اقتصاد سياسي

Page 1

‫محاضرات في االقتصاد‬ ‫السياسي سنة األولى حقوق‬ ‫من إعداد ‪:‬مدونة القانون‬

‫‪2019*2018‬‬

‫‪588‬‬

‫‪https://lawblog04.blogspot.com/‬‬


‫محاضرات في اإلقتصاد السياسي‬

‫المحاضرة األولي‬ ‫بعض المفاهيم االقتصادية‬ ‫هناك تفرقة جرى عليها الكتاب منذ القرن الثامن عشر بين العلوم الطبيعية والعلوم‬ ‫اإلنسانية أو االجتماعية‪ .‬فالعلوم الطبيعية (مثل الجيولوجيا والفيزياء والكيمياء) تهتم‬ ‫بالبحث في العالقات بين األشياء والظواهر الطبيعية‪ ،‬بينما تهتم العلوم اإلنسانية (مثل‬ ‫االجتماع والتاريخ والقانون واالقتصاد) بدراسة أفعال اإلنسان وعالقاته مع غيره من بنى‬ ‫جنسه ومع األشياء التي تحيط به‪ .‬وقد عرفت كل العلوم اإلنسانية في القرن العشرين‬ ‫تطورا سريعا ً وهائالً‪ .‬ويبحث االقتصاديون في توجيه النشاط الفردي والجماعي بقصد‬ ‫استخدام الظروف المادية لتحقيق احتياجات وحاجات األشخاص ‪.‬‬ ‫وتحتل المشكالت االقتصادية في الوقت الحاضر أهمية كبيرة على المستويين القومي‬ ‫والدولي‪ .‬ومن الثابت أن لهذه المشكالت انعكاسات سياسية واجتماعية ال يمكن إنكارها‪،‬‬ ‫حيث يصعب إهمال دور التطورات االقتصادية في فهم الجوانب السياسية واالجتماعية ألي‬ ‫جماعة من الجماعات‪ .‬فالواقع االجتماعي حقيقة معقدة‪ ،‬وكل علم من العلوم اإلنسانية ال‬ ‫يعبر إال عن وجه واحد من وجوه هذا الواقع وال يتعلق إال بزاوية من زوايا النظر إلى‬ ‫النشاط اإلنساني‪.‬‬ ‫وتتمركز المشكلة االقتصادية حول فهم العناصر التالية ‪:-‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى ‪.‬‬ ‫ثانيا ً‪ :‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة ‪.‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬القوانين االقتصادية ‪.‬‬ ‫رابعا ً‪ :‬اإلنتاج ‪.‬‬ ‫خامسا ً‪:‬النقود ‪.‬‬ ‫سادسا ً ‪:‬االستهالك‪.‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى‪:‬‬ ‫ويكون النشاط اإلنساني نشاطا ً اقتصاديا ً عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية للموارد‪.‬‬ ‫فكل إنسان له حاجات أو رغبات تتمثل في إحساس باألم يريد إزالته أو إحساس بالراحة‬ ‫يريد زيادته ‪.‬‬ ‫وهناك وسائل قادرة على إشباع هذه الحاجات بإيقاف اإلحساس باأللم أو عدم الرضا أو‬ ‫جلب اإلحساس باالرتياح أو زيادته ‪.‬‬ ‫وهذه الحاجات اإلنسانية حاجات شخصية‪ ،‬فكل فرد هو الذي يقرر دون تدخل من جانب‬


‫غيره ما إذا كان لديه حاجة يريد إشباعها ومدى هذه الحاجة‪ .‬فالحاجة االقتصادية تختلف‬ ‫عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة االجتماعية وعن الحاجة األخالقية ‪.‬‬ ‫فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد السعرات الحرارية‬‫الالزمة للفرد ‪.‬‬ ‫وتختلف أيضا ً عن الحاجة االجتماعية التي تأخذ في الحسبان المستوى الحضاري‬‫واألوساط التي ينتمي إليها الفرد ‪.‬‬ ‫كما تختلف عن الحاجة بمعناها األخالقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار والى‬‫بعض القيم الخلقية أو الدينية ‪.‬‬ ‫حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها اإلنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية وأخالقية‪،‬‬‫ولكنها تعتمد قبل كل شيء على المتطلبات الخاصة لصاحب الحاجة‪ ،‬فال يوجد كما زعم‬ ‫بعض الكتاب حاجات حقيقية وحاجات خيالية ‪.‬‬ ‫تنوع الحاجات االقتصادية‪:‬‬ ‫وتقسم الحاجات إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية‪ ،‬والحاجات الفردية والحاجات‬ ‫الجماعية‪ ،‬والحاجات الحاضرة والحاجات المستقبلية ‪.‬‬ ‫فالحاجة الضرورية‪ ،‬هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعها كالحاجة إلى‬‫الشراب والعالج والطعام‪ .‬أما الحاجة الكمالية‪ ،‬فهي تلك التي تزيد من متعه الحياة ولذتها‬ ‫كاالستماع إلى الموسيقى والتنويع في المالبس والمعرفة ‪.‬‬ ‫أما الحاجة الفردية‪ ،‬فهي تلك التي تتصل مباشرة بشخصية اإلنسان وحياته الخاصة‬‫كالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعالج‪ .‬أما الحاجة الجماعية‪ ،‬فهي التي تولد‬ ‫وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة‪ ،‬مثل الحاجة إلى األمن والدفاع‬ ‫عن الجماعة وممتلكاتها ومكافحة األمراض وغيرها من الحاجات التي تباشرها الدولة‬ ‫عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام ‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬فالحاجة المستقبلية هي تلك المتوقع ظهورها مستقبالً كما لو قامت الدولة‬‫باستصالح األراضي وإقامة السدود وذلك بغية إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو زيادة‬ ‫الرقعة الزراعية الالزمة إلشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها من‬ ‫استخدامات األرض العديدة‪ .‬أما الحاجة الحالة أو الحاضرة فهي تلك اإلحساس أو الشعور‬ ‫الحال باأللم مثال ذلك استهالك المزارع ما ينتجه من غلة‪ .‬علما ً بأن التقسيمات المختلفة‬ ‫السابقة للحاجات والفروق بينها جميعا ً نسبية إلى حد بعيد بل ولفظية إلى حد ما ‪.‬‬ ‫خصائص الحاجات االقتصادية‪:‬‬ ‫وتتسم الحاجات اإلنسانية االقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها‪ ،‬بمجموعة من‬ ‫الخصائص‪ ،‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي ‪:‬‬


‫)‪1‬قابلية الحاجة لإلشباع ‪:‬‬ ‫إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو األلم فهذا اإلحساس تتراوح حدته ونوعه وفقا ً‬ ‫لظروف الحال‪ ،‬وتقل حدة هذا الشعور إذا أشبع اإلنسان حاجاته‪ ،‬فكلما استرسل في‬ ‫اإلشباع تناقصت حدة األلم حتى يتالشى أو يزول كل ضيق أو ألم‪ ،‬على األقل في حدود‬ ‫الفترة الواحدة‪ ،‬وهذا ما يعبر عنه علم االقتصاد بظاهرة تناقص المنفعة الحدية ‪.‬‬ ‫)‪2‬ال نهائية الحاجات ‪:‬‬ ‫إن حاجات اإلنسان ال تنتهي‪ ،‬فإذا ما أشبع حاجة‪ ،‬سرعان ما تظهر له حاجة أخرى‪ ،‬وإذا‬ ‫ما أشبع األخيرة سرعان ما تجد له ثالثة وهكذا‪ ،‬في سلسلة ال تنتهي‪ .‬وهذه الخصيصة‬ ‫للحاجات اإلنسانية إذ لم يرضى عنها أهل الزهد والقناعة لكنها الشك من أهم دوافع الرقى‬ ‫والتقدم االجتماعي‪ ،‬فلوالها لبقى اإلنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة‪ ،‬قنوعا‬ ‫بما لديه مادام قادرا ً على إشباع حاجاته البسيطة ‪.‬‬ ‫)‪3‬نسبية الحاجات ‪:‬‬ ‫إن الحاجات التي يسعى اإلنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي التي كانت باألمس وهذه‬ ‫الخاصية انعكاسا ً لضرورات حيوية أو نفسية بقدر ما هي تعبير عن أوضاع اجتماعية‬ ‫تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها باإلنسان في مجتمع متمدين‪ ،‬أو في تعبير‬ ‫آخر ليست حاجات األجداد مثل حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات األحفاد ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة‪:‬‬ ‫لذلك كانت الوسائل التي يملكها اإلنسان إلشباع حاجاته محدودة دائماً‪ ،‬بمعني أن اإلنسان‬ ‫يعيش في عالم ندرة‪ .‬فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية إلشباع كل‬ ‫حاجاته في وقت معين‪ ،‬وإما أن تكون موزعة توزيعا ً مكانيا ً سيئا ً حيث تتوافر في أماكن‬ ‫معينة وتشح في أماكن أخرى‪ .‬وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها اإلنسان وفيرة‬ ‫للغاية فإن اإلنسان يظل محصورا ً بعامل الوقت‪ ،‬وهو أكثر نعم هللا على اإلنسان ندرة ‪.‬‬ ‫والمال االقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح لالستعمال‪ ،‬والمنفعة هي القدرة على‬ ‫إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من الرغبات اإلنسانية‪ .‬فلكي يعتبر الشيء أو المال‬ ‫اقتصادي ‪ ،‬يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية ‪:-‬‬ ‫‪1‬وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود عالقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفرد‬‫قادرا ً على إشباع الحاجة ‪.‬‬ ‫‪2‬يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته إلشباع حاجة أو رغبة بطريق مباشر أو‬‫غير مباشر ‪ .‬والمنفعة ليست صفة مطلقة بل هي صفة نسبية تتوقف على ظروف الحال ‪.‬‬ ‫‪3‬الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين األموال الحرة والمتوافرة بكميات غير محدودة‬‫بالنسبة إلشباع الحاجات اإلنسانية‪ ،‬واألموال االقتصادية المتاحة لدى الجماعة بكميات‬ ‫محدودة‪ .‬واألموال االقتصادية‪ ،‬وليست األموال الحرة‪ ،‬هي التي تكون محالً الهتمامات‬ ‫الفكر االقتصادي وعلم االقتصاد‪ .‬فال معني لعمليات اإلنتاج والمبادلة إال بالنسبة للسلع‬


‫والوسائل الندرة‪ .‬فالمحيط الخارجي حين يمد اإلنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها‬ ‫فإن هذه األشياء تعتبر أشياء حرة ال تدخل في نطاق المبادالت حتى ال يتحمل من‬ ‫يستخدمها أي تضحية إلشباع آخر‪ .‬فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية‪ ،‬له قيمة‬ ‫استعمالية ولكنه ال يدخل في نطاق التبادل‪ ،‬بمعني أنه ال يتمتع بقيمة تبادلية‪ .‬وترجع ندرة‬ ‫األشياء إلى أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة‪ ،‬أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على‬ ‫صيد الحيوانات أو صيد األسماك‪ ،‬أو إلى عوامل دينية كقدسية األبقار في الهند ‪.‬‬ ‫ولما كان من الصعب على اإلنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة واحدة‪ ،‬وعمل كل‬ ‫شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار‪ .‬فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن‬ ‫يضحي بغاية أخرى حيث ال تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه‪ .‬وكل اختيار‬ ‫يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة‪ .‬فعندما تشترى قميصا ً فإنك تتنازل عن‬ ‫اإلشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به‬ ‫القميص‪ .‬وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار‬ ‫بين عدد من األفعال الممكنة‪ .‬فعندما يقوم الشخص بنشاط معين‪( .‬إنتاج سلعة معينة مثالً)‬ ‫فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي‬ ‫لم يتمكن من إنتاجها) ألن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة الستخدام آخر ‪.‬‬ ‫فندرة الوسائل‪ ،‬واالختيار بين الغايات‪ ،‬والتكلفة هي األفكار الرئيسية التي تسمح بفهم‬ ‫جوهر النشاط االقتصادي‪ ،‬حيث أن حياتنا االقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات‬ ‫المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات‪ .‬وانطالقا ً من هذه‬ ‫الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا‪ ،‬وندير صفقاتنا‪ ،‬وننظم إنتاجا‪ ،‬وتوزيع وقتنا بين‬ ‫العمل والفراغ بين اليقظة والنوم ‪.‬‬ ‫فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط االقتصادي سواء تعلق األمر بشخص معين يعيش‬ ‫منعزال ً في الصحراء أو كان يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص كل عضو من‬ ‫أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة اآلخرين بحيث توزع‬ ‫الموارد اإلجمالية على الجميع عن طريق التبادل ‪.‬‬ ‫وتتم مقاومة الندرة بالعمليات اإلنتاجية‪ .‬فاألفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن‬ ‫تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادالت موضوعها سلع وخدمات‬ ‫تخصص في النهاية لالستهالك ‪.‬‬ ‫ثالثًا ‪:‬القوانين االقتصادية‪:‬‬ ‫تُعبر القوانين االقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية الجارية‪ ،‬وهى‬ ‫عمليات تجري في دائرة عالقات اإلنتاج‪ .‬ولكن الجوهر والظاهرة ليس متطابقين‪ ،‬ولو كان‬ ‫متطابقين‪ ،‬لما كانت هناك حاجة لعلم االقتصاد‪ ،‬ولكانت تكفي قوة المالحظة والتجربة‬ ‫والرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية‪ .‬واكتشاف‬ ‫القوانين‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ال يتطلب الموهبة والمقدرة العملية فحسب‪ ،‬وإنما يتطلب في كثير‬


‫من األحيان قدرا ً كبيرا ً من الشجاعة الشخصية‪ ،‬ويصدق هذا القول في حالة قوانين الحياة‬ ‫االقتصادية‪ .‬فالقوانين التي يدرسها علم االقتصاد غالبا ً ما تمتد بآثارها إلى مختلف‬ ‫الطبقات والفئات االجتماعية‪ ،‬فالقوانين االقتصادية التي يكشف عنها علم االقتصاد ال‬ ‫تعتبر ذات قيمة نظرية محضة بل لها آثارها العملية ‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬تتفاوت القوانين االقتصادية من حيث األهمية داخل النظام االقتصادي‬ ‫الواحد‪ ،‬كما قد يكون لقانون اقتصادي أهمية كبرى في ظل نظام اقتصادي معين‪ ،‬كالنظام‬ ‫الرأسمالي ‪ ،‬ويفتقد جزءا ً كبيرا ً من أهميته في ظل نظام اقتصادي أخر ‪ .‬كما أنه في حدود‬ ‫النظام االقتصادي الواحد تتفاوت القوانين االقتصادية في أهميتها‪ .‬فهناك منها الرئيسي‬ ‫الذي يفسر الظواهر والعالقات الرئيسية أو األساسية التي تبرز جوهر النظام‪ ،‬وهناك‬ ‫القانون االقتصادي الثانوي الذي يفسر جانبا محدودا أو جزءا من جوانب العالقات‬ ‫والظواهر االقتصادية التي يتكون منها النظام ‪.‬‬ ‫وأخيراً‪ ،‬يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين االقتصادية فيما يلي‪:‬‬ ‫‪1‬نسبية التطبيق‪ ،‬أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان‪ .‬فالقوانين االقتصادية التي تنطبق‬‫في بلد متقدم قد ال تنطبق في بلد متخلف‪ ،‬وتلك التي تنطبق في بلد رأسمالي قد ال تنطبق‬ ‫في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي‪ .‬فالثبات واالستقرار الذي يتصف بهما القانون‬ ‫الطبيعي‪ ،‬نجدهما نسبيان للقانون االقتصادي ‪.‬‬ ‫‪2‬كما تتسم القوانين االقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث ‪.‬‬‫‪3‬كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية ‪ ،‬فهي ال يمكن االعتماد عليها للوصول إلى‬‫نتائج دقيقة محددة ‪ ،‬وإنما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين‪ .‬وتمدنا النظرية‬ ‫االقتصادية بنماذج لهذه القوانين االقتصادية ‪.‬‬ ‫فقد استطاع جوسن قى سنة ‪ 1854‬أن يعلن قانونين للحاجات‪ ،‬األول ‪ :‬قانون االستمرار‪،‬‬ ‫والثاني ‪ :‬قانون التكرار ‪.‬‬ ‫*ومضمون قانون االستمرار هو أن أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص حدتها‬ ‫حتى تنتهي باالنعدام بعد أن كانت مرتفعة في بدايتها‪ .‬وهذا هو قانون تناقص حدة‬ ‫الحاجات أو قابلية الحاجات لإلشباع‪ .‬وتختلف قابلية الحاجة لإلشباع من فرد إلى فرد‬ ‫آخر‪ ،‬وبالنسبة للفرد الواحد من حاجة إلى حاجة أخرى ‪.‬‬ ‫*ومضمون قانون التكرار هو أن اإلحساس المريح عندما يتكرر تتناقص درجة حدة‬ ‫الرغبة ومدتها‪ .‬وتتناقص حدة الرغبة ومدتها بسرعة كلما كان التكرار متعاقبا ً على‬ ‫فترات قصيرة ‪.‬‬ ‫رابعاً‪ :‬اإلنتاج‪:‬‬ ‫تقوم عمليات اإلنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو األدوات الفنية مع العمل من أجل‬ ‫الحصول على سلع وخدمات تخصص لالستهالك‪ .‬فاإلنتاج يتضمن عمليات تحويل‬


‫وعمليات نقل الموارد االقتصادية ‪.‬‬ ‫واإلنتاج إما أن يكون إنتاج سلع مادية أو خدمات غير مادية (خدمات)‪ .‬وقد استبعد الفكر‬ ‫االقتصادي في وقت من األوقات الحصول على خدمات من نطاق اإلنتاج‪ .‬ففي كتاب ثروة‬ ‫األمم وضع أدم سميث بين المهن غير المنتجة الجيش والحكومة وبعض المهن األخرى‬ ‫مثل رجال الدين ورجال القانون واألطباء والممثلون والموسيقيون والمطربون‬ ‫والراقصون‪ .‬فقد قدر آدم سميث أن عمل هؤالء يهلك وقت إنتاجه متأثرا ً بأن وقتا ً معينا ً‬ ‫يمر بين الحصول على الشيئ المادي واستهالكه‪ ،‬بينما يتم إنتاج واستهالك الخدمات في‬ ‫وقت واحد دون أي فاصل زمني‪ .‬ولكن هذه الخدمات تشبع حاجات إنسانية وهى خدمات‬ ‫مرغوبة والذين يمارسونها يمدون المجتمع بنشاط منتج‪ .‬ونتيجة لذلك يمكن القول أن كل‬ ‫تصرف يوجد منفعة يعتبر تصرفا ً منتجاً‪ .‬والعمل المنتج قوامه الحصول على تيار من‬ ‫المنافع من عوامل اإلنتاج ‪.‬‬ ‫وفكرة المنفعة فكرة محايدة في عالقاتها باألخالق أو بالصحة‪ .‬فأي سلعة أو خدمة تعد‬ ‫نافعة طالما أن هناك مستهلكا ً يرغبها إلشباع حاجة له ولو كان هذا اإلشباع متعارضا ً مع‬ ‫االعتبارات الصحيحة أو األخالقية‪ .‬فالخمور والسجائر تعتبر سلعا ً نافعة من وجهة نظر‬ ‫مستهلكيها يضحون في سبيل الحصول عليها بجزء من مواردهم‪ ،‬رغم أنها سلع ضارة‬ ‫من الناحية الصحية ‪.‬‬ ‫ويمكن التمييز بين طائفتين كبيرتين من السلع والخدمات‪:‬‬ ‫·السلع االستهالكية أو النهائية وهى التي تستخدم في اإلشباع المباشر لحاجات‬ ‫المستهلكين دون أن تمر بأي مرحلة أخرى من مراحل اإلنتاج مثل الخبز ‪.‬‬ ‫·السلع اإلنتاجية أو غير المباشرة‪ ،‬وهى تستخدم في اإلمداد بسلع االستهالك كاألدوات‬ ‫واآلالت ‪.‬‬ ‫·ويمكن تصنيف السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية إلى ‪:‬‬ ‫·سلع ذات استهالك فوري يتم استهالكها باالستخدام لمرة واحدة مثل الخبز والكهرباء ‪.‬‬ ‫·سلع ذات استخدام متكرر حيث تستخدم عدة مرات وتوزع منفعتها خالل الزمان مثل‬ ‫المنازل والمالبس واآلالت ‪.‬‬ ‫·والطلب على السلع التي يتم استهالكها باستخدامها مرة واحدة طلب منتظم‪ ،‬بينما يتغير‬ ‫الطلب على السلع ذات االستخدام المتكرر تغيرا ً كبيرا ً بحسب الحاجة إلى شرائها التي‬ ‫غالبا ً ما تكون محالً لتغيرات كبيرة ‪.‬‬ ‫ويمد األفراد بعضهم بعضا ً بالسلع والخدمات الالزمة إلشباع حاجاتهم عن طريق عمليات‬ ‫المبادلة‪ .‬فكل فرد يعتبر في وقت واحد منتجا ً لسلع وخدمات ومستهلكا ً لسلع وخدمات‬ ‫أخرى‪ .‬فصانع األثاث يشترى اللحم ويستهلك خدمات الطبيب‪.‬‬ ‫وتتوقف درجة تشابك عمليات المبادلة على درجة التخصص وتقسيم العمل وقد شهد‬ ‫العالم الحديث تطورا ً كبيرا ً في تقسيم العمل األمر الذي أدى إلى نمو المبادالت ‪.‬‬


‫خامسا ً ‪ :‬النقود‪:‬‬ ‫تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة االقتصادية وقد أدى استخدام النقود‬ ‫إلى تسهيل المبادالت بإحالل التبادل غير المباشر محل التبادل المباشر أو المقايضة‪.‬‬ ‫فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات االقتصادية ولكن النقود ليست سلعة تبادل فقط‪،‬‬ ‫وذلك لما لها من منفعة خاصة تتمثل في كونها هي السيولة في ذاتها‪ .‬فكل فرد تتكون‬ ‫ثروته من سلع حقيقية عقارية (كاألرض والعمارات) أو من صكوك (مثل أسهم الشركات‬ ‫وسنداتها وصكوك الدولة) عليه أن يحولها إلى مال سائل (نقود) إذا أراد سلعة دون حاجة‬ ‫إلى سلعة أخرى ‪.‬‬ ‫أما النقود فيمكن استخدامها لشراء أي سلعة دون حاجة إلى أي عملية تحويل‪ .‬فالنقود‬ ‫تعطى إذن لصاحبها خدمات خاصة أهمها االحتياط للمخاطر غير المتوقعة‪ ،‬وشراء السلع‬ ‫والصكوك التي يفضلها في ضوء التغيرات التي تطرأ على األسعار ‪.‬والنقود إما أن تكون‬ ‫نقودا ً معدنية أو أوراق بنكنوت‪ ،‬وإما أن تكون شيكات أو تحويالت بين الحسابات في‬ ‫البنوك أو صناديق التوفير‪ .‬فالنقود تشمل مجموعة وسائل الدفع المستخدمة سواء عن‬ ‫طريق النقل المادي من يد إلى يد أو عن طريق التحويل الحسابي ‪.‬‬ ‫سادسا ً ‪ :‬االستهالك ‪:‬‬ ‫االستهالك هو العملية التي بها تشبع الحاجات االقتصادية والذي يأخذ صورة إنهاء السلعة‬ ‫أو الخدمة واستنفاذ ما فيها من منفعة‪ .‬فالخبز يستهلك بأكله ليخفف إحساسنا بالجوع‪.‬‬ ‫والمشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بإشباع الرغبة في التسلية‪ ،‬والسيارة‪ ،‬وهى‬ ‫سلعة استهالكية معمرة‪ ،‬يجب أن تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع عددا ً معينا ً من‬ ‫آالف الكيلومترات ‪.‬‬ ‫وباإلضافة إلى سلع االستهالك المعمرة أو غير المعمرة المخصصة لإلشباع عن طريق‬ ‫استنفاذ ما فيها من منفعة‪ ،‬توجد سلع المتعة كاللوحات والتحف‪ ،‬وهى بطبيعتها سلع‬ ‫دائمة تساهم في إشباع جانب من حاجات اإلنسان‪.‬‬

