115

Page 1

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ | 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫‪www.facebook.com/ZaitonMagazine - zaiton.mag@gmail.com - www.zaitonmag.com‬‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫|‬

‫|‬

‫س��فر الغرق‬ ‫ِ‬

‫‪1‬‬


‫|‬

‫ر�أي‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫هل حت�سم الثورة ال�سورية �صراع امل�صائر بني‬ ‫�إيران والعرب ؟‬

‫تركي امل�صطفى‬

‫ح��وار تاريخي عل��ى م�ش��ارف القاد�سية‬ ‫الأوىل ‪...‬‬ ‫ي��روي ابن كثير أن س��عد ابن أبي وقاص‪،‬‬ ‫قائد جيش المس��لمين‪ ،‬أرس��ل رجال اس��مه‬ ‫«ربع��ي ب��ن عام��ر» ليف��اوض رس��تم قائد‬ ‫الجي��وش الفارس��ية قبيل وقعة القادس��ية‪.‬‬ ‫ق��ال‪ »:‬فدخ��ل علي��ه‪ ،‬وق��د زين��وا مجلس��ه‬ ‫بالنم��ارق المذهب��ة والزراب��ي‪ ،‬وأظه��روا‬ ‫اليواقيت والآللئ الثمينة والزرابي العظيمة‪،‬‬ ‫وعليه تاج��ه وغير ذلك من األمتعة الثمينة ‪،‬‬ ‫وقد جلس على سرير من ذهب ‪ .‬ودخل عليه‬ ‫ربعي بثياب صفيقة و سيف و ترس و فرس‬ ‫قصي��رة ‪،‬و ل��م ي��زل راكبها حت��ى داس بها‬ ‫على طرف البساط‪ .‬ثم نزل و ربطها ببعض‬ ‫الوس��ائد ‪ ،‬وأقبل و عليه س�لاحه و درعه ‪ ،‬و‬ ‫بيضته على رأس��ه‪ .‬فقالوا له ‪»:‬ضع سالحك‬ ‫!»فق��ال‪ »:‬إن��ي ل��م آتك��م ‪ ،‬وإنم��ا جئتك��م‬ ‫حي��ن دعوتموني فان تركتمون��ي هكذا وإال‬ ‫رجعت!» فقال رس��تم ‪ »:‬ائذن��وا له !» فأقبل‬ ‫يت��وكأ عل��ى رمح��ه ف��وق النم��ارق ‪ ،‬فخرق‬ ‫عامته��ا ‪.‬فقال��وا له ‪»:‬ما جاء بك��م؟» فقال‪»:‬‬ ‫اهلل ابتعثنا لنخرج من ش��اء من عبادة العباد‬ ‫إلى عبادة اهلل ‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعتها‪،‬‬ ‫ومن جور األديان إلى عدل اإلسالم‪ .‬فأرسلنا‬ ‫بدينه إل��ى خلقه لندعوهم إلي��ه‪ .‬فمن قبل‬ ‫ذلك قبلنا منه و رجعنا عنه ‪.‬ومن أبى قاتلناه‬ ‫أبدا حتى نفضي إلى موعود اهلل‪ .‬قالوا ‪»:‬وما‬ ‫موع��ود اهلل ؟»ق��ال‪ »:‬الجنة لم��ن مات على‬ ‫قت��ال من أب��ى‪ ،‬و الظفر لم��ن يبقى‪ ».‬فقال‬ ‫رستم ‪ »:‬قد س��معت مقالتكم ‪،‬فهل لكم أن‬ ‫تؤخروا هذا األمر حتى ننظر فيه وتنظروا ؟»‬ ‫قال ‪»:‬نعم ! كم أحب إليكم ‪ ،‬يوم أو يومان ؟‬ ‫« قال ‪ « :‬ال ‪،‬بل حتى نكاتب أهل رأي رؤساء‬ ‫قومنا‪ ».‬فقال‪ »:‬ما سنّ لنا رسول اهلل صلى‬ ‫اهلل عليه وس��لم أن نؤخر األعداء عند اللقاء‬ ‫أكثر م��ن ثالث‪ ،‬فانظر في أم��رك و أمرهم‪.‬‬ ‫واخت��اروا واحدة من ثالث بعد األجل» فقال ‪:‬‬ ‫« أسيدهم أنت؟» قال ‪ « :‬ال‪ ،‬ولكن المسلمين‬ ‫كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعالهم»‪.‬‬ ‫فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال ‪:‬‬ ‫«هل رأيتم قط أعز و أرجح من كالم هذا‬ ‫الرج��ل ؟ « فقالوا ‪ « :‬مع��اذ اهلل أن تميل إلى‬ ‫ش��ئ من هذا و تدع دينك إلى هذا الكلب‪.‬أما‬ ‫ترى إلى ثيابه ! «فقال ‪»:‬‬ ‫ويلك��م ! ال تنظ��روا إلى الثي��اب ‪ ،‬وانظروا‬ ‫إل��ى الرأي و الكالم و الس��يرة‪ « .‬فس��قطت‬ ‫إمبراطوري��ة كس��رى ‪ ,‬وتحولت ف��ارس من‬ ‫المجوسية إلى اإلسالم ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫احتقان فار�س التاريخي‬ ‫على الرغم من إسالمها‪ ,‬إيران الخميني لم‬ ‫تخرج من دائرة محاوالتها التاريخية الدؤوبة‬ ‫الس��تالب ال��دور العربي في اإلس�لام‪ ,‬فمنذ‬ ‫خمس��مائة عام وهي تهاجم الع��راق‪ ,‬بوابة‬ ‫العرب الش��رقية‪ ,‬حيث لم يس��تطع اإلس�لام‬ ‫ال��ذي اعتنقته فارس إطف��اء وتخفيف موجة‬ ‫العداء الفارس��ي تجاه العرب الذين يرفضون‬ ‫أن يكون��وا أصح��اب دور تاب��ع في اإلس�لام‬ ‫تحت راية القومية الفارسية بثوبها الشيعي‬ ‫المفصل على قدر مطامعهم‪ ,‬فاإلسالم الذي‬ ‫دخل فارس أبقى على نظمها شرط أال تمس‬ ‫بالدعوة اإلس�لامية مما ت��رك لفارس حرية‬ ‫التعاط��ي م��ع مقوماتها‪ ,‬فاس��تظل الفرس‬ ‫ظ��ل اإلس�لام ونم��ت حركتهم كخ��روج عن‬ ‫اإلس�لام ووطدت إيران إس�لاما فارسيا تحت‬ ‫س��تار الش��يعة للرد على العرب الذين دمروا‬ ‫امبراطوريته��م‪ .‬حت��ى ب��ات التش��يع الرباط‬ ‫القومي للفرس أو صيغة التوحيد لجموعهم‬ ‫في وجه العرب‪ .‬ولي��س عبثا ما أنتجه الفكر‬ ‫الفارس��ي من إطالق مذاهب دينية متنوعة‪،‬‬ ‫تبين فيم��ا بع��د أن هدفها تفتيت لإلس�لام‬ ‫وتحري��ف ل��ه ولمعطيات��ه‪ ,‬وإس��قاط للدولة‬ ‫العربي��ة األموي��ة‪ ,‬بثورة فارس��ية قادها أبو‬ ‫مس��لم الخراس��اني‪ ,‬كان س��قوطها مقدمة‬ ‫المبراطورية عباس��ية مفكك��ة لعب الفرس‬ ‫ال��دور األب��رز في الهيمن��ة عليها‪ .‬مم��ا أنتج‬ ‫دويالت عديدة متصارعة‪ ,‬واس��تيالء فارسي‬ ‫على ب�لاط الخليفة العباس��ي‪ ,‬واس��تعصاء‬ ‫فارس��ي نفس��ي على تقب��ل اإلس�لام الذي‬ ‫صيغ للعرب كما يفهمه الفرس‪ .‬ومع وصول‬ ‫الخمين��ي للس��لطة في إيران نض��ج الصراع‬ ‫التاريخي بي��ن األمتين على نار التاريخ حيث‬ ‫أنه��ى العرب االمبراطورية الساس��انية على‬ ‫يد الش��عب القبلي البدوي ال��ذي وحده وقاده‬ ‫النب��ي محمد صل��ى اهلل عليه وس��لم‪ ,‬ومنذ‬ ‫ذلك التاريخ أصبح الهاجس العربي واالنتقام‬ ‫من العرب ش��يئا يدخل في غريزة الفارس��ي‬ ‫وينمو مع حليب األم‪ ,‬إلى أن استطاع الفرس‬ ‫توظيف اإلس�لام في دائرة الص��راع ليصبح‬ ‫التشيع الفارس��ي بؤرة من بؤر تأجيج الحقد‬ ‫العنصري ضد الرموز العربية التاريخية التي‬ ‫كانت عامال من عوامل إسقاط اإلمبراطورية‬ ‫الفارس��ية‪ .‬فدخل��ت إي��ران اإلس�لامية ف��ي‬ ‫ح��رب مفتوح��ة ض��د الع��رب من��ذ معرك��ة‬ ‫القادس��ية وحت��ى يومن��ا ه��ذا‪ ,‬ومن��ذ بداية‬ ‫القرن العش��رين‪ ,‬والع��رب‪ ,‬يواجهون متاعب‬ ‫على حدودهم الش��رقية ويعيشون الهاجس‬ ‫اإليراني الذي تحول إلى تهديد ش��به يومي‪,‬‬

‫ث��م تطور إل��ى حرب ضروس ع��ام ‪1980‬م‪,‬‬ ‫كان الب��د منها ألنها عب��رت عن حالة احتقان‬ ‫عدوان��ي تاريخي لم يكن من س��بيل س��وى‬ ‫مواجهته بقوة وحزم‪.‬‬

‫الإ�سالم ال�شيعي �ضرورة ملفهوم «الإرينة»‬ ‫نش��أ اإلس�لام الفارس��ي بم��ا يتناس��ب‬ ‫وبيئته��م ووضعه��م النفس��ي والروح��ي‪,‬‬ ‫وترعرع الفرس على ديانة مذهبية ش��يعية‬ ‫كما رس��مها أس�لافهم ال تمت لجذور التشيع‬ ‫العرب��ي بصلة‪ ,‬والح��رب التي تش��نها إيران‬ ‫الي��وم على دول المش��رق العربي ما هي إال‬ ‫نهاي��ة منطقية لل��دور الصدام��ي التاريخي‬ ‫الذي أهلته الواليات المتحدة‪ ,‬فجذور الخالف‬ ‫الفارسي العربي قائمة في األصول الثقافية‬ ‫والحضارية والقومية ولم يغير اإلس�لام في‬ ‫أحق��اد الفرس‪ ,‬بل اس��تطاع الف��رس تغيير‬ ‫المفاهيم األصلية لإلسالم‪.‬‬ ‫ومنذ داريوس الكبير وملوك ساس��ان إلى‬ ‫الش��اه عباس وصوال إل��ى الخمين��ي وآياته‪,‬‬ ‫كلهم يس��عون إل��ى احتالل المرك��ز األقوى‬ ‫واألهم في المنطقة العربية‪ ,‬وال تزال عقلية‬ ‫القرن العاشر الهجري تتحكم بسلوكية آيات‬ ‫اهلل‪.‬‬ ‫م��ن هن��ا‪ ,‬أصب��ح همه��م الوحي��د وه��م‬ ‫يتس��للون إلى البالد العربية‪ ,‬التبشير بوالية‬ ‫الفقيه وتثبيت فكرة اإلمام الغائب والترويج‬ ‫للجمهوري��ة االس�لامية وإث��ارة النع��رات‬ ‫المذهبي��ة وتعمي��ق الحق��د عل��ى الرم��وز‬ ‫العربي��ة التاريخية‪ .‬وتأكي��د القيادة األجنبية‬ ‫على أرضنا العربية حتى رأينا صور الخميني‬ ‫تمأل مساحات واسعة في بالد العرب بصفته‬ ‫أن‬ ‫نائ��ب اإلم��ام الغائ��ب عل��ى األرض‪ .‬إذ ّ‬ ‫مراوح الحركة اإليرانية في المنطقة واسعة‬ ‫ومتع��ددة ومتنوع��ة‪ ,‬ووج��دت أرض��ا خصبة‬ ‫للتبشير بالتشيع السياسي‪ ،‬فاإلسالم نفسه‬ ‫والسماح الموجود فيه هو الذي ّ‬ ‫شكل المدخل‬ ‫العريض للجموح الفارس��ي ض��د العرب في‬ ‫اإلسالم نفسه ومن خالله‪ ,‬واإلسالم كما هو‬ ‫معروف ال يس��تقيم دينا للع��رب إذا لم تكن‬ ‫قيادته عربية‪ ,‬هكذا كان اإلس�لام السياسي‬ ‫المبكر‪.‬‬ ‫ولم��ا اس��تطاع األت��راك انت��زاع الخالف��ة‪,‬‬ ‫أوجد الفرس مقابلها صيغة اإلمامة العربية‬ ‫مجسدة بآل بيت النبي صلى اهلل عليه وسلم‪,‬‬ ‫وطوروه��ا بهاالت م��ن القداس��ة والعصمة‬ ‫وبطنوها بشحنات كربالئية‪ ,‬وغيبوا اإلمامة‬ ‫العربي��ة مع المه��دي المنتظر ال��ذي أدخلوه‬ ‫في غار بسامراء‪ ,‬ليقوم مقامه نائب اإلمام‪,‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬ ‫يتمتع بجمي��ع حقوقه وصفات��ه وصالحياته‪,‬‬ ‫ول��م يع��د مش��روطا أن يكون اإلم��ام النائب‬ ‫عربي��ا‪ ,‬فانتقلت إمامة الش��يعة للفرس بكل‬ ‫هدوء وتنظيم ليكون الخميني على رأس��ها‪,‬‬ ‫وم��ن ثم الخامنئي اليوم بصفته نائبا لإلمام‬ ‫والوليّ الفقيه‪.‬‬ ‫ويج��د «دوراج» وهو مفكر إيراني معاصر‪:‬‬ ‫«أن اإلسالم الشيعي يشكل ضرورة لمفهوم‬ ‫«اإلرينة» أي النزعة القومية اإليرانية‪« :‬عبر‬ ‫التاري��خ كان على اإليرانيي��ن أن يتكيفوا مع‬ ‫ثقاف��ات الغ��زاة‪ ،‬ومنه��م العرب‪ ،‬لك��ي يبقوا‬ ‫على قيد الحياة‪.‬‬ ‫وم��ع ذلك يش��كل ه��ذا جانب�� ًا واح��داً من‬ ‫تط��ور الهوية الثقافي��ة اإليراني��ة‪ .‬أما البعد‬ ‫اآلخر من هذا التطور فقد تجلى في الس��عي‬ ‫الحثيث لتشكيل هوية إيرانية مميزة‪ .‬ومع أن‬ ‫المضمون اإليديولوجي لهذه الهوية الجديدة‬ ‫قد تأثر‪ ،‬وبش��دة‪ ،‬بثقافة المحت��ل‪ ،‬وباختيار‬ ‫المذه��ب الش��يعي مقابل المذهب الس��ني‪،‬‬ ‫فق��د آث��رت أقلية م��ن اإليرانيي��ن‪ ،‬أن تختار‬ ‫هوية إسالمية مميزة‪ .‬وبعد التشيع اإلجباري‬ ‫الذي بدأ ع��ام ‪ ،١٥٠١‬دعمه وعي قومي في‬ ‫نهاي��ة القرن التاس��ع عش��ر‪ ،‬تمكن التش��يع‬ ‫م��ن تثبيت موقع��ه أكثر في الحي��اة الثقافية‬ ‫اإليراني��ة‪ ،‬وب��ات ج��زءاً ال يتجزأ م��ن الهوية‬ ‫القومية اإليرانية»‬ ‫لذل��ك اس��تخدموا التش��يع ف��ي إط��ار‬ ‫عالقاته��م الخارجي��ة عل��ى نطاق واس��ع بما‬ ‫يخدم المش��روع اإليراني في المنطقة‪ .‬فمنذ‬ ‫وص��ول الخميني إلى الس��لطة ف��ي طهران‪,‬‬ ‫متأثرا بتجربة اليهود في فلس��طين‪ ,‬س��مى‬ ‫دولته في الدستور‪ ,‬إيران الشيعية الفارسية‪,‬‬ ‫على غرار إس��رائيل اليهودية‪ ,‬وكما عصابات‬ ‫الهاغانا الصهيونية‪ ,‬أوجد عصابات الباس��يج‬ ‫والح��رس الث��وري‪ ,‬التي قتل��ت وهجّرت كل‬ ‫من ل��م يقبل بحكم��ه الديني الش��يعي‪ .‬وما‬ ‫حديث��ه ع��ن الق��دس وفلس��طين‪ ,‬وخطابه‬ ‫الث��وري المع��ادي ألمي��ركا والغ��رب‪ ,‬إال ممرا‬ ‫لتخدير المشاعر العربية والتسلل بهدوء إلى‬ ‫المشرق العربي‪ ,‬لكسب قطاعات واسعة لدى‬ ‫الرأي العام‪ ،‬واس��تقطاب الش��ارع لخلق بيئة‬ ‫مناس��بة لتقبل الدور اإليراني اإلقليمي عبر‬ ‫هذا الباب‪ ,‬وكانت التقية السياسية “المستندة‬ ‫لتقي��ة ديني��ة ه��ي صل��ب الفق��ه الخامنئي‬ ‫للمذهب الش��يعي” وس��رّا أساس��يا لنجاحات‬ ‫إي��ران وتحقي��ق مطامعه��ا‪ ,‬وي��رى الباح��ث‬ ‫اإليران��ي والخبي��ر ف��ي السياس��ة الخارجية‬ ‫اإليراني��ة في طه��ران «فرزاد بيزيش��كبور»‬ ‫ف��ي مقال ل��ه بعنوان «إيران ومي��زان القوى‬ ‫اإلقليمي»‪:‬‬

