SCIENTIFIC AMERICAN ARABIC مجلة العلوم النسخة العربية - المجلد_27 - العددان 3\4

Page 1

‫املجلد ‪ 27‬ـــ العددان ‪4/3‬‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫العددان ‪ 276/275‬ــــ السعر‪ 1.500 :‬دينار كويتي‬

‫‪March / April 2011‬‬

‫هل ميكن للزمن أن ينتهي؟‬

‫مشروع اجلينوم البشري‬ ‫ثورة مؤجلة‬

‫إدارة‬ ‫مستقبل الكرة األرضية‬

‫تقرير خاص‬

‫حلول لعا َلم محدود املوارد‬

‫منشأ عنيف للقارات‬

‫الوب والثورة الرقمية‬ ‫ِ‬

‫إيقاف أكثر الطفيليات‬ ‫نشرا للموت في العا َلم‬


‫املجلد ‪ 27‬ـــ العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫‪4‬‬

‫علم احلاسوب‬

‫بزوغ اإلنساالت (الروبوتات) العالمِ ات‬ ‫>‪ .D .R‬كينگ<‬

‫مروان البواب ـ عدنان احلموي‬

‫آالت قادر ٌة على طرح فرضيات‪ ،‬وإجراء جتارب الختبارها وتقييم نتائجها ‪-‬‬ ‫ٌ‬ ‫من دون ُّ‬ ‫تدخل اإلنسان‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫بداية جديدة‬

‫ما ينتظرنا في قادم األيام‬

‫نزار الريس ـ غدير زيزفون‬

‫ضون رؤاهم في تخصصاتهم حول ما يحمله املستقبل من تطورات‪.‬‬ ‫علماء َيعْرِ ُ‬ ‫‪18‬‬

‫علوم األرض‬

‫منشأ عنيف للقارات‬ ‫>‪ .S‬سيمپسون<‬

‫فؤاد العجل ـ عبدالقادر عابد‬

‫هل أ ّدت ضربات الكويكبات لألرض أثناء مراحل تش ّكلها املبكرة‪ ،‬إلى توليد‬ ‫األجزاء القدمية جدا من القارات احلالية؟‬ ‫‪28‬‬

‫طـب‬

‫إيقاف أكثر الطفيليات‬ ‫نشرا للموت في العالم‬ ‫>‪ .M‬كارميكائيل<‬

‫أحمد الكفراوي ـ قاسم السارة‬

‫مساع واعدة لوقاية األطفال من املالريا باستخدام لقاح جديد دخل مرحلته‬ ‫ٍ‬ ‫األخيرة من التجارب السريرية‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫علم املعلومات‬

‫الوب‬ ‫حتيا ِ‬

‫>‪ِ .T‬برنَرز‪-‬لي<‬

‫سعيد األسعد ـ حامت النجدي‬

‫بي مخترع الوِ ب في مقالته هذه أن حمايتها بالغة األهمية‪ ،‬ليس فقط للثورة‬ ‫ُي نِّ‬ ‫الرقمية وإمنا أيضا الستمرار ازدهارنا ‪ -‬وحتى ح ِّريتنا‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫«مجـلـة العـلوم» تصــدر شهر ًيا فــي الكـويـت مـنذ عـام ‪ 1986‬عـن «مؤسسـة الكـويـت للتقـدم العلمـي» وهـي مؤسسـة أهليـة ذات نفـع عـام‪ ،‬يـرأس مجلـس إدارتهـا صاحـب السمـو أمــير دولــة الكـويــت‪ ،‬وقـد أنشــئت عــام‬ ‫بهـدف املعاونـة فـي التطــور العلمـي واحلضـاري فـي دولـة الكويـت والوطـن العـربـي‪ ،‬وذلـك مــن خـالل دعــم األنشطــة العلمــية واالجتماعـيـة والثقـافيـة‪ .‬و«مجلة العلوم» هـي فـي ثلثي محتوياتهــا ترجمـة لـ«ساينتفيك أمريكان»‬ ‫التـي تعتبر مـن أهـم املجـالت العلمـيـة فــي عالـم اليــوم‪ .‬وتسعـى هـذه املج ـلـة مـنذ نشأتهـا عــام ‪ 1845‬إلـى متكـني القـارىء غــير املتخصــص مــن متـابعـة تطــورات معـارف عصـره العلميــة والتقانيــة‪ ،‬وتوفير معـرفـة شموليـة للقــارىء‬ ‫املتخصص حول موضوع تخصصه‪ .‬تصدر «ساينتفيك أمريكان» بثماني عشرة لغة عاملية‪ ،‬وتتميز بعرضها الشيق للمواد العلمية املتقدمة وباستخدامها الق ّيم للصور والرسوم امللونــة واجلداول‪.‬‬

‫‪1976‬‬

‫‪46‬‬

‫كوسمولوجيا (علم الكون)‬

‫هل ميكن للزمن أن ينتهي؟‬

‫نضال شمعون ـ خضر األحمد‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫>‪ِ .G‬‬ ‫موسر<‬

‫تقترح األبحاث احلديثة في الفيزياء ح ّ‬ ‫ال ملفارقة (محيرة) الزمن‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫طب‬

‫ثورة مؤجلة‬

‫عبدالقادر رحمو ـ وجدي سواحل‬ ‫&‬

‫>‪ .S .S‬هال<‬

‫التحرير‬

‫لم تتحقق َبعد معجزات مشروع اجلينوم البشري‪ ،‬والبيولوجيون (األحيائيون)‬ ‫منقسمون على أنفسهم في هذا املضمار‪.‬‬ ‫‪66‬‬

‫بيئة‬

‫ُمهَ ِ‬ ‫رطق مناخ‬

‫هيام بيرقدار ـ نزار الريس‬ ‫&‬ ‫التحرير‬

‫>‪ .D .M‬لمِ ونِك<‬

‫أال ميكننا أن نتحاور حول قضايا املناخ بشكل حضاري؟‬

‫‪73‬‬

‫‪74‬‬

‫تقرير خاص ‪ :‬االستدامة‬

‫غدير زيزفون‬ ‫محمد السالمة‬

‫احلياة على أرض جديدة‬ ‫حدود من أجل كوكب صحي‬ ‫>‪ .J‬فولي<‬

‫لقد شرع العلماء في حتديد مستويات «اإلنذار األحمر»‬ ‫‪ red-alert‬ملشكالت البيئة‪.‬‬ ‫‪79‬‬

‫حلول ملواجهة التهديدات البيئية‬ ‫يوضح اخلبراء بعبارات ال لَ ْب َس فيها األفعال األكثر‬ ‫تأثيرا في مواجهة التهديدات البيئية‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫اإلقالع عن عادة النمو االقتصادي‬ ‫>‪.B‬‬

‫ماك‬

‫كينب<‬

‫مقتبس حصري من كتاب مثير يدعو إلى التوقف عن‬ ‫النمو االقتصادي‪.‬‬ ‫‪90‬‬

‫حوار مع >‪ .B‬ماك كينب< أجراه‬ ‫هل من الضروري حقا أن يكون النمو االقتصادي صفريا؟‬ ‫>‪ .M‬فيشيتي<‬

‫‪ 94‬اسألوا أهل اخلبرة‬ ‫> كيف تبحر األسماك عائدة لتتزاوج في املجرى املائي نفسه الذي نشأت فيه؟‬ ‫> ملاذا تصبح أجفاننا ثقيلة عندما نكون متعبني؟‬ ‫‪3‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ـ عدنان احلموي‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫بزوغ اإلنساالت العالمِ ات‬

‫(٭)‬

‫(‪)1‬‬

‫اآلالت قادرة على ابتكار فرضية‪ ،‬وإجراء جتارب‬ ‫باتت‬ ‫ُ‬ ‫الختبارها وتقييم نتائجها من دون ُّ‬ ‫تدخل اإلنسان‪.‬‬ ‫>‪ .D .R‬كينگ<‬

‫هل ميكن أمتتة ‪ automate‬االكتشاف العلمي؟ ال أعني‬ ‫أمتت������ة التجارب‪ ،‬ب������ل أعني‪ :‬هل ميكن صنع آلة – إنس���الة‬ ‫َ‬ ‫أمضيت‬ ‫معارف علمية جديدة؟ لقد‬ ‫عالمِ ة – تستطيع اكتشاف‬ ‫ُ‬ ‫وزمالئي عقدا من الزمن في محاولة إلنشاء واحدة منها‪.‬‬ ‫وفي هذا الس������بيل َيحدونا حافزان؛ أولهما حتقيق إدراك‬ ‫أعمق للعلم‪ ،‬حسبما أشار إليه الفيزيائي الشهير >‪ .R‬فاينمان<‬ ‫من أن «األشياء التي ال أمتكن من إيجادها‪ ،‬ال أستطيع إدراك‬ ‫كنهه������ا‪ ».‬وفي إطار هذه الفلس������فة‪ ،‬فإن مس������عانا إلى صنع‬ ‫إنس������الة عالمِ ة يضطرنا إلى اتخاذ قرارات هندس������ية مح َّددة‬ ‫تتناول العالق������ة بني املج َّردات واحملسوس������ات وبني الظواهر‬ ‫العملية والنظرية‪ ،‬إضافة إلى طرائق إيجاد الفرضيات‪.‬‬ ‫وأما احلافز اآلخر‪ ،‬فهو حاف ٌز تقاني؛ فاإلنس������االت العالمِ ات‬ ‫ميكنه������ا ج ْعل البحث أكثر إنتاجية وجدوى اقتصادية‪ .‬والواقع‬ ‫أن بعض املشكالت العلمية معقد ٌة لدرجة أنها تتط َّلب قدرا هائال‬ ‫من البحث‪ ،‬وليس ثمة ما يكفي من العلماء البش������ر للقيام بهذا‬ ‫كله؛ على حني مت ِّثل األمتت ُة أكب َر أمل لنا ِّ‬ ‫حلل تلك املشكالت‪.‬‬ ‫تتحسن ِّ‬ ‫باطراد‪ ،‬ومن ذلك‬ ‫ومازالت التقانة احلاسوبية للعلم‬ ‫َّ‬ ‫األمتتة املختبرية «العالية اإلنتاجية» من قبيل ترتيب سلس���لة‬ ‫الدن���ا(‪ )2‬واختبار العقاقير‪ .‬وكذلك‪ ،‬وبدرجة َّ‬ ‫أقل وضوحا‪ ،‬تلك‬ ‫احلواس������يب التي تؤمتِ ت عملي َة حتلي������ل البيانات‪ ،‬والتي بدأت‬ ‫بتولي������د فرضيات علمية أصيلة‪ .‬ففي الكيمياء مثال‪ ،‬تس������اعد‬ ‫برام������ج التع ُّلم اآللي على تصمي������م العقاقير‪ .‬على أن الغرض‬ ‫(‪)1‬‬

‫من اإلنسالة العاملة هو ض ُّم هذه التقانات ألمتتة املهمة العلمية‬ ‫بر َّمتها‪ :‬بدءا من تكوين الفرضيات‪ ،‬ومرورا بابتكار التجارب‬ ‫وإجرائه������ا الختبار هذه الفرضيات‪ ،‬وانتهاء بتفس������ير النتائج‬ ‫وإعادة هذه الدورة إلى أن تُكتشف معارف جديدة‪.‬‬ ‫وبالطبع‪ ،‬فإن الس������ؤال النهائي هو‪ :‬ه������ل بإمكاننا ابتكار‬ ‫إنس������الة عاملة تستطيع بالفعل إجناز املهمة برمتها؟ إن قدرات‬ ‫ص ِّممتا في مختبرنا‪ ،‬إضافة إلى إنساالت‬ ‫اإلنس������الت نَْي اللتني ُ‬ ‫ُأ َخ������ َر معدودات في أرج������اء العالَم‪ ،‬توح������ي جمي ُعها بأن في‬ ‫استطاعتنا فِ ْعل ذلك‪.‬‬ ‫«آدم» تعمل في اخلميرة‬

‫( )‬

‫الصنعي(‪ )3‬على‬ ‫لق������د بدأ العمل الرائ������د في تطبيق ال���ذكاء ُّ‬ ‫االكتشاف العلمي في جامعة ستانفورد في ستينات وسبعينات‬ ‫������وبي ُس������ ِّمي دندرال‬ ‫ص ِّمم‬ ‫الق������رن املاضي‪ .‬فقد ُ‬ ‫ٌ‬ ‫برنامج حاس ٌّ‬ ‫(‪)4‬‬ ‫‪ DENDRAL‬لتحليل بيانات املطياف الكتلي ‪ ،‬وكان البرنامج‬ ‫ميتا‪-‬دندرال(‪ )5‬امللحق به أحدَ أوائل ُنظم ‪ systems‬التع ُّلم اآللي‪.‬‬ ‫وكان الباحثون يحاولون إيجاد آالت مؤمتَتة تس������تطيع البحث‬ ‫( ) ‪Rise of the Robo Scientists‬‬ ‫( ) ‪ADAM TAKES ON YEAST‬‬ ‫(‪ = robot )1‬إنسالة وهذه نحت من إنسان‪-‬آلي‪،‬‬ ‫إنسالية = ‪robotics‬‬ ‫(‪DNA sequencing )2‬‬ ‫(‪artificial intelligence)3‬‬ ‫(‪mass-spectrometer )4‬‬ ‫(‪Meta-DENDRAL )5‬‬

‫وجمعها إنساالت؛ ومن إنسالة نشتق‬

‫باختصار‬ ‫م���ن املس���ائل العلمي���ة ما‬ ‫هو غاي���ة في التعقي���د لدرجة‬ ‫أن تصمي���م وتنفي���ذ التجارب‬ ‫الالزم���ة الكتش���اف أجوبته���ا‬ ‫يتطــ َّل���ب زمنــا طويـــ�ل�ا جـــ ّدًا‬ ‫في البحث‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫واإلنس���االت العامل���ات ق���د تس���د‬ ‫احلاج���ة‪ .‬فأحد النم���اذج املختبرية‪،‬‬ ‫ويس���مى آدم‪ ،‬ميكن���ه اس���تحداث‬ ‫فرضي���ات ع���ن جين���ات اخلمي���رة‬ ‫ووظائفها‪ ،‬وتصميم جتارب الختبار‬ ‫األفكار املطروحة وإدارة العمل‪.‬‬

‫باس���تعمال ال���ذكاء الصنع���ي‬ ‫واالستدالل والعتاديات احلاسوبية‬ ‫اإلنس���الية‪ ،‬اكتش���فت اإلنس���الة آدم‬ ‫إنزميات معينة‬ ‫ثالث َة جين���ات تكوِّ د‬ ‫ٍ‬ ‫للخمي���رة‪ ،‬لم يكن ف���ي مقدور علماء‬ ‫البشر إحرازها‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ِّ‬ ‫املش���ككون إن آدم ليست من‬ ‫قد يقول‬ ‫زمرة العلماء‪ ،‬ألنها ال تستغني عن إسهام‬ ‫ُّ‬ ‫وتدخل���ه إذا اقتض���ت احلاجة‪.‬‬ ‫اإلنس���ان‬ ‫غي���ر أن العلم���اء البش���ر واإلنس���االت‬ ‫العامل���ات ميكنه���م أن يح ِّققوا مع��� ًا ما ال‬ ‫أي منهم مبفرده‪.‬‬ ‫يستطيع حتقيقه ٌّ‬


‫املؤلف‬ ‫‪Ross D. King‬‬

‫أستاذ علم احلاسوب في جامعة ويلز‪ ،‬ويبحث في علم‬ ‫العِ لم ‪ ،the science of science‬ومن ضمن ذلك طرق‬ ‫تطبيق علم احلاسوب على الكيمياء والبيولوجيا‪.‬‬

‫عن دالئل على وجود حياة على كوكب املريخ في‬ ‫رحلة ڤايكنگ التي أطلقتها وكالة ناسا الفضائية‬ ‫سنة ‪ .1975‬ولسوء احلظ‪ ،‬كانت تلك املهمة خلف‬ ‫تقانة اليوم‪ .‬ومنذ ذلك الوقت انبرت برامج‪ ،‬من‬ ‫مثل پروس���پكتر ‪( Prospector‬في اجليولوجيا)‬ ‫وبيكون ‪( Bacon‬في االكتش������افات العامة) وما‬ ‫تالهما من برامج أح������دث منهما‪ ،‬ألمتتة أعمال‬ ‫م������ن قبيل اقت������راح فرضيات وجت������ارب بقصد‬ ‫اختبارها‪ ،‬ومعظمها تعوزه القدرة الفعلية على‬ ‫إدارة التج������ارب فيزيائ ّيا‪ ،‬وه������و أم ٌر مه ٌّم يع َّول‬ ‫علي������ه إذا ُأريد لنُظم ال������ذكاء الصنعي أن تعمل‬ ‫ولو بطريقة شبه مستقلة‪.‬‬ ‫وإنس������التنا املس������ماة «آدم» ليس������ت شبيهة‬ ‫بالبشر؛ بل هي مختبر مؤمتت مع َّقد‪ ،‬قد يشغل‬ ‫حجمه ـ������ا ركن������ا من مكت������ب [انظ������ر اإلطار في‬ ‫مجمدة‬ ‫الصفحة ‪ .]7‬تتضمن هذه التجهيزة(‪:)1‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،freezer‬وثالث إنساالت ملعاجلة السوائل‪ ،‬وثالث‬ ‫أذرع إنس������الية‪ ،‬وثالث حاضن���ات ‪،incubators‬‬ ‫وناب���ذة ‪ ،centrifuge‬وجميعها مؤمتتة‪ .‬وبالطبع‪،‬‬ ‫فإن اإلنسالة آدم تتمتع بدماغ ذي قدرة حسابية‬ ‫هائلة ‪ -‬وهو في الواقع حاس������وب يقوم بعمليات‬ ‫احملاكمة ويتحكم في احلواس������يب الش������خصية‬ ‫التي تدير العتاد احلاسوبي‪.‬‬ ‫وتجُ ري اإلنس������الة آدم جتارب على كيفية منو‬ ‫امليكروبات وذلك بانتقاء سالالت ميكروبية وأوساط‬ ‫لنم ِّوها‪ ،‬ث������م مالحظة كيف تنمو الس���ل��االت في‬ ‫األوساط على مدى أيام عدة‪ .‬وتستطيع اإلنسالة‬ ‫أن تستبدئ بنفسها نحو ‪ 1000‬انضمام ساللة ‪ -‬وسط ‪strain -‬‬ ‫‪ media combination‬في اليوم الواحد‪ .‬وقد ص َّممنا اإلنسالة آدم‬ ‫بغية اس������تقصاء جانب مه ّم في نطاق عل������م األحياء‪ ،‬يفضي هو‬ ‫نفس������ه إلى أمتتة اجلينوميات الوظيفية ‪،functional genomics‬‬ ‫ُ‬ ‫التي تبحث في العالقات بني اجلينات ‪ genes‬ووظائفها‪ .‬‬ ‫الس���كَيراءِ‬ ‫لقد تناولت الدراس������ ُة الكامل������ ُة األولى خميرة ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫املتعضي ‪organism‬‬ ‫اجل َع ِو َّية ‪ Saccharomyces cerevisiae‬وهي‬ ‫ِ‬ ‫املستع َمل في صنع اخلبز والكحول‪ .‬وعلماء البيولوجيا مهتمون‬ ‫‪5‬‬

‫ِّ‬ ‫متعضي������ا «منوذج ّيا» يتع َّرفون‬ ‫ج ّدا بهذه الس���ل��الة باعتبارها‬ ‫بواسطته كيف تعمل اخلاليا البشرية‪ .‬فخاليا اخلميرة متتلك‬ ‫عددا أقل بكثير من اجلينات التي متتلكها اخلاليا البش������رية‪.‬‬ ‫ومن ثم‪ ،‬فإن اخلاليا تنمو بس������رعة ويسر‪ .‬ومع أن آخر َسلَف‬ ‫مشت َرك بني خاليا البشر واخلميرة رمبا ُوجد قبل بليون سنة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫معتدل ج ّدا‪ ،‬حيث إن معظم ما‬ ‫فإن التطور في ه������ذا املضمار‬ ‫(‪equipment)1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫َي ِص ُّح على خلية اخلميرة يصح أيضا على خاليانا‪.‬‬ ‫وقد ر َّكزت اإلنس������الة آدم على إدراك املس������ألة املستعصية‬ ‫املتعلقة بكيفية اس������تعمال اخلمي������رة لإلنزمي���ات(‪ – )1‬من أجل‬ ‫حتويل وسط من ِّوها إلى مزيد من اخلميرة والفضالت‪ .‬ولم يدرك‬ ‫العلم������اء َبعد هذه العملية إدراكا كامال‪ ،‬مع أنهم درس������وها مدة‬ ‫تزيد على ‪ 150‬س������نة‪ .‬وهم إذ يعرفون كثيرا من اإلنزميات التي‬ ‫تنتجها اخلميرة‪ ،‬فإنهم في بعض احلاالت يجهلون هوي َة اجلينات‬ ‫التي تكوِّ دها(‪ .)2‬ومن هنا بدأت رحلة آدم الكتش������اف «اجلينات‬ ‫األم» ‪ parental genes‬التي تك ِّود هذه اإلنزميات «اليتيمة»‪.‬‬ ‫وحتى تكون اإلنسالة آدم قادرة على اكتشاف علم جديد‪،‬‬ ‫فإنه������ا حتتاج إلى معرفة قدر كبير م������ن العلم املوجود حال ّيا‪.‬‬ ‫لذلك ز َّودناها بخلفية معرفية ش������املة عن استقالب اخلميرة‬ ‫‪ yeast metabolism‬وجينومياته������ا الوظيفية‪ .‬إال أن اال ِّدعاء بأن‬ ‫اإلنسالة آدم متتلك «معرفة» كاملة عن الوسط احمليط‪ ،‬ال مجرد‬ ‫معلومات‪ ،‬هو اليوم مثار س������جال فلسفي‪ .‬غير أننا ندعي بأن‬ ‫«املعرفة» لها ما يس ِّوغها‪ ،‬ألن اإلنسال َة تستعملها في التفكير‬ ‫وفي توجيه تآثراتها مع العالَم املادي‪.‬‬ ‫وتَستعمل اإلنس������الة آدم عبارات منطقية لعرض معارفها‪.‬‬ ‫ذلك أن املنطق ابتُدع أصال قبل ‪ 2400‬س������نة لوصف املعارف‬ ‫بدقة أعلى مما قد تسمح به اللغة الطبيعية‪ .‬أما املنطق احلديث‪،‬‬ ‫فهو أكثر الطرائق دقة لعرض املع������ارف العلمية ولتبادل هذه‬ ‫املعارف بني اإلنساالت وبني البشر بوضوح تام‪ .‬وميكن كذلك‬ ‫استعمال املنطق كلغة برمجة مت ِّكن من تفسير خلفية اإلنسالة‬ ‫باعتبارها برنامجا حاسوب ّيا‪.‬‬ ‫ولحِ َ ْمل اإلنسالة آدم على البدء بالبحث‪ ،‬بر َم ْجناها بالعديد‬ ‫من احلقائ������ق‪ .‬وهاك مثاال منوذج ّيا‪ :‬فاجل���ي��ن ‪ ARO3‬املتعلق‬ ‫اجل َعوِ َّية يك ِّود إنزميا يدعى ‪3-deoxy-D-arabino-‬‬ ‫بالس������ َكيراء ِ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ .heptulosonate-7-phosphate‬وكذل������ك ز َّودتن������ا اإلنس������الة آدم‬ ‫بحقائ������ق ذات صلة‪ ،‬من قبيل‪ :‬أن اإلن������زمي املذكور آنفا ُي َح ِّفز‬ ‫تفاعال كيميائ ّيـا‪ ،‬يتم َّثل ب ــأن املركبــات ‪phosphoenolpyruvate‬‬ ‫و ‪ D-erythrose 4-phosphate‬تتفاعل إلنتاج ‪2-dehydro-3deoxy-‬‬ ‫‪ ،D-arabino-heptonate 7-phosphate‬إضافة إلى الفوسفات‪.‬‬ ‫وبرب������ط احلقائق املتقدم������ة بعضها ببع������ض‪ ،‬يتكون منوذج‬ ‫َ‬ ‫املعارف املتعلقة باجلينات واإلنزميات‬ ‫الستقالب اخلميرة يدمج‬ ‫واملس���تق َلبات ‪( metabolites‬جزيئات كيميائية صغيرة)‪ .‬والفرق‬ ‫ب���ي��ن النموذج ودائرة املعارف‪ ،‬هو أن النموذج ميكن حتويله إلى‬ ‫برمجيات ‪ software‬قابلة للتأثير في البيانات ‪ data‬للوصول إلى‬ ‫دمج النماذج العلمية املج َّردة‬ ‫تنبؤات‪ .‬وتستطيع اإلنسال ُة العاملة َ‬ ‫مع اإلنساليات املخبرية الختبار النماذج وحتسينها آل ّيا‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫االستدالل املنطقي على اجلينات‬

‫( )‬

‫املنهج العلمي‪ ،‬فهم ِ‬ ‫ينشئون فرضيات ثم‬ ‫عندما يتَّبع العلما ُء‬ ‫َ‬ ‫يختبرون ـ جتريب ّيا ـ نتائجها االستداللي َة‪ .‬وفي هذه احلالة تفترض‬ ‫اإلنس������الة آدم أوال حقائقَ جديدة تتعلق ببيولوجيا اخلميرة‪ ،‬ثم‬ ‫تستنبط النتائج التجريبية لهذه احلقائق باستعمال منوذجها في‬ ‫االس������تقالب‪ ،‬ثم إنها تختبر هذه النتائج جتريب ّيا لتس������توثق من‬ ‫انسجام احلقائق املفت َرضة مع املالحظات املشا َهدة‪.‬‬ ‫تبدأ الدورة بأن تقوم اإلنس������الة آدم بتكوين فرضيات عن‬ ‫أمات ‪ parents‬لإلنزميات اليتيمة‬ ‫اجلينات التي ميكن أن تكون َّ‬ ‫[انظر اإلطار في الصفحة ‪ .]8‬وكي تستطيع اإلنسال ُة التركي َز‬ ‫على أكثر الفرضيات احتماال تَستعمل قاعد َة معارفها‪ .‬فمثال‪:‬‬ ‫د َّلت معلوماتُها املتعلقة بأحد اإلنزميات اليتيمة على أنه اإلنزمي‬ ‫‪ .2-aminoadipate transaminase‬وه������ذا اإلنزمي ُيح ِّفز التفاعل‪:‬‬ ‫‪ 2-oxoadipate‬زائد ‪ُ L-glutamate‬ينتج ‪ L-2-aminoadipate‬زائد‬ ‫‪( 2-oxoglutarate‬يحصل التفاع������ل أيضا باالجتاه املعاكس)‪.‬‬ ‫وتتب������ َّدى أهمية هذا التفاعل في أنه ه ٌ‬ ‫������دف محت َمل للعقاقير‬ ‫املُض���ادة لل ُف ْط ِر َّيات(‪ ،)3‬ولك������ن اجلني األم غير معروف‪ .‬ولكي‬ ‫جني خمي������رة ميكن أن يك ِّود هذا‬ ‫تك ِّون اإلنس������الة فرضية عن ِ‬ ‫اإلنزمي‪ ،‬عمدت أوال إلى اس������تعالم قاع������دة معارفها لترى هل‬ ‫ِّ‬ ‫متعضيات أخرى م������ن املعروف أنها تك ِّود‬ ‫جينات من‬ ‫توج������د‬ ‫ٌ‬ ‫اإلنزمي‪ .‬وجاء جواب االستعالم يحمل احلقيقة اآلتية‪ :‬إنَّ لدى‬ ‫ُ‬ ‫���ي (الف���أر البن���ي) ‪ Rattus norvegicus‬جينا‬ ‫اجل��� َرذ ال َّن ْر ِ‬ ‫ويج ّ‬ ‫يــدعــى ‪ Aadat‬يك ـ ِّود اإلنزمي‪.‬‬ ‫أخذت اإلنس������الة آدم من اإلنزمي سلسل َة الپروتني املك َّودة بجني‬ ‫أي سلس������لة پروتينية مش������ابهة‬ ‫‪ ،Aadat‬وراح������ت تبحث‪ :‬هل توجد ُّ‬ ‫مك������ َّودة في جينوم اخلميرة ‪yeast genome‬؟ وتعلم اإلنس������الة آدم‬ ‫كاف‪ ،‬فمن املنطقي‬ ‫أنه إذا كانت سلسلتا الپروتني متشابهتني بقدر ٍ‬ ‫َ‬ ‫االس������تنتاج بأنهما متماثالن ‪ homologous‬أي تشتركان في َسلف‬ ‫أعلى مش������ترك‪ .‬وتدرك اإلنس������الة آدم أيضا أنه إذا كانت سلسلتا‬ ‫الپروتني متماثلتني‪ ،‬فإن وظيفة َسلَفِ هما األعلى املشترك رمبا كانت‬ ‫محفوظة ‪ .conserved‬ولذلك‪ ،‬تستطيع اإلنسال ُة االستدالل بسالسل‬ ‫الپروتني املتش������ابهة على أن اجلينات املك ِّودة لهذه السالس������ل قد‬ ‫تكون لها الوظيفة نفسها‪ .‬وقد اكتَشفت اإلنسالة آدم ثالث َة جينات‬ ‫للخميرة ‪ yeast genes‬ذات سالسل مشابهة لسلسلة اجلني ‪Aadat‬‬ ‫ه������ي‪ YER152c :‬و ‪ YJL060w‬و ‪ ،YJL202w‬فافترضت أن ك ّال من‬ ‫هذه اجلينات يك ِّود اإلنزمي ‪.2-aminoadipate transaminase‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪REASONING ABOUT GENES‬‬ ‫‪enzymes‬‬ ‫‪encode‬‬ ‫‪antifungal drugs‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫= پروتينات معقدة حتفز تفاعالت كيميائية حيوية معينة‪.‬‬


‫كيف تعمل آدم‬

‫بيولوجيا إنسالية‬

‫( )‬

‫«آدم» إنسالة عاملة في جامعة ويلز‪ ،‬تبحث في العالقات بني اجلينات ووظائفها‪ .‬وفي‬ ‫عمل مبكر لها‪ ،‬استطاع حاسوب الذكاء الصنعي لديها صوغ ‪ 20‬فرضية عن اجلينات‬ ‫التي ميكنها أن تكوِّ د إنزميات معينة‪ ،‬لها دور حاسم في منو اخلمائر‪ .‬ومن ثم أجنزت‬ ‫آالف التجارب لتجد دليال يؤيد صحة الفرضيات أو عدم صحتها‪ .‬وإليك البيان‪.‬‬

‫ص إنسالي‬ ‫مِم ّ‬

‫يلتقط سالالت اخلميرة‬ ‫من عينات مجمدة (‪)1‬‬ ‫ويضيفها إلى وسط‬ ‫النمو في ‪ 96‬أنبوبا‬ ‫على لوحة اختبار‪.‬‬

‫‪ 2‬منو اخلميرة‬

‫احلاضنة تدفئ اللوحات مدة ‪ 24‬ساعة‪.‬‬ ‫وفي كل ‪ 40‬دقيقة تدرج ذراع إنسالة كل‬ ‫لوحة داخل قارئ ضوئي يقوم مبراقبة‬ ‫النمو (في األسفل)‪.‬‬

‫‪ 3‬عزل اخلاليا‬

‫نابذة تقتل كل لوحة لفصل‬ ‫اخلميرة عن بقية الوسط‪.‬‬

‫‪ 1‬حتضير العينات‬

‫ذراع اإلنسالة تنتزع عينات من‬ ‫اخلميرة املجمدة ومتزج سالالت‬ ‫معينة بوسط النمو في أوعية متعددة‬ ‫على لوحات اختبار (في األعلى)‪.‬‬

‫مجمدة‬ ‫حاضنة‬

‫مصرف‬ ‫النفايات‬

‫قارئ‬ ‫ضوئي‬

‫‪ 4‬انتزاع الوسط‬

‫غسالة تغسل الوسط مباء دافق وتعلق‬ ‫السالالت مؤقتا في محلول ملحي‪.‬‬

‫‪7‬‬

‫حتليل البيانات‬

‫‪ 5‬معاجلة السالالت‬

‫ُ‬ ‫برمجيات آدم النتائج‬ ‫حتلل‬ ‫التي قد تستغرق ساعات عدة‪.‬‬

‫‪ 6‬قراءة النمو‬

‫حاضنة تسخن كل لوحة أليام عدة‪ .‬وفي‬ ‫كل ‪ 20‬دقيقة تضع ذراع لوحة ضمن قارئ‬ ‫يرسل بيانات النمو إلى حاسوب‪.‬‬

‫ذراع اإلنسالة‬ ‫يضيف مجموعات‬ ‫مختلفة من أوساط‬ ‫النمو واجلزيئات‬ ‫التي تؤثر في‬ ‫االستقالب إلى‬ ‫سالالت في أوعية‬ ‫معينة‪ ،‬الختبار‬ ‫فرضيات متنوعة‪.‬‬

‫( ) ‪Robotic Biology‬‬

‫‪7‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫حزمة ضوء داخل قارئ ضوئي‬ ‫(‪ 2‬و ‪ )6‬تضيء خالل كل وعاء‪.‬‬ ‫وكمية الضوء التي متر تدل على‬ ‫حجم منو اخلميرة‪.‬‬


‫جتربة فكرية‬

‫كيف تفكر اإلنساالت‬

‫( )‬

‫كي���ف «تفك���ر» اإلنس���الة العامل���ة؟ إنه���ا تس���تعمل اخليارات نفس���ها‬

‫التي يس���تعملها البش���ر‪ .‬أحد هذه اخليارات ه���و االستدالل االستنتاجي‬

‫‪ ،deductive inference‬وهو األساس في الرياضيات وعلم احلاسوب‪ .‬وهو‬ ‫إل���ى ذل���ك ُم ْح َكم ‪sound‬؛ أي إذا بدأت بقضية صحيحة فيمكنك اس���تنتاج‬ ‫قضايا جديدة صحيحة فقط‪ .‬ولكن لس���وء احلظ‪ ،‬وبس���بب غياب «نظرية‬ ‫كاملة ِّ‬ ‫كاف في العلم‪ ،‬ألنه ال يستطيع‬ ‫لكل شيء»‪ ،‬فإن هذا االستدالل غير ٍ‬ ‫أن يجد ح ّ‬ ‫ال إال لنتائج معلومة ساب ًقا‪.‬‬ ‫ثان هو االس������تدالل اإلبع������ادي ‪ ،abductive reasoning‬وهو غير‬ ‫خيار ٍ‬ ‫محك���م‪ ،‬كم���ا ه���و واضح ف���ي مث���ال اإلوزة ‪ swan‬التال���ي؛ إذ إن كثي ًرا من‬ ‫األش���ياء تك���ون بيضاء‪ ،‬ولكنها ليس���ت إو ّزا‪ .‬يقدِّم هذا االس���تدالل حال ًّيا‬ ‫طريقة في توليد فرضيات ميكن أن تكون صحيحة‪ .‬إن االستبصار النافذ‬ ‫ف���ي العل���م ي���رى أن طريقة تقرير احلقيقة ليس���ت محصورة باالس���تدالل‬ ‫الص���رف من االفتراضات‪ ،‬ب���ل بإجراء التجارب عل���ى العا َلم املادي‪ .‬فإذا‬ ‫ِّ‬ ‫افترضت اإلنس���الة آدم أن ديزي ‪ Daisy‬هي إوزة‪ ،‬فإن طريقتها في تقرير‬ ‫صح���ة ه���ذا االفتراض هي أن تقوم اإلنس���الة آدم مبس���ك ديزي جتريب ّيا‬ ‫وفحص كونها إوزة أو بطة ‪ duck‬أو غير ذلك‪.‬‬ ‫اخليار الثالث هو االس������تقراء ‪ ،induction‬وهو كاالستدالل اإلبعادي‪،‬‬ ‫يق���دم طريق���ة الس���تنتاج فرضي���ات جدي���دة‪ .‬ف���إذا كان���ت كل إوزة نراها‬ ‫بيضاء‪ ،‬فمن الطبيعي أن نس���تنتج ‪ -‬كما فعل أرس���طو ‪ -‬أن جميع اإلوز‬ ‫بيضاوات‪ .‬ولكن االستقراء غير ُم ْح َكم‪ ،‬وقد ثبت بطالن استقراء أرسطو‬ ‫دائما‬ ‫باكتش���اف اإلوز األس���ود في أستراليا‪ .‬ونحن نس���تعمل االستقراء‬ ‫ً‬ ‫في حياتنا اليومية‪ .‬فهو يطمئننا بأن الشمس ستشرق غدًا وأن فطورنا‬ ‫ل���ن يُس���مِّ منا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن دور االس���تقراء في العل���م مدعاة خالف‪ ،‬ألن‬ ‫عموما‪ ،‬وهذا بح ِّد ذاته استقراء‪.‬‬ ‫مسوغات االستقراء هي أنه يعمل‬ ‫ً‬

‫استقراء‬

‫‪Induction‬‬

‫استدالل إبعادي‬ ‫‪Abduction‬‬

‫استدالل استنتاجي‬ ‫‪Deduction‬‬

‫«ديزي» إوزة وبيضاء‪.‬‬ ‫جميع اإلوز بيضاوات‪.‬‬

‫جميع اإلوز بيضاوات‪.‬‬

‫«داني» إوزة بيضاء‪.‬‬

‫ديزي بيضاء‪.‬‬

‫ديزي إوزة‪.‬‬

‫«دانتي» إوزة وبيضاء‬ ‫[وهلم جرا]‪.‬‬

‫إذن؛ ديزي إوزة‪.‬‬

‫إذن؛ جميع اإلوز بيضاوات‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫إذن؛ ديزي بيضاء‪.‬‬

‫تستطيع اإلنساالت ‪ -‬شأنها شأن البشر‪ -‬استعمال‬ ‫أساليب متعددة في االستدالل‪ .‬ميكن أن تكون هذه‬ ‫األساليب صحيحة أو غير صحيحة‪ ،‬ولكنها على أية‬ ‫حال تقدِّم طرائق لتكوين الفرضيات‪ ،‬وتقترح جتارب‬ ‫ميكن إجنازها الختبار هذه الفرضيات‪.‬‬

‫ولكي تختبر اإلنسالة آدم فرضياتها‪ ،‬قامت بإجراء عدد‬ ‫ِ‬ ‫س���ل��االت خميرة مح َّددة‬ ‫من التج������ارب الفيزيائية؛ ف َز َر َع ْت‬ ‫اختارتها م������ن مجموعة كاملة محفوظة في مج ِّمدتها‪ ،‬بحيث‬ ‫انتُزع من ِّ‬ ‫وس������ َب َرت اإلنس������ال ُة من َّو‬ ‫كل س���ل��الة ج ٌ‬ ‫ني نَّ‬ ‫معي‪َ .‬‬ ‫سالالت اخلميــرة الثــالث التي فق ــدت اجلين ــات ‪YER152c‬‬ ‫و ‪ YJL060w‬و ‪ YJL202w‬على الترتيب‪ ،‬لدى زراعتها بوجود‬ ‫موا َّد كيميائية ‪ -‬مثل ‪ - L-2-aminoadipate‬ذات صلة بالتفاعل‬ ‫الذي ح َّفزه اإلنزمي‪.‬‬ ‫واخلطوة التالية هي إجراء اختبار على السالالت‪ .‬ولكن‬ ‫ُ‬ ‫األموال املخصص������ة للعلم محدودة دوما‪ ،‬والعلما ُء‬ ‫ملا كانت‬ ‫ِّ‬ ‫الس َبق في حل مشكلة‪ ،‬فقد‬ ‫غالبا ما! يتنافسون إلحراز قصب َّ‬ ‫أخذنا على أنفسنا تصميم اإلنسالة آدم لتقوم بابتكار جتارب‬ ‫فعالة في اختبار الفرضيات بتكلفة منخفضة وسرعة عالية‪.‬‬ ‫!‬ ‫ولتحقيق هذا املطلب‪ ،‬تفترض اإلنس������الة آدم أن َّ‬ ‫كل فرضية‬ ‫حتتم������ل! الصحة‪ .‬غير أن هذا االفتراض هو موضع خالف؛‬ ‫فبعض الفالس������فة ‪ -‬مثل >‪ .K‬پوپ������ر< ‪ -‬ال يق ِّرون بأن تكون‬ ‫������االت مرافقة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن معظم العلماء‬ ‫للفرضيات احتم‬ ‫ٌ‬ ‫العاملني يس������ ِّلمون ضمن ّيا بأن أنواعا مع َّينة من الفرضيات‬ ‫أرج������ح من غيرها في إثب������ات البرهان عل������ى صحتها‪ .‬فهم‬ ‫ص����ل أوكام»(‪ - )1‬وهي تقول‪:‬‬ ‫يتَّبع������ون مثال الفكرة العامة « َن ْ‬ ‫في األحوال العادية يكون احتمال الفرضية البس������يطة أكبر‬ ‫من احتمال الفرضية املعقدة‪ .‬وتأخذ اإلنسالة آدم باحلسبان‬ ‫أيض������ا تكلفة أي جتربة محتملة‪ ،‬وهي حال ّيا ال تتجاوز تكلف َة‬ ‫املواد الكيميائية املس������تعملة فيها‪ ،‬علما بأن املنهج األفضل‬ ‫هو الذي يأخذ باحلسبان «تكلفة» الوقت أيضا‪.‬‬ ‫ولو افترضنا وجود مجموعة من الفرضيات مع احتماالتها‬ ‫املرافقة‪ ،‬ومجموعة من التجارب احملتملة مع تكاليفها املرافقة‬ ‫فإن الهدف الذي نح ِّدده لإلنس������الة آدم هو أن تختار سلسلة‬ ‫م������ن التجارب التي من ش������أنها أن تخ ِّفض إل������ى احل ِّد األدنى‬ ‫التكلف َة املتوقع َة من اس������تبعاد جمي������ع الفرضيات عدا واحدة‬ ‫منه������ا‪ .‬ومع أن متابعة هذه املقارب������ة على النحو األمثل صعب ٌة‬ ‫ج ّدا حاسوبيا‪ ،‬فقد أظهرت حتليالتنا أن استراتيجية اإلنسالة‬ ‫آدم التقريبية تنتقي التجارب التي ّ‬ ‫حتل املش������كالت بتكلفة أقل‬ ‫وس������رعة أكبر من غيرها من االستراتيجيات‪ ،‬فيقع اختيارها‬ ‫مثال ‪ -‬وبكل بس������اطة ‪ -‬على أقل التجارب تكلفة‪ .‬وفي بعض‬ ‫احلاالت‪ ،‬تستطيع اإلنسالة آدم تصمي َم جتربة واحدة ميكنها‬ ‫تس������ليط الضوء على كثي������ر من الفرضيات‪ .‬عل������ى أن العلماء‬ ‫البش������ر يس������عون جاهدين إلى فعل مثل هذا؛ فهم مييلون إلى‬ ‫طرح فرضية واحدة في كل مرة‪.‬‬ ‫( ) ‪How Robots Reason‬‬ ‫(‪Occam’ ̓s razor )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫هل ُت َع ُّد اإلنسالة عاملة؟‬

‫‪ 20‬فرضية‪ ،‬منها ‪ 12‬فرضية مبت َكرة‬

‫( )‬

‫نظام الذكاء الصنعي لدى اإلنسالة‬ ‫ما أن‬ ‫َّ‬ ‫يتوجه اهتما ُم ِ‬ ‫آدم إلى التجارب الواعدة حتى تبادر إلى استعمال تقاناتها‬ ‫اإلنس����الية(‪ )1‬لتنفيذ هذه التجارب ومراقبة نتائجها‪ .‬فهي‬ ‫ال تس������تطيع مراقبة اجلينات واإلنزميات بصورة مباشرة؛‬ ‫بل تقتصر مالحظاتُها على مالحظة كمية الضوء املس َّلطة‬ ‫على مزارع اخلميرة‪ .‬وانطالقا من هذه البيانات‪ ،‬ومرورا‬ ‫بسلسلة معقدة من االس������تدالالت‪ ،‬تق ِّرر اإلنسالة آدم‪ :‬ما‬ ‫إذا كان الدليل ينس������جم مع الفرضيات املتعلقة باجلينات‬ ‫واإلنزميات أم ال‪ .‬ومثل هذه السالس������ل من االستدالالت‬ ‫أم ٌر مأل ٌ‬ ‫������وف في العلم؛ فمثال‪ ،‬يس������تدل علماء الفلك على‬ ‫ما يحدث في املج َّرات النائية من األش������عة التي يعاينونها‬ ‫بأجهزتهم الفلكية‪.‬‬ ‫البت في مسألة انسجام الفرضيات من أصعب‬ ‫لقد كان ُّ‬ ‫املهم������ات على اإلنس������الة آدم‪ ،‬وذل������ك ألن العلماء كانوا قد‬ ‫انتزاعها اختالفات‬ ‫اكتش������فوا جمي َع اجلينات التي يس ِّبب‬ ‫ُ‬ ‫نوعية ف������ي منو اخلميرة‪ .‬وعلى ذلك‪ ،‬ف������إن انتزاع جينات‬ ‫أخرى ال َينتج منه عموما سوى اختالفات ثانوية في النمو‪.‬‬ ‫و َتس������تعمل اإلنس������الة آدم تقنيات معقدة للتع ُّلم اآللي لكي‬ ‫أي من االختالفات الثانوية عند انتزاع‬ ‫تق ِّرر مدى أهمي������ة ّ‬ ‫جني من اجلينات‪.‬‬ ‫وق������د و َّلدت اإلنس������الة آدم ‪ 20‬فرضية ع������ن اجلينات التي‬ ‫تك ِّود إنزميات مع َّينة في اخلمي������رة‪ ،‬وأثبتتها جتريب ّيا‪ .‬وكانت‬ ‫فرضيات اإلنس������الة آدم هذه ‪ -‬كس������ائر الفرضيات العلمية ‪-‬‬ ‫ُ‬ ‫بحاج������ة إلى إثبات‪ .‬لذلك ذهبن������ا نتحقق من صحة ما وصلت‬ ‫إليه من نتائج باس������تعمال مصادر أخ������رى من املعلومات غير‬ ‫متاحة لها‪ ،‬وبإجراء جت������ارب جديدة ن َّفذناها بأيدينا‪ ،‬خلصنا‬ ‫إلى أنَّ س������بعا من نتائج آدم معروفة س������ابقا‪ ،‬ونتيجة واحدة‬ ‫خطأ‪ ،‬واثنتي عشرة نتيجة علمية مبتكرة‪.‬‬ ‫وقد َّ‬ ‫أكدت جتار ُبنا اليدوية الختبار النتائج أن اجلينات‬ ‫الثالثة (‪ YER152c‬و ‪ YJL060w‬و ‪ )YJL202w‬تك ِّود اإلنزمي‬ ‫‪ .2-aminoadipate transaminase‬أما السبب احملتمل في أن‬ ‫وظيفة اجلينات الثالثة لم ت َ‬ ‫ُكتش������ف س������ابقا‪ ،‬فهو أن هذه‬ ‫نفسه؛ وأن اإلنزمي يستطيع حتفيز‬ ‫اجلينـات تك ـ ِّود اإلنزمي َ‬ ‫سلسلة من التفاعالت ذات الصلة؛ وليس للتمثيل البسيط‬ ‫املؤ َّل������ف من جني واحد مقابل إنزمي واحد ‪ -‬وهي احلـالــة‬ ‫الش������ ــائعــة – مكــانٌ هنا‪ .‬ف������كان االختبــار الدقيــق الــذي‬ ‫أجرته اإلنس������ال ُة آدم وحتليلها اإلحصائي ضرور ّيا ِّ‬ ‫حلل‬ ‫هذه التعقيدات‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫( )‬

‫ُ‬ ‫البعض على مصطلح «إنس������الة عاملة»‪ ،‬مشيرين –‬ ‫يعترض‬ ‫أقرب إلى عالمِ ة‬ ‫مع ش������يء من التسويغ – إلى أن اإلنسالة آدم ُ‬ ‫مس������اعِ دة منها إلى عاملة مس������تقلة‪ .‬إذن‪ ،‬فهل من الصواب إذن‬ ‫االدعاء بأن اإلنس������الة آدم اكتش������فت معارف علمية جديدة من‬ ‫تلقاء نفسها وبصورة مستقلة؟ لنبدأ بـ «االستقاللية»‪ .‬ال نستطيع‬ ‫ببساطة أن نطلق اإلنسالة آدم للعمل ثم نعود بعد بضعة أسابيع‬ ‫لنتفقد نتائجها‪ .‬فاإلنسالة آدم هي منوذج جتري ِبي‪ ،‬وعتادياتها‬ ‫احلاس������وبية وبرمجياتها كثيرا ما َّ‬ ‫تتعط������ل‪ ،‬ويتطلب ذلك ت ُّ‬ ‫َدخ َل‬ ‫ِّ������ي مختص‪ .‬حيث إن دمج وحداته������ا البرمجية يحتاج أيضا‬ ‫فن ّ‬ ‫إلى حتس���ي��ن بحيث تعمل جميعها بسالسة من دون أي ُّ‬ ‫تدخل‬ ‫من اإلنس������ان‪ .‬وم������ع ذلك‪ ،‬فإن فعالية اإلنس������الة آدم في وضع‬ ‫الفرضيات وإثبات معارف جدي������دة جتريب ّيا ال يعتمد على فِ كر‬ ‫بشري أو جهد مادي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أما مصطلح «االكتش������اف»‪ ،‬فيثير ج������دال يعود إلى القرن‬ ‫التاس������ع عش������ر وإلى ش������خصية اللي������دي >‪ .A‬لوڤليس< التي‬ ‫تنتمي إلى احلركة الرومانس������ية ف������ي األدب والفن‪ ،‬وهي ابنة‬ ‫الش������اعر >لورد بايرون<‪ ،‬وتعاونت م������ع >‪ .Ch‬بابيج<‪ ،‬أول َمن‬ ‫وضع تصورا آللة حاس������بة متعددة االستخدامات‪ .‬وقد أدلت‬ ‫الليدي >لوڤليس< بحجة تقول‪« :‬ليس لآللة التحليلية أن ت َّدعي‬ ‫لنفسها ابتداع أي ش������يء‪ُّ ،‬‬ ‫كل ما تستطيع فعلَه هو أن تؤ ِّدي‬ ‫َ‬ ‫عرض العالِم الكبير في‬ ‫ما نأمرها نحن بأدائه‪ ».‬وبعد مئة عام‬ ‫احلواسيب >‪ .M .A‬تيورنگ< حجة مضادة على سبيل القياس‬ ‫إلى األطفال‪ .‬فكما أن األس������اتذة ال ينالون كامل الفضل على‬ ‫اكتشافات تالميذهم‪ ،‬فليس من العدل أن ي َّدعي بش ٌر ألنفسهم‬ ‫كام������ َل الفضل على أفكار من نِتاج آالتنا‪ .‬ولهذه املناقش������ات‬ ‫أهمي������ة جتارية متنامية؛ فقانون ب������راءة االختراع في الواليات‬ ‫املتحدة مثال ينص على أن «الشخص» فقط هو الذي ميكن أن‬ ‫«يخترع» شيئا ما‪.‬‬ ‫وأخي������را‪ ،‬ما درجة األصال������ة في علم اإلنس������الة آدم؟ إن‬ ‫بعض التقاب���ل��ات بني وظائف اجلينات واإلنزميات في خميرة‬ ‫اجل َعوِ َّية ‪ -‬التي كانت اإلنسالة آدم قد َو َ‬ ‫ضعت لها‬ ‫الس������ َكيراء ِ‬ ‫ُّ‬ ‫فرضي������ات وأثبتتها جتريب ّيا ‪َ -‬م ْعرف������ ٌة مبت َكرة بالتأكيد‪ ،‬وهي‬ ‫– عل������ى تواضعها – متثل معرفة ال يس������تهان بها‪ .‬ففي حالة‬ ‫اإلنزمي ‪ ،2-aminoadipate transaminase‬اكتشفت اإلنسالة آدم‬ ‫ثالث َة جينات منفصلة ميكن أن حتل لغزًا عمره ‪ 50‬س������نة‪ .‬وال‬ ‫غرو في أن بعض اس������تنتاجات اإلنس������الة رمبا تكون خاطئة؛‬ ‫( ) ‪20 HYPOTHESES, 12 NOVEL‬‬ ‫( ) ?‪IS THE ROBOT A SCIENTIST‬‬ ‫(‪robotics )1‬‬

‫التتمة في الصفحة‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫‪93‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل‬

‫‪4/3‬‬

‫‪2011‬‬

‫ما ينتظرنا في قادم األيام‬

‫(٭)‬

‫إن الوجه اآلخر لكل نهاية هو بداية جديدة‪ .‬لقد سألت مجلة ساينتفيك أمريكان‬

‫العلماء كثيري الرؤى من بني أعضاء مجلسها االستشاري عن التوجهات اجلديدة‬ ‫التي ستقولب عاملنا خالل العقود القادمة‪ ،‬وفيما يلي ردود هؤالء العلماء‪.‬‬

‫‪10‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫) ( ‪ WHAT COMES NEXT‬أو «ماذا‬ ‫يحدث بعد»‪.‬‬


‫[تعقد]‬

‫(‪)1‬‬

‫عصر التورط الرقمي‬

‫(٭)‬

‫>‪ .D‬هيليس<‬

‫ف������ي تاري������خ ‪ 2009/11/19‬وفي مدينة‬ ‫سولت ليك األمريكية‪ ،‬توق َفت عن العمل‬ ‫موج���ه حاس���وب ‪ router‬لوح ُة‬ ‫ِّ‬ ‫داخ������ل‬ ‫دارة ‪ .circuit board‬وق������د تس������بب هذا‬ ‫اخللل في فيض من املشكالت التي أدت‬ ‫إلى منع حواس������يب التحك������م في حركة‬ ‫النقل اجلوي من التواصل على مستوى‬ ‫الوطن بأكمله‪ .‬وجنم عن ذلك إلغاء مئات‬ ‫الرحالت اجلوية‪ .‬وفي تاريخ ‪،2010/5/6‬‬ ‫هبط مؤش������ر داو جون���ز ‪،Dow Jones ‬‬ ‫لس������بب غير مفهوم مبق������دار ‪ 1000‬نقطة‬ ‫خالل دقائق لكنه عاد وارتفع‪ ،‬ألس������باب‬ ‫غير واضحة قبل نهاية ذلك اليوم‪ .‬ولوال‬ ‫أن ه������ذا االنهيار املفاجئ قد عاد وع َّدل‬ ‫نفسه؛ لنجم عن ذلك كارثة مالية عاملية‪.‬‬ ‫لقد ربطنا ‪ -‬نحن البش������ر ‪ -‬أقدارنا‬ ‫باآلالت‪ ،‬وأصبحت التقانة بالغة التعقيد‪،‬‬ ‫بحيث لم يعد بإمكاننا فهمها أو التحكم‬ ‫الكامل فيها‪ .‬وبذلك نكون قد دخلنا في‬ ‫عصر التورط الرقمي‪.‬‬ ‫اعتقد الناس حينما كانوا يعيشون في‬ ‫الغاب������ات أن الظواهر الطبيعية تنجم عن‬ ‫أشياء غامضة ال يدركها العقل‪ .‬وخالل‬ ‫العص������ور املظلمة (العصور الوس������طى)‬ ‫كان الناس يعزون حصول األحداث غير‬ ‫املتوقعة التي تغي������ر مجرى حياتهم إلى‬ ‫اآللهة‪ .‬ولكن عصر التنوير َق ّدم األسباب‬ ‫املس������ؤولة عن ذلك‪ ،‬وهكذا بدأ التحليل‬ ‫العلمي يكشف خبايا عاملنا أكثر فأكثر‪،‬‬ ‫وبدأنا نشعر بأننا منتلك ناصية األمور‪،‬‬ ‫لألمور القدر َة على تشكيل‬ ‫ومنحنا فه ُمنا‬ ‫ِ‬ ‫بيئتنا التقانية املعقدة‪.‬‬ ‫وتعد اإلنترنت (الش������بكة العنكبوتية)‬ ‫ش������اهدا على ذلك‪ .‬وربمّ ا ال يعي معظم‬ ‫الناس أنهم يعتمدون على اإلنترنت حينما‬ ‫‪11‬‬

‫يج������رون مكاملة هاتفي������ة‪ ،‬أو يح ِّلقون في‬ ‫اجلو داخل طائرة‪ .‬وفي عاملنا املتشابك‪،‬‬ ‫ازدادت صعوبة فهم النُّظم التي بنيناها‬ ‫أو معرفة كيفية إصالحها‪ .‬فبعد أسابيع‬ ‫م������ن وقوع األزم������ة املالي������ة األخيرة قام‬ ‫املنظمون بتركيب قواطع شبكات جتارة‬ ‫جدي������دة‪ ،‬آملني بأن ي������ؤدي ذلك إلى منع‬ ‫حدوث انهيار آخ������ر‪ ،‬ومع ذلك فهم غير‬ ‫متيقن���ي��ن من أن هذه املعاجلات س������وف‬ ‫عملها بالفعل دورها املنشود‪.‬‬ ‫في القرن العشرين‪ ،‬كان املبرمجون‬ ‫قادرين على توجيه حاسوب إلى ما عليه‬ ‫أن يفعله بالضبط‪ .‬لقد مارسوا سيطرة‬ ‫كامل������ة عل������ى منظومة كان������وا يفهمونها‬ ‫متاما‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فإن املبرمجني يربطون‬ ‫به������ا زجالت جتميع���ة‪ modules ‬معقدة‬ ‫قام آخ������رون بتجميعها‪ ،‬دون أن يعرفوا‬ ‫متاما كيف تق������وم األجزاء بأداء عملها‪.‬‬ ‫وعلى س������بيل املثال‪ ،‬فإن البرنامج الذي‬ ‫ُيوجِّ������ه الناقالت البري������ة لتزويد املخازن‬ ‫بحاجته������ا م������ن البضائ������ع‪ ،‬يحتاج إلى‬ ‫معرفة مكان وجود هذه الناقالت‪ ،‬ومواقع‬ ‫املخ������ازن وما بها من مخ������زون‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى خرائ������ط الطرق‪ .‬ويق������وم البرنامج‬ ‫باتباع ه������ذه املعلوم������ات بالتواصل مع‬ ‫برامج أخرى عب������ر اإلنترنت‪ ،‬وقد يقوم‬ ‫البرنامج بدعم النظم التي تتتبع الطرود‬ ‫وتدفع مستحقات السائقني ويتابع كذلك‬ ‫صيانة الشاحنات‪.‬‬ ‫وس������عنا هذه الصورة لتش������مل‬ ‫وإذا َّ‬ ‫املصان������ع ومحط������ات تولي������د الكهرباء‪،‬‬ ‫إضاف������ة إل������ى العامل���ي��ن ف������ي مجاالت‬ ‫التس������ويق واإلعالن والتأمني واملتابعني‬ ‫وجت������ار اجلمل������ة‪ ،‬فإنك س������ترى عندئذ‬ ‫النظام املعقد الذي يقف خلف القرارات‬ ‫اليومية العديدة‪ .‬وم������ع أننا نحن الذين‬ ‫ابتدعناها‪ ،‬إال أننا لم نصممها بالضبط‪،‬‬ ‫ولكنها نش������أت على هذا النحو‪ ،‬ونحن‬ ‫نعتمد عليها ولكننا ال ن ُْحكِ م الس������يطرة‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫الكاملة عليه������ا‪ .‬فكل خبير يعرف جانبا‬ ‫من األحجية‪ ،‬لكن الصورة الكاملة أكبر‬ ‫من أن تُدرك‪.‬‬ ‫لقد حان الوقت لنبدأ توجها معاكسا‪،‬‬ ‫إذ ينبغي أن نبدأ ببناء نُظم دعم بسيطة‬ ‫ميكن لش������خص واحد أن يفهمها جيدا‪،‬‬ ‫وذلك بهدف حماية أنفسنا حينما تفشل‬ ‫ال ُّنظ������م املهمة (احلرجة)‪ .‬فخالل العقود‬ ‫املاضي������ة كان بإمكان مش������ ِّغلي املذياع‬ ‫ال ُه������واة أن ُي ْبقوا العال������م على تواصل‪،‬‬ ‫وإذا تعطلت وسائل االتصال التجارية‪،‬‬ ‫علينا أن نطور ن ُ​ُظم اتصاالت بس������يطة‪،‬‬ ‫ال‪ ‬تعتم������د على اإلنترن������ت‪ ،‬حتى تتمكن‬ ‫احلضارة من االس������تمرار إذا ما حدث‬ ‫هج���وم س���يبري‪ cyberattack ‬أو هجوم‬ ‫من ڤيروس������ات احلواس������يب‪ ،‬أو حدث‬ ‫ط������ارئ غير متوقع يؤدي إلى تش������ويش‬ ‫الفضاء السيبري ‪.cyberspace‬‬ ‫حينم������ا يتحق������ق الن������اس م������ن أننا‬ ‫عدنا إلى الغاب������ة الرقمية التي خلقناها‬ ‫بأنفس������نا‪ ،‬فإن بعضهم سوف يعود إلى‬ ‫الروحانيات‪ .‬إن معظم الناس مستعدون‬ ‫لقب������ول التعق���د(‪ )1‬والتعايش معه‪ .‬ولكن‬ ‫البع������ض س������يحاول أن يعي������ش خارج‬ ‫الش���بكة ‪ ،off the grid‬في حني أن القلة‬ ‫س������وف تستغني عن اس������تخدام املواقع‬ ‫اإللكتروني������ة أو الهوات������ف اخللوي������ة أو‬ ‫اإلنارة الكهربائية أو الپنسلني‪.‬‬ ‫وسواء أأعجبك األمر أم ال‪ ،‬فإن شدة‬ ‫اعتمادنا على اإلنترنت سوف متنعنا من‬ ‫االس������تغناء عنه‪ ،‬إن قدر كل منا مرتبط‬ ‫بأقدار اآلخرين وكذلك بتقاناتنا‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫>هيليس<‪ ،‬هو مؤسس مشارك ملؤسسة ‪،Long Now‬‬ ‫وقد نشر نبوءته بأن املشكلة ‪ )2(Y2K‬لن حتدث‪.‬‬ ‫( ) ‪The age of digital Entanglement‬‬ ‫(‪complexity )1‬‬

‫(‪ )2‬املش������كلة ‪ :Y2K‬هي مشكلة تو َّقع البعض أن تتعرض‬ ‫لها احلواس������يب‪ ،‬عند دخولنا في القرن العش������رين‬ ‫)‪ ،(Year Two Thousand‬ل������دى كتاب������ة احلواس������يب‬ ‫للتواريخ‪.‬‬ ‫(التحرير)‬


‫[هندسة حيوية]‬

‫حياة مصممة حسب الطلب‬

‫( )‬

‫>‪ .A‬كپالن<‬

‫ف������ي الش������هر ‪ ،2010/5‬أعل������ن‬ ‫ڤينت������ر< أن������ه وزم���ل��اءه‪ ،‬ك ّون������وا بكتيريا‬ ‫جديدة حي������ة من جين���وم ‪ genome‬فكّوا‬ ‫ك���وده ‪ ،decoded‬وأعيد بن������اؤه صنعيا‪،‬‬ ‫وبع������د أن أزيل ُلبُّ���ه ‪ cored-out‬أقحم في‬ ‫بقايا بكتي���رة ‪ bacterium‬تعرف باس������م‬ ‫مايكوپالزم���ا ‪ .Mycoplasma‬وحينم������ا‬ ‫ب������دأت البكتيرة الهجينة الناجمة عن ذلك‬ ‫متعض صنعي ‪the‬‬ ‫ٍ‬ ‫بالتكاثر‪ ،‬تشكل أول‬ ‫‪ .first artificial organism‬وه������ذا يتحدى‬ ‫الفكرة القدمي������ة الراس������خة املبنية على‬ ‫أن بعث قبس احلي������اة ال يحدث إال بقوة‬ ‫خاصة أو إرادة قاهرة‪.‬‬ ‫لقد كان ه������ذا أكبر متثي������ل درامي‬ ‫>‪.C .J‬‬

‫[تقانة املعلومات]‬

‫عصر التخزين الالمحدود‬

‫( )‬

‫>‪ .E‬فلنت<‬

‫������جله‬ ‫تصور أنك حتمل جميع ما س ّ‬ ‫اجلنس البش������ري من موس������يقى في‬ ‫جيب������ك‪ .‬إن ه������ذا األمر س������يتحقق مع‬ ‫نهاية العقد احلالي‪ ،‬أما إذا كنت تريد‬ ‫أن تض������ع في جيبك تس������جيال جلميع‬ ‫ما أنتجه اإلنس������ان من أفالم أو برامج‬ ‫تلفزيونية‪ ،‬فإن األمر سيس������تغرق عدة‬ ‫س������نوات أخرى‪ .‬أو تص������ور أنك تريد‬ ‫أن تعمل تس������جيال صوتيا جلميع ما‬ ‫َم َّر بك من أحداث ط������وال حياتك‪ ،‬من‬ ‫البداي������ة إلى النهاي������ة‪ ،‬فمثل هذا األمر‬ ‫ممك������ن حاليا‪ .‬أما التس������جيل املصور‬ ‫فس������يكون ممكن������ا في بضع������ة أعوام‬ ‫قادمة‪ .‬فأجهزة تخزي������ن البيانات مثل‬ ‫‪12‬‬

‫لقدرة االصطناع البيولوجي‪ ،‬وهو مجال‬ ‫حديث َيعِ ُد بحل العديد من مش������كالتنا‬ ‫األكثر إحلاحا‪ .‬ويرغب الباحثون حاليا‬ ‫في صنع البكتيريا التي ميكن أن تهضم‬ ‫النف������ط والتلوث الكيميائ������ي الناجم عن‬ ‫التس������ربات والتدفقات التي قد حتدث‪،‬‬ ‫أو ميكنها أن تنتج الهدروجني أو أنواع‬ ‫الوقود الس������ائلة من نور الشمس‪ ،‬أو أن‬ ‫تقض������ي على الكولس������تيرول وغيره من‬ ‫املواد اخلطي������رة التي ميكنها أن تتجمع‬ ‫في أجسامنا‪.‬‬ ‫وعل������ى الرغم م������ن أن ه������ذه التقانة‬ ‫ال زال������ت ف������ي امله������د‪ ،‬إال أنه������ا حتتاج‬ ‫إل������ى مراقبة مبكرة‪ ،‬خوف������ا من أن يقوم‬ ‫أناس أش������رار بتحضير بكتيريا ضارة‪،‬‬ ‫أو ُي ْهمِ ُ‬ ‫������ل الباحث������ون اجلي������دون قواعد‬ ‫الس���ل��امة‪ ،‬مما يؤدي إلى أخطار كبيرة‬ ‫تهدد صحتنا وبيئتنا‪ .‬لقد اتس������م عمل‬ ‫>ڤينت������ر< ومجموعته باحل������ذر‪ ،‬فقاموا‬ ‫الس���واقات الصلب���ة ‪ hard drives‬أو‬ ‫الذاك���رة الومضي���ة ‪،flash memory‬‬ ‫أصبح������ت فائق������ة الكثاف������ة ورخيصة‬ ‫الس������عر؛ وس������تكون طاق������ة التخزين‬ ‫فيه������ا غير محدودة‪ .‬وحقب������ة التخزين‬ ‫الالمحدود سوف تبدأ عما قريب‪.‬‬ ‫وبينما تهبط تكلفة الذاكرة ُأسِّ������ ًّيا‪،‬‬ ‫ف������إن اآلالت املتوف������رة مث������ل الهواتف‬ ‫اخللوي������ة ُتس������تخدم أيض������ا جلم������ع‬ ‫البيان������ات‪ .‬إذا أضفت إلى ما س������بق‬ ‫البرام���ج ‪ software‬املس������تخدمة ف������ي‬ ‫الفهرس������ة وآالت البحث اجليدة‪ ،‬فإنك‬ ‫س������تحصل على أرش������يف لكل شيء‬ ‫رأيت������ه أو فعلته؛ ثم أض������ف إلى ذلك‬ ‫أدوات حتلي������ل البيان������ات ليتوفر لديك‬ ‫صورة جديدة عن حياتك‪.‬‬ ‫لقد تغيرت الطريقة التي ننظر فيها‬ ‫إلى املعلومات أيضا‪ .‬فبدال من أن يكون‬ ‫علين������ا أن نقرر ما يج������ب أن نحتفظ به‪،‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫بإجراء تغييرات جزيئية بسيطة ليضعوا‬ ‫عالمة مائية مميزة ‪ watermark‬على ما‬ ‫يقوم������ون باصطناعه‪ ،‬ومثل هذا اإلجراء‬ ‫ينبغي أن يك������ون إجباريا‪ ،‬لتحديد هوية‬ ‫العالم أو الشركة املستخدمة لهذه التقانة‬ ‫ف������ي مجال االصطن������اع البيولوجي‪ .‬إن‬ ‫عملية إيضاح هذه املشكالت وعرضها‪،‬‬ ‫سوف تتطلب جهودا وطنية ودولية‪.‬‬ ‫وقد يعتقد البعض أن تكوين بكتيريا‬ ‫ِّ‬ ‫احلط من‬ ‫جديدة قد يؤدي بشكل ما إلى‬ ‫قيمة احلياة وقدسيتها‪ ،‬ولكنني ال أعتقد‬ ‫أن هذا س������يحدث‪ .‬فف������ي نهاية املطاف‪،‬‬ ‫ُيع������ ُّد هذا األمر نص������را للمعرفة‪ .‬ونحن‬ ‫نعزز القيمة التي نس������بغها على احلياة‬ ‫عندما نفهم بشكل أفضل كيفية عملها‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫>كپالن< أستاذ «إميانويل وروبرت هارت» لعلم‬ ‫األخالق احليوية ‪ Bioethics‬في جامعة پنسلڤانيا‪.‬‬

‫صار بإمكاننا االحتفاظ بكل شيء‪ .‬وبدال‬ ‫م������ن أن نقرر ما يجب تدوينه‪ ،‬ميكننا أن‬ ‫ند ّون كل شيء‪.‬‬ ‫ال ل������زوم ألن تعان������ي بع������د اآلن لكي‬ ‫تتذكر اسم مطعم تناولت فيه الطعام قبل‬ ‫ثالثة أعوام خلت في مدينة كليڤالند‪ ،‬إذ‬ ‫ميكنك استشارة أرشيفك املصور لتجده‬ ‫فورا‪ .‬ويقوم بعض هواة ألعاب احلاسوب‬ ‫حاليا‪ ،‬بتسجيل جميع تفاصيل أحداث‬ ‫حياته������م‪ ،‬ويس������تخدمون برامج خاصة‬ ‫بالتحليل لتحديد موقع هذه األحداث‪ ،‬مما‬ ‫يساعدهم على حتسني نظامهم الغذائي‪،‬‬ ‫ومراقبة نظ������م التدريبات الرياضية التي‬ ‫يؤدونها‪ ،‬أو حتديد األش������ياء التي ميكن‬ ‫أن تؤثر في مزاجهم‪.‬‬ ‫وسوف يش������كل التخزين الالمحدود‬ ‫تهديدا خلصوصيتن������ا املفترضة‪ .‬ففي‬ ‫( ) ‪Life designed to order‬‬ ‫) ( ‪The era of infinite storage‬‬


‫كثير من األوقات س������وف يظهر في أحد‬ ‫األمكن������ة م������ا ُد ّون في س������جالت أناس‬ ‫آخري������ن‪ .‬وكل خطوة خاطئة خطوتها أو‬ ‫عمل مخجل قمت به سيبقى معروفا إلى‬

‫األبد‪ ،‬إال إذا اتخذت خطوات لش������طبه‪.‬‬ ‫إنن������ا بحاجة إل������ى رأي ع������ام جديد أو‬ ‫حتى قوانني جديدة‪ ،‬للتحكم في تخزين‬ ‫املعلومات واستخدامها‪ ،‬وتبرز حاجتنا‬

‫[علم األعصاب]‬

‫الواعي‪ ،‬وفي األعوام القادمة سيقومون‬ ‫تدريجي������ا بالكش������ف ع������ن التفاصيل‪،‬‬ ‫ويكون������ون بذلك قد كش������فوا الكثير مما‬ ‫نقاشات نظرية وفلسفية‪.‬‬ ‫كان موضوع‬ ‫ٍ‬ ‫وتزودن������ا العديد من توجهات البحث‬ ‫حالي������ا بنتائ������ج مقنع������ة‪ .‬ويق������وم أطباء‬ ‫األعص������اب بتصوي������ر وظائ������ف الدماغ‬ ‫وإج������راء مخططات الدم������اغ الكهربائية‬ ‫)‪ (EEGs‬لتحديد املدى الذي ميكن ملريض‬ ‫مصاب في دماغه‪ ،‬ولكنه يقظ وال يحس‬ ‫بالدنيا م������ن حوله‪ ،‬أن يتمتع مبش������اعر‬ ‫أو بعق������ل ح������ي‪ .‬ويق������وم العلم������اء بعزل‬ ‫التراب������ط العصبون���ي ‪ ،neuronal‬وهي‬ ‫إش������ارات نوعية بني مجموع������ات منتقاة‬ ‫من العصبون������ات ‪ -‬والتي تعزز اإلدراك‬ ‫الواعي للتنبيهات القادمة من احلواس‪،‬‬ ‫س������واء كانت ناجمة عن مربعات صفراء‬ ‫صغيرة أو عن جنم س������ينمائي معروف‪.‬‬ ‫وتتضمن آخر تقنيات دراسة حالة اخلبل‬

‫تفسير سر اإلدراك (الوعي)‬

‫( )‬

‫>‪ .C‬كوخ<‬

‫لقد حيرت ثنائية العقل ‪ -‬اجلس������د‬ ‫أعظ������م مفك������ري البش������رية من������ذ أيام‬ ‫������وفي اإلغريق َّي���ْي��نْ أفالط������ون‬ ‫الفيلس نْ‬ ‫وأرسطو‪ ،‬وكان اإلنسان يتساءل دائما؛‬ ‫كي������ف ميك������ن لقبضة من امل������ادة داخل‬ ‫اجلمجم������ة أن تول������د اإلدراك والوعي؟‬ ‫وهل يتطلب الوعي شيئا غير جسداني‪،‬‬ ‫أي غير مادية؟ وهل مبقدورنا أن نخلق‬ ‫كائنا صنعيا ‪ golem‬ثم نزوده باملشاعر‬ ‫واألحاسيس؟ لقد بقي املفكرون املبدعون‬ ‫لقرون عديدة يتفكرون ويتأملون في هذا‬ ‫األمر في غياب احلقائق امللموسة‪ .‬ولكن‬ ‫تلك األيام و ّل������ت ومضت‪ .‬فالعلماء اآلن‬ ‫يكش������فون عن األس������اس املادي للعقل‬ ‫‪13‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫املاسة إلى ذلك منذ اآلن‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫>فلنت< هو مدير مركز سياسات تقانة املعلومات‬ ‫في جامعة پرنستون‪.‬‬

‫(اجلن������ون) في عل���م الوراث���ة الضوئي‬

‫‪ optogenetics‬أن يزرع الباحثون جينات‬ ‫تك ّود الپروتينات احلساس������ة للضوء في‬ ‫عصبون������ات دماغ أحد احليوانات‪ ،‬وبعد‬ ‫ذلك يقومون بإحداث ومضات من ضوء‬ ‫مل������ون مل������دد قصيرة‪ ،‬لتش������غيل اخلاليا‬ ‫العصبية أو إغالقه������ا‪ ،‬وذلك إما بهدف‬ ‫تفحص الدماغ أثناء عمله أو التأثير فيه‪.‬‬ ‫وميكن اآلن لعلماء األعصاب التنقل بني‬ ‫مج������رد مراقبة الدماغ إل������ى التدخل في‬ ‫شريط معلوماته املرهف‪.‬‬ ‫ينجم ع������ن هذه الدراس������ات حاليا‬ ‫نظري������ات جدي������دة ح������ول موض������وع‬ ‫اإلدراك‪ ،‬وذلك بناء على علم املعلوماتية‬ ‫والرياضي������ات‪ ،‬التي ميكنها أن تصف‬ ‫اخلواص التي ينبغي أن يتمتع بها نظام‬ ‫فيزيائي (مثل ش������بكة من العصبونات)‬ ‫( ) ‪An Answer to the riddle of‬‬ ‫‪Consciousness‬‬


‫ل ُيع َّد نظاما واعيا‪ ،‬ومثل هذه النظريات‬ ‫ستزودنا بإجابات كمية عن أسئلة طاملا‬ ‫عجزنا عن اإلجابة عنها‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬ ‫هل مبقدور املريض املتعرض للمخاطر‬ ‫الشديدة أن يكون واعيا؟ ومتى يصبح‬ ‫الطف������ل الوليد م������دركا؟ وهل ميكن أن‬

‫يكون اجلنني في جميع مراحله واعيا؟‬ ‫وهل ي������درك الكلب ما يدور حوله‪ ،‬مثله‬ ‫مثل كائن قادر على التفكير؟ ماذا عن‬ ‫اإلنترن������ت (الش������بكة العنكبوتية) وما‬ ‫يتصل بها من باليني احلواس������يب؟ إن‬ ‫مجتمعنا سوف يحصل على اإلجابات‬

‫[طاقة]‬

‫األخرى قد أصبح قريبا‪ .‬ولكن ال ندري‬ ‫إن كانت انعكاس������اته على اقتصادنا‬ ‫وبيئتنا س������تكون جيدة أم سيئة‪ ،‬إال أن‬ ‫األمر في النهاية يعتمد على القرارات‬ ‫التي نأخذها اليوم‪ .‬وليس من املس������ ّلم‬ ‫به أننا سنس������تخدم أنواع وقود بديلة‬ ‫تك������ون أفضل م������ن الگازولني‪ ،‬ذلك أن‬ ‫لدين������ا اآلن العديد م������ن البدائل األقل‬ ‫تكلفة والتي لم تثب������ت أفضليتها على‬ ‫الگازول���ي��ن‪ .‬وميكن ألنواع وقود صلبة‬ ‫مثل الطف���ل النفطي ‪ ،oil shale‬ورمال‬ ‫القار ‪ ،tar sands‬والسوائل املستخرجة‬ ‫من الفحم أن متأل الفراغ‪ ،‬ولكنها ميكن‬ ‫أن تزيد من األض������رار البيئية‪ .‬وهناك‬ ‫إغراءات كثيرة الستخدام هذه األنواع‬ ‫من الوقود الصلب وهي إغراءات تقلل‬ ‫م������ن االهتمام بالنفط اخل������ام اخلفيف‬ ‫القليل الكبريت‪ ،‬إضافة إلى أن تقانات‬ ‫حتويله������ا إلى الش������كل الس������ائل تقل‬ ‫تكلفتها مع مرور الزمن‪.‬‬ ‫ولكن املش������كلة تكمن بالطبع في أن‬ ‫كل برميل من هذا الوقود السائل يحتاج‬ ‫تكريره ‪ refine‬أو تخليصه من الشوائب‪،‬‬ ‫إلى قدر من الطاقة أكبر مما نحتاج إليه‬ ‫لتكري������ر برميل من النفط اخلام اخلفيف‬ ‫القليل الكبريت‪ ،‬وهذا يعني أن انبعاثات‬ ‫الكربون لكل وحدة طاقة نقوم بإنتاجها‬ ‫س������وف تزداد‪ ،‬م������ا لم نس������تخدم ن ُ​ُظم ًا‬ ‫النتزاع الكربون من الغ������ازات املنطلقة‬ ‫على نطاق واس������ع‪ .‬ونظ������را ألن تقنيات‬ ‫التعدين واإلنتاج تختلف بشكل جذري‬

‫مآل النفط إلى زوال‬

‫( )‬

‫>‪ .M‬ويبر>‪- .D‬‬

‫< كامن<‬

‫لقد ظل النفط عماد قطاع النقل ملا‬ ‫يزيد على قرن من الزمن‪ .‬ومن احملتمل‬ ‫أن تنتهي هذه السيطرة عما قريب نظرا‬ ‫لتضافر عدد من القوى واملؤثرات‪ .‬فمن‬ ‫ناحية‪ ،‬هناك العديد من الرس������وبيات‬ ‫النفطية اجلدي������دة املتوافرة في أماكن‬ ‫ُ‬ ‫الوصول إليه������ا صعوب ًة‪ .‬ومن‬ ‫ي������زداد‬ ‫ناحية أخرى‪ ،‬فإن التشريعات البيئية‬ ‫تزداد صرامة‪ ،‬وميكن أن تزداد أكثر‬ ‫من ذلك بع������د اآلثار التي تركتها بقعة‬ ‫النفط التي تسببت فيها شركة بريتش‬ ‫پترولوي������وم ‪ BP‬في خليج املكس������يك‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن السيارات التي‬ ‫تعمل بالكهرب������اء قادمة تدريجيا‪ .‬وقد‬ ‫قرر الكونغ������رس األمريكي أن يعتمد‬ ‫ُخم������س الوقود الس������ائل املس������تخدم‬ ‫للنق������ل عل������ى الوقود احلي������وي وليس‬ ‫عل������ى النفط‪ ،‬وعل������ى أن يبدأ نفاذ هذا‬ ‫القرار بحل������ول عام ‪ .2022‬وتؤكد هذه‬ ‫العناص������ر على أن ح������دة الطلب على‬ ‫الگازولني (البنزين) س������وف تزداد (أو‬ ‫أنها ازدادت بالفعل)‪ ،‬وس������وف يعقب‬ ‫ذل������ك بعد فترة قصيرة قلة الطلب على‬

‫زي���ت النف���ط اخلام اخلفي���ف القليل‬ ‫احملت���وى م���ن الكبري���ت ‪light sweet‬‬

‫‪.crude oil‬‬ ‫إن التح������ول إل������ى أن������واع الوقود‬ ‫‪14‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫م������ن هذه األس������ئلة عما قري������ب‪ ،‬وهذا‬ ‫سيشكل خدمة كبيرة‪.‬‬ ‫املؤلف‬