‫المحاضرة الثانية‬


‫تعريف علم االقتصاد ومحتواه‬ ‫بمراعاة كل األفكار التي اعتمدنا عليها في المحاضرة السابقة يمكن تعريف علم االقتصاد‬ ‫بأنه يمكن تعريف علم االقتصاد بأنه علم إدارة الموارد النادرة حث يدرس الصور التي‬ ‫يتخذها التصرف اإلنساني في تدبير هذه الموارد‪ .‬فهو يحلل ويشرع الصيغة التي يقوم‬ ‫الفرد أو الجماعة طبقا ً لها بتخصيص الموارد المحدودة إلشباع الحاجات المتعددة غير‬ ‫المحددة ‪.‬‬ ‫وهذا التعريف يثير المالحظات اآلتية ‪:-‬‬ ‫‪1‬يدرس علم االقتصاد كل أشكال التصرف اإلنساني في مقاومته للندرة‪ .‬وإدارة الموارد‬‫النادرة ال ترتد إلى مجرد المبادلة الحرة بمقابل‪ ،‬وإنما تشمل أيضا ً استخدام الجبر أو‬ ‫اإلكراه العام والخاص الذي تمارسه الدولة أو بعض األفراد أو الجماعات ذات السلطة أو‬ ‫السطوة‪ ،‬كما تتضمن االلتجاء إلى المنح أو التحويالت دون مقابل للمنتجات أو النقود مثل‬ ‫اإلعانات االجتماعية ‪.‬‬ ‫‪2‬يدرس علم االقتصاد العالقات بين غايات النشاط اإلنساني والوسائل المستخدمة‬‫لتحقيق هذه الغايات‪ ،‬ولكنه علم محايد بالنسبة للغايات‪ .‬فهذه األخيرة متعددة ومتباينة‪،‬‬ ‫وال يدخل في مهمة علم االقتصاد شرحها أو تقويمها‪ .‬ومع ذلك فإن من مهام علم‬ ‫االقتصاد أن يبين كيفية حكم الغايات للنشاط االقتصادي لإلنسان وكيف أن تحولها وتغيرها‬ ‫يؤثر على صيغ هذا النشاط‪ .‬وينتمي إلى علم االقتصاد البحث عن الغايات المتعددة للفعل‬ ‫لتحديد المالئم والقابل للتحقيق من بينها‪ ،‬والطرق االقتصادية األنسب لتحقيقها ‪.‬‬ ‫ومن هذا التعريف يمكن أن يحدد محتوي علم االقتصاد ‪:‬‬ ‫‪1‬يهتم علم االقتصاد في المقام األول بوصف طرق إدارة الموارد النادرة التي تظهر في‬‫الزمان والمكان‪ .‬فهو يالحظ ويصنف المعلومات الناتجة عن التجارب اإلنسانية ‪.‬‬ ‫‪2‬يهتم علم االقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة والدورية‬‫التي تطبع التصرفات اإلنسانية‪ .‬فمن مهام النظرية االقتصادية أو التحليل االقتصادي‬ ‫تأسيس األفكار‪ ،‬والبحث عن محددات الظواهر وآثارها‪ ،‬وإيضاح العالقات العامة الثابتة‬ ‫التي تقوم بينها‪ .‬فالنظرية االقتصادية تستنبط من الواقع شرحا مبسطا لتشغيل اقتصاد‬ ‫معين‪ ،‬وتقيم نظما منطقية تشكل نماذج شارحة للحقيقة االقتصادية‪.‬‬ ‫‪3‬يساهم علم االقتصاد في توجيه السياسة االقتصادية‪ .‬فهو ال يقترح أهدافا سياسية أو‬‫اجتماعية‪ ،‬ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة االقتصادية المتكاملة التي تالئم تحقيق أهداف‬ ‫سياسية واجتماعية معينة‪ .‬ويبين مدى التناسق بين األهداف وإمكانية تحقيقها من الناحية‬ ‫االقتصادية والوسائل التي تستجيب لتحقيق هذه األهداف وأفضل هذه الطرق ‪.‬‬ ‫‪ 4‬في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة‪ ،‬يقدم علم االقتصاد قواعد‬‫االستخدام األمثل للموارد االقتصادية وصيغ تحقيق الرفاهية المادية ‪.‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬وامتدادا لبيان محتوى علم االقتصاد‪ ،‬يعرف الفريد مارشال (‪-1842‬‬ ‫‪ )1924‬علم االقتصاد أو علم االقتصاد السياسي بالقول" إن االقتصاد السياسي‪ ،‬أو علم‬


‫االقتصاد هو دراسة للبشرية في ممارسة شئون حياتها العادية"‪ .‬وعلى الرغم من شمول‬ ‫التعريف لمسائل غير اقتصادية‪ ،‬أو تخرج عن نطاق علم االقتصاد‪ ،‬إال أنه يرد على ذلك‬ ‫بأنه ال يوجد في السلوك البشرى أو اإلنساني الكثير الذي يمكن استبعاده من نطاق علم‬ ‫االقتصاد‪ ،‬وباعتباره منبت الصلة بالموضوع‪ .‬غير أنه ألغراض عملية‪ ،‬تدور اهتمامات‬ ‫علم االقتصاد السياسي حول اإلجابة على األمور واألسئلة المحورية التالية‪ ،‬مع األخذ في‬ ‫االعتبار أن هذه األسئلة تتغير بدرجة كبيرة من حيث إلحاحها مع تغير البيئة المحيطة‬ ‫التي تحدد اإلجابة عليها محتوى علم االقتصاد‪ ،‬وتتمثل هذه االهتمامات في ‪:‬‬ ‫;‪&Ucirc‬السؤال المحوري األول هو ‪ :‬التساؤل عما يحدد أسعار السلع والخدمات‪،‬‬ ‫وكيفية توزيع حصيلة هذا النشاط االقتصادي‪ ،‬والعوامل واالعتبارات التي تحدد حصة كل‬ ‫عامل من عوامل اإلنتاج‪ ،‬أو بتعبير آخر الحصة التي تذهب إلى األجور والفائدة واألرباح‬ ‫وريع األرض واألشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في اإلنتاج ‪.‬‬ ‫وطوال فترة زمنية طويلة من تاريخ الفكر االقتصادي كان موضوع نظرية القيمة‬ ‫وموضوع نظرية التوزيع هما الشاغل األساسي والمحوري لعلماء االقتصاد‪ .‬ومازال‬ ‫االعتقاد السائد بأن علم االقتصاد السياسي قد بلغ سن الرشد عندما أحاط بهذين‬ ‫الموضوعين بطريقة منهجية في الجزء األخير من القرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫وابتداء من نهاية الحرب العالمية الثانية‪ ،‬وعلى الرغم من عدم تسليم االقتصاديين‬ ‫التقليديين بالتغير‪ ،‬فإن أهمية تحيد األسعار أو نظرية القيمة والعوامل التي تحدد حصص‬ ‫التوزيع أخذتا في التراجع‪ .‬حيث برز على السطح اهتمامات اقتصادية أخرى ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬وإلى جانب نظريتي القيمة والتوزيع‪ ،‬تبقي األسئلة واألمور المحورية األخرى‪،‬‬ ‫وفي مقدمتها كيف يجرى نشر أو تركيز الدخل الموزع مثل األجور والفائدة واألرباح‬ ‫والريع؟ وما ينتج عن ذلك من تباينات اجتماعية على امتداد السنون‪ .‬فطوال التاريخ‬ ‫االقتصادي وجد األغنياء وهم قليلون والفقراء وهم كثيرون‪ .‬ومن ثم طرح السؤال التالي‬ ‫‪ :‬ما السبب في أن تكون الحال كذلك؟‬ ‫;‪&Ucirc‬كذلك بدأ اهتمام علم االقتصاد‪ ،‬في العقود األخيرة‪ ،‬بمحاولة اإلجابة على‬ ‫التساؤل التالي ‪ :‬ما الذي يؤدى إلى التحسن أو النمو االقتصادي أو تنشيطه‪ ،‬وعلى ما‬ ‫يسبب التقلبات –الدورية أو غير الدورية –في إنتاج السلع والخدمات؟‬ ‫فقد بدأ االهتمام بمسائل التنمية منذ الحرب العالمية الثانية‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ بدأ يظهر‬ ‫محور جديد من محاور النظرية االقتصادية أو التحليل االقتصادي‪ .‬ولقد عرف‬ ‫االقتصاديون األوائل من أمثال آدم سميث ومن تبعه ثم كارل ماركس وأنصاره اهتماما‬ ‫عاما ً بقضايا النمو بصفة عامة‪ .‬غير أن الفارق األساسي بين األوائل والمحدثين هو أن‬ ‫هؤالء اآلخرين لم يهتموا بمشكلة تطور المجتمعات ونموها االقتصادي بصفة عامة وإنما‬ ‫بأحوال التطور االقتصادي لدول لم تستطع أن تشارك بشكل ملحوظ وفعال في التقدم‬ ‫االقتصادي والتكنولوجي العالمي ‪.‬‬ ‫ولعل من المالحظ أن الفكر االقتصادي التنموي قد ولد في العالم االقتصادي المتقدم‪ ،‬ومن‬


‫أهم األسماء في هذا الصدد " نركسو وأرثر لويس وهرشمان وموريس دوب وميردال "‬ ‫ولم تظهر مساهمات أصلية من مفكري دول العالم الثالث في مسائل التنمية إال في فترة‬ ‫متأخرة نسبيا‪ ،‬واقتصرت بشكل عام على مساهمات أبناء من الهند وأمريكا الالتينية ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬وتمضي األسئلة المحورية ومنها ‪ :‬لماذا يكون من المتعذر في االقتصاد إيجاد‬ ‫فرص عمل لألعداد الغفيرة من الراغبين في العمل؟ فالحديث عن البطالة في سنوات‬ ‫القرن التاسع عشر كان أمرا ً نادرا‪ ،‬أما في سنوات القرن الماضي (العشرين) فتوفر فرص‬ ‫عمل كافية‪ ،‬كانت من المسائل المحورية في اقتصاديات هذا القرن ‪.‬والتي سوف تبقى من‬ ‫المسائل المحورية في اقتصاديات القرن الحادي والعشرين‪ ،‬الذي نحن في عقده األول ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬وأخيراً‪ ،‬وبشكل أقل أهمية‪ ،‬هناك الظروف السياسية واالجتماعية التي تمضي‬ ‫فيها الحياة االقتصادية‪ .‬فماذا عن الرأسمالية وفعاليتها‪ ،‬والمشروع الحر‪ ،‬ودولة الرفاهية‪،‬‬ ‫واالشتراكية والشيوعية‪ .‬فعلم االقتصاد يصير مسرحا لقوة التعبير عن الحجج‪ .‬كل هذه‬ ‫األسئلة وغيرها‪ ،‬والحلول التي تقترح لها هي موضوع علم االقتصاد السياسي التقليدي‬ ‫والحديث‪.‬‬

‫المحاضرة الثالثة‬ ‫نشأة النظام الرأسمالي وخصائصه‬ ‫أوال ً ‪ :‬نشأة النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق‪:‬‬ ‫إن معرفة الظروف التي وجد من خاللها النظام الرأسمالي‪ ،‬تمثل في نفس الوقت معرفة‬ ‫بتاريخ الفكر االقتصادي إزاء المشكلة االقتصادية‪ .‬وفي هذا الصدد‪ ،‬يذهب بعض مؤرخي‬ ‫الفكر االقتصادي إلى القول بأن الفترة التي سبقت منتصف القرن الثامن عشر (تاريخ‬ ‫اكتمال أركان النظام الرأسمالي وظهوره على السطح)‪ ،‬وباستثناء النظام البدائي‪ ،‬قد‬ ‫سادها نظام اقتصادي واحد‪ ،‬وهو النظام اإلقطاعي‪ .‬في حين يذهب البعض اآلخر إلى‬ ‫القول بأن هذه الفترة شهدت نظامين اقتصاديين متميزين ومتعاقبين‪ ،‬وهما –على‬ ‫التوالي –النظام اإلقطاعي والنظام الحرفي‪ ،‬ويقولون بأن النظام األول ساد الفترة من‬ ‫القرن الخامس وحتى القرن الثالث عشر‪ ،‬وساد النظام الثاني الفترة من القرن الثالث‬ ‫عشر حتى منتصف القرن الخامس عشر أو بداية القرن السادس عشر ‪.‬‬


‫ويتفق الرأيان في أمرين‪ ،‬أولهما ‪ :‬أن الفترة الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر‬ ‫وحتى منتصف القرن الثامن عشر‪ ،‬هي الفترة التي شهدت مقدمات ميالد النظام‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬أو هي الفترة االنتقالية لبروز هذا األخير‪ ،‬وثانيهما ‪ :‬أن النظام اإلقطاعي‬ ‫(والنظام الحرفي) قد ساد الفترة الزمنية التي تسمي بالعصور الوسطي‪ ،‬والتي يشير إليها‬ ‫الرأي األول بالفترة البينية المستمرة ‪.‬‬ ‫وسوف نستعرض أوال ً سمات النظام االقتصادي السابق على ظهور النظام الرأسمالي‪ ،‬ثم‬ ‫نتلو ذلك ببيان المقدمات لميالد الرأسمالية ‪.‬‬ ‫)‪1‬سمات النظام االقتصادي السابق على الرأسمالية ‪:‬‬ ‫ثبت أن األفكار االقتصادية إلى حد كبير نتاج لزمانها ومكانها‪ ،‬ولذلك إذا ما أردنا أن نتفهم‬ ‫النظام الرأسمالي‪ ،‬فليس بوسعنا أن نحقق ذلك إال من خالل إطاللة على الماضي‪،‬‬ ‫وضرورة معرفة الظروف االجتماعية واالقتصادية والسياسية والفكر االقتصادي للنظم أو‬ ‫النظام السابق على الرأسمالية‪.‬‬ ‫ويمكن القول أن الحياة االقتصادية في العصور الوسطي ال يجمعها شبه كبير بالمجتمع‬ ‫االقتصادي الحديث‪ ،‬أو على األقل بالفترة االنتقالية لميالد النظام الرأسمالي‪ ،‬وتبعا ً لذلك لم‬ ‫يكن هناك الكثير الذي يحتاج إلى بيان حسبما يرى علم االقتصاد اآلن ‪.‬‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬وصف هذا النظام بالنظام اإلقطاعي‪ ،‬نظرا ً القتطاع األسياد أجزاء من‬ ‫أراضيهم الزراعية للرقيق في مقابل التزامات نقدية وعينية متعددة‪ .‬فقد حدث‪ ،‬وبعد‬ ‫انهيار اإلمبراطورية الرومانية والحروب األهلية والخارجية وتفتت السلطة المركزية‬ ‫العامة‪ ،‬أن قوى االتجاه نحو النظام الالمركزي‪ ،‬فنشأت‪ ،‬على أنقاض اإلمبراطورية‬ ‫الرومانية دول صغيرة‪ ،‬يرأس كل منها ملك‪ ،‬ويحكم أهلها وينظم اقتصادها على أساس‬ ‫هرمي‪ ،‬وبمقتضاه يقتطع الملك أجزاء من أراضى الدولة لتابعيه من األمراء في مقابل‬ ‫التزامات مادية وحربية‪ ،‬ثم يقتطع األمراء بدورهم مساحات من أراضيهم إلى تابعيهم من‬ ‫النبالء‪ ،‬ثم يقتطع النبالء أو السادة أجزاء للرقيق –بعد تحريرهم –في مقابل التزامات‬ ‫عينية ونقدية متعددة‪ ،‬وهكذا يكون الملك‪ ،‬من الناحية النظرية هو سيد األسياد ‪.‬‬ ‫ويمكن إبراز السمات األساسية للنظام االقتصادي اإلقطاعي فيما يلي‪:-‬‬ ‫‪1‬أنه نظام اقتصادي مغلق‪ ،‬استمر لفترة يقوم على االكتفاء الذاتي أو اإلنتاج بغرض‬‫االستهالك ‪.‬‬ ‫‪2‬يمثل النشاط الزراعي النشاط االقتصادي الهام‪ ،‬والذي ينظم وفقا ً للعالقات القائمة بين‬‫طبقتين وهما‪ :‬واألشراف أو األسياد أو أصحاب األراضي‪ ،‬ورقيق األرض ‪.‬‬ ‫‪3‬كذلك كانت طوائف الحرفيين أو النشاط الحرفي‪ ،‬والذي ظهر بعد فترة من بداية النظام‪،‬‬‫بجانب النشاط الزراعي‪ ،‬من السمات المميزة للحياة االقتصادية في العصور الوسطي‪،‬‬ ‫ومع هذا النشاط أصبح اإلنتاج يتم بغرض التبادل‪ ،‬وإن كان على نطاق محدود ‪.‬‬ ‫‪4-‬تمثلت القوى اإلنتاجية أو أدوات اإلنتاج األساسية‪ ،‬والتي تشمل أساسا ً األرض والعمل‬


‫ورأس المال والمهارات التنظيمية‪ ،‬القوى في عامال األرض والعمل‪.‬‬ ‫‪5‬إن السوق‪ ،‬بالرغم من تزايد أهميتها بمرور السنين‪ ،‬كانت على وجه التحديد جانبا ً‬‫ثانويا ً من جوانب الحياة االقتصادية في العصور الوسطي‪ ,‬فالجماهير الريفية كانت تزرع‬ ‫وتصنع ما تأكله أو تلبسه‪ ،‬وتسلم جزءا ً منه إلى طبقة من األمراء والسادة أحرارا ً أو‬ ‫مزارعين يقتسمون المحصول مع المالك أو األسياد أو مستأجرين‪ ،‬ويمكن أن يكون على‬ ‫رأسهم كأسياد الكنسية‪ ،‬والملك وكبار النبالء‪ ،‬وطبقة عليا من المستأجرين‪ ،‬ولكن مهما‬ ‫تكن العالقة بين السيد والعامل سواء كان األمر التزاما ً أو إكراها‪ ،‬فإن المنتجات والخدمات‬ ‫كانت تسلم وال تباع‪ ،‬أو بعبارة أخرى لم تكن هناك السوق أو التجارة ‪.‬‬ ‫‪6‬على أنه ال ينبغي بوجه عام تحميل عدم وجود تجارة أو سوق في العصور الوسطي‬‫أكثر مما يحتمل –فقد كانت هناك المدن‪ ،‬وإن كانت شديدة الصغر بالمقاييس الالحقة ‪،‬‬ ‫وكانت هناك حاجات أو رغبات متنوعة لإلقطاعيين األعلى مرتبة يقوم على تحقيقها تجار‬ ‫من هنا وهناك أو يجرى إشباعها بالشراء من الحرفيين –ومن ثم فقد كانت هناك السوق‪،‬‬ ‫ولكنها ليست سوقا ً من نمط العالقات اليومية‪ ،‬ولم تكن تجتذب اهتماما ً أو فكرا ً رئيسياً‪.‬‬ ‫وعلم االقتصاد في جانب من جوانبه‪ ،‬يركز على السوق‪ ،‬ولكن في عالم كان السوق فيه‬ ‫نتاجا ثانويا من جوانب الحياة االقتصادية في العصور الوسطي بل جانبا ال يهم إال‬ ‫الخاصة‪ ،‬وبالنظر إلى أن علم االقتصاد كما يعرف اآلن لم يكن قد وجد بعد ‪.‬‬ ‫‪7‬وعلى الرغم من األهمية المحدودة للسوق وللتبادل‪ ،‬وعلى الرغم من أن علم االقتصاد‬‫لم يكن قد عرف بعد في العصور الوسطي‪ ،‬إال أن العمليات المحدودة للبيع والشراء‪،‬‬ ‫وعلى النحو الذي كانت تتم به‪ ،‬كانت قد اجتذبت فكر بعض الفالسفة‪ ،‬والذين كان لهم فكر‬ ‫معين في بعض المسائل االقتصادية كمسألة مشروعية السعر أو عدالته أو ما يسمي‬ ‫بمفهوم السعر العادل‪ ،‬والفائدة‪ ،‬والتجارة ‪.‬‬ ‫فإذا كنا قد ذكرنا أن األسواق في العصور الوسطي لم تكن إال جزءا صغيرا ً من الحياة‬ ‫االقتصادية اليومية‪ ،‬إال أنها رغم ذلك كانت لها سماتها الخاصة‪ ،‬منها أن مبيعات كثيرة‬ ‫من الخيول أو الماشية مثالً‪ ،‬كانت تتم من شخص آلخر أو من تاجر أو من حفنة من‬ ‫التجار إلى اآلخرين‪ ،‬أو كانت تخضع العملية للضوابط التي تقررها طوائف الحرفيين‪،‬‬ ‫والتي وجدت ألغراض كثيرة منها ضبط األسعار وأجور العمال‪ .‬وكان سعر السوق الذي‬ ‫يتحدد بطريقة تنافسية أو غير شخصية أمرا ً استثنائيا وليس هو المعتاد طوال العصور‬ ‫الوسطي‪ .‬وفي كل الحاالت‪ ،‬عدا أندرها‪ ،‬كانت هناك شواهد على قدر متفاوت من القوة‬ ‫االحتكارية التي تزيد أو تنقص حسب األحوال‪ .‬في هذا الصدد يقول القديس الفرنسي توما‬ ‫االكوينى (‪– 1274) 1225‬عن مشروعية السعر أو عدالته (أنه ألثم عظيم أن يمارس‬ ‫االحتيال من أجل بيع شيئ ألكثر من سعره العادل "…فبيع شيئ بسعر أعلي مما يستحق‪،‬‬ ‫أو شراؤه بسعر أرخص مما يستحق يعد في حد ذاته سلوكا ً غير عادل وغير قانوني"‪.‬‬ ‫ومفهوم السعر العادل مازال على قيد الحياة ‪.‬‬ ‫كذلك وافق القديس توما االكويني‪ ،‬بل أكد بقوة‪ ،‬الحظر على أخذ الفائدة‪ ،‬وربط ذلك‬


