تـــحولات مـــشرقية for web

Page 1

‫العدد رقم ‪� - 14‬أيلول ‪2017‬‬

‫فـ�صـل ـيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�ش ـ�ؤون امل�شــرق‬

‫نصف قرن على النكسة والهزيمة مستمرة‬ ‫�صفوت حامت ‪ -‬دعاء ال�شريف ‪� -‬صقر �أبوفخر ‪ -‬وليد زيتوين ‪� -‬سايد فرجنيه ‪ -‬جنيب ن�صري ‪ -‬حافظ الزين‬

‫ُكتاب العدد‪ :‬سينا مقلد – ريام أمهز – عبدالعيل فيض اهلل زاده – حممد ابراهيم خليفة شوشرتي – أبوالفضل رضائي – بريسا بختياري‬


‫احلمرا ‪� -‬شارع الب�صرة ‪ -‬ال�شارع املواجه لفندق نابليون‬ ‫ جانب مكتبة املركز الثقايف العربي‬‫�ص‪.‬ب‪ 113 - 7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬

‫‪tel:‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬


‫العدد رقم ‪� - 14‬أيلول ‪2017‬‬

‫فـ�صـل ـيـة فـكريـة ثـقافيـة تـعنى ب�ش ـ�ؤون امل�شــرق‬

‫نصف قرن على النكسة‬ ‫والهزيمة مستمرة‬ ‫الفهر�س‬ ‫ر�أي‬ ‫خم�سون عاماً على نك�سة ‪ 5‬حزيران‬ ‫�سليمان بختي‬

‫‪3‬‬

‫ملف العدد‪" :‬ن�صف قرن على‬ ‫النك�سة والهزمية م�ستمرة"‬ ‫ال�سوفيات و �إ�سرائيل وهزمية حزيران‬

‫‪5‬‬

‫‪31‬‬

‫دعاء ال�شريف‬ ‫خم�سون نكبة يف خم�سني �سنة‬ ‫�صقر �أبوفخر‬

‫‪63‬‬

‫ال�ستة‬ ‫ال ّنتائج اجليو�سيا�س ّية حلرب الأيّام ّ‬ ‫وليد زيتوين‬

‫‪73‬‬

‫ن�صف قرن على هزمية حزيران ‪1967‬‬

‫‪75‬‬

‫�سايد فرجنيه‬ ‫اليوم التّايل‪ ...‬هزائم الـ ‪ 67‬املتوال ّية‬ ‫جنيب ن�صري‬ ‫من النّكبة والنّك�سة �إىل ع�صر االنت�صارات‪...‬‬ ‫�أيّ م�ستقبل ينتظر امل�شرق‬ ‫د‪ .‬حافظ الزين‬

‫ال�سرد يف امل�سرح الغنائي عند ال ّرحابنة‬ ‫ّ‬ ‫(مي�س ال ّرمي �أمنوذجاً)‬ ‫�سينا مقلد‬ ‫الغربة واحلنني يف �شعر حم ّمد القي�سي‬ ‫رميا �أمهز‬ ‫"الغزل يف �شعر كعب بن زهري"‬

‫الدكتور �صفوت حامت‬ ‫‪ 50‬عاماً على ال ّنك�سة‪ ...‬واالحتالل مازال باقياً‬

‫�أدب‬

‫‪79‬‬

‫‪85‬‬

‫‪97‬‬

‫‪107‬‬

‫‪117‬‬

‫عبدالعلي فی�ض اهلل زاده‬ ‫منهج اجلاربردي يف كتابه‬ ‫"الفكوك يف �شرح ّ‬ ‫ال�شكوك"‬ ‫ال ّدكتور حممد ابراهيم خليفه �شو�شرتي‬ ‫ال ّدكتور �أبو الف�ضل ر�ضائي‬ ‫پري�سا بختياري‬

‫‪139‬‬


‫حتوالت م�رشقية‬

‫ف�صلية‪ ،‬فكرية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬تعنى ب�ش�ؤون امل�شرق واملنطقة‬

‫املدير امل�س�ؤول‪� :‬سركي�س �أبو زيد‬ ‫‪abouzeid@gmail.com‬‬

‫هيئة التحرير‬

‫فاتن املر‬ ‫عاطف عطية‬ ‫ح�سن حماده‬ ‫ن�صري ال�صايغ‬ ‫علوان �أمني الدين‬ ‫جنيب ن�صري‬

‫اليا�س فرحات‬ ‫جمال واكيم‬ ‫حممود حيدر‬ ‫ل�ؤي زيتوين‬ ‫�سعاده م�صطفى �أر�شيد‬ ‫�سليمان بختي‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬

‫�سكرتري التحرير التنفيذي ‪ :‬هنادي �شموط‬ ‫‪info@tahawolat.net‬‬

‫هاتف‪:‬‬ ‫�صندوق بريد‪ 113-7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‪.‬‬ ‫احلمرا ‪� -‬شارع الب�صرة ‪ -‬ال�شارع املواجه لفندق‬ ‫نابليون ‪ -‬جانب مكتبة املركز الثقايف العربي‬ ‫الإخراج الفني‪zaid mahdi :‬‬ ‫ت�صدر يف طبعتني من فل�سطني ولبنان‬ ‫اال�شرتاك ال�سنوي ‪ -‬لبنان‬ ‫مدير عام طبعة فل�سطني‪� :‬سعاده م�صطفى �أر�شيد‬ ‫للأفراد‪ 50 :‬دوالراً �أمريكياً‬ ‫هاتف‪0599305248 :‬‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ 100 :‬دوالر �أمريكي‬ ‫�صندوق بريد‪ 41 :‬جنني ‪ -‬فل�سطني‬ ‫‪)00961-1( 740495‬‬

‫توزيع‪� :‬رشكة الأوائل‬ ‫لتوزيع ال�صحف واملطبوعات‬

‫بريوت – لبنان‬

‫هاتف‪:‬‬ ‫فاك�س‪00961 - 1 - 653260 :‬‬

‫‪00961 - 1 - 666668 - 666314‬‬

‫اال�شرتاك ال�سنوي ‪ -‬خارج لبنان‬ ‫للأفراد‪ 100 :‬دوالر �أمريكي‬ ‫للم�ؤ�س�سات‪ 200 :‬دوالر �أمريكي‬

‫املواد املن�شورة تعرب عن ر�أي كاتبها‬


‫ر�أي‬

‫خم�سون عاما ً على نك�سة ‪ 5‬حزيران‬ ‫�سليمان بختي‬

‫‪ -‬نارش وباحث‬

‫خم�سون عاماً م ّرت على نك�سة ‪ 5‬حزيران ‪ 1967‬وال يزال الدرب موغ ًال يف انهياره‪.‬‬ ‫امل�صري عبد املعطي‬ ‫هل كانت نك�سة �أم متريناً م�ستم ّراً على الهزمية؟ يومها كتب ال�شّ اعر‬ ‫ّ‬ ‫حجازي ق�صيدة يخاطب فيها ال ّرئي�س جمال عبد النا�صر بعنوان "مرث ّية للعمر اجلميل"‬ ‫قال فيها‪:‬‬ ‫"من ترى يحمل الآن عبء الهزمية فينا‪/‬‬ ‫املغ ّني الذي طاف يبحث للحلم عن ج�سد يرتديه‪/‬‬ ‫جت�سد فيه"‪.‬‬ ‫�أو هو امللك ّ‬ ‫املدعي �أن حلم املغ ّني ّ‬ ‫انفجرت الأ�سئلة يف ّ‬ ‫وتعث الو�صول �إىل يقني‪� .‬س�أل ال�شّ اعر �أدوني�س يف كتابه‬ ‫كل اجتاه‪ ،‬رّ‬ ‫"بيان ‪ 5‬حزيران ‪" :"1967‬من �أنا؟ وهل �أعرف نف�سي؟‬ ‫لي�س العد ّو املبا�شر هو من يغلبني‪ ،‬يغلبني العد ّو الآخر الالمبا�شر امل�سترت فينا"‪.‬‬ ‫هكذا انك�سر احللم ومل نتوقف عن اخل�سران‪� .‬ضعنا ومل نعرف ما لنا وما علينا‪ .‬ومل نكن‬ ‫نعلم �أ� ً‬ ‫صال �شيئاً عن ظروفنا وواقعنا و�إمكاناتنا وعالقتنا بالعامل‪ .‬مل ن�س�أل ومل نحا�سب‬ ‫وقبلنا ّ‬ ‫كل ال ّت�سويات املعرو�ضة يف �سوق �صاخبة‪ .‬وك ّرت �سبحة ال ّتنازالت‪ .‬ال َتهم الع�سكر‬ ‫الدين ّية على احلياة واملجتمع‪ .‬ال َتهم �أهل الف�ساد رّالثوات‬ ‫الدميقراط ّية‪ .‬وهيمنت الثّقافة ّ‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعي‪ .‬ف�صلوا‬ ‫الوطن ّية وح ّولوها �إىل ثروات �شخ�ص ّية‪� .‬أبعدوا الأدب عن دوره‬ ‫ّ‬ ‫�ضحوا بالأر�ض‬ ‫الثّقافة عن الهو ّية الوطن ّية واحل�ضار ّية و�أبعدوا املثقّف عن دوره ال ّن ّ‬ ‫قدي‪ّ .‬‬ ‫ال�سيادة على �أر�ضنا لي�س ب�سبب‬ ‫لإنقاذ ال ّنظام‪ .‬ثم ّ‬ ‫�ضحوا بالنظام �إنقاذاً للقائد‪ .‬فقدنا ّ‬ ‫ي�صح‬ ‫غلبة العد ّو بل ب�سبب "فقدان وجداننا‬ ‫القومي" بح�سب �سعاده‪ .‬وحتى مل يعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪3‬‬


‫�شيئاً ومل يبق �شيئاً‪ .‬الأر�ض خراب‪ .‬والرجال جوف‪ .‬هزمية ذهن ّية وممار�سات ومواقف‬ ‫ولغة‪ .‬عا�شت القبائل والع�شائر ّ‬ ‫والطوائف و�أن�صاف الآلهة‪ .‬وم�شينا ومل ن�صل �إىل الوطن‬ ‫وال املواطن وال امل� ّؤ�س�سات‪ .‬وحت ّولت الأوطان �إىل مقابر‪ ،‬والإن�سان يف بالدنا �إىل �شيء من‬ ‫�سقط املتاع‪.‬‬ ‫ذات م ّرة �صرخ يوليو�س قي�صر يف معركة خا�سرة "مملكتي لأجل ح�صان"‪.‬‬ ‫هل كانت �أحالماً؟ هل كانت �أوهاماً؟‬ ‫� ّأي �شيء يجمع ّ‬ ‫احلي‪ ،‬بح�سب امربتو‬ ‫كل هذه الفو�ضى؟ �إ ّنها ّ‬ ‫ال�سخرية ا ّلتي هي ال ّن�سغ ّ‬ ‫ايكو‪ ،‬ا ّلذي يجمع ّ‬ ‫كل هذه الفو�ضى‪.‬‬

‫‪4‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سوفيات و�إ�رسائيل وهزمية حزيران‬ ‫الدكتور �صفوت حامت ‪ -‬كاتب وحملل �سيا�سي م�صري‬

‫يبحث الدكتور �صفوت حامت نك�سة حزيران من خالل حمورين‪ :‬الأول‪ :‬دور ال�سوفيات‬ ‫يف النك�سة والثاين‪ :‬انعكا�سات النك�سة على �إ�سرائيل‪.‬‬

‫(‪)1‬‬ ‫ال�سوفيات جمال عبد النا�رص يف يونيو‪ /‬حزيران ‪1967‬؟!‬ ‫هل �ضلل ّ‬

‫ال�سوفياتي يف حرب يونيو‪/‬حزيران‬ ‫�ضمن الق�ضايا التي يثور حولها جدل كبري دو ُر االتحّ اد ّ‬ ‫عام ‪.1967‬‬ ‫ال�سوفيات يف هذه احلرب‪.‬‬ ‫فلقد ثار لغط كبري و�شبهات عديدة حول موقف ّ‬ ‫فال�سوفيات‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬كانوا هم �أ ّول من ن ّبه جمال عبد ال ّنا�صر عن وجود ح�شود‬ ‫ّ‬ ‫ال�سو ّرية‪.‬‬ ‫�إ�سرائيل ّية على اجلبهة ّ‬ ‫ال�سوفيات �أرادوا‬ ‫وقد تر ّدد بعد وفاة عبد ال ّنا�صر ر� ٌأي ُ‬ ‫ال�سطح ّية واله�شا�شة‪ ،‬مفاده �أنّ ّ‬ ‫�شديد ّ‬ ‫"توريط" عبد ال ّنا�صر والعرب يف حرب مع �إ�سرائيل وهم يعلمون م�سبقاً ب�ضعف العرب‬ ‫وعدم ا�ستعدادهم للحرب واحتماالت هزميتهم على يد �إ�سرائيل القوية!‬ ‫ــــ‪ ‬وبخا�صة م�صر وجمال عبد ا ّلنا�صر‪ ‬ــــ معتمدين‬ ‫ال�سوفيات رغبوا يف �أن يبقى العرب‬ ‫ّ‬ ‫و�أنّ ّ‬ ‫ال�سوفياتي!‬ ‫ال�سالح ّ‬ ‫ال�سوفيات‪ ،‬ب�سبب هزميتهم وحاجتهم �إىل ّ‬ ‫على ّ‬ ‫وهو تف�سري هز ّيل وال ّ‬ ‫�شك!‬ ‫قد ي�صلح لت�سلية الأطفال قبل النوم‪...‬‬ ‫ال�سوفيات لدور م�صر يف املنطقة وتقديرهم جلمال عبد ال ّنا�صر‬ ‫لك ّنه ال ي�ستقيم مع ر�ؤية ّ‬ ‫‪5‬‬


‫"تقدمي" لهم يف املنطقة!‬ ‫ك�أف�ضل �صديق‬ ‫ّ‬

‫ئي�سي للمعلومات التي وردت للقاهرة يف‬ ‫‪� ‬صحيح �أنّ االتحّ اد ّ‬ ‫ال�سوفياتي كان هو امل�صدر ال ّر ّ‬ ‫مايو ‪.1967‬‬ ‫ال�سوفيات كانوا‬ ‫ال�سوفيات ّية ّ‬ ‫فقد ورد يف بيان احلكومة ّ‬ ‫ال�صادر يف ‪ 23‬مايو ‪ ،1967‬ماي� ّؤكد �أنّ ّ‬ ‫هم م�صدر تلك املعلومات‪.‬‬ ‫يقول البيان‪" :‬وقد �صدرت الأوامر فع ًال يوم ‪� 19‬أبريل بتحريك ق ّوات �إ�سرائيل ّية �إىل �سوريا‪.‬‬ ‫وتبينّ بجالء �أنّ �إ�سرائيل مل تكن لت�ستطع �أن تنهج هذا ال ّنهج مامل تكن حتظى بال ّت�شجيع‬ ‫املبا�شر وغري املبا�شر ملوقفها هذا من جانب دوائر ا�ستعمار ّية مع ّينة" (نورا حممد ماهر‪ ،‬ال ّنك�سة‬ ‫‪ ،67‬م�صر ومع�ضلة املعلومات‪ ،‬دار الهدى لل ّن�شر وال ّتوزيع)‪.‬‬ ‫‪ ‬بل �إنّ بع�ض القادة الع�سكر ّيني امل�صر ّيني وا ّلذين متّت �إدانتهم يف املحاكمات ا ّلتي تلت‬ ‫الهزمية‪ ،‬كانوا قد راحوا يكتبون مذكراتهم يتن�صلون فيها من م�س�ؤولية الهزمية ويو ّزعون ال ّتهم‬ ‫مييناً وي�ساراً‪.‬‬ ‫�ضد‬ ‫ال�سوفياتي ّ‬ ‫وكان من تلك اال ّتهامات ما �أوحى به بع�ضهم من "احتمال" تواط�ؤ االتحّ اد ّ‬ ‫م�صر يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫ال�س ّيد �صالح ن�صر رئي�س املخابرات العا ّمة يف م�صر وقت احلرب‪.‬‬ ‫ومنهم‪ ،‬على �سبيل املثال‪ّ ،‬‬ ‫ال�سادات‬ ‫وقد ُحوكم بعد ال ّنك�سة ُ‬ ‫بال�سجن ملدة �أربعني عاماً‪ ،‬ثم �أفرج عنه �أنور ّ‬ ‫وح ِكم عليه ّ‬ ‫ال�سبعينات‪.‬‬ ‫يف ّ‬ ‫ال�سوفيات ّية ا ّلتي التقطت‬ ‫فقد ذكر‪� :‬أنه ّمت ت�سريب معلومات لعبد ال ّنا�صر عن طريق البحر ّية ّ‬ ‫ال�سور ّية الإ�سرائيل ّية لغزو‬ ‫�إ�شارات �صادرة من تل �أبيب توحي بقيام ح�شود على احلدود ّ‬ ‫ال�سوفيات ّية يف تل �أبيب تفيد نف�س‬ ‫ال�سفارة ّ‬ ‫�سوريا‪ .‬كما قامت �إ�سرائيل بت�سريب معلومات �إىل ّ‬ ‫املعنى‪ .‬و�أ�سرع ال�سوفيات يف تو�صيل هذه املعلومات �إىل ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر‪.‬‬ ‫ويع ّلق �صالح ن�صر على ذلك قائ ًال‪" :‬وهنا عالمة ا�ستفهام على هذا الأمر لأت�ساءل‪ :‬هل‬ ‫ال�سوفيات فنقلوا هذه املعلومات بح�سن ن ّية �إىل عبد ال ّنا�صر؟ وهذا يف‬ ‫خدع الإ�سرائيل ّيون ّ‬ ‫وفياتي بتحليل هذه‬ ‫ر�أيي �أمر بعيد االحتمال‪ ،‬ومن املفرو�ض �أن يقوم جهاز املخابرات ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫‪6‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫املعلومات وتقييمها قبل �أن ير�سلها �إىل عبد ال ّنا�صر"‪�( .‬صالح ن�صر‪ ،‬الأ�سطورة وامل�آ�ساة)‪.‬‬ ‫وفياتي �ضح ّية خديعة �إ�سرائيل ّية‪ .‬وبال ّتايل ال‬ ‫�إنّ �صالح ن�صر ي�ستبعد �أن يكون االتحّ اد ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�سوفيات هم ا ّلذين خدعوا عبد ال ّنا�صر!‬ ‫يبقى �إلاّ احتمال �أن يكون ّ‬ ‫‪� ‬أما الفريق عبد املح�سن مرجتي قائد جبهة القتال يف �سيناء عام ‪ ،1967‬فيقول‪�" :‬إنّ رو�سيا‬ ‫لديها جهاز خمابرات على �أعلى م�ستوى وكانت تعلم �أ ّنه ال يوجد مثل هذه احل�شود‪،‬‬ ‫و ُي ّ‬ ‫املوجهة �إليه من وزير‬ ‫وفياتي يف �إ�سرائيل ّ‬ ‫الدعوة ّ‬ ‫ال�سفري ّ‬ ‫�ستدل على ذلك برف�ض ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫إ�سرائيلي مل�صاحبته يف جولة يف اجلليل ومناطق احلدود لريى بنف�سه �أ ّنه لي�ست‬ ‫الدفاع ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سابق �صفحة‬ ‫هناك �أية ح�شود ع�سكر ّية �إ�سرائيل ّية"‪( .‬نق ًال عن نورا حممد ماهر‪ ،‬امل�صدر ّ‬ ‫‪.)120‬‬ ‫ال�سابقة ا ّلتي يقول بها قادة الهزمية ــــ‪ ‬ا ّلذين ّمت حماكتمهم �أو عزلهم‪ ‬ــــ‬ ‫وعلى عك�س الآراء ّ‬ ‫ال�سوفيات‪ّ ،‬‬ ‫ال�صدد‬ ‫ولعل �أدقّ رواية ميكن االعتماد عليها يف هذا ّ‬ ‫يذهب �آخرون �أ ّنه ّمت خداع ّ‬ ‫لعدة �سنوات قبل احلرب وبعدها‪� .‬إذ‬ ‫ال�سفري مراد غالب �سفري م�صر يف مو�سكو ّ‬ ‫هي رواية ّ‬ ‫ال�صدد يقول مراد‬ ‫ال�سور ّية‪ .‬ويف هذا ّ‬ ‫كان �أ ّول "�إنذار" بوجود ح�شود �إ�سرائيل ّية على احلدود ّ‬ ‫ال�سادات يف �أوائل الأ�سبوع‬ ‫ين‬ ‫غالب‪" :‬كنت يف حفل وداع الوفد الربملا ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫امل�صري برئا�سة �أنور ّ‬ ‫الثالث من مايو ‪ ،1967‬عندما �أبلغني �سيميونوف �أنّ هناك ح�شوداً �إ�سرائيل ّية على �سوريا‪ ،‬وملّا‬ ‫عما يقرتحه ملواجهة ذلك‪ ،‬قال‪ :‬نحن نب ّلغكم فقط (!)‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ا�ستفهمت منه ّ‬ ‫ال�سادات و�أبلغته باملعلومات واقرتحت عليه �أ ّنه ما دام �سيغادر مو�سكو‬ ‫ُ‬ ‫ال�سيد �أنور ّ‬ ‫ذهبت �إىل ّ‬ ‫ال�سادات وقال‪:‬‬ ‫باكر �صباحاً‪ ،‬فيمكنه تو�صيل هذه املعلومة �إىل ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر‪ ،‬فرف�ض ّ‬ ‫عليك �أنت �إبالغها فوراً لعبدال ّنا�صر (!)‪.‬‬ ‫ال�سوفيات �أبلغوها للقيادة الع�سكر ّية امل�صر ّية وطبعاً‬ ‫ُ‬ ‫وقمت بذلك‪ ،‬وعلمت فيما بعد �أنّ ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية بذلك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫علمت القيادة ّ‬ ‫أر�سلت �إىل القاهرة برق ّية عقب �سماعي بخرب احل�شود فوراً‪ ،‬ولكني �أ�ضفت �إليها هذه‬ ‫‪ ‬وقد � ُ‬ ‫الفقرة‪" :‬وقد ترون عر�ض املو�ضوع على الأمم امل ّتحدة‪ "...‬وذلك خلويف �أن ننج ّر �إىل حرب"‪.‬‬ ‫‪ ‬وي�ستطر ُد الدكتور مراد غالب‪" :‬ثم قام الفريق فوزي ومعه م�ست�شاروه الع�سكر ّيون‬ ‫ال�سور ّية اجلبهة بطائرة هليكوبرت‪ ،‬وعادوا‬ ‫بزيارة �سوريا‪ .‬وزار هو والقيادة الع�سكر ّية ّ‬ ‫‪7‬‬


‫ي�ؤكّ دون �أ ّنه ال توجد ح�شود على �سوريا‪.‬‬ ‫و�أبلغت املاري�شال غريت�شكو بنتيجة ال ّزيارة ف� ّأكد �أنّ هناك ح�شوداً �إ�سرائيل ّية على وجه‬ ‫اليقني(!)‪ ،‬و�أنهم يعلمون تفا�صيلها حتى �أ�سماء قادة الألوية‪ ،‬بل و�أ�سماء قادة الكتائب‪ ،‬وقال‬ ‫يتعجب من كالم الفريق فوزي (!)‪.‬‬ ‫�إنه ّ‬ ‫ّثم تداعت الأحداث كما هو معروف‪ ،‬وح�شدنا قوتنا امل�س ّلحة على احلدود‪ ،‬وا�ستدعينا مائة‬ ‫�ألف من االحتياطي‪ ،‬وو�صل املوقف �إىل منتهى ال ّتوتر و�أغلقنا م�ضيق تريان"‪.‬‬ ‫ال�سفري مراد غالب هذا التناق�ض يف املعلومات‪ ،‬ب�أنّ املعلومات ا ّلتي و�صلت بهذه‬ ‫‪ ‬ويف�سر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اال�سرتاتيجي على �أهداف وح�شود‬ ‫ال�سوفيات قد �س ّربها الإ�سرائيل ّيون عمداً لل ّتمويه‬ ‫ّ‬ ‫الدقّة �إىل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سوفيات قد �أبلغوه ب�أنّ لهم رجا ًال‬ ‫ال�سفري مراد غالب �إىل القول‪" :‬ب�أنّ ّ‬ ‫�إ�سرائيل‪ .‬كما ذهب ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪ ،‬مما �سبق يت�ضح احتمال �أن يكون ه�ؤالء قد �س ّربوا هذه‬ ‫داخل جمل�س الوزراء ال‬ ‫ّ‬ ‫عما يجري الترّ تيب له على اجلبهة امل�صر ّية"‪( .‬مراد‬ ‫املعلومات عمداً ل�صرف الأنظار بعيداً ّ‬ ‫وال�سادات‪� .‬سنوات االنت�صار و�أ ّيام املحن‪ .)121 ،‬‬ ‫غالب‪ ،‬مع عبد ال ّنا�صر ّ‬ ‫�إ�رسائيل مري�ضة ب�سوريا!‬

‫‪ ‬والواقع �أنّ ال ّتف�سريين غري �صحيحني على �ضوء ما ك�شفت عنه الوثائق الإ�سرائيل ّية اجلديدة‪،‬‬ ‫وما يقول به منطق الوقائع‪.‬‬ ‫ولقد حاول الأ�ستاذ حممد ح�سنني هيكل تف�سري واقعة احل�شود الإ�سرائيل ّية معتمداً على‬ ‫احلديدي"‪.‬‬ ‫تف�سريات الأ�ستاذ �آيف �شالمي يف كتابه "احلائط‬ ‫ّ‬ ‫متعمدة ل�سوريا يف‬ ‫ويعتمد هيكل فيها على اعرتافات مت� ّأخرة ملو�شيه ديان عن ا�ستفزازات ّ‬ ‫والدخول يف حرب يتم فيها‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬بهدف توريط عبد ال ّنا�صر بالوقوف مع �سوريا ّ‬ ‫ا�صطياد عبد ال ّنا�صر وفق خطة �إ�سرائيل ّية – �أمريك ّية �سابقة ُتعرف با�سم ّ‬ ‫"خطة ا�صطياد‬ ‫ومي"‪ .‬وقد ذكر الأ�ستاذ هيكل هذه الوثائق اجلديدة يف كتابه "عام من الأزمات"‬ ‫ّ‬ ‫الديك ال ّر ّ‬ ‫‪.2001 -2000‬‬ ‫‪� ‬أو ًال‪� :‬إنّ الوثائق الإ�سرائيل ّية ا ّلتي ّمت الك�شف عنها يف كتاب "احلائط احلديدي" لآيف‬ ‫�شالمي تك�شف اعرتافات مت� ّأخرة ملو�شي ديان ال�ستفزاز �سوريا‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫مهمة الت� ّأكد من‬ ‫ال�سوفيات مل�صر مبعلوماتهم عن ‪ ‬احل�شود الإ�سرائيل ّية �ألقى ّ‬ ‫ثانياً‪� :‬إنّ �إبالغ ّ‬ ‫امل�صري‪ ،‬ا ّلذي �أ�صبح ح َّر ال ّت�ص ّرف يف املعلومات‬ ‫�صحة هذه املعلومات على عاتق اجلانب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ّلتي ح�صل عليها والتحقّق منها بال ّت�أكيد �أو ال ّنفي‪.‬‬ ‫ال�سوفيات ووزير احلرب ّية �شم�س بدران ا ّلتي متّت على جل�ستني‪،‬‬ ‫‪ ‬ثالثاً‪� :‬إنّ وقائع املحادثات بني ّ‬ ‫ال�سوفيات مل�صر بعدم ال ّتو ّرط‬ ‫الأوىل يف ‪ 26‬مايو والثانية يف ‪ 27‬مايو‪ ،‬تظهر بو�ضوح حتذيرات ّ‬ ‫يف حرب مع �إ�سرائيل رغم ّ‬ ‫لل�سوفيات بوجود ح�شود �إ�سرائيل ّية‬ ‫كل املعلومات اال�ستخباراتية ّ‬ ‫�ضد م�صر و�سوريا!‬ ‫ون ّية للقيام بهجوم �شامل ّ‬ ‫امل�صري برئا�سة‬ ‫ن�ص –‪ ‬تلخي�ص‪ – ‬املحادثات ا ّلتي متّت بني الوفد‬ ‫ّ‬ ‫ومن املفيد هنا ذكر ّ‬ ‫وفياتي �إليك�سي كو�سيجني‪.‬‬ ‫وزير احلرب ّية –‪� ‬آنذاك‪� – ‬شم�س بدران‪ ،‬ورئي�س الوزراء ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫فمدلوالت الألفاظ وا�ضحة‪ ،‬ح�سب ما جاء يف ّ‬ ‫ال�س ّيد �أمني هويدي ا ّلذي توىل‬ ‫مذكرات ّ‬ ‫من�صب وزير احلرب ّية ورئي�س املخابرات يف �أعقاب الهزمية‪.‬‬ ‫وفياتي املوقف‬ ‫‪ ‬يقول �أمني هويدي‪ّ " ..." :‬خل�ص" �أليك�سي كو�سيجني رئي�س الوزراء ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫وفياتي يف العبارات ال ّتالية‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫�ضد �سوريا �أبلغناكم بذلك‪ ،‬وكانت املعلومات �صريحة‬ ‫‪" ‬عندما ح�شدت �إ�سرائيل ق ّواتها ّ‬ ‫و�أظهرت احلوادث �سالمة �سيا�سة اجلمهورية العرب ّية امل ّتحدة‪ ،‬مما دفع بالأنظمة العرب ّية ال ّرجع ّية‬ ‫�إىل ت�أييد �إجراءتكم خوفاً من الر�أي العام‪ ،‬فال�شّ عوب حلفا�ؤكم ولي�س احلكومات"‪.‬‬ ‫وي�ستطرد كو�سيجني‪" :‬معلوماتنا ت� ّؤكد وجود ن�شاط كبري يف �إ�سرائيل‪ ،‬وقد تقوم بعمل ّيات‬ ‫ع�سكر ّية يف نهاية �أيار‪/‬مايو فهم يج ّهزون لتوجيه �ضربة (؟!) واملعروف �أ ّنه عندما تن�شب‬ ‫العمل ّيات الع�سكر ّية �صعب على العامل معرفة من بد�أها‪ .‬و�أنا �أفهم وجهة نظر عبد ال ّنا�صر هي‬ ‫�أن يزداد ال ّتوتر على احلدود‪ ،‬ولكن ب�صورة ال ت�ؤ ّدي �إىل عمل ّيات ع�سكر ّية‪ ،‬فقد ح�صلتم على‬ ‫ّ‬ ‫كل ما تريدون‪ ...‬ونحن نرى االكتفاء مبا و�صلتم �إليه‪ :‬ان�سحاب ق ّوات الطوارئ و�سيطرتكم على‬ ‫ولكن العدو لن يوافق على �إغالق اخلليج متاماً"‪.‬‬ ‫اخلليج‪ ،‬قواتكم يف غزة‪ ،‬ماذا تريدون �أكرث؟ ّ‬ ‫ثم ي�ضيف كو�سيجني بو�ضوح ح�سب حم�ضر اجلل�سة‪" :‬نحن نعترب ال ّنقا�ش حول ّ‬ ‫الطاولة‬ ‫مف�ض ًال على املعارك احلرب ّية مع �إظهار الق ّوة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف�إذا قبلتم هذه الأفكار تكون �أفكارنا متطابقة‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫وبخ�صو�ص طلباتكم الع�سكر ّية ّقدموها لوزير دفاعنا‪ ،‬ولكن هذه الأمور يجب �ألاّ ت�ساعد على‬ ‫احلرب‪ ،‬لأنّ عدم قيام حرب يف م�صلحتكم واملعلومات ا ّلتي و�صلتنا اليوم تقول �إن هناك‬ ‫داخل ا�سرائيل من يدعو �إىل عمل ّيات ع�سكر ّية ح ّتى بعد زيارة يوثانت‪.‬‬ ‫�إنّ ت�أجيل امل�شكلة لي�س يف م�صلحة �إ�سرائيل‪ ،‬و�سوف ي�شرتك ديان يف العمل ّيات‪ ...‬وهم‬ ‫اجلوي‪.‬‬ ‫يقيمون خنادق يف تل �أبيب ويع ّززون ّ‬ ‫الدفاع ّ‬ ‫ال ّبد من ال ّت�ص ّرف العاقل والتفكري البارد‪ ،‬وال نعطي فر�صة لال�ستفزازات‪ ،‬و�سنجتمع يف‬ ‫للدفاع‪ ( .‬نق ًال عن كتاب �أمني هويدي‪،‬‬ ‫ال�ساعة العا�شرة �صباحاً لن�ستمع �إىل وزيرنا ّ‬ ‫مكتبي ّ‬ ‫امل�صري احلديث‪� ،‬صفحة ‪.)67‬‬ ‫حرب ‪� ،1967‬أ�سرار وخبايا‪ ،‬املكتب‬ ‫ّ‬ ‫ال�سوفيات وت� ّأكدهم من معلوماتهم عن ن ّية �إ�سرائيل‬ ‫‪ ‬وا�ضح –‪� ‬أو ًال‪ - ‬من ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ن�ص اجلل�سة يقني ّ‬ ‫وا�ستعداداتها لبدء عمل ّيات ع�سكر ّية‪.‬‬ ‫ال�سوفيات مناورة عبد ال ّنا�صر ال ّتكتيك ّية يف‬ ‫ووا�ضح –‪ ‬ثانياً‪ - ‬من هذه اجلل�سة "تف ّهم" ّ‬ ‫الدخول يف حرب ع�سكر ّية واالكتفاء باملكا�سب "ال ّتكتيك ّية" يف‬ ‫ت�صعيد املوقف من دون ّ‬ ‫قول كو�سيجني‪" :‬لقد ّمت �سحب قوات ّ‬ ‫وال�سيطرة على خليج العقبة‪ ...‬وماذا تريدون‬ ‫الطوارئ ّ‬ ‫�أكرث؟"‪.‬‬ ‫ال�سوفيات ال يريدون الو�صول بالأزمة �إىل حالة احلرب‪ ،‬لأ ّنها كما قال‬ ‫ووا�ضح ثالثاً �أنّ ّ‬ ‫كو�سيجني بو�ضوح‪" :‬لي�ست يف م�صلحتكم" (!)‪.‬‬ ‫ال�سوفيات قد قبلوا مبطالب م�صر الع�سكر ّية من حيث‬ ‫ووا�ضح –‪ ‬رابعاً‪ – ‬من ال ّن�ص �أنّ ّ‬ ‫وفياتي‪.‬‬ ‫املبد�أ‪ ،‬و�أ ّنه �سيتم عر�ض هذه املطالب على وزير ّ‬ ‫الدفاع ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�سوفيات‬ ‫اجلل�سة الثّانية من املباحثات مع ّ‬

‫�إذا انتقلنا �إىل اجلل�سة الثّانية املنعقدة يف اليوم ال ّتايل ‪ 27‬مايو ‪ ،1967‬فقد انعقدت يف موعدها‬ ‫وفياتي املاري�شال غريت�شكو‪� ،‬سنجد‬ ‫ال�سوفيات‪ ،‬بح�ضور وزير ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدفاع ّ‬ ‫املحدد يف مق ّر رئا�سة ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫امل�صري �شم�س بدران الآتي‪:‬‬ ‫ال�سوفيات لوزير احلرب ّية‬ ‫ّ‬ ‫يف ن�صو�صها ّمما قاله ّ‬ ‫‪" -1‬بعثنا ر�سالة �إىل رئي�س وزراء �إ�سرائيل ّ‬ ‫نحذرهم من بدء العدوان‪ .‬و�سرن�سل اليوم‬ ‫مت�ضمنة ر�أينا ب�أنّ م�ساعداتها لإ�سرائيل تزيد‬ ‫ر�سالة �إىل رئي�س الواليات امل ّتحدة الأمريكية ّ‬ ‫‪10‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫حدة ال ّتوتر‪ ،‬و�سنخربه ب�أ ّنه �إذا قامت �إ�سرائيل بالعدوان ف�إنّ الواليات امل ّتحدة �ستكون‬ ‫من ّ‬ ‫يف نظرنا هي املعتدية‪.‬‬ ‫و�سن� ّؤكد �أن عواطفنا مع العرب‪ ...‬و�سرن�سل ر�سالة �أي�ضاً �إىل بريطانيا لتو�ضيح موقفنا"‪.‬‬ ‫"ق�سمنا طلباتكم من الأ�سلحة �إىل ثالثة �أق�سام‪:‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫�سيتم �شحنها ك ّلها تقريباً يف متوز‬ ‫الق�سم الأول ّ‬ ‫اخلا�ص بالعقود املفرو�ض تنفيذها عام ‪ّ 1968‬‬ ‫و�آب (يوليو و�أغ�سط�س) هذا العام (�أي ‪.)1967‬‬ ‫واخلا�ص بالطلبات اجلديدة‪ ،‬فقد �صدرت ال ّتعليمات ب�سحبها من خمازن‬ ‫�أ ّما الق�سم الثّاين‬ ‫ّ‬ ‫الوزارة و�شحنها فوراً (!)‪.‬‬ ‫�أ ّما بال ّن�سبة �إىل الق�سم الثّالث فقد ات�صلنا بامل�صانع و�سنخطركم بالقرار خالل ع�شرين يوماً‪.‬‬

‫هذا بخالف موافقتنا – بناء على طلب ال ّرئي�س نا�صر – على �إمدادكم بـ ‪ 40‬طائرة ميج‪،‬‬ ‫ال�سعر �إىل ‪ % 50‬ب�سبب‬ ‫يا�سي يف اجتماعه �أم�س تخفي�ض ّ‬ ‫‪ 100‬م�صفّحة‪ ،‬كما ق ّرر املكتب ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫الظروف احلال ّية"‪( .‬كان املتبع دفع ثلثي ثمن الأ�سلحة على ع�شر �سنوات بفائدة ‪.)% 2‬‬ ‫ال�سالم‬ ‫‪�" -3‬إن �إمدادات الأ�سلحة لكم ول�سوريا هدفها �ألاّ يحدث ا�شتباك م�س ّلح‪ ،‬لأ ّننا نريد ّ‬ ‫من خالل الق ّوة‪ ،‬وقد و�صلت برقية الآن من �سفرينا يف تل �أبيب عن مقابلته مع ا�شكول‪،‬‬ ‫وا ّلتي � ّأكد فيها رئي�س وزراء �إ�سرائيل �أ ّنهم ال ي�سعون �إىل احلرب و�أنّ وا�شنطن تدعوهم �إىل‬ ‫ال ّتحفّظ"‪.‬‬ ‫***‬ ‫ال�سوفيات للطلبات امل�صر ّية و"كرمهم" يف‬ ‫وا�ضح من هذه اجلل�سة – �أو ًال ‪ -‬ا�ستجابة ّ‬ ‫امل�صري �شم�س بدران‪ .‬فالعقود ا ّلتي ّمت االتفاق عليها م�سبقاً‬ ‫ال ّتعامل مع طلبات وزير احلرب ّية‬ ‫ّ‬ ‫ّمت الإ�سراع يف تنفيذها لت�صل �إىل م�صر خالل يوليو و�أغ�سط�س‪� .‬أ ّما الطلبات اجلديدة "ف�سيتم‬ ‫�سحبها من املخازن و�شحنها فوراً"‪ .‬والطلبات الأخرى �سيتم االت�صال بامل�صانع و�إخطار م�صر‬ ‫باملوقف خالل ع�شرين يوماً‪.‬‬ ‫ووا�ضح – ثانياً – �أن ال�سوفيات ال يريدون الو�صول �إىل نقطة احلرب‪ ،‬و�أ ّنهم ال ي�شجعون‬ ‫ال�صدام بل ّ‬ ‫ال�سالح وتنفيذها‬ ‫على ّ‬ ‫ويحذرون من االعتقاد �أن موافقتهم على طلبات ّ‬ ‫‪11‬‬


‫وال�صدام‪.‬‬ ‫تعني موافقتهم على احلرب ّ‬ ‫اجلد من اجلانب‬ ‫وال�صريحة مل ت�ؤخذ على حممل ّ‬ ‫�إنّ حتذيرات �إلك�سي كو�سيجني الوا�ضحة ّ‬ ‫امل�صري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�سوفيات‪:‬‬ ‫يهمني �أن �أث ّبت بع�ض املالحظات يف ما ّ‬ ‫وهنا ّ‬ ‫يخ�ص موقف ّ‬ ‫‪� ‬أو ًال‪� :‬إن القادة الع�سكر ّيني امل�صر ّيني ا ّلذين متّت حماكتمهم بعد الهزمية (عبد احلكيم عامر‪،‬‬ ‫�شم�س بدران‪� ،‬صالح ن�صر‪ ،‬عبد املح�سن مرجتي‪� ،‬أنور القا�ضي وغريهم) حاولوا �إل�صاق‬ ‫يخ�ص احل�شود الإ�سرائيل ّية على �سوريا‬ ‫تهم ّ‬ ‫بال�سوفيات مفادها‪ :‬ت�ضليل م�صر يف ما ّ‬ ‫متعددة ّ‬ ‫وا�ستعداداتها الع�سكر ّية‪.‬‬ ‫اال�سرتاتيجي التي‬ ‫‪ ‬ثانياً‪� :‬إنّ الوثائق الإ�سرائيل ّية اجلديدة �أو�ضحت بجالء خطط اخلداع‬ ‫ّ‬ ‫قامت بها �إ�سرائيل يف اجلوالن بهدف توريط عبد النا�صر والعرب يف احلرب‪.‬‬ ‫وهو ما ال يدع جماالً لل�شكّ ‪ -‬يف �صحة املعلومات اال�ستخبارات ّية ا ّلتي ح�صل عليها‬ ‫ال�سوفيات‪ ،‬وا ّلتي ّمت نقلها فوراً �إىل اجلانبني امل�صري وال�سوري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وال�صدام‪� ،‬إلاّ �أنهم‬ ‫ال�سوفيات بت�صعيد ال ّتوتر �إىل ّ‬ ‫حد احلرب ّ‬ ‫‪ ‬ثالثاً‪� :‬إنه رغم عدم اقتناع ّ‬ ‫ان�صاعوا لل ّرغبة العرب ّية‪ ،‬امل�صر ّية ّ‬ ‫بالذات‪ ،‬يف ال ّت�صعيد للح�صول على مكا�سب "تكتيك ّية"‬ ‫(�سحب ق ّوات ّ‬ ‫وال�سيطرة على اخلليج)‪.‬‬ ‫الطوارئ ّ‬ ‫ولك ّنهم يف الوقت ذاته ّ‬ ‫امل�ضي �أكرث من ذلك (فاحلرب لي�ست يف م�صلحتكم!)‪.‬‬ ‫يحذرون من ّ‬ ‫ال�سوفيات به�شا�شة اال�ستعدادات العربية حلرب "جد ّية" مع‬ ‫وال�س�ؤال ّ‬ ‫املهم‪ :‬هل كان يعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫�إ�سرائيل؟ هل �أرادوا جتنيب العرب وجتنيب �أنف�سهم هزمية ال ّنظامني احلليفني لهم يف املنطقة‪،‬‬ ‫م�صر و�سوريا‪ ،‬بالتحذيرات الوا�ضحة من احلرب؟!‬ ‫‪� ‬أعتقد �أن ال�سوفيات مل يكونوا بعيدين ‪ -‬ا�ستخبارات ّياً و�سيا�س ّياً ‪ -‬عن الأو�ضاع "املنفلتة‬ ‫واملنفل�شة" يف اجلي�شني‬ ‫وري!‬ ‫وال�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫امل�صري ّ‬ ‫الطّ ريق �إىل الهزمية‬

‫ال�سوفيات مع الوزير �شم�س بدران‪ ،‬فيذكرها �أمني هويدي ا ّلذي توىل من�صب‬ ‫�أما بق ّية ق�صة ّ‬ ‫‪12‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫وزير احلرب ّية بعد الهزمية الع�سكر ّية يف كتابه "خم�سون عاماً يف العوا�صف" ويف كتابه "حرب‬ ‫‪ ." 1967‬حيث نراه يقول‪�" :‬إن �صورة حم�ضر االجتماع بني الوزير �شم�س بدران ورئي�س‬ ‫ال�سوفياتي �إليك�سي كو�سيجني ّمت �إر�سالها �إىل ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر‪ ...‬ولك ّنه مل يقر�أها‬ ‫الوزراء ّ‬ ‫�شفوي من الوزير �شم�س‬ ‫�إال بعد انتهاء احلرب لأنّ وقته مل ي�سمح �إال باال�ستماع �إىل تقرير ّ‬ ‫حد كبري بحديث عابر للمار�شال غريت�شكو �أثناء توديعه يف املطار‪� ...‬إذ‬ ‫ا ّلذي كان مت�أثّراً �إىل ّ‬ ‫قال له وهو على �س ّلم ّ‬ ‫الطائرة يف طريق العودة‪" :‬على العموم �أ�ساطيلنا حتت �أمركم" علماً ب�أنّ‬ ‫حديث غريت�شكو مل يكن �إلاّ "حديث طريق" لرفع ال ّروح املعنو ّية للوزير وهو يغادر مو�سكو‪،‬‬ ‫لل�سفري مراد غالب حينما �س�أله عن معنى ما قاله‬ ‫ال�سوفياتي بنف�سه ّ‬ ‫ح�سبما قال املار�شال ّ‬ ‫امل�صري"‪.‬‬ ‫للوزير‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬وي�ضيف هويدي‪" :‬ويبدو �أنّ ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر �صدق ما نقله �إليه الوزير لأ ّنه قال لأع�ضاء‬ ‫جمل�س الأ ّمة يوم ‪ 1967 /05 /30‬حينما اجتمع معهم يف ق�صر القبة ليبلغوه بقرار جمل�س‬ ‫الأ ّمة "تفوي�ضه" بقرار احلرب‪.‬‬ ‫‪ ‬ويقول هويدي ولقد ا�ستمع جمل�س الوزراء – وقد كنت ع�ضواً فيه( وزير دولة ل�ش�ؤون‬ ‫جمل�س الوزراء) – �إىل بيان وزير احلربية �شم�س بدران عر�ض فيه بع�ض اخلرائط ا ّلتي �سارع‬ ‫معدة من قبل‪ ...‬وهو يبت�سم ابت�سامة ال ت ّتفق مع‬ ‫بع�ض ال�ضباط �إىل و�ضعها على لوحات ّ‬ ‫خطورة االجتماع والأو�ضاع (يق�صد الوزير �شم�س بدران)‪ ( .‬نق ًال عن �أمني هويدي‪ .‬حرب‬ ‫‪� ،1967‬ص ‪.)70 ‬‬ ‫‪ ‬ويهمني هنا �أن يطالع القارئ بنف�سه ما كتبه الوزير �أمني هويدي عن وقائع جل�سة جمل�س‬ ‫ّ‬ ‫الوزراء ا ّلتي نوق�ش فيها مو�ضوع احلرب تف�صيل ّياً‪ .‬ويف ر�أيي �أنّ وقائع تلك اجلل�سة كانت غريبة‪،‬‬ ‫لأ ّنها ُتبينّ بو�ضوح طريقة ا ّتخاذ القرار يف الدولة‪ .‬يقول هويدي‪ ..." :‬وكان البيان (يق�صد‬ ‫بيان وزير احلرب ّية يف اجتماع جمل�س الوزراء) ي�ؤكد الثّقة بالنف�س وبالقدرة القتالية‪ ...‬وحينما‬ ‫للدولة ل�ش�ؤون جمل�س الوزراء – قلقي من الأو�ضاع املحل ّية والعرب ّية‪،‬‬ ‫�أبديت – ب�صفتي وزيراً ّ‬ ‫تدخل الأ�ساطيل امل ّوزعة يف املنطقة‪ ،‬ر ّد وزير احلرب ّية – بنف�س االبت�سامة والثقة‬ ‫ومن احتمال ّ‬ ‫تدخل الأ�سطول الأمريكي فنحن كفيلون به (!)"‪.‬‬ ‫– "�إذا ّ‬ ‫وانتهى اجتماع جمل�س الوزراء من دون اعرتا�ضات من �أحد"‪ ( .‬هويدي‪ ،‬حرب ‪.)...1967‬‬ ‫‪13‬‬


‫بدران ي�رشح خطّ ة الهجوم يف مو�سكو‬

‫ال�سرد‬ ‫امل�صري �شم�س بدران يف مو�سكو و�سلوكه العا ّم‬ ‫�إن ق�صة لقاءات وزير احلرب ّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ت�ستحق ّ‬ ‫تنم عن العقل ّية ا ّلتي م ّيزت عبد احلكيم عامر ورجاله‪ ،‬وت�شي‬ ‫ب�شيء من ال ّتف�صيل‪ ،‬لأ ّنها ّ‬ ‫بالدرجة العالية من اال�ستهتار والغرور ا ّلتي م ّيزتهم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ف�شم�س بدران هو �أحد رجال عبد احلكيم عامر والتايل له يف امل�س�ؤولية‪.‬‬ ‫‪ ‬وي�صف الدكتور مراد غالب وقائع هذه اللقاءات مبا يدعو �إىل الده�شة‪� .‬إذ نراه يقول‪" :‬كان‬ ‫�شم�س بدران ال ّرجل الثّاين يف الق ّوات امل�س ّلحة بعد امل�شري عامر‪ ...‬ومن �أقرب الع�سكريني‬ ‫�إليه‪ .‬وقبل حرب يونيو بع�شرة �أيام‪ ،‬جاء �شم�س بدران �إىل مو�سكو‪ ،‬وكان وزيراً للحرب ّية‬ ‫والع�سكري املتو ّتر يف املنطقة للقيادة‬ ‫يا�سي‬ ‫ّ‬ ‫ال�سوفياتي‪ ،‬لي�شرح املوقف ّ‬ ‫يف زيارة لالتحّ اد ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�سوفيات على انفراد‪ ،‬على �أن �أكون معه‬ ‫ال�سوفياتية‪ .‬طلب �شم�س �أن يكون لقا�ؤه مع الزعماء ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقط كطلب امل�شري عبد احلكيم عامر‪)!(.‬‬ ‫الدفاع‪ .‬وقد قابله عند و�صوله �إىل املطار‪ ،‬ثم قابله يف‬ ‫وكان �أول لقاء مع املاري�شال غريت�شكو وزير ّ‬ ‫عما �سيقوله‬ ‫مكتبه يف وزارة ّ‬ ‫ال�سوفياتية مقابلة ر�سم ّية �أوىل‪ .‬و�س�أله املاري�شال غريت�شكو ّ‬ ‫الدفاع ّ‬ ‫لرئي�س الوزراء كو�سيجني يف لقائه معه‪ ...‬ورد �شم�س بدران بكالم بعيد عن حدود اللياقة �إذ‬ ‫قال له‪ :‬لو �أنيّ �أبلغتك مبا �س�أقوله لكو�سيجني فم الذي �سوف �أقوله له عندما �أقابله؟ (!)‬ ‫وامتع�ض غريت�شكو (!)‪.‬‬ ‫ولك ّنه انتقل بالكالم �إىل �س�ؤاله‪� :‬إذن هل �أغلقتم م�ضيق تريان؟‬

‫ور ّد عليه �شم�س بدران‪ :‬نعم �أغلقناه (وعقب اللقاء �أبلغني �شم�س بدران �أ ّننا مل نغلق امل�ضيق‬ ‫حتى الآن !)‪.‬‬ ‫قال غريت�شكو‪ :‬لأفرت�ض �أنّ‬

‫�سفينة �إ�سرائيل ّية �أرادت املرور من امل�ضيق؟‬

‫قال �شم�س‪� :‬سوف نوقفها‪.‬‬ ‫لل�س�ؤال‪ :‬و�إذا كانت تابعة ل ّأي دولة �أخرى؟‬ ‫فعاد غريت�شكو ّ‬

‫�أجابه �شم�س‪� :‬سنقف ّ‬ ‫بكل حزم ولن ن�سمح لها باملرور‪.‬‬ ‫‪14‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫قال غريت�شكو‪ :‬افرت�ض �أنّ‬

‫�سفناً حربية �أمريكية هي ا ّلتي جاءت؟‬

‫�أجابه �شم�س‪� :‬سننذرها ب�أنّ امل�ضيق مغلق و�أ ّنها ال ت�ستطيع املرور‪.‬‬ ‫‪ ‬وراح غريت�شكو يه ّز ر�أ�سه م�ستنكراً هذا الكالم‪.)!( .‬‬ ‫لك ّنه كان يتمتع ب�صرب �أيوب‪ ،‬لأ ّنني �أنا �أي�ضاً �أ�صابتني ده�شة بالغة من هذا الكالم"‪.‬‬ ‫ال�سفري مراد غالب جانباً �آخر من احلوار بني رئي�س‬ ‫"ثم ذهبنا ملقابلة كو�سيجني"‪ .‬وهنا يروي ّ‬ ‫امل�صري وانطباعاته ال�شّ خ�ص ّية عن احلوار‪ .‬قائ ًال‪ ..." :‬راح �شم�س بدران‬ ‫الوزراء ووزير احلرب ّية‬ ‫ّ‬ ‫ي�شرح و�ضع احل�شود امل�صر ّية على احلدود الإ�سرائيل ّية‪ ،‬و�شرح ب�إ�سهاب �أنّ ّ‬ ‫اخلطة امل�صر ّية هي‬ ‫ّ‬ ‫خطة هجوم ّية (!)‬ ‫وقال �إنّ الق ّوات امل�صر ّية �ستنق�سم �إىل ثالث �شعب تتجه �شما ًال �إىل تل �أبيب‪ .‬و�شعبة يف‬ ‫الو�سط �إىل بري �سبع‪ .‬وال�شعبة الرابعة �ستذهب يف اجتاه �إيالت (!)‬ ‫وبعد �شرح ّ‬ ‫اخلطة تف�صيل ّياً ر ّد كو�سيجني وقال ما ي�أتي باحلرف الواحد‪" :‬نحن نعتقد �أنّ‬ ‫املوقف يف منتهى اخلطورة‪ ...‬و�أن مواجهة ق ّوات م�س ّلحة بهذا احلجم وبهذا ال ّت�سليح على‬ ‫جانبي احلدود‪ ،‬قد ت�ؤ ّدي �إىل حرب وعمل ّيات ع�سكر ّية بني اجلانبني‪ .‬ويف هذه احلالة ال‬ ‫ي�ستطيع � ّأي طرف منهما اال ّدعاء ب�أ ّنه مل يبد�أ احلرب‪ ،‬لأنّ � ّأي �شرارة معناها احلرب‪ ،‬وعليكم‬ ‫�أن ت�ضعوا هذا يف ح�سابكم"‪.‬‬ ‫وجه �إىل �شم�س بدران مبا�شرة �أ�سئلة يطلب الإجابة‬ ‫وبعد �أن �شرح كو�سيجني خطورة املوقف‪ّ ،‬‬ ‫عليها وهي‪:‬‬ ‫‪ ‬هل يف ح�ساباتكم �أنّ‬

‫الأردن لن يدخل احلرب؟‬

‫‪ ‬فر ّد عليه �شم�س بعدم اكرتاث ‪ :‬ال‪ ...‬ال‪ ...‬مل ن�ضع يف ح�ساباتنا �أنّ الأردن �سيدخل احلرب‪.‬‬ ‫وهل يف ح�ساباتكم �أن �سوريا غري جاهزة ولن تدخل احلرب؟ (!)‬ ‫‪ ‬فقال بدران‪ :‬ال‪ ...‬ال‪ ...‬لي�س يف ح�ساباتنا مطلقاً دخول �سوريا‪ .‬ونحن �أبعدنا من ح�ساباتنا‬ ‫الأردن و�سوريا)!(‪.‬‬ ‫املهم جداً – يقول مراد غالب – و�أعتقد �أن �شم�س مل يفهم معناه‪.‬‬ ‫ال�س�ؤال ّ‬ ‫وجاء ّ‬ ‫‪15‬‬


‫‪� ‬س�أل كو�سيجني‪ :‬هل يف ح�ساباتكم �أنّ‬ ‫يتدخل يف‬ ‫ال�سوفياتي لن ّ‬ ‫ال�س�ؤال �أنّ االتحّ اد ّ‬ ‫‪ ‬ويقول مراد غالب‪�" :‬إن املعنى ا ّلذي يعك�سه ّ‬ ‫احلرب"‪.‬‬ ‫‪ ‬فقال �شم�س بدران‪� :‬إنّ هذا �سوف يجعل العامل ك ّله يرى �أمامه دولة عظمى ت�ضرب دولة‬ ‫من دول العامل الثّالث‪.‬‬ ‫التعجب �أي�ضاً على وجه‬ ‫تعجبت من ردود وزير حرب ّية م�صر‪ ،‬وظهر ّ‬ ‫‪ ‬ويقول مراد غالب‪" :‬ولقد ّ‬ ‫ال�سوفياتي"‪.‬‬ ‫رئي�س وزراء االتحّ اد ّ‬ ‫وقال كو�سيجني لبدران‪ :‬عليكم تهدئة املوقف على احلدود‪.‬‬ ‫تتدخل يف هذه احلرب؟‬ ‫الواليات امل ّتحدة قد ّ‬

‫وعاد كو�سيجني يك ّرر �أن املوقف يف غاية اخلطورة وينذر بحرب وا�سعة ال ّنطاق يف ال�شّ رق‬ ‫الأو�سط‪ ،‬و�أنّ ح�شد قواتكم امل�س ّلحة على حدود �إ�سرائيل جعلها تر ّدد �أ ّنها ال تريد احلرب‬ ‫ال�سالم و�أ ّنها �أي�ضاً ال تريد الهجوم على �سوريا‪ .‬كما �أ ّنكم �أبعدمت قوات ّ‬ ‫الطوارئ‬ ‫و�أ ّنها تريد ّ‬ ‫الدول ّية عن احلدود عند خليج العقبة وم�ضيق تريان وهذا يعني �أ ّنكم �أنقذمت �سوريا و�أخفتم‬ ‫ّ‬ ‫�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف كو�سيجني‪ :‬من ناحية �أخرى فقد حقّقتم مك�سباً يتمثل يف التخ ّل�ص من �آخر بقايا‬ ‫حرب ‪ 56‬ب�إخراج ق ّوات ّ‬ ‫الدول ّية من على حدودكم وعليكم �أن حتافظوا على هذه‬ ‫الطوارئ ّ‬ ‫املكا�سب‪.‬‬ ‫�أما كيف حتافظون عليها‪ ،‬فهذا ي�ستلزم �أن تعملوا على تهدئة املوقف على احلدود مع �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫و�أي�ضا املوقف ب�صفة عا ّمة يف املنطقة‪ ،‬وال ّبد �أن ت ّتخذوا خطوات عمل ّية تثبت �أ ّنكم ال تريدون‬ ‫حرباً فع ًال"‪.‬‬ ‫‪ ‬وكان معنى كالم كو�سيجني – كما يقول مراد غالب – �أن ُت�سحب الق ّوات و�إن مل يقل‬ ‫هذا �صراحة‪.‬‬ ‫‪ ‬بعد ذلك ُعقدت اجلل�سة الثّانية من املباحثات ملناق�شة طلبات م�صر ف�أحاله كو�سيجني �إىل‬ ‫املار�شال غريت�شكو‪.‬‬ ‫ثم و�صلت يف �آخر يوم لإقامة �شم�س بدران يف مو�سكو برق ّية من القيادة الع�سكر ّية يف القاهرة‬ ‫‪16‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫تطالب بت�سليح فرقة دبابات‪ ،‬وفرقة م�شاة م�صفّحة ومدفع ّية وطلبات �أخرى كثرية‪.‬‬ ‫تعجبت من �أنّ حرباً تو�شك �أن تن�شب بعد �أ ّيام قليلة‪،‬‬ ‫ويقول مراد غالب‪" :‬ومن جانبي ّ‬ ‫ونطلب الآن هذه الأ�سلحة ا ّلتي حتتاج �إىل وقت جلمعها وتو�صيلها‪ ،‬ثم التدريب عليها‪،‬‬ ‫وت�ساءلت هل القاهرة تنتظر حرباً �أو ال تنتظر؟ (!)‪.‬‬ ‫ال�سفري امل�صري الدكتور مراد غالب عن "عجائب" �شم�س بدران يف مو�سكو‪.‬‬ ‫ومل تنته �شهادة ّ‬ ‫"بال�شب�شب" يف ح�رضة املاري�شال!‬

‫ال�سفري مراد غالب �أحد غرائب هذه الزيارة فيقول‪" :‬ويف �صباح اليوم ال ّتايل و�صل‬ ‫‪ ‬ي�ضيف ّ‬ ‫ال�ضيافة ا ّلتي يقيم بها �شم�س بدران‪ .‬وكان غريت�شكو مرتدياً ز ّيه‬ ‫املاري�شال غريت�شكو �إىل دار ّ‬ ‫مر�صعاً ّ‬ ‫بكل نيا�شينه‪ .‬فقد كان بط ًال من �أبطال احلرب العامل ّية الثّانية‪.‬‬ ‫�سمي‬ ‫ّ‬ ‫الع�سكري ّ‬ ‫ال ّر ّ‬ ‫‪ ‬ومل يكن �شم�س بدران يف ا�ستقبال غريت�شكو‪ .‬فانتظر هذا الأخري حتى نزل �شم�س بدران‬ ‫من ّ‬ ‫الطابق الثّاين" (!)‪.‬‬ ‫"ثم وجدنا وزير حرب ّية م�صر ينزل من ّ‬ ‫الطابق الثّاين مرتدياً القمي�ص‬ ‫‪ ‬ويقول مراد غالب‪ّ :‬‬ ‫وال�سادات‪ ،‬مركز‬ ‫والبنطلون ومنتع ًال "�شب�شباً" يف قدميه‪( .‬مراد غالب‪ .‬مع عبد ال ّنا�صر ّ‬ ‫الأهرام للترّ جمة وال ّن�شر‪� ,‬ص ‪.)106‬‬ ‫ال�سوفياتي يف‬ ‫‪ ‬وهكذا قابل �شم�س بدران الرجل امل�س�ؤول عن احلرب يف م�صر‪ ،‬بطل االتحّ اد ّ‬ ‫احلرب العاملية الثانية املاري�شال غريت�شكو بال�شب�شب!‬ ‫‪ ‬ويف هذه املقابلة العجيبة‪ّ ،‬قدم �شم�س بدران قائمة ّ‬ ‫الطلبات التي و�صلت برقيتها من القاهرة‪.‬‬ ‫ال�سيد �أمني هويدي‪:‬‬ ‫مالحظتنا حول �شهادة ّ‬

‫‪� - 1‬أن الأ�ستاذ �أمني هويدي "يعرتف" �صراحة بعدم وجود � ّأي اعرتا�ض من وزراء عبد‬ ‫ع�سكري وخبري‬ ‫ال ّنا�صر على كالم �شم�س بدران‪ .‬ورغم �أنّ الأ�ستاذ �أمني هويدي رجل‬ ‫ّ‬ ‫ا�سرتاتيجي متم ّيز وع�ضو يف جمل�س الوزراء‪ ،‬وكان مو�ضع ثقة ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر‪ ،‬فقد‬ ‫ّ‬ ‫ع ّينه‪ ‬وزيراً للحرب ّية ومديراً جلهاز املخابرات خلفاً ل�شم�س بدران و�صالح ن�صر‪.‬‬ ‫‪17‬‬


‫تدخل الأ�ساطيل الأمريكية‬ ‫‪�- 2‬أنه ين�سب لنف�سه‪� :‬أ ّنه الوحيد ا ّلذي �س�أل عن احتمال ّ‬ ‫يف احلرب‪ .‬وهو ما يعني �أنّ "قرار" احلرب كان مجُ معاً عليه من ّ‬ ‫كل احلا�ضرين‪ .‬و�أنّ‬ ‫الق�ضية ا ّلتي �أثارت اهتمام هويدي هي احتمال تدخل الأ�ساطيل الأمريك ّية‪.‬‬ ‫و�إ�ضافة �إىل ّ‬ ‫وجه يف مذكراته اتهامات �صريحة بال ّتق�صري‬ ‫كل ما �سبق‪ ،‬ف�إن الوزير �أمني هويدي ّ‬ ‫يف اال�ستعداد للحرب ّ‬ ‫لكل من الفريقني حممد فوزي – رئي�س الأركان �آنذاك ‪ -‬وحممد‬ ‫�أحمد �صادق مدير املخابرات احلرب ّية وغريهما‪ .‬وهي ا ّتهامات �صريحة بالإهمال و�إخفاء‬ ‫ال�سيا�س ّية‪.‬‬ ‫تفا�صيل الو�ضع عن القيادة ّ‬ ‫يف املقابل ال نلمح يف ّ‬ ‫مذكراته � ّأي �س�ؤال �أو ت�سا�ؤل عن مدى جاهز ّية وا�ستعداد ّية الق ّوات‬ ‫للدخول يف حرب مع �إ�سرائيل – حتى بدون تدخل الأ�ساطيل الأمريك ّية؟!‬ ‫امل�س ّلحة ّ‬ ‫�إنّ الوزير هويدي ال يذكر يف ّ‬ ‫ال�صريحة واجلريئة � ّأي مناق�شة تف�صيل ّية عن "جاهز ّية‬ ‫مذكراته ّ‬ ‫للدخول يف حرب فعلية؟!‬ ‫الق ّوات" ّ‬ ‫ا�سرتاتيجي متم ّيز‪ ،‬ولأ ّنه الوحيد‬ ‫ع�سكري رفيع امل�ستوى والفكر‪ ،‬ولأ ّنه خبري‬ ‫ولأ ّنه رجل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ّلذي �سمح لنف�سه "انتقاد" ه�ؤالء ا ّلذين "�صمتوا "ومل يناق�شوا بيان وزير احلرب ّية �شم�س‬ ‫بدران‪� ...‬أت�ساءل‪ :‬وملاذا مل ُيناق�ش الوزير �أمني هويدي هذه الق�ضية‪� ،‬أي م�س�ألة "جاهز ّية‬ ‫وقدرة الق ّوات وا�ستعدادها خلو�ض احلرب" ما دامت الأمور كانت ت�سريب اجتاه احلرب‬ ‫وال�صدام؟!‬ ‫ّ‬ ‫ولأ ّنه لي�س بحوزتنا حم�ضر اجتماع جمل�س الوزراء امل�شار �إليه‪ّ ،‬‬ ‫فيتعذر علينا احلكم على‬ ‫مواقف الأ�شخا�ص خالل الأزمة‪ ،‬ولكن نذكر �سريعاً املالحظات ال ّتالية‪:‬‬ ‫الأوىل‪� :‬إنّ قنوات االت�صال بالقيادة ال�سيا�سية‪ ،‬وهو الوزير �شم�س بدران‪ ،‬نقل معلومات‬ ‫ال�سوفيات من احلرب‪.‬‬ ‫ح�سا�سة حول موقف ّ‬ ‫م�ض ّللة لل ّرئي�س جمال عبد ال ّنا�صر يف م�س�ألة ّ‬ ‫ال�سوفيات مل ي�صل �إىل رئي�س اجلمهور ّية �إال بعد ن�شوب احلرب؟!‬ ‫الثانية‪ّ � :‬إن حم�ضر اللقاءات مع ّ‬ ‫الثالثة‪� :‬إنّ الأجهزة اال�ستخبارات ّية املنوط بها التحقّق من املعلومات على اجلبهة مع‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬يف �سوريا وم�صر‪ ،‬مل تقم بواجبها و�أهملت واجباتها الأ�سا�سية‪.‬‬ ‫وال�سيد �أمني هويدي نف�سه يعرتف بذلك �صراحة حني يقول‪" :‬كان الأجدر بدول املواجهة‬ ‫‪18‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫�صحة املعلومات ا ّلتي ُتنقل �إليها من خالل‬ ‫– يق�صد م�صر و�سوريا – �أن تت� ّأكد بنف�سها من ّ‬ ‫�أجهزتها القائمة‪ ،‬وا ّلتي ثبت �أنّ ح�صيلتها من املعلومات عن �إ�سرائيل قبل احلرب كانت يف‬ ‫تهم "ال ّت�أمني ّ‬ ‫اتي" لبقاء ال ّنظام �أكرث‬ ‫غاية ال ّتوا�ضع‪ ،‬لأ ّنها ربمّ ا كانت م�شغولة ب�أمور �أخرى ّ‬ ‫الذ ّ‬ ‫القومي للبالد"!‬ ‫تهتم بالأمن‬ ‫مما ّ‬ ‫ّ‬ ‫القومي للبلد فيه ثغرات وفجوات‬ ‫‪ ‬وال �أدري كيف ميكن حماية �أمن نظام ما �إذا كان الأمن‬ ‫ّ‬ ‫القومي للبلد!‬ ‫ت ّت�سع وال ت�سرتعي اهتمام الأجهزة املعن ّية بالأمن‬ ‫ّ‬ ‫الرابعة‪� :‬إنّ �صنع القرار كان يعتمد على �شخ�ص واحد‪ ،‬هو ال ّرئي�س عبد ال ّنا�صر نف�سه‪.‬‬ ‫يقول الأ�ستاذ هويدي يف ّ‬ ‫مذكراته‪ ..." :‬وهكذا مل تكن ال ّتح ّركات قبل اليوم حت ّركات‬ ‫"فردية" من عبد ال ّنا�صر‪ ..‬بل كان ّ‬ ‫الكل ي�شاركون فيها‪�( :‬أع�ضاء ا ّللجنة ال ّتنفيذ ّية والوزارة‬ ‫وجمل�س الأمة وامل� ّؤ�س�سة الع�سكر ّية والر�أي العام) كان ّ‬ ‫متحم�ساً وموافقاً من دون‬ ‫الكل ّ‬ ‫التعجب من عند الأ�ستاذ هويدي) يعني كان ال ّتح ّرك جماعياً على‬ ‫اعرتا�ض!!! (عالمات ّ‬ ‫امل�ستوى القطري‪ ،‬ثم �شارك بع�ض امللوك والر�ؤ�ساء العرب ووافقوا‪ ،‬ويا ليت الأ�صوات ارتفعت‬ ‫ّ‬ ‫لتحذر �أو تعار�ض‪ ،‬وقد كان هذا كفي ًال ب�إعادة احل�سابات‪."...‬‬ ‫ال�سوفياتي‬ ‫‪ ‬براءة االتحّ اد ّ‬

‫ال�سوفياتي هو الوحيد الذي ّ‬ ‫حذر وعار�ض بو�ضوح‬ ‫ال�سياق – يبدو – االتحّ اد ّ‬ ‫‪ ‬من هذا ّ‬ ‫و�صراحة قيام احلرب – بح�سب الوقائع التي ذكرها مراد غالب و�أمني هويدي‪.‬‬ ‫ال�سوفياتي هو ا ّلذي كان ين�صح‬ ‫‪ ‬فالأ�ستاذ �أمني هويدي نف�سه يقول بو�ضوح‪� ..." :‬إنّ االتحّ اد ّ‬ ‫دائماً بتهدئة املوقف‪ ،‬ولي�س له م�صلحة يف و�ضع العرب يف م�أزق ي�ؤدي بالقطع �إىل ت�آكل‬ ‫ال�سوفياتية احلاكمة‬ ‫م�صاحله يف حال هزميتهم‪ ،‬لأنّ الهزمية العرب ّية كادت تع�صف بالرتويكا ّ‬ ‫ال�سوفياتي الذي لدى‬ ‫ال�سالح ّ‬ ‫ال�سوفياتي مل يقبل �أن يهزم ّ‬ ‫يف ذلك الوقت‪ ،‬لأن ال�شّ عب ّ‬ ‫مل�ست ذلك بنف�سي بعد نهاية‬ ‫ال�سالح الأمريكي ا ّلذي كان لدى �إ�سرائيل‪ .‬وقد ُ‬ ‫العرب �أمام ّ‬ ‫ال�سوفياتي كوزير للحرب ّية‪ ..‬ومتثّل ذلك يف قلقهم واهتمامهم‬ ‫احلرب‪ ،‬حينما ذهبت �إىل االتحّ اد ّ‬ ‫الزائد"‪�( .‬أمني هويدي‪ ،‬حرب ‪.)71 ،1967‬‬ ‫وكان هذا ف� ً‬ ‫صال حزيناً من دراما يونيو‪ /‬حزيران ‪.1967‬‬ ‫‪19‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫�إ�رسائيل‪ ...‬خم�سون عاما ً بعد يونيو‪ /‬حزيران ‪! 1967‬‬

‫"احلرب هي اختبار جلميع قوى الأ ّمة من اقت�صاد ّية وتنظيم ّية"‬ ‫امل�ؤ ّرخ الع�سكريّ "كالوزفيتز"‬

‫***‬ ‫‪ - 1‬عندما تنهزم كتلة ب�شر ّية تعدادها‪� ‬أكرث من مئة مليون �أمام كتلة �أخرى تعدادها‬ ‫حواىل مليونني ون�صف‪ ،‬فينبغي �ألاّ نقف عند حدود ما ميكن ت�سميته باخلط�أ �أو القدر �أو‬ ‫ب�شري‪� ،‬سيا�س ّياً كان‬ ‫امل�ؤامرة "الإمربيال ّية"‪ ،‬رغم وجود مثل هذه العنا�صر يف � ّأي �صراع ّ‬ ‫�أو ع�سكر ّياً‪.‬‬ ‫‪ - 2‬لذلك ال ميكن ال ّنظر �إىل هزمية يونيو‪ /‬حزيران ‪ 1967‬باعتبارها جم ّرد هزمية ع�سكر ّية‬ ‫حقيقي‬ ‫جليو�ش عرب ّية يف حلظة من حلظات التاريخ‪ .‬فاحلرب ـــ‪ّ � ‬أي حرب كانت‪ ‬ـــ‪ ‬اختبا ٌر‬ ‫ٌّ‬ ‫اريخي الذي ير�سف يف �أغالله‬ ‫العربي على اخلروج من حالة التخ ّلف ال ّت ّ‬ ‫لقدرة املجتمع ّ‬ ‫ّ‬ ‫امل�ستقل حديثاً واخلارج‬ ‫حتد للمجتمع العربي‬ ‫من قرون طويلة‪ .‬لقد كانت الهزمية هي �أ ّول ٍّ‬ ‫من كابو�س اال�ستعمار واالحتالل‪.‬‬ ‫إقطاعي‬ ‫العربي ال ّت ّ‬ ‫القبلي ال ّ‬ ‫قليدي ّ‬ ‫كانت الهزمية ـــ يف جوهرها ـــ �أعمق اختبار للمجتمع ّ‬ ‫ين املرت ّيف‪ -‬القائم على �سيادة العالقات ال�شّ خ�ص ّية والعائل ّية والقبل ّية‬ ‫ين �أو املد ّ‬ ‫ �شبه املد ّ‬‫والقطر ّية‪ ...‬ك ّلها يف �آنٍ واحد‪.‬‬ ‫الدولة الع�صر ّية القائمة والتي حتاول ت�شييدها نخب اال�ستقالل‬ ‫فقد ك�شفت الهزمية ه�شا�شة ّ‬ ‫الوطني وحترير الوطن من اجليو�ش‬ ‫مهمة اال�ستقالل‬ ‫التي كانت �أجنزت بنجاح ملحوظ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الأجنب ّية‪ ،‬ولك ّنها بقيت على �أعتاب بناء دولة امل�ؤ�س�سات والقانون والكفاءة املو�ضوعية‪� ،‬أو‬ ‫على الأقل‪ ،‬ال ّت ّقدم باجتاه هذه القيم احلديثة‪ ،‬قيم الثّورة على التخ ّلف واملح�سوب ّية والعواطف‬ ‫واالنفعاالت‪...‬‬ ‫العربي "كال ّزلزال"‪ ،‬وتركت توابع هذه‬ ‫‪ - 3‬لقد وقعت حرب يونيو‪ /‬حزيران على العقل ّ‬ ‫‪20‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫الهزمية الكارث ّية نف�س الأثر الذي ترتكه ال ّزالزل والكوارث ّ‬ ‫الطبيع ّية يف ّ‬ ‫الب�شري‬ ‫الذهن‬ ‫ّ‬ ‫عقلي‪ .‬ذهول قد ي�ستم ّر لفرتات تطول �أو تق�صر‪ ،‬بقدر ما تختزن ّ‬ ‫الطاقة‬ ‫من ذهول وت�ش ّتت ّ‬ ‫الب�شر ّية من قدرات على جتاوز االنك�سار وا�ستجماع طاقات املقاومة والبقاء‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ورغم مرور �سنوات طويلة على هذه احلرب‪� ،‬إلاّ �أ ّنها ّ‬ ‫متجددة من‬ ‫حتتل م�ساحة ّ‬ ‫متجددة بفعل‬ ‫العربي‪ ،‬وما زالت ر�ؤيتنا لوقائع هذه الهزمية ّ‬ ‫االهتمام يف الفكر ّ‬ ‫يا�سي ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ظهور وثائق ووقائع جديدة مل تكن يف ح�ساباتنا‪.‬‬ ‫�إنّ ال ّرواية احلقيق ّية لظروف حرب ‪ 1967‬ت�ستقطب اهتماماً �أو�سع من االهتمام الذي ت�ستحوذه‬ ‫وقائع حرب �أكتوبر عام ‪ .1973‬وزاوية ال ّر�ؤية يف الأوىل ـــ‪ّ � ‬أي حرب يونيو ‪ 1967‬ــــ هي‬ ‫زاوية �سيا�س ّية وتاريخ ّية قبل �أن تكون زاوية ع�سكر ّية‪ .‬وكثرياً ما كانت ت�صادفني درا�سات‬ ‫ومذكرات ل�سيا�س ّيني وخرباء ع�سكر ّيني‪ ،‬عرب وغربيني‪ ،‬يتناولون هذه احلرب بطرق خمتلفة‬ ‫ح�سب م�صاحلهم و�أهوائهم و�أدوارهم وقت �صناعة احلدث‪.‬‬ ‫‪ – 5‬فالبع�ض وجد يف انعدام الدميقراطية �سبباً للهزمية‪ ،‬بينما �أرجعها البع�ض لأ�سباب‬ ‫النا�صري‪ ،‬و�شاع يف الأدب ّيات‬ ‫طبق ّية حم�ض تتمثّل يف عدم راديكال ّية وجذر ّية ال ّنظام‬ ‫ّ‬ ‫ال�صغرية"‪.‬‬ ‫الي�سار ّية تعبري "البورجواز ّية ّ‬ ‫لقد وجد البع�ض يف هذا التعبري �ضا ّلته لتف�سري ّ‬ ‫كل ظواهر العامل العربي‪ ،‬انك�ساراته امل�ؤملة‬ ‫وجناحاته امل�ؤقتة‪.‬‬ ‫بينما وجد الآخرون �ضا ّلتهم يف تعبري براقٍ جديد‪ :‬البريوقراط ّية الع�سكر ّية!‬ ‫تف�سر الهزمية بغياب املعلومات عن‬ ‫‪ ‬و�أخرياً‪ ،‬ظهرت درا�سة �أكادمي ّية حديثة لباحثة من م�صر ّ‬ ‫نوايا اخل�صم وا�ستعداداته وت�سليحه‪ ،‬الأمر ا ّلذي �أ ّدى �إىل الف�شل ال ّتام يف‪ ‬ال ّتعامل مع الأزمة‬ ‫(نك�سة ‪ ،67‬م�صر ومع�ضلة املعلومات‪ ،‬نورا حممد ماهر)‪.‬‬ ‫ولكن بعد �أربعني عاماً من حرب عام ‪� ،1967‬أين نقف نحن العرب و�أين تقف �إ�سرائيل؟‬ ‫كيف ننظر �إىل هذه احلرب وكيف تنظر �إليها �إ�سرائيل بعد ّ‬ ‫كل هذا ال ّزمن؟‬ ‫***‬ ‫خالل عامي ‪ 2007‬و‪ 2008‬وملنا�سبة مرور �أربعني عاماً على حرب يونيو‪ /‬حزيران‪ ،‬حدث �أن‬ ‫‪21‬‬


