تربية عبد القادر الجنابي

Page 1

‫تربية عبد القادر الجنابي‬

‫عبد القادر الجنابي‬


‫ألن الكتابة ليست مجرد تعب‪ /0‬عما خفي ع ى الكاتب *ي أعماقه وإنما ‪$‬ي كذلك جوالنه ع ى سطح‬ ‫ٔالاعماق الكتشاف ما ترسب *ي ذاكرته فغدا جزءا منه‪ ،‬فالكاتب‪ ،‬بقدر ما يتشرد *ي متيه ذاتية حرة‪،‬‬ ‫يولد لديه‪* ،‬ي حمى هذا التشرد‪ ،‬شعور باالستيالء ع ى مجمل املا‪ OPQ‬وباالبتعاد عن كل موضوعية‪.‬‬ ‫كذلك‪ ،‬فما يعلق *ي ذاكرته من كالم ٓالاخرين يتقمص أحيانا كث‪/0‬ة معاني غ‪ /0‬تلك ال[‪ O‬قصد إل‪XY‬ا‬ ‫أصحابه‪ .‬ويؤول هذا – أن ذاكرة الكاتب ليست تراكمية انتفاعية ‪ ،‬يؤول‪* ،‬ي هذﻩ الصفحات‪ ،‬إ‪k‬ى حصر‬ ‫بعض الاقتباسات بقوس‪0‬ن ) ( لتذك‪ /0‬القارئ‪ ،‬فقط‪ ،‬بأ‪Xu‬ا ليست ‪k‬ي‪ ،‬وإن تكاد تكون من صلب ما أفكر‬ ‫به‪ ،‬دون ذكر "ع ى حد قول"‪ ،‬أو "كما قال"‪ ،‬ذكر غالبا ما يرتد خيانة لغائية قائلها الباطنة‪.‬‬ ‫)وٓالان‪ ،‬وقد أعطيتك‪ ،‬يا عزيزي القارئ‪ ،‬املفاتيح‪ ،‬هاك ٔالاقفال‪ ...‬افتحها‪ ،‬فكل ٔالابواب تف ‪ OP‬إ‪k‬ى ع‪0‬ن‬ ‫الرواق الذي هو البداية وال ‪X‬اية وال ينت ‪ O‬إال حيث يبدأ(‪.‬‬

‫‪٢‬‬


‫عجائن أولية‬

‫‪٣‬‬


‫‪١‬‬

‫تذكر وقائع آل الجنابي أنه ما إن وضعت ‪ O‬أمي ع ى جديد ٔالارض‪ ،‬ح[ هبط املأل ٔالاع ى فختنت‪ .‬ويقال‬ ‫إن ثالثة جوامع أغلقت ‪Xu‬ار والدتي‪ ،‬ووجد الج‪/0‬ان‪* ،‬ي اليوم التا‪k‬ي‪ ،‬رجل دين مشنوقا *ي غرفته‪ .‬لم‬ ‫يعرف أحد السبب‪ ،‬غ‪ /0‬أن الخ ‪ /‬املنشور *ي إحدى الجرائد آنذاك‪ ،‬أفاد أن رجل الدين هذا ترك ورقة‬ ‫كتب ف‪XY‬ا‪" :‬نور أمرني بذلك"! لكن ما هو تاريخ والدتي بالضبط؟ ال أعرف‪ .‬كل ما أعرفه هو أني ولدت *ي‬ ‫ٔالاول من تموز ‪ ،١٩٤٤‬حا‪k‬ي حال مالي‪0‬ن العراقي‪0‬ن ٓالاخرين‪ ،‬حسب هوى وزارة النفوس العراقية‪ .‬هكذا‬ ‫أم‪k P ‬ي‪ ،‬إذا‪ ،‬برج اسمه السرطان‪ ،‬من صفاته الحدة وٕالاسراف والنقاء‪ .‬ومن الذين ولدوا تحت هذا‬ ‫ال ‪/‬ج‪ :‬كافكا‪ ،‬روسو‪ ،‬مودلياني‪ ،‬شاجال‪ ،‬بنجاما ب‪/0‬يه‪ ،‬وال¡‪ /‬بنيام‪0‬ن وصديقي ٔالاناس اللغوي شارل إيلوز‬ ‫الذي رأى كلود ليفي ش¡‪/‬واس يرتفع من جلد الزواحف‪.‬‬

‫‪٢‬‬

‫كانت منطقة رأس القرية‪* ،‬ي بغداد‪ ،‬ال[‪ O‬ولدت ف‪XY‬ا‪ ،‬أشبه ببوتقة يختلط ف‪XY‬ا املسلم باملسي‪¤‬ي‪ ،‬وهذا‬ ‫بال‪XY‬ودي‪ ،‬وحابل الجميع يختلط بنابل الصابئة‪ ،‬ال¡‪/‬كمان‪ٓ ،‬الاشوري‪0‬ن‪ٔ ،‬الاكراد‪ ،‬والرسل الثالثة‪،‬‬ ‫بالشحاذين والعيارين الذين كانوا يمألون بغداد‪ .‬كنا نشعر أن ﷲ موجود *ي صدر البيت وكأنه برج بابل‬ ‫ًّ‬ ‫مارا بكل البيوت وبنداءات البقالة والباعة املتجول‪0‬ن‪ ،‬ح[ ينت ‪ O‬عند املق ‬ ‫يمتد من غرفة النوم‬ ‫الواقع *ي رأس الشارع حيث البلبلة وخشيش ال¬‪/‬د وصياح النادل ومالسنات الع‪ Oª‬الدومينو والطاولة‪،‬‬ ‫واملق حيث نجلس ح[ مآخ‪ /0‬الليل نشاهد فيلما أم‪/0‬كيا ع ى شاشة التلفزيون‪ ،‬لنضاعف من طاقة‬ ‫الحلم‪ .‬مسلم أنا؟ هذا مستحيل‪ .‬ألم أطرد من "الكتاب" الذي أدخلت إليه قسرا بعد شهر واحد ألني لم‬ ‫أستطع أن أحفظ آية واحدة عن ظهر قلب؟ وكانت حمى التيفوئيد ال[‪ O‬أصابت ‪ O‬ذات حدين‪ ،‬إذ بقدر‬ ‫ما أودت ببعض جما‪k‬ي‪ ،‬نظفت ذاكرتي من ال¬‪³‬وع البافلو*ي الكامن *ي ذاكرة كل انسان‪ .‬لم تبق ‪k‬ي سوى‬ ‫ذاكرة بصرية استخالصية ال تخ¡‪³‬ن إال مفردات عصيانية ومشاهد إثارة‪ .‬وربما بفضل هذﻩ الحمى‬ ‫أدركت أن الكلمات املحفوظة عن غيب قلب إن ‪$‬ي إال بمثابة شرط يحدون من وثبة الفكر عند الكتابة‬ ‫وح[ عند الحديث‪ .‬ولكن هذا ال يع ‪ O‬أنه يجب أن أعصر ذاكرتي لكي أتذكر لحظة‪ ،‬ذاك املساء مثال‪* ،‬ي‬ ‫‪٤‬‬


‫املعهد الفرن‪ ،OP ‬حيث جلست جانب فتاة ·‪X‬ودية كانت تتحدث كالما مزموريا لن أنساﻩ‪ ،‬واملعلم‬ ‫الفرن‪ OP ‬يخط ع ى السبورة السوداء بطبشور وردي اللون" ‪ .Je‬كان مساء جميال جمال البطيخ ٔالاحمر‪.‬‬

‫‪٣‬‬

‫ّ‬ ‫بعد أن طردت من "الكتاب" بقيت ألعب *ي الشارع حيث يتلقى الطفل درسه ٔالاول *ي ضرورة تسمية‬ ‫ٔالاشياء بأسما»‪X‬ا‪ ،‬ويتعلم – بفضل الحركة الصراعية ب‪0‬ن عناصر الشارع – من حيوان وبشر – كل‬ ‫ٔالالفاظ املهذبة والسيئة ال[‪ O‬تعينه *ي الك ‪ ./‬فالشارع شاشة عمالقة تنساب ف‪XY‬ا شرائح املجتمع‬ ‫الفوقية‪ :‬املوظفون‪ ،‬رجال املخابرات‪ ،‬شرطة املرور‪ ،‬امل½‪X‬ندمون‪ ،‬الطالب‪ ،‬املعلمون‪ ،‬التجار‪ ،‬رجال‬ ‫ٔالاعمال‪ ،‬والسفلية‪ :‬الشحاذون‪ ،‬العاطلون عن العمل‪ ،‬العاهرات‪ ،‬القطط‪ ،‬الكالب‪ ،‬املشوهون‪ ،‬العرج‪،‬‬ ‫البغال‪ ،‬الباعة‪ ،‬الليليون وكل الضحائي‪0‬ن الذين لم يعد لهم مكان يطمئنون إليه‪ ،‬خصوصا املجان‪0‬ن‬ ‫الذين كنا‪ ،‬نحن ٔالاطفال‪ ،‬نحب أن نركض وراءهم تعاطفا معهم أو سخرية م ‪X‬م‪ .‬ومن ب‪0‬ن هؤالء‬ ‫مجنونان كنت أتابعهما‪ٔ .‬الاول كان يقف عند رأس جسر ما ويعرضه للبيع بكل عابريه وبسعر زهيد‪ :‬مئة‬ ‫دينار!‪ ،‬والثاني كان وسخا جدا إال فروة رأسه ال[‪ O‬كان يغسلها كل ساعة بماء حنفية الجامع‪ ،‬أو بماء‬ ‫الشط‪ ،‬ثم يم‪ OPÁ‬مسافة‪ ،‬وما إن يرى مب عاليا‪ ،‬ح[ يرفع رأسه إ‪k‬ى الطابق ٔالاخ‪ /0‬ويردد كلمات بعربية‬ ‫جد فصيحة وكأنه يتحدث إ‪k‬ى سيبويه أو إ‪k‬ى فقيه لغوي‪ ،‬هكذا كان يق ‪Xu OP‬ارﻩ ب‪0‬ن ٔالازقة قرب‬ ‫الطوابق ٔالاخ‪/0‬ة‪ ،‬ثم يختفي *ي مطاوي الليل‪ .‬كنت‪* ،‬ي أحيان‪ ،‬أبيع البوظة أو العص‪* /0‬ي عربة صغ‪/0‬ة‪ ،‬أو‬ ‫ّ‬ ‫كلفاف سجاير لدى بائع جعفري *ي محلة سيد سلطان ع ي‪ ،‬كان يتصور بتلقي ‪ O‬املذهب – كيف آكل‪،‬‬ ‫أغسل يدي‪ ،‬أص ي إلخ‪ – ...‬أرتد داعيا *ي حركة نشر الجعفرية *ي أنحاء العالم‪ .‬لكنه قتل قبل أن ينت ‪O‬‬ ‫من تعليمي بسكينة طعن½‪X‬ا *ي ظهرﻩ‪ ،‬دون قصد‪ ،‬يد آشوري مجنون كان يسابق كرديا *ي رمي السك‪0‬ن‬ ‫من بعد عشرين م¡‪/‬ا ع ى هدف كان بائع السجائر امللفوفة الجعفري ينام فيه‪ .‬لم أجلب إ‪k‬ى عائل[‪ O‬من‬ ‫كل مهن العوائل الفق‪/0‬ة هذﻩ سوى املتاعب واملشاكل مع الناس مما دفع أمي إ‪k‬ى إدخا‪k‬ي أحدى املدارس‬ ‫الابتدائية لكي تتخلص من وجودي *ي البيت دون فائدة‪ ،‬فضال عن أن التعليم كان مجانا‪ .‬إذا‪ ،‬وأنا أكاد‬ ‫أسلخ الحادية عشرة من عمري‪ ،‬تم تسجي ي *ي مدرسة رأس القرية الابتدائية للبن‪0‬ن وللبنات‪ ،‬والدراسة‬ ‫ف‪XY‬ا كانت محدودة إ‪k‬ى الصف الرابع‪ ،‬وفيما بعد ينتقل كل جنس إ‪k‬ى املدرسة املخصصة لجنسه‪:‬‬ ‫الطالب إ‪k‬ى مدرسة خاصة بالبن‪0‬ن‪ ،‬والطالبة إ‪k‬ى أخرى خاصة بالبنات‪ .‬كم كانت دهشة أبي وأمي عندما‬ ‫ً‬ ‫نلت درجة ٔالاول ع ى املدرسة كلها‪ ،‬كانت كب‪/0‬ة إ‪k‬ى حد طفقا معا ينظران بريبة وشزر إ‪k‬ى "املالية"‪) ،‬نعم‬ ‫مالية – إمرأة تعلم القرآن(‪* ،‬ي "الكتاب" ال[‪ O‬أخ ‪XÆ/‬ما بأنه ال فائدة تر‪Å‬ى م ‪ .O‬لم يأخذاني إ‪k‬ى محلل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نف‪ OP ‬لكي يجدا تفس‪/0‬ا لهذا النفور من "الكتاب" إذ سرعان ما أكدت لهما‪* ،‬ي السنة الثانية والثالثة‬ ‫‪٥‬‬


‫ودواليك‪ ،‬بأني طالب متفوق ع ى زمالئي‪ ،‬وبأن عدم قدرتي ع ى استظهار آية واحدة‪ ،‬أمر ال يتعلق بي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وإنما بالقرآن نفسه أو بالطريقة املتبعة *ي "الكتاب"‪.‬‬

‫‪٤‬‬

‫قضيت أجمل سنوات حياتي *ي هذﻩ املدرسة ال[‪ O‬ال أزال أذكر بمنت التفاصيل كل ما كان من‬ ‫أحوالها" الطلبة‪ ،‬الطالبات‪ ،‬موقعها *ي ‪Xu‬اية زقاق ضيق‪ ،‬صورة امللك فيصل الثاني‪ ،‬السبورة الكب‪/0‬ة‪،‬‬ ‫الطباش‪ /0‬امللونة‪ ،‬الباحة ال[‪ O‬كنا نصطف ف‪XY‬ا كل صباح لنؤدي نشيد الوطن‪ ،‬الصالة حيث تجلس‬ ‫املعلمات جلسات كافية لنختلس م ‪X‬ا ما يكفي لالستحالم ليال‪ ،‬السلم الضيق الذي يف ‪ OP‬إ‪k‬ى الغرفة‬ ‫املخصصة للفعاليات املسرحية حيث كنت أتدرب ع ى تأدية دور كهل مريض يتضرع إ‪k‬ى الشمس أن‬ ‫تن ‪ O‬إضرا‪XÈ‬ا عن الشروق‪ ،‬التلميذ الصاب‪ OÇ‬الذي كان يضربه أبوﻩ الحالق كل يوم وال أعرف ملاذا‪،‬‬ ‫البواب بنظارته‪ ،‬املصطبات‪ ،‬القرطاس وكتب تقص كل بكلة تنمو *ي شعر رأ‪ ،OPÉ‬اليوم الذي هربت فيه‬ ‫من املدرسة بال سبب‪ ،‬الزوايا ال[‪ O‬كنت أجتمع ف‪XY‬ا مع شلة كما لو أننا عصابة‪ ،‬وكنيسة الكلدان ال[‪O‬‬ ‫ً‬ ‫كان حوشها أخصر طريق ب‪0‬ن البيت واملدرسة‪ ،‬أقطعه كل صباح‪ ،‬فإن كنت مبكرا أمد إصب‪Ê‬ي *ي جرن‬ ‫املاء املقدس املوضوع عند مدخل صحن الكنيسة وأرسم ع ى وج ‪ O‬إشارة الصليب‪ ،‬ثم أدخل مع‬ ‫آخرين وكأن ‪ O‬طفل مسي‪¤‬ي‪ .‬كل ‪OPÌ‬ء مائل *ي ذاكرتي من رفات تلك املدرسة ال[‪ O‬لم أكن ف‪XY‬ا طالبا‬ ‫جديا فحسب‪ ،‬بل كذلك وسيطا ب‪0‬ن معلمة القراءة املسيحية وحبيب لها يعمل خبازا‪ ،‬كث‪/0‬ا ما كنت‬ ‫أقرأ رسائلها الغرامية إليه‪ ،‬وأنقل تحياته الشفهية إل‪XY‬ا ألنه كان مسلما أميا‪ ،‬مجرد فالن يعرف كيف‬ ‫يعجن العج‪0‬ن فحسب‪ .‬وعندما أعود إ‪k‬ى الصف أفتح دف¡‪/‬ي فأجد فيه عشرة ع ى عشرة‪ .‬كانت امرأة‬ ‫ً‬ ‫رائعة لو حظي ‪XÈ‬ا بروتون ألضاف سحنة عراقية إ‪k‬ى مفهومه للحب املجنون‪ .‬كان كل ‪OPÌ‬ء ف‪XY‬ا ي¬‪ ³‬جماال‬ ‫ً‬ ‫وشبقا‪ .‬أصيبت ذات مرة بالحمى فكنت الوحيد الذي يزورها‪ ،‬والغريب أن زيارتي لها أفصحت *ي عن‬ ‫ميل ال يزال بالزم ‪ O‬إ‪k‬ى اليوم وهو أن شهوتي الجنسية تزداد ما إن أشتم ارتفاعا *ي حرارة هذﻩ املرأة أو‬ ‫تلك الفتاة‪ .‬أما معلمة درس الدين‪ ،‬فكانت تغلق الباب وتطلب من تلميذ كردي اسمه عبد ٔالام‪ ،/0‬يجيد‬ ‫تقليد غناء فريد ٔالاطرش وتجويد الشيخ عبد الباسط‪ ،‬أن يغ ‪ O‬لنا "لحن الخلود" تارة وأن يجود لنا‬ ‫سورة التكوير تارة أخرى‪ .‬و*ي كال الحالت‪0‬ن كنا ننظر إل‪XY‬ا خاشع‪0‬ن و‪$‬ي *ي حالة من الوجد والهيام‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وكأ‪Xu‬ا تتحدث إ‪k‬ى فارس أو إ‪k‬ى إله‪ .‬أمر بقي لغزا إ‪k‬ى اليوم‪.‬‬ ‫‪٦‬‬


‫‪٥‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫كان التعليم *ي هذﻩ املدرسة جديا وحرا وكل ما كنا نقرأﻩ كان علميا ال تتحكم فيه أصوليات خرافية‪،‬‬ ‫وف‪XY‬ا – أذكر – كانت أول معرف[‪ O‬بأن آدم ابن قرد‪ .‬كان ع ى كل واحد منا أن ي ‪/‬هن‪ ،‬داخل الصف أو *ي‬ ‫ساحة املدرسة أثناء ف¡‪/‬ات الاس¡‪/‬احة‪ ،‬ع ى ذكائه وشطارته‪ .‬كم كنت ذكيا *ي هذﻩ املدرسة‪ ،‬و*ي مدرسة‬ ‫الرشيد ومتوسطة الجعفرية الليلية‪ ،‬فيما بعد‪ .‬لكن آﻩ كم كنت أكرﻩ مادة النحو‪ ،‬دروس الدين‪،‬‬ ‫ٔالاحياء‪ ،‬وع ى ٔالاخص دروس الجغرافية‪ ،‬كنت دائما أتصور لبنان جبال تلفه خيوط الشمال البيضاء‪،‬‬ ‫والقلب ب‪0‬ن تالفيف الدماغ‪ .‬أحب ‪OPÌ‬ء إ‪k‬ي كان دروس املطالعة‪ ،‬التاريخ‪ ،‬اللغة ٕالانجل‪³0‬ية والج ‪ ./‬و*ي‬ ‫أيام العطلة‪ ،‬كان نشاطي يتوزع ب‪0‬ن لعبة ال¬‪/‬د مع أوالد املحلة‪ ،‬ومطاردة فتيات الج‪/0‬ان‪ ،‬وب‪0‬ن هواي[‪O‬‬ ‫املفضلة‪ :‬تجميع صور ممث ي هوليوود املنشورة *ي املجالت ٔالام‪/0‬كية أو املصرية كمجلة الكواكب‪،‬‬ ‫وتأط‪/0‬ها ثم تعليقها *ي غرف[‪ .O‬ولكم حزنت عندما دخل خا‪k‬ي غرف[‪ O‬وحطم كل الصور‪ ،‬احتجاجا ع ى‬ ‫اهتمامي بممثل‪0‬ن ال بممثالت‪ ،‬كما لو أن *ي ٔالامر شذوذا جنسيا!‬

‫‪٦‬‬

‫كان أفراد هذﻩ العائلة البسيطة واملتوسطة الحال‪ ،‬يعقدون ع ي ش[ ٓالامال‪ .‬غالبا ما كنت – وأنا أقرا‬ ‫املسخ لكافكا – أس¡‪/‬ق السمع إ‪k‬ى أحادي‪XÓ‬م الدائرة ع ى مستقب ي‪) :‬لو ٔالافضل أن يشتغل *ي التعليم(‪،‬‬ ‫يق¡‪/‬ح أبي‪ .‬فيع¡‪/‬ض أ‪Ô‬ي قائال‪) ،‬لو يكمل دراسته وينخرط *ي الكلية العسكرية‪ ،‬أفضل له‪ .‬فالسلطة *ي‬ ‫يد الضباط(‪ .‬لكن أمي تبتدرهما قائلة‪) :‬أسلم وظيفة له ‪$‬ي *ي دائرة حكومية‪ ،‬وبراتب مح¡‪/‬م‪ ،‬بعيدا عن‬ ‫مشاكل السياسة التعليم(‪ .‬مسكينة عائل[‪ ،O‬لم تدرك املع الحقيقي لكالم )املالية( بأنه ال خ‪* /0‬ي وال‬ ‫فائدة م ‪ O‬تر‪Å‬ى‪ ،‬ال للوطن‪ ،‬وال للدين وال ح[ للعائلة‪ .‬ومثل ما قدر ع ي أن أدخل املدرسة متأخرا‪ ،‬كان‬ ‫‪٧‬‬


‫مص‪/0‬ي أن أتركها مبكرا ومن أقصر الطرق – النافذة – صوب جيل ضائع متمرد ع ى القيم والتقاليد‪،‬‬ ‫جيل مخيب آمال عائالت كث‪/0‬ة من أجل قصيدة أو قصة أو مقالة تنشر *ي هذﻩ الجريدة أو تلك املجلة‪،‬‬ ‫كان يتنامى‪ ،‬منحدرا من املدن ٔالاخرى‪* ،‬ي مف¡‪/‬ق شوارع بغداد ومقاه‪XY‬ا‪ ،‬سيعرف فيما بعد بجيل‬ ‫الستينات‪.‬‬

‫‪٧‬‬

‫ّ ً‬ ‫كان أبي من طائفة ) َع َرق ّ‬ ‫شريبا فقيد الشبيه‪ .‬لقد بدد كل ثروته *ي حانات الخمر‪ ،‬سباق‬ ‫مسيح(‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الخيل و*ي بيوت الدعارة‪ ،‬مع أنه كان يعشق أمي عشقا ال نظ‪ /0‬له‪ .‬لكن يبدو أنه كان يستمد من الخيانة‬ ‫الزوجية لذة ك ‪/‬ى‪ ،‬هذا ما قاله ‪k‬ي ذات يوم بعد أن خرج من بيت عاهرة *ي منطقة امليدان‪×) ،‬ي‬ ‫العاهرات(‪ ،‬وأخذني من حيث كنت أنتظرﻩ‪ ،‬وطفقنا نركض هارب‪0‬ن م ‪X‬ا ألنه لم يدفع لها املبلغ املتفق‬ ‫عليه‪ .‬وواضح أن أ‪Ô‬ي ٔالاك ‪ /‬كان متأثرا بأخالقية أبي الجنسية هذﻩ‪ ،‬وله تجارب فذة مع النساء‪ .‬ذلك أنه‬ ‫َ​َ َ‬ ‫دعاني‪* ،‬ي أحد ٔالايام‪ ،‬إ‪k‬ى مضاجعة مومس كردية فت ْست ْع ِر‪ OPQ‬فرجها تحت أشعة ضوء املصباح املعلق‬ ‫*ي الطابق العلوي الذي أضافه إ‪k‬ى دكانه غرض مثل هذﻩ اللقاءات‪ .‬بقيت‪ ،‬ذات مرة‪ ،‬نصف ساعة‬ ‫أحدق *ي هذا الفرج الذي لآلن أعتقد أنه كان أخضر اللون كما لو أنه خاتم من الزمرد له بظر‪،‬‬ ‫شفران‪ ،‬وزغب مجعد ع ى شكل خصائل مديدة لكم تخلل½‪X‬ا أصاب‪Ê‬ي الصغ‪/0‬ة – فرج‪ ،‬لم أر له مثيال إال‬ ‫عند فتاﻩ إنجل‪³0‬ية‪ ،‬قد آتي ع ى وصفه *ي القصيدة مقبلة‪ .‬كان أبي يتكلم *ي نومه‪ ،‬وأحيانا كالمه‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫رنمي‪ ،‬قبل أن يستيقط بساعة واحدة‪) :‬لن ولو واحدة سرداب(! وقد حاولت مع أ‪Ô‬ي فك رموزﻩ‪،‬‬ ‫لكننا لم نفلح سوى بتفس‪ /0‬صغ‪ /0‬هو أن أبانا لم يكن مريضا نفسيا وإنما كان ·‪X‬ذي من شدة الخمرة‬ ‫ع ى نحو يختصر معه الجملة التالية‪) :‬لن أدخل السرداب ولو للحظة واحدة(‪ ،‬وهو جواب أبي لجارنا‬ ‫الذي طلب منه أن ي¬‪³‬ل سرداب بيته املسكون‪ .‬كان رجال وسيم الطلعة‪ ،‬له عينان زرقاوان‪ ،‬وشعر‬ ‫أشقر‪ ،‬وحكمة *ي الحياة‪) :‬اسكروا‪ ،‬هذا كل ما هناك(‪ .‬كان له مق صغ‪ /0‬داخل )شريعة السمك(‪،‬‬ ‫)سوق للبيع بالجملة(‪ ،‬يقع ع ى ضفاف دجلة‪ ،‬جهة الرصافة‪ .‬كان يباشر العمل اعتبارا من الخامسة‬ ‫ً‬ ‫صباحا ويبقى فيه إ‪k‬ى العاشرة‪) ،‬صباحا(‪ ،‬أي إ‪k‬ى ح‪0‬ن خلو الزوارق وعودة الباعة إ‪k‬ى بيو‪XÆ‬م‪ .‬فيتوجه‬ ‫عندئذ إ‪k‬ى )امليخانة( الحتساء عدة كؤوس من العرق‪ ،‬وال يخرج م ‪X‬ا إ‪k‬ى البيت إال بعد أن يكون شبه‬ ‫وجبة واحدة لعائلتنا املكونة من ثمانية أشخاص‪ .‬لقد سمعت بنبأ موته بعد سنوات ألن املراسلة قد‬ ‫‪٨‬‬


‫انقطعت أثناء حرب )القادسية( بي ‪ O‬وب‪0‬ن عائل[‪ .O‬كنت كث‪/0‬ا ما أمازحه وبشكل شرس فيغضب‬ ‫ويطاردني ع ‪ /‬السطوح‪ ،‬فيث‪ /0‬ضحك كل من أخرج رأسه‪ ،‬ليتابع املنظر‪ ،‬من شناشيل بيته‪ .‬لكن ذات‬ ‫مرة اعتدى ع ى أمي‪ ،‬فأرسلت ملعاقبته‪ ،‬وما إن بلغت مقهاﻩ‪ ،‬ح[ شرعت أكسر كؤوس الشاي‪ ،‬املغالة‪،‬‬ ‫الكرا‪ ،OPÉ‬فاحتدم غيظا‪ ،‬وتطاير الشرر من كلتا عينيه‪ ،‬وما ‪$‬ي إال أن تناول فأسا كب‪/0‬ة وألقاها صوبي‪،‬‬ ‫فكانت ع ى وشك أن تشج رأ‪ OPÉ‬لو لم أتنح جانبا‪ .‬لقد عب ذاك ال ‪X‬ار من الكحول ما سقط معه ع ى‬ ‫فراشه حزينا‪ ،‬يضرب رأسه بيديه ويبكي‪ .‬كان وحيدا‪ ،‬ماتت أمه وهو طفل صغ‪ ،/0‬وأرسل أبوﻩ مقاتال‬ ‫عثمانيا *ي حرب سفر برلك ضد الروس‪ ،‬ولم يعد أبدا‪ .‬وكث‪/0‬ا ما تساءلت هل مات جدي هذا حقا أم أنه‬ ‫ّ‬ ‫عاش *ي روسيا َرخيا متنكرا لعائلته‪ .‬لم يعرف أحد بمص‪/0‬ﻩ‪ ،‬ولم يأبه أي منا بالبحث عنه‪ .‬لقد ن‪ OP ‬مثل‬ ‫ما نسيت أمور كث‪/0‬ة *ي تاريخ العائلة‪.‬‬

‫‪٨‬‬

‫كانت أمي من طراز آخر‪ ،‬مؤمنة‪ ،‬جميلة‪ ،‬سخية‪ ،‬تحب الرحلة والتنقل‪ .‬سافرت إ‪k‬ى بلدان عديدة م ‪X‬ا‬ ‫فرنسا ال[‪ O‬زارت ‪ O‬ف‪XY‬ا أوائل ‪* .١٩٧٨‬ي باريس‪ ،‬وع ى عكس معظم العراقي‪0‬ن الذين يحتجزون أمها‪XÆ‬م *ي‬ ‫البيت خجال‪ ،‬كانت أمي ترافق ‪ O‬طوال ال ‪X‬ار بعباء‪XÆ‬ا السوداء وفوط½‪X‬ا البيضاء *ي شوارع ال‪¤‬ي الالتي ‪،O‬‬ ‫تنتظرني عند باب مكتبة‪ ،‬أو *ي مق السوربون‪ .‬تتحدث مع كل أصدقائي بكل انفتاح أمومي‪ .‬لقد‬ ‫تعلمت م ‪X‬ا الانغمار بكل قواي *ي معمعان هذﻩ الحياة حد أنه باتت عندي من الكبائر خشية من‬ ‫الضالل *ي مسالكها‪ ،‬فيح‪ /0‬ماذا يأخذ وماذا يدع‪ .‬كانت أمي تعاقبنا ع ى أية غلطة نق¡‪/‬ف‪ ،‬وكانت تريد‬ ‫ﱠ‬ ‫أن يحافظ كل منا ع ى ك ‪/‬يائه‪ ،‬ع ى مع وجودﻩ *ي الحياة‪ ،‬أن يلتذ بكل دقائقها‪ ،‬لكن بك ‪/‬ياء ال‬ ‫تشو‪XÈ‬ا أية شائبة ُب ْؤ َس ّ‬ ‫وية‪ .‬و*ي الواقع‪ ،‬لم أضمر *ي نف‪ ،OP ‬والفضل يعود إ‪k‬ى السلطة ٔالامومية‬ ‫املتحكمة *ي البيت‪ ،‬بغضا شديدا إال ل‪OPÁ‬ء واحد‪ :‬الاستجداء واستدرار الشفقة‪ .‬أعرف ٓالان ملاذا أتحدث‬ ‫إعجابا عن املشهد ٔالاخ‪ /0‬من الفليم ٔالام‪/0‬كي‪) :‬أنا هارب من ج‪0‬ن كانغ(‪ ،‬الذي أخرجه م‪/0‬ف‪0‬ن ل‪/0‬وي سنة‬ ‫‪ ،١٩٣٢‬حيث نرى بطل الفلم‪) ،‬بول موني(‪* ،‬ي رواق مظلم يجيب ع ى سؤال وجهته زوجته إليه‪) :‬كيف‬ ‫تعيش؟( فيجيب بن ‪/‬ة تنم عن عزة النفس‪ ،‬وهو يتوارى *ي الظالم‪ ،‬و*ي يدﻩ مسدس‪) :‬أسرق(‪ ،‬السلوك‬ ‫الوحيد نفسه الذي يميط اللثام عن حقيقة امللكية *ي هذا املجتمع بأ‪Xu‬ا سرقة‪ ،‬كما وضح برودون‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫نصا ضد‬ ‫ولكم كانت فرح[‪ O‬كب‪/0‬ة عندما اكتشفت أن بروتون أعجب ‪XÈ‬ذا الفلم وكتب ‪XÈ‬ذا املع ‬ ‫‪٩‬‬


‫ً‬ ‫البؤسوية‪ .‬لقد شعرت به واحدا من العائلة‪ ،‬وهو كذلك‪ .‬أما ع ى صعيد السياسة‪ ،‬فإن أمي كانت‬ ‫شيوعية الهوى‪ .‬هكذا‪ ،‬ال أحد يعرف كيف وملاذا‪ .‬حالها حال كل النساء العراقيات بقدر‪XÆ‬ن ع ى‬ ‫التحمل‪ ،‬اللواتي كن يحملن بمجتمع شيو‪å‬ي دون أن يسمعن شيئا عن مبدأ واحد من مبادئ لين‪0‬ن أو‬ ‫ماركس‪ ،‬أو عن معسكرات ستال‪0‬ن فينصرفن عن شيوعي½‪X‬ن‪ .‬كانت دائبة ع ى املشاركة *ي املظاهرات‬ ‫النسائية – ذات الطابع ٔالاممي – ال[‪ O‬عرفها العراق بعد ثورة ‪ ١٤‬تموز )يوليو(‪ ،‬وم ‪X‬ا بالطبع املظاهرة‬ ‫الشه‪/0‬ة ال[‪ O‬هتفت ف‪XY‬ا نساء العراق‪ ،‬بتولع وهيام‪) :‬ماكو مهر بعد شهر(‪ .‬لم تضمر أمي ضغينة أو‬ ‫حزازة من ثراء العائالت ال[‪ O‬كانت تخدم لد·‪X‬ا‪ ،‬ومن بي ‪X‬ا عائلة ح‪æ‬ي جب‪ /0‬ال[‪ O‬كانت تعامل ‪ O‬كما لو‬ ‫كنت خامس أبنا»‪X‬ا‪ :‬سعاد‪ ،‬حليمة‪ ،‬محمد‪ ...‬وصباح‪ ،‬بكر العائلة‪ ،‬الذي كان صديقي الدائم‪ ،‬بل أخا‬ ‫أتبادل معه كل عواطف ٔالاخوة من رقة وخشونة‪ .‬كان مغرما بقيادة السيارات واملوتورسيكل‪ ،‬رغم صغر‬ ‫سنه‪ ،‬فكنا نقوم أسبوعيا بـ )سفرة( إ‪k‬ى غابات بعيدة خارج مدينة بغداد‪ ،‬نف¡‪/‬ش شتلة أعشاب قرب‬ ‫جدول ماء‪ ،‬نقلب النظر *ي القبة الزرقاء‪ ،‬وكأننا نس ‪ /‬أقا‪ OPè‬مدينة شيدت بأيدي الخيال‪ ،‬ع ى طراز‬ ‫مدن رعاة البقر ٔالام‪/0‬كي‪0‬ن‪ ،‬لكن وسائط النقل ف‪XY‬ا ليست خيال وإنما دراجات نارية‪ ،‬ويعيش ف‪XY‬ا‬ ‫املراهقون واملراهقات بسالم متمتع‪0‬ن بمطلق من الحرية فيأتون كل ما يش½‪X‬ون شرط أن ال تكون بي ‪X‬م‬ ‫ُ َ‬ ‫جريمة وال‪ ،‬تاليا‪ ،‬عقاب‪ ،‬وما إن تض ِارع الشمس الغروب‪ ،‬ح[ نمخر عباب العودة إ‪k‬ى بغداد‪ ،‬آمل‪0‬ن أن‬ ‫تعود ثانية إ‪k‬ى تلك املناطق النائبة حيث مدن أخرى تنتظرنا أن نشيدها بطابوق السحاب الرقيق‪ .‬كانت‬ ‫ً‬ ‫أمي تعرف غريزيا من ال¡‪/‬اث الشع‪ Oª‬ال‪OPÁ‬ء الكث‪ /0‬مما يشحذ مخيلة ٔالاطفال‪ .‬ف‪XY‬ا ‪$‬ي النجوم قطيع من‬ ‫الخراف‪ ،‬يرعاﻩ القمر – هذا الرجل ٔالاعور كما تقول ٔالاساط‪ /0‬العراقية – ع ى صفحة ٔالاديم‪ ،‬وها إن‬ ‫هطول ٔالامطار والرعود وال ‪/‬وق داللة ع ى أن الشمس تريد أن تغسل رأسها‪ ،‬وها إن كائنا خرافيا اسمه‬ ‫)فريج ٔالاكرع( ي¡‪/‬بص بصيادي السمك وبالذين يسكنون قرب الضفاف‪ ،‬كانت تصورﻩ ‪k‬ي رجال هرما ذا‬ ‫رأس أحمر‪ ،‬أصلع‪ ،‬ولحية‪ ،‬خضراء‪ .‬ولعل وصفها هذا هو السبب *ي عزو*ي عن تعلم السباحة مع أن‬ ‫كل أخوتي يجيدو‪Xu‬ا بحكم وجودنا اليومي *ي مق أبي‪ .‬كانت أمي تتم دائما أن تموت قب ي ح[ ال‬ ‫يقتلها الحزن‪ .‬وكم كنت أتم أن تحقق أمني½‪X‬ا *ي ظروف عراقية أفضل‪ ،‬ال *ي ظروف هذا الحصار‬ ‫القاتل الذي لفظت فيه نفسها ٔالاخ‪ /0‬و‪$‬ي تحتضر بال دواء‪ ،‬تتقلب مشلولة الحركة ع ى سرير *ي أحد‬ ‫مستشفيات بغداد‪.‬‬

‫‪٩‬‬

‫أما أ‪Ô‬ي ٔالاك ‪ /‬الذي ام½‪X‬ن الخياطة‪ ،‬فلم يدخل املدرسة قط ولم يتعلم القراءة وال الكتابة‪ ،‬وكنت دائما‬ ‫أحس بالحسرة ال[‪ O‬تعتلج ‪XÈ‬ا ضلوعه جراء هذا النقص‪ ،‬وال سيما عندما كنا نشاهد فيلما أمريكيا ع ى‬ ‫‪١٠‬‬


‫التلفزيون‪ ،‬فأضطر إ‪k‬ى قراءة الحوار امل¡‪/‬جم له‪ .‬لكن أ‪Ô‬ي‪ ،‬ع ى أميته‪ ،‬كان زير نساء من الطراز ٔالاول‪،‬‬ ‫يعرف كيف يؤخذ النساء ويغر·‪X‬ن ح[ ألنه لم يعف عن فتاة مسيحية جميلة جهدت طيلة أسابيع ع ى‬ ‫اجتذا‪XÈ‬ا فإذ بي – لخيب[‪ – O‬ي¡‪/‬امى إ‪k‬ي بأن أ‪Ô‬ي يشاعرها سرا‪ .‬تلك كانت نكس[‪ O‬الغرامية ٔالاو‪k‬ى ال[‪ O‬ما‬ ‫إن شفيت م ‪X‬ا بمغامرة أخرى ح[ باءت هذﻩ أيضا – بعد وقت قص‪ – /0‬بالفشل‪.‬‬ ‫كانت أل‪Ô‬ي غرفة خاصة به‪ ،‬وكل الحرية *ي ٕالاتيان بعشيقاته إل‪XY‬ا ومعاشر‪XÆ‬ن ف‪XY‬ا‪ .‬غرفته كانت جد‬ ‫معطرة‪ ،‬وغاية *ي ال¡‪/‬تيب ؤالاناقة ع ى نحو يجعل م ‪X‬ا املكان املوصوف للقاءات الغرام‪ .‬كنت أتسلل‬ ‫إل‪XY‬ا *ي غيابه‪ ،‬أن‪ /0‬أضواءها امللونة‪ ،‬أفتح زجاجات العطور‪ ،‬أناور جرار الخزانة املقفل ح[ أتمكن منه‬ ‫فأمد يدي إ‪k‬ى طابقه السف ي وأقتنص بضع قطع من الشوكوالتة املصهرجة بالكحول وحبات من‬ ‫الفواكه املجففة‪ .‬لآلن ال أعرف ملاذا كان يحتفظ بكتاب يحتوي ع ى صور لين‪0‬ن امللونة‪ ،‬كنت أقلبه‬ ‫دوما فأدخل *ي حلم يقظة يتناكب بي تجاﻩ املتاريس ب‪0‬ن الرايات الحمراء تحت وابل الرصاص وهتافات‬ ‫امليليشيا الشعبية‪ .‬وإذ أسمع وقع أقدام أ‪Ô‬ي تق¡‪/‬ب‪ ،‬أفر من غرفته‪ ،‬وك ي استغراب من كونه شيوعيا‬ ‫مع العلم أنه ال يأبه للسياسة مثلما للنساء اللواتي كنت أكتب رسائله لهن مقابل درهم واحد عن كل‬ ‫رسالة‪ .‬وحدث مرة أنه عاتب ‪ O‬ع ى ما سببته له من مشكلة مع إحداهن لتضمي ‪ O‬رسالته إل‪XY‬ا بيتا‬ ‫جنسيا ألحد الشعراء القدماء‪ .‬ع ى كل حال‪ ،‬كان أ‪Ô‬ي يعدنا دائما بأن الثورة آتية‪ ،‬وكأ‪Xu‬ا مسألة‬ ‫حتمية‪ .‬وبالفعل‪ ،‬عندما استيقظنا ع ى أزير الطائرات فجر ‪ ١٤‬تموز )يوليو( ‪ ،١٩٥٨‬وما إن أسرعت أمي‬ ‫إ‪k‬ى إيقاظه و‪$‬ي تصيح *ي أذنه‪) :‬صارت ثورة(‪ ،‬ح[ هرع من فراشه هابطا الساللم املؤدية من السطح‬ ‫حيث كنا ننام طوال الصيف‪ ،‬إ‪k‬ى غرفته *ي الدور ٔالار‪ ،OPQ‬وفتح الراديو فسمعنا سيال من البيانات‬ ‫الثورية والنداءات العسكرية‪ ،‬تتخللها فواصل من ٔالاغاني الوطنية املصرية – ال[‪ O‬اكتشفت فيما بعد‬ ‫بأ‪Xu‬ا مسروقة معظمها من ألحان فرنسية حماسية – فارتدى أ‪Ô‬ي مالبسه وخرجت معه إ‪k‬ى الشارع‬ ‫املزدحم بناس سيماؤهم تن‪ êª‬عن فرح حقيقي‪ ،‬وإن كان يشو‪XÈ‬ا ‪OPÌ‬ء من الخوف إذ إن نوري السعيد‬ ‫اختفى‪ ،‬ولم يلق القبض إال ع ى الو‪ OPè‬عبد ٕالاله الذي شنقه املتظاهرون‪ ،‬وسحلوﻩ‪ .‬وهناك من قطع‬ ‫أير الو‪ OPè‬وعلقه ع ى رأس شيش طويل وأخذ يلوح به انتقاما‪ ،‬بينا كانت الفؤوس ت½‪X‬اوى ع ى تمثال له‬ ‫جانب الكرخ‪ ،‬وع ى عديد من تمائيل العهد امللكي املنتشرة ع ى امتداد العراق آنذاك‪ .‬لكن سرعان ما‬ ‫تال‪ PÌ‬هذا الخوف عندما ألقي القبض‪* ،‬ي اليوم الثاني للثورة‪ ،‬ع ى نوري السعيد متنكرا بزي امرأة‪،‬‬ ‫فال‪í‬ى ذاك املص‪ /0‬الوح‪ OPÁ‬الذي تم‪ ³0‬به العراقيون‪) :‬السحل(‪ ،‬ووجد من أخذ يتبا‪$‬ى بأنه قد حظي‬ ‫بخرقة من عباءة نوري سعيد‪ ...‬كانت أيام الثورة جميلة ح[ بدا وكأن املجتمع الشيو‪å‬ي‪ ،‬حيث الحياة‬ ‫عيد أبدي ع ى ما يشاع‪ ،‬بات قريب املنال‪ .‬يوم عيد العمال ٔالاول‪ ،‬مثال‪ ،‬الذي استمر استعراض فرح‬ ‫جماه‪/0‬ي ‪ ٢٤‬ساعة كاملة‪ ،‬أو يوم خروج عبد الكريم قاسم من املستشفى بعد محاولة اغتياله‬ ‫الفاشلة‪ ،‬الذي فتحت فيه املطاعم ودور السنما أبوا‪XÈ‬ا مجانا فكنا نخرج من مطعم إ‪k‬ى مطعم‪ ،‬ومن‬ ‫صالة إ‪k‬ى صالة‪ .‬وع ى أعمدة شارع الرشيد مارس العراقيون فن الكوالج للمرة ٔالاو‪k‬ى فجاؤوا بلوحات‬ ‫‪١١‬‬


‫تكاد تشبه *ي سخرها السيا‪ OPÉ‬من جمال عبد الناصر سخر الكوالجيست ٔالاملاني الفنان جان هارنفيلد‬ ‫من هتلر وسياسته‪ .‬هذا ما كان يحدث *ي وضح ال ‪X‬ار‪ ،‬أما تحت جنح الليل‪ ،‬فإن سماء الحياة الجديدة‬ ‫كانت تضي‪Xî‬ا ٔالاسهم النارية بفضل حفالت عبد الكريم قاسم‪ ،‬خاصة تلك ال[‪ O‬كانت تقام *ي الهواء‬ ‫الطلق *ي قاعة الشعب وأحضرها ألن خا‪k‬ي وأبي كانا املسؤول‪0‬ن عن تحض‪ /0‬السمك املشوي وتقديمه‬ ‫حيث كنت أنتظر مع الجنود والخدم والعامل‪0‬ن‪ ،‬عند أسيجة صالة العشاء‪ ،‬انصراف املدعوين‪ ،‬فيضع‬ ‫كل منا ما تيسر من بقايا الوجبات الشهية‪ ،‬و*ي أغلب ٔالاحيان هذﻩ الوجبات كاملة كأ‪Xu‬ا لم تمس‪* ،‬ي‬ ‫أكياس نحملها إ‪k‬ى بيوتنا‪ ،‬ذلك ألن عبد الكريم قاسم كان يتعمد أن تغادر املائدة واللقمة ٔالاو‪k‬ى لم‬ ‫يزدردها بعد هذا املدعو أو ذاك‪ ،‬مما يضطر الجميع إ‪k‬ى التوقف عن ٔالاكل وإ‪k‬ى اللحاق بالزعيم‪،‬‬ ‫فنهجم‪ .‬لكن خلف كواليس ٔالايام ٔالاعياد هذﻩ‪ ،‬كانت أشباح املوت العرا‪í‬ي آخذة *ي التسلل‪ ،‬منذ ٔالاشهر‬ ‫ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬إ‪k‬ى قرار الحياة اليومية‪ ،‬شعارات متضاربة أوال‪ ،‬ثم اضطرابات وحوادث قتل‪ ،‬ثم انقالبا دمويا‬ ‫ق ‪ P‬قضاء م ‪/‬ما ع ى فورة الحلم ال[‪ O‬تملكت العراقي‪0‬ن بوطن حر وشعب سعيد‪ .‬إنه انقالب ‪ ٨‬شباط‬ ‫)ف ‪/‬اير( ‪ ١٩٦٣‬الذي ا‪Xu‬ارت فيه كل مقاومة شيوعية أو شعبية أو موالية لحكم عبد الكريم قاسم‪،‬‬ ‫فانفتحت مقرات تغص بمئات الناس نساء ورجاال ح[ كان مجرد املرور *ي شارع يقع فيه مقر من‬ ‫مقرات الحرس القومي الذي أسسته حكومة الانقالب يث‪ /0‬قشعريرة *ي البدن‪ ،‬فالكل كان يعلم بأن هذا‬ ‫املقر أو ذاك هو حافة الطريق الهاوية‪ ،‬ال[‪ O‬قد يسقط ف‪XY‬ا املرء ملجرد ضحكة بريئة‪...‬‬

