دوماً في الغالب األكثر عدداً .ولم يرد ذكر هذه المساكن إطالقاً في الحوليات التاريخية وال في الوثائق المحفوظة ،كما التوجد منها أي آثار أو بقايا تساعدنا على التحقق منها وتحديد تواريخها ..ومع ذلك من السهل تصور أنها مساكن ضيقة بنيت بمواد كيفما أتفق كائنة في أطراف األحياء القديمة من القاهرة ،ومن المحتمل أن عدد سكان األحواش كبيراً وليس هناك وثائق تؤكد العدد الحقيقي لهؤالء السكان السيما في القرن التاسع عشر . ً إجماال العشة بناء فقير مقام بمواد هشة ال يتصف بصفة الديمومة العشش ..وهو مصطلح مختلف عليه بقدر كبير ،ولكنأو اإلستمراية ،فهو دائماً هو وساكنه في حال مؤقتة من الوجود وحتى وإن طال بهما الزمن ،وتشير تجمعات تلك العشش إلى ما يسميه البعض ( بالعشوائية ) ـ مع تحفظنا على ذلك المسمى ومدلوالته السلبية ـ ؛ وعلى عكس األحواش فإن تلك األحياء تقع دوماً خارج المدينة وال تنصهر في نسيجها العمراني ،وهي غير محددة النمو أو األتجاهات بل يحكمها الموقف اآلني واألحداث والظروف وقد تمتد لعدة هكتارات وتضم بضعة آالف من السكان .ونما هذا النسق من السكن في القاهرة بكثافة في نهاية القرن التاسع عشر ،وتحديدا في سنة 1891أحصت مصلحة الصحة ـ التي كانت تعني عن قرب ببؤر إنتشار األوبئة ـ بحوالي 16200عشة في القاهرة ،ويعد هذا العدد مرتفعاً حسب كثافة هذا النسق السكني علماً بأن تعداد سكانها بعد بضع سنوات قليلة حسب تقديرات جان لوك أرنو كان 120ألف ساكن ( كان سكان القاهرة عندئذ حوالي 480 ألف ساكن ) ،أي أن ربع سكان القاهرة كانوا يقيمون حينئذ في عشش ،كما أن المساحة التي تشغلها هذه المساكن كبيرة وتشغل حوالي %10من مساحة القاهرة العمرانية ( كانت مساحة القاهرة وضواحيها على ضفتي النيل حوالي 1500هكتار ،بينما كانت مساحة أحياء العشش 146هكتاراً حسب قياس جان لوك أرنو ) ؛ وال يمكن بالطبع أال تكون مساحة بهذا الحجم غير ملحوظة أو أال يسمح تفرقها في المدينة رسم طوبوغرافيا للفقر وإدراك البنية السكانية للقاهرة حينئذ . ويبين تعداد سنة 1897السكان الذين ليس لديهم محل سكن ثابت ( الطبقة األفقر في المجتمع ) وكذلك سكان األحواش والعشش الذين يشكلون وحدات إدارية فقط ؛ ولذا فإن عدد العشش التي أحصيت آنذاك 2500 عشة أي سدس العدد الذي قدمته مصلحة الصحة قبل بضع سنوات ؛ ويدل الفرق بين الرقمين على أن العشش متجمعة في بعض األحياء ،إال إنها كذلك كانت منتشرة ومشتتة بحيث عددها ال يشكل وحدات إدارية مستقلة ومحددة ،منتشرة في مجموعات تحتل األراضي المهجورة والخرابات .وإذا كان تواجد أراضي فضاء هو الذي يقرر إقامة العشش خارج المدينة ،فإن قيام نشاطات صناعية يشكل هو أيضاً دافعاً إلنتشارها داخل األحياء بأعتباره جاذباً للهجرة ،ومنها بوالق حيث أدى نمو النشاط الصناعي خالل القرن التاسع عشر إلى طلب على اليد العاملة الرخيصة ،فنشأت بالتالي مجموعات كبيرة من العشش .وضمت بوالق ثلثي سكان القاهرة من تلك المجموعات ،األشد فقراً في المدينة حينئذ ،وبه أيضاً أكبر األحواش ونسبة كبيرة من األفراد الذين ليس لهم مقر ثابت ،وعليه ووفقاً لبيانات التعداد فإنه يمكن أعتبار أن ظروف سكن ربع أو خمس سكان هذا الحي سيئة ( ، )9وعموماً أغلب العشش كانت متجمعة في مناطق :بوالق والسيدة زينب ومصر القديمة ضمن نسيج العمران القديم جنوب المدينة وغربها ..ومع أن هذا النسق ليس ظاهرة جديدة في القاهرة ،إال إنه شهد نمواً كبيراً بدءاً من منتصف القرن التاسع عشر ،فتوسع هذه األحياء في مصر القديمة ً أوال وبعدها في بوالق يكشف عن النزوع المتزايد لطرد السكان األفقر نحو أطراف المدينة ..وعلى عكس المحظوظين من النخب دائماً والطبقات المتوسطة المتوالدة ال يملك السكان األكثر فقراً حرية أختيار مساكنهم إذ يتعين عليهم أن يضعوا في األعتبار وسائل النقل ،وعليه تنتشر العشش على مقربة مباشرة من مصادر العمل المتاحة بفعل قوى الطرد والجذب المحركة للمجتمع . 14