ ‫غياب عقد الزواج في المحكمة ال يتعارض مع الدين‪،‬‬ ‫حيث توجد الكثير من حاالت الزواج غير مثبّتة في‬ ‫المحكمة‪ ،‬وبذلك أيضا ً هي غير متعارضة مع الدين‪،‬‬

‫وموافقة وليّ األمر أمر محبّذ من الناحية‬ ‫الدينيّة‪ ،‬ولكنّ عدم وجوده ال يُبطل الزواج‪،‬‬ ‫ووج��ود الشيخ هو وج��ود رم��زيّ لمباركة‬ ‫الزوجين ليس أكثر‪ ،‬وبذلك نجد أنّ الرفض‬ ‫الدينيّ لهذه الظاهرة ال يرتبط بجوهر الدين‪،‬‬ ‫وإ ّنما هو متع ّد عليه‪ ،‬حيث لم تكن هذه الظاهرة‬ ‫م��وج��ودة ف��ي زم��ن السلف‪ ،‬ورغ��م وج��ود‬ ‫ظواهر جنسيّة كانت مقبولة اجتماع ّيا ً ودين ّيا ً‬ ‫حينها ‪ -‬كمُلك األيمان والجواري ‪ -‬حيث كانت‬ ‫الممارسات الجنسيّة مباحة دون وجود عقد‬ ‫زواج أو ما يوازيه حينها‪ ،‬لذلك فإ ّنه بوسعنا‬ ‫استنتاج أنّ رفض هذه الظاهرة طارئ على‬ ‫الدين وليس من جوهره ويمكننا أن نتكهّن‬ ‫أسباب مختلفة كامنة وراء هذا الرفض أهمّها‬ ‫أنّ الجواري والمملوكين هي متاحة للرجال‬ ‫وبالتالي فإنّ هذه الحريّة الجنسيّة المتاحة‬ ‫حينها كانت متاحة للذكور دون اإلناث‪ ،‬أمّا‬ ‫المساكنة فهي تتيح المجال الجنسيّ للجنسين‪،‬‬ ‫ويمكننا اعتبار هذا السبب من أه ّم األسباب إضافة إلى‬ ‫رمي عباءة الدين فوق الغايات واألهداف السياسيّة‪،‬‬ ‫األمر الذي أ ّدى إلى تحريم الكثير من األمور هي غير‬ ‫يُعتبر التحرّ ر‬ ‫محرّ مة ح ّقاً‪.‬‬ ‫الجنسيّ مرتبطا ً بالتحرّ ر العا ّم‪ ،‬الدينيّ واالجتماعيّ‬ ‫والسياسيّ ‪ ،‬وهي أمور ّ‬ ‫تؤثر في بعضها البعض بشكل‬ ‫تلقائيّ ومباشر‪ ،‬ولذا ال يمكننا استغراب المحاوالت‬ ‫في كسر التابوهات الثالثة بمجرّ د محاولة تغيير نظام‬ ‫سياسيّ ‪ ،‬وبوسع القارئ أن يُدرك الفارق ما بين التحرّ ر‬ ‫الجنسيّ كتحرّ ر حقيقي وما بين االنحالل الجنسيّ ‪،‬‬ ‫حيث أنّ االنحالل متواجد بشكل دائم بغضّ النظر عن‬ ‫وجود التحرّ ر الجنسيّ أو عدمه‪ ،‬وهو أمر يمكن تمييزه‬ ‫بوضوح عن فكرة التحرّ ر بح ّد ذاتها‪ .‬ريم احلاج‬

‫أطفال سورية في نيران الحرب المشتعلة‬ ‫والحدث الذي تعرّ ض له‪ ،‬لكن‬ ‫عموماً‪ ،‬تتشابه آثار النزاعات‬ ‫المسلّحة على األطفال‪ :‬كالضياع‪،‬‬ ‫االغ��ت��راب‪ ،‬ال��خ��وف‪ ،‬الرعب‪،‬‬ ‫الغضب‪ ،‬الضغط النفسيّ ‪ ،‬وعدم‬ ‫الشعور بالحماية واألمان والثقة‪،‬‬ ‫باإلضافة إلى اضطرابات مختلفة‬ ‫في النوم واألكل والحركة‪ ،‬فضالً‬ ‫عن اآلالم الجسديّة المتنوّ عة‪ .‬هذا‬ ‫وقد تتزايد ِح ّدة هذه المشاعر أكثر‬ ‫إذا لم َّ‬ ‫يتلق األطفال الدعم الالزم‬ ‫كلّنا سوريون ‪ -‬عدسة عبد إدلب‬ ‫لمواجهة التغيّرات والظروف‬ ‫الجديدة‪ ،‬وفي الوقت ذاته تصبح‬ ‫ُع��رّ ف الطف ُل حسب اتفاقيّة حقوق الطفل التي‬ ‫اعتمدتها الجمعيّة العامّة لألمم الم ّتحدة (بموجب انفعاالت األطفال غير عاديّة عندما تشت ّد ح ّدة‬ ‫قرارها المر ّقم ‪ 25/44‬المؤرّ خ في ‪ 20‬تشرين الثاني النزاعات «فأطفال المناطق التي تتعرّ ض للقصف‬ ‫‪ )1989‬في ما ّدتها األولى‪ ،‬بأ ّنه ك ّل إنسان لم يتجاوز والتهجير تختلف عن األطفال الذين يعيشون في‬ ‫الثامنة عشرة‪ ،‬ونصّ المبدأ الثاني أ ّنه يجب أن يتم ّتع المناطق اآلمنة والتي تستقبل المهجّ رين والنازحين‬ ‫الطفل بحماية خاصّة‪ ،‬وأن يُمنح الفرص والتسهيالت من المناطق الحارّ ة» فتخرج حينها من نطاق األهل‬ ‫والخلقيّ والمدرسة‪ ،‬لتدخل ضمن اهتمام وعالج متخصّصين‬ ‫َ‬ ‫الالزمة إلتاحة نموّ ه الجسميّ والعقليّ‬ ‫والروحيّ واالجتماعيّ ‪ ،‬نموّ اً طبيع ّيا ً سليما ً في جوّ من شأنهم فهم حقيقة التجارب التي مرّ بها األطفال‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التدخل الفعّال‬ ‫من الحرّ يّة والكرامة‪ ،‬وتكون مصلحته العليا مح ّل وشعورهم الحقيقيّ تجاهها ليتم ّكنوا من‬ ‫لحمايته‪.‬‬ ‫االعتبار األوّ ل في َسنّ القوانين لهذه الغاية‪.‬‬ ‫كذلك نصّ المبدأ العاشر بأ ّنه يجب أن يُحاط الطفل‬ ‫بالحماية من الممارسات الوحشيّة والحروب التي‬ ‫ال تحمل في أحشائها سوى األلم والموت والمعاناة‬ ‫لألنفس البريئة‪.‬‬ ‫هناك ما نشاهده وما ال نشاهده‬ ‫فما نشاهده هي تلك الصور المؤلمة للمصابين‬ ‫والقتلى والدمار‪ ،‬وقد يكون الزمان كفيالً بتجاوزها‬ ‫ونسيانها‪ ،‬وماال نشاهده وال يمحوه الزمن هو األثر‬ ‫النفسيّ الذي ستتركه هذه الحرب في داخل ك ّل َمن‬ ‫عاصرها وعايش الرعب والقلق وفقد عزيزاً أو قريبا ً‬ ‫أو منزالً يستظ ّل بظلّه ليجد نفسه في العراء‪ ،‬فالسالح‬ ‫األش ّد فتكا ً في هذه الحروب هو تدمير التوازن النفسيّ‬ ‫للمدنيّين وعلى وجه الخصوص األطفال‪.‬‬ ‫إنّ التجارب المؤلمة والمفاجئة واألحداث القاسية‬ ‫التي يسم ُع بها األطفال في سورية أو يشاهدها‬ ‫أو يعيشها تزعزع نموّ هم الجسديّ واالجتماعيّ‬ ‫فعل عنيفة تجاهها تختلف‬ ‫والنفسيّ ‪ ،‬فتظهر ردود‬ ‫ٍ‬ ‫باختالف شخصيّة ك ّل‬ ‫طفل وعمره وجوّ ه العائليّ‬ ‫ٍ‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫ملاذا األطفال خا ّصة؟‬ ‫لع ّدة أسباب أهمّها‪ :‬عدم امتالكهم القدرات الذهنيّة‬ ‫الكافية التي تسمح لهم باستيعاب الخبرات الصادمة‬ ‫والتي يفشل الراشد غالبا ً في استيعابها‪ ،‬يضاف إلى‬ ‫ذلك عدم قدرتهم على التعبير الكالميّ عن معاناتهم‬ ‫كما يعبّر من هو أكبر منهم‪ ،‬فيصاب األطفال بتلك‬ ‫االضطرابات المختلفة في المشاعر والسلوك‪ ،‬نتيجة‪:‬‬ ‫التهجير‪ُ :‬يح ُ‬ ‫ِدث التهجي ُر الذي يتعرّ ض له‬ ‫• ‬ ‫األطفال في بعض المناطق السوريّة أو أغلبها سواء‬ ‫أكان مؤ ّقتا ً أم طويالً‪ ،‬داخل ّيا ً أم خارج ّياً‪ ،‬تغيّرات سلبيّة‬ ‫في نمط حياة العائلة بشكل عا ّم واألطفال خاصّة‪،‬‬ ‫فانتقالهم من أجواء ألفوها إلى بيئة جديد ٍة وغريبة‬ ‫عن عاداتهم وثقافتهم يش ّكل عبئا ً عليهم‪ ،‬فيصبحون‬ ‫عرضة لمخاطر ومشكالت تبدأ بسوء التكيّف مع‬ ‫البيئات الجديدة والتي انتقلوا إليها قسراً تحت وطأة‬ ‫الرعب وصوالً لمشاعر الحنين إلى األماكن التي‬ ‫نزحوا منها وتتمازج تلك مع مشاعر الخيبة والضياع‬ ‫واإلحساس بالعجز والقهر وقد يتوّ ج باالكتئاب الحا ّد‪.‬‬