‫�أفرجت �إ�سرائيل عن بع�ض وثائقها املتع ّلقة بحروب ‪ 1948‬و‪.1967‬‬ ‫ومنذ ذلك ال ّتاريخ وحتى الآن‪ُ ،‬ن�شرت يف �إ�سرائيل عدة كتب تعتمد ب�شكل مبا�شر على ما‬ ‫ّمت الإفراج عنه يف هذه الوثائق‪.‬‬ ‫واحلقيقة �أنّ هذه الوثائق الإ�سرائيل ّية بد�أت بك�شف الغمو�ض عن بع�ض "الألغاز" املتع ّلقة‬ ‫بهذه احلرب‪.‬‬ ‫وهدف هذا املقال لي�س تناول ما ّمت الك�شف عنه من هذه الوثائق‪ ،‬وهو ما قد نفعله يف مقال‬ ‫�آخر‪.‬‬ ‫هدفنا يف هذا املقال هو قراءة جديدة يف الكتابات والأدب ّيات الإ�سرائيل ّية املعا�صرة املتع ّلقة‬ ‫م�ضي ّ‬ ‫ال�سنني‪.‬‬ ‫بحرب عام ‪ 67‬وت�أثريها يف املجتمع ال‬ ‫كل هذه ّ‬ ‫إ�سرائيلي بعد ّ‬ ‫ّ‬ ‫***‬ ‫متخ�ص�صة يف‬ ‫يف يونيو ‪ 2007‬ن�شرت جم ّلة "خمتارات �إ�سرائيل ّية"‪ ،‬وهي جم ّلة م�صر ّية ّ‬ ‫ال�شّ �ؤون الإ�سرائيل ّية‪ ،‬يف عددها ‪ 151‬ال�صادر يف يوليو‪ /‬متوز ‪ 2007‬جمموعة من املقاالت‬ ‫لعدد من الك ّتاب الإ�سرائيل ّيني يف ّ‬ ‫الذكرى الأربعني حلرب يونيو‪ /‬جزيران ‪ .1967‬وقد‬ ‫إ�سرائيلي بعد‬ ‫�أده�شني ما كتبه املثقفون الإ�سرائيليون عن ت�أثري هذه احلرب يف املجتمع ال‬ ‫ّ‬ ‫مرور ّ‬ ‫كل هذا الزمن‪.‬‬ ‫‪ ‬ورمبا يكون من املفيد لنا ــــ نحن العرب‪ ‬ــــ �أن نقر�أ ما يكتبه الإ�سرائيل ّيون عن �أنف�سهم وعن‬ ‫ر�ؤيتهم لنتائج تلك احلرب‪.‬‬ ‫***‬ ‫يونيو ‪ ...1967‬م�صدر كلّ ال�شرّ‬ ‫‪ ‬كتبت �شالوميت �آلوين (وهي وزيرة �سابقة وع�ضو يف الكني�ست) حتت عنوان "م�صدر ّ‬ ‫كل‬ ‫ال�شّ رور" (والعنوان له �إيحاءات �شديدة) تقول‪:‬‬ ‫ال�ستة عام ‪ 1967‬حيث �أغلق الرئي�س امل�صري‬ ‫"مل يكن بالإمكان منع وقوع حرب الأيام ّ‬ ‫امل�صري �شبه جزيرة �سيناء‪ .‬بينما‬ ‫الدول ّية من �سيناء و�أدخل اجلي�ش‬ ‫م�ضائق تريان و�أبعد الق ّوة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ور!‬

‫‪22‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫يتدخال‪ّ .‬‬ ‫كل هذه‬ ‫وقفت الواليات امل ّتحدة واالتحّ اد ال�سوفياتي (�سابقاً) موقف املتف ّرج ومل ّ‬ ‫والدمار‪ .‬وفور انتهاء اليوم الأول‬ ‫الأمور دفعت اجلمهور ال‬ ‫إ�سرائيلي للإح�سا�س بالعزلة والهلع ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي فج�أة من حالة ال ّتوتر ال ّنف�سي وال ّت�أ ّهب واخلوف كما‬ ‫من املعارك‪ ،‬تخ ّل�ص اجلمهور ال‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي طائرات العد ّو‪،‬‬ ‫ال�سهم من القو�س‪ .‬ويف ‪ 5‬يونيو بعد �أن د ّمر �سالح اجل ّو ال‬ ‫يندفع ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪" :‬لقد‬ ‫�صاح عيزر فايت�سمان ا ّلذي كان �آنذاك قائد �شعبة العمل ّيات يف اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫انت�صرنا!"‪.‬‬ ‫ف�سي يف الوعي العام من حالة الهلع من الدمار‬ ‫وت�ضيف �آلوين‪" :‬لقد �أ ّدى التح ّول ال ّن ّ‬ ‫�إىل ال�سيطرة على �أر�ض �إ�سرائيل الكربى وعلى �سيناء وعلى مرتفعات اجلوالن‪ ،‬و�إىل �إحياء‬ ‫ال�سنني‪ ،‬وحتكي عن قدوم املخ ّل�ص‪ ،‬وقد‬ ‫الأ�ساطري ا ّلتي حملها ال�شّ عب‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي لآالف ّ‬ ‫إ�سرائيلي ترتكز يف مقوالت من قبيل‪ :‬ها هي بداية‬ ‫كانت لغ ُة احلوار املتبادل يف ال�شّ ارع ال‬ ‫ّ‬ ‫إلهي لأبينا �إبراهيم!‬ ‫�أ ّيام اخلال�ص! لقد حتقّق الوعد ال ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية بد�أت بعد ن�شوة ال ّن�صر الأوىل‪ ،‬بعد التكالب على الأماكن املحت ّلة‬ ‫ّ‬ ‫ولكن امل�شاكل ّ‬ ‫من �أجل م�شاهدتها وال ّتعرف �إليها ومت ّلكها‪ ،‬فنحن ب�صدد "االحتالل"‪.‬‬ ‫واملبجل‬ ‫�إنّ الغطر�سة وال ّتعايل �أ�صابا الفكر بال�شّ ّلل‪ ،‬وقد انفعل مو�شيه ديان ال ّرجل ّ‬ ‫القوي ّ‬ ‫وحمب ال ّتوراة �آنذاك‪ ،‬و�أثر يف اجلميع يف �إ�سرائيل بقوله‪ :‬لقد عدنا �إىل بيت ال ّرب و�إىل‬ ‫ّ‬ ‫النبي �آرميا)‪.‬‬ ‫"عناتوت" (موطن ّ‬ ‫بينما �صرخ �آخرون‪ :‬ها قد عدنا �إىل مدينة الآباء يف اخلليل و�إىل قرب الأ ّم راحيل يف بيت حلم"‪.‬‬ ‫***‬ ‫حمتلّون‪ :‬ورعون ومنافقون !‬

‫‪ ‬ثم ت�ضيف �شالوميت �آلوين قائلة‪" :‬من دون اخلو�ض يف احلديث عن ال ّتط ّورات ال ّتاريخ ّية‬ ‫ّ‬ ‫ملعاملتنا للفل�سطين ّيني ولأطماعنا يف الأرا�ضي املحت ّلة‪ ،‬ف�إنّ احلقيقة هي �أ ّننا حت ّولنا �إىل �شعب‬ ‫احتال ّيل‪ ،‬وغر�سنا يف الأذهان ال ّنعرة القوم ّية املتعالية واال�ستخفاف بالأطفال ا ّلذين ح ّولناهم‬ ‫يف ال�سنوات الأوىل لالحتالل �إىل �سكان ه�ضاب ّ‬ ‫وحطابني و�سقاة ومنظفي �أواين ودورات‬ ‫مياه وقائمني ب� ّأي عمل �أ�سود وقذر مقابل �أجر �ضئيل ويف ّ‬ ‫ظل غياب ظروف اجتماع ّية‬ ‫‪23‬‬


‫مالئمة‪ .‬ومن �أجل تو�سيع �سيطرتنا على املناطق الفل�سطين ّية اخرتعنا مقولة "�أرا�ضي الدولة"‬ ‫الزائفة‪ ،‬كما لو كانت ملكاً لنا حقاً‪ ،‬لنا نحن املحتلني‪ ،‬ولي�س لل�شّ عب ا ّلذي يعي�ش عليها‬ ‫ع�سفي واجل�شع‬ ‫ين�ص القانون ّ‬ ‫حتت نري االحتالل‪ ،‬كما ّ‬ ‫الدو ّيل‪ ،‬بل قمنا باال�ستغالل ال ّت ّ‬ ‫لقوانني ّ‬ ‫ال�صادرة يف ع�صر االنتداب الربيطاين عام ‪ 1945‬بهدف م�صادرة املزيد من‬ ‫الطوارئ ّ‬ ‫الأرا�ضي مل�صلحة امل�ستعمرين"‪.‬‬ ‫وتنهي �شالوميت �آلوين مقالها قائلة‪" :‬خال�صة القول‪� :‬إنّ االحتالل �س ّبب لنا انهياراً �أخالقياً‬ ‫ودعم ّ‬ ‫املنظمات املظلمة (كال�شّ اباك واملو�ساد وغريهما) و�أفرز عبادة الق ّوة و�سيا�سة اخلداع‬ ‫واجلحود‪ .‬وذلك من �أجل �إخفاء حجم اجل�شع واال�ستثمارات الإ�سرائيل ّية يف امل�ستعمرات‬ ‫يف املناطق الفل�سطين ّية املحت ّلة عن �أعني العامل‪ .‬وبالتوازي مع ذلك‪ ،‬جاء االنهيار الأخالقي‬ ‫للجهاز الق�ضائي الذي �سمح بالعقاب اجلماعي والهدم اجلماعي ملنازل الفل�سطين ّيني وطرد‬ ‫عائالت كاملة‪.‬‬ ‫لقد �أكرثنا من قتل امل�شبوهني بال �أد ّلة وال حماكمة‪ ،‬ومن االغتياالت اجلو ّية للمطلوبني‬ ‫ال�سكان املدن ّيني‪ ،‬الأطفال وامل�سنني‪ ،‬لقد قمنا بتنمية الإح�سا�س‬ ‫الفل�سطين ّيني ومن قتل ّ‬ ‫باال�ستقواء املغ ّلف بال ّنفاق عن طريق اال�ستعانة بيهود الواليات امل ّتحدة‪ ،‬وبالعالقات العامة‬ ‫ال�ضح ّية املطاردة‬ ‫وال�ضرب على وتر م�شاعر االتهام جتاهنا من قبل العامل امل�سيحي‪ ،‬كما لو �أ ّننا ّ‬ ‫ال�ضعفاء واملع ّر�ضون للهجوم و�أ ّننا‬ ‫كما كنا يف املا�ضي‪ .‬لقد ّر�سخنا لدى العامل االعتقاد ب�أ ّننا ّ‬ ‫ن�ستحق حدوداً �آمنة و�سالماً‪ ،‬بينما نحن ن�صادر املزيد من �أرا�ضي الفل�سطين ّيني و�أمالكهم‬ ‫ّ‬ ‫وم�صادر مياههم"‪.‬‬ ‫***‬ ‫الأيدي امللطّ خة بال ّدم!‬

‫‪ ‬وت�ضيف �آلوين يف مقالها املن�شور يف الذكرى الأربعني حلرب يونيو‪ /‬حزيران ‪" :1967‬لقد‬ ‫ك ّنا نرغب يف �إقامة جمتمع مثا ّيل هنا‪ ،‬ودولة مدن ّية دميقراط ّية مبوجب ميثاق اال�ستقالل‪،‬‬ ‫الدين ّية وتعي�ش على ح�سابنا‬ ‫ولك ّننا يف الواقع �أقمنا جماعة كبرية تنتمي �إىل اليهود ّية ّ‬ ‫الدولة ي�سيء معاملة‬ ‫متع�صب �أرثوذك�سي" متم ّرد على قوانني ّ‬ ‫ومعادية ّ‬ ‫للدميقراط ّية "جمهور ّ‬ ‫الأطفال الفل�سطين ّيني‪� ،‬أنا�س خارجون على القانون يق ّررون م�صريهم ب�أنف�سهم‪ ،‬عن�صريون‬ ‫‪24‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ويبثّون ال ّرعب يف جميع �أع�ضاء احلكومة يف �إ�سرائيل‪ ،‬نحن نعتقل ون�سجن ونخطف مئات‬ ‫بالدماء‪ ،‬يف حني ال نرى �أيدينا نحن ّ‬ ‫بحجة �أنّ �أيديهم ّ‬ ‫بالدماء‪،‬‬ ‫امللطخة ّ‬ ‫ملطخة ّ‬ ‫الفل�سطين ّيني ّ‬ ‫كل االغتياالت اجلو ّية والرب ّية‪ّ ،‬‬ ‫ويف �ضوء ّ‬ ‫اخلا�صة‬ ‫وكل �أعمال القتل على �أيدي الوحدات ّ‬ ‫إ�سرائيلي ّ‬ ‫وا�ستخدام القنابل العنقود ّية‪ ،‬ف�إن �أيدي ّ‬ ‫وكل �ضابط وجندي‬ ‫كل رئي�س �أركان �‬ ‫ّ‬ ‫يخدم يف اجلي�ش ّ‬ ‫بالدم‪ ،‬يكفي عقد مقارنة بني عدد القتلى اليهود والفل�سطين ّيني يف‬ ‫ملطخة ّ‬ ‫االنتفا�ضة الأوىل وكذلك الثّان ّية حتى نرى مدى كوننا قتلة!‬ ‫وتختم �شالوميت �آلوين مقالها بالقول‪" :‬ما حدث لنا منذ االنت�صار العظيم يف عام ‪1967‬‬ ‫تربوي وا�ستخفاف بال ّتعليم العايل والعلوم‪ ،‬وخ�صخ�صة الأمالك العا ّمة وبيعها‬ ‫هو انحالل ّ‬ ‫وتن�صل احلكومة من �أداء واجبها جتاه امل�ست�شفيات‬ ‫بثمن زهيد لأ�صحاب ر�ؤو�س الأموال‪ّ ،‬‬ ‫وال�سجون ورعاية امل�سنني وال ّتنم ّية الثّقاف ّية واالجتماع ّية املدن ّية املنا�سبة‪� ...‬إلخ‪ .‬وبد ًال من‬ ‫ّ‬ ‫وحب املال واال�ست�سالم للأ�صول ّيني امل�ستعمرين الذين‬ ‫ذلك انت�شرت ظواهر ت�أليه اجلي�ش ّ‬ ‫ودميقراطي ومثقّف يعي�ش‬ ‫ال يختلفون عن � ّأي جماعة �أ�صول ّية �إ�سالم ّية كمجتمع م�ستنري‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية واال�سرتاتيج ّية‬ ‫يف �سالم مع جريانه" (خمتارات �إ�سرائيل ّية‪ ...‬مركز ّ‬ ‫الدرا�سات ّ‬ ‫بالأهرام‪ ،‬العدد ‪ 151‬يوليو‪ /‬متوز ‪.)2007‬‬ ‫***‬ ‫�أربعون عاما ً‬ ‫كارثية!‬ ‫ّ‬

‫‪ ‬ولع ّله من املفيد �أن نر�صد يف هذا املقال ت�أثري حرب يونيو‪ /‬حزيران على بنية املجتمع‬ ‫إ�سرائيلي ومن خالل الكتابات الإ�سرائيل ّية ذاتها‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫فها هو ّ‬ ‫إ�سرائيلي ران كوهني يكتب يف جريدة "معاريف" حتت عنوان "�سنوات‬ ‫املفكر ال‬ ‫ّ‬ ‫الإف�ساد"‪" :‬من يعرف ّ‬ ‫ويتذكر �إ�سرائيل قبل عام ‪� ،1967‬سيفرك عينيه بذهول وهو ّ‬ ‫يتذكر‬ ‫هذه الأيام‪ .‬فقط ‪ 19‬عاماً ع�شناها �آنذاك �صغاراً (يق�صد من ‪ 1948‬وحتى عام ‪ )1967‬كنا‬ ‫الدولة عام ‪ )!1948‬ولك ّنه‬ ‫عادلني و�صاحلني (الكاتب ين�سى جرائم ما قبل وبعد �إن�شاء ّ‬ ‫ي�ضيف‪" :‬ك ّنا عادلني و�صاحلني‪ ،‬وها قد م ّرت �أربعون عاماً ونحن ن�شعر ب�أ ّننا ال نعرف �إ�سرائيل‬ ‫ال�ستة التي بد�أت كحرب دفاع ّية بامتياز وراءها نتائج‬ ‫ال�سابقة‪ ،‬لقد خ ّلفت حرب الأيام ّ‬ ‫ّ‬ ‫الت�ضخم والتعقّد‪ ،‬وكانت نهايتها مد ّمرة لإ�سرائيل �أكرث من � ّأي حدث‬ ‫وتداعيات �أخذت يف ّ‬ ‫‪25‬‬


‫خا�ص‪،‬‬ ‫تاريخي �آخر منذ �إقامتها‪ .‬االحتالل الذي �أعقب احلرب وبناء امل�ستعمرات بوجه ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي"‪.‬‬ ‫�إ ّنهما الأمران اللذان د ّمرا املجتمع ال‬ ‫ّ‬ ‫ورغم �أن الكاتب يتبنى وجهة ال ّنظر الإ�سرائيل ّية يف اعتبار احلرب كانت حرب دفاع م�شروع‬ ‫الرئي�سي‬ ‫عن النف�س‪� ،‬إال �أنه يختتم مقاله قائ ًال‪" :‬فوق كل هذا‪ ،‬متثّل امل�ستعمرات حجر العرثة‬ ‫ّ‬ ‫خا�صة طريقة بنائها‪،‬‬ ‫�أمام اخلروج من الأزمة يف الأربعني عاماً املا�ض ّية‪� ،‬إذ خلقت امل�ستعمرات‪ّ ،‬‬ ‫التي كانت قائمة على ا�ستقواء حركة "جو�ش �أمونيم" ومكر وخداع ّ‬ ‫كل الهيئات القانون ّية‬ ‫وغ�ض ّ‬ ‫و�شجعت ال ّتط ّرف املهوو�س واحلامل الذي �أبرز بذور‬ ‫ّ‬ ‫الطرف من جانبها‪ ،‬واقعاً م�ش ّوهاً ّ‬ ‫اليهودي وتوابعه‪ ،‬وكذلك امل�س�ؤولية‬ ‫ري‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫�شرور مر�ض ّية جديدة تباعاً‪ ،‬ومن بينها ال ّتنظيم ّ‬ ‫عن خلق املناخ ا ّلذي �أدى �إىل اغتيال رابني‪� ،‬أثبت �أنّ من املمكن ب�ضغطة واحدة على‬ ‫الرت�سخ‬ ‫ال ّزناد �إ�سقاط حكومة منتخبة وتغيري م�سارها‪ .‬لقد خلق واقع امل�ستعمرات الآخذة يف ّ‬ ‫�أي�ضاً و�ضعاً يتك ّون من دولتني داخل دولة واحدة‪ :‬دولة "امل�ستعمرات" وفيها هيئة رفاه‬ ‫اجتماعي ن�شطة وقادرة ماد ّياً وفيها خدمات عا ّمة ّ‬ ‫لكل من يطلب (من اليهود بالطبع) و�شبكة‬ ‫ّ‬ ‫جماهريي ومنح وامتيازات‪ .‬ويف ال ّناحية الأخرى دولة "�إ�سرائيل"‬ ‫ت�شغيل و�إ�سكان ودعم‬ ‫ّ‬ ‫التي داخل ّ‬ ‫اخلط الأخ�ضر الآخذة يف "نحر" نف�سها باخل�صخ�صة وال ّتنازل عن ّ‬ ‫كل ثراوتها‬ ‫وخدماتها العا ّمة وتعمل على تدهور و�ضع �سكانها ومواطنيها"‪.‬‬ ‫يونيو ‪� 1967‬سبب يف �إرهاب اليوم‬ ‫‪ ‬ي�ضيف ران كوهني قائ ًال‪" :‬وثمة نتيجة مد ّمرة �أخرى لالحتالل‪ ،‬هي ت�شجيع ال ّتط ّرف‬ ‫الفل�سطيني وال�شّ عوب العرب ّية‪ .‬فاالحتالل هو ا ّلذي �أتى‬ ‫الآخذ يف االزدياد بني اجلمهور‬ ‫ّ‬ ‫بحما�س واجلهاد الإ�سالمي وحزب اهلل‪ ،‬و�أ ّدى �إىل تط ّرف بالغ يف مواقفهم وعنفهم‪� .‬إذن ‪40‬‬ ‫حتن �إىل ‪19‬‬ ‫عاماً من االحتالل هي ‪ 40‬عاماً كارث ّية على �إ�سرائيل التي ت�ستطيع فقط �أن ّ‬ ‫ال�صغرية ا ّلتي كانت �أكرث يهود ّية ودميوقراط ّية"‪( .‬خمتارات �إ�سرائيلية‪،‬‬ ‫اخلا�صة ب�إ�سرائيل ّ‬ ‫�سنة ّ‬ ‫م�صدر �سابق)‪.‬‬ ‫هل كان ي�ضع ا ّلذين ّ‬ ‫خططوا حلرب ‪" 1967‬يف �إ�سرائيل" ّ‬ ‫كل هذه ال�شّ رور يف ح�سبانهم؟!‬ ‫ال �أظن‪.‬‬ ‫قد يعرت�ض البع�ض قائ ًال‪� :‬إن املوقف خمتلف على اجلبهتني‪ :‬جبهة املنت�صر وجبهة املهزوم‪.‬‬ ‫‪26‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫فلقد خ�سرنا يف احلرب �أرا�ضي عربية �شا�سعة ودفعنا ثمن الهزمية من كرامتنا‪ .‬وبالتايل فم�شاعر‬ ‫املهزوم تفوق يف جرحها و�آالمها م�شاعر املنت�صر‪.‬‬ ‫عما حدث‬ ‫‪ ‬لكن خارج نطاق امل�شاعر والعواطف‪ ،‬هل ميكن مل�ؤ ّرخ �أو باحث �أن يغم�ض عينيه ّ‬ ‫قبلها وبعدها من تداعيات‪ ،‬وما �أحدثته من نتائج ق�صرية الأمد وبعيدة املدى؟‬ ‫***‬ ‫لي�س هكذا يبنون جي�شا ً!‬

‫‪� ‬إنّ كاتباً �إ�سرائيل ّياً �آخر هو �أمات�سيا حني العقيد باالحتياط يعبرّ عن نف�س املعاين التي عبرّ ت‬ ‫عنها �شالوميت �آلوين وران كوهني يف مقاله يف افتتاح ّية "يديعوت" ‪ ‬يوم ‪2007 /09 /17‬‬ ‫بعد هزمية �إ�سرائيل يف حرب لبنان �أمام حزب اهلل‪� ،‬إذ نراه يقول حتت عنوان "لي�س هكذا‬ ‫إ�سرائيلي يف حرب لبنان‬ ‫يبنون جي�شاً"‪�" :‬إذا كنتم تريدون فهم �سبب �ضعف اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫الثان ّية‪ ،‬فعليكم �أن تعودوا بنظركم �أربعة عقود �إىل الوراء‪ ،‬و�صو ًال �إىل حرب الأيام ال�ستة عام‬ ‫إ�سرائيلي باالنزالق يف منحدر �أمل�س‪ .‬من جي�ش مك ّون من‬ ‫‪ ،1967‬من هناك بد�أ اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي يف حزيران ‪� 1967‬إىل‬ ‫كل ما تقع عليه اليد يف حرب اال�ستقالل‪ ،‬و�صل اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫م�ستوى اجلهاز ّ‬ ‫احلقيقي‪.‬‬ ‫املنظم يف �صورة اجلي�ش‬ ‫ّ‬ ‫الهدام من ا�ستغالل االنت�صار لأهداف �سيا�س ّية و�شخ�ص ّية‪ ،‬وقيا�سه بناء على‬ ‫ولكن املزيج ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حمك ومعيار النتيجة‪ ،‬طم�س الطابع املتهاوي يف �أداء اجلي�ش يف احلرب وحال دون ا�ستخال�ص‬ ‫العرب حينئذ‪.‬‬ ‫االنت�صار يف حرب حزيران ‪� 1967‬ش ّو�ش عقل الأ ّمة بكاملها‪� ،‬إذ مل تدرك �أنّ وتد الثّقافة‬ ‫الفرع ّية الإدارية والقيم ّية قد ُدقّ حينئذ و�أخذ ي�ؤثر يف ن�شاط اجلي�ش املتوا�صل حتى يومنا‬ ‫هذا‪.‬‬ ‫‪ ‬لهذا مل يكن عبثاً �أنّ �أحداثاً خطرية قد جرت بعد احلرب مثل ف�شل معركة الكرامة‪ ،‬قد‬ ‫اع ُتربت خل ًال موقع ّياً عابراً"‪.‬‬ ‫وي�ضيف �أمات�سيا حني قائ ًال‪" :‬الربهنة على هيمنة ما حتت ــــ الثّقافة هذا جاءت من خالل‬ ‫جلنة اغرانات التي حقّقت يف �أحداث حرب يوم الغفران ‪� .1973‬أع�ضاء هذه اللجنة ّركزوا‬ ‫‪27‬‬


‫ا�ستخال�صاتهم على "ف�شل ال ّنظر ّية" وحرفوا �أنظارهم عن العامل احلقيقي‪ :‬جتاهل قادة‬ ‫"الدفاع ّية"‪.‬‬ ‫اجلي�ش احلاجة �إىل �إعداده للحرب ّ‬ ‫الدفاع وفقد‬ ‫عندما اندلعت حرب يوم الغفران ‪ 1973‬فوجئ اجلي�ش بعدم جاهز ّيته لإدارة ّ‬ ‫توازنه الأمر ا ّلذي ّمتخ�ض عن �آالف القتلى واجلرحى‪.‬‬ ‫املهني لأو�ضح لغولدا مئري‬ ‫لو كان رئي�س هيئة الأركان حينئذ‪ ،‬دافيد اليعيزر‪ ،‬ميتلك الفهم ّ‬ ‫للدفاع‪،‬‬ ‫عندما ُرف�ض مطلبه بتوجيه �ضربة م�سبقة العتبارات �سيا�س ّية‪ ،‬ب�أنّ اجلي�ش غري جاهز ّ‬ ‫ولذلك رمبا كان �سيت�س ّبب يف تغيري قرار رئي�س الوزراء وتغيري نتائج احلرب كل ّياً‪.‬‬ ‫رغم الثّمن الفظيع الذي ت�س ّببت به تلك احلرب‪� ،‬إلاّ �أ ّنه مل يكن كافياً ال�ستخال�ص العرب‬ ‫من ذلك‪.‬‬ ‫الدرو�س احلقيق ّية �صرفت �إ�سرائيل مبالغ �ضخمة على "�إعادة بناء اجلي�ش"‪،‬‬ ‫بد ًال من تع ّلم ّ‬ ‫العاطفي ووفقاً لتعليمات رئي�س هيئة الأركان �آنذاك موطا‬ ‫الباطني‬ ‫ك ّلها انطالقاً من ال�شّ عور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫غور ا ّلذي فر�ض عليهم جتاهل املا�ضي (ا�ستخال�ص العرب) وفتح �صفحة جديدة‪.‬‬ ‫هذه اخلطوة كانت مد ّمرة للجي�ش يف دولة واقعة حتت احل�صار‪.‬‬ ‫***‬ ‫ع�سكرية باجلملة !‬ ‫هزائم‬ ‫ّ‬

‫مف�سراً الهزائم الع�سكر ّية الإ�سرائيل ّية بعد حرب يونيو ‪ 1967‬قائ ًال‪" :‬هذا هو‬ ‫وي�ضيف ّ‬ ‫ال�سبب وراء عودة نواق�ص حرب يوم الغفران ‪ 1973‬بق ّوة �أكرب بعد ثماين �سنوات يف حرب‬ ‫ّ‬ ‫�سالمة اجلليل (يق�صد غزو لبنان عام ‪ .)1982‬وهكذا ي�ستم ّر امل�سل�سل ا ّلذي يقوم ك ّله على‬ ‫الدرو�س والعرب احلقيق ّية امل�ستفادة‪ ،‬الأمر الذي ّمتخ�ض عن تكرار‬ ‫امل�شاعر الباطن ّية كبديل من ّ‬ ‫والدليل على ذلك‪ :‬الطريقة التي يت�ص ّرف بها اجلي�ش بعد‬ ‫الإخفاقات يف حرب لبنان الثّانية ّ‬ ‫الهزمية يف احلرب الأخرية‪.‬‬ ‫املعركة تتمركز حول التحقيقات املثرية لالهتمام والتي تهدف �إىل ا�ستي�ضاح ما حدث‬ ‫متجاهلة الق�ض ّية الأهم بالفعل‪ :‬ملاذا حدث ذلك؟‬ ‫‪28‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫بالدرجة الكافية‬ ‫على �سبيل املثال يف عملية التحقيق يف ما حدث‪ ،‬ات�ضح �أنه مل تجُ َر تدريبات ّ‬ ‫�شن احلرب الأخرية‪ ،‬الأمر ا ّلذي �أدى �إىل م�ضاعفة كم ّية ال ّتدريبات‪.‬‬ ‫ع�شية ّ‬ ‫‪ ‬احلقائق من حروب املا�ضي ت�شري �إىل عك�س ذلك بال�ضبط‪ .‬يف تلك احلروب كانت ال ّتدريبات‬ ‫متج�سداً بكم ّية ال ّتدريبات و�إمنا بطريقتها وبتقدير‬ ‫قبل احلرب كبرية‪ ،‬ولكن الف�شل مل يكن ّ‬ ‫قوات اجلي�ش امليدان ّية‪.‬‬ ‫‪ ‬الدليل على الف�شل يف تقدير القدرات يفوق ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية ا ّلتي �ألزمت‬ ‫ّ‬ ‫كل مفارقات القرارات ّ‬ ‫الع�سكري‪.‬‬ ‫قبول تقديرات وتقييمات امل�ستوى‬ ‫ّ‬ ‫يا�سي فيها ك ّلها‪:‬‬ ‫اجلي�ش �ض ّلل امل�ستوى ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ديان يف عمل ّية قادي�ش‪.‬‬ ‫ورابني يف حرب حزيران‪.‬‬ ‫ودادو يف حرب يوم الغفران‪.‬‬ ‫ورافول يف حرب �سالمة اجلليل‪.‬‬ ‫وموفاز يف االن�سحاب الذي حت ّول �إىل فرار من لبنان‪.‬‬ ‫وحلوت�س الذي �ش ّو�شت معطياته عقل احلكومة وعقله يف احلرب الأخرية‪( .‬حرب ‪.)2006‬‬ ‫�أنا �أو�صي املواطن ب�أن يعرتف بحقيقة �أ ّنه مل يكن لإ�سرائيل �أبداً جي�ش‬ ‫حقيقي(!)"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وينهي �أمات�سيا حني مقالته بالقول‪" :‬هذه هي احلقيقة ا ّلتي غابت عن �أنظار اجلمهور ب�سبب‬ ‫اخلا�صة ال ّنوع ّية والأذرع العليا وال ّتكنولوجية املذهلة‪.‬‬ ‫عمل ّيات الوحدات ّ‬ ‫‪ ‬ولكن يف ّ‬ ‫كل احلروب برزت �إخفاقات اجلمع بني الذراع اجلو ّية والق ّوات الرب ّية‪ .‬والف�شل �أي�ضا‬ ‫بني الأذرع املختلفة من ا�ستخبارات وتكتيكات خمتلفة و�أداء �سيئ للمنظومة اللوج�ست ّية"‪.‬‬ ‫وينهي مقاله قائ ًال‪�" :‬إ ّنه الف�شل يف ال ّتن�سيق واجلمع بني الأذرع املختلفة بالتنا�سب ال�صحيح‬ ‫يف املكان والزمان‪ ،‬وهو برهان على كون هذه الأذرع �أج�ساماً منف�صلة خالفاً للغاية منها‪ ،‬وهي‬ ‫حقيقي ّ‬ ‫بكل معنى الكلمة"‪"( .‬يديعوت"‪ ،‬مقال افتتاحي‪،2007 /09 /17 ،‬‬ ‫بناء جي�ش‬ ‫ّ‬ ‫‪29‬‬


‫لي�س هكذا يبنون جي�شاً‪� ،‬أمات�سيا حني‪ ،‬عقيد يف االحتياط)‪.‬‬ ‫***‬ ‫كانت تلك مناذج من كتابات بع�ض ّ‬ ‫املفكرين الإ�سرائيل ّيني تطرح ت�ص ّورهم لت�أثري حرب يونيو‪/‬‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫حزيران ‪ 1967‬على املجتمع ال‬ ‫ّ‬ ‫وكما �أ�صبحت يونيو‪ /‬حزيران "لعنة" على العرب ا�ستفاقوا منها يف ‪1973‬‬ ‫إ�سرائيلي الذي ال‬ ‫فقد حت ّولت �إىل "لعنة" على �إ�سرائيل نف�سها وعلى �أ�سطورة اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫ُيهزم‪ .‬خ�صو�صاً بعد هروبه املد ّوي من جنوب لبنان يف الليل‪ ،‬ثم هزميته املد ّوية �أمام حزب‬ ‫اهلل يف عام ‪.2006‬‬ ‫‪ ‬وهل من املمكن �أن نتجاهل – بب�ساطة ‪ -‬م�شاعر ‪ -‬كتلك التي عبرّ ت عنها �شالوميت‬ ‫�آلوين و ران كوهني؟‬ ‫وهل ميكن �إنكار �أن مثل هذه امل�شاعر تتماثل مع م�شاعر م�ساحة لي�ست بالقليلة من �أفراد‬ ‫ال ّنخبة الإ�سرائيل ّية؟ هل ميكن ال ّتغا�ضي عن ال�شّ حنة العاطف ّية القو ّية بنف�س البالغة اللفظ ّية‬ ‫التي عبرّ ت بها �شالوميت �آلوين عن �أزمة جمتمعها بعد كل هذه الأعوام من "االنت�صار"‬ ‫الع�سكري يف احلرب؟‬ ‫�إ ّنه "الإنت�صار"‬

‫بني مزدوجات �صغرية تظ ّلله وحت�صره يف حدوده التاريخية!‬

‫‪� ‬إنه ح�ساب مت�أخر لفاتورة احلرب‪ ...‬وبعد ن�صف قرن!‬

‫�إنها احلقيقة التي يقت�ضي التنويه لها يف الذكرى اخلم�سني حلرب يونيو �ضمن ما يقت�ضي‬ ‫التنويه �إليه من �أ�شياء كثرية!‬

‫‪30‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫‪ 50‬عاما ً على ال ّنك�سة‪ ...‬واالحتالل مازال باقيا ً‬ ‫دعاء ال�شريف ‪ -‬باحثة متخ�ص�صة بالدرا�سات الإ�سرائيلية‬

‫ال�صهيو ّ‬ ‫ين بعد حرب ‪1967‬‬ ‫تو�سع االحتالل ّ‬ ‫ّ‬

‫حرب ‪ُ 1967‬تعرف �أي�ضاً يف كلّ من �سوريا والأردن با�سم نك�سة حزيران ويف م�صر با�سم‬ ‫ال�س ّتة (بالعرب ّية‪ :‬מלחמת ששת‬ ‫نك�سة ‪ 67‬وت�سمى يف �إ�سرائيل حرب الأ ّيام ّ‬ ‫הימים‪ ،‬ملحمة �شي�شيت هياميم) هي احلرب ا ّلتي ن�شبت بني �إ�سرائيل وكلّ من م�صر‬ ‫ال�شهر نف�سه‪ ،‬و�أ ّدت �إىل اّ‬ ‫احتلل‬ ‫و�سوريا والأردن بني ‪ 5‬حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬والعا�شر من ّ‬ ‫ال�صراع‬ ‫�إ�سرائيل ل�سيناء وقطاع غ ّزة ّ‬ ‫وال�ضفّة الغرب ّية واجلوالن‪ ،‬وتعترب ثالث حرب �ضمن ّ‬ ‫الدول‬ ‫العربي ال‬ ‫إ�سرائيلي؛ وقد �أ ّدت احلرب �إىل مقتل ‪� 25,000 - 15,000‬إن�سان يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪31‬‬


‫الدول العرب ّية‬ ‫احلربي يف ّ‬ ‫العرب ّية مقابل ‪ 800‬يف �إ�سرائيل‪ ،‬وتدمري ‪ % 80 - 70‬من العتاد ّ‬ ‫مقابل ‪ % 5 - 2‬يف �إ�سرائيل‪� ،‬إىل جانب تفاوت م�شابه يف عدد اجلرحى والأ�سرى؛ كما‬ ‫كان من نتائجها �صدور قرار جمل�س الأمن رقم ‪ 242‬وانعقاد ّقمة الالءات الثالث العرب ّية‬ ‫ال�سوي�س وكذلك تهجري معظم مدنيي حمافظة‬ ‫يف اخلرطوم وتهجري معظم �سكان مدن قناة ّ‬ ‫ال�ضفّة مبا فيها حمو قرى‬ ‫القنيطرة يف �سوريا‪ ،‬وتهجري ع�شرات الآالف من الفل�سطين ّيني من ّ‬ ‫وال�ضفّة الغرب ّية‪.‬‬ ‫بكاملها‪ ،‬وفتح باب اال�ستيطان يف القد�س ال�شرق ّية ّ‬ ‫مل تنته تبعات حرب ‪ 1967‬ح ّتى اليوم‪� ،‬إذ ال َتزال �إ�سرائيل ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪ ،‬كما �أ ّنها‬ ‫حتتل ّ‬ ‫ب�ضم القد�س واجلوالن حلدودها‪ ،‬وكان من تبعاتها �أي�ضاً ن�شوب حرب �أكتوبر عام‬ ‫قامت ّ‬ ‫لل�سالم‬ ‫‪ 1973‬وف�صل ّ‬ ‫ال�سيادة الأردن ّية‪ ،‬وقبول العرب منذ م�ؤمتر مدريد ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية عن ّ‬ ‫ين�ص على العودة ملا قبل حدود احلرب لقاء‬ ‫ال�سالم" ا ّلذي ّ‬ ‫عام ‪ 1991‬مببد�أ "الأر�ض مقابل ّ‬ ‫اعرتاف العرب ب�إ�سرائيل‪ ،‬وم�ساملتهم �إ ّياها؛ رغم �أنّ دو ًال عرب ّية عديدة باتت تقيم عالقات‬ ‫منفردة مع �إ�سرائيل �سيا�س ّية �أو اقت�صاد ّية‪.‬‬ ‫ويبدو �أحياناً وك�أنّ االحتالل �أ�صبح اعتيادياً فال ّتقارير املتتالية عن ن�ساء ا�ضطررنَ للوالدة‬ ‫على احلاجز �أ�صبحت دارجة‪ ،‬والأخبار املتع ّلقة بعمل ّيات القتل والعنف والهدم �أ�صبحت‬ ‫غري مفاجئة و�أ�صبحت جم ّرد �أحداث تدقّ يف ناقو�س الن�سيان‪ ،‬وك�أنّ الو�ضع يف فل�سطني هو‬ ‫الو�ضع العادي ّ‬ ‫بيعي‪� ،‬إلاّ �أنّ االحتالل ما يزال يف فل�سطني منذ خم�سني عاماً وهناك جيل‬ ‫الط ّ‬ ‫ثالث وحتى رابع من الفل�سطين ّيني ُولدوا �أثناء االحتالل وهو الواقع الوحيد ا ّلذي يعرفونه‪.‬‬ ‫وقد جاءت اتفاق ّية �أو�سلو ا ّلتي ُوقّعت قبل نحو ‪ 20‬عاماً لتخلق وهماً ب�أنّ ت�أثري "�إ�سرائيل" على‬ ‫حياة الفل�سطين ّيني �أ�ضحى هام�ش ّياً تقريباً‪ .‬ولكن وحتى اليوم ما تزال �إ�سرائيل واالحتالل‬ ‫إ�سرائيلي العامل الأكرث ت�أثرياً على احلياة اليوم ّية جلميع �سكان الأرا�ضي العرب ّية املحت ّلة‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫الق�ضائي املالئم لواقع ق�صري الأمد‪ ،‬خلق "االحتالل‬ ‫فتحت غطاء ا�ستغالل الإطار‬ ‫ّ‬ ‫والدو�س على حقوق‬ ‫ال‬ ‫إ�سرائيلي" يف ّ‬ ‫ال�سلب والقمع ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية واقعاً ال ينح�صر يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫الإن�سان منذ نحو خم�سني عاماً فح�سب‪ ،‬بل ُيعبرّ عن نوايا بعيدة الأمد‪.‬‬ ‫امل�ضي قدماً على هذا ال�شكل �آخذٌ يف التجذّ ر‪ ،‬يف‬ ‫�إنّ الوهم القا�ضي ب�أ ّنه بالإمكان‬ ‫ّ‬ ‫الوقت ا ّلذي يقوم فيه هذا الواقع بتثبيت الظّ لم الأمر ا ّلذي يعني بال�ضرورة انتهاكاً‬ ‫الفل�سطينيني ا ّلذين يعي�شون حتت االحتالل‪.‬‬ ‫اخلا�صة بال�سكان‬ ‫يومياً حلقوق الإن�سان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪32‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫�إنّ هذا الواقع لن يتغيرّ �إال حلظة انتهاء االحتالل‪.‬‬ ‫إ�رسائيلي لتربير االحتالل‬ ‫االحتيال ال‬ ‫ّ‬

‫ال�ضفّة �إىل منطقة نفوذ‬ ‫فور انتهاء حرب ‪ 1967‬احت ّلت �إ�سرائيل نحو ‪ 70,000‬دومن من مناطق ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪ .‬وجرى هذا االحتالل خالفاً لأحكام‬ ‫القد�س (الغرب ّية) و�سيرّ ت عليها القانون ال‬ ‫ّ‬ ‫ال�ضفّة‬ ‫الدو ّيل‪� ،‬إذ �أنّ مكانة القد�س ال�شرق ّية كمنطقة حمت ّلة ال تختلف عن �سائر �أرجاء ّ‬ ‫القانون ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫الغرب ّية‪ .‬يعاين �سكان املنطقة من انتهاكات حقوق الإن�سان من طرف االحتالل ال‬ ‫ّ‬ ‫يف �سنة ‪ 1967‬كانت املكانة القانون ّية جلميع ّ‬ ‫�سكان الأرا�ضي املحت ّلة مت�شابهة‪ .‬على م ّر‬ ‫�ضم ع�شرات �آالف الدومنات �إىل �إ�سرائيل‪ ،‬وجرى �إعالن قطاع غ ّزة "كياناً‬ ‫ال�سنني جرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صغرية‪.‬‬ ‫�سيا�س ّياً معادياً"‪� ،‬أ ّما ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية فقط جرى جتزئة �أرا�ضيها �إىل ع�شرات من القطع ّ‬ ‫لقد ج ّز�أت �إ�سرائيل هذه املناطق �إىل وحدات منف�صلة ومعزولة‪ ،‬تتمايز عن بع�ضها يف طريقة‬ ‫إ�سرائيلي‪ ،‬ويف املكانة القانون ّية ّ‬ ‫ل�سكانها‪ ،‬ويف الغايات ا ّلتي‬ ‫تعريفها من ِق َبل االحتالل ال‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي ّ‬ ‫و�ضعها ّ‬ ‫لكل منها‪.‬‬ ‫املحتل ال‬ ‫ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية‪ ،‬وخروج ق ّوات اجلي�ش‬ ‫وبالرغم من التوقيع على اتفاق ّيات �أو�سلو‪ ،‬و�إقامة ّ‬ ‫ال�ضفّة‬ ‫من قطاع غ ّزة‪ ،‬ف�إنّ �إ�سرائيل ما زالت ت�سيطر على جميع الفل�سطين ّيني ا ّلذين يعي�شون يف ّ‬ ‫الغرب ّية‪ ،‬مبا يف ذلك القد�س ال�شرق ّية وكذلك قطاع غ ّزة‪ ،‬وبذلك ف�إنّ ه�ؤالء الفل�سطين ّيني‬ ‫لي�سوا �شركاء يف القرارات ا ّلتي ت ّتخذها �إ�سرائيل‪ ،‬ومن خاللها تدير حياتهم وت�سيطر على‬ ‫م�ستقبلهم و�سوف نتط ّرق �إىل كافّة �أبعاد ما جرى على الأر�ض املحت ّلة يف القد�س ال�شرق ّية‬ ‫وال�ضفّة الغرب ّية وغ ّزة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫االحتالل يف مدينة القد�س‪ ...‬بداية امل�ؤامرة‬

‫ين على القد�س �أن بد�أ اال�ستيطان فيها‪ ،‬منذ مطلع القرن‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫كان من نتائج الترّ كيز ّ‬ ‫الع�شـرين‪� ،‬أي يف وقت مبكر باملقارنة مع بدء اال�ستيطان يف الأرا�ضي الفل�سطين ّية ا ّلتي َّمت‬ ‫اّ‬ ‫احتللها فيما بعد‪ .‬وكان لتلك املحاوالت اال�ستيطان ّية املبكرة �أهداف عديدة �أبرزها‪:‬‬ ‫إ�سالمي للمدينة‪.‬‬ ‫العربي‪/‬ال ّ‬ ‫‪ - 1‬طم�س الطابع ّ‬ ‫‪33‬‬


‫‪ - 2‬تغيري الو�ضع الدميوغرايف فيها‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬ل�صالح اليهود‪ ،‬كي يغدوا �أكرثية فيها‪،‬‬ ‫ويغدو العرب �أقل ّية‪.‬‬ ‫ين‬ ‫وقد �أتت هذه املحاوالت ثمارها املرج ّوة �صهيون ّياً‪ ،‬حني �أ�صدرت �سلطات االنتداب الربيطا ّ‬ ‫والديني يف‬ ‫اليهودي اجلغرا ّيف‬ ‫قرار تر�سيم حدود بلد ّية القد�س مراعي ًة فيه ما �أ�سمته "الوجود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امتدت حدود هذا الوجود نحو �سبعة كيلومرتات غرب‬ ‫القد�س"‪ .‬وبناء على هذه املراعاة‪ّ ،‬‬ ‫البلدة القدمية‪ ،‬ومئات الأمتار �شرقاً وجنوباً‪ .‬وحني �أعاد الربيطان ّيون تر�سيم حدود القد�س‪،‬‬ ‫الغربي كالتايل‪:‬‬ ‫بني عامي ‪ 1921‬و‪َّ ،1948‬ركزوا على توزيع ق�سمها ّ‬ ‫(‪� )% 40‬أمالك �إ�سالم ّية‪� )% 26.12( ،‬أمالك يهود ّية‪� )% 13.86( ،‬أمالك م�سيح ّية‪.‬‬ ‫�أحدثت هذه النتيجة ر َّد فعل غا�ضباً من قبل العرب املقد�س ّيني‪َّ ،‬متخ�ض عنه توت ٌر يف عالقاتهم‬ ‫حدةً‪ ،‬ب�شكل ملحوظ‪ ،‬تناغم‬ ‫مع امل�ستوطنني اليهود ا ّلذين هاجروا �إليها‪ .‬ومما زاد هذا ال ّتوتر َّ‬ ‫ت�ضمنه قرار ال ّتق�سيم رقم (‪ )181‬ا ّلذي �صدر‬ ‫تق�سيم امل�ستعمر الربيطا ّ‬ ‫ين للقد�س مع ما َّ‬ ‫بتاريخ ‪ ،1947 /11 /29‬بخ�صو�ص القد�س‪ ،‬فقد جاء فيه‪:‬‬ ‫( ُتو�ضَ ع القد�س حتت �إدارة دول ّية‪ ،‬كمنطقة منف�صلة‪ ،‬ويقوم جمل�س و�صاية بتلك الإدارة نيابة‬ ‫عن الأمم امل ّتحدة‪ ،‬وت�شمل حدود القد�س القرى واملناطق املحيطة بها وهي‪�" :‬أبو دي�س" من‬ ‫ال�شّ رق‪ ،‬و"عني كارم" من الغرب‪ ،‬و"�شعفاط" من ال�شّ مال‪ ،‬و"بيت حلم" من اجلنوب)‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫حدة بني العرب واليهود‪ ،‬يف القد�س‪ ،‬ح ّتى بلغ ذروته قبيل الإعالن‬ ‫وظل ال ّتوتر يزداد ّ‬ ‫ال�صدام امل�س ّلح ا ّلذي وقع بني‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫ين عام ‪ .1948‬وبعد توقُّف ّ‬ ‫�سمي عن قيام الكيان ّ‬ ‫ال ّر ّ‬ ‫ّ‬ ‫تق�سيم املدينة مبوجب اتفاق ّية الهدنة ا ّلتي ُو ِّق َعت بني الأردن وذلك الكيان‬ ‫الطرفني �آنذاك‪َّ ،‬مت ُ‬ ‫يتم ال ّتق�سيم كما يلي‪:‬‬ ‫بتاريخ ‪ ،1949 /04 /03‬وا ّلتي ّن�صت على �أنّ َّ‬ ‫اليهودي‪ :‬وتعادل م�ساحته (‪ )% 84.13‬من م�ساحة القد�س‪.‬‬ ‫القطاع‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ :‬وتعادل م�ساحته (‪ )% 11.48‬من م�ساحة القد�س‪.‬‬ ‫القطاع ّ‬

‫قطاع هيئة الأمم والأرا�ضي احلرام‪ :‬وتعادل م�ساحته (‪ )% 3.49‬من م�ساحة القد�س‪� ،‬أو‬ ‫(‪ ،)% 4.4‬ح�سب م�صادر �أخرى‪.‬‬ ‫ال�صراع مع العرب‪ ،‬حول القد�س‪ ،‬اجلزء الأكرب‬ ‫وهكذا احت ّلت �إ�سرائيل يف جولتها الأوىل من ّ‬ ‫‪34‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سيطرة‬ ‫منها‪� ،‬إال �أنّ �أطماعها ظ ّلت حتوم حول اجلزء املتبقّي‪ ،‬حماول ًة ابتالعه‪ ،‬كي ّ‬ ‫تتم لها ّ‬ ‫الكاملة على املدينة‪ ،‬لك ّنها مل ت�ستطع حتقيق تلك الأطماع‪� ،‬إال بعد عدوان حزيران عام‬ ‫ال�شرقي منها‪.‬‬ ‫‪ ،1967‬حني احت ّلت الق�سم‬ ‫ّ‬ ‫وخالل فرتة ما بني االحتاللني‪� ،‬أي بني عامي ‪ 1948‬و‪ ،1967‬قام الإ�سرائيل ّيون بتدمري‬ ‫الغربي من القد�س ا ّلذي احت ّلوه عام ‪ ،1948‬تدمرياً �شبه كامل‪ ،‬بعد �أن طردوا خارجه‬ ‫ال�شّ طر ّ‬ ‫�أكرث من (‪ )98000‬ن�سمة من �سكانه الفل�سطين ّيني‪ ،‬كانوا ميثّلون الغالبية فيه‪ .‬وقد غادروه من‬ ‫دون �أمالكهم ّ‬ ‫بالطبع‪.‬‬ ‫ال�شرقي‪ ،‬بعدوان ‪ ،1967‬بادر عدد من كبار امل�س�ؤولني الإ�سرائيل ّيني‬ ‫وفور احتالل �شطر القد�س‬ ‫ّ‬ ‫�ضمه �إىل �سابقه ّ‬ ‫املحتل منذ عام ‪ ،1948‬وتوحيد املدينة حتت‬ ‫�إىل �إعالن عزم حكومتهم ّ‬ ‫ال�ضم زعمهم (�أن القد�س‪ ،‬بق�سميها‪،‬‬ ‫ال�سيطرة الإ�سرائيل ّية‪ .‬وكانت ذريعتهم يف ت�سويغ ذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫كانت "مدينة يهود ّية"‪ ،‬منذ �أقدم الع�صور‪ ،‬وينبغي �أنّ تعود كذلك)‪ .‬وبالفعل‪� ،‬ضَ َّمن عد ٌد‬ ‫من قادة �إ�سرائيل الأوائل هذا ال ّزعم يف ت�صريحاتهم ا ّلتي �أعقبت عدوان ‪ 1967‬مبا�شرة‪.‬‬ ‫�سويغي وا�ضحاً يف ال ّت�صريح ا ّلذي �أدىل به ديفيد بن‬ ‫فعلى �سبيل املثال‪ ،‬بدا هذا ال ّزعم ال ّت ّ‬ ‫نهائي‪ ،‬دمج قطاعي القد�س‬ ‫غوريون‪ ،‬يوم ‪ ،1967 /06 /12‬قائ ًال‪� :‬إن اليهود "ق ّرروا‪ ،‬ب�شكل ّ‬ ‫يف دولة �إ�سرائيل‪ ،‬وحتويل القد�س و�ضواحيها‪ ،‬عملياً‪� ،‬إىل مدينة يهود ّية �إ�سرائيل ّية‪� ،‬إىل �أبد‬ ‫الآبدين‪ ...‬تلك املدينة العا�صمة الأبد ّية ل�شعب خالد‪ ،‬منذ �أيام داوود امللك‪ ،‬ح ّتى نهاية‬ ‫جميع الأجيال‪� ،‬إذا وجدت مثل هذه ال ّنها ّية"‪.‬‬ ‫عما قاله‬ ‫ال�سابقني‪ّ ،‬‬ ‫وال يكاد يختلف ت�صريح ليفي �إ�شكول‪� ،‬أحد ر�ؤ�ساء وزراء �إ�سرائيل ّ‬ ‫بن غوريون‪ ،‬يف نف�س جل�سة الكني�ست ا ّلتي انعقدت يوم ‪ ،1967 /6 /12‬فقد قال‬ ‫الدولة‪ ،‬ا ّلتي ي�ص ّلي فيها‬ ‫املرة الأوىل‪ ،‬منذ قيام ّ‬ ‫�إ�شكول‪" :‬القد�س ُو ِّحدت‪ ،‬وهذه هي ّ‬ ‫اريخي‪ ،‬وكذلك ي�ص ّلون عند قرب‬ ‫اليهود بجوار حائط املبكى‪/‬بقايا دار قد�سنا وما�ضينا ال ّت ّ‬ ‫�أ ّمنا راحيل‪."...‬‬ ‫�صرح مو�شيه دايان‪ ،‬يف ‪� ،1967 /06 /07‬أمام (حائط‬ ‫وبنف�س املعنى ّ‬ ‫وال�صياغة تقريباً‪ّ ،‬‬ ‫املقد�سة‪ ،‬وعدنا �إىل �أكرث �أماكننا قد�س ّية‪ ،‬ولن‬ ‫املبكى) قائالً‪" :‬لقد �أعدنا توحيد املدينة ّ‬ ‫نبارحها �أبداً"‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫�ضم القد�س عام ‪1967‬‬ ‫قرار ّ‬

‫"حق"‬ ‫احلق ال‬ ‫إ�سرائيلي يف القد�س �أو ما ي�سمى ّ‬ ‫خ�ضم هذه االنتهاكات بد�أت �أ�سطورة ّ‬ ‫ويف ّ‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي على تلك‬ ‫اليهود فيها‪ ،‬عقب احتاللها كاملة عام ‪ ،1967‬وحاولوا �إ�ضافة الطابع‬ ‫ّ‬ ‫ال�شرقي ا ّلذي كان ابتالعه‬ ‫الأ�ساطري‪ ،‬و�إعطاءها ُبعداً دينياً و�آخر تاريخ ّياً‪ ،‬لتربير ابتالع �شطرها‬ ‫ّ‬ ‫خ�ضم ذلك ك ّله‪� ،‬سارعت حكومة �إ�سرائيل‪� ،‬آنذاك‪� ،‬إىل‬ ‫�أحد �أهم �أهداف عدوان ‪1967‬؛ يف ّ‬ ‫املحتل حديثاً �إىل غرب ّيها ّ‬ ‫�شرقي القد�س ّ‬ ‫املحتل قدمياً‪ ،‬واعتبارها‬ ‫الإعالن ر�سم ّياً عن ّ‬ ‫�ضم ّ‬ ‫ب�شطريها معاً جزءاً من �إ�سرائيل‪ ،‬يقع �ضمن حدودها‪ .‬وهكذا‪ ،‬وقبل �أنّ تربد نريان العدوان‪،‬‬ ‫ال�ضم ا ّلذي ّمت الإعالن عنه يف اليوم ال ّتايل‬ ‫�أق َّر الكني�ست يوم الثالثاء ‪ ،1967 /06 /27‬قرار ّ‬ ‫‪ ،1967 /06 /28‬ون�شـره يف (الوقائع الإ�سرائيل ّية‪/‬كتاب القوانني) ذي الرقم (‪.)499‬‬ ‫ومنذ ذلك ال ّتاريخ‪ ،‬بذلت احلكومات الإ�سرائيل ّية املتعاقبة جهوداً كبرية يف �سبيل تغيري‬ ‫ّ‬ ‫أر�ض ومعا َمل و�سكاناً‪ ،‬عن طريق القيام مبمار�سات‬ ‫العربي‪/‬الإ�سالمي للقد�س‪ ،‬ملكي َة � ٍ‬ ‫الطابع ّ‬ ‫ين فيها ل�صالح‬ ‫ال�سكا ّ‬ ‫ّ‬ ‫متعددة الأ�ساليب ّ‬ ‫عي �إىل تغيري رجحان امليزان ّ‬ ‫وال�صور‪ ،‬كان �أبر َزها ّ‬ ‫ال�س ُّ‬ ‫اليهود‪ ،‬كي يغدوا غالبية �سكانها‪ .‬وال ّ‬ ‫�شك �أنّ هذه املمار�سة كانت الأب�شع �أي�ضاً لأنّ تنفيذها‬ ‫كان يعني املبا�شرة بطرد �أكرب عدد من �سكان القد�س العرب‪ ،‬وتكثيف م�شاريع اال�ستيطان‬ ‫فيها وحولها‪ ،‬وترغيب اليهود يف �سكناها‪ ،‬كما �أف�صح بن غوريون �صراحةً‪� ،‬أمام الكني�ست يف‬ ‫جل�سته ا ّلتي انعقدت يف ‪ ،1967 /07 /31‬مقرتحاً تو�سيع �أعمال اال�ستيطان يف كال �شطري‬ ‫كل احلواجز املوجودة بينهما‪ ،‬وتوفري ّ‬ ‫القد�س‪ ،‬بعد �إزالة ّ‬ ‫كل اخلدمات الالزمة لإقامة اليهود‬ ‫يف كليهما �إقام ًة مريحة من ّ‬ ‫كل النواحي‪ .‬لأنّ تن�شيط م�شاريع اال�ستيطان‪ ،‬كما قال‪" :‬داخل‬ ‫القد�س و�ضواحيها‪ ،‬هو وحده ا ّلذي يكفل �إعادة القد�س لل�شّ عب‪� ،‬إىل الأبد"‪.‬‬ ‫اال�سرتاتيجي لـنتنياهو‪ ،‬يف‬ ‫موحدة حتت االحتالل‪ ،‬كما َّرجح امل�ست�شار‬ ‫�أي ُيث ِّبت بقاءها َّ‬ ‫ّ‬ ‫فرتة رئا�سته للوزارة‪ .‬وذلك بدعوى �أنّ الإ�سرائيل ّيني �صاروا غالبية �سكان القد�س‪ ،‬وما عاد‬ ‫إ�سرائيلي‪ ،‬تقلي�ص‬ ‫جمدداً‪ .‬وهو ما يعني يف منظور ال ّتفاو�ض ال‬ ‫ممكناً‪ ،‬بالتايل‪� ،‬إخراجهم منها ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولية ا ّلتي قد ُتكرِه � َ‬ ‫إ�سرائيل على االن�سحاب من القد�س‪،‬‬ ‫ال�سيا�س ّية ّ‬ ‫وال�ضغوط ّ‬ ‫اخليارات ّ‬ ‫ك ّلياً �أو جزئياً‪� ،‬أو ُتكرهها‪ ،‬يف � ّأي مفاو�ضات ت�سوية مقبلة‪ ،‬مع العرب‪ ،‬على القبول ب�إعادة‬ ‫تق�سيمها �إىل �شطرين‪ ،‬يكون �أحدهما عا�صمة للفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫ين‪ ،‬يف القد�س‪ ،‬مل�صلحة اليهود‪ ،‬قام الإ�سرائيل ّيون‬ ‫ال�سكا ّ‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل حماولة تغيري امليزان ّ‬ ‫‪36‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ين‪ ،‬كما‬ ‫ال�سكا ّ‬ ‫ب�إجراءات �أخرى لتهويد املدينة‪ ،‬نفَّذوها بال ّتزامن مع جهودهم لتغيري طابعها ّ‬ ‫ُيبينِّ ا�ستقراء تواريخ تلك الإجراءات‪ ،‬كتغيري ما كان �سائداً فيها من �أنظمة وقوانني‪ ،‬وتغيري‬ ‫معاملها العرب ّية الإ�سالم ّية وامل�سيح ّية‪ ،‬و�أ�سماء مدنها و�أحيائها‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬ ‫منذ �أنّ احت ّلت �إ�سرائيل تلك املناطق ا ّتخذت �سلطات االحتالل الإ�سرائيل ّية �سيا�سات مت ّيز‬ ‫ال�سكان الفل�سطين ّيني القاطنني فيها‪ ،‬وتعمل بطرق عديدة على رفع ن�سبة اليهود يف‬ ‫ّ‬ ‫�ضد ّ‬ ‫املدينة وتقلي�ص ن�سبة الفل�سطين ّيني؛ وذلك بهدف خلق واقع دميغرا ّيف وجغرا ّيف يكبح �أ ّية‬ ‫ال�سيادة الإ�سرائيل ّية يف القد�س ال�شّ رق ّية‪ .‬يف �سبيل ذلك �صادرت‬ ‫حماولة م�ستقبل ّية لزعزعة ّ‬ ‫خم�ص�صة ك ّلها لليهود‬ ‫ال�سكان الفل�سطين ّيني وبنت ‪ 12‬ح ّياً ّ‬ ‫ال�سلطات �آالف الدومنات من ّ‬ ‫ّ‬ ‫�ضمها �إىل �إ�سرائيل‪ .‬مكانة هذه الأحياء‪ ،‬من‬ ‫فقط‪ ،‬وذلك فوق املناطق املحت ّلة ا ّلتي جرى ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪.‬‬ ‫الدويل‪ ،‬ال تختلف عن مكانة امل�ستوطنات يف �أرا�ضي مناطق ّ‬ ‫ناحية القانون ّ‬ ‫العن�رصي يف القد�س‪ ...‬والقد�س الكربى‬ ‫جدار الف�صل‬ ‫ّ‬

‫العن�صري يف القد�س نتيجة ملنع ما �أ�سمته �إ�سرائيل "العلم ّيات‬ ‫مل ي� ِأت بناء جدار الف�صل‬ ‫ّ‬ ‫الإرهاب ّية والتخريب ّية" بل جاء بنا�ؤه من �أجل ا�ستكمال ف�صل وعزل القد�س ب�شكل مطلق‬ ‫عن واقعها اجلغرا ّيف ولتحقيق ّ‬ ‫خمطط القد�س الكربى‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫ال�شرقي من القد�س حيث كانت‬ ‫فبعد نك�سة حزيران يف عام ‪ ،1967‬احت ّلت "�إ�سرائيل" اجلزء‬ ‫ّ‬ ‫والغربي‬ ‫ال�شرقي‬ ‫م�ساحتها كمدينة تبلغ ‪ 6000‬دومن‪ ،‬و�أ�صبحت م�ساحة مدينة القد�س بفرعيها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 44,100‬دومن‪ .‬لكن "�إ�سرائيل" �أقدمت على م�صادرة ‪� 64‬ألف دومن من �أرا�ضي ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‬ ‫(�أي �أكرث من �ضعف م�ساحة املدينة بحدودها ال ّتاريخ ّية)‪ ،‬اقتطعتها من �أرا�ضي �أكرث من ‪28‬‬ ‫مدينة وقرية بع�ضها ّمت �إلغا�ؤها ك ّلياً مثل قرى �صور باهر وجبل املكرب والنبي �صموئيل وح ّولتها‬ ‫�إىل �أحياء داخل ّية يف مدينة القد�س ومن بيت جاال وبيت حلم وبيت �ساحور وبيت �إك�سا وقطنة‪.‬‬ ‫�ضمت ‪12‬‬ ‫ونتيجة لذلك �أ�صبحت م�ساحة مدينة القد�س ما يقارب من ‪� 126‬ألف دومن بعد �أنّ ّ‬ ‫�ألف دومن من مناطق فل�سطين ّية احت ّلت قبل عام ‪� 1948‬إىل القد�س‪.‬‬ ‫وبعد �أنّ فر�ضت حقائق على الأر�ض بد�أت �إ�سرائيل يف عام ‪ 2002‬ب�إجراءات عمل ّية لإقامة‬ ‫متتد من كتلة م�ستعمرات غو�ش عت�صيون يف حمافظة بيت حلم (جنوب‬ ‫القد�س الكربى ا ّلتي ّ‬ ‫القد�س)‪ ،‬وكتلة م�ستعمرات غفعات زئيف يف �شمال غرب القد�س وم�ستعمرات بنيامني‬ ‫يف ال�شّ مال ومعاليه �أدوميم وامل�ستعمرات القريبة منها البالغة ‪ 8‬م�ستعمرات من ال�شّ رق‪.‬‬ ‫(امل�سماة �إ�سرائيل ّياً �صحراء يهودا) مناطق‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬توجد يف منطقة برية القد�س ّ‬ ‫تدريبات ع�سكر ّية �إ�سرائيل ّية ومتن ّزهات طبيع ّية متن ّوعة‪ .‬وت�صل م�ساحة برية القد�س �إىل ما‬ ‫يقارب ‪ 600‬كم وت�صل ح ّتى م�شارف البحر امليت و�أريحا وت�صل م�ساحة القد�س طبقاً ّ‬ ‫خلطة‬ ‫القد�س ‪ 2000‬وا ّلتي ن�شرها مركز "مبكوم" �إىل �أكرث من ‪ 250‬كم‬ ‫الهيكلية‬ ‫خطّ ة القد�س‬ ‫ّ‬

‫�إنّ جمع ّية "مبكوم" ا ّلتي تطالب منذ �سنني بتغيري �سيا�سة ال ّتخطيط يف القد�س ال�شّ رق ّية �أخذت على عاتقها درا�سة ّ‬ ‫اخلطة‬ ‫اجلديدة‪ّ ،‬‬ ‫اخلطة جمموعة عمل قامت بجوالت ميدان ّية و�أمعنت ال ّنظر يف وثائق هذه ّ‬ ‫و�شكلت اجلمعية لدى عر�ض ّ‬ ‫اخلطة‪،‬‬ ‫ال�س ّيد مو�شيه كوهني خالل لقاء عقد معه‪ ،‬كما �إىل رئي�س مدير ّية‬ ‫ّثم ّقدمت ا�ستنتاجاتها �إىل رئي�س طاقم ال ّتخطيط‬ ‫الهيكلي ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعماري �شماي �أ�سيف ّ‬ ‫املهني ا ّلذي يعمل معه‪.‬‬ ‫الداخل ّية املهند�س‬ ‫ال ّتخطيط يف وزارة ّ‬ ‫ّ‬ ‫والطاقم ّ‬ ‫‪38‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫�شرقي القد�س مع ّ‬ ‫�سكانها �إىل منطقة نفوذ املدينة‬ ‫يف يونيو‪/‬حزيران ‪ّ 1967‬مت ّ‬ ‫�ضم �أرا�ضي ّ‬ ‫املوحدة" ثالثة �أ�ضعاف تقريباً �أي من ‪� 38‬ألف دومن �إىل ‪� 108‬آالف‬ ‫لتزداد م�ساحة "املدينة ّ‬ ‫كما زاد عدد ّ‬ ‫ال�سنني ثلث‬ ‫ال�سكان العرب ت�سعة و�ستني �ألف ن�سمة‪ .‬وقد �صودر على مدار ّ‬ ‫امل�ساحة امل�ضمومة ل�صالح بناء �أحياء جديدة من �أجل ّ‬ ‫ال�سكان اليهود ّمما �أ ّدى �إىل تقلي�ص‬ ‫ال�سكن وال ّتطوير ّ‬ ‫لل�سكان الفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫م�ساحة ّ‬ ‫قامت يف املدينة طفرة هائلة من العمران وال ّتطوير ال �س ّيما يف الأحياء اليهود ّية ا ّلتي �أقيمت‬ ‫على الأرا�ضي امل�صادرة‪ .‬متّت بلورة خطط هيكل ّية ّ‬ ‫حي على حدة بعيداً من ال ّنظرة‬ ‫لكل ّ‬ ‫ال�شّ مول ّية العا ّمة‪ ،‬وبتجاهل الو�ضع ال ّتخطيطي ّ‬ ‫ال�سائد يف املدينة �إجما ًال ويف ق�سمها‬ ‫املركب ّ‬ ‫رقي على وجه اخل�صو�ص‪� .‬أ�ضف �إىل ذلك �أنّ اخلطط املذكورة �أخرجت �إىل ح ّيز ال ّتنفيذ‬ ‫ال�شّ ّ‬ ‫ال�سكان العرب واليهود‪ ،‬بحيث‬ ‫�سيا�سة تخطيط معلنة تتمحور حول احلفاظ على ن�سب ّ‬ ‫لل�سكان اليهود رغم ن�سبة النم ّو الأ�سرع‬ ‫ت�سعى للإبقاء على التف ّوق ّ‬ ‫الدميوغرايف الوا�ضح ّ‬ ‫املحد من البناء‪.‬‬ ‫ال�سيا�سة بعدم ال ّتخطيط �أو التخطيط ّ‬ ‫لل�سكان العرب‪ .‬وكثرياً ما ترتجم هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد �إقرار احلاجة �إىل تخطيط �شامل للقد�س بكاملها وب�أجزائها كافة‪ ،‬بد�أت عمل ّية تخطيط‬ ‫خا�ص مبدينة‬ ‫هيكلي ّ‬ ‫بعيدة املدى ووا�سعة ال ّنطاق يفرت�ض �أنّ تنتهي ولأ ّول م ّرة بطرح تخطيط ّ‬ ‫القد�س‪.‬‬ ‫حتد القد�س �أكرث من �سبعة مدن عرب ّية هي رام اهلل والبرية وبيتونيا وبيت حلم وبيت‬ ‫وبذلك ّ‬ ‫الدرا�سات‬ ‫جاال وبيت �ساحور ومنطقة �أريحا ومنحدرات البحر امل ّيت‪ .‬ويبدو يل �أنّ ال ّ‬ ‫حتدثت عن م�ساحة مناطق ال ّتدريبات الع�سكر ّية وال املتن ّزهات‬ ‫الفل�سطين ّية وال العرب ّية ّ‬ ‫الطبيع ّية الإ�سرائيل ّية وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫املخططات امل�ستقبل ّية لهذه املنطقة من بناء م�ستوطنات جديدة‬ ‫متتد ح ّتى منحدرات البحر امل ّيت وا ّلتي ال تعرف م�ساحتها‬ ‫ومناطق �سياح ّية وغري ذلك‪ ،‬ا ّلتي ّ‬ ‫تتحدث عن ‪ 600‬كم‪.‬‬ ‫الدقّة رغم �أنّ بع�ض امل�صادر الإ�سرائيل ّية ّ‬ ‫على وجه ّ‬ ‫תכנית אלון خطّ ة �ألون القد�س الكربى‬

‫ُطرح مو�ضوع القد�س الكربى لأول م ّرة يف �شهر �أيلول من عام ‪ 1967‬من ِق َبل وزير ال ّتعليم‬ ‫حل �شاملة مع العرب �سم ّيت ّ‬ ‫إ�سرائيلي حينها يغيئال �ألون ا ّلذي طرح ّ‬ ‫خطة ّ‬ ‫بخطة �ألون‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫حتدثت ّ‬ ‫ال�شرقي‬ ‫املوحدة ب�شق ّيها‬ ‫ويف ما يتع ّلق مبدينة القد�س ال�شرق ّية ّ‬ ‫اخلطة عن القد�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪39‬‬


‫لل�سيادة الإ�سرائيل ّية على برية القد�س‬ ‫ومد‬ ‫ال�سيادة الإ�سرائيل ّية ّ‬ ‫تدريجي ّ‬ ‫والغرب ّية حتت ّ‬ ‫ّ‬ ‫املمتدة ح ّتى مداخل مدينة �أريحا ومنحدرات البحر امل ّيت ح ّتى منطقة م�ستعمرات غو�ش‬ ‫ّ‬ ‫عت�صيون يف منطقة بيت حلم يف اجلنوب وجبال رام اهلل والبرية يف ال�شّ مال‪.‬‬

‫ُ‬ ‫كتاب خطة �ألون ا ّلذي ي�أتي بتفا�صيل ّ‬ ‫�ضابط اال�ستخبارات‬ ‫املخطط وقد �أ ّلف هذا الكتاب‬ ‫ّبلوما�سي يروحام كوهني وقامت بن�شره دار هاكيبوت�س هم�ؤحد عام ‪1973‬‬ ‫إ�سرائيلي والد‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫خطة �آلون ‪1967‬‬ ‫‪40‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ين يف‬ ‫وجاء يف الكتاب �أ ّنه ُبعيد حرب ‪ ،1967‬با�شر حزب العمل عمل ّيات البناء اال�ستيطا ّ‬ ‫الدرجة الأوىل‪� ،‬إ�ضافة �إىل ما حتويه من‬ ‫الأرا�ضي املحت ّلة؛ انطالقاً من كونها منطقة �أمن ّية من ّ‬ ‫م�ساحات هائلة لل ّزراعة‪ ،‬وم�صادر املياه اجلوفية‪ ،‬وقد بد�أت عمل ّيات اال�ستيطان على يد �سالح‬ ‫(الـ ناحل הנח"ל) (נוער חלוצי לוחם نوعار حلوت�س لوحيم)‬ ‫وتعني "�شبيبة ّ‬ ‫�سميت با�سم‬ ‫الطليعة املقاتلة"‪� ،‬إذ ُبني العديد من املواقع اال�ستيطان ّية ا ّلتي ّ‬ ‫(ناحل)‪ ،‬وذلك على طول ّ‬ ‫خط الهدنة ومناطق الغور‪.‬‬ ‫وما لبثت هذه العمل ّية �أنّ حت ّولت �إىل �سيا�سة ذات ّ‬ ‫خمطط ُعرف با�سم "م�شروع �ألون"‬ ‫إ�سرائيلي يف حينه؛ وذلك بناء على‬ ‫أعده يغال �ألون‪ ،‬وزير العدل ال‬ ‫اال�ستيطا ّ‬ ‫ين‪ ،‬ا ّلذي � ّ‬ ‫ّ‬ ‫ا�سرتاتيج ّية ت�ضييق جمال اخليارات املتاحة ّ‬ ‫ال�سيادة على الأر�ض‬ ‫للحل (الت�سوية)‪ ،‬ب�ش�أن ّ‬ ‫املحت ّلة‪ ،‬عرب تطبيق الأمر الواقع باال�ستيالء على الأر�ض وتنفيذ عمل ّية ا�ستيطان ّية وا�سعة‪،‬‬ ‫على طول غور الأردن‪ ،‬من جنوب غور بي�سان‪ ،‬وحتى جنوب �صحراء اخلليل‪ ،‬بطول ‪115‬‬ ‫كلم وعر�ض ‪ 20‬كلم‪.‬‬ ‫ويف �ضوء هذا ّ‬ ‫املخطط‪ُ ،‬بني يف عهد حزب العمل وحتى عام ‪1977‬م‪ 34 ،‬م�ستوطنة‪( ،‬منها‬ ‫‪ 12‬يف مدينة القد�س)‪ ،‬وكانت م�ستوطنة كفار عت�صيون هي الأوىل ا ّلتي ُبنيت �سنة ‪1967‬م‪،‬‬ ‫ّثم كريات �أربع �سنة ‪1968‬م‪ّ ،‬مما يدل على �أنّ اال�ستيطان كان يتجاوز ح ّتى م�شروع �ألون‪،‬‬ ‫اال�سرتاتيجي نحو ا�ستيطان متن ّوع الأهداف يف �أماكن ومواقع يف حميط‬ ‫أمني‬ ‫ّ‬ ‫واملفهوم ال ّ‬ ‫القد�س وبيت حلم‪ ،‬وكذلك على طول ّ‬ ‫اخلط الأخ�ضر‪.‬‬ ‫ين يف �صحيفة (דבר دافار الإ�سرائيل ّية) بتاريخ‬ ‫وقد قال �ألون نف�سه عن م�شروعه اال�ستيطا ّ‬ ‫‪" :1974 /02 /17‬لقد �أقيمت‪ :‬امل�ستعمرات الإ�سرائيل ّية يف �ضوء الأهم ّية اال�سرتاتيج ّية‬ ‫يا�سي من �أجل حدود �آمنة"‪.‬‬ ‫ملتطلبات الأمن‪ ،‬وكحافز لل ّن�ضال ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫�ضم مناطق بها كثافة �سكان ّية فل�سطين ّية‪ ،‬قائ ًال �إ ّنه يف‬ ‫ولتحقيق م�شروعه عملياً‪ ،‬دعا �إىل جت ّنب ّ‬ ‫املناطق املذكورة بخطته يجب �إقامة م�ستعمرات مدن ّية وريف ّية وقواعد ع�سكر ّية دائمة‪ ،‬ب�أ�سرع‬ ‫�شرقي القد�س وبلداتها القدمية‪.‬‬ ‫وقت ممكن‪ ،‬وفق متطلبات الأمن‪ ،‬وي�شمل ذلك ّ‬ ‫ين ح ّتى �أواخر عام ‪1970‬م‪ ،‬وقد جاء‬ ‫�أ ّما يف قطاع غ ّزة‪ ،‬فقد ت�أخرت عمل ّية البناء اال�ستيطا ّ‬ ‫ين يف حميط القطاع‪ ،‬وتق�سيمه �إىل ثالث كتل‬ ‫يف م�شروع �ألون – �ضرورة و�ضع حزام ا�ستيطا ّ‬ ‫فل�سطين ّية‪ ،‬تف�صلها حواجز ماد ّية‪ ،‬وكانت امل�ستوطنات هي هذه احلواجز املاد ّية املطلوبة‪ ،‬وهي‬ ‫‪41‬‬


‫عبارة عن ثالث جمموعات من امل�ستوطنات‪.‬‬ ‫‪ 1‬م�ستوطنات يف �شمال القطاع (�إيرز‪� ،‬إيلي �سيناي‪ ،‬ني�سانيت ونت�سارمي)‪.‬‬‫‪ 2‬م�ستوطنات دير البلح ومركزها م�ستوطنة كفار داروم‪.‬‬‫‪ 3‬كتلة م�ستوطنات خانيون�س (غو�ش قطيف‪ ،‬جاين طال‪ ،‬نت�سار حزاين‪ ،‬نفيه دكاليم‪،‬‬‫دوغيت‪ ،‬جديد‪ ،‬موراغ‪ ،‬غان �أور ورفيح يام)‪.‬‬ ‫ي�سمى باملنطقة الو�سطى ورئي�س‬ ‫ويف نهاية عام ‪ 1994‬و�ضع اجلرنال �إيالن بريان قائد ما ّ‬ ‫إ�سرائيلي ّ‬ ‫خطة �إعادة انت�شار اجلي�ش‬ ‫املرحلي يف نف�س القيادة ال ّتابعة للجي�ش ال‬ ‫�إدارة االتفاق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي يف ّ‬ ‫ت�ضم معاليه �أدوميم‬ ‫ال‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ا ّلتي ّ‬ ‫ت�ضمنت �إقامة القد�س الكربى ا ّلتي ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل حماور ّ‬ ‫وغفعات زئيف وغو�ش عت�صيون‪ ،‬وال�سيطرة على ّ‬ ‫الطرق امل�ؤد ّية �إليها مثل �شاع ‪45‬‬ ‫يتعمق يف �أرا�ضي بلدة بيتونيا وي�صل �إىل عني عريك وهو يبعد ‪ 4 - 3‬كم عن �شارع‬ ‫ا ّلذي ّ‬ ‫‪ 443‬و�شارع ‪ 60‬يف اجلنوب املو�صل �إىل القد�س من غو�ش عت�صيون و�شارع ‪�( 80‬شارع �ألون)‪.‬‬ ‫اخلطة ّ‬ ‫و�س ّميت تلك ّ‬ ‫بخطة حا�ضن القد�س‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وبناء على ّ‬ ‫املخططات املذكورة ُبني اجلدار الفا�صل يف مدينة القد�س مع �إدخال بع�ض‬ ‫ال ّتعديالت ّ‬ ‫الطفيفة والتي ال تكاد ُتذكر ل�صالح الفل�سطين ّيني‪ ،‬وذلك لتحقيق الأهداف‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية و�إقامة القد�س‬ ‫‪ .1‬عزل وف�صل القد�س ال�شّ رق ّية عن بقية �أرا�ضي ّ‬ ‫الكربى‪.‬‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية �أو‬ ‫ال�سكان العرب وترحيلهم من ّ‬ ‫‪ .2‬تهجري وتفريغ القد�س ال�شّ رق ّية من ّ‬ ‫�إىل � ّأي مكان �آخر‪.‬‬ ‫‪ .3‬يف حال عدم ّمتكنها من تهجري العرب‪ ،‬فعلى الأقل ح�شرهم يف �أحياء �صغرية‬ ‫ين‬ ‫ال�سكا ّ‬ ‫حماطة بامل�ستوطنات واجلدران وال�شّ وارع‪ ،‬وتكون غري قابلة للنم ّو والتط ّور ّ‬ ‫يا�سي‪.‬‬ ‫واالقت�صادي‬ ‫ّ‏‬ ‫واالجتماعي ّ‬ ‫وال�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .4‬خلق حقائق على الأر�ض مثل �إقامة م�ستوطنات ومناطق �صناع ّية و�سياح ّية يهود ّية‬ ‫ودعم هجرة اليهود �إىل املدينة و�ضواحيها بهدف �إيجاد �أغلبية يهودية يف القد�س ال�شرق ّية‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫املقد�سة الإ�سالم ّية وامل�سيح ّية نظراً‬ ‫‪ .5‬املحافظة على �سيادة �إ�سرائيل على الأماكن ّ‬ ‫القد�سي ال�شّ ريف ويف غريه من الأماكن‪ ،‬ومنع‬ ‫�إىل ما ّتدعيه من حقوقها يف احلرم‬ ‫ّ‬ ‫الو�صول �إليها‪.‬‬