‫بمراعاة صواب التجارة بوجه عام‪ .‬ولم تكن إدانته للتجارة شاملة‪ ،‬حيث فرق بين نوعين‬ ‫من التبادل ‪ :‬األول ‪ :‬يسمي التبادل الطبيعي والضروري‪ ،‬وعن طريقه تتم مبادلة شيئ‬ ‫بآخر أو مبادلة شيئ مقابل نقود بغرض تلبيه احتياجات الحياة‪ ،‬وهذا النوع من التبادل أو‬ ‫التجارة جدير بالثناء‪ .‬أما النوع الثاني من التبادل أو التجارة ‪ :‬هو مبادلة نقود مقابل نقود‬ ‫أو أشياء مقابل نقود‪ ،‬ال لتلبية احتياجات الحياة‪ ،‬ولكن لتحقيق كسب‪ ،‬هذا النوع الثاني من‬ ‫التجارة مدان ومرفوض‪ .‬وهكذا انضم التجار المحترفون –السماسرة والمضاربون‬ ‫والوسطاء –إلى مقرضي النقود في اإلدانة األخالقية ‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬وبعد مرور أعوام طويلة على رأى وفكر القديس توما االكويني‪ ،‬حدث تغير هائل في‬ ‫المواقف على يد الفرنسي نيكول أوريسم (‪ .)1382 -1320‬فالتجارة التي كانت هامشية‬ ‫وموضوع ريبة في فكر القديس توما االكوينى‪ ،‬صارت محورية في فكر نيكول أوريسم‪.‬‬ ‫وبات ينبغي أن تقوم السياسة التي يتبعها األمير أو الدولة أو المجتمع على تشجيع‬ ‫التجارة وتهيئة الظروف التي يتطلبها هذا التشيجع‪ .‬كما تتبع أوريسم تاريخ النقود و إليه‬ ‫تعود نظرية المذهب النقدى ‪ ،Monetarism‬أو نظرية كمية النقود‪ ،‬ومفادها أن مقدار‬ ‫النقود المتداولة في االقتصاد يؤثر في مستوى األسعار‪ ،‬ومن ثم يمكن التحكم في التضخم‬ ‫عن طريق ضبط عرض النقود ‪.‬‬ ‫خالصة األمر‪ ،‬أنه وجد في هذه الفترة الطويلة ما هو أكثر من كلمات القديس توما‬ ‫االكوينى ونيكول أوريسم‪ ،‬ولكن ليس أكثر كثيراً‪ .‬ويرجع ذلك إلى أن علم االقتصاد أو‬ ‫الفكر االقتصادي ال يوجد بمعزل عن الحياة االقتصادية ذات الصلة‪ .‬فثبات وركود المجتمع‬ ‫اإلقطاعي كان يهيمن على توزيع البضائع والخدمات‪ ،‬ال استجابة لسعر وإنما للقانون‬ ‫والعرف والخوف من العقوبات البالغة القسوة‪ ،‬كما كانت السوق استثناءا عل فئة قليلة‪،‬‬ ‫ومن أجل ذلك لم تولي اهتماما كبير‪ .‬أما أوريسم فكان يستجيب أو يتنبأ بعالم جديد آخذ في‬ ‫االتساع تواصل فيه األسواق وكذلك النقود الظهور بقوة‪.‬‬ ‫)‪2‬مقدمات ميالد الرأسمالية ‪:‬‬ ‫تجمعت عوامل كثيرة‪ ،‬خالل فترة زمنية‪ ،‬أدت بدورها إلى تداعى وانهيار النظام اإلقطاعي‪،‬‬ ‫وفي نفس الوقت مهدت لظهور نظام جديد‪ .‬ويحدد مؤرخو تاريخ الفكر االقتصادي هذه‬ ‫الفترة‪ ،‬بتلك الممتدة من منتصف القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر‪،‬‬ ‫تلك الفترة التي شهدت بوضوح ببداية الثورة الصناعية ووقوع الثورة األمريكية وصدور‬ ‫المؤلف العظيم " ثروة األمم " ‪Wealth of Nations‬آلدم سميث‪ .‬ويشار إلى هذه‬ ‫المرحلة‪ ،‬أحيانا‪ ،‬والتي امتدت نحو ثالثون قرون‪ ،‬الرأسمالية التجارية‪ ،‬وأحيانا لمذهب‬ ‫التجاريين أو المركنتيلية ‪Mercantilism.‬وعموما فهذه الفترة تقدم لنظام جديد قادم‪.‬‬ ‫فهما هي إذن هذه العوامل؟ وما هي أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة؟‬ ‫وأهم من قام بتحديد معالم هذه الحقبة؟‬ ‫أ )أما عن إجابة التساؤل األول‪ ،‬فيمكن إبراز أهم العوامل فيما يلي ‪:‬‬


‫‪1‬انتشار األسواق والصعود االجتماعي لطبقة التجار ‪.‬‬‫تزايدت‪ ،‬وبمعدالت كبيرة‪ ،‬حركة التجارة محليا ودوليا‪ ،‬وأصبحت تشمل األراضي‬ ‫األوروبية فيما بينها وكذلك بين األخيرة وبلدان شرقي البحر المتوسط‪ .‬كذلك ظهرت‬ ‫البنوك‪ ،‬أوال ً في إيطاليا ثم تبع ذلك انتشارها في أوروبا الشمالية‪ .‬كما أن بورصات النقود‪،‬‬ ‫حيث مكان وزن عمالت البلدان المختلفة ومبادلتها‪ ،‬أصبحت من سمات هذه الفترة‬ ‫الزمنية ‪.‬‬ ‫وإذا كان التاجر متواريا في الفترة السابقة‪ ،‬وعمله منبوذا‪ ،‬صار شخصية مقبولة وذات‬ ‫مكانة اجتماعية‪ .‬وفي نفس الوقت بدأ يتوارى‪ ،‬اجتماعيا‪ ،‬أصحاب األراضي أو ورثة‬ ‫البارونات اإلقطاعيين‪ .‬ولم يكن كبار التجار مجرد ذوى نفوذ في الحكومة وإنما كانوا هم‬ ‫الحكومة‪ ،‬وكان نفوذهم يتزايد في الدولة القومية الجديدة‪ ،‬والتي يملون عليها ما يحقق‬ ‫أهدافهم من السياسات العامة والعمل العام بدوره‪ ،‬انعكاسا آلرائهم ‪.‬‬ ‫‪2‬ظهور وتدعيم سلطة الدولة الحديثة ‪:‬‬‫فمع صعود القومية جاءت المصالح المتبادلة والعالقة الحميمة بين سلطة الدولة ومصلحة‬ ‫التجار‪ .‬وقد طرح البعض التساؤل التالي وهو ‪ :‬هل كانت الدولة القومية هي األداة‬ ‫الضرورية لسلطة التجار؟ أم سعت الدولة نحو التجار في خدمة سلطاتها األعلى؟‬ ‫‪3‬االكتشافات الجغرافية الجديدة‪:‬‬‫مثل رحالت كشف أمريكا والشرق األقصى للمالحيين كولومبس وفاسكو دى جاما‪،‬‬ ‫ورحالت أخرى قامت بها دول البرتغال وأسبانيا وإنجلترا وفرنسا وهولندا‪ .‬وكان من‬ ‫نتيجة هذه الرحالت اتساع األسواق‪ ،‬وتدافع منتجات جديدة وغير مألوفة إلى أوروبا من‬ ‫الشرق‪ ،‬واألكثر أهمية كان سيل الفضة والذهب من مناجم العالم الجديد‪.‬‬ ‫‪4‬الحركة الصعودية الكبيرة في األسعار‪:‬‬‫كان من أثر تدفق المعادن الثمينة إلى أوروبا من األراضي الجديدة حدوث ارتفاع عام في‬ ‫األسعار وظهور مبكر لنظرية كمية النقود" ‪ ، "Quantity Theory of Money‬مؤداها‬ ‫أنه إذا كان حجم التجارة ثابتا ‪ ،‬تتغير األسعار في تناسب مباشر مع عرض النقود‪ .‬وقد‬ ‫تبين في ذلك الوقت أن وجود عملة معدنية مستقرة –قاعدة الذهب والفضة –يتفق مع‬ ‫تضخم األسعار‪ .‬وقد دخلت العالقة بين عرض النقود واألسعار مجال التعليق االقتصادي‬ ‫في تلك األيام‪ .‬من هؤالء االقتصادي الفرنسي جان بودان (‪ )1596 -1530‬الذي هذب إلى‬ ‫القول بأن األسعار المرتفعة يقف وراءها أسباب كثرة منها وفرة الذهب والفضة‪ ،‬وكذلك‬ ‫االحتكار‪.‬‬ ‫‪5‬تطور التنظيم الصناعي‪:‬‬‫فمن التنظيم الطائفي إلى الصناعات المنزلية‪ ،‬ثم الصناعة اليدوية‪ ،‬أو بتغيير آخر تطورت‬ ‫العملية اإلنتاجية أو الفن اإلنتاجي‪.‬‬ ‫ب )أما عن أهم األفكار االقتصادية التي سادت خالل هذه الحقبة الزمنية‪ ،‬فقد كانت‬ ‫السياسة العامة والعمل العام انعكاسا آلراء وما يحقق مصالح كبار التجار‪ .‬فقد تصور‬


‫التجاريون أن المعادن النفسية من ذهب وفضة مصدر الثروة وأهم أشكالها‪ ،‬وأن قوة‬ ‫الدولة ومعيار ثرائها هو ما لديها من ذهب وفضة‪ .‬لذلك يرون أن على الدولة أن تعمل‬ ‫على الحصول على أكبر كمية من المعادن النفسية‪ ،‬وذلك عن طريق الصادرات وفرض‬ ‫الضرائب على الواردات‪ .‬وعادة ما كان يقول التجار " إن بيع البضائع لآلخرين يكون‬ ‫دائما أفضل من شراء البضائع من اآلخرين "‪ ،‬ألن البيع يحقق مزية مؤكدة والشراء‬ ‫يجلب ضررا ً ال يمكن اجتنابه‪ .‬وهنا يعتقدون ويؤمنون بالدور القوى للدولة وبتدخلها في‬ ‫االقتصاد‪ .‬وقد ترتب على ذلك أن كانت المراسيم والتشريعات المركنتيلية‪ ،‬وفي واقعها‬ ‫العملي‪ ،‬تتضمن فرض الرسوم الجمركية والقيود األخرى المختلفة على الواردات‪.‬‬ ‫كما أن من ضمن الفكر المركنتيلي الموقف السلبي تجاه المنافسة‪ ،‬وعدم الترحيب بها‬ ‫والموافقة والتشجيع على االحتكار أو على التحكم االحتكاري في األسعار والمنتجات‪،‬‬ ‫وبذلك تراجع مفهوم السعر العادل أمام المركنتيلية‪ ،‬ومن هنا كانت منح وبراءات االحتكار‬ ‫تعطى بحرية كبيرة في إنجلترا في عصر الملكة اليزابيث‪ .‬وكانت هذه المنح هبة سخية‬ ‫إلى أن قيدها البرلمان اإلنجليزي خالل حكم جيمس األول بموجب قانون االحتكارات في‬ ‫العامين (‪ 1623‬و ‪. )1624‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬ولما كان الثراء والسعي إليه قد أصبح موضع احترام صار أخذ الفائدة‬ ‫على رأس المال إذا لم يتجاوز حد االعتدال‪ ،‬أمرا ً مقبوال‪ ،‬وأصبح تمويل العمليات التجارية‬ ‫بأموال مقترضة عمال مشروعاً‪ ،‬ولم يعد في ذلك ما يحرم التجار من دخول الجنة‪ ,‬وقد‬ ‫كان ذلك تغيرا في المواقف وفي الفكر عما كان يجرى في الفترة السابقة‪ ،‬فقد كان هناك‬ ‫التمييز‪ ،‬كما سبق وأن بينا‪ ،‬بين نوعى الفائدة‪ ،‬فالفائدة تدان بشدة إذا كانت ابتزازا من‬ ‫جانب المحظوظين للمعوزين ‪.‬‬ ‫ولكن األمر يختلف عندما يحقق المقترض ماال من القرض الذي يحصل عليه‪ ،‬فعند ذلك‬ ‫يكون من قبيل العدالة المجردة أن يقتسم ما يكسبه من المقرض الذي جعل القرض ممكنا‪،‬‬ ‫و أن يعوضه أيضا ً عن خطر فقدان هذا القرض‪.‬‬ ‫ج )وأخيراً‪ ،‬نصل إلى اإلشارة إلى أهم الكتاب الذين قاموا بتحديد معالم الفترة االنتقالية‬ ‫السباقة على ظهور الرأسمالية ‪ :‬فنذكر بأن المرحلة االنتقالية التي نحن بصددها لم يظهر‬ ‫فيها نظاما فكريا محددا من قبل علماء اقتصاد أو فالسفة‪ ،‬وإنما كانت في المقام األول‬ ‫نتاج عقوق رجال الدولة وكبار الموظفين ورجال المال واألعمال‪ .‬لكن ظهر في هذه الفترة‬ ‫بعض من الرجال الذي أوضحوا المبادئ العامة‪ ،‬والسابق عرضها‪ ،‬من أبرزهم أنطوان‬ ‫دي مونكريتيان (‪– 1621) 1576‬في فرنسا‪ ،‬وانطونيو سيرا‪ ،‬وفيليب وفون هورنيك‬ ‫(‪– 1712) 1638‬في النمسا‪ ،‬وجوهان يواقيم بيشر (‪– 1682) 1635‬في ألمانيا ‪،‬‬ ‫وتوماس من (‪– 1641) 1517‬في إنجلترا ‪.‬‬ ‫)‪3‬خصائص النظام الرأسمالي أو اقتصاد السوق‬ ‫يعتبر الفرد غاية هذا النظام وأداته في تحقيق أهدافه‪ .‬فالفرد هو الوحدة األساسية التي‬


‫يقوم عليها تنظيم الحياة‪ ،‬وتتركز حولها كل أنواع النشاط اإلنساني في النواحي السياسية‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية ‪.‬‬ ‫لذلك كان اإلطار العام للنظام الرأسمالي ترجمة لمكانة الفرد في هذا النظام ‪.‬‬ ‫وترتكز خصائص وسمات اقتصاد السوق حول نوعين من الجوانب فهناك الجوانب‬ ‫التنظيمية واالجتماعية (أوالً) وهناك الجوانب الفنية واالقتصادية ( ثانياً) ‪.‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق ‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق ‪.‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬الجوانب التنظيمية واالجتماعية القتصاد السوق‪:‬‬ ‫يقوم النظام الرأسمالي على الحرية في كافة المجاالت السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬ ‫على النحو الذي ينص عليه القانون‪ .‬ويركز هذا النظام على مبدأي الملكية الخاصة‬ ‫وحرية التعاقد‪ ،‬ويقتصر دور الدولة على حماية حقوق األفراد وحراسة مكاسبهم بالتأكيد‬ ‫على احترام حق الملكية وحرية التعاقد ‪.‬‬ ‫)‪1‬مبدأ الملكية الخاصة ‪:‬‬ ‫يعترف القانون في الدول الرأسمالية بحق الفرد في تملك األموال ملكية خاصة‪ ،‬سواء‬ ‫كانت هذه األموال سلعا استهالكية أو سلعا إنتاجية‪ .‬وحق الملكية على مال من األموال‬ ‫يشمل مجموعة من الحقوق الفرعية تتمثل في حق االستعمال وحق االستغالل وحق‬ ‫التصرف‪ ،‬كما أنه يتضمن االعتراف بحق اإلرث كسبب من أسباب كسب الملكية ‪.‬‬ ‫وال يعني االعتراف لألفراد بحق الملكية أن تصبح كل األموال الموجودة في المجتمع‬ ‫مملوكة لألفراد ملكية خاصة‪ .‬فالدولة الرأسمالية تتملك جزءا من الثروة القومية تتمثل في‬ ‫المباني الحكومية‪ ،‬وأراضي الدولة‪ ،‬والمناجم ‪ ،‬والغابات‪ ،‬والهياكل األساسية للنشاط‬ ‫االقتصادي كالطرق والمصارف والجسور ‪.‬‬ ‫ويمكن للملكية الخاص في البالد الرأسمالية أن تحاط ببعض القيود القانونية مراعاة‬ ‫العتبارات الصالح العام‪ ،‬كالقيود التي تمنع المالك من استخدام ماله على نحو يضر‬ ‫بمصلحة جيرانه أو رفاهية مجتمعه‪ .‬ففي بعض البالد تمنع القوانين االرتفاع بالمباني‬ ‫فوق حد معين‪ ،‬كما تحرم إنشاء المصانع الضارة بالصحة في المناطق ذات الكثافة‬ ‫السكانية العالية ‪.‬‬ ‫االعتراف بالملكية الخاصة ألموال اإلنتاج جعل الرأسماليين في القرن التاسع عشر ينكبون‬ ‫على تكديس رؤوس األموال في حوزتهم لالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير‪ ،‬وأفقد العامل‬ ‫الحرفي وضعه الذي كان يتمتع به قبل ازدهار الرأسمالية‪ ،‬وفصل بشكل مطلق بين طبقة‬ ‫الرأسماليين المالكين ألدوات اإلنتاج وبين طبقة العمـال التي تؤجر مجهودها الستغالل‬ ‫أموال اإلنتاج لصالح مالكها‪ ،‬وأظهر التمايز الطبقي القائم على االنفصال الفني‬


‫واالجتماعي بين العمل ورأس المال‪ .‬لذلك تفرض بعض القوانين على مالك المصانع‬ ‫المحافظة على بيئة العمل في حالة صحيحة‪ ،‬وتدبير الوسائل الالزمة لتأمين العمال من‬ ‫الحوادث‪ .‬ثم توالت الحلول التي تضمن تحقيق التوازن االقتصادي واالجتماعي بين‬ ‫أصحاب األعمال والعمل في إطار النظام الرأسمالي ‪.‬‬ ‫)‪2‬مبدأ حرية التعاقد ‪:‬‬ ‫إن االقتصاد الرأسمالي اقتصادا ً تبادليا ً يقوم أساسا ً على وجود السوق التي تتم فيها مبادلة‬ ‫السلع والخدمات بين البائعين والمشترين دون تدخل من جانب الدولة بقصد الحد من قوى‬ ‫العرض والطلب أو توجيهها‪ .‬فالقانون يكفل حرية التبادل وحرية التعاقد بالنسبة لكل‬ ‫األموال االقتصادية‪ ،‬بما فيها عوامل اإلنتاج ومن بينها العمل ‪.‬‬ ‫ويعتبر العقد –وهو عمل قانوني يقوم على أرادتين أو أكثر –هو أسلوب األفراد في‬ ‫تصريف شئونهم االقتصادية‪ .‬ويمكن بالعقد أن تقوم إلى جانب الملكية الفردية نوع آخر‬ ‫من الملكية يعرف بالملكية المشتركة وذلك بتأسيس الشركات ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬الجوانب الفنية واالقتصادية القتصاد السوق‪:‬‬ ‫يقوم النظام الرأسمالي على فن إنتاجي يرتكز على االختراع وعلى بنيان اقتصادي يستند‬ ‫إلى حرية القرار ‪.‬‬ ‫)‪1‬الفن اإلنتاجي ‪:‬‬ ‫قام النظام الرأسمالي في ظل الثورة الصناعية‪ ،‬فارتكز على التقدم التكنولوجي الذي أدت‬ ‫إليه هذه الثورة‪ ،‬وطبقت الفنون اإلنتاجية المتقدمة نتيجة لمبدأ المنافسة‪ .‬ففي ظل‬ ‫المنافسة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم حتى يتمكنوا من تخفيض نفقات‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬وتحقيق أكبر قدر من األرباح‪ .‬فنجاح أي منتج في استخدام وسائل جديدة من‬ ‫شأنها تخفيض التكاليف‪ ،‬يدفع المنتجين اآلخرين إلى تطبيق مثل هذه الوسائل الحديثة‬ ‫حتى يتمكنوا من البقاء في مجال اإلنتاج ‪.‬‬ ‫ويجد تقدم الفن اإلنتاجي أساسه في االختراع الذي يعبر عن حركة التطور الصناعي‪ .‬وقد‬ ‫يأخذ االختراع شكل االختراعات الميكانيكية أو شكل تغيير نسب التأليف بين عوامل‬ ‫اإلنتاج‪ .‬فالنظام الرأسمالي اعتمد في البداية على أسلوب اإلنتاج الذي يستخدم العمل‬ ‫بنسبة أكبر من استخدام رأس المال‪ ،‬ثم أصبح يعتمد على طرق إنتاجية تعتمد على رأس‬ ‫المال أكثر من اعتمادها على العمل ‪.‬‬ ‫فالنظام الرأسمالي يضع تقدم فنون اإلنتاج في مكانه الصحيح بعكس النظام الحرفي الذي‬ ‫كان يقوم على العمل اليدوي وال يعمل إلى التجديد‪ .‬وأدى استخدام الفن اإلنتاجي المتقدم‬ ‫إلى سرعة زيادة معدالت النمو االقتصادي‪ .‬وسيطرت على فنون اإلنتاج اآللية والصناعات‬ ‫الكبيرة‪ ،‬وتطورت هذه الفنون دون توقف لتواجه تكاثر الحاجات‪ ،‬وذلك ألن المنظم هو‬ ‫الذي يوجه وينشئ هذه الحاجات‪ .‬فزيادة اإلنتاج خالل فترات قصيرة دعمت النظام‬ ‫الرأسمالي وجعلته قادرا ً على تحقيق االزدهار ‪.‬‬


‫)‪2‬حرية القرار االقتصادي ‪:‬‬ ‫يتم استغالل عوامل اإلنتاج نتيجة لتفاعل القرارات التي يتخذها األفراد دون إشراف من‬ ‫جانب الدولة‪ .‬فالجماعة تستمد احتياجاتها من المجهودات التي يبذلها المنتجون دون أن‬ ‫ترسم لهم أي سياسة مشتركة‪ .‬وذلك يعنى أن الحياة االقتصادية في ظل النظام الرأسمالي‬ ‫ال تقوم على برنامج تضعه الدولة‪ .‬وإنما تتم المبادالت طبقا ً إلرادة األفراد‪ .‬فاألفراد في‬ ‫سعيهم لتحقيق مصالحهم الخاصة يسعون في نفس الوقت إلى تحقيق مصلحة الجماعة ‪.‬‬ ‫وتعترف الرأسمالية لألفراد بحرية االستهالك‪ .‬فهم أحرار في توزيع دخولهم بين‬ ‫االستهالك واالدخار‪ ،‬كما أنهم أحرار في تحديد هيكل استهالكهم‪ ،‬وفي استثمار ما ادخروه‬ ‫من أموال في المجال الذي يرونه مناسبا لهم‪ .‬لذلك قيل أن المستهلكين هم الذين يوجهون‬ ‫اإلنتاج في النظام الرأسمالي ويحددون هيكله حسب رغباتهم التي تظهر من كيفية إنفاقهم‬ ‫ألموالهم‪ .‬فتهافتهم على سلعة من السلع يدل على زيادة تفضيلهم لتلك السلعة فيرتفع‬ ‫ثمنها وتزداد الكميات المنتجة منها على حساب الكميات المنتجة من غيرها من السلع‬ ‫التي ينقص الطلب عليها وينخفض ثمنها ‪.‬‬ ‫وتعترف الرأسمالية لألفراد والمشروعات بحرية العمل واإلنتاج‪ .‬فلكل فرد في ظل‬ ‫الرأسمالية أن يتصرف في قوة عمله وفي ممتلكاته بإرادة حرة ال تخضع لقيد‪ .‬فهو حر‬ ‫في اختيار نوع العمل أو المهنة‪ ،‬وفي اختيار المجال االقتصادي الذي يساهم فيه بنشاطه‬ ‫حسب مؤهالته وظروفه والفرص المتاحة له‪ .‬فقد يختار أن يكون زارعا أو صانعا أو‬ ‫تاجرا أو طبيبا تابعا أم مستقال‪ .‬وهو نظام يشجع على المخاطرة‪ .‬وقد تؤدى مخاطرة‬ ‫المنتج إلى إنتاج سلعة جديدة تحقق له ربحا وفيرا وتحقق للمجتمع إشباعا إضافيا‪ ،‬فإذا‬ ‫فشل في ذلك فإنه يتحمل عاقبة سوء تدبيره بخسارة بعض أمواله‪ .‬وقد تأخذ المخاطرة‬ ‫شكل التغيير في طرق اإلنتاج بقصد تخفيض التكاليف وزيادة األرباح التي تنتج عن زيادة‬ ‫الكميات التي يصرفها المنتجون من السلعة‪ .‬ويستفيد المستهلك من انخفاض تكاليف‬ ‫اإلنتاج ‪.‬‬ ‫ويكمل حرية اإلنتاج‪ ،‬وحرية االستهالك‪ ،‬حرية انتقال السلع ورؤوس األموال بين الدول‪،‬‬ ‫واتساع حجم المبادالت الدولية‪ ،‬وسيادة مبدأ حرية التجارة‪ ،‬نتيجة ازدهار النظام‬ ‫الرأسمالي‪ ،‬وتطور فنون اإلنتاج‪ ،‬واالستفادة من مزايا اإلنتاج الكبير‪ .‬فحتى تتمكن‬ ‫الوحدات اإلنتاجية الكبيرة من االستمرار في زيادة اإلنتاج كان من الالزم لها أن تضمن‬ ‫أسواقا متسعة ومصادر وفيرة للمواد الخام ‪.‬‬