‫|‬

‫ر�أي‬

‫|‬

‫إلي��ران م��ن أي طرف آخر‪ ،‬وب��د ً‬ ‫ال من صدّام‬ ‫لدين��ا اآلن رئيس عراقي غي��ر عربي وفخور‬ ‫بمعرفت��ه وإتقان��ه اللغ��ة الفارس��ية‪ ،‬وعدد‬ ‫كبير من أعضاء الحكومة العراقية والبرلمان‬ ‫العراقي كانوا قد أمضوا س��نوات طويلة في‬ ‫إيران وأنجبوا أوالدًا لهم هنا ودخلوا مدارس‬ ‫طه��ران وتعلموا به��ا‪ .‬كذلك يحتل الش��يعة‬ ‫اليوم ف��ي العراق ولبن��ان والبحري��ن مواقع‬ ‫مهمة داخل األنظمة السياسية لبلدانهم مما‬ ‫يعطي إي��ران كنتيج��ة لذلك الي��د العليا في‬ ‫المنطقة «‪.‬‬

‫ش��يعية ( نبل والزهراء ‪ ,‬والفوع��ة وكفريا )‬ ‫وغيره��م من الش��يعة في س��ورية‪ ,‬وألحقوا‬ ‫العلويين بتيارهم الش��يعي‪ ,‬باعتبارهم من‬ ‫ذيول الشيعة‪ ,‬ولهم النفوذ األكبر في الدولة‬ ‫الس��ورية‪ ,‬لجذبه��م إلى فلك س��لطتهم عبر‬ ‫ضخ أوهام وخرافات تاريخية للثأر من أحفاد‬ ‫معاوية الذين قتلوا الحس��ين‪ ,‬فتولوا تخريب‬ ‫س��ورية لصال��ح إي��ران والقتال ضد ش��عوب‬ ‫دولهم في إطار التبعية لها كمرجعية شيعية‪,‬‬ ‫وجعلهم حطب ووقود إيران الفارس��ية فقط‬ ‫كونهم ال يستحقون سوى الموت في سبيلها‬ ‫مقاب��ل حفن��ة م��ن الم��ال اإليران��ي والمتع‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫من��ذ ان��دالع الث��ورة الس��ورية ف��ي العام‬ ‫‪2011‬م‪ ,‬وإي��ران تتدخل في الش��أن الداخلي‬ ‫الس��وري على ش��كل إره��اب مذهبي تفتخر‬ ‫به إيران ويظهر ذلك من خالل إرسالها قوات‬ ‫م��ن الح��رس الث��وري وإيعازه��ا لوكيلها في‬ ‫لبنان حس��ن نص��ر اهلل بالتدخل العس��كري‬ ‫المباش��ر في سورية وتجنيدها آلالف الشيعة‬ ‫م��ن مختل��ف أصق��اع المعمورة للح��رب ضد‬ ‫الس��وريين باعتبار س��ورية قاعدة أساس��ية‬ ‫لها‪ ,‬وللنفوذ في سائر المنطقة‪ .‬ونافذة على‬ ‫المتوسط‪ ,‬وتمكنت عبر سورية من أن تصبح‬ ‫جارة إلسرائيل من جهة لبنان‪ ,‬مما يعني أنها‬ ‫تس��عى لتجس��يد ما يس��مى الهالل الشيعي‬ ‫الممت��د م��ن إي��ران فجن��وب الع��راق وصوال‬ ‫لدمش��ق وجن��وب لبن��ان والقلم��ون وحمص‬ ‫والساحل‪.‬‬

‫وبذل��ك أدى الش��يعة الع��رب أدوار التبعية‬ ‫الدينية إليران الفارس��ية ضد أوطانهم تحت‬ ‫س��تار االنتم��اء للديان��ة الش��يعية ب��دال من‬ ‫االنتماء لألمتين العربية واإلس�لامية‪ ،‬ونجح‬ ‫الخمين��ي وملحق��ه خامنئي في جع��ل إيران‬ ‫مغناطيس��ا يج��ذب غالبي��ة الش��يعة الع��رب‬ ‫ويتبع��ون لدول��ة ف��ارس ديني��ا وقوميا على‬ ‫حساب أمتهم ودينهم وأوطانهم‪ .‬وبذلك ف� ّإن‬

‫�سيا�س��ة البط���ش الإيرانية �ض��د ال�سوريني‬ ‫وم�س�ؤولية العرب‬

‫ولتحقيق هذا المش��روع دفعت إيران بكل‬ ‫قوته��ا وأحقاده��ا الرت��كاب أبش��ع المج��ازر‪,‬‬ ‫وعاث��وا في س��وريا فس��اداً‪ ,‬فقتل��وا وذبحوا‬ ‫وتدخل��وا ف��ي أدق التفاصي��ل داخ��ل البالد‪،‬‬ ‫بحج��ة حماي��ة األماك��ن الديني��ة ونص��رة‬ ‫لمحاليفها في محور المقاومة‪ .‬وش��رعوا في‬ ‫ترس��يخ نفوذه��م ف��ي س��ورية‪ ,‬باإلغراءات‬ ‫المالي��ة والجنس��ية عب��ر زواج ( المتع��ة )‬ ‫لتجنيد الشباب‪ ,‬وبالقتل الممنهج على خطى‬ ‫العصابات الصهيونية وبالتركيز على مناطق‬

‫حرب �إي��ران يف منطقتنا العربي��ة‪ ,‬هي حرب‬ ‫بني الع��رب والفر�س بد�أت يوم ذي قار وتعاىل‬ ‫غباره��ا يف القاد�سية‪ ,‬وال ت��زال مفتوحة على‬ ‫م�صراعيه��ا دون ح�سم‪ ,‬ي�صط��رع فيها التاريخ‬ ‫بكل زخم��ه واختناقه‪ ,‬وامله��م �أن �إيران التي‬ ‫تبحث ع��ن دور لها قدمت تن��ازالت معروفة يف‬ ‫ملفها النووي‪ ,‬وم�ستعدة للتنازل �أكرث‪ ,‬وللقيام‬ ‫ب��دور �أبعد من الذي تقوم به �إ�سرائيل لتدمري‬ ‫املنطق��ة العربية‪ ,‬مم��ا يحتم عل��ى ال�سوريني‬ ‫جمابهة امل�شروع الإيراين‪ ،‬ويحتاج هذا بداية‬ ‫�إىل قط��ع �أذرع �إيران من املنطقة وعلى ر�أ�سها‬ ‫ح��زب اهلل‪ ,‬ويبق��ى ال�س���ؤال مفتوح��ا بر�س��م‬ ‫العرب‪:‬‬ ‫هل حت�سم الثورة ال�سورية �صراع امل�صائر بني‬ ‫العرب والفر�س ؟‪.‬‬

‫«إن النظام العراقي بقيادة صدام حس��ين‬ ‫ل��م يعد موج��ودًا الي��وم‪ ،‬أما النظ��ام الثاني‬ ‫المع��ادي إلي��ران والمتمث��ل بنظ��ام طالبان‬ ‫األفغاني فقد تم التخل��ص منه‪ .‬واليوم فإن‬ ‫الق��ادة الجدد للعراق وأفغانس��تان أكثر قربًا‬

‫‪3‬‬


‫|‬

‫تقارير زيتون‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫كل من ال يهاجر اىل دولة اخلالفة فهو مرتد وكافر‬ ‫حممد عالء‬ ‫ال يزال تنظي��م الدولة يضيق الخناق على‬ ‫المواطنين في مناطق سيطرته في محافظة‬ ‫الرقة معقل التنظيم في سوريا‪ ،‬حارمًا إياهم‬ ‫من أبس��ط مقومات الحي��اة‪ ،‬وذل��ك رداً منه‬ ‫على عدم التحاق من تبقى منهم في صفوف‬ ‫مقاتليه‪ ،‬الذين يخسر منهم يوميًا العشرات‪،‬‬ ‫تصل جثثهم من العراق وتدمر وأماكن أخرى‬ ‫يقاتل فيها التنظيم‪ ،‬حيث انقطعت الكهرباء‬ ‫عن المدينة منذ الـ ‪ 21‬من أغس��طس ‪2015‬‬ ‫حتى األن‪ ،‬كما شهد شهر أغسطس رفع سعر‬ ‫الخبز مرتين على التوالي‪.‬‬ ‫خلي��ل وه��و ناش��ط اعالم��ي متخفي في‬ ‫الرقة تحدث لـ زيتون عن األوضاع في الرقة‪:‬‬ ‫لق��د تم رف��ع س��عر الخبز مرتين خ�لال هذا‬ ‫الشهر‪ ،‬والحجة انه ال طحين ألن القمح قليل‪،‬‬ ‫وبذات الوقت نش��اهد الش��احنات التي تنقل‬ ‫القمح من أراضي الرقة الى مناطق س��يطرة‬ ‫ق��وات النظام‪ ،‬لتباع للنظام ضمن اتفاق غير‬ ‫معلن بين تنظيم الدولة ونظام األسد‪.‬‬ ‫نحن نح��رم من خيرات أرضن��ا ليتم بيعها‬ ‫للنظام من أجل غايات خاصة بالتنظيم الذي‬ ‫ال يهمه س��وى مؤيديه‪ ،‬فه��و ال يعطي المواد‬ ‫االغاثي��ة اال لعناص��ره وال يوزع ال��زكاة التي‬ ‫يجبيها من أهالي الرقة اال لهم أيضًا‪ ،‬والحجة‬ ‫أن كل عائل��ة يوجد فيها ش��اب فال بحق لهم‬ ‫المس��اعدة أو ال��زكاة‪ ،‬وعلي��ه أن بعم��ل هذا‬ ‫الشاب أو يبايعهم كي يستطيع العيش‪ ،‬أو أن‬ ‫يهاجر خ��ارج المدينة‪ ،‬وهذا م��ا فعله معظم‬ ‫شباب المدينة‪ ،‬واألن تمشي في شوارعها فال‬ ‫تج��د إال قل��ة قليلة من ش��بابها‪ ،‬وكل ما تراه‬ ‫ه��و مقاتلي التنظيم وعائاله��م والمقاتلين‬ ‫المحلي��ن المبايعين للتنظيم وهم يلبس��ون‬ ‫لباس التنظيم ويحملون السالح‪.‬‬ ‫أما س��عد وهو أحد أصح��اب معمل صناعي‬ ‫ف��ي الرق��ة تح��دث أيض��اً ل��ـ زيت��ون ع��ن‬ ‫الصعوبات التي يعاني منها من قبل التنظيم‬ ‫وع��ن الضرائب والمبالغ الت��ي يتوجب دفعها‬ ‫للتنظيم فيقول‪:‬‬ ‫كنا نعيش أيام جميل��ة ومثالية في الوقت‬ ‫الذي كان الجيش الحر يسيطر على المدينة‪،‬‬ ‫فال أحد يطلب منك شيء وال أحد يقترب منك‪،‬‬ ‫وكان عن��دي عدة عائالت أقوم بمس��اعدتهم‬ ‫بما يقسم اهلل لنا ولهم‪ ،‬أما األن حين سيطر‬ ‫التنظيم عل��ى المدينة‪ ،‬فأصبح يطالبنا بدفع‬ ‫مقابل المي��اه والكهرباء والنظاف��ة‪ ،‬وآخرها‬ ‫كان طل��ب ال��زكاة‪ ،‬حيث أصبح جاب��ي الزكاة‬ ‫يحاس��بنا عل��ى مق��دار الفضة ولي��س على‬ ‫الذهب‪ ،‬كي يأخذ منا مبلغًا أكبر‪ ،‬وصل لثالثة‬