‫هدم قرية الكعابنة من بيت حنينا‪-‬بلد �شما ّ‬ ‫يل القد�س‬

‫ولإمتام هذه ّ‬ ‫املخططات قامت �إ�سرائيل بال ّتالعب يف القوانني و�أدخل الكني�ست تعديالت‬ ‫ال�صادر يف ‪ 1948 /07 /26‬يخ ّول مبوجبه احلكومة‬ ‫ال�سلطة والقانون" ّ‬ ‫على قانون "ترتيب ّ‬ ‫ال�سابقة" �إىل حدود دولتها‪ .‬ووفق ذلك ن�شرت‬ ‫ّ‬ ‫ب�ضم �أ ّية م�ساحة من "�أر�ض �إ�سرائيل ّ‬ ‫ت�ضم مبوجبه البلدة القدمية يف القد�س وم�ساحات‬ ‫�سكرتارية احلكومة يف ‪� 1967 /06 /28‬أمراً ّ‬ ‫خا�صة من ال�شّ مال واجلنوب �إىل‬ ‫وا�سعة �أخرى (مل تذكر م�ساحتها) من جميع املناطق‪ّ .‬‬ ‫دولة �إ�سرائيل‪ .‬وبالإ�ضافة �إىل القانون املذكور‪� ،‬ألغت احلكومة الإ�سرائيل ّية البلد ّية الأردن ّية‬ ‫موحدة ‪-‬‬ ‫وامل� ّؤ�س�سات الأردن ّية الأخرى املوجودة يف القد�س ال�شرق ّية‪ ،‬وح ّولتها �إىل بلدية ّ‬ ‫بهذه ّ‬ ‫�ضم ‪� 80‬ألف دومن �إىل حدود مدينة القد�س منها �ستة �آالف دومن م�ساحة‬ ‫الطريقة مت ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪.‬‬ ‫البلد ّية الأردن ّية �أي ما يعادل �أكرث من ‪ 1.5‬من م�ساحة ّ‬ ‫ولتثبيت ما َّمت القيام به من �إجراءات تهويدها‪ ،‬منذ �صدور قرار �ضمها عام ‪ ،1967‬ولإ�ضفاء‬ ‫لون من "ال�شّ رعية" على تلك الإجراءات‪� ،‬أ�صدر الكني�ست‪ ،‬عام ‪ ،1980‬ما ُعرِف بـ "قانون‬ ‫‪43‬‬


‫موحدة لإ�سرائيل‪ .‬فماذا‬ ‫القد�س" ا ّلذي � ّأكد يف بنده الأ ّول �إعالن القد�س ب�شطريها‪ ،‬عا�صم ًة ّ‬ ‫ت�ضمن هذا القانون �أي�ضاً‪ ،‬وما �أهم �أهدافه؟‬ ‫َّ‬ ‫ال�صادر عام ‪ 1980‬و�أهدافه‬ ‫قانون القد�س ّ‬ ‫تقدمت ع�ضو الكني�ست جيئوال كوهني‪ ،‬من حركة " َه ْتحِ َّيا"‪ ،‬مب�شروع ُ�س ّمي‪،‬‬ ‫يف عام ‪ّ ،1980‬‬ ‫"قانون القد�س"‪ .‬ويف ذات الوقت‪ ،‬طرح �إمري رون من حزب "مبام"‪ ،‬م�شـروعاً مماث ًال‪ .‬وبعد‬ ‫مناق�شة كال امل�شروعني‪ ،‬ا�س ُتخل َِ�ص من م�ضمونيهما ما �صار ُيع َرف‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬بـ "قانون القد�س"‬ ‫ا ّلذي �صادق �أع�ضاء الكني�ست على �صيغته ال ّنهائ ّية‪ ،‬بتاريخ ‪ ،1980 /07 /20‬ب�أغلبية (‪)69‬‬ ‫ت�ضمنت تلك ال�صيغة‪ ،‬كما ن�شـرتها‬ ‫�صوتاً ّ‬ ‫�ضد (‪ ،)15‬وامتناع ثالثة �أع�ضاء عن ال ّت�صويت‪ .‬وقد ّ‬ ‫�صحيفتا (هت�سوفيه‪ ،)1980 /07 /31 ،‬و(ه�آرت�س‪ ،)1980 /08 /01 ،‬البنود الأربعة التالية‪:‬‬ ‫املوحدة هي عا�صمة �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫‪ - 1‬القد�س ّ‬ ‫املقد�سة حمفوظة من �إحلاق � ّأي �ضرر بها‪� ،‬أو � ّأي �شيء ي�سيء �إىل حر ّية‬ ‫‪ - 2‬تبقى الأماكن ّ‬ ‫املقد�سة‪.‬‬ ‫ال�سماو ّية �إىل �أماكنهم ّ‬ ‫و�صول �أبناء الديانات ّ‬ ‫‪ - 3‬حتر�ص احلكومة الإ�سرائيل ّية على تطوير و�إنعا�ش القد�س ورفاهية ّ‬ ‫�سكانها‪ ،‬عن طريق ر�صد‬ ‫ّ‬ ‫خا�صة لبلد ّية القد�س ت�سمى "منحة العا�صمة"‪.‬‬ ‫اخلا�صة‪ ،‬وال �سيما تقدمي منحة �سنوية ّ‬ ‫الطاقات ّ‬ ‫الدولة‪ ،‬لتطويرها يف املجاالت‬ ‫خا�صة ب�ش�أن ما يتعلق بن�شاطات ّ‬ ‫‪ - 4‬تمُ نح القد�س �أف�ضل ّية ّ‬ ‫االقت�صاد ّية وغريها من املجاالت الأخرى‪.‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل ذلك‪� ،‬أ�صدرت حمكمة العدل الإ�سرائيل ّية قراراً يف عام ‪ 1988‬اعتربت فيه‬ ‫ّ‬ ‫يحق لهم احل�صول على ّ‬ ‫كل‬ ‫�سكان القد�س ال�شرق ّية �سكاناً دائمني ولي�سوا مواطنني‪ ،‬ال ّ‬ ‫ال�صعيد �صدر عن احلكم‬ ‫االمتيازات ا ّلتي يح�صل عليها‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي يف املدينة‪ ،‬وعلى نف�س ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية وقطاع غ ّزة �أوامر ع�سكرية تلغى مبوجبها القوانني‬ ‫الع�سكري ال‬ ‫إ�سرائيلي يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيطرة على �أرا�ضي الفل�سطين ّيني وتهجريهم مبا‬ ‫الأردن ّية �أو ّ‬ ‫تعدلها من �أجل ا�ستكمال ّ‬ ‫واملعدلة) �أكرث من‬ ‫يف ذلك القد�س ال�شّ رق ّية وحميطها‪ ،‬وبلغ جمموع هذه الأوامر (اجلديدة ّ‬ ‫ع�سكري �شملت خمتلف مناحي حياة الفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫‪� 1500‬أمر‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني‪ ،‬وتعا ُملها معهم كغرباء �أو‬ ‫ال�سلطات الإ�سرائيل ّية احتياجات ّ‬ ‫وتتجا ُهل ّ‬ ‫‪44‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ك�أجانب‪ ،‬انعك�س على نح ٍو وا�ضح يف �إقامة اجلدار الفا�صل داخل املدينة‪ .‬امل�سار ا ّلذي جرى‬ ‫اختياره لبناء اجلدار �أبقى ‪� 8‬أحياء فل�سطين ّية وراء اجلدار‪ ،‬مبا فيها خم ّيم �شعفاط لالجئني‪.‬‬ ‫يعي�ش يف هذه الأحياء �أكرث من مئة �ألف �إن�سان‪ ،‬وفقاً للتقديرات‪ .‬وهي ّ‬ ‫ت�شكل جزءاً من منطقة‬ ‫نفوذ بلد ّية القد�س‪ ،‬ويدفع ّ‬ ‫�سكانها ال�ضرائب لبلد ّية القد�س‪ .‬ولكن بلد ّية القد�س والوزارات‬ ‫احلكوم ّية املختلفة تتجاهل تلك الأحياء فتمتنع عن دخولها وترف�ض تزويد ّ‬ ‫�سكانها باخلدمات‬ ‫احليو ّية‪ ،‬وبذلك حت ّولت هذه الأحياء �إىل مناطق يبدو عليها الإهمال ال�شّ ديد‪ .‬هذه الأحياء‬ ‫حمرومة من اخلدمات البلد ّية الأ�سا�س ّية واحليو ّية‪ ،‬مثل �إخالء النفاية‪� ،‬شقّ ّ‬ ‫الطرق‪ ،‬وخدمات‬ ‫ال�صفوف ال ّتعليم ّية وريا�ض الأطفال‪ .‬البنية‬ ‫الترّ ب ّية والتعليم‪ .‬كما �أ ّنها تعاين نق�صاً حا ّداً يف عدد ّ‬ ‫ال�س ّكان‪ ،‬ومل يطر�أ‬ ‫ال�ص ّح ّي يف تلك الأحياء ال تكفي ّ‬ ‫وال�صرف ّ‬ ‫ال ّتحت ّية للمياه ّ‬ ‫ل�سد احتياجات ّ‬ ‫عليها � ّأي تطوير‪ .‬يعاين ّ‬ ‫ال�سكان �أي�ضاً من قيود �شديدة على حركتهم وتنقّلهم‪ ،‬وذلك ج ّراء‬ ‫عرقلتها على احلواجز واالزدحام ا ّلذي ت�س ّببه تلك احلواجز يف ّ‬ ‫الطرق امل�ؤد ّية �إليها‪.‬‬ ‫الغربية‬ ‫ال�ض ّفة‬ ‫االحتالل يف ّ‬ ‫ّ‬

‫ال�سلطة الفل�سطين ّية يف ّ‬ ‫ال�سيادة‬ ‫ال�ض ّفة الغرب ّية ح�سب اتفاق �أو�سلو‪ ،‬حيث ي�شري اللون الأ�صفر الغامق �إىل املناطق ذات ّ‬ ‫مناطق ّ‬ ‫الفل�سطين ّيةالتا ّمة‪،‬بينمااللونالأ�صفر الفاحتفهومناطقذات�سيطرةفل�سطين ّية‪�-‬إ�سرائيل ّيةم�شرتكة‪�،‬أ ّمااللون الأبي�ضفهو‬ ‫البني يبينّ التّج ّمعات اال�ستيطان ّية الإ�سرائيل ّية منذ حرب ‪1967‬‬ ‫مناطق حتت ّ‬ ‫ال�سيطرة الإ�سرائيل ّية الأمن ّية املبا�شرة‪ .‬اللون ّ‬ ‫‪45‬‬


‫بال�ضفّة الغرب ّية لوقوعها غرب نهر‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية منطقة جيو�سيا�س ّية تقع يف فل�سطني‪�ُ ،‬س ِّم َيت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ما يقارب ‪ % 21‬من م�ساحة فل�سطني االنتداب ّية (من‬ ‫الأردن‪ .‬ت�شكل م�ساحة ّ‬ ‫ال ّنهر �إىل البحر) ‪� -‬أي حواىل ‪ 5,860‬كم‪ .²‬ت�شمل هذه املنطقة جغراف ّياً جبال نابل�س وجبال‬ ‫وغربي غور الأردن وت�شكل مع قطاع غ ّزة الأرا�ضي الفل�سطين ّية املتبق ّية‬ ‫القد�س وجبال اخلليل ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‬ ‫بعد قيام �إ�سرائيل على بق ّية فل�سطني عام ‪ ،1948‬كما قامت �إ�سرائيل باحتالل ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ا�سم "يهودا وال�سامرة" وذلك‬ ‫وقطاع غ ّزة عام ‪ .1967‬تطلق �إ�سرائيل على ّ‬ ‫ا�ستمرار منها يف عمل ّية تهويد الأر�ض وال ّتاريخ يف فل�سطني‪.‬‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ج�سماً متمايزاً قبل حرب ‪ 1948‬وقيام �إ�سرائيل‪ ،‬وبعد احلرب؛ ُ�ض َّمت‬ ‫مل تكن ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية �إىل الأردن يف م�ؤمتر �أريحا عام ‪ ،1951‬ثم احت ّلتها �إ�سرائيل خالل حرب ‪،1967‬‬ ‫ّ‬ ‫وظ ّلت الأردن تعتربها قانونياً �أرا�ضي �أردنية حمت ّلة ح ّتى عام ‪ّ .1988‬‬ ‫ال�ضفّة‬ ‫ت�شكل �أرا�ضي ّ‬ ‫الغرب ّية اجلزء الأكرب م�ساحة من الأرا�ضي ا ّلتي ُ‬ ‫ا�صطلح على ت�سميتها الأرا�ضي الفل�سطين ّية‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ‪ -‬مبا فيها القد�س ال�شرق ّية ‪ -‬وقطاع غ ّزة)‪ ،‬ا ّلتي ي�ؤمل �أنّ‬ ‫ت�ضم ّ‬ ‫املحت ّلة (التي ّ‬ ‫الدولتني ا ّلتي تفاو�ض على �إقامتها ّ‬ ‫يح�صل عليها الفل�سطينيون �ضمن مفاو�ضات ّ‬ ‫منظمة‬ ‫حل ّ‬ ‫التحرير الفل�سطينية منذ عام ‪ .1991‬بدءاً من عام ‪ ،1994‬يقع الفل�سطين ّيون حتت �سلطة‬ ‫ال�ضفّة‬ ‫ذاتي‬ ‫ال�س ّكانية الفل�سطين ّية الكثيفة �ضمن �أرا�ضي ّ‬ ‫فل�سطيني يف ال ّت ّ‬ ‫جمعات ّ‬ ‫ّ‬ ‫حكم ّ‬ ‫الغرب ّية كجزء من اتفاق �أو�سلو با�ستثناء مدينة القد�س‪.‬‬ ‫اال�ستيالء على � ٍ‬ ‫فل�سطينية‪ ..‬با ّدعاء �أ ّنها �أرا�ضي دولة‬ ‫أرا�ض‬ ‫ّ‬ ‫בג"ץ ‪ 390/79‬דויקאת נ›‬ ‫ממשלת ישראל‪ ,‬עמ›‬ ‫‪ 4‬לפסק דינו של מ"מ‬ ‫הנשיא (כתוארו אז) לנדוי‪.‬‬

‫ق � ��رار حم �ك �م��ة ال� �ع ��دل ال�ع�ل�ي��ا‬ ‫‪ 390/79‬املُ �� �س � ّم��ى "�ألون‬ ‫موريه" ا ّلذي ق ّيد من �إمكان ّيات‬ ‫ق�ي��ام احل�ك��وم��ة ب ��إع�لان �إق��ام��ة‬ ‫م�ستوطنات على �أرا���ض مبلكية‬ ‫خا�صة ُ�صودرت ب�أوامر ع�سكر ّية‬ ‫ّ‬ ‫‪46‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫�سمى "�ألون موريه" ا ّلذي ق ّيد من �إمكانيات‬ ‫يف عام ‪� 1979‬صدر قرار املحكمة العليا املُ ّ‬ ‫خا�صة ُ�صودرت ب�أوامر ع�سكر ّية‪،‬‬ ‫قيام احلكومة ب�إعالن �إقامة م�ستوطنات على �أرا�ض مبلك ّية ّ‬ ‫أ�سا�سي من وراء م�صادرة الأرا�ضي اعتباراً‬ ‫وح�صرها يف احلاالت ا ّلتي يكون فيها االعتبار ال ّ‬ ‫أرا�ض �أُعلنت‬ ‫الدولة �أنّ امل�ستوطنات لن ُتبنى �إال على � ٍ‬ ‫�أمن ّياً‪ .‬ويف �أعقاب هذا القرار‪� ،‬أعلنت ّ‬ ‫�أ ّنها �أرا�ضي دولة‪ .‬ولك ّنها عندما رغبت ب�إقامة م�ستوطنات على مثل هذه الأرا�ضي‪ ،‬ا�صطدمت‬ ‫احلكومة مب�شكلة‪ :‬م�ساحة الأرا�ضي ا ّلتي كانت م�سجلة ك�أرا�ضي دولة يف عام ‪ 1967‬كانت‬ ‫حمدودة (قرابة ‪ 527,000‬دومن)‪ّ ،‬‬ ‫وتركزت غالبيتها يف غور الأردن و�صحراء "يهودا"‪ ،‬يف‬ ‫"من�صة اجلبل" (�سل�سلة اجلبال بني القد�س‬ ‫حني رغبت ّ‬ ‫الدولة ب�إقامة امل�ستوطنات يف مناطق ّ‬ ‫واخلليل)‪.‬‬ ‫ال�سلطات من �أجل �إعالن �أرا�ض �إ�ضاف ّية ك�أرا�ضي دولة بغية زيادة موجودات‬ ‫وعليه �سعت ّ‬ ‫الأرا�ضي ا ّلتي ميكن �أنّ تكون متوفرة لغر�ض �إقامة امل�ستوطنات‪ .‬وقد جرت هذه الإعالنات‬ ‫ين‬ ‫عرب �إعادة كتابة التعليمات وال ُّنظم وتب ّني تف�سري خمتلف متاماً لقانون الأرا�ضي العثما ّ‬ ‫(الذي ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية)‪ ،‬عن ال ّتف�سري ا ّلذي كان م ّتبعاً‬ ‫ينظم م�س�ألة امللك ّية على الأرا�ضي يف ّ‬ ‫ين‪ .‬وعرب هذه الو�سيلة‪� ،‬أعلنت �إ�سرائيل بني‬ ‫يف الفرتة العثمان ّية و�أ ّيام االنتداب واحلكم الأرد ّ‬ ‫الأعوام ‪� 2002 - 1979‬أك َرث من ‪ 900,000‬دومن على �أ ّنها �أرا�ضي دولة‪� ،‬أي زيادة مقدارها‬ ‫ال�ضفّة قبل االحتالل‪ .‬وتوجد اليوم يف‬ ‫الدولة ا ّلتي كانت يف ّ‬ ‫قرابة ‪ % 170‬عن ن�سبة �أرا�ضي ّ‬ ‫الدولة‪،‬‬ ‫ال�سيطرة الإ�سرائيل ّية التا ّمة قرابة ‪ 1.2‬مليون دومن من �أرا�ضي ّ‬ ‫منطقة ‪ C‬الواقعة حتت ّ‬ ‫ما يعادل ‪ % 36.5‬من م�ساحة املنطقة ‪ %21( C‬من م�ساحة ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية) ‪ .‬كما توجد قرابة‬ ‫الدولة يف منطقتي ‪ A‬و‪ ،B‬حيث تتبع �صالح ّية ال ّتخطيط‬ ‫‪ 200,000‬دومن �إ�ضافية من �أرا�ضي ّ‬ ‫لل�سلطة الفل�سطين ّية‪.‬‬ ‫فيها ّ‬ ‫يقوم ال ّتف�سري اجلديد ا ّلذي ا ّتبعته �إ�سرائيل بالت�سهيل للغا ّية عمل ّية �إ�شهار الأرا�ضي ك�أرا�ضي‬ ‫خا�صة �أو جماع ّية‬ ‫أرا�ضي مبلك ّية فل�سطين ّية ّ‬ ‫دولة‪ ،‬ح ّتى لو اع ُتربت هذه الأرا�ضي قبل ذلك � َ‬ ‫وفق ال ّتف�سري ا ّلذي ا ّتبعته �سلطات االنتداب واحلكومة الأردن ّية لقانون الأرا�ضي‪ .‬وجرى‬ ‫مت�شددة �أمام الفل�سطين ّيني تتع ّلق‬ ‫ذلك‪ ،‬من �ضمن جممل الأمور‪ ،‬عرب فر�ض مطالب ّ‬ ‫زراعي متوا�صل ك�شرط الزم للح�صول على حقوق ملك ّية الأر�ض من خالل‬ ‫با�ست�صالح ّ‬ ‫حق ا�ستخدام‬ ‫التجمعات الأهل ّية الفل�سطين ّية ّ‬ ‫جتاهل تعليمات القوانني املحل ّية ا ّلتي متنح ّ‬ ‫أرا�ض عا ّمة �أخرى‪.‬‬ ‫جماع ّياً لأرا�ضي ال ّرعي و� ٍ‬ ‫‪47‬‬


‫م�سح مقارنٌ �أجرته بت�سيلم يف منطقة رام اهلل‪ ،‬لغر�ض ال ّتقرير "حتت غطاء ال�شّ رع ّية" ا ّلذي ُن�شر‬ ‫ٌ‬ ‫عام ‪ ،2012‬يك�شف فوارق دراماتيك ّية يف ن�سبة امل�ساحة ا ّلتي ُعرفت كممتلكات حكوم ّية‬ ‫العقاري (الطابو)‪ ،‬وبني ن�سبة‬ ‫ال�سجل‬ ‫ّ‬ ‫على يد احلكومة الأردن ّية يف املناطق ا ّلتي ُ�س ّجلت يف ّ‬ ‫ي�سجلها الأردن ّيون يف‬ ‫املناطق ا ّلتي �أ�شهرتها �إ�سرائيل ك�أرا�ضي دولة‪ ،‬يف املناطق ا ّلتي مل ّ‬ ‫العقاري (الطابو)‪ .‬و ُتع ّزز نتائج امل�سح من اال�ستنتاج القا�ضي ب�أنّ ق�سماً كبرياً من‬ ‫ال�سجل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫خا�صة‪�ُ ،‬سرقت‬ ‫الأرا�ضي ا ّلتي �أ�شهِرت ك�أرا�ضي دولة هي يف الواقع ممتلكات فل�سطين ّية ّ‬ ‫من �أ�صحابها ال�شّ رع ّيني عرب تدلي�س ومناورات ق�ضائ ّية‪ ،‬ومن خالل انتهاك القوانني املح ّل ّية‬ ‫والدول ّية‪.‬‬ ‫ّ‬

‫اخلا�صة بالإجراء ال ّنزيه وملبادئ‬ ‫ال�سيطرة على الأرا�ضي خالفاً للقواعد الأ�سا�س ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتم �إجراء ّ‬ ‫العدالة ّ‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيون على دراية ب�أنّ �أرا�ضيهم‬ ‫الطبيع ّية‪ .‬ويف �أحيان كثرية مل يكن ّ‬ ‫الدولة‪ ،‬وعند اكت�شافهم لذلك كان موعد اال�ستئناف قد فات؛ كما �أنّ‬ ‫ُ�س ّجلت على ا�سم ّ‬ ‫الفل�سطيني ا ّلذي ّيدعي �أنّ الأر�ض تابعة له؛ وح ّتى �إذا جنح‬ ‫عبء الإثبات يقع دائماً على‬ ‫ّ‬ ‫�صاحب الأر�ض ب�إثبات �أنّ الأر�ض ملك ّيته حقاً‪ ،‬ف�ستجد يف بع�ض الأحيان حاالت �س ُيجرى‬ ‫الدولة برغم ذلك‪ ،‬با ّدعاء �أ ّنها ُمنحت للم�ستوطنة بح�سن ن ّية‪.‬‬ ‫ت�سجيل الأر�ض فيها على ا�سم ّ‬ ‫وح ّتى لو كان احلديث يدور عن مناطق �أُع ِلنت جميعها �أرا�ضي دولة وفقاً للقانون‪ ،‬ف�إنّ‬ ‫ين�ص على �أنّ هذه الأرا�ضي ‪ -‬وتلك ا ّلتي �أُعلنت قبل عام ‪ُ - 1967‬يفرت�ض‬ ‫القانون ّ‬ ‫الدو ّيل ّ‬ ‫خم�ص�صة ال�ستخدام ّ‬ ‫الفل�سطيني‪،‬‬ ‫�سكان املنطقة املحت ّلة‪� ،‬أي اجلمهور‬ ‫�أن تكون �أرا�ضي عا ّمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪48‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سيادة‬ ‫ولي�س ال�ستخدام �إ�سرائيل �أو مواطنيها‪� .‬إ�سرائيل‪ ،‬كدولة حمت ّلة‪ ،‬لي�ست �صاحبة ّ‬ ‫على الأر�ض ولذلك فهي ال تتم ّتع مبلك ّية الأرا�ضي‪ ،‬ح ّتى لو �أُعلنت هذه الأرا�ضي ب�أ ّنها‬ ‫"�أرا�ضي دولة"‪ .‬ويف واقع الأمر‪ ،‬حتظر �إ�سرائيل ب�شكل �شبه ك ّل ّي البناء وال ّتطوير الفل�سطين ّيني‬ ‫ح�صري للم�ستوطنات واجلي�ش ومن�ش�آت‬ ‫تخ�ص�صها ب�شكل �شبه‬ ‫ّ‬ ‫يف هذه الأرا�ضي‪ ،‬وهي ّ‬ ‫الدولة يف منطقة ‪ C‬موجودة يف مناطق‬ ‫البنى ال ّتحت ّية الإ�سرائيل ّية‪ :‬قرابة ‪ % 94‬من �أرا�ضي ّ‬ ‫نفوذ امل�ستوطنات واملجال�س الإقليم ّية ال ّتابعة لها‪.‬‬ ‫أرا�ضي من تلك ا ّلتي �أُعلنت �أرا�ضي دولة ل�صالح‬ ‫الإدارة املدن ّية ال تكاد ّ‬ ‫تخ�ص�ص � َ‬ ‫الفل�سطين ّيني‪ .‬ووفق معطيات و ّفرتها الإدارة املدن ّية يف �أعقاب ال ّتما�س ّقدمته جمع ّية حقوق‬ ‫خ�ص�صت للفل�سطين ّيني منذ اّ‬ ‫احتلل ّ‬ ‫ال�ضفّة‬ ‫املواطن وجمع ّية "مبكوم"‪ ،‬ف�إنّ الإدارة املدن ّية ّ‬ ‫الغرب ّية عام ‪ ،1967‬ما ال يزيد عن ‪ % 0.7‬من الأرا�ضي ا ّلتي �أعلنت �أرا�ضي دولة يف منقطة‬ ‫‪( C‬قرابة ‪ 8,600‬دومن)‪ .‬وي�أتي هذا يف مقابل ‪ % 31‬من الأرا�ضي (ما يقرب ‪ 400,000‬دومن)‬ ‫ال�صهيون ّية ا ّلتي تن�شط يف جمال تطوير امل�ستوطنات؛ و‪% 8‬‬ ‫ا ّلتي خُ ّ�ص�صت لله�ستدروت ّ‬ ‫(قرابة ‪ )103,000‬دومن خُ ّ�ص�صت ملجال�س امل�ستوطنات املحل ّية ول�شركات الهواتف اخللو ّية‬ ‫الإ�سرائيل ّية؛ و‪( % 12‬قرابة ‪ 160,000‬دومن) خُ ّ�ص�صت للوزارات احلكوم ّية و�شركات البنى‬ ‫ال ّتحت ّية الإ�سرائيل ّية مثل بيزك و�شركة الكهرباء ومكوروت‪ .‬وقد جرى ح�ساب هذه ال ّن�سب‬ ‫الدولة على االلتما�س‪ ،‬من‬ ‫باالعتماد على تقديرات الإدارة املدن ّية ا ّلتي وردت يف �أعقاب ر ّد ّ‬ ‫خالل ال ّت�شديد على �أنّ احلديث يجري عن تقديرات فقط‪ ،‬وهي ت�ستند بدورها �إىل خرائط‬ ‫الدولة يف مناطق ‪ C‬يبلغ ‪ 1.3‬مليون دومن‬ ‫"لي�ست دقيقة بتاتاً"‪ ،‬وا ّلتي تفيد ب�أنّ حجم �أرا�ضي ّ‬ ‫ّاتي‬ ‫ّ‬ ‫اتفاقية �أو�سلو واحلكم الذ ّ‬

‫خالفاً لأهدافها املعلنة‪ ،‬ف�إنّ اتفاق ّية �أو�سلو ت�سمح لإ�سرائيل ّ‬ ‫بالذات بتثبيت �سيطرتها على‬ ‫املهمة يف حياة ّ‬ ‫�سكانها‬ ‫جميع مناطق ّ‬ ‫ال�ضفّة‪ ،‬وا�ستغاللها لأغرا�ضها وال ّت�أثري على ال ّنواحي ّ‬ ‫الفل�سطين ّيني اليوم ّية‪.‬‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية لفرتة م�ؤقتة كان من املفرت�ض �أنّ ت�ستم ّر خلم�س‬ ‫ال�سيطرة على ّ‬ ‫كيف؟ ُق ّ�سمت ّ‬ ‫�سنوات �إىل حني ال ّتوقيع على اتفاق ّية ّ‬ ‫احلل الدائم‪ ،‬وفق ما يلي‪ :‬نحو ‪ % 40‬من مناطق‬ ‫ال�ضفّة‪ ،‬ا ّلتي كانت يف غالبيتها منطقة فل�سطين ّية عمران ّية �أثناء ال ّتوقيع على االتفاق ّية وا ّلتي‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيطرة الكاملة‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني ُنقلت �إىل ّ‬ ‫كانت تعي�ش فيها الغالب ّية ال�ساحقة من ّ‬ ‫‪49‬‬


‫لل�سلطة الفل�سطين ّية ُوع ّرفت هذه املناطق كمناطق ‪ A‬و‪ .B‬و�أبقت �إ�سرائيل حتت‬ ‫�أو اجلزئ ّية ّ‬ ‫و�س ّميت مناطق ‪ C‬والتي �شملت – من‬ ‫�سيطرتها الكاملة نحو ‪ % 60‬من مناطق ّ‬ ‫ال�ضفّة ُ‬ ‫�ضمن ما �شملت ‪ -‬مناطق امل�ستوطنات ب ُر ّمتها‪.‬‬ ‫خم�ص�صة خلدمة احتياجاتها فقط‪ ،‬من خالل جتاهل تا ّم‬ ‫تتعامل �إ�سرائيل مع منطقة ‪ C‬وك�أّنها ّ‬ ‫لكون االتفاق ّية م�ؤقتة‪ :‬فقد ا�ستغ ّلت املنطقة من �أجل تو�سيع امل�ستوطنات‪ ،‬حيث زاد عدد‬ ‫امل�ستوطنني منذ ذلك احلني �أكرث من ثالثة �أ�ضعاف‪.‬‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني ا ّلذين ي�سكنون هذه‬ ‫ويف الوقت ذاته ال ترى نف�سها ملتزمة بتاتاً �أمام ّ‬ ‫املنطقة والذين يرتاوح تعدادهم وفق ال ّتقديرات بني ‪� 300 - 200‬ألف ن�سمة‪ ،‬ومتنعهم ب�شكل‬ ‫�شبه تا ّم من � ّأي بناء وتطوير مب�س ّوغات خمتلفة‪.‬‬ ‫ال�ضفّة كمناطق ع�سكر ّية و�أرا�ضي دولة ُيحظر‬ ‫لقد �أعلنت �إ�سرائيل م�ساحات وا�سعة جداً يف ّ‬ ‫ال�ض ّيقة ا ّلتي بقيت متتنع الإدارة املدن ّية عن جتهيز ّ‬ ‫خمططات هيكل ّية‬ ‫البناء فيها‪ .‬ويف املنطقة ّ‬ ‫تهدد‬ ‫ال�س ّكان‪ .‬وعندما يبني الفل�سطين ّيون جمبرَ ين من دون ت�صاريح بناء ّ‬ ‫تل ّبي احتياجات ّ‬ ‫الإدارة املدن ّية بهدم بيوتهم‪ ،‬ويف كثري احلاالت تنفّذ هذه ال ّتهديدات‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سيا�سة –‪ ‬من �ضمن ما تهدف �إليه‪� - ‬إىل �إق�صاء الفل�سطين ّيني عن املنطقة بغية‬ ‫تهدف هذه ّ‬ ‫ال�سيا�سة ب�شكل عنيف جداً يف تعامل‬ ‫ت�سهيل ّ‬ ‫وتتج�سد هذه ّ‬ ‫�ضمها �إىل �إ�سرائيل م�ستقب ًال‪ّ .‬‬ ‫ال�سلطات‬ ‫�إ�سرائيل مع ع�شرات ّ‬ ‫التجمعات �شبه ال ّر ّحالة املنت�شرة يف منطقة ‪ C‬حيث تطرد ّ‬ ‫ّ‬ ‫�سكانها ‪� -‬أو حتاول طردهم‪ - ‬من بيوتهم ومن مناطق �سكناهم‪.‬‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية والتي ُ�س ّميت منطقتا ‪ A‬و‪ ،B‬لي�ست متوا�صلة‬ ‫�إن املناطق ا ّلتي ُنقلت �إىل ّ‬ ‫بل ّ‬ ‫مركبة من ع�شرات "اجلزر" املحاطة مبناطق ُع ّرفت كمناطق ‪ .C‬فمث ًال‪ ،‬ورغم �أنّ الغالب ّية‬ ‫ال�ضفّة يعي�شون يف هذه املناطق‪� ،‬إال �أنّ الغالبية الكبرية من‬ ‫ال�ساحقة من الفل�سطين ّيني يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫روري لتطوير هذه البلدات ّ‬ ‫أرا�ض‬ ‫احتياطي الأرا�ضي ّ‬ ‫ظل يف منطقة ‪ ،C‬ومن �ضمنها � ٍ‬ ‫ال�ض ّ‬ ‫خا�صة‪ّ � .‬أي �أنّ ا�ستخدام‬ ‫كثرية كانت يف مناطق نفوذ بلد ّية واملوجودة يف ق�سم منها مبلك ّيات ّ‬ ‫هذه الأرا�ضي من �أجل تو�سيع البلدات ا ّلتي ظ ّلت يف‬ ‫منطقتي ‪ A‬و‪ ،B‬لإقامة م�شاغل‬ ‫ْ‬ ‫�شق ال�شّ وارع‪ ،‬ك ّلها خا�ضعة ملوافقة من �إ�سرائيل ا ّلتي متتنع يف‬ ‫ومد خطوط مياه �أو ّ‬ ‫�صناع ّية ّ‬ ‫الغالب عن �إ�صدار هذه ال ّت�صاريح‪.‬‬ ‫‪51‬‬


‫�شخ�صي على جميع ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪ ،‬ا ّلذين‬ ‫ال�سيطرة ب�شكل‬ ‫�سكان ّ‬ ‫وتوا�صل �إ�سرائيل �أي�ضاً ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية‪ّ :‬‬ ‫لفل�سطيني من مدينة �إىل �أخرى ومن‬ ‫كل انتقال‬ ‫يتبعون ظاهر ّياً ُحلكم ّ‬ ‫ّ‬ ‫منطقة �إىل منطقة منوط بعبور منطقة خا�ضعة ل�سيطرة �إ�سرائيل احل�صر ّية‪ ،‬وبهذا ُيفر�ض عليهم‬ ‫ال�سيطرة على ّ‬ ‫ال�س ّكان‬ ‫�سجل ّ‬ ‫االحتكاك مع قوات الأمن الإ�سرائيل ّية‪ .‬توا�صل �إ�سرائيل �أي�ضاً ّ‬ ‫ال�ضفّة‪،‬‬ ‫ال�ضفّة وتوا�صل ت�سيري جهاز الق�ضاء‬ ‫الع�سكري يف ّ‬ ‫وحتديد من ُيعترب من �سكان ّ‬ ‫ّ‬ ‫منطقتي ‪ A‬و‪� .B‬إىل جانب‬ ‫والتي حتاكم فيه �آالف الفل�سطين ّيني �سنوياً ومن �ضمنهم �سكان‬ ‫ْ‬ ‫إ�سرائيلي وال‬ ‫ال�سفر �إىل اخلارج من دون ت�صريح �‬ ‫ذلك ال ميكن جلميع �سكان ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سلطات‬ ‫الدخول �إىل ّ‬ ‫ميكن للمواطنني الأجانب ّ‬ ‫ال�ضفّة من دون مثل هذا ال ّت�صريح‪� .‬إنّ ّ‬ ‫منطقتي ‪ A‬و‪.B‬‬ ‫الإ�سرائيل ّية خم ّولة باعتقالهم وطردهم ح ّتى لو كانوا موجودين يف‬ ‫ْ‬ ‫‪52‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫الغربية من الو�ضع امل�ؤقت للو�ضع الدائم‬ ‫ال�ض ّفة‬ ‫تق�سيم ّ‬ ‫ّ‬

‫‪53‬‬


‫ال�ضفّة الغرب ّية يف اتفاق ّيات �أو�سلو �إىل ثالثة �أنواع من املناطق‪:‬‬ ‫كما ذكرنا لقد جرى تق�سيم ّ‬ ‫مناطق ‪ A‬و‪ :B‬لدى توقيع االتفاق ّيات كانت هذه املناطق يف معظمها م�ساحات فل�سطين ّية م�أهولة‪،‬‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني‪ .‬ت�شكل املنطقتان ‪ A‬و‪ B‬نحو ‪% 40‬‬ ‫�سكن فيها‪ ،‬حينئذٍ واليوم – معظم ّ‬ ‫من م�ساحة ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية لتكون حتت �سيطرتها الكاملة �أو‬ ‫ال�ضفّة‪ ،‬وقد ّمت نقلها ر�سم ّياً �إىل ّ‬ ‫توا�صل جغرا ّيف بني هذه املناطق‪ ،‬وهي مك ّونة من ‪" 165‬جزيرة" متناثرة‬ ‫اجلزئ ّية‪ .‬لي�س هنالك ُ‬ ‫يف �أنحاء ّ‬ ‫ال�ضفّة‪.‬‬ ‫שטח مناطق ‪ّ :C‬‬ ‫كل امل�ساحة املتبق ّية ّمت تعريفها على �أ ّنها مناطق ‪ ،C‬وتوجد حتت �سيطرة‬ ‫�إ�سرائيل الكاملة‪ .‬هذا جمال متوا�صل‪ ،‬توجد داخله "جزر" من مناطق ّمت تعريفها كمناطق‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪ .‬هذه امل�ساحة ت�شمل تقريباً موارد‬ ‫‪ A‬و‪ ،B‬وي�شكل حواىل ‪ ٪ 60‬من م�ساحة ّ‬ ‫�أرا�ضي البلدات الفل�سطين ّية كافّة وامل�ستوطنات واملناطق كافّة ا ّلتي ت�ستهدف �إ�سرائيل‬ ‫تنميتها‪.‬‬ ‫النهائي؛‬ ‫كان ُيفرت�ض �أنّ ي�ستم ّر هذا التق�سيم خلم�س �سنوات فقط‪� ،‬إىل حني توقيع اال ّتفاق‬ ‫ّ‬ ‫م�ضي �أكرث من ع�شرين �سنة على و�ضعه‪.‬‬ ‫ولكن �إ�سرائيل ما زالت تط ّبقه ح ّتى اليوم وبعد ّ‬ ‫لل�س ّكان الفل�سطين ّيني‪ ،‬كما تعيق‬ ‫وال ت�ستجيب �إىل احتياجات ال ّتطوير املد ّ‬ ‫إقليمي ّ‬ ‫ين وال ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية هي‬ ‫احتماالت النم ّو‬ ‫ّ‬ ‫االقت�صادي‪ .‬كذلك‪ُ ،‬ين�شئ هذا التق�سيم وهماً ب�أنّ ّ‬ ‫ولكن ما يجري‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني يف ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‪ّ ،‬‬ ‫امل�س�ؤولة ال ّرئي�سية عن حياة معظم ّ‬ ‫بال�سكوت‬ ‫ال�سلطة – مهما كان هام�ش ّياً‪ - ‬يتط ّلب موافقة (ولو ّ‬ ‫فعلياً هو �أنّ � ّأي قرار ت ّتخذه هذه ّ‬ ‫ال�سلطات الإ�سرائيل ّية‪.‬‬ ‫عنه‪� ،‬أحياناً) ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية وف�صلها عنها‪ ،‬هو �إجراء‬ ‫متييز املناطق ‪ C‬عن املناطق ا ّلتي ُنقلت �إىل ّ‬ ‫الفل�سطيني‪ .‬املناطق ‪ A‬و‪ B‬غري م ّت�صلتني‬ ‫ا�صطناعي ال يعك�س الواقع اجلغرايف �أو احل ّيز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫جغراف ّياً‪ ،‬و�إنمّ ا تت�شكل من ع�شرات "اجلزر" املحاطة مب�ساحات �شا�سعة ومم ّرات �ض ّيقة جرى‬ ‫تعريفها على �أ ّنها مناطق ‪ .C‬وهكذا‪ ،‬ف�إ ّنه برغم �أنّ الغالب ّية العظمى من ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية‬ ‫�سكان ّ‬ ‫الفل�سطين ّيني يعي�شون يف هذه املناطق‪� ،‬إ ّال �أنّ‬ ‫احتياطي الأر�ض ا ّلالزم لتطوير البلدات‬ ‫ّ‬ ‫يف تلك املناطق قد بقي �ضمن املناطق ‪ ،C‬وي�شمل ذلك �أرا�ضي كانت �ضمن نطاق نفوذ‬ ‫خا�صة‪ّ � .‬أي ا�ستخدام لهذه الأرا�ضي‬ ‫جمال�س تلك البلدات‪ ،‬بل وجزء منها � ٍ‬ ‫أرا�ض مبلك ّية ّ‬ ‫لغر�ض تو�سيع البلدات ا ّلتي بقيت �ضمن املناطق ‪ A‬و‪� ،B‬إقامة امل�صانع واملن�ش�آت ال ّزراع ّية‬ ‫‪54‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ومد �شبكة املياه �أو تعبيد ّ‬ ‫الطرق‪ ،‬يحتاج �إىل م�صادقة من �إ�سرائيل‪ ،‬و�إ�سرائيل متتنع عن ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الدويل ‪ -‬يف تنا ُوله معطيات عام ‪� - 2011‬أ ّنه لوال القيود ا ّلتي تفر�ضها �إ�سرائيل‬ ‫يق ّر البنك ّ‬ ‫الفل�سطيني ارتفاعاً‬ ‫على ال ّتطوير‬ ‫املحلي الإجما ّيل‬ ‫ّ‬ ‫االقت�صادي يف مناطق ‪ّ ،C‬‬ ‫ّ‬ ‫ل�سجل ال ّناجت ّ‬ ‫قيمته ‪ 4.3‬مليار دوالر �سنوياً‪ .‬منذ ذلك مل يطر�أ �أي تغيرّ ملحوظ يف �سيا�سات �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ال�ضفّة والأردن‪ ،‬وعلى جميع‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬ت�سيطر �إ�سرائيل على جميع معابر احلدود بني ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صالح ّية لتق ّرر � ّأي الب�ضائع تدخل‬ ‫الطرق امل�ؤ ّدية �إىل املناطق ‪ A‬و‪B‬؛ وعليه ف�إ ّنها متلك مطلق ّ‬ ‫ال�سلطة الفل�سطين ّية خ�صو�صاً‪.‬‬ ‫�إىل ّ‬ ‫ال�ضفّة عموماً و�إىل املناطق ا ّلتي ُنقلت �إىل ّ‬ ‫االحتالل وكارثة امل�ستوطنات‬

‫ال�ضفّة الغرب ّية‪� :‬إنّ مئات‬ ‫�إن امل�ستوطنات اليوم هي العامل الأكرث ت�أثرياً على واقع احلياة يف ّ‬ ‫الآالف من امل�ستوطنني الإ�سرائيل ّيني يعي�شون يف �أكرث من ‪ 200‬م�ستوطنة وب�ؤرة ا�ستيطان ّية‬ ‫الدو ّيل‪ ،‬وبع�ضها ح ّتى‬ ‫يف �أرجاء ّ‬ ‫ال�ضفّة حيث �شُ ّيدت ك ّلها خالفاً لأحكام القانون الإن�سا ّ‬ ‫ين ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫خالفاً للقانون ال‬ ‫ّ‬ ‫الدومنات من الأرا�ضي مبا فيها مناطق رعي ومناطق زراع ّية ان ُتزعت من‬ ‫مئات �آالف ّ‬ ‫الفل�سطين ّيني ل�صالح �إقامة امل�ستوطنات‪ .‬لقد �أُعلن عن ق�سم كبري من هذه املناطق كـ "�أرا�ضي‬ ‫دولة"‪ ،‬من خالل اال�ستناد �إىل تف�سري م�شكوك به للقانون؛ وقد ُنهبت مناطق �أخرى من‬ ‫الفل�سطين ّيني لهذا الغر�ض بوا�سطة فر�ض الوقائع على الأر�ض ومن خالل اللجوء �إىل الق ّوة‪.‬‬ ‫�إىل جانب ذلك خُ ّ�ص�صت ل�صالح امل�ستوطنات ‪ -‬وب�سخاء كبري ‪ -‬م�ساحات �شا�سعة تزيد‬ ‫م�ساحتها كثرياً عن املنطقة العمران ّية فيها‪ .‬وقد �أُعلنت جميع مناطق امل�ستوطنات "مناطق‬ ‫ع�سكر ّية مغلقة" ُيحظر دخول الفل�سطين ّيني �إليها من دون ت�صريح‪.‬‬ ‫حجم الأرا�ضي‬ ‫تتجاوز �إ�سقاطات امل�ستوطنات على حقوق الإن�سان ّ‬ ‫اخلا�صة بالفل�سطين ّيني َ‬ ‫�شق مئات‬ ‫ا ّلتي ا�ستولوا عليها لغر�ض �إقامتها بكثري‪ :‬فقد ُ�صودرت �أرا�ض �أخرى ل�صالح ّ‬ ‫الكيلومرتات من ّ‬ ‫الطرق وال�شّ وارع االلتفاف ّية ل�صالح امل�ستوطنني؛ كما ُن�صبت احلواجز‬ ‫والو�سائل املُق ّيدة الأخرى ا ّلتي ال تق ّيد �إال حركة الفل�سطين ّيني وفقاً ملوقع امل�ستوطنات؛ ف� ً‬ ‫ضال‬ ‫فعلي ‪ -‬تقع داخل مناطق امل�ستوطنات وخارجها ‪-‬‬ ‫عن �إغالق �أرا�ض زراع ّية كثرية ب�شكل ّ‬ ‫ال�ضفّة‪،‬‬ ‫بوجه مالكيها الفل�سطين ّيني‪ .‬كما تق ّرر م�سار جدار الف�صل امللتوي داخل مناطق ّ‬ ‫‪55‬‬


‫وذلك بالأ�سا�س من �أجل �إبقاء �أكرث ما ميكن من امل�ستوطنات وامل�ساحات ال�شا�سعة ا ّلتي‬ ‫تخ�ص�صها �إ�سرائيل لتو�سيع هذه امل�ستوطنات يف اجلهة الغرب ّية للجدار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وت�ؤ ّدي �إقامة اجلدار يف م�ساره احلا ّيل �إىل �إحلاق �ضرر �شديد بحقوق الفل�سطين ّيني ا ّلذين‬ ‫ي�سكنون بجواره‪ ،‬حيث ُحب�س بع�ضهم يف داخل " ُم�س َّورات"‪� ،‬إذ �أي�ضاً ي�ش ّو�ش روتني حياتهم‪:‬‬ ‫ويحد من �إمكان ّية احل�صول على‬ ‫يحد من قدرتهم على الو�صول �إىل �أرا�ضيهم الزراع ّية ّ‬ ‫فهو ّ‬ ‫اخلدمات احليو ّية وااللتقاء ب�أفراد العائلة والأ�صدقاء ا ّلذين ظ ّلوا يف اجلهة الأخرى من اجلدار‬ ‫ويحول دون تطوير هذه املناطق‪.‬‬ ‫ال�ضفّة ووجود امل�ستوطنات والب�ؤر اال�ستيطان ّية املنت�شرة يف‬ ‫�إنّ وجود م�ستوطنني �إ�سرائيل ّيني يف ّ‬ ‫كل مناطقها ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ�سا�سي وراء وجود �أعداد كبرية من قوات الأمن الإ�سرائيل ّية‬ ‫ي�شكالن ّ‬ ‫ال�سبب ال ّ‬ ‫جمة بغية �أنّ ت�ضمن عدم خرق الفل�سطين ّيني‬ ‫يف ّ‬ ‫ال�ضفّة‪ّ .‬‬ ‫وتخ�ص�ص هذه القوات موار َد ّ‬ ‫امل�س‬ ‫الأوامر الع�سكر ّية ّ‬ ‫املخ�ص�صة لإبعادهم من مناطق امل�ستوطنات‪ ،‬و�أي�ضاً بغية منعهم من ّ‬ ‫بامل�ستوطنني وامل�ستوطنات وهذا لي�س �أخالقياً ولي�س قانونياً‪ ،‬رغم كون امل�ستوطنات انتهاكاً‬ ‫متا�ساً يوم ّياً بينهم‬ ‫لأحكام القانون الإن�سا ّ‬ ‫ين ّ‬ ‫الدو ّيل‪ .‬يخلق وجود ق ّوات الأمن بهذا ال�شكل ّ‬ ‫ال�س ّكان الفل�سطين ّيني وي�ؤ ّدي بدوره �إىل انتهاك ق ّوات الأمن حلقوق الإن�سان‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫وبني ّ‬ ‫املمار�سات العنيفة و�إطالق ال ّنار خالفاً للقانون‪.‬‬ ‫ال�سياد ّية‪� ،‬إال �أنّ �إ�سرائيل �سيرّ ت‬ ‫ورغم �أنّ ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية لي�ست جزءاً من مناطق ّ‬ ‫الدولة ّ‬ ‫غالبية القوانني الإ�سرائيل ّية على امل�ستوطنات وامل�ستوطنني‪ .‬ونتيج ًة لذلك‪ ،‬يتم ّتع امل�ستوطنون‬ ‫ّ‬ ‫الدول الدميقراط ّية‪ ،‬على �شاكلة مواطني دولة �إ�سرائيل ا ّلذين‬ ‫بكل احلقوق املكفولة ملواطني ّ‬ ‫ي�سكنون يف داخل حدود اخلط الأخ�ضر‪.‬‬ ‫تتعا َمل �إ�سرائيل مع املناطق ‪ C‬على �أ ّنها ُوجدت لتخدم �أغرا�ضها فقط‪ ،‬وك�أ ّنها تقع �ضمن‬ ‫ّ‬ ‫ت�ستغل هذه املناطق لأجل تو�سيع امل�ستوطنات‪ .‬وقد ت�ضاعفت ن�سبة‬ ‫نطاق �سيا ّدتها‪� .‬إ ّنها‬ ‫امل�ستوطنني ثالث م ّرات و�أكرث منذ توقيع اتفاق ّيات �أو�سلو‪ .‬يعي�ش اليوم �آالف امل�ستوطنني‬ ‫ال�ضفّة‪ ،‬وجميعها‬ ‫مرخ�صة يف �أنحاء ّ‬ ‫مرخ�صة وغري ّ‬ ‫الإ�سرائيل ّيني يف �أكرث من مئتي م�ستوطنة ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫الدويل‪ ،‬وجزء منها خالفاً ح ّتى للقانون ال‬ ‫�أقيمت خالفاً لأحكام القانون الإن�ساين ّ‬ ‫ّ‬ ‫�سلب مئات �آالف الدومنات‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫لأجل �إقامة هذه امل�ستوطنات جرى على م ّر ال�سنني ُ‬ ‫خ�ص�ص بك َرم للم�ستوطنات‪ .‬لقد �أُعلن جزء كبري من هذه‬ ‫أرا�ضي زراعية‪ ،‬ل ُت ّ‬ ‫�أرا�ضي ٍ‬ ‫مراع و� َ‬ ‫‪56‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫امل�ساحات "�أرا�ضي دولة"‪ ،‬وذلك ا�ستناداً �إىل ت�أويل م�شبوه للقانون وبتجا ُهل حلقيقة �أ ّنه‬ ‫ال�س ّكان‬ ‫يف جميع الأحوال ـ يدور احلديث هنا عن � ٍ‬ ‫أر�ض عا ّمة ينبغي �أنّ ّ‬ ‫تخ�ص�ص خلدمة ّ‬ ‫و�سلبت �أرا�ضي �أخرى بطريقة فر�ض الأمر الواقع وبا�ستخدام العنف‪ .‬جميع‬ ‫الفل�سطين ّيني؛ ُ‬ ‫مناطق اال�ستيطان �أُعلنت "مناطق ع�سكر ّية مغلقة" يمُ نع الفل�سطينيون من دخولها من دون‬ ‫�إذن م�سبق‪.‬‬ ‫�سيا�سة ال ّتخطيط والبناء يف امل�ستوطنات‬

‫الع�سكري �أمراً �صا َد َر عمل ّية ال ّتخطيط من �أيدي الفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫ال�ضفّة �أ�صدر القائد‬ ‫بعد احتالل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وي�سمح الأمر ذاته بعمل جلان ال ّتخطيط يف امل�ستوطنات‪ ،‬فيما يحظى ّ‬ ‫�سكانها – خالفاً‬ ‫للفل�سطينيني ‪ -‬بتمثيل كامل يف عمل ّيات التخطيط‪ .‬ح ّتى �أنّ الإدارة املدن ّية غيرّ ت ل�صالح‬ ‫ال�ساحقة‬ ‫امل�ستوطنات غايات الأرا�ضي الواردة يف اخلرائط االنتداب ّية‪ :‬فربغم �أنّ الغالبية ّ‬ ‫ال�ضفّة �أقيمت على �أرا�ض ُمع ّرفة يف هذه اخلرائط ب�أ ّنها �أرا�ض زراع ّية‪،‬‬ ‫من امل�ستوطنات يف ّ‬ ‫ال�سنوات مئات اخلرائط‬ ‫�إلاّ �أنّ م� ّؤ�س�سات ال ّتخطيط ال ّتابعة للإدارة املدن ّية ّ‬ ‫�صدقت على م ّر ّ‬ ‫الهيكلية اجلديدة‪ ،‬ا ّلتي غيرّ ت غايات الأرا�ضي و�سمحت بت�أ�سي�س امل�ستوطنات‪ .‬ويف غالبية‬ ‫و�صدقت الإدارة‬ ‫رجعي‪� ،‬أو وفق �أوامر ع�سكر ّية‪ّ .‬‬ ‫احلاالت‪ ،‬جرى ت�صديق عمل ّيات البناء ب�أثر ّ‬ ‫ال�س ّكان‬ ‫املدن ّية �أي�ضاً �إقامة م�ستوطنات �صغرية بلغ عدد �سكانها ع�شرات �أو مئات قليلة من ّ‬ ‫وقت ت�أ�سي�سها‪ ،‬وم�ستوطنات تقع على بعد كيلومرتات معدودة فقط عن م�ستوطنات قائمة‪.‬‬ ‫�صدقت الإدارة املدن ّية البناء يف مواقع �أثر ّية ومواقع طبيع ّية يف نطاق‬ ‫ويف ع�شرات احلاالت ّ‬ ‫امل�ستوطنات‪ ،‬وبناء على املعلومات املتوفّرة لدى الإدارة املدن ّية‪ ،‬فقد جرى يف قرابة ‪ 75%‬من‬ ‫امل�ستوطنات بناء من دون الرتاخي�ص املالئمة‪.‬‬ ‫ال�سنوات ‪ 2010 - 2002‬ما ال يزيد عن ‪ 176‬رخ�صة‬ ‫وفيما �أ�صدرت الإدارة املدن ّية بني ّ‬ ‫بناء للفل�سطين ّيني‪ ،‬جرى يف تلك الفرتة ت�شييد ‪ 15,000‬وحدة �سكن ّية على ال ّأقل يف‬ ‫اجلزئي واملُق ّيد يف البلدات‬ ‫امل�ستوطنات‪ ،‬مع تراخي�ص �أو بدونها‪ .‬ويف مقابل ال ّتخطيط‬ ‫ّ‬ ‫الفل�سطين ّية يف املنطقة ‪ ،C‬فقد ُج ّهزت للم�ستوطنات الواقعة يف نف�س املنطقة خرائط هيكل ّية‬ ‫ومف�صلة‪ ،‬ت�شمل م�ساحات عا ّمة وم�ساحات خ�ضراء‪ ،‬كما �أنّ كثافة البناء فيها متدن ّية‬ ‫ع�صر ّية ّ‬ ‫حتد وحت�صر امل�ساحة العمران ّية يف القرى‬ ‫يف حاالت كثرية‪ .‬وخالفاً للخرائط الهيكل ّية ا ّلتي ّ‬ ‫متتد على‬ ‫الفل�سطين ّية القليلة ا ّلتي ُج ّهزت لها مثل هذه اخلرائط‪ ،‬ف�إنّ مناطق نفوذ امل�ستوطنات ّ‬ ‫‪57‬‬


‫م�ساحات �شا�سعة‪ ،‬ت�شمل امل�ساحات الزراع ّية ا ّلتي ميكن تطوير البلدة فوقها م�ستقب ًال‪ ،‬وذلك‬ ‫مبا يخ�ضع لت�صديق اخلرائط الهيكل ّية‪.‬‬ ‫ال�سنوات ‪ ،2012 - 2000‬ف�إنّ عدد �أوامر الهدم‬ ‫ووفقاً ملعطيات الإدارة املدن ّية بخ�صو�ص ّ‬ ‫�ضد بيوت تابعة لفل�سطين ّيني يف املنطقة ‪،C‬‬ ‫وعدد عمل ّيات الهدم ا ّلتي متّت على �أر�ض الواقع ّ‬ ‫�ضد بيوت تابعة مل�ستوطنني‪،‬‬ ‫كانا �أعلى بقرابة ‪� 3.5‬أ�ضعاف من عدد الأوامر وعمل ّيات الهدم ّ‬ ‫ال�س ّكان‪.‬‬ ‫وذلك ن�سبة �إىل عدد ّ‬ ‫�إ�ضافة �إىل امل�ستوطنات ا ّلتي �شُ يدت بت�صديق من احلكومة الإ�سرائيل ّية والإدارة املدن ّية‪،‬‬ ‫�أقيمت يف منطقة ‪� C‬أكرث من ‪ 100‬ب�ؤرة ا�ستيطان ّية‪ ،‬من دون خرائط هيكل ّية ومن دون قرار‬ ‫يا�سي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ف�إنّ �إقامة جزء كبري من هذه‬ ‫حكومي ومن دون ت�صديق من امل�ستوى ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫الب�ؤر متّت بال ّتن�سيق مع جهات حكوم ّية و�أمن ّية خمتلفة ‪ -‬مبا فيها الإدارة املدن ّية‪ - ‬وبدعمها‪.‬‬ ‫ال�سلطات ّ‬ ‫الطرف عن عدم قانون ّية الب�ؤر اال�ستيطان ّية‪ ،‬وو�صلتها بالبنى ال ّتحت ّية‬ ‫وقد ّ‬ ‫غ�ضت ّ‬ ‫املتقدمة‪ ،‬ومل ت�س َع يف غالبية احلاالت �إىل هدمها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫قطاع غ ّزة‬

‫يف عام ‪� ،2005‬أمتّت �إ�سرائيل ّ‬ ‫خطة "االنف�صال" عن قطاع غ ّزة‪� :‬أخلت جميع امل�ستوطنات‪،‬‬ ‫�سحبت ق ّوات اجلي�ش و�أعلنت انتهاء احلكم‬ ‫الع�سكري‪ .‬يف �أيلول ‪ ،2007‬يف �أعقاب �سيطرة‬ ‫ّ‬ ‫حما�س على القطاع‪� ،‬أعلنته �إ�سرائيل "كياناً معادياً"‪ ،‬لت�صبح مكانة قطاع غ ّزة م�شابهة ملكانة‬ ‫دولة معادية‪ .‬وتت�ص ّور �إ�سرائيل‪ ،‬وفقاً لذلك‪� ،‬أ ّنها يف ِح ّل من � ّأي التزام �أو م�س�ؤول ّية جتاه‬ ‫ال�س ّكان عدا �أدنى الواجبات الإن�سان ّية للحيلولة دون حدوث �أزمة حا ّدة يف القطاع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد ا�ستغ ّلت �إ�سرائيل �سيطرتها على املعابر ففر�ضت ح�صاراً على قطاع غ ّزة قبل ت�سع �سنوات‬ ‫تقريباً‪ ،‬يف حزيران ‪2007‬؛ وما زال م�ستمراً ح ّتى اليوم‪ .‬منذ فر�ض احل�صار منعت وما زالت‬ ‫�إ�سرائيل متنع خروج ّ‬ ‫ال�سكان من القطاع‪� ،‬سوى يف حاالت �شا ّذة‪ .‬يف �سنوات احل�صار الأوىل‬ ‫منعت �إ�سرائيل ال ّت�صدير من القطاع‪ ،‬و�إدخال �آالف املُنتجات �إليه‪� ،‬ضمنها �أ�صناف غذائ ّية‬ ‫كثرية‪ .‬اليوم‪ ،‬متنع �إ�سرائيل �إدخال الب�ضائع ذات "اال�ستخدام املزدوج"‪ ،‬وفق تعريف‬ ‫�إ�سرائيل‪ .‬و ُيق�صد بذلك �أنّ هذه الب�ضائع ميكن ا�ستخدامها لأغرا�ض مدن ّية وع�سكر ّية يف‬ ‫�آنّ واحد‪ .‬يف هذا الإطار‪ ،‬فر�ضت قيوداً على �إدخال مواد البناء كالإ�سمنت واحلديد‪ ،‬واملواد‬ ‫‪58‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫اخلام امل�ستخدمة يف �صناعة الأثاث‪� .‬أ ّما الت�صدير فما زالت �إ�سرائيل متنعه منعاً �شبه تا ّم‪.‬‬ ‫اقت�صادي يف قطاع غ ّزة‪ .‬لقد �أُغلقت معظم امل�صانع ومئات ّ‬ ‫املحال‬ ‫لقد ت�س ّبب احل�صار يف انهيار‬ ‫ّ‬ ‫الغذائي ل�شرائح وا�سعة من ّ‬ ‫ال�سكان‪،‬‬ ‫وتتبدى �إ�سقاطات احل�صار يف انعدام الأمن‬ ‫اخلا�صة‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويف اعتماد وا�سع ال ّنطاق على الإغاثة الإن�سان ّية‪ ،‬كما يف ن�سبة البطالة ا ّلتي هي من الأعلى‬ ‫اب‪.‬‬ ‫يف العامل‪ّ ،‬‬ ‫وخا�صة يف �أو�ساط اجليل ال�شّ ّ‬ ‫البنية التحت ّية واخلدمات العا ّمة يف قطاع غ ّزة يف �أ�سو�أ حال‪ % 95 :‬من املياه امل�ستخ َرجة يف‬ ‫قطاع غ ّزة مل ّوثة وغري �صاحلة لل�شّ رب؛ الكهرباء ت�صل �إىل بيوت ّ‬ ‫ال�سكان ل�ساعات معدودة‬ ‫فقط يف اليوم‪ ،‬ويعود ذلك يف جزء منه �إىل نق�ص الوقود‪ .‬تقلي�ص تزويد الكهرباء ي�ؤثر على‬ ‫ال�صحي‪ ،‬من حيث يعتمد عملهما على توفّر كهرباء متوا�صلة‪.‬‬ ‫منظومتي املياه ّ‬ ‫وال�صرف ّ‬ ‫م�ستوى ال يفي باحتياجات ّ‬ ‫ال�سكان وال يوفّر العالجات‬ ‫اخلدمات الط ّبية �أ�صبحت يف‬ ‫ً‬ ‫الالزمة لهم‪.‬‬ ‫منذ انف�صال �إ�سرائيل عن غ ّزة دارت ثالث جوالت قتال ّية على القطاع‪ :‬عمل ّية "الر�صا�ص‬ ‫ال�سحاب" يف ت�شرين الثاين ‪،2012‬‬ ‫امل�صبوب"‪ ،‬ا ّلتي انتهت يف بداية ‪ ،2009‬عمل ّية "عمود ّ‬ ‫وعمل ّية "اجلرف ال�صامد" يف �شه َري متّوز و�آب ‪ .2014‬لقد كانت الأ�ضرار ا ّلتي �س ّببتها‬ ‫وخا�صة يف الأوىل ويف الثّالثة ـــــ‬ ‫�إ�سرائيل لقطاع غ ّزة يف �أثناء هذه احلمالت الع�سكر ّية ــــ ّ‬ ‫ج�سيمة؛ فعدا الأعداد الكبرية من القتلى واجلرحى‪ ،‬ت�س ّببت �إ�سرائيل يف �أ�ضرار كبرية‬ ‫للمباين ال�سكن ّية‪ ،‬للزراعة‪ ،‬وللبنى التحت ّية الكهرب ّية وال�صح ّية واملائ ّية ـ والتي كانت �أ� ً‬ ‫صال‬ ‫على و�شك االنهيار ب�سبب احل�صار امل�ستم ّر‪.‬‬ ‫لقد ّ‬ ‫االقت�صادي‬ ‫حذرت جلنة الأمم امل ّتحدة لل ّتجارة وال ّتنم ّية من �أ ّنه ما مل يطر�أ تغيرّ يف املنحى‬ ‫ّ‬ ‫لل�سكن‪ .‬كان ذلك يف تقرير عن‬ ‫ف�سوف ت�صبح غ ّزة مع حلول عام ‪ 2020‬مكاناً ال ي�صلح ّ‬ ‫الو�ضع يف غ ّزة ن�شرته اللجنة يف بداية �أيلول ‪ .2015‬تط ّرق ال ّتقرير �إىل الإ�سقاطات ال ّناجمة‬ ‫ٍ‬ ‫(حينئذ) وثالث جوالت قتال ّية‪ ،‬فن ّوه �إىل �أنّ ن�سبة البطالة يف‬ ‫عن ثماين �سنوات من احل�صار‬ ‫الغذائي‪ ،‬و�أنّ‬ ‫القطاع قد بلغت الذروة ‪ ،% 44‬و�أنّ ن�سبة ‪ % 72‬من ال َأ�سر قد فقدت الأمن‬ ‫ّ‬ ‫االقت�صادي ّ‬ ‫عك�سي‪ ،‬و�أنّ �إعادة �إعمار القطاع ت�سري بوترية‬ ‫منحى‬ ‫م�ؤ�شّ رات النم ّو‬ ‫ّ‬ ‫تدل على ً‬ ‫ّ‬ ‫تتم �إعادة بناء �سوى جزء �ضئيل من املباين والبنى ال ّتحت ّية‬ ‫�أبط�أ ّمما ينبغي ‪ -‬فح ّتى اليوم مل ّ‬ ‫الدعم املا ّيل للقطاع وا�ستمرار‬ ‫توا�صل ّ‬ ‫ا ّلتي جرى تهدميها‪ .- ‬ويف هذا الواقع‪ ،‬من ّ‬ ‫احليوي ح ّقاً ُ‬ ‫‪59‬‬


‫عمل ّ‬ ‫ولكن ذلك ال ي�سعه �إعادة �إعمار القطاع وت�أهيله‪ .‬ما ْمل يطر�أ حت ُّول‬ ‫منظمات الإغاثة‪ّ ،‬‬ ‫معدو ال ّتقرير �إىل �أنّ فر�صة �إعادة �إعمار القطاع معدومة‪.‬‬ ‫كبري يف �سيا�سات �إ�سرائيل‪ ،‬ي�شري ّ‬ ‫�إ�رسائيل وانتهاك قرارات جمل�س الأمن‬

‫بالدخول من‬ ‫الدويل ّ‬ ‫كيف ميكن ال�سماح لدولة تتجاهل با�ستمرار قرارات جمل�س الأمن ّ‬ ‫بوابات الأمم امل ّتحدة؟‬ ‫الفل�سطيني‬ ‫العربي‬ ‫الدولية املتع ّلقة بال�شعب‬ ‫ح�سب امل�شهد الأممي و�أر�شيف القرارات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحقوقه املغت�صبة‪ ،‬ف�إن هناك اليوم نحو ‪ 845‬قراراً دولياً �صادراً عن الأمم امل ّتحدة وم�ؤ�س�ساتها‬ ‫وجلانها املختلفة‪ .‬غري �أنّ ّ‬ ‫كل هذه القرارات املُلزمة منها وغري املُلزمة �أ�صبحت مرتاكمة مغبرّ ة‬ ‫على رفوف ّ‬ ‫الدولة العرب ّية و�ضربت بها عر�ض احلائط‪� ،‬أو بعد‬ ‫الدول ّية‪ ،‬بعد �أنّ رف�ضتها ّ‬ ‫املنظمة ّ‬ ‫�أنّ ا�ستخدمت الواليات امل ّتحدة "فيتو" ّ‬ ‫الظلم والعربدة ّ‬ ‫�ضدها‪.‬‬ ‫والطغيان ّ‬ ‫ال�سيا�سات‬ ‫يجب فتح ملف العالقات بني "�إ�سرائيل" والأمم امل ّتحدة‪ ،‬وعلى نحو �أدقّ ملف ّ‬ ‫الإ�سرائيل ّية االحتقار ّية جتاه الأمم امل ّتحدة وقراراتها يف الق�ضية الفل�سطين ّية‪.‬‬ ‫"الو�صايا الع�رش تقول ال تقتل"‬

‫ين ميكن �أنّ ت ّربروا جمازر‬ ‫وعلى رغم تلك القوانني الوا�ضحة‪ ،‬فب� ّأي دين �أو � ّأي نظام قانو ّ‬ ‫الأطفال الأبرياء؟‬

‫"ينبغي منع �إ�سرائيل من دخول مق ّر الأمم امل ّتحدة ب�سبب جتاهلها دعوة جمل�س الأمن لوقف‬ ‫�إطالق النار يف غ ّزة"‪�" ،‬إ�سرائيل ال تلتزم بقرار الأمم امل ّتحدة املُلزم يف ما يتعلق بوقف �إطالق‬ ‫النار هذه عادة لإ�سرائيل‪ ،‬ف�إ�سرائيل دولة مل تلتزم مبئات من قرارات الأمم امل ّتحدة يف املا�ضي‪.‬‬ ‫ا�ستهدفت �إ�سرائيل الأمم امل ّتحدة يف غ ّزة �أثناء وجود (الأمني العام للأمم امل ّتحدة) بان كي‬ ‫مون يف �إ�سرائيل‪ ،‬ما ّ‬ ‫حتدياً للعامل و�سخرية منه"‪.‬‬ ‫ي�شكل ّ‬ ‫ففي �أقرب و�أحدث مواقف لها ولقا ّدتها‪ ،‬وبينما زعم اجلرنال باراك يف لقاء مع جنود �إ�سرائيل ّيني‬ ‫"�أن �إ�سرائيل حترتم الأمم امل ّتحدة" ‪" -‬يديعوت" ‪� ،2009 /01 /13‬أعربت وزيرة اخلارج ّية‬ ‫الإ�سرائيل ّية ت�سيبي ليفني عن "رف�ض احلكومة الإ�سرائيل ّية القاطع لقرار وقف �إطالق ال ّنار‬ ‫‪60‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�صادر عن جمل�س الأمن"‪ ،‬بل ودعت نظراءها العرب ا ّلذين قالت �إنهم "انتقلوا �إىل العي�ش‬ ‫ّ‬ ‫يف نيويورك" �إىل فهم �أنّ القرار "ال يعني لإ�سرائيل �شيئاً ــــــ وكاالت‪."2009 /01 /12 ،‬‬ ‫وقبل ذلك كتب روين �سفري يف "يديعوت" ‪� 2009 /01 /04‬أنّ "احلكومة الإ�سرائيل ّية‬ ‫�أعربت عن ارتياحها حلقيقة �أنه مل يتخذ جمل�س الأمن قراراً يتع ّلق مبا يجري يف غ ّزة"‪.‬‬ ‫�ضد �إ�سرائيل‪ ،‬ف�إنه ال‬ ‫وقالت م�صادر �سيا�س ّية �إ�سرائيل ّية‪" :‬ح ّتى لو ا ّتخذ جمل�س الأمن قراراً ّ‬ ‫يجب االنفعال من ذلك‪ ،‬وبالت�أكيد ف�إنّ الأمر لن يعيق العمل ّية الرب ّية"‪.‬‬ ‫إ�سرائيلي بالأمم امل ّتحدة وقراراتها لي�س جديداً �أو عابراً �أو‬ ‫والالفت �أنّ هذا اال�ستخفاف ال‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي للأمم امل ّتحدة رغم �أنّ ّ‬ ‫كل قراراتها جتاه‬ ‫مل ّرة واحدة‪ .‬فهناك تراث من االحتقار ال‬ ‫ّ‬ ‫"�إ�سرائيل" مع وقف التنفيذ‪.‬‬ ‫فقد كان دافيد بن غوريون �أ ّول رئي�س للحكومة الإ�سرائيل ّية قد ك ّناها ‪ -‬و�صفها ‪ -‬باحتقار‬ ‫قائ ًال‪:‬‬ ‫"�أوم �شموم" (�أوم ‪ -‬اخت�صار هيئة الأمم امل ّتحدة بالعرب ّية‪� ،‬شموم ‪ -‬ال �شيء)‪ .‬يف حرب عام‬ ‫‪ - 1948‬عن "معاريف" العرب ّية ‪.2006 /08/ 13‬‬ ‫لل�سيا�سات الإجرامية الإ�سرائيل ّية عن‬ ‫ويوثّق لنا اوري افنريي الي�ساري ال‬ ‫إ�سرائيلي املناه�ض ّ‬ ‫ّ‬ ‫بن غوريون قائ ًال‪" :‬لقد خرق بن غوريون �آنذاك من دون تر ّدد قرارات وقف �إطالق ال ّنار‬ ‫ا ّلتي �أ�صدرتها هيئة الأمم امل ّتحدة عندما كان الأمر مريحاً له (لقد �شاركت ‪ -‬اي افنريي ‪-‬‬ ‫ال�سنوات‪ ،‬معظم‬ ‫كجندي يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدة حمالت كهذه)‪ .‬لقد خرق هو ومن خلفه‪ ،‬طيلة ع�شرات ّ‬ ‫ال�سوفيات ّية ودول العامل الثالث‬ ‫القرارات املتع ّلقة بنا‪ ،‬با ّدعاء �أنّ هناك �أغلبية م�سيطرة للكتلة ّ‬ ‫�ضد �إ�سرائيل"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي املعروف �ألوف بن اليوم يف ّ‬ ‫ظل املحرقة الإ�سرائيل ّية يف غ ّزة ليتحدّ ث عن‬ ‫وي�أتي املح ّلل ال‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي مع الأمم امل ّتحدة وقراراتها يف "ه�آرت�س"‪:2009 /01 /12 ،‬‬ ‫هذا التعاطي االحتقاري ال‬ ‫ّ‬ ‫"عندما ا ّتخذ جمل�س الأمن خالفاً لر�أي �إ�سرائيل‪ ،‬القرار رقم ‪ ،1860‬وا ّلذي دعا �إىل وقف �إطالق‬ ‫ال ّنار يف غ ّزة‪ ،‬فمن ا ّلذي �أعلن �أنه لن يقبل به وم�ضى يف القتال؟ �إنّها بالطبع �إ�سرائيل"‪ ،‬وي�شرح‬ ‫بن اخللفيات قائ ًال ‪":‬مل تق ّرر �إ�سرائيل بعد �إذا كانت ترغب يف � ّأن ت�صبح ع�ضواً طبيع ّياً يف املجتمع‬ ‫الدّ و ّيل‪ ،‬و�أن تدفع ثمن هذه ّ‬ ‫"الطبيع ّية"‪� ،‬أو �أن ّ‬ ‫تظل وحيدة يف اخلارج‪ ،‬بد�أت هذه احلرية منذ قيام‬ ‫‪61‬‬


‫الدّ ولة تقريباً وا�ستم ّرت منذ ذلك الوقت‪ ،‬هنالك ٌ‬ ‫ال�سيا�س ّيني الإ�سرائيل ّيني ب�أن‬ ‫طبيعي لدى ّ‬ ‫ميل ّ‬ ‫يروا الأمم امل ّتحدة وم�ؤ�س�ساتها "�صحراء"‪ ،‬كما كان قال دافيد بن غوريون‪ّ ،‬‬ ‫منظمة معادية‪ ،‬ت�سيطر‬ ‫فيها غالبية معار�ضة لإ�سرائيل‪ ،‬حيث ال ينقذنا من �أيدي ه�ؤالء �سوى الفيتو الأمريكي"‪.‬‬ ‫و�أبعد من ذلك ‪ -‬ففي تعقيبه على قرارات للجمع ّية العا ّمة للأمم امل ّتحدة اتخذت يف نهاية‬ ‫نوفمرب ‪ ،2006‬قال نائب املدير العام ّ‬ ‫الدول ّية يف وزارة اخلارج ّية الإ�سرائيل ّية‪ ،‬روين‬ ‫للمنظمات ّ‬ ‫ال�شنو ‪ -‬ياعر‪� ،‬إنّ هذه القرارات هي "نكتة"‪ ...‬وبر�أيه‪" :‬الأمم امل ّتحدة تعترب �أنّ تلك القرارات‬ ‫خا�صة‪ ،‬فتلك قرارات متك ّررة تتخذ ّ‬ ‫عدة‬ ‫كل ّ‬ ‫"تقليد ّية"‪ ،‬ويزيد‪" :‬ال حتمل الإدانة � ّأي معانٍ ّ‬ ‫ولكن القرارات �أ�صبحت تقليداً‪ ،‬فقد حدث‬ ‫�سنوات"‪ ،‬وي�شرح‪" :‬قد يكون هناك من تفاج�أ‪ّ ،‬‬ ‫ويلخ�ص‪" :‬ال جديد حتت ال�شم�س"‪.‬‬ ‫ال�سنة املا�ضية وقبل ‪ 20‬عاماً وقبل ‪ 30‬عاماً"‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف اخلتام نقول ك ّلما �سمح العامل با�ستمرار هذا الواقع ازداد �سوءاً‪ّ � .‬إن الو�ضع ال ّراهن‬ ‫�صعب‪ ،‬ولكنّ تقديراً واقع ّياً للموقف يجب � ّأن ي�أخذ باحل�سبان االحتماالت امل�ستقبل ّية‬ ‫املتو ّقعة‪ .‬هل يف يف الأعوام املقبلة �ستبقى هنالك جت ّمعات �س ّكان ّية فل�سطين ّية يف منطقة‬ ‫الفل�سطيني امل�شلول؟ كم ح ّياً فل�سطين ّياً �سيجرى‬ ‫الأغوار؟ كيف �ستكون حالة االقت�صاد‬ ‫ّ‬ ‫ف�صله عن القد�س ال�شرق ّية؟ وكيف �ستكون حياة ماليني الفل�سطين ّيني يف قطاع غ ّزة؟‬

‫‪62‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫خم�سون نكبة يف خم�سني �سنة‬ ‫�صقر �أبوفخر ‪ -‬باحث يف الق�ضايا التاريخية والفكرية‬

