Derasat Newsletter - April 2014

Page 1

www.dirasat.ws

45


‫توصيات ومالحظات‬ ‫حتــذر منظمــة الشــفافية الدوليــة مــن التحــدي الــذي يشــكله الفــاد أليــة جهــد هيــدف للتعامــل مــع المشــكالت‬

‫العالميــة كالتغــر المناخــي واألزمــة االقتصاديــة والفقــر المدقــع وغريهــا مــن مشــكالت النمــاء العالمــي‪ ،‬ولهــذا فإهنــا‬ ‫تدعــو الكيانــات الدوليــة لمكافحــة أنشــطة غســل األمــوال‪ ،‬وجعــل الــركات الكــرى أ كــر شــفافية‪ ،‬وأن تســعى الســرداد‬ ‫األموال المرسوقة‪ ،‬وسد الثغرات القانونية وكل ما ييرس الفاسد المحيل أو اإلقليمي يف حال غياب أو تدهور اإلرادة‬ ‫السياســية الزنهيــة يف احلكومــات‪.‬‬

‫هنــاك إمجــاع بــن الهيئــات والمنظمــات العالميــة المعنيــة بالفــاد والشــفافية عــى إمكانيــة قياهسمــا‪ .‬ويبقــى التــاؤل‬

‫ـام احلقيقيــة بدقــة‪ ،‬وعــن مــدى اســتقاللية ونزاهــة اجلهــات الــي‬ ‫عــن كيفيــة ذلــك بــأدق وجــه ممكــن ليعكــس المـ ُ‬ ‫ـؤرش األرقـ َ‬ ‫توفــر المعلومــات للمنظمــة مــن داخــل كل دولــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬فــإن المــؤرش يعطــي انطباع ـ ًا ال بــأس بــه عــن‬

‫أداء دولــة مــا‪.‬‬

‫لب أن هناك قصور كبري يف مأسلة الشــفافية يف العالم العريب بشــكل عام‪ ،‬ويف ســورية بشــكل خاص‪.‬‬ ‫يتبني لكل ذي ّ‬ ‫وبانتظــار انتبــاه احلكومــات لهــذا وتداركهــا لــه‪ ،‬ينبغــي عــى مؤســات المجتمــع المــدين أن تقــوم بدورهــا يف نــر الوعــي‬ ‫مبثــل هــذا األمــر‪ ،‬ويف وضــع األهــداف واآلليــات للماسهمــة يف دور الرقابــة ألجــل القضــاء عــى الفــاد ورفــع مســتوى‬

‫الشــفافية يف المجتمــع‪.‬‬

‫المصادر‬ ‫‪° °‬موقع ووثائق منظمة الشفافية العالمية (‪)CPI‬‬

‫‪° °‬موقــع ووثائــق البنــك المركــزي العالمــي للحوكمــة (‪( )WGI‬ال توجــد معلومــات عــن ســورية عندهــم ولهــذا لــم‬

‫تتــم مقارنــة بيناهتــا مــع البيانــات أعــاه مــن منظمــة الشــفافية)‬ ‫‪° °‬بنك المعلومات اخلاص بصحيفة الغارديان‬

‫‪° °‬منظمــة المجتمــع المفتــوح (ال توجــد معلومــات عــن ســورية عندهــم ولهــذا لــم تتــم مقارنــة بيناهتــا مــع البيانــات‬

‫أعــاه مــن منظمــة الشــفافية)‬

‫‪44‬‬


‫نتاجئ‪:‬‬ ‫يف تقرير الشفافية الدولية لعام ‪ ،2013‬احتلت سورية مرتبة ضمن أضعف عرش دول يف العالم – شمل التقرير ‪177‬‬

‫دولــة‪ -‬وصنفــت ســورية عــى أهنــا إحــدى الــدول األ كــر تراجعــا يف شــفافيهتا منــذ العــام ‪ 2010‬إىل جانــب موريشــيوس‪،‬‬ ‫غواتيماال‪ ،‬أســراليا‪ ،‬ليبيا‪ ،‬وإســبانيا‪.‬‬

‫جتــدر اإلاشرة إىل أن ســورية أحــرزت ‪ 17‬نقطــة عــى مقيــاس مــن (‪( )0‬وجــود تصــور بدرجــة عاليــة مــن الفــاد) إىل‬ ‫(‪( )100‬وجود تصور بأن الدولة نظيفة للغاية) وجاءت يف المرتبة ‪ 168‬جنب ًا إىل جنب مع أوزباكستان وتركمانستان‪.‬‬

‫مقارنة أداء سورية عرب العرش سنوات ‪2013- 2003‬‬

‫‪43‬‬


‫أسس مهنجية ومعايري‪( :‬مؤرشات التحكيم‪/‬احلوكمة)‬ ‫ما هي الشفافية وكيف تقاس؟‬

‫الشــفافية هــي مــدى نزاهــة األجهــزة احلكوميــة يف دولــة مــا‪ ،‬ويف انفتاحهــا لتوفــر المعلومــات واللــواحئ والقوانــن الماليــة‬

‫واإلدارية والترشيعية يف كل من المحاور الثالث‪ :‬المسؤولية القانونية والفعالية والماشركة العادلة‪ .‬تقاس الشفافية‬ ‫بطرق خمتلفة‪ ،‬ويف منظمة الشــفافية تتم دراســها عن طريق مؤرش مدركات الفاسد الذي يشــمل المجاالت المذكورة‬ ‫يف الفقرة أعاله‪ ،‬ووضع معايري تقييم لكل جمال مهنا‪ ،‬نذكر هنا فقط مناذج رسيعة من األسئلة اليت تتم دراسهتا ضمن‬

‫مــؤرشات حتكيــم الفــاد تــم اقتبــاس كل مــن هــذه األســئلة مــن جمــال خمتلــف‪:‬‬

‫‪1 .1‬إىل أي مدى يستغل أصحاب النفوذ مناصهبم لمصاحلهم الشخصية؟‬

‫‪2 .2‬إىل أي مدى تتم ماسئلة ومعاقبة استغالل المنصب للمصالح الشخصية؟‬ ‫‪3 .3‬ما مدى وضوح عمليات توزيع المزيانيات المالية يف األجهزة احلكومية؟‬ ‫‪4 .4‬ما مدى استقاللية الرقابة المالية عن أجهزة الدولة؟‬

‫‪5 .5‬إىل أي مدى تستخدم الراشوى لتمرير المصالح؟ وما هي القوانني اليت متنع ذلك؟‬ ‫‪6 .6‬ما مدى استقالل القضاء عن السلطة التنفيذية؟‬

‫الشفافية حول العالم واحلاجة الملحة لدراسة الشفافية‪:‬‬ ‫تســعى جهــات عديــدة اليــوم يف معظــم دول العالــم للتأ كــد مــن شــفافية أجهــزة الدولــة ونزاهــة األعمــال التجار يــة‬

‫واســتقالل اإلعــام وحر يــة الــرأي‪ ،‬لمــا لذلــك مــن أثــر جوهــري عــى النمــاء االقتصــادي واالجتماعــي فهيــا‪ .‬كمــا أن مــؤرش‬ ‫مــدركات الفاسدالصــادر عــن الشــفافية الدوليــة يعمــل مبثابــة حتذيــر مــن أن إاسءة اســتخدام الســلطة‪ ،‬والتعامــات‬ ‫الرسيــة‪ ،‬والرشــوة‪ ،‬هــي مشــكالت مســتمرة يف ختر يــب المجتمعــات يف شــى أحنــاء العالــم‪.‬‬

‫شــمل مــؤرش عــام ‪ )177( 2013‬دولــة‪ ،‬وال يــزال أداء أ كــر مــن ثلثهيــا حتــت ‪ ،50‬ويســتند إىل آراء اخلــراء مبجــال فــاد‬

‫القطاع العام يف تلك الدولة‪ .‬إن احلصول عىل معلومات دقيقة جد ًا يتطلب جهد ًا هائالً وتعاون ًا من أولئك األفراد‪،‬‬ ‫إضافــة إىل جهــات داخليــة نز هيــة؛ مــا يعــي أن مجيــع الــدول مــا زالــت تواجــه هتديــد الفــاد عــى مجيــع المســتويات‬

‫احلكوميــة؛ مــن إصــدار الرتاخيــص المحليــة وحــى إنفــاذ القوانــن واللــواحئ‪ ،‬حــى تلــك الــدول الــي حتظــى بدرجــات‬ ‫ومراتــب أعــى مــن غريهــا‪.‬‬

‫دراسة احلالة السورية‬ ‫عــى الرغــم مــن أنــه يصعــب تكويــن فر يــق لقيــاس الشــفافية يف ســورية بســبب اســترشاء الفــاد لمــا قبــل ‪ ،2011‬وأيضـ ًا‬ ‫بســبب الدمــار الــذي يتعــذر معــه مجــع المعلومــات الدقيقــة مــن داخــل أجهــزة الدولــة الرئيســة منــذ ‪ ،2011‬وعــى الرغــم‬

‫مــن عــدم توفــر معلومــات إحصائيــة دقيقــة مــن منظمــة الشــفافية لعــام ‪ ،2011‬إال أن االطــاع عــى النتــاجئ عــى امتــداد‬ ‫عــر ســنوات منــذ ‪ 2003‬إىل ‪ 2013‬ميكــن أن يعطــي مــؤرش ًا كافي ـ ًا حــول أداهئــا المتدهــور بشــكل عــام والــذي يــزداد‬ ‫تدهــور ًا قارعـ ًا طبــول اإلنــذار يف ســنته األخــرة‪.‬‬

‫‪42‬‬


‫الشفافية في سورية‪ :‬إلى أين؟‬ ‫تحليل مقارن من تقارير الشفافية العالمية‬ ‫المركز السوري للدراسات واألبحاث‬ ‫إعداد‪ :‬أمان عيد‬

‫توطئة‬ ‫يعــد الفــاد يف القطــاع العــام جرميــة إناسنيــة‪ ،‬فهــو يقــوض دعامــة الدولــة مــن الداخــل تدرجيي ـ ًا وبشــكل خفــي حــى‬ ‫يســترشي هبــا فهيلكهــا ويضعفهــا اقتصادي ـ ًا واجتماعي ـ ًا‪ .‬لــذا فقــد قامــت جمموعــة متخصصــة مــن الباحثــن يف منظمــة‬

‫الشفافية العالمية منذ عدة سنوات بالعمل عىل دراسة أسبابه وما الذي ميكن أن يقود دولة ما إىل الدنو يف دركات‬

‫الفــاد أ كــر مــن غريهــا‪ .‬ووجــدوا أن الشــفافية يف دولــة مــا تعــد مقيــا ً‬ ‫اس معيار يـ ًا ميكــن أن يشــر إىل بعــض العنــارص الــي‬ ‫تلعــب دور ًا هامـ ًا يف موضــوع خماطــر الفــاد‪.‬‬

‫يقيس مؤرش الشفافية مدى الشفافية يف أجهزة دولة ما‪ ،‬ووضعت بعض المعايري الدقيقة لقياسه‪.‬‬

‫جمال حدود التقرير‬ ‫تشمل المجاالت اليت يشملها مسح الزناهة الميداين يف تقرير الشفافية ركائز القطاعات الرئيسة يف الدولة وهي‪:‬‬ ‫‪° °‬السلطة الترشيعية‬

‫‪° °‬مؤساست مكافحة الفاسد‬

‫‪° °‬نظام القضاء‬

‫‪° °‬اإلعالم‬

‫‪° °‬السلطة التنفيذية‬

‫‪° °‬األحزاب السياسية‬

‫‪° °‬تطبيق القانون‬

‫‪° °‬التظلم‬

‫‪° °‬جهاز إدارة االنتخابات‬

‫‪° °‬األعمال التجارية‬

‫‪° °‬القطاع العام‬

‫‪° °‬جهاز الرقابة المالية‬

‫‪° °‬المجتمع المدين‬

‫يقيــم نفســه بشــكل مســتمر مــن خــال أمر يــن‪ :‬أولهمــا‬ ‫الفكــرة اجلوهر يــة الــي يقــوم علهيــا هــذا األمــر أن النظــام الزنيــه ّ‬ ‫مكافحــة خماطــر الفــاد باســتمرار‪ ،‬وثانهيمــا توفــر حلــول عمليــة فعالــة ميكهنــا أن حتافــظ عــى شــفافية الدولــة‪.‬‬ ‫يتــم إجــراء البحــث بشــكل دوري يف كل مؤسســة رئيســية إلنتــاج آليــة تاشور يــة مــع أولئــك الذيــن يعملــون فهيــا ويقومــون‬

‫بــأدوار قياديــة حمور يــة يف صناعــة التغيــر‪ .‬وقــد صممــت التقييمــات الوطنيــة لتلبيــة كل االحتياجــات‪ .‬ليــس مــن دور‬ ‫هــذه التقييمــات توفــر حتليــل اشمــل لمخاطــر الفــاد فحســب‪ ،‬بــل أيضـ ًا توفــر حلــول ذات مصداقيــة تلــي الممارســة‬

‫العمليــة فيمــا بعــد‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫‪1010‬تقــوم المفوضيــة الاسميــة لألمــم المتحــدة لشــؤون الالجئــن (‪ )UNHCR‬واألونــروا (وكالــة األمــم المتحــدة‬

‫إلغاثــة وتشــغيل الالجئــن الفلســطينيني) (‪ )UNRWA‬بتغطيــة الفــارق بــن الدخــل والنفقــات‪ ،‬وتســتلم األرسة‬ ‫المتوســطة (‪ )90‬دوالر ًا هشر ي ـ ًا كمعونــة‪ .‬وقــد ســجل لطلــب هــذه المعونــة أ كــر مــن (‪ )%85‬مــن الالجئــن‪.‬‬ ‫‪ ٪٤1111‬من الالجئني لم يريدوا التسجيل لدى المفوضية خوفا من عدم السماح لهم للعودة إىل سورية‪.‬‬

‫‪1212‬ولتغطيــة بــايق الفــارق بــن الدخــل والنفقــات تعتمــد بعــض العائــات عــى ادخاراهتــا الشــخصية (بلــغ معــدل‬

‫التوفــر ‪ 371‬دوالر ًا)‪ ،‬إال أن معظــم العائــات رصفــت هــذا المبلــغ خــال األهشــر الســتة األوىل مــن جلوهئــا إىل لبنــان‪.‬‬

‫‪1313‬تتلقــى معظــم األرس دعم ـ ًا مــن أقار هبــا أو معارفهــا لتغطيــة الفواتــر الطبيــة واحلــاالت الطارئــة‪ .‬إال أن عــدد ًا‬

‫كبــر ًا مهنــا اســتدانت لتغطيــة مصاريفهــا اليوميــة – معــدل الديــن المرتتــب عــى (‪ )%77‬مــن العائــات الــي متــت‬

‫مقابلهتــم بلــغ (‪ )454‬دوالر ًا‪.‬‬

‫‪ )%32(1414‬فقــط مــن اليــد العاملــة (والــي تبلــغ ‪ %17‬مــن إمجــايل عــدد الالجئــن) تعمــل بأجــر مدفــوع لتعيــل‬

‫أرسهتــا‪ .‬مــع إاشرة إىل أن قليــاً مهنــم قــد حــاول البــدء بعمــل جتــاري مســتقل‪ ،‬أو اشــرى معــدات ليعمــل علهيــا‪.‬‬ ‫‪1515‬تواجــه الالجئــن مشــكلة البطالــة لعــدم تأهلهــم لفــرص العمــل‪ ،‬وعــدم توفــر المهــارات والمؤهــات المطلوبــة‬ ‫يف المجتمــع اللبنــاين‪.‬‬

‫‪ ٪٢٥1616‬من األطفال بعمر المدرسة متكنوا من التسجيل يف مدرسة بلبنان‪.‬‬

‫‪1717‬نصــف الالجئــن تقريبـ ًا يعتقــد بأهنــم ســيعودون إىل ســورية خــال عــام‪ ،‬والنصــف اآلخــر يعتقــد أهنــم ســيمكثون‬

‫أل كــر مــن عــام‪ .‬و‪ ٪١١‬توقعــوا بقاءهــم يف لبنــان أل كــر مــن مخــس ســنوات‪ ،‬ور مبــا إىل مــا ال هنايــة‪.‬‬

‫‪1818‬ذكــرت الغالبيــة العظمــى أن ســبب فرارهــم مــن بلدهــم هــو العنــف والقتــال الدائــر فهيــا‪ ،‬وأنــه ال ميكــن العــودة‬

‫حــى يعــود الســام لوطهنــم‪.‬‬

‫وجهة نظر المسؤولني اللبنانيني‬ ‫‪1919‬فإن (‪ )١.٢‬مليون مواطن لبناين تأثر بأوضاع الالجئني بشكل مبارش أو غري مبارش‪.‬‬

‫‪2020‬يتمركز معظم الالجئني يف الشمال اللبناين‪.‬‬

‫‪ )728.252(2121‬الجئ مسجلون لدى المفوضية‪ ،‬بينما دخل حوايل (‪ )%12‬من الالجئني بشكل غري قانوين‪.‬‬

‫‪2222‬تأثــرت البنيــة التحتيــة حيــث ارتفــع عــدد األطفــال المســجلني بالمــدارس‪ ،‬وارتفعــت تكاليــف الصحــة والرعايــة‪،‬‬ ‫يف حــن أن ‪ ٪٨٥‬مــن هــذه التكاليــف تغطــى مــن المفوضيــة‪.‬‬

‫‪2323‬النفقــات األ كــر تزايــد ًا يف لبنــان هــي مصار يــف المــاء والكهر بــاء ومجــع النفايــات‪ ،‬إضافــة إىل ارتفــاع نســبة‬

‫التضخــم وز يــادة األســعار مــع التدفــق المســتمر لالجئــن‪ ،‬وز يــادة المنافســة عــى فــرص العمــل‬ ‫‪2424‬توصياهتم‪:‬‬ ‫ ‪.‬‬

‫أوضع معايري أكرث فاعلية وشفافية لتوزيع الموارد‪.‬‬

‫ ‪.‬‬

‫جإناشء معسكرات لضمان توفر السكن لالجئني‪.‬‬

‫ ‪.‬‬

‫هضمان الناحية األمنية‪.‬‬

‫ ‪ .‬بإناشء ماشريع تنموية هتتم بالمجتمعات المهمشة‪ ،‬إلعادة الثقة بالدولة‪.‬‬ ‫ ‪.‬‬ ‫‪40‬‬

‫دضمان التوزيع المناسب للماسعدات‪.‬‬


‫موجز عن الظروف المعيشية لالجئين السوريين‬ ‫في لبنان‬ ‫مركز بيروت لألبحاث واالبتكار‬ ‫إعداد‪ :‬أ‪ .‬فاطمة أيمن‬ ‫المقدمة‬ ‫ّ‬

‫يقـ ّـدر عــدد الالجئــن الســورينب يف لبنــان بنحــو مليــون الجــئ‪ ،‬مــع تزايــد العــدد بشــكل يومــي‪ .‬قــام مركــز بــروت لألحبــاث‬

‫واالبتــكار‪ ،‬بتكليــف مــن أوكســفام (‪( )OXFAM‬احتــاد ‪ 17‬منظمــة مدنيــة مــن ‪ 94‬بلــد ًا تعمــل مع ـ ًا عــى إجيــاد حلــول‬ ‫للفقر يف العالم)‪ ،‬بدراسة شملت (‪ )٢٦٠‬مزن ًال يعيش فهيا (‪ )١٥٩١‬فرد ًا‪ .‬وركزت الدراسة عىل‪ :‬األوضاع المعيشية‪،‬‬ ‫ومصــادر الدخــل‪ ،‬وأمنــاط اإلنفــاق‪ ،‬وكيفيــة تكيفهــم مــع العيــش يف لبنــان‪.‬‬

‫اهتمــت الدراســة بالتــوزع اجلغــرايف لالجئــن الســوريني‪ ،‬إضافــة إىل ظروفهــم االقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬والتصــورات‬ ‫وسـ َـعت الدراســة إىل معرفــة رؤيــة المســؤولني اللبنانيــن المعنيــن بأزمــة الالجئــن جتــاه هــذه األوضــاع‪.‬‬ ‫المســتقبلية‪َ .‬‬

‫والهــدف الرئيــس مــن هــذا البحــث هــو رســم الصــورة األ كــر الحتياجــات الالجئــن عــى المــدى البعيــد‪.‬‬

‫نتاجئ البحث الرئيسة‪:‬‬ ‫‪1 .1‬معــدل حجــم العائلــة (‪ )5‬أفــراد‪ ،‬وتتعــادل يف معظمهــا نســبتا الذكــور واإلنــاث‪ ،‬والغالبيــة مــن أعمــار أصغــر مــن‬

‫متوســط أعمــار الســكان يف ســورية‪.‬‬

‫‪2 .2‬متوسط العمر بني الالجئني هو (‪ )١٧.٥‬سنة‪ ،‬وهو أقل من متوسط عمر سكان سورية (‪ )21‬سنة‪.‬‬

‫‪ ٪٢٠3 .3‬نسبة األرس اليت تقوم الناسء عىل إعالهتا‪.‬‬

‫‪4 .4‬معظم الالجئني من ذوي الدخل المتوسط أو أقل من المتوسط‪.‬‬

‫‪ ٪٤.٢5 .5‬نســبة الفلســطينيني الذين نزحوا إىل لبنان من المخيمات الســورية‪ .‬وقد لوحظت قدرة الفلســطينيني‬

‫عــى تنظيــم شــبكات الدعــم شــبه الرســمية برسعــة أ كــر مقارنــة مــع جمموعــات الالجئــن األخــرى‪.‬‬

‫‪6 .6‬يفضــل معظمهــم العيــش يف منــازل مقبولــة المســتوى وبأجــر معقــول‪ ،‬وال يفضلــون االنتقــال لغريهــا مــا لــم يـ ِـزد‬

‫صاحــب المــزل اإلجيــار‪.‬‬

‫‪ ٪٤٣7 .7‬من الالجئني ليس لدهيم مصدر دخل عىل االطالق‪.‬‬

‫‪8 .8‬مــع اختــاف النفقــات واإليــرادات باختــاف المناطــق‪ ،‬فــإن متوســط الدخــل يف مجيــع المناطــق هــو (‪)٢٠٠‬‬

‫دوالر ًا هشر ي ـ ًا‪.‬‬

‫‪9 .9‬تصــل المصار يــف الهشر يــة إىل (‪ )560‬دوالر ًا هشر ي ـ ًا‪ ،‬إال أن بعــض العائــات تعتمــد عــى بعــض الدعــم مــن‬

‫الغــذاء والســكن‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫التقارير‬

‫ما يتم نشره ال يعبر بالضرورة عن رأي المركز‬

‫‪38‬‬


‫ـارب الناشــطات اإلســاميات اللــوايت عانــن مــن النظــام الاسبــق – وأن يوثقهــا‪ .‬ومــن المناســب لهــذا الغــرض‬ ‫تونــس‪ ،‬جتـ َ‬ ‫اســتخدام فكــرة “دروس تعلمناهــا” ضمــن المجــال األوســع للعدالــة االنتقاليــة‪.‬‬

‫كان الســيد ديلــو‪ ،‬وز يــر حقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬حمقـ ًا بــا شــك يف إرصاره بأنــه ينبغــي أال جتــر النــاء عــى‬ ‫كشــف معاناهتــن الشــخصية جــد ًا مــن التعذيــب‪ .‬وهــو حمــق أيضـ ًا يف إرصاره بــأن تونــس “لــن تنــى مــا حــدث لناسئنــا”‪.‬‬

‫ولكــن قبــل العمــل عــى فكــرة “عــدم النســيان” يبنغــي أن تســبقها مهمــة إنــاء ســجل اشمــل لفظائــع المــايض‪ .‬وميكــن‬

‫اتبــاع إجــراءات رسيــة لإلبــاغ عــن هــذه الفظائــع‪ ،‬كتلــك الــي طبقهتــا “جلنــة فاليــك” يف تشــييل [الهيئــة الوطنيــة المســؤولة‬ ‫عــن تقر يــر حــاالت الســجن الســيايس والتعذيــب]‪ ،‬وهــذا ســيتيح للناشــطات اإلســاميات روايــة قصصهــن لمــروع‬

‫“إحيــاء الذا كــرة الوطنيــة” مــع المحافظــة عــى رسيــة هوياهتــن‪.‬‬

‫اخلامتة‬

‫تشــر مقابــات الضحايــا يف تقريرنــا هــذا بأنــه مــن المناســب لعمليــة العدالــة االنتقاليــة يف تونــس إنــاء جلنــة لتقــي‬ ‫احلقائــق‪ ،‬وبأنــه ينبغــي أن يشــمل عمــل اللجنــة خمتلــف حــاالت انهتــاكات حقــوق اإلنــان الــي عانــت مهنــا التونســيات‪:‬‬ ‫القمــع الدائــم يف ظــل إجــراء “المراجعــة األمنيــة”؛ واالهتامــات الكاذبــة باإلرهــاب والــي تســببت بســنوات مــن الهتميــش‬ ‫االجتماعي؛ والعنف اجلنيس الذي عربت عنه الضحايا بأنه “ال يغتفر”‪ .‬أخري ًا‪ ،‬ال يتوجب عىل احلكومة اجلديدة متابعة‬

‫عمليــة العدالــة االنتقاليــة فحســب‪ ،‬بــل باالهتمــام أيضـ ًا وبوجــه خــاص بعدالــة المصاحلــة الوطنيــة‪ .‬أصــوات الســجينات‬ ‫اإلســاميات الــايت متــت مقابلهتــن تبــث راسلــة يف ُ‬ ‫أذن المجتمــع ليذكّ رنــه بأنــه ال ينبغــي التعامــل مــع حــاالت التعذيــب‬

‫مــن وجهــة نظــر قضائيــة حبتــة‪ ،‬أي عــى أهنــا اعتــداء شــخص عــى آخــر‪ ،‬بــل عــى أهنــا انهتــاك ممهنــج حلقــوق اإلنــان كانــت‬

‫لــه آثــاره الدامئــة عــى الزوجــن‪ ،‬وعــى عوائلهمــا‪ ،‬وعــى المجتمــع التونــي بأكملــه‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫النظامــن الديكتاتور يــن‪ ،‬ولــذا جيــب أن يكــون هنــاك إمجــاع وطــي عــى‬ ‫ـان مــن‬ ‫“ال توجــد تقريب ـ ًا عائلــة يف تونــس لــم تعـ ِ‬ ‫َ‬ ‫قضيــة تعويــض الضحايــا الاسبقــن‪ ،‬ســواء التعويــض المــايل أو عــى شــكل خدمــات طبيــة‪ ،‬أو تعليميــة‪ ،‬أو تطويــر مهــي‪،‬‬ ‫أو نــوع مــن العمــل اإلجيــايب لماسواهتــم بأفــراد المجتمــع اآلخر يــن‪”.‬‬

