Madarat Estratiegyya (No. 3, March-June 2010)

Page 1

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪1‬‬


‫ا�سرتاتيجية‬ ‫الأفكار وال�سيا�سات واال�سرتاتيجيات املعا�صرة‬ ‫ت�صدر كل �شهرين عن «مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية»‬ ‫ال�سنة الأوىل‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو ‪2010‬‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫‪director@shebacss.com‬‬

‫مدير التحرير‬

‫حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫نائب مدير التحرير‬

‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫‪saqqaf@shebacss.com‬‬

‫املراجعة اللغوية‬

‫حممد حم�سن علوان‬

‫‪mohammed-al@shebacss.com‬‬

‫اال�شرتاكات‪:‬‬

‫ال�سنة الواحدة (�ستة �أعداد) �شاملة �أجرة الربيد‪:‬‬ ‫داخل اجلمهورية اليمنية‪ 6000 :‬ريال للأفراد‪ 12000 ،‬ريال للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫الدول العربية‪ 50 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 90 ،‬دوالر ًا للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫بقية دول العامل‪ 70 :‬دوالر ًا للأفراد‪ 120 ،‬دوالر للم�ؤ�س�سات‪.‬‬ ‫ير�سل طلب اال�شرتاك �إىل عنوان املجلة مع حوالة م�صرفية �أو �شيك‬ ‫ُم�صدّق بقيمة اال�شرتاك لأمر مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ولال�ستف�سار ميكن التوا�صل عرب الربيد الإلكرتوين‪:‬‬ ‫‪subscription@shebacss.com‬‬

‫ثمن الن�سخة‪:‬‬

‫اليمن ‪ 300‬ريال‪ ،‬ال�سعودية ‪ 20‬ريا ًال‪ ،‬الإمارات العربية املتحدة ‪ 20‬درهم ًا‪،‬‬ ‫الكويت ‪ 2‬دينار‪ ،‬مملكة البحرين ‪ 1.5‬دينار‪ ،‬قطر ‪ 20‬ريا ً‬ ‫ال‪� ،‬سلطنة عمان ‪1.5‬‬ ‫ريال‪ ،‬العراق ‪ 2500‬دينار‪ ،‬لبنان ‪ 4000‬لرية‪� ،‬سورية ‪ 200‬لرية‪ ،‬الأردن ‪ 2.5‬دينار‪،‬‬ ‫فل�سطني ‪ 5‬دوالر‪ ،‬م�صر ‪ 10‬جنيهات‪ ،‬ال�سودان ‪ 4‬جنيهات‪ ،‬ليبيا ‪ 2‬دينار‪ ،‬اجلزائر‬ ‫‪ 300‬دينار‪ ،‬تون�س ‪ 5‬دينار‪ ،‬املغرب ‪ 20‬درهم ًا‪ ،‬موريتانيا ‪� 300‬أوقية‪.‬‬ ‫‪Austria, France, Germany, and Italy: € 6, United‬‬

‫الت�صميم والإخراج الفني‬

‫‪Kingdom £ 3, USA $ 5‬‬

‫حممد عبدالرحمن الذبحاين‬ ‫‪m_aldbhani@shebacss.com‬‬

‫�سكرتارية املجلة‬

‫�أ�سماء حممد �إبراهيم‬

‫ُعب بال�ضرورة‬ ‫ُعب املقاالت املن�شورة عن �آراء كتّابها‪ ،‬وال ت رِّ‬ ‫ت رِّ‬ ‫عن ر�أي «مدارات ا�سرتاتيجية» �أو مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫جميع احلقوق حمفوظة ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫‪asma@shebacss.com‬‬

‫جملة مدارات ا�سرتاتيجية‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫�ص‪ .‬ب‪ 16822 .‬هاتف‪ +967 1 677466 :‬فاك�س‪+967 1 677466 :‬‬ ‫�صنعاء – اجلمهورية اليمنية‬ ‫الربيد الإلكرتوين‪madarat@shebacss.com :‬‬

‫‪ÊhεdE’G ™bƒŸG GƒëØ°üJ‬‬ ‫‪á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôŸ‬‬ ‫‪m‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪o‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪c‬‬ ‫‪2010‬‬

‫‪.‬‬

‫‪s‬‬

‫‪s‬‬

‫‪c‬‬

‫‪a‬‬

‫‪b‬‬

‫‪e‬‬

‫‪h‬‬

‫‪s‬‬

‫‪madaratistrategyya@yahoo.com‬‬ ‫املوقع على الإنرتنت‪www.shebacss.com/madarat :‬‬

‫‪.‬‬

‫‪w‬‬

‫‪w‬‬

‫‪w‬‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪3‬‬


‫فـي هذا العـدد‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪� -‬شباط‪/‬فرباير‬

‫‪06‬‬

‫نظرة على ‪shebacss.com‬‬

‫‪08‬‬

‫�إفتتاحية‬ ‫لن�ساعد �أنف�سنا �أو ًال‬ ‫رئي�س التحرير‬

‫‪2010‬‬

‫‪86‬‬

‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‪:‬ي�ستك�ش���ف حمم���د �سيف حيدر ونيكول �سرتاكه احلراك اجلنوبي يف اليمن‪ ،‬عرب ا�ستعرا�ض مكوناته وبحث عوامل قوته و�ضعفه‬ ‫ومقاربة املبادرات احلكومية والإقليمية حللحلة الو�ضع يف اجلنوب؛ ويو�ضح �أ�شرف حممد ك�شك عواقب عدم ا�ستقرار اليمن على الأمن‬ ‫الإقليم���ي اخلليج���ي‪� ،‬أما ج‪� .‬إِ‪ .‬بيرت�س���ون فيقارب تاريخ التوقعات غري املحققة يف عالقات اليم���ن بالواليات املتحدة‪ ،‬يف حني يبحث‬ ‫عاي�ش علي عوا�س يف م�صري املعتقلني اليمنيني يف �سجن غوانتانامو‪ .‬ال�صفحات ‪35 - 10‬‬ ‫وجه��ات نظ��ر‪ :‬يحاول عبدالباقي �شم�سان يف مقاله «عند تخوم البطركية» تو�ضيح الأ�سباب التي ما زالت تعوق عملية ا�ستنبات وتوطني‬ ‫القيم واملبادئ الدميقراطية يف الن�سق القيمي للمجتمع اليمني‪ ،‬ويبحث �أحمد �أحمد مطهر يف البدائل املتاحة �أمام اليمن لتجاوز حتديات ما‬ ‫بع���د ن�ض���وب النفط‪ ،‬يف حني يقدم مقال «اليمن واملنطقة والع���امل‪ :‬ت�صورات امل�صالح الإقليمية والدولية» خال�صة لقاء العمل الذي‬ ‫نظم���ه مرك���ز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية باال�ش�ت�راك مع برنامج منتدى اليمن باملعهد امللكي لل�ش�ؤون الدولي���ة (�شاتام هاو�س)‪ ،‬يف ‪ 6‬ني�سان‪/‬‬ ‫�أبريل ‪ .2010‬ال�صفحات ‪55 - 36‬‬ ‫تفاع�لات اليمن والعامل يف ‪ 60‬يوم��اً‪� :‬شهرا كان���ون الثاين‪/‬يناير و�شباط‪/‬فرباير‬ ‫‪ .2010‬ال�صفحات ‪61 - 56‬‬ ‫ال حتى‬ ‫ع�ين على اليمن‪:‬يو�ضح مانويل �أمليدا ملاذا ال ي�ستطيع اليمن االنتظار طوي ً‬ ‫يح�ص���ل على ع�ضوية جمل�س التعاون اخلليج���ي؛ ويبني �أحمد عبدامللك كيف حتولت‬ ‫العمالة اليمنية �إىل رهان يف اخلليج؛ وجتادل �سارة توبل ب�أن م�ساعدة اليمن للواليات‬ ‫املتح���دة يف مواجه���ة تنظيم القاعدة‪ ،‬ميك���ن �أن ت�ؤدي �إىل نتائج عك�سي���ة؛ �أما مايكل‬ ‫هورت���ون فيحذر من �إدمان اليمن اخلطِ ر على الق���ات؛ وعرب ر�سالة من �صنعاء ير�سم‬ ‫جيم����س م‪ .‬دور�سي �صورة للعالق���ة بني احلوكمة والأمن يف اليم���ن؛ و�أخري ًا ينبّه وليم‬ ‫الم�ِب�رِ ز ب�أن �أزمة اجلوع يف اليمن قد تُ�شكِّل تهديداً لأمن �أمريكا القومي‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل �أحدث املن�شورات حول اليمن يف «بني غالفني»‪ ..‬ال�صفحات ‪72 - 62‬‬

‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫‪4‬‬

‫‪74‬‬

‫نتائج م�ضطربة ونفق �ضيق‪:‬‬ ‫العراق و�آفاق ما بعد االنتخابات الت�شريعية‬ ‫ناظم اجلا�سور‬

‫‪78‬‬

‫ظل املر�شد الأعلى‪:‬‬ ‫ال�صراع على م�سقبل �إيران من بوابة «والية الفقيه»‬ ‫بوزيدي يحيى‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪90‬‬

‫فو�ضى يف مقدي�شو‪:‬‬ ‫ديناميات ال�صراع ال�صومايل‪ ،‬وتداعياته‪ ،‬وفر�ص حلحلته‬ ‫عطيه عي�سوي‬ ‫الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية‪:‬‬ ‫حمددات التحول ودوائر احلركة‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم‬

‫املحــور‬ ‫‪96‬‬

‫بــذور الإرهــاب‪:‬‬ ‫�أنظمة التعليم والراديكالية الإ�سالمية يف اليمن‬ ‫رات�شل ول�ش‬

‫جيوبوليتيك‬ ‫‪110‬‬

‫‪116‬‬

‫‪122‬‬

‫ممرات ال�شيطان‪:‬‬ ‫خطوط التقاء التهريب والنفط والإرهاب‬ ‫يف اليمن واجلزائر وو�سط �آ�سيا‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫هاج�س املالذ الآمن‪ :‬احلركات اجلهادية و�أهمية املكان‬ ‫�سكوت �ستيوارت‬ ‫جيبوتي ال�صغرية‪ :‬ملاذا يحوم حولها الكبار؟‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫يف ب�ؤرة االهتمام‬ ‫‪128‬‬

‫�أدمغة �صهيون املقاتلة‪:‬‬ ‫حتقيق �أوّيل حول م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف‬ ‫�إ�سرائيل‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫احلرب الهجينة‪:‬‬ ‫تطور �أ�ساليب حرب الع�صابات واحلرب‬ ‫الثورية يف الع�صر الرقمي‬ ‫ريا�ض قهوجي‬ ‫اخلروج من م�أزق «تنمية ال�ضياع»‬ ‫علي خليفة الكواري‬

‫‪134‬‬

‫‪138‬‬

‫مدار الأفكار‬ ‫بو�ضوح‪� :‬أن تكون م�سلماً «متييزياً»!‬ ‫حوار مع �سعدالدين العثماين‬ ‫�سجال‪� :‬إيران‪ :‬ظاملة �أم مظلومة؟‬ ‫علي ح�سني باكري وعبدالغني املاوري‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �آراء‬ ‫توازن مفقود‪:‬‬ ‫اخلليج العربي والبعد الثقايف كقوة م�ؤثرة‬ ‫يف حتديد امل�صالح‬ ‫�سالم الرب�ضي‬ ‫جدلية الإ�سالم والدميقراطية‪:‬‬ ‫هل جتاوزها الإ�سالميون؟‬ ‫نبيل البكريي‬

‫‪148‬‬

‫‪153‬‬

‫‪162‬‬

‫‪166‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫مراجعــات‪� :‬أمريكا والطريق �إىل‬ ‫«الدميقراطية الإ�سالمية»‬ ‫نوح ِفلدمان ‪ /‬م‪� .‬س‪ .‬ح‬ ‫عرو�ض موجزة‬

‫�أفق‬

‫«امل�ؤمتر الإ�سالمي» على �أعتاب عهد جديد‬ ‫�أكمل الدين �إح�سان �أوغلي‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪172‬‬

‫‪175‬‬ ‫‪178‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪5‬‬


‫‪shebacss.com‬‬

‫نظرة على‬

‫�ألق نظرة على �إ�صداراتنا‬ ‫ي�صدر مركز �سب�أ للدرا�سات‬ ‫الإ�سرتاتيجية �أربع �سال�سل‬ ‫درا�سات حمكمة باللغتني‬ ‫العربية واالجنليزية تعنى‬ ‫بال�ش�ؤون الإ�سرتاتيجية‬ ‫وال�سيا�سية واالقت�صادية‬ ‫واالجتماعية‪ ،‬وتركز هذه‬ ‫ال�سال�سل ب�شكل �أ�سا�سي على‬ ‫اليمن‪ ،‬وجمالها احليوي‬ ‫الذي ي�ضم الدول املطلة‬ ‫على البحر الأحمر ودول‬ ‫اخلليج (دول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليجي‪ ،‬و�إيران‪ ،‬والعراق)‬ ‫ومنطقة ال�شرق الأو�سط‬ ‫و�شمال �أفريقيا‪ ،‬والالعبني‬ ‫الدوليني الرئي�سيني‪ .‬كما‬ ‫يندرج حتت هذا الت�صنيف‬

‫يف �أيامنا هذه �أ�صبح العاملان الواقعي واالفرتا�ضي متداخالن �إىل‬ ‫حد ال ميكن ف�صلهما عن بع�ضهما البع�ض‪ .‬هذه احلقيقة جتعل ل�شبكة‬ ‫املعلومات الدولية (الإنرتنت) �سحر ًا وجاذبية ال تقاوم‪ ،‬كونها �إحدى نوافذ‬ ‫�إ�شهار الذات‪ ،‬الفردية �أو امل�ؤ�س�سية‪ .‬ولهذا‪ ،‬فقد �أولينا يف مركز �سب�أ للدرا�سات‬ ‫اال�سرتاتيجية �أهمية فائقة للتوا�صل التفاعلي مع رواد العامل االفرتا�ضي‪ ،‬و�إتاحة‬ ‫منتجاتنا الفكرية والتحليلية للجميع داخل اليمن وخارجه‪ ،‬وباللغتني العربية‬ ‫والإجنليزية‪ .‬وعو�ض ًا عن كونه يتيح لنا وللمهتمني بالعمل البحثي يف اليمن‬ ‫وخارجه‪ ،‬التوا�صل والتفاعل البناء‪ ،‬ف�إننا نعمل دوم ًا على تطوير موقعنا الإلكرتوين‬ ‫بحيث يكون واجهة معربة عن ن�شاطاتنا الهادفة �إىل «رفد ال�سيا�سة باملعرفة»‪،‬‬ ‫وبحيث يكون دوم ًا مفعم ًا باحليوية والتجديد‪� ،‬شك ًال وم�ضمون ًا‪.‬‬

‫على �أع�ضاء هيئتنا اال�ست�شارية‬

‫تت�شكل الهيئة اال�ست�شارية ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية من جمموعة �أكادمييني وخرباء معروفني‪ ،‬وهي ال تعك�س خربات من خمتلف‬ ‫احلقول فح�سب بل �أي�ض ًا متثل تنوع ًا من الناحيتني اجلغرافية والثقافية‪ .‬وللتعرف �أكرث على الأ�سماء املرموقة (الواردة يف العمود ي�سار‬ ‫ال�صفحة)‪ ،‬والتي ت�ض ّمها قائمة الهيئة اال�ست�شارية للمركز و�سريها الذاتية‪ ،‬وحقول تخ�ص�صاتها املعرفية والأكادميية‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط‬ ‫التايل‪www.shebacss.com/ar/advisors.php?id=31 :‬‬

‫تابـع �آخر م�ستجدات الأو�ضاع يف اليمن واملنطقة �أو ً‬ ‫ال ب�أول‬ ‫عرب بوابة «املركز الإعالمي»‬ ‫بغر�ض تزويد مت�صفحي وم�شرتكي املوقع الإلكرتوين للمركز بكل امل�ستجدات اخلربية والإعالمية‪ ،‬مت تخ�صي�ص هذه النافذة (التي تكاد‬ ‫تكون موقع ًا م�ستق ًال بذاته) ملتابعة �آخر الأخبار يف ال�صحافة وو�سائل الإعالم �أو ًال ب�أول‪ ،‬وعر�ضها على املوقع على مدار ال�ساعة باللغتني‬ ‫العربية والإجنليزية كما وردت من م�صادرها‪ .‬وغايتنا هي متكني مرتادي املوقع من معاي�شة احلدث ومتابعة تطوراته خالل خمتلف‬ ‫مراحله‪ ،‬ومن ر�ؤى ومنطلقات متعددة‪ .‬ويجري اختيار الأخبار والتقارير بعناية وحرفية من م�صادر متعددة �ضمن �آلية للمتابعة اليومية لكل‬ ‫من‪ :‬وكاالت الأنباء العربية والعاملية‪� ،‬أهم ال�صحف العربية والأجنبية‪ ،‬مواقع �إخبارية متخ�ص�صة‪ ،‬وغريها من امل�صادر‪.‬‬ ‫للإطالع على حمتويات املركز الإعالمي املتجددة‪ُ ،‬قم بزيارة الرابط التايل‪www.shebacss.com/ar/news.php :‬‬

‫�شاركنا �آراءك حول �أهم التطورات اجلارية يف اليمن واملنطقة‬

‫يت�ضمن موقعنا على �صفحته الرئي�سية نافذة جانبية با�سم «ا�ستفتاء»‪ ،‬وحتوي ا�ستطالع ر�أي حي وتفاعلي حول �أهم الق�ضايا وامل�ستجدات‬ ‫على ال�ساحة اليمنية والإقليمية‪ .‬والهدف هو �إتاحة الفر�صة ملت�صفحي موقعنا وزواره للإدالء ب�آرائهم ووجهات نظرهم حول ق�ضايا خمتلفة‬ ‫بكل �شفافية‪ .‬ولعل من املفيد التذكري ب�أن هذه اال�ستطالعات تتغري ب�شكل دوري وفق تطورات الأو�ضاع‪ ،‬بحيث تغطي تباع ًا �أبرز الق�ضايا‬ ‫املطروحة واملثرية للجدل‪.‬‬

‫اطّ لع على �أن�شطتنا وفعالياتنا احلالية وامل�ستقبلية‬ ‫يوفر املوقع الإلكرتوين ملركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية لزواره وللمهتمني بن�شاطاته وفعالياته‪ ،‬نافذة متخ�ص�صة مبتابعة و�إبراز الفعاليات‬ ‫والأن�شطة التي ينظمها املركز �أو ينوي تنظيمها م�ستقب ًال وفق خطته البحثية‪ .‬وت�شمل هذه الأن�شطة والفعاليات‪ :‬امل�ؤمترات الإقليمية والدولية‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل الندوات وور�ش العمل وحلقات النقا�ش واالجتماعات املختلفة والتي ينظم بع�ضها بالتعاون مع �أبرز مراكز الأبحاث العربية‬ ‫والعاملية‪ ،‬ناهيك عن املحا�ضرات العامة التي يلقيها خرباء مينيني وعرب و�أجانب يف �شتى املجاالت والتخ�ص�صات‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫يتيح موقع املركز لزواره‬ ‫ومت�صفحيه جملة «مدارات‬ ‫ا�سرتاتيجية» مع �إمكانية حتميلها‬ ‫جمان ًا‪� ،‬سواء ب�شكل مفرد (�أي كل‬ ‫مقال على حدة)‪� ،‬أو تنزيل �أعداد‬ ‫املجلة كاملة‪.‬‬

‫�سال�سل الدرا�سات‬

‫‪shebacss.com‬‬

‫تعرَّف‬

‫مدارات ا�سرتاتيجية‬

‫الهيئة اال�ست�شارية‬ ‫�أنو�ش �إحت�شامي (�إيران‪/‬بريطانيا)‬ ‫�إبراهيم �سيف (الأردن)‬ ‫�إن�صاف عبده قا�سم مر�شد (اليمن)‬ ‫باقر النجار (البحرين)‬ ‫جرد نونيمان (اململكة املتحدة)‬ ‫ِ‬ ‫جالل فقرية (اليمن)‬ ‫ح�سني علي حممد (ال�صومال)‬ ‫خلدون النقيب (الكويت)‬ ‫ر�ضوان ال�سيد (لبنان)‬ ‫(عمان)‬ ‫�سامل بن تبوك ُ‬ ‫�شوكت �أ�شتي (لبنان)‬ ‫عبد الغفار فرح (ال�صومال)‬ ‫عبداخلالق عبداهلل (الإمارات)‬ ‫عمرو حمزاوي (م�صر)‬ ‫فائزة بن حديد (اجلزائر)‬ ‫لبنى امل�سيبلي (اليمن)‬ ‫مارينا �أوتاوي (الواليات املتحدة)‬ ‫حمجوب الزويري (الأردن)‬ ‫حممد �أحمد الزعبي (�سورية‪�/‬أملانيا)‬ ‫حممد الأفندي (اليمن)‬ ‫حممد احلاوري (اليمن)‬ ‫حممد �صالح قرعه (اليمن)‬ ‫حممد عبد ال�سالم (م�صر)‬ ‫حممد الرميحي (الكويت)‬ ‫ملحم �شا�ؤول (لبنان)‬

‫�سل�سلتني �أخريني‪،‬‬ ‫هما‪� :‬سل�سلة �أوراق‬ ‫بحثية‪ ،‬وهي‬ ‫�سل�سلة �أوراق‬ ‫غري دورية وغري‬ ‫حمكمة‪ ،‬تتناول‬ ‫بالتحليل والتقومي‬ ‫ق�ضايا ال�ساعة‬ ‫ذات الطابع‬ ‫الهام‪ ،‬مبا من �ش�أنه تقدمي‬ ‫ر�ؤية �أو�سع ل�صناع القرار‬ ‫واملهتمني من الأكادمييني‬ ‫والباحثني‪ .‬وكذلك �سل�سلة‬ ‫ر�سائل جامعية‪ ،‬التي‬ ‫تهتم بن�شر ر�سائل املاج�ستري‬ ‫و�أطروحات الدكتورة‬ ‫اجلامعية املتميزة يف‬

‫حتليالت �سيا�سية‬

‫املجاالت‬ ‫التي تقع �ضمن اهتمامات‬ ‫املركز‪ ،‬بهدف خلق‬ ‫تراكم علمي ومعريف لدى‬ ‫املخت�صني واملهتمني بهذه‬ ‫املجاالت‪ ،‬و�إتاحة الفر�صة‬ ‫ل�صناع القرار والنخب‬ ‫العلمية والثقافية يف املجتمع‬ ‫لال�ستفادة من نتائجها‪.‬‬

‫تت�ضمن هذه النافذة حتليالت‬ ‫مكثفة يقدمها باحثو املركز حول حدث‬ ‫�سيا�سي حايل الفت �أو ق�ضية جديرة‬ ‫باالنتباه‪ ،‬ومن املحتمل �أن يكون لها‬ ‫ت�ضمينات �إ�سرتاتيجية‬ ‫على املديني املتو�سط �أو البعيد‪.‬‬

‫الكــتــب‬

‫توفر هذه النافذة �إطاللة عامة‬ ‫على الكتب التي ين�شرها مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪� ،‬سواء باللغة‬ ‫العربية �أو الإجنليزية‪ ،‬يف املجاالت‬ ‫املختلفة ال�سيا�سية والإ�سرتاتيجية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬وبع�ض هذه‬ ‫الكتب متاح بالكامل‬ ‫للتنزيل املجاين‪.‬‬

‫خمتارات من جديد موقعنا‬

‫�أخبار وحتليالت ووجهات نظر‬

‫■ اقر�أ تغطية مكثفة للم�ؤمتر البحثي الذي ّ‬ ‫نظمه مركز �سب�أ للدرا�سات‬

‫اال�سرتاتيجية على مدار يومي ‪� 18-17‬أيار‪/‬مايو‪ ،‬والذي حمل عنوان‪« :‬اليمن‬ ‫‪ :2010‬ال�سيا�سة واملجتمع»‪( .‬التغطية الإعالمية لأن�شطة املركز وفعالياته‬ ‫املختلفة متوفرة يف نافذة «ت�صريحات و�أخبار»)‬ ‫■ ما مدى قوة احلراك اجلنوبي يف اليمن؟ وما هي �أهدافه؟ وما هي‬ ‫املبادرات التي طُ رِحت وميكن لها �أن حت ّل هذه امل�شكلة؟ حتليل م�شرتك‬

‫�أعده كل من‪ :‬الباحث يف املركز حممد �سيف حيدر‪ ،‬والباحثة نيكول �سرتاكه‬ ‫من مركز اخلليج للأبحاث بدبي (ورقة بحثية متاحة على «واجهة ال�صفحة‬

‫■ كيف ميكن التعامل مع م�شكلة البطالة يف العامل العربي‪ ،‬وما هي‬ ‫�أهم التحديات التي تثريها هذه املع�ضلة بالن�سبة للحكومات واملجتمعات‬ ‫العربية‪ ،‬وما ال�سبل الناجعة لتجاوزها؟ مقاربة اقت�صادية لق�ضية مهمة‬ ‫تقوم بها الباحثة يف وحدة الدرا�سات االقت�صادية �أروى �أحمد البعداين (ورقة‬ ‫متاحة يف نافذة «حتت املجهر»)‪.‬‬ ‫■ اقر�أ خال�صة لقاء العمل الذي نظمه املركز باال�شرتاك مع برنامج منتدى‬ ‫اليمن باملعهد امللكي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام هاو�س)‪ ،‬يف ‪ 6‬ني�سان‪�/‬أبريل‬ ‫‪ .2010‬والذي يحمل عنوان «اليمن واملنطقة والعامل‪ :‬ت�صورات امل�صالح‬

‫الرئي�سية» للموقع باللغتني العربية والإجنليزية‪ ،‬كما جتد ن�سخة منقحة منها‬ ‫من�شورة يف هذا العدد من «مدارات ا�سرتاتيجية»)‪.‬‬

‫الإقليمية والدولية» (ا�ستخال�ص متوفر على «واجهة ال�صفحة الرئي�سية»‬ ‫للموقع باللغتني العربية والإجنليزية‪ ،‬كما جتد ن�سخة منقحة منه �ضمن‬ ‫مقاالت هذا العدد من «مدارات ا�سرتاتيجية»)‬

‫■ اطلع على �أحدث �إ�صداراتنا �ضمن �سل�سلة درا�سات اجتماعية‪ ،‬درا�سة‬ ‫محُ كّمة بعنوان «الآلية ال�شرعية ملكافحة الف�ساد» للباحث حممد غالب‬ ‫ال�شرعبي‪( .‬متوفرة مع �إمكانية حتميلها جمان ًا يف �صفحة‪ :‬املطبوعات‪/‬‬

‫■ ما حقيقة املوقف الأمريكي من م�س�ألة ان�ضمام اليمن ملجل�س التعاون‬

‫�سال�سل الدرا�سات‪�/‬سل�سلة درا�سات اجتماعية)‬

‫ت�صويت‬ ‫تفاعلي‬

‫اخلليجي؟هذا ما يحاول تو�ضيحه الباحث يف وحدة الدرا�سات اال�سرتاتيجية‬ ‫عاي�ش علي عوا�س (حتليل متوفر يف نافذة «حتليالت �سيا�سية»)‪.‬‬

‫�شاركنا بر�أيك على ‪ shebacss.com‬بالت�صويت على �أحدث اال�ستفتاءات التفاعلية‪:‬‬ ‫«هل تتوقع �أن ت�صل ال�سلطة واملعار�ضة يف اليمن �إىل اتفاق حول انتخابات ني�سان‪�/‬أبريل ‪2011‬؟»‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪7‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫رئي�س التحرير‬

‫�إفتتاحيـة‬ ‫‪8‬‬

‫�سيا�سات وا�سرتاتيجيات و�أفكار‬

‫لن�ساعد �أنف�سنا �أو ًال‬ ‫يواك���ب �إ�ص���دار ه���ذا الع���دد احتف���االت اليم���ن واليمني�ي�ن‬ ‫بالذك���رى الع�شرين لوحدتهم‪ ،‬والتي – كم���ا يعرف اجلميع ‪ -‬مل تتحقق‬ ‫ب�ي�ن ليل���ة و�ضحاها بل متخّ �ضت بعد والدة ع�سرية‪ ،‬ويف ظ���روف جيو�سيا�سية �إقليمية وعاملية غاية‬ ‫يف التعقي���د‪ ،‬وكان حتققها �أ�شبه م���ا يكون مبعجزة بحق‪ .‬ومن ينظر �إىل ما م�ضى من زمن‪ ،‬يتواله‬ ‫�شع���ور ب�أن وحدة اليمن قد تعهدته���ا عناية ال�سماء باعتبارها كائن���ة يف �ضمائر اليمنيني جميعاً‪،‬‬ ‫�ش���اء من �ش���اء وكره من كره‪ .‬غري �أن ه���ذا ال يعني بحال �أن الو�ضع بات الي���وم على ما يرام‪ ،‬و�أن‬ ‫الوحدة لن تواجه حتديات �صعبة ومزعجة حتاول �أن تنال من قيمتها ومعانيها ال�سامية‪ ،‬فنحن يف‬ ‫ع���امل الدولة القومية وما بعدها مطالبون ب�أن نتح���رك وفق مفاهيم وذهنيات جديدة؛ فال وحدة‬ ‫قومية من دون روابط جمعوية ي�شرتك فيها جميع �أبناء الوطن الواحد‪ ،‬وي�أتي يف مقدمتها روابط‬ ‫املواطنة املت�ساوية‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪ ،‬وخ�ضوع اجلميع بال ا�ستثناء ل�سلطة القانون‪.‬‬ ‫وبالنظ���ر �إىل التحدي���ات الت���ي تواجهها اليم���ن حالياً‪ ،‬فقد ت�سن���ى يل م�ؤخر ًا ح�ض���ور عدد من‬ ‫االجتماع���ات الت���ي ناق�شت ه���ذه التحديات مبختل���ف ت�شعباته���ا ورهاناتها‪ ،‬وترك���زت كلها حول‬ ‫�أو�ض���اع اليم���ن وكيفية م�ساعدة املجتمع الدويل لليمن للخروج م���ن �أزماته املت�شعبة‪ .‬فقد �شاركت‬ ‫يف فري���ق “�أ�صدق���اء اليمن” (جمموعة العدال���ة وحكم القانون)‪ ،‬وجمعنا كذل���ك لقاء مع املعهد‬ ‫امللك���ي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام هاو�س)‪ ،‬وكذلك مع مركز �إنيغما للتحليل الع�سكري‪ ،‬ومع م�ؤ�س�سة‬ ‫كارنيغي لل�سالم العاملي وغريها‪ ،‬وكل ذلك كان خالل الأ�سابيع القليلة املا�ضية‪.‬‬ ‫ويف جمي���ع هذه اللقاءات كان هناك �إجماع على ت�شخي����ص م�شاكل اليمن امللحة على اختالفها‪.‬‬ ‫وم���ع الإق���رار باحلاجة �إىل تبني منهج متكام���ل ينظر �إىل‪ ،‬ويتناول‪ ،‬م�ش���اكل اليمن ب�شمول وعلى‬ ‫م���دى طوي���ل‪ ،‬ومع موافقة �أطراف ميني���ة ر�سمية وغري ر�سمية على مثل ه���ذا املنهج وعدم النظر‬ ‫�إىل اليم���ن م���ن زاوي���ة الأمن والإرهاب فق���ط‪� ،‬إال �أن ذلك ال مينع من الف�صل م���ا بني هذا املنهج‬ ‫ال�شام���ل الطويل الأجل وب�ي�ن احلاجة العاجلة ملعاجلة بع�ض الق�ضاي���ا ذات الطبيعة امللحة‪ ،‬والتي‬ ‫ت�ستدعي من املجتمع الدويل م�ساعدة اليمن فيها على وجه ال�سرعة‪ ،‬باعتبارها ال حتتمل الت�أجيل‪،‬‬ ‫�أو املعاجلة على املدى الطويل‪.‬‬ ‫وي�أت���ي على ر�أ�س ه���ذه الق�ضايا م�س�ألة تفعي���ل �إدارة الأجهزة احلكومية‪ ،‬وتنمي���ة و�إدارة املوارد‬ ‫املائي���ة‪ ،‬ومعاجلة العجز يف الطاقة الكهربائي���ة‪ ،‬وتعزيز �أمن املواطن‪ ،‬وتخفيف م�ستويات الف�ساد‬ ‫ضال ع���ن �إ�صالح التعليم ب�شكل عام‪ ،‬وب�سط �سلطة وهيبة الدولة‪ .‬و�أخرياً‪ ،‬ولي�س‬ ‫غ�ي�ر امل�سبوقة‪ ،‬ف� ً‬ ‫�آخراً‪ ،‬حظر تعامل القبائل والأفراد ب�شكل مبا�شر‪� ،‬أو غري مبا�شر‪ ،‬مع جهات خارجية الأمر الذي‬ ‫ينعك�س �سلب��� ًا على الدولة و�سيادتها‪ ،‬وي�ضعف ال�سلطة املركزي���ة با�ستقواء هذه الأطراف �سيا�سي ًا‬ ‫ومالي ًا باخلارج‪.‬‬ ‫ل���ذا‪ ،‬يفرت�ض العمل �سريع ًا على م�سارات متعددة‪ :‬ق�صرية وطويلة الأجل مل�ساعدة اليمن للتغلب‬ ‫على م�شاكله و�أزماته‪ ،‬وقبل كل هذا على اليمن �أن يكون راغب ًا وم�ستعد ًا مل�ساعدة نف�سه �أو ًال ليمكن‬ ‫الآخرين من تقدمي امل�ساعدة‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪9‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫احلراك اجلنوبي فـي اليمن‬ ‫املكونات‪ ،‬عوامل ال�ضعف‪ ،‬ومبادرات احلل‬ ‫نيكول �سرتاكه و حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com n.stracke@grc.ae‬‬

‫«الوح���دة �أو املوت» ه���و ال�شعار الذي ُكت���ب �إىل جوار‬ ‫�صورة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح يف �إحدى الالفتات‬ ‫الإعالني���ة الواقع���ة على �ش���ارع ال�سبع�ي�ن بالعا�صمة‬ ‫�صنع���اء‪ .‬وبه���ذا ال�شعار‪ ،‬مل ت�ت�رك الدول���ة لأحدٍ �أي‬ ‫جم���ال لل�شك ب�أن الدفاع عن الوحدة اليمنية ي�أتي يف‬ ‫مقدم���ة الأولويات‪ .‬ويف نف�س الوق���ت‪ ،‬ت�صدر تقارير‬ ‫منتظمة تتحدث عن ح�صول ا�شتباكات بني مواطنني‬ ‫ميني�ي�ن يف اجلنوب والق���وات التابع���ة للدولة‪ ،‬يف كل‬ ‫‪10‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫م���ن حمافظات حلج و�شبوة وال�ضال���ع و�أبني‪ ،‬وهو ما‬ ‫يعط���ي انطباع ًا ب�أن ثمة م�شكلة �أمنية متزايدة ناجتة‬ ‫ع���ن احلراك اجلنوب���ي‪ ،‬مع �إمكانية حت���دي ال�سلطة‬ ‫ضال عن �شرعية وحدة‬ ‫و�شرعية احلكومة يف �صنعاء ف� ً‬ ‫اليمن برمته���ا‪ .‬لكن ما مدى ق���وة احلراك اجلنوبي‬ ‫يف اليم���ن؟ وما هي �أهداف���ه؟ وما هي املبادرات التي‬ ‫طُ رِ حت وميكن لها �أن حت ّل هذه امل�شكلة؟‬ ‫نيك���ول �سرتاك���ه باحث���ة يف ق�س���م الأم���ن والإره���اب مبرك���ز اخللي���ج‬ ‫للأبح���اث‪ ،‬دبي؛ و حممد �سي���ف حيدر باحث مبركز �سب����أ للدرا�سات‬ ‫الإ�سرتاتيجية‪� ،‬صنعاء – اليمن‪.‬‬

‫�إن االحتجاج���ات التي تقوم به���ا اجلماعات اليمنية‬ ‫اجلنوبي���ة املعار�ض���ة �ضد احلكوم���ة املركزية لي�ست‬ ‫ظاه���رة جديدة يف اليم���ن؛ �إذ ب���د�أت االحتجاجات‬ ‫واملظاهرات املُنظّ مة بعد انتهاء حرب ‪ 1994‬الأهلية‪،‬‬ ‫وما زالت م�ستمرة حتى اليوم‪ .‬ففي عام ‪ 1997‬ت�شكلت‬ ‫جلان �شعبي���ة انتقدت ت�صرف���ات احلكومة املركزية‬ ‫ونظ���ام الإدارة املُ ّتب���ع يف جنوب الب�ل�اد‪ .‬ويف كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سمرب ‪ 2003‬ب���د�أ «ملتقى �أبناء املحافظات‬

‫اجلنوبية وال�شرقية» املطالبة بامل�ساواة بني املواطنني‬ ‫اليمنيني يف كلٍّ من ال�شمال واجلنوب‪ ،‬ومنح ال�سلطات‬ ‫والكف‬ ‫املحلية يف اجلن���وب املزيد من ال�صالحيات‪ّ ،‬‬ ‫ع���ن تهمي�ش اجلنوبي�ي�ن يف العملي���ة ال�سيا�سية‪ .‬ويف‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 2006‬بد�أت جمموعة من �ضباط‬ ‫اجلي����ش اجلنوبيني املتقاعدي���ن التجمّع لالحتجاج‪،‬‬ ‫الأم���ر ال���ذي كان مبثاب���ة حج���ر الأ�سا����س «جلمعية‬ ‫الع�سكريني املتقاعدين» التي �أُ�سِّ �ست يف عام ‪.2007‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪11‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫=ويف بحثن���ا مت ّكن���ا من التعرف عل���ى املكونات واملجموع���ات الرئي�سية ولك���ن ن�شاط االحتاد �أخذ يت�سع مع مرور الوقت‪ ،‬وبد�أ ي�أخذ طابع ًا �أكرث‬ ‫املن�ضوي���ة يف احل���راك اجلنوبي‪ ،‬وميكن القول �إن هن���اك ما ال يقل عن ا�ستقاللي���ة من الناحية التنظيمية‪ .‬وين�شط احتاد �شباب اجلنوب حالي ًا‬ ‫�سبع من هذه املجموعات تعمل يف جنوب اليمن‪ ،‬وهي‪:‬‬ ‫يف عدد من املحافظات‪ ،‬ومنها �شبوة و�أبني وحلج وال�ضالع وح�ضرموت؛‬ ‫(‪)1‬‬ ‫ الهيئ���ة الوطنية العلي���ا ال�ستقالل اجلنوب‪ :‬ويقوده���ا العميد املتقاعد وتربطه عالقات بحركة «تاج» يف لندن ‪.‬‬‫نا�صر علي النوبة‪ ،‬وهو الرئي�س ال�سابق جلمعية املتقاعدين الع�سكريني‪ - .‬الهيئ���ة الوطنية للن�ض���ال ال�سلمي اجلنوبي‪ :‬وير�أ�سه���ا الدكتور �صالح‬ ‫وتن�شط هذه املجموعة يف حمافظتي �شبوة‪ ،‬وال�ضالع‪ ،‬ولها ن�شاط �أقل يف يحي���ى �سعي���د‪ ،‬وهو �أ�ست���اذ علم االجتم���اع بجامعة ع���دن‪ .‬وتن�شط هذه‬ ‫املجموعة ب�ش���كل �أ�سا�سي يف مدينة عدن (ال�سيما بني النخب‬ ‫والأكادميي�ي�ن وبع�ض النا�شط�ي�ن ال�سيا�سيني)‪ ،‬ولها وجود يف‬ ‫�أب�ي�ن‪ ،‬وحل���ج‪ ،‬و�شبوة‪ .‬كما �أن لها رواب���ط مبجموعة «تاج» يف‬ ‫لندن‪.‬‬ ‫ جمل����س قي���ادة الث���ورة ال�سلمي���ة‪ :‬وهو حتت قي���ادة ال�شيخ‬‫ط���ارق الف�ضلي‪ .‬كان املجل�س حتى وق���ت قريب ين�شط ب�شكل‬ ‫�أ�سا�س���ي يف حمافظة �أبني وعا�صمتها زجنبار‪ ،‬وكان له وجود‬ ‫ما يف حمافظة �شبوة‪ .‬لكن هذا الف�صيل‪ ،‬الذي �أراده الف�ضلي‬ ‫تنظيم��� ًا جامع ًا لق���وى احلراك اجلنوبي‪� ،‬سرع���ان ما اندمج‬ ‫ب���دوره مطلع العام ‪ 2010‬يف مكونات جمل�س احلراك ال�سلمي‬ ‫لتحرير اجلنوب‪.‬‬ ‫ جمل�س احل���راك ال�سلم���ي لتحرير اجلنوب‪:‬‬‫توحد ق��وى احل��راك اجلنوب��ي يف معار�ضته��ا للحكومة املركزي��ة‪ ،‬واملطالب��ة مبنح‬ ‫بالرغ��م م��ن ّ‬ ‫فر�ص �أُ�س����س هذا الكيان يف �شهر كانون الثاين‪ /‬يناير‬ ‫مت�ساوي��ة لأبن��اء اجلن��وب‪ .‬لكن‪ ،‬فيما ع��دا ذلك‪ ،‬ف�إن اخل�لاف والتفكك بني جمموع��ات احلراك يبدو‬ ‫‪ 2010‬كمظل���ة جامع���ة ملعظم مكون���ات وهيئات‬ ‫وا�ضح ًا يف �إ�سرتاتيجياتها وتكتيكاتها‬ ‫احلراك اجلنوبي‪ ،‬التي �أعلنت اندماجها مُكوّنة‬ ‫ه���ذا املجل����س‪ ،‬وت�ضم قي���ادة جمل����س احلراك‬ ‫حمافظتي �أبني وح�ضرموت‪.‬‬ ‫ال�سلم���ي لتحري���ر اجلن���وب ‪ -‬بح�س���ب بي���ان الت�أ�سي����س ‪ -‬معظ���م قادة‬ ‫ املجل����س الوطن���ي الأعل���ى لتحرير اجلن���وب‪ :‬وهو حتت قي���ادة ح�سن احل���راك‪ ،‬والتي اتفق���ت فيما بينها عل���ى �أن يكون ح�سن باع���وم رئي�س ًا‬‫�أحم���د باعوم (الذي يتلق���ى العالج حالي ًا خارج اليم���ن‪ ،‬وينوب عنه يف للمجل�س‪ ،‬و�أن يكون ال�شيخ طارق الف�ضلي نائب ًا له‪.‬‬ ‫�أداء مهامه‪ :‬حممد �صالح طمّاح)‪ .‬وتن�شط هذه املجموعة يف حمافظتي ويب���دو �أن للمجل����س قن���وات ات�ص���ال مبا�شرة م���ع القي���ادات اجلنوبية‬ ‫ال�ضالع‪ ،‬وحلج‪ ،‬كما �أن لها ح�ضور يف كل من ح�ضرموت‪ ،‬و�أبني‪ .‬وتربط التاريخي���ة املوجودة يف اخل���ارج‪ ،‬ويف مقدمتها علي �سامل البي�ض‪ ،‬الذي‬ ‫املجل����س عالقات بجماعة التجم���ع الدميقراطي اجلنوب���ي (تاج) التي اعتربه بيان الت�أ�سي�س‪« ،‬الرئي�س ال�شرعي لدولة اجلنوب»‪ .‬لكن با�ستثناء‬ ‫تتخذ من لندن مقر ًا لها‪.‬‬ ‫الت�صريح���ات والبيان���ات‪ ،‬م���ا زال املجل����س خام�ل�اً ‪ ،‬وت�أث�ي�ر قيادته يف‬ ‫ حرك���ة الن�ضال ال�سلم���ي اجلنوبي (جناح)‪ :‬ويقوده���ا كل من �صالح ف�صائ���ل احلراك املختلفة حمدوداً‪ .‬وتبق���ى فر�ص �صموده لفرتة طويلة‬‫ال�شنفرة ونا�صر ا ُ‬ ‫خل ّبج���ي‪ ،‬وهما ع�ضوان يف جمل�س النواب اليمني ويف – يف �ضوء التجارب ال�سابقة ‪ -‬حمل �شك‪.‬‬ ‫احلزب اال�شرتاكي اليمن���ي‪ .‬وتعترب هذه املجموعة من �أكرث املجموعات‬ ‫اجلنوبي���ة تنظيماً‪ ،‬و ُتع���وّل يف ن�شاطها ب�شكل كبري عل���ى قواعد‬ ‫احلزب العوامل امل�ساهمة يف �إ�ضعاف احلراك اجلنوبي‬ ‫اال�شرتاكي وكوادره اجلنوبية‪ .‬ويرتكز ن�شاط حركة جناح ب�شكل �أ�سا�سي‬ ‫افتقار احلراك للقيادة املوحدة والتنظيم املركزي‬ ‫يف ال�ضالع وحلج و�أبني‪.‬‬ ‫ احت���اد �شباب اجلنوب‪ :‬وهو بقيادة ف���ادي ح�سن باعوم‪ ،‬الذي حكمت بالرغ���م م���ن توحّ د ق���وى احل���راك اجلنوب���ي يف معار�ضته���ا للحكومة‬‫علي���ه �إحدى املحاك���م اليمني���ة يف ‪� 21‬آذار‪/‬مار����س ‪ 2010‬بال�سجن ملدة املركزي���ة‪ ،‬واملطالبة مبنح فر����ص مت�ساوية لأبناء اجلن���وب‪ .‬لكن‪ ،‬فيما‬ ‫خم�س �سنوات‪ .‬وقد �أُن�شئ احتاد �شباب اجلنوب يف البداية ك�أحد مكونات ع���دا ذلك‪ ،‬ف�إن اخلالف والتفكك بني جمموعات احلراك يبدو وا�ضح ًا‬ ‫املجل����س الوطن���ي الأعل���ى لتحرير اجلنوب ال���ذي يقوده ح�س���ن باعوم‪ ،‬يف �إ�سرتاتيجياته���ا وتكتيكاته���ا‪ .‬فاحل���راك عبارة عن تط���ور لعدد من‬ ‫وال���د فادي (كان الأخري ير�أ�س الدائ���رة ال�شبابية يف املجل�س املذكور)‪ ،‬املجموع���ات امل�ستقلة‪ ،‬والت���ي لي�س لها حالي ًا – ورغ���م حماوالت الدمج‬ ‫‪12‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫(‪ )1‬هن���اك جمموعتني جنوبيتني معار�ضت�ي�ن تن�شطان خارج اليمن‪ ،‬وكالهما‬ ‫يف اململك���ة املتحدة‪ :‬حرك���ة «التجمع الدميقراطي اجلنوب���ي ‪ -‬تاج» يف مدينة‬ ‫لندن‪ ،‬و«الهيئة الوطنية لدعم احلراك اجلنوبي» يف مدينة �شيفيلد‪.‬‬

‫املختلف���ة ‪ -‬جمل�س مركزي يعمل على تطوير �أجندتها امل�شرتكة وتن�سيق‬ ‫�أن�شطتها‪ .‬كم���ا �أن معظم تلك الهيئات واملجموع���ات التي تقوم ب�أعمال‬ ‫انف�صالي���ة تعم���ل يف الغالب ب�ص���ورة م�ستقلة‪ ،‬بل وتتناف����س مع بع�ضها‬ ‫البع�ض‪ .‬وبهذا‪ ،‬جند �أن احلراك يت�صف باالنق�سامات ال�شديدة‪� ،‬إذ �أن‬ ‫قيادة كل جمموعة حتاول فر�ض �أجندتها اخلا�صة بها‪.‬‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬ال يبدو �أن اجلماعات االنف�صالية تختلف يف �أجندتها‬ ‫ال�سيا�سي���ة فح�سب‪ ،‬بل �أي�ض ًا يف معتقداته���ا و�أيديولوجياتها ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫فبينما القادة يف عدن وحلج وال�ضالع هم يف الأ�سا�س عنا�صر ا�شرتاكية‬ ‫و�ضب���اط ع�سكريني متقاعدي���ن‪ ،‬جند �أن املجموع���ات املوجودة يف �أبني‬ ‫و�شبوة خ�صو�ص ًا تت�أثر بعوامل قبلية ودينية‪.‬‬ ‫بُذلت يف املا�ضي القريب العديد من املحاوالت لتوحيد مكونات احلراك‬ ‫اجلنوب���ي‪ ،‬لكن معظم هذه املحاوالت ب���اءت بالف�شل‪ .‬وقد حاولت بع�ض‬ ‫اجلماعات – مثل «جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية» بقيادة اجلهادي ال�سابق‬ ‫والزعي���م القبلي طارق الف�ضلي – �أن تُن�صِّ ب نف�سها ممث ًال رئي�سي ًا لكل‬ ‫اجلنوب‪ .‬وم�ؤخر ًا حاولت جماعة الف�ضلي االندماج مع «جمل�س احلراك‬ ‫ال�سلم���ي لتحرير اجلنوب»‪ ،‬لكن مل يت���م االعرتاف ال بالف�ضلي وال غريه‬ ‫من قادة املجموع���ات والهيئات الأخرى كممثلني �شرعيني مل�صالح �أبناء‬ ‫اجلنوب‪� .‬إ�ضافة �إىل ذلك‪� ،‬أظهر االجتماع الذي عُ قد يف كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناي���ر ‪ 2010‬بني الرئي�سني ال�سابقني لليم���ن اجلنوبي علي �سامل البي�ض‬ ‫وعل���ي نا�صر حممد يف بريوت‪ ،‬مدى ال�صعوب���ات التي تقف حائ ًال �أمام‬ ‫�إمكانية توحيد عنا�صر املعار�ضة اجلنوبية‪.‬‬ ‫وبالنظ���ر يف االجتاه���ات احلالية‪ ،‬يب���دو �أن ف�صائل احل���راك اجلنوبي‬ ‫�آخذة يف التكاثر والنمو من حيث عدد �أع�ضائها و�أن�صارها واملتعاطفني‬ ‫معه���ا‪ ،‬ه���ذا عدا ع���ن تو�سّ ���ع �شبكاته���ا و�أن�شطته���ا يف امل���دن اجلنوبية‬ ‫الرئي�سية‪ .‬وبينما كانت �أن�شطة معظم تلك املجموعات تقت�صر يف مطلع‬ ‫�سن���ة ‪ 2008‬على مناطق معينة �أو حمافظة واحدة‪ ،‬لكن هذا تغيرّ خالل‬ ‫العام املن�صرم وبد�أ نطاق الأن�شط���ة االنف�صالية يتّ�سع عرب املحافظات‬ ‫اجلنوبي���ة‪ ،‬حي���ث �أ�صبحت معظم الهيئات ن�شط���ة الآن يف ما ال يقل عن‬ ‫ثالث حمافظات من املحافظات اجلنوبية (ال�ضالع وحلج و�أبني)‪.‬‬ ‫مع ذلك‪ ،‬تختلف ال�سبع الف�صائل الرئي�سية كثري ًا من حيث القوة والت�أثري‬ ‫الفعل���ي‪ .‬ويبدو �أن ك ًال من «حركة جناح» بقيادة �صالح ال�شنفرة ونا�صر‬ ‫اخلبجي‪ ،‬و»جمل�س قيادة الثورة ال�سلمية» بزعامة الف�ضلي‪ ،‬هما الأقوى‬ ‫من حيث عدد �أن�صارهما الذين يُعدون بالآالف يف �أبني وال�ضالع وحلج‪،‬‬ ‫وباملئات يف حمافظة �شبوة‪ ،‬وق���د �أظهرت احلركتان قدرة متنامية على‬ ‫جتنيد النا�شطني وحتري���ك امل�ؤيدين والأن�صار‪ .‬لكن م�س�ألة �شرعيتهما‬ ‫م���ا تزال غ�ي�ر حم�سوم���ة‪ .‬فالكثري من �أبن���اء اجلنوب‪ ،‬مث�ل�اً ‪ ،‬ينظرون‬ ‫�إىل قي���ادة الف�ضلي بعني من ال�ش���ك‪ .‬وباعتبار الف�ضلي ع�ضو ًا �سابق ًا يف‬ ‫احل���زب احلاكم (امل�ؤمتر ال�شعبي الع���ام) وجمل�س ال�شورى‪ ،‬ف�إنه يُنظّ ر‬ ‫ل���ه ب�شكل وا�سع على �أنه جمرد انتهازي ي�سع���ى حماو ًال تعزيز م�صلحته‬ ‫ال�شخ�صي���ة‪ .‬وال ي�ستبعد معظم النا�س يف اجلن���وب �أن الف�ضلي �سيوقف‬

‫عر�ض ُمغ���رٍ من قبل‬ ‫�أن�شطت���ه املناه�ض���ة للدول���ة �إذا م���ا ح�ص���ل عل���ى ٍ‬ ‫احلكوم���ة‪ ،‬مينحه املزيد من الت�أثري ال�سيا�س���ي ويُر�ضي �أطماعه لتملك‬ ‫الأرا�ضي التي هي حمل نزاع‪.‬‬ ‫وبالن�سب���ة لكل م���ن «املجل�س الوطن���ي الأعلى لتحرير اجلن���وب»‪ ،‬الذي‬ ‫يتزعم���ه ح�سن باعوم‪ ،‬و»احتاد �شباب اجلنوب» بقيادة ابنه فادي ح�سن‬ ‫باعوم‪ ،‬ف�إنهما ميتلكان القدرة على �أن يكونا �أكرث قوة م�ستقبالً‪ ،‬وب�صفة‬ ‫خا�صة «احتاد �شباب اجلنوب» الذي يعترب الف�صيل الوحيد الذي ميتلك‬ ‫برناجم��� ًا �سيا�سي ًا لل�شباب‪ ،‬ومن املتوقع �أن يج���ذب املزيد من الأع�ضاء‬ ‫يف امل�ستقبل‪.‬‬ ‫�أم���ا «الهيئة الوطني���ة العليا ال�ستق�ل�ال اجلنوب» بقي���ادة العميد نا�صر‬ ‫النوب���ة‪ ،‬فيبدو �أن ت�أثريها حمدود جداً‪ .‬رغ���م �أن النوبة كان واحد ًا من‬ ‫�أوائل الذين قادوا االحتجاجات التي قام بها �ضباط اجلي�ش اجلنوبيني‬ ‫عام ‪ ،2007‬والتي كانت يف بداية الأمر تنظم من ِقبَل «جمعية املتقاعدين‬ ‫الع�سكري�ي�ن اجلنوبيني»‪ .‬وقد اعرت�ض بع�ض ال�ضب���اط املتقاعدين على‬ ‫ت���ويل النوبة القي���ادة‪� ،‬إذ �شككوا يف �شرعيته كمتح���دث ر�سمي جلمعية‬ ‫املتقاعدي���ن الع�سكريني‪ ،‬وانتق���ده البع�ض الآخ���ر ملغادرته اليمن خالل‬ ‫احل���رب الأهلية عام ‪ .1994‬ونتيج���ة لذلك‪ ،‬انق�سم���ت جمعية ال�ضباط‬ ‫املتقاعدي���ن وم�ضى العمي���د النوب���ة يف ت�أ�سي�س «الهيئ���ة الوطنية العليا‬ ‫ال�ستقالل اجلنوب»‪ .‬وعندما بادرت الدولة ب�إعادة بع�ض �ضباط اجلي�ش‬ ‫ال�سابقني �إىل �صفوف الق���وات امل�سلحة‪ ،‬ورفع معا�شات التقاعد للبع�ض‬ ‫الآخر‪ ،‬فقدت هذه الهيئة بع�ض ًا من ت�أثريها‪.‬‬ ‫افتقار احلراك اجلنوبي لدعم خارجي حا�سم‬ ‫يف بادئ الأمر‪ ،‬قال���ت بع�ض ف�صائل احلراك اجلنوبي �أنها تتلقى دعم ًا‬ ‫مادي��� ًا من بع�ض اجلاليات التجارية اجلنوبية املقيمة يف �أماكن خمتلفة‬ ‫م���ن العامل‪ .‬واحلقيق���ة �أن جمموعة جنوبية معار�ض���ة كانت قد متكّنت‬ ‫م���ن �إطالق وت�شغيل قناة تلفزيوني���ة ف�ضائية مقرها يف اململكة املتحدة‪،‬‬ ‫�سُ ّمي���ت «قناة عدن احلرة»‪ ،‬وخالل فرتات بثّها كانت تحُ رّ�ض على فكرة‬ ‫االنف�ص���ال‪ .‬وبثّت القناة �أي�ض ًا بيانات لرئي����س اليمن اجلنوبي ال�سابق‪،‬‬ ‫علي �سامل البي�ض‪.‬‬ ‫وعل���ى �أية حال‪ ،‬ف����إن ال�ص���ورة تغ�ّي رّ ت الآن‪� .‬إذ �أن الف�صائل اجلنوبية‬ ‫املختلف���ة تفتقر حالي ًا �إىل �أي دعم خارجي �أ�سا�سي‪ .‬ف�أ ّي ًا من احلكومات‬ ‫العربي���ة �أو اخلليجي���ة مل تُبدِ �أن له���ا م�صلحة �أو رغب���ة يف دعم تق�سيم‬ ‫اليمن‪ ،‬لعدة اعتبارات‪:‬‬ ‫ فاليمن املُق�سّ م لن يتفكك بال�ضرورة �إىل مينني فقط – �شمال وجنوب‬‫– ولكن من املرجّ ح �أن يكون هناك عد ٌد من الكيانات‪ .‬و�إذا ما مت ذلك‪،‬‬ ‫ف�إن���ه �سيُ�شجّ ع على انت�شار املزيد م���ن العنف‪ ،‬لي�س فقط بني ال�شماليني‬ ‫واجلنوبي�ي�ن و�إمنا بني اجلنوبيني �أنف�سهم‪ ،‬الأمر الذي �سي�ؤدي �إىل عدم‬ ‫اال�ستق���رار ورمب���ا يت�سبب يف اندالع ح���رب �أهلية‪ ،‬و�سيُفت���ح الباب على‬ ‫م�صراعيه للتدخل اخلارجي الذي �سي�ؤدي بدوره �إىل زعزعة اال�ستقرار‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪13‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫يف منطقة اخلليج ب�أ�سرها‪.‬‬ ‫ �إن بع�ض دول املنطقة ت�شك يف �أن احلراك االنف�صايل يف اليمن مدفو ٌع‬‫�أ�سا�س ًا به���دف ال�سيطرة على املوارد االقت�صادية للبالد‪ ،‬خا�صة املوارد‬ ‫النفطي���ة منها‪ .‬وجناح احل���راك �سيُ�شجِّ���ع على ظهور جماع���ات قبلية‬ ‫وطائفي���ة �أخرى يف منطقة اخلليج ت�ستهدف �سي���ادة �أرا�ضي بع�ض دول‬ ‫اخلليج‪ ،‬وهو ما ال يرغب �أي نظام حكم يف اخلليج �أن يراه يتحقق‪.‬‬ ‫ كما �أن عدم وجود دعم من قبل القوى الدولية للحراك اجلنوبي ي�ؤثر‬‫�أي�ض ًا يف مواقف دول اجلوار الإقليمي‪.‬‬ ‫ويف احلقيق���ة �أن دول اخللي���ج �أعطت �إ�شارات وا�ضح���ة تنم عن دعمها‬ ‫للحكومة املركزية يف اليمن‪ ،‬ووحدة الأرا�ضي اليمنية و�سالمتها‪ .‬فخالل‬ ‫انعقاد قمة دول جمل�س التعاون اخلليجي يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪2009‬‬ ‫يف الكوي���ت‪� ،‬أكدت ال���دول ال�ست الأع�ض���اء يف جمل�س التع���اون للقيادة‬ ‫اليمني���ة دعمه���ا الكام���ل لوح���دة اليم���ن وا�ستقرارها‪ .‬و�ش���ددت بع�ض‬ ‫ال���دول‪ ،‬مثل ال�سعودي���ة‪ ،‬على �أن احلفاظ على الوح���دة اليمنية يعد من‬ ‫�أهم الأولويات‪.‬‬ ‫وق���د قاب���ل ه���ذه االلتزام���ات العلني���ة‪ ،‬فع ٌل حا�س��� ٌم يف دع���م احلكومة‬ ‫اليمني���ة‪ .‬فف���ي ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪ 2009‬قيل �أن القي���ادة اليمنية طلبت من‬ ‫اململك���ة العربي���ة ال�سعودية �أن متن���ع قياديني ميني�ي�ن جنوبيني �سابقني‬ ‫يقيمان يف اململكة من ممار�سة �أي ن�شاطات �سيا�سية م�ساندة للجماعات‬ ‫االنف�صالي���ة‪ .‬وبع���د �شهري���ن م���ن ذلك‪ ،‬طلب���ت اليمن م���رة �أخرى من‬ ‫ال�سلط���ات ال�سعودي���ة امل�ساعدة يف منع الدعم املايل ال���ذي قيل �أنه يتم‬ ‫�إر�سال���ه لبع����ض اجلماعات اجلنوبية من قبل �سعودي�ي�ن من �أ�صل ميني‬ ‫ومواطن�ي�ن مينيني يعي�ش���ون يف اململكة‪ .‬ويُعتق���د �أن ال�سلطات ال�سعودية‬ ‫قد جتاوبت ب�شكل �إيجابي مع مطالب احلكومة اليمنية‪ ،‬وعملت ب�سرعة‬ ‫عل���ى منع الن�شاطات ال�سيا�سي���ة املزعومة‪ ،‬كما تعاملت بحزم مع ق�ضية‬ ‫التمويل غري امل�شروع لالنف�صاليني اجلنوبيني ‪.‬‬ ‫ع�ل�اوة على ذل���ك‪ ،‬ذك���رت تقاري���ر �أن العاه���ل ال�سعودي عب���داهلل بن‬ ‫عبدالعزي���ز �أر�سل خطاب ًا �إىل عدد من رجال الأعمال ال�سعوديني الكبار‬ ‫(ومعظمهم من �أ�صول مينية جنوبية)‪ ،‬يطالبهم فيه باالمتناع عن دعم‬ ‫�أي جماعات يف جنوب اليمن‪.‬‬ ‫ول�سلطنة عُ مان وجهة نظ���ر مماثلة‪� ،‬إذ تُف�ضِّ ل وجود مين موحد وتدعم‬ ‫ذل���ك‪ .‬فف���ي �أيار‪/‬مايو ‪� 2009‬سحب���ت ال�سلطات العمانية ج���واز ال�سفر‬ ‫(اجلن�سي���ة) م���ن علي �سامل البي����ض و�ألغت حق �إقامت���ه يف عُ مان‪ ،‬وهو‬ ‫االمتي���از الذي ظل يتمتع ب���ه منذ عام ‪ .1994‬وق���د كان املوقف العماين‬ ‫وا�ضح��� ًا جداً؛ �إذ �صرح���ت ال�سلطات هناك ب�أن البي����ض خالف �شروط‬ ‫اللج���وء ال�سيا�س���ي الذي مُنح له ب�شرط �أال ي���ورط نف�سه يف �أي ن�شاطات‬ ‫�سيا�سي���ة �أو �أي «عم���ل عدائ���ي» �ضد بل���ده‪ .‬ويف �أيار‪/‬ماي���و ‪� 2009‬أر�سل‬ ‫ال�سلط���ان قابو�س ر�سالة �إىل الرئي����س �صالح يعرب فيها عن دعم عُ مان‬ ‫الق���وي والتزامها بوح���دة اليمن‪ .‬وكج���زءٍ من اجله���ود املبذولة لإثبات‬ ‫ت�ضامن الدول العربية ودعمها لوحدة اليمن‪ ،‬حتى الزعيم الليبي معمر‬

‫(‬

‫‪14‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫)‬

‫‪2010‬‬

‫القذايف رف�ض منح البي�ض ت�أ�شرية دخول لزيارة ليبيا‪.‬‬ ‫واحلال �أن غياب الدعم اخلارجي جعل من ال�صعب جد ًا على جمموعات‬ ‫احل���راك اجلنوبي حتقيق معار�ضة منظمة وفعالة‪ ،‬وح ّد تالي ًا من قوتها‬ ‫وت�أثريها ب�شكل وا�ضح‪:‬‬ ‫ فاالفتقار �إىل دعم من هذا النوع ي�ؤثر يف �إمكانية قيام هذه اجلماعات‬‫بح�شد الت�أييد‪ ،‬وتنفيذ حمالت دعائية �ضخمة‪.‬‬ ‫ كما �أنه يح ّد من قدرة املجموعات املعار�ضة على فتح مكاتب لها داخل‬‫املنطقة وخارجها للت�أثري يف الر�أي العام وك�سب التعاطف‪.‬‬ ‫ويف الواق���ع �أن املنا�ص���رة التي حظيت بها ق�ضي���ة الوحدة اليمنية داخل‬ ‫املنطقة وخارجها ق���د �أثرت ب�شكل م�ضاد وعك�سي على م�صادر التمويل‬ ‫اخلا�صة باجلماعات االنف�صالية‪ .‬ومما ال �شك فيه �أن غياب امل�ساهمات‬ ‫املالية من خارج الب�ل�اد قد ح ّد من ت�أثري هذه اجلماعات‪ ،‬وحرمها من‬ ‫تطوي���ر جمموعات �ضغ���ط لك�س���ب الت�أيي���د �أو �إن�شاء �صح���ف �أو قنوات‬ ‫ف�ضائي���ة لدع���م ق�ضيتها‪ .‬ورغم �إن�شاء قناة عدن احل���رة �إال �أن ت�أثريها‬ ‫ظل حمدود ًا للغاية‪ ،‬نظ���ر ًا لرف�ض �شركات القنوات الف�ضائية الإقليمية‬ ‫منحها جما ًال �إقليمي ًا للبث‪.‬‬ ‫ �إ�ضاف���ة �إىل ذلك‪ ،‬ف�إن غياب الدعم امل���ايل يح ّد كثري ًا من قدرة هذه‬‫الف�صائل على �شراء �أ�سلحة �أو ت�شكيل ملي�شيات تتحدى بها قوات الأمن‬ ‫احلكومي���ة‪ .‬وميكنن���ا القول �إن غي���اب الدعم املايل ق���د ثبّط من جهود‬ ‫توحيد احل���راك اجلنوبي؛ فل���و متكنت �إحدى املجموع���ات االنف�صالية‬ ‫ه���ذه من احل�صول على م���وارد مالية �آمنة ودائم���ة‪ ،‬ف�إنها �ستتمكن من‬ ‫تعزي���ز وتقوية موقعها‪ ،‬ورمبا �سي�سهل لها ت�أ�سي�س قيادة مركزية موحدة‬ ‫كانت �ستُ�شكِّل حتدي ًا خطري ًا حلكومة �صنعاء املركزية‪.‬‬

‫مبادرات حلل ال�صراع يف اجلنوب‬

‫الو�ساطة الإقليمية‬ ‫بُذل���ت العدي���د م���ن اخلط���وات احل���ذرة يف املنطق���ة العربية م���ن �أجل‬ ‫التو�س���ط يف ال�ص���راع القائ���م ب�ي�ن احلكوم���ة املركزي���ة واجلماع���ات‬ ‫ال�سيا�سية اجلنوبية املعار�ضة يف داخل اليمن وخارجها‪ .‬ففي زيارته �إىل‬ ‫اليمن مطل���ع ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪� ،2009‬أع���رب الأمني العام جلامعة‬ ‫ال���دول العربي���ة عم���رو مو�سى عن التزام���ه بدعم وحدة اليم���ن و�أمنها‬ ‫وا�ستقراره���ا‪ ،‬وطالب ب�إجراء حوار وطني �شامل حلل امل�شكلة يف جنوب‬ ‫اليم���ن‪ .‬ومنذ ذلك احلني‪� ،‬أبدت كل م���ن ال�سعودية وم�صر رغبتهما يف‬ ‫التو�س���ط وحل م�شكلة اجلنوب‪ .‬ويف ت�شري���ن الثاين‪�/‬أكتوبر ‪ 2009‬توجّ ه‬ ‫كل م���ن وزي���ر اخلارجية امل�ص���ري ومدي���ر املخابرات العام���ة امل�صرية‬ ‫�إىل ال�سعودي���ة‪ ،‬وم���ن ثمّ �إىل �صنعاء يف زيارة ر�سمي���ة‪ ،‬ليعربا عن دعم‬ ‫بلدهما الكامل للوح���دة اليمنية‪ ،‬وعر�ضا التو�سط حلل امل�شكلة؛ والتقيا‬ ‫يف القاهرة �أي�ض ًا بعدد من زعماء املعار�ضة اليمنية‪.‬‬ ‫�أبع���د من ذل���ك‪ ،‬فقد ذكرت تقارير �أن نائب الرئي����س اليمني الأ�سبق‬

‫(‬

‫)‬

‫البي�ض توا�صل مع الأمني العام عمرو مو�سى‪ ،‬وطلب من اجلامعة العربية‬ ‫التدخ���ل لإنه���اء امل�شكلة‪ .‬لكن طلب البي�ض املتك���رر للدعم العربي قُوبل‬ ‫بالرف����ض ال�صريح من كل الدول العربية‪ ،‬لأنه يُطالب عالنية بانف�صال‬ ‫اجلنوب‪ .‬وم���ن املحتمل �أن تعمل م�صر‪ ،‬ورمب���ا دول عربية �أخرى‪ ،‬على‬ ‫من���ع البي�ض من امل�شارك���ة يف �أي مفاو�ضات م�ستقبلية ب�ش�أن الو�ضع يف‬ ‫جنوب اليمن ‪ .‬ويف فرتة من الفرتات‪ ،‬طلب البي�ض من �إيران امل�ساعدة‬ ‫والدع���م‪ ،‬وهو الأمر الذي �سب���ب ا�ستيا ًء �شدي���د ًا يف �أو�ساط احلكومات‬ ‫العربية‪.‬‬ ‫وحت���ى �سوري���ة الت���ي ربطته���ا عالق���ات تقليدية جي���دة بق���ادة احلزب‬ ‫اال�شرتاك���ي يف اليمن اجلنوبي �سابق ًا ‪ -‬والتي منحت اللجوء لعلي نا�صر‬ ‫حمم���د وبع����ض رفاقه – بذل���ت بع�ض اجله���ود للو�ساطة بني‬ ‫الطرف�ي�ن‪ .‬ففي �شباط‪/‬فرباير ‪ 2010‬قام الأمني العام حلزب‬ ‫البع���ث احلاكم يف �سورية‪ ،‬عبد اهلل الأحمر‪ ،‬بزيارة للعا�صمة‬ ‫�صنعاء على �أمل امل�ساهمة يف �إيجاد حلٍّ �سيا�سيٍ للم�شكلة يف‬ ‫جنوب اليمن ‪.‬‬

‫)‬

‫)‬

‫(‬

‫حول املطالبة بـ «امل�ساواة» يف توزيع املنا�صب احلكومية‪ ،‬واحل�صول على‬ ‫ح�صة عادلة من م�شاريع التنمية الوطنية‪ .‬واحلقيقة �أن جزء ًا كبري ًا من‬ ‫هذه املطالب‪ ،‬ذو طبيعة اقت�صادية ومالية‪ ،‬من قبيل‪:‬‬ ‫ توجي���ه ن�سب���ة �أعلى من دخل الإنت���اج النفطي يف املناط���ق اجلنوبية‪،‬‬‫لتنمية هذه املناطق‪.‬‬ ‫ تخ�صي�ص وظائف يف �شركات النفط لأبناء املحافظات اجلنوبية‪.‬‬‫ التوزي���ع لعادل للأرا�ضي‪ ،‬و�إعادة الأرا�ضي امل�صادرة يف اجلنوب بعد‬‫حرب عام ‪.1994‬‬ ‫ املطالب���ة ب�س���نّ قوانني متن���ع رجال الأعم���ال ال�شماليني م���ن احتكار‬‫ا�ستثمار القطاع اخلا�ص يف اجلنوب‪.‬‬