‫خالل خم�سني عاماً فقط (‪� )2017 - 1967‬شهد العامل العربي �ستة نكبات حا�سمة‪،‬‬ ‫وع�صف به ما اليقل عن خم�سني زلزا ًال‪ .‬ففي اخلام�س من حزيران ‪ُ ،1967‬نكبنا بهزمية‬ ‫زلزلت الكيانات العربية كلها‪ ،‬وما زلنا ُنعاين‪ ،‬حتى اليوم‪ ،‬عقابيلها القا�سية‪.‬‬ ‫ويف ‪ ،1975 /4 /13‬اندلعت احلرب الأهلية اللبنانية لتفتتح احلروب الأهلية العربية‪ .‬ثم زار‬ ‫الرئي�س امل�صري �أنور ال�سادات القد�س يف ‪ 1977 /11/ 19‬يف خطوة قلبت جميع الثوابت‬ ‫ال�سيا�سية يف املنطقة العربية‪ ،‬ود�شنت ع�صر الت�صالح مع "�إ�سرائيل" وجاء االجتياح الإ�سرائيلي‬ ‫للبنان يف ‪ ،1982 /6 /6‬ليمثل‪ ،‬بتداعياته و�آثاره‪ ،‬ما هو �أكرب من زلزال‪ ،‬و�أقل قلي ًال من نكبة‪.‬‬ ‫فتج�سد يف �سقوط بغداد يف ‪ .2003 /4 /9‬وقد جتمعت تلك النكبات‪،‬‬ ‫�أما الزلزال احلقيقي ّ‬ ‫عالوة على نكبات كثرية �أخرى ح ّلت يف اجلزائر واليمن والكويت وال�صومال وال�سودان‪،‬‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال عن �صعود الإ�سالم ال�سيا�سي املقاتل‪ ،‬لتنفجر مرة واحدة ابتداء من �شتاء ‪ ،2010‬وهي‬ ‫ما برحت م�ستمرة حتى اليوم‪ .‬ولعل تلك النكبات كلها ُتف�سر‪� ،‬إىل حد بعيد‪ ،‬ملاذا �صار العرب‬ ‫على هذا النحو من امل�سكنة والهوان‪ ،‬فقد ق�ضت تلك النكبات‪ ،‬بالتدريج‪ ،‬على حماوالت‬ ‫النهو�ض والتقدم والوحدة والتحرر التي كانت تبا�شريها بد�أت بالتربعم يف �أواخر القرن التا�سع‬ ‫ع�شر‪ ،‬وراحت تتفتح طوال �سنوات الن�صف الأول من القرن الع�شرين‪ .‬لكن القرن املن�صرم‬ ‫نف�سه �أقفل �أبوابه من غري �إحراز �أي �إجناز راديكايل حا�سم‪� ،‬أكان ذلك يف ال�سيا�سة �أو االجتماع‪.‬‬ ‫وها هو العامل العربي ب�أ�سره يبدو‪ ،‬بعد خم�سني �سنة على هزمية ‪ 1967‬ك�أنه ما برح مت�سرب ًال‬ ‫متاماً بالإحباط واالنحطاط‪ ،‬وال ميتلك �أي ُع ّدة ليلتحق بقطار الع�صر‪ ،‬فهو يقف كالذاهل احلائر‬ ‫املرجتف‪� :‬أيكون من َح َملة املنادل مو ِّدعاً‪� ،‬أم من َح َملة احلقائب ملتحقاً؟‬ ‫الفكر اجلديد والنقد الراديكايل‬

‫�أماطت هزمية حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬اللثام عن الكثري من الأمور امل�ستورة‪ ،‬وفكت مغاليق‬ ‫‪63‬‬


‫الكالم‪ ،‬و�أطلقت موجة من النقد اجلريء الذي �شدد على نقد املجتمع ونقد �أنظمة احلكم‬ ‫ونقد الأفكار معاً‪ .‬ف�ضحت هذه الهزمية ما كان خافياً يف التكوين االجتماعي للأنظمة‬ ‫ال�سيا�سية املدحورة‪� ،‬أي تقليديتها وه�شا�شتها وتخلفها العلمي واملعريف‪ .‬ومع �أن �أفكار احلداثة‬ ‫واحلرية والدميقراطية والعدالة االجتماعية وحرية املر�أة كانت �شديدة احل�ضور يف م�صر وال�شام‬ ‫والعراق‪� ،‬إال �أنها‪ ،‬بعد هزمية ‪ 1967‬وبعد �سقوط العديد من الأقنعة‪ ،‬اكت�سبت حيوية فائقة‪،‬‬ ‫فراحت فكرة الثورة تغمر كيان ال�شبيبة العربية ب�أحالمها اجلميلة ووعودها العظيمة‪ ،‬و�صار‬ ‫غيفارا ي�أ�سر حوا�س هذه ال�شبيبة ال�صاخبة والقلقة‪ .‬وكانت ثورة الطالب يف باري�س (�أيار‪/‬مايو‬ ‫‪ )1968‬ت�شد الأع�صاب‪ ،‬و ُت�ضفي على فكرة الثورة نف�سها بهاء وجال ًال‪ .‬وهكذا بد�أت �أفكار‬ ‫الي�سار اجلديد والدعوة �إىل التحرر القومي واالجتماعي واجلن�سي ُتد�شن وعياً نقدياً جديداً‬ ‫يف العامل العربي ب�أ�سره‪.‬‬ ‫كانت ال�سيا�سة ُت�صنع يف القاهرة وبغداد ودم�شق‪ ،‬وكانت بريوت املخترب الكا�شف لهذه‬ ‫ال�سيا�سة‪ ،‬وكثرياً ما انعك�ست يف �أرجائها املجادالت الفكرية وال�سيا�سية والثقافية والفنية‪.‬‬ ‫وعربت هذه املجادالت والنقا�شات عن نف�سها بفي�ض من الكتب والدرا�سات اجلديدة التي‬ ‫�شملت خمتلف جوانب احلياة اليومية يف العامل العربي �آنذاك‪ .‬وميكننا ر�صد هذا ال�ش�أن‬ ‫يف �ستة حقول �أ�سا�سية هي‪ :‬الفكر ال�سيا�سي‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الدين‪ ،‬اليهودية وال�صهيونية‪ ،‬الفن‬ ‫والأدب‪ ،‬املر�أة‪.‬‬ ‫‪ - 1‬الفكر ال�سيا�سي‪:‬‬

‫�إن �أبرز العالمات يف هذا احلقل هو حتول بع�ض احلركات ال�سيا�سية القومية �إىل املارك�سية‪.‬‬ ‫و�إن �أ�سطع مثال على ذلك حركة القوميني العرب التي مل تكن تعري الفكر املارك�سي �أي‬ ‫احرتام حتى منت�صف �ستينات القرن الع�شرين‪ .‬لكن مع وقوع هزمية ‪ 1967‬بد�أ نقد النا�صرية‪،‬‬ ‫و�شرع بع�ض املثقفني العرب يف �إعادة النظر مبقوالتهم ال�سابقة‪ ،‬ووجدوا �أن هذه الهزمية �إمنا‬ ‫هي هزمية للنا�صرية وللفكر القومي الرومان�سي وللربجوازية ال�صغرية العربية‪ ،‬وقد �آن الآوان‬ ‫لتبد�أ "الربوليتاريا" العربية رحلة اخلروج من �شرانقها كي ت�صبح‪ ،‬هي نف�سها‪� ،‬صانعة التاريخ‬ ‫اجلديد‪.‬‬ ‫وكان من �ش�أن هذا التحول لدى "حركة القوميني العرب" ظهور منظمات فل�سطينية تتبنى‬ ‫املارك�سية منهاجاً للتفكري واملمار�سة ال�سيا�سية مثل "اجلبهة الدميقراطية لتحرير فل�سطني"‬ ‫‪64‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫التي ان�شقت يف �سنة ‪ 1969‬على "اجلبهة ال�شعبية لتحرير فل�سطني" الوارثة التاريخية حلركة‬ ‫القوميني العرب‪ .‬وانعك�س هذا التحول الذي قاده حم�سن ابراهيم وحممد ك�شلي ونايف‬ ‫حوامتة جزئياً على قوى �سيا�سية �أخرى يف اليمن واخلليج العربي و�سورية والعراق‪ .‬ومع �أن‬ ‫حزب البعث كان خ�ضع ملثل هذا التحول يف امل�ؤمتر القومي ال�ساد�س (‪ )1964‬بت�أثري من‬ ‫بعثيني مارك�سيني �أمثال‪ :‬يا�سني احلافظ وحمود ال�شويف وحمدي عبداملجيد‪ ،‬وه�ؤالء �شددوا‬ ‫على �إ�ضفاء حمتوى اجتماعي على حركة التحرر الوطني العربية‪� ،‬أي �أن كل ن�ضال حترري‬ ‫ي�ؤدي‪ ،‬بال�ضرورة‪� ،‬إىل حتويل املجتمع القدمي �إىل جمتمع جديد �أكرث عدالة‪� ،‬إال �أن هذا التحول‬ ‫كان عابراً وانتهى يف �سنة ‪ .1970‬وهكذا ظهرت "منظمة العمل ال�شيوعي" يف لبنان �سنة‬ ‫‪ ،1970‬و"اجلبهة ال�شعبية لتحرير البحرين واخلليج العربي" و"اجلبهة القومية يف اليمن"‬ ‫التي تبنت املارك�سية يف �سنة ‪ 1969‬وحتولت‪ ،‬يف مابعد‪� ،‬إىل احلزب اال�شرتاكي اليمني‪.‬‬ ‫�إىل جانب نقد الفكر القومي ب�شقيه النا�صري والبعثي بد�أ نقد املارك�سية التقليدية‪� ،‬أي‬ ‫اللينينية ال�سوفياتية‪ ،‬وانبثقت يف �سماء الفكر العربي اجلديد �أفكار مل تعرفها الثقافة الي�سارية‬ ‫طوال نحو خم�سة و�أربعني عاماً‪ ،‬وهي احلقبة التي كان فيها خالد بكدا�ش الزعيم الذي‬ ‫ال ي�ضاهى للحزب ال�شيوعي ال�سوري – اللبناين‪ ،‬واملرجع الأول لل�شيوعيني العرب يف‬ ‫امل�شرق العربي (لبنان‪� ،‬سورية‪ ،‬الأردن‪ ،‬فل�سطني‪ ،‬وحتى العراق)‪ .‬ويف هذا احلقل من املعرفة‬ ‫ظهر كتاب "معنى النكبة جمدداً" لق�سطنطني زريق (‪ ،)1967‬وكتاب "النقد الذاتي بعد‬ ‫الهزمية" ل�صادق جالل العظم (‪ .)1968‬ويف ما بعد �أ�صدر العظم كتابه املهم "درا�سة نقدية‬ ‫يف فكر املقاومة الفل�سطينية" (‪ ،)1973‬و�صدرت م�سرحية "حفلة �سمر من �أجل ‪ 5‬حزيران"‬ ‫ل�سعداهلل ونو�س ورواية "عودة الطائر �إىل البحر" حلليم بركات‪ .‬ويف م�صر ن�شر حممد فريد‬ ‫�شكري كتابه "ت�أمالت يف النا�صرية" (‪ ،)1972‬ون�شر طاهر عبداحلكيم "الأقدام العارية"‬ ‫(‪ ،)1974‬ويف ما بعد �أ�صدر منيف الرزاز كتابه النقدي املهم "التجربة املرة" عن جتربته يف‬ ‫حزب البعث‪ .‬على �أن �أكرث الكتابات راديكالية يف نقد اللينينية جاء على يد تون�سي مارك�سي‬ ‫ينتمي �إىل التيار املجال�سي‪ ،‬وكان التحق بالثورة الفل�سطينية يف الأردن هو العفيف الأخ�ضر‪.‬‬ ‫فقد ن�شر مقالة يف جملة "درا�سات عربية" (�آذار ‪ )1973‬بعنوان ‪":‬كومونة كرون�شطاط‪ :‬الثورة‬ ‫حمل فيها لينني وتروت�سكي معاً امل�س�ؤولية عن قمع بحارة برتوغراد‬ ‫الرو�سية الثالثة املجهولة" ّ‬ ‫وانتفا�ضتهم على النظام ال�سوفياتي اجلديد يف �سنة ‪ .1921‬ورمبا كانت املرة الأوىل يف العامل‬ ‫العربي الذي يجر�ؤ فيه مارك�سي على نقد لينني‪ .‬وبهذه املقالة بد�أ مو�سم حتطيم الأيقونات‬ ‫‪65‬‬


‫املقد�سة‪ ،‬ومل يلبث العفيف الأخ�ضر �أن �أنزل لينني وكتابه "ما العمل؟" عن عر�شيهما‬ ‫حينما ن�شر كتاباً بعنوان "التنظيم الثوري احلديث" (‪ )1974‬نق�ض فيه حمتوى كتاب "ما‬ ‫العمل؟"‪ ،‬ووجد �أن املركزية اللينينية يف احلزب ال�شيوعي ت�ؤدي �إىل اال�ستبداد يف املجتمع‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال�صهيونية وامل�س�ألة اليهودية‪:‬‬

‫كان لهزمية ‪� 1967‬أثر مزدوج يف الوعي ال�سيا�سي لدى العرب والإ�سرائيليني‪ ،‬فهي تركت‬ ‫�آثاراً يف الوعي الإ�سرائيلي‪ ،‬وغيرّ ت‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪ ،‬الوعي العربي حيال �إ�سرائيل �أي�ضاً‪.‬‬ ‫ولعل ت�أ�سي�س منظمة "ما ت�سنب" (البو�صلة) يف �إ�سرائيل‪ ،‬ثم ظهور "اجلبهة احلمراء" يف‬ ‫�سنة ‪ 1970‬على �أيدي جمموعة من العرب واليهود الذين اعتنقوا �أفكار الكفاح امل�سلح‬ ‫يندرج يف هذا ال�سياق‪ .‬ويف اجلانب العربي بد�أ االهتمام باحلركة ال�صهيونية و�إ�سرائيل ينحو‬ ‫نحواً علمياً‪ ،‬فترُ جم‪ ،‬على �سبيل املثال‪ ،‬كتاب "املفهوم املادي للم�س�ألة اليهودية" لأبرهام‬ ‫ليون يف �سنة ‪ ،1970‬و�أ�صدر �صادق جالل العظم كتابه "ال�صهيونية وال�صراع الطبقي"‬ ‫يف �سنة ‪ ،1975‬وانربت م�ؤ�س�سة الدرا�سات الفل�سطينية ومركز الأبحاث يف منظمة التحرير‬ ‫الفل�سطينية (الإثنان اتخذا من بريوت مقر ُا لهما) وم�ؤ�س�سة الأر�ض للدرا�سات الفل�سطينية يف‬ ‫دم�شق �إىل الت�شديد على ترجمة الن�صو�ص اال�سرائيلية املهمة من العربية �إىل العربية مبا�شرة‪.‬‬ ‫وكانت هزمية حزيران‪ ،‬يف �أحد وجوهها‪ ،‬حافزاً مهماً لالنتباه �إىل قيمة العلم واملعرفة يف ال�صراع‬ ‫العربي – ال�صهيوين‪ ،‬وبد�أ على الفور التفكري يف �إ�صدار بع�ض املو�سوعات العلمية وكان من‬ ‫بينها "املو�سوعة الع�سكرية" التي �صدرت يف �سنة ‪ ،1977‬و"مو�سوعة ال�سيا�سة" التي‬ ‫�صدر اجلزء الأول منها يف �سنة ‪ ،1979‬ثم "املو�سوعة الفل�سطينية" التي �أ�صدرها عبدالوهاب‬ ‫الكيايل يف �سنة ‪ .1984‬ويف �أي حال‪ ،‬ف�إن فكرة الدولة الدميقراطية يف فل�سطني التي يعي�ش يف‬ ‫�أرجائها اليهود والعرب (م�سيحيون وم�سلمون) عر�ضتها حركة فتح‪� ،‬أول مرة‪ ،‬يف �سنة ‪،1968‬‬ ‫وجاءت دح�ضاً للكالم ال�شائع على خرافة رمي اليهود يف البحر‪.‬‬ ‫‪ - 3‬نقد التاريخ‪:‬‬ ‫كان من �ش�أن احليوية الثقافية التي انطلقت من عقالها بعد حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬والتي‬ ‫�أوقدت جمار املراجعة النقدية يف هذا امليدان‪� ،‬أن التاريخ العربي نف�سه راح يخ�ضع لهذه‬ ‫املراجعة‪ ،‬و�أن �شبه القدا�سة التي ت�سربل بها هذا التاريخ �صارت بحاجة �إىل �إعادة النظر‪.‬‬ ‫‪66‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ويف معمعات هذا اجلدال راحت ال�شبيبة العربية اجلديدة تكت�شف حركات املعار�ضة يف‬ ‫الإ�سالم كالقرامطة والزجن‪ ،‬وتعيد االعتبار للتف�سري التاريخي املادي للوقائع التي ع�صفت‬ ‫بتاريخنا الذي ما عاد مت�سرب ًال باملقد�س والإلهي‪ ،‬بل �صار ميداناً للبحث العلمي املنهجي‬ ‫وال�صارم‪ .‬ويف هذا احلقل من املعرفة اجلديدة ظهرت �أ�سماء مرموقة كان لكتاباتها �أثر مهم يف‬ ‫تطور الكتابة التاريخية يف ما بعد‪ ،‬مثل بنديل �صليبا اجلوزي وال �سيما يف كتابه " من تاريخ‬ ‫احلركات الفكرية يف الإ�سالم" الذي �أعيد اكت�شافه بعد هزمية حزيران‪ ،‬عالوة على عبدالعزيز‬ ‫الدوري وح�سني مروة وكتابه "النزعات املادية يف الفل�سفة العربية الإ�سالمية" و�أدوني�س يف‬ ‫كتابه الت�أ�سي�سي "الثابت واملتحول"‪.‬‬ ‫حاولت الكتابات التاريخية النقدية �أن جتيب عن الكثري من الأ�سئلة املع ّلقة‪ ،‬وال �سيما عن‬ ‫الداللة التاريخية لظهور الإ�سالم‪ ،‬وعن الفئات االجتماعية التي نا�صرت الإ�سالم والتي‬ ‫كان الدين اجلديد يعرب‪ ،‬يف الوقت نف�سه‪ ،‬عن م�صاحلها‪ .‬وكذلك �أرادت تقدمي تف�سري علمي‬ ‫للحروب التي اندلعت حتت راية اال�سالم‪ ،‬بعيداً عن املرويات املعروفة ب�ش�أن "حروب الردة"‬ ‫و"الفتوحات" و"اجلهاد يف �سبيل اهلل"‪ .‬ويف �أي حال‪ ،‬كانت الغاية من �إعادة النظر يف‬ ‫التاريخ الإ�سالمي لدى بع�ض الكتاب هي اكت�شاف اللحظات الثورية يف هذا التاريخ‪ ،‬ثم‬ ‫حماولة �إن�شاء ج�سر بني ذلك التاريخ والواقع العربي الذي �أعقب النكبة اجلديدة‪.‬‬ ‫‪ - 4‬نقد الدين‪:‬‬

‫من مفارقات التاريخ العربي �أن هذه املنطقة التي ُولد فيها الدين مل ُيولد فيها نقد الدين‪.‬‬ ‫وطاملا كانت م�س�ألة الإميان والإحلاد ق�ضية حمرجة للمارك�سيني العرب يف جمتمع �شرقي‬ ‫متدين من قمة ر�أ�سه �إىل �أخم�ص قدميه‪ .‬ولذلك ق ّلما ظهرت‪ ،‬هنا وهناك‪ ،‬كتابات نقدية يف‬ ‫امل�س�ألة الدينية �إال بعد هزمية ‪ .1967‬حتى �أن املارك�سيني العرب مل ُي�شتهر �أنهم �ساهموا‪،‬‬ ‫م�ساهمة معمقة‪ ،‬يف هذه املجاالت‪ ،‬بل جتنبوا اخلو�ض فيها �إىل حد كبري‪ ،‬مع �أنهم متهمون‬ ‫بالإحلاد‪ ،‬وب�أن �شعارهم هو‪":‬الدين �أفيون ال�شعوب"‪.‬‬ ‫د�شن �صادق جالل العظم نقد الدين يف �سنة ‪ 1968‬عندما �ألقى حما�ضرة بعنوان‪":‬م�أ�ساة‬ ‫�إبلي�س" حاول فيها �أن يربهن على �أن تاريخ الفكر العربي يت�ضمن "فن امل�أ�ساة" على عك�س‬ ‫ما كان البع�ض يظن �أن الآداب العربية تخلو من "امل�أ�ساة" باملعنى الإغريقي للكلمة‪ .‬لكن‬ ‫هذه املحا�ضرة التي حتولت �إىل كتاب يف ما بعد بعنوان‪":‬نقد الفكر الديني" �أثارت موجة‬ ‫‪67‬‬


‫عاتية من الردود املتعاك�سة قادها رجال دين وم�ؤ�س�سات دينية �شتى‪ ،‬و�أدت �إىل م�صادرة‬ ‫الكتاب وحماكمة امل�ؤلف‪ .‬ومع �أن املحكمة اللبنانية املخت�صة حكمت برباءة الكاتب‪� ،‬إال‬ ‫�أن وقائع الأحوال كانت ت�شري �إىل م�ستوى الهلع الذي �أ�صاب امل�ؤ�س�سات الدينية الر�سمية‬ ‫وكذلك رجال الدين املرتبطني بها‪ .‬لكن الإيجابي يف تلك احلملة كان حتطيم "التابو" يف‬ ‫احلديث عن الدين‪ .‬ومنذ ذلك الوقت �صار نقد الدين �أو نقد ال�سماء مقدمة لنقد الأر�ض‪� ،‬أي‬ ‫نقد اال�ستبداد العربي ونقد الفقهاء ونقد الفقه الإ�سالمي املتخلف والراكد‪ .‬وجتر�أ املارك�سيون‬ ‫على ترجمة ن�صو�ص مارك�س عن الدين ون�صو�ص لينني �أي�ضاً‪ ،‬و�أ�صدر ع�صام الدين حفني‬ ‫نا�صف كتابه اجلريء جداً "امل�سيح يف مفهوم معا�صر" (‪ )1979‬الذي يعترب فيه امل�سيح‬ ‫�شخ�صية �أ�سطورية ال تاريخية‪ .‬وكان ع�صام الدين حفني نا�صف قد �أنزل التاريخ الديني‬ ‫عن مكانته منذ �أن ن�شر كتابيه "مو�سى وفرعون بني الأ�سطورية والتاريخية" (‪ )1975‬و"‬ ‫الأ�سطورة والوعي" (‪ .)1976‬وحينما �أ�صدر العالمة التقدمي عبداهلل العاليلي كتابه الرائع‬ ‫"�أين اخلط�أ؟" يف �سنة ‪ 1978‬عمدت امل�ؤ�س�سة الدينية يف لبنان �إىل �سحبه من الأ�سواق‪.‬‬ ‫ولكن هيهات �أن تتمكن من �سحبه من �أفهام النخب العربية التائقة �إىل مثل هذه الكتب‬ ‫احلا�سمة‪ .‬ويف هذا الكتاب خالف عبداهلل العاليلي ما ي�سمى "�إجماع الفقهاء" ورف�ض‬ ‫تطبيق احلدود املعروفة مثل قطع يد ال�سارق �أو رجم الزاين والزانية‪ ،‬و�أباح الت�صوير والتمثيل‬ ‫وظهور الأنبياء وال�صحابة يف ال�سينما‪� .‬أما �أجر�أ ما جاء يف هذا الكتاب فهو �إباحة زواج امل�سلمة‬ ‫من م�سيحي �أو يهودي‪ ،‬وهو �أمر حمرم متاماً لدى فقهاء امل�سلمني‪.‬‬ ‫يف جانب موازٍ‪ ،‬انتع�ش نقد احلكايات الرتاثية والروايات القدمية ذات امل�صادر الأ�سطورية‬ ‫�أو اخلرافية �أو الدينية‪ .‬وظهرت درا�سات مقارنة يف هذا امليدان اجلديد من الثقافة العربية‬ ‫مثل "يف احلب واحلب العذري" ل�صادق جالل العظم (‪ ،)1970‬و"�أ�سطورة �أوري�ست‬ ‫واملالحم العربية" للكاتب امل�صري املعروف لوي�س عو�ض (‪ ،)1968‬و ُترجم كتاب‬ ‫"الغ�صن الذهبي" جليم�س فريزر (‪ .)1971‬وقد �ساعد نقد املرويات والأ�ساطري يف �إعادة‬ ‫كتابة بع�ض جوانب التاريخ العربي‪ ،‬الأمر الذي �أوهن �سطوة الرواية الدينية على التاريخ‪.‬‬ ‫ومن اجلدير الإ�شارة �إىل كتاب "الثالوث املحرم" للم�ؤلف ال�سوري بوعلي يا�سني الذي‬ ‫�أحدث حينذاك (‪� )1973‬أثراً مدوياً‪ ،‬وال �سيما كالمه على املحرمات الثالث‪ :‬الدين‬ ‫واجلن�س وال�صراع الطبقي‪.‬‬ ‫‪68‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫‪ - 5‬الوعي اجلديد‪:‬‬

‫مع �أن كتاب �سيغموند فرويد امل�شهور "تف�سري الأحالم" �صدر �أول مرة‪ ،‬يف م�صر �سنة‬ ‫‪( 1958‬ترجمة العاملان الرائدان م�صطفى �صفوان وم�صطفى زيور و�أُعيدت طباعته يف �سنة‬ ‫‪ ،)1969‬ومع �أن "ثالث مقاالت يف اجلن�س" �صدر يف �سنة ‪ ،1969‬و"املوجز يف التحليل‬ ‫النف�سي" �صدر يف �سنة ‪� ،1970‬إال �أن الفرويدية ك�إحدى نظريات املعرفة كانت مرذولة لدى‬ ‫معظم التيارات الي�سارية العربية التقليدية‪ .‬لقد هزت هزمية ‪ 1967‬الفكر العربي التقليدي‬ ‫بجميع �أجنحته الي�سارية والقومية واليمينية‪ .‬وكان للي�سار اجلديد الأوروبي والأمريكي �أثر‬ ‫ال ميكن قيا�سه متاماً‪ ،‬فقد فتح منافذ جديدة يف التفكري لدى اجليل العربي الذي اكتوى بنار‬ ‫تلك الهزمية‪ .‬ويف تلك احلقبة اكت�شف املثقفون الرابط بني اال�ستبداد والقمع اجلن�سي‪ ،‬ولأنهم‬ ‫�أرادوا تغيري العامل وتغيري احلياة معاً‪ ،‬فقد �أقاموا ج�سراً بني مارك�س ورامبو وفرويد ومل تلبث‬ ‫�أ�صداء الفرويدية – املارك�سية �أن و�صلت �إىل العامل العربي‪ ،‬وراح املثقفون العرب يتعرفون‬ ‫�إىل الي�سار الفرويدي �أمثال ولهلم راي�ش وجيزا روهامي وهربرت ماركوز و�إريك فروم وغريهم‪.‬‬ ‫واندفع املرتجمون �إىل نقل كتابات ه�ؤالء التي كانت منت�شرة جداً يف �أوروبا والواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية‪ ،‬فرتجم مطاع �صفدي (�سوري) كتاب "احلب واحل�ضارة" لهربرت ماركوز يف �سنة‬ ‫‪ ،1970‬وترجم حممد عيتاين (لبناين) كتاب "الن�شاط اجلن�سي و�صراع الطبقات" لراميوت‬ ‫راي�ش يف �سنة ‪ ،1971‬وترجم رميون ن�شاطي (�سوري متم�صر) كتاب "هيا �إىل الثورة" جلريي‬ ‫روبني يف �سنة ‪ ،1971‬وترجم جماهد عبداملنعم جماهد (م�صري) كتاب "اخلوف من احلرية"‬ ‫لإريك فروم يف �سنة ‪ ،1972‬وترجم حممد عيتاين �أي�ضاً كتاب "الثورة والثورة اجلن�سية"‬ ‫لولهلم راي�ش �سنة ‪ .1972‬وكان ال�س�ؤال امللحاح يف �أو�ساط الي�سار العربي �آنذاك هو‪ :‬ملاذا‬ ‫ف�شلت الثورة االجتماعية يف املجتمعات ال�صناعية الغربية؟ ويف �سياق الإجابة ترجم جورج‬ ‫طراببي�شي (�سوري) ثالثة كتب هي "البديل" لروجيه غارودي �سنة ‪ ،1972‬و"الإن�سان ذو‬ ‫البعد الواحد" و"املارك�سية ال�سوفياتية" لهربرت ماركوز يف �سنة ‪.1973‬‬ ‫�إن هذه الكتب‪ ،‬وغريها الكثري بالطبع‪� ،‬ساهمت يف تكوين ثقافة جديدة يف �ش�أن املر�أة وحرية‬ ‫املر�أة يف املجتمعات العربية‪ .‬ومع �أن الكتابات التي نا�صرت املر�أة ودافعت عن حريتها تعود‬ ‫�إىل بدايات القرن الع�شرين مثل كتابي قا�سم �أمني‪" :‬حترير املر�أة" �سنة (‪ )1899‬و"املر�أة‬ ‫اجلديدة �سنة (‪� ،)1901‬إال �أنها ازدهرت على �أيدي فئة من املتعلمات من بنات االر�ستقراطية‬ ‫العربية يف م�صر وال�شام �أمثال‪ :‬هدى �شعراوي ودرية �شفيق يف م�صر‪ ،‬وثريا احلافظ وحياة‬ ‫‪69‬‬


‫العظم وماري عجمي ونازك العابد بيهم يف �سورية ولبنان‪ ،‬و�ساذج ن�صار يف فل�سطني‪ .‬لكن‬ ‫الكتابات اجلديدة‪ ،‬الي�سارية الفرويدية‪ ،‬قدمت معيناً ال ي�ضاهى للكاتبات من عيار نوال‬ ‫ال�سعداوي التي �أ�صدرت كتابها "املر�أة واجلن�س" يف �سنة ‪ ،1971‬ثم "الأنثى هي الأ�صل"‬ ‫يف �سنة ‪ .1974‬وكان لهذين الكتابني دوي كبري يف �أو�ساط النا�س‪.‬‬ ‫‪ - 6‬الأدب والفن‪:‬‬

‫من البدهي �أن ت�ؤثر هزمية حزيران‪/‬يونيو ‪� ،1967‬أول ما ت�ؤثر‪ ،‬يف الأدب والفن‪ ،‬فهما الأقرب‬ ‫�إىل الوجدان والعاطفة واحل�س‪ .‬ولعل نزار قباين ال�شاعر ال�سوري امل�شهور‪ ،‬كان �أبرز الذين‬ ‫طاولتهم الهزمية ب�أ�شواكها‪ ،‬فراح يتحول من النقد االجتماعي و�شعر احلب �إىل ال�سيا�سة‪،‬‬ ‫ف�أ�صدر ديوانه "هوام�ش على دفرت النك�سة" الذي اعترب‪� ،‬آنذاك‪ ،‬نقداً بالغ الق�سوة مل تتعوده‬ ‫الأنظمة العربية قط‪ .‬وملع يف �سماء ال�شعر العريي جمموعة من ال�شعراء الفل�سطينيني �أبرزهم‬ ‫حممود دروي�ش الذي �سي�صبح‪ ،‬وبالتدريج‪� ،‬أملع �شاعر عربي على الإطالق‪ .‬و�أ�صدر �إميل‬ ‫حبيبي "�سدا�سية الأيام ال�ستة" يف �سنة ‪ 1968‬لتتحدث عن التئام �شمل ال�شعب الفل�سطني‬ ‫لأول مرة منذ نكبة ‪ ،1948‬ولكن حتت االحتالل‪ .‬ثم �أ�صدر غ�سان كنفاين روايتني يف �أقل‬ ‫من �سنتني هما‪�" :‬أم �سعد" �سنة (‪ ،)1969‬و"عائد �إىل حيفا" �سنة ‪ .1970‬ومل يلبث جربا‬ ‫ابراهيم جربا �أن �أ�صدر رواية "ال�سفينة" �سنة (‪ ،)1970‬وجميع هذه الروايات تدور �أحداثها‬ ‫و�شخ�صياتها وغاياتها يف الف�ضاء النقدي اجلديد الذي خلقته هذه الهزمية‪.‬‬ ‫وال ريب يف �أن لهزمية ‪ ،1967‬و�صعود �أفكار الي�سار والكفاح والتحرر االجتماعي‪� ،‬ش�أناً كبرياً‬ ‫يف ظهور طراز جديد من الغناء وال�شعر العامي يف لبنان وم�صر‪ .‬وهذا الطراز ا�ستوىل‪ ،‬ل�سنوات‬ ‫عديدة‪ ،‬على ذائقة جمهور الي�سار العربي‪ ،‬وكان �أبرز ممثليه ال�شيخ �إمام عي�سى و�أحمد ف�ؤاد‬ ‫جنم وعديل فخري يف م�صر‪ ،‬ومار�سيل خليفة يف لبنان‪.‬‬ ‫لعل من املحال قيا�س �أثر هزمية ‪ 1967‬يف الأدب العربي متاماً‪ ،‬لكننا قد نتمكن من اكت�شاف‬ ‫قيمة هذا الأثر باملقارنة وامل�ضاهاة‪ .‬ففي خم�سينات القرن الع�شرين و�أوائل �ستيناته‪� ،‬أي‬ ‫قبيل احلرب‪ ،‬كانت ال�شبيبة العربية غارقة يف قراءة الأدب الرومان�سي العربي والأجنبي‪،‬‬ ‫وكانت الروايات املتداولة‪ ،‬على �سبيل املثال‪" :‬بائعة اخلبز" و"البو�ساء" و"�أحدب نوتردام"‬ ‫و"ال�شيخ والبحر" و"ثلوج كليمنجارو" و"كوخ العم توم" و"موبي ديك" و"ذهب‬ ‫مع الريح" و"�آالم فارتر" و"ق�صة مدينتني" و"جني �آير" و" الأم" و"توم �سوير"‪.....‬‬ ‫‪70‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫�إلخ‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن "�شجرة اللبالب" و"لقيطة" ملحمد عبداحلليم عبداهلل و"نحن النزرع‬ ‫ال�شوك" ليو�سف ال�سباعي و"ال�صبي الأعرج" و"الرغيف" لتوفيق يو�سف عواد و"احلي‬ ‫الالتيني" ل�سهيل �إدري�س و"يف ظالل الزيزفون" و"ماجدولني" مل�صطفى لطفي املنفلوطي‬ ‫وغريها الكثري بالطبع‪.‬‬ ‫�إن هزمية حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬غريت الذائقة الأدبية �إىل حد كبري‪ ،‬فظهرت روايتا "الكرنك"‬ ‫و"ثرثرة فوق النيل" لنجيب حمفوظ على �سبيل املثال لتواكبا نقد الهزمية على امل�ستوى‬ ‫ال�سيا�سي والفكري‪.‬‬ ‫عودة الأ�سطورة‬

‫يف اخلم�س ع�شرة �سنة التي �أعقبت هزمية حزيران‪/‬يونيو‪ ،1967‬اعتقدنا �أن هذه الهزمية رمبا‬ ‫تكون مثل الأ�سطورة التموزية القدمية‪ :‬املوت والقيامة معاً‪� ،‬أي مثل ق�صة امل�سيح نف�سه‪ .‬ومبا �أن‬ ‫�أ�سطورة متوز وجدت يف بالدنا �أو ًال‪ ،‬ومبا �أن امل�سيح نف�سه ولد يف هذه البالد �أي�ضاً‪ ،‬فقد تطلعنا‬ ‫�إىل �أن تكون هزمية ‪ 1967‬موتاً لثقافة وانبعاثاً لثقافة جديدة يف الوقت نف�سه‪ ،‬موت لال�ستبداد‬ ‫العربي وقيامة للحرية يف هذه البقعة املهمة من العامل‪ .‬لكن هذا الوعد �أخفق ولو موقتاً‪.‬‬ ‫نعم‪� ،‬أخفق الوعد العظيم باحلرية الذي د�شنته �أفكار النه�ضة االعربية منذ نحو مئة عام‪،‬‬ ‫والذي حمل م�شعله جيل ما بعد نكبة فل�سطني يف �سنة ‪ .1948‬وكان من نتائج هذا الإخفاق‬ ‫�أن ال�سلفيات الدينية املقاتلة �سجلت �أوىل انت�صاراتها لقد كانت احلرية تعني االنعتاق من‬ ‫�سالطني الأر�ض ومن فقهاء ال�سماء معاً‪� ،‬أي العودة �إىل الطفولة الأوىل‪ ،‬و�إىل االمتالك املرتع‬ ‫لعامل مده�ش وجميل‪ .‬لكن اال�ستبداد العربي‪ ،‬بوجهيه ال�سيا�سي والديني‪ ،‬الذي ت�س َّي َد‬ ‫حياتنا منذ هزمية ‪ 1967‬ف�صاعداً‪� ،‬إمنا يربهن‪ ،‬يف كل يوم‪ ،‬كم �أن حال الثقافة العربية الراهنة‬ ‫بائ�سة حقاً‪ ،‬وي�ؤكد‪ ،‬يف كل حلظة‪� ،‬أن بقاء ه�ؤالء احلكام يف ال�سلطة هو �أكرب دليل على مدى‬ ‫�صبح م�سا َء‪ ،‬بكل مواطن عربي‪.‬‬ ‫الإهانة التي تلحق‪َ ،‬‬ ‫***‬ ‫ها هو العامل العربي‪ ،‬بعد خم�سني �سنة على هزمية ‪ ،1967‬يئن حتت مع�ضالته ال�شائكة‬ ‫واجلاثمة فوقه ك�أهرام اجليزة‪ .‬ك�أن ال�شيء يتغري يف هذا املدى املرتامي‪ :‬الأمية بلغت ‪100‬‬ ‫مليون و�أكرث‪ ،‬واجلوع يف ال�صومال وال�سودان م�س�ألة اعتيادية‪ ،‬واملوت يف العراق و�سورية‬ ‫‪71‬‬


‫واليمن �صار جمرد �إح�صاءات باردة‪ ،‬والقتل ب�إ�سم الدين �أ�صبح له �أن�صار‪ ،‬وتدمري ما بقي‬ ‫لدينا من تاريخ ما عاد يثري اال�ستهجان‪.‬‬ ‫هذا ما فعلته بنا هزمية ‪ .1967‬والعرب اليوم يكادون ال ُيجمعون على �أي �أمر البتة ما عدا‬ ‫جمع النقود‪ ،‬جميعاً‪ ،‬يتفقون على �أن �أ�شكال �أفواه ال�شبان تغريت بع�ض ال�شيء يف احلقبة‬ ‫املن�صرمة‪ ،‬لأن �إطباق الفك العلوي على الفك ال�سفلي ما عاد تاماً البتة‪ .‬وهذا من �آثار اللكم‬ ‫وال�ضرب طوال خم�سني �سنة‪ .‬وكذلك باتت ُظهور الرجال مق ّو�سة جراء ال�صفع على الرقاب‬ ‫ورف�س الأقفية بالب�سطار حيناً‪ ،‬وحيناً بالقبقاب‪ .‬وهذه جمرد عينة من ف�ؤو�س اخلام�س من‬ ‫حزيران‪/‬يونيو‪ ،1967‬هذه الهزمية التي ف�ضحت كيف �أننا كنا موعودين قبلها بالكرامة مع‬ ‫قليل من اخلبز‪ ،‬وكيف �أن احلال انقلب بعدها فراحوا يعدوننا‪ ،‬وال �سيما يف حقبة البرتول‪،‬‬ ‫بالكثري من اخلبز مع قليل من الكرامة‪ .‬لكننا اكت�شفنا‪ ،‬يف ما بعد‪� ،‬أن ال �شيء يف معجننا‪:‬‬ ‫ال خبز وال كرامة‪.‬‬

‫‪72‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�ستة‬ ‫ال ّنتائج‬ ‫اجليو�سيا�سية حلرب ال ّأيام ّ‬ ‫ّ‬ ‫وليد زيتوين ‪ -‬عميد متقاعد باجلي�ش اللبناين وحملل ا�سرتاتيجي‬

‫بالواقع ال ميكن قراءة حرب ‪ 1967‬انطالقاً من الوقائع امليدان ّية‪ ،‬عمالن ّية كانت �أو تكت ّية‪ .‬وا�ستطراداً‬ ‫ّ‬ ‫يتعذر و�صف "�إ�سرائيل" بالدّ ولة القو ّية ا�ستناداً لهذه النتائج فقط من دون الإملام باملعط ّيات‬ ‫اجليو�سيا�س ّية التي كانت "�إ�سرائيل" تدور يف فلكها‪ .‬وبالتايل هل حقّقت هذه امل�شاريع �أهدافها؟‬ ‫ربمّ ا تواجهنا �سل�سلة من الأ�سئلة الوجود ّية‪ ،‬حول ماهية ودور "�إ�سرائيل" بالدّ رجة‪ .‬فهل هي �صنيعة‬ ‫ذاتها كدولة؟ �أم �أنّها قاعدة متقدّ مة للقوى اال�ستعمار ّية ا ّلتي ت�ستعملها؟ هل هي حقّقت �أهدافها‬ ‫اخلا�صة �أم تعدّ ت هذه الأهداف قدراتها و�إمكاناتها وتط ّلعاتها؟‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي" من حيث التجهيز والتدريب واحلركة‬ ‫وعي للجي�ش "ال ّ‬ ‫لقد ُكتب الكثري عن التف ّوق ال ّن ّ‬ ‫العمالن ّية واال�ستفادة من العلوم احلديثة والقدرة على اخللق والإبداع‪ .‬وطبعاً ّ‬ ‫كل ذلك على �ضوء‬ ‫ال ّنتائج املبا�شرة التي خلقتها حرب ‪ .1967‬بع�ض هذه الكتابات ا�ستند �إىل وقائع ميدان ّية‪ .‬وبع�ضها‬ ‫الآخر كان من �ضمن الربوباغندا الإعالمية املطلوبة لرت�سيخ منطق اخلوف‪ ،‬وا�ستكما ًال الإحباط من‬ ‫القدرة على مقاومة هذا ال ّتنني ا ّلذي ّ‬ ‫حل يف منطقتنا وبالدنا‪.‬‬ ‫ربمّ ا جاءت الذكرى اخلم�سون للنك�سة كا�شفة معها العديد من احلقائق غري املعروفة �آنذاك‪� ،‬أو على‬ ‫الأقل كانت حتى �أمد قريب مو�ضعاً ّ‬ ‫خا�صة تلك املتع ّلقة بال ّتن�سيق بني حمم ّيات‬ ‫لل�شك وال ّت�سا�ؤل‪ّ .‬‬ ‫اخلليج ودولة العدوان التي ظهرت ب�أف�ضح �صورها الآن‪ ،‬بعدما بات ال ّتعتيم عليها ال يفيد م�صلحة‬ ‫العربي ا ّلتي‬ ‫امل�شغّل الأ�سا�س‪ ،‬بل بات مطلوباً للإجهاز على ما تبقّى من �صورة وكذبة ال ّت�ضامن ّ‬ ‫ال�سابقة‪.‬‬ ‫�س ّوقت لفرتة طويلة يف املرحلة ّ‬ ‫ال�صورة الآن �أوىل ال ّنتائج اجليو�سيا�س ّية وا ّلتي كانت كامنة يف ال ّتاريخ القريب‪� ،‬أال‬ ‫قد تعطي هذه ّ‬ ‫وهي‪� :‬أنه مل يكن هناك يف ال ّتاريخ حرب عرب ّية �إ�سرائيل ّية باملعنى ال�شّ امل للكلمة‪� ،‬إمنا قتال بني بع�ض‬ ‫الغربي املتمثّل بر�أ�س حربته "�إ�سرائيل"‪.‬‬ ‫الدّ ول العرب ّية وامل�شروع ّ‬ ‫ال�سعود ّية عام ‪ّ 1964‬‬ ‫بالطريان واخلرباء والأ�سلحة بوجه الثّورة اليمن ّية‬ ‫فم�ساندة "�إ�سرائيل" للملكة ّ‬ ‫ال�سالل‪� ،‬سبقت حرب ‪ .1967‬وعليه �إن ال ّتن�سيق قائم بينهما‪ ،‬ومل تكن عمل ّية‬ ‫بقيادة عبداهلل ّ‬ ‫‪73‬‬


‫الفي�صل بوقف تد ّفق النفط �إال دعاية جذب للقوى التي تعار�ض عبدالنا�صر �آنذاك وتعادي الغرب‬ ‫ب�شكل عام‪.‬‬ ‫اجليو�سيا�سي‪� ،‬أن الوقائع امليدانية يف هذه احلرب قد ّعطلت (كي ال نقول‬ ‫�أ ّما ال ّنتيجة الثّانية يف الإطار‬ ‫ّ‬ ‫مهب ريح‬ ‫�ألغّت) قرار تق�سيم فل�سطني ّ‬ ‫ال�صادر عن الأمم امل ّتحدة عام ‪ ،19471‬وبال ّتايل �أ�صبح يف ّ‬ ‫ال ّتفاو�ض غري املجدي‪ .‬بل ّو�سعت �إطارها اجلغرا ّيف �شاملة �سيناء واجلوالن ومزارع �شبعا و�صو ًال �إىل‬ ‫م�ضائق تريان باعتبارها مم ّراً ا�سرتاتيج ّياً ع�سكر ّياً واقت�صاد ّياً لـ"�إ�سرائيل"‪.‬‬ ‫قد يكون من املفيد الإ�ضاءة على هذه امل�س�ألة املتع ّلقة بتريان باعتبارها تدمج بني ال ّنتيجتني‬ ‫مهماً يف ال ّتقن ّية لتحويل هذا املم ّر �إىل مياه دول ّية كي‬ ‫ال�سعود ّية دوراً ّ‬ ‫اجليو�سيا�س ّيتني‪ .‬فالآن تلعب ّ‬ ‫يت�س ّنى لـ"�إ�سرائيل" حتقيق م�شروع قناة البحرين �أو قناة بن غوريون بني خليج العقبة والبحر الأبي�ض‬ ‫املتو�سط لتناف�س قناة ال�سوي�س يف م�صر وحتقّق حر ّية املالحة �إىل موانئها‪.‬‬ ‫�أما احلقيقة الثّالثة �أو ال ّنتيجة ال ّتالية‪� ،‬أن �إ�سرائيل عام ‪ّ 1967‬ر�سخت دورها كقاعدة ع�سكر ّية للإيجار‬ ‫متقدّ مة يف املنطقة العرب ّية‪ .‬فبعدما كانت عام ‪ 1956‬قاعدة ع�سكر ّية لال�ستعمار القدمي (فرن�سا‪ ،‬بريطانيا)‬ ‫حت ّولت بقدرة قادر �إىل قاعدة �أمريك ّية كا�ستعمار جديد‪ ،‬عام ‪ 1967‬وما بعد ح ّتى يومنا هذا‪ .‬وبالطبع‬ ‫أمريكي‪� ،‬أو تراجع دوره يف �أن تنتقل وب�شكل �سل�س �إىل‬ ‫لن تتوانى يف حال �ضعف ال ّناهب الدّ و ّيل ال ّ‬ ‫�أ ّية دولة �صاعدة �أو عظمى تطمح بدور ما يف هذه املنطقة‪ .‬فهي حتتفظ بعالقة ج ّيدة مع رو�سيا ومثلها‬ ‫كنولوجي‪ .‬وبالطبع لها عالقاتها‬ ‫الع�سكري وال ّت‬ ‫مع الهند ولها مع الأخرية عالقة تعاون على امل�ستويني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخا�صة ملف ال ّتعاون املفتوح على املمكن فيما بينهما بالقا ّرة الأفريق ّية‪.‬‬ ‫مع ّ‬ ‫ال�صني ّ‬ ‫النتيجة الرابعة‪� ،‬أن "�إ�سرائيل" بانت�صارها ال�صاعق عام ‪ّ 1967‬‬ ‫�شكلت منوذجاً ُيحتذى على م�ستوى‬ ‫الأقليات الإتنية والطائفية يف املنطقة‪ .‬بل �أ�شعلت جذوة خامدة للعديد من هذه الأقل ّيات فبد�أت‬ ‫بالعمل على حتقيق م�شاريع مماثلة‪ ،‬بدءاً من الأكراد و�صو ًال �إىل الأقليات ّ‬ ‫الطائف ّية التي �سعت يف‬ ‫القومي‬ ‫مراحل عديدة بعد هذه احلرب �إىل ا�ستجماع عديدها وتغيري خطابها من اخلطاب‬ ‫االندماجي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ق�سيمي‪.‬‬ ‫�إىل اخلطاب التّعدّ دي ال ّت ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫�شك �أن حرب ‪� ،1967‬أفرزت �أي�ضاً جملة من الوقائع الإيجاب ّية على �صعيد ا�ستنها�ض القوى‬ ‫الفل�سطيني‪ .‬بحيث‬ ‫ال�صعيد‬ ‫الكامنة يف العامل العربي و�أكرث حتديداً يف امل�شرق العربي ال �س ّيما على ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أدرك الفل�سطينون �أن من واجبهم ت�صدّ ر الواقع امليدا ّين وبالتايل ّ‬ ‫تنكب م�س�ؤولية القتال‪ .‬فظهرت‬ ‫جمموعة من ّ‬ ‫املنظمات التي اعتمدت الكفاح امل�س ّلح طريقاً وحيداً لتحرير فل�سطني و�أذكت ال�شارع‬ ‫مبقوالت ومفاهيم الثّورة‪ ،‬و�أجربت ّقمة جامعة الدّ ول العربية على تب ّني الالءات الثالث باخلرطوم‪.‬‬ ‫وباتت الأنظمة احلاكمة تعمل ولو ظاهر ّياً على تب ّني امل�س�ألة الفل�سطين ّية‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫ن�صف قرن على هزمية حزيران ‪1967‬‬ ‫�سايد فرجنيه ‪ -‬كاتب‬

‫خم�سون عاماً م ّرت على هزمية حزيران ‪ ،1967‬واملراجعة العرب ّية دو ًال ومرجعيات ونخباً مل‬ ‫تكن مب�ستوى احلدث‪ ،‬فمعظم املراجعات �أرجعت �سبب الهزمية �إىل م�س�ألة ع�سكر ّية و�ضعف‬ ‫الدفاع امل�صر ّية من �سرد ّية ملا حدث‬ ‫يف القيادة الع�سكر ّية و�أدائها ال �سيما ما نقلته وثائق وزارة ّ‬ ‫إلهي‬ ‫يف حزيران ‪ .1967‬بع�ض احلركات الإ�سالم ّية اعتربت �أنّ الهزمية نوع من االنتقام ال ّ‬ ‫الفتقاد ال ّر�ؤية الإ�سالم ّية واالمتثال لتعاليمها‪ .‬بينما كان املطلوب �إجراء مراجعة نقد ّية تق�ضي‬ ‫اريخي واعتبار الهزمية هزمية �سيا�س ّية ع�سكر ّية واقت�صاد ّية اجتماع ّية‬ ‫بو�ضع احلدث يف مداره ال ّت ّ‬ ‫ولي�ست ع�سكر ّية فقط‪ ،‬و�أي�ضاً ممار�سة ال ّنقد ّ‬ ‫اتي واالعتماد على العلم واملعرفة وامتالك‬ ‫الذ ّ‬ ‫و�سائل ال ّتط ّور احل�ضاري و�آلياته‪.‬‬ ‫إ�سرائيلي املدعوم �سعود ّياً من �أجل‬ ‫أمريكي ــــ ال‬ ‫ّ‬ ‫لقد ك�شفت الهزمية عن حجم ال ّتحالف ال ّ‬ ‫يا�سي‬ ‫العربي ــــ ال�صهيو ّ‬ ‫ين وعلى النموذج ال ّت ّ‬ ‫الق�ضاء على موقع م�صر يف ّ‬ ‫نموي ّ‬ ‫وال�س ّ‬ ‫ال�صراع ّ‬ ‫امل�ستقل ا ّلذي � ّأ�س�سه ال ّرئي�س جمال عبدالنا�صر يف م�صر‪ .‬كما ك�شفت عن عدم تغيري يف‬ ‫ال�سلطة وطرق‬ ‫بنية ال ّنظام‬ ‫ّ‬ ‫امل�صري و�سلطته رغم ح�صول بع�ض ال ّتغيرّ ات اجلزئية يف �أ�ساليب ّ‬ ‫تعاملها وبع�ض الإ�صالحات الع�سكر ّية‪.‬‬ ‫ن�صف قرن تف�صل عن هزمية حزيران ‪ 1967‬و‪ 69‬عاماً تف�صل عن نكبة فل�سطني يف عام‬ ‫العربي يعيد �إنتاج نف�سه با�ستخدام �آليات ال ّتفكري نف�سها يف حماولة تف�سري‬ ‫‪ ،1948‬واخلطاب ّ‬ ‫وتربير الهزائم �أو تغيب القدرة على ال ّنقد ّ‬ ‫اتي‪.‬‬ ‫الذ ّ‬ ‫العربي‬ ‫� ّأكدت ال ّتداعيات �أنّ هزمية حزيران ‪ 1967‬كانت بداية تراجع امل�شروع ال ّن ّ‬ ‫ه�ضوي ّ‬ ‫الوحدوي‪ّ ،‬‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وحمطة حت ّول يف م�سار ال ّتط ّورات ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية والع�سكرية والفكر ّية يف العامل ّ‬ ‫لقد ّ‬ ‫�شكلت الهزمية انت�صاراً لـ"�إ�سرائيل" كما ح ّررت املقاومة الفل�سطين ّية من �ضغوط الأنظمة‬ ‫ين‪.‬‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫العرب ّية ا ّلتي عملت على ت�صعيد عملياتها الفدائ ّية �ضد الكيان ّ‬ ‫‪75‬‬


‫مقدماً ا�ستقالته التي رف�ضتها ماليني‬ ‫حتمل ال ّرئي�س جمال عبدالنا�صر م�س�ؤول ّية ما ح�صل ّ‬ ‫ّ‬ ‫يا�سي يف م�صر‬ ‫امل�صريني بنزولها �إىل ال�شّ ارع فا�صل ًة بني الهزمية الع�سكر ّية و�إ�سقاط ال ّنظام ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫وا�ستمرار مواجهة "�إ�سرائيل"‪.‬‬ ‫القمة العرب ّية يف اخلرطوم الالءات الثالث‪:‬‬ ‫من رحم الهزمية انتزع ال ّرئي�س عبدالنا�صر يف م�ؤمتر ّ‬ ‫ال لل�صلح ال للمفاو�ضات ال لالعرتاف‪ .‬معلناً العمل على حمو �آثار الهزمية وال�صمود على‬ ‫الع�سكري‪.‬‬ ‫يا�سي يف مقابل الهزمية على امل�ستوى‬ ‫ّ‬ ‫امل�ستوى ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�صمود �إىل انت�صارات ع�سكر ّية عرب حرب اال�ستنزاف‬ ‫لقد ح ّولت م�صر عبدالنا�صر نتائج ّ‬ ‫وفياتي‪ ،‬هذه احلرب التي‬ ‫التي خا�ضها اجلي�ش‬ ‫ّ‬ ‫امل�صري بعد �إعادة تنظيمه بدعم االتحّ اد ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ين‪ ،‬وم ّهدت لالنت�صار يف حرب ت�شرين الأول‪� /‬أكتوبر عام ‪.1973‬‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫�أنهكت العد ّو ّ‬ ‫ال�سادات‬ ‫بعد هزمية ‪ 1967‬ووفاة جمال عبدالنا�صر يف ‪� 28‬أيلول ‪ ،1970‬د�شّ ن ال ّرئي�س �أنور ّ‬ ‫يا�سي‬ ‫�سلطته ب�إزاحة "الي�سار ال ّن ّ‬ ‫ا�صري" وتهمي�ش الهو ّية العرب ّية يف م�صر واالنفتاح ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫واالقت�صادي على الواليات امل ّتحدة الأمريك ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ين يف حرب ت�شرين "�أكتوبر"‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫ال�سادات االنت�صار ال ّن�سبي على العد ّو ّ‬ ‫اغتال �أنور ّ‬ ‫‪ 1973‬وح ّوله �إىل هزمية �سيا�س ّية‪.‬‬ ‫ال�سادت �إىل القد�س وبتوقيع اتفاقيات كامب دايفيد‬ ‫بد�أت مرحلة ال ّتنازالت الكربى بزيارة ّ‬ ‫العربي‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫ين ومن دورها ال ّر ّ‬ ‫العربي ـــ ّ‬ ‫التي �أخرجت م�صر من ّ‬ ‫يادي يف العامل ّ‬ ‫ال�صراع ّ‬ ‫العربي يعاين من �آثارها ال�سلب ّية حتى اليوم‪.‬‬ ‫وا ّلتي ال تزال الق�ض ّية الفل�سطين ّية والعامل ّ‬ ‫ال�سادات بزيارة القد�س واتفاق ّية كامب دايفيد‬ ‫طبيعي ا ّلذي �أنتجه ّ‬ ‫بعد الهزمية وال ّنهج ال ّت ّ‬ ‫ح�صلت تراجعات الأنظمة العرب ّية �أمام �سيا�سات الغرب و"�إ�سرائيل"‪ ،‬فانعقد م�ؤمتر مدريد‪،‬‬ ‫ووقعت اتفاقيات �أو�سلو عام ‪ 1993‬ووادي عربة عام ‪ 1994‬وتف ّردت معظم الأنظمة العرب ّية‬ ‫ين‪ ،‬حتى �أعلنت بع�ض هذه الأنظمة �أنّ‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫بن�سج عالقات تطبيع ّية علناً و�س ّراً مع الكيان ّ‬ ‫و�ضد‬ ‫�ضد دول عرب ّية �أخرى ّ‬ ‫"�إ�سرائيل" لي�ست عد ّواً ال بل �صديقاً تعقد معها ال ّتحالفات ّ‬ ‫الفل�سطيني‪.‬‬ ‫حقوق ال�شّ عب‬ ‫ّ‬ ‫ه�ضوي‬ ‫بعد هزمية حزيران ‪ 1967‬وغياب جمال عبدالنا�صر وتراجع العروبة وامل�شروع ال ّن ّ‬ ‫أمريكي �صعود احلركات الإ�سالمية‪ ،‬فقد برز من ّو الإ�سالم‬ ‫العربي‬ ‫ّ‬ ‫الوحدوي‪ ،‬بد�أ بدعم � ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪76‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫إ�سالمي يف ال�سودان بزعامة‬ ‫يا�سي الإخوا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ين يف م�صر و�سوريا واليمن وحركة االتجّ اه ال ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�س ّني‬ ‫إ�سالمي ّ‬ ‫ح�سن الترّ ابي وعمر الب�شري‪ ،‬وحركة الإ�سالم ّ‬ ‫يعي واحلزب ال ّ‬ ‫يا�سي ال�شّ ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫يف العراق‪.‬‬ ‫�شهدت اجلزائر انح�سار جبهة التحرير الوطني اجلزائرية مل�صلحة اجلبهة الإ�سالم ّية للإنقاذ‪،‬‬ ‫كما �شهدت تون�س انح�سار البورقيبة مل�صلحة حركة ال ّنه�ضة (الإخوان امل�سلمون) ويف تركيا‬ ‫ت�صاعد دور حركة العدالة والتنمية (الإخوان) على ح�ساب العلمان ّية وحزب ال�شّ عب‪ .‬ويف‬ ‫ين عام ‪ّ 1982‬‬ ‫وتو�سعت اجلماعة الإ�سالم ّية‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫لبنان بعد االجتياح ّ‬ ‫ت�شكل حزب اهلل ّ‬ ‫أمريكي‬ ‫وتنظيم الأحبا�ش‪ ،‬ويف �إيران انت�صرت الثّورة الإ�سالمية وهرب �شاه �إيران‪ .‬وبدعم � ّ‬ ‫العربي‬ ‫ـــ‬ ‫�سعودي باك�ستا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ين ّنظمت املجموعات الإ�سالم ّية الأفغان ّية والآالف من ال�شباب ّ‬ ‫امل�سلم‪ ،‬و�أطلق عليهم الأفغان العرب و�شُ ّكلت التنظيمات الإرهابية القاعدة وطالبان واحلزب‬ ‫قدمي يف �أفغان�ستان‬ ‫إ�سالمي لإ�سقاط ال ّنظام ال ّت ّ‬ ‫الإ�سالمي‪ ،‬و�أُطلقت مفاهيم اجلهاد ال ّ‬ ‫وفياتي املوجود يف �أفغان�ستان‪ .‬بعدها �سادت �أفكار الإخوان امل�سلمني‬ ‫وحماربة اجلي�ش ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫والوهابية ا ّلتي ن�شرت القتل ّ‬ ‫الدول واملعامل ال ّتاريخ ّية واحل�ضار ّية يف ٍّ‬ ‫كل من‬ ‫والذبح وتدمري ّ‬ ‫�سوريا والعراق واليمن وليبيا وتون�س وم�صر‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫احلمرا ‪� -‬شارع الب�صرة ‪ -‬ال�شارع املواجه لفندق نابليون ‪ -‬جانب مكتبة املركز الثقايف العربي‬ ‫�ص‪.‬ب‪ 113 - 7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪tel: 00961 -1 - 740495‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬

‫ا�سم الكتاب‬

‫عوملتان الفو�ضى واملقاومة‬ ‫الهوية وال�صراع‬ ‫رحيل يف ج�سد‬ ‫ال�صناعة يف طرابل�س‬ ‫التحية االخرية‬ ‫�أحالم املاء‬ ‫ناق�صات عقل و دين‬ ‫التطبيع ي�سري يف دمك‬ ‫اوف الين‬ ‫حي التنك‬ ‫بابل والتوراة‬ ‫ال�سيا�سة تطور املعنى وتنوع املقرتبات‬ ‫حب بطعم القهوة‬ ‫امل�سرح العاري‬ ‫التنمية يف الهالل اخل�صيب‬ ‫ال�سقف‬ ‫‪ 90‬يوما يف ال�سعودية‬ ‫جهاد النكاح‬ ‫مناي‬ ‫يف مواجهة الطائفية‬ ‫لأين مل �أكن‬ ‫مار مارون واملوارنة‬ ‫�شعر الفداء واالنبعاث‬ ‫حرب التحرير القومية‬

‫خيمة غزة‬

‫ال�سرية‬ ‫احلرب على �آ�سيا‬ ‫العوملة وال�سيادة‬ ‫الفي�سبوك وت�شكيل العالقات االجتماعية‬ ‫وال ينتهي اللعب‬ ‫ما مل يكتب عن داع�ش‬ ‫منرب حتوالت‬ ‫قامات �أنثوية‬ ‫الأ�شجار العلفية واال�سرتاتيجية يف بالدنا‬ ‫‪The Oak Tree‬‬

‫ا�سم الكاتب‬

‫الت�صنيف‬

‫فكر �سيا�سي‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫زهري فيا�ض‬ ‫�أدب‬ ‫زاهر العري�ضي‬ ‫اقت�صاد‬ ‫منري خملوف‬ ‫مذكرات‬ ‫من�صور عازار‬ ‫�أدب‬ ‫�سوريا بدور الطويلة‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫يحيى جابر‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫د‪ .‬عادل �سمارة‬ ‫�شعر‬ ‫زاهر العري�ضي‬ ‫�أدب‬ ‫اكرام الداعوق‬ ‫دين‬ ‫الأب �سهيل قا�شا‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شوكت �أ�شتي‬ ‫�أدب‬ ‫جومانة معالوي‬ ‫�شعر‬ ‫عبيدة االبراهيم‬ ‫اقت�صاد‬ ‫زهري فيا�ض‬ ‫�أدب‬ ‫ريا�ض بيد�س‬ ‫مذكرات‬ ‫�أ�سماء وهبة‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫د‪.‬عادل �سمارة‬ ‫�شعر‬ ‫فايز غازي‬ ‫فكر‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫�شعر‬ ‫ن�سرين كمال‬ ‫تاريخ‬ ‫�سركي�س �أبو زيد‬ ‫�أدب‬ ‫زيتوين‬ ‫ل�ؤي ف�ؤاد‬ ‫ّ‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫انعام رعد‬ ‫رواية‬ ‫ن�ضال حمد‬ ‫مذكرات‬ ‫من�صور عازار‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫علوان �أمني الدين‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫علوان �أمني الدين‬ ‫اجتماع‬ ‫وفاء كاظم حطيط‬ ‫رواية‬ ‫اكرام الداعوق‬ ‫�أحمد �صالح عثمان – خليل القا�ضي فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫من�صور عازار‬ ‫�أدب‬ ‫لوي�س احلايك‬ ‫علوم‬ ‫ف�ؤاد �سروجي و�أحمد �سرحان‬ ‫‪Fuad Srouji‬‬

‫فهد البا�شا‬ ‫مواد للبناء‬ ‫�أمني الذيب‬ ‫ق�صائد افرتا�ضية‬ ‫غازي اخلوري‬ ‫كانت ال�ضيعة ب�ألف خري‬ ‫داود خرياهلل‬ ‫من �أجل غد واعد‬ ‫د‪ .‬جمال واكيم‬ ‫�أورا�سيا والغرب‬ ‫ملحم احلايك‬ ‫�أمل بردان‬ ‫لونا ق�صري‬ ‫فرا�شة التوت‬ ‫�إنعام رعد‬ ‫درو�س يف العقيدة‬ ‫دعاء ال�شريف‬ ‫التوراة تثبت �أن فل�سطني �أر�ض عربية‬ ‫د‪.‬ل�ؤي زيتوين‬ ‫يف �شواطي الريح والغبار‬ ‫�سركي�س �أبوزيد‬ ‫امل�سيحية امل�شرقية املعنى والر�سالة‬ ‫حممد ماجد �صوان‬ ‫وطن مبالمح ع�شق‬ ‫كميل حمادة‬ ‫ما مل يقله اهلل‬ ‫ثريا عا�صي‬ ‫حكاية حرب‪�..‬سورية ‪2016 - 2011‬‬ ‫�شارع املتنبي ‪� -‬أعرا�س �شيطانية‬ ‫يحيى جابر‬ ‫�سايد فرجنية‬ ‫التاريخ ال ينتظر‬ ‫التيارات ال�سيا�سية �ضمن الطائفة املارونية يف �سايد فرجنية‬ ‫لبنان من ‪� 1918‬إىل ‪1936‬‬ ‫�ضياع الهوية القومية وامل�شروع النه�ضوي البديل وليد زيتوين‬ ‫مي�ساء ماجد‬ ‫عندما ت�ستيقظ احلروف‬ ‫كتب حتت الطبع‬ ‫ يو�سف بك كرم (�سرية بطل) ‪� -‬سركي�س �أبوزيد‬‫ املطران ايالريون كبوجي (ذكرياتي يف ال�سجن ‪ -‬انطوان فرن�سي�س ‪� -‬سركي�س �أبوزيد‬‫‪� -‬سوريا والكيميائي – �أحمد عبدال�سالم مرعي‬

‫‪Sciences‬‬

‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬ ‫رواية‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬ ‫رواية‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫رواية‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬ ‫�شعر‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫رواية‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫فكر �سيا�سي‬ ‫�شعر‬


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫املتوالية‬ ‫اليوم ال ّتايل‪ ...‬هزائم الـ ‪67‬‬ ‫ّ‬ ‫جنيب ن�صري ‪ -‬كاتب‬

‫يف ّ‬ ‫كل احلوادث الوطن ّية مهما كانت هناك دائماً ما يليها‪ ،‬لي�س فقط ب�سبب بداهة االنتقال‬ ‫يف ال ّزمن من يوم �إىل �آخر ومن �سنة �إىل �أخرى‪ ،‬و�إنمّ ا ببداهة الواجبات ا ّلالزم �أدا�ؤها جتاه هذا‬ ‫احلدث �أو ذاك‪ ،‬فعامل القرن الع�شرين دخل ع�صر املعرفة وا�ستحقاقاتها ولن يعود القهقرى‬ ‫م ّرة �أخرى‪ ،‬فمهما جرى من حوادث ب�سيطة �أو م�صري ّية عليها اخل�ضوع للتحليل املعر ّيف‪ ،‬لي�س‬ ‫فقط من �أجل الو�صول �إىل حقيقتها �أو حقيقة ما جرى بدقّة معرف ّية معايرة‪ ،‬بل من �أجل اليوم‬ ‫ال ّتايل كي ُي�صار �إىل ال ّتعامل مع ا ّلذي جرى ّ‬ ‫بغ�ض‬ ‫بكل �إدراك له وللعوامل ا ّلتي �أ ّدت �إليه ّ‬ ‫ال ّنظر �إذا كان ما حدث ن�صراً �أم هزمية �أم كارثة طبيعية‪ ،‬فاحلوادث حت�صل نتيجة لأ�سباب‬ ‫دنيو ّية‪ ،‬وال ميكن بعد �أن حتدث تغيري حقيقتها‪� ،‬أو تكييفها �أو تزيينها بغري �ألوانها الفاقعة‪،‬‬ ‫فال ّن�صر هو ال ّن�صر ال يحتاج �إىل تزويق مكا�سبه وال متطيطها لي�صبح �إجنازاً عظيماً ولكن بال‬ ‫يوم تالٍ ‪ ،‬وكذلك الهزمية ال ميكن تغيري مو�ضوعها وال الأعطاب البنيو ّية ا ّلتي �أ ّدت �إليها‪� ،‬إذ‬ ‫تتم فيه‬ ‫ة‪/‬ال�سيا�سو ّية ال تغيرّ من الأمر �شيئاً‪ ،‬فهناك يوم تالٍ �سوف ّ‬ ‫�أنّ الفهلويات الإعالم ّي ّ‬ ‫بغ�ض ال ّنظر عن ال ّتنظريات الإعالمو ّية‪ ،‬فاحلقيقة وامل�س�ؤولية‬ ‫ت�أدية م�ستحقّات ال ّن�صر �أو الهزمية ّ‬ ‫عنها هي م�س�ألة تكنولوج ّية ال ميكن جتاوزها من دون �إقرارها وفهمها و�إعالن االلتزام املعر ّيف‬ ‫بها واال�ستعداد التا ّم لدفع م�ستحقاتها للو�صول �إىل حقيقة �أف�ضل لل�شّ عوب امل�ستفيدة من‬ ‫االنت�صار‪� ،‬أو املت�ض ّررة من الهزائم‪.‬‬ ‫عند ما �سلف‪ ،‬راوحت يف مكانها هزمية ‪� ،1967‬إذ ال حقيقة ظهرت حول جمرياتها حتى يومنا‬ ‫هذا‪ ،‬حقيقة تقن ّية غري م�س ّي�سة تتناول معرفياً ما جرى على م�ستوياته كافة‪ ،‬فلم تظهر �أ ّية �سرد ّية‬ ‫م�س�ؤولة طوال خم�سني عاماً من ابتعاد احلادثة يف ال ّزمن‪ ،‬طبعاً هذا �أم ٌر متّت جتربته وممار�سته‬ ‫ال�سبب وامل�صري‬ ‫بنجاح جتاه نكبة ‪ ،1948‬ا ّلتي يف حقيقتها الواقع ّية املعا�شة نكبة جمهولة ّ‬ ‫الدرا�سات والبحوث وال ّتنظريات ا ّلتي ح ّولت العدو من كيان‬ ‫على رغم الكم ّية الهائلة من ّ‬ ‫غا�صب �إىل طرف دو ّيل يجل�س �إىل طاولة املفاو�ضات للم�ساومة على حقوق جمتمع ّية لي�س‬ ‫‪79‬‬


‫احلق يف جم ّرد مناق�شتها‪� ،‬إنه من جمريات اليوم ال ّتايل للنكبة‪/‬الهزمية‪ ،‬ا ّلذي مل يعرف‬ ‫لأحد ّ‬ ‫حقيقة جمرياتها �أحد‪ ،‬وال توجد �سرد ّية تقن ّية كاملة عن املو�ضوع بل �شذرات وا�ستنتاجات‬ ‫من هنا وهناك �أو مذكرات �شخ�ص ّية ت�ضيء حوادث ال ميكن جمعها يف �سياق معر ّيف وا�ضح‪،‬‬ ‫الدم بني القبائل) التي مت ّيع امل�س�ؤول ّية‬ ‫ال�صحراو ّية (�ضياع ّ‬ ‫وهو �أمر مفهوم خ�ضوعاً للقاعدة ّ‬ ‫املهم هو �أن‬ ‫مهم بعد مرور ن�صف قرن على الهزمية و�أكرث على ال ّنكبة‪ّ ،‬‬ ‫عن احلدث وهو �أمر غري ّ‬ ‫أهم هذه ال ّنكبات تلك ا ّلتي ح ّولت ق�ضية‬ ‫ال ت�ستم ّر الهزمية بتفريخ نكبات وهزائم �أخرى‪ ،‬و� ّ‬ ‫احلق �إىل جم ّرد انتقام من عد ّو موجود ال يعرف كيف وجد وكيف هزمنا‪.‬‬ ‫ا�سرتداد ّ‬ ‫ال �أريد الإ�شارة هنا �إىل الفوا�صل ال ّزمن ّية بني م�ؤمتر بال ووعد بلفور ومن ثم ال ّنكبة فقط‪،‬‬ ‫علي �أي�ضاً �أن �أ�شري �إىل اخلم�سني �سنة ا ّلتي م ّرت على هزمية الـ ‪ ،67‬فعامل ال ّزمن‬ ‫بل ّ‬ ‫هو �شديد الأهم ّية بال ّن�سبة �إىل "املجتمعات" يف هذا الع�صر‪ ،‬خ�صو�صاً مع وجود "الوعي"‬ ‫االجتماعي‪ ،‬واحلا�صل على الأر�ض لي�س‬ ‫خلطورة ما يح�صل على الأر�ض وت�أثريه يف العي�ش‬ ‫ّ‬ ‫جم ّرد جيو�ش قامت مبعارك ع�سكر ّية فازت بها‪ ،‬وهو �أمر رافق احلياة على الكرة الأر�ض ّية منذ‬ ‫املجتمعي ا ّلذي‬ ‫ن�ش�أة احلياة اجلماع ّية عليها‪ ،‬بل مب�س�ألة تثمري الوعي جتاه الوجود واال�ستمرار‬ ‫ّ‬ ‫يت�أ ّذى بخطورة يف حال عدم اكتمال �شروطه‪� ،‬إن كان عرب ال ّت�أجيل (الذي ي�سمونه بالعرب ّية‬ ‫ا�سرتاتيجياً)‪� ،‬أو بالتجريب على غري ما و�صلت �إليه املعرفة العامل ّية‪� ،‬أو بالأ�سطرة على ما‬ ‫درجت عليه اال�ستبداديات املدن ّية والدين ّية معاً‪ ،‬وهذه جميعها تعلن عدم اكرتاثها بااللتزام‬ ‫باملعرفة كما و�صلت �إليها الب�شرية‪ ،‬وبال ّتايل عدم ت�أ ّهلها ال�ستخدام ال ّتكنولوج ّيات ا ّلالزمة‬ ‫لالنت�صار‪ ،‬فقبول ا�ستقالة عبد النا�صر (على �سبيل املثال ال احل�صر) بعد الهزمية وحما�سبته‪،‬‬ ‫يك ّر�س التزاماً معرف ّياً جمتمع ّياً‪ ،‬ورف�ض اال�ستقالة وبهذه الطريقة يك ّر�س طالقاً مع املعرفة‬ ‫ال�سكان ّية‪ ،‬حيث بدت تربيرات ما بعد الهزمية‪،‬‬ ‫وااللتزام بها‪ ،‬مما ّ‬ ‫ي�ضخ وعياً مز ّيفاً يف الكتلة ّ‬ ‫تربيرات كارث ّية �أكرث من الهزمية نف�سها‪ ،‬تعلن بوقاحة ع ّز نظريها احتقارها للمعرفة ورف�ضها‬ ‫االلتزم بها‪ ،‬فمع �أنّ جتربة احلرب نف�سها هي جتربة معرف ّية يف �أق�صى خطوراتها‪� ،‬إلاّ �أن االلتزام‬ ‫باملعرفة املعا�صرة كان م�ستحي ًال لدرجة تف�ضيل هزائم اليوم ال ّتايل عليها‪.‬‬ ‫عملي وا�سع لها‪ ،‬على ال ّرغم من ّ‬ ‫كل الأحزان‬ ‫يف اليوم التايل‪ ،‬حظيت الهزمية يف الـ ‪ 67‬بتكرمي ّ‬ ‫ا ّلتي �أُعلنت والإحباطات التي ّمت حتويلها �إىل �أيقونات �إبداع ّية‪ ،‬لقد كانت الـ ‪ 67‬مفخرة‬ ‫الهزائم‪� ،‬إ ّنها الهزمية ا ّلتي �أيقظت ال�شّ عوب على وعي "جديد"‪ ،‬وعي ال ّمي ّت �إىل املجتمع ّية‬ ‫ب�صلة‪ ،‬وهو الأمر ذاته ا ّلذي ابتنيت اعتماداً عليه "�إ�سرائيل" الكيان العنوة‪ ،‬ا ّلتي قامت على‬ ‫�أر�ض بال �شعب مبعنى �أ ّنها بالد ولي�ست وطناً لأحد‪ ،‬بالد لي�س فيها مواطنون بل جم ّرد نا�س‪،‬‬ ‫‪80‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫هذا ما �أثبته اليوم ال ّتايل بعد اخلام�س من حزيران ‪ ،1967‬واليوم خم�سون عاماً على �أقرب‬ ‫هزمية معلنة‪ ،‬من دون احت�ساب ملحقاتها من احلروب الأهل ّية من �أيلول الأ�سود‪ ،‬واحلرب‬ ‫الأهل ّية اللبنان ّية ّ‬ ‫الطائف ّية على ال ّأقل وح ّتى احلروب الأهل ّية يف العراق �أو ًال ومن ّثم ال�شّ ام‪،‬‬ ‫ن�ستحق الهزمية على ال ّرغم من امللك ّية ال ّتاريخ ّية‬ ‫فهل الـ ‪ 67‬هي هزمية �أم انت�صار؟ وهل ك ّنا‬ ‫ّ‬ ‫حق بذاته ال يحول وال يزول؟ هذه الأ�سئلة‬ ‫احلق يف البالد‪� ،‬أ ّية بالد‪ ،...‬هو ّ‬ ‫للأر�ض؟ وهل ّ‬ ‫الب�سيطة هي حدود املباح‪ ،‬ومع هذا مل تطرح‪ ،‬لأن زوال فل�سطني البلد هو غري زوال فل�سطني‬ ‫الوطن‪ ،‬وقد �شئنا ال ّتد ّبر يف البلدان من دون حتويلها �إىل �أوطان‪ ،‬فغياب فل�سطني (ومعها‬ ‫الإ�سكندرون وكيليكيا وعرب�ستان وغريها) ال يعني �شيئاً ل�سكان ّيات من دون جمتمع ع�صري‬ ‫وناجز فيه مواطنون ميلكون م�صالح �أعمق بكثري من حماية ر�ؤو�سهم من اال�ستبداد والفقر‬ ‫واملر�ض واجلهالة‪ ،‬عمل ّياً مل ي�ؤثّر جمتمع ّياً غياب ال�ضفة الغربية �أو اجلوالن على �سكانيات بالد‬ ‫ال�شام‪ ،‬كما مل ي�ؤثر اغت�صاب فل�سطني نف�سهاعليهم‪ ،‬فهم مل يفقدوا وطناً جتتمع فيه م�صاحلهم‬ ‫بل فقدوا بالداً تتجلى يف �أق�صى حلظات وعيهم ب�أماكن مقد�سة �أو كرامة مفرت�ضة مهدورة‪� ،‬أو‬ ‫خارجي هم بحاجة �إليه �أكرث من حاجته هو �إليهم‪� ،‬إ ّنها ق�ض ّية املجتمع احلديث ا ّلتي ملّا‬ ‫عد ّو‬ ‫ّ‬ ‫تزل ت�صفعنا ونحن ننكرها‪ ،‬ونعترب ف�شلنا يف �إجنازها هو �إنقاذ ل�شرفنا امل�صون‪.‬‬ ‫ال�سرد ّية ال ّتحقيق ّية ملجريات تلك "احلرب"‪ ،‬من ذا ا ّلذي ي�ستطيع �أن يقول فيها‬ ‫يف غياب ّ‬ ‫�شيئاً؟ ّ‬ ‫فكل ما لديه من معلومات هو وقائع اليوم ال ّتايل وما تاله‪ ،‬و�أعلى �سقوفه املعرف ّية �أن‬ ‫بالدماء‪� ،‬أفق ثقا ّيف مري�ض ال ي�ستجيب‬ ‫خده الترّ اب‪� ،‬إقليم مف ّتت يدافع عن تبعرثه ّ‬ ‫يالم�س ّ‬ ‫ملعرفة �سيا�س ّية �أو اقت�صاد ّية �أو تربو ّية‪ ،‬مفكرون ّ‬ ‫ومنظرون وحم ّللون يتذ ّرعون باملعلومات‬ ‫ال�شّ حيحة لي�س ّوقوا اخلرافة‪ ،‬خم�سون عاماً ومل تنتج البالد كيان ّا متيناً واحداً ع�ص ّياً بالوعي‬ ‫ن�ستحق الهزمية‬ ‫على االنهيار‪ ،‬ال �أحد يعلم با ّلذي ح�صل‪ ،‬وال �أحد ي�ستطيع الإقرار فيما �إذا ك ّنا‬ ‫ّ‬ ‫�أم ال‪ ،‬واليوم ال يحتاج � ّأي عد ّو على � ّأي م�ستوى �إىل �أكرث من جهلنا وف�سادنا وا�ستبدادنا كي‬ ‫يهزمنا للم ّرة الألف (على حني غ ّرة)‪ ،‬ال هزمية بال حقيقة (متاماً كما القانون ال جرمية بال جثّة)‬ ‫واحلقيقة غائبة متاماً حتى بعد خم�سني عاماً‪ ،‬لذلك هي هزمية قيد الت� ّأكد من كونها هزمية على‬ ‫العمومي‪ ،‬وبال ّتايل هناك هزمية ولي�س هناك مهزوم‪ ،‬مبعنى �أن هناك فناء‬ ‫يا�سي‬ ‫ّ‬ ‫ال�صعيد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ولكن لي�س من فانني‪� ،‬أال يعيدنا هذا �إىل اجلرمية الكربى "�أر�ض بال �شعب"!؟‪.‬‬ ‫خ�ضم الهزمية ا ّلتي ال مهزوم لها‪ ،‬الح املخ ّل�ص الأكرب‪" ،‬البرتول ودوالراته" وما رافقه‬ ‫يف ّ‬ ‫ال�صحوة (ال ّت�سمية املحل ّية للوعي) املعرف ّية‬ ‫ال�صحراء ال ّرمل ّية‪ ،‬مفتتحاً ع�صر ّ‬ ‫من ثقافة ّ‬ ‫‪81‬‬