‫المحاضرة الرابعة‬


‫ظهور النظام االشتراكي وخصائصه‬ ‫أوال ً ‪ :‬ظهور النظام االشتراكي‪:‬‬ ‫إذا كان يؤرخ للنظام الرأسمالي بقيام الثورة الصناعية‪ ،‬والتي تغطى الفترة‬ ‫(‪ ،– 1820) 1780‬فقد سبق النظام الرأسمالي في الظهور أحد أهم عناصر النظام‬ ‫االقتصادي ‪ ،‬ونعني به المذهب الفكري وذلك من خالل أفكار وتنبؤات بعض رجال الفكر‪،‬‬ ‫والذي كان من أهمهم العالم االقتصادي اإلنجليزي آدم سميث‪ ،‬والذي ظهر في كتابة‬ ‫الشهير " ثروة األمم " والصادر عام ‪ .1776‬وبعد سنوات من تطبيق النظام الرأسمالي‬ ‫في بلدان أوروبا الغربية والواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬تعرض اإلطار اإلنتاجي الجديد‬ ‫لهجوم شديد‪ ،‬وانتقادات الذعة من جانب اقتصاديين ألمان وفرنسيين وأمريكيين‪ ،‬ففي‬ ‫بلدانهم كانت األحوال االقتصادية‪ ،‬أو الطروح الفلسفية‪ ،‬أو التعليقات الشخصية‪ ،‬تذكر‬ ‫الحقائق العظيمة النابعة من المسرح االقتصادي البريطاني‪ ،‬واعتقادهم أن النظام‬ ‫الرأسمالي أو النظام الكالسيكي أو نظام اقتصاد السوق كان بريطانيا أكثر مما ينبغي‪،‬‬ ‫وذلك بالنظر إلى أن بريطانيا كانت هي القوى االقتصادية السائدة في العالم طوال القرن‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬ومن ثم كان علم االقتصاد في أغلبه ذا هوية بريطانية‪ .‬ولكن كان الهجوم‬ ‫الكبير من جانب اقتصاديين أصبح يطلق عليهم اسم االشتراكيين‪ ،‬وهم الذين تشككوا في‬ ‫سالمة القوة والدوافع والسلوك التي ارتبطت بالحيازة الخاصة للممتلكات‪ ،‬والسعي إلى‬ ‫إحراز الثروة‪ .‬وقد وجد هؤالء االقتصاديون‪ ،‬وفي السنوات الوسطي من القرن التاسع‬ ‫عشر النتقاداتهم وهجومهم‪ ،‬الجذور في التراث الكالسيكي نفسه‪ ،‬وذلك انطالقا من فكرة‬ ‫أن القيمة تجد أساسها في العمل والتي نادى بها ريكاردو‪ ،‬وفكرة فائض القيمة الذي‬ ‫يستولي عليه الرأسمالي بطريقة خادعة‪ ،‬والرأي القائل بأن كل الحصيلة من البضائع إنما‬ ‫تخص األيدي العاملة التي تنتجها ‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كثرة الكتاب الذي انتقدوا وهاجموا النظام الرأسمالي‪ ،‬إال أن هناك‬ ‫شخصية قد دفعتهم إلى الظل‪ ،‬وهى شخصية األلماني كارل ماركس (‪ .)1883 -1818‬وقد‬ ‫وصلت شهرته على المسرح االقتصادي والتاريخي إلى درجة أن نعت المرء بأنه ماركسيا ً‬ ‫في الدول الصناعية الغربية‪ ،‬وخصوصا ً الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فذلك يفيد استبعاده‬ ‫من الخطاب الراقي المحترم‪ ،‬ودمغه بعار شديد‪ .‬وقد تأثر كارل ماركس فكريا ً بالفيلسوف‬ ‫األلماني هيجل‪ ،‬ومن ثم كان مهيئا ً لرفض التراث الكالسيكي أو مفترضات النظام‬ ‫الرأسمالي التقليدي والحديث‪ .‬فاالقتصاديون الرأسماليون يفترضون وجود توازن بين‬ ‫القوى المختلفة‪ ،‬لدرجة أن أصبح يسمي باقتصاد التوازن‪ ،‬والذي يقوم على أساس أن‬ ‫العالقة األساسية بين صاحب العمل والعامل‪ ،‬وبين األرض ورأس المال والعمل‪ ،‬وهي‬ ‫العالقة التي ال يمكن أن تتغير أبداً‪ ،‬وإن حدث تغيير في المعروض من األيدي العاملة أو‬ ‫من رأس المال‪ ،‬وهذا التغيير ال يؤدى إال إلى توازن جديد ومماثل ‪ .‬وبحث وتحديد هذا‬ ‫التوازن النهائي هو جوهر علم االقتصاد السياسي‪ .‬كما أن من أساسيات النظام االقتصادي‬ ‫التقليدي والحديث هو وجود قاعدة ثابتة ال تتغير‪ ،‬أيا كانت االضطرابات أو األزمات التي‬ ‫يتعرض لها النظام‪ ،‬وأن علم االقتصاد يبحث ويثقل المعرفة بالمؤسسات الرئيسية‬


‫والعالقات الجوهرية الدائمة والباقية ‪.‬‬ ‫وكان والد كارل ماركس من أكبر المحامين في ترييه بألمانيا‪ ،‬والذي كان مرتبطا ً‬ ‫بالمحكمة العليا‪ .‬كما أن أسرة كارل ماركس من أصول أسرة يهودية عريقة‪ ،‬إال أن والده‪،‬‬ ‫ومنذ مولد كارل ماركس‪ ،‬قد تحول إلى المذهب البروتستانتي‪ .‬ويقال أن هذا التحول لم‬ ‫يكن راجعا ً إلى عقيدة روحية‪ ،‬بل كان ألغراض سياسية‪ ،‬حيث لم يكن من السهل على‬ ‫والد كارل ماركس وهو في منصبه الرسمي في بروسيا أن يكون يهودياً‪ .‬من جهة أخرى‪،‬‬ ‫تزوج كارل ماركس من جيني فون فشتفالن ابنه البارون لودفيج فون فشتفالن‪ ،‬المواطن‬ ‫األول في المدينة‪ ،‬وكان ذلك تمشيا ً مع المكانة االجتماعية المرموقة لكارل ماركس‪ .‬وهكذا‬ ‫لم تكن نشأة كارل ماركس‪ ،‬مؤسس الفكر الشيوعي‪ ،‬توحي بانشقاقه الثوري العنيد ‪.‬‬ ‫من جهة ثانية‪ ،‬وقع كارل ماركس تحت تأثير جورج فلهلم فريدريك هيجل (‪-1770‬‬ ‫‪ ،)1831‬ومن الفكر اليهجلي جاءت فكرة على أكبر قدر من األهمية‪ ،‬وهى أن الحياة‬ ‫االقتصادية واالجتماعية والسياسية تكون دائما ً في حال تحول مستمر‪ .‬وعندما يبرز كيان‬ ‫اجتماعي أو طبقة اجتماعية وتحتل الموقع األول اجتماعياً‪ ،‬ال تلبث أن يظهر كيان أو‬ ‫طبقة اجتماعية وقوة جديدة تنافسها وتتحداها‪ .‬والمثال البارز لهذه الفكرة‪ ،‬هو بروز طبقة‬ ‫الرأسماليون أو الصناعيون الجديد مكان الطبقة الحاكمة القديمة‪ ،‬وهى مالكو األرض‪ .‬ولم‬ ‫يكن األمر يحتاج إلى جهود لرؤية أن الصناعيين الجدد أو البرجوازية الجديدة‪ ،‬بعد أن‬ ‫تحدت الطبقة االجتماعية السابقة عليها وهى األرستقراطيين أو مالك األراضي بالقدر‬ ‫الكافي وأنشأت تركيبا ً جديداً‪ ،‬سوف تتعرض بدورها لتحد كيان اجتماعي جديد وهو طبقة‬ ‫العمال ‪.‬‬ ‫من جهة ثالثة‪ ،‬إذا كانت فلسفة المذهب الفردي أو فلسفة النظام الرأسمالي تطلق‪ ،‬في أحد‬ ‫جوانبها‪ ،‬من أن الدولة إنما توجد من أجل الفرد‪ ،‬نجد لكارل ماركس فلسفة أو فكر جديد‬ ‫مخالف‪ ،‬وهو نفس فكر األلماني جورج فريدريك ليست (‪ ،– 1846) 1789‬وهى أن الفرد‬ ‫يوجد من أجل الدولة‪ .‬فالدولة هي التي تمنحه الحماية و إمكانية الوجود بشكل متحضر‬ ‫ومستمر‪ ،‬ومن هنا فالدولة يجب أن تتقدم وأن يكون لها الدور األسمى ‪.‬‬ ‫وقد رفض ماركس مهتديا ً بهيجل‪ ،‬االفتراضات األساسية لالقتصاد الرأسمالي التقليدي‬ ‫والحديث‪ ،‬فالتوازن ليس هو النهاية‪ ،‬وإنما هو مجرد حدث في تغير أكبر كثيراً‪ ،‬يؤدى إلى‬ ‫تغيير كامل العالقة بين رأس المال والعمل‪ .‬كما أن المؤسسات االقتصادية‪ ،‬ونقابات‬ ‫العمال‪ ،‬والشركات‪ ،‬والمظاهر االقتصادية للدولة وسياستها‪ .‬كل ذلك في تغيير مستمر وفي‬ ‫حالة حركة‪ ،‬وأن صراع الطبقات هو مصدر هذه الحركة ‪.‬‬ ‫وقد أصدر كارل ماركس‪ ،‬بالتعاون مع صديقة األلماني أيضا ً فريدريك انجلز‬ ‫(‪– 1895) 1820‬أشهر منشور سياسي‪ ،‬والذي قوبل بأكبر قدر من االعتراض والتنديد‬ ‫وهو البيان الشيوعي الذي خاطب السخط الواسع النطاق الذي عبرت عنه الحركات‬ ‫الثورية للعام ‪ .1848‬وقد تبع ذلك إصدار المجلد األول من كتابه " رأس المال " الذي‬ ‫راجعه وأعده للطبع صديقه انجلز‪ ،‬وصدر في حياة كارل ماركس‪ ،‬ثم اعتمد انجلز بعد ذلك‬


‫على المذكرات وأجزاء من المخطوطة الستكمال ونشر الجزأين األخيرين من " رأس‬ ‫المال" بعد وفاة كارل ماركس ‪.‬‬ ‫وفي كتابة " رأس المال "‪ ،‬أشار ماركس إلى إنجازات النظام الرأسمالي في مجال‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬وأشاد بها‪ ،‬وذكر أن النظام الرأسمالي‪ ،‬وفي فترة لم تتجاوز المائة عام حقق قدرا ً‬ ‫أكبر وأضخم من كل األجيال السابقة مجتمعة‪ .‬كما أشار إلى إنجازات أخرى للرأسمالية‪،‬‬ ‫وإن كانت فرعية كخلق المدن الجديدة وزيادة سكان الحضر زيادة كبيرة بالقياس لسكان‬ ‫الريف عالوة على األسعار الرخيصة للسلع والمنتجات‪ .‬ولكن بعد هذه اإلشارة المقتضبة‬ ‫لمنجزات اإلطار اإلنتاجي الجديد أو الرأسمالية‪ ،‬وجه ماركس سهامه نحو جوانب الضعف‬ ‫في الرأسمالية والتي أجملها في أربعة عيوب أو مشكالت رئيسية‪ ،‬وهى ‪:‬‬ ‫)‪1‬التوزيع غير المتكافئ في السلطة ‪:‬‬ ‫ذهب ماركس إلى أن السلطة ال مهرب منها في الحياة االقتصادية‪ ،‬ومصدر هذه السلطة‬ ‫هي الملكية الخاصة‪ ،‬وبالتالي فالسلطة هي ملكية طبيعية وحتمية للرأسمالي‪ .‬وأن سلطة‬ ‫الرأسمالي ال تقتصر على مشروعه‪ ،‬بل تمتد إلى المجتمع والدولة‪ .‬فالجهاز اإلداري في‬ ‫الدولة ما هو إال لجنة إلدارة الشئون المشتركة للبرجوازية الحاكمة‪ ،‬ويضيف ماركس بأن‬ ‫هذه السلطة الرأسمالية تمتد لتشمل االقتصاديين‪ ،‬ومن ثم يخضع علم االقتصاد‬ ‫واالقتصاديون لنفوذ سلطة الرأسمالي ‪.‬‬ ‫)‪2‬التوزيع غير المتكافئ في الدخل‪:‬‬ ‫إن الفروق الهائلة في توزيع الدخل‪ ،‬كانت محل مالحظات االقتصاديين التقليديين أنفسهم‪.‬‬ ‫وقد قالوا بمبررات لم تكن كافية وقوية لهذا التفاوت‪ .‬وقد وجد ماركس تبريراً‪ ،‬من جهة‬ ‫نظره ونظر أنصاره والتي وجد مصدرها في نظرية ريكاردو " العمل في القيمة "‪ .‬فقد‬ ‫رأى ماركس أن العامل الحدي يحصل على مقابل أو على أجر يعكس إسهامه المضاف في‬ ‫مجموع إيرادات المشروع‪ .‬ويتناقص هذا اإلسهام‪ ،‬وفقا ً لقانون الغلة المتناقصة مع إضافة‬ ‫عمال جدد‪ .‬واألجر الحدي يقرر األجر للجميع ‪ .‬ولكن من هم بعيدون عن الحد يحصلون‬ ‫على األجر الحدي على الرغم من أنهم يساهمون في المكاسب بأكثر مما يحصلون عليه‬ ‫من أجر‪ ،‬وربما بأكثر منه كثيراً‪ .‬وإنهم في المراحل قبل الحدية من العائدات المتناقصة‬ ‫يحققون فائدة أكبر وهذه هي القيمة المضافة أو فائض القيمة‪ ،‬والتي ال يحصل عليها من‬ ‫يحققها أو يحققونها‪ ،‬بل يستولي عليها وبطريقة خادعة الرأسمالي ‪.‬‬ ‫فإذا كانت هناك قوانين إلنتاج تفرضها الطبيعة مثل قانون الغلة المتناقصة‪ ،‬فإن قوانين‬ ‫التوزيع قد فرضها اإلنسان‪ ،‬وليس هناك ما يجبر العمال على الخضوع لمثل هذا الترتيب‬ ‫اإلنساني ‪.‬‬ ‫)‪3‬األزمات المتالحقة للنظام الرأسمالي‪:‬‬ ‫ال يمثل فقط التوزيع غير المتكافئ في السلطة‪ ،‬وال التوزيع غير المتكافئ في الدخل‪،‬‬ ‫عيوب الرأسمالية‪ ،‬بل يهدد بقاء النظام الرأسمالي كذلك االتجاه إلى الكساد والبطالة‪ .‬فقد‬ ‫شهد ويشهد النظام الرأسمالي وجود دورة اقتصادية أشبه بالموجة تسبب اختالالً‪ .‬وقد‬


‫نظر االقتصاديون الرأسماليون األوائل‪ ،‬من أمثال جانب باتسيت ساى‪ ،‬دافيد ريكاردو إلى‬ ‫هذه الموجات بأنها أمر مؤقت ال تغير األوضاع األساسية‪ ،‬كما حلل جون مانيارد كينز هذه‬ ‫الدورات أو األزمات بفكر جديد يخالف قانون ساى‪ ،‬وهو وجوب تدخل الدول لخلق أو‬ ‫تنشيط الطلب الكلي أو الطلب الفعال ‪.‬‬ ‫ومع الكساد الكبير وما سببه من تعاسة وشقاء‪ ،‬أي اإلخفاق الذريع للنظام الرأسمالي‪،‬‬ ‫كان النموذج السوفيتي أو االشتراكية أو الشيوعية هو البديل الواضح والمتاح والممكن‪.‬‬ ‫إال أن ممارسات النظام الحاكم في االتحاد السوفيتي للسلطة‪ ،‬السيما في عهد جوزيف‬ ‫فيساريو نوفيتش ستالين‪ ،‬كانت بمنزلة آفة في كل أرجاء العالم على كلمة الشيوعية أو‬ ‫االشتراكية نفسها‪ .‬كما كانت مصدر متاعب جسيمة في سنوات الخمسينات‪ ،‬والتي شهدت‬ ‫المالحقة الشرسة للمواليين للشيوعيين‪ ،‬ولمن سموا بـ " الحمر " والتي دعا إليها‬ ‫جوزيف ريموند مكارثى‪ ،‬ولهذا عرفت هذه الحملة أو المالحقة للمواليين للشيوعية‬ ‫"بالمكارثية" والتي تميزت بأخذ الناس بالشبهة والشائعة ‪.‬‬ ‫)‪4‬االحتكار ‪:‬‬ ‫لم يقتصر األمر على نقاط الضعف السابقة‪ ،‬التي ألمت وتلم بالنظام الرأسمالي‪ ،‬بل يوجد‬ ‫نقطة ضعف أخرى أشار إليها كارل ماركس‪ ،‬وهى االحتكار‪ .‬وعلى الرغم من أن أنصار‬ ‫النظام الرأسمالي يعترفون بها‪ ،‬إال أنهم يرونها استثناء من القاعدة الحاكمة للسوق‪ ،‬وهى‬ ‫التنافس‪ ،‬ومن ثم فاالحتكار ال يمثل خطرا ً على النظام في جملته‪ .‬غيران ماركس يرى‬ ‫المسألة من وجهة نظر أخرى‪ ،‬فازدياد النشاط االقتصادي في أيدي فئة قليلة من‬ ‫الرأسماليين‪ ،‬هو اتجاه قوى ومستمر‪ .‬وهكذا يرى كارل ماركس أن النظام االقتصادي‬ ‫الرأسمالي الذي أشاد به االقتصاديين الكالسيك‪ ،‬وبسبب نقاط الضعف المذكورة آنفاً‪،‬‬ ‫سيصل إلى نهايته‪ ،‬كما كان يعتقد ماركس في مجال آخر‪ ،‬أن الدولة بعد استيالء الطبقة‬ ‫العاملة أو البروليتاريا عليها‪ ،‬سوف تختفي في نهاية األمر‪ .‬وهو قول لم يصدق‪ ،‬بل‬ ‫احتفظت الدولة الحديثة بقوتها في ظل تطبيقها للنظام االشتراكي‪ ،‬كما حدث في االتحاد‬ ‫السوفيتي (الذي شهد أول تطبيق للفكر االشتراكي عام ‪ )1917‬والصين وبلدان وسط‬ ‫شرق أوروبا ودول أخرى‪ .‬بل قد فشل النظام االشتراكي وتفكك االتحاد السوفيتي سياسيا‬ ‫وتحوله إلى جمهوريات مستقلة‪ ،‬تسعى‪ ،‬وبخطي حثيثة‪ ،‬ومعها دول شرق أوروبا وبقية‬ ‫بلدان العالم تقريبا نحو العودة إلى النظام الرأسمالي‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬الخصائص العامة للنظام االشتراكي ‪:‬‬ ‫كانت روح النظام االشتراكي تتمثل في التخلص من سوء التوزيع االقتصادي واالجتماعي‬ ‫للرأسمالية وتحقيق عدالة تتطلب إحالل الملكية العامة محل الملكية الخاصة لوسائل‬ ‫اإلنتاج ‪.‬‬ ‫فالنظام االشتراكي يقوم على مبدأ عام هو إلغاء الملكية الفردية للموارد االقتصادية‬ ‫وأدوات اإلنتاج‪ ،‬حيث يجب أن تتملك الدولة هذه الموارد واألدوات‪ .‬فالملكية العامة تشمل‬


‫ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية وللمشروعات الصناعية والتجارية ولمشروعات‬ ‫النقل والمصارف وللمشروعات الزراعية‪ .‬وال يخل بمبدأ الملكية العامة إنابة السلطة‬ ‫المركزية لبعض الهيئات العامة إلدارة بعض المشروعات أو تملك بعض أدوات اإلنتاج‬ ‫وفقا ً للخطة االقتصادية العامة ‪.‬‬ ‫وال يعني ذلك أن الملكية الخاصة محرمة تحريما مطلقا في النظام االشتراكي‪ ،‬فالملكية‬ ‫الخاصة نظام طبيعي بالنسبة ألموال االستهالك حيث ال يستطيع الفرد أن يستهلك شيئا ً قبل‬ ‫أن يتملكه ويكون له حرية التصرف فيه‪ ،‬لذلك يسلم النظام االشتراكي بالملكية الخاصة‬ ‫لسلع االستهالك‪ .‬فاألفراد يملكون ما يحصلون عليه من دخول كما يملكون ما يكونونه من‬ ‫مدخرات بشرط أال تتحول هذه المدخرات إلى رؤوس أموال عينية‪ .‬ويسمح بالملكية‬ ‫الخاصة للمساكن والحدائق المحيطة بها واألموال التي تخصص الستعمال أصحابها‬ ‫وتنتقل هذه األشياء إلى الورثة‪ .‬وال يعتبر تملك مل هذه األموال ملكية خاصة استثناء من‬ ‫مبدأ الملكية العامة لوسائل اإلنتاج ألنها أموال مخصصة إلشباع الحاجات الذاتية‬ ‫ألصحابها وليست مخصصة لإلنتاج‪ ،‬ومع ذلك كان من الممكن تملك بعض المشروعات‬ ‫الزراعية ملكية خاصة دون استغالل للغير ‪.‬‬ ‫ويؤدى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج إلى تقريب الفوارق بين الطبقات واختفاء‬ ‫طبقة الرأسماليين والمالك الزراعيين‪ .‬ففي المجتمع االشتراكي يتقاضى األفراد أجورا ً‬ ‫نظير خدماتهم وجهودهم‪ ،‬ويصبح الجهد المبذول في اإلنتاج هو أساس التفرقة في‬ ‫مستوى المعيشة بين األفراد‪ ،‬وتختفي بذلك الطبقة التي تحصل على دخل دون أن تساهم‬ ‫في اإلنتاج بالعمل‪.‬‬ ‫المحاضرة الخامسة‬ ‫دوافع النشاط االقتصادي في كل من النظام الرأسمالي والنظام االشتراكي‬ ‫أوال ً ‪ :‬دوافع النشاط االقتصادي في النظام الرأسمالي‪:‬‬ ‫في هذا اإلطار‪ ،‬نبين (أ) عوامل توجيه النشاط االقتصادي‪ ،‬ثم نبين (ب) كيفية توزيع‬ ‫الدخل في ظل اقتصاد السوق ‪.‬‬ ‫أ )عوامل توجيه النشاط االقتصادي‪:‬‬ ‫يدفع األفراد إلى اختيار نوع النشاط االقتصادي الذي يساهمون به في عمليات اإلنتاج‬ ‫فرص الربح المهيأة أمامهم‪ .‬فدافع الربح هو الموجه لحركة النشاط االقتصادي في النظام‬ ‫الرأسمالي‪ .‬فكل فرد يسعى إلى تحقيق أكبر ربح ممكن بأقل تضحية ممكنة ‪.‬‬ ‫وجهاز األثمان في النظام الرأسمالي هو الذي ينظم النشاط االقتصادي حيث يرشد األفراد‬ ‫إلى فرص الربح الموجودة في المجاالت المختلفة‪ .‬فالنشاط االقتصادي في النظام‬ ‫الرأسمالي يخضع أساسا لقوى السوق (العرض والطلب) وجهاز األثمان هو الذي يربط‬