‫(‬

‫�إ�سرتاتيجيات احلكومة اليمنية‬ ‫�أطلق���ت احلكومة اليمني���ة بع�ض املبادرات حل���ل ال�صراع يف‬ ‫جن���وب اليم���ن‪ .‬فبع���د املوج���ة الأوىل من االحتجاج���ات عام‬ ‫‪ ،2007‬الت���ي قاده���ا ع�سكريون �سابق���ون يف اجلي�ش اجلنوبي‬ ‫املُنح���ل‪ ،‬والذي���ن طالب���وا با�ستيعابه���م و�إعادة‬ ‫دجمه���م �ضم���ن م�ؤ�س�س���ات الدول���ة الع�سكرية لي�س هناك �أدنى �شك حيال �إمكانية تطور احلراك اجلنوبي �إىل �أن ي�صبح حتدي ًا كبري ًا‬ ‫والأمني���ة‪ ،‬وزي���ادة رواتبهم‪ ،‬حاول���ت احلكومة يهدد �شرعية احلكومة اليمنية وا�ستقرار البالد‪ ،‬بل وم�ستقبل وحدة الدولة و�سالمتها‬ ‫التعامل �سريع ًا مع هذه الق�ضية‪ ،‬و�أعادت خالل يف نهاية املطاف‬ ‫�أ�شه���ر قليل���ة ‪� 2106‬ضابط ًا �سابق��� ًا �إىل �صفوف‬ ‫اجلي����ش‪ ،‬بل و ُرقِّي البع�ض منهم �إىل رتب ع�سكري���ة �أعلى‪ ،‬بينما �أُعطي ‪ -‬توف�ي�ر فر����ص وظيفي���ة للمتعلم�ي�ن وامل�ؤهل�ي�ن اجلنوبي�ي�ن يف القطاع‬ ‫الآخرون زيادات يف املعا�شات التقاعدية‪.‬‬ ‫احلكومي‪.‬‬ ‫ف� ً‬ ‫ضال عن ذلك‪ ،‬حاولت احلكومة اليمنية فتح حوار مع احلراك اجلنوبي ‪ -‬حت�س�ي�ن البنية التحتية الأ�سا�سية يف املحافظات اجلنوبية‪ ،‬ال�سيما يف‬ ‫م���ن خالل ت�شكيل «جلنة معاجلة ق�ضاي���ا اجلنوب» كجزءٍ من التح�ضري قطاع���ات املياه والكهرباء وال�صحة والتعليم (مبا يف ذلك بناء املدار�س‬ ‫لبدء «احلوار الوطني ال�شامل»‪ .‬وقيل �أن بع�ض ف�صائل احلراك اجلنوبي ومعاهد التدريب واجلامعات وامل�ست�شفيات)‪.‬‬ ‫ردّت ب�شكل �إيجابي على هذه اخلطوة احلكومية‪.‬‬ ‫وم�ؤخ���راً‪ ،‬حتديد ًا يف مطلع ‪� ،2010‬أعلنت احلكومة اليمنية عن عدد من‬ ‫م���ن ناحي���ة �أخ���رى‪� ،‬أعلن���ت احلكومة عن ت�شكي���ل جل���ان �شعبية لدعم امل�شاريع يف البنية التحتية التي من �ش�أنها توليد فر�ص عمل جديدة‪ .‬ويف‬ ‫�سيا�ساته���ا حت���ت م�سمى «اللج���ان الوطنية للدفاع ع���ن الوحدة» يف كل ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪� 2010‬سافر الرئي�س �صال���ح �إىل ح�ضرموت‪ ،‬حيث �أعلن‬ ‫املحافظ���ات اجلنوبي���ة‪ .‬وكان اله���دف من ذل���ك‪ ،‬ح�شد �أبن���اء اجلنوب عن �إقامة ‪ 163‬م�شروع ًا بتكلفة تقدر بحوايل ‪ 32‬مليار ريال ميني‪ .‬زيادة‬ ‫ملواجه���ة ت�أث�ي�ر املعار�ض���ة و�إ�شراك م�ؤي���دي املعار�ضة بغر����ض الرتويج عل���ى ذلك‪� ،‬أعلن الرئي�س �صال���ح يف ‪� 22‬أيار‪/‬مايو ‪ 2010‬عفو ًا عام ًا عن‬ ‫ل�سيا�سة احلكومة‪.‬‬ ‫معتقلي احل���راك اجلنوبي يف �إطار احتفاالت البالد بالذكرى الع�شرين‬ ‫حاول���ت احلكومة كذلك �إظهار قلقه���ا و�إبداء اهتمامها ب�ش�أن الو�ضع يف لتحقيق الوحدة‪.‬‬ ‫اجلنوب م�ستخدمة طرق��� ًا �أخرى‪ .‬فقد طلبت من حمافظي املحافظات عل���ى �أن معظم اليمنيني يجدون �صعوبة بالغة يف ت�صديق �أن املحاوالت‬ ‫اجلنوبي���ة واملجال����س املحلي���ة تزويده���ا بقائم���ة مطالبه���م التي ميكن احلكومية �ستح��� ّل امل�شكلة يف اجلنوب ‪ ،‬ويبدون �شكوكهم يف �أنه �سيتم‬ ‫مناق�شته���ا‪ .‬وبالفعل‪ ،‬بدا �أن معظم مطال���ب النا�س يف اجلنوب مرتكزة‬

‫(‬

‫)‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪15‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫تنفي���ذ املطال���ب التي قدمتها املجال����س املحلية �أو امل�شاري���ع التي �أعلنت‬ ‫عنها احلكومة‪ ،‬و�أن �شيئ��� ًا �سيتغري على �أر�ض الواقع‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬غالب ًا‬ ‫م���ا تتخذ ق���وات الأم���ن مواق���ف وردود قا�سية �ضد احل���راك اجلنوبي‪.‬‬ ‫واحلقيق���ة �أن احلكومة تُته���م ب�أنها تقوم مرار ًا وتك���رار ًا بقطع خدمات‬ ‫الهاتف ومنتديات الإنرتنت‪ ،‬لت�صعب الأمر على املعار�ضني يف التوا�صل‬ ‫وتنظيم مظاهرات االحتجاج‪ ،‬و�أن قوات الأمن تقوم باعتقال ال�صحفيني‬ ‫و�أ�سات���ذة اجلامعات والقادة االنف�صاليني اجلنوبيني مثل ح�سن باعوم‪،‬‬ ‫وابنه فادي باعوم‪ ،‬ونا�صر النوبة‪ ،‬و�آخرين غريهم‪.‬‬ ‫كما حاولت احلكومة ا�ستقطاب بع�ض عنا�صر احلراك اجلنوبي‪ ،‬بهدف‬ ‫�ش���قّ �صفوفه �أو على الأقل حتييد بع�ض املجموع���ات املن�ضوية فيه‪ .‬وقد‬ ‫بُذل���ت جه���ود لل�ضغط عل���ى قادة احل���راك عرب محُ افظ���ي املحافظات‬ ‫ووكالء احلكوم���ة املحليني �أو من خالل بع����ض رجال الأعمال والزعماء‬ ‫القبليني املوالني للحكومة‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬مور�ست �ضغوط على بع�ض‬ ‫قي���ادات احلراك ليرت�أ�سوا �أو لي�شاركوا يف ع�ضوية اللجان اخلا�صة التي‬ ‫�شكلتها الدولة ملعاجلة مطالب احلراك اجلنوبي‪ ،‬مثل «جلنة حل م�شكلة‬ ‫الع�سكريني اجلنوبيني ال�سابقني» و»جلنة حل ق�ضية ملكية الأرا�ضي»‪.‬‬

‫حكوم���ة الإمارات العربية املتحدة للحكوم���ة اليمنية منحة مببلغ ‪2.385‬‬

‫ملي���ار درهم (‪ 650‬مليون دوالر)‪ ،‬وذلك من �أجل متويل م�شاريع تنموية‬ ‫اجتماعي���ة واقت�صادي���ة م�ستدام���ة ت�ص���ل �إىل �أربعة ع�ش���ر م�شروع ًا يف‬ ‫خمتلف املناطق اليمنية‪ ،‬وت�شمل البنية التحتية الأ�سا�سية كاملوا�صالت‪،‬‬ ‫والطاقة‪ ،‬واملياه وال�صرف ال�صحي‪ ،‬وال�صحة العامة‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والثقافة‬ ‫والتنمية االجتماعية‪ .‬و�سيقوم �صندوق �أبو ظبي بالإ�شراف املبا�شر على‬ ‫اثنا ع�شر م�شروع ًا من هذه امل�شاريع بالتعاون مع املحافظات وال�سلطات‬ ‫املحلية‪ ،‬التي �ستقوم بتحويل املبالغ املالية �إىل املكاتب املحلية ولي�س عرب‬ ‫حكومة اليمن املركزية‪ .‬كما �سيقوم املجل�س الإ�شرايف الإماراتي مبتابعة‬ ‫عملي���ة �سري امل�شاريع من���ذ الإعالن عن املناق�صات و�ص���و ًال �إىل مرحلة‬ ‫التنفيذ النهائي‪ ،‬و�ستكون الأيدي العاملة من اليمنيني فقط خللق مزيد‬ ‫من الوظائف‪.‬‬ ‫واحلال �أن دول جمل�س التعاون اخلليجي واليمن بحاجة �إىل �إن�شاء نظام‬ ‫تدريب���ي من �أجل تعزيز و�شحذ مهارات الأيدي العاملة اليمنية‪ ،‬لت�صبح‬ ‫قادرة على الإنتاج واحل�صول على فر�ص عمل يف ال�سوق اخلليجية‪ .‬ويف‬ ‫الواقع‪� ،‬أن هناك مداوالت ونقا�شات جترى حالي ًا بني اليمن وبع�ض دول‬ ‫جمل����س التع���اون اخلليجي تتعلق مب�ش���روع يه���دف �إىل تدريب وتوظيف‬ ‫الأيدي العامل���ة اليمنية يف كل من ال�سعودية وقطر‪ .‬وهذه خطوة مهمة‪،‬‬ ‫ا�سرتاتيجية طويلة املدى حلل م�شاكل اجلنوب‬ ‫كم���ا �أنها �ستواجه ال�شكوى التقليدي���ة التي حتتج بها دول اخلليج من �أن‬ ‫ال �ش���ك �أن لل�ص���راع يف جن���وب اليم���ن ج���ذور ًا �سيا�سي���ة واجتماعي���ة‬ ‫اليمني�ي�ن لي�س���وا م�ؤهلني مبا فيه الكفاي���ة لتلبية متطلب���ات �سوق العمل‬ ‫واقت�صادي���ة‪ .‬ويف الواق���ع �أن هن���اك الكث�ي�ر من اليمني�ي�ن اجلنوبيني ال‬ ‫اخلليجي���ة‪ .‬و�إذا ما مت تدريب وت�أهيل اليمنيني ه�ؤالء‪ ،‬ف�إنهم �سيتمكنون‬ ‫يرغب���ون بال�ض���رورة يف االنف�صال‪ ،‬و�إمنا يطالب���ون بتح�سني �أو�ضاعهم‬ ‫م���ن احل�ص���ول على فر�ص عمل لي�س يف ال�سعودي���ة وقطر فح�سب بل �إن‬ ‫االقت�صادي���ة واملالية‪ ،‬والإ�صالح ال�سيا�سي واملزيد من ال�شفافية‪ ،‬وو�ضع‬ ‫ب�إمكانه���م �أن يتحملوا م�سئولياتهم يف �إدارة امل�شاريع التنموية ال�سعودية‬ ‫ح���دٍّ للف�س���اد‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬تفتق���ر احلكوم���ة لإ�سرتاتيجية بعي���دة املدى‬ ‫واخلليجي���ة داخل اليمن‪ .‬ومن املمكن تبنّي مثل هذه امل�شاريع التدريبية‬ ‫للتعام���ل بفعالية مع ه���ذه امل�شكلة‪ .‬وهناك اتفاق ع���ام على �أنه ال ميكن‬ ‫يف دول اخلليج الأخرى كالإمارات العربية املتحدة‪.‬‬ ‫للدول���ة وحده���ا ح ّل التحدي���ات التي تواج���ه اليمن‪ ،‬خا�ص���ة املع�ضالت‬ ‫االقت�صادي���ة‪ ،‬فالأم���ر يتطلب م�ساهم���ة �إقليمية لتح�س�ي�ن ظروف البلد ومع ذل���ك‪ ،‬هناك حدود وا�ضحة تعيق ما ت�ستطيع �أو ترغب دول اخلليج‬ ‫يف حتقيق���ه‪ ،‬خا�صة فيما يتعلق باملطالب املتك���ررة بالإ�صالح ال�سيا�سي‬ ‫و�أو�ضاعه الداخلية‪.‬‬ ‫واالقت�ص���ادي وال�شفافي���ة يف اليم���ن‪ .‬وبينم���ا ميك���ن لل���دول اخلليجية‬ ‫ُيع���د اليم���ن ودول جمل����س التعاون اخلليج���ي �ش���ركاء �إ�سرتاتيجيني يف‬ ‫والعربي���ة �أن توف���ر منرب ًا للح���وار والرتكي���ز على التع���اون االقت�صادي‬ ‫اخللي���ج‪ ،‬بحكم �أنهم دول متجاورة‪ ،‬ول���دول اخلليج م�صالح مبا�شرة يف‬ ‫وتقدمي امل�ساعدة املالية‪� ،‬إال �أن املجتمع الدويل فقط‪ ،‬والواليات املتحدة‬ ‫ا�ستتباب الأمن واال�ستقرار يف اليمن‪� .‬إن التعاون بني اليمن ودول جمل�س‬ ‫واالحت���اد الأوروبي ب�صفة خا�ص���ة‪ ،‬هي الأطراف‬ ‫التعاون يجب �أن يرتكز على م�ستويني‪ :‬امل�ستوى الأول‬ ‫التي لديه���ا القدرة على �إقن���اع احلكومة احلالية‬ ‫يج���ب �أن يت�ضم���ن �إقامة م�شاري���ع ا�ستثمارية داخل‬ ‫ال���ك���ث�ي�ر م�����ن ال��ي��م��ن��ي�ين على البدء يف الإ�صالحات ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫اليمن توف���ر فر�ص عمل كثرية على امل�ستوى املحلي‪ ،‬اجل��ن��وب��ي�ين ال ي��رغ��ب��ون‬ ‫لكن االحت���اد الأوروبي و�أمريكا يبدوان مرتددين‬ ‫بينم���ا ينبغي �أن ين�صب امل�ست���وى الثاين من التعاون‬ ‫على ت�أهيل العمالة اليمني���ة وتدريبها‪� ،‬إذ �أن ارتفاع ب��ال�����ض��رورة يف االنف�صال‪ ،‬جتاه الو�ضع يف جنوب اليمن‪ .‬فقد �أعرب االحتاد‬ ‫ن�سب���ة البطالة تع���د من �أهم امل�ش���كالت التي تواجه و�إمن����ا ي��ط��ال��ب��ون بتح�سني الأوروبي عن قلقه حيال �أحداث العنف ال�سيا�سي‬ ‫�أو���ض��اع��ه��م االقت�صادية يف جن���وب اليم���ن‪ ،‬وطالب جميع الأط���راف بنبذ‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫واملالية‪ ،‬والإ�صالح ال�سيا�سي العنف‪ .‬ومع �أن االحتاد الأوروبي قد دعا الأطراف‬ ‫لذا يج���ب �أن تركز الربامج التنموي���ة واال�ستثمارية‬ ‫واملزيد من ال�شفافية‪ ،‬وو�ضع كاف���ة �إىل الدخ���ول يف ح���وار لتحدي���د الق�ضاي���ا‬ ‫عل���ى امل�شاريع التي يت���م تنفيذها ب�ص���ورة مبا�شرة‬ ‫ومناق�شته���ا واتخ���اذ الإج���راءات العاجل���ة وح���ل‬ ‫عل���ى امل�ستوى املحل���ي‪ .‬فعل���ى �سبيل املث���ال‪ ،‬قدمت حدٍّ للف�ساد‬ ‫‪16‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ب��ال��ن��ظ��ر يف االجت����اه����ات‬ ‫احل��ال��ي��ة‪ ،‬يبدو �أن ف�صائل‬ ‫احل��راك اجلنوبي �آخ��ذة يف‬ ‫ال��ت��ك��اث��ر وال��ن��م��و م��ن حيث‬ ‫ع��دد �أع�ضائها و�أن�صارها‬ ‫واملتعاطفني معها‪ ،‬هذا عدا‬ ‫عن تو�سّ ع �شبكاتها و�أن�شطتها‬ ‫يف املدن اجلنوبية الرئي�سية‬

‫ال�شكاوي امل�شروعة‪� ،‬إال �أنه ال ميتلك الإ�سرتاتيجية‬ ‫الت���ي ميكن من خالله���ا ترجمة تل���ك الدعوة على‬ ‫�أر�ض الواقع‪.‬‬ ‫ويف منت�ص���ف ‪ 2009‬حاول���ت الوالي���ات املتح���دة‬ ‫تو�ضيح موقفها حيال امل�شاكل القائمة يف اجلنوب‪،‬‬ ‫ف�أ�صدرت �سفارتها ب�صنع���اء بياناً‪ ،‬قالت الواليات‬ ‫املتحدة فيه‪�« :‬إن العن���ف ال�سيا�سي ينبغي �أال يكون‬ ‫ه���و ال�سبيل حلل امل�شكلة»‪ ،‬م�ؤكد ًة على �أنه يجب �أن‬ ‫تكون «امل�س���اواة وامل�شاركة يف الأن�شط���ة ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادي���ة واالجتماعي���ة‪ ،‬وذلك طبق ًا للقان���ون‪ ،‬وجلميع املواطنني‪،‬‬ ‫ه���ي ال�ضم���ان احلقيقي للحف���اظ على وح���دة اليمن»‪ ،‬و�أن���ه «ال بد من‬ ‫معاجلة املظامل ال�شرعية»‪ .‬ودع���ا البيان حلوار وطني بني كل الأطراف‬ ‫املعني���ة بح ّل امل�شكلة‪ .‬وق���د تفادى البيان الأمريكي توجي���ه االنتقاد لأيٍّ‬ ‫من الأط���راف‪ ،‬وحاول �إظهار حياد الواليات املتح���دة �إزاء ال�صراع بني‬ ‫احلكومة واملعار�ضة‪ ،‬داعي��� ًا للقيام بالإ�صالحات املطلوبة والتو�صل �إىل‬ ‫ت�سوية بالتفاو�ض‪.‬‬

‫خامتة‬ ‫لر�سم خارطة للحراك اجلنوبي يف اليمن منذ �سنة ‪ 2007‬وحتى اللحظة‪،‬‬ ‫ن�ستطيع التعرّف على ث�ل�اث «جمموعات �أ�سا�سية ذات م�صالح خا�صة»‬ ‫منخرطة يف معار�ضة احلكومة املركزية يف �صنعاء‪.‬‬ ‫تتمثل املجموعة الأوىل يف العنا�صر التي تتبع املنهج اال�شرتاكي القدمي‪،‬‬ ‫وت�ضم �أع�ضاء ونا�شطني حاليني و�سابقني يف احلزب اال�شرتاكي اليمني‬ ‫وبع�ضهم �أع�ضاء يف الربملان اليمني‪ .‬وت�صبّ عنا�صر هذه الفئة تركيزها‬ ‫عل���ى ا�ستعادة جمهورية اليمن الدميقراطي���ة ال�شعبية (‪)1990 – 1967‬‬ ‫املنح ّل���ة‪ ،‬ويجادل���ون ب����أن خطوة الوحدة كان���ت خط�أً كب�ي�ر ًا باعتبار �أن‬ ‫طموحه���م بدولة قائمة على امل�س���اواة وال�شراكة يف ال�سلطة بني ال�شمال‬ ‫واجلنوب مل تتحقق �أبداً‪.‬‬ ‫�أما املجموعة الثانية‪ ،‬فهي مدفوعة �أ�سا�س ًا ب�شعور �أنهم �ضحايا «�سيا�سة‬ ‫التميي���ز» الت���ي تتبعه���ا احلكومة �ض���د �أبن���اء اجلنوب‪ ،‬والت���ي جتعلهم‬ ‫«مواطن�ي�ن من الدرجة الثاني���ة»‪ .‬وتركز معظ���م مطالبهم على حت�سني‬ ‫الظ���روف االقت�صادي���ة واالجتماعي���ة يف اجلزء اجلنوبي م���ن الوطن‪.‬‬ ‫ويف ب���ادئ الأم���ر مل يكن ملطالبهم هذه بعد ًا �سيا�سي���اً‪ .‬وينتمي �إىل هذه‬ ‫الفئ���ة‪ ،‬ال�ضباط والع�سكريون اجلنوبي���ون ال�سابقون واملتقاعدون الذين‬ ‫طالب���وا علن��� ًا ع���ام ‪ 2007‬بزي���ادة رواتبه���م و�إعادته���م �إىل اخلدمة يف‬ ‫�صفوف اجلي�ش اليمني‪ .‬كم���ا ت�ضم هذه املجموعة �أي�ض ًا بع�ض ال�شباب‬ ‫اجلنوبيني الذي���ن انخرطوا يف «احتاد �شباب اجلن���وب»‪ ،‬الذي ركز يف‬ ‫البداي���ة على حق ال�شباب يف مناطق اجلن���وب يف احل�صول على فر�ص‬ ‫عمل �أف�ضل‪ ،‬وتعليمهم وت�أهيلهم ليناف�سوا يف �سوق العمل‪ .‬ولكن مع مر‬ ‫ال�سنني تبنّت هذه املجموعة �أجندة �سيا�سية‪ ،‬و�أ�صبحت جزء ًا فاع ًال يف‬

‫احلراك اجلنوبي‪.‬‬ ‫يف حني ت�ضم املجموعة الثالثة اليمنيني اجلنوبيني‬ ‫املدفوع�ي�ن �أ�سا�س��� ًا مبطالب تتعلق بحق���وق �أ�سرية‬ ‫وقبلي���ة‪ ،‬ت�شم���ل ح���ق ال�سيط���رة عل���ى الأرا�ض���ي‬ ‫ومتلكه���ا‪ ،‬وح���ق الأ�س���رة �أو القبيل���ة يف احل�صول‬ ‫على نفوذ �سيا�س���ي �ضمن بنية الدولة‪ .‬وخري مثال‬ ‫على عنا�صر ه���ذه اجلماعة ال�شيخ طارق الف�ضلي‬ ‫وهيئت���ه امل�سم���اة «جمل�س قيادة الث���ورة ال�سلمية»‪.‬‬ ‫وق���د ت�أ�س�ست ه���ذه الهيئة – على الأق���ل يف بادئ‬ ‫الأم���ر – حلماية امل�صال���ح ال�شخ�صية لزعيمها و�أ�سرت���ه وقبيلته‪ ،‬من‬ ‫خالل ال�ضغط عل���ى الدولة ملنحه ما يعتربه حقه ال�شرعي يف ال�سيطرة‬ ‫عل���ى الأر�ض‪ ،‬و�سرعان ما اتخذ الأم���ر طابع ًا �سيا�سي ًا متثّل يف املطالبة‬ ‫بانف�صال اجلنوب‪.‬‬ ‫ويف ه���ذه املرحلة‪ ،‬يواجه احل���راك اجلنوبي �ضعف ًا على م�ستويني‪ :‬يبدو‬ ‫�أولهما ماث ًال يف ال�صراع الداخلي بني عنا�صر كل جمموعة على م�سائل‬ ‫القيادة والأه���داف ال�سيا�سية والقواعد التي ت�ضبط ت�صرفات عنا�صر‬ ‫املجموع���ة املعني���ة‪� .‬أم���ا امل�ست���وى الثاين فيظه���ر من خ�ل�ال ال�صراع‬ ‫احلا�ص���ل بني املجموعات التي ت�شكل احلراك اجلنوبي؛ فهي و�إن كانت‬ ‫ُمتّحدة يف عدائها للحكومة املركزية‪ ،‬لكنها تختلف كثري ًا ب�ش�أن العديد‬ ‫م���ن الق�ضاي���ا مث���ل الأيديولوجي���ة‪ ،‬والأجن���دة ال�سيا�سي���ة‪ ،‬والعالقات‬ ‫امل�ستقبلي���ة مع احلكومة املركزية‪ ،‬وكذلك املوق���ف الفعلي �إزاء الهدف‬ ‫من االنف�صال‪.‬‬ ‫كم���ا �أن هناك عوامل �ضع���ف �أخرى حتد من ت�أث�ي�ر احلراك اجلنوبي‬ ‫وتقل���ل م���ن نفوذه‪ ،‬مث���ل حقيق���ة �أن احلراك يفتق���ر حالي��� ًا للم�ساعدة‬ ‫اخلارجي���ة املهمة‪ ،‬والدعم امل���ايل وال�سيا�سي‪ .‬وال �ش���ك يف �أن كل هذه‬ ‫العوام���ل ت�سهم يف احل ّد من ق���درة احلراك اجلنوب���ي‪ ،‬وتُ�صعِّب الأمر‬ ‫علي���ه يف �أن ي�شكل حتدي ًا خط�ي�ر ًا للحكومة يف‬ ‫املرحلة الراهنة‪.‬‬ ‫عدم اال�ستقرار يف اليمن و�أثره‬ ‫يف الأمن الإقليمي اخلليجي‬ ‫لكن لي����س هناك �أدنى �شك حي���ال �إمكانية التايل‬ ‫بقلم‪� :‬أ�رشف حممد ك�شك‬ ‫تط���ور احل���راك اجلنوب���ي �إىل �أن ي�صب���ح‬ ‫حتدي��� ًا كبري ًا يه���دد �شرعية احلكوم���ة اليمنية‬ ‫وا�ستق���رار الب�ل�اد‪ ،‬ب���ل وم�ستقبل وح���دة الدول���ة و�سالمته���ا يف نهاية‬ ‫املط���اف‪ .‬و�إذا ما �أثبتت احلكومة �أنها عاج���زة �أو غري راغبة يف اتخاذ‬ ‫�إج���راءات جادة ب�ش�أن الإ�صالحات ال�سيا�سية واالقت�صادية للتعامل مع‬ ‫امل�ش���كالت التي تواجه الب�ل�اد عموم ًا واجلنوب ب�ش���كل خا�ص‪ ،‬وف�شلت‬ ‫يف معاجل���ة ال�شكاوي االجتماعية واالقت�صادية وال�سيا�سية �أو يف �إدراك‬ ‫احلاج���ة �إىل �إع���ادة هيكل���ة النظام ال�سيا�س���ي يف اليمن‪ ،‬ف����إن الو�ضع‬ ‫الأمن���ي وال�سيا�سي قد يتدهور �إىل درجة اخل���روج عن نطاق ال�سيطرة‪،‬‬ ‫م���ع ما �سيرتتب عليه ذل���ك من تداعيات خطرية ته���دد الأمن الإقليمي‬ ‫لدول اخلليج قاطب ًة يف ال�صميم‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪17‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫اخلا�صرة‬ ‫ِ‬ ‫َجعٌ يف‬ ‫و َ‬

‫عدم اال�ستقرار يف اليمن و�أثره‬ ‫يف الأمن الإقليمي اخلليجي‬

‫�أ�شرف حممد ك�شك‬ ‫‪akishk_71@hotmail.com‬‬

‫مم��ا ال�ش��ك في��ه �أن الغزو الأمريكي للع��راق عام ‪ 2003‬قد �أح��دث تغري ًا هيكلي ًا يف الأم��ن الإقليمي اخلليجي ال��ذي ي�ضم ثماين‬ ‫وح��دات ه��ي دول جمل�س التعاون اخلليج��ي‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل العراق و�إيران‪ ،‬و�أحيانًا يثار احلديث ح��ول �إمكانية ان�ضمام اليمن‬ ‫وف��ق �صيغ��ة (‪ )1+2+6‬عند احلديث عن مقرتحات لأمن تل��ك املنطقة احليوية من العامل‪ ،‬والتي مل ت�شهد ا�ستقرار ًا حقيقي ًا منذ‬ ‫االن�سحاب الربيطاين من املنطقة عام ‪ 1971‬وحتى الآن‪ ،‬ومن مظاهر ذلك التغري‪:‬‬

‫�أوالً‪ :‬ا�ستم���رار اعتم���اد دول جمل�س التع���اون اخلليجي على اخليار‬ ‫الغرب���ي يف حماية �أمنها القومي‪ ،‬ومن ذلك �أمرين‪� ،‬أولهما‪� :‬سيادة‬ ‫قناعة ل���دى دول اخلليج م�ؤداها �أن القواعد الع�سكرية الغربية هي‬ ‫�صمام الأمان �ض���د �أي تهديدات �إقليمية حمتملة‪ .‬ويف هذا ال�سياق‬ ‫جت���يء موافقة دولة الإم���ارات العربية املتحدة عل���ى �إقامة قاعدة‬ ‫فرن�سية بحري���ة قبالة م�ضيق هرمز يف بداية عام ‪ .2009‬وثانيهما‪:‬‬ ‫ب���دء دول جمل�س التع���اون اخلليجي ح���وار ًا ا�سرتاتيجي��� ًا مع حلف‬ ‫النات���و عام ‪ 2004‬وف���ق مبادرة �إ�سطنبول للتع���اون مع دول اخلليج‪،‬‬ ‫تلك املبادرة الت���ي يالحظ �أن ظاهرها تعاون ًا �أمني ًا وباطنها تعاون ًا‬ ‫دفاعي���اً‪� ،‬إذ �أن م�سئويل احللف �أكدوا غري مرة �أن احللف لن يقدم‬ ‫�ضمان���ات �أمني���ة لدول خ���ارج �أع�ض���اءه‪ .‬بيد �أن م�ضم���ون املبادرة‬ ‫هو التع���اون ب�ش����أن الت�صدي للإره���اب و�أ�سلحة الدم���ار ال�شامل‪،‬‬ ‫بالإ�ضافة �إىل �إدارة الأزمات‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬وجود جماعات م���ا دون الدول ويتخطى نفوذها الدول‪ ،‬ومن‬ ‫ذل���ك ح���زب اهلل يف لبن���ان وجماعة مقت���دى ال�ص���در يف العراق‪،‬‬ ‫وحرك���ة حما����س الفل�سطينية‪ ،‬مب���ا يعني �أن وحدات ه���ذا الأمن مل‬ ‫تع���د هي الدول ورمبا حتتاج تلك الظواهر �إىل درا�سة‪ ،‬وبخا�صة �أن‬ ‫البعد العقائدي هو �أداة ت�أثري تلك اجلماعات‪.‬‬ ‫ثالث���اً‪ :‬حالة اخلل���ل الإقليمي غ�ي�ر امل�سبوق الذي ر ّتب���ه ذلك الغزو‬ ‫الأمريك���ي للعراق يف املنطقة‪� ،‬إذ خرج الع���راق من معادلة التوازن‬ ‫الإقليم���ي �إىل ف�ت�رة زمنية غ�ي�ر حمدد مداها‪ .‬وذل���ك بالنظر �إىل‬ ‫‪18‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫تعقي���دات امل�س�ألة العراقية �سوا ًء �أمني��� ًا �أو �سيا�سي ًا �أو �إثنياً‪ ،‬وحتوّل‬ ‫الع���راق �إىل «�ساحة م�ستباح���ة» لأطراف �إقليمي���ة ودولية تتعار�ض‬ ‫م�صاحله���ا يف ظ���ل عدم وجود م�ش���روع وطني عراق���ي تلتف حوله‬ ‫القوى ال�سيا�سية العراقية‪ ،‬بل �إن التو�صيف الدقيق للحالة العراقية‬ ‫هو «حرب الكل �ضد الكل»‪.‬‬ ‫ويف ظل تلك االعتبارات ال�ساب���ق الإ�شارة �إليها‪ ،‬ميكن فهم احلالة‬ ‫اليمني���ة‪ .‬وبغ�ض النظر عن الأ�سب���اب التي �أدت �إىل الأزمة احلالية‬ ‫يف اليم���ن؛ فبع�ضها اقت�صادي والآخر بني���وي بالنظر �إىل الطبيعة‬ ‫القبلية للدولة اليمنية‪ ،‬ف�إن احلديث �سوف يقت�صر على التداعيات‬ ‫الأمنية الإقليمية التي ترتبها احلالة اليمنية خليجياً‪.‬‬ ‫فعل���ى الرغم م���ن �أن اليمن لي����س ع�ضو ًا يف جمل����س التعاون لدول‬ ‫اخللي���ج العربي���ة‪ ،‬ذلك املجل����س الذي �أن�ش���ئ ع���ام ‪« 1981‬جامع ًا‬ ‫مانعاً»‪ ،‬حيث ي�ضم �ست دول خليجية‪� ،‬إال �أنه من الناحية اجلغرافية‬ ‫يع���د اليمن جزء ًا �أ�سا�سي ًا يف الن�سيج العام ل�شبه اجلزيرة العربية‪،‬‬ ‫�إذ يرتبط بدولها تاريخي ًا و�إثني��� ًا وقوميًا‪ ،‬وبالتايل ف�إنه من اخلط�أ‬ ‫االعتق���اد ب����أن ما يحدث يف اليم���ن لن يكون له ت�أث�ي�ر يف �أمن دول‬ ‫جمل����س التع���اون اخلليج���ي‪ .‬وانطالقًا م���ن ذلك ي�سته���دف املقال‬ ‫معاجل���ة ثالث ق�ضايا‪ ،‬الأوىل‪� :‬أهمي���ة اليمن بالن�سبة لدول جمل�س‬ ‫التع���اون اخلليجي‪ ،‬والثانية‪ :‬ت�أثري حالة ع���دم اال�ستقرار يف اليمن‬ ‫عل���ى الأمن الإقليمي اخلليجي‪� ،‬أما الثالثة فهي امل�سئولية اخلليجية‬ ‫جتاه اليمن‪.‬‬ ‫�أ�ش���رف حممد ك�شك باح���ث متخ�ص�ص يف ق�ضاي���ا �أمن اخلليج‪,‬‬ ‫مدير املركز الدبلوما�سي للدرا�سات اال�سرتاتيجية بالقاهرة‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪19‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫�أوالً‪� :‬أهمي��ة اليم��ن بالن�سب��ة ل��دول جمل���س التع��اون‬ ‫اخلليجي‬ ‫تتح����دد �أهمية اليمن بالن�سبة لدول جمل�س التعاون اخلليجي يف عدة‬ ‫نواح هي‪:‬‬ ‫‪ .1‬ا�سرتاتيجي���اً‪ :‬يتخ����ذ اليم����ن موقع���� ًا ا�سرتاتيجي���� ًا بال����غ الأهمي����ة‬ ‫يف جن����وب اجلزي����رة العربية‪ ،‬حيث يط����ل على �شواط����ئ وا�سعة على‬ ‫ضال ع����ن �إ�شرافه عل����ى مداخلهم يف‬ ‫البحري����ن الأحم����ر والعربي‪ ،‬ف� ً‬ ‫ب����اب املندب ال����ذي يعد البوابة اجلنوبية للبح����ر الأحمر وخليج عدن‬ ‫ال����ذي يعد املدخل �إىل املحيط الهن����دي‪ ،‬وبذلك ف�إن اليمن ال يف�صله‬ ‫��ل�ا‬ ‫ع����ن ق����ارة �أفريقي����ا �س����وى ‪ 18‬مي ً‬ ‫فق����ط‪ .‬ويكت�سب موقع اليمن على باب‬ ‫املندب �أهمي����ة ق�صوى‪ ،‬حيث مير من تعزيز الدور الإيراين‬ ‫خالله �أكرث م����ن ثالثة ماليني برميل يف مواجهة الدول‬ ‫م����ن النف����ط يومي����اً‪ ،‬كما يع����د اليمن اخلليجية ال�صغرى‪،‬‬ ‫�أق����رب نقط����ة �آ�سيوي����ة لأفريقيا‪ ،‬مما يتطلب عدم فتح جبهة‬ ‫يعن����ي �أن موق����ع اليم����ن اال�سرتاتيجي جديدة متثل عبئاً على‬ ‫يجعل����ه حمط �أنظار الق����وى الإقليمية �أجهزة الأمن اخلليجي‪،‬‬ ‫والدولي����ة‪ ،‬وبالت����ايل ف�����إن ا�ستق����رار ومن ث ّم ف�إن ت�أمني‬ ‫اليم����ن يعد م�صلحة ا�سرتاتيجية عليا حدود دول اخلليج‬ ‫لدول جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬حيث وبخا�صة اجلنوبية يعد‬ ‫يعد ظه��ي�ر ًا �آمن ًا لتلك ال����دول عموم ًا �أمراً ا�سرتاتيجياً بالغ‬ ‫واململكة العربية ال�سعودية خا�صة‪ .‬الأهمية‬ ‫‪� .2‬أمنياً‪ :‬يف ظل ا�ستمرار وجود فجوة‬ ‫جيوبولتيكية بني دول جمل�س التعاون اخلليجي وجريانها الإقليميني‪،‬‬ ‫وبخا�صة �إيران‪ ،‬حيث �أ�شارت �إح�صاءات اليون�سكو لعام ‪� 2007‬إىل �أن‬ ‫عدد �سكان دول جمل�س التعاون اخلليجي بلغ ‪ 36‬مليون ن�سمة‪ ،‬مقابل‬ ‫‪ 71‬ملي����ون ن�سمة ل����دى �إيران‪ ،‬وهو الأمر ال����ذي انعك�س على القدرات‬ ‫الع�سكرية ل����دول اخلليج كدول �صغرى ما تزال تواجه مع�ضلة «عقدة‬ ‫الأحج����ام القزمي����ة»‪ .‬ويف ه����ذا ال�سي����اق‪ ،‬ذكر تقري����ر املعهد الدويل‬ ‫للدرا�سات اال�سرتاتيجي����ة بلندن عام ‪� 2007‬أن �إجمايل حجم القوات‬ ‫الع�سكري����ة العاملة لدى دول جمل�س التعاون اخلليجي جميعها حوايل‬ ‫‪� 352‬أل����ف مقارن����ة بـ‪� 545‬أل����ف لدى �إي����ران‪ ،‬وبالت����ايل �إذا كانت دول‬ ‫اخللي����ج قد انتهجت خي����ار التحالف م����ع الدول الغربي����ة للدفاع عن‬ ‫�أمنه����ا القومي‪ ،‬ومن ذلك االتفاقيات الأمنية الثنائية املوقعة مع تلك‬ ‫ضال عن بدء �أربع‬ ‫الدول يف �أعقاب حرب اخلليج الثانية عام ‪ ،1991‬ف� ً‬ ‫دول خليجية حوار ًا ا�سرتاتيجي ًا مع حلف الناتو وفق مبادرة �إ�سطنبول‬ ‫عام ‪ ،2004‬ف�����إن القدرات الب�شرية تظل م�شكل����ة حقيقية تواجه تلك‬ ‫الدول‪ ،‬وهو م����ا قد ي�سهم يف حلها ان�ضمام اليمن ب�إمكاناته الب�شرية‬ ‫و�سماته البحرية وف�ضائ����ه اجلوي ال�شا�سع ملجل�س التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫وقد �أدركت اململكة العربية ال�سعودية �أهمية ان�ضمام اليمن للمجل�س‪،‬‬ ‫‪20‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫وه����و ما ع��ّب�رّ عنه وزي����ر اخلارجية ال�سعودي����ة �سع����ود الفي�صل �أمام‬ ‫منتدى املنامة لأمن اخلليج يف عام ‪ ،2004‬حيث قال الوزير ال�سعودي‬ ‫�أن هناك ثالثة �أبعاد له����ذا الأمن‪ :‬حملية و�إقليمية ودولية‪ ،‬وامل�ستوى‬ ‫الإقليم����ي البد و�أن يرتكز ذلك الأم����ن على �أربعة �أطراف هي جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي واليمن والعراق و�إيران‪.‬‬ ‫م����ن ناحي����ة �أخرى‪ ،‬ف�����إن تعزي����ز الدور الإي����راين يف مواجه����ة الدول‬ ‫اخلليجي����ة ال�صغ����رى‪ ،‬يتطل����ب ع����دم فتح جبه����ة جديدة متث����ل عبئ ًا‬ ‫عل����ى �أجهزة الأمن اخلليجي‪ ،‬ومن ثمّ ف�����إن ت�أمني حدود دول اخلليج‬ ‫وبخا�صة اجلنوبية يعد �أمر ًا ا�سرتاتيجي ًا بالغ الأهمية‪.‬‬ ‫‪ .3‬اقت�صادياً‪� :‬إذا ما نظرنا �إىل التطورات التي �شهدها العامل م�ؤخر ًا‬ ‫ومتثل����ت يف اقت�صادات ال�سوق املفتوح‪ ،‬ف�إن االقت�صاد �أ�ضحى قاطرة‬ ‫ال�سيا�سة‪ ،‬ويف ظ����ل الأهمية النفطية لدول جمل�س التعاون اخلليجي‪،‬‬ ‫ض��ل�ا عن بدء تلك ال����دول عدة خطوات مهمة عل����ى طريق التكامل‬ ‫ف� ً‬ ‫االقت�صادي وهو ما متثل يف اخلطوات ب�ش�أن العملة اخلليجية املوحدة‬ ‫�أو ال�س����وق اخلليجية امل�شرتكة‪ ،‬ف�إن دول اخلليج �ستظل يف حاجة �إىل‬ ‫زيادة التبادل التجاري مع الأط����راف الإقليمية ويف مقدمتها اليمن‪.‬‬ ‫وبالرغ����م من تراجع معدالت التنمية يف االقت�صاد اليمني‪� ،‬إال �أنه ما‬ ‫يزال يحتوي على فر�ص ا�ستثمارية واعدة لدول اخلليج‪.‬‬ ‫من ناحية �أخرى‪ ،‬ف�إن توجه دول جمل�س التعاون اخلليجي لال�ستغناء‬ ‫ع����ن العمال����ة الوافدة وبخا�ص����ة الآ�سيوي����ة فيها‪ ،‬نظر ًا مل����ا ترتبه من‬ ‫خماطر �أمنية و�سيا�سية واقت�صادية بل وثقافية‪ ،‬حيث �أ�ضحت الهوية‬ ‫اخلليجية حمل ت�سا�ؤل؟!‪ ،‬ف�إن اليمن يعد بدي ًال مهم ًا للعمالة املطلوبة‬ ‫للخط����ط التنموية يف دول اخللي����ج‪ .‬وهنا ميكن الإ�ش����ارة �إىل منوذج‬ ‫الوالي����ات املتح����دة واملك�سي����ك على �سبي����ل املثال‪ ،‬حي����ث تنفق الأوىل‬ ‫�أم����وا ًال طائلة يف الثاني����ة لإقامة م�شروعات اقت�صادي����ة ت�ستفيد منها‬ ‫�أمني���� ًا واقت�صادياً‪ ،‬وهذا النموذج ميكن تطبيقه يف احلالة اخلليجية‬ ‫ضال ع����ن �أن الأيدي‬ ‫– اليمني����ة؛ ف����دول اخللي����ج بحاجة لأ�سواق‪ ،‬ف� ً‬ ‫العامل����ة اليمنية ميكن ت�أهيلها من خ��ل�ال برامج تدريبية عرب �إن�شاء‬ ‫�صندوق م�شرتك خليجي‪ -‬ميني لهذا الغر�ض‪.‬‬ ‫ويف ه����ذا ال�سي����اق‪� ،‬أ�شار تقري����ر �صادر عن الأمم املتح����دة عن حالة‬ ‫ال�س����كان يف الع����امل لع����ام ‪� 2009‬إىل �أن تعداد �سكان اليم����ن بلغ ‪23.6‬‬ ‫ملي����ون ن�سمة‪ ،‬ويتوق����ع �أن ي�صل هذا الع����دد �إىل ‪ 53‬مليون و‪� 700‬ألف‬ ‫ن�سمة بحلول العام ‪ ،2050‬وت�ست�أثر �شريحة ال�شباب بحوايل ربع �سكان‬ ‫اليمن وهو ما يعني �أن اليمن تعد بدي ًال مهم ًا لالحتياجات اخلليجية‬ ‫من العمالة التي تعتمد ب�صفة �أ�سا�سية على العمالة الآ�سيوية‪.‬‬ ‫ويعن����ي م����ا �سب����ق �أنه ق����د ت�ضافرت ع����دة عوام����ل لتجعل م����ن اليمن‬ ‫امت����داد ًا طبيعي ًا لدول جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬مبا ميكن معه القول‬ ‫�إن احلف����اظ على �أمن اليمن وا�ستقراره يعد �أم����ر ًا ا�سرتاتيجي ًا لتلك‬ ‫ال����دول بغ�ض النظر عن مواقفها من ان�ضم����ام اليمن للمجل�س والتي‬ ‫تعد متباينة‪.‬‬

‫ثانيً��ا‪ :‬ت�أث�ير ال�صراع��ات الداخلي��ة يف اليمن عل��ى الأمن‬ ‫الإقليمي اخلليجي‬ ‫انطالق���� ًا م����ن االعتبارات ال�سابق����ة الإ�ش����ارة �إليها‪ ،‬ترت����ب الأو�ضاع‬ ‫الأمني����ة املتدهورة يف اليمن عدة تداعيات �أمنية على الأمن الإقليمي‬ ‫اخلليجي‪ ،‬ميكن الإ�شارة �إليها على النحو التايل‪:‬‬ ‫�أ) بق����اء منطقة اخللي����ج يف حالة من عدم اال�ستق����رار‪ .‬انطالق ًا من‬ ‫�أهمي����ة اليم����ن بالن�سبة لدول جمل�����س التعاون اخلليج����ي‪ ،‬فقد اتخذ‬ ‫جمل�س التع����اون اخلليجي قرار ًا خ��ل�ال القمة الثاني����ة والع�شرون يف‬ ‫م�سق����ط ع����ام ‪ 2001‬ب�ش�أن ان�ضم����ام اليمن لبع�����ض م�ؤ�س�سات جمل�س‬ ‫التعاون اخلليج����ي كخطوة متهيدية لت�أهيل اليمن لإمكانية ان�ضمامه‬ ‫�إىل املنظومة اخلليجية‪ ،‬وبالتايل ف�إن ا�ستمرار حالة التدهور الأمني‬ ‫م����ع تزاي����د الدعوات االنف�صالي����ة يف اليمن‪ ،‬و�إ�ش����ارة بع�ض التقارير‬ ‫�إىل مترك����ز تنظي����م القاعدة يف الأرا�ضي اليمني����ة وذلك وفق ًا لتقرير‬ ‫ا�ستخبارات����ي �أمريك����ي ج����اء فيه «�أن م����ن يتمركز يف اليم����ن ي�ستطيع‬ ‫الت�أثري بكل �سهولة يف ال�سعودي����ة ومنطقة اخلليج العربي والنفاذ �إىل‬ ‫الع����راق و�سوريا والأردن وغريها من مناطق ال�شرق الأو�سط‪ ،‬والت�أثري‬ ‫يف مناطق �شرق �أفريقيا والقرن الأفريقي‪ ،‬وكذلك الو�صول �إىل الهند‬ ‫وباك�ست����ان عرب جن����وب �إيران»‪ .‬ف�إن ذلك يعد خط����ر ًا داهم ًا على دول‬ ‫اخلليج التي حتيط بها �أكرث من دولة ت�شهد حالة تفكك وانهيار �أمني‪،‬‬ ‫ومن ذلك ال�صومال ال����ذي يعد مفككًا منذ ت�سعينيات القرن املا�ضي‪،‬‬ ‫�أي�ض���� ًا رمب����ا يواجه ال�سودان امل�ص��ي�ر ذاته ي�ض����اف �إىل ذلك العراق‪،‬‬ ‫ويعني ذلك تعاظم معاناة دول اخلليج من التداعيات الأمنية من تلك‬ ‫ال����دول‪ ،‬و�أهمه����ا النازحني وت�سلل اجلماعات الإرهابي����ة‪ .‬وبخا�صة �أن‬ ‫اليم����ن يعد هو الأكرث كثافة �سكاني����ة يف �شبه اجلزيرة العربية والأكرث‬ ‫فق����رًا يف الوقت ذات����ه‪ ،‬وبالتايل يكون ح����زام التوترات ح����ول منطقة‬ ‫اخلليج قد اكتمل‪.‬‬ ‫ب) تهدي��د �أم��ن الطاق��ة‪ :‬يف ظل ا�ستم����رار �أزمة املل����ف النووي‬ ‫الإي����راين وتهديد �إيران غري ذي مرة ب�إغالق م�ضيق هرمز الذي مير‬ ‫في����ه �أك��ث�ر من ‪ 90%‬من �ص����ادرات النفط اخلليجية‪ ،‬فق����د بحثت دول‬ ‫جمل�����س التعاون اخلليجي �إقامة طرق بديلة لنقل النفط اخلليجي �إىل‬ ‫اخل����ارج‪ ،‬ومي����ر بع�ضها داخل الأرا�ض����ي اليمنية‪ .‬وبالت����ايل ف�إن حالة‬ ‫ع����دم اال�ستقرار يف اليمن تعن����ي حمدودية خيارات دول اخلليج ب�ش�أن‬ ‫ت�صدير النفط اخلليجي للخارج حال �إقدام �إيران على �إغالق م�ضيق‬ ‫هرم����ز �إذا ما احتدمت الأزمة النووية مع الدول الغربية‪ ،‬ومن ثمّ ف�إن‬ ‫تده����ور الأو�ض����اع الأمنية يف اليم����ن من �ش�أنه الت�أث��ي�ر يف �أمن الطاقة‬ ‫لدول اخلليج من زاويتني‪:‬‬ ‫�أولهم����ا‪ :‬اليمن بحك����م موقعه اجلغ����رايف �ضمن نطاق �شب����ة اجلزيرة‬ ‫العربية وبحكم امتداد �سواحله وموانئه على البحر العربي وخليج عدن‬ ‫��ل�ا ا�سرتاتيجي ًا ل�صادرات‬ ‫ومن ثمّ املحي����ط الهندي‪ ،‬فقد �أ�ضحى بدي ً‬ ‫دول املجل�����س حال �إقدام �إي����ران على �إغالق م�ضي����ق هرمز‪ .‬ويف هذا‬

‫ال�سياق‪ ،‬جتدر الإ�شارة �إىل �أنه مت االتفاق بني وزراء النقل اخلليجيني‬ ‫خ��ل�ال العام ‪ 2008‬على خطة طوارئ لنق����ل النفط من خالل ممرات‬ ‫ُف�صح عن م�ضمونها ورمبا يكون اليمن �إحداها‪.‬‬ ‫بديلة مل ي َ‬ ‫وثانيهم����ا‪ :‬املوقع اجلغرايف لليمن الذي ي�ؤهله للتحكم يف باب املندب‪،‬‬ ‫كم����ا �أن البح����ر الأحم����ر ال����ذي يع����د �أهم مم����ر مالحي لنق����ل النفط‬ ‫اخلليج����ي �إىل الدول الأوروبية ويق�صر امل�ساف����ة التي تقطعها ناقالت‬ ‫النفط بن�سبة ‪ ،%60‬ومير به يوميًا ‪ 3.3‬مليون برميل من النفط مبعدل‬ ‫‪ %4‬من الطلب العاملي على الطاقة‪ ،‬و�أن هناك ‪� 21‬ألف ناقلة ت�ستخدم‬ ‫ذل����ك املمر �سنوي ًا وفق ًا لإح�صاءات وزارة الطاقة الأمريكية‪ ،‬وبالتايل‬ ‫يف ظل ت�صريحات �سعيد ال�شه����ري الرجل الثاين يف «تنظيم القاعدة‬ ‫بجزيرة العرب» من �أن التنظيم يتطلع �إىل ال�سيطرة على باب املندب‬ ‫اال�سرتاتيج����ي بالتع����اون م����ع «املجاهدي����ن يف ال�صوم����ال»‪ ،‬معترب ًا �أن‬ ‫حدوث ذلك يعن����ي «ن�صر ًا عظيم ًا ونفوذ ًا ًعاملي����اً» (�صحيفة «املدينة»‬ ‫ال�سعودية‪ ،)2010/2/9 ،‬ف�إن ذلك يعك�س مدى التهديد الذي ميكن �أن‬ ‫تتعر�ض له �صادرات النفط اخلليجية‪.‬‬ ‫ج) الت�أث��ي�ر يف الأم����ن القومي ل����دول اخلليج‪� .‬أي�ض ًا ف�����إن حتول اليمن‬ ‫�إىل «دول����ة فا�شل����ة» ‪ -‬مبقايي�س الدول الغربية ‪ -‬حي����ث جاء اليمن يف‬ ‫املرتب����ة الثامنة ع�شرة يف ت�صنيف جملة ف����ورِن بولي�يسي ‪lForeign Po‬‬ ‫‪ icy‬لل����دول الفا�شل����ة عام ‪ ،2009‬ي�ش����كل تهديد ًا م�ؤك����د ًا للأمن القومي‬ ‫ل����دول اخللي����ج‪ .‬وعلى الرغ����م من �أن‬ ‫اليمن مل يتحول بع����د �إىل دولة فا�شلة‬ ‫الت����ي ترتبط ب�أمري����ن‪� ،‬أولهما‪ :‬انهيار‬ ‫ت�ضافرت عدة عوامل‬ ‫لتجعل من اليمن‬ ‫احلكومة املركزية الت����ي حتتكر القوة‬ ‫امتداداً طبيعياً لدول‬ ‫يف املجتم����ع‪ ،‬وثانيهما‪� :‬ش����دة العنف‪،‬‬ ‫جمل�س التعاون‬ ‫ف�إن ا�ستم����رار حالة التده����ور الأمني‬ ‫اخلليجي‪ ،‬مبا ميكن‬ ‫احلفاظ يف اليمن يعني �إيج����اد ذريعة للتدخل‬ ‫معه القول �إن‬ ‫اخلارج����ي ومن ث����مّ ازدي����اد االنت�شار‬ ‫على �أمن اليمن‬ ‫الأجنبي يف املنطقة‪ ،‬مما يعد تهديد ًا‬ ‫وا�ستقراره يعد �أمراً‬ ‫للأم����ن القوم����ي العرب����ي يف �أح����د‬ ‫ا�سرتاتيجياً لتلك‬ ‫عن‬ ‫النظر‬ ‫الدول بغ�ض‬ ‫�أهم مفا�صل����ه‪ ،‬واخلليج����ي على وجه‬ ‫مواقفها من ان�ضمام‬ ‫اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫اليمن للمجل�س والتي‬ ‫ومن ناحي����ة �أخرى‪� ،‬أ�شار تقرير ملعهد‬ ‫تعد متباينة‬ ‫درا�س����ات ال�شرق الأدن����ى يف الواليات‬ ‫املتح����دة م�ؤخ����ر ًا �إىل �أن «احل����رب‬ ‫الدائ����رة يف حمافظ����ة �صع����دة اليمني����ة ق����رب احل����دود ال�سعودية بني‬ ‫املتمردي����ن احلوثي��ي�ن والق����وات اليمنية» م����ن �ش�أنه����ا «�أن تن�سف �أمن‬ ‫منطقة اخلليج ب�أ�سره»‪ ،‬وذلك من عدة نواحٍ �أهمها‪:‬‬ ‫ تهديد احلدود ال�سعودية‪ ،‬حيث �أ�شارت بع�ض التقارير �إىل �أن اململكة‬‫العربية ال�سعودية توقف كل عام �أكرث من ‪� 400‬ألف مت�سلل ميني داخل‬ ‫�أرا�ضيه����ا‪ ،‬و�أخ����ذ ًا يف االعتب����ار ط����ول ال�شريط احلدودي ب�ي�ن اليمن‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪21‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫وال�سعودية‪ ،‬حيث يبلغ طوله ‪ 1500‬كيلو مرت ًا ف�إنه ت�صعب ال�سيطرة عليه‬ ‫وي�سم���ح بعمليات ت�سل���ل‪ ،‬ومن خالل ذلك ال�شريط يت���م تهريب الأفراد‬ ‫ضال عن �إعالن تنظيم القاعدة مطلع‬ ‫والأ�سلح���ة واملخدرات للمملكة‪ ،‬ف� ً‬ ‫العام ‪ 2009‬توحيد التنظيم يف اليمن و�شبه اجلزيرة العربية حتت مظلة‬ ‫واحدة بقي���ادة نا�صر الوحي�شي‪ ،‬وهو ما ميثل تهديد ًا مبا�شر ًا لأمن دول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي‪.‬‬ ‫ تعد تلك احلرب �أول حرب تخو�ضها اململكة‪ ،‬وهناك تقديرات ذهبت‬‫�إىل �أن حج���م تلك احل���رب كان �أكرب من حرب الغ���زو العراقي للكويت‬ ‫ضال عن الأبعاد الطائفية لتلك احلرب‪ ،‬حيث �إن احلوثيني‬ ‫عام ‪ ،1990‬ف� ً‬ ‫ال�شيع���ة ينتمون للفرقة الزيدية وتوجد بع����ض الدالئل على دعم �إيراين‬ ‫له�ؤالء‪.‬‬ ‫ �إمكانية ت�أثر ال�شيعة يف دول اخلليج بالأحداث يف اليمن‪ ،‬حيث ترتاوح‬‫ن�سبة ال�شيعة يف اليمن ما بني ‪ %35-30‬من �إجمايل ال�سكان‪ ،‬ورمبا يكون‬ ‫ل���دى احلوثي�ي�ن م�ش���روع لن�شر الت�شي���ع يف الدول املج���اورة وبخا�صة يف‬ ‫جن���وب اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬حيث تنت�شر يف ع�سري وجنران طائفة‬ ‫ال�شيعة الإ�سماعيلية‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ :‬امل�س�ؤولية اخلليجية جتاه الو�ضع احلايل يف اليمن‬ ‫تق���ع على عاتق دول جمل�س التعاون اخلليجي م�سئولية �إعادة اال�ستقرار‬ ‫والأمن لليمن من خالل الآتي‪:‬‬ ‫‪ .1‬املدخ���ل ال�سيا�سي‪ :‬وذل���ك ب�إمكانية مبادرة جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫بدع���وة �أط���راف النزاع مل�ؤمت���ر م�صاحلة‪ ،‬حي���ث كان لدولة قطر جهود‬ ‫�سابقة يف ذلك من خالل ا�ست�ضافة احلوثيني واحلكومة اليمنية (طريف‬ ‫الن���زاع يف �صع���دة) وتوقي���ع اتفاق �سرع���ان ما انهار مع ان���دالع اجلولة‬ ‫ال�ساد�سة من القتال يف �أوائل �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2009‬‬ ‫‪ .2‬املدخ���ل التنم���وي‪ :‬وذل���ك انطالقًا من اخلطوة الت���ي بد�أها اجلانب‬ ‫اخلليجي يف هذا ال�ش�أن‪ ،‬ومتثلت يف اجتماع وزراء اخلارجية اخلليجيني‬ ‫ب�صنع���اء نهاية ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 2006‬لو�ضع خطة وبرامج حمددة‬ ‫يت���م االتفاق عليها يف م�ؤمت���ر دويل للمانحني تتبناه دول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليج���ي لتوفري املتطلب���ات التمويلي���ة الالزمة لتحقي���ق ت�أهيل تنموي‬ ‫�شام���ل لليمن‪ .‬وقد بدا ذل���ك جلي ًا يف م�ؤمتر املانح�ي�ن بلندن‪ ،‬حيث بلغ‬ ‫�إجم���ايل االلتزام���ات اخلليجية حوايل ‪ 3.7‬ملي���ار دوالر �أي حوايل ‪%70‬‬ ‫م���ن �إجمايل الفجوة التمويلية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل درا�سة م�شروع �إقامة خط‬ ‫ضال عن‬ ‫�سك���ة حديد يربط بني اليمن ودول جمل�س التعاون اخلليجي‪ ،‬ف� ً‬ ‫تعهد دول اخلليج بنحو ‪ %50‬م���ن �إجمايل حجم التعهدات التي قدمتها‬ ‫ال���دول املانحة يف م�ؤمتر لندن الأخ�ي�ر (�شباط‪/‬فرباير ‪ ،)2010‬وخالل‬ ‫امل�ؤمتر الذي ا�ست�ضافته اململكة العربية ال�سعودية يف ال�شهر ذاته �أعلنت‬ ‫اململك���ة منحها مليار دوالر للوف���اء بتعهداتها ل�صال���ح اليمن (�صحيفة‬ ‫“الأهرام” امل�صرية‪.)2010/2/4 ،‬‬ ‫وجمم���ل القول �إن اليمن لدي���ه تزايد �سكاين ملح���وظ ويعاين من ندرة‬ ‫يف امل���وارد وب�إمكان دول اخلليج امل�ساهم���ة يف �إخراجه من تلك الدائرة‬ ‫‪22‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫املفرغة‪� ،‬إذ �إن املوازنة العامة لليمن تعتمد على ‪ %89‬من �إيراداتها على‬ ‫ضال عن النفط‬ ‫ال�ضرائ���ب‪ ،‬والر�س���وم اجلمركية‪ ،‬واملنح والقرو����ض‪ ،‬ف� ً‬ ‫الذي بد�أت خمزوناته يف االنحدار‪.‬‬ ‫‪ .3‬البح���ث يف �إمكاني���ة ان�ضم���ام اليم���ن �إىل م�ؤ�س�س���ات خليجية �أخرى‬ ‫كخط���وة عل���ى طري���ق ت�أهيل اليمن ليك���ون ع�ضوًا يف جمل����س التعاون‬ ‫اخلليج���ي‪ ،‬حي���ث اتخذت قمة م�سقط ع���ام ‪ 2001‬ق���رار ًا مهم ًا يف هذا‬ ‫ال�ش����أن و�صدر قرار باملوافقة عل���ى ان�ضمام اليم���ن �إىل �أربع م�ؤ�س�سات‬ ‫رئي�سي���ة باملجل�س وه���ي مكتب الرتبي���ة وجمل�س وزراء العم���ل وال�ش�ؤون‬ ‫االجتماعي���ة وجمل����س وزراء ال�صح���ة �إ�ضاف���ة �إىل دورة ك�أ����س اخلليج‬ ‫ضال عن االتفاق بني جمل����س التعاون اخلليجي‬ ‫العرب���ي لكرة الق���دم‪ ،‬ف� ً‬ ‫واليم���ن يف ع���ام ‪ 2002‬على و�ض���ع �آليات حمددة للتع���اون بني اجلانبني‬ ‫ت�ضمن���ت ت�شكي���ل جمموعة عم���ل م�شرتك���ة بينهما للخ���روج بت�صورات‬ ‫م�شرتكة للتعاون‪.‬‬ ‫وجممل ما �سبق �أن �صانع القرار اخلليجي يتعني عليه �أخذ زمام املبادرة‬ ‫ملن���ع انهيار اليمن‪ ،‬وبالتايل البد من تغليب اعتبارات اجلغرافيا والأمن‬ ‫القوم���ي على ما عداها من اعتبارات �سيا�سية �ضيقة‪ ،‬حيث �إن ا�ستمرار‬ ‫تلك الأو�ضاع يف اليمن رمبا ي�ؤول �إىل �أحد �سيناريوهني‪ ،‬الأول‪� :‬سيناريو‬ ‫احلك���م الفيدرايل‪ ،‬وبالتايل يت���م تق�سيم اليمن �إىل ثالث���ة �أقاليم وهي‬ ‫اجلن���وب وال�شم���ال والو�س���ط‪� ،‬إال �أن هذا يبدو �أم���ر ًا م�ستبعد ًا لأن ذلك‬ ‫م���ن �ش�أنه �أن ي�ؤدي �إىل تف���كك اليمن‪ ،‬وقد �أكد م�ست�شار الرئي�س اليمني‬ ‫عبد الكرمي الإري���اين رف�ضه لهذا ال�سيناريو وقال “�إنها تبد�أ بفيدرالية‬ ‫وتنتهي انف�صالية‪ ،‬لهذا �أنا �ضد الفيدرالية”‪.‬‬ ‫والث���اين‪ :‬ح ّل امل�شكالت يف ظل بق���اء الدولة اليمني���ة بو�ضعها الراهن‪،‬‬ ‫وه���ذا يحتاج من احلكومة اليمنية �إع���ادة النظر يف ال�سيا�سات احلالية‬ ‫ورمبا يحتاج ذلك �إىل دعم خليجي ب�شكل فاعل‪.‬‬ ‫‪� .4‬إمكاني���ة بح���ث �صيغ���ة جديدة جتم���ع كل من دول جمل����س التعاون‬ ‫اخلليج���ي واليمن مع���اً‪ ،‬بحيث يتم التغلب عل���ى م�شكلة هوية الأع�ضاء‬ ‫يف جمل����س التعاون اخلليجي الذي ولد جامع ًا مانع���اً‪ ،‬وهناك �صيغتان‪،‬‬ ‫الأوىل‪ :‬انته���اج �سيا�س���ة امل�شارك���ة بني‬ ‫جمل����س التع���اون كجه���ة واح���دة وبني‬ ‫اليمن �أو �أي دول���ة ترغب يف االن�ضمام‬ ‫يتعني على �صانع القرار للمجل����س من خ�ل�ال اتفاقي���ات جتمع‬ ‫اخلليجي يتعني عليه‬ ‫الطرفني ومتنح الطرف خارج املجل�س‬ ‫�أخذ زمام املبادرة ملنع‬ ‫و�ضع��� ًا خا�ص���اً‪ ،‬والثاني���ة‪ :‬ه���ي �إن�شاء‬ ‫انهيار اليمن‪ ،‬وبالتايل منظم���ة �إقليمي���ة ذات طابع اقت�صادي‬ ‫البد من تغليب اعتبارات ت�ض���م دول جمل����س التع���اون اخلليجي‬ ‫ال�ست وبع����ض دول املنطقة مثل اليمن‬ ‫اجلغرافيا والأمن‬ ‫القومي على ما عداها على غرار منظمة التعاون االقت�صادي‬ ‫يف و�سط �آ�سي����ا “الأيكو” والتي ت�ضم‬ ‫من اعتبارات �سيا�سية‬ ‫‪ 10‬دول ذات توجه����ات �سيا�سي����ة‬ ‫�ضيقة‬ ‫و�أو�ضاع اقت�صادية متباينة‪.‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬

‫جهود احلكومة اليمنية فـي تنظيم حمل الأ�سلحة واحلد من انت�شارها‬

‫الدوافع‪ ،‬ال�سيا�سات‪ ،‬املعوقات‬ ‫عاي�ش على عوا�س‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪23‬‬


‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫تاريخ من التوقعات غري املُحقَّ قة‬

‫‪24‬‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫الواليات املتحدة واليمن‬

‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫جِ ‪� .‬إِ‪ .‬بـيتــر�ســون‬ ‫‪JEPeterson@dakotacom.net‬‬

‫مل ت�ب�رز اليم���ن‪ ،‬يوم���اً م���ا‪ ،‬حتى يف نط���اق دول ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬ك�أولوية م���ن �ضمن �أهم �أولوي���ات ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجي���ة الأمريكي���ة‪ ،‬ولك���ن م���ع ه���ذا ا�ستح���وذت اليمن مق���داراً معين���اً ‪ -‬ويف الغال���ب ‪ -‬مهماً م���ن اهتمام‬ ‫وا�شنط���ن عل���ى ف�ت�رات متقطع���ة ومنتظم���ة تقريباً خ�ل�ال الن�صف الثاين م���ن القرن املا�ض���ي‪ ،‬و�أ�صبح ذلك‬ ‫االهتم���ام �أك�ث�ر و�ضوح���اً يف مطل���ع ع���ام ‪ ،2000‬فقد ان�ص���ب تركيز وا�شنطن امل���زدوج على ثابت�ي�ن خالل تلك‬ ‫الفرتة‪ ،‬وهما‪ :‬الت�أثري الذي ي�شكله اليمن يف ال�سعودية وا�ستقرار �أنظمة احلكم املتعاقبة يف اليمن؛ حيث �أن‬ ‫اليمن تعترب مالذاً لقوى �أيديولوجية تتعار�ض مع امل�صالح الأمريكية‪.‬‬ ‫وم���ع مرور الوقت تطورت ه���ذه القوى املعادية للو�ضع احل���ايل يف املنطقة‪،‬‬ ‫خط موازي لذلك تبنت الواليات املتحدة‪ ،‬التي متثل داعم ًا �أ�سا�سي ًا‬ ‫بينما يف ٍ‬ ‫للو�ض���ع القائم يف املنطقة‪� ،‬سيا�س���ة ثابتة ولكن مرتددة م���ع �أنظمة �صنعاء‬ ‫املتعاقب���ة‪ ،‬يف ح�ي�ن �أن هذه الأنظمة تُعترب يف نظ���ر وا�شنطن �أنظمة ه�شة ال‬ ‫يُعتمد عليها و‪�/‬أو غري �أهل للثقة‪.‬‬ ‫�إن هناك نوع ًا من التماثل بني بداية العالقات الأمريكية ‪ -‬اليمنية يف فرتة‬ ‫ال�ستيني���ات وبني العالقات هذه يف ف�ت�رة الألفية‪� ،‬إذ �سعت الواليات املتحدة‬ ‫يف كال الفرتت�ي�ن �إىل حت�س�ي�ن العالقات بني البلدين‪ ،‬لي����س من �أجل تعزيز‬ ‫امل�صالح الأمريكي���ة مبا�شرة يف اليمن و�إمنا خ�شية الواليات املتحدة من �أن‬ ‫ي����ؤدي عدم اال�ستقرار يف اليمن ووجود عنا�صر معادية هناك �إىل �إ�شكاالت‬ ‫�أمني���ة داخل املنطقة وخارجه���ا على حدٍّ �سواء‪ .‬ففي ف�ت�رة ال�ستينيات كان‬ ‫خطر احل���رب الأهلية يف ال�شمال يه���دد بانطالق القومي���ة العربية والفكر‬ ‫النا�ص���ري يف �شب���ه اجلزي���رة العربي���ة‪ ،‬وظهور دول���ة م�ستقل���ة يف اجلنوب‬ ‫كانت متثل خط���ر ًا �أكرب نظر ًا لأيديولوجيتها املارك�سي���ة واعتمادها الكامل‬ ‫عل���ى �أن�صاره���ا ال�شيوعيني‪� .‬أم���ا يف فرتة الألفية فقد ظه���ر �شبح التطرف‬ ‫الإ�سالم���ي يف �صورة اجله���اد‪ ،‬وهذا ي�ش���كل حتدي ًا مبا�ش���ر ًا لي�س للحكومة‬ ‫اليمنية فقط و�إمنا للواليات املتحدة �أي�ضاً‪.‬‬ ‫تعود العالقات بني الواليات املتحدة واليمن �إىل‬ ‫نبذة تاريخية‬ ‫ف�ت�رة الأربعينيات من القرن الع�شرين ‪� ،‬إذ ب���د�أت العالقات الدبلوما�سية‬ ‫بني البلدين عام ‪ ،1946‬ويف عام ‪ 1956‬ت�أ�س�ست مفو�ضية �أمريكية يف مدينة‬ ‫تعز‪ ،‬العا�صمة الفعلية �آنذاك‪ ،‬ومن ثمّ انتقلت �إىل �صنعاء عام ‪ .1966‬كما مت‬ ‫فت���ح مفو�ضية مينية يف وا�شنطن قب���ل ثورة ‪ ،1962‬وبد�أت الوكالة الأمريكية‬ ‫للتنمي���ة الدولة بربنامج �إعانة متوا�ضع انطل���ق ب�إن�شاء الطريق الذي يربط‬ ‫املخا وتعز و�صنعاء‪.‬‬ ‫ث���م اُتخِ ذت اخلطوة التالية يف العالق���ات الأمريكية ‪ -‬اليمنية مع الثورة يف‬ ‫ال�شم���ال‪ ،‬وذلك عندما ر�أت الواليات املتح���دة �أن ت�أثريها يف العامل العربي‬ ‫ب���د�أ يقل نتيجة لظهور موجة الأنظمة العربية “التقدمية” التي كانت تطيح‬ ‫بالأنظمة امللكية والأنظمة الد�ستورية القدمية‪ ،‬فا�ضطرت الواليات املتحدة‬ ‫موقف دفاعي يدعم الأنظمة امللكية املتبقية يف املنطقة‪ .‬ويف ‪26‬‬ ‫�إىل اتخ���اذ ٍ‬

‫(‬

‫)‬

‫ج‪� .‬إِ‪ .‬بيرت�س���ون م����ؤرخ وحمل���ل �سيا�س���ي �أمريك���ي متخ�ص����ص يف‬ ‫ال�ش�ؤون املعا�صرة ل�شبه اجلزيرة العربية واخلليج‪.‬‬

‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪� 1962‬أطاح انقالب ع�سكري يف �صنعاء بنظام ملكي حمافظ‬ ‫ج���د ًا تربطه عالق���ات بوا�شنطن‪� ،‬إال �أنها مل تكن عالق���ات قوية‪ .‬لكن ذلك‬ ‫االنق�ل�اب ا�ستبدل النظام امللكي بنظام جمه���وري مت�شدد – على الأقل يف‬ ‫لهج���ة اخلط���اب – تلقى دعم ًا قوي��� ًا من جمال عبد النا�ص���ر‪ ،‬رئي�س م�صر‬ ‫اال�شرتاكية‪ ،‬بل ورمبا �أن القاهرة هي من دبّر االنقالب‪.‬‬ ‫وبالرغ���م من ذلك اختار الرئي�س جون كن���دي �أن يعلن عن رغبته يف العمل‬ ‫مع عب���د النا�صر والنظام النا�شئ يف العامل العرب���ي‪ ،‬ولهذا كانت الواليات‬ ‫املتح���دة من بني �أول الدول التي اعرتفت باجلمهورية العربية اليمنية‪ .‬لكن‬ ‫ذل���ك مل يكن �سوى حماولة عقيمة؛ فقد عار�ضتها بريطانيا و�شعرت اململكة‬ ‫العربي���ة ال�سعودي���ة بتهديد مبا�ش���ر (وا�ستقبلت الإم���ام وعائلته)‪ .‬وا�ستمر‬ ‫االبتعاد عن نظام �صنعاء ينمو عندما ازدادت احلرب الأهلية �ضراوة‪ ،‬وبد�أ‬ ‫امل�ست�شارون ال�سوفيت يف الظهور �إىل جانب اجلمهورية الوليدة ‪.‬‬ ‫ظل���ت العالق���ات الأمريكي���ة ‪ -‬اليمني���ة غري وا�ضح���ة املعامل بع���د احلرب‬ ‫الأهلي���ة‪ .‬فمع �أن الوالي���ات املتحدة كان���ت ت�شجع �سبي���ل املفاو�ضات لإنهاء‬ ‫احلرب الأهلي���ة‪ ،‬وكانت �سفاراتها موجودة يف �صنع���اء على الدوام‪ ،‬وتقدم‬ ‫بع����ض املعون���ات املتوا�ضعة‪� ،‬إال �أن امل�صالح الأمريكي���ة كانت ترتكز ب�صورة‬ ‫مبا�ش���رة يف ال�سعودية بينما كان اليمن يقع على هام�ش ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫الأمريكي���ة؛ فلم تكن تت�ضمن م�صالح �أم�ي�ركا الرئي�سية �إال خ�شية الواليات‬ ‫املتح���دة م���ن �أن ينهار نظام احلك���م يف اليمن ويُزَ ج البل���د يف فو�ضى تهدد‬ ‫�أنظم���ة احلك���م املحافظ���ة يف �شب���ه اجلزيرة العربي���ة‪ .‬ومل تك���ن امل�ساعدة‬ ‫املتوا�ضع���ة التي تقدمه���ا الواليات املتحدة لليمن �سوى �أم���ر ثانوي ال �أهمية‬ ‫ل���ه مقابل احلرب الباردة الت���ي كانت تخو�ضها الوالي���ات املتحدة واالحتاد‬ ‫ال�سوفيت���ي‪� ،‬إذ كانت هات���ان القوتان تتناف�سان يف تق���دمي الدعم الع�سكري‬ ‫لليمن ال�شمايل لأن نظام احلكم يف �صنعاء كان ميثل تر�س ًا واقي ًا �ضد اليمن‬ ‫اجلنوبي الأكرث ت�شدداً‪.‬‬ ‫�أم���ا العالقات ب�ي�ن الواليات املتحدة واليم���ن اجلنوبي فقد كان���ت يف �أ�سو�أ‬ ‫حاالته���ا مع �أن �أول قن�صلية �أمريكية يف �شب���ه اجلزيرة العربية ت�أ�س�ست يف‬ ‫العا�صمة عدن ع���ام ‪ 1940‬تقريباً‪ ،‬وكانت مبثابة موقع تن�صت جيد لكل من‬ ‫اليم���ن وال�سعودية �أي�ض ًا حتى ت�أ�س�ست قن�صلية �أمريكية يف جدة عام ‪.1942‬‬ ‫ويب���دو �أن املعلوم���ات التي مت جتميعه���ا كان م�صدره���ا الربيطانيني الذين‬

‫( )‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪25‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫‪26‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫كان وا�ضح��� ًا �أن الرئي����س �صال���ح هو من م�س���ك بزمام‬ ‫ال�سلطة الفعلية‪ ،‬كما مت �إحالل املجل�س فيما بعد‪ .‬وانتقل‬ ‫احل���زب اال�شرتاكي �إىل �ساح���ة املعار�ضة عندما التفت‬ ‫ح���زب امل�ؤمت���ر ال�شعب���ي الع���ام �إىل حليف���ه الأول حزب‬ ‫كان���ت هناك م�ؤ�ش���رات �أخرى ع���ن التح�س���ن الطفيف‬ ‫الإ�صالح املحاف���ظ‪� .‬أي �أن �شعب اليمن اجلنوبي �سابق ًا‬ ‫واملت���درج يف العالق���ات بني البلدين خ�ل�ال فرتة �أواخر‬ ‫الأق���ل كثافة بكث�ي�ر من �شعب ال�شم���ال‪ ،‬ر�أوا �أن احلزب‬ ‫الت�سعيني���ات وما بعده���ا‪ .‬وبالت�أكيد كانت اليمن يف ذيل‬ ‫اال�شرتاك���ي اليمني مل يعد م�ؤث���ر ًا يف العملية الت�شريعية‬ ‫قائم���ة �أولوي���ات وا�شنطن‪ ،‬ولكن مل مين���ع هذا من حثّ‬ ‫كما يف ال�سيا�سة التطبيقية لليمن املوحد‪ ،‬فتحول الر�أي‬ ‫اليم���ن وال�سعودي���ة لإقام���ة عالقة �أف�ض���ل بينهما‪ .‬ومن‬ ‫ال�شعب���ي يف اجلنوب م���ن موقف املعار�ض���ة القوية �ضد انت�شرت �شائعات مفادها‬ ‫ناحية �أخرى‪ ،‬كانت لدى �صنعاء ووا�شنطن وجهات نظر‬ ‫�أن �صنعاء �ستمنح‬ ‫احل���زب اال�شرتاكي اليمني �إىل م�ساندته باعتباره رمز ًا الواليات املتحدة قاعدة‪ ،‬متباين���ة متام ًا ب�ش����أن الق�ضايا العربي���ة ‪ -‬الإ�سرائيلية‪،‬‬ ‫وطني��� ًا للهوية اجلنوبية‪ .‬ومع مرور الأي���ام ات�ضح متام ًا‬ ‫كم���ا انزعج���ت الوالي���ات املتح���دة من عالق���ات اليمن‬ ‫خا�صة على جزيرة‬ ‫�أن الرئي����س �صالح مل يكن يعترب اجلنوب �شطر ًا م�ساوي ًا‬ ‫بعراق �صدام‪ ،‬فت�ضاءلت امل�ساعدات الأمريكية و�أغلقت‬ ‫�سقطرى‪ ،‬وهو ما دفع‬ ‫يف الدولة‪.‬‬ ‫وكالة التنمية الدولية مكتبها يف �صنعاء‪.‬‬ ‫بالرئي�س �صالح للقول‪:‬‬ ‫وبحل���ول ع���ام ‪ 1994‬ازداد الو�ض���ع توت���ر ًا �إىل درجة �أن‬ ‫وعل���ى �صعي���د العالق���ات االقت�صادي���ة‪ ،‬فق���د ا�ستمرت‬ ‫«لي�س من �سيا�ستنا منح‬ ‫ال�سيا�سي�ي�ن اجلنوبي�ي�ن ان�سحب���وا �إىل ع���دن‪ ،‬ويف �شهر الواليات املتحدة من�ش�آت» بني البلدي���ن ولكن على م�ستوى مت���دين‪ ،‬وهو ما يعك�س‬ ‫�أيار‪/‬مايو قام ق���ادة احلزب اال�شرتاكي اليمني بتجميع‬ ‫م�ستوى العالقات ال�سيا�سية‪� ،‬إذ بلغ �إجمايل ال�صادرات‬ ‫�أكرب عدد ممكن من ال�شخ�صيات ال�سيا�سية يف اجلنوب‪،‬‬ ‫م���ن الب�ضائع الأمريكية �إىل اليم���ن عام ‪ 2002‬ما قيمته‬ ‫حتى تلك ال�شخ�صيات التي تنتمي للجناح اليميني الذين‬ ‫‪ 366‬ملي���ون دوالر فقط‪ ،‬وهو مبلغ زهيد جد ًا مقارنة مببلغ مليار دوالر قيمة‬ ‫كان���وا معار�ض�ي�ن جلبة التحري���ر القومية واحلزب اال�شرتاك���ي اليمني قبل ال�ص���ادرات الأمريكية �إىل الكويت على �سبيل املث���ال‪� .‬أما الواردات اليمنية‬ ‫اال�ستق�ل�ال‪ ،‬ثم �أعلن���وا عن جمهورية اليم���ن الدميقراطية اجلديدة كدولة �إىل �أم�ي�ركا فبلغت ‪ 246‬مليون دوالر‪ ،‬ومعظمه���ا من النفط اخلام والقهوة‪،‬‬ ‫م�ستقل���ة‪ ،‬فاندلع القتال مبا�شرة بني وح���دات اجلي�ش ال�شمالية واجلنوبية‪ ،‬وعند مقارنتها مرة �أخرى بالواردات من الكويت جندها �ضئيلة جد ًا مقابل‬ ‫لكن القوات اجلنوبية تراجعت تدريجي ًا �إىل عدن ومن ثمّ �إىل ح�ضرموت يف ملياري دوالر‪ .‬كما �أن الواليات املتحدة ملّحت �إىل رغبتها يف التفاو�ض ب�ش�أن‬ ‫ال�شرق‪ ،‬ومت ح�سم املعركة ل�صالح القوات ال�شمالية يف غ�ضون �أ�سابيع‪.‬‬ ‫التو�صل �إىل اتفاق للتجارة احلرة مع اليمن‪ ،‬وذلك كجزء من �إطار جتارتها‬ ‫ومل تتخذ الواليات املتحدة موقف ًا حمدد ًا جتاه احلرب‪ ،‬و�إمنا اكتفت بت�أييد الإقليمية الأو�سع‪.‬‬ ‫دع���وة جمل�س التع���اون اخلليجي لوقف �إطالق النار‪ ،‬وه���و الأمر الذي لو مت وكان النف���ط هو �أكرب عامل يف العالق���ات االقت�صادية‪ ،‬حيث بد�أت ال�شركة‬ ‫ل���كان يف �صالح اجلنوب‪ .‬ورغم هذا �صرح الرئي�س �صالح فيما بعد جلريدة الأمريكي���ة “هنت” التنقي���ب يف اليمن على الياب�سة ع���ام ‪ 1981‬ويف البحر‬ ‫“تامي���ز” الكويتية بقول���ه “�إن الواليات املتحدة كانت ت�ؤي���د وحدة اليمن‪ ،‬عام ‪ ،1984‬وقد اكت�شفت النفط عام ‪ 1984‬يف حمافظة م�أرب الواقعة �شرق‬ ‫وكنا قد ح�صلنا على ال�ضوء الأخ�ضر منها للحفاظ على الوحدة‪ .‬والواليات �صنع���اء يف منطق���ة متتد ع�ب�ر احلدود مع اليم���ن اجلنوبي �سابق���اً‪ .‬ثم بد�أ‬ ‫املتح���دة تريد �إقليم ًا (ميناً) موح���د ًا ولي�س مق�سماً‪ ،‬وه���ذا ما �شعرنا به”‪ .‬العمل يف مد �أنابيب النفط �إىل �ساحل البحر الأحمر و�إن�شاء م�صفاة حملية‬ ‫وبع���د ذلك ب�أ�شهر قليلة حت�سنت العالقات الثنائي���ة بني البلدين‪ ،‬ودل على يف حمافظ���ة م�أرب‪ .‬ويف ع���ام ‪ 1987‬بد�أ ت�صدير النف���ط مبعدل �أويل و�صل‬ ‫هذا التط���ور الر�سالة التي �أر�سلها الرئي�س بيل كلينتون �إىل الرئي�س �صالح‪ 130.000 ،‬برميل يومي���اً‪� .‬أما اال�ستك�شافات النفطية التي قامت بها “هنت”‬ ‫وح���ثّ فيها على خلق عالقات جي���دة بني اليمن وال�سعودي���ة‪ .‬وبح�سب �أحد داخل البح���ر فقد ف�شلت يف العثور على حقول نفطية‪ ،‬كذلك �أخفقت جهود‬ ‫ال�صح���ف العربية‪ ،‬ف�إن رف�ض اليم���ن ال�ستقبال مدرب�ي�ن عراقيني لتدريب �شرك���ة “�إِك�سن” و�شركة “تك�سيكو” يف حقول �أخ���رى‪ ،‬فان�ضمت “�إك�سن”‬ ‫قواته���ا على مقات�ل�ات (مي���ج‪ )29 -‬كان ه���و ال�سبب اجلوه���ري وراء هذا ك�شري���ك م���ع �شركة “هنت” يف �شركة النفط اليمني���ة التي تقوم بت�شغيل‬ ‫التغ�ي�ر‪ .‬وتلقت فك���رة دعم الوالي���ات املتح���دة للتو�ص���ل �إىل اتفاقية حدود القطاع رقم (‪.)18‬‬ ‫�سعودي���ة ‪ -‬مينية باملزيد م���ن الت�أييد من خالل ما قال���ه ال�سفري الأمريكي‬ ‫وبع���د الوحدة اليمنية بد�أت �شركة النفط الكندي���ة “كنيديان �أوك�سدنتل”‪،‬‬ ‫ل���دى �صنع���اء عام ‪ .1997‬ويف نف�س العام ظهر م�ؤ�ش���ر �آخر يدل على حت�سّ ن‬ ‫التابع���ة لل�شركة الأمريكية “�أمريكان �أوك�سدنت���ل”‪ ،‬ب�إنتاج النفط يف قطاع‬ ‫العالق���ات‪ ،‬وهو �إر�س���ال وا�شنطن لفريق م���ن اخلرباء لإزال���ة الألغام التي‬ ‫امل�سيل���ة مبحافظة ح�ضرموت‪ ،‬وهي املنطقة التي كانت تتبع اليمن اجلنوبي‬ ‫خلفتها حرب ‪.1994‬‬ ‫�سابق���اً‪ .‬و قبي���ل احل���رب الأهلية ع���ام ‪ 1994‬كانت “هنت” تنت���ج ‪170.000‬‬ ‫وبحلول ‪� 1998‬أ�صبحت اليمن تتعاون مع الواليات املتحدة من خالل ال�سماح برميل يومي ًا بينما كانت �شركة “كنيديان �أوك�سدنتل” تنتج ‪ 150.000‬برميل‬ ‫لل�سفن الأمريكية بالتعريج على ميناء عدن والتزوّد بالوقود‪ .‬لكن هذا املناخ يومي���اً‪ .‬لكن عملية الإنت���اج يف املنطقتني توقفت م�ؤقت��� ًا �أثناء احلرب‪ .‬ومن‬ ‫االيجاب���ي تغيرّ بعد االعت���داء على املدمرة الأمريكية “كول” يف ميناء عدن املنج���زات الأخ���رى التي حتققت بع���د الوحدة مد خط�ي�ن �أنابيب نفط �إىل‬ ‫ع���ام ‪ ،2000‬وكذلك هجمات احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب التي حدثت مين���اء ال�شحر على البحر العربي و�إىل �سواحل الن�شيمة يف خليج عدن‪ ،‬وهو‬ ‫بعد مرور �سنة من الهجوم على املدمرة “كول”‪.‬‬ ‫ما �سهل عملية الت�صدير من عدة اجتاهات‪.‬‬

‫(‬

‫(‬

‫حكم���وا عدن باعتبارها م�ستعمرة ملكية وباقي املناطق الداخلية باعتبارها �أدى �إىل �إفال�س اجلنوب‪( .‬هذا بالإ�ضافة �إىل �أن ال�صراعات الدموية التي‬ ‫حممية بريطانية‪ ،‬ولهذا ال�سبب مل يكن الوجود الدبلوما�سي الأمريكي ي�شكل ن�شب���ت ع���ام ‪ 1969‬و‪ 1972‬و‪ 1982‬و‪ 1986‬ب�صف���ة خا�ص���ة‪� ،‬أدت �إىل ت�صفية‬ ‫يف ع���دن �أي م�شكل���ة‪ ،‬وا�ستمر احلال كذلك حتى ظه���ور جماعات معار�ضة ال�شخ�صي���ات ال�سيا�سية الأ�سا�سية يف نظام اجلنوب و�أ�صبحت هناك قيادة‬ ‫كانت تقوم بحمالت معادية للوجود الربيطاين خالل فرتة ال�ستينيات‪.‬‬ ‫عملية �أكرث من �سابقتها)‪ .‬فلم يكن لدى عدن �أي خيار �سوى القبول بالوحدة‬ ‫ويف �شه���ر ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب عام ‪� 1967‬أُج�ب�رت بريطانيا على ت�سليم مع ال�شمال وحتت �شروط اليمن ال�شمايل �أ�سا�ساً‪.‬‬ ‫ع���دن وباقي املحمي���ات جلبهة التحرير القومية‪ ،‬وا�ستم���رت دولة جمهورية ولكن ما �أن م�ضت �أ�شهر قالئل على حتقيق الوحدة حتى وجدت اجلمهورية‬ ‫اليمن ال�شعبية اجلديدة – التي �سميت الحق ًا جمهورية اليمن الدميقراطية اليمني���ة اجلدي���دة نف�سها �أمام �أزمة خطرية نتيجة غ���زو العراق للكويت يف‬ ‫ال�شعبية – يف عالقاتها الدبلوما�سية مع كل من بريطانيا والواليات املتحدة‪� ،‬آب‪�/‬أغ�سط����س ‪� ،1990‬إذ كان���ت ترب���ط اليمن والعراق خ�ل�ال حكم �صدام‬ ‫مع �أنها �أقامت عالقات �أي�ض ًا مع ال�صني واالحتاد ال�سوفيتي و�أملانيا ال�شرقية‪ .‬ح�سني عالق���ات حميمة ن�سبياً‪ ،‬وان�ضمت اليمن م���ع الأردن لت�شكيل جمل�س‬ ‫ومل متر فرتة طويلة قبل �أن ينجرف نظام احلكم مع التيار الي�ساري �أكرث من التعاون العربي كمحاولة لالقت���داء مبجل�س دول التعاون اخلليجي الناجح‪.‬‬ ‫ال�ساب���ق‪ ،‬ففي ‪ 1969‬و�أثناء احتفاالت يوم عي���د اال�ستقالل �أعلنت جمهورية ع�ل�اوة على ذل���ك‪ ،‬كان الر�أي العام يف اليمن م�ؤي���د ًا بقوة لت�صرف العراق‬ ‫اليمن الدميقراطية ال�شعبية فج�أ ًة قطع عالقاتها بالواليات املتحدة‪ ،‬وطرد �ض���د الكوي���ت‪ .‬ولك���ن الأهم من هذا كل���ه‪� ،‬أن اليمن كانت م���ن بني �أع�ضاء‬ ‫ال�سف���ارة الأمريكية من العا�صمة عدن‪ .‬ومل يكن هذا التطور غريباً‪ ،‬خا�صة جمل�س الأمن التابع للأمم املتحدة يف ذلك احلني‪ ،‬ودفعها كل من عالقتها‬ ‫و�أن ال�سعودي���ة – حليفة الواليات املتح���دة – كانت تدعم جماعات �صغرية بالعراق والر�أي العام يف الداخل �إىل االمتناع عن �سل�سلة من القرارات التي‬ ‫من �أبناء اجلنوب ومتدها بال�سالح‪ ،‬وكانت هذه اجلماعات حتاول الإطاحة اتخذه���ا جمل����س الأمن لإدانة الع���راق وحترير الكويت‪ ،‬ف���كان عاقبة ذلك‬ ‫ترحيل م���ا يقارب مليون عامل مين���ي من ال�سعودية‪ ،‬و�إلغ���اء كافة املعونات‬ ‫بالنظام من املهجر‪.‬‬ ‫ومن امل�ب�ررات الأخرى وراء خماوف الواليات املتح���دة من اليمن اجلنوبي الت���ي تقدمها الواليات املتحدة والدول الغربية‪ .‬وانق�ضت �سنوات طويلة قبل‬ ‫�أن ع���دن كانت تقدم الدع���م اللوج�ستي جلبه���ة املعار�ض���ة الي�سارية‪ ،‬التي �أن تنال اليمن ر�ضا وا�شنطن‪ ،‬كما مل تعد العالقات الدبلوما�سية مع الكويت‬ ‫كان���ت ت�ش���نّ ع�صيان ًا م�سلح ًا يف جنوب منطقة ظف���ار العمانية‪� .‬أي�ض ًا يجب حتى عام ‪.1999‬‬ ‫�أن ال نن�س���ى �أن جبهة التحرير القومية هي حركة نبتت من حركة القوميني وظلت العالقات بني �أمريكا واجلمهورية اليمنية فاترة من مطلع الت�سعينيات‬ ‫العرب‪ ،‬وبالتايل كانت تربطها عالقات وطيدة باجلماعات الفل�سطينية مثل حت���ى منت�صفها‪ ،‬مع وجود بع����ض امل�صالح الأمريكية التي من �أهما ح�صول‬ ‫اجلبه���ة ال�شعبية لتحرير فل�سطني واجلبه���ة الدميقراطية القومية لتحرير �شرك���ة النف���ط الأمريكي���ة “هنت” على عق���د االمتياز ال�ستخ���راج النفط‪،‬‬ ‫فل�سط�ي�ن‪ ،‬وهي تنظيمات ناه�ضت امل�صال���ح الأمريكية مرات عديدة‪ .‬ومن وكذل���ك �إر�س���اء املناق�صة على �شركة “كنيدي���ن �أوك�سيدنتل” (وهي �شركة‬ ‫الوا�ض���ح �أن الواليات املتح���دة كانت تود ر�ؤية تغ�ي�رات يف عدن‪ ،‬ولكن يبدو كندي���ة تابعة لأح���د ال�شركات الأمريكية)‪ ،‬كما �سع���ت الواليات املتحدة �إىل‬ ‫�أنه���ا مل تكن تعترب �أن موقف جمهورية اليم���ن الدميقراطية ال�شعبية ي�شكل حت�س�ي�ن العالقات بني الريا�ض و�صنع���اء‪ .‬بالإ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬كان الرئي�س‬ ‫خط���ر ًا كافي ًا لتربي���ر �أي تدخل فعلي‪ ،‬بل �أن جمهوري���ة اليمن الدميقراطية عل���ي عب���داهلل �صالح الذي توىل �س���دة احلكم عام ‪ 1978‬ذكي��� ًا بتبنيه نوع ًا‬ ‫ال�شعبي���ة كانت يف الأ�سا�س بلد ًا �صغ�ي�ر ًا و�ضعيف ًا وفقري ًا ال ميكنه فعل �شيء م���ا من املب���ادئ الدميقراطية وتطبيقه���ا‪ ،‬كانعقاد انتخاب���ات حرة لت�شكيل‬ ‫�س���وى �إحداث بع�ض الأ�ضرار الب�سيطة‪ ،‬له���ذا كان بقائها على ذلك الو�ضع جمل�س النواب‪ ،‬وهو الأمر الذي لفت انتباه وا�شنطن خا�ص ًة و�أنه كان هناك‬ ‫هو اخليار الأف�ضل والأقل خطراً‪.‬‬ ‫ت�شديد على املفاهيم الدميقراطية وتطبيقها كدرع‬ ‫واق لل�سيا�س���ة الأمريكية املعلن���ة يف ال�شرق الأو�سط‬ ‫انزعجت الواليات‬ ‫املتحدة من عالقات اليمن �آن���ذاك‪ .‬وقد فتح املعهد اجلمهوري الوطني واملعهد‬ ‫الوحدة اليمنية و�أزمة ‪1991 – 1990‬‬ ‫الدميقراطي الوطني مكاتب ًا لهما يف �صنعاء ملراقبة‬ ‫متث���ل �سن���ة ‪ 1990‬نقطة حت���ول تاريخية بالن�سب���ة للعالقات بعراق �صدام‪ ،‬فت�ضاءلت‬ ‫�س�ي�ر عملي���ة االنتخاب���ات‪ ،‬والت�شجي���ع عل���ى اتخاذ‬ ‫امل�ساعدات الأمريكية‬ ‫الأمريكي���ة ‪ -‬اليمني���ة‪� ،‬إذ �شه���دت حتقيق الوح���دة اليمنية‬ ‫املزيد من اخلُطى جتاه الدميقراطية‪.‬‬ ‫يف �شه���ر �أيار‪/‬ماي���و‪ .‬وهذا االجن���از هو اله���دف الذي كان و�أغلقت وكالة التنمية‬ ‫اليمنيون ي�سعون لتحقيقه منذ فرتة �سبقت ثورة ‪ ،1962‬غري الدولية مكتبها يف �صنعاء‬ ‫الواليات املتحدة وحرب ‪ 1994‬الأهلية‬ ‫�أن الوج���ود الربيط���اين يف اجلن���وب كان ميثل عائق��� ًا �أمام‬ ‫ذل���ك‪ .‬وبعد ا�ستقالل عدن‪ ،‬تبنّ���ت حكومة اجلنوب منهجية‬ ‫بع���د حتقي���ق الوح���دة ع���ام ‪ 1990‬وج���د اجلن���وب‬ ‫�أكرث راديكالية بينما �أ�صبحت حكومة ال�شمال �أكرث حتفظاً‪،‬‬ ‫نف�س���ه ق���د تقل����ص �سريع��� ًا من دول���ة م�ستقل���ة �إىل‬ ‫فكان من نتائج ذل���ك التحول اندالع مناو�شات حدودية عام‬ ‫عدد م���ن املحافظات‪� ،‬أقل م�ساح���ة و�سكاناً‪� ،‬ضمن‬ ‫‪ 1972‬وع���ام ‪ 1979‬وانتهت بتجديد االلتزام���ات لل�سعي وراء‬ ‫ح���دود اليمن املوحد‪ .‬ويف بداي���ة الأمر كان احلزب‬ ‫اال�شرتاكي اليمني ميثل ال�شريك الثاين يف ال�سلطة‬ ‫حتقيق الوحدة‪ .‬و�أهم تغري يف املحيط �سمح لعملية التن�سيق‬ ‫بعد امل�ؤمتر ال�شعب���ي العام‪ ،‬وكانت القيادة الوطنية‬ ‫للوح���دة ب�ي�ن ال�شطرين هو انهي���ار االحت���اد ال�سوفيتي عام‬ ‫متمثل���ة يف جمل�س رئا�سي م���ن خم�سة �أع�ضاء‪ .‬لكن‬ ‫‪ ،1989‬ففقد اليمن اجلنوبي بهذا ن�صريه الأول‪ ،‬الأمر الذي‬

‫العالقات الأمريكية ‪ -‬اليمنية بعد الهجوم‬ ‫عل��ى املدم��رة الأمريكية “ك��ول” و�أحداث‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2001‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪27‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫وبف�ض���ل عمليات اال�ستك�ش���اف واالكت�شافات النفطي���ة يف عدد من احلقول‬ ‫اجلديدة بلغ �إنت���اج اليمن من النفط ذروته عام ‪ 2000‬حيث و�صل ‪450.000‬‬ ‫برميل يومياً‪ .‬ولكن ما �أن �أ�صبحت احلقول قابلة للدفع واجهت اليمن م�شكلة‬ ‫تده���ور م�ستوى الإنتاج با�ستم���رار رغم اجلهود املتوا�صل���ة من قبل الدولة‪،‬‬ ‫فق���د تراجع مع���دل الإنتاج �إىل ‪ 380.000‬برميل يومي��� ًا عام ‪ 2006‬و‪317.000‬‬ ‫برميل يومياً‪� .‬إ�ضافة �إىل �أن عملية الإنتاج تعرقلت من حني �إىل �آخر نتيجة‬ ‫الهجم���ات املتكررة عل���ى �أنابيب النفط التي قامت به���ا القبائل ال�ساخطة‪،‬‬ ‫وكذلك الإ�ضرابات العمالية‪.‬‬ ‫وتعر�ضت امل�صالح الأمريكية النفطية �إىل �ضربة عام ‪ 2005‬عندما �صادرت‬ ‫اليم���ن حق االمتياز م���ن �شركتي “هنت” و”�إك�سن موباي���ل” وتنازلت عنه‬ ‫ل�شرك���ة حكومي���ة‪ .‬فطلب���ت ال�شركتان الع���ودة �إىل التحكيم ال���دويل بحجة‬ ‫انته���اك حق���وق العق���د‪ ،‬ويف �آب‪�/‬أغ�سط����س ‪ 2008‬حكمت حمكم���ة التجارة‬ ‫الدولي���ة ل�صالح اليم���ن‪ .‬ورغم ذلك اخلالف ا�ستم���رت �شركة “هنت” يف‬ ‫ت�شغيل حقل جنة الذي بلغ متو�سط �إنتاجه يف ال�سنوات الأخرية �إىل ‪45.000‬‬ ‫برميل يومياً‪ ،‬ولعبت هذه ال�شركة �أي�ض ًا دور ًا يف تطوير عملية ت�صدير الغاز‬ ‫الطبيع���ي امل�سال يف اليمن من���ذ ‪ ،1997‬ومتتلك ح�صة كبرية يف �شركة الغاز‬ ‫الطبيع���ي امل�سال اليمني���ة‪ .‬وكان من املتوقع �أن يب���د�أ ت�صدير �أول �شحنة يف‬ ‫كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪.2008‬‬ ‫وهناك تاريخ طويل‪ ،‬و�إن كان متقطع‪ ،‬من امل�ساعدات التنموية التي قدمتها‬ ‫الواليات املتحدة لليمن‪ ،‬ابتدا ًء بت�شييد الطرقات خالل �آخر �سنوات احلكم‬ ‫الأمام���ي يف ال�شم���ال‪ .‬وا�ستمرت امل�ساع���دة ب�صورة متقطع���ة على م�ستوى‬ ‫متدين بعد انته���اء احلرب الأهلية يف ال�شمال (‪ )1970 – 1962‬وحتى ‪1990‬‬ ‫عندما جفّت منابع املعونات التنموية املقدمة من �أمريكا وغريها من الدول‬ ‫الغربي���ة‪ ،‬حيث مل تبلغ معون���ات وكالة التنمية الدولية حتى عام ‪� 1993‬إال ما‬ ‫يق���ارب �أربعة ملي���ون دوالر‪ ،‬وهو ما ميثل خُ م�س املعون���ات املقدمة يف مطلع‬ ‫ف�ت�رة الثمانينات‪ .‬وبحلول ‪ 1995‬ارتفعت امل�ساع���دات �إىل ‪ 9.4‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫ولك���ن باملقابل ارتفعت املديونية اليمنية امل�ستح���ق دفعها للواليات املتحدة‪،‬‬ ‫�إذ و�صل���ت �إىل ما يقارب ‪ 102‬مليون دوالر يف نف�س ال�سنة‪ .‬ويف ‪� 1998‬أُبرمت‬ ‫اتفاقيات ثنائية لإعفاء اليمن من ‪ 17‬مليون دوالر من املديونية‪.‬‬ ‫وق���د �أغلق���ت وكال���ة التنمية الدولي���ة براجمه���ا يف اليمن ع���ام ‪ ،1996‬لكن‬ ‫حت�سن���ت الأو�ض���اع يف اليم���ن بحل���ول ‪ 2003‬وا�ست�أنف���ت الوكال���ة براجمها‬ ‫للإعانة وا�ستهدفت خم�س حمافظات فقرية يف �شمال و�شمال �شرق اليمن‪،‬‬ ‫وهي �صعدة واجل���وف وعمران وم�أرب و�شبوة‪ ،‬ورك���زت على �صحة الأمومة‬ ‫والطفول���ة والتعلي���م الأ�سا�سي والدخل والت�أمني الغذائ���ي وت�شجيع املفاهيم‬ ‫الدميقراطية يف تلك املناطق‪ .‬ولي�س من امل�صادفة �أن تعاين هذه املحافظات‬ ‫كثري ًا من عدم توفر البني���ة التحتية االجتماعية واالقت�صادية الكافية‪ ،‬وقد‬ ‫مت ا�ستهدافها لأنه كان هناك �شعور ب�أن هذه املناطق عر�ضة لعملية التجنيد‬ ‫الإرهابي‪ ،‬ومتثل مالذ ًا �آمن ًا للعنا�صر الإرهابية‪.‬‬ ‫ويف ‪� 2004‬أ�صبح���ت اليمن من الدولة امل�ستحقة للإعانة املقدمة من برنامج‬ ‫م�ؤ�س�سة حتدي الألفية (وهو فرع من احلكومة الأمريكية يقدم �إعانة لأفقر‬ ‫دول الع���امل)‪ ،‬فح�صلت على ‪ 14.8‬مليون دوالر كم�ساعدة خالل ‪ ،2005‬لكن‬ ‫ه���ذا املبل���غ انخف�ض �إىل ت�سعة ملي���ون دوالر يف العام الت���ايل‪ ،‬وذلك نتيجة‬ ‫ل�سحب �أهلية اليمن لنيل دعم هذا الربنامج نظر ًا لقمع ال�صحفيني وتف�شّ ي‬ ‫‪28‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الف�س���اد‪ .‬وله���ذا مل حت�صل اليم���ن على ‪ 30‬مليون دوالر م���ن برنامج حتدي‬

‫الألفي���ة امل�ستح���ق تقدمي���ه لليمن ع���ام ‪ 2007‬وخ�سرت �أي�ض��� ًا �أكرث من ‪100‬‬ ‫ملي���ون دوالر من معونات البنك ال���دويل‪ .‬ويف ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪2007‬‬

‫�أعلن برنامج م�ؤ�س�سة حتدي الألفية �أن اليمن ا�ستعادت �أهليها للدعم كونها‬ ‫قام���ت مبا فيه الكفاية م���ن الإ�صالحات التي �شملت ب���ذل اجلهود ملكافحة‬ ‫الف�س���اد‪ ،‬و�إ�صالحات ق�ضائية‪ ،‬و�سن قوان�ي�ن امل�شرتيات‪ ،‬و�إجراء انتخابات‬ ‫ح���رة‪ ،‬و�إعادة تقييم قانون ال�صحافة القا�س���ي‪ ،‬وتنفيذ �إ�سرتاتيجية وطنية‬ ‫للإ�صالح‪ .‬فقام الربنامج مبنح اليمن ‪ 20.6‬مليون دوالر يف الثاين ع�شر من‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ ،2007‬وذلك ملحاربة الف�ساد وحت�سني �سيادة القانون‪.‬‬ ‫ع�ل�اوة على املزيد من الربامج الإ�ضافي���ة لدعم الرعاية ال�صحية والتعليم‬ ‫والزراع���ة‪ ،‬ا�ستهدفت املعونات املقدم���ة من وكالة التنمي���ة الدولية لليمن‪،‬‬ ‫الإ�سرتاتيجي���ة الوطنية لالمركزية‪ ،‬مع دع���م املجال�س املحلية على م�ستوى‬ ‫املحافظات واملديريات فيما يتعلق بالتخطيط وو�ضع امليزانية والإدارة‪ .‬كما‬ ‫قدمت الدعم للجنة العليا لالنتخابات‪ ،‬وكذلك برامج الإ�صالح بني القبائل‬ ‫اليمنية‪.‬‬

‫م���ن �أه���م الأ�سب���اب التي لفتت االهتمام‬ ‫املخ��اوف الأمني��ة‬ ‫الأمريك���ي �إىل اليمن منذ ‪ 2001‬االعتقاد ب�أن البلد ميثل ‪� -‬أو ميكن �أن ميثل‬ ‫ م�ل�اذ ًا للعنا�ص���ر الإرهابية‪ .‬وق���د ظهرت خماوف �شدي���دة خالل العقود‬‫ال�سابقة نتيجة ل�ضعف الدولة املركزية يف ال�شمال‪ ،‬وظهور توجه �أيديولوجي‬ ‫يف اجلن���وب‪ .‬كما �أن العديد من عنا�صر منظمة التحرير الفل�سطينية جل�أوا‬ ‫�إىل ال�شمال بعد االجتياح الإ�سرائيلي للأرا�ضي اللبنانية عام ‪ ،1982‬كما �أن‬ ‫اجلن���وب ا�ست�ضاف جماعات فل�سطيني���ة علمانية متطرفة على مر ال�سنني‪.‬‬ ‫وبعد ذلك‪ ،‬عندما ان�سحب االحتاد ال�سوفيتي من �أفغان�ستان‪ ،‬عاد ما يقارب‬ ‫‪ 60.000‬م���ن العرب الأفغان �إىل اليم���ن وبدئوا الن�شاط التجاري يف املناطق‬ ‫النائي���ة‪ ،‬و�أخ���ذوا ي�ؤثرون يف املتطرف�ي�ن املحليني وك�سب���وا ت�أييد اخلارجني‬ ‫ع���ن الدولة‪ .‬واقتن���ع الكثري من اليمنيني ب����أن ال�سعودية كان���ت تروج للفكر‬ ‫الوهابي �شديد التحفظ يف اليمن‪ ،‬و�أن من بني الأجانب كان يوجد متطرفني‬ ‫�إ�سالميني‪.‬‬ ‫وبالفع���ل كان���ت هناك �أدلة عل���ى بروز ظاهرة التطرف قب���ل ‪ ،2001‬فقد مت‬ ‫تفج�ي�ر قنابل ع���ام ‪ 1993‬يف فندق�ي�ن مبدينة عدن حيث كان���ت تقيم قوات‬ ‫املارين���ز الأمريكية وهي يف طريقه���ا �إىل ال�صومال‪ ،‬وعلى �إثر ذلك �سحبت‬ ‫الوالي���ات املتحدة جنودها م���ن عدن التي كانت مبثاب���ة حمطة متويل وقود‬ ‫للق���وات الأمريكي���ة‪ .‬كما ا�شتبه يف �أحد اليمنيني عل���ى الأقل ب�أنه متورط يف‬ ‫تفج�ي�رات ‪ ،1998‬التي نفذتها القاعدة �ضد ال�سف���ارات الأمريكية يف كينيا‬ ‫وتنزانيا‪ .‬ويف مطلع ‪ 1999‬تلقت ال�سفارات الربيطانية والأمريكية تهديدات‪،‬‬ ‫وه���و م���ا �أدى �إىل ان�سحاب فرق �إزالة الألغام التابع���ة للواليات املتحدة ملدة‬ ‫ثالثة �أ�شه���ر‪ .‬ويف حزيران‪/‬يونيو ‪ 2001‬تلقت ال�سفارة الأمريكية املزيد من‬ ‫التهدي���دات �أجربتها عل���ى نقل تابعياتها م���ن البلد وكذلك الف���رق التابعة‬ ‫ملكت���ب التحقيق���ات الفي���درايل (�إف‪ .‬بي‪� .‬آي) التي كان���ت حتقق يف حادثة‬ ‫املدمرة “كول”‪.‬‬ ‫وه���ذه احلادثة تعد الأهم على الإطالق‪ ،‬وقد حدثت مبيناء عدن يف ت�شرين‬ ‫الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ 2000‬عندم���ا اقرتب قارب محُ مّل باملتفج���رات من ال�سفينة‬

‫احلربي���ة الأمريكية ون�سفها‪ ،‬محُ دِ ث ُا فجوة يف جانب ال�سفينة و�أ�سفر عن‬ ‫م�صرع �سبعة ع�شر بحار ًا كانوا على منت ال�سفينة “كول”‪ ،‬وكذلك مقتل‬ ‫االنتحاريني‪ .‬وبعد مرور �سنتني تعر�ضت ناقلة النفط الفرن�سية “ملربج”‬ ‫للهجوم قبالة ال�سواحل اليمنية‪.‬‬ ‫وم���ع �أن هاتني احلادثتني هما ما لفت �أغل���ب االنتباه‪� ،‬إال �أنهما مل تكونا‬ ‫الوحيدت�ي�ن �أو الأخريت�ي�ن‪ ،‬ففي �أبريل ‪� 2002‬أغلق���ت ال�سفارة الأمريكية‬ ‫ب�صنع���اء �أبوابه���ا مل���دة �أ�سبوع نتيج���ة لتهدي���دات �إرهابي���ة تلقتها‪ .‬كما‬ ‫�أُحبطت حماولة �إرهابية لقتل ال�سفري الأمريكي يف �أيار‪/‬مايو ‪ .2004‬ويف‬ ‫ني�سان‪�/‬أبري���ل ‪� 2005‬أغلقت ال�سفارتان الربيطانية والأمريكية �أبوابهما‬ ‫م���رة �أخرى‪ ،‬و�أُخلي موظفيهم���ا غري الر�سمي�ي�ن ورعاياهما‪ .‬ويف كانون‬ ‫الأول‪/‬دي�سمرب ‪� 2006‬أطل���ق �أحد اليمنيني النار على ال�سفارة الأمريكية‬ ‫با�ستخ���دام ‪ ،AK-47‬لكنه جُ رح و�ألقي القب�ض عليه من قبل قوات الأمن‬ ‫اليمنية‪ ،‬لكن مل يت�ضح ما �إذا كانت احلادثة عملية �إرهابية �أم ال‪.‬‬ ‫وكان �آخ���ر هجوم �ض���د امل�صالح الأمريكية يف ال�ساب���ع ع�شر من �أيلول‪/‬‬ ‫�سبتمرب ‪ ،2008‬عندما �صدمت �سيارتان احلواجز الوقائية �أمام ال�سفارة‬ ‫الأمريكية ب�صنع���اء‪ ،‬حيث انطلقت ال�سي���ارة الأوىل نحو مبنى ال�سفارة‬ ‫وقام عدد من املهاجم�ي�ن ب�إطالق النار على احلر�س م�ستخدمني قنابل‬ ‫�صاروخي���ة وبنادق‪ ،‬بينما انطلقت ال�سيارة الثانية بعد ذلك نحو البوابة‬ ‫وانفج���رت يف عملية انتحارية‪ .‬و�أدى ذل���ك الهجوم �إىل مقتل �ستة ع�شر‬ ‫�شخ�ص���اً‪ ،‬وه���م املهاجمون ال�ست���ة و�ستة م���ن حر�س الأم���ن و�أربعة من‬ ‫الواقف�ي�ن �أمام ال�سفارة‪ ،‬كان م���ن بينهم مواطنة �أمريكية‪ .‬لكن الهجوم‬ ‫ف�شل يف اخرتاق ال�سفارة‪.‬‬

‫التعاون الع�سكري الأمني بني الواليات املتحدة‬ ‫بد�أت العالقات الع�سكرية تتح�سن من ‪1990‬‬ ‫واليمن‬

‫– ‪ ،1991‬وق���د انت�شرت �شائعات مفادها �أن �صنعاء �ستمنح الواليات املتحدة‬ ‫قاعدة‪ ،‬خا�ص���ة على جزيرة �سقطرى‪ ،‬وهو ما دف���ع بالرئي�س �صالح للقول‪:‬‬ ‫“لي����س من �سيا�ستن���ا منح الواليات املتحدة من�ش����آت”‪ .‬ويف ني�سان‪�/‬أبريل‬ ‫‪ 1998‬عرج م�ساعد وزير اخلارجي���ة الأمريكي ل�ش�ؤون ال�شرق الأدنى مارتن‬ ‫�إندي���ك على العا�صمة �صنع���اء‪ ،‬وبعد �شهر زار اليمن اجلرنال �أنتوين زيني‪،‬‬ ‫قائ���د القوات املركزية الأمريكية‪ ،‬وعقد حمادث���ات مع الرئي�س �صالح‪ .‬وقد‬ ‫كان���ت تلك الزي���ارة الأوىل من نوعها‪ ،‬وكان ورائه���ا ‪� -‬إىل حد ما ‪� -‬صعوبة‬ ‫احل�ص���ول على موافقة البحرين بال�سم���اح للواليات املتحدة ب�إقامة من�ش�آت‬ ‫ع�سكرية �أثناء ال�ضربات اجلوية على العراق عام ‪.1998‬‬ ‫ولي�س م���ن امل�ستغرب �أن تطم���ع الواليات املتحدة يف ا�ستخ���دام ميناء عدن‬ ‫املتمي���ز؛ فه���و لن يوفر بدي ًال للقواعد يف اخللي���ج �إذا لزم الأمر فح�سب‪ ،‬بل‬ ‫ويتمي���ز مبوقع منوذجي قريب من خطوط املالحة يف البحر الأحمر والقرن‬ ‫الأفريقي املتقل���ب‪� .‬أي�ض ًا من املحتمل �أن الوالي���ات املتحدة �سعت للح�صول‬ ‫عل���ى نف���وذ �أك�ب�ر يف اليمن لكي ت�ش���د على ي���د الدولة للعمل �ض���د الن�شاط‬ ‫الإ�سالم���ي ولتعزي���ز العالق���ات م���ع ال�سعودية‪ .‬وق���د كان هن���اك دليل على‬ ‫الطموح���ات الع�سكري���ة الأمريكية‪ ،‬فقد ر�ست ثاين �سفين���ة حربية �أمريكية‬ ‫يف مين���اء عدن منذ ‪ ،1967‬كما مت حتديد ج���دول زمني للمزيد من زيارات‬ ‫ال�سفن‪ ،‬وجرى مترين م�شرتك �صغري‪ .‬و�أعلن نائب م�ساعد وزير اخلارجية‬

‫واج��ه التع��اون الأمن��ي ب�ين �صنع��اء و وا�شنط��ن الكث�ير م��ن‬ ‫امل�صاعب نتيجة لعدم االتفاق على كيفية �إجراء التحقيقات‬ ‫والتعامل مع امل�شتبه بهم‬ ‫الأمريك���ي اجلدي���د ل�ش����ؤون ال�شرق الأدن���ى‪ ،‬رونالد نيومان‪ ،‬خ�ل�ال زيارته‬ ‫ل�صنع���اء يف �أيار‪/‬ماي���و ‪ 1998‬ب�أن رغب���ة الواليات املتح���دة �أكرث من جمرد‬ ‫رغب���ة �أمني���ة‪� ،‬إذ ق���ال‪“ :‬مل تولِ الواليات املتحدة اليم���ن اهتمام ًا منذ فرتة‬ ‫طويلة‪ ،‬ولكننا بد�أنا ندرك دور اليمن القيادي كمُ�صلحٍ دميقراطي‪ ،‬و�أهميته‬ ‫ال�ستقرار املنطقة”‪.‬‬ ‫وظل���ت العالقات الأمنية يف تقدم خالل ‪ ،1999‬مع زيارة زيني الثالثة خالل‬ ‫�أقل من �سنتني وو�سط �إ�شاعات من �أن الواليات املتحدة تنوي ا�ستخدام اليمن‬ ‫كنقطة �إعداد وانطالق ع�سكرية‪ ،‬وفتح قاعدة للقوات البحرية يف �سقطرى‪،‬‬ ‫وه���و م���ا �أنكره زين���ي مبا�شرة‪ .‬ولك���ن بعد هذا الإن���كار ب�أي���ام‪� ،‬صرح وزير‬ ‫اخلارجي���ة اليمني �أنه لي�س لدى حكومته مان���ع يف ال�سماح للواليات املتحدة‬ ‫من ا�ستخدام القواعد اليمنية “يوم ًا ما �إذا كان ذلك يف �صالح اليمن”‪ .‬ويف‬ ‫ع���ام ‪ 2000‬عر�ضت الواليات املتحدة الو�ساطة ب�ي�ن اليمن وال�سعودية‪ ،‬وهو‬ ‫م���ا رف�ضه ال�سعوديون باعتباره �أمر ًا غري �ضروري‪ .‬ومتحورت زيارة الرئي�س‬ ‫�صال���ح �إىل وا�شنط���ن يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 2000‬حول تقدي���ر الواليات املتحدة‬ ‫لت�سهي���ل عملية �إجراءات خروج يهود اليمن‪ ،‬وتقدير الرئي�س �صالح للجهود‬ ‫التنموي���ة التي تبذلها الواليات املتحدة يف اليمن‪ .‬وعند حدوث الهجوم على‬ ‫املدم���رة “ك���ول” يف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ 2000‬كان زيني ق���د زار اليمن‬ ‫للمرة الرابعة وزارت القوات البحرية الأمريكية ميناء عدن ثالثة وع�شرين‬ ‫م���رة‪ .‬وقد �أ�ص���ر زيني على �أن العالقة مع اليم���ن قد تطورت بفعل موقع‬ ‫عدن اال�سرتاتيجي‪ ،‬ولي�س كمحاول����ة للتملق لك�سب ر�ضا احلكومة اليمنية‪.‬‬ ‫وكان م����ن نتائ����ج االعتداء على املدم����رة “كول”‪ ،‬ح�ص����ول ان�سحاب – ولو‬ ‫م�ؤقت – لفرق �إزالة الألغام الأمريكية ‪.‬‬

‫(‬

‫(‬

‫)‬

‫)‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪29‬‬


‫وقد �أعاد ذلك الهجوم تركي����ز انتباه الواليات املتحدة على اليمن باعتباره وم����ع هذا‪ ،‬ظلت هناك خماوف حيال نوايا الرئي�س �صالح كونه ‪ -‬كما كان‬ ‫م��ل�اذ ًا للعنا�ص����ر الإرهابية‪ ،‬كما �أنه �أظهر �إىل ح����دٍّ كبري عدم قدرة اليمن يبدو ‪ -‬م�ستم����ر يف التعامل مع �صدام ح�سني‪ ،‬وقام ب�شراء �صواريخ �سكود‬ ‫عل����ى �ضبط مياهها الإقليمية‪ .‬و�إذا تطلب الأمر منع حدوث �أعمال �إرهابية من كوريا ال�شمالي����ة‪� .‬أي�ض ًا قيل �أن عبد الرحيم النا�شري‪ ،‬رئي�س عمليات‬ ‫مماثل����ة‪ ،‬ف�����إن اليم����ن �ستحت����اج �إىل الكثري م����ن امل�ساع����دة لتعزي����ز �أمنها تنظي����م القاعدة يف اخلليج واملخط����ط الأول للهجوم على “كول”‪ ،‬حترك‬ ‫الإقليمي‪ .‬ويف كانون الثاين‪/‬يناير ‪ 2001‬زار اجلرنال تومي فرانك�س‪ ،‬خليفة ب����كل حري����ة يف اليمن‪ ،‬ولكن هذا مل مين����ع الواليات املتح����دة من موا�صلة‬ ‫زيني‪ ،‬اليمن حيث مت ت�شكيل فريق �أمريكي‪ -‬ميني م�شرتك لتعقب مرتكبي التع����اون مع �صنعاء باعتباره �أمر ًا �ضروري ًا ال�ستئ�صال العنا�صر الإرهابية‬ ‫الهج����وم عل����ى “ك����ول”‪ .‬وكان تقدمي امل�ساع����دة من قبل الوالي����ات املتحدة يف املناط����ق النائي����ة‪ .‬وبالإ�ضاف����ة �إىل القي����ام بتدريب اجلن����ود اليمنيني‪،‬‬ ‫الأمريكية من �أجل رفع م�ستوى �أمن مطاراتها بعد �أ�شهر من تعر�ض طائرة ت�ضم����ن الدع����م �إر�س����ال ق����وات خا�ص����ة �إىل اليم����ن‪ ،‬كما ب����د�أت طائرات‬ ‫ال�سفري الأمريكي لالختطاف‪ ،‬و�أر�سلت وزارة اخلارجية الأمريكية �إدموند “بريدات����ور” التابع����ة للمخابرات املركزية الأمريكي����ة بالتحليق يف �أجواء‬ ‫هول‪ ،‬نائب من�سقها الرئي�سي ملكافحة الإرهاب‪� ،‬إىل اليمن ك�سفري هناك‪ .‬املناطق اليمني����ة‪ ،‬وا�ستخدمت �إحداها لقتل زعيم القاعدة يف اليمن علي‬ ‫وبع����د ع�شرة �أ�شه����ر على مرور التفج��ي�رات‪ ،‬بد�أت العالق����ات الأمريكية ‪ -‬قائ����د �سنان احلارثي وزمالئه يف ت�شرين الثاين‪/‬نوفمرب ‪ 2002‬با�ستخدام‬ ‫اليمنية تع����ود �إىل جمراها الطبيعي‪ .‬ويف زيارة �أخ����رى �إىل �صنعاء‪ ،‬اقرتح �أجهزة حتكم عن بعد‪ .‬ومل تعرتف اليمن بتعاونها يف الهجوم �إال بعد مرور‬ ‫فرانك�����س القي����ام بتمرين م�شرتك مرة �أخ����رى‪ ،‬وا�ستئن����اف تعريج ال�سفن �أكرث من �سنة‪.‬‬ ‫الأمريكي����ة على ميناء عدن‪ .‬وبعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب وق����د واجه التعاون الأمني بني البلدين الكثري م����ن امل�صاعب نتيجة لعدم‬ ‫تعقدت العالقات �أكرث ب��ي�ن البلدين‪ .‬ومل تكن عنا�صر القاعدة على عالقة االتفاق على كيفية �إجراء التحقيقات والتعامل مع امل�شتبه بهم من ناحية‪،‬‬ ‫بالأن�شط����ة الإرهابي����ة يف اليم����ن من خ��ل�ال حادثة “كول” فح�س����ب‪ ،‬بل �إن وم����ن ناحية �أخرى نتيجة �شك����وك ال�شعب اليمني م����ن وجود عالقات بني‬ ‫وا�شنط����ن كانت مقتنع����ة ب�أن احلكومة اليمنية مل تكن ج����ادة يف ا�ستئ�صال‬ ‫�صنع����اء ووا�شنطن‪ ،‬بل وقامت مظاهرة يف �صنع����اء يف �آذار‪/‬مار�س ‪2003‬‬ ‫�أن�ص����ار القاعدة وغريهم من املتطرفني الإ�سالميني‪ .‬وبعد مرور �أ�سبوعني �ض����د الغزو الأمريك����ي املتوقع للعراق و ُقت����ل فيها اثنان م����ن املتظاهرين‪.‬‬ ‫من �أح����داث �أيلول‪�/‬سبتمرب‪� ،‬أُر�سِ ل رئي�س ال����وزراء ووزير اخلارجية �سابق ًا بع����د ذلك بف��ت�رة ق�صرية‪� ،‬أ�ص����درت وزارة اخلارجي����ة الأمريكية حتذير ًا‬ ‫عبد الك����رمي االرياين �إىل وا�شنطن ملناق�شة الأم����ور مع اجلانب الأمريكي‪ .‬م����ن ال�سفر �إىل اليمن‪ ،‬نظر ًا لتلقيها تهدي����د ًا �إرهابي ًا وطلبت من موظفي‬ ‫ث����م زار الرئي�س �صالح بنف�س����ه وا�شنطن يف ت�شري����ن الثاين‪/‬نوفمرب لي�ؤكد تابعياته����ا الرحي����ل م����ن اليم����ن يف �آذار‪/‬مار�����س‪ ،‬وم����رة ثاني����ة يف �آب‪/‬‬ ‫للوالي����ات املتحدة ح�س����ن نواياه جتاه حماربة الإره����اب‪ ،‬ووافق على �إعطاء �أغ�سط�س‪ .‬و�أقنع ا�ستم����رار التهديدات الإرهابية الرئي�س �صالح ب�أن يوفق‬ ‫جم����ال �أكرب للمحققني الأمريكيني للتحقي����ق يف حادثة “كول”‪ .‬ويف مقابل عل����ى فتح مكتب تابع ملكت����ب التحقيقات الفي����درايل‪ .‬ويف ت�شرين الثاين‪/‬‬ ‫ذل����ك‪� ،‬أبدت الواليات املتحدة ا�ستعداده����ا لدعم القوات اخلا�صة اليمنية‪ ،‬نوفم��ب�ر �أعلنت اليم����ن عن جناحها يف اعتقال زعي����م القاعدة اجلديد‬ ‫وتق����دمي الدعم التنم����وي للمحافظات النائي����ة حيث يُعتق����د �أن الإرهابيني حممد حمدي الأهدل‪.‬‬ ‫ين�شطون‪.‬‬ ‫وم����ن �أ�سب����اب اخل��ل�اف �أي�ض���� ًا �إ�ص����رار الوالي����ات املتحدة عل����ى ت�سليمها‬ ‫وب�إعالنه����ا عن رغبتها يف التعاون‪ ،‬تفادت اليم����ن �إمكانية �أن تكون الهدف ال�شخ�صي����ة الإ�سالمية البارزة عبد املجيد الزنداين‪ ،‬الذي و�صفته وزارة‬ ‫الت����ايل للواليات املتح����دة بع����د �أفغان�ست����ان‪ .‬ولت�أكيد ح�سن‬ ‫اخلزان����ة الأمريكي����ة ب�أن����ه �إرهابي عامل����ي من نوع‬ ‫الني����ة �أعلنت الدول����ة اليمنية �أنها تق����وم مبالحقة عدد من‬ ‫خا�ص‪ .‬وقد رف�ض اليمن مطالبة الواليات املتحدة‬ ‫الواليات‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫املحتمل‬ ‫من‬ ‫العنا�ص����ر القبلية امل�شتبه ب�أنهم عنا�ص����ر �أ�سا�سية يف �شبكة‬ ‫بحجة �أنه����ا ال ت�ستطيع ت�سليم �أحد مواطنيها‪ .‬كما‬ ‫للح�صول‬ ‫�سعت‬ ‫املتحدة‬ ‫تنظي����م القاع����دة‪ .‬ويف مطل����ع ‪� 2002‬شه����دت �صنع����اء عدد ًا‬ ‫�أن الزن����داين م����ن ال�شخ�صي����ات امل�ؤ�س�سة حلزب‬ ‫م����ن الزي����ارات التي ق����ام بها م�سئول����ون �أمريكي����ون للت�أكيد على نفوذ �أكرب يف اليمن‬ ‫الإ�صالح املعار�ض‪ ،‬ويُدير جامعة الإميان اخلا�صة‬ ‫عل����ى احلاجة املا�سة للتع����اون امل�شرتك يف ال�ش�����ؤون الأمينة لكي ت�شد على يد الدولة ويتمت����ع بت�أييد �شعب����ي كبري يف كل �أرج����اء اليمن‪،‬‬ ‫للعمل �ضد الن�شاط‬ ‫ومكافحة الإرهاب‪ .‬ومن �ضمن تلك الزيارات‪ :‬زيارة روبرت‬ ‫ب����ل ويف �أو�ساط الدول����ة‪ .‬ويف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪2005‬‬ ‫مول����ر‪ ،‬مدير مكت����ب التحقيقات الفي����درايل‪ ،‬والتي قام بها‬ ‫طلب����ت اليم����ن ر�سمي���� ًا من الوالي����ات املتح����دة �أن‬ ‫الإ�سالمي ولتعزيز‬ ‫تُ�سقِط التهم املوجهة �ض����د الزنداين كونها مبنية‬ ‫يف كان����ون الثاين‪/‬يناير‪ ،‬وزيارة جورج تينِ����ت‪ ،‬رئي�س وكالة العالقات مع ال�سعودية‬ ‫اال�ستخب����ارات املركزية‪ ،‬والتي قام به����ا يف �شباط‪/‬فرباير‪،‬‬ ‫على كالم �صح����ف متحزّبة‪ .‬وقال����ت �صنعاء لو �أن‬ ‫وزيارة نائ����ب الرئي�س الأمريكي ريت�ش����ارد ت�شيني يف �آذار‪/‬‬ ‫هناك دليل فعل����ي فيجب ت�سليمه للحكومة اليمنية‬ ‫مار�س‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬مت �إر�سال م�سئولني �أمريكيني �إىل‬ ‫وه����ي �صاحبة احل����ق يف اتخاذ الإج����راء املنا�سب‪.‬‬ ‫اليمن لتفقد الرتتيبات الأمينة يف عدن‪ ،‬كمقدمة ال�ستئناف‬ ‫فع����ادت الواليات املتح����دة �إىل الهجوم يف �شباط‪/‬‬ ‫التعري����ج على ميناء عدن‪ .‬ويف ت�شري����ن الأول‪�/‬أكتوبر ر�ست‬ ‫فرباي����ر ‪ 2006‬عندما �أر�سل الرئي�����س بو�ش خطاب ًا‬ ‫�سفين����ة �شحن �أمريكية مبيناء عدن‪ ،‬وه����ي �أول �سفينة تقوم‬ ‫�إىل �صال����ح يطل����ب من����ه اعتق����ال الزن����داين‪ ،‬لكن‬ ‫بذلك بعد تفجري املدمرة “كول”‪.‬‬ ‫اليم����ن احتجت م����رة �أخرى وطلب����ت الدليل الذي‬

‫(‬

‫(‬

‫‪30‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫)‬

‫(‬

‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬ ‫يثبت تورط الزنداين يف العمليات الإرهابية‪.‬‬ ‫لكن اليمن �سمحت نوع ًا ما للواليات املتحدة بالو�صول �إىل‬ ‫الإرهابيني امل�شتبه بهم‪ ،‬وبامل�شاركة يف حماكمة امل�شتبه‬ ‫بهم يف الت����ورط بتفجريات “كول” �أثناء حماكمتهم يف‬ ‫‪ .2004‬وكان����ت حماكمة الكثري من املدعى عليهم جترى‬ ‫نظرة الواليات املتحدة جتاه ا�ستقرار اليمن‬ ‫غيابي����اً‪ ،‬مبن فيهم العقل املدبر عبد الرحيم النا�شري‪،‬‬ ‫مل تك����ن النتيج����ة النهائي����ة لتاريخ التع����اون امل�ضطرب‬ ‫الذي كان يف �أحد ال�سجون الأمريكية ال�سرية ويف مكان‬ ‫واخلالفات هذا �سوى خ����وف الواليات املتحدة امل�ستمر‬ ‫غري مع����روف‪ .‬يف املقابل‪ ،‬وافقت الواليات املتحدة على‬ ‫من �أن اليمن لن تكون قادرة على فر�ض �سيطرتها على‬ ‫ب�إعالنها عن رغبتها‬ ‫ت�سلي����م �سبعة من بني مائة معتقل ميني تقريب ًا يف �سبيل‬ ‫يف التعاون مع وا�شنطن‪ ،‬املتطرف��ي�ن داخل نط����اق حدودها الوطني����ة‪ .‬ويعود هذا‬ ‫�إح����راز تقدم جت����اه الدميقراطية‪ ،‬كم����ا دعت وا�شنطن‬ ‫ �إىل ح����د م����ا ‪� -‬إىل الو�ض����ع االقت�ص����ادي املتدهور يف‬‫تفادت اليمن �إمكانية‬ ‫الرئي�����س �صال����ح لزيارته����ا يف ت�شري����ن الثاين‪/‬نوفمرب‬ ‫اليمن؛ فاليمن من �أفقر بلدان العامل‪ ،‬و�أخذت مواردها‬ ‫�أن تكون الهدف التايل‬ ‫‪ ،2005‬وه����ي الزي����ارة الثالث����ة له منذ �أح����داث احلادي‬ ‫– النفط واملاء – تن�ضب ب�سرعة وب�شكل م�ستمر‪ .‬كما‬ ‫للواليات املتحدة‬ ‫ع�ش����ر م����ن �أيلول‪�/‬سبتم��ب�ر‪ ،‬ومتح����ورت حمادثات����ه مع‬ ‫�أن النم����و ال�س����كاين‪ ،‬الذي يق��ت�رب الآن م����ن ‪ 23‬مليون‬ ‫الرئي�س بو�ش ووزي����رة اخلارجية كوندا ليزا راي�س حول‬ ‫بعد �أفغان�ستان‬ ‫ن�سمة‪ ،‬يزيد الطني بلة‪ .‬وم����ا يدعو للمفارقة �أن م�شاكل‬ ‫تن�سيق اال�سرتاتيجيات املكافحة للإرهاب‪ ،‬لكن قيل �أن‬ ‫�أواخر عام ‪2001‬‬ ‫اليم����ن املعق����دة تزداد �س����وء ًا يف �ض����وء ا�ضطرارها �إىل‬ ‫�إدارة بو�����ش �ضغطت على �صالح نظر ًا لعدم وجود تقدم‬ ‫تق����دمي امل�أوى وامل�ساعدة ملواطنني قادمني من بلد يرزح‬ ‫جتاه الدميقراطية يف اليمن‪.‬‬ ‫يف �أو�ض����اع �أك��ث�ر �سوء ًا م����ن اليمن‪ ،‬وه����م ال�صوماليون‬ ‫وبع����د �أ�شه����ر قليلة نُ�شِ ����ر �أن ال�سف����ن البحرية الأمريكية كان����ت جتوب املياه الذين يعربون البحر الأحمر باجتاه اليمن‪.‬‬ ‫الإقليمي����ة لليم����ن �سعي���� ًا لتطوي����ق مناف����ذ اله����روب البحرية‪ ،‬ملن����ع امل�شتبه وال �شك �أن الرئي�س علي عبد اهلل �صالح‪ ،‬الذي توىل ال�سلطة منذ فرتة تزيد‬ ‫بانتمائه����م للقاعدة ممن �شارك����وا يف الهروب اجلماعي م����ن ال�سجن عام ع����ن ثلث قرن‪� ،‬أثب����ت ذكاءه وحنكته �أكرث مما كان متوق����ع‪ ،‬وم�ستقبل البلد‬ ‫‪ 2004‬من الف����رار‪ .‬ويف �آذار‪/‬مار�س ‪ 2006‬قام عمالء املخابرات الأمريكية بع����ده مدع����اة للقلق‪ .‬ونظام حكم����ه يعتمد على �سيطرت����ه ال�شخ�صية وعلى‬ ‫بت�سليم ثالثة من اليمنيني املحتجزين يف �أماكن �سرية منذ ‪ ،2003‬وذلك بعد قبيلته ال�صغرية وقبيلة �أخرى متحالفة مع احلكم‪ .‬ويقال �أن الرئي�س �صالح‬ ‫�أن تو�صلت التحقيقات �إىل �أنه لي�س لهم عالقات ب�أي عنا�صر �إرهابية‪.‬‬ ‫يع����د ولده �أحمد كخليف����ة له يف احلكم مثلما فعل حاف����ظ الأ�سد يف �سوريا‪،‬‬ ‫وكان جم����ال البدوي من الأ�سب����اب وراء اخلالف �أي�ض����اً‪ ،‬والبدوي هو �أحد ورمب����ا يفعل هذا ح�سني مبارك يف م�صر‪ .‬لكن هناك �شك يف �أن يكون مثل‬ ‫خمطط����ي الهجوم عل����ى املدمرة “كول” والذي ف ّر م����ن ال�سجن عام ‪ 2004‬هذا التكتيك نافعاً‪ ،‬و�إذا �صحّ ذلك‪ ،‬فثمة �شكوك يف قدرة �أحمد على البقاء‬ ‫ثم �أُلقي القب�ض علي����ه يف �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ .2006‬واحتجت الواليات املتحدة يف ال�سلطة طوي ًال يف ظل بيئة �سيا�سية هي يف الأ�صل قا�سية ومتفككة‪.‬‬ ‫على �إطالق الب����دوي يف ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ ،2007‬وهددت بقطع الإعانة وم����ع �أن �سلط����ة الدولة املركزية ق����د حت�سنت كثري ًا بعد الوح����دة �إال �أنها ما‬ ‫الت����ي يقدمه����ا برنامج حتدي الألفي����ة لليمن‪ ،‬وعندما ان�سحب����ت كونداليزا زال����ت �ضعيف����ة؛ فاملناطق النائي����ة املحاذية للربع اخل����ايل تتمتع با�ستقالل‬ ‫راي�����س من منتدى امل�ستقب����ل للإ�صالحات يف ال�ش����رق الأو�سط الذي ترعاه ذات����ي كبري وت�أوي الكث��ي�ر من املتطرفني م����ع ح�صانة ن�سبي����ة‪� .‬إ�ضافة �إىل‬ ‫الوالي����ات املتحدة �ألغت اليمن الفعالية‪ .‬وخالل ه����ذه الفرتة مل تكن ق�ضية ذلك‪ ،‬تخو�ض �صنعاء حرب ًا طويلة �ضد احلوثيني‪،‬‬ ‫البدوي وا�ضحة‪ ،‬وقال م�سئول����ون مينيون �أنه مت �إطالق �سراح البدوي حتى‬ ‫البحث يف م�صري املعتقلني‬ ‫اليمنيني ب�سجن غوانتانامو‬ ‫ي�ساعده����م يف تعق����ب عنا�صر القاع����دة الآخرين‪ ،‬وهو خي����ار على ما يبدو اجلماع����ة الزيدية ال�شيعي����ة يف �شمال اليمن‪ ،‬التايل‬ ‫وخالل هذه الفرتة ارتكبت الكثري من املجازر‬ ‫بقلم‪ :‬عاي�ش علي عوا�س‬ ‫ين�سجم مع �سيا�سة اليمن لإعادة تعليم وت�أهيل املتطرفني الإ�سالميني‪.‬‬ ‫الدموي����ة‪ .‬ومع �أنه يب����دو �أن االقتتال قد توقف‬ ‫لك����ن ذلك الأ�سلوب مل ينا�سب وا�شنط����ن‪ ،‬ف�أر�سلت الإدارة الأمريكية مدير يف منت�صف ‪ 2008‬ومرة �أخرى يف �أواخر �شباط‪/‬‬ ‫مكتب املخابرات الفيدرايل روبرت مولر �إىل اليمن يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪ 2008‬فرباير ‪� ، 2010‬إال �أن �أ�سباب القتال الرئي�سية مل تحُ ّل بعد‪ ،‬والتي من بينها‬ ‫ليعرب عن معار�ضتها‪ ،‬ولكن الزيارة مل تثمر كثرياً‪� .‬أي�ض ًا الم �أحد عنا�صر قل����ق الزيديني من ت�أث��ي�ر ال�سلفيني ال�سُّ نة يف اليمن ب�ش����كل عام ويف الدولة‬ ‫مكت����ب املخاب����رات ال�سابقني م����ن �أ�صل عرب����ي �أمريكي‪ ،‬مم����ن �شاركوا يف ب�شكل خا�ص‪.‬‬ ‫التحقيقات ب�ش�أن حادثة “كول”‪ ،‬ك ًال من موقف اليمن الفاتر وما كان يراه عالوة على ذلك‪ ،‬فكلما تعاونت اليمن �أكرث مع الواليات املتحدة فيما يتعلق‬ ‫�سيا�سة �أمريكية عدوانية ال داعي لها �ضد اليمن‪.‬‬ ‫مب�سائل الإره����اب والأمن‪ ،‬زادت معار�ضة ال�شعب اليمن����ي‪� ،‬إذ �أن الواليات‬ ‫وم����ع م����رور ال�سنني بع����د الهجوم عل����ى “كول”‪ ،‬ب����د�أت وا�شنط����ن بتجديد املتح����دة ال حتظ����ى ب�شعبي����ة يف ال�شرق الأو�س����ط وال ما وراء ذل����ك‪ ،‬واليمن‬ ‫عالقاتها الع�سكرية مع اليم����ن بالتدريج‪ ،‬وا�ست�أنفت �سفن القوات البحرية لي�س����ت م�ستثناة من ه����ذا النطاق‪ .‬وال �شك يف �أن هن����اك مربرات و�أ�سباب‬ ‫الأمريكي����ة زياراتها مليناء عدن‪ ،‬وقام اجلانبان بتدريبات م�شرتكة‪ ،‬كما مت وجيه����ة لتح�سني العالقات‪ ،‬لكن الطريق لي�ست معبدة �أو مفرو�شة بالورد‪،‬‬ ‫ت�سلي����م اليم����ن �سبعة زوارق حربي����ة عام ‪� .2004‬أي�ض���� ًا �ساهمت الواليات كما �أن املحفزات لتعزيز العالقة ال تبدو كافية لتغيري ال�سيا�سات املتبعة‪.‬‬ ‫املتحدة ب�ش����كل فاعل يف ت�شكيل خفر ال�سواحل اليمنية‪،‬‬ ‫وقدم����ت امل�ساع����دة لوحدة مكافح����ة الإره����اب التابعة‬ ‫لقوات الأمن املركزي اليمنية ووزارة الداخلية‪.‬‬

‫)‬

‫(‬

‫( )‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪31‬‬


‫َتعَقُّ ب ف�صول‬

‫ق�صة مل تنته بعد‬ ‫ٍ‬

‫البحث يف م�صري املعتقلني اليمنيني ب�سجن غوانتانامو‬

‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫م�ضى على احتجاز ع�شرات من اليمنيني يف ال�سجن الع�سكري الأمريكي يف خليج غوانتانامو بكوبا ما يناهز‬ ‫ثم���ان �سن���وات‪ ،‬وال ب�شائر تلوح يف الأفق على نهاي���ة قريبة للجدل الدائر حول ه���ذه الق�ضية حتى اللحظة‪.‬‬ ‫�صحي���ح �أن ن���زالء املعتق���ل ينتم���ون �إىل دول �شتّى‪ ،‬بي���د �أن ن�صيب اليم���ن من الهمّ يبدو �أك�ب�ر من غريها؛‬ ‫فخ�ل�ال ال�سنوات املن�صرمة �أعيد مئات املعتقلني �إىل بلدانهم فيما مل يتجاوز عدد اليمنيني العائدين �سوى‬ ‫‪� 14‬شخ�ص��� ًا فق���ط‪ ،‬ويف الوقت احلا�ض���ر ي�شكل حاملو اجلن�سية اليمنية �أك�ب�ر جمموعة يف املعتقل بواقع ‪99‬‬ ‫�شخ�ص��� ًا من �أ�صل ‪ 241‬هم �إجمايل املحتجزين يف ال�سجن‪ .‬و�س���وف نحاول يف �سياق هذا التحليل‪ ،‬التعرف‬ ‫عل���ى الأ�سباب الظاهرة واخلفي���ة التي حتول دون عودة املعتقليني اليمني�ي�ن �إىل وطنهم‪ ،‬ومناق�شة البدائل‬ ‫املطروح���ة من قبل الأطراف املعنية حلل امل�شكل���ة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل حماولة ا�ست�شراف م�ستقبل هذا امللف يف‬ ‫املرحلة املقبلة‪.‬‬ ‫عاي�ش علي عوا�س‬