‫همجي (على‬ ‫الكربى‪ ،‬خمرتعاً معركة دين ّية كربى ال حدود لأوارها‪ ،‬وم� ّؤ�س�ساً ملفهوم‬ ‫ّ‬ ‫الب�شري يف ّ‬ ‫ظل معم ّيات تفكريية ت� ّؤ�س�س خلراب احلياة الب�شر ّية‪ ،‬خالطة‬ ‫الأقل) لالجتماع‬ ‫ّ‬ ‫الفردي يف الآخرة‪ ،‬ومل ترتك‬ ‫بني التح ّرير واالنتقام واال�ستعداء واال�ستعالء واخلال�ص‬ ‫ّ‬ ‫وتتلخ�ص‬ ‫باباً تدمري ّياً للعي�ش‬ ‫"املجتمعي" �إلاّ وطرقته وفتحته بعظمة البرتودوالر املبارك‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مبدئي‬ ‫هذه ّ‬ ‫ال�صحوة الكربى يف االجتياح الثقا ّيف ل�سكان ّيات الإقليم ا ّلذي بدا على علم ّ‬ ‫الب�شري املعا�صرة‪ ،‬و�إجنازات املعرفة املجتمع ّية يف �أكرث من بلد انتقل‬ ‫بتط ّورات االجتماع‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيطرة املديدة على و�سائل �إنتاج‬ ‫من طور الهوان �إىل دور الإنتاج‪ ،‬اجتياح ال ّ‬ ‫يتلخ�ص يف ّ‬ ‫ال�سكانيات من اقت�صاد ّية‬ ‫وتو�صيل الثّقافة فقط‪ ،‬بل دخل يف ال ّتفا�صيل املعي�ش ّية لهذه ّ‬ ‫ال�سنني من اخل�صو�ص ّية‬ ‫وتقاليد ّية‪ ،‬وح ّتى امل�أكل وامل�شرب وامللب�س‪ ،‬ماحية يف دربها �آالف ّ‬ ‫املحل ّية �أو ما ّمت ت�سميته "هو ّية"‪ ،‬ل�صالح "هو ّية" دين ّية انق�سمت على ذاتها �سرطان ّياً وذات ّياً‬ ‫فيما بعد‪ ،‬حم ّول ًة الغاية املجتمع ّية �إىل غايات �أنان ّية خال�ص ّية‪ ،‬تبد�أ من �صالة �شكر ال�شّ يخ‬ ‫ال�شّ عراوي هلل على هزمية "عبد ال ّنا�صر" وال تنتهي بحروب �أفغان�ستان وال�شي�شان والبو�سنة‬ ‫الع�شوائي يف �أ�صقاع الأر�ض‪،‬‬ ‫املتفجرة والقتل‬ ‫والفيليبني ّ‬ ‫وال�صني والهند وغزوات العبوات ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي‪،‬‬ ‫املعني بتحرير بالده من �أجل اكتماله‬ ‫ّ‬ ‫وما بينها من حروب طائف ّية يف قلب الإقليم ّ‬ ‫ال�صحوو ّية �إىل تيار جارف حتا�شته وجتاذبت معه الأنظمة "الالمهزومة"‬ ‫لتتح ّول هذه الق ّوة ّ‬ ‫بل وجاملته بال ّتنازل عن حقوق تو�صيل الثّقافة االجتماع ّية املدن ّية‪ ،‬جاعلة منه ذريعة لبطء‬ ‫املجتمعي �إىل املعا�صرة املعرف ّية‪ .‬وملّا تزل دول الإقليم تتخ ّبط يف خياراتها‬ ‫م�سرية التح ّول‬ ‫ّ‬ ‫وحروبها العبث ّية‪ ،‬ا�ستكما ًال لـ"الهزمية" حزيران ‪.1967‬‬ ‫"الدول" لغزاً حميرّ اً‪ ،‬وال هو �أحجية‪ ،‬وال‬ ‫مل يكن اليوم ال ّتايل ل ّأي حدث من �أحداث ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ�سا�سي للعد ّو‪ ،‬الذي يروم هزم‬ ‫ي�شكل �إحباطاً نف�س ّياً �إال بقدر ممار�سة اجلهالة‪ ،‬واجلهالة مطلب � ّ‬ ‫خ�صمه من دون قتال �أو خ�سائر من طرفه‪ ،‬مل يكن اليوم التايل مك ّب ًال للأملان على ال ّرغم‬ ‫من احلرب النف�سية‪/‬الإعالمية القائمة عليهم �إىل يومنا هذا‪ ،‬ويف يومنا هذا تبدو �أملانيا �أقوى‬ ‫مما كانت عليه قبيل احلرب العامل ّية الثان ّية‪ ،‬امل�س�ألة تكمن يف املعرفة احلداث ّية وممار�ستها‪ ،‬هذا‬ ‫بال�ضبط ما فات و�سوف ّ‬ ‫ال�صحراء ال ّرمل ّية‪ ،‬ا ّلتي تتمثّل الغزو يف منا�شطها‬ ‫يظل يفوت ثقافة ّ‬ ‫"املعرف ّية" كافّة من �سيا�سة واجتماع واقت�صاد وتربية‪ ،‬لن متثّل الـ ‪ 67‬لهذه الثّقافة �إال غزوة‬ ‫يتم الر ّد عليها انتقاماً حني مي�سرة‪ ،‬حيث ي� ّؤجل اليوم ال ّتايل �إىل �إ�شعار �آخر ريثما‬ ‫عابرة �سوف ّ‬ ‫ي�ستتب الوعي باجلهالة وثقافتها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪82‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سريع ا ّلذي ال ميكن‬ ‫اليوم وبعد خم�سني عاماً من ال ّزمن املعا�صر‪ ،‬هذا ال ّزمن ال ّ‬ ‫إجنازي ّ‬ ‫بال�سنوات ال ّت�أريخ ّية‪ ،‬نعود �إىل ال ّنظر يف هزمية نكراء ّ‬ ‫بكل املعاين‪ ،‬ومل ي�س�أل عنها �أحد‪،‬‬ ‫قيا�سه ّ‬ ‫ومل تد ّون يف �سرد ّية حتقيق ّية ت�صلح ح ّتى لهدنة‪ .‬اليوم بعد خم�سني عاماً مار�سنا خاللها ّ‬ ‫كل‬ ‫ال�سيا�سة وحتطيم ّ‬ ‫الب�شري زارعني �أحقاداً فيما بيننا �سوف‬ ‫جل مق ّومات االجتماع‬ ‫ّ‬ ‫موبقات ّ‬ ‫تزهر على مدى الدهر حروباً �أهل ّية وطائف ّية م�ستدامة‪ ،‬لن نتجاوز نزار قباين يف هوام�شه على‬ ‫دفرت النك�سة (وهي �سطح ّية على �أ ّية حال) يف قراءتنا الن�صف قرن ّية لهذا احلدث الفاجع‪،‬‬ ‫فما ّقدمناه من ت�ضحيات ودماء يف حروبنا البين ّية يح ّرر مئة فل�سطني وجوالن و�ضفة غرب ّية‪،‬‬ ‫ورمبا علينا االعتقاد �أ ّنه من العار بعد ّ‬ ‫ال�سنوات العجاف �أن نعود �إىل ال ّنظر يف �أمر‬ ‫كل هذه ّ‬ ‫املدة‪ ،‬بل خ�ضعنا ّ‬ ‫بكل فخر الرتداداته اال�ستكمالية القاتلة‪.‬‬ ‫مل نكت�شف حيث ّياته طوال هذه ّ‬ ‫حراوي‪،‬‬ ‫ما نراه اليوم هو هزمية ‪ 67‬و�أمهاتها‪ ،‬بالد م�شرذمة ت�أكلها ّ‬ ‫ال�ص ّ‬ ‫الدماء والبرتودوالر ّ‬ ‫بالد ال تقوى على التح ّول �إىل �أوطان ب�شر يجوبون فالتها القاحلة بحثاً عن جواب رف�ضوه‬ ‫دائماً ب�سبب اكتمالهم املعر ّيف‪ ،‬فهم على ال ّرغم من ّ‬ ‫كل هذا اخلراب �أعقل ال�شّ عوب و�أرفعها‪،‬‬ ‫م�ص ّرون على ما هم عليه قاعدون‪.‬‬

‫‪83‬‬


11 - 4353


‫ن�صف قرن على النك�سة‬ ‫والهزمية م�ستمرة‬

‫من ال ّنكبة وال ّنك�سة �إىل ع�رص االنت�صارات‪...‬‬

‫� ّأي م�ستقبل ينتظر امل�رشق‬ ‫د‪ .‬حافظ الزين ‪ -‬كاتب‬

‫تقليدي‪ :‬على م�ستوى‬ ‫ين تُخا�ض وفق نهج‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫ّ‬ ‫لأكرث من ‪ 60‬عاماً‪ ،‬كانت املعركة �ضدّ العد ّو ّ‬ ‫امل� ّؤ�س�سات العامل ّية والدّ ول‪ .‬م�سرح املعركة هذا كان حمكوماً بالف�شل لأنّه مق ّيد بثالثة عوامل‬ ‫قاتلة‪:‬‬ ‫ال�صهيون ّية كر�أ�س حربة له‪ .‬‬ ‫‪ .1‬الغرب الذي زرع ّ‬ ‫‪ .2‬دول عرب ّية حمكومة بال ّتبع ّية للغرب‪.‬‬ ‫ال�صهيون ّية و�صانعوها‬ ‫العاملي الذي تحُ ْكِ م ّ‬ ‫‪ .3‬م� ّؤ�س�سات دول ّية حمكومة بال ّتبع ّية للر�أ�سمال ّ‬ ‫قب�ضتهم عليها‪.‬‬ ‫ال ّرهان على هذا امل�سار كان حماقة ا�سرتاتيج ّية‪ ،‬وللأ�سف ال يزال له ّ‬ ‫منظروه والعاملون من خالله‬ ‫نا�شطني ح ّتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫تاريخ ّياً‪� ،‬أف�ضل ما تو�صل �إليه هذا امل�سار ميكن �أن يكون فيه فائدة لق�ض ّية فل�سطني‪ ،‬كانت ّ‬ ‫منظمة‬ ‫إيجابي" يف خم�سينات و�ستينات القرن املا�ضي‪ ،‬التي قامت على �أكتاف ثالثة قادة‬ ‫"احلياد ال ّ‬ ‫(املوحدة) جو�سيب بروز‬ ‫تاريخ ّيني‪ :‬جمال عبد ال ّنا�صر‪ ،‬جواهر الل نهرو‪ ،‬ورئي�س يوغو�سالفيا ّ‬ ‫تيتو‪.‬‬ ‫لكن امل�سار الإمربيا ّيل للغرب كان �أعمق تخطيطاً ا�سرتاتيج ّياً‪� ،‬أكرث حذاقة‪ ،‬وقادراً على توظيف‬ ‫مروحة وا�سعة من املقدّ رات‪ ،‬امل�شروعة وغري امل�شروعة‪ ،‬لتحقيق �أهدافه‪.‬‬ ‫تويف نهرو يف �أيار ‪ ،1964‬عبد ال ّنا�صر يف �أيلول ‪ ،1970‬ويف و�سط تلك الفرتة بني الوفاتني كانت‬ ‫امل�صري‪� .‬أما ال ّرئي�س تيتو فقد تويف يف �أيار‬ ‫نك�سة حرب حزيران ‪ 1967‬التي ُ�سحِ ق فيها اجلي�ش‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،1980‬حل�سن حظه قبل �أن ي�شهد بالده ّ‬ ‫تت�شظى �إىل �سبع دول‪.‬‬ ‫�إنمّ ا‪ ،‬لنكون مت�ساحمني‪ ،‬نقول �إن العرب كانوا خارجني من وط�أة عقود من االنتداب اال�ستعماري‬ ‫‪85‬‬


‫احل�ضاري‪،‬‬ ‫االقت�صادي‪،‬‬ ‫ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫الع�سكري‪،‬‬ ‫التي تلت ب�ضعة قرونٍ من القمع العثماينّ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية‬ ‫الثقا ّيف‪ .‬مل ميتلك العرب املق ّومات الفكر ّية‪ ،‬اخلربات الالزمة‪ ،‬وال الأر�ض ّية الع�سكر ّية ‪ّ -‬‬ ‫– االقت�صاد ّية – الإعالم ّية‪ ،‬خلو�ض هذه املعركة �ضدّ عد ّو مدعوم من معظم قوى الأر�ض امل�ؤ ّثرة‬ ‫و�أكرثها تقدّ ماً وتط ّوراً‪.‬‬ ‫و�إذا و�ضعنا ال ّت�سامح جانباً‪ ،‬نقول �إن القبل ّية والف�ساد واخليانة نخرت ج�سد الأ ّمة العرب ّية ح ّتى‬ ‫العظم‪ ،‬ففقدت ا�ستقامة م�سارها ا ّلذي �أخذ نهجاً "انبطاح ّياً" �إ ّما للغرب‪ ،‬للجهل‪ ،‬للفقر‪ ،‬لل ّتناحر‬ ‫الدّ اخلي‪� ،‬أو للج�شع‪� ...‬أو لتلك العوامل جمتمعة‪.‬‬ ‫بارقة �أمل وحيدة ظهرت يف ذلك املحيط املتالطم‪ :‬النا�صر ّية‪ ،‬ا ّلتي �أ ّمنت املخزون العاطفي‬ ‫واحلما�سي ا ّلذي التف ّْت حوله اجلماهري العرب ّية من املحيط �إىل اخلليج‪ ،‬وهي بد�أت يف م�سار‬ ‫تكوين ال�شخ�ص ّية القوم ّية العرب ّية امل�ستق ّلة‪ ،‬لك ّنها ت�س ّرعت يف خو�ض معارك مل تكن مهي�أة لها‪،‬‬ ‫فانتك�ست‪ ،‬ثم ا�ضمح ّلت تدريج ّياً بعد وفاة رمزها الأوحد‪.‬‬ ‫‪ ...‬و�إن كانت ال ّنا�صر ّية قد �ساهمت يف �إنتاج جناح واحد بالغ الأهم ّية والداللة‪ :‬جناح الثّورة‬ ‫اجلزائر ّية‪ ،‬ال�شّ علة امل�ضيئة الوحيدة يف ذلك ّ‬ ‫العربي املعا�صر‪.‬‬ ‫الظالم الدّ ام�س ّ‬ ‫امل�سمى ال ّتاريخ ّ‬ ‫عودة �إىل فل�سطني‪ ،‬ال ّنتيجة لهذا ال ّنهج العقيم كانت كارث ّية‪:‬‬ ‫ ا�ستمرار احتالل فل�سطني ومن ّو �سكان �إ�سرائيل خالل الـ ‪� 30‬سنة الأخرية من ‪� 3‬إىل ‪6.2‬‬‫مليون م�ستوطن‪.‬‬ ‫ من ّو اال�ستيطان يف ّ‬‫ال�ضفّة الغرب ّية خالل ‪� 30‬سنة من �أقل من ‪� 100‬ألف �إىل �أكرث من ‪600‬‬ ‫�ألف م�ستوطن‪.‬‬ ‫الوح�شي يف �أربع عمل ّيات ع�سكر ّية كان هدفها‬ ‫منهجي لقطاع غ ّزة من خالل الق�صف‬ ‫ّ‬ ‫ تدمري ّ‬‫أ�سا�سي مراكمة الدّ مار‪ ،‬زائداً �إفقاره عرب احل�صار‪ ...‬زيادة يف الإذالل‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫يلف ّ‬ ‫ ح�صا ٌر خانقٌ ّ‬‫ال�ضفّة الغرب ّية وقطاع غ ّزة عرب �أ�شكال خمتلفة من ال ّت�ضييق املدينّ‪،‬‬ ‫اخلدماتي واملا ّيل‪.‬‬ ‫إدراي‪،‬‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ خم�سة قرارات رئي�س ّية ملجل�س الأمن وع�شرات القرارات وال ّتو�صيات للهيئة العا ّمة للأمم‬‫امل ّتحدة‪� ،‬ضربت بها �إ�سرائيل عر�ض احلائط‪ ،‬جمل ًة وتف�صي ًال‪.‬‬ ‫ �أكرث من ‪ 40‬م ّرة ا�ستخدمت فيها �أمريكا حقّ ال ّنق�ض الفيتو حلماية �إ�سرائيل‪.‬‬‫‪86‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�سالم" وفق ا ّتفاق او�سلو‪ ،‬ما �أفرغ‬ ‫ مماطلة �أمريك ّية – �إ�سرائيل ّية ممنهجة و ُم ّن�سقة يف "عمل ّية ّ‬‫العمل ّية من �إمكان ّية تطبيقها منذ �أكرث من ‪� 10‬سنوات (�أي منذ ‪ ،2005‬تاريخ االن�سحاب‬ ‫إ�سرائيلي من غ ّزة)‪.‬‬ ‫ال‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراعات‬ ‫ ّمتكنت �إ�سرائيل ورعاتها يف الغرب وحلفا�ؤها ال�صهيو‪-‬عرب من ن�شر عدد من ّ‬‫البديلة يف امل�شرق‪ ،‬تُريح �إ�سرائيل كي تتف ّرغ لبناء اقت�صادها‪ ،‬وبالتوازي‪ ،‬تقوم بتدمري ممنهج‬ ‫للدّ ول والقوى ا ّلتي ّ‬ ‫ت�شكل تهديداً لها‪.‬‬ ‫ تفعيل حلف وا�سع حلماية �إ�سرائيل وتعزيز نفوذها يف املنطقة‪ ،‬م�ؤ ّلف من الدّ ول الغرب ّية‬‫الكربى‪ :‬تركيا‪ ،‬الأردن‪ ،‬ودول اخلليج‪ ،‬و�أ�ضيفت �إليها م�صر بنتيجة ال ّتغيريات التي حملها‬ ‫اال�ستعماري"‪.‬‬ ‫"الربيع‬ ‫ّ‬ ‫ و�ضع عدد كبري من الدّ ول العرب ّية الأخرى يف م�سار ي�ساعد �إ�سرائيل ب�شكل غري مبا�شر‪،‬‬‫ال�سودان‪ ،‬تون�س‪ ،‬املغرب‪ ،‬ليبيا‪،‬‬ ‫أمني (م�صر‪ّ ،‬‬ ‫ون�شر ا�ضطرابات داخل ّية فيها بهدف االبتزاز ال ّ‬ ‫اجلزائر‪ ،‬العراق)‪.‬‬ ‫كنولوجي‬ ‫ناعي وال ّت‬ ‫ فتح جمال العالقات الدّ ول ّية وا�سعاً �أمام �إ�سرائيل‪ ،‬م�ستخدمة ال ّتط ّور ّ‬‫ّ‬ ‫ال�ص ّ‬ ‫ا ّلذي يت�س ّرب مبا�شرة من الغرب �إليها‪ ،‬ل ُت�س ّوقه من دون قيود �إىل دول مثل ال�صني والهند‬ ‫ورو�سيا‪ .‬فتجني منه �أرباحاً كبرية‪ ،‬وت�ستخدمه لتطوير عالقة م�صلح ّية وا�سعة مع تلك الدّ ول‬ ‫ ال ّر�ساميل العرب ّية ّ‬‫خا�صة من دول اخلليج‪ ،‬تذهب لتوظيفات يف �أمريكا والغرب‪،‬‬ ‫ال�ضخمة‪ّ ،‬‬ ‫وجزء وازن منها ت�ستفيد منه �إ�سرائيل �إ ّما ب�شكل ا�ستثمارات مبا�شرة (كما لقطر والإمارات)‬ ‫يف �شركات �إ�سرائيل ّية‪� ،‬أو عرب �شركات دول ّية متتلك جزءاً من عمل ّياتها ال ّت�صنيع ّية يف �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫ال�سماح‬ ‫الغربي و�إ�سرائيل وال�صهيوعرب‪ ،‬يحقّق �أهدافه عرب ّ‬ ‫هذا ال ّنهج ا ّلذي ينا�سب امل�شروع ّ‬ ‫با�ستخدام مرور ال ّزمن ل�صالح تثبيت امل�شروع‪ ،‬ي�ضمن العقم الكامل لإمكان ح�صول � ّأي تقدّ م‬ ‫الفل�سطيني‪ ،‬ويق ّوي �إ�سرائيل لتكون �ضمانة اال�ستمرار ّية حليثيات امل�شروع‬ ‫مل�صلحة ال�شّ عب‬ ‫ّ‬ ‫والأفرقاء املنخرطني فيه‪.‬‬ ‫النهج البديل‬

‫الكارثي ال بدّ �أن يتمثّل مب�سارات‪:‬‬ ‫املنطقي لهذا ال ّنهج‬ ‫البديل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ .1‬‬ ‫ال�صهيوينّ‪.‬‬ ‫تتخطى مواقع الق ّوة للعد ّو ّ‬ ‫‪87‬‬


‫معمق لنقاط �ضعفه‪.‬‬ ‫‪ .2‬فهم ّ‬ ‫ال�صغرية يف خمتلف حلبات‬ ‫‪ .3‬ال ّتخطيط‬ ‫ال�سليم ملراكمة مئات االنت�صارات ّ‬ ‫اال�سرتاتيجي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع‪ ،‬يف الأمد ّ‬ ‫الطويل ا ّلذي قد يدوم عدّ ة عقود‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع �إىل‬ ‫ال�صرب‬ ‫اال�سرتاتيجي منعاً من ال ّت�س ّرع يف ال ّتنفيذ‪ ،‬والوقوع يف �أخطا ٍء تعيد ّ‬ ‫‪ّ .4‬‬ ‫ّ‬ ‫احللبة ا ّلتي ي�سيطر العد ّو على مقدّ راتها‪ :‬امل� ّؤ�س�سات الدّ ول ّية والدّ ول غري املوثوقة‪.‬‬ ‫�أ ّما امل�سارات املطلوبة فتتف ّرع �إىل خم�س حلبات �صراع‪ّ ،‬‬ ‫لكن‬ ‫لكل حلبة خ�صو�صيتها ومق ّوماتها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫�ضروري ل�صناعة ال ّتاريخ ّ‬ ‫امل�ستقل‪:‬‬ ‫ال�ضامن للم�ستقبل‬ ‫اال�سرتاتيجي بينها‬ ‫التكامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الع�سكري‪.‬‬ ‫‪ .1‬ال ّردع‬ ‫ّ‬ ‫العاملي‪.‬‬ ‫‪ .2‬حما�صرة �إ�سرائيل يف �إطار املحيط‬ ‫ال�شعبي ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقت�صادي على �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫‪ .3‬الت�ضييق‬ ‫ّ‬ ‫‪ .4‬تقلي�ص الهجرة �إىل �إ�سرائيل وت�شجيع الهجرة املعاك�سة‪.‬‬ ‫تدريجي ملواقف بع�ض الدّ ول امل�ؤ ّثرة لتكون موثوقة يف رف�ض �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫‪ .5‬حتويل‬ ‫ّ‬ ‫***‬ ‫ين وا�ضحة‪ :‬العد ّو هو‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫الغربي ـــــ ّ‬ ‫حتى حرب متوز ‪ ،2006‬كانت احلرب �ضدّ امل�شروع ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪ .‬وبف�ضل نتائج حرب متوز ‪ ،2006‬فر�ض‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬واملعركة تُخا�ض مبا�شرة مع اجلي�ش ال‬ ‫ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫ع�سكري ف ّعالة يف اجلنوب اللبناين �ضدّ اجلي�ش ال‬ ‫حزب اهلل معادلة ردع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ين ال ّنجاح‪.‬‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫الغربي‪ّ -‬‬ ‫احلربي �إذا كان �س ُي ْكتب للم�شروع ّ‬ ‫�أيقنت �أمريكا �ضرورة تغيري امل�سار ّ‬ ‫الغربي قواه‪ ،‬ر�سم خططاً جديدة وم�سارات بديلة‪ ،‬وبد�أ بتنفيذها‪:‬‬ ‫ا�ستجمع امل�شروع ّ‬ ‫إ�سالمي‪-‬‬ ‫إ�سالمي‪ :‬قتل القوم ّية العرب ّية‪ ،‬وحتويل ّ‬ ‫ال�صراع �إىل � ّ‬ ‫‪ .1‬تفعيل دور قوى ال ّتط ّرف ال ّ‬ ‫مذهبي‪ ،‬وا�ستبدال "القوم ّية العرب ّية" املعاد ّية لإ�سرائيل بـ"العروبة" املعاد ّية لإيران و"الهجمة‬ ‫ّ‬ ‫الفار�س ّية"‪.‬‬ ‫‪ .2‬تدريب وت�سليح جيو�ش الدّ ول التي ح�سمت تبع ّيتها للغرب‪ ،‬وحت�ضريها للعب دور م�ؤثر‬ ‫يف احلروب امل�ستقبل ّية‪ ،‬وربطها مع حلف الناتو‪ .‬موازنة هذه التح ّوالت الع�سكر ّية ال ّ‬ ‫تقل عن‬ ‫ال�سنوات الع�شر املا�ض ّية‪ ،‬بني م�شرتيات �سالح‪ ،‬كلفة مدربني وم�ست�شارين‬ ‫‪ 300‬مليار دوالر يف ّ‬ ‫‪88‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ع�سكر ّيني غرب ّيني (‪ 11,000‬يف ال�سعود ّية و‪ 5,000‬يف باقي دول اخلليج)‪ ،‬تكاليف ا�ستخبار ّية‬ ‫ولوج�ست ّية‪ ،‬ورواتب م�سلحني‪.‬‬ ‫الغربي اجلديد‪� ،‬أ�صبح العد ّو اليوم مر ّكباً من ثالثة مق ّومات ع�سكر ّية‪،‬‬ ‫بنتيجة هذا امل�سار‬ ‫ّ‬ ‫الع�سكري ّ‬ ‫وممتدّ اً على كامل م�ساحة امل�شرق‪ .‬املق ّومات الثالثة هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬الغرب و�إ�سرائيل وتركيا والناتو‪ :‬م�شاركتها احلرب ّية تنح�صر ح ّتى الآن بال ّتخطيط‪ ،‬ال ّتوجيه‬ ‫اجلوي‪� ،‬إ�ضافة �إىل تدخّ الت م�سانِدة متف ّرقة عرب الق ّوات اخلا�صة‪،‬‬ ‫اال�ستخباري‪ ،‬والق�صف ّ‬ ‫ّ‬ ‫لكنها منتقاة وم�ؤ ّثرة‪ .‬كما ال ميكن �إلغاء احتمال الدّ خول املبا�شر لق ّوات تلك الدّ ول يف معارك‬ ‫حمدودة‪ ،‬ملحاولة منع انقالب الكفّة الع�سكر ّية ل�صالح القوى املقاومة للم�شروع‪.‬‬ ‫الق�سام)‪ :‬وجود فاعل يف �سوريا‬ ‫‪ .2‬القوى القاعد ّية‪ -‬الإخوان ّية امل�س ّلحة (با�ستثناء كتائب ّ‬ ‫والعراق واليمن وليبيا‪� ،‬إ�ضافة �إىل وجود م�ؤ ّثر يف دول عرب ّية متف ّرقة‪.‬‬ ‫‪ .3‬جيو�ش الدّ ول التي ح�سمت تبع ّيتها للغرب (ال�سعود ّية ودول اخلليج ‪ +‬الأردن)‪ ،‬وهذه‬ ‫ت�ضم يف �صفوفها عند ا ّللزوم قوات من املرتزقة العامل ّيني‪.‬‬ ‫اجليو�ش قد ّ‬ ‫ع�سكري �ضدّ الغرب و�إ�سرائيل يجب �أن ي�أخذ يف االعتبار هذا امل�شهد‬ ‫توجه لتحقيق ردع‬ ‫ّ‬ ‫� ّأي ّ‬ ‫الع�سكري بكامله‪ :‬املق ّومات الع�سكر ّية جميعاً وكامل م�ساحة امل�شرق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الرو�سي �إىل �سوريا يف �أيلول ‪ 2015‬ي�ساعد جزئياً يف ترجيح كفّة القوى املُقاوِمة‬ ‫الع�سكري‬ ‫الدّ خول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربي‪ ،‬لكن ال ميكن التعويل عليه يف الأمد ّ‬ ‫الطويل‪� ،‬أو يف انخراطه يف �ساحات املواجهة‬ ‫للم�شروع ّ‬ ‫خا�صة يف مواجهة �إ�سرائيل‪ .‬على الأقل لي�س بعد‪.‬‬ ‫كافة‪ّ ،‬‬ ‫الرو�سي هو يف �إزالة �أحد املق ّومات الع�سكر ّية‬ ‫الع�سكري‬ ‫أ�سا�سي للوجود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ّتوظيف الف ّعال وال ّ‬ ‫للهجمة الغرب ّية‪ :‬القوى القاعد ّية والإخوان ّية امل�س ّلحة‪ .‬من املمكن ت�ص ّور م�سار وا�ضح ي�ؤدي �إىل‬ ‫�إزالة هذه القوى من املعادلة على الأقل يف امل�شرق (وهذا الو�ضع هو بالتحديد ما يدفع �أمريكا‬ ‫والناتو �إىل انتقاد رو�سيا ب�أن عمل ّياتها ال ترت ّكز على داع�ش فقط)‪.‬‬ ‫فوائد ردع ّية �أخرى للوجود الرو�سي‪ :‬و�ضع �سقف ملقدار ال ّتدخّ ل املمكن لق ّوات الناتو يف �سوريا‬ ‫ع�سكري �أكرث ارتباطاً بها يف العراق و�سوريا‪.‬‬ ‫الرتكي لت�أ�سي�س مناطق نفوذ‬ ‫ّ‬ ‫والعراق‪ ،‬وجلم االندفاع ّ‬ ‫الع�سكري حلزب اهلل‪ ،‬اجلي�شني ال�سوري والعراقي‪ ،‬احل�شد‬ ‫الذي نراه اليوم يف ت�ضافر املجهود‬ ‫ّ‬ ‫ال�شعبي‪ ،‬ومروحة وا�سعة من التنظيمات املُقاوِمة‪ ،‬وتكامل ن�شاطها امليداين على �أر�ض �سوريا‬ ‫‪89‬‬


‫من�سق يواجه الهجمة اال�ستعمار ّية‪ ،‬لي�س ب�شكل‬ ‫والعراق‪ ،‬يعطي الأمل يف تك ّون حراك‬ ‫م�شرقي ّ‬ ‫ّ‬ ‫قطري حمدود‪ ،‬و�إمنا ب�شكل ّ‬ ‫يتخطى احلدود على كامل تلك ال�ساحة‪ ...‬متاماً كما هي تلك الهجمة‪.‬‬ ‫ال�شعبي‬ ‫مواجهة �إ�رسائيل على امل�ستوى‬ ‫ّ‬

‫ين �أن ّ‬ ‫ال�صهيوينّ‪ ،‬ويرتافق‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫يتخطى مواقع الق ّوة للعدو ّ‬ ‫ال بدّ مل�سار ناجح يف مواجهة العد ّو ّ‬ ‫معمق لنقاط �ضعفه‪ .‬هذا يعني حتماً‪ّ :‬‬ ‫ال�سيا�س ّية‬ ‫بفهم ّ‬ ‫تخطي امل� ّؤ�س�سات الدّ ول ّية والقيادات ّ‬ ‫للدول‪ ،‬وال ّت ّوجه مبا�شرة �إىل القاعدة ال�شعب ّية يف العامل‪.‬‬ ‫�شعبي كبري‬ ‫القاعدة ال�شعب ّية يف �أغلب دول العامل امل�ؤث ّرة يف ّ‬ ‫ال�سيا�سة العامل ّية‪ ،‬قادرة عرب حتريك مدّ ّ‬ ‫ومراكمة �إجنازات م�ؤثرة ل�صالح ق�ض ّية مع ّينة‪� ،‬أن تفر�ض تغيرياً يف �سيا�سات حكوماتها‪.‬‬ ‫العاملي ا ّلذي ّ‬ ‫يتخطى امل� ّؤ�س�سات وقيادات الدّ ول‪،‬‬ ‫املحيط ال�شعبي هو وحده القادر على توليد املدّ ّ‬ ‫ليجرف الباطل ا ّلذي ّ‬ ‫الفل�سطيني يف ت�ضليله وا�ضطهاده‪ ،‬ويعيد �إىل املظلوم حقّه‪ .‬كما‬ ‫لف ال�شّ عب‬ ‫ّ‬ ‫فعل من قبل يف جنوب �أفريقيا‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫جتذر وتب ّني ق�ض ّية ما يف وجدان عا ّمة ال�شّ عب ميكن حتقيقه عرب ن�ضاالت هادفة ومر ّكزة ومنطق ّية‪،‬‬ ‫تعر�ض عدالة الق�ض ّية بب�ساطة فطر ّية ال تقبل اجلدل‪ .‬هذا ال ّت ّوجه بات ممكناً وف ّعا ًال نظراً �إىل وجود‬ ‫عربي يف ّ‬ ‫كل �أنحاء العامل‪ ،‬ولال�ستخدام الوا�سع لو�سائط التوا�صل‬ ‫انت�شار وا�سع‬ ‫فل�سطيني‪ّ -‬‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعي‪ ،‬ما �س ّهل �إي�صال املعلومات والأحداث خالل وقت ق�صري من ح�صولها‪� ،‬إذا مل يكن‬ ‫مبا�شرة‪.‬‬ ‫العاملي ب�سيط‪:‬‬ ‫ال�شعبي‬ ‫هيونية على م�رسح املحيط‬ ‫ال�ص‬ ‫مبد�أ خو�ض ال�صرّ اع �ض ّد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫العن�صري‪،‬‬ ‫ال�صهيون ّية حتمل عنا�صر �ضعفها وانهيارها يف رحمها‪ :‬العقيدة املتط ّرفة‪ ،‬ال ّتمييز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انتهاكات حقوق الإن�سان‪ ،‬ومعاداة الإن�سان ّية‪ ...‬وهذه هي نقاط ال�ضعف الواجب مهاجمتها‪.‬‬ ‫ال�سيا�س ّية تت�أثر ب�شكل مبا�شر باالعتبارات امل�صلح ّية‬ ‫�إذا كانت امل� ّؤ�س�سات الدّ ول ّية والقيادات ّ‬ ‫ال�سيا�س ّية‪ ،‬ف� ّإن هذه االعتبارات ال ت�ؤثر يف تك ّون الر�أي عند الإن�سان‬ ‫االقت�صاد ّية – الأمن ّية ‪ّ -‬‬ ‫ال�شعبي‪.‬‬ ‫العادي‪� ،‬أو يف ت�ص ّرف املحيط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صحيحة‪ّ ،‬‬ ‫ومتكنت من ر�ؤية الأمور على حقيقتها‪ ،‬فهي‬ ‫القاعدة ال�شعب ّية‪� ،‬إذا تز ّودت باملعلومات ّ‬ ‫وحدها قادرة على التح ّرك من املنطلق املناق�ض لل�صهيون ّية واملتمثّل باملبادئ الإن�سان ّية العا ّمة ا ّلتي‬ ‫‪90‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫ال�ساحقة من الب�شر‪ :‬الت�ساوي يف احلر ّية واحلقوق والإن�سان ّية‪.‬‬ ‫تتفق عليها الغالب ّية ّ‬ ‫هذا �أحد �أوجه ن�شاط حركة "قاطع‪ ،‬اف�صل‪ ،‬عاقب" (قاع) ا ّلتي ّمتكنت من نقل املعركة مع‬ ‫أ�سا�سي ا ّلذي يجب �أن تُخا�ض فيه تلك املعركة‪ :‬املحيط‬ ‫العن�صر ّية ّ‬ ‫ال�صهيون ّية �إىل امل�سرح ال ّ‬ ‫إعالمي‬ ‫ال�شعبي يف دول العامل‪ ،‬القادر بالفطرة على ال ّتمييز بني احلقّ والباطل‪ ،‬من دون ت�ضليل � ّ‬ ‫ّ‬ ‫�أو اعتبارات م�صلح ّية‪.‬‬ ‫ال ّن�شاط ا ّلذي بد�أته "قاع" قبل ع�شر �سنوات‪� ،‬سريعاً ما القى �أر�ضاً خ�صبة لدى الفئات املثقّفة‪،‬‬ ‫املهن ّية‪ ،‬ال ّنا�شطة يف حقوق الإن�سان‪ ،‬وال�شّ باب ّية – ّ‬ ‫الطالب ّية التي غالباً ما تتب ّنى ق�ضايا ذات حمتوى‬ ‫مبني على العدالة وامل�ساواة‪.‬‬ ‫هذا ال ّن�شاط الهادف ّمتكن من العمل الف ّعال يف وجهتني �أ�سا�سيتني‪:‬‬ ‫‪� .1‬إي�صال حقيقة العقيدة العن�صر ّية لل�صهيون ّية‪ ،‬ال ّت�ص ّرفات القمع ّية لالحتالل‪ ،‬وممار�سات‬ ‫ال ّتمييز العن�صري للحكومة‪ ،‬الق�ضاء‪ ،‬الهيئات الدّ ين ّية‪ ،‬الق ّوات امل�س ّلحة والأمن ّية‪ ،‬وامل�ستوطنني‬ ‫ال�صهيوينّ‪.‬‬ ‫يف الكيان ّ‬ ‫وعملي ملا ميكن �أن يفعله ّ‬ ‫كل متعاطف ومتف ّهم لهذا الو�ضع ال�شّ ا ّذ‪ ،‬املتط ّرف يف‬ ‫واقعي ّ‬ ‫‪ .2‬طرح ّ‬ ‫العن�صر ّية‪ ،‬واملغرق يف ّ‬ ‫الظلم الإن�ساينّ‪.‬‬ ‫الفكرة تتمثّل يف جدل ّية ب�سيطة‪� :‬أنت ترف�ض تلك العقيدة‪ ،‬املمار�سات التي تت�سبب بها‪ ،‬والظلم‬ ‫عملي لرف�ضك‪.‬‬ ‫الناجت منهما‪ ...‬عبرّ عن م�شاعرك‪ ،‬و�شارك يف حراك �ضمن جمالك كتعبري ّ‬ ‫وما زاد يف ق ّوة هذا احلراك‪ ،‬تب ّني عدد كبري من ّ‬ ‫املفكرين واملثقفني والف ّنانني اليهود له‪ ،‬وم�شاركتهم‬ ‫ال�صهيون ّية املتط ّرفة متثّلهم كيهود‪ ،‬كونها تتبنى‬ ‫الف ّعالة فيه‪ ،‬كتعبري عن رف�ضهم �أن تكون العقيدة ّ‬ ‫والعرقي‪ّ ،‬‬ ‫وحت�ض على ممار�سات قمع ّية‪ ،‬عنف ّية‪ ،‬وال‬ ‫يني‬ ‫�سيا�سات م�شحونة بال ّتمييز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العن�صري الدّ ّ‬ ‫�إن�سان ّية‪.‬‬ ‫و�سائل ال ّتعبري �أخذت �أ�شكا ًال متن ّوعة‪ :‬ثقاف ّية‪ ،‬ط ّالب ّية‪ ،‬فن ّية‪ ،‬حراكات �شباب ّية وطالب ّية‪ ،‬حمالت‬ ‫مقاطعة‪ ،‬احتجاجات �ضدّ حتدّ ي �إ�سرائيل لقرارات ال�شرع ّية والقانون الدّ ويل‪ ،‬وانتهاكاتها حلقوق‬ ‫ال�صهيون ّية يف �إ�سرائيل �أو ت�ساهم يف‬ ‫الإن�سان‪ ،‬ومقاطعة اقت�صاد ّية ل�شركات تدعم املمار�سات ّ‬ ‫تدعيمها ون�شرها‪.‬‬ ‫ال�صراع امل�ستند �إىل امل� ّؤ�س�سات الدّ ول ّية وقيادات الدّ ول‪ ،‬كان ينطلق من �أر�ض ّية مغلوطة �أ�سا�ساً‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪91‬‬


‫وجود �إ�سرائيل ق�ض ّية مفروغ منها‪ ،‬ويحقّ لها �أن تق ّرر �إذا كانت تريد �أن تكون يهود ّية الدّ ين‪،‬‬ ‫وعلى الآخرين القبول بذلك �أو ال ّرحيل‪ .‬هذا املنطق يتغا�ضى عن �شكاوى املمار�سات العن�صر ّية‬ ‫وانتهاكات حقوق الإن�سان‪ ،‬وي ّربرها مبقولة "الدفاع عن النف�س"‪.‬‬ ‫ال�شعبي ا ّلذي جنحت "قاع" يف حت�شيده‪،‬‬ ‫يف املقابل‪ ،‬تكمن الق ّوة الهائلة للحراك يف �إطار املحيط‬ ‫ّ‬ ‫تت�ضمن انتهاكات‬ ‫ال�صراع �إىل جذوره الأ�سا�س ّية‪ّ ،‬‬ ‫يف �أنّها �أعادت ّ‬ ‫وف�صلت عنا�صره ال�شّ ا ّذة التي ّ‬ ‫العادي‪:‬‬ ‫عديدة‪ ،‬ظاملة‪ ،‬ال �إن�سان ّية‪ ،‬ومنفّرة مل�شاعر الإن�سان ّ‬ ‫ �إ�سرائيل قامت على �سلب �أر�ض �شعب �آخر قامت بت�شريده‪.‬‬‫ال�س ّكان‪.‬‬ ‫ بطالن مقولة � ّأن ّ‬‫ال�صهيون ّية �أتت �إىل بالد متخ ّلفة قليلة ّ‬ ‫ �إ�سرائيل تدّ عي الدّ ميقراط ّية لكن ممار�ساتها نحو العرب‪ ،‬اليهود املل ّونني القادمني من دول‬‫العلني والوقح‬ ‫والعمال الوافدين �سعياً وراء فر�ص العمل‪ ...‬تنطبع بال ّتمييز‬ ‫ّ‬ ‫فقرية‪ّ ،‬‬ ‫العن�صري ّ‬ ‫والال �إن�ساين‪.‬‬ ‫ ال ميكن للإن�سان ّية �أن تقبل مبقولة‪ :‬هذه �أر�ضي لأن اهلل وهبني �إياها‪ ...‬وعلى �ساكنها‬‫الفل�سطيني �أن يرحل‪ ،‬و�إن كان من �أ�صول تلك الأر�ض‪ ،‬لأن بقاءه يخالف "�إرادة اهلل"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ مقولة �أن الب�شر من غري اليهود‪ ،‬خلقهم اهلل خلدمة اليهود �شعب اهلل املختار‪ ،‬كالم ُم ْغ ِرق يف‬‫والتع�صب‪ ،‬معتق ٌد ّ‬ ‫العن�صري والعداء للإن�سان ّية‪ ،‬ومرفو�ض من �أ�سا�سه‪.‬‬ ‫متجذر يف ال ّتمييز‬ ‫ّ‬ ‫ال ّتط ّرف ّ‬ ‫خا�صة �أنّه يح�صل بحماية‬ ‫ هذا القدر الهائل من ممار�سة انتهاكات حقوق الإن�سان مرفو�ض‪ّ ،‬‬‫الهيئات ال ّر�سم ّية والق�ضائ ّية والأمن ّية والع�سكر ّية للكيان املزعوم‪ ،‬وبتمويه وت�ضليل من حماته‬ ‫اخلارجيني‪.‬‬ ‫ لي�س مقبو ًال �أن تعترب �إ�سرائيل نف�سها خارج �إطار املحا�سبة يف رف�ضها وجتاهلها للقانون الدّ ويل‬‫وقرارات الهيئات العامل ّية‪.‬‬ ‫ �إ�سرائيل ّ‬‫العاملي نظراً �إىل امتالكها تر�سانة كبرية من القنابل‬ ‫ت�شكل خطراً على ّ‬ ‫ال�سلم ّ‬ ‫ووي‪.‬‬ ‫ال�سالح ال ّن ّ‬ ‫النوو ّية‪ ،‬وترف�ض االن�ضمام �إىل معاهدة حظر ومراقبة ّ‬ ‫لليهودي‪ ،‬وذلك‬ ‫ رف�ض كون الدّ �ستور واملجتمع يف �إ�سرائيل يعطي قدراً هائ ًال من الأف�ضل ّيات‬‫ّ‬ ‫على ح�ساب حر ّية وحقوق مك ّونات املجتمع الأخرى‪.‬‬ ‫ رف�ض كون املوارد‪ ،‬اخلدمات‪ ،‬املنافع العامة‪ ،‬فيها احتكار وا�سع ل�صالح اليهود‪ ،‬ما ينتج منه‬‫‪92‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫معاناة �إن�سان ّية‪ ،‬بيئ ّية‪ ،‬اجتماع ّية‪� ،‬صح ّية‪ ،‬ثقاف ّية‪ ...‬وغريها الكثري‪ ،‬لغري اليهود‪.‬‬ ‫بحجة‬ ‫ رف�ض ممار�سات اال�ستيالء ال ّتع�سفي على الأر�ض اململوكة من الفل�سطين ّيني ّ‬‫ّ‬ ‫وال�سماح للم�ستوطنني بالإقامة فيها‪ ،‬يف وقت يمُ نع‬ ‫"ال�ضرورات الأمن ّية والع�سكر ّية"‪ّ ،‬‬ ‫الفل�سطيني من دخولها‪ ،‬ويف جميع الأحيان‪ ،‬ينتج منها �ضائقة اجتماع ّية واقت�صاد ّية و�شخ�ص ّية‬ ‫ّ‬ ‫لأعداد كبرية من الفل�سطين ّيني‪.‬‬ ‫ رف�ض �سيا�سة منع الفل�سطين ّيني من �صيانة وحت�سني �أو تو�سيع �أماكن �سكنهم‪ ،‬وم�ضايقة‬‫�سكان الأحياء العرب ّية مبحا�صرتهم بالب�ؤر اال�ستيطان ّية غري ال�شرع ّية‪� ،‬إ�ضافة �إىل ت�سهيل ا�ستيالء‬ ‫امل�ستوطنني على املنازل التي ي�ست�أجرها الفل�سطين ّيون‪.‬‬ ‫ رف�ض اجلدار الفا�صل ا ّلذي بنته �إ�سرائيل واقتطعت عربه �أكرث من ‪ % 15‬من م�ساحة ّ‬‫ال�ضفّة‬ ‫الغرب ّية‪ ،‬و�شرذمت عدداً كبرياً من الأحياء والقرى والعائالت الفل�سطين ّية‪.‬‬ ‫ رف�ض القوانني واملمار�سات ا ّلتي جتيز لالحتالل منع التوا�صل بني فل�سطينيي ‪ّ 1948‬‬‫وال�ضفّة‬ ‫والقطاع‪ ،‬واال�ستيالء على �أرا�ضي وممتلكات الفل�سطين ّيني يف ّ‬ ‫ال�ضفّة الغرب ّية �إذا كانوا مقيمني‬ ‫يف اخلارج‪� ،‬أو ح ّتى يف �أرا�ضي ‪.1948‬‬ ‫ القمع املتوا�صل والت�ضييق االجتماعي واحلياتي واالقت�صادي واخلدماتي للمدنيني الواقعني‬‫حتت االحتالل‪ ،‬يف خمالفة �صريحة للقانون الدّ و ّيل‪.‬‬ ‫ي�شجع‬ ‫ال�سائد‪ّ ،‬‬ ‫ وجود �إ�سرائيل كدولة يف �صيغتها احلال ّية مرفو�ض كونه يك ّر�س الو�ضع ال�شّ اذ ّ‬‫ويعمم املمار�سات‬ ‫ال ّتط ّرف والعنف لدى امل�ستوطنني‪ُ ،‬يثقّف وير ّبي من منطلقات عن�صر ّية‪ّ ،‬‬ ‫القائمة على قهر وا�ضطهاد الآخرين‪.‬‬ ‫�شخ�ص �إن�سانيته م�ش ّوهة تتقبل ال�شّ واذ‪ ،‬متار�س‬ ‫ املواطن اليهودي يف �إ�سرائيل يتح ّول �إىل ٍ‬‫الكذب والت�ضليل لتربير ممار�ساتها‪ ،‬وال ترت ّدد يف العنف القاتل لفر�ض ر�أيها‪� .‬أ ّما يف الدّ ول‬ ‫ا ّلتي �أتوا منها فهم مواطنون عاديون‪ .‬املنطق الإن�ساين يق�ضي بوقف هذا التنقل الدّ ميغرايف‬ ‫العن�صري‪ ،‬وي�ش ّوه‬ ‫العن�صري ح�صراً‪ ،‬وا ّلذي يك ّر�س كيان التمييز‬ ‫يني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امل�ستند �إىل االنتماء الدّ ّ‬ ‫ين للب�شر‪ ،‬وعلى ر�أ�سهم اليهود‪.‬‬ ‫املحتوى الإن�سا ّ‬ ‫ �ضرورة العمل لأجل قيام كيان بديل تتحقق فيه امل�ساواة يف احلقوق والواجبات‪،‬‬‫وت�شرد يف �أنحاء الأر�ض حقوقه يف‬ ‫يعطي لل�شعب‬ ‫الفل�سطيني ا ّلذي ُطرد من �أر�ضه ّ‬ ‫ّ‬ ‫احلر ّية والعدالة وامل�ساواة‪ ،‬وامل�شاركة احلقيق ّية يف املوارد واخلدمات‪ ،‬ب�شكل يلغي‬ ‫‪93‬‬


‫ال ّتمييز احلا�صل حالياً بني اليهود وغري اليهود‪.‬‬ ‫هذه املروحة الوا�سعة من ال�شّ واذ (والبدائل املنطق ّية والعمل ّية لها)‪ ،‬يتم عر�ضها وتقدميها يف مواد‬ ‫ب�سيطة ومبا�شرة وحقيق ّية وم�ؤ ّثرة‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬يتم ت�أطري املتعاونني واملتعاطفني والنا�شطني يف‬ ‫حراكات تتنا�سب مع مواقعهم وقدراتهم والو�سط الفاعل ا ّلذي ي�ؤ ّثرون به‪.‬‬ ‫تتجمع من تكامل ع�شرات �آالف احلراكات الفرد ّية‬ ‫ال ّنتائج ا ّلتي تتولد من هذه الأن�شطة ا ّلتي ّ‬ ‫ين �إىل تركيز جزء كبري‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫واجلماع ّية‪� ،‬أ�صبحت م�ؤثرة ب�شكل يرعب �إ�سرائيل ويدفع اللوبي ّ‬ ‫من ن�شاطه ملحاربتها‪.‬‬ ‫تتج ّلى تلك ال ّنتائج يف حلبات ال�صراع الثالث الأخرى‪ :‬ال ّت�ضييق االقت�صادي على �إ�سرائيل‪،‬‬ ‫تدريجي ملواقف بع�ض الدّ ول‬ ‫تقلي�ص الهجرة �إىل �إ�سرائيل وت�شجيع الهجرة املعاك�سة‪ ،‬وحتويل‬ ‫ّ‬ ‫امل�ؤ ّثرة لتكون موثوقة يف رف�ض �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫***‬ ‫ال�صراع يف‬ ‫من املفارقات املُربكة‪ ،‬لكن الفائقة ال ّنفع‪ ،‬هي �أن عدونا مي ّهد لنا الطريق لفهم طبيعة ّ‬ ‫هذه املرحلة‪ ،‬ويعطينا درو�ساً (غري مق�صودة) يف �أ ّية ا�سرتاتيج ّية نتب ّنى! عد ّونا ُي ْجربنا عرب تكتيكاته‬ ‫وممار�ساته‪� ،‬أن نعدّ ل خططنا‪ ،‬ونعيد تنظيم �صفوفنا كما يجب �أن تكون‪ ،‬بحكم ال�ضرورة‪ ،‬ولي�س‬ ‫ا�سرتاتيجي �صائب!‬ ‫بف�ضل حتليل‬ ‫ّ‬ ‫يهم‪� :‬أن نفعل! املخاطر‬ ‫يهم كيف ن�صل �إىل تب ّني ا�سرتاتيج ّية �صائبة‪ ،‬بقدر ما ّ‬ ‫لكن يف النها ّية‪ ،‬ال ّ‬ ‫اال�سرتاتيج ّية ا ّلتي نواجهها يف هذه املرحلة تتلخ�ص مبا يلي‪:‬‬ ‫ع�ضوي بني م�شروعي �إ�سرائيل التورات ّية وتركيا العثمان ّية‪.‬‬ ‫‪ .1‬ترابط ّ‬ ‫‪ .2‬ن�شر �أجواء ال ّتط ّرف وال ّتعبئة الإعالم ّية ا�ستناداً �إىل العن�صر ّية الدين ّية واملذهب ّية �أو العرق ّية‪،‬‬ ‫وخو�ض احلروب من منطلقات هذه الأجواء‪.‬‬ ‫اريخي العروبي املعادي‬ ‫‪ .3‬ت�أجيج امل�شاعر املذهب ّية عند �أهل ال�سنة لإبعادهم عن موقعهم ال ّت ّ‬ ‫وال�صهيون ّية وا�ستخدام متط ّرفيهم يف معارك بديلة متماه ّية مع العد ّو‪ ،‬والت�شهري‬ ‫لال�ستعمار ّ‬ ‫باحلراكات القوم ّية �أو املقاومة بينها كـ"خيانة �أهل ال�سنة"‪.‬‬ ‫ت�صب‬ ‫‪ .4‬ا�ستدراج ال�شّ يعة و�إيران �إىل مواقع ال ّتط ّرف‬ ‫ال�سنة‪ ،‬لكي ّ‬ ‫يعي �ضدّ ّ‬ ‫املذهبي ال�شّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اال�ستعماري‪.‬‬ ‫يني مع امل�شروع‬ ‫حراكاتهم يف نف�س االتجّ اه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العن�صري الدّ ّ‬ ‫‪94‬‬


‫ن�صف قرن على النك�سة والهزمية م�ستمرة‬

‫دمريي لل ّتنظيمات القاعد ّية كو�سيلة القتالع البيئات احل�ضار ّية‬ ‫‪ .5‬ا�ستخدام العنف ال ّت ّ‬ ‫جتمعات من ماليني‬ ‫وال ّتكوينات االجتماع ّية واالقت�صاد ّية ال�سابقة‪ ،‬تقوي�ض الدّ ول‪ ،‬وتكوين ّ‬ ‫املهجرين لإعادة جتميع �أكرثهم وفق اال�ستقطاب ّ‬ ‫الطائفي بعد ترحيل فئات حمدّ دة منهم �إىل‬ ‫ّ‬ ‫الغرب‪.‬‬ ‫‪ .6‬جتميع غري م�سبوق لقوى منخرطة يف الهجمة‪ :‬دول ‪ -‬ا�ستخباراتها وجيو�شها‪ ،‬غرف عمليات‬ ‫ع�سكر ّية متط ّورة‪ ،‬تنظيمات م�س ّلحة متط ّرفة يتم تدريبها‪ ،‬ت�سليحها وت�أمني لوج�ستياتها‪� ،‬سالح‬ ‫وموجه ومتنا�سق‪ ،‬وجمع ّيات ّ‬ ‫ومنظمات غري حكوم ّية‪.‬‬ ‫جو �ضخم‪� ،‬إعالم مر ّكز ّ‬ ‫ين‬ ‫ال�صهيو ّ‬ ‫ال�ساحة امل�شرق ّية‪ ،‬بالغ الأهم ّية بالن�سبة �إىل امل�شروع الأمريكي‪ّ -‬‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع احلا ّيل يف ّ‬ ‫ال�ساحة اال�سرتاتيج ّية ا ّلتي ّ‬ ‫ت�شكل مدخ ًال �إىل �آ�سيا و�أفريقيا و�أوروبا‪،‬‬ ‫بهدف الهيمنة على تلك ّ‬ ‫و�إعادة تكوينها على �شكل بيئة عن�صر ّية مذهب ّية وعرق ّية حا�ضنة لإ�سرائيل‪ -‬الدّ ولة العن�صر ّية‬ ‫ال�صهيون ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫و�سي العلني منذ‬ ‫وهو لي�س �أقل من حرب عامل ّية بجميع مقايي�س احلروب ّ‬ ‫خا�صة بعد الدّ خول ال ّر ّ‬ ‫ال�ستار)‪.‬‬ ‫ال�سنة ّ‬ ‫(وال�صيني خلف ّ‬ ‫حواىل ّ‬ ‫اخلي �سيا�س ّياً‬ ‫يف حرب فييتنام‪ ،‬كانت هزمية �أمريكا نكراء عام ‪ّ ،1975‬‬ ‫لكن متا�سك و�ضعها الدّ ّ‬ ‫ال�سوفياتي فوراً �إىل �أفغان�ستان‪ّ ،‬‬ ‫لتتمكن من �إ�سقاطه‬ ‫واقت�صاد ّياً‪ّ ،‬مكنها من نقل حربها �ضدّ االتحّ اد ّ‬ ‫بعد �أن ن�صبت فخّ اً جلي�شه �شبيهاً بفخ فييتنام لأمريكا‪.‬‬ ‫ال�سوفياتي الذي كان متداعياً �أ� ً‬ ‫حتملت �أمريكا‬ ‫ّ‬ ‫يتحمل ّ‬ ‫ال�صدمة (كما ّ‬ ‫صال‪ ،‬مل ّ‬ ‫لكن نظام االتحّ اد ّ‬ ‫ال�سوفياتي‬ ‫�صدمة هزمية فييتنام)‪ ،‬فكان االنهيار املد ّوي يف ‪ ،1991‬ثالث �سنوات بعد خروج اجلي�ش ّ‬ ‫من �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫درو�س بليغة ّ‬ ‫ميكن تعلّمها من فهم التاريخ‪.‬‬

‫ال�صراع ال مهرب منه‪،‬‬ ‫ال�صراع ا ّلتي نعي�ش فيها ك�شعوب م�شرق ّية‪ :‬خو�ض ّ‬ ‫�أهمها يف �ساحة ّ‬ ‫إ�سرائيلي‪.‬‬ ‫فالهجمة لن تتوقف طاملا ا�ستم ّر الوجود ال‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع لإ�سقاط امل�شروع الأمريكي هو‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫منا�ص منها‪ّ :‬‬ ‫ال�ضروري ا�ستيعاب حقيقة ا�سرتاتيج ّية ال ّ‬ ‫ال�صراع مل تعد اجلغرافيا الفل�سطين ّية‬ ‫ال�صهيوينّ‪ .‬لذلك‪� ،‬ساحة ّ‬ ‫الوجه الآخر ل�صراع �إزالة الكيان ّ‬ ‫اريخي لل�صهيون ّية هو �إ�سرائيل‬ ‫فقط‪ ،‬بل امل�شرق بكامله‪ ،‬وهذا لي�س بامل�ستغرب‪ ،‬ل ّأن الهدف ال ّت ّ‬ ‫‪95‬‬


‫التورات ّية من النيل �إىل الفرات‪.‬‬ ‫ال�صراع‪� ،‬سوف تكون قا�صرة عن حت�ضري املقدّ رات ّ‬ ‫ال�ضرور ّية ملواجهته‪ ،‬ناهيك‬ ‫�أ ّية نظرة �أخرى �إىل ّ‬ ‫عن هزميته‪.‬‬ ‫نعم‪ ،‬البو�صلة هي فل�سطني‪ .‬لكن فل�سطني اليوم لي�ست جغرافيا ‪ ،1948‬بل جغرافيا عام ‪،2050‬‬ ‫وعندها بح�سب ّ‬ ‫ال�صهيون ّية‪ ،‬ي�صل عدد اليهود �إىل ‪ 12‬مليوناً يعي�شون يف �إ�سرائيل‬ ‫خمطط احلركة ّ‬ ‫التورات ّية‪.‬‬ ‫ال جدال �أن فل�سطني هي البو�صلة‪ ،‬لكن فل�سطني هي امل�شرق بكامله‪.‬‬ ‫الغربي‬ ‫ا�سرتاتيجية متكاملة ملواجهة امل�رشوع اال�ستعماري‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫‪96‬‬


‫�أدب‬

‫الرحابنة‬ ‫ال�سرّ د يف امل�رسح الغنائي عند ّ‬

‫(مي�س ال ّرمي �أمنوذجاً)‬

‫�سينا مقلد ‪ -‬طالبة دكتوراه بالأدب العربي باجلامعة اللبنانية‬

‫ال�شفهي‪� ،‬أو املكتوب‪ ،‬ا ّلذي يتعهد الإخبار‬ ‫ال�سرد‪ ،‬هو اخلطاب ّ‬ ‫يجمع ّ‬ ‫الدار�سون على �أنّ ّ‬ ‫لتتابع ِ‬ ‫امل�شاه ِد‪ ،‬احتوا ًء منه‬ ‫عن واقع ٍة ما �أو �سل�سلة من الوقائع‪ ،‬من خالل ٍ‬ ‫نظام ُمعينّ ٍ ِ‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ال�صورة ال ّثابتة �أو ّ‬ ‫للواقعة �أو للوقائع تلك‪ ،‬و ُيعبرّ فيه عن ّ‬ ‫املتحركة ‪ .‬وقد ُيعبرَّ‬ ‫ال�صورة ّ‬ ‫الرق�ص‪� ،‬أو التعبري الإميائي‪� ،‬سواء �أكان‬ ‫�أي�ضاً عن طريق احلركي غري الكالمي‪ ،‬بوا�سطة ّ‬ ‫وال�سرد بهذا املعنى ذو عموم ّية �شديدة‪ ،‬ولكن ت�أتي خ�صو�صيته‬ ‫تعبرياً فردياً �أو جماعياً‪ّ ،‬‬ ‫أدبي‪ ،‬علماً �أن مفهومه‪ ،‬ما زال يواجه التبا�ساً حيث تتداخل �آراء الباحثني‪،‬‬ ‫من ّ‬ ‫ال�سرد ال ّ‬ ‫الق�ص‪ ،‬مع‬ ‫ت�سجل وقائع تاريخ ّية‪ ،‬وما بني م�صطلح ّ‬ ‫وا�شتباكاً ما بني حكايات ال ّتاريخ ا ّلتي ّ‬ ‫م�صطلح احلكي‪ ،‬وكذلك مع م�صطلح اخلطاب‪ ،‬وي�أخذ البع�ض على ال ّنقاد ا ّلذين يطلقون‬ ‫ال�سرد غري اللغوي‪ ،‬بهدف تخلي�صه من تلك االلتبا�سات‪ ،‬ليعودوا يف‬ ‫ال�سرد على ّ‬ ‫م�صطلح ّ‬ ‫نها ّية املطاف �إىل ال ّت�سليم ب�أن مفهومه ما زال ملتب�ساً‪.‬‬ ‫"ال�سرد ميكن �أن يوجد عاملاً تخيل ّياً متنوعاً مفتقداً �إىل املوثوق ّية"(‪.)2‬‬ ‫لكن ميكننا القول �إنّ ‪ّ :‬‬ ‫ال�سرد مت ّثل بن ّية مت�شابكة‪ ،‬حتكمها عنا�صر‬ ‫ذلك �أن امل�ستويات ا ّلتي يتمظهر من خاللها ّ‬ ‫ال�سردي‪.‬‬ ‫ال�سرد �أو اخلطاب ّ‬ ‫حتليل ّية هي م�ستوى الوظائف‪ ،‬م�ستوى الأفعال‪ ،‬وم�ستوى ّ‬ ‫مقدمة كتابه "عن را�سني"‪ ،‬حني �أكّ د �أنّ‬ ‫يذكّ رنا م�ستوى الوظائف مبا �أ�شار �إليه بارت يف ّ‬ ‫غا ّية درا�سته هي الك�شف عن الوظائف والوحدات للقيام بالتحليل(‪ ،)3‬والوظائف ا ّلتي‬ ‫الرباط‬ ‫‪ -1‬بارت‪ ،‬روالن‪ :‬التّحليل‬ ‫للسرد‪ ،‬ترجمة حسن بحراوي وآخرون‪ ،‬اتحاد كتاب المغرب‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫البنيوي ّ‬ ‫‪1992‬م‪ ،‬ط أولى‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫المسرحية‪،‬‬ ‫الرو ّاية و‬ ‫ّ‬ ‫السرد بين ّ‬ ‫‪ -2‬سالم‪ ،‬أبو الحسن‪ :‬فنون ّ‬ ‫‪p.mwww.ahewar.org/debat/show.abt.asp.7/02/2012 8.36‬‬ ‫‪3- Roland Barthes: Racine, éditions du seuil, collection points, Paris 1970, page 5.‬‬ ‫‪97‬‬


‫ال�سردي‪،‬‬ ‫ال�سرد ّية ّ‬ ‫ال�صغرية ا ّلتي يت�أ�س�س وفقها اخلطاب ّ‬ ‫يق�صدها هي الوحدات البنائ ّية ّ‬ ‫وتتعدد‪ ،‬فقد تت�سع لت�شمل مقاطع ب�أكملها‪ .‬وقد‬ ‫وتت�شكل من جممل مك ّونات ال ّن ّ�ص ّ‬ ‫تت�ضاءل لتكون يف م�ستوى اجلزئيات ا ّللفظ ّية كالكلمة(‪ )1‬ا ّلتي حتمل معنى‪ ،‬وحتيل �إىل‬ ‫�صفة �أو حدث �أو عالقة �أو حركة �أو فعل‪� ،‬أو حرف من حروف املعاين‪� ،‬أو �ضمري‪ .‬هذه‬ ‫الوحدات ا ّلتي تندرج يف �سياق البنية الكربى لل ّن ّ�ص‪ ،‬تكون وظيفتها هي العمل على‬ ‫متا�سك البنية‪.‬‬ ‫ال�شخ�صيات‪ ،‬كما ب�إمكانه �أن‬ ‫الدخول �إىل عقول ّ‬ ‫ال�سرد ّ‬ ‫ي�ستطيع امل�ؤ ّلف عرب وظائف ّ‬ ‫ال�سر ّية للأفعال يف ق�صته �أو يف ثنايا احلدث امل�سرحي‪ ،‬وكذلك اجلوانب‬ ‫يك�شف امل�صادر ّ‬ ‫ال�شخ�صيات‪.‬‬ ‫غري املعروفة عند كل �شخ�ص ّية من ّ‬ ‫ال�سرد وعن التبا�س مفهومه عند ال ّنقاد‪ ،‬ف�إ ّننا قدمنا ملحاولة‬ ‫و�إذا تك ّلمنا‪ ،‬ب�شكل ّ‬ ‫عام‪ ،‬عن ّ‬ ‫الرحابنة‪ ،‬بغ ّية تبيان ذلك ومتظهره من خالل م�سرحيتهم‬ ‫مقاربته يف امل�سرح‬ ‫الغنائي عند ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرمي"‪.‬‬ ‫"مي�س ّ‬ ‫الغنائي اللبناينّ‪:‬‬ ‫امل�رسح‬ ‫ّ‬

‫ا�ستعان امل�سرح اللبناين‪ ،‬ومنذ بدايته‪ ،‬باملو�سيقى والغناء‪ ،‬وخري دليل على ذلك جتارب‬ ‫�آل نقا�ش‪ ،‬و�أحمد �أبو خليل القباين‪ ،‬وغريهم يف لبنان وم�صر‪ ،‬حيث بدت العالقة قو ّية‬ ‫بني امل�سرح والغناء‪ ،‬لين�ش�أ بعد ذلك م�سرح يغلب عليه الغناء واال�ستعرا�ض على احلوارات‬ ‫خا�صة لها مق ّوماتها الفن ّية ا ّلتي تختلف يف بع�ض‬ ‫العاد ّية‪ ،‬وهذا �أ ّدى �إىل ابتكار �صياغة ّ‬ ‫ال�صياغة امل�سرح ّية املعهودة‪.‬‬ ‫خطوطها عن ّ‬ ‫�أوجد امل�سرح الغنائي يف املثال اللبناين‪ ،‬عالقات مع �أمناط �أخرى من الفنون‪ ،‬م�ستوحاة‬ ‫ال�شعب ّية‪� ،‬أثّرت(‪ )2‬و�ساعدت يف ن�ش�أته وتطوره‪ ،‬ال �سيما تلك ّ‬ ‫الظواهر الترّ اث ّية‪،‬‬ ‫من ال ّثقافة ّ‬ ‫ال�شعب ّية‪� ،‬أعرا�س‪� ،‬أعياد‪ ،‬فولكلور‪� ،‬أو يف ال ّزجل‬ ‫ا ّلتي ميكن �إيجادها يف بع�ض االحتفاالت ّ‬ ‫‪1- Roland Barthes: Introduction à l’analyse structural du récit: in com‬‬‫‪munication n8, 1996, page 14.‬‬ ‫االثنولوجية والفولكلور‪ ،‬ترجمة محمد الجوهري‪ ،‬وحسن‬ ‫‪ - 2‬هو لتكرانس (ايكه)‪ :‬قاموس مصطلحات‬ ‫ّ‬ ‫طبعة األولى‪1972 ،‬م‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫الشامي‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪98‬‬


‫�أدب‬

‫ال�شعب ّية‪� ،‬أو احلكايات‪ ،‬منها تلك‬ ‫وما يرافقه من مبارزات �شعر ّية‪ ،‬وكذلك الأقا�صي�ص ّ‬ ‫املتعلقة بالقب�ضايات وقطاع ّ‬ ‫ال�ضيعة‪ ،‬وبراءتها وعفويتها املختلطة‪ ،‬بطبيعة‬ ‫الطرق‪ ،‬وحكايا ّ‬ ‫القر ّية وبيئتها‪ّ ،‬‬ ‫ال�شعب ّية عرب ال ّزمن؛ وجدنا �أثرها‬ ‫املخيلة ّ‬ ‫ف�شكلت ما ّدة بالغة الغنى يف تغذ ّية ّ‬ ‫الغنائي‪.‬‬ ‫وا�ضحاً يف م�سرحنا‬ ‫ّ‬ ‫اللبناين‪ ،‬ومن ّ‬ ‫الظواهر الفولكلور ّية‪� ،‬صوراً‬ ‫عبي‬ ‫ا�ستعار الأخوان رحباين‪ ،‬من الترّ اث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ش ّ‬ ‫الغنائي‪ّ ،‬‬ ‫الذي كان واحداً من �أهدافه �إحياء‬ ‫خمتلفة‪� ،‬أدخالها يف �صلب تكوين م�سرحهما‬ ‫ّ‬ ‫اخلا�ص‪.‬‬ ‫وحي‬ ‫ّ‬ ‫والوجداين ّ‬ ‫هذا الترّ اث‪ ،‬واحلفاظ على طابعه ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫كما �أنهما عك�سا الواقع ب�إ�شكالياته وانك�ساراته‪ ،‬لكن لي�س بخطاب ّية مبا�شرة و�إنمّ ا بكثري من‬ ‫الرمي" واحدة من امل�سرح ّيات ا ّلتي ّقدمها الأخوان‬ ‫والرمز ّية واال�ستعارة‪" ،‬مي�س ّ‬ ‫الإيحاء ّ‬ ‫مبقدمة مو�سيق ّية‪،‬‬ ‫رحباين‪ ،‬عر�ضت عام ‪1975‬م وهي كغريها تت�أ ّلف من ف�صلني‪ ،‬تبد�أ ّ‬ ‫عدة‪ ،‬ويرتبط ال ّتقطيع بدخول وخروج‬ ‫وتنتهي ب�أغنية‪ ،‬ويت�أ ّلف كل ف�صل من م�شاهد ّ‬ ‫ال�شخ�صيات‪ ،‬هو ّ‬ ‫الذي‬ ‫والرق�ص‪ ،‬وحوار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�شخ�صيات غالباً‪ ،‬كما �أنّ ال ّتناوب بني الغناء ّ‬ ‫الداخلي يف العر�ض‪.‬‬ ‫خا�صاً من ال ّتقطيع ّ‬ ‫يف�صل بني الأجزاء‪ ،‬مما يع ّزز نوعاً ّ‬ ‫الرمي ق�صة (ز ّيون) (فريوز) ا ّلتي ّ‬ ‫تعطلت �سيارتها يف �ساحة بلدة مي�س‬ ‫حتكي م�سرح ّية مي�س ّ‬ ‫الرمي‪ ،‬فتبحث عن ميكانيكي لإ�صالحها‪ ،‬كي تتابع طريقها �إىل حفل زواج ابنة خالتها يف‬ ‫ّ‬ ‫قرية "كحلون"‪( ،‬قر ّية جدتها)‪ ،‬وكانت حتمل للعرو�س ف�ستان العر�س‪ .‬من خالل بحثها‬ ‫الرمي وبق�ضاياهم وخالفاتهم‪ ،‬وم�صاحلاتهم‪،‬‬ ‫عن امليكانيكي؛ تن�ش�أ عالقتها ب�أهايل مي�س ّ‬ ‫ال�سرد من خالل الأغن ّية �أكرث مما ي�أتي من خالل العنا�صر‬ ‫وحلّ م�شاكلهم‪ .‬وهنا ي�أتي ّ‬ ‫الأخرى‪ .‬وبا ّللهجة العام ّية‪ ،‬واملحك ّية اللبنان ّية‪ ،‬وهي لغة غن ّية مبفرداتها‪ ،‬ا�ستغ ّلت �أف�ضل‬ ‫ا�ستغالل مفهومي القيا�س واال�شتقاق‪ ،‬وت�أثّرت بال ّتفاعل احل�ضاري ا ّلذي ح�صل نتيجة‬ ‫االحتكاك ب�شعوب �أخرى �سكنت لبنان واملناطق املجاورة‪.‬‬ ‫الرمي" عودة الأخوين رحباين �إىل القر ّية‪ ،‬وك�أ ّنهما افتقداها بعد‬ ‫تبينّ م�سرح ّية "مي�س ّ‬ ‫غياب ع�شر �سنوات‪ ،‬وحتكي ق�صة عائلتني ّ‬ ‫قوي منذ ع�شرين �سنة‪.‬‬ ‫يتحكم بينهما خالف ّ‬ ‫يتزعمها حامت بو �شهيدة والعائلة ال ّثانية راجي �أبو نعمان‪ .‬وهذا اخلالف يقف‬ ‫العائلة الأوىل ّ‬ ‫حب بني حامت ابن راجي‪ ،‬و�شهيدة ابنة حامت‪.‬‬ ‫حائ ًال دون �إمتام ق�صة ّ‬ ‫ت�صل فتاة (فريوز) ُتدعى ز ّيون ا ّلتي حتاول �إ�صالح �سيارتها ا ّلتي تعطلت يف �ساحة مي�س‬ ‫‪99‬‬


‫مهتم ب�أمر خما�صمته خلطيبته �شهيدة‪.‬‬ ‫الرمي‪ ،‬لكن امليكانيكي نعمان ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدخلها‬ ‫هكذا وجدت ز ّيون نف�سها منغم�سة يف م�شاكل البلدة‪ ،‬لأ ّنها حاولت ح ّلها‪ ،‬لكن ّ‬ ‫تهم ب�أ ّنها �أ�صل امل�شكلة‪.‬‬ ‫يزيد امل�شاكل تعقيداً‪ ،‬و ُت ّ‬ ‫بعد احتدام اخلالف يلج�أ الأهايل �إىل خمتار املخاتري‪ ،‬ا ّلذي يقرر �أن يتز ّوج �شهيدة‪ ،‬ويعينّ‬ ‫تتدخل‬ ‫يوم ال ّزفاف‪ ،‬ويح�ضر اجلميع و ُتقام حفلة غناء ورق�ص‪ ،‬لكن يف ا ّللحظة الأخرية‪ّ ،‬‬ ‫الغريبة "ز ّيون"؛ لتتو�سط لدى خمتار املخاتري‪ ،‬ليعيد العرو�س �إىل عري�سها ويعيد بذلك‬ ‫البهجة �إىل قلبني �شابني‪ ،‬فيعود الوفاق بني الأهايل؛ يوافق املختار �شرط �أن تقبل هي به‬ ‫م�سن وز ّيون �صب ّية ال تزال حتلم وتريد �أن‬ ‫زوجة‪ .‬لكن يكون قد فات الأوان‪ ،‬فاملختار رجل ّ‬ ‫تتابع طريقها �إىل عامل جديد‪.‬‬ ‫الرمي" حكاية القرية اللبنان ّية كما هي‪:‬‬ ‫يحكي الأخوان رحباين يف "مي�س ّ‬ ‫تقول "ز ّيون" مغن ّية‪ :‬يا خمتار املخاتري بحكيلك احلكا ّية‬

‫الرمي"‪ ،‬ولكن هناك قر ّية ا�سمها "مي�س اجلبل" يف‬ ‫لي�س يف لبنان بلدة ا�سمها "مي�س ّ‬ ‫اجلنوب ا ّللبناين‪ ،‬ورمبا جاء ا�سم القرية من ا�سم �شجرة املَي�س الكبرية‪ .‬كما �أن القرية ا ّلتي‬ ‫تقول ز ّيون‪ ،‬بطلة امل�سرح ّية‪� ،‬أنها ذاهبة �إليها حل�ضور عر�س ابنة خالتها‪ ،‬وا�سمها "كحلون"‬ ‫الرحبانيان هذا اال�سم من �ضيعة "الكحلون ّية"‬ ‫ال توجد على خريطة لبنان‪ ،‬وربمّ ا ا�ستوحى ّ‬ ‫(ال�شوف)‪ ،‬والتي قد يكون ا�سمها ال�شتهار �أهلها ب�صناعة الكحل‪.‬‬ ‫يف منطقة ّ‬ ‫مت ّثل هذه االفرتا�ض ّية حلّ عا�صي ومن�صور‪ ،‬مل�س�ألة ت�سمية املكان ّ‬ ‫تتم فيه �أحداث � ّأي‬ ‫الذي ّ‬ ‫من م�سرحياتهما‪ ،‬عدا تلك املرتبطة بوقائع تاريخ ّية‪ .‬وقد جاءت �أ�سماء الأمكنة‪ ،‬متناغمة‬ ‫الدرامي‪ ،‬كما تركت انطباعات جميلة عند‬ ‫الدور ا ّلذي يلعبه املكان يف �سياق العمل ّ‬ ‫مع ّ‬ ‫ي�صح ذلك‪.‬‬ ‫كمحر�ض للمقارنات والإ�سقاطات عندما ّ‬ ‫امل�شاهدين ا ّلذين حفظوها‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫تعيدنا "ز ّيون" القادمة من املدينة‪ ،‬واملتوقّفة يف طريقها �إىل �ضيعة جدتها "كحلون"‪� ،‬إىل‬ ‫الرمي"‪.‬‬ ‫ثالثينات القرن الع�شرين‪ ،‬بداللة موديل ّ‬ ‫ال�س ّيارة ا ّلتي تعطلت بها يف بلدة "مي�س ّ‬ ‫الرمي"‪ ،‬ا ّلتي ُتطلّ عليها جمموعة من املنازل ال ّتقليد ّية‪ ،‬املبن ّية‬ ‫امل�شهد يظهر �ساحة "مي�س ّ‬ ‫من احلجر الأبي�ض‪ ،‬وامل�سقوف بالقرميد الأحمر‪ ،‬واملز ّينة ب�أحوا�ض ال ّزهور املل ّونة‪ ،‬ونباتات‬ ‫املنازل‪ ،‬وقد تطاولت يف امتدادها كالعرائ�ش �صعوداً‪ ،‬وتد ّلت على ال ّنوافذ‪ ،‬ت�ستقبل �شم�ساً‬ ‫‪100‬‬