‫وعــى كل حــال‪ ،‬فــإن المنــاخ العــدايئ احلــايل‪ ،‬وانعــدام الثقــة‪ ،‬واخلــوف المتبــادل بــن المنظمــات العلمانيــة واإلســامية‪،‬‬ ‫وكذلــك غيــاب اخلــرة الوطنيــة بآليــات العمليــة الدميقراطيــة‪ ،‬كل ذلــك ُينــذر بفشــل عمليــة العدالــة االنتقاليــة يف تونــس‪.‬‬

‫ومــن المرجــو أن تــؤدي هشــادات الســجينات اإلســاميات الاسبقــات إىل إعــادة تقييــم لمــا أســمته إميــا مــريف “برنــاجم‬

‫الدولــة لنــرة المــرأة”‪ ،‬وإىل إعــادة ترتيــب اشمــل لربنــاجم حقــوق المــرأة‪ ،‬تتجــاوز عمليــة العدالــة االنتقاليــة‪.‬‬ ‫رصحت كوثر بنت رمضان‪ ،‬إحدى الناسء اللوايت متت مقابلهتن‪:‬‬

‫“كنــت واحــدة مــن بــن ســبع نــاء قضــن يف الســجن مخــس ســنني‪ .‬وحــى هــذا اليــوم‪ ،‬قلــة مــن التونســن تعلــم بأنــه كان‬

‫هنــاك ســجينات سياســيات قضــن كل هــذا الوقــت خلــف القضبــان‪ .‬العديــد ممــن قــام بتعذيبنــا كانــوا هــم أنفهســم‬ ‫ضحايــا أيض ـ ًا‪ .‬لــم يســتطيعوا أن يقفــوا بوجــه النظــام مبفردهــم‪ ،‬فقــد تــم هتديدهــم وعائالهتــم إن لــم يقومــوا مبــا يطلــب‬

‫مهنــم‪ .‬وباعتبــار أهنــم رأونــا كل يــوم‪ ،‬فهــم يعلمــون بالضبــط مــا الــذي ســيحصل لهــم ولعائالهتــم إن رفضــوا تنفيــذ األوامــر‪.‬‬

‫كان معظمهــم مــن الرجــال والنــاء البســطاء الذيــن حــازوا أقــل مســتويات التعليــم‪ ،‬ولــم يكونــوا أبطــا ًال ليقفــوا بوجــه‬ ‫ـض احلــراس القيــام بأشــياء معينــة‪.‬‬ ‫النظــام‪ .‬نعــم كانــت هنــاك بعــض احلــاالت االســتثنائية الفرديــة الــي رفــض فهيــا بعـ ُ‬ ‫واسدي‪ ،‬لكهنم أيض ًا حاالت استثنائية‪ .‬كان معظم احلراس يعيشون حاالت من اخلوف‪،‬‬ ‫وبالمقابل كان البعض قاس‬ ‫ّ‬

‫وال داعــي لمقاضاهتــم اآلن‪ .‬إال أن هنــاك جرائــم ال ميكــن الصفــح عهنــا‪ ،‬أحدهــا االغتصــاب‪ .‬وكبــار المســؤولني يف حكومــة‬

‫ابــن عــي هــم مــن أعطــوا األوامــر‪ ،‬وهــم مــن جيــب أن يقدمــوا للمحاكمــة‪ .‬صدقيــي‪ ،‬بــت أعــرف حــرايس جيــد ًا‪ ،‬ليســوا هــم‬ ‫أول مــن جيــب تقدميــه للمحاكمــة‪”.‬‬

‫ـب مــا قبلهــا‪ .‬لــم يظــن أحــد منــذ ســنتني أن ثــورة ميكــن أن تقــوم‪ ،‬وأن حركتنــا‬ ‫“لكــن أهــم مــا أر يــد قولــه‪ :‬إن الثــورة ُجتـ ّ‬

‫ســتعيد تشــكيل نفهســا ومتــي حــى الفــوز باالنتخابــات‪ .‬قبــل الثــورة‪ ،‬حتدثــت بشــكل خمتلــف‪ ،‬كنــت أشــعر بالمــرارة‬ ‫الشــديدة‪ .‬أردت حتقيــق العدالــة‪ ،‬أردت أن يقـ َّـدم النظــام الديكتاتــوري ومجيــع داعميــه‪ ،‬حــى “الدمــى” الــي كان حيركهــا‬

‫لتنفيــذ أوامــره‪ ،‬للمحاكمــة ويعاقبــوا عــى جرامئهــم‪ .‬لكــي منــذ الرابــع عــر مــن كانــون الثــاين‪ /‬ينايــر‪ ،‬بــل وبعــد أن فــازت‬

‫الهنضــة يف االنتخابــات‪ ،‬وصــار زمالؤنــا الســجناء الاسبقــون جــزء ًا مــن احلكومــة‪ ،‬فقــد غــرت موقفــي كليـ ًا‪ .‬حنتــاج ألن نبـ ّـن‬ ‫للعالــم بأننــا خمتلفــون‪ ،‬وأن أفكارنــا الــي عانينــا مــن أجلهــا تســتحق لتكــون قاعــدة حلكومــة جديــدة‪ ،‬حلقبــة جديــدة‪”.‬‬

‫“ومــع أن الفــرة الــي أمضيهتــا يف الســجن قــد تركــت آثــار ًا عميقــة يف جســمي وفكــري‪ ،‬إال أنــي أشــعر أن تلــك الســنني‬

‫كانــت جامعــي الشــخصية‪ ،‬فقــد تعلمــت مهنــا معــى أن تكــون إناسنـ ًا‪ ،‬فهــم تتــاىش أمامــه مجيــع احلــدود الــي تفــرق بــن‬ ‫وضعــت يف زنزانــة واحــدة مــع جمرمــات‪ ،‬اســتمعت إىل قصــص‬ ‫النــاس – الطبقــة االجتماعيــة‪ ،‬والتعليــم‪ ،‬والديــن‪ .‬وألين ِ‬

‫حياهتــن وكيــف انهتــى هبــن األمــر جمرمــات يف الســجن‪ .‬يصبــح المجتمــع كتابـ ًا مفتوحـ ًا يف الســجن‪ ،‬فتــدرك أنــك ال ميكنــك‬

‫أن حتكــم عــى أي شــخص‪ .‬وإين أؤمــن بــأن اللــه وحــده هــو القــادر عــى حماكمــة البــر‪”.‬‬

‫نــدرك مــن كالم بنــت رمضــان أن آثــار ًا عميقــة تبقــى يف جســد وفكــر تونــس‪ ،‬كمجتمــع‪ ،‬يف صحوهتــا مــن جتر بــة امتــدت‬

‫ألر بــع وعرشيــن ســنة يف نــر احلكــم الديكتاتــوري‪ .‬ومبــا أن تونــس حتلــم باالنتقــال حلوكمــة يف مرحلــة مــا بعــد االســتبداد‪،‬‬

‫أي شــكل مــن أشــكال العدالــة االنتقاليــة المطبقــة يف‬ ‫فــا بــد مــن تصفيــة حاسبــات المــايض‪ .‬وينبغــي أن يتضمــن ُّ‬ ‫‪36‬‬


‫[يفصــل التقر يــر بعض ـ ًا مــن صــور اإلذالل اجلنــي وانهتــاكات حلقــوق اإلنــان تعرضــت لهــا الســجينات يف تونــس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويعتــذر المركــز عــن ترمجهتــا وذكرهــا هنــا حفاظ ـ ًا عــى أخالقيــات النــر – مــع أهميهتــا كوقائــع للمهتمــن مــن النشــطاء‬ ‫والعاملــن يف جمــال حقــوق اإلنــان‪ .‬وميكــن الرجــوع إلهيــا يف الصفحــة الاسبعــة مــن التقر يــر اإلجنلــزي مــن خــال الرابــط‬ ‫يف آخــر النــص العــريب]‪.‬‬

‫وكثري ًا ما أكدت الناسء اللوايت متت مقابلهتن عىل أن اســتعادة كراماهتن المهانة هي أســما أمانهين‪ ،‬وأن “جلنة تقيص‬

‫احلقائــق” هــي خطــوة هامــة يف هــذا الطر يــق‪.‬‬

‫يناقــش وز يــر حقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬الســيد‪ /‬ســمري ديلــو‪ ،‬أنــه مــن المهــم أن يفســح المجــال للنــاء‪،‬‬ ‫الــايت اســتطعن إعــادة بنــاء حياهتــن‪ ،‬بعــدم كشــف مثــل هــذه االنهتــاكات‪ ،‬وأال يكــون تركــز “جلنــة تقــي احلقائــق” عــى‬

‫طلــب كشــف أمــور شــخصية للغايــة تعرضــت لهــا النــاء أثنــاء التعذيــب‪ .‬ويف احلالــة التونســية‪ ،‬يؤكــد الوز يــر ديلــو عــى‬ ‫أن التعذيــب ال جيــب أن يعامــل كجــرم ارتكبــت حبــق فــرد فحســب‪ ،‬بــل كعمــل ممهنــج لتدمــر األزواج والعائــات‪ .‬يف‬

‫احلقيقــة حتــدث العديــد مــن النــاء عــن كيفيــة تأثــر عوائلهــن‪ ،‬بــل كيــف دمــرت هــذه العوائــل إمــا بســبب ســجهنن وإمــا‬ ‫بســبب أزواجهــن‪ .‬رصحــت إحــدى النــاء القالئــل اللــوايت اخــرن أن تبقــى أســماؤهن رس ًا قائلــة‪:‬‬

‫“أحتــاج الســتاشرة نفســية أو معاجلــة طبيــة‪ ،‬بــت أ كــره أيــة عالقــة محيميــة مــع زوجــي‪ .‬بــل أســوأ مــن ذلــك كلــه‪ ،‬بــت أ كــره‬

‫أطفــايل‪ ،‬لــم أعــد أســتطيع التواصــل مــع النــاس بشــكل طبيعــي‪”.‬‬

‫الملفــت للنظــر أن معظــم النــاء الــايت متــت مقابلهتــن يعرفــن مــن قــام بتعذيهبــن إمــا باالســم أو بالوجــه‪ .‬وألن نظــام‬

‫ابــن عــي حكــم لمــدة ثــاث وعرشيــن ســنة‪ ،‬لــم حيــاول الكثــر مــن الســلطة‪ ،‬مــن عنــارص الرشطــة السياســية أو السـ ّـجانني‪،‬‬ ‫إخفــاء هوياهتــم‪ .‬ولذلــك لــم تذكــر أي مــن النــاء أهنــا كانــت معصوبــة العينــن خــال تعذيهبــن‪ ،‬وأرشن إىل أهنــن أحيانـ ًا‬ ‫كــن يرضبــن مــن اخللــف‪ .‬ميكــن مــن هــذه احلــاالت تعلــم دروس عــن العدالــة االنتقاليــة كنــا تعلمناهــا مــن دول مثــل‬ ‫َّ‬ ‫المعذبــون احتمــال مواجهــة جالدهيــم غــر التائبــن‪ ،‬علنـ ًا وبشــكل مســتمر‪ ،‬فــإن المصاحلــة الوطنيــة‬ ‫األوروغــواي‪ .‬إن واجــه‬

‫ســتغدو وهم ـ ًا‪.‬‬

‫تؤكــد فر يــدة العبيــدي‪ ،‬وهــي عضــوة قياديــة يف حــزب الهنضــة‪ ،‬ويف المجلــس التأســييس‪ ،‬وســجينة سياســية اسبقــة‪:‬‬ ‫“ليــس لنــا تــارخي مــن احلــوار الوطــي‪ ،‬ولــم يســمح لنــا بعقــد اجتماعــات‪ ،‬وليســت لدينــا ثقافــة احلــوار‪ ”.‬انتقــل أعضــاء حــزب‬ ‫الهنضــة برسعــة مــن الســجن والمنفــى إىل أعضــاء يف حكومــة‪ ،‬وطلــب مهنــم وضــع سياســة التالحــم الوطــي بــأرسع وقــت‬ ‫ممكــن‪ .‬تقــول العبيــدي‪ ،‬وهــي حماميــة مســؤولة عــن “جلنــة احلقــوق واحلر يــات”‪ ،‬بــأن التعويــض المــايل لضحايــا التعذيــب‬

‫حــق أاسيس غــر قابــل للنقــاش‪“ :‬وحيــق للضحايــا أيضـ ًا احلصــول عــى اعتــذار رســمي مــن الدولــة‪”.‬‬

‫ال تســعى العبيــدي ألن تعــوض شــخصي ًا فهــي تعتــر نفهســا حمظوظــة وتكســب دخــاً جيــد ًا‪ ،‬لكهنــا معنيــة بغالبيــة‬

‫الضحايــا‪ ،‬الذيــن مــا يزالــون يعانــون مــن تبعــات اعتقالهــم‪ .‬وتؤكــد العبيــدي بأنــه “مــن الممكــن أن ال نكشــف ســر النــاء‬ ‫ألســباب تتعلــق باحلشــمة وعــدم اإلهانــة‪ ،‬ولكــن حيــق لهــن مــا حيــق لبــايق الضحايــا‪ ”.‬وتدافــع العبيــدي مــن أجــل إعــادة‬

‫كتابــة التــارخي التونــي‪ ،‬بــدء ًا مــن اســتقاللها عــن فرنــا عــام ‪ ،1956‬ألن احلقــوق قــد اجزتئــت منــذ بدايــة مرحلــة مــا‬

‫بعــد االســتعمار‪“ :‬ال ميكــن لعمليــة االنتقــال إىل الدميقراطيــة أن تتقــدم دون احلديــث عــن الضحايــا‪ ،‬ألن جتاهلهــم ســيعزز‬

‫التطــرف ويشــجعه‪ ”.‬وتــر العبيــدي عــى أن حــق التعويــض ينطبــق عــى مجيــع الضحايــا‪ ،‬مبــن فهيــم مــن عــاىن خــال الثــورة‬ ‫وحــى الرابــع عــر مــن كانــون الثــاين‪ /‬ينايــر ‪:2011‬‬

‫‪35‬‬


‫لــم تنكــر ناشــطات حقــوق المــرأة‪ ،‬خاصــة اللــوايت ينتمــن إىل “اجلمعيــة التونســية للنــاء الدميقراطيــات”‪ ،‬أهنــن نــادر ًا مــا‬ ‫دافعــن عــن المعتقــات اإلســاميات‪ .‬ويناقــش مايــكل ويليــس أن أحــد أســباب “غــض الطــرف” كان يتعلــق بتطــورات‬

‫إقليميــة أ كــر‪“ :‬العديــد مــن التونســيني‪ ،‬مبــن فهيــم األحــزاب السياســية المعارضــة األخــرى‪ ،‬كانــوا قلقــن مــن األحــداث‬

‫اجلار يــة يف اجلزائــر‪ ،‬واختــاروا تأييــد النظــام‪ ،‬ودعمــوا فعلي ـ ًا قمعــه لإلســاميني‪”.‬‬

‫عواطــف مزيغــاين‪ ،‬يف الاسدســة واألربعــن مــن عمرهــا‪ ،‬وكانــت يف ســن الاسدســة والعرشيــن عندمــا اعتقلــت يف‬ ‫صفا قــس‪:‬‬

‫“حكــم عــي بالســجن لمــدة ثالثــة أهشــر النتمــايئ لتنظيــم غــر مــرح بــه‪ .‬ألقــي القبــض عــي يــوم أطلــق رساح زوجــي‪.‬‬ ‫واعتقلــت مــع ســت وعرشيــن امــرأة أخــرى‪ .‬كان لــدي آنــذاك ثالثــة أطفــال‪ ،‬ولــم يســمح يل برؤيهتــم ســوى مــرة واحــدة يف‬

‫األســبوع ولمــدة عــرة دقائــق فقــط مــن خلــف القضبــان‪ .‬عانيــت مــن مــرض شــديد‪ ،‬ووعــدين حــراس الســجن بإحضــار‬ ‫طبيــب لزنزانــي‪ ،‬لكهنــم لــم يفــوا بوعدهــم‪ ،‬وأعطــوين بعــض احلبــوب المســكنة‪ .‬يف إحــدى المــرات‪ ،‬أحــرت يل عائلــي‬ ‫بعــض األدويــة لكــن حارســة الســجن رمهتــا يف ســلة المهمــات أمامــي‪ .‬أنــا جاهــزة للهشــادة ضــد حــراس الســجن علن ـ ًا‪.‬‬

‫فأنــا أعرفهــم مجيعهــم مــن وجوههــم‪”.‬‬

‫“أســوأ فــرة مــرت يب كانــت بعــد خروجــي مــن الســجن‪ .‬فقــد أمــرت أن أخضــع طيلــة مخــس ســنوات “للمراجعــة األمنيــة”‪،‬‬

‫أر بــع مــرات يف اليــوم‪ .‬هــذا يعــي أين أســتطيع العمــل لمــدة اسعتــن كحــد أقــى يف اليــوم‪ ،‬وهــو غــر كاف لاللــزام بأيــة‬ ‫وظيفــة‪ .‬اضطــر عمــي لدفــع بعــض المــال للرشطــة ُليســمح لــه بتوظيفــي يف عمــل مكتــي لمــدة اسعتــن يوميـ ًا‪ .‬وعندمــا‬ ‫احتجــزت مبــارشة لمــدة أر بــع وعرشيــن اسعــة‪ .‬كل هــذا جعــل مــن الصعوبــة مبــكان أن‬ ‫حــرت متأخــرة لمركــز الرشطــة‪ُ ،‬‬

‫أرعــى أطفــايل‪ .‬يف احلقيقــة‪ ،‬لــم يســمح يل مبغــادرة المــزل دون إذن‪ ،‬حــى للذهــاب هبــم إىل الطبيــب‪ .‬عندمــا مــرض أحــد‬

‫أطفــايل‪ ،‬كان عــي الذهــاب أو ًال للرشطــة للحصــول عــى اإلذن بأخــذه إىل الطبيــب‪”.‬‬

‫“ال أر يــد التحــدث عمــا حصــل يل فحســب‪ ،‬بــل عــن المحنــة الــي عاشــها أرسيت وأطفــايل‪ .‬كانــت دراســة أطفــايل متقطعــة‬ ‫أوالد منشقني‪ ،‬ولم يكن لدينا دامئ ًا المال‬ ‫بسبب حيايت غري المستقرة‪ .‬لم يسمح لهم بدخول مدارس حكومية كوهنم‬ ‫ُ‬

‫الــكايف لســداد تكاليــف المــدارس اخلاصــة‪ .‬وعندمــا تقدمــوا بطلبــات للتســجيل يف اجلامعــة‪ ،‬لــم حيصلــوا عــى أيــة منــح‬

‫دراســية ألهنــم أوالد ســجناء سياســيني‪ .‬أصبحنــا أنــا وأطفــايل يف احلقيقــة غــر تونســيني‪ ،‬أو كمــا نقــول هنــا‪ ،‬أصبحنــا “ر بــع‬

‫تونســيني” ألنــه حيــق لنــا ر بــع حقــوق التونســيني‪ .‬أوالدي اآلن بعمــر‪ :‬الــادس والعرشيــن‪ ،‬والثالــث والعرشيــن‪ ،‬والواحــد‬

‫والعرشيــن‪ ،‬لكهنــم مجيعـ ًا دون مؤهــات حقيقيــة وبــا عمــل‪”.‬‬

‫عــاوة عــى “المراجعــة األمنيــة”‪ ،‬عمــد النظــام إىل أســلوب االبــزاز أو الرشــوة الممهنجــة‪ .‬فــكان ضبــاط الرشطــة يتوقعــون‬

‫الرشــوة مــن أقــارب المعتقلــن السياســن مقابــل معلومــات أو ز يــارة للقر يــب المعتقــل‪ .‬وكان عــى النــاء أن ترشــن‬

‫الرشطــة ُلتعفــى مــن موعــد “المراجعــة األمنيــة” ألجــل القيــام بأمــور بســيطة مثــل أخــذ األطفــال إىل الطبيــب أو حضــور‬ ‫اجتمــاع ألوليــاء الطــاب يف المدرســة‪ .‬وكان علهيــن دفــع الرشــوة إن أردن معرفــة ألي ســجن ســينقل أزواجهــن‪ .‬وذكــرت‬ ‫بعــض النســوة أهنــن تعرضــن لتحــراشت جنســية عنــد طلــب مثــل هــذه المعلومــات‪.‬‬

‫وألن حــزب الهنضــة حركــة إســامية وسياســية‪ ،‬فقــد كانــت ناشــطات احلــزب يرتديــن ز يـ ًا معينـ ًا يشــمل حجــاب الــرأس‪،‬‬ ‫ولبــا ً‬ ‫اس بأكمــام طويلــة‪ ،‬وتنــورة أو فســتان طويــل أو بنطــال‪ .‬فاللبــاس المحتشــم نــوع مــن االلــزام الديــي‪ .‬لذلــك كان‬

‫إجبــار الســجينة عــى نــزع احلجــاب أو الظهــور مكشــوفة أو بتنــورة قصــرة أمــام حــراس الســجن نوعـ ًا مــن اإلذالل المتعمــد‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫أي أن تصبــح النــاء هدفـ ًا بســبب ارتباطهــن برجــال منشــقني سياســي ًا‪ .‬بــل إن مجيــع مــن متــت مقابلهتــم تقريبـ ًا كـ َّـن قــد‬ ‫تعرضــن ألسـ ِ‬ ‫ـوا أشــكال التحــرش وحــى العنــف بعــد إطــاق رساحهــن‪ .‬يف تونــس‪ ،‬أخــذ هــذا العنــف المدعــوم مــن الدولــة‬ ‫شــكل مــا يعــرف “بالمراجعــة األمنيــة”‪ .‬وهــو أســلوب لرتويــع النــاء – إمــا بعــد إطــاق رساحهــن أو لعالقهتــن بشــخص‬

‫مســجون أو معتقــل – ومضايقهتــن يومي ـ ًا‪ ،‬حيــث يطلــب مهنــن احلضــور مبعــدل ثــاث إىل مخــس مــرات يومي ـ ًا إىل مركــز‬ ‫الرشطــة‪ .‬وزاد مــن صعوبــة هــذا األمــر المضــي حبــد ذاتــه‪ ،‬اضطرارهــن للحضــور إىل مرا كــز رشطــة خمتلفــة يف احلــي‪ .‬وبالتــايل‬

‫متــي النــاء معظــم الهنــار باالنتقــال مــن مركــز رشطــة إىل آخــر‪ ،‬وقــد ميتــد هــذا األمــر خلمــس ســنوات‪ ،‬ممــا جعــل مــن‬

‫المســتحيل علهيــن احلصــول عــى عمــل باسعــات منتظمــة‪ ،‬ومنعهــن مــن تقديــم الرعايــة المناســبة ألطفالهــن‪.‬‬

‫وكعضوات أو مؤيدات لمنظمة حمظورة‪ ،‬منعت الناسء من العمل يف القطاع العام‪ ،‬حىت يف المدارس‪ ،‬والمستشفيات‬

‫العامــة‪ ،‬والهيئــات احلكوميــة‪ .‬يف الواقــع‪ ،‬فقــد أقصيــت النــاء بطريقــة ممهنجــة عــن األعمــال الــي تناســب مؤهالهتــن‬

‫المهنيــة‪ .‬بــل إن النــاء الــايت كــن طالبــات أو غــر مزتوجــات وقــت اعتقالهــن لــم يســمح لهــن بإكمــال الدراســة‪.‬‬

‫مبــا أن معظــم ســجينات الــرأي كــن مزتوجــات مــن رجــال حكــم علهيــم بالســجن لمــدد طويلــة‪ ،‬فلــم يكــن لهــن دخــل خــاص‪،‬‬

‫أو كــن مــن ذوات الدخــل القليــل‪ .‬فكــن يعتمــدن عــى عوائلهــن وعائــات أزواجهــن خــال وبعــد اعتقــال أزواجهــن‪.‬‬ ‫شــكل هــذا معانــاة إضافيــة للوالديــن أو لوالــدي الــزوج الذيــن لــم يكونــوا أعضــاء أو مؤيديــن حلركــة الهنضــة‪ ،‬حيــث باتــوا‬ ‫مضطر يــن إليــواء وإطعــام وإ كــاء أفــراد العائلــة لســنوات‪ .‬ذكــرت بعــض النســوة أهنــن تعرضــن للضغــط مــن عوائلهــن‬ ‫لطلــب الطــاق مــن أزواجهــن‪ ،‬بــل وحــى للــزواج مــن عنــر رشطــة أو مــن عنــارص األمــن اخلــاص المروعــن‪ ،‬ألجــل إبعــاد‬

‫الشــكوك واالعتــداء المســتمر عــن العائلــة‪ .‬وأثنــاء فــرة “المراجعــة األمنيــة” الــذي كانــت ختضــع لــه النــاء‪ ،‬كانــت‬ ‫الرشطــة السياســية حتــر لبيوهتــن يف أي وقــت مــن ليــل أو هنــار‪ .‬وذكــرت بعــض النــاء أن رجــال الرشطــة اســتولوا عــى‬

‫منازلهــن لبعــض الوقــت‪ ،‬يأتــون ويذهبــون كمــا حيلــو لهــم‪ ،‬وياشهــدون التلفــاز أو يطلبــون مــن النــاء تقديــم الطعــام أو‬ ‫الــاي لهــم‪.‬‬

‫جنــاة القوبــي‪ ،‬يف الثالثــة واألربعــن مــن عمرهــا‪ ،‬وكانــت يف ســن الثانيــة والعرشيــن عندمــا اعتقلــت يف صفاقــس عــام‬ ‫‪1991‬وحكــم علهيــا بالســجن لمــدة ســتة أهشــر‪:‬‬

‫ـت باالنتمــاء لتنظيــم غــر مــرح بــه‪ .‬ال ختتلــف فــرة ســجين عــن غريهــا مــن معانــاة األخر يــات‪ .‬لكــي كنــت يف بدايــة‬ ‫“اهتمـ ُ‬

‫دراســي‪ ،‬وفقــدت مجيــع المنــح الدراســية عنــد إطــاق رساحــي‪ .‬لــم أســتطع إكمــال دراســي‪ ،‬وبالتــايل لــم أحصــل عــى‬ ‫هشــادة جامعيــة‪ .‬أعمــل حاليـ ًا‪ ،‬بــدوام جــزيئ‪ ،‬بعمــل مكتــي بســيط وراتــب قليــل‪ .‬بعــد زواجــي‪ ،‬كانــت الرشطــة غالبـ ًا مــا‬