‫إنّ مشارك َة اآلبا ِء واألخو ِة في القتال المسلّح‬ ‫• ‬ ‫أليّ طرف من األطراف يش ّكل صعوبات إضافيّة‬ ‫على األطفال‪ ،‬فهم يخافون على سالمتهم من ناحية‬ ‫ويفتقدون لدعمهم من ناحية ثانية‪ ،‬وبالتالي ُتف َتقد‬ ‫مشاعر الحبّ واألمان والحماية‪.‬‬ ‫ال يتو ّقف األم��ر هنا فقد يكونُ األطفال‬ ‫• ‬ ‫ضحايا العنف «كالخطف والتعذيب» وأحيانا ً‬ ‫أعمال القتال» فهاهو الطفل‬ ‫أخرى «المشاركة في‬ ‫ِ‬ ‫«خضر» الذي ترك مدرسته لينض ّم للقتال مع اللجان‬ ‫التابعة للنظام و «محمّد» الذي سارع باالنضمام‬ ‫إلى الكتائب التابعة للمعارضة المسلّحة رغم صغر‬ ‫س ّنهما وقلّة خبرتهما‪ ،‬وفي الحالتين يتل ّقى األطفال هنا‬ ‫تربية عنيفة تزر ُع في أنفسهم مشاعر يسودها الحقد‬ ‫واالنتقام والعدائيّة وقد يتعرّ ضوا إلصابات جسدية‬ ‫مختلفة تترك أثرها العميق‪.‬‬ ‫عندما نفهم نوعية األحداث التي يتعرّ ض لها‬ ‫• ‬ ‫األطفال السوريّون يمكننا فهم ردود الفعل الناجمة عن‬ ‫األزمة التي يعيشونها «فقد ال يكون الخوف والقلق‬ ‫الذي يشعر به الطفل ناتجا ً عن انفصاله اإلجباريّ عن‬ ‫عائلته‪ ،‬بل القلق من مصير والده الذي ذهب ليشارك‬ ‫في القتال»‪.‬‬ ‫يتعرّ ض األطفال لفقدان أشخاص من أفراد‬ ‫• ‬ ‫أسرتهم أو عائلتهم الممت ّدة فيسبب لهم هذا الفقدان‬ ‫ضغطا ً نفس ّيا ً كبيراً قد يصل إلى االكتئاب في بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬حيث يشعر الطفل بالهزيمة أمام الظروف‬ ‫الصعبة والمؤلمة‪ ،‬ففقدان األحبّة وعدم القدرة على‬ ‫الثأر أو التنفيس‪ ،‬إضافة إلى الحقد تجاه من سبّب‬ ‫المعاناة ي��ؤ ّدي إلى هبوط المعنويّات والميل إلى‬ ‫االنطواء والعزلة‪ ،‬وقد يرافقه شعوره بالذنب شعوره‬ ‫بالعجز‪ ،‬وشعوره باليأس في أغلب األحيان‪.‬‬ ‫إذاً‪ ،‬يمرُّ الطفل في ظ ّل األزمة السوريّة بتجارب‬ ‫صعبة يحاول نسيانها أو تناسيها وقد نعتقد أ ّنه‬ ‫تجاوزها لكن سنكتشف مع مرور الوقت أ ّنه مازال‬ ‫يعيشها ّ‬ ‫وأثرت في نفسيّته وحياته ونموّ ه‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬تصبح صحّ ة الطفل النفسيّة خاصّة عرضة‬ ‫للكثير من االضطرابات‪ ،‬وتظهر هذه االضطرابات‬ ‫من خالل المشاعر التي يعبّر من خاللها الطفل‬ ‫«أ ّيا ً كانت نوعيّة هذه المشاعر» أو يكتمها ويكتفي‬ ‫بالصمت ‪-‬لكن صمت الطفل ال يعني مطلقا ً أ ّنه لم‬ ‫ّ‬ ‫يتأثر – أو قد تظهر تلك االضطرابات في سلوكيّاته‬

‫والتي تكشف عن المشاعر الخفيّة المتزاحمة في قلبه‬ ‫األبيض‪.‬‬ ‫إنَّ التعامل مع األطفال المتضرّ رين من الحرب‬ ‫التي تعيشها سورية اليوم يشك ُل تحديا ً كبيراً‪ ،‬وذلك‬ ‫بسبب قدرة األطفال الضئيلة على التعبير عن آالمهم‪،‬‬ ‫وألنّ تعاملنا معهم في هذه الحاالت ليس مجرّ د تلبية‬ ‫الحتياجاتهم األساسيّة في الطعام والشراب والسكن‪،‬‬ ‫فهناك احتياجات أخرى ال تق ّل أه ّميّة عنها من األمان‬ ‫والحماية واالنتماء والتقدير واالنخراط االجتماعيّ‬ ‫ولن يكون تطوّ ر الطفل شامالً ومتكامالً بدونها‪ .‬لكن‪،‬‬ ‫ولألسف الشديد‪ ،‬يفتقر مجتمعنا إلى المعرفة العلميّة‬ ‫في المواضيع النفسيّة والتدرّ ب على اآلليّات النفسيّة‬ ‫إلعادة تأهيل النفس والفكر في مواجهة ما يحدث‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يتجزأ‬ ‫فمن بالغ األه ّميّة نشر الثقافة النفسيّة كجزء ال‬ ‫من ثقافة المجتمع السوريّ داخل سورية وخارجها‪.‬‬ ‫وإنّ ما يفتقده أطفال سورية هي المؤسّسات الخدميّة‬ ‫النفسيّة االحترافيّة ذات المرجعيّة العلميّة والخبرة‬ ‫ّ‬ ‫منظمات الطفولة‬ ‫العمليّة؛ فعلى الرغم من استنفار‬ ‫ومجموعات كثيرة للعمل في الدعم النفسيّ ‪ ،‬إلاّ أ ّنها‬ ‫مازالت جهوداً فرديّة على المستوى العلميّ والعمليّ ‪،‬‬ ‫في مقابل االحتياجات الضخمة التي يحتاجها عدد كبير‬ ‫من األطفال السوريّين‪ ،‬واأله ّم أ ّنها تحتاج إلى تطوير‬ ‫تنظيمي بحيث تشمل جميع األطفال المهجّ رين داخل‬ ‫سورية وخارجها‪ ،‬باإلضافة إلى التزام منهج علميّ‬ ‫مضبوط في تقديم الدعم النفسيّ الصحيح بطريقة‬ ‫دقيقة‪ ،‬ومتابعة تقييم الحاالت وتوثيقها بالتقارير‪ ،‬ح ّتى‬ ‫الوصول إلى مرحلة الشفاء الكامل‪.‬‬ ‫أطفالنا في سورية‪ ،‬بأمسّ الحاجة إل��ى الدعم‬ ‫الحتواء الصدمات وتقليل اآلث��ار السلبيّة الناجمة‬ ‫عمّا يتعرّ ضون له أثناء النزاع المسلّح الذي تشهده‬ ‫ّ‬ ‫لتخطي األزمات‬ ‫سورية‪ ،‬بأمسّ الحاجة إلى الدعم‬ ‫دعم‬ ‫القاسية والعصيبة عليهم‪ ،‬بأمسّ الحاجة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫يشعرهم بكينونتهم‪ ،‬بأ ّنهم ذوو قيمة‪ ،‬بأ ّنهم أصحاب‬ ‫قدرات إيجابيّة‪ ،‬وهذا يحمّل التربية عموما ً مسؤوليّة‬ ‫األطفال‪ ،‬فهي تحميهم جسد ّيا ً ونفس ّيا ً وفكر ّيا ً من‬ ‫خالل توفير مساحة آمنة تساعدهم على امتصاص‬ ‫الصدمات واكتساب المهارات الضروريّة للتكيّف‬ ‫والتأقلم مع الظروف الصادمة ومواجهتها‪ ،‬واأله ّم من‬ ‫هذا وذلك‪ ،‬النظر إلى المستقبل بعين التفاؤل واألمل‬ ‫مشرق جميل‪.‬‬ ‫بغ ٍد‬ ‫ٍ‬

‫وردة مصطفى‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪10‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫السلطة‪ :‬بين الضرورة‬ ‫ُ‬ ‫والحاجة االجتماعّية‬

‫املشكلة األساسيّة يف السلطة هي االعرتاف مبا‬ ‫تقوم به من ح ّق وواجب عند طرفيها‪.‬‬

‫تع ّد مشكلة السلطة واح��دة من أكبر‬ ‫المشكالت الفلسفيّة ‪ -‬المعرفيّة التي لطالما‬ ‫دار الكثير من النقاش والجدال حول طبيعتها‬ ‫وماهيّتها واألشكال التي تتمظهر بها‪ ،‬من‬ ‫هنا يبدو مهمّا البحث عن الصورة الواقعيّة‬ ‫للكيفيّة التي تت ّم بها ممارسة السلطة لنكشف‬ ‫عن أدواتها وسبل تعزيز تلك األدوات‬ ‫ودعمها وكيفيّة مقاومتها‪ ،‬ومن ث ّم يصبح‬ ‫سؤال ما السلطة أو ما مصدرها أو أصلها؟‬ ‫وكأ ّنه ليس في محلّه بل ينبغي باألحرى أن‬ ‫نبحث عن الكيفيّة التي تتح ّقق بها‪ ،‬أو كيف‬ ‫تمارس نفسها وتظهر إلى الفعل‪.‬‬ ‫وباعتبار السلطة واقعة اجتماعيّة سياسيّة‬ ‫تتطوّ ر باستمرار وت ّتخذ أشكاالً مختلفة‪،‬‬ ‫اختلف الباحثون في تحديد المفهوم وتعريفه‬ ‫فـ «جيرهارد ليبهولتر» يرى «أ ّنها القدرة‬ ‫على فرض اإلرادة بطريقة مباشرة وغير‬ ‫مباشرة على كائنات بشريّة» بمعنى أ ّنها‬ ‫تقوم على نوع من القسر على اإلرادة‬ ‫البشريّة يتجلّى من خ�لال تنظيم البيئة‬ ‫االجتماعيّة بما يتضمّنه من حقوق وما‬ ‫عليها من واجبات‪ ،‬وهذا التنظيم للبنية االجتماعيّة ال‬ ‫يت ّم دون وجود قوّ ة أو سلطة آمرة تقوم بتحديد األهداف‬ ‫العامّة والخاصّة التي يصبو إليها المجتمع والفرد‪.‬‬ ‫فالمشكلة األساسيّة في السلطة هي االعتراف بما تقوم‬ ‫به من ّ‬ ‫حق وواجب عند طرفيها‪ ،‬فإذا كان االعتراف‬ ‫متبادالً وتا ّما ً استقامت السلطة كعالقة أمريّة مشروعة‪،‬‬ ‫وبهذا يقترب «ناصيف نصّار» من رأي «ليبهولتر»‬ ‫ّ‬ ‫يتمثل في قدرتها على‬ ‫في اإلقرار بأنّ دور السلطة‬ ‫إصدار األوامر وعلى إخضاع اآلخرين لها‪ ،‬فمنشأ‬ ‫السلطة ضروريّ ضرورة المجتمع اإلنسانيّ نفسه‪،‬‬ ‫باعتبارها تش ّكل نقطة االرتكاز األساسيّة في تنظيم‬ ‫المجتمع األوّ ليّ لإلنسان وصوالً إلى مفهوم الدولة‪.‬‬ ‫والدولة ككيان ثقافيّ هي حصيلة الثقافة االجتماعيّة‬ ‫وهي مرتبطة بالتطوّ ر االجتماعي العا ّم‪ ،‬وهي لذلك‬ ‫تندمج كضرورة سياسيّة بالمجتمع‪ ،‬وهذا التماثل أو‬ ‫االندماج يبدأ باالنفصال مع ارتقاء المجتمع المتناسب‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫ك فيه أنّ الطبيعة‬ ‫فيما بينها‪ ،‬إذ ممّا ال ش ّ‬ ‫البشريّة والسلطة متالزمان‪ ،‬فال وجود‬ ‫لمجتمع إنسانيّ دون سلطة‪ ،‬والسلطة‬ ‫بالمقابل ‪ -‬في طبيعة وجودها ‪ -‬سابقة على‬ ‫وجود الدولة باعتبارها قوّ ة إرادة لحكم‬ ‫جماعة من الناس‪ ،‬بحيث تستحيل هذه القوّ ة‬ ‫إلى سلطة وإرادة و ُتخضِ ع اآلخرين بموجب‬ ‫قانون تضعه بنفسها ويحوز على رضى‬ ‫المحكومين‪ ،‬وهذه القوّ ة توجد أينما يخضع‬ ‫الفرد ألهداف اآلخرين ليس برغبته وإرادته‬ ‫فقط‪ ،‬بل بشعور من الحضور األخالقيّ‬ ‫واالجتماعيّ ‪ ،‬إذ يميل «سالم القمودي»‬ ‫إلى أنّ ك ّل سلطة تقوم على أساس نفسيّ‬ ‫وفلسفيّ يح ّدد اتجاهها السياسيّ والنظام‬ ‫الذي تنشئه أو تنتمي إليه‪ ،‬ونوع السلطة‬ ‫التي تمارسه وكيفيّة هذه الممارسة وأدواتها‬ ‫التنفيذيّة لتحقيق هذه الكيفيّة‪ ،‬وهو ما تعلن‬ ‫السلطة عن بعضه بعد ذلك‪.‬‬

