الثروة البترولية والأمن الاقتصادي العربي

Page 1

‫الموقع اإللكتروني‪www.elsiyasa-online.com :‬‬ ‫صفحتنا على الفايسبوك‪https://www.facebook.com/elsiyasa/ :‬‬

‫الثروة البترولية واألمن االقتصادي العربي‬ ‫ستيتي الزازية‬

‫أوالً‪ :‬مفهوم األمن االقتصادي‬ ‫األمن االقتصادي‪ ،‬حسب منظمة األمم المتحدة‪ « ،‬هو أن يملك المرء الوسائل‬ ‫المادية التي تم ّكنه من أن يحيا حياة مستقرة ومشبعة من خالل امتالك ما يكفي من‬ ‫النقود إلشباع الحاجات األساسية وهي الغذاء‪ ،‬المأوى الالئق والرعاية الصحية‬ ‫األساسية والتعليم»[‪]1‬؛ أي أن األمن االقتصادي يشمل تدابير الحماية والضمان‬ ‫التي تؤهل اإلنسان للحصول على حاجاته األساسية وضمان الحد األدنى لمستوى‬ ‫المعيشة‪.‬‬ ‫عرف األمن االقتصادي بأنه يعني التنمية؛ إذ إن ظاهرتي األمن‬ ‫وهناك من ّ‬ ‫االقتصادي والتنمية مترابطتان بحيث يصعب التمييز بينهما‪ ،‬فكلما تقدمت التنمية‬ ‫تقدم األمن‪ ،‬وكلما نظم المجتمع أموره االقتصادية لم ِّدّ نفسه بما يحتاج إليه فإن‬ ‫درجة مقاومته للمهددات الخارجية سوف تتزايد بدرجة كبيرة‪ .‬والتنمية – كما هو‬ ‫معروف – مفهوم مر َّكب؛ فهي عملية وليست حالة واتجاها ً مستمراً في النمو وال‬ ‫وضعا ً طارئاً‪ .‬كما إنها آلية‪ ،‬إلى جانب كونها وسيلة لتحقيق أهداف مرحلية ضمن‬ ‫إطار غايات إنسانية وحضارية ذات أبعاد مجتمعية‪.‬‬ ‫أما مؤشراتها المتكاملة والمتداخلة فهي أربعة‪ :‬أولها‪ ،‬نمو اقتصادي بمعنى تزايد‬ ‫مستمر في إنتاج المجتمع وإنتاجية الفرد؛ ثانيها‪ ،‬تحوالت هيكلية تمس كل أوجه‬


‫التخلف – االقتصادية واالجتماعية والسياسية واإلدارية والثقافية – بهدف تكوين‬ ‫بنى أساسية‪ ،‬وتنمية القدرات‪ ،‬وإطالق الطاقات الخ ِّيّرة على المستويين الفردي‬ ‫والجماعي؛ وثا لثها‪ ،‬تحسن مستدام لنوعية الحياة المادية – من خالل تزايد َّ‬ ‫مطرد‬ ‫في متوسط الدخل الحقيقي للفرد عبر فترة طويلة من الزمن – والمعنوية ألفراد‬ ‫المجتمع؛ ورابعها‪ :‬تطبيق نسق اجتماعي يهدف إلى توسيع الخيارات المتاحة‬ ‫للمواطنين بأجيالهم المتعاقبة‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬موقع البلدان العربية من األمن االقتصادي‬ ‫إذا تم إجراء مقارنة موضوعية بين مفهوم األمن االقتصادي‪ ،‬الذي سبقت اإلشارة‬ ‫إليه‪ ،‬وبين التغيرات االقتصادية واالجتماعية الفجائية والعشوائية المتقلبة التي‬ ‫تشهدها البلدان العربية في عصر البترول لتبين مدى ابتعاد تلك التغيرات عن نهج‬ ‫األمن االقتصادي‪ ،‬بل إن مسار تلك التغيرات أخذ تدريجيا ً – عبر فترات اليسر‬ ‫يقوض إمكانات األمن االقتصادي الحقيقية‪ .‬فمسيرة االقتصادات العربية‬ ‫والعسر – ّ ِّ‬ ‫ترتبط‪ ،‬ومنذ سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬بمسيرة البترول في المقام األول‪ .‬وقد‬ ‫سن على إثرها مستوى المعيشة‬ ‫جمعت البلدان المنتجة ثروات ضخمة تح َّ‬ ‫والمستوى الصحي وانتشر التعليم… لكن تبقى حقيقة تلك التحسنات تمثل حالة‬ ‫سمحت بها الوفرة البترولية‪ ،‬وليست عملية تعكس تحوالت في البنى االقتصادية‬ ‫واالجتماعية وتع ِّبّر عن اتجاه مستمر في ارتفاع اإلنتاجية أو عدالة التوزيع؛ ما‬ ‫يعني أن خدمات الص حة والتعليم واإلسكان وغيرها يمكن أن تتراجع تحت ضغط‬ ‫تراجع معدالت اإلنفاق العام التي تعكس ظاهرة تآكل ريع البترول‪ .‬وإذا كان‬ ‫الوضع كذلك بالنسبة إلى البلدان العربية البترولية‪ ،‬فإن البلدان العربية غير‬ ‫البترولية حققت كذلك منافع كبيرة من خالل تقديم الخدمات المتعلقة بالبترول‬ ‫وتحويالت العاملين في البلدان المنتجة واالستثمارات اآلتية من بلدان المنطقة‬ ‫ومداخيل السياحة اإلقليمية والمعونات على أنواعها‪ .‬واستمر هذا الوضع طوال‬ ‫مرحلة الوفرة البترولية‪ ،‬ما يعني أن دخل البترول يشكل قوة دفع رئيسية لألمن‬ ‫االقتصادي العربي‪ .‬لكن هذا ا ألمن المرتبط بتقلبات أسواق البترول كان وما زال‬