‫‪١٢‬‬


‫الحلم‪ ،‬هذا الشريط املتقطع *ي صالة الستينات‬

‫‪١٣‬‬


‫‪١‬‬

‫بدأت العمل‪ ،‬أوائل ‪* ،١٩٦٢‬ي )معمل بغداد لخياطة القمصان( الذي كان يحتل بناية *ي زقاق ّ‬ ‫العمار‬ ‫ً‬ ‫املواجه ملحل املصور أرشاك *ي شارع الرشيد‪ .‬و*ي هذا املعمل الذي لم َي ُ‬ ‫ضم إال عماال شيوعي‪0‬ن‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫اسمه جميل‪ ،‬كان ّأول من هداني إ‪k‬ى عالم القراءة والثقافة‪ّ .‬أول كتاب اق¡‪/‬حه ع ي‬ ‫عامل‬ ‫تعرفت إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫كان يحمل العنوان التا‪k‬ي‪ :‬مختارات سالمة مو‪ ، PÉ‬ما إن فتحته ح[ اخ¡‪/‬قت ذه ‪ O‬الجملة ٔالاو‪k‬ى منه‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أك ‪ّ /‬‬ ‫وإنما ُ‬ ‫مهامه واملحور الذي يدور عليه هو نقد‬ ‫الحياة فقط‪،‬‬ ‫نقد‬ ‫)ليست تقتصر مهمة‬ ‫ٔالادب ع ى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحياة(‪ ،‬إذا هذا هو مشروع أن تكون أديبا‪ ،‬واحدا من املثقف‪0‬ن‪ ،‬ذا شأن اجتما‪å‬ي كب‪/0‬ا شعرت بتصبب‬ ‫العرق‪ .‬من هو سالمة مو‪ PÉ‬هذا؟ ع ي أن أعرف بنف‪ .OP ‬غ‪ /0‬أن فرح[‪ O‬الك ‪/‬ى تضاعفت عندما أملح ‪k‬ي‬ ‫جميل‪ ،‬أثناء حديثنا عن السينما‪ ،‬بأنه يعبد مارلون براندو‪ .‬وإذا فيلم )يحيا زاباتا(‪ ،‬يمر *ي التلفزيون‪ .‬لم‬ ‫أكن أعرف شكل مارلون براندو بالضبط‪ ،‬لكن ما إن التفت أحد الفالح‪0‬ن املتقدم‪0‬ن بشكاو·‪X‬م للحاكم‪،‬‬ ‫ح[ عرفت من الطريقة ال[‪ O‬أدار ف‪XY‬ا رأسه إ‪k‬ى الخلف‪ ،‬بأن املمثل هذا هو مارلون براندو‪ .‬ومنذ تلك‬ ‫اللقطة غدا مارلون براندو نجمي املفضل إ‪k‬ى اليوم‪ :‬إنه عنوان النبل وال¬‪³‬اهة‪ ،‬أب لحظات الطفولة *ي‬ ‫كل تاريخ السينما‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫فق‪/0‬ة مثل عائل[‪ ،O‬كان أبوﻩ ي¡‪/‬قب منه مستقبال زاهرا كبقية ٓالاباء‪ .‬إنسان رائع‪ ،‬وكأي‬ ‫جميل من عائلة‬ ‫ٍ‬ ‫عامل بسيط كان يغوص‪ ،‬بكل سرية دون أي ادعاء بالثقافة‪* ،‬ي عواملها ملجرد الاستمتاع‪ ،‬خالل ما‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫تذاوتت‪* ،‬ي كث‪ /0‬من ٔالاحيان‪ّ ،‬‬ ‫بحاسته *ي سماع‬ ‫حاسة ذو‪í‬ي‬ ‫يتبقى له وقت حر‪ .‬كنت أثق به إ‪k‬ى حد أن‬ ‫ٍ‬ ‫بعض ٔالاغاني القديمة‪ ،‬مثال‪ ،‬والادعاء بأ‪Xu‬ا أغان رائعة – كان جد معجب بمحمد عبد الوهاب بحيث‬ ‫يجرحه أي نقد يوجه إ‪k‬ى مغ ‪) O‬يا شراعا وراء دجلة(‪ .‬لم أشعر بأنه يقصد التأث‪ /0‬ع ي لغرض ما‪ .‬ع ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من‪Xò‬ا يوقظ ما هو ٌ‬ ‫كامن أصال(‪،‬‬ ‫العكس‪ ،‬أدركت من خالله قيمة التأث‪ /0‬خاصة عندما يكون )التأث‪) (/0‬‬ ‫ناهيك عن خلو املعمل من شخص يشاركه اهتماماته‪ .‬بفضل )تأث‪ (/0‬رفيق العمل هذا الذي كان يحلم‬ ‫بكتابة رواية بوليسية – وال أعرف أعماق أعما‪í‬ي من رغبات متقدة ملعرفة ٓالاخر وتحقيق أحالم‬ ‫الطفولة‪ .‬كم أشكر‪ٓ ،‬الان‪ ،‬لصديقي العامل هذا إضائته ‪k‬ي ع ى شخصيت‪0‬ن أساسيت‪0‬ن سأكتشف فيما‬ ‫بعد أهمي½‪X‬ا‪ :‬سالمة مو‪ PÉ‬ومارلون براندو‪ ،‬بعبارة أدق‪ :‬ال ‪X‬ضة بكل حيثيا‪XÆ‬ا العلمانية‪ :‬وهالة البطل‬ ‫املتمرد ال[‪ O‬يتدفق م ‪X‬ا هاجس حلمي يحث املشاهد – الفرد ع ى التسليم بدور الفرد *ي خلق أوضاع‬ ‫مضادة للوضع السائد‪ .‬هاتان النظرتان‪ :‬املوضوعية بتسامح علماني والذاتية املسقطة ع ى شاشة‬ ‫ً ً ﱠ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سلط ح[ ‬ ‫كحاس ٍة‬ ‫ٔالاحالم‪ ،‬انصهرتا *ي نظرة تالزم ‪O‬‬ ‫ٍ‬ ‫سادسة تجعل ‪ O‬ع ى الدوام مستنفرا أبدا ِضد الت ِ‬ ‫ّ‬ ‫لو كان هذا التسلط *ي سبيل تحقيق ٔالافكار ال[‪ O‬أؤمن ‪XÈ‬ا‪.‬‬ ‫‪١٤‬‬


‫‪٢‬‬

‫كانت شوارع ما بعد انقالب ‪ ٨‬شباط )ف ‪/‬اير(‪ ،‬ال[‪ O‬كنت أقطعها وأصدقاء املدرسة‪ ،‬خالية *ي معظم‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حاضرا *ي ّ‬ ‫كل مكان‪ُ ،‬يصاعد كآبة تنفث حرارة لزجة‪ ،‬خاصة بعد انطفاء‬ ‫ٔالاحوال‪ ،‬وكان الخوف ظالما‬ ‫ً‬ ‫ذلك البصيص الذي أوقدته محاولة العريف حسن سريع *ي معسكر الرشيد‪ .‬من هنا كنت أجد لذة *ي‬ ‫الذهاب إ‪k‬ى السينما حيث الظالم ال ُـم ﱠ‬ ‫الهواء أك ُ‪ /ô‬إنسانية ألنه يؤطر هذﻩ الحص‪/0‬ة الفضية ال[‪O‬‬ ‫كيف‬ ‫ِ‬ ‫تتلقى نورا من فتحة صغ‪/0‬ة تتوسط الحائط الخلفي‪ - ،‬نور يسمح لخياالتك أن تطوف ف‪XY‬ا حيث تتج ى‬ ‫ﱞ ّ‬ ‫حق أن كتلة النور ٓالاتية من مصانع بعيدة للتخدير ستتال‪ PÌ‬بعد ساعت‪0‬ن‪ ،‬بيد‬ ‫الحياة مشاهد حلمية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املتلبدة *ي سماء الحياة‬ ‫حلمي يخفف من آالمك الناتجة عن رؤية هذﻩ الغيوم السوداء‬ ‫أ‪Xu‬ا تذكار‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ‬ ‫اليومية نتيجة الصراع ع ى السلطة‪ ،‬منتظرا بفارغ الص ‪ /‬أن تنقشع‪ ،‬و‪$‬ي محكومة باالنقشاع‪ ،‬أي‬ ‫انقشاع يسببه احتكاك أو تصادم ب‪0‬ن غيمة وأخرى‪ ...‬وها هو عبد السالم عارف يستو‪k‬ي ع ى السلطة *ي‬ ‫تشرين الثاني )نوفم ‪ ،١٩٦٣ (/‬ومن غريب الصدف املوضوعية‪ ،‬أن افتتحت‪* ،‬ي الوقت ذاته‪ ،‬سينما‬ ‫ً‬ ‫جديدة اسمها )غرناطة( بفيلم )مدافع نافرون(‪ .‬واعتبارا من شاشة هذﻩ الصالة‪ ،‬بدأنا نتابع أخبار‬ ‫بشكل موجز‪ .‬ومن ب‪0‬ن هذﻩ ٔالاخبار مقتل جون كندي‪* ،‬ي الثامن والعشرين من تشرين‬ ‫العالم املصورة‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الثاني‪ .‬شعرنا يومها بحزن غريب‪ّ ،‬‬ ‫كأنما ُمدا ِفعا عن حريتنا قد مات‪ ،‬مع علمنا بأن انقالب÷‪ ٨ O‬شباط‬ ‫)جاؤوا *ي قطار أم‪/0‬كي( ع ى حد تعب‪ /0‬ع ى صالح السعدي‪ .‬من شدة هروبي إ‪k‬ى السينما‪ ،‬أتذكر أن‬ ‫)غرناطة( كانت متخصصة بأفالم شركة )يونايتد أرتيستس(‪ ،‬وسينما )الخيام( بشركة )بارامونت(‬ ‫وشركة )وارنر بروذرس(‪ ،‬و )السندباد( بشركة )كولومبيا(‪ ،‬وفيما بعد سينما )النصر( بـ )فوكس للقرن‬ ‫ً‬ ‫العشرين(‪ .‬كنت أتابع جميع صاالت السينما بحثا عن فليم ل ‪/‬اندو أو فيلم عتيق لم أرﻩ من قبل‪ .‬وكان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫من عادة السينمات *ي العراق آنذاك أن تعرض فليما قديما يوم الجمعة الساعة الواحدة‪ .‬كان ‪k‬ي دف¡‪/‬‬ ‫يوميات أسجل فيه عنوان كل فليم ﱡ‬ ‫يمر *ي سينما )غرناطة(‪ ،‬املخرج‪ ،‬املمثل‪0‬ن‪ ،‬وأضع املوسيقى‬ ‫التصويرية‪ ،‬وشركة ٕالانتاج‪ .‬هذا الخوف من مناخ الحزب الواحد الذي توافق وح‪ Oª‬للسينما حيث تحت‬ ‫إبطي كتاب ما و )صمونة العمبة والبيض( أقضم ‪XÈ‬ا *ي انتظار افتتاح شباك التذاكر‪ ،‬حفز ّ*ي رغبة‬ ‫الاكتشاف‪ ،‬وساعدني ع ى ال½‪X‬رب‪ ،‬لسنوات‪ ،‬من املدرسة‪ ،‬املقا‪$‬ي والت‪XY‬ان *ي شوارع بغداد‪ ،‬وقراءة‬

‫‪١٥‬‬


‫القصص الرخيصة عن رعاة البقر‪ ،‬مجرمي شيكاغو وفتيات الجيشا *ي اليابان‪ ،‬ال[‪ O‬كانت تصدر *ي‬ ‫ترجمات ال بأس ‪XÈ‬ا وبأسعار ّ‬ ‫جد زهيدة‪.‬‬

‫‪٣‬‬

‫ُ‬ ‫أنشر‬ ‫إهتممت بال¡‪/‬جمة كث‪/0‬ا دون الكتابة‪ .‬كان ‪k‬ي باب صغ‪* /0‬ي جريدة النصر عنوانه ) ِش ْعر أسود(‪ .‬كنت‬ ‫*ي أية جريدة أو مجلة‪ ،‬ح[ *ي مجلة التبوغ العراقية‪ ،‬نشرت ‪k‬ي ترجمة عدد من القصائد الزنجية مع‬ ‫ً‬ ‫تقديم صغ‪ ./0‬و*ي جريدة شبه نكرة اسمها ٔالاخبار نشرت عددا من القصائد امل¡‪/‬جمة وقصائد بعض‬ ‫ٔالاصدقاء‪ .‬أتذكر أني طلبت قصيدة من جان دمو لنشرها *ي الجريدة‪ ،‬وكان جان يعيش آنذاك *ي إحدى‬ ‫ً‬ ‫حنفية كب‪/0‬ة‪ .‬بقيت أنتظر ما يقارب ساعة ونصفا ح[ وجد عنوانا لقصيدته‬ ‫زوايا باحة البيت‪ ،‬قرب‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الصغ‪/0‬ة‪) :‬مصطلحات املاء(‪ .‬من ب‪0‬ن ٔالاشياء ّ‬ ‫املهمة ال[‪ O‬قمت ب¡‪/‬جم½‪X‬ا‪ ،‬أيضا‪ ،‬املقابلة الطويلة ال[‪O‬‬ ‫أجراها الشاعر ٔالام‪/0‬كي روبرت لويل ملجلة ٕالايسكواير مع الشاعر السوفيي[‪ O‬أندريه فوزنيسكس الذي‬ ‫ُ‬ ‫كنت وال أزال أفضله ع ى إفنتشكنو‪ ،‬ون ِشرت *ي جريدة املنار‪ .‬وما أتذكرﻩ من هذﻩ املقابلة الحادثة ال[‪O‬‬ ‫سردها فوزنيسكس عن تأث‪ /0‬باس¡‪/‬ناك ع ى شعرﻩ‪ .‬ذلك أن فوزنيسكي *ي إحدى زياراته إ‪k‬ى باس¡‪/‬ناك‬ ‫ّ ْ ّ‬ ‫أحب أن َيط ِلع هذا الشاعر الكب‪ /0‬ع ى ما كان يكتبه من قصائد فأخذ يقرأ له من قصائدﻩ‪ ،‬وما إن‬ ‫ً‬ ‫انت ح[ صعد باس¡‪/‬ناك إ‪k‬ى غرفته *ي الطابق ٔالاع ى ثم نزل وهو يحمل ما كتبه مؤخرا‪ .‬أراﻩ إ‪k‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فصدم ّ‬ ‫فوزنيسكي ُ‬ ‫بحدة التشابه ب‪0‬ن قصائدﻩ وقصائد باس¡‪/‬ناك وزنا وكالما‪ .‬ومن تلك اللحظة عرف‬ ‫ِ‬ ‫فوزنيسكي بأنه واقع تحت تأث‪ /0‬باس¡‪/‬ناك حد التوار د الشعري‪ ،‬وبأن عليه التوقف عن الكتابة سنوات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أي لح‪0‬ن استعادته صوته نقيا خاصا به‪ ،‬وكان له ذلك ح[ أن أندريه بروتون فضله فيما بعد *ي‬ ‫جريدة صوت العمال الكث‪ /0‬من القصائد امل¡‪/‬جمة ؤالاخبار الصغ‪/0‬ة عن معارض *ي املراكز الثقافية‪ .‬و*ي‬ ‫ّ‬ ‫هذﻩ الجريدة بالذات – ال[‪ O‬كانت تتعرض إ‪k‬ى الكث‪ /0‬من مضايقات الرقابة بسبب نشرها قصائد ُمظفر‬ ‫املتسربة من السجن‪ ،‬ودفاعها عن قضايا العمال – قمت بإعداد مقال للصفحة ٔالاخ‪/0‬ة عن الذكرى‬ ‫ّ‬ ‫الخمسينية لثورة تشرين ٔالاول )أكتوبر(‪ .‬املهم *ي ٔالامر هو أني نشرت صورة للين‪0‬ن احتلت نصف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الصفحة‪ ،‬وكان عمال استفزازيا *ي نظر تلك الف¡‪/‬ة‪ ،‬مما جعل مدير املركز الثقا*ي السوفيي[‪ O‬يدعوني إ‪k‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أتحول صحفيا عميال ملركز‬ ‫كأس فودكا *ي مكتبه‪ .‬إرتشفت عدة جرعات أوجست *ي نف‪ OP ‬خيفة أن‬

‫‪١٦‬‬


‫موسكو الثقا*ي هذا الذي كان جان دمو يحتقرﻩ احتقار الهازل املستغرب )وجود ثقافة *ي هذا املركز‬ ‫ولين‪0‬ن لم يستأصل بعد من الذاكرة الروسية كلها(‪.‬‬

‫‪٤‬‬

‫دمو قصائد كث‪/0‬ة وكل ما نشرﻩ ال يعدو شظايا من عمل شعري كب‪ /0‬لم ينجز‪ .‬كان ّ‬ ‫لم يكتب جان ّ‬ ‫دمو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تلميذا *ي متوسطة كركوك‪ ،‬ذكيا *ي مادة الرياضيات‪ ،‬لم يمر *ي خلدﻩ بأنه سيكتب شعرا‪ .‬كانت عائلته‬ ‫ً‬ ‫الفق‪/0‬ة‪ ،‬كبقية عوائل شعراء جيل الستينات املنبوذين‪ ،‬تب ‪ O‬عليه آماال ليعيلها *ي املستقبل‪ .‬كل ‪OPÌ‬ء‬ ‫كان يس‪ /0‬وفقا للعرف الاجتما‪å‬ي إ‪k‬ى أن التقى سركون بولص ّ‬ ‫بدمو وقرأ له قصيدة مل‪/0‬وين كان قد‬ ‫دمو إ‪k‬ى حد التلعثم‪ ،‬الشلل الذي يرائي به ّ‬ ‫ترجمها‪ ،‬وإذا بصعقة الشعر الكهربائية تخ¡‪/‬ق جان ّ‬ ‫دمو إ‪k‬ى‬ ‫اليوم‪ ،‬احتقارﻩ ملمت‪ Où‬الشعر‪ .‬فها هو عنصر هائم ب‪0‬ن )جماعة كركوك(‪X· ،‬زأ بكل قصيدة تقرأ أمامه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متوعدا الجميع بأنه سيكتب القصيدة الك ‪/‬ى‪ .‬شاعرية ّ‬ ‫دمو حقيقية‪ :‬مظهرﻩ‪ ،‬قرفه من الشعراء‬ ‫ً‬ ‫املعت ‪/‬ين الذين ت ‪X‬ار ثق½‪X‬م بأشعارهم ما إن يحضر‪ ،‬تشردﻩ وقصائدﻩ الصغ‪/0‬ة الغريبة جدا كهذﻩ ال[‪O‬‬ ‫نشرها *ي منتصف الستينات *ي مجلة العاملون *ي النفظ مقابل ثالثة دنان‪ ،/0‬حيث العنوان سطر‬ ‫طويل‪) :‬الجندي الذي سافر *ي القطار ون‪ OP ‬أن يقول لل ‪/‬وفيسور نعم(‪ ،‬والقصيدة رقم ‪ .(٣) :‬أي‬ ‫مشهد هذا عندما يقرأ عبد الرزاق عبد الواحد‪ ،‬مثال‪ ،‬قصيدة‪) ،‬أية قصيدة(‪ ،‬تجعل ّ‬ ‫دمو ينطرح ع ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔالارض ضاحكا ومرددا‪) :‬بابا أنت تضحك ‪ .(!O‬كل هذا التصرف البذيء املنطوي ع ى اس½‪X‬تار ‪XÈ‬يبة شعراء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يسطلون رؤوسهم ليل ‪Xu‬ار من أجل )قصيدة( تغذي عند ٓالاخرين رجاء وهميا‪ ،‬كان جزءا من ٔالاوكسج‪0‬ن‬ ‫الذي تنفسته الحركة الشعرية العراقية بفضل مجموعة كركوك ال[‪ O‬ال أرى مآت‪XY‬ا الجذرية إال *ي‬ ‫ظاهرة ّ‬ ‫دمو حيث الاحتقار بذرة إبداعية يجب أن تغرس *ي تربة ّ‬ ‫شاعر أصيل‪ ،‬و*ي الحضور ٔالاسا‪OPÉ‬‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫لسركون بولص *ي ُ‬ ‫تجارب ِه *ي الشعر كانت‬ ‫فباإلضافة إ‪k‬ى‬ ‫صلب انفجارات جيل الستينات الشعرية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫حيث َ‬ ‫ّ‬ ‫حبكة‬ ‫املوضو‪å‬ي‪،‬‬ ‫تجاربه القصصية *ي القمة‪ .‬إنه سيد الصورة املشتقة من تصادف الكلمات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫السرد وتوتر املقطع‪ ،‬أحالم املستأصل وواقع الجذر‪ ،‬الغربة والدافع‪ ،‬تتماسك تماسكا صوريا وتتعاشق‬ ‫ً‬ ‫*ي شعابة الكلمات حد السماح للذاكرة بمراجعة تطلعا‪XÆ‬ا الحلمية و‪$‬ي تمرق أمام ماض‪XY‬ا )إلهاما من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مهمته أن يوقظ باستمرار أصداء جديدة(‪ .‬قلما يدع بولص صورا تغريه فتوقعه *ي ميكانيكية الصور‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املجانية ال[‪ O‬يعاني م ‪X‬ا أغلب شعراء الصورة *ي العربية‪ .‬قد تراﻩ ناعسا وأنت تتحدث إليه‪ ،‬كسوال‬ ‫‪١٧‬‬


‫وأنت ع ى عجلة من أمرك‪ ،‬لكن لحاسته الشعرية ع‪0‬ن صاحية يخطف بريقها املفردات و‪$‬ي *ي َس ْي ِل ﱠي ِ½‪X‬ا‬ ‫َ ْ ً‬ ‫إ‪k‬ى املنبع‪ ،‬خطفا فيه املع حيث الشعر ·‪X‬اجم الكلمات‪ ،‬وٕالايقاع حيث الوعيه ُ·‪X‬اجم الصور وأراها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أخ‪/0‬ا *ي تجريبات مؤيد الراوي الشعرية والفنية ال[‪ O‬لعبت دورا أساسيا *ي تطوير روح التقارب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الجوهري ب‪0‬ن قطيعة الستينات الشعرية والفنية مع معطيات الرواد شعرا وفنا‪ ،‬تجريبات – حاول‬ ‫ً‬ ‫بعضهم انتحالها وخصوصا فكرته عن رجل *ي غواصة – كانت بالنسبة إليه وسيلة فكرية مث ى إلدراك‬ ‫مع م‪æ‬يء الكائن إ‪k‬ى العالم‪ ،‬إذ يرى أن )الكتابة ‪$‬ي إشكالية الذات غ‪ /0‬املتالئمة مع العالم‪ ،‬وكلما‬ ‫تتعمق هذﻩ ٕالاشكالية يفقد الخطاب معناﻩ والذات حري½‪X‬ا وجوهرها(‪ ،‬يتفتق شعر مؤيد الراوي من ع‪0‬ن‬ ‫ٔالاسئلة‪) :‬ماذا تكتب؟ كيف؟ أي إشراق خاص تواجه؟ أين عاملك *ي هذا العالم املتضارب امل يء‬ ‫بالخطاب‪ .‬كيف تواجه حريتك املمزقة؟ و*ي هذا السياق كنت أكتب دوما‪ .‬ع ى أن ‪ O‬لم أكن مح¡‪/‬فا كما‬ ‫يح¡‪/‬ف الكث‪ /0‬من الشعراء‪ .‬وال أريد أن أكون‪ .‬إن ‪ O‬أحاول أن أرى *ي القصيدة وأن أمسك ذاتي أحيانا *ي‬ ‫تجل‪XY‬ا فأتجاوز بذلك محدودي[‪ O‬وبؤس موق‪Ê‬ي‪ ،‬حيث هو بؤس عام‪ ،‬ودائرة نفي ال تجيب ع ى التساؤالت‬ ‫إال بالعبث(‪ .‬شعر مؤيد الراوي يستحضر هذﻩ ٕالاشكالية بسرد دقيق ت¡‪/‬اءى معه الذات املناضلة و‪$‬ي‬ ‫تتأمل‪* ،‬ي آن‪ ،‬تفاؤلها *ي تحقيق الثورة‪ ،‬وقناع½‪X‬ا العميقة بأن التغي‪ /0‬أمر مستحيل‪ .‬ذلك أن الراوي بعد‬ ‫ً‬ ‫أن تمكن من مغادرة العراق *ي ‪ ١٩٧٠‬إ‪k‬ى ٔالاردن ثم إ‪k‬ى سوريا مستقرا *ي ب‪/0‬وت طوال السبعينات‪،‬‬ ‫عايش )تحوالت املنطقة والناس‪ :‬بروز الثورة املصطنعة وأفولها‪ ،‬وتحول الناس بواسطة العواطف إ‪k‬ى‬ ‫أعداء وإ‪k‬ى اختبار قوة العادة والتاريخ وقوة الصياغة آلالف ٔالاعوام(‪ .‬وشعر الرواي ال يمكن س ‪ /‬غورﻩ‬ ‫إال من خالل فهم هذﻩ ٔالاحداث السياسية – الاجتماعية ال[‪ O‬عاشها العراق خاصة‪ ،‬والعرب عموما‪.‬‬ ‫ما إن حدث الانشقاق – ومنذ البذرة ٔالاو‪k‬ى املتمثلة *ي املعارضة الشديدة لخطاب آب )أغسطس(‬ ‫‪ ١٩٦٤‬الدا‪å‬ي لحل الحزب الشيو‪å‬ي وانضمامه إ‪k‬ى الاتحاد الاش¡‪/‬اكي – ح[ تحولت إ‪k‬ى القيادة املركزية‬ ‫بشكل كاد يكون تلقائيا‪ ،‬كيف؟ ال أذكر ٓالان‪ ،‬وال اسم ذلك العامل الذي كان ّ‬ ‫يمدني بمناش‪ /0‬الانشقاق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وينظم ‪ O‬داخل القيادة‪ .‬فاألمر لم يكن صعبا‪ ،‬ألجل أن ‪ O‬كنت‪ ،‬غريزيا‪ ،‬مهيأ للدخول *ي تنظيم ثوري‬ ‫ً‬ ‫جديد‪ .‬وسرعان ما وجدت نف‪ OP ‬عضوا *ي القيادة املركزية‪ ،‬أؤدي دوري كداعية ألفكارها *ي مقا‪$‬ي‬ ‫الشعراء الشباب‪ ،‬خصوصا )مق إبراهيم( الذي كان يرتادﻩ معظم الستيني‪0‬ن املعادين للثقافة‬ ‫الرسمية‪ ،‬واش½‪X‬ر باسم )مق املعقدين(‪ .‬وتجدر ٕالاشارة هنا إ‪k‬ى أن )مق إبراهيم( هذا كان السليط‬ ‫اللسان الشاعر شريف الربي‪Ê‬ي أول من وجد فيه زاوية حرة تضم الذين كان )مق السمر( الواقع *ي‬ ‫شارع الخيام‪ ،‬مركزهم اليومي ح[ حرب ‪ ٥‬حزيران )يونيو( ‪ ،١٩٦٧‬أي عندما بدأ رجال ٔالامن السري‬ ‫ً‬ ‫ي¡‪/‬بصون بزبائنه‪ .‬ومن طرائف الاجتماعات السرية *ي ستينات العراق نفسها‪ .‬أتذكر أن اجتماعا لخلية‬ ‫من خاليا القيادة املركزية جرى *ي بيت عائل[‪ ،O‬الواقع آنذاك *ي منطقة الصليخ الجديدة‪ .‬من ب‪0‬ن‬ ‫املسائل ال[‪ O‬توجب مناقش½‪X‬ا *ي اجتماع الخلية هذا – الذي كان يتم ب‪0‬ن ف¡‪/‬ة وأخرى – مسألة عدم‬ ‫مشارك[‪* O‬ي املظاهرة الطالبية الضخمة ال[‪ O‬اجتاحت بغداد‪ .‬والحق يقال إن ‪ O‬لحد ٓالان ال أعرف ملاذا‬ ‫‪١٨‬‬


‫لم أهتم بالذهاب إ‪k‬ى املظاهرة مفضال لعب الدومينو *ي مق املعقدين وال‪/ô‬ثرة عن آخر الكتب‬ ‫ً‬ ‫الشعرية ال[‪ O‬وصلت محالت أورزدي باك وعن كيفية تأميمها‪ ،‬زد ع ى ذلك أن ّأيا من خليتنا لم يستطع‬ ‫التدخل *ي املظاهرة وتغي‪ /0‬شعارا‪XÆ‬ا وأهدافها ذلك اليوم‪ ،‬وأن الشرطة ال[‪ O‬لم تتوان عن إطالق النار‬ ‫نجحت *ي تشتيت املتظاهرين و*ي اعتقال عدد كب‪ /0‬م ‪X‬م‪.‬‬ ‫ً‬ ‫جلسنا *ي غرف[‪ O‬الخاصة بي‪ ،‬أغلقنا الباب مما أثار شكوك أبي بأن شيئا غريبا يجري *ي البيت‪ ،‬ربما‬ ‫اجتماع حزبي‪ ،‬من يعرف؟ أبي‪ ،‬السك‪ /0‬ليل ‪Xu‬ار‪ ،‬طرق الباب – فغ‪/0‬نا الحديث فجأة‪ ،‬سائال )تحبون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫شاي‪ ،‬شربت‪ ،‬أكل(‪) ،‬ال يا به‪ ،‬شكرا‪ ،‬شكرا أبو قادر(‪ .‬وما إن استأنفنا النقاش ح[ طرق أبي الباب مرة‬ ‫أخرى‪ ،‬وكرة أخرى‪ ،‬والسؤال نفسه‪) :‬تحبون ‪OPÌ‬ء‪ ،‬شاي‪ ،‬شربت‪ ،‬أكل(‪ .‬بعد مرور ساعت‪0‬ن من نقاش‬ ‫متقطع لعدة مرات‪ ،‬اقتنعوا بنواياي الطيبة لكن العبثية *ي نظرهم‪ ،‬واتفقنا ع ى أن نجتمع بعد‬ ‫أسبوع‪0‬ن *ي بيت ع ي ٔالاسود‪* ،‬ي الكرادة الشرقية‪ ،‬ملناقشة رغبة بعض الشعراء والكتاب الشباب *ي‬ ‫الانتماء إ‪k‬ى القيادة املركزية‪.‬‬

‫‪٦‬‬

‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ال أتذكر ٓالان كيف تعرفت ع ى الستيني‪0‬ن‪ .‬كان الفنان سلمان عباس صديقا ‪k‬ي‪ ،‬إذ كان يعيش مع أهله‬ ‫ً‬ ‫*ي الصليخ الجديد حيث كانت عائل[‪ O‬تسكن‪ .‬كنت أزورﻩ كل يوم *ي غرفة عمله وأق ‪ OP‬معه أوقاتا‬ ‫طويلة‪ ،‬نتجول ّ‬ ‫البسات‪0‬ن الشاسعة ال[‪ O‬كانت تحيط املنطقة ونتحدث *ي أشياء السينما‪،‬‬ ‫كل مساء *ي‬ ‫ِ‬ ‫الشعر والفن‪ .‬كان آنذاك يعمل ع ى إنجاز نقل لوحة ‪ Le Radeau de la Meduse‬بحجم كب‪ ،/0‬لنيل‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫رساما وصديقا‪ .‬كانت له قدرة تقنية‬ ‫شهادة التخرج من معهد الفنون الجميلة‪ .‬كنت شديد ٕالاعجاب به‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫قلما كنت أراها لدى ٓالاخرين‪ .‬كنت دوما معه حد أن اعت ‪/‬ني أحد ٔالاصدقاء وكيل أعماله‪ ،‬وذلك أنه‬ ‫ً‬ ‫عندما أقام سلمان عباس معرضه ٔالاول *ي املركز الثقا*ي التشيكوسلوفاكي‪ ،‬واملركز هذا كان نشطا‬ ‫بالفعاليات الثقافية‪ ،‬كنت املسؤول عن إعداد املعرض وتوزيع بطاقات الدعوة والحملة ٕالاعالنية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وعندما أقيم املعرض الثاني ملجموعة املجددين‪ ،‬وسلمان عباس كان واحدا م ‪X‬م‪* ،‬ي )جمعية الفان‪0‬ن‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫العراقي‪0‬ن(‪ ،‬أدهشت لوحته نوري الراوي وفائق حسن لتقني½‪X‬ا اللونية‪ .‬وكنا نضحك ع ى اندهاشهما‬ ‫وتأويلهما البعيد عن الحقيقة حول قدرته ع ى استلهام روح ال¡‪/‬اث ٕالاسالمي بشكل حديث‪ ،‬وكان‬ ‫ّ‬ ‫يحذرني من أن أكشف لهم السر‪ .‬والسر هو أن سلمان عباس كان يخلط دهن السيارات ٔالاسود مع‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بعض ٔالالوان الزيتية خلطا جيدا فيحصل ع ى لون ذه‪ Oª‬أسود غريب غاية *ي مالءمة ٔالاشكال‬

‫‪١٩‬‬


‫ٕالاسالمية ال[‪ O‬كان يميل سلمان إ‪k‬ى خلقها داخل اللوحة‪ :‬منائر ونقوشات طفقت‪ ،‬بفضل هذا الخليط‪،‬‬ ‫تتماوج ب‪0‬ن كتل السواد الرائعة ب ‪/‬اءة شعرية ليست لها أية عالقة بظالمية السلفي‪0‬ن الداهسة‪...‬‬ ‫يا ُترى‪ ،‬أم ْن طريق سلمان عباس ّ‬ ‫تعرفت بأحد الستيني‪0‬ن‪ ،‬مما قادني إ‪k‬ى حس‪0‬ن حسن أو فاضل عباس‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫هادي أو وليد جمعة‪ ،‬ثم إ‪k‬ى بقية ٔالاصدقاء وأولهم إبراهيم زاير الذي كان صديقا لسلمان‪ ،‬وفيما بعد‬ ‫إ‪k‬ى فاضل العزاوي‪ ،‬صالح كاظم‪ ،‬جليل حيدر‪ ،‬عبد الرحمن الربي‪Ê‬ي‪ ،‬منعم حسن وقتيبة عبد ﷲ؟ أم‬ ‫ِم ْن طريق شخص آخر دخلت ع ى هؤالء‪ ،‬أم ‪$‬ي لربما بالعكس‪ ،‬قصيدة م¡‪/‬جمة *ي إحدى الجرائد‪،‬‬ ‫ع ‪/‬ها بدأت أتعرف ع ى هذا وذاك ح[ صرت )مختار ٔالادباء( كما كتب صادق الصائغ *ي أحد ٔالاعداد‬ ‫ٔالاو‪k‬ى من مجلة ألف باء حيث تحدث عن )عامل كراج ·‪X‬تم باألدب(‪ .‬املهم أني غدوت صديق الكل وأع ‪O‬‬ ‫بالكل ح[ أولئك الرواد الذي كانوا جد بعيدين عن أجواء الستينات املتمردة‪ :‬فؤاد التكري[‪ O‬مثال‪،‬‬ ‫الذي كنت أزورﻩ أسبوعيا *ي املحكمة حيث كان قاضيا‪ ،‬والصديق الرائع املنعزل ع ي الشوك الذي‬ ‫كنت أزورﻩ كث‪/0‬ا *ي بيته *ي كرادة مريم‪ .‬وقد قمنا بعمل مش¡‪/‬ك‪ :‬مختارات من الشعر ٔالام‪/0‬كي ٔالاسود –‬ ‫مختارات ترجم½‪X‬ا وقام هو بمراجعة ال¡‪/‬جمة وكتب لها مقدمة عن الشعر الزن‪æ‬ي ٔالام‪/0‬كي‪* ،‬ي ح‪0‬ن صمم‬ ‫ً‬ ‫لها مؤيد الرواي غالفا وبعثنا بمخطوطة هذا الكتاب مع الشاعر مظفر النواب إ‪k‬ى بلند الحيدري بغية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أس¡‪/‬دﻩ ذات‬ ‫نشرﻩ *ي )دار املكتبة العصرية(‪ ،‬لكنه لم يصدر لآلن وال أعرف ماذا فعل به بلند‪ .‬آمل أن‬ ‫ّ‬ ‫والاكتشافية فهو‬ ‫يوم‪ .‬ع ى أن الشخص الذي كنت‪ ،‬من ب‪0‬ن الرواد‪ ،‬ألتقي معه كث‪/0‬ا لروحه الشابة‬ ‫نجيب املانع‪ .‬كنت أزورﻩ كل يوم‪0‬ن ع ى ٔالاقل *ي شركة تأم‪0‬ن بغداد حيث كان مديرها‪ ،‬و*ي بعض‬ ‫ً‬ ‫الزيارات أعرفه ع ى ستي ‪ O‬جديد‪ ...‬كان ُي ّ‬ ‫حدث ‪ O‬كث‪/0‬ا عن الفيلسوف ٕالاسباني أورتيغاي غاسيت‬ ‫ّ‬ ‫وباألخص عن كتابه تمرد الجماه‪ ./0‬وأتذكر أنه قال ‪k‬ي بأن قراءة هذا الكتاب تغ‪ /0‬بشرة الجلد‪ .‬لألسف‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫حبا برؤيته فحسب وإنما إلخبارﻩ بحقيقة حادثة حصلت لنا‬ ‫لم ألتق به أبدا بعد أن غادرت العراق‪ .‬ال‬ ‫*ي محالت أورزدي باك *ي آواخر الستينات‪ .‬فذات يوم َسرقت من أورزدي باك كتابا إنكل‪³0‬يا عنوانه‬ ‫‪ ،71 Short Stories‬وبعد أن نزعت من هذا الكتاب قصة كافكا )العرب وبنات آوى( ال[‪ O‬قمت ب¡‪/‬جم½‪X‬ا‬ ‫ونشرها‪ ،‬ع ى ما أظن‪ ،‬صادق الصائغ بعد مغادرتي العراق‪* ،‬ي ألف باء‪ ،‬عدت إ‪k‬ى أورزدي باك مع‬ ‫ً‬ ‫نسخة الكتاب الذي نزعت منه قصة كافكا‪ ،‬مخ ‪/‬ا مسؤول املكتبة بأن الكتاب الذي )اش¡‪/‬يته( تنقصه‬ ‫هذﻩ القصة‪ ،‬وبأق ‪ P‬السرعة أجاب ‪) :O‬كيف وقعت نسخة الرقابة هذﻩ *ي يدك؟( فأخذ جميع النسخ‬ ‫ً‬ ‫الباقية وراح ي¬‪³‬ع من كل نسخة قصة كافكا‪ ،‬مقتنعا أ‪Xu‬ا قصة ممنوعة بما أن كافكا ·‪X‬ودي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وموضوعها )العرب وبنات آوى(‪ .‬لم يعد أمامي ما أفعله سوى السكوت ومطالب½‪X‬م بتعوي ‪ OP‬نقدا أو‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫مارا صدفة‪ ،‬وبعدما رأى‬ ‫كتابا آخر‪ .‬رفضوا إعطائي أي ‪OPÌ‬ء‪ ،‬و*ي تلك اللحظة كان املرحوم نجيب املانع‬ ‫ً‬ ‫أن مسؤول املكتبة يرفض تعوي ‪ ،OP‬ناقشه بعاطفة حادة دفاعا ع ‪ O‬دون أن يعرف حقيقة ٔالامر‪،‬‬ ‫وطلب من املسؤول أن يناقش ٔالامر مع املدير‪ .‬وبعد مساجلة طويلة‪ ،‬ونزول وصعود من طابق إ‪k‬ى طابق‪،‬‬

‫‪٢٠‬‬


‫وافق املدير ع ى أن آخذ كتابا آخر كتعويض فأخذت كتاب باتريك وولدب‪/0‬غ عن السوريالية وشكرت‬ ‫نجيب وك ي خوف أن يكتشف حقيقة ٔالامر فيلقي ع ي موعظة أخالقية لها أسبا‪XÈ‬ا‪ ،‬من وجهة نظرﻩ‪.‬‬

‫‪٧‬‬

‫منذ استيالء عبد السالم عارف ع ى السلطة *ي تشرين الثاني )نوفم ‪ ،١٩٦٣ (/‬تناوبت ع ى العراق‬ ‫سلسلة من الانقالبات العسكرية الضعيفة‪ٔ ،‬الامر الذي جعل الوزارات تتغ‪ /0‬كل بضعة أشهر‪ ،‬من طاهر‬ ‫ً‬ ‫يح÷ ‪ ،‬مرورا بعارف عبد الرزاق‪ ،‬نجم الانقالبات الفاشلة ثالث مرات‪ ،‬وعبد الرحمن ال ‪³‬از الذي حاول‬ ‫ً‬ ‫أن يضمن بعض الحريات ٔالاساسية‪ ،‬مبتغيا استئناف الانتخابات باعتبارها الخطوة التالية نحو حكومة‬ ‫نيابية‪ ،‬غ‪ /0‬أن الضباط رفضوا أن يص ‪/‬وا ع ى رئيس مدني مستقل الرأي‪ ،‬فجاؤوا بنا‪Å‬ي طالب‪ ،‬وعاد‬ ‫طاهر يح÷ – وهذﻩ املرة كأنه معاد لالستعمار إذ قطع العالقات الدبلوماسية مع بريطانيا والواليات‬ ‫املتحدة – لي¡‪/‬أس الوزارة ٔالاخ‪/0‬ة للسلطة الغائبة( هذﻩ ال[‪ O‬تم‪³0‬ت بانقالبات ضباط يحلمون باالستيالء‬ ‫عل‪XY‬ا ولو ألشهر معدودات‪ ،‬تارك‪0‬ن الس‪/0‬ورة الثقافية بعيدة عن رقاب½‪X‬ا املباشرة‪.‬‬ ‫*ي ظل هذﻩ الظروف كانت شبكة ثقافية تتحرك بحرية ال بأس ‪XÈ‬ا‪ :‬شعراء‪ ،‬قصاصون‪ ،‬م¡‪/‬جمون‪،‬‬ ‫منبوذون‪ ،‬هامشيون‪ ،‬كان معظمهم يساري الاتجاﻩ‪ .‬بي ‪X‬م وب‪0‬ن السلطة هوة من الصعب ردمها‪ .‬أغل‪Xò‬م‬ ‫الصدف ٕالاشراف ع ى الجرائد واملجالت ّ‬ ‫خارج من السجن‪ ،‬سمحت ملعظمهم ّ‬ ‫الصادرة آنذاك‪ .‬لم يكن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بي ‪X‬م شرطي ثقا*ي يعمل موئال ثقافيا لصالح السلطة‪ .‬فالشيوعيون كانوا‪ ،‬بعد ضربة شباط الدامية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يلملمون أنفسهم وهم يواجهون انشقاقا عنيفا يقلق حضورهم‪ .‬أما البعثيون فكانوا مكروه‪0‬ن بسبب‬ ‫جرائمهم *ي ‪ .١٩٦٣‬الانقالبات الضباطية‪ ،‬إذا‪ ،‬لم يكن لها طابور ثقا*ي يعمل من داخل املثقف‪0‬ن‪ ،‬كما‬ ‫جرى *ي ظروف ما بعد انقالب ‪ ،١٩٦٨‬هذا هو ع‪0‬ن ما أسميه غياب السلطة‪ ،‬مصطلح كنت أول من‬ ‫أطلقه بصدد جيل التسينات‪ ،‬لكن هذا ال يع ‪ O‬أننا كنا السلطة الحقيقية كما ذهب بعض املهووس‪0‬ن‪،‬‬ ‫ذلك أن الثقافة‪ ،‬ع ‪ /‬هذا الغياب‪ ،‬تجلت كمحاولة جدية لخلق حاسة تشكيلية متحررة من ال¡‪³‬امات‬ ‫ثقافة ما قبل ‪ ٨‬شباط )ف ‪/‬اير( ٕالايديولوجية الخاضعة لهبوب رياح الحزب‪ .‬أقول حاسة تشكيلية‪ ،‬ألن‬ ‫التجديد الشعري *ي عراق الستينات كان يختلف عن كل )التجديدات( الشعرية *ي البلدان العربية‬ ‫ٔالاخرى‪ ،‬إذ كان يتقاطب والتجديد الطالع من مشغل الفن‪ .‬ومعظم شعراء الستينات لهم محاوالت‬ ‫فنية‪ ،‬وعدد من الفنان‪0‬ن لهم تجارب شعرية‪ .‬ومؤيد الراوي هو الشاعر الستي ‪ O‬الرائد *ي هذا املجال‪.‬‬ ‫‪٢١‬‬