‫�أدب‬

‫ُو ِل َدت ل َت ّوها من خلف اجلبال‪ ،‬وبد�أت �أ�شعتها ّ‬ ‫ال�ساحة‪ ،‬وك�أ ّنها ترافق‬ ‫تت�سرب �إىل ّ‬ ‫الطر ّية ّ‬ ‫"ز ّيون" يف رحلتها امل�شهد ّية تلك‪ ،‬مع املقدمة املو�سيق ّية‪ ،‬تنتقل بنا �إىل حالة من االرتباك‬ ‫واحلزن‪ ،‬ا ّلتي اعرتت الفتاة الغريبة ا ّلتي ّ‬ ‫احلرا�س‪ ،‬للترّ حيب‬ ‫تعطلت �سيارتها‪ ،‬في�ستقبلها ّ‬ ‫الرمي"‪.‬‬ ‫بها يف بلدتهم "مي�س ّ‬ ‫ت�سرد عليهم حكايتها‪:‬‬ ‫�أنا �إ�سمي زيون‪/‬عندي باملدينة حمل بيع �صحون‪/‬هندي �صيني‪/‬و�ستي من �ضيعة‬ ‫كحلون‪...‬‬ ‫الرحابنة يف داخل القر ّية اللبنان ّية بكلّ ما فيها من‪ :‬خالفات عائل ّية‪ ،‬م�شاكل‬ ‫�إذن و�ضعنا ّ‬ ‫الريف ّية‪ ،‬ومالمح‬ ‫عاطف ّية‪� ،‬شخ�صياتها هي‪ :‬املختار‪ّ ،‬‬ ‫ال�شرطي البلدي‪ ،‬ال ّنا�س مبالب�سهم ّ‬ ‫ال�شروال‪ّ ،‬‬ ‫الطربو�ش‪ ،‬امل�شالح‪ ،‬الع�صي‪�...‬إلخ‪.‬‬ ‫�أخرى‪ّ :‬‬ ‫الرمي" فقد اكتملت يف متابعة‬ ‫�إذا كانت ّ‬ ‫ال�صفات القروية مل تكتمل بكاملها يف "مي�س ّ‬ ‫ّ‬ ‫الطريق مع ز ّيون �إىل "كحلون" القرية‪ ،‬املق�صودة �أ�سا�ساً هناك‪:‬‬ ‫مطرح اللي بيبكي وبيحفر احل�سون‪ /‬ا�سمو على خيال احلور بكحلون‪ /‬ونحنا ب�سهر‬ ‫كحلون‪ /‬منقطف العنب والتني‪ /‬وبيمرق ت�شرين‪ /‬ياخد �سهرياتنا و�صوات القطافني‪ /‬ما‬ ‫ال�صيف مك�سرة عاملفرق‪.‬‬ ‫بيبقى بكحلون �إال الغيم الأزرق‪ /‬وبيارق ّ‬ ‫�إىل "كحلون" كانت ت�سري "ز ّيون"‪ ،‬لك ّنها توقّفت يف و�سط امل�سافة بني املدينة القادمة‬ ‫واخلارجي‪ ،‬فريوي لنا حكاية‬ ‫اخلي‬ ‫ال�سرد على امل�ستوى ّ‬ ‫منها‪ ،‬وبني كحلون‪ ،‬وهنا يبدو ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫امللحن‪.‬‬ ‫امللحن وغري ّ‬ ‫ال�سرد ّ‬ ‫ز ّيون مبا�شرة‪ ،‬وتلميحاً‪ ،‬عرب ّ‬ ‫الرمي" من حيث كونه �إعما ًال للمخ ّيلة ّ‬ ‫الذهن ّية الإبداع ّية‬ ‫ّ‬ ‫ميتد ّ‬ ‫ال�سرد يف م�سرح ّية "مي�س ّ‬ ‫ال�صورة �إنمّ ا‬ ‫الراق�صة‪ ،‬فكلّ ما وقع حتت مفهوم ّ‬ ‫ال�صورة ال ّت�شكيل ّية‪ ،‬ويف ّ‬ ‫يف ّ‬ ‫ال�صورة ال ّتعبري ّية ّ‬ ‫اجل�سدي‬ ‫والرق�ص‪ ،‬حدث درامي ير�سم بال ّتعبري‬ ‫هي بنت اخليال وفعل التخييل‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فالدبكة‪ّ ،‬‬ ‫للراق�صني مب�صاحبة ا ّللحن املو�سيقي املنا�سب‪ ،‬ومب�شاركة اجلوقة‪ ،‬لوحة‪ ،‬ويو�صل ر�سالة‬ ‫ّ‬ ‫ويعالج فكرة والكثري من اللوحات ال ّت�شكيل ّية؛ ا ّلتي تعطي امل�شاهد داللة معينة‪ ،‬كما يف‬ ‫الرمي‪ ،‬حيث ت�صبح الكلمات‬ ‫ا ّللقاء العا�صف بني العائلتني املت�صارعتني يف �ساحة مي�س ّ‬ ‫واحلروف هي الألوان‪ ،‬والإ�ضاءة‪ّ ،‬‬ ‫والظالل‪ ،‬وال ّتكوينات اللون ّية‪ ،‬ا ّلتي تر�سم موقفاً تعبري ّياً؛‬ ‫‪101‬‬


‫بال�سعادة �أو بالغ�ضب‪ .‬يف هذه امل�سرح ّية جند �سرداً ت�صوير ّياً‬ ‫ّ‬ ‫ي�شف عن �شعور باخلوف �أو ّ‬ ‫و�صف ّياً للخالف القائم بني العائلتني‪ ،‬ولأثر هذا اخلالف على عالئق ال ّنا�س‪ ،‬وحلاالت‬ ‫احلزن والفرح واحلب‪ ،‬والأمل‪ ،‬وملواقف ال ّتباهي وال ّتفاخر ا ّلتي تل ّون بع�ض جوانب حياة‬ ‫�أهل القرية اللبنان ّية بتناق�ضات غري تناحر ّية‪ ،‬تعود يف الغالب �إىل ُم َركّ بات نق�ص جتاه بع�ضهم‬ ‫البع�ض‪ .‬فتتمظهر �أمامنا بع�ض اجلوانب االجتماع ّية‪ ،‬ال ّنف�س ّية‪ ،‬مع ما يحمل كلّ ذلك‬ ‫امل�سرحي‬ ‫ال�سرد‬ ‫من �إ�شارات �سيا�س ّية‪ّ ،‬‬ ‫يقدمه �إلينا امل�ؤ ّلف ب�أ�سلوب وبلغة ب�سيطة‪ .‬ونرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫خا�صة عندما "ي ّتهم خمتار املخاتري ز ّيون ب�أنها مثل جدتها‬ ‫يتداخل يف حوار ّ‬ ‫ال�شخ�صيات‪ّ ،‬‬ ‫ما�ض قريب‪،‬‬ ‫ال�شخ�ص ّية �إىل و�صف موقف م�سرتجع من ٍ‬ ‫�صاحبة م�شاكل"‪� ،‬أي عندما متيل ّ‬ ‫ال�صدق‪� ،‬أو التخ ّيل �أو الوهم‪.‬‬ ‫�أو بعيد‪� ،‬سواء ت� ّأ�س�ست على حممل ّ‬ ‫الرمي" ّ‬ ‫الطبيع ّية‪ ،‬كالهما‪ ،‬نعمان‬ ‫االزدواج ّية يف �شخ�ص ّية العا�شق يف جمتمع "مي�س ّ‬ ‫و�شهيدة‪� ،‬ضح ّية اخلالفات املفتعلة‪ ،‬ومركبات ال ّنق�ص ّ‬ ‫املتحكمة بردود فعل املحيطني بهما‪،‬‬ ‫ال�شابني �أو يزيد‪ .‬ما يريده‬ ‫والق�ض ّية لي�ست يف اخلطيبني‪ ،‬فعمر ال ّتناق�ضات يعادل عمر ّ‬ ‫احلب ّ‬ ‫الذي ال يتعاي�ش مع حالة ال ّتناحر ا ّلتي ت�ضع ك ًال منهما‬ ‫اخلطيبان ويحتاجان �إليه هو ّ‬ ‫ال�صراعات‪ ،‬يعود العا�شقان �إىل ّ‬ ‫الذكريات ويف قلبيهما ح�سرة‪،‬‬ ‫يف جبهة �صراع‪ .‬وبعيداً عن ّ‬ ‫ومت ّني �أن تعود (الأ ّيام العتيقة)‪.‬‬ ‫ال�سردي وهو يعني التكرار(‪ ،)1‬ولكنه تكرار مق�صود ّ‬ ‫موظف لغايات فن ّية ونف�س ّية‬ ‫�أما الإيقاع ّ‬ ‫واخلط واللون‪ّ ،‬‬ ‫وفكر ّية يف العمل‪ ،‬فالإيقاع ي�ضبط حركة احلدث واملكان وال ّزمان‪ّ ،‬‬ ‫وينظمها‬ ‫و ُيك�سبها معنى جديداً‪ ...‬بعداً جديداً‪� ...‬أفقاً �آخر عند كلّ تكرار‪ .‬مييل البريي�س �إىل‬ ‫الفن يعتمد‬ ‫الفن‪� ،‬إذ يرى �أن الإيقاع هو ّ‬ ‫�إعطاء �أهم ّية خا�صة للإيقاع يف ّ‬ ‫الفن(‪ ،)2‬مبعنى �أنّ ّ‬ ‫يف ّ‬ ‫ت�شكله وتعامله مع �أدواته‪ ،‬ومو�ضوعاته على توظيف الإيقاع فيه‪ ،‬الأمر ا ّلذي يجعل‬ ‫الرمي"‬ ‫العمل الفني حمكم البناء من�سجم ّ‬ ‫ال�شكل وامل�ضمون‪ .‬الإيقاع يف م�سرح ّية "مي�س ّ‬ ‫الرمي‪� ،‬ضيعة كحلون) والأزمنة (حالة العائلتني منذ‬ ‫ير�صد عامل الأمكنة (�ساحة مي�س ّ‬ ‫ع�شرين �سنة‪ ،‬و�صف قرية كحلون منذ ع�شر �سنوات)‪ ،‬كما يالحق الأحداث يف حركتها‪،‬‬ ‫وتغيرّ ها‪ ،‬وبنائها ومدلوالتها‪ ،‬وير�سم اخلطوط الإيقاع ّية املنتظمة فيما بينها‪ ،‬ا ّلتي ّ‬ ‫ت�شكل‬ ‫الروائي عند البيريس‪ ،‬المجّلة‪ ،‬عدد ‪ ،173‬القاهرة‪ ،‬مايو ‪1971‬م‪ ،‬ص ‪.8‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫عطية‪ ،‬نعيم‪ ،‬اإليقاع ّ‬

‫‪ - 2‬هو لتكرانس (ايكه)‪ :‬قاموس مصطلحات‬ ‫االثنولوجية والفولكلور‪ ،‬ترجمة محمد الجوهري‪ ،‬وحسن‬ ‫ّ‬ ‫طبعة األولى‪1972 ،‬م‪ ،‬ص ‪.158‬‬ ‫الشامي‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬ال ّ‬ ‫ّ‬

‫‪102‬‬


‫�أدب‬

‫بناء امل�سرح ّية ومعمارها وهند�ستها‪� .‬إذن يتابع الإيقاع ر�صد العاملني‪ :‬اخلارجي‪ /‬املرئي‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫لل�شخ�ص ّية‬ ‫والداخلي‪ /‬اخلفي‪ /‬اجلواين ّ‬ ‫الظاهري ّ‬ ‫لل�شخ�ص ّية واحلدث واملكان‪� ...‬إلخ‪ّ ،‬‬ ‫لل�صلح‬ ‫نف�سها‪ ،‬احلدث نف�سه‪� ...‬إلخ‪� ،‬إذ تظهر �شخ�ص ّية ز ّيون من ّ‬ ‫الداخل‪ ،‬ويظهر �سعيها ّ‬ ‫ي�ستمر تط ّور‬ ‫بدافع ت�سهيل �إ�صالح �سيارتها‪ ،‬ثم ال مباالتها �أمام تفاقم اخلالفات حيث‬ ‫ّ‬ ‫�شخ�صيتها و�صو ًال �إىل حماولتها �إ�صالح احلال و�إعادة العرو�س للعري�س‪ .‬كذلك ي ّت�ضح‬ ‫ت�أثّرها‪ ،‬عند عجزها عن �إي�صال الف�ستان للعرو�س قبل العر�س‪ ،‬مما يدفعها �إىل اال ّت�صال‬ ‫بجدتها يف حماولة منها لل ّتقليل من نتائج عدم ارتداء العرو�س‪ ،‬للف�ستان الأبي�ض رمز‬ ‫العر�س‪ ،‬والفرح‪ :‬فتقول لها‪:‬‬ ‫�ألو؟ �ألو؟ �ستي‪ /‬ا�شتقتلك يا �ستي‪ /‬ع ّلي �صوتك‪� /‬صوتك بعيد‪.../‬‬ ‫ال�سرد مع احلوار هنا تظهر‬ ‫جند يف حوار "ز ّيون" هذا التط ّور ّ‬ ‫اخلي ل�شخ�صيتها‪ ،‬وتداخل ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫لل�شخ�صيات‪،‬‬ ‫حركة العامل‬ ‫اخلي ّ‬ ‫اخلارجي تلتقي‪ /‬تنف�صل‪ /‬تتداخل مع حركة العامل ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�شخ�ص ّية وخارجها‪ ،‬اخلالف بني‬ ‫وت�شكل �إيقاعاً مع ّيناً وعالقة مع ّينة‪ ،‬ما بني داخل ّ‬ ‫عائلتي نعمان و�شهيدة‪ ،‬وت�أثريه على عالقتهما‪ ،‬وكيف ّية ت�أثرهما وحزنهما و�شوقهما‪ ،‬حيث‬ ‫ال�شباك وت�سهرين‪.‬‬ ‫يطلّ نعمان من نافذة بيته‪ ،‬ويقول‪ :‬كانت مثل هلق تفتح ّ‬ ‫ال�شباك وي�س ّهرين‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫وبنف�س الوقت تطل �شهيدة وتقول‪ :‬كان مثل هلق يفتح ّ‬ ‫وهذا ما ينطبق على قول بول�سالف�سكي‪" :‬لتكن معانيك و�إيقاع كلماتك �صدى لعاملك‬ ‫اخلي‪ ،‬ليعود‬ ‫اخلي"(‪ ،)1‬فالعامل‬ ‫لل�شخ�ص ّية ي�ؤثّر ويغيرّ عامل ّ‬ ‫اخلارجي ّ‬ ‫ال�شخ�ص ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫هذا الأخري في�ؤثّر ويغيرّ جزءاً من العامل اخلارجي‪ ،‬وهكذا ت�صبح العالقة اجلدل ّية ما بني‬ ‫م�ستمرة �إىل ما ال نها ّية‬ ‫الداخل‪ ،‬يف حركة‬ ‫واقع الإن�سان اخلارج ومفهومه‪� ،‬أو ت�ص ّوره‪ّ /‬‬ ‫ّ‬ ‫من الت�أثّر والت�أثري‪ .‬كما ح�صل مع نعمان و�شهيدة‪ ،‬ظلم يحدث يف الواقع‪ /‬اخلارج‪ ،‬تت�أثّر‬ ‫ال�شخ�ص ّية‪ /‬ردة فعل‪ /‬نوعاً من العدل‪/‬‬ ‫ال�شخ�ص ّية بهذا �أو ينفعل عاملها‬ ‫اخلارجي‪ ،‬ت�صدر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرف�ض‪ /‬التغيرّ �إىل العامل اخلارجي‪ /‬قد يت�أثّر‪ /‬يتغري هذا العامل وتعود ال ّنتائج ت�ؤثّر يف‬ ‫ّ‬ ‫فت�ستقر‪� ،‬أو تزداد رف�ضاً ومقاومة‪ ،‬كما فعلت ز ّيون و�شهيدة يف‬ ‫اخلي‪،‬‬ ‫عامل ّ‬ ‫ال�شخ�ص ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫ال�سلطة‪.‬‬ ‫ومتردهما على �إرادة ّ‬ ‫رف�ضهما للزواج من خمتار املخاتري‪ّ ،‬‬ ‫‪1 -Richard Bokeslavsky, Acting: The first six lessons "Rhytln" theatre books.‬‬ ‫‪U.S.A 1966. Page: 103.‬‬ ‫‪103‬‬


‫درا�سة الإيقاع يف هذه امل�سرح ّية تك�شف عن عمق العالقات بني ال ّنا�س‪ ،‬كيف تن�ش�أ‬ ‫إن�ساين وحاله الوجود‪ /‬ما�ضيه – م�ستقبله‪.‬‬ ‫فتت�شكل ثم تتغيرّ ‪ ،‬هذا جزء من ر�صد الو�ضع ال ّ‬ ‫رئي�سي بالأحداث‪ ،‬من حيث وقوعها ّ‬ ‫وت�شكلها‪،‬‬ ‫ال�س ّ‬ ‫وائي ّ‬ ‫الإيقاع ّ‬ ‫ردي هنا ُيعنى ب�شكل ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫الكلي ويبلور عاملها ومغزاها وم�ضمونها‪.‬‬ ‫وتنظيمها يف ن�سقٍ معينّ ين�سجم مع بناء امل�سرح ّية ّ‬ ‫بال�شخ�صيات من حيث ّ‬ ‫واخلارجي وفق حركة الفعل‪،‬‬ ‫اخلي‬ ‫كما ُيعنى ّ‬ ‫ت�شكل عاملها ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫وردة الفعل ما بني العاملني‪.‬‬ ‫ردي‪ ،‬كما يف �أغنية فريوز (ز ّيون) حتكى حكا ّية‬ ‫ال�س ّ‬ ‫ال�سياق ّ‬ ‫وتلعب الأغنية دوراً حا�سماً يف ّ‬ ‫راجي و�شهيدة‪.‬‬ ‫ال�شيطنة بيناتن تر ّبى الهوى‬ ‫وع ّ‬ ‫ه ّوي وه ّيي اتنينتهن ربيو �سوا‪َ /‬‬ ‫إن�ساين‪ .‬لقد كان‬ ‫الرحباين ال ّ‬ ‫�إذن املواقف الإن�سان ّية ُت َف َع ُم بها احلوارات‪ ،‬واملواقف‪ ،‬يف الأدب ّ‬ ‫ال ّن�ص واللحن‪ ،‬وامل�شهد والعبارة املغ ّناة‪ ،‬رفاق الفقراء‪ ،‬واملظلومني‪ ،‬وامل�ضطهدين‪ ،‬وجميع‬ ‫من وقع عليهم ظلم �أو جتني �أو قهر املت�س ّلطني‪� ،‬أو �ضغط ّ‬ ‫الظروف‪� ،‬أو �سوء املعاملة واحلرمان‬ ‫الرحباين �أن "ال ف�صل بني الوطن ّية والإن�سان ّية‪ ،‬و�أن‬ ‫والإهمال‪ ...‬وكانت منهج ّية امل�سرح ّ‬ ‫ال �سالمة ملجتمع يحلُّ يف �أرجائه ظلم‪ ،‬من � ّأي نوع‪ ،‬اقت�صاد ّية‪ ،‬كانت �أ�سبابه‪� ،‬أم ثقاف ّية‪� .‬إنها‬ ‫لل�ضمائر‪ ،‬وحتري�ضاً للوعي والإدراك وحتفيزاً لرتك ال ّثقافات‬ ‫الرحبان ّية‬ ‫امل�ستمرة �إيقاظاً ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعرفة ّ‬ ‫البالية‪ ،‬واندفاعاً نحو ثقافة ع�صر ّية‪ ،‬وحياة متط ّورة �إن�سانها من منط جديد‪.‬‬ ‫يتم‬ ‫ال�سريع التكرار حيث ّ‬ ‫الرمي" باجلمل الق�صرية والإيقاع ّ‬ ‫يتم ّيز ّ‬ ‫ال�سرد يف "مي�س ّ‬ ‫تقدمي‪ ،‬احلكاية �أو احلدث‪ ،‬ثم يعاد جت�سيده �أو �إظهار �أبعاده‪ ،‬من خالل الأغاين‪ ،‬وهذا لي�س‬ ‫ومهمة‪.‬‬ ‫يت�ضمن �إ�ضافات وتفا�صيل عديدة ّ‬ ‫ال�سرد‪� ،‬إنمّ ا ّ‬ ‫جمرد تكرار عادي ملا �سبق �أن ّقدمه ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهو يخفّف من ال ّت�شويق‪ ،‬واالنفعاالت وال ّتوتر‪ ،‬مما ي�سمح للمتلقّي مبتابعة الأحداث بهدوء‪،‬‬ ‫ووعي ّ‬ ‫والربط بني الأ�سباب وال ّنتائج‪ ،‬لإدراك الكيف ّية ا ّلتي جرت وفقها‬ ‫ميكنه من التحليل ّ‬ ‫الأحداث‪.‬‬ ‫والر�شاقة‪ ،‬وجاء على م�ستويني‪ ،‬احلوار ال ّنرثي‪،‬‬ ‫ا ّت�سم احلوار بح�سن ال ّتعبري ّ‬ ‫وال�سال�سة ّ‬ ‫ال�شعر الغنائي با ّللهجة العام ّية‪ ،‬محُ ّم ًال بطاقة �شعر ّية عال ّية مركّ زة‬ ‫�إىل جانب احلوار عرب ّ‬ ‫ال�شعر‪.‬‬ ‫ومك ّثفة‪ ،‬مما جعلها تقرتب اقرتاباً �شديداً من لغة ّ‬ ‫‪104‬‬


‫�أدب‬

‫ال�سرد امل�سرحي‪:‬‬ ‫ومن �أبرز التقنيات ا ّلتي اعتمدها الأخوان رحباين يف ّ‬ ‫‪ - 1‬ال ّتتابع حيث االعتماد على �سرد الأحداث وفق تراتب ّية زمن ّية‬ ‫حمددة ال تخرج عن نطاق ال ّتتابع املكاين وال ّزماين‪ ،‬ففي "مي�س‬ ‫ّ‬ ‫الرمي" تتابع الأحداث يف املكان نف�سه‪ ،‬حيث تبد�أ من اخلالف بني‬ ‫ّ‬ ‫العرو�سني وتنتهي بحفل زفافهما وكلّ ذلك يف �ساحة البلدة‪.‬‬ ‫‪ - 2‬ال ّتداخل‪ ،‬حيث تتداخل الأحداث يف ما بينها‪ ،‬وتخلط �أوراق‬ ‫املتعددة من �شخ�ص ّية �أو‬ ‫ّ‬ ‫ال�شخ�صيات ب�سبب االرتدادت‪ ،‬والقفزات ّ‬ ‫حدث‪� ،‬إىل �شخ�ص ّية وحدث �آخر؛ لتخرج يف نها ّية امل�سرح ّية بنتائج‬ ‫بحد ذاتها‪ ،‬نعمان و�شهيدة‪،‬‬ ‫متعددة تتع ّلق بكلّ ق�صة �أو �شخ�ص ّية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع القدمي بينهما‪ّ ،‬‬ ‫والذي يعود‬ ‫راجي بو نعمان وحامت بو �شهيدة‪ّ ،‬‬ ‫�إىل ع�شرين �سنة‪ ،‬ز ّيون وجدتها‪ ،‬خمتار املخاتري‪� ...‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ - 3‬التوازي‪ :‬حيث يتم تقدمي �شخ�صيات‪ ،‬و�أحداث خمتلفة‪ ،‬ب�صورة‬ ‫متوازية ومتما�شية وفق تراتب ّية زمن ّية رغم �إذابته للرابط املكاين بينها‪،‬‬ ‫ووالد نعمان ويف م�شهدين متزامنني‬ ‫والد �شهيدة ّ‬ ‫مثل �سعي كلّ من ّ‬ ‫لالنتقام كلّ من الآخر‪ ،‬وتكليف قب�ضاي بتنفيذ االعتداء‪.‬‬ ‫الدائري‪ :‬تبد�أ امل�سرح ّية من قمة الأزمة‪ ،‬اخلالف بني‬ ‫‪ - 4‬ال ّن�سق ّ‬ ‫احلبيبني على خلف ّية ال ّنزاع القدمي بني العائلتني ا ّلذي يفهم من تط ّور‬ ‫الأحداث‪ ،‬حيث تعود امل�شاهد �إىل البدايات‪ ،‬لتعود ّمرة ثان ّية �إىل‬ ‫تتابع الأحداث الآتية‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل نهايات العرو�ض جند �أنّ التفا�ؤل هو املهيمن‪ ،‬ولكن بان�سجام مع معطيات‬ ‫تقدم الأمثولة‪،‬‬ ‫درامية مفتوحة ّ‬ ‫الفنية‪ ،‬فالعر�ض ير�سم مالمح الأمل‪ ،‬من خالل بنية ّ‬ ‫البنية ّ‬ ‫�سيا�سي‬ ‫ق�ضية مع ّقدة‪ ،‬لها بعد‬ ‫وهي �أ�سلوب ُيطرح على �شكل حكا ّية‪ ،‬فكرة ما‪� ،‬أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫امل�سرحية بزواج‬ ‫ال�سعيدة ا ّلتي انتهت �إليها‬ ‫واجتماعي‬ ‫وفل�سفي‪ ،‬ويتوقّع امل�شاهد ال ّنتيجة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نعمان من �شهيدة‪ ،‬مع ما يرمز ذلك ك ّله �إىل اخلالفات داخل املجتمع اللبناين‪ ،‬و�إىل‬ ‫كيفية ح ّلها‪ ،‬وكما يقال دائماً‪ ،‬على ّ‬ ‫اللبنانية (بتبوي�س اللحى)‪.‬‬ ‫الطريقة‬ ‫ّ‬ ‫انق�ساماته‪ ،‬ثم ّ‬ ‫مهمة‪ ،‬ال ميكن قولها ب�شكل مبا�شر فهي‬ ‫وبالتايل ف�إنّ الأمثولة ت�ستخدم لقول حقيقة ّ‬ ‫‪105‬‬


‫إمكانية �أكرب للت�أويل‪ ،‬وحر ّية �أو�سع للمتل ّقي يف �أن ميلأ الفراغات ا ّلتي يرتكها‬ ‫ترتك � ّ‬ ‫العر�ض‪.‬‬ ‫الرحباين‪ ،‬قدم خالل ن�صف قرن من‬ ‫يف ال ّنها ّية ن�ستطيع القول �إنّ امل�سرح الغنائي ّ‬ ‫واحلب واحلر ّية‪ ،‬وال ّت�سامح والوحدة‪ ،‬والبطولة والكرامة‪ ،‬والرباءة‬ ‫الإبداع‪ ،‬موا�ضيع الوطن‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ح�ضاري‪ ،‬هو‬ ‫يوحدها ويعطيها معانيها اجلديدة م�شروع‬ ‫ّ‬ ‫والطفولة‪ ،‬واحللم‪ّ ،‬قدم مفاهيم ّ‬ ‫م�شروع لبنان الوطن املتم ّيز القائم بذاته‪ ،‬وحلن امل�ستقبل‪ .‬لقد �صنع الأخوان رحباني‬ ‫وج�سداه على امل�سرح‪.‬‬ ‫وطناً من خياالتهما‪ ،‬ف�أوهما املتلقّي ب�أ ّنه موجود فع ًال ّ‬

‫‪106‬‬


‫�أدب‬

‫الغربة واحلنني يف �شعر حم ّمد القي�سي‬ ‫رميا �أمهز ‪ -‬طالبة دكتوراه باجلامعة اللبنانية‬

‫والديار‪ ،‬يعني �أنّ ي�شعر املرء بابتعاده عن‬ ‫"الغربة هي ال ّنزوح عن الوطن‪ ،‬واالبتعاد عن الأهل ّ‬ ‫مكان ن�ش�أته وفراقه لذويه ا ّلذين يرتبط معهم نف�س ّياً وعاطف ّياً واجتماع ّياً"‪.1‬‬ ‫العربي‬ ‫ولي�س مو�ضوع الغربة وما تعك�سه من �إيحاءات و�ضغوط ّ‬ ‫نف�سي على ال�شّ اعر ّ‬ ‫وهم ّ‬ ‫بجديد‪ ،‬فالغربة واحلنني املرادف لها واكبا م�سرية ال�شّ عر العربي منذ �أقدم ع�صوره‪ ،‬وقد عرف‬ ‫حب الوطن واحلنني �إليه منذ �أقدم الأزمان‪ ،‬فحمل لنا ال�شّ عر العربي �صوراً رائع ًة من‬ ‫العربي ّ‬ ‫�أ�شواق ال�شّ عراء‪ ،‬وحنينهم �إىل �أوطانهم‪ ،‬ويندر �أنّ جتد ق�صيدة عرب ّية �إلاّ وفيها حنني �إىل الوطن‬ ‫والديار‪ ،‬وال غرو يف ذلك‪ ،‬فالأر�ض قطعة من الإن�سان وال ي�ستطيع ن�سيانها متى‬ ‫�أو ذكر املنازل ّ‬ ‫ّ‬ ‫حل �أو رحل‪ ،‬وهل ي�ستطيع الإن�سان �أنّ ين�سى نف�سه؟ كان يقال‪�" :‬أر�ض ال ّرجل ظئ ُره‪ ،‬ودا ُره‬ ‫املتنحي عن �أهله‪ ،‬كالثّور ال ّناد عن وطنه‪ّ ،‬‬ ‫الذي هو ّ‬ ‫لكل رام‬ ‫مهده‪ ،‬والغريب ال ّنائي عن بلده ّ‬ ‫قني�صة"‪.2‬‬ ‫وقد ارتبط احلنني ارتباطاً وثيقاً بالغربة يف ال�شّ عر الفل�سطيني‪" ،‬فالغربة تو ّلد احلنني وتبعثه‪،‬‬ ‫وا�شتد وقعها �ضاعفت من احلنني‪ ،‬فك�أ ّنهما �شجرة‬ ‫وك ّلما طالت ّمدتها �أو ق�ست ظروفها‬ ‫ّ‬ ‫و�أغ�صانها �أو نبتة وثمارها"‪ .3‬وهذا ما ح�صل مع القي�سي وبع�ض ال�شّ عراء الفل�سطين ّيني ّ‬ ‫الذين‬ ‫�أبعدوا عن �أر�ضهم‪ ،‬وح ّلوا يف ديار جديدة ال عهد لهم بها‪ ،‬ف�شعروا بالغربة‪ ،‬وبفقد الأهل‬ ‫والوطن والأح ّبة‪ ،‬و�شعروا باحلنني �إىل �أوطانهم وا�شتاقوا �إىل ّ‬ ‫ا�شتدت‬ ‫كل ما فيها وكانوا ك ّلما ّ‬ ‫الغربة عليهم ازدادوا حنيناً �إىل وطنهم ّ‬ ‫الذي خ ّلفوه وراءهم‪.‬‬ ‫الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.7‬‬ ‫‪ -1‬فهمي‪ ،‬ماهر‪ ،‬الحنين والغربة في ّ‬ ‫الشعر العربي‪ ،‬ص ‪.383‬‬ ‫‪ -2‬الجبوري‪ ،‬يحيى‪ ،‬الحنين والغربة في ّ‬ ‫الشعر الفلسطيني بعد المأساة‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫‪ -3‬العمصي‪ ،‬أمين‪ ،‬الغربة والحنين في ّ‬ ‫‪107‬‬


‫فالغربة جتربة عا ّمة عا�شها الفل�سطين ّيون واقعاً و�إح�سا�ساً ومعاناة‪ ،‬ح ّتى �أ�صبحت جزءاً من‬ ‫مك ّونات �شخ�ص ّيتهم‪ ،‬وهي بال ّن�سبة للقي�سي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل كونها جتربة عا ّمة‪ ،‬جتربة ذات ّية‬ ‫عدة من بينها (لبنان‪،‬‬ ‫خا�صة عا�شها واق ّعاً عندما ا�ضط ّر للهجرة �إىل الأردن‪ ،‬وتنقّل �إىل دول ّ‬ ‫ّ‬ ‫اخلا�صة‪ّ ،‬‬ ‫لت�شكل موقف‬ ‫وال�سعود ّية‪ ،‬و�إ�سبانيا) وغريها‪ .‬وقد امتزجت ال ّتجربة العا ّمة بال ّتجربة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتبث يف عاطفته ق ّوة جتعل حنينه �إىل وطنه‬ ‫ال�شّ اعر و�أحا�سي�سه وانفعاالته مبو�ضوع الغربة‪ّ ،‬‬ ‫احلبيب ّ‬ ‫يكن له ّ‬ ‫متجددة‪ .‬فماذا قال القي�سي؟ وكيف �ص ّور‬ ‫احلب يف قلبه جتربة ّ‬ ‫الذي ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫هذا احلنني؟‬ ‫والغ�صة"‪:‬‬ ‫يقول يف ق�صيدة "مكابدة ال�شّ وق ّ‬ ‫�أ�شتاق �أنّ �أراك يف �شوارعي املغربة‬ ‫�أ�شتاق‪� ،‬أ�شتاق يا قربة‬ ‫م ّو َال ُح ّب‬ ‫ينقذين من اجلفاف يف حياتي امل�س ّورة‬ ‫بال�شّ وك والأ�سالك‬ ‫�أواه يا مدينتي املن ّورة‬ ‫متى يحني موعدي‪ ،‬متى �أراك؟‬ ‫‪1‬‬

‫متى ُتذيب غربتي يداك؟‬

‫يخاطب ال�شّ اعر وطنه وقد �أ�ضناه ال�شّ وق �إليه‪ ،‬وهذا ما جعله يتخ ّيل �صوره يف ّ‬ ‫كل �أنحاء‬ ‫ال�سطرين الأ ّول والثّاين‪ ،‬لت�أكيد ا�ستمرار ّية‬ ‫ال�شّ وارع‪ ،‬فقد تك ّرر الفعل �أ�شتاق ثالث مرات يف ّ‬ ‫الداللة‬ ‫�شدة ال ّت�ش ّبث ب�أر�ض الوطن والأمل بالعودة �إليه‪ ،‬ولع ّله ي ّتكئ على ّ‬ ‫ال�شّ وق‪ ،‬ولت�أكيد ّ‬ ‫ال ّزمن ّية للفعل امل�ضارع‪ ،‬لي�شري �إىل هذه ال ّنظرة ال ّتفا�ؤل ّية‪.‬‬ ‫تدور الأبيات ال�شّ عر ّية حول جتربة مط ّولة عا�شتها "الأنا" خارج الوطن يف املنفى‪ ،‬وقد اختار‬ ‫ال�شّ اعر لها بعداً زمن ّياً هو "اجلفاف" مبا يثريه من عذاب وم�شقّة ت�ضاعف من وحدة الغريب‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.112‬‬ ‫محمد‪ ،‬األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪108‬‬


‫�أدب‬

‫تن�صب على معجم الفقر والأ�سى‪ ،‬تبد�أ من "اجلفاف" �إىل‬ ‫وم�شاقّه‪ ،‬فاختيارات ال�شّ اعر ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫وال جمتمعة تر�سم لنا �صورة واقع ّية حلياة الغريب �أينما ّ‬ ‫حل‪،‬‬ ‫"ال�شّ وك والأ�سالك" وهذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫دوال لها ت�أثريها على حياة املغرتب‪ ،‬ثم تنتهي ب�أمن ّية ال�شّ اعر بالعودة �إىل وطنه "متى يحني‬ ‫موعدي‪ ،‬متى تذيب غربتي؟"‬ ‫وقد �ش ّبه ال�شّ اعر مدينته باملدينة املن ّورة ليظهر لنا قيمتها و� ّ‬ ‫أهم ّيتها‪ ،‬وي ّبني مدى جمالها‪ ،‬وليعبرّ‬ ‫ي�شدهم‬ ‫�شدة ا�شتياقه لها‪ ،‬فكما ي�شتاق ز ّوار املدينة املن ّورة �أنّ يعودوا �إليها لأنّ فيها حبيباً ّ‬ ‫عن ّ‬ ‫للعودة �إليها وهو ر�سول اللهّ حممد (�ص)‪ ،‬كذلك هو ي�شتاق للعودة �إىل مدينته لأنّ فيها‬ ‫للداللة على‬ ‫�أحباباً وذكريات جميلة تدفعه للعودة �إليها‪ .‬وي�ستخدم ال�شّ اعر كلمة "�أواه" ّ‬ ‫وجعه و�أمله لبعده عن مدينته ا ّلتي تركها منذ طفولته‪ ،‬و�أتبعها با�ستخدام �أداة ال ّنداء "يا"‬ ‫لتحمل املعنى البعيد‪ ،‬وتوحي بال ّتح ّبب وال�شّ وق ّ‬ ‫للذكريات ا ّلتي ق�ضاها فيها‪.‬‬ ‫ال�سابقة بروزاً وا�ضحاً ّ‬ ‫تتج�سد من خالل‬ ‫للذات املتك ّلمة ا ّلتي ّ‬ ‫كما نالحظ يف الأبيات ّ‬ ‫ال�ضمائر‪ ،‬وا ّلتي بلغت �س ّتة �ضمائر يف �إحلاح من ال�شّ اعر على �إعطاء ذاته قدراً من االهتمام‬ ‫ّ‬ ‫ال�سطر الأخري ّ‬ ‫الذي �أتى لتعليل ما يحدث من ت�سا�ؤل‬ ‫والوجود قبل �أنّ يتال�شى وجودها يف ّ‬ ‫للداللة على‬ ‫حول العودة �إىل �أر�ض الوطن با�ستخدامه �أداة اال�ستفهام "متى" ب�شكل متتالٍ ّ‬ ‫ال ّتم ّني ا ّلذي �آثره‪.‬‬ ‫وتكاد ال تخلو ق�صيدة من ق�صائد القي�سي من معاين الإح�سا�س بالغربة واحلنني اجلارف‬ ‫تتج�سد يف وجدانه �إح�سا�ساً بهيجاً ّ‬ ‫فيتلذذ‬ ‫للوطن‪ ،‬وال�شّ وق لغاباته وب�ساتينه‪ ،‬تلك املعامل ا ّلتي ّ‬ ‫يف جت�سيدها ليواجه عذابات املنايف مبباهج املا�ضي‪ -‬الوطن‪ّ -‬‬ ‫الذي ي�سكنه‪ ،‬قائ ًال يف ق�صيدة‬ ‫"امل�صلوب"‪:‬‬ ‫غريباً �ضائع اخلطوات من�س ّياً‬ ‫ُّ‬ ‫وظل العار يتبعني‬ ‫ومل �أعرف �سوى حزين‬ ‫رفيقاً ُ‬ ‫يحمل امل�أ�ساة يرويها اّ‬ ‫خللين‬ ‫ترى هل تدركني الآن ما ُحزين؟‬ ‫‪109‬‬


‫غزي ٌر يا مع ّللتي‬ ‫‪1‬‬ ‫غريب يا ّ‬ ‫معذبتي‬ ‫أح�سها ال�شّ اعر‪ ،‬حيث جند الأمل واحل�سرة يعت�صران‬ ‫ال�سابق حلال ّ‬ ‫ال�ضياع ا ّلتي � ّ‬ ‫يعر�ض املقطع ّ‬ ‫قلبه ملا �آل �إليه �أمر وطنه من مت ّزق يف غربته‪ ،‬ومن عار يتبعه با�ستمرار‪ ،‬فاحلزن رفيق له‪ ،‬وامل�أ�ساة‬ ‫مغرو�سة يف قلبه‪ ،‬حزن غزير غريب‪ ،‬ال يجد له دوا ًء �أو اّ ً‬ ‫حل‪ ،‬بل يحاول �أنّ يخفّف من �آالمه‬ ‫متوجها �إىل‬ ‫وال�سابع خماطباً وطنه ّ‬ ‫ال�ساد�س ّ‬ ‫ال�سطرين ّ‬ ‫با�ستخدام �أداة ال ّنداء "يا" م ّرتني يف ّ‬ ‫املع ّللة ّ‬ ‫املعذبة‪ّ ،‬‬ ‫لعل هذا ال ّنداء يخفّف من وح�شته ويق ّرب �إليه الوطن الغائب عنه‪.‬‬ ‫الده�شة واال�ستغراب‪ ،‬غريباً عن الوطن‬ ‫تبد�أ الأ�سطر ال�شّ عر ّية بكلمة "غريبا" يف �إ�شارة منه �إىل ّ‬ ‫ال�سطر الأ ّول بجملة تقرير ّية‪ ،‬ت�ص ّور لنا طبيعة الغربة‬ ‫�ضائعاً من�س ّياً بني حنايا الغربة‪ .‬فيبد�أ ّ‬ ‫وال�سابع "يا معللتي‪ ،‬يا ّ‬ ‫معذبتي"‬ ‫ال�ساد�س ّ‬ ‫ال�سطرين ّ‬ ‫املوح�شة‪ ،‬وقد �أتت جملة ال ّنداء يف ّ‬ ‫ال�سطر الأ ّول يربز �صراع بني‬ ‫لتربز حاجة "الأنا" �إىل الأن�س يف زمن الغربة ّ‬ ‫ال�ضائعة‪ ،‬ويف ّ‬ ‫و�شدته‪،‬‬ ‫"الأنا"‪ ،‬ومو�ضوع الغربة تبدو فيه "الأنا" �ضائعة �ضعيفة من�س ّية �أمام ق�سوة املو�ضوع ّ‬ ‫وقد حر�ص ال�شّ اعر على ا�ستخدام الفعل امل�ضارع "يتبعني" لي� ّؤكد ا�ستمرار ّية احلدث‬ ‫ّالث ا ّلذي جاء مو�صو ًال مبا قبله‪،‬‬ ‫وجتدده‪ ،‬وتزداد عمل ّية ّ‬ ‫ال�سطر الث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�ضياع "للأنا" ت�ضييقاً مع ّ‬ ‫فكي لعنة الغربة‬ ‫من خالل �أداة ال ّنفي "مل" اجلامع للحدثني معاً‪ ،‬لت�صبح الأنا واقعة بني ّ‬ ‫و�ضياعها وب�ؤ�سها‪ ،‬وبذلك تر�سم لنا �صورة غريبة ثالث ّية‪ ،‬عنا�صرها‪ :‬غريباً‪� ،‬ضائعاً‪ ،‬من�س ّياً‪،‬‬ ‫ال�سطر ال ّرابع يربز �أمامنا تقابل يف البنية ال ّتحت ّية بني الأنا الهاربة‪ ،‬وال ّرفيق ا ّلذي يحمل‬ ‫ويف ّ‬ ‫وال�ضياع ا ّلذي‬ ‫ال�سطر اخلام�س للإجابة عن امل�أ�ساة ّ‬ ‫امل�أ�ساة‪ ،‬في�ستخدم ّ‬ ‫ال�صيغة اال�ستفهام ّية يف ّ‬ ‫م ّر بهما ال�شّ اعر "هل تدركني الآن ما حزين؟" فيجيب "غزير‪ ،‬غريب" منادياً "يا مع ّللتي‪ ،‬يا‬ ‫للداللة على م�أ�ساته احلقيق ّية يف غربته فينادي على بالده‪ ،‬لكن‬ ‫معذبتي" فا�ستخدم ال ّنداء ّ‬ ‫ال�صياغة بداللة متو ّترة ومتوقّدة وحزينة‪.‬‬ ‫ال �أحد ي�ستجيب‪ .‬وهذا ما ي�شحن ّ‬ ‫ال�صياغة يتبينّ �أ ّنها كانت العن�صر الأ ّول ّ‬ ‫الذي �أ�شعل‬ ‫ومبعاودة ال ّنظر يف حركة الأفعال داخل ّ‬ ‫ال�صراع‬ ‫ال�سطر الثّاين بالفعل "يتبعني" ا ّلذي ّ‬ ‫يلخ�ص جممل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�صراع وكثّفه‪ ،‬حيث بد�أ ّ‬ ‫ال�صياغة‪ ،‬وقد جاءت الأفعال جميعها ب�صيغة امل�ضارعة " يتبعني‪� ،‬أعرف‪ ،‬يحمل‪،‬‬ ‫القائم يف ّ‬ ‫يرويها‪ ،‬تدركني"‪ ،‬وبذلك تطغى اال�ستمرار ّية للحدث على جميع الأ�سطر‪.‬‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.47‬‬ ‫محمد األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪110‬‬


‫�أدب‬

‫ويف ق�صيدة "امل�صلوب" نالحظ �أنّ ر�ؤ ّية القي�سي للغربة واحلنني تنبع من �أيديولوج ّية مع ّينة‪،‬‬ ‫وهي �أنّ احلنني للوطن‪ ،‬ال يتحقّق �إلاّ عن طريق املوت فع�شقه لوطنه جعله يع�شق املوت‪،‬‬ ‫وي�ص ّوره لنا يف �ضوء ما هو معروف‪� ،‬إ ّنه يع�شق الوطن من �أجل اخلال�ص من الغربة وم�صاعبها‪،‬‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫لغربتنا ونحن نكابد الآالم‪ ،‬نطعم ذاتنا للحرف والفكرة‬ ‫متوت ال�شّ م�س لو طالت خيوط ال ّليل؟‬ ‫أموت‪ ،‬وهل ُ‬ ‫� ُ‬ ‫‪1‬‬

‫�سيزهر حزننا‪� ،‬إ ّما يعانق �شعبنا فجر اخلال�ص‪ ،‬ويك�س ُر اجل َّرة‬ ‫يجدد الأمل يف انبعاث املا�ضي حا�ضراً‪ ،‬الأمل الواعد‪ ،‬وحتم ّية العودة من‬ ‫هذا الأمر ا ّلذي ّ‬ ‫تيه املنايف‪ ،‬ومكابدة الآالم واملوت ّ‬ ‫الذي من �أجله تتحقّق العودة‪ ،‬و�سيزهر حزننا مبعانقة �أر�ض‬ ‫الوطن‪ ،‬وك�سر اجل ّرة وفجر اخلال�ص‪.‬‬ ‫تبد�أ الأ�سطر بحرف اجل ّر "الالم" ا ّلذي يحمل معنى ال ّتوكيد‪ ،‬كي ت�صبح املكابدة والآالم‬ ‫مكاناً ي ّت�سع لنطعم ذاتنا للحرف والفكرة‪ ،‬ف�إطعام ّ‬ ‫الذات ينبعث من املكابدة والآالم وينت�شر‬ ‫ال�ضمري املنف�صل "نحن" لتفيد العموم وال�شّ مول‪ ،‬مبعنى �أنّ الغربة‬ ‫فيه‪ ،‬وقد ا�ستخدم ال�شّ اعر ّ‬ ‫تتج�سد يف ّ‬ ‫كل �شخ�ص من الأ�شخا�ص مهما �صغر‪ ،‬وكثرياً ما تكون الغربة‬ ‫ومكابدة الآالم ّ‬ ‫ق�سر ّية ب�سبب ما يتع ّر�ض له الإن�سان من ظلم وخوف �أو جوع‪ ،‬وعالقة �إطعام ّ‬ ‫الذات بالآالم‬ ‫عالقة ا�ضطراد‪ ،‬ك ّلما كربت الآالم وامل�أ�ساة زاد الأمل واحللم بالعودة‪ ،‬ف�إن كان الأمل يف‬ ‫ال�سطر الأول ينبعث منه �أمل ب�سيط توحي به كلمة "نطعم ذاتنا للحرف والفكرة" ف�إنّ هذا‬ ‫ّ‬ ‫ال�سطر الثّاين‬ ‫الأمل �سرعان ما يقوى وينبلج يف �صورة فجر م�شرق "و�سيزهر حزننا"‪ .‬ويف ّ‬ ‫ال�صياغة‪ ،‬وقد جاءت‬ ‫بد�أ بالفعل امل�ضارع "�أموت" ا ّلذي ّ‬ ‫ال�صراع القائم يف ّ‬ ‫يلخ�ص جممل ّ‬ ‫الأفعال جميعها ب�صيغة امل�ضارعة "نطعم‪� ،‬أموت‪ ،‬متوت‪� ،‬سيزهر‪ ،‬يعانق‪ ،‬يك�سر" ما عدا فع ًال‬ ‫املنفي‪ ،‬وبذلك‬ ‫منفي من حيث املعنى لدخوله يف �إطار اال�ستفهام ّ‬ ‫واحداً "طالت" وهو فعل ّ‬ ‫تطغى �صفة اال�ستمرار ّية على الأ�سطر ال�شّ عر ّية‪ .‬وهذه الأفعال لها دالالت رمز ّية وا�ضحة عند‬ ‫ال�شّ اعر‪" .‬هل متوت ال�شّ م�س" فال�شّ م�س ال متوت بل �سيزهر ع�صر جديد "�سيزهر حزننا" ‪،‬‬ ‫"ال�سني" لل ّت�أكيد على ع�صر احلر ّية‪.‬‬ ‫ال�سطر الث ّ‬ ‫ّالث بحرف ّ‬ ‫فبد�أ ّ‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.48‬‬ ‫محمد األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪111‬‬


‫�إنّ مثل هذه ال ّروح املتفائلة ت�صبح �سمة من �سمات �شعر القي�سي‪ ،‬و�إنّ حنكة ال�شّ اعر وخربته‬ ‫ال�سطح لتحجب حالة ال ّت�شا�ؤم والقلق ال ّنف�سي ا ّلتي تنتاب ال�شّ اعر‪ ،‬وتبينّ‬ ‫كثرياً ما تطفو على ّ‬ ‫ا�شتد كربه‪ ،‬لي�ست�شرف امل�ستقبل من فوق رباه‬ ‫ذلك بجالء يف هروبه �إىل ربوع الوطن ك ّلما ّ‬ ‫ال�شّ اخمة‪ ،‬وليحقّق ر�سالة يف �إ�شاعة روح ال ّتفا�ؤل والأمل يف ال ّنفو�س‪ ،‬ويب�شّ ر بحتم ّية العودة‬ ‫امل�أمولة‪.‬‬ ‫يهدد حياة �أحبابه‪ ،‬قائ ًال يف ق�صيدة "مقاطع‬ ‫وها هو ال�شّ اعر يتج ّرع حلظة الق�سوة من ظلم وخطر ّ‬ ‫من مدائن الأ�سفار"‪:‬‬ ‫�أحبابنا يف ال ّريح والأهوال واملطر‬ ‫�أحبابنا هناك يف العراء‬ ‫ّ‬ ‫ي�سطرون روعة البقاء‬ ‫ويجدلون من عذابهم للمجد �أُغن ّيات‬ ‫ويب�سمون رغم ق�سوة احلياة‬ ‫�أحبابنا‪،‬‬ ‫والأر�ض‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والإن�سان يف خطر‬

‫للداللة على البعد ما بينه وبني‬ ‫ال�سطر الأول مبناداة "�أحبابنا" امل ّت�صل ّ‬ ‫بال�ضمري "نا" ّ‬ ‫يبد�أ ّ‬ ‫�أحبابه‪ ،‬وهم جال�سون حتت املطر وال ّريح‪ ،‬ويف تكرار ّ‬ ‫ال�سطرين الأ ّول‬ ‫دال "�أحبابنا" يف ّ‬ ‫ال�سطر‬ ‫والثّاين ا ّلذي �أ�ضيف �إىل "نا" املتك ّلمني ما ي�شري �إىل عموم امل�أ�ساة وا ّت�ساعها‪ .‬وبد�أ ّ‬ ‫الدالة على ما هو خارج‬ ‫الثّاين بظاهرة �أ�سلوب ّية الفتة لل ّنظر وهي رمز ّية ظرف املكان "هناك" ّ‬ ‫الوطن‪ ،‬كما يكثّف ال�شّ اعر من حروف اجل ّر ا ّلتي بلغ ظهورها خم�س م ّرات كانت على ال ّنحو‬ ‫الآتي‪ :‬ثالث م ّرات للحرف "يف"‪ ،‬م ّرتني للحرف "من"‪ ،‬وم ّرة للحرف "الالم" مبا يفيد‬ ‫ا�ضطرابه وت�أثّره من �سوء �صنيعهم‪ ،‬وك�أ ّنه يريد القول ب�أنّ امل�أ�ساة واملعاناة قد ح ّلت بهم من ّ‬ ‫كل‬ ‫جانب‪ .‬وجند احل�ضور املكثّف ّ‬ ‫ال�ضمائر امل ّت�صلة ا ّلتي‬ ‫جت�سد من خالل ّ‬ ‫للذات املتك ّلمة وا ّلذي ّ‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.89‬‬ ‫محمد األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪112‬‬


‫�أدب‬

‫توجعه وح�سرته على ما يتع ّر�ض له‬ ‫بلغت �سبعة �ضمائر يف �س ّتة �أ�سطر �شعر ّية يعلن من خاللها ّ‬ ‫ال�سابع‬ ‫ال�سطرين ّ‬ ‫املغرتبون من عذاب وم�شقّة يف غربتهم وهم يف خطر دائم‪ .‬كما جند يف بداية ّ‬ ‫أ�صلي ا ّلتي ما‬ ‫والثّامن ا�ستخدام كلمة "الأر�ض‪ ،‬الإن�سان" فالأر�ض هي �أر�ض املغرتب ال ّ‬ ‫الذين يعانون �أب�شع ّ‬ ‫زالت ت�صرخ من �أجل �أهلها و�أحبابها ّ‬ ‫الظلم والهوان يف حياتهم‪.‬‬ ‫وبالعودة �إىل الأفعال جندها يف الأ�سطر �أفعا ًال م�ضارعة تقف يف حركتني م ّتفقتني "ي�سطرون‪،‬‬ ‫يجدلون‪ ،‬يب�سمون" رغم العذاب وامل�شقّة‪ ،‬لذا فهو يف اغرتاب دائم �إىل �أنّ يعود �إىل ينبوعه‬ ‫ال�سامي ّ‬ ‫الذي لن يكون قريباً‪ ،‬لأنّ قوة جذب الأر�ض �أكرب‪ ،‬يربز ذلك من قوله "هناك"‬ ‫ّ‬ ‫ت�أكيداً على بعده من الأر�ض‪ ،‬وهذا ما جعله يف ا�ضطراب‪.‬‬ ‫وها جند القي�سي بعد مذاقه مرارة الغربة وق�سوتها‪ ،‬يو ّدع هذه الغربة ا ّلتي �آلت عليه ب�أ�شد‬ ‫عذابها‪ ،‬قائ ًال "�أيتها الغربة وداعا"‪:‬‬ ‫يا غرب ُة هاتي كفّيك‬ ‫�أودعك بها كلماتي امل ّرة‬ ‫ورنني ال ّزمن اجلاحد‬ ‫�إنيّ �أرحتل الآن‬ ‫‪1‬‬ ‫خالد‬ ‫فيا�ضاً بالفرح �إىل ّ‬ ‫هنا ال�شّ اعر يو ّدع الغربة بكلماته امل ّرة‪ ،‬ورنني ال ّزمن املظلم‪ ،‬والق�سوة ا ّلتي عانى منها يف غربته‪،‬‬ ‫وال�سعادة �إىل خالد‪.‬‬ ‫وها هو يرحل فيا�ضاً بالفرح ّ‬ ‫ال�صياغة‪ ،‬لتحمل داللة البعد‬ ‫تبد�أ الأ�سطر ب�أداة ال ّنداء ا ّلتي ت�ستح�ضر املنادى �إىل �سطح ّ‬ ‫ومتتد �أفق ّياً فتتالحم مع املو�ضوع با�سم فعل‬ ‫ا ّلذي انتهى ولن يعود‪ ،‬لتكون يف ب�ؤرة احلركة‪ّ ،‬‬ ‫�أمر قوله "هاتي"‪ .‬وهذا ما ّ‬ ‫متمم‬ ‫مت�سكه وفرط ح ّبه للوطن‪ ،‬وقبل �أنّ ي�صل �إىل ّ‬ ‫يدل على �شد ّة ّ‬ ‫اجلملة بعدم �صموده للو�صول �إليه قبل ال ّت�أكيد على مكانة الوطن يف نف�سه وقلبه جميباً "�إين‬ ‫ال�سوداء‪ ،‬فهنا يو ّدعها بفي�ض من الفرح‬ ‫�أرحتل الآن" بعد رنني ال ّزمن اجلاحد وزمن الغربة ّ‬ ‫وال�سعادة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.132‬‬ ‫محمد األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪113‬‬


‫ويعود احلنني وال�شّ وق �إىل ال�شّ اعر لي�ستذكر ّ‬ ‫كل الليايل اجلميلة مع �سكون ال ّليل والأغاين‬ ‫اجلميلة‪ّ ،‬‬ ‫ويطل علينا يف ق�صيدة "احلداد يليق بحيفا" حيث يهت ّز �صراخ احلقد‪ -‬القهر ليعلن‬ ‫�أنّ القمر الآتي جميل قائ ًال‪:‬‬ ‫مرا�سم قهرك جارية‪،‬‬ ‫�إ ّنهم يرتكونك وحدك يف �ساعة ّ‬ ‫الطلق‪،‬‬ ‫ُيلقون بال ّلوم ‪ -‬زوراً‪ -‬على القابلة‬ ‫�سمعت ال ّرياح ُتغ ّني‬ ‫يليقُ احلداد بحيفا‬ ‫يليق بها ُّ‬ ‫كل �سجن ومنفى‬ ‫‪1‬‬

‫يليقُ احلدا ُء ب�أفرا�سها احلمر والقافلة‬

‫ينفتح ال ّن�ص على عامل �سحيق‪ ،‬و�سيلة الك�شف فيه تداعي ّ‬ ‫الذكرى‪ ،‬واحلنني �إىل ربوع الوطن‪،‬‬ ‫فالأ�سطر تربز موقفاً �سلب ّياً لزمان جتاه الغريب‪ ،‬فبينما يحتفظ بع�ضهم بذكرى تربز هو ّيتهم‪،‬‬ ‫وحنني يخفّف وحدتهم‪ ،‬ف�إنّ ال ّزمان ي�أتي ليمحوها ويرتكهم وحدهم فالأفعال "يرتك‪ ،‬يلقون"‬ ‫يحمالن داللة �سلب ّية تتمثّل يف احلزن وال ّلوم تجّ اه ال�شّ اعر‪ ،‬ف�إنّ عمل ّية ال ّلوم جاءت م�ش ّوهة‬ ‫لعدم اكتمال طبيعة ال ّلوم تجّ اه القي�سي‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ال�صيغة احلوار ّية يف الك�شف عن‬ ‫ا�ستغل ال�شّ اعر ّ‬ ‫هذه العالقة فبد�أ احلوار بتوجيهه �إىل �أحد طريف املحاورة‪ ،‬وهو ال ّزمن املا�ضي بغ ّية الك�شف‬ ‫عن هو ّية الغريب‪ ،‬وعندما �سمع ال ّرياح تغ ّني‪ ،‬بد�أ ي�ستذكر تلك الليايل اجلميلة تجّ اه حيفا‪.‬‬ ‫ال�صياغة على �شكل دفقات تعبري ّية متتال ّية‪ ،‬تبد�أ ّ‬ ‫كل دفقة منها‬ ‫ال�سطر ال ّرابع ت�أتي ّ‬ ‫ويف ّ‬ ‫بو�سيلة تعبري ّية م�ؤثّرة هي فعل املا�ضي "�سمع"‪ ،‬لت�صبح "الأنا" يف م�ستوى فوقي ي�سمح لها‬ ‫الداللة‪ .‬ومع �أنّ ال�شّ اعر قد زاوج بني �ألفاظ املعجمني‪،‬‬ ‫بالقدرة على ال ّتح ّرك على م�ستوى ّ‬ ‫معجم احلزن ومعجم الفرح‪ ،‬ف�إ ّنه ا�ستطاع من خالل عمل ّية الإ�سناد وال ّتعليق �أنّ يغلب جانب‬ ‫وال�سعادة‪،‬‬ ‫الفرح على احلزن‪ ،‬و�أن يجعل ّ‬ ‫الداللة يف الأ�سطر تتح ّول ك ّلها �إىل قالب من الفرح ّ‬ ‫فطبيعة ّ‬ ‫الداليل يف الأ�سطر ت ّتجه من احلزن �إىل الفرح‪ ،‬ليكون اجلانب الإيجابي امل�شرق‬ ‫اخلط ّ‬ ‫الشعرّية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪.225‬‬ ‫محمد األعمال ّ‬ ‫‪ -1‬القيسي‪ّ ،‬‬ ‫‪114‬‬


‫�أدب‬

‫هو امل�سيطر يف ال ّنها ّية‪ ،‬وت�أكيداً لهذا ال ّتح ّرك جاء قوله "�سمعت ال ّرياح تغني"‪ ،‬وهذا ما‬ ‫ال�صيغة‬ ‫�أراده القي�سي ليحمل املتلقّي على امل�ساهمة يف �إثراء املعنى‪ .‬و�إذا ما عاودنا ال ّنظر يف ّ‬ ‫الفعل ّية جند يف الأبيات خم�سة �أفعال م�ضارعة‪ ،‬وفع ًال لل ّزمن املا�ضي‪ ،‬وهذا مينح اخلطاب �صفة‬ ‫الدميومة واال�ستمرار ّية من خالل هذا ال ّتذكار باملا�ضي وم�آ�سيه‪ ،‬و�أ ّنه يحاول �أن يقاوم ّ‬ ‫الذبول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ذبول ّ‬ ‫الذكريات ون�سيانه‪ ،‬مبا �أ�ضاف �إليه املنفى من م�آ�س حفرتها الأ ّيام الأوىل من حياته‬ ‫ف�صارت جزءاً ال يتج ّز�أ‪.‬‬ ‫تقدم ميكننا القول �إنّ �صورة الوطن والأر�ض مل تغب عن قلب ال�شّ اعر وتفكريه‪ ،‬فحبل‬ ‫ممّ ا ّ‬ ‫وحب الوطن ّ‬ ‫ظل يجري يف عروقه‪ ،‬كما �أنّ‬ ‫احلنني بقي قو ّياً عنده‪ ،‬وازداد �صالبة مع الأ ّيام‪ّ ،‬‬ ‫املنايف مل ت�ضعف من حلمه بالعودة �إليه‪ ،‬و�إىل ّ‬ ‫الذكريات ا ّلتي يحملها يف حناياه‪ ،‬فحنني‬ ‫القي�سي �إىل وطنه مل يكن حنني العاجز ذا ّ‬ ‫ال�سلب ّية‪ ،‬بل ا ّتخذ منه انطالقة نحو نهاية‬ ‫الطبيعة ّ‬ ‫االغرتاب‪ ،‬وق ّوة تدفعه �إىل اخلروج من واقع الغربة �إىل واقع الأن�س يف الوطن‪ ،‬وهذا يبينّ‬ ‫�أنّ مو�ضوع الغربة هو مو�ضوع احلياة واحلنني ا ّلذي يزخر به وجدانه‪ ،‬و�أنّ الغربة لديه طراز‬ ‫�سداً منيعاً يف وجه تلك الإرادة ا ّلتي �أرادت حمو‬ ‫متف ّرد‪ ،‬لأ ّنه يقف �صامداً بذكرياته وحنينه ّ‬ ‫العالقات الأزل ّية مع الوطن ّ‬ ‫بكل ما متثّله هذه ال ّروابط من تاريخ وتراث‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫دار نل�سن‬

‫هاتف ‪01/739196:‬‬ ‫الربيد الإلكرتوين ‪darnelson@hotmail.com:‬‬


‫�أدب‬

‫"الغزل يف �شعر كعب بن زهري"‬

‫عبدالعلي فی�ض اهلل زاده ‪� -‬أ�ستاذ م�ساعد يف ق�سم اللغة العربیة بكلية الآداب والعلوم الإن�سانیة بجامعة ال�شّ هید به�شتي‬

‫امللخّ�ص‪:‬‬

‫الصحايب اجلليل‪ ،‬وأحد كبار فحول ّ‬ ‫الشعراء املخرضمني املجيدين‪ ،‬وقد ظهر‬ ‫كعب بن زهري ّ‬ ‫نبوغه عند ما غلب اإلسال ُم عىل جزيرة العرب‪ ،‬فكان ُّ‬ ‫حيتل مكانة مرموقة يشهد هبا معظم‬ ‫بقوة التّامسك وجزالة ال َّلفظ وسمو املعنى‪ .‬ويف هذه املقالة‬ ‫مؤرخي األدب‪ ،‬ويصفون شعره ّ‬ ‫ّ‬ ‫الضوء عىل شعر الغزل عند كعب بن زهري‪ ،‬الغزل الذي ّ‬ ‫حاولت ّ‬ ‫احتل مكان ًة‬ ‫أن ألقي بعض ّ‬ ‫وحج ًام واضح ًا يف شعره‪ ،‬فمن بني بضع وعرشين قصيدة احتواها ديوانه‪ ،‬توجد سبع عرشة‬ ‫قصيد ًة بدأها ّ‬ ‫وخاصة ال ُعذري‪،‬‬ ‫الشاعر بالغزل‪ ،‬الغزل الذي محل خصائص الغزل اجلاهيل‬ ‫ّ‬ ‫فلم نعثر عىل بيت واحد لكعب يتَّجه فيه إىل وصف مغامرته مع النّساء‪ ،‬وكذلك مل نجد له‬ ‫الرغم من ذكر حمبوبات كثريات يف شعره‬ ‫شعر ًا يتناول فيه املفاتن اجلسد ّية للمرأة‪ ،‬وعىل ّ‬ ‫الغزيل‪ ،‬ولكن يمكن القول َّ‬ ‫بأن هؤالء املحبوبات َل ْس َن سوى وهم وخيال حمض يتط َّل ُب ُه الغزل‬ ‫التمهيدي‪ ،‬عىل نحو ما كان شعراء اجلاهل ّية يفعلون‪ ،‬كام توصلت يف هذه املقالة إىل ّ‬ ‫أن كعب ًا تأ َّث َر‬ ‫يف غزله باإلسالم‪ ،‬فجاءت صوره الغزل ّية بعيدة عن التعبريات املناف ّية ألخالق اإلسالم‪ ،‬ألنَّه‬ ‫ٌ‬ ‫رجل ذو مبادئ وقيم‪.‬‬ ‫الصور الغزل ّية‪ ،‬الغزل العذري‪.‬‬ ‫الكلامت الدّ ليلة‪ :‬كعب بن زهري‪ ،‬حمبوبات كعب‪ّ ،‬‬

‫‪117‬‬


‫املقدمة‪:‬‬

‫الفاريس يالحظ أ َّن ُه "مل يرد يشء من شعر الفرس القدماء يف لغتهم‬ ‫إِ َّن الذي يتت َّب ُع تاريخ األدب‬ ‫ّ‬

‫املرجح ّ‬ ‫الزمان"‬ ‫أن كان هلم شعر ولكنَّه توارى يف غياهب ّ‬ ‫الفهلو ّية أو الفارس ّية القديمة‪ ،‬ومن ّ‬ ‫الفاريس وخاصة‬ ‫اإلسالمي للفرس كان له أكرب األثر عىل األدب‬ ‫ويمكن القول َبأ َّن الفتح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬

‫الفاريس عىل َأكتاف ّ‬ ‫الشعر‪ ،‬فقد نشأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫يب‪ ،‬وكام يقول حممد عويف يف كتابه لباب‬ ‫الشعر‬ ‫الشعر العر ّ‬ ‫ّ‬

‫األلباب‪ ،‬فإ َّن ُه ما إن سطعت شمس اإلسالم عىل ديار العجم حتّى اختلط الفرس بالعرب‪،‬‬

‫فحفظوا أشعارهم وعرفوا نظام بحورهم وأوزاهنم وقوافیهم‪ ،‬ورشعوا ینسجون علی منواهلم‬ ‫خیتص ّ‬ ‫کبری يف شعراء‬ ‫لطائف من نتاج طباعهم‪ .2‬ويف ما‬ ‫ُّ‬ ‫بالشعر فقد ان لشعراء العرب َأ ُثر ٌ‬ ‫فارس‪ ،‬وخاصة امرؤ القیس واألعشی وأبونواس وجریر وأبومتّام واملتن ِّبي والبحرتي‪.‬‬

‫‪3‬‬

‫أن شعراء الفارسیة کانوا یش ِّب َ‬ ‫وقد کان من سامت هذا التأ ّثر ّ‬ ‫هون أنفسهم بشعراء العرب‬ ‫الرودکي املتويف سنة ‪ 329‬هـ‪ ،‬والذي یقول يف إحدی قصائده‪:‬‬ ‫وفصحائهم‪ ،‬شأن ّ‬ ‫شعر سزاوار امری گفت ندانم‬ ‫وحسان‬ ‫ور چه جریرم بشعر وطائي‬ ‫ّ‬ ‫وترمجة ذلك بالعربیة‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫شــعر یلــیق بمــقام األمــری‬ ‫أنا ال ُاحــس ُن قــول‬ ‫وإن أکن يف ّ‬ ‫وحسان‬ ‫الشعر بمنزلة جریر وال ّطائي‬ ‫ّ‬

‫‪4‬‬

‫ويف قصيدة ُأخرى يش ِّب ُه ذلك ّ‬ ‫"الرودكي" ممدوحه َبأنَّه كحاتم ال ّطائي يف الكرم‪:‬‬ ‫الشاعر ّ‬

‫النشر‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫الدار‬ ‫القومية للطباعة و ّ‬ ‫قافية بین العرب والفرس‪ ،‬د‪.‬أحمد محمد الحوفي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫التیارات الثّ ّ‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫بدون تاريخ‪ ،‬ص ‪.172‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.173 - 172‬‬ ‫‪ - 2‬المرجع ّ‬ ‫الشعر الفارسي‪ ،‬دكتور فكتور ألكك‪ ،‬مجّلة األخاء‪ ،‬العدد ‪ 459‬تشرين ثاني‪،‬‬ ‫الشعر العربي و ّ‬ ‫‪ - 3‬لقاء ّ‬ ‫‪1976‬م‪ ،‬ص‪.10‬‬ ‫الصفحة‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬نفس ّ‬ ‫‪ - 4‬المرجع ّ‬ ‫‪118‬‬


‫�أدب‬

‫"حاتم طائي توئي أنْدَ ر سخا"‬

‫‪1‬‬

‫الش ِ‬ ‫بالشعر العريب درجة أبعد من ذلك‪ ،‬فقد نظم ّ‬ ‫عر الفاريس ّ‬ ‫وصلت درج ُة تأ ّث ِر ّ‬ ‫الشعراء‬ ‫ولقد‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫"بامللمع" وهو القصیدة التي یعمد فیها ّ‬ ‫الشاعر إلی نظم بیت بالعرب ّیة یلیه‬ ‫یسمی‬ ‫ّ‬ ‫الفارسیون ما ّ‬ ‫بیت بالفارس ّیة‪ ،‬أو ُ‬ ‫یفعل عکس هذا‪ُ ،‬مراعی ًا يف احلالنی ّ‬ ‫أن جتيء األفکار مرتابطة‪ ،‬مسلسلة كأنهّ ا‬ ‫بلغة واحدة ‪.2‬‬ ‫َّ‬ ‫بالشعر العريب يكون دلی ً‬ ‫الشعر الفاريس ّ‬ ‫ولعل هذا احلد الكبري الذي وصلت إليه درجة تأثر ّ‬ ‫ال‬ ‫حممد عويف صاحب ّأول كتاب يف تاريخ األدب الفاريس من ّ‬ ‫أن هبرام جور‬ ‫عىل صحة ما يقوله ّ‬ ‫ّأول من أنشأ شعر ًا بالفارس ّية‪ ،‬وأ َّن ُه تع ّلم ّ‬ ‫الشعر من العرب‪ ،‬إذ نشأ بينهم وعرف دقائق لغتهم‪،‬‬ ‫الشعر الفاريس ّ‬ ‫وكان له شعر عريب بليغ‪ 3‬ولقد دفعني هذا التأثر الواضح من جانب ّ‬ ‫بالشعر‬ ‫العريب إىل أن أتساءل؟‬ ‫هل هؤالء ّ‬ ‫الشعراء العرب املتداولة أعامهلم وأسامؤهم يف األدب الفاريس مثل امرئ القيس‬ ‫الرفيعة يف ّ‬ ‫يب؟‬ ‫الشعر العر ّ‬ ‫واألعشى واملتن ّبي والبحرتي هم وحدهم أصحاب املكانة ّ‬

‫الصعوبة بمكان‪ّ ،‬‬ ‫أكرس وقت ًا وجهد ًا‬ ‫وقد كان من ّ‬ ‫أن أجد إجابة مد ّعمة بأدلة كاف ّية ما مل ِّ‬ ‫جمرد طموح‪،‬‬ ‫الرغبة ّ‬ ‫للتّعرف إىل َأهم شعراء العرب ّية بدء ًا من العرص اجلاهيل‪ ،‬ولقد بقيت هذه ّ‬ ‫حتّى واتتني الفرصة لكي أسري هبذا احللم أوىل اخلطوات نحو الواقع من خالل ذلك البحث‪،‬‬ ‫الذي رأيت ّ‬ ‫أن أعقده عىل أحد ّ‬ ‫الشعراء املجيدين الذين مل حيظوا بمعرفة حقيق ّية ودراسة واف ّية‪.‬‬ ‫وقد کان اتجّ اهي يف بدایة األمر حمصور ًا يف اختیار شاعر جاهيل‪ ،‬ولکنّي عندما وجدت ّ‬ ‫أن‬ ‫الشعراء اجلاهلیني قد نُرشت عنهم دراسات وبحوث متنوعة وکثریة نسب ّی ًا‪ ،‬رأیت ّ‬ ‫معظم ّ‬ ‫أن‬ ‫أختار أحد ّ‬ ‫وشجعني علی ذلك‬ ‫الشعراء ا َملخرضمنی‪ ،‬الذین کتبوا شعر ًا يف اجلاهلیة واإلسالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫بدراسة بنفس القدر الذي حظي به ّ‬ ‫هؤالء ّ‬ ‫الشعراء اجلاهلیون‪.‬‬ ‫الشعراء مل حیظوا‬ ‫معظم‬ ‫أن‬ ‫َ‬

‫ولقد بدا يل ّ‬ ‫أهم ّ‬ ‫نفر قلیل یتصدَّ رهم احلطیئة (جرول بن أوس)‬ ‫الشعراء املخرضمنی هم ٌ‬ ‫أن َّ‬ ‫وحسان بن ثابت واألعشی قیس وکعب بن زهری‪ ،‬وقد ن ّفرين من شعر احلطیئة‬ ‫ولبید بن ربیعة‬ ‫ّ‬

‫الصفحة‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬نفس ّ‬ ‫‪ - 1‬المرجع ّ‬ ‫‪ - 2‬التَّيارت الثّقافیة‪ ،‬ص ‪173‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪64‬‬ ‫‪ - 3‬المرجع ّ‬ ‫‪119‬‬


‫کثرة هجائیاته واضطررت أیض ًا ألن أتغاضی عن لبید بن ربیعة‪ ،‬ألَنَّـ ُه وإن أدرك اإلسالم إلاّ‬ ‫َأنَّه مل یقل فیه شعر ًا إال أبيات قليلة منها قوله‪:‬‬ ‫أو قوله‪:‬‬

‫احلمدُ هللِ إذ مل یأتني أجيل‬ ‫سئمت من احلیاة وطوهلا‬ ‫ولقد‬ ‫ُ‬

‫َحتّی اکتسبت من اإلسالم رسباال‬

‫‪1‬‬

‫سؤال هذا النّاس کیف لبید‬

‫‪2‬‬

‫رب املخرضمنی ح ّظـ ًا من الدّ راسة ّ‬ ‫والشهرة لکونه شاعر‬ ‫حسان بن ثابت فوجدت َأنَّـ ُه أک ُ‬ ‫أما ّ‬ ‫الرسول (صىل اهلل عليه وآله وس ّلم)‪ ،‬واألعشی قیس یکاد یدانیه يف شهرته بسبب مخریاته‬ ‫ّ‬ ‫ومعلقته التي مطلعها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫و ِّدع هریرة ّ‬ ‫مرحتل‬ ‫کب‬ ‫الر َ‬ ‫إن ّ‬

‫الرجل‬ ‫وهل ُ‬ ‫تطیق وداع ًا أ ُّیـها ّ‬

‫‪3‬‬

‫عرف من ّ‬ ‫الشعراء املخرضمنی‪ ،‬سوی‬ ‫وبذلك مل أجد أمامي َم ْن جذبني واحتاز اهتاممي ممِ َّ ْن َأ َ‬ ‫کعب بن زهری‪ ،‬ال سیام وأنَّني مل أکن أعرف عنه الکثری‪ ،‬وکل ما کنت َأعر ُفه عنه قصیدته‬ ‫ّ‬ ‫الشهریة واملسماَّ ة "الربدة"‪ ،‬والتي یعرفها املث َّقفون يف بالدنا ویعجبون هبا حیث أنهَّ ا تُرمجت إلی‬ ‫تقترص شهرة هذه القصیدة‬ ‫الفارس ّیة وترمجها کثریون من املتخصصني يف اللغة واألدب‪ ،4‬وال‬ ‫ُ‬ ‫علی بالدنا فقط‪ ،‬بل هلا ترمجة ترکیة أیض ًا‪ ،‬کام ّ‬ ‫أن کثری ًا من شعراء العرب ّیة عارضوا هذه القصیدة‬ ‫ومنهم البوصریي يف قصیدته "معارضة الربدة"‪ ،‬وکذلك عبداهلادي بن عيل بن طاهر احلسني‬ ‫يف قصیدة "معارضة القصیدة الکعب ّیة"‪ 5‬هذا هو ما دفعني إلی أن أختار کعب بن زهری هلذا‬ ‫البحث أم ً‬ ‫ال يف املزید من معرفته کشاعر عريب کبری تبدو يف شعره سامت العرص اجلاهيل‪ ،‬ويف‬ ‫نفس الوقت حیمل شعره خصائص عرص صدر اإلسالم‪.‬‬ ‫أ ّما عن اختیاري للغزل يف شعر کعب بن زهری‪ ،‬وحتدید البحث يف هذه النّقطة ّ‬ ‫بالذات‪ ،‬فذلك‬ ‫الدكتور‪.‬ح‪.‬هيورات دن‪ ،‬بال ت‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪ -1‬األدب العربي وتاریخه في العصر الجاهلي‪ّ ،‬‬

‫الصفحة‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬نفس ّ‬ ‫‪ -2‬المرجع ّ‬ ‫السبع‪ ،‬دیوان األعشی الکبیر‪ .‬ص‪.79‬‬ ‫‪ -3‬المعلقات ّ‬

‫‪ - 4‬تاریخ األدب العربي‪ ،‬الترجمة العربیة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دارالمعارف‪ ،1986 ،‬ط‪،2‬ج ‪ ،1‬ص ‪.162‬‬ ‫الصفحة‬ ‫السابق‪ ،‬نفس ّ‬ ‫‪ 5‬المرجع ّ‬