‫رهنا ً بتيارات خارجية المنشأ‪ .‬والثروة البترولية التي أنعشت البلدان العربية في‬ ‫السبعينيات اضمحلت في الثمانينيات وأوائل التسعينيات بفعل الهبوط الحاد ألسعار‬ ‫البترول في األسواق العالمية‪ ،‬حيث ارتبط نمو الناتج المحلي اإلجمالي للبلدان‬ ‫العربية منذ الستينيات ارتباطا ً شديداً بارتفاع عائدات الصادرات والتي غلبت عليها‬ ‫صادرات البترول‪ .‬هذا التفاوت في النمو بين مرتفع في السبعينيات وراكد في‬ ‫الثمانينيات وصوالً إلى نمو استثنائي بداية العقد األول من القرن الحادي والعشرين‬ ‫كان انعكاسا ً واضحا ً للتقلبات الحادة التي عصفت بسوق البترول‪.‬‬ ‫وباعتبار أن نسبة نمو الناتج المحلي اإلجمالي ال تعني الكثير قبل األخذ بعين‬ ‫االعتبار نسبة نمو السكان‪ ،‬أي ما يمكن أن يناله الفرد الواحد من النمو‪ ،‬فإنه خالل‬ ‫مراحل االنتعاش والركود التي شهدتها فترة األربعة وعشرين عاما ً من ‪ 1980‬إلى‬ ‫غاية ‪ 2004‬لم يسجل نصيب الفرد من النمو االقتصادي في المنطقة العربية أي‬ ‫زيادة على اإلطالق تقريباً‪ ،‬حيث – وفقا ً لبيانات البنك الدولي – لم يتجاوز نمو‬ ‫نصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي اإلجمالي في البلدان العربية ‪ 4.6‬بالمئة أي‬ ‫أقل من ‪ 0.5‬بالمئة سنوياً‪ ،‬بل تحولت معدالت نمو الدخل الفردي خالل التسعينيات‬ ‫إلى مسار سلبي في أغلب األحيان‪ .‬وبهذا فإن البلدان العربية لم يتحقق فيها تزايد‬ ‫مطرد في متوسط الدخل الحقيقي للفرد ألي فترة طويلة من الزمن حيث ظل‬ ‫يتأرجح بين ارتفاع قياسي وهبوط حاد‪ ،‬وذلك تعبيراً عن اتجاهات الطلب العالمي‬ ‫على البترول الخام وانكماش مستويات أسعاره في السوق العالمية التي تحكمها‬ ‫عوامل خارجية‪.‬‬ ‫وهذا التأرجح في متوسط دخل الفرد يؤكد حقيقة ليست في حاجة إلى كثير من‬ ‫الشرح‪ ،‬وهي أن مصدر الناتج المحلي اإلجمالي وبالتالي متوسط دخل الفرد في‬ ‫بلدان المنط قة ال عالقة له بإنتاجية الفرد أو العامل كما يتطلب مفهوم النمو‬ ‫االقتصادي‪ ،‬وال يعكس تأثير تحوالت هيكلية وتغيرات بنائية قادرة على استدامة‬ ‫مستويات الدخل المتحقق كما يتطلب مفهوم التنمية االقتصادية؛ وإنما اعتمدت‬ ‫مستويات الناتج المحلي اإلجمالي ومتوسطات دخل الفرد في المنطقة دائما ً على‬ ‫استنزاف ثروة طبيعية غير متجددة (البترول)‪ ،‬كما اعتمدت على مستويات أسعار‬ ‫صادرات البترول الخام إلى السوق العالمية‪ .‬والحقيقة أن هذا السيناريو لم يتغير‬