‫‪aish@shebacss.com‬‬

‫تزامن ظهور امل�شكلة مع‬ ‫بداية الق�صة وتعقيداتها‬ ‫بدء ما ي�سمى باحلرب الدولية �ضد الإرهاب‪ ،‬وعلى وجه التحديد يف‬ ‫مطل����ع �شهر كانون الثاين‪/‬يناير ع����ام ‪ 2002‬عندما افتتحت الواليات‬ ‫املتحدة �سجن ًا ع�سكري ًا يف خلي����ج غوانتانامو بغر�ض احتجاز امل�شتبه‬ ‫بانتمائه����م لتنظيم القاع����دة لفرتات زمنية غري حم����دودة‪ ،‬ا�ستناد ًا‬ ‫�إىل قان����ون مكافحة الإرهاب ال�صادر يف �أواخر عام ‪ 2001‬الذي خوّل‬ ‫الرئي�س الأمريكي ال�سابق جورج دبليو بو�ش اعتقال �أي م�شتبه به من‬ ‫�أي مكان يف العامل وجلبه �إىل هذا املعتقل �أو ال�سجون ال�سرية التابعة‬ ‫لوكال����ة املخابرات املركزية الأمريكي����ة يف اخلارج‪ .‬ومن حينه‪ ،‬تواىل‬ ‫و�ص����ول املعتقلني �إىل خليج غوانتانام����و تباع ًا حتى و�صل عددهم �إىل‬ ‫‪� 720‬شخ�ص����اً‪ ،‬ينتم����ون �إىل ‪ 40‬دولة منهم ‪ 115‬م����ن حاملي اجلن�سية‬ ‫اليمني����ة(‪ .)1‬وعلى مدى الفرتة املمت����دة من ‪ 2002‬حتى ‪� 25‬أيار‪/‬مايو‬ ‫‪ 2010‬مل يع����د �إىل اليم����ن من جمموع ه�ؤالء ‪ -‬كم����ا �أ�شرنا يف م�ستهل‬ ‫ه����ذا املقال ‪� -‬سوى ‪ 14‬معتقل‪ ،‬واثن��ي�ن �آخرين عادا جثتني هامدتني‬ ‫نتيج����ة وفاتهما داخ����ل ال�سجن يف ظروف غام�ض����ة‪ ،‬فيما بقية العدد‬ ‫(‪� 99‬شخ�ص����اً) م����ا زالوا ره����ن االعتقال مع �أن ح����واىل ‪ 58‬من ه�ؤالء‬ ‫كان ق����د تقرر الإف����راج عنهم من قب����ل ال�سلط����ات الأمريكية يف عام‬ ‫‪ ،)2(2007‬نظ����ر ًا لعدم وجود ما يثب����ت �إدانتهم‪ ،‬وينطبق احلال نف�سه‬ ‫عل����ى الآخرين ب�إ�ستثناء �أربعة حمتجزين �أو ثالثة يحتمل حماكمتهم‬ ‫�أم����ام اللج����ان الع�سكري����ة الأمريكية وه����م رمزي ب����ن ال�شيبة‪ ،‬وعبد‬ ‫الرحيم النا�شري‪ ،‬ووليد بن عتا�ش‪.‬‬ ‫وميكن القول �إن املحادثات بني �صنعاء ووا�شنطن حول مو�ضوع �إعادة‬ ‫املعتقلني اليمن��ي�ن يف �سجن غوانتانامو �شابها بع�ض اجلمود ل�سنوات‬ ‫‪32‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫عاي�ش علي عوا�س باحث يف مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪.‬‬

‫عدة‪ ،‬فلم تبد�أ فعلي ًا �سوى يف مطلع عام ‪ .2008‬وخالل اللقاءات التي‬ ‫جمع����ت بني م�سئويل البلدين‪� ،‬أبدت وا�شنطن رغبتها يف الإفراج عن‬ ‫املعتقلني �شريطة �أن يعاد ت�أهيلهم على غرار برنامج املنا�صحة املُتّبع‬ ‫يف اململكة العربية ال�سعودية �أو قريب ًا من هذا النموذج على �أقل تقدير‪،‬‬ ‫و�أن لديه����ا اال�ستعداد لتمويل الربنام����ج وحتمل تكاليفه‪ ،‬ودعواها يف‬ ‫ذلك �أن برنامج احلوار الذي طبقته اليمن يف الفرتة ال�سابقة مل يكن‬ ‫فع����ا ًال بال�شكل املطلوب لأن بع�ض خريجيه ع����اودوا ن�شاطهم القتايل‬ ‫�ضد الق����وات الأمريكية يف العراق(‪ .)3‬كما �أن حوايل ‪� 70‬شخ�ص ًا من‬ ‫�إجمايل الـ ‪ 360‬الذين �أفرجت عنهم ال�سلطات اليمنية حتى نهاية عام‬ ‫‪ 2008‬بن����ا ًء على برنامج احلوار الفك����ري‪� ،‬أعيد اعتقالهم مرة �أخرى‬ ‫بتهم تتعل����ق بالإرهاب‪ ،‬وال�سبب يف ذلك ‪ -‬من وجهة نظر �أمريكية ‪-‬‬ ‫�أن الربنامج ق�صر ن�شاطه عل����ى املناظرات الأيديولوجية مع �أع�ضاء‬ ‫القاعدة بهدف ت�صحي����ح املفاهيم الفكرية لديهم‪ ،‬ومل توجد �أنظمة‬ ‫دع����م للأ�شخا�����ص عندما يغ����ادرون ال�سجون‪ ،‬ناهيك ع����ن �أن تعامل‬ ‫احلكوم����ة اليمنية مع الذي����ن مت �إعادتهم يف الف��ت�رة املا�ضية مل يكن‬ ‫بال�شكل املطلوب و�إمن����ا كانت تكتفي باحتجازهم ملدد زمنية متفاوتة‬ ‫ثم يطلق �سراحهم ب�ضمانات جتارية �أو قبلية دون �أن يخ�ضعوا لعملية‬ ‫ت�أهيل ت�ساعدهم على االندماج يف املجتمع من جديد‪.‬‬ ‫حينه����ا رحبت احلكومة اليمنية باملقرتح الأمريكي‪ ،‬و�شرعت يف نف�س‬ ‫الع����ام ب�إع����داد خطة لإ�ص��ل�اح مواطنيها امل�سجون��ي�ن يف غوانتانامو‪،‬‬ ‫ت�ضمن����ت يف طياته����ا �إن�ش����اء مركز جدي����د لهذا الغر�ض يك����ون �أ�شبه‬ ‫باملخيّ����م وجمهّز مبعدات ريا�ضية وغرف تتي����ح للمحتجزين الإلتقاء‬ ‫بزوجاتهم و�أ�سرهم على انفراد‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل �إعادة ت�أهيلهم ديني ًا‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪33‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫حتليالت‬

‫الوالي��ات املتح��دة �أ�صبح��ت تواج��ه يف الوق��ت احلا�ضر‪ ،‬و�أك�ثر من �أي وق��ت م�ضى‪� ،‬ضغوط�� ًا كبرية لإغ�لاق معتقل‬ ‫غوانتانام��و‪ ،‬وه��و ما يدفعها للبحث ع��ن بدائل معقولة حلل امل�شكلة يف �أ�سرع وقت ممك��ن بالتعاون مع الدول املعنية‬ ‫بهذا ال�ش�أن ومنها اليمن بطبيعة احلال‬ ‫وثقافي���� ًا ومهني ًا من قبل متخ�ص�صني‪ .‬و�سُ ِّلم����ت ن�سخة من الربنامج‬ ‫للوالي����ات املتح����دة وع����دد م����ن املنظم����ات الدولي����ة املعني����ة بق�ضايا‬ ‫حق����وق الإن�س����ان(‪ ،)4‬لك����ن الإدارة الأمريكي����ة تراجع����ت ع����ن متويل‬ ‫الربنام����ج ب�سبب رف�ض الكوجنر�س يف منت�ص����ف ‪ 2009‬املوافقة على‬ ‫متوي����ل اخلطة التي تقدم به����ا الرئي�س باراك �أوبام����ا لإغالق معتقل‬ ‫غوانتانامو واملق����در تكلفتها بـ ‪ 80‬مليون دوالر(‪ ،)5‬قيل �أن املخ�ص�ص‬ ‫لليم����ن م����ن هذا املبلغ كان يف ح����دود ‪ 11‬مليوناً‪ .‬ويع����زو �آخرون ذلك‬ ‫�إىل وجود �شكوك لدى بع�����ض امل�سئولني الأمريكيني ب�أن املبالغ املالية‬ ‫الت����ي �ستقدم لليمن ق����د ت�صرف خارج ما هو حمدد له����ا(‪ ،)6‬بيد �أن‬ ‫الوقائ����ع �أظه����رت فيما بع����د �أن امل�س�ألة �أعقد من ذل����ك بكثري‪� ،‬إذ ما‬ ‫تزال غالبية النخبة ال�سيا�سية يف وا�شنطن ترى �أن �إعادة املحتجزين‬ ‫اليمنيني �إىل بالدهم‪ ،‬وال�سيما يف �ضوء تنامي ن�شاط تنظيم القاعدة‬ ‫داخ����ل الأرا�ضي اليمنية يف الأع����وام الثالثة الأخرية‪ ،‬و�ضعف و�سائل‬ ‫الرقاب����ة الأمنية لدى احلكومة اليمني����ة‪ ،‬قد ي�ؤدي �إىل خلق تهديدات‬ ‫جدي����ة مل�صالح الواليات املتحدة و�أمنها القوم����ي‪ ،‬وبرز ذلك بو�ضوح‬ ‫يف ت�صريح����ات �أحد امل�سئولني الأمريكي��ي�ن التي قال فيها «�إن ترحيل‬ ‫ه�����ؤالء املت�شددين م����ن املعتقلني �إىل اليمن يعني ‪ -‬وب����كل ت�أكيد ‪� -‬أن‬ ‫علينا م�ستقب ًال �إما قتلهم �أو �أ�سرهم مرة �أخرى»(‪.)7‬‬ ‫وم����ا يزي����د امل�س�ألة تعقي����د ًا بالن�سبة للوالي����ات املتح����دة �أن عدد ًا من‬ ‫املعتقل��ي�ن اليمني��ي�ن املتبق��ي�ن م�صنفون لديه����ا على �أنه����م «خطرون‬ ‫ج����داً»(‪ ،)8‬وبالتايل ف�����إن �إر�سالهم �إىل اليمن ينط����وي على خماطرة‬ ‫كب��ي�رة‪ .‬وب�ص����ورة عامة‪ ،‬ف����ان امل�شكلة من منظ����ور وا�شنطن ال تتعلق‬ ‫باملحتجزين �أنف�سهم بقدر ما تتعلق بالبيئة التي �سيعودون �إليها‪ .‬وترى‬ ‫وا�شنطن من هذا املنطلق �أن احلل الأمثل للم�شكلة هو ترحيل املعتقلني‬ ‫اليمني��ي�ن �إىل اململكة العربية ال�سعودية و�إعادة ت�أهيلهم هناك بحكم‬ ‫‪34‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫النجاح����ات الباهرة التي حققها برنام����ج املنا�صحة ال�سعودي‪ ،‬الذي‬ ‫تعت��ب�ره الإدارة الأمريكي����ة من �أجنح الربامج عل����ى م�ستوى املنطقة‪،‬‬ ‫هذا من ناحي����ة‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬يرى امل�سئول����ون الأمريكيون‪ ،‬ويف‬ ‫مقدمتهم وزير الدفاع روبرت غيت�س‪� ،‬أن الربنامج امل�شار �إليه والذي‬ ‫يعتمد كثري ًا على التقالي����د ال�سعودية قد يكون مالئم ًا ب�صورة �أف�ضل‬ ‫للمعتقل��ي�ن اليمنيني الذين له����م �صالت بال�سعودي����ة‪ ،‬ولأولئك الذين‬ ‫ضال ع����ن �أن ترحيلهم‬ ‫تربطه����م عالقات �أ�سري����ة يف ال�سعودية(‪ ،)9‬ف� ً‬ ‫�إىل اململكة‪ ،‬وهي دولة ذات قدرات مالية �ضخمة‪ ،‬يعفي وا�شنطن من‬ ‫�أي التزامات مالية مقارنة مبا هو عليه احلال يف اليمن‪.‬‬ ‫لكن احلكومة اليمنية حتى هذه اللحظة تعار�ض املقرتحات الأمريكية‬ ‫الت����ي تدع����و �إىل ترحيل مواطنيها �إىل ال�سعودي����ة‪� ،‬إذ �أن ت�صرف من‬ ‫ه����ذا القبيل يوحي بع����دم �أهليتها للتعامل مع امل�سال����ة‪ ،‬وينتق�ص من‬ ‫�شرعيته����ا ويظهرها مبظه����ر العاجز عن القيام بامله����ام والواجبات‬ ‫املناط����ة به����ا د�ستورياً‪ .‬وت����رى‪ ،‬يف املقابل‪� ،‬أن احلل الأمث����ل للم�شكلة‬ ‫ه����و ت�سليمها املحتجزي����ن ومعهم ملفات االته����ام �أو الإدانة ال�صادرة‬ ‫يف ح����ق �أي �شخ�ص منهم‪ ،‬وا�ستعداده����ا ملحاكمة من يثبت تورطه يف‬ ‫ارتكاب �أعمال �إرهابية(‪ ،)10‬وتكفّلها يف نف�س الوقت باعادة ت�أهيلهم‬ ‫ودجمه����م يف احلياة املدينة عل����ى �أن تقوم الوالي����ات املتحدة بتمويل‬ ‫اجلهود املبذولة لتحقيق ذلك‪ ،‬باعتباره����ا م�سئولة �أخالقي ًا وقانوني ًا‬ ‫ع����ن تعوي�����ض املعتقلني ع����ن الأ�ضرار الت����ي حلقت به����م خالل فرتة‬ ‫احتجازهم يف خليج غوانتانامو‪.‬‬ ‫ويف خ�ض����م اجلدل الدائر حول املو�ضوع‪ ،‬يقول م�سئولون يف احلكومة‬ ‫اليمني����ة ان �أم��ي�ركا تري����د �إع����ادة املعتقل��ي�ن ب�شروطها ه����ي دون �أن‬ ‫يك����ون لليم����ن ر�أي يف ذلك‪ ،‬واحل�ص����ول �أي�ض ًا عل����ى �ضمانات م�ؤكدة‬

‫ونهائي����ة بعدم ع����ودة ه�����ؤالء �إىل مهاجمة امل�صال����ح الأمريكية وهذا‬ ‫مطل����ب ي�ستحيل قبول����ه‪ ،‬لأن من ال�صعوبة مب����كان التحكم يف �سلوك‬ ‫الإن�سان ومعرفة النوايا التي ي�ضمرها بباطنه‪ .‬وحتاول يف �ضوء ذلك‬ ‫الو�ص����ول �إىل تفاهم����ات م�سبقة م����ع وا�شنطن ب�ش�����أن املعتقلني عم ًال‬ ‫مببد�أ احليطة واحلذر‪ ،‬حتى ال يتحول ه�ؤالء يف امل�ستقبل �إىل م�صدر‬ ‫توتر للعالقات اليمني����ة – الأمريكية‪� ،‬أو و�سيلة �ضغط بيد وا�شنطن‪.‬‬ ‫ويظهر ه����ذا التوجه من امتناع اليمن عن تق����دمي �ضمانات للواليات‬ ‫املتحدة بعدم عودة املعتقلني �أو اي ًا منهم للن�شاط امل�سلح‪ ،‬وكذلك من‬ ‫مطالبته����ا لوا�شط����ن بت�سليم امللفات والأدلة الت����ي تثبت �إدانتهم لكي‬ ‫ت��ب�رر للداخل واخلارج �سبب حماكمتهم ومتديد فرتة اعتقالهم‪ ،‬وما‬ ‫مل ف�إنها �ستطلق �سراحهم‪.‬‬ ‫والوا�ض����ح �أن مث����ل هذا الطرح ي�أتي من ب����اب التحوّط‪ ،‬لأن �صنعاء ال‬ ‫ت�ستبع����د �أن تطال����ب الواليات املتحدة بعد ع����ودة املعتقلني �إىل اليمن‬ ‫باحتجازه����م مرة �أخرى‪ ،‬حتى و�إن مل تكن هن����اك م�سوغات قانونية‬ ‫مقنع����ة‪ ،‬وه����ي �إن فعل����ت ذل����ك تكون ق����د قبل����ت بت�أدية ال����دور الذي‬ ‫رف�ضت �أمريكا ت�أديته بنف�سها‪ ،‬مما �سيعر�ضها ل�ضغوط ال تنتهي‪ ،‬بل‬ ‫ويظهرها مبظهر ال�شرطي التابع للواليات املتحدة الأمريكية‪.‬‬ ‫�أم����ا اململكة العربية ال�سعودية‪ ،‬الت����ي دخلت يف املو�ضوع كطرف ثالث‬ ‫يف الآون����ة الأخرية‪ ،‬فلم يت�ضح موقفها بعد رغ����م مناق�شة هذا الأمر‬ ‫معه����ا ر�سمي���� ًا من قب����ل الإدارة الأمريكي����ة؛ فال هي �أعلن����ت �صراحة‬ ‫موافقتها عل����ى املقرتح الأمريكي‪ ،‬وال هي رف�ضته‪ ،‬وت�صرف من هذا‬ ‫القبي����ل يوح����ي برغبتها يف �إبقاء الباب مفتوح���� ًا يف امل�ستقبل على كل‬ ‫االحتماالت‪ ،‬مع �أن بع�ض املعلومات املتح�صل عليها تفيد ب�أن الريا�ض‬ ‫ال متانع يف ا�ستقبال املعتقلني اليمنيني و�إعادة ت�أهليهم �إذا ما وافقت‬ ‫�صنعاء على ذلك‪.‬‬

‫وم��اذا بع��د؟!‬ ‫تتطاب����ق وجه����ات النظ����ر بني �صنعاء‬ ‫ووا�شنطن حيال �ضرورة �إعادة تاهيل املعتقلني وتدريبهم على العمل‬ ‫من �أجل ت�سهيل فر�ص اندماجهم يف املجتمع من جديد‪ ،‬لكن اخلالف‬ ‫بينهم����ا حالي ًا يتمحور حول نقطتني �أ�سا�سيتني‪ :‬الأوىل‪ ،‬تتعلق مب�س�ألة‬ ‫متوي����ل برنامج التاهيل‪� ،‬إذ ي����رى امل�سئولون اليمنيون يف هذا اجلانب‬ ‫�أن وا�شنط����ن ملزمة بتموي����ل الربنامج‪ ،‬باعتباره����ا الطرف امل�سئول‬ ‫ع����ن الأ�ض����رار التي حلق����ت باملحتجزين خ��ل�ال ف��ت�رة اعتقالهم يف‬ ‫غوانتانامو‪ ،‬فيما يبدي امل�سئولون الأمريكيون ‪ -‬يف املقابل ‪ -‬ترددهم‬ ‫ب�ش�أن ذلك‪.‬‬ ‫والنقطة اخلالفية الثانية تتعلق باملكان الذي يجب �أن تتم فيه عملية‬ ‫ت�أهي����ل و�إ�صالح املعتقل��ي�ن اليمنيني‪ ،‬حيث ترى الوالي����ات املتحدة �أن‬ ‫ال�سعودي����ة متثل �أف�ضل البدائل املتاحة لتحقيق ذلك لأ�سباب تطرقنا‬ ‫�إليه����ا يف �سط����ور �سابقة من ه����ذا التحليل‪ ،‬يف ح��ي�ن تُف�ضِّ ل احلكومة‬ ‫اليمني����ة توليها الأمر بنف�سها وداخ����ل �أرا�ضيها‪ ،‬حتى ال يقوم بدورها‬ ‫غريها‪.‬‬

‫ون�ستنت����ج من كل ما �سبق‪� ،‬أن ح����ل م�شكلة املعتقلني اليمنني يف �سجن‬ ‫غوانتانام����و يحت����اج �إىل وق����ت‪ ،‬و�أن الق�صة ما زال له����ا بقية‪ ،‬لكن ما‬ ‫ه����و وا�ضح بج��ل�اء �أن الوالي����ات املتح����دة �أ�صبحت تواج����ه يف الوقت‬ ‫احلا�ضر‪ ،‬و�أكرث م����ن �أي وقت م�ضى‪� ،‬ضغوط ًا كبرية لإغالق املعتقل‪،‬‬ ‫وه����و ما يدفعها للبحث عن بدائل معقولة حلل امل�شكلة يف �أ�سرع وقت‬ ‫ممك����ن بالتعاون م����ع الدول املعنية بهذا ال�ش�����أن ومنها اليمن بطبيعة‬ ‫احل����ال‪ .‬وباملث����ل‪ ،‬ف�إن احلكوم����ة اليمنية ه����ي الأخ����رى مطالبة بحل‬ ‫م�شكلة مواطنيه����ا املعتقلني يف خليج غوانتانامو‪ ،‬لأن ذلك من �ضمن‬ ‫واجباتها‪ ،‬وال�س�ؤال املطروح هو‪ :‬كيف ميكن حتقيق ذلك؟‬ ‫�إذا م����ا فكرنا يف املو�ضوع بتجرّد وحيادي����ة‪ ،‬ن�ستطيع القول �أن هناك‬ ‫ثالث����ة حلول مطروحة حالياً‪ :‬احلل الأول‪� ،‬أن توافق احلكومة اليمنية‬ ‫عل����ى ترحيل املعتقلني اليمنيني �إىل اململك����ة العربية ال�سعودية ح�سب‬ ‫املق��ت�رح الأمريك����ي‪ ،‬لك����ن هذا احل����ل يب����دو �صعب���� ًا بالن�سب����ة لليمن‬ ‫لأ�سب����اب وعوامل ناق�شناها �سابقاً‪ .‬واحلل الثاين‪� ،‬أن توافق احلكومة‬ ‫الأمريكية على ت�سليم كل املحتجزين اليمنيني �إىل حكومتهم وحتميل‬ ‫الأخرية م�س�ؤلية التعام����ل معهم‪ ،‬وهذا احتمال �ضعيف على الأقل يف‬ ‫الوق����ت احلا�ض����ر �إال �إذا ما توف����رت ال�ضمانات الكافي����ة لدى �أمريكا‬ ‫بعدم �إمكانية عودتهم ملهاجم����ة رعاياها وم�صاحلها من جديد‪� .‬أما‬ ‫احلل الثالث والأخري‪ ،‬فيتمثل يف قيام الواليات املتحدة ‪ -‬كحل و�سط‬ ‫ بالإيع����از �إىل دول اخللي����ج وال�سعودية على وج����ه اخل�صو�ص مبنح‬‫احلكوم����ة اليمنية املبالغ الالزمة لإعادة ت�أهيل مواطنيها املحتجزين‬ ‫يف غوانتانام����و‪ ،‬وه����ذا و�إن كان ينا�س����ب اليمن �إال �أن����ه ال يلبي جميع‬ ‫املطال����ب الأمريكية‪ .‬ويبقى �إىل جانب ذلك ح����ل و�سط �آخر‪ ،‬وهو �أن‬ ‫يت����م �إن�شاء مركز �إقليم����ي لت�أهيل العائدين م����ن غوانتانامو من دول‬ ‫املنطقة كافة‪ ،‬وبذلك يزول احلرج عن كل الأطراف‪.‬‬ ‫الهوامــ�ش والإحـــاالت‬ ‫(‪ )1‬خالد الآن�سي‪ ،‬املدير التنفي���ذي مل�ؤ�س�سة “هود” حلقوق الإن�سان‪� ،‬صحيفة‬ ‫النداء‪ 3 ،‬متوز‪/‬يوليو ‪.2008‬‬ ‫(‪ )2‬حمم���د ناجي عالو‪ ،‬رئي�س م�ؤ�س�سة “ه ��ود” حلقوق الإن�سان‪ ،‬املعتقلون يف‬ ‫غوانتانامو‪ ،‬حما�ضرة يف مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.2009/8/1 ،‬‬ ‫(‪ )3‬كيف���ن برياين���و‪�“ ،‬إع���ادة ت�أهيل �أبو جن���دل”‪ ،‬جملة نيوزوي���ك – الن�سخة‬ ‫العربية‪ 9 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2009‬‬ ‫(‪ )4‬انظ���ر التقري���ر الذي �أعدته منظم���ة “هيومان رايت����س ووت�ش” احلقوقية‬ ‫الأمريكي���ة بعن���وان “تائه عن الوط���ن‪ :‬املعتقل���ون اليمني���ون يف غوانتانامو”‪،‬‬ ‫‪.2009‬‬ ‫(‪ )5‬كيفن برياينو‪�“ ،‬إعادة ت�أهيل �أبو جندل”‪ ،‬مرجع �سبق ذكره‪.‬‬ ‫(‪ )6‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )7‬صحيفة ال�شارع‪� 7 ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2009‬‬ ‫(‪ )8‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪� )9‬أحم���د الطوب���ان‪“ ،‬مباحث���ات لإحل���اق معتقل�ي�ن ميني�ي�ن يف غوانتانامو بـ‬ ‫“املنا�صحة” يف ال�سعودية”‪ ،‬العربية نت‪� 6 ،‬آيار‪ /‬مايو ‪.2009‬‬ ‫(‪�“ )10‬أ�سم���اء املعتقلني اليمنيني يف غوانتانام���و”‪ ،‬امل�ؤمتر نت‪ 3 ،‬متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪.2009‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪35‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫عند تخوم البطركية‬ ‫قـراءة يف القيـم الوافــدة واملتجـذرة‬ ‫و�شروط توطينها يف الن�سق القيمـي‬ ‫للمجتمع اليمني‬ ‫عبدالباقي �شم�سان‬

‫‪fanon107@yahoo.com‬‬

‫يف ي���وم ‪ 27‬م���ن �شه���ر ني�سان‪�/‬أبري���ل املن�ص���رم‪ ،‬قيّ�ض يل امل�شارك���ة يف ندوة حول “الرتاك���م الدميقراطي‬ ‫يف الوع���ي املجتمع���ي” يف �إط���ار الربنامج ال�سنوي مل�ؤ�س�سة العفيف الثقافي���ة ‪ .2010‬وعند فتح باب النقا�ش‬ ‫�أج�ب�رين �ش���اب ال يتج���اوز الع�شرين من عمره على العودة �إىل نقطة البداية‪ ،‬و�إعادة النظر يف امل�س�ألة مرة‬ ‫�أخ���رى‪ ،‬عندم���ا و�ص���ف �أح���زاب تكتل “اللقاء امل�ش�ت�رك” (املعار�ض) ‪ -‬رداً على طرح���ي الداعي �إىل �ضرورة‬ ‫ارت���كاز خط���اب املنظوم���ة ال�سيا�سي���ة اليمني���ة عل���ى الت�سام���ح واالع�ت�راف بالآخ���ر‪ ،‬مبا يوفر من���اخ مالئم‬ ‫ال�ستنب���ات القي���م واملبادئ الدميقراطية يف الن�سق القيمي املجتمعي ويتج�سد تدريجياً يف �سلوكيات واعية‬ ‫وغ�ي�ر واعي���ة – ب���ـ “اخلونة” و�أن���ه “يتوجب قتله���م و�سحله���م”؛ ودون فا�صل ت�أملي ا�ستح�ض���رت مقارناً‬ ‫وباحثاً عن امل�شرتك بني هذا ال�شاب وذاك الذي يق�صي الآخر بتفجري ذاته والآخر‪.‬‬ ‫وعليه تر�سخت قناعتي ب�ضرورة اختبار �أثر الفعل ال�سيا�سي جمتمعياً‪,‬‬ ‫وك����ذا قيا�س عم����ق املرتاكم الدميقراط����ي يف البنى الذهني����ة الفردية‬ ‫واجلماعي����ة من منظور العقالنية التوا�صلي����ة‪ ،‬كما هي عند هابرما�س‬ ‫ولك����ن يف �سياق وحقل �آخري����ن‪ .‬فالعقالنية التوا�صلي����ة عملية تقييمية‬ ‫ل�صريورة ما‪ .‬ويتم على �ضوئها القطيعة مع كل ما هو �سلبي‪� ،‬أو تعديله‬ ‫وتعزي����ز الإيجاب����ي‪ .‬وال يعني ه����ذا اعتمادن����ا مت�شي ًا منهجي���� ًا �صارماً‪،‬‬ ‫و�إمن����ا نتتبع مبرونة متكنا من جت�سري امل�ساف����ة قدر الإمكان من الواقع‬ ‫املدرو�����س‪� ,‬أما من حي����ث املنهاج �سنعتم����د التفكيك و�إع����ادة الرتكيب‬ ‫القائم على الربط الذهني بني الأجزاء‪.‬‬ ‫والب����د �أن �أ�ش��ي�ر يف البداي����ة �إىل بع�����ض امل�ؤ�ش����رات ذات الداللة‪ ،‬التي‬ ‫قادتني �إىل االهتمام بالبيئة الثقافية واالجتماعية احلا�ضنة للممار�س‬ ‫الدميقراطي‪:‬‬ ‫‪36‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫تعب��ي�ر طلبة كلي����ة الآداب جامعة �صنعاء ع����ن مطالبهم واحتجاجهم‬ ‫بالزامل القبلي! (ذات مرة خالل العام اجلاري ‪.)2010‬‬ ‫عندم����ا �أ�صيب رئي�س اجلمهورية بوعكة �صحية‪ ,‬فتح مو�ضوع اخلليفة‬ ‫املحتم����ل‪ ,‬ومت تداول ‪� -‬شعبي ًا ونخبوي ًا ‪� -‬شخ�صيات حمتملة من خارج‬ ‫امل�ؤ�س�سي والد�ستوري!!‬ ‫م����ا الداللة‪/‬والأثر املحدث ‪ -‬جمتمعي ًا وحزبي���� ًا ‪ -‬من ان�ضمام بع�ض‬ ‫التجار املح�سوب��ي�ن على املعار�ضة �إىل �إحدى الهيئ����ات امل�شكلة للتربع‪،‬‬ ‫ودع����م مر�شح احلزب احلاك����م (امل�ؤمتر ال�شعبي الع����ام) لالنتخابات‬ ‫الرئا�سي����ة ع����ام ‪ .2006‬وق����د ت����دوِل ‪� -‬شعبي���� ًا ونخبوي ًا ‪� -‬أن����ه ان�ضمام‬ ‫التقية‪.‬‬ ‫م����ا الداللة‪/‬والأثر املحدث ‪ -‬جمتمعي ًا وحزبي ًا ‪ -‬من انتخابات رئي�س‬ ‫التجم����ع اليمن����ي للإ�صالح ال�شيخ عبداهلل بن ح�س��ي�ن الأحمر للمر�شح‬ ‫عبدالباقي �شم�سان �أ�ستاذ علم االجتماع ال�سيا�سي‪ ،‬بكلية الآداب ‪ -‬جامعة �صنعاء‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪37‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫املناف�س حلزب����ه‪ ،‬وللتكتل احلزبي املنظم �إليه يف االنتخابات الرئا�سية‬ ‫عام ‪.2006‬‬ ‫م����ا الداللة‪/‬والأثر املح����دث ‪ -‬جمتمعي ًا من وج����ود قناعة يعرب عنها‬ ‫بو�ض����وح �أو �ضمني ًا �أو على ا�ستحياء ‪ -‬بوجود م����ا ي�شبه عرف د�ستوري‬ ‫غري مكتوب لتوزيع املنا�صب العليا يف م�ؤ�س�سات الدولة ( نائب الرئي�س‪,‬‬ ‫رئي�س الوزراء‪ ,‬الوزراء‪...‬الخ)‪.‬‬ ‫ما الداللة‪/‬والأثر املحدث جمتمعي ًا من‪:‬‬ ‫لف�ض خالف ن�شب‬ ‫ جل����وء �أع�ضاء جمل�س النواب �إىل الع����رف القبلي ّ‬‫حتت قبة الربملان‪� ،‬إثر اعتداء �أحد الأفراد على �آخر‪.‬‬ ‫ ن�ش����ر خرب عن ت�سريب جلان الربمل����ان تقاريرها ال�سرية �إىل الوزراء‬‫قبل عر�ضها‪.‬‬ ‫ ن�شر خرب عن عمليات احت�ساب �أ�صوات لأع�ضاء جمل�س النواب على‬‫القرارات وهم غائبون �أو يف �إجازات خارج البالد‪.‬‬ ‫ ات�ساع رقعة الف�ساد‪ ،‬و�ضعف �سيادة القانون‪.‬‬‫ احت��ل�ال �أبناء كبار امل�سئولني ملنا�صب عليا رغم �صغر �سنهم وحداثة‬‫التحاقهم وجتربتهم‪.‬‬ ‫و�أخري ًا ما هي �أ�سباب‪:‬‬ ‫ ا�ستمرار احلرب يف �صعدة‪.‬‬‫‪ -‬تنظي����م مطالب التعبريات االحتجاجي����ة يف املناطق اجلنوبية خارج‬

‫االنتقال �إىل الدميقراطية (بل����دان الدميقراطية النا�شئة �أو املتعرثة)‬ ‫والت�أ�سي�����س التاريخي لها يف �سياقها احل�ضاري الغربي حيث يتم �إعادة‬ ‫�إنتاجها لذاتها‪ ،‬بغ�ض النظر عن قيم ال�شخو�ص التي تدير دفة احلكم؛‬ ‫فقواع����د و�أ�س�س احلك����م متجذرة وله����ا حرا�سها (الق�ض����اء‪ ,‬الإعالم‪,‬‬ ‫الأكادميي����ة‪ ..‬الخ) وه����ذا ما ميكنها من �إعادة �إنت����اج النظام‪ ،‬حتى لو‬ ‫كان من يقف على ر�أ�سه ال يحمل قيم ًا دميقراطية؛ فدوافع ال�سيا�سيني‬ ‫و�أهدافهم ال ت�ؤثر يف طبيعة النظام وقواعده‪)1(.‬‬ ‫وبالع����ودة �إىل بلدان االنتق����ال الدميقراطي �أي بل����دان الدميقراطيات‬ ‫النا�شئ����ة التي تقف بع�ضها عند �إعالن االنتقال‪ ,‬و�أخرى ال ميكن نعتها‬ ‫بالدميقراطي����ة النقي����ة فن�ضيف �إليه����ا �صفة مرافق����ة‪“ :‬الدميقراطية‬ ‫االنتخابية”‪“ ,‬الدميقراطية التقديرية”‪“ ,‬الدميقراطية ال�شكلية”‪..‬‬ ‫ال����خ‪ .‬وقلي ًال منه����ا اتخذت الإج����راءات الالزمة لل�س��ي�ر باجتاه جتذير‬ ‫القي����م واملب����ادئ الدميقراطية‪ .‬وملزيد م����ن التو�ضيح‪ ،‬تتب����ع الباحثون‬ ‫ور�صدوا خم�سة �أمناط للتحول الدميقراطي‪)2(:‬‬ ‫التح����ول الدميقراطي عقب ثورات اجتماعي����ة‪ .‬ولهذا النمط �صيغتان‪:‬‬ ‫تاريخي����ة (�إجنل��ت�را الق����رن ال�ساب����ع ع�ش����ر)‪ ،‬ومعا�ص����رة (روماني����ا‬ ‫ت�شاو�شي�سكو)‪.‬‬ ‫ التح����ول الدميقراط����ي حت����ت �سلط����ة االحت��ل�ال �أو بالتع����اون مع����ه‬‫(االحتالل الربيطاين للهند‪ ,‬والأمريكي لليابان و�أملانيا الغربية)‬

‫العائل��ة العربي��ة‪ ،‬ومنه��ا اليمنية‪،‬‬ ‫تع��د م��ن امل�ؤ�س�س��ات الثقافي��ة‬ ‫للبطركي��ة‪ ،‬حي��ث تُركّ��ز ال�سلط��ة‬ ‫ح��ول الأب‪ ،‬ومتن��ح �أدوار ًا حمددة‬ ‫للم��ر�أة‪ .‬وه��ذه القي��م واملمار�س��ات‬ ‫والت�صورات متجذرة ويعاد �إنتاجها‪،‬‬ ‫وه��ذا م��ا يجعل قي��م امل�س��اواة بني‬ ‫اجلن�سني‪ ،‬و�إ�ضعاف متركز ال�سلطة‬ ‫حول الأب‪� ،‬أمر ًا غري حمتملٍ‬ ‫امل�ؤ�س�س����ات املع��ت�رف به����ا (املدني����ة واحلزبي����ة)‪ ،‬وجتاوزه����ا الثوابت‬ ‫الوطنية‪.‬‬ ‫ تعرث‪/‬وانعدام الثقة بني مكونات املنظومة ال�سيا�سية اليمنية (امل�ؤمتر‬‫ال�شعبي العام و�أحزاب “اللقاء امل�شرتك”)‪.‬‬ ‫�إن تبيئ����ة امل�ؤ�شرات املذكورة �أعاله حتمل �أكرث من داللة‪ ،‬وتفر�ض �أكرث‬ ‫من �س�����ؤال‪ ،‬وت�شرعن الختبار وقيا�س الرتاك����م الدميقراطي يف الوعي‬ ‫املجتمع����ي‪ .‬وم����ا نق�صده بالتبيئة اختب����ار وقيا�س الأث����ر املحدث للفعل‬ ‫ال�سيا�سي خالل الفرتة (‪� )1990-2010‬أي منذ �إعالن الوحدة اليمنية‬ ‫واالنتق����ال الدميقراط����ي‪ ،‬و�أنن����ا نعل����ن بو�ض����وح هنا ف�صلن����ا التام بني‬ ‫‪38‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ التح����ول الدميقراط����ي حتت �إدارة نخبة دميقراطي����ة م�ستنرية ت�ضع‬‫قيود ًا د�ستورية على ممار�ستها (الربازيل بدء ًا من ‪.)1973‬‬ ‫ االنفت����اح ال�سيا�س����ي التكتيكي الذي يف�ض����ي �إىل مطالب دميقراطية‬‫غري متوقعة‪ .‬وهذا النمط يب����د�أ مبحاولة النخبة احلاكمة متديد فرتة‬ ‫بقائه����ا يف ال�سلط����ة من خ��ل�ال قليل م����ن االنفتاح ال�سيا�س����ي التكتيكي‬ ‫(الإحتاد ال�سوفييتي‪ /‬جوربات�شوف)‪.‬‬ ‫ تعاق����د النخب����ة امل�ستب����دة عل����ى االن�سحاب م����ن احلي����اة ال�سيا�سية‪.‬‬‫فارتف����اع كلفة القمع‪ ،‬وعدم قدرتها على الإدارة الدميقراطية يجربها‬ ‫عل����ى توقيع عق����د ي�ضمن لها عف����و ًا �سيا�سي ًا وبع�ض االمتي����ازات مقابل‬

‫قيم ومبادئ الدميقراطية يف املجتمع اليمني �ستظل عند تخوم الثقافة البطركية‬ ‫املتج��ذرة والت��ي يعاد �إنتاجه��ا من خالل عدد م��ن م�ؤ�س�سات التن�شئ��ة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫ال�سيا�س��ة املتّبعة يف �إدارة الدولة واملجتم��ع‪ ،‬ف�ض ًال عن �ضرورة �إعادة التوازن بني‬ ‫ال�سلطات الثالث مبا يوفر تعدد م�صادر القرار وامل�ساءلة واملحا�سبة‬ ‫ان�سحابها من احلياة ال�سيا�سية (بينو�شيه‪/‬ت�شيلي‪.)1990 ،‬‬ ‫ ون�ضي����ف �إىل ما تقدم من����ط �ساد�س ننعت����ه بالرباجماتي (النموذج‬‫اليمن����ي)‪ ،‬الذي مت بقرار فوقي رابط ًا برجماتي ًا ‪ -‬وفقا ملعطيات البيئة‬ ‫الداخلية واخلارجية (التحوالت العاملية) ‪ -‬بني الوحدة والدميقراطية؛‬ ‫�إن����ه انتق����ال مفاجئ من الأحادي����ة احلزبية �إىل التعددي����ة احلزبية يف‬ ‫ف�ضاء جمتمعي وح�ضاري مثقل بالرتاثات الطاردة لها‪)3(.‬‬ ‫وم����ن هنا‪ ،‬تكت�س����ب البيئ����ة االجتماعي����ة والثقافي����ة �أهمي����ة مزدوجة‪:‬‬ ‫الأوىل‪ ،‬مت�أتي����ة من التمييز بني بلدان الدميقراطيات الرا�سخة وبلدان‬ ‫الدميقراطي����ات النا�شئ����ة‪� ،‬أي تل����ك الت����ي ت�شه����د حتو ًال غ��ي�ر تدريجي‬ ‫يح�ص����ل مرة واحدة بن����ا ًء على من����وذج �أ�صبح ناجزاً‪ .‬ولأنه����ا ال تتوفر‬ ‫فيه����ا املقومات الالزمة‪ ،‬يكت�سي ال�سيا�س����ي والثقايف �أهمية ل�س ّد نق�ص‬ ‫العوام����ل البنيوي����ة؛ فالتح����ول ال يحدث تراكمي���� ًا عرب عملي����ة التن�شئة‬ ‫والتنظيم‪ )4(.‬والثانية‪ ،‬مرجعه����ا خ�صو�صية البيئة املجتمعية اليمنية‪.‬‬ ‫وي����زداد الأم����ر تعقي����د ًا يف بلدان التح����ول غري التدريج����ي‪ ,‬عندما يتم‬ ‫التداول والتوظيف للمفاهيم بداللتها احلالية‪ ،‬بينما ت�شكلت و�ساهمت‬ ‫يف �ص��ي�رورة التج����ذر الدميقراطي بدالالت مغايرة؛ عل����ى �سبيل املثال‬ ‫مفه����وم احلري����ة(‪ ،)5‬ودالالت مفه����وم املجتم����ع امل����دين ال����ذي �أف�ضت‬ ‫�صريورت����ه �إىل الدميقراطي����ة ولي�����س العك�س‪ ،‬كما هو احل����ال يف بلدان‬ ‫الدميقراطية النا�شئة‪)6(.‬‬ ‫وال يهمنا‪ ،‬يف هذا ال�سياق‪ ،‬ت�صنيف منط الدميقراطية املمار�سة بدقة يف‬ ‫الف�ضاء املجتمعي اليمني بقدر ما يهمنا العن�صر الثقايف واالجتماعي‪،‬‬ ‫��ل�ا يف ا�ستنبات القي����م واملب����ادئ الدميقراطية يف‬ ‫كون����ه عن�ص����ر ًا فاع ً‬ ‫البن����ى الذهني����ة الفردية واجلماعي����ة‪ .‬فاملنطوق واملكت����وب ال�سيا�سي‪،‬‬ ‫وك����ذا املنظومة القانونية‪ ،‬ال يعربان بال�ض����رورة عن املمار�س يف بلدان‬ ‫الدميقراطية النا�شئة‪� .‬إال �أننا �سنحاول املقاربة اعتماد ًا على النموذج‬ ‫املث����ايل املتمث����ل بالدميقراطي����ة الليربالي����ة‪ ،‬التي لها �ست����ة عنا�صر �إن‬ ‫�شاب �إحداها الغمو�����ض �أو االنحراف يتبع الدميقراطية �صفة �إ�ضافية‬ ‫تالزمها‪)7(:‬‬ ‫ حق الت�صويت مكفول للجميع بغ�ض النظر عن النوع والعرق والدين‪،‬‬‫و�إن �ش����اب هذه اخل�صي�صة عيب �ص����ارت دميقراطية انتقائية (�شرط‬ ‫ال�شمول)‪.‬‬ ‫ مناف�س����ة مكفول����ة ل����كل القوى ال�سيا�سي����ة التي حت��ت�رم قواعد اللعبة‬‫الدميقراطي����ة‪ ،‬و�إن �شاب ه����ذه اخل�صي�صة عيب �ص����ارت دميقراطية‬ ‫غري تناف�سية (�شرط التناف�س)‪.‬‬ ‫‪ -‬احرتام احلقوق املدنية (�شرط الليربالية)‪.‬‬

‫ وج����ود تعدد ملراكز �صنع القرار مبا يت�ضمنه من م�ساءلة وم�سئوليات‬‫متوازنة‪ ،‬و�إال حتولت �إىل دميقراطية انتخابية (�شرط امل�ساءلة)‪.‬‬ ‫ امل�ص����در الوحيد لل�شرعية هو �أ�ص����وات الناخبني‪ ،‬وال يقبل الناخبون‬‫بغ��ي�ر �أ�صواتهم احل����رة م�صدر لل�شرعي����ة‪ ،‬و�إال حتول����ت �إىل نخبوية �أو‬ ‫دميقراطية بال دميقراطيني (�شرط الثقافة الدميقراطية)‪.‬‬ ‫ قب����ول كاف����ة الق����وى ال�سيا�سي����ة لقواع����د اللعب����ة الدميقراطية بغ�ض‬‫النظر عن نتائجها‪ ،‬و�إال حتولت �إىل دميقراطية غري م�ستقرة (�شروط‬ ‫اال�ستدامة)‪.‬‬ ‫و�سنح����اول املقارب����ة للنم����وذج تدريجي ًا عن����د التطرق لبع�����ض امل�سائل‬ ‫وامل�ؤ�ش����رات �أثناء تناولنا للبيئة االجتماعي����ة والثقافية احلا�ضنة‪ ،‬التي‬ ‫تع����د بالن�سب����ة لن����ا ذات �أهمي����ة بالغ����ة‪ .‬فالدميقراطية ثقاف����ة باملعنى‬ ‫ال�سو�سيو�أنرثبولوجي ملفه����وم الثقافة؛ �إنها منظومة متكاملة من القيم‬ ‫والرم����وز واملعاي��ي�ر واالجتاهات واملواق����ف والت�ص����ورات ور�ؤى العامل‪،‬‬ ‫ي�ستل����زم بنا�ؤها �ضرورة ا�ستنباته����ا ذاتي ًا �ضمن �صريورة ممنهجة(‪،)8‬‬ ‫حم�صلته����ا توطني املب����ادئ والقي����م الدميقراطية يف الن�س����ق القيمي‪،‬‬ ‫داعم���� ًا نظري ًا وممار�سي���� ًا لت�أ�صي����ل ثقافة التع����دد واالختالف وحقوق‬ ‫الإن�سان‪.‬‬ ‫بنا ًء على ما تقدم‪ ،‬نفرت�ض �أن البيئة احلا�ضنة تفتقر ل�شروط ا�ستنبات‬ ‫وتوط��ي�ن تلك القيم واملبادئ يف الن�س����ق القيمي للمجتمع اليمني‪ .‬وقبل‬ ‫ال�ش����روع يف التثبّ����ت من �صح����ة هذه الفر�ضي����ة من عدمه����ا‪ ،‬ال بد من‬ ‫�ضب����ط مفه����وم البطركية كما هو مت����داول يف هذا املق����ال‪� .‬إن املجتمع‬ ‫البطرك����ي مقول����ة حتليلية‪ ,‬من����وذج‪ ,‬ونظرية مكتمل����ة‪ ،‬وي�شري يف نف�س‬ ‫الوق����ت �إىل البنى االجتماعي����ة الكلية (املجتمع‪ ,‬الدول����ة‪ ,‬االقت�صاد)‪،‬‬ ‫والبن����ى االجتماعية اجلزئية (العائل����ة‪ ,‬ال�شخ�صية الفردية) للمجتمع‬ ‫البطركي تتمث����ل مبركزية الأب‪ ،‬ك�سم ٍة �أ�سا�سي����ة تنتظم حولها العائلة‬ ‫ب�شكلها الطبيعي والوطني‪)9(.‬‬ ‫وميك����ن تعري����ف البطركية ‪�-‬إجرائي����اً‪ -‬ب�أنها القيم والرم����وز واملعايري‬ ‫واالجتاه����ات واملواق����ف والت�ص����ورات وال����ر�ؤى للأنا والآخ����ر والعامل‪،‬‬ ‫واملتج����ذرة يف الن�س����ق القيمي‪ ،‬وتتمحور ح����ول الأب الطبيعي والوطني‬ ‫جاعل���� ًة من �إرادت����ه مطلقة‪ ،‬يتم االجماع الق�س����ري حولها بقوة الطاعة‬ ‫والقم����ع‪ ،‬وترتكز القي����م والعالقات ال�سائدة عل����ى القرابة‪ ,‬والع�شرية‪,‬‬ ‫والفئة الدينية‪ ,‬واملجال اجلغرايف‪.‬‬ ‫�إن القيم البطركية متت����د يف جذورها �إىل الأعماق التاريخية البعيدة‪,‬‬ ‫وهي م�ستوطن ٌة الن�سق القيمي املجتمعي‪ ,‬و�أي عملية �إحالل لها ت�ستوجب‬ ‫توف����ر �إرادة ق�صدية وممنهجة (الرتبية والتعلي����م‪ ,‬التن�شئة ال�سيا�سية‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪39‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫والثقافي����ة واالجتماعية‪ ..‬الخ)‪ ،‬وي�صاحب ذلك – تزامن ًا ‪ -‬جملة من‬ ‫الإج����راءات واملمار�س����ات املانحة للثقة بها من قب����ل اجلماهري؛ فتوفر‬ ‫كاف‪ ،‬و�سنحاول �إثبات فر�ضيتنا القائلة �إن قيم‬ ‫املنظومة القانونية غري ٍ‬ ‫ومبادئ الدميقراطية وحق����وق الإن�سان �ستظل فاقدة ل�شروط التوطني‬ ‫يف الن�س����ق القيم����ي‪ ,‬م����ا مل تتخذ جملة م����ن الإج����راءات واملمار�سات‪,‬‬ ‫و�ستظ����ل قيم ًا مبثوث���� ًة يف الف�ضاء املجتمعي‪ ,‬دون جت����اوز تخوم الن�سق‬ ‫القيم����ي‪ .‬وللتحقق من �صحة فر�ضيتنا‪� ،‬سنعتمد على التفكيك‪ ،‬و�إعادة‬ ‫البناء‪ ،‬والربط الذهني للعنا�صر‪:‬‬ ‫■ التماث��ل املفاهيمي‪� :‬إن املفاهيم ال�سيا�سي����ة املتداولة‪ ,‬وحتديد ًا‬ ‫تل����ك املنتمية �إىل الرباديج����م الدميقراطي يتم �إفراغه����ا من دالالتها‬ ‫الأ�صلي����ة وحتميلها دالالت مغايرة‪ ,‬عل����ى �سبيل املثال‪ :‬الدميقراطية =‬ ‫ال�شورى‪ ،‬والربملان = �أهل احلل والعقد‪ ,‬والعدل = امل�ساواة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫وه����ذه القيم واملمار�سات والت�صورات متجذرة ويعاد �إنتاجها‪ ،‬وهذا ما‬ ‫يجع����ل قيم امل�ساواة بني اجلن�سني‪ ،‬وك����ذا �إ�ضعاف متركز ال�سلطة حول‬ ‫الأب‪� ،‬أمر ًا غري حمتملٍ ‪.‬‬ ‫■ البنية االجتماعية التقليدية‪ :‬بالرغم من عمليات التحديث‬ ‫والتنمي����ة‪� ،‬إال �أن ثقل الرتاثات ما زال ممت����د ًا بقوة بفعل تعثرّ عمليات‬ ‫التحدي����ث‪ .‬فما زال الف�ض����اء املجتمعي يقوم عل����ى التمايز بني الفئات‬ ‫االجتماعي����ة‪ ،‬وي�ستم����د ر�أ�س مال����ه االجتماعي من البني����ة االجتماعية‬ ‫التقليدي����ة‪ ,‬والتن�شئ����ة العائلي����ة والثقاف����ة ال�شعبي����ة(‪� .)12‬إن ا�ستمرار‬ ‫التماي����ز بني الفئ����ات بوعي �أو دون وعي يعيد �إنت����اج الثقافة البطركية‪،‬‬ ‫ويحول دون ا�ستنبات قيم ومب����ادئ الدميقراطية (املواطنة‪ ,‬وامل�ساواة‬ ‫‪..‬الخ)‪.‬‬

‫■ �إعادة �إنتاج القوى التقليدية‪ :‬من �شروط بناء الدولة احلديثة‬ ‫■ براديج��م الطاع��ة‪ :‬يق�صد بالرباديجم منظوم����ة من املفاهيم تقلي�����ص ال�سلط����ة التقليدية ل�صال����ح ال�سلطة املركزي����ة‪ ،‬و�أ�س�س تعزيز‬ ‫الدميقراطي����ة وج����ود قوى ممثلة ومعربة عنه����ا‪ ،‬وهذا ما ال‬ ‫واملب����ادئ املرتابط����ة يف الذهن واخلط����اب ب�صورة‬ ‫جن����ده يف ال�سيا�س����ة املتبع����ة من����ذ عام‬ ‫�صريح����ة �أو �ضمنية‪ ،‬يدع����و فيها – بنيوي ًا ‪ -‬بع�ضها‬ ‫الدول��‬ ‫ة‬ ‫ا‬ ‫لع‬ ‫رب‬ ‫ي��‬ ‫ة‬ ‫امل‬ ‫عا‬ ‫�‬ ‫‪ 1990‬حت����ى يومن����ا ه����ذا‪ .‬فعل����ى �سبيل‬ ‫بع�ضاً‪� ،‬أو يعو�ض فيه����ا – وظيفي ًا ‪ -‬بع�ضها بع�ضاً‪.‬‬ ‫ص��رة الت��ي‬ ‫اتخ��ذ‬ ‫ت‬ ‫ا‬ ‫مل�‬ ‫س��‬ ‫ار‬ ‫ال‬ ‫د‬ ‫مي‬ ‫ق‬ ‫املثال‪ ،‬ميثل �شي����وخ القبائل يف الربملان‬ ‫راط��ي‪ ,‬مل‬ ‫واملق�ص����ود به هن����ا املنظوم����ة املمتدة ب��ي�ن الوحي ت�شه��‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫نت‬ ‫ق‬ ‫��ا‬ ‫ً‬ ‫ال‬ ‫�س‬ ‫لي‬ ‫م��‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫االنتق����ايل (‪ .29% ،)1993 - 1990‬ويف‬ ‫لل�سلط��ة �إال‬ ‫والواق����ع االجتماعي؛ فاملنظوم����ة الفكرية يف بنية ن��ادر‬ ‫ا‬ ‫ً؛‬ ‫ف‬ ‫ا�‬ ‫ست‬ ‫م��‬ ‫ر‬ ‫ار‬ ‫ا‬ ‫جمل�س النواب (انتخابات ‪،29% ،)1993‬‬ ‫حل��كام لعق��ود‬ ‫املجتمع العربي متتد جذورها �إىل الفكر الإ�سالمي يف‬ ‫�ض‬ ‫ي‬ ‫�‬ ‫إ‬ ‫ىل‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ز‬ ‫ا‬ ‫ل�‬ ‫ويف جمل�����س الن����واب (انتخابات ‪,)1997‬‬ ‫الو�سيط‪ ,‬حيث طاعة �أويل الأمر واجبة واخلروج‬ ‫سلطة وانح�صار‬ ‫حدودها‬ ‫يف‬ ‫ا‬ ‫لع‬ ‫�‬ ‫صب‬ ‫ة‬ ‫‪ ،37.1%‬ويف جمل�����س الن����واب (انتخابات‬ ‫عنه����ا م�سك����ون باخل����وف م����ن الفتن����ة‪ ،‬وتتبادل‬ ‫مما ي�ؤدي‬ ‫‪ ..44,2% ،)2003‬وهك����ذا‪ .‬كم����ا نالح����ظ‬ ‫وظيفي���� ًا عند نع����ت املعار�ض����ة باملحدث����ة للفتنة‬ ‫�إىل جتذي‬ ‫ر‬ ‫(با�سم الوحدة الوطنية) وهكذا‪)10(.‬‬ ‫�أن متثي����ل امل����ر�أة تناق�ص م����ن ‪ 8‬ن�ساء �إىل‬ ‫الأب الوطن‬ ‫ي‬ ‫واحدة (برملان ‪.)2003‬‬ ‫ويتع����زز براديج����م الطاع����ة بغي����اب �أي جتربة‬ ‫ومتثي����ل الق����وى التقليدي����ة ال يقت�ص����ر على‬ ‫لل�شراكة يف احلكم يف الرتيخ العربي الإ�سالمي‬ ‫ال�سلط����ة الت�شريعية‪ ،‬بل ي�شمل كل م�ؤ�س�سات‬ ‫القدمي والو�سيط واحلدي����ث واملعا�صر‪ .‬وحتى يف الدولة‬ ‫العربي����ة املعا�صرة التي اتخذت امل�س����ار الدميقراطي‪ ,‬مل ت�شهد انتقا ًال الدول����ة‪ .‬وتتب����ع الدول����ة �آلي����ة التمثي����ل الوفاق����ي للجماع����ات‬ ‫�سليم���� ًا لل�سلط����ة �إال ن����ادراً؛ فا�ستمرار احلكام لعق����ود يف�ضي �إىل تركز القبلي����ة واملناطقي����ة‪ ،‬مما يعم����ل على تعزي����ز الهويات الأولي����ة القبلية‬ ‫ال�سلط����ة وانح�صار حدوده����ا يف الع�صبة مما ي�����ؤدي �إىل جتذير الأب املناطقية‪ ،‬و�إ�ضعاف امل�ؤ�س�سات احلديث����ة‪ .‬فالرموز القبلية واملناطقية‬ ‫ميتلكون الق����درة والنفوذ على حتقيق مطال����ب اجلماعات وحمايتهم‪.‬‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫■ هرمي��ة العائل��ة العربي��ة‪ :‬م����ا زال����ت العائلة العربي����ة‪ ،‬ومنها وهذا ما يُ�ضعف فر�ص ظهور دميقراطيني منتظمني‪ ،‬ولهم �إرادة وفعل‬ ‫دميقراطيني‪)13(.‬‬ ‫اليمني����ة‪ ،‬وح����دة اجتماعي����ة �إنتاجي����ة‪ ،‬ون����واة التنظي����م االجتماع����ي‬ ‫واالقت�ص����ادي‪ ،‬وت�سوده����ا عالقات التكاف����ل والتعاون وال����ود وااللتزام وه����ذا ما يجع����ل الفعل ال�سيا�سي واالجتماع����ي يف جانب كبري منه نتاج‬ ‫ال�شام����ل‪ .‬وهي �أبوية من حيث متركز ال�سلطة وامل�سئوليات واالنت�ساب‪ ,‬البني����ة الفوقية التقليدية‪ ،‬رغ����م وجود بنية حتتي����ة اقت�صادية حديثة؛‬ ‫وهرمية ال يزال التمييز فيها قائم ًا على �أ�سا�س اجلن�س والعمر‪ ،‬ومتنح فالوع����ي ال�سيا�س����ي يف املجتمع����ات الر�أ�سمالي����ة الغربي����ة يرتبط فع ًال‬ ‫العائل����ة العربية انتمائها من خالل االندم����اج والتوحد؛ فالفرد ي�صبح باالنتماء الطبقي‪ ،‬يف حني �أن املجتمعات ال�شرقية ي�سود فيها االنق�سام‬ ‫لي�����س م�سئو ًال عن ت�صرفاته ال�شخ�صية وح�سب‪ ،‬بل عن ت�صرفات بقية �إىل جماع����ات تتماي����ز عن بع�ضها باحل�سب وال�ش����رف �أو الن�سب واملال‬ ‫واجل����اه �أو املذه����ب والقبيل����ة‪ .‬فالظاه����رة ال�سيا�سية جت����د دوافعها يف‬ ‫الأع�ضاء‪)11(.‬‬ ‫�إن العائل����ة العربي����ة‪ ،‬ومنه����ا اليمني����ة‪ ،‬تع����د م����ن امل�ؤ�س�س����ات الثقافية الال�شع����ور ال�سيا�سي‪ ،‬الذي هو عبارة عن بني����ة قوامها عالقات مادية‬ ‫للبطركية‪ ،‬حيث تُركّز ال�سلطة حول الأب‪ ،‬ومتنح �أدوار ًا حمددة للمر�أة‪ .‬جمعي����ة متار�س على الف����رد واجلماعات �ضغط ًا ال يق����اوم(‪ ،)14‬وهذا‬ ‫‪40‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ما يجع����ل امل�ؤ�س�سات التقليدية والرموز القبلية واملناطق �أكرث جتذر ًا من �إن ترك املجال كما هو عليه ال يوقف الأمر عند هذا امل�ستوى‪ ،‬بل يحدث‬ ‫م�ؤ�س�سات املجتمع املدين‪.‬‬ ‫نكو�ص���� ًا نح����و مراحل �سابق����ة للدول����ة وم�ؤ�س�ساتها احلديث����ة‪ ،‬وحتديد ًا‬ ‫■ النظ��ام التعليم��ي‪� :‬إن النظ����ام التعليم����ي مبختل����ف م�ستوياته يعد ت�صط����ف اجلماع����ات حول هوياته����ا الأولي����ة ال�سابقة لل����دولة (قبلية‬ ‫م�ؤ�س�س����ة تعيد �إنتاج الثقاف����ة البطركية‪ .‬فال�سلطوي����ة يف املناهج‪ ,‬وطرق ومناطقية)‪� ،‬أو متجاوزة لها نحو الأمة العربية والإ�سالمية‪.‬‬ ‫التدري�����س‪ ,‬والتقيي����م‪ ,‬والبيئة التعليمية والأكادميي����ة تفتقر �إىل احلرية‪.‬‬ ‫يق����ول يزي����د عي�سى ال�سورط����ي(‪« )15‬م����ن مظاهر ال�سلطوي����ة يف الرتبية‬ ‫الهوامــ�ش والإحـــاالت‬ ‫العربي����ة �سيط����رة اللفظية الرتبوية التي حتول الرتبي����ة من �أفعال تنب�ض‬ ‫(‪ )1‬ملزي���د من التف�صيل‪ ،‬انظ���ر‪ :‬عزمي ب�شارة‪ ,‬يف امل�س�أل���ة العربية‪ :‬مقدمة‬ ‫باحلياة �إىل �أقوال جامدة‪ ,‬ومن �سلوكيات عملية حية �إىل تنظري منف�صل‬ ‫لبي���ان دميقراطي عربي (ب�ي�روت‪ :‬مركز درا�سات الوح���دة العربية‪)2007 ,‬‬ ‫ع����ن الواقع‪ ,‬وم����ن تركيز على اجلوه����ر �إىل االهتمام بال�ش����كل‪ ...‬وحني‬ ‫�ص ‪.19-50‬‬ ‫(‪ )2‬ملزيد من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬معتز باهلل عبدالفتاح‪« ،‬الدميقراطية العربية‬ ‫يقوم التعليم على اللفظي����ة ف�إنه يتميز بالرتكيز الكبري على االرتباطات‬ ‫ب�ي�ن حمددات الداخ���ل و�ضغوط اخل���ارج»‪ ,‬امل�ستقب���ل العرب���ي‪ ,‬العدد ‪,326‬‬ ‫الكالمية والنظريات واحلفظ والتلقني وال�شكلية‪ ...‬فالطالب يعتمد غالب ًا‬ ‫بريوت‪ ،‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪� ،2006‬ص ‪.16-17‬‬ ‫يف حت�صيله على ذاكرته‪ ،‬وعلى التكرار الآيل للمعلومات املحفوظة»‪.‬‬ ‫(‪ )3‬ملزيد من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬عبدالباقي �شم�سان (و�آخرون)‪ ،‬دور الربملان‬ ‫يف الإ�ص�ل�اح الدميقراطي (تعز‪ :‬مركز املعلومات والت�أهيل حلقوق الإن�سان‪,‬‬ ‫�إنه نظام تلقيني ال ي�ؤ�س�س العقل النقدي واخلالق‪ ،‬وهذا ما يجعله م�ؤ�س�سة‬ ‫‪� )2007‬ص‪.9‬‬ ‫ثقافي����ة للبطركي����ة بامتياز‪ ،‬لي�س فقط مبخرجات����ه و�إمنا كذلك بالفجوة‬ ‫(‪ )4‬عزمي ب�شارة‪ ,‬مرجع �سابق‪� ,‬ص ‪.244‬‬ ‫(‪ )5‬ملزيد م���ن التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬مينى اخلويل‪« ,‬نظري���ة احلرية يف الفل�سفة‬ ‫الوا�سع����ة بني الذكور والإن����اث‪ ،‬وهذا ما ي�ؤكده تقري����ر التنمية الإن�سانية‬ ‫ال�سيا�سية الأوروبية»‪ ،‬الت�سامح‪ ,‬العدد‪ ,25‬عُ مان‪.2009 ،‬‬ ‫الثال����ث ال�صادر عن وزارة التخطي����ط والتعاون الدويل عام ‪ ،2004‬حتت‬ ‫(‪ )6‬ملزيد من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬عزمي ب�شارة‪ ,‬املجتمع املدين‪ ..‬درا�سة نقدية‬ ‫عنوان‪“ :‬املعرفة‪ ,‬والثقافة‪ ،‬والرتبية‪ ,‬واملعلومات‪ ,‬والتكنولوجيا”‪.‬‬ ‫(بريوت‪ :‬مركز درا�سات الوحدة العربية‪.)2000 ,‬‬ ‫■ املنط��وق واملكت��وب ال�سيا�سي‪� :‬إن املنط����وق واملن�صو�ص ال�سيا�سي‬ ‫للمنظوم����ة ال�سيا�سي����ة ال ي�ؤث����ث ملب����ادئ وقي����م الدميقراطي����ة القائم����ة‬ ‫عل����ى الت�سام����ح والتعدد واالع��ت�راف بالآخر‪ )16(.‬وال يتوق����ف الأمر عند‬ ‫ذل����ك‪ ،‬بل حتكمه ثقاف����ة �سابقة للدميقراطية وتتمث����ل بالع�صبية و�آلياتها‬ ‫االلتح����ام والتنا�صر والت�ص����ادم والتناف����ر‪ .‬و�إن كان اال�صطفاف حزبياً‪،‬‬ ‫فاملنط����وق واملكت����وب ال�ص����ادر ع����ن‬ ‫املنظومة ال�سيا�سية ال يحدث تراكم ًا‬ ‫اليمن وحتديات‬ ‫ما بعد النفط‬ ‫دميقراطياً‪ ،‬بل ي�ضعف ثقة اجلماهري التايل‬ ‫بقلم‪� :‬أحمد �أحمد مطهر‬ ‫بالدميقراطية وم�ؤ�س�ساتها احلديثة‬ ‫غ��ي�ر الق����ادرة عل����ى حتقي����ق مطال����ب‬ ‫اجلماهري وحمايتهم‪ ،‬وتزداد فجوة انعدام الثقة ات�ساعاً؛ فالبون ال�شا�سع‬ ‫ب��ي�ن املن�صو�ص واملنط����وق واملمار�س‪ ،‬و�ضع����ف �سيادة القان����ون‪ ،‬وانت�شار‬ ‫الف�س����اد‪ ،‬وتباي����ن �أولوي����ات اجلماهري (معي�شي���� ًا نتيجة تده����ور الأو�ضاع‬ ‫احلياتي����ة)‪ ،‬و�أح����زاب املعار�ض����ة (ال�سيا�سي����ة)‪ ،‬وكذا ت����دين خمرجات‬ ‫�إدارة ال�ص����راع ال�سيا�س����ي واالجتماعي للحزب احلاك����م (حرب �صعدة‪,‬‬ ‫التعبريات االحتجاجي����ة يف املناطق اجلنوبية‪ ,‬انعدام الثقة وتعثرّ احلوار‬ ‫ضال عن تدهور الأحوال املعي�شية‪ ...‬الخ‪.‬‬ ‫بينه و�أحزاب املعار�ضة)‪ ،‬ف� ً‬ ‫ختام����اً‪ ،‬وبن����ا ًء على ما تقدم ميكننا القول �إن قي����م ومبادئ الدميقراطية‬ ‫�ستظ����ل عند تخ����وم الثقافة البطركي����ة املتجذرة والتي يع����اد �إنتاجها من‬ ‫خ��ل�ال عدد من م�ؤ�س�سات التن�شئ����ة‪ ،‬ومن خالل ال�سيا�سة املتّبعة يف �إدارة‬ ‫ضال عن �ضرورة �إعادة التوازن بني ال�سلطات الثالث‬ ‫الدول����ة واملجتمع‪ ،‬ف� ً‬ ‫مب����ا يوفر تع����دد م�ص����ادر الق����رار وامل�ساءل����ة واملحا�سبة‪ ,‬وتفعي����ل �سيادة‬ ‫القانون و�ضبط الف�ساد واحتكار العنف ال�شرعي‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫(‪ )7‬معتز باهلل عبدالفتاح‪ ,‬مرجع �سابق‪� ,‬ص ‪.18-19‬‬ ‫(‪ )8‬ملزي���د من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬م�صطف���ى حم�سن‪« .‬الرتبية ومهام االنتقال‬ ‫الدميقراط���ي يف الوط���ن العربي‪ :‬م�صاع���ب احلا�ضر ومطال���ب امل�ستقبل»‪،‬‬ ‫امل�ستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪� ,294‬آب‪�/‬أغ�سط�س ‪.2003‬‬ ‫(‪ )9‬ملزي���د من التف�صيل‪ ،‬انظ���ر‪ :‬ه�شام �شُ رابي‪ ,‬البني���ة البطركية‪ :‬بحث يف‬ ‫املجتمع العربي املعا�صر (بريوت‪ :‬دار الطليعة‪� ،)1997 ,‬ص ‪.19-20‬‬ ‫(‪ )10‬ملزيد من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬الطاهر لبيب‪« ،‬عالقة امل�شروع الدميقراطي‬ ‫باملجتم���ع املدين العربي»‪ ،‬امل�ستقب���ل العربي‪ ،‬العدد ‪ ،158‬ب�ي�روت‪ ،‬ني�سان‪/‬‬ ‫�أبريل ‪.1992‬‬ ‫(‪ )11‬حلي���م بركات‪ ,‬املجتم���ع العربي املعا�صر يف الق���رن الع�شرين (بريوت‪:‬‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية‪� ،)2000 ،‬ص ‪ ,1-3‬و‪.3-9‬‬ ‫(‪ )12‬ملزي���د من التف�صيل‪ ،‬انظ���ر‪ :‬ورقة عمل عبدالباق���ي �شم�سان‪« ،‬جت�سري‬ ‫الفج���وة ب�ي�ن املت�أ�ص���ل الإن�س���اين واملمار�س املجتمع���ي‪ :‬احلق���وق ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية للفئات املهم�شة يف املجتمع اليمني (فئة ما ي�سمى‬ ‫الأخ���دام منوذج���اً)‪ ,‬قدمت يف اللق���اء الت�شاوري الث���اين جلمعيات املحاوي‬ ‫وجتمعات ال�صفيح باليمن‪ ,‬عدن ‪.2006‬‬ ‫(‪ )13‬ملزي���د من التف�صيل‪ ،‬انظر‪ :‬عزمي ب�شارة‪ ،‬يف امل�س�ألة العربية‪ ,..‬مرجع‬ ‫�سابق‪� ,‬ص ‪.244‬‬ ‫(‪ )14‬ملزي���د م���ن املعلوم���ات‪ ،‬انظ���ر‪ :‬عب���داهلل جناح���ي‪« ،‬العقلي���ة الريعي���ة‬ ‫وتعار�ضه���ا مع مقومات الدولة الدميقراطية»‪ ،‬امل�ستقبل العربي‪ ،‬العدد ‪،288‬‬ ‫بريوت‪� ،‬شباط‪/‬فرباير ‪.2003‬‬ ‫(‪ )15‬يزي���د عي�سى ال�سورطي‪ ,‬ال�سلطوية يف الرتبية العربية (الكويت‪� :‬سل�سلة‬ ‫عامل املعرفة‪� ،)2009 ,‬ص ‪.141-142‬‬ ‫(‪ )16‬انظر على �سبيل املثال ال احل�صر‪:‬‬ ‫ عبدالباق���ي �شم�س���ان وحمم���د املخاليف‪ ,‬واق���ع املنظمات غ�ي�ر احلكومية‬‫حلقوق الإن�سان (تعز‪ :‬مركز املعلومات والت�أهيل حلقوق الإن�سان‪)2006 ,‬؛‬ ‫ مقالن���ا «العر����ض والطلب يف ال�س���وق االنتخابية اليمنية‪ :‬ق���راءة �أولية يف‬‫الت�سوي���ق والربام���ج االنتخابي���ة ملر�شح���ي الرئا�س���ة‪� ،‬صالح وب���ن �شمالن»‪,‬‬ ‫�صحيفة الو�سط‪ ,‬العدد ‪� ،117‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2006‬‬ ‫ مقالنا «�صورة الإن�سان والآخر يف املهرجانات االنتخابية ملر�شحي الرئا�سة‪،‬‬‫�صالح وبن �شمالن»‪� ,‬صحيفة الو�سط‪ ،‬العدد ‪� ،118‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2006‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪41‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫اليمن ما بعد النفط‬