‫مع تبلور سلطة الدولة ونظامها‪ ،‬فال مجتمع بدون‬ ‫سلطة‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تصبح السلطة مظهراً من مظاهر‬ ‫االجتماع البشريّ ‪.‬‬ ‫ويقارب تعريف «برتراند رسل» للسلطة (كونها‬ ‫إحداث تأثير مقصود) التعريفات السابقة من حيث‬ ‫فاعليّة السلطة وقدرتها على ضبط أفراد المجتمع كلّهم‪.‬‬ ‫لكنّ الســلطة ليســت مجرّ د فرض األمر السـياســيّ‬ ‫على جماعة ما ومحاولة تنظيمها‪ ،‬بل هي أيضا ً مفهوم‬ ‫أخالقيّ يشــير إلى النفوذ المعترف به كل ّيا ً لفرد أو‬ ‫لنســق من وجهات النظر أو لتنظيم مست َم ّد من‬ ‫خصائص معيّنة أو خدمات معيّنة‪ ،‬بحيث يضع هنا‬ ‫للسلطة إطاراً تنظيم ّيا ً اجتماع ّيا ً أخالق ّيا ً يح ّدد طبيعتها‬ ‫ووظائفها‪.‬‬ ‫وبالرغم من تع ّدد أشكال السلطة االجتماعيّة إلاّ أنّ‬ ‫السلطة السياسيّة تتميّز عن األشكال األخرى بسبب‬ ‫الوظيفة التي تؤ ّديها في تنظيم النشاطات المترابطة‬

‫إذن‪ ،‬ه��ذا األس��اس النفسيّ والفلسفيّ‬ ‫للسلطة يش ّكل البنية األساسيّة لها أل ّنه يستند‬ ‫ب��دوره إلى الوعي التاريخيّ (السياسيّ ‪،‬‬ ‫الثقافيّ ‪ ،‬االجتماعيّ ) لمفهوم السلطة وهو يش ّكل الوجه‬ ‫الخفيّ للسلطة‪ ،‬فالشخص المسؤول بعبارته (هذا ما‬ ‫سنفعله) إ ّنما ينطلق من إحساس بالتحرّ ك الذاتيّ ومن‬ ‫الشعور بممارسة السلطة‪ ،‬فما تريده السلطة يصبح‬ ‫بمعنى ما تريده ذواتنا‪ ،‬ولذلك ك ّل سلطة تتأرجح بين‬ ‫ما تعلنه وما تخفيه بين اإليديولوجيا وهي الوجه المعلن‬ ‫للسلطة‪ ،‬وبين السيكولوجيا وهي الوجه الخفيّ للسلطة‪،‬‬ ‫فهي رسم ّيا ً مع اإليديولوجيا ونفس ّيا ً هي مع األنا –‬ ‫السلطة‪ ،‬التي تخترق اإليديولوجيا متى رأت أنّ ذلك‬ ‫من مصلحتها وأ ّنه يح ّقق أهدافها كسلطة‪ ،‬وهو ما يفسّر‬ ‫الطابع الزئبقيّ للسلطة وقدرتها على التعبير عن نفسها‬ ‫باستخدام مجموعة إيديولوجيّات قد تكون متناقضة‬ ‫بعضها مع بعض‪.‬‬ ‫أ ّم��ا «ح ّنا أرن��دت» فتربط بين السلطة ووجود‬ ‫الجماعة‪ ،‬إذ تعرّ ف السلطة‪.‬‬

‫عبدو نيب‬

‫الرب‬ ‫الحروب المسيحّية باسم ّ‬

‫بعد تناول الحروب الدمويّة التي خاضها‬ ‫اليهود باسم ربّ يهوه بشكل مختصر‪ ،‬سأتناول‬ ‫الحروب التي خاضها المسيحيّون باسم الربّ‬ ‫كذلك‪.‬‬

‫قشتالة على التنصّر في عام ‪ ،1502‬ث ّم ت ّم إجبار‬ ‫المسلمين في أراغون على التنصّر عام ‪.1526‬‬ ‫وكانت إسبانيا نموذجا ً لدولة دينيّة سلطويّة‪،‬‬ ‫فتتح ّكم وتعين الكنيسة فيها الملوك واألباطرة‬ ‫الذين يحكمون بحاكميه تسمّى ظ� ّل هللا في‬ ‫ّ‬ ‫الحق اإللهيّ وللقضاء على ما‬ ‫األرض أو قانون‬ ‫سمّوه وقتها بالفساد‪ ،‬فقد قامت بتأسيس محاكم‬ ‫التفتيش واستهدفت من ت ّم إجبارهم على التنصّر‬ ‫من المسلمين واليهود‪ ،‬ث ّم استهدفت المعتقدات‬ ‫المسيحيّة األخرى وخاصّة البروتستانتيّة‪.‬‬

‫ظلّت مصر في الفترة التي ما بين سنة (‪31‬‬ ‫ق‪ .‬م) وسنة (‪ 395‬م) تابعه للدولة الرومانيّة‪،‬‬ ‫ومع بدء اعتبار الدين المسيحيّ كدين رسميّ‬ ‫للدولة‪ ،‬أمر أسقف االسكندريّة تيوفيل بهدم معابد‬ ‫الوثنيّين‪ ،‬فت ّم هدم بعضها‪ ،‬وتحويل بعضها اآلخر‬ ‫إلى كنائس‪ ،‬والسخرية العلنيّة من معتقداتهم‬ ‫وتماثيلهم‪ ،‬األم��ر ال��ذي أث��ار غيظ الوثنيّين‬ ‫اإلسكندريّين‪ ،‬ممّا دفعهم إلى قتال المسيحيّين‬ ‫فاستمرّ ت معركة دمويّة طويلة ما بين الوثنيّين‬ ‫والمسيحيّين انتهت بهزيمة الوثنيّين‪.‬‬ ‫ولكن الحادثة األبشع واألكثر انتشاراً عن‬ ‫تلك الحقبة‪ ،‬هي مقتل العالمة والفيلسوفة هيباتيا‪،‬‬ ‫فبعد هزيمة الوثنيّين عام ‪391‬م‪ ،‬بقيت بقايا الوثنيّين في‬ ‫اإلسكندريّة في حالة مقاومة ومحاولة لنشر العلوم‪ ،‬حيث‬ ‫كانت قد انتشرت المدارس التي ت ّتسم بروح المسيحيّة‬ ‫كل ّيا ً فقط‪ ،‬كانت هيباتيا عالمة رياضيّات وفلك‪ ،‬وكانت‬ ‫تقيم ن��دوات ومحاضرات في المدينة بشكل منتظم‪،‬‬ ‫وكان عدد متابعيها ي��زداد بصورة الفتة‪ ،‬ممّا أثار‬ ‫الخوف المسيحيّ من تأثير العالمة الوثنيّة‪ ،‬فكان مقتلها‬ ‫مشهداً مروّ عا ً في المدينة والتاريخ‪ ،‬فقد قُتلت على‬ ‫يد جموع من الغوغاء المسيحيّين التي تتبعتها عقب‬ ‫رجوعها لبيتها بعد إحدى ندواتها‪ ،‬حيث قاموا بجرّ ها‬ ‫من شعرها‪ ،‬ث ّم قاموا بنزع مالبسها وجرّ ها عارية‬ ‫تماما ً بحبل ملفوف على يدها في شوارع اإلسكندريّة‬ ‫ح ّتى انسلخ جلدها‪ ،‬ث ّم إمعانا ً في تعذيبها‪ ،‬قاموا بسلخ‬ ‫الباقي من جلدها باألصداف إلى أن صارت ّ‬ ‫جثة هامدة‪،‬‬ ‫ث ّم ألقوها فوق كومة من األخشاب وأشعلوا بها النيران‪.‬‬ ‫ث ّم كانت الحمالت الصليبيّة التي قسّمت إلى تسع‬ ‫حمالت‪ ،‬الحملة الصليبيّة األول��ى ‪1099-1096‬م‬ ‫السترجاع القدس واألراض��ي المق ّدسة من سيطرة‬ ‫المسلمين‪ ،‬الحملة الصليبيّة الثانية ‪1148-1145‬م‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫التي هُزم فيها المسيحيّون فاسترجع المسلمون القدس‪،‬‬ ‫فكانت الحملة الصليبيّة الثالثة ‪1192-1189‬م إلعادة‬ ‫السيطرة على القدس التي كان صالح الدين األيوبيّ‬ ‫قد سيطر عليها عام ‪1187‬م‪ ،‬فنجحوا في استرجاع‬ ‫ع ّكا وفشلوا في استرجاع القدس‪ ،‬أمّا الحملة الصليبيّة‬ ‫الرابعة ‪1204-1201‬م‪ ،‬كان هدفها األوّ ل احتالل‬ ‫القدس عن طريق غزو مصر‪ ،‬ولكن بدالً عن هذا في‬ ‫نيسان ‪ 1204‬احت ّل مسيحيو أوروبا مدينة القسطنطينيّة‬ ‫اليونانيّة األرثوذكسيّة عندئذ وعاصمة اإلمبراطوريّة‬ ‫البيزنطيّة‪ ،‬أمّا الحملة الصليبيّة الخامسة ‪-1213‬‬ ‫‪1221‬م‪ ،‬فكانت محاولة من أوروبا الكاثوليكيّة إلعادة‬ ‫السيطرة على القدس وبقيّة األراضي المق ّدسة عبر‬ ‫السيطرة على الدولة األيّوبيّة في مصر‪ ،‬لك ّنها باءت‬ ‫بالفشل‪ ،‬وهكذا ح ّتى الحملة الصليبيّة التاسعة ‪-1271‬‬ ‫‪1272‬م التي انهزمت على يد الظاهر بيبرس‪.‬‬ ‫وحين ذكر الحروب التي خاضها المسيحيّون بغية‬ ‫نشر الدين المسيحيّ ‪ ،‬ال يمكن نسيان محاكم التفتيش‬ ‫ذائعة الصيت‪ ،‬تأسّست محاكم التفتيش عام ‪،1478‬‬ ‫وفي القرن السادس عشر أصبحت إسبانيا أكبر قوّ ة‬ ‫كاثوليكيّة في العالم آنذاك‪ ،‬وت ّم إجبار ك ّل المسلمين في‬