‫‪120‬‬


‫�أدب‬

‫احلس وال ُعذري" تعبری صادق عن عاطفة صادقة‪ ،‬ذلك َبأنَّـ ُه مل تبعثه‬ ‫ألن الغزل‪" ،‬بنوعیه يِّ‬ ‫مطامع يف کسب من ٍ‬ ‫أمری أو زلفی إلی ملك‪ ،‬ومل یدفع إلیه تکاثر باملحامد‪ ،‬وتفاخر بالفضائل‪،‬‬ ‫تشف من خصم أو تنقص من قدر منافس وإنّام أزجته العاطفة اجلیاشة‪ ،‬واملیل إلی‬ ‫ومل یوح به‬ ‫ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ثم ّ‬ ‫جرهبا ّ‬ ‫یصو ُر من أحوال النّفوس‬ ‫إن الغزل ِّ‬ ‫الشاعر‪َّ ،‬‬ ‫اإلفصاح‪ ،‬عن التّجربة الوجدان ّیة التي َّ‬ ‫املحب‪ ،‬ویکشف عن رسیرة املحبوبة‪ ،‬وینبع عن‬ ‫ما ال یصوره غریه‪ ،‬ألَنَّـ ُه یکشف عن حال‬ ‫ِّ‬ ‫احلب‪ ،‬ویدور حول املرأة‪ ،‬والغزل – هلذا – ال یم ِّث ُل عاطفة قائله وحده‪ ،‬بل یم ِّث ُل أیض ًا‬ ‫عاطفة ّ‬ ‫العاطفة اإلنسانیة اخلالدّ ة‪ ،‬فهو أصلح فنون ّ‬ ‫القراء من كل‬ ‫الشعر ألن یکون عاملي ًا‪ُّ ،‬‬ ‫هیز مشاعر ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫جنس‪.‬‬

‫ِ‬ ‫کام ّ‬ ‫أن الغزل کام یستطرد الدّ کتور أمحد حممد احلويف "أقوی فنون ّ‬ ‫بالبیئة‪،‬‬ ‫الشعر العريب انطباع ًا‬ ‫ِ‬ ‫وتأثر ًا بالعقلیة‪ ،‬ومتثی ً‬ ‫وجتملها وأخالقها‪ ،‬ممّا مل تصوره بق ّیة فنون‬ ‫املرأة‪ ،‬کجامهلا‬ ‫ال ألَحوال‬ ‫ّ‬ ‫الشعر إلاّ ناقص ًا‪ ،‬وهو إلی ذلك ک ّله أبرز فنون ّ‬ ‫ّ‬ ‫معنی‬ ‫الشعر تأثری ًا فیام بعده من العصور‬ ‫ً‬ ‫وخیاالً وأسلوب ًا‪ ،‬وأبعدها من الن ِ‬ ‫ّحل والوضع ‪ .2‬وهکذا بدأ اختیاري للبحث بواحد من‬ ‫استقر أمري علی کعب بن زهری‪ ،‬ثم رأیت ّ‬ ‫ّ‬ ‫خص الغزل عنده هبذه‬ ‫الشعراء املحرضمنی‪ ،‬ثم‬ ‫أن َأ َّ‬ ‫َّ‬ ‫الصفحات التي َأرجو ّ‬ ‫أن تلقي ضوء ًا متواضع ًا علی غزلیات ذلك ّ‬ ‫الشاعر الکبری‪.‬‬ ‫ّ‬

‫كعب بن زهري ن�سبه ومكانته بني ال�شّ عراء‪:‬‬

‫الصحايب اجلليل وأحد فحول ّ‬ ‫الشعراء املخرضمني املجيدين‪ ،‬كعب بن زهري بن أيب‬ ‫‪ – 1‬هو ّ‬ ‫سلمى املزين‪ ،‬نسبة إىل مزينة إحدى قبائل ُمرض وأ ّمه كبشة بنت عماّ ر بن عدي بن ُسحيم و ُأ ُّم ُه‬ ‫ثم نزل فيهم هو وأهل بيته‪ ،‬وكانت منازهلم‬ ‫إمرأ ٌة من بني عبدهلل بن غطفان‪َّ ،‬‬ ‫تزوجها زهري َّ‬ ‫باحلاجر من نجد‪ 3،‬وقد ظهر نبوغ كعب عندما غلب اإلسالم عىل جزيرة العرب‪ ،‬فأسلم أخوه‬ ‫بجري وأكثر أهل قبيلته مزن ّية وهجاهم ّ‬ ‫الشاعر هجاء مرير ًا‪ ،‬وملا علم رسول اهلل (ص) بذلك‬ ‫أهدر دمه‪ ،‬وبعث إليه أخوه بجري ّ‬ ‫حيذره‪ ،‬فقدم كعب عىل رسول اهلل (صىل اهلل عليه وأله وس ّلم)‬ ‫ّبي (ص) يده‪ ،‬فحرس كعب عن وجهه وقال‪ :‬هذا مقام العائذ بك يا رسول اهلل‪،‬‬ ‫متلثماّ ً فبسط الن ُّ‬ ‫محمد الحوفي‪ ،‬دار نهضة مصر‪،‬ط ‪ ،2‬القاهرة‪ ،‬بدون‬ ‫‪ - 1‬الغزل في ّ‬ ‫الشعر الجاهلي‪ّ ،‬‬ ‫الدكتور أحمد ّ‬ ‫تاريخ‪ ،‬ص ‪.3‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬ ‫‪ - 2‬المرجع ّ‬ ‫‪ - 3‬شرح ديوان كعب بن زهير‪ ،‬المقدمة (م)‬ ‫‪121‬‬


‫ّبي (ص)‪ ،1‬وكان بجري شقيق‬ ‫أنا كعب بن زهري‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫فتجهمت له األنصار‪ ،‬وأغلظت له‪ ،‬لذكره الن َّ‬ ‫ّبي (ص)‬ ‫كعب قد أسلم‪ ،‬فاشتدَّ عليه أهله‪ ،‬وكان كعب بن زهري شديد ًا عليه‪ ،‬فلقي بجري الن َّ‬ ‫مهاجر ًا‪ ،‬فأرسل إليه كعب بن زهري‪.2‬‬ ‫أال َأب ِ‬ ‫��ل��غ��ا ع��نّ��ي ُب���ج�ي�ر ًا رس��ال�� ًة‬ ‫ْ‬ ‫����ت م��ع امل��أم��ون ك��أس�� ًا رو ّي��ة‬ ‫شرَ ِ ْب‬ ‫َ‬ ‫و خال ْف َت أسباب َ اهلُ��دى واتَّبِ ْع َت ًه‬

‫لك فيام ُق ْل ُت بِاخلي ِ‬ ‫َف َه ْل َ‬ ‫ف َه ْل لكا‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫امل���أم���ون منها وع َّلكا‬ ‫ف��أهن��ل��ك‬ ‫ٍ‬ ‫���ب َغ�ْي�رْ ِ َك َدلَّ��ك�� َا‬ ‫أي يشء َو ْي َ‬ ‫ع�لى ِّ‬

‫ّبي (ص) فقال‪ :‬صدق أنا املأمون وإنَّه لكاذب‪ ،‬ثم ّ‬ ‫إن‬ ‫ف َّلام بلغت هذه األبيات بجري ًا أنشدها الن ّ‬ ‫هيم بقتل ِّ‬ ‫بجري َا كتب إلی أخيه كعب خيربه ّ‬ ‫كل َم ْن يؤذيه من شعراء املرشكني‪،‬‬ ‫ّبي (ص) ّ‬ ‫أن الن َّ‬ ‫و َل ِئ ْن كانت لكعب حاجة يف نفسه فليقدم علی رسول اهلل (ص) فإ َّن ُه ال يقتل أحد ًا جاء تائب ًا‪،‬‬ ‫أن ت ِ‬ ‫فلماّ وقف كعب علی كتاب بجري‪ ،‬ضاقت به األرض وأشفق علی نفسه‪ ،‬وأبت ُم َزن ّية ّ‬ ‫ُؤو َي ُه‪،‬‬ ‫فقدم املدينة فنزل علی رجل بيني وبينه معرف ُة‪ ،3‬ثم كان ما كان من توبته وإسالمه بني يدي‬ ‫الر ُ‬ ‫سول األكر ُم (ص) إسالمه وأمنه واستنشده "بانت ُسعاد" فكساه‬ ‫الرسول (ص)‪ ،‬وقد قبل ّ‬ ‫ّ‬ ‫النّبي (ص) بردة اشرتاها معاوية بعد ذلك بعرشين ألف درهم‪ ،‬وهي التي كان يلبسها اخللفاء‬ ‫‪4‬‬ ‫فسميت بقصيدة الربدة‪.‬‬ ‫يف العيدين‪ّ ،‬‬ ‫الشعراء‪ ،‬فال َّ‬ ‫‪ -2‬أ ّما عن مكانة كعب بن زهري بني ّ‬ ‫شك أنهّ ا مكانة مرموقة يشهد هبا معظم‬ ‫مؤرخي األدب‪ ،‬وعادة ينقسم ّ‬ ‫الشعراء عامة من حيث عصور التّاريخ إىل أربع طبقات‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫اجلاهليني واملخرضمني‪ ،‬ثم ّ‬ ‫الشعراء اإلسالميني إىل أواخر العرص األموي‪ ،‬ثم َّ املولدين‪ ،‬وهم‬ ‫الذين فسدت سليقتهم باختالطهم بشعوب األمم األخرى من الرتك والفرس واملرصيني‬ ‫وغريهم‪ ،‬من الدّ ولة العباس ّية إىل ما شاء اهلل‪ ،5‬ويقع كعب بن زهري بني شعراء ال ّطبقة ال ّثان ّية‬ ‫طبقة املخرضمني‪ ،‬ولكن هذا التقسيم التارخيي ليس بذي داللة عىل مكانة ّ‬ ‫الشاعر بني أقرانه‪،‬‬ ‫أن يوضح لنا هذه املكانة رأي النّقاد‪ ،‬ويف هذا املقام َّ‬ ‫والذي يمكن ّ‬ ‫فإن ناقد ًا مثل ابن سالم يف‬ ‫‪ - 1‬تاریخ األدب العربي‪ ،‬الترجمة العر ّبية‪ ،‬ص ‪156‬‬ ‫‪ -2‬شرح ديوان كعب بن زهير‪ ،‬ص‪ 3‬و‪4‬‬

‫السابق‪،‬ص ‪ 4‬و‪5‬‬ ‫‪ -3‬المرجع ّ‬ ‫‪ - 4‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬الترجمة العر ّبية‪ ،‬ص‪.156‬‬

‫‪ -5‬األدب العربي وتاريخه‪ ،‬الترجمة العر ّبية‪ ،‬ص‪.115‬‬ ‫‪122‬‬


‫�أدب‬

‫كتابه طبقات فحول ّ‬ ‫الشعراء يسلك كعب بن زهري بني شعراء اجلاهل ّية‪ ،‬ويضعه يف شعراء‬ ‫ال ّطبقة ال ّثان ّية منهم‪ ،‬ذلك أنّه جعل اجلاهليني منهم عرش طبقات‪ ،‬وجعل كل طبقة أربعة ُشعر‪:‬‬ ‫فال ّطبقة األوىل‪ :‬امرؤالقيس‪ ،‬ونابغة بني ذبيان‪ ،‬وزهري بن أيب سلمي واألعشى ميمون بن قيس‪،‬‬ ‫وال ّطبقة ال ّثان ّية؛ أوس بن حجر وبرش بن أيب خازم‪ ،‬وكعب بن زهري واحلطيئة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫عىل ّ‬ ‫أن وضع ابن سالم لكعب يف شعراء ال ّطبقة ال ّثان ّية ينبغي َألاَّ يؤخذ كحكم هنائي‪،‬‬ ‫فالنّقاد ترتاوح أحكامهم عىل ّ‬ ‫الشعراء‪ ،‬و َأي تصنيف للشعراء ال يعبرِّ ُ إلاّ عن وجهة نظر‬

‫صاحبه‪ ،‬فكعب ال يق ُّلعن أبيه‪ ،‬زهري الذي وضعه ابن سالم يف شعراء ال ّطبقة األوىل‪ ،‬بدليل‬ ‫أنّه قيل خللف األمحر‪ :‬أهيام أشعر‪ ،‬زهري أم ابنه كعب؟ فقال لو ال قصائد لزهري يذكرها‬ ‫النّاس‪ ،‬ما فضلته عىل ابنه كعب‪ ،2‬ويرى كارل بروكلامن ّ‬ ‫أن كعب ًا ورث عن ّأبيه ملكة ّ‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫ويعترب ّ‬ ‫أن قصيدة "بانت سعاد" من أشهر َأشعار العرب‪ ،‬وجيد َأنهَّ ا ألبست ّ‬ ‫الشاعر ح ّلة‬

‫‪3‬‬ ‫الرواة عىل ّ‬ ‫املجودين يف ّ‬ ‫الشعر‬ ‫أن كعب ًا كان أحد الفحول‬ ‫ِّ‬ ‫مجَ دال ُيبىل ‪ ،‬ولقد انعقد إمجاع ّ‬ ‫بقو ِة التّامسك وجزالة ال َّلفظ وسمو املعنى ولقد سبق‬ ‫واملقدّ م يف طبقته‪ ،‬ويصفون شعره ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫الشعر‪ ،‬أخذها عنه ّ‬ ‫كعب إىل مذاهب يف ّ‬ ‫املهمة‬ ‫الشعراء ‪ ،‬ممّا يثبت أصالته وموهبته ومكانته ّ‬

‫بني شعراء العرب ّية‪.‬‬

‫الغزل ومدلوله يف ال�شّ عر اجلاهلي‪:‬‬ ‫‪ -1‬غزل کعب بنی اجلاهلیة واإلسالم‪.‬‬ ‫املؤرخون تسمیة تاریخ العرب قبل اإلسالم باسم التّاریخ اجلاهيل أو تاریخ اجلاهل َّیة‪،‬‬ ‫اعتاد ّ‬ ‫وقد فهم مجهور من النّاس ومنهم طائفة من املسترشقنی ّ‬ ‫أن اجلاهل ّیة من اجلهل الذي هو ضدّ‬

‫السبب أطلق‬ ‫العلم‪ ،‬أو من اجلهل باهللِ سبحانه وتعالی ورسوله (ص) ورشائع الدّ ین‪ ،‬وهلذا ّ‬ ‫املسیح ّیون علی العصور التي سبقت املسیح واملسیحیة اسم "أیام اجلاهلی ّة" غری ّ‬ ‫أن هذا املعنی‬

‫‪ - 1‬دراسات في نقد األدب العربي‪ ،‬ص‪ 132‬و‪.133‬‬ ‫‪ - 2‬شرح ديوان كعب بن زهير‪ ،‬المقدمة‪.‬ص ‪.5‬‬ ‫‪ - 3‬تاريخ األدب العربي‪ ،‬الترجمة العر ّبية‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪156‬‬ ‫‪ - 4‬شرح ديوان كعب بن زهير‪ ،‬المقدمة‪ .‬ص‪.5‬‬

‫‪123‬‬


‫"السفه وال ّطيش واحلمق والغضب"‪ 1.‬هبذا‬ ‫مل یکن املقصود من هذه الکلمة‪ ،‬وإنّام املقصود هو ّ‬ ‫املعنی جیب ّ‬ ‫ننظر إلی الغزل عند کعب بن زهری الذي وإن مل یکن جاهل ّی ًا متام ًا ألنّه أدرك‬ ‫أن َ‬

‫الشعر‪ ،‬إلاّ ّ‬ ‫اإلسالم وقال فیه الکثری من ّ‬ ‫خاصة مل تکن لتتواری متام ًا من شعره‬ ‫أن آثار اجلاهلیة ّ‬ ‫بنی یوم ولیلة‪ ،‬صحیح ّ‬ ‫أن اإلسالم قد ترك أثر ًا واضح ًا علی غزل کعب بن زهری کام سوف‬

‫نالحظ‪ ،‬فطبع ذلك الغزل بالتع ّفف والعزوف عن وصف املفاتن اجلسد ّیة‪ ،‬إلاّ ّ‬ ‫أن ذلك ال یعني‬ ‫خاصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأن ّ‬ ‫الشعر مل یکن‬ ‫أن مثل هذا النّوع من الغزل املتع ّفف کان معدوم األثر يف اجلاهل ّیة‪ّ .‬‬

‫الزمن قبل اإلسالم کام یالحظ اجلاحظ الذي یقول‪ّ :‬‬ ‫"إن ّ‬ ‫موغ ً‬ ‫الشعر العريب حدیث املیالد‪،‬‬ ‫ال يف ّ‬ ‫وس َّه َل ال ّطریق إلیه إمرؤ القیس بن حجر‪ ،‬ومهلهل بن ربیعة‪،‬‬ ‫الس ِّن‪ّ ،‬أول من هنج سبیله َ‬ ‫صغری ّ‬ ‫الشعر وجدنا ‪ -‬إلی ّ‬ ‫فإذا استظهرنا ّ‬ ‫أن جاء اهلل باإلسالم ‪-‬مخسنی ومائة عام"‪.2‬‬

‫علی ّ‬ ‫أن هناك َم ْن ینکر وجود ف ّن الغزل يف ّ‬ ‫اجلاهيل‪ ،‬ومنهم الدّ کتور طه حسنی الذي‬ ‫الشعر‬ ‫ّ‬ ‫یری ّ‬ ‫حس وعذري – نشأ يف العرص اإلسالمي‪ 3،‬ولکنّنا لن نأبه کثری ًا هلذا‬ ‫أن الغزل – بقسمیه يّ‬

‫الرأي الذي یر ُّد نشأة‬ ‫الرأي‪ ،‬مستندین إلی تفنید الدّ کتور أمحد احلويف له وتبیان تناقض هذا ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫الرأي يف ّ‬ ‫أن الغزل‬ ‫الغزل يف العرص اإلسالمي إلی مصدرین متناقضنی ‪ .‬وعلی ذلك سیبقی ّ‬

‫املهمة يف اجلاهلیة ّ‬ ‫هو أحد فنون ّ‬ ‫وأن کعب ًا بن زهری يف غزله قد تأ ّثر باملثال اجلاميل اجلاهيل‬ ‫الشعر ّ‬ ‫بالروح اإلسالمیة بوصفه شاعر ًا خمرضم ًا اعتنق اإلسالم‪.‬‬ ‫يف نفس الوقت الذي تأثر فیه ّ‬ ‫‪ -2‬بنی الغزل والتّشبیب والنّسیب‬

‫املؤرخون والنّقاد حول حتدید الفروق – إذا کانت هناك فروق – بنی الغزل والتّشبیب‬ ‫خیتلف ّ‬ ‫األلسن واألقالم منذ عهد بعید هذه الکلامت ال ّثالث‪ :‬الغزل‬ ‫والنّسیب‪" ،‬ولقد دارت علی‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫واختلف يف مدلوهلا أهي مرتادفات تؤ ّدي معنی واحد ًا؟ أم هي خمتلفات‬ ‫والنّسیب والتشبیب‪،‬‬ ‫‪ - 1‬دراسات في العصر الجاهلي‪ .‬أحمد ابوالفضل‪ ،‬المجلس األعلی لرعایة الفنون واآلداب والعلوم‬ ‫االجتماعیة‪ ،‬القاهرة‪ ،1969 ،‬ص ‪.31‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬ ‫‪ - 2‬المرجع ّ‬ ‫النهضة مصر‪ ،‬ط ‪،3‬‬ ‫الدکتور أحمد محمد الحوفي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار ّ‬ ‫‪ - 3‬الغزل في العصر الجاهلي‪ّ ،‬‬ ‫ص ‪.151‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪155‬‬ ‫‪ - 4‬المرجع ّ‬ ‫‪124‬‬


‫�أدب‬

‫الدّ اللة؟‪ "1‬ویری الدّ کتور هیوارت دن ّ‬ ‫یفرقون بنی الغزل والنّسیب أو‬ ‫أن أکثر النّاس ال ِّ‬ ‫الشعر‪ّ ،‬‬ ‫التَّشبیب‪ ،‬فالغزل باب واسع مل خیل منه يف الغالب مقام من مقامات ّ‬ ‫ألن املرأة کانت‬ ‫هي ّ‬ ‫کل اجلامل يف آفاق البادیة‪ ،‬فجعل العريب حدیثه ک ّله إلیها‪ ،‬فذکرها عند االفتخار ببالئه‬ ‫وکرمه وعند صبابته وعشقه وعند ح ّله ورحلته ويف کل مقام وعلی ّ‬ ‫کل حال‪.2‬‬ ‫ورأي القدماء یغلب علیه التّوحید بنی هذه املصطلحات ال ّثالثة‪ ،‬فکبار علامء ا ّللغة من أمثال‬ ‫والزبیدي یرون أهنا مجیع ًا کلامت مرتادفة‪ ،‬ولكن هناك بعض املعارصین‬ ‫ابن سیدة وابن منظور ّ‬ ‫یفرقون بنی معانیها ومدلوالهتا‪ ،‬فریی الدّ کتور هیوارت دن َّ‬ ‫"أن هناك بعض الفروق بنی هذه‬ ‫ِّ‬ ‫الکلامت‪ ،‬فالغزل هو االشتهار بمو ّدات النّساء وتتبعه ّن واحلدیث إلیه َّن والعبث بذلك يف‬ ‫الکالم وإن مل یتع ّلق القائل منه ّن هبوی أو صبابة‪ ،‬وأ ّما التشبیب فهو ما یقصد إلیه ّ‬ ‫الشاعر من‬ ‫الرسوم ومسائلة األطالل‪ ،‬توخ ّی ًا‪،‬‬ ‫ذکر املرأة يف مطالع الکالم وما یضاف إلی ذلك من ذکر ّ‬ ‫احلب‬ ‫لتعلیق القلوب وتقیید األسامع قبل املفاجأة لغرضه من الکالم‪ ،‬وأما النّسیب فهو أثر‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر من ّ‬ ‫الصبابة فیام ب ّثه ّ‬ ‫الشکوی وما یصفه من التمنّي وما یعرض له من ذکر‬ ‫وتربیح ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫جمرد اجتهادات شخصیة ال ینهض علیها وال هلا‬ ‫حماسن النّساء ‪ .‬وملا كانت مثل هذه اآلراء ّ‬ ‫برهان کاف أو دلیل دامغ‪ ،‬فإنّنا سوف نس ّلم مع رأي أستادنا الدّ کتور أمحد حممد احلويف برأي‬ ‫‪4‬‬ ‫نفرق بنی مدلوالت هذه الکلامت‪.‬‬ ‫ال ُّلغوینی واألدباء من القدماء‪ ،‬فال ّ‬

‫الغزل يف �شعر كعب بن زهری‪:‬‬ ‫‪ - 1‬حمبوبات کعب بن زهری‬ ‫بعض الباحثنی من املسترشقنی والباحثنی العرب یرجع إلی‬ ‫الغزل إذن علی خالف ما یری ُ‬ ‫العرص اجلاهيل‪ ،5‬وبذلك ال یکون غریب ًا ّ‬ ‫أن نعدّ شاعر ًا خمرضم ًا مثل کعب بن زهری من الذین‬ ‫أدلوا بدلوهم يف ف ّن الغزل‪ ،‬وأجادوا فیه کام سنلمس ذلك يف بعض النّامذج‪.‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪7‬‬ ‫‪ - 1‬المرجع ّ‬ ‫‪ - 2‬األدب العربي وتأريخه‪ ،‬ص ‪107‬‬ ‫‪ - 3‬الغزل في العصر الجاهلي‪ ،‬ص ‪7‬‬ ‫‪ - 4‬األدب العربي وتأريخه في العصر الجاهلي‪ ،‬ص‪107‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص ‪.159‬‬ ‫‪ - 5‬المرجع ّ‬ ‫‪125‬‬


‫أن نتناول هذه النّامذج نرید ّ‬ ‫وقبل ّ‬ ‫نسجل ملحوظتنی حول حمبوبات کعب بن زهری‪ ،‬األولی‬ ‫أن ّ‬ ‫تتع ّلق بأسامء حمبوباته الاليت وردن يف غزله‪ ،‬وعدده َّن سبع حمبوبات‪ ،‬أو بمعنی أصح سبعة‬ ‫ِ‬ ‫أن تکون ُّ‬ ‫أسامء‪ ،‬إذ من املحتمل ّ‬ ‫وتتضح هذه‬ ‫ملس ّمی واحد أي ملحبوبة واحدة‪ّ ،‬‬ ‫کل هذه األسامء َ‬ ‫السبعة من أبیات کعب بن زهری فهو یقول‪:‬‬ ‫األسامء ّ‬ ‫تَو مَّهتُها من بعد ٍ‬ ‫ِأمن ُأم شدّ ٍ‬ ‫ِ ِ‪1‬‬ ‫اد ُر ُسو ُم ِ‬ ‫ساف ووابل‬ ‫املنازل‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫وهناك اسم آخر هو "خولة" ور ّبام کانت هي نفسها أم شدَّ اد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‬‬ ‫من ِ‬ ‫معروف‬ ‫آل َخ ْول َة ُک ُّلها‬ ‫بحاجات إ َّيل َف ُر ْعنَـني‬ ‫يرسي‬ ‫ُ‬ ‫واالسم ال ّث ّ‬ ‫الث هو "لیلی" یقول کعب يف مطلع إحدی قصائده‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫قلت َأ ْقـصرَ ا‬ ‫ب َل ْی َلی ت ُعو ُدين‬ ‫عیا َد أخي احلُمـَّی إذا ُ‬ ‫أ َب ْت ذک َْر ٌة من ُح ِّ‬ ‫الرابع یظهر من مطلع قصیدة أخری‪:‬‬ ‫واالسم ّ‬ ‫ت ِ‬ ‫أال أسامء م ِ‬ ‫احلباال‬ ‫ْ ُ صرَ َّ ْ‬ ‫وسلمی هي صاحبة االسم اخلامس‪:‬‬

‫اهلم َ‬ ‫عنك ولو دعا‬ ‫َفدَ عها وعَدِّ َّ‬

‫السادسة فاسمها نوار‪:‬‬ ‫أ ّما املحبوبة ّ‬

‫نوار َع َر ْف َت َ‬ ‫املنزل اخلَ َلقا‬ ‫أمن َ‬

‫فأصبح ِ‬ ‫غادی ًا َع َز َم ْارتحِ اال‬ ‫َ‬

‫‪4‬‬

‫إل ِذک ِْر َس ْلمی َّ‬ ‫کل َی ْو ٍم َط ُروبهُ ا‬ ‫إذ ال ت ِ‬ ‫اجلو فالبرُ َ قا‬ ‫ُفار ُق َب ْط َن ِّ‬

‫وآخر ما یرد يف دیوان کعب من أسامء حمبوباته هو "سعدی"‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪74‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪50‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫الديوان‪،‬ص ‪23‬‬ ‫‪ّ -3‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪78‬‬ ‫‪ّ -4‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪12‬‬ ‫‪ّ -5‬‬ ‫الديوان‪،‬ص ‪57‬‬ ‫‪ّ -6‬‬ ‫‪126‬‬

‫‪5‬‬

‫‪6‬‬


‫�أدب‬

‫وو َّدها‬ ‫وما ِز َ‬ ‫لت ت َْر ُجو َن ْف َع ُسعدی ُ‬

‫وت ِ‬ ‫املسائح‬ ‫ابیض منك‬ ‫ُبعدُ حتّی َّ‬ ‫ُ‬

‫‪1‬‬

‫السبعة‪ ،‬اسم "سعاد" الذي یرد يف "الربدة" یصل عدد أسامء‬ ‫وإذا أضفنا إلی هذه األسامء ّ‬ ‫حمبوبات کعب إلی ثامنیة‪.‬‬

‫ِ‬ ‫تغزل فیه َّن‪ ،‬فهي ختتص َّ‬ ‫هؤالء‬ ‫بأن‬ ‫أما امللحوظة ال ّثانیة حول حمبوبات کعب بن زهری اللاّ يت ّ‬ ‫املحبوبات لیس من الواضح أنهَّ ُ َّن زوجاته دائ ًام‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫خیص احلدیث عن‬ ‫أن کعب َا دائ ًام کان ُّ‬ ‫یوضح ذلك‪ ،‬فیبنی ّ‬ ‫أن احلدیث عن "عرسه" وغالب ًا ما یکون هذا‬ ‫زوجته يف شعره بترصیح ّ‬ ‫الرقیق وملیئ ًا يف نفس الوقت بالعتاب وال ّلوم‪ ،‬یقول کعب‪:‬‬ ‫احلدیث خالی ًا من الغزل ّ‬ ‫ُ ‪2‬‬ ‫ألاَ َبک َ​َر ْت ِع ْريس ت ُلو ُم وت ْغ ُذ ُل‬ ‫ف وأجمْ َل‬ ‫قالت أ َع ُّ‬ ‫غری الذي ْ‬ ‫َو ُ‬ ‫ویقول‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُؤائم من لحَ َی‬ ‫أال َبک َ​َر ْت عريس ت ُ‬

‫ويقول‪:‬‬

‫ِ ِ‬ ‫الردی‬ ‫َوأ ْق ِر ْب بأحال ٍم النّساء م َن ّ‬

‫‪3‬‬

‫َّ‬ ‫إن ِع ْريس قد آ َذ َنتْنِي أخري ًا‬

‫أمريا‬ ‫مل ْ ُت َع ِّرج ومل تُؤ ِّم ْر َ‬

‫وقالت تع ِّل ْم ّ‬ ‫بعض حمُ ُ َّويت‬ ‫أن َ‬ ‫حيدُّ َ‬ ‫ون باأليدي ّ‬ ‫فار وك ُّلهم‬ ‫الش َ‬

‫لك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضاب ُك َّل ُهم َ‬ ‫كاش ُح‬ ‫وبعيل غ ٌ‬ ‫‪5‬‬ ‫لحِ َ ْل َ‬ ‫ذابح‬ ‫قك لو‬ ‫يسطیع َح ْل َق َك ُ‬ ‫ُ‬

‫‪4‬‬

‫وهكذا فإِ َّن كعب ًا كان دائ ًام ال يشري إىل اسم زوجاته بل يكتفي بكلمة "عريس" ويقرتن حديثه‬ ‫عنها بال َّلوم واألسى والعتاب مما ُّ‬ ‫يدل عىل ّ‬ ‫أن جتربته كانت مليئ ًة باملتاعب ممَّا ال يزكّي مثل هذه‬ ‫ألن تكون مصدر ًا لإلهلام وموضوع ًا للغزل‪ُّ ،‬‬ ‫الزوجة ْ‬ ‫يدل عىل ذلك ما ورد يف إِحدى قصائد‬ ‫ّ‬ ‫أن إحدی حمبوباته ّ‬ ‫كعب من ّ‬ ‫حتذر ُه م ْن بعلها وعشريهتا‪:‬‬

‫ِ‬ ‫"مني" بدل "منك"‪.‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪ ،14‬وفي أمالي المرتضي "أرجو " مکان "ترجو" وفي العجز ّ‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص‪.68‬‬ ‫ّ‬

‫الزوجة‪.‬‬ ‫الدیوان ص ‪ .68‬ویروی‪" :‬غالم غدت عرسي"‪ ،‬العرس‪ّ :‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫الديوان‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫‪ّ -4‬‬

‫الديوان‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫‪ّ -5‬‬

‫‪127‬‬


‫وقد ذکر شارح دیوان کعب‪ّ ،‬‬ ‫ینمی له مال‪ ،‬فعتبت‬ ‫أن کعب ًا کان رشیر ًا رشس ًا‪ ،‬حمارف ًا ممالق ًا ال ّ‬ ‫أن األسامء األنثویة التي وردت يف غزل کعب بن زهری‪ ،‬إ ّما ّ‬ ‫علیهامرأته‪ ،1‬ومعنی ذلك ّ‬ ‫أن تکون‬ ‫مهیة ال وجود هلا وال سند واقعي ًا ُيؤ ِّيدُ ها‪ ،‬وإ ّما ّ‬ ‫أن تکون أسامء حمبوبات حقیقیات تغزل‬ ‫أسامء و ّ‬ ‫فیه َّن ّ‬ ‫وأي االحتاملنی أرجح‪ ،‬هذا ما نطمح أن نصل إلیه يف هنایة هذا البحث‪.‬‬ ‫الشاعر‪ّ ،‬‬

‫‪ - 1‬الغزل ال ّتمهیدي عند كعب بن زهری‬

‫وإذا کان کثری من القصائد اجلاهلیة قد افتُتح بالغزل التّمهیدي يف کل ف ّن من أفاننی ّ‬ ‫الشعر ‪ ،2‬فأ ّإنا‬ ‫أن َ‬ ‫نجد ّ‬ ‫مثل هذا النّوع من الغزل التمهیدي وارد يف قصائد کعب بن زهری‪ ،‬فقصیدته ّ‬ ‫الشهریة‬ ‫"الربدة" قصیدة خمصصة أص ً‬ ‫الرسول الکریم (ص) وصحابته من قریش‪ ،‬ولکن کعب ًا یبدأ‬ ‫ال ملدح ّ‬ ‫هذه القصیدة باثني عرش بیت ًا من الغزل التَّمهیدي‬ ‫و آخرها‪:‬‬

‫ُ‬ ‫متبول‬ ‫بانت سعا ُد فقلبي الیوم‬ ‫ْ‬ ‫ُیب ِّلغـُها‬

‫ُ‬ ‫مکبول‬ ‫إثرها‪ ،‬مل يجُ ْ َز‬ ‫ُم َتیِّ ٌم َ‬

‫‪3‬‬

‫إلاّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫الع ُ‬ ‫املراسیل‬ ‫ّجیبات‪،‬‬ ‫تاق‪ ،‬الن‬ ‫ُ‬

‫‪4‬‬

‫الرسول الکریم (ص)‪ ،‬ويف قصیدة ُاخری یبدأ‬ ‫ثم إلی مدح ّ‬ ‫وینتقل بعد ذلك إلی وصف النّاقة ّ‬ ‫الرابع ینتقل إلی وصف‬ ‫باحلدیث عن األطالل يف ثالثة أبیات ویذکر حمبوبته فیها‪ ،‬ويف البیت ّ‬ ‫النّاقة متخ ّلص ًا برسعة من ذکره ملحبوبته‪ ،‬وکأنهّ ا قد أ ّدت الغرض املطلوب وهو التّمهید ملوضوع‬ ‫القصیدة وحسب‪:‬‬ ‫رأيت َّ‬ ‫َس َفا ٌه َلدَ ى ِد َم ٍن قد َب ِلينَا‬ ‫بأن البكا َء‬ ‫فلام ُ‬ ‫‪5‬‬ ‫ص من َح َز ٍن و َع َص ْي ُت ّ‬ ‫الش ُؤونا‬ ‫رت عىل ما َلدَ َّي ال َقلو‬ ‫َز َج ُ‬ ‫َ‬

‫ويف قصيدة ثال ّثة نجد ّ‬ ‫تغزله يف‬ ‫تغزله يف حمبوبته نوار بنفس املوقف الذي أهنى به ّ‬ ‫أن كعب َا ينهي ّ‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.153‬‬ ‫‪ -1‬شرح ّ‬

‫‪ -2‬الغزل في العصر الجاهلي‪ ،‬ص ‪.258‬‬

‫الديوان‪ ،‬ص ‪.60‬‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪ّ -4‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪.93‬‬ ‫‪ّ -5‬‬ ‫‪128‬‬


‫�أدب‬

‫سعاد يف قصيدته الربدة‪ ،‬فيقول‪:‬‬

‫ٍ‬ ‫بأرض ال ُي َب ِّل ُغها‬ ‫ح َّل ْت نوار ُ‬

‫وت السرّ َ ى ال تسأم ال َعنَ َقا‬ ‫إلاَّ َص ُم ُ‬

‫‪1‬‬

‫شك ّ‬ ‫ال َّ‬ ‫أن هذا الغزل التّمهيدي مل جيئ عبث ًا ومل يك لغو ًا من القول وإنّام كان عم ً‬ ‫ال فنّي ًا مقصود ًا‬ ‫من ناحيتني‪:‬‬

‫املحب ّ‬ ‫ألف‪ :‬یرید ّ‬ ‫أن یتناول غرض ًا من األغراض کاحلامسة أو الفخر أو اهلجاء أو املدح‬ ‫الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫الرحلة‪ ،‬فیبدأ یشفق القول بتعبری عن عاطفته‪ ،‬یعد به نفسه لتمثل موضوعه‬ ‫أو وصف النّاقة‪ ،‬أو ّ‬ ‫واالندماج فیه‪.2‬‬

‫امع َّ‬ ‫ب‪ّ :‬‬ ‫أن ّ‬ ‫ألن یتلقی ما یسمع بعاطفة متفتّحة ووجدان‬ ‫یفتتح قصیدته بالغزل‬ ‫الس َ‬ ‫الشاعر ُ‬ ‫لیهیئ ّ‬ ‫َ‬ ‫یمهد هبا‬ ‫السامعنی ملوضوعه‪.3‬‬ ‫ُ‬ ‫یقظ‪ ،‬فالغزل هنا کاملقدمة يف اخلطبة‪ّ ،‬‬ ‫اخلطیب أذهان ّ‬

‫‪ - 3‬الوقوف علی الأطالل‪:‬‬

‫وجیري کعب بن زهری علی سنّة شعراء اجلاهلیة يف الوقوف علی األطالل والدّ ِ‬ ‫من التي کانت‬ ‫سوغ ذلك ّ‬ ‫أن احلبیبة کانت‬ ‫تسکن هبا املحبوبة‪ ،‬ثم مناجاة هذه األطالل والبکاء بنی یدهیا‪ ،‬والذي ّ‬ ‫ومرت علی ذلك األ ّیام حتَّی صارت احلبیبة‬ ‫تسکن الدّ یار‪ ،‬فوجود هذا اقرتن بوجود تلك‪ّ ،‬‬ ‫‪4‬‬ ‫ودیارها وحدة متامسکة األجزاء‪.‬‬

‫وکعب بن زهری وإن کان جیري علی منوال اجلاهلینی يف الوقوف علی األطالل‪ ،‬إلاّ أ َّن ُه خیتلف‬ ‫عنهم أحیان ًا ویری أ َّن ُه ال جدوی من ذلك الوقوف وال من البکاء‪:‬‬ ‫رأیت َّ‬ ‫سفا ٌه َلدَ ى ِد َم ٍن قد َبل َينا‬ ‫بأن ال ُبکا َء‬ ‫ُ‬ ‫فلماّ‬ ‫‪5‬‬ ‫ص من َح َز ٍن و َع َص ْی ُت ّ‬ ‫الشؤونا‬ ‫علی ما َلدَ َّي الق ُلو‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫رفض للوقوف‬ ‫وهذا املوقف یذکّرنا بام سوف حیدث علی ید أيب نواس يف العرص العبايس من‬

‫الديوان‪ ،‬ص‪57‬‬ ‫‪ّ -1‬‬

‫‪ - 2‬الغزل في العصر الجاهلي‪ ،‬ص ‪.258‬‬ ‫‪ - 3‬المرحع لسابق‪ ،‬ص ‪.259‬‬ ‫السابق‪ ،‬ص‪300‬‬ ‫‪ - 4‬المرجع ّ‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص‪93‬‬ ‫‪ّ -5‬‬ ‫‪129‬‬


‫علی األطالل والبکاء علیها‪ ،‬ولک َّن کعب ًا ال یفلت دائ ًام من تأثری اجلاهلینی‪ ،‬فهو کثری ما یقف علی‬ ‫األطالل بطریقتهم‪:‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫تفیض ُغ ُروبهُ ا‬ ‫لِ َع ْینَ ْی َك‬ ‫َعاو َرها البِ َلی‬ ‫أرساب ُ‬ ‫ٌ‬ ‫أم ْن د ْمنَة َف ْق ٍر ت َ‬ ‫ٍ‬ ‫َعاو َرها ُ‬ ‫بأذیال علیها َجنُوبهُ ا‬ ‫وج َّر ْت‬ ‫طول البِلی بعدَ ِجدَّ ٍة‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫وال من أثافيِ الدّ ِار إلاَّ َصلی ُبها‬ ‫غری ُأ ٍّس ُم َذ ْع َذ ٍع‬ ‫فلم َ‬ ‫یبق فیها ُ‬ ‫‪1‬‬ ‫لِطِ َّيتِ ِه ْم َم ُّر النّوی ُ‬ ‫وش ُعوبهُ ا‬ ‫َأت هبم‬ ‫تحَ َ َّم َل منها أه ُلها َفن ْ‬ ‫ویذکر حمبوبته أ ّیام کانت هذه الدّ یار عامرة هبا‪:‬‬ ‫صن ِ‬ ‫وإ ْذ هي ک ُغ ِ‬ ‫البان خ ّفاق َة احلشی‬ ‫الو ِّد بیني وبینها‬ ‫فأصبح باقي ُ‬ ‫َ‬

‫ُیرو ُع َك منها ُح ْس ُن ٍّ‬ ‫دل وطِ ْی ُبها‬

‫َأمانيِ ِّ ُی ْز ِج ْیها إ َّيل ک َُذوبهُ ا‬

‫‪2‬‬

‫متعمد ًا ّ‬ ‫ولکن ال یلبث کعب ّ‬ ‫أن یتناسی مجال حبیبته أو َم ْن أومهنا أنهَّ ا‬ ‫أن یتنکر ملوقف الغزل هذا‪ِّ ،‬‬ ‫حبیبتُه‪ ،‬لکي خی ُلص إلی أغراضه احلقیق َّیة مثل وصف النّاقة‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫اهلم َ‬ ‫روبهُ ا‬ ‫عنك و َل ْو َد َعا‬ ‫إلی ذک ِْر َس ْل َمی ک َُّل َی ْو ٍم َط ُ‬ ‫فدعها وعدِّ َّ‬ ‫أتَصبوا إ َلی س ْلمی ومن ِ‬ ‫دون َأ ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫َم َهام ُه َی ْغ ُ‬ ‫تال ا َملطِ َّي ُس ُهوبهُ ا‬ ‫هلها‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ َ‬

‫والشاعر إ ْذ یتناسی حمبوبته هنا متع ِّل ً‬ ‫ّ‬ ‫ال ببعد املسافة إنّام ید ُّلنا علی أحد أمرین‪:‬‬

‫حب حقیق ّیة یعانیها‪ ،‬بل هو‬ ‫ّأوهلام‪ :‬وهو األرجح‪ ،‬أنّه مل یقصد الغزل لذاته أو للتّعبری عن جتربة ٍّ‬ ‫جیري علی ُسن َِّة األولنی يف ما یوردونه يف بدایة قصائدهم من الغزل التّمهیدي‪ ،‬وثانيهام‪ :‬أنَّـ ُه ید ُّلنا‬ ‫علی ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫یعزف عن طریقة األقدمنی يف االنفعال وال ّلوعة أمام األطالل والبکاء املستمر‬ ‫الشاعر‬ ‫ُ‬ ‫املتمسك بذکری احلبیبة حتَّی النّهایة‪ ،‬ومهام بعدت ّ‬ ‫الش َق ُة‪ ،‬ویضعف من هذا االحتامل أ َّن ُه ال‬ ‫الشاعر‪ ،‬إذ أنّه ما یلبث ّ‬ ‫یشک ُِّل ِسم ًة بارز ًة يف غزل ّ‬ ‫أن یعود يف مناسبة ُأخری لیستمرئ الوقوف‬ ‫ٍ‬ ‫خوال‪:‬‬ ‫علی األطالل والبکاء واحلزن علی ما کان هبا من عهود‬ ‫ِ‬ ‫فت ا َمل َ‬ ‫إذ ال ت ُ‬ ‫ُفارق َب ْط َن اجلَ ِّو فالبرُ قا‬ ‫نزل اخلَ َل َقا‬ ‫نوار َع َر َ‬ ‫أم ْن َ‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪12‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪12‬‬ ‫‪ّ -2‬‬

‫الديوان‪ ،‬ص ‪13 - 12‬‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫‪130‬‬


‫�أدب‬

‫وقفت فیها قلی ً‬ ‫فانهْ َ َّل دمعي علی اخلَدَّ ْی ِن ُمن َْس ِحقا‬ ‫أس َألهُ ا‬ ‫ُ‬ ‫ال َر ْی َث ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٌ َ َ ‪1‬‬ ‫یح ت ُْزجي ک َُّل ذي لجَ َ ٍ‬ ‫ماو َن ْت ُه ِد ْی َمة َدفقا‬ ‫ب‬ ‫غیث ًا إذا َ‬ ‫الر ُ‬ ‫ال زالت ّ‬ ‫وهکذا تنسجم مثل هذه املقطوعة مع ِمراه املسترشق ِغوستاف فون غرو نباوم من ّ‬ ‫احلب‬ ‫أن أغاين ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫الشعر الذي یملؤه األَسی علی ما فات‪ ،‬فکان ّ‬ ‫يف العرص اجلاهيل جمموعة من ّ‬ ‫بعاطفة‬ ‫الشاعر یتغنَّی‬ ‫انقضت أو سعادة أفلتت‪.2‬‬ ‫قد‬ ‫ْ‬

‫احلب يف نظر كعب بن زهری‬ ‫‬‫ُّ‬

‫یقول کعب بن زهری يف إحدی قصائده‪:‬‬

‫ماال َأ ُ‬ ‫زوف‬ ‫َف َع َز ْف ُت عنها إِنّام ُهو أن َأ َری‬ ‫نال فإنَّـني َل َع ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫ولمِا َأ ِم َن الخْ ُ ُط ِ‬ ‫وف‬ ‫ال هالِ ٌك َج َزع ًا علی ما فاتَني‬ ‫وب َع ُر ُ‬ ‫لمََّ‬ ‫والشم ِم‪ ،‬بل ّ‬ ‫احلب عنده باإلباء ّ‬ ‫إن کربیاءه جيعله ال یلنی وال خیضع له جانب‬ ‫وهذا ِّ‬ ‫یوض ُح ارتباط ِّ‬ ‫حتّی وإن تو ّلت عنه حبیبته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪4‬‬ ‫أجدَ را‬ ‫أمل تَع َل ِمي أنيِّ إذا َو ْص ُل ُخ َّل ٍة‬ ‫کذاك تو َّلی ُ‬ ‫بالصبرْ ِ ْ‬ ‫کنت ّ‬

‫السلبي ملا جتو ُد به احلبیبة‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫الصرب یتنافی مع رؤیة‬ ‫ألن مثل هذا ّ‬ ‫إن ّ‬ ‫الصرب هنا لیس معناه االنتظار ّ‬ ‫احلب أو اهلوی عند کعب إ ّما ّ‬ ‫للحب‪ّ ،‬‬ ‫أن یکون حافظ ًا للکرامة واإلباء‪ ،‬أو ال یکون‪ ،‬إنَّه‬ ‫کعب‬ ‫إن َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫یقربه اهلوی من اهلوان‪.‬‬ ‫یربأ بنفسه أن ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حليمة‬ ‫غري‬ ‫ولقد علمت وأنت ُ‬

‫َألاَّ ي َقربني هوى لهِ ِ‬ ‫وان‬ ‫ّ ً‬ ‫ُ ِّ‬

‫‪5‬‬

‫الرأي الذي يرتأيه يف املرأة عموم ًا‪:‬‬ ‫الرأي الذي يرتأيه كعب يف ِّ‬ ‫احلب متّسق ًا مع ّ‬ ‫ور ّبام يكون هذا ّ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪6‬‬ ‫الردی‬ ‫ُؤائم من لحَ َی‬ ‫َوأ ْق ِر ْب بأحال ٍم النّساء م َن ّ‬ ‫أال َبک َ​َر ْت عريس ت ُ‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪ّ -1‬‬

‫الحب عند العرب‪ ،‬ص ‪.67‬‬ ‫‪ - 2‬فلسفة‬ ‫ّ‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪ّ -3‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.23‬‬ ‫‪ّ -4‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪.99‬‬ ‫‪ّ -5‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪ّ -6‬‬

‫‪131‬‬


‫املرة‬ ‫الرأي الذي یسوقه کعب يف املرأة لیس کثری الورود يف شعره وتکاد تکون هي ّ‬ ‫ولکن هذا ّ‬ ‫الوحیدة التي َّ‬ ‫َّضح من شعره إنسان‬ ‫حط فیها کعب من قدر املرأة إلی هذا احلدِّ ‪ ،‬فکعب کام یت ُ‬

‫بالرجولیة ّ‬ ‫والشهامة‪ ،‬فهو ال‬ ‫یعرف حق املرأة وحیرتمها وحیافظ يف عالقته معها علی مبادئ ُ‬ ‫تفیض ّ‬ ‫الرغم من ِّ‬ ‫کل ما یالقیه منها‪:‬‬ ‫عمن حی ّبها علی ّ‬ ‫یتورع عن الدّ فاع ّ‬ ‫ِ‬ ‫وصاين أيب وعشریيت‬ ‫وبالعفو َّ‬

‫وبالدّ ْف ِع عنها يف ُأ ٍ‬ ‫مور تَری ُبها‬

‫‪1‬‬

‫کام ّ‬ ‫أن کعب ًا کثری ًا ما یعاتب املرأة يف شخص زوجته أو حبیبته‪ ،‬ویذکرها دائ ًام بأ َّن ُه لن یکون البادئ‬ ‫بالقطیعة‪ ،‬ولکنَّـ ُه سری ُّد علی اهلجر بمثله‪:‬‬

‫ِ‬ ‫وذن ِ‬ ‫و ُأ ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫اخللیط املزايل‬ ‫إیذان‬ ‫ْت‬ ‫غریك ُتصرْ َ مي‬ ‫فإن َتصرْ میني و ْی َ‬ ‫أن یعیش يف جو من الن ِ‬ ‫املحب ّ‬ ‫احلب ال یمکن ّ‬ ‫ویری کعب ّ‬ ‫أن‬ ‫ّمیمة واألنانّیة والوشا ّية‪ ،‬وعلی‬ ‫ِّ‬ ‫ٍّ‬ ‫أن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫حبیبته هؤالء الواشنی‪:‬‬ ‫یدفع عن‬ ‫ِ‪2‬‬

‫الوشا ُة فعیرَّ وها‬ ‫تعاو َرها ُ‬ ‫َ‬

‫الواشنی َعنْ ُه‬ ‫و َم ْن ال یفثإ‬ ‫َ‬

‫ِ‬ ‫احلال ا َّلتي يف الدّ ْه ِر حاال‬ ‫عن‬ ‫صباح َم َسا َء َیب ُغو ُه اخلَ َبال‬ ‫َ‬

‫‪3‬‬

‫‪ -‬اجلمال الأنثوي يف �شعر كعب‪:‬‬

‫السعادة أو‬ ‫ّ‬ ‫حتولت املرأة يف آخر طور من أطوار اجلاهلیة إلی قیمة معنویة کاجلامل أو احلر ّیة أو ّ‬ ‫احلب إلی تع ّل ٍق َ‬ ‫بتلك القیمة وتضحیة يف سبیلها‪ ،‬وإقدام علی املخاطر من أجلها‪،4‬‬ ‫العدالة‪ ،‬وحتول ُّ‬

‫رغم ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫احلس املبني علی جسد املرأة وکذلك الغزل العذري املبني‬ ‫الشعر اجلاهيل قد عرف الغزل يِّ‬ ‫علی روحها وجاذبیتها‪ ،‬إلاّ ّ‬ ‫أن اإلسالم عندما جاء کان له دور يف تفضیل وتغلیب النّوع ال ّثاين من‬

‫الغزل "العذري" من حیث ّ‬ ‫أن اإلسالم اجته إلی "اإلعجاب باألخالق الفاضلة واحلث علیها"‪،5‬‬ ‫الصدق يف الوعد‬ ‫وقد ظهر هذا املیل واضح ًا يف شعر کعب الغزيل‪ ،‬فهنا نحن نجده یؤ ِّکدُ صفة ّ‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.13‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪ّ -2‬‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.79‬‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫الحب عند العرب‪ ،‬ص ‪.72‬‬ ‫‪ - 4‬فلسفة‬ ‫ّ‬

‫النقد األدبي عند العرب‪ ،‬ص‪.235‬‬ ‫‪ّ -5‬‬ ‫‪132‬‬


‫�أدب‬

‫التي یفتقدها يف حبیبته فال یملك إلاّ ّ‬ ‫یأسف ألنهَّ ا ض َّللت ُه بالوعود واألماين الکاذبة‪:‬‬ ‫أن‬ ‫ُ‬ ‫یا وحیها ُخ َّل ًة‪ ،‬لو أنهَّ ا َصدَ َق ْت‬ ‫ِ‬ ‫لکنَّها ُخ ّل ٌة قد ِس َ‬ ‫يط ِم ْن َد ِم َها‬ ‫فام تَدوم علی ٍ‬ ‫حال تک ُ‬ ‫ُون هبا‬ ‫ُ‬

‫بالو ْص ِل ا ّلذي َز َع َم ْت‬ ‫وما تمَ َ َّس َك َ‬ ‫أن یعج ْلن يف ٍ‬ ‫أبد‬ ‫أرجو وآ ُم ُل ّ َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫فال ی ُغ َّرن َْك ما َمن َّْت وما َوعَدَ ْت‬

‫ٍ‬ ‫بأرض ال ُی َب ِّل ُغها‬ ‫أمس ْت ُسعا ُد‬ ‫َ‬ ‫َو َل ْن َی َب ّل َغها إلاَّ ُعذافِر ٌة‬

‫أن یعج ْلن يف ٍ‬ ‫أرجو ُ‬ ‫أبد‬ ‫وآمل ّ َ ْ َ َ‬ ‫ُ‬

‫أن الن ّْص َح َم ْق ُب ُ‬ ‫ما َوعَدَ ْت أو لو ّ‬ ‫ول‬ ‫ٌ‬ ‫وتبدیل‬ ‫وإخالف‪،‬‬ ‫وو ْل ٌع‬ ‫ٌ‬ ‫َف ْج ٌع‪َ ،‬‬

‫کام َت َل َّو ُن يف أثوابهِ ا ال ُغ ُ‬ ‫ول‬ ‫إلاّ کام تمُ ِس ُك املا َء ال َغرابِ ُیل‬ ‫طوال الدّ ِ‬ ‫هر َت ْع ُ‬ ‫وما هل ُ َّن َ‬ ‫جیل‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫تضلیل‬ ‫اين واألَحال َم‬ ‫إن األ ّم َّ‬ ‫ّجیبات‪ِ ،‬‬ ‫إلاّ ِ‬ ‫الع ُ‬ ‫املراس ُیل‬ ‫تاق الن‬ ‫ُ‬

‫قال ِ‬ ‫ِ‬ ‫األین َإر ٌ‬ ‫وتبغ ُیل‬ ‫فیها علی‬

‫طوال الدّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫وما هل َّن َ‬ ‫تعجیل‬ ‫هر‬

‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫تضلیل‬ ‫اين واألَحال َم‬ ‫إن األ ّم َّ‬

‫فال ی ُغ َّرن َْك ما َمن َّْت وما َوعَدَ ْت‬ ‫ِ‬ ‫أن َ‬ ‫املجرد ُ‬ ‫حمبوبته ّ‬ ‫کام َّ‬ ‫املشیب يف مفارقه‪:‬‬ ‫رأت‬ ‫أن کعب ًا ینکر علی‬ ‫حيث ْ‬ ‫َ‬ ‫تبخل علیه يف الوصال ّ‬ ‫خل ومن َمن ِع ِ‬ ‫فام ِش ْئ َت ِم ْن ُب ٍ‬ ‫نائل‬ ‫أنکرت منها شامئال‬ ‫فأصبحت قد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وماذاك عن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫سوی ّ‬ ‫ُ‬ ‫املفارق شاميل‬ ‫أن شیب ًا يف‬ ‫اجترَ ْم ُت ُه‬ ‫يشء‬ ‫أکون ْ‬ ‫‪1‬‬

‫ّ‬ ‫وتتنص ُل من وعودها معه وتتنک َُّر له‪،‬‬ ‫یصیب احلبیبة فتصدُّ عن حبیبها‬ ‫وإن مثل هذا التَحول الذي‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الصفات هي ما کان کعب یعاين منها‪ ،‬ویتمنّی ألاّ‬ ‫إن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫تکون يف حبیبته‪ ،‬ولکن هیهات‬ ‫مثل هذه ّ‬ ‫ِ‬ ‫فنحن مل نعثر ما ُیفیدُ ّ‬ ‫أن کعب ًا قد عثر علی غایته املنشودة‪ ،‬ولنستمع إلیه یقول‪:‬‬ ‫َّرت يل بعدَ ود ٍ‬ ‫ِ‪3‬‬ ‫ِ‬ ‫وصل ذي األلوان‬ ‫أنيّ جتا ُم ُع‬ ‫ثابت‬ ‫وتنک ْ‬ ‫ُ ٍّ‬

‫الراعیة لعهود‬ ‫یتم ُثل يف احلبیبة ّ‬ ‫النّموذج العذري للجامل عند کعب بن زهری إذن هو ذلك الذي َّ‬ ‫متلونة ومتبدلة يف عالقتها به‪.‬‬ ‫البارة بوعدها له‪ ،‬الغری ّ‬ ‫حبیبها املخلصة به َّ‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.62 – 61‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.75‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ص‪99‬‬ ‫‪ّ -3‬‬

‫‪133‬‬


‫أن نستعرض رأي کعب يف اجلامل اجلسدي للمرأة‪ ،‬وهنا نجدُ ّ‬ ‫الصورة بعد ّ‬ ‫أن کعب ًا ال‬ ‫وتکتمل ّ‬ ‫احلسینی‪ ،‬فحتَّی إذاما َت َع َّر َض لوصف حبیبته َّ‬ ‫فإن هذا الوصف داخل ضمن الغزل‬ ‫یدخل يف زمرة ّ‬ ‫کعب حبیبته‪:‬‬ ‫الرقيق املتع ِّفف‪ ،‬کام‬ ‫ُ‬ ‫یصف ٌ‬ ‫العذري ّ‬ ‫غضیض ال ّط ِ‬ ‫ُ‬ ‫مکحول‬ ‫رف‬ ‫إلاَّ َأ َغ ُّن‬ ‫وما ُسعا ُد َغدَ ا َة ال َبینْ ِ إذ رحلوا‬ ‫ُ‬ ‫ابتسمت‬ ‫عوارض ذي َظ ْل ٍم إذا‬ ‫جتلو‬ ‫ْ‬ ‫َ‬

‫بالراحِ َم ْع ُل ُ‬ ‫ول‬ ‫کأ ّنـَ ُه ُمن َْه ٌل ّ‬

‫‪1‬‬

‫وإلی قریب من هذا الوصف الربيء املتفق مع الفضیلة‪ ،‬یقول کعب عن أ ِّم شداد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫أری أم شدّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫خاذل‬ ‫بمکحول ا َملدام ِع‬ ‫یف‬ ‫ظبیبة‬ ‫اد هبا ِش ْب َه‬ ‫تُطِ ُ‬ ‫َّ‬

‫وهکذا ّ‬ ‫احلب‪،‬‬ ‫فإن کعب ًا مل یفحش ومل خیرج عن جادة الفضیلة يف غزله‪ ،‬ويف رأیه الذي أخذ به يف ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وتغزل باملرأة‪ ،‬ر ّقة وسالسة تبدو يف مثل قوله‪:‬‬ ‫وصف‬ ‫وهذا هو قصاری ما وصل إلیه من‬ ‫وإذ ِهي ک ُغص ِن ِ‬ ‫‪2‬‬ ‫ُیرو ُع َك منها ُح ْس ُن ِّ‬ ‫دل وطِی ُبها‬ ‫البان خ َّفاق َة احلشی‬ ‫ْ‬ ‫وهو قول یثبت لکعب أصالته ويف نفس الوقت تأ ّثره باجلاهلینی من ٍ‬ ‫جهة وبروحِ اإلسال ِم من‬ ‫ٍ‬ ‫جهة أخری‪.‬‬

‫اخلامتة‪:‬‬

‫أهم نتائج البحث‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫الصفحات املاضیة ّ‬ ‫قی ضوء ًا متواضع ًا علی شعر الغزل عند کعب بن زهری‪،‬‬ ‫حاولت يف ّ‬ ‫أن أ ْل َ‬ ‫ٍ‬ ‫یشوب البحث‪ ،‬ق َّلة ما کتب عن ذلك ّ‬ ‫الشاعر واقتصار أغلب ما کتب عنه‬ ‫قصور‬ ‫أي‬ ‫ُ‬ ‫وعذري يف ِّ‬ ‫علی قصیدته ّ‬ ‫الشهریة "البرُ دة"‪.‬‬ ‫ص النّتائج التي یمکن ّ‬ ‫ویمکن ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫أن یکون البحث قد ملسها يف‪:‬‬ ‫نلخ َ‬

‫‪َّ - 1‬‬ ‫احتل الغزل مکانة وحج ًام واضح ًا من شعر کعب بن زهری‪ ،‬فمن بنی بضع وعرشین‬ ‫قصیدة احتواها دیوانه‪ ،‬توجد سبع عرشة قصیدة بدأها ّ‬ ‫الشاعر بالغزل واصف ًا حمبوبته أو واقف ًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫کربیائه يف اهلوی‪ ،‬وتراوحت‬ ‫اهلجر أو معلن ًا عن‬ ‫علی األطالل‪ ،‬أو معاتبة عرسه‪ ،‬أو شاکی ًا من‬ ‫هذه بدایات هذه القصائد من بیتنی کحدٍّ أدنی إلی اثني عرش بیت ًا کحدٍّ أقصی‪ ،‬وقد بلغ جمموع‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.61 – 60‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪ّ -2‬‬ ‫‪134‬‬


‫�أدب‬

‫السبع عرشة عدد ًا یفوق املائة بیت‪ ،‬وبالتَّحدید ‪ 115‬بیت ًا‪.‬‬ ‫هذه األبیات‪ ،‬الغزل ّیة يف القصائد ّ‬

‫‪ - 2‬محل غزل کعب بن زهری خصائص الغزل اجلاهيل وخاصة الغزل العذري منه‪ ،‬فلم نعثر‬ ‫علی ٍ‬ ‫بیت واحد لکعب یتَّج ُه فیه إلی وصف مغامرته مع النّساء مثلام فعل امرؤالقیس مثالً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلسدیة‪ ،‬بل ّ‬ ‫إن لفظة مثل "هند" أو "ثدي"‬ ‫للمرأة یتناول مفاتنها‬ ‫حس‬ ‫وال عمد إلی وصف يّ‬ ‫احلس – لیس هلا وجود يف شعر کعب الغزيل‪.‬‬ ‫أو "فخذ" ‪ -‬وهي ألفاظ شائعة يف الغزل يّ‬

‫یغلب علی ال ّظ ِّن ّ‬ ‫احلب والعشق من خالل‬ ‫أن کعب ًا مل یکن شاعر ًا عاشق ًا یعبرِّ ُ عن جتاربه يف ِّ‬ ‫‪ُ -3‬‬ ‫غزله‪ ،‬ذلك أ ّن ُه أکثر من إیراد أسامء املحبوبات‪ ،‬فذکر ثامنیة أسامء من دون ّ‬ ‫تفوق‬ ‫أن یالحظ املرء ّ‬ ‫اسم حمبوبة علی اسم حمبوبة ُاخری‪ ،‬فکل اسم منها ورد يف قصیدة خاصة به ورود ًا حیملنا علی‬ ‫ِ‬ ‫القول َّ‬ ‫هؤالء املحبوبات لسن سوی وهم وخیال حمض یتط ّلبه الغزل التَّمهیدي‪ ،‬علی نحو‬ ‫بأن‬ ‫ما کان شعراء اجلاهلیة یفعلون يف غزهلم التّمهیدي‪ ،‬فینتقلون من سلمی إلی سعدی إلی لیلی‬ ‫أي حرجٍ وبدون أیة حماذیر‪،‬‬ ‫بال ِّ‬

‫‪َّ - 4‬‬ ‫إن کعب ًا تأ َّث َر يف غزله أیض ًا باإلسالم‪ ،‬فجاءت صور أبیاته الغزل ّیة بعیدة عن التعبریات‬ ‫املنافیة ألخالق اإلسالم‪ ،‬ولیس هذا غریب ًا عن شاعر ذهب ل ّلرسول الکریم (ص) بنفسه‬ ‫ِ‬ ‫ثم مدحِ األنصار‪ ،‬فکان من املنطق بعد ذلك ّ‬ ‫أن‬ ‫وتاب بنی یدیه وأسلم‪ ،‬ومدحه ومدح قریش ًا َّ‬ ‫يراعي حرمة املرأة‪َّ ،‬‬ ‫ألن اإلسالم کدین یراعي حرمتها وکرامتها‪.‬‬

‫‪ّ -5‬‬ ‫إن کعب ًا مل یکن يف تأ ُثره بالغزل اجلاهيل مق ّلد ًا وحسب‪ ،‬بل کانت له أصالته اخلاصة التي‬ ‫جعلته یبشرّ بنبذ البکاء علی األطالل‪ ،‬وهو أمر سیجنّد له أبو نواس شعره يف العرص العبايس‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫منزلة املبدع‪،‬‬ ‫ومباراته اخلاصة التّي ترفعه إلی‬ ‫کام تتج َّلی أصالة کعب أیض ًا يف صورة وتراکیبه‬ ‫الرقیقة التّي یصف فیها "سعاد" يف الربدة‪ ،‬وکذلك وصفه أل ِّم شدَّ اد بأبیات‬ ‫کام تشهد أبیاته ّ‬ ‫رقیقة ال نجدُ هلا مصدر ًا مبارش ًا يف ّ‬ ‫الشعر اجلاهيل‪.‬‬ ‫اف العش ِ‬ ‫أهاضیب رج ِ‬ ‫وختطو علی بر ّد ِ‬ ‫ِ‬ ‫هاطل‬ ‫ات‬ ‫یتني َغ َذ مُاها‬ ‫یَّ‬ ‫ُ َّ‬ ‫أقاحٍ تَر َّوی من ُعر ٍ‬ ‫ِ‪1‬‬ ‫وق غالغل‬ ‫رت عن ُغ ِّر ال ّثنایا کأنهّ ا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫وتف ُّ‬ ‫الزوجیة‪ ،‬ولذلك َخ َل ْت‬ ‫‪ - 6‬کان کعب بن زهری کام یت َِّض ُح من قصائده‪ ،‬غری سعید يف حیاته ّ‬ ‫قصائده من الغزل بزوجته‪ ،‬والقصائد التي حتدَّ ث فیها رصاحة عنها ملیئة بال ّلو ِم والعتاب‬ ‫والتج ّلد کام یبدو يف قصیدته‪:‬‬

‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.75 – 74‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫‪135‬‬


‫وقصیدته‪:‬‬ ‫وقصیدته‪:‬‬

‫ألاَ َبک َ​َر ْت ِع ْريس ت ُلو ُم وت ْغ ُذ ُل‬ ‫ِ‬ ‫ُؤائم من لحَ َی‬ ‫أال َبک َ​َر ْت عريس ت ُ‬

‫ف وأجمْ َ ُل‬ ‫قالت أ َع ُّ‬ ‫غری الذي ْ‬ ‫َو ُ‬

‫‪1‬‬

‫ِ ِ‬ ‫الردی‬ ‫َوأ ْق ِر ْب بأحال ٍم النّساء م َن ّ‬

‫‪2‬‬

‫إن ِعريس قد آ َذ َنتْني ِ‬ ‫ومل ُت َع ِّر ْج ومل تُؤا ِّم ْر ِأمیرْ ا‬ ‫أخریا‬ ‫َّ ْ‬ ‫الزوجة‪ ،‬ویبقي علیها‬ ‫بالصرب والتَّج ّل ِد أمام مثل هذه ّ‬ ‫یتذر ُع ّ‬ ‫وقد کان کعب کام یبدو يف قصائده َّ‬ ‫الرغم ممّا تس ّب ُب ُه له من متاعب‪ ،‬أل ّن ُه ٌ‬ ‫رجل ذو مبادئ ويف هذا ما یؤکد أثر اإلسالم علیه من‬ ‫علی ّ‬ ‫ِ‬ ‫جلوءه إلی الغزل التَّمهیدي واإلکثار من أسامء املحبوبات من جهة أخری‪.‬‬ ‫جهة‪ ،‬وما یربر‬ ‫‪3‬‬

‫تعر َض لغزل کعب بن زهری‪ُّ ،‬‬ ‫وکل ما أرجوه ّ‬ ‫حاولت يف هذه املقالة ْ‬ ‫أن تکون أخطائي حافز ًا‬ ‫ُ‬ ‫أن َأ َّ‬ ‫يل لتالفیها يف املستقبل ّ‬ ‫إن شاء اهلل تعالی‪.‬‬

‫الزوجة‪.‬‬ ‫الدیوان ص ‪ .68‬ویروی ‪" :‬غالم غدت عرسي"‪ ،‬العرس ‪ّ :‬‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫‪ّ -2‬‬

‫تعرج‪ :‬لم تعطف‪ ،‬وقوله لم‬ ‫الرس ‪ّ :‬‬ ‫‪ّ -3‬‬ ‫الزوجة‪ ،‬الحلیلة‪ .‬آذنتني ‪ :‬أعلمتني‪ ،‬لم ّ‬ ‫الدیوان‪ ،‬ص ‪ّ .26‬‬ ‫تؤامر أمی اًر‪ :‬أي لم تشاور في ذلك‪.‬‬

‫‪136‬‬


‫�أدب‬

‫امل�صادر واملراجع‪:‬‬

‫‪ - 1‬أمحد‪ ،‬أبولفضل؛ دراسات يف العرص اجلاهيل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املجلس األعىل لرعا ّية الفنون واآلداب والعلوم‬ ‫االجتامع ّية‪1969 ،‬م‪.‬‬

‫‪ - 2‬بدوي‪ ،‬طبانة؛ دراسات يف النّقد األديب‪ ،،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة األنجلوا املرص ّية‪ ،‬ال ّطبعة ‪.1960 ،3‬‬ ‫‪ - 3‬بروكلامن‪ ،‬كارل؛ تاريخ األدب العريب‪ .‬ترمجة الدّ كتور عبد احلليم الن ّ​ّجار‪ ،‬ج‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬ال ّطبعة ‪،2‬‬ ‫داراملعارف‪1968 ،‬م‪.‬‬

‫‪ - 4‬احلتّي‪ ،‬حنا نرص؛ ديوان كعب بن زهري‪ ،‬قدم له ووضع هوامشه وفهارسه‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتب‬

‫العريب‪ ،‬ط ‪1996 ،2‬هـ‪.‬‬

‫حممد؛ التيارات ال ّثقافیة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الدّ ار القوم ّية للطباعة والنّرش‪ ،‬بال ت‪.‬‬ ‫‪ - 5‬احلويف‪ ،‬أمحد ّ‬ ‫حممد؛ الغزل يف العرص اجلاهيل‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دار هنضة مرص‪ ،‬ال ّطبعة ‪ ،3‬بال ت‪.‬‬ ‫‪ - 6‬احلويف‪ ،‬أمحد ّ‬ ‫‪ - 7‬ح‪ .‬هيوارت دن؛ األدب العريب وتارخيه يف العرص اجلاهيل‪ ،‬بال‪.‬ت‪.‬‬ ‫السكري‪ ،‬اإلمام أيب سعيد بن احلسني بن عبدهلل؛ رشح ديوان كعب بن زهري‪ ،‬القاهرة‪ ،‬الدّ ار القوم ّية‬ ‫‪ّ -8‬‬ ‫للطباعة والنّرش‪ 1965 ،‬م‪.‬‬

‫‪ - 9‬رشاره‪،‬عبد اللطيف؛ فلسفة احلب عند العرب‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار مكتبة احلياة‪ ،‬ط ‪1960 ،2‬م‪.‬‬ ‫‪ - 10‬فاعور‪ .‬عيل؛ رشح ديوان كعب بن زهري‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دار الكتب العلم ّية‪ ،‬ال ّطبعة ‪1987 ،1‬م‪.‬‬ ‫حممد رشف‪ .‬حنفي؛ النّقد األديب عند العرب‪ ،‬أصوله وقضاياه‪ ،‬تارخيه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة ّ‬ ‫الشباب‪،‬‬ ‫‪ّ - 11‬‬ ‫‪1970‬م‪.‬‬

‫ال ّدوريات‪:‬‬

‫الشعر العريب ّ‬ ‫‪ - 1‬الكك‪ ،‬فكتور؛ لقاء ّ‬ ‫والشعر الفاريس‪ ،‬جملة "اإلخاء"‪ ،‬العدد ‪ ،459‬ترشين ثاين ‪1976‬م‪.‬‬ ‫‪Sonnit in Ka'b bin Zuhair poetry‬‬

‫‪137‬‬


Abstract Ka'b bin Zuhayr high-level companions, a senior stallions poets veteran glorious, and his genius has appeared at some of Islam conquered the Arabian Peninsula, Was occupies a prominent place Seen by most historians of literature, and describe his poet vigorously cohesion and abundance pronunciation and high status meaning. In this article I tried to shed some light on the sonnet poem of Ka›b bin Zuhayr ,the sonnet was occupied the position and clear size in his poet, his poem is an ode twenties. There are seventeen poem initiated by the poet spinning, Spinning which carried the spinning pre-Islamic and specially clean poet, we not found even a bit of poetry tends to describe his adventure with women, and also we did not find him a poem which deals with the physical attractions for women, Despite the lyrical poetry lover›s name gets mentioned a lot. But we can say that these mistresses are nothing but illusions are indispensable for this type of sonnet, as they did pre-Islamic poets of the period. In this article I realized that Ka›b bin Zuhair in his lyrics were influenced by Islam too. Lyrical images in his poetry was not incompatible with Islamic morality because he was the person adhere to value. Key words: Ka›b bin Zuhayr, Mistress of Ka›b, Pictures lyrical, Sonnet with love

138


‫�أدب‬

‫منهج اجلاربردي يف كتابه "الفكوك يف �رشح ّ‬ ‫ال�شكوك"‬

‫‪1‬‬

‫امللخّ �ص‬ ‫هم اهتمام العلماء‬ ‫كتاب الكافية البن احلاجب (‪ 571‬هـ) لقي – على �صغر حجمه – َّ‬ ‫ا ّلذين جاءوا بعده‪ ،‬فحب جمع منهم ‪ -‬منذ �ألف عام ‪ -‬ل�شرحه ونقده حيث حظي مبئة‬ ‫واثنني و�أربعني �شرحاً بالعربية‪ ،‬منها ما ك�سب �شهرة وا�سعة يف الأو�ساط العلم ّية ومنها ما مل‬ ‫يحظ ب�شهرة ُتذكر فبقي مغموراً غري معروف ك�شرح �أحمد بن ح�سن اجلاربردي (�شكوك‬ ‫والده هذا املو�سوم بـ (الفكوك يف �شرح‬ ‫على احلاجب ّية) و�شرح ابراهیم اجلاربردي لكتاب ّ‬ ‫ال�شّ كوك) واملهم �أنّ هذه املقالة تتناول البحث يف منهج هذا الكتاب وموقف م�ؤلفه يف‬ ‫اخلالفات ال ّنحوية وت�شري نتائج هذا البحث �إىل �أنّ اجلاربردي كثري االحتجاج باجلمل ال ّنرثية‬ ‫و�أ�سلوبه يت�سم بالغمو�ض والتطويل �إذ يلج�أ �إىل التعليالت املنطقية‪ ،‬وهو مل يكن ب�صرياً وال‬ ‫ال�صحيح وال ّنقل الكثري‪.‬‬ ‫كوفياً بل كان يذهب مذهب القيا�س ّ‬ ‫كلمات مفتاحية‪ :‬الكافية‪ ،‬اجلاربردي‪ ،‬الفكوك يف �شرح ال�شّ كوك‪.‬‬

‫الشهيد بهشتي‬ ‫الدكتور محمد ابراهيم خليفه شوشتري‪ -‬أستاذ مشارك في قسم اللغة العر ّبية وآدابها بجامعة ّ‬ ‫‪ّ -1‬‬ ‫الشهيد بهشتي‬ ‫الدكتور أبو الفضل رضائي ‪ -‬أستاذ مساعد في قسم اللغة العر ّبية وآدابها بجامعة ّ‬ ‫ ّ‬‫الشهيد بهشتي‬ ‫الدكتوراه في قسم اللغة العر ّبية وآدابها بجامعة ّ‬ ‫ پريسا بختياري‪ -‬طالبة ّ‬‫‪139‬‬


‫املق ّدمة‬

‫الكافية من �أهم املخت�صرات ال ّنحوية و�أ�شهرها يف علم ال ّنحو‪ .‬ا�سمه الكامل "كافية ذوي الأرب‬ ‫يف معرفة كالم العرب" �إال �أنه عرف بني ال ّنحويني با�سم "الكافية"‪ .‬وهو خمت�صر مفید علم‬ ‫الدار�س ليحيط علماً باملو�ضوعات الأ�سا�سية يف علم ال ّنحو‪ ،‬بعيداً عن كثري من‬ ‫ال ّنحو‪ ،‬تكفي ّ‬ ‫التفا�صيل والفروع واخلالفات‪ ،‬وهو ما ق�صد �إليه ابن احلاجب‪.‬‬ ‫وقد �شغل كتاب الكافية العلماء طوال القرون ومما يدل على �أهم ّيته �أ ّنه �أُح�صي له مئة واثنان‬ ‫و�أربعون �شرحاً باللغة العربية‪� ،‬إ�ضافة �إیل �شروحه الفار�سية والرتكية‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن املخت�صرات‬ ‫واملنظومات‪ ،‬وامل�صنفات يف �إعراب الكافية‪ .1‬ومن هذه ال�شّ روح ما هو مطبوع ومنها ما هو‬ ‫خمطوط ‪ .‬ومن ال�شّ روح امل�شهورة للكافية‪� :‬شرح ال ّر�ضي الأ�سرتاباذي‪ ،‬والفوائد ّ‬ ‫ال�ضيائية لنور‬ ‫الدين اجلامي‪ ،‬والربود ّ‬ ‫ال�ضافية البن ه�شام‪ ،‬ومن ال�شّ روح املجهولة؛ اخلاملة الذكر‪:‬كتاب‬ ‫ّ‬ ‫"�شكوك على احلاجبية" لأحمد بن ح�سن اجلاربردي و�شرح هذا الكتاب "الفكوك يف �شرح‬ ‫ال�شّ كوك" لولده ابراهيم اجلاربردي ا ّلذي هو مو�ضوع بحثنا هذا‪ ،‬ومل ي�شتهر بال�شّ هرة التي تليق‬ ‫به ومب�ؤلفه وقد خال من ذكره كثري من كتب ال ّنحو‪.‬‬ ‫و مل يبينّ اجلاربردي يف مقدمته املنهج الذي �سلكه يف الكتاب واكتفى ب�أن قال‪" :‬كتاب‬ ‫وبذلت َجهدي فيه لأجمع ما يحقق يل‬ ‫"ال�شّ كوك" لوجازة لفظه ودقة معانيه افتقر �إىل �شرح ُ‬ ‫�سميته بكتاب الفكوك يف �شرح ال�شّ كوك وجعلته امل�صعد‬ ‫من دقائق َم َعانيه م�ستعيناً باهلل البارئ ّ‬ ‫�إىل هذا اجلناب"‪ .2‬غري �أنّ هذا البحث حاول �أنّ يحدد بع�ض الأ�س�س التي قام عليها منهج‬ ‫اجلاربردي يف �شرحه هذا‪.‬‬ ‫�أ�سباب اختيار البحث‪:‬‬

‫وقد دفعني الختيار هذا املو�ضوع عدة �أ�سباب من �أهمها‪:‬‬ ‫‪� - 1‬أ ّنه �شرح لكتاب كبري من �أهم كتب ال ّنحو؛ فالكافية من ال ّن�صو�ص التي �أفاد منها‬ ‫الدار�سني‬ ‫عدد كثري من طالب العلوم‪ ،‬وال يزالون ي�ستفيدون منها‪ ،‬وقد تناوله كثري من ّ‬ ‫بال�شّ رح �أو ال ّنظم �أو االخت�صار �أو التعليق‪ ،‬وكونه �شرحاً لكتاب الكافیة الغني عن التعريف‬ ‫افية في علمي التصريف والخط‪ ،‬ص ‪4‬‬ ‫الشاعر‪،‬‬ ‫الكافية في علم الّنحو و ّ‬ ‫‪ . 1‬صالح عبدالعظيم ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص ‪3 - 2‬‬ ‫‪. 2‬ابراهيم بن احمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫‪140‬‬