‫بين العرض والطلب‪ ،‬فهو األداة الفعالة في إيجاد التوازن بين اإلنتاج واالستهالك ‪.‬‬ ‫فارتفاع األثمان يؤدى إلى زيادة أرباح المنتجين األمر الذي يدفعهم إلى التوسع في اإلنتاج‬ ‫فتزداد الكمية المعروضة على نحو قد يؤدى إلى وقف ارتفاع األثمان وربما إلى‬ ‫انخفاضها‪ .‬ويستفيد من ذلك المستهلك بحصولهم على السلع التي تناسب تفضيالتهم ‪.‬‬ ‫واألثمان هي التي تحدد كيفية توزيع عوامل اإلنتاج على القطاعات اإلنتاجية المختلفة‬ ‫حسب رغبات المستهلكين‪ .‬فازدياد طلب المستهلكين على سلعة من السلع يؤدى إلى‬ ‫ارتفاع ثمنها وزيادة أرباح منتجيها والتوسع في إنتاجها‪ .‬ونقص طلب المستهلكين على‬ ‫سلعة من السلع يؤدى إلى انخفاض ثمنها ونقص أرباح منتجيها وانكماش إنتاجها أو‬ ‫توقفه ‪.‬‬ ‫وقد ينذر ارتفاع األثمان بزيادة الندرة النسبية للسلعة ويدفع بالتالي إلى تخفيض الكميات‬ ‫المستهلكة منها‪ .‬فدور األثمان في تحديد االستهالك ال يقل عن دورها في تنظيم اإلنتاج‬ ‫حيث يحدد المستهلكون نوع السلع التي يطلبونها والكميات المطلوبة من كل منها في‬ ‫ضوء أثمانها‪ .‬فالطلب الكلي ينخفض بارتفاع األثمان ويرتفع بانخفاضها ‪.‬‬ ‫وارتفاع أثمان بعض السلع وانخفاض بعضها اآلخر يؤدى إلى تحويل عوامل اإلنتاج من‬ ‫الصناعات التي انخفضت أثمان منتجاتها إلى الصناعات التي ارتفعت أثمان منتجاتها‪،‬‬ ‫وعلى هذا النحو يتم توجيه الموارد االقتصادية حسب تفضيالت األفراد تطبيقا ً لمبدأ سيادة‬ ‫المستهلك ‪.‬‬ ‫ويشترط لقيام جهاز األثمان بدوره في توجيه النشاط االقتصادي طبقا ً لرغبات المستهلكين‬ ‫أن تتمتع عوامل اإلنتاج بحرية االنتقال بين فروع اإلنتاج المختلفة ‪.‬‬ ‫ب )كيفية توزيع الدخول في ظل اقتصاد السوق ‪:‬‬ ‫تلعب األثمان أيضا ً دورا رئيسيا في التوزيع األولى للدخل القومي بين عوامل اإلنتاج التي‬ ‫ساهمت في العمليات اإلنتاجية في صورة فوائد ألصحاب رأس المال وأجور للعمال وأرباح‬ ‫للمنظمين وريع لمالك األراضي‪ .‬فتوزيع الدخل القومي في صورة مكافآت لعوامل اإلنتاج‬ ‫يتم على أساس حركات أثمان عوامل اإلنتاج وهى تتأثر بعرض وطلب كل عامل منها ‪.‬‬ ‫والربح هو الفرق بين ثمن المنتجات النهائية وثمن عناصر اإلنتاج‪ ،‬واألجر هو ثمن قوة‬ ‫العمل التي يبذلها العامل في اإلنتاج ويتوقف على عرض العمل من جانب العمال والطلب‬ ‫عليه من جانب أصحاب األعمال‪ ،‬والفائدة هي الثمن الذي يدفع لممول رأس المال ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬دوافع النشاط االقتصادي في ظل النظام االقتصادي االشتراكي أو الموجه ‪:‬‬ ‫يتم تنظيم الحياة االقتصادية وتوزيع موارد اإلنتاج على القطاعات المختلفة طبقا ً لخطة‬ ‫عامة تضعها السلطة المركزية وتلتزم بتنفيذها كافة الوحدات اإلنتاجية‪ .‬ويساعد السلطة‬ ‫المركزية في وضع الخطة العامة عدد من اإلدارات تختص كل إدارة منها بدراسة مشكلة‬ ‫معينة واقتراح ما تراه في شأنها من قرارات‪ .‬وتتولي السلطة المركزية دراسة مقترحات‬


‫اإلدارات المختلفة والتوفيق بينها بالتضحية ببعض الحاجات إلشباع اآلخر حسب‬ ‫اإلمكانيات القومية ‪.‬‬ ‫فجهاز التخطيط يأخذ شكالً هرميا ً تمثل قمته هيئة التخطيط العليا التي تضع الخطة‬ ‫االقتصادية واالجتماعية وتقوم بالتنسيق بين هيئات التخطيط‪ .‬وتشمل الخطة العامة جانبي‬ ‫اإلنتاج واالستهالك ‪.‬‬ ‫فالخطة تحدد معدالت اإلنتاج وكميته ونوعه على نحو تفصيلي يبين لكل وحدة من‬ ‫الواحدات اإلنتاجية نصيبها من اإلنتاج الكلي وما يلزم لتحقيق هذا اإلنتاج من عناصر‬ ‫اإلنتاج‪ .‬وليس ألي وحدة أن تقوم بإنتاج سلعة جديدة دون أن تتلقى بذلك أوامر من سلطة‬ ‫التخطيط العليا ‪.‬‬ ‫وال تستهدف خطة اإلنتاج تحقيق الربح وإنما تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة‪ .‬وبذلك‬ ‫تكون اإلنتاجية عبارة عن العائد االجتماعي‪ ،‬وال تنحصر في مجرد األرباح النقدية‪ .‬فقد‬ ‫تضحي السلطة العامة ببعض متطلبات الجيل الحاضر بقصد بناء قاعدة صناعية قوية‬ ‫وجهاز إنتاجي متين عند توزيع االستثمارات بين اإلنتاج االستهالكي إلشباع الحاجات‬ ‫الحالة وبين إنتاج أدوات اإلنتاج لزيادة إشباع الحاجات في المستقبل‪ .‬ومعني ذلك أن‬ ‫توزيع موارد اإلنتاج على الصناعات المختلفة ال يتم عن طريق جهاز األثمان الذي يتكفل‬ ‫بأداء هذه المهمة في النظام الرأسمالي ‪.‬‬ ‫وتقيد حرية األفراد في العمل ببعض القيود التي تضعها الدولة لتحقيق المصلحة العامة‪.‬‬ ‫فالدولة تستطيع توجيه األفراد في اختيار المهن واختيار المجال االقتصادي الذي‬ ‫يساهمون فيه بمجهودهم طبقا ً لحاجات المجتمع لكي تضمن توافق التخصصات مع‬ ‫احتياجات المشروعات المدرجة في الخطة العامة ‪.‬‬ ‫وتحدد الخطة معدالت االستهالك وهيكله‪ .‬فاإلنتاج ال يتم طبقا ً للطلب المتوقع على السلع‬ ‫المختلفة كما أنه ال يتم بنا ًء على اختيارات أو تفضيالت المستهلكين وإنما يتحدد بنا ًء على‬ ‫ما ترسمه الخطة العامة‪ .‬وقد يتم توزيع بعض السلع المنتجة على المستهلكين ببطاقات‬ ‫يحدد فيها لكل فرد حصة ال يجوز له أن يتعداها أما السلع التي ال توزع بالبطاقات فيترك‬ ‫تنظيم توزيعها للثمن الذي تحدده الدولة ‪.‬‬ ‫وجهاز الثمن في النظام االشتراكي موجود ولكن لمهمة أخرى تختلف عن مهمته في‬ ‫النظام الرأسمالي‪ .‬فالثمن في النظام االشتراكي جزء من الخطة العامة‪ ،‬في حين أنه في‬ ‫النظام الرأسمالي المنظم الذي يضمن تحقيق التوازن بين العرض والطلب‪ ،‬فالثمن في‬ ‫النظام االشتراكي مخطط ‪ ،‬ويتم التوازن بين العرض والطلب عن طريق الخطة العامة‬ ‫وتوزيع قدر من القوة الشرائية على العمال بقدر يتناسب مع مقدار اإلنتاج‪.‬‬


‫المحاضرة السادسة‬ ‫تطور دور الدولة في االقتصاد‬ ‫لم يكن دور الدولة ثابتا ً في االقتصاد‪ ،‬بل تطور وتبدل عبر العصور حسب الظروف‬ ‫السياسية أو االقتصادية أو االجتماعية‪ .‬وتبلور هذا الدور بين سياسة الحرية االقتصادية‬ ‫وابتعاد الدولة عن االقتصاد‪ ،‬وسياسة التدخل الحكومي المساند للرأسمالية‪ ،‬والتدخل‬ ‫الحكومي المناهض للرأسمالية والمؤيد لالشتراكية‪ .‬وذلك على التفصيل التالي ‪:-‬‬ ‫أوال ‪ :‬سياسة التجاريين‪:‬‬ ‫ظهر فكر التجاريين منذ بداية القرن الخامس عشر واستمر حتى منتصف القرن الثامن‬ ‫عشر‪ .‬وقد قام هذا التيار الفكري بعد انهيار اإلقطاع وما تاله من حركات الهجرة التي‬ ‫سارع إليها رقيق األرض من المناطق الزراعية إلى المدن وأصبحت المدن مركزا للتجارة‬ ‫والتداول‪ .‬وخرج المجتمع األوروبي من نظام االقتصاد اإلقطاعي المغلق الذي يقوم على‬ ‫اإلنتاج لالستهالك الذاتي إلى نظام اقتصاد السوق‪ ،‬حيث انفصل المنتج عن المستهلك‪،‬‬ ‫وظهر التاجر باعتباره وسيطا بين اإلنتاج والتوزيع ‪.‬‬ ‫ومن هنا تجلت أهمية رأس المال كصورة جديدة لتراكم الثروة القومية بعد أن كانت‬ ‫متمثلة أساسا ً في األراضي الزراعية‪ .‬وقد ساعد على التراكم الرأسمالي اختراع النقود‬ ‫كوحدة قياس لمختلف القيم االقتصادية‪ .‬فالنقود التي أضفت مرونة كبيرة على المعامالت‪،‬‬ ‫وسهلت انتقال األموال‪ ،‬وساهمت في ازدهار التجارة وفي تعميق تقسيم العمل‬ ‫والتخصص ‪.‬‬


‫وقويت طبقة التجار بتجميعهم لكميات كبيرة من النقود‪ ،‬وبتحالف الملوك معهم للقضاء‬ ‫على ما تبقى من شوكة لإلقطاعيين‪ ،‬واسترداد كيان السلطة المركزية للدولة‪ .‬وشجع‬ ‫التجار الصناعة ولكن لخدمتهم‪ ،‬وظلت التجارة هي النشاط الرئيسي حتى القرن الثامن‬ ‫عشر ‪.‬‬ ‫وكان األساس الذي تستند إليه سياسة التجاريين هو أن يكون رصيد الميزان التجاري‬ ‫للدولة دائنا‪ .‬وال يتأتى ذلك إال إذا باعت للدول األجنبية سلعا وخدمات أكثر من السلع‬ ‫والخدمات التي تشتريها الدولة منها‪ .‬فالرصيد إذ يكون في هذه الحالة دائنا يمكن للدولة‬ ‫الدائنة أن تطلب سداده بالذهب والفضة‪ ،‬وهي المعادن النفسية التي تؤدى زيادتها إلى‬ ‫زيادة قوة الدولة ‪.‬‬ ‫فزيادة رصيد الدولة من الذهب والفضة يزيد المقدرة المالية للدولة ويزيد قوتها الحربية‪،‬‬ ‫حيث تستطيع الدولة عند نشوب الحروب أن تلجأ إلى هذا الرصيد لتجهيز الجيوش‬ ‫واإلنفاق عليها في الخارج‪ .‬فرصيد الدولة من الذهب والفضة وإن كان يدخل خزائن‬ ‫التجار إال أنه يشكل إمكانيات قومية يمكن للحكومة أن تحصل على جزء منه عن طريق‬ ‫الضرائب أو القروض اإلجبارية‪ ،‬فقوة الدولة من قوة مواطنيها‪ .‬فالذهب والفضة في نظر‬ ‫التجاريين هي أفضل أنواع الثروات‪ ،‬ويمكن زيادة رصيد الدولة منها عن طريق زيادة‬ ‫الصادرات عن الواردات لكي يسدد الفرق بالذهب‪ .‬ولذلك حذر التجاريون من زيادة‬ ‫الواردات عن الصادرات حتى ال تضطر الدولة إلى سداد الفرق للدول األجنبية بالذهب‬ ‫فينقص رصيد الدولة منه‪ ،‬ويحل الكساد والبطالة محل الرواج والتوظف ‪.‬‬ ‫وتحقيقا لسياسة التجاريين نادوا بضرورة تدخل الدولة لإلشراف المستمر على النشاط‬ ‫االقتصادي‪ ،‬فنادوا بفرض الضرائب على الواردات‪ ،‬وتشجيع الصادرات بمنح إعانات‬ ‫للمنتجين الذين ينتجون ألغراض التصدير‪ ،‬وطالبوا بوضع قوانين تحض على الجهد‬ ‫والعمل والتقشف والحد من استهالك السلع الكمالية التي تستنفذ بعض األموال ‪.‬‬ ‫ويرى التجاريون ضرورة المحافظة على مستويات أجور العمال عند مستويات منخفضة‬ ‫والمحافظة على تكاليف اإلنتاج عند أدني مستوى ممكن‪ ،‬واستخدام كافة الموارد‬ ‫االقتصادية بأقصى كفاءة ممكنة‪ ،‬حتى تتمكن من أن تغزو الدولة بمنتجاتها األسواق‬ ‫األجنبية بأسعار تنافسية‪ .‬وعموما ً تسعي سياسة التجاريين إلى الوصول باإلنتاج إلى‬ ‫أقصى قدر ممكن والوصول باالستهالك إلى أقل حد ممكن لتحصل بذلك على رصيد إضافي‬ ‫من الذهب والفضة ‪.‬‬ ‫وإذا كان لدى الدولة مناجم للذهب والفضة فإن على الدولة أن تقوم باستغاللها إلى أقصى‬ ‫درجة ممكنة‪ .‬وعلى الدولة من ناحية أخرى أن تسعى إلى ضم المستعمرات التي تحتوى‬ ‫أقاليمها على مناجم للذهب والفضة بقصد استغالل هذه المناجم واستنفاذ ما فيها من هذين‬ ‫المعدنين النفسين ‪.‬‬ ‫ولكن الدعوة إلى االستعمار لم تقتصر على استعمار البالد التي تضم مناجم للذهب‬ ‫والفضة‪ ،‬وإنما امتدت إلى كل البالد التي بها ثروات طبيعية يمكن استغاللها في اإلنتاج‬


‫الصناعي أو في التجارة فقد كان االستعمار وسيلة ثراء للدولة تمكنها من الحصول على‬ ‫المواد الخام وتضمن لها سوقا لبيع منتجاتها ‪.‬‬ ‫وكانت الدول الكبرى تطبق الميثاق االستعماري الذي تعترف فيه بأن المستعمرات ليست‬ ‫سوى مناطق مخصصة لخدمة اإلمكانيات االقتصادية للدول االستعمارية‪ .‬فكل تبادل تجارى‬ ‫للمستعمرات يجب أن يكون مع الدول االستعمارية تصديرا واستيرادا‪ .‬وليس للمستعمرات‬ ‫إقامة صناعات فيها‪ .‬وهكذا بقيت المستعمرات مناطق تحصل منها الدول االستعمارية على‬ ‫أكبر قدر ممكن من الثروة ‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬سياسة حرية النشاط االقتصادي والطبيعيين و الرأسمالية التقليدية‬ ‫انهارت السياسة التي اتبعتها الحكومات في القرنين السادس عشر والسابع عشر تحت‬ ‫تأثير أفكار التجاريين‪ .‬فقد وجه االقتصاديون في القرن الثامن عشر عديدا من االنتقادات‪،‬‬ ‫إلى سياسة التجاريين وبينوا أن تدخل الحكومة في النشاط االقتصادي يخل بالحركة‬ ‫الطبيعية لهذا النشاط والتي من شأنها تحقيق المصلحة العامة للمجتمع ‪.‬‬ ‫فالمنافسة الحرة بين البائعين والمشترين في السوق تكفل تحديد الثمن الذي يحقق‬ ‫التوازن بين العرض والطلب دون أن يكون ألي فرد بائعا كان أو مشتريا أي أثر في‬ ‫تحديده‪ .‬وال يوجد بالتالي أي داع لتدخل الحكومة من أجل تحديد ثمن عادل ألي سلعة أو‬ ‫أجر عادل ألي نوع من أنواع العمل ‪.‬‬ ‫وفي ظروف المنافسة الحرة يسعى المنتجون إلى تحسين وسائل إنتاجهم بقصد تخفيض‬ ‫التكاليف حتى يحققوا أكبر قدر من األرباح‪ .‬ويضطر كل منتج إلى متابعة غيرة في‬ ‫استخدام الوسائل الحديثة في اإلنتاج حتى يحافظ على تكاليف إنتاجه عند مستويات‬ ‫تنافسية ‪.‬‬ ‫وتؤدى المنافسة إلى انخفاض تكاليف المعيشة بقضائها على المنتجين غير األكفاء في أي‬ ‫مجال من مجاالت اإلنتاج ‪.‬‬ ‫وجهاز األثمان كفيل بتنظيم النشاط االقتصادي دون أي داع لتدخل الحكومة فتدخل‬ ‫الحكومة يؤدى إلى تعطيل جهاز السوق‪ ،‬والى التحيز لفريق من المتعاملين على حساب‬ ‫فريق آخر دون سند من الكفاءة االقتصادية‪ ،‬وإلى التعثر في اتخاذ القرارات االقتصادية‬ ‫نتيجة للروتين والتهرب من المسئولية ‪.‬‬ ‫وكان الفالسفة يدعون أيضا ً إلى الحرية االقتصادية لما لمسوه في التدخل الحكومي من‬ ‫هضم للحقوق الطبيعية لألفراد‪ .‬فالفزيوقراط في فرنسا كانوا يمجدون القوانين الطبيعية‬ ‫على القوانين الوضعية ‪.‬‬ ‫وسر حملتهم على القوانين الوضعية ترجع إلى أن الحرية السياسية كانت منعدمة في‬ ‫فرنسا في القرن الثامن عشر‪ ،‬والتجارة الداخلية مكبله بقيود تحد من انتقال السلع مع‬ ‫إقليم إلى آخر‪ .‬وكانت األراضي الزراعية غير مستغلة استغالال كامالً بسبب النظام‬ ‫اإلقطاعي ونظام الضرائب‪ ،‬لذلك أكد الطبيعيون على ضرورة إزالة كل تدخالت الحكومة‬


‫وإتباع سياسة الحرية ‪.‬‬ ‫واستند الفالسفة اإلنجليز في دفاعهم عن نظام الحرية إلى الحقوق الطبيعية للفرد‪ .‬فإذا‬ ‫كانت الحياة الجماعية تستدعي تنازل الفرد عن بعض حقوقه أو عن جزء من حريته‬ ‫الشخصية‪ ،‬إال أن هذا التنازل يجب أال يتعدى ما هو ضروري لتحقيق تمتع الفرد بباقي‬ ‫حقوقه الطبيعية في أمان وذلك باحترام القانون الذي يحافظ على الحقوق الفردية‬ ‫الطبيعية‪ .‬فالدولة عليها أن تحافظ على الحقوق الطبيعية لمواطنيها وليس لها أن تستغل‬ ‫هذه الحقوق‪ .‬وقامت فلسفة هؤالء في المجال االقتصادي على تمتع كل فرد بالعائد الكامل‬ ‫لعمله‪ ،‬والحد من تدخل الدولة في الشئون االقتصادية للمجتمع وخاصة شئون الملكية‪.‬‬ ‫فليس للدولة أن تفرض ضرائب عالية أو تضع قيودا تعوق الحركة الطبيعية للنشاط‬ ‫االقتصادي وليس لها أن تحدد األجور أو األسعار أو معدالت الفائدة أو الربح أو أن تمنح‬ ‫التزاما أو احتكارا لبعض رجل األعمال لما في ذلك من جور على الحقوق الطبيعية للفرد ‪.‬‬ ‫أما رجال األعمال فلم يناهضوا تدخل الحكومة في الشئون االقتصادية قبل الثورة‬ ‫الصناعية لضيق السوق الداخلية وقيام نظام الطوائف ‪ .‬فقد كان السوق الداخلية تتمثل في‬ ‫سوق المدينة‪ ،‬وكانت كل طائفة تتولي تنظيم شئون حرفتها على نحو ملزم ألعضائها ‪.‬‬ ‫وفي مجال التجارة الخارجية كان تدخل الدولة أمرا ً أساسيا نتيجة لضيق السوق ‪ ،‬وضآلة‬ ‫حجم األرباح‪ ،‬والمخاطر التي تتعرض لها األرواح والممتلكات ‪.‬‬ ‫وفي مجال اإلنتاج الصناعي كان تدخل الدولة أمرا معترفا به لما يحتاجه االستغالل‬ ‫الصناعي من رؤوس أموال كبيرة غير مضمونة العائد في وقت لم يبلغ فيه التراكم‬ ‫الرأسمالي لدى األفراد حدا ً يمكنهم من تأسيس المشروعات الصناعية دون تدخل من‬ ‫الحكومة ‪.‬‬ ‫وقد تغيرت كل هذه الظروف باتساع األسواق وزيادة رؤوس األموال لدى التجار والصناع‬ ‫فاتساع األسواق وفر للتجار والصناع عامل األمان فتخلصوا من نظام الطوائف كما أدى‬ ‫إلى زيادة رؤوس األموال المتراكمة لديهم‪ .‬ومن هنا زادت طموحات التجار والصناع‪،‬‬ ‫وتجلت رغبتهم في تحمل المخاطر‪ ،‬وأصبحوا يشعرون بالكيان الفردي لكل منهم‪ ،‬وسرى‬ ‫تيار الفردية بينهم وبدأت المنافسة تأخذ وضعها في األسواق ولم يكن لدى الحكومة‬ ‫اإلدارة الالزمة لتحقيق اإلشراف والتدخل في هذه الظروف المتطورة فوقع على عاتق‬ ‫األفراد تنظيم شئونهم االقتصادية في كافة المجاالت ‪.‬‬ ‫لذلك كل االتجاه السائد في القرن التاسع عشر هو مناهضة تدخل الدولة في النشاط‬ ‫االقتصادي للتفرغ لمراعاة احترام القانون‪ ،‬وحفظ األمن‪ ،‬والدفاع عن حدود الدولة ضد‬ ‫اعتداء الجماعات األخرى‪ .‬أما إنتاج السلع والخدمات بأقل التكاليف فهي وظيفة رجال‬ ‫األعمال على أساس الحرية ‪.‬فال تدخل من جانب الدولة في النشاط االقتصادي‪ ،‬وال تدخل‬ ‫من رجال األعمال في شئون الحكم‪ .‬فالتدخل في النشاط االقتصادي من جانب الحكومة‬ ‫يؤدى إلى البطء في اتخاذ القرارات السليمة بسبب جهل األداة الحكومية بأصول‬ ‫االقتصاد ‪.‬‬