‫مورست في ه��ذه المحاكم معظم أن��واع‬ ‫التعذيب المعروفة في العصور الوسطى‪،‬‬ ‫وأزهقت آالف األرواح تحت وطأة التعذيب‪،‬‬ ‫ويُعتقد أنّ عدد القتلى قد يصل إلى ‪ 13‬ألفاً‪،‬‬ ‫ومن أنواع التعذيب‪ :‬إمالء البطن بالماء ح ّتى‬ ‫االختناق‪ ،‬وسحق العظام بآالت ضاغطة‪ ،‬وربط‬ ‫يدي الم ّتهم وراء ظهره‪ ،‬وربطه بحبل حول راحتيه‬ ‫وبطنه ورفعه وخفضه معلّقا ً س��واء بمفرده أو مع‬ ‫أثقال ُتربط به‪ ،‬واألسياخ المحميّة على النار‪ ،‬وتمزيق‬ ‫األرجل‪ ،‬وفسخ الفكّ‪ ،‬وكثيراً ما كانت ُتصدر أحكاما ً‬ ‫باإلعدام حرقاً‪ ،‬وكانت احتفاالت الحرق جماعيّة‪ ،‬تبلغ‬ ‫في بعض األحيان عشرات األفراد‪ ،‬وكان لهم توابيت‬ ‫مغلقة‪ ،‬فيها مسامير حديديّة ضخمة تنغرس في جسم‬ ‫ّ‬ ‫المعذب تدريج ّياً‪ ،‬وأحواض يقيّد فيها الرجل ث ّم يسقط‬ ‫عليه الماء قطرة قطرة ح ّتى يمتلئ الحوض ويموت‪،‬‬ ‫كانوا أيضا ً يقومون بدفنهم أحياء‪ ،‬ويجلدونهم بسياط‬ ‫من حديد شائك‪ ،‬وكانوا يقطعون اللسان بآالت خاصّة‬ ‫وكان دستور محاكم التفتيش يجيز محاكمة الموتى‬ ‫والغائبين وتصدر األحكام بح ّقهم كاألحياء‪ ،‬ف ُتصادر‬ ‫أموالهم و ُتنبش قبورهم‪ ،‬كما يت ّم حرمان أقاربهم من‬ ‫تولّي الوظائف العامّة وامتهان بعض المهن الخاصّة‪.‬‬ ‫وبلمحة سريعة عن تاريخ ومسار انتشار الديانة‬ ‫المسيحيّة‪ ،‬ال يمكن لنا إلاّ أن نسمّيها باإلرهاب بحسب‬ ‫التعريف الدوليّ اليوم لإلرهاب عموما ً واإلره��اب‬ ‫الدينيّ بشكل خاصّ ‪.‬‬ ‫لينا احلكيم‬

‫ثقافة‬

‫عندما يكون‬ ‫الحنين مرضاً‬

‫الحنين إلى الماضي سمة مالزمة للشخصيّة‬ ‫اإلنسانيّة تبدأ بواكيرها منذ الطفولة وتنمو مع نموّ‬ ‫اإلنسان وتق ّدمه في السنّ ‪ ،‬و ُتعتبر سمة إنسانيّة‬ ‫سليمة في كثير من األحايين و لها دوراً إيجاب ّيا ً‬ ‫ّ‬ ‫محطات‬ ‫على الصحّ ة النفسيّة‪ ،‬فهي غالبا ً ما تكون‬ ‫هدوء وراحة‪ ،‬يت ّم من خاللها استعادة الماضي‬ ‫بأفراحه وأتراحه واستخالص النتائج والعبر‬ ‫لتكون دروسا ً يُستفاد منها حاضراً ومستقبالً‪ ،‬هذا‬ ‫في حال تدرّ جت صيرورة نموّ وارتقاء الشخصيّة‬ ‫اإلنسانيّة بشكلها الطبيعيّ في سياق تعايشه‬ ‫ضمن نسق اجتماعيّ وثقافيّ محكوما ً في الزمان‬ ‫والمكان‪ ،‬ولكن عندما تتعرّ ض هذه الصيرورة‬ ‫لمتغيرات فجائيّة وعنيفة سواء في الذات أو في‬ ‫الموضوع للح ّد الذي تعجز فيه ملكاته النفسيّة‬ ‫والعقليّة عن إدراكها‪ ،‬ومن ث ّم استيعابها واحتوائها‬ ‫بغاية االنسجام وال��ت�لاؤم والسير إل��ى األم��ام‬ ‫تماشيا ً مع قانون التطوّ ر الطبيعيّ في البحث عن‬ ‫األفضل‪ ،‬أمام هذا العجز تعمد الشخصيّة لخلق‬ ‫آليّات دفاعيّة‪ ،‬أهمّها االرتداد إلى الخلف نكوصاً‪،‬‬ ‫ويتجلّى ذلك في الحنين إلى الماضي في محاولة‬ ‫للهروب من حاضر مجهد ويغدو الماضي هو‬ ‫المحور والمركز‪ ،‬ويكون الحنين قد نحا منحىً‬ ‫مرض ّيا ً يش ّل الحاضر ويرتحل بصاحبه للعيش‬ ‫على وفي ذكريات الماضي متوهّما ً أ ّن��ه كان‬ ‫وما زال فاعالً‪ ،‬وغالبا ً ما يت ّم استدعاء التجارب‬ ‫المشرقة من الماضي‪ ،‬والتي ُي��راد من خاللها‬ ‫التأكيد على األنا وتضخيم ماضيها في محاولة‬ ‫الشعوريّة أساسها وأُسّها المحافظة على وجوده‬ ‫وفاعليته على الصعيد اإلنسانيّ ‪ ،‬وفي أش ّد الحاالت‬ ‫ينسلخ عن حاضره ويهلوس بأوهام من الماضي‬ ‫قد ال يكون لها أساسها الواقعيّ أو يُضفي على‬ ‫التضخم ويغدو كائنا ً‬ ‫ّ‬ ‫أحداثها ومجرياتها هالة من‬ ‫ماضو ّياً‪ ،‬وبالرجوع إلى ما يقرّ ره بعض علماء‬ ‫االجتماع والفالسفة بأنّ حياة األمم ال تختلف كثيراً‬ ‫عن حياة أفرادها‪ ،‬فإنّ أيّ تجمّع بشريّ ونتيجة‬ ‫ّ‬ ‫المتمثلة في نسق ثقافته وتراكماته‬ ‫لبنيته الداخليّة‬ ‫المعرفيّة على كافة الصُعد االقتصاديّة واالجتماعيّة‬ ‫والسياسيّة‪ ،‬وكذلك نتيجة لعوامل خارجيّة أهمّها‬ ‫التجمّعات البشريّة المتمايزة عنه ‪ -‬إنْ قليالً أو كثيراً‬ ‫ من الناحية الثقافيّة‪ ،‬وعلى تماسّ مباشر أو غير‬‫مباشر معه‪ ،‬بعد أن غدا العالم قرية صغيرة بفضل‬ ‫التطوّ ر على كافة الصُعد‪ ،‬وخاصّة التكنولوجيّة‬ ‫التي جعلت من العالم قرية صغيرة‪ ،‬وعليه فإنّ‬ ‫أيّ تجمّع بشريّ يعجز عن مواكبة هذا التطوّ ر‬ ‫اإلنسانيّ واألدواتيّ العتبارات ذاتية ّ‬ ‫تتمثل بهيمنة‬ ‫قوى التخلّف واالستبداد على مق ّدراته‪ ،‬وأخرى‬ ‫موضوعيّة بسبب تعارض إرادته ومصالحه مع‬ ‫مصالح المحيط‪ ،‬ويغدو حاضره مترعا ً بالشقاء‬ ‫والبؤس وطريق مستقبله على أكفّ طغاته‪ ،‬ما‬ ‫يح ّتم عليه وبالضرورة العودة نكوصا ً إلى الخلف‬ ‫إلى الماضي فيحنّ إلى أيّامه الخوالي وأمجاده‬ ‫البائدة مستعيداً أمجاد أسالفه ومزهوّ اً بنشوتها‪،‬‬ ‫وفي أغلب األحيان ضاربا ً بنواميس الطبيعة‪،‬‬ ‫متوهّما ً ومهلوسا ً أ ّنه يمكن أن يغتال الحاضر‬ ‫ويؤبّنه حامالً نعشه إلى حدائق ماضيه لينبش قبور‬ ‫سلفه ويئده هناك‪ ،‬ومن ث ّم يجمع عظامهم النخرة‬ ‫في كيسه ويحملها على صهوة حصانه‪ ،‬قارعا ً‬ ‫طبول فرحته في مهرجان ينصّب فيه ماضيه‬ ‫أميراً على حاضره‪ ،‬ضاربا ً بعرض ألف حائط‬ ‫حقائق ك ّل العلوم ومغمضا ً بصره وبصيرته عن‬ ‫مؤ ّكد ٍة مفادها‪ :‬أ ّنه للحصول على ذات النتائج من‬ ‫ذات التجربة الب ّد من توافر نفس الشروط؛ ولمّا‬ ‫كان ذلك مستحيالً‪ ،‬يبقى هذا الفكر محكوما ً إمّا‬ ‫بتجديد ذاته من داخله مستعينا ً ومنفتحا ً على ك ّل‬ ‫تجارب الماحوله‪ ،‬أو هو مه ّدد باالنقراض والفناء‪،‬‬ ‫ولك ّنه لن يستسلم لقدر فنائه بسهولة‪ ،‬وسيسعى ما‬ ‫بوسعه مجرّ با ً ك ّل الممكنات‪ ،‬بما فيها العنف قبل‬ ‫أن يلفظ أنفاسه األخيرة‪.‬‬ ‫مسري العل ّي‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫العدد ‪19‬‬