‫تــأيت لبيتنــا يف منصــف الليــل‪ ،‬ممــا ســبب الكثــر مــن القلــق والتوتــر‪ ،‬فلــم نكــن حنلــم‪ ،‬عنــد الذهــاب للنــوم‪ ،‬باحلصــول عــى‬

‫ليلــة هانئــة‪”.‬‬

‫أخوايت‪ ،‬ولم يســمح لزوجي‪ ،‬الذي أمىض أيض ًا‬ ‫“بســبب نظام “المراجعة األمنية”‪ ،‬لم يســمح يل حبضور حفالت زفاف َ‬

‫وقتـ ًا يف الســجن‪ ،‬مبرافقــي حلضــور جنــازة والــدي‪ .‬أصبحــت معزولــة عــن عائلــي‪ .‬مــن الصعوبــة مبــكان أن تعيــد الروابــط‬ ‫العائليــة الــي ُمزقــت بطريقــة ممهنجــة عــر فــرة طويلــة مــن الزمــن‪ .‬أر يــد للعالــم أن يعــرف أين ضحيــة لنظــام ابــن عــي‪ ،‬وأين‬

‫مــا زلــت أعــاين مــن عواقــب هــذا النظــام إىل اليــوم‪ .‬أشــعر حقـ ًا مبــرارة وغصــة مــن اجلمعيــات الناسئيــة العلمانيــة‪ .‬فهــي‬ ‫تعلــن أهنــا تدعــم احلر يــة وحقــوق المــرأة‪ ،‬لكهنــا لــم تقــم بــأي يشء مــن أجلنــا‪ ،‬لــم يدافعــن عنــا وعــن حقوقنــا أبــد ًا‪ .‬وليــس‬

‫مــن المعقــول أهنــن لــم يعلمــن بوجــود نــاء مثــي يف الســجن‪ .‬لقــد قــررن عمــد ًا غــض الطــرف عــن حالنــا‪ ،‬وجتاهلنــا‪”.‬‬

‫‪33‬‬


‫عــى انهتــاكات‪ ،‬لــم توثــق مــن قبــل‪ ،‬حلقــوق اإلنــان مــا بعــد االعتقــال‪ .‬وقــد تكــرر اعتقــال ســجينات سياســيات دون‬ ‫حماكمــات‪ ،‬أطلــق رساحهــن ثــم أعيــد اعتقالهــن مــرات عــدة‪ .‬وأ كــر مــن عــاىن عانــت مــن هــذا احلــال المــرأة الــي ال تنتمــي‬

‫حلــزب الهنضــة لكهنــا ترتبــط‪ ،‬كزوجــة أو قريبــة‪ ،‬بعضــو يف منظمــة غــر قانونيــة‪.‬‬

‫بالنســبة للنــاء الــايت خضعــن لمحاكمــات رســمية فقــد اهتمــن “باالنتمــاء لمنظمــة حمظــورة” أو “حبضــور اجتمــاع لمنظمــة‬ ‫حمظــورة”‪ .‬وألن هــؤالء النســوة قــد ُأ كرهــن عــى الــزام الصمــت لعقــود‪ ،‬فلــم يكــن مــن الهســل علهيــن يف البدايــة التحــدث‬

‫إىل باحثــن أجانــب‪ .‬إال أنــه عندمــا وثقــت بعــض المعتقــات الاسبقــات بالباحثــات‪ ،‬اسرع العديــد مــن النســوة لــرد‬ ‫أرص معظمهــن عــى ذكــر اســمهن احلقيقــي عنــد النــر‪ .‬أجر يــت المقابــات يف منازلهــن أو يف‬ ‫قصــص معاناهتــن‪ ،‬بــل ّ‬ ‫مكاتهبــن أو يف مقــاه عامــة يف أرجــاء تونــس‪ .‬وعــى الرغــم مــن اســتخدام منــوذج اســتبيان‪ ،‬فــإن اجللــات كانــت عفويــة‬ ‫نوعـ ًا مــا‪ ،‬إلتاحــة الفرصــة للنــاء للتعبــر عمــا يعتربنــه مهمـ ًا‪.‬‬

‫تقول كلثوم صخرير اليت كانت يف التاسعة عرش من عمرها عندما اعتقلت عام ‪ 1991‬يف مدينة قابس‪:‬‬

‫“أر يــد للعالــم أن يعــرف أنــي لــم أ كــن ولــن أ كــون إرهابيــة‪ .‬لــم متــض أيــام عــى وضعــي لطفــي عندمــا ألقــي القبــض عــي‬ ‫ألول مــرة عــام ‪ ،1991‬فقــد انتظــروا حــى وضعــت محــي ثــم اعتقلــوين‪ .‬أبعــدوا طفــي عــي‪ ،‬فلــم أرضعــه‪ ،‬وآلمــي صــدري‬ ‫وتــورم‪ ،‬ولــم يســمحوا بإعطــايئ أيــة أدويــة إليقــاف األلــم‪ .‬لــم أ كــن أبــد ًا ناشــطة سياســية‪ ،‬بــل فقــط كنــت أصــي وأرتــدي‬

‫احلجــاب‪ ،‬نعــم كان يعتــر هــذا وقهتــا خيانــة سياســية‪ .‬قبعــت يف الســجن ثالثــة أهشــر‪ ،‬وأطلــق رساحــي لمــدة ســنة‪،‬‬

‫اعتقلــت بعدهــا مــرة أخــرى‪ .‬يف المــرة الثانيــة قبعــت يف الســجن مخســة أهشــر‪ .‬كان زوجــي مــن المؤيديــن حلركــة الهنضــة‪،‬‬ ‫وقــى يف الســجن أحــد عــر عام ـ ًا‪ ،‬لكنــي مــا زلــت يف احلقيقــة غــر مهتمــة يف السياســة‪ .‬تربيــت يف أرسة متواضعــة‪،‬‬

‫وعندما نقلت من ســجن قابس إىل تونس‪ ،‬لم تســتطع عائليت حتمل تكاليف الســفر لزياريت‪ ،‬فلم أر طفيل طيلة مخســة‬ ‫أهشــر‪”.‬‬

‫“عندمــا نقلــوين مــن ســجن قابــس ‪ ..‬تنقلــت مــن مدينــة ألخــرى‪ .‬وأســوأها كان ســجن حر يــب بالقــروان‪ ،‬حيــث أجــرت‬

‫(منيجــوب)‬ ‫عــى ماشهــدة رجــال وهــم ُيرضبــون‪ ،‬وقامــوا أيضـ ًا بقــص تنــوريت الطويلــة وأجــروين عــى التجــول هبــا قصــرة ِ‬ ‫أمام اجلميع‪ .‬بالنسبة يل‪ ،‬كان هذا كالميش عارية – فلم يسبق يل أن كشفت عن اسقاي أمام الغرباء‪ .‬ثم يف تونس‪،‬‬ ‫وضعــت يف زنزانــة مــع جمرمــات‪ .‬حاولــت جاهــدة نســيان تلــك األهشــر يف الســجن حــى بــدأت أنــى أشــياء أخــرى‪ ،‬وال‬

‫أســتطيع اآلن احلصــول عــى عمــل بســبب الضعــف الشــديد يف ذا كــريت‪ .‬وأرجــو أن تاسحميــي إن كــررت بعــض القصــص‪،‬‬

‫حقـ ًا لــم أعــد أســتطيع الرتكــز أو تذكــر األشــياء جيــد ًا‪”.‬‬

‫“أر يــد اعتــذار ًا رســمي ًا‪ .‬أر يــد واسم رشف‪ ،‬لــم أرتكــب أي خطــأ‪ .‬مــا أر يــده حقـ ًا هــو اشرع يف احلــي الــذي أقيــم فيــه يطلــق‬

‫عليــه اســمي‪ ،‬اشرع فرعــي فقــط‪ ،‬وليــس طريقـ ًا رئيســية‪ .‬طيلــة هــذه الســنني‪ ،‬جتنبــي معظــم جــراين‪ ،‬عاملــوين وكأين عــار‬ ‫عــى الوطــن‪ ،‬أو حــى هتديــد لألمــن القومــي‪ .‬وصفــي بعضهــم باإلرهابيــة يف وجهــي‪ .‬مــن أجــل أوالدي ومســتقبل بلدنــا‪،‬‬

‫ـتعدها‪ .‬أر يــد اســتعادة‬ ‫أر يــد أن تعلــن بــراءيت‪ .‬أر يــد جلــراين أن يعرفــوا مــن أنــا ‪ ..‬فقــدت كرامــي يف الســجن ولــم أسـ ْ‬ ‫كرامــي‪ ،‬كإناسنــة‪ ،‬وكفــرد يف هــذا المجتمــع‪ ،‬أر يــد شــيئ ًا ملمــو ً‬ ‫اس‪”.‬‬ ‫هنــاك جمموعتــان مــن المعتقــات اإلســاميات اسبقـ ًا‪ :‬إحداهمــا ناشــطات حبركــة الهنضــة‪ ،‬وكــن يعلمــن بــأن ناشطاهتــن‬

‫قــد تعرضهــن للخطــر‪ .‬واألخــرى نــاء غــر ناشــطات لكهنــن ُميــن بصلــة إىل ناشــطني‪ .‬هنــا يبــدو أن معظــم المعتقــات‬ ‫ينتمــن للمجموعــة الثانيــة‪ .‬تُرتكــب انهتــاكات حقــوق اإلنــان‪ ،‬المرتبطــة جبنــس المعتقــل‪ ،‬عــادة بنــاء عــى هتمــة ملصقــة‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫الدكتاتــوري‪ ،‬إال أن هــذه اجلمعيــة كانــت تعتــر الفكــر اإلســامي هتديــد ًا حقيقيـ ًا ألفكارهــا عــن حقــوق المــرأة‪ ،‬وبالتــايل لــم‬

‫تدافــع عــن النــاء اإلســاميات المســجونات أو المضطهــدات‪.‬‬

‫كأول دولــة عربيــة ختلــع حكومهتــا يف التــارخي احلديــث‪ ،‬واألوىل يف إجــراء انتخابــات حــرة‪ ،‬دميوقراطيــة‪ ،‬وشــفافة النتخــاب‬ ‫المجلــس التأســييس (يف ترشيــن األول‪ /‬أكتوبــر ‪ ،)2011‬حــازت تونــس مكانــة رفيعــة وهامــة لتحقيــق العدالــة االنتقاليــة‬ ‫يف المغــرب العــريب بشــكل خــاص‪ ،‬ويف العالــم العــريب عامــة‪ .‬بعــد أقــل مــن ســنة مــن الثــورة‪ ،‬جلبــت صناديــق االقــراع‬

‫حــزب الهنضــة لســدة احلكــم‪ .‬وقــد جــاء هــذا االنتصــار الاسحــق بعكــس افرتاضــات كثــر مــن المحللــن واخلــراء حــول‬

‫تونــس‪ ،‬والــي كان يعتقــد بأهنــا مقــر العلمانيــة يف شــمال أفريقيــا‪ .‬يعــود جنــاح حــزب الهنضــة يف االنتخابــات إىل أنــه كان‬ ‫أ كــر اجلماعــات تعرضـ ًا لالضطهــاد يف تونــس‪ ،‬وأن مجيــع قادتــه ونشــطائه قــد أمضــوا ســنوات يف الســجن‪ ،‬أو كانــوا حتــت‬ ‫المراقبــة األمنيــة‪ ،‬أو عاشــوا يف المنفــى‪ .‬وعــرف التونســيون أن حــزب الهنضــة هــو أحــد األحــزاب الكبــرة الــي كان مــن‬

‫الواضــح أهنــا لــم ترتبــط بالنظــام الاسبــق المنبــوذ‪ .‬لذلــك كان حــزب الهنضــة أ كــر أحــزاب المعارضــة جــدارة بالثقــة يف‬ ‫هــذه الدولــة الصغــرة (‪ 10‬ماليــن نســمة)‪ .‬ومــن المؤكــد أنــه ســيلعب دور ًا رئيســي ًا يف االنتخابــات العامــة المقــررة يف‬

‫أوائــل صيــف ‪.2013‬‬

‫يقــود احلكومــة التونســية المؤقتــة مــا يســميه التونســيون “الرتويكــة” [ائتــاف حا كــم رئاســي ًا وحكوميـ ًا وبرلمانيـ ًا يتكــون مــن‬

‫ثالثة أحزاب ذات األغلبية الممثلة يف المجلس الوطين التأســييس التونيس لتكوين أغلبية مســتقرة يف احلكم يف تونس‬ ‫– أصــل الكلمــة روســية وتعــي‪ :‬المجموعــة الثالثيــة] والمكونــة مــن‪ :‬الرئيــس منصــف المــرزويق‪ ،‬وهــو طبيــب‪ ،‬وناشــط‬ ‫علمــاين (اسبــق) يف حقــوق اإلنــان‪ ،‬وعضــو يف حــزب المؤمتــر مــن أجــل اجلمهور يــة؛ ورئيــس الــوزراء محــادي اجلبــايل‪،‬‬

‫وهــو عضــو يف حــزب الهنضــة؛ ورئيــس المجلــس التأســييس مصطفــى بــن جعفــر‪ ،‬وهــو طبيــب أيضـ ًا‪ ،‬وعضــو يف التكتــل‬

‫الدميوقراطــي مــن أجــل العمــل واحلر يــات‪ .‬أمــى القــادة الثالثــة فــرة يف الســجن أو عاشــوا يف المنفــى خــال فــرة نظــام‬

‫ابــن عــي‪ .‬والمهــم يف األمــر أن المجلــس التأســييس قــد عــن ســمري ديلــو وز يــر ًا حلقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬وهــو‬ ‫حمــام قــى أ كــر مــن عقــد يف الســجن‪ .‬يقــول ديلــو يف مقابلــة ميدانيــة‪:‬‬

‫“لقــد عانــت النــاء مــن نــر احلكــم الديكتاتــوري أ كــر مــن الرجــال‪ .‬نعــم‪ ،‬قــى كثــر منــا حنــن الرجــال عقــد ًا أو أ كــر يف‬

‫الســجن‪ ،‬لكــن النــاء تعرضــن للمضايقــات المســتمرة اليوميــة يف حيــاة كل مهنــن‪ .‬لــم يســمح لهــن بالعمــل‪ ،‬ولــم يتمكـ ّـن‬ ‫مــن العنايــة بأطفالهــن جيــد ًا‪ ،‬كمــا كــن حتــت المراقبــة الدامئــة‪ .‬اســتخدم نظــام ابــن عــي حقــوق المــرأة لتحســن صورتــه‬

‫لــدى الغــرب‪ ،‬لذلــك كان عــدد النــاء الــايت تعرضــن للســجن حمــدود ًا‪ .‬لكــن هــذا ال يعــي أن النظــام لــم ميــارس ضغطـ ًا‬ ‫هائــاً عــى المــرأة‪ .‬فلــن ننــى أبــد ًا مــا عانــت ناسؤنــا‪ ،‬وال ميكــن إهمــال المــرأة يف عمليــة العدالــة االنتقاليــة‪ ،‬بغــض النظــر‬

‫عــن مبادهئــن السياســية أو الدينيــة‪”.‬‬

‫ال متلــك منظمــات حقــوق اإلنــان‪ ،‬ســواء المحليــة مهنــا أو الدوليــة‪ ،‬أرقام ـ ًا دقيقــة عــن عــدد ســجينات الــرأي اللــوايت‬ ‫اعتقلــن يف فــرة نظــام ابــن عــي‪ .‬وقــد مجعــت وزارة حقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬حــى هــذه اللحظــة‪)12.000( ،‬‬

‫ملفـ ًا عــن معتقلــن اسبقــن‪ ،‬معظمهــم مــن الرجــال‪ .‬ويقــدر عــدد المعتقــات مــن النــاء مــا بــن (‪ )300‬إىل (‪)1.500‬‬ ‫معتقلــة‪ .‬مــا يعقــد عمليــة مجــع المعلومــات عــن الســجينات السياســيات هــو أن معظمهــن تعرضــن لالعتقــال رس ًا‪،‬‬

‫وغالب ـ ًا مــا عانــن مــن القمــع الشــديد بعــد إطــاق رساحهــن‪ .‬إضافــة إىل ذلــك‪ ،‬حتدثــت بعــض النســوة عــن معاناهتــن‬ ‫كزوجــات لمعتقلــن سياســيني‪ ،‬وعِ شــن فعليـ ًا كأمهــات دون معيــل لعقــود مــن الزمــن‪ .‬فتســلط هــذه المقابــات الضــوء‬ ‫‪31‬‬


‫كل مــارب المجتمــع‪ .‬وتعلمنــا كيــف نتواصــل مــع أنــاس لــم نكــن لنحتــك هبــم خــارج الســجن‪ -‬فقــد “أدبنــا” الســجن‬ ‫وجعلنــا أ كــر تواضعـ ًا‪ .‬فأنــا مثــاً أشــعر بأنــي تعلمــت الكثــر عــن نفــي وعــن البــر بشــكل عــام يف الفــرة الــي أمضيهتــا‬ ‫يف الســجن‪ ،‬والــي امتــدت لثــاث ســنني وســبعة أهشــر”‪.‬‬

‫بعــد اإلطاحــة بالدكتاتــور ز يــن العابديــن بــن عــي يف ‪ 14‬كانــون الثــاين‪ /‬ينايــر ‪ ،2011‬حتتــم عــى تونــس العمــل عــى بنــاء‬

‫مســتقبلها‪ ،‬بعــد أ كــر مــن (‪ )100‬عــام مــن احلكــم االســتبدادي المتواصــل‪ :‬بــدء ًا مــن االســتعمار الفرنــي (‪-1881‬‬ ‫‪ ،)1956‬ومــرور ًا بفــرة مــا بعــد االســتقالل يف حكــم احلبيــب بورقيبــة (‪ ،)1987-1957‬ثــم انهتــاء بالنظــام الدكتاتــوري البــن‬

‫عــي (‪ .)2011-1987‬وعــى الرغــم مــن قيــام نظــام ابــن عــي بســجن أعــداد كبــرة مــن اإلســاميني والمعارضــن اآلخر يــن‪،‬‬ ‫إال أن هنــاك تقصــر كبــر يف توثيــق مصــر الســجينات السياســيات حــى هــذه اللحظــة‪ .‬وعــى الرغــم مــن قيــام بعــض‬

‫المعارضــات العلمانيــات بالتحــدث علنـ ًا عــن فــرة ســجهنن‪ ،‬فــإن المعارضــات اإلســاميات امتنعــن عــن ذلــك‪ .‬و هيــدف‬ ‫هــذا البحــث إىل ســد بعــض مــن هــذا التقصــر‪.‬‬

‫تســلط هــذه المذكــرات مــن جملــة الميــدان الضــوء عــى المعتقــات الاسبقــات اللــوايت ينتمــن إىل حركــة الهنضــة‪ ،‬احلــزب‬ ‫احلا كــم حاليـ ًا‪ ،‬أو اللــوايت اهتمــن بالتعاطــف مــع القضايــا اإلســامية‪ .‬وحيــث إن قليــات مهنــن فقــط حتدثــن عــن معاناهتــن‪،‬‬

‫هدفــت المقابــات لكشــف وتوثيــق مــا تعرضــن لــه مــن انهتــاكات حلقــوق اإلنــان‪ ،‬إضافــة إىل آمالهــن وتطلعاهتــن مــن‬ ‫مرحلــة العدالــة االنتقاليــة يف تونــس مــا بعــد الثــورة‪ .‬متــت‪ ،‬إمجــا ًال‪ ،‬مقابلــة أ كــر مــن (‪ )80‬معتقلــة اسبقــة‪ ،‬يف مــدن‬

‫وبلــدات عــدة مــن تونــس‪ .‬كمــا شــملت المقابــات زوجــات المعتقلــن السياســيني اللــوايت حتملــن المصاعــب وعانــن‬ ‫مــن االضطهــاد بســبب اعتقــال أزواجهــن‪.‬‬

‫أوجـ َـد انتــار المخربيــن يف مجيــع أرجــاء تونــس خــال حقبــة االســتبداد‪ ،‬بهشــادة معظــم التونســيني‪ ،‬حالــة مســتمرة مــن‬

‫اخلــوف وعــدم الثقــة‪ .‬وألن حركــة الهنضــة كانــت حمظــورة‪ ،‬لــم يكــن مــن المســموح ألعضاهئــا بــأن جيتمعــوا‪ .‬أثنــاء البحــث‬

‫الميــداين‪ ،‬اكتشــف عــدد مــن النــاء الــايت متــت مقابلهتــن أن هنــاك عــدد مــن أصدقاهئــن المقر بــات كـ ّـن قــد تعرضــن‬ ‫لظــروف مماثلــة لمــا تعرضــن هــن لــه مــن االعتقــال وســوء المعاملــة‪ .‬وبعــد احلــذر الشــخيص الشــديد الــذي أصبــح ميــز‬

‫ضحايــا احلقبــة الدكتاتور يــة‪ ،‬اكتشــفت هــؤالء النســوة أن أشــخاص ًا مقر بــن مهنــن قــد تعرضــوا لنفــس جتار هبــن‪ .‬تقــول‬ ‫ترييــزا جودويــن فيلبــس إن الضحايــا اللــوايت أجــرن عــى الــزام الصمــت “أصبحــن منعــزالت عــن األخر يــات‪ ،‬ممــا أدى [إىل‬

‫جهــل النــاس مبــا حــدث لهــن] وانتــار روايــة الســلطات القمعيــة لمــا حــدث”‪ .‬وال ميكــن كتابــة روايــة وطنيــة صحيحــة‬ ‫ودقيقــة دون معرفــة أخطــاء المــايض‪ .‬وألجــل ذلــك‪ ،‬ينبغــي أن ًتســمع أصــوات المواطنــن الصامتــن‪ ،‬ومــن بــن هــؤالء‬

‫الناشــطات اإلســاميات‪.‬‬

‫يطالــب معظــم المعتقلــن الاسبقــن‪ ،‬اإلســاميني مهنــم والعلمانــن عــى حــد ســواء‪ ،‬بتشــكيل جلنــة لتقــي احلقائــق‪،‬‬

‫لكهنــم خيتلفــون حــول أعضــاء هــذه اللجنــة‪ .‬وبالرغــم مــن أن تونــس هــي الدولــة األوىل يف العالــم الــي تســتحدث وزارة‬

‫حلقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬إال أهنــا قــد شــكلت مــن قبــل حكومــة حركــة الهنضــة‪ .‬لذلــك هنــاك ختــوف مــن أن‬ ‫تســتغل احلكومــة اإلســامية هــذه اللجنــة لتحقيــق مكاســب سياســية لصاحلهــا‪.‬‬

‫ينبــع اخلــاف بــن العلمانيــن‪ ،‬وخاصــة بــن أعضــاء إحــدى أ كــر منظمــات حقــوق المــرأة (اجلمعيــة التونســية للنــاء‬

‫الدميوقراطيــات) (‪ ،)ATDF‬إىل حــد مــا‪ ،‬مــن حقيقــة أن منظمــات حقــوق المــرأة العلمانيــة كانــت تتمتــع مبــزات خاصــة‬ ‫خــال فــرة نظــام ابــن عــي‪ .‬ومــع أنــه لــم يكــن ألحــد أن يعــارض انهتــاكات حقــوق اإلنــان الــي كان يرتكهبــا النظــام‬

‫‪30‬‬


‫الصمت القاتل! المرأة وعملية العدالة االنتقالية‬ ‫في تونس ما بعد الثورة‬ ‫ترجمة لدراسة نشرتها المجلة الدولية للعدالة االنتقالية‬ ‫دوريس جراي و تيري كونان‬ ‫ترجمة‪ :‬أ‪ .‬ديمة الصابوني‬ ‫م‪ .‬سلمة سخيطة‬ ‫امللخص‬ ‫يف أول دولــة انطلــق منهــا الربيــع العربــي‪ ،‬أخــذت أوراق تظهــر وملفــات تتكشــف‪ .‬بعــد أن انتهــى زمــن الخــوف‬ ‫والقمــع يف تونــس‪ ،‬انــزاح الســر عــن ظلــم وقهــر وإذالل ‪ ..‬عــن قصــص تتكــرر لــكل طاغيــة مــع شــعبه‪.‬‬ ‫يتميــز هــذا البحــث يف أنــه صــوت اﻷلــم الــذي عاشــته الســجينات السياســيات مــن الناشــطات يف حركــة النهضــة‬ ‫أو مــن أقــارب الناشــطني‪ .‬كل واحــدة منهــن تتحــدث عــن تجربتهــا املريــرة‪ ،‬وكل واحــدة مــن زاويــة مختلفــة‪،‬‬ ‫ولكــن يبقــى املصــب واحــدا وهــو اﻷلــم ممــا مــى واﻷمــل ممــا ســيأتي‪.‬‬ ‫وقــد اخرتنــاه لقارئينــا العــرب عامــة والســوريني خاصــة ليكــون مــن بــن “الــدروس املســتفادة” مــن تجــارب‬ ‫دول ســبقتنا يف مجــاالت العدالــة االنتقاليــة‪ .‬واألهــم يف األمــر أال تعالــج هــذه القصــص كانتهــاكات شــخصية أو‬ ‫اعتــداءات فرديــة لهــا عواقبهــا القانونيــة‪ ،‬بــل كدليــل قاطــع عــى أســلوب ممنهــج وتخطيــط متعمــد مســبق‬ ‫النتهــاك حقــوق اإلنســان ‪ ..‬حقــوق شــعب بأكملــه‪.‬‬

‫المقدمة‬ ‫ّ‬

‫تســتند هــذه المقالــة إىل المجموعــة األوىل مــن هشــادات لســجينات سياســيات اسبقــات يف تونــس‪ .‬وباختيــار عينــات‬

‫مســهدفة‪ ،‬وليســت جزافـ ًا‪ ،‬كان الهــدف مــن هــذه المقابــات الماسهمــة يف عمليــة موثقــة للعدالــة االنتقاليــة يف تونــس‬ ‫والــي تأخــذ بعــن االعتبــار معايــر الثقافــة والديــن واجلنــس‪ .‬لقــد بقــي صــوت الناشــطات اإلســاميات اللــوايت تعرضــن‬

‫لالعتقــال يف عهــد الدكتاتور يــة التونســية غائب ـ ًا متام ـ ًا حــى اآلن عــن احلــوار الوطــي حــول العدالــة االنتقاليــة‪ .‬وقــد قمنــا‬

‫هنــا باســتعراض أصــوات جمموعــة خمتــارة مــن النــاء علهــا تكــون بدايــة لالهتمــام هبــن‪ .‬قامــت احلكومــة المؤقتــة المنتخبــة‬