‫‪4‬‬

‫أضع��اف ما يأخذ من��ا على القي��اس بالذهب‬ ‫«ال��زكاة تق��اس على المبال��غ الربحية ويأخذ‬ ‫منها نسبة محددة على كل مبلغ يساوي ‪100‬‬ ‫غرام من الذهب»‪ ،‬أم��ا الكهرباء فقلما تأتينا‬ ‫ما يجبرنا على تشغيل المولدات ورفع تكلفة‬ ‫البضاعة وبتالي يكون المواطن هو الخاس��ر‬ ‫الوحيد من هذا األمر‪.‬‬ ‫كما تحدث عدنان وهو عامل اغاثي سابقاً‪،‬‬ ‫أن الجمعي��ة التي كان يعم��ل بها كانت تعيل‬ ‫‪ 1000‬عائلة شهريًا‪ ،‬معظمهم من القاطنين‬ ‫ف��ي العش��وائيات‪ ،‬وكان يوج��د ع��دد م��ن‬ ‫الجمعي��ات الت��ي تعمل الى جانبنا لمس��اعدة‬ ‫تل��ك العوائ��ل الفقي��رة‪ ،‬علم��اً أن األوض��اع‬ ‫ف��ي الفترة الت��ي كان الجيش الحر يس��يطر‬ ‫عل��ى المدين��ة أفضل بكثير عم��ا هو الوضع‬ ‫األن‪ ،‬لق��د كان هناك داعم��ون يزورون الرقة‬ ‫ويجلب��ون الدعم له��ا‪ ،‬كما أن اله�لال األحمر‬ ‫كان يجل��ب المس��اعدات الدولي��ة المخصصة‬ ‫للرق��ة بش��كل دوري‪ ،‬األن ال يوجد أي ش��يء‬ ‫مما كان‪ ،‬سوى مكتب اإلغاثة التابع للتنظيم‪،‬‬ ‫والذي يضع شروطًا تعجيزية على المواطنين‬ ‫المس��تفيدين من المواد التي يقوم التنظيم‬ ‫بتوزيعه��ا‪ ،‬وه��ي أن ال يكون عندهم ش��بان‬ ‫ف��ي المن��زل حت��ى ل��و كان��وا عاطلي��ن عن‬ ‫العمل‪ ،‬وليس لهم أحد خارج مناطق سيطرة‬ ‫التنظي��م‪ ،‬وأن ال يمل��ك منزل آخر أو س��يارة‬ ‫خاصة أو عامة‪.‬‬ ‫ورأى عدن��ان أن مثل هذه األعمال ليس��ت‬ ‫س��وى للضغ��ط عل��ى المواطني��ن المتبقين‬ ‫ف��ي المدين��ة‪ ،‬لالنضمام للتنظيم أو ارس��ال‬

‫أبنائه��م الي��ه‪ ،‬فالتنظيم ال يكت��رث من أين‬ ‫يأمنون معيش��تهم في ظل هيمنته على كل‬ ‫مقوم��ات الحياة في المدين��ة‪ ،‬كما أن معظم‬ ‫الذي��ن ما زالوا ف��ي المدينة إم��ا فقراء وهم‬ ‫الش��ريحة األكبر والت��ي ال تمتلك المال االزم‬ ‫للخروج‪ ،‬وإما ش��ريحة مس��تفيدة م��ن التجار‬ ‫وأصحاب المطاعم الذين زاد عملهم بنس��بة‬ ‫جيدة م��ن مقاتلي التنظيم طوابير أمام تلك‬ ‫المطاعم‪ ،‬يأكلون ما لذ وطاب في ظل وجود‬ ‫طاب��ور طوي��ل بالمقابل تحت حر الش��مس‪،‬‬ ‫أما المطبخ اإلغاثي الذي يقوم بتوزيع طعام‬ ‫مطبوخ‪ ،‬ال يشبه الطعام أبداً‪.‬‬ ‫التنظي��م دوم�� ًا م��ا يطال��ب المس��لمين‬ ‫بالهجرة ال��ى «أرض الخالفة» وهو غير قادر‬ ‫عل��ى تأمين أبس��ط المقومات له��م‪ ،‬من ماء‬ ‫وكهرب��اء وخبز وعمل‪ ،‬وه��و المتحكم برأس‬ ‫المال بشكل كبير في المدينة‪ ،‬وعليه كل من‬ ‫ال يهاجر ال��ى مناطق س��يطرة التنظيم فهو‬ ‫كافر ومب��اح الدم والمال بالنس��بة للتنظيم‪،‬‬ ‫وه��م بنظره��م كل م��ن عل��ى وج��ه الكرة‬ ‫األرضي��ة وليس بمناطق س��يطرة التنظيم‪،‬‬ ‫أم��ا كاف��ر أو مرت��د مباح ال��دم‪ ،‬ويس��تدلون‬ ‫بحدي��ث رس��ول اهلل في صحيح مس��لم‪« :‬أنا‬ ‫ب��ريء م��ن كل مس��لم يقيم بي��ن ظهراني‬ ‫المش��ركين»‪ ،‬ودومًا ما يتغنون بهذا الحديث‪،‬‬ ‫من أجل الس��يطرة على أم��وال وأرواح الذين‬ ‫يقيمون بمناطق سيطرة النظام أو بالمناطق‬ ‫المحررة أو الذين هاجروا الى تركيا أو أماكن‬ ‫أخرى خارج سوريا‪ ،‬هرب ًا من بطش التنظيم‬ ‫الجائر‪.‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫حترير زيتون‬

‫|‬

‫تقارير زيتون‬

‫|‬

‫تقدم جديد لتنظيم الدولة يف حميط مارع‬

‫يواص��ل تنظي��م الدول��ة تقدم��ه عل��ى‬ ‫جبهات الريف الش��مالي لمدينة حلب‪ ،‬محاو ً‬ ‫ال‬ ‫الس��يطرة على مدين��ة مارع وط��رد الجيش‬ ‫الحر منها‪ ،‬ليس��جل تقدماً جديداً بس��يطرته‬ ‫عل��ى ق��رى حرب��ل جن��وب م��ارع‪ ،‬وس��ندف‬ ‫ش��مال غرب مارع‪ ،‬ومنطقة المداجن والبراد‬ ‫ش��مال ش��رق مارع وهي أقرب نقطة وصلها‬ ‫التنظي��م بالقرب من م��ارع‪ ،‬وحرجلة ودلحة‬ ‫وخربة على الش��ريط الحدودي شمال مارع‪،‬‬ ‫وذل��ك بعد معارك عنيفة خاضها التنظيم مع‬ ‫مقاتلي الجيش الحر‪ ،‬وسط اتهامات للتنظيم‬ ‫باس��تخدام الغ��ازات الس��امة ض��د مقاتل��ي‬ ‫الجيش الحر‪.‬‬ ‫وتكمن أهمية الس��يطرة على حربل جنوبًا‬ ‫وسندف شمال غرب ومنطقة البراد والمداجن‬ ‫ش��مال شرق بأنها تضيق الخناق على مدينة‬ ‫مارع وتشدد من حصار التنظيم عليها والذي‬ ‫ب��ات من ث�لاث جهات‪ ،‬م��ع بقاء منف��ذ وحيد‬ ‫للمدينة‪ ،‬وهو طريق الش��يخ عيسى المؤدي‬ ‫لبل��دة ت��ل رفعت غرب��ًا‪ ،‬والذي ال يس��لم من‬ ‫رش��قات م��ن الرشاش��ات الثقيل��ة للتنظيم‪،‬‬ ‫لعرقل��ة دخ��ول وخ��روج الجي��ش الح��ر الى‬ ‫المدين��ة‪ ،‬بينما ال توجد أهمي��ة كبيرة للقرى‬ ‫األخ��رى‪ ،‬الواقعة على الش��ريط الحدودي مع‬ ‫تركي��ا ش��مال المدين��ة‪ ،‬والتي تعط��ي عمقًا‬ ‫اضافي�� ًا للتنظي��م عل��ى الش��ريط الحدودي‬ ‫واالقت��راب أكث��ر من معب��ر باب الس�لام مع‬ ‫تركيا‪ ،‬والذي تس��يطر عليه الجبهة الشامية‪،‬‬ ‫وال��ذي يقع ق��رب مدين��ة اعزاز الت��ي يطمح‬ ‫التنظيم للوصول اليها‪.‬‬ ‫وبالع��ودة لتفاصيل العمليات العس��كرية‪،‬‬ ‫ف��أن التنظيم قد بدء هجوم��ًا قوياً بعيداً عن‬ ‫مارع‪ ،‬عندم��ا هاجم دلح��ة وحرجلة والخربة‬ ‫ق��رب الح��دود‪ ،‬ليقوم بأش��غال الجيش الحر‪،‬‬ ‫ال��ذي استش��هد من��ه في تل��ك الق��رى ما ال‬ ‫يقل ع��ن ‪ 30‬مقات ً‬ ‫ال‪ ،‬ليق��وم بعدها بمباغتة‬ ‫الجي��ش الح��ر بقريتي س��ندف وحربل و في‬ ‫منطقة البراد‪ ،‬ويفجر س��يارة مفخخة وسط‬ ‫م��ارع‪ ،‬أدت الستش��هاد أحد المدنيي��ن ودمار‬ ‫كبير في الممتلكات الخاصة‪ ،‬واس��تطاع عدد‬ ‫م��ن مقاتل��ي التنظيم الدخول ال��ى األطراف‬ ‫الش��مالية الشرقية من المدينة‪ ،‬لكن الجيش‬ ‫الحر استطاع القضاء عليهم‪ ،‬وقتل مجموعة‬ ‫مؤلف��ة م��ن ‪ 18‬عنص��راً م��ن ق��وات النخبة‬ ‫والذي��ن يعتمد عليهم التنظي��م لالقتحامات‪،‬‬ ‫قضى أحدهم ذبحًا بسكين كان يحملها على‬ ‫أيدي مقاتلي الجيش الحر بعد اصابته‪.‬‬ ‫ويع��د ه��ذا التقدم ه��و الثالث م��ن نوعه‬

‫للتنظيم في المنطقة المحيطة بمدينة مارع‬ ‫خالل الشهر المنصرم‪ ،‬حيث سيطر التنظيم‬ ‫في الـ ‪ 10‬من أغسطس على قرية أم حوش‬ ‫بريف حلب الشمالي‪ ،‬والتي تقع جنوب مدينة‬ ‫مارع وش��مال مدرسة المش��اة بعد اشتباكات‬ ‫عنيفة وتفجير سيارة مفخخة وتفجير مقاتل‬ ‫لنفس��ه بتمركزات لمقاتلي الجيش الحر في‬ ‫القرية‪.‬‬ ‫وس��يطر التنظي��م أيض�� ًا ف��ي ال��ـ ‪ 14‬من‬ ‫أغس��طس على قرية تاللين االس��تراتيجية‬ ‫ش��مال مدينة م��ارع بري��ف حلب الش��مالي‪،‬‬ ‫وذلك بعد اشتباكات عنيفة استمرت لساعات‬ ‫بين مقاتلي التنظي��م ومقاتلي الجيش الحر‬ ‫والنص��رة و الت��ي آزرت الجي��ش الح��ر رغم‬ ‫إخالئها لمواقعها بالمنطقة‪.‬‬ ‫ويأت��ي هج��وم التنظي��م بع��د ي��وم واحد‬ ‫فقط من هجوم الجيش الحر وجبهة النصرة‬ ‫وجبهة أنص��ار الدين على ق��وات النظام في‬ ‫قرية باش��كوي بغية تحريرها‪ ،‬وإبعاد ش��بح‬ ‫الحص��ار عن مدينة حل��ب‪ ،‬وفتح طريق حلب‬ ‫اعزاز الذي يمر بمنطق��ة المالح‪ ،‬حيث تقدم‬ ‫الجيش الحر واستطاع السيطرة على القرية‬

‫بع��د تمهيد ن��اري مكثف وقص��ف لتمركزات‬ ‫ق��وات النظام والميلش��يات الموالية لها‪ ،‬لكن‬ ‫س�لاح الجوي وال��ذي دوماً ما يؤخ��ر ويعرقل‬ ‫تق��دم الجي��ش الح��ر‪ ،‬ق��ام بقص��ف مكثف‬ ‫للقرية‪ ،‬ما أجبر الجيش الحر على االنس��حاب‬ ‫مجدداً منها‪.‬‬ ‫كما شهدت مدينة حلب في األيام الماضية‪،‬‬ ‫اش��تباكات بين ق��وات النظ��ام والجيش الحر‬ ‫عل��ى جبهات حلب المدينة‪ ،‬والتي كانت باردة‬ ‫من��ذ م��دة طويل��ة‪ ،‬كجبه��ات أحياء س��ليمان‬ ‫الحلب��ي وك��رم الجبل وس��يف الدولة وصالح‬ ‫الدي��ن‪ ،‬والت��ي ش��هدت مح��اوالت م��ن قوات‬ ‫النظ��ام التقدم‪ ،‬حيث نجحت في التقدم على‬ ‫جبهتي صالح الدين وس��يف الدولة‪ ،‬س��رعان‬ ‫ما استعاد الجيش الحر النقاط التي خسرها‪،‬‬ ‫ف��ي حين س��يطر الجي��ش الحر عل��ى مبنى‬ ‫اإلطفائي��ة وملحقات��ه وعل��ى دوار الصاخور‬ ‫قرب ثكن��ة هنان��و بالكامل‪ ،‬بعد اش��تباكات‬ ‫خاضها الح��ر ضد قوات النظام في المنطقة‪،‬‬ ‫فيما فجرت ق��وات النظام نفقاً لمقاتلي الحر‬ ‫كان يعدونه لتفجير مبان��ي تتمركز بها تلك‬ ‫القوت‪،‬ما أدى الستشهاد خمسة مقاتلين من‬ ‫الجيش الحر‪.‬‬

‫‪5‬‬


‫|‬

‫ح�سني جرود‬

‫تقارير زيتون‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫ال�شباب ال�سوري بني الإتكالية والإبداع‬

