ثم ابتكر البنك أسلوباً جديداً فريداً آخر لتسديد هذه الديون بمنح الفالحين قروضاً جديدة لتسديد القروض القديمة ،وبفوائد ربوية أعلى ومصاريف أخرى وتأمينات ،فأثقل كاهل الفالح الذي وجد أبواب السجون أمامه ،والحجز على أرضه ومواشيه خلفه ،فبيعت أراضي وحيوانات بثمن بخس")0.( . هكذا يتحول الرفض األخالقي والديني للربا إلى فهم عميق ومعاصر للتأثيرات الكارثية للفوائد البنكية على الفالحين الصغار والمتوسطين وتصبح جاذبية الخطاب اإلخواني لهؤالء ليست مجرد جاذبية األفكار األخالقية المحافظة بل جاذبية من يفهم معاناتهم الواقعية حتى إن لم يكن يقدم أي بدائل عملية تحررهم من قيود النظام المالي الرأسمالي الحديث. وال مثال الثالث واألخير الذي يقدمه الباحث هو ما يحدث عند اقتراض دول العالم الثالث الفقيرة من الدول الصناعية الكبرى ومؤسساتها المالية:
" وكانت بعض المؤسسات المالية والدول الدائنة تؤجل سداد الدين األصلي في حين تحصل الفائدة على هذا الدين ،وعندما تصل بعض الدول إلى حافة اإلفالس فإن هذه المؤسسات تقرضها لتمكينها من سداد متأخراتها من فوائد الدين القديمة؛ حتى تتجنب اإلعسار المؤقت ،ومن ثم فإن القروض الجديدة تستخدم لسداد خدمات ديون قديمة ،وليس لسداد الدين األصلي ،وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى سرعة استيالء الدائنين الدوليين على الدين الجديد ،ويبقي الدول المدينة في حال من االستغالل الدائم يعرض قرارها السياسي للتأثيرات والضغوط الخارجية ،ويمنع هذه الدول من إتباع سياسة قومية مستقلة")01(. إذن نحن أمام خطاب ال يكتفي بالعودة إلى القرآن والسنة إلثبات أن الربا بكافة أشكالها حرام بل يوضح كيف يؤدي النظام االئتماني الرأسمالي الحديث إلى إفقار دول العالم الثالث وإفقادهم لالستقالل ،وتشريد الفالحين المتوسطين والصغار تحت وطأة الديون وفوائدها الباهظة ،وإفالس المشاريع الصغيرة وهيمنة الشركات االحتكارية الكبرى. لكن في المقابل ال يطرح هذا الخطاب ضرورة إلغاء ديون العالم الثالث أو رفض تسديدها، وال إلغاء ديون الفالحين وإقراضهم دون فوائد ،وال يطرح تصوراً بديالً لنظام مالي يمنع 58