‫مع الفورة البترولية الثالثة التي حدثت مع مطلع القرن الحادي والعشرين حيث‬ ‫ارتفعت أسعار البترول إلى مستويات غير مسبوقة وصلت إلى ‪ 147.2‬دوالر‬ ‫للبرميل في تموز‪/‬يوليو ‪ ،2008‬ما جعل االقتصادات العربية البترولية تجني‬ ‫إيرادات لم تشهد لها مثيل منذ سبعينيات القرن العشرين‪ ،‬لكن وبسبب أزمة الرهن‬ ‫العقاري تم خسارة الكثير من المكاسب في فترة قياسية‪ ،‬ما يعني أن أزمة ‪2008‬‬ ‫أكدت مرة أخرى الطبيعة الريعية للبلدان العربية‪ ،‬وفشل دول المنطقة في بناء‬ ‫قاعدة إنتاجية بديلة للبترول‪.‬‬ ‫عموما ً إن النمو المرتكز على البترول خلق عدداً من مواطن الضعف في األسس‬ ‫وحولها بصورة متزايدة إلى اقتصاد قائم على‬ ‫البنيوية لالقتصادات العربية ّ‬ ‫االستي راد والخدمات مقابل انكماش لقطاع الزراعة والصناعة‪ .‬وفي ما يلي توضيح‬ ‫لبعض مواطن الضعف العربي‪:‬‬ ‫‪ – 1‬الخدمات‬ ‫تقع أنواع الخدمات المتوافرة في البلدان العربية في أدنى سلسلة القيمة المضافة‪،‬‬ ‫وال تضيف إال القليل إلى تنمية المعرفة على المستوى المحلي وتضع بذلك البلدان‬ ‫العربية في مراتب متدنية في األسواق الدولية‪ ،‬فرغم تشابه هذه الظاهرة – نمو‬ ‫قطاع الخدمات – بما يحدث في الدول الرأسمالية المتقدمة‪ ،‬إال أن الفارق يكمن في‬ ‫نوع تلك الخدمات‪ .‬فنمو القطاع الثالث أو قطاع الخدمات في الدول الرأسمالية‬ ‫مرتبط بنمو الخدمات المصرفية وأعمال التأمين وأعمال التسويق والخدمات‬ ‫االستشارية وخدمات النقل الدولي واإلعالن واالتصاالت وقطاع المعلومات‪ ،‬وهي‬ ‫في بلدان العالم الثالث ومنها البلدان العربية تعبير عن تضخم البيروقراطية وشبه‬ ‫الخدمات المنزلية‪ ،‬وانتفاخ أجهزة األمن والقوات المسلحة وتدني إنتاجية العمل في‬ ‫أعمال التشييد والصيانة وإصالح السلع المعمرة… إلخ[‪ .]2‬من هنا فإن استمرار‬ ‫هذا االتجاه الذي ينمو على حساب الصناعة والزراعة العربية يظل مدعاة للقلق‪،‬‬ ‫فنصيب الخدمات من الناتج المحلي اإلجمالي يتجاوز ‪ 50‬بالمئة في كل البلدان‬ ‫العربية غير المنتجة للبترول‪ ،‬بينما تزيد على ‪ 65‬بالمئة في كل من البحرين‬


‫واألردن وجيبوتي ولبنان والمغرب‪ ،‬بل إن هذا القطاع يضم أكثر من ‪ 50‬بالمئة‬ ‫من إجمالي العمالة في معظم البلدان العربية‪.‬‬ ‫‪ – 2‬الصناعة‬ ‫إن البلدان العربية قاطبة ليست بلدانا ً صناعية بالمعنى الحقيقي للكلمة‪ ،‬ففي ظل‬ ‫غياب السياسات التنموية القائمة على توافر عنصر اإلرادة الفاعلة والصلبة من‬ ‫أجل إنجاز مهمة التحرر االقتصادي‪ ،‬وفي ظل احتياج المراكز الرأسمالية العالمية‬ ‫لبلدان األطراف‪ ،‬فإن األقطار العربية على ما هي عليه اآلن – وحسب تقديرنا –‬ ‫لم ولن تستطيع أن تصبح دوالً صناعية ذات شأن‪ .‬وإذا تمت إضافة عنصري‬ ‫والمشوه الذي ما زالت‬ ‫تعمق التجزئة العربية واستمرار المسار التنموي المعوج‬ ‫َّ‬ ‫الحكومات العربية متمسكة به‪ ،‬فلن يكون مثل هذا القول إجحافا ً أو تجنيا ً على‬ ‫الوقائع أو ميالً إلى نزعة تشاؤمية‪ .‬فاالقتصاد العربي عموما ً ال يزال يقوم بوظيفته‬ ‫التقليدية با لنسبة إلى التقسيم الدولي للعمل وإلى حد بعيد‪ ،‬حيث ما فتئ يقدم المواد‬ ‫األولية التي بدأت في النضوب ليستورد في مقابلها سلعا ً رأسمالية غذائية‬ ‫واستهالكية‪ .‬فالصناعة التي يفترض أنها ستغير من قساوة هذا الوضع وتفتح مجاالً‬ ‫للنمو والتطور أصبحت وسيلة إضافية إلخضاع االقتصادات العربية لالقتصاد‬ ‫العالمي ولشركاته االحتكارية متعددة الجنسية‪ ،‬وقصد االطالع أكثر على حقائق‬ ‫األمور نتطرق إلى النقاط التالية‪:‬‬ ‫أ – رغم أن التجارب الصناعية العربية والتي امتدت على مدى أربعة عقود تقريبا ً‬ ‫أفرطت في الحديث عن الصناعات الثقيلة واالستراتيجية‪ ،‬إال أن تطور القطاع‬ ‫الصناعي العربي إجماالً أظهر أن الصناعة الثقيلة عموما ً غير ذات وزن يذكر في‬ ‫ما يتعلق بمساهمتها في الناتج المحلي اإلجمالي العربي‪ ،‬بل تكشف تلك التطورات‬ ‫عن تخلُّف الصناعة العربية وتبعيتها عموما ً وتركيزها باألساس على الصناعات‬ ‫االستخراجية والبتروكيمياوية والتحويلية‪ .‬بلغة األرقام ظل معدل االرتفاع النسبي‬ ‫لمجموع الصناعات العربية منذ ‪ 1995‬وإلى غاية نهاية ‪ 1996‬ما يقارب ‪ 8‬بالمئة‬