‫زمان‪..‬‬ ‫اعت��اد المواطن الس��وري أن يقوم النظام‬ ‫الس��وري الشمولي بتكفل أموره جميعها من‬ ‫المه��د إلى اللح��د‪ ،‬وكانت خطواته مدروس��ة‬ ‫ودوافعه معروف��ة وآفاقه مح��دَّدة وخياراته‬ ‫ممحيَّ��ة‪ .‬كان��ت الحي��اة ف��ي س��وريا تش��به‬ ‫تراجيدي��ا يوناني��ة قديم��ة ِّ‬ ‫يمثلها اإلنس��ان‬ ‫المعاص��ر‪ ،‬أو َّ‬ ‫يتمث��ل خطوط��اً وضع��ت ل��ه‬ ‫ويتبعه��ا لتصب��ح الحي��اة عب��ارة ع��ن لعب��ة‬ ‫مس��ارها مرس��وم بدقَّة‪ .‬فقد ح��وَّل النظام‬ ‫حياة المواطن الس��وري إلى قصة الفأر الذي‬ ‫يتب��ع قطعة الجب��ن‪ .‬يدور الفأر ف��ي الدوالب‬ ‫اللعب��ة دون أن يتح��رَّك الف��أر‪ ،‬أو تتح��رَّك‬ ‫قطع��ة الجبن‪ ،‬فحياته كلها عبارة عن ركض‬ ‫خلف أهداف مرس��ومة بعناية‪ ،‬ومس��تلزمات‬ ‫الحياة األساسية كانت أقصى طموحاته‪ ،‬ولم‬ ‫يُس��مَح له باالس��تقالل والمبادرة واالبداع‪،‬‬ ‫فالزم��ن هو الدوالب الذي ينزلق تحت أقدامه‬ ‫من غير أن يتحرَّك‪ ،‬وال بأس من التأكيد على‬ ‫أن الم��ادة الثامن��ة بالدس��تور‪ ،‬وحكم الحزب‬ ‫ُّ‬ ‫وتس��لط األم��ن على العب��اد كان له‬ ‫الواحد‪،‬‬ ‫أكبر األثر في غي��اب اإلبداع‪ ،‬والفعل المدني‬ ‫بشكل جماعي‪ ،‬وحتى فردي‪.‬‬ ‫تعليم‬ ‫يول��د الطف��ل وتتكف��ل الدول��ة أم��وره‬ ‫جميعه��ا‪ ،‬ما يش��اهده وم��ا يراه وم��ا يفعله‪.‬‬ ‫آرائ��ه ف��ي القضاي��ا االجتماعي��ة والديني��ة‬ ‫والسياس��ية مبرمجة بعناية‪ ،‬على نهج قائم‬ ‫على االعتدال والتوازن والضرورات التاريخية‬ ‫واالعت��زاز بالماض��ي الجمي��ل والصمود في‬ ‫وجه التحديات والسعي للغد األفضل‪ ،‬ويقوم‬ ‫النظام بتعليمه مجانًا‪ ،‬مع الش��ك بقيمة هذا‬ ‫التعلي��م في ظروف اقتصادية س��يئة‪ ،‬وبنية‬ ‫اجتماعي��ة متعب��ة ومحبط��ة تجع��ل الف��رق‬ ‫بين الفكرة والتطبي��ق‪ ،‬كالفرق بين األرض‬

‫والس��ماء‪ .‬يتعل��م الطف��ل بس��رعة معن��ى‬ ‫َّ‬ ‫ويترك��ز هدف��ه عل��ى الخيارات‬ ‫االس��تحالة‪،‬‬ ‫المتاحة‪.‬‬

‫شخصيات النظام‪ .‬وحتى من حاول االستقالل‬ ‫لم يسمح لهم العمل على هواهم‪ ،‬وتعرَّضوا‬ ‫كل حين للمساءلة األمنية‪.‬‬

‫كانت الدراس��ة في س��وريا مجرد وس��يلة‬ ‫لبل��وغ الجامعة‪ ،‬والجامعة وس��يلة للتوظيف‪،‬‬ ‫أو التط��وُّع بالجيش‪،‬وكله��ا خط��وات عل��ى‬ ‫س��لم معروف‪ ،‬والهجرة والعمل بالخليج حلم‬ ‫أغل��ب الش��باب‪ .‬وال يدخل الس��وري الجامعة‬ ‫الت��ي يريدها‪ ،‬بل الت��ي تؤهله عالماته على‬ ‫دخوله��ا‪ ،‬وال يجد في الجامعة دراس��ة عملية‬ ‫شيِّقة‪ ،‬بل كتبًا سميكة ترجمت بشكل سيء‬ ‫منذ عقود ورتِّبت كيفما اتفق‪ ،‬وبين مزاجية‬ ‫أس��اتذة الجامع��ة وعقده��م واضطرابه��م‪،‬‬ ‫يع��رف الطال��ب أن الجامعة ليس��ت أكثر من‬ ‫وسيلة لبلوغ الوظيفة‪ ،‬وليست وسيلة للفهم‪.‬‬

‫وإذا كان��ت ه��ذه الديكتاتوري��ة والص��وت‬ ‫األوح��د والقم��ع والكبت أدت ف��ي النهاية إلى‬ ‫االنفج��ار‪ ،‬فإنه��ا قب��ل ذل��ك أدت إل��ى تخلف‬ ‫المجتم��ع اجتماعي�� ًا وثقافي ًا‪ .‬لك��ن األهم من‬ ‫ذل��ك حرمان الش��باب الس��وري م��ن االبداع‬ ‫وممارسة ما يحب واختيار عمله ووظيفته‪.‬‬

‫التقاعد المبكر‬ ‫َّ‬ ‫يتوظ��ف الش��اب المتخ��رِّج بعمل‬ ‫بع��د أن‬ ‫روتيني معيَّن سنواتٍ عديدة‪ ،‬قد ال يستطيع‬ ‫بعده��ا القي��ام بعم��ل آخ��ر‪ .‬حتى ل��و امتلك‬ ‫الخبرة‪ ،‬فقد ال تس��عفه الشجاعة‪ ،‬أو ال يملك‬ ‫الم��ال الكافي للبدء بعمل خ��اص‪ .‬وكثيراً ما‬ ‫كنَّا نرى المتقاعدين يعانون من اضطرابات‬ ‫نفس��ية واكتئاب وخيبة‪ ،‬بعد مفارقتهم عم ً‬ ‫ال‬ ‫اعتادوه سنين طويلة‪ ،‬وتغيير نمط حياتهم‪.‬‬ ‫يجلس الش��خص ف��ي حوالي عمر الس��تين‬ ‫ليكتش��ف أنه بال هواي��ات أو فاعلية أو قيمة‪،‬‬ ‫فيلجأ للتحكم بأفراد أس��رته بحثًا عن سلطة‬ ‫زائف��ة‪ ،‬أو يك��ون الدين وحس��ن الخت��ام ح ً‬ ‫ال‬ ‫لتمضي��ة بقية هذا العمر القصير الخالي من‬ ‫اإلثارة والفعل الخلاَّ ق‪.‬‬ ‫قب��ل الث��ورة ل��م يق��دم عل��ى االس��تقالة‬ ‫أوالتقاع��د المبكر‪ ،‬إال بعض األش��خاص من‬ ‫ذوي الطم��وح‪ ،‬ليبحثوا عن فرصهم بالس��فر‬ ‫أو العمل الخاص‪ .‬فيما اختار آخرون مشاركة‬

‫التقاعد المبكر فرصة!‬ ‫الغريب‪ ،‬أن الكثيرين لم يستفيدوا من هذه‬ ‫الحرية!‪ ،‬وهذا االنفصال ع��ن النظام!‪ ،‬حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬فل��م يتح لهم عمل ما يريدون ألس��باب‬ ‫أمني��ة واقتصادية‪.‬قد يبدو أننا ال نفصل بين‬ ‫العمل واإلب��داع‪ ،‬وذلك عن قص��د‪ ،‬فال يوجد‬ ‫مج��ال يحبه‪،‬‬ ‫أح��د إال ويتمن��ى أن يعمل في‬ ‫ٍ‬ ‫ويكس��ب رزقه من خالله‪ ،‬ولكن اعتدنا على‬ ‫هجرة الرسامين ألمريكا‪ ،‬والكتاب إلى لندن‪،‬‬ ‫والسياسيين المعارضين إلى فرنسا في ذلك‬ ‫العهد‪ ،‬وكأن الحياة ببالدنا مرتبطة بتراجيديا‬ ‫القدر التي تحدثنا عنها‪ ،‬ويستحيل فعل شيء‬ ‫خ��ارج النمط‪ ،‬فق��د الكثير من أرباب األس��ر‬ ‫وظائفه��م خ�لال س��نوات الث��ورة‪ ،‬وأصبحوا‬ ‫عاطلين عن العمل في وضع كارثي تعيش��ه‬ ‫الب�لاد وكان أمامهم عدة حل��ول‪ :‬كاللجوء أو‬ ‫بدء مش��روع صغير لم��ن يملك بعض المال‪،‬‬ ‫أم��ا الوظائف عل��ى اخت�لاف مصادرها فهي‬ ‫ن��ادرة‪ .‬ووض��ع الموظ��ف المفص��ول يختلف‬ ‫عن وضع الش��اب فقد ت��رك وظيفته بأقصى‬ ‫درج��ات عطائه‪ ،‬وف��ي الوقت ال��ذي كان فيه‬ ‫يحص��د فيه ثم��ار س��نوات من التع��ب‪ ،‬فمن‬ ‫الصعب الب��دء من جدي��د‪ ،‬والتجريب بأعمال‬ ‫مختلفة مع مسؤولياته كرب أسرة‪.‬‬ ‫الشباب‬ ‫تتعالى األصوات عن أس��باب هجرة الشباب‬ ‫م��ن س��وريا‪ .‬وال ب��د أن الفق��ر‪ ،‬والبطال��ة‪،‬‬ ‫واالس��تبداد‪ ،‬والقصف كلها عوامل س��اهمت‬ ‫بهذا األمر‪ .‬التقينا ببعض الش��باب لنس��ألهم‬ ‫عن الموضوع‪:‬‬ ‫مدينة وريف‬ ‫أش��ار حسام ‪ -‬شاب موسيقي –إلى اختالف‬ ‫البيئ��ة بي��ن المدينة والري��ف‪ ،‬وكيف يصعب‬ ‫القيام بكثير من األعمال في الريف‪ .‬حس��ام‬ ‫كان يعي��ش ف��ي دمش��ق‪ ،‬وع��اد لريف حلب‬ ‫بع��د ب��دء الثورة‪،‬وق��ام بتحوي��ل دكان ورثه‬ ‫ع��ن وال��ده إلى مقه��ى صغير‪« :‬كن��ت أعرف‬ ‫أنني أترك طموحاتي‪ ،‬وأحالمي بعودتي إلى‬

‫‪6‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬ ‫البل��د‪ .‬ف��ي دمش��ق‪ ،‬يمكن لثالثة أش��خاص‬ ‫إنشاء فرقة‪ ،‬والعزف في الحفالت‪ ،‬وحتى في‬ ‫الحدائق‪ ،‬أم��ا هنا‪ ،‬فالع��زف جريمة في هذا‬ ‫الوضع!‪ ».‬يتساءل حس��ام‪»:‬هل هذا التدخل‬ ‫الزائد في حريات األش��خاص سبَّب رحيلهم؟‬ ‫وكيف تمنع أشياء في المناطق المحررة وهي‬ ‫مسموحة في مناطق االستبداد األسدي؟‪».‬‬ ‫المنظمات‬ ‫التواص��ل صعب مع المنظمات‪ ،‬والش��للية‬ ‫منتشرة‪ ،‬والمال السياسي أفسد حتى العمل‬ ‫الفن��ي الث��وري العف��وي الب��ريء ال��ذي كان‬ ‫تطوع��ا في بداي��ات الثورة‪.‬تس��مع مثل هذه‬ ‫الجمل باستمرار‪.‬‬ ‫(أ)‪ -‬رس��ام م��ن محافظة إدل��ب ‪ -‬كانت له‬ ‫مش��اريعه الفنية‪ ،‬ويعمل في أحد المشاريع‬ ‫الخاص��ة‪ .‬بعد بدء الثورة توقَّ��ف عن العمل‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ليتس��لى فق��ط‪ .‬ق��ال ف��ي‬ ‫وحالي��ًا يرس��م‬ ‫حديث��ه لزيت��ون‪« :‬وصلتن��ي ع��دَّة عروض‬ ‫من َّ‬ ‫منظم��ات للعمل‪ ،‬ولكن دائما األمور غير‬ ‫واضح��ة‪ .‬يقولون‪(:‬اعم��ل معن��ا‪ ،‬وس��نكوِّن‬ ‫فري��ق‪ ،‬ونحص��ل عل��ى الدعم‪ ).‬ال أس��تطيع‬ ‫تضيي��ع وقتي‪ ،‬وجهودي هكذا في المجهول‪.‬‬ ‫وق��د رأي��ت أم��ام عيني كي��ف أن أناس��ًا في‬ ‫منظم��ات لهم عالق��ات قوية‪ ،‬حص��دوا تعب‬ ‫جميع العاملين في المنظمة‪ ،‬وأحيانا يُطردُ‬ ‫مؤس��سُ المش��روع م��ن قب��ل ش��خص له‬ ‫عالق��ات‪ ».‬ونتس��اءل مج��دداً هل اس��تبدلت‬ ‫كلمة صاح��ب نفوذ في زم��ن النظام بكلمة‬ ‫صاحب عالقات في زمن الثورة؟‪.‬‬ ‫الوضع األمني‬ ‫يتخرج طال��ب الجامعة اآلن وال يعود لبلده‬ ‫بس��بب القصف‪ ،‬وعدم وجود أفق لوظيفة أو‬ ‫عمل‪ ،‬وال يستطيع البقاء بمكان جامعته في‬ ‫دمش��ق أو حلب ألن تأجيلة الجيش ستنتهي‬ ‫مدته��ا قريباً‪ ،‬فيذهب أغل��ب المتخرجين إلى‬ ‫تركيا كحد أدنى على أمل الس��فر ألبعد من‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫قد يقال أن األس��باب الت��ي ذكرناها مجرد‬ ‫ذرائع للهجرة‪ ،‬وتظهر اتكالية واضحة‪ ،‬ولكن‬ ‫من الواضح أن المش��اريع‪ ،‬واألعمال المنجزة‬ ‫من الشباب بش��كل فردي قليلة‪ ،‬فهل تتوفر‬ ‫البيئة المناسبة للعمل في المناطق المحررة؟‬ ‫وهل المناطق المحررة تتمسَّك بأبنائها؟ أم‬ ‫عل��ى العكس تضيِّق عليهم وتجبرهم على‬ ‫الهروب؟‪.‬العق��اب الذي تتع��رض له المناطق‬ ‫المح��رَّرة ال يوص��ف‪ ،‬ولكن ه��ل يعني ذلك‬ ‫التخل��ي عنها بع��د أن حصلت عل��ى حريَّتها‬ ‫وتركها للمجهول؟‬ ‫يب��دو أن اللج��وء‪ ،‬أو ب��دء مش��روع تجاري‬ ‫خ��اص بميزاني��ة صغيرة‪ ،‬وف��ي وضع أمني‬ ‫صع��ب تحت القص��ف هما الح�لان الوحيدان‬ ‫لغالبية المفصولين عن وظائفهم وللش��باب‬ ‫المتخرجين الجدد‪.‬‬