‫ما العمل؟‬ ‫�أحمد �أحمد مطهر‬

‫‪mutahar76@yahoo.com‬‬

‫زم��ن ما بعد النف��ط قاد ٌم ال حمالة لي�س يف اليمن وح�س��ب بل يف الع��امل �أجمع؛ فهل‬ ‫هناك ا�س��تعداد حقيقي ملواجهة حتديات مرحلة “اقت�صاد ما بعد النفط”؟ وما هي‬ ‫البدائل املتاحة �أمامنا للتكيّف مع حتديات هذه املرحلة؟‬ ‫‪42‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أحمد �أحمد مطهر كاتب من اليمن‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪43‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫�إن امل�ؤ�شرات والأرقام هي من �ستحدثنا بذلك؛ فخالل ال�سنوات الأخرية‬ ‫تراجع الإنتاج النفطي لليمن بن�سبة ترتاوح بني ‪ %6‬و‪� %8‬سنوياً‪ ،‬وباملثل‬ ‫تراجعت �أ�سع���اره‪ ،‬الأمر الذي �ألقى بظاللٍ قامت���ة على اقت�صاد البالد‬ ‫نظ���ر ًا ملا متثله العائ���دات النفطية من �أهمي���ة اقت�صادية ومالية كربى؛‬ ‫فن�سب���ة عائدات النفط تقدر بـ ‪ %95‬م���ن جممل عوائد الت�صدير و‪%75‬‬ ‫م���ن �إيرادات املوازن���ة‪ ،‬ومتثل ن�سبة م�ساهمته يف جمم���ل الإنتاج املحلي‬ ‫بحوايل ‪ .%30‬وميثل تناق�ص �إنتاج النفط وخطر تقلبات ال�سوق الدولية‬ ‫بفعل الأزمة املالية العاملية‪ ،‬حتدي ًا مزدوج ًا بالن�سبة لالقت�صاد اليمني‪.‬‬ ‫فم�ست���وى الإنت���اج النفطي تقل�ص من ‪� 420‬ألف برمي���ل يومي ًا عام ‪2006‬‬ ‫�إىل ‪� 380‬ألف برمي���ل عام ‪ ،2008‬وتراوح تراجع �إنتاجه العام الفائت ما‬ ‫ب�ي�ن ‪ 280‬و‪� 300‬ألف برميل يف اليوم الواحد‪ ،‬يف الوقت الذي انهارت فيه‬ ‫الأ�سع���ار ب�شكل كبري بدت خماطره تلوح منذ مطلع العام احلايل ‪،2010‬‬ ‫حي���ث زادت احلكومة من �أ�سعار الوقود بن�سبة ‪ %14‬بداية العام احلايل‬ ‫حماول ًة رفع ملياريّ دوالر من على كاهلها نتيجة دعم امل�شتقات النفطية‬ ‫كالديزل‪.‬‬ ‫وامل�ؤك���د �أن تراج���ع �إنتاج النفط وتقل�ص عوائده بالت���ايل‪� ،‬سي�ؤديان �إىل‬ ‫زي���ادة حج���م ال�ضغوط املتوقع���ة على املوازن���ة العامة ويجعله���ا عر�ض ًة‬ ‫لعج���ز مايل غري م�سبوق بعد �أن حققت فائ�ض��� ًا نتيجة االرتفاع الن�سبي‬ ‫واملت�صاع���د يف �أ�سع���ار النفط خالل ال�سنوات الثم���ان املا�ضية‪ .‬وح�سب‬ ‫تقري���ر ر�سمي �أ�ص���دره البنك املرك���زي اليمني‪ ،‬فقد �شه���دت املديونية‬ ‫اخلارجي���ة لليم���ن ارتفاع ًا مق���داره ‪ 135‬ملي���ون دوالر بنهاية عام ‪2009‬‬ ‫مقارن���ة مع العام الذي �سبقه‪ ،‬فيم���ا �شهد احتياطي اليمن من العمالت‬ ‫ال�صعب���ة انخفا�ض��� ًا مق���داره ‪ 157‬ملي���ون دوالر‪ .‬وبناء عل���ى ذلك‪ ،‬ي�أتي‬ ‫حتذي���ر اخلرباء م���ن �أن الرتاجع يف خمزون العم�ل�ات الأجنبية نتيجة‬ ‫تناق�ص �إيرادات النفط وارتفاع املديونية‪� ،‬سي�ؤدي �إىل �أ�ضرار اقت�صادية‬ ‫كبرية قد ت�صل �إىل حد �إفال�س امليزانية العامة‪.‬‬ ‫وبالرغ���م من وج���ود بارقة �أمل لإنعا����ش ميزانية الدول���ة تتمثل بدخول‬ ‫اليم���ن نادي الدول امل�صدرة للغ���از بدء ًا من �أواخر العام املا�ضي ‪،2009‬‬ ‫�إال �إن اخل�ب�راء قلل���وا م���ن �أهمية م���ا يعلق م���ن �آمال على قط���اع الغاز‬ ‫‪44‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الناه����ض‪ ،‬خا�ص��� ًة �أن ح�صة الدولة من���ه تقل عن ‪ ،%17‬فيم���ا تتقا�سم‬ ‫ال�ش���ركات الأجنبي���ة بقية الن�سب‪ .‬وت�ش�ي�ر التوقع���ات احلكومية �إىل �أن‬ ‫اليم���ن �ستتمكن من حتقي���ق مكا�سب تقدر مبا ب�ي�ن ‪ 30‬و‪ 50‬مليار دوالر‬ ‫�سنوي ًا على مدار دورة حياة امل�شروع التي تقدر ما بني ‪ 20‬و‪� 25‬سنة‪ .‬ومع‬ ‫�أن اليم���ن بحاجة ما�سة �إىل هذا الدخ���ل‪� ،‬إال �إن �صادراته للغاز ال تكفي‬ ‫لتغطي���ة االنخفا�ض احلاد يف خمزونات النفط يف الوقت الذي يعي�ش ما‬ ‫يقرب من ‪ %40‬م���ن �سكانه على �أقل من دوالرين يومياً‪ ،‬ومن املتوقع �أن‬ ‫يت�ضاعف عدد ال�سكان ال���ذي يبلغ حالي ًا ‪ 23‬مليون خالل ع�شر �سنوات‪،‬‬ ‫مما ي�ضيف عبئ ًا جدي���د ًا على كاهل امليزانية يف املدى القريب‪ .‬وح�سب‬ ‫معهد كارنيغي لل�سالم الدويل «ف�إن زيادة امل�ساعدات �إىل اليمن‪ ،‬ولي�س‬ ‫فقط الدعم الأمني املتزايد �سي�ساعد على منع انهيار الدولة‪� ،‬إىل جانب‬ ‫موازن���ة اخليارات االقت�صادي���ة ال�صعبة التي يج���ب اتخاذها يف اليمن‬ ‫بينما ي�ستعد اقت�صادها لالنتقال �إىل «اقت�صاد ما بعد النفط»»‪.‬‬ ‫وامل�ؤكد هنا �أن زمن ما بعد النفط قاد ٌم ال حمالة لي�س يف اليمن وح�سب‬ ‫ب���ل يف العامل �أجمع‪ ،‬وما ي�ؤكد ذل���ك حقيقة وا�ضحة جد ًا وهي �أن العامل‬ ‫ي�ستخ���دم حالي ًا حوايل ‪ 27‬مليار برميل من النف���ط �سنوياً‪ ،‬ولكننا جند‬ ‫�أن االكت�شاف���ات يف احلق���ول العاملية اجلدي���دة �أقل م���ن ‪ 6‬مليار برميل‬ ‫م���ن النفط �سنوي��� ًا (�أي �أن حوايل ‪ 21‬مليار برميل م���ن النفط ت�ستهلك‬ ‫�سنوي��� ًا من املخزون العاملي املرتاكم)‪ .‬وتب���دو حقيقة �أن الإنتاج العاملي‬ ‫م���ن النفط �سوف يتزايد لي�صل �إىل ذروته العظمى ثم يبد�أ بالتناق�ص‪،‬‬ ‫�صعبة الدح�ض اليوم ورمبا تكون عند البع�ض غري قابلة للنقا�ش‪.‬‬ ‫وبالتطبيق على حالة اليمن‪ ،‬جند �أن �سقف الإنتاج املحلي من النفط قد‬ ‫بل���غ ذروته خالل ت�سعينيات الق���رن املا�ضي‪ ،‬وبد�أت مرحلة االنحدار مع‬ ‫حلول الألفي���ة الثالثة‪ ،‬وهذا يقودنا �إىل �إن النفط اليمني ‪ -‬وفق الوترية‬ ‫احلالية‪ ،‬وب�سبب عدم وجود ا�ستك�شافات جديدة ‪� -‬سين�ضب حتم ًا حتى‬ ‫ل���و ت�ضاربت �آراء املراقبني حول تاري���خ الن�ضوب‪ .‬ففي عام ‪ 2006‬تنب�أت‬ ‫اخلب�ي�رة الدولية يف البنك الدويل‪� ،‬إمي���ان عقداوي‪ ،‬ب�أن النفط اليمني‬ ‫�سين�ض���ب يف ع���ام ‪ ،2011‬يف حني توقع���ت احلكومة اليمني���ة �أنه �سينفد‬ ‫يف ع���ام ‪ ،2014‬وهن���اك �أي�ض ًا توقعات بنف���اده يف ‪� 2018‬أو ‪ .2019‬ويذكر‬

‫اال�ستعداد ملا هو �أ�سو�أ‬ ‫يف �ضوء‬ ‫ما �سبق‪ ،‬ميكن القول �إن ا�ستمرار االعتماد ب�شكل �شبه‬ ‫كلي عل���ى النفط كم���ورد �أ�سا�سي �سيعر����ض االقت�صاد‬ ‫اليمن���ي ملخاطر فعلية يف امل�ستقبل القريب جداً‪ ،‬ونحن‬ ‫‪2016‬‬ ‫هن���ا ال يجب �أن نكتفي بدق نواقي�س اخلطر فقط‪ ،‬لأننا‬ ‫�أمام معركة حقيقية يجب �أن يُح�شَ د لها كل الإمكانيات‬ ‫والتداب�ي�ر واتخ���اذ خطوات ج���ادة وملمو�س���ة من �أجل‬ ‫تنويع م�صادر الدخل القومي‪.‬‬ ‫�إن النف���ط ‪ -‬كما نع���رف بداه ًة ‪ -‬ميثل م�صدر ر�أ����س مال نا�ضب وغري‬ ‫متج���دد‪ ،‬والن�ضوب هن���ا‪ ،‬كما يُف�سّ ���ر اقت�صادياً‪ ،‬ه���و �أن ينخف�ض �سعر‬ ‫البي���ع عن تكاليف الإنت���اج‪ .‬وقد لعب النفط‪ ،‬كما ي���درك اجلميع‪ ،‬دور ًا‬ ‫رئي�سي��� ًا يف حتدي���د م�س���ار وطبيع���ة التنمي���ة يف اليم���ن منذ ب���دء �إنتاج‬ ‫وت�صدي���ر النف���ط بكميات جتارية يف عام ‪ .1986‬وم���ا يزال النفط حتى‬ ‫اللحظة ي����ؤدي دوره باعتب���اره �أهم املوارد االقت�صادي���ة التي تتحكم يف‬ ‫عملي���ة التنمي���ة امل�ستدامة‪ ،‬التي تق���وم على �أ�سا�س الرب���ط بني التنمية‬ ‫الب�شري���ة والتنمية البيئية‪ ،‬بحيث يتم حتقيق التوازن بني اجليل احلايل‬ ‫وجي���ل امل�ستقب���ل‪ ،‬وبالتايل تلبية حاجات اجليل احل���ايل دون ا�ستنزاف‬ ‫حاجات الأجيال القادمة‪.‬‬ ‫وال �ش���ك يف �أن ال�ضع���ف يف البني���ة الأ�سا�سي���ة لالقت�ص���اد اليمني �أخذ‬ ‫ينعك����س بدوره على تنمي���ة القطاعات الإنتاجية غ�ي�ر النفطية‪ ،‬وكذلك‬ ‫على حجم ا�ستثمارات ر�ؤو�س الأموال �سواء املحلية �أو الأجنبية‪ .‬لذا ف�إن‬ ‫االقت�صاد اليمني بحاجة �إىل معاجلة قاعدته الإنتاجية‪ ،‬بحيث ي�ستطيع‬ ‫�أن ي�ستثم���ر يف القطاع���ات الإنتاجي���ة غري النفطية‪ ،‬وه���ذا لن يتم دون‬ ‫القيام بعمليات �إ�صالح بنيوية �شاملة حتول دون غرق االقت�صاد الوطني‬ ‫يف م�ستنقع الف�شل‪ .‬ويف هذا الإطار‪ ،‬تعالت �أ�صوات دولية عدة حتذر من‬ ‫�سيناريو كارثي قد يواجه اليمن قريب ًا ما مل يتم التحرك ب�صورة عاجلة‬ ‫لتدارك ما ميكن تدارك���ه‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪� ،‬أورد تقرير للمعهد امللكي‬ ‫لل�ش����ؤون الدولية حتذير ًا لأحد اخل�ب�راء النفطيني‪ ،‬ي�ؤكد فيه «�أن اليمن‬ ‫قد تواجه انهيار ًا اقت�صادي ًا خالل �أربع �أو خم�س �سنوات»‪.‬‬ ‫واحل���ال �أن ا�ستمرار اعتم���اد املوازنة اليمنية على الإي���رادات النفطية‬ ‫ب�ش���كل كبري‪ ،‬يف �ض���وء اال�ستنزاف احلاد ملخزون اليم���ن النفطي‪ ،‬بات‬

‫‪500‬‬ ‫‪400‬‬ ‫‪300‬‬ ‫‪200‬‬ ‫‪100‬‬

‫�ألف برميل ‪ /‬يومي ًا‬

‫حت���ى وقتن���ا الراهن‪ ،‬ميكن القول �إن النف���ط يف قامو�س اقت�صاد دولة نامي���ة كاليمن يعني «العمود‬ ‫الفق���ري» القت�ص���اد �أنهكته الأزمات االقت�صادي���ة واملالية وال�سيا�سية والأمني���ة‪ ،‬والتدهور يف قطاع‬ ‫حي���وي كهذا ينعك�س ب�ص���ورة مبا�شرة على �أداء االقت�صاد الوطني ب�شكل ع���ام‪ ،‬فما بالنا �إذا بد�أت‬ ‫تبا�شري ن�ضوب هذا املورد احليوي تلوح يف الأفق‪ .‬وبالت�أكيد ف�إن عدد ًا من الأ�سئلة املهمة‪ ،‬على �ضوء‬ ‫ذل���ك‪� ،‬ستتواىل تباع ًا‪ :‬هل فع ًال ب���د�أ العد العك�سي لن�ضوب النفط يف اليم���ن؟ وهل هناك ا�ستعداد‬ ‫حقيقي ملواجهة حتديات مرحلة اقت�صاد ما بعد النفط؟ وما هي البدائل املتاحة �أمامنا للتك ّيف مع‬ ‫حتديات هذه املرحلة؟‬

‫البنك الدويل �أنه بحلول عام ‪ 2017‬لن تك�سب احلكومة‬ ‫اليمني���ة �أيّ دخلٍ من النفط‪ ،‬وهذا الواقع ي�ستدعي من‬ ‫احلكومة �أن تعمل م���ن الآن و�أن ت�ستعد ملواجهة مرحلة‬ ‫م���ا بعد النف���ط‪ ،‬ال�سيم���ا �أن التحديات الت���ي تواجهها‬ ‫اليم���ن حالي ًا مل تعد تنال اال�ستقرار املحلي وح�سب‪ ،‬بل‬ ‫�أي�ض ًا اال�ستق���رار الإقليمي والعامل���ي يف �آنٍ واحد‪ ،‬و�إذا‬ ‫م���ا ترك���ت دون حلول ناجع���ة‪ ،‬ف�إن تداعياته���ا ال�سالبة‬ ‫�ست�صيب دول املنطقة ككل‪.‬‬

‫اليمن‪ :‬انحدار نفطي‬

‫‪0‬‬ ‫‪-100‬‬ ‫‪2010‬‬

‫‪2004‬‬

‫‪1992‬‬

‫‪1996‬‬

‫‪1980‬‬

‫‪1986‬‬

‫ال�سن ــة‬ ‫�إجمالــي �إنتـاج النفط‬

‫�أمر ًا مقلق ًا للغاية‪ ،‬وي�ستدعي قيام احلكومة – اليوم قبل الغد ‪ -‬بالتفكري‬ ‫جدي���اً‪ ،‬والعم���ل ب�شكل �سريع تبع ًا لذلك‪ ،‬على ع���دم االعتماد – ب�صورة‬ ‫�شبه ح�صرية ‪ -‬على الرثوة النفطية يف متويل املوازنة‪ ،‬والبدء بخطوات‬ ‫عاجل���ة لتنوي���ع م�ص���ادر الدخ���ل القومي من خ�ل�ال تنمي���ة القطاعات‬ ‫الواعدة اقت�صادي ًا كالزراعة وال�سياحة والأ�سماك‪.‬‬ ‫وبالرتكي���ز عل���ى هذه القطاع���ات تباعاً‪ ،‬ميك���ن القول �إن من���اخ اليمن‬ ‫يتمت���ع بالتن���وع وه���ذا ينعك�س �إيجاب ًا عل���ى قدرة القط���اع الزراعي على‬ ‫تنوي���ع املحا�صي���ل واملنتجات الزراعية على مدار الع���ام‪� .‬إال �أنه بالرغم‬ ‫من اجلهود التي تبذلها احلكومة لتنمية هذا القطاع‪ ،‬ف�إن م�ساهمته يف‬ ‫الن���اجت املحلي الإجمايل ما ت���زال متوا�ضعة جداً‪� ،‬إذ ي�ساهم بحدود ‪%9‬‬ ‫فق���ط من �إجمايل الناجت املحلي الإجمايل‪ .‬وت�شري البيانات املتوفرة �إىل‬ ‫�أن امل�ساحة املزروعة فعلي��� ًا ما تزال �ضئيلة جد ًا قيا�س ًا مب�ساحة البالد؛‬ ‫فهي ال تتجاوز ‪ 101‬مليون هكتار‪� ،‬أي �أقل من ‪ %2‬من امل�ساحة الإجمالية‬ ‫لليم���ن‪ .‬وه���ذا الواق���ع يقودن���ا �إىل �أن القط���اع الزراع���ي يف اليمن غري‬ ‫م�ستغل ب�شكل كاف ي�ؤهله لأن يكون مورد ًا مهم ًا ي�ساعد يف رفد امليزانية‬ ‫العامة بن�سبة معت�ب�رة من الإيرادات‪ ،‬وبحيث جتعله �أحد م�صادر تنويع‬ ‫الدخل القومي كما هو حا�صل يف بلدان عربية �أخرى‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪،‬‬ ‫�أدت �سيا�س���ة دع���م املزارعني‪ ،‬الت���ي اتبعتها بع�ض احلكوم���ات العربية‬ ‫خالل ال�سنوات املا�ضية ك�سوري���ة واململكة العربية ال�سعودية‪� ،‬إىل زيادة‬ ‫�إنتاجهم���ا من القم���ح‪ ،‬مم���ا �أدى �إىل بلوغهما مرحلة االكتف���اء الذاتي‬ ‫واالجت���اه نح���و الت�صدير‪ ،‬يف الوق���ت الذي تت�صدر اليم���ن قائمة الدول‬ ‫العربية الأقل اكتفا ًء ذاتي ًا من القمح‪ ،‬وبن�سبة ال تتجاوز ‪.%15‬‬ ‫وم���ن هذا املنطل���ق‪ ،‬تبدو احلاجة الي���وم ملحة النته���اج �سيا�سة �سعرية‬ ‫ت�شجيعي���ة للمنتجني من �أجل خلق فر�ص احل�ص���ول على �أ�سعار جمزية‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪45‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫تفوق يف ارتفاعها الأ�سعار العاملية بدرجه كبرية‪ .‬وبالرغم مما يثار من‬ ‫حتفظات من قبل بع�ض االقت�صاديني على �سيا�سة دعم القطاع الزراعي‬ ‫يف ه���ذه ال���دول‪ ،‬نظ���ر ًا الرتفاع تكلفة الإنت���اج‪� ،‬إال �أن اله���دف الرئي�سي‬ ‫لإ�سرتاتيجي���ة التنمي���ة يف الأقط���ار النفطية يتج�سّ ���د يف ال�سعي ل�ضمان‬ ‫نهاية منظّ مة لع�صر النفط عن طريق تو�سيع القاعدة االقت�صادية‪ ،‬من‬ ‫خالل تخفي�ض �سيطرة القطاع النفط���ي على االقت�صاد الوطني وتنويع‬ ‫م�صادر الدخل‪ ،‬وهو �أمر يتطلب بناء قطاع اقت�صادي متطور غري معتمد‬ ‫على النفط‪ .‬وعليه‪ ،‬ف�إن دعم قطاع �إنتاجي حيوي كالقطاع الزراعي يف‬ ‫اليم���ن يعترب خطوة مهمة للغاية للتخفي���ف من �سيطرة القطاع النفطي‬ ‫على �إيرادات املوازنة العام���ة‪ ،‬و�سي�ساهم ب�صورة فعالة يف �إيجاد تنمية‬ ‫م�ستدامة ت�ضمن للجيل احلايل والأجيال القادمة‪ ،‬العي�ش يف ظل ظروف‬ ‫�أكرث �أمن ًا وا�ستقراراً‪.‬‬ ‫�أما القطاع الث���اين الذي ميكن �أن ي�ساهم ب�شكل فعّال يف تنويع م�صادر‬ ‫الدخ���ل القومي‪ ،‬واال�ستعداد من ثمّ حلقبة ما بعد النفط يف اليمن‪ ،‬فهو‬ ‫القط���اع ال�سمكي‪ .‬فاليمن‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬متتلك �سواحل طويلة جداً‪،‬‬ ‫تق���در بح���وايل ‪ 2500‬كيلو مرت على امتداد �إطالل���ة اليمن البحرية على‬ ‫البح���ر الأحم���ر وخليج عدن وبحر العرب‪ ،‬وه���ذا ال�سواحل غنية بزهاء‬ ‫‪ 350‬نوع��� ًا م���ن الأ�سماك وامل�أك���والت البحرية والت���ي مل تُ�ستغل بال�شكل‬ ‫الأمث���ل بعد‪� ،‬إذ �أن ما ي�ستغل حالي ًا ال يتج���اوز ‪ 50‬نوع ًا فقط‪ ،‬وهو الأمر‬ ‫ال���ذي ينعك�س على حج���م الإنتاج ال�سمكي ال�ضئي���ل ن�سبي ًا واملقدر بنحو‬

‫‪� 350‬ألف طن فقط‪ ،‬يف حني �أن الإمكانيات الإنتاجية تفوق ن�صف مليون‬ ‫طن‪.‬‬ ‫وبالرغ���م من �أن ثم���ة �إدراك ًا حكومي ًا ب�أهمية قطاع���يّ الزراعة والرثوة‬ ‫ال�سمكي���ة‪ ،‬و�أنهما قد ي�ش���كالن �أحد البدائ���ل االقت�صادية املهمة للرثوة‬ ‫النفطي���ة املت�ضائل���ة‪ ،‬لكن العم���ل على ت�صدي���ر املنتج���ات الزراعية �أو‬ ‫ال�سمكي���ة ما زال يواج���ه حتديات و�صعوب���ات جمّة‪ ،‬نتيج���ة عدم وجود‬ ‫�إ�سرتاتيجي���ة �شامل���ة للتعاط���ي مع هذي���ن القطاعني ب�ش���كل ي�ساهم يف‬ ‫�إنعا�شهما وحتويلهما �إىل مرتك���ز �أ�سا�سي القت�صادنا القومي يف مرحلة‬ ‫ضال عن‬ ‫م���ا بعد النف���ط وم�صدر دخ���ل ال ين�ض���ب للخزينة العام���ة‪ ،‬ف� ً‬ ‫عدم وجود قاع���دة معلوماتية كافية ومحُ دّثة ملعرفة احتياجات الأ�سواق‬ ‫اخلارجي���ة‪ ،‬ناهي���ك ع���ن �أن الت�صدي���ر الع�شوائي من قب���ل جهات عدة‬ ‫ال تلت���زم ب�أي معايري �س���واء من حيث املوا�صفات واجل���ودة واحتياجات‬ ‫ال�سوق اخلارجية‪ ،‬قد �أدى �إىل تدين �أ�سعار البيع‪.‬‬ ‫و�إىل جانب هذي���ن القطاعني هناك �أي�ض ًا القطاع ال�سياحي‪ ،‬وهو قطاع‬ ‫اقت�ص���ادي واعِ د ال يجب اال�ستهانة به‪ ،‬وي�شكل ‪ -‬يف �ضوء جتارب عاملية‬ ‫كث�ي�رة ‪� -‬أحد م�صادر تنويع الدخل القومي الأ�سا�سية‪ ،‬لكن هذا القطاع‬ ‫احلي���وي بالن�سب���ة لليم���ن م���ا زال – من حي���ث توفر مقوم���ات نه�ضته‬ ‫الأ�سا�سي���ة ‪ -‬دون امل�ستوى حتى الآن‪ .‬وق���د ذكر تقرير للبنك الدويل �أن‬ ‫�صناع���ة ال�سياحة يف اليم���ن تعترب من ال�صناعات الأق���ل منواً‪ ،‬بالرغم‬

‫مم���ا متتلكه اليمن من م���وارد �سياحية كبرية‪ .‬و�أ�ض���اف التقرير‪ ،‬الذي‬ ‫�ص���در قبل عدة �أعوام وحتدي���د ًا يف منت�صف ‪� ،2002‬أن منو ال�سياحة يف‬ ‫اليم���ن تواج���ه بقيود كثرية تتمثل �أبرزها يف وج���ود �إمكانية نقل �ضعيفة‬ ‫وعالي���ة الكلف���ة‪ ،‬و�صعوبة بيئ���ة الأعم���ال يف جمال الن�ش���اط ال�سياحي‪،‬‬ ‫و�ضعف الرتويج ال�سياحي وغياب �أي ن�شاطات له‪ ،‬وكذا �ضعف املنظومة‬ ‫الأمنية‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل وجود عراقيل حتول دون ا�ستمرار املحافظة على‬ ‫الرتاث الثقايف اليمني‪.‬‬ ‫وق���د �أو�ض���ح ذات التقري���ر �أن �إمكانيات اليمن ال�ضخم���ة ت�سمح بتنمية‬ ‫ال�سياحة الثقافية والتاريخية‪ ،‬وال�سياح���ة البيئية‪ ،‬و�سياحة اال�صطياف‬ ‫وال�شواطئ واجلزر‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل ال�سياحة اجلبلية والعالجية وزيارة‬ ‫ال�صح���اري‪ ،‬ويف ح���ال ا�ستغالل ه���ذا القطاع الواعد ف����إن عدد ال�سياح‬ ‫القادم�ي�ن �إىل اليم���ن �سريتفع ب�ش���كل مطرد‪ ،‬وميكن بالت���ايل �أن ترتفع‬ ‫العائ���دات ال�سياحي���ة �إىل ح���وايل ‪ 3-2‬ملي���ار دوالر بح�س���ب تقدي���رات‬ ‫املجموع���ة الفنية لر�ؤية اليم���ن اال�سرتاتيجية �سن���ة ‪ .2025‬وهو �أمر �إذا‬ ‫حتقق‪ ،‬ف�إنه �سيمثل ر�صي���د ًا مهم ًا للخزينة العامة للدولة و�أحد م�صادر‬ ‫الدخ���ل القوم���ي املهمة للب�ل�اد‪ ،‬ت�ساعده���ا على مواجهة حقب���ة ما بعد‬ ‫النفط‪ .‬لكن امل�شكلة الأ�سا�سية التي تواجه هذا القطاع اليوم‪ ،‬ومتنع من‬ ‫ا�ستغالل���ه بال�شكل الأمثل‪ ،‬تكمن يف ا�ستمرار اال�ضطرابات الأمنية التي‬ ‫متر بها اليمن‪ ،‬وتنامي التهدي���دات الإرهابية‪ ،‬مما �أ�صاب هذا القطاع‬

‫ال تعوّلوا كثري ًا على عائدات ت�صدير الغاز‬

‫تظهر الدرا�سات احلالية �أن الإيرادات املتوقعة من ت�صدير اليمن للغاز‬ ‫ال ميكن �أن تغطي النق�ص يف الإيرادات جراء انخفا�ض كميات �إنتاج النفط‬ ‫يف عام ‪ 1995‬مت التوقيع على اتفاقية تطوير‬ ‫الغاز بني احلكومة اليمنية وعدد من‬ ‫ال�شركات الأجنبية امل�ساهمة يف ا�ستغالل‬ ‫الغاز الطبيعي امل�سال ‪ .LNG‬وبح�سب‬ ‫هذه االتفاقية‪ ،‬التي �صادق عليها جمل�س‬ ‫النواب يف عام ‪ ،1997‬ف�إن االحتياطيات‬ ‫املخ�ص�صة مل�شروع ت�صدير الغاز الطبيعي‬ ‫امل�سال ‪ LNG‬هو ‪ 9.2‬تريليون قدم مكعب‬ ‫وملدة ‪ 25‬عاماً‪ ،‬كما �أنه قد خ�ص�ص ‪1‬‬ ‫تريليون قدم مكعب لل�سوق املحلية‪ .‬ويعترب‬ ‫امل�شروع �أكرب م�شروع ا�ستثماري ينفذ‬ ‫يف اليمن بلغت تكلفته ‪ 4.7‬مليار دوالر‬ ‫�أمريكي‪.‬‬

‫وقد وزعت ح�ص�ص ال�شركات امل�شاركة يف‬ ‫امل�شروع كالتايل‪� :‬شركة توتال الفرن�سية‬ ‫(‪� ،)%39.62‬شركة هنت الأمريكية‬ ‫(‪،)%17.22‬ال�شركةاليمنيةللغاز(‪،)%16.73‬‬ ‫�شركة �أمن كي الكورية (‪� ،)%9.55‬شركة كو‬ ‫جاز الكورية (‪� ،)%6.000‬شركة هيونداي‬ ‫الكورية (‪ ،)%5.88‬الهيئة العامة للت�أمينات‬ ‫واملعا�شات (‪.)%5.000‬‬ ‫لقد بد�أت عمليات �ضخ الغاز من من�ش�آت‬ ‫املنبع مب�أرب �إىل معمل ت�سييل وت�صدير‬ ‫الغاز يف بلحاف يف ‪ 29‬حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪ ،2009‬ومت ت�صدير �أول �شحنة من الغاز‬ ‫الطبيعي امل�سال يف ‪ 19‬ت�شرين الثاين‪/‬‬

‫حممـد قرعـه‬ ‫نوفمرب ‪ .2009‬كما مت ت�شغيل خط الإنتاج‬ ‫الأول رقم (‪ )1‬يف الن�صف الثاين من العام‬ ‫‪ 2009‬بطاقة �إنتاجية تقدر ثالثة مليون‬ ‫وثالثمائة �ألف طن �سنوياً‪ ،‬ويف مرحلة الحقة‬ ‫�سيتم ت�شغيل اخلط الثاين لت�سييل الغاز‪،‬‬ ‫و�ست�صل القدرة الإنتاجية مل�شروع ت�سييل‬ ‫الغاز الطبيعي وقتها حوايل �ستة مليون‬ ‫و�سبعمائة �ألف طن بنهاية الت�شغيل‪.‬‬ ‫�أم��ا �أث��ر ت�صدير الغاز الطبيعي ‪ LNG‬يف‬ ‫االحتياج احلقيقي للبالد م��ن ه��ذه املادة‬ ‫املهمة وال�ضرورية‪� ،‬سواء فيما يتعلق بتوليد‬ ‫ال��ط��اق��ة الكهربائية �أو يف جم��ال ت�صنيع‬ ‫اال�سمنت �أو ال�صناعات البرتوكيماوية‪ ،‬وقبل‬

‫حمم����د قرع����ه ع�ضو جمل�س ال�شورى اليمني‪ .‬والن�����ص مقتطف من ورقة عمل بعنوان «ت�صدير الغاز الطبيعي اليمني‪ ..‬هل يعو�ض عائدات النفط النا�ضبة؟»‪ُ ،‬قدمت يف‬ ‫م�ؤمتر «اليمن ‪ :2010‬ال�سيا�سة واملجتمع»‪ ،‬الذي ّ‬ ‫نظمه مركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية ب�صنعاء يومي ‪� 18 – 17‬أيار‪/‬مايو ‪.2010‬‬ ‫‪46‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫خزانات الغاز الطبيعي امل�سال يف بلحاف‬

‫ذلك لتغطية احلاجة يف جمال الوقود املنزيل‬ ‫ووق��ود ال�سيارات‪ ،‬فهناك ع��دة وجهات نظر‬ ‫خمتلفة‪ ،‬منها م��ا يذهب �إىل وج��ود كميات‬ ‫كافية لهذه االحتياجات ولن ي�ؤثر الت�صدير‬ ‫بالكمية ‪ 6,7‬مليون طن مرتي �سنوياً‪� ،‬سلباً‪.‬‬ ‫وب��امل��ق��اب��ل‪ ،‬ه��ن��اك ت��خ��وف��ات ووج��ه��ات نظر‬ ‫ي�سندها �أ�صحابها �إىل �أرقام وبيانات بح�سب‬ ‫ما هو مكت�شف حالياً‪ ،‬تقول ب�أن الت�صدير بهذه‬

‫الواعد يف مقتل بالفعل‪.‬‬ ‫وال ميكننا �أن نغفل هنا ونحن نتعر�ض‬ ‫للبدائ���ل املختلف���ة الت���ي ت�ساه���م يف‬ ‫تنويع م�ص���ادر الدخل القومي لليمن خالل‬ ‫امل���دى املنظ���ور‪ ،‬التعر�ض �إىل قط���اع بالغ الأهمية كثري ًا م���ا يتم �إغفاله‬ ‫�أو جتاهل���ه‪ ،‬وه���و قطاع ال�ضرائ���ب واجلمارك‪ .‬فال�ضريب���ة‪ ،‬كما يعرف‬ ‫ال�سا�س���ة واالقت�صاديون بداهةً‪ ،‬تعترب واحدة م���ن �أهم �أدوات ال�سيا�سة‬ ‫املالي���ة والتي يمُ كن للدولة من خاللها حتقيق جملة من الأهداف املالية‬ ‫واالقت�صادية واالجتماعية‪ .‬ويف معظم دول عاملنا املعا�صر تعد ال�ضرائب‬ ‫وعائ���دات اجلم���ارك �أحد امل�ص���ادر الرئي�سية للموازن���ة العامة للدولة‪،‬‬ ‫باعتباره���ا م�ص���در ًا �إيرادي��� ًا مهم ًا وم�ست���دام‪ .‬ولكن امل�شه���د يف اليمن‬ ‫م���ن هذه الناحي���ة يبدو خمتلفاً؛ فالتهرب ال�ضريب���ي بات �إحدى �سمات‬ ‫ضال ع���ن �أن الإعفاءات‬ ‫االقت�ص���اد اليمن���ي الأك�ث�ر ر�سوخ ًا للأ�س���ف‪ ،‬ف� ً‬ ‫ال�ضريبية واجلمركية �أ�صبحت ممار�سة �شائعة‪ ،‬وتُعطى �أحيان ًا مبوجب‬ ‫قوانني نافذة‪ ،‬و�أحيان ًا �أخرى ب�صورة خمالفة للقانون‪ ،‬وك ًال بح�سب ثقل‬ ‫�صاحب الإعفاء ال�ضريبي �أو اجلمركي يف البلد‪ .‬وت�شري بع�ض التقديرات‬ ‫�إىل �أن حج���م الطاقة ال�ضريبية التي ميك���ن �أن تحُ ّ�صل مبوجب الأوعية‬ ‫ال�ضريبية القائمة‪ ،‬يفوق الرتيليون ريال‪� ،‬أي �أنها ت�شكل ما ن�سبته حوايل‬ ‫ُح�صلة فعلي ًا‬ ‫‪ %40‬من الإيرادات العامة املتوقعة‪ ،‬يف حني �أن ال�ضرائب امل ّ‬

‫الكمية �سيكون ل��ه �آث��ار‬ ‫�سلبية‪� ،‬سواء فيما يخ�ص‬ ‫توفري الكميات الالزمة‬ ‫م��ن ال��غ��از امل��ن��زيل ‪LPG‬‬ ‫�أو م���ا مي��ك��ن ان يوجه‬ ‫لتوليد الطاقة الكهربائية‬ ‫م�ستقب ًال �أو لل�صناعات‬ ‫امل��خ��ت��ل��ف��ة �أو يف نق�ص‬ ‫كميات النفط املنتج من‬ ‫القطاع (‪.)18‬‬ ‫وال �شك �أن هناك عائد‬ ‫ملمو�س لت�صدير الغاز الطبيعي امل�سال ‪،LNG‬‬ ‫وي�أتي هذا العائد يف الوقت الذي بد�أ �إنتاج‬ ‫النفط يف جميع القطاعات املكت�شفة حتى‬ ‫الآن بالرتاجع‪ .‬وتظهر البيانات امل�ستقاة من‬ ‫امل�صادر احلكومية حول الإيرادات املتوقعة‬ ‫�سنوي ًا خالل الفرتة ‪� 2009‬إىل العام ‪2033‬‬ ‫�أن �إجمايل الإيرادات التي �ستح�صل عليها‬ ‫احلكومة اليمنية هي مبقدار ‪ 285805‬مليون‬

‫دوالر �أمريكي‪� ،‬أي ما يعادل �أقل من ‪ 5‬مليار‬ ‫دوالر �أمريكي �سنوياً‪ .‬واملالحظ �أن الإيرادات‬ ‫احلكومية لن تبلغ خانة املليار دوالر �أمريكي‬ ‫�إال ابتداء من العام ‪ ،2020‬وتنمو الإيردات‬ ‫احلكومية من عام �إىل �آخر لت�صل يف عام‬ ‫‪ - 2033‬نهاية عقد البيع ‪ -‬مبقدار ‪2.245.4‬‬ ‫مليون دوالر‪.‬‬ ‫والوا�ضح �أن �إيرادات بهذا القدر خالل مدة‬ ‫عقد ت�صدير الغاز مع االنخفا�ض امل�ستمر‬ ‫لكميات �إنتاج النفط‪ ،‬بح�سب ما ت�شري �إليه‬ ‫الدرا�سات احلالية‪ ،‬تبني �أن الإيرادات املتوقعة‬ ‫من ت�صدير الغاز ال ميكن �أن تغطي النق�ص‬ ‫يف الإيرادات من جراء انخفا�ض كميات �إنتاج‬ ‫النفط‪ ،‬الأمر الذي �سيجعل موازنة احلكومة‬ ‫اليمنية يف حرج بالغ ما مل تقم احلكومة‬ ‫اليمنية باتخاذ �سيا�سات �سليمة وجادة خلف�ض‬ ‫النفقات من جهة‪ ،‬ولتنمية الإيرادات من جهة‬ ‫�أخرى‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪47‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫ ح�س���ب تقديرات م�صلحة ال�ضرائب للع���ام الفائت ‪ - 2009‬بلغت ‪ 340‬الت���ي حتولت من واحدة من �أك�ث�ر االقت�صاديات اعتماد ًا على النفط يف‬‫ملي���ار ريال فقط‪ ،‬وعليه ف�إن اخلزينة العام���ة تتكبد خ�سائر تقدر بنحو ع���ام ‪� 1980‬إىل �أح���د �أقل االقت�صاديات تعوي ًال علي���ه‪ ،‬رغم �أن �أرا�ضيها‬ ‫‪ 3.5‬مليار دوالر �سنوي ًا جراء التهرّب ال�ضريبي فقط‪.‬‬ ‫م���ا تزال حتوي خمزون��� ًا واحتياطي ًا نفطي ًا ال ي�ستهان ب���ه‪ .‬وعلى الرغم‬ ‫واحلقيق���ة �أن الق�ضاء نهائي ًا على م�شكل���ة التهرب �أو الت�سرّب ال�ضريبي م���ن ت�أثريات الأزمة املالية التي ع�صف���ت ب�إمارة دبي م�ؤخراً‪ ،‬ف�إن قدرة‬ ‫وكذل���ك التهريب اجلمركي‪ ،‬كم���ا يعتقد اخلرباء‪� ،‬أم��� ٌر �شبه م�ستحيل‪ ،‬الأخرية على ال�صمود وامت�صا����ص ال�صدمة بددت الكثري من ال�شكوك‬ ‫ولك���ن وجود الت�شريع���ات والقوانني الكافية واملتابع���ة امل�ستمرة من قبل حول م�ستقبلها‪ ،‬بل �إنها حازت على �إعجاب اخلرباء االقت�صاديني‪ ،‬ومن‬ ‫�أجهزة الدول���ة وم�ؤ�س�ساتها‪ ،‬اخلا�ضعة بدورها للإ�شراف الق�ضائي‪ ،‬قد ث���مّ ف�إنها ما ت���زال جت�سد �آمال دول اخلليج يف م�ستقبل م�شرق حتى و�إن‬ ‫ت�ساهم ب�ش���كل كبري يف مواجهة التهرب ال�ضريب���ي‪ ،‬الأمر الذي �سيتيح جفّت �آبار النفط ال�ضخمة يف تلك الأرجاء‪.‬‬ ‫�إمكاني���ة رفد امليزانية العام���ة مببالغ طائلة من �ش�أنه���ا �أن ت�ساعد على وه���ذا يقودن���ا �إىل الت�أكيد عل���ى �أن �أم���ام اليمن فر�صة كب�ي�رة لتجاوز‬ ‫مواجهة �أزمات اليم���ن االقت�صادية‪ ،‬ومتثل بالتايل �أحد البدائل املتاحة التداعي���ات ال�سالب���ة – ورمبا الكارثي���ة ‪ -‬لن�ضوب خمزونه���ا النفطي‪،‬‬ ‫لتنوي���ع م�صادر الدخل القومي والتكيّف م���ع مرحلة ما بعد النفط‪ .‬ويف وتنويع م�صادر دخلها القومي‪� ،‬إن �أح�سنت �إدارة عملية انتقال اقت�صادها‬ ‫�ض���وء ذلك‪ ،‬ينبغي على احلكومة اليمنية العمل على حتديد االختالالت �إىل «اقت�ص���اد ما بعد النفط»‪ .‬فاليم���ن‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬متتلك مقومات ال‬ ‫يف هذا اجلانب ومعاجلتها ب�شكل عاجل ب�شتى ال�سبل القانونية‪ ،‬ومن ثمّ متلكها �أيٌّ م���ن دول اخلليج املجاورة‪ ،‬والفر�ص���ة �أمامنا مواتية لتحقيق‬ ‫الت�شجيع على االلتزام الطوعي بت�سديد ال�ضريبة‪ ،‬ورفع كفاءة التح�صيل تنمي���ة م�ستدامة برغم كل �ش���يء؛ فاليمن غنية بامل���واد اال�ستخراجية‪،‬‬ ‫ال�ضريب���ي واجلمركي‪ ،‬ول���ن يتم هذا الأمر من دون تفعي���ل قانون مبد�أ ولديه���ا قطاع���ات اقت�صادية واعدة‪ ،‬ميك���ن االعتماد عليه���ا �إن �أح�سن‬ ‫�صانع���و ال�سيا�سات االقت�صادية واملالية يف البلد �إدارتها وتنميتها ب�شكل‬ ‫الثواب والعقاب وب�صورة ال ت�ستثني �أحد ًا يف هذا اخل�صو�ص‪.‬‬ ‫جي���د وبكفاية عالي���ة‪ .‬ويف ظل التوجه���ات احلالية‪ ،‬من امله���م �أن تركز‬ ‫ومهما احلكوم���ة عل���ى ت�شجيع �إقام���ة م�شروع���ات ا�ستثماري���ة ا�سرتاتيجية يف‬ ‫جتديد االقت�صاد ملواجهة التحديات‬ ‫يكن من �أمر‪ ،‬ميكن القول �أنه يجب التعامل من الآن ف�صاعد ًا مع حقبة خمتل���ف �أرجاء البالد‪ ،‬والدف���ع تالي ًا وب�شكل مت���وازٍ �إىل تكوين وحدات‬ ‫م���ا بع���د النفط الت���ي قد تواج���ه اليمن قريب���اً‪ ،‬حتى و�إن �أخ���ذت عجلة �إنتاجية بهدف الت�صدير‪ ،‬ال�سيما تلك التي ميكنها حتقيق قيمة م�ضافة‬ ‫عملي���ات اال�ستك�ش���اف يف ال���دوران من جديد‪ ،‬كحقيق���ة ال منا�ص منها مثل ال�صناعات اال�ستخراجي���ة من قبيل الرخام وال�صخور واجلرانيت‬ ‫وجدي���رة بالوق���وف �أمام تبعاته���ا و�إكراهاتها‪ ،‬كم���ا فر�صها‪ ،‬من خالل واجلب�س‪ ،‬وكذلك �صناعة الغ���زل والن�سيج والأعالف واجللود وت�صدير‬ ‫ضال عن ت�شجيع �إن�شاء م�صانع التعبئة‬ ‫الأ�سماك‪ ،‬ف� ً‬ ‫تعبئة كل الإمكان���ات املتاحة‪ .‬ولن يتم ذلك من‬ ‫والتغليف واخلدمات امل�ساندة للت�صدير مثل ائتمان‬ ‫دون و�ض���ع �سيا�س���ات عمالنية حتف���ز اقت�صاد �أم��ام اليم��ن فر�ص��ة كب�يرة‬ ‫ومتوي���ل ال�صادرات‪ ،‬والتو�سّ ���ع يف خدمات ال�شحن‬ ‫البالد على جتديد نف�سه‪ ،‬وجتاوز حالة التدهور لتج��اوز التداعي��ات ال�سالب��ة‬ ‫والنقل لل�صادرات‪.‬‬ ‫ال�سريع التي مير به���ا‪ .‬وامل�ؤكد �أن البدائل تظل – ورمب��ا الكارثي��ة ‪ -‬لن�ضوب‬ ‫�أ�ض���ف �إىل ذل���ك‪ ،‬يظ���ل االهتم���ام اجل���اد واملدرو����س‬ ‫متوف���رة �إن توف���رت الإرادة ال�سيا�سية والقرار‬ ‫وتنوي��ع‬ ‫النفط��ي‪،‬‬ ‫خمزونه��ا‬ ‫بالقط���اع امل�صريف و�إن�شاء �سوق للأوراق املالية �أمر ًا ذا‬ ‫الر�شيد‪ ،‬كما �أن جت���ارب الآخرين تفتح �أمامنا‬ ‫إن‬ ‫�‬ ‫القوم��ي‪،‬‬ ‫دخله��ا‬ ‫م�ص��ادر‬ ‫�أهمية بالغة‪ ،‬ف�إن�ش���اء مثل هذه ال�سوق �سوف ي�ؤدي �إىل‬ ‫ك���وة عري�ضة م���ن الأمل ب����أن امل�ستقبل ما يزال‬ ‫�أمامن���ا‪ ،‬و�أن لدينا فر�ص���ة حقيقية لتجاوز �آثار �أح�سن��ت �إدارة عملي��ة انتقال تنمية الوع���ي االدخاري لدى �أف���راد املجتمع‪ ،‬وبالتايل‬ ‫وتداعيات ن�ض���وب خمزوننا النفطي كما فعلت اقت�صاده��ا �إىل «اقت�ص��اد م��ا تو�سي���ع القاع���دة الإنتاجي���ة واالقت�صادي���ة للبالد‪ .‬وال‬ ‫يفوتنا الت�شديد �أي�ض ًا على �ضرورة تاليف الآثار ال�سلبية‬ ‫بل���دان عديدة‪ ،‬بع�ضها قري���ب جد ًا منا‪ .‬فها بعد النفط»‬ ‫للإنف���اق الع�سكري وفق الوترية احلالية على االقت�صاد‬ ‫هي البحرين‪ ،‬مث�ل�اً ‪ ،‬ا�ستطاعت التكيف مع‬ ‫الوطن���ي‪ ،‬خ�صو�ص ًا �أنه يبلغ يف الوق���ت الراهن حوايل‬ ‫(وجت���اوز) ع�صر ما بع���د ن�ضوب النفط يف‬ ‫حقولها التي �شهدت �أوىل االكت�شافات البرتولية يف املنطقة‪ ،‬وا�ستطاعت ثالث���ة �أ�ضعاف ما ينفق على خدمات التعلي���م وال�صحة‪ .‬و�أخرياً‪ ،‬ميكن‬ ‫�أن تتح���ول �إىل واح���د من �أهم املراك���ز املالية واالقت�صادي���ة يف الإقليم القول �إن �أي حماوالت تهدف لزيادة معدالت الإنتاج والنمو االقت�صادي‬ ‫ورمب���ا يف الع���امل‪ ،‬وهي تفتخر حالي��� ًا بامتالك واحد م���ن �أكرب م�صانع يج���ب �أن تكون مدرو�س���ة بعناية ومبنهجية علمية دقيق���ة‪ ،‬غري �أن ذلك‬ ‫الأملونيوم يف العامل‪ ،‬كما تبدي تطلع ًا لأن ت�صبح واحدة من �أهم وجهات �سيبق���ى مرهون ًا ‪ -‬بدرجة �أ�سا�سي���ة ‪ -‬بزيادة مقدار االهتمام احلكومي‬ ‫بالبح���ث العلمي‪ ،‬بحيث تكون خمرجاته على الدوام يف خدمة قطاعات‬ ‫ال�سياحة يف املنطقة‪.‬‬ ‫وعل���ى مقربة منه���ا ومنا �أي�ضاً‪ ،‬جن���د دولة الإم���ارات العربية املتحدة‪ ،‬الإنتاج الواعدة يف البلد‪.‬‬ ‫‪48‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�صدر حديث ًا �ضمن‬ ‫�سل�سلة �أوراق بحثية‬

‫�آليـات تفعيـل ا�ستفـادة اليمن‬ ‫من القرو�ض اخلارجية‬ ‫حممد �صالح قرعة‬ ‫�أروى �أحمد البعداين‬

‫تعبئة املوارد يف ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجية اليمنية‬ ‫جالل �إبراهيم فقرية‬

‫البقاء للأ�صغر‪:‬‬ ‫الدور اجلديد للدول‬ ‫ال�صغرية يف النظام العاملي‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪49‬‬


‫حتليالت‬

‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫فـي ‪ 60‬يوما‬

‫عني على اليمن‬

‫اليمن واملنطقة والعامل‬

‫ت�صورات امل�صالح‬ ‫الإقليمية والدولية‬ ‫تلخ�ص املقالة التالية‪ ،‬حماور النقا�ش الذي دار خالل ور�شة العمل املنعقدة ب�صنعاء – اليمن‪ ،‬يف ني�سان‪/‬‬ ‫�أبري��ل ‪ ،2010‬والت��ي نظمه��ا كل من مرك��ز �سب�أ للدرا�س��ات الإ�سرتاتيجي��ة واملعهد امللكي لل�ش���ؤون الدولية‬ ‫(�شات��ام هاو���س)‪ .‬لق��د كان الهدف من انعق��اد الور�شة‪ ،‬فت��ح �آفاق وا�سع��ة للنقا�ش املفتوح ح��ول مو�ضوع‬ ‫«اليمن واملنطقة والعامل‪ :‬ت�صورات امل�صالح الإقليمية والدولية يف اليمن»‪ ،‬وكذلك ربط فعاليات النقا�ش‬ ‫الداخلية التي تتم يف اليمن بتلك التي تُقام يف الغرب‪.‬‬ ‫قُ�سِّ م����ت فعاليات االجتم����اع �إىل ث��ل�اث جل�سات متحورت ح����ول العناوين‬ ‫التالي����ة‪« :‬اليم����ن والغرب‪� :‬شراك����ة حقيقية؟»؛ و«اليم����ن وجمل�س التعاون‬ ‫اخلليج����ي‪� :‬سيا�س����ة اجل����وار الآم����ن؟»؛ و«اليم����ن وال�صوم����ال‪ :‬الفج����وة‬ ‫الوا�سعة؟»‪ .‬وفيما يلي تفا�صيل �أهم النقاط التي �أثريت خالل اللقاء‪:‬‬ ‫• يعت��ب�ر الع����ام ‪ 2010‬عام���� ًا حا�سم ًا بالن�سب����ة لليمن فيم����ا يتعلق بتنفيذ‬ ‫الإ�صالحات‪ ،‬خا�ص ًة و�أنه مخُ ططٌ لالنتخابات املقبلة �أن تُعقد يف ني�سان‪/‬‬ ‫�أبري����ل ‪ .2011‬ولتحقي����ق ذلك يجب البدء يف ت�سجي����ل �أ�سماء الناخبني يف‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتم��ب�ر ‪ .2010‬لكن لي�س هناك �إجماع بني الأطراف املعنية داخل‬ ‫اليمن ويف �أو�س����اط املجتمع الدويل‪ ،‬على الأهمي����ة الن�سبية للإ�صالحات‬ ‫االقت�صادية مقابل الإ�صالحات ال�سيا�سية‪ .‬ورمبا ي�ساعد احلوار الوطني‬

‫املزمع �أن يبد�أ منت�صف ‪ 2010‬على حل بع�ض هذه امل�سائل‪.‬‬ ‫• متتل����ك املقارب����ة ال�شاملة الت����ي تتبناها جمموع����ة "�أ�صدقاء اليمن"‬ ‫القدرة على تقيي����م م�ستوى اال�ستقرار والتنمية يف البلد‪� ،‬إذ �أنه من املهم‬ ‫خلق نوع من التوازن بني امل�سائل الأمنية والتنموية عند معاجلتها‪ .‬ويجب‬ ‫عل����ى "�أ�صدقاء اليمن" ال��ت�روّي و�أخذ مزيد من الوق����ت يف التفكري حول‬ ‫جوه����ر ولي�����س مظه����ر الأ�شياء‪ .‬ويج����ب �أي�ض���� ًا تكييف توقع����ات اليمن مع‬ ‫توقعات الغرب ملوازنة بع�ضها ببع�ض‪.‬‬ ‫• تزداد احلاجة ب�شكل م�ستمر للنظر �إىل اليمن كجز ٍء من منطقة �أو�سع‬ ‫نطاق����اً‪ ،‬ت�ضم ك ًال م����ن بلدان جمل�����س التعاون اخلليج����ي ومنطقة القرن‬ ‫الأفريق����ي‪ .‬وينبغي على اليم����ن التطلع �إىل عالقات مع دول اخلليج مبنية‬

‫املق���ال يف الأ�ص���ل ‪ -‬كما �أ�ش�ي�ر يف مقدمته‪ -‬هو خال�صة لقاء عمل م�ش�ت�رك نظّ مه‪ ،‬ب�صنعاء‪ ،‬ك ٌّل م���ن برنامج منتدى اليمن‬ ‫باملعه���د امللكي لل�ش�ؤون الدولي���ة (�شاتام هاو�س)‪ ،‬ومركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية يف ‪ 6‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪� .2010‬إن وجهات‬ ‫النظ���ر املقدم���ة يف هذه الوثيقة ال تعك����س بال�ضرورة وجهة نظر منظميّ اللقاء‪ ،‬وهما املعهد امللك���ي لل�ش�ؤون الدولية (�شاتام‬ ‫ُعب عن �آراء م�ؤلفيها فقط (الذين لن يتم ذكر �أ�سمائهم وفق ًا لقواعد‬ ‫هاو�س) ومركز �سب�أ للدرا�سات اال�سرتاتيجية‪ ،‬و�إمنا ت رِّ‬ ‫«�شاتام هاو�س» التي مت اعتمادها يف هذا اللقاء)‪.‬‬ ‫‪50‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫على تبادل املنافع‪ ،‬ولي�س بال�ضرورة من خالل االندماج الكامل‪ .‬وبالطبع‬ ‫يظ����ل الو�صول �إىل �أ�سواق العم����ل اخلليجية مهماً‪ ،‬لك����ن ال يجب �أن يكون‬ ‫دي����دن اليمن الوحيد‪ ،‬فعلى اليمن �إبراز القيم����ة امل�ضافة الن�ضمامها �إىل‬ ‫املجل�س ك�شريك �إ�سرتاتيجي‪ ،‬وكذلك �إبراز الفوائد التي تعود بها �سيا�سة‬ ‫اجلوار املهيكلة‪.‬‬ ‫• يفتق����ر املجتم����ع ال����دويل �إىل الفه����م العمي����ق ل�سيا�س����ات ال�صوم����ال‬ ‫الداخلي����ة‪ ،‬وهذا الن����وع من الفهم بحد ذاته مه���� ٌم لإدراك القوى الفاعلة‬ ‫والديناميكي����ات الإقليمية‪ .‬وميكن اعتب����ار خليج عدن من العوامل امل�ؤثرة‬ ‫يف ع����دم ا�ستقرار املنطق����ة‪ .‬كما يجب خلق املزيد م����ن التن�سيق والتعاون‬ ‫ملعاجل����ة م�شاكل جتارة ال�سالح و�أعمال القر�صنة والتهريب والهجرة غري‬ ‫ال�شرعية‪.‬‬ ‫لق����د عُ قِ����د االجتم����اع وفق���� ًا "لقاع����دة �شات����ام هاو�����س"‪ ،‬والت����ي تق����ول‪:‬‬ ‫"عن����د انعقاد اجتم����اع �أو فعالية من فعاليات ذل����ك االجتماع‪ ،‬ف�إنه يحقّ‬ ‫للم�شارك��ي�ن‪ ،‬مبوج����ب قاع����دة �شاتام هاو�����س‪ ،‬ا�ستخ����دام املعلومات التي‬ ‫وردت خالل االجتماع‪ ،‬ولك����ن دون الإ�شارة �إىل هوية �أو انتماء املتحدث‪/‬‬ ‫ُعب عن وجهات‬ ‫املتحدث��ي�ن �أو �أي م�ش����ارك �آخر"‪ .‬والآراء املذكورة هن����ا ت رِّ‬ ‫نظر امل�شاركني يف اللقاء‪ .‬وميثل امللخ�ص التايل عام ًال تذكاري ًا ملن �شارك‬

‫يف فعالي����ات االجتم����اع‪ ،‬وملخ�ص ًا عام ًا ملحاور النقا�����ش ملن مل ي�شارك يف‬ ‫هذه الفعالية‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬اليمن والغرب‪� :‬شراكة حقيقية؟‬ ‫مقاربة �شاملة‬ ‫من �أهم النتائج التي خرج بها اجتماع لندن يف كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬ ‫(وه����و اجتماع رفي����ع امل�ستوى دعا �إليه رئي�س ال����وزراء الربيطاين جوردن‬ ‫ب����راون‪ ،‬ملناق�شة العدي����د من امل�ش����اكل االقت�صادية وال�سيا�سي����ة والأمنية‬ ‫يف اليم����ن)‪ ،‬ه����و الإجم����اع الدويل ح����ول احلاج����ة �إىل «مقارب����ة �شاملة»‬ ‫ق����ادرة على معاجلة التحديات التي تواجه اليم����ن‪ .‬وهذه املقاربة �ستُمهِّد‬ ‫الطريق لعملية التعامل مع املخاوف ال�سيا�سية واالقت�صادية واالجتماعية‬ ‫والأمني����ة‪� ،‬إذا ما �سع����ت وراء حتقي����ق اال�ستقرار والتنمي����ة امل�ستدامة يف‬ ‫اليمن‪ .‬وق����د �أعربت حكومة اليم����ن عن رغبتها وا�ستعداده����ا لتبنّي هذه‬ ‫املنهجية ب�ش����كل كامل‪ ،‬بل واتخذت خطوات �إيجابي����ة مثل قبول تو�صيات‬ ‫�صندوق النقد الدويل‪.‬‬ ‫ويظ����ل التحدي الأكرب والأه����م كامن ًا يف خلق نوع من التوازن بني املطالب‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪51‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫الأمني����ة والتنمي����ة امل�ستدامة‪ .‬كم����ا �أن �سرعة التحرك تع����د عام ًال مهماً‪،‬‬ ‫فهن����ا ي�سود �شعور ب�����أن الوقت ينفد ب�سرعة‪� .‬أي�ض���� ًا يُنظر �إىل العام ‪2010‬‬ ‫على �أنه عام حا�سم لتحقيق الإ�صالحات‪ ،‬وي�ؤكد الكثري من اليمنيني على‬ ‫احلاج����ة �إىل القيام بتغي��ي�ر �إيجابي بحل����ول �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2010‬عندما‬ ‫يب����د�أ ت�سجي����ل �أ�سماء الناخبني ا�ستعداد ًا لالنتخاب����ات التي من املقرر �أن‬ ‫جترى يف عام ‪.2011‬‬ ‫الغرب‪ :‬ت�صورات وخماوف‬ ‫�إن الدافع وراء دعم الدول الغربية للمقاربة ال�شاملة‪ ،‬هو ما تعلمه الغرب‬ ‫من درو�س يف العراق و�أفغان�ستان‪ .‬ومبا �أن الغرب ي�أخذ هذه الدرو�س على‬ ‫حمم����ل اجلد‪ ،‬ف�إنه يدرك �أهمية اخل�صو�صي����ة الوطنية والإقليمية لعملية‬ ‫الإ�صالح‪ ،‬ويفهم �أن جوهر �أي منهجية �أو مقاربة غربية البد �أن تكون من‬ ‫منطلق تقدمي الدعم ولي�س التدخل‪ .‬وهناك �إدراك �أي�ض ًا ب�أن و�ضع اليمن‬ ‫فري���� ٌد من نوعه‪ ،‬بالنظر �إىل خ�صو�صيت����ه‪ ،‬وقد يتبع املقاربة هذه �أحداث‬ ‫حتاول الت�أثري يف الطريقة التي تتجلى بها (تلك الأحداث)‪.‬‬ ‫وت�ؤكد الدول الغربية‪ ،‬واملانحة منها خ�صو�صاً‪ ،‬على دور احلكومة اليمنية‬ ‫يف ت����ويل قيادة عمليات الإ�صالح‪ .‬وقد حقق����ت اليمن منذ انعقاد اجتماع‬ ‫لن����دن يف كان����ون الثاين‪/‬يناير بع�ض التقدم امللح����وظ نحو الإ�صالح‪ ،‬من‬ ‫خ��ل�ال تخفي�ض دع����م الوقود‪ ،‬ووقف �إطالق الن����ار يف �صعدة‪ ،‬ومن خالل‬ ‫جتدي����د التزاماتها يف اجتماع «�أ�صدق����اء اليمن» الذي انعقد بالريا�ض يف‬ ‫�شباط‪/‬فرباير ‪ 2010‬بالتن�سي����ق مع اجلهات املانحة‪ .‬لكن بالرغم من �أن‬ ‫ال����دول الغربية تقدر ما قامت به اليم����ن‪� ،‬إال �أنها تبدي قلقها ب�ش�أن قدرة‬ ‫اليمن على موا�صلة التقدم واحلفاظ على الزخم يف عملية الإ�صالحات‪.‬‬ ‫اليمن‪ :‬ت�صورات وخماوف‬ ‫ينظ����ر اليمني����ون �إىل الأم����ن والتنمية على �أنهم����ا ق�ضيت����ان متالزمتان‪،‬‬ ‫معتربين م�شاكل التنمية ال�سبب الأ�سا�سي وراء امل�شاكل الأمنية‪ ،‬والداعم‬ ‫لبيئ����ة الإرهاب والتط����رف‪ .‬ومن هذا املنظور‪ ،‬ف�إن النه����ج الأمثل �سيكون‬ ‫الرتكيز على حل م�شاكل التنمية مثل البطالة والفقر ون�ضوب املوارد‪ ،‬و�أي‬ ‫منه����ج �أخر يركز على الق�ضايا الأمنية – كم����ا هو احلال بالن�سبة لبع�ض‬ ‫ال�سيا�س����ات الغربية جتاه اليمن – ق����د يكون م�ضراً‪ ،‬لأنه ي�صرف االنتباه‬ ‫عن الأ�سباب اجلذرية واال�سرتاتيجيات طويلة املدى لتحقيق اال�ستقرار‪.‬‬ ‫وتعرتف احلكوم����ة اليمنية ب�أن االلتزام بجدول الإ�صالحات وتنفيذه �أمر‬ ‫بال����غ الأهمية لتحقي����ق النجاح‪ ،‬لكنها تعرتف �أي�ض���� ًا �أنها تعاين من �أوجه‬ ‫ق�ص����ور م�ؤ�س�سي����ة تعي����ق قدرتها على اال�ستف����ادة من الدع����م املقدم لها‪،‬‬ ‫وتنفي����ذ عملي����ة الإ�صالحات املطلوبة منه����ا‪ .‬وي�شدد البع�����ض على �أهمية‬ ‫اتخاذ القرارات املدرو�سة‪ ،‬م�شريين �إىل �أن الكثري من القرارات املُتّخذة‬ ‫والتو�صي����ات املُتبع����ة غالب���� ًا م����ا يُق�صد من ورائه����ا «وق����ف النزيف» دون‬ ‫اال�ستيعاب العميق لآثارها على املدى البعيد‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬ينبغي �أن‬ ‫تدر�����س بعناية الآثار طويلة الأجل املرتتبة على كل من رفع الدعم‪ ،‬وقرار‬ ‫احلكومة الأخري برفع �أ�سعار الفائدة‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�آلية جمموعة «�أ�صدقاء اليمن»‬ ‫يُنظ����ر �إىل �آلية جمموعة �أ�صدقاء اليم����ن باعتبارها �أداة مهمة‪ ،‬ميكن �أن‬ ‫ت�ساع����د البلد على حتقي����ق اال�ستق����رار والتنمية‪ .‬وتتوقع اليم����ن �أن تلعب‬ ‫جمموع����ة �أ�صدقاء اليم����ن دوراً‪ ،‬من خالل دعم جه����ود احلكومة لتنفيذ‬ ‫تو�صي����ات �صن����دوق النقد ال����دويل‪ ،‬وت�شكي����ل حكومة مركزي����ة‪ ،‬والتعجيل‬ ‫باحل����وار الوطن����ي‪ ،‬و�ضم����ان انعق����اد انتخاب����ات ‪ 2011‬يف بيئ����ة تت�ص����ف‬ ‫بالنزاهة وال�شفافية‪ .‬مع ذلك‪ ،‬هناك �سوء فهم �شائع يف �أو�ساط اليمنيني‬ ‫ب�أن����ه �ستكون هناك تعهدات بتقدمي م�ساعدات من قبل جمموعة �أ�صدقاء‬ ‫اليمن؛ وهذا لي�س �صحيحاً‪.‬‬ ‫ويف اجتماع����ات «�أ�صدق����اء اليم����ن» هن����اك ت�شدي����د مبالغ فيه عل����ى �آلية‬ ‫الإ�صالح����ات ولي�س على اجلوه����ر؛ فيجب الرتكيز عل����ى معاجلة امل�سائل‬ ‫ال�سيا�سية ال�صعبة‪ ،‬خا�ص ًة و�أن اليمن ‪ -‬بعد املحاولة التي قام بها فاروق‬ ‫عب����د املطلب ليلة عي����د امليالد لتفج��ي�ر الرحلة رق����م ‪ 253‬التابعة ل�شركة‬ ‫«نورث وي�س����ت» ‪� -‬أ�صبحت تلقى قدر ًا كبري ًا من االهتمام الدويل ب�صورة‬ ‫مل يُ�سب����ق لها مثي����ل‪ .‬لكن من املهم �أي�ض ًا ترجمة ذل����ك االهتمام وحتويله‬ ‫�إىل فر�صة حقيقية‪.‬‬ ‫الإ�صالحات االقت�صادية مقابل الإ�صالحات ال�سيا�سية‬ ‫على الرغم من الدعم الكامل الذي تظهره الدولة و�أغلبية ال�شعب اليمني‬ ‫جتاه الإ�صالحات املطلوبة‪ ،‬وكذلك االعرتاف باحلاجة ال�ضرورية للقيام‬ ‫بتل����ك الإ�صالحات‪� ،‬إال �أنه لي�س هناك �إجماع وطني حول كيفية تنفيذها‪،‬‬ ‫خا�ص���� ًة فيم����ا يتعلق مب����ا �إذا كانت الأولوي����ة هي للإ�صالح����ات ال�سيا�سية‬ ‫�أو الإ�صالح����ات االقت�صادي����ة‪� .‬إن احل����زب احلاكم والأح����زاب املعار�ضة‬ ‫خمتلف��ي�ن يف ه����ذا ال�ش�����أن �إذ ت�ؤك����د احلكومة عل����ى �أهمي����ة الإ�صالحات‬ ‫االقت�صادي����ة و�أولويتها‪ ،‬بينما ت�شدد املعار�ض����ة على �أهمية و�أولوية �إجراء‬ ‫�إ�صالحات �سيا�سية‪.‬‬ ‫وبح�س����ب ما تراه املعار�ضة‪ ،‬ف�����إن املخاطر الأمنية – كتل����ك التي ي�سببها‬ ‫تنظي����م القاع����دة والتط����رف – هي‬ ‫نتيج����ة له�شا�شة الدول����ة و�إخفاقها‪،‬‬ ‫يُنظر �إىل العام ‪ 2010‬ل����ذا ي�أت����ي الت�أكي����د عل����ى احلاج����ة‬ ‫لإ�صالح����ات انتخابي����ة ود�ستوري����ة‬ ‫على �أنه عام حا�سم‬ ‫لتحقيق الإ�صالحات‪ ،‬و�إ�صالحات �سيا�سية ب�صورة عامة‪،‬‬ ‫واملتعلق����ة منها باحلري����ات الفردية‬ ‫وي�ؤكد الكثري من‬ ‫اليمنيني على احلاجة على وجه اخل�صو�ص‪ .‬وترى املعار�ضة‬ ‫�أي�ض ًا �أن مثل هذه الإ�صالحات متثل‬ ‫�إىل القيام بتغيري‬ ‫�إيجابي بحلول �أيلول‪ /‬حجر الزاوية يف عملية التنمية‪ .‬كما‬ ‫ت�ؤيد فكرة الإ�صالحات االقت�صادية‪،‬‬ ‫�سبتمرب ‪ 2010‬عندما‬ ‫مع �أن الكثري م����ن عنا�صر املعار�ضة‬ ‫يبد�أ ت�سجيل �أ�سماء‬ ‫ي�شع����رون بالإحب����اط جت����اه انع����دام‬ ‫الناخبني ا�ستعداداً‬ ‫اال�ستقرار االقت�ص����ادي منذ ‪،1995‬‬ ‫النتخابات ‪2011‬‬ ‫ويطالب����ون «بر�ؤي����ة متوازن����ة» ت�شمل‬