‫مؤخــر ًا‪ ،‬والــي يشــكل حــزب الهنضــة اإلســامي غالبيــة فهيــا‪ ،‬بتأســيس وزارة حلقــوق اإلنــان والعدالــة االنتقاليــة‪ ،‬وهــي‬ ‫األوىل مــن نوعهــا عــى مســتوى العالــم‪ .‬وعــى الرغــم مــن أن هــذا يشــكل مصــدر تفــاؤل لمســتقبل تونــس‪ ،‬فــإن هنالــك‬

‫ختــوف مــن تأثــر عمليــة العدالــة االنتقاليــة باألجنــدات السياســية‪.‬‬

‫تقــول كوثــر بنــت رمضــان‪ )39( ،‬عام ـ ًا‪ ،‬وهــي عضــوة وناشــطة يف حــزب الهنضــة‪“ :‬برصاحــة‪ ،‬كنــا جمموعــة نظــن بأنفســنا‬ ‫الصــاح‪ .‬واعتقـ َـد كثـ ٌـر منــا أننــا أفضــل مــن غرينــا‪ ،‬وأننــا ممتــازون ُخ ُلقـ ًا‪ .‬لكــن الســجن أحــدث فينــا رشخـ ًا‪ ،‬فقــد تعرضنــا‬

‫للتعذيــب اجلســدي والفكــري‪ .‬وبعــد قضــاء ســنني يف زنزانــات مــع جمرمــات‪ ،‬تعلمنــا كيــف نتفهــم ترصفــات البــر مــن‬

‫‪29‬‬


‫ترجمات‬

‫ما يتم نشره ال يعبر بالضرورة عن رأي المركز‬

‫‪28‬‬


‫رشعية ‪ ،‬أو قناعة ( تقية) أي اتقاء غضب النظام وسخطه ‪ ،‬أو قناعة مبنية عىل تسيري مصاحلها ‪ ،‬فجموع المريدين‬

‫وعامــة الشــعب تســر دومـ ًا وفــق رأي الشــيخ أو الداعيــة –األ كــر‪ -‬وتأمتــر بأمــره وتنفــذ مــا يقــول…‬

‫ويف وقت تتطلع عيوننا إىل زوال هذا االســتبداد ورحيله نتلمس خيوط النور يف كالم الكواكيب رمحه الله عندما ســلط‬

‫الضــوء عــى كيفيــة رحيــل االســتبداد فــرأى أن ذلــك حيتــاج إىل «اقتنــاع الفكــر العــام وإذعانــه إىل غــر مألوفِ ــه‪ ،‬ال يتــأىت إال‬

‫يف زمــن طويــل»‪.‬‬

‫ثــم يتابــع فيقــول‪ « :‬واألمــة ال حيــك جلدهــا غــر ظفرهــا‪ ،‬وال يقودهــا إال العقــاء بالتنويــر واإلهــداء والثبــات‪ ،‬حــى إذا مــا‬

‫قيــض اللــه لهــا‪ ..‬قــادة أبــرار ًا يشــرون لهــا الســعادة بشــقاهئم واحليــاة مبوهتــم؛ حيــث يكــون‬ ‫اكفهـ ّـرت ســماء عقــول بنهيــا ّ‬

‫فجــار ًا‬ ‫فسقـ ًا ّ‬ ‫اللــه قــد جعــل يف ذلــك لذهتــم‪ ،‬ولمثــل تلــك الهشــادة الرشيفــة خلقهــم‪ ،‬كمــا خلــق رجــال عهــد االســتبداد ّ‬ ‫مهالكهــم الهشــوات والمثالــب»‪.‬‬

‫‪27‬‬


‫واألمــان ‪ ،‬وإذاقهتــم مــن اجلــوع واخلــوف مــا يســتحقون ‪ ،‬ناســن أو متناســن قــول رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪”:‬من‬

‫رأى منكــرا فليغــره بيــده‪ ،‬فــإن لــم يســتطع فبلاسنــه فــإن لــم يســتطع فبقلبــه وذلــك أضعــف اإلميــان” [[[ وقولــه‪ ” :‬إذا‬ ‫رأيــت أمــي هتــاب أن تقــول للظالــم‪ :‬يــا ظالــم‪ ،‬فقــد تــودع مهنــا” [[[ ‪،‬‬

‫وقوله‪ ” :‬إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا عىل يديه عمهم الله بعقابه “‬

‫وقوله‪“ :‬سيد الهشداء محزة‪ ،‬ورجل قام إىل إمام جائر فأمره وهناه فقتله”‬

‫وقوله‪ ” :‬أفضل اجلهاد كلمة حق عند سلطان جائر”‬

‫[[[‬

‫‪،‬‬

‫[[[‬

‫[[[‬

‫‪ -4‬الدعــوات الــي تركــز عــى طلــب العلــم وتع ُّلمــه واالســزادة منــه ‪ ،‬وتنشــئ لذلــك الــروح التعليميــة والمعاهــد‬

‫واجلامعــات وتســعى لالعــراف هبــا ‪ ،‬فــكان لهــا مــا تر يــد مقابــل تأييدهــا لالســتبداد والســر يف ركابــه وترســيخ جــذوره‬

‫وأركانــه وحتر يــم مواجهتــه أو رفضــه ‪ ،‬بــل وتأييــد بطشــه وإجرامــه‬

‫‪ -5‬جمموعــات الدعــوة الناسئيــة الــي بــدأت تُعقــد يف بيــوت دمشــق ‪ ،‬ومــن ثــم اتســعت يف كامــل األرض الســورية‬

‫منــذ ســبعينيات القــرن المــايض ‪ ،‬عــى حنــو ضيــق وحمــدود ‪ ،‬وحمــاط بالرقابــة األمنيــة ‪ ،‬ثــم مــا لبــث نظــام البعــث بعــد‬ ‫أن علــم مهنجهــا الدعــوي المركــز عــى عبــادة الشــعائر ‪ ،‬والمقتــر عــى النــاء دون الرجــال أن ركــب موجهتــا أيض ـ ًا ‪،‬‬

‫فباركهــا ‪ ،‬ومنحهــا الرضــا ‪ ،‬والموافقــة‪ ،‬ففتــح لهــا أبــواب الماسجــد لتشــعر لــه باالمتنــان ‪ ،‬وخاصــة أن غايــة أهدافهــا‬ ‫التوســع واالنتــار ‪ ،‬فمنحهــا مــا تر يــد لتصبــح حتــت أنظــاره ومتابعتــه ‪ ،‬وضمــن ضوابطــه يف اعــزال هــذه الدعــوة لــكل‬

‫مــا لــه عالقــة بــدور المــرأة يف رفــض الظلــم ‪ ،‬ونــرة المظلومــن ‪ ،‬وقــول كلمــة احلــق ‪ ،‬وتغيــر المنكــر باليــد أو قــول كلمــة‬ ‫حــق عنــد ســلطان جائــر ‪.‬‬

‫‪ -6‬الفكــر الديــي المتشــدد القائــم عــى رفــض البــدع والمغــاالة يف وصــف كل مــا هــو جديــد بأنــه بدعــة وتقليــد للكفــار‪،‬‬

‫والمتطــرف أحيانـ ًا يف تكفــر اآلخر يــن ‪ ،‬والاسعــي إلقامــة اخلالفــة اإلســامية إذ عمــل النظــام عــى تزكيــة جمموعــات هــذا‬ ‫الفكــر ومتويلهــا وتســليحها وإطــاق يدهــا تــارة بغــض النظــر عهنــا‪ ،‬وتــارة بتوجيــه قياداهتــا ‪ ،‬ومجــع أفرادهــا مــن الشــباب‬

‫الــاذج المتحمــس لتطبيــق اإلســام وإعــاء رايتــه ليقدمهــا عــى أهنــا صــورة اإلرهــاب اإلســامي المــيء جلوهــر الديــن‬ ‫‪ ،‬والمخيــف ألبنــاء الشــعب ‪ ،‬وخاصــة األقليــات مهنــم ألنــه ســينهتك حقوقهــم ‪ ،‬ويــأرس حرياهتــم ‪ ،‬والمقلــق للمجتمــع‬ ‫الــدويل عــى أنــه اإلرهــاب الموعــود الــذي ســتكون أرضنــا حاضنــة لــه ‪ ،‬ومنطلقـ ًا لعمليــات القتــل والتفجــر الــي ســتتوجه‬

‫إلهيــم إن زال النظــام أو رحــل…‪.‬‬

‫ويف كل اجلماعــات اإلســامية الــي ركــب النظــام موجهتــا لرتســيخ اســتبداده كانــت المركز يــة الــي يف هــذه اجلماعــات‬ ‫أهــم عوامــل ترســيخ مركزيتــه –هــو‪ -‬وانفــراده بالســلطة واســتئثاره باحلكــم‪ ،‬فاجلماعــات الــي ختضــع لشــيخ واحــد ‪ ،‬أو كان‬ ‫رأس واحــد حيظــى باالتبــاع والتقديــر والتقديــس لــم يكــن مــن عــبءٍ عــى النظــام لكســب تأييــد مجوعهــا‬ ‫عــى قمــة هرمهــا ٌ‬

‫الغفــرة وترســيخ جــذور اســتبداده يف عامــة الشــعب إال تســخري هــذه القيــادة وإقناعهــا بتأييــده ســواء أكانــت القناعــة‬ ‫‪ 1‬رواه مسلم – كتاب اإلميان – باب بيان كون النهي عن املنكر من اإلميان – رقم ‪.)69/ 1( 78‬‬ ‫‪ 2‬رواه أحمد يف املسند (‪ ،)190/ 2‬قال الشيخ أحمد شاكر‪ :‬إسناده صحيح – تحقيق املسند‪.)49/ 11( :‬‬ ‫‪ 3‬رواه أبو داود – يف السنن – كتاب املالحم – باب األمر والنهي – رقم‪ ،)56 / 5( 338 :‬قال الرتمذي‪ :‬حديث حسن صحيح‪،‬‬ ‫‪ 4‬رواه الحاكم يف املستدرك – كتاب معرفة الصحابة – باب ذكر إسالم حمزة ريض الله عنه (‪ ،)195 / 3‬قال الحاكم‪ :‬صحيح اإلسناد‪ ،‬وصححه الشيخ األلباين يف الصحيحة – رقم‬ ‫‪374‬ـ (‪.)716/ 1‬‬ ‫‪ 5‬رواه أبو داود يف السنن – كتاب املالحم – باب األمر والنهي – رقم ‪.)59 / 5( 4344‬‬ ‫‪26‬‬


‫(عبادتــه ســبحانه) الــي ِّ‬ ‫ـدة لروحهــا ومضموهنــا إن لــم تنـ َه صاحهبــا‬ ‫متثــل الصــاة والذكــر والدعــاء جانبـ ًا مهنــا ‪ ،‬و ُتعـ ُّـد فاقـ ً‬

‫عــن الفحــاء والمنكــر ‪ ،‬وإن جعلتــه ينشــغل هبــا عــن عمــارة األرض واســتصالحها عــى حنـ ٍـو يقيــم رشع اللــه فهيــا بــدء ًا مــن‬

‫إماطــة األذى عــن الطر يــق وليــس انهتــاء بإعــاء احلــق والوقــوف يف وجــه الباطــل ونــرة المســتضعفني‪.‬‬

‫عبــادة تبــدأ مــن األذان الــذي يلقــى عــى أســماع الوليــد ‪ ،‬وميتــد حــى إذا قامــت الاسعــة ويف يــد أحدنــا فســيلة كان عليــه‬

‫أن يغرهســا … ال يرمهيــا ويولهيــا ظهــره ويتجــه إىل بيتــه ليمــأ وقتــه بالصــاة والذكــر والدعــاء …‪..‬‬

‫ـازع إحــدى الواسئــل الــي امتطاهــا الطغــاة لرتســيخ حكمهــم عــى‬ ‫إن هــذه الراسلــة ومــا متثلــه مــن فهـ ٍـم للديــن كان بــا منـ ٍ‬ ‫مــدى قــرون مضــت مــن تارخينــا اإلســامي‪ ،‬انتقــل فهيــا الطغــاة مــن حمار بــة الديــن ومجاعاتــه وتياراتــه إىل ركــوب موجتــه‬

‫وتســخري أفــكاره وجمموعاتــه لتمكــن عرشــه وتثبيــت طغيانــه …‬

‫وقــد حتــدث الكوا كــي رمحــه اللــه يف ذلــك فجــاء يف طبائعــه قولــه‪ ” :‬فمــا مــن مســتبد إال ويتخــذ لــه صفــة قدســية يــارك‬

‫هبــا اللــه‪ ،‬أو تعطيــه مقامـ ًا ذا عالقــة مــع اللــه‪ ،‬وال أقــل مــن أن يتخــذ بطانــة مــن َخ َد َمــة الديــن يعينونــه عــى ظلــم النــاس‬ ‫باســم اللــه» ‪..‬‬

‫وخ َدمــة الديــن هــؤالء ليــس بالــرورة أن يكونــوا مــن مجاعــة معينــة ‪ ،‬أو تيــار ديــي معــن ‪ ،‬فهــا حنــن اليــوم وعــى مــدى‬ ‫َ‬

‫مخســن عام ـ ًا اســتغل نظــام البعــث جتمعاتنــا الدينيــة ‪ ،‬فركــب موجهتــا وأعطاهــا ماسحــة مــن النــور والقبــول مقابــل مــا‬ ‫منحتــه مــن تأييــد وترســيخ ليــس بالقــول أو الدعــاء للطاغيــة فحســب بــل أيضـ ًا بأصــل مهنجهــا الــذي تقــوم عليــه والــذي‬

‫اسعدهــا يف ترســيخ االســتبداد بــل جعلــه مطلبـ ًا مــن مطالــب الشــعب ‪ ،‬ومــن ذلــك‪:‬‬

‫‪ -1‬الدعــوات الصوفيــة ‪ ،‬وخاصــة الموغلــة مهنــا يف الرتكــز عــى الشــطحات والكرامــات وتقديــس األرضحــة واألوليــاء‬

‫‪ ،‬والدعــوة لقضــاء جــل الوقــت يف الذكــر واألوراد واحلــرات ‪ ،‬واقتصــار مفهــوم العبــادة علهيــا ‪ ،‬بــل جتــاوز ذلــك إىل‬ ‫التقــرب إىل اللــه بــاألرواح ‪ ،‬وطلــب القــرب والمــدد مهنــا ‪ ،‬والثقــة بقدرهتــا عــى الــرزق والفــرج ‪ ،‬باإلضافــة إىل تركــز هــذه‬

‫دور فاعــل أو إجيــايب يف احليــاة ‪ ،‬ناهيــك عــن حمار بــة‬ ‫الدعــوات عــى الزهــد يف الدنيــا عــى حنـ ٍـو يعــزز االنســحاب مــن أي ٍ‬

‫الباطــل ونــرة المظلــوم ‪ ،‬واألخــذ عــى يــد الظالــم‪ ،‬إذ وجــد النظــام يف هــذا الفكــر أ كــر ســماد لنبتــة االســتبداد الــي‬ ‫غرهســا يف أرضنــا فتجــذرت فهيــا عــى مــدى مخســة عقــود مــرت ‪،‬‬

‫‪ -2‬الفكــر اجلــري الــذي تقــوم عليــه بعــض الدعــوات والــذي ينفــي عــن اإلنــان أيــة حيلــة أو قــدرة أمــام كل واقــع يكــون‬

‫فيــه‪ ،‬فــكل مــا حيـ ّـل باإلنــان إمنــا هــو بتقديــر اللــه ‪ ،‬ومــا كان قــدر ًا مــن اللــه فمــن المعصيــة رفضــه أو حماولــة تغيــره مهمــا‬ ‫كان مزر ي ـ ًا ســيئ ًا… ومــا عــى المســلم إال الرضــا هبــذا الواقــع ‪ ،‬والصــر عليــه ‪ ،‬فالصــر وحــده الكفيــل بــأن يفتــح بــاب‬ ‫الفــرج‪ ،‬وكأن الفــرج يــزل مــن الســماء عــى القاعديــن‪ ،‬ولــو كان هــذا الواقــع إمنــا حــدث بســبب قعــود هــؤالء الصابر يــن‪،‬‬ ‫وســلبيهتم‪ ،‬وتراجعهــم عــن اســتعمار األرض (مــن العمــارة) وإعــاء احلــق فهيــا ‪ ،‬وإبعــاد الــذل والظلــم مــن ربوعهــا‪.…،‬‬

‫‪ -3‬الفكــر الديــي الــذي يتخــذ مــن دعــوة رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لوحــدة الصــف وعــدم شـ ِّـق عصــا الطاعــة‬

‫ذريعـ ًة لتمجيــد احلا كــم وتقديســه وإعــاء أشنــه وإظهــاره عــى أنــه القــدر الــذي ارتضــاه اللــه للنــاس ‪ ،‬فنســمع أصــوات‬ ‫جلمــع تصــدح‪:‬‬ ‫دعــاة هــذا الفكــر عــى منابــر ا ُ‬

‫” اللهم وفق عبدك هذا الذي وليته أمرنا للحكم بكتابك والسري عىل رشيعتك”‬

‫فاحلا كــم – مهمــا كانــت طريقــة وصولــه للحكــم ‪ ،‬ومهمــا كان ظالمـ ًا ســفاح ًا خائنـ ًا – فإمنــا تــوىل احلكــم بأمــر مــن اللــه …‬

‫وبالتــايل يســتوجب الذيــن يقومــون عليــه حـ َّـد احلرابــة… وغضــب اللــه ونقمتــه المتمثلــة يف حرماهنــم مــن نعمــة األمــن‬ ‫‪25‬‬


‫ألمانيــا ‪ %30‬أي قتلــت ‪ 6.5‬مليــون إنــان ودمــرت ألفــي قلعــة و‪ 18‬ألــف قر يــة و‪ 1500‬مدينــة أي ثلــث المــدن‪ ،‬جنــد‬ ‫أن الــراع الطائفــي يف أوروبــا حتــول مــن ديــي إىل ســيايس لتوســيع النفــوذ والســيطرة‪ .‬ونأخــذ العــرة األخــرى بتتبــع تــارخي‬ ‫اجلــدران الــي ُأنــأت للفصــل بــن الوحدويــن الربوتســتانت واإليرلنديــن الكاثوليــك يف ‪ 1969‬وســميت جــدران الســام‬

‫وبقيــت ألربعــة عقــود تزايــدت فهيــا حــى بلغــت ‪ 48‬جــدارا جممــوع امتدادهــا ماسفــة ‪ 34‬كلــم‪ .‬آل األمــر يف ‪ 2008‬لظهــور‬ ‫النقــااشت حــول إزالهتــا وتبعهــا العمــل عــى تطويــر االســراتيجيات لهــذا الغــرض ومــن ثــم تطلبــت اجلهــود بــراجم متويــل‬

‫لدعــم المجتمعــات المحليــة للعمــل عــى ذلــك لينهتــي المطــاف يف العــام ‪ 2013‬بااللــزام باتفاقيــة مشــركة للعمــل عــى‬ ‫امتــام إزالهتــا كلهــا حبلــول العــام ‪.2023‬‬

‫وهكــذا بقــراءة المــار التارخيــي لتجــارب الشــعوب نســتخلص مــن الوعــي مــا حيملنــا مســؤولية العمــل عــى إحــان‬ ‫الماشركــة يف صناعــة مــار ثــورة احلر يــة والكرامــة حفظــا لمســتقبل ســورية وبنائــه‪ ،‬وذلــك برتشــيد مــا أمكــن مــن اجتاهاتــه‬

‫وملــئ فجــوات الوعــي يف تق ّلــب أحداثــه‪ .‬وعــى السياســيني والمســلحني واجــب ومســؤولية إدراك أهنمــا جناحــي‬ ‫الشــعب الســوري‪ ،‬كمــا عــى الشــعب الســوري واجــب ومســؤولية إدراك أنــه مصــدر قوهتمــا وارتــكاز مفصلهيمــا‪ .‬فلــن‬

‫جتــدي حركــة اجلناحــن إذا لــم يتصــا مــع اجلســد‪ ،‬ولــن يتحــركا إال بقــدر مــا ميدهمــا بــه اجلســد مــن قــوة‪ ،‬ولــن يقلــع اجلســد‬

‫أو يلــزم المــار إال باتــاق حركتهيمــا‪.‬‬

‫الجماعات الدينية متكأ النظام على عرش‬ ‫االستبداد‬ ‫سهير أمري‬ ‫راسلــة وصلتــي عــى برنــاجم المحادثــة يف اجلــوال مفادهــا أن عالمــات الاسعــة‬

‫الكــرى قــد بــدأت بالظهــور بدليــل األحــداث الــي ألمــت برشقنــا األوســط بــدء ًا‬ ‫بأفغانستان والعراق ‪ ،‬وانهتاء مبا جيري يف سوريا اليوم‪ ،‬مع االستهشاد بأحاديثه‬ ‫عليــه الصــاة والســام عــن عالمــات الاسعــة الكــرى ‪ ،‬ثــم ُتتــم هــذه الراسلــة‬

‫بالعبــارة التاليــة‪:‬‬

‫” كل هــذا إنــذار مــن اللــه تعــاىل إليقــاظ المســلمني ‪ ،‬فلنجعــل الصــاة أهــم يشء‬ ‫يف حياتنــا ولنلــزم بيوتنــا ندعــو اللــه ونذكــره ونرجــوه الرمحــة والمغفــرة “‬

‫ثواب توبة قارهئا …!!!‬ ‫ثم تؤكد الراسلة عىل رضورة إراسلها لينال مرس ُلها‬ ‫َ‬

‫إن هــذه الراسلــة يف طريقــة صياغهتــا ومــا دعــت إليــه هــي إحــدى أســباب مــا‬ ‫ّ‬

‫سهير أومري‬

‫وصلنــا إليــه مــن واقــع كان الثمــن لزوالــه وتغيــره ثــاث ســنوات لــم تنتــه بعــد بذلنــا خاللهــا دمــاء مــا يقــارب ر بــع مليــون‬ ‫هشيــد ‪ ،‬وآهــات الماليــن مــن المعتقلــن والمصابــن والمرشديــن والالجئــن …‪..‬‬

‫إن فهــم اإلســام عــى هــذا النحــو ُيرجــه عــن مقاصــده ‪ ،‬وعــن الغايــة الــي خلــق اللــه تعــاىل اإلنــان ألجلهــا الغايــة والــي‬ ‫َّ‬ ‫وردت يف قولــه تعاىل‪(:‬ومــا خلقــت اجلـ َّـن واإلنــس إال ليعبــدون) (‪ )56‬الذار يــات‬

‫‪24‬‬


‫علهيــم‪.‬‬

‫وباختــاف الســياق التارخيــي علينــا أن نســتبدل الفكــرة المركز يــة يف الفكــر الســيايس يف ثقافتنــا‪ ،‬الفكــرة الــي تســيطر‬

‫عليــه وتنظــم حولهــا أدبياتــه‪ ،‬فكــرة الطاعــة‪ .‬حيــث كانــت الطاعــة هــي اإلجابــة عــى إشــكالية المجتمــع يف كيفيــة جتــاوز‬ ‫الفــوىض والتــرذم وعــدم االنصيــاع لقيــادة‪ .‬بينمــا عــى الضفــة األخــرى يف أوروبــا‪ ،‬كان احلر يــة هــي اإلجابــة عــى إشــكالية‬ ‫المجتمع يف كيفية جتاوز االستبداد االقطاعي والملكي‪ .‬أما اآلن يف بالدنا العربية وإشكاليتنا يف كيفية جتاوز االستبداد‬

‫والدكتاتور يــة ومــا تســلل مــن طباعهــا وأمراضهــا للمجتمــع فليــس أصــدق مــن احلر يــة إجابــة‪ .‬ولكــن ” ليــس لنظــام احلر يــة‬

‫أمــل يف احليــاة مــع النظــام االجتماعــي – الســيايس الــذي يظهــر العجــز عــن تأمــن احلــد احليــوي مــن احلاجــات الماديــة‬

‫والمعنويــة لشــعبه‪( ”.‬كتــاب المحنــة العــريب‪ ،‬برهــان غليــون)‪ .‬والبــد لتأمــن ذلــك مــن مواجهــة حتــدي الوجــود لضمــان‬ ‫حيــاة نظــام احلر يــة‪.‬‬

‫والبــد لمواجهــة حتــدي الوجــود مــن رايــة التوافــق الــي كتــب علهيــا حر يــة االنتمــاء ورضورة االلتقــاء‪ .‬وميكــن مبراجعــة احلــرب‬ ‫البوســنية يف بدايــة التســعينيات والــي قامــت بــن أعــراق الــرب والكــروات والبوشــناق أخــذ بعــض العــرة بأنــه لــن يكــون‬ ‫لزتايــد حــدة الــراع متكــن طــرف مــن اســتئصال اآلخــر بــل هنــاك مــار حتمــي آخــر‪ .‬فقــد قامــت احلــرب وتشــكلت‬

‫جيــوش عرقيــة طائفيــة وقــوات لــكل مــن األطــراف الثالثــة‪ ،‬وتســببت احلــرب بهتجــر حنــو مليونــن ومائــي ألــف بوســي مــن‬ ‫خمتلــف األعــراق‪ ،‬وقتــل أ كــر مــن مائــي ألــف مســلم يف مقابــل ســيطرة الــرب عــى حنــو ‪ %70‬مــن األرايض‪ .‬وكانــت أبــرز‬

‫حمطتــن يف هــذا المــار‪ :‬عــام ‪ 1994‬حــن ُو ّقعــت اتفاقيــات واشــنطن الــي أدت إىل إنــاء احتــاد البوســنة والهرســك‬

‫المشــرك بــن مســلمي الكــروات والبوشــناق‪ ،‬وهنايــة العــام ‪ 1995‬حــن ُو ّقعــت اتفاقيــة دايتــون بــن رؤاسء األعــراق‬ ‫الثالثــة لوقــف احلــرب والبــدء بإنــاء الهيــكل األاسيس للدولــة احلاليــة‪ .‬وكانــت اتفاقيــة دايتــون بعــد احلملــة اجلويــة للناتــو‬ ‫ضــد رصب البوســنة يف ماسنــدة الهجــوم الــري لقــوات التحالــف الكــروايت البوشــنايق عــى إثــر جمــزرة رسبرنيتــا‪ .‬فلــم‬ ‫يكن لهذه احلرب إال أن تنهتي إىل طاولة المفاوضات وتوقيع االتفاقيات مع ما كان من رضورة الدخول يف حلف دويل‬