‫ً‬ ‫فكان معظم الفنان‪0‬ن العراقي‪0‬ن الجدد يطلبون منه أن يقدمهم *ي معارضهم ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬كما أنه لعب دورا‬ ‫ً‬ ‫تنظ‪/0‬يا مهما لحركة املجددين‪ .‬أما ع ى مستوى الو‪å‬ي السيا‪ ،OPÉ‬فإن أول من رحب باالنشقاق داخل‬ ‫الحزب الشيو‪å‬ي العرا‪í‬ي هو جيل الستينات الشعري‪ .‬وكيف ال يرحب هذا الجيل الثورة الاجتماعية‪،‬‬ ‫وهو املنتفض ع ى كل القيم التقليدية من أجل إحداث ثورة ثقافية تسمو باملخيلة العراقية إ‪k‬ى آفاق‬ ‫متفتحة ع ى ٕالابداع الحر؟ ذلك أن أسماء ماركسية جديدة مثل تروتسكي وجيفارا أخذت تميط اللثام‬ ‫الستالي ‪ O‬التشوي ‪ O‬عن ماركسية نقية تلعب دور املحرض ع ى مسرح ٔالاحداث‪ ،‬وكتابات هذين الرجل‪0‬ن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونشاطا‪XÆ‬ما كانت قوتا كافيا لتحريض الشبيبة *ي كل مكان ع ى أخذ زمام ٔالامور بأيد·‪X‬ا من أجل ثورة‬ ‫دائمة‪ .‬ورافق اكتشاف هذﻩ ٔالاسماء‪* ،‬ي العراق‪ ،‬انشقاق عناصر من داخل حزب البعث ومن منظمات‬ ‫أخرى‪ ،‬تجمعوا *ي )املنظمة العمالية الثورية(‪ ،‬وهو تنظيم جديد أحد مؤسسيه قيس السامرائي‬ ‫املعروف بـ أبو لي ى‪ .‬وكان للمنظمة‪* ،‬ي مرحل½‪X‬ا ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬أي قبل انصهارها *ي )القيادة املركزية(‪ ،‬ميول‬ ‫تروتسكية‪ .‬كما حدث الانشقاق املنتظر لطرد اللجنة املركزية وإعالن تأسيس قيادة مركزية مؤقتة‬ ‫للحزب الشيو‪å‬ي وذلك بـ )إعالن أيلول)سبتم ‪ ،(١٩٦٧ (/‬كل هذا كان الخلفية الفعالة للتجريبات‬ ‫الشعرية ال[‪ O‬بدأها جيل الستينات‪ ،‬وال[‪ O‬يمكن تلخيصها بشعار تروتسكس – بروتون‪) :‬استقالل الفن‬ ‫– من أجل الثورة‪ /‬الثورة – من أجل التحرير ال ‪X‬ائي للفن(‪ .‬ع ى أن هذا الجناح الطوباوي الحالم‬ ‫بمجتمع يحكمه دستور قائم ع ى اح¡‪/‬ام حقوق ٕالانسان‪ ،‬والذي يمثله جيل الستينات اليساري‪ ،‬قد‬ ‫هزم وشظيت مشاريعه التحررية‪ ،‬بينما الجناح الظالمي الذي يمثله جيل الستينات اليمي ‪ O‬ذو العقلية‬ ‫السياسية املتآمرة هو الذي انتصر‪ .‬نعم! صدام حس‪0‬ن وأعوانه من املثقف‪0‬ن والسياسي‪0‬ن الذين‬ ‫يتحكمون بمص‪ /0‬العراق السيا‪ OPÉ‬والثقا*ي‪ ،‬هم جزء ال يتجزأ من جيل الستينات‪ ،‬إذ إن تكو‪Xu‬م تم *ي‬ ‫خضم الغليان السيا‪ OPÉ‬الذي شهدته الستينات‪ ،‬إال أ‪Xu‬م‪ ،‬ع ى نقيض من حلموا بمجتمع حر‪ ،‬تفردوا‬ ‫بالسلطة وأقاموا النظام السائد إ‪k‬ى اليوم‪.‬‬

‫‪٨‬‬

‫الستينيون الذين شعروا بضرورة استغالل السلطة‪ ،‬كانت تواجههم مصاعب جمة م ‪X‬ا غياب مرجع‬ ‫فكري متقدم *ي العربية يمكن استلهامه حركة فكرية‪ .‬إن أهمية مجالت كـ شعر اللبنانية وحوار كانت‪،‬‬ ‫بالنسبة للمبدع‪0‬ن العراقي‪0‬ن‪ ،‬أوال‪* ،‬ي تقديمها أعمال الشاعرين أن‪ OP ‬الحاج وتوفيق صايغ اللذين كنا‬ ‫نقرأهما سرا ح[ ال ن½‪X‬م‪ ،‬من قبل موظفي الشعر ٕالايديولو‪Å‬ي‪ ،‬بالتبعية للفكر اليمي ‪ O‬والان‪Xò‬ار بصرعات‬ ‫الغرب املتوالية‪ ،‬وثانيا *ي ما تقدمانه من تراجم للشعر العاملي‪ ،‬خصوصا تراجم أن‪ OP ‬الحاج ل ‪/‬وتون‬ ‫وأرتو‪ .‬كنا نحس بظمأ شديد إ‪k‬ى معرفة الشعر العاملي‪ .‬نتلقف أي كتاب م¡‪/‬جم‪ .‬نطلب من أي متبحر أن‬ ‫‪٢٢‬‬


‫ي¡‪/‬جم لنا ولو قصيدة واحدة لريلكه‪ ،‬بروتون‪ ،‬ويكون عشاؤﻩ مدفوعا‪ .‬كنا نتقيأ كل ما يسمى شعر‬ ‫الواقعية الاش¡‪/‬اكية‪ .‬فاملخيلة العراقية *ي هاتيك السنوات الحلمية كانت متفتحة لألممي‪ ،‬للفكر ٓالاتي‬ ‫ً‬ ‫من أبعد ٔالاعماق وٓالافاق الطليعية‪ ،‬لتجربة ٓالاخر *ي أع ى مراحلها‪ .‬ذلك ألن ثمة شعورا أخذ يتصاعد‬ ‫داخل الحياة الثقافية بأن التقسيم إ‪k‬ى شرق وغرب دعوة رجعية *ي الصميم‪ ،‬وهو بالعمق ليس تقسيما‬ ‫جغرافيا وإنما فكري‪) .‬التقسيم( هذا‪ ،‬بعبارة رمسيس يونان‪) ،‬هو التمي‪ ³0‬ب‪0‬ن القديم والجديد – أي ب‪0‬ن‬ ‫ٔالاساليب البائدة ؤالاساليب الفتية *ي الاجتماع والسياسة ؤالادب‪ .‬والصراع ب‪0‬ن القديم والجديد قائم‬ ‫*ي العراق كما *ي الص‪0‬ن و*ي إسبانيا كما *ي املكسيك‪ .(...‬لذلك كان شغف الستيني‪0‬ن بالفكر )ٔالاجن‪،(Oª‬‬ ‫ً‬ ‫)رومانتيكي *ي نظر الرجعي‪0‬ن واملسؤول‪0‬ن عما آل إليه العراق‪ ،‬الذين كث‪/0‬ا ما كانوا يحاربون ٔالاصوات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الحرة ع ى أ‪Xu‬ا من‪Xò‬رة بثقافة الغرب(‪ ،‬ضم‪/0‬ا جديدا يريد التأكيد ع ى أن )التقارب الفكري الذي يربط‬ ‫ً‬ ‫املجددين *ي مصر مثال باملجددين *ي سوريا والعراق والهند وإنجل¡‪/‬ا وأمريكا أهم قيمة من الرابطة‬ ‫املحلية ال[‪ O‬تصل ب‪0‬ن املجددين واملحافظ‪0‬ن *ي أي واحد من هذﻩ البالد‪ ...‬وليس هو أهم قيمة فقط‪ ،‬بل‬ ‫إن ازدياد هذا التقارب )الفكري( ب‪0‬ن املجددين *ي جميع ٔالاقطار وتطورﻩ إ‪k‬ى تقارب )مادي( هو ٔالاساس‬ ‫ً‬ ‫الصحيح الذي ينب ‪ O‬عليه ٔالامل )*ي الخروج بالعالم من مآزقه الحاضرة(‪ ،‬كما كتب محقا رمسيس‬ ‫يونان *ي بدء ٔالاربعينات‪ .‬من هذا املنطلق يجب أن يفهم لم كنا نتلقف أي ‪OPÌ‬ء م¡‪/‬جم‪ .‬ومعظم امل¡‪/‬جم‬ ‫كان س÷‪ ê‬ال¡‪/‬جمة أو مج¡‪³‬أ‪ ،‬ال بالعربية فحسب وإنما ح[ *ي ٕالانكل‪³0‬ية نفسها ال[‪ O‬كان يجيدها معظم‬ ‫الستيني‪0‬ن‪ ،‬حيث كانت‪ ،‬آنذاك‪ ،‬فق‪/0‬ة بال¡‪/‬اث الفرن‪ OP ‬الجديد غ‪ٔ /0‬الانكلوساكسوني‪ .‬كتاب باتريك‬ ‫وولدب‪/0‬غ‪ ،‬مثال‪ ،‬عن السوريالية‪ ،‬والذي هو من أردأ الكتب املوضوعة عن السوريالية‪ ،‬كان مصدرنا‬ ‫الوحيد ملا أحتوى من مختارات من ال¡‪/‬اث السوريا‪k‬ي‪ ،‬عملنا ع ى ترجم½‪X‬ا ونشرها *ي هذﻩ الجريدة أو‬ ‫تلك املجلة‪ .‬كان سركون بولص أقرب الجميع إ‪k‬ى آخر التطورات الشعرية العاملية‪ ،‬كان يمد الصحافة‬ ‫ً‬ ‫واملجالت بال¡‪/‬جمات الكث‪/0‬ة‪ ،‬وباملقابالت التعريفية لالتجاهات الجديدة‪ ،‬وواحدا من الطامح‪0‬ن القالئل‬ ‫إ‪k‬ى شعرية جديدة‪ .‬نشر *ي جريدة الثورة العربية )‪ (١٩٦٥‬بيانه ٔالاول‪ :‬نحو غابات جديدة‪ ،‬يدعو فيه إ‪k‬ى‬ ‫)قصيدة الفكر‪ ...‬ال[‪ O‬تنتقل *ي ذات الوقت باألشياء‪ ،‬باملظاهر‪ ،‬بالعوالم النفسية الال‪Xu‬ائية ال[‪O‬‬ ‫تتضمن الزمن وجمودﻩ واس¡‪/‬اخاءﻩ‪ ،‬واملكان ووضع ٕالانسان *ي التسلسل التاري ي‪ .‬كل ذلك *ي لحظة‬ ‫واحدة تتحلل ع ى ضوء الانفعال‪* ،‬ي كلمات‪* ،‬ي دهشة آنية‪* ،‬ي حب مقدس ومذعور للحياة(‪ .‬و*ي هذﻩ‬ ‫ً‬ ‫الجريدة‪ ،‬كان فاضل العزاوي يكتب أفكارا جديدة وقصائد جديدة‪ ،‬قبل تأسيسه مجلة الشعر ‪ .٦٩‬وكان‬ ‫ملحق الجمهورية ٔالادبي الذي يشرف عليه أنور الغساني وإبراهيم زاير‪ ،‬نافذة أسبوعية تطل علة الفكر‬ ‫العاملي وع ى تجارب الداخل الطليعية مثل تلك ال[‪ O‬قام ‪XÈ‬ا مؤيد الراوي *ي الشعر‪ ،‬وخالد الراوي *ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫القصة القص‪/0‬ة جدا‪ ،‬ومحاوالت ٓالاخرين *ي كتابة نقد ذي حاسة تشكيلية جديدة‪ .‬كنا ننتظر كل هذا‬ ‫بفارغ الص ‪ /‬ونناقشه‪ ،‬وكان علينا أن نقرأ ما ب‪0‬ن السطور لفهم املغزى البعيد الذي ينطوي عليه هذا‬ ‫النص املبتور‪ ،‬واملن¡‪³‬ع من سياقه التاري ي‪ ،‬أو هذﻩ ال¡‪/‬جمة التقريبية‪ .‬والغريب أننا كنا ننجح *ي أحوال‬ ‫كث‪/0‬ة إذ تعودنا ع ى أن نقرأ )املم‪¤‬ي( – فاملحنة زودتنا بحاسة شم ذئبية – حد التكلم عن كتاب صدر‬ ‫‪٢٣‬‬


‫*ي فرنسا أو لندن‪ ،‬ع ‪ /‬خ ‪ /‬صغ‪ ،/0‬أو مقال قص‪ /0‬نشرته هذﻩ الجريدة ٕالانكل‪³0‬ية أو تلك الدورية ال[‪O‬‬ ‫تباع *ي مكتبة كورنيت‪ ...‬بحيث لو سمعنا مؤلف ذلك الكتاب الندهش من معرفتنا )العميقة( بكتابه‪،‬‬ ‫بل من إماطتنا اللثام عن أفكار لم يدر أن كتابه ينطوي عل‪XY‬ا‪.‬‬

‫‪٩‬‬

‫بقينا لوحدنا ندافع عن تمرد الطالب *ي العالم‪ ،‬ذلك التمرد الذي اعت ‪/‬ته أجهزة ٕالاعالم القمعية‬ ‫الجديدة مؤامرة صهيونية‪ .‬كنا نحب ماركيوز وندافع عن كتابه ٕالانسان ذو البعد الواحد‪ ،‬جيفارا لنقائه‬ ‫الثوري‪ ،‬جيمس بالدوين لوعيدﻩ بأن النار سيطلق *ي املرة املقبلة‪ ،‬الفييت كونغ ملقاوم½‪X‬م ٔالام‪/0‬كي‬ ‫البشع‪ ،‬نورمان ميلر وزنجيه ٔالابيض‪ ،‬الهيبيون‪ ،‬جاك ك‪/0‬واك‪ ،‬آالن غين‪³0‬برغ الذي نشرت مجلة حوار‬ ‫عن زيارته الفضائحية ل ‪/‬اغ‪ .‬باختصار‪ ،‬كل ما هو متمرد إال الجدانوفي‪0‬ن والستاليني‪0‬ن الذين كانوا‬ ‫يعملون *ي الخفاء القتناص فرصة السلطة‪ ،‬م¡‪/‬بص‪0‬ن بمخيلة الفرد‪ .‬كم أعجبت بجرأة صادق الصائغ‬ ‫عندما عاد من تشيكوسلوفاكيا حامال معه تحقيقا عن ربيع براغ‪ ،‬ي ‪/‬هن فيه‪ ،‬من املقابالت ال[‪ O‬أجراها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مع العمال‪ ،‬بأن التدخل السوفيي[‪ O‬كان غزوا ضد إرادة الجماه‪ /0‬وليس مطلبا جماه‪/0‬يا‪ ،‬كما أرادت‬ ‫ً‬ ‫جماعة موسكو *ي بغداد إقناعنا به‪ .‬وأنا شخصيا أشكر صادق لعمله هذا الذي فتح به ثغرة *ي بنية‬ ‫ٕالاعالم‪ ،‬تسللت خللها إ‪k‬ى فضاء التفك‪ /0‬النقدي الحر وفرز املعلومات‪.‬‬

‫‪١٠‬‬

‫هكذا تركتنا شرذمة الضباط الغائصة بصراعا‪XÆ‬ا الداخلية‪ ،‬لوحدنا‪) ،‬نتعرف ع ى بعضنا بسهولة‪،‬‬ ‫نكتشف خواصنا‪* ،‬ي الحديث‪* ،‬ي الكتابة‪* ،‬ي السلوك اليومي غ‪ /0‬الاعتيادي‪ ،‬وقبل أن نتعرف‬ ‫باملصافحة كنا نتعرف بالقراءة‪ ...‬مكتشف‪0‬ن أن للكالم مفعول القوة املادية *ي التعب‪ /0‬عن الهدم‬ ‫والبناء(‪ ،‬ع ى حد عبارة مؤيد الراوي *ي لقاء له نشرته النداء اللبنانية آواخر ‪ ،١٩٧٨‬و*ي )فلتة‬ ‫الصداقات الواسعة( هذﻩ كما يسم‪XY‬ا عبد الرحمن طهمازي الذي يتدفق *ي شعرﻩ شعور فلسفي معر*ي‬ ‫‪٢٤‬‬


‫يدل ع ى صدق ا‪Xu‬مام جيل الستينات باألفكار *ي تمردهم ع ى الفكر السائد‪ ،‬كنا نحلم )نعم نحلم‪ ،‬ويا‬ ‫ترى هل آلة الحلم غرست *ي رأس ٕالانسان لال‪OPÌ‬ء؟( بمخرج من الكارثة العسكرية املقبلة‪ ،‬بثورة‪ ،‬كهذﻩ‬ ‫املسلحة *ي ٔالاهوار أو غ‪ /0‬املسلحة‪ ،‬املهم أن تف ‪ OP‬بنا إ‪k‬ى مجتمع حر سلطته الخيال‪ ،‬مشجر بألف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فعال علمانيا أو ال يكون‪ .‬يجب أن ال نن‪ P ‬بأن اهتمامنا بجان بول‬ ‫قصيدة‪ ،‬مجتمع يكون فيه ٕالابداع‬ ‫ً‬ ‫سارتر كان نتيجة فهمنا بأن الوجودية حركة إلحادية فحسب‪ .‬كنا ع ى قاب قوس‪0‬ن أو أدنى‪ ،‬نظريا‬ ‫بالطبع‪ ...‬وإذا ‪XÈ‬زيمة حزيران‪ :‬هزيمة الثقافة الجذرية ال هزيمة العسكر‪ ،‬كما يقال‪ .‬إ‪Xu‬ا هزيمة التفتح‬ ‫ٔالاممي لصالح الانغالق القومي الذي احتاج إ‪k‬ى حرب مدمرة كحرب الخليج ٔالاخ‪/0‬ة ليكشر عن أنيابه‬ ‫الحقيقية‪ .‬فهزيمة حزيران ليست هزيمة عسكرية بقدر ما ‪$‬ي انتصار العقل السيا‪ OPÉ‬البائد ع ى الفكر‬ ‫الحر الجديد الذي أخذ ينشر هواء طلقا *ي منتصف الستينات‪ :‬إ‪Xu‬ا تمهيد لالنتصار العسكري الكب‪/0‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الذي وضع حدا ‪Xu‬ائيا لكل الانقالبات الضاطبة الصغ‪/0‬ة‪ ،‬وآنت بسيطرة العسكر ال ع ى السلطة‬ ‫فحسب وإنما ع ى جميع مرافق الحياة ٔالادبية والفنية وح[ امل¬‪³‬لية‪ .‬وسرعان ما حدث الانقالب‬ ‫ً‬ ‫العسكري الكب‪ ،/0‬انقالب تموز )يوليو( ‪ ٦٨‬معلنا ‪Xu‬اية الثقافة الحرة *ي العراق وافتتاح عهد مالحقة‬ ‫عناصرها الجذرية داخل ٔالاحزاب‪ ،‬وتذنيب كل من ال يؤيد الج‪Xò‬ة الوطنية‪ ،‬ج‪Xò‬ة البوليس الثقا*ي‪ ،‬ال[‪O‬‬ ‫كانت تجري وراء الكواليس منتظرة ا‪Xu‬يار عزيز الحاج ال كشخص وإنما كحلم طاقوي‪ ،‬وها هو ي ‪X‬ار‪،‬‬ ‫فيتقطع الحلم‪ ،‬ثم يتوارى ح[ كأنه مشهد سينمائي حذفته الرقابة من شريط الذاكرة العراقية‪.‬‬

‫‪٢٥‬‬


‫*ي أحشاء لندن‬

‫‪٢٦‬‬


‫‪١‬‬

‫ُ‬ ‫تنسرح أمامك‬ ‫عندما ال يكون لك‪ ،‬أ·‪X‬ا ٔالاجن‪ ،Oª‬مصدر ما‪k‬ي أو عمل تعتمد عليه *ي عيشك‪ ،‬عندما ال‬ ‫ً‬ ‫سوى حدائق عامة تلبث إل‪XY‬ا‪ ،‬أو أكشاك تلفون أو مصطبات ‪XÆ‬وم ف‪XY‬ا رقودا‪ ،‬أو شوارع جد طويلة‬ ‫تقطعها ع ى ٔالاقدام جيئة وذهابا‪ ،‬تحت مطر‪ ،‬كث‪ /0‬من املطر‪ ،‬مطر رذاذي متواتر حق‪ /0‬ال تعرف أية‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مدينة مثيال له سوى لندن‪ ،‬عندما ال يكون إال هذا‪ ،‬فإنك ال ترى لك مفرا من التسليم مع املفكر‬ ‫ً‬ ‫الرو‪ OPÉ‬العدمي بيساريف بأن )زوجا من ٔالاحذية أفضل من شكسب‪ .(/0‬نعم عندما ال يكون لك إال‬ ‫معدة خاوية والعالم كله حجرة بال مبيت‪ ،‬عندها ال قيمة لكتاب تجد ب‪0‬ن صفحاته ما يلهمك تحويل كل‬ ‫ً‬ ‫ما تخ¡‪³‬نه ذاكرتك من معرفة أقواتا يومية‪ ،‬الكتاب – املهماز الذي بسطر ناغز‪ ،‬يجعلك تجمح إ‪k‬ى أن‬ ‫تخلق وضعك أنت بوجه ٔالاوضاع املحيطة ال[‪ O‬تريد إخضاعك ألحكامها‪ ،‬أحكام وضعها لصوص لتمس‬ ‫من شمولية ٕالانسان‪ .‬نعم‪ ،‬فقط ذاك الكتاب الذي يغذي فيك شهوة ٕالابداع‪ ،‬وبالتا‪k‬ي شهوة التحطيم‪،‬‬ ‫تحطيم ما هو معطى ع ى أنه هو الحقيقة‪* ،‬ي ح‪0‬ن أنه الباطل عينه‪ .‬ألم يعلمونا *ي الكتب بأن العالم‬ ‫يحركه قانون الصراع من أجل البقاء‪ .‬إذا‪ ،‬مص‪/0‬ي كفرد *ي هذﻩ اللحظة أهم من مص‪ /0‬العالم كله‪.‬‬ ‫وليس من ‪OPÌ‬ء يجعل فردي[‪ O‬تقف ع ى رجل‪XY‬ا‪ ،‬سوى العيش *ي خطر‪ ،‬فعال‪ .‬ذلك أن البيت ٔالاول *ي‬ ‫قصيد الدنيا يقول‪ :‬مت ح[ تحيا‪ ،‬وإال فأنت ميت أصال‪ .‬عليك أن تجازف بكل تقاليدك وأعرافك‪،‬‬ ‫وليس سوى طريقت‪0‬ن‪ :‬التسول أو السرقة‪ .‬لكن التسول يحتاج إ‪k‬ى أناس لهم قدرة ع ى الخنوع‬ ‫ً‬ ‫واستشفاق ٓالاخرين‪ ،‬أنا شخص ال تل‪0‬ن قناته لغامز‪ ،‬ولدت متمردا‪ ،‬وقدر ‪k‬ي وع ي أن تكون ‪k‬ي النفس –‬ ‫الوحش‪ ،‬أو كما تقول ٔالاغنية ‪ .Born to be wild‬ال جلد ‪k‬ي ع ى تملق أحد من أجل باوند‪ .‬يستحيل‪.‬‬ ‫الصراع من أجل البقاء السليم لفردي[‪ O‬يقتضي ‪ٓ O‬الان أن أسرق لكن ليس من صديق أو من صاحب‬ ‫محل صغ‪ ،/0‬كال‪ ،‬ع ي أن أسرق‪ ،‬بل باألحرى أن أؤمم هذﻩ الكتب ال[‪ O‬تعج ‪XÈ‬ا املكتبات الكب‪/0‬ة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الرأسمالية‪ ،‬وبطرق سأعجم عودها حدا تعود معه معينا ال ينضب لسنوات طوال‪) .‬أخالقنا‬ ‫ً‬ ‫وأخالقهم(؟ طز‪ .‬أدري أن ل¡‪/‬وتسكي كتابا ‪XÈ‬ذا العنوان‪ .‬ساعة العمل املضاد تدق تدق‪ ...‬إ‪Xu‬ا الحادية‬ ‫عشرة صباحا‪ .‬الشمس لعا‪XÈ‬ا يسيل‪ .‬يا له من صباح ال يوطأ حماﻩ‪ ،‬يحفزني إ‪k‬ى بعيد املدارك‪ ،‬لم يمر‬ ‫فيه كلب واحد‪ ،‬ع ى ما يبدو‪ .‬لكم من ض‪¤‬ى اسنفقت *ي رأدﻩ‪ ،‬وفتحت عي ‪ O‬فوجدت حذائي تتعاضضه‬ ‫ً‬ ‫كالب إنجل‪³0‬ية باردة ٔالاعصاب ع ى مبعدة أمتار م ‪ .O‬أدرت بصري إ‪k‬ى هنا وهناك‪ ،‬أدمت النظر طويال إ‪k‬ى‬ ‫طفل‪0‬ن كانا يلعبان‪ ،‬وإ‪k‬ى شحاذ‪ ،‬غ‪ /0‬بعيد ع ‪X‬ما‪ ،‬يقضم تفاحة‪ ،‬خامل الحس‪ ،‬شكله يدل ع ى أن نفسه‬ ‫ً‬ ‫لم تطمح أبدا إ‪k‬ى مأثرة‪ .‬لم يكن *ي جي‪ Oª‬سوى بضع شلنات وكتاب ج‪/0‬ي روبن ‪.Do it‬‬

‫‪٢٧‬‬


‫‪٢‬‬

‫وأنا أنزل من طائرة الخطوط الجوية العراقية املمتلئة ‪XÈ‬نود وباكستاني‪0‬ن *ي مطار لندن‪،‬‬ ‫)‪ ،(١٩٧٠/١/٢٨‬شعرت بأني ع ى تماس مع نور الغرب ومع شميم رائحة الثقافة الحقيقية‪ ،‬أتم‪، PÁ‬‬ ‫ً‬ ‫أخ‪/0‬ا‪* ،‬ي منتصف مدينة الضباب‪ ،‬الضباب الذي سبق أن رأيته ع ى شاشات بغداد الفضية‪ .‬لقد‬ ‫بحثت عنه *ي كل زوايا لندن وشوارعها دون أن أع‪ /ô‬عليه‪ .‬العيش *ي هذﻩ املدينة‪ ،‬حيث بدء وهلة‬ ‫التثقيف الفعلية‪ ،‬علم أعما‪í‬ي كيف تكأل أبعد ٓالافاق‪ ،‬أن تقلب كل ما يأت‪XY‬ا من أفكار وتجارب‪ .‬كنت‬ ‫أشبه بطفل‪ ،‬السريالية *ي قرارﻩ ‪$‬ي املشروع‪ .‬لذا طفقت أبع‪ /ô‬شموس القراءة *ي كل اتجاﻩ‪ ،‬وديدني أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أكتشف املردود الواق‪Ê‬ي ملا كنت أقرأﻩ‪ ،‬أن أعمق خ ‪/‬تي ح[ الثمالة بألوان الوجود‪ :‬أنفقت وقتا طويال‬ ‫ً‬ ‫مستطرقا *ي الشوارع ؤالازقة ٔالالصق‪ ،‬آنذاك من اليوم‪ ،‬بطراز الحياة اللندنية‪ ،‬و*ي البارات ٕالانجل‪³0‬ية‪،‬‬ ‫ال[‪ O‬ال أزال أفضلها ع ى بارات العالم لجوها الصميمي‪ ،‬تلك البارات حيث الب‪/0‬ة أكس‪ /0‬يحتاجه كل‬ ‫مغامر *ي دغل ٔالافكار – الحياة بكل معمعا‪XÆ‬ا‪ ،‬و*ي هذﻩ البارات يمكن للمرء أن يخالط ٕالانجل‪ ³0‬من‬ ‫مختلف ٔالامزجة والطبقات‪ ،‬وخاصة الهيب‪ ³0‬الذين عاشر‪XÆ‬م وعشت معهم *ي أع ى طوابق بنايات‬ ‫مهجورة ع ى وشك أن ت½‪X‬دم‪ ،‬اتخذوها مأوى يحرق فيه كل مساء بخور ذو رائحة طيبة ح[ مطلع ال ‪X‬ار‬ ‫مشبع بدخان الحشيشة وملغوم بحبوب الـ ‪ L. S. D‬واملاريجوانا‪ .‬الهدوء فيه ضرب من ٕالايقاع الرو×ي‬ ‫وكأني موسيقى غوستاف هولست )ٔالافالك( )‪ (The Planets‬قد اختاطت بموسيقى ‪،Deep purple‬‬ ‫بينما أضواء مصابيح السيارات ونيون ٕالاعالن‪ ،‬تتسلل من الشبابيك إ‪k‬ى سويداء الدخان املنتشر‪ ،‬وكأن‬ ‫ً‬ ‫نجما قد ‪XÆ‬اوى من السماء‪ ،‬فتناثر طيفه اللوني ع ى الحيطان حيث بحر عميق تسبح فيه مالئكة‪ ،‬يخرج‬ ‫من مناخ‪/0‬ها ضباب أزرق ي¡‪/‬اءى رخا له أجنحة خضراء وأرجل من الذهب ٔالاحمر وذنب من املرجان‪،‬‬ ‫ينتفض ثم ينتفخ وينتفخ ح[ يمأل الطابق ويسد ٔالابواب‪ .‬كيف يمكن وصف إراءات طوارق *ي خرائب‬ ‫هدأ‪XÆ‬ا تصأب من هدير جون لينون‪ ،‬ت‪0‬ن ي‪/0‬ز أف¡‪ ،/‬بوب ديل‪0‬ن‪ ،‬ليونارد كوه‪0‬ن‪ ،‬نيل يونغ‪ ،‬جيمي‬ ‫هندريكس‪ ،‬جانيس جوبلن؟ تو*ي ٔالاخ‪/0‬ان إثر حقن مفرطة من املخدر‪ .‬كنت ع ى اتصال مضطرد بكل ما‬ ‫كان يخرج من أسطوانات جديدة لـ تي ريكس‪ ،‬بوب ديلن‪ ،‬نيل يونغ‪ ،‬جون لينون‪ ،‬كات ستيف¬‪ ،³‬ليونارد‬ ‫كوهن‪ ،‬ولفرق الروك مثل‪) :‬إكريم(‪) ،‬ديب بربل(‪) ،‬سليد(‪) ،‬أنيملز(‪) ،‬رولنغ ستون(‪) ،‬بيتلز(‪ ...‬إلخ‪.‬‬ ‫كانت ‪k‬ي مئات ٔالاسطوانات‪ ،‬بعت معظمها إ‪k‬ى ناصر‪ ،‬الرفيق العرا‪í‬ي *ي مجموعة )الثورة العربية(‪،‬‬ ‫وحطمت البقية *ي لحظة ضعف أمام فتاة مكسيكية كانت تؤمن بالحب العذري‪ ،‬أسمع½‪X‬ا قصيدة‬ ‫إليوت )أربعاء الرماد( بصوت ممثل إنجل‪³0‬ي نسيت اسمه‪ ،‬فانذرفت دموعها وأخذ‪XÆ‬ا ملشاهدة فليم‬ ‫بازولي ‪ (Theorem) O‬للتخفيف ع ‪X‬ا من حدة شقا»‪X‬ا الدي ‪ .O‬كان ثمة الكث‪ /0‬من أفالم تحاول اللحاق‬ ‫بما يحدث ع ى صعيد الحياة اليومية‪ ،‬أفالم تع ‪ /‬عن الحاسة التشكيلية الجديدة املغايرة للنمط‬ ‫الكالسيكي الذي عودتنا عليه هوليوود‪ :‬فها هو أنطونيوني *ي أول أفالمه باللغة الانجل‪³0‬ية )‪ (Blow up‬أو‬ ‫‪٢٨‬‬


‫جون شل‪³0‬نجر *ي فيلمه الرائع )‪ ،(Midnight cowboy‬أو فليم دنيس هوبر )‪ (Easy Rider‬إ‪k‬ى آخر شريط‬ ‫سينمائي كان‪ ،‬آنذاك‪ ،‬يعمق مخيل[‪ O‬بالصور ويعلم ‪ O‬حبك ٔالافكار بمغزل التجربة‪.‬‬

‫‪٣‬‬

‫ً‬ ‫من أجل الحياة‪ ،‬كان ع ي‪* ،‬ي لندن‪ ،‬أن أؤمم كتبا‪ ،‬أما من أجل ٔالاممية الرابعة فكنت أناضل *ي‬ ‫صفوف الطلبة العرب‪ .‬فكرت بمشروع لصالحها هو أن نفتح مكتبة – واجهة لها *ي ب‪/0‬وت‪ ،‬فعملت مع‬ ‫الرفيق فارس ع ى تأميم ما يقارب ‪ ٦٠٠‬كتاب *ي أسبوع واحد‪ ،‬وقد أرسلناها عن طريق البحر إ‪k‬ى‬ ‫ً‬ ‫ب‪/0‬وت‪ .‬ظلت أشهرا مصدر عيش فارس خالل إقامته *ي ب‪/0‬وت‪ .‬كان الذراع ٔالايمن *ي تأميم مئات الكتب‬ ‫وعلب املخلالت الهندية الحارة‪ ،‬وال أعرف كم من شريان لنا تمزق آنذاك‪ .‬كنا نل½‪X‬م باش½‪X‬اء ال يسد‪ ،‬منا‬ ‫ندافع‪ ،‬بكل حرارة وإيمان عن ٔالافكار ال¡‪/‬وتسكية *ي صفوف الطلبة العرب‪ ،‬حد ضرب أي ستالي ‪O‬‬ ‫ً‬ ‫يحاول أن يندس بيننا‪ .‬لقد أحببت تروتسكي‪ ،‬تشبعت بأفكارﻩ حدا صان ‪ O‬من الانخداع بوعود أتباعه‪.‬‬ ‫و*ي الحقيقة‪ ،‬ما إن وصلت لندن ح[ توجهت إ‪k‬ى العنوان الذي أعطاني إياﻩ املسؤول عن خلية‬ ‫القيادة املركزية *ي بغداد‪ ،‬ففتح ‪k‬ي الباب شخص اسمه أسامة – وهو ابن الشاعرة والناقدة سلمى‬ ‫ً‬ ‫خضراء الجيو‪ .OPÉ‬وكان أسامة آنذاك قريبا من مجموعة )الثورة العربية( – الفرع العربي لألممية‬ ‫الرابعة ال[‪ O‬كان يرئسها أرنست ماندل‪ .‬وقد نظم ‪k‬ي لقاء مع أعضاء املجموعة‪ ،‬ومن طريق هذﻩ‬ ‫املجموعة التقيت بتجمع الحركة ال¡‪/‬وتسكية ال ‪/‬يطانية‪ .‬وهكذا أصبحت عضوا *ي تنظيم الـ ‪،I. M. G‬‬ ‫)املجموعة املاركسية ٔالاممية( الفرع ال ‪/‬يطاني لألممية الذي لم يكن عديدﻩ ليتجاوز املئة شخص *ي كل‬ ‫بريطانيا آنذاك‪ ،‬وكان طارق ع ي وهو من أصل باكستاني‪ ،‬رئيس التنظيم‪ .‬كذلك نشطت *ي صفوف‬ ‫عصبة سبارتكوس‪ ،‬و‪$‬ي واجهة تروتسكية خاصة بتنظيم الشباب‪ ،‬خصوصا *ي فرع مدينة نوتنغهام‬ ‫املعروفة بجمال نسا»‪X‬ا الخارق‪ .‬قضيت *ي هذﻩ املدينة عدة أشهر‪ ،‬أعمل *ي مطاعمها الليلية تارة‪،‬‬ ‫وأؤمم الكتب لكي أسدد مطاليب العيش تارة أخرى‪ .‬كنت أق ‪ OP‬معظم ٔالاسبوع *ي قراءة ما يقع تحت‬ ‫يدي‪ ،‬ثم أناقش محتواﻩ مع أعضاء العصبة املتواجدين *ي جامعة نوتنغهام امل¡‪/‬امية وكأ‪Xu‬ا فردوس‪.‬‬ ‫الغريب *ي ٔالامر أن كل ما كان يقع تحت يدي من كتب كان يتعلق بمسألة الاغ¡‪/‬اب ؤالاغراب وأني كنت‬ ‫ألتقي‪* ،‬ي مركز املدينة‪ ،‬أيام ٓالاحاد‪ ،‬بمراهق‪0‬ن ومراهقات من الـ ‪ Skin Head‬الذين هم التعب‪ /0‬املتطرف‬ ‫عن حالة الاغ¡‪/‬اب ال[‪ O‬أفرز‪XÆ‬ا ٔالاوضاع املزرية لل ‪/‬وليتاريا ال ‪/‬يطانية‪ ،‬غ‪ /0‬أني عدت إ‪k‬ى لندن ‪Xu‬ائيا‪،‬‬ ‫وعملت *ي مكتبة التنظيم )‪ (The Red Books‬ال[‪ O‬كانت تقع *ي شارع بنتيفل رود قرب محطة كنكز‬ ‫كروس‪ ،‬وكان يديرها رجل كب‪ /0‬السن حظي برؤية تروتسكي اسمه شار‪k‬ي‪ .‬لم تكن طموحاتي تساير‬ ‫طموحات بقية الرفاق العرب الذين انت معظمهم أصحاب شركات ضخمة‪ .‬كانت لهم عقلية سياسية‬ ‫‪٢٩‬‬


‫ً‬ ‫تنظيمية‪* ،‬ي ح‪0‬ن كنت أناضل شعريا من أجل تغي‪ /0‬العالم – الحياة‪ .‬وكنت أتابع عن كثب كل ٔالادب‬ ‫النقدي شبه الفوضوي املارك‪ OP ‬مثل التحليالت ال[‪ O‬كانت تنشرها مجلة ‪ .solidarity‬و*ي الحقيقة فإن‬ ‫ً‬ ‫ما كان يفتن ‪* O‬ي تروتسكي – فضال عن عالقة بروتون به ال[‪ O‬كنت أب ‪ O‬عل‪XY‬ا كل انتمائي إ‪k‬ى الحركة‬ ‫ال¡‪/‬وتسكية – هيامه النضا‪k‬ي وآراؤﻩ املتفتحة إزاء حرية الفنان وبالتا‪k‬ي حرية ٕالابداع بشكل عام‪ .‬فها هو‬ ‫ً‬ ‫يكتب ل ‪/‬وتون موضحا بأن )النضال من أجل ٔالافكار الثورية *ي الفن يجب أن يشن من أجل الحقيقة‬ ‫الفنية‪ ،‬ضمن مفهوم إيمان الفنان الراسخ بذاته الداخلية‪ ...‬وإال فليس ثمة فن‪ .‬عليك أن ال تكذب‪،‬‬ ‫هذﻩ ‪$‬ي صيغة ٕالانقاذ‪* ...‬ي حقبتنا هذﻩ – حقبة الرجعية املتشنجة والانحطاط الثقا*ي والعودة إ‪k‬ى‬ ‫ً‬ ‫ال ‪/‬برية – ال يمكن لإلبداع املستقبل إال أن يكون بحثا عن مخرج من هذا الاختناق الاجتما‪å‬ي الذي ال‬ ‫يطاق‪ .‬بيد أن الفن ككل‪ ،‬وكل فنان باألخص‪ ،‬يبحث عن مخرج بالطريقة ال[‪ O‬يرتئ‪XY‬ا هو دون الاعتماد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ع ى أوامر تأتيه من الخارج بل رافضا لها ومزدريا كل من يخضع لها(‪ .‬عل كل حال‪ ،‬غدوت‪ ،‬بحكم‬ ‫ً‬ ‫إيماني بالنضال‪ ،‬واحدا من املتحمس‪0‬ن للمشاركة *ي املظاهرات‪ ،‬خصوصا تلك ال[‪ O‬يقوم ‪XÈ‬ا التنظيم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بل ح[ املظاهرات ال[‪ O‬يقوم ‪XÈ‬ا العرب‪ ،‬خصوصا من أجل الج‪Xò‬ة الشعبية الديموقراطية مثال‪ ،‬أل‪Xu‬ا‬ ‫كانت الخط الفلسطي ‪ O‬الوحيد الذي تدافع عنه ٔالاممية الرابعة آنذاك‪ ،‬ورغم أن عالقاتي بالعرب‬ ‫كانت‪ ،‬وإ‪k‬ى اليوم لحسن الحظ‪ ،‬صراعية‪ ،‬فإ‪Xu‬ا لم تفطم ‪ O‬عن الاش¡‪/‬اك معهم *ي احتالل السفارة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٔالاردنية احتجاجا ع ى مذبحة الفلسطيني‪0‬ن *ي أيلول ٔالاسود‪ ،‬أو عن الالتقاء ‪XÈ‬م كث‪/0‬ا *ي مركز اتحاد‬ ‫الطالب العرب حيث يختلط شبه الذكي باألحمق‪ ،‬الشوفي ‪ O‬بالالمبا‪k‬ي‪ ،‬واملتأدب باملتطلع إ‪k‬ى شهادة‬ ‫دكتوراﻩ تعطيه أهمية عندما يعود إ‪k‬ى حظ‪/0‬ته‪ ،‬ولكم استفزز‪XÆ‬م بتوزي‪Ê‬ي‪ ،‬داخل الاتحاد‪ ،‬بيانات حركة‬ ‫ً‬ ‫الشاذين جنسيا‪ ،‬أو حركة تحرير النساء‪ .‬كنت أيضا أعرض عل‪XY‬م قطع شوكوالتة سوداء ع ى أ‪Xu‬ا‬ ‫حشيشة‪ ،‬فكانوا يمسكون ‪ ،O‬يسحبون من يدي قطع الشوكوالته ويرمو‪Xu‬ا *ي املراحيض‪ ،‬كان دماغهم‬ ‫ربطة عنق *ي حاجة إ‪k‬ى أن تغسل‪ .‬ع ى أنه‪ ،‬و*ي مركز الطالب هذا‪ ،‬أشرفت ع ى ندوات ثقافية‪ ،‬و*ي‬ ‫إحداها دعوت ج ‪/‬ا نيقوال الذي عشت *ي بيته ٔالاشهر ٔالاربعة ٔالاخ‪/0‬ة *ي لندن‪ .‬وج ‪/‬ا هذا كان أحد القادة‬ ‫ٔالاوائل للحزب الشيو‪å‬ي الفلسطي ‪ ،O‬لكنه طرد فيما بعد بسبب ميوله ال¡‪/‬وتسكية‪ ،‬فأصبح واحدا من‬ ‫ٔالاعضاء الرئيسي‪0‬ن *ي ٔالاممية الرابعة‪ .‬وقد أثار حضورﻩ *ي الندوة زوبعة كب‪/0‬ة ألنه كان يحمل جواز سفر‬ ‫ً‬ ‫إسرائيليا‪ .‬معظم هؤالء الطالب سألوﻩ لم ال يمزق جوازﻩ ٕالاسرائي ي فوضح لهم أن هذا الجواز أشبه‬ ‫بنافذة *ي غرفة موصدة ٔالابواب‪ .‬تو*ي ج ‪/‬ا *ي منتصف ‪ ١٩٧٤‬يائسا ومتذمرا من كل ٔالاوضاع العربية‬ ‫والعاملية‪ ،‬ع ى حد سواء‪.‬‬