‫>كوخ< هو أستاذ علم احلياة املعرفي والسلوكي في‬ ‫معهد كاليفورنيا للتقانة‪.‬‬

‫ع������ن مثيالتها املس������تخدمة في معاجلة‬ ‫البترول‪ ،‬فإن مساحات من األرض واملاء‬ ‫ميكن أن تتأثر بيئيا‪.‬‬ ‫وميكننا أن نتخيل س������يناريو أكثر‬ ‫تف������اؤال‪ ،‬تقوم في������ه الكهرب������اء والغاز‬ ‫الطبيعي والوق������ود احليوي من اجليل‬ ‫الق������ادم وغيرها من مص������ادر الطاقة‬ ‫النظيفة نس������بيا‪ ،‬إضافة إلى حتس������ن‬ ‫اقتصادات الوقود‪ ،‬بالتقليل التدريجي‬ ‫للقيمة االس������تراتيجية للخام اخلفيف‬ ‫القليل الكبري������ت‪ .‬إال أن الوصول إلى‬ ‫هذا املس������تقبل األكثر إشراقا‪ ،‬يتطلب‬ ‫أن نحس������ن إدارة الفت������رة االنتقالية‪.‬‬ ‫وميكن حتقيق ذلك بإقرار مجموعة من‬ ‫سياس������ات الطاقة التي تساعدنا على‬ ‫ب������زوغ نظام طاقة أنظ������ف وأكثر أمانا‬ ‫ومرونة وأقل تكلفة‪.‬‬ ‫وإذا متكن������ا م������ن تش������ريع ه������ذه‬ ‫السياسات‪ ،‬فإن أحفادنا سوف يطلون‬ ‫من س������ياراتهم الهادئ������ة والنظيفة التي‬ ‫تعمل بوقود محلي ويضحكون من فكرة‬ ‫أن األمم ق������د خاض������ت بالفع������ل حروبا‬ ‫ضد بعضها بهدف الس������ ــيطـ ــرة عــلى‬ ‫مـكــام ـ ــن النفـ ــط ال ـ ــذي ال فائدة منه‪.‬‬ ‫املؤلفان‬

‫>ويبر< هو مدير مشارك للمركز الدولي للطاقة‬ ‫والسياسات البيئية في جامعة تكساس مبدينة‬ ‫أوسنت‪ .‬أما >كامن< فهو املدير املؤسس ملختبر‬ ‫الطاقة املتجددة واملالئمة في جامعة كاليفورنيا‬ ‫مبدينة بيركلي‪.‬‬ ‫( ) ‪The obsolescence of oil‬‬


‫[سياسة]‬

‫طاقة ال تؤذي صحتنا‬

‫( )‬

‫>‪ .J‬وولزي<‬

‫قد يكون عصر س������يطرة النفط على‬ ‫وس������ائل النقل في طريقه إل������ى الزوال‪،‬‬ ‫ولك������ن ه������ذه النهاية س������تأتي ببطء وفق‬ ‫املعدالت احلالية‪ .‬وفي هذه األثناء سوف‬ ‫يستمر استهالكنا للنفط مسببا تخريبا‬ ‫للبيئ������ة وخلق مش������كالت اس������تراتيجية‬ ‫واقتصادية هائلة‪ .‬وكان ميكن للواليات‬ ‫املتح������دة األمريكي������ة أن تب������دأ التحول‬ ‫بسرعة أكبر ومبشكالت أقل من خالل‪:‬‬ ‫حتس���ي��ن أداء آالت االحتراق الداخلي‪،‬‬ ‫وتشجيع استخدام املركبات الكهربائية‪،‬‬ ‫إضافة إلى اس������تخدام الغ������از الطبيعي‬ ‫في وسائل النقل البحرية وعربات النقل‬ ‫العابرة للواليات‪ ،‬وكذلك فتح املجال أمام‬ ‫الوقود احليوي مثل اإليثانول وامليثانول‬ ‫للتنافس في س������وق الوقود‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫دعم األبح������اث الهادفة إلى إنتاج أنواع‬ ‫وق������ود حي������وي جديدة مس������تخرجة من‬ ‫الفضالت والطحالب‪.‬‬ ‫وحتتاج مثل هذه اخلطوات اجلريئة‬ ‫إلى إرادة سياسية يفتقر إليها أصحاب‬ ‫القرار في واش������نطن‪ ،‬ولك������ن هذا األمر‬ ‫قد يتغير إذا أخذ قادة األمة باحلسبان‬ ‫املكاس������ب الصحية التي س������تنجم عن‬ ‫العزوف عن اس������تخدام النف������ط‪ ،‬والتي‬ ‫تتمثل بتقليل عدد اإلصابات بالسرطان‬ ‫وأمراض البدانة (السمنة)‪.‬‬ ‫[تطور]‬

‫نافذة جديدة على أصول البشر‬

‫( )‬

‫>‪ .L‬أي ّلو<‬

‫منذ فترة طويلة‪ ،‬اعتم������د علماء تطور‬ ‫البش������ر على دراس������ة العظام املستحاثية‬ ‫(األحفورية) ‪ fossilized bones‬وعـ ـلــى م ـ ــا‬ ‫‪15‬‬

‫ويتخذ األذى الذي يس������ببه استخدام‬ ‫النفط على صحة املواطنني أشكاال عدة‪،‬‬ ‫ذلك أن النظم النافذة في قانون نقاء الهواء‬ ‫سر ِْطنات ‪carcinogens‬‬ ‫تسمح باستخدام مُ َ‬ ‫معروفة تس������مى امل������واد األروماتية‪ ،‬مثل‬ ‫البنزول والتلوي������ن والزايلني‪ ،‬بهدف رفع‬ ‫رقم األوكتان في البنزين‪ ،‬وذلك وفق >‪.C‬‬ ‫بويدن جراي< [وهو مبعوث خاص سابق‬ ‫لش������ركة الطاق���ة األوراس���ية ‪Eurasian‬‬ ‫‪ ]Energy‬وكذل������ك >‪ .A‬فارك������و< [احملامي‬ ‫في واشنطن العاصمة ‪ .]D.C.‬ويستنتج‬ ‫ه������ذان اخلبي������ران أن التكلف������ة املضافة‬ ‫املتعلق������ة بالرعاية الصحية واملوت املبكر‬ ‫في الوالي������ات املتحدة تتجاوز ‪ 100‬بليون‬ ‫دوالر سنويا‪.‬‬ ‫إن التوج������ه نحو اس������تخدام الوقود‬ ‫احلي������وي يجع������ل صحتن������ا ف������ي وضع‬ ‫أفضل أيضا‪ .‬ولك������ن النقد الذي يوجه‬ ‫إلى ذلك هو أن استخدامنا للمحاصيل‬ ‫الزراعي������ة إلنتاج الوقود س������وف يكون‬ ‫على حساب اس������تخدامها للغذاء‪ ،‬ولكن‬ ‫‪ 95‬في املئة من الذرة املزروعة تس������تهلك‬ ‫علفا للحيوانات‪ ،‬وليس غذاء للبشر‪ .‬إن‬ ‫إطعام املاش������ية املك ِّون النش������وي للذرة‪،‬‬ ‫يزيد من محت������وى الدهون في حلومها‪،‬‬ ‫ويفترض في هذا اللحم أن يكون أطيب‬ ‫مذاقا‪ ،‬لكن هذه الدهون تتسبب في رفع‬ ‫نسبة الكوليسترول في دم البشر‪.‬‬ ‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن نشاء الذرة يعد‬ ‫غذاء غير طبيعي بالنس������بة إلى املاشية؛‬ ‫حيث يسبب سوء الهضم الذي ميكن أن‬ ‫تبقى من حضارات البشر القدمية‪ ،‬وكذلك‬ ‫على علم احلياة والسلوك اخلاص بالبشر‬ ‫والقردة األحياء‪ ،‬وذلك في جهودهم الرامية‬ ‫إلى إعادة تش������كيل املاضي‪ .‬إن تسلسل‬ ‫هذا املاض������ي متمثال بجين���وم ‪genome‬‬ ‫أقرب أقربائن������ا وهو إنس���ان نياندرثال‬ ‫‪ ،Neandertal‬يفتح نافذة جديدة مهمة على‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫يؤدي إلى املرض‪ ،‬مما يدفع إلى استخدام‬ ‫كميات أكبر م������ن املضادات احليوية في‬ ‫عالج هذه األمراض‪ .‬وفي بعض األحيان‬ ‫ميكن لهذه املمارسة أن تؤدي إلى تكون‬ ‫أن������واع م������ن البكتيريا مقاوم������ة لألدوية‪،‬‬ ‫األمر الذي يؤدي إل������ى التقليل من تأثير‬ ‫الدواء في األمراض املعدية التي تصيب‬ ‫اإلنس������ان‪ .‬وبدال من ذل������ك‪ ،‬ميكننا إنتاج‬ ‫الوق������ود احليوي من نش������اء الذرة‪ .‬وفي‬ ‫الوقت نفس������ه ميكن اس������تخدام پروتني‬ ‫الذرة في غذاء احليوان‪ ،‬دون أن يتسبب‬ ‫ذلك في آثار صحية سلبية‪.‬‬ ‫وم������ن ناحية أخ������رى‪ ،‬ف������إن إغراق‬ ‫السوق بنشاء الذرة‪ ،‬بدال من استخدامه‬ ‫في إنتاج الوقود احليوي‪ ،‬يقلل من سعر‬ ‫سكر الفاكهة (الفراكتوز)‪ ،‬وهذا بدوره‬ ‫يخفض س������عر إنتاج الغذاء الغث ‪junk‬‬ ‫‪ food‬والذي من شأنه أن يؤدي إلى وباء‬ ‫السمنة‪ ،‬وبخاصة بني األطفال‪.‬‬ ‫إن اس������تخدام النفط ال يتس������بب فقط‬ ‫في مش������كالت اس������تراتيجية وبيئية ولكن‬ ‫يزيد أيضا من احتم������ال إصابتنا مبرض‬ ‫الس������رطان‪ ،‬ويس������اعد أيضا عل������ى زيادة‬ ‫اإلصاب������ة بانس������داد الش������رايني‪ ،‬وكذل������ك‬ ‫اإلصابة باألمراض املعدية ومرض السكري‬ ‫لدى األطفال‪ .‬ولنا اآلن أن نتس������اءل‪ ،‬ماذا‬ ‫ميكن للنفط أن يفعل بنا أكثر من ذلك؟‬ ‫املؤلف‬

‫>وولزي<‪ ،‬هو رئيس «الشركة»‬

‫‪Woolsey Partners‬‬

‫ومدير سابق لوكالة االستخبارات املركزية )‪.(CIA‬‬

‫تاريخنا اجلمعي البعيد‪.‬‬ ‫واعتم������ادا عل������ى جينوم������ات كل من‬ ‫النياندرثال واإلنس������ان‪ ،‬ميك������ن للعلماء‬ ‫اآلن ليس فقط دراسة املظاهر الفيزيائية‬ ‫اخلارجية للتغير التطوري الذي كتب في‬ ‫( ) ‪Energy that does not harm our health‬‬ ‫( ) ‪A new window on human origins‬‬


‫العظام واحلجارة‪ ،‬ولكن أيضا دراس������ة‬ ‫املعلوم������ات الوراثية احلقيقية التي تكود‬ ‫‪ encodes‬ه������ذه الس������مات‪ .‬وم������ن خالل‬ ‫هذا العمل ميكننا أن نتعرف املس������توى‬ ‫اجليني (الوراثي) بالضبط‪ ،‬الذي مييزنا‬ ‫عن س������ائر املخلوقات األخ������رى‪ ،‬وكيف‬ ‫ومتى نش������أت هذه العالمات املميزة‪ .‬إن‬ ‫مثل هذا التبصر ‪ insight‬سوف يزودنا‬ ‫باملعلوم������ات املفصلة عن تط ــور نـوعـن ــا‪،‬‬ ‫بش������كل يف ــوق جمي ــع ما حلم به علماء‬ ‫اإلنسان القدمي‬

‫(‪)1‬‬

‫‪paleoanthropologists‬‬

‫قبل س������نوات قليلة مضت‪ ،‬وذلك قبل أن‬ ‫يتمكن علماء الوراثة من تطوير تقانة بناء‬ ‫جينوم إنسان من عصور سحيقة‪.‬‬ ‫ومبقارن������ة التسلس������ل في إنس������ان‬ ‫النياندرث������ال بتسلس���ل��ات البش������ر هذه‬ ‫األيام‪ ،‬وجد فري������ق‪ .C> ‬پآبو< [في معهد‬ ‫ماكس پالنك لعلم اآلثار التطوري مبدينة‬ ‫اليبزگ في أملاني������ا] ‪ 200‬منطقة (موقع)‬ ‫في جينوم اإلنسان املعاصر قد تعرضت‬ ‫لتط������ور تكيف���ي ‪ adaptive‬وذلك منذ أن‬ ‫انفصل������ت املجموعت������ان إحداهم������ا عن‬ ‫األخرى‪ .‬إن قطع الدنا ‪DNA segments‬‬ ‫هذه والتي تتضمن جينات أس������همت في‬ ‫األيض وكذل������ك في تطور اجلمجمة وفي‬ ‫التطور املعرفي ‪ -‬متسك مبفتاح العوامل‬ ‫التي جتعل البشر احلديثني فريدين‪ .‬إن‬ ‫[علم اجلينومات]‬

‫دواء ميكن أن أقول إنه لي‬

‫( )‬

‫>‪ .G‬شيرش<‬

‫منذ عام ‪ ،2003‬حينما ُأعلن رس������ميا‬ ‫االنتهاء من مش������روع اجلينوم البشري‬ ‫بتكلفة بلغت ثالثة باليني دوالر‪ ،‬وهبطت‬ ‫تكلفة تسلس������ل اجلينوم البش������ري إلى‬ ‫بضع������ة ماليني‪ .‬وأصبح������ت كذلك تقانة‬ ‫اجلين���ات ‪ genes‬وهندس������تها والتحكم‬ ‫فيها في متن������اول الي������د‪ .‬ونتيجة لذلك‪،‬‬ ‫‪16‬‬

‫علماء الوراثة ال يعرفون حتى اآلن كيف‬ ‫أثرت التغيرات احلديثة في قيام مناطق‬ ‫اجلينوم هذه ب������أداء دورها‪ ،‬ولكن األمر‬ ‫ال يحتاج إال إل������ى بعض الوقت‪ ،‬قبل أن‬ ‫يكشف العلماء هذه العالقات‪.‬‬ ‫وتق������ع أبحاث������ي في مج������ال األيض‬ ‫‪ metabolism‬والــتــنــظـــيــــ���م احلــــ���راري‬ ‫‪ ،thermoregulation‬وه������و م������ن املجاالت‬ ‫التي تس������تفيد من هذا املصدر احلديث‬ ‫للبيانات‪ .‬فإنس������ان نياندرثال عاش في‬ ‫ظ������روف متجمدة في العص������ر اجلليدي‬ ‫ألوروبا‪ ،‬وقد تس������اءل الكثيرون منا عما‬ ‫إذا كان التكيف الفسيولوجي قد م َّكنهم‬ ‫من اإلحساس بالدفء دون احلاجة إلى‬ ‫ارتداء ثي������اب مناس������بة‪ .‬وعندما يتمكن‬ ‫العلم������اء م������ن حتديد التركي������ب الوراثي‬ ‫للتنظي������م احلراري‪ ،‬فس������وف نتمكن من‬ ‫البحث عن دليل على مثل هذه التكيفات‪.‬‬ ‫وإن النظري������ة املقدم������ة م������ن العديد من‬ ‫علماء اآلث������ار هي أن البش������ر احلديثني‬ ‫يتفوقون على إنسان النياندرثال جزئيا‬ ‫ألن أجس������امهم ق������د تش������كلت على نحو‬ ‫أكثر كفاءة فيما يتعلق باس������تخدام طاقة‬ ‫الطعام ‪ -‬وهذه ميزة عندما تكون املوارد‬ ‫غير مضمونة أو يصعب الوصول إليها‪.‬‬ ‫ويوفر جينوم النياندرثال وسائل مبتكرة‬ ‫الختبار هذه الفرضيات‪ ،‬وميكنه كذلك أن‬ ‫فإن علم احلياة يش������هد اآلن انفجارات‬ ‫ألنش������طة تلقائية ومتتابعة‪ ،‬وهذا يذكرنا‬ ‫مبا قام ب������ه في أوائ������ل ثمانينات القرن‬ ‫املاض������ي بع������ض املثابري������ن املجتهدين‬ ‫‪ nerds‬الذين ع َّلموا أنفس������هم بأنفس������هم‬ ‫وبذلوا جهودا جبارة لينقلونا إلى عصر‬ ‫احلاسوب الشخصي‪.‬‬ ‫ومع استمرار دَمَ ْقرَطة ‪democratization‬‬ ‫التقانة احليوية‪ ،‬فإن العالج الواحد الذي‬ ‫رأين������اه يصلح جلميع املرض������ى في املئة‬ ‫عام املنصرمة سوف ينجم عنه عالج لكل‬ ‫مريض‪ .‬وس������وف يصف األطب������اء برنامج‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫يساعد على فهم السبب في أن اإلنسان‬ ‫احلالي يتمتع بهيكل عظمي أرقى ورأس‬ ‫له ش������كل مختل������ف عما ه������و احلال في‬ ‫إنسان النياندرثال‪ ،‬وهل نحن حقا أكثر‬ ‫تقدما في مجال املعرف������ة عما كان عليه‬ ‫أقرباؤنا أصحاب األدمغة الكبيرة‪ ،‬وذلك‬ ‫حسبما يجادل فيه بعض الباحثني‪.‬‬ ‫وق������د نحصل عل������ى معلومات أخرى‬ ‫من جينومات أصناف بشرية منقرضة‪.‬‬ ‫ويقوم فريق >پآبو< حاليا بدراسة ترتيب‬ ‫دنا حصل عليه من عظم إصبع يعود إلى‬ ‫ما قبل ‪ 30 000‬إلى ‪ 50 000‬عام‪ ،‬في كهف‬ ‫دينيزڤا في جبال الطاي في س������يبيريا‪،‬‬ ‫وال������ذي ميكن أن ميثل صنف������ا جدي ــدا‪.‬‬ ‫ويش������ير هـذا أيضا إلى حــدوث هجرات‬ ‫أخرى لإلنسان القدمي إلى يوراسيا من‬ ‫إفريقيا أكثر مما كان يظن س������ابقا‪ .‬ومع‬ ‫انضم������ام مجموعات بح ـ������ث جديدة إلى‬ ‫جهوده������ا لتعرف تسلس������ل وحتليل دنا‬ ‫اإلنسان القدمي‪ ،‬فإن علم الوراثة القدمي‬ ‫س ـ ــوف يســتمر دون شك بتشكيل فهمنا‬

‫للملحمة (األوديسة) البشرية(‪human )2‬‬

‫‪ odyssey‬لعقود قادمة‪.‬‬

‫املؤلف‬ ‫>أيلو<‪ ،‬هي رئيس مؤسسة وينر گرين‬ ‫لألبحاث األحفورية في مدينة نيويورك‪.‬‬

‫‪Wenner Gren‬‬

‫وقاية خاص بكل ف������رد‪ ،‬ويقومون بإجراء‬ ‫تش������خيص ش������امل وفق جينات وبكتيريا‬ ‫ومثي���رات حساس���ية ‪ allergens‬وفط���ور‬ ‫‪ fungi‬وڤيروس������ات‪ ،‬ونظ������ام مناع������ة كل‬ ‫مريض‪ .‬وكما أن س������كان الق������رى النائية‬ ‫بإمكانه������م اآلن التعام������ل مع ق������وة وتعقد‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬فإنهم س������يكونون أيضا قادرين‬ ‫على إيجاد حلول للرعاية الصحية تناسب‬ ‫( ) ‪Medicine I can call my own‬‬

‫(‪ )1‬أو علماء اإلناسة‪.‬‬ ‫(‪ )2‬األوديسة ‪ :Odyssey‬قصيدة ملحمية تنسب إلى الشاعر‬ ‫اليونان������ي >هوميروس<‪ ،‬وهي تتحدث عن رحلة البطل‬ ‫اليوناني >أوديسيوس< الطويلة بعد سقوط طروادة‪.‬‬


‫عاداته������م وجغرافيتهم وكل فرد منهم‪ .‬إن‬ ‫دراس������ة التوافقات ب���ي��ن اجلينات وعوامل‬ ‫البيئ������ة ميك������ن أن تقود إل������ى تغييرات في‬ ‫النظ������ام الغذائي واألدوية والس������لوك مما‬ ‫يس������اعدنا على زيادة عدد السنوات التي‬ ‫نعيشها بصحة جيدة‪.‬‬ ‫وفي املس������تقبل القريب‪ ،‬س������وف ينشأ‬ ‫نظ���ام بيئ���ي ‪ ecosystem‬معقد يجمع بني‬ ‫العامل���ي��ن في مج������ال الرعاي������ة الصحية‬

‫ومنتج������ي البرمجيات ‪ software‬يس������اعد‬ ‫األطباء على معاجلة كل مريض كشخص‬ ‫قائم بذات������ه‪ .‬إن خالياك اجلذعي���ة ‪stem‬‬ ‫‪ cells‬س������وف ت َُش������ َّك ُل الس������تخدامها في‬ ‫عالج������ات خاصة‪ .‬وس������وف تتم َسلْ َس������لَة‬ ‫جينومك كل عام أو نحوه‪ ،‬بهدف كش������ف‬ ‫نشوء خاليا س������رطانية‪ ،‬أو خاليا مناعة‬ ‫ذاتي���ة ‪ autoimmune cells‬أو ح������دوث‬ ‫التهاب������ات‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬كم������ا أن الطبيب‬

‫[زراعة]‬

‫طبقت في م������زارع مؤهلة ومرخصة لذلك‪،‬‬ ‫أو ضمن أنواع الزراعة التقليدية‪ ،‬ميكنها‬ ‫أن تنف������ي احلاجة إلى املواد الكيميائية أو‬ ‫تقللها‪ ،‬وعلى س������بيل املث������ال‪ ،‬فإن زراعة‬ ‫احلب���وب ‪ grains‬أو البق���ول ‪legumes‬‬ ‫على التعاقب‪ ،‬تس������اعد على احلفاظ على‬ ‫النتروجني في التربة‪ ،‬مما يقلل احلاجة إلى‬ ‫اس������تخدام األسمدة‪ ،‬وهذا ما تفعله أيضا‬ ‫إضافة محصول ثالث أو رابع إلى الدورة‬ ‫الزراعية‪ ،‬وترك مزيد من بقايا النباتات في‬ ‫التربة بع������د احلصاد‪ ،‬إضافة إلى إمكانية‬ ‫زراعة األرض باألعش������اب وحتويلها إلى‬ ‫مراع‪ .‬ونحتاج ف������ي الواليات املتحدة إلى‬ ‫ٍ‬ ‫رصد معونات حكومية للمزارع الفدرالية‬ ‫ وه������ي املعون������ات التي تس������تخدم حاليا‬‫ملكاف������أة املزارعني لزراعة احلبوب والقطن‬ ‫وف������ول الصويا والقمح واألرز ‪ -‬وهذا كله‬ ‫بهدف زيادة دورات احملاصيل‪.‬‬ ‫ومن أجل احلفاظ على خصوبة التربة‬ ‫وتقليل تآكلها وتعريتها‪ ،‬ميكن للعديد من‬ ‫املزارعني اس������تخدام أسلوب الزراعة من‬ ‫دون حراث���ة(‪ ،no-till-farming )1‬والت������ي‬ ‫تجُ ْرى فيها عملية الزراعة من دون حراثة‬ ‫األرض أو جتريفها‪ .‬وأخيرا‪ ،‬نو ُّد أن نقلل‬ ‫الفاقد من الناجت الزراعي‪ ،‬ذلك أننا ُن َب ِّد ُد‬ ‫ما بني ‪ 30‬إلى ‪ 40‬في املئة من الطعام‪ ،‬وهذا‬ ‫ينطبق على الدول النامية (التي تفقد هذه‬ ‫النس������بة أثناء عمليات النقل بسبب سوء‬ ‫الطرق املس������تخدمة ونظم التخزين)‪ ،‬كما‬

‫ثورة الزراعة القادمة‬

‫( )‬

‫>‪ .J‬ريگانولد<‬

‫م������ع حلول منتصف الق������رن احلالي‪ ،‬من‬ ‫املتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى تسعة‬ ‫باليني نسمة‪ ،‬ويرى بعض اخلبراء‪ ،‬أن أسلوب‬ ‫الزراع������ة التقليدي هو الق������ادر على إنتاج ما‬ ‫يكفي من الطعام لكل فرد‪ .‬ولكن اختيار هذا‬ ‫الطريق سوف يتسبب في دمار هائل للبيئة‪.‬‬ ‫ومن حسن احلظ أننا منتلك خيارات أخرى‪،‬‬ ‫فبالتح������ول من ممارس������ات تكثي������ف اإلنتاج‬ ‫باالعتم������اد على املوارد املتاح���ة ‪resource-‬‬ ‫‪ ،intensive‬إلى تكثيف اإلنتاج باالعتماد على‬ ‫املعرفة ‪ knowledge- intensive‬ميكننا وضع‬ ‫نهاية للزراعة غير املستدامة ‪،unsustainable‬‬ ‫إضافة إلى حصولنا على طعام صحي وبيئة‬ ‫صحية للجميع‪.‬‬ ‫وميكن للزراعة التقليدية أن تتس������بب‬ ‫في حَ ِّت‪ erode ‬التربة وتعريتها ‪.degrade‬‬ ‫وتتطل������ب حاجتها إلى األس������مدة املصنعة‬ ‫كم������ا هائال م������ن الطاقة إلنتاجه������ا‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يتس������بب غالب������ا في تلوي������ث اجلداول‬ ‫واألنهار والبحيرات واحمليطات‪ ،‬في حني‬ ‫تزي������د حاجتنا إل������ى اس������تخدام املبيدات‬ ‫احلش���رية‪ pesticides ‬في ه������ذا النوع من‬ ‫الزراع������ة‪ ،‬م������ن املخاطر الصحي������ة لعمال‬ ‫الزراعة‪ .‬ومن ناحي������ة أخرى‪ ،‬فإن تقنيات‬ ‫الزراعة العضوية ‪ organic farming‬سواء‬ ‫‪17‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫سيتمكن من التنبؤ بأنسب العالجات التي‬ ‫ميك������ن أن تؤدي إلى أفضل النتائج إذا ما‬ ‫ظه������ر مرض ما‪ .‬وهك������ذا‪ ,‬فإنك لن تكتفي‬ ‫مبعرفة بيولوجيا جسمك بل ستتمكن من‬ ‫تشكيلها‪ ،‬وهذا سيكون جزءا من حياتك‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫>شيرش<‪ ،‬مدير مركز في علم الوراثة احلوسبي‬ ‫‪ Computational Genetics‬في كلية الطب بجامعة هارڤارد‪.‬‬

‫ينطبق عل������ى الدول الغنية‪،‬‬ ‫حيث تفقد هذه الكميات‬ ‫نتيج������ة التخلص منها‬ ‫بس������بب عيب بسيط‬ ‫ّ‬ ‫حل به������ا‪ ،‬أو كونها‬ ‫من بقايا طعامنا‪ ،‬أو‬ ‫أن فترة صالحية‬ ‫اس������تخدامها قد‬ ‫انته������ت‪ ،‬حتى ولو‬ ‫كانت جيدة متاما‪.‬‬ ‫فبإحداث هذه‬ ‫التغيي������رات ال يزال‬ ‫مبقدورن������ا أن نزود‬ ‫كل ف������رد يوميا بطعام‬ ‫صحي يحت������وي على ‪2‬‬ ‫‪ُ 350‬س ْع َرة حرارية ‪ -‬وهذا‬ ‫هو الكم الذي توصي به منظمة‬ ‫األمم املتح������دة للزراعة والغذاء‪ .‬ولتحقيق‬ ‫النج������اح‪ ،‬ال بد لنا م������ن أن نركز اهتماما‬ ‫عامليا على الغذاء والنظام البيئي وأن نقوم‬ ‫بإجراء املزيد من األبحاث‪ .‬وسوف نحتاج‬ ‫بطبيعة احلال كذلك إلى إرادة سياس������ية‬ ‫تفتح الباب لقيام هذه الثورة الزراعية‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫>ريگانولد<‪ ،‬أستاذ ريجنتز في علم التربة بجامعة‬ ‫والية واشنطن‪.‬‬ ‫( ) ‪The next revolution in farming‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪« :‬ال للحراثة‪ :‬الثورة الهادئة»‪،‬‬ ‫‪ ،(2009) 2/1‬ص ‪.40‬‬

‫‪ ،‬العددان‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫منشأ عنيف للقارات‬

‫(٭)‬

‫هل أ ّدت ضربات الكويكبات لألرض أثناء مراحل تش ّكلها‬ ‫املبكرة‪ ،‬إلى توليد األجزاء القدمية جدا من القارات احلالية؟‬ ‫>‪ .S‬سيمپسون<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫زلزلت تصادمات الكويكبات‬ ‫الكرة األرضية أثناء تاريخها‬ ‫مما كان‬ ‫املبكر أكثر بكثير ّ‬ ‫يعتقد من قبل‪.‬‬

‫>‬

‫تكشف أدلة جديدة عن حدوث‬ ‫تسع ضربات رئيسية بني ‪3.8‬‬ ‫إلى ‪ 2.5‬بليون سنة ‪ -‬وهي‬ ‫الفترة الزمنية التي مَ ّ‬ ‫ت فيها‬ ‫تشكيل أول قارات كوكب‬ ‫األرض‪.‬‬

‫>‬

‫وتشير فرضية جديدة‬ ‫جريئة إلى أنّ هذه الصخور‬ ‫الفضائية املؤذية لم تكن‬ ‫هدّامة متاما؛ فقد تكون قد‬ ‫آذنت بنشوء القارات‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫( ) ‪VIOLENT ORIGINS OF CONTINENTS‬‬

‫‪18‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫الصه������ارة (املاگما)‬ ‫غط���ت َّ‬

‫‪magma‬‬

‫املتح ّركة واملتوهجة مع الغازات احلارة‬ ‫الكرة األرضية في أعقاب تش���كلها قبل‬ ‫نحو ‪ 4.6‬بليون سنة‪ .‬في نهاية املطاف‪،‬‬ ‫تب��� ّردت مناطق من ه���ذا البحر امللتهب‬ ‫بش���كل كاف لتشكيل قش���رة على سطح‬ ‫األرض تارك���ة صخ���ور كوك���ب األرض‬ ‫الصل���دة األول���ى عائم���ة مثلم���ا يع���وم‬ ‫َ‬ ‫اخل َب ُث على الس���ائل احلار‪ .‬ولكن هذه‬ ‫الصخور لم تكن أكثر من مجرد قش���رة‬ ‫ّ‬ ‫رقيقة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإنّ‬ ‫تشكل جذور األرض‬ ‫‪19‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫اليابسة الس���ميكة استغرق مدة زمنية‬ ‫أطول بكثير‪.‬‬ ‫ولكن كيف نش���أت وتنام���ت القارات‬ ‫بالضبط وما هي السرعة التي متت بها‪،‬‬ ‫ه���و موضوع نقاش مس���تمر‪ .‬إنّ املعرفة‬ ‫العلمية الت���ي بحوزتنا منذ فترة طويلة‬ ‫تعتب���ر أن آلية العم���ل الداخلية لألرض‬ ‫وحده���ا ه���ي الت���ي ق���ادت إل���ى تش���كيل‬ ‫الق���ارات‪ .‬ولكن النتائ���ج األخيرة حولت‬ ‫االنتب���اه إل���ى فك���رة واحدة غي���ر مألوفة‬ ‫وهي‪ :‬إن تصادم���ات الكويكبات الكبيرة‬


‫[لقطات فوتوگرافية فورية]‬

‫قارات تتشكل‬

‫( )‬

‫ماقبل ‪ 4.6‬بليون سنة‬

‫ما قبل ‪ 4.5‬بليون سنة‬

‫محيط متوهج‬ ‫من الصهارة‬

‫قصف شديد‬

‫في وقت تتك ّثف الكرة األرضية‬ ‫من البقايا الدوامة ضمن السدمي‬ ‫الشمسي‪ ،‬فإنها تصبح كرة‬ ‫مضطربة من الصهارة (املاگما)‪،‬‬ ‫إضافة إلى غازات مؤججة‪.‬‬

‫تتصلب الكرة األرضية‬ ‫أثناء فقدانها احلرارة‪ .‬ولكن‬ ‫ضربها بكويكبات ضخمة‪،‬‬ ‫أحدها رمبا بحجم كوكب‬ ‫يدمر تقريبا كل‬ ‫املريخ‪ ،‬قد ّ‬ ‫القشرة املتولدة‪.‬‬

‫باألرض هي التي أدت دورا بناء أيضا‪.‬‬ ‫وكان االفت������راض األساس������ي ه������و أن‬ ‫قصف األرض بالكويكبـ������ات ‪ -‬الذي تك ّرر‬ ‫كثي������را أثناء املراح������ل األولى من تش������كل‬ ‫األرض ‪ -‬ق������د اختفى قب������ل نحو ‪ 3.8‬بليون‬ ‫س������نة‪ .‬وبحلول ذلك الوق������ت‪ُ ،‬ب ِّردت األرض‬ ‫مبا يكفي جلعل احمليط������ات الوليدة مالئمة‬ ‫حلي������اة الكائن������ات امليكروي������ة (املجهرية)‪.‬‬ ‫أم������ا التصادمات الكبي������رة منذ ذلك الوقت‪،‬‬ ‫فق������د اعتبرت نادرة ومدم������رة متاما‪( .‬فكرة‬ ‫انقراض الدينوصورات)‪.‬‬ ‫في اآلونة األخيرة‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬فإن العلماء‬ ‫اضطروا إلى دراس������ة اكتشاف سلسلة من‬ ‫الضربات الضخمة غي������ر املتوقعة قبل نحو‬ ‫‪ 3.8‬بلي������ون إلى ‪ 2.5‬بليون س������نة‪ ،‬وهي فترة‬ ‫زمني������ة مبكرة م������ن مراحل تش������كل األرض‬ ‫املبك������رة ُتع������رف بالده����ر الق����دمي (اآلركي)‬ ‫‪ .Archean eon‬إنّ صف������ة ته������دمي الكويكبات‬ ‫للقش������رة األرضي������ة تب������دو مخالفة للس������مة‬ ‫املمي������زة للدهر القدمي‪ :‬فق������د كان هذا الدهر‬ ‫مي ّثل الفترة األكثر إنتاجا لتشكيل القارات‬ ‫ف������ي كل التاريخ اجليولوجي لألرض‪ .‬ووفق‬ ‫بع������ض التقدي������رات‪ ،‬ف������إنّ نس������بة ‪ %65‬من‬ ‫القش������رة القارية احلالية تش������ ّكلت أثناء تلك‬ ‫الفترة الزمنية‪.‬‬ ‫وحلل ه������ذا الغموض الظاهري‪ ،‬يحاول‬ ‫‪20‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫اجليولوجي������ون دراس������ة س������جل الصخور‬ ‫القدمية بحثا عن أدلة تؤدي إلى الكيفية التي‬ ‫ش ّ‬ ‫������كلت بها هذه التصادمات الهائلة شكل‬ ‫كوكب األرض‪ .‬وأح������د هؤالء اجليولوجيني‬ ‫>‪ .Y .A‬گليكس������ون< [األس������تاذ في اجلامعة‬ ‫الوطني������ة األس������ترالية بكانبي������را] كان قد‬ ‫اقتنع بعد ‪ 40‬س������نة من العمل امليداني أنّ‬ ‫التصادم������ات م������ن خارج الك������رة األرضية‬ ‫ساعدت بالفعل على تشكل القارات األولى‬ ‫ف������ي األرض‪ ،‬التي تتض ّم������ن بقايا بعضها‬ ‫واحملفوظة اآلن في أواس������ط جنوب إفريقيا‬ ‫وأستراليا الغربية‪.‬‬ ‫ويعتب������ر الكثي������ر من العلم������اء أنّ ادعاء‬ ‫>گليكس������ون< ما هو إ ّال فك������رة غير مؤكدة‪،‬‬ ‫بحجة أن األدلة املباشرة على ما كان يحدث‬ ‫على الك������رة األرضية القدمية ن������ادرة جدا‬ ‫ومثي������رة للجدل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ت������ز ّود احملاكاة‬ ‫احلاس������وبية لتأثيرات التصادمات الكبيرة‬ ‫احملتملة بع������ض الدعم املثير لفرضيته‪ .‬وقد‬ ‫تفحص النظرة الكالسيكية‬ ‫يكون من املبكر ّ‬ ‫لتطور القارات املبكر‪ ،‬إال أنّه حتى املتشككني‬ ‫يتفقون عل������ى أن الوقت قد ح������ان لتدارس‬ ‫نتائ������ج هذه القوى احملتمل������ة القوية القادمة‬ ‫من الفضاء‪.‬‬ ‫( ) ‪Continents Shape Up‬‬


‫قبل ‪ 3.2‬بليون سنة‬

‫قبل ‪ 1.1‬بليون سنة‬

‫متكني الكتل القارية‬

‫أول قارة كبيرة‬

‫أدى االنصهار اجلزئي وتراكم‬ ‫شظايا القشرة القدمية إلى‬ ‫إنتاج أول قارة حقيقية‪ .‬وما‬ ‫زالت التصادمات الكبيرة‬ ‫حتدث‪ ،‬ولكن بوتيرة أقل‪.‬‬

‫د َ​َم َج التصاد ُم بني شظايا‬ ‫َ‬ ‫الكتل القارية الفتية‬ ‫القشرة‬ ‫لتظهر أول قارة كبيرة‬ ‫معروفة جيدا‪ ،‬رودينيا‪.‬‬

‫اليابسة‪ ،‬انتبه!‬

‫( )‬

‫أمضى العلماء عقودا من الزمن للكشف‬ ‫عن منش������أ القارات قبل التركيز على التأثير‬ ‫احملتمل لتصادم������ات الكويكبات أثناء الدهر‬ ‫القدمي‪ .‬فهذه اجلهود كانت صعبة دائما ألنّ‬ ‫قارة عملي ٌة معقدة؛ فهو يتطلب تشكيل‬ ‫نشو َء ٍ‬ ‫صفيحة (بالطة ‪ )slab‬من قشرة سميكة جدا‬ ‫وعائمة ال ميكنه������ا أن تغوص أو تنغرز ثانية‬ ‫في باطن األرض احلار‪ .‬وهذه اخلاصية هي‬ ‫التي جتعل القارات احلالية تختلف كثيرا عن‬ ‫القش������رة األرضية حتت احمليطات‪ .‬فالقشرة‬ ‫احمليطي������ة الرقيقة نس������بيا والكثيفة (الثقيلة)‬ ‫الغنية باحلديد‪ ،‬تنغرز بس������هولة‪ ،‬فقد انغرز‬ ‫معظمه������ا أثناء ‪ 200‬مليون س������نة على األقل‬ ‫من تش������كلها‪ .‬أ ّما القش������رة القارية‪ ،‬من جهة‬ ‫أخ������رى‪ ،‬فهي مك ّونة من صخ������ور أقل كثافة‬ ‫(أخف) مثل صخ������ر الگرانيت الذي احتفظ‬ ‫ببعض الش������ظايا القدمية عائم������ا‪ ،‬كما تعوم‬ ‫اجلبال اجلليدية في البحر‪ ،‬قبل ما يقرب من‬ ‫أربعة باليني سنة‪.‬‬ ‫تختلف قصة (تاريخ) نشوء القارة األولى‬ ‫عل������ى الكرة األرضية من كت������اب تعليمي إلى‬ ‫آخ������ر‪ ،‬ولكن رأيا ش������ائعا فيها يكش������ف عن‬ ‫ش������يء من هذا القبيل‪ :‬فأثن������اء فترات تو ُّقف‬ ‫قصيرة من القصف الكويكبي الشديد التي‬ ‫تلت والدة كوك������ب األرض‪ ،‬أ ّدت نزعة التب ّرد‬ ‫‪21‬‬

‫الطبيعية للكرة األرضية إلى إكساء سطحها‬ ‫بقشرة أرضية بصورة متكررة‪ .‬وهذه القشرة‬ ‫ل������م تكن متصلة متاما‪ ،‬ب������ل كانت تتألف من‬ ‫عدة عش������رات من القطع الت������ي كانت تنزلق‬ ‫فوق الصهارة (املاگما) الدائمة االضطراب‪.‬‬ ‫وكالشمع الساخن الصاعد في الالبة ‪lava‬‬ ‫املتوقدة‪ ،‬ارتفعت أعمدة من صخور الوشاح‬ ‫(الستار) احلارة‪ ،‬وبردت قليال عندما حتركت‬ ‫على س������طح األرض‪ ،‬ثم غاصت ‪ -‬س������احبة‬ ‫معه������ا بس������هولة‪ ،‬األجزاء األصلي������ة الكثيفة‬ ‫(الثقيلة) جدا من القشرة‪ .‬وفي هذه األثناء‪،‬‬ ‫كان������ت البراك���ي��ن تقذف الغ������ازات من باطن‬ ‫األرض محدث������ة غالفا جويا بدائيا‪ ،‬وأمطارا‬ ‫متكثفة في السماء‪ ،‬مشكلة محيطات ضحلة‬ ‫فوق القشرة الصهارية (املاگمية) الرقيقة‪.‬‬ ‫ومن َث ّم ُيكمل مجرى القصة‪ ،‬في أن نواة‬ ‫القارة قد تش������كلت عندم������ا صهرت احلرار ُة‬ ‫الناجمة عن عمود صاعد من الصهارة جزئيا‬ ‫قطع ًة من قش������رة األرض الكثيف������ة (الثقيلة)‬ ‫مما س������مح للمعادن األخف‪،‬‬ ‫قبل أن تغوص؛ ّ‬ ‫التي لها نقطة انصهار أكثر انخفاضا‪ ،‬بأن‬ ‫تنفصل عنها‪ .‬وهذه الصهارة املنفصلة حديثا‬ ‫واألخف من الصخ������ور املجاورة كانت متيل‬ ‫إلى أن ترتفع إلى األعل������ى؛ وهذه الصخور‬ ‫األخ������ف عند تصلبها يصب������ح غوصها فيما‬ ‫( ) !‪Land, Ho‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫قبل ثالثة باليني‬ ‫سنة كان للكرة‬ ‫األرضية قارتها‬ ‫احلقيقية‪ :‬كوم ٌة‬ ‫من الصخور‬ ‫اجلرداء تنتشر‬ ‫عليها البراكني‪.‬‬


‫بكل وضوح‪ ،‬لم ُتؤخذ‬ ‫التصادمات املبكرة‬ ‫أثناء الدهر القدمي‬ ‫على كوكب األرض‬ ‫على محمل اجلد‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫بعد غير محتمل‪.‬‬ ‫ودورات متكررة من االنصهار اجلزئي مع‬ ‫فص������ل الصهارة األكثر خفة أدت في النهاية‬ ‫إل������ى إنتاج صخر الگرانيت‪ .‬من املس������تحيل‬ ‫تأريخ هذه العملي������ة بدقة‪ ،‬إال أن أثرا واحدا‬ ‫على األقل قد بقي من ‪ 160‬مليون سنة األولى‬ ‫من عم������ر األرض‪ ،‬مم ّثال ببل������ورات صغيرة‬ ‫م������ن الزركون يع������ود عمرها إل������ى ‪ 4.4‬بليون‬ ‫س������نة انفصلت بعمليات التحات عن صخور‬ ‫الگرانيت البدائية وترس������بت في وقت الحق‬ ‫ضمن تكوينات صخرية رسوبية أحدث‪ ،‬فيما‬ ‫يعرف اآلن بقارة أستراليا [انظر‪« :‬هل كانت‬ ‫‪،‬‬ ‫األرض ب������اردة ف������ي بداية تكونه������ا»‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،(2005) 12‬ص ‪.]20‬‬ ‫رمبا كانت آثار صخور الگرانيت املبكرة‬ ‫هذه متث������ل مكونا ثانويا في الكتل الصخرية‬ ‫األولى التي منت س������ميكة مب������ا يكفي لتبرز‬ ‫فوق احمليطات األولية‪ .‬وهي بالتأكيد مختلفة‬ ‫متاما عن القارات احلالية‪ ،‬التي تغطي ‪%30‬‬ ‫من سطح الكوكب مبتوس������ط سماكة بلغ ‪35‬‬ ‫كيلومترا‪ .‬ورمبا اكتس������بت الق������ارات األولية‬ ‫املبكرة شكلها ببطء‪ ،‬مثلما تفعل الكتل القارية‬ ‫احلالي������ة ‪ :‬فالتصادمات فيما بينها أ ّدت إلى‬ ‫دمج القشرة السميكة في كتل صخرية أكبر‪،‬‬ ‫وأثارت أعمدة الوشاح احلارة دفعات جديدة‬ ‫من الصهارة (املاگما) من األعماق‪.‬‬ ‫يتف������ق معظ������م اجليولوجي���ي��ن أنّ القارة‬ ‫األولى احلقيقية قد نش������أت قبل ثالثة باليني‬ ‫س������نة‪ :‬قارة جرداء مؤلفة م������ن تالل متناثرة‬ ‫من الصخ������ور البركانية‪ ،‬وبكل تأكيد أصغر‬ ‫من ق������ارة أس������تراليا احلالية‪ .‬وم������ن املمكن‬ ‫أيضا أن النوى القدمية‪ ،‬أو رواسخ ‪cratons‬‬ ‫أس������تراليا وإفريقيا احلاليت���ي��ن‪ ،‬كانت متثل‬ ‫جزءا من تلك القارة األصلي����ة ‪ .original‬إنّ‬ ‫راس������خ پلبارا ‪ Pilbara‬في غرب أس������تراليا‬ ‫وراسخ كاپڤال ‪ Kaapvaal‬في أراضي جبال‬ ‫باربيرتون ‪ Barberton‬في جنوب إفريقيا ذات‬ ‫املناظر اخلالب������ة «هما متماثالن من الناحية‬ ‫اجليولوجية بش������كل الف������ت للنظر»‪ ،‬وهذا ما‬ ‫أش������ار إليه اجليولوجي >‪ .M .B‬سيمنسون<‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫[م������ن كلية أوبرل���ي��ن] الذي قضى ش������هورا‬ ‫ف������ي البحث عن تكش������فات الصخ������ور على‬ ‫منحدرات التالل اجلافة واملغطاة باألشجار‬ ‫ف������ي كلتا املنطقتني‪« .‬فه������و يؤمن إميانا قويا‬ ‫راس َ‬ ‫بأن ِ‬ ‫������خ ْي باربيرتون وپلب������ارا كانا قارة‬ ‫واحدة انفصلت إلى اثنتني‪».‬‬ ‫ولم ُيعرف مكان موقع القارة األولى على‬ ‫الكرة األرضية‪ ،‬وملا كان باطن األرض احلار‬ ‫يواص������ل هيجان������ه‪ ،‬فقد جتزأت تل������ك الكتلة‬ ‫القارية وتباعدت وتش������كلت كتل أخرى‪ ،‬مما‬ ‫تقسم‬ ‫أ ّدى إلى تش������كل سلس������لة موثقة من ّ‬ ‫القارات واندماجها‪ ،‬قادت في نهاية املطاف‬ ‫إلى البنية احلالية‪.‬‬ ‫يعرف أين ينظر‬

‫( )‬

‫يفس������ر حت ّرك صفائح القشرة األرضية‬ ‫ّ‬ ‫بوض������وح انتق������ال القارات م������ع الزمن من‬ ‫ّ‬ ‫املتأخرة‪.‬‬ ‫مراحله������ا املبكرة إلى مراحله������ا‬ ‫ولكن ما اتضح سابقا يس������وده الكثير من‬ ‫الش������كوك‪ .‬وهذا م������ا جع������ل اجليولوجيني‬ ‫يبحثون ف������ي مظاه������ر األرض القدمية في‬ ‫جنوب إفريقيا وأس������تراليا ع������ن أدلة حول‬ ‫منش������أ القارات‪ .‬ومقارنة برواسخ القارات‬ ‫احلالية األخرى‪ ،‬خضع «كاپڤال» و«پلبارا»‬ ‫لدرج������ة أق������ل من التح������ ّول أدت إل������ى بقاء‬ ‫معظم األدلة احملفوظ������ة حفظا جيدا تقريبا‬ ‫للقش������رة األرضي������ة القدمي������ة‪ .‬وضمن هذه‬ ‫الرواسخ‪ ،‬تُش ّكل أحزمة الصخور اخلضر‬ ‫‪ greenstone belts‬أهمية خاصة وهي تكوينات‬ ‫صخرية تش������كلـت ما بني ‪ 3.5‬إلى ‪ 2.4‬بليون‬ ‫سنة مضــت‪ ،‬متــامــا كمــا تشـكلت القـارات‬ ‫األولى (املبكرة)‪.‬‬ ‫ومنذ الس������بعينات من الق������رن املاضي‪،‬‬ ‫فس������ر معظم اجليولوجيني أحزمة الصخور‬ ‫اخلض������ر على أ ّنه������ا مماثلة لسالس������ل من‬ ‫اجل������زر البركانية القدمية التي تنش������أ على‬ ‫امت������داد احل������واف املتراكب������ة م������ن صفائح‬ ‫القش������رة األرضية املتصادم������ة‪ ،‬وأصبحت‬ ‫( ) ‪Knowing Where to Look‬‬


‫[أدلة مباشرة]‬

‫ضربات متكررة لقارة قدمية‬

‫( )‬

‫في التضاريس القدمية في جنوب إفريقيا وأستراليا الكثير من املعلومات حول أصل القارات‪ .‬وبالفعل‪ ،‬يناقش بعض اجليولوجيني أنّ‬ ‫أجزاء من جبال باربيرتون في جنوب إفريقيا (في األعلى إلى اليسار) ومنطقة پلبارا في شمال غرب أستراليا (في األسفل) هي بقايا‬ ‫من الكتلة القارية األصلية نفسها‪ .‬وحتى اآلن‪ ،‬اكتشف اجليولوجيون الذين يعملون في هذه املناطق بقايا ‪ 9‬تصادمات كويكبية كبيرة‬ ‫على األقل قبل نحو ‪ 3.5‬بليون إلى ‪ 2.5‬بليون سنة‪ ،‬يتألف كل منها من طبقة ما يسمى بكريات التصادم (في األعلى إلى اليمني)‪.‬‬

‫‪ ‬كريات بحجم حبات الرمل تدعى كريات‬ ‫التصادم‪ ،‬تكثفت من سحابة من الصخر‬ ‫ّ‬ ‫املتبخر‪ُ ،‬أحدثت أثناء تصادم‬ ‫احلار‬ ‫الكويكبات مع الكرة األرضية منذ ‪ 2.5‬بليون‬ ‫سنة‪ .‬لقد بعثرت الرياح أبخرة هذه الصخور‬ ‫في جميع أنحاء الكرة األرضية‪ ،‬وعندما‬ ‫بردت‪ ،‬تكثفت على شكل قطيرات تصلبت‬ ‫وسقطت على الكرة األرضية‪ ،‬وأصبحت‬ ‫محبوسة في طبقات على قاع البحار‬ ‫ّ‬ ‫تتكشف اآلن على سطح‬ ‫القدمية‪ ،‬وهي‬ ‫األرض في شمال غرب أستراليا‪.‬‬

‫( ) ‪Repeated Blows to an Ancient Continent‬‬

‫‪23‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫‪23‬‬


‫[سيناريو التصادم]‬

‫كيف ميكن أن تنشأ اليابسة من الشواش ‪ chaos‬الكوني‬

‫( )‬

‫منذ باليني الس���نني‪ ،‬أنتجت اآللية الداخلية للكرة األرضية الكثير من القارات اجلديدة فوق األعمدة الصاعدة من وش���اح األرض كما هو‬ ‫احل���ال ف���ي الوقت احلاضر – صهرت املواد الس���اخنة والعائمة الصخور املوجودة فوقها جزئي���ا‪ ،‬وبذلك تأججت براكني هائلة أدت إلى‬ ‫تثخني قش���رة األرض (‪ .)1‬وتصادم كويكب ضخم رمبا ّ‬ ‫يعطل هذه العملية مؤقتا )‪ .(2‬ولكن احملاكاة احلاس���وبية تش���ير إلى أنه على املدى‬ ‫الطويل‪ ،‬فإن مثل هذا التصادم قد يكون له تأثير بنـّاء في تغيير اجتاه عمود وشاح األرض إلى املناطق احمليطة به )‪.(3‬‬

‫➊ ثوان قبل التصادم ‪...‬‬ ‫●‬

‫مقضي عليها‬ ‫جز ٌر‬ ‫ّ‬ ‫كويكب يقترب‬ ‫قشرة محيطية‬

‫قارة أولية‬

‫وشاح (ستار) األرض‬

‫العمود الصاعد‬ ‫من وشاح األرض‬

‫اآللية الداخلية ‪ :‬يُحدث اقتراب كويكب‪ ،‬طوله ‪ 50‬كم‬ ‫تقريبا‪ ،‬تخريبا مؤكدا للجزر البركانية التي تنامت‬ ‫ببطء فوق عمود الوشاح الصاعد‪.‬‬

‫➋ ‪ 100‬سنة بعد التصادم ‪...‬‬ ‫●‬ ‫موقع التصادم‬ ‫(بحر من الصخر املنصهر)‬

‫صخور محطمة‬

‫دمار كامل‪ :‬ي ّ‬ ‫ُحطم الكويكب أو يُصهر جميع‬ ‫الصخور ضمن دائرة نصف قطرها ‪ 500‬كيلومتر‪،‬‬ ‫تاركا وراءه بحرا ملتهبا من املواد الصخرية‬ ‫املنصهرة التي تطمس ( ُتعيق) عمود الصهارة‬ ‫بصورة مؤقتة‪.‬‬

‫عمود مطموس‬ ‫من الوشاح‬

‫➌ بعد ‪ 200 000‬سنة ‪...‬‬ ‫●‬ ‫جزر جديدة‬

‫موقع التصادم‬ ‫(متص ّلب)‬ ‫حقل البراكني‬ ‫الفائقة‬ ‫قشرة أرضية‬ ‫جديدة وكثيفة‬

‫عمود من الوشاح‬ ‫منحرف‬

‫يابسة جديدة ‪ :‬عمود من الوشاح متغيّر االجتاه‬ ‫يوقد براكني فائقة ضخمة فوق قارة أولية مجاورة‬ ‫ويضيف قشرة أرضية ثقيلة (كثيفة) جديدة إلى‬ ‫قاعدتها؛ وعمود آخر من الوشاح يولد جزرا جديدة‪.‬‬ ‫( ) ‪How Land Might Emerge from Cosmic Chaos‬‬

‫‪24‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫فيما بعد جزءا من كتلة اليابسة القارية‪ .‬لقد‬ ‫اس������تمر تصادم صفائح القشرة على مدى‬ ‫ماليني السنني‪ ،‬كما استمر غوص الصفيحة‬ ‫الس������فلى نحو أعماق باط������ن األرض احلار‪،‬‬ ‫مش������كال خندقا عميقا يعرف باسم منطقة‬ ‫االنغراز ‪ .subduction zone‬وملا كانت اجلزر‬ ‫تعلو الصفيحة املنغرزة املتجهة نحو اخلندق‪،‬‬ ‫فإنّ هذه األجزاء السميكة تـُدفع على جانب‬ ‫كتلة اليابس������ة البارزة؛ بدال من أن ُتس������حب‬ ‫نحو األسفل مع قشرة األرض التي حتملها‪،‬‬ ‫فه������ي تنفصل فورا إلى األعل������ى‪ .‬وبالطريقة‬ ‫نفس������ها ُدفعت الس������ييرا نيڤادا وغيرها من‬ ‫سالس������ل جبال غرب الواليات املتحدة فوق‬ ‫غرب أمريكا الشمالية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فق������د الحظ >گليكس������ون< أنّ‬ ‫النمط احلدي������ث لنمو الق������ارات ال ميكن أن‬ ‫يفس������ر جميع املظاهراجليولوجية التي تُرى‬ ‫ّ‬ ‫في أحزمة الصخور اخلضر‪ .‬فعند دراسته‬ ‫بالتفصيل ألحزمة جنوب إفريقيا وأستراليا‬ ‫ف������ي الس������نوات املاضية‪ ،‬وج������د أن األجزاء‬ ‫األق������دم من هذه األحزمة – تلك التي تتراوح‬ ‫أعماره������ا ب���ي��ن ‪ 3‬و ‪ 3.5‬بليون س������نة ‪ -‬بدت‬ ‫جميعها أنه������ا تراكمت ش������اقوليا من مواد‬ ‫نتجت م������ن عمليات التح������ات وتوضعت في‬ ‫طبقات بني أجس������ام قببية الشكل مكونة من‬ ‫صهارة گرانيتية مندفعة من األس������فل‪ .‬وهذه‬ ‫التشكيالت لم تبد أية عالمات واضحة تشير‬ ‫إلى االنغ������راز (الغوص)‪ :‬أي إلى رواس������ب‬ ‫وم������واد بركانية تراكم������ت أفقيا عند تصادم‬ ‫جزأين من القشرة األرضية‪.‬‬ ‫ليس مس������تغربا اندثار أدل������ة االنغراز‬ ‫(الغوص)‪ .‬فمعظ������م الباحثني يوافقون على‬ ‫أن تكتونية الصفائح رمبا كانت أقل فعالية‬ ‫ف������ي الدهر القدمي املبك������ر‪ ،‬إن كانت عاملة‪.‬‬ ‫وكان كوكب األرض حينئذ أكثر س������خونة‪،‬‬ ‫وكذل������ك كان حم������ل الصه������ارة احلراري‪،‬‬ ‫الش������بيه مبصباح احلمم الذي يدفع حركة‬ ‫الصفائح‪ ،‬أقل نشاطا‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ثمة شيء‬ ‫سريع‪ ،‬وفق >گليكسون<‪ ،‬يجب أن يكون قد‬ ‫ّ‬ ‫تدخل في تشكيل األجزاء األقدم من أحزمة‬ ‫‪25‬‬

‫الدهر الق������دمي‪ .‬إنّ أعمار الصخور املختلفة‬ ‫احمل������ددة املتش������كلة ضمنها تش������ير إلى أنّ‬ ‫األجس������ام الگرانيتية الضخمة توضعت في‬ ‫أزمنة متتالي������ة واضحة املعالم‪ .‬فإذا لم يكن‬ ‫االنغ������راز هو القوة احملرك������ة‪ ،‬فما هو الذي‬ ‫كان احمل ّرك؟‬ ‫هذه الصعوبات قادت >گليكس������ون< إلى‬ ‫البح������ث عن تفس������يرات جديدة ع ّما ش������كـّل‬ ‫الك������رة األرضية أثن������اء الدهر الق������دمي‪ .‬كان‬ ‫يعل������م أن أحد العوامل ال������ذي جتاهله معظم‬ ‫اجليولوجيني هو التأثي������ر احملتمل للتصادم‬ ‫مع الكويكبات واملذنبات‪ .‬فالقصف الكويكبي‬ ‫قد بلغ ذروته قبل نحو ‪ 3.9‬بليون سنة‪ ،‬ولكن‬ ‫دراس������ة ُحفر التصادم على القمر تشير إلى‬ ‫أن تلك التصادمات الكبيرة اس������تمرت حتى‬ ‫قبل نحو ‪ 3.2‬بليون س������نة‪ .‬فهل من املمكن أن‬ ‫تكون هذه التصادمات املتأخرة قد ش������اركت‬ ‫في قص������ف الك������رة األرضي������ة؟ إنّ اخلطوة‬ ‫األولى في الكشف عن ذلك تكمن في حتديد‬ ‫دليل جيد على مثل هذه الضربات على الكرة‬ ‫األرضي������ة‪ .‬فهل يكون هذا الدليل قد ُد ِّمر‪ ،‬أو‬ ‫فش������ل اجليولوجيون في تع ّرفه عندما كانوا‬ ‫يفتشون عنه ؟‬ ‫ضربات صلبة‬

‫( )‬

‫لقد أجاب عن السؤال األخير اثنان من‬ ‫اجليـولوجي���ي��ن األمريكيني في عام ‪.1986‬‬ ‫فأثناء رحالت أبحاثهم السنوية إلى حزام‬ ‫الصخ������ور اخلضر في جب������ال باربيرتون‬ ‫عثر >‪ .R .D‬لوي< [من جامعة ستانفورد] و‬ ‫>‪ .R .G‬بيرل������ي< [من جامعة والية لويزيانا]‬ ‫عل������ى طبقة رقيقة من الرواس������ب البحرية‬ ‫القدمي������ة حتت������وي على مئ������ات من اخلرز‬ ‫اجلوفاء الش������بيهة بالزجاج‪ .‬لقد بدت هذه‬ ‫الكري������ات الصغيرة بحج������م الرمال‪ ،‬بعد‬ ‫دراستها دراسة معمقة‪ ،‬مماثلة تقريبا ملا‬ ‫يس������مى بكريات التصادم التي أصبحت‬ ‫إل������ى حد ما من أق������وى األدلة على ضرب‬ ‫( ) ‪Solid Blows‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫أمور حول كثافة‪ :‬البازلت (أعلى)‬ ‫هو نوع الصخور الرئيسية التي‬ ‫تشكل أحواض احمليطات‪ .‬والگرانيت‬ ‫أقل كثافة (أسفل) وهو مكون رئيس‬ ‫للقارات‪ .‬وطفو الگرانيت ُيبقي القارات‬ ‫عائمة بينما يغطس قاع احمليط‬ ‫بسهولة في باطن األرض الساخن‪.‬‬


‫الكرة األرضية بكويكب قبل ‪ 65‬مليون س������نة‪ ،‬منهيا بذلك‬ ‫عه������د الدينوصورات‪ .‬وهكذا‪ ،‬أصبحت هذه الكريات التي‬ ‫ُعثِر عليها في جب������ال باربيرتون‪ ،‬والذي يعود عمرها إلى‬ ‫‪ 3.2‬بليون سنة‪ ،‬إضافة إلى عمر طبقة أخرى من الكريات‬ ‫التي وجدت في راس������خ پلبارا بأس������تراليا ‪ -‬الدليل األول‬ ‫������ام فضائية كبيرة الكر َة األرضي َة أثناء‬ ‫على‬ ‫ِ‬ ‫ضرب أجس ٍ‬ ‫الدهر القدمي‪.‬‬ ‫ومن ثم تتابعت اكتش������افات أخ������رى‪ .‬فمع معرفة >لوي<‬ ‫و>بيرلي< أنّ طبقة الكريات الناجمة عن التصادم الذي أباد‬ ‫الدينوصورات وجدت في جميع أنحاء الكرة األرضية‪ ،‬ربطا‬ ‫بس������رعة بني طبقة جنوب إفريقيا والطبقة األس������ترالية التي‬ ‫يع������ود عمرها إلى ‪ 3.5‬بليون س������نة والتي وجداها في جبال‬ ‫باربيرتون‪ .‬واكتش������فا أيضا طبقتني إضافيتني من الكريات‬ ‫عمرهما ‪ 3.2‬بليون س������نة في جن������وب إفريقيا‪ .‬وكذلك‪ ،‬عثر‬ ‫>سيمنسون< على طبقات غير متوقعة من هذه الكريات أثناء‬ ‫استكش������افاته عن تش������كيالت احلديد في منطقة پلبارا في‬ ‫بداية التسعينات من القرن املنصرم‪ ،‬موسعا بذلك سلسلة‬ ‫ضربات الكويكبات املذهلة إلى أبعد من مجرد نهاية الدهر‬ ‫القدمي أي إلى أبعد من ‪ 2.5‬بليون سنة مضت‪.‬‬ ‫وقد أعطت عملي ُة فحص أحزمة الصخور اخلـ ُ ُ‬ ‫ضر القدمية‬ ‫مع اس������تحضار التصادم������ات القدمية ه������ؤالء اجليولوجيني‬ ‫بصي������رة إضافية ح������ول الكويكبات ونتائجها‪ .‬فقد اس������تنتج‬ ‫>ل������وي< و>بيرلي< من تركي������ب الكريات الغني باملغنيس������يوم‬ ‫واحلديد‪ ،‬على س������بيل املثال‪ ،‬أن الصخور الفضائية الشاذة‬ ‫قد ضربت على األرجح الصخور الثقيلة (الكثيفة) في حوض‬ ‫احمليط ‪ -‬رمبا على مس������افة بعيدة عن املناطق التي تكون فيها‬ ‫الكريات احملفوظة قد اس������تقرت (توضعت) فيها‪ .‬فهم يذكرون‬ ‫أنّ األدلة التي اكتشفوها في جنوب إفريقيا عن اكتساح الكرة‬ ‫األرضي������ة مبوجات تس���ونامية ‪ tsunamis‬رافقت كل طبقة من‬ ‫طبقات الكريات‪ ،‬تؤيد كذلك أن الكويكبات اصطدمت باحمليط‬ ‫بدال من اصطدامها بكتلة قارية مكشوفة‪.‬‬ ‫وقد أش������ار >گليكس������ون< إلى تزامن بعض الضربات مع‬ ‫تش������كيل «إمدادات وفيرة من جالميد (حصى كبيرة) مزواة‪،‬‬ ‫مبا ف������ي ذلك كتل يص������ل طولها إلى ‪ 250‬مت������را‪ »،‬في منطقة‬ ‫پلب������ارا‪ .‬ومثل هذه الكتل املختلطة ه������ي نتيجة حتطم الرتفاع‬ ‫سطح األرض وانهياره على طول صدوع الزالزل الكبيرة في‬ ‫املنطق������ة‪ .‬والواقع أن عددا ضخما من الزالزل القوية ميكن أن‬ ‫يكون أحد أكثر املفاعيل الفورية لتصادم كويكبي كبير‪.‬‬ ‫ومن الواضح‪ ،‬أن تصادمات الدهر القدمي املبكرة لم تكن‬ ‫خفيف������ة الوقع على كوكب األرض‪ .‬ويق������در >لوي< و>بيرلي<‬ ‫‪26‬‬

‫أنّ كويكباتهم������ا كانـت كبي ـ������رة‪ :‬أقط ــاره ــا تت ــراوح مـ ــا بني‬ ‫‪ 20‬و ‪ 50‬كيلومترا‪ ،‬اعتمادا على انتش������ارالكريات ومقارنات‬ ‫أخ������رى مبقذوفات م������ن التصادمات األح������دث عمرا‪( .‬على‬ ‫سبيل املقارنة‪ ،‬تشير أفضل التقديرات إلى أن قطر الكويكب‬ ‫الش������ارد الذي قتل الدينوصورات لم يتجاوز ‪ 15‬كيلومترا‪).‬‬ ‫دعمت هذه املؤش������رات املتعلقة بحجم الكويكبات فكرة‬ ‫وقد ّ‬ ‫>گليكس������ون< بأنها ميكن أن تكون قد أدت دورا في تشكيل‬ ‫القارات‪ .‬ومن دون تأخير‪ ،‬بدأ >گليكسون< بلفت االنتباه إلى‬ ‫تغي������رات مفاجئة أخرى في الس������جل الصخري متاما حول‬ ‫زمن التصادمات الثالثي������ة امللهمة‪ :‬تلك التي وجدها >لوي<‬ ‫و> وبيرلي< مجمعة في رواسب جنوب إفريقيا التي توضعت‬ ‫قبل نحو ‪ 2.3‬بليون سنة‪.‬‬ ‫ففي بحث تقني حديث‪ ،‬يرى >گليكسون< أن توقيت هذه‬ ‫التصادمات يتوافق مع األدلة الكبرى على أن هذه املناطق‬ ‫كانت ترتفع فوق مستوى سطح البحر ألول مرة – مشكلة‬ ‫على ما يبدو قارة جديدة‪ .‬وعلى وجه التحديد‪ ،‬فإن السجل‬ ‫الصخري الذي ّ‬ ‫توضع قبل التصادمات يتك ّون من طبقات‬ ‫ثخينة من قشرة محيطية وأنواع من الرواسب التي تتشكل‬ ‫على ق������اع البحر‪ .‬أما أثناء الفترة التي تش������مل الضربات‬ ‫الكويكبية‪ ،‬فإن الطبقات البازلتية تتشوه وترتفع إلى األعلى‬ ‫وتتع ّرض للتحات – وهذا منط من اضطراب قشرة األرض‬ ‫يعزى بس������هولة ‪ -‬وفقا لتعليل >گليكس������ون< ‪ -‬إلى صدمة‬ ‫من تصادمات كويكبية‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬فإنّ جميع الصخور‪،‬‬ ‫حت‬ ‫التي تش������كلت بعد زمن التصادم الثالثي‪ ،‬متثل بقايا ِّ‬ ‫الصخور التي ال ميكن أن تتشكل إال على اليابسة‪ .‬ويشير‬ ‫هذا التغيير إلى أنّ قوى كبيرة ضمن الكرة األرضية رفعت‬ ‫القش������رة فوق سطح احمليط بعد فترة زمنية غير طويلة من‬ ‫الضربات الكويكبية‪ ،‬وش������كلت صخورا گرانيتية وغيرها‬ ‫من الصخور التي تتش������كل على القارات‪ ،‬وأنها تآكلت في‬ ‫نهاية املطاف‪.‬‬ ‫ويقترح >گليكس������ون< كذلك أن الضربات الكويكبية نفسها‬ ‫كانت الس������بب في ارتفاع جزء من قشرة األرض واضطرابها‪.‬‬ ‫أما أكثر أدلته حس������ما فه������و الكتل الضخمة م������ن الصهارات‬ ‫الگرانيتية التي اندس������ت في منطقتي پلبارا وكاپڤال من األسفل‬ ‫قبل نحو ‪ 3.2‬بليون س������نة‪ .‬ويذهب >گليكس������ون< إلى أنّ تزامن‬ ‫التصادمات الكويكبية وتش������ ّكل هذه الصهارة اجلديدة لم َي ُكنا‬ ‫مجرد صدفة؛ بل كانا السبب والنتيجة‪ .‬ويؤكد أنّ قواها املغ ّيرة‬ ‫للكوكب «سببت رفعا رئيسيا للقارات الوليدة املبكرة واندساس‬ ‫الصهارات الگرانيتية‪ ،‬وكالهما يشهد على املنشأ العنيف لبعض‬ ‫األجزاء على األقل من القشرة القارية»‪ .‬والسؤال احلاسم هو‪:‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫ما هي عملية التسخني التي ولدت الصهارة؟‬ ‫وكان جواب >گليكسون< هو أنّ القوة املدمرة‬ ‫للتصادم������ات الكويكبي������ة التي يع������ود عمرها‬ ‫إلى ‪ 3.2‬بليون س������نة قد حول������ت اجتاه أمناط‬ ‫حمل الوش������اح‪ ،‬مما أحدث أعمدة جديدة من‬ ‫الوش������اح ارتفعت نحو األعلى وسخنت قشرة‬ ‫األرض من األسفل‪.‬‬ ‫نقد ب ّناء‬

‫( )‬

‫يعتمد قبول ما يؤكده >گليكس������ون< في‬ ‫جزء كبير منه على حجم الكويكب الشارد‪.‬‬ ‫فمن منظور آلي������ة الكرة األرضية الداخلية‪،‬‬ ‫فإنّ صخ������رة بحجم الكويك������ب الذي أباد‬ ‫الدينوصورات لن تكون أكبر من «حش������رة‬ ‫صغيرة عل������ى زجاج الس������يارة األمامي‪»،‬‬ ‫على حد قول >سيمنسون<‪ .‬ولكن إذا كانت‬ ‫التصادمات القدمية املبك������رة ضعفي هذا‬ ‫احلجم‪ ،‬فإنها ميكن أن تكون قد تركت أثرا‬ ‫يستمر مدة أطول‪ .‬وعلى وجه اخلصوص‪،‬‬ ‫فإنّ تصادمات كبيرة بقطر قدره ‪ 50‬كيلومترا‬ ‫َ‬ ‫أمناط التدفق احلراري في‬ ‫قد تحُ ِّو ُل فعليا‬ ‫باطن األرض‪ ،‬وفقا ملا ذكره اجليوفيزيائي‬ ‫>‪ .J‬ميل������وش< [م������ن جامعة پ������وردو]‪ .‬فقد‬ ‫وصف >ميل������وش< اعتمادا عل������ى محاكاة‬ ‫التصادمات االفتراضية احلاس������وبية التي‬ ‫طورها مع زمالئه ألغ������راض أخرى‪ ،‬كيف‬ ‫أنّ تصادم������ا كويكبيا قدمي������ا مبكرا كبيرا‪،‬‬ ‫مب������ا فيه الكفاية‪ ،‬قد يس������اعد ف������ي الواقع‬ ‫على تنامي حج������م القارة [انظر ّ‬ ‫املؤطر في‬ ‫الصفحة ‪.]24‬‬ ‫وفي هذا الس������يناريو االفتراضي‪ ،‬يفترض‬ ‫>ميل������وش< أنّ تصادما‪ ،‬مث������ل تصادم كويكب‬ ‫بقط������ر ‪ 50‬كيلومت������را يضرب ح������وض احمليط‬ ‫بس������رعة نحو ‪ 20‬كيلومترا في الثانية‪ ،‬ال يحفر‬ ‫حفرة تص������ادم‪ ،‬وإنمّ ا بدال من ذلك يو ّلد بحرا‬ ‫هائال من الصخور املنصهرة قطره وعمقه نحو‬ ‫‪ 500‬كيلومتر‪ .‬وإذا كانت مثل هذه البحيرة من‬ ‫الصهارة الناجمة عن تصادم الكويكب تشكل‬ ‫ُّ‬ ‫قم������ة عمود من وش������اح األرض‪ ،‬فإنّ حرارتها‬ ‫‪27‬‬

‫الش������ديدة توقف ارتفاع العمود من الوش������اح‬ ‫وعندئذ حترف مس������اره إلى املناطق املجاورة‬ ‫له‪ .‬وميكن لعمود من الوشاح منحرف املسار‬ ‫حتت قشرة محيطات ثخينة أن يو ّلد جزرا قد‬ ‫جتد فيما بع������د طريقها إلى منطق������ة االنغراز‬ ‫وتؤ ّدي إلى ثخانة جانبي������ة لقارة متنامية‪ .‬أ ّما‬ ‫إذا حدث وارتفع العمود املنحرف املسار حتت‬ ‫ق������ارة أولية حتوي صخورا أقل كثافة بالفعل‪،‬‬ ‫فإنّ املص������در احلراري اجلدي������د يكون كافيا‬ ‫إلحداث موجات صاعدة جديدة من الصهارة‬ ‫الگرانيتية مثل تلك الواقعة في أحزمة الصخور‬ ‫اخلـُضر في پلبارا وكاپڤال‪ ،‬ومن َث َّم مؤدية إلى‬ ‫زيادة الثخانة في أسفل القارة‪.‬‬ ‫غي������ر أن >ميل������وش< يحذر م������ن أن هذا‬ ‫الس������يناريو فيه الكثير من الشكوك‪ .‬مبرهنا‬ ‫على أنه من املس������تحيل في الواقع أنّ كويكبا‬ ‫مفترضا قد ح ّرف مس������ار أعمدة الوش������اح‪،‬‬ ‫ليح������دث أجنّة ق������ارات مح������ ّددة موجودة في‬ ‫السجل الصخري‪ .‬فالفوهات التي أحدثتها‬ ‫الكويكب������ات‪ ،‬منذ فترة طويل������ة‪ ،‬انغرزت في‬ ‫باط������ن األرض أو تعرضت للتحات واختفت‪.‬‬ ‫حتى ولو كان عمود من الوش������اح مس������ؤوال‬ ‫بالفع������ل عن إنتاج صخور الگرانيت‪ ،‬فمن ذا‬ ‫ال������ذي يقول إنه لم يك������ن يرتفع بالفعل حتت‬ ‫قارة أولية حتى قبل ضربة الكويكب؟‬ ‫وفي النهاية‪ّ ،‬‬ ‫وض������ح >ميلوش< املصادفة‬ ‫املدهش������ة في التزامن بني ضربات الكويكبات‬ ‫القدمية املبك������رة وبني صعود املواد املنصهرة‬ ‫اجلديدة في الشظايا القدمية للقارات احلالية‪،‬‬ ‫وكان قد ربطهما معا بوجود آلية موثوقة لكيفية‬ ‫توجي������ه ضربة كونية ميكن أن تؤدي فعال إلى‬ ‫إنتاج مثل ه������ذه املواد املنصهرة‪ .‬وبحس������ب‬ ‫>لوي<‪« :‬إنها فرضي������ة محتملة جدا حول ما‬ ‫قد حدث»‪« .‬ولكنه تفس������ير واحد فقط‪ ».‬ومما‬ ‫ال ش������ك فيه‪ ،‬أن التصادم������ات املغ ّيرة لكوكب‬ ‫األرض ق������د أعاقت الديناميات الداخلية للكرة‬ ‫األرضي������ة – ورمب������ا ال يك������ون العن������ف الذي‬ ‫صاحبها مدمرا ك ّل ّيا‪.‬‬ ‫>‬ ‫( ) ‪Constructive Criticism‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, January 2010‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫إيقاف أكثر الطفيليات‬ ‫نشرا للموت في العالم‬

‫(٭)‬

‫لقاح جديد للمالريا‪ ،‬وخطة لتمنيع البعوض وغيرها‬ ‫من األفكار «املجنونة» جعلت قهر هذا القاتل فكرة ساطعة‪.‬‬ ‫>‪ .M‬كارميكائيل<‬

‫في الوقت احلالي‪ ،‬وفي مكان ما من العالم‪ ،‬ورمبا في أحد‬ ‫أطباق االختب������ار «پتري» في بالتيمور‪ ،‬أو ف������ي الغدد اللعابية‬ ‫لبعوض������ة اس������تقرت في أح������د املختبرات في س������ياتل‪ ،‬أو في‬ ‫مجرى الدم في جس������م أحد القرويني ف������ي غانا‪ ،‬يوجد مركب‬ ‫كيميائي قد يس������اعد على إبادة أكبر قاتل في تاريخ البشرية‪.‬‬ ‫يوجد لدى العلماء في املختبرات العديد من اللقاحات الواعدة‬ ‫َّ‬ ‫املرش������حة‪ ،‬وألول مرة يص������ل أحدها إلى مرحل������ة متقدمة من‬ ‫التجارب الس������ريرية على البش������ر‪ .‬وإذا كان ه������و أو غيره من‬ ‫َّ‬ ‫املرش������حة ف َّعاال‪ ،‬ولو جزئيا في البشر‪ ،‬فقد يستطيع‬ ‫اللقاحات‬ ‫إنقاذ أرواح ماليني األطفال والنساء احلوامل‪ .‬وعندها سيكون‬ ‫اللقاح الوحيد الذي أمكن تطويره ضد طفيلي يصيب اإلنسان‪،‬‬ ‫وهو إجناز على مس������توى جائزة نوبل‪ .‬وس������يكون من املمكن‬ ‫توزيع اجليل األول منه في إفريقيا في وقت قريب مثل ‪.2015‬‬ ‫ويقول >‪ .J‬كوهني<‪ ،‬وهو عالم يقود بعضا من أكثر األبحاث‬ ‫إث������ارة لألمل‪« :‬إذا س������ارت األمور على ماي������رام‪ ،‬فبعد خمس‬ ‫سنوات من اليوم‪ ،‬سيكون اللقاح قد بدأ استخدامه على نطاق‬ ‫واسع في األطفال الذين تتراوح أعمارهم بني ‪ 6‬إلى ‪ 12‬أسبوعا‬ ‫من العمر»‪ .‬ويتابع القول‪« :‬إن������ه إجناز عظيم‪ ،‬ونحن فخورون‬ ‫به‪ ».‬إنها حلظة غير عادية في أبحاث لقاح املالريا‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫كذلك‪ ،‬فلماذا ال تتغنَّى به >‪ .R‬رابينوڤيتش< بفخر واعتزاز؟‬

‫و>رابينوڤيت������ش< هي امرأة مدهش������ة ذات ش������عر داكن‪،‬‬ ‫وحاصلة على بكالوريوس الطب وماجس������تير الصحة العامة‪،‬‬ ‫وسيرتها الذاتية تتضمن ش������غلها منصب مديرة مبادرة پاث‬ ‫‪ path‬للق������اح املضاد للمالريا‪ ،‬فضال ع������ن وظيفتها احلالية‬ ‫كرئيس������ة لبرنامج األمراض املعدية في مؤسسة بيل وميليندا‬ ‫گيتس‪ .‬ولكن ما أن تسألها عن التقدم الذي أحرزه العلماء في‬ ‫العشرين عاما املاضية حتى تكف عن الكالم‪.‬‬ ‫تدي������ر >رابينوڤيت������ش< واح������دا من أكبر برام������ج األبحاث‬ ‫والتطوي������ر للقاح مض������اد للمالريا في العال������م‪ ،‬ولكنها عندما‬ ‫تتكل������م ال تزيد على قوله������ا «ثمة أمور ف������ي طريقها للظهور»‪.‬‬ ‫وألنه������ا حتت ضغط هذه األمور‪ ،‬فإنه������ا حتذر من بعض هذه‬ ‫األم������ور‪( ،‬خصوص������ا تلك األمور التي ما ت������زال في مراحلها‬ ‫املبك������رة)‪ ،‬فهي تقول «إنها أم������ور البد لها من أن تفطر قلبك»‪.‬‬ ‫ويب������دو أن اجتهادها في احلذر ل������ه ما يبرره‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫جميع التحـديــات التي تغ ّلب عليها الباحثون‪ ،‬فإن هناك حتديا‬ ‫جدي������دا يلوح في األفق اآلن‪ .‬فبينما يقترب الباحثون أكثر من‬ ‫أي وقت مضى من أول لقاح مضاد للمرض‪ ،‬ينبغي عليهم أن‬ ‫َي ُحولوا دون تالشي آمالهم‪.‬‬ ‫لق������د تعودت مجتمع������ات املالريا على مروره������ا بدورات من‬ ‫( ) ‪Halting the World’s Most Lethal Parasite‬‬

‫باختصار‬ ‫واجهـ���ت الــلقـــاحــ���ات املـضـ���ادة‬ ‫للمالريـــ���ا إخفـــاق���ات متكـــ���ررة‪.‬‬ ‫وق���د أحي���ت األس���اليب التقانية‬ ‫احلديث���ة دفع���ة جدي���دة لعام���ل‬ ‫ّ‬ ‫س���يمكن توفي���ر املناع���ة م���دى‬ ‫احلياة‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫وقريبا س���تنتهي املراح���ل األخيرة من‬ ‫التج���ارب الس���ريرية عل���ى لق���اح كان‬ ‫حت���ت التطوير من���ذ ثمانين���ات القرن‬ ‫العش���رين‪ .‬وميك���ن له���ذا اللق���اح أن‬ ‫ينقص عدد حاالت الشكل األكثر إماتة‬ ‫من املالريا مبقدار النصف‪.‬‬