‫إلخضــاع الطــرف األقــوى بالقــوة للمفاوضــات‪.‬‬

‫وباعتبار التجربة الاسبقة وغريها‪ ،‬حتتاج سورية يف مواجهة حتدي‬

‫الوجــود وترتيــب فــوىض الســلطات مــن مســلحي المعارضــة كافــة‬

‫إىل اســتئصال فكــرة االســتقواء بالســاح عــى بعضهــم والقناعــة‬

‫بتكامــل األدوار والتوافــق عــى آليــة ســلمية لتوز يــع األدوار وتــداول‬ ‫الســلطات وحــل الزناعــات‪ ،‬آليــة ختــرج مــن رحــم التوافــق بــن‬ ‫األطــراف ال تفــرض للتوافــق مــن طــرف عــى البقيــة‪ ،‬آليــة ُتشــحذ‬

‫حلمايهتــا اإلمكانيــات العســكرية و ُتسـ ّـخر يف صناعــة اتفاقيــات‬ ‫الحتــادات مناطقيــة بــدل أن ُتسـ ّـخر يف خدمــة العصبيــات وصناعــة‬

‫المســتبدين وتوســيع مناطــق نفــوذ وســيطرة كل عــى حــدة‪.‬‬

‫”‬

‫كانــت الطاعــة هــي اإلجابــة علــى‬ ‫اشــكالية المجتمــع فــي كيفيــة‬ ‫تجــاوز الفوضــى و التشــرذم و عــدم‬ ‫اإلنصيــاع لقيــادة‪ .‬بينما علــى الضفة‬ ‫األخرىفــي أوروبا كانــت الحرية هي‬ ‫اإلجايــة علــى إشــكالية المجتمــع‬ ‫فــي كيفيــة تجــاوز اإلســتبداد‪.‬‬

‫وال بــد للســوريني مــن تفويــض النخــب السياســية الواعيــة الــي أعلنــت اصطفافهــا مــع الثــورة كمــا فوضــوا مســلحهيم‬

‫وذلــك ألمر يــن؛ ألنــه ال ميكــن لطــرف إلغــاء اآلخــر وألنــه ال هنايــة للــراع إال لمــار الســيايس جيمــع وال يفــرق‪ .‬بقــراءة‬

‫مــار حــرب الثالثــن عــام بــن الكاثوليــك والربوتســتانت يف القــرن الاسبــع عــر يف أوروبــا‪ ،‬والــي خفضــت الســكان يف‬ ‫‪23‬‬


‫تحدي الحرية وتحدي الوجود‬ ‫نزار مشعل‬ ‫نواجه يف ســورية حتدي احلرية وحتدي الوجود‪ .‬وإمنا تكون مواجهة حتدي احلرية‬

‫بتعز يــز حضورهــا وفاعليهتــا وبتفكيــك االســتبداد‪ ،‬وإمنــا تكــون مواجهــة حتــدي‬ ‫الوجــود بالتوافــق وترتيــب فــوىض الســلطات‪ .‬وتعز يــز حضــور احلر يــة كقيمــة إمنــا‬

‫يكــون بإبــراز صورهتــا الــي تعــزز االختيــار مــع المســؤولية وتقرهنــا باجلمــال‪ ،‬وتعز يــز‬ ‫ومؤساست المجتمع المدين‪ ،‬وتفكيك‬ ‫فاعليهتا ال يكون إال حبرية‬ ‫ناشط أفرادِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫االســتبداد ال يكــون إال بإســقاط فكــرة الهيمنــة والســلطوية وعــاج رواســهما‬

‫االجتماعيــة والتصــدي لــكل أشــكال االســتفراد واإلقصــاء والعصبيــة‪ .‬وترتيــب‬

‫فــوىض الســلطات ال يكــون إال باإلميــان بــرورة التوافــق عــى تكامــل األدوار مــع‬

‫التنــوع وإدارتــه بآليــة ســلمية يتفــق علهيــا‪ .‬ومعــى أن تكــون ســورية أمــام حتــدي‬

‫نزار مشعل‬

‫احلر يــة وحتــدي الوجــود‪ ،‬أهنــا حباجــة الفكــر بقــدر حاجهتــا للســاح‪.‬‬

‫احلر يــة نقيــض الفــوىض‪ ،‬هــي المقرونــة بالقوانــن الــي ال تقيدهــا بــل تــرز أفعالهــا يف صورهتــا الــي تعــزز االختيــار مــع‬ ‫المســؤولية‪ .‬وال يوجد شــعور إناسين يوافق الشــعور باجلمال كما يوافقه الشــعور باالنطالق واالســراسل واطراد الفكر‬

‫واخلاطــر واإلحــاس‪ .‬وهكــذا ال يكــون اجلمــال أبــدا يف معنــاه بعيــدا عــن احلر يــة‪ ،‬كمــا قــرره األديــب عبــاس حممــود العقــاد‪.‬‬ ‫وإمنــا مثــل احلر يــة مــع القوانــن هــو مثــل المعــاين مــع أوزان الشــعر وقوافيــه‪ ،‬فإمنــا تعززهــا مهــارة الاشعــر يف اســتخدام‬ ‫ـار‬ ‫الكلمــات عــى حبــور الشــعر‪ ،‬كمــا ُيعــزز قيم ـ َة احلر يــةِ االختيـ ُ‬

‫مــع المســؤولية‪ .‬فلــن نصــل للحر يــة بإســقاط المســتبدين أو‬ ‫بتحر يــر األرسى وعــودة المبعديــن وال حــى مبجــرد إطــاق حر يــة‬

‫الفكــر والتعبــر‪ ،‬بــل بالعيــش بطريقــة تعــي قيمهتــا وتــرز اجلمــال‬ ‫يف ممارســها وحــق اآلخر يــن هبــا‪ .‬وإال يكــن هــذا‪ ،‬ســيبحث النــاس‬

‫عــن مســتبد آخــر يلجــؤون إليــه أو يصنعونــه ليســتعبدهم ويديــر‬ ‫شــؤوهنم حســب أطماعــه وأهوائــه‪.‬‬

‫وال ميكــن حتصيــل احلر يــة بســؤالها مــن المســتبد‪ ،‬ألنــه أ كــر مــن‬

‫يــدرك أهنــا الســم الهــاري ألحاشئــه والمعــول الهــادم ألركانــه‬

‫”‬

‫لــن نصــل للحريــة بإســقاط‬ ‫المســتبدين أو بتحريــر األســرى و‬ ‫عــودة المبعديــن و ال حتــى بمجــرد‬ ‫إطــاق حريــة الفكــر و التعبيــر بــل‬ ‫بالعيــش بطريقــة تعلــي قيمتهــا‬ ‫و تبــرز الجمــال فــي ممارســتها و‬ ‫حــق اآلخريــن بهــا‪.‬‬

‫يؤمــن‬ ‫والــدواء الــايف لشــعبه‪ .‬وذلــك ألن الظالــم ال يعتـ ّـد إال بالقــوة‪ ،‬فهــي أداتــه يف حفــظ ملكــه وإدارة مملكتــه‪ .‬وال ّ‬ ‫مصــدر القــوة للظالــم إال حــرص المظلومــن عــى ســامة أحادهــم‪ ،‬فيكــون خنوعهــم الــذي يــزود منــه الظالــم هــو المخـ ِّـول‬

‫لــه باســتخدام القــوة معهــم‪ .‬فالبــد مــن اقناعهــم بانــزاع حقوقهــم‪ .‬ويتطلــب انــزاع حــق الشــعب يف احلر يــة فعــا عمليــا‬ ‫أي مهنمــا‬ ‫سياســيا كان أو ثور يــة ال يطــرح فيــه خيــار مقايضــة احلر يــة بــيء مــن األمــان واالســتقرار إذ لــن يتحصــل لهــم ُّ‬

‫ـان مؤقــت كتأمــن األنعــام يف احلظائــر للتباهــي هبــا‬ ‫بالمقايضــة؛ فــإن مــا يعنيــه الظالــم بتأمــن النــاس عــى أنفهســم أمـ ٌ‬ ‫ـتقرار ملكــه وســطوته‬ ‫ولالســتفادة مــن صوفهــا وحليهبــا واالقتيــات علهيــا واحــدة تلــو األخــرى‪ ،‬وإن مــا يعنيــه باالســتقرار اسـ ُ‬

‫‪22‬‬


‫مــن بدائيتــه الســتمرار خضــوع القوانــن والترشيعــات لمزاجيــة احلا كــم و قدرتــه عــى إثباهتــا أو نقضهــا دون تقييــد أو‬ ‫مراجعــة – ومراحــل مــا قبــل الدولــة هــو اســتحداث القوانــن وخدمــات احلمايــة لألفــراد يف مقابــل إعطــاء الــوالء لهيكليــة‬

‫نظــام احلكــم‪ .‬ويشــكل هــذا التحــول بدايــة تشــكل مــا عــرف ب ـ “العقــد االجتماعــي”‪.‬‬

‫دولة العقد االجتماعي‪ :‬الدولة المدنية احلديثة‬ ‫وهــي أول شــكل مــن أشــكال الدولــة يتطــور فهيــا شــكل العالقــة بــن احلا كــم والمحكــوم‪ ،‬حبيــث يعتــر المحكــوم مواطنـ ًا (و‬ ‫ليــس رعيــة) يعطــي طواعيــة جــزء ًا مــن حريتــه الطبيعيــة للدولــة مقابــل قيامهــا – عــن طر يــق القوانــن واحلكومــة القامئــة‬

‫عــى إنفاذهــا – بضمــان أمنــه وحقوقــه‪ .‬وهــذا العهــد بــن الدولــة والمواطنــن هــو مــا عــرف بالعقــد االجتماعــي والــذي‬ ‫طــورت نظرياتــه بشــكل علمــي يف القــرن الــادس عــر‪.‬‬

‫يف دولــة العقــد االجتماعــي يــاوي القانــون بــن المواطنــن فتلغــى أمامــه االمتيــازات االجتماعيــة‪ ،‬ســواء بوجــود نظــام‬ ‫حكــم ملكــي أو وجــود أشــكال أخــرى مــن احلكــم‪ .‬فتكــون الرشعيــة العليــا للقانــون‪ ،‬الــذي حيمــي الملكيــات اخلاصــة‪،‬‬

‫ويعــرف احلقــوق واحلــدود‪ .‬فتكــون القيــم الاسئــدة مرتبطــة بااللــزام بالقانــون‪ ،‬ويكــون الالصــق االجتماعــي األهــم شــعور‬

‫المواطنــة الــذي يدعمــه مــدى تطبيــق احلكومــة لقانــون حيقــق العدالــة االجتماعيــة ويضمــن احلقــوق‪.‬‬

‫ميكــن أن يضمــن هــذا الشــكل مــن أشــكال العالقــة بــن الدولــة والمجتمــع حتقــق جنــاح االختبــارات الثالثــة خاصــة عنــد‬

‫تطبيقــه شــكالً ومضمونـ ًا واختــاذه أاس ً‬ ‫اس لتطويــر العالقــة بــن الدولــة والمواطنــن بشــكل يضمــن توفــر مســتويات أعــى‬ ‫مــن العدالــة االجتماعيــة وتوفــر الفــرص والمــاواة‪.‬‬

‫ميكــن الختبــار غــاوة اجلهــل أن يكــون حمقــق النجــاح لغيــاب طبقــات االمتيــازات االجتماعيــة واعتمــاد التمايــز عــى مــدى‬ ‫متكــن الفــرد مــن أدوات التمكــن الــي ميكــن اكتاسهبــا بالتعلــم والمهــارة يف الكســب مثــاً ‪ .‬كمــا ميكــن يتحقــق جنــاح اختبــار‬ ‫دائــرة اخلطــر لوجــود مكلفــن باحلمايــة وضمــان أمــن المواطنــن‪ ،‬عــى فــرض أن ال وجــود الختــال يف معايرهــم القيميــة‬

‫جتعلهــم ميــزون يف مهمهتــم بــن مواطــن ومواطــن عــى غــر أســس المواطنــة‪ .‬ويصبــح اختبــار امتيــاز التحكيــم حمقــق النجــاح‬

‫عندمــا تكــون مرجعيــة كل األفــراد عنــد التحكيــم واحــدة وهــي قانــون الدولــة وأطرهــا األخالقيــة المشــركة المدعومــة‬ ‫بالقانــون‪.‬‬

‫خامتة‬ ‫مرت المجتمعات مبخاضات عديدة وقاسية ضمن نضال الشعوب لتخطي أخطار التعاسة والفناء وانهتاك احلقوق‪.‬‬

‫وتقلبــت مبراحــل عديــدة حبث ـ ًا عــن حالــة التــوازن واالســتقرار‪ .‬وكانــت كلمــا تراكمــت آثــار عــدم اســتقرار وتــوازن احلالــة‬ ‫المجتمعيــة تفــور المجتمعــات تطويــر ًا وتغيــر ًا أو تغــر جلدهــا بانقــاب أو ثــورة لــزحي األســباب الــي أخلــت بتوازهنــا‪.‬‬ ‫ورغــم أن الصــورة األخــرة مــن أشــكال المجتمعــات المدنيــة احلديثــة هتــيء – نظر يـ ًا – البيئــة لعالقــة متوازنــة بــن الدولــة‬ ‫ومواطنهيــا مــن خــال العقــد االجتماعــي إال أنــه ال ضامــن أن يســحب المواطنــون الزتامهــم بطرفهــم مــن العقــد (وهــو‬

‫التقيــد حبكــم النظــام القائــم) إال إذا حفــظ النظــام طرفــه مــن العقــد بالقيــام عــى اإلنفــاذ األمــن للقوانــن وتطويرهــا مبــا‬ ‫فيــه خــر أعــم واســتقرار أ كــر جلميــع المواطنــن‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫‪° °‬اختبــار دائــرة اخلطــر‪ :‬غــر حمقــق النجــاح‪ ،‬حيــث تعتمــد النتيجــة عــى احلكــم القيمــي الشــخيص والقيــم الاسئــدة‬

‫خاصــة مــع وجــود طبقــة دنيــا‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار امتيــاز التحكيــم‪ :‬غــر حمقــق النجــاح‪ .‬ومــرد ذلــك لكــون النتيجــة خاضعــة لمــدى نضــج مــا أقــره رؤاسء‬

‫القبيلــة مــن قيــم العدالــة والمــاواة خاصــة بوجــود الطبقــات المتعــددة‪.‬‬

‫ورغــم أن هــذه الرتكيبــة المجتمعيــة أ كــر متاســك ًا لتحلقهــا حــول مصــدر موحــد للرشعيــة‪ ،‬متمثــل يف رأس القبيلــة‪ ،‬إال أن‬

‫نتــاجئ االختبــارات ختربنــا بوجــود مكامــن حمتملــة لعــدم اســتقرار وتــوازن المجتمــع‪ ،‬ويعــزى ذلــك العتمــاد الرشعيــة عــى رأي‬ ‫فــرد وصفاتــه ومــدى نضــج أخالقياتــه بشــكل غــر مؤطــر أو مقــن‪.‬‬

‫مرحلة الدولة األولية‬ ‫نــأت هــذه المرحلــة كتطــور طبيعــي المتــداد حــدود القبيلــة جغرافيـ ًا (دولــة) خاصــة إذا انضــوت حتهتــا أجنــاس متعــددة‬

‫(أمــة)‪ ،‬وقــد تنــأ طبقــات إجتماعيــة إضافيــة ذات امتيــازات متمايــزة‪ ،‬يقــوم عــى رأهســا حا كــم واحــد‪ .‬وميكــن إجيــاز‬ ‫خصائــص هــذه المرحلــة مبــا يــي‪.‬‬ ‫‪° °‬االنتاسب‪ :‬للدولة‬

‫‪° °‬المصلحة‪ :‬ذاتية يف ظل ترشيعات الدولة‬ ‫‪° °‬الرشعية‪ :‬احلاكم‬

‫‪° °‬الطبقــات اإلجتماعيــة‪ :‬ثالثــة فمــا فــوق‪ ،‬تتضمــن طبقــة احلا كــم والوجهــاء‪ ،‬واألفــراد العاديــون‪ ،‬وغريهــم مــن‬

‫الطبقــات األدىن‪.‬‬

‫‪° °‬الملكية‪ :‬خاصة موثقة حسب الترشيعات الرسمية‪.‬‬

‫‪° °‬أهــم القيــم‪ :‬القيــم المعليــة لتنافســية وقيمــة الفــرد مثــل المهــارة والتخصصيــة يف الصنعــة‪ ،‬والقيــم الموجبــة‬

‫للحبــاء وإغــداق االمتيــازات مــن قبــل الطبقــات األعــى‪ .‬كمــا دخلــت صفــات ســلبية مثــل‪ :‬الواشيــة‪ ،‬احلقــد‪ ،‬احلســد‪،‬‬

‫الر يــاء‪ ،‬والماديــة نتيجــة متايــز الطبقــات االجتماعيــة والطمــع بتحصيــل هبــات مــن الطبقــات العليــا‪.‬‬ ‫‪° °‬احلقوق واحلدود‪ :‬وفق ما يقره احلاكم‪ ،‬وقد يكون حسب توجهيات مستاشريه ووزرائه‪.‬‬ ‫‪° °‬الالصق االجتماعي‪ :‬االنتماء للدولة وااللزتام بترشيعاهتا الاسئدة والوالء حلاكمها‪.‬‬

‫وإذا طبقنا االختبارات االجتماعية الثالثة جند التايل‪:‬‬

‫للملكيــة حســب طبقهتــا‬ ‫‪° °‬اختبــار غــاوة اجلهــل‪ :‬غــر ناجــح‪ ،‬وذلــك لوجــود الطبقــات المتمايــزة يف اســتحقاقها ُ‬

‫االجتماعيــة‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار دائــرة اخلطــر‪ :‬متحقــق‪ ،‬لوجــود قامئــن عــى احلراســة وضمــان األمــن (بفــرض أهنــم يقومــون عــى توفــر األمــن‬

‫بغــض النظــر عــن المكــون االجتماعــي للمواطــن)‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار امتيــاز التحكيــم‪ :‬غــر حمقــق النجــاح‪ ،‬رغــم إمكانيــة جناحــه بــن طبقــة األفــراد العاديــن لوجــود مرجعيــة‬

‫للرشعية‪ ،‬إال أن االختبار معرض للفشل إذا وقع بني شخصني ينتمي أحدها لطبقة النبالء ذوي السلطة الغري مقيدة‬

‫وينتمــي اآلخــر لطبقــة األفــراد العاديــن‪.‬‬

‫نســتطيع أن خنلــص عنــد اســتعراض التطــور المجتمعــي احلاصــل أن أهــم فــارق مفصــي بــن شــكل الدولــة – عــى الرغــم‬

‫‪20‬‬


‫وبتطبيق االختبارات الثالثة نتوصل لما ييل‪:‬‬

‫‪° °‬اختبــار غــاوة اجلهــل‪ :‬ناجــح‪ .‬خاصــة لعــدم تعــدد الطبقــات‪ ،‬وحصــول الملكيــة بالكســب‪ ،‬وعلــو المزنلــة‬

‫االجتماعيــة بتحقــق التفــوق بالــرأي‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار دائــرة اخلطــر‪ :‬ناجــح‪ .‬وميكــن أن يعــزى ذلــك إىل الطبقــة االجتماعيــة الواحــدة‪ ،‬وتوافــر الدافــع بالعيــش‬

‫والتواجــد المشــرك‪ ،‬إضافــة إىل تشــكل منظومــة أخالقيــة الزمــة لتالصــق المجموعــة‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار امتيــاز التحكيــم‪ :‬غــر حمقــق النجــاح‪ ،‬وذلــك لعــدم وجــود رشعيــة عليــا حمــددة وفاصلــة‪ ،‬فقــد ختفــق‬

‫المجموعــة يف الوصــول إلمجــاع‪ ،‬خاصــة إذا كان كال الشــخصني مــن ذوي الــرأي‪.‬‬

‫وبالرغــم مــن أن أفــراد هــذا المجتمــع البســيط ينعمــون نســبي ًا باســتقرار اجتماعــي‪ ،‬وانســجام جمتمعــي‪ ،‬وتوافــق عــى‬ ‫مبــادئ قيميــة ضامنــة الســتمرارية الالصــق االجتماعــي‪ ،‬إال أن اخلــرق لذلــك االســتقرار قــد يــأيت إذا لــم توثــق احلقــوق‬ ‫واحلــدود بقوانــن تكــون مصــدر الرشعيــة الفاصلــة عنــد اختــاف التحكيــم الــذي ســيصبح حتمي ـ ًا كلمــا متــددت القبيلــة‬

‫وزاد عــدد األفــراد وتباعــدت الماسفــات‪.‬‬

‫مرحلة القبيلة المركبة‬ ‫تنــأ هــذه المرحلــة كنتيجــة طبيعيــة لتمــدد وتوســع القبيلــة البســيطة‪ ،‬حيــث يرتا كــب المجتمــع يف طبقتــن أو ثــاث‬

‫فاصلــة لوجهــاء‪ /‬نبــاء ‪ /‬شــيخ أو مــاخي القبيلــة عــن طبقــة الفــرد العــادي‪ ،‬وعــن الطبقــة الدنيــا (العبيــد)‪ ،‬يف حالــة‬ ‫الطبقــات الثــاث‪ ،‬الــي تقــوم عــى خدمــة بــايق الطبقــات‪ .‬وتتلخــص خصائــص هــذه المرحلــة مبــا يــي‪:‬‬ ‫‪° °‬االنتاسب‪ :‬القبيلة تلهيا الطبقة (يف حالة الطبقة النبيلة)‪.‬‬ ‫‪° °‬المصلحة‪ :‬ذاتية ضمن مصلحة القبيلة‪.‬‬

‫‪° °‬الرشعيــة‪ :‬رأس (أو رؤؤس) القبيلــة‪ ،‬والــذي يكســب رشعيتــه باإلمجــاع لتفــوق يف الــرف المــوروث أو المكانــة‬

‫المرتاكمــة‪.‬‬

‫‪° °‬الطبقات اإلجتماعية‪( 2 :‬الوجهاء‪ ،‬واألفراد) أو ‪( 3‬الوجهاء‪ ،‬واألفراد‪ ،‬والعبيد)‪.‬‬ ‫‪° °‬الملكية‪ :‬خاصة‪ ،‬وحممية برضا رأس القبيلة‪.‬‬

‫‪° °‬أهــم القيــم‪ :‬القيــم المؤكــدة عــى االنتمــاء للقبيلــة‪ ،‬والمرســخة لكينونهتــا‪ ،‬والمعــززة للمكانــة عنــد وجهاهئــا‪،‬‬

‫والمؤكــدة للرضــا مبصــادر رشعيهتــا‪ ،‬والتقيــد بأعرافهــا حســب الاسئــد لــكل طبقــة‪ .‬أمثلــة تلــك القيــم‪ :‬الفخــر‪ ،‬والبطولــة‪،‬‬ ‫والشــجاعة‪.‬‬

‫‪° °‬احلقوق واحلدود‪ :‬خاضعة لما يقره رأس القبيلة وحيدده وما يسكت عنه‪.‬‬

‫‪° °‬الالصــق االجتماعــي‪ :‬التقولــب بقالــب المجموعــة (هويهتــا‪ ،‬عاداهتــا‪ ،‬أعرافهــا) والتحلــق حــول رأهســا ومصــدر‬

‫رشعيهتــا بالــوالء‪.‬‬

‫‪° °‬وبتطبيق االختبارات الثالثة خنلص لما ييل‪:‬‬

‫‪° °‬اختبــار غــاوة اجلهــل‪ :‬غــر حمقــق النجــاح‪ ،‬لتمايــز الطبقــات االجتماعيــة وخضــوع األعــراف لمــا يقــره وجهــاء‬

‫القبيلــة‪ .‬افــرض مثــاً أن يف عــرف القبيلــة ممنــوع عــى العبيــد أن يتملكــوا ملكيــة خاصــة‪ ،‬فعنــد ذاك ســتقع اخلــارة‬

‫والــرر عــى أحــد طــريف االختبــار‪.‬‬

‫‪19‬‬


‫‪° °‬االنتاسب‪ :‬فردي‪.‬‬ ‫‪° °‬المصلحة‪ :‬ذاتية‪.‬‬

‫‪° °‬الرشعية‪ :‬ذاتية ويف حاالت الزناع لألقوى‪.‬‬

‫‪° °‬الطبقات اإلجتماعية‪( 0 :‬ال توجد طبقات‪ ،‬بل جمرد أفراد جمتمعني حول مورد مشرتك)‪.‬‬ ‫‪° °‬الملكية‪ :‬طبيعية غري مؤطرة‪ ،‬وبقاؤها مرهون بقدرة الفرد عىل محايهتا بقوته‪.‬‬ ‫‪° °‬أهم القيم‪ :‬القيم الالزمة للبقاء واال كتفاء‪.‬‬

‫‪° °‬احلقــوق واحلــدود‪ :‬حقــوق طبيعيــة مفتوحــة وحمكومــة بقانــون الطبيعــة وغر يــزة البقــاء‪ ،‬حيــث للفــرد احلــق يف كل‬

‫يشء طالمــا أن ال حــدود مــع اآلخــر وال رادع مــن قبلــه‪.‬‬

‫‪° °‬الالصق االجتماعي‪ :‬طبيعي عرب عالقات العائلة والمصاهرة‪.‬‬ ‫‪° °‬وبتطبيق االختبارات الثالثة جند ما ييل‪:‬‬

‫‪° °‬اختبــار غــاوة اجلهــل‪ :‬غــر ناجــح‪ ،‬حيــث تعتمــد نتيجــة االختبــار عــى مــدى تفــاوت الفرديــن يف حظــوظ القــوة‬

‫الفزييائيــة‪.‬‬

‫‪° °‬اختبار دائرة اخلطر‪ :‬غري حمقق النجاح‪ ،‬حيث تعتمد نتيجة االختبار عىل االستجابة الفردية والقيم الذاتية‪.‬‬

‫‪° °‬اختبــار امتيــاز التحكيــم‪ :‬غــر ناجــح‪ ،‬حيــث تعتمــد نتيجــة االختبــار عــى حتكيــم كل مــن الشــخصني للمصلحــة‬

‫الذاتيــة‪.‬‬

‫وعــى الرغــم مــن احلظــوظ غــر المحــدودة بإطــار الــي ينالهــا الطــرف األقــوى يف العيــش والملكيــة والســطوة‪ ،‬إال أن ترا كــم‬

‫شــعور العجــز واغتصــاب احلقــوق والعــدوان باإلضافــة لــردود األفعــال الهمجيــة بدافــع الثــأر جتعــل هكــذا جمتمــع يف حالــة‬