‫|‬

‫�آدب‬

‫|‬

‫مكامن الريح‬ ‫حممد حاج ح�سني‬ ‫ً‬ ‫ثوب أمي لكي ال أجوعَ‬ ‫قصصتٌ‬ ‫قطعة من ِ‬ ‫يوم ًا ‪ ,‬ومازلتُ محتفظ ًا بقارورةٍ جمعتها من‬ ‫ع��رق أب��ي والذي م��ازال يخرجُ من مس��امه‬ ‫ِ‬ ‫ليصنعَ دربنا ‪.‬‬ ‫خرجتً مع الريح ‪,‬من مدافن الريح‪ ,‬س��ابح ًا‬ ‫ف��ي األفق كـ نطفةٍ بين آالف س��ابحات‪ ,‬كلنا‬ ‫ُ‬ ‫نبحث عن بويضةٍ في مكانٍ اليش��بهُ‬ ‫نطاف‬ ‫طهار َة ما خرجنا منهُ َ‬ ‫أول مرة ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حقيبة‬ ‫خرج��تُ ب�لا حقيبةٍ ٌكب��رى‪ ,‬كان��ت‬ ‫وبع��ض األس��ماء‪ُ ,‬كل‬ ‫ووطن‬ ‫تتس��عٌ لحل��م‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ش��مس‬ ‫أول‬ ‫مع‬ ‫جفت‬ ‫حقيبت��ي‬ ‫األس��ماء في‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أثره��ا‬ ‫م��ن‬ ‫الباق��ي‬ ‫وتبخ��رَ‬ ‫الصح��راء‬ ‫ف��ي‬ ‫ِ‬ ‫لك��ي اليُح��دِث الص��دى‪ ،‬حملتٌ قيث��ار ًة من‬ ‫ص��وتِ حبيبتي كي التنهش��ني ذئابُ الوحدة‬ ‫بكل النطاف التي نصبت‬ ‫المتربصة بي‪ ،‬بنا‪ِ ،‬‬ ‫خيامها في المنافي ‪.‬‬ ‫خرج��تُ منتع ً‬ ‫ال درب��ي المجه��ول‪ ,‬بقياس‬ ‫واحد وعش��رين س��نة ويومان للذكرى أحدها‬ ‫محرق��ة والثاني موارا ُة جثثٍ في قبور صارت‬ ‫ترف�� ًا‪ ,‬واآلن زادَ عمري مجازرَ وقتلىً أخرين‬ ‫غير الذين نصبوا خيامهم في غياهب الوطن‪,‬‬ ‫تح��تَ زرق��ة الس��ماء المفتوح��ة للصواريخ‬ ‫والطائرات وشظايا السيارات المفخخة ‪.‬‬

‫قدوم الناقالت كلها‪.‬‬ ‫اطفا َءالسيجارةِ عندَ‬ ‫ِ‬

‫الري��ح معبرُ مفت��وحُ لاللتفاتات الخاطفة‪,‬‬ ‫ُ‬ ‫ورحل��ة بين الماض��ي والق��ادم‪ ,‬ال حاضرَ لنا‬ ‫ُ‬ ‫ولون‬ ‫س��وى ما يمنُ علينا به‬ ‫ش��ريط األخبار ُ‬ ‫التراب بعد المج��ازر أو االعدامات الكرنفالية‪,‬‬ ‫عبور متجددة‪ ,‬أمس‬ ‫ال حاضرَ لنا ألننا تذاكرُ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُكن��ا هناك واليومَ نكون هنا وغدا س��تضيقُ‬ ‫الهاء لتقتل كلنا ‪.‬‬

‫خرج��تُ بال صيغةٍ مح��ددة‪ ,‬خرجتُ مدعي ًا‬ ‫َ‬ ‫الداخل مني‬ ‫كل ش��يء‪ ,‬بش��قي االدعاء‪ ،‬في‬ ‫ِ‬ ‫ٌ‬ ‫وقاتل و مسعفٌ‪ ،‬في داخلي‬ ‫كاذبٌ وصادقٌ‪،‬‬ ‫ضدي الثابت وفي خارجي تذبذباتٍ كلما مرت‬ ‫عليها الريح تتغير وجوه السحالي‪.‬‬ ‫خرجتُ أس��بُ نفس��ي وألعنُني‪ ,‬كما خرجَ‬ ‫ُكل أولئ��كَ الذي��ن باعوا أحالمه��م في مزادٍ‬ ‫لجدائل‬ ‫للب��ر‪ ,‬لعي��ونِ علي��ا‪,‬‬ ‫للبح��ر‬ ‫علن��ي‪,‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫لنواقيس‬ ‫باألل��م‪,‬‬ ‫مكتظةٍ‬ ‫لحان��اتٍ‬ ‫كاللي��ل‪,‬‬ ‫ٍ‬ ‫وم��آذن متآكل��ةٍ‪ ,‬لج��درانِ المبك��ى‬ ‫صامت��ة‬ ‫َ‬ ‫الممت��دةِ م��ن الحُلم ال��ى الحُل��م‪ ,‬بعنا َ‬ ‫كل‬ ‫الن��وم في‬ ‫ش��ي ٍء لك��ي ال نفقدَ رغبتن��ا في‬ ‫ِ‬ ‫حضنُ البويضةِ الس��ابحةِ ف��ي البعيد‪ ,‬حين‬ ‫فيأذن لنا كي‬ ‫يدنو األف��قُ منا‪ ,‬يأتي بظله��ا‪,‬‬ ‫َ‬ ‫نخرجَ من جديد ‪.‬‬

‫زادَ عمري هامش�� ًا ورويً مترنح‪ ,‬ال عربي‬ ‫َ‬ ‫اله��ول‬ ‫وال أعجم��ي‪ ،‬روي م��ن لغ��ةٍ تج��ذبُ‬ ‫َ‬ ‫والوي��ل من بعي��د‪ ,‬تفت��رشُ األرض قصائد‬ ‫لقبح يشبهُ هذا‬ ‫محالة بالس��كر وأقالم معدة ٍ‬ ‫الزمان ‪.‬‬ ‫زادَ عم��ري وانحس��رت مع��هُ الحقيب��ة‪,‬‬ ‫حس��اب الوطن الذي ما‬ ‫خس��رتُ حُلمي على‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الحاجز نفس��ه‬ ‫عند‬ ‫حقيبت��ي‬ ‫يعب��ث ف��ي‬ ‫زال‬ ‫ِ‬ ‫والمقات��ل نفس��ه‪ ,‬عن��دَ‬ ‫نفس��ه‬ ‫والش��رطي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫حملة بنادق ولو‬ ‫حامل الحقيبةِ نفس��ه‪ ،‬كلنا‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫رائحة البارود لننسى‬ ‫في الخيال‪ ,‬كلنا نشتّم‬ ‫حليبَ األمهات‪ ,‬كلنا نَع��رفُ بعضنا جيداً فال‬ ‫بتبادل النظرات لكي ال‬ ‫نكثرُ الكالم‪ ,‬ونكتفي‬ ‫ِ‬ ‫نوقفَ ضحكاتِ الريح بيننا أو فينا ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ألق��ول وداع ًا ألحد‪,‬‬ ‫رغبة‬ ‫خرج��تٌ وما ب��ي‬ ‫َ‬ ‫الحزن ويعتصرَ الدمع‬ ‫يحاول أحدهم‬ ‫أكرهُ أن‬ ‫َ‬ ‫ليق��ول ألق��اك‪ ,‬أك��رهُ المعانقة في س��اعاتِ‬ ‫االلتف��ات للقطار أو الحافلة‪ ,‬كما أكرهُ ونكرهُ‬

‫‪7‬‬


‫|‬

‫فنون‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫ملت�صقون ب�أ�سفل القاتل‬ ‫ب�شار ف�ستق‬ ‫ظهر بش��خصيّة «كارلوس» مع أوائل من‬ ‫عملوا ف��ي التلفزي��ون الس��وريّ صيف عام‬ ‫‪ ،1960‬ومنهم‪ :‬نهاد قلعي ورفيق الس��بيعي‬ ‫ومحمود جبر‪ ،‬بلباس مكس��يكيّ فيما يشبه‬ ‫رع��اة البقر (الكاوبوي) وكان يغنّي «بوش��ار‬ ‫تسمّمت يابهيّة» كما قدّم برنامج منوّعات‬ ‫كوميديّ خفيف مع نهاد قلعي بعنوان «سهرة‬ ‫ّ‬ ‫وظ��ل دريد لحّ��ام يقدّم نفس��ه‬ ‫دمش��ق»‪،‬‬ ‫به��ذه الش��خصيّة حتّى ظهور المسلس�لات‬ ‫التلفزيونيّ��ة مث��ل «حمّ��ام الهنا»و»مقالب‬ ‫غ��وّار» إذ اعتم��د الش��ريكان (دري��د ونهاد)‬ ‫ثنائيّة (غوّار وحس��ني) على قال��ب الثنائيّ‬ ‫السينمائيّ الشهير (لوريل وهاردي)*‪.‬‬ ‫اس��تمرّت ش��خصيّة «غ��وّار الطوش��ة»‬ ‫تلفزيونيّ��اً وس��ينمائيًّا ومس��رحيًّا‪ ،‬رغ��م‬ ‫مح��اوالت قليلة ج��دّاً من طرف دري��د لحّام‬ ‫للخ��روج عنه��ا مث��ل مسلس��ل «أح�لام أب��و‬ ‫الهنا» عام ‪ ،1996‬إذ س��رعان ما عاد إليها من‬ ‫القبقاب وحتّى الطربوش‪ ،‬مهما كانت الفكرة‬ ‫ألن «غ��وّار» أصبح مطلوبًا‬ ‫المُ��راد طرحها؛ ّ‬ ‫ومارك��ة مس��جّلة‪ ،‬عل��ى مس��توى الس��وق‬ ‫الدم�شقي‬ ‫الفنّيّ��ة العربيّ��ة‪ ،‬ومل يعد ذل��ك‬ ‫ّ‬

‫�صاح��ب املقالب‪ ،‬بل �صار مواطن ًا عرب ّي ًا م�سحوق ًا‬ ‫خا�ص��ة يف م�سرح ّي��ات حم ّمد املاغ��وط‪ ،‬لدرجة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫� ّأن مع��د ومق��دم الربامج مروان �ص�� ّواف قارن‬ ‫ال�سينمائي‬ ‫بينه��ا وبني �شخ�ص ّية املت�ش�� ّرد للف ّنان‬ ‫ّ‬ ‫حلام ب�أنهّ‬ ‫العاملي «�شاريل �شابلن»‪ ،‬وو�صف دريد ّ‬ ‫ّ‬ ‫«�شابلن الع��رب»‪ ،‬يف مبالغة م�ستغربة من مث ّقف‬ ‫كال�ص�� ّواف يُفرت�ض �أ ّنه يعرف الف��رق ال�شا�سع‬ ‫بني‪ :‬م��ن يتل ّقى هديّ��ة رفعت الأ�س��د �شخ�ص ّي ًا‬ ‫وعلى خ�شبة امل�سرح بعد عر�ض م�سرح ّية «�ضيعة‬ ‫ت�شري��ن» (الهديّ��ة كان��ت كال�شنك��وف مطلي‬ ‫بالنيكل)‪ ،‬وب�ين الف ّنان «�شابل��ن» الذي نا�ضل‬ ‫يف جميع �أعمال��ه ّ‬ ‫�ضد الديكتاتوريّ��ة والنازيّة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وا�ستغالل الإن�سان‪� .‬أي �أن الفارق الذي ي�شكل‬ ‫انعدام �إمكان ّية املقارنة بني رجل �إعالم ال�سلطة‬ ‫ومروّج «انت�صاراتها»‪ ،‬وبني ف ّنان �أثار التناق�ض‬ ‫ال�سيا�سي للواليات امل ّتحدة ب�أكملها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫فف��ي لق��اء متلف��ز بُعي��د قي��ام الث��ورة‬ ‫الس��وريّة ف��ي ‪ ،2011‬دافع دري��د لحام عن‬ ‫قمع جيش األس��د للش��عب الس��وريّ بقوله‪:‬‬ ‫«مهمّ��ة الجيش ليس��ت محاربة إس��رائيل»‪،‬‬ ‫ثمّ شتم س��فراء النوايا الحس��نة لدى هيئة‬ ‫األم��م المتّح��دة (وكان واحداً منهم) وش��تم‬ ‫ّ‬ ‫المفكرين واإلعالم بكلمات بذيئة‪.‬‬ ‫كان اإلفالس بادٍ عليه قبل ذلك بس��نوات‪،‬‬ ‫حين أشاع بأنّه اعتزل ثمّ عاد ليسوّق نفسه‬

‫‪8‬‬

‫ك��ـ «مق��اوم» والتص��ق بح��زب اهلل بصورة‬ ‫إعالميّ��ة رخيص��ة (ص��ورة فوتوغرافيّ��ة‬ ‫وهو يرم��ي أحجاراً ف��ي الجن��وب اللبنانيّ)‪،‬‬ ‫وظهر كمقدّم برنامج اعترف بأنّه مس��روق‬ ‫«الأنفي أنّه ملطوش من قنوات أمريكيّة»‪.‬‬ ‫وحرص «دريد لحام عل��ى الظهور في جميع‬ ‫المناس��بات على شاش��ة التلفزي��ون‪ ،‬مهنّئ ًا‬ ‫«رئيسه» ومستلماً الجوائز واألوسمة‪.‬‬ ‫يمك��ن وص��ف دري��د لح��ام بأنّ��ه رج��ل‬ ‫ذكيّ أو ش��اطر أو أنّه يع��رف من أين تؤكل‬ ‫الكتف‪ ،‬وغي��ر ذلك من تلك المه��ارات‪ ،‬لكنّ‬ ‫األب��رز بينه��ا هي مقدرت��ه عل��ى البقاء في‬ ‫كن��ف النظ��ام _ مهم��ا كان��ت طبيع��ة ه��ذا‬ ‫النظ��ام _ متصنّعًا انتقاده ف��ي الوقت ذاته‪،‬‬ ‫أو م��ا اصطل��ح عل��ى تس��ميته بالتنفي��س!‬ ‫أن أعماله المس��رحيّة‬ ‫فق��د أدرك الكثي��رون ّ‬ ‫تتّس��م بانتقاد لمفاصل السلطة كأشخاص‬ ‫وأمراض‪ ،‬مثل المسؤولين أو البيروقراطيّة‪،‬‬ ‫لك��نّ ه��ذه االنتق��ادات تقف قب��ل أن تصل‬ ‫إل��ى العائل��ة الحاكم��ة‪ ،‬ويُ��كال التمجيد إلى‬ ‫«القي��م» التي يب ّثها «القائ��د» عبر توجيهاته‬ ‫مثل «الشهادة والش��هداء»‪ ،‬لتُزاح االنتقادات‬ ‫التي وردت حول القضايا الخدميّة كالصحّة‪،‬‬ ‫أو وتُستبدل بش��عارات وطنيّة وقوميّة عن‬