‫ثقافة‬

‫المرأة والفردوس‬

‫هل هناك مالمح خاصّة للوحة ح َمويّة‪ ،‬ماهي‬ ‫عناصرها؟‬ ‫وهل تقتصر على عناصر شكليّة أم أنّ هناك تشابه‬ ‫في الموضوع وتقارب بالخطاب البصريّ ؟‬ ‫مرّ ت اللوحة الح َمويّة بثالث مراحل متتالية مترابطة‬ ‫فيما بينها كان المكان هو العنصر األه ّم والرئيس فيها‪:‬‬ ‫املرحلة األوىل من الفنّ الشعبيّ إلى مرحلة الروّ اد‬ ‫والتأسيس‬ ‫بدأت هذه المرحلة بتصوير المكان كواقع جمالي‬ ‫معاش‪ ،‬يقول الف ّنان سهيل األحدب وهو من الف ّنانين‬ ‫الروّ اد في المدينة (كان من المألوف في مدينة حماه‬ ‫أنّ تزيَّن جدران البيوت والفنادق والحمّامات والمقاهي‬ ‫وواجهات المحلاّ ت التجاريّة بلوحات ّ‬ ‫تمثل مناظر‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫(مدخل إلى لوحات بعض فنّاني مدينة حماه)‬

‫من مدينة أبي الفداء كالعاصي‬ ‫والجسور والنواعير والبساتين‬ ‫والمساجد) إنّ الطبيعة الخاصّة‬ ‫للمدينة جعلت منها ما ّدة للتصوير‬ ‫وألهمت نواعيرها واختراق نهر‬ ‫العاصي لها‪ ،‬إضافة إلى أحياءها‬ ‫القديمة لوحات رسّاميها‪.‬‬

‫يبدو األمر غريبا ً بعض الشيء؛‬

‫إذ امتاز المكان في اللوحة‬ ‫ال��ح��م��و ّي��ة ف��ي م��راح��ل��ه األول��ى‬ ‫بواقعيّة تسجيليّة‪ ،‬وكانت أحدث‬ ‫المعالجات الشكليّة لهذا المكان هي‬ ‫المعالجة االنطباعيّة التي أدخلها‬ ‫الروّ اد على اللوحة الشعبيّة التي‬ ‫كانت سائدة آنذاك‪.‬‬ ‫فكيف تحوّ ل المكان بواقعيّته إلى فردوس؟ وماهي‬ ‫العناصر الشكليّة التي أُدخلت على المكان لتعطيه‬ ‫طابعا ً فردوس ّياً؟‬ ‫املرحلة الثانية من الروّ اد والتأسيس إلى الحداثة‬ ‫إنّ أه ّم ما انتزعته الحداثة من اللوحة المسنديّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مستفزة‬ ‫هو البعد الثالث مثيرة بذلك حفيظة المتل ّقي‬ ‫خيال الف ّنان وأدواته إليجاد بدائل بصريّة باحثا ً عن‬ ‫أبعاد أخرى تستطيع حمل الموضوع وتقديمه بصورة‬ ‫قادرة على إقامة التفاعل المطلوب‪ .‬هذا ما وضع بعض‬ ‫المصوّ رين الذين اعتمدوا في غالبيّة مواضيعهم على‬ ‫تصوير المكان (الطبيعة‪ -‬العمارة ) أمام تحدي الحداثة‬ ‫وأ ّدى تزامن دخول الحداثة مع ظهور التيّارات القوميّة‬ ‫وس��ؤال الهويّة إلى دفع البعض بالبحث في الثقافة‬ ‫البصريّة المحلّيّة والمشرقيّة بوجه عام‪ ،‬فمن لوحات‬

‫الواسطيّ إلى الرقش والمنمنمات كانت بداية البحث‬ ‫الشكليّ عن حلول بصريّة تش ّكل بدائل مقبولة للبعد‬ ‫ّ‬ ‫الخطية بالظهور الخجول‬ ‫الثالث فأخذت التشكيالت‬ ‫ّ‬ ‫الخط المنحني بإيقاعاته طاغيا ً على باقي الخطوط‬ ‫وغدا‬ ‫ّ‬ ‫وتشظت المساحات اللونيّة إلى مجموعة من التفاصيل‬ ‫وحضرت الزخرفة النباتيّة ببعد تصويريّ كبديل عن‬ ‫الطبيعة‪ ،‬لكنّ موارد البحث حكمت المفهوم وأعادت‬ ‫انتاج المكان بوصفه فردوسا ً متخ ّيالً‪ ،‬لكنّ ثالثيّة‬ ‫(المكان – الفردوس ‪ -‬المق ّدس) لم تستطع تقديم عمل‬ ‫ف ّنيّ كامل يح ّقق مردوداً جمال ّيا ً وتواصل ّياً‪ ،‬ممّا دفع‬ ‫ببعض ف ّنانيّ المدينة إلى استحضار األنثى إلى اللوحة‪،‬‬ ‫وهنا‪ ،‬ساهمت لوحات الف ّنان نذير نبعة المستل َهمة من‬ ‫فنّ المنمنمات بطرح الحلول البصريّة وتقديم ثنائيّة‬ ‫المرأة ‪ -‬الفردوس لبعض ف ّناني مدينة حماه‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة من الحداثة إلى المحلّيّة‬ ‫أخذت المرأة طريقها إلى لوحة بعض ف ّناني حماه‬ ‫محافِظة على القيم الجماليّة المتوارثة والسائدة عن‬ ‫المرأة‪ ،‬فمن العنق الطويل إلى العيون الواسعة والفم‬ ‫الصغير‪ ،‬لم تتفلّت اللوحة كل ّيا ً من سلطة المتل ّقي‬ ‫وغرقت في بعض التجارب بهاجس االستحسان‬ ‫والقبول ال بهاجس الصدقيّة والجديد‪.‬‬ ‫وإذا ما رجعنا إلى أولى هذه التجارب نجد البداية‬ ‫في العديد من أعمال الف ّنان زهير حضرموت والتي‬ ‫حملت مالمح لوحة حمويّة ذات خصوصيّة استمرّ ت‬ ‫وتطوّ رت في العديد من التجارب التي أتت إلى المدينة‬ ‫أو غادرتها لتضيف عليها وتؤ ّكدها وتغنيها‪ ،‬امتازت‬ ‫المرأة في لوحات بعض ف ّناني حماه بأ ّنها عنصر‬ ‫مكانيّ ‪ ،‬وأخذت الطابع الفردوسيّ من المكان‪ ،‬فهي‬

‫«نتل ّمس الكلمات على الجدار»‬

‫علني والعيون أصابع مقطوعة‬ ‫كيف أصبحت البالد لوحة في مزاد ّ‬ ‫«في الجامع األمويّ ‪ ،‬في أيّ زمن تريد‪ ،‬قل لي‬ ‫من قتلك أق ْل لك من أنت»‪ .‬بهذه البساطة التي ال‬ ‫يقوى عليها أحد يختصر الشاعر «حكمة شافي‬ ‫األسعد» التاريخ ويجعله واضحا ً ال لبس فيه وال‬ ‫تورية‪« .‬نتلمّس الكلمات على الجدار» توثيق أدبيّ‬ ‫فريد ليوميّات الحرب يطالعنا في أولى مجموعات‬ ‫الشاعر النثريّة التي قام بنشرها إلكترون ّيا ً ولم يقم‬ ‫بطباعتها في كتاب‪ .‬وبين انتصار الحرب على‬ ‫اإلنسانيّة أحيانا ً وانتصار الحبّ عليها أحيانا ً أخرى‬ ‫تأخذنا القصائد في رحلة ال نعرف متى بدأت وال‬ ‫يبدو لنا أ ّنها قد تنتهي‪ .‬بين النزوح والموت وبين‬ ‫المدن المنكوبة وتلك التي تنتظر حصّتها من الخراب‬ ‫القادم يجول الشاعر بكلماته مقتحما ً المق ّدسات ‪ -‬أو‬ ‫ما كانت كذلك ذات يوم ‪ -‬ومعرّ يا ً اإلنسان واألرض‬ ‫والبالد والحياة واألفكار دون أن يخجل من لعنة‬ ‫التراب أو لعنة أبنائه‪.‬‬ ‫وبمسدسه المحشوّ بالسخرية يطلق حكمة‬ ‫الرصاص على الطغيان‪ ،‬ال السياسيّ فحسب‪ ،‬بل‬ ‫اإلنسانيّ والوجوديّ ‪ .‬يتح ّدث عن ذلك الكائن الذي‬ ‫يستطيع أن يجعل من ك ّل شيء جميل كابوسا ً أسود‬ ‫ويبرع دائما ً في قطع رؤوس األحالم وتحويلها إلى‬ ‫نفايات ال مكان لها في عالمه الواسع الذي يُحكم‬ ‫قبضته على ك ّل وردة فيه‪ .‬نصوص ساحرة لم‬ ‫يضع الكاتب لها نهاية‪ ،‬تؤرّ خ لحياة إنسانيّة حقيقيّة‬ ‫يعيشها السوريّون على أرض ّ‬ ‫مزقتها الحرب‬ ‫وجعلت منها شخصا ً حقيق ّيا ً ال مجازاً َيق ُتل ويُقتل‬ ‫ويحمل السالح ويثأر وينقلب على عدوه تارة وعلى‬ ‫نفسه تارة أخرى‪ ،‬دون كذب أو تلفيق ودون أن‬