‫عــدم اســتقرار دائــم ســتضعه حتمـ ًا عــى مفــرق طــرق بــن االندثــار أو التطــور والتغيــر أو االنقــاب‪.‬‬

‫مرحلة القبيلة البسيطة‬ ‫يف هــذه المرحلــة يتحلــق األفــراد حــول مــوارد مشــركة وجيمعهــم النفــع المتبــادل والدفــع المشــرك للخطــر‪ .‬وختتلــف‬ ‫هــذه المرحلــة عــن اسبقهتــا يف وجــود مصالــح متبادلــة بــن األفــراد‪ .‬وميكــن تلخيــص اخلصائــص التاليــة لطبيعــة المجتمــع‬

‫القائــم يف هــذه المرحلــة كمــا يــي‪:‬‬ ‫‪° °‬االنتاسب‪ :‬القبيلة‪.‬‬

‫‪° °‬المصلحة‪ :‬تقاطع مصلحة الفرد مع مصلحة اجلماعة‪.‬‬

‫‪° °‬الرشعية‪ :‬إمجاع المجموعة واتفاق أصحاب الرأي والكلمة‪.‬‬ ‫‪° °‬الطبقات االجتماعية‪( 1 :‬الكل طبقة واحدة)‬

‫‪° °‬الملكية‪ :‬حسب الكسب وما اتفقت عىل إقراره اجلماعة‪.‬‬

‫‪° °‬أهم القيم‪ :‬القيم اجلاذبة للكسب وحتلق الرجال والمبعدة عن النبذ‪ ،‬من أمثلة‪ :‬الصدق‪ ،‬األمانة‪ ،‬الوفاء‪.‬‬

‫‪° °‬احلقــوق واحلــدود‪ :‬حــدود افرتاضيــة تؤطرهــا التفاهمــات المتعــارف علهيــا لمــا هــو مقبــول مــن اجلماعــة ومــا هــو‬

‫منبــوذ‪.‬‬

‫‪° °‬الالصق االجتماعي‪ :‬انسجام المجموعة‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫وعــى باسطــة اجلــواب‪ ،‬فــإن التوصــل إليــه وحتديــد أركانــه‪ :‬احلكومــة – القانــون – المواطنــن‪ ،‬قــد اســتغرق مــن عمــر‬ ‫البرشيــة قرونـ ًا طويلــة مــن النضــج‪ ،‬وعذابــات كثــرة خاضهتــا الشــعوب وتنقلــت عربهــا مــن مراحــل بدائيــة للمجتمعــات‬

‫وصــو ًال إىل عصــور المدنيــة احلديثــة‪.‬‬

‫يف هذا المقال نستعرض بشكل موجز وجتريدي بعض أهم تلك المحطات اليت مرت هبا مراحل نضوج المجتمعات‬

‫ضمــن ســعي البرشيــة يف كل مرحلــة للوصــول إىل حالــة جمتعيــة أ كــر اســتقرار ًا وتوازن ـ ًا‪ .‬وقبــل هــذا االســتعراض‪ ،‬ولكــي‬ ‫يكــون لدينــا مــؤرش واضــح حلالــة اســتقرار وتــوازن المجتمــع فقــد قمنــا بتعر يــف ثالثــة اختبــارات ســنعقدها يف ســبيل‬ ‫القيــاس والمقارنــة عنــد اســتعراض كل مرحلــة‪.‬‬

‫‪1 .1‬اختبــار غــاوة اجلهــل‪ :‬لــو افرتضنــا شــخصني يف المجتمــع ذاتــه (ز) و(ع) حبالــة جهــل تــام مبوقعهمــا داخــل‬ ‫المجتمــع (الطبقــة‪ ،‬االمتيــازات‪ ،‬الملكيــة‪ ،‬المزنلــة)‪ ،‬ثــم رفعنــا عهنمــا هــذه الغــاوة‪ ،‬فــإن كالً مهنمــا لــن يتــرر مــن‬

‫اســتبدال موقعــه مــع اآلخــر‪ .‬وبالقــول أن الفــرد لــن “يتــرر” نقصــد أنــه لــن يضطــر خلــارة ملكيــة أو مكانــة يفتقــد‬ ‫أدوات إعــادة اكتاسهبــا‪ .‬يــؤرش هــذا االختبــار عــى اســتقرار وتــوازن المجتمــع خاصــة مــن ناحيــة العدالــة اإلجتماعيــة‪.‬‬

‫وبالنسبة لألفراد يشري إىل خطر التعاسة‪ .‬ويشري عدم جناح هذا االختبار إىل وجود متايز طبقي وغلبة احلظ عوض ًا‬

‫عــن توافــر أدوات التمكــن عــى ماسفــة متاسويــة مــن األفــراد‪.‬‬

‫‪2 .2‬اختبــار دائــرة اخلطــر‪ :‬لــو افرتضنــا شــخص ًا مــا (ز) ينتمــي ألحــد المكونات‪/‬الطبقــات االجتماعيــة يف جمتمــع مــا‪،‬‬

‫وشــخص آخــر (ع) يف المجتمــع ذاتــه (قــد ال ينتمــي بالــرورة لنفــس المكــون االجتماعــي)‪ ،‬ووقــع (ز) يف خطــر‬ ‫داهــم‪ ،‬فــإن (ع) ســيمد لــه يــد اإلنقــاذ الــي يســتطيع‪ .‬هــذا االختبــار قــد يؤخــذ كمــؤرش عــى مــدى انســجام ومتاســك‬ ‫المجتمــع‪ .‬وبالنســبة لألفــراد قــد يشــر إىل مــدى شــعورهم باألمــان‪ .‬ويشــر عــدم جنــاح هــذا االختبــار إىل عــدم اندمــاج‬ ‫مكونــات المجتمــع واختــال المنظومــة األخالقيــة وعــدم وجــود أســس لتحقيــق األمــن‪.‬‬

‫‪3 .3‬اختبــار امتيــاز التحكيــم‪ :‬لــو افرتضنــا شــخص ًا مــا (ز) يف المجتمــع وأعطينــاه امتيــاز التحكيــم يف قضيــة هــو حمورهــا‪،‬‬

‫ثــم اســتبدلنا حمــور القضيــة بشــخص آخــر يف المجتمــع (ع)‪ ،‬فــإن نــاجت احلكمــن لــن يكــون خمتلفـ ًا‪ .‬ثــم أعطينــا (ع) امتيــاز‬

‫التحكيــم فــإن نــاجت حكمــه أيضـ ًا لــن يكــون خمتلفـ ًا‪ .‬يعــر هــذا االختبــار عــن مــدى وحــدة قيــم وأخالقيــة المجتمــع ومــدى‬ ‫رســوخ التفاهمــات المتبادلــة (بشــكل قوانــن مثــاً ) لمبــادئ احلقــوق‪ .‬وعــى المســتوى الفــردي قــد يشــر الحتمــال‬ ‫خطــر اخلــارة (خــارة الممتلــكات) والظلــم‪ .‬ويشــر غيابــه إىل اختــال منظومــة احلقــوق وشــيوع التميــز‪.‬‬

‫بتطبيــق هــذه االختبــارات البســيطة عــى المراحــل المختلفــة الــي سنســتعرضها فيمــا يــي‪ ،‬يســتطيع القــارئ أن يتلمــس‬ ‫موطــن اخللــل يف تــوازن المجتمــع يف تلــك المرحلــة‪ ،‬ويفهــم االعتبــارات الــي عــى أاسهســا انتقلــت هــذه المجتمعــات‬

‫لمرحلــة أخــرى حبثـ ًا عــن التــوازن المفقــود وحتقيقـ ًا حلالــة أ كــر اســتقرار ًا‪ ،‬ســواء كان هــذا االنتقــال عضويـ ًا طبيعيـ ًا تراكمــت‬ ‫فيــه نضــاالت أجيــال متعاقبــة‪ ،‬أم كان راديكاليـ ًا جذر يـ ًا كمــا يف حالــة الثــورات‪.‬‬

‫مرحلة الوجود الطبيعي للمجموعة‬ ‫يف هــذه المرحلــة ينجــذب األفــراد بشــكل مســتقل لمــورد طبيعــي الزم للبقــاء وتأمــن العيــش‪ ،‬ويعيشــون يف مجاعــة دومنــا‬ ‫تأطــر منظــم ومنضبــط لقوانــن عيهشــم المشــرك‪ .‬أهــم خصائــص هــذه احلالــة كمــا يــي‪:‬‬

‫‪17‬‬


‫المجتمعات من البدائية الى النضج‪:‬‬ ‫اختبارات قياس االستقرار‬ ‫منال ريس‬ ‫مقدمة‬ ‫يف ينايــر عــام ‪ ،1998‬ويف مهشــد اســتثنايئ‪ ،‬ازدحــم المواطنــون يف كور يــا اجلنوبيــة‬ ‫وبــروح معنويــة عاليــة وعالمــات فخــر ورضــا عــى الوجــوه رغــم صفــوف طويلــة‬ ‫لاسعــات كــي يتربعــوا بذههبــم اخلــاص لصالــح محلــة شــعبية لدعــم اقتصــاد البــاد‬

‫المــرحن آنــذاك‪ ،‬فيمــا ســمي ب ـ “محلــة الذهــب”‪.‬‬

‫يف العــام ‪ 2014‬ويف مهشــد مثيــل‪ ،‬مــن حيــث احلشــد الهائــل ألنــاس اجتمعــوا يف‬

‫طوابــر طويلــة بــاآلالف ولاسعــات‪ ،‬خمتلــف مــن حيــث الــروح المعنويــة المهنــارة‬ ‫وعالمــات األىس الــي تعلــو الوجــوه‪ ،‬ازدحــم اسكنــو خميــم الريمــوك‪ ،‬يف مهشــد‬

‫شـ ّـبه يف الواسئــل اإلعالميــة بأنــه ك ـ “يــوم القيامــة”‪ ،‬أمــاً باحلصــول عــى مــواد‬ ‫غذائيــة قطعــت عهنــم حبصــار قــارب الســنة فرضــه علهيــم نظــام احلكــم القائــم يف‬

‫منال ريّس‬

‫دمشــق كعقوبــة مجاعيــة لدعمهــم وتعاطفهــم مــع الثــوار‪ .‬والمفارقــة أن بعــض أثر يــاء العاصمــة كانــوا عــى بعــد كيلومــرات‬ ‫قليلــة يعـ ّـدون حلفــات هسرهــم الصاخبــة الــي تفيــض فهيــا موائدهــم‪.‬‬

‫مهشــدان يفصــل بــن زمــان وقوعهمــا أقــل مــن عقديــن‪ ،‬وتفصــل بــن مدلوالهتمــا قــرون وأجيــال وتــارخي فصــول كاملــة مــرت‬

‫باحلضــارة البرشية‪.‬‬

‫مــا الــذي جيعــل بعــض المجتمعــات – أفــراد ًا وحكومــات – تــزداد التصاق ـ ًا ببعضهــا عنــد األزمــات وتقــوم باختيــارات‬ ‫ومبــادرات مجعيــة واعيــة عــى أســس تضحيــات فرديــة يف ســبيل النفــع العــام والمصلحــة الوطنيــة‪ ،‬بينمــا تتفتــت اللواصــق‬ ‫المجتمعيــة يف جمتمعــات أخــرى عنــد األزمــات العاصفــة مهــددة باهنيــار قــوام المجتمــع والدولــة نفســه؟‬

‫ر مبــا يكــون اجلــواب معروفـ ًا خاصــة بعدمــا هشــد مواطنــو المنطقــة جتر بــة الربيــع العــريب وبــات بدهييـ ًا حــى لــدى بســطاهئم‬

‫أن اختــال العالقــة بــن احلكومــة المقيمــة للقانــون الضامــن بــدوره للنفــع العــام وبــن المواطنــن ســيولد تراكم ـ ًا للحنــق‬

‫الشــعيب المهــدد بــأي حلظــة تتوافــر فهيــا المقومــات المناســبة االنفجــار‪.‬‬

‫عندمــا تغيــب ثقــة المواطنــن بالدعامــة الضامنــة للنفــع العــام‪ ،‬وهــي القانــون‪ ،‬واحلاضنــة المقيمــة لــه‪ ،‬وهــي احلكومــة‪،‬‬ ‫يف اســتغالل فاســد للســلطة وجتــاوز للقانــون‪ ،‬عندهــا هيــز شــعور المواطــن بالمواطنــة و ُيســتبدل بشــعور الرعيــة األســرة‪،‬‬

‫وتصبــح المصلحــة الفرديــة هــي القانــون الاسئــد‪ .‬وأســوأ مــا قــد يكتمــل بــه الســيناريو الاسبــق إذا كانــت الدولــة مركبــة‬ ‫(خليــط أجنــاس أو أعــراق أو طوائــف) يعــي فهيــا كل مكــون والءه المحــي عــى الــوالء الوطــي اجلمعــي‪ ،‬وتعــرف كل فئــة‬ ‫مصلحهتــا الفئويــة بطريقــة متضار بــة مــع الفئــة أو الفئــات األخــرى‪ ،‬وتتمايــز لــدى كل مهنــا القيــم المؤطــرة للمصلحــة‬ ‫الفرديــة‪ ،‬فعندهــا يصبــح كل الصــق جمتمعــي يف مهــب التفــكك مهــدد ًا بفــوىض يف المجتمــع ورشخ يف قــوام الدولــة‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫أن الرمحــة خ ُلــق عظيــم‪ ،‬لكـ ّـن عــر احلر يــة ليــس ألفــراده البقــاء ضمــن منظومــة العبوديــة‪ ،‬حــى‬ ‫ليــس جمــرد شــفقة‪ .‬وصحيــح ّ‬

‫ولــو كانــت بأقفــاص مــن ذهــب‪.‬‬

‫مــا هــو الســياق المفــروض أن توضــع فيــه قضايــا المغتصبــات‪ ،‬ســواء فيمــا يتعلــق بــرد الظلــم عهنــن أو رد اعتبارهــن‪ ،‬أو‬

‫فيمــا يتعلــق حبــاالت اإلجنــاب أو حــاالت احلمــل أو الــزواج؟‬

‫الســياق هــو تغيــر القوانــن ووضــع واسئــل التنفيــذ جبوارهــا‪ .‬االغتصــاب ليــس جمــرد أمــر عشــوايئ فــردي‪ .‬هــو حالــة ممتــدة‬

‫ممهنجــة عســكري ًا وأمنيـ ًا مشــحونة بالكراهيــة واحلقــد واالحتقــار واالنتقــام والثــأر ولــه آثــار طويلــة المــدى‪ .‬الموضــوع ليــس‬

‫تعرضــت لالغتصــاب وتُركــت حامــاً ‪ ،‬أو قتلــت‪ .‬إنــه أ كــر مــن ذلــك‪ ،‬لذلــك جيــب القيــام خبطــوات جريئــة‪،‬‬ ‫امــرأة عابــرة ّ‬ ‫لكــي تكــون احللــول القانونيــة تارخييــة‪ .‬جيــب مراجعــة القوانــن ‪ ..‬جيــب حتديــث النصــوص الترشيعيــة الدينيــة والنصــوص‬ ‫المدنيــة‪ ،‬وتتنويــر العقليــة؛ لكــي نرفــع الظلــم عــن المــرأة والمجتمــع‪ .‬وخصوصـ ًا فيمــا يتعلــق بقضيــة االغتصــاب ومــا يــدور‬

‫حــول مفاهيــم الــرف والعــار‪.‬‬

‫ســيكون لقضيــة االغتصــاب متعلقــات كثــرة حباجــة إىل متابعــة وحلــول‪ :‬أعــداد كبــرة مــن المغتصبــات المريضــات نفســي ًا‬

‫وجســدي ًا ‪ ..‬أحيانـ ًا ال معيــل ‪ ..‬أطفــال حــرب مولــودون قــر ًا نتيجــة االغتصــاب ‪ ..‬األمــراض المنقولــة جنســي ًا ‪ ..‬حــاالت‬ ‫هتميــش ‪ ..‬حــاالت ثــأر‪ .‬وبالتــايل هنــاك مطالــب التعويضــات والرعايــة الصحيــة والماليــة والنفســية‪ ،‬مالحقــة رجــال‬ ‫ميليشــيات احلــروب األهليــة‪ ،‬رد االعتبــار رمز ي ـ ًا وواقعي ـ ًا‪ ،‬العدالــة والمصاحلــة‪ .‬كلــه يصــب يف مفاهيــم حتصــن المــرأة‬ ‫إجيابي ـ ًا‪.‬‬ ‫ومتكيهنــا لكــي متتلــك الثقــة بنفهســا وبأداهئــا وتنــدجم يف المجتمــع اجلديــد‬ ‫ّ‬

‫بعــد كل مــا حصــل يف ســوريا مــن ظلــم وانهتــاك واضطهــاد ومقاومــة لــن تعــود المــرأة إىل الــوراء‪ .‬لكـ ّـن عمليــة االستشــفاء‬

‫مــن االغتصــاب مهمــة صعبــة وحباجــة لتوحيــد جهــود اجلميــع‪ :‬لهــا ُبعــد اجتماعــي متعلــق باإلرهــاب االجتماعــي‪ ،‬و ُبعــد‬

‫نفــي مرتبــط بالدعــم‪ ،‬و ُبعــد تر بــوي وقيمــي يف تغيــر الــرؤى ومناهــج التفكــر والتعليــم‪ ،‬و ُبعــد ســيايس يف التســلط‬

‫البعــد التوثيقــي ‪ ..‬وهــو مهــم جــد ًا لتحديــد الضحايــا‬ ‫واالســتبداد والقمــع‪ ،‬و ُبعــد قانــوين يف إجيــاد احللــول القانونيــة‪ ،‬ثــم يف ُ‬ ‫واجلنــاة مــن أجــل إحــال األمــن والعــدل‪.‬‬

‫أخــر ًا‪ ،‬صحيــح أن العالــم حيتفــل بعيــد المــرأة العالمــي ‪ ..‬لكــن احتفالــه مز يــف؛ ألنــه مــن التناقــض األخــايق واإلنــاين‬

‫أن حيتفــل العالــم بعيــد المــرأة ثــم يقــف عاجــز ًا عــن نــرة المــرأة الســورية الــي تواجــه‪ ،‬عــر حــرب إبــادة‪ ،‬جرائــم ضــد‬ ‫اإلناسنيــة ‪ ..‬وجرائــم حــرب ‪ ..‬وجمــازر تنالهــا وتنــال أطفالهــا ورجالهــا‪ .‬ال يكفــي إنصــاف المــرأة اعتذار يـ ًا وعاطفيـ ًا بالمــدح‬

‫واإلطــراء والطبــل والزمــر والشــعارات‪ .‬يكــون اإلنصــاف عملي ـ ًا بإجنــازه فعلي ـ ًا وجندهتــا واقعي ـ ًا‪ .‬وال يكــون رد اعتبارهــا‬ ‫بتقديــم ماسعــدات إغاثيــة والتبا كــي علهيــا والرثــاء ولثــم اجلــراح‪ ،‬بــل بتغيــر المفاهيــم مــن خــال تغيــر القوانــن وسـ ّـن‬ ‫أخــرى تنصفهــا وحتفــظ لهــا مكانهتــا الــي تســتحقها‪.‬‬

‫‪15‬‬


‫جنيس قهري يف احلرب الدائرة إلزامي‪ .‬رد احلق للناسء‪ ،‬كضحايا حرب أو ًال‪ ،‬وكضحايا جرائم إناسنية ثاني ًا‪ ،‬ثم كناسء‬

‫إن العــدل هــو أاسس الــرع والقانــون ومنظومــة احلقــوق؛ فــا يكفــي االســتناد إىل‬ ‫يف منظومــة المطالبــة حبقــوق المــرأة‪ّ .‬‬ ‫الرمحــة البرشيــة العابــرة وطمأنــة المــرأة بصحــوة الضمــر‪ .‬ال بــد مــن وضــع خطــة عمــل قانونيــة واجتماعيــة حلــل القضايــا‬ ‫المتعلقــة باالغتصــاب وإعــاء صــوت احلــق والعــدل‪.‬‬

‫معوقــات كثــرة تقــف يف وجــه التعاطــي مــع إنصــاف المغتصبــات ورد حقوقهـ ّـن‪ .‬ليــس الديــن اإلســامي‪ ،‬كمــا‬ ‫هنــاك‬ ‫ّ‬

‫يعتقــد بعــض المثقفــن والمثقفــات االســترشاقيني‪ ،‬هــو المعـ ّـوق احلقيقــي لهــذا األمــر‪ ،‬وإمنــا القوانــن احلاكمــة يف أغلــب‬

‫المجتمعــات العربيــة واإلســامية‪ ،‬والــي يهســم فهيــا مــوروث الترشيعــات المســتندة إىل الديــن والعــادات والتقاليــد‪،‬‬ ‫والمحلية‪ .‬قضية االغتصاب الســيايس مرتبطة بالوعي اإلناسين واالجتماعي‪،‬‬ ‫وإىل األفكار الراســخة التقليدية الوافدة‬ ‫ّ‬

‫وبــإدراك مفاهيــم العــدل وتطبيقاهتــا؛ فحــى المجتمــع الــدويل المتقــدم مدني ـ ًا وقانوني ـ ًا يف منظومــة حقــوق المــرأة‪ ،‬لــم‬ ‫يقــم بتطويــر قانــون تارخيــي جــدي يف موضــوع ضحايــا االغتصــاب يف احلــروب‪ ،‬إال يف هنايــة القــرن العرشيــن‪.‬‬

‫إن تطويــر الثقافــة‬ ‫حيتــاج هــذا األمــر إىل اعتبــاره مــن عــدة جوانــب‪ :‬القانــوين واالجتماعــي والمجتمعــي واإلنــاين‪ّ .‬‬ ‫االجتماعيــة وحتويلهــا مــن تلقائيــة إىل إنتاجيــة‪ ،‬وإصــاح المجتمــع‪ ،‬والتغيــر القانــوين والدســتوري‪ ،‬كل ذلــك كيــان واحــد‬ ‫ال يتجـ ّـزأ‪ .‬القانــون ينتــج العالقــة وهــذه العالقــة تتبلــور لتتحكــم بالقوانــن‪ .‬ولعــل التغيــر اجلــذري يف مفاهيــم قانــون‬

‫األحــوال الشــخصية هــو نقطــة مهمــة يف بدايــة مســرة التغيــر وتطويــر المفاهيــم االجتماعيــة وترقيــة األدوار المطلوبــة مــن‬ ‫اجلميــع‪ .‬وهــذا ســينعكس‪ ،‬حتمـ ًا‪ ،‬إجيابـ ًا عــى كرامــة المــرأة وإناسنيهتــا‪ ،‬وعــى متكيهنــا وتعز يــز دورهــا سياســي ًا واجتماعيـ ًا‪.‬‬

‫إذن المعركــة هــي معركــة اجتماعيــة وقانونيــة وسياســية‪ .‬والمأسلــة يف جوهرهــا معركــة حــق وحتــرر وعدالــة‪.‬‬

‫ـرع مرتبطــة‬ ‫البدايــة تكــون مــن الترشيعــات ‪ ..‬فعــى المــرأة أن تكــون جــزء ًا مــن عمليــة الترشيــع‪ ،‬وإال فستســتمر عقليــة المـ ّ‬ ‫بعقليــة المتسـ ّلط الناظــم للواقــع الســيايس واالجتماعــي والثقــايف‪ .‬العقليــة الــي تســتغل المــرأة‪ ،‬هبــدف تعز يــز مواقعهــا‬

‫الســلطوية ومصاحلهــا االمتياز ّيــة‪ .‬وبالمقابــل عــى اجلمعيــات الناسئيــة واحلــركات الناشــطة حلقــوق المــرأة متابعــة النضــال‬ ‫ـتمر اضطهــاد المــرأة‬ ‫إلصــاح الثقافــة االجتماعيــة‪ ،‬وتبديــد المفاهيــم الرجعيــة‪ ،‬والمطالبــة بالتغيــر القانــوين‪ .‬وإال فسيسـ ّ‬

‫اجتماعيــة‪.‬‬ ‫بتســويغات‬ ‫ّ‬

‫والتارخييــة‪ .‬ويف أجــواء غــر‬ ‫قضيــة االغتصــاب متعلقــة بالقمــع والعنــف واإلرهــاب بــكل أشــكالها المجتمعيــة والثقافيــة‬ ‫ّ‬ ‫ســو ّية‪ ،‬ميكــن تزويــر أيــة قضيــة شــخصية للمــرأة حتــت اســم الــرف والعــار‪ ،‬لتســويغ إبقــاء الهيمنــة وقمــع المــرأة‪ ،‬ثــم قمــع‬

‫المجتمــع واضطهــاده ‪ ..‬كثــرة هــي القضايــا الــي كانــت اسئبــة قبــل الثــورة‪ ،‬وذلــك بســبب غوغائيــة الدولــة وفاسدهــا‬ ‫وعــدم رشعيهتــا المســتقلة‪ .‬أمــا اآلن‪ ،‬بعــد نضــال الرشعيــة الثور ّيــة وبعــد دفــع الثمــن الكبــر الســتحقاق المطالــب‬

‫التحرر ّيــة‪ ،‬فلــن يعــود التقاعــس مقبــو ًال يف اســتمرار الوضــع المهــن للمــرأة‪ .‬ليــس األمــر قضيــة شــخصية وفرديــة وفئويــة‪،‬‬ ‫ّ‬

‫أن المــرأة تعــاين أ كــر وتتحمــل الثقــل األ كــر لشــخصها ولرمزيهتــا‬ ‫بــل قضيــة اجتماعيــة وجمتمعيــة تنــال اجلميــع‪ .‬ومــع ّ‬

‫االجتماعيــة واألرسيــة‪ ،‬وبالتحديــد فيمــا يتعلــق مبفاهيــم العــار‪ ،‬خصوص ـ ًا يف البيئــات اجلاهلــة الــي متــارس القتــل حتــت‬ ‫عنــوان احلفــاظ عــى الــرف‪ ،‬لكـ ّـن االغتصــاب كســاح خميــف اســتخدمه العــدو لقهرهــا وإهانهتــا وتعذيهبــا واعتقالهــا‪ ،‬هــو‬

‫إهانــة ألهلهــا وللرجــال المقاتلــن ألجــل احلر يــة‪ ،‬وللمجتمــع والوطــن والدولــة‪ .‬ولــم يعــد ينفــع مــع تطــور الوعــي التحــرري‪،‬‬ ‫الرتقيعيــة حبجــة األمــن االجتماعــي‪ ،‬كــزوجي المغتصبــة مــن المغتصــب الــذي أحلــق هبــا اإلهانــة‪ .‬أو إخفــاء‬ ‫تطبيــق احللــول‬ ‫ّ‬