‫الإ�صالحات االقت�صادية والإدارية معاً‪.‬‬ ‫�أما احلكومة‪ ،‬من جهتها‪ ،‬فتحر�����ص على التمييز بني الإ�صالحات املهمة‬ ‫وب��ي�ن الإ�صالح����ات الأهم‪ ،‬معتقد ًة ب�����أن ك ًال من الإ�صالح����ات ال�سيا�سية‬ ‫واالقت�صادية مهمة جداً‪ ،‬لك����ن الإ�صالحات االقت�صادية �أهم‪ .‬وت�ستخدم‬ ‫قيا�س���� ًا �أو مثا ًال لهذا مب����ن يتقاتلون على منت �سفينة تغ����رق؛ فيكون �إنقاذ‬ ‫ال�سفينة من الغرق �أهم من وقف القتال‪ .‬وال�شعب يهتم �أكرث بتوفّر فر�ص‬ ‫العمل وتقدمي اخلدمات العامة وتطبيق �سيادة القانون‪ ،‬وما عدا هذا يعد‬ ‫�أولوي����ة ثانوية حتى حتقق احلكوم����ة هذه الأ�شي����اء �أوالً‪ .‬وتعتقد احلكومة‬ ‫�أي�ض���� ًا �أن خمالفة املعار�ض����ة‪ ،‬وعدم الثقة يف قراراته����ا الإ�صالحية‪ ،‬هي‬ ‫نتيجة لغي����اب اال�ستيعاب والإدراك ال�شامل للو�ض����ع وما يتطلبه ذلك من‬ ‫�إجراءات‪.‬‬ ‫احلاجة لإجماع وطني‬ ‫م����ن دون تواف����ق وطني عل����ى �أجندة الإ�ص��ل�اح ال ت�ستطيع �آلي����ة «�أ�صدقاء‬ ‫اليم����ن» �أن متثل و�سيلة دعم فعالة‪ .‬والطريق����ة الوحيدة التي ت�ساعد على‬ ‫التو�ص����ل �إىل ذل����ك الإجماع �أو التوافق هي من خ��ل�ال �إجراء حوار وطني‬ ‫ي�شم����ل كل الأط����راف ال�سيا�سي����ة واملنظمات غري احلكومي����ة وغريها من‬ ‫اجلهات الفاعلة‪ .‬مع ذلك‪ ،‬ف�إن �إجراء حوار وطني فعّال �أم ٌر لي�س �سهالً‪،‬‬ ‫�إذ يج����ب �أن يكون وا�ضح ًا وحمدد ًا فيما يتعلق ب�أجندته‪ ،‬وامل�شاركني فيه‪،‬‬ ‫ومدته الزمني����ة‪ .‬ومثل هذا احلوار الوطني �سي�ساع����د اليمن على حتقيق‬ ‫�إ�صالح����ات مهم����ة‪ ،‬وت�أ�سي�س نظام ر�شي����د للحكم؛ وجمموع����ة «�أ�صدقاء‬ ‫اليمن» هي خري من ي�ستطيع توجيه هذه العملية‪.‬‬

‫ثاني��اً‪ :‬اليم��ن ودول جمل���س التع��اون اخلليج��ي‪:‬‬ ‫�سيا�سة اجلوار الآمن؟‬ ‫ا�ستيعاب م�صالح دول جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫غالب���� ًا ما تثور ت�س����ا�ؤالت عن الكيفية التي تنظر به����ا دول جمل�س التعاون‬ ‫�إىل اليم����ن‪ ،‬وعما �إذا تغريت تلك النظرة خالل ال�سنوات املا�ضية القليلة‬ ‫يف �ض����وء العوامل الأمنية املتغرية‪ .‬وبينما كان العراق و�إيران هما م�صدر‬ ‫املخاوف الأمنية الرئي�سي����ة للخليج يف املا�ضي‪� ،‬أ�صبحت اليمن اليوم هي‬ ‫من ي�شكل تهديد ًا لأمن وا�ستقرار املنطقة‪.‬‬ ‫وي�أ�س����ف الكثري من اليمنيني من املنظور الذي تتبناه دول جمل�س التعاون‬ ‫اخلليج����ي لبلده����م‪ ،‬والذي يرك����ز على اجلان����ب الأمني‪ ،‬وي�أمل����ون بتبني‬ ‫مقارب����ة �شاملة تنظ����ر �إىل الأو�ضاع الأمنية يف اليم����ن يف �ضوء امل�شكالت‬ ‫االجتماعي����ة احلالية الأخ����رى‪ .‬فالرتكيز على عملية التنمي����ة وامل�ساعدة‬ ‫املالي����ة واملنهجي����ات التي تعال����ج التعليم وبن����اء القدرات‪ ،‬هو م����ا �سيعود‬ ‫بالفائ����دة‪� .‬أي�ض���� ًا يوج����د حالي���� ًا تباي����ن كبري ب��ي�ن م�ستوى الدخ����ل وتوفر‬ ‫اخلدم����ات يف اليمن ودول جمل�����س التعاون‪ ،‬وهو ما يج����ب �أن ُي�ؤخذ بعني‬ ‫االعتبار‪.‬‬ ‫كما يح����اول اليمنيون فهم م�صالح دول جمل�س التعاون اخلليجي احلالية‬

‫يف املنطق����ة‪ .‬فف����ي املا�ض����ي‪ ،‬رمبا مل‬ ‫يك����ن م����ن م�صلح����ة دول اخللي����ج �أن‬ ‫يف اجتماعات «�أ�صدقاء تك����ون اليم����ن دول����ة قوي����ة‪ ،‬وكان يتم‬ ‫اليمن» هناك ت�شديد‬ ‫تق����دمي امل�ساع����دة املالي����ة والدع����م‬ ‫مبالغ فيه على �آلية‬ ‫االقت�ص����ادي من �أج����ل تثبيط عزمية‬ ‫الإ�صالحات ولي�س على‬ ‫اليمن حتى ال تطلب الدعم من بلدان‬ ‫اجلوهر؛ فيجب الرتكيز‬ ‫�أخرى وتقيم معها حتالفات‪ .‬وم�س�ألة‬ ‫على معاجلة امل�سائل‬ ‫ال�سيا�سية ال�صعبة‪ ،‬خا�ص ًة عم����ا �إذا ب����د�أت ه����ذه امل�صالح تتغري‬ ‫و�أن اليمن ‪ -‬بعد املحاولة وكيف ي�ؤثر ذلك يف ر�ؤية دول جمل�س‬ ‫التي قام بها فاروق عبد التع����اون اخلليج����ي لليمن‪ ،‬م����ا زالت‬ ‫املطلب ليلة عيد امليالد ‪ -‬بحاجة �إىل فه����م �أكرث‪ .‬وهناك �أي�ض ًا‬ ‫�أ�صبحت تلقى قدراً كبرياً ت�سا�ؤالت ع����ن موقع اليم����ن املنا�سب‬ ‫من االهتمام الدويل‬ ‫بني التجمع����ات الإقليمي����ة الفرعية؛‬ ‫وه����ل ينبغ����ي النظر �إليه����ا كجزء من‬ ‫منطق����ة الق����رن الأفريق����ي مثلما هي‬ ‫جزء من منظومة جمل�س التعاون اخلليجي؟‬ ‫العمالة اليمنية‬ ‫�إن م����ن �أخط����ر امل�شاكل التي تواجهه����ا اليمن هي ن�سب����ة البطالة العالية‪.‬‬ ‫ويعت��ب�ر ت�صدي����ر الأيدي العاملة اليمنية �إىل بل����دان اخلليج املجاورة ح ًال‬ ‫�أ�سا�سي ًا ق�صري امل����دى‪ ،‬لكن موقف دول اخلليج حيال هذه امل�س�ألة ما زال‬ ‫غام�ضاً‪ ،‬وهناك ت�سا�ؤالت حول مدى رغبتها يف قبول هذه اال�سرتاتيجية‪.‬‬ ‫ومن احلجج التي غالب ًا ما ت�ست�شهد بها دول اخلليج �أن العمالة اليمنية ال‬ ‫متتلك مهارة عالية‪ ،‬ولي�ست م�ؤهلة مبا فيه الكفاية لتلبي متطلبات ال�سوق‬ ‫اخلليجي����ة‪ .‬لكن اليمنيني يرون �أن هذا جم����رد ذريعة‪ ،‬م�ستدلني بحقيقة‬ ‫�أن معظم الأي����دي العاملة الأجنبية يف اخلليج لي�س لديها مهارات عالية‪.‬‬ ‫كما �أن اليمن خ�ضع����ت ملبادرة متولها م�ؤ�س�سة «�صلتك» لتدريب ‪100.000‬‬ ‫عام����ل ميني خ��ل�ال �سنة واحدة‪ ،‬ومع ذلك ما زال����ت دول اخلليج مرتددة‬ ‫جتاه الرتحيب بالعمالة اليمنية‪.‬‬ ‫ولع����ل بع�����ض دول اخللي����ج – كال�سعودية – ق����د �أظهرت �أن لديه����ا �إرادة‬ ‫�سيا�سي����ة �إزاء ق�ضي����ة العمالة‪ ،‬لك����ن ذلك مل يُرتجم بع����د �إىل خطة عمل‬ ‫واقعي����ة ووا�ضح����ة‪ ،‬م����ع �أن بع�����ض اليمنيني يعتق����دون �أنه يق����ع على عاتق‬ ‫حكومته����م تطوير تلك اخلط����ط‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬البد من �إع����داد �إطار عمل‬ ‫�سيا�س����ي من قبل كال اجلانب��ي�ن حتى يتم تطوير حلول عملية‪ .‬ومن ناحية‬ ‫�أخرى‪ ،‬يرى البع�ض �أنه ال يجب املبالغة يف خيار ت�صدير العاملة اليمنية؛‬ ‫فه����و لي�س �سوى واح����د ًا من جمموع����ة اال�سرتاتيجيات الأخ����رى لتح�سني‬ ‫االقت�ص����اد اليمن����ي‪� ،‬إىل جانب خطط الدعم امل����ايل واال�ستثمار والتبادل‬ ‫التجاري‪.‬‬ ‫احلاجة �إىل ت�سويق الذات ب�صورة �أف�ضل‬ ‫ي�أ�س����ف الكث��ي�ر م����ن اليمني��ي�ن من النظ����رة اخلليجي����ة الت����ي تركز فقط‬ ‫عل����ى اجلان����ب الأمني يف اليم����ن‪ ،‬لكن اليمني��ي�ن �أنف�سهم ق����د �أ�سهموا يف‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪53‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫وجهات نظر‬

‫خل����ق هذه النظ����رة من خالل الت�أكي����د على �أن بلدهم م�ص����در خطر على‬ ‫ا�ستقرار املنطقة‪� .‬أي�ض ًا تلج�أ اليمن يف الغالب �إىل املنا�شدات «العاطفية»؛‬ ‫كاحلديث عن الروابط امل�شرتكة مثل اللغة والدين‪ ،‬بد ًال من االعتماد على‬ ‫املنطق الواقعي لكي تثبت �أهمية ان�ضمامها �إىل جمل�س التعاون‪.‬‬ ‫ب����د ًال م����ن ذلك‪ ،‬يجب عل����ى اليمني��ي�ن العمل عل����ى �إبراز القيم����ة امل�ضافة‬ ‫الن�ضمامه����م �إىل املجل�����س‪ ،‬والت�أكي����د عل����ى املحف����زات االيجابي����ة الت����ي‬ ‫تت�ضمن‪:‬‬ ‫• املوقع اال�سرتاتيجي الذي يجعل اليمن �أف�ضل خيار لت�صدير النفط؛‬ ‫• املوارد املعدنية يف اليمن التي توفر فر�ص ًا اال�ستثمار؛‬ ‫• �أهمي����ة اليم����ن عن����د معاجل����ة م�شكل����ة تهري����ب املخ����درات وتدفّ����ق‬ ‫الالجئني؛‬ ‫• حقيق����ة �أن اليم����ن ه����ي ال�شري����ك التج����اري الأ�سا�س����ي ل����دول اخلليج‬ ‫(باعتباره����ا ت�ش����كل ال�سوق الأ�سا�سية ملا ن�سبت����ه ‪ %35‬من ال�صادرات غري‬ ‫النفطية)؛‬ ‫• �إمكانية اتخاذ اليمن وجه ًة �سياحية‪.‬‬ ‫ومن الر�سائل الوا�ضحة التي توجهها دول جمل�س التعاون اخلليجي‪� ،‬أنها لن‬ ‫"تنقذ" اليمن من م�شاكلها؛ فعلى اليمنيني �أنف�سهم ‪ -‬لتحقيق االن�ضمام‬ ‫ملجل�س التعاون اخلليجي ‪ -‬حتمل م�سئولية حل م�شاكلهم الداخلية‪.‬‬ ‫�سيا�سة اجلوار‬ ‫يعرتف اليمنيون بالدعم املادي الكبري الذي تقدمه دول اخلليج ويقدِّ رونه‪،‬‬ ‫��ل�ا ا�سرتاتيجياً‪ .‬وهناك عالقات وثيقة بني‬ ‫لك����ن الكثريين ال يرون ذلك ح ً‬ ‫اليم����ن وبع�����ض دول اخلليج على امل�ستوي��ي�ن احلكوم����ي وال�شخ�صي‪ ،‬فعلى‬ ‫اجلانب��ي�ن تعزيز تلك العالقات وتو�سيع نطاقها وتطوير �سيا�سة جوار �أكرث‬ ‫تنظيم ًا وهيكلي ًة (خُ ذ على �سبيل املثال �سيا�سة اجلوار بني االحتاد الأوروبي‬ ‫ودول حو�ض البحر الأبي�ض املتو�سط وعالقاتها الثنائية القوية)‪.‬‬ ‫�سيا�سة اجلوار الفعّالة يجب �أن تكون وا�ضحة وعملية‪ ،‬ومن �أهم خطواتها‬ ‫التع����رف على املناف����ع املتبادل����ة‪ ،‬وتر�سيخ مفه����وم العالق����ات املبنية على‬ ‫‪54‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫امل�صال����ح املتبادل����ة‪ ،‬وه����ي العالقة التي ي����رى البع�ض �أنها يج����ب �أن تكون‬ ‫اله����دف الأ�سا�س����ي بني اليم����ن ودول اخلليج ب����د ًال من االندم����اج الكامل‪.‬‬ ‫وعل����ى اليمن �أن ت�ساهم بفعالية جتاه بن����اء الثقة يف تلك العالقة‪ ،‬و�إدراك‬ ‫االختالفات بني هذه الدول والتكيّف وفق ًا لذلك‪.‬‬

‫ثالثاً‪:‬اليمن وال�صومال‪:‬الفجوة الوا�سعة؟‬ ‫مقاربة �إقليمية‬ ‫هناك اتفاق متنامي جتاه احلاجة �إىل منهجية‪/‬مقاربة �إقليمية لل�صومال‪،‬‬ ‫واالع��ت�راف باالرتباطات والت�أثريات امل�شرتكة بني ال�صومال واليمن‪ .‬وقد‬ ‫ب����د�أ مفهوم هذه العالقة يظهر خالل الأ�شه����ر الأخرية‪� ،‬إذ �أ�صدرت جلنة‬ ‫العالقات اخلارجي����ة يف جمل�س ال�شيوخ الأمريكي تقري����ر ًا بعنوان «اليمن‬ ‫وال�صوم����ال‪ :‬قنبل����ة موقوتة تدق» (‪ 20‬كان����ون الثاين‪/‬يناير ‪ ،)2010‬يركز‬ ‫على الأدلة التي تثبت حماوالت تنظيم القاعدة لتجنيد مقيمني ومواطنني‬ ‫�أمريكيني يف اليمن وال�صومال‪.‬‬ ‫�إن فهم ال�صومال يعد �أمر ًا �ضروري ًا‬ ‫ي�أ�سف الكثري من‬ ‫لفه����م العالقة ب��ي�ن اليمن وحميطها‬ ‫اليمنيني من النظرة احليوي الأو�سع‪ ،‬واليمن نف�سها تدرك‬ ‫اخلليجية التي تركز �أن ما يحدث يف ال�صومال ي�ؤثر فيها‬ ‫فقط على اجلانب‬ ‫�أي�ضاً‪ ،‬وت����رى �أن اال�ستق����رار ووجود‬ ‫الأمني يف اليمن‪ ،‬لكن دول����ة مركزي����ة قوي����ة يف ال�صوم����ال‬ ‫اليمنيني �أنف�سهم قد يخ����دم امل�صالح اليمني����ة والإقليمية‬ ‫�أ�سهموا يف خلق هذه على حد �سواء‪.‬‬

‫النظرة من خالل‬ ‫الت�أكيد على �أن بلدهم‬ ‫م�صدر خطر على‬ ‫ا�ستقرار املنطقة‬

‫نحو فهم �أف�ضل لل�صومال‬ ‫ثم����ة حاج����ة �إىل وج����ود فه����م �أعمق‬ ‫و�أك��ث�ر دق����ة للو�ض����ع احل����ايل املعقّد‬ ‫يف ال�صوم����ال‪ ،‬وال����ذي يت�أث����ر بثالثة‬

‫عنا�صر �أ�سا�سية‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫• البني����ة القبلي����ة والع�شائري����ة‪ :‬يلعب ه����ذا العامل دور ًا حموري����اً‪ .‬وت�شكل‬ ‫البني����ة القبلية والع�شائرية بنية املجتمع ال�صوم����ايل القدمية‪ ،‬والتي تبنى‬ ‫عليه����ا فك����رة م�شاركة ال�سلطة حالي ًا يف ال�صومال‪ .‬وم����ن املهم �إعادة بناء‬ ‫الدولة ال�صومالية من �أ�سا�ساتها املحلية و�صو ًال �إىل امل�ستوى املركزي‪.‬‬ ‫• الدي����ن والأيديولوجي����ة الإ�سالمي����ة‪ :‬فقد مت ت�أ�سي�س ح����ركات �إ�سالمية‬ ‫– ت�شم����ل احلركات ال�سلفية واجلهادية وال�صوفية والأخوان امل�سلمني –‬ ‫�أ�ضحت مع مرور الوقت حركات م�سلحة‪.‬‬ ‫• القر�صنة‪ :‬غالب ًا ما يُنظَ ر �إىل هذه امل�س�ألة على �أنها م�س�ألة غري �سيا�سية‪،‬‬ ‫لكنها م�شكلة �أمنية تواجه ال�صومال واملنطقة واملجتمع الدويل‪.‬‬ ‫هن����اك �إح�سا�����س ب�أن املجتم����ع الدويل ال ي�ستوع����ب – �أو رمب����ا ال يريد �أن‬ ‫ي�ستوع����ب – امل�شكل����ة ال�صومالية‪ ،‬وهن����اك �أي�ض ًا غياب ملح����وظ للم�س�ألة‬ ‫ال�صومالي����ة يف احل����وار الدويل ب�ش�����أن اليمن واملنطق����ة‪ .‬ويف �ضوء الو�ضع‬ ‫ال�صوم����ايل الذي يزداد تعقيداً‪ ،‬ف�����إن املطلوب هو التقييم اجلاد للم�شاكل‬ ‫القائمة يف ال�صومال‪.‬‬ ‫ولك����ن بالرغم من و�ضع ال�صومال ال�صع����ب‪� ،‬إال �أن هناك بع�ض اجلوانب‬ ‫امل�شرق����ة الت����ي ت�سرتعي االنتب����اه‪ ،‬ومنها ق����درة احلكوم����ة االنتقالية على‬ ‫�إقام����ة الأم����ن يف البالد‪ ،‬وجن����اح وا�ستقرار كل من "بون����ت الند" و"�أر�ض‬ ‫ال�صومال"‪ ،‬وازدهار القطاع اخلا�ص الذي يدير حالي ًا املن�ش�آت احلكومية‬ ‫وم�ؤ�س�سات القطاع العام كاالت�صاالت والتعليم والتجارة واملطارات‪ .‬وطاملا‬ ‫اعتن����ت الدولة بالأم����ن والعالقات اخلارجية والق�ض����اء وحل ال�صراعات‪،‬‬ ‫ف�����إن القط����اع اخلا�ص قادر على توف��ي�ر باقي اخلدمات‪ ،‬لك����ن ال�س�ؤال هو‬ ‫عما �إذا كان من م�صلحة القطاع اخلا�ص الآن الإبقاء على قدرة حمدودة‬ ‫للدولة‪.‬‬ ‫العالقات اليمنية ‪ -‬ال�صومالية واملجتمع الدويل‬ ‫يج����ب بناء العالقات اليمني����ة ‪ -‬ال�صومالية على �أ�سا�����س روابط �إيجابية‪،‬‬ ‫واجلهود امل�شرتكة ملعاجلة الإ�ش����كاالت القائمة‪ .‬ومع �أن العالقة قد تحُ مِّل‬ ‫اليمن عبئ ًا كبري ًا نتيجة لتدفق الالجئني واملخاطر الأمنية املحتملة‪� ،‬إال �أن‬ ‫ه����ذه امل�شاكل م�ؤقتة وينبغي وجود وحدات خا�صة تعمل مع بع�ضها ملعاجلة‬ ‫هذه الق�ضايا‪.‬‬ ‫ويجب على اليمن امل�شارك����ة بفعالية �أكرب يف حل امل�شاكل ال�صومالية‪ ،‬من‬ ‫خالل ا�ستخدام عالقاتها التاريخية مع القبائل ال�صومالية للم�ساعدة يف‬ ‫�إنه����اء ال�صراعات ب��ي�ن القبائل والأحزاب ال�صومالي����ة‪ .‬واحلال �أن هناك‬ ‫عالق����ات را�سخة ب��ي�ن البلدين‪ ،‬وتقول بع�ض القبائ����ل ال�صومالية �أنها من‬ ‫�أ�صول مينية‪.‬‬ ‫ع��ل�اوة على ذلك‪ ،‬ينبغي على املجتمع ال����دويل امل�شاركة مع اليمن يف هذه‬ ‫امل�س�أل����ة‪ ،‬ودعمه����ا ملعاجلة امل�ش����اكل القائمة يف ال�صوم����ال‪ .‬فعلى املجتمع‬ ‫ال����دويل – مب����ا يف ذل����ك اليمن – معاجل����ة الأ�سب����اب الرئي�سي����ة للأزمة‬ ‫ال�صومالي����ة‪ ،‬والعمل على �إقامة دولة �شرعية‪ ،‬وتوفري الدعم املايل الالزم‬ ‫للجهات الفاعلة يف الدولة والتي تقود احلرب �ضد القر�صنة‪.‬‬

‫الأمن والهجرة‬ ‫ت����رى اليم����ن ال�صوم����ال عل����ى �أنه����ا‬ ‫فهم ال�صومال يعد �أمراً‬ ‫م�ص����در لع����دم اال�ستق����رار وتهدي����د‬ ‫�ضرورياً لفهم العالقة �أمن����ي‪ ،‬يف ظل ال�ضغط ال����ذي ي�سببه‬ ‫بني اليمن وحميطها‬ ‫الالجئ����ون ال�صوماليون عل����ى البنية‬ ‫احليوي الأو�سع‪ ،‬واليمن التحتي����ة وتق����دمي اخلدم����ات العامة‪،‬‬ ‫نف�سها تدرك �أن ما يحدث وكذلك العالقات املزعومة بني حركة‬ ‫يف ال�صومال ي�ؤثر فيها ال�شباب ال�صومالية وتنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫�أي�ضاً‪ ،‬وترى �أن اال�ستقرار وم����ع وجود اقت�ص����اد متده����ور‪ ،‬ت�ؤكد‬ ‫ووجود دولة مركزية قوية �ضغ����وط �أع����داد الالجئ��ي�ن املتزايدة‬ ‫يف ال�صومال يخدم امل�صالح مدى �صعوبة التحدي����ات االجتماعية‬ ‫اليمنية والإقليمية على واالقت�صادية التي تواجه اليمن‪ .‬لكن‬ ‫الت�أثري املحدد الذي ي�سببه الالجئون‬ ‫حد �سواء‬ ‫عل����ى البني����ة ال�سيا�سي����ة اليمني����ة‪،‬‬ ‫واحتمال ن�شوب �صراع ميني – �صومايل‪ ،‬ما زاال غري وا�ضحني املعامل‪.‬‬ ‫ويب����دو �أن املخاط����ر الأمني����ة من قب����ل ال�صوماليني فيما يتعل����ق بالأن�شطة‬ ‫الإرهابي����ة ه����ي �أم ٌر مبال����غ فيه كث��ي�راً‪ .‬فبالرغم م����ن �أن حرك����ة ال�شباب‬ ‫وتنظي����م القاعدة �أعلنا عزمهما على التع����اون‪ ،‬ف�إن طبيعة العالقة بينهما‬ ‫لي�س����ت معروفة‪ ،‬ولي�س لدى حركة ال�شباب الكثري لتقدمه‪� ،‬إذ �أن ما حتتاج‬ ‫ل����ه القاعدة يف اليمن هو العم����ق الأيديولوجي والعق����ول املدبرة لعملياتها‬ ‫والتمويل‪ ،‬وهي الأ�شياء التي قد خ�سرتها القاعدة نتيجة للعمليات الأخرية‬ ‫الت����ي قامت بها احلكومة اليمنية يف �إطار حربها �ضد «تنظيم القاعدة يف‬ ‫�شبه جزيرة العرب»‪.‬‬ ‫خليج عدن‪ :‬عامل لعدم اال�ستقرار؟‬ ‫ميك����ن النظ����ر �إىل خليج عدن عل����ى �أنه عام ٌل من عوامل ع����دم اال�ستقرار‬ ‫يف املنطق����ة‪ ،‬نظر ًا لتجارة ال�س��ل�اح والتهريب والهجرة الغري �شرعية‪ .‬ومع‬ ‫�أن الهج����رة غري ال�شرعية منطٌ قدمي لكنه����ا ت�ضاعفت ثالث مرات خالل‬ ‫ال�سن����وات القليلة املا�ضية‪ ،‬فم����ا زال عدد الأثيوبي��ي�ن القادمني �إىل اليمن‬ ‫ي����زداد ب�شكل كبري جداً‪ .‬وهذا النمط من الهجرة يُحمِّل البنية التحتية يف‬ ‫اليمن الكثري من الأعباء‪.‬‬ ‫�إن اليمن تقوم باتخاذ خطوات للحد من جتارة ال�سالح‪ ،‬لكن ال�س�ؤال هو‪:‬‬ ‫ما هي امل�ساعدة الإ�ضافية التي ي�ستطيع املجتمع الدويل تقدميها؟ فال بد‬ ‫م����ن وجود التن�سيق امل�ش��ت�رك والتعاون بني اليم����ن ودول اخلليج واملجتمع‬ ‫ال����دويل ملعاجل����ة امل�شاكل القائم����ة‪� ،‬إذ �أن اجلهود اليمني����ة ما زالت ‪� -‬إىل‬ ‫ح����د كبري ‪ -‬منف����ردة‪ .‬كما �أن عمليت����ي القر�صنة والإره����اب هما من �أهم‬ ‫الق�ضاي����ا التي تُق ِل����ق املجتمع ال����دويل وال�شعب ال�صوم����ايل‪ ،‬والعالقة بني‬ ‫عملي����ات التهري����ب والقر�صن����ة والإرهاب ه����ي نتيجة للأزم����ة ال�صومالية‬ ‫احلالي����ة‪ .‬وعلى املجتمع الدويل تخفيف �شدة هذه الظاهرة �أو احلد منها‪،‬‬ ‫وهناك الكثري من املبالغ املالية تُنفق على عمليات حماربة القر�صنة؛ و�إذا‬ ‫ما مت تخ�صي�ص جزء �صغري من هذه املبالغ لل�شعب ال�صومايل ف�سيك�سب‬ ‫م�ساعدتهم حلل امل�شكلة من جذورها‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪55‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫وجهات نظر‬

‫عني على اليمن‬

‫للجه���ود التي تبذلها احلكومة اليمنية يف مكافحة الإرهاب‪ ،‬باعتبار �أن ما‬ ‫يحدث يف اليمن ي�شكل خطر ًا على الأمن الإقليمي والدويل‪.‬‬

‫تفاعالت اليمن‬ ‫والعامل فـي‬

‫‪60‬‬

‫يوم ًا‬

‫�شهرا كانون الثاين‪/‬يناير ‪� -‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬ ‫كانون الثاين‪/‬يناير ‪2010‬‬

‫‪� 1‬أعل���ن الرئي����س الأمريكي باراك �أوباما يف حديث���ه الأ�سبوعي الذي بث‬ ‫ع�ب�ر االنرتنت والراديو‪ ،‬عن عزم بالده موا�صلة تقوية وتعزيز تعاونها مع‬ ‫اليمن خ�ل�ال الفرتة املقبلة‪ ،‬خا�صة يف املج���ال الأمني ومكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرئي����س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل قائ���د القوات املركزية الأمريكية‬ ‫اجل�ن�رال ديفيد بيرتيو�س والوفد املرافق له‪ ،‬الذي نقل ر�سالة من الرئي�س‬ ‫الأمريك���ي ب���اراك �أوبام���ا تتعل���ق بالعالق���ات الثنائية وجم���االت التعاون‬ ‫امل�ش�ت�رك بني البلدين‪ ،‬ومنها التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صنة‪.‬‬ ‫‪ 2‬التق���ى وزي���ر الداخلية مطهر امل�ص���ري‪ ،‬ال�سف�ي�ر الباك�ستاين ب�صنعاء‬ ‫�سي���د خواجا القاما‪ .‬ج���رى يف اللقاء بحث العالق���ات الثنائية‪ ،‬وجماالت‬ ‫التع���اون الأمني بني البلدين‪ ،‬وخا�صة يف جمال الت�أهيل والتدريب‪ ،‬وتبادل‬ ‫اخل�ب�رات الأمني���ة‪ .‬كما بحث اجلانب���ان �إمكانية زي���ادة التن�سيق الأمني‪،‬‬ ‫وتب���ادل املعلومات الأمنية بني اليمن وباك�ستان حول الق�ضايا الأمنية ذات‬ ‫االهتمام امل�شرتك‪ ،‬ويف مقدمتها مكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪ 3‬الرئي�س علي عبداهلل �صالح يتلقى ات�صا ًال هاتفي ًا من الرئي�س ال�صومايل‬ ‫�شري���ف �شيخ �أحمد‪ ،‬اطلع خالله على تطورات الأو�ضاع يف ال�صومال‪ ،‬كما‬ ‫ج���رى بحث العالقات الثنائي���ة‪ .‬وقد عبرّ الرئي�س ال�صوم���ايل عن �إدانته‬ ‫وا�ستنكاره ال�شديد ملا �أدلت به بع�ض قيادات حركة “ال�شباب املجاهدين”‬ ‫م���ن تهديدات غ�ي�ر م�س�ؤولة لإر�سال عنا�ص���ر �إرهابي���ة �صومالية مل�ساندة‬ ‫عنا�صر تنظيم القاعدة يف اليمن‪.‬‬ ‫‪56‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 4‬ك�شف���ت الأمان���ة العام���ة ملجل����س التع���اون ل���دول اخللي���ج العربية عن‬ ‫تخ�صي����ص ‪ 3.2‬مليار دوالر �أمريكي‪� ،‬أي ما يعادل ‪ 90‬باملائة من التعهدات‬ ‫املخ�ص�ص���ة لتمويل م�شاريع‬ ‫املالي���ة لدول املجل����س وال�صنادي���ق الإقليمية ّ‬ ‫خطة التنمية الثالثة يف اليمن ‪.2010 - 2006‬‬ ‫‪ 4‬قدمت املفو�ضية الأوربية ‪ 17‬مليون يورو لدعم الأمن الغذائي يف اليمن‬ ‫لي�صل �إجمايل ما قدمته من دعم لهذا القطاع خالل العام املا�ضي ‪2009‬‬ ‫�إىل ‪ 48.3‬مليون يورو‪.‬‬ ‫‪ 4‬ال�شيخ حمد بن خليفة �آل ثاين �أمري دولة قطر يت�سلم ر�سالة خطية من‬ ‫الرئي�س عل���ي عبداهلل �صالح تتعلق بالعالق���ات الثنائية وجماالت التعاون‬ ‫امل�شرتك و�آف���اق تعزيزها‪� ،‬إ�ضافة �إىل تط���ورات الأو�ضاع وامل�ستجدات يف‬ ‫املنطق���ة‪ .‬وقام بت�سليم الر�سالة وزير اخلارجي���ة الدكتور �أبو بكر القربي‪،‬‬ ‫خالل ا�ستقبال �أمري قطر له يف الدوحة‪.‬‬ ‫‪ 4‬ا�ستقب���ل الرئي����س علي عب���داهلل �صال���ح‪ ،‬الأمري خالد ب���ن �سلطان بن‬ ‫عبدالعزي���ز م�ساعد وزير الدفاع والطريان واملفت�ش العام‪ ،‬والأمري حممد‬ ‫بن نايف بن عبدالعزيز م�ساعد وزير الداخلية باململكة العربية ال�سعودية‪.‬‬ ‫وج���رى خ�ل�ال املقابلة بح���ث جوان���ب العالق���ات والتع���اون امل�شرتك بني‬ ‫البلدين‪ ،‬ومنها التعاون يف املجال الأمني ومكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫‪� 4‬أعربت وزيرة اخلارجية الأمريكية هيالري كلنتون عن تقدير الواليات‬ ‫املتح���دة الأمريكي���ة لليمن جلهوده���ا الأخرية الت���ي �شنتها �ض���د عنا�صر‬ ‫القاع���دة وتفكي���ك خالياها‪ .‬وجددت كلينتون يف امل�ؤمت���ر ال�صحفي الذي‬ ‫عقدته م���ع رئي�س الوزراء القطري التزام الواليات املتحدة بتقدمي الدعم‬

‫‪ 4‬بح���ث وزي���ر الدفاع حمم���د نا�صر �أحمد‪ ،‬م���ع �سفري جمهوري���ة فرن�سا‬ ‫ب�صنع���اء جوزيف �سيلفا‪� ،‬أوج���ه التعاون بني البلدي���ن وخا�صة التعاون يف‬ ‫املج���ال الع�سك���ري والأمن���ي ومكافح���ة الإره���اب والقر�صنة‪ .‬كم���ا ناق�ش‬ ‫اجلانب���ان �إمكانية فتح دورات تدريبية يف جمال مكافحة الإرهاب للقوات‬ ‫اخلا�ص���ة وخفر ال�سواح���ل والقوات البحري���ة اليمني���ة‪ ،‬وا�ستكمال برامج‬ ‫التدريب يف جمال االت�صاالت وتبادل املعلومات‪.‬‬ ‫‪ 5‬ج���رى ات�صال هاتفي بني الرئي�س علي عب���داهلل �صالح ورئي�س الوزراء‬ ‫الربيط���اين جوردن براون‪ ،‬ج���رى خالله بحث التح�ض�ي�رات والآلية التي‬ ‫�سينعق���د بها م�ؤمت���ر لندن لدعم اليم���ن‪ ،‬وتن�سيق جه���ود البلدين يف هذا‬ ‫املجال ومبا يكفل جناح امل�ؤمتر واخلروج منه بالنتائج املن�شودة‪.‬‬ ‫‪� 6‬أق���ر البنك الدويل‪ ،‬ممث ًال بهيئ���ة التنمية الدولية‪ ،‬رف���ع �سقف الدعم‬ ‫ال�سن���وي لليمن �إىل ‪ 200‬ملي���ون دوالر مقارنة ب�سقف الدعم ال�سابق البالغ‬ ‫‪ 120‬مليون دوالر وبزيادة ت�صل �إىل ‪ 80‬مليون دوالر‪ ،‬بح�سب ما �أعلن مدير‬ ‫مكتب البنك الدويل ب�صنعاء بن�سون �أتنج‪.‬‬ ‫‪� 8‬أعلنت اجلمهوريّ���ة الإيطاليّة عزمها التقدم مبقرتح لإن�شاء «جمموعة‬ ‫م���ن الدول ال�صديقة لليمن» من �أجل تعزي���ز التعاون فيما بني هذه الدول‬ ‫واجلمهوري���ة اليمنية‪ ،‬وم�ساندة جهود اليمن للتغل���ب على التحديات التي‬ ‫يواجهه���ا ورفع قدرات���ه يف املجال الأمني‪ ،‬وذكر املتح���دث الر�سمي با�سم‬ ‫اخلارجية الإيطالية ماوريت�سو م�ساري �أن وزير اخلارجية الإيطايل فرانكو‬ ‫فراتيني �سيطرح هذا االقرتاح ر�سمي ًا على نظرائه يف االحتاد الأوروبي يف‬ ‫م�ؤمتر لندن الذي �سيعقد يف نهاية �شهر كانون الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬ ‫‪� 8‬أكدت الواليات املتحدة الأمريكية احرتامها الكامل ل�سيادة اجلمهورية‬ ‫اليمنية‪ ،‬وقال املتحدث با�سم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون يف م�ؤمتر‬ ‫�صحفي �إن «اليمن بلد ذات �سيادة‪ ,‬ونحن نحرتم هذه ال�سيادة»‪ ،‬و�أ�ضاف‪:‬‬ ‫«�إن تعاونن���ا مع اليمن يف مكافحة الإره���اب يقت�صر على تبادل املعلومات‬ ‫اال�ستخباراتي���ة والتدريب‪ ,‬مل�ساعدة اليمن على حمارب���ة �إرهابيّ القاعدة‬ ‫الذي���ن يعتقد �أنهم دعموا حماولة تفجري طائ���رة مدنية �أمريكية يوم عيد‬ ‫امليالد»‪.‬‬ ‫‪ 9‬الرئي����س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقب���ل عثمان �صالح وزي���ر اخلارجية‬ ‫الإري�ت�ري والوفد الرافق له‪ ،‬ال���ذي نقل له ر�سالة م���ن الرئي�س �أ�سيا�سي‬ ‫�أفورقي رئي�س دولة �إريرتيا‪ ،‬تتعلق بالعالقات الثنائية و�سبل تعزيزها‪.‬‬ ‫‪ 9‬نف���ى قائ���د �أركان اجلي����ش الأمريك���ي اجل�ن�رال ماي���كل م���والن �صحة‬ ‫م���ا تناول���ه بع�ض و�سائل الإع�ل�ام من �أنباء تزعم فيه���ا وجود خطط لدى‬ ‫الواليات املتحدة للتدخل ع�سكري ًا وب�شكل مبا�شر يف اليمن ملواجهة تنظيم‬ ‫القاع���دة‪ ،‬ونقل���ت قناة �س���ي �إن �إن الأمريكي���ة عن اجلرنال م���والن قوله‪:‬‬

‫«الوالي���ات املتح���دة لي�س لديها‬ ‫�أي خطط للتدخل الع�سكري يف‬ ‫اليمن ب�شكل مبا�شر �ضد تنظيم‬ ‫القاعدة»‪ .‬و�أ�ضاف «هذا اخليار‬ ‫غري مطروح»‪.‬‬ ‫‪� 10‬أعلن���ت الوالي���ات املتح���دة‬ ‫الأمريكي���ة عزمه���ا م�ضاعف���ة حج���م‬ ‫امل�ساعدات التنموية والأمني���ة املقدمة لليمن‪،‬‬ ‫ونقل���ت قن���اة �س���ي �إن �إن الإخبارية عن قائ���د القيادة‬ ‫املركزي���ة الأمريكية اجلرنال ديفيد برتيو�س‪ ،‬قول���ه‪�«:‬إن الواليات املتحدة‬ ‫تن���وي م�ضاعف���ة حجم م�ساعداته���ا لليمن‪ ،‬من ‪ 70‬ملي���ون دوالر �إىل �أكرث‬ ‫م���ن ‪ 150‬ملي���ون دوالر»‪ .‬ولف���ت برتيو�س �إىل �أن �أم�ي�ركا �ستوفر املزيد من‬ ‫امل�ساع���دات االقت�صادي���ة لليم���ن‪ ،‬مل�ساع���دة احلكومة يف ترجم���ة �أهداف‬ ‫خط���ط التنمي���ة وكذا زي���ادة امل�ساع���دات الأمنية لتعزيز ق���درات القوات‬ ‫اليمنية يف الت�صدي للعنا�صر الإرهابية لتنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫‪ 11‬الرئي�س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل جودوفي�شر فيليه وزير اخلارجية‬ ‫بجمهوري���ة �أملانيا االحتادية‪ ،‬وجرى خالل املقابلة بحث العالقات الثنائية‬ ‫وجماالت التعاون امل�ش�ت�رك بني البلدين ومنها التعاون يف املجال التنموي‬ ‫ومكافحة الإرهاب والقر�صنة البحرية‪.‬‬ ‫‪ 12‬التق���ى وزير الداخلي���ة مطهر امل�ص���ري الأمني الع���ام ملجل�س وزراء‬ ‫الداخلية العرب الدكت���ور حممد بن علي كومان الذي يزور اليمن‪ ،‬وجرى‬ ‫خ�ل�ال اللقاء بحث عدد من الق�ضايا الأمني���ة وجملة التدابري واملعاجلات‬ ‫الت���ي �أتخذه���ا جمل����س وزراء الداخلية العرب يف اجتماع���ه ال�سابق حيال‬ ‫ع���دد من الق�ضايا الأمنية املتمثلة بق�ضاي���ا املخدرات واجلرمية املنظمة‪،‬‬ ‫وك���ذا ال�شوط الذي قطع يف هذا املجال‪ ,‬بالإ�ضاف���ة �إىل مناق�شة عدد من‬ ‫املقرتح���ات والأعمال الإداري���ة والتنفيذية املتعلقة بعم���ل املجل�س وهيئاته‬ ‫املختلفة‪.‬‬ ‫‪ 13‬اعتمد جمل�س �إدارة هيئة التقيي�س لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج‬ ‫العربي���ة ان�ضم���ام اليمن ر�سمي��� ًا �إىل الهيئة اعتبار ًا م���ن ‪ 1‬كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناير ‪.2010‬‬ ‫‪ 19‬تركزت املباحثات بني وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي ونظريه‬ ‫الكن���دي لوران�س كانون التي عق���دت بالعا�صمة الكندية �أوت���اوا على �آفاق‬ ‫تنمية وتعزيز عالقات التعاون الثنائي بني البلدين‪.‬‬ ‫‪ 19‬ا�ستقب���ل م�ست�شار الأم���ن القومي الأمريكي اجل�ن�رال جيم�س جونز‬ ‫وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القرب���ي والوف���د املرافق ل���ه يف البيت‬ ‫الأبي�ض بالعا�صمة الأمريكية وا�شنطن‪ ،‬وبحث اجلانبان العالقات الثنائية‬ ‫وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدي���ن‪ ،‬ومنها التعاون يف املجال الأمني‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪57‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫ومكافحة الإره���اب والقر�صنة‪ .‬على ذات ال�صعيد‪ ،‬التقى وزير اخلارجية‬ ‫واملوفد املرافق له ال�سيد ليون بانيتا مدير الوكالة املركزية لال�ستخبارات‬ ‫الأمريكي���ة يف مبن���ى الوكال���ة بوا�شنطن‪ .‬كم���ا التقى الدكت���ور القربي يف‬ ‫مبن���ى وزارة العدل الأمريكية بوا�شنط���ن‪ ،‬ال�سيد �إيرك هولدر وزير العدل‬ ‫الأمريك���ي‪ ،‬حي���ث جرى خ�ل�ال اللق���اء بحث جوان���ب العالق���ات الثنائية‬ ‫وجماالت التعاون الق�ضائي بني اليمن والواليات املتحدة‪ ،‬وناق�ش الطرفان‬ ‫م�س�ألة �إطالق �سراح املعتقلني اليمنيني يف قاعدة غوانتانامو وباجرام‪.‬‬ ‫‪ 22‬بح���ث وزير اخلارجية الدكتور �أبوبك���ر القربي‪ ،‬مع وزيرة اخلارجية‬ ‫الأمريكي���ة هي�ل�اري كلينت���ون يف وا�شنط���ن‪ ،‬يف جل�سة مباحث���ات ر�سمية‬ ‫العالق���ات الثنائية بني اجلمهوري���ة اليمنية والوالي���ات املتحدة الأمريكية‬ ‫و�سبل تعزيزها‪.‬‬ ‫‪ 23‬ت�س ّل���م اليم���ن مبق���ر الأمم املتح���دة يف نيوي���ورك الرئا�س���ة الدورية‬ ‫ملجموع���ة الـ ‪ 77‬وال�صني بح�ضور �أمني عام املنظمة الدولية ال�سيد بان كي‬ ‫مون ورئي�س الربنامج الإمنائي للأمم املتحدة ال�سيدة هيلني كالرك وعدد‬ ‫من قيادات برامج الأمم املتحدة و�سفراء الدول االع�ضاء‪.‬‬ ‫‪ 23‬الرئي�س علي عبد اهلل �صالح ي�ستقبل وزير اخلارجية امل�صري �أحمد‬ ‫�أب���و الغيط ورئي�س املخابرات العامة امل�صري���ة عمر �سليمان‪ ،‬اللذين نقال‬ ‫ل���ه ر�سالة م���ن الرئي�س حممد ح�سن���ي مبارك‪ ،‬تتعل���ق بالعالقات الأخوية‬ ‫وجم���االت التع���اون امل�شرتك ب�ي�ن البلدي���ن‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل التح�ضريات‬ ‫اخلا�صة باجتماع لندن‪.‬‬ ‫‪ 23‬التقى وزير الداخلية مطهر امل�صري �ساميون كاردينال مدير �شركة‬ ‫«�أي �إ����س �أي �إ����س ج���روب» الإيطالي���ة‪ ،‬والت���ي متار�س ن�شاطه���ا يف جمال‬ ‫الأمن البحري وتعم���ل يف املياه الدولية ملرافقة ال�سفن التجارية‪ .‬جرى يف‬ ‫اللقاء بحث التعاون يف جم���ال الأمن البحري بني م�صلحة خفر ال�سواحل‬ ‫وال�شرك���ة‪� ،‬إ�ضاف���ة �إىل تبادل املعلوم���ات حول القرا�صن���ة يف بحر العرب‬ ‫واملحيط الهندي‪.‬‬ ‫‪ 24‬قال���ت املمثلة العليا لل�ش�ؤون اخلارجية و�سيا�سات الأمن‪ ،‬نائبة رئي�س‬ ‫االحتاد الأوروبي‪ ،‬البارونة كاثرين �أ�شنت‪� ،‬أن االحتاد يدر�س اقرتاح ًا برفع‬ ‫م�ساعدات���ه التنموية لليمن مبقدار الثلث للفرتة ‪ .2013 - 2011‬و�أو�ضحت‬ ‫�أن ه���ذا الدعم �سي�ض���اف �إىل مبلغ ‪ 11‬مليون ي���ورو مت تخ�صي�صها �ضمن‬ ‫برنام���ج الدعم املقدم من املفو�ضية الأوربية �إىل قطاعي ال�شرطة وعدالة‬ ‫الأحداث خالل ال�سنتني املا�ضيتني‪.‬‬ ‫‪ 25‬وقعت وزارة التخطيط والتعاون الدويل وال�صندوق ال�سعودي للتنمية‬ ‫يف الريا����ض‪ ،‬حم�ضر اتفاق امل�س���ودات النهائية مل�شاري���ع اتفاقيات متويل‬ ‫ع���دد من امل�شاريع التنموي���ة واخلدمية يف اليمن بتكلف���ة ‪ 90‬مليون دوالر‪,‬‬ ‫والت���ي من املقرر التوقي���ع النهائي عليها خالل اجتماع���ات الدورة املقبلة‬ ‫‪58‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ملجل�س التن�سيق اليمني ال�سعودي‪.‬‬ ‫‪ 26‬عق���د مببن���ى منظمة التج���ارة العاملي���ة مبدينة جني���ف ال�سوي�سرية‬ ‫االجتم���اع ال�سابع لفري���ق العمل اخلا�ص بان�ضمام اليم���ن ملنظمة التجارة‬ ‫العاملي���ة‪ ،‬واطلع فريق التفاو�ض اليمني برئا�س���ة وزير ال�صناعة والتجارة‬ ‫رئي����س اللجن���ة الوطنية للإع���داد والتفاو�ض مع منظمة التج���ارة العاملية‬ ‫الدكت���ور يحي���ى املتوكل رئي�س جمموع���ة العمل ووفود ال���دول الأع�ضاء يف‬ ‫املنظم���ة على الإج���راءات املتخذة للت�سريع بعملي���ة االن�ضمام‪ ،‬والرد على‬ ‫الت�س���ا�ؤالت املطروحة من الأع�ضاء‪ ،‬و�سري املفاو�ض���ات الثنائية مع الدول‬ ‫الراغبة يف التفاو�ض‪.‬‬ ‫‪ 27‬عقد يف العا�صمة الربيطانية لندن‪ ،‬اجتماع خا�ص ب�شركاء و�أ�صدقاء‬ ‫اليم���ن‪ ،‬به���دف ح�شد الدع���م الدويل لليم���ن مل�ساندة جه���وده على �صعيد‬ ‫التنمية والإ�صالحات وتعزيز قدراته يف مكافحة الإرهاب‪ ,‬مب�شاركة وزراء‬ ‫ميثلون �أكرث من ع�شري���ن دولة عربية و�أجنبية ويف املقدمة وزراء خارجية‬ ‫الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة ور�سيا االحتادية وعدد م���ن الدول الأوروبية‬ ‫ودول جمل����س التع���اون اخلليجي وم�ص���ر والأردن وتركي���ا‪ ،‬بح�ضور رئي�س‬ ‫جمل�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور‪.‬‬ ‫‪ 28‬الرئي����س علي عبداهلل �صالح ي�ستقبل ع�ض���و اللجنة املركزية حلركة‬ ‫فتح املفو�ض العام للعالقات اخلارجية عبا�س زكي‪.‬‬ ‫‪ 31‬التقى وزير اخلارجية الدكتور �أبو بكر القربي ب�صنعاء ال�سفري دانييل‬ ‫بنجام�ي�ن من�سق �ش����ؤون مكافحة الأره���اب بوزارة اخلارجي���ة الأمريكية‪.‬‬ ‫تن���اول اللق���اء العالقات بني البلدي���ن و�آفاق التع���اون امل�ستقبلي والرتتيب‬ ‫للإجتماعات الالحقة الجتماع لندن‪ ،‬مبا ي�ضمن جناحها يف حتقيق نتائج‬ ‫اجتماع لندن لدعم اليمن‪.‬‬

‫�شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬ ‫‪ 2‬اتفق���ت اليمن وكل من برنامج الأمم املتحدة للبيئة «اليونيب» ومنظمة‬ ‫الأمم املتحدة للتنمية ال�صناعية «اليونيدو»‪ ،‬على ال�شروع يف �إعداد اخلطة‬ ‫الوطنية لإزالة مركبات الهيدروكلورية فلورية امل�ستنفدة للأوزون‪ ،‬وحتديد‬ ‫خط الأ�سا����س لعامي ‪ 2009‬و‪ 2010‬الذي �سيتعني على �ضوئه جتميد حجم‬ ‫ما ت�ستهلكه البالد من هذا املواد بحلول عام ‪ .2013‬جاء ذلك على هام�ش‬ ‫اجتماع���ات املائدة امل�ستديرة لتطوير خطط �إزالة مركبات الهيدروكلورية‬ ‫فلوري���ة‪ ،‬يف بلدان �إقليم غ���رب �آ�سيا‪ ،‬الذي عقد م�ؤخ���ر ًا يف مقر اليونيدو‬ ‫بالعا�صمة النم�ساوية فيينا‪.‬‬ ‫‪ 2‬الرئي����س علي عبداهلل �صال���ح ي�ستقبل وزير الدول���ة لل�ش�ؤون اخلارجية‬ ‫الربيط���اين �إيفان لوي����س‪ ،‬وجرى خ�ل�ال املقابلة بحث جوان���ب العالقات‬ ‫الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها‪ ،‬بالإ�ضافة‬

‫�إىل بحث نتائج اجتماعات لندن لدعم اليمن والرتتيبات اخلا�صة بانعقاد‬ ‫م�ؤمت���ر املانح�ي�ن لليمن يف الـ ‪ 22‬م���ن �شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2010‬يف الريا�ض‪،‬‬ ‫وكذا �آلية عمل جمموعة �أ�صدقاء اليمن‪.‬‬

‫وجوان���ب الت�أهي���ل والتدري���ب‬ ‫التقني والفن���ي خلفر ال�سواحل‬ ‫اليمنية‪.‬‬

‫‪ 5‬وق���ع بالعا�صم���ة اجليبوتية على مذك���رة تفاهم لإن�ش���اء �شركة مالحة‬ ‫بحري���ة بني اليمن وجيبوتي‪ .‬وقع املذكرة وكي���ل وزارة النقل رئي�س اللجنة‬ ‫الفني���ة اليمني���ة على ال�صبح���ي‪ ،‬وعن اجلانب اجليبوت���ي ممثل احلكومة‬ ‫اجليبوتي���ة لل�ش����ؤون املدنية رئي�س اللجنة الفني���ة اجليبوتية حممد يو�سف‬ ‫�شار ماركي‪.‬‬

‫‪ 10‬وقعت وزارة النفط واملعادن‬ ‫مع �شركة توتال لال�ستك�شاف والإنتاج‬ ‫الفرن�سية على مذكرة تفاهم‪ ،‬لال�ستك�شاف‬ ‫يف القطاع اال�ستك�شايف رق��م ‪ 85‬مبنطقة �شمال‬ ‫العقلة حمافظة �شبوة‪ ،‬تنفق مبوجبه ال�شركة ‪ 32‬مليون‬ ‫دوالر‪.‬‬

‫‪ 5‬عبرّ ت اجلمهورية اليمني���ة عن قلق دول جمموعة الـ‪ 77‬وال�صني البالغ‬ ‫من الآث���ار املدمرة للأزم���ة املالي���ة واالقت�صادية العاملي���ة و�أزمتي الغذاء‬ ‫والطاقة وانع���دام الأمن الغذائي وتدهور املناخ و�ش���ح املوارد على حتقيق‬ ‫الأه���داف امل�شرتكة للدول النامية يف مي���دان التنمية االجتماعية وحتقيق‬ ‫االدم���اج االجتماعي الأمث���ل ملكافحة الفقر والبطالة‪ .‬ج���اء ذلك يف كلمة‬ ‫اليم���ن الت���ي تر�أ�س جمموعة ال���ـ‪ 77‬وال�ص�ي�ن التي �ألقاها من���دوب اليمن‬ ‫الدائ���م ل���دى الأمم املتح���دة ال�سفري حمم���د ال�صايدي رئي����س املجموعة‬ ‫يف افتت���اح �أعمال الدورة ال���ـ‪ 48‬للجنة التنمية االجتماعي���ة التابعة للأمم‬ ‫املتح���دة املنعقدة خ�ل�ال الفرتة م���ن ‪� 12 - 3‬شباط‪/‬فرباير مبقر املنظمة‬ ‫الدولية بنيويورك‪.‬‬ ‫‪ 8‬ناق����ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن‪ ،‬م���ع فريق �إعداد امل�شاريع‬ ‫امل�ستقبلية للقطاع ال�سمكي التابع لالحتاد الأروبي برئا�سة جاري موغان‪،‬‬ ‫امل�شاريع التي �سيموله���ا االحتاد الأوروبي يف قطاع اال�سماك خالل الفرتة‬ ‫املقبل���ة‪ ،‬وحدد االجتماع امل�شاريع امل�ستقبلي���ة يف قطاع الأ�سماك يف جمال‬ ‫دع���م مركز املعلوم���ات ال�سمكي���ة وتنمية املجتمع���ات املحلي���ة لل�صيادين‬ ‫ودرا�س���ة املخ���زون ال�سمك���ي �إ�ضاف���ة �إىل دع���م وت�أهيل القط���اع اخلا�ص‬ ‫العاملني يف املجال ال�سمكي‪.‬‬ ‫‪ 8‬التق���ى وزير ال�صناعة والتج���ارة‪ -‬رئي�س جمل����س �إدارة الهيئة اليمنية‬ ‫للموا�صفات واملقايي�س‪ -‬الدكتور يحيى املتوكل ب�صنعاء وفد هيئة التقيي�س‬ ‫لدول جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية الذي يزور اليمن برئا�سة �أمني‬ ‫ع���ام الهيئة الدكتور �أنور العبداهلل‪ .‬جرى خالل اللقاء بحث �آليات تن�سيق‬ ‫ال�سيا�س���ات و�أطر التعاون امل�ستقبلي يف �ض���وء ان�ضمام اليمن ممثلة بهيئة‬ ‫املوا�صف���ات ر�سمي ًا لع�ضوي���ة هيئة التقيي����س اخلليجي���ة‪ ،‬والأولويات التي‬ ‫�سيتم الرتكيز عليها يف هذا اجلانب‪.‬‬ ‫‪ 8‬غادرت مين���اء عدن �سفينة الدعم امل�ش�ت�رك الع�سكرية ال�صينية �شان‬ ‫دوج���و يف خت���ام زيارتها الودي���ة للميناء ا�ستغرق���ت يوم�ي�ن‪ ،‬وت�أتي زيارة‬ ‫ال�سفين���ة ال�صينية يف �إطار عالق���ات التعاون الثنائي���ة يف جمال مكافحة‬ ‫الإره���اب و�أعم���ال القر�صن���ة البحري���ة وت�أمني املم���رات املائي���ة الدولية‬

‫‪ 12‬رحبت رو�سي���ا االحتادية بالقرار الذي �أ�صدره الرئي�س علي عبداهلل‬ ‫�صال���ح والقا�ضي بوقف العمليات الع�سكرية يف املنطقة ال�شمالية الغربية‪.‬‬ ‫جاء ذلك يف بيان �أ�صدرته وزارة اخلارجية الرو�سية‪.‬‬ ‫‪ 13‬رحبت الواليات املتحدة الأمريكية بقرار وقف العمليات الع�سكرية يف‬ ‫املنطق���ة ال�شمالية الغربية يف اليمن‪ .‬ج���اء ذلك على ل�سان متحدث با�سم‬ ‫وزارة اخلارجي���ة الأمريكي���ة‪ ،‬وعرب املتحدث الأمريكي ع���ن �أمل الواليات‬ ‫املتح���دة يف جناح اجلهود املبذولة لإحالل ال�س�ل�ام والأمن و�إعادة اعمار‬ ‫املناط���ق املت�ضررة ومبا م���ن �ش�أنه و�ضع حلول نهائي���ة جلوالت املواجهات‬ ‫املتج���ددة‪ ،‬و�أبدى امل�س����ؤول الأمريكي حر�ص بالده عل���ى الإ�سهام يف دعم‬ ‫اجلهود الإن�سانية لإيواء ورعاية النازحني‪.‬‬ ‫‪ 13‬د�شّ ���ن نائ���ب رئي�س ال���وزراء لل�ش����ؤون االقت�صادية وزي���ر التخطيط‬ ‫والتع���اون الدويل عبدالكرمي الأرحبي ب�صنع���اء‪ ،‬برنامج دعم قطاع املياه‬ ‫يف اليم���ن البال���غ تكلفته ‪ 340‬ملي���ون دوالر واملمول م���ن احلكومة اليمنية‬ ‫والبنك الدويل و�أملانيا وهولندا‪ ،‬والذي ي�ستمر خم�س �سنوات‪.‬‬ ‫‪ 14‬ناق�ش وزير الرثوة ال�سمكية حممد �شمالن‪ ،‬مع بعثة ت�صميم امل�شاريع‬ ‫بال�صندوق الدويل للتنمية الزراعية (�إيفاد) برئا�سة ليون ويليام امل�شاريع‬ ‫ال�سمكي���ة التي �سينفذها ال�صندوق يف اليمن خ�ل�ال الفرتة املقبلة بتكلفة‬ ‫تتجاوز ‪ 15‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫‪ 14‬ناق����ش وزي���ر الزراعة وال���ري الدكت���ور من�صور احلو�شب���ي مع بعثة‬ ‫جمموع���ة املانحني الداعمني لربنامج دعم قط���اع املياه يف اليمن برئا�سة‬ ‫بي ريند‪ ،‬الق�ضاي���ا املتعلقة بالبدء الفعلي لأن�شط���ة الربنامج فيما يخ�ص‬ ‫(الربنام���ج الوطني للري)‪ ،‬وبح���ث اللقاء م�ساهم���ة احلكومة اليمنية يف‬ ‫�إط���ار برنامج دعم قطاع املياه والتي تقدر ب���ـ‪ 40‬باملائة من �إجمايل تكلفة‬ ‫الربنامج البالغ���ة ‪ 340‬مليون دوالر‪ ،‬والذي ي�أتي كمنحة ت�ساهم يف متويله‬ ‫هولندا و�أملانيا والبنك الدويل‪.‬‬ ‫‪ 15‬عق���د يف �صنع���اء اجتم���اع بني احلكوم���ة اليمنية وجمتم���ع املانحني‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪59‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط والتعاون‬ ‫ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي‪ ،‬كر�س ملتابعة تنفيذ ما اتفق عليه يف اجتماع‬ ‫لن���دن الأخري املكر����س لدعم اليمن يف مواجهة التحدي���ات التى تواجهها‪.‬‬ ‫وناق����ش االجتماع ال���ذي ح�ضره كافة �سف���راء وممثلي ال���دول واملنظمات‬ ‫الإقليمية والدولي���ة املانحة لليمن التح�ض�ي�رات اجلارية اخلا�صة مب�ؤمتر‬ ‫املانحني لليمن املقرر انعقادة يف العا�صمة ال�سعودية الريا�ض نهاية ال�شهر‬ ‫واملنبثق عن النتائج التى خل�ص �إليها االجتماع املو�سع للدول املانحة الذي‬ ‫انعق���د م�ؤخ���ر ًا يف العا�صمة الربيطاني���ة لندن مب�شاركة م���ا يزيد عن ‪22‬‬ ‫دولة‪.‬‬

‫ال���دول العربية والأفريقي���ة وا�ستعر�ض خالل اللق���اء‪ ،‬نتائج اجتماع لندن‬ ‫على امل�ستوي�ي�ن ال�سيا�سي والتنموي‪ ،‬الهادف �إىل دع���م اليمن وم�ساعدته‬ ‫ملواجهة التهديد ال���ذي ميثله احلرب على الإرهاب‪ ،‬وقد �أعرب عن ت�أكيد‬ ‫اليمن لتعهداتها يف حربها على الإرهاب والتطرف اللذين ميثالن تهديد ًا‬ ‫مبا�ش���ر ًا لأم���ن اليم���ن واملنطق���ة‪ ،‬و�أ�ش���ار �إىل �أن االجتم���اع املزمع عقده‬ ‫بالريا�ض خالل الفرتة ‪� 28- 27‬شباط‪/‬فرباير �سيتم خالله بحث الأ�سباب‬ ‫التي �أدت �إىل �إعاقة ا�ستفادة اليمن من االلتزامات التي مت اقرارها خالل‬ ‫م�ؤمت���ر املانحني عام ‪ 2006‬والإع���دادات اجلارية لعقد اجتم���اع �أ�صدقاء‬ ‫اليمن‪.‬‬

‫‪� 16‬أعل���ن وزي���ر اخلارجية ال�سعودي الأمري �سع���ود الفي�صل عن ترحيب‬ ‫بالده بقرار احلكومة اليمنية وقف �إطالق النار يف �شمال اليمن‪.‬‬

‫‪ 20‬التق���ى وزي���ر اخلارجي���ة الدكت���ور �أبوبك���ر القربي ب�صنع���اء �سفراء‬ ‫االحت���اد الأوروب���ي‪ ،‬وا�ستعر����ض خ�ل�ال اللقاء نتائ���ج اجتماع لن���دن على‬ ‫امل�ستوي�ي�ن ال�سيا�س���ي والتنموي ومن �أجل دعم اليم���ن وم�ساعدته ملواجهة‬ ‫التهديد الذي ميثله الإرهاب‪.‬‬

‫‪ 17‬ت�سلم الأمني العام ملجل�س التعاون لدول اخلليج العربية عبدالرحمن‬ ‫ب���ن حمد العطية ر�سالة خطية من وزير اخلارجية الدكتور �أبوبكر القربي‬ ‫تتعل���ق ب�سبل دعم وتعزيز التع���اون بني دول املجل����س واجلمهورية اليمنية‬ ‫يف �شت���ى املج���االت‪� ،‬إ�ضاف���ة اىل الرتتيبات اجلارية ب�ش����أن عقد االجتماع‬ ‫امل�ش�ت�رك اخلام�س ل���وزراء خارجية اليم���ن و دول جمل����س التعاون املقرر‬ ‫عقده يف ‪ 16‬من �آذار‪/‬مار�س ‪ 2010‬املقبل مبدينة عدن‪.‬‬

‫‪� 20‬أعل���ن االحت���اد الأوروب���ي ترحيبه ب�إيق���اف العملي���ات الع�سكرية يف‬ ‫�صعدة‪ ,‬ودعمه للجهود الرامية لإقامة حوار وطني حقيقي و�شامل‪.‬‬

‫‪ 17‬وقّ���ع اليم���ن وهيئة التنمي���ة الدولية بالأح���رف الأوىل يف مقر البنك‬ ‫ال���دويل بالقاه���رة عل���ى اتفاقية املنح���ة املخ�ص�ص���ة لتموي���ل ال�صندوق‬ ‫االجتماعي للتنمية مببلغ ‪ 60‬مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ 21‬عقدت ب�صنعاء جل�سة مباحثات ر�سمية بني اليمن والواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية برئا�سة نائب رئي�س الوزراء لل�ش�ؤون االقت�صادية وزير التخطيط‬ ‫والتعاون ال���دويل عبدالكرمي الأرحبي وال�سفري الأمريكي ب�صنعاء �ستيفن‬ ‫�سيت����ش‪ ،‬تطرقت املباحثات �إىل ا�ستعرا�ض �سري تنفيذ اتفاقية امل�ساعدات‬ ‫الأمريكية املقدمة لليمن للأعوام ‪ ،2012 – 2010‬خا�صة ما يتعلق بربامج‬ ‫الدع���م امل�ستقبلية املت�صل���ة مب�شاريع التنمية املجتمعي���ة واحلكم الر�شيد‬ ‫املقرر البدء يف تنفيذها خالل الن�صف الثاين من العام اجلاري‪.‬‬

‫‪ 18‬التق���ى وزي���ر الداخلية الل���واء الرك���ن مطهر ر�ش���اد امل�صري �سفري‬ ‫جمهوري���ة فرن�سا ب�صنع���اء جوزيف �سلفا‪ ،‬جرى خ�ل�ال اللقاء بحث �أوجه‬ ‫التع���اون والتن�سيق الأمني بني اجلمهورية اليمنية وجمهورية فرن�سا و�سبل‬ ‫تعزيزها �سيما فيما يتعلق مبجال التعاون والدعم الذي �ستقدمه احلكومة‬ ‫الفرن�سية واالحتاد الأوروبي مل�ش���روع �أكادميية ال�شرطة اخلا�صة بتحديث‬ ‫�إدارات الأكادميي���ة‪ .‬كما بحث اللقاء امل�ساع���دات والدعم الفني للحكومة‬ ‫الفرن�سي���ة واالحت���اد الأوروب���ي ل�شرط���ة خف���ر ال�سواحل واملتعل���ق بعملية‬ ‫مكافح���ة القر�صنة البحرية والهجرة غري ال�شرعي���ة‪ ،‬وكذا �إن�شاء ر�صيف‬ ‫ل�شرطة خفر ال�سواحل يف منطقة باب املندب‪.‬‬

‫‪ 22‬التقى نائب رئي�س الوزراء ل�ش�ؤون الدفاع والأمن وزير االدارة املحلية‬ ‫الدكتور ر�ش���اد العليمي‪ ،‬ووزير اخلارجية الدكت���ور �أبوبكر القربي �سفراء‬ ‫دول االحت���اد الأوروب���ي ورو�سيا االحتادي���ة والواليات املتح���دة الأمريكية‬ ‫وكوب���ا و�سفراء الدول الآ�سيوية املعتمدين لدى اليمن واملمثل املقيم للأمم‬ ‫املتح���دة لدى اليمن ورئي�س بعثة االحت���اد الأوروبي‪ .‬ويف اللقاء اطلع نائب‬ ‫رئي����س ال���وزراء ل�ش����ؤون الدفاع والأم���ن ال�سفراء على �آخ���ر التطورات يف‬ ‫�صعده بعد �إعالن احلوثي االلتزام بال�شروط ال�ستة التي و�ضعتها احلكومة‬ ‫لوقف �إطالق النار‪ ،‬وما تقوم به اللجان الأربع التي مت ت�شكيلها من ممثلي‬ ‫القوى ال�سيا�سية املختلفة مبجل�سي النواب وال�شورى للإ�شراف على تنفيذ‬ ‫ال�شروط ال�ستة‪.‬‬

‫‪ 17‬الرئي����س عل���ي عبداهلل �صالح ي�ستقبل رئي����س جمل�س النواب مبملكة‬ ‫البحرين خليفة بن �أحمد الظهراين والوفد املرافق له الذي يزور اليمن‪.‬‬

‫‪ 19‬عقدت جلنة جمل�س االحتاد الأوروبي اخلا�صة باليمن جل�سة خا�صة‬ ‫له���ا مبقر املجل�س بربوك�سل ملناق�شة تط���ورات الأ�ضاع يف اليمن‪ ،‬وذلك يف‬ ‫�إطار الرئا�سة الإ�سبانية احلالية للمجل�س‪.‬‬ ‫‪ 20‬التقى وزي���ر اخلارجية الدكتور �أبو بكر القرب���ي ب�صنعاء مع �سفراء‬ ‫‪60‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 23‬عقدت يف العا�صمة ال�سعودية الريا�ض قمة مينية ‪� -‬سعودية برئا�سة‬ ‫الرئي�س علي عب���داهلل �صالح والعاهل ال�سعودي عب���داهلل بن عبدالعزيز‪،‬‬ ‫ج���رى خاللها بحث العالقات الأخوية بني البلدي���ن‪ ,‬و�آفاق تنمية وتو�سيع‬ ‫ضال عن تعزي���ز التعاون يف املج���ال الأمني‬ ‫جم���االت التع���اون الثنائ���ي‪ ،‬ف� ً‬ ‫ومكافحة الإرهاب‪.‬‬

‫‪ 24‬بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطهر امل�صري م���ع وفد جلنة �ش����ؤون الأمن‬ ‫الداخل���ي بالكوجنر�س الأمريكي الذي يزور اليمن برئا�سة ال�سيدة ونيدي‬ ‫�أندر�س���ون‪ ،‬عالق���ات التعاون الأمني ب�ي�ن البلدين و�سبل تعزي���زه‪ .‬وتناول‬ ‫اللقاء �آفاق تطوير التعاون يف مكافحة الإرهاب واجلرمية املنظمة وتبادل‬ ‫املعلومات يف �إطار التعاون الأمني بني البلدين‪.‬‬

‫الإ�سالمي���ة للرتبي���ة والثقاف���ة‬ ‫والعل���وم (الإي�س�سك���و) الدكتور‬ ‫عبدالعزي���ز التويج���ري ووزراء‬ ‫الثقافة يف عدد من الدول العربية‬ ‫والإ�سالمية‪.‬‬

‫‪ 24‬عقدت يف العا�صمة البحرينية املنامة قمة مينية ‪ -‬بحرينية برئا�سة‬ ‫الرئي����س علي عبداهلل �صالح واملل���ك حمد بن عي�سى بن �سلمان �آل خليفة‪.‬‬ ‫وجرى خالل القمة بحث العالقات االخوية وجماالت التعاون امل�شرتك بني‬ ‫البلدين و�سبل تعزيزها على خمتلف اال�صعدة‪ ،‬كما جرى بحث التطورات‬ ‫على ال�ساحات العربية والإقليمية والدولية التي تهم البلدين‪.‬‬

‫‪ 27‬الرئي�س علي عب���داهلل �صالح ي�ستقبل‬ ‫الوكي���ل امل�ساعد لوزارة اخلارجي���ة الرتكية ر�ؤوف‬ ‫�أنكني �سوي�سال مبعوث الرئي�س الرتكي عبداهلل غول‪ ،‬الذي نقل‬ ‫للرئي����س �صالح ر�سالة خطية من الرئي�س غ���ول‪ ،‬تتعلق بالعالقات الثنائية‬ ‫وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�سبل تعزيزها وتطويرها‪.‬‬

‫‪ 24‬وقعت اجلمهورية اليمنية مبقر جامعة الدول العربية بالقاهرة‪ ،‬على‬ ‫االن�ضمام �إىل اتفاقية النقل متعدد الو�سائط للب�ضائع بني الدول العربية‪.‬‬ ‫وقّع االتفاقي���ة وزير النقل خالد الوزير على هام����ش االجتماع اال�ستثنائي‬ ‫ملجل�س وزراء النقل العرب املنعقد بالقاهرة‪.‬‬