‫ي ّدعي بحكمة الشاعر المعتادة أنّ ك ّل شيء على ما‬ ‫يرام‪ ،‬أو أن ينهي المأساة باألمل كما يفعل الك ّتاب‬ ‫المحكومون بالخرافات واالنتصارات والتفوّ ق على‬ ‫الواقعيّ ‪ .‬سبعة عشر نصا ً ق ّدها الشاعر من لحم‬ ‫ودم ونفخ فيها روحه الهائمة من سماء إلى سماء‬ ‫ومن مدينة إلى مدينة تع ّد الموتى وتبكي عليهم‪ .‬ال‬ ‫يكترث «حكمة» أليّ ممّا هو خارج جدران النزوح‬ ‫الجماعيّ والنهايات المجانيّة؛ فالقضايا التي تعتبر‬ ‫كبرى تحت ّل في وعيه مكانا ً ثانو ّيا ً مقارنة بقضيّته‬ ‫األه ّم وهي اإلنسان‪ .‬هذا اإلنسان الذي تحوّ ل إلى‬ ‫ورقة نعوة فقدت ح ّقها ح ّتى في أن تسند ظهرها إلى‬ ‫جدار ما في حيّ ما لتثبت وجودها‪ ،‬أو في أن يسير‬ ‫اآلخرون خلف جنازتها ويو ّدعونها قبل أن يسقطوا‬ ‫فوقها وتتشارك وجوههم رخامة واحدة‪ .‬وألنّ الحياة‬ ‫أصبحت تمشي برأس مقطوع تحوّ ل الجميع إلى قتلة‬ ‫أو مقتولين‪ ،‬والعذر في رأس الحياة الذي لم يعد‬ ‫يميّز‪.‬‬ ‫«حين اشتقت إليك تن ّفست هوا ًء نق ّيا ً وكأ ّنني لست‬ ‫في ثالجة الموتى»‪ .‬بهذه االنسيابيّة يجمع الشاعر‬ ‫بين العام والذاتيّ فالعام أصبح ذات ّيا ً بشكل أو بآخر‬ ‫صا ً بأحدنا دون غيره‪ .‬هكذا‬ ‫والذاتيّ لم يعد شأنا ً خا ّ‬ ‫أصبحت مشاعرنا مرتبطة بعدد الشهداء والضحايا‬ ‫من األطفال وأنواع األسلحة والطرقات التي نذرعها‬ ‫بحثا ً عن بيت ما لنضع رحالنا فيه اليوم واألصدقاء‬ ‫البعيدين وهؤالء الذين نريدهم بعيدين أل ّنهم تغيّروا‪.‬‬ ‫وسط ك ّل هذا يصبح الحبّ بوصلتنا الوحيدة ويصبح‬ ‫الوحيد الذي بإمكانه أن يمسك يدنا ويعبر بنا إلى‬ ‫ض ّفة النجاة‪ ،‬ال من الموت فقط‪ ،‬بل من الضياع‬

‫الحوريّة المتخيّلة‪ ،‬وال تتجاوز عالقتها بالواقع حدود‬ ‫االرتباط الشكليّ ‪ ،‬إ ّنها حوّ اء قبل الهبوط‪ ،‬الصورة‬ ‫المثال للمرأة في الذهن الجمعيّ ‪ ،‬كما عبّر عنها النصّ‬ ‫والموروث فهي المرأة التي رسمتها األغاني الشعبيّة‬ ‫شكالً وأعطاها النصّ بُعدها المتخيّل لتتأرجح بين‬ ‫الرغبة والمق ّدس‪ ،‬إ ّننا أمام ثنائيّة (المق ّدس ‪-‬المرغوب)‪.‬‬ ‫إذا من هذه الرباعيّة (المكان‪-‬الفردوس‪ ،‬والمق ّدس‪-‬‬ ‫المرغوب) نستطيع أن نتلمّس خصوصيّة ما‪ ،‬ونرصد‬ ‫تطوّ رات هذا المفهوم في بعض لوحات ف ّناني مدينة‬ ‫حماه من ع ّدة أجيال‪ ،‬سأحاول الوقوف على أه ّم تلك‬ ‫التجارب ودراستها ربّما في مرّ ات قادمة‪.‬‬

‫سهف عبد الرمحن‬

‫في النشــر‬ ‫ّ‬ ‫المستقل‬ ‫والنشر‬

‫ّ‬ ‫المستقل؟‬ ‫من هو الناشر‬ ‫يحار الكثيرون أمام‬ ‫ه��ذا التوصيف وليس‬ ‫فقط من العامّة وإ ّنما‬ ‫بين الناشرين العرب‬ ‫أنفسهم‪ .‬لطالما سمعت‬ ‫هذا السؤال‪ :‬ماذا يعني‬ ‫الناشر المستقلّ؟‬

‫المتربّص بنا جميعاً‪.‬‬ ‫وكأ ّنه ينجو بالكتابة من بئر العتمة يُعيد «حكمة»‬ ‫للشعر دوره الحقيقيّ الذي فقده منذ زمن طويل‬ ‫فيجعل منه رفيقا ً حقيق ّيا ً لإلنسان المنهك الذي يمكن‬ ‫للغة على األق ّل أن تنصفه مادامت عاجزة عن جعل‬ ‫العالم يتحرّ ك من أجله‪ .‬استطاع الشاعر أن يجعلنا‬ ‫نرى من خالل نصوصه ما لم تنقله الصورة الحيّة‬ ‫وعجزت ك ّل نشرات األخبار عن رصده‪ .‬وبصور‬ ‫عميقة وبسيطة في آن رسم لنا البالد التي يأكلها‬ ‫العالم ويلقي ببقاياها ألوالدها الذين مازالوا ينتظرون‬ ‫بثيابهم البالية وأحالمهم المهترئة وأحذيتهم التي لم‬ ‫تعد تحتمل مزيداً من الرحيل‪ ،‬لك ّنهم مصرّ ين على‬ ‫هزيمة الموت الذي يكبر داخلهم دون ربطات عنق‬ ‫ولقطات تذكاريّة مع المدن والقبور ودون ضجيج‬ ‫يظهرون من خالله فرط انتمائهم‪ .‬لغة غير عصيّة‬ ‫لك ّنها ليست ممكنة أيضا ً تجعل المشهد سيّد النص‬ ‫والمفردات بناته الجميالت اللواتي يؤ ّدين مهامّهن‬ ‫بمهارة فائقة‪.‬‬ ‫«أيّتها البالد التي ال تنتهي صفاتها‬ ‫متى تعيدين لنا صفاتنا؟»‬ ‫بقي أن ننوّ ه أنّ «حكمة شافي األسعد» شاعر‬ ‫سوريّ حمصيّ بامتياز يحمل شهادة الدكتوراة في‬ ‫اللغة العربيّة وآدابها‪ ،‬له مجموعتان مطبوعتان‪:‬‬ ‫كهف الموتى وجمع تكسير األصابع‪.‬‬

‫ُسرى أمحد علّوش‬ ‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫‪11‬‬

‫ف���ي ال���ع���ودة إل��ى‬ ‫ال��راب��ط��ة ال��ع��ال��م � ّي��ة‬ ‫للناشرين المستقلّين ‪Alliance International des‬‬ ‫وتوصيفها للناشر‬ ‫‪Editeurs Independent‬‬ ‫المستقلّ‪ :‬هو الناشر الذي يختار منشوراته بنفسه وبدون‬ ‫أيّة ضغوط من أيّة جهة سياسيّة أو دينيّة أو أكاديمية‪.‬‬ ‫وهو أيضاً‪ ،‬الناشر الذي يموّ ل مشاريعه بنفسه وبدون أيّ‬ ‫خضوع لضغوط ما ّديّة ّ‬ ‫تؤثر على قراراته بما يختصّ‬ ‫باختياراته للعناوين التي يقوم بنشرها‪ .‬ال يعني هذا بالطبع‬ ‫أ ّنه يتر ّفع عن الكسب الما ّديّ بل أ ّنه يستخدم النموذج‬ ‫االقتصاديّ المستق ّل بدون تنفيذ أيّة أجندة أليّة جهة مقابل‬ ‫المال‪.‬‬ ‫هو أيضاً‪ ،‬الناشر الذي يضع لنفسه معايير مهنيّة‬ ‫وأخالقيّة ويطبّقها في ممارسته لمهنة النشر من احترام‬ ‫حقوق الترجمة والتأليف والرسوم والصور‪ .‬كما أ ّنه‬ ‫يحافظ على مستوى معين فيما يق ّدمه للجمهور‪ ،‬سواء‬ ‫أكان ذلك فيما يختصّ بالمحتوى نفسه أو بطريقة التقديم‪،‬‬ ‫من اختيار الورق والتصميم واإلخراج والطباعة‪ ،‬وك ّل ما‬ ‫يتعلّق بأمور شكل الكتاب النهائيّ التي تد ّل على احترام‬ ‫القارئ‪.‬‬ ‫هو‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬يقف في وجه االحتكارات الماليّة‬ ‫الكبيرة التي تحاول الهيمنة على قطاع النشر في العالم‪،‬‬ ‫وأن تحوّ ل الكتاب إلى تجارة رابحة نازعة عنه اله ّم الثقافيّ‬ ‫وااللتزام األخالقيّ الذي يجب أن يميّز هذه «السلعة –‬ ‫المنتج» عن غيره في أسواق اليوم‪.‬‬ ‫الناشر المستقلّ‪ ،‬يقف حتما ً في وجه ك ّل ما يعيق‬ ‫تق ّدم الكتاب وتطوّ ره ووصوله إلى الشريحة األكبر في‬ ‫المجتمعات‪ .‬فهو هنا ض ّد ك ّل أشكال الرقابة والضرائب‬ ‫المرتفعة المفروضة على تجارة الكتب وشحنها بين‬ ‫البلدان العربيّة‪.‬‬

‫مسر مسعان ح ّداد‬ ‫سست في خمسين ّيات القرن الماضي‬ ‫صاحبة «دار أطلس للنشر» التي أ ُ ّ‬ ‫في دمشق‪ ،‬وتنشر باللغة العرب ّية كل ّ أنواع الكتب المؤ ّلفة والمترجمة من‬ ‫التنوع‪.‬‬ ‫مبدأ تعزيز‬ ‫ّ‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