‫فقط؛ أي حوالى ‪ 15.7‬مليار دوالر‪ .‬وبذلك تمثل مجموع الصناعات العربية نحو‬ ‫‪ 30‬بالمئة من الناتج المحلي اإلجمالي عام ‪ ]3[1996‬جلّها صناعة استخراجية‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إلى الصناعات الكيماوية والبتروكيمياوية فإنه رغم افتخار عدة بلدان‬ ‫بها‪ ،‬وال سيَّما الدول البترولية‪ ،‬فإن توسع تلك الصناعة في المنطقة العربية في‬ ‫حقبة السبعينيات والثمانينات كان جزءاً من العملية العريضة التي مارستها‬ ‫مجموعة الدول الرأسمالية المتقدمة لنقل الصناعات التي أخذت تفقد ميزتها النسبية‬ ‫داخل االقتصاد المتقدم ذاته‪ ،‬إما بسبب ارتفاع تكلفة الطاقة أو ارتفاع تكلفة العمل‬ ‫أو بسبب مشكالت التلوث‪ .‬وبذلك تحقق هذه العملية لالقتصاد الرأسمالي فرصة‬ ‫لتركيز ميزته النسبية في الصناعات األكثر تطوراً من الناحية التكنولوجية مثل‬ ‫اإللكترونيات الدقيقة‪ ،‬وفوق ذلك فإن الشركات االحتكارية المنفذة لتلك المشاريع‬ ‫تسيطر على ما يسمى «الحلقة األولى» أي التنقيب واالستكشاف والتشييد و«الحلقة‬ ‫األخيرة» ؛ أي التسويق للمنتجات من خالل احتكار المعلومات‪ ،‬إذ إن البيانات‬ ‫التسويقية والتكنولوجية – بحسب تلك الشركات – هي من قبيل األسرار التجارية‪،‬‬ ‫ولهذا فإن مسألة نقل الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية إلى بعض أجزاء‬ ‫المنطقة العربية لم يتبعه نقل حقيقي للتكنولوجيا‪.‬‬ ‫ب – لم يكن غريبا ً أن تشهد معظم البلدان العربية خالل العقود األربعة الماضية‬ ‫درجة كبيرة من التباطؤ واالنكماش في مجال التصنيع‪ ،‬والحقيقة أنها كانت أقل‬ ‫تصنيعا ً في عام ‪ 2007‬منها في عام ‪ ،1970‬ويصدق ذلك على البلدان ذات الدخل‬ ‫المتوسط والقاعدة االقتصادية المتنوعة المصادر نسبيا ً في الستينيات مثل سورية‪،‬‬ ‫العراق ومصر‪ .‬صحيح أن اإلمارات واألردن وعمان وتونس والجزائر حققت‬ ‫تقدما ً ملحوظا ً في مجال التنمية الصناعية‪ ،‬لكن على العموم يبقى نصيب الصناعة‬ ‫من ‪ PIB‬لديها ضعيفا ً جداً‪ ،‬حيث يمثل أقل من ‪ 11‬بالمئة من السلع المصدرة في‬ ‫عام ‪ ،2007 – 2006‬بل يبدو أن فئات البلدان جميعا ً تقترب من المعدل اإلقليمي‬ ‫المتواضع والذي مثل أقل من ‪ 10‬بالمئة عام ‪.2007‬‬ ‫ج – إن التصنيع العربي وبدعم االستثمارات الخارجية وإرشادات ونصائح‬ ‫الشركات متعددة الجنسية‪ ،‬لم يركز على الصناعات اإلنتاجية الحقيقية الثقيلة وال‬


‫على الصناعات األكثر وفاء بالحاجات االجتماعية األساسية رغم توفير األموال‬ ‫والطاقة والعمالة والعقول البشرية‪ .‬فالبلدان العربية لم تزل تستورد «المصانع‬ ‫الجاهزة» بصيغة تسليم المفاتيح مثالً وتستورد اآلالت والمعدات والسلع الهندسية‪،‬‬ ‫بل إن هذا التصنيع المزعوم ركز في المقابل على الصناعات األكثر واألسرع‬ ‫ربحا ً بما في ذلك الصناعات التجميعية‪ ،‬والتصنيع العربي بتلك األنماط‬ ‫االستهالكية وبدعم الحمالت اإلعالنية البراقة ساهم أيضا ً في تصفية الصناعات‬ ‫التقليدية والحرفية العربية التي لو أتيحت لها فرص التطور والنمو لحلت كثيراً من‬ ‫مشاكل التنمية‪ .‬كما إن هذا التصنيع الذي نشأ وتطور في إطار تنمية مشوهة وتابعة‬ ‫أدى إلى تبدي د الثورة المالية واإلمكانات والموارد بتوجهه الستيراد التكنولوجيا‬ ‫واآلالت والمعدات والسلع الهندسية بل حتى دراسات الجدوى وأعمال التصميم‬ ‫والخدمات االستشارية‪ ،‬فضالً عن استيراد الفنيين وعمال الصيانة والكهرباء في‬ ‫الوقت الذي تم االستغناء فيه عن جزء من العمالة العربية وحرمان الجزء اآلخر‬ ‫منها من مخططات التكوين والتدريب والتأهيل‪ .‬وما زاد األمور سوءاً أن هذا‬ ‫التصنيع جاء على حساب تكامل واندماج الهياكل الصناعية واالقتصادية على‬ ‫مستوى الوطن العربي ككل فكرس التجزئة وألغى التكامل والتنسيق العربي والذي‬ ‫يمكنه فعليا ً أن يحقق تنمية صناعية واقتصادية مستقلة وحقيقية‪.‬‬ ‫‪ – 3‬البطالة‬ ‫تعد البطالة من المصادر الرئيسية النعدام األمن االقتصادي في معظم البلدان‬ ‫العربية‪ ،‬حيث تشير اإلحصاءات إلى أن متوسط معدل البطالة فيها بلغ ‪15.4‬‬ ‫بالمئة من مجموع القوى العاملة عام ‪ 2005‬بالمقارنة مع ‪ 6.3‬بالمئة على المستوى‬ ‫العالمي‪ .‬ويالحظ أن معدالت البطالة المحلية تتفاوت بدرجة ملموسة بين بلد وآخر‬ ‫متراوحة بين ‪ 2‬بالمئة في قطر والكويت ونحو ‪ 22‬بالمئة في موريتانيا[‪ .]4‬ال شك‬ ‫في أن هذه األرقام تدعو إلى القلق‪ ،‬خصوصا ً إذا أخذ بالحسبان أن البلدان العربية‬ ‫ستحتاج بحلول عام ‪ 2020‬إلى حوالى ‪ 51‬مليون فرصة عمل جديدة‪ .‬هذا وتمثل‬ ‫البطالة في أوساط الشباب تحديا ً جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية‪ ،‬إذ بلغ‬ ‫متوسط معدل البطالة في أوساط الشباب عام ‪ 2006 – 2005‬نحو ‪ 30‬بالمئة من‬