‫‪� 27‬أعلن���ت اململك���ة العربية ال�سعودية ا�ستكم���ال تخ�صي�ص مبلغ التعهد‬ ‫املقدم لليمن يف م�ؤمتر لندن للمانحني املنعقد يف العام ‪ 2006‬والبالغ مليار‬ ‫دوالر‪ ،‬وق���ال نائب الرئي����س والع�ضو املنتدب لل�صن���دوق ال�سعودي للتنمية‬ ‫املهند����س يو�سف بن �إبراهيم الب�سام‪ ،‬يف كلمته خالل جل�سة العمل الأويل‬ ‫لفري���ق العم���ل امل�شرتك ب�ي�ن احلكومة اليمني���ة واملانح�ي�ن‪� ،‬إن ال�صندوق‬ ‫ال�سع���ودي للتنمي���ة قام خالل الف�ت�رة املا�ضية بتوقيع ت�س���ع اتفاقيات منح‬ ‫لتمويل عدد من امل�شاريع بتكلفة ‪ 642‬مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ 25‬اختتم���ت اللجن���ة التح�ضريي���ة امل�شرتك���ة ملجل�س التن�سي���ق اليمني‪-‬‬ ‫ال�سع���ودي اجتماعاته���ا يف العا�صمة ال�سعودية الريا����ض برئا�سة املهند�س‬ ‫ه�شام �شرف نائب وزارة التخطيط والتعاون الدويل رئي�س اجلانب اليمني‬ ‫والقائ���م ب�أعمال اللجنة اخلا�صة مبجل�س الوزراء ال�سعودي رئي�س اجلانب‬ ‫ال�سعودي حممد بن ابراهيم احلديثي‪ .‬و�أجنزت اللجنة عدد ًا من اتفاقيات‬ ‫ومذك���رات التع���اون الت���ي �سيتم رفعها لالجتم���اع املقبل ملجل����س التن�سيق‬ ‫اليمن���ي‪ -‬ال�سعودي برئا�سة دولة رئي�س الوزراء الدكتور علي حممد جمور‬ ‫والأم�ي�ر �سلطان بن عبد العزيز �آل �سع���ود‪ ،‬ويل العهد نائب رئي�س جمل�س‬ ‫الوزراء وزير الدف���اع والطريان واملفت�ش العام باململكة العربية ال�سعودية‪،‬‬ ‫وذلك للتوقيع عليها يف �شكلها النهائي‪.‬‬ ‫‪ 25‬الرئي����س عل���ي عب���داهلل �صال���ح ي�ستقبل �أنات���ويل �سافون���وف املمثل‬ ‫اخلا����ص لرئي����س رو�سي���ا االحتادية يف جم���ال التعاون ال���دويل ومكافحة‬ ‫الإره���اب واجلرمية املنظم���ة‪ ،‬والذي نقل له ر�سالة م���ن الرئي�س دميرتي‬ ‫ميدفيديف رئي����س رو�سيا االحتادية‪ ،‬تتعلق بالعالق���ات الثنائية وجماالت‬ ‫التع���اون امل�ش�ت�رك و�سب���ل تعزيزه���ا وتطويره���ا وعلى خمتل���ف الأ�صعدة‬ ‫ال�سيا�سي���ة واالقت�صادية والثقافية والأمنية والع�سكرية ومكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صنة‪.‬‬ ‫‪ 26‬ت�سل���م وزي���ر الثقافة الدكت���ور حمم���د املفلحي يف مدين���ة القريوان‬ ‫التون�سية م�شعل العوا�صم الإ�سالمية متهيد ًا لإعالن مدينة ترمي مبحافظة‬ ‫ح�ضرم���وت عا�صم���ة للثقافة الإ�سالمي���ة لعام ‪ .2010‬ج���اء ذلك يف ختام‬ ‫احتفاالت الق�ي�روان عا�صمة للثقاف���ة الإ�سالمية للع���ام ‪ 2009‬التي جرت‬ ‫بح�ض���ور الرئي����س التون�سي زين العابدين بن عل���ي واملدير العام للمنظمة‬

‫‪ 27‬ا�ستقبل العاهل ال�سعودي عبداهلل بن عبدالعزيز يف ق�صره بالريا�ض‪،‬‬ ‫رئي�س جمل����س الوزراء الدكتور علي حممد جم���ور‪ ،‬وجرى يف اللقاء بحث‬ ‫العالق���ات الثنائية وجماالت التعاون امل�شرتك بني البلدين و�آفاق تعزيزها‬ ‫يف جميع املجاالت‪.‬‬ ‫‪ 27‬عق���دت بالعا�صم���ة ال�سعودي���ة الريا����ض‪ ،‬اجتماعات ال���دورة الـ ‪19‬‬

‫ملجل����س التن�سي���ق اليمن���ي – ال�سع���ودي‪ ،‬برئا�س���ة رئي�س جمل����س الوزراء‬ ‫الدكتور علي حممد جمور‪ ،‬والأمري �سلطان بن عبدالعزيز ويل العهد نائب‬ ‫رئي�س جمل�س الوزراء وزير الدفاع والطريان املفت�ش العام باململكة العربية‬ ‫ال�سعودي���ة‪ .‬ويف ختام االجتماع���ات مت التوقيع على ت�سع وثائق للتعاون بني‬ ‫البلدي���ن منها �أربع اتفاقيات متويل مل�شاريع خدمية و�إمنائية يف اليمن من‬ ‫قب���ل اململكة‪ ،‬مببلغ �إجمايل وقدره مائة و�أربعة ع�شر مليون وثمامنائة �ألف‬ ‫دوالر‪.‬‬ ‫‪ 28‬بح���ث وزي���ر الداخلي���ة مطه���ر امل�ص���ري م���ع الأمري ناي���ف بن عبد‬ ‫العزي���ز النائب الث���اين لرئي����س جمل�س ال���وزراء وزير الداخلي���ة باململكة‬ ‫العربية ال�سعودي���ة يف الريا�ض جماالت التعاون الأمني بني البلدين و�سبل‬ ‫تعزيزها‪.‬‬ ‫‪ 28‬اختتم���ت مبق���ر الأمانة العامة ملجل�س التعاون ل���دول اخلليج العربية‬ ‫بالريا����ض اجتماعات فريق العمل امل�شرتك ب�ي�ن اليمن واملانحني لتحديد‬ ‫االحتياجات التنموية لليمن‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪61‬‬


‫اليمن والعامل‬ ‫حتليالت‬

‫فـي ‪ 60‬يومـا‬

‫وجهات نظر‬

‫عني على اليمن‬

‫حتليالت ووجهات نظر عربية وعاملية*‬

‫ً‬ ‫طويال‬ ‫اليمن لن ي�ستطيع االنتظار‬ ‫مانويل �أمليدا‬ ‫جملة «املجلة» اللندنية‬ ‫‪� 26‬آذار‪/‬مار�س ‪2010‬‬

‫بد�أت املفاو�ضات الرامية �إىل ان�ضمام اليمن‬ ‫ل���دول جمل����س التع���اون اخلليجي من���ذ عدة‬ ‫�سن���وات‪ .‬لكن بعد عام ‪ ،2008‬تولّد �شعور ب�أن‬ ‫�إيقاع هذه العملية �أ�صبح �أكرث بطئاً‪ .‬وامل�شكلة‬ ‫هي �أن اليمن لي�س لديه القدرة على االنتظار‬ ‫ملدة �ستة �أعوام على �أقل تقدير كي ين�ضم �إىل‬ ‫املجل�س‪ .‬والأف�ضل �أن ين�ضم اليمن �إىل جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي على مراحل وب�شروط‪ ،‬على‬ ‫طريقة ما فعله االحتاد الأوروبي مع املر�شحني‬ ‫لع�ضوية االحتاد والذين حتيط بهم م�شكالت‬ ‫حتول دون ان�ضمامهم‪.‬‬ ‫على م���دار الع���ام املا�ض���ي‪ ،‬ا�ستح���وذ اليمن‬ ‫على �أنظار منطق���ة اخلليج ودول الغرب على‬ ‫ال�سواء‪ .‬ويف ظل اجل���دل الدائر حول �أ�سباب‬ ‫تده���ور ه���ذه الدولة التي تقع جن���وب اخلليج‬ ‫العرب���ي له���ذه الدرج���ة‪ ،‬ثمة �أم���ران يبدو �أن‬ ‫هن���اك �شبه �إجم���اع عليهما‪ .‬الأم���ر الأول هو‬ ‫�أن ج���ذور امل�شكل���ة اليمنية تكم���ن يف الو�ضع‬ ‫االقت�ص���ادي املرتدي للبالد‪ .‬وم���ن املعلوم �أن‬ ‫اليم���ن يواج���ه ث�ل�اث عمليات مت���رد وت�شمل‬ ‫احلوثيني يف ال�شمال‪ ،‬وحركة االنف�صاليني يف‬ ‫اجلنوب‪ ،‬والقبائ���ل ال�شرقية التي ت�ؤوي حالي ًا‬ ‫‪62‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫عنا�ص���ر القاعدة الذي���ن ع���ادوا �إىل اليمن‪.‬‬ ‫وجميع ه���ذه العمليات ترتب���ط بف�شل حكومة‬ ‫�صنع���اء يف حتقي���ق الرفاهي���ة االقت�صادي���ة‬ ‫واالجتماعية‪� .‬أم���ا الأمر الثاين‪ ،‬ف�إنه �أ�ضحى‬ ‫م���ن امل�سلّم به على نط���اق وا�سع حتى من ِقبَل‬ ‫احلكومة اليمني���ة نف�سها؛ فكرة �أن البالد لن‬ ‫تخرج من هذا امل�ستنقع دون دعم خارجي‪.‬‬ ‫ودول اخللي���ج بوج���ه ع���ام‪ ،‬واململك���ة العربية‬ ‫ال�سعودي���ة عل���ى وج���ه اخل�صو����ص‪� ،‬أدرك���ت‬ ‫جميع��� ًا منذ وق���ت طوي���ل؛ �ض���رورة مواجهة‬ ‫االنهي���ار االقت�ص���ادي يف اليمن‪ ،‬كم���ا ات�ضح‬ ‫ذل���ك جلي ًا يف مالي�ي�ن ال���دوالرات الأمريكية‬ ‫التي مت تقدميها كدعم حلكومة علي عبد اهلل‬ ‫�صال���ح‪ .‬وبالفعل متت املوافق���ة على ان�ضمام‬ ‫اليم���ن للعديد من م�ؤ�س�س���ات وهيئات جمل�س‬ ‫التعاون اخلليجي‪ .‬بيد �أنه منا �شعور منذ عام‬ ‫‪ ،2008‬ب�أن العملية تواج���ه نوع ًا من الت�أجيل‪،‬‬ ‫والذي يق���ف وراءه يف الأ�سا�س تدهور الو�ضع‬ ‫الأمن���ي يف الب�ل�اد‪ .‬وتوقي���ت ه���ذا االن�ضمام‬ ‫ميثل الق�ضية املحورية الآن ب�ش�أن دخول اليمن‬ ‫حظرية جمل�س التعاون اخلليجي‪ .‬فهذا البلد‬ ‫ق���د ال يكون ق���ادر ًا عل���ى االنتظ���ار حتى عام‬

‫‪� 2016‬أو ‪ - 2017‬وه���و التاريخ الذي مت طرحه‬ ‫– كي ين�ضم لدول جمل�س التعاون‪.‬‬ ‫وبالرغ���م من �ض���رورة ان�ضم���ام اليمن كع�ضو‬ ‫يف دول جمل����س التع���اون اخلليج���ي على املدى‬ ‫الق�صري‪ ،‬ف�إن �أع�ضاء جمل�س التعاون اخلليجي‬ ‫يخ�شون‪ ،‬ب�شكل طبيع���ي‪ ،‬من التعداد ال�سكاين‬ ‫الهائ���ل لليم���ن‪ ،‬والذي ي�ص���ل �إىل حوايل ‪23‬‬ ‫ملي���ون ن�سمة‪� ،‬أغلبهم من ال�شب���اب والفقراء‪.‬‬ ‫كم���ا قد تكون هن���اك بع�ض التحفظ���ات ب�ش�أن‬ ‫النظ���ام ال�سيا�سي املختلف يف اليمن‪ .‬ووفق ًا ملا‬ ‫ذكره الدكتور جوزيف �إيه كي�شي�شيان‪ ،‬اخلبري‬ ‫يف ال�ش�ؤون اخلليجية‪ ،‬ف�إن «ال�س�ؤال الذي يواجه‬ ‫دول جمل�س التع���اون اخلليجي‪ ،‬هو ما �إذا كان‬ ‫ان�ضمام اليمن �سيعمل على خدمة بقية الدول‬ ‫الأع�ض���اء‪� ،‬أم �سيج���ر املنطق���ة ب�أكمله���ا �إىل‬ ‫�أ�سف���ل»‪ .‬وقد يت�ساءل البع�ض‪ ،‬وهم حمِ قّون يف‬ ‫ذلك‪ ،‬عن الدور الذي قد يلعبه اليمن‪ ،‬الفقري‬ ‫وال���ذي يعاين م���ن ال�صراع���ات الداخلية‪ ،‬يف‬ ‫خدمة دول اخلليج الأكرث ثرا ًء وا�ستقراراً؟ �إال‬ ‫�أن ال�س����ؤال احلقيقي ال���ذي ينبغي طرحة هو؛‬ ‫كيف ي�ش���كل االنهيار املحتمل للنظام يف اليمن‬ ‫تهديد ًا لدول جمل�س التعاون اخلليجي؟‬ ‫ولن�أخ���ذ عل���ى �سبي���ل املث���ال من���وذج االحتاد‬ ‫الأوروبي‪ ،‬حيث كان االحتاد قا�صر ًا يف البداية‬ ‫على الدول امل�ستق���رة �سيا�سي ًا واقت�صادي ًا مثل‬ ‫جمهوري���ة الت�شي���ك و�سلوفاكي���ا ومالط���ة‪� .‬أما‬ ‫الي���وم‪ ،‬ف�إن ال���دول التي متزقه���ا ال�صراعات‬ ‫مثل كرواتي���ا والبو�سنة والهر�سك قد �أ�صبحت‬ ‫مر�شح���ة ب�ش���كل ر�سم���ي لالن�ضم���ام‪ .‬فوفق��� ًا‬ ‫* التحليالت الواردة تعرب عن �آراء كتابها فقط‪.‬‬

‫لإ�سرتاتيجي���ة االحت���اد الأوروب���ي‪ ،‬التي تعتمد‬ ‫ب�ش���كل �أ�سا�س���ي عل���ى �سيا�س���ة االن�ضم���ام‬ ‫امل�ش���روط‪ ،‬ينبغ���ي على املر�شح�ي�ن لالن�ضمام‬ ‫�أن ي�ستوف���وا �أو ًال �شروط «معاي�ي�ر كوبنهاجن»‬ ‫قبل �أن يُ�سمح له���م باالن�ضمام‪ .‬وتت�ضمن هذه‬ ‫ال�ش���روط وج���ود نظ���ام دميقراط���ي م�ستقر‪،‬‬ ‫واحرتام حلق���وق الإن�س���ان و�سي���ادة القانون‪،‬‬ ‫ووجود اقت�صاد �سوق فاعل‪ ،‬يف الدول املر�شحة‬ ‫لالن�ضم���ام‪ .‬والأه���م م���ن ذل���ك‪� ،‬أن ا�ستقرار‬ ‫ورخ���اء معظ���م دول الق���ارة الأوروبي���ة‪ ،‬ولي�س‬ ‫فقط �أع�ضاء االحتاد الأوروبي‪ ،‬يعتمد �إىل حد‬ ‫كبري على الدور ال���ذي لعبه االحتاد الأوروبي‪،‬‬ ‫من خالل �سماحه بان�ضمام �أع�ضاء جدد �إليه‪،‬‬ ‫ومن خالل ا�ستقرار م���ا ي�سمى بجوار االحتاد‬ ‫الأوروبي‪ ،‬ال�سيما يف منطقة البلقان‪.‬‬

‫وبو�ض����ع �أوج����ه ال�شب����ه جانباً‪ ،‬يت�ض����ح �أن هناك‬ ‫اختالف����ات �ضخمة بني احتم����ال ان�ضمام اليمن‬ ‫ملجل�����س التع����اون اخلليج����ي وبني حال����ة االحتاد‬ ‫الأوروب����ي‪ ،‬ويتمث����ل �أح����د تل����ك االختالف����ات يف‬ ‫حقيق����ة؛ �أن اليم����ن ال ميك����ن �أن يتحم����ل عملية‬ ‫طويلة وبطيئ����ة ت�ستمر عقود ًا �أو �أكرث لالن�ضمام‬ ‫ملجل�س التعاون اخلليجي مثل تلك التي �شهدتها‬ ‫م�س�أل����ة ان�ضمام تركيا لالحت����اد الأوروبي‪ ،‬فمن‬ ‫املرجح �أن تنفد احتياطيات اليمن النفطية قبل‬ ‫��ل�ا و�سط ًا بني‬ ‫م����رور تلك الف��ت�رة‪ ،‬لكن هناك ح ً‬ ‫عدم االن�ضم����ام ملجل�س التعاون وب��ي�ن الع�ضوية‬ ‫الكامل����ة في����ه‪ ،‬فبالع����ودة �إىل حال����ة االحت����اد‬ ‫الأوروبي‪ ،‬يت�ضح �أن الأع�ضاء اجلدد ال ين�ضمون‬ ‫�إىل منطق����ة ال�شينجن �أو منطق����ة اليورو ب�شكل‬ ‫مبا�شر �إذا كان����وا غري م�ستعدين لذلك‪ ،‬وبنف�س‬

‫العمالة اليمنية ‪ ..‬رهان يف اخلليج‬ ‫�أحمد عبد امللك‬ ‫�صحيفة «االحتاد» الإماراتية‬ ‫‪ 22‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪2010‬‬

‫يف الوق����ت الذي الت�����أم فيه م�ؤمت����ر «العمالة‬ ‫اليمني����ة ومتطلبات �سوق العم����ل اخلليجي»‪،‬‬ ‫ال����ذي نظم����ه مرك����ز �سب�����أ للدرا�س����ات‬ ‫اال�سرتاتيجي����ة يف العا�صم����ة اليمنية �صنعاء‬ ‫م�ؤخ����راً؛ كان الرئي�����س اليمن����ي يحا�ض����ر يف‬ ‫كلية ال�شرطة عن الأو�ضاع العامة يف اليمن‪.‬‬ ‫ومم����ا قال����ه‪�« :‬أيه����ا الوحدوي����ون يف الق����رى‬ ‫واملحافظ����ات‪ ..‬اح����ذروا دع����اة االنف�ص����ال‪،‬‬ ‫لقد رفعوا ال�شعارات ع����دة �أ�شهر عندما كنا‬ ‫م�شغول��ي�ن يف �صعدة‪ ،‬ه�����ؤالء «الفئران» خونة‬ ‫الوح����دة! �أين هم الآن؟ ه����م يف النم�سا عند‬

‫�أ�سياده����م الذي����ن ترعرع����وا يف �أح�ضانه����م‬ ‫وربوهم على العمالة واال�ستخبارات»‪.‬‬ ‫و�أ�ض����اف‪« :‬الوح����دة لي�س����ت بالق����وة‪ ،‬ولك����ن‬ ‫بالوعي‪ ،‬الذين يرفعون �شعار اجلنوب العربي‬ ‫عار عليك����م ترفعونه‪ ،‬جت����ردون اليمنيني يف‬ ‫�أبني ويف حلج ويف �شبوة وغريها‪ ،‬جتردونهم‬ ‫من مينيتهم وتقولون لهم جنوب عربي‪ ،‬عار‬ ‫عليك����م يا عم��ل�اء‪� ،‬أ�ستطي����ع �أن �أقول عليهم‬ ‫عمالء وخون����ة»‪ .‬وهذا ي�شري �إىل مدى �أهمية‬ ‫م����ا يجري عل����ى ال�ساح����ة اليمني����ة الداخلية‬

‫الطريق����ة ميك����ن عر�����ض االندم����اج امل�ش����روط‬ ‫واملرحلي يف جمل�س التعاون على اليمن‪.‬‬ ‫وبالت����ايل‪ ،‬م����اذا تك����ون الأولوي����ة بالن�سبة لدول‬ ‫جمل�س التعاون اخلليجي فيما يتعلق باليمن؟ هل‬ ‫يكون حتقيق اال�ستقرار يف الو�ضع الأمني �أوالً‪� ،‬أم‬ ‫يتم توجيه اجلهود لإعادة الهيكلة االقت�صادية؟‬ ‫�إن الإجابة يجب �أن ت�شمل كال الأمرين‪ ،‬فالو�ضع‬ ‫الأمن����ي يف اليم����ن ل����ن ي�شه����د �أي تق����دم كب��ي�ر‬ ‫حتى يت����م التعامل مع امل�ص����ادر احلقيقية لعدم‬ ‫اال�ستقرار‪ ،‬خا�صة الفق����ر والبطالة‪ ،‬ويف الوقت‬ ‫ذات����ه هناك حاجة �إىل مناخ �أكرث ا�ستقرار ًا ملنع‬ ‫انهي����ار اليم����ن‪ ،‬وهو املن����اخ الذي كان����ت الهدنة‬ ‫الت����ي مت االتف����اق عليها يف وق����ت �سابق من هذا‬ ‫العام ب��ي�ن احلوثيني واحلكوم����ة اليمنية‪ ،‬بداية‬ ‫مهمة لعملية حتقيقه‪.‬‬

‫بخالف ما يج����ري يف �صعدة �أو على احلدود‬ ‫مع ال�سعودية‪.‬‬ ‫ويف ذات الوق����ت كان����ت نخبة م����ن املفكرين‬ ‫اليمني��ي�ن ونظرائهم اخلليجي��ي�ن يبحثون يف‬ ‫�أوراق عم����ل ر�صينة تناول����ت مو�ضوع العمالة‬ ‫اليمني����ة و�آف����اق ا�ستيعابه����ا يف دول جمل�����س‬ ‫التع����اون اخلليج����ي‪ .‬كان احل����وار �صادق���� ًا‬ ‫و�شفاف����اً‪ ،‬عل����ى الرغم م����ن �أن امل�ؤمت����ر �أتاح‬ ‫الفر�صة للإخوة اليمني��ي�ن للتعبري عن حالة‬ ‫العمالة اليمنية يف بع�ض دول جمل�س التعاون‬ ‫م����ن حي����ث املعامل����ة وال�سكن‪ .‬فق����د طرحت‬ ‫ع����دة �أوراق عم����ل مهم����ة تناول����ت املو�ض����وع‬ ‫مثل‪ :‬العالق����ات الثقافية بني اليمن واخلليج‬ ‫يف الع�ص����ر احلديث‪ .‬وواق����ع العمالة اليمنية‬ ‫ودوره����ا يف اال�ستقرار الأمن����ي لدول جمل�س‬ ‫التع����اون‪ .‬والت�أث��ي�ر الدميوغ����رايف للعمال����ة‬ ‫الآ�سيوي����ة عل����ى الرتكيبة ال�سكاني����ة للخليج‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪63‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫وجماالت العم����ل املتاحة يف ال�سوق اخلليجي‬ ‫واملعاجل����ات املتخذة من دول جمل�س التعاون‬ ‫للحد من العمالة الآ�سيوية والبدائل املقرتحة‪.‬‬ ‫ثم الآثار الإيجابية املتبادلة الن�ضمام اليمن‬ ‫�إىل عدد من مكاتب جمل�س التعاون‪ .‬و�أخري ًا‬ ‫اجله����د الر�سم����ي لت�أهي����ل العمال����ة اليمنية‪.‬‬ ‫وواق����ع واجتاهات الق����وى العامل����ة يف اليمن‬ ‫وفر�ص ا�ستيعابها يف دول جمل�س التعاون‪.‬‬ ‫هن����ا �سجلن����ا بع�����ض االجتاهات الت����ي نراها‬ ‫جدي����رة باملناق�ش����ة‪ .‬وكان ر�أينا فيم����ا يتعلق‬ ‫مبعامل����ة العمال����ة اليمني����ة يف دول اخللي����ج؛‬ ‫�أن تل����ك �صورة منطية تاريخي����ة قد لوحظت‬ ‫يف ب�ضع دول اخللي����ج وال يجوز تعميمها على‬ ‫جميع ال����دول! فالعمالة اليمنية لها تقديرها‬ ‫واحرتامه����ا يف املنطقة‪ ،‬كما �أنها �ساهمت يف‬ ‫عمليات التنمي����ة منذ ال�سبعيني����ات‪ ،‬ولي�ست‬ ‫لديها م�ش����اكل‪ .‬ناهيك ع����ن �سهولة تعاي�شها‬ ‫وانتمائه����ا للأر�ض‪ .‬كما �أ�شرن����ا �إىل �أن دول‬ ‫املجل�����س قام����ت بتحدي����ث قوانينها بع����د �أن‬ ‫وقع����ت على املواثيق الدولية اخلا�صة بحماية‬ ‫العمالة وتوفري �أف�ضل الظروف لها‪ .‬و�أن�ش�أت‬ ‫بع�ض هذه ال����دول مكات����ب و�إدارات ل�صيانة‬ ‫حقوق العمال‪.‬‬ ‫وكان ر�أين����ا �أن مو�ض����وع ا�ستق����دام العمال����ة‬ ‫اليمنية لدول جمل�س التع����اون (هنالك �أكرث‬ ‫م����ن ‪ 4‬مالي��ي�ن عام����ل جاهزي����ن للعم����ل يف‬ ‫اخلليج) ق����رار �سيا�س����ي يف الدرجة الأوىل‪،‬‬ ‫كما �أنه قرار �سيادي ال تتدخل فيه العاطفة‪.‬‬ ‫وهنال����ك اتفاقي����ات وقعه����ا اليمن م����ع بع�ض‬ ‫دول اخللي����ج حت����دد �أط����ر وكيفي����ة ا�ستيعاب‬ ‫تلك العمال����ة‪ .‬كما �أننا نرى �أن دخول الإخوة‬ ‫اليمني��ي�ن �س����وق العم����ل �سي�ساه����م حتم ًا يف‬ ‫تعديل خلل الرتكيبة ال�سكانية‪ ،‬ولكن مع هذا‬ ‫ف�����إن دول املجل�����س له����ا ح�ساباته����ا من حيث‬ ‫تنامي التط����رف ‪ -‬يف ظل وج����ود «القاعدة»‬ ‫يف اليمن‪ -‬وكذلك الإحباط الذي يعاين منه‬ ‫‪64‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫كث��ي�ر من �أبن����اء اليمن العاطل��ي�ن عن العمل‬ ‫نتيجة واقع احلال‪ ،‬والذي �أ�شارت �إليه �أوراق‬ ‫العمل التي �أعدها مفكرون مينيون مثل‪� :‬سوء‬ ‫الإدارة‪ ،‬والف�س����اد‪ ،‬واحلظ����وة‪ ،‬وح����ال �أبناء‬ ‫اجلن����وب‪ ،‬والو�ض����ع االقت�ص����ادي املتده����ور‪،‬‬ ‫والأمي����ة‪ ،‬ووق����ف امل�ساع����دات اخلارجي����ة‪،‬‬ ‫واخلط����ف‪ ،‬وتهري����ب الأ�سلح����ة واملخدرات‪،‬‬ ‫و�أخري ًا احلرب مع احلوثيني‪ .‬وكل ذلك ي�ؤثر‬ ‫عل����ى ا�ستق����رار اليم����ن وي�ؤجل قبول����ه ع�ضو ًا‬ ‫كام ًال يف دول جمل�س التعاون‪.‬‬ ‫وكان ال����ر�أي �أن يت����م ت�أهيل اليم����ن �أوالً! و�أن‬ ‫هذا ل����ن ي�أتي عرب امل�ساع����دات املالية فقط‪،‬‬ ‫ب����ل ي�أت����ي ع��ب�ر امل�صاحل����ة الوطني����ة‪ ،‬وح����ل‬ ‫امل�شكالت العالقة بني �أبن����اء ال�شعب الواحد‬ ‫حال����ة اجلن����وب واحلوثي��ي�ن‪ .‬والت�أهي����ل لن‬‫يت����م �إال بتغيري نه����ج الإدارة ون�سف الروتني!‬ ‫بل وقيام «ث����ورة» �شعبية على (القات) الذي‬ ‫يه����در ما ب��ي�ن ‪� 8-5‬ساع����ات يومي���� ًا من وقت‬ ‫املواطن اليمن����ي‪ .‬ولقد �أ�شار الرئي�س اليمني‬ ‫�إىل ه����ذه الق�ضي����ة يف حما�ضرت����ه املذك����ورة‬ ‫بالق����ول‪�« :‬أمتن����ى �أن ه�ؤالء ال�شب����اب عندما‬ ‫يخرج����ون ي����وم اخلمي�����س واجلمع����ة �أال �أرى‬ ‫واح����د ًا منهم يخ����زّن! �أمتن����ى �أن هذا اجليل‬ ‫اجلديد ال����ذي تربى وترع����رع يف ظل الثورة‬ ‫واجلمهوري����ة والوح����دة يح����ارب (الق����ات)‬ ‫ويحافظ على �صحته»‪.‬‬ ‫وكان ال����ر�أي �أي�ض���� ًا �أال تك����ون امل�ساع����دات‬ ‫اخلليجي����ة والدولية لليمن م����ن (�أجل عيون‬ ‫�ص����د خطر «القاعدة» وح����ده)‪ ،‬بل �أي�ض ًا من‬ ‫�أجل عيون اليمنيني الأعزاء‪ ،‬لأن امل�ساعدات‬ ‫الظرفية غري امل�ؤ�س�سة تزول بزوال الظرف!‬ ‫ولق����د نقلنا للإخوة اليمني��ي�ن جتربة جمل�س‬ ‫التعاون مع الياب����ان عندما طلب اخلليجيون‬ ‫عام ‪ 1997‬من اليابان �إقامة م�صانع �ضخمة‬ ‫ملنتجاته����ا يف دول املجل�����س‪ ،‬وج����اء ال����رد‬ ‫الياباين حازم ًا ومبا�شراً‪« :‬ا�ضمنوا الأمن يف‬

‫منطقتك����م �أوال‪ ،‬ثم ت�أتيك����م امل�شاريع»! وتلك‬ ‫�إ�شارة وا�ضحة لأهمي����ة اال�ستقرار ال�سيا�سي‬ ‫والأمني‪ ،‬و�إ�شارة للحرب العراقية‪ -‬الإيرانية‬ ‫وغ����زو العراق للكويت وح����ال واقع احلال مع‬ ‫�إيران!‬ ‫كما �أو�ضح الإخوة اليمنيون �أن العمالة اليمنية‬ ‫�ست�ساه����م يف (عودة) الثقاف����ة العربية لأهل‬ ‫اخللي����ج بعد �أن �أ�ضعفته����ا الثقافة الآ�سيوية!‬ ‫وكان ردنا �أن الآ�سيويني يف الغالب ال يكونون‬ ‫م�ؤدجل��ي�ن بعك�س العمالة العربي����ة‪ ،‬والعمالة‬ ‫الآ�سيوي����ة مطواعة وتقبل ب�أية ظروف بعك�س‬ ‫العربي����ة! �أم����ا م����ن ناحي����ة ت�أث����ر جمتمعات‬ ‫اخلليج بالثقاف����ة الآ�سيوية؛ ف�إن ذلك يحدث‬ ‫يف نطاق حمدد ‪-‬اخل����دم وال�سائقني‪ -‬ولكن‬ ‫الطف����ل عندما يكرب ويدخ����ل املدر�سة ين�سى‬ ‫م����ا تلقاه من اخلادم����ة الآ�سيوية يف ال�صغر‪.‬‬ ‫ولذا ف��ل�ا خوف عل����ى الهوي����ة اخلليجية من‬ ‫العمالة الآ�سيوية العامة التي غالب ًا ما ت�سكن‬ ‫يف مناطق معزولة وال تتداخل مع املواطنني‪.‬‬ ‫ولك����ن يجب �أال ي�ؤخ����ذ هذا املوق����ف على �أنه‬ ‫موق����ف �سلبي جتاه العمالة اليمنية؛ بل ‪-‬كما‬ ‫�أ�شرن����ا‪ -‬فالعمالة اليمني����ة �سهلة و�سريعة يف‬ ‫التجاوب واالندماج!‬ ‫وكان ر�أين����ا �أن تن�ش�����أ معاهد ت�أهي����ل للعمالة‬ ‫املدرب����ة‪ ،‬الت����ي ميكنه����ا مناف�س����ة العمال����ة‬ ‫الآ�سيوي����ة ‪� -‬أو متتل����ك مقوم����ات العم����ل‬ ‫الأ�سا�سية‪ ،‬ولعل اللغة الإجنليزية من �شروط‬ ‫العمالة املتعلمة! وتلك املعاهد �ستخرج عما ًال‬ ‫مهرة يناف�س����ون العمالة الآ�سيوي����ة ويُر�ضون‬ ‫�صاحب العمل‪.‬‬ ‫�إن امل�ؤمت����ر املذك����ور �أ�ض����اء الطري����ق نح����و‬ ‫ا�ستيع����اب العمال����ة اليمني����ة يف دول جمل�����س‬ ‫التع����اون‪ ،‬وتبق����ى الأهمية يف �إي�ص����ال نتائج‬ ‫البح����وث �أو تو�صي����ات امل�ؤمت����ر �إىل �أ�صحاب‬ ‫الق����رار يف كل م����ن اليم����ن ودول جمل�����س‬ ‫التعاون‪.‬‬

‫ملاذا ميكن �أن ت�ؤدي م�ساعدة اليمن للواليات‬ ‫املتحدة يف مواجهة تنظيم القاعدة‪� ،‬إىل‬ ‫نتائج عك�سية؟‬ ‫�ســارة توبــل‬ ‫�صحيفة «كري�ستيان �ساين�س مونيتور» الأمريكية‬ ‫‪ 30‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪2010‬‬

‫�إن حماول���ة اغتيال ال�سف�ي�ر الربيطاين يف‬ ‫اليمن الأ�سب���وع (الأخري من �شهر ني�سان‪/‬‬ ‫�أبريل)‪� ،‬إىل جانب �شريط الفيديو املفرت�ض‬ ‫للطالب النيجريي‪ ،‬الذي كان يعتزم تفجري‬ ‫طائرة ليلة عيد ميالد امل�سيح‪ ،‬وهو يتدرب‬ ‫م���ع فرع «القاعدة» يف اليم���ن‪ ،‬لفتا االنتباه‬ ‫م���ن جدي���د �إىل احلاج���ة �إىل ا�سرتاتيجية‬ ‫قوية ملحاربة الإرهاب يف هذا البلد‪.‬‬ ‫ومعل���وم �أن الواليات املتح���دة رفعت ب�شكل‬ ‫وا�ضح من م�ساعدتها الع�سكرية لليمن بعد‬ ‫�أن تبنى تنظيم «القاعدة» يف جزيرة العرب‬ ‫امل�سئولية عن حماولة تفجري طائرة متجهة‬ ‫�إىل مدينة ديرتويت يوم عيد ميالد امل�سيح‪.‬‬ ‫كما قام���ت احلكومة اليمنية خالل الأ�شهر‬ ‫الأخرية با�سته���داف الع�شرات من �أع�ضاء‬ ‫«القاعدة «يف جزيرة الع���رب عرب التعاون‬ ‫والتن�سيق مع الواليات املتحدة يف كثري من‬ ‫الأحيان‪ ،‬لك���ن بع�ض اخلرباء يحذرون من‬ ‫�أن���ه ما مل يقم اليم���ن بتنويع مقاربته‪ ،‬وهو‬ ‫�أم���ر �أثبت جناحه يف ال�سعودية‪ ،‬ف�إن زيادة‬ ‫العملي���ات الع�سكري���ة �إ�ضاف���ة �إىل التعاون‬ ‫العلني م���ع �أمريكا‪ ،‬ميك���ن �أن ي�أتيا بنتائج‬ ‫عك�سي���ة يف نهاي���ة املط���اف‪ ،‬حي���ث يق���ول‬ ‫«جريج���وري جون�سون»‪ ،‬اخلبري يف ال�ش�ؤون‬ ‫اليمنية بجامعة برين�ست���ون يف نيوجر�سي‪:‬‬

‫«�إىل غاي���ة عي���د املي�ل�اد امل�سيح���ي‪ ،‬كانت‬ ‫«القاع���دة يف جزي���رة الع���رب» �أك�ث�ر ق���وة‬ ‫يف اليم���ن من �أي وقت �آخ���ر‪ ،‬ولكنها تلقت‬ ‫خ�ل�ال الأ�شهر القليل���ة املا�ضية �سل�سلة من‬ ‫ال�ضرب���ات‪ ...‬لك���ن �أي ًا من تل���ك ال�ضربات‬ ‫كانت من الن���وع املزعزع الذي يق�ضي على‬ ‫التنظيم لفرتة طويلة»‪.‬‬ ‫وترتك���ز اجلهود اليمني���ة ملحاربة الإرهاب‬ ‫عل���ى العملي���ات الع�سكري���ة الت���ي تق���وم‬ ‫به���ا «وح���دة حمارب���ة الإره���اب» اليمنية‪،‬‬ ‫مب�ساعدة �أمريكية وبريطانية ت�شمل التمويل‬ ‫والتدري���ب واملعلومات اال�ستخباراتية‪ .‬ففي‬ ‫فرباير املا�ضي‪� ،‬أذن وزير الدفاع الأمريكي‬ ‫بـ‪ 150‬مليون دوالر م���ن امل�ساعدات الأمنية‬ ‫لليم���ن ع���ن ال�سن���ة املالي���ة ‪ ،2010‬ما ميثل‬ ‫ارتفاع��� ًا مقارنة مع ‪ 67‬ملي���ون دوالر العام‬ ‫املا�ض���ي‪ .‬وح�س���ب م�سئول�ي�ن ا�ستجوبته���م‬ ‫وكالة «روي�ت�رز»‪ ،‬ف�إن ‪ 38‬ملي���ون دوالر من‬ ‫التمويل خم�ص�ص���ة لطائرة نقل ع�سكرية‪،‬‬ ‫يف ح�ي�ن �ستخ�ص����ص ‪ 34‬ملي���ون دوالر‬ ‫لـ«امل�ساع���دة التكتيكي���ة» لق���وات العمليات‬ ‫اخلا�صة اليمنية‪.‬‬ ‫وق���د �أُن�شئ���ت «وح���دة مكافح���ة الإرهاب»‬ ‫اليمني���ة يف ‪ ،2003‬وتتك���ون من ‪ 200‬جندي‬ ‫يعي�ش���ون يف ثكنة مبقر «القي���ادة املركزية»‬

‫يف �صنعاء ويتلقون ح�ص�ص ًا تدريبية خم�سة‬ ‫�أيام يف الأ�سبوع مبي���دان بدائي للتدريبات‬ ‫الع�سكري���ة‪ ،‬يق���ع على بع���د ثماني���ة �أميال‬ ‫من العا�صمة‪ .‬غ�ي�ر �أن العمل عن قرب مع‬ ‫الواليات املتح���دة ميثل عملية توازن �صعبة‬ ‫بالن�سبة للحكومة اليمنية‪ ،‬وميكن �أن تقوي‬ ‫موقف «القاعدة يف جزيرة العرب»‪.‬‬ ‫ويف هذا الإطار‪ ،‬يقول «جون�سون» من جامعة‬ ‫برين�ست���ون‪�« :‬إن القاع���دة ترغب يف تقدمي‬ ‫اليمن على �أنه مث���ل العراق و�أفغان�ستان‪...‬‬ ‫عل���ى �أن���ه حمتل م���ن قب���ل ق���وات �أجنبية‪،‬‬ ‫لأنه���ا بقيامه���ا بذل���ك‪ ،‬تفت���ح الب���اب على‬ ‫م�صراعي���ه �أمام جتنيد املقاتلني»‪ .‬وي�صف‬ ‫«جون�س���ون» ت�صريح���ات مل�سئول�ي�ن مينيني‬ ‫ت�شدد على �أنه ال وجود جلنود �أمريكيني يف‬ ‫اليمن‪ ،‬باعتباره���ا «نوع ًا من الت�صريحات‬ ‫املدرو�س���ة ليقولوا لليمنيني �إن ه�ؤالء لي�سوا‬ ‫جن���ود ًا‪ ،‬و�إمن���ا جم���رد م�ست�شاري���ن‪ -‬و�أن‬ ‫الواليات املتحدة ال حتتل اليمن» ‪.‬‬ ‫وق���د مت ت�سليط ال�ضوء عل���ى م�شكلة اليمن‬ ‫عندم���ا �أ�ضاف���ت الـ»�س���ي‪� .‬آي‪� .‬إي���ه» �إىل‬ ‫قائم���ة املطلوبني لديها املواط���نَ الأمريكي‬ ‫�أن���ور العولق���ي‪ ،‬وهو رج���ل دي���ن م�سلم له‬ ‫عالقة مبنفذ عملية �إطالق النار يف قاعدة‬ ‫«فورت ه���ود» الع�سكري���ة‪ ،‬وحماولة تفجري‬ ‫الطائ���رة املتوجه���ة �إىل ديرتوي���ت‪ ،‬و ُيعتقد‬ ‫الي���وم �أنه خمتبئ يف اليم���ن‪ .‬ويف البداية‪،‬‬ ‫ق���ال وزي���ر اخلارجي���ة �أبو بك���ر القربي �إن‬ ‫اليم���ن ينتظر �أدلة �أمريكي���ة على عالقات‬ ‫«العولق���ي» بالإره���اب قب���ل مالحقته‪ ،‬قبل‬ ‫�أن يع���دل ت�صريحه الحق��� ًا �إذ قال يف حوار‬ ‫�صحف���ي» مبكتب���ه‪�« :‬إن ال�سلط���ات اليمنية‬ ‫تنظ���ر �إليه (العولقي) على �أنه على عالقة‬ ‫م���ع القاع���دة؛ وبالت���ايل؛ ف�إن���ه مطل���وب‬ ‫للحكومة اليمنية من �أجل اعتقاله ومتابعته‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪65‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫ق�ضائي��� ًا»‪ .‬كما اعت�ب�ر �أن م�سئولية القب�ض‬ ‫على العولقي �صالحية داخلية م�ضيف ًا‪�« :‬إن‬ ‫التدخل اخلارجي �سيخل���ق بالطبع م�شاكل‬ ‫�سيا�سية للحكومة»‪.‬‬ ‫بي����د �أن دول����ة واح����دة جنح����ت يف التوفيق‬ ‫بني التع����اون العلن����ي مع الوالي����ات املتحدة‬ ‫وحمارب����ة «القاعدة»‪ ،‬ه����ي ال�سعودية‪ ،‬التي‬ ‫طبقت حملة داخلية ناجح����ة �ضد التنظيم‬ ‫يف ‪� .2003‬صحي����ح �أن الق����وات ال�سعودي����ة‬ ‫لديه����ا متوي����ل �أف�ض����ل وتتلق����ى تدريب����ات‬ ‫خارجي����ة منذ ال�سبعيني����ات‪ ،‬ولكن اخلرباء‬ ‫يقول����ون �إن ق����درة ال�سعودية عل����ى الق�ضاء‬ ‫عل����ى «القاع����دة» مرده����ا �إىل تبن����ي حزمة‬

‫من املب����ادرات املتنوعة‪ ،‬وهو �أمر مل يقم به‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫ويف هذا ال�سياق‪ ،‬يقول «توما�س هيجهامر»‪،‬‬ ‫الباحث مب�ؤ�س�س����ة بحوث الدفاع الرنويجية‬ ‫يف �أو�سل����و‪�« :‬إن الأم����ر يكم����ن يف حقيق����ة‬ ‫�أنهم قاموا ب�أ�شي����اء كثرية؛ وهذا التنوع هو‬ ‫بال�ضب����ط م����ا يف�س����ر جزئي ًا النج����اح الذي‬ ‫حقق����وه‪ ،‬ذل����ك �أنه����م مل يعولوا عل����ى القوة‬ ‫فق����ط»‪ .‬فق����د ا�ستعم����ل ال�سعوديون حمالت‬ ‫الربوباجندا‪ ،‬وقيدوا موارد املقاتلني املالية‪،‬‬ ‫وح����دوا م����ن قدرته����م على احل�ص����ول على‬ ‫الأ�سلحة‪ ،‬وعر�ضوا عليهم العفو لت�شجيعهم‬ ‫على التخلي عن القاعدة‪.‬‬

‫�إدمان اليمن َ‬ ‫اخل ِطر على القات‬ ‫مايكل هورتون‬ ‫تريوريزم مونيتور (مر�صد الإرهاب)‪ ،‬املجلد ‪ ،8‬العدد ‪15‬‬ ‫م�ؤ�س�سة«جيم�س تاون» البحثية الأمريكية‬ ‫‪ 17‬ني�سان‪�/‬أبريل ‪2010‬‬

‫يواجه اليمن الكث�ي�ر من امل�شاكل االجتماعية‬ ‫واالقت�صادي���ة والبيئي���ة املعق���دة واملتداخلة‪،‬‬ ‫وقد زاد م���ن تعقيد هذه التحدي���ات العديدة‬ ‫�إدمان ال�شعب اليمني على م�ضغ �أوراق �شجرة‬ ‫الق���ات‪ .‬فهناك ن�سب كبرية من فئات املجتمع‬ ‫واالقت�ص���اد يف اليمن تنتظ���م حول ا�ستهالك‬ ‫هذا املُن ِّبه و�إنتاجه‪.‬‬ ‫يتك���ون القات م���ن الأوراق والغ�صون الرقيقة‬ ‫ل�شج���رة “كاثا �إديول����س”‪ ،‬والتي حتتوي على‬ ‫مادتي الكاثين���ون والأمفيتام�ي�ن املن�شطتني‪.‬‬ ‫ويج���ب الب���دء يف ا�ستهالك الق���ات بعد مدة‬ ‫ق�صرية من قطفه‪ ،‬لأن م���ادة الكاثينون تبد�أ‬ ‫يف التحلل بعد م�ضي �أربع���ة وع�شرين �ساعة‪.‬‬ ‫و ُي�س ِّبب القات حالة من الن�شوة الن�سبية �أثناء‬ ‫م�ضغ���ه‪ ،‬وغالب ًا م���ا يعقب ذل���ك �أرق‪ .‬ويعترب‬ ‫القات خمدر ًا من الدرجة الأوىل‪ ،‬وهو ممنوع‬ ‫قانوني��� ًا يف الواليات املتحدة‪ .‬وت���زرع �أ�شجار‬ ‫‪66‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الق���ات وت�ستهل���ك يف كل م���ن كيني���ا و�أثيوبيا‬ ‫واليمن‪ .‬ومع �أن ال�صومال وجيبوتي هي �أي�ض ًا‬ ‫من البلدان امل�ست���وردة وامل�ستهلكة للقات‪� ،‬إال‬ ‫�أن اليمن تع���د امل�ستهلك ال�ص���ايف الأكرب له‪،‬‬ ‫حي���ث �أن �أك�ث�ر م���ن ‪ %70‬من الأ�س���ر اليمنية‬ ‫���اط واحد للقات‬ ‫حتت���وي‪ ،‬كما يقال‪ ،‬على متع ٍ‬ ‫على الأقل‪.‬‬ ‫وهناك الكثري من الأمناط والطقو�س املتكررة‬ ‫يومي��� ًا فيما يتعلق بظاهرة م�ضغ القات؛ فقبل‬ ‫الغ���داء – وال���ذي كلما مت تناول���ه مبكر ًا كان‬ ‫�أف�ض���ل ‪ -‬يتج���ه اليمنيون �إىل �أ�س���واق القات‬ ‫املنت�شرة يف البالد ل�ش���راء حزم القات‪ ،‬التي‬ ‫يرتاوح �سعره���ا من ثالث���ة �إىل �ستني دوالر ًا‪.‬‬ ‫وبع���د الغ���داء‪ ،‬يتجم���ع اليمني���ون (خا�ص���ة‬ ‫الرج���ال منه���م‪� ،‬أما الن�س���اء الالئي مي�ضغن‬ ‫الق���ات فن�سبته���ن �أق���ل بكثري م���ن الرجال)‬ ‫يف منازله���م‪ ،‬ويبدءون يف جل�س���ة القات التي‬

‫غري �أن املثري لال�ستغراب يف جناح املقاربة‬ ‫ال�سعودي����ة يكم����ن يف حقيق����ة �أن املقاتل��ي�ن‬ ‫ال�سعودي��ي�ن انتقلوا �إىل اليم����ن‪ .‬ففي يناير‬ ‫‪� ،2009‬أي بع����د �س����ت �سن����وات عل����ى تكثيف‬ ‫ال�سعوديني حلملتهم �ضد الإرهاب‪ ،‬حتالف‬ ‫الفرعان ال�سع����ودي واليمني للقاعدة حتت‬ ‫ا�سم جديد هو «القاعدة يف جزيرة العرب»‪،‬‬ ‫واتخذوا من اليمن موقع ًا لهم‪ .‬ومن جانبه‪،‬‬ ‫يق����ول هيجهام����ر‪« :‬يف اليم����ن ‪ ...‬مازال����ت‬ ‫القاع����دة تنف����ذ عملياتها بوت��ي�رة ع�شرات‬ ‫الهجم����ات يف ال�سنة‪ ،‬وهي م����ا زالت ن�شطة‬ ‫بخ�صو�ص �إنت����اج الربوباجندا؛ ولذلك ف�إن‬ ‫(لدى اليمن) طريق ًا طوي ًال ليقطعه»‪.‬‬

‫غالب ًا ما متتد لأكرث من �ست �ساعات‪.‬‬ ‫تغيرّ العادات‬ ‫يع���ود تقليد م�ض���غ القات يف اليم���ن �إىل ‪500‬‬ ‫�سنة عل���ى الأقل‪ .‬وهناك بع�ض ال�شك عما �إذا‬ ‫كان �أ�ص���ل �أ�شجار القات يع���ود �إىل �أثيوبيا �أم‬ ‫اليم���ن‪ .‬من الناحية التاريخية‪ ،‬كانت جل�سات‬ ‫الق���ات تت���م يف يوم واح���د يف الأ�سب���وع‪ ،‬وكان‬ ‫م�ض���غ الق���ات مقت�ص���ر ًا عل���ى الأ�س���ر الغنية‬ ‫وطبق���ات ال�سادة والق�ض���اة والنخبة املتعلمة‪.‬‬ ‫لك���ن هذا النمط من اال�ستهالك بد�أ يتغري مع‬ ‫تو�سع االقت�صاد اليمني يف ال�سبعينيات‪ .‬ومنذ‬ ‫تلك الفرتة حتى حرب اخلليج الأوىل‪ ،‬ا�ستفاد‬ ‫االقت�ص���اد اليمني من ماليني الدوالرات التي‬ ‫كانت جتنيها اليمن من احلواالت النقدية التي‬ ‫تر�سله���ا الأي���دي العاملة اليمني���ة يف اخلارج‪،‬‬ ‫خا�صة من ال�سعودية؛ ف�أدى االقت�صاد املتنامي‬ ‫�إىل انت�ش���ار م�ضغ القات ب�ي�ن طبقات املجتمع‬ ‫الدني���ا واملتو�سطة‪ ،‬وازدادت كث�ي�ر ًا ‪ -‬وب�شكل‬ ‫مث�ي�ر ‪ -‬رقعة الأرا�ضي التي تزرع فيها �أ�شجار‬ ‫القات‪ .‬لك���ن عندما قرر نظام احلكم احلايل‬ ‫بقيادة الرئي�س علي عبد اهلل �صالح عدم ت�أييد‬ ‫قوات التحالف التي قادتها الواليات املتحدة يف‬ ‫حرب اخلليج الأوىل‪ ،‬قام���ت ال�سعودية ب�إلغاء‬ ‫ت�أ�شريات العمال اليمنيني؛ الأمر الذي ت�سبب‬

‫بعودة ثمامنائة �ألف عامل ميني‪ .‬وبالرغم من‬ ‫خ�سارة �إيرادات احلواالت النقدية‪ ،‬والتدهور‬ ‫االقت�صادي الذي �أعقب ذلك منذ الت�سعينيات‬ ‫حتى يومنا هذا‪ ،‬ف�إن ا�ستهالك القات وزراعته‬ ‫ظال يف تزايد م�ستمر‪.‬‬ ‫�آثار القات االقت�صادية‬ ‫م���ن ال�صع���ب احل�ص���ول عل���ى �إح�صائي���ات‬ ‫اقت�صادي���ة دقيق���ة تتعل���ق بالق���ات‪ ،‬غ�ي�ر �أنه‬ ‫ُيع َتق���د �أن �إنت���اج القات وبيع���ه ي�شكالن ‪%25‬‬ ‫من االقت�صاد اليمن���ي‪� ،‬إذ �أن ‪ %20‬من حجم‬ ‫العمال���ة الوطنية مرتبط ب�إنتاج القات وبيعه‪.‬‬ ‫ويق���در �أح���د التقاري���ر ال�صادر م�ؤخ���ر ًا عن‬ ‫وزارة الزراع���ة اليمني���ة �أن اليمنيني ينفقون‬ ‫عل���ى الق���ات ‪ 1.2‬ملي���ار دوالر �سنوي��� ًا‪ .‬ومن���ذ‬ ‫مدة طويلة‪ ،‬ح���ل القات‪ ،‬باعتب���اره حم�صول‬ ‫�ُب�‪ ،‬الذي‬ ‫اليم���ن النق���دي الرئي�سي‪ ،‬حمل ال نُ‬ ‫تدهور �إنتاجه بثبات من���ذ ال�ستينيات («مين‬ ‫ت���ودي»‪ 21 ،‬ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر ‪.)2009‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪� ،‬أ�صبح���ت �أ�شج���ار القات‬ ‫تطغى على الأرا�ضي التي كانت تزرع ‪ -‬ب�شكل‬ ‫تقليدي ‪� -‬أن���واع احلبوب املقاوم���ة للجفاف‪.‬‬ ‫وتقدر وزارة الزراعة اليمنية �أن زراعة القات‬ ‫تتو�س���ع مبع���دل �أربع���ة �آالف �إىل �ست���ة �آالف‬ ‫هكتار �سنوي ًا‪ .‬وب�إمكان املزارعني اليمنيني �أن‬ ‫ينتجوا القات مبع���دل يبلغ خم�س مرات‪ ،‬وهو‬ ‫معدل يفوق ما يتم �إنتاجه من حبوب‪ .‬وتُنظم‬ ‫جت���ارة الق���ات م���ن قب���ل جمعي���ات‪ ،‬ت�شرتي‬ ‫الق���ات م���ن املزارعني وتق���وم بتوزيع���ه على‬ ‫�شبك���ة من التجار وال�سما�س���رة املنت�شرين يف‬ ‫كل �أرجاء البالد‪ .‬ونتيجة لذلك‪� ،‬أ�صبح الربح‬ ‫االقت�ص���ادي احلقيق���ي يقت�صر عل���ى قلة من‬ ‫النا�س؛ ممن ميتلكون امل���وارد املالية لت�سويق‬ ‫القات‪.‬‬ ‫وتفر����ض املحافظات يف اليم���ن �ضرائب على‬ ‫القات (‪� 26‬سبتمرب نت‪� 14 ،‬أيار‪/‬مايو)‪ ،‬حيث‬ ‫يتم جم���ع ال�ضرائب من التجار الذين ميرون‬

‫عرب نقاط التفتي�ش‪ ،‬وهم يف طريقهم بكميات‬ ‫الق���ات �إىل ال�س���وق‪ .‬وم���ن امل�ستحي���ل تقريب ًا‬ ‫احل�صول على �أرقام �إح�صائية عن ال�ضرائب‬ ‫املفرو�ضة‪ ،‬واملبالغ الت���ي يتم حت�صيلها‪ ،‬غري‬ ‫�أن بع����ض امل�ص���ادر احلكومي���ة تق���در املبل���غ‬ ‫ح�صل من ال�ضرائب يف �أنحاء البالد ب�أكرث‬ ‫املُ ّ‬ ‫م���ن ع�شري���ن ملي���ون دوالر؛ وتق���ول امل�صادر‬ ‫نف�سه���ا �أن ن�سب���ة مئوية قليلة فق���ط من هذه‬ ‫ال�ضرائ���ب تتج���ه �إىل ميزانية الدول���ة‪ ،‬بينما‬ ‫ح�صل م���ن ال�ضرائب‬ ‫يذهب معظ���م املبلغ املُ ّ‬ ‫�أدراج رياح الف�ساد املتف�شي‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل جت���ارة الق���ات امل�شروعة‪ ،‬هناك‬ ‫�سوق مربحة غري م�شروعة ت�صدر �أجود �أنواع‬ ‫الق���ات �إىل امل�شرتي���ن يف العربي���ة ال�سعودية‪.‬‬ ‫ومع �أنه من غري امل�سموح بيع و�شراء القات يف‬ ‫ال�سعودية‪� ،‬إال �أن هناك طلب كبري على القات‬ ‫ال�شامي الغايل والف ّعال‪ ،‬الذي ينمو مبحافظة‬ ‫حجة اليمنية التي تقع على مقربة من احلدود‬ ‫ال�سعودي���ة (وكال���ة الأنب���اء اليمني���ة (�سب�أ)‪،‬‬ ‫‪� 20‬آذار‪/‬مار����س)‪ .‬وال ُتع���رف كمي���ة الأموال‬ ‫ح�صلة من جتارة القات عرب احلدود‪ ،‬لكن‬ ‫املُ ّ‬ ‫بع�ض امل�ص���ادر يف �صنعاء تق���در �أن عائدات‬ ‫القات املُه ّرب تتج���اوز ثالثني مليون دوالر يف‬ ‫ال�سنة‪.‬‬ ‫ال�ضغوط البيئية‬ ‫بالنظ���ر �إىل كون القات من الأ�شجار املقاومة‬ ‫للجف���اف �إىل حد ما‪ ،‬ف����إن حم�صولها يزداد‬ ‫�إىل ثالث���ة �أو �أربع���ة �أ�ضع���اف �إذا ما ّمت ر ّيها‪.‬‬ ‫ونتيج���ة لهذا‪ ،‬فقد ازداد عدد الآبار املحفورة‬ ‫ب�شكل كب�ي�ر يف املناط���ق املرتفع���ة‪ .‬ومن بني‬ ‫ح ��وايل ‪ 55.000‬بئر عاملة‪ ،‬ال متتلك الدولة �أو‬ ‫تق���وم بتنظيم �سوى ن�سب���ة قليلة جد ًا من هذا‬ ‫الع���دد‪ .‬وق���د �أدى ذلك‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال ع���ن ال�ضغط‬ ‫الناج���م عن مع���دل النمو ال�س���كاين املرتفع‪،‬‬ ‫�إىل معان���اة اليمن من نق�ص �شديد يف املوارد‬ ‫املائية («مين �أوبزيرفر»‪� 16 ،‬شباط‪/‬فرباير؛‬

‫«مي���ن بو�س���ت»‪ 28 ،‬حزيران‪/‬يوني���و ‪.)2009‬‬ ‫وطبق��� ًا لربنام���ج الأمم املتح���دة الإمنائ���ي‪،‬‬ ‫�سيتج���اوز ع���دد ال�س���كان يف اليم���ن �أربع�ي�ن‬ ‫ملي���ون بحلول عام ‪ .2025‬وم���ع �أن اليمن تعد‬ ‫من �أقل بلدان العامل وفرة يف املياه العذبة‪� ،‬إال‬ ‫�أن تقديرات وزارة الزراعة اليمنية ت�شري �إىل‬ ‫�أن ‪ %30‬م���ن املياه املتوفرة يف اليمن ُي�ستخدم‬ ‫ل���ري �أ�شجار القات‪ .‬وق��� ّدر م�صدر من داخل‬ ‫الهيئ���ة العامة للتنمية الريفي���ة �أن ن�سبة املياه‬ ‫امل�ستخدمة لري �أ�شجار القات �أعلى بكثري من‬ ‫التقديرات الر�سمية‪.‬‬ ‫وتزداد ح��� ّدة نق�ص املياه ب�ص���ورة خا�صة يف‬ ‫�صنعاء‪ ،‬حيث ت�شري تقدي���رات برنامج الأمم‬ ‫املتح���دة الإمنائ���ي �إىل �أن مع���دل ا�ستخ���راج‬ ‫حو����ض املي���اه اجلوفي���ة‪ ،‬الذي ي���زود �صنعاء‬ ‫باملياه‪ ،‬يزيد بن�سبة ‪ 2.5‬مرة على معدل تغذية‬ ‫احلو����ض باملياه‪ .‬كما تتوق���ع بع�ض الدرا�سات‬ ‫ّ‬ ‫�سيجف‬ ‫الت���ي �أجريت م�ؤخر ًا �أن هذا احلو�ض‬ ‫بحل���ول ع���ام ‪ .2017‬ونتيج���ة لنم���و املراك���ز‬ ‫احل�ضرية يف �صنعاء وتعز وب�صورة �أقل مدينة‬ ‫�إب‪ ،‬ي���زداد ال�ضغط عل���ى الأحزمة الزراعية‬ ‫املهمة الت���ي حتيط بهذه املدن الثالث‪ .‬وتقوم‬ ‫�ش���ركات نق���ل املي���اه اخلا�صة بالإغ���ارة على‬ ‫الآبار غري املنظمة الواقعة خارج املدن‪ ،‬حتى‬ ‫تتمكن م���ن توفري املياه لزبائنه���ا من �ساكني‬ ‫امل���دن‪ .‬ويف �صنعاء‪ ،‬ميتلك كل من���زل تقريب ًا‬ ‫بئر ًا خا�ص ًا به �أو خزان مياه‪ .‬وقد �أدى ال�ضغط‬ ‫الواق���ع على املناطق الريفي���ة املحيطة باملدن‬ ‫�إىل ن�شوب عدد من املواجهات العنيفة‪.‬‬ ‫امل�شاكل االجتماعية‬ ‫ت�شري التقاري���ر �إىل �أن متو�سط �إنفاق الأ�سرة‬ ‫اليمنية على القات يرتاوح بني ‪� %10‬إىل ‪%30‬‬ ‫من دخله���ا‪ .‬وه���ذا بالطبع ي�ش���كل م�شكلة يف‬ ‫�أي بل���د‪ ،‬لكن ت���زداد حدة امل�شكل���ة يف اليمن‬ ‫ب�ص���ورة خا�ص���ة نظ���ر ًا لأن الدخ���ل القوم���ي‬ ‫الإجمايل (للفرد) ال يتج���اوز ‪ 900‬دوالر ًا‪ .‬ويف‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪67‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫املجتمع���ات التقليدية كاملجتم���ع اليمني غالب ًا‬ ‫ما يت���وىل الرجال �إدارة دخ���ل الأ�سرة‪ ،‬ويويل‬ ‫الكثري منه���م �أهمية �أكرب ل�ش���راء القات بد ًال‬ ‫م���ن تلبية احتياجات الأ�سرة‪ ،‬وهو ما ي�ؤدي يف‬ ‫النهاية �إىل خالفات �أ�سرية كثرية‪.‬‬ ‫وت�ؤث���ر �سلب ًا ن�سبة الوق���ت التي ت�ضيع يف �شراء‬ ‫الق���ات وم�ضغه يف مع���دل الإنتاجية يف البلد‪.‬‬ ‫فف���ي ال�ستينيات من الق���رن املن�صرم‪ ،‬قدرت‬ ‫احلكوم���ة املارك�سية التي كان���ت حتكم اليمن‬ ‫اجلنوب���ي �آن���ذاك ب�أن �أك�ث�ر من �أربع���ة مليار‬ ‫�ساعة عمل ت�ضيع نتيجة لظاهرة م�ضغ القات‪.‬‬ ‫وم���ن الوا�ض���ح �أن هذا الرق���م يف ذلك الوقت‬ ‫كان عبارة عن دعاي���ة �أكرث منه حقيقة‪ ،‬لكنه‬ ‫قد ال يكون الآن �أمر ًا مبالغ ًا فيه‪.‬‬ ‫�أم���ا مدى ت�أثري الق���ات يف �صحة متعاطيه فهو‬ ‫مو�ضوع جدل‪ .‬ويتفق الكثري من اخلرباء حول‬ ‫حقيقة �أن القات ال ُي�سبب الإدمان من الناحية‬ ‫الف�سيولوجي���ة‪ ،‬لك���ن له ب���كل ت�أكي���د �أعرا�ض ًا‬ ‫جانبي���ة‪ ،‬منه���ا‪ :‬الأرق‪ ،‬وجن���ون االرتي���اب‪،‬‬ ‫وارتفاع �ضغط الدم‪ ،‬وله عالقة طفيفة ببع�ض‬ ‫�سرطان���ات الف���م‪ .‬وهن���اك قل���ق متنام���ي يف‬ ‫�أو�ساط الأطباء اليمنيني جتاه انت�شار ظاهرة‬ ‫م�ضغ الق���ات بني الأطف���ال‪� ،‬إذ �أنه �أ�صبح من‬ ‫غ�ي�ر الن���ادر �أن ت���رى �أوالد ًا يف �س���ن احلادية‬ ‫ع�شرة والثانية ع�شرة مي�ضغون القات‪ .‬ويعتقد‬ ‫بع�ض الأطباء �أن الآثار اجلانبية للقات تظهر‬ ‫ب�شكل �أو�ضح عند �صغار ال�سن‪.‬‬

‫تنظيم ظاهرة م�ضغ القات و�إنتاجه؟‬ ‫مل تب���ذل احلكوم���ة اليمنية �أي جه���دٍ حقيقي‬ ‫لل�سيطرة على ظاهرة ا�ستهالك القات‪� ،‬سوى‬ ‫بع����ض اجلهود ملنعه �أو احل���د منه يف �صفوف‬ ‫القوات امل�سلح���ة والأمن‪ .‬وعلي �أية حال‪ ،‬ف�إن‬ ‫ه���ذا اجلهد اقت�صر �إىل ح���د كبري على قوات‬ ‫نخبة معين���ة‪ .‬وقد قامت ع���دد من املنظمات‬ ‫الأهلية ب�إط�ل�اق حمالت �ضد الق���ات‪ ،‬لكنها‬ ‫مل تل���ق �س���وى جناح���ات حم���دودة‪� .‬إن عدم‬ ‫رغب���ة احلكوم���ة يف مواجه���ة ق�ضي���ة الق���ات‬ ‫ينبع م���ن حقيقة �أن القات ميث���ل جزء ًا مهم ًا‬ ‫م���ن االقت�صاد اليمني؛ ف�إذا م���ا �أ�صبح م�ضغ‬ ‫الق���ات ً‬ ‫عم�ل�ا غ�ي�ر قانوني��� ًا‪� ،‬أو حت���ى �إذا ما‬ ‫مت تنظيم���ه ب�ص���ورة كب�ي�رة‪ ،‬ف����إن االقت�صاد‬ ‫اليمن���ي ‪ّ -‬‬ ‫اله����ش يف الأ�ص���ل ‪� -‬سينهار‪ ،‬ولن‬ ‫تدوم ال�صدم���ة ق�صرية امل���دى‪ ،‬ورمبا يندلع‬ ‫مت���رد �شامل يف �أرج���اء الب�ل�اد‪ .‬فالكثري من‬ ‫القرى يف املرتفعات ‪ -‬التي هي موطن لبع�ض‬ ‫�أق���وى القبائل اليمني���ة ‪ -‬تعتمد �إىل حد كبري‬ ‫على املكا�سب العائدة م���ن بيع القات‪ ،‬وتعمل‬ ‫ه���ذه الق���رى واملجتمع���ات املحلي���ة كدويالت‬ ‫ومتتلك تر�سانات ع�سكرية كتلك التي متتلكها‬ ‫الدويالت‪.‬‬ ‫وكما يبدو ف�إن احلكومة لي�س لديها خطط على‬ ‫املدى الق�صري �أو الطويل ملواجهة اال�ستهالك‬ ‫والإنت���اج املتزايدي���ن للق���ات‪� .‬أم���ا الربنامج‬ ‫ال���ذي ُنفّذ م�ؤخر ًا للحد من تو�سع رقعة زراعة‬

‫ر�سالة من �صنعاء‪ :‬العالقة بني احلوكمة‬ ‫والأمن يف اليمن‬ ‫جيم�س م‪ .‬دور�سي‬ ‫جملة «فو ِرن �أفريز» الأمريكية‬ ‫‪� 16‬شباط‪/‬فرباير ‪2010‬‬

‫الفناء الداخلي ملقر املرور يف العا�صمة اليمنية‬ ‫�صنع����اء �أ�شبه ب�سوق يف اله����واء الطلق‪ ،‬حيث‬ ‫ت����رى يف ذلك الفناء املمتد �سائقني ي�ساومون‬ ‫‪68‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫رجا ًال يرتدون مالب�س ر�سمية‪ ،‬و�أيدي تتبادل‬ ‫النقود مقابل وثائق ت�سجيل لوحات ال�سيارات‬ ‫وتراخي�ص القي����ادة‪� .‬أما املبني����ان اللذان يف‬

‫�أ�شجار القات يف حمافظة ذمار‪ ،‬فلم ي�ؤ ِّد �إىل‬ ‫�أي تخفي�ض���ات قابلة للقيا����س يف �إنتاج القات‬ ‫(«مي���ن �أوبزيرفر»‪� 16 ،‬شباط‪/‬فرباير؛ «مين‬ ‫تامي���ز»‪� 5 ،‬آذار‪/‬مار�س)‪ .‬كم���ا �أن قلة هطول‬ ‫الأمطار ع���ام ‪ ،2009‬وارتف���اع تكاليف املياه‪،‬‬ ‫ق���د زادا من ارتفاع �أ�سعار القات‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�شج���ع املزارع�ي�ن عل���ى موا�صل���ة �إنتاجه‪ ،‬ويف‬ ‫ّ‬ ‫حاالت كثرية عل���ى تو�سيع رقعة الأرا�ضي التي‬ ‫تزرع القات‪.‬‬ ‫اخلامتة‬ ‫تواجه حكومة اليمن كم ًا وفري ًا من التحديات‬ ‫اخلطرية على املديني الق�صري والطويل‪ ،‬ومن‬ ‫غري املرج���ح �أنها �ستك���ون يف حلظة ما قادرة‬ ‫على معاجل���ة �إدمان البالد للقات‪ .‬كما يواجه‬ ‫نظام الرئي�س �صالح حالي ًا حركات انف�صالية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ف�ض�ل�ا ع���ن التهدي���د الدائ���م ال���ذي ي�شكل���ه‬ ‫املتطرفون الإ�سالمي���ون‪ .‬ونظر ًا لل�شعبية التي‬ ‫يحظى بها القات يف كل �أرجاء البالد‪ ،‬ف�إن �أي‬ ‫حماوالت لفر�ض �ضرائب عليه �أو ملنعه �ست�ؤدي‬ ‫�إىل املزيد م���ن امل�شكالت للنظ���ام‪ .‬ولكن من‬ ‫املحتمل �أن احلاجة �إىل الأمن الغذائي واملائي‬ ‫�ست�ؤدي �إىل اتخاذ بع����ض الإجراءات البطيئة‬ ‫واملتقطع���ة عل���ى امل�ست���وى املحل���ي ال�ستبدال‬ ‫القات باملحا�صيل الغذائية‪ ،‬غري �أنه من امل�ؤكد‬ ‫�أن الداف���ع وراء مثل تلك الإج���راءات �ستكون‬ ‫ال�ضرورة ولي�س ال�سلطات احلكومية‪.‬‬

‫تل����ك امل�ساح����ة فهما خم�ص�ص����ان لعمل �أكرث‬ ‫تعقيد ًا‪ ،‬ك�إ�ص����دار ال�شهادات التي ال ت�صرف‬ ‫�إال مبوافقة مدير عام املقر‪.‬‬ ‫ويف �أحد الأيام بعد الظهرية وقف رجل �أعمال‬ ‫ميني على �شرفة البيت املطلة على فناء مقر‬ ‫املرور‪ ،‬وقال يل‪“ :‬هذه هي امل�شكلة‪ .‬يجب �أن‬ ‫�أر�شي رجال ال�شرط����ة �أكرث من خم�س مرات‬ ‫لتحرير بالغ عن �سرقة �سيارتي‪ .‬كل �شخ�ص‬ ‫�ش�أنه �ش�أن نف�سه‪ ”.‬ثم انطلق م�سرع ًا باجتاه‬ ‫�أح����د كب����ار ال�ضب����اط ويف حقيبت����ه ق����ارورة‬ ‫وي�سكي ُمه ّربة‪.‬‬ ‫وتنت�ش����ر يف العا�صمة الكثري من هذه املواقف‬