‫‪٣٠‬‬


‫‪٤‬‬

‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طردت من مطعم راجا الهندي‪ ،‬الذي دخلته كناسا وتركته رئيسا للطباخ‪0‬ن‪ ،‬بسبب تخلفي *ي ٓالاونة‬ ‫ً‬ ‫ٔالاخ‪/0‬ة عن أوقات العمل‪ ،‬مما هرب كث‪/0‬ا من زبائنه بسبب الانتظار‪ .‬عشر باوندات *ي ٔالاسبوع مع غرفة‬ ‫ً‬ ‫سكن مجانا *ي الطابق الثالث‪ .‬لم أر ليل لندن ألشهر‪ ،‬إذ كان ثمة سلم يؤدي‪ ،‬مباشرة‪ ،‬من املطبخ إ‪k‬ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الغرفة‪ ،‬وكث‪/0‬ا ما كنت أصعد متأخرا وأستيقظ متأخرا بحيث ال يعود ‪k‬ي وقت كاف للخروج سوى إلبراد‬ ‫ً‬ ‫الرسائل‪ .‬لذا أخذت أ‪XÆ‬رب إ‪k‬ى نوادي الرقص *ي منطقة جل‪ ،OP ‬أتنعم ثمال بغبش الليل اللندني‪ ،‬غ‪/0‬‬ ‫مك¡‪/‬ث لهنود أو لزبائن مطعم راجا من إنجل‪ ³0‬ال يعرفون الفرق ب‪0‬ن أكلة الفاندالو الحارة وب‪0‬ن التاندوري‬ ‫ً‬ ‫املعتدلة‪ ،‬وكث‪/0‬ا ما كنت أحضر لهم وجبة ٔالاكل بالعكس‪ ،‬ومع هذا كنت أنال استحسا‪Xu‬م‪ .‬لكن ساعة‬ ‫ً‬ ‫بتعب شديد‪ ،‬منسرق القوى‪ .‬لقد خرجت‬ ‫الكنيسة املقابلة للمطعم تش‪ٓ /0‬الان إ‪k‬ى الرابعة صباحا‪ ،‬أحس‬ ‫ٍ‬ ‫لتوي من غرفة شاذ جن‪ OP ‬ال يتجاوز الثالث‪0‬ن‪ ،‬كان يتتبع ‪ O‬منذ أيام قرب مق ال¡‪/‬وبادور *ي منطقة‬ ‫أيرلز كورت‪ .‬اتفقنا ع ى أن يدفع ‪k‬ي عشر باوندات‪ .‬كانت غرفته واسعة‪ ،‬منظمة‪ ،‬أنظف من غرفة ٔالاخ‪/0‬‬ ‫الذي ذهبت عندﻩ قبل أسبوع‪ ،‬غ‪ /0‬أني كنت أالحظ مشدوها‪ ،‬أن كاغد حائطها أحمر‪ ،‬بل غطاء‬ ‫الفراش‪ ،‬السجادة‪ ،‬كل ‪OPÌ‬ء كان أحمر اللون‪ ،‬قانيا‪ ،‬ح[ القطة ال[‪ O‬انزوت قرب خزانة ثيابه‪ ،‬كانت لها‬ ‫ً‬ ‫عينان حمراوان بينا هو كان عاريا‪ ،‬رأسه ب‪0‬ن فخذي‪ ،‬يداعب قضي‪ Oª‬بكلتا يديه‪ ،‬ح[ يتصلب وينتشر‪،‬‬ ‫فيدخله *ي حلقه ويشرع *ي املص‪ ،‬وما ‪$‬ي إال دقائق ح[ أشعر بتشنج ثم بتقبض‪ ،‬كما يلحس آخر‬ ‫نطفة‪ ،‬ال يف¡‪ /‬عن معاودة اللذة‪ ،‬فأولجته *ي دبرﻩ‪ ،‬طفق يتأوﻩ‪ ،‬وقضي‪ Oª‬ي¡‪/‬ا‪Ô‬ى وي½‪X‬دل‪ .‬وعندما طالبته‬ ‫ً‬ ‫بما اتفقنا عليه‪ ،‬لم يسلم ‪ O‬سوى باوندين موضحا ‪k‬ي بأنه ال يملك غ‪/0‬هما‪ .‬كان القمر يحتجب ويسفر‬ ‫طوال الطريق إ‪k‬ى غرف[‪ ،O‬وب‪0‬ن جوانب أعما‪í‬ي الداكنة‪ ،‬ومض ألف شعاع من ٔالاحالم ببيت كب‪ ،/0‬وامرأة‬ ‫جميلة أضاجعها ليل ‪Xu‬ار‪ ،‬ومبلغ كب‪* /0‬ي البنك أستطيع أن أش¡‪/‬ي به كل دفاتر العالم وأح ‪/‬ها بسواد‬ ‫الحياة‪ ،‬بصرخة املنبوذين الذين ال مأوى لهم سوى مصطبات الطريق‪ ،‬الذين وحدهم يعلمون أن لليل‬ ‫ً‬ ‫لسحرا‪ ،‬وأن للسحر لذكريات مريرة تلتمع *ي شمس ال ‪X‬ار‪ .‬إ‪Xu‬ا مواضيع شعرية خارقة‪ ،‬تتألأل فوق‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ذؤابات الدماغ‪ ،‬تتمثل *ي الخاطر كتابا مطبوعا‪ ،‬وسرعان ما تط‪ /0‬عن الرأس إ‪k‬ى جو النسيان‪ .‬قصائد‬ ‫موت وكوابيس ضاعت هكذا‪ ،‬ألني كتب½‪X‬ا فقط *ي الذهن‪ .‬وعندما حاولت أن أتذكرها *ي اليوم التا‪k‬ي‪،‬‬ ‫لم أدر من أين أبدأ وال أين أنت ‪) .O‬إن ‪ O‬امرؤ ال حافظة كالمية له وال مكنة عندﻩ أن ي‪Ê‬ي عن ظهر قلب‬ ‫ستة أبيات شعر(‪ .‬فليكن همي الوحيد ٓالان هو أن أصل الغرفة‪ .‬وكل الطرق تف ‪ .OP‬هذا ‪OPÌ‬ء ال يحتاج‬ ‫إ‪k‬ى ذاكرة قوية‪ .‬لكن دع ‪ٓ O‬الان أصرخ‪ ،‬لعل ذبذبات أوتار الحنجرة تحدث رجة *ي الدماغ‪ ،‬ويتغ‪/0‬‬ ‫املوضوع‪ .‬ألدخلن هذا الزقاق‪ .‬إنه مسدود‪ .‬يا له من مكان مناسب لصرخة عظيمة القوة ما إن تطلق‪،‬‬ ‫ح[ تتكسر املساديد كلها‪ .‬هيا‪ ،‬أي½‪X‬ا الصرخة املكبوتة‪ ،‬انطلقي من حنجرة ساعة الغثيان املتأخرة هذﻩ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نعم‪ ،‬انطلقي وبقوة أك‪ ،/ô‬فأك‪ ،/ô‬آﻩ‪ ،‬يا للعذوبة‪ ...‬شظايا انشطار ٔالانا الزجاجية ها ‪$‬ي تتناثر أخ‪/0‬ا‪ ،‬نعم‬ ‫‪٣١‬‬


‫إ‪Xu‬ا تتناثر *ي كل مكان‪ .‬أنظري بأم عينيك يا صرخ[‪ O‬العزيزة‪ ،‬الصور كلها أخذت بفضلك تتدفق من كل‬ ‫ّ‬ ‫نافذة‪ ،‬من كل بيت‪ ،‬مزبلة‪ ،‬حديقة‪ ،‬سيارة م¡‪/‬وكة‪ ،‬إ‪Xu‬ا ت¬‪ ³‬ح[ من نظرات شاذ جن‪ OP ‬عابر و‪$‬ي ترود‬ ‫زوايا املكان‪ ،‬آﻩ‪ ،‬الكلب ابن الكلب‪ ،‬سأشدﻩ‪* ،‬ي املرة القادمة‪ ،‬ع ى الباب ليكون ع ‪/‬ة للجميع وسأترك‬ ‫الكرباج يجول ويصول *ي عج‪³0‬ته إ‪k‬ى أن يتدفق الدم ويسيل ع ى السلم في¡‪³‬حلق به تقسيم العمل‪،‬‬ ‫شرطي الرأسمالية هذا‪ ،‬فيسقط وتنكسر رجله‪ .‬وتحذف من كل قواميس لغات العالم‪ ،‬هذﻩ الكلمة‬ ‫اللعينة )العمل املأجور(‪ .‬أوﻩ‪ ،‬م[ سيح‪0‬ن ٔالاوان الذي ع ي أن أكرس فيه ما بقي ‪k‬ي من عزيمة ملواجهة‬ ‫كل قدر يريد أن يلقي بي مرة أخرى *ي خضم ليلة بيضاء كهذﻩ ال تشأز ع ى براق مجهول‪ ،‬مما يضطرني‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫إ‪k‬ى مقاومة جيوشها الزاحفة وحيدا منفردا *ي شارع فولم رود ذي ٔالازقة املفضية إ‪k‬ى ×ي جل‪ OP ‬حيث‬ ‫نوادي الرقص يتعاكظ ف‪XY‬ا ح[ الفجر شعراء وفنانون وكل أبناء الذوات؟ ذا أنا مجرد صرصار ال يملك‬ ‫شروى نق‪ ،/0‬يصعد إ‪k‬ى غرفته‪ ،‬ع ى أطراف أصابعه ح[ ال يسمع له صوت‪ .‬فإذا ‪XÈ‬ا موصدة‪ .‬هذا ألني‬ ‫لم أسدد فوات‪ٕ /0‬الايجار امل¡‪/‬اكم منذ أن طردت من العمل قبل أسابيع‪ ،‬وليس ‪k‬ي أي مرتب(‪ .‬ال أعرف‬ ‫ماذا أفعل‪ .‬أخذت أبحث عن طريقة لكسر القفل‪ ،‬فوجدت حديدة أعانت ‪ O‬ع ى كسرﻩ‪ .‬وضعت كل‬ ‫حوائ‪æ‬ي *ي كيس‪ ،‬ورفعته إ‪k‬ى ظهري‪ ،‬واحتملته‪ ،‬عند مطلع ال ‪X‬ار‪ ،‬إ‪k‬ى نايتس بريدج أل‪Xu‬ا املحطة ٔالاقرب‬ ‫ً‬ ‫املزودة بمكتب تودع فيه الحوائج إ‪k‬ى ح‪0‬ن‪ .‬و*ي هذا املكتب الذي لم أعد إليه أبدا – والذي لم يعد هو‬ ‫ً‬ ‫موجودا – أودعت كل ما كنت أملكه‪ :‬املعطف الذي اش¡‪/‬اﻩ ‪k‬ي فاضل عباس هادي *ي بغداد بدينار‬ ‫واحد‪ ،‬ألتقي به ال ‪/‬د‪ ،‬رزمة كتب من بي ‪X‬ا كتاب جان بول سارتر الوجود والعدم‪ ،‬أدوات الحالقة‬ ‫وتنظيف ٔالاسنان‪ ،‬أقالم لم تقط‪ ،‬ودف¡‪ /‬دون ع ى صفحته ٔالاو‪k‬ى بالح ‪ٔ /‬الاحمر وبحرف جد كب‪) :/0‬من‬ ‫مق املعقدين إ‪k‬ى فولم رود( وهو عنوان رواية فكرت بكتاب½‪X‬ا‪ ،‬لكن أحدا)‪X‬ا ضاعت *ي مجرى الليل‪.‬‬

‫‪٥‬‬

‫ً‬ ‫مستلقيا ع ى العشب *ي هايد بارك‪ ،‬رأيت لندن مكتبة جد كب‪/0‬ة‪ ،‬فأخذت أقلب رفوفها فرأيت كتبا‬ ‫كث‪/0‬ة لم أقرأها بعد‪ ،‬فخيل إ‪k‬ي أن الكتب ال[‪ O‬قرأ‪XÆ‬ا إنما ‪$‬ي عدد جد صغ‪ /0‬ال يكفي ثم ‪X‬ا لسد رمق ‪Xu‬ار‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شجرة ش ﱠدت إل‪XY‬ا كتب العالم كلها وكأ‪Xu‬ا أغصان‪ ،‬ثم‬ ‫واحد‪ .‬وما ‪$‬ي إال دقائق ح[ ان½‪X‬ت بي الرؤيا إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫رأيت تحت إبطي اليسرى حفرة تفيض بدم الكتاب‪.‬‬

‫‪٣٢‬‬


‫‪٦‬‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫هيب‪ Oª‬املظهر‪ .‬كان مع‬ ‫كانت ظه‪/0‬ة شعرت م ‪X‬ا بوهج‪ ،‬عندما ان½‪X‬ت بي صدفة التسكع إ‪k‬ى شخص‬ ‫ِ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫الهيب‪ .³0‬إق¡‪/‬بت منه‪ّ ،‬‬ ‫عراقيا يريد أن‬ ‫وعرفته بنف‪OP ‬‬ ‫كب‪ /0‬من‬ ‫صديقته *ي ساحة بيكادي ي برفقة ٍ‬ ‫عدد ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬ ‫عمق وعيه التمردي‪ ،‬متعاطفا مع املغامرة الهيبية‪ .‬ابتدرني قائال‪) :‬إسمي جوني ‪ ،‬خذ اقرأ هذا الكتاب‪:‬‬ ‫ي ٍ‬ ‫ﱡ‬ ‫إسمع ّأ·‪X‬ا الانسان الصغ‪ /0‬لولهام رايش‪ّ ،‬إنه لجوهري(‪ .‬لم أنم تلك الليلة من ﱠ‬ ‫شدة توغ ي *ي أطروحاته‬ ‫ً‬ ‫الثورية ال[‪ O‬بفضلها ﱡ‬ ‫أكن احتقارا ال مثيل له لإلنسان العادي‪ .‬أطروحات كادت تكون ‪$‬ي موضوع لقائنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ ٌ‬ ‫ّ‬ ‫إ‪k‬ي وكأني أخ له‪ .‬أخ ‪/‬ته‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬بأني شاعر‪ ،‬طلب‬ ‫بصميمية جوني تجا‪$‬ي وهو يستمع‬ ‫الثاني‪ .‬شعرت‬ ‫ّ‬ ‫مجلة التيار ّ‬ ‫الهيب‪) IT Oª‬أن¡‪/‬ناشونال تايمز( ال[‪ O‬أخذني‬ ‫م ‪ O‬أن أريه بعض القصائد لكي ت¡‪/‬جم وتنشر *ي‬ ‫ّ‬ ‫معه إ‪k‬ى مكات‪Xò‬ا الواقعة *ي منطقة كوفنت غاردين‪ .‬كان يرئس تحريرها آنذاك باري مايلز مؤلف أفضل‬ ‫ّ‬ ‫حالية عن الشاعر ٔالام‪/0‬كي ألن غي¬‪³‬برغ‪ .‬قلت له بأن ينتظر ح[ تكتمل القصيدة املرادة‪ .‬كنت‬ ‫س‪/0‬ة‬ ‫ّ‬ ‫أحاول جهدي‪* ،‬ي ّ‬ ‫ٕالانجل‪³0‬ية املقابلة لبعض ما أريد قوله‪ ،‬فكان‬ ‫حديث مع جوني‪ ،‬إيجاد اللفظة‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عال‪ ،‬فمثال إذا لم أعرف ما ‪$‬ي اللفظة ٕالانجل‪³0‬ية لكلمة )و‪å‬ي(‪ ،‬كل‬ ‫يق¡‪/‬ح ع ي أن أنطق الكلمات بصوت ٍ‬ ‫ً‬ ‫ما ع ي هو أن أرد‪) :‬و‪å‬ي‪ ،‬و‪å‬ي(‪ ،‬ح[ يبادرني قائال‪Do you mean consciousness) :‬؟( فأجيب مندهشا‪:‬‬ ‫مهجور‬ ‫خرب‬ ‫)‪ (Consciousness, yes‬وهكذا دواليك إ‪k‬ى ‪Xu‬اية كل كالم كنا نتبادله‪ .‬كنت أزورﻩ *ي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫بيت ٍ‬ ‫ً‬ ‫ﱠ‬ ‫ّ‬ ‫بالهيب‪ .³0‬وأعطاني‬ ‫شبه محط ٍم كان يعيش فيه مع صديقته‪ .‬وغالبا ما كان يأخذني إ‪k‬ى مطاعم رخيصة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذات مرة حبة ‪ L. S. D‬لكنه حذرني من تنازلها وأنا وحدي‪ ،‬وأوصاني بتناولها *ي حضرة صديق يوثق به‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫جدا‪ .‬كنت أعيش *ي غرفة صغ‪/0‬ة *ي الطابق السادس‪ .‬كنت ممددا ع ى الفراش وإ‪k‬ى جان‪ Oª‬كريست‪0‬ن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املسجل ) ‪Outside my window, is a‬‬ ‫وأغنية )عالم ٔالالم(‪ ،‬لفرقة ‪ ،CREAM‬ت½‪X‬ادى إ‪k‬ى أسماعنا من‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تمثل *ي ذه ‪ٌ O‬‬ ‫ٌ‬ ‫موسع‪ ،‬قرأته‬ ‫تحقيق‬ ‫عدد من مجلة اسكواير ٔالام‪/0‬كية‪ ،‬نشر فيه‬ ‫ع‪0‬ن‬ ‫‪ ،(tree‬و*ي طرفة ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كل منطق وجعل ّ‬ ‫عندما كنت *ي بغداد‪ ،‬عن قدرة هذﻩ الحبوب ع ى كسر ّ‬ ‫‪OPÌ‬ء ممكنا‪ .‬فمثال بمجرد‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأخلق *ي سماء لندن‪ ،‬بل أن أقلع‬ ‫أخذ حبة واحدة‪ ،‬يعود بإمكاني أن أط‪ /0‬هكذا من نافذة الغرفة ِ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ريح يط‪ /0‬بي فوق منائر‬ ‫بساط‬ ‫أو‬ ‫القمر‪،‬‬ ‫إ‪k‬ى‬ ‫تحمل ‪O‬‬ ‫ئية‬ ‫فضا‬ ‫مركبة‬ ‫وكأ‪Xu‬ا‬ ‫‪XÈ‬ا‬ ‫وأط‪/0‬‬ ‫املب ‬ ‫من‬ ‫ها‬ ‫كل‬ ‫الغرفة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اقشعرت عضلة‪ ،‬والنطف اللزجة طفقت تسيل‪ ،‬شعرت أن جسمي كله‬ ‫العالم وكأن ‪ O‬حرامي بغداد‪.‬‬ ‫ﱡ‬ ‫يقشعر القشعريرة ّإياها ال[‪ O‬كانت تشعر ‪XÈ‬ا كريست‪0‬ن‪ .‬تركت الحبة ت¬‪³‬لق من يدي املرتعشة لتذوب‬ ‫أخذ‬ ‫تحت ماء الحنفية‪ .‬كان جوني يبيعها بباوند واحد إ‪k‬ى ٔالاصدقاء‪ ،‬وبخمسة إ‪k‬ى الغرباء‪ .‬إنه إنسان رائع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫بفضله سأصبح ّأول ّ‬ ‫هيب‪ Oª‬عرا‪í‬ي‪ .‬لكنه لم يأت ع ى املوعد اليوم‪ .‬ملاذا؟ لم يعملها من قبل! وما إن عدت‬ ‫إ‪k‬ى غرف[‪ ،O‬ح[ وجدت ع ى با‪XÈ‬ا رسالة مغروزة بدبوس من صديقته‪ ،‬ف‪XY‬ا أن الشرطة ألقت القبض‬ ‫ع ى جوني وهو ع ى وشك أن يناول الـ ‪ L. S. D‬إ‪k‬ى زبون ما‪ ،‬لكنه أسقطها ع ى ٔالارض لحظة القبض‬ ‫ﱡ ً‬ ‫ّ‬ ‫إمكانية إطالق سراحه‪ .‬جاءت إ‪k‬ى غرف[‪O‬‬ ‫ستمر غدا لندرس‬ ‫عليه‪ ،‬ومن ّثم ففي القضية نظر وختمت أ‪Xu‬ا‬ ‫‪٣٣‬‬


‫ٌ‬ ‫ﱡ‬ ‫عرا‪í‬ي اسمه عي‪ P ‬‬ ‫مواطن‬ ‫*ي القوت الذي حددته‪ ،‬شبه مصدومة‪ ،‬تتلعثم و‪$‬ي تس¡‪/‬سل‪) :‬إن جوني هذا‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫هارب من العسكرية‪ ،‬ولم يعش *ي بريطانيا إال أربع سنوات‪ ،‬ومنذ أك‪ /ô‬من سنة ان½‪X‬ت‬ ‫من املوصل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رسالة من أبيه مكتوبة بالعربية ع ى‬ ‫رخصته باإلقامة(‪ .‬ثم أرت ‪ O‬ظرفا يحمل طابعا عراقيا‪ ،‬ويحوي ع ى‬ ‫ٍ‬ ‫ورقة زرقاء‪ ،‬يطلب منه أن يعود إ‪k‬ى العراق لكي يدفع بدل خدمته العسكرية و ) ﱠ‬ ‫يحرر(‪ ...‬لكن ما كادت‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تشك به لحظة واحدة‪،‬‬ ‫أجنبية‪ ،‬والذي لم‬ ‫تنت ‪ O‬من مطالع[‪ O‬بدهش½‪X‬ا من نطقه الخا‪k‬ي من ّأية لكنة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تأدت ّأنة من املا‪ OPQ‬إ‪k‬ى ذه ‪ O‬كال ‪/‬ق‪ :‬ذات يوم ضربته ّ‬ ‫ح[ ّ‬ ‫هيبية ع ى رأسه فأن )آخ(‪ ،‬بحيث جعلت ‪O‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫عرا‪í‬ي‪ ،‬إن آخ هذﻩ ل ‪ O‬أنة عراقية محضة؟( غ‪/0‬‬ ‫إنسان‬ ‫هذﻩ )ٓالاخ( أهجس وق½‪X‬ا *ي قراري‪) :‬هل جوني‬ ‫ّ‬ ‫ّأني سرعان ما طردت هذا الهاجس ﱠ‬ ‫باعتقاد لم أتراجع عنه طوال لقاءاتنا‪ ،‬بأنه من املستحيل‬ ‫طردة‬ ‫ٍ‬ ‫شر ٍ‬ ‫ًّ ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫أن يكون‬ ‫ألجن‪ ،Oª‬ح[ لو عاش ربع قرن‪ ،‬تقليد اللهجة ال ‪/‬يطانية ع ى النحو الذي‬ ‫عراقيا ألنه ال يمكن‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫كان يجيدها جوني ّ‬ ‫بكل تشخيصا‪XÆ‬ا خصوصا الكوك ‪ O‬م ‪X‬ا‪ .‬ناهيك عن أن سحنته‪ ،‬لحيته الكثة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مالبسه ّ‬ ‫الهيبية‪ ،‬لم ت‪ /ô‬قط ش‪Xò‬ة أصدقائه ٕالانجل‪ .³0‬يستحيل‪ ،‬ربما نف‪$ OP ‬ي ال[‪ O‬أنت )آخ( تعاطفا معه‬ ‫ٌ‬ ‫فاختاط ّ‬ ‫إنسان إنجل‪³0‬ي من ليفربول‪ ،‬والدﻩ طبيب أسنان‪ ،‬جاء إ‪k‬ى لندن ليعيش ع ى‬ ‫ع ي ٔالامر‪ .‬جوني‬ ‫ّ ً‬ ‫ّ‬ ‫متمردا ع ى النظام‪ ،‬العائلة وقانون التعليم‪ ،‬هذا ما أخ ‪/‬ني به وهذا ما فكرت القيام به عندما‬ ‫هواﻩ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ن ً‬ ‫كنت ﱠ‬ ‫وباال ّ‬ ‫ﱠ‬ ‫ع ي‪ ،‬فآنصرفت ع ى أمل أن أراها‬ ‫بيدي وداعا أله ي *ي مطار بغداد‪ .‬لم ترد أن تكو‬ ‫ألوح‬ ‫ً‬ ‫ثانية إلفادتي بما حدث لعي‪ّ ، P ‬‬ ‫بعدئذ قط‪ .‬لم أر هذا‬ ‫لك ‪X‬ا لم تعد أبدا‪ ،‬ولم أر ال جوني وال عي‪ P ‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يعلم ‪ O‬الط‪/0‬ان‬ ‫الشخص الذي كنت أبحث عنه *ي الكتب من أجل أن )ينبة ما هو كامن *ي أصال(‪ ،‬أن ِ‬ ‫ّ‬ ‫الهيبية حيث الفكر رغيف يقتسم‪ ،‬ما إن أعطى حص[‪ O‬منه‪ ،‬ح[ يكون ‪k‬ي مكان *ي‬ ‫*ي فضاء املعرفة‬ ‫الشمس‪ .‬لقد تالشت صورته *ي الوع÷‪ O‬بشكل لم أعد أعرف معه كيف كانت‪.‬‬

‫‪٧‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ساعة هادئة(‪ .‬وساعاتي الهادئة‬ ‫يفكر *ي املوت *ي‬ ‫يقول شيني¡‪³‬لر بأنه )ما من‬ ‫ٍ‬ ‫شخص جدير باالح¡‪/‬ام ال ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما تبدأ عندما ينطفئ الضوء ويحاول رأ‪ OPÉ‬أن يخلد إ‪k‬ى النوم‪ّ .‬‬ ‫مرة أخرى‪ ،‬بعد تلك‬ ‫هذﻩ كانت‬ ‫دمرة‪ ،‬فكرة املوت ﱠ‬ ‫بكل طاف½‪X‬ا امل ّ‬ ‫النوبة ٔالاو‪k‬ى ال[‪ O‬اجتاحت ‪ O‬ألشهر *ي بغداد‪ ،‬تعود‪ّ ،‬‬ ‫ل½‪X‬ز أعما‪í‬ي *ي لندن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألسابيع‪ .‬كل عضلة‪ ،‬عضو‪ ،‬شريان‪ ،‬عرق‪ ،‬بل جسدي كله طفق ينشغل بفكرة املوت‪ ،‬وكأني حزمة من‬ ‫ّ‬ ‫الال‪Xu‬ائي‪ .‬في¡‪/‬اءى ‪k‬ي وسط الظالم‪ٌ ،‬‬ ‫تفق‪ ،‬بل أنفاق *ي رحم‬ ‫الفؤوس ت½‪X‬اوى ع ى أبواب هذا العدم‬ ‫هائل‪ .‬أكفان‬ ‫زحام ٍ‬ ‫الكون‪ ،‬يخرج م ‪X‬ا مالي‪0‬ن البشر والحيوانات من عهود ٕالانسان ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬فأتال‪ PÌ‬وسط ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أتفصد عرقا‪ .‬فأفزع إ‪k‬ى الشوارع وكأن‬ ‫بيضاء مرقشة بديدان مخفية‪ .‬ينساب صمت مفزع إ‪k‬ى أحشائي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شبحا يطاردني‪ّ .‬‬ ‫انعكاس يؤكد ‪k‬ي أني ليست ميتا‪ .‬أصطدم‬ ‫زجاجية‪ .‬ال أحد‪ .‬أبحث عن‬ ‫واجهة‬ ‫أحدق *ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫‪٣٤‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عي ‪ ،O‬ﱠ‬ ‫بأني ) ٌ‬ ‫جسم‪ ،‬ﱞ‬ ‫العينية(‪ .‬املوت‪ .‬وها‬ ‫وأية ‪Xu‬اية لهذا الجسم ‪$‬ي ‪Xu‬اية لهذﻩ‬ ‫بالعابرين فقط لكي أشعر‬ ‫ً‬ ‫شرطي حق‪ /0‬يزيح ‪ O‬من مكان – قال ‪k‬ي – خاص بالدراجات‪ .‬ويع ‪ O‬أجساما ّ‬ ‫ّ‬ ‫عينية‪ .‬ال محال‪ .‬هذﻩ‬ ‫هو ذا‬ ‫املرة ستكون نوم[‪ O‬إ‪k‬ى ٔالابد‪ ،‬عشائي ٔالاخ‪ ./0‬ال أدري‪.‬؟ رجالي تتخاذالن من الفرق‪ ،‬ب ى‪ ،‬طفقت أرتجف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بكل كياني‪ .‬لم أكتب قصيدة واحدة بعد‪ ،‬ال ح[ جملة واحدة‪ .‬من ذا ال يعرف *ي لحظة كهذﻩ كيف‬ ‫ّ‬ ‫ﱡ‬ ‫يحتد شعوراملرء بأنه لم يخلف ما يخلدﻩ‪ ،‬ع ى خلفية تجمع مبالغته *ي تقدير قدرﻩ ووعيا عميقا بأن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشحاذين‪ ،‬ح[ املزابل لها سحر‬ ‫الخلود ليس‪ ...‬ما أجمل هذﻩ السيارات‪ٔ ،‬الاضواء‪ ،‬واجهات املحالت‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫مشهد جميل‪ ،‬عيناي من‪Xò‬رتان ّ‬ ‫بكل ما أرى‪ ،‬الكرى يتمضمض ف‪XY‬ما‪ .‬أعود إ‪k‬ى الغرفة‬ ‫خاص‪ .‬العالم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أحاول جهدي أال أنام‪ّ .‬‬ ‫عل مذيا يجرف معه كتلة املوت ّ‬ ‫أتعرى‪ ،‬أداعب عضوي ّ‬ ‫أغسل وج ‪ّ ،O‬‬ ‫برم½‪X‬ا‪.‬‬ ‫ّ​ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أداعبه ّ‬ ‫بكل ما اخ¡‪/‬نته من صور‬ ‫استفتاء ّتم ب‪0‬ن بائعات اللذة )انت إ‪k‬ى‬ ‫شبقية مث‪/0‬ة‪ .‬أتذكر أن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تفضيلهن الرجال املختون‪0‬ن ألن مدة الجماع تطول عندهم قبل الدفق أك‪ /ô‬من غ‪ /0‬املختون‪0‬ن(‪ .‬عذراء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تتألأل *ي مرآة الظالم‪ّ .‬‬ ‫هزة ّ‬ ‫قوية اع¡‪/‬ت كل جسمي‪ّ .‬ثمة ارتطام بجدران ٕالاحليل‪ .‬أجمجم كالما فلسفيا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كأن فريرباخ قد ّ‬ ‫التأمل العذب *ي طبيعتك‬ ‫تقمص ‪ّ ) :O‬أ·‪X‬ا املوت ليس بمقدوري ان¡‪³‬اع نف‪ OP ‬من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وثيقا بطبيع[‪ .O‬يا مرآة رو×ي وانعكاس وجودي! أعرف ّأنك ال تعكس *ي ﱡ‬ ‫توهجك‬ ‫الرقيقة املرتبطة ارتباطا‬ ‫ّ ّ‬ ‫ﱠ‬ ‫الرقيق إال اللهب املتقد للو‪å‬ي‪ ،‬أنت نجمة املساء *ي الطبيعة ونجمة الصبح للروح‪ ،‬والحمقى وحدهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ ن ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أن هات‪0‬ن نجمتان منفصلتان(‪ ،‬أعرف ّ‬ ‫مديح‬ ‫بلغة كلها‬ ‫يظنو‬ ‫كل هذا يا عزيزي املوت‪ .‬سأكتب س‪/0‬تك ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫لطخ‬ ‫وتبجيل لعظمتك‪ .‬لكن ‪ O‬خائر القوى ٔالان‪ ،‬لم تبق ‪k‬ي نطفة واحدة‪ .‬أريد أن أنام‪ .‬أنظر‪ ،‬شرشفي ِ‬ ‫ً‬ ‫ّكله‪ٌ .‬‬ ‫أحد ما ينقر ع ى الباب‪ .‬بل أسمعه يطرق‬ ‫طرقات شديدة‪ ،‬وإذا بالباب ينكسر‪ .‬أسمع خطوات هذا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫قبلة ع ى ّ‬ ‫خدي ٔالايسر‪ ،‬ثم تقف بال‬ ‫ٔالاحد تق¡‪/‬ب م ‪ ،O‬إنه العذراء تلك‪ .‬تحمل شمعة صغ‪/0‬ة‪ .‬تطبع‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ ّ‬ ‫عل‬ ‫حراك وكأ‪Xu‬ا تنتظر شيئا‪ ،‬وتنتظر‪ ،‬أعوام تمر‪ ،‬و‪$‬ي تنتظر إ‪k‬ى أن أتحلل *ي ضريح فتط‪ /0‬به‪ .‬ومن ٍ‬ ‫سحيقة حيث يحكم ّ‬ ‫ع ي بأن )أتقاسم الحياة( مع آخر يعيش املوث إ‪k‬ى ٔالابد‬ ‫فجوة سوداء‬ ‫تلقي بي إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ ّ ّ‬ ‫ً ً‬ ‫وٓالاخر هذا غالبا ما أراﻩ عندما أشرع بكتابة نص‪ ،‬ح[ كأني أف‪Ê‬ى ت¬‪³‬ع جلدها وأنا أكتب قصيدة مثال‪.‬‬

‫‪٨‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أتواجه إ‪k‬ى إحدى‬ ‫من عادتي *ي مكتبة فـ‪ ،...‬عندما أهبط من أحد طوابقها‪ ،‬مخيفا تحت إبطي كتابا‪ ،‬أن‬ ‫بسؤال عن كتاب أعرف أنه غ‪ /0‬موجود‪ ،‬أو باألحرى لم يكتب بعد‪* .‬ي‬ ‫البائعات القريبات من املخرج‬ ‫ٍ‬ ‫أصيل ذاك اليوم‪ ،‬كانت كريست‪0‬ن ‪$‬ي البائعة ال[‪ّ O‬‬ ‫توجهت إل‪XY‬ا وتحت أبطي كتابان *ي الفلسفة‪ ،‬و*ي‬ ‫اليوم التا‪k‬ي كانت ‪$‬ي أيضا‪ .‬لكن هذﻩ املرة‪ ،‬آنزلق من جيب معطفي كتاب تروتسكي ٔالادب والثورة دون‬ ‫ً‬ ‫موجود فعال‪ .‬إنه كتاب لويس أراغون‪ ،‬قروي باريس‪ ،‬الذي كان قد صدر‬ ‫كتاب‬ ‫أن تراﻩ‪ ،‬سأل½‪X‬ا عن‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫‪٣٥‬‬


‫ً‬ ‫حديثا ب¡‪/‬جمة سيمون واتسون تايلر‪) .‬عليك أن تنتظر ثالثة أيام(‪ ،‬قالت‪ .‬كانت الساعة السادسة‬ ‫ّ‬ ‫والنصف مساء‪) – .‬تعن‪0‬ن يوم السبت الساعة السادسة والنصف مساء(‪ ،‬قلت لها‪) ،‬إنه الوقت‬ ‫ّ‬ ‫السريالية‪ ،‬عن الحب‬ ‫املناسب واليوم املناسب إ‪k‬ى أن أدعوك إ‪k‬ى العشاء وأحدثك عن هذا الكتاب‪ ،‬عن‬ ‫املجنون وعن باريس ال[‪ O‬لم أرها(‪ .‬ضحكت وأنا أخالسها النظر‪ (Why not) .‬أجابت‪ .‬لم أنس يوم‬ ‫ّ‬ ‫تتدسس إل‪XY‬ا‪ ،‬بل هجست أني‬ ‫عضلة *ي‬ ‫ٔالاربعاء هذا‪ .‬بل لم أستطع النوم بسبب التفك‪XÈ /0‬ا‪ .‬أخذت كل‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫أشاعرها وع ى وشك الان½‪X‬اء‪ .‬لقد بقت طوال الليل أقلب جريدة الغارديان من دون سبب قتال لرهط‬ ‫الساعات امل¡‪/‬امية إ‪k‬ى مساء يوم السبت‪.‬‬ ‫ما إن ان½‪X‬ينا من العشاء *ي مطعم يوناني قرب توت ‪X‬ام كورت رود‪ ،‬ح[ هبطنا شارع جارنيك كروس رود‬ ‫إ‪k‬ى ليس¡‪ /‬سكوير صوب بيكادي ي سركس‪ ،‬ثم صعدنا بيكادي ي الذاهب إ‪k‬ى غرين بارك‪ ،‬إ‪k‬ى أل ‪/‬ت هول‪،‬‬ ‫ساوذ كنسنغ¡ن‪ ،‬أولد برومب¡ن رود ثم إ‪k‬ى الزقاق املس½‪X‬دف‪ ،‬روزاري غاردين¬‪ ،³‬حيث غرفة ّ‬ ‫جد صغ‪/0‬ة‬ ‫مساح½‪X‬ا ال تتجاوز ثالثة أمتار مربعة‪ ،‬تقع *ي الطابق السادس‪ ،‬كانت معدة ألجمل نكاح *ي العالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وكانت ّثمة أيضا شمعة تنتظر أن تخرج من صندوقها لكي تثقب *ي تلك الليلة املزرقة ٔالاديم‪ .‬كل ‪OPÌ‬ء‬ ‫ً‬ ‫كان يمد رأسه إ‪k‬ى خارج مكمنه ليعطي إشارة الضوء ٔالاخضر‪ .‬وذا هو املدخل ينتفخ ّثم يتقبب وسادة‬ ‫ً ّ ً‬ ‫رطبة مطاطة‪ ،‬بينا الكهوف الوعائية تمت ئ بالدم‪ .‬كانت أنفاسها سمع أذني‪.‬‬ ‫يوم‪ ،‬أن أش¡‪/‬ك معها *ي إحدى‬ ‫كانت كريست‪0‬ن تتابع أخبار حركة تحرير املرأة‪ .‬طلبت م ‪ ،O‬ذات ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫النسائية‪ ،‬فحملت الفتة كتبت عل‪XY‬ا العبارة التالية‪) :‬نعم لإلجهاض(‪ ،‬وإ‪k‬ى جان‪ Oª‬امرأتان‬ ‫املظاهرات‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫غليظا ّ‬ ‫ً‬ ‫اس½‪X‬زاء‪ ،‬بنساء الس¡‪/‬يب ت‪ .³0‬غالبا ما كنت‬ ‫وجد طويل‪ ،‬مصنوعا من البالستيك‪،‬‬ ‫تحمالن قضيبا‬ ‫وراديكا‪k‬ي ّ‬ ‫تحدث ‪ O‬بإعجاب عن كتاب ج‪/0‬م‪0‬ن غري‪ ،The Female Eunuch /0‬وهو ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫جدا بحيث‬ ‫كتاب رائع‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثوريون‬ ‫اليساريون املتشيئون *ي تأليه ال ‪/‬وليتاريا وسيط‬ ‫أثار *ي وقته حفيظة الجميع بمن ف‪XY‬م‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫متحرر من كل شوائب‬ ‫جسد‬ ‫الحر‪،‬‬ ‫خالص‪ .‬كانت كريست‪0‬ن تجسد ما كانت غري‪ /0‬تطالب به‪ :‬الجسد‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫جسد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الخجل‪ ،‬من ّ‬ ‫جسد ﱡ‬ ‫رهزة فيه نبأ بانتفاضة غ‪ /0‬مرئية‬ ‫حرك وفقا لقوانينه‪.‬‬ ‫كل شعور بالذنب‪.‬‬ ‫كل ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقوض مبدأ من مبادئ املجتمع‪ ،‬دفينا *ي كل جسد‪ .‬ومذاك‪ ،‬لم أتوقف لحظة عن ٕالايمان بأن الكتابة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪OPÌ‬ء‪ ،‬هتك الرياء الاجتما‪å‬ي حيث‬ ‫نشاط –‬ ‫وانتشاء وكل‬ ‫نضال والنضال نشاط‬ ‫انتشاء هو‪ ،‬قبل كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املرأة ّأول ضحاياﻩ‪.‬‬

‫‪٣٦‬‬


‫‪٩‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الستة ال[‪ O‬قضي½‪X‬ا *ي بريطانيا‪ ،‬لم تن ّ‬ ‫صرم فقط *ي تأميم الكتب‪ ،‬والنوم *ي‬ ‫بيد أن السنت‪0‬ن ؤالاشهر‬ ‫ﱠ‬ ‫الحدائق‪ ،‬والسكر ومطاردة النساء والنضال من أجل الثورة الدائمة‪ .‬كنت أخت ي بنف‪ OP ‬لساعات أفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسوريالية‪ ،‬فان½‪X‬يت إ‪k‬ى أن املاركسية‬ ‫*ي أشياء حاسمة‪ .‬ومن ب‪0‬ن هذﻩ ٔالاشياء‪ ،‬العالقة ب‪0‬ن املاركسية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية كمون التاريخ *ي أحداثه‪ .‬وأن النضال السيا‪ OPÉ‬غ‪ /0‬منفصل قطعا عن نضال‬ ‫تكمن *ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫حرة تعرف ارتكاسا كيف تجابه ٔالاوضاع‬ ‫السوريالية الشعري‪ .‬اكتشاف هذا سيقود حتما إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫فردية ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املحيطة ‪XÈ‬ا دون التشبث بمقوالت هذا املذهب أو ذلك‪ .‬لذا قضيت أشهرا طويلة *ي مكتبة املتحف‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية ونصوصها املتوفرة *ي اللغة ٕالانجل‪³0‬ية‬ ‫ال ‪/‬يطاني مستنسخا كل ما احتوته من مصادر‬ ‫ً‬ ‫آنذاك‪ .‬لم يكن *ي سرادي‪Xò‬ا سوى نزر املكتوب‪ .‬وفجأة كان ّ‬ ‫ع ي أن أخرج من بريطانيا متوجها‪ ،‬رغم‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تروتسكية الاتجاﻩ‪ ،‬تشرف ع ى ‘عداد شباب‬ ‫مكتبة‬ ‫إرادتي‪ ،‬إ‪k‬ى باريس حاملا بالذهاب إ‪k‬ى ب‪/0‬وت لفتح‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ب‪/0‬وت من أجل الثورة الدائمة! وثمة رفاق لنا كانوا يعملون سلفا ع ى هذا‪ .‬وقبل أن آخذ القطار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وداعية *ي جوارات محطة فكتوريا فتذكرت ذاك املساء الذي وصلت‬ ‫بجولة‬ ‫الذاهب إ‪k‬ى باريس‪ ،‬قمت‬ ‫ٍ‬ ‫فيه لندن وأكلت فيه للمرة ٔالاو‪k‬ى *ي حياتي ‪ Hot dog‬من بائع ّ‬ ‫جوال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫*ي السادس عشر من أيار )مايو( ‪ ،١٩٧٢‬الساعة الثانية وخمس دقاق بعد الظهر‪* ،‬ي محطة الشمال‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ساعدت ‪ O‬امرأة فرنسية ع ى فتح باب القطار و‪$‬ي تردد )‪ .(Paris, Paris‬وجهها الجميل‪ ،‬رغم التغضنات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال أزال أتذكرﻩ بقدر ما أتذكر مباول باريس املندثرة‪ ،‬مكتبة ماسب‪/0‬و‪ ،‬املطعم ٕالاسالمي الخاص بالطالب‪،‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ﱠ‬ ‫ﱠ‬ ‫ومي ألن جرثومة صفرة النبات فتكت بجذورها‪.‬‬ ‫وأشجار ال‪¤‬ي الالتي ‪ O‬ال[‪ O‬قطعت بأمر حك ٍ‬

‫‪٣٧‬‬


‫هاتيك السنوات ب‪0‬ن اللحم والتجريد‬

‫‪٣٨‬‬


‫‪١‬‬

‫ّ‬ ‫ﱡ‬ ‫قطار تتناءى ع ‪ .O‬لم ير‬ ‫ينسل ويتثاءب‪ .‬جلبة‬ ‫*ي هذﻩ املرحلة من الصدام مع رأس ٔالاهداف‪ ،‬كان الشارع‬ ‫ٍ‬ ‫حياؤها من ثقب البولفار‪ ،‬كانت منبطحة ع ى ٔالاسفلت‪ .‬تعرجات املفتاح تحول ب‪0‬ن الع‪0‬ن وكتلة هذا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البشرية ّ‬ ‫مجرد تمثال تحت‬ ‫قديم‪ ،‬أيامئذ‪ .‬شعرت بأن‬ ‫مطر ٍ‬ ‫اللحم العظيمة‪ ،‬لحم املغامرة‪ .‬إ‪Xu‬مر وابل ٍ‬ ‫أشجار‪ ،‬دكاك‪0‬ن ذات واجهات تتناثر ف‪XY‬ا الكتب القديمة ب‪0‬ن ّ‬ ‫الدمى والحرير‪ٌ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫كتب‬ ‫أخمص قدمي‪ .‬ثمة‬ ‫أسمع رن‪0‬ن حروفها ّ‬ ‫وكأ‪Xu‬ا دراهم عثمانية‪ ،‬ح ‪/‬ها يمتذقه لساني‪ .‬فوانيس مائلة‪ ،‬شحاذ كأنه بصل‬ ‫محروق يسعل أسفل دفقة الضوء‪ .‬صراع ب‪0‬ن الواقع واملثال كان يحجب الشوق إ‪k‬ى نظرة شزر تضيع‬ ‫سفح مرتفع؟‬ ‫مجذافا *ي قناة‪ .‬لكن أي حيلة ع ي أن أحاول *ي جندول هذﻩ املدينة‪ ،‬ح[ أجد نف‪* OP ‬ي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪OPÌ‬ء‬ ‫بقيت أبص‪ ،‬وأبص *ي هذا ال ‪X‬ر الطويل من سماء تتداكن ب‪0‬ن ٔالازقة‪ ،‬الشوارع‪ٔ ،‬الاحياء‪ ،‬وكأن كل ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫كرة تقذفها يد املجهول‬ ‫زهرة كب‪/0‬ة *ي آنية من صلصال املس‪ ./0‬ولهيب املطابخ ٔالازرق يرتفع وكأنه‬ ‫الطويلة من حوض الداخل إ‪k‬ى سلة الشارع‪ ،‬فتشعر م ‪X‬ا بوهج أيام لها ليال *ي ذاكرة امل‪æ‬يء‪ .‬تذر‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫الشمس رمادا *ي جفون البيوت‪ .‬يمامة تتسلق جذع الهواء املنبثق من حلق الشوارع املتدلية من قدمي‬ ‫مجنون استأصل ضجكته مصباحا يحمله *ي سويداء ملكة ٕالادراك‪ .‬الكتابة سالح ّ‬ ‫املارة املصاب‪0‬ن بصرع‬ ‫ّ‬ ‫نظر‪XÆ‬ن ‪XÆ‬وي كنجمة ع ى رأس كل‬ ‫أفكارهم‪ .‬شوارع حيث عاهرات بألون صارخة يضحكن بصوت عال‪.‬‬ ‫قادم جديد‪ .‬فنادق املواخ‪ /0‬ت¡‪/‬اصد *ي ٔالازقة‪ .‬الجدران تتبخ¡‪ /‬إثر كل زيون‪ٔ .‬الافكار كرونوس‪ :‬عجوز ياتف‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مقعد *ي قطار تحت ٔالارض من‬ ‫بعباءة ويحمل منجال *ي يديه‪ ،‬سيموت العالم فوق ربوة الاستعراء‪ ،‬ع ى‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫خطر حقيقي طوال سنوات‪ .‬قادما من‬ ‫كب‪/0‬ة ع ى العيش *ي‬ ‫أنا؟ ماذا يع ‪ O‬أن تكون شابا له طاقة جد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ضفاف الرافدين‪ ،‬له دماغ لالستيعاب‪ ،‬وعضلة لإلفراز؟ إ‪k‬ى أين تف ‪ OP‬بي هذﻩ الشوارع الطويلة‬ ‫املشجرة بمباول تح¬ن إل‪XY‬ا ه¬‪/‬ي ميلر ذات ّ‬ ‫مرة‪ ،‬ح[ إنه طالب الذين يريدون منه مقابلة تلفزيونية أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫باريسيا يصور فيه وهو يبول منتشيا‪ ،‬ولم ينكث ‪XÈ‬م الحظ‪ .‬باريس! باريس! ) ٌ‬ ‫وجه ألقت‬ ‫يجدوا له مبوال‬ ‫ّ‬ ‫يتخدد(‪ .‬هذا وجه لوتس‪ ،‬اسم باريس القديم‪.‬‬ ‫الشمس رداءها عليه ولم‬

‫‪٢‬‬

‫ّ‬ ‫السوريالي‪0‬ن هذﻩ‪ ،‬ع ى أصدقاء من حركة )ٔالان¡‪/‬ناسيونال سيتواسيونيست(‬ ‫تعرفت هنا *ي املدينة‬ ‫ﱠ‬ ‫)أممية مبد‪å‬ي ٔالاوضاع( فكان لهم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫دور‬ ‫محك التجربة‪ .‬لوال هذﻩ‬ ‫حاسم *ي فرزي للمفاهيم ووضعها ع ى‬ ‫‪٣٩‬‬