‫إجمالي القوى العاملة الشابة مقارنة بمتوسط عالمي بلغ ‪ 14‬بالمئة‪ .‬بل إن نسبة‬ ‫البطالة في ارتفاع حتى بين المتعلمين‪ ،‬إذ إن قرابة ‪ 40‬بالمئة من خريجي المدارس‬ ‫الثانوية والجامعات والمتراوحة أعمارهم بين ‪ 15‬و‪ 25‬سنة ال يجدون عمالً‪.‬‬ ‫‪ – 4‬الفقر‬ ‫إن قياس الفقر وعدم االستقرار المصاحب له يتحقق من خالل منظورين‪:‬‬ ‫أ – فقر الدخل‬ ‫هو الذي يحدد مستوى رفاه األفراد م ّما يتوافر لهم من سلع وخدمات بناء على‬ ‫إنفاق دخلهم‪ ،‬وأكثر المقاييس استخداما ً لتحديد الفقر في إطار هذه المقاربة يعتمد‬ ‫نسبة عددية تمثل إجمالي نسبة السكان التي تعيش دون خط الفقر والذي – وبحسب‬ ‫البنك الدولي – يعتمد على دخل يعادل الدوالرين للفرد يومياً‪ ،‬وبحسب هذا المقياس‬ ‫بينت اإلحصاءات أنه رغم ارتفاع معدالت البطالة في البلدان العربية إال أن درجة‬ ‫فقر الدخل منها ت ُ َعد على العموم منخفضة نسبيا ً حيث ثبت أن حوالى ‪ 20.37‬بالمئة‬ ‫من السكان العرب يعيشون تحت خط الفقر الدولي المحدد بدوالرين يوميا ً وذلك‬ ‫عام ‪ ،2005‬وأن القطاع األكبر من الفقراء يتركز في بلدان مثل الصومال‪،‬‬ ‫السودان‪ ،‬مصر‪ ،‬سورية‪ ،‬موريتانيا‪ ،‬العراق‪ ،‬المغرب‪ ،‬اليمن؛ وهي ذات أحجام‬ ‫سكانية مرتفعة نسبيا ً ومستويات منخفضة من معدل اإلنفاق الفردي‪ .‬بل إنه برغم‬ ‫تمتع قرابة ‪ 92‬بالمئة من سكان الوطن العربي بمتوسط دخل للفرد يعد مقبوالً من‬ ‫ناحية األمن االقتصادي إال أن معدل نمو هذا الدخل قد اتصف بعدم االستقرار‬ ‫والتذبذب المرتفع وذلك العتماد النمو على أسعار النفط العالمية التي تتصف بمثل‬ ‫هذا التذبذب[‪.]5‬‬