‫تحرير فلسطين المغتصبة! وتأتي الخواتيم‬ ‫الميلودراميّ��ة مث��ل أغنية «بكتب اس��مك يا‬ ‫ب�لادي» في مس��رحيّة «كاس��ك ي��ا وطن»‬ ‫لتزيل ّ‬ ‫كل القضايا المطروحة خالل العرض‪،‬‬ ‫بما فيها الحرّيّ��ة‪ ،‬فاالعتقال والتعذيب الذي‬ ‫عولج أص ً‬ ‫ال بأس��لوب سطحيّ كما في مشهد‬ ‫التعذي��ب بالكهرباء‪ ،‬حين قال غوّار‪« :‬وصلت‬ ‫الكهربا لقف��اي وما وصلت لضيعتنا»‪ ،‬يصبح‬ ‫ّ‬ ‫كل ذلك ال ش��يء أمام كتابة اسم البالد‪ .‬في‬ ‫الوق��ت ال��ذي كان جي��ش النظام ف��ي لبنان‬ ‫يس��رق األرواح واألم��وال م��ن ّ‬ ‫كل الفئ��ات‬ ‫اللبنانيّة والفلس��طينيّة! باسم فانتازيّ هو‬ ‫قوّات الردع العربيّة!‬ ‫ما زال دريد لحّام وأمثاله ممّن يلتصقون‬ ‫بأسفل النظام كواحدة من أدواته اإلعالميّة‬ ‫يقوم��ون بدوره��م ف��ي تس��ويق األكاذي��ب‬ ‫والقيام بمحاوالت فاشلة للتمويه عن حقيقة‬ ‫الجرائم المرتكبة‪ ،‬وبوقاحة أكثر‪ ،‬ممّا وضّح‬ ‫تركيبة هؤالء المدّعين للفنّ‪ ،‬وهم ش��ركاء‬ ‫القاتل‪.‬‬ ‫هامش‪:‬‬ ‫*انتهى الثنائيّ عام ‪1951‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫|‬

‫�شخ�صيات‬

‫|‬

‫الـفـ ّنــان �ســعــد ي َ‬ ‫َـكــن‬ ‫عبد الرزاق كنجو‬

‫واكت�شافه احلياة امل�ش ّوهة‬

‫وتفاصيل��ه معتم��دا أيض��ًا عل��ى الفانتازي��ا‬ ‫البصريّ��ة الت��ي اعت��اد عل��ى تحقيقه��ا في‬ ‫معظم أعماله الفنيّة التي أوجدت إش��كالية‬ ‫كبرى ف��ي الفنون التش��كيلية وعلم الجمال‬ ‫بشكل عام‪.‬‬

‫ف��ي مدين��ة حل��ب كان مقه��ى القص��ر‬ ‫كالقفص بال أسالك‪ ,‬يرتاده أشهر المبدعين‬ ‫والكتّ��اب والفنانين‪ ,‬حيث يج��دون فيه الجوّ‬ ‫الثقاف��ي والحدي��ث المش��ترك‪ ,‬والتجان��س‬ ‫والتق��ارب ف��ي النظ��رة المس��تقبلية للبالد‬ ‫وللعال��م أجم��ع‪ ,‬والحريّة في ط��رح وتبادل‬ ‫األفكار والسلوك‪.‬‬ ‫ف��كان ل��كل منه��م طاولت��ه المح��دّدة‪,‬‬ ‫ويتعمّ��دون أن تك��ون مالصق��ة للج��دران‬ ‫الداخلي��ة البعي��دة عي��ن أعي��ن الم��ارة ف��ي‬ ‫الش��ارعين المط ّلي��ن م��ن خ�لال الواجه��ات‬ ‫الزجاجي��ة الكبي��رة والتي كت��ب عليها ً‬ ‫بخط‬ ‫ظاه��ر ( الصّـال��ة مكـيّـف��ة )‪ .‬وه��ي ميّزة‬ ‫ٍ‬ ‫كان��ت نادرة في أواخر الس��تينيات من القرن‬ ‫الماضي‪.‬‬ ‫كان اليغي��ب ع��ن ذل��ك المقه��ى ك ً‬ ‫ال من‬ ‫المب��دع لؤي كيالي والكات��ب المتنوع اإلنتاج‬ ‫وليد إخالصي والكاتب المسرحي عبدالفتاح‬ ‫قلعج��ي والفن��ان س��ــعد يك��ن ال��ذي ه��و‬ ‫مقصدن��ا الي��وم بكلمات ق��د ال توفيه بعضًا‬ ‫من حقه‪.‬‬ ‫ذل��ك أن س��عد يكن ق��د يك��ون أصغرهم‬ ‫سنّا لكنه كان يتنقل بينهم بسمعه وبصره‬ ‫ويس��توعب كل مايقال حوله‪ ,‬وبصمت كبير‬ ‫كان يع��دّ نفس��ه وطريقت��ه بالتعبي��ر ف��ي‬ ‫لوحات��ه التي يح��اول جاه��داً أن التكون أقل‬ ‫تميّ��زاً عن ل��ؤي كيالي في لوحات��ه القريبة‬ ‫من روح الشعب وطبقاته المنهكة الفقيرة‪.‬‬ ‫لذلك أراد أن يضيف مبالغة وتضخيم ًا لما‬ ‫يريد الوصول إليه من خالل تش��ويه وتحوير‬ ‫معال��م الوجوه البش��رية التي ه��ي موضوع‬ ‫لوحاته كلها‪.‬‬ ‫ومهم��ا يك��ن الفارق بي��ن اإلتجاهي��ن إ ّ‬ ‫ال‬ ‫أنن��ي أتلمّ��س خيط��ًا مش��تركًا يرب��ط بين‬ ‫صوت األنين والوجع الذي يجمع بين إنتاجهم‬ ‫جميعا من تصوير حزين أو رواية مأس��اويّة‬ ‫أو مسرحية الالمعقول‪.‬‬ ‫ولقد اعتمد طويال على تجسيد األسطورة‬ ‫في أقصى حاالت التعبير عن جماليات الحدث‬

‫ل��م يعت��د الفنان س��عد يك��ن عل��ى انتاج‬ ‫لوح��ات متفرق��ة المواضيع وخاص��ة بعد أن‬ ‫انطل��ق بانتاج��ه الفن��ي وانتش��رت أعمال��ه‬ ‫المش��اركة دائما في المعارض داخل سوريا‬ ‫أو ف��ي المع��ارض الخارجية‪ ,‬ب��ل راح يعتمد‬ ‫عل��ى العمل إلنت��اج مجموعات م��ن اللوحات‬ ‫تحمل اله��مّ والموضوع الموحّد لذلك جاءت‬ ‫مجموعات��ه تح��ت اس��م األيقون��ة الحلبيّة‪,‬‬ ‫وملحم��ة جلجام��ش‪ ,‬وأل��ف ليل��ة وليل��ة‪,‬‬ ‫والطوف��ان‪ ...‬وغيرها وذلك ألنّ��ه كان يريد‬ ‫أن يعبّ��ر بأفكاره ع��ن مجموعة من القضايا‬ ‫التي اليتس��ع سطح اللوحة الواحدة لها وهي‬ ‫مجتمعة‪ .‬وغالبا ماتتميز وجوه لوحاته مب�سحة‬

‫م��ن احل��زن والك�آبة الت��ي التفارقه��ا حتى يف‬ ‫موا�ضيع الأفراح ــ هذا �إن و ُِج َد الفرح ــ ‪.‬‬ ‫ف�ألوان��ه �شبه موحدة الأل��وان والدرجات‪.‬‬ ‫ومهما حاول العمل على �شفافيتها �إ ّال � ّأن املتلقي‬ ‫�سي�شع��ر دائما ب�أ ّنه��ا خمنوقة تري��د �أن تتحرر‬ ‫وتنطلق خارج �إطار اللوحة‪.‬‬

‫وإن ما يزيد انغالق وحبس عناصر اللوحة‬ ‫ّ‬ ‫اعتم��اده على رس��م عناصرها بخط أس��ود‬ ‫غليظ‪ ,‬يحدد كل جزء منها بخطوط متداخلة‬ ‫ومتش��ابكة‪ ,‬وبذل��ك يزيد م��ن الضغط في‬ ‫س��طح ال ّلوح��ة وحب��س العناص��ر بش��كل‬ ‫مأساوي‪.‬‬ ‫لكن��ه بالمقاب��ل كان يس��عى لتصمي��م‬ ‫لوحاته وط��رح مواضيعه المختلفة‪ ,‬وتناولها‬ ‫من زوايا حادّة الفتةٍ يغنيها بإضاءاتٍ ّ‬ ‫مركزة‬ ‫على األجزاء المعتمة في موضوعاته دون أن‬ ‫يفقدها خصوصيتها معتمداً على الدراما في‬ ‫المش��هد لتحقيق المتعة لعين المشاهد من‬ ‫جهة ولبصيرتة الذهنيّة من جهة أخرى‪.‬‬

‫كم��ا كان يش��اهدها ف��ي مناظ��ر األف�لام‬ ‫الس��ينمائية‪ ,‬بينما يجد لوحات س��ـعد يـكـن‬ ‫صادمة تبع��ث على التفكي��ر وتحليل الهدف‬ ‫ال��ذي أراده من خالل التحوير والتش��ويه في‬ ‫األجس��اد والوجوه على السواء‪ ,‬وهذا ماكانت‬ ‫تتفهمه وتس��توعبه النخبة المثقفة الواعية‬ ‫أكثر من س��واها‪ ,‬ألن لوحاته لها جوٌ خاصٌ‬ ‫م��ن حي��ث الش��كل والمضم��ون تمي��زه عن‬ ‫غيره من التش��كيليين المعاصرين المحليين‬ ‫والعالميي��ن ألن��ه يق��دم اعم��ا ً‬ ‫ال أق��رب الى‬ ‫العبثيّ��ة والغموض‪ ..‬إنّم��ا بخلفية واقعيّة‬ ‫محبّبة‪.‬‬ ‫قال عنه األديب وليد إخالصي ‪:‬‬ ‫« س��ـعد يـكن هو األمين الوف��يّ للذاكرة‬ ‫الت��ي ل��م تك��ن ش��رقيّة وال غربي��ة‪ ,‬هجم‬ ‫بريش��ته ورؤيت��ه عل��ى ماض��ي الحكاي��ات‪,‬‬ ‫ليجع��ل منها حاض��راً‪ ..‬س��يكون مس��تقب ً‬ ‫ال‪,‬‬ ‫فكأنما يضعنا هنا في مس��يرة التواصل بين‬ ‫األزمان ‪».‬‬ ‫لعل الفنان س��عد يكن قد استبق األحداث‬ ‫الدامي��ة الت��ي نعيش��ها اآلن ف��ي س��ورية‬ ‫المنكوبة‪ ,‬وش��اهد بعين��ه الخراب الذي حدث‬ ‫ألحياء مدينته في حلب‪.‬‬ ‫فصوّر المآس��ي قبل حصولها وانعكاسها‬ ‫عل��ى م��ن تبق��ى م��ن األه��ل واألصح��اب‪,‬‬ ‫والمنازل التي انهارت فوق س��اكنيها مخلفة‬ ‫كارثة التـنمـحي تركاتها‪ ,‬لذلك ترك مدينته‬ ‫التي عش��قها أكثر من جميع مدن المعمورة‪,‬‬ ‫وهاجر الى بيروت بعد أن شاهد تشويه ًا في‬ ‫الواق��ع‪ ,‬فاق ماكان يري��د أن يوصله إلينا من‬ ‫خالل أعماله السابقة‪.‬‬ ‫ومهما كان��ت لوحات��ه صادم��ة لنظرنا إ ّ‬ ‫ال‬ ‫أنّـه��ا تحمل دالالت تعبيري��ة غريبة‪ ,‬تلتقي‬ ‫مع أف��كار الروايات المأس��اوية ومس��رحيات‬ ‫االمعقول الهادفة‪.‬‬

‫له��ذه األس��باب كان النّـاظـ��ر المتأم��ل‬ ‫لمواضيعه يقف حائراً ليس��أل نفسه السؤال‬ ‫الصعب‪ - :‬ماذا يريد سعد يكن أن يقول؟‬ ‫لقد اعتاد ــ موطنن��ا العاديّ ــ أن يتلمّس‬ ‫الجّم��ال بالمقايي��س المعت��ادة والتمت��ع‬ ‫بمش��اهدة ال ّلوحات السّ��ياحية الكالس��يكية‬ ‫والمناظ��ر الطبيعيّة التي تس��تهوي بالعادة‬ ‫أصحاب الصالونات الفاخرة لتزيينها‪ ,‬ولتكون‬ ‫قطع��ة ظاه��رة م��ن الديكورالباه��ر‪ ,‬تمام ًا‬