‫وحت���ى أثن���اء تق���دم ه���ذا العم���ل‪،‬‬ ‫ف���إن الباحث�ي�ن يواصل���ون التقدم‬ ‫بالعم���ل عل���ى اس���تراتيجيات‬ ‫أخرى للقاح���ات جديدة‪ ،‬مثل نوع‬ ‫ُم ْ‬ ‫ض َع���ف من الطفيل���ي يتم تكثيره‬ ‫في البعوض‪.‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ونظ���را للصعوب���ة البالغ���ة ف���ي‬ ‫مكافح���ة املالري���ا‪ ،‬ينبغ���ي عل���ى‬ ‫الباحث�ي�ن أن يعدِّل���وا توقعاته���م‬ ‫املبا َل���غ فيه���ا ليحتفظ���وا باآلمال‪،‬‬ ‫فال تتحطم عندما يفشل لقاح آخر‬ ‫محتمل جديد‪.‬‬


‫املؤلفة‬ ‫‪Mary Carmichael‬‬

‫>كارميكال< من كبار الكتاب في مجلة نيوزويك تغطي أخبار الصحة‬ ‫والعلوم‪ ،‬وقد حصلت على جوائز عديدة من بينها ميدالية كيسي ‪Casey‬‬ ‫‪ Medal‬للجدارة الصحفية‪ ،‬و َعمِ لَ ْت في الصف األمامي في خدمة البث العامة‬ ‫‪ PBS‬وفي مجلة املصادر احلرة واملفتوحة للبرمجيات الذهنية ‪Mental Floss‬‬ ‫‪ ،magazine‬وشاركت في تأليف كتابني‪ .‬وهي حاليا تتمتع بالزمالة ‪.)1(KSJF‬‬

‫احلمولة املميتة‪ :‬بعوضة األنوفيل‬ ‫حتمل طفيلي املالريا املسؤول عن إحداث‬ ‫املرض لدى الكثيرين من سكان املناطق‬ ‫املدارية وقتلهم‪.‬‬

‫‪Anophele‬‬

‫ُّ‬ ‫وحتطم القلوب‪.‬‬ ‫اإلثارة ومن اليأس‬ ‫ففي ستينات القرن العشرين كانت‬ ‫هن������اك حمل������ة ضخمة قض������ت على‬ ‫املرض من مناطق عديدة من العالم‬ ‫وخفضت أع������داد املرضى تخفيضا‬ ‫كبي������را في املناطق األخ������رى‪ .‬ولكن‬ ‫هذا النجاح آل في آخر املطاف إلى‬ ‫نهايته‪ ،‬وعندما أصبحنا نفهم املالريا‬ ‫على أنه������ا خطر آخ������ذ بالتضاؤل‪،‬‬ ‫مالت الوكاالت العاملية إلى املهاودة‪،‬‬ ‫فوجدت أن سالحها الرئيسي (املادة‬ ‫الكيميائي������ة ‪ )DDT‬س������ام للطي������ور‪،‬‬ ‫فتخ ُّلوا عن مجهوداتهم بشكل كبير‪،‬‬ ‫فازدادت أع������داد املصابني باملالريا‬ ‫بتواتر أكثر س������رعة مما كانت عليه‬ ‫من قب������ل‪ .‬وعندها ت������رك الباحثون‬ ‫املج������ال‪ ،‬وآلت األبحاث حول اللقاح‬ ‫إلى الركود‪.‬‬ ‫لقد كان أمرا ُم ْذهِ ال‪ ،‬و ُمخْ ِجال‪،‬‬ ‫أن ُأهمل������ت املالري������ا لوق������ت طويل‬ ‫من قب������ل املُ َم ِّولني‪ ،‬ومن ثم من قبل‬ ‫العلم������اء الذين لم يس������تطيعوا أن‬ ‫يحصل������وا عل������ى مِ نَح لدراس������تها‪.‬‬ ‫ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإنه من الس������هل أن نتبني ملاذا فقد الناس‬ ‫األمل‪ .‬فعلى الرغم من كل ش������يء كانت املالريا كائنا يصعب‬ ‫مكافحت������ه‪ ،‬فدورة حياتها الطفيلية مع َّقدة‪ ،‬فهي تبدأ في الغدد‬ ‫اللعابي������ة للبعوضة‪ ،‬وتنتقل إلى مجرى الدم في اإلنس������ان‪ ،‬ثم‬ ‫تنتقل إلى كبد اإلنس������ان‪ ،‬لتصل بذل������ك إلى درجة من البلوغ‪،‬‬ ‫ثم ترجع إلى مجرى الدم في اإلنس������ان‪ ،‬وأخيرا تنتقل عائدة‬ ‫‪29‬‬

‫إل������ى جس������م بعوضة جديدة‪ ،‬ول������م تكن هذه ال������دورة مفهومة‬ ‫بش������كل جيد حتى وقت قريب‪ .‬وقد قامت مجموعة صغيرة من‬ ‫الباحثني في ش������ركة گالكسوسميث كالين )‪ (2)(GSK‬مبحاولة‬ ‫ج������ادة لبدء زخم قوي إلنتاج لقاح في منتصف الثمانينات من‬ ‫القرن العش������رين‪ ،‬وذلك بالعمل على پروتني من سطح ساللة‬ ‫(‪Knight Science Journalism Fellowships )1‬‬ ‫(‪GlaxoSmithKline )2‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫طفيلي املتصورة املنجلية ‪ plasmodium falciparum‬الشائعة‬ ‫واملميتة‪ ،‬غير أن هذه احملاولة األولى فشلت‪ ،‬وواصل الطفيلي‬ ‫فتكه مبليون شخص كل عام‪.‬‬ ‫وال ميك������ن أن تكون الظروف اليوم أكثر اختالفا عما كانت‬ ‫عليه آنذاك‪ ،‬إال أنه بفضل سلسلة من االبتكارات‪ ،‬وحقن مبالغ‬ ‫نقدية هائلة (وأغلبها من مؤسسة گيتس التي منحت ‪ 4.5‬بليون‬ ‫دوالر لتطوي������ر اللقاح منذ عام ‪ ،1994‬ثم رفعت الدعم منذ وقت‬ ‫قريب ليصل إلى ‪ 10‬باليني دوالر للس������نوات العش������ر املقبلة)‪،‬‬ ‫فإن العشرات من املشاريع املتعلقة بلقاح املالريا متضي في‬ ‫طريقها‪ ،‬مع أن أغلبيتها ال تزال في مراحلها األولى‪ .‬واستمر‬ ‫علماء الش������ركة ‪ GSK‬بإع������ادة ابتكار اللق������اح احملتمل الذي‬ ‫ب������دأ في الثمانينات حتى حصلوا عل������ى لقاح واعد أكثر‪ ،‬وقد‬ ‫وص������ل اآلن مراحل متأخرة من التجارب على البش������ر‪ ،‬وثبت‬ ‫أنه آمن‪ ،‬ويتم اآلن اختباره في سلس������لة ضخمة من التجارب‬ ‫السريرية العشوائية في ‪ 11‬موقعا في إفريقيا‪ ،‬حيث ستحقن‬ ‫مجموعة م������ن الناس باللقاح‪ ،‬وحتق������ن مجموعة أخرى بلقاح‬ ‫غفل(‪ placebo )1‬فقط‪ .‬وهذا اللقاح هو الوحيد الذي وصل إلى‬ ‫هذا املدى على اإلطالق‪ ،‬غير أن االختبارات السريرية املبدئية‬ ‫تتقدم على لقاحات مرشحة أخرى‪.‬‬ ‫ومي������ارس بع������ض الباحثني اس������تراتيجيات غي������ر تقليدية‬ ‫في املرحل������ة ‪( 1‬والتي تتضم������ن غالبا اختبارات الس���ل��امة)‪:‬‬ ‫فيزرعون طفيليات مض َع َفة وراثيا داخل أجس������ام البعوض‪ ،‬ثم‬ ‫يستخلصون بالتشريح هذه الكائنات من داخل الغدد اللعابية‬ ‫ليشكلوا منها لقاحا‪ .‬وثمة فئة ثالثة من اللقاحات قد تستخدم‬ ‫في متنيع البعوض الذي ينقل طفيلي املالريا إلى ضحاياها من‬ ‫البش������ر‪ ،‬وذلك باستخدام أجسام البشر في توصيل األضداد‬ ‫‪ .antibodies‬ويقول >‪ .R‬دينگالزان< أحد الرواد في هذه املقاربة‪:‬‬ ‫«إننا نتكلم عن اس������تخدام البشر في متنيع احلشرات متنيعا‬ ‫فاعل‪ ،‬وهي فكرة فيها قدر من اجلنون»‪.‬‬ ‫غير ٍ‬ ‫وطبعا إنه «جنون»‪ ،‬ولكنه رمبا يتحول إلى شيء «مبتكر»‪،‬‬ ‫إذا أعطيت الفكرة وقتا كافيا‪ ،‬وقدرا من احلظ والعمل الشاق‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫املرشحة (أو للقاحات‬ ‫ولكن بالنسبة إلى أي من هذه اللقاحات‬ ‫األخ������رى العديدة التي التزال في مراح������ل تطويرها املبكرة)‪،‬‬ ‫ولكي تنجح‪ ،‬ف������إن عليها أن جتتاز العديد من التحديات أوال‪.‬‬ ‫لقد جاء الوقت ملواجه������ة تلك التحديات‪ ،‬تقول >رابينوڤيتش<‪:‬‬ ‫«إنك لن حتقق أي تقدم إذا ما دفنت رأسك في الرمال»‪.‬‬

‫عصر جديد‬

‫ثالث استراتيجيات واعدة للقاح‬

‫( )‬

‫طيلة عقود طويلة حاول مجتمع الصحة العامة أن يبتكر لقاحا يستطيع أن‬ ‫يضفي مناعة تس���تمر العمر بكامله ضد طفيلي املالريا‪ ،‬ويس���اعد على إبادة‬ ‫امل���رض‪ ،‬غي���ر أن اجلهد كان دائما يؤول إلى الفش���ل‪ .‬ف���دورة حياة الطفيلي‬ ‫املعق���دة جتعل معرفة أفضل طريقة لتخليق لقاح فعال حتديا‪ ،‬غير أن توافر‬ ‫ميزاني���ة جدي���دة‪ ،‬وانهم���ار فيض من األف���كار االبتكارية ق���د أدى إلى تغيير‬ ‫طريق���ة النظ���ر إلى هذا األمر بش���كل مفاجئ في الس���نوات احلالي���ة‪ .‬فللمرة‬ ‫لقاح للمرحلة األخيرة من التجارب السريرية‪ ،‬وتوجد عشرات‬ ‫األولى‪ ،‬يصل‬ ‫ٌ‬ ‫م���ن األفكار األخرى في مرحلة مبكرة من التطوير‪ .‬و ُيظهر هذا الش���كل ثالث‬ ‫مقاربات مختلفة‪.‬‬

‫‪ -2‬داخل أمعاء البعوضة‬ ‫حتجب األضداد اإلنزمي‪،‬‬ ‫ومن دون هذا اإلنزمي متوت‬

‫العرسيات‬

‫أمينوپپتيداز‬

‫خلية بيضية‬

‫‪ -1‬يُحقن البشر بقدر‬ ‫مستم ّد‬ ‫من إنزمي‬ ‫َ‬ ‫من البعوضة يسمى‬ ‫أمينوپپتيداز‪ ،‬فتنتج‬ ‫أجسامهم أضدادا قادرة‬ ‫على االرتباط باإلنزمي‪،‬‬ ‫وتبتلع البعوضة‬ ‫األضداد مع عرسيات‬ ‫املتصورة‪.‬‬

‫مشيج مذكر‬ ‫مشيج مؤنث‬ ‫‪ -5‬في أمعاء البعوضة‪،‬‬ ‫تنضج العرسيات‬ ‫وتندمج منتجة كيسا‬ ‫للبيوض‪ ،‬وتتحرر‬ ‫احليوانات البوغية‬ ‫‪ sporozoites‬من‬ ‫األكياس‪ ،‬لتبدأ الدورة‬ ‫من جديد‪.‬‬

‫عرسية‬

‫ض ٌد مب َتلَع‬

‫‪ingested antibody‬‬

‫ضاد‬

‫اح م‬

‫لق‬

‫إحصار‬ ‫ْ‬

‫السراية(‪)2‬‬

‫وض‬

‫للبع‬

‫إن إعطاء اللقاح لشخص ما يؤدي إلى إنتاج األضداد التي متر‬ ‫إلى أمعاء بعوضة صائمة‪ ،‬حيث متنع هذه األضداد الطفيلي من‬ ‫التفاعل مع اإلنزمي الذي يحتاج إليه الطفيلي للبقاء حيًا‪ .‬وفي‬ ‫املرة التالية التي تلسع فيها البعوضة شخصا آخر‪ ،‬فلن يكون‬ ‫لديها طفيليات مالريا لتنقلها إليه‪.‬‬

‫أو إيحائي‪.‬‬

‫(‪Blocking Transmission )2‬‬

‫‪30‬‬

‫وتتوقف الدورة‪.‬‬

‫مأوى آمن‬ ‫طبيعي‬

‫( ) ‪Three Promising Vaccine Strategies‬‬

‫(‪)1‬‬

‫‪gametocytes‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫عرسية مذكرة‬ ‫عرسية مؤنثة‬


‫تكثير طفيليات ضعيفة‬

‫يأ‬

‫كثر‬ ‫ل‬ ‫قاح‬ ‫تق‬ ‫ليد‬

‫ن البعوض‬ ‫ٌم ْس َت َم ٌّد م‬ ‫لقاح‬

‫‪ -1‬يُنمِّ ي العلما ُء‬ ‫الطفيليات املعدلة‬ ‫وراثيا أو املشعَّ عة في‬ ‫أمعاء البعوضة‪.‬‬

‫ق وة‬

‫لعمل لقاح جديد يأخذ الباحثون عادة عامال مسببا للمرض‪ ،‬ويضعفونه‬ ‫بشكل ما‪ ،‬ثم يحقنون أجزاء من ذلك املتعضي ‪ organism‬في البشر‪ ،‬إلحداث‬ ‫تفاعل مناعي لديهم‪ .‬وإحدى الشركات (وهي شركة بيوميد في سياتل)‬ ‫تستخدم هذه املقاربة على الوجه األكمل متاما‪ ،‬فتشعِّ ع الطفيليات في‬ ‫مرحلة احليوانات البوغية ‪ sporozoites‬ملنعها من النضوج‪ ،‬ثم حتقن ُشدف‬ ‫الطفيلي في املرضى‪ .‬وفي املراحل املبكرة من التجارب التي أجريت على‬ ‫البشر حقق هذا اللقاح وقاية مناعية بنسبة ‪ %100‬ضد املالريا‪.‬‬

‫‪ُ -1‬تعزل‬ ‫الپروتينات من‬ ‫سطوح احليوانات‬ ‫البوغية الصحيحة‪،‬‬ ‫و ُتدمج ُشدفها في‬ ‫سقالة ‪.scaffold‬‬

‫پروتني‬ ‫سطحي‬

‫‪ُ -2‬تستخلص‬ ‫الطفيليات املُ ْ‬ ‫ضعَ فة‪.‬‬

‫حيوان بوغي‬

‫‪ -3‬يُحقن لقاح من ُشدف‬ ‫الطفيليات املُ ْ‬ ‫ضعَ فة في‬ ‫إنسان لم تسبق له اإلصابة‬ ‫باملرض‪ ،‬فيثير لديه‬ ‫استجابة مناعية حتميه من‬ ‫اإلصابة في املستقبل‪.‬‬

‫‪ -1‬تدخل البعوضة أثناء‬ ‫تناولها غذاءها احليوانات‬ ‫البوغية إلى مجرى الدم في‬ ‫ضحيتها‪ ،‬وهذا هو الطور‬ ‫الطفيلي الذي يستطيع‬ ‫إصابة البشر بالعدوى‪.‬‬

‫سقالة‬ ‫پروتينية‬

‫‪ُ -2‬تضاف مادة كيميائية‬ ‫ُتسمى املساعدة لتعزيز‬ ‫االستجابة املناعية‬ ‫بزيادة مشاركة اخلاليا‬ ‫البائية (املُنتجة لألضداد)‬ ‫واخلاليا التائية‪.‬‬

‫مساعدة‬

‫كبد‬

‫‪ -4‬وتتطور بعض‬ ‫األقاسيم إلى‬ ‫عُ رسيات‪ ،‬التلبث أن‬ ‫تبتلعها بعوضة لم‬ ‫يسبق لها اإلصابة‬ ‫بالطفيلي أثناء‬ ‫تناولها وجبة الدم‪.‬‬

‫إل‬

‫دورة حياة‬ ‫طفيلي املالريا‬ ‫(املتصورة)‬

‫سان‬ ‫ن‬

‫د‬ ‫اخل‬ ‫الب‬

‫ضة‬ ‫عو‬

‫داخ‬ ‫لا‬

‫‪ -2‬تدخل احليوانات‬ ‫البوغية إلى اخلاليا‬ ‫الكبدية في الضحية‪ ،‬حيث‬ ‫تتكاثر تكاثرا الجنسيا‪،‬‬ ‫فتكوِّ ن اآلالف من األقاسيم‪.‬‬

‫‪ -3‬تغزو األقاسيم‬ ‫املتحررة من اخلاليا الكبدية‬ ‫خاليا الدم احلمراء‪ ،‬وتتكاثر‬ ‫فيها‪ ،‬مؤدية إلى انفجارها‬ ‫وإلى ازدياد أكبر في عدد‬ ‫اخلاليا احلمراء املصابة‬ ‫بالعدوى‪ .‬وينتج من ذلك‬ ‫حمى ورعشة وفقر دم متزايد‪.‬‬

‫خلية كبدية‬ ‫متمزقة‬

‫‪ -3‬يُحقن اللقاح الناجت في طفل‬ ‫لم يسبق له اإلصابة باملرض‪،‬‬ ‫فيثير لديه استجابة مناعية‬ ‫فعالة حتميه حماية جزئية من‬ ‫اإلصابة في املستقبل‪.‬‬

‫‪Merozoites‬‬

‫ُأقسومة‬

‫‪ -4‬بعد عام ونصف من احلقنة‬ ‫األولى يتلقى الطفل جرعة مع ِّززة‬ ‫نهائية لتقوية املناعة‪.‬‬

‫خلية دم‬ ‫حمراء‬

‫تعزيز لقاح تقليدي‬

‫دخل لقاح من الشركة ‪ GSK‬ضد املتصورة املنجلية ‪( Plasmodium Falciparum‬وهي‬ ‫ساللة مميتة من الطفيلي) مرحلة متأخرة من التجارب السريرية‪ .‬وكانت النسخة‬ ‫األقدم من اللقاح قد أخفقت في التجارب السريرية‪ ،‬وذلك بإعادة تشكيلها مع مادة‬ ‫كيميائية مساعدة‪ ،‬تعزز االستجابة املناعية‪ .‬ويبدو أن النسخة األحدث تقلل من فرص‬ ‫إصابة الشخص في اإلصابة بالصورة الشديدة من املرض إلى النصف‪ ،‬ولم يسبق‬ ‫للقاح للمالريا أن وصل إلى هذا القدر من التوافر التجاري على صعيد اإلحصائيات‪.‬‬

‫‪31‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫رسم خريطة املالريا‬

‫أين تكمن األخطار‬

‫( )‬

‫ينبغي أن تستهدف احلملة العاملية ملكافحة املالريا التي تعتمد على اللقاحات‬ ‫الس����تئصال املرض أو تقليل حدوثه الس����كان الذين يواجه����ون اخلطر األكبر‪.‬‬ ‫ولتحديث املعلومات الوبائية التي صارت منتهية الصالحية من عقود كثيرة‪،‬‬ ‫ف����إن مش����روع خريطة املالري����ا‪ ،‬وهو تعاون ما ب��ي�ن جامعة أكس����فورد ومعهد‬ ‫جمع‬ ‫األبحاث الطبية الكيني والصندوق االئتماني للش����ركة ‪ّ ،Wellcome Trust‬‬ ‫آالف التقارير احمللية عن انتشار الطفيلي لتقدير مدى خطر اإلصابة باملرض‪.‬‬

‫خطر مرتفع‬

‫خطر متوسط‬

‫نعم‪ ،‬إنه يعمل‪ ،‬ولكن ما مدى جودته؟‬

‫( )‬

‫َّ‬ ‫املرش������ح الذي أنتجته الش������ركة ‪ ،GSK‬واملسمى‬ ‫واللقاح‬ ‫‪ RTS,S‬الي������زال يعتم������د على الپروتني نفس������ه م������ن پروتينات‬ ‫املتصورة املنجلية‪ ،‬كما كان األمر عليه من قبل‪ ،‬ولكن أصبح‬ ‫له اآلن مس������اعد‪ .‬ولو س������ارت األمور كما كان يو ّد الباحثون‬ ‫ف������ي الثمانين������ات‪ ،‬فإن الپروت���ي��ن املعروف مبحي����ط البوائغ‬ ‫‪ circumsporozoite‬أو الپروت���ي��ن ‪ ،CS‬كان ق������ادرا على العمل‬ ‫مبف������رده كمس����تض ّد ‪ ،antigen‬وهو اجلزء م������ن اللقاح الذي‬ ‫يح ِّفز اجلمل������ة املناعية على إنتاج أضداد‪ ،‬أو على غيرها من‬ ‫االستجابات املناعية‪ ،‬والتي حتاول قتل الطفيلي‪ .‬وقد جنحت‬ ‫ه������ذه املقاربة مع اللق������اح املضاد اللتهاب الكب������د ‪ B‬الذي ّ‬ ‫مت‬ ‫تركيب������ه بصورة مماثل������ة‪ ،‬غير أن اجلمل������ة املناعية لم تتفاعل‬ ‫م������ع الپروتني ‪ ،CS‬كما كانوا يخطط������ون‪ ،‬فعكف الباحثون ‪20‬‬ ‫عاما على مهمة إعادة تشكيل اللقاح‪ .‬ولكي يستثير الباحثون‬ ‫اجلسم استثارة تكفي إلنتاج استجابة قوية‪ ،‬كان عليهم أوال‬ ‫جتميع الكثير من نس������خ الپروتني على سقالة كيميائية‪ُ ،‬ب ْغ َية‬ ‫إثارة إنتاج كمية كافية م������ن األضداد‪« .‬كانت الفكرة هي أن‬ ‫جنعل اللقاح أكثر ش������بها بالعامل احلقيقي املسبب للمرض»‬ ‫‪32‬‬

‫واخلرائ����ط (في األس����فل) تبني املناط����ق األكثر تعرضا للنم����ط األكثر إماتة من‬ ‫الطفيلي‪ ،‬وهو املتصورة املنجلية‪( .‬أما املتصورة النش����يطة‪ ،‬فهي أخف وطأة‬ ‫بص����ورة عام����ة ولكنها قادرة مع ذلك على إحداث مرض ش����ديد‪ ،‬كا أن الطفيلي‬ ‫أكث����ر انتش����ارا ويصي����ب ‪ 2,85‬بليون إنس����ان)‪ .‬ومقاييس اخلطر ُم ْس���� َت َمدَّة من‬ ‫النس����بة املئوية لألش����خاص الذين يحملون الطفيلي‪ ،‬بغض النظر عن كونهم‬ ‫أو عدم كونهم مرضى بالفعل‪.‬‬

‫خطر منخفض‬

‫خطر هامشي ‬

‫بحس������ب قول >كوهني< من الشركة ‪ ،GSK‬الذي ترأس العمل‬ ‫على اللقاح ‪.RTS,S‬‬ ‫وقد اس������تجاب اجلس������م بقوة أكبر لهذا التشكيل اجلديد‪،‬‬ ‫ولكن������ه ليس بالقوة الكافية إلنت������اج حماية حقيقية من املرض‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫املرشحة لكل‬ ‫(وهي مش������كلة شائعة لدى العديد من اللقاحات‬ ‫أن������واع األم������راض)‪ .‬إن حتفيز املزيد من االس������تجابة يتطلب‬ ‫إحراز اختراق من نوع آخر‪ ،‬فبعد ‪ 15‬عاما جنح الباحثون في‬ ‫إضافة مادة كيميائية تزيد من أعداد اخلاليا البائية التي تنتج‬ ‫األضداد‪ ،‬وهذه املادة املس������اعدة ترتبط أيضا باخلاليا التائية‬ ‫التي تؤدي العديد م������ن األدوار املهمة للمحافظة على دفاعات‬ ‫اجلسم ضد املرض‪.‬‬ ‫ويحقِ ن الباحثون هذه التشكيلة اجلديدة في اختبار املراحل‬ ‫النهائية املتأخرة‪ُ ،‬مش������كلة أضخم اختبار ُأجري على اإلطالق‬ ‫للقاح مضاد للمالريا‪ .‬واملجموعة املس������تهدفة هي ‪ 16 000‬طفل‬ ‫(تت������راوح أعمار بعضهم ما بني ‪ 6‬إلى ‪ 12‬أس������بوعا‪ ،‬والبعض‬ ‫اآلخر أكبر قليال من ذلك‪ ،‬فأعمارهم ما بني ‪ 5‬إلى ‪ 17‬شهرا)‪،‬‬ ‫( ) ‪Where the Risks Are‬‬ ‫( ) ?‪YES, IT WORKS. BUT HOW WELL‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫وق������د بدؤوا بتلقي لقاحاتهم‪ .‬وبانتهاء الش������هر ‪ 2010/12‬يكون ل������دى األطفال‪ ،‬فقد تالزمه������م حاالت العج������ز واإلعاقة طوال‬ ‫الباحثون قد اس������تكملوا جميع احلقن‪ ،‬وسوف تتراكم النتائج حياته������م‪ .‬أم������ا إذا أصيب بعض صغار األطف������ال بعد تلقيهم‬ ‫خالل منتصف العام احلالي‪ .‬وإذا ما بدت هذه البيانات ونتائج اللقاح‪ ،‬فإنهم يصابون بحاالت أقل شدة وليست مميتة‪.‬‬ ‫املتابعة واعدة‪ ،‬فإن الوقت يكون قد حان ألن نرى «تأثير اللقاح‬ ‫وقد قام������ت منظمة الصحة العاملية ومنظمة اليونيس������ف‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الرضع ض������د أمراض أخرى مثل ش������لل‬ ‫في احلياة الواقعية» كما يقول >‪ .C‬لوك< [املدير احلالي ملبادرة بالفع������ل‪ ،‬بتمني������ع‬ ‫األطفال وا ُ‬ ‫‪ Path‬للقاح املضاد للمالريا]‪.‬‬ ‫خلنَاق تقريبا في حدود هذا العمر املبكر (‪ 3‬أشهر‬ ‫وه������ذا التأثير قد يك������ون هائال‪ ،‬فينقذ مئ������ات اآلالف من تزي������د أو تنقص قليال)‪ ،‬وهذا يعني‪ ،‬ف������ي األوضاع املثالية‪،‬‬ ‫األرواح كل عام‪ ،‬هذا إذا ُوزِّع اللقاح على نطاق واسع‪ .‬ولك ْن أن ه������ذه األعمار تالئ������م التفاعل مع اللق������اح ‪ .RTS,S‬ويقول‬ ‫ثم������ة عقبتان ماثلتان‪ ،‬العقبة األولى هي تكلفة اللقاح‪ .‬فمجمل >كوه���ي��ن<‪« :‬ونحن نرغب في أن ُيدم������ج لقاح املالريا ضمن‬ ‫تكاليف تطوي������ر اللقاح ‪ RTS,S‬ثم‬ ‫نظام توصيل اللقاحات األخرى‪،‬‬ ‫جتهي������زه للتوزيع في األس������واق‬ ‫فبإمكاننا أن نس������تفيد من حقيقة‬ ‫ستكون في النهاية مئات املاليني‬ ‫أن نظ������ام التوصيل ه������ذا ُيعطي‬ ‫من الدوالرات‪ ،‬ومن ثم فقد يكون‬ ‫لقاحات أخ������رى»‪ .‬وه������ذه البنية‬ ‫باهظ الثم������ن جدا لالس������تخدام‬ ‫التحتي������ة املُ ْد َم َج������ة ضم������ن نظام‬ ‫العملي في البالد النامية‪ .‬غير أن‬ ‫التوصي������ل بإمكانها أن تس������ ِّرع‬ ‫الشركة ‪ GSK‬قالت إنها ستجعل‬ ‫عملية انتقال اللقاح من منصات‬ ‫الثم������ن منخفضا ج������دا‪ ،‬بهامش‬ ‫اإلنتاج إلى جوار األس ّرة الطبية‬ ‫ربح ضئيل‪ ،‬ه������و ‪ ،%5‬وهي تأمل‬ ‫وأماك������ن حقن اللق������اح‪ ،‬وهذا قد‬ ‫َّ‬ ‫واملنظمات الدولية‬ ‫بأن املؤسسات‬ ‫يعن������ي أن تكلفة احلقن س������تكون‬ ‫الصحة العامة أوال‪ :‬تقوم الشركة ‪ GSK‬بتلقيح األطفال‬ ‫في إفريقيا في املرحلة األخيرة من التجارب السريرية‪.‬‬ ‫مثل اليونيسف والتحالف العاملي‬ ‫قليلة جدا‪ ،‬ألنه س������يكون بإمكاننا‬ ‫للقاح������ات والتمني������ع ستش������تري‬ ‫أن نتخطى إنشاء شبكات جديدة‬ ‫اللقاح وتوزعه على الب���ل��اد النامية في إفريقيا‪ ،‬وهي البلدان للتوصي������ل‪ .‬ومع ذل������ك‪ ،‬يضيف >كوهني<‪« :‬ينبغ������ي علينا أن‬ ‫األكثر حاجة إلى اللقاح‪.‬‬ ‫نتأكد من أن االس������تعداد قد مت على األرض‪ ،‬فاألمر لن يكون‬ ‫أم������ا العقبة الثانية فهي أنه من احملتمل أن ال ينجح اللقاح مسألة عارضة»‪.‬كما أنه ليس واضحا حتى اآلن عدد املرات‬ ‫‪ RTS,S‬في عمله‪ ،‬ش������أنه في ذلك ش������أن غيره م������ن اللقاحات التي س������يتعني على هؤالء األطف������ال أن يعودوا إلى العيادات‬ ‫املضادة لألمراض األخرى‪ ،‬والتي ينبغي أن تكون ف ّعالة بنسبة ليحصلوا على احلقن املنشطة‪.‬‬ ‫‪ %80‬قبل إجازتها لالستخدام على نطاق واسع‪ ،‬وحتى اآلن‪،‬‬ ‫وثم������ة عوائق أخرى تعترض مس������يرة اللق������اح‪ ،‬أولها أن‬ ‫ف������إن أفضل نتائج املرحلة ‪ II‬توحي بأن اللقاح ‪ RTS,S‬يخفض اللق������اح ‪ RTS,S‬مصمم للعمل ضد الس���ل��االت اإلفريقية من‬ ‫ح������االت املالريا حتى النصف‪ ،‬ومعظم اللقاحات التي لها مثل املتصورة املنجلية وليس غيرها من الس���ل��االت التي تسري‬ ‫هذه البيانات اإلحصائية الميكن اعتبارها ف ّعالة بالقدر الكافي عدواها في س������ائر أنحاء الكرة األرضية‪ ،‬وثانيها أن نس������بة‬ ‫لالس������تخدام على نطاق واسع‪ .‬غير أن املالريا قاتل له َق َد ُر ُه‪ %50 ،‬م������ن الكف������اءة اإلحصائية الميكن أن تعن������ي أن اللقاح‬ ‫واللقاح يتقدم على سائر اللقاحات املرشحة‪ ،‬بحيث تبدو هذه مبفرده س������يكون بإمكان������ه التخلص من املالري������ا‪ ،‬علما بأن‬ ‫النس������بة املئوية‪ ،‬وهي ‪ 50‬في املئة‪ ،‬في الواقع رائعة جدا‪ ،‬ألنها التخلص من املرض هو األساس املنطقي السليم وراء تطوير‬ ‫تعني إنقاذ أرواح ‪ 500 000‬شخص كل سنة‪.‬‬ ‫أي لقاح في املقام األول‪.‬‬ ‫وأصغر األطفال عمر ًا هم األكثر عرضة لإلصابة باملالريا‬ ‫والس������تخدام اللقاح ‪ RTS,S‬للتخلص من املرض‪ ،‬سيتعني‬ ‫الشديدة‪ ،‬فما لديهم من حماية طبيعية ضد املرض قليلة‪ ،‬وهم عل������ى الباحثني إعادة تركيب اللق������اح‪ ،‬مرة أخرى‪ ،‬أو عوضا‬ ‫في ذلك ليسوا كغيرهم من الضحايا الذين يكتسبون قدرا من عن ذلك إعطائه جنبا إلى جنب مع مركب آخر‪ .‬ويفكر علماء‬ ‫احلماية نتيجة تكرار العدوى بها‪ ،‬ومن ثم مييل امل َ َر ُ‬ ‫ض إلى أن الشركة ‪ GSK‬حاليا في أسلوب أو مقاربة «التعزيز الرئيسي»‬ ‫يكون أخف وطأة مع تقدمهم في العمر‪ .‬وبسبب غياب احلماية (وه������ي اس������تراتيجية املرحلت���ي��ن التي أب������دت بعض مالمح‬ ‫‪33‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫اخلطة‬

‫‪B‬‬

‫بدائل اللقاحات‬

‫( )‬

‫رمبا ال ينجح اللقاح املضاد للمالريا في العمل‪ ،‬فالباحثون لم ينجحوا‬ ‫أب���دا ف���ي إيجاد لقاح بش���ري ناجح ض���د الطفيليات م���ن أي نوع‪ .‬لذلك‪،‬‬ ‫ف���إن مؤسس���ة الصح���ة العام���ة تتاب���ع باس���تمرار طيف���ا م���ن املقاربات‬ ‫البديل���ة جنب���ا إلى جن���ب مع تطوير اللقاح‪ .‬ولس���وء احل���ظ‪ ،‬فإن جميع‬ ‫هذه املقاربات (س���واء الناموس���يات أو األدوية الوقائية) ال متنح وقاية‬ ‫تستمر طويال ضد الطفيليات‪.‬‬

‫الفعالية في التجارب املبكرة ل ِـ ڤيروس عوز (نقص) املناعة‬ ‫البشرية املكتسب ‪ )HIV‬وذلك بتكرارهم للقاح ‪ .RTS,S‬وكال‬

‫الذراعني «الرئيس������ي» و«التعزيز» له������ذا اللقاح اجلديد يقدم‬ ‫الپروتني ‪ CS‬للجس������م‪ ،‬ولكن بطرق مختلفة‪ ،‬ورمبا أنتج ذلك‬ ‫اس������تجابة مناعية أقوى‪ ،‬وعلى أقل تقدير‪ ،‬فهذا ما ذهب إليه‬ ‫التفكير‪ .‬ولكن البحث أجري على حيوانات املختبر فقط حتى‬ ‫اآلن‪ ،‬وإذا اس������تغرقت هذه احملاولة اجلدي������دة لتقييم اللقاح‬ ‫‪ RTS,S‬املدة ذاتها التي اس������تغرقتها احملاولة الس������ابقة‪ ،‬فقد‬ ‫يعني ذلك ‪ 15‬سنة قبل الوصول إلى نسخة معدلة فعالة متاما‬ ‫من اللق������اح ‪ RTS,S‬تكون ركيزة من ركائ������ز الصحة العامة‪.‬‬ ‫ويتس������اءل >كوهني<‪« :‬وخالل هذه الفترة من يدري ما الذي‬ ‫سيكتشفه العلماء؟»‬ ‫البعوض كمختبرات حية‬

‫( )‬

‫‪( DDT‬مادة كيميائية محظورة) تسترد مكانتها داخل البيوت حيث تسبب ضر ًرا‬ ‫أقل الضرر‪ .‬إنها تخلص البيوت من البعوض دون أن تسبب دمارا للبيئة‪.‬‬

‫الناموسيات التي تصد البعوض متثل حال جذابا بسبب رخص ثمنها‬ ‫وبساطتها وكفاءتها الثابتة في إنقاص معدالت حدوث املرض‪.‬‬

‫يرقة البعوضة (في التجارب) بعد أن متت هندستها ‪ engineered‬ملنع نقل الطفيلي‪،‬‬ ‫فإذا ما تفوقت هذه احلشرات في املنافسة مع غيرها من البعوض اآلخر‪ ،‬فقد تتالشى‬ ‫املالريا من املشهد‪.‬‬

‫‪34‬‬

‫وقب������ل وقت قليل من تلقيك اللقاح ‪ RTS,S‬لتكون من بني‬ ‫احملظوظني الذي������ن ينجح اللقاح في عمل������ه لديهم‪ ،‬وتصل‬ ‫نسبتهم ‪ ،%50‬فإن هناك طريقة أخرى ثبتت كفاءتها جتعلك‬ ‫م َّنع���ا ‪ immune‬ضد املالريا م������ن دون اإلصابة باملرض‬ ‫مُ َ‬ ‫فعال‪ ،‬فعليك أوال أن جتد س������ربا من البعوض الذي يحمل‬ ‫طفيليات ضعيفة تالفة جينيا‪ ،‬من ثم أن َت َد َع ‪ 1000‬بعوضة‬ ‫أو أكثر منها تلسعك‪ .‬وعندها ستبحر الطفيليات في مجرى‬ ‫دمك لتصل إلى داخل كبدك‪ ،‬ولكنها بدال من أن تتطور إلى‬ ‫طورها البالغ كما تفعل عادة‪ ،‬فإنها تعلق هناك ومتوت‪ ،‬إذ‬ ‫س������تعجز عن جتاوز مرحلة اليفع إلى مرحلة النضج‪ .‬وفي‬ ‫أثناء ذلك‪ ،‬فإن جسمك سيصنّع أضدادا ضدها‪ ،‬وستكون‬ ‫مهيأ لذلك طيلة احلياة‪ .‬وقد اكتشف الباحثون في البحرية‬ ‫األمريكية هذه الظاهرة في سبعينات القرن املاضي‪ ،‬وبعد‬ ‫ذل������ك بعقدين التق������ط العلماء هذه الظاه������رة وانطلقوا بها‪.‬‬ ‫ويدي������ر اثنان من العلم ــاء هما >‪ .H .S‬كاپي< [من ش������ركـ ــة‬ ‫بيومي������د في س������ياتل] و>‪ .L .S‬هوفمان< [املدي������ر التنفيذي‬ ‫لش������ركة س������اناريا في روكڤيل بوالية ميريالند] مختبرين‬ ‫الس������تكثار البعوض‪ ،‬حيث يجلس الفنيون الذين يلبسون‬ ‫القفازات طوال اليوم الستخالص الطفيليات املُ ْ‬ ‫ض َعفة من‬ ‫الغدد اللعابية للبعوض‪ ،‬وسحقها لتحويلها إلى محلول قد‬ ‫يكون مناسبا ليكون لقاحا‪.‬‬ ‫وميكن للباحثني أن يتلفوا دن������ا طفيلي املالريا قبل زراعة‬ ‫املتعضيات امليكروية ‪ microorganism‬في أجس������ام البعوض‬ ‫( ) ‪Vaccine Alternatives‬‬ ‫( ) ‪MOSQUITOES AS LIVING LABS‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫بطريقتني مختلفتني‪ .‬واملقاربة التي تتبعها ش������ركة بيوميد في الڤيروس ‪ HIV‬أو أي عامل آخر مسبب للمرض يكون غير قابل‬ ‫س������ياتل تتس������م بالدقة‪ ،‬إذ إنها تقتصر عل������ى حذف اجلينات للعالج‪ ،‬إذ إننا في أس������وأ صور السيناريو (أي عندما يصاب‬ ‫التي تس������اعد الطفيلي على النضج بعد مرحلة اليفع في كبد املرضى بالعدوى) نس������تطيع أن نعاجلهم‪ ،‬أما مدى اس������تعداد‬ ‫اإلنس������ان‪ ،‬وم������ن دون تلك اجلينات لن يتط������ور الطفيلي أكثر‪ .‬الناس للمشاركة في هذه الدراسة فهو أمر مدهش‪ ،‬فهم ليسوا‬ ‫ويقـول >كاپي< «مبقــدور الطفيـلي الدخــول إلى الكبــد‪ ،‬ولكنــه فزعني على اإلطالق»‪.‬‬ ‫أم������ا الطريقة األخرى لتحطيم دنا الطفيل وجعله مادة آمنة‬ ‫ال يستطيع املغادرة»‪.‬‬ ‫وحالي������ا يحذف فريق >كاپي< جينني فق������ط‪ ،‬وهما اجلينان تستخدم في اللقاح‪ ،‬فهي الطريقة ذات الطراز القدمي‪ ،‬بتعريضه‬ ‫اللذان يس������اعدان الطفيلي على بناء غش������اء حوله‪ ،‬وذلك وقت لإلش������عاع‪ .‬وهي املقاربة التي اعتمدتها شركة ساناريا‪ ،‬وهي‬ ‫شركة هوفمان للتقانة البيولوجية‪ ،‬وقد يكون‬ ‫إقامت������ه ضمن خاليا الكب������د‪ .‬ويبدو أن هذا‬ ‫الغش������اء يح������ول دون إدراك خالي������ا الكبد‪ ،‬لقاح يحمي البعوض له������ذه املقارب������ات مميزات‪ ،‬كم������ا يقول‪ ،‬ألن‬ ‫اإلشعاع يشوش الكود اجليني في عدد من‬ ‫بطريقة ما‪ ،‬أنها مصابة بالعدوى‪ .‬فالطفيليات‬ ‫(ليس‬ ‫البشر‬ ‫وليس‬ ‫املواقع يزيد بكثير على املوقعني‪ ،‬وقد تكون‬ ‫الت������ي ليس لديها أغش������ية تدفع خاليا الكبد‬ ‫األقل)‪،‬‬ ‫على‬ ‫مباشرة‬ ‫هذه هي الطريق������ة األكثر أمنا وكماال للتأكد‬ ‫سريعا إلى االنتحار‪ ،‬بدال من أن تؤدي دور‬ ‫من أن الطفيلي لن يكون قادرا على التكاثر‬ ‫الضيافة للطفيلي‪ .‬وقد أعطى فريق >كاپي<‬ ‫يتحدى مفاهيم‬ ‫عندم������ا يصل إلى الكب������د‪ .‬إال أن >هوفمان<‬ ‫اللقاح املضاد للطفيل������ي الذي أعده الفريق‬ ‫الصحة العامة‬ ‫غير مقتنع بأن اإلشعاع يستطيع أن يتفوق‬ ‫إلى مئات الفئران‪ ،‬ومن بينها بعض الفئران‬ ‫كيفية‬ ‫عن‬ ‫التقليدية‬ ‫في القضاء على اجلينات النوعية املستهدفة‪،‬‬ ‫املع َّدلة وراثي������ا لت َْحمِ ل خاليا كبد بش������رية‪،‬‬ ‫فأكسبها وقاية بنسبة ‪ 10 000‬ضد املالريا‪ .‬منح مناعة ‪ immunity‬وهو يجري جتارب بالطريقة األخيرة أيضا‪،‬‬ ‫ول������م يكن هناك تل������ف في الكب������د أثناء هذه واسعة النطاق ضد ولن يس������تطيع أن يعرف أيهما أفضل حتى‬ ‫يت������م «اختبار جتريبي» لكلتا الطريقتني‪ ،‬كما‬ ‫العملي������ة‪ .‬فالبــاحثون يدخــلون مــا يقرب من‬ ‫مرض رئيسي‪.‬‬ ‫يقول‪« ،‬فليس هناك بديل عن ذلك»‪.‬‬ ‫‪ 10 000‬طفيلي فقط في اجلسم‪ ،‬وهذا العدد‬ ‫ويع������رف >هوفم������ان< قيم������ة االختب������ار‬ ‫وإن مت َّكن كل أفراده من الوصول إلى الكبد‪،‬‬ ‫فإن العدد األقصى الذي س������يفقده الكبد من اخلاليا سيكون التجريبي جيدا‪ ،‬فف������ي صيف عام ‪ ،2009‬وعند إجراء جتارب‬ ‫ضئيال جدا مقارنة مباليني اخلاليا التي تش������كل هذا العضو‪ ،‬املرحل������ة ‪ I‬حول لق������اح احليوانات البوغية املش������ َّععة‪ ،‬حصل‬ ‫>هوفمان< عل������ى التحقق الواقعي‪ .‬فقد أعط������ت إدارة الغذاء‬ ‫والتي ميكنها أيضا أن تتج َّدد‪.‬‬ ‫وفي ربيع عام ‪ ،2010‬وكجزء من جتربة سريرية في مراحلها والدواء األمريكية إش������ارة املوافقة لش������ركة س������اناريا إلجراء‬ ‫جتربة على ‪ 100‬شخص‪ .‬وفي الوقت الذي تلقى فيه >هوفمان<‬ ‫املبكرة‪ ،‬فإن ‪ 20‬ش������خصا ممن تل ُّقوا جرعات متعددة من اللقاح‬ ‫س������وف يش������ ِّمرون عن س������واعدهم ليقدمه������ا ٌّ‬ ‫كل منهم خلمس املوافق������ة‪ ،‬كان يعتق������د أن البعوضة حتقن ما ب���ي��ن ‪ 5‬إلى ‪10‬‬ ‫بعوضات جميعها مصاب بالعدوى‪ ،‬مبا أسماه >كاپي< «مالريا طفيليات‪ ،‬فأس������س قوة جرعاته على هذا الرقم‪ .‬وبعد ذلك فقط‬ ‫حقيقية»‪ ،‬وهي مالريا سببتها ساللة رمبا تتطلب عالجا إذا ما تبني للعلماء أن البعوضة حتقن كمية أكبر بكثير من الطفيليات‬ ‫دخلت إلى اجلسم‪ ،‬ثم سيواصلون حياتهم اليومية ملدة أسبوع‪ ،‬عندما تلسع اإلنس������ان‪ ،‬وهي كمية يعبر عنها برقم يتراوح ما‬ ‫ثم سوف يستضافون في فندق في اليوم السابع ليتم فحصهم بني ‪ 300‬إل������ى ‪« .500‬إن الذي يعنيه كل ذلك هو أنه في الوقت‬ ‫بدق������ة من قبل فريق طبي‪ .‬فإذا ما ُو ِج������د أنهم كانوا خالني من الذي دخلن������ا فيه التجربة كانت جرعتنا تقريبا تعادل ُعش������ر‬ ‫تبي لنا ذلك‬ ‫املالريا بحس������ب قول >كاپي<‪ ،‬فإن الفريق سيعتبر ذلك مؤشرا اجلرع������ة املطلوبة»‪ ،‬كما يقول >هوفم������ان<‪« :‬وقد نَّ‬ ‫إلى أن اللقاح قد جنح‪ .‬أما إذا كان الطفيلي موجودا في مجرى ف������ي منتصف التجربة‪ ،‬وليس مبق������دورك في احلقيقة أن تغير‬ ‫الدم عندهم بدال من ذلك‪ ،‬فإن الباحثني سيزيلونه بإعطاء أدوية تصميم������ك لالختبار عند هذه النقط������ة»‪ .‬وحتى تلك اجلرعات‬ ‫مضادة للمالريا‪« .‬إنها أداة قوية جدا أن تتمكن من نقل املالريا املنخفضة جدا‪ ،‬فإنه������ا قد أعطت بعض الوقاية ضد املالريا‪،‬‬ ‫فعال للبش������ر» كم������ا يقول >كاپي<‪ « ،‬إنه من������وذج فريد جدا من كما يقول >هوفم������ان<‪ ،‬ولكنها لم تكن فعالة بنفس قدر فعالية‬ ‫نوعه‪ ،‬فمن البديهي أنه ليس بإمكانك أن تفعل الشيء نفسه مع اللقاح ‪.RTS,S‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫ومث������ل >رابينوڤيت������ش<‪ ،‬ف������إن >هوفمان< الي������زال واقعيا‪،‬‬ ‫فبع������د أن أصيب باإلحباط لبعض الوق������ت‪ ،‬حت َّدث إلى خبراء‬ ‫التلقيح والتقانة البيولوجية املخضرمني‪ ،‬فاستجابوا له جميعا‬ ‫بحم������اس‪ ،‬وقالوا لـ>هوفمان<‪« :‬إن م������ا فعلتَه أمر خيالي‪ ،‬هل‬ ‫كنت تعتقد أنك ساحر‪ ،‬وبإمكانك أن تدخل وتضع املادة التي‬ ‫طورتها في البش������ر وتخرج بنتيجة ‪ %100‬وقاية؟ إن ذلك األمر‬ ‫ال يحدث ف������ي احلياة احلقيقية»‪ .‬ويأم������ل >هوفمان< بأن يبدأ‬ ‫جترب������ة جديدة ف������ي املرحلة ‪ ،I‬وقد زاد تركي������ز الطفيليات في‬ ‫لقاحه‪ ،‬كما َغ َّير الطريقة التي كان يقدمه بها‪.‬‬ ‫«الناموسية املناعية»‬

‫( )‬

‫إذا ما ثبت أن متنيع البشر ضد املالريا أمر صعب جدا‪،‬‬ ‫فم������اذا عن الكائن الثالث في ذلك الثالوث غير املقدس‪ ،‬ونعني‬ ‫البعوضة؟ إذ ينبغي على أي لقاح أن يكس������ر حلقة الس������راية‪،‬‬ ‫وحتى اآلن فإن إهماال كبي������را يحيق بإحدى خطوات احللقة‪،‬‬ ‫وهي اخلطوة التي تبدأ عندما تلس������ع البعوضة آدميا‪ ،‬فيلتقط‬ ‫طفيل������ي املالريا م������ن تيار دم ضحيتها‪ ،‬وتصبح هي نفس������ها‬ ‫مصابة بالعدوى‪ .‬فإذا ما أوقف تطور الطفيلي عند تلك النقطة‬ ‫داخل جسم البعوضة‪ ،‬فإنه ميوت وال يستطيع أن يتغلغل في‬ ‫مضيفه من البشر‪ ،‬وبذلك ينخفض عدد احلاالت‪ .‬و>دينگالزان<‬ ‫[باحث في البيولوجيا اجلزيئية بجامعة جون هوپكينز‪ ،‬وأصله‬ ‫من الفليپني] قد رأى العديد من حاالت املالريا في وطنه األم‪،‬‬ ‫ولدي������ه فكرة عن كيفية جعل ذلك األمر يحدث‪ ،‬فهو يعمل على‬ ‫الفئ������ران فقط حتى اآلن‪ ،‬وهو َحذِ ر بالقدر املناس������ب‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫«إذا لم تنجح الفكرة‪ ،‬فإنني لن أتصرف كبائع السيارات بهذا‬ ‫اخلص������وص»‪ ،‬أما إذا ما جنحت الفكرة‪ ،‬فإنها س������تكون نقلة‬ ‫حقيقية في مكافحة املالريا‪.‬‬ ‫عندما يدخ������ل طفيلي املالريا في جس������م البعوضة‪ ،‬فإنه‬ ‫يح������اول فورا أن يعتبر نفس������ه ف������ي بيته بأمع������اء البعوضة‪،‬‬ ‫فيبحث عن إن������زمي محدد في النس������يج الهضمي‪ ،‬وهو أحد‬ ‫األمينوپپتي���دازات ‪ ،aminopeptidase‬ف������إذا ل������م يج������د هذا‬ ‫اإلنزمي الذي يكون ضروريا لتأسيس رأس جسر يعبر فوقه‬ ‫وعبره في األمعاء خالل أول ‪ 24‬س������اعة‪ ،‬فإن الطفيلي ُي ْه َ‬ ‫ضم‬ ‫وتفش������ل البعوضة في أن تكون حاضنة للطفيلي‪ ،‬وهذا على‬ ‫األقل م������ا يفترض الناس حدوثه‪ .‬ويضيف >دينگالزان< وهو‬ ‫يضحك‪« :‬في احلقيقة‪ ،‬لم يبحث أحد عن أش���ل��اء اإلنزمي في‬ ‫فضالت البعوضة للتأكد»‪ ،‬أما إذا ما تلقت البعوضات وجبة‬ ‫من األضداد ‪ antibodies‬املضادة إلنزمي األمينوپپتيداز‪ ،‬فإنها‬ ‫تصبح‪ ،‬دون ش������ك‪ ،‬منيعة ضد املالريا‪ .‬وتق������ول النظرية إن‬ ‫‪36‬‬

‫األض������داد حتجب اإلنزمي وحتوم حوله ف������ي كل مكان لتمنع‬ ‫الطفيلي من اس������تهدافه‪ .‬وقد اس������تفرد >دينگالزان< شدفة‬ ‫فريدة معينة من اإلنزمي ال نظير لها في غير البعوض‪ ،‬وحقن‬ ‫الفئران بهذه الش������دفة فقط‪ ،‬ليجعلها تنتج أضدادا مضادة‬ ‫لها‪ ،‬والبعوضة التي تل������دغ تلك الفئران تلتقط تلك األضداد‬ ‫الت������ي يبدو أنها ال تتفكك بقدر كبير في الس������بيل الهضمي‪.‬‬ ‫وهكذا تصبح احلش������رات‪ ،‬في احلقيقة‪ ،‬ممنعة بأكل اللقاح‬ ‫بغي������ر قص������د‪ ،‬وألن الطفيلي ميوت داخ������ل البعوضات‪ ،‬فإنه‬ ‫الينتق������ل للمضيف من الثدييات‪ .‬ف������إذا جنح هذا املفهوم في‬ ‫العمل عند البشر‪ ،‬فنعم األمر‪ ،‬ويقول >لوك<‪« :‬إن ذلك يشبه‬ ‫ناموسية مناعية»‪.‬‬ ‫ولهذه املقاربة جوانبها الس������لبية بالطبع‪ ،‬واجلانب السلبي‬ ‫الرئيس������ي من بينها هو التحدي املتمث������ل بكيفية إقناع الناس‬ ‫بتقب������ل لقاح يحمي البعوض‪ ،‬وليس البش������ر‪ ،‬فهي إذن حماية‬ ‫غير مباش������رة‪ ،‬على أية حال‪( .‬فمن املمكن أن تتلقى اللقاح ثم‬ ‫ُتص������اب مع ذلك بالعدوى من بعوضة التقطت املالريا أوال من‬ ‫ش������خص ما غير ممنَّع)‪ .‬نعم س������ينخفض عبء املرض بسبب‬ ‫تطن حولنا‪،‬‬ ‫وج������ود عدد أقل م������ن النواقل املصابة بالع������دوى ّ‬ ‫وهكذا س������يتم إعطاء اللق������اح في البداية الباك������رة لعدد كبير‬ ‫م������ن الناس‪ ،‬ولكنهم مع ذل������ك يصابون باملرض‪ ،‬كما قد تظهر‬ ‫تأثي������رات جانبية لدى أناس كانوا يش������عرون بأنهم بخير قبل‬ ‫ذلك‪ ،‬وقد يكون ذل������ك خرقا بصورة ما ألول قاعدة في الطب‪:‬‬ ‫«ال تسبب أي أذى»‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فهناك س������ابقة ألخذ لقاح بهدف حماية شخص‬ ‫آخ������ر (مثل الرجال الذين يتلق������ون التمنيع ضد ڤيروس الورم‬ ‫احلليمي البش������ري‪ :‬فخطورة أن ُيصابوا بالڤيروس قليلة وال‬ ‫توج������د حاجة في البداية إليه‪ ،‬ولك������ن تلقيهم اللقاح يؤدي إلى‬ ‫حماية اللواتي يشاركنهم في املمارسة اجلنسية)‪ .‬وعلى املدى‬ ‫الطويل‪ ،‬فإن لقاحا يعيق س������راية العامل املسبب للمرض رمبا‬ ‫يكون مس������اويا أو أكثر فاعلية من لق������اح تقليدي يو ِّفر املناعة‬ ‫للش������خص الذي يتل ّقاه‪ .‬ويقول >دينگالزان<‪« :‬يقول الناس إنه‬ ‫ال يوجد منفعة مباش������رة‪ ،‬ولكن حقيقة هذا األمر هي أنه هناك‬ ‫نفع‪ ،‬غير أنه مؤجل»‪.‬‬ ‫إن مقارب������ة األمينوپپتيداز لها منافع ال ميكن أن تضارعها‬ ‫أية خطة أخرى للتلقيح ‪ .vaccination‬وألس������باب تقنية‪ ،‬ميكن‬ ‫أن تك������ون هذه املقاربة أكثر قابلي������ة «لالرتقاء»‪ ،‬مما يؤدي إلى‬ ‫أن يكون اللقاح أرخص ثمنا عند إنتاجه على نطاق واسع من‬ ‫اللقاح ‪ ،RTS,S‬أو اللقاحات املزروعة في البعوض في ش������ركة‬ ‫( ) ”‪THE “IMMUNOLOGICAL BED NET‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫س������اناريا وفي شركة بيوميد في س������ياتل‪ .‬وتبني أن املستضد‬ ‫يظهر ف������ي جميع أجناس البعوض التي تنق������ل املالريا‪ ،‬ويبلغ‬ ‫عددها بضعة وأربعني جنسا‪ ،‬ولذلك ينبغي أن ينجح في العمل‬ ‫في هذه األجناس جميعها «فهل هذا من ُحس������ن احلظ؟» يقول‬ ‫>دينگالزان<‪« :‬نعم إنه من حسن احلظ متاما»‪ .‬وكذلك يبدو أن‬ ‫اللقاح ينجح ف������ي العمل ضد كل من املتصورة املنجلية‪ ،‬وهي‬ ‫النوع الش������ائع في إفريقي������ا‪ ،‬واملتصورة النش���يطة ‪،P. vivax‬‬ ‫وهي النوع األكثر ش������يوعا في آس������يا‪ .‬أما اللقاح ‪ RTS,S‬فال‬ ‫يعمل ضد املتصورة النشيطة‪ ،‬ألن الپروتني ‪ CS‬الذي يستهدفه‬ ‫اللقاح يختلف بني هذين اجلنسني من الطفيلي‪.‬‬ ‫إن االختبارات التي أجراها >دينگالزان< على الفئران حتى‬ ‫اآلن ضد املتصورة املنجلية أظهرت فاعلية قدرها ‪ %100‬ونسبة‬ ‫إحصائية قدرها ‪ %98‬في مكافحة املتصورة النشيطة املوجودة‬ ‫في تايالند‪ ،‬وهذه مس������ألة مهمة ألسباب عملية‪ ،‬ألنه من الناحية‬ ‫املثالية ينبغي أن يكون لقاح املالريا نافعا في العالم كله‪ .‬يقول‬ ‫>دينگالزان<‪« :‬احلقيقة في هذا األمر أنه سيكون مكلفا جدا أن‬ ‫ننتج العديد من اللقاحات املنفصلة» يلفت >دينگالزان< االنتباه‪،‬‬ ‫«يعتق������د الناس أن خزائن املانحني (أمثال ‪ Warren Buffet‬و‪Bill‬‬ ‫‪ )gates‬ال تنضب‪ ،‬ولكنها ليست كذلك»‪.‬‬ ‫واليزال أمام >دينگالزان< طريقا طويال عليه أن يقطعه قبل‬ ‫أن تنفتح اخلزائن على مصاريعها أمامه‪ .‬ففي الوقت احلالي‬ ‫هو في «مرحلة دراس������ة اجلدوى» فق������ط‪ ،‬فهو يحاول أن يرى‬ ‫كمية املستضد التي ميكن ملختبره أن ينتجها‪ ،‬ويقول إنه البد‬ ‫له م������ن احلصول قريبا على نتائج مؤكدة‪ ،‬وعندها سيس������مح‬ ‫لنفسه بالتفكير في التطبيقات العملية‪ :‬هل ميكن أن يستخدم‬ ‫هذا اللقاح ممزوجا باللق������اح ‪RTS,S‬؟ وما الكمية التي ينبغي‬ ‫على البعوض������ة أن متتصها من مجرى دم اإلنس������ان لتصير‬ ‫ممُ َ َّن َعة؟ وما الفترة الزمنية التي تلزم لنقل التجارب من الفئران‬ ‫إلى البشر؟‬ ‫وف������ي الوقت ال������ذي كان على >دين������گالزان< أن يجيب عن‬ ‫هذه األس������ئلة الح في األفق سؤال أكبر‪ :‬ما الذي نحتاجه في‬ ‫احلقيقة الس������تئصال املالريا من كل م������كان في العالم‪ ،‬جملة‬ ‫واح������دة وإلى األبد؟ ومن دون لقاح ق������وي‪ ،‬من املمكن بالفعل‬ ‫مكافح������ة املالريا بالناموس������يات وباألدوية التي تس������تطيع أن‬ ‫تقي منه������ا أو أن تعاجلها‪ ،‬مثل الكلوروكني واألرتيميس������ينني‬ ‫واملاالرون‪ ،‬إال أن إمكانية التخلص منها متاما أمر مستحيل‪.‬‬ ‫فالناموسيات تفشل‪ ،‬والبعوض يكتسب املقاومة جتاه مبيدات‬ ‫احلش������رات التي تعالج بها الناموسيات‪ ،‬كما أن املستخدمني‬ ‫قد ال يرغبون في النوم حتت ناموس������ية مقاومة للمالريا طوال‬ ‫‪37‬‬

‫الوقت‪« .‬إن قصة الناموسيات جميلة‪ ،‬فهي إذا ما استخدمت‬ ‫في بيئة منضبطة جدا تس������تطيع أن متنع سراية املرض» كما‬ ‫يقول >دينگالزان<‪« :‬غير أن الن������اس مييلون إلى التهاون في‬ ‫اتباع التعليمات‪ .‬هل عش������ت ذات يوم ف������ي تلك البالد؟ إنني‬ ‫عش������ت هناك‪ .‬نعم معظم األطفال ينامون حتت الناموسيات‪،‬‬ ‫ولكن الكبار يتعاطون املش������روبات خ������ارج األكواخ‪ ،‬والكحول‬ ‫يجعلك أكثر جذبا للبعوض‪ .‬لقد رأينا الناموس������يات املعاجلة‬ ‫باملبيدات تقتل البعوض داخل املساكن ولكن البعوض خارج‬ ‫املساكن يستولي على احملراب»‪.‬‬ ‫أما بالنس������بة إلى األدوية الوقائية‪ ،‬فإنها تفيد املس������افرين‬ ‫أكثر مما تفيد الناس في العالم النامي‪ :‬إنها مزعجة ومكلفة‪،‬‬ ‫وقد يكون لزام������ا علينا أن نتناولها على الدوام‪ .‬وهناك بعض‬ ‫اخلطوات اإلضافية التي ساعدت على تخليص العالم املتقدم‬ ‫م������ن املالريا (مث������ل جتفيف املس������تنقعات‪ ،‬أو ال������رش باملادة‬ ‫الكيميائية ‪ DDT‬على نطاق واس������ع)‪ ،‬وقد تكون غير عملية في‬ ‫العالم النامي‪.‬‬ ‫وم������رة أخرى‪ ،‬تلك هي اخلي������ارات املطروحة على الطاولة‬ ‫اليوم‪ .‬فالعلماء مش������غولون بدراس������ة جينوم ‪ genome‬طفيلي‬ ‫املالريا وبعض جوانب اجلينوم البشري الذي رمبا مينح بعض‬ ‫املقاومة‪ ،‬فقد تأتي تلك املشاريع بنتائج جديدة ومدهشة‪ ،‬حتى‬ ‫إن هناك مناقش������ات حول استراتيجيات ملكافحة املالريا تبدو‬ ‫اآلن غريب������ة‪ ،‬مثل إطالق بعوض مع������ َّدل وراثيا ليكون مقاوما‬ ‫للمالريا في الطبيعة ليتنافس مع النمط البري‪ .‬وبالطبع‪ ،‬رمبا‬ ‫كان������ت فكرة أننا على مقربة من أن يكون لدينا لقاح فعال ولو‬ ‫جزئيا ضد املالريا تبدو غريبة قبل ‪ 10‬سنوات‪.‬‬ ‫ويق������ول >دين������گالزان< إن املفتاح هو التأك������د من أن يبقى‬ ‫املجتم������ع الصحي في العالم مهيئ������ا للمضي في طريق طويل‪،‬‬ ‫«فالقادة احلاليون ملجتمع املالريا قالوا لي إنهم ال يعلمون حتى‬ ‫ما إذا كان اجليل احلالي مدركا (للجهود التي ُت ْب َذل في مجال‬ ‫التلقيح)»‪ ،‬ويضيف‪« :‬قد يدرك اجليل القادم ذلك‪ ،‬تلك هي املدة‬ ‫التي نفكر فيها‪ ،‬فهل سيبقى العالم مهتما؟ هل سيبقى منتظرا‬ ‫طوال هذه املدة؟» إال أن هناك أمرا مؤ َّكدا (واح ًدا على األقل)‬ ‫>‬ ‫هو أن طفيلي املالريا سيبقى منتظرا‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, November 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫الو ْب‬ ‫حتيا ِ‬

‫(٭)‬

‫الوب ‪ web‬أساسية‪ ،‬ليس للثورة الرقمية فحسب وإمنا أيضا من أجل‬ ‫إن ِ‬ ‫الوب إلى حمايتها‪.‬‬ ‫استمرار رخائنا‪ ،‬وحتى ح ِّريتنا‪ .‬وكالدميوقراطية‪ ،‬حتتاج ِ‬ ‫>‪ .T‬بِرنَرز‪-‬لي<‬

‫انطلقت الوِ ب (الش���بكة العنكبوتية العاملي���ة) ‪ the web‬إلى‬ ‫الوجود من حاس���وبي املكتب���ي امل���ادِّي(‪ physical desktop )1‬في‬ ‫جنيڤ بسويس������را‪ ،‬في الشهر ‪ .1990/12‬وكانت تتألف من موقع‬ ‫وِ ب ‪ web site‬واح������د ومتصفِّ���ح واح���د ‪ one browser‬تص������ادف‬ ‫وجودهما على احلاس������وب نفس������ه‪ .‬وق������د َأظه َرت تل������ك التركيبة‬ ‫أي شخص يستطيع مشاركة‬ ‫البسيطة مفهوما جوهريا مت َّثل بأنَّ َّ‬ ‫أي ش������خص آخر في املعلومات حيثم������ا ُو ِجد‪ .‬ومن هذا املنطلق‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫انتشرت الوِ ب انتشارا سريعا بني الناس جميعا‪ .‬وها هي اليوم‪،‬‬ ‫في الذكرى الس������نوية العشرين (في عام ‪ )2010‬النطالقتها‪ ،‬باتت‬ ‫جزءا ال يتجزَّأ من حياتنا اليومية‪ ،‬وصار وجودها ش������يئا مس َّلما‬ ‫به ومتو َّقعا في ِّ‬ ‫كل زمان ومكان‪ ،‬متاما كالكهرباء‪.‬‬ ‫وتط َّورت الوِ ب تدريجيا لتصبح أداة فاعلة واسعة االنتشار‬ ‫أل‍نه������ا ُأقيمت على مبادئ املس������اواة‪ ،‬وألن آالف������ا من األفراد‬ ‫واجلامعات وا‍لش������ركات عملوا ف������رادى ومجتمعني‪ ،‬بوصفهم‬ ‫ج������زءا من احت���اد ال���وِ ب العامل���ي(‪ ،)2‬على توس������يع قدراتها‬ ‫باالعتماد على تلك املبادئ‪.‬‬ ‫إال أن ال������وِ ب‪ ،‬بش������كلها احلال������ي‪ ،‬مه َّدد ٌة بطرائق ش������تى‪.‬‬ ‫فقد بدأ بعض أجنح مس������تخدِ ميها بتقوي������ض مبادئها‪ ،‬وتقوم‬ ‫مواقع ش���بكات تواصل اجتماعي(‪ )3‬كبيرة بحجب املعلومات‬ ‫املرسلة إليها من مس������تخدِ ميها عن بقية الوِ ب‪ .‬وينـزع مز ِّودو‬ ‫َ‬ ‫خدمة اإلنترنت الالس������لكية إلى عرقلة احلركة باجتاه املواقع‬ ‫التي ال تربطهم به������ا مصالح‪ .‬وتقوم احلكومات‪ ،‬الديكتاتورية‬

‫والدميوقراطية على حد س������واء‪ ،‬مبراقبة ع������ادات الناس على‬ ‫اإلنترنت‪ ،‬مع ِّرضة حقوق اإلنسان املهمة للخطر‪.‬‬ ‫فإذا س������محنا‪ ،‬نحن ‪ -‬مس������تخدمي الوِ ب ‪ -‬لهذه الن‍زعات‬ ‫وغيرها باالس������تمرار من دون رقابة أو ردع‪ ،‬فإن الوِ ب سوف‬ ‫تتش َّ‬ ‫������ظى إلى جزر متناثرة‪ ،‬وس������وف نفقد حري������ة النفاذ إلى‬ ‫املواق������ع التي نريدها‪ .‬وميكن لتلك املفاعيل الس������لبية أن متتد‬ ‫لتصل إلى الهواتف الذكية والهواتف احملوسبة(‪ pads )4‬التي‬ ‫ُت َع������ ُّد أيضا ب ّوابات للنفاذ إلى كمي������ات املعلومات الهائلة التي‬ ‫توفرها الوِ ب‪.‬‬ ‫ما الذي يحملك عل������ى االهتمام بهذا األمر؟ اجلواب هو‬ ‫ومؤسستك‬ ‫تخصك‪ .‬فهي مورد عام تع ِّول عليه أنت‬ ‫أن الوِ ب‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ومجتمعك وحكومتك‪ .‬وهي مهمة أيضا للدميوقراطية‪ ،‬ألنها‬ ‫قناة تواصل تتيح التخاطب املستمر عبر العالَم‪ .‬وهي اليوم‬ ‫أكثر أهمية حلرية التعبير من جميع وسائل اإلعالم األخرى‪.‬‬ ‫فهي جتلب املبادئ املترس������خة في دستور الواليات املتحدة‬ ‫وف������ي الوثيق���ة العظم���ى للحري���ات البريطاني���ة(‪ ،)5‬وفي‬ ‫( ) ‪LONG LIVE THE WEB‬‬

‫(‪ :physical )1‬أي غير االفتراضي‪.‬‬

‫(‪ :World Wide Web Consortium (W3C) )2‬الهيئة التي تُدير وضع وتطوير معايير شبكة‬ ‫الوِ ب العاملية‪.‬‬ ‫(‪social-networks )3‬‬

‫(‪ )4‬فئة من الهواتف اللويحية تقع بني الهواتف الذكية واحلواسيب‪.‬‬ ‫(‪ :British Magna Carta )5‬وثيقة احلقوق السياسية التي منحها امللك >جون< في عام‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪ 1215‬للنبالء اإلجنليز املتمردين‪.‬‬

‫باختصار‬ ‫لل���وب‬ ‫يتي���ح مب���د ُأ الش���مولية ِ‬ ‫أن تعم���ل مهم���ا كان���ت العتاديات‬ ‫احلـــاس���ــوبــيـــــة أو الـبــرمـجــيـات‬ ‫أو وس���ائط االتص���ال أو اللغ���ة‬ ‫املستعملة‪ ،‬و َيس���مح ل‍ها بالتعامل‬ ‫م���ع املعلومات مبختل���ف أنواعها‪.‬‬ ‫وه���ذا هو املب���دأ الذي يق���وم عليه‬

‫‪38‬‬

‫الوب‪.‬‬ ‫تصميم تقانة ِ‬

‫مت ِّك����ن املع ــاي ـيـ ــر (امل ـق ــايـي ـ ــس)‬

‫‪ standards‬التقنية املجانية املفتوحة‬ ‫الناس من إنشاء تطبيقات من دون‬ ‫أي جه����ة‬ ‫احلاج����ة إل����ى اس����تئذان ِّ‬ ‫أي نفق����ات‪ .‬أم����ا ب����راءات‬ ‫أو تكبُّ����د ِّ‬ ‫الوب‬ ‫االختراع احملمي����ة‪ ،‬وخدمات ِ‬

‫التي ال َتس����تعمل مع ِّرفات املوارد‬ ‫الشاملة الش����ائعة للعنونة‪ ،‬فإنها‬ ‫حت ُّد من روح االبتكار‪.‬‬ ‫مت ِّث���ل التهدي���دات الت���ي‬ ‫ُّ‬ ‫تدخل‬ ‫حتيق باإلنترنت‪ ،‬ومنها‬ ‫الشركات واحلكومات في حركة‬ ‫والتلص���ص عليه���ا‪،‬‬ ‫اإلنترن���ت‬ ‫ُّ‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫انته���اكا حلقوق اإلنس���ان األساس���ية‬ ‫في الشبكة‪.‬‬ ‫ال س���بيل إل���ى ازده���ار تطبيق���ات‬ ‫ال���وب‪ ،‬والبيانات املترابط���ة‪ ،‬وتقانات‬ ‫ِ‬ ‫ال���وب املس���تقبلية األخ���رى إال بحماية‬ ‫ِ‬ ‫املب���ادئ األساس���ية الت���ي تق���وم عليها‬ ‫اإلنترنت‪.‬‬


‫املؤلف‬ ‫‪Tim Berners-Lee‬‬

‫ُمخترع شبكة الوِ ب العاملية‪ ،‬وهو حاليا مدير‬ ‫احتاد الوِ ب العاملي املتمركز مبعهد ماساشوستس‬ ‫للتقانة في الواليات املتحدة‪ .‬وهو أيضا أستاذ‬ ‫هندسة في املعهد نفسه‪ ،‬وأستاذ لإللكترونيات‬ ‫وعلوم احلاسوب بجامعة ساوثهام‍پتون بإنكلترا‪.‬‬

‫غيرها من الوثائق املهمة إلى عصر‬ ‫الش������بكات‪ ،‬م������ن دون أن يكون ثمة‬ ‫تلصص عليها‪ ،‬أو تغيير حملتواها‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫أو رقابة عليها‪ ،‬أو حجب لها‪.‬‬ ‫وم������ع ذلك‪ ،‬يظن الن������اس‪ ،‬على‬ ‫م������ا يبدو‪ ،‬أن الوِ ب هي ش������يء من‬ ‫������دأت بالذبول فإن‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وإذا ب‬ ‫ْ‬ ‫ذل������ك ال يعدو أن يك������ون من جملة‬ ‫األمور املؤسفة التي ال سبيل إلى تداركها‪ .‬ولكن األمر ليس‬ ‫كذلك‪ .‬فنحن نُنشئ الوِ ب بتصميم بروتوكوالتها وبرمجياتها‬ ‫احلاسوبية‪ ،‬وهذه عملية تقع بكاملها حتت سيطرتنا‪ .‬ونحن‬ ‫ننتقي اخلصائص التي نرغب في أن تتضمنها الوِ ب أ ْو ال‬ ‫تتضمنه������ا‪ ،‬مع أن هذا عمل لم يكتمل بعد (ولكنه مس������تمر‬ ‫من دون شك)‪ .‬وإذا أردنا تت ُّبع ما تفعله احلكومات‪ ،‬ورؤية‬ ‫ما تقوم به الشركات‪ ،‬وفهم احلالة الفعلية لكوكبنا‪ ،‬والعثور‬ ‫على عالج لداء األلزهامير‪ ،‬إضافة إلى التشارك في الصور‬ ‫مع أصدقائنا بس������هولة‪ ،‬فإن علينا‪ ،‬نحن ‪ -‬عامة الناس ‪-‬‬ ‫وعلى املجتمع العلم������ي واإلعالم‪ ،‬ضمان بقاء مبادئ الوِ ب‬ ‫سليمة‪ ،‬ال ملج َّرد احملافظة على ما حصلنا عليه‪ ،‬بل لالنتفاع‬ ‫من التط ُّورات العلمية القادمة الكبرى‪.‬‬ ‫الشمولية هي األساس‬

‫( )‬

‫ثمة مبادئ مفتاحية عدة تضمن التزايد املس������تمر ألهمية‬ ‫ال������وِ ب ودورها‪ .‬وأحد املب������ادئ التصميمية الرئيس������ية الذي‬ ‫يقوم عليه تط������ ُّور الوِ ب وفائدتها هو الش������مولية التي تنطوي‬ ‫بأي‬ ‫على أن������ه حينما تقيم اتصاال‪ ،‬فإنك تس������تطيع االتصال ِّ‬ ‫‪39‬‬

‫ش������يء‪ .‬وهذا يعني أن الناس يج������ب أن يكونوا قادرين على‬ ‫أي ش������يء في ال������وِ ب‪ ،‬مهما كانت أنواع احلواس������يب‬ ‫وضع ِّ‬ ‫الت������ي ميتلكونه������ا أو البرمجيات التي يس������تعملونها أو اللغة‬ ‫التي يتكلمونها‪ ،‬وبصرف النظر عن كون اتصالهم باإلنترنت‬ ‫سلكيا أو الس������لكيا‪ .‬ويجب أن تكون الوِ ب متيسرة للمعوقني‬ ‫أيضا‪ .‬ويجب أن تعمل مع أي ش������كل للمعلومات‪ ،‬سواء أكان‬ ‫وثيقة أم بيانات قياس������ات معينة‪ ،‬وبأي نوعية لها‪ ،‬من األغنية‬ ‫البسيطة حتى املقالة العلمية الرصينة‪ .‬ويجب أن يكون النفاذ‬ ‫إليها ممكنا م������ن أي نوع من العتاديات ال‍حاس������وبية القابلة‬ ‫لالتصال باإلنترنت‪ ،‬س������واء أكانت ثابت������ة أم متحركة‪ ،‬وذات‬ ‫شاشة صغيرة أم كبيرة‪.‬‬ ‫قد تبدو هذه اخلصائ������ص بديهية أو حتصيل حاصل‬ ‫أو عدمي������ة األهمية‪ .‬ولكنها في واقع األمر هي ما س������وف‬ ‫(‪)1‬‬ ‫يجع������ل موقع ال������وِ ب الرائد الق������ادم أو صفح���ة املوطن‬ ‫‪ homepage‬اجلديدة لفريق كرة القدم احمللي املفضل لدى‬ ‫( ) ‪UNIVERSALITY IS THE FOUNDATION‬‬

‫(‪ )1‬الصفحة األساسية األولى من موقع الوِ ب‪ ،‬ومنها ميكن االنتقال إلى صفحات‬ ‫(التحرير)‬ ‫املوقع األخرى‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫طفلك َيظهران على الشاشة دون أي صعوبة‪ .‬إن الشمولية‬ ‫متط َّلب مهم ألي نظام‪.‬‬ ‫والالمركزية ‪ decentralization‬هي سمة أخرى من سمات‬ ‫أي جهة‬ ‫التصميم املهمة‪ .‬ليس عليك احلصول على موافقة ِّ‬ ‫مركزية إلضافة صفحة إلى الوِ ب أو إنشاء رابط ‪ link‬فيها‪،‬‬ ‫وكل ما عليك فعله هو استعمال ثالثة بروتوكوالت قياسية‬ ‫بس������يطة‪ :‬اكتب صفح ًة باستعمال لغة تأشير النصوص‬ ‫ِ‬ ‫وأعطها اس������ما باس������تعمال معرِّف‬ ‫املترابط���ة(‪،HTML )1‬‬ ‫ْ‬ ‫واعرضها في ش������بكة اإلنترنت‬ ‫امل���وارد الش���امل(‪،URI )2‬‬ ‫باستعمال بروتوكول نقل النصوص املترابطة(‪.HTTP )3‬‬ ‫ِ‬ ‫االبتكارات الواسعة النطاق ممكن ًة‪،‬‬ ‫لقد جعلت الالمركزي ُة‬ ‫وسوف تستمر بذلك في املستقبل‪.‬‬ ‫ُي َع ُّد املع ِّرف ‪ URI‬مفتاح الش������مولية‪( .‬في البداية َأطلق على‬ ‫هذا النظام االسم ‪ ،URI‬أي مع ِّرف املوارد الشامل‪ ،‬وهو ُيع َرف‬ ‫اليوم بـ «عنوان املورد النظامي»(‪ .)URL )4‬وهو يتيح لك اتباع‬ ‫أي راب������ط‪ ،‬بصرف النظر عن احملتوى الذي يقود إليه‪ ،‬أو اجلهة‬ ‫ِّ‬ ‫التي نش������رت ذلك احملتوى‪ .‬والروابط حت������ ِّول محتوى الوِ ب إلى‬ ‫مادة أعلى قيمة‪ :‬تتمثل بفضاء معلوماتي مترابط‪.‬‬ ‫لقد ظه������رت مه������ددات عدة لش������مولية الوِ ب ف������ي اآلونة‬ ‫األخي������رة‪ .‬فش������ركات التلف���زة الكبلية(‪ ،)5‬الت������ي تبيع خدمة‬ ‫االتصال باإلنترن������ت‪ ،‬تنظر في تقييد زبائنه������ا بتحميل باقة‬ ‫البرامج الترفيهية اخلاصة بها فقط‪ .‬وتطرح مواقع ش������بكات‬ ‫التواص������ل االجتماعي مش������كلة من ن������وع آخ������ر‪ .‬فاملواقع‪:‬‬ ‫َفيْس���بوك ‪ Facebook‬ولينك���دإِن ‪ LinkedIn‬وفريندس���تر‬ ‫‪ Friendster‬وغيرها حتقق مكاسب عادة بالتقاطها املعلومات‬ ‫أثن������اء إدخالك إياه������ا إلى الوِ ب‪ ،‬ومن تل������ك املعلومات تاريخ‬ ‫َّ‬ ‫املفضلة‪ ،‬والروابط‬ ‫ميالدك‪ ،‬وعنوانك اإللكترون������ي‪ ،‬ورغباتك‬ ‫الت������ي تدل على صداقاتك وعلى هويات من يظهر في صورك‬ ‫الفوتوغرافية‪ .‬ومن ثم جت ِّمع تلك الش������ذرات من البيانات في‬ ‫قواعد بيانات ذكية‪ ،‬وتس������تعملها لتق������دمي خدمات ذات قيمة‬ ‫مضاف������ة‪ ،‬ولك ْن ضمن حدود مواقعها حصرا‪ .‬وعندما ت ِ‬ ‫ُدخل‬ ‫بياناتك إلى أحد تلك املواقع‪ ،‬ال يمُ كنك اس������تعمالها بسهولة‬ ‫في موقع آخر‪ُّ .‬‬ ‫فكل موقع منها هو صومعة معزولة ومحجوبة‬ ‫عن سائر املواقع األخرى‪ .‬صحيح إن صفحات موقعك باتت‬ ‫ولكن بياناتك ليس������ت هن������اك‪ .‬بإمكانك النفاذ إلى‬ ‫على الوِ ب‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫صفحة وِ ب حتتوي على قائمة بأسماء أشخاص أنشأتَها في‬ ‫شطر‬ ‫موقع ما‪ ،‬ولكنك ال تس������تطيع إرس������ال تلك القائمة‪ ،‬أو‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫منها‪ ،‬إلى موقع آخر‪.‬‬ ‫وحتصل هذه العزلة بس������بب عدم احتواء أجزاء املعلومات‬ ‫عل������ى املع ِّرف ‪ ،URI‬وهذا يؤدي إل������ى انعدام إقامة االتصاالت‬ ‫‪40‬‬