‫ب – الفقر البشري‬


‫هو مفهوم أشاع استخدامه برنامج األمم المتحدة اإلنمائي للتعبير عن حرمان المرء‬ ‫من الفرص والقدرات ويمكن قياسه باستخدام «دليل الفقر البشري»‪ ،‬والذي قوامه‬ ‫‪ 3‬مكونات أساسية‪ :‬طول العمر؛ مستوى المعيشة؛ المعرفة‪.‬‬ ‫المكون األول بنسبة السكان الذين ال يتوقع أن يبلغوا األربعين من العمر‪.‬‬ ‫يقاس‬ ‫ّ‬ ‫المكون الثاني هو قيمة مركبة تقاس بنسبة السكان الذين يحصلون على المياه‬ ‫النظيفة ونسبة األطفال ناقصي الوزن ممن هم دون الخامسة من العمر‪ .‬والمكون‬ ‫الثالث يقاس بمعدل األمية بين البالغين‪ .‬وبموجب دليل الفقر البشري هذا تصنف‬ ‫البلدان التي تحصل على أكثر من ‪ 30‬بالمئة في مرتبة مرتفعة على سلم الفقر‬ ‫البشري‪ ،‬والبلدان التي تحصل على أقل من ‪ 10‬بالمئة في مرتبة منخفضة على سلم‬ ‫الفقر البشري‪ ،‬أما النسب المئوية الواقعة بين هذين المعيارين فتشير إلى درجة‬ ‫متوسطة من الفقر البشري‪.‬‬ ‫إن نتائج الفقر البشري ترتبط بشكل وثيق مع الدخل‪ ،‬فالبلدان ذات الدخل المنخفض‬ ‫تشهد أعلى مستويات من الفقر البشري (‪ 35‬بالمئة)‪ ،‬وبذلك فإن انخفاض الدخل‬ ‫يشكل انتقاصا ً من مستويات المعيشة والصحة والتعليم‪ ،‬وعلى إثر الهبوط المسجل‬ ‫في معدالت فقر الدخل‪ ،‬انخفض بمرور الوقت كذلك انعدام األمن الناجم عن الفقر‬ ‫البشري في كل البلدان العربية بنسبة الثلث تقريباً‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬موقع البلدان العربية من األمن الغذائي‬ ‫‪ – 1‬تشخيص الوضع الغذائي العربي‬ ‫إن معظم البلدان العربية وفقا ً لألرقام واإلحصاءات المختلفة‪ ،‬تعتبر منطقة عجز‬ ‫غذائي دائم وال سيّما في الحبوب والزيوت والمواد الغذائية حيوانية األصل‪ .‬فرغم‬ ‫زيادة القيمة المضافة لهذا القطاع من ‪ 45‬مليار دوالر عام ‪ 1995‬إلى ‪ 125‬مليار‬ ‫دوالر عام ‪ . 2010‬غير أن نسبة الناتج الزراعي إلى الناتج المحلي اإلجمالي‬ ‫للبلدان العربية تناقصت من ‪ 9.5‬بالمئة عام ‪ 1995‬إلى ‪ 6‬بالمئة عام ‪،2010‬‬ ‫والمالحظ أن هذه النسبة تتفاوت بشكل واضح بين البلدان العربية‪ ،‬فهي مرتفعة في‬


‫البلدان ذات الموارد الزراعية الجيدة كالسودان والتي بلغت فيها هذه النسبة ‪29.3‬‬ ‫بالمئة سنة ‪ 2008‬وسورية ‪ 20‬بالمئة‪ ،‬بينما تراوحت بين ‪ 7‬بالمئة و‪ 13‬بالمئة في‬ ‫كل من اليمن‪ ،‬تونس‪ ،‬لبنان‪ ،‬مصر‪ ،‬المغرب وموريتانيا طبقا ً إلحصاءات عام‬ ‫‪ .2011‬وبخصوص االكتفاء الذاتي من بعض السلع األساسية لسنة ‪ 2010‬يمكن‬ ‫إدراج الجدول الالحق‪.‬‬ ‫لقد ترتب على تدني نسب االكتفاء الذاتي من السلع الغذائية األساسية – نظراً إلى‬ ‫التفاوت الكبير بين معدل نمو الناتج الزراعي البالغ ‪ 2‬بالمئة عام ‪ 2011‬وبين‬ ‫معدل نمو الطلب على المنتجات الزراعية البالغ ‪ 5.5‬بالمئة – تزايد الواردات من‬ ‫السلع الغذائية الرئيسية‪ ،‬ما تسبب في ارتفاع عجز الميزان التجاري الزراعي‬ ‫العربي من ‪ 18‬مليار دوالر عام ‪ 1995‬إلى ‪ 26‬مليار دوالر عام ‪ .]6[2010‬فعلى‬ ‫الرغم من ارتفاع قيمة الصادرات الزراعية من ‪ 7‬مليارات دوالر سنة ‪ 2000‬إلى‬ ‫‪ 19‬مليار دوالر سنة ‪ 2010‬إال أن زيادة الواردات الزراعية كانت أكبر كثيرا ً‬ ‫حيث ارتفعت هذه األخيرة من ‪ 30‬مليار دوالر سنة ‪ 2000‬إلى ‪ 65‬مليار دوالر‬ ‫سنة ‪ .2010‬وبذلك فإن ارتفاع عجز الميزان التجاري الزراعي العربي يعود‬ ‫بالدرجة األولى إلى عدم كفاية اإلنتاج الزراعي المحلي خاصة من الحبوب وإلى‬ ‫ارتفاع قيمة الواردات الزراعية بسبب ارتفاع أسعارها في السوق العالمية‪ .‬فقد‬ ‫استوردت البلدان العربية حتى اآلن نحو ثُمن الواردات العالمية من السلع الغذائية‬ ‫و ُخمس ا لواردات العالمية من الحبوب‪ ،‬ما يعني أن إنتاج وإنتاجية السلع الزراعية‬ ‫هما عند مستويات ال يمكن االعتماد عليها في المساهمة في تحقيق األمن الغذائي‬ ‫العربي في المدى المنظور على أقل تقدير‪.‬‬ ‫الجدول‬ ‫نسبة االكتفاء الذاتي عام ‪2010‬‬ ‫المجموعة السلعية‬