‫‪12‬‬

‫العدد ‪19‬‬

‫مقامات‬

‫‪ /26‬تشرين الثاني ‪2014/‬‬

‫م � �ق � �ام ال �ق �ص��ب‬

‫ال خالفة يف الدين*‬ ‫علي عبد الرازق (‪)1966 – 1888‬‬

‫ّ‬ ‫والحق أنّ الدين اإلسالميّ بريء من تلك والتجريب‪ ،‬أو قواعد الحروب‪ ،‬أو هندسة‬ ‫الخالفة التي يتعارفها المسلمون‪ ،‬وبريء المباني وآراء العارفين‪.‬‬ ‫من ك ّل ما هيّؤوا حولها من رغبة ورهبة‪ ،‬ال ش��يء في الدين يمنع المسلمين أن‬ ‫ومن ّ‬ ‫عز وقوّ ة‪.‬‬ ‫يسابقوا األمم األخرى‪ ،‬في علوم االجتماع‬ ‫والخالفة ليست في ش��يء من الخطط والسياسة كلّها وأن يهدموا ذلك النظام‬ ‫الدينيّة‪ ،‬كلاّ وال القضاء وال غيرهما من العتيق الذي ذلّوا له واستكانوا إليه‪ ،‬أن‬ ‫وظائف الحكم ومراكز الدولة‪ ،‬وإ ّنما تلك يبنوا قواعد مُلكهم‪ ،‬ونظام حكومتهم‪ ،‬على‬ ‫كلّها خطط سياسيّة صرفة‪ ،‬ال شأن للدين أحدث ما أنتجت العقول البشريّة‪ ،‬وأمتن‬ ‫بها‪ ،‬فهو لم يعرفها و لم ينكرها‪ ،‬وال أمر ما دلّت تجارب األمم على أ ّنه خير أصول‬ ‫بها و ال نهى عنها‪ ،‬و إ ّنما تركها لنا‪ ،‬لنرجع الحكم‪.‬‬ ‫فيها إلى أحكام العقل‪ ،‬و تجارب األمم‪ ،‬و‬ ‫قواعد السياسة‪.‬‬

‫ّ‬ ‫لكل‬ ‫مقام‬ ‫مقال‬

‫عن الجوع والحرمان‬ ‫في المعتقالت‬

‫المدير العام‬

‫رئيس التحرير‬

‫توفيــق دنيـــا‬

‫بسام يوسف‬ ‫َ‬

‫‪newspaper@allsyrians.org‬‬

‫واللبناني‪ ،‬مكتبة‬ ‫المصري‬ ‫الصادر عن دار الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫كما أنّ تدبير الجيوش اإلسالميّة‪ ،‬وعمارة‬

‫اإلسكندر ّية ‪2011‬‬

‫المدن والثغور‪ ،‬ونظام الدواوين ال شأن‬ ‫للدين بها‪ ،‬وإ ّنما يرجع األمر فيها إلى العقل‬

‫مرة ‪1925‬‬ ‫ألول ّ‬ ‫طبع ّ‬

‫ساهم‪ ،‬ولو بغطاء عبوة الماء‬

‫في كثير من األحيان تغدو تفاصيل‬ ‫الحياة التافهة التي نعيشها مأزقا ً‬ ‫شعور ّيا ً‬ ‫ّ‬ ‫يتضخم بك ّل أشكال االنفعاالت‬ ‫وتجلّياتها حين تكون محرّ ضا ً لذكريات‬ ‫من عانى الحرمان منها‪ ،‬لتصبح ج َّل‬ ‫آماله أن ينالها ولو بالحلم‪ .‬ومن سيكون أكثر حرمانا ً من المعتقل‬ ‫الذي قد يخرج من قبره‪ ،‬فتجتاحه الدهشة في ك ّل مرّ ة من كيفيّة‬ ‫تعاملنا مع األمور البسيطة التي تواجهنا في الحياة وبقدرة تحكم‬ ‫اإلنسان بغرائزه البشريّة وصبره على ترويضها؟! ذاك الصبر‬ ‫الذي أفتقده قسراً حين كان وراء القضبان‪ ،‬فيكفي إدراكنا أ ّننا قد‬ ‫نمارس نوعا ً من الحرمان اإلراديّ لنصل إلى مبتغى ما‪ ،‬أمّا هو‬ ‫فمعنى الحرمان القسريّ الذي خاضه يقف بينه وبين استدراكه‬ ‫الستيعابه السابق لمثل هذه األمور والسيّما قبل اعتقاله‪ ،‬ممّا‬ ‫ّ‬ ‫المضطهدة‪ .‬فأن‬ ‫يضعنا بحيرة وخجل أمام عُري الروح اإلنسانيّة‬ ‫أُح ّدث صديقتي المعتقلة السابقة عن الرجيم والجوع اإلراديّ الذي‬ ‫أخوضه اليوم بحماس يشتهي فتنة الجمال وغوايته‪ ،‬فهذا كفيل بأن‬ ‫يثير في مخيّلتها فيضا ً من الذكريات التي قد تظنّ أ ّنها تجاوزتها‪،‬‬ ‫ض يخرجها‬ ‫غير أ ّنها تستكين في غياهب روحها‪ ،‬وتتر ّقب أيّ محرّ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫المتأزمة التي‬ ‫من قمقمها لتجتاح روح صديقتي بك ّل االنفعاالت‬ ‫كانت متوارية عن وعيها‪ .‬ويكفيك أن تسمع ما سردت لي بعد‬ ‫ذلك الحديث عن الجوع اإلراديّ لتدرك ما أعنيه عن االنفعاالت‬ ‫المتوارية في خبايا روح المعتقلين؛ إذ تقول لي» أذكر أ ّني في‬ ‫مرّ ة واحدة فقط هزمني الجوع‪ ،‬مرّ ة واحدة فقط تقمّصت جسدي‬ ‫طفل ال يفقه كيف يقاوم الجوع فيستسلم للبكاء الكافر‪ ،‬في‬ ‫رو ُح‬ ‫ٍ‬ ‫ليالي الصقيع في غرفة صغيرة ال تصلح لتكون حماما ً فكيف‬ ‫بمهجع يض ّم أربعين امرأة يتك ّدسن كجثث مجزرة الكيمياويّ فوق‬ ‫بعضهنّ ‪ ،‬لك ّل واحدة منهنّ مساحة «بالطتين ونصف» كنت أسهر‬ ‫مع معتقلة أخرى وثالثنا الحمراء الطويلة نتأمل صمت اللحوم‬ ‫المك ّدسة التي أنهكتها القضبان والصقيع وك ّل أنواع الحرمان‪،‬‬ ‫في إحدى تلك الليالي نهضت إحدى السجينات الم ّتهمة بالتزوير‬ ‫واالختالس ولها معارف من ذوات الرتب العالية الذين يهرّ بون‬ ‫لها ما ّلذ وطاب من األطعمة المحرومين منها‪ ،‬لم أدرك أنّ الجوع‬ ‫ينهشني وأنّ البرغل ال يرمّم العظام اله ّ‬ ‫شة وال يبعث الدفء وال‬ ‫ْ‬ ‫أخرجت علبة « اللبنة‬ ‫يرفع الس ّكر المتهاوي دائما ً في دمي‪ ،‬ح ّتى‬ ‫والمكدوس» وبدأت تأكل وكأ ّننا أصنام نقبع أمامها ال روح فينا‪،‬‬ ‫أذكر أ ّني كدت أن أحرقها بعينيّ ‪ ،‬أن أسرق اللقمة من بين شفتيها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التلذذ بطعم اللقمات‬ ‫أن أقتلع عينيها حين كانت تغمضهما من‬ ‫الشهية ونشوتها‪ ،‬لم أشعر إلاّ بطعم الملوحة يتسرّ ب من بين شفتي‪،‬‬ ‫وكاد صوت ضجيج معدة صديقتي الخاوية يعلو على أصوت فم‬ ‫السجينة المدلّلة جراء نفوذها في السجن وهي تلوك طعامها‪..‬‬ ‫همست لي صديقتي «أطالع لك رغيف خبز معي؟» تجهّم وجهي‬ ‫كاألطفال وهمست من بين أسناني التي كادت أن تته ّ‬ ‫شم من قهري‬ ‫الضاغط على ف ّكي» ما ب ّدي خبز مع ّفن ب ّدي أمّي» في اليوم التالي‬ ‫أمّي‪ ،‬والتي أكاد أقسم أ ّنها سمعت حديثي وشعرت بي‪ ،‬استطاعت‬ ‫أن ترسل لي حبّة شوكوال أخفتها بين الطيّات الداخليّة في سروال‬ ‫المنامة من أعين الحراس‪ ،‬حينها تقاسمتها مع صديقتي السجينة‬ ‫وغبنا في نشوة الحياة‪ ...‬حياة تقبع بك ّل شهواتها ّ‬ ‫ولذاتها خارج تلك‬ ‫القضبان‪ .‬هل أكون مخطئة إذا قلت لك ال تحرمي نفسك من شيء‬ ‫يا عزيزتي فال تعرفين متى يأسرك الحرمان القسريّ ‪ ،‬الحرمان‬ ‫الذي ينال من روحك قبل جسدك؟ ربّما أكون مخطئة‪ ،‬فهناك في‬ ‫القبر ال يهمهم الجسد المتآكل من ش ّتى أنواع العذابات‪ ،‬ما يهمهم‬ ‫هو أن تخرجي من عندهم وتبقى روحك أسيرة الحرمان وتحت‬ ‫وطأة ك ّل االنفعاالت التي ته ّ‬ ‫شم إنسانيّتك وصبرك‪ ،‬فال تقوى تلك‬ ‫الروح على معارضتهم من جديد‪« .‬‬ ‫م ّي الفارس‬

‫قام ناشطون سوريّون في ع ّدة مدن تركيّة‬ ‫(أنقرة‪ ،‬استانبول‪ ،‬غازي عينتاب‪ ).. ،‬بإطالق‬ ‫«مبادرة حركة» اعتباراً من الخامس من‬ ‫تشرين الثاني الحالي‪ ،‬وتهدف هذه المبادرة‬ ‫إلى مساعدة شريحة المحتاجين إلى كراسي‬ ‫متحرّ كة‪.‬‬