‫‪9‬‬


‫|‬

‫وجهة نظر‬

‫|‬

‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫مفهوم املواطن الدجاجة‪ ،‬ال�شهرة ولعنة التفاهة‬ ‫عبد الكرمي �أني�س‬ ‫ف��ي موج��ة التهجير الكبي��رة‪ ،‬والت��ي تعد‬ ‫أكبر كارثة انس��انية حتى اآلن على مس��توى‬ ‫العالم‪،‬والت��ي طال��ت الس��وريين المدنيي��ن‪،‬‬ ‫ألسباب مباش��رة متعلقة بتعمد وقح من قبل‬ ‫المجتمع الدولي‪،‬عبر تمكين عصابة األسد من‬ ‫جعل األوض��اع األمنية أكث��ر انفالت ًا وخطورة‬ ‫جراءالس��ماح لها‪،‬بترخيص غي��ر معلن‪ ،‬لكل‬ ‫أنواع األسلحة التي يمكن أن تخطر ببال أحد‪،‬‬ ‫ضد الس��وريين المدنيين‪ ،‬عندما قرروا أنهم‬ ‫لم يع��ودوا يقبلون به قي��داً يطوق أعناقهم‪،‬‬ ‫كم��ا مس��تقبلهم‪ ،‬خصيص�� ًا المناط��ق التي‬ ‫خرجت عن س��يطرته المباشرة‪ ،‬وكذلك أيض ًا‬ ‫ف��ي المناطق التي باتت مس��رح ص��راع بينه‬ ‫وبي��ن المعارض��ة‪ ،‬الت��ي اضطرت للتس��ليح‬ ‫ض��ده‪ ،‬للدفاع عن مناطقها واس��ترجاعها من‬ ‫سيطرته االجرامية‪.‬‬ ‫وكذلك أيض ًا أضحت الثورة السورية‪،‬معبراً‬ ‫مرّ عبره بعض الذين كانوا يحلمون بالخروج‬ ‫م��ن الوط��ن الس��وري‪ ،‬فاقتنص��وا الفرصة‪،‬‬ ‫وتمكن��وا م��ن تحقي��ق حلمهم بالخ��روج من‬ ‫قوقعة الس��لطة الس��ورية الت��ي كانت تخنق‬ ‫أحالمه��م‪ .‬لق��د كان بي��ن ه��ؤالء المهجّرين‬ ‫الكثي��ر م��ن نت��اج النظ��ام األس��دي المجرم‬ ‫ف��ي أس��وء مخرجاته‪ ،‬س��واء ناص��روا الثورة‬ ‫أو عارضوه��ا أو كان��وا حياديي��ن رماديي��ن‬ ‫فيها‪ ،‬تملكته��م األنانية وحب الذات‪ ،‬الجش��ع‬ ‫واالستماتة على اقتناص الفرص‪ ،‬مع سذاجة‬ ‫بالتعاط��ي مع الش��ؤون االجتماعية‪ ،‬وتحميل‬ ‫كل أخط��اء التربي��ة االجتماعي��ة‪ ،‬على كاهل‬ ‫وظهر القس��مة والنصيب‪ ،‬وكان األسوء نتاج ًا‬ ‫هم المنقطعون عن مجري��ات وكيفية تدبير‬ ‫ش��ؤون الحياة التي تجري في عوالم مختلفة‬ ‫التي كانت تبدو وكأنها تجري في كوكب آخر‪،‬‬ ‫ب��ل وس��بقتنا بمراحل زمنية كبي��رة بتنظيم‬ ‫نفس��ها‪ ،‬وكيفي��ة ق��راءة معطي��ات محيطها‪،‬‬ ‫وكي��ف تتعام��ل مع��ه عب��ر توظي��ف أجه��زة‬ ‫اعالمه��ا‪ ،‬ال��ذي لم نع��رف منه غي��ر وظيفة‬ ‫واح��دة‪ ،‬أال وه��ي التمجيد للس��لطة الحاكمة‬ ‫والقائ��د األوحد‪ ،‬للدرجة الت��ي يمكن اختصار‬ ‫رمزية اللقاء بهذه األجهزة‪ ،‬على اعتباره بوح ًا‬ ‫بمدى الوالء‪ ،‬وبأبش��ع الصور القميئة‪،‬وبكالم‬ ‫مك��رور وتاف��ه‪ ،‬وغي��ر ذي قيم��ة‪ ،‬للعصاب��ة‬ ‫الحاكم��ة ف��ي س��وريا‪ ،‬وه��ذا انعك��س على‬ ‫المتلقي السلبي أص ً‬ ‫ال والذي ال يستطيع سوى‬ ‫التفاع��ل بخض��وع مع ه��ذا الجه��از المؤدلج‬ ‫لصالح ترس��يخ المزيد من ال�سفاهة وال�سذاجة‬

‫ا�شع��ال واطف��اء النور علي��ه يف املدجن��ة الكبرية ال�شهرة‪ ،‬وليك��ون الالجئ الهارب م��ن لظى اجرام‬ ‫الأ�سد وتعمد اغما�ض الع�ين عنه‪ ،‬من قبل املجتمع‬ ‫امل�سماة الوطن‪.‬‬ ‫في ب�لاد يعامل فيها اإلنس��ان وكأنه رقم الدويل‪ ،‬جم��رد باحث عن تبدي��ل «موبايله التافه‬ ‫من األرقام‪ ،‬يتوق البعض‪ ،‬ليكس��روا جدران كتفاهت��ه مع �شريكه» بموبايل ذكي آخر‪ .‬ال ريب‬ ‫القفص‪ ،‬ليحصلوا على االهتمام الذي تثيره‬ ‫الش��هرة بي��ن الن��اس‪ ،‬مهما كان ض��رر ذلك‬ ‫بالغ ًا عليه��م‪ ،‬من حيث ال يدرون وال يعلمون‪،‬‬ ‫حيث ال يمكن للس��اذجين أن يتخيلوا مقدار ما‬ ‫يمك��ن أن تك��ون عليه الحال حي��ن يصبحون‬ ‫في دائرة الضوء‪ ،‬وأص� ً‬ ‫لا هم ال يفهمون من‬ ‫دائرة الضوء س��وى نيل بعض الش��هرة بين‬ ‫الساذجين أمثالهم‪ ،‬وال يدركون حجم ومقدار‬ ‫الض��رر واألذى ال��ذي يمك��ن أن يتس��ببوا به‬ ‫حين يتب��ادل صانعوا القرار عباراتهم الغبية‪،‬‬ ‫وكيف تؤثر مثل هذه العبارات بترس��يخ صور‬ ‫يدف��ع الكثي��ر م��ن المختلفين عنا ثمن�� ًا غالي ًا‬ ‫كي يرس��خوها نمط ًا مرك��زاً يمكنهم عبرها‬ ‫التنصل من واجباتهم األخالقية واالنس��انية‬ ‫تجاه قضاياهم المشروعة‪.‬‬

‫نج��د المحظور يقع لدى بع��ض الذين بات‬ ‫لديهم متابعين ويؤثرون في متابعيهم سواء‬ ‫عب��ر االنس��ياق وراء الش��عبوية ومزاجاته��م‬ ‫المتقلب��ة عب��ر تكري��س مفاهي��م االنتق��ام‬ ‫أو ال��رأي ال��ذي يتب��ع االنفعال وموج��ات المد‬ ‫ال��ذي يعتم��د على أف��كار طارئة غي��ر أصيلة‬ ‫ف��ي مجتمعاته��م أص ً‬ ‫ال‪ .‬كل ذل��ك يحدث بناء‬ ‫عل��ى لعن��ة ش��هوة (االعج��اب) على ج��دران‬ ‫المواقع االجتماعية (الفيس��بوك) أو (التغريد)‬ ‫واالس��تزادة م��ن المتابعي��ن عل��ى (التويتر)‪.‬‬ ‫وبذا يتش��ارك هؤالء ش��هوة المنبر أو صاحب‬ ‫الس��لطة الذي يتوقع دوم ًا من الطرف المتابع‬ ‫أن ينصت وأن يتابعه بدون تفكير‪.‬‬ ‫ال يمكنن��ي أن أتعاط��ف م��ع غب��اء س��يولد‬ ‫موج��ات من التقص��ي والتس��اؤالت ومراجعة‬ ‫الحس��ابات‪ ،‬خصيص�� ًا على مس��توى قناعات‪،‬‬ ‫دف��ع كثي��رون لقاءها الثمن غالي�� ًا‪ ،‬بل وغالي ًا‬ ‫جداً‪ ،‬لقاء تبديل واقع جدّ أليم‪ ،‬حيث في دول‬ ‫اللجوء يكون االس��تقصاء االعالمي ألي مواد‬ ‫احصائي��ة‪ ،‬تظه��ر وكأنه��ا استش��راف للواقع‬ ‫و تمحي��ص للحقائ��ق على ش��كل دراس��ات‪،‬‬ ‫تتعامل بموجبها شرائح المجتمع مع الوافدين‬ ‫اليه��ا هرب ًا م��ن اجرام عصابة األس��د أو على‬ ‫كونه��ا جماع��ات قادم��ة لني��ل اس��تحقاقات‬ ‫اقتصادي��ة ل��م يكون��وا ش��ركاء فيه��ا‪ .‬وهذا‬ ‫ما ح��دث تمام��ًا يف تقري��ر �أعدته قن��اة ال تت�سم‬

‫لتكري���س مفهوم املواط��ن الدجاجة‪ ،‬ال��ذي ي�أكل باحلي��اد وال باحلرفي��ة كم��ا تدعي‪ ،‬هي قن��اة البي‬ ‫وي�شرب ويبي���ض ح�سب احلاج��ة‪ ،‬وي�ستفيق ح�سب بي �س��ي‪ ،‬لتكون �شريك ًا مع غب��اء امل�ستحدثني بنعمة‬

‫‪10‬‬

‫أن فيديو االعتذار لم يعد ينفع وهذه الحادثة‬ ‫تش��به أيض ًا أولئك الذين تحدثوا عن حلمهم‬ ‫المس��روق ف��ي الث��ورة الس��ورية وكي��ف أن‬ ‫مخرجة س��افلة‪ ،‬قامت باستخالص مقتطفات‬ ‫تتناس��ب مع ايدولوجيتها المناص��رة لعصابة‬ ‫األس��د‪ ،‬ومن ثم لتوظفها ف��ي محاربة الثورة‬ ‫ومعتنقيها الذين دفع��وا أثمان ًا باهظة كبيرة‬ ‫لقاء اعتناقهم اياها‪.‬‬

‫عموم ًا وخصوص ًا لدى الساذجين والباحثين‬ ‫ع��ن النش��وة الس��ريعة‪،‬كالتي يحصده��ا‬ ‫الف��راش الباحث عن األضواء‪ ،‬يش��اهد الكثير‬ ‫م��ن المتراكضين باتجاه حجز مقعد في عالم‬ ‫األض��واء‪ ،‬وال��ذي يس��فك في س��بيله الكثير‬ ‫من المبادئ‪ ،‬ويس��فح ف��ي طريقه الكثير من‬ ‫الكرامة والقيم‪ ،‬بل ويؤذي الكثير من الناس‪،‬‬ ‫تصب��ح تل��ك المتع��ة المؤقت��ة من الش��هرة‬ ‫جحيم ًا‪ ،‬يؤرق مضاجع من خاض في غمارها‪،‬‬ ‫غير مق��درّ لنتائجها‪ ،‬وبالتال��ي يضطر أناس‬ ‫آخ��رون لألس��ف أن يدفع��وا فات��ورة باهظة‬ ‫الثم��ن كان وراءه��ا أمث��ال أولئ��ك التافهي��ن‬ ‫والتافه��ات‪ ،‬ويك��ون النت��اج احتراق�� ًا س��ريع ًا‬ ‫ليس ذاتي ًا‪ ،‬فحسب بل مع أضرار جانبية أكبر‬ ‫للمحيط الذي يعيشون فيه‪.‬‬


‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد ‪ 1 | 115‬أيلول ‪2015‬‬

‫|‬

‫هموم‬

‫|‬

‫مباذا يفكر اجلالد؟‬ ‫�أحمد فرج‬ ‫تب��دأ العملي��ة باحت��كاك بس��يط كفع��ل‬ ‫تمهي��دي‪ ..‬تحمي��ة‪ ..‬غالب��ا ما تك��ون صفعة‬ ‫بس��يطة معتدل��ة على وج��ه الضحي��ة أو أن‬ ‫تكون وض��ع اليد على الرقبة لتحس��س مدى‬ ‫صالبته��ا أو صالب��ة حاملها فم��ن المهم لدى‬ ‫الجالد تقديره لمدى قوة المجلود وال سيما إن‬ ‫كان الع��رض أمام جمهور م��ن رفاقه‪ ،‬ترافق‬ ‫تلك التحمية قليل من األسئلة العبثية التي ال‬ ‫تنتظر اإلجابة‪ ..‬كل ما يرغب به هو استحضار‬ ‫الغض��ب والكراهي��ة‪ ..‬مايري��ده بالضبط هو‬ ‫تهيئة جسده للحقد قلبه‪.‬‬

‫جتهيز امل�سرح‬ ‫قب��ل أن يص��ل الغض��ب ب��ه ال��ى درج��ة‬ ‫العم��ى يحاول دائما أن يجد المكان المناس��ب‬ ‫والوضعية المناسبة للضحية وغالبا ما نراهم‬ ‫وه��م يس��حبون الضحايا م��ن ياقاته��م الى‬ ‫أماك��ن مختلفة أو دفعهم الى وضعيات أخرى‬ ‫كما يفعل المخرج بتجهيز مسرحه‪.‬‬ ‫كن��ت أراهم وه��م يجرونه��م ذات اليمين‬ ‫وذات اليس��ار وأتس��اءل لم يتحركونهم بهذا‬ ‫الشكل لم ال يجهزون عليهم بأسرع وقت ‪..‬‬ ‫المكان والوضعية مهم جد بالنسبة للجالد‬ ‫فم��ن الضروري أن يتيح له المكان والوضعية‬ ‫أكبر مس��احة من جس��د الضحية ومن المهم‬ ‫أيض��ا أن تؤمن له الس��يطرة الكاملة عليه إذ‬ ‫أن حركة الضحية بش��كل مغاير لما يرغب به‬ ‫قد يفسد العملية برمتها وتنتهي بشكل غير‬ ‫مرضي له‪.‬‬ ‫ومن المفارقات أن الضحية يتجاوب بشكل‬ ‫رائ��ع مع الجالد في طلبات��ه إذ يعتقد بأنه قد‬ ‫يكس��ب بعض الس�لامة بتنفي��ذ إرادته غير‬ ‫م��دركا لما يخطط له الج�لاد وجاهال بالوقت‬ ‫نفسه حجم االحتقار الذي يكنه المجرم له‪.‬‬