‫�أدب‬

‫�إمنا يعني هذا ال�شّ رح مهم �أی�ضاً‪.‬‬ ‫‪ - 2‬القيمة العلمية للكتاب؛ فقد �شرح فيه م�ؤلفه كافية ابن احلاجب �شرحاً قيماً‪ ،‬امتاز‬ ‫الدقيقة وتنوع اال�ستدالالت وال ّنقول عن ال ّنحاة‬ ‫بح�سن العر�ض وكرثة التعليالت ال ّنحوية ّ‬ ‫ال�سابقني‪ ،‬فهو كتاب حافل باملناق�شات العلمية اجلادة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 3‬ال ّرغبة يف امل�ساهمة يف �إحياء كتب الرتاث التي اليزال عدد منها يف خزائن املكتبات‬ ‫ينتظر من ينف�ض عنها غبار ال ّن�سيان فينتفع طالب العلم واملعرفة مبا فيها من كنوز معرفية‪.‬‬ ‫‪ - 4‬جامعية كتاب "الفكوك يف �شرح ال�شّ كوك"؛ لأ ّنه يف جممله ي�شتمل علی كتاب‬ ‫"�شكوك على احلاجبية" لأحمد بن ح�سن اجلاربردي‪ ،‬ولهذا ف�إن "الفكوك يف �شرح‬ ‫ال�شّ كوك" ا�شتمل علی جهود عاملنی نحوینی‪.‬‬ ‫‪ - 5‬ال ّتعريف بجهود بع�ض العلماء الإيرانيني يف ال ّنحو العربي‪.‬‬ ‫�أهداف البحث‪:‬‬

‫ومن �أبرز �أهداف البحث‪:‬‬ ‫‪ - 1‬التعریف باملنهج الذي ا ّتبعه اجلاربردي يف ال�شّ رح‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عر�ض الآراء التي انفرد بها اجلاربردي‪.‬‬ ‫‪ - 3‬التعريف مبذهب اجلاربردي ال ّنحوي و�شرحه‪.‬‬ ‫حليلي‪.‬‬ ‫واملنهج يف هذا البحث هو املنهج‬ ‫الو�صفي ال ّت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال�سابقة‪:‬‬ ‫ال ّدرا�سات ّ‬

‫لقد �سبقت بحوث ودرا�سات كثرية يف �شروح الكافية‪ ،‬تناولت جوانب خمتلفة منها‪ ،‬و�شرح ر�ضي‬ ‫الدرا�سات‪.‬‬ ‫الدين الأ�سرتاباذي ل�شهرته الوا�سعة وقيمته العلمية حظي بن�صيب �أوفر من هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫والدرا�سات‪" :‬موقف ال ّر�ضي يف �شرح الكافية من �آراء �أبي علي الفار�سي‬ ‫ومن هذه البحوث ّ‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬للباحثة‪� :‬سميحة بنت �صالح بن �صالح اللهيبي احلربي‪� ،‬إ�شراف‪:‬‬ ‫ال ّنحوية" �أطروحة ّ‬ ‫الدين‬ ‫د‪.‬ريا�ض بن ح�سن اخل ّوام‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬جامعة �أم القري‪1426 ،‬هـ‪2005 -‬م‪ ،‬و"ر�ضي ّ‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬للباحث‪ :‬ف�ضل خليل �إبراهيم‬ ‫الأ�سرتاباذي ومنهجه يف �شرح الكافية" �أطروحة ّ‬ ‫ال�شّ يخ ح�سن‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د‪.‬حممد ح�سن ع ّواد‪ ،‬اجلامعة الأردنية‪2002 ،‬م‪ ،‬و"منهج ابن احلاجب‬ ‫‪141‬‬


‫ومذهبه ال ّنحوي من خالل كتابه الكافية درا�سة وحتليل" ر�سالة املاج�ستري‪ ،‬للباحث‪� :‬إخال�ص‬ ‫ن�صر ال ّريح ح�سني‪� ،‬إ�شراف‪ :‬د‪.‬علي جمعة عثمان‪ ،‬جامعة �أم درمان الإ�سالمية‪1426 ،‬هـ –‬ ‫‪2005‬م‪ ،‬و"ت�صحيح �شرح �شافيه جاربردي" ر�سالة املاج�ستري‪ ،‬للباحث‪ :‬ر�ضا ديده ور‪� ،‬إ�شراف‪:‬‬ ‫د‪.‬ف�ؤاديان‪ ،‬جامعة طهران‪1390 ،‬هـ‪�.‬ش‪ .‬لكن ّني مل �أقف على بحث جامع يتناول منهج‬ ‫اجلاربردي يف �شرحه لكتاب "�شكوك على احلاجبية" واملو�سوم بالفكوك يف �شرح ال�شّ كوك‪،‬‬ ‫فهذا املو�ضوع مل يدر�س من قبل – يف ما �أعلم ‪.-‬‬ ‫�أحمد بن ح�سن اجلاربردي ومنزلته العلمية‬

‫فخرالدين اجلاربردي (‪746 – 000‬هـ – ‪1346 -000‬م)‬ ‫"�أحمد بن احل�سن بن يو�سف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فقيه �شافعي‪ ،‬ا�شتهر وتويف يف التربيز"‪ .1‬هو �أحد ال�شّ يوخ امل�شهورين ببالد تربيز والت�صدي‬ ‫ال�سبكي‪" :‬كان �إماماً فا� ً‬ ‫ضال ديناً خرياً‬ ‫للتدری�س �أخذ عن القا�ضي‬ ‫ّ‬ ‫نا�صرالدين البي�ضاوي‪ .‬قال ّ‬ ‫وقوراً مواظباً على اال�شتغال بالعلم و�إفادة ّ‬ ‫وجده يو�سف �أحد �شيوخ العلم امل�شهورين‬ ‫الطلبة‪ّ ،‬‬ ‫بتلك البالد واملت�صدين ل�شغل ّ‬ ‫نورالدين االردبيلي‬ ‫الطلبة وله ت�صانيف معروفة وعنه �أخذ ال�شّ يخ ّ‬ ‫وغريه‪ .‬تويف بتربيز �شهر رم�ضان"‪ .2‬تفرد ال�شّ وكاين يف كتابه "البدر ّ‬ ‫الطالع" بذكر �سنة وفاته‬ ‫وهي �سنة ‪742‬هـ‪ .3‬مل تذكر لنا كتب ّ‬ ‫الطبقات �سنة والدته وحملها‪ ،‬و�إمنا ذكرت نبذة ي�سرية‬ ‫ال�صفحة �أو �أقل من ذلك‪ .‬غري �أنها اتفقت على �أ ّنه عامل‬ ‫عن �سريته ال تتجاوز يف �أكرث الأحيان ّ‬ ‫الدين الإيجي‪ ،‬ومع �أنه مل‬ ‫ماهر م�شهور يف ع�صره‪ ،‬وله مناظرات مع العالمة القا�ضي ع�ضد ّ‬ ‫ال�سیوطي من م�صنفاته‪� :‬شرح املنهاج‪،‬‬ ‫ي�شتهر ك�شاعر �إ ّال �أنه نقل عنه ّ‬ ‫ال�سبكي �أبياتاً‪ .4‬ذكر ّ‬ ‫و�شرح احلاوي يف الفقه‪ ،‬وال�شّ افية البن احلاجب‪ ،‬والك�شاف‪ .5‬ومن م�ؤلفاته �أی�ضاً‪� :‬شرح كتاب‬ ‫الدين بخاري مرغيناين يف الفقه احلنفي الذي هو �شرح "بداية املبتدي"‬ ‫"الهداية"‪ :‬لربهان ّ‬ ‫ملرغيناين‪ ،‬احلوا�شي على "�شرح الإي�ضاح"‪ :‬البن احلاجب يف علم ال ّنحو وهو �شرح "املف�صل‬ ‫يف ال ّنحو" للزخم�شري‪ ،‬املغني يف علم ال ّنحو‪ :‬ر�سالة يف علم ال ّنحو و�شرحها كثريون‪ ،‬منهم‬ ‫الزركلي‪ ،‬األعالم‪،‬ج ‪ ،1‬ص‪111‬‬ ‫الدين ّ‬ ‫‪ . 1‬خير ّ‬

‫‪. 2‬عبدالحي ابن العماد‪ ،‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪148‬‬

‫السابع‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪47‬‬ ‫الشوكاني‪ ،‬البدر ال ّ‬ ‫‪ . 3‬محمد بنعلى ّ‬ ‫طالع بمحاسن من بعد القرن ّ‬ ‫افعية الكبري‪ ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪9‬‬ ‫السبكي‪ ،‬طبقات ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫‪ . 4‬عبد الوهاب ّ‬ ‫بغية الوعاة في طبقات اللغويين والّنحاة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪303‬‬ ‫السيوطي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪.5‬عبدالرحمن ّ‬ ‫‪142‬‬


‫�أدب‬

‫حممد بن عبدال ّرحيم عمري امليالين �أحد تالمذة اجلاربردي‪� ،‬شرح الأ�صول‪ :‬لعلي بن حممد‬ ‫بزدوي‪� ،‬شكوك على احلاجبية‪� :‬شرح كتاب الكافية البن احلاجب‪.‬‬ ‫ابراهيم بن �أحمد اجلاربردي‬

‫مل يكن حظه يف الرتاجم وافراً فلم تتحدث عن �سنة والدته ون�ش�أته وم�ؤلفاته املحتملة غري �أنها‬ ‫لوالده ومات بدم�شق‪.‬‬ ‫اتفقت على �أنه رد على الع�ضد انت�صاراً ّ‬ ‫فخرالدين ووقفت له على رد على‬ ‫ابراهيم بن �أحمد بن احل�سن اجلاربردي ابن ال�شّ يخ العالمة‬ ‫ّ‬ ‫لوالده وقدم دم�شق ووىل تدري�س اجلاروخية ومات ابراهيم بدم�شق وا�ستمر‬ ‫الع�ضد انت�صاراً ّ‬ ‫الدين ال ّزهري ومات ف�ضل‬ ‫ولده ف�ضل اهلل وهو �صبي يف تدري�س اجلاروخية وجعل نائبه �شهاب ّ‬ ‫والده العالمة‬ ‫اهلل يف �أواخر ذي احلجة �سنة ‪ .7711‬كان من العلماء الأعيان‪� ،‬أخذ العلوم عن ّ‬ ‫امل�شهور وبرع وفاق الأقران‪ .‬قال حاجي خليفه يف ك�شف ّ‬ ‫ع�ضدالدين‬ ‫الظنون يف بحث العالمة‬ ‫ّ‬ ‫فخرالدين احمد بن ح�سن اجلاربردي املتويف �سنة ‪746‬هـ‪�" :‬إنّ الع�ضد كتب‬ ‫الإيجي والفا�ضل ّ‬ ‫عما يف الك�شاف عن قوله تعاىل �سبحانه"ف�أتوا ب�سورة‬ ‫�إىل اجلاربردي بطريق اال�ست�شكال ي�س�أله ّ‬ ‫ع�ضدالدين فر ّد اجلواب عليه قال فكتب‬ ‫من مثله"‪ 2‬و�أجاب عنه اجلاربردي بجواب مل يعجب‬ ‫ّ‬ ‫لوالده انتهى"‪� .3‬إبراهيم بن �أحمد بن احل�سن اجلاربردي التربيزي‪،‬‬ ‫ابراهيم بن اجلاربردي ن�صرة ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫ال�شّ افعي قدم دم�شق ومات فيها ‪ .‬مل یذكر الع�سقالين �سنة وفاته وذهب التونكي وعمر ر�ضا‬ ‫كحالة �إیل �أنّ �سنة وفاته كانت �سنة ‪712‬هـ‪ .‬و�إننا �أنّ �أخذنا بهذا التاریخ فیجب �أنّ نُ�س ّلم �أنه‬ ‫مات قبل �أبيه وهذا یعار�ض مع ما ظهر من كتابه "الفكوك يف �شرح ال�شّ كوك" وكتب الرتاجم‬ ‫ّ‬ ‫والطبقات التي �أجمعت علی �أنه مات بعد �أبیه‪ ،‬لذلك ال ن�س ّلم مبا ذكره عمر ر�ضا كحالة‬ ‫والتونكي‪.‬‬ ‫واملهم �أنّ ابراهیم بن �أحمد اجلاربردي كان عاملاً نحویاً وفقیهاً ماهراً �أ ّلف كتاباً �أ�سماه "الفكوك‬ ‫يف �شرح ال�شّ كوك" �شرح فیه كتاب �أبیه "�شكوك علی احلاجبیة"‪ ،‬ومل نعرث له علی م�ؤلفات غری‬ ‫هذا الكتاب‪ ،‬وغری بعید �أنّ تكون له م�ؤلفات �أخری قد عفا علیها ال ّزمان‪ ،‬ولعل هذا هو �سبب‬ ‫الدرر الكامنة في أعيان المائة ال ّثامنة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪8‬‬ ‫‪. 1‬ابن حجر العسقالني‪ّ ،‬‬

‫‪. 2‬البقرة‪.23/‬‬

‫‪ . 3‬محمود حسن التونكي‪ ،‬معجم المصنفين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص ‪42‬‬ ‫‪. 4‬عمر رضا كحاله‪ ،‬معجم المؤلفين‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪9‬‬ ‫‪143‬‬


‫عدم �شهرة هذا العامل‪ ،‬فهو من املغمورین‪ .‬وجتدر الإ�شارة �إیل �أنه دافع عن �أبیه راداً علی الع�ضد‬ ‫�إنكاره جلواب �أبیه علی �س�ؤال م�س�ألة الع�ضد يف قوله تعایل‪" :‬ف�أتوا �سورة من مثله"‪.‬‬ ‫العلمية‬ ‫�أبواب الكتاب ومادته‬ ‫ّ‬

‫ملا كان ال�شّ كوك �شرحاً لكافية ابن احلاجب‪ ،‬وكان الفكوك �شرحاً لل�شكوك وكان املتعارف بنی‬ ‫ال�شّ راح االلتزام مبنهج امل�ؤلف قدر الإمكان‪ ،‬لذلك رتب �أبواب كتابه وفقاً لرتتیب �أبواب الكافیة‬ ‫علماً ب�أنه مل یذكر بع�ض الأبواب التي ذكرت يف الكافیة‪ .‬فبد�أ الكتاب بعد املقدمة بـ "الكلمة‬ ‫والكالم" ّثم ذكر "الإعراب" و"املرفوعات" و"املن�صوبات" و"املجرورات" و"التوابع"‬ ‫و"املبني" و"املعرفة وال ّنكرة" و"العدد" و"امل�صدر" و"ا�سم الفاعل" و"الفعل امل�ضارع"‬ ‫ي�سم فاعله" و"الأفعال‬ ‫و"نوا�صب الفعل امل�ضارع" و"جوازم الفعل امل�ضارع" و"فعل ما مل ّ‬ ‫ال ّناق�صة" و"�أفعال املقاربة" و"�إعراب ما التعجبية" و"�أفعال املدح والذم" و"تعريف احلرف"‬ ‫�إىل �أنّ ختم بـ "حروف اجلر"‪.‬‬ ‫منهج اجلاربردي‬

‫‪ - 1‬عر�ض املادة العلمية‬ ‫بد�أ اجلاربردي كتابه مبقدمة بد�أها بذكر التحميد والتوحيد ومتجيد �سيد الأنبياء (�صلي اهلل عليه‬ ‫و�آله و�سلم)‪� .‬إنّ هذه املقدمة تك�شف عن ثقافة �صاحبها وعلمه وقد كتبها ب�أ�سلوب ا�ستخدم فیه‬ ‫ال�سجع و�أكرث فیه من املرتادفات وز ّینه ب�أبیات ل�شعراء كبار وهذا ما يدل على ثقافته الوا�سعة‬ ‫ّ‬ ‫وتبحره يف اللغة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد �صرح امل�ؤ ّلف بالغر�ض من ت�ألیف الكتاب يف املقدمة حيث قال‪" :‬و�إنّ كتاب الكافية يف‬ ‫ال�سعيد وموالي ال�شّ هيد روح اهلل‬ ‫ال ّنحو كتاب كثري الفوائد حمتوى على الفرائد وعليه ّ‬ ‫لوالدي ّ‬ ‫�سماه بال�شّ كوك هي ُد َرر من فكره وغرر من نقده‬ ‫روحه ونور �ضريحه �إرادات ا�شتمل عليها كتاب ّ‬ ‫ال�صائب �سلك فيها م�سلك االخت�صار واختار طريق الإيجاز‬ ‫مل ينقّبها �إال ذهنه الثّاقب وحدته ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫واالقت�صار و ِل َوجازة لفظه ودقة معانيه افتقر �إىل �شرح كل االفتقار" ‪.‬‬ ‫ي ّت�ضح من كالم امل�ؤلف �أ ّنه �سعی �إىل �شرح كتاب "�شكوك على احلاجبیة" ملا وجد اخت�صاراً‬ ‫�شدیداً يف كالم �أبيه مع دقة وا�سعة يف معانيه فب َّينه كي ال يتع�سر الفهم على القارئ‪.‬‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.1‬‬ ‫‪ . 1‬ابراهيم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫‪144‬‬


‫�أدب‬

‫اعتمد ال�شّ ارح يف هذا الكتاب على منهج قائم على الو�صف والتعليل‪ ،‬فقد كان يذكر ال ّن ّ�ص‬ ‫ن�ص من الكافية وال�شّ كوك ثم ي�شرح اعرتا�ضات تخيلها �أبوه‪ ،‬ثم‬ ‫�إبتدا ًء ثم ي�شرحه‪ ،‬فهو يعمد �إىل ّ‬ ‫يجيب فيب�سط القول فيه ويذكر ما يدور حول هذا املو�ضوع من �آراء وي�شرح ر�أي �أبيه يف امل�سائل‬ ‫وي�ستقل �أحياناً ب�آراء خا�صة به وي�ؤيد ويعار�ض ما اختاره وما ر ّده من الآراء بالتعليل والتدليل‪.‬‬ ‫ومن الأمثلة على ذلك �شرحه لقول �أبيه يف باب تعريف املفعول املطلق حیث قال‪" :‬قال رحمه‬ ‫ال�صناعة ال ّنحوية يقت�ضي �أن يقيد‬ ‫اهلل‪ :1‬قوله‪ 2‬املفعول املطلق ا�سم ما فعله �إىل �آخره �إن قلت �إنّ ّ‬ ‫حد �ساير املفاعيل باال�سم فما املوجب للتقیید هنا وتركه يف غریه"‪ .3‬فقد حتدث عن ا�شرتاك‬ ‫املفاعيل يف كونها �أ�سماء ولزوم تقييد تعريف كل واحد منها باال�سم‪ ،‬وحتدث �أی�ضاً عن تقييد‬ ‫التعريفات باجلن�س ثم مبا يقوم مقامه‪� ،‬إنَّ �إهماله التقیید باجلن�س يف باقي املفعوالت‪ ،‬وذكره �إیاه‬ ‫ههنا ال یخلو من دلیل‪.‬‬ ‫ولقد طغی املنطق والفل�سفة علی �أ�سلوبه طغیاناً وا�ضحاً لذلك ات�صف �شرحه بالغمو�ض يف كثری‬ ‫من الأحیان حیث ا�ستخدم فیه ا�صطالحات منطقیة نحو‪ :‬احلد‪ ،‬املاهية‪ ،‬اجلامع‪ ،‬املانع ونحو‬ ‫ذلك‪.‬‬ ‫ومن ذلك قوله عند �شرحه العرتا�ض �أبيه يف تعريف املفعول به‪" :‬عرف امل�صنف املفعول به ب�أنه‬ ‫الذي وقع عليه فعل الفاعل فاعرت�ض عليه ب�أن التعريف غري مانع لدخول ما لي�س منه فيه‪...‬‬ ‫وب�أنه غري جامع خلروج ما هو منه‪.4"...‬‬ ‫و�أمثلة هذا يف الكتاب كثرية جداً‪.‬‬ ‫كالدكتورة �أمرية علي توفيق قد ذهبت �إیل اعتبار‬ ‫واجلدیر بالذكر �أنّ بع�ض الباحثنی املحدثنی ّ‬ ‫ا�صطناع ال�شّ راح لأ�سلوب املناطقة والفال�سفة �أمر�آً طبيعياً و�أعادت ذلك �إىل عدة عوامل‪ ،‬بع�ضها‬ ‫يرجع �إىل الع�صر حيث تفل�سفت فيه العلوم؛ لأن الفل�سفة واملنطق كانا قد ترجما من الیونانية‬ ‫الدرا�سات ال ّنحوية‪ ،‬وذلك �أنه‬ ‫�إىل العربية وبع�ضها يرجع �إىل املرحلة التي و�صل �إليها تطور ّ‬ ‫�أَ�شیع بني ال ّنا�س �أنّ ال ّنحو مل تبق فيه زيادة مل�ستزيد ومل يكن �أمامهم �سوی التوغل يف العناية‬ ‫الضمير يعود إلى أبيه‪.‬‬ ‫‪ّ .1‬‬

‫الضمير يعود إلى ابن الحاجب‪.‬‬ ‫‪ّ .2‬‬

‫الشکوک‪.115 ،‬‬ ‫‪. 3‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫الشکوک‪.126 ،‬‬ ‫‪.4‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪145‬‬


‫ب�إتقان �أ�سالیب اجلدل والتف ّنن يف �إخراج الألفاظ و�إيجاد الت�أويالت العقلية والتعمق يف التعليل‬ ‫والتفل�سف فيه‪ ،‬حتی ليمكن القول ب�أن براعة �أغلب ال ّنحاة اقت�صرت يف هذا الع�صر على‬ ‫ا�صطناع منهج جديد يف درا�سة ق�ضايا ال ّنحو‪ ...‬يحظی فيه املنطق والفل�سفة مبكانة بارزة‪.1‬‬ ‫‪ - 2‬الو�سطیة بنی الإطناب واالخت�صار‬ ‫ال�شك �أن كتب ال ّنحو تفاوتت بينها يف املنهج‪ ،‬ما بني مفرط م�سهب‪ ،‬وخمت�صر مقل‪ .‬ومنهم‬ ‫من �سلك منهجاً و�سطاً بني �أولئك وه�ؤالء‪� .‬أما اجلاربردي فقد اتخذ لنف�سه منهجاً و�سطاً �إذ‬ ‫ا�ست�شهد بهذه العبارة‪" :‬وخري املذاهب �أو�سطها" وهذا یعني �أنه كان مییل �إیل الو�سطیة يف‬ ‫املنهج ‪.‬ولكنه كان �أحياناً يقع يف �شرك الإطالة التي من �ش�أنها �أنّ تغرق القارئ يف بحار اجلدل‬ ‫واحلجاج والتعليالت والت�أويالت املتكلفة وا�ستعمال امل�صطلحات املنطقیة‪ .‬وقد ا�ستوفی جميع‬ ‫ال�سمة دليل على �أنّ الهدف من و�ضع هذا الكتاب هو ال�شّ رح‬ ‫امل�سائل التي �أوردها �أبوه‪ .‬وهذه ّ‬ ‫والتو�ضيح؛ ف�إنه كان ي�ستفيد كثرياً من �أمثال هاتني العبارتني "بيان ذلك" و"تقرير ذلك"‪.‬‬ ‫ومن �أمثلة �إطنابه املفيد قوله‪ ،‬وهو ي�ستق�صي جمیع �أنواع التاء يف اللغة‪" :‬والتاء لكونها‬ ‫ال�صفة ك�ضارِب و�ضاربة‬ ‫للوحدة �إذ مل يق�صد بها االفرتاق لأ ّنها �إ ّما افرتاق بني مذكر وم�ؤنث يف ّ‬ ‫�أو يف اال�سم ك�شَ يخ و�شيخة و�إ ّما بني اجلن�س والوحدة كتمر ومترة و�إ ّما بني الواحد واجلمع وهي‬ ‫للواحد كبغال وبغالة �أو للجمع ككماء‪ 2‬وكم�أة و�إما للمبالغة يف الت�أنيث كناقة و�إما يف اجلمعية‬ ‫ال�صفة اّ‬ ‫كعلمة و�إما لن�سبة ك�أ�شاعثة واملهالبة و�إما لعو�ض كفرازنة‬ ‫كحجارة يف جمع حجر �أو يف ّ‬ ‫يف جمع فرزان �إذ الأ�صل فرازين ع ّو�ض التاء عن املحذوف ومثل يا �أبت ف�إن التاء قد عو�ض‬ ‫عن ياء املتكلم و�إما للعجبة ح�صراً م�ستفاداً من اال�ستقراء وال �شيء منها �سوی الوحدة بجايز‬ ‫للإرادة"‪.3‬‬ ‫مع �أنّ اجلاربردي كان یطنب �أحیاناً �إلاّ �أ َّنه كان �أی�ضاً یتجنب التكرار بل مییل �إیل االخت�صار يف‬ ‫املوارد التي یراها ت�ستوجب ذلك‪ .‬مثال ذلك قوله يف باب الفاعل‪" :‬ف�إن اجلملة �إما فعلية �أو‬ ‫ثالث للق�سمني على ما ُبینِّ َ يف مو�ضعه"‪ .‬ويف باب �أفعال املقاربة قال‪:‬‬ ‫ا�سمية والق�سمة ثنائ ّية ال ّ‬ ‫ال�س�ؤال واجلواب ظاهر غني عن البيان"‪ .‬وقال يف باب ا�سم الفاعل واملفعول‪" :‬وما �أورد‬ ‫"هذا ّ‬ ‫وال�صفة امل�شبهة غني عن البيان"‪ .‬وقال يف باب (�إذن)‬ ‫على تعريف ا�سمي الفاعل واملفعول ّ‬ ‫لكافية ابن الحاجب‪ ،‬ص ‪.58‬‬ ‫الرضي ّ‬ ‫‪.1‬حسن بن ابراهيم بن محمد بن الحفظي‪ ،‬شرح ّ‬

‫مادة کمأ)‪.‬‬ ‫الصحیح هو کمء (راجع لسان العرب ّ‬ ‫‪. 2‬یبدو ّ‬ ‫أن ّ‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.4 - 3‬‬ ‫‪. 3‬ابراهيم بن احمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫‪146‬‬


‫�أدب‬

‫�إحدى نوا�صب الفعل امل�ضارع‪" :‬غني عن ال�شّ رح لو�ضوحه"‪.‬‬ ‫‪.3‬التعليل‬ ‫‪ -1-3‬التعلیل املنطقي‪ :‬لقد �سبق �أنّ �أ�شار اجلابردي �إىل مقدمة �شرحه �إىل �أنّ هدفه فك‬ ‫وجازة لفظ �أبيه وبيان دقائق معانيه‪ ،‬لأنّ �أباه �أحمد اجلاربردي كان دقيقاً يف تعامله مع احلدود‬ ‫والتعريفات دقة جعلته ي�ستدرك ويو�ضح تعريفات ابن احلاجب وحدوده‪ ،‬و�صاحبنا ابراهيم‬ ‫قد تبع منهج �أبيه يف تعامله مع احلدود‪ ،‬لكنه كان ي�شرح ويو�ضح متناو ًال الق�ضايا والأحكام‬ ‫ال ّنحوية بالتف�صيل فقد �أكرث فيه من التعليالت العقلية واملنطقية ق�صداً لإی�ضاح و�إقناع‪،‬‬ ‫فكان یو�ضح مراد �أبیه علی �أح�سن وجه وهذا هو غر�ضه الأ�سا�سي الذي من �أجله و�ضع‬ ‫احلد مل یطابق املحدود ف�إ ّنه عرف ب�أنه‬ ‫اجلاربردي هذا ال�شّ رح‪ .‬كقوله يف الإعراب‪�" :‬إن ّ‬ ‫الذي یختلف �آخره به والذي یح�صل به اختالف �آخر املعرب لی�س الإعراب بل �أنواعه وال‬ ‫�شيء من �أنواع ال�شيء بال�شيء"‪ّ 1‬ثم قال‪�" :‬أجاب ب�أنا ال ن�سلم �صدق �سلب كونه �إعراباً‬ ‫عن الذي یختلف �آخره به مطلقاً ف�إنّ الإعراب ملّا كان جزء ّ‬ ‫كل واحد من �أنواعه التي لها‬ ‫االختالف �صدق علیه �أنه الذي اختلف به من حیث �أنه جزء ملا هو �سبب االختالف وهذا‬ ‫اجلواب متك ّلف فیه ف�إ ّنه و�إن اندفع به �سلب الإطالق علیه مطلقاً ل�صدقه علیه جمازاً �إلاّ �أنه‬ ‫بقي الإیراد بلزوم كون �أنواع ال�شيء نف�سه �إن �أراد به تعریف احلقیقة و�إن �أراد به جم ّرد التم ّیز‬ ‫یعد ومیكن �أنّ یجاب ب�أن‬ ‫بقي علیه الإیراد لعدم تر ّتب املق�صود علیه لبقاء االلتبا�س ب�أنواعه ّ‬ ‫املراد متییزه عما ی�شارك يف الوجود اللفظي وملا مل یوجد يف غری �أنواعه املعلومة بالتعریف‬ ‫بالتمییز امتاز"‪.2‬‬ ‫‪ -2-3‬التعلیل بالت�شابه‪� :‬أ َّنه كان ی�ستخدم الت�شبیه يف التعليل التو�ضيحي فكان یو�ضح‬ ‫ال�شّ يء بذكر نظریه‪ .‬مثال ذلك �أ ّنه حینما �أراد �أنّ یو�ضح تعریف املفعول املطلق ذكر تعریف‬ ‫احلال وا�ستدل به علی �صحة تعریف املفعول املطلق �إذ قال‪" :‬كرهت كراهة �صدر عني فیما‬ ‫�سبق من ال ّزمان وعلی هذا و�إن �صدق علیه �أنه ا�سم ما فعله فاعل فعل مذكور مبعناه لكن‬ ‫ال من حیث �أنه فاعل للفعل املذكور وهذه احلیثیة مرادة و�إن مل یذكر فخرج عن التعریف‪،‬‬ ‫ونظری املفعول املطلق يف �إرادة احلیثیة يف حده و�إن مل یذكره حد احلال ف�إنه عرفه ب�أنه ما بینّ‬ ‫هیئة الفاعل �أو املفعول كقولك ر�أیت رج ًال عاملاً مع �أنّ الو�صف لی�س بحال فیكون احلد‬ ‫‪. 1‬المصدر نفسه‪.33 - 32 ،‬‬ ‫الشکوک‪.33 ،‬‬ ‫‪ . 2‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪147‬‬


‫مدخو ًال فیه و�أجاب ب�أن الو�صف و�إن كان مب ّیناً لهیئتي الفاعل �أو املفعول لكن ال من حیث‬ ‫حد احلال �إذ احلیثیة مرادة و�إن مل‬ ‫�أنه فاعل �أو مفعول بل من حیث الذات فلم یدخل يف ّ‬ ‫ً ‪1‬‬ ‫یذكره والتحقیق �أنّ الو�صف و�ضع لیدل علی هیئة الذات مطلقا "‬ ‫ال�سماعي ‪ :‬مثال ذلك تعلیله عدم عمل �شبه فعل‬ ‫‪ -3-3‬التّعلیل بعدم وجود ال ّنظری ّ‬ ‫يف املفعول معه‪� ،‬إذ علل ذلك بعدم ال ّنظری؛ �أي‪ :‬علله بعدم وجود مورد عمل فیه �شبه فعل‬ ‫يف املفعول معه‪ ،‬وهذا یفهم من ّن�صه التايل‪ :‬قال اجلاربردي‪" :‬االنتقا�ض وعدمه مبني على‬ ‫جواز القيا�س يف اللغة وعدمه �إذ مل يوجد يف الكالم �شبه فعل عمل يف مفعول معه وحينئذ‬ ‫�صحة ورود املثال نق�ضاً مبني على �صحة تركيبه وهو �إن �صح ل�صح بالقيا�س على الفعل بنا ًء‬ ‫على جوازه ف�إن قلنا بعدم اجلواز مل ينتق�ض لعدم �صحة الرتكيب حينئذ‪� ،‬إذ مل ي�ساعده‬ ‫نقل وال قيا�س و�إن قلنا بجوازه فينتق�ض �إال �أنّ يريد بالفعل املذكور يف التعريف‪ ،‬الفعل وما‬ ‫�أ�شبهه"‪.2‬‬ ‫‪. 4‬ربط املوا�ضیع ال ّنحویة باملوا�ضیع الفقهیة‬ ‫ما قاله وهو يتحدث عن �صور حذف الفعل من املفعول املطلق قيا�ساً‪ ،‬حيث حتدث عن الوجهني‬ ‫للفقهاء يف م�ؤاخذة املق ّر مبوجب �إقراره‪" :‬امل�صنف جعل من �صور حذف الفعل من املفعول‬ ‫قيا�ساً ما �إذا وقع م�ضمون جملة ال حمتمل لها غريه و�سماه توكيداً لنف�سه وما �إذا وقع م�ضمون‬ ‫جملة لها حمتمل غريه و�سماها توكيداً لغريه ومثل الأویل بقوله (لزيد على �ألف درهم اعرتافا)‬ ‫والثّانية بقوله (زيد قائم حقاً) فاعرت�ض عليه بوجوه الوجه الأول �إ ّنا ال ن�سلم �أنّ مثل قولنا‬ ‫(لزيد على �ألف درهم اعرتافاً) غري حمتمل للغري وبيان ذلك �أنّ الغري يطلق تارة على املخالف‬ ‫املنايف له �أي الذي ال يجامعه بحال و�أخرى على �أعم منه �سواء جامعة �أو ال وعلى كل واحد‬ ‫من املعنيني فاالحتمال ثابت‪ .‬واجلواب عن الأول �أنه مل يحتمل الغري‪ .‬قوله الغري يطلق تارة‬ ‫�إىل �آخره قلنا املراد بالغري معنى �أخ�ص منهما وهو ما �إذا يحقق وجوده وتق ّرر ح�صوله منع‬ ‫ال�صدق والكذب كذلك‬ ‫اجلملة عن ا�ستلزامها ملا ت�ضمنته قبل مقت�ضي وجوده وال واحد من ّ‬ ‫ال�صدق فظاهر لأنه يقوي وي�ؤيد طرف ا�ستلزام اجلملة ما ت�ضمنته من االعرتاف لتحقق‬ ‫�أما ّ‬ ‫مقت�ضي االعرتاف ظاهراً وباطناً و�أما الكذب فلأنه و�إن مل يق ّو مل مينع اجلملة عن ا�ستلزامها �إياه‬ ‫ف�إنه مع احتمالها الكذب مل ينفك عن االعرتاف لأنه عبارة عن التزام ال�شّ يء لغريه ت�صريح‬ ‫الشکوک‪.118 - 17 ،‬‬ ‫‪. 1‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪. 2‬المصدر نفسه‪.142،‬‬ ‫‪148‬‬


‫�أدب‬

‫اللفظ امللزم وهذا املعنى �صادق حالتي �صدق املعرتف وكذبه قوله لو يحقق ويتقن كذبه مل‬ ‫ي�ؤاخذ مبقت�ضى �إقراره فيحقق الكذب جعلها بحيث ينفك عن االعرتاف قلنا عدم امل�ؤاخذة‬ ‫مبوجبه حينئذ ال يوجب عدم ا�ستلزام اجلملة االعرتاف غاية ما يف الباب �أنّ يقت�ضي االعرتاف‬ ‫الذي هو امل�ؤاخذة املذكورة مل يح�صل لدليل راجح على االعرتاف وهو يحقق الكذب وعدم‬ ‫مقت�ضى ال�شّ يء اليدل على عدم ال�شّ يء جلواز �أنّ يتخلف مقت�ضى ال�شّ يء و�أثره ملانع منع بقاء‬ ‫ال�شّ يء و�أعلم �أنّ قوله غاية ما يف الباب اعرتاف ب�أن مقت�ضى االعرتاف مل يح�صل وت�سليم‬ ‫ملالزمة اخل�صم �أي قوله لو يحقق الكذب مل ي�ؤاخذ وهذا غري الزم و�أن لقائل �أنّ يقول مقت�ضى‬ ‫االعرتاف مما مل يرتفع بحال �أما لغة فظاهر و�أما �شرعاً فلأن ارتفاعه ال بد له من رافع وذلك �إما‬ ‫يحقق الكذب �أو غريه والثّاين باطل باالجتماع والأول ال بد له من حمقق �شرعاً وهو �إما �إقامة‬ ‫ال�شّ هادة عليه وهي غري م�سموعة على خالف االعرتاف �أو اعرتاف املقر له يكون املقر كاذباً‬ ‫فيما �أق ّر وهو �أي�ضاً مل ي�صلح لكونه حمققاً للكذب الحتمال اعرتافه الكذب كاعرتاف املقر فلم‬ ‫فح�صل لنا مالزمة هكذا لو امتنع يحقق الكذب مل يرتفع مقت�ضاه‬ ‫يكن �أحدهما �أوىل من الآخر ّ‬ ‫واملقدم حق فالتاىل مثله فثبت ما ادعينا �أو لو امتنع ذلك وجب �أنّ ي�ؤاخذ املقر مبقت�ضي �إقراره‬ ‫واملقدم حق وهو يقت�ض مالزمة اخل�صم �سلمنا �أنه حمقق للكذب لكن مل يرتفع مقت�ضاه‪ ،‬مع‬ ‫ذلك �أي�ضاً ف�إن للفقهاء يف هذه امل�س�ألة وجهني �أحدهما �أنه ي�ؤاخذ وي�سلم املقر به �إىل القا�ضي‬ ‫وثانيهما �أنه يق ّرر يف يد املق ّر لأعلى معنى �أنه ثبت له ال ّرجوع فيه بل على �أنه �سلم �إىل املقر له �إذا‬ ‫رجع عن تكذيبه ويف الت�سليم �إىل القا�ضي �أو التقرير يف يده على املعنى املذكور م�ؤاخذة للمقر‬ ‫ملقت�ضى �إقراره فلم يرتفع مقت�ضى االعرتاف ومل يبق مالزمة اخل�صم �سليماً عن هذا املنع"‪.1‬‬ ‫وكان يلتزم بالإجماع واال�ستقراء كما قال يف باب امل�ستثنى‪( :‬وكل ما هو على خالف الإجماع‬ ‫فبني ف�ساده) وقال يف املفعول معه‪( :‬واملعلوم من اال�ستقراء الذي هو �أقوى دالئل هذا الفن‪.)...‬‬ ‫‪. 5‬اال�ست�شهاد‬ ‫تنوعت ال�شّ واهد يف �شرح اجلاربردي‪ ،‬فا�ست�شهد ب�شواهد من القر�آن الكرمي‪ ،‬و�شواهد �شعرية‬ ‫ونرثية‪ ،‬ونبحث يف ما يلي ك ًال على حدة‪:‬‬ ‫‪.1‬االستش�هاد بالق�رآن الكريم‪ :‬ع��دد ال�شّ واهد القر�آنية الت��ي ا�ست�شهد بها اجلاربردي يف‬ ‫ج��داً‪� ،‬إذ ال ّزم نف�سه يف كثري م��ن الأحيان ب�شرح �شواه��د �أبيه وابن احلاجب‪،‬‬ ‫�شرح��ه قليل ّ‬ ‫وم��ع �أن��ه من فقهاء ع�صره وخبري مبعاين القر�آن وله ر ّد عل��ى الع�ضد يف �آية "ف�أتوا ب�سورة من‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص‪.124 - 120‬‬ ‫‪ .1‬ابراهيم بن احمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫‪149‬‬


‫مثل��ه‪� ،"1...‬سب��ق ذكره‪ .‬رغم كل ذلك ف�إنه ا�ست�شهد بعدد قلي��ل من الآيات القر�آنية ورمبا‬ ‫�سبب ذلك يرجع �إىل الإيجاز الذي انتهجه يف هذا ال�شّ رح‪ .‬ثم �إنه مل ي�ست�شهد ب�آيات كاملة‪.‬‬ ‫ب��ل كان ي�ست�شهد مبا فيه مورد ال�شّ اهد م��ن الآية‪ ،‬مراعاة لالخت�صار وذلك عناية منه مبو�ضع‬ ‫ال�شّ اه��د‪ ،‬ومل ي�ست�شهد ّ‬ ‫لكل م��ورد ب�أكرث من �آية واحدة فقط‪ ،‬ومل يذك��ر الآية �إلاّ م�سبوقة‬ ‫بعب��ارة (قوله تعاىل) نحو قوله يف "احلال"‪ ..." :‬بيان املالزمة بالقيا�س على قوله تعاىل "هذا‬ ‫ر�ش‪""3‬‬ ‫بعلي �شيخاً‪ ""2‬وقوله يف "املثنى"‪..." :‬يدل عليه قوله تعاىل " َور َف َع �أبوي ِه على ال َع ِ‬ ‫و�أي�ض��اً قول��ه يف "امل�ضاف �إليه"‪" :‬وذلك �أنّ الفعل يقع امل�ضاف �إليه كقوله تعاىل "يوم ينفع‬ ‫ال�صادقني‪.""4‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .2‬االستشهاد ّ‬ ‫بالشعر العريب‪ :‬ا�ست�شهاد اجلاربردي ب�أ�شعار العرب قليل جداً �أی�ضاً‪ .‬وقد‬ ‫تنوعت طريقته يف �إيراد ال�شّ اهد ال�شّ عري من ذكره لن�صف بيت �إىل بيت كامل‪ ،‬وكما مل‬ ‫يلتزم منهجاً واحداً يف �إيراد ال�شّ واهد ال�شّ عرية‪ ،‬كذلك يف ن�سبتها �إىل قائليها فهو تارة ين�سب‬ ‫ال�شّ اهد لقائله ويرتكه دون ن�سبة تارة �أخرى‪ .‬ومن �أمثلة ذكر ن�صف البيت مكتفياً به‪ ،‬قوله يف‬ ‫وال�سند ما وقع يف قول الف�صحاء‬ ‫بحث الفاعل‪" :‬ف�إن قلت ال ن�سلم �أنه ال ي�سند �إىل ما قبله ّ‬ ‫مثل قول ال ّزباء "ما للجمال م�شيها وئيداً‪ ،"5‬وقول امرئ القي�س "فقل يف مقيل نح�سه‬ ‫متغيب""‪ ،‬وكذلك قوله يف �أفعال املقاربة‪" :‬يدل عليه ما جاء يف �شعر احلما�سة "ف�أبت �إىل‬ ‫فهم وما كدت �آئباً‪ .""6‬ومن �أمثلة ذكر البيت كام ًال قوله يف غري املن�صرف‪" :‬مبا فيه علتان‬ ‫من الت�سع ثم �صرف لل�ضرورة مثل قول ال�شّ اعر‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫يت�ضوغ‪"7‬‬ ‫هو امل�سك ما كررته‬ ‫�أعد ذكر نعمان لنا �أنّ ذك َره‬ ‫و قوله يف املفعول معه‪" :‬ومبعنى رب كقول ال�شّ اعر‪:‬‬ ‫‪.1‬البقرة‪.23/‬‬ ‫‪.2‬هود‪72/‬‬ ‫‪ .3‬يوسف‪100/‬‬ ‫‪. 4‬المائدة‪119/‬‬ ‫عرية‪ ،332/‬المصرع الثّاني‪:‬أ جندالً يحملن أم حديدا‪.‬‬ ‫‪.5‬حنا جميل حداد‪ ،‬معجم شواهد الّنحو ّ‬ ‫الش ّ‬ ‫‪.6‬تأبط ش اًر‪ ،‬ديوان تأبط ش اًر وأخباره‪ ،‬ص‪.91‬‬

‫طيب ما كررته يتضوع‪ ،‬ج ‪،2‬ص ‪.184‬‬ ‫الديوان‪ :‬من ال ّ‬ ‫الديلمي‪ّ ،‬‬ ‫الديوان‪ ،‬في ّ‬ ‫‪.7‬مهيار ّ‬ ‫‪150‬‬


‫�أدب‬

‫العي�س‪"1‬‬ ‫أني�س‬ ‫�إال الیعاف ُري و�إال ُ‬ ‫لي�س بها � ُ‬ ‫وبلد ٍة َ‬ ‫‪ .3‬االستشهاد بالنّثر‪� :‬إنّ الأمثلة ال ّنرثية التي كان يوردها اجلاربردي ل�شرح القاعدة ال ّنحوية‬ ‫يقدمها بطريقة �سهلة وب�سيطة‪ .‬وميكن تق�سيم‬ ‫وال�سهولة لأنه ّ‬ ‫وتو�ضيحها‪ ،‬تت�سم بالو�ضوح ّ‬ ‫ال�شّ واهد ال ّنرثية يف ال�شّ رح �إىل‪ :‬احلديث ال�شّ ريف‪ ،‬واملثل‪ ،‬والكالم‪ .‬وقد اعتنى اجلاربردي‬ ‫ب�شواهد الكالم �أكرث‪ .‬علماً ب�أنَّ منهجه يف عر�ض ال�شّ واهد ال ّنرثية كان متنوعاً فقد يعر�ض‬ ‫�شاهداً واحداً �أو �شاهدين �أو �أكرث‪.‬‬ ‫أوالً‪ .‬األمثال‪ :‬مل ي�ست�شهد اجلاربردي من الأمثال �إال مبثل واحد وقد �شرح هذا املثل وذكر‬ ‫مو�ضع ا�ستعماله حيث قال يف �أفعال املقاربة‪" :‬وما �صار مث ًال يف كالمهم من قولهم "ع�سى‬ ‫الغوير �أب�ؤ�ساً"‪� 2‬أنه كان نا�س يف غار فانهار عليهم فهلكوا �أو الب�ؤ�س جمع ب�ؤ�س �أي ع�سى �أنّ‬ ‫يكون هذا املو�ضع مو�ضع بو�س ي�ضرب به لكل �شيء يخاف منه حلوق �ش ّر"‪.‬‬ ‫ثاني ًا‪ .‬احلديث رّ‬ ‫الشيف‪ :‬مل ي�ست�شهد اجلاربردي �إلاّ بحديث �شريف واحد حيث قال يف‬ ‫بحث املن�صوب بال التي لنفي اجلن�س‪" :‬و�أی�ضاً دخول ال علی املعارف من غری تكریر كثری‬ ‫ح�سن ففيه حديث "و�إذا هلك ك�سرى فال ك�سرى‬ ‫وقوعه منه م�سئلة الأ�صل ق�ضیة وال �أبا ٍ‬ ‫بعده‪.4""3‬‬ ‫ثال ّث ًا‪ .‬مجل نثرية‪ :‬تنوع منهجه يف اال�ست�شهاد بالأمثلة حيث ر�أيناه تارة ي�ست�شهد للمورد‬ ‫الواحد مبثال واحد‪ ،‬وتارة مبثالنی‪ ،‬وثالثّة ب�أكرث من ذلك‪:‬‬ ‫فمثال ا�ست�شهاده مبثال واحد قوله يف املفعول معه‪" :‬ف�إنه لو كان كذلك ملا جاز انت�صاب املفعول‬ ‫معه لكنه جائز كقولك جاء الربد ّ‬ ‫يال�سة" وكذلك قال يف العطف‪" :‬ويرد �أي�ضاً عطف‬ ‫والط ّ‬ ‫ال�صفات‬ ‫اجلملة على اجلملة كزيد قام وعمرو جاء" وقال يف ال ّنعت‪" :‬لأنه م�ستقيم بال ّن�سبة �إىل ّ‬ ‫الثّانية امل�ستمرة مثل زيد طالق �إمرئة حاب�ض جاريته"‪.‬‬ ‫ومثال ا�ست�شهاده مبثالني يع�ضد �أحدهما الآخر قوله يف �أفعال املدح والذم‪" :‬وهذا مثل قولهم‬ ‫(احلمد هلل احلميد) ف�إن تقديره (هو احلميد) حذف وجوباً لذلك ومثله (�سم ٌع وطاعةٌ) �أي‬ ‫الديوان‪ ،‬ص ‪.9‬‬ ‫النميري‪ّ ،‬‬ ‫‪ .1‬جران العود ّ‬

‫‪. 2‬ابو الفضل احمد بن محمد بن ابراهيم الميداني‪ ،‬مجمع األمثال‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪17‬‬ ‫‪. 3‬محمود فجال‪ ،‬الحديث الّنبوي في الّنحو العربي‪ ،‬ص ‪.202‬‬ ‫الشکوک‪.173 ،‬‬ ‫‪ . 4‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪151‬‬


‫(�أمري ويف ذمتي لأفعلن)‪ "1‬وكذلك قوله يف املفعول معه‪" :‬وكذا يف كل ما هو مفعول معه‬ ‫وقع م�صاحباً للفاعل كقولك (ا�ستوى املاء واخل�شبة) و( جئت �أنا وزيداً)‪."2‬‬ ‫ومثال ا�ست�شهاده ب�أكرث من ذلك ق�صداً لإحكام املو�ضوع قوله يف التوابع‪" :‬ما لي�س من التوابع‬ ‫ال�سوابق كجبة يف قوله (ك�سوت زيداً جبة) وفا� ً‬ ‫ضال يف (علمت‬ ‫من الثّواين الكائنة على �إعراب ّ‬ ‫ضال) ودرهماً يف (�أعطيت زيداً درهماً) و�أمثالها‪ "3‬وكذلك قوله‪" :‬وال موافقة لفظاً‬ ‫زيداً فا� ً‬ ‫صال ف� ً‬ ‫وال حم ًال فلم ينعك�س الثّاين (جاء القوم ثالثة ثالثة) و(قر�أت الكتاب ف� ً‬ ‫صال) و(ثبتت‬ ‫احل�ساب باباً باباً) ف�إن كل ثانٍ منها ب�إعراب �سابقه �سابقة من جهة واحدة ولی�س یتابع فلم‬ ‫یطرد"‪.4‬‬ ‫�أغرا�ض ال�شّ واهد ال ّنحویة‬

‫�أما �أغرا�ض �إيراد ال�شّ واهد ال ّنحوية يف �شرح اجلاربردي فمتعددة‪:‬‬ ‫ألف‪ -‬توضيح القاعدة النّحوية ورشحها‪ :‬هذا هو الق�سم الأكرب‪ ،‬حيث ي�سوق اجلاربردي‬ ‫ال�شّ اهد ليو�ضح �أنّ ّ‬ ‫الظاهرة ال ّنحوية �شائعة كثرياً‪ ،‬فيكون ال�شّ اهد فيها مبثابة �شرح للم�سائل‪،‬‬ ‫واتباع لقواعدها‪� ،‬أي �إنها مما يجوز ا�ستعمالها‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك قوله يف املفعول معه‪" :‬ف�إنه لو كان‬ ‫كذلك ملا جاز انت�صاب املفعول معه لكنه جايز كقولك (جاء الربد ّ‬ ‫يال�سة) وكذا يف كل‬ ‫والط ّ‬ ‫ً ‪5‬‬ ‫ما هو مفعول معه وقع م�صاحباً للفاعل كقولك (ا�ستوي املاء واخل�شبة) و(جئت �أنا وزيدا)"‬ ‫تقدم احلال علی املجرور م�ستد ًال ب�أن الأ�صل �أي‬ ‫وقوله يف احلال‪" :‬امل�صنف حكم بعدم جواز ّ‬ ‫ذو احلال �إذا مل یتقدم علی اجلار فالفرع �أي احلال �أویل و�أجدر ب�أن ال یتقدم اعرت�ض علیه مبنع‬ ‫وال�سند جواز تقدم احلال عن‬ ‫الألویة املذكورة �إذ مل یلزم توافق الفرع �أ�صله يف جمیع الأحكام ّ‬ ‫الفاعل علی فعله مع عدم جواز تقدم الفاعل علیه مثل �ضارباً ذهب زید"‪.6‬‬ ‫الشکوک‪.246،‬‬ ‫‪ . 1‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪. 2‬المصدر نفسه‪.141 ،‬‬ ‫‪. 3‬المصدر نفسه‪.178 ،‬‬ ‫‪. 4‬المصدر نفسه‪.182 ،‬‬ ‫‪ . 5‬المصدر نفسه‪.141 ،‬‬ ‫‪ . 6‬المصدر نفسه‪.148 - 147 ،‬‬ ‫‪152‬‬


‫�أدب‬

‫ب‪ -‬رشح االعرتاض عىل احلدّ واجلواب عنه‪� :‬إذ ي�ستند �إىل ال�شّ اهد ليو�ضح االعرتا�ض وير ّد‬ ‫عليه حيث يثبت وميكن االعرتا�ضات والأجوبة يف ذهن القارئ‪ ،‬ومثال ذلك قوله يف املفعول‬ ‫املطلق‪�" :‬أن املن�صوبات يف مثل (مر�ض مر�ضاً) و(�صح �صحة) و(مات موتاً) كل واحد منها‬ ‫مفعول مطلق ومل ي�صدق التعريف عليه"‪ 1‬وكذلك قوله يف املفعول معه‪�" :‬إذ يدخل فيه ما‬ ‫لي�س من املعرف منه قول القائل �ضربت زيداً وعمراً ل�صدق التعریف علی عمراً مع �أ َّنه لی�س‬ ‫مبفعول معه بل هو مفعول به وفاقاً"‪ 2‬وقوله يف التمييز‪" :‬مما یدل على وجوده تقديراً قولهم ه�ؤالء‬ ‫حواج بيت اهلل على ن�صب بيت ب�أنه معمول حواج"‪ 3‬وقوله يف العدد‪�" :‬أن احلد غري مطرد‬ ‫لدخول ما لي�س منه فيه وذلك لأن مثل قولك ذراع وذراعان وباع وباعان وفقري وفقريان �إىل‬ ‫غري ذلك من �أمثال ي�صدق عليه �أنه متعني لكميته الآحاد مع �أنها لي�س من �إعداد الأعداد"‪.4‬‬ ‫ج‪ -‬إبطال رأي املخالفني‪ :‬مثال ذلك قوله يف �أفعال املقاربة‪�" :‬أ ّنا نختار �أنّ املراد باخلرب‬ ‫غری اخلرب املخ�صو�ص من م�سند �إیل �أمر �آخر وال یلزم خروجها عن التعریف �إذ التعریفات‬ ‫�إمنا هي بال ّنظر �إیل ما علیه املعرفات بح�سب الأ�صل وامل�سند يف الأ�صل لی�س معنی قارب‬ ‫بل الذي جعل فعل امل�ضارع عو�ضاً عنه ف�إن معناه كاد زید خارجاً وع�سی زید خارجاً‬ ‫عو�ض عنه الفعل امل�ضارع يدل علیه ما جاء يف قول ال�شّ اعر‪:‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ف�أبت �إىل فهم وما كدت �آئبا وكم مثلها فارقتها وهي ت�صفر‬ ‫د‪ -‬بيان أشكال ومعان خمتلفة للموضوع‪ :‬مثال ذلك قوله يف املفعول معه‪" :‬كما جاءت‬ ‫الواو يف الكالم مبعنى اجلمعية املطلقة (كر�أيت زيداً وعمراً بعده �أو قبله) جاءت مبعنى مع‬ ‫كقولهم (ا�ستوى املاء واخل�شبة) ومبعنى (رب) كقول ال�شّ اعر‪:‬‬ ‫العي�س‬ ‫أني�س �إال الیعاف ُري و�إال ُ‬ ‫لي�س بها � ٌ‬ ‫وبلد ٍة َ‬ ‫ومبعنى الق�سم كما يف قوله تعاىل (وال ّنجم)"‪ 6‬وكذلك قوله يف التنازع‪" :‬وهو ما �إذا كان الأول‬ ‫الشکوک‪.116،‬‬ ‫‪. 1‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪ . 2‬المصدر نفسه‪.138 ،‬‬ ‫‪. 3‬المصدر نفسه‪.152 ،‬‬ ‫‪. 4‬المصدر نفسه‪.212 ،‬‬ ‫‪. 5‬المصدر نفسه‪.241 ،‬‬ ‫الشکوک‪.144 ،‬‬ ‫‪ . 6‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪153‬‬


‫(�ضربت و�ضربني) �أو (�ضربني‬ ‫طالباً للفاعل فقط والثّاين للمفعول فقط �أو بالعك�س مثل‬ ‫ُ‬ ‫و�ضربت زيداً �أو زي ٌد)"‪ 1‬وقوله يف امل�ضاف �إليه‪" :‬واجلملة �أي�ضاً يقع م�ضافاً �إليها بع�ض ّ‬ ‫الظروف‬ ‫ُ‬ ‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ك�إذ و�إذا وحيث مثل (و�إذ قلنا للماليكة ا�سجدوا لآدم) و(�إذا تتلى عليهم �آياتنا) و(�أقتلوهم‬ ‫حيث ثقفتموهم)‪.5"4‬‬ ‫‪ .6‬الدّ قة يف التعبري واختيار األلفاظ‪:‬‬ ‫قد ترددت يف كتابه �ألفاظ معينة منها‪( :‬ال م�شاحة يف هذا القدر)‪( ،‬وفيه بحث) �أو (وفيه نظر)‪،‬‬ ‫ويقول �أحياناً‪( :‬وفيه نظر من غري مرة) وال�شك �أنّ هذه العبارات تدل علی مدی دقته‪.‬‬ ‫وقد تكون عبارة اجلاربردي فيها �شيء من التعقيد و�أعني بالتعقید �أ َّنه كان یكرث من الت�شعیب‬ ‫االعرتا�ضات وتفریعها ثم یجیب علیها وهذا یدل بال �شك علی ت�سلطه و�سعة اطالعه‪ .‬فكان‬ ‫يكرر هذه العبارة "ف�إن قلت‪ ....‬قلت‪ ."...‬ومن منهجيته �أ ّنه كان �إذا �أراد �أنّ ي�ؤكد ويقرر قاعدة‬ ‫نحوية يف ذهن القارئ كان ي�ستفيد من العبارات املرتادفة‪ ،‬ومن �أمثلة ذلك قوله يف املفعول معه‪:‬‬ ‫"ف�إنه لو �صح وجوده �أي لو يحقق وثبت وجود املعنى املقت�ضى لوجب ال ّن�صب �إذ ال مانع عن‬ ‫ال�سبب وانتفى املانع وجب وجود امل�سبب و�إذ مل يجب فلم‬ ‫ترتب مقت�ضاه عليه وحيث وجد ّ‬ ‫يوجد فافرتقا"‪.6‬‬ ‫�إنه كان یحتاط يف انتخاب ال ّر�أي الذي یكون و�سطاً بنی الآراء‪ .‬وحينما مل يت�ضح له ال ّر�أي‬ ‫بال�صواب) �أو قوله‬ ‫ال�صحيح يف م�س�ألة ف�إ ّما ال يختار ر�أياً و�إ ّما يختم كالمه بقوله‪( :‬واهلل �أعلم ّ‬ ‫ّ‬ ‫(هذا ما خطر يل ههنا)‪.‬‬ ‫‪- 7‬مذهبه النّحوي‪:‬‬

‫ال ن�ستطيع القول ب�أن اجلاربردي يف �شرحه كان ينهج نهج مدر�سة الب�صرة �أو مدر�سة الكوفة �أو‬ ‫‪ . 1‬المصدر نفسه‪.93 ،‬‬ ‫‪ . 2‬بقرة‪34 /‬‬ ‫‪ . 3‬يونس‪.15 /‬‬ ‫‪ . 4‬بقرة‪.191 /‬‬ ‫الشکوک‪.175 ،‬‬ ‫‪ . 5‬ابراهیم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفکوک في شرح ّ‬ ‫‪. 6‬المصدر نفسه‪.141 - 140 ،‬‬ ‫‪154‬‬


‫�أدب‬

‫مدر�سة بغداد �أو مدر�سة م�صر‪ ،‬بل كان عاملاً مطلعاً على �آراء الب�صريني والكوفيني م�ستق ًال يف‬ ‫انتخاب �إحدی املدار�س‪ ،‬فهو يف الأخذ ب�أحد الآراء �أو رده كان يعتمد على الأدلة والرباهني‬ ‫ويناق�ش �أدلة املعار�ضني‪ ،‬ويجيب عنها �إال �أنّ اجلاربردي كان يختار ال ّر�أي القوي ذا الأدلة‬ ‫الوا�ضحة القوية يف ر�أيه فيتبعه‪ ،‬ويق ّویه ویدعمه بالتعليل والتدليل والرباهني‪ ،‬وكان �أحیاناً‬ ‫ی�ضيف �أدلة من عنده‪.‬‬ ‫كان ال�شّ ارح �أحياناً يختار ر�أي الب�صرینی وفقاً للأدلة التي يراها و�أحياناً يختار ر�أي الكوفيني وقد‬ ‫يختار ر�أياً لغري املدر�ستني وكان ي�شري �إىل موقف ابن احلاجب دون �أنّ یتبعه يف ذلك لكنه كان‬ ‫ي�شرح ال ّر�أي الذي يختاره �أبوه ويدافع عنه بالأدلة‪ .‬وقد ذكر الآراء دون �أنّ يعقّب عليها بت�أييد‬ ‫�أو ر ّد‪ ،‬وذلك �ش�أنه يف معظم �آراء الب�صريني والكوفيني‪ .‬كقوله يف رفع الفعل امل�ضارع �إذ يقول‪:‬‬ ‫"اختلف يف �أنّ العامل يف الفعل امل�ضارع حالة ال ّرفع ماذا فالكوفيون �أكرثهم على �أنه التجرد‬ ‫عن ال ّنوا�صب واجلوازم والك�سائي على �أنه حروف امل�ضارعة والب�صريون على �أنه كونه قائماً مقام‬ ‫اال�سم‪ .‬وامل�صنف (ابن احلاجب) اختار الأول (ر�أي الكوفيني)"‪ .1‬و�أ�شار يف منتهى البحث‪:‬‬ ‫ال�صواب �أنّ يقدم ذكر ال ّنوا�صب واجلوازم ثم يذكر ما يقت�ضي ال ّرفع ف�إن‬ ‫"روح اهلل روحه‪2‬قال ّ‬ ‫معرفة التجرد عن ال�شّ يء فرع معرفة ذلك ال�شّ يء"‪.3‬‬ ‫ومن �أمثلة خمالفته البن احلاجب م�س�ألة اختالف الكوفيني والب�صريني يف �أعرف املعارف؛ حيث‬ ‫ذهب الكوفيون �إىل �أنّ اال�سم املبهم �أعرف من اال�سم العلم وذهب الب�صريون �إىل �أنّ اال�سم‬ ‫العلم �أعرف من اال�سم املبهم واختلفوا يف مراتب املعارف فذهب �سيبويه �إىل �أنّ �أعرف املعارف‬ ‫اال�سم امل�ضمر‪� 4‬أ ّما ابن احلاجب فقال‪�" :‬أعرف املعارف امل�ضمر املتكلم ثم املخاطب"‪5‬لكن‬ ‫اجلاربردي اعرت�ض عليه وقال ب�أعرفية العلم ويوافقه ابنه ال�شّ ارح فقال (االعرتا�ض وارد) وقال‬ ‫يف نهاية بحثه‪" :‬وما ذكره امل�صنف منقول عن �سيبويه وبيان �أعرفية بع�ض �أفراد امل�ضمر من املبهم‬ ‫وذي الالم من امل�ضاف وبالعك�س م�شكل �أي�ضاً وما اهتديت �إىل معنى يقنع فيها واهلل �أعلم"‪.6‬‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.232 - 231‬‬ ‫‪. 1‬ابراهيم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫الضمير يعود إلى أبيه‪.‬‬ ‫‪ّ .2‬‬

‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.235‬‬ ‫‪. 3‬ابراهيم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬

‫‪. 4‬أبو البركات ابن األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف بين البصريين والكوفيين‪ ،‬ص ‪.569‬‬ ‫‪. 5‬ابن الحاجب‪.37 ،‬‬ ‫‪. 6‬ابن الجاربردي‪.208 ،‬‬ ‫‪155‬‬


‫ومن �أمثلة ت�أییده لر�أي ابن احلاجب قوله يف التنازع �إذ �شرح االعرتا�ض على ر�أي ابن احلاجب‬ ‫باال�ستفادة من ر�أي الكوفيني يف احتجاجهم ببيت امرئ القي�س‪:‬‬ ‫‪1‬‬ ‫"فلو �أنّ ما �أ�سعی لأدنی معي�ش ٍة كفاين ومل �أطلب ٌ‬ ‫قليل من املالِ "‬ ‫يف التنازع بني العاملني وناق�شه ا�ستناداً �إىل ر�أي ابن احلاجب يف �شرحه للكافية‪ّ ،‬ثم ّرجح ال ّر�أي‬ ‫احتج الكوفيون بقول‬ ‫الذي اختاره ابن احلاجب و�أيده �أبوه‪ ،‬وهو ر�أي م�ستقل‪� .‬شرح امل�س�ألة‪ّ :‬‬ ‫امرئ القي�س‪:‬‬ ‫"فلو �أنّ ما �أ�سعي لأدنى معي�شةٍكفاين ومل �أطلب ٌ‬ ‫قليل من املالِ "‬ ‫ف�أعمل الفعل الأول‪ ،‬ولو �أعمل الثّاين لن�صب "قلي ًال"‪.2‬يقول ابن احلاجب‪" :‬اجلواب منع �أنّ‬ ‫يكون هذا البيت من هذا الباب وبيانه �أنّ �شرط هذا الباب �أنّ يكون الفعالن موجهني �إىل �شيء‬ ‫واحد من حيث املعنى ولو وجه الفعالن ههنا �إىل �شيء واحد لف�سد املعنى"‪ .3‬وبيان ف�ساد‬ ‫املعنى �أ ّنه يح�صل التناق�ض لأ ّنه لو وجه الفعالن (كفاين ومل �أطلب) �إىل (قليل) يجب �أنّ يق�صد‬ ‫ال�شّ اعر كفاين قليل من املال ومل �أطلب قليل من املال وهذا تناق�ض وف�سد املعنى‪.‬‬ ‫ومن �أمثلته كان ي�ستند �إىل ر�أي الب�صريني ال يراد االعرتا�ض يف باب امل�ضمر ويجيب عنه‪:‬‬ ‫"لقائل �أنّ يقول احلد منتق�ض بالیاء والكاف يف �إياي و�إياك للو�ضع ملتكلم �أو خماطب ولي�س‬ ‫مب�ضمر لأنهما حرفان باتفاق الب�صريني وميكن �أنّ يجاب باملبهم اال�سم �أي ا�سم و�ضع فخرجا‬ ‫و�سلم "‪.4‬‬ ‫وخال�صة موقفه ال ّنحوي �أنه مل یكن له ر�أي خا�ص‪ .‬بل كان ینتخب ر�أي �إحدی املدار�س‬ ‫بالدلیل وعلی �أ�سا�س ذلك كان یخالف ابن احلاجب يف بع�ض امل�سائل ویوافقه يف غریها‪.‬‬ ‫مدعماً ّ‬ ‫يتجلى موقفه وا�ضحاً يف التعامل مع كتاب الكافية فهو ال يكتفي ب�شرح عبارة ال�شّ كوك وتو�ضيحها‬ ‫وفك ما غم�ض منها فح�سب بل ي�شرح بع�ض االعرتا�ضات املحتملة على ابن احلاجب ويدافع‬ ‫عن �آرائه �أحياناً ويوجهها �أحياناً �أخرى كقوله يف وجوب تقدمی اخلرب‪" :‬والعادة يقت�ضي ذكر �ساير‬ ‫الديوان‪ ،‬ص ‪.139‬‬ ‫‪. 1‬امرؤ القيس‪ّ ،‬‬

‫‪ 2‬ابو البركات ابن األنباري‪ ،‬اإلنصاف في مسائل الخالف بين البصريين والكوفيين‪ ،‬ص‪.79‬‬ ‫الكافية‪ ،‬ص ‪.17 -16‬‬ ‫‪ . 3‬ابن الحاجب‪ ،‬شرح‬ ‫ّ‬

‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.206‬‬ ‫‪. 4‬ابراهيم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬

‫‪156‬‬


‫�أدب‬

‫ال�صور الواجب فيها تقدمي اخلرب فيها وامل�صنف �أهمل بع�ضاً منها (هلل درك) ومنها (�سواء عليهم‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫�أ �أنذرتهم) وتوجيه املوجوب حمال على املطوالت من هذا الفن" ‪.‬‬ ‫ال�سياق �أنّ مذهبه (مذهب ابن احلاجب) ينايف‬ ‫وقوله يف اال�ستثناء‪ ..." :‬فح�صل لك من هذا ّ‬ ‫الإجماع املنعقد على �أنّ اال�ستثناء من الإثبات نفي"‪ 2‬وقوله يف �إعراب ما التعجبية �إذ ي�أتي‬ ‫مبذاهب ثالثة ويختار مذهب الأخف�ش خالفاً البن احلاجب الذي اختار مذهب �سيبويه‪:‬‬ ‫"عرفت عدم خلو كل مذهب عن دخل و�إن الأول والآخر مت�ساويان من حيث لزوم ما مل‬ ‫يعهد و�أن خري املذاهب �أو�سطها �إذ حذف اخلرب �شائع كثري واهلل �أعلم"‪.3‬‬ ‫هو يبني كالم �أبيه ويب�سط القول فيه بعلمه وباال�ستفادة من منابع ك�شرح ابن احلاجب على‬ ‫كافيته و�شرحه على املف�صل ونظريات �أخرى للنحويني ك�سيبويه وال ّزخم�شري‪ ،‬وين ّبه على ما‬ ‫�أغفله �أبوه‪.‬ك�أ ّنه م�ؤلف م�ستقل وقا�ضي ي�شرح الكافية ويجيب عن االعرتا�ضات والإيرادات‬ ‫التي قد ورد ال�شّ ّراح على الكافية‪.‬كقوله يف ا�سم الفاعل‪�" :‬إيراد �آخر مل يذكره روح اهلل‬ ‫روحه على مانعتيه دخول (مل ي�ضرب) مع �أنه فعل م�ضارع وعلى جامعيته خروج (�إن قمت‬ ‫قمت)"‪.4‬‬ ‫ال�صرف‪" :‬ذكر امل�صنف يف ال�شّ رح اعرتا�ضاً عن ال�شّ يخ �أبي على الفي�سوي‬ ‫وقوله يف املمنوع من ّ‬ ‫ً ‪5‬‬ ‫و�أجاب عنه بجواب مل ي�صلح لكونه جوابا" ‪.‬‬ ‫منهج اجلاربردي يف تعامله مع الألفاظ يف احلدود يختلف عن منهج �أبيه ك�أن �أباه كان يحر�ص يف‬ ‫والدقة يف اختيار الألفاظ التي تدل على معنى املراد داللة وا�ضحة‬ ‫الدقة يف التعبري ّ‬ ‫�شرح على ّ‬ ‫كما كان كثري من اعرتا�ضاته �سببه ا�ستعمال الألفاظ يف احلدود �أما اجلاربردي كان يهتم بنقل‬ ‫املعنى وا�ضحاً �أكرث من اهتمامه بالعبارة �إذ يقول‪" :‬و�إذا �أو�ضح املق�صود فال م�شاحة يف العبارة‬ ‫و�إال فلما ي�سلم تعريف من دخل" و"امل�صنف ت�ساهل يف العبارة وال م�شاحة فيها بعد ظهور‬ ‫املق�صود"‪.‬‬ ‫‪. 1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.115‬‬ ‫‪. 2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪. 3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.244‬‬ ‫الشكوك‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪. 4‬ابراهيم بن أحمد الجاربردي‪ ،‬الفكوك في شرح ّ‬ ‫‪. 5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.62‬‬ ‫‪157‬‬


‫اجلاربردي ينتقد �أباه يف باب املفعول معه بقوله‪ :‬و�إىل هذا �أ�شار بقوله "�سلمنا" و�إن كانت الأوىل‬ ‫التكرار‪.‬‬ ‫ال ّنتيجة‬ ‫من ال ّنتائج التي ي�صل �إلیها البحث‪:‬‬

‫‪ - 1‬يعتمد اجلاربردي على التمثيل يف تو�ضيح القاعدة ال ّنحوية‪ ،‬ويتجنب احل�شو‪.‬‬ ‫‪ - 2‬مل ي�ست�شهد اجلاربردي بالقراءات‪.‬‬ ‫‪ - 3‬يلج�أ اجلاربردي �إىل التعليالت املنطقية والعقلية وقد ي�صيب بالغمو�ض والتطويل‪.‬‬

‫‪ - 4‬كانت له عناية مب�سائل اخلالف ال ّنحوي ف�أورد بع�ضها ب�شيء من الإيجاز؛ �إذ مل يورد‬ ‫الفريقني وحججهم طلباً لالخت�صار‪ .‬وكان �أحياناً يرجح هذا ال ّر�أي �أو ذلك معتمداً على‬ ‫ال�سماع والقيا�س‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ - 5‬هو ي�شرح كالم �أبيه ويب�سط القول فيه ك�أ ّنه �شارح م�ستقل للكافية‪.‬‬ ‫‪ - 6‬كان للجاربردي �شخ�صية وا�ضحة ظهرت يف عر�ض املادة العلمية ومناق�شته �آراء ابن‬ ‫احلاجب وموافقته له ور ّده عليه �أحياناً وترجيحه بع�ض م�سائل اخلالف و�آراءه امل�ستقلة وحفظ‬ ‫ال�شّ واهد التي �أتى بها للقاعدة ال ّنحوية‪.‬‬ ‫قائمة امل�صادر واملراجع‪:‬‬

‫‪ - 1‬القر�آن الكرمي‬

‫‪ - 2‬ابن الأنباري‪� ،‬أبوالربكات‪ ،‬الإن�صاف يف م�سائل اخلالف بني الب�صريني والكوفيني‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة‬ ‫الأوىل‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة اخلاجني‪2002 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 3‬ابن احلاجب‪ ،‬الكافية يف علم ال ّنحو وال�شّ افية يف علمي الت�صريف ّ‬ ‫واخلط‪ ،‬ت‪� /‬أ‪.‬د �صالح‬ ‫عبدالعظيم ال�شّ اعر‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪ :‬مكتبة الآداب‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫‪ - 4‬ابن احلاجب‪� ،‬شرح الكافية‪.‬‬ ‫‪158‬‬


‫�أدب‬

‫‪ - 5‬ابن العماد‪ ،‬عبداحلي‪� ،‬شذرات الذهب يف �أخبار من ذهب‪ ،‬بريوت‪ :‬دارالفكر‪1994 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ - 6‬التونكي‪ ،‬حممود ح�سن‪ ،‬معجم امل�صنفني‪ ،‬بريوت‪ :‬وزنكوغراف طباره‪1344 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪ - 7‬اجلاربردي‪ ،‬ابراهيم بن احمد‪ ،‬الفكوك يف �شرح ال�شّ كوك‪.‬‬ ‫‪ - 8‬احلفظي‪ ،‬ح�سن بن حممد بن ابراهيم‪� ،‬شرح ال ّر�ضي لكافية ابن احلاجب‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة الأوىل‪،‬‬ ‫ال�سعودية‪� :‬إدارة الثّقافة وال ّن�شر باجلامعة‪1993 ،‬م‪.‬‬ ‫اململكة العربية ّ‬ ‫الديوان‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة الأوىل‪ ،‬القاهرة‪ :‬دار الكتب امل�صرية‪1344 ،‬ه‪.‬‬ ‫الديلمي‪ ،‬مهيار‪ّ ،‬‬‫‪ّ 9‬‬ ‫خريالدين‪ ،‬الأعالم‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة ‪ ،16‬بريوت‪ :‬دار العلم للماليني‪ 2005 ،‬م‪.‬‬ ‫‪-10‬ال ّزركلي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدين �أبي ن�صر عبدالوهاب بن علي بن عبدالكايف‪ ،‬طبقات ال�شّ افعية‬ ‫ال�سبكي‪ ،‬تاج ّ‬‫‪ّ 11‬‬ ‫الكربى‪ ،‬ت‪ /‬حممود حممد ّ‬ ‫الطناحي وعبدالفتاح احللو‪( ،‬د‪.‬ط)‪( ،‬د‪.‬م)‪:‬دار �إحياء الكتب‬ ‫العربية‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫الدين عبدال ّرحمن‪ ،‬بغية الوعاة يف طبقات اللغويني وال ّنحاة‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة‬ ‫ال�سيوطي‪ ،‬جالل ّ‬ ‫‪ّ -12‬‬ ‫الأوىل‪ ،‬عي�سى البابي احلبلي و�شركاه‪1965 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -13‬ال�شّ وكاين‪ ،‬حممد بن علي‪ ،‬البدر ّ‬ ‫ال�سابع‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬القاهرة‪:‬‬ ‫الطالع مبحا�سن من بعد القرن ّ‬ ‫دار الكتب الإ�سالمي‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫الدرر الكامنة يف �أعيان املائة الثّامنة‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بريوت‪ :‬دار اجليل‪،‬‬ ‫‪ -14‬الع�سقالين‪ ،‬ابن حجر‪ّ ،‬‬ ‫‪1993‬م‪.‬‬ ‫الديوان‪ ،‬ت‪� /‬أ‪.‬د نوري حمودي القي�سي‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬اجلمهورية‬ ‫‪ -15‬العودي ال ّنمريي‪ ،‬جران‪ّ ،‬‬ ‫العراقية‪ :‬دار ال ّر�شيد للن�شر‪1982 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ -16‬امليداين ال ّني�سابوري‪� ،‬أبوالف�ضل �أحمد بن حممد بن ابراهيم‪ ،‬جممع الأمثال‪ ،‬ت‪ /‬حممد‬ ‫الدين عبد احلميد‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪( ،‬د‪.‬ت)‪.‬‬ ‫حميي ّ‬ ‫الديوان‪� ،‬شرحه‪ :‬عبدال ّرحمن امل�صطاوي‪ّ ،‬‬ ‫الطبعة الثّانية‪ ،‬بريوت‪ :‬دار املعرفة‪،‬‬ ‫‪ -17‬امر�ؤ القي�س‪ّ ،‬‬ ‫‪2004‬م‪.‬‬ ‫‪ -18‬تابط �شراً‪ ،‬ديوان ت�أبط �شراً و�أخباره‪ ،‬ت‪/‬علي ذوالفقار �شاكر‪ ،‬دار الغرب الإ�سالمي‪،‬‬ ‫‪159‬‬


ّ .‫هـ‬1404 ،‫الطبعة الأوىل‬ ّ ،‫ معجم �شواهد ال ّنحو ال�شّ عرية‬،‫ حنا جميل‬،‫ حداد‬-19 ،‫ دار العلوم‬:‫ ال ّريا�ض‬،‫الطبعة الأوىل‬ .‫هـ‬1404 ّ ،‫ احلديث ال ّنبوي يف النحو العربي‬،‫ حممود‬،‫ فجال‬-20 ،‫ال�سلف‬ ّ ‫ �أ�ضواء‬:‫ ال ّريا�ض‬،‫الطبعة الثّانية‬ .‫هـ‬1417 ّ ،‫ معجم امل�ؤلفني‬،‫ عمر ر�ضا‬،‫ كحالة‬-21 .‫م‬1993 ،‫ م�ؤ�س�سة ال ّر�سالة‬:‫ بريوت‬،‫الطبعة الأوىل‬ Abstract Al-Kafiya Book writte by Ibn Al-HAjib (d.571), unlike being very small and low content, has attracted many scholers attention and many of those scholers are willing to explain and criticize it, within the years. Thats why this book had been explained in Arabic langueg about one hundred and forty-tow times. Som of those explantions got very good reputation in the sciantific communities and some didn’t and stood unknown. Some of the unknown desccriptions for AlKafiya are work by Ahmad Aljarbardi called (Shokookon Ala Alhajebiya) and his son description on his book called (AlFokook fi sharh Alshokook).Thisreaserch fucuses on how to analize writer method on (Alfokook fi sharh Alshokook) and authors explantion on some grammatical differences. The results showes thatEbnAl-jarbardi have used prosaic examples, while he used logical reasons his writing confronted With some complexis. Also, the writter is not the follower of koofe or Basreh grametical methods, but it is follower of correct contrent and more utterances. Key words: Alkafiya, Aljarbardi, Alfokook fi Sharh Alshokook 160


‫احلمرا ‪� -‬شارع الب�صرة ‪ -‬ال�شارع املواجه لفندق نابليون‬ ‫ جانب مكتبة املركز الثقايف العربي‬‫�ص‪.‬ب‪ 113 - 7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬

‫‪tel:‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬


‫احلمرا ‪� -‬شارع الب�صرة ‪ -‬ال�شارع املواجه لفندق نابليون‬ ‫ جانب مكتبة املركز الثقايف العربي‬‫�ص‪.‬ب‪ 113 - 7179 :‬بريوت ‪ -‬لبنان‬

‫‪tel:‬‬ ‫‪E-mail: info@darabaad.com‬‬

‫لبنان ‪ 10000‬لرية | الأردن‪ 4 :‬دينار | �سوريا‪ 200 :‬لرية | م�صر‪ 20 :‬جنيه | تون�س ‪ 3 :‬دينار | املغرب‪ 40 :‬درهم | م�سقط‪ 2 :‬ريال‬ ‫ال�سعودية‪ 20 :‬ريال | البحرين‪ 3 :‬دينار | الكويت‪ 3 :‬دينار | قطر‪ 20 :‬ريال | الإمارات‪ 20 :‬درهم‬


‫العدد‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.