‫وهكذا‪ ،‬وجدت الحرية االقتصادية بدايتها عند الطبيعيين كرد فعل في اتجاه مضاد‪ ،‬للتدخل‬ ‫الحكومي الذي نادى به التجاريون‪ .‬فنظر الطبيعيون إلى الفرد على أنه اللبنة األولى‬ ‫للنشاط االقتصادي وإلى المصلحة على أنها حافز هذا النشاط‪ .‬ومن هنا كان االعتراف‬ ‫للفرد بحق تملك أدوات اإلنتاج وتنظيم العمليات اإلنتاجية على أساس المنافسة بين‬ ‫المنتجين‪ .‬والفرد عندما يسعى إلى تحقيق منفعته الشخصية بمنافسة اآلخرين يسعى في‬ ‫نفس الوقت إلى تحقيق المصلحة العامة‪ .‬وأسس الطبيعيون مذهبهم في الحرية االقتصادية‬ ‫على فكرة القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية إلى يجب أن تحكم كافة مظاهر الحياة‬ ‫االقتصادية‪ ،‬لما لهذه الحقوق من صفات األبدية واإلطالق ‪.‬‬ ‫وتعتبر أفكار المدرسة الكالسيكية امتدادا ً ألفكار مدرسة الطبيعيين‪ .‬وارتبط ظهور المدرسة‬ ‫الكالسيكية بالتطور العام ألوروبا في كافة نواحي الحياة نتيجة للثورة الصناعية وما‬ ‫صاحبها من تغيير جوهري في فنون اإلنتاج‪ ،‬وزيادة عمليات التراكم الرأسمالي لدى‬ ‫أصحاب األعمال‪ ،‬فانفصال طبقة العمال عن طبقة الرأسماليين أظهر مصلحة الطبقة‬ ‫األخيرة في ترك األمور االقتصادية تسير في حركة طبيعية تلقائية دون تدخل حكومي يحد‬ ‫من حريتهم في عالقتهم بالعمال أو يقيدهم في الحصول على مستلزمات اإلنتاج‪ .‬وقد‬ ‫صاحب نشأة المدرسة الكالسيكية ازدهار النظام الرأسمالي واعتبرت أساسا ً فكريا ً له ‪.‬‬ ‫ثالثا ً ‪ :‬سياسة التدخل الحكومي ما بين التأييد للرأسمالية أو االشتراكية‪:‬‬ ‫لم يسلم فكر مدرسة الطبيعيين من النقد‪ ،‬فال توجد قوانين طبيعية تحكم مسار النشاط‬ ‫االقتصادي خاصة إذا علمنا أن الظواهر االقتصادية تتميز بالتطور المستمر‪ .‬وتغير‬ ‫الظواهر يقتضي تغيير القوانين التي تحكمها‪ .‬ولم يسلم فكر المدرسة الكالسيكية أو‬ ‫الرأسمالية التقليدية من النقد‪ ،‬حيث عجزت النظرية الكالسيكية عن تقديم الحلول للمشاكل‬ ‫واألزمات التي واجهت النظام الرأسمالي مع بداية القرن العشرين نتيجة تحطيم الحرب‬ ‫العالمية األولى للجهاز اإلنتاجي في الغرب‪ ،‬وقد تحقق نفس األمر مع الحرب العالمية‬ ‫الثانية ‪.‬‬ ‫فاالعتبارات الجارية في الكيان االقتصادي أملت على الحكومة ضرورة التدخل‪ ،‬وجعلت‬ ‫النظام الرأسمالي في حاجة إلى حلول جديدة لحل بعض مشكالته‪ .‬ولعل أهم هذه‬ ‫االعتبارات تتمثل في الحروب‪ ،‬وإعادة توزيع الدخل القومي‪ ،‬والقضاء على البطالة ‪،‬‬ ‫والتنمية االقتصادية للبالد المتخلفة ‪.‬‬ ‫ففي أوقات الحروب ال يمكن االعتماد على جهاز األسعار لتوجيه الموارد االقتصادية‬ ‫التوجيه األمثل لكسب الحرب‪ .‬لذلك كان ضروريا ً في هذه األوقات أن تتولى الحكومة أمر‬ ‫توجيه الموارد باعتبارها مسئولة عن نجاح عملياتها الحربية‪ .‬وتستمر دواعي التدخل‬ ‫الحكومي إلى ما بعد انتهاء الحرب حيت تعانى البالد من ندرة كثير من أنواع اإلنتاج‬ ‫المدني‪ .‬فترك السوق حرة في أعقاب الحرب يعطى بعض األفراد فرصة للحصول على‬ ‫أرباح استثنائية كبيرة ‪.‬‬


‫وبعد انتهاء الحرب يجب استمرار تدخل الدولة إلعادة توزيع لدخل القومي لصالح الفقراء‬ ‫بفرض الضرائب العالية واستخدام حصيلتها لتحسين حالة الفقراء وقت السلم‪ .‬خاصة وان‬ ‫الدولة قد نجحت في تمويل الحرب عن طريق هذه الضرائب ‪.‬‬ ‫ومما دعا إلى التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي الرغبة في القضاء على البطالة‬ ‫وتحقيق التشغيل الكامل بتنظيم اإلنتاج واالستهالك ‪.‬‬ ‫وعلى حكومات الدول المتخلفة أن تعمل على تحقق التنمية االقتصادية واالجتماعية وذلك‬ ‫بتوجيه جانب من مواردها لالستثمار في المجاالت التي ال يتمكن النشاط الفردي من‬ ‫االستثمار فيها لنقص في الخبرة أو في رؤوس األموال‪ ،‬وبتوجيه تجارتها الخارجية وفقا ً‬ ‫الحتياجات البالد ‪.‬‬ ‫ويتم التدخل الحكومي في النشاط االقتصادي بواحدة من اثنتين‪:‬‬ ‫األولي ‪ :‬وضع خطة إنتاجية عامة تساهم المشروعات الخاصة والمشروعات العامة في‬ ‫تنفيذها ‪.‬‬ ‫الثانية ‪ :‬وضع خطة مركزية كاملة الستخدام الموارد في كافة القطاعات ‪.‬‬ ‫·وقد برزت الطريقة األولي‬ ‫·كوسيلة من وسائل اإلبقاء على النظام الرأسمالي في إطار جديد بعد أن ثبت أن أزمات‬ ‫هذا النظام وما يصاحبها من كساد وبطالة ليست عارضة كما أشار الكالسيك‪ ،‬فنواة هذا‬ ‫االتجاه موجودة في أفكار كينز حيت أراد تقديم عالج لمشكلة الركود التي هيمنت على‬ ‫االقتصاد اإلنجليزي‪ ،‬وما صاحبها من بطالة واسعة النطاق ‪.‬‬ ‫فقد بدأ كينز بانتقاد التحليل التقليدي القائم على قانون األسواق‪ ،‬ومضمونه أن العرض‬ ‫يخلق الطلب المساوي له‪ ،‬وان التشغيل الكامل يتم بتفاعل القوى التلقائية للنشاط‬ ‫االقتصادي‪ .‬ذهب كينز إلى عكس ما تقدم مبينا ً أن الطلب الفعلي هو الذي يحدد مستوى‬ ‫التشغيل ومستوى اإلنتاج والدخل‪ .‬فليس من مصلحة المنتجين عرض كمية من اإلنتاج‬ ‫تزيد على ما يتوقعونه من طلب على منتجاتهم بما يحقق لهم أكبر األرباح الممكنة‪.‬‬ ‫ويتكون الطلب الفعلي من الطلب على سلع االستهالك والطلب على سلع اإلنتاج‪.‬‬ ‫وتبين نظرية كينز أن مستوى الدخل القومي يتوقف في النهاية على مقدار الطلب الفعلي‪،‬‬ ‫وينصح كينز الحكومة بالتدخل لتنشيط الطلب الفعلي والتخلي عن سياسة الحرية عالجا ً‬ ‫لمشكلة البطالة ‪.‬‬ ‫ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع االستهالك بتدخل الدولة إلعادة توزيع الدخل‬ ‫القومي لصالح الطبقات الفقيرة‪ ،‬ألن ميل هذه الطبقات لالستهالك أكبر من ميل الطبقات‬ ‫الغنية‪ .‬ويمكن للدولة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفقراء بفرض الضرائب‬ ‫التصاعدية ومنح اإلعانات النقدية وأداء الخدمات المجانية ‪.‬‬ ‫ويمكن تنشيط الطلب الفعلي على سلع اإلنتاج بتدخل الدولة للقيام ببعض المشروعات أو‬ ‫بخفض سعر الفائدة تشجيعا للمنظمين على القيام باستثمارات جديدة‪ ،‬أو القضاء على‬


‫االحتكارات حتى ال تستمر أسعار المنتجات مرتفعة ‪.‬‬ ‫وقد توالت الحلول التي تقدم لإلبقاء على النظام الرأسمالي حتى أصبحت بعض الدول‬ ‫الرأسمالية تتدخل في النشاط االقتصادي بهدف التأثير على البنيان االقتصادي في األجل‬ ‫الطويل وذلك عن طريق خطة عامة‪ .‬فقد وجد أن وضع مثل هذه الخطة أفضل من ترك‬ ‫النشاط االقتصادي يسعى عشوائيا إلى تحقيق األهداف المادية للمجتمع‪ ،‬فالمجتمعات‬ ‫الحرة تعانى في غيبة التدخل من ثالث مساوئ أساسية ‪:‬‬ ‫‪1‬وجود تفاوت كبير في الدخل وفي الفرص بين األفراد ‪.‬‬‫‪2‬عدم استغالل كل مواردها استغالل كامالً بتأثير االحتكارات ‪.‬‬‫‪3‬القلق السياسي واالجتماعي بسبب البطالة والتضخم ‪.‬‬‫وتدخل الدولة بوضع خطة عامة لالقتصاد القومي لتفادى هذه المساوئ أفضل من الحرية‬ ‫االقتصادية التي تصاحبها مثل هذه المساوئ‪.‬‬ ‫·وبالنسبة للطريقة الثانية‬ ‫·من طرق تدخل الدولة في االقتصاد فيتمثل في وضع خطة مركزية كاملة الستخدام‬ ‫الموارد في كافة القطاعات فهو اتجاه التخطيط المركزي الذي يقوم عليه النظام االشتراكي‬ ‫باعتباره نظاما ً منافسا ً للنظام الرأسمالي‪ ،‬عرفه العالم بظهور التجربة االشتراكية في‬ ‫االتحاد السوفيتي سنة ‪ ،1917‬وقد سبق وأن بينا في المحاضرات السابقة أن النظام‬ ‫االشتراكي يرتكز على مبادئ وأسس تختلف تماما ً عن تلك التي يرتكز عليها النظام‬ ‫الرأسمالي‪ .‬ويالحظ أن التخطيط االقتصادي أصبح من أسس النظام االشتراكي ابتداء من‬ ‫سنة ‪ .1917‬وال يعتبر فن التخطيط تطبيقا ً لفكر ماركس‪ ،‬حيث لم ترد كلمة تخطيط في‬ ‫كتاباته نهائيا ً ومع ذلك يبقى النظام االشتراكي مستندا ً في منابعه الفكرية إلى قيمة العمل‬ ‫وفائض القيمة و إلى تراكم رؤوس األموال وتركزها كما أشار كارل ماركس‪ .‬وكان قد لقي‬ ‫فكر ماركس تطبيقا ً في دولتين كبيرتين هما االتحاد السوفيتي سابقا ً والصين الشعبية‬ ‫وعدد آخر من الدول‪ .‬إلى أن التطبيق العملي اثبت فشل النظام االشتراكي أو اقتصاد‬ ‫السوق‪ ،‬فقد تفكك االتحاد السوفيتي منبع الفكر االشتراكي في بداية ‪ 1992‬وتحويله إلى‬ ‫جمهوريات مستقلة تسعى للعودة إلى نظام السوق‪ ،‬بل أنضم بعضها إلى االتحاد األوروبي‬ ‫وهو مركز تجمع الدول ذات النظام االقتصادي الرأسمالي أو هي منبع نظام اقتصاد‬ ‫السوق ‪.‬‬ ‫وهكذا عاد نظام اقتصاد السوق من جديد كمحرك للنشاط االقتصادي من الغالبية العظمي‬ ‫من اقتصاديات العالم‪ .‬وما ترتب على ذلك في انحسار وتراجع دور الدولة في االقتصاد‬ ‫وإطالق العنان وإفساح الطريق للمبادرات الفردية أو للقطاع الخاص‪ ،‬كما عاد دور الدولة‬ ‫في االقتصاد إلى االنحسار ‪.‬‬


‫المحاضرة السابعة‬ ‫بعض نماذج االقتصاد الكلي‬ ‫يمكن أن نستعرض بعض نماذج االقتصاد الكلي من خالل الدخل القومي (أوالً) واالستهالك‬ ‫القومي (ثانياً) واالستثمار القومي (ثالثاً) ‪.‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬الدخل القومي ‪:‬‬ ‫والدخل القومي هو المصدر الذي تشتق منه جميع الكميات االقتصادية من استهالك‬ ‫وادخار واستثمار حتى قيل أن المشاكل االقتصادية الرئيسية في أي بلد من البالد هي‬ ‫المشاكل المتعلقة بدراسة العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي واستقراره وعدالة‬ ‫توزيعه ‪.‬‬ ‫)‪1‬المقصود بالدخل القومي ‪:‬‬ ‫الدخل القومي ألي دولة من الدول هو عبارة عن قيمة إنتاج هذه الدولة من السلع‬ ‫والخدمات خالل فترة معينة تتخذ أساس لقياس هذا الدخل‪ .‬وقد جرى العرف االقتصادي‬ ‫على تقدير الدخل القومي لفترة زمنية طولها سنة ‪.‬‬ ‫ويدخل في هذا اإلنتاج كل ما أنتجه المجتمع من سلع مادية وغير مادية‪ ،‬والسلع المادية‬ ‫قد تكون سلعا ً استهالكية تستخدم مباشرة في إشباع حاجات األفراد‪ ،‬وقد تكون سلعا ً‬ ‫رأسمالية تستخدم في إنتاج غيرها من السلع االستهالكية أو الرأسمالية ‪.‬‬ ‫وزيادة الدخل القومي في سنة ما عنه في السنوات السابقة تدل على رخاء الدولة في هذه‬ ‫السنة‪ ،‬ونمو نشاطها االجتماعي‪ ،‬وارتفاع الدخول التي حصل عليها المواطنون وارتفاع‬ ‫مستوى معيشتهم بزيادة قدرتهم على شراء السلع والخدمات ‪.‬‬ ‫)‪2‬العوامل التي تؤثر في حجم الدخل القومي‪:‬‬


‫وإذا كان الدخل القومي هو عبارة عن قيمة مجموع الناتج القومي فإن مستوى هذا الدخل‬ ‫يتوقف على العوامل التي تؤثر في حجم اإلنتاج القومي ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬ويتوقف حجم اإلنتاج القومي بالدرجة األولى على ما لدى الدولة من عوامل‬ ‫اإلنتاج ودرجة تشغيل هذه العوامل‪ .‬فاإلنتاج هو الحصيلة النهائية لتعاون العمل مع رأس‬ ‫المال ومع األرض بمواردها الطبيعية ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬فبالنسبة للموارد الطبيعية نجد أن اإلنتاج يزداد كلما كانت الدولة غنية بثروتها‬ ‫الطبيعية‪ ،‬وينقص كلما كانت الدولة فقيرة في هذه الثروة‪ ،‬علي فرض وجود العدد المالئم‬ ‫من العمال الستغاللها‪ .‬ويتوقف اإلنتاج في القطاع الزراعي على مساحة األرض الصالحة‬ ‫للزراعة ودرجة خصوبتها ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬ويتوقف اإلنتاج القومي أيضا ً على كفاءة العمال‪ ،‬وأثر العمال على اإلنتاج أثر‬ ‫واضح‪ ،‬فكلما كان سكان الدولة أصحاء ومتعلمون ومهرة في أداء أعمالهم كلما زاد حجم‬ ‫اإلنتاج القومي‪ ،‬والعكس صحيح ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬ومن العوامل ذات األثر المباشر علي حجم الناتج القومي‪ ،‬رأس المال الموجود‬ ‫في الدولة‪ .‬فوفرة األصول ذات الكفاءة اإلنتاجية العالية تؤدى إلى زيادة حجم اإلنتاج‪،‬‬ ‫بينما تؤدي قلة األصول الرأسمالية إلى ضآلة اإلنتاج ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬وباإلضافة إلى كمية عوامل اإلنتاج الموجودة في المجتمع‪ ،‬يتوقف اإلنتاج‬ ‫القومي على مدى الكفاءة التي تعمل بها هذه العوامل‪ ،‬وبالتالي فإن هذا اإلنتاج يتأثر‬ ‫بدرجة التخصص القائمة في المجتمع‪ ،‬ودرجة التقدم الفني‪ ،‬ومدى االقتراب من النسب‬ ‫المثلي للتأليف بين عوامل اإلنتاج ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬ويجب أن ننبه أن ثمة عوامل ليس لإلنسان قدرة على التحكم فيها‪ ،‬قد تؤثر‬ ‫على حجم اإلنتاج‪ ،‬كالظروف الجوية والكوارث الطبيعية والحروب ‪.‬‬ ‫)‪3‬طرق قياس الدخل القومي ‪:‬‬ ‫تهتم كافة الدول بقياس الدخل القومي قياسا ً فعليا ً بالنسبة للفترات الجارية‪ ،‬كما تهتم‬ ‫بقياس هذا الدخل قياسا ً تقديريا ً بالنسبة للقنوات المقبلة ‪ .‬فالدولة تسترشد بهذا القياس‬ ‫عند وضع وتنفيذ سياستها االقتصادية والمالية وتعتبر مشكلة توزيع الدخل القومي بين‬ ‫من ساهموا في العملية اإلنتاجية‪ ،‬ومدى عدالة هذا التوزيع‪ ،‬واآلثار االقتصادية المترتبة‬ ‫عليه‪ ،‬ووسائل إعادة توزيع الدخل القومي على نحو يحد من التفاوت بين الطبقات‪ ،‬من‬ ‫المشكالت التي حازت انتباه الحكومات في العصر الحديث ‪.‬‬ ‫وقد جرت عادة الدول على قياس الدخل القومي خالل فترة زمنية طولها سنة طبقا ً لطريقة‬ ‫من ثالث طرق هي (أ) طريقة الناتج الكلي (ب) وطريقة الدخول الموزعة (ج) وطريقة‬ ‫اإلنفاق الكلي ‪.‬‬ ‫)‪1‬طريقة الناتج الكلي ‪:‬‬ ‫تعتمد هذه الطريقة على إحصاء قيمة كل السلع والخدمات التي تنتجها الدولة خالل السنة‪،‬‬ ‫مع تجنب تكرار حساب السلع الوسيطة‪ ،‬حيث يجب أال تحتسب قيمة أي سلعة أو خدمة‬


‫أكثر من مرة واحدة‪ .‬ومن هنا كان من الضروري استبعاد قيمة المنتجات التي تستخدم‬ ‫خالل السنة كمادة أولية لمنتجات أخرى‪ .‬فكل السلع التي ال تستهلك مباشرة وتدخل في‬ ‫تكوين سلع جديدة يجب احتساب قيمتها مرة واحدة لتجنب المبالغة في قيمة الدخل‬ ‫القومي‪ .‬مثال ذلك اللبن الذي يدخل في إنتاج الشيكوالته‪ ،‬والدقيق الذي يدخل في إنتاج‬ ‫الخبر‪ ،‬والقوى المحركة التي تستخدمها المنشآت في إدارة آالتها وتحتسب ضمن تكاليف‬ ‫اإلنتاج ‪.‬‬ ‫)‪2‬طريقة الدخول الموزعة‪:‬‬ ‫وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على حساب جميع اإليرادات التي‬ ‫حصل عليها كل من ساهموا بنشاطهم االقتصادي في العملية اإلنتاجية‪ .‬ففي سبيل تحقق‬ ‫الناتج الكلى في أي دولة‪ ،‬يبذل العمال مجهودهم مقابل الحصول على أجورهم‪ ،‬ويقدم‬ ‫أصحاب رؤوس األموال أموالهم مقابل الحصول على فائدة عنها ‪ ،‬ويقوم المنظمون‬ ‫بالتأليف بين عوامل اإلنتاج السابقة مقابل الحصول على ربح مناسب للمخاطرة التي‬ ‫يقدمون عليها‪ .‬وبهذا يكون الناتج الكلي الذي ينتج أثناء السنة في جميع القطاعات‬ ‫الزراعية والصناعية والتجارية حصيلة اشتراك جهودهم وممتلكاتهم وإمكانياتهم في‬ ‫العملية اإلنتاجية‪ ،‬ويوزع هذا الناتج عليهم في صورة عوائد لعوامل اإلنتاج المملوكة‬ ‫لهم ‪.‬‬ ‫)‪3‬طريقة اإلنفاق الكلي ‪:‬‬ ‫وتعتمد هذه الطريقة من طرق قياس الدخل القومي على إحصاء قيمة السلع التي حصل‬ ‫عليها األفراد أثناء العام إلشباع حاجاتهم الشخصية "االستهالك"‪ ،‬وقيمة الزيادة التي‬ ‫تحققت أثناء العام في السلع الرأسمالية (االستثمار)‪ .‬فاالستهالك واالستثمار اللذان تما‬ ‫أثناء العام يشكالن استخدامات الناتج القومي ‪.‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬االستهالك القومي‪:‬‬ ‫أ )تعريف االستهالك ‪:‬‬ ‫يوزع الدخل عادة بين نوعين من اإلنفاق ‪:‬‬ ‫‪1‬اإلنفاق على السلع والخدمات التي تستهلك في الفترة الجارية‪ ،‬وهو اإلنفاق الذي‬‫تشترى به الضروريات والكماليات الالزمة للناس في حياتهم اليومية‪ ،‬وهذا النوع من‬ ‫اإلنفاق يطلق عليه(االستهالك)‪.‬‬ ‫‪2‬اإلنفاق على السلع التي ال يتم استهالكها في الفترة الجارية‪ ،‬وهو اإلنفاق الذي يؤدى‬‫إلى زيادة رأس المال الحقيقي للمجتمع عن طريق شراء السلع التي تضم إلى ثروة‬ ‫المجتمع الحقيقية‪ ،‬وهذا النوع من اإلنفاق يطلق عليه لفظ (االستثمار) ‪.‬‬ ‫فما هي العوامل التي تحد مقدار االستهالك؟‬ ‫ب )العوامل التي تحدد مقدار ما ينفق من الدخل على االستهالك‪:‬‬ ‫يمثل االستهالك الذي يقوم به األفراد أكبر العناصر المكونة لإلنفاق الكلي ويتوقف حجم‬ ‫االستهالك على عوامل كثيرة‪:‬‬


‫فاألفراد يزيدون من استهالكهم إذا ما توقعوا ارتفاعا في األسعار‪ ،‬أو اعتقدوا أن السلع‬ ‫سوف تشح في المستقبل‪ ،‬أو شاعت بينهم عادة التفاخر بما يستهلكون‪ ،‬أو خطر لهم أن‬ ‫األموال التي ال ينفقونها في االستهالك سوف تتلف عليهم ‪.‬‬ ‫ومع ذلك يبقى مقدار الدخل أهم اعتبار يعتمد عليه األفراد في تحديد نطاق استهالكهم‪،‬‬ ‫فكلما ازداد دخل الفرد‪ ،‬ازداد ما يستهلكه‪ ،‬وإذا كان هناك بعض األغنياء الذين ينفقون‬ ‫قدرا ً ضئيالً من دخولهم على االستهالك‪ ،‬وبعض الفقراء ينفق على االستهالك كمية أكبر‬ ‫مما يستهلكه األغنياء‪ ،‬إال أن ذلك ال يسقط قاعدة زيادة االستهالك بزيادة الدخل بالنسبة‬ ‫للطبقتين‪ .‬فمستوى استهالك الغني يزيد بزيادة دخله‪ ،‬ومستوى استهالك الفقير يزيد‬ ‫بزيادة دخله‪ ،‬بمعنى أن الفقراء واألغنياء يستهلكون في حالة زيادة الدخل كمية أكبر مما‬ ‫كانوا يستهلكون أو بقيت دخلوهم على ما كانت عليه ‪.‬‬ ‫وإذا كان سلوك األفراد تجاه التغيير في دخولهم يختلف باختالف ميولهم‪ ،‬إال أنه من‬ ‫األوضاع غير المألوفة أن نجد أفرادا يقل استهالكهم كلما زاد دخلهم الحقيقي‪ ،‬أو أفرادا‬ ‫يزيد استهالكهم نتيجة النخفاض دخلهم ‪.‬‬ ‫وتعرف العالقة بين دخل الفرد ومقدار ما ينفقه هذا الفرد على شراء سلع االستهالك‬ ‫بالميل "لالستهالك"‪ .‬والميل لالستهالك هو الذي يمكننا من حساب القدر الذي يستهلكه‬ ‫الفرد من دخله عند كل مستوى من مستويات هذا الدخل‪ .‬فبمعرفة دخل الفرد‪ ،‬وميله‬ ‫لالستهالك يمكن الوصول إلى معرفة مقدار ما ينفقه على االستهالك من هذا الدخل ‪.‬‬ ‫ويمكن حساب الميل لالستهالك بالنسبة للفرد الواحد‪ ،‬وبالنسبة لمجموعة من الناس‪،‬‬ ‫وبالنسبة لمجموع السكان في الدولة‪ .‬والميل لالستهالك في الدولة هو عبارة عن الميول‬ ‫المختلفة لسكانها باإلضافة إلى ما تستهلكه الحكومة ‪.‬‬ ‫وبمعرفة الميل لالستهالك في الدولة يمكننا معرفة مقدار ما ينفق من دخلها القومي على‬ ‫االستهالك ‪.‬‬ ‫فإذا كان الميل لالستهالك‬ ‫‪5‬‬ ‫ــ‬ ‫‪6‬‬ ‫كان معنى ذلك أن كل دخل تحصل عليه الدولة في مجموعها ينفق منه خمسة أسداس‬ ‫على االستهالك‪ .‬فعندما يكون الدخل ‪ 30‬مليارا من الجنيهات‪ ،‬يكون مقدار ما ينفق على‬ ‫السلع االستهالكية والخدمات من هذا الدخل مبلغا قدرة ‪ 25‬مليارا من الجنيهات‪ .‬وعندما‬ ‫يصل هذا الدخل إلى ‪ 36‬مليارا من الجنيهات‪ ،‬يكون مقدار االستهالك ‪ 30‬مليارا من‬ ‫الجنيهات ‪.‬‬ ‫وإذا كان الميل لالستهالك على هذا القدر من األهمية فما هي العوامل التي يتأثر بها هذا‬