‫عارهــا بعزلهــا أو تزوجيهــا‪ .‬صحيــح أن هنــاك ســوريني يتعهــدون بالــزواج مــن فتيــات تعرضــن لالغتصــاب؛ لكـ ّـن الموضــوع‬ ‫‪14‬‬


‫ـأت عــى ذكــره ضمنـ ًا أو رصاحــة‪ ،‬فهــو حيــي العــدل والتــاوي والشــورى ويرســم حــدود اختيــار اإلنــان يف‬ ‫اشمــاً لــم يـ ِ‬

‫ملكيــة األرض للنــاس‬ ‫حياتــه‪ ،‬ويقــرر كيفيــة حصــول التــوازن االقتصــادي عــر الصدقــات والــزكاة‪ ،‬ومينــع التــوكل ويشــيع‬ ‫ّ‬ ‫أمجعــن‪ .‬وجيعــل للبائــس والمحــروم ّ‬ ‫حقـ ًا يف أمــوال األغنيــاء‪ ،‬ففــي اإلســام تتوافــر مطالــب اإلنــان يف احلر يــة والعدالــة‬ ‫إن مثــل هــذا الفهــم لشــمولية ” القــرآن الكر يــم ” يقطــع الطر يــق عــى كل مــن حيــاول التدليــل عــى أ ّننــا‬ ‫والمــاواة‪ّ .‬‬ ‫نفصــل الديــن عــن السياســة بوصفهــا صيغــة أخــرة لتنظيــم الــدول‪ ،‬بــل إ ّننــا نؤكّ ــد عــى أهميــة الفصــل بــن القامئــن عــى‬ ‫ّ‬ ‫التحكــم بالديــن لضمــان‬ ‫مبدئي ـ ًا هــو إخــراج مؤسســة احلكومــة عــن دائــرة‬ ‫احلكــم وبــن علمــاء الديــن‪ .‬إ ّننــا ندخــل حتديــد ًا‬ ‫ّ‬

‫التدخــل يف شــؤون احلكــم‪،‬‬ ‫حر يــة العقيــدة‪ ،‬بعيــد ًا عــن الســلطة السياســية‪ .‬كمــا أ ّننــا جنعــل الرابطــة اإلســامية مبنــأى عــن‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫ألن صيغــة اإلســام أشــمل مــن أن تكــون حكومــة أو أن ّ‬ ‫ويتمثــل احلـ ّـل الســيايس يف الدعــوة‬ ‫تتمثــل يف أشــخاص‪.‬‬ ‫وذلــك ّ‬ ‫ألنــا غــر صاحلــة‬ ‫عام ـ ًا فقــط‪ ،‬رافضــن الصيــغ الغربيــة‪ّ ،‬‬ ‫إىل حكومــة دنيويــة‪ ،‬قانوهنــا األاسيس الرشيعــة اإلســامية إطــار ًا ّ‬ ‫ألن فهيــا مــا يكفــل حر يــة األفــراد‪ ،‬ومــا‬ ‫للعــرب المســلمني‪ ،‬الذيــن علهيــم االنطــاق مــن واقعهــم‪ ،‬واالســراشد برشيعهتــم‪ّ ،‬‬

‫يكفــل قيــام نظــام حكــم “دميقراطــي متام ـ ًا ” ‪.‬‬

‫ليس بسخاء الرثاء والتعاطف ‪ ..‬بل بالعدل ‪..‬‬ ‫د‪ .‬سماح هدايا‬ ‫األهميــة‪ ،‬والعمــل عليــه جــزء حيــوي مــن محايــة المجتمــع واإلنــان‬ ‫حقــوق المغتصبــة وحقــوق عائلهتــا أمــر يف غايــة‬ ‫ّ‬

‫والمــرأة يف مســعى العدالــة واحلــق الكرامــة‪ .‬لكـ ْـن‪ ،‬ال يكفــي أن تعمــل المــرأة مبفردهــا عليــه‪ ،‬أو أن يقتــر عــى منظمــات‬ ‫حقوقيــة إناسنيــة؛ ألن مجعيــات المجتمــع المــدين والهيئــات احلقوقيــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن دورهــا الكبــر يف هــذا المجــال‪،‬‬

‫ال تســتطيع‪ ،‬مبفردهــا‪ ،‬تغيــر الواقــع أو إصالحــه وبنــاء العدالــة والســلم األهــي وإجنــاح المصاحلــة‪ .‬كذلــك ال يســتطيع‬ ‫ألن الماسئــل الفقهيــة معقــدة وحتتــاج إىل اجهتــادات علمــاء الديــن‪ ،‬وطر يــق عمــل‬ ‫الفقهــاء فعــل ذلــك وحدهــم‪ّ .‬‬

‫طويــل مرتبــط باإلصــاح الديــي قبــل االجتماعــي‪ .‬صحيــح أن بعــض الفقهــاء حياولــون اخلــروج بفتــاوى جيــدة لدعــم‬ ‫حقــوق المغتصبــة‪ ،‬لكهنــا ال تكفــي؛ فهــي حمــدودة ومرتبطــة مبــزاج رجــال الديــن ورؤاهــم ومواقفهــم غــر الثابتــة؛ فالدولــة‬

‫الدينية حلماية مصاحلها‪ .‬موضوع‬ ‫السلطوية تستخدم المؤسسة‬ ‫ّ‬ ‫االغتصــاب يرتبــط بــراكات أخــرى واســعة؛ فــا بــد مــن التعــاون‬

‫المجتمعــي والتــارك الثقــايف واعتمــاد إصــاح القانــون المــدين‬

‫كمدخــل لعمليــة التغيــر وإدخالــه يف حالــة الثــورة‪ ،‬إللغــاء كل‬ ‫الفصــول القانونيــة الظالمــة للمــرأة‪.‬‬

‫ال يكفــي تقديــم ســخاء الرثــاء والتعاطــف اللفظــي والوجــداين‬

‫مــع المغتصبــات والنــاء المظلومــات‪ ،‬وال تكفــي المكرمــات‬ ‫االســتثنائية للرجــال األحــرار القادمــن إىل احلكــم بعــد الثــورات‪.‬‬ ‫فــرد اعتبــار المــرأة‪ ،‬خصوص ـ ًا المغتصبــة‪ ،‬أو المعرضــة لعنــف‬

‫”‬

‫فعلــى المــرأة أن تكــون جــزء مــن‬ ‫عمليــة التشــريع و إال فستســتمر‬ ‫عقليــة المشــرع مرتبطــة بعقليــة‬ ‫المتســلط الناظــم للواقــع السياســي‬ ‫و اإلجتماعــي و الثقافــي‪ .‬العقليــة‬ ‫التــي تســتغل المـراة بهــدف تعزيــز‬ ‫مواقعهــا الســلطوية و مصالحهــا‬ ‫اإلمتيازيــة‬ ‫‪13‬‬


‫عــن التنفيــذ عــن المراقبــة‪ ،‬بــل أن يكــون هنــاك تكامــل بــن الترشيــع والتنفيــذ‪ ،‬حبيــث يكــون هنــاك ترابــط يف المســؤولية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ألن احلكومــة رسعــان مــا تســتبد إذا غفــل الشــعب‬ ‫المنفــذون مســؤولني أمــام‬ ‫فيكــون‬ ‫األمــة ‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫المرشعــن المســؤولني أمــام ّ‬

‫بأن (الســلطة مفســدة)‪ ،‬لذلك ‪ ،‬حلماية األمة واحلاكم ّمما‬ ‫عن مراقبهتا‪ .‬وال ننىس قول مونتســكيو (‪ّ )Montesquieu‬‬ ‫ـتمرة أل ّنــه (ال يوثــق بوعــد مــن يتـ ّ‬ ‫ـول الســلطة) (‪.)525‬‬ ‫يصبغــه بــه كــريس احلكــم(*)‪ ،‬ال ُبـ ّـد مــن مراقبــة احلكومــة مراقبــة مسـ ّ‬

‫لذلــك نقــرن توافــر رشط المراقبــة بإمكانيــة المحاســبة أيضـ ًا‪ .‬ويبقــى المنطلــق األاسيس يف وجــوب المراقبــة هــو القــرآن‬ ‫الكر يــم‪ ،‬كمــا يبقــى الــرط األاسيس لتحقيقهــا هــو توافــر الوعــي بــن النــاس‪ .‬ميكننــا رســم إطــار بديــل االســتبداد مــن‬ ‫مقيــد بنــوع معـ ّـن مــن أشــكال احلكــم‪ ،‬إ ّننــا فقــط نبـ ّـن رشوط احلكــم الصحيــح بإجيــاد حكومــة‬ ‫غــر أن نطرحــه بشــكل مبــارش ّ‬

‫َ‬ ‫منتخبــة ومرا َقبــة تعتمــد عــى العلــم واالجتمــاع وشــورى أهــل احلــل والعقــد‪ ،‬وتلــزم بوظائفهــا يف خدمــة النــاس وتنظيــم‬ ‫المقيــدة الــي تســتطيع‬ ‫مصاحلهــم مبــا يتوافــق ومطالبنــا‪ .‬الشــك أننــا نرفــض احلكومــة المطلقــة العنــان كمــا نرفــض احلكومــة‬ ‫ّ‬ ‫األمــة‪ ،‬صاحبــة المصلحــة األاسســية يف‬ ‫مقيــدة ال ميكهنــا أن تفـ ّ‬ ‫إبطــال القيــد‪ .‬نر يــد حكومــة ّ‬ ‫ـك القيــود الــي تفرضهــا علهيــا ّ‬

‫أن الدميقراطيــة نظــام ختتلــف تطبيقاتــه مــن‬ ‫التنظيــم العــادل‪ ،‬والــي وحدهــا جتــي مثــرة‬ ‫الدميقراطيــة‪ .‬والبـ ّـد لنــا مــن إدراك ّ‬ ‫ّ‬

‫بلــد إىل آخــر‪ ،‬لكـ ّـن المهــم يف الدميقراطيــة – أ ّي ـ ًا كان شــكلها – هــو أن نتوصــل هبــا لقطــف مثــار احلر ّيــة‪ ،‬الــي مــن أجلهــا‬ ‫بالدميقراطيــة الدســتور ّية‪.‬‬ ‫نطالــب‬ ‫ّ‬

‫عالقة الدين بالسياسة‪:‬‬ ‫يوضــح فيــه طريقــة العمــل‬ ‫ـص تفصيــي‬ ‫ّ‬ ‫اإلســام لــم يـ ِ‬ ‫ـأت بنـ ّ‬ ‫الســيايس‪ ،‬إ ّال أ ّنــه‪ ،‬يف الوقــت نفســه‪ ،‬لــم يــرك األمــر مطلق ـ ًا بــل‬

‫حـ ّـدده يف وظيفــة احلا كــم وحكومتــه‪ ،‬ويف غايــات العمــل الدنيــوي‬

‫ـب يف المصلحــة العامــة فوضــع‬ ‫بشــكل عــام يف أ ّنــه جيــب أن يصـ ّ‬ ‫“مائــة قاعــدة وحكــم” مــن غــر أن يقــر الفعــل الســيايس عــى‬ ‫أن ال نقــول‬ ‫معينــة‪ .‬عــى ذلــك يرت ّتــب ّ‬ ‫ا ّتبــاع أاسليــب إجرائيــة ّ‬

‫”‬

‫ال يكفــي أن يكــون شــكل الحكــم‬ ‫ديموقراطيــا ألن الشــكل ليــس هــو‬ ‫المعيــار الحقيقــي للديموقراطيــة‪.‬‬ ‫و شــكل الســلطة ال يكفــي إذا لــم‬ ‫يحتــو علــى مضمــون المراقبــة‪،‬‬ ‫مراقبــة األمــة لجعــل ذلــك الشــكل‬ ‫ذا مضمــون فعلــي ينفّــذ‪.‬‬

‫أن هــذا ال يدعــو إىل‬ ‫كلي ـ ًا عــن الســلطة السياســية‪ ،‬بالرغــم مــن أ ّننــا منـ ّـز بــن الديــن والدولــة‪ .‬إ ّال ّ‬ ‫بفصــل الديــن فصــاً ّ‬ ‫إن الديــن لــم يرســم ســلطة حمــددة المعالــم ّ‬ ‫وإنــا الــذي‬ ‫االعتقــاد بأ ّننــا نقــول بدجمهمــا مع ـ ًا حتــت لــواء ســلطة اخلالفــة‪ّ ,‬‬ ‫ّ‬ ‫متمثــاً باخلالفــة الراشــد ّية ومــا تالهــا‪ .‬وحنــن ال ينبغــي لنــا أن نطالــب باســتعادة الســلطة‬ ‫حــاول ذلــك هــو الفكــر الديــي‬ ‫القدميــة ّ‬ ‫وإنــا ّ‬ ‫ألنــا‬ ‫نفكــر‬ ‫بأنــا لــن تعــود)) ّ‬ ‫وم ُثلهــا وغاياهتــا‪ ،‬مــع تأكيدنــا (( ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأهميــة اســتلهام مهنــج فــرة اخلالفــة الراشــدية ُ‬

‫ـتثنائية تط ّلهبــا الواقــع القائــم آنــذاك‪ ،‬وحنــن علينــا حتقيــق مــا ّ‬ ‫حققتــه‪ ،‬ولكــن عــن طر يــق دولــة معرصنــة‪ .‬لذلــك ال‬ ‫فــرة اسـ‬ ‫ّ‬

‫دينية‪ّ ،‬‬ ‫وكل ما نؤكّ ده هو رضورة تكامل الدين والسياسة مع فصل السياسة عن‬ ‫نرى صواب السعي إىل إقامة سلطة ّ‬

‫الديــن‪ .‬وحنــن حــن نطالــب بفصــل الســلطة السياسـ ّـية عــن الديــن ال يعــي أننــا نفصــل بــن ســلطتني‪ ،‬كمــا حــدث يف أوروبــة‬

‫إن الصيغــة‬ ‫(فصــل الســلطتني‪ :‬الدينيــة والسياســية)‪ ،‬وذلــك أل ّننــا ال نقـ ّـر أصــاً بوجــود ســلطة دينيــة ألحــد يف اإلســام‪ّ .‬‬

‫متعددة اجتماعي ًا وفكري ًا وسياســي ًا مما‬ ‫اإلســامية لشــكل الســلطة السياســية – هبذا التصور – ميكن جتســيدها بصيغ‬ ‫ّ‬ ‫جيعلهــا تشـ ّـكل نســق ًا فكر يـ ًا وعمليـ ًا للديــن والدنيــا عــى حــد ســواء‪ ،‬ممــا يســمح بتقدميهــا عــى ّأنــا عقيــدة ورشيعــة معـ ًا‪،‬‬

‫ألن القــرآن لــم يــرك ّ‬ ‫خطـ ًا عامـ ًا‬ ‫عامـ ًا نقونــن يف ضوئــه قوانيننــا‪ ،‬وذلــك ّ‬ ‫مــن كوهنــا بديــاً ّيتخــذ مــن النــص اإلســامي إطــار ًا ّ‬ ‫‪12‬‬


‫هــو الزم فعاليهتــا يف مرحلــة إســقاط النظــام‪ ،‬فليــس مــن مصلحــة يف المقايضــة بــن الفعــل الثــوري العاطفــي واحلــراك‬

‫الــذي يرفــد الثــورة مبحتواهــا األخــايق الــذي تعــر بــه بــل المصلحــة باســتمرار الماسر يــن‪ ،‬والثــورة هــي الســقف العــايل‬

‫والوعــاء احلــاوي‪ .‬ومــن عنفــوان الثــورة حديــة المنطــق إذ الثــورة رصاع للتغيــر اجلــذري ومــن صــور هــذه احلديــة الــي حتتــاج‬ ‫إىل الرتشــيد ال التأجيــج‪ :‬المــزاج التخويــي غــر المنضبــط جتــاه المخالــف أيــا كان‪ ،‬فــا ينتشــل الوطــن مــن الضيــاع إال‬ ‫التوافــق بــن أبنائــه واالعــراف المتبــادل حباجــة كل مهنــم لآلخــر وماسهمــة كل مهنــم مبختلــف مــارات وأدوات التغيــر‪.‬‬

‫ومــن أهــم مــا تــرف فيــه جهــود اإلصــاح االجتماعــي يف الثــورة الســورية‪ :‬تفكيــك بنيــة ورواســب االســتبداد االجتماعيــة‬ ‫وبنــاء قيــم احلر يــة الــي تــرز مجالهــا‪“ .‬ومــن ســن اللــه يف خلقــه أنــه عندمــا تغــرب الفكــرة يــزغ الصنــم” كمــا قــال فيلســوف‬

‫حررهــا مــن جديــد؛ لتــرق وحتــرق األصنــام‪.‬‬ ‫الهنضــة مالــك بــن نــي‪ .‬فلنبحــث عــن األفــكار الغائبــة ُ‬ ‫ولن ّ‬

‫العالقة بين الدين والدولة‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد جمال الطحان‬ ‫إن للنظــام الســيايس الصحيــح دور ًا كبــر ًا يف تكويــن جمتمــع متــوازن‪ ،‬ولهــذا نعمــد‬ ‫ّ‬

‫إىل تعر يــف اإلصــاح بأ ّنــه تنظيــم اإلدارة السياسـ ّـية للحصــول عــى قانــون جيــري‬

‫قمة التنظيم السيايس‬ ‫حر ية النظر يف شؤون بالدنا‪ .‬وذلك ّ‬ ‫ألن ّ‬ ‫مبوجبه تفويضنا ّ‬ ‫المعنيــون مجيعهــم‪.‬‬ ‫هــو يف إدارة الدولــة إدارة يشــرك فهيــا أصحــاب العالقــة‬ ‫ّ‬ ‫وحبثـ ًا عــن شــكل احلكومــة المرغــوب‪ ،‬نســتحرض القــرآن الكر يــم لنأسلــه‪.‬‬

‫أســس التوحيــد‪ ،‬ونــزع ســلطة األشــخاص مــن قلــوب النــاس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن اإلســام قــد ّ‬

‫أدى إىل ظهــور‬ ‫عامــة ال خيطــئ َمــن اسر عــى هدهيــا‪ ،‬وهــذا مــا ّ‬ ‫ووضــع رشيعــة ّ‬ ‫حكومة اخللفاء الراشــدين‪ ،‬الذين عملوا مبا طالهبم به “القرآن الكريم” فأنشــؤوا‬

‫سنة االشرتاك والتعاون بني الناس‪ ،‬فكانت‬ ‫حكومة قوامها الماسواة‪ ،‬وأقاموا ّ‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬محمد جمال الطحان‬

‫ـتم ّد‬ ‫دولــة عدالــة ال يتعـ ّـدى فهيــا أحــد حــدوده‪ .‬وحنــن ال ميكننــا ســوى تعويــض اخلالفــة الراشــد ّية بنظــام حكــم قانــوين مسـ َ‬

‫طياهتــا أســمى معــاين الدميقراطيــة وأكمــل شــكل للشــورى‪ .‬وهــذا النظــام الــذي جــاء بــه‬ ‫مــن الرشيعــة‪ ،‬الــي حتمــل يف ّ‬ ‫اإلســام (( منــوط بســيطرة الــكل ورضــاء األ كــر)) ‪ ،‬فمأسلــة احلكــم ليســت مأسلــة رجــل حيكــم‪ّ ،‬‬ ‫وإنــا هــي مأسلــة‬ ‫تتع ّلــق بالمجتمــع ك ّلــه ومبؤســات ّ‬ ‫إن احلكــم‪ ،‬ليكــون مقبــو ًال‪ ،‬جيــب أن يســتند إىل قانــون عــادل‬ ‫تنظــم شــؤون الدولــة‪ّ .‬‬ ‫ومالئــم وال مركــزي‪ ،‬ويعتمــد عــى الــرع يف أاسســياته‪ ،‬و ُيدعــم بــإرادة األمــة الــي تراقــب تنفيــذه‪ .‬كمــا جيــب أن تقــوم‬

‫دميقراطيــة أو عدالــة دامئــة إىل‬ ‫احلكومــة بوظائفهــا كاملــة لنتمكــن مــن القــول إ ّنــه حكــم دميقراطــي‪ .‬وحنــن ال نعتقــد بوجــود‬ ‫ّ‬ ‫الدميقراطيــة يف ّ‬ ‫كل حلظــة نعيهشــا‪ ،‬ونســعى دامئـ ًا‬ ‫أن القانــون وحــده ال يكفــي‪ ،‬لذلــك فإننــا يطالــب بــأن نصنــع‬ ‫األبــد‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألن‬ ‫للمحافظــة علهيــا‪ ،‬باســتمرار المراقبــة والمحاســبة وعــدم الهتــاون فهيمــا‪ .‬وال يكفــي أن يكــون شــكل احلكــم دميقراطيـ ًا‪ّ ،‬‬

‫الشــكل ليــس هــو المعيــار احلقيقــي للدميقراطيــة‪ .‬وشــكل الســلطة ال يكفــي إذا لــم حيتـ ِـو عــى مضمــون المراقبــة‪ ،‬مراقبــة‬ ‫األمــة جلعــل ذلــك الشــكل ذا مضمــون فعــي ّ‬ ‫بالكليــة‪ ،‬الترشيــع‬ ‫ينفــذ‪ .‬ونتمــى إجيــاد حكومــة دســتورية غــر مفـ ّـرق فهيــا‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪11‬‬


‫انهتــت إىل واقــع أســوأ‪.‬‬

‫وال يســتقيم لــوم الضحيــة عــن فعــل جالدهــا والتعــذر بتقصريهــا وخطهئــا أو قصــوره مداركهــا ووعهيــا؛ وإال كان هــذا‬ ‫المنطــق مــرر إســامها للظالــم‪ ،‬ويف حديــث رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪“ :‬المســلم أخــو المســلم ال يظلمــه وال‬

‫يســلمه” (رواه البخــاري)‪ .‬وال حكــم لمتســبب هنــا غــر ظلــم الباغــي الــذي أطلــق ثــورة َيصــدع فهيــا الشــعب باحلــق يف‬ ‫وجــه المســتبد وجيهــر بالســوء لمــن ظلمــه ويــرده بغــي الظالــم وجياهــده‪ .‬وإمنــا مســؤولية هــذا الواقــع مــا قــرره رســول اللــه‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم يف حديثــه‪“ :‬انــر أخــاك ظالمـ ًا أو مظلومـ ًا‪ ،‬فقــال رجــل‪ :‬يــا رســول اللــه أنــره إذ كان مظلومـ ًا‪،‬‬

‫أفرأيــت إذا كان ظالمـ ًا كيــف أنــره؟! قــال‪ :‬حتجــزه أو متنعــه مــن الظلــم‪ ،‬فــإن ذلــك نــره” (البخــاري)‪.‬‬

‫وأمــا الماشركــة يف الثــورات فهــي مبنيــة عــى تقديــر ســيايس أو عســكري‪ ،‬وليــس الوقــوف ضدهــا أو الســر معهــا خــاف‬

‫ديــي حيتمــل إثــم المخالــف‪ ،‬بــل اجهتــاد دنيــوي حيتمــل خطــأه‪.‬‬ ‫ومــن المهــم تفكيــك المواقــف‪ ،‬فيمكــن أن يعــارض الثــورة مــن‬ ‫يقــف ضــد الظالــم أو يؤيدهــا مــن يقــف معــه‪ ،‬وميكــن أن ينــر‬

‫المظلــوم مــن يقــف ضــد الثــورة أو خيذلــه مــن يقــف معهــا‪ .‬وهكــذا‬ ‫بتجر يــد احلالــة الثور يــة عــن األحــكام يهســل اإلنصــاف يف احلكــم‬ ‫فيحمــد اجلميــع قــول احلــق ورد المعتــدي‬ ‫عــى الممــاراست فهيــا‪،‬‬ ‫ِ‬

‫وعــون المحتــاج‪ .‬وإذا كان الوقــوف ضــد الظالــم ديانــة‪ ،‬والوقــوف‬

‫”‬

‫مســؤولية السياســي تتمثــل فــي‬ ‫النضــال مــن أجــل القضيــة العادلــة‬ ‫ال فــي ادارة الظلــم‪ ،‬و إن تحــدي مــا‬ ‫يبــدو فــي لحظــة تاريخية مســتحيال‬ ‫هــو الــذي يجعــل الممكــن واقعــا‪.‬‬

‫مــع المظلــوم ديانــة‪ ،‬فليــس الوقــوف مــع الثــورة كذلــك‪ .‬وقــد قــال رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم‪“ :‬مــا مــن امــرئ‬

‫خيــذل امــرأ مســلما عنــد موطــن تنهتــك فيــه حرمتــه وينتقــص فيــه مــن عرضــه إال خذلــه اللــه عــز وجــل يف موطــن حيــب فيــه‬ ‫نرصتــه” (رواه أمحــد)‪.‬‬

‫تكشـ ٌـف عــن بــادة احلــس‬ ‫وال يقبــل االســهزاء بالدمــاء المســفوكة واألجــاد المثخنــة وبــاء المســتضعفني فإمنــا هــذا ّ‬

‫ودنــاءة النفــس ولــؤم الطبــع وخطــل العقــل‪ .‬أحتــل لمســلم فرحــة أو شــماتة لمقتــل مظلــوم أو مــن وقــف معــه! ومهمــا‬ ‫اختلفنــا‪ ،‬أتتــاوى يف رشعــة دمــاء قتلــة ظالمــن ودمــاء مســتضعفني ومــن خرجــوا يف نرصهتــم! ومــن أمــراض القلــوب‬

‫وخبث النفوس متين هالك المظلوم وانتصار الظالم‪ ،‬انتصارا لرأي أو شــماتة مبخالف‪ .‬وعجبا ألقوام ال تلني قلوهبم‬ ‫لرجــال وهبــوا أرواحهــم للــه لتحر يــر األوطــان ونــرة الضعفــاء والوقــوف يف وجــه الطغــاة‪ ،‬أعمهتــم المكابــرة حــى قســت‬ ‫قلوهبــم فهــي كاحلجــارة‪ .‬اللهــم طهــر قلوبنــا واشــف صدورنــا وأصلــح ذات بيننــا‪.‬‬

‫تلــك مســؤولية كل إنــان‪ ،‬أمــا مســؤولية الســيايس فتتمثــل يف النضــال مــن أجــل القضيــة العادلــة ال يف إدارة الظلــم‪،‬‬ ‫وإن حتــدي مــا يبــدو يف حلظــة تارخييــة مســتحيال هــو الــذي جيعــل الممكــن واقعــا كمــا حكــى ذلــك المفكــر عزمــي بــارة‪.‬‬