‫كنت ا�ستعذب ا�صوات تو�سالتهم‬ ‫ما أن تزداد األس��ئلة حدة والش��تائم فحشا‬ ‫حتى تبدأ الحفلة بشكل فعلي ويخرج الغضب‬ ‫دفعة واح��دة‪ ..‬غضبا جامحا ليس مفهوما وال‬ ‫عالق��ة للضحي��ة به‪ ،‬فالج�لاد يتذك��ر رفاقه‬ ‫الذين قتل��وا في عمليات ربم��ا كانت قذرة أو‬ ‫يتذك��ر فق��ره وحاجات��ه التي لم يس��تطع أن‬ ‫يلبيه��ا‪ ..‬ق��د يخطر ببال��ه أنثى خانت��ه أو لم‬ ‫يحص��ل عليه��ا‪ ،‬وق��د يتذكر تس��لط ضباطه‬ ‫عليه واهانتهم له‪.‬‬ ‫عمىً حيواني بهيم��ي يتخلص فيه الجالد‬ ‫من أخر ذرات بش��ريته ليكون بذاك المستوى‬ ‫من اإلجرام‪.‬‬

‫صراخ الضحية في الغالب يلبي نشوته في‬ ‫الس��يطرة ويس��تلذ بتوسالته وحش��رته فهو‬ ‫األن المس��يطر وه��و األن المنتقم من هؤالء‬ ‫الخونة والعمالء والمجرمين وهو األن البطل‬ ‫الذي يعيد الحق لشخصه ولوطنه ولقائده‪.‬‬ ‫ف��ي كل صرخة يس��تعيد مج��ده وألوهيته‬ ‫يتقاطع في ذاك مع كل القتلة المتسلس��لين‬ ‫والمهووس��ين الذي��ن يحاول��ون أن يعوض��وا‬ ‫نقص��ا ش��ديدا ف��ي داخله��م للرجول��ة أو‬ ‫الكرام��ة أو االعتبار وهم ف��ي تلك اللحظة ال‬ ‫ي��رون الكائن البش��ري ال��ذي أمامهم وكل ما‬ ‫يشاهدونه هو حياتهم البائسة‪.‬‬ ‫ح��اول الكثي��ر م��ن المعتقلين الس��ابقين‬ ‫واألدب��اء أن يبحث��وا في نفس��ية الج�لاد كما‬ ‫ح��اول الكثير من علم��اء النفس كذلك وكتب‬ ‫في تجارب التعذيب منذ القدم الش��يء الكثير‬ ‫لكن نكوص البشري الى الحيواني امر مقعد‬ ‫وشائك قد تعود اسبابه الى الطبيعة البشرية‬ ‫ذاتها واصولها الحيوانية‪.‬‬ ‫يق��ول اح��د الج�لاوزة الذي��ن يعان��ون من‬ ‫أم��راض نفس��ية أصيب��وا بها بع��د أن عملوا‬ ‫بالتعذي��ب طوي�لا‪ :‬كن��ت اس��تمتع كلم��ا زاد‬ ‫صراخهم وأش��عر بأنني س��وف أرضى قادتي‬ ‫كلما زدت في تعذيبهم‪.‬‬ ‫ويذك��ر أح��د الضحاي��ا أن أكث��ر م��ا أذهله‬ ‫وتفاج��ئ به حي��ن توقف الجالد ع��ن تعذيبه‬ ‫ليتكلم مع ابنته الصغيرة على الهاتف ويعدها‬ ‫بالحل��وة بع��د عودته من العم��ل‪ ،‬ويؤكد هذا‬ ‫الس��جين انه لم يتوقع أن يك��ون لهذا الجالد‬ ‫مش��اعر كبقي��ة الناس فال يمك��ن لمن يقوم‬ ‫به��ذا العم��ل أن يكون له ابنة ـ��وأن يكون أبا‬ ‫أو إنس��انا حقيقيا‪ ،‬فكيف بإمكانه أن يحتضن‬ ‫أوالده بع��د كل ماراقه م��ن دم وكيف يمكنه‬ ‫أن يضم زوجته إليه أال تش��م رائحة الضحايا‬ ‫بصدره أال ترى عيون الموتى في عينيه‪.‬‬

‫بطل احلفلة‬ ‫ف��ي كل حفل��ة هناك بط��ل له��ا‪ ..‬المجرم‬ ‫األكب��ر واألخط��ر وصاحب الش��هرة مهما كثر‬ ‫المجرم��ون والجن��ود م��ن حوله فه��م مجرد‬ ‫كومبارس ليقدم أفضل عروضه على جس��د‬ ‫الضحي��ة‪ ،‬هذا البطل دائما ما نس��مع اس��مه‬ ‫يتردد في مقاطع الفيديو وصيحات التش��جيع‬ ‫واالستحس��ان تحمس��ه للمزيد وه��و صاحب‬ ‫األف��كار الخالق��ة وصاح��ب المب��ادرة دائم��ا‬ ‫فاس��تئصال عضو ش��رف حصري له أو طعن‬ ‫الجس��د بمدية أو تصرف عاهر كلها جزءا من‬ ‫فن��ه الحصري فيما اآلخرون يك��ررون إبداعه‬

‫فقط‪.‬‬ ‫ولي��س م��ن المه��م أن يك��ون البط��ل هو‬ ‫األعلى رتبة أو األقدم أو األكثر نفوذا إنما من‬ ‫المه��م أن يك��ون أكثر قذارة وج��رأة واهم ما‬ ‫يميزه عن غيره إصراره على س��حق الضحية‬ ‫وقتلها كما يميزه عدم انش��غاله عن التعذيب‬ ‫واس��تمتاعه به وحرص��ه على نهاية الجس��د‬ ‫والمسرحية بأبشع صورة‬ ‫في لحظة الذروة تلك ال يهم ش��كل أو عمر‬ ‫أو جن��س أو دي��ن الضحية فهو ل��م يعد يراه‬ ‫أساس��ا فقد يكون طف�لا أو عجوزا أو معاقا أو‬ ‫امرأة حامل أو حتى صديق له‬ ‫ونتيج��ة لكم االنفع��ال الكبير الذي يصيبه‬ ‫وحج��م الجه��د في الض��رب والتعذي��ب ينهار‬ ‫جسده بش��كل س��ريع ويحتاج لبعض الراحة‬ ‫إال أن الضحية ال يس��تريح فيم��ا يتناوب عليه‬ ‫الرفاق ريثما يلتقط البطل أنفاسه‬ ‫ف��ي اعتراف الحد الجالدين يقول فيه كانوا‬ ‫ش��بان صغار اعرف أنهم أبري��اء لكنني قمت‬ ‫باغتصابهم وقتلهم ولم اشعر بأي تأنيب‬ ‫ويمتل��ك الجالد نتيجة لممارس��ته الطويلة‬ ‫خب��رة رفيعة في تحطي��م النفس البش��رية‬ ‫وسحقها تثير االس��تغراب فلديه من الوسائل‬ ‫م��ا يجعل الضحية يتمن��ى الموت ألف مرة وال‬ ‫يجده‬ ‫يذك��ر أح��د المعتقلي��ن حادث��ة ف��ي اح��د‬ ‫المعتقالت حين اجبر الجالد أخوة أن يمارس��ا‬ ‫الجنس أم��ام أبيهم وفي حادث��ة أخرى يخير‬ ‫األب ف��ي انتق��اء اثني��ن م��ن أبنائ��ه الثالث��ة‬ ‫لإلع��دام ناهيك عن ح��وادث االغتصاب التي‬ ‫يجريها الجالد للزوجات أمام أزواجهم‬ ‫أربعون عاما حول فيها األس��د قس��ما كبيرا‬ ‫من السوريين الى جالدين يحمي بهم حكمه‪،‬‬ ‫عزله��م ف��ي أفرع أم��ن مخيفة كمعس��كرات‬ ‫إلنتاج الوحوش البش��رية‪ ..‬ثكنات عس��كرية‬ ‫مرعب��ة‪ ..‬كل جالد يحكمه ج�لاد أخر‪ ..‬ليتربع‬ ‫األسد على عرش الجريمة الكبرى وليغتصب‬ ‫الضحية الكبرى‪ ..‬سوريا‬ ‫الم��ادة ‪ 5‬م��ن اإلع�لان العالم��ي لحق��وق‬ ‫اإلنس��ان‪« :‬ع��دم ج��واز تعري��ض اإلنس��ان‬ ‫للتعذيب وال للعقوبات القاس��ية أو المعامالت‬ ‫ّ‬ ‫الحاطة بالكرامة «‬ ‫القاسية أو الوحشية أو‬

‫‪11‬‬


‫|‬

‫|‬

‫زيتون ‪ 1‬أيلول ‪2015‬‬ ‫عطر ‪| 115‬‬ ‫سياسية ثقافية نصف شهرية مستقلة | السنة الثالثة | العدد‬

‫�أمين اجلندي‬

‫الطائر الذي كف عن الغناء‬

‫لم يكن يذكر نشأته األولى فى محل‬ ‫بيع الطيور الملونة‪ .‬كان صغيرا جدا حينما‬ ‫دخلت سيدة مصبوغة الشعر واختارته‬ ‫بالذات‪ .‬ما أغرب األشياء التى تحدد مصيرنا‬ ‫فى الحياة! لون األريكة األخضر‪ ،‬والمتناسق‬ ‫مع ريشه هو الذى جعلها تشتريه! وبالطبع‬ ‫نصحها البائع أن تبتاع معه أنثى وإال اكتئب‬ ‫ومات!‬ ‫كان صغيرا وبريئا ومفعما بحب الحياة‪.‬‬ ‫هكذا استقبل الطائر حياته الواعدة‪ .‬وكان‬ ‫ال يكف عن الثرثرة! وقد حاز على اهتمام‬ ‫«مدام ماجى» لعدة أيام قبل أن يتحول‬ ‫اهتمامها إلى شىء آخر‪ ،‬فأمرت الخادمة أن‬ ‫تضعه فى الشرفة‪.‬‬ ‫حتى ذلك الحين لم يكن الطائر يعرف‬ ‫أنه سجين‪ .‬أو أنه يستطيع الطيران! كان‬ ‫بالطبع يرفرف بجناحه مثلما يفعل أى طائر‬ ‫بالفطرة! لكن أن يحمله الهواء ويرتفع‪،‬‬ ‫فهذه أشياء لم تكن تخطر له على بال‪.‬‬ ‫هو لم يكن يدقق كثيرا فيما يراه‪ .‬وهذه‬ ‫المساحة الزرقاء‪ ،‬التى تُدعى السماء‪ ،‬لم‬ ‫تكن تختلف فى مغزاها عن لون األريكة‬ ‫األخضر‪ ،‬مجرد أشياء غامضة! وحتى‬ ‫الخادمة الصغيرة التى لم تكن أكثر من‬ ‫طفلة‪ ،‬وتحمل الطعام إليه يوميا‪ ،‬فإنه لم‬ ‫يشاهدها بحجمها الكامل أبدا‪ .‬وهكذا كان‬ ‫تصوره عن الوجود محدودا وناقصا‪.‬‬ ‫عالقته بأنثاه كانت جيدة‪ .‬وكثيرا ما راح‬ ‫يداعبها بمنقاره ويثرثر طويال ويرفرف فى‬ ‫القفص وكأنما يؤكد كالمه! وكانت أنثاه‬ ‫تتقبل غزله فى صمت‪ ،‬إذ كانت‪ -‬بعكس‬ ‫اإلناث تماما‪ -‬صموتة وهادئة وال تشاركه‬ ‫الحماس للحياة‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫كان ممكنا لألمور أن تمضى على هذا‬ ‫النحو‪ ،‬لوال تلك السماء المكدسة بالغيوم‬ ‫والهواء المشحون بالكهرباء االستاتيكية‪،‬‬ ‫والتى أثارت انزعاج الطيور فراحت تطير‬ ‫فرادى وجماعات‪ .‬واحدة منها‪ ،‬أنثى برية‪،‬‬ ‫أنثى بحق‪ ،‬هبطت على سور الشرفة أمام‬ ‫القفص بالذات‪ ،‬وجهها فى وجهه‪ ،‬عيناها‬

‫فى عينيه‪ ،‬وراحت تتأمله فى فضول‪.‬‬ ‫هذه األنثى كانت جميلة جدا‪ .‬قوية‬ ‫وعفيّة وحقيقية تماما‪ ،‬لم ينهكها تتابع‬ ‫األجيال فى األسر مثله ومثل أنثاه‪ .‬فى هذه‬ ‫اللحظة نسى أنثاه تماما‪ ،‬وألول مرة يعرف‬ ‫أن القفص سجن‪ ،‬وألول مرة يتابع امتداد‬ ‫القطعة الزرقاء فيجدها شاسعة تصلح‬ ‫لتحريك الجناح!‬ ‫طارت العصفورة بعد أن أشبعت فضولها‪،‬‬ ‫ولم تدر أنها بددت سكينته بالكامل‪ ،‬وحتى‬ ‫حينما هب الهواء فتأرجح القفص فإنه لم‬ ‫يشعر بالذعر مثل أنثاه التى انكمشت فى‬ ‫جانب‪ ،‬وإنما راح يتسلق جوانب القفص‬ ‫ويتحدث بشكل محموم‪.‬‬ ‫عند منتصف الليل هبت رياح قوية‬ ‫أطاحت بالقفص على األرض‪ ،‬وانفتح باب‬ ‫القفص أمامه‪ .‬لم يكن هنالك أحد ليمنعه‬ ‫من مغادرة السجن‪ .‬سار فى تهيب حتى‬ ‫غادر باب القفص‪ .‬كان الليل دامسا وخاليا‬ ‫من النجوم‪ .‬والهواء يهب بشدة‪ .‬رفرف‬ ‫بجناحيه فوقف على السور وراح يرمق ثوب‬ ‫السماء األسود فى غموض‪ .‬ثم تذكر وليفته‬ ‫فوجدها تنظر منكمشة‪ .‬بدت له حزينة‬ ‫ومنكسرة وتحمل تاريخه كله‪ .‬لم تحاول أن‬ ‫تناشده‪ .‬هى من األصل قليلة الكالم‪.‬‬ ‫كان عليه أن يتخذ أخطر قرار فى حياته‪.‬‬ ‫الغموض والسواد والحرية؟ أم األنثى‬ ‫والطعام والسجن؟ أو لعله القفص! كان‬ ‫يستطيع تأجيل القرار حتى الصباح ولكنه‬ ‫لم يفعل‪ .‬حشر نفسه فى الباب الضيق‬ ‫والتصق بأنثاه‪.‬‬ ‫جاءت البنت الخادمة فى موعدها‬ ‫الصباحى‪ .‬أطلقت صيحة تعجّب حين‬ ‫شاهدت القفص واقعا على األرض‪ .‬حملته‬ ‫إلى مكانه وأغلقت بابه ووضعت الطعام‬ ‫المعتاد‪ .‬نظر الطائر إلى أنثاه فوجدها‬ ‫ضامرة ذابلة منعزلة‪ ،‬ومنذ ذلك اليوم كفّ‬ ‫تماما عن الغناء‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.