‫ً‬ ‫الحركة ال[‪ O‬تمثل الجزء ٔالاك‪ /ô‬تطرفا‪ ،‬أي ٔالاك‪ /ô‬تاريخية *ي أحداث أيار )مايو( ‪ ،١٩٦٨‬ملا كان لـ الرغبة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مسار تاري ي متجدد ع ى الدوام‪ .‬الحركة هذﻩ معروفة بعملها التخري‪* Oª‬ي فضيحة س¡‪/‬سبورغ‬ ‫ٕالاباحية‬ ‫ّ‬ ‫كراس تحري ‪ OP‬عنوانه‬ ‫إذ ساهمت مع طالب *ي عملية اختطاف أموال اتحاد الطلبة لدفع نفقات‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٕالانجل‪³0‬ية تحت عنوان ٔالايام العشرة‬ ‫البؤس *ي الوسط الطالبي‪ ،‬وقد ترجم آنذاك إ‪k‬ى عدة لغات م ‪X‬ا‬ ‫ال[‪ O‬هزت الجامعة‪ .‬كتب معظمه السيتواسيونيست مصطفى خياطي‪ ،‬وهو من أقرب أصدقائي‪ ،‬لعب‬ ‫دورا كب‪/0‬ا *ي تعر*ي ع ى هذﻩ الحركة ال[‪ O‬أسسها عدد من الخارج‪0‬ن ع ى حركة )اللي¡‪/‬يست( – حركة‬ ‫ترجع كل ‪OPÌ‬ء إ‪k‬ى الحرف‪ -‬وحركة )الباوهاوس( التخي ي إبان مؤتمر *ي إيطاليا ‪ ،١٩٥٧‬وع ى رأسهم ‪5‬ي‬ ‫ّ‬ ‫والسوريالية وحركة )كوبرا(‪ ،‬واعتمدوا طوال نضالهم‬ ‫ديبور وأزغر يورن‪ ،‬الذين تشربوا أفكار الدادائية‬ ‫ً‬ ‫مثال(‪ ،‬وكتاب لوكاتش التاريخ والو‪å‬ي الطبقي‪ ،‬وكتاب ه¬‪/‬ي‬ ‫ع ى أفكار الشيوعية املجالسية )بانيكوك‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫لوفيفر نقد الحياة اليومية‪ .‬فاستخلصوا من كل هذﻩ الكتب والحركات مفهوما يختصر املجتمع كله إ‪k‬ى‬ ‫مشهد يجب تحطيمه‪ .‬ذلك أن جل حياة املجتمعات ال[‪ O‬تسود ف‪XY‬ا شروط ٕالانتاج الحديثة‪ ،‬يعلن عن‬ ‫نفسه ك¡‪/‬اكم ضخم من املشاهد‪ ...‬واملبدأ ٔالاسا‪ OPÉ‬للمشهد هو الالتغي‪ ./0‬وأن كل ما تستعمله السلطة‬ ‫من طرق ووسائل‪ ،‬هدفه اخ¡‪³‬ال ال ‪/‬وليتاريا إ‪k‬ى هامش بال دور‪ ،‬مجرد طبقة اس½‪X‬الك‪ .‬الثورة عندهم‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استمرارية‬ ‫مشهدي‪ ،‬ما يشكل عامال أساسيا *ي تعميم الاغ¡‪/‬اب وفعاال *ي‬ ‫إذا‪ ،‬ليست سوى تدم‪ /0‬ما هو‬ ‫الانفصال‪ .‬ويقول ‪5‬ي ديبور‪ ،‬منظر الحركة‪* ،‬ي كتابه )‪ (La societe du spectale‬مجتمع املشهد‪ ،‬الذي‬ ‫يعت ‪ /‬مرجع الحركة النظر ّي‪) :‬يبدو املجتمع – *ي آن واحد – ع ى ّأنه املجتمع نفسه من حيث إنه ٌ‬ ‫جزء‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫داة للتوحيد‪ .‬من حيث ّإنه جزء من املجتمع‪ ،‬املشهد هو القطاع الذي ي¡‪/‬كز فيه ّ‬ ‫كل نظر‬ ‫من املجتمع وأ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫منفصل فإنه موضع النظر املخدوع والو‪å‬ي الزائف‪ .‬أما التوحيد الذيينجزﻩ‬ ‫وكل و‪å‬ي‪ ،‬وألن هذا القطاع‬ ‫)املشهد( فليس إال لغة الانفصال املعمم الرسمية‪ ...‬ليس املشهد مجموعة من الصور‪ ،‬بل عالقة‬ ‫اجتماعية ب‪0‬ن ٔالاشخاص واسط½‪X‬ا الصور(‪.‬‬

‫‪٣‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مدعوون إ‪k‬ى العمل املتواتر من أجل ‪Xu‬اية عالم‬ ‫)وبما أننا ال نريد حضور مشهد ‪Xu‬اية العالم‪ ،‬فإننا‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫املشهد(‪ ،‬قال ‪k‬ي ‪ Pierre Lepetit‬وضحكة جميلة تعلو محياﻩ – ما أعظمك يا بطرس الصغ‪ ،/0‬قلت له‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫النقي‪XÈ ،‬ذﻩ املعرفة‪XÈ ،‬ذا الال¡‪³‬ام بالحرية‪XÈ ،‬ذا الكرم الذي يع ‪ /‬عن‬ ‫لم أر انسانا واحدا ‪XÈ‬ذا القلب‬ ‫حفنة من ٔالاصدقاء‪ ،‬نق ‪ OP‬سهرات من النقاش والاستماع إ‪k‬ى املوسيقى‪،‬‬ ‫باخوسية حيث‪ ،‬مع‬ ‫رغبات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫إطالق النكات ال[‪ O‬كان ‪ Lepetit‬يطرب لها وكأنه يحيا من أجلها‪ ،‬إ‪k‬ى أن تنت ‪ O‬السهرة بالحديث املطول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتعلق بالصراعات الداخلية ال[‪ O‬أدت إ‪k‬ى ّ‬ ‫عن ّ‬ ‫ٔالاممية أواخر ‪ ،١٩٧١‬وعن فكرها الباحث عن‬ ‫حل‬ ‫كل ما‬ ‫‪٤٠‬‬


‫ً ً‬ ‫حياتية‬ ‫تغي‪ /0‬اجتما‪å‬ي قادر ع ى إشباع رغبات الفرد وتحقيق ذاتيته تحقيقا حرا‪ ،‬تحقيق الفن *ي ثورة‬ ‫ٍ‬ ‫خالفة ال *ي املواعظ والوعود الثورية‪ ،‬كان ‪ Pierre Lepetit‬فنانا من الدرجة ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬لكن ليس *ي خدمة‬ ‫ٍ‬ ‫تجار الفن – املشهد‪ ،‬بل إنه لم ينجز إال أعماال فنية ‪XÆ‬دى لألصدقاء‪ ،‬أقام تمثاال لشارل فورييه‪،‬‬ ‫وحمله *ي فحمة الليل السوداء‪ ،‬مع عدد من ٔالاصدقاء‪ ،‬ونصبه ع ى القاعدة ال[‪ O‬نزع ع ‪X‬ا تمثال‬ ‫فورييه ٔالاص ي أثناء الاحتالل النازي فاندهش الناس لهذا العود املفا‪Å‬ئ لتمثال فورييه الطوباوي الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فلسفي‪* ،‬ي القرن العشرين‪ .‬لقد شعرت باريس ذاك الصباح وكأن شبا‪XÈ‬ا‬ ‫كتب عنه بروتون أعظم نشيد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫العظيم عاد إل‪XY‬ا‪ .‬ولم يمض ‪ٌ u‬‬ ‫فشدوﻩ بالحبال‬ ‫واحد‪ ،‬ح[ جاءت الشرطة فظنته تمثاال ثقيال‬ ‫‪X‬ار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغليظة وسحبوﻩ كما لو أن عل‪XY‬م سحب تمثال من الحديد الثقيل‪ ،‬وإذا بالتمثال املجوف يط‪ /0‬ألنه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫فذة ّ‬ ‫ضمها كراسه نقد‬ ‫مصنوع من الجبس الخفيف‪ .‬كان ‪ Lepetit‬ناقدا جذريا للمعمار له تشخيصات‬ ‫ّ‬ ‫العمارة الذي ترجمه مروان ديب وطبعناﻩ منتصف ‪) :١٩٧٥‬إن الذين استطاعوا التمركز تحت رتبة‬ ‫خاصة ع ى العمل‪ ،‬وبصف½‪X‬م منتوجات قد اش½‪X‬رت‬ ‫تدريب‬ ‫مهندس معمار‪ ،‬بصف½‪X‬م ناتج‪0‬ن عن طريقة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حال‬ ‫بتخلفها عن نمط ٕالانتاج‪ ،‬ما يزالون *ي جهل تام لستال‪XÈ‬م‪ .‬وما لم يعوا ذلك فإ‪Xu‬م غ‪ /0‬قادرين بأي ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تتحول موضوعيا إ‪k‬ى‬ ‫من ٔالاحوال ع ى املشاركة *ي نضال ال ‪/‬وليتاريا‪ ،‬رغم أن بقاياهم أخذت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عمر ال‬ ‫بروليتاري‪0‬ن نائك‪0‬ن أحيانا ومنيوك‪0‬ن ع ى الدوام(‪ .‬مات ‪ Pierre Lepetit‬بمرض السرطان عن ٍ‬ ‫يناهز الخمس‪0‬ن‪ ،‬لكن )البناء باعتبارﻩ أحد قطاعات النشاط الاقتصادي ال يزال يشارك *ي التدا‪å‬ي‬ ‫العاملي لالقتصاد(‪ ،‬واملشاحنات ب‪0‬ن قدامى ٔالاممية ال تزال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية ال[‪ O‬كان يختارها‬ ‫*ي السهرات ال[‪ O‬كان يقيمها ‪ Lepetit‬ح[ السحر‪* ،‬ي بيته أو *ي املطاعم‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫مرجع ٌ‬ ‫ثوري *ي تاريخ فرنسا‪ ،‬اطلعت ع ى أفضل ما *ي تشخيصات هذﻩ ٔالاممية‪،‬‬ ‫أدبي أو‬ ‫بمعرفة لها‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ج ن‬ ‫تشخيصات أعت ‪/‬ها جد هامة *ي تطور وع÷‪ O‬النقدي قرأ‪XÆ‬ا مرات بل كنت أهضمها وكأ‪Xu‬ا قطعة ٍ‬ ‫من النوع الرا‪í‬ي‪ ،‬ح[ غدت ّ‬ ‫لب أفكاري‪) :‬الكالم‪* ،‬ي ظل رقابة السلطة يدل‪ ،‬دوما‪ ،‬ع ى ‪OPÌ‬ء مغاير ملا‬ ‫نحياﻩ حقا‪ .‬وههنا تكمن إمكانية النقض‪ ،‬إمكانية التمرد الشامل‪ ...‬فالسلطة ال تبدع شيئا بل تستو‪k‬ي‬ ‫ع ى كل ‪OPÌ‬ء وتحتويه‪ ،‬ولو كان اللغة أن تبدع مع الكلمات ألصبح الشعر *ي خ ‪ /‬كان‪ ...‬الشعر هو‬ ‫اللغة املحررة‪ ،‬اللغة ال[‪ O‬تستعيد من جديد ثراءها‪ ،‬كاسرة دالل½‪X‬ا‪ ،‬تبسط من جديد سياد‪XÆ‬ا ع ى‬ ‫ّ‬ ‫الكلمات‪ ،‬املوسيقى‪ ،‬الصراخ‪ٕ ،‬الاشارات‪ ،‬الرسم‪ ،‬وع ى الرياضيات والوقائع‪ ...‬إن اكتشاف الشعر من‬ ‫جديد ال يختلف عن ابتداع الثورة من جديد(‪ .‬وملصطفى خياطي – هذا الذي ال يزال وفيا ألفكار‬ ‫ّ‬ ‫ٔالاممية رغم أنه استقال م ‪X‬ا أواخر ‪ ١٩٦٩‬لينخرط *ي النضال الفلسطي ‪ ،O‬هذا الرجل الكسول املثقف‬ ‫ٌ‬ ‫حاسم *ي فهم لعبة الكتابة – السلطة‪.‬‬ ‫تشخيص جد‬ ‫جيد‪ ،‬املتشائم من كل ٔالاوضاع العربية –‬ ‫بشكل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فها هو *ي مقالته الرائعة )الكلمات ٔالاس‪/0‬ة(‪) ،‬املنشورة *ي مجلة الحركة العدد العاشر ‪ ،(١٩٦٦‬ال[‪O‬‬ ‫ّ‬ ‫كت‪Xò‬ا كمقدمة لقاموس كان يفكر بإعدادﻩ متضمنا تعاريف جديدة للكلمات من وجهة نظر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يوضح بأنه )من املستحيل التخلص من عالم دون التخلص من اللغة ال[‪ O‬يتس¡‪/‬‬ ‫سيتواسيونيست‬ ‫‪٤١‬‬


‫وراءها‪ ،‬وتضمن وجودﻩ‪ ،‬أي دون أن نجعل حقيقته عارية‪ .‬وكما أن السلطة ‪$‬ي الكذبة الدائمة‪،‬‬ ‫والحقيقة الاجتماعية‪ ،‬فإن اللغة ‪$‬ي ضمان½‪X‬ا الدائمة‪ ،‬والقاموس مرجعها العام‪ .‬فاللغة ‪$‬ي مسكن‬ ‫السلطة وملجأ عنفها البولي‪ ،OP ‬وأي حوار مع السلطة هو عنف تسلطه عليك أو تستفزها به‪ .‬عندما‬ ‫تأنف السلطة من استعمال أسلح½‪X‬ا‪ ،‬فإ‪Xu‬ا تكلف اللغة بمهمة حماية ٔالامن القم‪Ê‬ي‪ .‬التوفيق ب‪0‬ن الاثن‪0‬ن‬ ‫ّ‬ ‫هو التعب‪ /0‬الطبي‪Ê‬ي ألي سلطة‪ ...‬إن النقد النظري لعالم السلطة ال يمكن فصله عن ممارسة تحطيمه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قمعية تسند مشهدﻩ السائد هو خ‪/0‬‬ ‫مقوالت‬ ‫واحتواء النظام السائد للفن الحديث كله وتحويله إياﻩ إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫تأييد لهذﻩ الفكرة‪ :‬إن ما ال يقتل السلطة تقتله السلطة(‪.‬‬ ‫ٍ‬

‫‪٤‬‬

‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫للسيتواسيونيست طرق عديدة ملواجهة مجتمع املشهد‪ ،‬من بي ‪X‬ا الاختطاف‪ ،(detournement) ،‬هذا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العفوية الخالقة عند الجميع يقول بأنه يتوجب‪ ،‬وفقا‬ ‫ٔالاسلوب الانتفا‪ OPQ‬املبتكر من أجل فتح أبواب‬ ‫إلزغر يورن )ع ى ّ‬ ‫جديد أو أن تختفي(‪ .‬الاختطاف هو خ‪/0‬‬ ‫كل عناصر املا‪ OPQ‬الثقا*ي أن توظف من‬ ‫ٍ‬ ‫وإعالنات )بغية‬ ‫نصوص‪،‬‬ ‫لوحات‪،‬‬ ‫وسيلة للكشف عن الزيف الذي تنطوي عليه املواد املس½‪X‬دفة من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تغي‪ /0‬وجه½‪X‬ا(‪ .‬فماركس مثال‪ ،‬مارس الاختطاف عندما قلب هيغل ع ى رأسه‪ ،‬مستعمال الديالكتيك *ي‬ ‫ّ‬ ‫ملثالية هيغل‪ .‬أشاع أعضاء الحركة الاختطاف‬ ‫دراسة التاريخ للكشف عن الطبيعة ٕالايديولوجية‬ ‫كخطوة اس¡‪/‬اتيجية أرادوا بواستطها الكشف عن بؤس الحياة اليومية الفاضح بالرغم من ك‪/ô‬ة‬ ‫البضاشع‪ .‬وقد آستولدوﻩ من مفهوم لوتريامون املفيد بأن )السرقة ٔالادبية ضرورة يحتمها التطور‪ّ ،‬‬ ‫أل‪Xu‬ا‬ ‫ً‬ ‫تطوق جملة املؤلف وتستعمل تعاب‪/0‬ﻩ‪ ،‬تمحو فكرة خاطئة وتستبدلها بفكرة صائبة(‪ .‬وكنموذج مبسط‬ ‫لشرح عمل الاختطاف حيث يتغ‪ /0‬موقع بعض الكلمات مع الاحتفاظ ب¡‪/‬كيبة الجملة ٔالاصلية املس½‪X‬دفة‬ ‫ً‬ ‫مثال العبارة ال[‪ O‬يلقنوننا إياها ّ‬ ‫وكأ‪Xu‬ا حقيقة‪) :‬ما تعلمته *ي الصغر ينفعك *ي الك ‪،(/‬‬ ‫باآلختطاف‪ ،‬هاك‬ ‫وها ‪$‬ي بعد أن ّ‬ ‫مرت *ي منخل الاختطاف‪ ،‬تكشف عن وظيف½‪X‬ا القمعية‪) :‬ما تعلمته *ي الصغر يقمعك *ي‬ ‫الك ‪ .(/‬ع ى ّأنه لم يكن لالختطاف‪ ،‬بالنسبة ّ‬ ‫إ‪k‬ي‪ ،‬فائدة واحدة مقصورة ع ى اختطاف بعض كتابات‬ ‫الجاحظ وإصدارها باسمه *ي كراس عنونته أقوال الشراحة *ي النقض وٕالاباحة‪ .‬ومما جاء فيه )حدثنا‬ ‫ٔالاحنف عن القرمطي ٔالاول‪ ،‬فقال‪ :‬الشهوة الفاضحة خ‪ /0‬من التقوى الفادحة * قال بعضهم‪ :‬وقف‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قرمطي يسأل قوما‪ ،‬فقالوا له‪ :‬عليك بال ّدين‪ .‬فقال‪ :‬دعوا املنابر فإ‪Xu‬ا مقابر* وسئل لقرمطي مرة عن‬ ‫ّ‬ ‫العربية ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحب‪ ،‬فقال ّ‬ ‫بأ‪Xu‬ا مضياع خرقاء‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫كل ما هوشاذ *ي نظر ٔالابوين* وقال آخر يهجو البلدان‬ ‫ّ‬ ‫ثوري أجلس إليه‪ .‬فقال‪ :‬ه‪XY‬ات‪،‬‬ ‫ال ·‪X‬ولنكم ما ترون فإن عام½‪X‬ا موتى* قال أعرابي ألحدهم‪ :‬دل ‪ O‬ع ى‬ ‫ٌ‬ ‫تلك ضالة ال توجد *ي الوطن العربي* وقال آخر إذا رغبت *ي املكارم فاج¡‪/‬ح املحارم* وقال‪ :‬إذا أردت‬ ‫‪٤٢‬‬


‫اجتماعية فقم ‪XÈ‬ا للمزاح* وقيل لبعضهم‪ :‬ما املروء؟ قال‪ :‬تحرر البدن والنيك الحسن*‬ ‫القيام بثورة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرغبوي‪0‬ن‪ :‬أي ٔالامرو أمتع؟ فقال‪ :‬مجالسة ٕالاضراب عن العمل ومذاكرة الحلم‬ ‫املخرب‪0‬ن‬ ‫قيل لبعض‬ ‫الس¡‪/‬داد املستقبل* وقال‪ :‬ال وحشة أوحش من كبت جن‪ ،OP ‬وال ظه‪ /0‬أعون من ّ‬ ‫تمرد؟ وقال آخر‪ :‬النبيذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أعرابي ّ‬ ‫ّ‬ ‫إديولوجية لينجزها‪ ،‬فلم يفعل‪ ،‬فقيل له *ي ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إال‬ ‫مهمة‬ ‫يجوهر الذاكرة* ودفعوا إ‪k‬ى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعب الحال وخيبة الرغبة‪ (...‬وإلخ‪ .‬فاتصل بنا ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يتضمن رسالة للجاحظ‬ ‫عدد من املستشرق‪0‬ن‪ ،‬ظان‪0‬ن أنه‬ ‫ّ‬ ‫لم يع‪ /ô‬عل‪XY‬ا من قبل! ّ‬ ‫شكوا *ي ّ‬ ‫ّ‬ ‫إيديولوجية(‪ ،‬و‪$‬ي حديثة العهد كما‬ ‫صح½‪X‬ا بعد أن وجدوا كلمة )‬ ‫لك ‪X‬م‬ ‫ّ‬ ‫أن الاختطاف‪ ،‬كما ذكرت‪ ،‬لم يكن ّ‬ ‫ّ‬ ‫استعماالت موضعية بل كان‬ ‫وصفة ذات‬ ‫مجرد‬ ‫صرحوا‪ – .‬ع ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثورية حقا عل‪XY‬ا أن تكون كذلك *ي تركيب½‪X‬ا أو‬ ‫أيضا‪ ،‬وهو ٔالاهم عندي‪ ،‬درسا تعلمت منه بأن الجملة‬ ‫ّ‬ ‫كل احتواء ّ‬ ‫عصيانية باطنة تقاوم ّ‬ ‫أطروحة‬ ‫وكل إمكانية اختطاف‪ .‬أن تصفى من كل شائبة‬ ‫ال تكون‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫زائفة‪ .‬فالخطورة *ي اختطاف نص قد‪ ،OPÉ‬أي تغي‪ /0‬وجهته مثال‪$ ،‬ي أن يقع *ي شرك تركيبته الدينية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫نقيض لالنتحال فهو ليس محاولة للتخلص من ٓالاخر – إلغاء املرجع‪،‬‬ ‫املراد نقدها‪ .‬ع ى أن الاختطاف‬ ‫ً‬ ‫جوانية هذا ٓالاخر بغية تجاوزﻩ‪ .‬الاختطاف ٌ‬ ‫فعال ع ى ّ‬ ‫صيد *ي املاء الصا*ي‪.‬‬ ‫وإنما هو التعرف‬

‫‪٥‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ما إن ّ‬ ‫املطب الذي خلقه‬ ‫مرت بضعة أشهر‪ ،‬ح[ حدثت القطعية ال ‪X‬ائية مع ال¡‪/‬وتسكي‪0‬ن الغائص‪0‬ن *ي‬ ‫لهم ستال‪0‬ن‪ :‬تفنيد أكاذيبه‪ .‬وهذا هو لب ما كان يضايق ‪* O‬ي تروتسكي نفسه الذي ق ‪ P‬معظم حياته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يفند ويفند‪ ،‬وكأن الثورة الاجتماعية الشاملة يعتمد انفجارها ع ى تنفيد تزويرات ستال‪0‬ن للتاريخ‪ ،‬ال‬ ‫ع ى مراجعة ّ‬ ‫نقدية جريئة للمشروع الليني ‪ّ O‬‬ ‫برمته الذي كشر عن أنيابه قبل استالم ستال‪0‬ن للسلطة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫*ي مذبحة كرونشتاد‪ .‬ع ى كل حال‪ ،‬إن مفهوما جديدا أخذ يستيقظ عندي من غفلة السن‪0‬ن‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املضاد ّ‬ ‫الحرة‬ ‫حزبوية‪ .‬فالعالقة‬ ‫عقلية‬ ‫لكل‬ ‫ٔالاصلية ال[‪ O‬كان ·‪X‬م ‪ O‬م ‪X‬ا منطلقها‬ ‫املجالسية‬ ‫الشيوعية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمفك ٍر ما أو بحركة يجب أال تكون عالقة تابع بمتبوع‪ ،‬أو مجرد تلصص ع ى فكر ٓالاخر وإنما عل‪XY‬ا أن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكري ٍة تريد‬ ‫لفاعلي ٍة‬ ‫تعود سالحا الس¡‪/‬جاع فكر ٔالانا وإمكاناته ضد ظروف عينية‪ .‬إذ إنه ال يمكن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مفكرين أنجب½‪X‬م ّ‬ ‫فكرية متناقضة ظاهريا‪.‬‬ ‫تحركات‬ ‫التصدي لهذﻩ الظروف‪ ،‬أن تتكامل إال من طريق‬ ‫فشبت نار القراءة *ي كتابات أنطون بانيكوك‪ ،‬بول ماتيك‪ ،‬كارل كورش وال¡‪/‬اث الفوضوي ٔالام‪/0‬كي‬ ‫ّ‬ ‫املجالسية هذا قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صراع فع ي عفوي عرفه‬ ‫تطور نتيجة‬ ‫الشيوعية‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬فاتضح ‪k‬ي بأن فكر‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقي ٍة‪ ،‬وحلمها بالثورة كان يغذيه واقع تاري ي‪ ،‬حلم يختلف عن أضغاث‬ ‫ورش‬ ‫العمال الغربيون *ي ٍ‬ ‫أحالم تفرزها طبيعة مجتمع راكد غ‪ /0‬تاري ي‪ ،‬اختالفا يجعل أي ت ن لهذا الحلم‪ ،‬مجرد إسقاطات ع ى‬

‫‪٤٣‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‬ ‫واقع عربي لم تعرف دهماؤﻩ سوى صراعات صحراوية متعمدة سلفا *ي ملفات هذﻩ الخيمة‬ ‫أو تلك‪.‬‬ ‫‪٦‬‬

‫ً‬ ‫نمسوية شاء حسن طال‪Ê‬ي أن ألتقي ‪XÈ‬ا ذات مساء‪ ،‬وأنا أتجول *ي أزقة ال‪¤‬ي‬ ‫صديقة‬ ‫كم أشعر مدينا إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الالتي ‪ .O‬دخلنا مق سان ميشيل‪ ،‬ثم ّ‬ ‫ّ‬ ‫توجهنا فيما بعد إ‪k‬ى غرفة كنت أسك ‪X‬ا *ي )فندق العظماء(‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫)‪ (L'Hotel des Grands Hommes‬وكأن واحدنا يعرف ٓالاخر منذ أن هبط آدم إ‪k‬ى ٔالارض‪ .‬لم أتوقف‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طوال الليل‪ .‬أثارت ّ*ي شبقا لم أعرفه من قبل‪ .‬غالبا ما كنا نبقى ال ‪X‬ار والليل كله يغتلم واحدنا ٓالاخر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املنوية كانت تشحن من جديد إثر ّ‬ ‫كل إفراز‪ ،‬بحيث رأيت ذات مرة قطرات من الدم‬ ‫وكأن الحويصالت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تخرج من الصماخ البو‪k‬ي‪ .‬هدئ من رو‪å‬ي *ي املستشفى عندما أخ ‪/‬ت بأن تمزقا *ي بعض ٔالاوعية سببه‬ ‫ٌ‬ ‫اظ متواتر‪ ،‬وأن ّ‬ ‫ع ي أن أعتدل فحسب‪ .‬هذﻩ الصديقة – الخليلة كانت من أب اللحظات *ي حياتي‪.‬‬ ‫إنع‬ ‫ً‬ ‫لقد وفرت ‪k‬ي مسكنا *ي أحلك الظروف‪ ،‬وجو تعاشق جد ّ‬ ‫ص‪¤‬ي‪ .‬كان عمرها تسعة عشر عاما‪ .‬ها ‪$‬ي‬ ‫تتعرف ع ى ٔالافكار بقدر ما كنت ّ‬ ‫تكتشف العالم من خال‪k‬ي‪ ،‬كما قالت‪ّ .‬‬ ‫أتعرف عل‪XY‬ا‪ ،‬تشارك ‪ O‬الرأي عن‬ ‫ً‬ ‫إيمان وتفهم‪ .‬كانت تحب ‪ O‬حد ّأ‪Xu‬ا حملت جنينا بالرغم من استعمالها لحبوب منع الحمل‪ .‬كنت فتيا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقيد إ‪k‬ى متطلبات مؤسسة العائلة‪ .‬لذا أمر‪XÆ‬ا بإجهاضه متحججا بأنه ليس للثوري‬ ‫أطمح كلقا غ‪/0‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫وقت ل¡‪/‬بية ٔالاطفال‪ .‬كانت بريئة براءة الشعر‪ .‬إقتنعت بحج‪æ‬ي ال[‪ O‬إجدها اليوم واهية‪ .‬بقيت *ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ألن ٕالاجهاض هذا كان‪* ،‬ي العمق‪ّ ،‬‬ ‫ضد إراد‪XÆ‬ا‪ ،‬كان أشبه باغتيال رمز‬ ‫املستشفى وقتا أك‪ /ô‬من الالزم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫سنوات من البذخ *ي مخدع الحب املجنون‪ ،‬طردت من قلب أجمل‬ ‫ح‪Xò‬ا الوحيد‪ .‬هكذا‪ ،‬بعد م ‪ OP‬ثالث‬ ‫ٍ‬ ‫فتاة‪ ،‬وأعذب كائن بشري‪.‬‬

‫‪٧‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫راديكالي ٍة اكتشف من‬ ‫وخاصة *ي فيينا وسط تجمعات‬ ‫بفضلها أتيحت ‪k‬ي فرصة الحياة *ي سالزبورغ‬ ‫خاللها أعظم ما أنتجه التفك‪ /0‬املارك‪* OP ‬ي القرن العشرين‪ :‬مدرسة فرانكفورت‪ .‬وبالتا‪k‬ي اكتشاف كارل‬ ‫ّ‬ ‫عمق احتقاري للصحافة ّ‬ ‫كراوس الذي ّ‬ ‫ورسخ ّ*ي ٕالايمان بأن )أي تواطؤ *ي اللغة هو تواطؤ *ي القضية(‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وجدت مكتبة متخصصة ببيع الكتب ٕالانجل‪³0‬ية‪ .‬طلبت م ‪X‬ا أن تستورد ‪k‬ي هذﻩ الكتب‪ .‬وعندما كانت‬ ‫طلباتي تصل إ‪k‬ى املكتبة‪ ،‬كانت توضع ع ى رف خاص‪ .‬كنت أعرف كيف أن½‪X‬ز الفرصة لتأميم ما طلبته‬ ‫من كتب‪ ،‬فأخرج دون أن يشعر ٌ‬ ‫أحد بفعل[‪ .O‬وال أزال أحتفظ بمعظم هذﻩ الكتب *ي مكتب[‪ O‬إ‪k‬ى اليوم‪.‬‬ ‫‪٤٤‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مناسب للفاصلة *ي الجملة‪،‬‬ ‫طويلة بموقع‬ ‫ولساعات‬ ‫ومن بي ‪X‬ا كتب كراوس‪ ،‬هذا الذي كان يفكر مليا‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نحوية بل )بحثا عن السعادة ال[‪ O‬ضيع½‪X‬ا ٕالانسانية(‪ .‬هو الذي جعل ‪ O‬أرتاب أرتيابا شديدا من‬ ‫ال لدق ٍة‬ ‫ٍ‬ ‫)الصحافة ال[‪ O‬تبدو للبعض كما لو ّأ‪Xu‬ا *ي خدمة الحاضر‪ ،‬بينما ‪å‬ي *ي العمق تدم‪ /0‬لتفتح ٔالاجيال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املقبلة الذه ‪ .(O‬ومن الظواهر ال[‪ O‬تصدى لها كراوس الحذر‪ ،‬ح[ *ي أحالمه‪ ،‬من املتطفل‪0‬ن‪ ،‬ظاهرة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫النفساني ال[‪ O‬ال يقل دورها ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهمية عن دور‬ ‫افتتاحيات الصحافة *ي قتل اللغة – النفس‪ .‬وفقا‬ ‫التحليل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفساني هو وحدﻩ الفخور ‪XÈ‬ذا املرض‪ .‬والعالج املزعوم الذي يقدمه‬ ‫لكراوس‪ ،‬كلنا مر‪ ، PQ‬لكن املحلل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النفسية‪ .‬إذ إنه يدرك جيدا أن )الو‪å‬ي( ٔالافراد يعرف‬ ‫هذا املحلل هو بالضبط الخطر املحدق بالصحة‬ ‫ً‬ ‫عن وعيه أك‪ /ô‬مما يدعيه وعيه هو‪ ،‬املحلل النفساني‪ ،‬من معرفة بـ )الو‪å‬ي( ٔالافراد‪ .‬فإذا سمعت محلال‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫نفسانيا ينطق بكلمة )انحراف(‪ ،‬عليك أن تدرك فورا أن حاستك السادسة قد حوصرت‪ .‬وبقدر ما إن‬ ‫املجتمع املعاصر ال يحتاج إ‪k‬ى مقص الرقيب‪ ،‬فالصحافيون يقومون ‪XÈ‬ذﻩ ّ‬ ‫املهمة خ‪ /0‬قيام‪ ،‬كذلك فهو‬ ‫حاجة إ‪k‬ى قاعات ملحاكمة النفس‪ ،‬فعدد صاالت املحلل‪0‬ن النفساني‪0‬ن بات ال يح ‪ . P‬كما أن ما‬ ‫ليس *ي‬ ‫ٍ‬ ‫النفساني من تفس‪ /0‬ألحالمنا غرض إرشادنا إ‪k‬ى أغوار النفس‪ ،‬إنما هو ّاد ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫باطل‪ ،‬إذا ها‬ ‫عاء‬ ‫يدعيه املحلل‬ ‫هو يلقي بنا من أع ى براءتنا إ‪k‬ى مستنقع الشعور بالذنب‪ .‬نعم‪ ،‬إذا كان ﷲ قد خلق ٕالانسان من تراب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فاملحلل النفسان ّي يخ¡‪³‬له ترابا‪ .‬قضيت أياما وليا‪k‬ي أتوغل *ي شعاب آثار كراوس ومدرسة فرانكفورت‬ ‫ال[‪ O‬وثقت ّ‬ ‫واشم‪³9‬از من مصنع الثقافة الجماه‪/0‬ية الذي يديرﻩ‬ ‫كل ما هو غريز ﱞي *ي من شك نقدي‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مجتمع الاس½‪X‬الك‪ .‬علمت ‪ O‬هذﻩ الكتب أن ذاك الذي يريد أن يعمق لغته‪ ،‬عليه أن يزداد عزلة‪ ،‬بل أن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يستشرس‪ ،‬ولكي يستشرس عليه أن يكون بعيدا عن ٔالاضواء‪ .‬أن يكون نقدﻩ متخطيا حواجز الثنائيات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أخالقية املنقود واج¡‪/‬ار إشكاليات الحقبة ال[‪ O‬أنتجته‪ .‬فالنقد الحق‪ ،‬قدر المباالته‬ ‫ال يعيد إنتاج‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫بالعواقب‪ ،‬هو مقاربة نقدية تضيف شيئا يتناقض‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬مع التفك‪ /0‬العام‪ ،‬شيئا ال يغفر له ح[ ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الذين *ي أنفسهم حزازة من املنقود نفسه ذلك أنه حاسة النقد املتخلصة من عقدة املزاحمة‪ ،‬بإعطاء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫املرجع ما للمرجع واضعة ّإياﻩ *ي مكانه التاري ي‪ ،‬تتجاوز كال الطرف‪0‬ن خلقيا وكتابيا‪ .‬فاملطلوب هو أال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نخلط ب‪0‬ن حق الكالم وحرية النقد بالحديث الالمسؤول والانتقادات البائسة‪ .‬إن قراءة صفحة واحدة‬ ‫ً‬ ‫من أعمال أدورنو‪ ،‬مثال‪ ،‬كانت كافية لتحذيريمن التشيؤ *ي املبادئ ومن التشيع إليديولوجية ما‪ .‬أعاد‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعية‪ .‬اكتشا*ي ألدورنو هو‬ ‫النظرية‪ ،‬والثورة كذبة‬ ‫أدورنو إ‪k‬ى براءتي شراس½‪X‬ا‪ .‬علم ‪ O‬أن املمارسة ‪$‬ي‬ ‫ّ‬ ‫كل فكر ّ‬ ‫تمرد ضروري يقوم به ّ‬ ‫الالعقالنية كلحظة ّ‬ ‫حر‪.‬‬ ‫اكتشاف بروتون من جديد‪ ،‬أي اكتشاف‬

‫‪٤٥‬‬


‫‪٨‬‬

‫ٌ‬ ‫تورطت هذﻩ ٔالافكار ّ‬ ‫ٌ‬ ‫كيف حدث ‪k‬ي أن ّ‬ ‫ان½‪X‬اك ‪k‬ي‪ .‬وبما أ‪Xu‬ا أفكار ّ‬ ‫ﱞ‬ ‫حرة ف ‪O‬‬ ‫½‪X‬اك له‬ ‫وكأ‪Xu‬ا إرث‬ ‫عائ ي‪ ،‬أي ان ٍ‬ ‫ً‬ ‫أشبه بطفل ّ‬ ‫شاعر له‬ ‫لحظة عناية كاملة‪ .‬كان من املمكن أن أبقى *ي العراق مجرد‬ ‫هش يستلزم *ي كل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫دواوين ّ‬ ‫جواز‬ ‫ومداحون بل وم½‪X‬اترون – لو لم يصدر قرار دفع بدل الخدمة العسكرية فحصلت ع ى‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللبنانية وين½‪X‬ب ٔالامر‪ ،‬لو‬ ‫ٔالاهلية‬ ‫يمكن ‪ O‬السفر إ‪k‬ى لندن – أو أن أقتل برصاصة قناص ّإبان الحرب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٔالاممية الرابعة‪ ،‬أربعمئة فرنك‪ ،‬ثمن تذكرة‬ ‫أعطاني فرانسوا ماسب‪/0‬و الذي كان عضوا آنذاك *ي‬ ‫الطائرة إ‪k‬ى ب‪/0‬وت‪ ،‬كما كان بفعل مع ّ‬ ‫بقية ٔالاعضاء‪ .‬لو! آﻩ كم ‪$‬ي جميلة منطقة بيغال‪ ،‬كان بروتون‬ ‫كل ‪OPÌ‬ء قد ّ‬ ‫يعيش هنا قرب م¡‪/‬و بالنش *ي شارع فرنت‪0‬ن‪ ،‬ها ‪$‬ي نافذته تطل ع ى شارع رششوار‪ّ .‬‬ ‫تغ‪./0‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ح[ العاهرات لم تعد ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مكتوب ع ى الجب‪0‬ن‪ّ .‬‬ ‫كل‬ ‫لهن تلك الفتنة ٔالاو‪k‬ى‪ ،‬تلك القدرة ع ى جذب الرجال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫محكوم بمص‪ ،/0‬وما نشاطاته إال إلبراز هذا املص‪ /0‬إ‪k‬ى العيان‪ .‬ربما اخ¡‪/‬ت الطريق الخاطئ‪ ،‬لكن ‪O‬‬ ‫إنسان‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سأستمر فيه‪ .‬ذلك أن عيب الظالل السوداء هو أ‪Xu‬ا ال تحجب النور‪ ،‬بل تشفه انسالال جديدا‪ .‬ألم يقل‬ ‫ّ‬ ‫أم‪/0‬كي اسمه ألفن غولدنر‪) :‬ب‪0‬ن نزوعنا إ‪k‬ى الاستسالم الل¡‪³‬اماتنا الاجتماعية وكون املوت‬ ‫اجتماع‬ ‫عالم‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عارم ٌ‬ ‫توتر ٌ‬ ‫م ‪/‬م ال سبيل إ‪k‬ى اخ¡‪³‬اله من هذﻩ الال¡‪³‬امات‬ ‫لحظة‪ ،‬يتصاعد‬ ‫قادرا ع ى ٕالاطاحة بنا *ي أي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التصور أصال وأن تنقلب أوطد‬ ‫تصور دائمية املوت املمتنعة ع ى‬ ‫نفسها‪ .‬ويحدث أحيانا أن نفلح *ي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نحو ال راد له‪ ،‬سرابا فال نرى ف‪XY‬ا إال مل من مال‪$‬ي‬ ‫ال¡‪³‬اماتنا الاجتماعية‪ ،‬ع ى ح‪0‬ن غر ٍة وع ى ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫عنف طعما بسلطان‬ ‫ملال أو ما نق¡‪/‬فه من ٍ‬ ‫الطفولة‪ .‬ويتفق لنا أحيانا كذلك أن نحمل ما نكذبه تحصيال ٍ‬ ‫أو ما ن¬‪³‬له من ألم *ي سبيل الحب – أن نحمل هذﻩ ٕالافعال ع ى محمل العوارض من انحراف ّ‬ ‫الص ّحة‬ ‫ّ‬ ‫منا إن نزع نفسه ّ‬ ‫كما قد نحمل قتل خصم *ي لعبة شطرنج ّ‬ ‫مما‬ ‫ملجرد الانتصار عليه‪ .‬هذا ولكن الواحد‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يعز عليه ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد الشغف – أو لم يأخذﻩ مأخذ الجد – فإنما يسلم مص‪/0‬ﻩ ألولئك الذين يطيعون أهواء‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إذا من الانخراط *ي صراع ّ‬ ‫أنفسهم وال يخالفو‪Xu‬ا‪ .‬ال ّ‬ ‫ضد ما ليس إنسانيا *ي وجودنا ألنه *ي‬ ‫مفر لنا‬ ‫ً‬ ‫معمعان هذا الصراع يكتسب واحدنا قدرﻩ وقدراته ويكون قدوة لآلخرين(‪ .‬ما إن انت بي هذا الحوار‬ ‫الداخ ي‪ ،‬الذي ّ‬ ‫تعودته *ي كل ّترهاتي‪ ،‬إ‪k‬ى مق مقابل القاعدة ال[‪ O‬نزع ع ‪X‬ا تمثال شارل فورييه‪ ،‬ح[ ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشغوف(‪ّ .‬‬ ‫أتلمس رغبة‬ ‫بنظرية )الجاذبية‬ ‫طفرت إ‪k‬ى ذه ‪ O‬صورة التفاحات ٔالاربع ال[‪ O‬أوحت لفورييه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التجوال صوب مق ‪/‬ة مونمارتر القريبة من ساحة كلي‪ .OPÁ‬أتذكر أن ألفن غولدنر قد تو*ي قبل أربع‬ ‫سنوات‪ ،‬أي بعد مرور عقد من الزمن ع ى تشخيصه هذا لالنسالل ب‪0‬ن الس‪/0‬ة والتاريخ‪.‬‬

‫‪٤٦‬‬


‫‪٩‬‬

‫بالسوريالية *ي املتحف ال ‪/‬يطاني‪ ،‬وقع ب‪0‬ن يدي ٌ‬ ‫ّ‬ ‫عندما كنت أراجع ّ‬ ‫عدد من نشرة لندن‬ ‫كل ما يتعلق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ‪/‬يطانية‪ ،‬الفنان الشاعر البلجيكي تي‪ .‬ل‪ .‬أسز ميس¬‪،³‬‬ ‫السوريالية‬ ‫ال[‪ O‬كان يصدرها باسم املجموعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتضمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‬ ‫والحرية( بعنوان يحيا الفن املنحط‪ ،‬بطبعته‬ ‫نص البيان الذي أصدرته مجموعة )الفن‬ ‫ّ‬ ‫والفرنسية‪ ،‬ومن ب‪0‬ن أسماء املجموعة املذكورة كان اسم جورج حن‪0‬ن‪ ،‬الذي سبق ‪k‬ي أن‬ ‫طبق ٔالاصل‬ ‫رأيت له )رسالة إ‪k‬ى الشعراء ٔالام‪/0‬كي‪0‬ن( *ي مجلة ‪ View‬وقصائد هنا وهناك‪ .‬ما إن وصلت إ‪k‬ى باريس‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ح[ سألت بعض ٔالاصدقاء العرب ّ‬ ‫عما إذا كانوا يعرفون شخصا باسم جورج حن‪0‬ن‪ ،‬عرفت فيما بعد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫باملجلة‪ ،‬وطلبته‪ّ .‬‬ ‫ع‪0‬ن ‪k‬ي موعدا *ي مكتبه‪ .‬أريته‬ ‫أنه يشتغل *ي مجلة يمينية اسمها ٕالاكس ‪/‬س‪ .‬اتصلت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بيانا فوضويا كتبته *ي لندن ينت ‪XÈ O‬ذﻩ العبارة‪" :‬فلتسقط الاحزاب ‪ ،‬التنظيمات ‪ ،‬الاشجار ‪ ،‬فألسقط‬ ‫أنا"‪ ،‬ونشرته مع قصائد دادائية اخرى *ي كراس بعنوان كيف أعاودك وهذا أثر فأسك‪ .‬أعجب بن ‪/‬ته‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫عنوانا ‪ ،‬يحيا الفن املنحط وتوقيعات من ّ‬ ‫كل‬ ‫الجذرية سألته عن هذا البيان الغريب الذي يحمل‬ ‫ً‬ ‫الطوائف ‪ ،‬وباأل ّ‬ ‫خص عن هذﻩ املجموعة ال[‪ O‬لم أسمع من قبل شيئا ع ‪X‬ا ‪" :‬الفن والحرية" ‪ .‬أخ ‪/‬ني‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ثانية ّ‬ ‫ليل‪ Oª‬كل ما ما أطلبه منه بما يتعلق بتاريخ هذﻩ املجموعة‬ ‫ببعض املعلومات ‪ ،‬ع ى أمل أن التقيه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪ .‬إتصلت به ثانية ‪ ،‬لم يكن *ي مكتبه ‪ .‬لم اعر اهتماما خاصا للقائه ‪ ،‬إذ لم أدرك انذاك ‪ ،‬اهمية هذا‬ ‫ً‬ ‫الرجل املنطوي ع ى تراث نقدي جبار اكتشفته فيما بعد سالحا ضد البؤسوية الثقافية السائدة ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تركت ٔالامر إ‪k‬ى وقت اخر ‪ .‬لم أكن أعرف أنه كان مصابا بمرض السرطان ‪ .‬وإذا بصديقي الشاعر الافرو‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أم‪/0‬كي تد جونز يري ‪ O‬جريدة اللوموند حيث خ ‪ /‬وفاته ‪ ،‬ويطلب م ‪ O‬أن نعد معا أمسية *ي مكتبة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية ‪،‬‬ ‫شكسب‪ /0‬تقريظا له ‪ .‬تكلمت أك‪ /ô‬من نصف ساعة ‪ ،‬مدافعا ح[ عن خروجه من‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫تتحدث عن شاعر ولم تقرأ له سوى بضع‬ ‫شعور غريب أن‬ ‫وبتشخيصات ال ازال أراها دقيقة وصحيحة ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافية‬ ‫الحياتية‬ ‫صفحات ‪ .‬يبدو اني حدسته بسبب لقائي به وخاصة بسبب حضورﻩ وكأن ال¬‪³‬اهة‬ ‫ّ‬ ‫ع ى هيئة تمثال مصنوع من طمي الكالم ‪ .‬لم ار بروتون *ي حياتي ‪ ،‬لكن ‪ O‬شعرت وكأن جورج حن‪0‬ن‬ ‫بروتون نفسه ‪ .‬إلتقيت فيما بعد بزوجته بوال و‪$‬ي حفيدة احمد شو‪í‬ي‪ .‬فأصبحنا اصدقاء ‪ ،‬بل كانت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعت ‪/‬ني ‪* ،‬ي اخر سنوات حيا‪XÆ‬ا ‪ ،‬ابنا لها ‪ .‬اخ ‪/‬ت ‪ O‬ذات يوم‪ ،‬أن جورج قال لها إنه التقى بعرا‪í‬ي غريب ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التطور ال[‪ O‬كان يصدرها مع رمسيس يونان‬ ‫و‪$‬ي متأكدة بأن هذا الغريب هو انا ‪ .‬ارت ‪ O‬اعداد مجلة‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٕالاباحية ا‪Xu‬ا‬ ‫والحرية" ‪ .‬وإنه لشرف لـ الرغبة‬ ‫وأنور كامل ‪ ،‬وز ّودت ‪ O‬بمعظم منشورات مجموعة "الفن‬ ‫ّ‬ ‫كانت ّأول من سلط الضوء ع ى هذﻩ املجموعة املغمورة *ي غياهب الثقافة العربية ‪ .‬وإذا كانت اللغة‬ ‫ّ ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بوضوح إ‪k‬ى أن اللغة لست سردا وال ‪$‬ي‬ ‫تش‪/0‬‬ ‫وأعماله‬ ‫معينا‬ ‫ترادفا‬ ‫تتكسر‬ ‫‪$‬ي التاريخ ‪ ،‬فإن لغة حن‪0‬ن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫وسيلة تواصل ‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫قيامي ٍة تح÷‪ O‬املرء بينما التاريخ ‪ ،‬مرض‬ ‫كلحظة‬ ‫كإمكان شعري ‪،‬‬ ‫وأ‪Xu‬ا ال توجد إال‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٕالانسانية ‪ ،‬ما هو إال سلسلة حوادث ومماحكات من أجل البقاء ‪ .‬وع ‪ /‬كسر‬ ‫الشيخوخة املصابة به‬ ‫‪٤٧‬‬