‫فقد ص ّنع شباب المبادرة يدو ّيا ً صناديق كرتونيّة‪،‬‬ ‫ل ُتجمع فيها أغطية عبوات الماء البالستيكيّة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووزعوا هذه الصناديق‪ ،‬خصوصا ً في أماكن‬ ‫تواجد السوريّين‪.‬‬ ‫وت ّم اال ّتفاق مع جهات مانحة الستبدال‪ :‬ك ّل‬ ‫‪ 1000‬غطاء بالستيكي بكرسيّ متحرّ ك‬ ‫كهربائيّ ‪.‬‬

‫أداء بلغتين معاً‬ ‫اكتشف الدكتور هنري جيكل الجانب المظلم من‬ ‫الطبيعة البشريّة بتوصلّه إلى تركيبة كيميائيّة تحولّه‬ ‫إلى شخصيّة إدوارد هايد الشرّ ير‪.‬‬ ‫هذا هو الحدث المفتاحيّ لمسرحيّة «الحالة الغريبة‬ ‫للدكتور جيكل ومستر هايد» التي تق ّدم حال ّيا ً على‬ ‫ّ‬ ‫ويمثل فيها‪:‬‬ ‫مسرح (جون هافوك) في منهاتن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ممثلون ص ّم بكم يتح ّدثون بلغة اإلشارة‪ ،‬وممثلون‬ ‫ناطقون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الممثل والمدير الف ّني‬ ‫وقد صرّ ح جيه‪.‬دبليو جيدو‬ ‫لمسرح نيويورك للص ّم والبكم في مقابلة تمّت‬ ‫من خالل مترجم يستخدم لغة اإلشارة «لك ّل دور‬ ‫لدينا اثنان‪ّ ..‬‬ ‫ممثل أصم أبكم يستخدم لغة اإلشارة‬ ‫واآلخر يسمع ويقرأ سطور دوره» وأضاف أنّ هذه‬

‫االئتالف الوطنيّ لقوى المعارضة السوريّة بك ّل‬ ‫ع ّدته وعتاده ش ّد الرحال إلى اسطنبول لالجتماع‬ ‫ومنح الثقة للحكومة العتيدة‪ ،‬تقاطر االئتالفيّون من‬ ‫ّ‬ ‫وحط بهم الرحال في فندق من‬ ‫ك ّل بقاع المعمورة‬ ‫فنادق اسطنبول العديّة‪ .‬مرّ اليوم األوّ ل والشباب‬ ‫مختلفون كيف يبدؤون؟ ومن أين يبدؤون؟ فالكتل‬ ‫القديمة انفرط عقدها‪ ،‬وكتل جديدة وُ ل��دت قبل‬ ‫االجتماع‪ ،‬الشيخ طيفور ورهط من أخوته في قائمة‬ ‫واحدة مع ميشيل كيلو ورهط من رفاقه‪ ،‬جعلتنا‬ ‫جميعا ً نتذ ّكر المثل الشعبيّ ‪« :‬شو اللي ل ّم الشامي‬ ‫ع المغربي»‪ ،‬ما تبقى من الكتلة الديمقراطيّة يجمع‬ ‫ما يمكن جمعه من مستقلّي االئتالف ليصبح وازناً‪،‬‬ ‫كتلة اإلخوان المسلمين ش ّدت عُرى التحالف مع كتلة‬ ‫المجالس المحلّيّة‪ ،‬والك ّل يتقاتل هل كتلة األركان‬ ‫شرعيّة أم ال؟؟‬ ‫شفنا‪..‬‬

‫هيئة التحرير‬ ‫حسين برو ‪ّ -‬‬ ‫بشار فستق‬ ‫غزوان قرنفل ‪ -‬ثائر موسى ‪ -‬عزّة البحرة‬

‫االخراج الفني‬ ‫منير األيوبي‬

‫ص��������در‬ ‫ح���دي���ث���ا ً‬ ‫ك����ت����اب‬ ‫«س��وري��ا‬ ‫تتح ّد ث »‬ ‫ال��ك��ت��اب‬ ‫أنطولوجيا‬ ‫ع��ن الفن‬ ‫و ا أل د ب‬ ‫ال��س��وريّ‬ ‫م��ن��ذ ب��دء‬ ‫ال���ث���ورة‪،‬‬ ‫ل���ث�ل�اث���ة‬ ‫م��ؤلّ��ف��ي��ن‬ ‫هم‪ :‬زاهر‬ ‫ع��م��ري��ن‪،‬‬ ‫مالو هاالسا‪ ،‬ونوّ ارة محفوظ‪ ،‬يحمل الكتاب عنوانا ً‬ ‫فرع ّيا ً «الثقافة والفنّ من أجل الحرّ يّة» وهو من‬ ‫إصدار ‪ 2014‬دار الساقي‪ .‬من الف ّنانين واألدباء‬ ‫المعروفين الذين شاركت أعمالهم في هذا الكتاب‪:‬‬ ‫علي فرزات‪ ،‬سمر يزبك‪ ،‬وروبن ياسين قصّاب‪.‬‬ ‫أقبلت االستغاثة ليالً إلى دمشق‬ ‫واليدين‪،‬النائمة نكـزة‬ ‫ً‬ ‫طفلة مقطوع َة الرأس‬ ‫وترابا ً يحترق‪ ،‬وطيوراً ت��و ّدع أجنح ُتها السماء‬ ‫واألشجار‪ ،‬غير أنّ أهل دمشق‬

‫كانوا نياماً‪ ،‬فلم يسمع االستغاثة سوى تمثال من نحاس‬ ‫حجر مطلاّ ً‬ ‫لرجل يشهر سيفاً‪ ،‬ويقف فوق قاعدة من‬ ‫ٍ‬ ‫المسرحيّة هي رابع إنتاج لهذا المسرح منذ تولّيه شامخ الرأس على حديقة المبنى‪ .‬واجتاحت االستغاثة‬ ‫تمثال النحاس مرير ًة ضارعة‪ ،‬ففقد صالبته شيئا ً‬ ‫منصب المدير الف ّني قبل أربع سنوات‪.‬‬ ‫وقريباً‪ ،‬ستحتفل فرقة مسرح نيويورك للصم والبكم فشيئاً‪ ،‬ث ّم تحوّ ل إلى رجل يمشي ويتكلّم ويغضب‬ ‫ّ‬ ‫ويصرخ‪...‬‬ ‫بالعيد الـ ‪ 35‬لـتأسيسها‪.‬‬ ‫زكريا تامر‬

‫مسعنا‪ ،‬شفنا‪ ..‬وبدنا حنكي‬

‫مسعنا‪..‬‬

‫*صفحة ‪ 137‬من كتاب «اإلس�لام وأص��ول الحكم»‬

‫ثالثة أ ّي��ام بلياليها والدخان األبيض لم يخرج‬ ‫من الفندق االسطنبولي‪ ،‬قاعة االجتماعات فارغة‬ ‫إلاّ من كراسيها والطاوالت‪ ،‬وحدها غرف الفندق‬ ‫تع ّج بالحركة وبناء التحالفات المرحلّيّة بين الكتل‬ ‫المختلفة‪ ،‬وكالعادة هي حركة بال بركة‪ ،‬فقط‬ ‫مجموعة من ‪ 42‬عضواً توافقت أو ا ّتفقت على أن‬ ‫تق ّدم معروضا ً يش ّكك بشرعيّة هذا اللقاء‪ ،‬ويعتبر‬ ‫حضور كتلة األركان ال شرع ّيا ً ويعلنون بالتالي‬ ‫أن ال شرعيّة للقرارات التي ستنشأ عن هذا اللقاء‪،‬‬ ‫وكون الخالف هو على كتلة العسكر كما في ك ّل‬ ‫م��رّ ة‪ ،‬وك��ون هناك من يعرف كيف ُتؤكل كتف‬ ‫العسكر في ك ّل مرّ ة‪ ،‬حسم العسكر وآكلي كتفهم‬ ‫األم��ر ودخلوا إلى االجتماع وشعارهم األوح��د‪:‬‬ ‫هل يمكننا القول إنّ االئتالف يعيش آخر أيّامه‪،‬‬ ‫«االجتماع بمن حضر واللي ما عجبه ينطح راسو‬ ‫ّ‬ ‫(ع‬ ‫صار‬ ‫اللعب‬ ‫األخيرة‪،‬‬ ‫سقطته‬ ‫سقط‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫وأ‬ ‫وأنّ‬ ‫َ‬ ‫بشي حيط»‬ ‫المكشوف)‪ ،‬واله ّم الوطنيّ آخر الهموم‪.‬‬ ‫بدنا حنكي‪..‬‬ ‫ال تستغربوا لو قرأتم ما يشبه هذا الكالم ونحن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلنا نعرف أنّ االئتالف يعتبر نفسه الممثل نحكي عن المؤتمر الثالث!!‬ ‫الشرعيّ للثورة السوريّة‪ ،‬وأنّ أعضاءه مختارون‬

‫فريق العمل‬ ‫هلّ‬ ‫العبدال‬ ‫سكرتاريا ‪ :‬نور‬ ‫التدقيق اللغوي ‪ :‬فلك الخالد‬ ‫الموقع اإللكتروني ‪ :‬باسل العبداهلل‬

‫بعناية ّ‬ ‫ليمثلوا القوى السياسيّة والعسكريّة والشعبيّة‬ ‫فيه‪ ،‬وغير بعيد عن اسطنبول كان يتجّ ول «دي‬ ‫ميستورا» في غازي عينتاب ويلتقي مع من يلتقي‪،‬‬ ‫وقبلها كان في دمشق وحمص‪ ،‬يطرح مبادرته‬ ‫ويسوّ ق لها‪ ،‬وأصحابنا يتقاتلون حول وزارة ال‬ ‫حول لها وال ق��وّ ة‪ ،‬وينسون أنّ هناك مبادرة ما‬ ‫ُتطرح حول وطنهم سورية‪ ،‬العالم كلّه منشغل بها‪،‬‬ ‫بينما هم منشغلون بمسرحيّة حكومة خيال الظ ّل‬ ‫التي بال طعمة والتي يقودها بالبروتوكول أحمد‬ ‫طعمة بينما يمسك بالحبال غسّان هيتو‪ ،‬واإلخراج‬ ‫مشترك قطريّ ‪ /‬تركيّ ‪ /‬إخوانيّ ‪ ،‬مدير اإلنتاج فيه‬ ‫مصطفى الصبّاغ‪.‬‬

‫اآلراء الواردة في كلّنا سورّيون تعبّر عن رأي الكاتب‬ ‫و ال تعبّر بالضرورة عن رأي الصحيفة‬

‫‪www.allsyrians.org‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.