‫معي‪ .‬لذا كلما أدخلت‬ ‫فيما بني البيانات إال ضمن حدود موقع نَّ‬ ‫مزيدا من املعلومات‪ ،‬أصبحت أش������د َأ ْس������را‪ .‬ويتح َّول موقع‬ ‫منصة مركزي������ة‪ ،‬أي إلى صومعة‬ ‫تواصل������ك االجتماع������ي إلى َّ‬ ‫معزول������ة للمحتوى ال متنحك س������يطرة كاملة عل������ى معلوماتك‬ ‫املوجودة فيها‪ .‬وكلما تنامى استعمال هذا النوع من البنيان‪،‬‬ ‫تزايد تش ِّ‬ ‫������ظي الوِ ب‪ ،‬وتناقص اس������تمتاعنا بفضاء معلوماتي‬ ‫شامل متكامل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫موقع للتواصل‬ ‫يتضخم‬ ‫ومن األخطار ذات الصلة أيضا أن‬ ‫ٌ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬أو مح ِّرك بحث أو متص ِّفح ما‪ ،‬إلى حد يصبح عنده‬ ‫ِحكرا جلهة ما‪ ،‬ومن شأن هذا أن يح َّد من روح االبتكار‪ .‬لذا‪،‬‬ ‫وكما كان احلال منذ انطالق الوِ ب‪ ،‬قد يكون اإلبداع املستمر‬ ‫م������ن قبل عامة الناس خي َر طريقة للرقابة املتوازنة في مواجهة‬ ‫أي هيئة أو حكومة حتاول تقويض الش������مولية‪ .‬إن البرنامجني‬ ‫أي‬ ‫‪ GnuSocial‬و‪ Diaspora‬هم������ا مش������روعان في الوِ ب مي ِّكنان َّ‬ ‫شخص من إنشاء شبكة تواصل اجتماعي تخصه من مخ ِّدمه‬ ‫أي موقع آخر‪ .‬واملشروع‬ ‫بأي شخص في ِّ‬ ‫اخلاص‪ ،‬واالتصال ِّ‬ ‫‪ ،Status.net‬الذي يش������غيل مواقع من مث������ل ‪ ،identi.ca‬يتيح لك‬ ‫تشغيل شبكتك ‪ Twitter-link‬من دون مركزية هذه الشبكة‪.‬‬ ‫املعايير املفتوحة حت ِّفز االبتكار‬

‫( )‬

‫بأي موقع آخر ش������يء‬ ‫أي موق������ع من االتصال ِّ‬ ‫إن متك���ي��ن ِّ‬ ‫كاف لقي������ام وِ ب منيعة قوية‪ .‬وال ب َّد من‬ ‫ض������روري‪ ،‬ولكنه غير ٍ‬ ‫توفير تقانات وِ ب أساسية‪ ،‬مجانا ومن غير تبعات مالية‪ ،‬لتمكني‬ ‫األف������راد والش������ركات من تطوير خدمات فاعلة‪ .‬وعلى س������بيل‬ ‫املثال‪ ،‬تنام������ى املوقع ‪ Amazon.com‬ليصبح دارا ضخمة لبيع‬ ‫الكتب على اإلنترنت‪ ،‬ثم متجرا لبيع املوسيقى‪ ،‬ثم متجرا لبيع‬ ‫شتى ضروب السلع‪ ،‬وذلك ألنه يتمتع بنفاذ مجاني مفتوح إلى‬ ‫املعايير (املقايي���س) التقنية ‪ technical standards‬التي تعمل‬ ‫الوِ ب وفقا لها‪ .‬إن املوقع ‪ ،Amazon‬ش������أنَه شأن أي مستخدم‬ ‫آخر للوِ ب‪ ،‬يس������تطيع اس������تعمال لغة تأشير ‪ ،HTML‬واملع ِّرف‬ ‫‪ ،URI‬والبروتوك������ول ‪ HTTP‬من دون حاجة إلى احلصول على‬ ‫أي جهة‪ ،‬ومن دون مقابل‪ .‬ويس������تطيع أيضا استعمال‬ ‫موافقة ِّ‬ ‫حتسينات املعايير ‪ standards developed‬التي وضعها احتاد‬ ‫الوِ ب العاملي والتي تتيح للزبائن َم ْل َء استمارات طلبات شراء‬ ‫( ) ‪OPEN STANDARDS DRIVE INNOVATION‬‬

‫(‪ :hypertext markup language )1‬لغة تتضمن مجموعة من املالحظات والقواعد تُستعمل‬ ‫لتطوير النصوص املترابطة‪.‬‬ ‫(‪ :universal resource identifier )2‬متوالية محرفية لتعيني هوية مورد في اإلنترنت‪.‬‬ ‫(‪ :hypertext transfer protocol )3‬ال‍بروتوكول املس������تعمل للنفاذ إلى املعلومات املوجودة‬ ‫في الوِ ب‪.‬‬ ‫(‪uniform resource locator )4‬‬ ‫(‪cable television )5‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫افتراضية‪ ،‬والدفع عبر اإلنترنت‪ ،‬وإبداء الرأي بالس������لع التي‬ ‫يشترونها ‪..‬إلخ‪.‬‬ ‫أعني باملعايير املفتوح���ة ‪ open standards‬معايير قام‬ ‫بتصميمها خب������راء موثوق بهم‪ ،‬وباتت مقبولة بعد التدقيق‬ ‫الش������امل فيها‪ ،‬وأصبحت متاحة في الوِ ب مجانا من دون‬ ‫مقابل‪ .‬إن املعايير املجانية املفتوحة السهلة االستعمال هي‬ ‫الت������ي تؤدي إلى ذلك التن ُّوع الكبير في أنواع مواقع الوِ ب‪،‬‬ ‫من تلك ذات األس������ماء الالمعة مثل ‪ Amazon‬و‪Craigslist ‬‬ ‫و ‪ ،Wikipedia‬م������رورا باملد َّونات املغمورة التي يكتبها هواة‬ ‫بالغون‪ ،‬وانتهاء بأفالم الڤيديو املنزلية التي يرس������لها إلى‬ ‫الوِ ب فتيان مراهقون‪.‬‬ ‫ويعني االنفتاح أيضا أن تس������تطيع إنشاء موقع أو شركة‬ ‫أطلقت‬ ‫ل������ك في الوِ ب من دون حاجة إل������ى موافقة أحد‪ .‬عندما‬ ‫ُ‬ ‫علي احلصول عل������ى إذن من أحد‪،‬‬ ‫ال������وِ ب أول مرة‪ ،‬ل������م يكن َّ‬ ‫أو دفع رس������وم مقابل اس������تعمال معايي������ر اإلنترنت املفتوحة‪،‬‬ ‫ومنه������ا بروتوك���ول التحكُّ م في اإلرس���ال )‪ )1((TCP‬الش������هير‬ ‫وبروتوكول اإلنترنت )‪ .)2((IP‬وباملثل‪ ،‬تنص سياس������ة براءات‬ ‫االخت������راع املجانية التي ينتهجها احتاد الوِ ب العاملي على أنه‬ ‫يتعي على الشركات واجلامعات واألفراد الذين يسهمون في‬ ‫نَّ‬ ‫أي جهة قد‬ ‫تطوي������ر معيار ما التع ُّهد بعدم فرض رس������وم على ِّ‬ ‫تستعمل هذا املعيار‪.‬‬ ‫إال أن املعايي������ر املجاني������ة املفتوح������ة ال تعن������ي أنه ال يجوز‬ ‫الص َور‬ ‫ملؤسس������ة أو لفرد تطوير برامج للتدوين أو لتش������ارك ُّ‬ ‫ومطالبتك برس������م مقابل اس������تعماله‪ .‬إن املطالب������ة هنا ممكنة‪.‬‬ ‫وقد تكون أن������ت راغبا في الدفع مقابل البرنامج إذا رأيت أنه‬ ‫«أفض������ل» من غيره‪ .‬إن املهم هنا هو أن املعايير املفتوحة تتيح‬ ‫خيارات متع ِّددة‪ ،‬مجانية وغير مجانية‪.‬‬ ‫وبالفعل‪ُ ،‬ينفق كثير من الشركات أمواال على تطوير تطبيقات‬ ‫استثنائية األهمية‪ ،‬ألنها على قناعة بأن تلك التطبيقات سوف‬ ‫تصلح للجميع‪ ،‬مهما كان العتاد احلاسوبي أو نظام التشغيل‬ ‫أو مز ِّود خدمة اإلنترنت املستعمل‪ ،‬وقد أضحى ُّ‬ ‫كل ذلك ممكنا‬ ‫بفضل معايير الوِ ب املفتوحة‪ .‬وهذه القناعة نفس������ها هي التي‬ ‫تشجع العلماء على صرف آالف الساعات البتكار قواعد بيانات‬ ‫ِّ‬ ‫مدهشة تستطيع التشارك في معلومات عن ال‍پروتينات‪ ،‬مثال‪،‬‬ ‫أمال بإيجاد عالجات لألم������راض‪ .‬وهي التي حتمِ ل حكومات‬ ‫دول كالوالي������ات املتحدة األمريكية واململكة املتحدة على وضع‬ ‫مزيد من البيانات ف������ي اإلنترنت لتمكني املواطنني من التدقيق‬ ‫فيها‪ ،‬وهذا ما يزيد من ش������فافية احلكومة‪ .‬وتس������اعد املعايير‬ ‫املفتوح������ة أيضا على تنمية روح اإلبداع التلقائي‪ ،‬ألن البعض‬ ‫ميكن أن يس������تعملها بطرائق لم تخطر على بال أحد من قبل‪.‬‬ ‫‪41‬‬

‫آلية العمل‬

‫ِوب أم إنترنت؟‬

‫( )‬ ‫(‪)3‬‬

‫الوب هي تطبيق يعمل في ش���بكة اإلنترنت‪ .‬والتراسل اآلني هو تطبيق‬ ‫ِ‬ ‫تقس���م معلومات‬ ‫يعم���ل فيها أيض���ا‪ .‬أما اإلنترنت‪ ،‬فهي ش���بكة إلكترونية ِّ‬ ‫التطبيق إلى ُر َزم‪ ،‬وتنقلها بني احلواس���يب على وس���ائط سلكية والسلكية‬ ‫وفق���ا ل‍بروتوك���والت (قواعد) بس���يطة ُيع َّب���ر عنها مبصطلح���ات متنوعة‪.‬‬ ‫وميك���ن النظر إل���ى اإلنترن���ت والتطبيقات على أنها ُكدس���ة م���ن الطبقات‬ ‫املفاهيمي���ة التي َيس���تعمل ٌّ‬ ‫كل منه���ا خدمات الطبقة الت���ي حتتها‪ .‬وميكن‬ ‫تص���وُّ ر التطبيق���ات على أنه���ا أدوات من‍زلية تس���تمد طاقتها من الش���بكة‬ ‫الكهربائية بالطريقة املعتادة‪.‬‬ ‫تطبيق‬ ‫تكوين فضاءات‬ ‫افتراضية من املعلومات‬ ‫تبادل املعلومات فيما بني البرامج‬ ‫املوجودة في حواسيب الشبكة‬ ‫تسيير رزم املعلومات عبر الشبكات‬ ‫نقل ال ُّر َزم ضمن شبكة مح ّلية‬ ‫حتميل ال ُّر َزم على‬ ‫وسائط االتصاالت‬ ‫وسط االتصاالت املادي‬

‫ونحن نكتشف ذلك في الوِ ب كل يوم‪.‬‬ ‫وفي املقابل‪ ،‬يؤدي اإلحجام عن تطبيق املعايير املفتوحة إلى‬ ‫عوالِم مغلقة‪ .‬فالنظام ‪ iTunes‬من الش������ركة ‪ ،apple‬مثال‪ُ ،‬يع ِّرف‬ ‫األغان������ي ومقاطع الڤيديو باس������تعمال مع ِّرفات موارد ش������املة‬ ‫مفتوحة‪ ،‬تس������تخدم عناوين تبدأ ب������ـ ”‪ “itunes:,‬بدال من ”‪،“http:‬‬ ‫أي‬ ‫وتلك العناوين محمية املُلكية‪ .‬عندئذ ال تس������تطيع النفاذ إلى ِّ‬ ‫رابط ”‪ “itunes:‬إال باستعمال البرنامج ‪ iTunes‬احملمي املُلكية‪ .‬وال‬ ‫أي معلومات‪ ،‬من قبيل أغنية أو معلومات عن‬ ‫تستطيع النفاذ إلى ِّ‬ ‫فرقة غناء‪ ،‬في عالَم ‪ ،iTunes‬وال تس������تطيع إرسال تلك املعلومات‬ ‫إلى غي������رك َّ‬ ‫أصبحت خ������ارج الوِ ب‪ ،‬ألن عالَم‬ ‫ليطلع عليها‪ .‬فقد‬ ‫َ‬ ‫������دوت حبيس متجر وحيد‪،‬‬ ‫مركزي منغلق‪ .‬وغ‬ ‫‪ iTunes‬ه������و عال َم‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫بدال من أن تكون في رحاب سوق مفتوحة‪ .‬ويبقى تط ُّور املتجر‪،‬‬ ‫بكل ما فيه من مزايا رائعة‪ ،‬محدودا مبا ترتئيه الشركة‪.‬‬ ‫وتقوم ش������ركات أخرى أيضا بتكوين عوالِم مغلقة‪ .‬وعلى‬ ‫التوجه نح������و إيجاد «تطبيق������ات» لقراءة‬ ‫س������بيل املثال‪ُ ،‬يع������ ُّد‬ ‫ُّ‬ ‫( ) ?‪Web or Internet‬‬

‫(‪ :transmission control protocol )1‬بروتوك������ول االتصال بني احلواس������يب‪ ،‬وقد أضحى‬ ‫لتراسل البيانات عبر الشبكات ومنها اإلنترنت‪.‬‬ ‫معيارا‬ ‫ُ‬ ‫(‪Internet protocol )2‬‬

‫(‪ :instant messaging )3‬اس������تعمال احلواس������يب ومع َّدات اتصاالت البيانات للتراس������ل‬ ‫(التحرير)‬ ‫اآلني‪ ،‬ومن أمثلته الدردشة واالتصال الهاتفي املرئي‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫استشراف املستقبل‬

‫الوب املستقبلية َقيد التكوين‬ ‫ِ‬

‫( )‬

‫للوب‪،‬‬ ‫ثمة عدة ُّ‬ ‫توجهات مثيرة قيد التنفيذ‪ ،‬تقوم على املبادئ األساس���ية ِ‬ ‫ومن ش���أنها أن تغيِّ���ر آلية عا َلم اإلنترنت والعال��� َم الواقعي‪ .‬انظر «مراجع‬ ‫لالس���تزادة» ف���ي آخ���ر املقال���ة للحصول عل���ى رابط يتيح ل���ك االطالع على‬ ‫التوجهات األربعة‪:‬‬ ‫تعليقات وعروض مرئية عن هذه‬ ‫ُّ‬

‫بيانات مفتوحة‬

‫الوب وربطها‬ ‫إن وضع البيانات على ِ‬ ‫معا مينح الناس‪ ،‬حيثما وُ جدوا‪،‬‬ ‫قدرات دينامية جديدة‪ .‬فقد ساعدت تلك‬ ‫البيانات الد َّراجني فعال على جتنب‬ ‫احلوادث في لندن‪ ،‬وكشفت عن التمييز‬ ‫العِ رقي في والية أوهايو‪ ،‬وساعدت فرق‬ ‫اإلنقاذ على تقدمي العون ملنكوبي زلزال‬ ‫هايتي الهائل الذي وقع في الشهر‬ ‫‪.2010/1‬‬

‫الوب‬ ‫ِع ْلم ِ‬

‫لم نح ِّقق في الواقع سوى ال‍ن‍َّزر‬ ‫جتسد‬ ‫اليسير في فهمنا لآللية التي‬ ‫ِّ‬ ‫الوب العا َلم احلقيقي وترسم‬ ‫بها ِ‬ ‫الوب‪ ،‬وهو‬ ‫معالمِ ه‪ .‬وقد بدأ علم ِ‬ ‫تخصص جديد ميا َرس اليوم في‬ ‫ُّ‬ ‫هيئات علمية مختلفة‪ ،‬بالكشف‬ ‫الوب‬ ‫عن أفكار مدهشة في تصميم ِ‬ ‫وعملها ومفعولها في املجتمع‪.‬‬

‫آالت اجتماعية‬

‫الوب‬ ‫يُرسل كثير من الناس إلى ِ‬ ‫آراء عن املطاعم التي يرتادونها مع‬ ‫تقييمات لها‪ ،‬فتؤ ِّثر تلك التقييمات في‬ ‫خيارات الزبائن اآلخرين املستقبلية‪.‬‬ ‫وهذه األنشطة هي مثال لآللة‬ ‫االجتماعية‪ .‬وثمة آالت اجتماعية أكثر‬ ‫حتسن‬ ‫تعقيدا قيد التصميم ميكن أن‬ ‫ِّ‬ ‫طرائق ممارسة العمل العلمي وحتقيق‬ ‫الدميوقراطية‪.‬‬

‫عرض حزمة ترددية مجاني‬ ‫قل ٌة هم القادرون على حتمُّ ل أجور‬ ‫النفاذ إلى اإلنترنت في البلدان‬ ‫النامية‪ .‬وال شك في أن وجود خدمة‬ ‫مجانية بحزمة ترددية ضيقة جدا‬ ‫يحسن مستوى التعليم‬ ‫ميكن أن‬ ‫ِّ‬ ‫والصحة واالقتصاد في تلك البلدان‬ ‫يشجع في الوقت‬ ‫إلى ح ٍّد بعيد‪ ،‬وأن‬ ‫ِّ‬ ‫نفسه بعض األفراد على االرتقاء إلى‬ ‫خدمة أسرع‪ ،‬مدفوعة األجر‪.‬‬

‫املجالت بواس������طة أجهزة الهاتف الذكي بدال من قراءتها في‬ ‫الوِ ب أمرا مقلق������ا‪ ،‬ألن تلك املادة تبقى خارج الوِ ب‪ ،‬وال ميكن‬ ‫ربطه������ا بع�ل�ام(‪ )1‬فيه ــا‪ ،‬أو إرس������ ــال عن ـ ـ������وان صفحــة منها‬ ‫بالبــريــد اإللكتروني‪ .‬وال ميكنك إرسالها إلى تويتَّر ‪.Twitter‬‬ ‫وم������ا هو أجدى من ذلك هو إنش������اء تطبيقات وِ ب تعمل أيضا‬ ‫ف������ي متص ِّفحات الهاتف الذكي‪ ،‬وتقنيات حتقيق ذلك تش������هد‬ ‫‪42‬‬

‫حتسنا َّ‬ ‫مطردا‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ق������د يظن البعض أن العوالِم املغلقة رائعة‪ .‬فهي س������هلة‬ ‫االستعمال‪ ،‬وقد تبدو أنها تو ِّفر لهم ما يريدونه‪ .‬ولكن وفقا‬ ‫مل������ا رأيناه في تس������عينات القرن املاض������ي‪ ،‬من خالل نظام‬ ‫معلومات النفاذ إلى اإلنترنت هاتفيا واملعروف بـ ‪America‬‬ ‫‪ ،Online‬الذي كان يتيح النفاذ إلى مجموعة جزئية محدودة‬ ‫م������ن الوِ ب‪ ،‬فإن هذه «الرياض احلصين������ة» املغلقة‪ ،‬بكل ما‬ ‫فيه������ا من َمس������ َّرات‪ ،‬ال ميكن أن تنافس م������ن حيث التن ُّوع‬ ‫والغنى واإلبداع س������وق الوِ ب الرحيب������ة املفتوحة النابضة‬ ‫باحلياة خارج بواباتها‪ .‬ولكن إذا كانت الروضة احلصينة‬ ‫قابضة على السوق بإحكام‪ ،‬أمكنها تأخير ذلك النمو الذي‬ ‫في اخلارج‪.‬‬ ‫الوب منفصلة عن اإلنترنت‬ ‫دع ِ‬ ‫ِ‬

‫( )‬

‫إن اإلبقاء على الوِ ب شمولية‪ ،‬وعلى معاييرها مفتوحة‪،‬‬ ‫يساعد الناس على ابتكار خدمات جديدة‪ .‬وثمة مبدأ ثالث‬ ‫أيض������ا‪ ،‬يتم َّثل بفصل الطبقات‪ ،‬ويع������زل تصميم الوِ ب عن‬ ‫تصميم اإلنترنت‪.‬‬ ‫إن هذا الفصل شيء جوهري‪ .‬فالوِ ب هي تطبيق يعمل‬ ‫ضمن اإلنترنت‪ ،‬واإلنترنت هي شبكة إلكترونية تنقل ُرزَما‬ ‫‪ packets‬من املعلومات بني ماليني احلواسيب وفقا لبضعة‬ ‫بروتوك������والت مفتوح������ة‪ .‬وميكن متثيل الوِ ب ب������أداة من‍زلية‬ ‫تغ ِّذيها ش������بكة الكهرباء‪ .‬فالثالجة أو الطابعة تستطيع أن‬ ‫تعمل ما دامت تَستعمِ ل بضعة من ال‍بروتوكوالت املمق َيسة‪،‬‬ ‫من قبيل العمل بجهد كهربائي يس������اوي ‪ 120‬ڤلطا وبتر ُّدد‬ ‫يس������اوي ‪ 60‬هرتزا ف������ي الواليات املتح������دة‪ .‬وباملثل‪ ،‬ميكن‬ ‫جلمي������ع التطبيقات‪ ،‬ومنها ال������وِ ب أو البريد اإللكتروني أو‬ ‫التراس���ل اآلن���ي(‪ ،)2‬أن تعم������ل ضمن اإلنترن������ت ما دامت‬ ‫ُ‬ ‫َتس������تعمِ ل بضعة بروتوكوالت ممق َيس������ة مثل البروتوكول‬ ‫‪ TCP‬والبروتوكول ‪.IP‬‬ ‫وميكن ملص ِّنعي الثالجات والطابعات حتسني منتجاتهم‬ ‫من دون تغيير آلية عمل الكهرباء‪ ،‬وميكن لشركات مرافق‬ ‫الكهرباء حتسني الشبكة الكهربائية من دون املساس بآلية‬ ‫عمل األجهزة الكهربائية‪ .‬إن طبقتي التقانة هاتني تعمالن‬ ‫معا‪ ،‬لكنهما تتط َّوران منفردت نَْي‪ .‬والش������يء نفس������ه ينطبق‬ ‫( ) ‪The Future Web in Action‬‬ ‫( ) ‪KEEP THE WEB SEPARATE FROM THE INTERNET‬‬

‫(‪ :bookmark )1‬وض������ع مؤش������رة في كتاب لتعيني موضع مع���ي��ن فيه؛ أو اختزان عنوان‬ ‫بريدي إلكتروني في ذاكرة احلاسوب‪.‬‬ ‫(‪ :instant messaging )2‬اس������تعمال احلواس������يب ومع َّدات اتصاالت البيانات للتراس������ل‬ ‫(التحرير)‬ ‫اآلني‪ ،‬ومن أمثلته الدردشة واالتصال الهاتفي املرئي‪.‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫متام������ا على الوِ ب واإلنترنت‪ ،‬حي������ث ُيعتبر فصل الطبقات‬ ‫عامال مهما لالبتكار‪ .‬وفي س������نة ‪ 1990‬انتشرت الوِ ب في‬ ‫أي تغييرات في اإلنترنت نفسها‪،‬‬ ‫اإلنترنت من دون إدخال ِّ‬ ‫وكان هذا هو حال جميع التحس������ينات منذئذ‪ .‬وفي الوقت‬ ‫نفسه تزايدت سرعة نقل البيانات في اإلنترنت من ‪ 300‬بت‬ ‫في الثانيـ������ة (بت‪/‬ثا) إلى ‪ 300‬مليون بت‪/‬ثا (ميگابت‪/‬ثا)‪،‬‬ ‫من دون حاج ــة إلى إعــادة تصميم الوِ ب لالس������تفادة من‬ ‫تلك التحسينات‪.‬‬ ‫حقوق اإلنسان اإللكترونية‬

‫( )‬

‫صحيح إن اإلنترنت وال������وِ ب منفصلتان تصميميا‪ ،‬إال أن‬ ‫ٌ‬ ‫مستخدِ م الوِ ب هو مستخدِ ٌم لإلنترنت أيضا‪ ،‬ولذا فهو يعتمد‬ ‫ُّ‬ ‫التدخل في ش������ؤونها‪ .‬وفي أيام الوِ ب‬ ‫عل������ى إنترنت خالية من‬ ‫األولى‪ ،‬كان من العس������ير جدا‪ ،‬من الناحية التقنية‪ ،‬على هيئة‬ ‫ُّ‬ ‫والتدخل في أنش������طة مستخدِ مي‬ ‫أو دولة التح ُّكم في اإلنترنت‬ ‫ُّ‬ ‫التدخل أضحت أكثر فاعلية فيما‬ ‫ولكن تقان������ة‬ ‫الوِ ب إفراديا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫بعد‪ .‬ففي س������نة ‪ ،2007‬قامت الش������ركة ‪ ،BitTorrent‬التي يتيح‬ ‫بروتوكوله������ا اخلاص بش������بكة «النِّد‪-‬للنِّد»(‪ )1‬للمس������تخدِ مني‬ ‫التش������ارك في ملفات املوسيقى وال‍ڤيديو وغيرها عبر اإلنترنت‬ ‫(‪)2‬‬ ‫مباش������رة‪ ،‬باالحتجاج لدى مفوَّ ضية االتصاالت االحتادية‬ ‫األمريكية على الشركة العمالقة ‪ ،Comcast‬وهي مزوِّ د خدمات‬ ‫إنترن���ت(‪ ،)3‬لقيامها بإعاقة أو إبطاء حركة املش������تركني الذين‬ ‫كانوا يس������تعملون البروتوكول ‪ .BitTorrent‬فطلبت املف َّوضية‬ ‫َّ‬ ‫الكف عن ممارساتها تلك‪ .‬ولكن محكمة‬ ‫إلى شركة ‪Comcast‬‬ ‫احتادية قضت في الشهر ‪ 2010/4‬بأن املف َّوضية ليست مخ َّولة‬ ‫بطلب ذلك من ش������ركة ‪ُ .Comcast‬يشار في هذا السياق أيضا‬ ‫إلى أن م������ز ِّود اخلدمة اجليد غالبا م������ا ُي ِّ‬ ‫نظم احلركة بإهمال‬ ‫أجزائه������ا القليل������ة األهمية عندما يكون ثم������ة نقص في عرض‬ ‫النطاق املتاح‪ ،‬ويفعل ذلك على نحو معلن جلميع املستخدمني‪.‬‬ ‫السلطة نفسها‬ ‫جلي بني هذا اإلجراء وبني استعمال ُّ‬ ‫وثمة فارق ٌّ‬ ‫للتمييز بني املستخدِ مني‪.‬‬ ‫ُي ِبرز هذا التفريق مبدأ حيادية الش������بكة الذي ينص على‬ ‫دفعت (أنا) ماال مقابل اتصال باإلنترنت ذي جودة‬ ‫أن������ه إذا‬ ‫ُ‬ ‫ودفعت (أنت)‬ ‫مع َّين������ة‪ ،‬وليكن مبع َّدل ‪ 300‬ميگابت‪/‬ث������ا مثال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تعي أن يتصف‬ ‫أيضا مقابل املس������توى نفسه من االتصال‪ ،‬نَّ‬ ‫اتصال كل منا بتلك اجلودة‪ .‬إن حماية هذا املبدأ َح ِر َّي ٌة مبنع‬ ‫مز ِّود خدمات إنترنت كبير من أن ِ‬ ‫يرس������ل إليك مادة ڤيديوية‬ ‫من شركة صوتيات ومرئيات ميتلكها مبع َّدل ‪ 300‬ميگابت‪/‬ثا‪،‬‬ ‫وأن ِ‬ ‫يرس������ل مادة ڤ‍يديوية من ش������ركة أخرى منافِ سة مبع َّدل‬ ‫‪43‬‬

‫أبطأ‪ ،‬مؤديا إلى نوع من التمييز التجاري‪ .‬وقد تنش������أ عن‬ ‫عدم احلياد تعقيدات أخرى أيضا‪ .‬فماذا يحصل إذا َي َّس������ر‬ ‫معي لبيع األحذية في اإلنترنت‬ ‫مز ِّود اخلدمة اتصالك مبتجر نَّ‬ ‫وأعاق وصولك إلى متاجر أخ������رى؟ ماذا يحصل إذا أعاق‬ ‫مز ِّود اخلدمة وصولك إلى مواقع وِ ب تخص أحزابا سياسية‬ ‫معين������ة أو مذاهب دينية بعينها‪ ،‬أو مواقع تتناول موضوعات‬ ‫في النشوء واالرتقاء الدارويني مثال؟‬ ‫ومن املؤسف أن الشركتني ‪ Google‬و‪ Verizon‬اقترحتا‪،‬‬ ‫لس������بب ما‪ ،‬في الش������هر ‪ 2010/8‬عدم تطبيق مبدأ حيادية‬ ‫الشبكة على االتصاالت القائمة على الهواتف اجل ّوالة‪ .‬إن‬ ‫كثي������را من الناس القاطنني في املناط������ق الريفية‪ ،‬من والية‬ ‫أوتا األمريكية إلى أوغندا‪َ ،‬ين ُفذون إلى اإلنترنت عن طريق‬ ‫الهوات������ف اجل ّوالة فقط‪ ،‬ومن ش������أن اس������تثناء االتصاالت‬ ‫الالس������لكية من احليادي������ة أن يجعل هؤالء املس������تخدِ مني‬ ‫عرض������ة للتميي������ز في اخلدم������ة‪ .‬إن من العجي������ب فعال أن‬ ‫أتخ َّيل أن ح ِّقي األساسي في النفاذ إلى مصدر معلومات‬ ‫أختاره يكون مصونا عندما أستعمل حاسوبي الشخصي‬ ‫املوصول بالش���بكة الالس���لكية احمللية ‪ )4(WiFi‬في املن‍زل‪،‬‬ ‫وغير مصون عندما أستعمل هاتفي اخللوي‪.‬‬ ‫إن ش������بكة االتصاالت احليادية هي أس������اس اقتصاد‬ ‫الس������وق التنافسية العادلة‪ ،‬وأساس العلم والدميوقراطية‪.‬‬ ‫وقد عاد اجلدل إلى الظهور ثانية في عام ‪ 2009‬بخصوص‬ ‫َسنِّ تشريع حكومي حلماية مبدأ حيادية الشبكة‪ ،‬ألن ثمة‬ ‫حاجة ملحة إليه‪ .‬صحيح إن اإلنترنت والوِ ب محس������ودتان‬ ‫على قلة التش������ريعات الت������ي تخصهم������ا‪ ،‬إال أن ثمة قيما‬ ‫أساسية ال بد من صونها قانونيا‪.‬‬ ‫للتلصص‬ ‫ال‬ ‫ُّ‬

‫( )‬

‫ثمة أخط������ار أخرى ته������ ِّدد الوِ ب وحتصل بس������بب العبث‬ ‫( ) ‪ELECTRONIC HUMAN RIGHTS‬‬ ‫( ) ‪NO SNOOPING‬‬

‫نفسه لالتصال والتشارك‬ ‫(‪ :peer-to-peer network )1‬شبكة حواسيب تستخدِ م البرنامج َ‬ ‫في البيانات‪ .‬و ُي َع ُّد ُّ‬ ‫كل حاس������وب ن ًّدا لنظيره من حيث املس������ؤوليات‪ ،‬وكل حاسوب‬ ‫يعمل مخدِّما لبقية احلواسيب في الشبكة‪.‬‬ ‫(‪ :Federal Communications Commission (FCC) )2‬الهيئة األمريكية املسؤولة عن تنظيم‬ ‫االتصاالت الداخلية والدولية‪ ،‬السلكية والالسلكية‪.‬‬ ‫(‪ :Internet Service Provider (ISP) )3‬شركة تو ِّفر خدمات االتصال باإلنترنت للمشتركني‬ ‫على نطاق مح ِّل ٍّي ودولي‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الش������بكة ‪ :WiFi‬هي شبكة السلكية محلية تستعمل الترددات الراديوية العالية لنقل‬ ‫بيانات رقمية ضمن مسافات ال تتجاوز بضع مئات من األمتار وتستعمل بروتوكول‬ ‫ش������بكة اإلثرنت‪ ،‬أما التسمية ‪ ،WiFi‬فقد أتت من العالمة التجارية املسجلة للشركة‬ ‫‪ ،WiFi Alliance‬وهي متثل ش������هادة للمنتجات اخلاصة بالشبكات الالسلكية احمللية‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪ WLAN‬القائمة على املعايير ‪.IEEE 802.11‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫التلصص‪ .‬ففي عام ‪ ،2008‬ابتكرت الش������ركة‬ ‫باإلنترنت‪ ،‬ومنها‬ ‫ُّ‬ ‫‪ Phorm‬طريق������ة ملصلحة أحد مز ِّودي خدمة اإلنترنت مت ِّكنه من‬ ‫االطالع خلسة على محتوى ُرزَم املعلومات التي ينقلها‪ .‬وبذلك‬ ‫يس������تطيع املز ِّود حتديد كل مع ِّرف موارد شامل يتص َّفحه كل‬ ‫زبون‪ ،‬ومن َث َّم يس������تطيع حتديد هوي������ات املواقع التي يزورها‬ ‫الزبائن‪ ،‬وإعداد إعالنات موجهة إليها‪.‬‬ ‫يكاف������ئ النفاذ إلى معلومات ضم������ن رزمة في اإلنترنت‬ ‫التنص������ت عل������ى الهاتف أو فتح رس������الة بريدية‪ .‬وتكش������ف‬ ‫ُّ‬ ‫مع ِّرفات املوارد الش������املة التي يستعملها الناس عن الكثير‬ ‫من شؤونهم‪ .‬والشركة التي تشتري الهويات املستنتَجة من‬ ‫مع ِّرفات املوارد الش������املة اخلاص������ة مبتق ِّدمني إلى وظيفة‪،‬‬ ‫مثال‪ ،‬قد تُستعمله أثناء التوظيف الستبعاد أفراد ذوي آراء‬ ‫سياس������ية مع َّينة‪ .‬وميكن لش������ركات التأمني على احلياة أن‬ ‫تستعملها أيضا الس������تبعاد أولئك الذين تظهِ ر الوِ ب وجود‬ ‫أعراض آلفات قلبية لديهم‪ ،‬على سبيل املثال‪ .‬وقد يستغلها‬ ‫األش������رار لالنقضاض على ضحاياهم‪ .‬إن كال منا س������وف‬ ‫يغير طريقة اس������تعماله للوِ ب كليا لو ع������رف أن نقراته على‬ ‫احلاس������وب ميكن أن تُرصد وأن بيانات������ه ميكن أن تقع في‬ ‫أيد غريبة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫وجتب حماية حرية التعبير أيضا‪ .‬فالوِ ب يجب أن تكون‬ ‫كالصفحة البيضاء‪ ،‬جاه������زة للكتابة عليها‪ ،‬من دون قيود‬ ‫على ما ُيكتب‪ .‬ففي بداية عام ‪ ،2010‬اتهمت شركة ‪Google‬‬ ‫احلكومة الصينية باختراقها قواعد بياناتها للحصول على‬ ‫رسائل البريد اإللكتروني العائدة إلى معارضني لها‪ .‬وقد‬ ‫حصلت االختراقات املزعومة بعد أن رفضت الشركة طلب‬ ‫احلكومة الصينية مراقبة وثائق مع َّينة ضمن نس������خة اللغة‬ ‫الصينية من مح ِّرك البحث ‪.Google‬‬ ‫وال يقتص������ر انتهاك حق������وق املواطنني ف������ي الوِ ب على‬ ‫احلكومات الديكتاتورية‪ .‬ففي فرنس������ا مثال‪ُ ،‬ش������ ِّرع قانون‬ ‫اسمه هادوپ‍‌‍ي ‪ Hadopi‬في عام ‪ ،2009‬سمح لوكالة جديدة‬ ‫حتمل االس������م نفسه‪ ،‬بفصل كل أس������رة عن اإلنترنت مدة‬ ‫سنة كاملة إذا ما ادعت شرك ٌة ما للصوتيات واملرئيات أن‬ ‫أحد أفراد األس������رة قد أقدم على س������رقة مقاطع موسيقية‬ ‫أو ڤ‍يديوية تخصها‪ .‬وبعد اعتراض واس������ع‪ ،‬طلب املجلس‬ ‫الدستوري الفرنسي في الشهر ‪ 2010/10‬إلى أحد القضاة‬ ‫مراجع������ة قضية من هذا القبيل قب������ل تنفيذ عملية الفصل‪.‬‬ ‫لو ُأقِ َّر التنفيذ‪ ،‬ل ُفصلت األس������رة من دون أن تتمتع بحماية‬ ‫مبدأ احلد من سلطة القانون(‪ .)1‬وفي اململكة املتحدة‪ ،‬يتيح‬ ‫قانون االقتصاد الرقمي‪ ،‬الذي ُأقِ َّر على َع َجل في الش������هر‬ ‫‪44‬‬

‫‪ ،2010/4‬للحكومة أن تأ ُمر م������ز ِّودي خدمة اإلنترنت بإلغاء‬ ‫اش������تراك أي شخص َيظهر اس������مه في الئحة املشت َبه في‬ ‫انتهاكهم حلقوق النشر‪ .‬وفي الواليات املتحدة‪ ،‬أق َّر مجلس‬ ‫الش������يوخ في الش������هر ‪ 2010/9‬قانون مكافحة انتهاك الوِ ب‬ ‫والتزوي���ر(‪ ،)2‬الذي يس������مح للحكومة بإنشاء الئحة سوداء‬ ‫مبواقع ال������وِ ب املتهمة باالنتهاك واملوجودة ضمن الواليات‬ ‫املتح������دة أو خارجها‪ ،‬والطلب إل������ى جميع مز ِّودي اخلدمة‬ ‫حجب النفاذ إلى تلك املواقع والضغط عليهم لتنفيذ ذلك‪.‬‬ ‫وف������ي جميع تلك احلاالت‪ ،‬ليس ثم������ة ما يحمي الناس‬ ‫قانوني������ا من فصلهم عن الش������بكة‪ ،‬أو من حجب مواقعهم‪.‬‬ ‫حس������بك أن تس������تعرض اجلوانب الكثيرة ألهمية الوِ ب في‬ ‫حياتن������ا وأعمالنا لتدرك أن الفصل عنه������ا مي ِّثل نوعا من‬ ‫س������لب احلرية الش������خصية‪ .‬وبالعودة إلى الوثيقة العظمى‬ ‫للحري������ات‪ ،‬قد يكون من الواجب علين������ا اليوم أن ِّ‬ ‫نؤكد أنه‬ ‫«ال يجوز حرم������ان فرد أو هيئة من إمكان االتصال بالغير‬ ‫من دون احلماية من سلطة القانون اجلائرة واألخذ بقرينة‬ ‫البراءة حتى اإلدانة(‪.»)3‬‬ ‫حينما تُنتهك حقوق الفرد في الوِ ب‪ ،‬يصبح االحتجاج‬ ‫احتج الناس في‬ ‫الشعبي على درجة عالية من األهمية‪ .‬وقد‬ ‫َّ‬ ‫ش������تى أنحاء العالَم على مطالب الصني من شركة ‪Google‬‬ ‫إل������ى درجة َد َفع������ت وزيرة اخلارجي������ة األمريكية >هيالري‬ ‫كلينتون <إلى الق������ول إن احلكومة األمريكي������ة تؤ ِّيد رفض‬ ‫ش������ركة ‪ Google‬اإلذعان إلى الطلب‪ ،‬وأن حرية اإلنترنت‪،‬‬ ‫ومعه������ا حري������ة الوِ ب‪ ،‬يج������ب أن تصبح مبدأ رس������ميا في‬ ‫السياس������ة األمريكية اخلارجية‪ُ .‬يذ َكر هنا أن فنلندا جعلت‬ ‫في الشهر ‪ 2010/10‬النف ــاذ العـريــض احلــزمـ ـ ــة بسـ ــرعة‬ ‫‪ 1‬ميگابت‪/‬ثا حقا قانونيا جلميع مواطنيها‪.‬‬ ‫اِرتباط باملستقبل‬

‫( )‬

‫ما دامت املبادئ األساس������ية لل������وِ ب مصونة ومحترمة‪،‬‬ ‫فإنَّ تط ُّورها املس������تمر لن يكون ِح ْكرا على أي شخص أو‬ ‫مؤسسة‪ ،‬س������واء كانت مؤسستي أو مؤسسة غيري‪ .‬وإذا‬ ‫استطعنا احلفاظ على تلك املبادئ‪ ،‬فإن الوِ ب تنطوي على‬ ‫بعض اإلمكانات املستقبلية الواعدة‪.‬‬ ‫على س������بيل املثال‪ ،‬لي������س أحدث إصدار للغة التأش������ير‬ ‫( ) ‪LINKING TO THE FUTURE‬‬

‫(‪ :due process (of law) )1‬مفه������وم قانون������ي يحمي املواطنني م������ن تطبيق القانون عليهم‬ ‫بطريقة جائرة‪.‬‬ ‫(‪.Combating Online Infringement and Counterfeits Act )2‬‬ ‫(‪ :presumption of innocence )3‬افت������راض براءة امل َّته������م حتى قيام الدليل الكافي على‬ ‫إدانته‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫منصة‬ ‫‪ ،HTML‬املس������ ّمى ‪ ،HTML5‬مج������ َّرد لغة تأش������ير‪ ،‬بل َّ‬ ‫حوس������بة س������وف جتعل تطبيقات الوِ ب أكث������ر فاعلية مما هي‬ ‫عليه حاليا‪ .‬وس������وف يجعل انتش������ا ُر أجهزة الهواتف الذكية‬ ‫الوِ ب أكثر أهمية في حياتنا‪ .‬وس������يكون النفاذ الالسلكي إلى‬ ‫الوِ ب نعمة كبرى للبلدان النامية‪ ،‬على وجه اخلصوص‪ ،‬حيث‬ ‫يفتقر كثير من الناس إلى إمكان االتصال الس������لكي‪ ،‬ولكنهم‬ ‫ميتلكون وسائل االتصاالت الالسلكية‪ .‬طبعا‪ ،‬ثمة الكثير مما‬ ‫يجب فعله‪ ،‬كإتاحة النفاذ لألفراد املعوقني جس������ديا‪ ،‬وابتكار‬ ‫صفحات تعمل جيدا على شاش������ات من مختلف األنواع‪ :‬من‬ ‫الشاش������ات اجلدارية العمالقة الثالثية األبعاد‪ ،‬حتى النوافذ‬ ‫التي بحجم ساعة اليد‪.‬‬ ‫ويتجلى أحد األمثلة العظيمة لبش������ائر املستقبل الواعدة‬ ‫التي تعزِّز تل������ك املبادئ في البيانات املترابط���ة(‪ .)1‬فالوِ ب‬ ‫احلالي������ة تُعتبر ذات كفاءة جيدة من حيث مس������اعدة الناس‬ ‫على نشر الوثائق والبحث عنها‪ ،‬أما برامج حواسيبنا فهي‬ ‫غي������ر قادرة على قراءة أو معاجلة البيانات الفعلية املتض َّمنة‬ ‫في تلك الوثائق‪ .‬وعندما تحُ َل تلك املش������كلة‪ ،‬س������تغدو الوِ ب‬ ‫أكثر فائدة‪ ،‬ألنه سوف يكون باإلمكان تكوين بيانات تخص‬ ‫جميع نواحي حياتنا تقريبا‪ ،‬مبع َّدالت مذهلة‪ .‬وسوف تشتمل‬ ‫تلك البيانات على مع������ارف عن عالج األمراض وتعزيز قيم‬ ‫األعمال االقتصادية وإدارة عالمَ نا على نحو أعلى كفاءة‪.‬‬ ‫ويتص َّدر العلماء االضطالع بالقسط األكبر من املساعي‬ ‫الرامي������ة إلى وضع البيانات املترابطة على صفحات الوِ ب‪.‬‬ ‫فق������د أدرك الباحثون أنه ما من مختب������ر واحد‪ ،‬أو مخزن‬ ‫بيان������ات وحيد متصل باإلنترنت‪ ،‬يكفي الكتش������اف عقاقير‬ ‫وتبي لهم أن املعلومات الالزمة‬ ‫جديدة ف������ي حاالت كثيرة‪ .‬نَّ‬ ‫لفهم املفاعيل املع َّقدة املتبادلة بني األمراض والس������يرورات‬ ‫احليوية في جسم اإلنسان واملجموعة الهائلة من العوامل‬ ‫الكيميائية‪ ،‬تتوزَّع في ش������تى أنح������اء العالَم ضمن قواعد‬ ‫بيانات وجداول ووثائق ال تحُ صى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ويتصل أحد النجاحات األخرى باكتش������اف عقار لعالج‬ ‫داء األلزهامي������ر‪ .‬فقد تخ َّلت مجموعة م������ن مخت َبرات البحث‬ ‫اخلاصة واحلكومية عن إحجامها عن الكشف عن بياناتها‪،‬‬ ‫و َأطلقت مب���ادرة التصوي���ر العصبي ل���داء األلزهامير(‪،)2‬‬ ‫ون َ​َش������رت مقدارا كبيرا جدا من املعلومات والصور الدماغية‬ ‫تخص املرضى على شكل بيانات مترابطة كانت قد اعتمدت‬ ‫عليها كثيرا في تطوير أبحاثها‪ .‬وفي اس������تعراض ش������هدتُه‬ ‫ش������خصيا‪ ،‬طرح أح������د العلماء الس������ؤال التال������ي‪« :‬ما هي‬ ‫ال‍پروتين������ات التي تنغمس في حتويل اإلش������ارات ولها صلة‬ ‫‪45‬‬

‫بالعصبون���ات الهَ رميَّة(‪)3‬؟» ولدى طرح السؤال على محرك‬ ‫البح������ث ‪ ،Google‬وردت ‪ 233 000‬نتيج������ة‪ ،‬ب������دال من النتيجة‬ ‫الواح������دة‪ .‬وعندما ُو ِضع الس������ؤال في نظ������ام قواعد بيانات‬ ‫مترابطة‪ ،‬أعطى عددا صغيرا من األس������ماء لپروتينات مع َّينة‬ ‫حتمل تلك اخلصائص‪.‬‬ ‫وميكن لقطا َع ْي االستثمار والتمويل االستفادة من البيانات‬ ‫املترابط������ة أيضا‪ ،‬حيث تنجم معظم األرب������اح عن العثور على‬ ‫أمناط معينة من البيانات ضمن مجموعة ش������ديدة التن ُّوع من‬ ‫مص������ادر املعلومات‪ .‬إن البيانات حتيط بجميع نواحي حياتنا‪،‬‬ ‫وحينم������ا تدخ������ل إلى موق������ع تواصلك االجتماع������ي وتعلن أن‬ ‫الشخص اجلديد الذي انتس������ب إلى املوقع هو صديقك‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك يو ِّلد عالقة‪ ،‬وتلك العالقة هي بيانات‪.‬‬ ‫يتعي علينا‬ ‫ولك������ن البيانات املترابطة تثير قضاي������ا مح َّددة نَّ‬ ‫مواجهته������ا‪ .‬فمثال‪ ،‬ميكن للطرائق اجلديدة ملكاملة البيانات أن‬ ‫تؤدي إلى مشكالت تتَّصل باخلصوصية نادرا ما تط َّرقت إليها‬ ‫قوانني اخلصوصية احلالية‪ .‬لذا‪ ،‬علينا أن ند ِّقق في اخليارات‬ ‫القانونية والثقافية والتقنية التي من شأنها صون اخلصوصية‬ ‫من دون كبح إمكانات التشارك املفيد في البيانات‪.‬‬ ‫إن الوق������ت املناس������ب ه������و اآلن‪ .‬وعلى مط������ ِّوري الوِ ب‬ ‫والش������ركات واحلكومات واملواطن���ي��ن أن يعملوا معا على‬ ‫املكش������ ـ ــوف وأن يتع ــاون ــوا بكفــاءة‪ ،‬كما فعلنا حتى اآلن‪،‬‬ ‫بغية احلف������اظ على مبادئ الوِ ب األساس������ية وعلى مبادئ‬ ‫اإلنترنت أيضا‪ ،‬مع ضمان احترام ال‍بروتوكوالت التقانية‬ ‫واألع������راف االجتماعية الت������ي نضعها حلقوق اإلنس������ان‬ ‫األساس������ية‪ .‬فالغاية من الوِ ب هي خدمة اإلنسانية‪ ،‬ونحن‬ ‫نبنيها اليوم لتكون األجي������ال القادمة قادرة على إبداع ما‬ ‫>‬ ‫يتع َّذر علينا اليوم تص ُّوره‪.‬‬ ‫(‪ :linked data )1‬تقنية البيانات املترابطة هي طريقة لنشر البيانات وعرضها والتشارك‬ ‫فيها بواس������طة املع ِّرفات ‪ URI‬مت ِّكن من الربط فيما بينها جلعل صفحات الوِ ب قابلة‬ ‫للقراءة من قبل احلواس������يب واألش������خاص على حد سواء‪ ،‬وهذا ما يجعل البيانات‬ ‫الواردة من مصادر مختلفة مترابطة وقابلة لالستعالم عنها معا في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫(‪Alzheimer’s Disease Neuroimaging Initiative )2‬‬

‫(‪ :pyramidal neurons )3‬عصبونات كبيرة هرمية الش������كل توجد في القش������رة الدماغية‬ ‫ِ‬ ‫(التحرير)‬ ‫وترسل نبضات إلى العضالت اإلرادية‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, December 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫هل ميكن للزمن أن ينتهي؟‬

‫(٭)‬

‫ينتهي الزمن أم ٌر يبدو مستحيال وحتميا على‬ ‫نعم‪ ،‬وال‪ .‬أن‬ ‫َ‬ ‫حد ّ سواء‪ .‬تقترح األبحاث احلديثة في الفيزياء إثباتا لهذه املفارقة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫>‪ِ .G‬‬ ‫موسر<‬

‫وفقا خلبراتنا‪ ،‬ال ش������ي َء البتّة ينعدم كلية‪ ،‬فبعد موتنا تتحلل أجسادنا وتعود املادة فيها إلى األرض والهواء‬ ‫وهذا ما يسمح بخلق حياة جديدة‪ .‬نستم ّر بالعيش فيما يأتي بعد ذلك‪ ،‬ولكن هل سيبقى احلال هكذا دائما؟‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫تتن ّبأ نظرية النسبية العامة‬ ‫لـ>آينشتاين< بزوال وانتهاء‬ ‫الزمن في حلظات ُتدعى باملتف ّردات‬ ‫‪ ،singularities‬مثل ما يحصل‬ ‫عندما تبلغ املاد ُة مرك َز ثقب أسود‪,‬‬ ‫برمته في‬ ‫أو عندما ينهار الكون ّ‬ ‫«انسحاق أعظم» ‪ .big crunch‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬تتن ّبأ النظرية أيضا بأنّ هذه‬ ‫املتف ّردات مستحيلة فيزيائ ّيا‪.‬‬ ‫هناك طريق ٌة ّ‬ ‫حلل هذه احمليرة‬ ‫تكمن في أن نعتبر موت الزمن‬ ‫يحدث تدريج ّيا وليس فجائ ّيا‪.‬‬ ‫خصائصه‬ ‫ميكن للزمن أن يفقد‬ ‫َ‬ ‫العديدة واحدة تلو األخرى‪:‬‬ ‫اتجّ اهيته(‪ ،)2‬ومفهوم مدته‪ ،‬ودوره‬ ‫في ترتيب األحداث سبب ّيا‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬ميكن للزمن أن يختفي‬ ‫كي يفسح املجال لفيزياء أعمق ال‬ ‫زمن فيها‪.‬‬

‫مح ِّررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪46‬‬

‫تأتي حلظ ٌة ف������ي وقت ما من‬ ‫أال ميك������ن أن َ‬ ‫املس������تقبل ال ش������يء «بعدها»؟ ومن املُكئب‪،‬‬ ‫إجاب������ة الفيزياء احلديثة عن هذا الس������ؤال‬ ‫بنعم‪ .‬فالزمن ذاته ميكن أن ينتهي‪ ،‬وحينئذ‬ ‫أي‬ ‫تتو ّقف‬ ‫ُ‬ ‫جميع الفعاليات‪ ،‬ولن يكون هناك ّ‬ ‫جتديد أو استرداد للحياة؛ فزوال الزمن هو‬ ‫نهاية النهايات‪.‬‬ ‫م ّثل������ت هذه اإلمكانية املخيف������ة تن ّبؤا غي َر‬ ‫متو َّق������ع لنظرية >آينش������تاين< في النس������بية‬ ‫ِ‬ ‫معاصر للثقالة‬ ‫العامة‪ ،‬التي تز ّودنا بفه������م‬ ‫‪ .gravity‬قب������ل ه������ذه النظري������ة كان أغل������ب‬ ‫الزمن‬ ‫الفيزيائيني والفالس������فة يعتق������دون أنّ‬ ‫َ‬ ‫ثابت‬ ‫نق ٌر ش‬ ‫������مولي على الطبل‪ ،‬أي إنّ إيقا َعه ٌ‬ ‫ٌّ‬ ‫أي تغ ّير أو‬ ‫يس������ير وفقه الكونُ بر ّمت������ه‪ ،‬دون ّ‬ ‫ذبذب������ة أو تو ّق������ف‪ .‬ما ب ّينه >آينش������تاين< هو‬ ‫أنّ الكون أش������به مبقطوعة موسيق ّية متع ّددة‬ ‫اإليقاع������ات‪ ،‬إذ ميكن للزم������ن فيها أن يتباطأ‬ ‫إيقاع������ه أو أن يتم ّدد‪ ،‬ب������ل أن يتمزّق كذلك‪.‬‬ ‫نحس بأداء‬ ‫عندما نش������عر بقوة الثقالة فإننا‬ ‫ّ‬ ‫������ي اإليقاعي‪ ،‬وعندئذ تنجذب‬ ‫الزمن االرجتال ّ‬ ‫األجسا ُم الساقطة نحو األماكن التي يمَ ضي‬ ‫فيها الزمن بسرعة أبطأ‪ .‬ال يؤ ّثر الزمنُ فيما‬ ‫تفعله املادة فحس������ب‪ ،‬بل يس������تجيب أيضا‬ ‫ملا تق������وم به امل������ادة‪ ،‬كحال قارع������ي الطبول‬ ‫والراقص���ي��ن الذي������ن يتآث������رون فيم������ا بينهم‬ ‫فيصاب اجلميع بنوبة إيقاع ّية متناغمة‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬عندما تخرج األمور عن السيطرة ميكن‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫للزمن أن ّ‬ ‫يتبخر وي������زول كالدخان‪ ،‬حا ُله في‬ ‫ذل������ك كحال قارع طبل جعل������ه هياجه املفرط‬ ‫يحرق نفسه بشكل عفوي‪.‬‬ ‫تُدع������ى اللحظ������ات املوافقة حل������دوث هذا‬ ‫ّ‬ ‫ويدل‬ ‫األمر باس������م املتف���� ِّردات ‪،signularities‬‬ ‫أي ح���� ٍّد ‪ boundary‬للزمن‪،‬‬ ‫ه������ذا التعبير على ّ‬ ‫س������واء أكان بداية أم نهاية له‪ .‬وأش������هر ح ٍّد‬ ‫ه������و االنفج����ار األعظ����م ‪ ،the big bang‬وه������و‬ ‫اللحظ������ة التي مضى عليها ‪ 13.7‬بليون س������نة‬ ‫عندما ُخل������ق الكون – ومع������ه الزمن ‪ -‬وبدأ‬ ‫بالتم ّدد واالتّساع‪ .‬ولو ُق ّدر للكون أن يتو ّقف‬ ‫عن التم ّدد واال ّتس������اع ويبدأ باالنكماش‪ ،‬فإنه‬ ‫سوف يعاني شيئا مشابها لالنفجار األعظم‬ ‫ولكن بطريقة عكس������ية – االنسحاق األعظم‬ ‫‪ - the big crunch‬وه������ذا ي������ؤدي إل������ى تدمير‬ ‫الزمن وإيقافه‪.‬‬ ‫ليس من الض������روري للزمن أن ينعدم في‬ ‫جمي������ع أرجاء الكون‪ .‬فالنس������بية تقول بزواله‬ ‫داخل الثقوب الس������وداء مع استمرار وجوده‬ ‫ف������ي الكون عموما‪ .‬وتتمتّع الثقوب الس������وداء‬ ‫بسمعة س������يئة في مجال التدمير والتخريب‪،‬‬ ‫مما ق������د يخطر على بالك‪.‬‬ ‫لكنها أس������وأ حتى ّ‬ ‫إذا ق ِّدر لك الس������قوط في واح������د منها‪ ،‬فإنك‬ ‫لن تتمزّق إلى أش���ل��اء فحسب‪ ،‬بل إنّ بقاياك‬ ‫س������وف ترتطم في نهاية األمر مبتف ّردة واقعة‬ ‫( ) ?‪COULD TIME END‬‬

‫(‪ paradox )1‬أو محيرة‬ ‫(‪directionality )2‬‬


‫في مرك������ز الثق������ب‪ ،‬وعندئذ يتوقف‬ ‫ألي حياة‬ ‫الزمن املالزم لك‪ .‬وال ميكن ّ‬ ‫جديدة أن تبزغ انطالقا من رمادِ ك‪،‬‬ ‫ولن تخضع جزيئات جس������مك إلى‬ ‫إع������ادة تصنيع‪ .‬وكحال ش������خصية‬ ‫البطل ف������ي الصفح������ة األخيرة من‬ ‫تعاني مج ّرد موت‪ ،‬بل‬ ‫الرواية‪ ،‬ل������ن‬ ‫َ‬ ‫نهاي َة الوجود ذاته‪.‬‬ ‫استغرق الفيزيائيون عقود ًا ع ّد َة‬ ‫قبل أن يقبلوا بأنّ نظرية النس������بية‬ ‫تتن ّبأ بش������يء مح ِّير كاملوت من دون‬ ‫انبعــاث‪ .‬وحت������ى يومنـا هــذا‪ ،‬فهــم‬ ‫مما‬ ‫ال يزالون غي������ر متوثقني متاما ّ‬ ‫يتع���ي��ن عليهم فعله م������ع هذا األمر‪.‬‬ ‫وميكن الدفاع عن الرأي القائل إن‬ ‫الرئيس وراء‬ ‫السبب‬ ‫املتف ّردات هي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫سعي الفيزيائيني إلى إيجاد نظرية‬ ‫موح������دة للفيزياء جتمع بنات أفكار‬ ‫ّ‬ ‫>آينشتاين< مع امليكانيك الكمومي‬ ‫‪ :quantum mechanics‬إيجاد نظرية‬ ‫كمومي������ة للثقال������ة‪ .‬والفيزيائي������ون‬ ‫يقومون بذلك جزئي������ا أمال بإمكان‬ ‫تبرير أس������باب عدم أهميتها‪ .‬ولكن‬ ‫عليك أن تكون حذرا في اختيار ما‬ ‫تتمناه‪ ،‬فمن الصع������ب تخ ّيل نهاية‬ ‫لكن زمنا ال نهاية له يحمل في ثناياه تناقضا يصعب‬ ‫الزمن؛ ّ‬ ‫تخيله أيضا‪.‬‬ ‫حافات الزمن‬

‫( )‬

‫على م ّر العصور ‪ -‬قبل مجيء >آينشتاين< بوقت طويل ‪-‬‬ ‫ناقش الفالسفة ما إذا كان الزمن عرضة للزوال‪ .‬وقد اعتبر‬ ‫>‪ .I‬كانط< ه������ذه القضي ــة نوعـ ــا م ـ������ن التناقض الداخلي‪ ،‬أي‬ ‫مما يدعك ال تعرف‬ ‫إن ـ ــه ميكنـ ــك قب ــوله وقب ــول عكسـه؛ وهذا ّ‬ ‫كيف تف ّكر‪.‬‬ ‫نفس������ه فوق أحد َق ْرنَ������ي هذه املعضلة‬ ‫وج������د وال ُد زوجتي َ‬ ‫عندما حضر مس������اء أحد األيام إلى املط������ار ليجد أنّ طائرته‬ ‫قد غادرت منذ وق������ت طويل‪ .‬ال َمه ّ‬ ‫املوظفون في ميزان التح ّقق‬ ‫من احلقائ������ب قائلني إنه كان عليه معرفة أنّ س������اعة املغادرة‬ ‫املكتوب������ة «‪ 12‬صباحا» تعني أ ّول رحلة في الصباح‪ .‬ومع ذلك‬ ‫‪47‬‬

‫كانت حيرة والد زوجتي من املمكن فهمها‪ ،‬إذ ال يوجد رسميا‬ ‫وقت موافق لـ«‪ 12‬صباحا»‪ ،‬فمنتصف الليل ليس قبل منتصف‬ ‫ٌ‬ ‫النهار وال بعده‪ ،‬فهو مي ّثل نهاي َة يوم وبداي َة يوم آخر كلتيهما‪،‬‬ ‫ويوافق في ترميز الوقت ذي الس������اعات األربع والعشرين كال‬ ‫الرمزَين ‪ 24:00‬و‪.00:00‬‬ ‫ـاج في أنــه‬ ‫لقد احتكم >أرس������طو< إلى مبدأ مماثـل عندما ح ّ‬ ‫ال ميك������ن أن يكون للزمن بداية وال نهاي������ة‪ّ .‬‬ ‫كل حلظة هي نهاية‬ ‫لفترة وبداي ٌة ألخرى مع������ا‪ُّ ،‬‬ ‫وكل حادثة هي نتيج ٌة ألمر ما وفي‬ ‫سبب آلخر‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فكيف ميكن للزمن أن ينتهي؟‬ ‫الوقت نفسه ٌ‬ ‫ما الذي س������وف مينع آخر حلظة ف������ي التاريخ من إطالق حلظة‬ ‫أخ������رى؟ في الواقع كيف َ‬ ‫لك أن تع ّر َف فكر َة نهاية الزمن عندما‬ ‫يفترض مفهو ُم «النهاية» مسبقا وجو َد الزمن؟ يؤ ّكد الفيلسوف‬ ‫في جامعة أكسفورد >‪ .R‬سوينبورن< بأنه «ال ميكن منطقيا أن‬ ‫( ) ‪Edges of Time‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫[كيف ميكن للزمن أن ينتهي]‬

‫انهيا ُر جنم لتشكيل ثقب‬ ‫أسود (فتتزايد كثافته‬ ‫مع مرور الزمن)‬

‫يوم الدينونة األخير‬

‫( )‬

‫كثافة متزايدة‬

‫متنوعة وفق���ا لنظرية‬ ‫ميك���ن للزم���ن أن ينته���ي بط���رق مقلق���ة‬ ‫ّ‬ ‫ثقب‬ ‫>آينش���تاين< في النس���بية العام���ة‪ .‬فمثال‪ ،‬عندم���ا‬ ‫ّ‬ ‫يتكون ٌ‬ ‫أسود‪ ،‬فإن كثافة املادة تزداد‪ ،‬وهذا ما يجعل قو َة الثقالة أكث َر‬ ‫ش���دّة‪ ،‬وهذا ب���دوره يزيد من قيمة الكثافة ومن ثم تزداد ش��� ّد ُة‬ ‫ق���وة الثقالة أكثر‪ ،‬ويس���تمر ذلك إلى أن تبل���غ الكثافة والثقالة‬ ‫قيما المتناهية في الكبر – و ُيع َرف هذا الوضع باس���م املتف ّردة‬ ‫(الرس���م العل���وي)‪ .‬تتو ّقف املادة ع���ن الوجود‪ ،‬ويتم اس���تنفاد‬ ‫الزم���ن ف���ي تلك املنطقة م���ن الفضاء‪ .‬وميكن ملصير مش���ابه أن‬ ‫برمته (الرسم السفلي)‪.‬‬ ‫ينتاب الكون ّ‬

‫تشير القيم ُة‬ ‫الالمتناهية في الكبر‬ ‫ٌ‬ ‫كامل‬ ‫للكثافة (انهيا ٌر‬ ‫لنجم) إلى النهاية‬ ‫املوضعية ‪ local‬للزمن‬ ‫الزمن‬

‫▼ مشكلة كبيرة تعترض مفهوم الزمن‬

‫انسحاق أعظم‬

‫‪Big Whimper‬‬

‫نشيج أعظم‬

‫مت ّزق أعظم‬

‫‪Big Rip‬‬

‫جتمد أعظم‬ ‫ّ‬

‫كبح أعظم‬

‫تر ّنح أعظم‬

‫يتباطأ ا ّتساع الكون‬ ‫مع كبح ثقالة املادة له‪،‬‬ ‫ويتو ّقف في نهاية األمر‪،‬‬ ‫فينعكس اجتاه االتساع‬ ‫ليغدو تق ّلصا يبلغ أوجه‬ ‫في انهيار نحو متف ّردة ّ‬ ‫تدل‬ ‫على نهاية الزمن وزواله‪.‬‬ ‫لقد ك ّنا ّ‬ ‫نظن في املاضي أنّ‬ ‫هذا املصير ممكنٌ ‪ ،‬لكن يبدو‬ ‫اآلن أنه ليس كذلك‪ .‬فاملاد ُة‬ ‫ليست ضئيلة ومتناثرة‬ ‫بشكل ال يكفي لعملها‬ ‫كمكبح فحسب‪ ،‬بل يبدو‬ ‫مرئي‬ ‫أنّ هناك شكال غي َر‬ ‫ّ‬ ‫للطاقة – الطاقة املعتمة ‪-‬‬ ‫يضغط على دوّ اسة البنزين‬ ‫املس ِّرعة‪.‬‬

‫يستمر الكون با ّتساعه‬ ‫ومتدّده إلى األبد‪ ،‬فيغدو‬ ‫أكثر فراغا ووحشة‪.‬‬ ‫ويعتقد علماء الفلك اآلن‬ ‫أنّ هذا السيناريو هو‬ ‫األرجح‪ .‬ومع أنّ الزمن لن‬ ‫ينتهي أبدا‪ ،‬فإنه يغدو‬ ‫تافها ال مسوِّ غ له على‬ ‫نحو متزايد‪ .‬فالكون‬ ‫يخضع لـ«موت‬ ‫حراري»‬ ‫ّ‬ ‫‪ :heat death‬وهو حال ُة‬ ‫توازن سرعان ما يت ّم فيها‬ ‫ُ‬ ‫إبطال أيّة إجرائيّة؛ لذا ال‬ ‫يوجد للزمن عندها تق ّد ٌم‬ ‫واضح نحو األمام‪ ،‬وقد ال‬ ‫ٌ‬ ‫يظهر البتة ضمن وحدات‬ ‫مع َّرفة بشكل جيّد‪.‬‬

‫نفسه إربا إربا‪.‬‬ ‫مي ّزق الكون َ‬ ‫وميكن حدوث مثل هذا‬ ‫السيناريو إذا لم تكن قيم ُة‬ ‫الطاقة املعتمة ثابتة ‪ -‬كما‬ ‫تفترض أغلب مناذجها ‪ -‬بل‬ ‫متزايدة مع مرور الزمن‪.‬‬ ‫ويُع َرف هذا الشكل املفرط‬ ‫النشاط من الطاقة املعتمة –‬ ‫الذي ّ‬ ‫مت افتراض وجوده‬ ‫عام ‪ - 1999‬باسم الطاقة‬ ‫الشبحية(‪ .)1‬إنها تقود الكون‬ ‫نحو متدّد وا ّتساع المتناه‬ ‫في الكبر ‪ -‬حتى إن الذ ّرات‬ ‫نفسها تتم ّزق ‪ -‬وتقضي‬ ‫على الزمن‪ .‬وتتوقع بعض‬ ‫السيناريوهات هذه النهاية‬ ‫بعد نحو ‪ 20‬بليون سنة‪.‬‬

‫ميتلئ الكون بالطاقة‬ ‫الشبحية وتصير كثافته‬ ‫ال متناهية‪ ،‬في حني‬ ‫يستم ّر متدّده ولكن‬ ‫مبقدار منته‪ .‬سوف يجري‬ ‫أي حفنة ناجية‬ ‫حج ُز ِّ‬ ‫من املادة في مكانها‬ ‫دون أن تكون قادرة على‬ ‫احلركة‪ ،‬فيتو ّقف الزمن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫جتمد كبير‬ ‫حدوث‬ ‫وميكن‬ ‫ّ‬ ‫موضعي إذا كان كو ُننا‬ ‫ّ‬ ‫غشاء يتح ّرك ضمن فضاء‬ ‫بأبعاد إضافية (كما‬ ‫تفترض نظرية األوتار)‪،‬‬ ‫وأخذ يخفق بعنف‪.‬‬

‫تغ ّي ُر الطاق ُة املعتمة‬ ‫اجتاهَ ها من قيادة وتسريع‬ ‫للتمدّد الكوني إلى إبطاء‬ ‫وتأخير له‪ ،‬وهذا ما يؤدي‬ ‫إلى إيقاف منوّ الكون‬ ‫بسرعة خاطفة‪ :‬حيث يكون‬ ‫معدّل التباطؤ المتناهيا في‬ ‫الكبر‪ .‬تتسبّب هذه احلادثة‬ ‫ُ‬ ‫– التي ّ‬ ‫افتراضها أوّ َل‬ ‫مت‬ ‫م ّرة عــام ‪ - 2004‬بأذى‬ ‫هائل‪ ،‬إذ تخضع البنى‬ ‫الكونية إلى قوى مدّجزريّة‬ ‫بشدّات المتناهية في الكبر‪.‬‬ ‫ومع أنّ مقادي َر فيزيائية‬ ‫أخرى تبقى منتهية ‪،finite‬‬ ‫فإنّ لهذا الوضع نتائج غير‬ ‫سعيدة للزمن‪.‬‬

‫اب ُتكِ َر هذا السيناريو عام‬ ‫‪ ،2004‬وهنا ال يستلزم‬ ‫ُ‬ ‫إحداث ما يُدعى متف ّردة‬ ‫مفاجئة(‪ )2‬طاق ًة معتم ًة‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬ ‫صاب‬ ‫كل ما يتط ّلبه هو أن ُت‬ ‫َ‬ ‫ماد ٌة مألوفة باضطراب هائل‬ ‫بحيث تغدو قوى الضغط‬ ‫المتناهية في الكبر‪ ،‬في حني‬ ‫تبقى قيمتا الكثافة ومعدّل‬ ‫التمدّد الكوني في مجال‬ ‫آمن‪ .‬وميكن للزمن أن يستم ّر‬ ‫أو ال يستمر‪ .‬وال تستبعد‬ ‫ُ‬ ‫املالحظات واألرصاد الفلكيّة‬ ‫إمكاني َة حدوث مثل هذه‬ ‫الفاجعة خالل زمن قريب ال‬ ‫يزيد على تسعة ماليني سنة‬ ‫من اآلن‪.‬‬

‫‪Big Crunch‬‬

‫يك������ون للزمن نهاية وحدود»‪ .‬ولك������ ْن إذا كان الزمن بال حدود‪،‬‬ ‫فيجب على الكون أن يكون المتناهيا في عمره‪ ،‬وستُطِ ّل جميع‬ ‫األحجيات الناجمة عن مفهوم الالنهاية بوجهها وتندفع نحونا‬ ‫السخف اعتبار أن‬ ‫بس������رعة‪ .‬وقد اعتبر الفالسف ُة دائما أن من ُّ‬ ‫(‪)3‬‬ ‫الالنهاية شيء مختلف عن جتريد رياضياتي ‪.‬‬ ‫لق������د بدا أن انتص������ار نظرية االنفجار األعظم واكتش������اف‬ ‫الثقوب الس������وداء قد ح ّ‬ ‫ال املس������ألة‪ ،‬فالكون ملي ٌء باملتف ّردات‪،‬‬ ‫فجعة م������ن الكوارث واملصائب‬ ‫وميكن ل������ه أن‬ ‫يعاني أنواعا ُم ِ‬ ‫َ‬ ‫الزمنية؛ حتى وإن ق ّدر له اإلفالت من االنسحاق األعظم‪ ،‬فإنه‬ ‫قد َيعلق و ُين َه������ك بالتمزّق األعظم أو التج ّمد األعظم‪ ،‬أو الكبح‬ ‫األعظم [انظر اإلطار في هذه الصفحة]‪ .‬ولكن إذا ما تساءلنا‬ ‫بعد ذلك عن املاه ّية احلقيقية للمتف ّردات (س������واء أكانت كبيرة‬ ‫‪48‬‬

‫‪Big Freeze‬‬

‫‪Big Brake‬‬

‫‪Big Lurch‬‬

‫أم ال)‪ ،‬فإننا نرى أنّ اإلجاب َة ليس������ت واضحة متاما بعد‪« .‬فال‬ ‫ي������زال فه ُم فيزياء املتف ّردات متاحا ل������كل مهتم بالغوص فيه‪»،‬‬ ‫وذلك على ح ّد قول >‪ .L‬سكالر< [الباحث الرئيسي في فلسفة‬ ‫الفيزياء بجامعة ميتشيگان]‪.‬‬ ‫تقترح ذات النظري������ة‪ ،‬التي أجنبت هذه املفاهيم الفيزيائية‬ ‫املعقدة‪ ،‬أن هذه املفاهيم ربمّ ا ال توج َد فعليا‪ .‬فالنظري ُة النسبية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أي مج ّرة منفردة نراها‬ ‫على سبيل املثال‪ ،‬تقول إن‬ ‫أس���ل��اف ّ‬ ‫كانت ‪ -‬عند متف ّردة االنفجار األعظم ‪ -‬مهروس������ة ضمن نقطة‬ ‫رياض ّيات ّي������ة واحدة‪ :‬وهذا ال يعني مج َّرد أثر دبوس������ي ضئيل‬ ‫( ) ‪ULTIMATE DOOMSDAY‬‬ ‫(‪phantom energy )1‬‬ ‫(‪sudden singularity )2‬‬ ‫(‪mathematical idealization )3‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املراحل األربع النتهاء الزمن‪:‬‬ ‫إن انتهاء الزمن ميكن أن يت ّم عبر إجرائيّة تدريجيّة خطوة فخطوة‪ ،‬ينكفئ الكون‬ ‫خاللها إلى حالة بدائية ال معنى للزمن فيها‪( .‬إنّ متتالية األحداث املبيّنة هنا‬ ‫وفي الصفحات التالية‪ ،‬ليست صارمة؛ إذ ميكن للخطوات أن تتداخل أو أن‬ ‫حتدث بترتيب مختلف)‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫[فقدان االتجّ اه ّية]‬

‫انكسار سهم الزمن‬

‫( )‬

‫س���وف يتو ّق���ف الزم���ن ع���ن املضي قدم���ا إل���ى األمام‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مجم���ل طاقته املفيدة‪ ،‬ويصل‬ ‫وذلك عندما يس���تهلك‬ ‫إل���ى حال���ة من الرك���ود الع���ام‪ .‬يحدث الس���يناريو‬ ‫املب�َّي�نَّ أدناه ف���ي كون متمدّد وم ّتس���ع أبدا‪ ،‬ولكن‬ ‫ميك���ن للزم���ن كذل���ك أن يفق���د اتجّ اهيت���ه ضم���ن‬ ‫س���يناريوهات أخرى‪ .‬وانطالقا من حلظة الركود‬ ‫ٌ‬ ‫تراوحات‬ ‫تلك‪ ،‬لن يتب ّقى من فعاليات في الكون إ ّال‬ ‫ومتوّ ٌ‬ ‫جات عش���وائية في الكثافة والطاقة ال تس��� ّبب‬ ‫أي منها‬ ‫أكث���ر م���ن هزه���زة ف���ي الس���اعات –إن بق���ي ٌّ‬ ‫موجودا ‪ -‬جيئة وذهابا‪.‬‬

‫يبتدئ الكون غازا‬ ‫منتظما تقريبا‪.‬‬

‫يتكتل الغاز بتأثير‬ ‫قوة الثقالة‪.‬‬

‫تنهار املادة وتستمر‬ ‫في االنهيار إلى أن‬ ‫تكوّ ن ثقوبا سوداء‪.‬‬

‫ُتصدر الثقوب‬ ‫السوداء إشعاعا إلى‬ ‫اخلارج وتختفي‪.‬‬

‫يتبدّد اإلشعاعُ وال‬ ‫خال‪.‬‬ ‫يتب ّقى إ ّال فضاء ٍ‬

‫ومنذ ذلك احلني‪،‬‬ ‫ال شيء يتغيّر الب ّتة‪.‬‬

‫ج������دا‪ ،‬بل نقطة حقيقي������ة ذات حجم يعادل الصفر‪ .‬وبش������كل‬ ‫أي جسيم من جسم رائد فضاء س ّيئ الطالع يقع‬ ‫مماثل‪ ،‬فإن َّ‬ ‫يرتص على نفسه ليغدو نقطة المتناهية‬ ‫في ثقب أسود سوف‬ ‫ّ‬ ‫في الصغ������ر‪ .‬وفي كلتا احلالتَني‪ ،‬فإن حس������اب الكثافة يعني‬ ‫التقس������يم على حجم معدوم‪ ،‬وهذا يعط������ي قيما المتناهية في‬ ‫������واع أخرى من املتف������ ّردات ال تتض ّمن قيما‬ ‫الكب������ر‪ .‬وهناك أن ٌ‬ ‫المتناهية في الكبر للكثافة‪ ،‬بل قيما النهائية ملقادير أخرى‪.‬‬ ‫ومع أن العاملني في الفيزياء احلديثة ال يش������عرون بالنفور‬ ‫نحو الالنهاية باملقدار نفس������ه الذي كان يشعر به >أرسطو<‬ ‫و>كان������ط< جتاهها‪ ،‬فإنهم ال يزال������ون يعتبرونها داللة على‬ ‫أنه������م قد دفعوا نظر ّيتَهم ‪ -‬مفترضني صالحيتَها ‪ -‬بعيدا‬ ‫جدا‪ .‬لننظر‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬في النظرية املألوفة لألشعة‬ ‫تفسر‬ ‫الضوئية التي تع ّلمناها في مرحلة التعليم املتوسطة‪ِّ .‬‬ ‫وصفات ّ‬ ‫ِ‬ ‫النظارات الط ّبية‬ ‫هذه النظرية ‪ -‬وبش������كل جميل ‪-‬‬ ‫ومرايا لعبة بيت املرح‪ ،‬ولكنها تتن ّبأ أيضا بأنّ العدس������ َة تركزّ‬ ‫الض������وء اآلتي من منب������ع بعيد وجت ّمعه في نقط������ة رياضيات ّية‬ ‫واح������دة‪ ،‬منتجة بذلك بؤرة ذات ش������ ّدة ضوئ ّي������ة المتناهية في‬ ‫الكب������ر‪ .‬وفي احلقيقة‪ ،‬ال يت ّم تركي������ز الضوء في نقطة واحدة‪،‬‬ ‫وإمنا ضمن تش������كيل يش������به عني الثور‪ .‬ومع أنّ قيمة الش ّدة‬ ‫الضوئية هنا تكون كبيرة‪ ،‬فهي تبقى دائما محدودة‪ .‬إنّ خطأ‬ ‫نظرية الضوء الهندسي ناج ٌم عن أنّ الضوء في احلقيقة ليس‬ ‫شعاعا بل موجة‪.‬‬ ‫������ب الفيزيائ ّيني أنّ كثاف َة‬ ‫وبطريقة مش������ابهة‪ ،‬يفترض أغل ُ‬ ‫املتف������ ّردات الكون ّية منتهي������ة‪ ،‬وإن كانت عالية ج������دا‪ .‬ت َِض ّل‬ ‫النس������بية العامة طري َقها هنا ألنها تفش������ل في التقاط بعض‬ ‫املظاه������ر املهمة للثقال������ة أو للمادة التي تتج ّل������ى بالقرب من‬ ‫املتف ّردات‪ ،‬وت ْبقي الكثافة حتت الس������يطرة‪ .‬يقــول الفيزيائي‬ ‫>‪ .B .J‬هارتل< [من جامعة كاليفورنيا في سانتا بربارا]‪« :‬قد‬ ‫يقول معظم الناس إنّ املتف ّردات هي دالل ٌة على عدم صالحية‬ ‫النظر ّية عندها‪».‬‬ ‫ال ب ّد من نظرية أكثر شمولية – نظرية كمومية للثقالة ‪ -‬بغية‬ ‫إدراك ُك ْن������ه ما يحدث فعال‪ .‬وال يزال الفيزيائ ّيون يعملون على‬ ‫كشف مثل هذه النظر ّية‪ ،‬لكنهم أدركوا أنها سوف تتض ّمن ما‬ ‫ّ‬ ‫تدل البصير ُة على أنها الفكرة املركزية في امليكانيك الكمومي‪،‬‬ ‫اخلواص‬ ‫خواص موج ّية‪ .‬وهذه‬ ‫وهي أنّ املادة – كالضوء ‪ -‬لها‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫سوف تشذب املتف ّرد َة املُفت َرض َة‪ ،‬وجتعلها ُل َفيفة محش ّوة بدال‬ ‫من نقطة‪ ،‬ومن ثم تُبطل خط َأ القس������مة على الصفر‪ .‬وإذا كان‬ ‫األمر هكذا‪ ،‬فالزمن في احلقيقة ربمّ ا ال ينتهي‪.‬‬ ‫اهني‪ ،‬فبعضهم يعتقد أنّ‬ ‫يحاج الفيزيائيون في كال االتجّ َ‬ ‫ُّ‬ ‫( ) ‪Broken Arrow of Time‬‬