‫الميل؟‬ ‫‪9‬العوامل التي تسيطر على الميل لالستهالك ‪:‬‬ ‫تسطير على الميل لالستهالك عوامل موضوعية وعوامل ذاتية ‪.‬‬ ‫;‪&Aring‬تتمثل العوامل الموضوعية التي تؤثر على الميل لالستهالك ‪.‬‬ ‫‪1‬توزيع الدخل القومي ‪.‬‬‫‪2‬التغيير في سعر الفائدة ‪.‬‬‫‪3‬التغيير في السياسة المالية للدولة‪.‬‬‫‪4-‬التغيرات المفاجئة في دخول األفراد ‪.‬‬

‫‪9‬أما العوامل الذاتية فيمكن لكل دارس أن يحددها‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬االستثمار القومي‪:‬‬ ‫أ )تعريف االستثمار ‪:‬‬ ‫يوزع اإلنفاق الكلي بين االستهالك واالستثمار‪ .‬واالستهالك هو الجزء من الدخل الذي‬ ‫يخصص لإلنفاق على سلع االستهالك‪ .‬أما االستثمار فهو ذلك الجزء من الدخل الذي‬ ‫يخصص لإلنفاق على سلع اإلنتاج‪ .‬ويمول االستثمار عن طريق االدخار وهو الجزء الذي‬ ‫لم يستهلك من الدخل‪ .‬ولكن ما هو السبب في بقاء لفظي االدخار واالستثمار‪ ،‬ولماذا ال‬ ‫يستغنى عن أحدهما واإلبقاء على اآلخر ‪.‬‬ ‫ب )االدخار واالستثمار ‪:‬‬ ‫يتم التوافق بين االدخار واالستثمار بالنسبة للمجتمع بأسره‪ ،‬وليس بالنسبة لفرد أو‬ ‫مجموعة من األفراد‪ ،‬كما هو الحال تماما ً فيما يتعلق بالتوافق بين الدخل واإلنفاق‪ .‬فالفرد‬ ‫حر في أن يدخر جزءا أكبر مما يستثمر أو أن يستثمر جزاء أكبر مما يدخر‪ ،‬ولكن‬ ‫مجموع المدخرات يساوى مجموعة االستثمارات على مستوى المجتمع بأسره ‪.‬‬ ‫ومن الحقيقة السابقة يمكن تبرير اإلبقاء على لفظي االدخار واالستثمار معاً‪ .‬فقرارات‬ ‫االدخار واالستثمار ال تتخذها طائفة واحدة من األفراد لنفس الدوافع‪ .‬فكل نوع من هذه‬ ‫القرارات يصدر من طائفة مستقلة في دوافعها عن الطائفة األخرى‪ .‬فاألفراد هم الذين‬ ‫يقومون باالدخار بناء على عاداتهم وميولهم حسب ظروفهم المختلفة‪ ،‬بينما يقوم‬ ‫باالستثمار المنظمون بناء على تقديراتهم وتوقعاتهم عن عوائد االستثمار في المجاالت‬ ‫المختلفة‪ .‬ومن هنا كانت ضرورة التفرقة بين الدور الذي يقوم به كل فريق فما يقوم به‬ ‫المدخرون يسمي ادخارا‪ ،‬وما يقوم به المستثمرون يسمى استثمارا ‪.‬‬ ‫ودوافع االدخار عند المدخرين ليست لها إال عالقة ضعيفة بفرص االستثمار الموجودة في‬ ‫المجتمع ‪ .‬فاألفراد يدخرون حتى ولو لم تكن هناك فرص استثمار مربحة‪ ،‬وهم يحتفظون‬


‫بمدخراتهم في هذه الحالة في صورة رصيد من العملة السائلة ‪.‬‬ ‫أما دوافع االستثمار فتتمثل في توافر فرص االستثمار المربح‪ ،‬وهى فرص تتوقف على‬ ‫الفنون اإلنتاجية الجديدة‪ ،‬وظهور موارد جديدة‪ ،‬وعلى التغيير في المستوى الفكري‬ ‫والثقافي للسكان‪ ،‬كما تتوقف على توقعات أرباب األعمال وعلى السياسة المالية‬ ‫والتشريعية للدولة ‪.‬‬ ‫فالقوى المحددة لالدخار مستقلة تماما ً عن القوى المحددة لالستثمار‪ .‬ومع ذلك يجب أن‬ ‫يبقى واضحا ً أن اغتنام فرص االستثمار يتطلب قدرا من المدخرات لتمويل المشروعات‪.‬‬ ‫فاالدخار هو مصدر تمويل االستثمار‪ ،‬ومن ثم يجب أن تكون السياسة االدخارية والسياسة‬ ‫االستثمارية في اتجاه واحد ‪.‬‬

‫ج )العوامل التي يتوقف عليها حجم االستثمار ‪:‬‬ ‫االستثمار هو اإلنفاق على السلع التي ال تستهلك في الفترة الجارية‪ ،‬كاإلنفاق لزيادة‬ ‫المخزون أو لبناء المساكن أو إلقامة المصانع وإنتاج اآلالت‪ ،‬فاإلنفاق االستثماري هو‬ ‫اإلنفاق الذي يتم إليجاد أصول جديدة‪ ،‬وكل ما يدفع األفراد أو الشركات أو الحكومة إلنفاق‬ ‫جزء من الدخل إليجاد هذه األصول يعتبر دافعا ً من دوافع االستثمار ‪.‬‬ ‫ويتم االستثمار في أي أصل من األصول الرأسمالية إذا كانت المنافع المنتظرة من هذا‬ ‫األصل أكبر من المنافع المنتظرة من أي أصل آخر يتساوى معه في التكاليف‪ ،‬فالمستثمر‬ ‫يوازن بين استثمار نقوده في األصول المختلفة ليختار من هذه األصول ما يعطيه أكبر‬ ‫المنافع ‪.‬‬ ‫والمستثمر ال يقوم بأي عملية من عمليات االستثمار إال إذا كان العائد الصافي لهذه‬ ‫العملية أكبر من سعر الفائدة‪ ،‬سواء كان المستثمر مقترضا للمال أو مالكا له‪ .‬فالمستثمر‬ ‫المقترض عليه أن يسدد الفائدة المستحقة عليه من عائد استثماره‪ .‬والمستثمر المالك‬ ‫عليه أن يعوض الفرصة التي تنازل عليها وهى إقراض أمواله للغير بفائدة‪ .‬فالمستثمر‬ ‫يتوقف عن االستثمار عند تساوى الكفاية الحدية لألصل مع سعر الفائدة‪ ،‬والكفاية الحدية‬ ‫لألصل هي العائد السنوي المتوقع الحصول عليه من استغالل األصل ‪.‬‬ ‫فمستوى االستثمار يتحدد عند النقطة التي تساوى فيها الكفاية الحدية لالستثمار مع سعر‬ ‫الفائدة‪ .‬ومعنى ذلك أنه إذا حدث تغير في الكفاية الحدية لالستثمار أو في سعر الفائدة‬ ‫حدث تغيير في مستوى االستثمار ‪.‬‬ ‫فزيادة الكفاية الحدية لالستثمار مع ثبات سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة مستوى االستثمار‪،‬‬ ‫ألن كثيرا ً من االستثمارات التي لم تكن مربحة عند أسعار الفائدة الجارية تستطيع أن‬ ‫تدخل مجال االستثمار وتحصل على معدل كاف من العائد يغطي فوائد األموال المستثمرة ‪.‬‬ ‫وارتفاع سعر الفائدة مع ثبوت الكفاية الحدية لالستثمار يؤدى إلى انخفاض مستوى‬ ‫االستثمار‪ ،‬ألن بعض فرص االستثمار التي كانت تعطي عائدا كافيا لتغطية الفوائد أصبحت‬


‫غير مربحة ‪.‬‬ ‫ويزداد مستوى االستثمار إذا انخفض سعر الفائدة مع بقاء الكفاية الحدية لالستثمار على‬ ‫حالها‪ ،‬أو إذا زادت الكفاية الحدية لالستثمار زيادة أكبر من الزيادة في سعر الفائدة ‪.‬‬ ‫وينخفض مستوى االستثمار إذا انخفضت الكفاية الحدية لالستثمار مع بقاء سعر الفائدة‬ ‫على حاله‪ ،‬أو إذا انخفضت الكفاية الحدية لالستثمار بدرجة أكبر من انخفاض سعر‬ ‫الفائدة ‪.‬‬ ‫والكفاية الحدية لرأس المال‪ ،‬وهى العالقة بين الغالت المستقبلة المنتظر الحصول عليها‬ ‫من األصل الرأسمالي وتكاليف الحصول على األصل‪ ،‬تتوقف بالدرجة األولى على توقعات‬ ‫المنتجين ومدى ثقتهم في المستقبل من ناحية إمكانية حدوث ما يتوقعونه ‪.‬‬ ‫فالراغبون في االستثمار يقومون بتقدير مقدار الطلب المستقبل على السلع التي‬ ‫سيستخدمون األصول في إنتاجها‪ ،‬ويأخذون في حسبانهم عند إجراء هذا التقدير فرصة‬ ‫السلع األخرى في أن تحل محل السلع التي سوف يقومون بإنتاجها‪ ،‬وفرصة المنتجين‬ ‫اآلخرين الذين ينتجون نفس السلعة في أن يكونوا أكثر منهم كفاءة ‪.‬‬ ‫ويحاول المستثمرون عند اتخاذ قرار االستثمار أن يتوقعوا الظروف االقتصادية العامة‬ ‫التي سوف تحيط بمشروعهم‪ ،‬وما إذا كان االقتصاد القومي مقبل على فترة طويلة من‬ ‫الرخاء تحقق أملهم في الربح‪ ،‬أم أنه مقبل على حالة كساد ال يدركون فيها إال الخسارة‪.‬‬ ‫ولما كانت اإلحصاءات والبيانات ال توصل إلى تنبؤ دقيق بالمستقبل‪ ،‬فإن اتخاذ قرار‬ ‫االستثمار يتوقف في النهاية على الشعور النفسي للمنتجين‪ ،‬ومدى تفاؤلهم أو تشاؤمهم‪.‬‬ ‫فتفاؤل المستثمرين يعطى صورة زاهية للمستقبل تدفعهم إلى اإلقبال على االستثمار‬ ‫الجديد‪ ،‬وتشاؤمهم يعطي صورة قاتمة عن المستقبل تردهم عن االستثمار الجديد ‪.‬‬ ‫وليس لنا أن نبحث عن العوامل النفسية التي تؤثر على المستثمرين فتجعلهم متفائلين أو‬ ‫متشائمين‪ .‬وإنما علينا أن نعرف أن الوسائل الدقيقة التي تمكن من حساب الغالت‬ ‫المنتظرة غالبا ً ما ال تتوافر أمام المنظمين الذين يتأثرون في تقديرهم لتلك الغالت بعوامل‬ ‫مختلفة أهمها العوامل النفسية‪.‬‬ ‫ويمكن للدولة أن تتدخل بالمشروعات العامة لتعويض النقص في حجم االستثمارات‬ ‫الخاصة في أوقات الكساد‪ ،‬حتى يمكن المحافظة على الحجم الكلي لالستثمارات‪ .‬وتستطيع‬ ‫الدولة أن تقلل من استثماراتها في أوقات الرخاء‪ ،‬تفاديا لحدوث االرتفاع في األسعار‪.‬‬ ‫وكلما كان القطاع العام في الدولة كبيرا ً كلما أمكنها التدخل للمحافظة على ثبات مستوى‬ ‫االستثمار القومي ‪.‬‬ ‫ويدخل في حساب الحكومة عند قيامها باالستثمار العائد المادي والعائد غير المادي من‬ ‫المنافع المستقبلة‪ .‬فالمنافع غير المباشرة التي يحققها المشروع قد تجعله مشروعا ً ناجحا‬ ‫من الناحية االجتماعية ولو كان العائد االقتصادي محدودا أو معدوما‪ .‬ومن أمثلة المنافع‬ ‫غير المباشرة التي تحققها الحكومة من القيام بالمشروعات العامة‪ ،‬زيادة التوظف‪،‬‬ ‫وزيادة إنتاج السلع والخدمات الضرورية لزيادة الطلب على السلع االستهالكية‪ ،‬وهى‬


‫زيادة تحدث نتيجة لزيادة دخول العمال باستخدام عدد منهم في المشروع االستثماري ‪.‬‬ ‫ويمكن للدولة أن تتدخل للتأثير على حجم االستثمار الخاص عن طريق تخفيض سعر‬ ‫الفائدة‪ ،‬فانخفاض سعر الفائدة يؤدى إلى زيادة الطلب على أوجه االستثمار في األصول‬ ‫المختلفة‪ .‬ويمكن التأثير على االستثمار الخاص عن طريق نشر التوقعات التفاؤلية بين‬ ‫المنتجين عن الظروف االقتصادية العامة في المستقبل ‪.‬‬ ‫والشك أن للحوافز المالية التي تقررها الدولة لالستثمار الجديدة آثارا إيجابية في مجال‬ ‫زيادة القاعدة االستثمارية‪ .‬فإعانات التجهيز واإلعفاءات الضريبية تدفع أصحاب رؤوس‬ ‫األموال إلى استثمارها في المشروعات المعانة أو المعفاة لتوقع زيادة األرباح الصافية‬ ‫لهذا المشروعات‪.‬‬ ‫د )أثر زيادة االستثمار على الدخل القومي ‪:‬‬ ‫تؤدى زيادة االستثمار بمقدار معين إلى زيادة في الدخل القومي بمقدار أكبر من مقدار‬ ‫الزيادة في االستثمارات ‪.‬‬ ‫ويزداد الدخل القومي بدرجة أكبر من الزيادة األصلية في االستثمار ألن االستثمار‬ ‫اإلضافي يؤدى إلى توزيع دخول جديدة على المشتركين فيه من عمال‪ ،‬وأصحاب أموال‬ ‫ومنظمين‪ .‬وهذه الدخول الجديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية‪.‬‬ ‫ويتوقف مقدار هذا الجزء على درجة الميل الحدى لالستهالك‪ ،‬وزيادة الطلب على السلع‬ ‫االستهالكية‪ ،‬يؤدى إلى التوسع في إنتاج هذه السلع‪ ،‬والتوسع في اإلنتاج يؤدى إلى‬ ‫توزيع دخول جديدة يخصص جزء منها لإلنفاق على السلع االستهالكية حسب درجة الميل‬ ‫الحدي لالستهالك‪ ،‬فيزداد الطلب على السلع االستهالكية من جديد …وهكذا‪ ،‬إلى أن تصل‬ ‫إلى المرحلة التي يتالشى فيها المبلغ المخصص لالستهالك نتيجة لتناقصه في كل مرة‬ ‫عن المرة السابقة‪ ،‬فاإلنفاق االستثماري األول ال يقتصر أثره على قيمته وإنما يتعداها إلى‬ ‫سلسلة من الزيادة في الدخل واإلنفاق ‪.‬‬ ‫ويعبر عن المعامل العددي الذي يوضح مقدار الزيادة في الدخل نتيجة الزيادة في‬ ‫االستثمار بمضاعف االستثمار‪ ،‬فإذا زاد االستثمار بمقدار (‪ )10‬ماليين جنيه‪ ،‬وزاد الدخل‬ ‫القومي نتيجة لذلك بمقدار (‪ )30‬مليون جنيه فإن مضاعف االستثمار في هذه الحالة‬ ‫يساوى‪(3).‬‬


‫المحاضرة الثامنة‬ ‫أوال ً ‪ :‬العوامل اإلنتاجية‬ ‫تتنوع عوامل اإلنتاج فهناك عامل األرض‪ ،‬والعمل ورأس المال والتنظيم‪ .‬وأن كان البعض‬ ‫ينتقد هذا التقسيم الرباعي لعوامل اإلنتاج‪ .‬وذلك لألسباب التالية ‪:‬‬ ‫;‪&Ucirc‬عدم التجانس في كل عامل من عوامل اإلنتاج‪ ،‬فالعمل ليس نوعا ً واحداً‪،‬‬ ‫واألرض ليست على درجة واحدة من الخصوبة‪ ،‬ورأس المال ال يتضمن نوعا ً واحدا ً من‬ ‫اآلالت واألدوات ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬صعوبة التفرقة بين األرض ورأس المال ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬عدم وجود فارق جوهرى بين العمل والتنظيم ‪.‬‬ ‫ويضم الفقه الحديث األرض إلى رأس المال‪ .‬وهكذا يكون تقسيم عوامل اإلنتاج ثالثيا ً‬ ‫(العمل –رأس المال –التنظيم) وقد أضيف العامل األخير إلبراز أهمية دور المنظم في‬ ‫العملية اإلنتاجية ‪.‬‬ ‫أوال ً ‪ :‬العمل ‪:‬‬ ‫أ )المقصود بالعمل كعامل إنتاجي‪:‬‬ ‫يقصد بالعمل في هذا المقام العمل اإلنساني الذي يمثل جهدا بشريا عضليا أو ذهنيا فال‬ ‫يدخل فيه عمل اآلالت‪ .‬ويتوقف دور العمل في اإلنتاج على حجم األيدى العاملة وعلى‬ ‫كفاية العمال في اإلنتاج ‪.‬‬ ‫ب )عالقة العمل بالسكان ‪:‬‬


‫يشهد العالم زيادة مضطردة في عدد السكان‪ ،‬وتدل إحصاءات السكان على زيادة عددهم‬ ‫في مختلف أرجاء العالم مع تفاوت في معدالت الزيادة من دولة إلى أخرى وفي الدولة‬ ‫الواحدة من وقت إلى وقت آخر حسب معدالت الزيادة الطبيعية وحركات الهجرة ‪.‬‬ ‫وترجع الزيادة في عدد السكان إلى زيادة معدل المواليد من ناحية ونقص معدل الوفيات‬ ‫من ناحية أخرى‪ .‬فالفرق بين معدل المواليد ومعدل الوفيات يمثل معدل الزيادة الطبيعية‬ ‫في السكان‪.‬‬ ‫ومعدل المواليد هو عدد المواليد بالنسبة لكل ألف من السكان في العام الواحد‪ .‬ويختلف‬ ‫هذا المعدل في البالد الزراعية عنه في البالد الصناعية‪ ،‬فهو مرتفع في األولى ومنخفض‬ ‫في الثانية الختالف بينهما في الظروف االجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فأدني معدل للمواليد‬ ‫يوجد في أوروبا الغربية‪ ،‬فقد أخذ هذا المعدل ينخفض انخفاضا سريعا في القرن الماضي‬ ‫(العشرين) ألسباب أهمها‪ :‬الرغبة في تحديد النسل للتمكن من تربية األبناء تربية ممتازة‬ ‫تمكنهم من الحصول على مراكز عالية مع االحتفاظ بثروة كبيرة‪ .‬كما أن زيادة فترة‬ ‫التعليم اإلجباري‪ ،‬ووضع قيود قانونية على تشغيل األحداث نمى لدى بعض األوروبيين‬ ‫فكرة تحديد النسل خاصة بعد التوصل إلى أساليب طبية تمكن من ذلك ‪.‬‬ ‫أما معدل الوفيات فهو عبارة عن عدد الوفيات لكل ألف من السكان في العام الواحد‪.‬‬ ‫ويختلف هذا المعدل في البالد النامية عنه في البالد المتقدمة خصوصا ً بالنسبة لألطفال‬ ‫فهو مرتفع في األولى عنه في الثانية ‪.‬‬ ‫ومازالت مشكلة السكان من المشكالت التي يهتم بها الكتاب في الشرق والغرب على حد‬ ‫سواء ‪.‬‬ ‫وإذا كان حجم القوة العاملة يتوقف بصفة أساسية على عدد السكان‪ ،‬إال أن بنيان السكان‬ ‫له أهمية ال تنكر في هذا المجال ‪.‬‬ ‫فبنيان السكان من حيث السن له أثر واضح في تحديد حجم القوة العاملة إذا علمنا أن‬ ‫األطفال والشيوخ ال يساهمون بنصيب يذكر في عمليات اإلنتاج ‪.‬‬ ‫وبنيان السكان من حيث الجنس له أيضا ً أثره في تحديد القوة العاملة خاصة في البالد‬ ‫التي تقيد قوانينها أو عاداتها االجتماعية مساهمة المرآة في النشاط االقتصادي ‪.‬‬ ‫ج )النظريات السكانية بشأن الزيادة السكانية‪:‬‬ ‫ينظر بعض الكتاب إلى مسألة زيادة السكان نظرة تشاؤمية‪ ،‬بينما ينظر بعضهم اآلخر إلى‬ ‫هذه الزيادة نظرة تفاؤلية‪ .‬فمن يعتبر من الكتاب أن السكان نتيجة للظواهر االقتصادية‬ ‫ينظر إلى المسألة نظرة تشاؤمية‪ ،‬ومن يعتبر منهم أن السكان هم سبب الظاهرة‬ ‫االقتصادية فينظر إلى المسألة نظرة تفاؤلية‪.‬‬ ‫)‪1‬النظريات التشاؤمية ‪:‬‬ ‫يعد مالتس أهم من نظر للزيادة السكانية نظرة تشاؤمية ‪.‬‬ ‫وتقوم نظرية مالتس التشاؤمية على الفروض اآلتية ‪:‬‬ ‫;‪&Ucirc‬أن عدد السكان محدود بما يمكن إنتاجه من مواد غذائية الزمة للحياة ‪.‬‬