‫مجموعة الحبوب والدقيق‬

‫البقوليات‬

‫الزيوت‬

‫نسبة االكتفاء الذاتي (بالمئة)‬

‫‪49‬‬

‫‪57‬‬

‫‪31‬‬


‫المصدر‪ :‬المنظمة العربية للتنمية الزراعية‪ ،‬إحصاءات سنة ‪.2011‬‬ ‫وعموما ً يالحظ أن هناك تباينا ً في مقدار العجز الغذائي بين البلدان العربية بما‬ ‫نسبته ‪ 19.6‬بالمئة‪ ،‬حيث يكون مرتفعا ً خاصة في الصومال ومشكلة هذه الفئة‬ ‫تكمن في أن عدم كفايتها من الغذاء يرجع في جزء كبير منه إلى ارتفاع األهمية‬ ‫النسبية للفقر[‪ ،]7‬واألمر نفسه تقريبا ً بالنسبة إلى السودان واليمن‪ .‬مشكلة هذه الفئة‬ ‫أنها تشمل دوالً ذات دخل منخفض وقدرة شرائية ضعيفة‪ ،‬ما يجعل زيادة عرض‬ ‫الغذاء ال تساهم في تحسين أوضاعهم الغذائية إذا لم يصاحبها تزايد في القوة‬ ‫الشرائية‪.‬‬ ‫‪ – 2‬مخاطر العجز الغذائي العربي‬ ‫يمكن تحديد خطرين أساسيين ناتجين من العجز الغذائي العربي‪:‬‬ ‫أ – إن مسألة استيراد الغذاء واالعتماد على الخارج في هذا المحور الحيوي‬ ‫للحياة‪ ،‬زاد تكلفة اإلنفاق المالي العربي في كل المنطقة العربية سواء البترولية أو‬ ‫غير البترولية‪ ،‬حيث توضح اإلحصاءات أن البلدان البترولية أصبحت تتميز منذ‬ ‫مطلع الثمانينيات بأعلى متوسطات استيراد المواد الغذائية‪ .‬وعموما ً يمكن تقدير‬ ‫مدى تعرض األمن الغذائي للخطر بواسطة مقياس يحسب بقسمة الواردات الغذائية‬ ‫على مجموع عوائد الصادرات مطروحا ً منها خدمة الدين الخارجي‪ ،‬إذ يتفاقم‬ ‫خطر انعدام األمن الغذائي كلما ارتفعت قيمة هذا المؤشر‪ .‬ورغم أن اإلحصاءات‬ ‫أكدت تراجع قيمته في البلدان العربية بصفة عامة من ‪ 19.7‬بالمئة في منتصف‬ ‫الثمانينيات إلى ‪ 13.9‬بالمئة في منتصف التسعينيات إلى ‪ 7.7‬بالمئة عام‬ ‫‪ ، ]8[2004‬وخاصة في البلدان البترولية‪ ،‬لكن رغم ذلك ينبغي على هذه الدول أن‬ ‫تحس بمرارة المشكلة وبأبعادها المستقبلية وأثرها في حياة األجيال القادمة‬ ‫ومستقبلها‪ ،‬وبالذات لو تم األخذ باالعتبار أن البترول المعتمد عليه في شراء الغذاء‬ ‫هو مورد ناضب وغير متجدد‪ .‬كما أن االرتفاع السريع والمتزايد لفاتورة‬ ‫الواردات الغذائية تمثل عبئا ً ثقيالً على البلدان العربية ذات الدخل المنخفض‪ ،‬وهو‬ ‫أمر ال يبشر بالخير‪ ،‬وبخاصة أن تبديد جزء هام من األموال في تمويل واردات‬


‫الغذاء يعني زيادة األعباء الما لية على الميزانية وإعاقة مسيرة التطور والتنمية‬ ‫وااللتفات إلى ضرورة توفير الغذاء تحت أي ظرف وثمن‪ .‬كما أن الصدمات‬ ‫االقتصادية عادة ما تؤثر في أوضاع األمن الغذائي القتصاد غير متنوع‪ ،‬وال سيّما‬ ‫في حالة تواضع أو غياب الخزين االستراتيجي من الغذاء‪ ،‬أو قلة االحتياطات من‬ ‫النقد األجنبي التي تساعد على استيراد الغذاء‪ ،‬فتقلبات أسعار بترول البلدان‬ ‫تقرب هذه البلدان من حالة انعدام األمن الغذائي‬ ‫البترولية غير المنتجة للغذاء قد ِّ ّ‬ ‫طالما أنها تعتمد في صادراتها على مورد وحيد هو البترول‪ .‬وقد تبين من تقدير‬ ‫مؤشر الصدمات االقتصادي أن ه مرتفع في مجموعة البلدان العربية مرتفعة الدخل‬ ‫كبلدان مجلس التعاون الخليجي حيث بلغ أكثر من ‪ 73‬بالمئة في منتصف‬ ‫التسعينيات وكذلك مطلع األلفية الثالثة ليرتفع إلى ‪ 90.7‬بالمئة عام ‪.2005‬‬ ‫وباعتبار أن البترول يشكل أهمية نسبية عالية في صادرات الدول فإن ارتفاع قيمة‬ ‫مؤشر الصدمات االقتصادية معناه أن أوضاع األمن الغذائي لهذه الدول معرضة‬ ‫ألخطار كبيرة في حالة تراجع أسعار البترول‪ ،‬في حين أن انخفاض قيمة هذا‬ ‫المؤشر بالنسبة إلى البلدان العربية منخفضة الدخل من ‪ 51.9‬بالمئة في منتصف‬ ‫التسعينيات إلى ‪ 46‬بالمئة و‪ 41‬بالمئة مطلع األلفية الثالثة وسنة ‪ 2005‬على‬ ‫التوالي تقلل من تلك المخاطر‪ ،‬بينما البلدان العربية متوسطة الدخل والتي زاد‬ ‫انفتاحها على الخارج بموجب ما طبقته من برامج صندوق النقد الدولي والبنك‬ ‫العالمي انعكس ذلك على مؤشرها من الصدمات االقتصادية والذي شهد ارتفاعا ً‬ ‫من ‪ 33.9‬بالمئة في منتصف التسعينيات إلى ‪ 51.5‬بالمئة و‪ 73.5‬بالمئة خالل‬ ‫عامي ‪ 2000‬و‪ 2005‬على التوالي‪.‬‬ ‫ب – إن تطور الفجوة الغذائية العربية خالل العقود األخيرة جعل المنطقة العربية‬ ‫واحدة من أكثر مناطق العجز الغذائي ومن أكثرها تبعية غذائية في العالم؛ حيث‬ ‫تحولت من مشكلة تجارية تؤثر في ميزان المدفوعات العربي في المرحلة األولى‬ ‫إلى مشكلة اقتصادية تؤثر في مجمل التنمية االقتصادية في مرحلة ثانية إلى مشكلة‬ ‫سياسية في مرحلتها الراهنة‪ ،‬نظرا ً إلى كون توفير اإلمكانات المطلوبة من الغذاء‬ ‫معرضا ً في الوقت الحاضر للكثير من احتماالت الضغوط‬ ‫المستورد أصبح ّ‬ ‫السياسية‪ ،‬وبالتالي أصبح األمن الغذائي في ظل احتماالت السيطرة األجنبية على‬