‫‪49‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫‪2‬‬

‫[فقدان مدّة االستغراق]‬

‫ال ميكن حتديد الوقت‬

‫( )‬

‫مي املعنى‬ ‫سوف يغدو مفهوم املدة املستغ َرقة عد َ‬ ‫عندما ُتصاب جميعُ املنظومات التي ّ‬ ‫تدل على‬ ‫مجاالت زمنية منتظمة بالتصدّع أو يت ّم ابتالعها‬ ‫من قبل ثقوب سوداء‪ .‬وميكن للطاقة أن تعود‬ ‫فتتس ّرب خارج الثقب األسود‪ ،‬ولكنها تفعل‬ ‫ذلك كإشعاع أي كفوتونات وجسيمات أخرى‬ ‫َ‬ ‫عدمية الكتلة‪ .‬وحيث إنّ‬ ‫مثل هذه اجلسيمات ال‬ ‫متتلك مقياسا ثابتا وال تتغ ّير مع الزمن‪ ،‬فال ميكن‬ ‫استخدامها أساسا لبناء ساعات جديدة‪.‬‬

‫ّ‬ ‫تتحطم املنظومات الكواكبيّة‪،‬‬ ‫وتأخ���ذ ثقوب س���وداء ب َك ْنس‬ ‫مادّتها وابتالعها‪.‬‬ ‫ناج‬ ‫ٌ‬ ‫كوكب ٍ‬

‫ُتصدر الثقوب السوداء إشعاعا‪ ،‬ولكنّ‬ ‫هذا اإلشعاع ال ميكن استخدامه لبناء‬ ‫ساعات أو ما يكافئها في الطبيعة‪.‬‬

‫الزمن س������وف يزول فعال‪ .‬وتكمن مش������كل ُة هذا اخليار في أنّ‬ ‫قوانني الفيزياء املعروفة تعم������ل ضمن مفهوم الزمن‪ ،‬وتصف‬ ‫كيف ّية حركة األشياء وتط ّورها‪ .‬وال يوجد حتفظ على نقاط زوال‬ ‫الزم������ن‪ ،‬وال ب ّد من ضبطها ال بواس������طة مج ّرد قانون فيزيائي‬ ‫جديد‪ ،‬ب������ل عن طريق نوع جديد من قوان���ي��ن الفيزياء يتجنّب‬ ‫املفاهي������م الزمنية ‪ -‬مثل احلركة والتغ ّي������ر ‪ -‬ملصلحة مفاهيم‬ ‫الزمن ّية مثل األناقة الهندس������ية‪ .‬وقد استلهم >‪ .B‬ماك إينيس<‬ ‫[م������ن اجلامعة الوطنية في س������نغافورة] ‪ -‬ف������ي مقترح له قبل‬ ‫ثالث س������نوات ‪ -‬أفكارا من مرش������حة رئيسية لنظرية كمومية‬ ‫من الثقالة أال وهي نظرية األوتار(‪ .)1‬اقترح >ماك إينيس< أنّ‬ ‫ال ُل َفيفة احملش ّوة األول ّية للكون كان لها شكل ّ‬ ‫الطارة(‪ ،)2‬لذا ‪-‬‬ ‫بسبب النظريات الرياض ّيات ّية املتع ّلقة بالطارات ‪ -‬تعني عليها‬ ‫أن تكون منتظمة وملس������اء متاما‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ميكن للكون عند‬ ‫َ‬ ‫ميتلك‬ ‫االنس������حاق األعظم‪ ،‬أو عند متف ّردة الثقب األسود‪ ،‬أن‬ ‫‪50‬‬

‫أي شكل كان‪ ،‬وال حاجة إلى أن ُيطبق االستنتاج الرياضياتي‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نفس������ه املتعلق بالطارات‪ ،‬فقد يكون الكون عموما ممزّقا وغي َر‬ ‫الهندسي للفيزياء يختلف عن‬ ‫منتظم البتّة‪ .‬ومثل هذا القانون‬ ‫ّ‬ ‫القوانني الدينام ّية املألوفة اختالفا حاسما‪ :‬إنّ هذا القانون‬ ‫غير متناظر بالنس������بة إلى الزمن‪ ،‬فالنهاية لن تكون مج ّر َد‬ ‫البداية التي تتح ّرك في االجتاه العكسي‪.‬‬ ‫يعتق ــد باحثون آخرون في مجال الثقالة الكمومية أنّ‬ ‫الزمــن س ــوف يتم ـ ّدد وي ــزداد اتّساعـ ــا إلى األبد دون أن‬ ‫تكون له بداية وال نهاية‪ .‬لقد كان االنفجار األعظم ببساطة‬ ‫درامي طرأ على‬ ‫ وف������ق وجه������ة النظر هذه ‪ -‬مج ّر َد حت������ ّول‬‫ّ‬ ‫احلياة السرمدية للكون‪ .‬ربمّ ا يكون الكون ما قبل االنفجار قد‬ ‫بدأ يخضع النس������حاق أعظم‪ ،‬وانقلب فغ ّير من حركته عندما‬ ‫بلغت كثافته قيما عاليـ ــة ج ــدا في حادث ــة االرتداد األعظم ‪the‬‬ ‫‪ .big bounce‬واألكثر مـ ــن ذل ــك‪ ،‬أنـ ــه ميك ــن لـبـع ــض نتاجات‬ ‫ما قبل التاري ــخ ه ـ ـ ــذا أن تش������ ــقّ طريقها‪ ،‬فنشعر ب ــآثـ ــاره ــا‬ ‫‪،‬‬ ‫حت������ى أيامن ـ ـ������ا هـ ــذه [انظ������ر‪« :‬تتبع الكون املرت������د»‪،‬‬ ‫الع������ددان ‪ ،(2009) 8/7‬ص ‪ .]32‬وبتق������دمي حجج مماثلة‪ ،‬ميكن‬ ‫تبيان أنّ ال ُل َفيفة احملش������ ّوة في قلب الثقب األسود سوف تغلي‬ ‫وقعت في ثقب أس������ود‪،‬‬ ‫وتبقب������ق كنج���م ُم َنم َن���م(‪ )3‬هائج‪ .‬فإذا‬ ‫َ‬ ‫فس������وف متوت ميتة مؤملة‪ ،‬ولكن‪ ،‬عل������ى األقل‪ ،‬لن يزو َل ُّ‬ ‫خطك‬ ‫فجسيمات جسمك سوف تغوص في ال ُلفيفة احملش ّوة‬ ‫الزمني‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وتت������رك دمغة مم ّيزة عليها‪ ،‬ميكن ألجيال املس������تقبل أن يروها‬ ‫ضمن الوهج الضعيف للضوء الذي يصدره الثقب‪.‬‬ ‫يتجنّ������ب مناصرو هذا الرأي ‪ -‬من خالل افتراضهم تق ّدم‬ ‫الزم������ن دائما في حركته ‪ -‬احلاج������ َة إلى التأ ّمل لتخمني نوع‬ ‫جديد من قوان���ي��ن الفيزياء‪ .‬ولكنهم مع ذلك يواجهون بدورهم‬ ‫بعض املش������كالت‪ .‬فعلى س������بيل املثال‪ ،‬يغدو الكونُ مع مرور‬ ‫الزم������ن أكثر فوضوي������ة باس������تمرار؛ وإذا كان الكونُ موجودا‬ ‫������بب ع������دم وجوده اآلن ف������ي حالة فوضى‬ ‫من������ذ األزل‪ ،‬فما س ُ‬ ‫تا ّمة؟ أ ّما فيم������ا يتعلق بالثقب األس������ود‪ ،‬فكيف ميكن للضوء‬ ‫ليفلت من املقابض التثاقلية‬ ‫احلامِ ل لدمغت������ك أن يتد ّبر أمره‬ ‫َ‬ ‫‪ gravitational‬للثقب؟‬ ‫ّ‬ ‫أه ُّم اعتبار هنا هو أنّ الفيزيائ ّيني ال َي ُقـلون عن الفالس������فة‬ ‫في س������ـعيهـم إلى التغ ــلب عـلى تنــاق������ض القــوان ــني‪ .‬ويقــول‬ ‫الراح������ل >‪ .A .J‬ويلر< [وهو رائ ٌد ف������ي مجال الثقالة الكموم ّية]‪:‬‬ ‫«إن معادالت آينشتاين تقول‪ :‬هذه هي النهاية‪ ،‬وتقول الفيزياء‪:‬‬ ‫ال وجو َد لنهاية»‪ .‬ومبواجهة هذه املعضلة‪ ،‬نفض ُ‬ ‫بعض الناس‬ ‫( ) ‪Time Cannot Be Told‬‬

‫‪ ،‬العددان ‪ ،(2007) 8/7‬صفحة ‪ :74‬كتابان جديدان‬ ‫(‪ )1‬انظ������ر‪« :‬الك������ون الذكي»‪،‬‬ ‫يقوالن إن الوقت قد حان إلسقاط نظرية األوتار!‬ ‫(‪ = torus )2‬كعكة مجوفة‪.‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫(‪miniaturized star )3‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫أيد َيهم منها‪ ،‬واستنتجوا أنّ العلم ال ميكنه اإلقرار بوجود نهاية‬ ‫للزم������ن أو ال‪ .‬و ُت َع ُّد حدو ُد الزمن بالنس������بة إليهم حدودا أيضا‬ ‫ولكن آخرين يعتقدون أنّ اللغز‬ ‫للمنط������ق واملالحظة التجريب ّية‪ّ ،‬‬ ‫يس������تلزم تفكيرا جديدا فقط‪ .‬يق������ول الفيزيائي >‪ .G‬هوروفيتز<‬ ‫[من جامعة كاليفورنيا في س������انتا بربارا]‪« :‬األمر ليس خارج‬ ‫نط������اق الفيزياء‪ ،‬ويجب على الثقال������ة الكمومية أن تكون قادرة‬ ‫على تزويدنا بإجابة قاطعة»‪.‬‬ ‫كيف ّية فرار الزمن‬

‫( )‬

‫ق������د يكون هال ‪ Hal 9000‬مج ّرد حاس������وب‪ ،‬لكنه كان على‬ ‫األرجح أكث َر شخص ّية بشرية ُمع ِّبرة وواسعة احليلة في فيلم‬ ‫اخليال العلمي ‪ :2001‬ملحمة فضائية‪ ،‬إذ لم ي ُكن فقط حزمة من‬ ‫األسالك‪ ،‬وإمنا أيضا جملة من التناقضات‪ .‬وحتى موته كان‬ ‫محاكيا للموت البش������ري‪ ،‬فلم يكن حادثة عارضة بل إجرائية‬ ‫متسلس������لة‪ .‬وعندما ب������دأ >ديڤ< ينزع ببطء أل������واح داراته‬ ‫الكهربائية‪ ،‬ش������رع هال يفقد ملكات������ه العقلية واحدة فواحدة‪،‬‬ ‫وأخذ يصف ما يش������عر ب������ه‪ .‬لقد أعرب ع������ن جتربة النكوص‬ ‫واالنحسار بطريقة تعبير ّية بالغة يعجز عنها غالبا َمن ميوتون‬ ‫من البشر‪ .‬إنّ احلياة البشرية مأثر ٌة مع ّقدة من التنظيم‪ ،‬فهي‬ ‫أعق������ ُد موضوع معروف للعلم‪ ،‬ومي������ ّر انبثاقها أو فناؤها عبر‬ ‫الطب احلديث‬ ‫الش������فق الفاصل بني احلياة وعدمه������ا‪ .‬و ُيدخل‬ ‫ّ‬ ‫فانوسا في هذا الش������فق‪ ،‬عندما ُينقِ ذ األط ّبا ُء ُخ َّدجا مولودين‬ ‫قب������ل أوانهم وكنّ������ا فيما مضى نعجز ع������ن إبقائهم أحياء‪ ،‬أو‬ ‫عندما ُيعيدون إلى احلياة أناسا اجتازوا ما كان سابقا نقطة‬ ‫ال رجع َة منها‪.‬‬ ‫وفي حني يجاهد الفيزيائ ّيون والفالسفة إلدراك كنه نهاية‬ ‫الزم������ن‪ ،‬يرى كثيرون في نهاية احلي������اة أمورا عديدة تضاهي‬ ‫ذلك وتشابهه‪ .‬فتماما‪ ،‬كما تنبثق احلياة من جزيئات غير ح ّية‬ ‫ت ِّ‬ ‫نفسها‪ ،‬ميكن للزمن أن ينبثق انطالقا من أشيا َء سرمدية‬ ‫ُنظم َ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫تأخذ بترتيب ِ‬ ‫نفس������ها ‪ .‬إنّ العالَ َم املؤق������ت يتمتَّع ببنية عالية‬ ‫املس������توى‪ُ .‬يخبرنا الزمن متى تقع األحداث‪ ،‬وكم تستغرق من‬ ‫تكون هذه البني ُة‬ ‫الوق������ت‪ ،‬وأ ّيا منها يقع قبل اآلخر‪ .‬وميكن أ ّال‬ ‫َ‬ ‫قد ُف ِرضت من اخلارج‪ ،‬بل نش������أت من الداخل‪ ،‬وحيث إنّ ما‬ ‫ُيصنَع ميكن أن ُي َّ‬ ‫حطم‪ ،‬لذلك عندما تنهار البنية يزول الزمن‪.‬‬ ‫ووفق طريق������ ِة التفكير هذه ال ُيعت َبر ُ‬ ‫زوال الزمن أمرا أكث َر‬ ‫أي منظومة مع ّقدة أخرى‪ .‬وس������وف يفقد‬ ‫مفارق���ة(‪ )2‬من تفتّت ّ‬ ‫ِ‬ ‫الواصلِ‬ ‫الزمن خصائصه واحدة فواحدة‪ ،‬ومي ّر عبر الش������فق‬ ‫بني الوجود وعدمه‪.‬‬ ‫قد يكون أول ما يزول هو أُحادية االجتاه ‪:unidirectionality‬‬ ‫أي «الس������ه ُم» امل ّتج������ه من املاضي نحو املس������تقبل‪ .‬وقد أدرك‬ ‫‪51‬‬

‫‪3‬‬

‫[فقدان السبب ّية]‬

‫يتحول تدريج ّيا إلى مكان‬ ‫الزمن‬ ‫ّ‬

‫( )‬

‫ُعد آخر للمكان‬ ‫ميكن اختزال الزمن إلى مج ّرد ب ٍ‬ ‫ّ‬ ‫محطما بذلك العالقة بني السبب والنتيجة‪.‬‬ ‫وتكمن إحدى الطرائق حلدوث ذلك في‬ ‫افتراض أنّ كوننا «غشائ ّي ٌة» ‪ brane‬تطفو‬ ‫ضمن زمكان ‪ spacetime‬ذي أبعاد إضافية‪،‬‬ ‫وأنّ هذه الغشائ ّية تأخذ باخلفقان بسرعة‬ ‫كبيرة إلى درجة ينحني معها بُع ُد الزمن‬ ‫ويغدو بعدا مكانيا‪ُ ،‬منتجا بذلك ما سوف‬ ‫نشعر به «كتجمد أعظم»‪.‬‬

‫تطفو غشائ ّي ُتنا‬ ‫بلطف عبر املكان‪،‬‬ ‫ونحن أحرار‬ ‫بالتجوّ ل فوقها‪...‬‬

‫غشائية‬ ‫مج ّرة‬ ‫‪ ...‬لكنْ لو تسارعت‬ ‫الغشائيّة أو الت ّفتْ‬ ‫كثيرا على ذاتها‪،‬‬ ‫الحتجنا إلى أن نتح ّرك‬ ‫أسرع من سرعة الضوء‬ ‫بغية استمرار حركتنا‬ ‫فوقها‪ .‬وحيث إنّ هذا‬ ‫األمر محال‪ ،‬فسوف‬ ‫أنفسنا مُ حتجزين‬ ‫جند‬ ‫َ‬ ‫ضمن املكان‪.‬‬

‫الفيزيائ ّيون منذ منتصف القرن التاس������ع عشر أنّ هذا السهم‬ ‫لي������س خاص ّي������ة مم ِّيزة للزمن بح������ ّد ذاته بل للم������ادة‪ .‬فالزمن‬ ‫نحس‬ ‫ثنائ���ي االجتاه(‪ )3‬في طبيعته؛ أ ّما اتجّ ا ُه الس������هم الذي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫به فهو ببس������اطة التردي الطبيعي للمادة من حالة الترتيب إلى‬ ‫أي ش������خص يعيش مع‬ ‫الش���واش(‪ ،)4‬وه������ذه متالزمة يعرفها ّ‬ ‫أوالده الصغ������ار أو ير ّبي حيوانات أليف������ة في منزله (قد يدين‬ ‫( ) ‪HOW TIME SLIPS AWAY‬‬

‫( ) ‪Time Shades into Space‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬ ‫‪Scientific American, June 2010‬‬ ‫(‪paradoxial )2‬‬ ‫(‪bidirectional )3‬‬ ‫(‪ :chaos )4‬حالة تشوش كامل‪.‬‬

‫;‪“Is Time an Illusion?” by craig Callender‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫‪4‬‬

‫[فقدان البنية]‬

‫الهندسة تتالشى‬

‫( )‬

‫برمته مع انحدار الكون نحو‬ ‫يختفي الزمن ّ‬ ‫الفوضى‪ .‬وتتج ّلى هذه الفوضى في أعمق‬ ‫مستو أكثر عمقا‬ ‫مستوى للحقيقة‪ ،‬وهو‬ ‫ٍ‬ ‫حتى من اجلسيمات والقوى املعروفة‪.‬‬ ‫فاإلجرائ ّيات تصبح مع ّقدة لدرجةِ أنه ال‬ ‫ميكن أن يُنسب حدوثِ ها إلى أماكنَ وحلظات‬ ‫محدّدة‪ .‬وهناك طريق ٌة لإلملام بهذه الفكرة‬ ‫تكمن في أخذنا باحلسبان ما يُع َرف باملبدأ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫الهولوگرافي (انظر في األسفل)‪.‬‬ ‫قد يكونَ كو ُننا‪،‬‬ ‫في واقع األمر‪،‬‬ ‫ثنائي البعد‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ولكنّ بعض‬ ‫االنتظامات‬ ‫اخلاصة جتعله‬ ‫ّ‬ ‫ثالثي‬ ‫يبدو‬ ‫ّ‬ ‫األبعاد‪ :‬كما‬ ‫لو كان مسقطا‬ ‫«حجميّا» لصورة‬ ‫ثالثيّة األبعاد‬ ‫(هولوگرام‬ ‫‪.)hologram‬‬

‫يغدو الكون‬ ‫بالقرب من‬ ‫الثقوب السوداء‬

‫شواشيا‬

‫‪chaotic‬‬

‫(يعج بالفوضى‬ ‫ّ‬ ‫على نحو‬ ‫متزايد)‪ ،‬وهذا ما‬ ‫مواضع‬ ‫يجعل‬ ‫َ‬ ‫وأوقات األحداث‬ ‫مُ لت َبسة‪.‬‬

‫في نهاية املطاف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يتحطم املسقط‬ ‫الثالثي األبعاد‬ ‫ّ‬ ‫برمته‪ ،‬وال يتب ّقى‬ ‫ّ‬ ‫منه سوى منظوم ٌة‬ ‫ثنائية البعد بالغة‬ ‫التعقيد‪.‬‬

‫جنم منهار‬

‫الترتيب األصلي بكينونته للمبادئ الهندسية التي خ ّمنها >ماك‬ ‫ُ‬ ‫إينيس<)‪ .‬وإذا بقيت هذه النزع ُة مس������تم ّرة‪ ،‬فإنّ الكون سوف‬ ‫يقترب من حال ِة توازن – أو حالة موت حراري ‪- heat death‬‬ ‫حيث ال ميكن للكون عندها أن يصبح أكثر فوضوية‪ .‬سوف‬ ‫لكن‬ ‫تس������تم ّر اجلس������يمات املنفردة بإعادة تنظيم نفسها‪ّ ،‬‬ ‫وأي ساعة باقية‬ ‫الكون في مجمله س������يتو ّقف عن التغ ّير‪ّ ،‬‬ ‫االجتاهني‪ ،‬وسيغدو من املتع َّذر متييز‬ ‫سوف تهت ّز في كال‬ ‫َ‬ ‫املس������تقبل من املاضي [انظر‪« :‬األصول الكس������مولوجية‬ ‫‪ ،‬العددان ‪ ،(2009) 2/1‬ص ‪ .]4‬تو َّقع‬ ‫لس������هم الزمن»‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫قليل من الفيزيائ ّيني أن اتجّ ا َه السهم ميكن أن ينعكس‪ ،‬بحيث‬ ‫لكن مث َل هذا االنقالب‬ ‫يشرع الكون في ترتيب وتنظيم نفسه‪ّ ،‬‬ ‫س������وف يشير ّ‬ ‫بكل تأكيد ‪ -‬بالنسبة إلى مخلوقات فانية يعتمد‬ ‫وجودها ذاتُه على س������هم للزمن متّجه نحو األمام ‪ -‬إلى نهاية‬ ‫للزمن متاما كما يفعل املوت احلراري‪.‬‬ ‫انقطاع إمكان تتبع الزمن‬

‫( )‬

‫ثقب أسود‬

‫تقترح األبحاث احلديثة أن اتجّ ا َه الس������هم ال مي ّثل السمة‬ ‫الوحيد َة التي ميكن للزمن أن يفقدها عندما يعاني حش������رجة‬ ‫املوت بس������بب اإلنهاك‪ .‬فالس������مة التي ميك������ن أن تنتهي إلى‬ ‫املصير نفس������ه هي مفهو ُم م ّدة االس������تغراق‪ .‬إنّ الزمن‪ ،‬كما‬ ‫نعرف������ه‪ ،‬يأتي في وحدات ومقادير‪ :‬ثوان وأ ّيام وس������نني‪ ،‬ولو‬ ‫لم يكن كذلك الس������تطعنا القو َل بوق������وع األحداث وفق ترتيب‬ ‫معي‪ ،‬ولك ْن كنّا سنعجز عن معرفة كم من الوقت الذي‬ ‫زمني نّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فيزيائي‬ ‫مه‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫������ا‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫جوه‬ ‫������يناريو‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ذاك‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫مي‬ ‫������تغرقته‪.‬‬ ‫اس‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫جامعة أوكسفورد >‪ .R‬پنروز< في كتابه دورات الزمن‪ :‬نظرة‬ ‫استثنائية جديدة للكون(‪.)2‬‬ ‫������دت مر ِّكزة‬ ‫لو نظرنا إلى س������يرة >پن������روز< األكادمي ّية‪ ،‬لب ْ‬ ‫فيزيائي جامعة‬ ‫بي >پنروز< مع‬ ‫حقا على مس������ألة الزمن‪ .‬فقد نَّ‬ ‫ّ‬ ‫كامبردج >‪ .S‬هوكينگ< في ستّينات القرن املاضي أنّ املتف ّردات‬ ‫ال تظه������ر في بيئات اس������تثنائية فقط‪ ،‬إذ يجب وجودها في ّ‬ ‫كل‬ ‫م������كان‪ .‬وقد دافع >پنروز< أيضا ع������ن الفكرة القائلة إن املادة‬ ‫الس������اقطة في ثقب أس������ود ال حيا َة لها بعد مماتها‪ ،‬لذا ليس‬ ‫للزمن مكانٌ في نظرية أساس ّية فعال للفيزياء‪.‬‬ ‫يبت������دئ >پنروز< في غزوته العلمي������ة األخيرة من مالحظة‬ ‫وضع الكون‬ ‫أساس ّية عن الكون املوغل جدا في القدم‪ .‬يشبه‬ ‫ُ‬ ‫حينئ������ذ وض َع صن������دوق لقطع لعبة الليگ������و ‪ُ Legos‬ألقي لتوه‬ ‫عل������ى األرض دون أن تجُ َّمع قطعه بع ُد‪ :‬وهي في حالة الكون‬ ‫( ) ‪Geometry DissoLVes‬‬

‫( ) ‪Losing Track of Time‬‬

‫(‪holographic principle )1‬‬ ‫(‪Cycles of Time: An Extraordinary New View of the Universe )2‬‬

‫‪52‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫مزيج من الكواركات واإللكترونات وجس������يمات أول ّية أخرى‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بنى‪ ،‬مث������ل الذ ّرات‬ ‫وانطالقا م������ن هذه املك ِّون������ات يجب على ً‬ ‫واجلزيئ������ات والنجوم واملج������ ّرات‪ ،‬أن تتكون بواس������طة ض ّم‬ ‫املك ّون������ات بعضها إلى بعض خط������وة فخطوة‪ .‬مت ّثلت اخلطوة‬ ‫األولى بتك ّون الپروتونات والنترونات التي يتأ ّلف ّ‬ ‫كل فرد منها‬ ‫‪-10‬‬ ‫من ثالثة كواركات ‪ quarks‬بعرض قرابة ڤمتومتر ( ‪ 15‬متر)‪.‬‬ ‫وق������د ّ‬ ‫مت انضما ُم هذه الك������واركات معا بعد االنفجار األعظم‪،‬‬ ‫أي ش������يء موافق كائنا ما كان) بنحو‬ ‫(أو االرتداد األعظم أو ّ‬ ‫‪ 10‬ميكروثانية‪.‬‬ ‫بنى قبل حدوث هذا األمر‪ ،‬فال‬ ‫لم تكن هناك على اإلطالق ً‬ ‫شي َء كان مصنوعا من تلك القطع املك ِّونة التي كانت مرتبطة‬ ‫أي ش������يء يصلح‬ ‫ومق َّي������دة معا‪ .‬ومن ث������ ّم فلم يكن موجودا ُّ‬ ‫ليكون س������اعة‪ .‬وتعتمد اهتزازات الساعة على وجود مرجع‬ ‫مع َّرف ج ّيدا‪ ،‬مثل طول الن ّواس (البندول)‪ ،‬أو املس������افة بني‬ ‫لكن مثل هذه العالمات‬ ‫مرآتَني‪ ،‬أو املقياس للمدارات الذ ّر ّية؛ ّ‬ ‫املرجع ّية لم تكن موجودة‪ .‬كان ميكن لرزم من اجلس������يمات‬ ‫يقترب بعضها من بعض مؤ ّقتا‪ ،‬لكنها كانت عاجزة عن‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫إخبارن������ا بالوقت‪ ،‬ألنه لم يكن لها حج ٌم ثابت‪ .‬عجزت كذلك‬ ‫الك������واركات واإللكترونات املنفردة ع������ن تأدية دور العالمة‬ ‫املرجع ّية ألنها أيض������ا‪ ،‬ال حجم لها‪ ،‬فمهما اقترب فيزيائ ّيو‬ ‫اجلس������يمات منها وك ّبروا من صورة أحد جسيماتها‪ ،‬فإن‬ ‫ّ‬ ‫كل ما يش������اهدونه هو نقطة‪ .‬إنّ الصف������ة الوحيدة التي لها‬ ‫قياس‪ ،‬والتي متتلكها هذه اجلسيمات‪ ،‬هي ما ُيع َرف بطول‬ ‫كومپت���ون املوج���ي ‪ Compton wavelength‬املواف������ق له������ا‪،‬‬ ‫وهو يح ّدد املقياس ال������ذي تتج ّلى فيه اآلثار الكمومية‪ ،‬وهو‬ ‫األولي لم‬ ‫������ب عكس������ا مع الكتلة‪ .‬وحتى هذا املقياس‬ ‫متناس ٌ‬ ‫ّ‬ ‫يكن متو ّفرا في مدة زمنية طولها ‪ 10‬بيكو ثانية بعد االنفجار‬ ‫األعظم‪ ،‬حيث لم تكن قد حصلت بع ُد اإلجرائية التي ز ّودت‬ ‫هذه املك ّونات العنصرية بكتلها‪.‬‬ ‫������ج ّ‬ ‫ال‬ ‫يق������ول >پنروز<‪« :‬ال تعرف األش������يا ُء كيف حتفظ ِس ِ‬ ‫أي ش������يء قادر على حتديد مجاالت زمنية‬ ‫للزمن»‪ .‬ففي غياب ّ‬ ‫‪-18‬‬ ‫منتظمة‪ ،‬ميك������ن أن مت ّر أتّ���و ثاني���ة ‪ 10 ( attosecond‬ثانية)‬ ‫أي اختالف‬ ‫أو ڤمتوثاني������ة (‪ 10-15‬ثانية) دون أن يس������ ّب َب ذلك َّ‬ ‫بالنسبة إلى اجلسيمات في سحابة الكون الكثيفة البدائية‪.‬‬ ‫يقترح >پنروز< أنّ هذا الوضع ال يصف املاضي السحيق‬ ‫فحس������ب‪ ،‬بل أيضا املس������تقبل البعيد‪ .‬فبعد أن تنطفئ وتزول‬ ‫جمي������ع النجوم بوقت طوي������ل‪ ،‬يغدو الك������ون خليطا كاحلا من‬ ‫ثقوب سوداء وجسيمات طليقة‪ ،‬بعد ذلك سوف تتف ّكك الثقوب‬ ‫السوداء نفسها وال يبقى إ ّال جسيمات ُم َقلْ َقلة‪ .‬ستكون غالبية‬ ‫‪53‬‬

‫هذه اجلسيمات بال كتلة (مثل الفوتونات)‪ ،‬ومن جديد سيصبح‬ ‫صنع الساعات‪ .‬ولن يكون مصير الساعات‬ ‫ضربا من املحُ ال‬ ‫ُ‬ ‫في س������يناريوهات املستقبل البديلة – حيث ينطفِ ئ الكون عبر‬ ‫أحسن بكثير‪.‬‬ ‫انسحاق أعظم مثال‪-‬‬ ‫َ‬ ‫ميكنك أن تفترض أنّ مفهوم م ّدة االستغراق سوف ّ‬ ‫يظل‬ ‫قياس������ه‪.‬‬ ‫ذا معنى من ناحية مج ّردة‪ ،‬حتى ولو لم نس������تطِ ع‬ ‫َ‬ ‫ولكن الباحثني يتس������اءلون ع ّم������ا إذا كان مقدار ما ال ميكن‬ ‫ّ‬ ‫قياس������ه موجودا فعال حت������ى من حيث املب������دأ‪ .‬ومن وجهة‬ ‫ُ‬ ‫نظرهم‪ ،‬إنّ عجزَنا عن بناء س������اعة هو داللة على أنّ الزمن‬ ‫نفس������ه قد فقد واح������دة من خصائصه املع ّرف������ة‪« .‬وإذا كان‬ ‫الساعات غي َر‬ ‫الزمن هو ما نقيسه بالس������اعات‪ ،‬وإذا كانت‬ ‫ُ‬ ‫موج������ودة‪ ،‬فعندها ال يكون الزم������ن موجودا‪ »،‬على َح ّد قول‬ ‫فيلس������وف الفيزياء >‪ .H‬زينكِ رناگِ ل< [من جامعة غرناطة في‬ ‫إسپانيا]‪ ،‬الذي درس أيضا مسألة اختفاء الزمن في الكون‬ ‫املوغل في القِ دم‪.‬‬ ‫على الرغم من أناقة س������يناريو >پنروز<‪ ،‬فإنّ فيه فعال‬ ‫َ‬ ‫جميع اجلس������يمات في املس������تقبل‬ ‫ضعف‪ .‬لن تكون‬ ‫نقاط‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫األقل‪ ،‬س������وف تنجو بعض‬ ‫البعي������د عدمي َة الكتل������ة‪ ،‬فعلى‬ ‫اإللكترون������ات وتبقى على قيد احلي������اة‪ ،‬ومن ثم ميكنك أن‬ ‫تبني س������اعة منه������ا‪ .‬يخ ّمن >پنروز< أنّ ه������ذه اإللكترونات‬ ‫َ‬ ‫سوف تتبع نظاما ما من احلمية‪ ،‬التي تقضي على كتلتها‪،‬‬ ‫يخص‬ ‫������ن >پنروز< يعت������رف أنّ قاعدته غي������ر متينة فيما‬ ‫لك ّ‬ ‫ّ‬ ‫هذه النقطة إذ يق������ول‪« :‬هذه واحدة من أكثر النقاط إقالقا‬ ‫ف������ي هذه النظرية»‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬إذا لم يكن في الكون‬ ‫املوغل في الق������دم معنى للقياس‪ ،‬فكيف أمكن له أن يتم ّدد‬ ‫ويزداد اتّساعا فيتر ّقق ويبرد؟‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬إذا كان لفكرة >پنروز< أن تقود إلى ش������يء ما‪،‬‬ ‫الكون الذي‬ ‫������ي ضمنية الفتة للنظر‪ .‬وم������ع أنّ‬ ‫َ‬ ‫ف������إنّ فيها معان َ‬ ‫ُك������دس بكثافة في بداياته‪ ،‬والك������ون الذي يتخلص من محتواه‬ ‫في املس������تقبل البعيد يب������دوان على طرفي نقي������ض‪ ،‬فكالهما‬ ‫محرو ٌم من الس������اعات وبقية وس������ائل القياس‪ .‬يقول >پنروز<‪:‬‬ ‫«إنّ االنفجار األعظم مش������اب ٌه جدا للمستقبل النائي»‪ ،‬ويتك ّهن‬ ‫نفسها في دورة‬ ‫بش������جاعة بأنهما مي ّثالن في احلقيقة املرحل َة َ‬ ‫كون ّية كبيرة‪ .‬عندما ينتهي الزمن‪ ،‬فإنه س������وف ّ‬ ‫يلتف ويصنع‬ ‫ع������روة‪ ،‬لينطلق في انفجار أعظم جديد‪ .‬ربمّ ا يكون >پنروز< –‬ ‫وهو الش������خص الذي أمضى حيا َت������ه األكادمي ّية يق ِّدم احلجج‬ ‫دفاعا عن أنّ املتف ّردات دالل ٌة على انتهاء الزمن وزواله ‪ -‬وجد‬ ‫طريق������ة لإلبقاء على الزمن مواصال س������ي َره‪ .‬وهكذا غدا قات ُِل‬ ‫الزمن هو ُمنقِ ذه‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫بقاء الزمن ثابتا‬

‫( )‬

‫حتى ولو غدت م ّدة االس������تغراق ب���ل��ا معنى‪ ،‬وصار متييز‬ ‫ميت‬ ‫األتّوث������وان م������ن الڤمتوثوان مس������تحيال‪ ،‬فإنّ الزم������ن لم ُ‬ ‫متاما بع������د‪ .‬وال يزال الزمن هنا يمُ لي أوامره بوقوع األحداث‬ ‫ضمن متتالية من األس������باب والنتائ������ج الناجمة عنها‪ .‬وضمن‬ ‫هذا املنظور‪ ،‬يختل������ف الزمن عن املكان‪ ،‬وهذا ما يضع بعض‬ ‫القي������ود على كيفية ترتيب الكائنات ضمنه‪ .‬فحدثان متجاوران‬ ‫زمنيا – ك َن ْق ِري على لوحة مفاتيح حاسوبي‪ ،‬وظهور األحرف‬ ‫على شاشته ‪ -‬ش������ديدا الترابط‪ .‬في حني ربمّ ا ال تكون هناك‬ ‫أي عالقة بني كائنَ���ي��ن متجاو َرين مكانيا – مثل لوحة املفاتيح‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ّ‬ ‫و ُمذك������رة ابعثْها ‪ . -‬فببس������اطة‪ ،‬ال متتلك العالقات املكانية‬ ‫احلتمي َة نفسها التي متتلكها العالقات الزمنية‪.‬‬ ‫بي������د أنه عند حتقق بعض الش������روط ميكن للزمن أن يفقد‬ ‫حتى هذه الوظيفة الترتيب ّية األساس������ ّية‪ ،‬فيغ������دو مج ّرد ُب ْع ٍد‬ ‫آخر للمكان‪ .‬وتعود هذه الفكرة إلى ثمانينات القرن املاضي‪،‬‬ ‫عندما س������عى >هوكين������گ< و>هارتِل< إلى تفس������ير االنفجار‬ ‫األعظ������م على أنه اللحظة التي متاي������ز فيها الزمن من املكان‪.‬‬ ‫وقب������ل ثالث س������نوات ط ّبق ٌّ‬ ‫كل من >‪ .M‬م������ارس< [من جامعة‬ ‫ساالمانكا في إسپانيا] و>‪ .M .M .J‬سينوڤيال< و>‪ .R‬ڤيرا< [من‬ ‫جامعة مقاطعة الباس������ك] فكرة مماثلة‪ ،‬ولك ْن ليس على بداية‬ ‫الزمن بل على نهايته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وافتراضها أنّ كونَنا‬ ‫لقد ألهمتهم في ذلك نظري������ ُة األوتار‬ ‫������ي األبعاد – ثالثة أبعاد مكاني������ة و ُب ْعد واحد زماني ‪-‬‬ ‫الرباع َّ‬ ‫ميكن أن يكون غش������اء – أو ببساطة «غشائيّة» ‪ - brane‬يطفو‬ ‫مهب‬ ‫في فضاء ذي أبعاد إضاف ّية‪ ،‬مثلما تفعل ورقة شجر في ّ‬ ‫تتمسك‬ ‫حتجزين على الغشائ ّية مثل يرقة‬ ‫َّ‬ ‫الريح‪ .‬ونكون هنا ُم َ‬ ‫بتل������ك الورقة‪ .‬وف������ي احلالة العادية‪ ،‬نح������ن منتلك احلرية كي‬ ‫نحو َم ونتج ّول في س������جننا رباعي األبعاد‪ .‬ولك ْن إذا ما ه ّبت‬ ‫عاصف ٌة على الغش������ائية‪ ،‬وبدأت األخي������رة بالطيران والتأرجح‬ ‫بق ّوة كافية‪ ،‬فإنّ ّ‬ ‫التمس������ك بها للبقاء‬ ‫كل ما نس������تطيع فعله هو‬ ‫ّ‬ ‫على قيد احلياة‪ ،‬وهذا يبط������ل قدرتنا على احلركة‪ .‬وحتديدا‪،‬‬ ‫علينا التح ّرك بس������رعة أكبر من س������رعة الض������وء بغية القيام‬ ‫بحركة نتق ّدم بها على طول الغشائ ّية‪ ،‬ونحن ال نقدر على ذلك‪.‬‬ ‫ومل������ا كانت جميع اإلجرائ ّيات تتض ّمن نوعا من احلركة‪ ،‬فإنها‬ ‫سوف تنتهي كلها إلى حالة من اجلمود‪.‬‬ ‫لن تزول اخلط ُ‬ ‫������وط الزمنية املك َّونة من حلظات متعاقبة في‬ ‫حياتنا (عندما ُي َ‬ ‫نظر إليها من اخلارج)‪ ،‬لكنها س������وف تنحني‬ ‫فحس������ب بحيث تغدو – بدال من خط������وط زمنية ‪ -‬خطوطا في‬ ‫لكن األبعاد‬ ‫املكان‪ .‬وس������وف تبقى الغش������ائي ُة رباع ّي َة األبعاد‪ّ ،‬‬ ‫‪54‬‬

‫األربع������ة جميعها س������تكون مكان ّية‪ .‬يقول >م������ارس< إنّ جمي َع‬ ‫األشياء «ملزَم ٌة بواسطة الغشائ ّية بأن تتح ّرك بسرعات تقترب‬ ‫شيئا فشيئا من سرعة الضوء‪ ،‬حتى يغد َو ميالنُ املسارات في‬ ‫������رع‬ ‫نهاية املطاف كبيرا جدا بحيث تصبح حقيقة كائنات أس َ‬ ‫من الضوء‪ ،‬ويزول عندها الزمن‪ .‬وتكمن النقطة األساسية هنا‬ ‫في أنّ هذه الكائنات قد تكون جاهلة متاما مبا يحصل لها»‪.‬‬ ‫ونظرا ألنّ جمي َع س������اعاتنا سوف تتباطأ وتتو ّقف بدورها‪،‬‬ ‫أي طريق������ة لإلعالم بتح ّول طبيعة الزمن إلى‬ ‫فلن يكون عندنا ّ‬ ‫طبيعة مكان ّية‪ّ ،‬‬ ‫وكل ما س������وف نراه هو أنّ الكائنات من أمثال‬ ‫املج ّرات س������وف تبدو متزايدة الس������رعة‪ .‬ومن عجب أن يكون‬ ‫ه������ذا بالضبط هو ما يالحظه علماء الفل������ك في الواقع الفعلي‬ ‫ويعزون������ه عادة إلى نوع غير معروف من الطاقة املعتمة ‪dark‬‬ ‫‪ .energy‬فه������ل ميكن لتس������ارع الكون‪ ،‬أن يك������ون بدال من ذلك‬ ‫اخلاصة بالزمن؟‬ ‫أغنية البجع‬ ‫ّ‬ ‫لقد انتهى وق ُتك‬

‫( )‬

‫ّ‬ ‫املتأخرة أنّ الزمن قد تالش������ى‬ ‫قد يبدو لك في هذه املرحلة‬ ‫لكن ظ ّ‬ ‫ال شبحيا للزمن يظل متلكئا يتوانى‬ ‫وأضحى ال ش������يئا‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫تعريف م ّدة االس������تغراق أو‬ ‫عن الزوال‪ .‬فحتى ولو لم تس������تطِ ْع‬ ‫العالقات الس������بب ّية‪ ،‬فإن������ك ال تزال تقدر على َو ْس������م األحداث‬ ‫باألوق������ات الت������ي وقعت فيها وعلى ترتيبها بع������د ذلك وفق ّ‬ ‫خط‬ ‫مؤخرا مجموعات عمل ع������ ّدة من ِّ‬ ‫������ت ّ‬ ‫منظري‬ ‫������ي‪ .‬لقد ح ّقق ْ‬ ‫زمن ّ‬ ‫اخلاص ّية املتب ّقية‬ ‫األوتار تق ّدما في طريقة جتريد الزمن من هذه‬ ‫ّ‬ ‫األخيرة‪ .‬لقد درس >‪ .J .E‬مارتينيتش< و>‪ .S .S‬سيثي< [من جامعة‬ ‫شيكاگو] و>‪ .D‬روبنز< [من جامعة ‪ ]Texas A&M‬وآخرون ماذا‬ ‫يحصل للزمن في متف ّردات الثقب األس������ود باستخدام واحدة‬ ‫م������ن أقوى األفكار في نظرية األوتار التي تُع َرف باس������م املبدأ‬ ‫الهولوگرافي ‪.holographic‬‬ ‫إنّ الهولوگ���رام ‪( hologram‬الصورة الثالثية األبعاد) هو‬ ‫خاص من الصور يس������تحضر إحساس������ا بالعمق‪ .‬ومع‬ ‫نوع‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫������تو‪ ،‬فإنه ُمص َّمم ليب������د َو كما لو كان كائنا‬ ‫أنّ الهولوگرام مس ٍ‬ ‫حجم ّي������ا صلبا يعوم أمامك في فض������اء ثالثي األبعاد‪ .‬ويقول‬ ‫ٌ‬ ‫هولوگرافي‪،‬‬ ‫مماثل ملسقط‬ ‫املبدأ الهولوگرافي إن كونَنا بر ّمته‬ ‫ّ‬ ‫حيث ميكن ملنظوم������ة مع ّقدة من اجلس������يمات املتآثرة كموميا‬ ‫مكاني غير موجود في‬ ‫أن تثير إحساس������ا بالعمق‪ ،‬أي ببع������د‬ ‫ّ‬ ‫املنظومة األصل ّية‪.‬‬ ‫أي صورة‬ ‫وفي املقابل‪ ،‬جند أنّ العكس غير صحيح‪ ،‬فليست ّ‬ ‫( ) ‪TIME STANDS STILL‬‬ ‫( ) ‪Your Time Is Up‬‬ ‫(‪Post-It )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫هولوگرام������ا؛ بل يجب قولبتها بطريق������ة صحيحة بغية حتقيق‬ ‫������ت الهولوگرا َم‪ ،‬فإنك ت ِ‬ ‫ُفس������د وه َم االنخداع‬ ‫ذلك‪ .‬وإذا خدش َ‬ ‫أي منظوم ِة جس������يمات بالضرورة‬ ‫������ي‪ .‬وباملثل‪ ،‬ال تؤ ّدي ُّ‬ ‫ّ‬ ‫احلس ّ‬ ‫كون مماثل لكوننا؛ بل يجب قولبتُها بطريقة دقيقة لتحقيق‬ ‫إلى ٍ‬ ‫هذا األمر‪ .‬إذا كانت املنظومة تفتقر في البدء إلى التناس������قات‬ ‫واالنتظامات الضرورية‪ ،‬وقامت الحقا بتكوينها‪ ،‬فيمكن للبعد‬ ‫املكاني أن يبرز إلى الوجود‪ .‬أ ّما إذا عادت املنظومة إلى حالة‬ ‫الفوضى‪ ،‬فيمكن لهذا البعد أن يختفي ويعود من حيث أتى‪.‬‬ ‫إذن‪ ،‬تخ ّي ْل انهيا َر جنم ما إلى ثقب أسود‪ .‬فبالنسبة إلينا‪،‬‬ ‫ثالثي األبعاد‪ ،‬لكنه يقابل قالبا موجودا في منظوم ِة‬ ‫يبدو النجم‬ ‫َّ‬ ‫جس������يمات ثنائية البعد‪ .‬وعندما تزداد ش������دة ثقالته‪ ،‬تش������رع‬ ‫املنظومة الكواكب ّية املوافقة له في الهزهزة بش������ ّدات متزايدة‪.‬‬ ‫وعندم������ا تتكون املتف ّردة‪ ،‬يختفي الترتيب كل ّيا‪ .‬واإلجرائية هنا‬ ‫مماثلة النصهار مكعب من الثلج‪ ،‬حيث تنتقل جزيئات املاء من‬ ‫وري إلى هرج ومرج مواف َقني للس������ائل العدمي‬ ‫ترتيب منتظم ب ّل ّ‬ ‫الترتيب‪ ،‬أي إنّ البعد الثالث يزول فعليا باالنصهار‪.‬‬ ‫الوهمي يزول كذلك الزم������ن‪ .‬فإذا و َق ْع َت‬ ‫وم������ع زوال البعد‬ ‫ّ‬ ‫في ثقب أس������ود‪ ،‬فإنّ الوقت الذي حت ّدده س������اعتك يعتمد على‬ ‫مس������افتك عن مركز الثقب‪ ،‬التي تس������تم ّد تعريفه������ا من البعد‬ ‫املكاني املنصهر‪ .‬وعندما يتف ّكك ويتح ّلل هذا البعد‪ ،‬تبدأ ساعتُك‬ ‫بالتدومي والتأرجح دون أن ميكن السيطرة عليها‪ ،‬ويصبح من‬ ‫املس������تحيل القول إن أحداث������ا تقع في أوقات مح������ ّددة‪ ،‬أو إنّ‬ ‫الهندسي‬ ‫أجساما تكمن في أماكن مع ّينة‪« .‬فقد انتهى املفهوم‬ ‫ّ‬ ‫املعهود للزمكان ‪ ،»spacetime‬على حد قول >مارتينيتش<‪.‬‬ ‫وم������ا يعنيه ذلك من الناحية العملي������ة هو أنّ املكان والزمن‬ ‫يتو ّقفان عن تزوي������د عالمَ نا ببنيته‪ .‬فإذا حاولت حتديد مواضع‬ ‫األجسام‪ ،‬فس������تجد أنها تبدو واقعة في أكثر من مكان‪ ،‬ومن‬ ‫أي شيء بالنسبة إلى األجسام؛‬ ‫ثم‪ ،‬ال تعني الفواصل املكانية ّ‬ ‫ألنها تقفز من مكان إلى آخر دون أن جتتاز املس������افة بينهما‪.‬‬ ‫وفي احلقيقة‪ ،‬فإن هذه هي الطريقة التي ميكن بها لبصمة رائد‬ ‫الفضاء س ّيئ الطالع اجتاز نقطة الالعودة في الثقب األسود‪،‬‬ ‫أفق حدثه ‪ ،its event horizon‬أن تعود وتخرج من الثقب «وإذا‬ ‫ل������م يوجد املكان والزمن بالقرب من املتف ّردة‪ ،‬فإنّ أفق احلدث‬ ‫يتو ّقف عن كونه مع ّرفا جيدا‪ »،‬حسب قول >هوروڤيتز<‪.‬‬ ‫وبعبارة أخرى‪ ،‬ال تُش ّذب نظري ُة األوتار املتف ّرد َة املفت َرض َة‬ ‫باالس������تعاضة عنها بالنقط ِة اجلانحةِ‪ ،‬شيئا ُمستساغا أكث َر‪،‬‬ ‫في حني أنها تت������رك بقية الكون كما هو تقريبا‪ .‬وبدال من ذلك‬ ‫فـإنه ــا تكشـ ــف ع ــن ُّ‬ ‫حتطم أعمقَ ملفاهيم الزمن واملكان بظهور‬ ‫نتائ������ج تتج ّلى بعيدا عن املتف ّردة نفس������ها‪ .‬والتزال النظرية –‬ ‫‪55‬‬

‫لي للزمن ضمن منظومة‬ ‫دون ّ‬ ‫أي ش������ك ‪ -‬حتتاج إلى مفهوم أ ّو ّ‬ ‫اجلس������يمات‪ ،‬وال ي������زال العلماء يحاولون تطوي������ َر تص ّور عن‬ ‫أي زمن على اإلطالق‪ .‬وإلى أن‬ ‫الدينام ّية ال يفترض مس������بقا ّ‬ ‫يتحقق ذلك‪ ،‬يبقى الزمن متش ِّبثا بق ّوة باحلياة‪ ،‬فهو متج ّذ ٌر في‬ ‫أعماق الفيزياء إل������ى درجة أنه ال يزال يتعني على الفيزيائ ّيني‬ ‫تخ ّي ُل اختفائه النهائي والكلي‪.‬‬ ‫يتمك������ن العل ُم من فهم األمور غير املفهومة بتحليلها‪ ،‬وذلك‬ ‫بتبي������ان أنّ رحل������ َة رهيبة ما هي إ ّال تعاق������ب خطوات صغيرة‪.‬‬ ‫وبتفكيرن������ا حول الزمن‪ ،‬نتوصل إلى تقدير أفضل ملكانتنا في‬ ‫واخلصائص التي س������وف يفقدها‬ ‫الكون كمخلوق������ات فانية‪.‬‬ ‫َ‬ ‫بات ضروري ٌة لوجودنا‪ .‬فنحن نحتاج‬ ‫الزمن تدريجيا هي متط َّل ٌ‬ ‫إلى أن يكون الزمنُ وحي َد االتجّ اه لكي نتط ّور ونتق ّدم؛ ونحتاج‬ ‫إلى مفهو َمي امل ّدة واملقياس لكي نكون قادرين على توليد بنى‬ ‫السببي لألحداث بغية استيعابها‬ ‫مع ّقدة؛ ونحتاج إلى الترتيب‬ ‫ّ‬ ‫وكش������ف خباياها؛ وأخيرا نحتاج إل������ى الفواصل املكانية كي‬ ‫تستطيع أجسامنا تكوين جيوب صغيرة مرتّبة ضمن العالَم‪.‬‬ ‫وعندما تنصهر وتختفي هذه اخلصائص‪ ،‬تزول أيضا إمكانية‬ ‫بقائن������ا على قيد احلياة‪ .‬فنهاية الزمن قد تكون ش������يئا ميكننا‬ ‫تخ ّيله‪ ،‬لكننا لن نس������تطي َع إطالقا اختبا َرها مباش������رة‪ ،‬متاما‬ ‫كاستحال ِة بقائنا واعني في اللحظة التي منوت فيها‪.‬‬ ‫وعندما يقترب أحفادنا وذر ّياتنا البعيدة من نهاية الزمن‪،‬‬ ‫سيكون عليهم النضال من أجل البقاء ضمن بيئة كونية تتزايد‬ ‫عدائيتها‪ ،‬ولن تؤ ّدي مجهوداتهم إ ّال إلى تسريع األمر احملتوم‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬لس������نا ضحايا منفعلني وسلبيني ملصرع الزمن‪ ،‬بل‬ ‫نحن مقترفو هذه اجلرمية‪ .‬فبحياتنا نح ّول الطاق َة إلى حرارة‬ ‫ضائعة‪ ،‬ونس������هم في حت ّلل الكون وتف ّككه‪ .‬فعلى الزمن املوت‬ ‫>‬ ‫كي يكون باإلمكان بقاؤنا على قيد احلياة‪.‬‬ ‫املؤلف‬ ‫‪George Musser‬‬

‫> ِ‬ ‫موسر< هو مح ِّرر في مجلة ساينتفيك أمريكان‪.‬‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, September 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫ثورة مؤجلة‬

‫(٭)‬

‫َف ِش َل مشروع اجلينوم البشري حتى اآلن في إنتاج املعجزات‬ ‫الطبية التي وعد بها العلماء‪ .‬والبيولوجيون (األحيائيون) منقسمون‬ ‫اآلن في تفسير ما طرأ من خطأ‪ ،‬إن حصل‪ ،‬وما يجب فعله فيما بعد‪.‬‬ ‫>‪ .S‬هال<‬

‫قب������ل عقد من الزم������ن كان البيولوجي���ون(‪ ،)1‬وغيرهم من‬ ‫العلم������اء مفعمني بالتفاؤل حول مش������روع اجلينوم البش������ري‬ ‫الواعد‪ ،‬الذي بلغت تكاليف������ه ثالثة باليني دوالر‪ .‬عند اإلعالن‬ ‫عن املس������ودة األولى لـ«كتاب حي���اة» البش���ر(‪ ،)2‬الذي تمَ ّ في‬ ‫حفل أقي������م في البيت األبيض في صيف عام ‪ ،2000‬تنبأ >بيل‬ ‫كلينتون< بأن مش������روع اجلينوم البشري س������يؤدي إلى ثورة‬ ‫في تش������خيص معظم األمراض التي يصاب بها البشر وإلى‬ ‫الوقاية منها أو معاجلتها‪.‬‬ ‫وقبل ذلك التاريخ بعام واحد رسم >‪ .F‬كولينز< [الذي كان‬ ‫في ذلك الوقت مديرا للمعهد الوطني ألبحاث جينوم االنسان‪،‬‬ ‫ورمبا األكثر حماس������ا من بني املش������اركني في املشروع] رؤية‬ ‫كبرى لطب ش������خصي يظهر بفضل هذا املش������روع بقدوم عام‬ ‫‪ :2010‬توفر فحوصات جينية تدل على مخاطر إصابة شخص‬ ‫معني مبرض القلب أو السرطان أو أمراض أخرى‪ ،‬ويتبع ذلك‬ ‫اإلجناز س������ريعا إيجاد وس������ائل وقاية وطرق عالج شخصية‬ ‫مصممة تبعا لطبيعة الفرد‪.‬‬ ‫وحتى قبل فك كود تسلس������ل حروف الدن���ا ‪ DNA‬الكامل‬ ‫واألول للصبغيات البشرية‪ ،‬انطلقت مشروعات مزودة بتقانات‬ ‫السلسلة القوية وبوس������ائل حتديد اخلريطة الوراثية وبقواعد‬ ‫بيانات ناشئة وبلعبة منطقية «الستخالص املعجزات» ‪ -‬بتعبير‬

‫>كولينز< ‪ -‬من اجلينوم لتحديد جينات مفتاحية مس������ؤولة عن‬ ‫أعباء البشر الطبية الكبرى‪.‬‬ ‫وبقفزه������ا زمنيا م������ن ذلك التاريخ إلى ع������ام ‪ ،2010‬وجدت‬ ‫األس������رة العلمية نفسها منقس������مة بعد أن فاقت من سكرتها‪.‬‬ ‫واإلش������كالية ال تكمن في مش������روع اجلينوم ذاته الذي أحدث‬ ‫ثورة في مس������توى س������رعة ونطاق األبحاث األساسية‪ ،‬والذي‬ ‫كشف عن الغاية الكامنة ملا جرت تسميته «الدنا اخلردة» ‪Junk‬‬ ‫‪ ،DNA‬وكش������ف حتى عن وجود بقايا دنا إنس������ان نياندرتالي‬ ‫في جينوم اإلنسان احلالي‪ .‬ويعكس >‪ .B‬ڤوگلشتاين< [الباحث‬ ‫في السرطان] إحساسا عاما عندما يقول‪« :‬لقد غ َّي َر مشروع‬ ‫اجلينوم البش������ري بش������كل جذري الطريقة الت������ي منارس بها‬ ‫األبحاث العلمية»‪.‬‬ ‫وتتمثل اإلش������كالية بأن األبحاث التي انبثقت من مشروع‬ ‫اجلينوم فشلت حتى اآلن في حتقيق الوعود الطبية التي أطلقها‬ ‫>كولين������ز< وغيره منذ عقد من الزم������ن‪ .‬ويقول >‪ .A .R‬فاينبرگ<‬ ‫[عالم البيولوجيا املختص باألورام من معهد وايتهيد لألبحاث‬ ‫الطبية احليوية في كامبريدج ماساتشوس������تس]‪« :‬إن العوائد‬ ‫فيما يخص جينوميات الس���رطان(‪ )3‬كانت متواضعة نس������بيا‬ ‫( ) ‪Revolution Postponed‬‬

‫(‪ = biologists )1‬املتخصصون في علم األحياء (بيولوجيا)‪.‬‬ ‫(‪the human “book of life” )2‬‬ ‫(‪cancer genomics )3‬‬

‫باختصار‬ ‫في عام ‪ 2000‬أعلن مديرو مشروع‬ ‫اجلينوم البشري اكتمال املسودة‬ ‫األولى للجينوم البشري‪ ،‬وتنبؤوا‬ ‫بأن األبحاث الالحقة ستمهد‬ ‫الطريق لتأسيس الطب الشخصي‬ ‫وذلك في غضون العشر سنوات‬

‫‪56‬‬

‫القليلة القادمة‪.‬‬ ‫لم يؤد هذا العمل حتى اآلن إال إلى‬ ‫القلي���ل م���ن التطبيق���ات الطبية‪ ،‬علما‬ ‫بأن املعرفة املكتس���بة قد أحدثت ثورة‬ ‫في أبحاث علم احلياة‪.‬‬ ‫يعتق���د بع���ض علماء الوراث���ة الرواد‬

‫أن االس���تراتيجية املفتاحي���ة للبح���ث‬ ‫ع���ن املعرف���ة الطبية في أم���راض معقدة‬ ‫ش���ائعة‪ ،‬وه���ي الفرضي���ة املعروف���ة‬ ‫«بالتن���وع املتش���ارك» خاطئ���ة أساس���ا‪.‬‬ ‫كم���ا يؤكد غيرهم من العلماء صحة هذه‬ ‫االس���تراتيجية وض���رورة االنتظ���ار ملدة‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫أطول كي يتم حتصيل الفوائد املرجوة‪.‬‬ ‫يتوقع أن تس����اعد وسائل اجليل‬ ‫الالح����ق لدراس����ة اجلين����وم عل����ى‬ ‫ح����ل ه����ذا اخلالف‪ ،‬ومن ث����م تطوير‬ ‫البح����ث باجت����اه اجل����ذور اجلينية‬ ‫لألمراض الرئيسية‪.‬‬


‫املؤلف‬ ‫‪Stephen S. Hall‬‬

‫خالل أكثر من عشرين عاما‪ ،‬كان يكتب حول «مشروع اجلينوم‬ ‫البشري» ويغطي أخباره‪.‬وقد نشرت له عدة مقاالت حول «العلم‬ ‫املعاصر»‪ ،‬كما صدرت له ستة كتب أحدثها‪ :‬احلكمة‪ :‬من الفلسفة إلى‬ ‫علم األعصاب ‪.Wisdom: From Philosophy to Neuroscience‬‬

‫‪57‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫‪57‬‬


‫ومتواضعة جدا قياسا باملوارد املستثمرة»‪ .‬وذكر >‪ .H‬ڤارموس< وهو يؤمن بقدوم الثورة في الطب احلتمي بتقدم التقانات مع‬ ‫[املدير السابق ملعهد الصحة الوطني] حديثا في الدورية ‪ New‬م������رور الزمن بحيث يدركه أطفالن������ا‪ ،‬وهذا إن لم ندركه نحن‪.‬‬ ‫‪ :England Journal of Medicine‬أن «مجموع������ة متواضع������ة في أي بعب������ارة أخرى‪ ،‬إن كل ما في األمر هو أن الثورة القادمة‬ ‫التغيرات الرئيسية‪...‬دخلت نطاق التطبيب العملي الروتيني»‪ ،‬ستأتي متأخرة‪.‬‬ ‫ومن جهة أخرى‪ ،‬ازداد ع������دد البيولوجيني الذين ُي ِص ُّرون‬ ‫وأضاف «أن معظمها كان نتيجة اكتش������افات سبقت الكشف‬ ‫عن اجلينوم البشري‪ ».‬ويقول >‪ .B .D‬گولدشتاين< [مدير مركز معا على كون استراتيجية التنوع املشترك خاطئة‪ .‬ففي مقالة‬ ‫احتدم اجلدل حولها‪ ،‬ن ُِش َرت في مجلة اخللية‬ ‫تنوع اجلينوم البش������ري ف������ي جامعة ديوك]‪:‬‬ ‫‪ cell‬ف������ي ع������دد الش������هر ‪ ،2010/3‬دافعت عاملة‬ ‫«من الع������دل االعتراف بأننا ل������ن نتحول إلى‬ ‫ِ‬ ‫رواد‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ي‬ ‫جهة‪،‬‬ ‫من‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫الوراث������ة >‪ .C-M‬كين������گ< و>‪ .M .J‬ماكليالن< [في‬ ‫املعاجلة الش������خصية لألمراض الشائعة في‬ ‫علم اجلينوم على جامعة واشنطن] عن فكرة أن الغالبية العظمى‬ ‫العام القادم‪».‬‬ ‫للتنوعات املش������تركة ليس������ت بذات قيمة حيوية‬ ‫قد يك������ون م������ن املغ������االة توق������ع حدوث أن استراتيجية‬ ‫املعجزات في فترة ال تتجاوز العشر سنوات «التنوع املشترك» فيم������ا يخص الفائ������دة الس������ريرية أو املرضية‬ ‫للتشخيص أو العالج‪ .‬كما َس َّمى عالم الوراثة‬ ‫(بغض النظر عن توقعات ُمحبذي مش������روع‬ ‫على‬ ‫للعثور‬ ‫>‪ .W‬بودمر< [وهو رجل احلكومة الش������يخ في‬ ‫اجلينوم)‪ ،‬إال أن هناك تساؤال أكثر إزعاجا‬ ‫ملسببات‬ ‫مؤشرات‬ ‫العلوم البريطانية] بكل بس������اطة اس������تراتيجية‬ ‫يقبع خلف كواليس خيبة أمل اليوم هذه‪ :‬هل‬ ‫البحث عن تنوعات مشتركة «خطأ علميا‪».‬‬ ‫يعود تأثير ه������ذا البحث املتواضع في الطب‬ ‫االختالالت‬ ‫بينما يحتفل بعض علماء اجلينوم بالتقدم‬ ‫واملفاجئ حتى اآلن إلى استراتيجية خاطئة الشائعة‪ ،‬تعمل‬ ‫الذي ّ‬ ‫مت إجن������ازه حتى اآلن‪ ،‬يرى آخرون في‬ ‫اتبعه������ا العلماء ف������ي البحث عن األس������باب‬ ‫بنجاح‪.‬‬ ‫هذه النتائج ذاتها أن َمعا ِل َم الفشل غالبة‪ ،‬وهم‬ ‫الوراثي������ة لألمراض الش������ائعة؟ وتتكون هذه‬ ‫يتس������اءلون‪ :‬إلى أين منضي من موقعنا هذا؟‬ ‫االستراتيجية أساسا من البحث عن تنوعات‬ ‫إن البحث عن جواب قد يأخذ األبحاث الطبية‬ ‫قليل������ة في نص دنا اجلين������ات التي ميكن أن‬ ‫في مسعاها نحو اكتش������اف مرض اإلنسان‬ ‫تزيد في مجموعها م������ن خطر إصابة الفرد‬ ‫وكيفي������ة توارث������ه عبر األجيال إلى مس������ارات‬ ‫بخلل شائع‪ .‬ومنذ عدة سنوات عمل العلماء‬ ‫جديدة حتما‪.‬‬ ‫على اتباع فرضية أن تنوعات مشتركة معينة‬ ‫ستنتشر لدى أفراد ذوي أمراض معينة‪ ،‬وأن‬ ‫( )‬ ‫ُ‬ ‫أمل‬ ‫ة‬ ‫خيب‬ ‫ٍ‬ ‫العثور على هذه التنوعات س������يقود إلى فهم‬ ‫هان‬ ‫كيفية انتقال االس������تعداد لإلصابة بأمراض يعتبر >‪ .S .E‬الندر< [الباحث في املعهد‬ ‫تبدو فرضية التنوعات املش������تركة ِ‬ ‫كر ٍ‬ ‫رئيس������ية معقدة حيويا‪ ،‬مثل الداء السكري ‪ ]M.I.T‬التقدم املتحقق «مذهال»‪.‬‬ ‫معقول عندما ّ‬ ‫مت تبنيها في التس������عينات‪ ،‬أي‬ ‫من النمط ‪ 2‬وتصلب الشرايني‪ ،‬من جيل إلى‬ ‫عندما مت افت������راض أن العديد من األمراض‬ ‫آخر‪ .‬هل يعني الفش������ل في العثور على تنوع����ات جينية(‪ )1‬البش������رية املعروفة قابلة للتفسير من خالل عدد قليل نسبيا‬ ‫ذات أث������ر ملح������وظ في امل������رض أن هناك خط������أ في فرضية م������ن تنوعات جينية مش������تركة‪ .‬فقد ُع ِّرف������ت اجلينات تقليديا‬ ‫(‪)2‬‬ ‫بكونها امت������دادات الدنا التي تكود الپروتينات‪ .‬وميكن تخيل‬ ‫«التنوع املشترك»؟‬ ‫َخ ّلف هذا التساؤل انشقاقا في الرأي لدى أسرة الباحثني ه������ذه التنوع������ات كنصوص للج���ي��ن ذاته مختلف������ة قليال‪ ،‬أي‬ ‫في الش������ؤون الطبية‪ .‬فمن جهة ُي ِص������ ُّر علماء جينوم قياديون متطف������رة‪ ،‬وهذا يغير إما اجلزء م������ن الدنا املكود للپروتني أو‬ ‫على أن استراتيجية التنوع املشترك فعالة‪ .‬فهناك‪ ،‬كما يقول الدنا القريبة منها‪ ،‬والتي تنظم سرعة وتوقيت «تعبير» اجلني‬ ‫>‪ .S .E‬الندر< [مدير معهد برود التابع ملعهد وايتهيد]‪ ،‬أبحاث أي «تركيب الپروتني»‪ .‬وللپروتينات وظائف عديدة في اخللية‪،‬‬ ‫حديثة كش������فت عن مؤش������رات جينية مثيرة جدا لألمراض‪ ،‬وقد يؤدي قصور في عملها أوتناقص تركيزها إلى خلل في‬ ‫( ) ‪Disappointment‬‬ ‫وذلك في الس������نوات الثالث املاضية‪ ،‬ويضيف فيقول «إننا لم‬ ‫(‪genetic variations )1‬‬ ‫نخرق الس������طح بعد فيما يخص جعبة التنوعات املش������تركة»‪.‬‬ ‫(‪common variant )2‬‬ ‫‪58‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫األمل‬

‫املنطق وراء دراسات اجلينوم‬

‫( )‬

‫بدأ العديد من األبحاث حول اإلسهامات اجلينية في األمراض الشائعة اعتمادا على ما يبدو افتراضا منطقيا‪ ،‬وهو أن تنوعات‬ ‫الدنا التي حتدث بكثرة في اجلماعات البشرية هي مصدر اخلطأ‪ .‬إال أن البعض يجادل في صحة هذا الطرح ويعتبره خاطئا‪.‬‬

‫نقطة البداية‬

‫حدد مشروع اجلينوم البشري تسلسل األسس املزدوجة أو مكونات الدنا األساسية في اجلينوم البشري اعتمادا على عدة‬ ‫متطوعني‪ .‬ويمُ َّثل زوج نكليوتيد مفرد (‪ )A,C,T,G‬في شريط واحد من زوج حلزون الدنا ومتممه(‪ )1‬على الشريط املقابل له‬ ‫(‪ A‬يقابل ‪ T‬دائما‪ ،‬و ‪ C‬يقابل ‪ G‬دائما)‪ .‬وقد بينّ العمل املرتبط بذلك وجود كثير من تعددات األشكال األحادية النكليوتيد‬ ‫أو ما يُرمز لها بالتعددات ‪ ،)2(SNPs‬وهي مواقع من الصبغي حيث يختلف زوج األسس في شخص عما هو موجود في‬ ‫شخص آخر (في األسفل) وقد حددت على أنها تعددات ‪« SNPs‬مشتركة»‪ ،‬تلك التي تتغير في كثير من الناس‪.‬‬ ‫حلزون الدنا‬ ‫نواة‬ ‫صبغي‬ ‫جينات‬

‫‪12‬‬

‫‪11‬‬

‫‪10‬‬

‫‪9‬‬

‫‪8‬‬

‫‪7‬‬

‫‪6‬‬

‫‪5‬‬

‫‪4‬‬

‫‪3‬‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫‪Y‬‬

‫‪X‬‬

‫‪22‬‬

‫‪21‬‬

‫‪20‬‬

‫‪19‬‬

‫‪18‬‬

‫‪17‬‬

‫‪16‬‬

‫‪14 15‬‬

‫‪13‬‬

‫يشتمل جينوم اإلنسان (أي املجموعة الكاملة من الدنا) على ‪ 22‬صبغيا الجنسيا‪ ،‬إضافة‬ ‫إلى الصبغيني ‪ X‬و ‪ .Y‬ونحن نرث مجموعة من ‪ 23‬صبغيا ‪ chromosome‬من كال األبوين‪.‬‬

‫خلية‬

‫زوج من األسس‬ ‫أساس‬

‫التعدد‬

‫‪SNP‬‬

‫الفرد‬

‫(‪)1‬‬

‫‪G G A G G A T C T G A G T C T G G T‬‬

‫الفرد‬

‫(‪)2‬‬

‫‪G G A G G A T C T G A G T A T G G T‬‬

‫الفرد‬

‫(‪)3‬‬

‫‪G G A G G A T C T G A G T A T G G T‬‬

‫الفرد‬

‫(‪)4‬‬

‫‪G G A G G A T C T G A G T C T G G T‬‬

‫شريط دنا أحادي‬

‫نتائج الدراسات‬

‫تنوع جني قريب‬

‫أليل التعدد ‪ SNP‬املرتبط باملرض‬

‫مريض‬ ‫مريض‬ ‫مريض‬ ‫سوي‬

‫( ) ‪The Logic behind Genome Studies‬‬ ‫(‪its complement )1‬‬ ‫(‪« single-nucleotide polymorphisms )2‬تع������ددات‬

‫سوي‬

‫‪59‬‬

‫كان الباحثون يأملون بإمكان حتديد تنوعات اجلني املسؤولة عن أمراض‬ ‫رئيسية وذلك من خالل مقارنة النكليوتيدات في التعددات ‪ SNPs‬املشتركة‬ ‫في اجلينومات برمتها للمرضى ولألسوياء‪ .‬وتنوعات التعدد ‪ ،SNP‬أو‬ ‫األليالت ‪ ،)3(alleles‬واجلينات القريبة املكودة للپروتينات متيل إلى أن‬ ‫تو َرث معا بحيث توقع الباحثون أن أليالت التعدد ‪ SNP‬التي تظهر بتواتر‬ ‫أكبر كثيرا في األفراد املرضى ستشير إلى تنوعات مشتركة للجني مهمة‬ ‫للمرض‪ .‬وقد كشفت دراسات في مستوى اجلينوم (‪ )GWA‬العديد من أليالت‬ ‫التعدد ‪ SNP‬املرتبطة بأمراض محددة‪ .‬إال أن هذه التنوعات املكتشفة‬ ‫ليست مسؤولة حتى اآلن إال عن جزء يسير من خطر اإلصابة باملرض‪.‬‬

‫النكليوتيد» أو ما يرمز لها ب ِـ‪.SNPs‬‬ ‫(‪ )3‬ج‪َ :‬ألِيل = صفة مضاءة (مقابلة)‪.‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫األش������كال األحادي������ة‬ ‫(التحرير)‬


‫أشخاص منخرطون‬

‫مواقف مختلفة‬

‫( )‬

‫>‪ .F‬كولينز< [مدير املعهد الوطني للصحة] (في اليسار إلى األعلى) هو من بني أكثر العلماء‬ ‫املجاهرين بآرائهم ممن يجادلون في الطريقة األفضل للمضي قدما في البحث عن األس������اس‬ ‫اجليني لألمراض املعقدة الشائعة‪ ،‬وهو يؤكد أن الكشف عن تنوعات جينية مرتبطة باألمراض‬ ‫طريقة فعالة للوصول إلى اكتشافات طبية قيمة‪ .‬وفي املقابل ترى >‪ .C .M‬كينگ< [من جامعة‬ ‫واشنطن] (في اليسار إلى األسفل) أن البحث عن تنوعات نادرة للجينات منخرطة في املرض‬ ‫أس������لوب أكثر جدوى‪ .‬وهي تش������ير كما يفعل غيرها إلى بحث >‪ .H .H‬هوبس< و>‪ .J‬كوهن<‬ ‫(في األس������فل) حول تنوعات اجلني النادرة املسببة للعوارض الشديدة – كنموذج الستخراج‬ ‫املس������ببات اجلذرية لالختالالت الش������ائعة‪ .‬وحديثا كشف هذا العمل عن هدف رئيسي للدواء‬ ‫يقلل من خطر اإلصابة مبرض قلبي لدى عامة الناس‪.‬‬

‫املسارات االس������تقالبية اجلزيئية‪ ،‬أو في تآثرات بالسالسل‪،‬‬ ‫املهمة للصحة‪.‬‬ ‫يقول >الندر<‪ :‬إن االعتقاد بأنه قد يكون للتنوعات املشتركة‬ ‫فائ������دة في أن للمرض فهم������ا منطقيا تطوريا معينا‪ .‬فقد ألقى‬ ‫االنفجار الس������كاني السريع احلديث ألس���ل��افنا منذ عشرات‬ ‫اآلالف م������ن الس������نوات بالعديد من التنوع������ات في جتميعية‬ ‫جينية ‪ gene pool‬اإلنسان‪ .‬ومتثل الرهان بإمكان العثور على‬ ‫التنوعات املشتركة (املقصود «باملشتركة» عموما هو ظهورها‬ ‫لدى ما ال يقل عن خمس������ة في املئة من أية جماعة من الناس)‬ ‫بسهولة وبأن عددا قليال منها (دستة أو احتماالت عدة) يستطيع‬ ‫أن يهن������دس درجة تقبلنا لإلصابة بأم������راض مثل ضغط الدم‬ ‫املرتفع أو ا َ‬ ‫خل َر ِف وعدد آخر من االختالالت الشائعة‪ .‬وميكن‬ ‫أن تصب������ح التنوعات اجلينية املرتبطة بامل������رض‪ ،‬والپروتينات‬ ‫التي تكودها‪ ،‬إضافة إلى املسارات االستقالبية التي لها دور‬ ‫مفتاحي فيها‪ ،‬مناطق استهداف محتملة لألدوية‪.‬‬ ‫إال أن هذا النموذج تعرض منذ البداية لبعض االنتقادات‪.‬‬ ‫ففي عام ‪ 1993‬اس������تعار >‪ .M .K‬فاي������س< [وهو عالم بيولوجيا‬ ‫‪60‬‬

‫تط������وري ف������ي جامعة والية پنس������لڤانيا] مقولة ش������هيرة لـ>ليو‬ ‫تولستوي< حول العائالت في روايته «آنا كارنينا» لإلشارة إلى‬ ‫نقط������ة حول جينية األمراض املعق���دة(‪« :)1‬إن جميع العائالت‬ ‫السوية صحيا تش������به بعضها بعض ًا‪ ،‬أما العائالت املريضة‬ ‫فكل واحدة منها مترض بطريقتها اخلاصة»‪ .‬ومضمون فكرة‬ ‫>فاي������س<‪ ،‬و>‪ .D .J‬تيرفيلليگر< التي طرحاها ملرات عدة‪ ،‬هو أن‬ ‫للتنوعات املشتركة غالبا مفعوال حيويا ضعيفا جدا؛ ذلك ألنه‬ ‫لو كان له������ذه التنوعات مفعول ُم ِض ٌّر ق������وي ل َعمِ َل االنتخاب‬ ‫(االصطفاء) الطبيعي ‪ natural selection‬على منع انتش������ارها‬ ‫ف������ي اجلماعة‪ .‬ويعتقد كل منهما أن املرجح هو ظهور اجلنوح‬ ‫نحو األمراض املعقدة حيويا نتيجة وراثة العديد من التنوعات‬ ‫الن������ادرة املس������اعدة للمرض‪ ،‬والتي ميك������ن أن تصل أعدادها‬ ‫إل������ى املئات أو اآلالف في أي فرد م������ا‪ .‬أي كما جاء في رواية‬ ‫>تولس������توي<‪ :‬إن املرضى البش������ر بائس������ون جيني ًا بطريقتهم‬ ‫اخلاصة‪ .‬ولك������ون هذه احلجة قد جاءت من أطراف بعيدة عن‬ ‫( ) ‪Divergent Views‬‬ ‫(‪the genetics of complex diseases )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫احلكمة املعتمدة‪ ،‬بش������هادة من أوجدوها؛ فإن هذا لم يشجع جمع خرائط هذه املعالم الواقعة في صبغيات اإلنسان‪ ،‬ومن‬ ‫على كسبها للعديد من األنصار‪.‬‬ ‫ث������م الحقا اخلريط����ة املف����ردة ‪( HapMap‬والتي هي أكبر من‬ ‫إن الطريق������ة البديهية حلس������م وحتديد من كان ُمح ّقا في التعددات وسميت بالنمط الوراثي املفرد ‪ .)haplotype‬وقد َّ‬ ‫مت‬ ‫بسلْ َس������لَ ِة كامل اجلينوم ألفراد مرضى التمعن في مئات اآلالف من التعددات املشتركة في جينومات‬ ‫هذا الش������أن تتمثل َ‬ ‫وأصحاء‪ ،‬ومن ثم اس������تخدام حواسيب قوية حتدد تنوعات عشرات اآلالف من املرضى‪ ،‬والشواهد في السنوات اخلمس‬ ‫الدن������ا الظاهرة لدى مرضى م������ن ذوي مرض معني والغائبة األخي������رة‪ ،‬وذلك في خض������م البحث عن التع������ددات اخلاصة‬ ‫عن الش������واهد‪ .‬ويأتي هذا املنحى مخالفا لألبحاث اجلينية املرتبطة مبرض شائع‪.‬‬ ‫املعتادة في املاضي‪ ،‬إذ اس������تندت األخيرة إلى توجيه يأتي‬ ‫وهذا هو موقع الش������رخ الذي حدث لدى األسرة العلمية‪.‬‬ ‫من قبل البيولوجيا يرجح دور جني معني في‬ ‫فالعالم >الندر< وغيره يهللون لالكتش������افات‬ ‫خل������ل ما‪ .‬إن اعتم������اد املقارنات بال‬ ‫اجلديدة املتعلقة بالتعددات املشتركة املرتبطة‬ ‫توجهعلىأو إن احلجة احلالية‬ ‫معرفة مسبقة سيسلط الضوء فيما يبدو‬ ‫بأم������راض يعتبرونها بوابة لدخول مس������ارات‬ ‫التنوع‬ ‫فرضية‬ ‫حول‬ ‫كل الدنا املذنبة مبا في ذلك تلك التي لم يشك‬ ‫اس������تقالبية طبية مهمة‪ .‬ولتأكيد ذلك يش������ار‬ ‫في أهميته������ا‪ .‬ولم يكن باإلمكان اعتماد هذا املشترك تقترح‬ ‫إل������ى فيض من النش������رات احلديثة من احتاد‬ ‫األس������لوب منذ عشر سنوات ألسباب تقانية‪.‬‬ ‫اجلينوم الضخم الذي عمل على كشف مئات‬ ‫طريقة واحدة‬ ‫ل������ذا في املقاب������ل‪ ،‬وفرت فرضي������ة‬ ‫التعددات املش������تركة املرتبط������ة بأمراض مثل‬ ‫التنوعات على األقل حلل ما‬ ‫املش������تركة – في ح������ال صحته������ا ‪ -‬طريقا‬ ‫الفصام والس������كري من النم������ط ‪ 2‬وألزهامير‬ ‫الكثيرون‬ ‫يسميه‬ ‫مختصرا الكتش������اف هوية اجلين������ات التي‬ ‫وارتفاع ضغط الدم‪ .‬وقد ادعى >كولينز< في‬ ‫أسهمت في اإلصابة باألمراض الشائعة‪.‬‬ ‫بإشكالية «الوراثية ظهور مؤخر له لدى برنامج «شارلي روز» في‬ ‫(‪)3‬‬ ‫بدأ علم������اء اجلينوم حتت مظل������ة فرضية‬ ‫قن������اة «پي بي أس» أن العلماء قد وصلوا إلى‬ ‫املفقودة »‪.‬‬ ‫التنوع املش������ترك بالتخطيط إلجراء دراسات‬ ‫تصور حول كيفي������ة تأدية ما يقرب األلف من‬ ‫كبيرة‪ ،‬وعرفت ه������ذه بدراس���ات الترابطات‬ ‫هذه التنوعات املشتركة دورا في حتديد خطر‬ ‫مبستوى اجلينوم(‪( )1‬غالبا ماسميت‪ )GWAS :‬واعتمدوا في اإلصابة باألمراض‪ ،‬وأن هذه املعلومات قد استخدمت لتغيير‬ ‫ذلك على معالم ‪ landmarks‬في الدنا معروفة باس������م تعددات رؤيتنا الشاملة حول كيفية تطوير مداواة جديدة للسكري أو‬ ‫األشكال األحادي النيكليوتيد ‪ )»snips«( )2(SNPs‬للكشف عن الس������رطان أو أمراض القلب‪ .‬وفي املقابل‪ ،‬يشير آخرون إلى‬ ‫تنوعات اجلني املشتركة ذات األهمية في األمراض‪ .‬ومتثل هذه أن البيان������ات لم تكن مفيدة جدا حتى اآلن في التنبؤ بأخطار‬ ‫التعددات املنتشرة على طول الصبغيات مواقع معينة في الدنا املرض‪ .‬ففي مرض السكري من النمط ‪ ،2‬على سبيل املثال‪،‬‬ ‫(ليس������ت بالضرورة في اجلينات ذاته������ا) حيث اختلف حرف مت حتدي������د ‪ 18‬تعدد ًا مرتبطا بامل������رض بعد حتليل ‪ 2.2‬مليون‬ ‫أحادي للكود في موقع معني لدى شخص عما هو موجود في تعدد في أكثر من عشرة آالف شخص؛ علما بأن هذه املواقع‬ ‫ذات املوقع لدى دنا ش������خص آخر‪ .‬فاخلطة املوضوعة متثلت في مجملها التفس������ر إال ما اليزيد عل������ى ‪ %6‬من وراثية هذا‬ ‫بفح������ص عدد كبير من التعددات التي تتنوع في األفراد وذلك املرض‪ ،‬وهي ال توضح طبيعة األسباب احليوية للمرض كما‬ ‫لتبيان أي من هذه التعددات أكثر ش������يوعا في أفراد مصابني يقول >گولدشتاين< [من جامعة ديوك]‪.‬‬ ‫باختالل معني‪ .‬إن ربط التعددات باملرض إحصائيا س������يقود‬ ‫في ع������ام ‪ 2008‬ذك������ر >گولدش������تاين< في مجل������ة التاميز‬ ‫الباحث���ي��ن إلى تنوعات اجلني القريبة (والتي تورث مع املعالم) األمريكية‪« :‬من املثير لالس������تغراب أنن������ا فككنا كود اجلينوم‬ ‫املفسرة للترابط‪.‬‬ ‫البش������ري ونحن قادرون على معاينة كامل التنوعات اجلينية‬ ‫واس������تدعت هذه اخلطة تأس������يس أطلس لتعدد األشكال املش������تركة‪ ،‬فماذا جند؟ الش������يء تقريبا‪ ،‬وهذا اليصدق على‬ ‫أحادي النيكليوتيد املش������تركة لدى البشر‪ .‬وفي خضم العقد اإلط���ل��اق»‪ .‬وفي صيف عام ‪ 2009‬حتدث >گولدش������تاين< عن‬ ‫املاضي‪ ،‬أو مايقارب ذلك‪َ ،‬ج َم َع البيولوجيون عددا متزايدا من فرضية التنوعات املش������تركة واألمراض الشائعة كما لو أنها‬ ‫التع������ددات بهدف الوصول في أبحاثهم إلى جذور األمراض‪،‬‬ ‫(‪genome-wide association studies )1‬‬ ‫(‪single-nucleotide polymorphisms )2‬‬ ‫بداية باالحت����اد اخل����اص بالتع����دد ‪ SNP Consortium‬الذي‬ ‫(‪missing heritability )3‬‬ ‫‪61‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫استراتيجيات بديلة‬ ‫( )‬