‫;‪&Ucirc‬أن العوامل التي تضمن التوازن بين عدد السكان والمواد الغذائية قد تكون‬ ‫عوامل ايجابية كاألوبئة والمجاعات والحروب ‪ ،‬كما قد تكون عوامل وقائية تتمثل في‬ ‫التعفف وضبط النفس والزواج المتأخر‪ .‬ويرفض مالتس استخدام الموانع الصناعية التي‬ ‫تحول دون النسل بعد الزواج باعتبارها موانع تحط من قيمة البشرية ‪.‬‬ ‫ويرى مالتس أن نسبة تزايد السكان أكبر من نسبة تزايد المواد الغذائية‪ .‬فالسكان‬ ‫يتزايدون بمتوالية هندسية‪ ،‬بينما تتزايد المواد الغذائية بمتوالية عددية أو حسابية‪ ،‬وهذا‬ ‫من شأنه إظهار وجه الخطورة في مشكلة السكان التخاذ اإلجراءات التي تحد من زيادة‬ ‫عدد السكان ليبقى عند حد التوازن مع المواد الغذائية تجنبا لعوامل الفتك التي تسلطها‬ ‫الطبيعة على البشر للمحافظة على هذا التوازن ‪.‬‬ ‫وتشمل الموانع الوقائية لتعدى حجم السكان للحدود الغذائية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى‬ ‫انخفاض معدل المواليد‪ ،‬وهى تنطوي على وسائل مشروعة كتأجيل الزواج مع المحافظة‬ ‫على العفة‪ ،‬وعلى وسائل غير مشروعة كالتخلص من قابلية إنجاب األطفال أو اإلجهاض‬ ‫أو منع الحمل ‪.‬‬ ‫وتشمل الموانع اإليجابية كل ما من شأنه أن يؤدى إلى زيادة الوفيات كالحروب واألوبئة‬ ‫والمجاعات‪.‬‬ ‫وإذا كانت الزيادة في الجنس البشرى تسير وفقا ً لقانون طبيعي يتمثل في القدر المتوافر‬ ‫من المواد الغذائية فعلي الحكومات أن تمتنع عن تشجيع النسل حتى ال تتسلط علينا‬ ‫عوامل التوازن الطبيعي الجبري‪ .‬والوسيلة في نظر مالتس لزيادة عدد السكان هي زيادة‬ ‫مواد الطعام ‪.‬‬ ‫ويرد مالتس قصور المواد الغذائية عن مالحقة الزيادة السكانية إلى خضوع الزراعة‬ ‫لقانون الغلة المتناقصة‪ .‬فزيادة عدد العمال الذي يعملون على نفس المساحة من األرض‬ ‫يؤدى إلى نقص إنتاجية العمال الذين يزيدون على العدد األمثل الستغالل هذه المساحة‪.‬‬ ‫وزراعة األرض األقل خصوبة تحت تأثير الطلب المتزايد على مواد الغذاء بسبب زيادة‬ ‫السكان يؤدى أيضا ً على نقص اإلنتاجية ‪.‬‬ ‫وتعرضت نظرية مالتس النتقادات أهمها ‪:‬‬ ‫;‪&Ucirc‬أراد مالتس أن يرجع بؤس الطبقات العمالية في بداية القرن التاسع عشر إلى‬ ‫سوء تصرف الطبقة العاملة‪ ،‬وليس إلى النظام الرأسمالي الحر واستغالل الرأسماليين‬ ‫للعمال لذلك وجدت النظرية التقليدية بغيتها في فكر مالتس‪ .‬فقد نصح أنصار هذه النظرية‬ ‫بالتزام العائق األدبي الذي نادي به مالتس إلنقاذ التقدم االقتصادي من خطر الزيادة في‬ ‫عدد السكان وقد ذهبوا إلى حد القول بأن زيادة األجور ال تؤدى إلى زيادة السكان وزيادة‬ ‫عرض العمل‪ ،‬وعودة األجور إلى مستواها المنخفض ‪.‬‬ ‫;‪&Ucirc‬كذب واقع التطور االقتصادي تنبؤات مالتس‪ .‬فتطور فنون اإلنتاج أدى إلى الحد‬ ‫من انخفاض اإلنتاج الزراعي بحيث ظل كافيا لالحتفاظ بمستوى المعيشة عند مستوى‬ ‫مرتفع‪ ،‬كما أن التقدم الصناعي ساعد على ارتفاع مستوى المعيشة‪ .‬والعالقة بين المواد‬


‫الغذائية وبين عدد األوالد اتجه إلى عكس ما فترضه مالتس‪ ،‬فالعائالت الكبيرة أكثر‬ ‫شيوعا في األوساط الفقيرة عنها في األوساط الغنية ‪.‬‬ ‫)‪2‬النظرية التفاؤلية في السكان ‪:‬‬ ‫أما النظرية التفاؤلية في السكان فتذهب إلى أن السكان هم سبب الظواهر االقتصادية وقوة‬ ‫الملوك واألمراء تتوقف على زيادة عدد السكان ودرجة رخائهم‪ .‬فبعد أن اختفت هذه‬ ‫النظرية التفاؤلية في السكان فترة من الزمان عادة مرة أخرى للظهور في نهاية القرن‬ ‫التاسع عشر نظرا ً لما صاحب زيادة عدد السكان في أوروبا من ارتفاع في مستوى‬ ‫المعيشة بالتقدم في الزراعة وازدهار الصناعة وتطور وسائل المواصالت‪ .‬فالتقدم في‬ ‫الزراعة أدى إلى إمكان الحصول على كميات أكبر من المحصول بنفس الكمية المستخدمة‬ ‫من العمل ن وازدهار الصناعة أدى إلى استخدام عدد كبير من العمل في هذا لفرع من‬ ‫فروع النشاط االقتصادي‪ ،‬وتطور وسائل المواصالت أدى إلى إمكان زراعة األراضي‬ ‫البعيدة ‪.‬‬ ‫يرى أنصار هذه النظرية (من أهم هؤالء دوركايم –دبريل) أن زيادة عدد السكان تعد أحد‬ ‫العوامل التي تساعد على التخصص وتقسيم العمل ‪ ،‬كما يرون أن الزيادة في السكان‬ ‫تؤدى إلى نشوء حاجات جديدة ‪ ،‬وعجز الفنون اإلنتاجية القائمة عن الوفاء بهذه الحاجات‬ ‫الجديدة يؤدى إلى التجديد واالبتكار واندفاع التقدم الصناعى واالجتماعى إلى األمام‪،‬‬ ‫واالبتكار والتجديد هما مهمة الشباب ‪.‬‬ ‫ويرى بعض أنصار النظرية التفاؤلية أن نقص السكان سبب من أسباب التدهور العام‬ ‫وتخلف الفن اإلنتاجي ‪ ،‬حيث يلجأ األفراد إلى االنطواء وعدم التجديد لكفاية الطرق‬ ‫القديمة للوفاء باحتياجاتهم ‪ .‬وقد ال تكون المشكلة في زيادة السكان بقدر ما هي في سوء‬ ‫توزيعهم على مستوى العالم ‪ ،‬والتقدم العلمي والفني يمكن أن يجعل من الزيادة السكانية‬ ‫عنصرا فاعالً في ازدهار النشاط االقتصادي وتعميم الرخاء المادى ‪.‬‬ ‫د )كفاءة العمل في اإلنتاج ‪:‬‬ ‫تعتبر الكفاءة اإلنتاجية للعمل مؤشرا هاما يستند إليه واضعو السياسة االقتصادية عند‬ ‫بحث قوة العمل في الدولة ‪ .‬وتعتمد هذه الكفاءة على عدة عوامل أهمها (‪ )1‬مقدار الجهد‬ ‫المبذول (‪ )2‬وتوجيه العمال في إختيار أعمالهم (‪ )3‬وتعليم العمال وتدريبهم (‪ )4‬والتنظيم‬ ‫الفني للعمل (‪ )5‬ودرجة تقسيم العمل (‪ )6‬والفن اإلنتاجي المستخدم ‪.‬‬ ‫ثانيا ً ‪ :‬رأس المال‪:‬‬ ‫أ )مفهوم رأس المال ‪:‬‬ ‫‪1‬المفهوم القانوني ‪:‬‬‫رأس المال في العرف القانوني هو مجموعة الحقوق التي تكون لشخص على مجموعة‬ ‫من األموال كحق الدائنية أو حق الملكية أو حق المساهم في شركة المساهمة فكل مساهم‬


‫يملك جزءا ً من رأس المال وجزءا ً من األرباح ‪ .‬ويتضح من ذلك أن رأس المال القانوني‬ ‫يستمد وجوده من تنظيم قانوني يسمح بقيام الحقوق على األموال بطريق مباشر أو‬ ‫بطريق غير مباشر‪ .‬ويسمح رأس المال القانوني لصاحبه الحصول على دخل بدول عمل ‪.‬‬ ‫‪2‬المفهوم المحاسبي ‪:‬‬‫ورأس المال في العرف المحاسبى هو مجموع القيم النقدية ألصول المشروع مطروحا ً‬ ‫منها حقوق الغير على هذه األصول ‪.‬‬ ‫‪3‬المفهوم الفني أو االقتصادي ‪:‬‬‫أما رأس المال في العرف االقتصادي فهو عبارة عن مجموعة األموال المادية التي‬ ‫تستخدم في اإلنتاج لزيادة إنتاجية العمل اإلنساني ‪ ،‬أو هي الثروة التي تستخدم في إنتاج‬ ‫سلع أخرى‪ .‬ويعبر عن هذه الثروة بمجموع السلع الموجودة في المجتمع في لحظة‬ ‫معينة ‪.‬‬ ‫ويعبر عادة عن رأس المال االقتصادي برأس المال العينى أو الفنى‪ .‬وفكرة رأس المال‬ ‫الفنى فكرة عامة تعرفها جميع النظم االقتصادية‪ .‬أما رأس المال القانوني فيعترف به‬ ‫لألفراد في النظم التي تقر حق الملكية الفردية للموارد اإلنتاجية ‪ ،‬بينما يعترف به‬ ‫للجماعة في النظام االشتراكى ‪.‬‬ ‫ب )التفرقة بين رأس المال واألرض‪:‬‬ ‫والرأي الراجح في الفكر االقتصادي الحديث يضم األرض إلى رأس المال باعتبار أن‬ ‫األرض سلعة رأسمالية تعطى منافع على فترات متعددة فمن الصعب في نظرهم التفرقة‬ ‫بين األرض ورأس المال وهو ما يتحقق كذلك في رأس المال ‪.‬‬ ‫وذلك على خالف الرأي األخر الذي يفرق بينهما ‪ ،‬وهى فروق يمكن إبرازها والرد عليها‬ ‫على النحو التالي ‪:-‬‬ ‫‪1‬فالقول بأن األرض هبة من هبات الطبيعة ورأس المال من صنع اإلنسان قول مردود‬‫بأن هذا الفارق بين األرض ورأس المال ليس فارقا ً خاصة وأن الكثير من األراضي أعدها‬ ‫اإلنسان لإلنتاج بما أدخله عليها من تحسينات وإصالحات‪ ،‬كما أن اإلنسان يحتفظ‬ ‫بخصوبة األراضي التي لم يستصلحها بمخصبات ساهم في إنتاجها ‪.‬‬ ‫‪2‬والقول بأن األراضي محدودة ورأس المال يمكن زيادته قول مردود بأن جميع الموارد‬‫االقتصادية محدودة في عالقتها بحاجات اإلنسان المتعددة‪.‬‬ ‫‪3‬وقانون تناقص الغلة يسرى في مجال الصناعة كما يسرى في مجال الزراعة إذا‬‫تحققت شروط انطباقه ‪.‬‬ ‫‪4‬من جهة أخرى‪ ،‬يفرق بعض الكتاب بين األرض ورأس المال على أساس أن األرض ال‬‫تبلي باالستعمال بينما تبلى السلع الرأسمالية باالستعمال‪ .‬وهذا القول صحيح إلى حد ما‪.‬‬ ‫فقوة األرض تتجدد باستمرار بتنظيم استغاللها‪ ،‬بينما تبلى السلع الرأسمالية الثابتة مهما‬ ‫نظمت طريقة استعمالها ومهما أجرى عليها من عمليات صيانة وترميم‪ .‬ومع ذلك يمكن‬


‫القول بأن هناك المناجم‪ ،‬وهى تعد أرضا ً في الفكر االقتصادي ‪ ،‬تبلى باالستعمال حيث تنفذ‬ ‫محتويات المنجم في وقت من األوقات ‪.‬‬ ‫ج )أنواع رأس المال‬ ‫ينقسم رأس المال إلى رأس مال ثابت ورأس مال متداول‪ .‬ورأس المال الثابت هو أموال‬ ‫اإلنتاج التي ال تفني باستخدامها مرة واحدة في العملية اإلنتاجية كالمناجم واآلالت‬ ‫واألدوات ‪.‬‬ ‫أما رأس المال المتداول فهو أموال اإلنتاج التي تفنى باستخدامها مرة واحدة في اإلنتاج‬ ‫كالمواد الخام والسلع نصف المصنوعة والسلع الوسيطة ‪.‬‬ ‫وترجع التفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول إلى آدم سميث حيث عرف‬ ‫رأس المال الثابت بأنه رأس المال الذي يعطى دخالً بخروجه من الذمة المالية لصاحبه‪.‬‬ ‫فالماشية التي تخصص الستغالل األرض الزراعية تعتبر من عناصر رأس المال الثابت ‪،‬‬ ‫بينما تعتبر الماشية التي تباع في األسواق من رأس المال المتداول‪ .‬وهذا المعيار وإن‬ ‫صلح أساسا ً إلجراء تفرقه قانونية بين العقار بالتخصص وبين المنقول فإنه ال يصلح‬ ‫إلجراء تفرقة بين رأس المال الثابت ورأس المال المتداول ‪.‬‬ ‫لذلك يعتمد التحليل االقتصادي الحديث على معايير فنية ذات طابع اقتصادي للتفرقة بين‬ ‫رأس المال الثابت ورأس المال المتداول‪ .‬فرأس المال الثابت يستخدم في اإلنتاج عدة‬ ‫مرات لفترة طويلة من الزمن كاآلالت والمبانى‪ .‬أما رأس المال المتداول فيفنى باستخدامه‬ ‫في اإلنتاج مرة واحدة كالخدمات والوقود ‪.‬‬ ‫وتظهر أهمية التفرقة بين رأس المال الثابت وراس المال المتداول عند حساب نفقة‬ ‫اإلنتاج‪ .‬فالقيمة اإلجمالية لرأس المال المتداول تدخل بكاملها عند حساب هذه النفقة‪ ،‬بينما‬ ‫ال يدخل فيها إال جزء من قيمة رأس المال الثابت يقدر على أساس المدة التي يتوقع بقاء‬ ‫األصل خاللها في اإلنتاج‪ .‬وهذا الجزء يعرف بقسط استهالك رأس المال الثابت ‪.‬‬ ‫ويفرق ماركس بين رأس المال الثابت و رأس المال المتغير‪ .‬فهو يرى أن رأس المال‬ ‫الثابت يمثل المبالغ التي تنفق لشراء األرض والمباني واآلالت والمواد األولية وينقسم إلى‬ ‫رأس مال ثابت مستمر مثل اآلالت والسلع نصف المصنوعة‪ .‬أما رأس المال المتغير فهو‬ ‫القيمة النقدية لقوى العمل التي يستخدمها الرأسمالي في اإلنتاج أي األجور ‪.‬‬ ‫د )تكوين رأس المال‪:‬‬ ‫يعد رأس المال ركيزة أساسية لزيادة اإلنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التقدم‬ ‫االقتصادي ‪ .‬فقوة األمم في العصر الحديث تقاس بما لديها من إمكانيات إنتاجية وقد أدت‬ ‫االختراعات التي تعقد طرق اإلنتاج واالستغناء عن الطرق البدائية ‪ .‬فالصناعة في الدول‬ ‫المتقدمة تقوم على جهاز إنتاجي متطور يعتمد بصفة أساسية على اآلالت الكبيرة ‪.‬‬ ‫و رأس المال عبارة عن سلع ينتجها األفراد وال يقومون باستهالكها مباشرة ‪ ،‬بل‬ ‫يحتفظون بها الستخدامها في إنتاج مزيد من السلع ‪.‬‬ ‫ولو أن األفراد الذين يقومون بإنتاج السلع االستهالكية يستهلكون كل ما ينتجون لما أمكن‬


‫ألفراد آخرين أن يتخصصوا في إنتاج السلع اإلنتاجية حيث ال يتبقى لهم من سلع‬ ‫االستهالك ما يشبع حاجاتهم المباشرة ‪.‬‬ ‫ومن ذلك يتضح أن تكوين رأس المال يتطلب اإلمتناع عن استهالك جزء من اإلنتاج‬ ‫وتحويله إلى أصول رأسمالية ‪ ،‬فالدخل القومي ينقسم إلى قسمين ‪ :‬قسم يوجه إلى‬ ‫االستهالك وقسم يضاف إلى رأس المال الثابت والمتداول واالدخار هو مصدر رأس المال‪.‬‬ ‫فاالدخار القومي هو الجزء الذي لم يستهلك من الدخل القومي‪ ،‬واالدخار الفردى هو‬ ‫الجزء الذي لم يستهلك من دخل الفرد ‪.‬‬ ‫واالدخار القومي يتكون من ‪ :‬ادخار القطاع العائلي ‪ +‬ادخار القطاع الحكومى ‪ +‬ادخار‬ ‫قطاع األعمال ‪.‬‬ ‫وهو يساوى الدخل القومي –االستهالك القومي‪.‬‬ ‫ه )دور الدولة في تكوين االدخار‪:‬‬ ‫قد يكون االدخار اختياريا يقوم به األفراد من تلقاء أنفسهم‪ ،‬وقد يكون إجباريا تقوم به‬ ‫الدولة ومؤسساتها العامة ‪ .‬وقد زادت أهمية االدخار اإلجباري في الوقت الحاضر بعد‬ ‫تعدد وظائف الدولة واتساع نشاطها في الحياة االستهالكية واالجتماعية‪ .‬ويمكن للدولة‬ ‫باعتبارها السلطة العامة أن تحقق ادخارا إجباريا بعدة طرق منها ‪:‬‬ ‫‪1‬فائض الميزانية واألرباح المحجوزة‪:‬‬‫ويمثل فائض الميزانية العامة الفرق بين اإليرادات العامة والنفقات العامة ‪ .‬فزيادة حصيلة‬ ‫اإليرادات العامة عما يلزم لتغطية النفقات العامة الجارية يؤدى إلى وجود فائض ‪ .‬وهذا‬ ‫الفائض يعد ادخارا إجباريا‪ .‬أما األرباح المحجوزة فهى األرباح التي تقرر المشروعات‬ ‫العامة عدم توزيعها في صورة دخول لألفراد‪ .‬وهذا البند من أهم مصادر تمويل‬ ‫االستثمارات في الدول التي يحتل فيها القطاع العام أهمية متزايدة ‪.‬‬ ‫‪2‬إعادة توزيع الدخل‪:‬‬‫تمثل الطبقة الغنية أهم مصدر لالدخار النخفاض ميلها لالستهالك ولذلك تزداد المدخرات‬ ‫في حالة وجود طبقة غنية تتحكم في جزء كبير من الدخل القومي ‪ ،‬وتعمل الدولة في‬ ‫العصر الحديث على إعادة توزيع الدخل لصالح الطبقات الفقيرة عن طريق الضرائب‬ ‫التصاعدية ‪ .‬وتعتبر الضرائب التصاعدية صورة من صور االدخار اإلجبارى ‪.‬‬ ‫‪3‬االقتطاع من دخول األفراد‪:‬‬‫يمكن للدولة أن تجبر األفراد على ادخار جزء من دخولهم بحملهم على تقليل االستهالك‬ ‫وتلجأ الدولة في ذلك إلى عدة طريق منها‪ :‬اقتطاع جزء من الدخول الدورية للعاملين في‬ ‫صورة أقساط تأمين أو لدفع معاشات لهم في المستقبل وإصدار قروض عامة تحيطها‬ ‫الدولة بإجراءات تجبر المواطنين على االكتتاب فيها ‪ ،‬وفرض الضرائب المباشرة وغير‬ ‫المباشرة واإلصدار النقدى الجديد الذي يؤدى إلى رفع األسعار فتنخفض القوة الشرائية‬ ‫للنقود وينخفض الدخل الحقيقى لألفراد بمقدار الزيادة في األسعار ‪.‬‬


‫‪4‬تشجيع االدخار االختياري‪:‬‬‫وتتدخل الدولة في تكوين االدخار بتشجيع المواطنين عليه وذلك بتطوير األوعية‬ ‫االدخارية واألجهزة المصرفية ‪ ،‬ورفع سعر الفائدة ‪.‬‬ ‫ويختلف تكوين رأس المال في الدول االشتراكية عنه في الدول الرأسمالية ‪ .‬ففي الدول‬ ‫االشتراكية يخضع حجم التكوين الرأسمالي ‪ ،‬كما يخضع توزيعه بين الفروع المختلفة‬ ‫للنشاط االقتصادي ‪ ،‬لقرارات السلطة المركزية للتخطيط‪ .‬ويعتبر االدخار العام هو المصدر‬ ‫الرئيسي لتمويل االستثمارات ‪ .‬وتتمثل أهم مصادر التمويل في الدول االشتراكية في ادخار‬ ‫الميزانية ‪ ،‬وادخار المؤسسات العامة والمزارع الجماعية ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬المنظم‪:‬‬ ‫أضاف مارشال إلى عوامل اإلنتاج التقليدية عامال رابعا هو التنظيم ‪ .‬ويتولي مسئولية‬ ‫تنظيم اإلنتاج شخص طبيعى أو معنوى يعرف بالمنظم ‪ .‬وتتمثل جوهر وظيفة المنظم في‬ ‫التوفيق بين عناصر اإلنتاج في ضوء التنبؤات التي يجريها عن اتجاهات الطلب على‬ ‫منتجاته متحمال كل المخاطر التي ترتب على هذه التنبؤات ‪.‬‬ ‫فالمنظم ‪Entrepreneur‬إذن هو الشخص الذي يقوم بتنظيم عوامل اإلنتاج (‬ ‫األرض –األيدى العاملة –رأس المال ) وذلك إلنتاج السلع والخدمات ‪ .‬وهو يقوم بهذا‬ ‫العمل عادة توقعا لحجم الطلب وقدرا من الربح ‪ .‬فالمنظم مفهوم اساسى في علم االقتصاد‬ ‫السياسى لكونه الشخص الذي يخطط ويتحمل المخاطر ‪ .‬ويعتقد كثيرون من علماء‬ ‫االقتصاد السياسى أنه يشكل عامال رابعا في اإلنتاج يسمى المؤسسة أو‬ ‫المشروع ‪Enterprise‬وهو عامل ال تقوم أي فاعليه للعوامل الثالثة األخرى‬ ‫(األرض –األيدى العاملة –رأس المال) من غير وجوده ‪.‬‬ ‫هذا ‪ ،‬ويثير المنظم كعامل من عوامل اإلنتاج مشكالت عديدة نذكر منها‬ ‫)‪1‬كيفية التأليف بين عوامل اإلنتاج المختلفة‪ ،‬وما يرتبط بها من مسألة قوانين الغلة‬ ‫(الناتج الكلي –الناتج الحدي –الناتج المتوسط ‪).‬‬ ‫)‪2‬ما يحققه اإلنتاج من وفورات سواء كانت وفورات خارجية أو وفورات داخلية ‪.‬‬ ‫)‪3‬الشكل القانوني المختار للمشروع أو للمنشأة ‪ .‬ومشكلة االختيار بين المنشأة الفردية‬ ‫وأشكال شركات األشخاص (شركات التضامن –شركات التوصية البسيطة) وأشكال‬ ‫شركات األموال (شركات المساهمة –شركات التوصية باألسهم –الشركات ذات‬ ‫المسئولية المحدودة ‪) .‬‬ ‫)‪4‬كما تثير المشروعات مشكلة االختيار بين المشروع العام والمشروع الخاص ‪ .‬أو‬ ‫بعبارة أخرى االختيار بين النظام الرأسمالي وسيادة القطاع الخاص ‪ ،‬والنظام االشتراكي‬ ‫وسيادة القطاع العام‪ .‬مع األخذ في اإلعتبار ما يسمي بالمشروعات التعاونية سواء في‬ ‫المجال الزراعي أو اإلنتاجي أو االستهالكي وأشكال أخرى من التعاونيات ‪.‬‬ ‫)‪5‬وأخيرا ً ‪ ،‬يظهر شكل آخر من األشكال القانونية للمشروع أو للمنظم وهو شكل‬ ‫التعاونيات سواء كانت زراعية أو إنتاجية أو استهالكية أو تعمل في أي قطاع آخر ‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.