‫ً‬ ‫ال¡‪/‬ادف هذا ‪ ،‬اقام حن‪0‬ن جسرا ب‪0‬ن اللغة والتاريخ ‪ ،‬والجسر هو النص – املوقف الصارم ‪ .‬قبل أن‬ ‫يموت حن‪0‬ن بساعات ‪ ،‬قال لبوال "الفيلة الصغار تموت لوحدها" ‪ .‬كان جورج حن‪0‬ن ‪ ،‬والكالم هنا له¬‪/‬ي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كل ٔالانواع – ّ‬ ‫طبيعة من اناس املجتمع – من ّ‬ ‫يمر ‪XÈ‬م‬ ‫ميشو ‪" ،‬نادرا وحدﻩ ‪ ،‬عاش مت¬‪³‬ها *ي الطبيعة ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ذهن جدد ‪ .‬من املراهقة وهو‬ ‫حشريا دون أن يتوسخ ‪ ،‬فيما يتعدى هؤالء ‪ ،‬كان يصبو للقاء مغامري ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫انقساما ّ‬ ‫ليغ‪ّ /0‬‬ ‫كل ‪OPÌ‬ء ‪ .‬ظل هذا الكب‪ /0‬املنتظر لم‬ ‫ينتظر – معتقدا ‪* ،‬ي ف¡‪/‬ة ما ‪ ،‬أنه وحدﻩ – ينتظر‬ ‫ّ‬ ‫يمح من حواليه ‪ّ ،‬إننا نتحسسه بغموض ‪ .‬فوق ّ‬ ‫الظل‬ ‫كل ‪OPÌ‬ء ‪ ،‬فوق أفعاله ‪ ،‬فوق كتاباته يمكث هذا‬ ‫ّ‬ ‫كل الظروف ‪ ،‬مع ّ‬ ‫‪ .‬ولد جورج حن‪0‬ن بالقرب من الصحراء ‪* ،‬ي ّ‬ ‫وضد الجميع ‪ ،‬نجح ان‬ ‫كل املآ‪، OPÉ‬‬ ‫بحصة من الرمل"‪.‬‬ ‫يحتفظ‬ ‫ٍ‬ ‫‪١٠‬‬

‫ّ‬ ‫إنجل‪³0‬ية صدرت عن دار بنغوين‪ ،‬ب¡‪/‬جمة مايكل‬ ‫إكتشفت باول تسيالن وأنا *ي لندن *ي ّأول طبعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكن ‪ّ O‬‬ ‫ّ‬ ‫الشعرية ح[ بدء الثمانينات‪ .‬أذكر أن صالح فائق اتصل بي‬ ‫أجلت س ‪ /‬غور تجربته‬ ‫هامبورغر‪،‬‬ ‫وهو ع ى وشك البكاء إثر مذبحة ص ‪/‬ا وشاتيال‪ ،‬قلت له‪ :‬إقرأ باول تسيالن‪ّ .‬إ‪Xu‬ا اللحظة الوحيدة لكي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فعال ّ‬ ‫كل مذبحة‪ ،‬كما ّ‬ ‫بربري ًا( إثر ّ‬ ‫صرح أدورنو‪ .‬وال‬ ‫تعرف ف‪XY‬ا من هو‪ ،‬وبالتا‪k‬ي أن تعرف أن )كتابة الشعر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يزال صالح يتذكر هذا إ‪k‬ى اليوم مدهوشا من صدق التصريح‪.‬‬ ‫شعر باول تسيالن عصرت خمرته ّ*ي إ‪k‬ى ٔالابد‪ .‬أدركت‪ ،‬كما ذكرت *ي ّ‬ ‫مقدمة ترجم[‪ O‬لـ ‪ ٢١‬قصيدة –‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫)طبعت سنة ‪* ١٩٨٨‬ي كتاب يعت ‪ /‬فعال أول تقديم له بالعربية خاصة أنه لم ينشر له قبل هذا التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫كل قصيدة من قصائد‬ ‫سوى ثالث قصائد قام بذبحها مع ومب عبد الغفار مكاوي( ‪ ،-‬أدركت‬ ‫ً‬ ‫باول تسيالن بقدر ما ‪$‬ي ارتصا ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫تاري ي ملع الشعر – كاستقصاء للواقع وليس تزويقا له – ‪$‬ي‬ ‫ص‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طمي‬ ‫رماد –‬ ‫كذلك مرآة إرهاصات هذا املع ‪ ،‬إذ ي¡‪/‬نح من شدة صوابه‪ .‬لقد قدر لها أن تجبل من ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ﱡ‬ ‫اللحمة‪) ،‬برك السعادة السوداء(‪ ،‬هامسة *ي آذان املوتى‪ّ ،‬‬ ‫عل ذاكرا‪XÆ‬م‬ ‫غامض‪ّ .‬إ‪Xu‬ا تض÷‪ ،ê‬متنافرة‪،‬‬

‫تستيقط‪ ،‬بل هو الرعب يسرد بصمت صادق‪ .‬فالشعر لم يعد فارض نفسه‪ ،‬بل هو يعرضها ) ‪La Poesie‬‬ ‫‪ .(ne s'impose plus, elle s'expose‬الشعر‪ ،‬بقول آخر‪ ،‬لم يعد كما كان قبل قيام الساعة النازية –‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تجري‪ Oª‬يقوم به الشعراء لخلخلة اللغة وإعادة ضبطها ضبطا يالئم مخطط‬ ‫املوت الجما‪å‬ي مجرد نشاط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عقالنية ّ‬ ‫يتم إصالح العقل امل¬‪³‬وع من لدن الكلمة‪ ،‬املقذوفة‬ ‫النص بالال‬ ‫ثورة‪ ،‬ظان‪0‬ن أنه بتطعيم‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صورته إ‪k‬ى أرض املعرفة‪ ،‬وكأنه – هذا العقل – هو إله ّ‬ ‫ٔالاول‪0‬ن وفكر الجميع‪ .‬إن محنة طفقت تختلج‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التفاؤلية ال[‪ O‬طال‬ ‫سوداوي ٍة صميمها هدم‬ ‫وجهة‬ ‫‪XÈ‬ا شفة التاريخ‪ ،‬محنة بعد أن ّأدت بالشاعر إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫لغة ال ّ‬ ‫تبدل هيئة ما‪ ،‬وال تشعرن‪ ،‬وإنما‬ ‫زم ‪X‬ا‪ ،‬اس¡‪/‬دت للشعر لغته املرمدة حيث ا‪Xu‬مامها هو الدقة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تسمي ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتثبت‪ ،‬محاولة قياس مجال املعطى واملمكن بحيث أضحت القصيدة املعاصرة كائنا بذاته‪ ،‬ومع‬ ‫‪٤٨‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫جواني ي¡‪/‬اءى *ي‬ ‫فوران‬ ‫أنه ملتاث التعب‪ /0‬ومختلج الوجدان‪ ،‬فإن هذا الكائن‪) ،‬القصيدة املعاصرة(‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كإدانة للعقل وكتفنيد ّ‬ ‫التنويرية‪ ،‬ع ‪ /‬العصور‪ ،‬بإحالل الدفء‬ ‫لكل ادعاءتاته‬ ‫جمل متقطعة السلك‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ع ى ٔالارض‪ ،‬فيت ‪/‬عم املوتى ويزهون‪.‬‬

‫‪١١‬‬

‫ّ ّ‬ ‫ً ّ‬ ‫هما اللذان جعالني أدرك ّأوال أن‬ ‫القراءة هذﻩ ومعايشة ٔالافكار *ي بيئا‪XÆ‬ا‪) ،‬لندن‪ ،‬باريس‪ ،‬فيينا‪ ،‬باريس(‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إال بنضال ّ‬ ‫ّ‬ ‫اللينينية(‪ – .‬وكمشاعر يوافق بنجامان ب‪/0‬يه ع ى‬ ‫ضد‬ ‫)النضال السيا‪ OPÉ‬الحقيقي ال يبدأ‬ ‫ٍ‬ ‫التمي‪ ³0‬الدقيق الذي ّنبه إليه ب‪0‬ن الشعر والعمل السيا‪* ،OPÉ‬ي مقالته )مثلبة الشعراء(‪ ،‬لم يعن ‪k‬ي هذا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سيا‪ OPÉ‬ولو كان ثوريا‪ .‬فشاعريته ‪$‬ي ال[‪ O‬تجعل‬ ‫عمل‬ ‫أن نضال شاعر السيا‪) OPÉ‬جعل الشعر *ي خدمة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الاجتما‪å‬ي دون‬ ‫منه ثوريا‪ ،‬عليه أن يناضل *ي ميدان الشعر بوسائل خاصة بالشعر‪ ،‬و*ي ميدان العمل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن يخلط أبدا ميداني العمل وإال أعاد الالتباس الذي ينب<ي تبديدﻩ‪ ،‬ومن ثم يبطل أن يكون شاعرا‪ ،‬أي‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبتل‬ ‫ثوريا(‪ – .‬وهما أيضا‪ ،‬القراؤة واملعايشة‪ ،‬اللذان جعالني أحرص ع ى أن ال أكون مجرد شاعر ٍ‬ ‫بعطش الشهرة فيستجدي صفحة مدح ) ّ‬ ‫ذم *ي العمق( *ي جريدة من جرائد هذﻩ ٓالاونة ٔالاخ‪/0‬ة حيث‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحمل ّ‬ ‫كل تعبات هذﻩ املعادلة‪ ،‬ما يذكرني‪ ،‬بقصيدة‬ ‫منطقها‪ :‬أكتب ع ‪ ،O‬أكتب عنك‪ .‬واملضمر هو أن‬ ‫ّ‬ ‫لوليم بتلري يتس‪ ،‬ترجمها صديقي الشاعر سركون بولص‪ ،‬عنوا‪Xu‬ا )إ‪k‬ى شاعر‪ ،‬يطلب م ‪ O‬أن أمدح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مقلدون له و‪k‬ي(‪ ،‬ها هو نصها‪:‬‬ ‫شعراء رديئ‪0‬ن معين‪0‬ن‪ ،‬هم ِ‬ ‫ّ‬ ‫تقول‪ ،‬إنه يجرد بي‪ ،‬وأنا الذي امتدحت‬ ‫ما قاله أو دندن به أحدهم ذات ّ‬ ‫مرة‬ ‫ً‬ ‫ّ ً‬ ‫أن أكون‬ ‫كيسا أيضا‪ ،‬فأفعل نفس ال‪OPÁ‬ء لهؤالء‪،‬‬ ‫ولكن‪ ،‬م[ مدح الكلب براغيثه با ترى؟‬

‫‪٤٩‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية ال[‪) O‬ال تع¡‪³‬م صياغة القصائد‬ ‫السوريالية ٔالاصلية‪،‬‬ ‫كل هذا ساعدني ع ى النفاذ إ‪k‬ى روح‬ ‫ٌ‬ ‫بقدر ما تع¡‪³‬م تحويل الناس إ‪k‬ى قصائد ّ‬ ‫حية(‪ .‬إذ بقدر ما ‪$‬ي حركة مجبولة بالحدس – محراك الخلق‬ ‫هذا ‪ٌ ،-‬‬ ‫ّ‬ ‫عبقرية ّ‬ ‫كل ما‬ ‫نقد مضطرد للتصعيد الثقا*ي الذي تعيشه صبوات الفرد‪ ،‬ف ‪ O‬ال تفتأ تش‪/0‬إ‪k‬ى‬ ‫ّ‬ ‫ﱞ‬ ‫السوريالية ليست‬ ‫صور وأعراف تقطع عليه وجهته‪.‬‬ ‫صور يمكن لها تنشيط الوعيه ضد‬ ‫ٍ‬ ‫هو ×ي *ي ابتكار ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫شعرية أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقنية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﱞ‬ ‫حياتي بريء من اللف‬ ‫نزوع‬ ‫ثورية ح[ يستبدلها الكاتب بتقنية أخرى‪ّ .‬إ‪Xu‬ا‬ ‫فنية أو‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نزوع يش¡‪/‬ط وجودﻩ‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫العاجية املكسورة سلفا‪ ،‬وأروقة املواربة‬ ‫والدوران *ي أبراج الشهرة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫متجددة مع ً‬ ‫البشرية‬ ‫يتجدد من أشكال القمع‪ .‬ذلك‪ ،‬مثلما نولد لنواصل حقيقتنا‬ ‫كل ما‬ ‫مجا‪XÈ‬ة‬ ‫ّ‬ ‫تحرر‬ ‫السوريالية‬ ‫وعيش رغيد‪.‬‬ ‫بتحقيق آمال املا‪ OPQ‬ع ‪ /‬اكتشاف ما فات ع ى من سبقونا من إمكانيات‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫يتحرر‪ ،‬وبالتا‪k‬ي ما يجب أن ّ‬ ‫يتحقق – ّ‬ ‫ألشكال‬ ‫يتغ‪ /0‬فيسمح هذا املعطى‬ ‫‪$‬ي أيضا معطى ما كان يجب أن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ارتقاء أن تولد وعندها تسنح فرصة جديدة لهذا املعطى‪) ،‬السوريالية(‪ ،‬أن يتوسع‬ ‫جديدة أك‪/ô‬‬ ‫حياتية‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حياتي‪ .‬لم‬ ‫كمشروع‬ ‫يتنصل من حقيقته‬ ‫إبداع أخرى دون أن‬ ‫*ي مطالبه غرض اكتشاف مناطق‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫لسوريالية؟ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أل‪Xu‬ا الشعر عينه‪ .‬والشعر هو مفزع اللغة – الحياة‪) .‬فإذا ما قبل ٕالانسان غدا أن يتوارى‬ ‫ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫*ي املص‪ /0‬الجما‪å‬ي‪ ،‬يومها يكون الشعر هو فرصة سانحة للعزلة‪ .‬إنه لصوت *ي الليل‪ ،‬ع ى أنه أشبه‬ ‫ٌ‬ ‫بنظ‪/0‬‬ ‫صوت يوعز بانتق ٍال ليس له منت وال هو‬ ‫بنساء برزن من فتحة ٕالاعصار ل‪/0‬بكن العيش املستقر‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املس¡‪/‬دة ال[‪$ O‬ي مع‪0‬ن املجهول الواسع حيث نرتعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل‬ ‫طريق آخر‪ .‬الانتقال هذا يتم ّإبان العزلة‬ ‫ألي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫مرة مخافة أن ينضب‪ّ .‬إنك ال ّتت ُ‬ ‫حد مع الشاعر‪ ،‬عند الصلة به تص‪ /0‬فردا(‪ .‬وهذا ما شعرت به عندما‬ ‫ٍّ‬ ‫واضحة *ي‬ ‫رؤية‬ ‫ٍ‬ ‫التقيت بصاحب هذا التشخيص الدقيق جورج حن‪0‬ن‪ .‬من صلب هذا البحث عن ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحياة وسلوك ّ‬ ‫عالم بال أخالق‪ ،‬ولدت‬ ‫يومي )يستبصر بعمق مسؤوليته الخاصة(‪ ،‬عن موقف أخال‪í‬ي *ي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٔالاممي‪.‬‬ ‫السوريالي‪0‬ن العرب‪ ،‬من أجل اس¡‪/‬داد سلطة الخيال‬ ‫ٕالاباحية‪ ،‬لسان حال‬ ‫الرغبة‬

‫‪٥٠‬‬


‫ممرات تف ‪ OP‬ح[ بياض ٔالارض‬

‫‪٥١‬‬


‫‪١‬‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫بقدرة‬ ‫سنوات خلت‪ .‬كان صباحا باردا‪ ،‬عندما صدر العدد ٔالاول من الرغبة‪ ،‬ضامرا‪ ،‬كتابة حب ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ّ‬ ‫وتحريضية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضد ٔالاوضاع املزرية القائمة‪ ،‬غرض جعل ّ‬ ‫مرة‪ ،‬أنه ملكية‬ ‫كل ما كان قد اعت ‪،/‬‬ ‫استفزازية‬ ‫ٍ‬ ‫ً ّ ً‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية تس‪Ê‬ى إ‪k‬ى إخراج‬ ‫عامة للجميع‪) .‬وإذا كان الفكر‪ ،‬ملك الجميع‪ ،‬فإن‬ ‫خاصة للشعراء‪ ،‬ثورة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫هذا الك¬‪ ³‬املش¡‪/‬ك إ‪k‬ى ّ‬ ‫الر ُ‬ ‫خيال يسطع ﱠ‬ ‫هج‬ ‫ح‪ ³0‬الوجود بعد أن غار طويال *ي ٔالاعماق(‪ .‬ذلك الصباح كنا‬ ‫ً‬ ‫ٌ ّ‬ ‫درس قاس لليقظة‪ٌ .‬‬ ‫ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫اجتما‪å‬ي كان ي¬‪³‬ف شعرا جعل العبارات‪،‬‬ ‫دوار‬ ‫حلم كأنه‬ ‫من سنابكها‪ ،‬يتقدمنا‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫آنذاك‪ ،‬تستنشق ً‬ ‫هواء قارسا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫*ي الخامس من كانون ٔالاول )ديسم ‪ ،١٩٧٣ (/‬صدر العدد ّ‬ ‫ٔالاول مطبوعا باألوفسيت‪) ،‬آلة لها خدمات‬ ‫ً‬ ‫جليلة ال تن‪* P ‬ي تاريخ املعارضة(‪ ،‬ومن ب‪0‬ن موادﻩ بيان – لعنوانه‪ ،‬يقينا‪ ،‬حظ الدوام أك‪ /ô‬مما‬ ‫ّ‬ ‫للمضمون – ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬بالحرب الرابعة‪ ،‬وقعته املنظمة الاش¡‪/‬اكية‬ ‫ضد ما سمي‪* ،‬ي تاريخ الحروب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املاركسية‪:‬‬ ‫الجزائرية لنشر‬ ‫ٕالاسرائيلية املعروفة باسم )ماتس ن(‪ ،‬مجموعة سلطة املجالس واملجموعة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫القومية من أجل البديل ٔالاممي‪* .‬ي ذلك ال ‪X‬ار‪ ،‬حيث )الصفراء حقا ال ت¬‪³‬ل ٔالاحزان‬ ‫ضد ٔالاوهام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الالتي ‪O‬‬ ‫ال‪¤‬ي‬ ‫ساح½‪X‬ا(‪ ،‬شرينا الب‪/0‬ة ح[ مآخ‪ /0‬الليل متجاذب‪0‬ن أطراف العربدة واملجون *ي مقا‪$‬ي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحزبوي‪0‬ن من ّ‬ ‫ماض‬ ‫كريه‪،‬‬ ‫شاكلة‪ ،‬املتعايش‪0‬ن ع ى شبح‬ ‫كل‬ ‫املكتئبة بوجوﻩ‬ ‫انقالب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وجوﻩ كأن قشعريرة ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اللغة املهددة ال[‪ O‬كان يتم‪XÈ ³0‬ا ّ‬ ‫عدد‪ ،‬كث‪/0‬ا ما ألقيناﻩ *ي مسامع‬ ‫غابر قد سرحت *ي تقاسيمها‪ .‬حجر‬ ‫كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الوع‪XY‬م‪) :‬سنجعل من أحشائكم وعظامكم وأفكاركم أحذية لشتاء مقبل(‪ .‬كنا صلف‪0‬ن‪ ،‬الشراسة عي ‪X‬ا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كر·‪X‬ة‬ ‫رائحة‬ ‫رسمية بنشر غاز ذي‬ ‫شعرية‬ ‫إمكانية تخريب قراءة‬ ‫نرتشف الكأس إثر الكأس ونحن ندرس‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يضطر الحاضرون بسب‪Xò‬ا إ‪k‬ى املغادرة أو نحرر )رسالة إ‪k‬ى الشعراء العرب(‪ ،‬نطال‪Xò‬م ف‪XY‬ا بأن )·‪X‬يلوا‬ ‫ّ‬ ‫املجثثة ولن تكون هذﻩ كلمتنا ٔالاخ‪/0‬ة(‪ .‬وإذا ّ‬ ‫تجرأ أحدهم أن يسأل عن ثمن‬ ‫ال¡‪/‬اب ع ى أدمغ½‪X‬م‬ ‫النسخة‪ ،‬كنا نجاوبه ّ‬ ‫بكل بساطة‪) :‬خمس فرنكات‪ ،‬حق‪!(/0‬‬

‫‪٣‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نحوية حيث املنصوب مرفوع مكسور‬ ‫ركيكة وبأغالط‬ ‫لكم فرحنا بأن هذا العدد ٔالاول الزاخر ب¡‪/‬اجم‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ﱠ ّ‬ ‫ّ‬ ‫حد أن‬ ‫املعميات ونفاية الكالم‪* ،‬ي الصحافة اللبنانية‪،‬‬ ‫حد جعل سيبويه يتأتئ *ي رمسه‪ ،‬أثار زوبعة من‬ ‫‪٥٢‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫بأن )السو ّ‬ ‫ريالي‪0‬ن العرب هم عمالء‬ ‫طالل رحمة نشر مقاال مس‪Xò‬ا *ي مجلة الحوادث يف[‪ O‬ف‪XY‬ا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سلطوية الجميع‪ .‬إغلط تر شرطيا يكشر عن‬ ‫العربية الخصب‪ ،‬يكشف دوما عن‬ ‫مشبوهون(‪ .‬اللحن‪ ،‬بر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عربي مولغ بالدم‪ .‬إن الارتياب الشرطو ﱠي لدى املثقف‪0‬ن العرب هذا‪ ،‬لم يمنعنا من املواصلة‪ ،‬بل‬ ‫لسان‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ﱠ‬ ‫ّ‬ ‫ﱠ‬ ‫ّ‬ ‫الالتي ‪،O‬‬ ‫ال‪¤‬ي‬ ‫نستمر بألعابنا‪ .‬فبينما مع محمد عوض *ي أحد مقا‪$‬ي‬ ‫ع ى العكس‪ ،‬شجعنا ع ى أن‬ ‫ِ‬ ‫بانتظار صديقت‪0‬ن ّ‬ ‫كل منا يكتب ع ى حدة‪ّ ،‬‬ ‫أملانيت‪0‬ن‪ ،‬أخذ ﱞ‬ ‫ٔالاول فعل ٔالامر والثاني املفعول به‪ ،‬ثم لصقنا‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املضادة ال[‪ O‬شعرنا بضرورة توج‪XY‬ها إ‪k‬ى هؤالء املثقف‪0‬ن‬ ‫تلقائيا الواحدة باألخرى‪ ،‬وإذا بعشرات النصائح‬ ‫فنشرناها *ي العدد املزدوج ‪) ٣/٢‬نيسان ‪ ،(١٩٧٤‬ومن بي ‪X‬ا‪) :‬استأصل ضرس ٔالاوضاع* إنسلخ عن‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تفاحة* ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلطة* إق¡ن اللحظة* ّ‬ ‫ترجل عن‬ ‫تتجعد كاملمنوع* تذكر رمال برتقاليا* أقتل‬ ‫تمرغ *ي الوجه* ال‬ ‫ّ‬ ‫تفضأ *ي واحة* ّ‬ ‫ً‬ ‫صيف جنون ٔالافا‪å‬ي* ال تبدأ‬ ‫امللكية* ال تبدأ النصيحة دون أن تسرق الساعة*‬ ‫ً‬ ‫الحراسة دون أن تشرب النبيذ* من لم يعرف البحر لن ينجو من ٔالاعشاب* من لم يداعب امرأة لن‬ ‫ّ‬ ‫يجرؤ ع ى املزاح* أفزغ ع ى الشقاء* دع الرصاص يجادل ٕالاله* إذا أردت أن تبصق فما عليك إال أن‬ ‫تكتشف نفسك) ّ‬ ‫توهج كمرارة(‪.‬‬ ‫جميلة‪ ،‬منتصف ‪* ،١٩٧٦‬ي بيت مروان ديب مع العفيف ٔالاخضر وأصدقاء آخرين‪،‬‬ ‫سكر‬ ‫وذات ليلة‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫املط ي بزيت الزيتون‪ ،‬حسب نصيحة ٔالاخضر‪ ،‬وبعضنا يشرب الخمر‪ ،‬وٓالاخر‬ ‫ونحن نأكل خ ‪ ³‬الشع‪/0‬‬ ‫ً‬ ‫كل كلمة ّ‬ ‫يدخن الحشيشة‪ ،‬أخذنا نلعب بمفردات اللغة ونفكك ّ‬ ‫ً‬ ‫مع متواريا يصعد إ‪k‬ى السطح‬ ‫عل‬ ‫تجمع لنا ٌ‬ ‫فنكمشه ع ى الورقة‪ .‬ما إن ان½‪X‬ت السهرة‪ ،‬ح[ ّ‬ ‫عدد من التعريفات الجديدة‪ ،‬نشرناها *ي‬ ‫ّ‬ ‫كتقديم لنفس اللعبة ال[‪ O‬قام ‪XÈ‬ا‬ ‫كراس تحت عنوان نحو تحرير اللغة مع كلمة أنتون‪0‬ن أرتو ال[‪ O‬كت‪Xò‬ا‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السوريالية‪) :‬نعم‪ ،‬ها هو الاستعمال الوحيد الذي ستصلح له‬ ‫الشاعر ميشيل ل‪/0‬يس *ي مجلة الثورة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫وسالح للقطيعة‪ .‬كما أنه متاهة من‬ ‫اللغة‪ ،‬من ٓالان وصاعدا‪ .‬إنه طريق للجنون‪ .‬إستعمال إلقصاء الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ُيق ِننون تقلصا‪XÆ‬م‬ ‫كل هذيان‪ .‬لذلك فهذا ليس معجما حيث أولئك الحمقى من حظ‪/0‬ة املجامع‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الحب‪ُ :‬‬ ‫ّ‬ ‫حلب‬ ‫الروحية غائطا من ٔالافكار النتنة(‪ .‬وههنا طائفة من تلك التعريفات املذهلة‪ :‬الزنا‪ :‬زين ٔالانا*‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حل ّ‬ ‫اللب* الحياة‪ :‬الحيا مات* الحلم‪ :‬ﱡ‬ ‫اللم* الفكاهة‪ :‬فك آهة* العفة‪ :‬عقر ٕالالفة* املعرفة‪ :‬معر الرأفة*‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رأسمالية‪ :‬رأ‪ OPÉ‬ما ‪k‬ي* امللذات‪ :‬مالذ الذات* املجهول‪ :‬مجمل‬ ‫الكالم‪ :‬كأل الالم* ال¡‪/‬اق‪ :‬الت¡‪ /‬راث*‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الذهول* الحزب‪ّ :‬‬ ‫حز ّ‬ ‫الزب* الكفاح‪ :‬الكف عن النكاح* وهذﻩ الكلمة‪ٕ :‬الانسان‪ :‬إذ *ي مجتمع تتحكم فيه‬ ‫الصورة‪ ،‬تعمل سلطته ع ‪ّ /‬‬ ‫كل ما هو إبداع *ي نظرها ‪$‬ي‪ ،‬ع ى ف ‪/‬كة ذاكرات جديدة تتفق ومفهومها‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫للزمان واملكان‪ .‬و‪XÈ‬ذا ّ‬ ‫الحقيقية دون ّأية مجا‪XÈ‬ة ودون أن تصفي هذﻩ الذاكرة‬ ‫يتم تمويت الذاكرة‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫حالة من النسيان الدائم‪ّ ،‬‬ ‫إنسان ذاكرته‬ ‫أي‬ ‫إلنسان *ي‬ ‫اختصار‬ ‫حسابا‪XÆ‬ا مع السلطة‪ٕ .‬الانسان إذا‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫آليا‪ّ ،‬‬ ‫كل ما تغتاظ منه السلطة‪.‬‬ ‫تمحو فيه‪،‬‬

‫‪٥٣‬‬


‫‪٤‬‬

‫كنا مأخوذين ّ‬ ‫بكل ما كان يقوى ع ى إحداث فو‪ PQ‬ع ى النظام وخلق فضائح ع ‪ /‬التاريخ‪ .‬القرامطة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إسطبل بعد أن سرقوا الحجر ٔالاسود ورموﻩ *ي البحر‪ .‬حركة الحشاش‪0‬ن *ي‬ ‫مثال *ي تحويلهم الكعبة إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫اغتيال‬ ‫رجال صالح‪0‬ن لتنفيذ ّأية عملية‬ ‫ٍ‬ ‫فكرة بناء الجنة‪ ،‬كما وصفت *ي القرآن‪ ،‬فقط لتخذير بضعة ٍ‬ ‫ً‬ ‫بيان‬ ‫قد تخطر *ي ذهن شيخ الجبل‪ٔ ،‬الام‪ /0‬حسن الصباح‪ .‬كل هذا دفعنا‪ ،‬يوما‪ ،‬إ‪k‬ى التفك‪ /0‬بإصدار ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‬ ‫شعرية مغايرة للبيانات‬ ‫نكشف فيه عن تعاطفنا مع شيخ الجبل‪ .‬شرط أن تكون لغة البيان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حينا *ي الجنة‪ ،‬فأسندت إليه ّ‬ ‫مهمة اغتيال‪.‬‬ ‫اش ق ‪ P‬‬ ‫املتعارفة‪ ،‬وأشبه بتداعيات تند عن صدر حش ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫كيف؟ أحد ٔالاصدقاء قهقه *ي خيط النقاش قائال‪) ،‬حشش واكتب البيان(‪ .‬لم ال؟ قلت له‪ .‬إ‪Xu‬ا فكرة‬ ‫ّ‬ ‫ﱡ‬ ‫أممية حيث ٕالابداع *ي معظمه تدخ‪0‬ن آخر ما تبقى من حشيشة‬ ‫أوضاع‬ ‫صائبة‪ ،‬باألخص *ي‬ ‫جد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫انتفاضات الستينات الطالبية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النمسوية‪ .‬يا لها من براق‪ .‬ع ى أن ٕالاسراء كان بالحشيشة‪ .‬وما إن‬ ‫كنت أعيش آنذاك *ي غرفة صديق[‪O‬‬ ‫ّ‬ ‫تنبعت إ‪k‬ى ّ‬ ‫ح[ ّ‬ ‫ّ‬ ‫غريب اختلط فيه حليب‬ ‫هذياني‬ ‫نص‬ ‫طنب بعض شعاع الشمس *ي ألفق الغرفة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الرؤى بدم الوقائع‪ .‬فلم يكن له حظ أن ينشر بيانا جماعيا بل قصيدة باسمي‪ ،‬طمرت تحت عنوان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلحظة من‬ ‫ٕالاباحية آذار )مارس( ‪،١٩٧٥‬‬ ‫)لهجة الفو‪* ( PQ‬ي ملحق العدد الخامس من مجلة الرغبة‬ ‫ٍ‬ ‫لحظات الجنون ال[‪ O‬كانت تدور *ي خلد هاتيك ٔالايام‪ّ ،‬‬ ‫عل شيخ الجبل يقوم من الق ‪ /‬فيفيض صدرﻩ‬ ‫ّ‬ ‫بالسر‪.‬‬

‫‪٥‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كتاب نقرأﻩ أو نتصفحه‪ ،‬كان عرق التساؤل ذاته ينبض *ي‬ ‫إثر كل اجتماع‪ ،‬إثر كل ٍ‬ ‫فيلم نشاهدﻩ‪ ،‬إثر كل ٍ‬ ‫السرة‪ .‬وليس ّثمة أفضل من عبد ﷲ القصيمي *ي طرح هذا التساؤل الذي ال أزال أستصرخه إ‪k‬ى‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫املت ّ‬ ‫حدون املبارزون املعاقبون لنا؟ م[ يوجد فينا كتاب‪ ،‬بل م[ ‬ ‫اليوم‪) :‬م[ يوجد فينا هؤالء الخوارج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫يوجد فينا ٌ‬ ‫واحد يشعر أنه يجب أن يقول فينا وعنا مثلما يقول هؤالء الكتاب ال‪XY‬ود وٕالانكل‪³0‬‬ ‫كاتب‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ؤالام‪/0‬كيون والروس وغ‪/0‬هم *ي قومهم و*ي آبا»‪X‬م‪ ،‬و*ي ق ‪/‬وهم ومعابدهم؟ م[ يوجد فينا ٌ‬ ‫واحد‬ ‫كاتب‬ ‫‪٥٤‬‬


‫يشعر ّأنه يجب أن يقول مثل ذلك‪ ،‬ثم يجسر ع ى قوله‪ ،‬ثم نسمح له نحن بقوله له‪ ،‬بل نحرصه ّ‬ ‫بكل‬ ‫ّ‬ ‫أساليب التحريض ع ى قوله؟‪ ...‬يجب أن يوجد فينا هؤالء املف¡‪/‬سون‪ ،‬أن يجيئوا إلينا ﱠ‬ ‫ووحشي ٍة‪،‬‬ ‫بقوة‬ ‫ّ‬ ‫متوحش‪0‬ن‪ ،‬وإذا لم يجيئوا وجب أن ندعوهم إ‪k‬ى امل‪æ‬يء‪ ،‬أن نخلقهم‪ ،‬أن‬ ‫أن يجيئوا إلينا قساة‬ ‫نستع‪/0‬هم إذا لم نسطع أن نخلقهم كما نستع‪ /0‬من ٓالاخرين أشياءهم ٔالاخرى(‪.‬‬

‫‪٦‬‬

‫أشكر الطبيعة ال[‪ O‬منحت ‪ O‬عقدة أوديب‪ ،‬أي حاسة قتل ٔالاب‪ .‬وكم من أب أخلقه ألقتله‪ .‬فكما ع ى‬ ‫ً‬ ‫الحضارة املتشافية من عقدة املا‪ – OPQ‬غابر ٔالامجاد – أن تخلق مرجعها املعاصر لتفكيكه مرجعا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تغي‪ ،/0‬كذلك ع ى الفرد الحر أن يخلق أبا له لقتله‪ .‬فاملر‪ PQ‬حقا هم أولئك‬ ‫قادرا ع ى ال¡‪³‬امن وكل‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتصورون أن ٓالاخر‬ ‫تحطيم‪،‬‬ ‫معاصر كموضوع‬ ‫ماض‬ ‫الذين‪ ،‬بسبب افتقارهم إ‪k‬ى عقدة أوديب‪ ،‬أي إ‪k‬ى‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معاصر‪ ،‬أي غياب‬ ‫ماض‬ ‫هو املسئول عن ضياعهم وانحطاطهم‪ ،‬كما لو أن ٔالاخر ليس ٔالانا‪ .‬إن غياب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫تعب‪ /0‬عن مركب النقص‬ ‫العربية الراهنة‪ ،‬سلفية كانت أو حداثوية‪ ،‬مجرد‬ ‫املرجع – ٔالاب‪ ،‬جعل الكتابة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ ،‬ليس للمرأة –‬ ‫حيال الكتابة ذا‪XÆ‬ا‪ ،‬أي حيال إشكالية الحضارة – اللغة – التاريخ‪* .‬ي العالم‬ ‫القضية حضور‪ .‬وليس هناك الكاتب – القاتل حيث النص – الحرية‪ ،‬هذﻩ الجريمة ال[‪ O‬تحوي ّ‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كت ٌ‬ ‫الجرائم‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحقو‪í‬ي‪ ،‬للكلمة‪ .‬العالم العربي‬ ‫البولي‪ OP ‬وليس‪ ،‬ح[ باملع ‬ ‫اب عدو ٌل باملع ‬ ‫كل ما لدينا‬ ‫النص بل املقامة‪ .‬أما النقد الذاتي فلم يعرفه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مدون مقامات‬ ‫املدون‪ .‬لم يعرف‬ ‫لم يعرف الكاتب بل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتشيؤ الذي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫مفر منه‪ ،‬إنما عرفه‬ ‫ٕالاشكالية تحطيما‬ ‫كمحاولة للتخطي وخلق‬ ‫الثقا*ي هذا‪،‬‬ ‫التسلط‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كشعور بالذنب‪،‬‬ ‫حزبوي ٍة للحدس – الذكاء‪ .‬وبالتا‪k‬ي فانه ال يعرف النقد الذاتي إال‬ ‫وإدانة‬ ‫كتنصل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫كتحرر من الذنب أمام النفس‪ .‬بل لم يفهم أن‬ ‫كنكوص أمام القا‪ – OPQ‬السلطان‪ ،‬أك‪ /ô‬مما يعرفه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫الندم لحظة تمرد وإحباط للحسابات‪ ،‬رغبة دفنية بتحطيم املرجع‪ .‬ولكن أي مرجع يمتلكه العرب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية؟ يا للمأساة! الجمهور العربي‪،‬‬ ‫يستحق أن يحطم‪ ،‬أن يجبل مرجعا – سالحا حديثا؟ الحداثة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بحركة‬ ‫بامرأة‪ ،‬أي‬ ‫العربي –‬ ‫طويلة لم يق¡‪/‬ن أبوﻩ – النظام‬ ‫قرون‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫هذا الابن اليتيم ٔالام – الحضارة؟ منذ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكري ٍة ترت ‪ OP‬الاق¡‪/‬ان ‪XÈ‬ذا النظام – ٔالاب املستبد إ‪k‬ى حد أنه لم يعد يعرف ح[ لذة التسلط‪ ،‬أم أن‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫هذا النظام – ٔالاب ذاته أض‪¤‬ى شاذا تاريخيا؟‬

‫‪٥٥‬‬


‫‪٧‬‬

‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإال تقتل ّ‬ ‫كعميل‪ .‬ع ى‬ ‫بساطة‬ ‫بكل‬ ‫نعم‪ ،‬إن الاح¡‪/‬از‪* ،‬ي فضاء تيك السنوات‪ ،‬كان أمرا ال محيص عنه‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫أن هذا لم يلجم مشاعرنا فط عن اتخاذ موقف أك‪ /ô‬جرأة ووضوحا من املعذرة الدينية – السياسية –‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٔالادبية ّ‬ ‫الحرية‬ ‫امل¡‪/‬بصة بذاكرة ٔالافراد‪ .‬إذ كما وضحت *ي العدد املزدوج ‪) ٣/٢‬نيسان ‪ /‬أبريل ‪) :(١٩٧٤‬إن‬ ‫ً‬ ‫ليست جرن املاء ّ‬ ‫زمنيا‪ّ ،‬‬ ‫تمرد الفرد برقضه‬ ‫املقدس‪ .‬إنما ‪$‬ي جموع املقهورين ع ى شكل جن‪0‬ن يعكسه‪،‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جذري½‪X‬ا‪ .‬إننا‬ ‫الثورية‬ ‫التخري‪ Oª‬لألوضاع السائدة‪ .‬فهو الحوض الحقيقي الذي تصب فيه الطبقة‬ ‫الثوري‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن ّ‬ ‫الحرّية تفتك عنوة وتمارس فضائح(‪ .‬والطريف *ي ٔالامر أنه عندما كنت أرقن هذﻩ‬ ‫ال نطالب بالحرية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫آمال باالنسجام مع أفكار بروتون‬ ‫ٕالاباحية‪* ،‬ي الطابق الثالث من )فندق‬ ‫الكلمات ع ى ورق الستانسل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫العظماء( – الذي كانت غرفه ممتلئة بالخنافس وكان يديرﻩ ٌ‬ ‫ﱞ‬ ‫تون‪ OP ‬ويعت ‪ /‬من أرخص فنادق باريس‬ ‫رجل‬ ‫ّ‬ ‫السبعينيات وها هو اليوم من أر‪í‬ى فنادق – معالم فرنسا‪ :‬خمس نجمات – آذار )مارس( ‪ ،١٩٧٤‬لم يكن‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ٌ ّ‬ ‫علم بأن أندريه بروتون قد عاش فيه قبل أك‪ /ô‬من سبع‪0‬ن عاما‪ .‬كما أني لم أعر أي اهتمام لهذا‬ ‫‪k‬ي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أستمر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل يوم‪ ،‬بالرقن ح[ تتوقف يدي‪ ،‬شاردة الذهن تذكرني‬ ‫املوضوع إال فيما بعد‪ .‬لذلك كنت‬ ‫بضرورة تأميم بعض الكتب‪ ،‬وأن أمررها من رف هذﻩ املكتبة أو تلك‪ ،‬إ‪k‬ى أيادي أشخاص أغبياء – *ي‬ ‫معظم الحاالت – ّ‬ ‫لك ‪X‬م موفورو الحال‪ ،‬ح[ يتم تسديد تكاليف الرغبة‪ ،‬الب‪/0‬ة‪ ،‬وجبات ال ‪X‬ار الثالث‬ ‫وإيجار الغرفة *ي )فندق العظماء(‪.‬‬

‫‪٨‬‬

‫ّ‬ ‫*ي ّ‬ ‫كل هذا التاريخ الرغبو ّي‪ ،‬كانت الصداقة انسالل هواء‪ :‬قصيدة أخرى‪ .‬ذلك أن كون الصداقة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫صارمة صرامة النص الشعري‪ ،‬ﱞ‬ ‫شعري ٍة متغايرة‪ .‬وبسبب‬ ‫شحن‬ ‫و‪k‬ي أن يساعد متشاطر·‪X‬ا غ ى إفراغ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫أي كان‪.‬‬ ‫هذﻩ الصداقة‪ ،‬ال[‪$ O‬ي شكل من أشكال النقد الحقيقي‪ ،‬يأتي الشعر برغبته هو وليس برغبة ٍ‬ ‫ً‬ ‫وهكذا نتواشج بأواصر الشعر وقاية من الذي يريد ان يستغنم إحساسنا التلقائي بضرورة الصداقة *ي‬ ‫عالم الرياء هذا‪ .‬الصداقة تلبث *ي القطيعة ‪ّ .‬إ‪Xu‬ا والغ‪/0‬ة – التشاكل ال تجتمعان ‪ .‬ومنذ أن رمته‬ ‫الصداقة ببصرها ‪ ،‬ال ي ‪/‬ح الفرد عن العصيان ح[ يس¡‪/‬د إمكاناته املسلوبة ‪ .‬الصداقة لكي تكون‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مل½‪X‬بة ّ‬ ‫ٌ‬ ‫صدر‬ ‫تؤر)‪X‬ا صراحة اخالقية عميقة ‪ً ،‬إ‪Xu‬ا ت ‪/‬ق ملن ال يعرفها‪ .‬لها‬ ‫صحية ‪ ،‬تستلزم معرفة‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ﱞ‬ ‫الحب ‪ .‬ولهذا السبب نراها معرضة للطعن‪ ،‬غالبا‪ ،‬من الخلف‪ .‬الشاعر صديقه‬ ‫مشرئب *ي ريح الكتابة‪:‬‬ ‫‪٥٦‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اجتماعية‬ ‫الشعرية بقدر ما ‪$‬ي عود ثقاب الصداقة ال[‪ O‬تدلع *ي الشاعر نزاهة‬ ‫الاشكالية‬ ‫رؤاﻩ ‪ .‬ع ى ان‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ومتفردة‪ .‬وهنا‬ ‫متماسكة قدر ٕالامكان‪ ،‬ف ‪ O‬كذلك لحظة تغ‪ /0‬املرجع الذي تتعداﻩ القصيدة رؤيا منفردة‬ ‫ّ‬ ‫عدو ٌ‬ ‫الحر ﱞ‬ ‫ﱡ‬ ‫ٌ‬ ‫لدود‬ ‫تعب‪ /0‬عن الصداقة ب‪0‬ن الشاعر وب‪0‬ن عالقاته مع الاخر‪ .‬الصديق‬ ‫يمكن أن القصيدة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫القطعانية‪ .‬إنه ال ينضوي ألنه ال يعرف الغ‪/0‬ة‪ :‬سالح الوصولي‪0‬ن‪ .‬إنه‪ ،‬كماكس شت‪/0‬نر‪ ،‬يلتقي‬ ‫للتجمعات‬ ‫ومشاركون معه دون أن يؤدوا قسم الوالء لرايته‪ .‬الصداقات املشهدية‪ ،‬املتخمة ‪XÈ‬ا مجتمعات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشر‪í‬ي‪ ،‬اكتف½‪X‬ا قذارة املال‪ .‬بطنة الصداقة هذﻩ تأفن فطنة الفرد كما أن "أنا" أبطالها تولج‬ ‫الاستبداد‬ ‫ّ‬ ‫الاخر *ي هذا الشعار‪ " :‬إتبع وال تبتدع"‪ .‬ع ى الصداقة والتاميل وذلك بتأليبه ع ى الرياء القابع *ي‬ ‫ّ‬ ‫تطلعاته املنمنمة بالدونية‪ .‬للصداقة تجارب‪ ،‬قراءات *ي موشور الفكرة املتشظية التشظية ال مناص‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعية‪.‬‬ ‫واقع مشظى‪ ،‬حيث التماسك كذبة أدبية يتقنع ‪XÈ‬ا املتواطئون *ي حيا‪XÆ‬م‬ ‫م ‪X‬ا *ي ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقي‪0‬ن *ي ّ‬ ‫كل ما صدر‬ ‫الخاص للصداقة‪ ،‬أستطيع أن أقول ان ّثمة ضالع‪0‬ن‬ ‫من خالل هذا املفهوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انتفاعية أو محاولة للصعود‬ ‫ٕالاباحية والنقطة‪ .‬ذلك أن عالق½‪X‬م بي كانت صادقة وليست‬ ‫باسم الرغبة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كعديد من الضئال الذين ارتبط اسمهم بي خطأ‪ ،‬ألن ‪ O‬خشيت إحالة لحظات شكي إ‪k‬ى‬ ‫ع ى الظهر‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التشكيكية بأي مقبل ‪ ...‬لذا تنازلت‪* ،‬ي‬ ‫حاالت بانوراما تريدني أس‪/0‬ا لها دون أن أستفيد من حسنا‪XÆ‬ا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحيان ّ‬ ‫معينة‪ ،‬فأسبغت ع ى امل¡‪³‬لف‪0‬ن من دياري‪ ،‬كرما نابعا من لبنة رو×ي وضدها *ي ٍآن واحد‪ .‬بل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وسوري‪0‬ن ومغاربة وخليجي‪0‬ن‪ .‬أما‬ ‫لبناني‪0‬ن‬ ‫يجب أن أذكر‪ ،‬هنا‪ ،‬أن الذين ساندوا نشاطاتي حقا كانوا‬ ‫ّ‬ ‫العراقيون‪ ،‬ما عدا ّقلة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فإ‪Xu‬م كانوا *ي أتون من الحسد والغ‪/0‬ة ‪ ،‬وكأن نشاط هذﻩ املجالت مراة يرون‬ ‫ف‪XY‬ا وسخ نشاطهم *ي خدمة النظام ‪ .‬وإذا كان لحرب تدم‪ /0‬العراق من حقيقة مرة ف ‪ O‬التالية ‪ :‬بعد‬ ‫انكسار ّ‬ ‫سد الداخل ‪ ،‬واندفاع املياﻩ إ‪k‬ى الخارج أخذنا نرى ذاك العرا‪í‬ي الذي ‪ ،‬وهو طاف ع ى سطح‬ ‫مجارى املنفى ‪) ،‬ينطق *ي اليوم الواحد بملئة لسان ‪ ،‬ساعيا إ‪k‬ى زيد بما يقول عمرو وإ‪k‬ى عمرو بما‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يفعل زيد ‪ ،‬وإ‪k‬ى أحمد بما يقول ويفعل ٕالاثنان( ‪ ،‬وألن طينة هذا العرا‪í‬ي الالعرا‪í‬ي نجسة أصال ‪ ،‬فهو ما‬ ‫إن يخدش ‪ ،‬ح[ يكشف عن معدنه الثقا*ي الرديء فيتنصل من كل الافكار ال[‪ O‬تطفل عل‪XY‬ا *ي املا‪OPQ‬‬ ‫عائدا إ‪k‬ى حظ‪/0‬ته ‪ .‬إنه متعطش للشهرة ارتزاقا يدفعه يدفعه إ‪k‬ى لحسن إليه أي كان من أجل أن تنشر‬ ‫قصيدته البائسة ‪ ،‬بل إ‪k‬ى ّ‬ ‫حد التمارض متباكيا – متشكيا عند هذا او ذاك ‪ ،‬فقط ح[ ال تكتشف‬ ‫حقيقته بانه ال ‪OPÌ‬ء ‪ ،‬ويؤمله أن يرى عراقيا حقيقيا يختلف عنه م ‪X‬مكا *ي نشاط ّ‬ ‫حر ‪ ،‬رجالﻩ طليقتان‪.‬‬

