الأزياء المصرية 2025

Page 1

‫رئيس مجلس اإلدارة‬

‫أكرم القصاص‬

‫رئيس التحرير‬

‫عال الشافعى‬

‫‪w w w . y o u m 7 . c o m‬‬

‫أحمد إبراهيم الرشيف‬ ‫حط اإلنسان عىل األرض مُتح ّلال من كل ىشء؛ حتى ما‬ ‫يسرت به حضوره العارى‪ ،‬بحسب النص القرآنى‪ ،‬عندما‬ ‫عىص آدم وحواء أمر ربهما‪ ،‬بدت لهما سوءاتهما‪« ،‬وطفقا‬ ‫يخصفان عليهما من ورق الجنة»؛ ي ّ‬ ‫ُرقعانها بما يُشبه‬ ‫الثوب‪ ،‬ىف امليثولوجيا حكايات عدّة‪ ،‬وىف الفهم التاريخى‬ ‫ا ُملج ّرد ال ش ّك أن أول إنسان عىل األرض كان مكشوفا مثل‬ ‫طينهما؛ ثم أخذ يجمع من بيئته عودا إىل جوار آخر‪ ،‬وينسج‬ ‫رداءه األول‪ ،‬وينسج معه املداميك األوىل ىف ثقافته اإلنسانية‪.‬‬ ‫األصل واحد؛ لكن الحياة و ّزعته عىل طرق شتّى‪ ،‬العائلة‬ ‫األوىل أرست مالمح السرت؛ ثم أخذت تنترش وتستجيب‬ ‫لتحدياتها باإلمكانات املتاحة‪ ،‬من الطقس إىل ظروف‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وما بني الوفرة والنُدرة‪ ،‬وتراكم الخربة وفارق‬ ‫الخيال‪ ،‬وهكذا أخذت البرشية تنمو عىل خ ّ‬ ‫ط الزمن وعيًا‬ ‫وسلوكا‪ ،‬وعىل خ ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحض اكتشافا وممارسة‪ ،‬وتش ّكلت‬ ‫ط‬ ‫تمايزات الثقافة بني املجتمعات ىف صور عِ دّة؛ لعل من أهمها‬ ‫وأوضحها ما تختزنه الدواليب ويتع ّلق عىل مشاجب البيوت‪،‬‬ ‫وما ينتقل بعدّته الكاملة من ي ٍد ليد‪ ،‬أو يتحوّر ىف الزمان‬ ‫واملكان ككائن حى يتنفس صريورته اليومية‪ ،‬إنها األزياء‪،‬‬

‫املالبس‪ ،‬النسيج املشغول لُحمة وسداة‪ ،‬بغرزة من املادى‬ ‫وأخرى من املعنوى‪ ،‬وبالخيوط والهُ ويّة معً ا‪.‬‬ ‫ىف رحلة الشعوب املمتدة عرب الزمان‪ ،‬ال يبقى من التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫يرسخ ىف وجدان الناس‪ ،‬وما يتجسد ىف تفاصيل‬ ‫إال ما‬ ‫حياتهم اليومية‪ ،‬ومن بني هذه التفاصيل‪ ،‬تبقى األزياء أكثر‬ ‫من مجرد قماش يُلبس‪ ،‬إنها ذاكرة وهوية‪.‬‬ ‫ومرص‪ ،‬بتاريخها الضارب ىف القدم‪ ،‬ليست كأى بلد‪،‬‬ ‫فهى األرض التى احتضنت واحدة من أعظم الحضارات‬ ‫ىف التاريخ اإلنسانى‪ ،‬حضارة لم تكن يومً ا مجرد آثار عىل‬ ‫جدران املعابد‪ ،‬بل كانت نمط حياة معاشة‪ ،‬ال تزال بعض‬ ‫مالمحها باقية ىف وجدان املرصيني إىل اليوم‪.‬‬ ‫وما يثري الدهشة واإلعجاب أن املرصيني ظلوا‪ ،‬آلالف‬ ‫السنني‪ ،‬يعيشون وفق روح تلك الحضارة‪ ،‬بتناغم وتواصل‬ ‫بني األجيال‪ ،‬لكن‪ ،‬ىف العقود األخرية‪ ،‬بدأت العوملة تهدد هذا‬ ‫التواصل‪ ،‬وصار الخطر األكرب موجهً ا إىل الهوية املرصية‪،‬‬ ‫ومن أبرز مظاهر هذه الهوية األزياء التقليدية‪.‬‬ ‫رغم تنوع األزياء ىف مرص‪ ،‬ما بني الصعيد والدلتا‪ ،‬بني‬ ‫البدو والحرض‪ ،‬بني القرية واملدينة‪ ،‬فإن ثمة سمة مرصية‬ ‫أصيلة توحد هذا التنوع‪ ،‬فعندما ترى هذه األزياء‪ ،‬تشعر‬ ‫فو ًرا بعبق األرض‪ ،‬وتدرك أنها تنتمى إىل هذه الرتبة الطيبة‪.‬‬ ‫لكن هذا التنوع الثرى بات مهددًا باالندثار‪ ،‬ألسباب ثالثة‪:‬‬ ‫التأثري الخارجى منذ سبعينيات القرن املاىض‪ ،‬حني‬ ‫سافر عدد كبري من املرصيني للعمل ىف الدول العربية‪ ،‬ثم‬ ‫عادوا محملني بثقافات وأنماط ملبس مختلفة‪ ،‬وبدأوا ىف‬ ‫تعميمها بوصفها نموذجً ا للتدين‪ ،‬متناسني أن كل بيئة لها‬ ‫ما يناسبها‪ ،‬وأن الخصوصية الثقافية ال تتناقض مع الدين‪،‬‬ ‫بل تعززه‪.‬‬ ‫سطوة العوملة الغربية‪ ،‬التى فرضت ثقافتها عىل‬ ‫املجتمعات‪ ،‬وارتبطت عند البعض بمفاهيم «التحرض»‬ ‫و»التمدن»‪ ،‬فصار االنسياق وراء األزياء الغربية نوعً ا من‬ ‫التطور‪ ،‬عىل حساب فقدان الطابع املحىل‪ ،‬ما يستدعى‬ ‫مواجهة واعية لحماية ما تبقى من خصوصيتنا‪.‬‬ ‫تفكك الخصوصية املحلية‪ ،‬حيث لم يعد الزى التقليدى‬ ‫ً‬ ‫وخصوصا لدى‬ ‫محل فخر واعتزاز كما كان ىف السابق‪،‬‬ ‫النساء‪ ،‬حيث تراجعت األلوان الزاهية وهيمنت العباءة‬ ‫السوداء‪ ،‬التى تحوّلت إىل رمز كئيب‪ ،‬يوحى بالحزن‪،‬‬ ‫ويفرض حالة من الفقد املستمر‪.‬‬ ‫ولذلك‪ ،‬نفتح هذا امللف املهم تحت عنوان‪« :‬األزياء املرصية‬ ‫بوصفها هوية»‪ ،‬لنُعيد النقاش حول معنى الزى‪ ،‬ودوره ىف‬ ‫التعبري عن اإلنسان واملكان‪ ،‬قبل أن نتحول إىل مجرد أفراد‬ ‫نرتدى ما يُفرض علينا‪ ،‬دون وعى أو تميّز‪.‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.