‫استهالك الغذاء أحد أهم المكونات الرئيسية ليس لألمن االقتصادي العربي فحسب‪،‬‬ ‫وإنما لألمن القومي العربي بأكمله‪ .‬فالدول المصدرة للغذاء هي دول قليلة ومتقدمة‬ ‫اقتصاديا ً ويمكنها ممارسة سياسة احتكار القلة‪ ،‬ما يؤثر في السوق العالمية للغذاء‬ ‫ويؤثر بالتالي في حرية القرار االقتصادي والسياسي للبلدان العربية‪ .‬ولهذا فإن‬ ‫اعتقاد البعض في كون استيراد الغذاء لمن يملك المال يعتبر أكثر اقتصادية من‬ ‫زراعته يعتبر اعتقاداً خاطئا ً وخطراً‪ .‬وتكمن خطورة هذه السياسة في رهن أمنك‬ ‫الغذائي لمن يملك بيعه ويستبد به ويملي إرادته عليك كمحتاج‪ ،‬فمن ال يملك غذاءه‬ ‫ال يملك قراره‪ ،‬ومن ال يملك قراره ال يملك مصيره ويجد نفسه ضحية لعبة األمم‪.‬‬ ‫فلطالما استخدمت الواليات المتحدة األمريكية – باعتبارها أهم المصدِّّرين للغذاء‬ ‫في العالم – وال تزال تستخدم سالح الغذاء كأداة ضغط على دول العالم‪.‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫زاد سوء استخدام البترول من اعوجاج التنمية العربية التابعة‪ ،‬وضيّع بالتالي‬ ‫فرصة تحقيق أمن اقتصادي عربي‪ .‬لكن الحقيقة أنه ما زالت هناك فرصة يمكن أن‬ ‫تنقل بلدان المنطقة العربية من المسار الخطر إلى المنعطف اآلمن قبل جفاف آبار‬ ‫الذهب األسود وفوات األوان‪ .‬ترتكز هذه الفرصة على ثالثة مداخل استراتيجية‬ ‫متكاملة ومتداخلة‪:‬‬ ‫أولها‪ :‬إصالح إدارة الحكم باعتبار أن ذلك يساعد على مكافحة الفساد واالرتقاء‬ ‫بمستويات المعيشة‪.‬‬ ‫ثانيها‪ :‬إصالح الخلل اإلنتاجي وهذا يتطلب في البداية إعادة النظر في طبيعة‬ ‫الريع االقتصادي لصادرات البترول باعتباره إيرادا ً رأسماليا ً يعود للدولة مقابل‬ ‫استنضاب الثورة البترولية وليس إيراداً جارياً‪ ،‬ومن ثم وجوب إعادة استثماره في‬ ‫أصول إنتاجية معمرة من خالل بناء قاعدة اقتصادية بديلة لصادرات البترول الخام‬ ‫مدر ة للدخل‪ ،‬ويستفيد من منافعها الجيل الحالي واألجيال القادمة بعد أن يزول‬ ‫ّ‬ ‫البترول أو يتآكل ريعه لسبب أو آلخر‪ .‬وتتوقف فرصة التحول من استهالك ريع‬


‫البترول إلى استثماره على نمو إرادة مجتمعية واالرتقاء بحس المسؤولية في‬ ‫الدولة والمجتمع إلى درجة القدرة على الجهاد األكبر (جهاد النفس) والتخلص من‬ ‫حالة اإلدمان الخطير على االستهالك‪.‬‬ ‫ثالثها‪ :‬التكامل العربي والذي يشكل إطاراً يحقق لبلدان المنطقة كيانا ً اقتصاديا ً‬ ‫واجتماعيا ً قابالً للتنمية‪ ،‬وكيانا ً عسكريا ً وسياسيا ً قادراً على توفير الحد األدنى من‬ ‫متطلبات األمن القومي‪ ،‬ويمثل بال شك مدخالً رئيسيا ً من مداخل المنعطف اآلمن‪،‬‬ ‫وال بد هنا أيضا ً من التدرج الذي يبدأ باإلصالح الداخلي في كل بلد من بلدان‬ ‫المنطقة‪.‬‬ ‫قائمة المصادر تجدها هنا‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.