‫‪٩‬‬

‫‪٥٧‬‬


‫كيف يمكن ‪ O‬أن ان‪ P ‬أصدقاء متواطئ‪0‬ن *ي جريمة الحرية هذﻩ ‪ ،‬مثل محمد عوض الذي أسس م‪Ê‬ي‬ ‫الرغبة ٕالاباحية ‪ .‬إنسان رائع يح¡‪/‬م مجيئه إ‪k‬ى هذا العالم كإنسان حر ال يسمح الحد أن يضويه *ي‬ ‫خدمة افكار لم يناومها هو بعد ‪ .‬فهو غالبا ما يزور هذﻩ الافكار *ي أماك ‪X‬ا ‪ ،‬يطاردها من مق إ‪k‬ى مق ‪،‬‬ ‫ح[ يخت ي ‪XÈ‬ا *ي صومعته‪ ،‬يعاشقها *ي مخدع التجربة لكي تخصبه بجن‪0‬ن الحياة‪ ،‬وإال ف ‪ O‬مجرد أفكار‬ ‫عابرة عل‪XY‬ا أن ت‪Xò‬ر شخصا آخر‪ .‬أو نسيب طرابل‪ OP ‬مهماز النقطة الحقيقي الذي رسم هدية العدد‬ ‫الرابع‪) :‬صورة ﷲ *ي شبابه قاعدا ع ى عرشه ومحمد معه‪ ،‬يحاسب الناس يوم القيامة‪ ،‬بعد أن خلق‬ ‫مالئكته من زغب ذراعيه(‪ .‬كان نسيب طرابل‪ OP ‬يكرﻩ كل فنان همه الرئي‪ OP ‬أن يتح‪ ³0‬شاغرا *ي‬ ‫املؤسسة الفنية‪ .‬كان يتقيأ أجواء ٔالادباء والفنان‪0‬ن‪ ،‬بل كان يعشق كل ما هو غريب واستفزازي‪ .‬كم‬ ‫تحمس إلنجاز فكرتي بطبع العدد الخامس من مجلة النقطة باأللوان ع ى ورق جد جميل وال يضم إال‬ ‫أجمل النصوص الشعرية والنقدية والرسوم التحريضية‪ ،‬وله غالف من ورق الزجاج الخشن جدا يقف‬ ‫الجلد منه‪ ،‬بحيث يجب ع ى القارئ أن تكون له رغبة فعلية لفتح املجلة‪ ،‬والفوز بمحتويات اخت‪/0‬ت‬ ‫لتحريضه ع ى كشط ال¡‪³‬مت ٔالاخال‪í‬ي والوحل ٕالايديولو‪Å‬ي عنه‪ .‬أو غازي يونس الشاعر الذي تلف‬ ‫مجاميع شعرية عديدة أفضل من كل هذﻩ الكتب الشعرية ال[‪ O‬يطبل لها *ي ٕالاعالم‪:‬‬ ‫‪* ...‬ي الكراسات القديمة‬ ‫بالد من الغبار والكلمات‬ ‫هناك نعيش‬ ‫نتدافع ب‪0‬ن الفصول‬ ‫*ي الدفاتر القديمة حيث‬ ‫حناجر الخطباء مغمورة بفطر النسيان‬ ‫بطحلب الصمت املعار‬ ‫كساموراي *ي وضع انتحار‬ ‫كنت م¡‪/‬بعا ع ى العالم‬ ‫منذ ٔالابد‪.‬‬ ‫‪ ...‬إتجه غازي يونس إ‪k‬ى الرسم فبات سيدا ماهرا‪ ،‬اشتغل *ي السينما ممثال ال يزال يحلم ببطولة فيلم‬ ‫ضخم‪ ،‬لكن الحظ لم يحالفه‪ .‬أو فريد العري‪ Oª‬الذي جاءني ذات يوم ومعه قصيدة ليضحك ع ي‪،‬‬ ‫فأعجبت ‪XÈ‬ا ونشر‪XÆ‬ا *ي العدد ٔالاول من الرغبة‪ ،‬فاندهش ومنذ ذلك اليوم قرر أن يجعل الشعر‬ ‫‪٥٨‬‬


‫صراطه املستقيم‪ ،‬فكتب قصائد جد عظيمة بالفرنسية‪ .‬أو ع ي فنجان هذا الفنان الكب‪ /0‬الذي كان‬ ‫يستدرج ٔالالوان وكأ‪Xu‬ا جماجم بشرية أو كتل من ٔالافكار تعمل ع ى تقويض حسية املجتمع البليدة‪ .‬أو‬ ‫لقمان سليم الذي ما إن التقيته ح[ تآخينا برابطة الدم وكأننا هندي أحمر ورجل أبيض تعاهدا ع ى‬ ‫)نفض تحوالت الثابت وثابت التحوالت(‪ .‬إن جلسات ال‪/ô‬ثرة املتواقحة ال[‪ O‬كنا نجلسها *ي البارات‬ ‫ضحكا من هذا الكويتب املتطفل أو ذاك الشاعور العابر‪ ،‬كان يراها جزءا مكمال لفعل الكتابة‪ .‬وعندما‬ ‫غادر إ‪k‬ى ب‪/0‬وت‪ ،‬استبد به الحن‪0‬ن إ‪k‬ى ال‪/ô‬ثرة ال[‪$ O‬ي )علم وعمل( كما يقول‪ ،‬فاضطر إ‪k‬ى أن ي‪/ô‬ثر كتابا‬ ‫وبكل بالغة وروح نقدية‪ ،‬طبع منه خمس‪0‬ن نسخة فقط )أيار ‪ /‬مايو ‪ (١٩٨٧‬تحت عنوان من لم يحضرﻩ‬ ‫الجنابي‪ .‬ع ى أن ما يدهش ‪* O‬ي لقمان‪ ،‬هذا الرجل املهذب والهادئ ٔالاعصاب‪ ،‬أنه ينطوي ع ى ن‪/0‬ان‬ ‫غضب من التعليم والتعاليم‪ ،‬لم يؤجج الألسف إال نزرها *ي العدد الرابع من النقطة الذي لعب م‪Ê‬ي‬ ‫دورا أساسيا *ي إعداد موادﻩ املضادة لكل ثنائية دينية م ‪/‬مة ولكل أجزاء القول ٕالايديولو‪Å‬ي‪ ،‬مواد كان‬ ‫يطالب ف‪XY‬ا‪ ،‬وعن حق‪ ،‬بـ )نص الدي ‪ ،O‬ال ثنائي‪ ،‬ال أخال‪í‬ي‪ ،‬ال إيديولو‪Å‬ي‪ ،‬ال ثوري‪ ،‬القم‪Ê‬ي‪ ،‬ال تأوي ي‪ ،‬ال‬ ‫تصويري‪ ،‬ح[ ال يتحول نقد الفكر الدي ‪ O‬إ‪k‬ى حلقة *ي سلسلة الحروب الدينية(‪ .‬وهذا هو ع‪0‬ن السبب‬ ‫الذي دفع ‪ O‬إ‪k‬ى تأسيس النقطة كتيار ال يلتمس إيقاعا لتناقضاته‪ ،‬باعتبار أن فاعليته تكون أم ‪ P‬من‬ ‫النصل إذا ما أف ‪ P‬هذا التيار‪ ،‬بحكم طبيعته‪ ،‬إ‪k‬ى ٕالايقاع بكل ما يحول دون حمل التناقضات إ‪k‬ى‬ ‫الذورة‪ .‬وهذا هو جوهر خالفنا مع متواطئ آخر هو هيثم مناع كان يركز كث‪/0‬ا ع ى فرق ٕالالحاد *ي‬ ‫ٕالاسالم‪ ،‬وكان بارعا *ي تجميع أخبارها وربطها *ي مقاالت إيديولوجية الطابع‪ ،‬ع ى أنه كان أيضا يمد‬ ‫املجلة بنصوص تع ‪ /‬عن نقدها الدعابي من كل ثنائية دينية‪ ،‬كتلك الرسالة ال[‪ O‬تحلل السحاق ع ‪/‬‬ ‫مغامرة جنسية ب‪0‬ن امرأة سلقلقية‪) ،‬امرأة تحيض من دبرها(‪ ،‬مغامرة ال يشو‪XÈ‬ا أي زنا رجو‪k‬ي محرم *ي‬ ‫ٕالاسالم‪ ،‬أي إيالج فرج آدمي *ي فرج آدمي ووقعها باسم )أمة ﷲ وأختكم *ي ﷲ ناهد فرج نشواتي(‪،‬‬ ‫ونشرت *ي العدد الرابع – ٔالاخ‪ /0‬من النقطة بعنوان‪) :‬رسالة *ي إباحة سحاق املحصنات(‪ .‬أو مروان ديب‬ ‫الذي كان مهتما جدا بنقد املدينة وملحقا‪XÆ‬ا‪ ،‬فكان يرى دورا إيديولوجيا لكل املعمار‪ ،‬بل ح[ للمسكن‬ ‫ؤالاثاث‪ ،‬هذا الذي مثله )كمثل خيوط الدمى املتحركة‪ .‬يروض ‪XÈ‬ا الناس *ي بيو‪XÆ‬م فيضحون خاضع‪0‬ن‬ ‫ألوامرﻩ‪ ،‬ال يقدمون ع ى حركة ما *ي املدينة إال ويكررون ما علمهم ٕالاثاث من رقصات مبتذلة‪ .‬غ‪ /0‬أن‬ ‫ٔالادوات امل¬‪³‬لية ؤالاثاث كانت تحمل بصمة ٔالايدي العاملة والتعب‪ /0‬عن الحركة الفعالة املنتجة ال[‪$ O‬ي‬ ‫لب املدينة النابض *ي الخانات والقيصريات‪ .‬أما اليوم فقد أصبحت تحمل شعارات عالم البضاعة‬ ‫وتالشت بالتا‪k‬ي صورة املدينة الشرقية املمثلة سابقا *ي مساكننا‪ .‬لم يعد ٔالاثاث صورة للمدينة‪ ،‬لم يعد‬ ‫وصيا ع ى سكان مدننا‪ .‬فال تمثيل بات ممكنا *ي املنازل الشرقية‪ ،‬وال ‪XÆ‬ريج لل½‪X‬ئة ع ى رؤية املدينة‬ ‫والتجول ف‪XY‬ا‪ .‬ع ى املساك‪0‬ن منسكان املنازل أن يتخبطوا *ي املدينة الحقيقية بال و‪ OPè‬يلق ‪X‬م أصول‬ ‫ليقاة القطيع(‪ .‬كان مروان يتس ى بإمكانياته الفنية وح[ الشعرية‪ ،‬فله قصائد طريفة كان يكت‪Xò‬ا *ي‬ ‫لحظات‪ .‬وهو رسام وخطاط ماهر‪ ،‬لم يتوان عن خط كل مواد العدد الخاص بجورج حن‪0‬ن الذي صدر‬ ‫*ي تموز )يوليو( ‪ ١٩٧٥‬بعنوان الو‪å‬ي املدنس‪ :‬عدد عميل للسرقة‪ .‬ويغزى من هذا أن ثمة مواد كث‪/0‬ة‬ ‫‪٥٩‬‬


‫يمكن للكتاب البائ‪ OP ‬املخلية والصحفي‪0‬ن أن يسرقوها – يرتزقوها‪ .‬كان مروان يؤلف قصيدة‪ ،‬وهو‬ ‫يمارس الخط *ي لحظة انتشاء‪ ،‬فأدهش بنفح½‪X‬ا الشعرية وتلقائي½‪X‬ا السوريالية‪ ،‬ودهش[‪ O‬تزداد عندما‬ ‫أعلم انه لم يطلع من قبل ع ى شعر شو‪í‬ي أبي شقرا‪ ،‬أو محمد املاغوط‪ .‬وما إن أساله عن عنوان لكي‬ ‫تنشر تحته *ي هذا العدد‪ ،‬ح[ يخط *ي أع ى الصفحة )اس¡‪/‬قاق العظام( ويزي ‪X‬ا برسومه‬ ‫ع ى ميمنة الحلم‬ ‫وعند أرنب من طوب تسرع عشرون وحيدة‬ ‫إ‪k‬ى حالهن الجوي‬ ‫شاهدات‬ ‫من عهد الجمال‬ ‫يت¬‪³‬هن *ي حقول الصغر‬ ‫متفتحات مطعمات‬ ‫مسكيات الحال‪ ،‬راقصات العشاء‬ ‫ع ى ضروب ٔالاكواخ‬ ‫ووصلهن من الهند عطر‬ ‫حار كنقطة رواق‬ ‫تزدانه جاذبيات أممية‬ ‫أعط ‪ O‬قبلة *ي جادة حمراء‬ ‫ألخر‬ ‫سريرا من عل‬ ‫كل مساء كل مشهد‪.‬‬ ‫أفواﻩ تتك ‬ ‫قبالتي الرشاشة‬

‫‪٦٠‬‬


‫فال ألقاهن‬ ‫بمنأى عن صدري‬ ‫الشاسع‬ ‫ت ‪X‬دات‬ ‫ويتمرغن‪.‬‬ ‫كان معنا أيضا غسان عبد الخالق‪ ،‬هذا الصديق الطيب الذي يعمل إ‪k‬ى اليوم *ي راديو مون[‪ O‬كارلو‪،‬‬ ‫والذي‪ ،‬ذات فجر من أجمل أفجار تيك السهرات مع املوسيقار عابد عازرية وأن‪ OP ‬الحاج‪ ،‬أجرى م‪Ê‬ي‬ ‫مقابلة حية لم تستغرق أك‪ /ô‬من عشرين ثانية طلب م ‪ O‬ف‪XY‬ا أن أقول للمستمع‪0‬ن شيئا ير‪ OPQ‬رغباته‬ ‫الدفينة *ي أن يظهر متحديا‪ ،‬انطالقا من ثقته بأني سأقول ما كان يتوقعه من كالم جريء‪ ،‬فأساعدﻩ‬ ‫ع ى ارتكاب )فضيحة( سيعرف كيف يخرج هو م ‪X‬ا‪ .‬فكرت بألف كالم وكالم قد يطرد بسببه‪ .‬لكن بما‬ ‫أن صورتي كانت محددة *ي ذهنه وفقا لالنعكاس البافلو*ي املشروط‪ ،‬ورحمة به‪ ،‬جعلته ينتظر ثواني‬ ‫عديدة‪ .‬كان أن‪ OP ‬وعابد جالس‪0‬ن *ي غرفة أخرى وإذا بمذياع صغ‪ /0‬جوارهم يفاج‪Xî‬م‪ :‬صباح الخ‪ /0‬أ·‪X‬ا‬ ‫العرب!‬ ‫‪١٠‬‬

‫كنت ع ى موعد مع الشاعر عصام محفوظ‪ - ،‬الذي اهتم بي كث‪/0‬ا وساعدني *ي حاالت عديدة وكنت أنا‬ ‫بدوري أزودﻩ بكل ما أملك من مصادر ومعلومات حول السوريالية ‪ ،-‬لتسليمه مادة كتب½‪X‬ا حول‬ ‫مجموعة شيكاغو السوريالية ال[‪ O‬كنت ع ى صلة ‪XÈ‬ا‪ ،‬ح[ ينشرها *ي ال ‪X‬ار العربي والدو‪k‬ي ٔالاسبوعية‬ ‫ال[‪ O‬كان هو املشرف ع ى شؤو‪Xu‬ا الثقافية‪ .‬والطريف *ي ٔالامر أني اختلفت صراعا غ‪ /0‬موجود ب‪0‬ن هذﻩ‬ ‫املجموعة والتيارات املاركسية‪ ،‬لتعليل مادتي الصحفية وجعلها مقبولة‪ ،‬فبعد أن ان½‪X‬يت من العرض‬ ‫التاري ي لوالدة هذﻩ املجموعة‪ ،‬تطرفت بالشكل التا‪k‬ي ومسندا باقتباسات من تأليفي‪ ،‬إ‪k‬ى صراع لم يدر‬ ‫قط‪) :‬ت½‪X‬م التنظيمات اليسارية مجموعة شيكاغو باالنزالق *ي الطريق الخاطئ ع ى رغم حسن ني½‪X‬ا‬ ‫الثورية‪ .‬والطريق الخاطئ هذا هو‪* ،‬ي نظر التنظيمات املذكورة‪ ،‬طريق الشعر – الجثة ال[‪ O‬واراها‬ ‫الدادائيون‪ ،‬منذ أك‪ /ô‬من نصف قرن‪ ،‬تراب التاريخ‪ .‬كما ع ى املجموعة أن ت‪Ê‬ي إذا كانت جمالية الفرد‬ ‫الثورية للنصف الثاني من القرن التاسع عشر متمثلة *ي موت ﷲ‪ ،‬فإن جمالية الفرد الثورية للنصف‬ ‫الثاني من هذا القرن‪ ،‬تتمثل *ي موت الفن‪ .‬وتطالب التنظيمات املجموعة بأن تنقطع عن ممارسة‬ ‫ٕالابداع لكي تنصرف إ‪k‬ى الكليشه السياسية والعمل الحزبوي ح[ يظهر مسيح ال ‪/‬وليتاريا املنتظر‪،‬‬ ‫‪٦١‬‬


‫عندئد توضع ٔالامور *ي نصا‪XÈ‬ا ويتحقق الشعر بال قصيدة‪ .‬وخالصة ما تراﻩ هذﻩ التنظيمات هو أن‬ ‫مجموعة شيكاغو مجرد شعراء‪ .‬وها ‪$‬ي نقطة الصراع بي ‪X‬ما‪ .‬بيد أن مجموعة شيكاغو ترى أن املشكلة‬ ‫تكمن *ي هذﻩ الحقيقة املرة و‪$‬ي أن لكل حزب‪ ،‬ثوريا كان أو رجعيا‪ ،‬مواضعات فكرية ي¡‪/‬سم خطاها‬ ‫ومبادئ غ‪ /0‬قابلة للتبدل إال بضربة معول‪ ،‬بينما للسوريا‪k‬ي بداهة شعرية‪ ،‬حدس نقدي يث‪ /0‬الشكوك‬ ‫ع ى الدوام ‪XÈ‬ذﻩ املواضعات‪ .‬ولهذا السبب ال تفتأ الكلمات تنفلت منه تلقائيا ع ى شكل قصيدة ال تعدﻩ‬ ‫بـ غودو وبالتا‪k‬ي عليه الانتظار‪ ،‬بل لتذكرﻩ فحسب بأن عليه أن يحلم دائما بحرية جديدة(‪.‬‬ ‫كان عصام يحب لعب القمار‪ .‬كنت أذهب معه إ‪k‬ى ضوا×ي باريس‪* ،‬ي سيارته ال[‪ O‬كان يقودها بشكل‬ ‫جنوني غ‪ /0‬آبه للضوء ٔالاحمر‪ .‬وفجأة تتوقف السيارة *ي مكان شبه مظلم‪ ،‬فيطلب م ‪ O‬أن أنتظرﻩ‪،‬‬ ‫ويختفي‪ .‬تمر دقائق أو‪k‬ى وأنا أفكر بمجموعة شيكاغو‪ ،‬ثم دقائق أخرى وبالصراع الوهمي الذي ين‪ P ‬‬ ‫فيه )أرامل ماركس الفرق القائم ب‪0‬ن توتر نفيوي كالشعر وب‪0‬ن البحث عن هوية *ي طريق مسدود‪:‬‬ ‫التطابق مع ﷲ – ٓالاخر(‪ ،‬ودقائق أخرى ح[ تصل الست‪0‬ن‪ ،‬وإذا به يعود مضطربا‪ ،‬بشاربه الكثة ال[‪O‬‬ ‫الحظت ا‪Xu‬ا تنتفش بعد كل خروج من مقامرة‪ .‬لقد ربح عصام مبلغا جد هائل‪ ٦٠٠) ،‬ألف فرنك(‪،‬‬ ‫تسلم الشك ووضعه *ي جيبه‪ ،‬تجول *ي قاعة اللعب بضع دقائق‪ ،‬فكر بأن حياة أخرى أخذت تتفتح‬ ‫أمامه‪ ،‬بل فكر ح[ بموضوع ثقا*ي عن إغراءات القمار‪ ،‬بل شعر للمرة ٔالاو‪k‬ى *ي حياته أنه سيد نفسه‬ ‫وستكون له دار نشر‪ ،‬أخ‪/0‬ا‪ ،‬يطبع كل ما يشاء‪ .‬لكن‪ ...‬كان شاعرا مهووسا بورق القمار وكأن كل ورقة‬ ‫ثقب يبص من خالله إ‪k‬ى أجواء أحالمه الجنسية‪ ،‬شبقية شعرﻩ‪ .‬وها هو يعود إ‪k‬ى الطاولة ويقامر بملك‬ ‫يمينه ٔالاوحد‪ :‬الصك الذي‪ ،‬ما ‪$‬ي إال لحظات‪ ،‬ح[ عاد وهما‪ ،‬بل إن محفوظ نفسه ن‪ OP ‬لون الح ‪/‬‬ ‫الذي كتب به رقم ‪ ٦٠٠٠٠٠‬ألف فرنك‪ ،‬أحمر‪ ،‬أم أسود أو أخضر‪ .‬ومنذ تلك اللحظة‪ ،‬راح يفرع باريس‬ ‫شبه مجنون‪ ،‬تتوجسه البارانويا‪ ،‬ي¡‪/‬ك ال ‪X‬ار العربي والدو‪k‬ي ليشتغل ف¡‪/‬ة *ي مجلة املستقبل‪ ،‬ليعود من‬ ‫ثم إ‪k‬ى ب‪/0‬وت ليواصل مهنته القديمة‪ ،‬كتابة تقارير أدبية عن هذﻩ الحركة أو ذاك الشاعر أو الفنان‪،‬‬ ‫دون أن يفكر بأنه شاعر وعليه بالتا‪k‬ي أن يتجاوز ذاك )املوت ٔالاول( بموت ثان‪ .‬رغم كل ما حدث بيننا‬ ‫من سوء تفاهم‪ ،‬ال أزال أكن له نفس ٕالاعجاب والحب‪ .‬كانت أياما جميلة تلك ال[‪ O‬قضي½‪X‬ا بصحبته‪،‬‬ ‫وخصوصا ذلك اليوم الذي أخ ‪/‬ني فيه بأنه )حابب( أن ينظم ‪k‬ي لقاء مع شاعر لن والرأس املقطوع‪،‬‬ ‫أن‪ OP ‬الحاج‪.‬‬ ‫لقائي ‪XÈ‬ذا الشاعر املولود *ي برج ٔالاسد‪ ،‬لقاء كاد يتكرر كل ليلة طوال ف¡‪/‬ة إقامته *ي باريس ومعاملته‬ ‫‪k‬ي ندا لند‪ ،‬جددا *ي الثقة بالنفس‪ .‬كنت أزورﻩ *ي مكتب ال ‪X‬ار العربي والدو‪k‬ي ال[‪ O‬كان يرئس تحريرها‪،‬‬ ‫فأنتظرﻩ ح[ ينت ‪ O‬من عمله‪ ،‬فنخرج سوية لقتل الوقت‪ ،‬دردشة طويلة ونحن نتنقل من مق إ‪k‬ى‬ ‫نق أو إ‪k‬ى مطعم‪ .‬كنا نتحدث كث‪/0‬ا أحاديث متنوعة لم ‪Xu‬تم يوما هل كانت ذات نفع‪ ،‬مضجرة‪ ،‬أو بال‬ ‫مع ‪ .‬اللحظة ‪$‬ي ال[‪ O‬كانت تشد خيوط الحديث‪ .‬ال تسعف ‪ O‬الذاكرة ٓالان لوصف تيك اللقاءات‪ ،‬حيث‬ ‫الضحك املستمر ع ى )ٔالاعاريب(‪ ،‬ع ى رجال التاك‪ ،OP ‬ع ى أسماك كأ‪Xu‬ا عجائز متعنفصات داخل‬ ‫‪٦٢‬‬


‫أكواريوم املطاعم‪ ،‬كنت أضع أذني ع ى الزجاج وأسمع بقبقة داخلية تذكر بمونولوج روايات تيار‬ ‫الالو‪å‬ي العربية الفاشلة‪ ،‬بل ح[ ع ى حديث املصافحة الذي يمارسه الفرن‪ OP ‬بإلحاح إ‪k‬ى حد باتت‬ ‫فرنسا تعرف معه *ي العالم ببلد الضغط ع ى اليد‪ .‬فـ )الفرن‪ OP ‬يصافح الناس طيلة ال ‪X‬ار‪* :‬ي التاسعة‪،‬‬ ‫وظهرا‪ ،‬و*ي الثانية‪ ،‬ثم *ي السادسة‪ ،‬فضال عن مصافحته ألولئك الذين ال يعرفهم‪ ،‬وللزوار ؤالاقارب‬ ‫ؤالاصدقاء‪ .‬وهو ما يرفع مجموع هذﻩ املدد إ‪k‬ى ما يقرب من ثالثة أسابيع كل عام‪ ،‬أي ما يقرب من ثالث‬ ‫سن‪0‬ن من حياته‪ ،‬وإذا ما نظرنا إ‪k‬ى أن هذا املع باملصافحة يق ‪* OP‬ي الفراش‪ ،‬ان½‪X‬ينا إ‪k‬ى أن الفرن‪OP ‬‬ ‫ال يعيش – باملع الذي يفهمه ٕالانجل‪³0‬ي صاحب ٕالاحصائية‪ ،‬منكلمة عيش – سوى ثالث‪0‬ن سنة فقط‬ ‫من ست‪0‬ن(‪ .‬أما شعراء العربية الرسمية فهؤالء‪ ...‬هؤالء كانوا‪ ،‬وإ‪k‬ى اليوم‪ ،‬موضوع استخفا*ي طوال تلك‬ ‫السهرات ال[‪ O‬كان أن‪ OP ‬الحاج يدون بعض شذرا‪XÆ‬ا *ي دفاتر يومياته‪ ،‬كما أخ ‪/‬ني *ي أحد ٔالايام‪.‬‬

‫‪١٢‬‬

‫من قراءتي ألعمال أن‪ OP ‬الحاج‪ ،‬ومن لقاءاتي به‪ ،‬انت‪Xò‬ت للمرة ٔالاو‪k‬ى إ‪k‬ى معضلة ٓالاخر *ي الثقافة‬ ‫العربية‪ ،‬وكيف أن هذا ٓالاخر محكوم عليه بالنسيان‪ ،‬وبالتا‪k‬ي باالحتواء حد تمييع قضيته الوجودية‬ ‫والشعرية‪ .‬ذلك أني أرى اللجم الذي تعانيه اللغة العربية نفسها *ي مجتمع تتحكم فيه أصول دين ال‬ ‫يفتأ املتلسنون به يعت ‪/‬ون الشعر – عن حق – صراطا غ‪ /0‬مستقيم‪ .‬ثمة ‪OPÌ‬ء يخيف ‪* O‬ي تجربة أن‪OP ‬‬ ‫الحاج‪ ،‬ال أعرف كيف أصفه‪ .‬ربما ه ى شكل سؤال‪ :‬ما الذي كان يحدث لو أن أن‪ OP ‬الحاج كان مسلما‬ ‫ويكتب باللغة نفسها وبالروحية نفسها ال[‪ O‬كتب ‪XÈ‬ا؟ حتما لحدث تغ‪ /0‬حقيقي *ي مس‪/0‬ة الكتابة‬ ‫العربية‪ ،‬ألن تمردﻩ حقيقي وغاية كل تمرد حقيقي الباطنة ‪$‬ي ردم الداللة الدينية للغة ال[‪ O‬ترتكز عل‪XY‬ا‬ ‫صلة ثقافة ب¡‪/‬ا)‪X‬ا‪ ،‬وكث‪/0‬ا ما كان هذا مضمرا *ي كتابات أن‪ OP ‬الحاج‪ ،‬أقول مضمرا‪ ،‬ألنه آخر‪ ،‬غ‪/0‬‬ ‫مسلم‪ ،‬ال يحق له هتك سر املحرم الاجتما‪å‬ي‪ .‬وهكذا تريد كل كتاباته‪ ،‬وكتابات كل شاعر ومحدث‬ ‫مسي‪¤‬ي حقيقي‪ ،‬إ‪k‬ى مجرد نص شعري أو نظري يمكن لك أن تتذوقه لكن ال أن تؤوله ضد املجتمع‬ ‫العربي املرتكز ع ى ثقافة الدين ٕالاسالمي‪ ،‬أي أن مص‪/0‬ﻩ أن يوضع ع ى حدة‪) ،‬أنه ليس لنا(! يجب أن‬ ‫يعرف الجميع أن ما يسمى بالتجديد الشعري العربي الحق هو نبتة لبنانية نبتت ع ى أيدي شعراء‬ ‫مسيحي‪0‬ن هم يوسف الخال ‪ ،‬شو‪í‬ي أبي شقراء ‪ ،‬توفيق صايغ ‪ ،‬خليل حاوي وإلخ ‪ .‬لكن ‪ ،‬أل‪Xu‬م‬ ‫مسيحيون لم يكن باإلمكان إيصال رسالة التجديد الشعرية هذﻩ بكلي½‪X‬ا غ ى جمهور يشعر بريبة مما هو‬ ‫ّ‬ ‫اخر – غ‪ /0‬اسالمي ‪ .‬من هنا انبثقت فرصة الاحتواء – التمييع ‪ .‬وههنا ياتي دور أدونيس الذي لم يضف‬ ‫‪* ،‬ي نظري ‪ ،‬أي ‪OPÌ‬ء ‪ ،‬بل ع ى العكس أوقف كل ‪OPÌ‬ء ‪ :‬استغل هذا اللجم ‪ ،‬وبكل دجل ‪ ،‬لصالحه ‪،‬‬ ‫وعمل ع ى تلفيظ مفاهيم التمرد الطبيعيال[‪ O‬ش ‪X‬ا هؤالء الشعراء ‪ ،‬تلفيظا يفرغ هذﻩ املفاهيم من كل‬ ‫‪٦٣‬‬


‫محتوى حقيقي بإطالقها مجرد تضادات – مناوشات لفظية مع معطيات الواقع السائد ‪ ،‬معطيات‬ ‫أدونيس هو خ‪ /0‬من يمثلها *ي الحقيقة ‪ ،‬وبالتا‪k‬ي هو ع‪0‬ن ما يجب التمرد عليه ورفضه ‪ .‬تجديد هؤالء‬ ‫الشعراء املسيحي‪0‬ن اللبناني‪0‬ن – وأنا اشدد ع ى هذا – كان يريد للكلمة أن تص‪ /0‬إ‪k‬ى مع محدد ‪ ،‬أن‬ ‫تقول شيئا جوهريا ‪ ،‬أن تحدث هذا ال‪OPÁ‬ء سلوكا اجتماعيا *ي ح‪0‬ن جاء أدونيس ليحدد الكلمة بان‬ ‫تتحول إ‪k‬ى نص‪ /0‬مافيا ‪ ،‬عل‪XY‬ا أن تل‪ Oª‬كل ما يامر به تقلب الظروف الاجتماعية ‪ ،‬وبالتا‪k‬ي ان التقول أي‬ ‫ّ‬ ‫‪OPÌ‬ء ‪ ،‬أي أن تتحول إ‪k‬ى مجرد فقاعة انفجارها ال يقدم وال يؤخر ‪ ،‬أل‪Xu‬ا نفخت وفقا لسفاسف العوام ‪.‬‬ ‫م[ سيئ‪0‬ن الاوان الذي تج¡‪/‬ح فيه اعادة نظر جدية *ي كيفية ظهور مجلة شعر وملاذا كان التجديد‬ ‫الشعري العربي لبنانيا ومسيحيا ‪ ،‬وملاذا يعمل أدونيس ع ى تمييع هذا التجديد ‪ ،‬وإ‪k‬ى اليوم ‪ ،‬ب‪Xò‬لوانية‬ ‫ليس لها نظ‪. /0‬‬ ‫أن‪ OP ‬الحاج ليس مجرد شاعر له دواوين ‪ ،‬إنه أشبه بشعرية – حركية لها النموذج والتنظ‪ . /0‬ويجب ان‬ ‫يقرأ شعرﻩ من خالل ما كتبه ويكتبه من مقاالت تأملية أو تنظ‪/0‬ية ‪ .‬لكن هذﻩ الحركية – هذا الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫املرفوض كاخر من قبل ال و‪å‬ي جما‪å‬ي مكبوت – ستظل مجرد أحالم يقظة تشغب بشغاف املحرم ‪،‬‬ ‫تحتاج إ‪k‬ى يوم صاف لكي نتنفسها هواء صحيا ‪ ،‬شعورا اجتماعيا تدركه أجيال جديدة ‪ .‬ال أعرف إذا‬ ‫كانت مس‪/0‬ة الرأسمال العاملي ستسمح للعرب اس¡‪/‬داد كل ما قمع *ي غياهب ماض‪XY‬م اس¡‪/‬دادا يتحول‬ ‫ّ‬ ‫فيه هذا ال¡‪/‬اث املرفوض كاخر إ‪k‬ى ما يجب اعتبارﻩ تراثا حقا ‪ ،‬بعبارة أوضح أن نعيد التجديد الشعري‬ ‫ّ‬ ‫إ‪k‬ى سابق ص‪/0‬ورته حيث االنص تعب‪ /0‬عن ‪OPÌ‬ء حقيقي ح[ لو كان ناقصا ومضمرا كما لدى يوسف‬ ‫الخال أو توفيق صايغ ‪ ،‬ال مجرد كالم موضو ّي ال يقول شيئا عند أدونيس ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كيف يمكن لشاعر حقيقي أن يلهم ‪ ،‬أي أن يناقض رسالة و×ي املجتمع ‪ ،‬وهو مصنف كاخر كما إن‬ ‫الحركة التاريخية لهذا املجتمع ‪ ،‬أي املسار الطبي‪Ê‬ي الذي كان يتمتع به شعراء الخمسينات والستينات‬ ‫‪ ،‬لم يعد موجودا ‪ :‬كل ‪OPÌ‬ء اليوم مميع‪ .‬أن‪ OP ‬الحاج شاعر يؤمن بالحب باملع السوريا‪k‬ي للكلمة‪ ،‬أي‬ ‫الحب الذي ينطوي ع ى تجديف رغم الصورة ٕالايمانية ال[‪ O‬يولدها لدينا‪ ،‬يؤمن بأن املرأة ‪$‬ي ﷲ‪،‬‬ ‫ولتحقيق هذا الحب يحتاج إ‪k‬ى أفق من الحرية *ي العالقات كما يؤمن بأن التمرد هو الطريق الوحيد‬ ‫لتحقيق تغي‪* /0‬ي الحاسة الاجتماعية – الشعرية‪ ،‬وملمارسة هذا يجب أن يتوفر مجتمع له حدود وكيان‬ ‫محدد وساحة اجتماعية واضحة لكي تكون للتمرد فاعلية‪ .‬إذا‪ ،‬إن الذين ييدون شاعرا كهذا يواصل‬ ‫إنتاج تلك الاستنارات الشعرية املذهلة ال[‪ O‬تمتعت ‪XÈ‬ا العربية املعاصرة ع ‪ /‬لن و الرأس املقطوع‪،‬‬ ‫)استنارات لم تقم بدورها لآلن أل‪Xu‬ا نتاج آخر(‪ ،‬عل‪XY‬م أن يعلموا أن الشاعر *ي حالة يأس‪ ،‬يأس‬ ‫الشرائح الاجتماعية ال[‪ O‬ال تعرف ما هو املص‪ ،/0‬ال خالص له ولهم بالذات من هذا اليأس القيامي إال‬ ‫بكسر كل هذﻩ املساديد الاجتماعية ال[‪ O‬يشيدها مجتمع يتحكم فيه و×ي دي ‪ O‬واحد أحد‪ .‬إذا‪ ،‬عل‪XY‬م‬ ‫بفانوس سحري يخرج منه ج ‪ٔ O‬الانا مختلطا *ي ٓالاخر‪ ،‬ح[ يس¡‪/‬دوا هم‪ ،‬ال هو‪ ،‬تلك الاستنارات أسلوب‬ ‫حياة علمانية ال مجرد ألفاظ طوائف تبحث عن توازنات وكأن الحياة هدنة‪ .‬كم من شاعر يحمل حسية‬ ‫‪٦٤‬‬


‫خالقة عظيمة مس‪XÆ/0‬ا تف ‪ ،OP‬بالضرورة‪ ،‬إ‪k‬ى الارتقاء بلغة الضاد هذﻩ *ي مستوى الحداثة الحقيقية‬ ‫فيخ ‪ – P‬يعزل‪* ،‬ي منتصف الطريق‪ ،‬ألنه آخر‪ :‬فرصة ٔالانا الوحيدة‪.‬‬ ‫‪١٣‬‬

‫عندما صدر العدد ٔالاول من مجلة النقطة كتب أحدهم تعليقا مبتسرا *ي جريدة السف‪ /0‬مفادﻩ )أن‬ ‫مص‪ /0‬عبد القادر الجنابي سيكون مص‪ /0‬لطف ﷲ راتب‪ ،‬الكاتب املصري الذي انتحر مؤخرا *ي‬ ‫نيويورك‪ ،‬إذا بقي منعزال(‪ .‬إن الصحفي الذي كتب هذا ليس *ي مقدورﻩ الدخول ع ى كنه اللعبة‪ ،‬وال‬ ‫تجاوز عقلية الفتوى‪ .‬ذلك أن لطف ﷲ راتب‪ ،‬الذي نشرنا *ي العدد ٔالاول من مجلة النقطة‪ ١٥) ،‬أيلول‬ ‫‪ /‬سبتم ‪ ،(١٩٨٢ /‬تقريرا – لفقته مع ع ي بن عاشور – عن انتحارﻩ مع مختارات من كتاباته‪ ،‬شخصية‬ ‫غ‪ /0‬موجودة ع ى ٕالاطالق‪ .‬شخصية اختلقت ألسباب لعبوية‪ ،‬كال[‪ O‬جعلتنا ننسب إ‪k‬ى رفاعة الطهطاوي‪،‬‬ ‫ع ى الصفحة ٔالاو‪k‬ى من العدد نفسه‪ ،‬هذﻩ الجملة ال[‪ O‬لم يقلها قط‪) :‬الفرق ب‪0‬ن الحضارة الغربية‬ ‫والحضارة العربية نقطة‪ ،‬ويا لها من نقطة( فأخذ بعض النقاد يستشهدون ‪XÈ‬ا ع ى أ‪Xu‬ا فعال‬ ‫للطهطاوي‪ .‬املهم‪ ،‬أن عددا من الصحفي‪0‬ن وجدوا *ي لطف ﷲ راتب‪ ،‬الشخصية املختلفة هذﻩ‪) ،‬التعب‪/0‬‬ ‫ٔالاعمق عن تجربة املنفى‪ ،‬مشعرن الفكر يتأكله الجوع‪ ،‬مسافرا *ي ليل املع ‪ ،‬الصو*ي الصامت(‪ ،‬وإ‪k‬ى‬ ‫آخر العبارات الرنانة فراغا وال[‪ O‬ال تطلق إال جزافا ع ى ميت ألنه لم يعد يشكل خطرا‪ ،‬أو ع ى أردا‬ ‫كاتب ع ى قيد العيش‪ ،‬ألسباب وصولية‪ .‬ليس ثمة كائن اسمه لطف ﷲ راتب كما أن بعض الكتابات‬ ‫ال[‪ O‬نسبت إليه‪ ،‬أخذت حرفيا من كتاب غ‪ /0‬معروف‪0‬ن ولن يعرفوا‪ ،‬أما البعض ٓالاخر‪ ،‬وهو معظم تلك‬ ‫الكتابات‪ ،‬فقد سحب½‪X‬ا من سلة أورا‪í‬ي املهملة‪ .‬إن القارئ نتيجة يؤسه الحياتي وضآلة ذهنه الخنوع‬ ‫لهاالت الثقافة الراحلة‪ ،‬يفضل كل ما يمت بصلة إ‪k‬ى ميت‪ .‬من ثم تفضيل نتاج هذﻩ الشخصية‬ ‫املختلفة ع ى نصوص الذين ساهموا *ي العدد نفسه‪ .‬وبسبب هذﻩ ال¬‪³‬عة املوتوية لدى الناس‪ ،‬تفقد‬ ‫تلك النصوص قيم½‪X‬ا فور اكتشاف أن صاح‪Xò‬ا ال يزال ع ى قيد الحياة‪ .‬كل نص ال يداعب الشعور‬ ‫بالذنب‪ ،‬يس½‪X‬ان به‪ .‬كم من مخطوطة تنضج فتتعفن *ي الحجر الكر·‪X‬ة! ففي هذﻩ ٔالامكنة بالذات ثمة‬ ‫أفراد يعيشون *ي السر‪ ،‬ليس لهم صلة بالوسخ ٔالادبي‪ ،‬أفراد يكتبون ويتلقون‪* ،‬ي آن‪ ،‬نصوصا أفضل‬ ‫بكث‪ /0‬منكل ما يصدر عن دور النشر العربية مجتمعة‪ .‬لعل السبب الحقيقي وراء اهتمامي باختالق هذﻩ‬ ‫الشخصية‪ ،‬هو أنه *ي لحظة نفور شديد من املكتوب املعاصر وبعد تنبيش غ‪ /0‬مثمر *ي حقول املا‪OPQ‬‬ ‫العربي‪ ،‬ال مفر من سلف وهمي ي¡‪/‬اءى‪ ،‬من دهال‪ ³0‬الباطن‪ ،‬زهرة أمتص رحيقها فأط‪* /0‬ي أمداء الانفالت‪.‬‬ ‫كذلك فإن هذا امليل إ‪k‬ى الكتابة اللعبوية كان جزءا ال يتجزأ من تاريخ الرغبة ٕالاباحية‪ ،‬وامتدادها‬ ‫النقطة ألن الكتابة اللعبوبة حيث اللغة ‪XÈ‬و‪ ،‬غادة *ي حفلة تنكرية‪ ،‬مرآة يتشخصن *ي جرمها الكاتب‬ ‫متلبسا ٓالاخر *ي خدمة املعاني و‪$‬ي ت¡‪/‬جل عن املالك واململوك أو بعبارة صديقي الشاعر املغربي عبد‬ ‫‪٦٥‬‬