‫ماذا اآلن؟‬

‫إن عددًا من العلماء الباحثني في التأثيرات املتوارثة(‪ )1‬في األمراض الشائعة‪ُ ،‬يشجع على التوجه إلى استراتيجيات ال تعتمد على‬ ‫حتاليل إحصائية لتعددات ‪ SNPs‬مشتركة‪ ،‬التي يرى البعض أنها على األرجح بال داللة كبيرة حول خطر اإلصابة باملرض‪.‬‬ ‫پروتني يعمل في مسار‬

‫جني‬

‫جني‬

‫‪2‬‬

‫‪1‬‬

‫سوي‬

‫البحث عن تنوعات نادرة للجني‬

‫يعتقد بعض الباحثني أن طفرات نادرة في اجلينات‬ ‫غالبا ما تسهم أكثر في املرض مما تسهم فيه تنوعات‬ ‫اجلني املرتبطة بتعددات ‪ SNPs‬مشتركة‪ .‬حتى ولو‬ ‫أن كل شخص مصاب باملرض كان نتيجة طفرة فريدة‬ ‫نادرة‪ ،‬ميكن أن تؤثر العديد من هذه الطفرات في‬ ‫اجلينات التي تعمل پروتيناتها املكودة مع بعضها‬ ‫البعض (تعمل في «املسار» ‪ pathway‬ذاته) إلجناز‬ ‫عمل معني مهم في اجلسم‪ .‬إن حتديد اجلينات املتأثرة‬ ‫سيعمل على توفير طرق للتعويض عن خلل في مسار‬ ‫ما‪ .‬وأحد األساليب للعثور على طفرات مهمة نادرة‬ ‫يتمثل بتحديد تسلسل أسس مناطق تكود الپروتني‬ ‫بالكامل ومقارنة سالسل جينات املرضى واألسوياء‬ ‫(اليسار)‪ .‬مت اعتماد هذه الطريقة املسماة بسلسلة‬ ‫اإلكسوم ‪ exome‬في عدد من املختبرات‪.‬‬

‫إكسون اجلني‬ ‫طفرة جينية‬

‫پروتني متضرر‬

‫!‬

‫مريض‬

‫پروتني متضرر‬

‫طفرة جينية‬

‫!‬

‫مريض‬

‫طفرة جينية‬ ‫مريض‬ ‫پروتني غير طبيعي‬

‫!‬ ‫پروتني متضرر‬

‫طفرة‬ ‫پروتني طبيعي‬ ‫رنا مرسال‬

‫ألق نظرة إلى ما وراء اجلينات‬ ‫ِ‬

‫ريبوزوم‬

‫ميكن لرنا ‪ RNA‬منسوخ من الدنا التي ال‬ ‫تكود لپروتني (الشريط الوردي) أن يعوق‬ ‫تركيب الپروتني وذلك من خالل االرتباط‬ ‫برنا مرسال وإيقاف عملية الترجمة‪.‬‬

‫جني‬ ‫پوليميراز‬ ‫بطاقة منظمة‬

‫ميكن لتعديالت كيميائية (بطاقات ‪ )tags‬مثل وظائف‬ ‫املثيل ‪ methyl‬في الدنا أن تقلل أو تزيد من كم النسخ‬

‫‪ .transcription‬وميكن أن تنتقل هذه البطاقات من‬ ‫(‪)2‬‬ ‫جيل إلى آخر في اخلاليا اإلنتاشية ‪germ cells‬‬ ‫وأن تؤثر في االستعداد الفردي للمرض‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫تركيب الپروتني (سلسلة زرقاء)‪،‬‬ ‫الذي يحدث عندما ينسخ إنزمي‬ ‫يسمى الپوليميراز جينا ما فيصنع‬ ‫الرنا املرسال‪ ،‬الذي تتم قراءته‬ ‫أو ترجمته إلى پروتني من خالل‬ ‫ريبوزومات‪ .‬وعندما يتم نسخ منط‬ ‫من اجلينات يحوي طفرة سيكون‬ ‫الپروتني الناشىء أيضا غير طبيعي‪.‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫تركز دراسات ومجريات البحث عن تنوعات‬ ‫نادرة على تقفي تنوعات سالسل الدنا‬ ‫للمناطق في اجلينات املكودة للپروتني‪،‬‬ ‫أي الپروتينات املنخرطة في املرض (في‬ ‫اليمني)‪ .‬إال أن هناك فعاليات أخرى ال‬ ‫تشتمل على تغيرات في هذه السالسل‬ ‫ميكن أن حتدث عطبا في تصنيع‬ ‫الپروتينات الضرورية‪ ،‬مما يؤدي‬ ‫إلى نشوء استعداد للمرض لدى‬ ‫األفراد‪ .‬وقد مت تصوير اثنتني‬ ‫من هذه بشكل بياني (أسفل‬ ‫ناحية اليمني)‪ .‬والباحثون اآلن‬ ‫بصدد حتديد وسائل لفحص‬ ‫هذه الفعاليات أيضا‪.‬‬ ‫( ) ?‪What Now‬‬ ‫(‪heritable influences )1‬‬

‫(‪)2‬‬

‫أو املولدة‪.‬‬


‫غ������دت جزءا من املاضي‪« :‬لقد دخلنا في هذا املجال وخرجنا هذا البحث‪ .‬إن كال من >كين������گ< (الذي وجد مئـات التنوعــات‬ ‫منه فتبني لنا أنه املجال الذي عمل على تفسير أقل بكثير مما الن ـ������ادرة في جين������ي ال������ـ ‪ BRCA1‬والـ ‪ BRCA2‬التي تس������بب‬ ‫سرطان الثدي العائلي) و>ماكليالن< (الذي وجد كذلك العديد‬ ‫اعتقد البشر أنه قادر على تفسيره‪».‬‬ ‫يق������ول >‪ .D‬بوتش������تاين< [م������ن جامع������ة پرينس������تون] عن م������ن اجلينات النادرة التي تس������هم في وراث������ة مرض الفصام)‬ ‫اس������تراتيجية إيجاد خريطة للنمط املف���رد ‪ haplotype‬بطريقة يقترحان نظاما جديدا لفهم األمراض املعقدة‪ .‬وكالهما يرى أن‬ ‫مش������ابهة إلى حد كبير‪« :‬كان البد من محاولة إجناز ذلك‪ ،‬إذ معظم هذه األمراض «غير متجانسة» (أي إن عددا متنوعا من‬ ‫لوال ذلك ملا عرف أحد بأنه������ا لن تنجح»‪ .‬ويقول‪ :‬إن اخلريطة الطف������رات املتنوعة في جينات كثيرة مختلفة قادرة على اجتثاث‬ ‫ذات املرض)‪ .‬وإن معظم الطفرات ذات التأثير‬ ‫املنفردة التي ك ّلفت ‪ 138‬مليون دوالر أمريكي‬ ‫القوي نادرة‪ ،‬فالعديد م������ن التنوعات اجلينية‬ ‫كانت «خطأ عظيما‪».‬‬ ‫تعريف‬ ‫إن‬ ‫ببساطة‪،‬‬ ‫النادرة هي إضافات حديثة نس������بيا لتجميعية‬ ‫إن >‪ .W‬بودم������ر<‪ ،‬ال������ذي كان م������ن ب���ي��ن‬ ‫األوائل ممن اقترحوا مش������روع اجلينوم في اجلني ذاته – ناهيك اجلينات‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن حتدي������د تنوعات نادرة‬ ‫للمرض سيس������مح للباحثني بفهم مس������ارات‬ ‫الثمانين������ات من القرن املاض������ي‪ ،‬وهو رائد‬ ‫املهمة‬ ‫اجلينات‬ ‫عن‬ ‫جزيئية خاصة مرتبطة مبرض معني‪ ،‬وسيقود‬ ‫دراس������ات االرتباطات التي س������يطرت على‬ ‫بعدة‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫–‬ ‫طبيا‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫الفهم احليوي لهذه املسارات إلى مجموعة من‬ ‫اجلينوميات احلديثة‪ ،‬يؤك������د أن البحث عن‬ ‫تنوع������ات مش������تركة للجني‪ ،‬م������ن منطلق علم طبقات من التعقيد‪ .‬التداخالت العالجية اجلديدة‪.‬‬ ‫ويش������ير كل من >بودمر< ومؤلفي نش������رة‬ ‫احلياة‪ ،‬هو طريق مسدود‪ .‬وهو يقول‪« :‬إنه من‬ ‫اخللية‪ ،‬وغيــرهـ ـ������م إلى عمـ ــل >‪ .H .H‬هوبس<‬ ‫املستحيل تقريبا العثور على ماهية املفعول‬ ‫و>‪ .C .J‬كوه���ي��ن< كنم������وذج يس������تفاد فيه من‬ ‫احليوي لكل من هذه التنوعات في اجلينات‬ ‫معارف علم البيولوجيا للكشف عن معلومات‬ ‫وهذا عامل مفتاحي باملطلق‪ ».‬ويضيف‪« :‬إن‬ ‫طبية قيمة مدفونة في اجلينوم‪ .‬وتركز وسيلة‬ ‫الغالبي������ة العظمى للتنوعات [املش������تركة] لم‬ ‫>هوبس< و>كوهن< عل������ى حاالت متطرفة من‬ ‫تضء اجلانب احليوي لألمراض‪».‬‬ ‫املرض‪ ،‬مفترض���ي��ن أن تغيرات متطرفة نادرة‬ ‫( )‬ ‫للجني التي حتدث خلال حيويا قويا ستفس������ر‬ ‫أساليب جديدة للتقدم‬ ‫هذا التطرف‪ ،‬وس������تبرز بش������كل قوي‪ .‬وهما‬ ‫إن احلجة احلالية ح������ول فرضية التنوع‬ ‫>‪ .H.J‬نادو< عمل على توثيق وراثة‬ ‫يخت������اران اجلينات التي س������يفحصانها لدى‬ ‫سمات مكتسبة في الفئران‪.‬‬ ‫املش������ترك ليس������ت مجرد فحوى جدل علمي‬ ‫هؤالء األف������راد اعتمادا على معلوماتهم اآلتية‬ ‫قدمي؛ ذل������ك ألنها تش������ير إلى طريق������ة بديلة‬ ‫واحدة على األقل للمض������ي قدما وإيجاد حل معقول ملا يدعيه من علم احلياة‪ .‬وهما يجريان َسلْ َسلة جلينات مرشحة معينة‪،‬‬ ‫اجلميع بإشكالية «الوراثية املفقودة»‪ ،‬وذلك في املدى القصير باحثني ع������ن تنوعات دقيقة بني األفراد ذات تأثير وظيفي كبير‬ ‫على األقل‪ .‬وفي هذا السياق َحثّ >بودمر<‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬عوضا عن البحث في ترابطات التعددات ‪ SNPs‬التي ميكن أن‬ ‫زمالءه على مترين أعينهم على البحث عن تنوعات جينية نادرة‪ .‬تش������ير في أحيان كثيرة إلى مجرد جتاور جيني جلني متعلق‬ ‫إن احلد الفاصل بني ما هو مش������ترك وما هو نادر ليس دقيقا‪ .‬مبرض بدال من اجلني ذاته‪.‬‬ ‫عندما كانت كب������رى األخبار في حقل اجلينوم عام ‪2000‬‬ ‫ووفقا لتعري������ف >بودمر< يعود «النادر» إلى طفرة جينية معينة‬ ‫حت������دث ل������دى ‪ 5.0‬إلى ‪ 1‬أو ‪ 2‬في املئة م������ن األفراد في جماعة تتركز حول السباق بني >‪ .C .J‬ڤينتر< [مؤسس الشركة سيليرا‬ ‫ما (وهو تردد يقع أس������فل قوة فصل معظم الدراسات احلالية جينوميكس ‪ ]Celera Genomics‬وعلماء املعهد الوطني للصحة‬ ‫للترابط مبس������توى اجلينوم)‪ .‬إال أن فحوى الفرضية الرئيسية إلنتاج املس������ودة األولية لسالسل جينوم اإلنسان‪ ،‬باشر كل‬ ‫ه������ذه هو أن تنوعات اجلني التي تحُ������دِ ثُ تأثيرا مرضيا كبيرا من [ >كوه������ن< و >هوبس<](‪ )1‬بهدوء مش������روعهما املعروف‬ ‫متي������ل إلى الندرة‪ ،‬كما متيل تلك املش������تركة منها إلى أن يكون‬ ‫( ) ‪New Ways Forward‬‬ ‫مفعولها املرضي معدوما أو قريبا من ذلك‪.‬‬ ‫(‪> )1‬كوهن< فيزيولوجي من جنوب إفريقيا درس استقالب الكولسترول (تركيبه‬ ‫ظهرت هذه احلجة ذاتها في مقالة مجلة اخللية املثيرة للجدل‬ ‫وحتطيمه) لسنوات عدة‪ .‬و>هوبس< املدربة كطبيبة‪ ،‬وهي اآلن باحثة في معهد هوارد‬ ‫هيوز في املركز الطبي التابع جلامعة تكساس اجلنوبية الغربية في داالس‪ ،‬وقد‬ ‫من خالل >كينگ< و>ماكيالن< والتي أثارت في ربيع عام ‪2010‬‬ ‫أجرت أبحاثا في مختبر >‪ .S .M‬براون< و>‪ .L .J‬گولدشتاين< اللذين تقاسما جائزة‬ ‫هذا القدر الكبير من العدائية لدى أس������رة اجلينوم‪ ،‬وهي مقالة‬ ‫نوبل عام ‪ 1985‬لعملهما حول استقالب الكولسترول الذي أفضى إلى تطوير صنف‬ ‫شائع من األدوية اخلافضة للكولسترول املسمى بالستاتينات ‪( .statins‬التحرير)‬ ‫رفضها >الن������در< بحجة أنها متثل مج������رد موقف مجزأ حيال‬ ‫‪63‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫باسم دراسة «داالس» للقلب للمساعدة على كشف مسببات‬ ‫أمراض القلب‪.‬‬ ‫وصلَ ِتهِ م������ا العلمية وفقا‬ ‫ح������دد >هوب������س< و>كوه������ن< ُب َ‬ ‫حلدسهم العلمي احليوي‪ .‬وجنم عن ذلك اعتماد استراتيجية‬ ‫مختلف������ة متاما عم������ا اعتمده تقريبا جمي������ع اآلخرين الذين‬ ‫عملوا في مج������ال اجلينوميات‪ .‬وقد جندا للدراس������ة ‪3500‬‬ ‫مواط������ن مقيم في محافظة داالس (نصفه������م أمريكيون من‬ ‫أصول إفريقية) وجعلوهم ميارس������ون جهدا طبيا ش������ديدا‪.‬‬ ‫ولم يركز الباحثان فقط عل������ى اجلينوم (علما بأنهما َج َمعا‬ ‫كما يتعني عليهما عينات الدنا من كل فرد) بل جمعا أيضا‬ ‫قياسات دقيقة للعديد من العوامل التي ميكن أن تسهم في‬ ‫أمراض الش������ريان التاجي‪ :‬كيمياء الدم (مبا فيها قياسات‬ ‫الكولسترول) واالستقالب وشحوم اجلسد ووظائف القلب‬ ‫وس������ماكة الش������رايني (التي يتم تقديرها من خالل تصوير‬ ‫بتقان������ة متفوقة)‪ ،‬والتأثيرات البيئية‪ .‬ومبرور س������نتني متكنا‬ ‫م������ن جمع قاعدة بيان������ات ضخمة‪ ،‬مفصلة جدا‪ ،‬للس������مات‬ ‫الفيزيائية الفردية‪ ،‬والتي يس������ميها علماء الوراثة باألمناط‬ ‫الظاهرية ‪.phenotypes‬‬ ‫بعد ذلك‪ ،‬أمعنا في دراسة جينوم أفراد ذوي منط ظاهري‬ ‫متطرف بش������كل خاص‪ ،‬وباألخص أولئك الذين يظهرون قيما‬ ‫متميزة مرتفع������ة أو متدنية لليبوپروت���ي��ن العالي الكثافة ‪HDL‬‬ ‫(املس������مى أيض������ا بالكولس������ترول «اجليد») أو قيم������ا مرتفعة‬ ‫لليبوپروتني املتدني الكثافة ‪( LDL‬املسمى أيضا بالكولسترول‬ ‫«الس������يىء»)‪ .‬ولم يكن هناك ش������يء مثير للشك حول بحثهما‬ ‫في اجلينوم‪ .‬فكما يقول >كوهن<‪« :‬اتخذنا هذا التوجه بسبب‬ ‫موقف مييل أكثر إلى الوظيفية‪».‬‬ ‫وفي تقرير نشر في مجلة ‪ Science‬عام ‪ 2004‬تناوال في البدء‬ ‫مرضى من ذوي التركي������زات املتدنية جدا لليبوپروتني العالي‬ ‫الكثافة في الدم‪ ،‬وهي س������مة تزي������د من خطر اإلصابة مبرض‬ ‫قلبي‪ .‬وكانا يعرفان بضلوع ثالثة جينات في االختالالت النادرة‬ ‫الستقالب الكولسترول‪ ،‬ومن َث ّم عمال على مقارنة سالسل دنا‬ ‫ه������ذه اجلينات في املرض������ى ذوي الليبوپروتني العالي الكثافة‬ ‫املتدن������ي جدا مع أولئك من ذوي املس������تويات املرتفعة‪ .‬فوجدا‬ ‫تنوع������ات عدة نادرة مرتبطة بالتدني الش������ديد في مس������تويات‬ ‫الليبوپروت���ي��ن العالي الكثافة‪ ،‬وأعلن������ا أيضا أن هناك طفرات‬ ‫في اجلني املصاب «تس������هم بشكل ملحوظ» في انخفاض قيم‬ ‫الليبوپروتني العالي الكثافة لدى عامة اجلمهور‪.‬‬ ‫في ع������ام ‪ 2005‬التفتت أنظار >هوب������س< و>كوهن< إلى‬ ‫أفراد في دراس������ة «داالس» للقلب ممن لديهم مس������تويات‬ ‫‪64‬‬

‫متدنية غير اعتيادي������ة لليبوپروتني املتدني الكثافة‪ .‬وتوصل‬ ‫الباحث������ون إلى فوز اس������تثنائي في اجلين������وم عندما حلال‬ ‫سالس������ل الدنا جلني يس������مى ‪ PCSK9‬مع������روف بانخراطه‬ ‫في استقالب الكولس������ترول‪ .‬هناك طفرتان أسكتتا اجلني‬ ‫وارتبطتا مبس������تويات دنيا من الليبوپروتني املتدني الكثافة‪.‬‬ ‫وقد َب نَّي >هوبس< و>كوهن< في دراسة الحقة شملت حتليل‬ ‫البيانات من جمهور مسيسيپي وشمال كارولينا ومينيسوتا‬ ‫وماريالند خالل فترة اخلمس عشرة سنة ‪ -‬أن األمريكيني‬ ‫من أصل إفريقي ممن لديهم طفرة مسكتة واحدة من هاتني‬ ‫االثنتني‪ ،‬لهم مستوى ليبوپروتني متدني الكثافة أقل مبقدار‬ ‫وتدن مدهش في خطر اإلصابة في الشريان التاجي‬ ‫‪ٍ ،%28‬‬ ‫للقلب وص������ل إلى ‪ .%88‬وق������د انخفض ل������دى القوقازيني‬ ‫«البيض» مس������توى الليبوپروتني املتدني الكثافة بفعل طفرة‬ ‫في ذات اجل���ي��ن مبقدار ‪ ،%15‬ومن َث ّم تدنى خطر اإلصابة‬ ‫مبرض ش������ريان القلب التاجي مبقدار ‪ .%47‬وهناك بالكاد‬ ‫دراس������ة‪ ،‬من بني دراس������ات الترابط في مستوى اجلينوم‪،‬‬ ‫جنحت ف������ي حتديد تأثير جني في خط������ر اإلصابة مبرض‬ ‫بلغت هذا احلجم‪.‬‬ ‫وتدرس بعض شركات األدوية اآلن إمكان اختبار جزيئات‬ ‫ق������ادرة على إيقاف عمل اجلني ‪ PCSK9‬أو تتس������بب بخلل في‬ ‫املس������ارات اجلزيئية الت������ي يؤثر فيها اجل���ي��ن‪ ،‬وذلك كطريقة‬ ‫خلفض مستوى الليبوپروتني ‪ LDL‬والتقليل من خطر اإلصابة‬ ‫مبرض قلبي لدى عامة البش������ر‪ .‬يعد اجلني ‪ PCSK9‬اآلن كما‬ ‫يقول >هوبس<‪« :‬من بني اجلينات العشرة األوائل املستهدفة»‬ ‫لدى جميع شركات األدوية تقريبا‪.‬‬ ‫واعترافا بالتأثير املتواضع للجينات التي مت حتديدها من‬ ‫خالل وس������يلة التنوع املشترك‪ ،‬وإعجابا بالنجاح الذي حتقق‬ ‫في عمل >هوبس< و>كوهن<‪ ،‬اقترح كل من >‪ .D‬گولدش������تاين<‬ ‫و>‪ .T .E‬سيرولي< [التي تعمل في جامعة ديوك أيضا] توسيع‬ ‫نط������اق البحث حول التنوع������ات النادرة املهم������ة طبيا‪ .‬وتتمثل‬ ‫إحدى األف������كار‪ ,‬على س������بيل املثال‪ ,‬بسلس������لة مقارنة كاملة‬ ‫«لإلكس���ومات» ‪ exomes‬وذل������ك في أف������راد مختارين بعناية‪.‬‬ ‫وميثل اإلكسوم مجموعة أجزاء اجلينات في الصبغيات التي‬ ‫تك ّود الپروتني بالفعل‪ ،‬إضافة إلى مناطق قريبة تنظم نش������اط‬ ‫اجلني؛ أي إنها ال تش������مل املناطق الفاصلة بني اإلكسونات أو‬ ‫تلك بني اجلينات‪ .‬وقد اقترح >سيرولي< و>گولدشتاين< النظر‬ ‫أيضا في التنوعات الن������ادرة داخل العائالت املصابة مبرض‬ ‫ش������ائع أو في األفراد الذين يتقاس������مون سمة متطرفة‪ ،‬وحيث‬ ‫توجد اختالفات ملحوظة في الدنا قابلة للتحديد بسهولة أكثر‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


‫وهذا العمل مس������تمر اآلن في العديد م������ن املختبرات‪ .‬ويؤكد‬ ‫>كينگ< [من جامعة واشنطن]‪« :‬نحن ن َُسلْ ِس ُل إكسومات في‬ ‫املختبر كل يوم»‪ .‬وتعد َسلْ َسلة اإلكسوم استراتيجية انتقالية‬ ‫يتم اعتمادها حتى يتوفر إمكان َسلْ َس������لة اجلينوم كله بتكلفة‬ ‫زهيدة وبشكل موثوق به‪ ،‬وهذا ما سيتم غالبا بعد مرور ثالث‬ ‫إلى خمس سنوات‪.‬‬ ‫حذار من جحر األرنب‬

‫( )‬

‫هن������اك القليل من األصوات الش������جاعة الت������ي تنذر بأن‬ ‫جح����ر األرن����ب بالبيولوجي����ا البش����رية(‪ )1‬ق������د يكون أعمق‬ ‫مما قد يبدو من خالل التركيز في مناقش������ة َسلْ َس������لة الدنا‬ ‫والپروتين������ات‪ .‬حيث يدعي البعض بأن علم الوراثة التقليدي‬ ‫قد يكون عاجزا عن تبيان التعقيد اجلزيئي للجينات ودورها‬ ‫ف������ي إحداث املرض‪ .‬فقد تبني حديثا أن املناطق الشاس������عة‬ ‫م������ن الدنا التي ال تكود للپروتين������ات‪ ،‬والتي اعتبرت يوما ما‬ ‫مجرد «خردة» ‪ junk‬تخفي مناطق تنظيم مهمة‪ .‬وتنتج‪ ،‬على‬ ‫س������بيل املثال‪ ,‬بعض هذه الدنا جزيئات رن����ا ‪ RNA‬صغيرة‬ ‫ميك������ن أن تتداخل مع التعبير اجلين������ي‪ .‬كما ميكن أن تؤثر‬ ‫تعديالت كيميائية للدنا التي تعمل كبطاقة ‪ tag‬والتي ال تغير‬ ‫من تسلس������ل الدنا ‪ -‬أي إنها فوق جينية ‪ - epigenetic‬في‬ ‫التعبي������ر اجليني وميكن تعديلها م������ن خالل عوامل محيطية‬ ‫في خضم حياة اإلنس������ان‪ .‬وميكن لهذا الدنا املعدل بفضل‬ ‫احمليط أن ينتقل إلى اجليل الالحق‪.‬‬ ‫ببس������اطة إن التعري������ف بالذات جلني‪ ،‬ناهي������ك عن اجلني‬ ‫ذي األهمي������ة الطبية‪ ،‬مربك حاليا من خ���ل��ال عدة طبقات من‬ ‫التعقيد‪ .‬وقد أصبح ما كان يفترض سابقا أنه عالقة مباشرة‬ ‫في اجتاه واحد‪ ،‬من نقطة إلى نقطة‪ ،‬بني اجلينات والس������مات‬ ‫الظاهرة حديثا ما يسمى بـ «إشكالية النمط الظاهري»‪ .‬حيث‬ ‫ال تفضي معرفة تسلس������ل كود الدنا إال إلى تفسير جزء من‬ ‫كيفية ظهور السمة‪.‬‬ ‫اعتم������د >‪ .H .J‬نادو< [مدير التطوير العلمي في معهد النظم‬ ‫احليوية في سياتل] على جتارب باستخدام احليوانات ملتابعة‬ ‫أكث������ر من مئة س������مة كيميائية حيوية وفيزيولوجية وس������لوكية‬ ‫تتأث������ر بتغييرات فوق جيني������ة‪ ،‬ووجد أن بعضه������ا ينتقل عبر‬ ‫أربعة أجيال‪ .‬ويقول >نادو< ضاحكا‪« :‬إنها سمات «الماركية»‬ ‫بالكامل» مشيرا إلى فكرة عالم البيولوجيا >‪ .B-J‬المارك< التي‬ ‫تنص على إمكانية وراثة سمات مكتسبة من احمليط‪.‬‬ ‫وكأن ذاك التعقيد اإلضاف������ي اليكفي‪ ،‬فقد تبني من خالل‬ ‫جت������ارب >ن������ادو< أن وظيفة جني معني ترتب������ط أحيانا بترتيب‬ ‫‪65‬‬

‫تنوعات اجلينات احمليطة به‪ ،‬وهذا مفعول جمعي يدشن تعقيد‬ ‫ما بع������د احلداثة القرين���ي ‪ contextual‬في نطاق تفس������يرات‬ ‫امل������رض اجليني������ة‪ .‬وانطالقا من ذلك‪ ،‬يرى >ن������ادو< أن بعض‬ ‫األمراض الش������ائعة ق������د تعود في النهاية إل������ى عدد كبير من‬ ‫اجلينات تعمل في ش������بكة من املس������ارات ذات التأثيرات التي‬ ‫تتنوع تبعا لتنوعات اجلينات املوجودة في الش������خص؛ أي إن‬ ‫وجود تنوع في جني م������ا قد يفاقم أو يحول دون مفعول جني‬ ‫آخر مرتبط باملرض في املجموعة‪ .‬ويضيف قائال‪« :‬أنا أتكهن‬ ‫بأن هذا النمط من الوراثة هو أكثر شيوعا مما نتوقع‪».‬‬ ‫ل������م يتضح بعد مدى أهمية األطروح������ات املذكورة من قبل‬ ‫>نادو< بخصوص األمراض‪ .‬وفي غضون ذلك‪ ،‬سيسمح قريبا‬ ‫جيل جديد من تقانات السلسلة السريعة الرخيصة للبيولوجيني‬ ‫مبقارنة جينوم������ات كاملة‪ .‬وهذا كفيل بأن يحيل اجلدل الدائر‬ ‫حول التنوعات املشتركة والنادرة إلى املاضي البعيد‪ .‬وبعيدا‬ ‫عن التش������اؤم ح������ول هذا النط������اق من األبح������اث‪ ،‬أثارت هذه‬ ‫األحجية احلالية حول الوراثية املفقودة حماس حتى >كينگ<‪،‬‬ ‫إحدى املشككات في التنوعات املشتركة‪ ،‬فيما يخص السنوات‬ ‫القليل������ة القادمة‪ .‬وهي تقول‪« :‬لدين������ا اآلن األدوات لإلجابة عن‬ ‫التس������اؤالت املطروحة بطريقة صحيحة‪ ».‬كما تقول‪« :‬تص ّوروا‬ ‫ما كان بوسع >داروين< و>مندل< القيام به بوجود هذه التقانة‪.‬‬ ‫إن������ه لزمن مذهل ملن ينخرط في اجلينومي���ة ‪ .»genomics‬ومع‬ ‫أننا في هذا الزمن تقريبا‪ ،‬إال أنه لم يضع أح ٌد جدوال زمنيا ملا‬ ‫>‬ ‫يتنبأ به من معجزات طبية‪.‬‬ ‫( ) ‪Beware The Rabbit Hole‬‬

‫(‪ The Rabbit Hole )1‬جح������ر األرنب‪ ،‬عبارة اصطالحية‪ ،‬تعني هنا(‪ :)1‬أن «حالة البيولوجيا‬ ‫البشرية قد تكون شواشية ‪ chaotic‬أو مختلطة أكثر مما قد يبدو ‪»...‬‬ ‫(التحرير)‬ ‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, October 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫ُم ِ‬ ‫هرطق مناخ‬

‫(٭)‬

‫ِل َم ال نجُ ْري حوارا حضاريا بشأن املناخ؟‬ ‫>‪ .D.M‬لمِ ونِك<‬

‫ف������ي محاولة فهم ظاهرة >جودِ ث ك���رّي‬

‫(‪)1‬‬

‫<‬

‫فال مناص من‬

‫األخذ بإحدى وجهتي النظر وإهمال األخرى‪.‬‬ ‫خ���ل��ال معظم مس������يرتها العلمي������ة‪ُ ،‬ع ِرفت >‪ .J‬ك������ ّري< [هي‬ ‫رئيسة قس������م علوم األرض واملناخ في معه���د جورجيا للعلوم‬ ‫والتقان���ة(‪ ,])2‬بدراس������اتها في مجال األعاصير وحركية اجلليد‬ ‫القطبي ومواضيع أخ������رى تتعلق باملناخ‪ .‬ولكنها منذ عام ‪2009‬‬ ‫تقريبا ذاع صيتها ألمر يثير الضيق‪ ,‬ال بل يغيظ كثيرا من زمالئها‬ ‫العلميني‪ .‬إذ أصبحت >ك ّري< ناش������طة في جماعة الشكاكني في‬ ‫شأن تغير املناخ‪ ،‬وذلك من خالل مساهمتها في مد ّونات هـؤالء‬ ‫الدخـالء مثل مدونات ‪ Climate Audit‬و ‪ Air Vent‬و ‪.Blackboard‬‬ ‫ومن خالل ذلك أخذت >ك ّري<‪ ,‬تتس������اءل عن موقف اخلبراء في‬ ‫املناخ من أولئك الذين يش������ ّككون في هذا العلم بغض النظر عن‬ ‫مدى موثوقيته‪ .‬وتعتقد >ك ّري< أن كثيرا من الشكاكني يتناقلون‬ ‫انتق������ادات ال معنى لها‪ ،‬ألنه ثبت بالدلي������ل القاطع بطالنها‪ ,‬في‬ ‫ح���ي��ن ل َفت بعضهم في انتقاداتهم إلى نقاط تس������ترعي االنتباه؛‬ ‫ومع اخت���ل��اط الصالح بالطالح فات على الباحثني في ش������ؤون‬ ‫املناخ فرصة تعميق دراس������اتهم‪ ,‬وبدا مظهرهم أمام الرأي العام‬ ‫وكأنهم مغ������رورون‪ .‬وتقول >ك ّري<‪« :‬بالتأكي������د هناك الكثير من‬ ‫األمور التي تثير القلق»‪ ،‬وتتابع قائلة‪« :‬ولكنها ليست كلها كذلك‪،‬‬ ‫وإذا كان ‪ 1‬ف������ي املئة فقط مما يقوله الش������كاكون أو ‪ 10‬في املئة‬ ‫منه صحيحا فقد مت هدر الكثير من الوقت بسبب اتباعنا طريق َة‬ ‫التفكير اجلماعية التي أعاقتنا كثيرا‪».‬‬ ‫وجهت >ك ّري< أقس������ى انتقاداتها إلى الهيئة االستش���ارية‬ ‫َّ‬

‫البينحكومية املسؤولة عن تغير املناخ )‪ .)3((IPCC‬إذ أصبحت‬ ‫التقاري������ر الرئيس������ة‪ ،‬التي تص������در عن تلك الهيئ������ة التابعة لألمم‬ ‫املتحدة كل خمس س������نوات تقريبا‪ ,‬تشكل األساس املعت َمد لدى‬ ‫علماء املناخ‪ .‬وي ّدعي بعض العلماء أن الهيئة ‪ IPCC‬ال غبار عليها‪،‬‬ ‫ف������ي حني ترى >ك ّري< أنها حتتاج إلى إصالح ش������امل‪ ,‬وتتهمها‬ ‫«بالفس������اد»‪ ,‬وتضيف قائلة‪« :‬إنني لن أكش������ف وأصادق على ما‬ ‫صدر عن الهيئة ‪ ,IPCC‬ألنني ال أثق فيما تقوم به من أعمال‪».‬‬ ‫وكان م������ن املمكن أن تُق َبل ه������ذه االتهامات فيما لو ُب ِحثت‬ ‫بهدوء في املؤمترات أو في قاعات االجتماعات واعتُبرت جزءا‬ ‫من عملية احلوار املش������روع في حقل من العلم مازال في دور‬ ‫التط������ور‪ .‬إال أنّ عرضها على اجلمهور ف������ي مواقع اإلنترنت‬ ‫نفس������ها التي عطلت الرس������ائل اإللكترونية عل������ى موقع بوابة‬ ‫املن������اخ ‪ Climategate e-mails‬في خريف عام ‪ ،2009‬اعتُبر من‬ ‫قب������ل الكثيرين خيانة‪ ,‬أدت إلى ع������داوة زمالئها لها ووصفها‬ ‫بنعوت ش������نيعة مثل «ساذجة» و«غريبة» و«بغيضة» وغير ذلك‬ ‫من نعوت أشنع‪.‬‬ ‫وم������ن هنا يتضح وجود وجهتي نظر تبدو كلتاهما‪ ,‬ظاهريا‬ ‫على األقل‪ ،‬مقبولتني‪ .‬وتص ّور األولى >ك ّري< داعية للس���ل��ام ‪-‬‬ ‫فهي إنسان يعيد للحوار بعض اللباقة‪ ،‬ويحث العامة على القيام‬ ‫بعم������ل بنّاء‪ .‬فباعترافها صراحة باألخطاء املرتكبة وبتش������جيع‬ ‫( )‬

‫‪ Climate Heretic‬أو‪ :‬ابتداعي مناخ (منشق عن الرأي السائد حول املناخ)‪.‬‬

‫(‪The Judith Curry Phenomenon )1‬‬ ‫(‪the Georgia Institute of Science and Technology )2‬‬ ‫(‪The Intergovernmental Panel on Climate Change )3‬‬

‫باختصار‬ ‫إذا رغب���ت احلكوم���ات والش���عوب ف���ي‬ ‫اتخ���اذ إجراءات ج���ادة لتخفي���ض االنبعاثات‬ ‫الكربوني���ة‪ ,‬فعليه���م أن يس���عوا إل���ى ذلك اآلن‬ ‫م���ن دون تأجيل؛ ألن اجلهود املبذولة املتأخرة‬ ‫لدرء التغيرات املناخية س���تجعل بلوغ الهدف‬ ‫أصعب وأكثر كلفة‪.‬‬ ‫فف���ي أعقاب ما نش���ر عل���ى موق���ع بوابة املناخ‬

‫‪66‬‬

‫‪ Climategate‬ومهاجم���ة صانع���ي الق���رار بش���دة‪,‬‬ ‫أصبح الناس في حيرة من أمرهم أكثر من أي وقت‬ ‫مض���ى فيما يتعلق بفهمهم لقضية املناخ‪ ،‬خاصة‬ ‫عندما يسمعون عن عدم اليقني (الاليقينية) الذي‬ ‫يكتن���ف بعض جوان���ب هذا العلم‪ ،‬مم���ا أدى إلى‬ ‫عرقلة القرارات املتعلقة باملناخ‪.‬‬ ‫واجلمه����ور يحت����اج إل����ى إدراك أن الش����ك‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫العلم����ي يختل����ف متاما عن اجلهل‪ ،‬وهذا الش����ك‬ ‫هو الطريق الذي يؤدي إلى الوصول إلى معرفة‬ ‫املجهول وحتديد أبعاده‪.‬‬ ‫وم���ن ناحية أخ���رى على علم���اء املناخ أن‬ ‫يحس���نوا طريق���ة تناولهم لع���دم اليقني ونقله‬ ‫إل���ى اجلمه���ور وأن يتجاوب���وا م���ع انتقادات‬ ‫غير املختصني‪.‬‬


‫املؤلف‬

‫زمالئها للتعامل مع الش������كاكني باحترام‪ ,‬تأمل بالوصول إلى‬ ‫توافق بني وجهات النظر‪.‬‬ ‫>لمِ ونِك< أحد كبار كتّاب العلوم على موقع ‪،Climate Central،‬‬ ‫أم������ا وجهة النظر البديلة فتصورها على أنها س������اذجة –‬ ‫املج َمع الفك ّري املوضوعي وغير الربحي لتغير املناخ‪,‬‬ ‫وهو ْ‬ ‫وقد عمل كاتبا لقضايا علمية في مجلة التامي ملدة ‪ 21‬عاما‪.‬‬ ‫وهي مبس������اعيها‪ ,‬وعن حس������ن نية‪ ,‬ص َّبت الوقود على النار‪.‬‬ ‫وبن������اء على هذا الوصف‪ ,‬فإن اش������تباكها مع الش������كاكني ال‬ ‫معنى له ألنه ال ميكن التغل������ب عليهم؛ إذ إنهم تع ّدوا احلدود‪,‬‬ ‫ودفعوا مبناقش������اتهم إلى اجلمهور ووزّعوا رس������ائل بالبريد‬ ‫االلكترون������ي حصلوا عل������ى املعلومات فيه������ا‪ ,‬بالقرصنة‪ ,‬من‬ ‫محتويات احلواس������يب الشخصية‪ ،‬بدال من أن يحلوا املشكلة‬ ‫في املؤمترات أو على صفحات املجالت‪.‬‬ ‫وال يهــم معـرف ــة أي الصورتني أدق فيمــا لــو كـان األمــر يتعلق‬ ‫بالكوسمولوجيا (علم الكون) أو علم األحافير (املستحاثات)‬ ‫‪ paleontology‬أو أي عل������م آخر ليس له عالقة مباش������رة بحياة‬ ‫الن������اس‪ .‬ولكننا نعلم أن علم املن������اخ ليس من هذا النوع‪ ،‬إذ إن‬ ‫اخلب������راء يجمِ عون على أن للمناخ تأثيرا كبيرا في الزراعة وفي‬ ‫إنتاج الطاقة‪ ،‬إضافة إلى جتنب حدوث كارثة محتملة‪.‬‬ ‫وفي هذا الس������ياق‪ ,‬تعد كيفي������ة ترتيب احلوار مع اجلمهور‬ ‫أمرا حياتيا‪ .‬إذ من الض������روري أن تتضافر جهود احلكومات‬ ‫مع الناس التخاذ اإلجراءات الالزمة في هذا الشأن في الوقت‬ ‫احلالي من دون تأخير‪ .‬إذ إن التأخير سيؤدي إلى جعل اجلهود‬ ‫تغير رئيس في املناخ إلى تعقيد املش������كلة‬ ‫الالزمة لدرء آثار أي ٍ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وجع������ل حلها أصعب وأكثر تكلفة‪ .‬إال أن املباحثات ‪COP15‬‬ ‫املتعلقة بشأن املناخ التي عقدت في مدينة كوپنهاگن في الشهر‬ ‫‪ 2009/12‬ل������م تؤد إ ّال إلى وضع مش������روع وثيقة لسياس������ة غير‬ ‫تلزم الدول قانونيا بتخفي������ض انبعاثات االحتباس ناقد‪ :‬تبادلت >‪ .J‬ك ّري< االتهامات القاسية مع كثير من زمالئها في مجال علم املناخ‪.‬‬ ‫صارم������ة ال ِ‬ ‫احل������راري (الدفيئة)‪ .‬كما أن مجلس الش������يوخ ف������ي الواليات‬ ‫املتح������دة‪ ,‬بعد كوپنهاگن‪ ,‬لم يتمكن من مترير مش������روع قانون‪ ,‬املتعلق������ة باملناخ‪ ،‬حي������ث ا ّدعوا أن هناك مش������كالت جدية في‬ ‫«ولو ش������كليا» ُي ِلزم بخفض االنبعاثات رسميا‪ .‬وازدادت حيرة إحصائي������ات األعاصير التي اعتم������د عليها املقال خاصة قبل‬ ‫اجلمهور بعد ظه������ور مدونة «بوابة املن���اخ» ‪ Climategate‬عام سبعينات القرن العشرين‪ ،‬وأن >ك ّري< وشركاءها في البحث‬ ‫‪ 2009‬والهجوم الواس������ع النطاق على الهيئة ‪ IPCC‬وعلى صحة‬ ‫املنشور‪ ،‬فشلوا في أن يأخذوا التغ ّير الطبيعي بعني االعتبار‪.‬‬ ‫أخب������ار علم املناخ بصورة عامة‪ ،‬إذ يب������دو أن اجلمهور أصبح‬ ‫وتقول >ك ّري<‪« :‬كنا مدركني لهذه املش������كالت عندما نش������رنا‬ ‫أكث������ر حيرة م������ن أي وقت مضى حول قدرت������ه على فهم أخبار‬ ‫البحث‪ ,‬ولكن النق������اد يحاججون في أن هذه األمور تفوق في‬ ‫حسنت >ك ّري< الوضع أم جعلته أكثر سوءا؟‬ ‫املناخ‪ .‬فهل َّ‬ ‫أهميتها ما أخذناه باحلسبان»‪.‬‬ ‫( )‬ ‫عودة إلى اجلانب املظلم‬ ‫و>ك ّري< ال تواف������ق بالضرورة على االنتق������ادات املوجهة‬ ‫ب������دأت قصة >ك������ ّري< الزاخرة باملواجه������ات‪ SAGA ‬بعد إليها ولكنه������ا بدال من إهمالها‪ ,‬كما ُيتو َّقع من علماء كثيرين‪,‬‬ ‫أن نش������رت مقاال علميا أ ّلفته باالش������تراك م������ع زمالء لها عام بـدأت باحلــوار مع الن ّق ـ������اد‪ ،‬معلنة «أن الباحث الرئيـس وهو‬ ‫‪ 2005‬ف������ي مجلة العلم ‪ ،Science‬وفي������ه تعزو زيادة األعاصير >‪ .J .P‬وبستر< يدعمني في حواري مع الشكاكني»‪ ،‬وتستطرد‬ ‫( ) ‪OVER TO THE DARK SIDE‬‬ ‫االس������توائية القوية إلى االحت���رار العامل���ي‪.global warming ‬‬ ‫(‪ :COP15 )1‬االجتماع اخلامس عشر حول املناخ الذي ُعقد في كوپنهاگن بإشراف‬ ‫وقد القى هذا البحث انتقادات كثيرة في مد ّونات الش������كاكني‬ ‫(التحرير)‬ ‫األمم املتحدة‪.‬‬ ‫‪Michael D. Lemonick‬‬

‫‪67‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫>ك������ ّري< قائل������ة‪« :‬ولن������ا اآلن عالقات ودية مع >‪ .C‬الندس������ي‬ ‫(ال������ذي كنّا على خ���ل��اف معه خ���ل��ال ‪ ،)2006/2005‬كما كان‬ ‫لنا مناقش������ات مع >‪َ .P‬م ْيكيلز< بش������أن هذا املوضوع‪ ».‬وأثناء‬ ‫حوارها مع الش������كاكني‪ ,‬جازفت >ك������ ّري< بالتعبير عن آرائها‬ ‫على مد َّونة يديرها >‪ .R‬پلكِ ه جونير< [وهو أس������تاذ الدراسات‬ ‫البيئية بجامعة كولورادو] الذي كثيرا ما ينتقد مؤسس������ة علم‬ ‫املناخ على مدونة تدقيق ش����ؤون املناخ ‪ Climate Audit‬أيضا‬ ‫التي يديره������ا >‪ .S‬م ْكإنتاير<‪ ،‬وتق������ول‪« :‬أصبحت هذه املد ّونة‬ ‫َّ‬ ‫املفضل ألنني وجدت املناقش������ات فيها ممتعة جدا‬ ‫اختي������اري‬ ‫وقلت في نفس������ي‪ :‬حس������نا هؤالء هم الناس الذين أرغب في‬ ‫التواصل معهم بدال من وع������ظ أولئك املرتدين على صفحات‬ ‫[مد ّونة االجتاه السائد في علم املناخ] «‪».Real Climate‬‬ ‫وم������ن هنا بدأت >ك ّري< باحترام الدخالء على حقل املناخ‪,‬‬ ‫أو بعضه������م على األقل‪ ،‬كما بدأت بإع������ادة النظر في دفاعها‬ ‫������نوات طويلة‪.‬‬ ‫غير املوضوع������ي عن الهيئة ‪ IPCC‬الذي دام س‬ ‫ٍ‬ ‫وتقول >ك ّري<‪« :‬لقد أدركت أنني اتبعت االجتاه السائد‪ ,‬ليس‬ ‫بش������أن النش������رة املتعلقة باألعاصير بحد ذاتها‪ ،‬ولكن بشكل‬ ‫عام‪ ،‬قبولي غير املشروط بأن تقارير الهيئة ‪ IPCC‬هي األفضل‬ ‫فيما يتعلق بتغير املناخ‪».‬‬ ‫وه������ي تقول إنها وثقت دائما بقي������ام الهيئة ‪ IPCC‬بتجميع‬ ‫ورب������ط كافة اخلي������وط املتباينة في هذا املج������ال العلمي املع ّقد‬ ‫واملتع ّدد اجلوانب‪ .‬وتضيف‪« :‬لقد كان لي ‪ 90‬إلى ‪ 95‬في املئة‬ ‫من الثقة في تقرير مجموعة العمل ‪ 1‬في الهيئة ‪« IPCC‬مشيرة‬ ‫إلى القسم العلمي الرئيس من التقرير املؤلف من ثالثة أجزاء‪،‬‬ ‫وإن كانت قد أبدت ش������كوكا ح������ول بعض ما جاء في التقرير‪.‬‬ ‫ففي نواح لها فيه������ا بعض اخلبرة مثل الغيوم وجليد البحار‪،‬‬ ‫شع َرت بأن مؤ ّلفي التقرير لم يتوخوا الدقة متاما»‪ .‬وتقول‪ :‬لقد‬ ‫ْت في احلقيقة مبراجعة تقرير التقييم الثالث للهيئة ‪IPCC‬‬ ‫ُك ِّلف ُ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫وأعلمتهم أن التقرير ح������ول احلُ الالت الهوائي���ة املناخية‬ ‫مبس������طا للغاية‪ ،‬وأنهم لم يأتوا على ذكر مفعول‬ ‫‪ aerosols‬كان َّ‬ ‫احل���ل��االت الهوائية في تنوية الغيوم اجلليدية‪ .‬وهكذا‪ ,‬لم تكن‬ ‫������ي إظهار األمور غي������ر الصحيحة‪ ,‬ولكنه‬ ‫القضية بالنس������بة إل ّ‬ ‫اجلهل الذي لم ُيعترف به والثقة املبالَغ فيها‪ »،‬وتقول ضاحكة‪:‬‬ ‫«وقياس������ا على ذلك‪ ،‬فيا عجبي إذا كان اخلبراء في املجاالت‬ ‫األخرى على الشاكلة نفسها!»‪.‬‬ ‫وهن������اك‪ ,‬على ما يبدو‪ ,‬من بني املئات من العلماء الذين لهم‬ ‫عالقة بذل������ك التقرير الصادر عام ‪ 2001‬قلة ال يتجاوز عددهم‬ ‫أصاب������ع اليد ا ّدع������ت أن آراءها قد أهملت – م������ع أن تقرير‬ ‫التقيي���م الثال���ث ‪ Third Assessment Report‬ال يبدو أنه مي ّثل‬ ‫وجهة نظر أي من العلماء بصورة كاملة‪.‬‬ ‫<‬

‫‪68‬‬

‫ومنذ مجازفتها بالنشر على مد ّونات الشكاكني رأت >ك ّري‬ ‫أن األس������ئلة الواردة من أكثر الناس خب������رة تقنية هي من غير‬ ‫املختصني – ومن ضمنهم اإلحصائيون ومهندس������و امليكانيك‬ ‫رسخ من قلقها‪ .‬وفي‬ ‫ومصممو احلواسيب من الصناعة – مما َّ‬ ‫مقابلة حديثة لها ظه������رت على مد ّونة ‪ Collide-a-Scape‬املناخية‬ ‫تق������ول فيه������ا‪« :‬إنني ال أقول إن علم الهيئ������ة ‪ IPCC‬كان خاطئا‪,‬‬ ‫ولكنن������ي لم أعد أش������عر بأنني مجبرة على اس������تبدال ما تقرره‬ ‫الهيئة ‪ IPCC‬بأحكامي الشخصية‪».‬‬ ‫وبدأت >ك ّري< مبالحظة أمثل������ة أخرى كانت الهيئة ‪IPCC‬‬ ‫«تناقض العلم» بأش������كال عدة‪ .‬وعلى سبيل املثال‪ ،‬تقول‪« :‬إن‬ ‫أحد كبار الرواد في إحدى املؤسسات الكبيرة لنمذجة املناخ‬ ‫قد أخبرني أن م َن ْمذِ جي املناخ‪ ,‬على مايبدو‪ ,‬يصرفون ‪ 80‬في‬ ‫املئة من وقتهم معتمدين على نتائج جتارب الهيئة ‪ IPCC‬و ‪20‬‬ ‫ف������ي املئة من وقتهم فقط على تطوي������ر مناذج مناخية أفضل‪».‬‬ ‫وهي تؤك������د أيضا أن الهيئة ‪ IPCC‬خالفت قوانينها بنفس������ها‬ ‫بقبول نش������رات لم تحُ َ َّك ْم من قبل متخصصني‪ ,‬وبتعيني علماء‬ ‫قليلي اخلبرة‪ ,‬نسبيا‪ ,‬في مناصب عليا نظرا ألنهم يفيدون في‬ ‫تغذية املؤسس������ات املختلفة بروايات عن الهالك الذي يوش������ك‬ ‫أن يحدث‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫متسك ش������كاكو املناخ ببيانات >ك ّري< للتشكيك في أسس‬ ‫َّ‬ ‫علم تغير املناخ‪ .‬لذا‪ ،‬ال بد من التأكيد بأن جميع ما ذهبت إليه لم‬ ‫يفدها في التشكيك في املعلومات العلمية ذاتها وهي ال تزال من‬ ‫دون شك‪ ,‬تعتقد باحترار كوكب األرض‪ ,‬وأن غازات االحتباس‬ ‫احلراري الصادرة عن أنشطة البشر‪ ,‬مبا في ذلك ثاني أكسيد‬ ‫الكربون‪ ,‬هي املس������ ّبب الرئيس لذلك‪ ,‬أو أن السيناريو اجلدير‬ ‫بالتصديق ميكن أن يكون كارثيا‪ .‬وهي ال تعتقد أن الرس������ائل‬ ‫اإللكتروني������ة على موقع بواب���ة املن���اخ ‪ Climategate‬دليل على‬ ‫االحتي������ال أو أن الهيئة ‪ IPCC‬هي مج������رد مؤامرة دولية كبرى‪.‬‬ ‫ولكن م������ا تعتقده هو أن الغالبية العظمى من جماعة علم املناخ‬ ‫قد تخلت عن برجها العاجي وانتقلت إلى منوذج عقلية املقيمني‬ ‫في قلعة‪ ,‬والتي ُيعتبر املوجودون داخلها معصومني عن اخلطأ‪،‬‬ ‫ويعتبر الذين خارجها ممنوعني من دخولها‪.‬‬ ‫<‬

‫الاليقينية والعلم‬

‫( )‬

‫ل������م تكن >ك������ ّري< الوحيدة في نقدها للهيئ������ة ‪ IPCC‬وبعض‬ ‫أف������راد علماء املناخ‪ ،‬إذ لوحظ في بداي������ات انطالق موقع بوابة‬ ‫املناخ خطأ في تقرير الهيئة ‪ IPCC‬يتعلق بانصهار اجلليديات‪,‬‬ ‫وانهالت التهم املختلفة‪ ,‬وفق توجهات أصحابها‪ ,‬وطالت التهم‬ ‫( ) ‪UNCERTAINTY AND SCIENCE‬‬

‫(‪ )1‬هي جسيمات مثل الغبار والسخام التي تؤثر في تشكل الغيوم‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫(التحرير)‬


‫ما وراء األعداد‬

‫إدراك التوجهات‬

‫( )‬

‫تفتح بعض األس���ئلة الكبيرة في عل���م املناخ املجال للنقاش واخلالف ألن‬ ‫اإلجاب���ة عنه���ا غالبا م���ا تعتمد ولو بش���كل جزئي على قياس���ات أجراها‬ ‫وكالء مفوضون أو مس���اعدون نياب ًة عن العلم���اء (‪ )Proxy‬أو على بيانات‬ ‫ناقص���ة‪ .‬ويجاهر العلماء بش���كل روتيني مبدى تش���ككهم وع���دم يقينهم‪،‬‬ ‫ولكن هذا األمر بحد ذاته يؤدي بدوره إلى تش���كك اجلمهور في مصداقية‬ ‫النتائ���ج املعلن���ة‪ .‬ويبني الرس���مان البيانيان في األس���فل مثالني ملنظومة‬ ‫بيانات أثارت حولها اختالفا في وجهات النظر‪.‬‬

‫إعادة بناء املاضي‬

‫يتضمن التقرير التقييمي الثالث ‪ -‬للهيئة البينحكومية املسؤولة عن تغير املناخ ‪-‬‬ ‫الذي نشر في عام ‪ 2001‬رسما بيانيا لدرجات احلرارة على مدى ألف سنة مضت‪،‬‬ ‫ويتضح منه أن درجات احلرارة قد زادت بحدة في العقود األخيرة‪ ،‬ويعرف هذا‬ ‫الرسم باسم «عصا الهوكي»‪ .‬وتبدو شرائط اخلطأ (اللون البرتقالي) للقيم احملسوبة‬ ‫للماضي البعيد عالية‪ ،‬لعدم توفر قياسات لدرجات احلرارة خالل تلك الفترة‪ .‬وهذا‬ ‫دفع العلماء إلى استنتاجها بالتقدير على شاكلة ما يحدث في مجاالت أخرى مثل‬ ‫حلقات جذع الشجرة ‪ tree rings‬ومنو املرجان ‪ coral growth‬وثقوب الفجوات‬ ‫اجلليدية ‪ ice hole bores‬ومن بيانات أخرى‪ ( .‬يشير اللون األصفر إلى بيان قيم‬ ‫البيانات احلقيقية)‪ .‬وتقدر احتمالية صحة قيم درجات احلرارة الواقعة بني شرائط‬ ‫اخلطأ بخمس وتسعني في املئة‪.‬‬ ‫بيانات من مقاييس احلرارة‬ ‫بيانات أعيد بناؤها (حلقات جذع الشجرة‪ ،‬املرجان‪ ،‬لب الثلج‪ ،‬سجالت تاريخية)‬ ‫بيانات منعمة ‪( Smoothed‬وسطيا ‪ 50‬سنة)‬ ‫حدود اخلطأ (مجال املوثوقية ‪ 95‬في املئة)‬

‫متوسط اختالفات درجات احلرارة عبر السنوات‬ ‫(درجة سيلزية)‬ ‫‪1990 /1961‬‬ ‫‪0.5‬‬

‫‪0.0‬‬

‫‪–0.5‬‬

‫‪2000‬‬

‫‪1800‬‬

‫‪1600‬‬

‫السنة‬

‫‪1400‬‬

‫‪1200‬‬

‫‪–1.0‬‬ ‫‪1000‬‬

‫تنبؤات مستقبلية‬

‫عندما أصدرت الهيئة‪ IPCC ‬تقريرها التقييمي الرابع عام ‪ 2007‬ضمنته تقديرا‬ ‫الرتفاع مستوى سطح البحر‪ ،‬ونظرا لنقص البيانات عن حركية اجلليد لم يتم‬ ‫التطرق إلى أثر هذا العامل وأوردت الهيئة بدال من ذلك مجاال يكون فيه ارتفاع‬ ‫مستوى سطح البحر «محتمال»‪( ،‬وعرفت احملتمل على أنه احتمال قدره ‪ 66‬في املئة)‪.‬‬ ‫وبعدها عالج العلماء البيانات اجلديدة فتوقعوا أن يكون ارتفاع مستوى سطح‬ ‫البحر أكثر من ِضعْ ف ما جاء في التقرير‪.‬‬

‫االرتفاع املتوقع ملستوى سطح البحر بحلول عام‬ ‫(بالسنتمترات)‬ ‫‪2100‬‬

‫‪200 - 80‬‬

‫متضمن‬ ‫جريان اجلليد‬ ‫َّ‬ ‫(فيفير‪)2008 ،‬‬

‫‪59 - 18‬‬

‫متضمن‬ ‫جريان اجلليد غير‬ ‫َّ‬ ‫(تقرير الهيئة‪ IPCC ‬عام ‪)2007‬‬

‫‪69‬‬

‫>‪ .K .R‬پاشوري< رئيس الهيئة ‪ .IPCC‬فقامت هيئات متعددة مثل‬ ‫هيئة األمم املتحدة ‪ U.N‬واحلكومة البريطانية وبعض اجلامعات‬ ‫على جانبي األطلس������ي بإجراء حتقيقات‪ ,‬إال أنهم لم يجدوا أي‬ ‫دليل على خ������داع علمي – وأهم هذه التحقيقات ذلك الذي قام‬ ‫به املجلس البينأكادميي )‪ – )1((IAC‬وهو شبكة تضم أكادمييات‬ ‫العلوم األمريكية الوطنية ونظيراتها حول العالم‪ ,‬وقد أش������اروا‬ ‫في تقريرهم إلى أنهم لم يجدوا أخطاء رئيسة أو حتريفات‪ ,‬إال‬ ‫أنهم ذكروا أن طرائق الهيئة ‪ IPCC‬فش������لت في تطوير نفس������ها‬ ‫مع الزمن وأن املجلس‪ ,‬في بعض احلاالت‪ ,‬لم يتمكن من فرض‬ ‫معاييره بصرامة‪.‬‬ ‫واملوض������وع الرئيس الذي يهم >ك ّري< أيضا‪ ,‬بغض النظر‬ ‫عن املهاترات الكالمية‪ ,‬هو في الواقع املشكلة الرئيسة املتمثلة‬ ‫بالقدرة على ترجمة علم املناخ إلى سياس������ة مناخية‪ .‬فالناس‬ ‫جميعهم‪ ,‬يريدون أن يعرفوا فيما إذا كانت األرض ستحتر أم‬ ‫ال‪ ،‬وما هو مقدار الزيادة في درجات احلرارة ومتى سيحصل‬ ‫ذلك‪ ,‬كما يريدون أن يعلموا مدى األضرار التي س������تنجم عن‬ ‫االحترار‪ .‬وتأتي اإلجابة التي يقدمها العلماء عن هذه األسئلة‬ ‫في أبح������اث علمية ف������ي املؤمترات وبلغة يصع������ب فهمها عن‬ ‫املجاالت املوثوق بها وعن االحتماالت‪ .‬ونظرا ملا لهذا األمر من‬ ‫عالقة وثيقة بالسياس������ة‪ ,‬فإن بعض العلماء ميتنعون عن ذكر‬ ‫أي ش������يء عن «الاليقينية» ‪ uncertainty‬للجمهور وذلك خوفا‬ ‫ممن هم من أمثال عضو مجلس الشيوخ عن أوكالهوما‪ ،‬وهو‬ ‫السيناتور >جيمس< الذي يقول‪« :‬هذه أكبر خدعة ترتكب بحق‬ ‫الشعب األمريكي»‪ ،‬ثم يتبعه >إنهوف< وغيره – من الشكاكني‬ ‫بدوافع سياسية في استعمال كلمة «الاليقينية» كذريعة فعالة‬ ‫ضد مشروع علم املناخ – وحجتهم في ذلك أن العلماء الذين‬ ‫ال يعرفون كل شيء‪ ،‬ال يعرفون شيئا‪.‬‬ ‫وتكمن الاليقينية في كل م������ن البيانات املتعلقة باملناخ في‬ ‫املاض������ي وفي النم������اذج التي متثل املناخ املس������تقبلي‪ .‬وتؤ ّكد‬ ‫>ك������ ّري< أن العلم������اء لم يعاجلوا «الاليقينية» في حس������اباتهم‬ ‫بكف������اءة‪ ،‬كما أنه������م ال يعرفون بدقة القيمة األساس������ية القابلة‬ ‫للج������دل في املوضوع‪ :‬تغي������ر املناخ الناجت م������ن زيادة تركيز‬ ‫ثاني أكس������يد الكربون ‪ - CO2‬أي ما إذا كان االحترار الناجم‬ ‫عن تضاعف تركيز الغاز ‪ CO2‬وحده س������يكون له أي تأثيرات‬ ‫ضخم������ة أو مخففة في انصهار اجلليد أو زيادة بخار املاء أو‬ ‫أي من دستة عوامل أخرى‪.‬‬ ‫وتزداد األمور س������وءا حني تتساءل‪ :‬إذا أردنا أن نستخدم‬ ‫هذه البيانات في توقع الزيادات احملتملة في درجات احلرارة‬ ‫( ) ‪MAKING SENSE OF TRENDS‬‬ ‫(‪InterAcademy Council )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫اخلطة‬

‫كيف نواجه مصيرا مجهوال‬

‫( )‬

‫حان الوقت للتخلي عن حلم الوصول إلى اتفاق مسبق بني جميع األمم لكي نتمكن من تنفيذ خطة مناخ منوذجية‪.‬‬ ‫>‪ .G .M‬مورگن<‬

‫يتخ����ذ الن����اس على ال����دوام قرارات ح����ول أمور ال تع����رف عقباها‪ .‬فقد‬ ‫اخترنا مكان دراس����تنا اجلامعية‪ ،‬واملهنة التي نريد‪ ،‬وشريك حياتنا‪ ،‬وإن‬ ‫كن����ا نري����د إجناب أطف����ال واتخذنا فيها ق����رارات بناء عل����ى معلومات غير‬ ‫وافي����ة وغي����ر مؤكدة‪ .‬وتس����لك احلكومات الس����لوك ذاته‪ ،‬فه����ي تدعم ماليا‬ ‫ش����بكات النق����ل‪ ،‬وتغير سياس����اتها التنظيمي����ة‪ ،‬وتنفذ برام����ج اجتماعية‪،‬‬ ‫وتعل����ن احل����رب وتدعو إلى الس��ل�ام‪ ،‬عل����ى الرغم من أنها غي����ر متأكدة من‬ ‫الكيفية التي ستسير عليها األمور‪.‬‬ ‫م���ع أن الكثير من تفاصيل علم املناخ غير‬ ‫موثوق���ة‪ ،‬إال أنن���ا نعلم الكثير ع���ن كيفية تغير‬ ‫املناخ نتيجة الزيادات الهائلة في نس���بة ثاني‬ ‫أكس���يد الكربون في اجلو‪ ،‬أكثر مما نعرف عن‬ ‫كثي���ر من اخليارات الت���ي نواجهها في احلياة‬ ‫اخلاصة أو في السياس���ة‪ .‬وقد أدت نش���اطات‬ ‫البشر خالل القرنني املاضيني إلى وضع كوكب‬ ‫األرض ف���ي مواجهة خطر كبير‪ .‬وإذا لم نس���ع‬ ‫إلى تغيير نظمنا الطاقية وتخفيض انبعاثات‬ ‫غازات االحتباس احلراري‪ ،‬فسيواجه أبناؤنا‬ ‫وأحفادن���ا ف���ي نهاي���ة الق���رن احلال���ي تغيرات‬ ‫كبي���رة ف���ي النظ���م البيئي���ة وف���ي نظ���م املناخ‬ ‫اإلقليمي���ة والت���ي من ش���أنها أن ُتع ِّرض س���بل‬ ‫عيش وحياة باليني البش���ر ف���ي العالم النامي‬ ‫للخط���ر‪ .‬وعلى املش���تغلني بعلم املن���اخ وتقييم‬ ‫البيانات أن يكونوا أكثر اهتماما وانفتاحا في تواصلهم مع اجلمهور علما‬ ‫بأن عدم اليقني في القضايا العلمية ال يشكل عائقا أمام تقدم السياسات‪.‬‬ ‫وأول ش���يء علينا فعله هو أن نضع جانبا فكرة ضرورة موافقة جميع‬ ‫األمم قب���ل أن يق���وم أي منه���ا باتخ���اذ إج���راءات جدية لتخفي���ض انبعاثات‬ ‫الكربون‪ ،‬وإال فإننا س���نواجه عقودا من التأخير‪ .‬وعلينا أن نسعى جاهدين‬ ‫إل���ى التوص���ل إلى اتفاقيات دولية مع التركيز على ضرورة أن تقوم مختلف‬ ‫األمم واملناط���ق بإج���راء اخلطوات الالزمة‪ .‬وعلينا أن نطور اس���تراتيجيات‬ ‫دولي���ة لدمج ضروب الطرائق املختلفة للتحكم في االنبعاثات الكربونية من‬ ‫خالل اتفاقيات أكثر شموال‪ ،‬وأن نطور استراتيجيات نلزم اجلميع بتطبيق‬ ‫بنوده���ا باإلقناع‪ ،‬أو عن طريق اتخاذ إجراءات تتمثل بفرض ضرائب عالية‬ ‫على واردات املناطق غير امللتزمة‪.‬‬

‫خ���ل��ال القرن الق������ادم‪ ,‬فإننا لن نتمكن من ذل������ك ألن البيانات‬ ‫املتوف������رة مش������كوك فيه������ا‪ .‬وتضي������ف‪« :‬هناك ع������دد كبير من‬ ‫املجاهي������ل التي ال نعلم كيف نق ِّيس������ها والتي يجب أن نأخذها‬ ‫بع���ي��ن االعتبار في حتديد موثوقية نتائجنا»‪ .‬وهي تعطي مثاال‬ ‫على ذلك املخطط البياني الذي يشبه «عصا الهوكي»(‪ )1‬الذي‬ ‫يبي أن درجات احلرارة احلالية هي األعلى عبر مئات السنني‪.‬‬ ‫نِّ‬ ‫وإذا كنت ترغب في أن تقول إن هذه الس������نة أو ذاك العقد هو‬ ‫األكثر س������خونة‪ ,‬فعليك أن تعرف متام������ا كيف كانت درجات‬ ‫احلرارة عبر مئات الس������نني تلك؛ و>ك ّري<‪ ,‬إضافة إلى غيرها‬ ‫من الش������كاكني‪ ,‬تعتقد أنه ال تتوفر املعلومات الدقيقة عن ذلك‬ ‫بالشكل الذي تقتنع به املؤسسة العلمية‪.‬‬ ‫ويرى الكثير من علماء املناخ أن هذه الش������كاوى غير عادلة‪.‬‬ ‫‪70‬‬

‫وعلين���ا أن نتخل���ى ع���ن عقلي���ة «نح���ن – مقاب���ل اآلخرين»‪ .‬فمما ال ش���ك‬ ‫في���ه أن العال���م املتق���دم حقق الكثير م���ن التطور خالل فت���رة االنبعاثات غير‬ ‫املقي���دة م���ن غازات االحتباس احلراري‪ .‬ولكن ه���ل ذهبت مؤخرا إلى الصني‬ ‫أو البرازيل أو تش���يلي؟ فطائراتهم‪ ،‬وأجهزة الهواتف النقالة‪ ،‬والس���يارات‪،‬‬ ‫واحلواسيب جميعها من نتاج تلك السنوات من التطور‪ .‬وينبغي على األمم‬ ‫املتقدم���ة أن تق���ود حمل���ة التحكم ف���ي االنبعاثات ألنها تس���تطيع أن تتحمل‬ ‫هذا العبء‪ .‬ولكن مس���ؤولية زي���ادة االنبعاثات‬ ‫ليس���ت واضح���ة متام���ا‪ ،‬فاملالي�ي�ن م���ن أغنياء‬ ‫العال���م النام���ي يزيدون من تراكي���ز االنبعاثات‬ ‫ف���ي اجل���و مثلما يفع���ل اآلخ���رون‪ ،‬وعليهم تقع‬ ‫املسؤولية كغيرهم‪.‬‬ ‫وأخي���را‪ ،‬علين���ا أن نس���اعد اجلمهور على‬ ‫فه���م األم���ور األساس���ية‪ .‬ففي دراس���ة قمت بها‬ ‫مع زمالئي ونش���رتها في مجلة‪ Risk Analysis ‬‬ ‫قبل ‪ 15‬س���نة وأعدنا نش���رها ه���ذا العام وجدنا‬ ‫فيها أن كثيرا م���ن األمريكيني ال يعرفون الفرق‬ ‫بني «املن���اخ»‪ climate ‬و «الطقس»‪ ،weather ‬وأن‬ ‫األغلبي���ة ال ت���زال حت���ى اآلن ال ت���درك أن ح���رق‬ ‫الفح���م احلج���ري أو الزيت أو الغ���از الطبيعي‬ ‫هو املس���بب الرئي���س لتغير املن���اخ‪ .‬ولن يكون‬ ‫التثقي���ف وتغيير الصورة س���هال‪ ،‬ألن جماعات‬ ‫الضغط مس���تمرة في ص���رف ماليني الدوالرات‬ ‫كل سنة‪ ،‬لتحمي مصاحلها الشخصية اآلنية‪ ،‬وذلك بترك اجلمهور مشوشا‪.‬‬ ‫وقد مت استعمال موقع بوابة املناخ ‪ Climategate‬لزيادة هذا التشويش‪.‬‬ ‫لقد احتاجت جماعات الضغط إلى عشرات السنني لتوضيح العالقة‬ ‫ب��ي�ن تدخني الس����گائر واإلصابة مبرض الس����رطان‪ .‬وإذا لم نعمل س����ريعا‬ ‫عل����ى تخفيف ج����ذري لالنبعاثات الكربونية‪ ،‬فس����نجد أنفس����نا في طريق‬ ‫يؤدي بنا إلى كارثة بعد عدة عقود‪ .‬ونحن لسنا متأكدين من ذلك بالطبع‪،‬‬ ‫ولك����ن اخلط����ر حقيق����ي‪ ،‬وعلينا أن نبتعد ع����ن التحيز والنزاع����ات ألنها ال‬ ‫تعمل في صاحلنا‪.‬‬

‫>مورگن< رئيس الهندسة والسياسة العامة في جامعة كارنيگي ميلون‪ ،‬ومدير‬ ‫مركزها اخلاص باتخاذ القرارات حول املناخ‪.‬‬

‫وتبي في‬ ‫ويقولون إن الهيئة ‪ IPCC‬تدرك متاما تلك الش������كوك‪ ،‬نّ‬ ‫تقاريره������ا صراحة وعلى الدوام املجاالت املش������كوك فيها‪ ،‬كما‬ ‫تب���ي��ن التقارير بوضوح املجاالت التي ال زالت بحاجة إلى مزيد‬ ‫من اإليضاح‪ .‬وم������ن الناحية العلمية‪ ,‬ال ميك������ن إعطاء إجابات‬ ‫محددة عن أس������ئلة مثل «كم درجة سترتفع حرارة األرض؟» أو‬ ‫«كم س������يرتفع مس������توى البحر؟» ولكن اخلبراء يعطون بدال من‬ ‫هذه اإلجابات احمل ّددة مجاالت وفواصل موثوقا بها ومعلومات‬ ‫مشابهة‪ .‬واألهم من ذلك‪ ,‬أن علماء آخرين يختلفون مع >ك ّري<‬ ‫على مدى أهمية تلك املعطيات على احلس������اب النهائي‪ .‬نعم إن‬ ‫العدد األساسي واألهم في علم املناخ غير معروف بدقة مطلقة‬ ‫( ) ‪How to Cope with an Uncertain Fate‬‬ ‫(‪hockey stick )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫كما يقول >‪ .H .S‬شنايدر< [األستاذ في جامعة ستانفورد] في حتريك دواليب الرولي������ت»‪ .‬ويضيف قائال‪« :‬مبا أن موضوع‬ ‫حديث له قبل وفاته بقليل في الشهر ‪ .2010/7‬ولكن هذا العدد املناخ معقد‪ ،‬فإن مصطلحات مثل «محتمل» ‪ likely‬و«محتمل‬ ‫غير مؤكد به بأج������زاء من املئة فقط بحيث ال يحرف التوقعات جدا» في تقارير الهيئة ‪ IPCC‬متثل الكثير من دورات الدواليب‬ ‫كثيرا‪ .‬أما اآلثار األخرى‪ ,‬مثل الغيوم‪ ,‬التي تس������ ِّرع أو ِّ‬ ‫تؤخر أو الكثير من رميات زهر الطاولة في الوقت نفسه‪ ,‬وجميعها‬ ‫االحترار ففعلها غير معروف بدقة – وهنا يش������ير أش������خاص تتآثر بعضها مع بعض‪ .‬وعندما يحاول العلماء ترجمة الكالم‬ ‫يبس������طونه‬ ‫مثل >ش������نايدر< إلى أن تدني الدقة س������بق أن أوضحته الهيئة اإلحصائي املبهم إلى لغة مفهومة َف ُه ْم بالضرورة ّ‬ ‫مب ْن َهجية الشك كثيرا إلى الدرجة التي يطغى فيها بريق التفس������ير على دقته‪.‬‬ ‫‪( .IPCC‬و>شنايدر< هو الذي أقنع هذه الهيئة َ‬ ‫قب������ل عقد من الزمن)‪ .‬ولهذا الس������بب‪ ,‬تع������د اتهامات >ك ّري< وبذل������ك يحصل اجلمهور على نس������خ كارتوني����ة ‪ cartoon‬من‬ ‫لآلخرين مض ِّللة حسب رأي ن ّقادها‪ .‬وقد قال >شنايدر<‪« :‬لقد نظريات املناخ التي يسهل دحضها‪».‬‬ ‫رأينا مؤخرا الكثير من حجج >ك ّري< الواهية‪,‬‬ ‫ودرس مه������م للجمهور ه������و أن لاليقينية‬ ‫وإنه������ا بصدق‪ ,‬لصدمة كبي������رة أن نرى عاملة‬ ‫طريقني اثنني‪ .‬فعندما يكون العلم غير متيقن‪,‬‬ ‫إن لاليقينية‬ ‫متميزة تفكر به������ذه الطريقة غي���ر املتقنة(‪.)1‬‬ ‫فهذا يعن������ي أن الواقع قد يكون أفضل بكثير‬ ‫طريقني اثنني‪.‬‬ ‫لدي أي تفسير لذلك»‪.‬‬ ‫مما تش������ير إليه التوقع������ات أو أن الواقع قد‬ ‫وليس ّ‬ ‫العلم‬ ‫يكون‬ ‫فعندما‬ ‫وقلة العناية ليس������ت وحيدة اجلانب‪ ،‬على‬ ‫يكون أس������وأ بكثير‪ .‬فتوقعات ارتفاع مستوى‬ ‫أية حال‪ .‬فبينم������ا ع ّبر املجلس‪ ,IAC‬في نهاية اليقينيا فهذا يعني س������طح البحر هي إحدى احلاالت التي متثل‬ ‫هذا املوقف‪ .‬فعلماء اجلليديات ميكنهم تقدير‬ ‫حتقيقاته‪ ,‬عن االحترام للهيئة ‪ IPCC‬باملج َمل‪ ,‬أن الواقع ميكن‬ ‫إال أنه أبدى بعض املالحظات حول أس������لوب‬ ‫الس������رعة التي تذوب فيها طبقات اجلليد التي‬ ‫أفضل‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫هذه املنظمة في التعام������ل مع املعلومات التي‬ ‫تغطي گرينالند والقطب اجلنوبي عندما ترتفع‬ ‫تشير‬ ‫مما‬ ‫بكثير‬ ‫تكتنفها الريبة والش������ك‪ .‬ويقول >‪ .H‬شاپيرو<‬ ‫درجات حرارة األرض‪ ،‬وعلى ضوئها يق ّدرون‬ ‫[الرئيس السابق جلامعة پرنستون وهو رئيس إليه التوقعات‪ .‬كما ارتفاع مستوى سطح البحر املتوقع‪ .‬علما بأن‬ ‫املجلس ‪« :]IAC‬لقد نظرنا بعناية إلى قيامهم قد يعني أيضا أن االحترار يؤثر في السرعة التي تنساب فيها‬ ‫بتوصيل مس������توى الشك‪ ،‬في معلومة ما‪ ،‬إلى‬ ‫األنهار اجلليدية من طبقات اجلليد في اجتاه‬ ‫أن‬ ‫ميكن‬ ‫الواقع‬ ‫صانعي القرار»‪« ،‬وقد وجدنا أنها مشوش������ة‪،‬‬ ‫البحر لتغطي جبال الثلج العائمة التي تؤدي‬ ‫إنهم يقومون بذلك أحيانا بشكل جيد‪ ،‬ولكنهم يكون أسوأ بكثير‪ .‬بدورها إلى ارتفاع مس������توى س������طح البحر‪.‬‬ ‫في أحيان أخرى يقل مستوى أدائهم‪ .‬فهناك‬ ‫علما ب������أن توقع األثر األخي������ر أكثر صعوبة‪.‬‬ ‫بع������ض البيانات التي ُع������ َّدت موثوقة متاما على الرغم من عدم وف������ي احلقيقة تق������ول >ك ّري<‪« :‬إننا ال نعل������م كيف نقيس هذا‬ ‫توفر أدلة كافية على صحتها‪ ,‬وفي بعض األحيان كانت هناك االرتفاع‪ ,‬ولهذا فإنن������ا ال ن َ‬ ‫ُض ِّمنه في مناذجنا‪ ،‬ولكنه موجود‬ ‫بيانات ال ميكن دحضه������ا»‪ .‬فالفكرة التي ال ميكن إثبات عدم ونعلم أن من احملتمل أن يكون له تأثير‪».‬‬ ‫صحتها‪ ،‬ال تعتبر بالضرورة علمية‪.‬‬ ‫وقد كش������فت الهيئ������ة ‪ IPCC‬في تقريره������ا التقييمي الرابع‬ ‫وجند >ك ّري<‪ ,‬منسجمة مع زمالئها في مجال واحد على عام ‪ 2007‬عن هذا الش������ك املتعلق بالصفائح اجلليدية بدال من‬ ‫األق������ل‪ ،‬وهو أن اجلمهور بحاجة إل������ى أن يدرك أن الاليقينية‬ ‫التغطية على هذا الش������ك وفق ما ُيفهم م������ن انتقادات >ك ّري<‬ ‫في العلم ليست الشيء نفسه كعدم املعرفة؛ إنها (الاليقينية) مبجملها‪ .‬إذ يتوقع التقرير ارتفاعا في مس������توى سطح البحر‬ ‫باألح������رى نظام لقياس ما هو غير معروف كميا‪ .‬وقد س������عت قدره ‪ 0.18‬إلى ‪ 0.59‬متر في نهاية القرن‪ ,‬مع استبعاد واضح‬ ‫>ك ّري< إلى بدء نقاش حول واحدة من أهم املشكالت وأصعبها إلمكانية زيادة جريان اجلليد‪ .‬ويبدو‪ ,‬حسبما ُذكر في التقرير‪,‬‬ ‫في السياسة املناخية‪ ،‬والتي تتمثل‪ :‬باملدى الذي ميكن للعلم أن الزيادة الناجتة من هذا املس������ ّبب محتملة ولكن املعلومات‬ ‫أن يقدم ش������يئا صحيحا على الرغم من وجود فجوات تكتنف املتوفرة في ذلك الوقت ال تكف������ي لتقدير االرتفاعات‪ .‬وأعطت‬ ‫املعرفة بهذا الش������يء‪ .‬ويقول >‪ .E .C‬فورست< [اإلحصائي في األبحاث اجلديدة بعد صدور التقرير صورة منطقية أكثر عما‬ ‫جامعة والية پنسلڤانيا]‪« :‬إذا لم نتمكن من الكالم بلغة نظرية ميك������ن أن يحدث في مجال ديناميات اجلليد‪ ،‬و ُيلفِ ت الباحثون‬ ‫االحتماالت والتوزيع������ات االحتمالية‪ ,‬فعلينا أن نلجأ إما إلى االنتب������اه إل������ى أن قدرا كبيرا من الش������ك الزال قائما بش������أن‬ ‫احملاباة والتحيز ألحد األطراف أو إلى رمي زهر الطاولة‪ ,‬أو‬ ‫(‪ sloppy )1‬تعوزها العناية‪ ،‬أو مشوشة‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫(التحرير)‬