‫وتتمثــل مســؤولية المثقــف يف االحنيــاز للثــورة ليتمكــن مــن ترشــيدها ال يف االقتصــار عــى تربيــر الواقــع وظروفــه وحكايــة‬ ‫أخبــاره وأخبــار مــا ســبق مــن ثــورات‪ .‬وذلــك برغــم مــا تســلل للمجتمــع الســوري أفــرادا ومجاعــات مــن بعــض طبائــع‬ ‫االســتبداد؛ فهــي ممــا علينــا التعامــل معهــا والعمــل يف وجودهــا‪ .‬فــا وجــود يف الميــدان لمجتمعــات أو جتمعــات مالئكيــة‬ ‫خاليــة مــن األمــراض أو معصومــة عــن األخطــاء‪ ،‬لكــن مــن المهــم االعــراف بالقصــور وباألخطــاء حبــدوده وبأســماهئا دون‬

‫الهــروب مــن احلقيقــة بالتعليــل بنظر يــة المؤامــرة‪.‬‬

‫وال تناقــض بــن هــذا الــدور العاقــل لمــن يتحمــل مســؤولية الواقــع الــذي تفرضــه الثــورة وعنفــوان الثــورة العاطفــي الــذي‬

‫‪10‬‬


‫واقع يفرض مسؤوليته‬ ‫نزار مشعل‬ ‫لــم ينشــئ أفــراد أي جمتمــع “العقــد االجتماعــي” الــذي حيكمهــم وينظــم عالقهتــم‬ ‫بالدولــة ولكنــه تكــون تراكميــا ممــا توافقــوا عليــه‪ ،‬وتطــور حبســب مرونتــه ليتكيــف‬ ‫معهــم بتغــر بعــض ظروفهــم‪ .‬وكان أحيانــا أن يتوقــف تطـ ّـور العقــد االجتماعــي‬

‫التكيــف مــع تغــر ظــروف العــر اجلديــد وتقــر مفرداتــه عــن‬ ‫وتعجــز رشوطــه عــن‬ ‫ّ‬ ‫احلديث بلغته يف مرحلة تتمثل برزخا فاصال بني حقبتني تارخييتني‪ ،‬مرحلة يصبح‬

‫فهيــا المجتمــع بــن خيــار النكــوص إىل العــر القديــم والبقــاء فيــه وبــن خيــار القفــز‬ ‫إىل العرص اجلديد وافتتاحه‪ .‬حيهنا قد ال تكون المصلحة يف احلفاظ عىل العقد‬

‫االجتماعي القديم وحتســن رشوطه بالرغم من أن تكلفة ذلك ّ‬ ‫أقل يف الغالب؛‬ ‫ألنه يعين خروج المجتمع من دورة حضارية قد تصنع هنضته المنشودة‪.‬‬

‫نزار مشعل‬

‫عــادة ال خيتــار جمتمــع حلظــة نقــض العقــد االجتماعــي الــذي حيكمــه‪ ،‬ولكهنــا حلظــة انفــات لعقــد مهــرئ جتــاوزه الزمــن‬ ‫وأدواتــا َّ‬ ‫كل‬ ‫وأنكرتــه الوقائــع حــى تباعــدت أطرافــه وتنكــرت لبعضهــا‪ .‬ثــم يــأيت دور المعضــات السياســية لتجعـ َـل القــوةَ‬ ‫َ‬

‫العقــد وال حت ُّلهــا‪ ،‬وتنــذر بانقطــاع العقــد االجتماعــي الــذي حيفــظ وجــود‬ ‫مــا ميلكــه احلا كــم يف سياســة مــن دونــه‪ ،‬قــوة تشـ ّـد ُ‬

‫طاقتــا مــن الظلــم الــذي أوقعــه احلا كــم‪ .‬وهكــذا فــإن الثــورة‬ ‫الدولــة‪ ،‬ويكــون باســتمرارها انقطاعــه وإطــاق ثــورة اخزتنــت‬ ‫َ‬

‫ليســت اختيــار ًا ُيمــد أو ُيــام عليــه َجــع أو َفــرد‪ ،‬ولكهنــا واقــع يفــرض مســؤوليته عــى اجلميــع‪.‬‬

‫وباعتبار الثورة واقعا يفرض مسؤوليته عىل اجلميع وكوهنا حمصلة تاليق اليأس من القائم مع األمل بالمستقبل بلحظة‬ ‫انفجــار مــا اخزتنتــه الشــعوب مــن ظلــم يف مــار حتمــي يشــكل واقعــا جديــدا‪ ،‬ال يصــح تصــور أحــداث الربيــع العــريب عــى‬ ‫أهنــا اختيــار مجاعــة أو أفــراد‪ .‬فمثــل هــذا التصــور يســمح ألصحابــه‬

‫بتربيــر االنفصــال عــن حركــة التــارخي‪ ،‬والتفكــر وفــق قواعــد احلقبــة‬

‫الاسبقــة‪ ،‬والعمــل باســتصحاب واقعهــا وجتاهــل تغـ ّـر ظروفهــا‪.‬‬ ‫وعليــه فثــورات الربيــع العــريب ممــا يدخــل يف تصنيــف واحــد حتــت‬

‫مســمى الثــورات الشــعبية مــع الثــورة الفرنســية عــام ‪1798‬‬

‫وثــورات أوروبــا الرشقيــة عــام ‪ 1989‬وغريهــا؛ ألهنــا تصــدر عــن‬ ‫انفجــارات شــعبية وتفــرز قيــادة الحقــة مهنــا‪ .‬ولــذا ال يــرد فهيــا‬

‫حتميــل المســؤولية عــن تكلفهتــا لغــر جــور األنظمــة المســتبدة إذ‬

‫”‬

‫عــادة ال يختــار مجتمــع لحظــة نقض‬ ‫العقــد اإلجتماعــي الــذي يحكمــه‬ ‫و لكنهــا لحظــة انفــات لعقــد‬ ‫مهتــرئ تجــاوزه الزمــن و أنكرتــه‬ ‫الوقائــع حتــى تباعــدت أطرافــه و‬ ‫تنكــرت لبعضهــا‪.‬‬

‫لــم تصــدر الثــورة عــن تقديــر ســيايس أو عســكري لقيــادة وإمنــا كانــت حالــة انفجــار شــعيب‪ .‬وهــذه الثــورات الشــعبية غــر‬ ‫مــا يدخــل يف التصنيــف الســيايس حتــت حــركات التمــرد كالثــورات الــي تلــت عــر صــدر اإلســام‪ :‬احلســن عــى معاويــة‬

‫ريض اللــه عهنمــا‪ ،‬وأهــل المدينــة عــى يز يـدـ‪ ،‬وابــن الز بــر عــى احلجــاج‪ ،‬وكاالنقالبــات العســكرية الــي وصــل هبــا العســكر‬

‫حلكــم األقطــار العربيــة؛ وذلــك ألن حــركات التمــرد هــذه واالنقالبــات إمنــا صــدرت عــن قيــادة وقرارهــا‪ .‬وإذا اســتحرضنا‬

‫التــارخي‪ ،‬غالبــا مــا افتتحــت الثــورات الشــعبية دورة حضار يــة أو عــرا أفضــل‪ ،‬أمــا حــركات التمــرد واالنقــاب فغالبــا مــا‬ ‫‪9‬‬


‫قال رجل‪ :‬أنا آخذهما بدرهمني‪ ،‬فأعطاهما إياه‪ ،‬وأخذ الدرهمني فأعطاهما األنصاري‪.‬‬

‫وقال‪“ :‬اشرت بأحدهما طعام ًا فانبذه إىل أهلك‪ ،‬واشرت باآلخر قدوم ًا فأتين به”‪.‬‬

‫أرينــك‬ ‫فأتــاه بــه فشـ َّـد فيــه رســول اللــه ‪-‬صــى اللــه عليــه وســلم‪ -‬عــود ًا بيــده ثــم قــال لــه‪“ :‬اذهــب فاحتطــب وبــع‪ ،‬وال َّ‬ ‫مخســة عــر يوم ـ ًا”‪.‬‬

‫فذهب الرجل حيتطب ويبيع‪ ،‬فجاء وقد أصاب عرشة دراهم‪ ،‬فاشرتى ببعضها ثوب ًا وببعضها طعام ًا‪.‬‬

‫إن‬ ‫فقــال رســول اللــه ‪-‬صــى اللــه عليــه وســلم‪“ :-‬هــذا خـ ٌـر لــك مــن أن جتــيء المأسلــة نكت ـ ًة يف وجهــك يــوم القيامــة‪َّ ،‬‬

‫دم موجــع”‪.‬‬ ‫ـرم مفظـ ٍـع‪ ،‬أو لــذي ٍ‬ ‫المأسلــة ال تصلــح إ َّال لثالثــةٍ ‪ :‬لــذي فقـ ٍـر مدقـ ٍـع‪ ،‬أو لــذي غـ ٍ‬ ‫مــن الفوائــد الــي نســتفيدها مــن احلديــث أال نعطــي صدقــة لشــخص قــادر عــى العمــل بــل ناسعــده يف إجيــاد عمــل‬ ‫ويف أن يكــون عضــوا منتجــا يف المجتمــع ‪ ،‬ونالحــظ أن رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم لــم يعــط الرجــل مــن الصدقــة‬

‫أرص أن يســتعمل الرجــل مالــه اخلــاص وطلــب منــه‬ ‫رغــم أن المبلــغ المطلــوب كان ضئيــا جــدا ومتوفــرا لديــه ‪ ،‬بــل إنــه ّ‬ ‫أن جيلــب كل مــا ميلــك (احللــس والقعــب) ولــم يســترشه يف بيعهمــا بــل أقــام علهيمــا مــزادا وباعهمــا ‪ ،‬مــن ناحيــة أخــرى‬

‫حــرص رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم عــى احلصــول عــى مثــن كاف لهمــا ليقســمه‪ :‬جــزء أل كل يومــه هــو وأهلــه وجــزء‬

‫لــراء أداة العمــل المطلوبــة لإلنتــاج ‪ ،‬ور مبــا لــم يكــن احللــس والقعــب ياسويــان الدرهمــن ولكــن إرصار النــي عــى أن‬ ‫يبيعهمــا بأ كــر مــن درهــم ّ‬ ‫حفــز بعــض الصحابــة لرفــع الســعر تلبيــة لنــداء النــي أو ماسعــدة للرجــل‪ .‬هــذان الدرهمــان –‬

‫عــى ق ّلهتمــا – كان عــى الرجــل أن يقســمهما‪ :‬درهــم لطعــام يومــه‬

‫هــو وأهلــه (بالتأكيــد كان طعامــا بســيطا جــدا) ودرهــم لــراء‬

‫جهزهــا النــي‬ ‫الفــأس والــي ســتكون مصــدر دخلــه ‪ ،‬وبعــد أن ّ‬

‫ووجــه صاحهبــا لمصــدر العمــل‬ ‫صــى اللــه عليــه وســلم لإلنتــاج‬ ‫ّ‬ ‫والــرزق (اذهــب فاحتطــب وبــع) وأعطــاه فــرة زمنيــة كافيــة لــرى‬ ‫أرينك مخســة عرش يوم ًا)‪.‬‬ ‫أثر العمل واإلنتاج والكســب عليه (ال َّ‬

‫”‬

‫علينــا أن نركــز أيضــا علــى‬ ‫األولويــات و محاولــة ايجــاد فــرص‬ ‫عمــل انتاجيــة و اســتغالل الطاقــات‬ ‫الموجــودة بأفضــل مــا يمكــن‪.‬‬

‫واختتــم النــي صــى اللــه عليــه وســلم درســه التعليمــي الرائــع للرجــل بتحفــزه عــى العمــل وتنفــره مــن المأسلــة (طلــب‬

‫الصدقــة) ثــم بيــان لمــن جتــوز الصدقــة‪.‬‬

‫ماســة ولكــن علينــا أن‬ ‫حنــن اآلن يف مواجهــة كارثــة إناسنيــة لــم يعــرف لهــا شــعبنا مثيــا واحلاجــة إىل التــرع بــكل الواسئــل ّ‬ ‫نركــز أيضــا عــى األولويــات ‪ ،‬وحماولــة إجيــاد فــرص عمــل إنتاجيــة واســتغالل الطاقــات الموجــودة بأفضــل مــا ميكــن‪ .‬بعــض‬ ‫المحتاجــن قــد ميلــك مؤهــات ال حنتاجهــا اآلن وال حمــال لــه للعمــل فهيــا ولكــن هنــاك فــرص أخــرى قــد يســتطيع تغيــر‬

‫اجتاهــه المهــي وتعلــم مهنــة أخــرى ولــو بشــكل مؤقــت‪ .‬العمــل الرشيــف مهمــا كان أفضــل مــن طلــب المعونــة‪.‬‬

‫هنــاك مثــل أجنــي يقــول‪ :‬أعــط شــخصا ســمكة فتكــون قــد أطعمتــه ليــوم… لكــن علمــه صيــد الســمك فتكــون قــد‬

‫أطعمتــه طــوال حياتــه! ومــن الدعــاء المأثــور‪ :‬اللهــم إين أعــوذ بــك مــن العجــز والكســل ‪ ،‬والعجــز هــو الوهــم بعــدم‬ ‫االســتطاعة ويف غالــب األمــر تكــون المشــكلة يف اإلرادة وليــس يف االســتطاعة ‪ ،‬والكســل هــو التأجيــل غــر المــرر الــذي‬

‫غالبــا مــا يتحــول إىل عجــز‪.‬‬

‫كل إنــان ميلــك طاقــة ومؤهــات ميكــن أن يوظفهــا يف مــكان مــا يف جمــال مــا ‪ ،‬اإلنــان اإلجيــايب هــو الــذي يســتطيع أن‬

‫يتكيــف اجلــو المحيــط بــه ليالئــم مؤهالتــه‪ .‬بعــد ذلــك ال بــأس مــن‬ ‫يتكيــف مــع اجلــو المحيــط بــه بــدال مــن أن ينتظــر أن ّ‬ ‫وكمــا ويكــون أ كــر إنتاجــا وســعادة وإبداعــا‪.‬‬ ‫البحــث عــن فرصــة أفضــل لزييــد إنتاجــه‪ :‬نوعــا ّ‬

‫‪8‬‬


‫اليد العليا خير من اليد السفلى‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬صالح المبارك‬ ‫الصدقــة بشـ ّـقهيا الواجــب (الــزكاة) والتطوعــي جــزء أاسيس مــن عقيدتنــا و‬ ‫حياتنــا المجتمعيــة ‪ ،‬وقــد ذكرهــا اللــه عــز وجــل يف القــرآن الكر يــم مــرات عديــدة‬

‫وبأاسليــب خمتلفــة فقــد سـ ّـمى الــزكاة الواجبــة (صدقــة) يف آيــة مصــارف الــزكاة‬

‫وبـ ْـم‬ ‫ـن َوا ْل َع ِ‬ ‫املِ ـ َ‬ ‫الص َد َقـ ُ‬ ‫س كِ ـ ِ‬ ‫ـات ِل ْل ُف َقـ َـراء َوا ْل َم َ‬ ‫الثمانيــة ِ(إ َّ َنــا َّ‬ ‫ـن َع َل ْ َيــا َوا ْل ُم َؤ َّل َفــةِ ُق ُل ُ ُ‬ ‫يل َف ِر يضَ ـ ًة ِّمـ َـن ال ّلــهِ َوال ّلـ ُه َعلِ يـ ٌـم‬ ‫ـاب َوا ْل َغ ِار ِمـ َ‬ ‫السـ ِـب ِ‬ ‫ـن َو ِف َسـ ِـب ِ‬ ‫يل ال ّلــهِ َوا ْبـ ِـن َّ‬ ‫الر َقـ ِ‬ ‫َو ِف ِّ‬ ‫َح ِكيـ ٌـم) التوبــة – ‪ 60‬ويف كثــر مــن اآليــات اعتــر اللــه عـ ّـز وجــل اإلنفــاق يف ســبيل‬

‫اللــه – ومنــه الصدقــات – إقراضــا مــن المنفــق للــه تعــاىل وهــو أغــى األغنيــاء‬ ‫ض ال َّل ـ َه َق ْرض ـ ًا َح َســن ًا َف ُيضَ اعِ َف ـ ُه َل ـ ُه َو َل ـ ُه َأ ْجـ ٌـر َك ِر يـ ٌـم) ‪ ،‬أمــا‬ ‫(مــن َذا ا َّلـ ِـذي ُي ْقـ ِـر ُ‬ ‫َ‬ ‫األحاديــث فهــي أ كــر مــن أن حتــى يف هــذا المقــال ولكــن مــن المالحــظ أن الــزكاة‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬صالح المبارك‬

‫“المتعديــة” مــن ركائــز اإلســام اخلمــس أي الــي تتجــاوز العالقــة بــن العبــد ور بــه إىل العالقــة مــع‬ ‫هــي الركــزة الوحيــدة‬ ‫ّ‬

‫اآلخر يــن ‪ ،‬ويف فضلهــا الكثــر مــن اآليــات واألحاديــث وقــد يــرى اإلنــان أثرهــا يف الدنيــا قبــل اآلخــرة مــن الربكــة وز يــادة‬

‫يف الــرزق (مــا نقــص مــال مــن صدقــة) وشــفاء المر يــض (تصدقــوا وداووا مرضا كــم بالصدقــة‪ ،‬فــإن الصدقــة تدفــع عــن‬ ‫وحتســن ورىض وســعادة يف حياتــه‪.‬‬ ‫األعــراض واألمــراض وهــي ز يــادة يف أعماركــم وحســناتكم)‬ ‫ّ‬

‫ّ‬ ‫حث عىل التضامن االجتماعي بشــكل عام مبا فيه صلة الرحم وحســن التعامل مع اجلار (مهما كانت هويته)‬ ‫اإلســام‬

‫والصدقــة وتوز يــع المــال ومنــع االســتغالل واالحتــكار وكل أنــواع‬ ‫الظلــم ‪ ،‬ولكــن بـ ّـن أيضــا أن الصدقــة ليســت لمــن تكاســل عــن‬

‫العمــل واتــكل عــى غــره بــل هــي لمــن فقــد الواسئــل لظــروف‬

‫خارجــة عــن إرادتــه ‪ ،‬أو ســلك الواسئــل الممكنــة لكــن الدخــل لــم‬ ‫يكــن كافيــا ‪ ،‬وعلمنــا رســول اللــه صــى اللــه عليــه وســلم أن (اليــد‬

‫العليــا خــر مــن اليــد الســفىل) أي أنــه أفضــل لإلنــان أن يكــون‬ ‫معطيــا عــن أن يكــون آخــذا وال بــد مــن األخــذ هبــذه القاعــدة وإال‬

‫أصبــح المجتمــع خامــا غــر منتــج‪ .‬مــن األحاديــث الرائعــة هبــذا‬

‫”‬

‫العجــز‪ :‬هــو الوهــم بعــدم‬ ‫اإلســتطاعة و فــي غالــب األمــر‬ ‫تكــون المشــكلة فــي اإلرادة و ليــس‬ ‫فــي اإلســتطاعة‪ ،‬و الكســل‪ :‬هــو‬ ‫التأجيــل غيــر المبــرر الــذي غالبــا مــا‬ ‫يتحــول إلــى عجــز‪.‬‬

‫الســياق مــا رواه أنــس بــن مالــك‪ :‬أن رجــاً مــن األنصــار أىت النــي ‪-‬صــى اللــه عليــه وســلم‪ -‬يأسلــه فقــال‪“ :‬أمــا يف بيتــك‬ ‫يشء؟”‪.‬‬ ‫ٌ‬

‫وقعب (وعاء) نرشب فيه من الماء‪.‬‬ ‫حلس (باسط أو حلاف)‪ :‬نلبس بعضه ونبسط بعضه‪،‬‬ ‫قال‪ :‬بىل‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫قال‪“ :‬ائتين هبما”‪.‬‬

‫قال‪ :‬فأتاه هبما‪ ،‬فأخذهما رسول الله ‪-‬صىل الله عليه وسلم‪ -‬بيده وقال‪“ :‬من يشرتي هذين ؟”‪.‬‬ ‫قال رجل‪ :‬أنا آخذهما بدرهم‪.‬‬

‫درهم؟” مرتني أو ثالث ًا‪.‬‬ ‫قال‪“ :‬من يزيد عىل‬ ‫ٍ‬ ‫‪7‬‬


‫مقاالت الرأي‬ ‫‪6‬‬


‫‪° °‬هل ميكن صياغة منوذج حديث للمواطنة يف إطار الرتكيبة اخلاصة للمجتمع السوري؟‬ ‫‪° °‬ما هي التحديات احلقيقية للممارسة الدميقراطية يف المجتمع السوري؟‬

‫وغريها من القضايا الهامة اليت هتم الأشن السوري ‪..‬‬

‫اشرك يف اللقــاء عــدد مــن الباحثــن والمهتمــن بالــأن الســوري مــن مرا كــز ومؤســات خمتلفــة يف الداخــل واخلــارج‪،‬‬

‫أثــروا اللقــاء مبداخــات وآراء قيمــة ومضمــون فكــري معــارص‪.‬‬

‫دام اللقــاء اسعتــن عــى موقــع ويبيكــس وذلــك يــوم الســبت الموافــق ل ـ ‪ 26‬نيــان ‪ /‬أبر يــل ‪ 2014‬مــن الاسعــة ‪9:30‬‬

‫ـاء‪.‬‬ ‫– ‪ 11:30‬مـ ً‬

‫‪5‬‬


‫محاضرة بعنوان «مفهوم مؤسسات المجتمع المدني ‪ ..‬نظرة‬ ‫في العمق»‬ ‫أقــام المركــز الســوري للــداراست واألحبــاث حمــارضة بعنــوان «مفهــوم مؤســات‬ ‫المجتمع المدين ‪ ..‬نظرة يف العمق» قدمها أ‪ .‬د‪ .‬مازن موفق هاشم المتخصص‬ ‫يف علــم االجتمــاع واألســتاذ يف جامعــة جنــوب كاليفورنيــا‪ ،‬مـ ــؤسـ ـ ـ ــس م ـ ـ ــركز‬

‫الدراسـ ـ ــات احلض ــارية يف كاليفورنيـ ــا‪ ،‬عضـ ــو يف جملـ ــس اخلــراء للمعهــد الع ــالمي‬ ‫للفكـر اإلس ــالمي‪ .‬وذلك يف يوم الثالثاء الموافق ‪ 2014/4/15‬عىل ويبيكس‪.‬‬

‫تناولــت المحــارضة أهــم المفاهيــم النظر يــة والمشــكالت الــي تعــرض مؤســات‬ ‫المجتمــع المــدين والمقار بــة مــع الواقــع الســوري‪.‬‬

‫وأجاب د‪ .‬هاشم عن أسئلة كربى يف هذا المجال مهنا‪:‬‬ ‫‪° °‬لماذا وجود المجتمع المدين أمر حيوي؟‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬مازن موفق هاشم‬

‫‪° °‬لماذا انترش هذا الطيف الواسع للمنظمات التطوعية الال رحبية؟‬

‫‪° °‬كيفية الموازنة بني درجة المأسسة ودرجة اتاسع الماشركة الشعبية‪.‬‬ ‫‪° °‬ما مدى أثر مؤساست المجتمع المدين السورية؟‬ ‫‪° °‬ما هو تصنيف المؤساست الفطرية العفوية؟‬

‫‪° °‬ما هي ماسحات التقاطع بني المجتمع المدين والمجتمع األهيل؟‬ ‫‪° °‬هل مؤساست المجتمع المدين حيادية ومفتوحة للجميع؟‬

‫سوريا المستقبل ‪ ..‬خطوط رئيسية ‪)1( ..‬‬ ‫قــام المركــز الســوري للــدرااست واألحبــاث بتنظيــم ورشــة العمــل الثامنــة مــن‬ ‫سلســلة “تكويــن المفكــر” يف حــوار مفتــوح مــع فضيلــة المفكــر اإلســامي أ‪ .‬د‪.‬‬

‫عبــد الكر يــم بــكار حــول موضــوع‪:‬‬

‫سوريا المستقبل ‪ ..‬خطوط رئيسية‬

‫وهي الورشة األوىل يف سلسلة دورية جديدة تناقش قضايا هامة عىل الاسحة‬

‫حول مستقبل سوريا وظروف األزمة‪ ،‬مهنا‪:‬‬

‫‪° °‬هل ميكن الوصول لرؤية موحدة لسورية القادمة؟‬

‫‪° °‬مــا هــو النمــوذج الســيايس ‪ /‬شــكل الدولــة األصلــح بعــد انهتــاء األزمــة‬

‫الســور ية؟‬

‫‪° °‬ماذا عن عالقة اإلسالميني باحلكم؟‬

‫أ‪ .‬د‪ .‬عبد الكريم بكّار‬

‫‪° °‬كيف ميكن تطبيق قضايا العدالة االنتقالية والسلم األهيل يف احلالة السورية؟‬ ‫‪° °‬ما هي آليات نرش القيم اإلجيابية والعمل االجتماعي؟‬

‫‪4‬‬


‫محتوى النشرة‬

‫أخب ــار المرك ــز ‪4 ...................................................‬‬ ‫مق ــاالت ال ــرأي ‪6 .................................................‬‬

‫الرتمج ــات ‪28 ......................................................‬‬ ‫التقار ي ــر ‪38 .......................................................‬‬

‫‪3‬‬


‫مقدمة العدد‬

‫األعزاء متابعي المركز السوري للدرااست واألحباث‬

‫السالم عليكم ورمحة الله وبركاته‬

‫يــر المركــز الســوري للــدرااست واألحبــاث يف منظومــة وطــن أن يقــدم لكــم النــرة الهشر يــة الدور يــة اخلاصــة جبديــد‬

‫المركــز خــال هشــر أبر يــل‪ /‬نيــان والــذي هشــد عــدد ًا مــن الفعاليــات واألعمــال اجلديــدة‪.‬‬

‫تغطــي النــرة أنشــطة المركــز‪ ،‬وتغطيــة ألهــم الفعاليــات الــي قامــت هبــا فــروع درااست يف مكاتــب وطــن يف خمتلــف‬ ‫الــدول‪.‬‬

‫وتدعوكــم إدارة المركــز إىل الماسهمــة يف نــر حمتــوى النــرة حــى تصــل إىل كل مــن هيمــه أمــر العمــل الفكــري والثقــايف‬ ‫يف ســوريا‪.‬‬

‫وتفضلوا بقبول فائق االحرتام‬

‫المركز السوري للدرااست واألحباث‬

‫‪2‬‬


‫النـــشرية‬ ‫الشـهرية‬ ‫شهر أبريل ‪2014‬‬

‫‪1‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.