‫ٕالاله الصال‪¤‬ي ال[‪ O‬كت‪Xò‬ا خصيصا لتمي‪ ³0‬مقهومنا للكتابة اللعبوية عن كل لعب لفظي تتم‪ ³0‬به بعض‬ ‫ٔالاالعيب الكتابة العربية‪) :‬الكتابة اللعبوية انصهار مقصود *ي نسيج كتابة أخرى‪ .‬تمرين مرح ع ى‬ ‫النطق ‪XÈ‬واجس ٓالاخر وارتداء حركاته بشكل يبيح للمخيلة توريط الذات *ي لعبة توزع العواقب بسخاء‬ ‫لتنشيط دور‪XÆ‬ا الدموية‪ .‬ولهذا ف ‪ O‬إبداع ال يرحم سهو متلقيه‪ .‬م‪³0‬ان حرارة يلزم القراءة ع ى فتح‬ ‫مجمل أدراجها كي ال تنقفل(‪.‬‬ ‫فمثال‪ ،‬أتاني ذات يوم لقمان سليم بقصيدة‪ ،‬كت‪Xò‬ا للضحك‪ ،‬ع ى منوال ج ‪/‬ان خليل ج ‪/‬ان‪ ،‬تحت‬ ‫عنوان‪) :‬قطيع الكالب(‪:‬‬ ‫الويل لقافلة تس‪ /0‬وكال‪XÈ‬ا تعوي‪،‬‬ ‫الويل لجثة ال يقر‪XÈ‬ا الدود‪،‬‬ ‫الويل ألف‪Ê‬ى ال تموت من سمها‪،‬‬ ‫الويل لساحر يثق بما تقدم يمينه‪،‬‬ ‫الويل لالبس الثوب جاهال ما يس¡‪/‬ﻩ‪،‬‬ ‫الويل لقاتل لم ·‪X‬م بضحيته‪،‬‬ ‫الويل لجسد لم يشته نفسه‪،‬‬ ‫الويل لعبد لم يشارك السوط لذته‪،‬‬ ‫الويل لعصفور لم يعرف الشجرة من ظلها‪،‬‬ ‫الويل ل ‪X‬ر لم يذق طعم مائه‪،‬‬ ‫الويل ملدينة لم تغادر شعراءها‪.‬‬ ‫بعد أن تناقشنا *ي أمر نشرها‪ ،‬وجدنا أ‪Xu‬ا حرية بأن تنشر تحت اسم ج ‪/‬ان نفسه‪ ،‬وكقصيدﻩ ضائعة لم‬ ‫تضمها )أعمال ج ‪/‬ان الكاملة(‪ ،‬ع‪/ô‬نا عل‪XY‬ا منشورة *ي العدد ‪ ١٥‬من مجلة القلم الحديدي ال[‪ O‬كان‬ ‫يصدرها الجناح السوري من )جماعة الفكر الحر(‪* ،‬ي سان باولو – ال ‪/‬ازيل سنة ‪ – ١٩١٤‬ومن حسن‬ ‫الصدف أنا كنا نتابع آنذاك تنقيباتنا *ي املكتبات بحثا عما خفي عن العرب من فكر راديكا‪k‬ي‪ ،‬معارض‪،‬‬ ‫مختلف عما ينشر *ي أيامنا‪ ،‬مثل كتابات هذﻩ املجموعة ال[‪ O‬اكتشفنا فيما بعد أ‪Xu‬ا تيار ماسوني‪،‬‬ ‫وكتابات شب ي شميل وإسماعيل أحمد أدهم ومنصور فهمي الذي قمنا‪ ،‬لقمان وأنا‪ ،‬بمحاولة إلخراج‬ ‫النسخة الوحيدة من كتابه املمنوع إ‪k‬ى اليوم‪ ،‬املرأة *ي ٕالاسالم‪ ،‬ال[‪ O‬كانت مطمورة *ي مكتبة جامعة‬ ‫‪٦٦‬‬


‫السوربون‪ ،‬لتصويرها *ي أحد محالت الفوتوكوبي املجاورة للجامعة ومن ثم إعاد‪XÆ‬ا إ‪k‬ى املكتبة ال[‪ O‬لم‬ ‫تسمح لنا بتصويرها‪ ،‬محاولة كان من املمكن أن تف ‪ OP‬بنا إ‪k‬ى السجن‪.‬‬

‫ال أعرف كم من مؤرخ أو دارس ألدب ج ‪/‬ان‪ ،‬أخذ يحلل القصيدةاملنسوبة هذﻩ‪ .‬فمجلة املستقبل‬ ‫نشرت خ ‪/‬ا ‪XÆ‬نئنا فيه ع ى هذﻩ اللقية الثمينة‪ ،‬وتدعو فيه املسؤول‪0‬ن عن جمع أعمال ج ‪/‬ان إ‪k‬ى ضم‬ ‫هذﻩ الخريدة *ي الطبعة املقبلة! والشاعر محمد بنيس‪ ،‬عندما التقيته *ي باريس سنة ‪ ،١٩٨٨‬أخ ‪/‬ني‬ ‫بأنه كتب مالحظات تحليلية بصددها *ي أطروحته لنيل درجة الدكتوراﻩ عن )الشعر العربي الحديث(‪،‬‬ ‫غ‪ /0‬أني )وهذا خطأ م ‪ (O‬بادرته قائال‪) :‬لكن هذﻩ القصيدة لم يكت‪Xò‬ا ج ‪/‬ان‪ ،‬وإنما لقمان(‪ .‬فصعق‬ ‫وأجاب ‪ O‬عابس الوجه‪) :‬كيف يمكن ألحد أن يثق بعد بما تنشرونه(‪ .‬قلت له‪ :‬كان عليك أنت أن تعرف‬ ‫إذا كانت هذﻩ لج ‪/‬ان أو ال‪ .‬وإال كيف يمكن ألحد أن يثق بكل مقاربتك النقدية للغة ج ‪/‬ان أوال‪ ،‬وللغة‬ ‫الشعرية نفسها ثانيا‪ .‬وأعلمته أنه *ي ‪ ،١٩٤٩‬صدر عن دار م‪/0‬كو دو فرانس‪ ،‬نص رامبو الذي أشار إليه‬ ‫ف‪/0‬ل‪0‬ن بأنه من أعظم أعمال رامبو‪ :‬املطاردة الروحية‪ .‬لكن كان أن وقع النص املنسوب لرامبو ب‪0‬ن يدي‬ ‫أندريه بروتون‪ ،‬ح[ فند ٔالامر كله دون أي تردد‪ ،‬وبمقالة‪ ،‬نشر‪XÆ‬ا الفيغارو ٔالادبية‪ ،‬تتب‪0‬ن ف‪XY‬ا قدرته ع ى‬ ‫فهم اللغة الفرنسية ع ‪ /‬شعرا»‪X‬ا فهما ليس له نظ‪ ./0‬وبالفعل بعد شهر واحد‪ ،‬وبعد أخذ ورد‪ ،‬أماط‬ ‫اللذان ادعيا العثور ع ى نص رامبو – وهما طالبان اسمهما أكاكيا فياال ونيكوال باتاييه – اللثام عن‬ ‫الحقيقة‪ ،‬بأن كل ٔالامر خدعة‪ ،‬وأ‪Xu‬ما كتباﻩ فقط لكي ي ‪/‬هنا ألنفسهما بأ‪Xu‬ما قادران ع ى كتابة نص‬ ‫بنفس الن ‪/‬ة الرامبوية ال[‪ O‬من الصعب تقليدها‪.‬‬

‫‪١٤‬‬

‫بعد أن توقفت مجلة النقطة عن الصدور سنة ‪ ،١٩٨٤‬بدأت أشعر بتقزز من كل كتاب عربي‪ ،‬بل‬ ‫بضيق نف‪ OP ‬من رؤية كتابة عربية‪ ،‬مما دفع ‪ O‬إ‪k‬ى بيع كل الكتب العربية ال[‪ O‬كنت أملك‪ ،‬بسعر جد‬ ‫زهيد‪ ،‬إ‪k‬ى هيثم مناع‪ .‬ورحت أنشط داخل تجمعات سوريالية إنجل‪³0‬ية وفرنسية صغ‪/0‬ة‪ ،‬فأصدرت مجلة‬ ‫‪ GRID‬ال[‪ O‬صدر م ‪X‬ا أربعة أعداد‪ .‬ولم أعد إ‪k‬ى النشاط العربي إال بعد أن قمت بزيارة *ي نيسان ‪١٩٨٨‬‬ ‫إ‪k‬ى بريطانيا‪ ،‬خصيصا لاللتقاء بأن‪ OP ‬الحاج الذي لم أرﻩ لسنوات‪ ،‬فكان *ي جملة ما تداولناﻩ أن نصح‬ ‫إ‪k‬ي بأن أجمع أشعاري املوزعة *ي كراريس محدودة الطبع‪ ،‬ع ى أن ينشرها رياض نجيب الريس *ي‬ ‫سلسلته الشعرية ٔالاو‪k‬ى‪ .‬وهذا ما حدث‪ ،‬فصدر الكتاب تحت عنوان مرح الغربة الشرقية )‪ .(١٩٨٨‬و*ي‬ ‫تلك ٔالاثناء اتصل بي خالد املعا‪k‬ي الذي كان يصدر كراريس صغ‪/0‬ة باسم )منتشورات الجمل( منذ‬ ‫‪٦٧‬‬


‫‪ ،١٩٨٣‬فدعاني إ‪k‬ى إصدار كتاب يلخص تجربة الرغبة ٕالاباحية‪ .‬فقمت بمجمع عدد من مقاالتي وبعض‬ ‫النصوص امل¡‪/‬جمة ال[‪ O‬نشرت *ي الرغبة ٕالاباحية و*ي النقطة‪ ،‬مع نقديم كان النواة ٔالاو‪k‬ى لهذﻩ‬ ‫)ال¡‪/‬بية(‪ .‬وهكذا صدر سنة ‪ ١٩٩٠‬كتاب عبد القادر الجنابي والضالعون *ي معارك من أجل الرغبة‬ ‫ٕالاباحية‪ .‬ثم أخذت ألعب دورا رئيسيا *ي تحس‪0‬ن )منشوراته( شكال ومضمونا‪ .‬غ‪ /0‬أن الرغبة القديمة‬ ‫بإصدار مجلة أخذت تطوف *ي الذهن‪ ،‬فقررت إصدار مجلة عنوا‪Xu‬ا فراديس وهو *ي الحقيقة عنوان‬ ‫قديم سبق أن استعملته آواخر عنوان أريد أن أنشر تحته‪* ،‬ي املستقبل القريب‪ ،‬معظم مقاالتي‬ ‫ومساجالتي مع أعوان الثقافة السائدة‪ .‬صدر العدد ٔالاول *ي باريس تموز )يوليو( ‪ ١٩٩٠‬ع ى حسابي‬ ‫الخاص‪ .‬لكن املعا‪k‬ي أبدى استعدادﻩ لطباع½‪X‬ا *ي أملانيا ع ى حساب منشوراته‪ ،‬وهكذا استمر العمل‪،‬‬ ‫فصدرت سبعة أعداد من فراديس تضم أجود النصوص النقدية والشعرية عربيا وعامليا‪ ،‬بحيث ذاع‬ ‫صي½‪X‬ا ع ى أ‪Xu‬ا مجلة تتم‪ ³0‬بطابع راديكا‪k‬ي وهدام‪ ،‬و‪$‬ي كذلك‪ .‬ويعود هذا إ‪k‬ى ٔالاسلوب الذي انتهجته‪،‬‬ ‫ع ‪ /‬اإخراج وبالطريقة ال[‪ O‬أمزج ف‪XY‬ا املواد بحيث يكون التصميم غ‪ /0‬منفصل عن املضمون‪ ،‬ح[ ‬ ‫يعطى للنقد السيا‪ OPÉ‬ما للنقد السيا‪ ،OPÉ‬وللشعر ما للشعر‪ ،‬ومن خالل هذا التوازن فحسب‪ ،‬يتدفق‬ ‫النص من صلب الشعر الحديث ليصب *ي ع‪0‬ن املوقف اليومي الجذري من كل املعطى الثقا*ي السائد‪.‬‬ ‫وإلنجاز هذا التشوف إ‪k‬ى أبعد نقطة *ي املجا‪XÈ‬ة الثقافية‪ ،‬يجب أن تتوفر الحرية بكل معاني الكلمة‪ .‬ومن‬ ‫نافل القول أني كنت صاحب ٔالامر والن ‪* O‬ي كل ما نشر *ي مجلة فراديس‪ :‬أكتب كل التقديمات‪ ،‬أشرف‬ ‫ع ى كل ترجمة‪ ،‬أتصل ‪XÈ‬ذا وذاك من أجل مادة معينة وبالتا‪k‬ي أصمم كل عدد حسب هواي‪ .‬لكن كما‬ ‫يحدث لكل تجربة حرة‪ ،‬ثمة حد تسببه مشاحنات موضوعية وذاتية *ي آن‪ ،‬فينقلها إ‪k‬ى طور آخر‪ ،‬وكأن‬ ‫الحية ال[‪ O‬أغرت حواء وآدم بأكل الثمار املحرمة من شجرة املعرفة‪ ،‬حان وقت تغي‪ /0‬جلدها من أجل‬ ‫مغامرة ع ى أرضية جديدة‪ ،‬من أجل خروج إ‪k‬ى الداخل‪ .‬ويصدف أن رفيق أيام مجلة النقطة القديم‬ ‫لقمان سليم يتشوق إ‪k‬ى مغامرة حيوية نقوم ‪XÈ‬ا معا خلل أسالك الرقابة الشائكة دون أن نوقظ كالب‬ ‫حراس½‪X‬ا‪ ،‬أي أن يدخل املرء شاتما دون أن يشتم‪ ،‬فتم الاتفاق بي ‪ O‬وب‪0‬ن )دار الجديد( ع ى إصدارها‬ ‫كتابا سنويا‪ :‬محاولة جديدة لنفض الغبار عما تبقى ‪k‬ي من وسيلة لشج رأس ٔالاوضاع‪.‬‬

‫‪١٥‬‬

‫*ي ليلة سادها املجون والسكر املجاني والتفكه ع ى كل ‪OPÌ‬ء‪ ،‬صرخت أمام عدد من ٔالاصدقاء‪ :‬عندما‬ ‫أكتب‪ ،‬ال أنتمي‪ ،‬بل أمزق الهوية‪ .‬أضحك من الحدود‪ ،‬من التاريخ‪ .‬أنظروا جواز سفري‪ ،‬إنه مجرد دف¡‪/‬‬ ‫خربش صفحاته فنانون وشعراء من جميع البلدان‪ .‬وإذا بصديقة فرنسية راديكالية التفك‪ /0‬تقبل ‪O‬‬ ‫قائلة‪:‬‬ ‫‪٦٨‬‬


‫ إنه لكالم رائع‪.‬‬‫ ملاذا قلت لها‪.‬‬‫ إال تذكر ما جاء *ي منشور لنا وزعناﻩ *ي مظاهرة أمس؟ إسمع‪ :‬م ‪ P‬زمن طويل منذ أن أصبحنا غرباء‬‫من أوطاننا‪ .‬لم يعد للهوية القومية إال مع حقو‪í‬ي بحت‪ ،‬إ‪Xu‬ا مجرد حمل أوراق هذﻩ الدولة أو تلك‪.‬‬ ‫)لنا( هوية مثلما لنا دف¡‪ /‬الصكوك‪ ،‬أو ورقة استالم الراتب أو ورقة مخالفة‪ .‬الهوية القومية – إن تكن‬ ‫فرنسية‪ ،‬عربية‪ ،‬إسرائيلية‪ ،‬روسية‪ ،‬أمريكية أو صينية – تتشيد ع ى مراجع ثقافية سخفا وتفاهة‪ .‬إن‬ ‫حركة الاقتصاد قد عممت البداوة الصناعية والسكانية إ‪k‬ى حد جعلت معه الجميع مهاجرين‪ ،‬أناسا‬ ‫مضوا من حيث كانوا مستأصل‪0‬ن من ذو·‪X‬م‪ ،‬جبالهم وسهولهم‪ٔ .‬الاوطان؟ الاقتصاد يسخر م ‪X‬ا جيدا‪ .‬طز‬ ‫*ي ٔالاعراق‪ ،‬طز *ي ٔالاوطان‪ .‬كلنا أجانب‪.‬‬ ‫ألقيت بشفاﻩ عط‪ PÁ‬ع ى شاهقات الثدي‪ ،‬فما مضت تلعق لبنا شهيا‪ ،‬ح[ اقتحمت الشرطة مكاننا‬ ‫تسأل عن بطاقة الهوية‪.‬‬

‫‪١٦‬‬

‫الهوية‪ ،‬الجواز‪ ،‬سجل النفوس‪ ،‬وثيقة امليالد وإ‪k‬ى آخر هذﻩ القيود ال[‪ O‬تعلمنا كيف نحافظ عل‪XY‬ا‬ ‫وكأننا‪ ،‬من دو‪Xu‬ا‪ ،‬ال ‪OPÌ‬ء‪ .‬ما إن تمزق هذﻩ الورقة – البطاقة‪ ،‬ح[ تجد نفسك غائصا *ي ملف من‬ ‫ٔالاوراق‪ ،‬وكأنك انعكاس ال غ‪ /0‬ملا هو مكتوب ع ى صفحة السماء‪ ،‬حرف جر *ي جملة الكون‪ :‬كاغد‬ ‫يدبس *ي إضبارات السلطة‪* .‬ي العام ‪ ،١٩٧٩‬قدمت طلبا إ‪k‬ى السلطات الرسمية لكي يؤذن ‪k‬ي بالزواج‬ ‫من مونا‪ ،‬وسرعان ما رفض‪ .‬ولوح البوليس الفرن‪* OP ‬ي وج ‪ O‬بنسخة من قانون غابر‪ ،‬يعود إ‪k‬ى العام‬ ‫‪ ،١٩٣٩‬فحواﻩ منع الفرنسي‪0‬ن ٔالاصلي‪0‬ن من الزواج بالسامي‪0‬ن‪ ،‬بل قال أحدهم لزوج[‪) O‬إنك كما لو‬ ‫ت¡‪³‬وج‪0‬ن ·‪X‬وديا!(‪ .‬إلتجأت إ‪k‬ى رابطة حقوق ٕالانسان‪ ،‬فأبدت عطفها‪ ،‬لك ‪X‬ا لم تستطع التدخل إليجاد‬ ‫حل‪ .‬تدبرت *ي هذﻩ ٔالاثناء أمر تمديد إقام[‪ O‬عن طريق التسجيل *ي الجامعة لكتابة أطروحة‪ ،‬تحت‬ ‫إشراف أالن جوكس‪ ،‬بعنوان )العدالة الشعرية ضد العدالة العسكرية(‪ ،‬لم أنجز م ‪X‬ا سوى جزء من‬ ‫الوثائق مع تقديمات وشروح سياقية‪) ،‬بقيت *ي عهدة كاتب مصري اسمه سم‪ /0‬غريب(‪ ،‬ثم تخليت عن‬ ‫ٔالامر مخ ‪/‬ا صديقي ٔالاستاذ جوكس بأنه ليس ‪k‬ي جلد ع ى إ‪Xu‬ا»‪X‬ا‪ ،‬وكل ما أحتاجه هو أوراق تثبت‬ ‫للشرطة بأني طالب‪ .‬وقد ل‪ ª‬طل‪ Oª‬بتحرير رسائل إ‪k‬ى الشرطة الفرنسية كلما برزت مشكلة معهم‪ .‬كما أن‬ ‫الصديق الشاعر جيمي غالديات‪ /0‬أخذ ع ى عاتقه مسؤولية النفقات‪ .‬ع ى أن هذا لم يستمر طويال‪ ،‬إذ‪،‬‬ ‫ذات صباح ممطر‪ ،‬دق جرس البيت‪ ،‬وإذا بسا‪å‬ي ال ‪/‬يد يقدم ‪k‬ي إنذارا بوجوب مغادرة فرنسا ‪Xu‬ائيا *ي‬ ‫‪٦٩‬‬


‫السابع والعشرين من أيار )مايو( ‪ .١٩٨١‬ما العمل؟ أية سفارة ستعطي ‪ O‬سمة دخول إ‪k‬ى بلدها ولي‪OP ‬‬ ‫‪k‬ي سوى هذا الجواز العرا‪í‬ي‪ ،‬العربي‪ ،‬الذي ليس *ي الحقيقة سوى وثيقة طرد ال سماح باملرور‪ .‬ناهيك‬ ‫عن التعامل السري ب‪0‬ن السفارات العربية والبوليس الفرن‪ OP ‬مثال‪ ،‬لوضع العقبات أمام كل معارض‬ ‫لسياسة ٔالانظمة ال[‪ O‬تمثلها‪ .‬إق¡‪/‬ح الشاعر إدوارد جاغ‪ ،/0‬مؤسس حركة )أطوار( املوازنة للسوريالية‪،‬‬ ‫بأن يطلب من سوريا‪k‬ي مصري ٔالاصل أصبح نائبا *ي ال ‪/‬ملان ٕالايطا‪k‬ي‪ ،‬وكان مسؤوال *ي ٔالاربعينات عن‬ ‫بعض النشاطات ال¡‪/‬وتسكية املصرية اسمه أرتورو شفارتز‪ ،‬بأن يبعث إ‪k‬ي برسالة دعوة شخصية‪ ،‬مع‬ ‫ضمانات دخول إيضاليا كمساعد له ع ى فك نصوص خيميائية عربية‪ .‬وبالفعل حصلت بكل سهولة‬ ‫ع ى ف‪³0‬ا إيطالية *ي يوم الجمعة املثادف ‪ ٨‬أيار )مايو( ‪ ،١٩٨١‬أي قبل يوم‪0‬ن فقط من الدورة الختامية‬ ‫لالنتخابات الرئاسية الفرنسية‪ .‬وتق ‪ OP‬التقاليد *ي فرنسا أن تبدأ الحكومة شهر عسلها بالعفو عن‬ ‫بعض السجناء وتلي‪0‬ن بعض القوان‪0‬ن *ي مس‪Ê‬ى لتخفيف التوترات‪ .‬ولوال نجاح مي¡‪/‬ان يوم ٔالاحد‪،‬‬ ‫العاشر من أيار )مايو(‪ ،‬لكنت قد غادرت إ‪k‬ى إيطاليا صبيحة اليوم التا‪k‬ي‪ ،‬الاثن‪0‬ن‪ .‬بعد عدة أشهر أل<ي‬ ‫القانون الذي حال دون قراني‪ ،‬قانون يوجب ع ى أي متقدم أجن‪ Oª‬للزواج أن يحصل ع ى موافقة من‬ ‫الشرطة‪ ،‬مما أتاح ‪k‬ي وملونا الزواج رسميا‪ ،‬وسمح ‪k‬ي أن أتقدم بطلب الحصول ع ى الجنسية الفرنسية‬ ‫عام ‪ .١٩٨٣‬ومع أني لم أتلق املوافقة إال بعد عام‪ ،‬فقد عزمت ع ى تنفيذ انتقام شخ ‪ OP‬صغ‪ – /0‬لكن‬ ‫شعري – من فكرة الجواز‪ ،‬وإنزال )أذى( منظم بـ )ملكية الدولة( هذﻩ‪ :‬تحويل هذﻩ الهوية املوقرة ال[‪O‬‬ ‫يج‪/0‬ها الصيارفة ورجال البوليس ع ى حد سواء‪ ،‬إ‪k‬ى وثيقة فنية ملتعة الع‪0‬ن‪.‬‬ ‫الجواز برهان دامغ ع ى جنسية املرء‪ ،‬وانتمائه مدى الحياة إ‪k‬ى ذلك املكان الوحيد‪ ،‬الالمختار‪ ،‬لكنه‬ ‫أيضا دليل ع ى كون املرء رقما إحصائيا *ي لعبة الحدود‪ .‬يف¡‪/‬ض بوثيقة السفر هذﻩ‪ ،‬من جهة نظر‬ ‫مثالية‪ ،‬أن تكسر الحدود‪ ،‬إال أ‪Xu‬ا *ي واقع ٔالامر تقيم حدودا أخرى عصية أمام مالي‪0‬ن املهاجرين إ‪k‬ى سائر‬ ‫البلدان – من الجئ‪0‬ن سياسي‪0‬ن أو باحث‪0‬ن عن مناخ مغاير‪ ،‬حياة أفضل‪ ،‬تغي‪ /0‬هواء‪ ،‬أو ح[ أناس‬ ‫يتسمون ب¬‪³‬وع بدوي إ‪k‬ى ال¡‪/‬حال الدائم‪ .‬عندئذ يغدو جواز السفر حجارة من مطاط يقذفها املرء ع ى‬ ‫جدار الب‪/0‬وقراطية ال[‪ O‬يف¡‪/‬ض ‪XÈ‬ا أن تكفل حرية املرور‪ .‬هكذا رحت أدعو ٔالاصدقاء وعابري السبيل‬ ‫والغرباء *ي الحانات‪ ،‬إ‪k‬ى إصدار ما يحلو لهم من تأش‪/0‬ات دخول إ‪k‬ى بلدان يتخيلو‪Xu‬ا هم‪ ،‬وأن يختموا‬ ‫الجواز ع ى هواهم‪ .‬فمحض ‪ O‬فنانون وشعراء وفالسفة من أماكن قصية كأرمينيا‪ ،‬واملكسيك‪،‬‬ ‫وأوكرانيا‪ ،‬والسويد‪ ،‬ورومانيا‪ ،‬وإسرائيل‪ ،‬وكوبا‪ ،‬وإيطاليا‪ ،‬وابنان‪ ،‬سمات دخول بال قيد‪ .‬فالشاعر‬ ‫اللبناني أن‪ OP ‬الحاج كتب ع ى صفحة ‪ ٣٧‬من جوازي العرا‪í‬ي الذي لم يعد ساري املفعول‪) :‬نداء إ‪k‬ى‬ ‫جميع املخافر والعساكر‪ :‬حذار أن تقبضوا ع ى عبد القادر الجباني ألنه سيحرركم(‪ .‬وبعد أن أصبحت‪،‬‬ ‫وفقا إلدوارد جاغ‪) ،/0‬مواطنا من الجمهورية العرضية ال[‪ O‬شعارها‪ :‬يا أجانب العالم اتحدوا( )صفحة‬ ‫‪ ،(١٦‬فإن لدي ٓالان‪ ،‬ف‪³0‬ا إ‪k‬ى )أرض مست¡‪/‬ة( )الفيلسوف كلود لوفور( وف‪³0‬ا )الرحيل ما وراء قيود‬ ‫التاريخ( )روجيه كاردينال والصحفة هذﻩ تحمل تواقيع عدد من سكارى انجل‪ ،(³0‬وف‪³0‬ا إ‪k‬ى )جمهورية‬ ‫‪٧٠‬‬


‫باصقي النار( )ج‪0‬ن كورت‪ ،(³0‬وإ‪k‬ى )جمهورية الجعالن حيث عليك أن تقوم بجمع املال ال أن تضاجع(‬ ‫)الديسالف غودرنا(‪ ،‬إ‪k‬ى )الالو‪å‬ي( )بي¡‪ /‬وود(‪ ،‬وإ‪k‬ى )مطار السالم البن غوريون – تاريخ الدخول ‪،(١٩٨٤‬‬ ‫كتب التاريخ بحروف ع ‪/‬ية فصار يقرأ كارثة )شمعون بالص(‪ ،‬وإ‪k‬ى )أرض ٔالارا‪) (OPQ‬جان ت‪/0‬وسيان(‪،‬‬ ‫وإ‪k‬ى )أم ‪/‬اطورية ب‪/0‬اهيم(‪ ،‬وإ‪k‬ى )تخوم سكارا الصدفوية( )روب‪ /0‬بنايون(‪ .‬بل يمكن ‪ O‬أن أسافر )ع ى‬ ‫خطوط الغيبوبة الجوية( ‪ Air Trance‬تنكيال بالخطوط الجوية الفرنسية ‪) Air France‬جان جاك‬ ‫ليبيل(‪ ،‬وأن )أواصل املس‪) (/0‬سزاري ‪) ،(O‬إال *ي حالة سكر(‪ ،‬وحالة )تعقل( )أالن جوب‪ /0‬ونيكوال‬ ‫إسبانيول( )مع جواز سفر خاص بالشعراء متجدد دوما( )كونروي مادوكس(‪ .‬أما جان شوس¡‪ ،/‬خليفة‬ ‫أندريه بروتون‪ ،‬فقد كتب ع ى الصفحة ‪ ٤٨‬ما ي ي‪) :‬حامل هذا الجواز ممنوع من ٕالاقامة خارج جدران‬ ‫باريس‪ ،‬فالتشويش الذي ال ينفك يمارسه *ي هذﻩ املدينة ضرورة متساوية للمشوش واملشوش(‪.‬‬ ‫الباسبورت العرا‪í‬ي نموذج عادي بال أصالة‪ :‬الصفحات املعتادة للصورة ؤالاوصاق‪ ،‬والهواء‬ ‫الب‪/0‬وقراطي نفسه‪ ،‬غالف أخضر فاتح بلون السبانج موسوم بنسر أم ‪/‬اطوري‪ .‬إال أن غرابته املم‪³0‬ة‬ ‫الوحيدة *ي نظر رجال الجمارك وشرطة الحدود *ي الغرب‪ .‬فهو يقرأ باملعكوس من ال ‪X‬اية إ‪k‬ى البداية‪،‬‬ ‫بسبب الكتابة العربية‪ .‬ع ى أن جوازي آنمسخ‪ ،‬وصار له غالفان‪ :‬الغالف ٔالاخ‪ /0‬يحمل ٓالان الشعار امللكي‬ ‫لكندا‪ ،‬كما أنه يتضمن صورة فوتوغرافية ثانية ‪$‬ي صورة الفنان الكندي جان بينوا )مضافا إل‪XY‬ا‬ ‫شارب جميل بلمسة بارعة من الفنان التشي ي املعروف ماتا( الذي حول الوثيقة إ‪k‬ى )جواز سفر ذي‬ ‫رأس‪0‬ن‪ ،‬صدر عن مكتب ٔالابحاث السوريالية‪ ،‬خصيصا الستثارة مشاكل حدودية ودبلوماسية(‪ .‬أما‬ ‫صورتي‪* ،‬ي الطرف ٓالاخر من الوثيقة‪ ،‬فقد حور‪XÆ‬ا أنا *ي مونتاج فوتوغرا*ي يظهرني مادا لساني *ي تحد‬ ‫آينشتاني‪* ،‬ي ح‪0‬ن أن مكان صورة الزوجة أخ ي لصورة جماع جن‪ OP ‬اقتطع½‪X‬ا من صور الفنان‬ ‫السوريا‪k‬ي الذي انتحر ألنه لم يبق له سائل منوي‪ ،‬بي‪ /0‬مولينيه‪ ،‬تعب‪/0‬ا عن حقدي ع ى هذا املوقف‬ ‫املقيت من املرأة الذي يجعلها مجرد ذنب للزوج‪ ،‬إذ ح[ لو كانت تحمل جوازا خاصا ‪XÈ‬ا‪ ،‬تظل‬ ‫الصفحة املخصصة لـ )الزوجة( ماثلة! أما الصفحة املخصصة لألطفال‪ ،‬وإن بدأها الشاعر اليوناني‬ ‫نانوس فاالريتوس‪ ،‬والشاعران الفرنسيان أالن جوفروا وجوزيه بي‪ ،/0‬فإ‪Xu‬ا ال تزال بانتظار فقرة يكت‪Xò‬ا‬ ‫طفل مولود *ي السادس والعشرين من شباط )ف ‪/‬اير( ‪ ،١٩٨٠‬وهو تاريخ إصدار الجواز عن السفارة‬ ‫العراقية *ي باريس‪ .‬لقد س‪Ê‬ى جاري ديف‪ ،³0‬طيار قاذفة القنابل ٔالام‪/0‬كي‪ ،‬إ‪k‬ى تأسيس حركة )مواطنو‬ ‫العالم(‪ ،‬أواخر ٔالاربعينات‪ .‬إذ ما إن رأى بعد عودته إ‪k‬ى أم‪/0‬كا‪ ،‬تصاعدا جديدا لحمالت الدعوة إ‪k‬ى‬ ‫الحرب‪ ،‬ح[ تخ ى عن جنسيته ٔالام‪/0‬كية‪ ،‬ومزق جوازﻩ ٔالام‪/0‬كي ثم طار إ‪k‬ى فرنسا‪ .‬و*ي السابع عشر من‬ ‫أيلول )سبتم ‪ ،١٩٤٨ (/‬قاطع جلسة لعصبة ٔالامم املتحدة ال[‪ O‬كان مقرها آنذاك *ي قصر شايو –‬ ‫باريس‪ ،‬بخطبة داعيا ف‪XY‬ا إ‪k‬ى إلغاء فكرة الحدود وفتحها أمام كل مواط ‪ O‬العالم‪ .‬تدخلت الشرطة‬ ‫وعمت الفضيحة موضوعا رئيسيا *ي كل ٕالاعالم الفرن‪ ،OP ‬مما اضظر الشرطة إ‪k‬ى إطالق سراحه‪ .‬ومن‬ ‫ب‪0‬ن الذين دافعوا عن ألب‪ /0‬كامو‪ ،‬ساتر‪ ،‬سيمون ديبوفوار‪ ،‬وخاصة أندريه بروتون الذين قاد حملة‬ ‫‪٧١‬‬


‫الدفاع هذﻩ‪) ،‬ألن الشر الذي ال ي ‪/‬ح إنتاج فنائنا العام وتدب‪/0‬ﻩ(‪ ،‬يمكن عندﻩ‪*) ،‬ي تجزئة ٔالارض إ‪k‬ى أمم‬ ‫وأم ‪/‬اطوريات(‪ .‬وتقريظا لحركة )مواطنو العالم(‪ ،‬طلبت من سكرت‪ /0‬ديفز آنذاك وصديقه الحميم جيم‬ ‫هي¬‪ ،³‬أن يكتب شيئا‪ ،‬فكتب ع ى صفحة ‪) :٢٩‬نحن جميعا أبناء ٔالارض‪ ،‬ع ى سفينة فضاء واحدة ‪$‬ي‬ ‫الكرة ٔالارضية‪ ...‬ال تنسوا ذلك(‪.‬‬ ‫وبما أن أي امرئ سليم العقل سيمعد إ‪k‬ى مصادرة هذا الجواز *ي الحال – باستثناء ضابط جمارك‬ ‫فرن‪ OP ‬واحد أصيب ب‪OPÁ‬ء من الح‪/0‬ة – فإن الوثيقة السرية هذﻩ الجتياز كابوس أطول من الليل حسب‬ ‫أالن حوفروا‪ ،‬محفوظة *ي صندوق مقفل زينته الفنانة الفرنسية آن إيتوان بكوالج من الزهور *ي‬ ‫الخارج‪ ،‬واستخدمت *ي الداخل رسومات الواسطي من القرن العاشر‪ ،‬ذلك الزمان الذي كانت فيه‬ ‫جوازت السفر محض ‪OPÌ‬ء خ‪Oª‬ء *ي املستقبل الكالح‪ .‬وثمة صورة إضافية ‪k‬ي ألصقت ع ى غطاء‬ ‫الصندوق من الداخل تحرس بعناية حرزي الثمن هذا من تدخالت البوليس ورجال أية سفارة عربية‪.‬‬

‫‪١٧‬‬

‫بعد عودتي من فيينا أوائل أيلول )سبتم ‪ ،١٩٧٧ (/‬كنت وحيدا *ي نشاطاتي‪ .‬لم يعد م‪Ê‬ي أحد‪ .‬لكم من‬ ‫فجر أشعرت ‪ O‬شقشقته مفرغ البال من كل ‪OPÌ‬ء‪ ،‬وأن وج ‪ O‬يطفح بخمرة الفراغ‪ ،‬و‪Xu‬ارا‪ ،‬بل ‪Xu‬ارات من‬ ‫ال‪/ô‬ثرة مع مخلوقات مهذبة تمتد أمامي‪ .‬نمت *ي كل املمرات الضيقة‪ ،‬ع ى بسطات الساللم *ي بنايات‬ ‫مهجورة‪ ،‬ع ى مصاطب الحدئق العامة والخاصة‪* :‬ي أمكنة كنت أفرشها هكذا‪ ،‬كما لو أن للبسيطة‬ ‫مساحات احتياط مخصصة لنا نحن الذين‪ ،‬كقطار دائخ *ي الظالم‪ ،‬ن¡‪/‬نح تحت ضغط املجازفة‬ ‫متدحرج‪0‬ن ع ى قضبان الوجهة‪* .‬ي لج التشرد والعزلة هذا‪ ،‬والنوم هنا وهناك – إذ لم يكن لدي‬ ‫مسكن ثابت‪ ،‬بحيث كان أن‪ OP ‬الحاج عند ‪Xu‬اية كل سهرة يسأل ‪ O‬عن العنوان الذي سأبيت فيه هذﻩ‬ ‫الليلة لكي يتوقف سائق التاك‪ OP ‬عندﻩ‪ ،‬وفيما بعد يذهب بأن‪ OP ‬إ‪k‬ى مستقرﻩ – تم لقاء سيغ‪ /0‬مجرى‬ ‫حياتي‪ ،‬وهو لقائي بزوج[‪ O‬الرائعة مونا‪.‬‬ ‫إلتقيت بمونا عن طريق صديقي شارل إيلوز‪* ،‬ي غال‪/0‬ي كان يعرض كوالجات إبنة أندريه بروتون‬ ‫املسماة أوب‪ ،‬ال[‪ O‬كتبت ع ‪X‬ا *ي ال ‪X‬ار العربي الدو‪k‬ي كلمة صغ‪/0‬ة بمناسبة معرضها هذا‪ ،‬تحت عنوان‪:‬‬ ‫)إبنة بروتون لم يقتل أباها(‪ .‬كانت مونا قد سمعت ع ‪ O‬سلفا بحكم انتما»‪X‬ا إ‪k‬ى تنظيم ثوري كانت ‪k‬ي‬ ‫عالقة به‪ ،‬وهو تنظيم )الوحدة العمالية( الذي انحل وقت صعود فرقة ‪ Sex Pistols‬وع ‪/‬ت أغني½‪X‬م‬ ‫الشه‪/0‬ة ‪ No Future‬عن تشاؤم معظم ٔالاعضاء‪ ،‬ف¡‪/‬ق كل حسب هواﻩ‪ .‬أما قائد التنظيم وهو صديق لنا‬ ‫إ‪k‬ى اليوم‪ ،‬جان بول ميكيلينا‪ ،‬فإنه توجه إ‪k‬ى جوهر وجودﻩ‪ :‬الشعر‪ ،‬وله مكانته ٔالاساسية *ي س‪/0‬ورة‬ ‫‪٧٢‬‬


‫الشعر الفرن‪ OP ‬املعاصر وذلك ع ‪ /‬دار أسسها *ي بوردو إلصدار كل ما يفضله من شعر ون‪ /ô‬ونصوص‬ ‫نقدية‪..Willam Blake and Co :‬‬

‫‪١٨‬‬

‫وقعت *ي ح‪ ،Oª‬وقعت *ي ح‪Xò‬ا‪ ...‬أم شاء القدر أن ألتقي باملرأة ال[‪ O‬طاملا بحثت ع ‪X‬ا *ي عديد العالقات‬ ‫السابقة مع النساء‪ ،‬عالقات الحب ف‪XY‬ا لم يكن أك‪ /ô‬من نزوة حيث بضع مناومات‪ ،‬سهرات ليلية‪ ،‬وإذا‬ ‫بشجار السأم يضع حدا لها‪ .‬مونا بح‪Xò‬ا ‪k‬ي وتوف‪/0‬ها ظرفا أواصل فيه إضرابي ٔالابدي عن العمل املأجور‪،‬‬ ‫شذبت شخصي[‪ O‬من كل شوائب الطيش وخصوصا من الالمباالة ال[‪ O‬توئل املتدون ‪XÈ‬ا إ‪k‬ى حضيض‬ ‫التنازالت وخيانة الضم‪ ./0‬ذا أنا أحافظ‪ ،‬بفضل مونا‪ ،‬ع ى حري[‪ O‬كاملة‪ ،‬ال أكتب إال ما يمليه ضم‪/0‬ي‬ ‫أنا وما أشعر بضرورة كتابته ومن وجهة نظري الفردية املحضة‪ .‬أال تكفي خدم½‪X‬ا هذﻩ‪ ،‬ال[‪$ O‬ي أجل‬ ‫خدمة يستطيع كائن بشري تقديمها‪ ،‬بأن تجعلها عندي أثمن جوهرة *ي العالم كله‪ .‬بأي كالم يأصف‬ ‫حالوة قل‪Xò‬ا‪ ،‬رهيف ذه ‪X‬ا‪ ،‬تواضعها ٕالانساني‪ ،‬تذمري م ‪X‬ا – م ‪ .O‬أي كالم يستطيع نقل رقة عواطف‬ ‫هذﻩ املرأة‪ ،‬رقة تبلغ ‪XÈ‬ا أحيانا حد الهشاشة أمام رجل مث ي‪ .‬إ‪Xu‬ا ٔالام‪ ،‬الخليلة‪ ،‬الزوجة‪ ،‬الصديقة‪ ،‬كل‬ ‫‪OPÌ‬ء إال الوصيفة‪ .‬كم أمسك ‪XÈ‬ا وأضمها إ‪k‬ى صدري مخافة أن يفلت م ‪ O‬ك¬‪ ³‬ح‪Xò‬ا السامي‪ .‬نعم ثمة‬ ‫املالي‪0‬ن من النساء أجمل م ‪X‬ا بكث‪ /0‬ولهن رصيد ضخم *ي بنوك العالم‪ .‬لكن مونا برات‪Xò‬ا الصغ‪،/0‬‬ ‫وجمالها الاعتيادي‪ ،‬تنطوي ع ى ‪OPÌ‬ء جد ثم‪0‬ن‪ :‬حري[‪ :O‬ذاك التواشح العميق *ي القرار‪) :‬أن تعيش‬ ‫لتكتب ال أن تكتب لتعيش(‪ .‬هذﻩ ‪$‬ي العالقة الحرة ب‪0‬ن زوج وزوجة‪ .‬عالقة تعود ف‪XY‬ا املرأة كتابة امرأة‪،.‬‬ ‫إن املرأة الكتابة الذات املوضوع‪ :‬فضيحة لخرق الفراغ‪ ،‬ال وسيلة استمناء مللء )فراغ( عربي آخذ‬ ‫باالتساع وليس له من منفذ‪ .‬فالعربي ح[ ٓالان لم يعرف املواقعة الجنسية‪ ،‬العيش السليم‪ ،‬إ‪k‬ى حد‬ ‫النضال ضد محيطه بنحو تعوي ‪ ،OP‬مما يجعله بالضرورة مرتبطا ‪XÈ‬ذا املحيط املراد إزالته‪ .‬ذلك أن‬ ‫الخرق الجن‪ ،OP ‬فض بكارة الارتزاق‪ ،‬لم يعرفه العربي كخطيئة تشفي ضم‪/0‬ﻩ‪ ،‬خالقة فيه املأساوي –‬ ‫حاسة ٕالابداع‪ ،‬بقدر ما عرفه كمحاولة )من الخارج( تعمل ع ى تعريته‪ .‬الكتابة فضح مثلما مناومة‬ ‫امرأة هدم للعرف الاجتما‪å‬ي القابع *ي كل ثوري له قناعات إيديولوجية‪ ،‬فتاوى دينية‪ .‬املرأة رسوله‬ ‫محررة من الخطاب – است‪XY‬ام الرجال‪ .‬إ‪Xu‬ا فضيلة الشذوذ‪ ،‬عنوان الحب املجنون الذي أية هزيمة‬ ‫تلحق به ضمن ٕالاطار الاجتما‪å‬ي السائد‪ ،‬تقود إ‪k‬ى التمرد وبالتا‪k‬ي فإن هست‪/0‬يا هذا التمر تؤدي إ‪k‬ى‬ ‫الحقد العام‪ .‬ما أجمل مماحكة امرأة‪* ،‬ي مكان م¬‪³‬و‪ ،‬صاغية إ‪k‬ى تفاهاتك وادعاءاتك بكل رضا‪ .‬الكالم‬ ‫مع املرأة أشبه بالرضاعة‪ .‬الطريق إ‪k‬ى جسدها كله ألغام‪ .‬قليل من يصل إليه ساملا‪ .‬إ‪Xu‬ا خليلة الفكر‪.‬‬ ‫فإذا ما شاء أحد أن يغ‪ /0‬هذﻩ العالقة فاملرأة – اللغة ستؤدي له أعمالها امل¬‪³‬لية لك ‪X‬ا ستغلق رحمها‬ ‫‪٧٣‬‬


‫بوجهه‪ .‬ع ى املرء – الكاتب أن يريح املرأة – اللغة من تشنجا‪XÆ‬ا ح[ تكافئه بفكرة *ي كل فقرة‪ ،‬بموقف‬ ‫حازم *ي كل اجتماع‪ .‬املرأة املتحررة تس½‪X‬زئ بحرية املرأة مثلما )يس½‪X‬زئ الشعر الحقيقي بالشعر(‪ .‬أل‪Xu‬ا‬ ‫تدرك أن حري½‪X‬ا ال تكمن *ي خذف نون النسوة‪ .‬املرأة تعرف أن الذي يحتقرها ويتعبدها هو هذا الذي‬ ‫)يتصور أنه( يعت ‪/‬ها ندا له‪ .‬لذلك ‪$‬ي تحتقرﻩ وتستعبدﻩ ولن تذيقه فاكه½‪X‬ا املحرمة)عليه أوال( إنما‬ ‫تذيقه مرارة العيش والشقاء‪ .‬لكن هذا ال يع ‪ O‬أن الذي ال يعت ‪/‬ها ندا له سيذق الفاكهة هذﻩ‪ .‬كال‪ .‬املرأة‬ ‫سر ع ى الرجل أن ال يكاشفها به‪ ،‬بل أن يتحسسه ويسكت‪ .‬مثلما القصيدة – النص سر ال يكاشف به‬ ‫الشاعر أحدا‪ ،‬إذ هو ليس *ي حاجة إ‪k‬ى كشف وتنظ‪ ./0‬لوال مونا ملا كان الشطر ٔالاك ‪ /‬من هذﻩ الحياة –‬ ‫*ي عالم دونه الحياة – مغامرة تحتذى‪..‬‬

‫‪٧٤‬‬


‫تنسيق وتحرير‬ ‫مدونة ٔالاناركية بالعربية‬ ‫‪http://Anarchisminarabic.blogspot.com‬‬ ‫‪ ١٦‬مايو ‪٢٠١١‬‬ ‫حقوق النشر غ‪ /0‬محفوظة‬

‫النص عن منتدى أكاديمية قامات ٔالادبية‬ ‫‪h p://www.qamat.net/vb/showthread.php?t=8755‬‬

‫‪٧٥‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.