‫التوقع������ات‪ .‬وهذا يعني أن التو ّقعات األصلية كانت مفرطة في‬ ‫التفاؤل [انظر اإلطار في الصفحة ‪.]69‬‬ ‫وما ينطبق على االرتفاع في مستوى سطح البحر‪ ,‬ينطبق‬ ‫أيضا على س������ائر العوامل املؤثرة في املناخ‪ ،‬وتقول >ك ّري<‪:‬‬ ‫«ميك������ن أن يكون االحتمال األس������وأ املتوقع أكثر س������وءا مما‬ ‫نتوقع������ه في الوقت احلال������ي»‪ ،‬فاالرتفاع ف������ي درجة احلرارة‬ ‫نتيجة تضاع������ف تركيز غاز ثاني أكس������يد الكربون في اجلو‬ ‫«قد يكون درجة واحدة فقط؛ وقد يكون عشر درجات‪ .‬فلنأخذ‬ ‫هذه األم������ور بعني االعتب������ار‪ ,‬ونط ّور خيارات سياس������ية لكل‬ ‫االحتم������االت‪ ,‬وعلينا أن نضع حتليال دقيقا لكل منها وعندها‬ ‫نبدأ باحلصول على النتائج املنطقية»‪.‬‬ ‫إيقاع ضرر‬

‫( )‬

‫مما الش������ك فيه أن >ك������ ّري< أحدثت ّ‬ ‫خض���ة(‪ ,)1‬وكثيرا ما‬ ‫يستش������هد بها من قبل بعض أكثر الش������كاكني قس������وة‪ ،‬مبن‬ ‫فيهم >‪ .M‬مورانو< [املس������اعد السابق لعضو مجلس الشيوخ‬ ‫>إنه������وف< واملؤس������س ملدوّ ن���ة الش���ك ‪ .]Climate Depot‬ولم‬ ‫يقتصر االهتمام بأمرها على الش������كاكني بل تعداه إلى غيرهم‬ ‫مثل >‪ .C .A‬رڤلني< [مراس������ل ش������ؤون املناخ في مجلة نيويورك‬ ‫تامي������ز لفترة طويلة] الذي عاملها بكل احترام في مد َّونته التي‬ ‫حتمل اس������م ‪ Dot Earth‬أكثر من مرة‪ .‬وكذلك أيضا >‪ .K‬كلور<‬ ‫الذي يدير املد ّونة املسماة ‪ Collide-a-Scape‬والتي تأخذ منحى‬ ‫موضوعيا وصارما‪.‬‬ ‫وأكث������ر ما يقل������ق العلماء أن طرح املوضوع بهذا الش������كل‬ ‫العلن������ي‪ ،‬يعني أن >ك������ ّري< متتلك القدرة عل������ى إيقاع ضرر‬ ‫باإلجم������اع املتعل������ق بتغير املناخ الذي تك ّون عب������ر الـ ‪ 20‬عاما‬ ‫األخيرة‪ .‬وهم ال يرون ضرورة للتغلب على الش������كاكني‪ ,‬حتى‬ ‫ولو اس������تطاعوا فعل ذلك‪ .‬ويقول >‪ .A .G‬شميدت< [أستاذ علم‬ ‫مناخ في معهد ناسا گودّارد(‪ )2‬للدراسات الفضائية في مدينة‬ ‫نيويورك‪ ,‬وهو صاح������ب املد َّون������ة ‪« :]RealClimate‬ليس العلم‬ ‫ميدان صراع سياس������ي‪ .‬ونحن ال نح������اول أن نكون أصدقاء‬ ‫لكل واحد‪ ,‬ونقبل طفل كل واحد‪».‬‬ ‫وال يأت������ي الضرر من وجه������ة نظر >ك ّري< م������ن انتقادات‬ ‫الش������كاكني أنفس������هم والتي في معظمها قابلة للنقاش‪ ،‬بل من‬ ‫استجابات املجموعة العلمية لهم – ويشبه هذا األمر الوفيات‬ ‫الناجت������ة من األنفلونزا الڤيروس������ية التي ال تنتج من الڤيروس‬ ‫نفسه وإمنا من التفاعل املفرط للجهاز املناعي‪ .‬وتع ّلق >ك ّري<‬ ‫أنه������ا هي نفس������ها كانت ضحي������ة لذلك‪ ،‬إذ قاومه������ا زمالؤها‬ ‫جلهودها الالمتناهية (وتضيف أنها لم تتض ّرر مهنيا‪ ,‬والتزال‬ ‫تنش������ر أبحاثها)‪ .‬ويقول >ما ْكإنتاير<‪« :‬لقد انتقدتها مجموعة‬ ‫‪72‬‬

‫علماء املناخ بش������دة ألنها لم تلتزم بالفت���وى‪ fatwa ‬القاضية‬ ‫[بعدم التحاور مع الدخالء]‪».‬‬ ‫ويوافق بع������ض املع ّلقني غير املعنيني عل������ى ذلك‪ .‬ومنهم‬ ‫>‪َ .A .S‬ه ْس������لَم< [وه������و خبي������ر في عل����م النف����س التنظيمي‬ ‫‪ organizational psychology‬ف������ي جامعة إكس������تر بانگلترا]‪.‬‬ ‫فهو يق������ول‪« :‬إن جماعة املناخ يعان������ون «متالزمة اخلروف‬ ‫األس����ود» ‪ black sheep syndrome‬حيث ينزعج بعض أعضاء‬ ‫اجلماع������ة من انتقادات الغرباء‪ ,‬فيصبون جام غضبهم على‬ ‫غير الغرباء املتآزرين مع الغرباء‪ ».‬وحس������ب رأي > َه ْسلم<‪،‬‬ ‫يحس������نون في‬ ‫عندما يعامل العلماء >ك ّري< كمنبوذة وبذلك‬ ‫ّ‬ ‫الواقع س������معتها باعتبارها مرت������دة تقول احلقيقة ألصحاب‬ ‫الس������لطة‪ .‬وحتى لو كانت مخطئة إلى ح������د كبير‪ ،‬فليس من‬ ‫مصلح������ة علماء املناخ أن يعاملوا >ك ّري< كمصدر إزعاج أو‬ ‫خالف‪ .‬ويقول >هسلم<‪« :‬أعتقد أن انتقاداتها ُم َخ ِّربة» ولكن‬ ‫«كل هذا‪ ,‬بشكل أو بآخر‪ ,‬نتيجة لعدم اإلقرار بأن للعلم كله‬ ‫تلك الديناميات السياسية»‪.‬‬ ‫وعلى أية حال فإن لـ >ك ّري< صورتني مختلفتني تتراوحان‬ ‫بني كونها داعية س���ل��ام وكونها س������اذجة؛ وف������ي احلقيقة‪،‬‬ ‫فإنه������ا مزيج م������ن كلتيهم������ا‪ .‬فعلماء املناخ يش������عرون بأنهم‬ ‫بحاجة إلى الدفاع عن أنفس������هم جتاه احمل َّرضني سياس������يا‬ ‫لتصي������د الس������احرات‪ ,‬وفي ذلك اجلو املش������حون‪ ,‬اع ُت ِبر ما‬ ‫حاولت >ك ّري< فعله خيانة عظمى – خاصة أن الش������كاكني‬ ‫استش������هدوا بها برهان������ا على أنهم لم يخطئ������وا قط‪ .‬إال أن‬ ‫لكل مِ ْن >ك ّري< والش������كاكني س������ببا خاصا للشعور بالظلم‪،‬‬ ‫إذ إنهم يشعرون بأنهم عوملوا كمغفلني بسوية واحدة ومن‬ ‫دون متيي������ز‪ ،‬وبغض النظر عن وجاهة مناقش������اتهم‪ .‬واألمر‬ ‫كل������ه دخل في مضمار العراك السياس������ي‪ ,‬وبدال من إجراء‬ ‫مناقش������ات موضوعية بني املعنيني عن التفاصيل الصغيرة‬ ‫للبيانات واملنهجية واالس������تنتاجات حت ّول األمر إلى صياح‬ ‫وضجيج‪ .‬ورمبا ال يعقل أن يتوقع املرء توقف املهاترات بني‬ ‫الفرقاء‪ ،‬ولكن جوهر القضية هو التركيز على العلم نفس������ه‬ ‫>‬ ‫بدال من هذا الضجيج‪.‬‬ ‫( ) ‪DOING DAMAGE‬‬ ‫(‪a stir )1‬‬ ‫(‪the NASA Goddard Institute )2‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪Scientific American, November 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫املجلد ‪ 27‬العددان‬ ‫مارس‪ /‬إبريل ‪2011‬‬

‫‪4/3‬‬

‫تقرير خاص ‪ :‬االستدامة‬

‫احلياة على أرض جديدة‬

‫(٭)‬

‫لقد غ ّير البشر كوكب األرض جذريا‪ .‬لكن األفكار‬ ‫واألفعال اجلديدة تستطيع منعنا من تدمير أنفسنا‪.‬‬ ‫إذا ما تغاضينا عما يحدث للمصارف وصناعة الس���يارات‪،‬‬ ‫ف���إن األرض ه���ي حق���ا املش���كلة الوحي���دة اخلطيرة إل���ى درجة‬ ‫التس���مح بالفشل في معاجلتها‪ .‬فمنذ قرون والبشر يستنفدون‬ ‫م���وارد كوكبه���م ويراكم���ون علي���ه فضالته���م وال يتحركون إال‬ ‫عندم���ا جتف اآلب���ار والينابيع أو عندما تصبح مياه أربعينات‬ ‫الق���رن املاضي ملوث���ة‪ .‬ونحن وقد أنهكنا هذه االس���تراتيجية‪،‬‬ ‫أخ���ذ العلم���اء واملفك���رون االجتماعي���ون واملجتمع���ات العاملية‬ ‫بالتس���ليم في أن البشر قد حولوا فعال كوكب األرض الطبيعي‬ ‫إل���ى آخر صناع���ي‪ ،‬وأن من الواجب القيام بتحويله إلى كوكب‬ ‫قابل لالستدامة إذا اخترنا عدم الفناء‪.‬‬ ‫فم���ا هي خطة النج���اة إذن؟ اخلطوة األولى في هذه اخلطة‬ ‫ه���ي تعيني مدى ق���رب العا َلم من «الفش���ل»‪ .‬ولذلك يعرض عالم‬ ‫البيئ���ة >‪ .J‬فول���ي< ف���ي الصفح���ة ‪ 74‬نتائ���ج التع���اون العامل���ي‬ ‫الرئيسي التي بينت حدود أمان السيرورات البيئية احملورية‪،‬‬

‫مثل التغير املناخي وازدياد حموضة احمليطات‪ ،‬التي بإمكانها‬ ‫تهديد االستدامة إذا ما ُسمِ ح لها بتخطي احلدود‪ .‬وقد يكون من‬ ‫الالزم إجراء توليف دقيق للحدود الرقمية‪ ،‬لكن معرفة العملية‬ ‫األكثر شأنا في هذا املضمار‪ ،‬ترشدنا إلى االجتاه الصحيح في‬ ‫عملية البحث عن احللول‪ .‬وفي الصفحة ‪ 79‬نعرض ما نتج من‬ ‫دعوة ثمانية خبراء القتراح معاجلات نوعية محددة‪.‬‬ ‫وقد تس����تطيع املعاجل����ات املقترحة إبطاء ت����ردي البيئة من‬ ‫دون إزال����ة األس����باب الكامنة وراء هذا الت����ردي‪ .‬و ُير ّد ذلك‪ ،‬وفق‬ ‫ما يراه >ماك كينب< [األس����تاذ املقيم في معهد ميدلبري] إلى ما‬ ‫يهيمن على قيادة املجتمعات احلديثة‪ ،‬أال وهو السعي احلثيث‬ ‫ب��ل�ا ه����وادة وراء النم����و االقتصادي‪ .‬وفي الصفح����ة ‪ 84‬نعرض‬ ‫مقتبسا حصريا عن كتاب سينشره >ماك كينب<‪ ،‬يبني أنه يجب‬ ‫علينا التخلي عن النمو والتمسك مبا يقود إلى االستدامة الذكية‬ ‫للم����وارد‪ .‬ويعتقد الناقدون لهذه الفكرة أنها غير واقعية‪ .‬وهذا‬ ‫ما دعا >‪ .M‬فيش����يتي< [من هيئة حترير ساينتفيك أمريكان] في‬ ‫الصفحة ‪ 90‬إلى حتدي >ماك كينب< للرد على ذلك االنتقاد‪.‬‬

‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫( ) ‪LIVING ON A NEW EARTH‬‬

‫‪73‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫‪73‬‬


‫حدو ٌد من أجل كوكب صحي‬

‫(٭)‬

‫لقد وضع العلماء عتبات للعمليات البيئية الرئيسية التي‪،‬‬ ‫إذا مت تعديها‪ ،‬فإن ذلك ميكن أن يهدد صالحية األرض للسكنى‪.‬‬ ‫ومما ينذر بالسوء أنه جرى بالفعل جتاوز ثالث من هذه العتبات‪.‬‬ ‫>‪ .J‬فولي<‬

‫مفاهيم مفتاحية‬ ‫>‬

‫>‬

‫مع أن تغير املناخ يلقى اهتماما‬ ‫كافيا‪ ،‬فإن فقدان األنواع والتلوث‬ ‫بالنتروجني يتجاوزان احلدود‬ ‫اآلمنة بدرجة كبيرة‪ .‬والعمليات‬ ‫البيئية األخرى تتجه أيضا نحو‬ ‫مستويات خطيرة‪.‬‬ ‫إن التحول الفوري إلى مصادر‬ ‫طاقة منخفضة الكربون‪ ،‬واحلد‬ ‫من قطع األشجار لزراعة األراضي‬ ‫وإحداث تغييرات أساسية في‬ ‫املمارسات الزراعية أمور بالغة‬ ‫األهمية جلعل احلياة البشرية على‬ ‫األرض أكثر استدامة‪.‬‬ ‫محررو ساينتفيك أمريكان‬

‫‪74‬‬

‫من������ذ نح������و ‪ 10 000‬ع ــام ‪ -‬من������ذ فجـ ــر‬ ‫احلض������ارة وعص����ر الهوليس��ي�ن(‪ - )1‬يبدو‬ ‫عاملن������ا كبي������را بدرجة ال ميك������ن تصورها‪.‬‬ ‫وقد وفرت املس������احات الواسعة من األرض‬ ‫واحمليطات موارد النهائية‪ ،‬أمكن للبش������رية‬ ‫تلويثه������ا بحري������ة‪ ،‬كما أمكنها بس������هولة أن‬ ‫تتفادى أي ارت������داد محل������ي باالنتقال إلى‬ ‫مكــان آخ������ر‪ .‬وبنى الن������اس إمبـراطوريات‬ ‫ون ُ​ُظـم ـ ًا اقتصاديــة كاملة على قدرتهم على‬ ‫اس������تغالل ما ب������دا ث������روات ال تنضب غير‬ ‫مدركني أن هذا االمتياز سوف ينتهي‪.‬‬ ‫ولك������ن بفضل التقدم ف������ي مجال الصحة‬ ‫العام������ة والث������ورة الصناعية والحق������ا الثورة‬ ‫اخلض������راء‪ ،‬تزايد ع������دد الس������كان من نحو‬ ‫بليون نس������مة في عام ‪ 1800‬إل������ى ما يقارب‬ ‫‪ 7‬باليني نس������مة في الوق������ت احلاضر‪ .‬وفي‬ ‫األعوام اخلمس���ي��ن املاضية فقط‪ ،‬تضاعفت‬ ‫أعدادنا بأكثر من الضع������ف‪ .‬ووفرة املوارد‬ ‫دفعت أيضا اس������تخدامنا له������ذه املوارد إلى‬ ‫مس������تويات مذهل������ة؛ فخالل خمس���ي��ن عام ًا‬ ‫مضت‪ ،‬تضاعف االس������تهالك العاملي للغذاء‬ ‫وامل������اء العذب أكثر من ثالث������ة أضعاف‪ ،‬كما‬ ‫ارتفع استخدام الوقود األحفوري إلى أربعة‬ ‫أضع������اف‪ .‬ونحن اآلن نس������تهلك ما بني ثلث‬ ‫(‪)2‬‬ ‫ونص������ف جميع عمليات التمثيل الضوئي‬ ‫على األرض‪.‬‬ ‫وهذا النمو العش������وائي قد امتد بالتلوث‬ ‫م������ن مش������كلة محلي������ة إل������ى هج������وم عاملي‪.‬‬ ‫فاس������تنفاد األوزون في طبقة الستراتوسفير‬ ‫وازدي������اد تركيز غازات االحتباس احلراري‬ ‫‪ greenhouse‬ميثل مضاعفات واضحة‪ ،‬ولكن‬ ‫العدي������د من التأثيرات الض������ارة األخرى في‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫طريقها إلى االزدياد‪.‬‬ ‫إن الزي������ادة الس������ريعة املفاجئة في النمو‬ ‫الس������كاني واس������تهالك امل������وارد والض������رر‬ ‫البيئ������ي قد غيرت من طبيع������ة كوكبنا‪ .‬فنحن‬ ‫اآلن نعيش في عالم مل������يء مبوارد محدودة‬ ‫أيضا على امتص������اص النفاي������ات‪ .‬وقواعد‬ ‫العي������ش في مثل هذا العال������م مختلفة أيضا‪.‬‬ ‫وما هو أساس������ي أكثر‪ ،‬علينا اتخاذ خطوات‬ ‫للتأكد من أننا نعمل في فضاء تش������غيل آمن‬ ‫لنُظمنا البيئية‪ .‬وإذا لم نراجع طرقنا‪ ،‬فسوف‬ ‫نتس������بب بكوارث ميكن أن يك������ون لها تبعات‬ ‫وخيمة على البشرية‪.‬‬ ‫ما الذي قد يسبب هذه التغيرات؟ وكيف‬ ‫ميك������ن جتنبها؟ حديثا‪ ،‬ق������ام فريق عاملي من‬ ‫العلم������اء بقيادة >‪ .J‬روكس������تورم< [من مركز‬ ‫املرونة في اس������تكهولم بالسويد] َ‬ ‫ض َّم زمالء‬ ‫له من أوروبا والواليات املتحدة (وكنت ضمن‬ ‫الفريق املش������ارك) وأس������تراليا‪ ،‬بالبحث عن‬ ‫إجابات ذات صلة أكبر بالس������ؤال‪ :‬هل نحن‬ ‫نقترب م������ن «نقاط كوكبية حرج������ة» قد تدفع‬ ‫البيئ������ة العاملي������ة نحو حدود جدي������دة خطرة‪،‬‬ ‫خ������ارج أي ش������يء أمك������ن مش������اهدته خالل‬ ‫التاريخ البشري كله‪.‬‬ ‫وبع������د فح������ص العديد م������ن الدراس���ات‬ ‫البيني���ة(‪ )3‬للنُّظم الفيزيائية البيولوجية‪َ ،‬ح َّدد‬ ‫فريقنا البحثي تس������ع عمليات بيئية ميكن أن‬ ‫تعرقل قدرة كوكبنا على دعم احلياة البشرية‪.‬‬ ‫ل������ذا‪ ،‬فقد وضعنا ح������دودا له������ذه العمليات‬ ‫ميكن للبش������رية في إطارها أن تعمل بأمان‪،‬‬ ‫( ) ‪BOUNDARIES FOR HEALTHY PLANET‬‬ ‫(‪the Holocene era )1‬‬ ‫(‪the photosynthesis )2‬‬ ‫(‪interdisciplinary studies )3‬‬


‫ال‬

‫ربون‬ ‫د الك‬ ‫كسي‬ ‫ني أ‬ ‫‪280‬‬ ‫تركيز ثا املليون) ناعة‪:‬‬ ‫الص‬ ‫ي‬ ‫(جزء ف ا قبل‬ ‫م‬ ‫القيمة ‪387‬‬ ‫حاليا‪:‬‬ ‫‪3‬‬ ‫احلد‪ 50 :‬اخي‬ ‫املن‬

‫تغير‬

‫تلو‬ ‫عثة أ‬ ‫و املتركزة ث كيم‬ ‫يائي‬ ‫ُيراد حتد في م‬ ‫جال ا‬ ‫يد‬ ‫القيم اإل لبيئة‬ ‫قل‬ ‫يمية‬

‫حلم‬

‫كمية‬

‫املنب‬

‫حالة‬ ‫القي الت‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫مة‬ ‫ا حاليا‪ :‬ما قبل على‬ ‫س‬ ‫حلد‪ 2.90 :‬الصنا طح‬ ‫‪5‬‬ ‫املي‬ ‫عة‪ 44 :‬اه (‬ ‫احملي ‪2.7‬‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫‪.‬‬ ‫د‬ ‫‪3‬‬ ‫طا‬ ‫ةا‬

‫يا‬ ‫وي‬ ‫اء ف‬ ‫ف اجل مية‬ ‫لهب‬ ‫غال إلقلي‬ ‫ة) ا‬ ‫ي ال يم ا‬ ‫سب‬ ‫ت ف الق‬ ‫(أو ن سيما ديد‬ ‫حت‬ ‫حمل‬ ‫ز اجل راد‬ ‫ُي‬ ‫ركي‬ ‫ت‬

‫يگا)‬

‫ضاء عمليا‬ ‫ف‬

‫ت آ من‬

‫دوبسون)‬ ‫(وحدات‬ ‫عة‪290 :‬‬ ‫التركيز قبل الصنا‬ ‫القيمة ما‬ ‫ليا‪283 :‬‬ ‫راتوسفير‬ ‫حا‬ ‫بقة الست‬ ‫حلد‪276 :‬‬ ‫ن من ط‬ ‫ا‬

‫فاد األوزو‬

‫فقدا‬

‫ن (خسار‬

‫استن‬

‫جي‬

‫الن‬

‫استخدام املياه العذبة‬

‫معدل االستهالك البشري‬ ‫(كيلومتر مكعب في السنة)‬ ‫قيمة ما قبل الصناعة ‪415 :‬‬ ‫حاليا‪2.600 :‬‬ ‫احلد‪4.000:‬‬

‫راع‬

‫ذكر‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ضي‬

‫(‪aerosol loading )1‬‬ ‫(‪irreversible )2‬‬

‫ية‪:‬‬

‫لم تتم دراس������تهما على نطاق واس������ع‪ ،‬لذا لم‬ ‫توضع لهما حدود بعد‪.‬‬ ‫إن التحليل الذي أجرته مجموعتنا أوضح‬ ‫أن ث���ل��اث عمليات تتج������اوز بالفعل حدودها‪:‬‬ ‫نقص التنوع البيولوجي‪ ،‬والتلوث بالنتروجني‪،‬‬ ‫وتغي������ر املناخ‪ .‬والعملي������ات األخريات جميعا‬ ‫تتجه نحو العتب������ات‪ .‬فاحلدود الفردية ميكن‬

‫ألرا‬

‫ما‬

‫خدا ض ز‬ ‫ت ‪11‬‬ ‫ا ٍ‬ ‫ست‬ ‫ى أر ة‪ :‬ال ‪15 .7 :‬‬ ‫ا‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫ول إل صنا الي حلد‪:‬‬ ‫ح‬ ‫ح‬ ‫ا‬ ‫ال‬ ‫ة للت بل‬ ‫اق‬ ‫ملئوي ة م‬ ‫ا‬ ‫يم‬ ‫سب الق‬

‫ت‬

‫رو‬

‫جني‬

‫وال‬

‫فو‬

‫سف‬

‫س������بع من هذه العمليات لها حدود واضحة‬ ‫[انظر الش������كل في هذه الصفح������ة] محددة‬ ‫علميا بعدد مفرد (وهذا بالطبع يحمل بعض‬ ‫الشك)‪ .‬وثالثة من تلك احلدود ‪ -‬لتغ ُّير املناخ‬ ‫وحتم������ض احمليط������ات واس������تنزاف األوزون‬ ‫ف������ي طبق������ة الستراتوس������فير ‪ -‬متث������ل نقاط‬ ‫حتول‪ ،‬واألربعة األخ������رى تعني بداية تدهور‬ ‫العك���وس(‪ .)2‬والعمليت������ان الباقيتان ‪ -‬تلوث‬ ‫الهواء اجل������وي والتلوث الكيميائي العاملي –‬ ‫‪75‬‬

‫ة) التنو‬ ‫ع البيولو‬

‫نسبة‬ ‫(نوع لكل مليون ن االنقراض‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫مة‬ ‫سن‬ ‫قيمة ما قب‬ ‫ويا)‬ ‫ل الصناع‬ ‫ة‪:‬‬ ‫‪.0‬‬ ‫‪1‬‬ ‫– ‪0.1‬‬ ‫حالي‬ ‫ا‪100 < :‬‬ ‫ا‬ ‫حل‬ ‫د‪:‬‬ ‫‪10‬‬

‫ور‬

‫فو‬ ‫م سف‬ ‫( عدل ور‬ ‫ت‬ ‫مل‬ ‫قي يو دفق‬ ‫مة ن ط ه ف‬ ‫حال ما ن ف ي ا‬ ‫ا يا ‪ :‬قب ي حمل‬ ‫د حلد‪ 0 :‬ل ال ال يط‬ ‫‪1‬‬ ‫صنا سنة) ات‬ ‫ورا ‪12‬‬ ‫ت‬ ‫عة‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الن‬

‫وي‬ ‫جني شري اجل‬ ‫و‬ ‫نتر ل الب غالف لسنة) ‪0 :‬‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫اعة‬ ‫املع ة من ا ن في ا صن‬ ‫إزال ن ط ل ال‬ ‫قب‬ ‫يو‬ ‫(مل يمة ما ‪13‬‬ ‫‪3:‬‬ ‫الق‬ ‫حاليا ‪39‬‬ ‫حلد‪:‬‬ ‫ا‬

‫جلو‬

‫ال‬ ‫ألوم‬

‫ضي‬

‫(‪)1‬‬

‫إن العمليات البيئية احملورية يجب أن‬ ‫تبقى ضمن حدود معينة‪ ،‬وإال سيتهدد‬ ‫فضاء التشغيل اآلمن الذي ميكن للبشر‬ ‫العيش فيه‪ .‬ميثل التظليل مدى تقدم‬ ‫عملية من مستويات ما قبل الصناعة‬ ‫‪ preindustrial levels‬نحو َح ٍّد أو‬ ‫ما بعده؛ وقد سبق بالفعل للتنوع‬ ‫البيولوجي وتدفق النتروجني وتغير‬ ‫املناخ عبور عتباتها‪( .‬لقد قرنت تدفقات‬ ‫النتروجني والفوسفور لوجودهما معا‬ ‫في الغالب)‪.‬‬


‫توليفه������ا ‪ -‬بدق������ة‪ ،‬واألخري������ات رمبا ميكن‬ ‫إضافتها في املستقبل‪ ،‬ولكن املجموعة متثل‬ ‫تلخيص������ا أوليا ألكثر ش������روط العالم البيئية‬ ‫احملفوفة باملخاط������ر وتوفر إطارا للتفكير في‬ ‫كيفية مواجهة هذه التهديدات‪.‬‬

‫املؤلف‬

‫تعقيدات الوقود األحفوري‬

‫( )‬ ‫‪Jonathan Foley‬‬

‫لحة‬ ‫إن فهم أسباب مش������كالتنا البيئية املُ ّ‬ ‫يوفر أدلة على حله������ا‪ .‬ففي حالتني اثنتني ‪-‬‬ ‫التغي������ر املناخي وحتم������ض احمليطات ‪ -‬ثمة‬ ‫سبب رئيسي وحيد مألوف جد ًا‪ :‬االستخدام‬ ‫البش������ري للوقود األحفوري الذي ينبعث منه‬ ‫غاز ثاني أكسيد الكربون في اجلو‪.‬‬ ‫التغي���ر املناخ���ي(‪ .)1‬م������ع أن كوكبنا قد‬ ‫تعرض بفعل البشر الرتفاع في درجة حرارته‬ ‫فس������وف يش������هد املزي������د منها‪ ،‬ف������إن العلماء‬ ‫وصناع السياسة الزالوا يبحثون عن وسائل‬ ‫لتجن������ب التبعات األكثر تدميرا ‪ -‬واملتضمنة‪:‬‬ ‫فق������دان الصفائح اجلليدي������ة القطبية وانهيار‬ ‫إمدادات املياه العذبة واضطراب نُظم الطقس‬

‫>فولي< مدير املعهد البيئي في جامعة‬ ‫مينسوتا‪ .‬وقد اكتسب خبرته أساسا‬ ‫كباحث في الغالف اجلوي‪ .‬ويعمل بصفة‬ ‫أساسية في السلسلة املتصلة باستعمال‬ ‫األراضي والزراعة والبيئة العاملية‪.‬‬

‫دفع احلدود‬

‫( )‬

‫إن السماح للعمليات البيئية بتجاوز حدود معينة ميكن أن يترتب عليه مضاعفات خطيرة‪،‬‬ ‫ولكن اتخاذ إجراءات حاسمة ميكن أن يحافظ على هذه العمليات ضمن حدود آمنة‪[ .‬للمزيد‪،‬‬ ‫انظر‪« :‬حلول للتهديدات البيئية» بدءا من صفحة ‪.]79‬‬ ‫عمليات بيئية‬

‫عواقبها إذا جرى جتاوزها‬

‫حلول ممكنة‬

‫فقدان التنوع‬ ‫البيولوجي‬

‫فشل النظم اإليكولوجية لألرض‬ ‫واحمليطات‪.‬‬

‫إبطاء قطع األشجار؛ وتعويض مالي مقابل‬ ‫خدمات النظام اإليكولوجي‪.‬‬

‫دورة النتروجني‬

‫توسع املناطق امليتة في احمليطات‪.‬‬

‫احلد من استخدام األسمدة؛ معاجلة النفايات‬ ‫احليوانية‪ ،‬التحول إلى املركبات الهجينة‪.‬‬

‫دورة الفسفور‬

‫تصدع السالسل الغذائية في احمليط‪.‬‬

‫تخفيض استخدام األسمدة؛ معاجلة النفايات‬ ‫احليوانية؛ معاجلة أفضل للنفايات البشرية‪.‬‬

‫تغير املناخ‬

‫ذوبان اجلليد واألنهار اجلليدية‬ ‫القطبية‪ ،‬وحتول األجواء اإلقليمية‪.‬‬

‫التحول إلى كربون منخفض الطاقة والوقود؛‬ ‫وضع ثمن النبعاثات الكربون‪.‬‬

‫استخدام األرض‬

‫فشل النظم اإليكولوجية؛ إفالت ثاني‬ ‫أكسيد الكربون‪.‬‬

‫احلد من الزحف العمراني؛ حتسني كفاءة املزارع؛‬ ‫تعويض مالي مقابل خدمات النظام اإليكولوجي‪.‬‬

‫حتمض احمليطات‬

‫متوت املتعضيات امليكروية(‪)2‬‬ ‫ُّ‬ ‫والشعَ ب‬ ‫املرجانية؛ يقل امتصاص الكربون‪.‬‬

‫التحول إلى طاقة منخفضة الكربون والوقود؛‬ ‫احلد من اجلريان السطحي لألسمدة‪.‬‬

‫استخدام املياه‬ ‫العذبة‬

‫تفشل النظم اإليكولوجية املائية؛‬ ‫تختفي إمدادات املياه‪.‬‬

‫حتسني كفاءة الري؛ وضع أجهزة منخفضة‬ ‫التدفق‪.‬‬

‫نضوب األوزون‬ ‫من طبقة‬ ‫الستراتوسفير‬

‫يؤذي اإلشعاع البشر واحليوانات‬ ‫والنباتات‪.‬‬

‫التخلص التدريجي من مركبات الكربون‬ ‫الهدروكلوروفلورية؛ اختبار آثار املواد‬ ‫الكيميائية اجلديدة‪.‬‬

‫‪76‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫اإلقليمية‪ .‬وبالفعل وصل تركيز ثاني أكس������يد‬ ‫الكرب������ون إلى ‪ 387‬جزءا ف������ي املليون )‪(ppm‬‬ ‫(باحلجم‪ ،‬املقياس العادي)‪ ،‬ويستمر احلوار‬ ‫حول ما مس������توى جميع غ������ازات االحتباس‬ ‫احلراري الذي سوف يس������بب تغيرا مناخيا‬ ‫خطير ًا؛ فالقيم املقترحة تتراوح بني ‪ 350‬إلى‬ ‫‪ 550‬ج������زءا في املليون من غاز ثاني أكس������يد‬ ‫الكربون‪ .‬وف������ي حتليلنا‪ ،‬نقترح مدى حتفظيا‬ ‫طوي������ل األجل وه������و ‪ 350‬جزءا ف������ي املليون‪،‬‬ ‫جلعل الكوكب بعيدا بدرجة كافية عن النقاط‬ ‫احلرجة‪ .‬ولتحقيق هذا الهدف‪ ،‬على الع َالَ ِم أن‬ ‫يتخذ إجراءات فورية لتثبيت انبعاثات غازات‬ ‫االحتباس احل������راري‪ ،‬وعليه خ���ل��ال القرون‬ ‫القليلة القادم������ة‪ ،‬أن يحقق تخفيضا جوهريا‬ ‫في املستويات احلالية لتلك االنبعاثات‪.‬‬ ‫تحَ ُّم���ض احمليط���ات(‪ .)3‬إن التحم������ض‬ ‫املستمر للبحار هو السبب املعروف ‪ -‬واألقل‬ ‫تأثير ًا في التغير املناخي‪ .‬ومع ازدياد تركيز‬ ‫ثان������ي أكس������يد الكرب������ون ‪ ،CO2‬ف������إن كميته‬ ‫املذابة في امل������اء كحامض كربوني���ك(‪ ،)4‬هي‬ ‫الت������ي جتعل س������طح احمليط أكث������ر حمضية‪.‬‬ ‫واحمليطات قاعدية ‪ basic‬بطبيعتها‪ ،‬ذات أس‬ ‫هدروجيني ‪ pH‬نح������و ‪ ،8.2‬ولكن النتائج تبني‬ ‫أن درجة األس الهدروجيني انخفضت بالفعل‬ ‫إلى نحو ‪ 8‬وتواص������ل االنخفاض‪ .‬واملقياس‬ ‫الذي اس������تخدمته مجموعتن������ا لتحديد قيمة‬ ‫الضرر الناج������م عن هذا التغير هو انخفاض‬ ‫مس������توى األراگوانيت(‪( )5‬شكل من كربونات‬ ‫الكالسيوم) التي تكونت في الطبقة السطحية‪.‬‬ ‫فـالعــديــد من الشِّ������عاب املرجانية ومجموعة‬ ‫كبيرة من العوالق النباتية التي تشكل أساس‬ ‫السلس������لة الغذائية تعتمد على األراگوانيت‬ ‫لبن������اء هياكلها العظمية أو األصداف‪ .‬وزيادة‬ ‫احلموض������ة ميك������ن أن تضعف بش������دة نُظم‬ ‫احمليط البيئية والشبكات الغذائية موفرة بذلك‬ ‫سببا مقنعا آخر للدول لالنتقال نحو مستقبل‬ ‫الطاقة املنخفضة الكربون‪.‬‬ ‫( ) ‪Fossil-Fuel Complications‬‬ ‫( ) ‪PUSHING THE LIMIT‬‬

‫(‪climate change )1‬‬ ‫(‪microorganism )2‬‬ ‫(‪Ocean acidification )3‬‬ ‫(‪carbonic acid )4‬‬ ‫(‪aragonite )5‬‬


‫إنتاج غذاء ُملت َبس‬

‫( )‬

‫يستغل البش������ر فعليا نحو‬ ‫م������ن س������طح األرض للمحاصي������ل‬ ‫واملراع������ي‪ ،‬والتوس������ع الزراعي هو‬ ‫احلافز الرئيس������ي إلزالة األش������جار‬ ‫من األراض������ي اجلدي������دة‪ ،‬وبالتالي‬ ‫تدمير النظم اإليكولوجي������ة (البيئية)‬ ‫الطبيعية‪ .‬وهناك عدة حدود كوكبية معرضة‬ ‫خلطر عبورها بس������بب ممارسات استخدام‬ ‫اإلنسان لألرض‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬ ‫فقدان (خس���ارة) التنوع البيولوجي ‪.‬‬ ‫يس������بب اس������تصالح األراضي أح������د أعظم‬ ‫انقراض������ات األنواع في تاريخ األرض‪ .‬فنحن‬ ‫نخسر األنواع احليوانية مبعدالت تتراوح بني‬ ‫مئة وألف مرة أس������رع من املعدالت املرئية في‬ ‫خلفية السجل اجليولوجي‪ .‬فقد ُو ِجد أن معدل‬ ‫الفقدان عبر النظم اإليكولوجية البرية والبحرية‬ ‫في العالم ميكن أن ُيقوض السيرورات البيئية‬ ‫على املستويني اإلقليمي والعاملي‪ .‬وإن اجلهود‬ ‫الرامية إلى احلف������اظ على التنوع البيولوجي‪،‬‬ ‫وخاصة في الغابات االس������توائية احلساسة‪،‬‬ ‫حتتاج إل������ى اهتمام أكثر‪ .‬واملب������ادرات‪ ،‬مثل‬ ‫املب������ادرة «برنام������ج األمم املتح������دة خلف������ض‬ ‫االنبعاثات الناجتة من إزالة األشجار وتدهور‬ ‫الغابات» (املعروفة باسم ِ«ر ّد» ‪ ،)REDD‬التي‬ ‫تنمي متوي���ل��ا إلبطاء إزالة أش������جار الغابات‬ ‫االستوائية‪ ،‬ميكنها في آن معا معاجلة تدهور‬ ‫التنوع البيولوجي وانبعاثات الكربون‪ ،‬والتي‬ ‫ميكن أن تكون فعالة جدا‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫تــلوث نـتـروجــيــني وفـس���ــفـوري ‪ .‬إن‬ ‫االنتشار املكثف لألسمدة الصناعية قد أخل‬ ‫بكيمياء كوكبنا‪ .‬كما أن اس������تخدام األسمدة‬ ‫ضاعف أكثر من مرتني كمية تدفق النتروجني‬ ‫والفسفور عبر البيئة مبعدل سنوي يصل إلى‬ ‫‪ 133‬مليون طن من النتروجني و ‪ 10‬ماليني طن‬ ‫من الفس������فور‪ .‬وكال التدفقني يسببان تلوثا‬ ‫واسع االنتشار للمياه‪ ،‬ويخفضان العديد من‬ ‫البحيرات واألنهار ويدمران شواطئ ساحلية‬ ‫بتكوين مناطق كبي������رة قاحلة «مناطق ميتة»‪.‬‬ ‫فثم������ة حاجة إلى ممارس������ات زراعية جديدة‬ ‫‪%35‬‬

‫‪77‬‬

‫طحالب ضخمة (الدوامات اخلضراء‬ ‫قرب أسفل الشكل) [تترعرع في البحر‬ ‫األسود‪ ،‬وقد نشأت عن طريق اجلريان‬ ‫السطحي الزراعي وحملها هناك نهر‬ ‫الدانوب (أسفل الشكل)] تقتل احلياة‬ ‫املائية‪ .‬وهذا مثال على الطبيعة‬ ‫املترابطة للعمليات البيئية احلرجة‪،‬‬ ‫وهي في هذه احلالة استخدام األراضي‬ ‫والتنوع البيولوجي‪.‬‬

‫تزيد م������ن إنتاج الغ������ذاء إلى جانب‬ ‫احملافظة على البيئة أيض ًا‪.‬‬ ‫نضوب املي���اه العذب���ة عامليا(‪.)3‬‬ ‫نقوم س������نويا بس������حب كمية مذهلة‬ ‫م������ن املياه تق������در ب������ـ ‪ 2600‬كيلومتر‬ ‫مكع������ب م������ن األنه������ار والبحي������رات‬ ‫والطبق������ات اجلوفي������ة‪ %70 :‬لل������ري‪،‬‬ ‫‪ %20‬للصناع������ة‪ %10 ،‬لالس������تعمال احمللي‪.‬‬ ‫ونتيج������ة لذل������ك‪ ،‬تض������اءل تدف������ق العديد من‬ ‫األنهار الكبيرة‪ ،‬والبعض اآلخر ّ‬ ‫جف متاما‪.‬‬ ‫واألمثلة األيقوني���ة(‪ )4‬تشمل نهر كولورادو‪،‬‬ ‫ال������ذي لم يعد يصل إل������ى احمليط وبحر آرال‬ ‫في آسيا الوس������طى‪ ،‬وهو اآلن صحراء إلى‬ ‫حد بعيد‪ .‬وقد يكون الطلب املس������تقبلي على‬ ‫املياه العذبة هائال‪ .‬وقد تس������اعد التحسينات‬ ‫املفاجئة في كفاءة استخدام املياه في العالم‪،‬‬ ‫الس������يما ألغراض الري‪ ،‬على تفادي حدوث‬ ‫انخفاضات أكثر خطورة‪.‬‬ ‫ابق بعيد ًا‬

‫( )‬

‫إن ما نشرته مجموعتنا البحثية في مجلة‬ ‫‪ Nature‬قبل عدة شهور‪ ،‬قد أثار نقاشا علميا‬ ‫مفيدا‪ .‬فقد حقق اجلزء األكبر من بحثنا قبوال‬ ‫جيدا‪ ،‬ونظ������ر إليه على ما ه������و عليه‪ :‬جتربة‬ ‫فكرية حتاول أن حتدد للعالم خطوط اخلطر‬ ‫التي يجب «عدم اجتيازها»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وجهت‬ ‫إلينا انتقادات شديدة من قِ بل بعض الباحثني‬ ‫حتى حملاولة وضع حدود‪ ،‬كما أن آخرين ال‬ ‫يوافقون على ما وضعناه من أرقام‪.‬‬ ‫رمبا التعليق األكثر أهمية هو أننا وضعنا‬ ‫عتبات(‪ )5‬يجب عدم جتاوزها‪ ،‬فقد نكون بذلك‬ ‫نشجع الناس على االعتقاد أن الدمار البيئي‬ ‫مقب������ول طاملا أنه يبقى ضم������ن حدود معينة‪.‬‬ ‫وللعلم‪ ،‬لي������س هذا ما نقترحه! فعلى املجتمع‬ ‫أال يس������مح للعالَم أن ينج������ ّر نحو ح ّد قبل أن‬ ‫يتصرف جتاه ذل������ك‪ .‬فالتقدم من ‪ -‬و ِل َن ُقل ‪-‬‬ ‫( ) ‪Food Production Implicated‬‬ ‫( ) ‪Stay Far Away‬‬

‫(‪Biodiversity Loss )1‬‬ ‫(‪Nitrogen and phosphorus pollution )2‬‬ ‫(‪freshwater depletion )3‬‬

‫(‪ : iconic examples )4‬أمثلة ماثلة في الذهن‪.‬‬

‫(‪thresholds )5‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫إلى ثلثي الطريق إلى ح ّد معني سوف يلحق‬ ‫أض������رارا فادحة‪ .‬ونحن نحث الناس على أن‬ ‫يكونوا أذكي������اء كفاية ولديهم م������ا يكفي من‬ ‫اإليثار (جت������اه األجيال القادمة) للبقاء بعيد ًا‬ ‫عن احلدود قدر اإلم������كان‪ ،‬ألن كل ح ّد منها‬ ‫ميثل أزمة بيئية‪.‬‬ ‫لق������د كان معظم االنتق������ادات معقوال‪ ،‬وقد‬ ‫توقعت مجموعتنا كثيرا منها‪ .‬وكنا نعرف أن‬ ‫مفهوم احلدود يتطلب املزيد من الدراس������ة –‬ ‫خصوصا في تدقيق األعداد وضبطها‪ ،‬وهذا‬ ‫م������ا نواصل العم������ل عليه‪ .‬ولكن ش������عرنا بأن‬ ‫املفهوم كان قوي ًا ومن ش������أنه أن يساعد على‬ ‫تأطير تفكير جماعي حول حدود بيئية للوجود‬ ‫البش������ري‪ .‬وكنا نأمل النتائج التي من شأنها‬ ‫أن حتفز نقاش������ا على نطاق املجتمع العلمي؛‬ ‫ويبدو أننا حصلنا على ما متنيناه‪.‬‬ ‫بداية باحللول‬

‫( )‬

‫ثمة مجموعة شاملة من احلدود التي يجب‬ ‫مراعاتها عل������ى نطاق كوكبن������ا بينما ينصرف‬ ‫العالَم إل������ى املتطلبات االقتصادية واالجتماعية‬ ‫والبيئي������ة من أج������ل أن حتقق اس������تدامة عاملية‬ ‫ش������املة‪ .‬وقد ب������دأ املجتمع بالتص������دي لبعض‬ ‫التحديات‪ ،‬لك������ن على نحو تدريجي فقط‪ ،‬وذلك‬ ‫بالتفكير في كل َح ٍّد بش������كل مستقل‪ .‬ولكن في‬ ‫إطار حدود شديدة الترابط‪ .‬فعندما يتم جتاوز‬ ‫عتبة واحدة‪ ،‬فإن������ه يضع الضغط على احلدود‬ ‫األخ������رى‪ ،‬مما يزي������د من خط������ر خرقها‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬إن جتاوز حد تغير املناخ قد يدفع‬ ‫معدالت االنق������راض إلى االرتفاع‪ .‬وباملثل‪ ،‬فإن‬ ‫التل������وث النتروجيني والفوس������فوري قد يقوض‬ ‫مرونة النظم اإليكولوجية املائية‪ ،‬و ُيس ِّرع بشكل‬ ‫كبير خس������ارتها للتن������وع البيولوج������ي‪ .‬ومبثل‬ ‫القصد احلسن في معاجلاتنا‪ ،‬فإن محاولة حل‬ ‫عامل واحد كل مرة سوف تفشل على األغلب‪.‬‬ ‫كاف أن‬ ‫وفي ه������ذا الزمن احلرج‪ ،‬غي������ر ٍ‬ ‫يقتص������ر عمل العلماء على تعريف املش������كلة‬ ‫العلمية املطروحة‪ .‬فعليهم أيضا البدء باقتراح‬ ‫حلول لها‪ .‬وفيما يلي بعض األفكار للبدء في‬ ‫هذا املضمار‪:‬‬ ‫‪78‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫> حتقي������ق االنتق������ال إلى نظ������ام طاقي فعال‪،‬‬ ‫منخف������ض الكرب������ون‪ .‬إن القضاي������ا امللحة‬ ‫املتعلقة بتغير املن������اخ وحت ّمض احمليطات‬ ‫تتطل������ب منا تثبي������ت تراكيز ثاني أكس������يد‬ ‫الكرب������ون في الغالف اجلوي بأس������رع ما‬ ‫ميكن‪ ،‬ومن املفضل أن تكون هذه التراكيز‬ ‫حتت ‪ 350‬جزءا في املليون )‪ .(ppm‬فاالنتقال‬ ‫سوف يتطلب حتس������ينات هائلة في كفاءة‬ ‫استخدام الطاقة‪ ،‬يليها جلب مصادر طاقة‬ ‫منخفضة الكربون بقياس سريع‪.‬‬ ‫> تقليص تطهير األراضي وتدهورها إلى حد‬ ‫كبير‪ ،‬خاصة إزالة الغابات االس������توائية‪.‬‬ ‫فالعديد من احلدود الكوكبية(‪ ،)1‬خاصة‬ ‫فقدان التنوع البيولوجي‪ ،‬معرضة خلطر‬ ‫التوسع املستمر للمستوطنات البشرية‪.‬‬ ‫> اس������تثمار في ممارس������ات زراعية ثورية‪.‬‬ ‫ويتأث������ر بعدة حدود‪ ،‬مب������ا فيها تلك التي‬ ‫تتعلق بتلوث املواد الغذائية واس������تهالك‬ ‫املياه‪ ،‬من قِ بل نظمنا الزراعية الصناعية‪.‬‬ ‫وثم������ة مقاربات جدي������دة محتملة‪ ،‬مبا في‬ ‫ذل������ك أصناف نباتي������ة جدي������دة وتقنيات‬ ‫زراعية دقيقة‪ ،‬فض ً‬ ‫ال عن كفاءة أكثر في‬ ‫استخدام املياه واألسمدة‪.‬‬ ‫وفي تطبيقنا للحل������ول املرجوة‪ ،‬ينبغي أن‬ ‫نعترف أنه ال وجود لكتاب قواعد بس������يط من‬ ‫أجل حتقيق مستقبل أكثر استدامة‪ .‬فعلينا أن‬ ‫نعمل على تطوي������ر مبادئ العمل اجلديدة كما‬ ‫اعتدنا عليه في نظمنا االقتصادية ومؤسساتنا‬ ‫السياسية ونظمنا االجتماعية‪ ،‬باقني مدركني‬ ‫بالفع������ل فهمنا احمل������دود للس������يرورات البيئية‬ ‫والبش������رية‪ .‬وينبغي ألي معايير أو ممارسات‬ ‫مبتكرة أن تسمح لنا بأن نستجيب للمؤشرات‬ ‫املتغيرة املتعلقة بالصحة البيئية واالحتياجات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬بينما تساعدنا على تشديد مرونة‬ ‫النظ������م الطبيعية والبش������رية بحيث تكون أكثر‬ ‫مناع������ة وأقل عرضة للصدم������ات غير املتوقعة‬ ‫واملرجح جدا حدوثها‪ .‬ولتحقيق أقصى قدر من‬ ‫املرونة‪ ،‬سيكون علينا أن نبذل قصارى جهدنا‬ ‫>‬ ‫للعيش ضمن احلدود لكوكب منكمش‪.‬‬ ‫( ) ‪A Start at Solutions‬‬ ‫(‪the planetary limits )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫حـلول ملواجهة التهديدات البيئية‬

‫( )‬

‫خبراء يشرحون األفعال األكثر فاعلية في مواجهة التهديدات البيئية‪.‬‬ ‫● فقدان التنوع البيولوجي‬

‫( )‬

‫>‪ .G .C‬ديلي<‪ ،‬أستاذ علم البيئة‪ ،‬جامعة ستانفورد‬ ‫غابة مطرية‪ ،‬كوستا ريكا‬

‫وتنش������ىء هذه البالد أيضا ما يس������مى «مناطق حفظ وظائف‬ ‫النظام البيئي» التي تؤلف نحو ‪ 18‬في املئة من مجمل مساحة‬ ‫أراض������ي البالد‪ .‬وقد أجرت أيض������ا كولومبيا وجنوب إفريقيا‬ ‫تغييرات مهمة في السياسات البيئية ‪.‬‬ ‫وهناك ثالثة تقدمات قد تساعد بقية األمم على تقدير أبعاد‬ ‫مثل هذه النماذج الناجحة‪ .‬األول‪ :‬هو تقدم العلوم والوس������ائل‬ ‫احلديثة لتقدير الرأس������مال الطبيعي وأخذه باحلس������بان‪ ،‬في‬ ‫البن���ود ‪ terms‬البيوفيزيائي������ة واالقتصادي������ة وغيرها‪ .‬فمثال‪،‬‬ ‫ج������رى ف������ي مش���روع الرأس���مال الطبيع���ي )‪ )1((NCP‬تطوير‬ ‫البرمجي������ات ‪ lnVEST‬التي تكامل تقييم خدمات النظام مع ما‬ ‫ميكن مقايضته‪ ،‬وذلك لكي تس������تخدم احلكومات والتعاونيات‬ ‫هذه البرمجيات في تخطيط االستفادة من األراضي واملوارد‬ ‫وتطوير البنى التحتية‪ .‬الثاني‪ :‬هو التش������ديد على إظهار مثل‬ ‫تلك الوس������ائل في سياس������ة املوارد‪ .‬الثالث‪ :‬ه������و التعاون بني‬ ‫احلكومات ومنظمات التطوير واملؤسسات واجلماعات بقصد‬ ‫مساعدة األمم على إقامة اقتصادات أكثر استدامة في الوقت‬ ‫نفسه الذي تُبقي فيه على خدمات النظام البيئي احلرجة‪.‬‬

‫لق������د حان الوقت لك������ي نواجه احلقيقة املُ������ ّرة التي تبني أن‬ ‫املقارب������ات املعهودة حلفظ التنوع البيولوج������ي (األحيائي) إذا‬ ‫طبقت وحده������ا فمصيرها الفش������ل‪ ،‬ألن االحتياطات الطبيعية‬ ‫أصغر وأقل مقدارا وأكثر انعزاال وعرضة للتغير من أن تكون‬ ‫قادرة على دعم أكثر من جزء بس������يط م������ن التنوع البيولوجي‬ ‫( )‬ ‫على الكرة األرضية‪ .‬والتحدي هو جعل احلفظ فكرة جذابة من ● دورة النتروجني‬ ‫وجهة نظر اقتصادية وثقافية‪ ،‬إذ ال ميكننا االستمرار بالتعامل‬ ‫>‪ .R‬هوارث<‪ ،‬أستاذ البيئة والبيولوجيا‬ ‫مع الطبيعة على أنها مائدة مفتوحة نأكل منها ما نشاء‪.‬‬ ‫إننا نعتمد على الطبيعة لتحقيق األمن الغذائي وللحصول البيئية في جامعة كورنل‬ ‫على املاء النقي واألطعمة البحرية واألخشاب وخدمات بيولوجية‬ ‫لقد غ ّير النشاط البشري تدفق النتروجني في جو األرض‬ ‫وفيزيائية أخرى‪ .‬ونحتاج الستمرار بقاء هذه املنافع ليس فقط‬ ‫إلى االحتياطيات النائية‪ ،‬بل أيضا إلى توفيرها في كل مكان – بدرجة كبيرة جدا‪ ،‬وكان املس������اهم الف������رد األكبر في ذلك هو‬ ‫اس������تخدام األس������مدة‪ .‬ولكن حرق الوقود األحفوري يهيمن‪،‬‬ ‫مبا يشبه «محطات خدمات النظام البيئي (اإليكولوجي)»‪.‬‬ ‫ويقوم بع������ض الرواد القالئل مبحاول������ة تكامل احلفظ مع في الواقع‪ ،‬على هذه املس������ألة في بعض املناطق مثل ش������مال‬ ‫التطور البش������ري‪ .‬إذ تقوم حكومة كوس������تاريكا بالدعم املالي ش������رق الواليات املتح������دة‪ .‬واحلل في هذه احلال������ة هو اللجوء‬ ‫إل������ى أصحاب األراضي مقابل خدمات للنظام البيئي اخلاص إلى ترش������يد الطاقة واستخدامها بكفاءة أكبر‪ .‬وتعد املركبات‬ ‫بالغابات االس������توائية مثل التغير في نس������بة الكربون وتوليد الهجينة ‪ hybrid vehicles‬عالجا ممتازا آخر‪ .‬إذ إن ما يصدر‬ ‫الطاق������ة املائية وحفظ التن������وع البيولوجي واملناظ������ر الطبيعية عنها م������ن النتروجني هو أقل بكثير من املركبات التقليدية ألن‬ ‫اجلميلة‪ .‬وتس������تثمر الص���ي��ن ‪ 100‬مليون دوالر فيما يس������مى‬ ‫( ) ‪SOLUTIONS TO ENVIRONMENTAL THREATS‬‬ ‫«التعويض البيئي» الذي يتضمن مكافأة السياسات اإلبداعية‬ ‫( ) ‪BIODIVERSITY LOSS‬‬ ‫( ) ‪NITROGEN CYCLE‬‬ ‫واآلليات املالية التي تع������ود بالنفع على ترميم البيئة وحفظها‪.‬‬ ‫(‪The Natural Capital Project )1‬‬ ‫‪79‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫وسنحتاج إلى مقادير أقل من األسمدة الصنعية الالزمة إلنتاج‬ ‫األعالف احليوانية‪ .‬وقد يكون استهالك حلوم احليوانات التي‬ ‫تربى على األعشاب الرعوية البرية‪ ،‬حال مثاليا‪.‬‬ ‫االنفجاري في‬ ‫ويزيد مسأل َة التلوث بالنتروجني حد ًة النم ُو‬ ‫ُّ‬ ‫إنتاج اإليثانول الس������تعماله وقودا حيويا‪ .‬فقد بينت دراسات‬ ‫عدي������دة أنه إذا حتقق ما خططت له الواليات املتحدة في إنتاج‬ ‫اإليثانول‪ ،‬فإن مقدار النتروجني الذي س������يجري في مياه نهر‬ ‫امليسيس������پي ويس������بب حدوث املنطقة امليتة في خليج املكسيك‬ ‫س������يزداد مبقدار يتراوح ما بني ‪ 30‬و ‪ 40‬في املئة‪ .‬وإن أفضل‬ ‫البدائل في هذا املضم������ار هو التخلي عن إنتاج اإليثانول من‬ ‫ال������ذرة‪ .‬فإذا كانت البالد س������تعتمد على الوق������ود البيولوجي‪،‬‬ ‫فمن األفضل زراعة األعشاب واألشجار ثم حرقها للمساعدة‬ ‫على توفير التدفئة والكهرباء‪ ،‬ألن التلوث بالنتروجني وغازات‬ ‫االحتباس احلراري األخرى سيكون أقل بكثير‪.‬‬

‫محركاتها تتوقف عن العمل حامل������ا تقف املركبة‪( .‬في الواقع‬ ‫يزداد اإلصدار في احملركات التقليدية عندما تكون في موضع‬ ‫احلياد‪ ).‬وميكن أيضا‪ ،‬تخفيض إصدار النتروجني من معامل‬ ‫إنتاج الطاقة في الواليات املتحدة إلى درجة كبيرة إذا ما طلب‬ ‫إلى املعامل التي ش������يدت قبل صدور قان������ون الهواء النظيف‬ ‫وتعديالته االلتزام مبا جاء فيه؛ وهذه املعامل تلوث في الواقع‬ ‫مبا اليتناسب على اإلطالق مع كمية الكهرباء التي تنتجها‪.‬‬ ‫وف������ي الزراعة‪ ،‬ميكن لعدد كبير من املزارعني اس������تخدام‬ ‫كميات أقل من السماد‪ ،‬والنقص الناجت في احملاصيل سيكون‬ ‫صغيرا إن لم يكن معدوما‪ .‬وميكن جتنب التس������رب من حقول‬ ‫الذرة على وجه اخلصوص‪ ،‬ألن جذور الذرة ال تنتش������ر سوى‬ ‫في اجلزء العلوي من التربة مبا ال يتعدى بضعة سنتيمترات؛‬ ‫كما ال حتتاج إلى الغذاء إال ملدة ش������هرين في الس������نة‪ .‬إضافة‬ ‫إل������ى ذلك‪ ،‬ميكن تخفيض الفاقد من النتروجني مبقدار ‪ 30‬في‬ ‫املئة أو أكثر إذا زُرعت محاصيل شتوية ساترة‪ ،‬مثل الشوفان‬ ‫( )‬ ‫‪ rye‬والقمح‪ ،‬التي تس������اعد الترب������ة على االحتفاظ بالنتروجني‪ ● .‬دورة الفسفور‬ ‫وتزيد هذه احملاصيل أيضا قدرة التربة على احتجاز الكربون‬ ‫وتلطيف قس������وة التغير املناخي‪ .‬وأفضل من هذا وذاك‪ ،‬القيام >‪ .A .D‬ڤاكاري<‪ ،‬مدير الهندسة املدنية والبيئية‬ ‫بزراعة النباتات املعمرة كاألعش������اب بدال من الذرة‪ ،‬إذ يكون والبحرية في مؤسسة ستيڤنز للتقانة‬ ‫فقدان النتروجني أقل بعدد كبير من املرات‪.‬‬ ‫ويعد التلوث بالنتروجني الناجت من عمليات تغذية احليوانات‬ ‫ي������زداد الطلب على الفس������فور بوتيرة أس������رع من ازدياد‬ ‫باألعالف املركزة مش������كلة ضخمة جدا‪ .‬فحتى وقت قريب‪ ،‬في السكان بسبب ارتفاع مستويات املعيشة‪ .‬وإذا استمر معدل‬ ‫السبعينات‪ ،‬كان معظم احليوانات ُيطعم من احملاصيل احمللية‪ ،‬االزدي������اد احلالي هذا فإن االحتياطي������ات املتاحة قد تنفد في‬ ‫وكانت فضالتها تعاد إلى احلقل لتس������ميده‪ .‬أما اليوم‪ ،‬فيطعم م������دى أقل من قرن واحد‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن لنا هدفني هما احملافظة‬ ‫معظ������م احليوانات في الواليات املتح������دة محاصيل منتجة من على الفس������فور كأحد املوارد والتقليل من تسربه الذي يخرب‬ ‫أماكن تبعد آالف الكيلومترات مما يجعل مسألة إعادة الروث النُّظم البيئية الساحلية‪.‬‬ ‫الس���مادي(‪ )1‬غير اقتص������ادي‪ .‬فما هو احلل إذن؟ احلل هو أن‬ ‫ويعد التدفق الطبيعي أكثر تس������ربات الفسفور إلى البيئة‬ ‫ُيلزَم مربو املاشية مبعاجلة فضالت حيواناتهم بالطريقة نفسها اس������تمرارية؛ ويقدر بنحو سبعة ماليني طن متري في السنة‪.‬‬ ‫التي تتبعها البلديات في معاجلة الفضالت البشرية‪ .‬وكذلك إذا‬ ‫( ) ‪PHOSPHORUS CYCLE‬‬ ‫أكلنا مقادير أقل من اللحوم فستنتج مقادير أقل من الفضالت‬ ‫(‪the manure )1‬‬ ‫‪80‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫بوجه عام على غازات االحتب������اس احلراري‪ .‬وثمة خيار آخر‬ ‫هو نظام االجتـــار برخص إطـــ�ل�اق االنبعـــاثـــات (امللوِّ ثة)‬ ‫املعـروف بـ‪ .)1(cap-and-trade‬عندئذ‪ ،‬ميكن لنظام تسعيري قابل‬ ‫للتعديل أن ُيبقي تكلفة إصدار انبعاثات إضافية عما هو مقرر‬ ‫ل������كل جهة‪ ،‬عالية بحيث حتفز على خفض تلك االنبعاثات وفي‬ ‫الوق������ت ذاته حتد من اخلطر عل������ى االقتصاد (وعلى البرنامج‬ ‫ذاته) إذا تبني أن احل ّد األعلى ‪ُ cap‬م ِ‬ ‫عسر عن غير عمد‪.‬‬ ‫ويجب على االتفاقيات الدولية الس������ماح بأن يكون اإللزام‬ ‫القائم على أساس السعر بديال للحدود الصارمة لالنبعاثات‬ ‫التي قد تبدو غير ممكنة التحقيق‪ .‬وقد تس������مح اتفاقية مناخية‬ ‫لل������دول بدفع ضريبة متفق عليها‪ .‬ومن ش������أن هذه املرونة أن‬ ‫تخف������ف من قلق الدول النامية م������ن احتمال أن تعيق احلدود‬ ‫العلي���ا ‪ caps‬تلطيف حدة الفقر في هذه الدول‪ .‬فالبقاء ضمن‬ ‫مجال آمن في العمل‪ ،‬يتطلب البقاء ضمن جميع احلدود ذات‬ ‫العالق������ة‪ ،‬مبا فيها عزم جمهور الناخبني على تس������ديد القيمة‬ ‫املالية املقابلة‪.‬‬

‫وللوصول إلى هذا احلد‪ ،‬الذي يقابل اس������تعمال نحو ‪ 22‬طنا‬ ‫متريا في الس������نة‪ ،‬علينا تدوير أو إعادة استعمال ‪ 72‬في املئة‬ ‫من فسفورنا؛ وإذا ازداد الطلب إلى أكثر مما كان عليه‪ ،‬يتعني‬ ‫عندئذ إجراء املزيد من التدوير‪.‬‬ ‫وميكن التقليل من تس������رب الفس������فور باستخدام التقانات‬ ‫املتوفــرة‪ .‬إذ ميكن لتقنيــات الترشــيد الـزراعي‪ ،‬مثل الزراعــة‬ ‫م������ن دون حراث ـ������ة أو زراعــة املصطبات أن تخفــض تس������رب‬ ‫الفس������ــفور الـذي يصــب في األنهــار بنحــو ‪ 7.2‬طــن مـتري في‬ ‫الس������نة )‪ .(Mt/yr‬أما معظم الفضالت الفسفورية غير املدورة‬ ‫حليوانات املزارع الفسفورية التي تقدر بنحو ‪ 5.5‬طن متري في‬ ‫السنة والتي تنتهي عادة في البحار‪ ،‬فيمكن مبدئيا حذفها بنقل‬ ‫تلك الفضالت إلى املناطق الزراعية حيث ميكن اس������تخدامها‪.‬‬ ‫كما تس������تطيع التقانات‪ ،‬في حالة الفضالت البش������رية زيادة‬ ‫مردود االس������تعادة من ‪ 50‬إلى نح������و ‪ 85‬في املئة‪ ،‬فنوفر بذلك‬ ‫‪ 1.05‬طن متري في السنة‪.‬‬ ‫متثل هذه اإلجراءات ما قد يسمى «الفاكهة الدانية القطاف»‬ ‫القائمة على أس������اس ما ميكن عمله وليس ما نحن بحاجة إليه‬ ‫( )‬ ‫لنتجنب اخلوض في س������يناريوهات خطرة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن تلك ● استخدام األراضي‬ ‫اإلجراءات ستؤدي إلى تخفيض الفاقد املتسرب إلى املياه من‬ ‫‪ 22‬إلى ‪ 8.25‬طن متري في الس������نة‪ ،‬وهذا ليس أعلى بكثير من >‪ .F .E‬المبني<‪ ،‬أستاذ نظم األرض‬ ‫في جامعة ستانفورد وجامعة لوڤني‬ ‫التدفق الطبيعي‪.‬‬

‫● تغير املناخ‬

‫( )‬

‫>‪ .C .A‬موريس<‪ ،‬مدير السياسات‪ ،‬مشروع‬ ‫اقتصاد الطاقة واملناخ‪ ،‬مؤسسة بروكينگز‬ ‫م������ع أن تقرير احلدود املقبول������ة لتراكيز غازات االحتباس‬ ‫احل������راري في جو األرض‪ ،‬يبدو ق������رارا علميا‪ ،‬إال أنه يتطلب‬ ‫إجراء موازنة بني النفع والتكلفة املترتبة على حتقيق األهداف‬ ‫املختلف������ة وتقرير من يجب عليه تس������ديد هذه التكلفة‪ .‬وبالنظر‬ ‫إل������ى صعوبة هذا األمر علينا أن نتبنى سياس������ات تؤدي إلى‬ ‫خف������ض التكلفة حتى قيمة دنيا واحلف������اظ على اإلجماع فيما‬ ‫علينا فعله لعدد كبير من السنني‪.‬‬ ‫اخلطوة األولى هي عدم قتل اإلجماع وهو في املهد نتيجة‬ ‫طموح قصير األمد‪ ،‬فالناخبون الغاضبون س������يطلبون شطب‬ ‫أي مشروع يرون أنه مرتفع التكلفة جدا‪.‬‬ ‫وتستطيع السياسات املناخية القائمة على أساس التكلفة‬ ‫املادي������ة‪ ،‬جتنب مثل تل������ك العوائق االقتصادية والسياس������ية‪.‬‬ ‫محليا‪ ،‬ثمة خيار فرض ضريب������ة تصاعدية مقبولة اقتصاديا‬ ‫‪81‬‬

‫لكي نتحكم في التأثيرات الناجمة عن استخدام األراضي‬ ‫علينا أن نركز على مس������ألة توزي������ع احملاصيل احلقلية عامليا‪،‬‬ ‫فنركز على الزراع������ة املكثفة في األراضي التي لديها احتمال‬ ‫أكبر إلعط������اء محصول وفير‪ .‬ولكن م������ا يحصل اآلن هو أننا‬ ‫نخسر جزءا مهما من هذه األراضي الرئيسية‪ .‬ونحن بصدد‬ ‫خطر الوص������ول إلى النقطة التي ت������ؤدي فيها محاولة حتقيق‬ ‫أي زيادة في إنت������اج الغذاء (ناهيك عن الوق������ود البيولوجي)‬ ‫إلى إزالة س������ريعة للغابات االستوائية والنظم البيئية األخرى‪،‬‬ ‫وكذلك إلى توس������ع األراضي الزراعية على حس������اب احلقول‬ ‫الهامشية ذات املستوى املتدني من اإلنتاج‪.‬‬ ‫وميكن حتاشي خسارة أفضل األراضي الزراعية بالتحكم‬ ‫في مسألة تدهور األراضي ونقصان املاء العذب وزحف املدن‪.‬‬ ‫وهذه اخلطوة تتطلب القيام بتحديد املناطق وتبني ممارس������ات‬ ‫زراعية أكثر كفاءة وبخاصة في البلدان النامية‪ .‬وميكن تخفيف‬ ‫وطأة احلاجة إل������ى األراضي الزراعية عن طريق تقليل الفاقد‬ ‫( ) ‪CLIMATE CHANGE‬‬ ‫( ) ‪LAND USE‬‬

‫(‪ )1‬يض������ع هذا النظام ح������ ّدا أعلى )‪ (cap‬لالنبعاثات املرخص������ة لكل جهة‪ ،‬وميكن لهذه‬ ‫اجلهة جتاوز هذا احلد بش������راء رخصة بذلك مما هو مرخص جلهة أخرى‪ ،‬ثمنها‬ ‫(التحرير)‬ ‫يخضع للعرض والطلب‪.‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫على امتداد سلس������لة توزيع الغذاء‪ ،‬وتشجيع النمو السكاني‬ ‫البط������يء‪ ،‬والتأكيد عل������ى توزيع عاملي للغ������ذاء أكثر إنصافا‪،‬‬ ‫وتخفيض كبير في استهالك اللحوم في البالد الغنية‪.‬‬ ‫وميكن توفير املزيد من األراضي املخصصة للطبيعة بفرض‬ ‫سياس������ات قوية بش������أن عدم التعدي عل������ى األراضي‪ ،‬كما فعل‬ ‫االحتاد األوروبي‪ .‬وقد استطاعت قلة من البالد النامية (الصني‬ ‫وڤيتن������ام وكوس������تاريكا) االنتقال من إزالة الغاب������ات إلى زراعة‬ ‫الغابات‪ ،‬ويعود الفضل في ذل������ك إلى احلكام البيئيني األفضل‬ ‫واإلرادة السياسية القوية لتحديث استغالل األراضي الزراعية‪،‬‬ ‫والتغيرات الثقافية والسياسية التي تعتمد على قوانني استخدام‬ ‫األرض‪ ،‬واإلحس������اس بواجب اإلبقاء على خدمات النظم البيئية‪.‬‬ ‫والتح������دي الذي تواجه������ه هذه األمم هو االس������تمرار مبثل هذه‬ ‫السياسات دون أن يكون عليها استيراد املزيد من الغذاء‪.‬‬

‫محاصيل‪ ,‬زحف املدن‬

‫حتمض احمليطات‬ ‫ُّ‬ ‫●‬

‫( )‬

‫>‪ .C .S‬دوني<‪ ،‬أستاذ في معهد وودز هول لعلم احمليطات‬ ‫تزداد حموضة احمليطات بس������بب ازدي������اد انبعاثات ثاني‬ ‫أكس������يد الكربون ‪ CO2‬في جميع أنح������اء العالم‪ ،‬ومع ذلك فإن‬ ‫حلوال عاملي������ة ومناطقية ومحلية مازال������ت ممكنة‪ .‬فنحن‪ ،‬على‬ ‫املس������توى العاملي‪ ،‬بحاجة إلى وقف ضخ املزيد من غاز ثاني‬ ‫أكس������يد الكربون في اجلو‪ ،‬ورمبا الحق������ا إلى إنقاص تركيزه‬ ‫ليصبح مساويا ملا كان عليه في زمن ما قبل الثورة الصناعية‪.‬‬ ‫وتتضمن األس������اليب الواجب اتباعها زي������ادة الكفاءة الطاقية‬ ‫والتحول إلى مصادر الطاقة املتجددة والطاقة النووية وحماية‬ ‫الغابات والتعمق في دراسة تقنيات احتجاز الكربون‪.‬‬ ‫فمحلي������ا جند أن ضرر تس������رب املغذي������ات ال يقتصر فقط‬ ‫على إحداث املناطق امليتة بل يتعدى ذلك ليش������مل مسألة زيادة‬ ‫احلموضة‪ .‬وتتس������بب زيادة املغذيات ف������ي زيادة منو النباتات‬ ‫‪82‬‬

‫املغمورة في املاء ‪ phytoplankton‬التي تطلق عند موتها وحتللها‬ ‫غاز ثاني أكس������يد الكربون الذي ُيح ِّمض املاء‪ .‬ولذلك يجب أن‬ ‫نكون أكثر حنكة عندما يتعلق األمر بتس������ميد حقولنا ومروجنا‬ ‫اخلض������راء‪ ،‬ومبعاجلة فضالت املاش������ية والص������رف الصحي‪.‬‬ ‫واإلج������راء اآلخر الذي يج������ب اتخاذه ه������و التخفيف من املطر‬ ‫احلمضي الذي تس������ببه غالبا معامل تولي������د الطاقة وانبعاثات‬ ‫الصناعة‪ ,‬فاملطر اليتوقف عند خط التقاء البحر مع اليابسة‪.‬‬ ‫وميك������ن محليا أيض������ا‪ ،‬تعديل املياه احلمضية باس������تعمال‬ ‫احلجر الكلسي أو مواد كيميائية قاعدية تنتج بالتحلل الكيميائي‬ ‫الكهربائ������ي ملاء البحر أو بعض الصخ������ور‪ .‬وقد يكون اإلجراء‬ ‫األكثر عمليا هو حماية بعض القيعان احملددة التي تعيش فيها‬ ‫األصداف ومناطق تفقيس األسماك‪ .‬ويبدو أن يرقات الرخويات‬ ‫‪ ،larval mollusks‬مثل البطلينوس ‪ clams‬واحملار ‪ ،oysters‬هي‬ ‫أكث������ر تأثرا باحلموضة من أفراده������ا البالغة‪ ،‬وأن إعادة تدوير‬ ‫أصداف البطلينوس القدمية في الوحل قد يس������اعد على تعديل‬ ‫التغي���ر في درجة احلموضة ‪ pH change‬وتوفير ركيزة أفضل‬ ‫للعالقة اليرقية‪ .‬وتستطيع مناطق تفقيس األصداف التحكم في‬ ‫كيمياء املياه والتحول إلى أنواع ‪ species‬أكثر مقاومة‪.‬‬ ‫ويتوقع أن يتس������ارع النقصان في درجة حموضة ‪ pH‬مياه‬ ‫البح������ار خالل العقود القادمة‪ ،‬لذل������ك يجب على النظم البيئية‬ ‫البحري������ة أن تتكيف مع الش������روط اجلدي������دة‪ .‬وميكن أن نعزز‬ ‫فرص جن������اح هذا التكيف بتقليل التعديات األخرى مثل تلوث‬ ‫املي������اه والصيد اجلائ������ر‪ ،‬فتصبح تلك النظ������م أكثر قدرة على‬ ‫حتم������ل بعض الزيادة في احلموضة خ���ل��ال فترة االبتعاد عن‬ ‫اقتصاد الطاقة املعتمد على الوقود األحفوري‪.‬‬

‫● استعمال املياه العذبة‬

‫( )‬

‫>‪ .H .P‬كليك<‪ ،‬رئيس مؤسسة پاسيفيك‬ ‫ينك������ر ُ‬ ‫بعض املراقبني العقالني���ي��ن احلاجة إلى وضع حدود‬ ‫الستعمال املياه العذبة‪ .‬ولكن األمر األكثر إثارة للجدل هو تعيني‬ ‫أي������ن يجب وض������ع تلك احلدود أو ما ه������ي اخلطوات التي يجب‬ ‫اتباعها إللزام أنفسنا في عدم تخطيها‪.‬‬ ‫ويعد مفهوم ذروة املياه ‪ water peak‬طريقة أخرى لتوصيف‬ ‫تلك احل������دود‪ .‬وتوجد ثالث أفكار مختلف������ة ذات فائدة في هذا‬ ‫الش������أن‪ .‬متثل حدود الذروة املتجددة(‪ )1‬التدفقات املائية الكلية‬ ‫املتجددة في مجرى مائي معني‪ .‬ويتبني أن عددا كبيرا من أنهار‬ ‫العال������م الرئيس������ية قد اقترب فعال من ه������ذه العتبة – أي عندما‬ ‫( ) ‪OCEAN ACIDIFICATION‬‬ ‫( ) ‪FRESHWATER USE‬‬ ‫(‪peak renewable )1‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫يتجاوز الفاقد بالتبخر واالس������تهالك مقدار ما تعوضه الطبيعة ● استنزاف األوزون‬

‫( )‬

‫بواس������طة األمطار أو املصادر األخرى‪ .‬وتنطبق حدود «الذروة‬ ‫غير املتجددة» عندما يزيد االستعمال البشري للمياه كثيرا على >‪ .W .D‬فاهي<‪ ،‬فيزيائي في اإلدارة الوطنية للمحيطات واألجواء‬ ‫معدالت التعوي������ض الطبيعي‪ ،‬كما في أح������واض املياه اجلوفية‬ ‫لقد أدى بروتوك������ول مونتريال التابع التفاقي������ة ڤيينا حلماية‬ ‫األحفوري������ة املوجودة في الس������هول العظمى وف������ي ليبيا والهند‬ ‫وشمال الصني وأجزاء من الوادي املركزي في كاليفورنيا‪ .‬لقد طبق������ة األوزون إل������ى تخفيض اس������تعمال املواد التي تس������تنزف‬ ‫بدأ االس������تجرار من هذه األحواض بالتزايد في بداية األمر ثم األوزون ‪ -‬وبخاص������ة مركب������ات الكلوروفلوروكربون )‪– (CFCs‬‬ ‫اس������تقر ثم أخذ بالتناقص عندما أخ������ذ باالرتفاع مقدار اجلهد والهالونات(‪ )2‬بنس������بة ‪ %95‬على مدى العقدين املنصرمني‪ .‬فمنذ‬ ‫املبذول وتكلفة اس������تخراج املياه من تل������ك املصادر الناضبة – األول من الش������هر ‪ 1‬توقف كليا إنتاج ه������ذه املركبات في الـ ‪195‬‬ ‫بلدا املوقعة على هذا البروتوكول‪ .‬ونتيجة لذلك س������ينعكس كثيرا‬ ‫وهذه معلومة تشبه تلك التي حتدث لذروة النفط‪.‬‬ ‫وتتمثل «الذروة اإليكولوجي������ة (البيئية)» للمياه بالفكرة التي اس������تنزاف أوزون طبقة الستراتوس������فير بحلول عام ‪ .2100‬وقد‬ ‫تبني أن أي نظام هيدرولوجي يتعرض الس������تجرار متزايد يصل حتقق هذا الكسب جزئيا باالعتماد على بدائل متوسطة وبخاصة‬ ‫في النهاية إلى النقطة التي يكون فيها أي نفع اقتصادي إضافي مركب������ات هيدروكلوروفلوروكرب���ون )‪ (HCFCs‬واالس������تخدام‬ ‫من اس������تجرار املزيد من املاء أقل من مق������دار التخريب البيئي املتنام������ي ملركبات أخرى ال تس������بب االس������تنزاف مث������ل مركبات‬ ‫اإلضافي الذي يس������ببه هذا االس������تجرار‪ .‬ومع أنه من الصعب هيدروفلوروكربون )‪.(HFCs‬‬ ‫ويعتمد استمرار النجاح على عدد من اخلطوات‪:‬‬ ‫حتدي������د هذا األمر كميا بدقة‪ ،‬لكننا بالتأكيد جتاوزنا حد الذروة‬ ‫البيئية للمي������اه في العديد من األحواض املائية في جميع أرجاء > االس������تمرار مبراقبة طبقة األوزون للكشف السريع عن أي‬ ‫تغي������رات غير متوقعة‪ .‬والتأكد من أن األمم تلتزم بالقوانني‬ ‫العال������م‪ ،‬حيث وقع تخريب هائل كما في بح������ر آرال وإيڤركليد‬ ‫واألنظمة بهذا الصدد‪ ،‬فمثال‪ ،‬لن تتالشى املركبات ‪HCFC‬‬ ‫وس������كرامنتو ‪ -‬وادي س������ان جوك���ي��ن والكثير م������ن األحواض‬ ‫متاما حتى عام ‪.2030‬‬ ‫املائية(‪ )1‬في الصني‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫وتبني الدالئل الواعدة توف������ر إمكانية كبيرة لإلنقاذ من دون > اإلبق������اء على مجلس التقدير العلمي املش������كل مبوجب‬ ‫بروتوكول مونتريال‪ .‬وهذا املجلس ير ُّد أس������باب التغيرات‬ ‫اإلضرار بصحة البشر أو باإلنتاجية االقتصادية‪ .‬وميكن إدخال‬ ‫في طبقة األوزون إلى مسبباتها ويق ّيم املركبات الكيميائية‬ ‫حتس������ينات في كفاءة اس������تخدام املياه في جميع القطاعات‪ .‬إذ‬ ‫اجلدي������دة من حيث قدرته������ا على تخريب طبق������ة األوزون‬ ‫ميك������ن إنتاج املزيد م������ن الغذاء مبقدار أقل م������ن املاء (وبتلويث‬ ‫واإلسهام في التغير املناخي‪.‬‬ ‫أقل أيضا) وذل������ك بالتحول من نظام الري بالغمر التقليدي إلى‬ ‫نظام الري بالتنقيط أو بالرشاشات الدقيقة مع مراقبة أكثر دقة > اإلبقاء على مجلس التقدير التقاني واالقتصادي(‪ .)4‬يهتم‬ ‫هذا املجلس بتوفير املعلومات املتعلقة بالتقانات واملركبات‬ ‫لرطوبة الترب������ة وتدبيرها‪ .‬كما ميكن أن نغير التبريد في معامل‬ ‫الكيميائية البديلة التي قد تس������اعد األمم على معرفة كيف‬ ‫تولي������د الطاقة التقليدية من نظام التبريد املائي إلى نظام التبريد‬ ‫ميكن تلبية الطلب على بعض االس������تخدامات‪ ،‬مثل التبريد‬ ‫اجلاف وتوليد املزيد من الطاقة باالعتماد على مصادر تستخدم‬ ‫وتكييف الهواء وصناعة املواد العازلة الرغوية وفي الوقت‬ ‫كمية قليلة جدا من املاء‪ ،‬مثل اخلاليا الشمسية والرياح‪ .‬وميكن‬ ‫نفسه حماية طبقة األوزون‪.‬‬ ‫منزليا‪ ،‬أن يغير ماليني البش������ر معداته������م احلالية ذات الكفاءة‬ ‫وعل������ى املجلس���ي��ن أيضا تقييم مش������كلتي التغي������ر املناخي‬ ‫املائية املتدنية إلى أخرى ذات كفاءة عالية وبخاصة آالت الغسيل‬ ‫واستعادة األوزون معا‪ ،‬فالتغير املناخي يؤثر في وفرة األوزون‬ ‫واملراحيض واالستحمام باملاء الهاطل (الدوش أو الشاور)‪.‬‬ ‫عن طريق تعديل التكوين الكيميائي للستراتوس������فير وديناميته‪،‬‬ ‫ومركبات مثل الـ ‪ HCFCs‬و ‪ HFCs‬هي غازات االحتباس احلراري‪.‬‬ ‫ري بالتنقيط‬ ‫فمثال‪ ،‬إن الطلب الكبير على املركبات ‪HFCs‬‬ ‫املالحظ حاليا‪ ,‬ميكن أن يس������هم بدرجة‬ ‫كبيرة في التغير املناخي‪.‬‬ ‫( )‬ ‫(‪)1‬‬ ‫(‪)2‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪83‬‬

‫‪OZONE DEPLETION‬‬ ‫‪watersheds‬‬ ‫‪halons‬‬ ‫‪the Scientific Assessment panel‬‬ ‫‪the Technology Economic Assessment panel‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ثقب األوزون‬ ‫(أزرق)‬


‫مقتبس حصري‬

‫اإلقـالع عن عـادة النمو االقتصادي‬

‫(٭)‬

‫ال يستطيع املجتمع أن يحمي مستقبله إال باالنتقال من النمو‬ ‫االقتصادي الطائش إلى احملافظة بذكاء على الث ــروة وامل ــوارد‪.‬‬ ‫>‪ .B‬ماك كينب‬

‫<‬

‫مقدمة احملرر‪ :‬اقترح العلماء اتخاذ إجراءات ملزمة للتخفيف من أضرار بيئية معينة‪ ،‬وإلبطاء استهالك بعض‬ ‫امل������وارد [انظ������ر‪« :‬حلول للتهديدات البيئية» ف������ي الصفحة ‪ .]79‬ولكن >‪ .B‬ماك كينب< [وه������و عالم مقيم في معهد‬ ‫ميدلبري وأحد مؤسسي مجموعة الفعل املناخي الـ ‪ ]350.org‬يبني أنه لكي نتوقف فعال عن تدمير كوكب األرض‬ ‫يجب أن تقلع املجتمعات عن أكثر عاداتها توهينا وهي عادة‪ :‬النمو ‪. growth‬‬ ‫ُ‬ ‫العيش على كوكب جديد صعب املراس(‪ ،)2‬أن اجلنس البشري‬ ‫ويبني >ماك كينب< في كتابه «األريض» ‪:)1(Eaarth‬‬ ‫يعيش اآلن‪ ،‬بس������بب أفعاله‪ ،‬في عالم مختلف كليا‪ ،‬أطلق عليه اس������م األريض‪ .‬وتبني أن هذا الكيان الس������ماوي لم‬ ‫يعد مبقدوره دعم منط النمو االقتصادي الذي كان يقود املجتمعات في الس������نوات الـ ‪ 200‬املاضية‪ .‬ولكي نتفادى‬ ‫االنهي������ار احلتمي‪ ،‬يجب أن ننش������د احملافظة على الثروات وامل������وارد‪ ،‬ويتحقق ذلك بدرجة كبي������رة باالنتقال إلى‬ ‫اقتصادات محلية أكثر دميومة‪.‬‬ ‫ويع������رض >م������اك كينب< قضيته في املقالة التالية املقتبس������ة من عدة أجزاء من كتابه‪ .‬ويق������دم في الهوامش‪ ،‬وهي‬ ‫ملخصات من الكتاب نفسه‪ ،‬أمثلة على مزارع محلية ناجحة وعمليات مثمرة إلنتاج الطاقة‪.‬‬ ‫تتطلب الكواكب اجلديدة عادات جديدة‪.‬‬ ‫فإذا ما خرجت من قاعدتك على املريخ وأردت‬ ‫أن تتنفس‪ ،‬فالبد من أنك تأس������ف لفعل ذلك‪.‬‬ ‫إننا ببس������اطة الميكن أن نعيش على األرض‬ ‫اجلدي������دة كما لو أنها القدمي������ة – فنحن قد‬ ‫ألغينا هذه اإلمكانية من خياراتنا‪.‬‬ ‫ففي العالم الذي عش������نا فيه‪ ،‬كانت أكثر‬ ‫العادات االقتصادية والسياس������ية املتأصلة‬ ‫فينا هي عادة النمو ‪ .growth‬فقد ش������غفنا‬ ‫منذ أي������ام >آدم س������ميث< أي منذ نحو ‪250‬‬ ‫س������نة‪ ،‬بالفكرة القائلة إن الكثرة هي األمثل‪،‬‬ ‫وأن ح������ل أي مش������كلة يكمن ف������ي املزيد من‬ ‫التوس������ع‪ .‬وي������رد ذلك إلى أن ه������ذه املقاربة‬ ‫كان������ت تثبت جدواها دائم������ا‪ ،‬أو على األقل‪،‬‬ ‫على امت������داد زمن طويل‪ :‬فق������د كانت حياة‬ ‫الراح������ة والطمأنين������ة التي عش������ناها ـ نحن‬ ‫األوروبي���ي��ن ـ نتاج عش������رة أجيال من النمو‬ ‫املتواصل في اقتصاداتنا‪ .‬ولكننا اآلن‪ ،‬وقد‬ ‫‪84‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫علقنا بني الرمض������اء والنار‪ ،‬جند أن الوقت‬ ‫قد حان للتفكير بوضوح كبير في املستقبل‪.‬‬ ‫وق������د نخلص في حياتنا على كوكبنا اجلديد‬ ‫إلى أن النمو قد يك������ون العادة الكبيرة التي‬ ‫يجب أن نقلع عنها نهائيا‪.‬‬ ‫إنني أدرك متاما أن الوقت احلاضر يعد‬ ‫أسوأ حلظة ممكنة لطرح وجهة نظري هذه‪.‬‬ ‫فقد د ّم������ر التباطؤ املؤقت ف������ي النمو‪ ،‬الذي‬ ‫وجه‬ ‫ندعوه كسادا ‪ – recession‬في مجتمع ُم ّ‬ ‫فقط نحو التوسع – الكثير من سبل العيش‪.‬‬ ‫فنحن غارقون بالديون‪ ،‬أفرادا و ُأممَ ً ا‪ ،‬وفي‬ ‫محاولتن������ا اخل������روج من حتت ذل������ك العبء‬ ‫االقتص������ادي قمنا بتوظي������ف املزيد من املال‬ ‫( ) ‪BREAKING THE GROWTH HABIT‬‬ ‫(‪Eaarth: Making a Life on a Tough New Planet )1‬‬

‫(‪ )2‬وضعت هذه الكلمة (األريض) لتتالءم مع التحريف البسيط‬ ‫‪ Eaarth‬لكلم������ة ‪ Earth‬األرض‪ .‬وق������د أدخل مؤلف الكتاب هذا‬ ‫التحريف على اس������م كتابه‪ ،‬ألنه يرى أن التغييرات الكبيرة‬ ‫التي طرأت على كوكبنا بفعل البش������ر‪ ،‬لم تعد تس������مح بأن‬ ‫(التحرير)‬ ‫نطلق عليه اسمه األصلي ‪.Earth‬‬


‫ميكننا إيجاد طرق ظريفة للعيش‬ ‫على هذا الكوكب اجلديد‪ ،‬ولكن علينا أوال‬ ‫إخماد شعورنا بأن املستقبل سوف يشبه املاضي‪.‬‬

‫املؤلف‬

‫‪Bill McKibben‬‬

‫>ماك بني<‪ :‬عالم مقيم في معهد ميدلبري‬ ‫وأحد مؤسسي مجموعة الضغط املناخي‬ ‫)‪ (350.org‬وزميل في مؤسسة مابعد‬ ‫الكربون‪ .‬وقد عمل سابقا كاتبا ملجلة‬ ‫نيويوركر وله عدد من الكتب املهمة في‬ ‫ُ‬ ‫العيش‬ ‫البيئة‪ .‬وكتابه األخير‪ :‬األريض‪،‬‬ ‫ص َد َر‬ ‫املراس‪،‬‬ ‫على كوكب جديد صعب‬ ‫َ‬ ‫في نهاية الشهر ‪.2010/4‬‬ ‫‪85‬‬

‫لكي نتمكن من جعل النمو ينطلق في مساره‬ ‫من جديد‪ .‬وس������مي ذلك حتفيزا اقتصاديا‬ ‫‪ – economic stimulus‬وه������و ره������ان عل������ى‬ ‫إمكان إعادة تش������غيل آلة النمو واسترداد‪،‬‬ ‫������رف على التحفيز‪ ،‬بل وما‬ ‫ص ِ‬ ‫ليس فقط ما ُ‬ ‫تراكم من دين كان هو السبب الرئيسي في‬ ‫ظهور املشكلة‪.‬‬ ‫و ُيع������د ما ندين ب������ه للبيئة أس������وأ الديون‬ ‫الت������ي نواجهها – فالكربون يتراكم في اجلو‬ ‫ويغي������ر معالم األرض‪ .‬وهن������ا أيضا‪ ،‬جند أن‬ ‫أفضل طريقة للخ������روج من ذلك الوضع هي‬ ‫جولة جديدة من النمو – أي انبثاق نش������اط‬ ‫اقتصادي هائل مصمم لالستغناء عن نظام‬ ‫الوقود األحفوري احلالي وإيجاد نظام آخر‬ ‫مي ّكننا من االستمرار بالعيش بالشكل الذي‬ ‫نح������ن عليه اآلن‪ ،‬أو رمب������ا أفضل منه‪ ،‬ولكن‬ ‫من دون الكربون‪ .‬فنحن نتشبث بفكرة النمو‬ ‫اخلضراء دربا للخروج من جميع املشكالت‬ ‫التي نواجهها‪.‬‬ ‫وللعلم به وتسجيله‪ ،‬إنني أدعم مشروع‬ ‫منهاتن األخض������ر‪ ،‬باعتب������اره صفقة بيئية‬ ‫جديدة‪ ،‬وكذلك مهمة َأپولو نحو تقانة نظيفة‪.‬‬ ‫فل������و كان لدي مال ألعطيت������ه إلى >آل گور<‬ ‫ليس������تثمره في االنطالق������ات اجلديدة‪ .‬وهي‬ ‫االستجابة الشرعية الواضحة التي يظهرها‬ ‫األش������خاص اجلادون جت������اه أكثر األزمات‬ ‫الت������ي واجهناها خطورة‪ ،‬ويب������دو أن األمر‬ ‫يحق������ق في الواق������ع بعض النج������اح‪ .‬ونحن‬ ‫فعال بحاجة إلى تخفيض انبعاثات الكربون‬ ‫بنسبة ‪ %30‬بحلول عام ‪ ،2020‬أو إلى إنتاج‬ ‫جميع ما نحت������اج إليه من الطاقة الكهربائية‬ ‫من مصادر بديلة على مدى عقد من الزمن‪،‬‬ ‫أو حتقيق جمي������ع األهداف األخ������رى التي‬ ‫قام األش������خاص الطيبون بوضعها‪ .‬ومتثل‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬

‫هذه األفع������ال بدقة الطريق������ة التي يجب أن‬ ‫يس������تجيب نظامنا وفقها‪ .‬ولكن������ي ال أعتقد‬ ‫أن ذلك س������يحدث بس������رعة تكف������ي إلحداث‬ ‫التغييرات الالزم������ة للمحافظة على الكوكب‬ ‫ال������ذي اعتدنا العيش في������ه‪ .‬وإني ال أظن أن‬ ‫منوذج النمو ٌ‬ ‫أهل للمواجهة‪ ،‬ولكني أظن أن‬ ‫النظام قد واجه صنوه‪.‬‬ ‫وق������د تبدو تلك النظرة املس������تقبلية قامتة؛‬ ‫ولكن ميكننا إيجاد طرائق مستدامة ونسبيا‬ ‫أظرف للعيش على الكوك������ب اجلديد‪ .‬ولهذا‬ ‫نحتاج أوال إلى أن ّ‬ ‫نوطن أنفسنا على صروف‬ ‫كوكبنا؛ ونحتاج إلى تخميد شعورنا الغريزي‬ ‫في أن املس������تقبل سيشبه املاضي؛ ونقلل من‬ ‫تفاؤلنا بأن املستقبل سيكون أسهل إطالقا‪.‬‬ ‫«فاألريض» هي اآلن كوكب قاس‪.‬‬ ‫وأعتقد جازم������ا أننا ندرك ذلك في قرارة‬ ‫أنفس������نا‪ .‬وأعتقد أننا قد شعرنا به حتى قبل‬ ‫أن يس������دل علينا كس������اد >بوش< ظالله‪ .‬وقد‬ ‫تكون اللحظة احلاسمة قد تبينت لألمريكيني‬ ‫منذ أوائل عام ‪ ،2008‬أي قبل أن تبدأ البنوك‬ ‫الكبي������رة بالتداع������ي واالنهي������ار‪ ،‬حيث كان‬ ‫االقتصاد ما زال يب������دو مزدهرا ولكن تكلفة‬ ‫الگازولني ارتفعت بشدة إلى نحو ‪ 4‬دوالرات‬ ‫للگالون الواحد‪.‬‬ ‫ول������و كان للفك������رة األمريكية أم������ر ثابت‬ ‫‪ constant‬واحد‪ ،‬لكان هذا الثابت هو احلركة‬ ‫‪ .motion‬فقد وصلن������ا جميعا إلى هذه القارة‬ ‫من ش������طآن بعي������دة واجتزنا الق������ارات وبنينا‬ ‫الط������رق الس������ريعة واخترعن������ا جه������از تعيني‬ ‫املواضع ‪ ،GPS‬الذي يخبرن������ا أننا قد أغفلنا‬ ‫عن االس������تدارة عند املفت������رق الصحيح‪ .‬فكل‬ ‫ش������يء كان يتحرك منذ الب������دء‪ ،‬وفجأة‪ ،‬وألول‬ ‫مرة فعال‪ ،‬بدأت هذه احلركة بالترنح ثم أخذت‬ ‫بالتباطؤ‪ .‬وأخذ األمريكيون ش������هرا بعد شهر‬


‫حلول غذائية محلية‬

‫( )‬

‫في ربع القرن املنصرم‪ ،‬وعلى الرغم من االنتش������ار السريع الواسع‬ ‫النط������اق للم������زارع املعتمدة على األعم������ال الزراعية التي تس������تخدم فيها‬ ‫املبي������دات واحملاصيل احملورة وراثي������ا‪ ،‬فإن كمية القم������ح املتوفرة للفرد‬ ‫الواحد أخذت بالتناقص‪ ،‬وبدأ األش������خاص اجلديون بالتفكير بتحقيق ما‬ ‫يسمى «زراعة ضيقة النطاق»‪ ،‬إلنتاج الكثير من الغذاء في مزارع صغيرة‬ ‫نس������بيا حيث ينتفي أو يقل إلى درجة كبيرة استخدام األسمدة الصنعية‬ ‫أو املواد الكيميائية‪.‬‬ ‫وكثي������را ما كانت حتقق ه������ذه الزراعة اجلديدة أفض������ل النتائج عندما‬ ‫تُقرن املعرفة احلديثة بحكمة القدماء‪ .‬وقد اس������تطاع قِ ن ‪ coop‬جديد للدجاج‬ ‫في بنگالديش إنتاج ليس البيض واللحم فقط‪ ،‬وإمنا اس������تطاع أيضا جعل‬ ‫الفض���ل��ات طعام������ا تتغذى به أس������ماك بركة صغيرة وف������رت بدورها آالف‬ ‫الكيلوغرام������ات م������ن الپروتني س������نويا ووفرت أيضا محص������وال صحيا من‬ ‫الزنابق ‪ hyacinths‬املائية ُيس������تخدم علفا ملجموعة صغيرة من األبقار التي‬ ‫وفرت بدورها‪ ،‬عن طريق روثها‪ ،‬البيوغاز الالزم إلعداد الطعام‪.‬‬ ‫وفي م���ل��اوي تُنتج برك صغيرة جدا ـ تس������تعمل لتدوير فضالت كافة‬ ‫أرجاء املزرعة وتربى فيها األس������ماك ـ ما متوسطه نحو ‪ 1500‬كيلوغرام من‬ ‫السمك‪ .‬وتوصل مزارعو األرز في مدغشقر الذين يعملون مبساعدة خبراء‬ ‫أوروبيني إلى طرائق لزيادة احملصول‪ .‬حيث عمدوا إلى غرس الشتول أبكر‬

‫بعدة أس������ابيع من العادة‪ ،‬وزادوا املس������افات فيما بينها ولم يغرقوا األرض‬ ‫املزروعة أثناء معظم موس������م النمو‪ .‬وكان عليهم تبعا لذلك أن يعشبوا مددا‬ ‫أطول‪ ،‬ولكنهم ضاعفوا بذلك إنتاجهم من خمسة إلى ستة أضعاف‪ .‬وقد ُقدر‬ ‫عدد املزارعني الذين تبنوا هذا النظام كامال بنحو ‪ 20 000‬مزارع‪.‬‬ ‫وس������اعد >‪ .B‬جونس������ون< في كرافتزبري‪/‬ڤيرمونت‪ ،‬على نشر الزراعة‬ ‫الرائدة على مدار العام‪ .‬فبنى دفيئات ‪ greenhouses‬شمس������ية وأوجد طريقة‬ ‫لتحريكها على س������كة مناس������بة‪ .‬فأصب������ح مبقدوره تغطية وكش������ف احلقول‬ ‫املختلفة وزراعة اخلضراوات مدة عشرة أشهر في السنة دون استعمال أي‬ ‫وقود أحفوري‪ ،‬مما سمح له بإدارة مزرعته املدعومة مجتمعيا باستمرار‪.‬‬ ‫وأن������ا ال أروج للغ������ذاء احملل������ي لكونه ذا م������ذاق أطي������ب أو ألنه أفضل‬ ‫للصح������ة‪ ،‬ولكن ألنه الخيار لنا غي������ره‪ .‬فنحن‪ ،‬في عالم أكثر عرضة للجفاف‬ ‫والفيضانات‪ ،‬بحاجة إلى املرونة التي تتأتى من زراعة عش������رات احملاصيل‬ ‫املختلف������ة في حقل واحد‪ ،‬وليس زراعة حقول شاس������عة م������ن الذرة أو فول‬ ‫الصويا‪ .‬وفي عالم تس������اعد س������خونته املتزايدة على انتش������ار احلش������رات‬ ‫بفعالي������ة أكبر‪ ،‬فنحن بحاجة إلى القدرة على املقاوم������ة التي ميتلكها الكثير‬ ‫م������ن األصناف واألجناس احمللية‪ .‬وكذلك نحت������اج‪ ،‬في عالم يتناقص نفطه‪،‬‬ ‫إلى نوع من املزارع الصغيرة املختلطة تستطيع توفير السماد الذي حتتاجه‬ ‫وبناء التربة اخلاصة بها‪.‬‬

‫بيت زجاجي متنقل يسمح ملزرعة في قرية كرافتزبري بإنتاج اخلضراوات على امتداد عشرة أشهر في السنة في ڤيرمونت الباردة جدا‪.‬‬

‫بتقليل املسافات التي يقطعونها بسياراتهم‪.‬‬ ‫ول������م يعد مبقدورك بيع بيتك القدمي ‪ -‬بل ولم‬ ‫يعد مبقدورك حقيق ًة بيع حاسوبك القدمي‪.‬‬ ‫وعندئ������ذ بدأ أمر غري������ب باحلدوث‪ .‬فقد‬ ‫أدى ارتف������اع أس������عار النفط إل������ى تراجع‬ ‫الرغبة في الش������حن من مس������افات بعيدة‪.‬‬ ‫‪86‬‬

‫فبحلول الش������هر ‪ 2010/5‬ارتفعت تكلفة نقل‬ ‫حاوية ش������حن واح������دة من ش������نگهاي إلى‬ ‫الوالي������ات املتح������دة‪ ،‬إلى نح������و ‪ 8000‬دوالر‬ ‫أمريكي مقارن������ة بنحو ‪ 3000‬دوالر أمريكي‬ ‫ف������ي أوائل ه������ذا العقد‪ .‬فأخ������ذت احلجوم‬ ‫( ) ‪Local Food Solutions‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫حلول طاقية محلية‬

‫( )‬

‫يجب أن يكون من الواضح أن الوقود األحفوري يبدو وكأنه «أكبر من‬ ‫أن يفش������ل‪ ».‬ولكن علينا في بضع سنوات قادمة أن نتحول إلى مصادر‬ ‫أخرى للطاقة‪ .‬واألعمال احمللية واملتوزعة أفضل من املتركزة‪ ،‬على األقل‬ ‫في عالم شواشي ‪.chaotic‬‬ ‫إن املهمة األولى الت������ي يجب أن توضع في قائمة مهام كل فرد‪ ،‬هي‬ ‫ترشيد الطاقة‪ .‬وقد قدرت الشركة ماكنزي وكومباني أن التقانات املتوفرة‬ ‫في عام ‪ 2008‬تس������تطيع تخفيض الطلب على الطاقة عامليا بنحو ‪ %20‬في‬ ‫ع������ام ‪ .2020‬وقد يكون من األفض������ل ماليا إنتاج الطاقة بالقرب من أماكن‬ ‫اس������تعمالها‪ ،‬بس������بب تكلفة التوصيل الكبيرة‪ .‬وتنف������ق معظم املجتمعات‬ ‫نح������و ‪ 10‬في املئة م������ن أموالها على الوقود‪ ،‬وتذه������ب جميع هذه األموال‬ ‫تقريبا إلى اململكة العربية الس������عودية أو إلى إكس������ون ‪ .Exxon‬وقد بينت‬ ‫مؤسس������ة االعتماد على الذات في عام ‪ 2008‬أن نصف الواليات األمريكية‬ ‫تس������تطيع حتقيق احتياجاتها الطاقية كاملة ضمن حدودها‪ ،‬كما يستطيع‬ ‫القسم األعظم منها التوصل إلى حتقيق نسب كبيرة من الوفر‪ .‬وتستطيع‬ ‫توربينات الرياح إضافة إلى معدات التس������خني على السطوح توفير نحو‬ ‫‪ 81‬في املئة من الطاق������ة التي حتتاج إليها مدينة نيويورك مثال ونحو ثلث‬ ‫الطاقة الالزمة ألوهايو‪.‬‬ ‫فالطاقة احمللية ليست ش������عارا عاطفيا‪ .‬فقد قام >‪ .T .B‬پيكنز< في‬ ‫العام ‪ 2009‬بنزع القابس عن أكبر مزرعة رياح في العالم يزمع إقامتها‬ ‫في أرض تكس������اس الش������بيهة بيد املقالة ألن خط������وط التوصيل كانت‬

‫مرتفعة الثمن جدا‪ .‬وبدال من ذلك صمم سلس������لة من املنشآت األصغر‬ ‫القريبة من املدن الكبرى‪ .‬وعلى الساحل الشرقي كانت اخلطط التزال‬ ‫تتس������ارع إلنش������اء سلس������لة من مزارع الرياح الش������اطئية‪ .‬وقد أطلق‬ ‫املهندسون عليها اسم اجليل املو َّزع ‪ distributed generation‬حيث تنتج‬ ‫الطاقة ف������ي أماكن احتياجها بدال من نقلها مس������افات طويلة‪ .‬ويزداد‬ ‫باس������تمرار عدد الشركات التي تقوم بإنش������اء معامل طاقة ميكروية‬ ‫‪ micropower‬لتخ������دمي بناية أو مدينة جامعية‪ ،‬وس������يصل ما تنتجه هذه‬ ‫املنش������آت إلى نحو ثل������ث إنتاج الواليات املتحدة ف������ي عام ‪ .2008‬وفي‬ ‫الصني حتديدا في ريزهاو‪ ،‬حيث بزغ جتمع س������كاني حديث مشكال‬ ‫مدينة تعداد س������كانها نحو ثالثة ماليني نس������مة‪ ،‬بدأ عدد من املقاولني‬ ‫احملليني بوضع س������خانات مائية شمس������ية على كل س������طح وذلك في‬ ‫التس������عينات‪ ،‬ولذلك جن������د اليوم أن جميع منازل املدينة تس������خن املاء‬ ‫بواسطة الشمس‪.‬‬ ‫أما بالنس������بة إلى نظامنا الغذائي‪ ،‬فإن التقدم س������يكون أسرع إذا‬ ‫توقف������ت احلكومة عن دعم صناعة الوقود األحفوري وقامت بدال من ذلك‬ ‫تع ِرفات التلقيم ‪ feed-in tariffs‬التي جتبر الفعاليات‬ ‫بتفعيل سياسات مثل ْ‬ ‫التجارية على الش������راء من األش������خاص احملليني بسعر معقول‪ .‬وهذا ما‬ ‫فعله األملان فكانت النتيجة أن األمة تفتخر بنحو ‪ 1.3‬مليون لوحة ڤلطية‬ ‫ضوئي���ة (ڤلطضوئي���ة) ‪ ،photovoltaic panels‬وذلك أكثر مما هو موجود‬ ‫في أي بلد آخر في العالم‪.‬‬

‫سخانات ماء شمسية مركبة فوق آالف سطوح املنازل في ريزهاو‪ ،‬بالصني‪ ،‬تخفض الطلب على الطاقة لتسخني املياه‪.‬‬

‫املش������حونة بالتناقص – وقامت إيكيا بفتح‬ ‫مصنع لها في ڤرجينيا‪ ،‬وليس في الصني‪.‬‬ ‫وفي هذا الصدد‪ ،‬يقول >‪ .M‬ستانلي< [وهو‬ ‫اس������تراتيجي في النقد]‪« :‬إن الثمار الدانية‬ ‫قطافها للعوملة قد قطف������ت وانتهت»‪ .‬ويعلن‬ ‫>‪ .J‬روبن< [وهو محلل لدى األسواق العاملية‬ ‫‪87‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫‪ CIBC‬ف������ي تورنت������و] أن «العوملة عكوس����ة‬

‫‪ .»reversible‬وبالفع������ل‪ ،‬يتابع >روبن<‪« ،‬فقد‬ ‫أعلن������ت ش������ركة صناعة الفوالذ ميدوس������ت‬ ‫وج������ود دفق هائل من الطل������ب على إنتاجها‬ ‫س������ببه تكاليف النقل الكبيرة العائدة بداي ًة‬ ‫( ) ‪Local Energy Solutions‬‬


‫إن التعقد ‪ complexity‬هو موطن ضعفنا‪ ،‬فعندما‬ ‫تبصر في‬ ‫تؤدي رهون عقارية أجريت من دون‬ ‫ّ‬ ‫نيڤادا إلى إغالق آالف املصانع في الصني‪،‬‬ ‫نكون قد تركنا ُنظمنا تتضفر أكثر مما يجب‪.‬‬ ‫إلى اس������تيراد احلديد من الصني‪ ،‬ومن ثم‬ ‫تصدير الفوالذ بش������كله النهائي إلى ماوراء‬ ‫البحار‪ .‬وقد أصبح������ت هذه التكاليف أكبر‬ ‫من الوفر الذي كان يحصل نتيجة انخفاض‬ ‫أجرة األيدي العاملة‪ ،‬وفجأة أصبح الفوالذ‬ ‫الصيني غير قادر على املنافسة في أسواق‬ ‫الواليات املتحدة‪ ».‬وكذل������ك عندما ارتفعت‬ ‫أس������عار النف������ط وارتفع معه������ا الطلب على‬ ‫اإليثانول ارتفعت أس������عار األغذية ارتفاعا‬ ‫كبي������را – وفجأة بدأت ال������دول باإلقرار بأن‬ ‫التج������ارة احل������رة لم تكن بالوض������وح الذي‬ ‫كانوا يصرون عليه‪.‬‬ ‫قد يكون من احملتمل أنه عندما َش������هِ دنا‬ ‫ذروة النف������ط‪ ،‬ش������هدنا أيض������ا ذروة النم������و‬ ‫االقتص������ادي – إذ ذاك أدركن������ا أن������ه ليس‬ ‫مبقدورنا جعل النظام يكبر أكثر‪ .‬فقد ارتفعت‬ ‫تكاليف التأمني وارتفعت أسعار النفط وانغلق‬ ‫االقتصاد وتبخر املال املخصص لالستثمار‬ ‫في الطاقة‪ ،‬وعندما بدأ االقتصاد بالتسارع‬ ‫مرة أخرى ارتفعت أسعار النفط مجددا‪.‬‬ ‫م������ن كان يحلم بأن النمو ميكن أن يصل‬ ‫إلى نهاي������ة؟ من كان فعال يظ������ن ذلك‪ .‬لنعد‬ ‫إلى زم������ن مختلف جدا‪ ،‬إل������ى الزمن الذي‬ ‫كان فيه >ليندون جونسون< رئيسا للواليات‬ ‫املتح������دة‪ ،‬وإل������ى الربي������ع ال������ذي اغتيل فيه‬ ‫>مارت������ن لوثر كينگ<‪ ،‬حينئ������ذ اجتمعت فئة‬ ‫صغيرة من الصناعيني والعلماء األوروبيني‬ ‫في العاصمة اإليطالية روما‪ ،‬واقترحت هذه‬ ‫الفئة‪ ،‬التي سمت نفسها – نادي روما ‪Club‬‬ ‫‪ – of Rome‬اختبار توجهات عاملية مترابطة‪،‬‬ ‫وكلفوا فريق������ا من محللي النظ���م ‪systems‬‬ ‫‪ analysts‬الش������باب في املعه������د ‪ MIT‬بإعداد‬ ‫‪88‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫تقرير بنتيجة ذلك االختبار‪.‬‬ ‫وبانتهاء الفريق املكلف من عمله وإصداره‬ ‫كتاب������ه بعنوان ح���دود النم���و ‪The Limits to‬‬ ‫‪ ،Growth‬ف������ي ع������ام ‪ُ ،1972‬عقد يوم األرض‬ ‫‪ Earth Day‬األول وأنش������أ الرئيس >ريتشارد‬ ‫نيكس������ون< وكالة حماية البيئ���ة(‪ .)1‬وكانت‬ ‫هن������اك عدة أحداث أكثر أهمي������ة في التاريخ‬ ‫البيئ������ي من ذلك الكت������اب الهزيل الذي جرت‬ ‫ترجمته إلى ثالثني لغة وبيع منه نحو ثالثني‬ ‫مليون نس������خة‪ .‬وقد اس������تنتج الفريق القليل‬ ‫العدد من الباحثني أمورا ثالثة‪:‬‬ ‫‪ .1‬إذا اس������تمرت اجتاه������ات النمو في العالم‬ ‫من حيث الس������كان والصناع������ة والتلوث‬ ‫وإنت������اج الغذاء واس������تنفاد امل������وارد كما‬ ‫هي عـليه دون تغيير‪ ،‬فإننا س������نصل إلى‬ ‫حدود النمو على ه������ذا الكوكب في املئة‬ ‫سنة القادمة‪.‬‬ ‫‪ .2‬ميكن تغيير اجتاهات النمو هذه وتأسيس‬ ‫ظروف اس������تقرار بيئية واقتصادية قابلة‬ ‫للدميومة في املس������تقبل‪ .‬وميكن تصميم‬ ‫حال������ة الت������وازن العامل������ي بحي������ث تكون‬ ‫احلاجات املادية األساسية لكل شخص‬ ‫على األرض ملباة‪ ،‬وميتلك كل ش������خص‬ ‫فرص������ا متس������اوية لتحقي������ق إمكاناته أو‬ ‫إمكاناتها اإلنسانية الفردية‪.‬‬ ‫‪ .3‬فإذا قرر سكان العالم أن يسعوا جاهدين‬ ‫إلى حتقيق ه������ذه النتيجة الثانية بدال من‬ ‫األول������ى‪ ،‬فبقدر ما يس������رعون ف������ي البدء‬ ‫بالعم������ل للوصول إلى اله������دف بقدر ما‬ ‫تزداد فرص جناحهم‪.‬‬ ‫إن املدهش في استعادة أحداث املاضي‬ ‫هو املدى ال������ذي نقترب فيه من اإلصغاء إلى‬ ‫رس������ائل األس���ل��اف‪ .‬فقد س������عى الناس في‬ ‫جمي������ع أنحاء العالم إل������ى معرفة كيف ميكن‬ ‫إبطاء النمو السكاني‪ .‬وتبني أن تثقيف النساء‬ ‫ميثل االستراتيجية األفضل‪ ،‬فرأينا كيف أن‬ ‫األمه������ات اقتنعن في وقت قصي������ر باالكتفاء‬ ‫مبا يقل عن ثالثة أوالد عوضا عن س������تة في‬ ‫املتوسط‪ .‬وقد استرعى انتباهنا ما يلي‪ :‬هذه‬ ‫(‪the Environment Protection Agency )1‬‬


‫س������نوات أول أزمة نفطية‪ ،‬وأول تسرب نفطي‬ ‫كبير من ناقالت������ه العمالقة‪ ،‬وأول مواصفات‬ ‫اقتصادية للس������يارات‪ .‬هذه كانت السنوات‬ ‫التي ش������هدت تبني وضع حد للسرعة هو ‪55‬‬ ‫ميال في الساعة – فقمنا بإبطاء حراكنا في‬ ‫سبيل الترشيد‪ .‬وفي أواخر سبعينات القرن‬ ‫العش������رين‪ ،‬كان عدد األمريكيني املعارضني‬ ‫الس������تمرار النم������و االقتص������ادي أكب������ر من‬ ‫املوافقني عليه‪ ،‬األمر الذي يبدو لنا مستحيال‬ ‫اليوم‪ .‬لقد توفرت لنا في الواقع ثغرة للعبور‬ ‫منها إلى مس������ار جديد مبتعدين عن الهاوية‪.‬‬ ‫ولكن لم نقم بذلك طبعا‪.‬‬ ‫لقد تبني أن ن������ادي روما لم يكن مخطئا‪،‬‬ ‫إمنا اس������تبق األح������داث‪ .‬إذ بإمكاننا جتاهل‬ ‫املش������كالت البيئية مددا طويلة‪ ،‬ولكن عندما‬ ‫تلحق بنا تكون س������ريعة ج������دا‪ .‬فنحن ننمو‬ ‫ونـك ـب ـ ــر‪ ،‬وفجـ ــأة يـن ـف ـ ـ������د الـن ـف ــط ويـ ــذوب‬ ‫اجلليد القطبي‪.‬‬ ‫لقد أطلت في متحيص هذه النقطة؛ وذلك‬ ‫ألن كل ق������وة من ق������وى مجتمعنا تدربت على‬ ‫الرغبة في املزيد من النمو‪ .‬ولكن النس������تطيع‬ ‫النمو‪ ،‬فهناك الكثير من املصادمات‪ .‬إننا في‬ ‫كوكب عسير‪.‬‬ ‫ولك������ن ثمة فرصة أخ������رى‪ .‬وكمثل التائه‬ ‫في غابة‪ ،‬يتعني علينا أن نتوقف عن اجلري‪،‬‬ ‫وجنل������س‪ ،‬ونتفقد ما ف������ي جيوبنا من أدوات‬ ‫ميك������ن اس������تخدامها‪ ،‬ونب������دأ بالتفكي������ر في‬ ‫اخلطوات التي يجب اتخاذها‪.‬‬ ‫اخلطوة األولى‪ :‬الطبيعة‪ .‬لقد قضينا ‪200‬‬ ‫سنة متش������بثني بالنمو‪ ،‬وقد عاد علينا ببعض‬ ‫الفوائد‪ ،‬وأحلق بنا بعض الضرر‪ ،‬ولكن مما‬ ‫الشك فيه أنه تغلغل عميقا في نفوسنا وأبقانا‬ ‫في مراهقة دائمة‪ .‬وكان قول كل سياسي عاش‬ ‫املرحل������ة يقول‪« :‬إن أيامن������ا األفضل هي تلك‬ ‫القادمة»‪ .‬ولكنها ليس������ت كذلك‪ ،‬ليس باملعنى‬ ‫ال������ذي نعرفه لكلمة «أفضل»‪ .‬وهذا الواقع هو‬ ‫ما س������يحدث يوما ما ف������ي أي كوكب محدود‬ ‫املوارد‪ .‬إنه احلظ فق������ط هو الذي لعب دوره‪،‬‬ ‫فتوقفت املوس������يقى ونحن النزال واقفني على‬ ‫األرض‪ .‬ف������إذا كان عام ‪ 2008‬هو العام الذي‬ ‫‪89‬‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫يتوقف فيه النمو – أو رمبا س������يكون ‪ 2011‬أو‬ ‫‪ 2014‬أو ‪ – 2024‬فلي������س ذلك س������وى فَرجات‬ ‫‪ .breaks‬علينا أن نبصر بوضوح‪ ،‬دون أوهام‬ ‫أو أحالم وردية أو سلوكيات مثيرة‪.‬‬ ‫اخلطوة الثانية‪ :‬نحن بحاجة إلى معرفة‬ ‫ما يجب أن نتخلى عنه من العادات‪ .‬ولدينا‬ ‫الكثير من هذه الع������ادات‪ ،‬فمثال‪ ،‬يجب أن‬ ‫نهجر األس������لوب االستهالكي في املعيشة‪.‬‬ ‫لك������ن البند الكبير في قائم������ة تلك العادات‪،‬‬ ‫يزداد وضوحا‪ .‬إن������ه التعقّ���د ‪complexity‬‬ ‫ال������ذي يعد الس������مة املمي������زة للعصر الذي‬ ‫نعي������ش فيه‪ .‬ولكن هذا التعق������د يعتمد على‬ ‫الوقود األحفوري الرخيص واملناخ املستقر‬ ‫اللذي������ن أديا إلى فائض هائ������ل من الغذاء‪.‬‬ ‫فالتعقد هو مجدنا‪ ,‬ولكنه في الوقت نفس������ه‬ ‫هو موطن ضعفنا‪ .‬فعندما بدأنا بالش������عور‬ ‫بوط������أة ارتف������اع أس������عار النف������ط ومن ثم‬ ‫انس������حاق األرصدة الدائن������ة في عام ‪2008‬‬ ‫تبني أننا قد ربطن������ا األمور ببعضها بكثير‬ ‫م������ن املتانة‪ ,‬بحيث أدى فش������ل بس������يط في‬ ‫أحد املواق������ع إلى إحداث اهتزاز في جميع‬ ‫أرجاء النظام‪ .‬فإذا كان قرار أمريكا الغبي‪،‬‬ ‫بتخصيص جزء م������ن محصول الذرة فيها‬ ‫إلنتاج اإليثانول‪ ،‬يساعد على إخماد ثورات‬ ‫اجلوع في ‪ 37‬بلدا‪ ،‬أو إذا كانت سلسلة من‬ ‫رهانات قصيرة النظر في القروض العقارية‬ ‫ف������ي نيڤادا ميكن أن تؤدي إلى إغالق آالف‬ ‫املصانع في الص���ي��ن‪ ،‬عندئذ ندرك أننا قد‬ ‫س������محنا لنظمنا بالتضفر ‪ intertwine‬أكثر‬ ‫مما يجب‪ .‬وإذا أمكن لعاداتنا الس������يئة في‬ ‫قيادة الس������يارات أن تؤدي إلى ذوبان قمة‬ ‫اجلليد القطبي فإننا نستحق ذلك‪.‬‬ ‫لق������د ح ّولنا كوكبن������ا الظريف إلى أريض‬ ‫‪ ،Eaarth‬ال يتص������ف بالدرج������ة نفس������ها م������ن‬ ‫الظرافة‪ .‬إننا نتحرك سريعا من عالم نضغط‬ ‫فيه على الطبيعة في كل اجتاه إلى عالم تقوم‬ ‫في������ه الطبيعة برد فعل ه������ذا الضغط ‪ -‬ولكن‬ ‫بق������وة أكبر بكثير‪ .‬وملا كان م������ازال علينا أن‬ ‫نعي������ش في هذا العالم‪ ،‬فمن األفضل أن نبدأ‬ ‫>‬ ‫بالتفكير كيف اخلروج من هذا املأزق‪.‬‬


‫ساينتفيك أمريكان تتحدى >‪ .B‬ماك كينب<‪:‬‬

‫هل من الضروري حقا‬ ‫أن يكون النمو صفريا؟‬

‫(٭)‬

‫ظلت املجتمعات تعتمد على االكتفاء الذاتي احمللي إلى أن أطلت عليها‬ ‫الثورة الصناعية‪ ،‬فبدأ زحف عنيد باجتاه االقتصادات املتركزة األضخم‪.‬‬ ‫ويق������ول >‪ .B‬م������اك كينب< في كتابه ‪ :Eaarth‬تأس���يس حي���اة على كوكب‬ ‫جدي���د صعب(‪ ،)1‬إن منوا ال يس������تكني يدمر العال������م‪ ،‬لذلك يجب أن يكون‬ ‫التوجه اجلديد للمجتمعات نحو احملافظة على الثروة واملوارد عوضا عن‬ ‫التوسع‪ ،‬وإال القت هذه املجتمعات حتفها‪ .‬وفيما يلي يقوم >‪ .M‬فيشيتي<‬ ‫[عضو هيئة التحرير في مجلة س������اينتفيك أمريكان )‪ ](SA‬بتوجيه بعض‬ ‫األسئلة إلى >‪ .B‬ماك كينب< عن أهم القضايا التي يؤكد عليها الكاتب‪.‬‬ ‫ساينتفيك أمريكان )‪ :(SA‬توضح رسالتك‬ ‫األساس������ية أن على البشر التخلي عن اتخاذ‬ ‫النمو طريقة عمل(‪ .)2‬ملاذا ال ميكننا أن ننمو‬ ‫بعقالنية أكثر؟‬ ‫>م���اك كينب<‪ :‬بالتأكيد ميكننا إجناز األمور‬ ‫بكف������اءة أكث������ر‪ ،‬وعلين������ا أن نفعل ذل������ك لكنه‬ ‫كاف‪ .‬فنحن أخي������را نصطدم باحلدود‬ ‫غي������ر ٍ‬ ‫القصوى للنمو التي يتحدث عنها الناس منذ‬ ‫الس������بعينات‪ ،‬ونواجه تغ ّيرات بيئية صاعقة‪.‬‬ ‫وقلة من الناس تستوعب ما يجري‪.‬‬ ‫‪ :SA‬هل النمو الصفري ‪ zero growth‬متاما‬ ‫ض���روري‪ ،‬أم ميك���ن لنم���و «قليل ج���دا» أن‬ ‫يكون مستداما ‪sustainable‬؟‬

‫>م���اك كي�ب�ن<‪ :‬إنن������ي لس������ت يوطوپي���ا‬

‫(‪)3‬‬

‫‪ ،utopian‬كما ال أمتلك مخططا يبني أين يجب‬ ‫أن يق������ف العالم‪ ،‬ألن حتليلي ال يتضمن رقما‬ ‫محددا‪ .‬فأنا أهتم أكثر باملس������الك والدروب‪:‬‬ ‫ماذا يح������دث إذا ابتعدنا عن النمو كحل لكل‬ ‫مشكلة تواجهنا‪ ،‬وس������رنا في اجتاه مختلف‬ ‫متام������ا‪ .‬لقد كن������ا منهمكني ج������دا في جتربة‬ ‫النمو‪ ،‬بحيث لم نحاول جتربة أي شيء آخر‪.‬‬ ‫وميكننا قياس املجتمعات بوس������ائل أخرى‪،‬‬ ‫فبعض البلدان تس������تعمل االكتفاء مقياس������ا‪.‬‬ ‫وإذا قمنا بقياس العالم بطرائق أخرى يصبح‬ ‫التراكم الفردي للثروة أقل أهمية‪.‬‬ ‫‪ :SA‬جوه������ر املوض������وع هنا ه������و أن النظم‬ ‫الكبيرة املترك������زة والس���ياقية(‪monolithic )4‬‬ ‫للزراع������ة والطاقة وغيرها من النظم التجارية‬ ‫هي التي ُتس������ ّير النمو‪ .‬فهل تعني أن الكِ بر‬ ‫أمر سيئ؟‬ ‫>ماك كينب<‪ :‬نحن نبني األشياء كبيرة ألنها‬ ‫تس������مح بحدوث منو أسرع‪ .‬فالكفاءات كانت‬ ‫تقدر على أس������اس احلجم‪ .‬وهذا ما النحتاج‬ ‫إلي������ه حاليا‪ .‬فنحن ال نحتاج اآلن إلى حصان‬ ‫سباق استولد خصيصا لكي يستطيع اجلري‬ ‫بأقصى س������رعة ممكنة‪ ،‬ولكن كاحله ينكسر‬ ‫حاملا يصادف كتلة من العش������ب في مضمار‬ ‫الس������باق‪ .‬فما نحتاج إليه هو حصان فالحة‬ ‫( ) ?‪IS ZERO GROWTH REALLY NECESSARY‬‬

‫(‪ .ِEaarth: Making a Life on a Tough New Planet )1‬وضع������ت هذه‬ ‫الكلم������ة (األريض) لتتالءم مع التحريف البس������يط ‪EAARTH‬‬ ‫لكلم������ة ‪ .EARTH‬وقد أدخل مؤلف الكتاب هذا التحريف على‬ ‫اس������م كتابه‪ ،‬ألنه يرى أن التغييرات الكبيرة التي طرأت على‬ ‫كوكبنا‪ ،‬لم تعد تسمح بأن نطلق عليه اسمه األصلي ‪.Earth‬‬

‫(‪modus operandi )2‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫(‪)4‬‬

‫‪90‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫ناد متحمس بإصالحات غير عملية‪.‬‬ ‫‪ُ :utopian‬م ٍ‬ ‫‪ :monolithic‬على سياق واحد‪.‬‬


‫قادر على التحم������ل‪ .‬فالتحملي���ة‬

‫‪durability‬‬

‫يجب أن تكون هدفنا وليس التوسع‪.‬‬

‫‪ :SA‬ه���ل احلج���م فقط ه���و املته���م أم هو‬ ‫التعقي���د الذي ينت���ج منه؟ فأنت تقول‪ ،‬ليس‬

‫فقط البنوك بل هناك صناعات أساسية أخرى‬ ‫أكبر من أن تفشل(‪ .)1‬فهل يجب أن نحل مثل‬ ‫هذه املؤسسات أو نقسمها بطريقة ما؟‬

‫>م���اك كي�ب�ن<‪ :‬إن النظام املال������ي والنظام‬ ‫الطاقي والنظام الزراعي تشترك في العديد‬ ‫م������ن أوجه التش������ابه ‪ :‬ففيها ع������دد صغير‬ ‫جدا من الالعبني الذين يش������كلون نس������يجا‬ ‫متماس������كا بش������كل اليصدق‪ .‬وحتصل في‬ ‫كل حالة منها تأثيرات متسلسلة إذا حدث‬ ‫خطأ ما؛ فيمكن لقصع������ة من فطيرة دجاج‬ ‫أن تنشر التسمم الغذائي في ‪ 48‬والية‪ .‬إن‬ ‫منزل������ي يعمل على الطاقة الشمس������ية‪ ،‬فإذا‬ ‫فش������ل جهازي تصبح لدي مش������كلة‪ ،‬ولكن‬ ‫ذلك ال ي������ؤدي بأي حال إلى توقف ش������بكة‬ ‫الطاقة في شرق الواليات املتحدة‪.‬‬

‫الذي يجب أن يعتمد في الصناعة‪.‬‬ ‫‪ :SA‬أوليست املنتجات احمللية أكثر تكلفة؟‬

‫>م���اك كينب<‪ :‬س������يوجد الكثير من املزارع‪،‬‬ ‫وقد تكون أكثر اعتمادا على األيدي العاملة‪،‬‬ ‫ولكن ذلك سيؤدي إلى خلق املزيد من فرص‬ ‫العمل وسيوفر للمزارعني عائدات أكبر‪ .‬ومن‬ ‫الناحي������ة االقتصادية‪ ،‬فإن امل������زارع احمللية‬ ‫تلغ������ي دور الكثير من الوس������طاء‪ ،‬ولذلك فإن‬ ‫شراء اخلضار من املزارع )‪( )2((CSA‬الزراعة‬ ‫الداعم������ة) ه������و أرخ������ص طريق������ة للحصول‬ ‫عل������ى املواد الغذائية‪ .‬وق������د يبقى اللحم أكثر‬ ‫تكلف������ة؛ ولكن بصراح������ة‪ ،‬إن تناول كمية أقل‬ ‫م������ن اللحم لي������س نهاية العال������م‪ .‬وإن أفضل‬ ‫ما يحويه كتابي م������ن أنباء هو قدرة أفكاري‬ ‫على االنتشار؛ ففي األعوام القليلة املاضية‪،‬‬ ‫كانت التقنيات الزراعية احملدودة هي األكثر‬ ‫قبوال لدى مختلف اخلبراء التقنيني املهرة في‬ ‫جميع أنحاء العالم النامي‪.‬‬ ‫‪ :SA‬يبدو كأن املفتاح لزراعة محلية ناجحة‬ ‫هو تعليم الن���اس كيف يزيدون احملاصيل‬ ‫دون استعمال املزيد من األسمدة ‪....‬‬

‫‪ :SA‬إذن‪ ،‬إنك تؤيد العودة إلى االعتماد على ما‬ ‫هو محلي‪ ،‬ولكن منذ أن نَشر >‪ .F .E‬شوماكر<‬ ‫كتابه ف������ي ع������ام ‪ 1973‬بعن������وان‪« :‬كل صغير‬ ‫جميل» واملؤيدون لهذه األفكار يحاولون إنشاء >م���اك كي�ب�ن<‪ :‬هذا صحي������ح‪ ،‬ويعتمد على‬ ‫نظم طاقة وغذاء محلية في جميع أنحاء العالم‪ ،‬املكان الذي توجد فيه‪ .‬فلن جند نظاما واحدا‬ ‫وم������ع ذلك مازالت املعاناة قائمة‪ .‬فإلى أي ح ٍّد ينتش������ر في العالم كله بالطريقة التي حاولنا‬ ‫بها نش������ر الزراع������ة القائمة عل������ى التصنيع‬ ‫يجب أن يكون «احمللي» صغيرا؟‬ ‫واألسمدة االصطناعية‪ .‬إن احللول أكثر ذكاء‬ ‫>ماك كينب<‪ :‬سنتوصل إلى معرفة احلجم‪ .‬من ذلك‪ ،‬فبدال من نشر املواد الكيميائية التي‬ ‫فقد يك������ون مدينة أو منطق������ة أو والية‪ .‬ولكن تخلق جميع أنواع املش������كالت‪ ،‬نقوم بإيجاد‬ ‫لك������ي نحصل على اجلواب علينا أوال إخراج طرائق بديلة وندرس كيفية نشرها‪.‬‬ ‫اإلعانات احلكومية املشوهة للغاية من نظمنا‬ ‫احلالية‪ .‬فهم يثيرون جميع اإلشارات السيئة‬ ‫ع������ن كل ما يج������ب فعله‪ .‬ففي قط������اع الطاقة‬ ‫تك َّلمنا مبا يكفي عن أضرار استعمال الوقود‬ ‫األحف������وري‪ ،‬ف������ي حني أنه أكث������ر ضررا في‬ ‫الزراعة‪ .‬فإذا ما تالشت اإلعانات احلكومية‪،‬‬ ‫نستطيع التوصل إلى معرفة احلجم املعقول‬ ‫‪91‬‬

‫‪ :SA‬حس���نا‪ ،‬حت���ى وإن كان���ت الزراع���ة‬ ‫احمللية مجدية‪ ،‬كيف يدعم ذلك االستدامة‬ ‫بدال من النمو؟‬

‫>م����اك كي��ب�ن<‪ :‬قد يكون أكث������ر األمور التي‬ ‫(‪too big to fail )1‬‬ ‫(‪community - supported agriculture )2‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫منلكه������ا نفعا من أجل اس������تقرار على املدى‬ ‫البعيد‪ ،‬وبخاصة في حقبة تتميز باالضطراب‬ ‫البيئي‪ ،‬ه������و الترب اجليدة – ترب تس������مح‬ ‫بزراعة كمي������ة جيدة من الغذاء‪ ،‬وتس������تطيع‬ ‫امتصاص كميات كبيرة من املاء ألن كميات‬ ‫األمط������ار آخ������ذة باالزدياد‪ ،‬ترب تس������تطيع‬ ‫االحتفاظ بهذا املاء الفائض الس������تعماله في‬ ‫فترات اجلفاف الطويلة التي أصبحت اليوم‬ ‫كثيرة التكرار‪ .‬فالتربة اجليدة هي بالتحديد‬ ‫م������ا تنش������ئه الزراعة احمللية األق������ل تعرضا‬ ‫للتأثي������رات واألقل تطلب������ا للمدخالت‪ ،‬وهي‬ ‫بالتحديد ما تدمره الزراعة الصناعية‪.‬‬ ‫‪ :SA‬يب������دو االتكال عل������ى الفعاليات احمللية‬ ‫جذابا‪ ،‬لك������ن هل ميكن لدول مث������ل الواليات‬ ‫املتح������دة التخلص من الديون الهائلة دون أن‬ ‫تنمو؟ تق������ول وزارة املالية األمريكية إن احلل‬ ‫الوحيد غير املؤلم هو النمو‪ .‬فهل نحتاج إلى‬

‫مدة انتقالية لكي ميحي النمو الدَّين‪ ،‬ومن‬ ‫ثم نتوجه إلى االستدامة؟‬

‫>م���اك كي�ب�ن<‪ :‬حس������نا‪ ،‬إن عب������ارة «غي������ر‬ ‫املؤل������م» تعني في الواق������ع تأخير األلم‪ .‬فكما‬ ‫تعل������م «ادفع لي اليوم أو ادفع لي فيما بعد»‪،‬‬ ‫فالسؤال السياس������ي األول هو‪ :‬هل نستطيع‬ ‫إحداث التغيير بس������رعة تكفي لتجنب جميع‬ ‫االنهيارات اخلارجية املمكنة وحتى احملتملة؟‬ ‫وكيف نحرك هذه املراحل االنتقالية بس������رعة‬ ‫أكبر من السرعة التي تريد أن تتحرك بها؟‬ ‫‪ :SA‬م���ا ه���ي أكث���ر اإلج���راءات أهمي���ة‬ ‫لتطبيقها أوال؟‬

‫>م���اك كي�ب�ن<‪ :‬تغيي������ر س������عر الطاقة بحيث‬ ‫يعك������س الضرر ال������ذي أحلقت������ه بالبيئة‪ .‬فإذا‬ ‫انعكس������ت تكلفة األضرار على س������عر الوقود‬ ‫األحف������وري‪ ،‬فقد نش������هد حدوث ه������ذه النظم‬ ‫اجلدي������دة واالنتقاالت بس������رعة أكب������ر بكثير‪.‬‬ ‫فوضع ضريبة على الكرب������ون املنبعث بحيث‬ ‫يرتفع سعره أمر البد منه لتحقيق أي إجناز‪.‬‬ ‫‪92‬‬

‫‪ :SA‬ولكن رفع س���عر الكربون أمر عس���ير‬ ‫التسويق ‪....‬‬

‫>م���اك كينب<‪ :‬ال توجد طريق سهلة للخروج‬ ‫من هذه الورطة التي نحن فيها‪ ،‬ولكن العالَم‬ ‫الذي نحن بصدد تكوينه ميتلك قدرات شفائية‬ ‫تشمل ش������عورا أقوى باالنتماء إلى املجتمع‬ ‫وارتباطا أوثق باآلخرين‪ ...‬وبالعالم الطبيعي‪.‬‬ ‫لقد واظبنا مدة طويلة على مقايضة املجتمع‬ ‫باالس������تهالك‪ .‬فمنذ احلرب العاملي������ة الثانية‬ ‫رك������زت الواليات املتحدة على بناء بيوت أكبر‬ ‫وتتباعد عن بعضها مسافات أطول‪ ،‬مما أدى‬ ‫إلى تدمير احلي������اة االجتماعية‪ .‬ولذلك ليس‬ ‫لدى األمريكي املتوس������ط اليوم من األصدقاء‬ ‫املقربني سوى نصف عدد ما كان لدى الفرد‬ ‫قبل ‪ 50‬س������نة‪ .‬وهكذا‪ ،‬لي������س من العجيب أن‬ ‫نك������ون مبختل������ف املقاييس أقل س������عادة في‬ ‫حياتنا مع أن مس������توى املعيشة قد تضاعف‬ ‫ث���ل��اث مرات‪ .‬وهذا األم������ر يجعل من املمكن‬ ‫تصور نوع التغيي������ر الذي نحن بحاجة إليه‪.‬‬ ‫فالتخلي عن النمو لصالح الدميومة ليس كله‬ ‫خسارة‪ .‬ستلحق بنا بعض اخلسارة ولكننا‬ ‫>‬ ‫سنحقق بعض الربح أيضا‪.‬‬ ‫وللمزيد عن هذه املقالة‪:‬‬

‫‪www.ScientificAmerican.com/mckibbenQA‬‬ ‫‪Scientific American, April 2010‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬

‫>‪ .B‬ماك كينب< يحشد أنصاره في‬ ‫التاميز سكوير مبدينة نيويورك في‬ ‫اليوم العاملي للمناخ في ‪،2009/10/24‬‬ ‫ٌ‬ ‫حدث نظمتها‬ ‫حدث من ‪5200‬‬ ‫وهو‬ ‫ٍ‬ ‫مجموعته ‪ 350. org‬في ‪ 181‬بلدا‪.‬‬


‫تتمة الصفحة ‪( 9‬بزوغ اإلنساالت العاملات)‬

‫فجميع املعارف العلمي������ة هي في واقع األمر غير نهائية‪ .‬على ومحدود بـ ‪ 64‬مربعا و ‪ 32‬قطعة‪ .‬ويدخل العل ُم في ش������طر كبير‬ ‫أن م������ن غير احملتم������ل كذلك أن يكون جميع م������ا توصلت إليه من عالَم الشطرجن املج َّرد‪ ،‬ولكن أمتتة العلم ستكون أصعب ألن‬ ‫اإلنس������الة من نتائج خاطئا‪ .‬وقد مضت اليوم س������نتان ونتائج مكان إجراء التجربة هو العالَم املادي‪ .‬على أنني‪ ،‬مع ذلك‪ ،‬أتوقع‬ ‫اإلنسالة آدم بني أيدي الباحثني من القطاع العام‪ ،‬من دون أن أن تطوير إنساالت عالمِ ات قادرات على أداء مهمات علمية رفيعة‬ ‫أي خطأ فيها‪ .‬ومبلغ علمي أن أحدا من املس������توى‪ ،‬رمبا يكون أس������هل من تطوير ن ُ​ُظ������م للذكاء الصنعي‬ ‫يشي َر أح ٌد إلى وجود ِّ‬ ‫العلماء – خارج فريق عملنا – لم يحاول حتى اآلن استخراج قادرة على التآثر اجتماع ّيا مع البش������ر‪ .‬ففي العلم‪ ،‬بإمكانك أن‬ ‫تفت������رض – وأنت مطمئن ‪ -‬أن العالَم املادي لن يحاول خداعك‪،‬‬ ‫نتائج اإلنسالة آدم ثانية‪.‬‬ ‫وثمة طريق ٌة أخ������رى لتقييم مدى كون آدم عاملة‪ ،‬وهي النظر على حني أن هذا ليس صحيحا في املجتمع‪.‬‬ ‫إن أب������رع العبي الش������طرجن من بني البش������ر وأرس������خهم‬ ‫في قابلية أس������لوب عملها في تولي������د فرضيات مبت َكرة من أجل‬ ‫التعميم‪ .‬لق������د بدأنا‪ ،‬منذ أن انطلقت اإلنس������الة آدم في إجراء قدما يس������تعملون اليوم احلواس������يب لالرتقاء مبستوياتهم في‬ ‫التجارب‪ ،‬بتطوير إنسالة ثانية هي «حواء» ‪ .Eve‬تط ِّبق اإلنسالة الش������طرجن ‪ -‬من جهة حتلي������ل وضعيات اللع������ب والتحضير‬ ‫حواء دورات البحث املؤمتتة نفسها الختبار العقاقير وصنعها‪ ،‬لهجم������ات جديدة‪ .‬وباملث������ل‪ ،‬فإن العمل املش������ترك بني العلماء‬ ‫َّ‬ ‫وتوخينا البشر واإلنس������االت العاملات‪ ،‬مع تباين نقاط القوة والضعف‬ ‫وجتاري على جانب كبير من األهمية‪.‬‬ ‫طبي‬ ‫وهو‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫مطلب ٌّ‬ ‫أن ِّ‬ ‫������دروس التي تع َّلمناها من تصميم اإلنس������الة آدم بينهم������ا‪ ،‬ميك������ن أن يح ِّقق إجن������ازات أكثر مما قد يس������تطيع‬ ‫نوظف ال‬ ‫َ‬ ‫أحدهما حتقيقه‪ .‬وإن التق ُّدم احلاصل في عتاديات‬ ‫في جع������ل حواء منظومة أكثر تناس������قا وجاذبية من‬ ‫شاهد ڤيديو آدم‬ ‫الرابط‬ ‫على‬ ‫وحواء‬ ‫ُ‬ ‫احلاس������وب ونُظم الذكاء الصنعي سيقود ال محالة‬ ‫س������ابقتها‪ .‬ويترك������ز البحث الذي تقوم به اإلنس������الة‬ ‫‪ScientificAmerican.com/‬‬ ‫‪jan2011/king‬‬ ‫إلى إنساالت عاملات أكثر ذكاء‪.‬‬ ‫حواء على املالريا‪ ،‬والبلهارسيا‪ ،‬ومرض النوم‪ ،‬وداء‬ ‫والسؤال األساسي املتعلق مبستقبل العلم هو‪ :‬هل ستكون‬ ‫ش���اگاس ‪ .Chagas disease‬ومازلن������ا نط ِّور برمجيات حواء‪ ،‬غير‬ ‫أن اإلنسالة حواء س������بق أن اكتشفت مركبات مثيرة يبدو أنها ه������ذه املبتكرات ق������ادرة دوما على إحداث اس������تبصارات من‬ ‫شأنها أن تغ ِّير طرائق التفكير‪ ،‬أم إنها ستبقى مقتصرة على‬ ‫واعدة في مكافحة فعالة للمالريا‪.‬‬ ‫������ض الباحثني مقاربات مش������ابهة ملقاربات التح ِّري������ات العلمية الروتينية؟ يرى ُ‬ ‫هذا ويط ِّبق بع ُ‬ ‫بعض العلماء األعالم‪ ،‬من‬ ‫اإلنس������الة آدم‪ .‬فالباحث >‪ .H‬ليبس������ون< [من جامعة كورنيل] أمثال >‪ .P‬أندرس������ون< [احلائز على جائزة نوبل في الفيزياء]‬ ‫يطبق اختبارات مؤمتتة لتحس���ي��ن تصميم اإلنسالية املتحركة‪ ،‬أن العل������م الذي يغ ِّير طريق������ة التفكير هو من العمق بحيث قد‬ ‫ولفهم الن ُ​ُّظ������م الديناميكية‪ .‬وهناك باحث������ون آخرون يحاولون يستعصي على األمتتة الوصول إليه‪ .‬لكن >‪ .F‬ويلكزك< [وهو‬ ‫حائ ٌز أيضا على جائزة نوبل في الفيزياء] يرى أنه في غضون‬ ‫تطوير إنساالت عاملة في الكيمياء والبيولوجيا والهندسة‪.‬‬ ‫في حني تبحث مجموع������ات‪ ،‬ومنها مجموعتنا‪ ،‬في طرائق مئة عام س������تكون اآللة هي أفضل علماء الفيزياء‪ .‬ولس������وف‬ ‫أمتتة أبحاث الفيزي���اء الكمومي���ة ‪ ،quantum physics‬وبوجه تكشف قادمات األيام أيهما كان على صواب‪.‬‬ ‫ومهما يكن الرأي‪ ،‬فإنني أرى مس������تقبال تتضافر فيه جهو ُد‬ ‫خ������اص كيفية التحكم في العملي������ات الكمومية‪ .‬فمثال‪ ،‬يدرس‬ ‫وستوصف املعرفة العلمية‬ ‫>‪ .A .H‬رابيتز< [من جامعة پرنس������تون] طرق استخدام ليزرات العلماء البشر واإلنساالت العاملات‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الفيمتوثاني���ة(‪ (10-15) )1‬للوقوف عل������ى طرائق لتأليف أو ِّ‬ ‫الوب ‪ .Web‬وستؤدي‬ ‫حل باستعمال املنطق‪ ،‬وتنتشر آن ّيا باستخدام ِ‬ ‫روابط كيميائية مس������تهدفة‪ .‬ويتمثل التحدي القائم هنا بكيفية اإلنساالت تدريج ّيا دورا متعاظما ِّ‬ ‫>‬ ‫باطراد في تق ُّدم العِ لْم‪.‬‬ ‫صوغ جتارب ذكية بسرعة‪.‬‬ ‫( ) ‪HUMAN PARTNERS‬‬ ‫(‪femtosecond )1‬‬

‫شركاء بشر‬

‫( )‬

‫مراجع لالستزادة‬

‫إذا قبلنا بفكرة إمكان أن تكون اإلنساالت عاملات‪ ،‬فقد نرغب‬ ‫في معرفة محدودياتها‪َّ .‬‬ ‫ولعل من املفيد مقارنة أمتتة العلم بأمتتة‬ ‫الش������طرجن‪ .‬فأمتتة الشطرجن في جوهرها مس������أل ٌة محلولة‪ ،‬إذ‬ ‫إن احلواسيب تلعب الش������طرجن مبهارة توازي أو تفوق أفضل‬ ‫الالعب���ي��ن من بني البش������ر‪ ،‬كما تؤدي نقالت َّ‬ ‫أخاذة‪ .‬وس������يطرة‬ ‫احلاس������وب في هذا املجال ممكنة‪ ،‬ألن الش������طرجن عالَ ٌم مج َّر ٌد‬ ‫‪93‬‬

‫‪Scientific American, January 2011‬‬

‫‪(2011) 6/5‬‬


‫اسألوا أهل اخلبرة‬ ‫كـيـف تبحر األسماك عائدة لتتزاوج‬ ‫في املجرى املائي نفسه الذي نشأت فيه؟‬

‫يجيب عن هذا الس���ؤال >‪ .M‬ماكفي> [أس���تاذ مس���اعد وباحث في‬ ‫محطة بحيرة فالت هد البيولوجية بجامعة مونتانا]‪:‬‬

‫متثل أسماك الساملون هذا السلوك خير متثيل‪ ،‬حيث إنها جتمع‬ ‫بني اإلبحار التقليدي في خضم املاء املفتوح‪ ،‬وحاس������ة ش������م مرهفة‬ ‫متكنه������ا من االهتداء إلى طريقها‪ .‬فهذه األس������ماك تهاجر إلى البحر‬ ‫لتتغذى بضع سنوات قبل أن تقفل راجعة لتتزاوج في املجرى املائي‬ ‫نفسه‪ ،‬وأحيانا في املنطقة نفسها التي خرجت فيها من البيض‪ .‬وقد‬ ‫تس������تخدم بعض األنواع األخرى العائدة إلى أوطانها آليات مماثلة‪،‬‬ ‫ولكن قليال منها ما يستطيع مجاراة الساملون في هذه الدقة البالغة‪.‬‬ ‫أما كيف تعود أس������ماك الس������املون إلى منطقة اخلط الس������احلي‬ ‫الصحي������ح‪ ،‬فهذا أمر غي������ر مفهوم متاما بعد‪ .‬ويبدو أنها تس������تخدم‬ ‫أس������لوبا من اإلبحار «خريطة وبوصلة» يعتمد على معلومات مستمدة‬ ‫من حزمة من ال ّدالاّ ت البيئية‪ ،‬تتضمن‪ :‬طول النهار‪ ،‬وموضع الشمس‬ ‫واستقطاب أشعتها الناجت من زاويتها في السماء‪ ،‬واملجال املغنطيسي‬ ‫لألرض‪ ،‬وتدرجات (مماالت) ‪ُ gradients‬ملوحة املاء ودرجة حرارته‪.‬‬ ‫ومهم������ا تكن اآللية النوعية‪ ،‬فباقتراب موعد التزاوج‪َ ،‬يظهر ‪ -‬على ما‬ ‫يبدو ‪ -‬عند الس������املون ميل غريزي موروث لتولي وجهتها نحو منطقة‬ ‫اخلط الساحلي الذي يصب عنده املجرى املائي الذي نشأت فيه‪.‬‬ ‫بيد أنن������ا نعرف‪ ،‬على نح������و أكثر تفصيال‪ ،‬كيف تبحر أس������ماك‬ ‫الساملون بعد اهتدائها إلى مصب النهر بالذات‪ .‬فما إن تبلغ األسماك‬ ‫املاء العذب‪ ،‬فإنها تهتدي أساس������ا بحاس������ة شمها إلى الرافد النهري‬ ‫الصحي������ح‪ .‬وقد أظهرت سلس������لة من التجارب بدأت في خمس������ينات‬ ‫حساسة بخاصة للروائح‬ ‫القرن العشرين‪ ،‬أن صغار الساملون تصبح ّ‬ ‫الكيميائية الفريدة ملوطن نش������أتها وذل������ك عندما تقوى على االرحتال‬ ‫من املاء العذب إلى البحر ‪ .the smolt stage‬فالروائح التي تستقبلها‬ ‫األفراخ في أثناء ذلك الوقت الذي تبلغ فيه ذروة حساس������يتها‪ ،‬تُختزن‬ ‫ف������ي أدمغتها وتصبح دالاّ ت تع ُّرف لالجتاه لها أهميتها بعد س������نني‪،‬‬ ‫عندما حتاول األفراد البالغة العودة إلى أوطانها من اجلداول املائية‪.‬‬ ‫وفي إحدى التجارب الباكرة‪ُ ،‬ربيت أسماك الساملون في مجرى‬ ‫مائي‪ ،‬ثم نقلت إلى مفرخة ‪ hatchery‬وهي في الطور الذي تقوى فيه‬ ‫على االرحتال من املاء العذب ‪ smalt stage‬فعادت تلك األسماك بعد‬ ‫رحلة هجرتها إلى املفرخة‪ ،‬دالة بهذا على األهمية احلاسمة ملا ينطبع‬ ‫في ذاكرة الس������مكة في أثناء تلك التحوالت في حياتها‪ .‬وفي دراسة‬ ‫أخرى أحدث عهدا‪ ،‬أش������ارت النتائج إلى أن صغار الساملون قد متر‬ ‫خالل بضع فترات من النقش(‪ ،imprinting )1‬ومنها فترة فقس البيض‬ ‫وفترة خروج الصغار من عِ شاشها بني احلصى‪.‬‬ ‫وتعدد املراحل هذا فكرة معقولة‪ ،‬ألن كثيرا من أس������ماك الساملون‬ ‫‪94‬‬

‫الوحشية (أي غير املرباة صنعيا) متضي أكثر من عام في املاء العذب‬ ‫منتقلة مسافات غير قصيرة خالل مجموعة معقدة من املعالم احمليطة‬ ‫حت������ى تبلغ طور االرحتال من املاء الع������ذب إلى البحر‪ .‬وعلى النقيض‬ ‫من ذلك‪ ،‬فإن س������املون املفارخ املصطنعة تنتقش ذاكرتها ببيئة أبسط‬ ‫كثيرا؛ وهذا قد يعيننا على أن نفسر ملاذا تضل طريقها (أي تعود إلى‬ ‫«املجرى املائي» اخلطأ) أكثر مما قد يحدث لألسماك الوحشية‪.‬‬

‫ملاذا تصبح أجفاننا ثقيلة‬ ‫جدا عندما نكون متعبني؟‬

‫يجي���ب عن هذا الس���ؤال >‪ .M‬أن���دروز> [أس���تاذ علم وظائف‬ ‫األعض���اء ومدير طرق الدراس���ات املس���تقلة بكلي���ة ‪Lake Erie‬‬ ‫لطب تقومي العظام]‪:‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬إن تثاقل العضالت احمليطة بالعينني‪ ،‬مبا فيها‬ ‫العضالت الرافع������ة التي تفتح األجفان العلوية‪ ،‬يش������به حالة‬ ‫إعياء أي عضلة في اجلس������م‪ .‬فالعض���ل��ات العينية وعضالت‬ ‫احلاجبني بش������كل خاص عرضة لإلعياء‪ ،‬ألنه������ا تكون فعالة‬ ‫خالل معظم س������اعات الصحو (اليقظة)‪ .‬ويتزايد هذا التثاقل‬ ‫تدريجيا بسبب االستعمال املديد مع تقدم ساعات اليوم‪ ،‬كما‬ ‫يحصل لعضالت أذرعنا وأرجلنا‪.‬‬ ‫يحتم������ل أن يكون مثل هذا الش������عور أحد أعراض اإلعياء‬ ‫العام‪ ،‬مبا فيها حاالت قلة النوم‪ ،‬أو عند اإلفراط في استعمال‬ ‫عضلة معينة‪ ،‬كالتحديق طويال في شاشة احلاسوب‪ .‬كما أن‬ ‫وجود اجللد الزائد‪ ،‬أو تدلي الوسادة الشحمية حتت العينني‬ ‫يجعل الف������رد أكثر عرضة لهذا الش������عور‪ .‬وإن احلساس������ية‬ ‫املزمن������ة‪ ،‬والتهابات اجليوب يفاقم أيضا اإلحس������اس بالثقل‪،‬‬ ‫كما أن التعرض ألشعة الشمس يسبب انتفاخ األجفان‪ ،‬ومن‬ ‫ثم يزيد من احتمال تهدلها مما يؤثر أو يشوش الرؤية‪.‬‬ ‫ومع أن تثاقل األجفان ال ُيصنف كحالة مرضية خفية‪ ،‬فإن‬ ‫بعض احلاالت قد تؤدي إلى انس������دال األجفان (اإلطراق)‪ .‬إن‬ ‫الش������ذوذات (األمراض) العضلية مثل الوهن العضلي الوخيم‬ ‫أو احلث������ل العضلي‪ ،‬ميكن أن تصيب العض���ل��ات الوجهية أو‬ ‫األعصاب الت������ي تُعصبها مؤدية إلى انس������دال األجفان‪ ،‬وهذا‬ ‫ميكن أن يح������دث أيضا في بعض جراح������ات الوجه‪ ،‬أو بعض‬ ‫املداخالت كحقن املواد كالبوتوكس ‪ Botox‬في احلاجبني‪.‬‬ ‫ألديك سؤال علمي؟‪ ...‬أرسله إلى‪experts@SciAm.com :‬‬ ‫أو إلى‪.www.SciAm.com/asktheexperts :‬‬ ‫(‪« )1‬النقش» املصطلح العربي املقابل ملصطلح ‪ ،imprinting‬الذي يدل على رسوخ‬ ‫الذكريات الباكرة في حياة احليوان‪ .‬وهو يشير إلى املقولة‪« :‬التعليم في الصغر‬ ‫كالنقش في احلجر»‪ ،‬للداللة على ثباته في الذاكرة‪.‬‬ ‫‪(2011) 6/5‬‬


March / April - 2011

4

Volume 27

Number 3/4

COMPUTER SCIENCE

Rise of the Robo Scientists By Ross D. King

Machines can devise a hypothesis, carry out experiments to test it and assess results—without human intervention.

10

RESTART

What Comes Next

Scientists give their visions of what the future holds.

18

EARTH SCIENCE

Violent Origins of Continents By Sarah Simpson

Did asteroid strikes during the earthʼs youth spawn the earliest fragments of todayʼs landmasses?

28

MEDICINE

Halting the Worldʼs Most Lethal Parasite By Mary Carmichael

Prospects for protecting children against malaria have brightened because of a new vaccine in late-stage clinical trials.

38

INFORMATION SCIENCE

Long Live the Web By Tim Berners-Lee

In an exclusive essay, the Webʼs inventor argues that protecting the Web is critical not merely to the digital revolution but to our continued prosperity—and even our liberty. (2011) 6/5

95


46

COSMOLOGY

Could Time End? By George Musser

Recent work in physics suggests a resolution to the paradox of time. MEDICINE

56

Revolution Postponed By Stephen S. Hall

The medical miracles of the Human Genome Poject have yet to appear. Biologists are divided.

66

ENVIRONMENT

Climate Heretic

By Michael D. Lemonick

special report: sustainaBility

Living On A New Earth

74 Boundaries for a Healthy Planet By Jonathan Foley

Scientists have begun to quantify red-alert levels for environmental problems.

79 Solutions to Environmental Threats

Experts spell out the actions that should be most effective.

84 Breaking the Growth Habit By Bill McKibben

An exclusive excerpt from a provocative book says economic growth must stop.

90 Bill McKibben, Challenged By Mark Fischetti

Is zero growth really necessary? McKibben answers questions about his stance.

94 Ask the Experts < <

How do spawning fish find the very same stream where they were born? Why do our eyelids get so heavy when we are tired?

ADVISORY BOARD

Adnan Shihab-Eldin Chairman

Abdullatif A. Al-Bader Deputy

CONTRIBUTING EDITORS: Mark Alpert, Steven Ashley, Stuart F. Brown, W. Wayt Gibbs, Marguerite Holloway, Christie Nicholson, Michelle Press, John Rennie, Michael Shermer, Sarah Simpson ASSOCIATE EDITORS, ONLINE: David Biello, Larry Greenemeier news Reporter, ONLINE: John Matson ART DIRECTOR, online: Ryan Reid ART DIRECTOR: Edward Bell ASSISTANT ART DIRECTOR: Jen Christiansen PHOTOGRAPHY EDITOR: Monica Bradley

Can we have a civil conversation about global warming?

73

EDITOR IN CHIEF: Mariette DiChristina MANAGING EDITOR: Ricki L. Rusting CHIEF NEWS EDITOR: Philip M. Yam SEnIor writeR: Gary Stix EDITORS: Davide Castelvecchi, Graham P. Collins, Mark Fischetti, Steve Mirsky, Michael Moyer, George Musser, Christine Soares, Kate Wong

Adnan Hamoui

Member - Editor In Chief

(2011) 6/5

COPY DIRECTOR: Maria-Christina Keller Editorial Administrator: Avonelle Wing SENIOR SECRETARY: Maya Harty COPY and PRODUCTION, nature publishing group: Senior COPY editor, npg: Daniel C. Schlenoff COPY editor, npg: Michael Battaglia editorial assistant, npg: Ann Chin managing pRODUCTION EDITOR, npg:  Richard Hunt senior pRODUCTION EDITOR, npg: Michelle Wright PRODUCTION MANAGER: Christina Hippeli ADVERTISING PRODUCTION MANAGER:  Carl Cherebin PREPRESS AND QUALITY MANAGER:  Silvia De Santis CUSTOM PUBLISHING MANAGER:  Madelyn Keyes-Milch pRESIDENT: Steven Inchcoombe VICE PRESIDENT, operations and Administration: Frances Newburg Vice president, finance and BUSINESS DEVELOPMENT: Michael Florek BUSINESS MANAGER: Marie Maher

Letters to the Editor Scientific American 75 Varick Street, 9th Floor, New York, NY 10013-1917 or editors@SciAm.com

Letters may be edited for length and clarity. We regret that we cannot answer each one. Post a comment on any article instantly at

www.ScientificAmerican.com/ sciammag

96


(2011) 6/5

97


(2011) 6/5

98


(2011) 6/5

99


(2011) 6/5

100


(2011) 6/5

101


(2011) 6/5

102


(2011) 6/5

103


(2011) 6/5

104


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.