‫امل�شابه����ة الت����ي تظهر غي����اب �سلط����ة الدولة‬ ‫و ُبنى ال�سلطة البديلة‪ .‬ففي �صباح �أحد الأيام‬ ‫زرت وزارة الداخلي����ة وحتدث����ت مع �أحد كبار‬ ‫ال�ضباط الع�سكريني‪ ،‬وكان م�شغو ًال على خط‬ ‫الهاتف حم����او ًال منع تفاقم ن����زاع على �أر�ض‬ ‫مبدينة عدن �أودى بحياة �شخ�صني من �أبناء‬ ‫عمومت����ه‪ ،‬و�أو�ض����ح يل �أن ق�ضي����ة النزاع على‬ ‫الأر�����ض ت�أخذ جمراها يف املحكمة �أما ق�ضية‬ ‫القتل����ى فه����ي م�س�أل����ة م��ت�روك حله����ا لطريف‬ ‫الن����زاع‪ .‬وق����د كان يح����اول �إقن����اع ال�شرط����ة‬ ‫مب�ص����ادرة الأ�سلحة التي متتلكه����ا الأ�سرتان‬ ‫املتعاديت����ان‪ ،‬والتو�صل �إىل اتفاق يتم مبوجبه‬ ‫تعوي�����ض �أ�سرته عن القتيل��ي�ن‪ .‬وخاطبني بني‬ ‫املكامل����ات الهاتفية الت����ي كان يجريها‪ ،‬قائ ًال‪:‬‬ ‫“هذا جنون”‪.‬‬ ‫ويف خ�ض����م مثل ه����ذا الو�ضع ال����ذي تتناف�س‬ ‫في����ه ال�سلط����ات ال�سيا�سية والقبلي����ة ويحاول‬ ‫امل�سئول����ون ا�ستخ����دام نف����وذ �سلطاته����م‬ ‫ال�شخ�صي����ة لدع����م دخله����م الزهي����د‪ ،‬تظهر‬ ‫اجلماع����ات “املتم�صلحة” لتملأ الفراغات‪،‬‬ ‫وحت����اول ا�ستغ��ل�ال الو�ضع ال����ذي ال ي�ستطيع‬ ‫يف ظل����ه الرئي�س علي عب����د اهلل �صالح فر�ض‬ ‫النظ����ام والقانون على بع�����ض املناطق �إال من‬ ‫خ��ل�ال �إناب����ة ق����ادة القبائل املوال��ي�ن للدولة‪.‬‬ ‫وتق����وم تل����ك اجلماع����ات ب�ش����راء والء بع�ض‬ ‫فئ����ات ال�شع����ب‪ ،‬وتتحك����م يف ال�صراع����ات‬ ‫ص����ب يف م�صاحله����ا‬ ‫الداخلي����ة املحلي����ة لت� ّ‬ ‫الآني����ة‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬يرددون حقيقة �أن‬ ‫القبائ����ل التي ت�سكن املناط����ق الغنية باملوارد‬ ‫ال حت�ص����ل عل����ى ن�صيبها م����ن الفوائ����د التي‬ ‫تعود على البالد م����ن خمزون الغاز والنفط‪.‬‬ ‫ويحاول فرع “القاعدة” الإقليمي ‪ -‬القاعدة‬ ‫يف �شبه جزيرة الع����رب ‪ -‬ك�سب ت�أييد النا�س‬ ‫من خ��ل�ال امل�ساعدة على حف����ر الآبار‪ ،‬ودفع‬ ‫تكالي����ف العناي����ة ال�صحي����ة للمحتاج��ي�ن من‬ ‫فئ����ات ال�شع����ب‪ .‬وامل�ستفي����د من تل����ك الهبات‬ ‫ال�سخي����ة الت����ي تقدمها التنظيم����ات هي عدد‬

‫من اجلماع����ات القبلية والدينية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫ومنه����ا‪ :‬تنظي����م القاع����دة يف �شب����ه جزي����رة‬ ‫العرب؛ واجلماع����ات ال�سلفي����ة املتزمتة غري‬ ‫امل�سي�س����ة‪ ،‬وه����ي اجلماع����ات الت����ي حت����اول‬ ‫االقتداء بخلفاء الر�سول الأوائل؛ واجلماعات‬ ‫الوهابية‪ ،‬وه����م �أن�صار املذه����ب الوهابي يف‬ ‫ال�سعودية؛ والقبائل املحلية‪.‬‬ ‫وال�ص����راع ‪ -‬ال����ذي تُر�س����خ املظ����امل املحلي����ة‬ ‫ج����ذوره ‪ -‬ال منا�����ص منه‪ ،‬وق����د �أ�شعل غياب‬ ‫الدول����ة املتما�سك����ة يف اليمن حرب���� ًا �ضرو�س ًا‬ ‫يف �شم����ال اليمن بني احلوثي��ي�ن وقوات الأمن‬ ‫الت����ي تدعمه����ا ال�سعودي����ة‪ ،‬و�أدى �إىل ت�شكيل‬ ‫ح����راك انف�صايل يف جنوب اليم����ن‪ ،‬و�أعطى‬ ‫للقبائ����ل مربرات للتحالف م����ع “القاعدة يف‬ ‫�شب����ه جزي����رة الع����رب”‪ .‬كما ت�سب����ب انعدام‬ ‫امل�سئولي����ة وتف�شي الف�س����اد يف تبديد عائدات‬ ‫البالد من املوارد النفطية واملائية املت�ضائلة‪.‬‬ ‫ونتيج����ة لكل ذلك‪ ،‬وبح�سب معلومات م�شروع‬ ‫�إدارة مياه حو�����ض �صنعاء الذي مي ّوله البنك‬ ‫ال����دويل‪ ،‬تتجه �صنعاء خ��ل�ال الع�شر �سنوات‬ ‫املقبل����ة �إىل �أن ت�صبح �أول عا�صمة يف التاريخ‬ ‫احلدي����ث تن�ض����ب مواردها املائي����ة عن بكرة‬ ‫�أبيها‪.‬‬ ‫وبع����د املحاول����ة الفا�شل����ة لتفج��ي�ر الطائ����رة‬ ‫املتجه����ة �إىل “ديرتوي����ت” ليلة عي����د امليالد‪،‬‬ ‫�أ�صب����ح اليم����ن حمور اجله����ود الغربي����ة التي‬ ‫تب����ذل ل�ض����رب العنا�ص����ر اجلهادي����ة العاملية‬ ‫كعنا�صر “القاعدة يف �شبه جزيرة العرب”‪.‬‬ ‫وباعتباره����ا من �أفقر بلدان الع����امل العربي‪،‬‬ ‫ف�����إن اليم����ن خري مث����ال عل����ى م����دى �صعوبة‬ ‫احت����واء املقاتل��ي�ن وقدراته����م عل����ى ا�ستغالل‬ ‫املظامل املجتمعية املنت�شرة‪ ،‬مبا فيها احلقوق‬ ‫الثقافي����ة والتطلع����ات االقت�صادي����ة الكئيب����ة‬ ‫وتف�ش����ي الف�س����اد وال�ش����كاوى حي����ال توزي����ع‬ ‫ال�سلطة بطريقة غري مت�ساوي����ة‪ .‬و�أي�ض ًا تبني‬ ‫حالة اليم����ن امل�شكالت الناجت����ة عن اعتماد‬ ‫الغرب على حلفاء لهم �سيا�سات داخلية تثري‬

‫الت�سا�ؤل‪ ،‬وهو الأمر الذي يجعل من ال�صعب‪،‬‬ ‫يف الواقع‪ ،‬الت�أكد من �أن الإعانات التي تمُ نح‬ ‫للحكوم����ة تذه����ب �إىل م����ا �س ُيح�سِّ����ن �أو�ضاع‬ ‫حي����اة النا�س‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪ ،‬تتعقد عملية‬ ‫معاجلة املظ����امل التي تتغ����ذى عليها عنا�صر‬ ‫املقاتلني‪ ،‬نظر ًا للم�شاعر املناه�ضة لأمريكا‪،‬‬ ‫وعدم الثقة يف تدخالت ال�سيا�سة الغربية‪.‬‬ ‫ويب��ي�ن الظه����ور اجلدي����د لف����رع القاع����دة يف‬ ‫اليم����ن‪ ،‬بع����د مرور �سب����ع �سنني من����ذ �أن ظن‬ ‫الكثري �أن ه����ذه اجلماعة قد تفرقت على �إثر‬ ‫مقتل زعيمها �أبو علي احلارثي يف الغارة التي‬ ‫نفذته����ا طائرة من دون طي����ار تابعة للواليات‬ ‫املتح����دة‪ ،‬القدرات املح����دودة للمنهجية التي‬ ‫ي�ستح����وذ عليه����ا الهاج�����س الأمن����ي لإحل����اق‬ ‫الهزمية بالعنا�صر املقاتلة‪ ،‬حيث �أن القاعدة‬ ‫يف اليمن قد مت ّكنت م����ن �إعادة بناء �صفوف‬ ‫عنا�صرها كجماعة غري مركزية مطلعة على‬ ‫املظ����امل املحلية‪ .‬ولذلك ال يبدو �أن قطع ر�أ�س‬ ‫الأفعى �سيحل امل�شكلة‪.‬‬ ‫�أم����ا يف الوالي����ات املتح����دة و�أوروبا فق����د بد�أ‬ ‫يظه����ر �إجم����اع على �أن����ه �سيكون لزام���� ًا على‬ ‫ال�سعودي����ة ودول اخللي����ج الغني����ة بالنف����ط‬ ‫�أن تلع����ب دور ًا �سيا�سي���� ًا ومادي���� ًا يف �إقن����اع‬ ‫حكوم����ة �صالح على املب����ادرة بتنفي����ذ عملية‬ ‫الإ�صالح����ات‪ ،‬وه����و الأمر ال����ذي يتطلب من‬ ‫ال�سعودية ودول اخلليج تغيري �سيا�ساتها جتاه‬ ‫اليمن‪ ،‬والتوقف ع����ن التدخل يف ال�صراعات‬ ‫الداخلية يف اليمن‪ ،‬وال�سعي بد ًال من هذا �إىل‬ ‫حلها‪ .‬فف����ي ال�شهور الأخ��ي�رة ان�ضمت قوات‬ ‫�سعودي����ة �إىل حكوم����ة �صال����ح ملحاربة التمرد‬ ‫القبل����ي يف �شمال اليمن‪ ،‬الذي �أثارته املظامل‬ ‫االجتماعية واالقت�صادي����ة والثقافية‪ .‬كما �أن‬ ‫هدن����ة وقف �إطالق النار مع ال�سعودية‪ ،‬والتي‬ ‫�أعلن عنه����ا املتمردون وو�صفتها اململكة ب�أنها‬ ‫انت�ص����ار ع�سك����ري لقواته����ا‪ ،‬ق����د تبخرت مع‬ ‫جتدد القتال‪ .‬وف�شلت قبل ذلك هدنة توقيف‬ ‫�إط��ل�اق النار الت����ي تو�سطت فيه����ا قطر عام‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪69‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫‪ ،2008‬عندما رف�ض �صالح تنفيذها بنا ًء على‬ ‫الن�صح ال���ذي �أ�سدته له ال�سعودية‪ .‬ولن تُكتب‬ ‫حي���اة طويلة للهدن���ة املربمة م�ؤخ���ر ًا لإيقاف‬ ‫�إط�ل�اق النار بني الق���وات اليمنية واملتمردين‬ ‫�إذا مل تت���م معاجل���ة ال�ش���كاوى الثقافي���ة‬ ‫واالقت�صادي���ة‪ ،‬وه���و م���ا يتطلب التع���اون من‬ ‫اجلانب ال�سعودي‪.‬‬ ‫وينبغ���ي عل���ى دول جمل�س التع���اون اخلليجي‬ ‫الغني���ة بالنف���ط النظر يف ال�سم���اح ل�شقيقتها‬ ‫الفق�ي�رة باالن�ضم���ام �إىل املجل�س‪ .‬واحل�صول‬ ‫على ع�ضوي���ة املجل�س حلم ي���راود اليمن منذ‬ ‫زمن طوي���ل‪ ،‬غري �أن �ش���روط حتقيقه �ستكون‬ ‫يف غاية ال�صعوبة‪ ،‬وهو امل�ضمار الذي يرف�ض‬ ‫جمل����س التعاون اخلليج���ي �أن يخو����ض غمار‬ ‫�سباقه‪ .‬ويف الواقع‪ ،‬تفاقم الو�ضع االقت�صادي‬ ‫يف اليم���ن نتيجة طرد العمال���ة اليمنية خالل‬ ‫العقدي���ن املا�ضي�ي�ن م���ن ال�سعودي���ة ودول‬ ‫اخللي���ج‪ ،‬الت���ي تعتم���د كث�ي�ر ًا عل���ى العمال���ة‬ ‫الأجنبية‪ .‬وميكن لدول جمل�س التعاون حتفيز‬ ‫اليم���ن للقيام بالإ�صالح���ات االقت�صادية من‬ ‫خ�ل�ال �إب���رام اتفاقي���ات عم���ل تنظ���م هجرة‬ ‫الأي���دي العامل���ة وتوقف عملي���ات الت�سلل غري‬ ‫القانوني���ة عرب احلدود ال�سعودي���ة‪ ،‬التي يقوم‬ ‫بها اليمنيون �شدي���دي احلاجة للح�صول على‬ ‫فر�صة اقت�صادية‪.‬‬ ‫�إن ح�ش���د اجله���ود ال�سعودي���ة ودول اخللي���ج‬ ‫للم�شاركة يف عملي���ة ا�ستقرار اليمن �سيتطلب‬ ‫�أي�ض��� ًا منها توقيف الدعم املادي الذي تقدمه‬ ‫للجماع���ات القبلي���ة داخ���ل اليم���ن ل�ضم���ان‬ ‫والئه���ا‪ ،‬الأم���ر الذي ي�ضعف الدول���ة املركزية‬ ‫يف �صنع���اء‪ .‬كم���ا �سيحتم ذلك توق���ف رعاية‬ ‫ال�سعودية لعمليات ك�س���ب الأن�صار التي تقوم‬ ‫به���ا الطوائف ال�سلفي���ة والوهابية ‪ -‬الطوائف‬ ‫التي ال تتف���ق �أغلبيتها مع التطلعات اجلهادية‬ ‫لعنا�ص���ر “القاعدة يف �شب���ه جزيرة العرب”‬ ‫ولكنه���ا ت�سه���م يف خل���ق بيئ���ة ع���دم الت�سامح‬ ‫والتزمت العقائدي الديني‪ .‬فالتعدّي الوهابي‬ ‫عل���ى ال�شيعة يف �شمال اليم���ن هو من الدوافع‬ ‫وراء التمرد يف ال�شمال‪.‬‬ ‫وي�ص���ل ت�أث�ي�ر املف�سرين للتعالي���م الإ�سالمية‬ ‫‪70‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫املت�شددي���ن �إىل امل�ساج���د ع�ب�ر الب�ل�اد الت���ي‬ ‫يخطب فيه���ا �أئمة �سلفيون ووهابيون‪ .‬و�أحيان ًا‬ ‫تقوم الدولة ببع�ض الإجراءات لت�ؤكد �سلطتها‬ ‫ومتن���ع املت�شددي���ن الديني�ي�ن م���ن الت�صرف‬ ‫ح�س���ب هواه���م و�أخ���ذ حقوقه���م ب�أنف�سه���م‪.‬‬ ‫فق���د قامت ال�سنة املا�ضي���ة‪ ،‬على �سبيل املثال‪،‬‬ ‫باتخ���اذ �إج���راءات �صارم���ة ب�ش����أن حم�ل�ات‬ ‫للتدلي���ك ال�صين���ي يف �صنع���اء بع���د �أن ح���ذر‬ ‫�أح���د �أع�ضاء جمل�س النواب من �أن املت�شددين‬ ‫الإ�سالميني �سي�ستهدفونها �إذا ما ف�شلت الدولة‬ ‫يف �إغالقها‪ .‬ومثل هذه اخلطوات ت�ؤكد على �أن‬ ‫املت�شددي���ن الإ�سالميني �سينا�صرون الدولة يف‬ ‫جهودها للتغلب على االنف�صاليني يف اجلنوب‪.‬‬ ‫ويبدو �أن خيار الدولة لإ�شراك املقاتلني ناجح‪،‬‬ ‫حت���ى �أن ال�شيخ عبد املجي���د الزنداين ‪ -‬الذي‬ ‫�أدرجت وزارة اخلزانة الأمريكية ا�سمه �ضمن‬ ‫قائم���ة الإرهابي�ي�ن العامل�ي�ن ‪� -‬أعل���ن دعم���ه‬ ‫للرئي����س علي عبد اهلل �صال���ح يف احلرب على‬ ‫عنا�صر “القاعدة يف �شبه جزيرة العرب”‪.‬‬ ‫غري �أن جل�سات القات واحلوارات مع اليمنيني‬ ‫املتحررين‪ ،‬والق�ص�ص الت���ي غالب ًا ما ي�صعب‬ ‫التحق���ق م���ن �صحته���ا‪ ،‬مليئ���ة بالروايات عن‬ ‫�سلفي�ي�ن ووهابي�ي�ن يفر�ض���ون معتقداته���م‬ ‫املت�ش���ددة عل���ى املجتمع���ات املحلي���ة ويقيمون‬ ‫الع���دل ب�أنف�سه���م‪ .‬وتقول الرواي���ات �أن �إحدى‬ ‫اجلماع���ات ال�سلفي���ة هدمت بناي���ة من ثالثة‬ ‫طاب���ق يف �صنع���اء وهي مل���ك الم���ر�أة يف �سن‬ ‫الثالث���ة وال�سبع�ي�ن‪ ،‬بع���د اتهامها ب����إدارة بيت‬ ‫دع���ارة‪ .‬وعندم���ا مت تق���دمي مرتكبي اجلرمية‬ ‫ال�سلفي�ي�ن للمحاكمة مل يتط���وع �سوى حمامي‬ ‫واحد للدفاع عن املر�أة‪ ،‬لكنه ان�سحب بعد �أول‬ ‫جل�سة‪ ،‬مدعي ًا �أن احلكم بالرباءة قد تقرر قبل‬ ‫�أن ت�س�ي�ر �إج���راءات رفع الدع���وى‪ .‬ويف حادثة‬ ‫�أخ���رى‪ ،‬قال �صحفي ميني �أن���ه ت�أكد من ق�صة‬ ‫قت���ل �أب وابن���ه التهامهم���ا بتوجي���ه �صحنهما‬ ‫الالق���ط للب���ث الف�ضائ���ي باجت���اه �أوروبا لكي‬ ‫ي�ستقبل���وا قن���وات �إباحية‪ .‬وبغ����ض النظر عن‬ ‫مدى �صح���ة تلك الروايات‪ ،‬ف����إن ق�ص�ص ًا من‬ ‫ه���ذا النوع تعك�س �ص���ورة ملجتم ٍ���ع ُم َ‬ ‫�ستقطب‬ ‫تكون في���ه اجلماعات التي ت�شج���ع مبد�أ عدم‬ ‫الت�سام���ح هي �صاحبة الي���د العليا‪ ،‬ودون رادع‬

‫لها‪.‬‬ ‫وقبل حماولة التفجري ليل���ة عيد امليالد كانت‬ ‫الوالي���ات املتح���دة وحلفائه���ا ق���د خ�ص�صت‬ ‫ح���وايل خم�س���ة ملي���ار دوالر ك�إعان���ة لليمن‪،‬‬ ‫لك���ن عدم مق���درة اليمن عل���ى ا�ستيعاب هذا‬ ‫املبلغ وتفاقم درج���ة الف�ساد حرما البالد من‬ ‫اال�ستف���ادة م���ن معظم املبلغ املر�ص���ود‪ .‬وهذا‬ ‫يعن���ي �أن الدعم الكب�ي�ر لليمن هو يف الأ�سا�س‬ ‫دع���م يتعل���ق بال�ش����ؤون الع�سكري���ة والأمني���ة‬ ‫والقانونية‪ ،‬بينم���ا ال تتلقى الق�ضايا الرئي�سية‬ ‫عالج��� ًا ناجع��� ًا‪ .‬وغالب��� ًا م���ا يقي���م موظف���ي‬ ‫الإعان���ات الغربي���ة يف فندق “�إريبي���ا فيلك�س‬ ‫(العربي���ة ال�سعي���دة)” ب�صنعاء مل���دة �أ�سابيع‬ ‫لكي يقنعوا امل�سئولني مبنحهم وثائق الت�سجيل‬ ‫والرتاخي����ص الر�سمي���ة الت���ي يحتاجونه���ا‪.‬‬ ‫وتتعرق���ل عملي���ة الإج���راءات يف الغال���ب لأن‬ ‫املنظم���ات غ�ي�ر احلكومي���ة ال تق���دم الر�شوة‬ ‫لأحد‪ ،‬لكن �إ�صرارها عادة ينت�صر و ُي�سمح لها‬ ‫بتنفيذ م�شاريعها على م�ستوى املجتمع املحلي‪.‬‬ ‫وت�ستفيد ه���ذه امل�شاريع‪ ،‬الت���ي غالب ًا ما تعالج‬ ‫املظامل التي تغ���ذي “القاعدة يف �شبه جزيرة‬ ‫العرب”‪ ،‬من الدعم املادي الإ�ضايف‪.‬‬ ‫ولق���د تقرح���ت امل�ش���كالت التي تواج���ه اليمن‬ ‫لعدد من ال�سنني‪ ،‬وحماولة معاجلتها لتجفيف‬ ‫موارد اجلماعات املتطرفة من �أمثال “القاعدة‬ ‫يف �شب���ه جزي���رة الع���رب” هي مهم���ة معقدة‬ ‫وطويلة الأمد وم�ضنية جد ًا‪ .‬واحتواء املقاتلني‬ ‫و�إ�شعال فتي���ل اخلالف بينهم وب�ي�ن حلفائهم‬ ‫املحلي�ي�ن هي �أه���م اخلط���وات الأوىل‪ ،‬لكن يف‬ ‫ظل انعدام وجود جهود ملمو�سة حلل م�شكالت‬ ‫اليمن ‪ -‬كغياب اخلدم���ات الأ�سا�سية‪ ،‬والآفاق‬ ‫االقت�صادي���ة القامت���ة‪ ،‬و�س���وء �إدارة م���وارد‬ ‫الب�ل�اد‪ّ ،‬‬ ‫وتف�شي الف�س���اد‪ ،‬واملحاباة الوظيفية‪،‬‬ ‫وغي���اب ال�شفافية ‪ -‬ل���ن تتمكن تلك اخلطوات‬ ‫من حتقي���ق جناح���ات ا�سرتاتيجي���ة‪ .‬وقد ه ّز‬ ‫ال�صحف���ي اليمن���ي زي���د عل���ي العلي���ان ر�أ�سه‬ ‫بي�أ����س‪ ،‬قائ�ل�ا‪“ :‬هن���اك الكثري م���ن امل�شاكل‪،‬‬ ‫وه���ي تت�ضاعف با�ستمرار‪ .‬ومن يدري عما �إذا‬ ‫�ستتمكن اليمن من ال�صمود؟ واملبد�أ اليوم هو‬ ‫“كل م���ا فيها يل؟” والنا�����س بحاجة للأمل‪.‬‬ ‫وال بد من االنطالق من �أي نقطة‪”.‬‬

‫�أزمة اجلوع يف اليمن متثل تهديداً للأمن‬ ‫القومي الأمريكي‬ ‫وليم المبرِ ز‬ ‫�صحيفة «�أمريكان كورنيكل» الأمريكية‬ ‫‪� 3‬أيار‪/‬مايو ‪2010‬‬

‫�ص��� ّرح كل م���ن الرئي����س ب���اراك �أوبام���ا‪،‬‬ ‫ووزي���رة خارجي���ة الوالي���ات املتح���دة‬ ‫هي�ل�اري كلينت���ون‪ ،‬ب����أن وج���ود مين قوي‬ ‫وم�ستق���ر ه���و م���ن �أه���م �أولوي���ات الأمن‬ ‫القومي (الأمريكي)‪ .‬و�أكد جمل�س ال�شيوخ‬ ‫الأمريك���ي‪ ،‬م�ست�شه���د ًا بوج���ود عنا�ص���ر‬ ‫تنظي���م القاع���دة‪ ،‬على ال�ش���يء نف�سه من‬ ‫خ�ل�ال �إ�صدار قرار‪ .‬ولك���ن يبقى ال�س�ؤال‪:‬‬ ‫�أين الغذاء؟‬ ‫لق���د �أعلن برنام���ج الغذاء العامل���ي التابع‬ ‫ل�ل��أمم املتح���دة �أن���ه �سيتم تق�سي���م امل�ؤن‬ ‫الغذائي���ة �إىل ن�صف�ي�ن عل���ى ‪250.000‬‬ ‫مواطن ميني نزحوا جراء ال�صراع القائم‬ ‫بني قوات احلكومة واملتمردين‪� .‬أما برامج‬ ‫الإعان���ات الغذائي���ة الأخرى فق���د توقفت‬ ‫من���ذ الع���ام املا�ضي‪ .‬مل���اذا؟ لقل���ة الدعم‬ ‫املايل املقدم لربنامج الغذاء العاملي‪ ،‬وكل‬ ‫هذا يح���دث يف بلد يعاين به واحد من كل‬ ‫ثالثة �أ�شخا�ص من اجلوع املزمن‪.‬‬ ‫ويق���وم برنام���ج الغ���ذاء العامل���ي ب���كل ما‬ ‫ي�ستطيع مبخزون���ه الغذائي املحدود‪ ،‬لكن‬ ‫�إذا مل يت���م احل�صول عل���ى م�صدر جديد‬ ‫للدعم املايل ف�س���وف تنهار برامج الغذاء‬ ‫متام��� ًا يف نهاي���ة مو�س���م ه���ذا ال�صي���ف‪.‬‬ ‫وكما ه���و ل�سان احل���ال الآن‪� ،‬سيكون على‬ ‫اليمني�ي�ن االعتم���اد عل���ى امل����ؤن الغذائية‬ ‫القليلة‪ ،‬الأمر ال���ذي ترتتب عليه خماطر‬

‫�س���وء التغذية للكثري م���ن املواطنني‪ ،‬مبن‬ ‫فيه���م الأطف���ال‪ .‬وال ي�ستطي���ع �أح���د بناء‬ ‫�أ�سا����س لل�سالم واال�ستق���رار يف بلد يعاين‬ ‫ه���ذه املعاناة‪ .‬وكما قال الرئي�س الأمريكي‬ ‫ه���اري ترومان ع���ام ‪ ،1946‬ف�إنه «ال ميكن‬ ‫بن���اء نظام عامل���ي �سليم عل���ى �أ�سا�س من‬ ‫املعاناة الب�شرية»‪.‬‬ ‫يف �أيام ترومان كان الغذاء عن�صر ًا هام ًا‬ ‫يف ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية‪ ،‬عندما‬ ‫كان����ت حت����اول �إحي����اء االقت�ص����اد العاملي‬ ‫ومقاوم����ة انت�ش����ار ال�شيوعي����ة‪ .‬وحمارب����ة‬ ‫اجل����وع الي����وم ال تق����ل �أهمي����ة ع����ن ذلك‪،‬‬ ‫خا�ص ًة و�أن الوالي����ات املتحدة حتاول خلق‬ ‫اال�ستق����رار يف اليمن وغريها من املناطق‬ ‫الأخ����رى م����ن �أج����ل حمارب����ة الإره����اب‬ ‫والتطرف‪.‬‬ ‫وميكن الئتالف من الأمم بقيادة الواليات‬ ‫املتح����دة التعام����ل م����ع الأزم����ة الغذائي����ة‬ ‫الو�شيك����ة يف اليم����ن‪ ،‬وعليهم فع����ل �شيء‬ ‫�سريع؛ فاجلوع و�س����وء التغذية يف �أو�ساط‬ ‫الكثريين لن تثمر عن �شيء �سوى الإ�ضرار‬ ‫بعملي����ة ال�س��ل�ام‪ .‬يق����ول من�س����ق مكافحة‬ ‫الإره����اب الأمريك����ي داني����ال بينجام��ي�ن‪:‬‬ ‫«عندم����ا ت�صب����ح حكوم����ة اليم����ن �أك��ث�ر‬ ‫�شفافي����ة وجتاوب ًا مع مطال����ب مواطنيها‪،‬‬ ‫ف�إن بذور التط����رف والعنف �ستجد �أر�ض ًا‬ ‫�أقل خ�صوبة‪.» ..‬‬

‫و�أول و�أه���م مطال���ب ال�شع���ب اليمن���ي‬ ‫الأ�سا�سي���ة ه���و توف�ي�ر الغ���ذاء وال�شراب‬ ‫وامل����أوى‪ ،‬فه���م يريدون الف���رار من براثن‬ ‫الفق���ر قب���ل �إمكاني���ة ظه���ور مي���ن ينع���م‬ ‫بال�س�ل�ام واال�ستقرار وع���دم العنف‪ .‬ومن‬ ‫�أهم املجاالت التي يتم جتاهلها حالي ًا هي‬ ‫العناية الغذائية بالأطفال‪ .‬فكيف يعقل �أن‬ ‫تع���اين برامج التغذية املدر�سي���ة للمواليد‬ ‫من قل���ة الدعم امل���ايل يف �أي بلد‪ ،‬ناهيك‬ ‫عن بلد يعت�ب�ر �أولوية م���ن �أولويات الأمن‬ ‫القومي؟‬ ‫يف ع���ام ‪ 1946‬ق���ال الرئي����س تروم���ان يف‬ ‫خط���اب ل���ه ع�ب�ر الإذاع���ة ع���ن املجاعة‬ ‫العاملية‪« :‬ال ميكننا جتاهل �صراخ الأطفال‬ ‫اجلائع�ي�ن»‪ .‬ولكن للأ�سف ه���ذا ما جنده‬ ‫اليوم يحدث‪ ،‬ووجود طفل يكافح من �أجل‬ ‫احل�صول على ما يكفيه من الغذاء هو دليل‬ ‫على وجود �سيا�سة خارجية فا�شلة‪ .‬وميكن‬ ‫ملبل���غ يقارب ‪ 78‬ملي���ون دوالر من الواليات‬ ‫املتحدة وحلفائها �أن يجدد برنامج الغذاء‬ ‫العاملي يف اليمن خالل هذا العام‪.‬‬ ‫وبالإ�ضاف���ة �إىل االحتياج���ات ال�ضرورية‪،‬‬ ‫م���ن املمكن �إط�ل�اق ا�سرتاتيجي���ة غذائية‬ ‫�شاملة جتتث ج���ذور الأ�سب���اب الأ�سا�سية‬ ‫وراء اجل���وع والفق���ر‪ ،‬اللذي���ن يع�صف���ان‬ ‫بالبل���د‪ .‬وه���ذا �سيت�ضم���ن �إع���ادة وتعزيز‬ ‫برنام���ج «الغذاء مقاب���ل التعليم» اخلا�ص‬ ‫بالطفولة الذي مت تعليق���ه منذ حزيران‪/‬‬ ‫يوني���و املا�ض���ي‪ .‬وتعترب مب���ادرات التغذية‬ ‫كالتغذي���ة املدر�سي���ة من الو�سائ���ل القوية‬ ‫ملحارب���ة اجل���وع والفق���ر‪ .‬ولكن م���ن دون‬ ‫الدع���م امل���ايل م���ن املجتم���ع ال���دويل لن‬ ‫تنه�ض هذه املبادرات من الأر�ض‪ ،‬و�سيظل‬ ‫ال�سالم واال�ستقرار يف اليمن �أمر ًا مراوغ ًا‪،‬‬ ‫بل ومدمر ًا للجميع وبالأخ�ص لنا نحن‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪71‬‬


‫اليمن والعامل‬

‫عني على اليمن‬

‫بني غالفيـن‬

‫من�شورات حديثة حول اليمن‬

‫ي�سل����ط الق�سم اجلديد من «ع��ي�ن على اليمن» ال�ضوء عل����ى �أحدث املن�شورات‬ ‫عن اليم����ن‪� ،‬سواء �أكانت يف �شكل كتب �أو تقاري����ر �أو �أوراق بحثية وغريها من‬ ‫املن�شورات‪ .‬والقائمة التالية ق����د ال تكون �شاملة بال�رضورة‪ ،‬بل هي عينة خمتارة‬ ‫وانتقائية‪� ،‬إذ ترك����ز على حديث الإ�صدارات باللغتني العربية والإجنليزية ب�شكل‬ ‫�أ�سا�سي‪.‬‬

‫املحــور‬

‫املراقب الإ�سرتاتيجي‬ ‫وم�سارات الغد‬ ‫اليومـة العــدد‬ ‫�سيا�ساتق�ضي ـ‬

‫«‪»Regime and Periphery in Northern Yemen: The Huthi Phenomenon‬‬

‫«النظام والهام�ش يف �شمال اليمن‪ :‬ظاهرة احلوثي»‬

‫ت�أليف‪ :‬بارك �ساملوين‪ ،‬وبراي�س لويدولت‪ ،‬ومادلني ويلز (م�ؤ�س�سة راند‪)2010 ،‬‬ ‫ت���رى ه���ذه الدرا�سة املطولة (�أك�ث�ر من ‪� 400‬صفحة) لل�صراع امل�سلح الذي دار حتى وقت قريب يف حمافظة �صع���دة ومنطقة حرف �سفيان‪ ،‬الواقعتني �شمايل‬ ‫اليمن‪ ،‬بني ال�سلطات اليمنية واملتمردين احلوثيني‪ ،‬وهي درا�سة قام ب�إعدادها فريق من الباحثني يف م�ؤ�س�سة راند البحثية الأمريكية املقربة من وزارة الدفاع‬ ‫(البنتاغون)‪� ،‬أن هذا ال�صراع ي�شكل �أحد ركائز عدم اال�ستقرار يف اليمن‪ .‬ويعتقد معدو الدرا�سة �أن اتفاق وقف �إطالق النار الأخري بني احلكومة واحلوثيني‬ ‫ال ي�ش�ي�ر �إىل ح�ص���ول نهاية لل�صراع اعتماد ًا عل���ى ما �أثبتته جتارب اجلوالت ال�سابقة من املواجهات بني الطرف�ي�ن‪ .‬وتتعمق الدرا�سة يف بحث جميع اجلوانب‬ ‫املتعلقة باحلرب يف �شمال اليمن وحتديد ًا ما يتعلق بظاهرة احلوثي‪ ،‬وت�ستقرئ تطور الظاهرة‪ ،‬وتبينّ تعقيداتها باحثة يف خلفياتها الإيديولوجية وال�سيا�سية‪،‬‬ ‫وكيف حتولت �إىل حركة م�سلحة مثلت تهديد ًا خطري ًا ل�شرعية الدولة اليمنية‪ .‬وتربز الدرا�سة التكتيكات الع�سكرية والدعائية التي جل�أ �إليها الطرفان خالل‬ ‫ج���والت القت���ال الت���ي تعاقبت بينهما‪ ،‬وتتمي���ز – �أي الدرا�سة ‪ -‬بعر�ضها امل�سهب لتفا�صيل جوالت ال�صراع وتداعيات���ه من جميع النواحي‪ ،‬م�ستخدمة اجلداول‬ ‫واخلرائط وال�صور التو�ضيحية‪ ،‬الأمر الذي يجعلها الدرا�سة الأ�شمل والأعمق والأكرث �إحاطة بتف�صيالت هذا ال�صراع وتعقيداته حتى الآن‪.‬‬ ‫‪Yemen: Dancing on the Heads of Snakes‬‬

‫«اليمن‪ :‬الرق�ص على ر�ؤو�س الثعابني»‬

‫ت�أليف‪ :‬فيكتوريا كالرك (ييل يونيفر�ستي بر�س‪.)2010 ،‬‬ ‫يت�ضمن هذا الكتاب الذي �ألفته فيكتوريا كالرك املرا�سلة ال�صحفية الربيطانية‪ ،‬ومديرة مكتب «الأوبزيرفر» بالعا�صمة الرو�سية مو�سكو‪ ،‬حماول ًة لر�سم �صورة‬ ‫بانورامي���ة ع���ن الأو�ضاع يف اليمن‪ ،‬والذي مير حالي ًا بفرتة ع�صيبة من تاريخه املعا�صر احت�ش���دت فيها جمموعة من التحديات ملقية بظاللها على م�ستقبله‪.‬‬ ‫وت�ص���ل امل�ؤلف���ة‪ ،‬بعد عر�ض �شامل لتلك التحديات التي تواجه اليمن معتمدة يف ذلك على ع�ش���رات املقابالت مع �سيا�سيني‪ ،‬و�أكادمييني‪ ،‬ووجهاء وم�شايخ‪ ،‬بل‬ ‫وحت���ى م���ع بع�ض امل�شتب���ه يف عالقاتهم بالإرهاب وتنظيم «القاعدة»‪ ،‬ت�صل �إىل خال�صة تتمنى من �سا�سة الغ���رب �أن ي�صغوا �إليها عند تعاملهم مع هذا البلد‪،‬‬ ‫وهي �أنهم لن يكونوا على �صواب �إطالق ًا �إذا ما حاولوا فر�ض �أجندتهم على بلد معقد وعنيد كاليمن الذي مل ينجح الغزاة عرب التاريخ يف فر�ض �إرادتهم عليه‪.‬‬ ‫دون �أن يعن���ي ذل���ك �أن يتجاهلوه وما يحدث فيه من تطورات مقلقة‪ ،‬ب���ل �أن يعملوا على منعه من التحول �إىل دولة فا�شلة �أخرى مثل �أفغان�ستان وال�صومال‪� ،‬إذ‬ ‫�ستكون لذلك عواقب �أوخم مبا ال يقا�س‪ ،‬جلهة املوقع اال�سرتاتيجي املهم لليمن يف جنوب اجلزيرة‪ ،‬ولقربه من منابع النفط‪ ،‬وحتكمه يف باب املندب يف الطرف‬ ‫اجلنوبي للبحر الأحمر‪.‬‬ ‫«‪”The Battle for Yemen: Al-Qaeda and the Struggle for Stability‬‬

‫املعركة من �أجل اليمن‪« :‬القاعدة» والكفاح من �أجل اال�ستقرار‬

‫ت�أليف‪ :‬جمموعة من الباحثني (جيم�س تاون فاوندي�شن‪)2010 ،‬‬ ‫يعر����ض ه���ذا الكت���اب الذي �ألف���ه جمموعة من الباحثني واخل�ب�راء الغربيني والع���رب للتحديات الت���ي واجهتها اليم���ن وال تزال‪ ،‬ال�سيما يف جم���ال الإرهاب‬ ‫والتنظيم���ات الإ�سالمي���ة املتطرف���ة‪ .‬ويق���دم الكتاب الذي يجمع ب�ي�ن دفتيه عدد ًا كبري ًا م���ن التحليالت التي �سب���ق �أن ن�شرتها م�ؤ�س�سة جيم����س تاون البحثية‬ ‫الأمريكية �ضمن �سل�سلتي «مر�صد الإرهاب» و«مراقبة الإرهاب» خالل ال�سنوات ال�ست املا�ضية‪� ،‬أي منذ عام ‪ .2004‬وميثل هذا الكتاب �أداة بحثية حيوية وغاية‬ ‫ومف�صلني لل�صراع التي تخو�ضه اليمن من �أج���ل حتقيق اال�ستقرار‪ ،‬وكذلك للحركات‬ ‫يف الأهمي���ة لأولئ���ك الذين ي�سعون للإحاطة بتحليل وتو�صي���ف معمّقني ّ‬ ‫ضال عن ال�شخ�صيات الراديكالية التي ت�سعى لتقوي�ض احلكومة اليمنية و�شراكتها مع الواليات املتحدة يف‬ ‫املختلف���ة الت���ي ت�شكل البيئة الأمنية يف هذا البلد‪ ،‬ف� ً‬ ‫�إطار احلرب على الإرهاب‪.‬‬ ‫«‪»What Comes Next in Yemen? Al-Qaeda, the Tribes, and State-Building‬‬

‫‪YEMEN: ON THE BRINK‬‬

‫العراق و�آفاق ما بعد االنتخابات الت�شريعية‬ ‫ناظـم اجلا�سـور‬ ‫ظل املر�شد الأعلى‬ ‫بوزيدي يحيى‬

‫‪A Carnegie Paper Series‬‬

‫«ماذا �سيحدث بعد يف اليمن؟ تنظيم القاعدة والقبائل وبناء الدولة»‬

‫ت�أليف‪� :‬سارة فيليب�س (�سل�سلة �أوراق كارنيغي‪ ،‬م�ؤ�س�سة كارنيغي لل�سالم العاملي‪� ،‬آذار‪/‬مار�س ‪)2010‬‬ ‫تنطل���ق ه���ذه الورقة التي �أعدتها باحثة �أ�سرتالية مهتمة بال�ش�ؤون اليمنية‪ ،‬من فر�ضية مفادها �أن وا�ضعي ال�سيا�سات يف الواليات املتحدة ويف الغرب يتدافعون‬ ‫حالي��� ًا لل���ر ّد بحزم على عدم اال�ستقرار يف اليمن‪ ،‬وذلك بعد ربط الهجوم الفا�ش���ل يف عيد امليالد املا�ضي على طائرة ركاب �أمريكية بتنظيم القاعدة يف �شبه‬ ‫جزي���رة الع���رب‪ ،‬وال���ذي يتخذ من اليمن مقر ًا �إقليمي ًا لن�شاطاته الإرهابي���ة‪ .‬وتو�ضح �سارة فيليب�س يف العدد الأول من �سل�سل���ة �أوراق �شرعت م�ؤ�س�سة كارنيغي‬ ‫لل�س�ل�ام العامل���ي يف �إعدادها م�ؤخ���راً‪ ،‬وحتمل عنوان ًا عري�ض ًا «اليمن‪ :‬على �شف���ا الهاوية»‪� ،‬أنه على الرغم من �أن بع�ض املناط���ق يف اليمن يفتقر �إىل ال�سيطرة‬ ‫الر�سمي���ة للدول���ة‪� ،‬إال �أنّ ذلك ال يعني �أنّ هذه املناطق غري خا�ضعة للحك���م‪ ،‬فثمة �آليات حملية حتافظ على قدر من النظام‪ .‬وتعتقد �أن تنظيم القاعدة ي�سعى‬ ‫�إىل تق���دمي نف�س���ه كبديل للنظام‪ ،‬لكنه كلما ازداد ق ّو ًة و�سعى �إىل فر�ض �سيطرته على مزيد من الأرا�ضي‪ ،‬خاطر بالدخول يف مناف�سة مع القبائل املحلية‪ .‬كما‬ ‫جتادل امل�ؤلفة ب�أنّ هناك حدودًا ملا ميكن �أن ينجزه التدخل الأجنبي يف اليمن والهادف �إىل حماربة تنظيم القاعدة يف هذا البلد‪ ،‬م�ضيف ًة �أنّ النظام ال�سيا�سي اليمني يف حاجة �إىل �أن ي�صبح‬ ‫�أق ّل مركزية و�أكرث �شمو ًال لكي يتم التغلب على حت ًّد متنامٍ كالذي ي�شكله تنظيم القاعدة‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو ‪2010‬‬ ‫‪72‬‬ ‫‪What Comes‬‬ ‫?‪Next in Yemen‬‬ ‫‪Al-Qaeda, the Tribes,‬‬ ‫‪and State-Building‬‬ ‫‪Sarah Phillips‬‬

‫‪Middle East Program‬‬

‫‪Number 107 March 2010‬‬

‫فو�ضى فـي مقدي�شو‬ ‫عطية عي�سوي‬ ‫الوجه اجلديد ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪73‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫نتائج م�ضطربة ونفق �ضيق‬

‫العراق و�آفاق ما بعد‬ ‫االنتخابات الت�شريعية‬ ‫ناظـم اجلا�سـور‬

‫‪al_jassour_8@yahoo.com‬‬

‫يف الوقت الذي ان�شغلت فيه الكتل ال�سيا�سية العراقية بجدالها ال�سيا�سي العقيم حول نتائج االنتخابات‬ ‫امل�ضطرب���ة‪ ،‬و�أيّ الكت���ل لها الأحقي���ة بت�شكيل احلكومة املقبلة‪ ،‬وتف�سري امل���ادة ‪ 76‬من الد�ستور النافذ‪،‬‬ ‫�أ�ص���درت الهيئ���ة الق�ضائي���ة التمييزي���ة ق���راراً ب�إعادة ف���رز الأ�صوات يدوي���اً يف دائرة بغ���داد االنتخابية‬ ‫الت���ي خ�ص����ص لها ‪ 70‬مقعداً‪ ،‬حيث �أن نتائجها �أث���ارت الكثري من الطعون وال�شكاوي التي تقدمت بها‬ ‫الكيانات الفائزة واخلا�سرة على ح ٍّد �سواء‪.‬‬ ‫وعلي���ه‪ ،‬ف�إن عملية العد اليدوي �سوف ل���ن تربك العملية ال�سيا�سية‬ ‫برمتها‪ ،‬و�إمنا �ست�ؤدي �إىل نتائج غري متوقعة على ال�ساحة ال�سيا�سية‬ ‫وخ�صو�ص��� ًا فيم���ا �إذا جاءت نتائج العد يف غ�ي�ر �صالح بع�ض الكتل‬ ‫الفائ���زة‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أنها �ست�ؤدي �إىل ف���راغ د�ستوري كبري ي�ؤثر يف‬ ‫الو�ضع الأمني الذي يعاين من تدهور وا�ضح‪ ،‬على الرغم من �إعالن‬ ‫اجلهات الأمنية الق�ضاء على زعماء تنظيم القاعدة يف العراق بعد‬ ‫مقتل �أبو �أيوب امل�صري و�أبو عمر البغدادي‪ ،‬كما �أن فرتة الت�صديق‬ ‫عل���ى نتائ���ج االنتخابات �ست�أخذ وقت��� ًا طويالً‪ ،‬مم���ا �سينعك�س �سلب ًا‬ ‫عل���ى ال�ش���ارع العراق���ي الذي يغل���ي على مرج���ل م���ن االحتقانات‬ ‫والتخندق���ات املتنوعة‪� .‬إذ �أن قرار الهيئ���ة التمييزية ب�إعادة الفرز‬ ‫�أعاد امل�شهد ال�سيا�س���ي املعقد من جديد و�أدخل البالد يف منعطف‬ ‫حا�س���م‪ ،‬وال�سيما �إذا جاءت نتيجة الف���رز بغري ما هو حا�صل الآن‪،‬‬ ‫‪74‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ناظـم اجلا�سـور عميد كلية العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬جامعة امل�ستن�صرية ‪ -‬بغداد‪ ،‬العراق‪.‬‬

‫و�ستدخل العملية ال�سيا�سية يف دوامة التجاذب والتناحر‪.‬‬ ‫ويف الواق���ع‪� ،‬أن النظ���ام االنتخاب���ي ال���ذي مت تبني���ه للإج���راء‬ ‫االنتخاب���ات الت�شريعية العراقية يف ال�سابع من �آذار‪/‬مار�س ‪،2010‬‬ ‫وم���ا رافقه من تعديالت جوهرية بعد نق�ض���ه من قبل نواب رئا�سة‬ ‫اجلمهورية‪ ،‬وكذلك �إقرار نظام توزيع املقاعد النيابية يف كل دائرة‬ ‫انتخابي���ة على �أ�سا�س القا�سم االنتخابي‪ ،‬ق���د �شكال �ضرب ًا للعملية‬ ‫الدميقراطية وم�صادرة حلرية الناخب العراقي يف اختيار من يراه‬ ‫منا�سب ًا لع�ضوية جمل�س النواب‪ ،‬وتهمي�ش ًا كبري ًا للكيانات والأحزاب‬ ‫ال�سيا�سي���ة الت���ي مل تبل���غ عتب���ة القا�س���م االنتخابي ال���ذي فر�ضته‬ ‫املفو�ضية العليا امل�ستقلة لالنتخابات لتوزيع املقاعد الربملانية؛ هذا‬ ‫القا�س���م الذي يكون حا�صل تق�سي���م الأوراق االنتخابية ال�صحيحة‬ ‫يف الدائ���رة االنتخابي���ة الواح���دة على ع���دد مقاعد ه���ذه الدائرة‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪75‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫(املحافظة)‪ ،‬الأمر الذي �أدى �إىل �أن ت�ستحوذ �أربع كتل �أو �أقل على‬ ‫كل مقاعد الدائرة التي تناف�س على مقاعدها �أكرث من ثالثني كيان‬ ‫وحزب �سيا�سي‪.‬‬ ‫و�إذا كان���ت االنتخاب���ات الت�شريعي���ة التي جرت يف كان���ون الثاين‪/‬‬ ‫يناير من عام ‪ 2005‬قد جعلت من العراق منطقة انتخابية واحدة‪،‬‬ ‫وا�ستن���دت �إىل نظام التمثيل الن�سب���ي يف توزيع املقاعد‪ ،‬مما �سمح‬ ‫بتمثيل وا�سع لكل �أطياف املجتمع العراق‪ ،‬ف�إن انتخابات دي�سمرب‪/‬‬ ‫كان���ون الأول من ال�سنة نف�سها قد التج����أت �إىل تق�سيم العراق �إىل‬ ‫دوائ���ر انتخابي���ة متع���ددة‪ ،‬وتفر����ض القا�سم االنتخاب���ي لكي ت�سد‬ ‫الطريق على منع الأحزاب والكتل الليربالية والعلمانية من الدخول‬ ‫�إىل قب���ة الربملان �أو تتحالف مع الأح���زاب الدينية الطائفية‪ .‬وهذا‬ ‫ما ح�ص���ل �أي�ض ًا يف انتخاب���ات جمال�س املحافظ���ات التي ا�صحبت‬ ‫من ح�صة خم����س كتل فقط‪ ،‬ومت ا�ستبعاد البقية التي ح�صلت على‬ ‫�أ�ص���وات كان م���ن املمكن �أن تمُ ث���ل يف املجال�س فيما ل���و مت اعتماد‬ ‫نظام التمثيل الن�سبي‪.‬‬ ‫يف الواقع‪� ،‬إذا كان االلتفاف على العلمية الدميقراطية وحرفها عن‬

‫�إن النظام االنتخابي‪ ،‬ونظام توزيع املقاعد‬ ‫يف العراق �أُعِ ��دا بال�شكل الذي تتقارب كل‬ ‫الق��وى الكب�يرة الفائ��زة يف ع��دد املقاعد‬ ‫الربملاني��ة‪ ،‬لك��ي يبق��ى الو�ض��ع ال�سيا�س��ي‬ ‫مرتبك ًا ومه��زوزاً‪ ،‬ويبقى املحت��ل هو املالذ‬ ‫الأخري (املُنقِذ)‪ ،‬حلل العقد امل�ستع�صية‬ ‫م�ساره���ا ال�صحيح هو �سمة عامة تتمي���ز بها الأنظمة ال�سيا�سية يف‬ ‫العامل (الثال���ث)‪ ،‬رغم الن�صو�ص الد�ستوري���ة التي تخالف الواقع‬ ‫ال�سيا�س���ي‪ ،‬ف����إن ما مت �إق���راره يف النظام االنتخاب���ي ونظام توزيع‬ ‫املقاع���د يف االنتخاب���ات الت�شريعي���ة يف الع���راق‪ ،‬ي�ش���كالن تدمري ًا‬ ‫للعملي���ة الدميقراطي���ة وم�ستقب���ل العملي���ة ال�سيا�سي���ة برمتها‪� ،‬إذ‬ ‫�أنهم���ا ي�ستبعدان من امل�شارك���ة ال�سيا�سية ح���وايل ‪ 65%‬من الذين‬ ‫يح���ق لهم الت�صويت واختيار من ميثلهم يف ال�سلطة الت�شريعية‪ ،‬يف‬ ‫الوق���ت الذي ال حت�صد فيه القوائم الفائزة على �أكرث من ‪ 35%‬من‬ ‫الأ�صوات‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ما �شاب هذه االنتخابات من حاالت التزوير والتالعب‬ ‫بالأوراق االنتخابية من ال�شطب والإ�ضافة بغية عدها قوائم باطلة‪،‬‬ ‫�أو الت�صوي���ت عن الأ�سم���اء الغائبة‪� ،‬أو املتوفي���ة‪ ،‬لأن االعتماد على‬ ‫الأرق���ام التي قدمتها البطاقة التمويني���ة ك�أ�سا�س لعدد ال�سكان يف‬ ‫‪76‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫كل حمافظ���ة ال تب���دو �صحيح���ة جداً‪ ،‬ال ب���ل �أن بع����ض املحافظات‬ ‫�شه���دت من���و ًا �سكاني ًا جتاوز الن�ص���ف مليون ن�سمة ع���ن انتخابات‬ ‫جمال����س املحافظ���ات‪ ،‬وكان الهدف منه احل�ص���ول على عدد �أكرب‬ ‫م���ن املقاعد للمحافظة املعني���ة على ح�ساب املحافظ���ات الأخرى‪.‬‬ ‫كما ح�ص���ل يف نينوى‪ ،‬وال�سليمانية وغريها‪ .‬وق���د انعك�س كل ذلك‬ ‫عل���ى ظهور النتائ���ج امل�ضطربة‪ ،‬التي �أوجدت وغذّت ج���و ًا �سيا�سي ًا‬ ‫م�شحون��� ًا بالتطرف وع���دم االتزان خ�صو�ص ًا م���ن ناحية اخلطاب‬ ‫ال�سيا�س���ي والإعالم���ي‪ ،‬مم���ا �أثر ب�ش���كل �سلبي يف نف�سي���ة املواطن‬ ‫العراقي وزاد من قلق���ه وعدم ثقته مبا هو �آت‪ ،‬وحتى من الت�شكيلة‬ ‫احلكومي���ة القادم���ة التي ال تخ���رج من ان تكون ن�سخ���ة معدلة عن‬ ‫الت�شكيالت ال�سابقة‪.‬‬ ‫فه���ذه احلكومة التي تواج���ه خما�ض ًا ع�سري ًا دخل���ت يف منعطفات‬ ‫حرج���ة ج���د ًا بعد �أن �شه���د الو�ض���ع الأمني تدهور ًا خط�ي�راً‪ ،‬حيث‬ ‫�أن التي���ارات ال�سيا�سي���ة مل تع���د تتف���ق حتى على احل���د الأدنى من‬ ‫ال�شراك���ة �أو التواف���ق لإنقاذ الع���راق من خطر التم���زق واالنهيار‪،‬‬ ‫واكتفت بالبح���ث عن املنا�صب والكرا�سي التي ت���در عليها الأموال‬ ‫�أك�ث�ر م���ن غريها‪ .‬ال ب���ل �إن الأمر و�ص���ل �إىل �أن الق���رار ال�سيا�سي‬ ‫العراق���ي �أ�ضح���ى مرهون��� ًا مبوافق���ة دول اجل���وار‪ ،‬حي���ث حتولت‬ ‫الريا����ض وطهران و�أنقرة �إىل منابر وغ���رف مظلمة لت�سوية ال�ش�أن‬ ‫العراق���ي وح�سب �أجنداتها اخلارجي���ة‪ ،‬يف الوقت الذي هُ مّ�شت كل‬ ‫القوى اخلرية والدميقراطية الت���ي ت�سعى �إىل بناء العراق و�إ�شاعة‬ ‫ال�سلم والتقدم االجتماعي‪.‬‬ ‫ويف الواق���ع �أن ق���وى االحتالل �أدخل���ت البالد من���ذ غزوها‪ ،‬وحتى‬ ‫الآن‪ ،‬يف نفق �ضيق ال تف�ضي نهايته �إىل �أي ا�ستقرار �سيا�سي و�أمني‪،‬‬ ‫و�أم�سكت بكل خيوط اللعبة ال�سيا�سية حتركها بال�صورة التي تراها‬ ‫منا�سب���ة مل�صاحله���ا اال�سرتاتيجية لي����س يف العراق وح���ده‪ ،‬و�إمنا‬ ‫يف املنطق���ة كلها‪ .‬ف�ش���كل النظام ال�سيا�سي ال���ذي مت ت�شكيله ال هو‬ ‫بالرئا�سي وال هو نظام برملاين وال هو حتى نظام اجلمعية الوطنية‪،‬‬ ‫�إن���ه خليط من كل هذه الأن���واع‪ ،‬الأمر الذي عقّد العملية ال�سيا�سية‬ ‫برمته���ا‪ ،‬ابتدا ًء من ت�شكي���ل الربملان‪ ،‬واختي���ار رئي�س اجلمهورية‪،‬‬ ‫�إىل اختي���ار رئي����س الربملان وانته���ا ًء باختيار رئي�س ال���وزراء الذي‬ ‫ميثل احللقة الأخرية يف الت�شكيلة‪� ،‬إال �أن م�س�ألة ح�سم اختياره �أو ًال‬ ‫�أ�ضح���ت العقدة الكبرية التي يجب ح�سمه���ا قبل الدخول يف ح�سم‬ ‫امل�سائ���ل الأخرى‪ ،‬مم���ا �أدى �إىل �أن تب���د�أ امل�ساوم���ات والتنازالت‪،‬‬ ‫ورمب���ا ال�صفق���ات (املالي���ة) حل�س���م ه���ذه النقطة‪ .‬ولذل���ك‪ ،‬ف�إن‬ ‫النظام االنتخابي‪ ،‬ونظام توزيع املقاعد �أُعِ دا بال�شكل الذي تتقارب‬ ‫كل الق���وى الكبرية الفائ���زة يف عدد املقاع���د الربملانية‪ ،‬لكي يبقى‬ ‫الو�ض���ع ال�سيا�سي مرتبك ًا ومهزوزاً‪ ،‬ويبقى املحتل هو املالذ الأخري‬ ‫(املُنقِذ)‪ ،‬حلل العقد امل�ستع�صية‪ ،‬لأن هو الذي �أ�شعل النريان‪ ،‬وهو‬ ‫القادر على �إطفاءها‪ ،‬ولكن بطريقته اخلا�صة‪.‬‬

‫ي�صدر قريب ًا‬ ‫�ضمن �سل�سلة درا�سات �إ�سرتاتيجية‬

‫الأ�سلحة ال�صغرية فـي اليمن‬

‫درا�سة ميدانية اجتماعية‬ ‫عبدال�سالم الدار احلكيمي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪77‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫ِظلّ‬ ‫املر�شد‬ ‫الأعلى‬

‫ال�صراع على م�ستقبل �إيران من بوابة «والية الفقيه»‬ ‫بوزيدي يحيى‬

‫‪bou_yahia@hotmail.com‬‬

‫خ�ل�ال �أزم���ة االنتخابات الرئا�سي���ة الإيرانية الأخرية‪ ،‬بدا وا�ضح��� ًا �أن املحافظني يرك���زون يف مواجهتهم للإ�صالحيني عل���ى اتهام ه�ؤالء‬ ‫الأخريي���ن مبحاول���ة التخطي���ط لقل���ب النظام واالنق�ل�اب على مر�ش���د الثورة الإ�سالمي���ة علي خامنئ���ي‪ ،‬متحججني بع���دم �إميانهم – �أي‬ ‫الإ�صالحي�ي�ن ‪ -‬بوالية الفقيه‪ ،‬ما دف���ع الزعيمان الإ�صالحيان مري ح�سني مو�سوي ومهدي كروبي لنفي هذه االتهامات بت�أكيدهم على �أنهم‬ ‫يعرت�ض���ون فق���ط على نتائج االنتخابات ويريدون الإ�صالح داخل �أُطُ ر النظ���ام‪ ،‬من خالل الن�شاطات التي ي�سمح بها الد�ستور‪ .‬وبدوره �شدد‬ ‫ها�شمي رف�سنجاين‪ ،‬رئي�س جممع ت�شخي�ص م�صلحة النظام‪ ،‬على �أن ح ّل الأزمة بيد الويل الفقيه املر�شد علي خامنئي‪.‬‬ ‫وه���ذا ي���دل على �أن ال�صراع‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬يج���ري على ر�أ�س النظام‪ ،‬وذل���ك لأن من�صب رئي�س اجلمهورية لي�س مهم��� ًا نظر ًا لل�صالحيات‬ ‫املح���دودة التي مينحه���ا الد�ستور الإيراين للرئي�س مقارن ًة مبا يوجد يف الد�ساتري العاملية الأخ���رى؛ ومهما كانت الن�سبة التي يح�صل عليها‬ ‫الرئي����س الفائ���ز ف�إنه يبقى دائم ًا �أ�سري املر�شد الأعلى الذي ميلك ح���ق تعيني رئي�س اجلمهورية و�إقالته‪ .‬وما ي�ؤكد هذه احلقيقة �أكرث‪ ،‬ت�أييد‬ ‫املر�ش���د عل���ي خامنئي لنتائج االنتخابات الأخرية التي �أجريت منت�صف العام املا�ض���ي ‪ ،2009‬ومباركته بفوز �أحمدي جناد قبل �إقراره من‬ ‫ضال ع���ن �سكوته ‪ -‬الذي هو عالمة الر�ضا ‪ -‬عن‬ ‫ط���رف جمل����س �صيان���ة الد�ستور‪ ،‬وا�صطفافه �إىل جانب جناد يف وقت مبكر من الأزمة‪ .‬ف� ً‬ ‫ممار�س���ات احلر�س الث���وري والبا�سيج �ضد املتظاهرين‪ ،‬بل �إن ت�صريحاته التي انتقد فيه���ا الإ�صالحيني �أكرث من مرة كانت مبثابة ال�ضوء‬ ‫الأخ�ض���ر لإطالق العنان للحر�س الثوري لقمع االحتجاجات عل���ى نتائج االنتخابات بكل الو�سائل‪ ،‬ولو �أن الأزمة كانت فقط من �أجل رئا�سة‬ ‫اجلمهورية ما كلّف خامنئي نف�سه كل هذه امل�شاكل‪ ،‬خا�ص ًة و�أن �صورته ت�أثرت كثري ًا داخلي ًا وخارجياً‪ ،‬وفقد هالة القدا�سة التي يُفرتَ�ض �أن‬ ‫حتيط به كويل فقيه ونائب عن الإمام‪.‬‬ ‫‪78‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫مار�س‪/‬يونيو ‪2010‬‬ ‫اجلزائر‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬بوزيدي‬ ‫من�سرتاتيجية ‪79‬‬ ‫يحيى باحث ا‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫وم���ن الدالئل �أي�ض ًا عل���ى �أن ال�صراع كان يف حقيقت���ه يدور حول من�صب‬ ‫املر�شد ه���و طريقة تعامل النظام مع جنازة املرج���ع الديني املعار�ض �آية‬ ‫اهلل ح�سني علي منتظ���ري‪ ،‬واالحتياطات الأمنية التي اتخذها النظام يف‬ ‫�أربعينيته‪ ،‬وانتقاد علي خامنئي له ب�شكل غري مبا�شر حني دعا له باملغفرة‪،‬‬ ‫نظ���ر ًا ملوقف �آية اهلل منتظري م���ن والية الفقيه عموم��� ًا وانتقاداته لقمع‬ ‫املتظاهري���ن ووقوفه �إىل جان���ب الإ�صالحيني يف �أزم���ة االنتخابات‪ ،‬وهو‬ ‫بهذا كان ميثل رمزية فكرية ومرجعية دينية ي�ستند �إليها الإ�صالحيني يف‬ ‫مواجهتهم للمحافظني‪.‬‬ ‫وق���د �أثار خرب مر�ض خامنئي ال���ذي تناقلته العديد م���ن و�سائل الإعالم‬ ‫ت�سا�ؤالت عمن يخلفه‪ ،‬وت�ضارب���ت بذلك التكهنات‪ ،‬وهذا الت�ضارب له ما‬ ‫ي�سوغ���ه نظ���ر ًا للآثار املرتتبة على التطورات يف النظ���ام الإيراين داخلي ًا‬ ‫وخارجي���اً‪ ،‬يف ظل ت����أزّم العالقات الإيرانية ‪ -‬الغربي���ة وانعكا�ساتها على‬ ‫الق�ضايا الإقليمية يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫ونظ���ر ًا للآلية التي يتم م���ن خاللها انتخاب املر�ش���د الأعلى (عن طريق‬ ‫جمل����س اخلرباء)‪ ،‬وال�صراع بني خمتلف �أجنح���ة النظام‪ ،‬وتعدد مراكز‬ ‫�صنع الق���رار فيه‪ ،‬وارتباط ذلك مبوقف املرجعي���ات يف قم التي يعرت�ض‬ ‫البع����ض منه���ا ‪� -‬أو الكث�ي�ر بتعب�ي�ر �أدق ‪ -‬عل���ى نظرية والي���ة الفقيه من‬ ‫الأ�سا�س‪ ،‬ف�إن احلديث عن م�ستقبل والية الفقيه وبالتايل م�ستقبل النظام‬ ‫الإيراين بعد خامنئي‪ ،‬هو من الأهمية وال�صعوبة يف نف�س الوقت مبكان‪.‬‬ ‫قام نظام اجلمهورية‬ ‫فهم نظرية «والية الفقيه»‬ ‫الإ�سالمي���ة الإيرانية �أ�سا�س ًا على نظري���ة والية الفقيه التي طوّرها الإمام‬ ‫�آي���ة اهلل اخلميني‪ ،‬و�أ�صبحت م�صدر �شرعية النظ���ام‪ .‬ومن يومها‪ ،‬تردد‬ ‫الزم���ة «امل���وت لعدو والي���ة الفقي���ه» عند الهت���اف ب�شعار «امل���وت لأمريكا‬ ‫وامل���وت لإ�سرائيل»‪ .‬من هنا‪ ،‬ف�إنه يتوجب ت�سليط ال�ضوء على نظرية والية‬ ‫الفقي���ه‪ ،‬الأم���ر الذي من �ش�أن���ه �أن ي�ساعدنا على فه���م االجتاه الذي من‬ ‫املمك���ن �أن يتّجه �إليه النظ���ام ال�سيا�سي الإيراين م�ستقب�ل�اً ‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املث���ال‪ ،‬تختل���ف الآراء الفقهية حول النظرية ب�ي�ن معرت�ض عليها مثل �آية‬ ‫اهلل �شريعتم���داري واخلوئي ومرع�شي جنفي وغريه���م من �أبرز املراجع‬ ‫ال�شيعية العربية والإيرانية‪� ،‬أو معرت�ض على الأ�سا�س الذي بنيت عليه من‬ ‫الأ�ص���ل وهو جود الإمام الثاين ع�شر مثل املفك���ر ال�شيعي حممد الكاتب‪،‬‬ ‫وم�ؤيد لها �إىل درجة رف�ض انتخاب املر�شد (من طرف جمل�س اخلرباء)‬ ‫و�إمنا يتم اكت�شافه مثل �آية اهلل جنتي‪� ،‬أو م�ؤمن بها ولكن على �أ�سا�س �أنها‬ ‫من�صب �شريف ومن ثمّ احلد من �صالحيات املر�شد‪� ،‬أو من يرى ب�ضرورة‬ ‫وجود جمل����س يتكون من بع����ض املرجعيات (القي���ادة اجلماعية)‪ .‬وهذا‬ ‫االختالف املبدئي حول النظرية له عدة دالالت‪ ،‬من بينها‪:‬‬

‫‪،،‬‬

‫اخلط��اب ال�سيا�س��ي وطروح��ات التي��ار‬ ‫املحافظ هي رد فع��ل على الطروحات التي‬ ‫ج��اء به��ا التي��ار الإ�صالح��ي‪ ،‬م��ا �أدى �إىل‬ ‫ا�ستنزاف امل�صادر النظرية لإيديولوجيا املحافظني‪،‬‬ ‫ور�سّ ��خ القواعد النظري��ة لطروح��ات الإ�صالحيني‬ ‫بو�صفه��ا مب��ادئ وقي��م معياري��ة للفك��ر واملمار�س��ة‬ ‫ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني‬ ‫‪80‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ التن���وع والتع���دد يف الآراء يعك�س مرونة يف النظري���ة‪ ،‬وبالتايل �إمكانية‬‫ا�ستمرارها ما دامت معظم الآراء لها مرجعية يف الفقه ال�شيعي‪.‬‬ ‫ ه���ذا االخت�ل�اف الكب�ي�ر يعك����س ه�شا�ش���ة الأ�س����س الديني���ة للنظرية‪،‬‬‫وبالتايل ف�إنه م�ؤ�شر على �سرعة نهايتها بنف�س الطريقة التي ت�أ�س�ست بها‬ ‫اجلمهورية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل هذا‪ ،‬هناك العديد م���ن املالحظات على نظرية ونظام والية‬ ‫الفقيه‪ ،‬جنملها فيما يلي‪:‬‬ ‫ تق���وم النظري���ة على �أ�سا�س نيابة الويل الفقيه ع���ن الإمام الثاين ع�شر‬‫(الإم���ام الغائب واملهدي املنتظر)‪ ،‬وبالتايل قيام���ه بكل ما هو من مهام‬ ‫الإمام الغائب‪ ،‬وحتى �صالة اجلمعة التي عُ طِّ لت لقرون ب�سبب الغيبة عاد‬ ‫اخلميني لي�ست�أنفه���ا‪ ،‬وهذا يدل على �صعوبة �أو ا�ستحالة �إجراء تعديالت‬ ‫د�ستوري���ة لتو�سيع �صالحي���ات رئي�س اجلمهوري���ة‪ ،‬لأن �أي خطوة من هذا‬ ‫القبي���ل ‪� -‬إ�ضاف���ة �إىل كونها قد تك���ون بداية لتن���ازالت متتابعة تعزز من‬ ‫ق���درة الإ�صالحيني على املن���اورة ال�سيا�سية‪ ،‬ومتكنهم م���ن التغلغل �أكرث‬ ‫يف م�ؤ�س�س���ات �صنع الق���رار‪� -‬ستعترب انتقا�ص ًا من مق���ام املر�شد الأعلى‪،‬‬ ‫ومن ثمّ فقدان نظرية والية الفقيه للرابط الإلهي بني الويل الفقيه واهلل‪،‬‬ ‫الأمر الذي من �ش�أنه �أن يفتح املجال ل�سجال فقهي �آخر بني املراجع يكون‬ ‫فيها امل�ؤيد للنظرية يف موقف ال�ضعيف املدافع‪.‬‬ ‫ تبق���ى والي���ة الفقي���ه بو�صفه���ا نيابة عن الإم���ام الغائ���ب يف حاجة �إىل‬‫املرجعية الدينية على ر�أ�س النظام‪ .‬ورغم املخرج الذي �أنقذ به اخلميني‬ ‫النظ���ام‪ ،‬ف�إن املر�ش���د �سيحاول دائم��� ًا افتكاك املرجعي���ة لتعزيز �سلطته‬ ‫و�شرعنته���ا كما ح�صل م���ع خامنئي‪ ،‬ما ينذر ب�ص���راع �شديد �سينعك�س ‪-‬‬ ‫مهما كانت نتائجه ‪� -‬سلب ًا على النظرية‪.‬‬ ‫ كان يتوق���ع يف االنتخاب���ات الرئا�سي���ة التي �أجريت ع���ام ‪� 2001‬أن يربز‬‫تي���ار ثالث جديد ي�ض���م عقالء املحافظني والإ�صالحي�ي�ن‪ ،‬وت�شكيل ت�آلف‬ ‫�سيا�س���ي ي�شرتك يف �ضرورة الإ�صالح واال�ستقرار‪ ،‬ويعمل من �أجل حلحلة‬ ‫الو�ض���ع القائم(‪� ،)1‬إال �أن نتائج تلك االنتخابات �أ�سفرت عن جناح حممد‬ ‫خامتي بعهدة ثانية‪ ،‬ووا�ص���ل كل تيار التمرت�س خلف �أفكاره‪ ،‬مع موا�صلة‬ ‫املحافظ�ي�ن الت�ضيي���ق عل���ى خامت���ي والإ�صالحي�ي�ن عموم��� ًا يف خمتل���ف‬ ‫املجاالت‪ ،‬وعادوا يف الأخري لي�سيطروا على الربملان ثم الرئا�سة ليحكموا‬ ‫قب�ضته���م على النظام‪ ،‬م���ا جعل ال�شباب يفقد الأم���ل يف التغيري‪ ،‬وذهب‬ ‫البع�ض �إىل احلديث عن «موت الإ�صالحات»(‪� ،)2‬أو ذهاب م�شروع خامتي‬ ‫�إىل «ذمة تاريخ �إي���ران»(‪ .)3‬ومع ذلك‪ ،‬مل يكن الرتاجع الإ�صالحي �سوى‬ ‫ا�سرتاح���ة مقاتل �أو وقفة اللتقاط الأنفا�س ليعود ب�شكل قوي يف انتخابات‬ ‫‪ 2009‬باملر�شح ذي التاريخ الكبري مري ح�سني مو�سوي‪ ،‬الذي يقود احلركة‬ ‫اخل�ضراء بعد رف�ضه لنتائ���ج االنتخابات‪ ،‬وما زال م�ستمر ًا يف املعار�ضة‪،‬‬ ‫وال يبدو يف الأفق القريب واملتو�سط �أنه �سيتنازل عن مطالبه‪.‬‬ ‫ اخلط���اب ال�سيا�س���ي وطروح���ات التي���ار املحاف���ظ ه���ي رد فع���ل عل���ى‬‫الطروح���ات الت���ي جاء به���ا التي���ار الإ�صالح���ي‪ ،‬م���ا �أدى �إىل ا�ستنزاف‬ ‫امل�ص���ادر النظري���ة لإيديولوجي���ا املحافظ�ي�ن‪ ،‬ور�سّ خ القواع���د النظرية‬ ‫لطروح���ات الإ�صالحيني بو�صفها مبادئ وقي���م معيارية للفكر واملمار�سة‬ ‫ال�سيا�سية على امل�ستوى الوطني(‪.)4‬‬ ‫ تتميز فتاوى املراجع الدينية يف �إيران‪ ،‬خا�ص ًة منها التي ارتبطت ب�أحداث‬‫تاريخية كبرية‪ ،‬بنوع من العمومي���ة وال�سطحية وتوظيف م�صطلحات لها‬ ‫�أث���ر عاطفي ووجداين على ال�شيعة‪ ،‬مثل فت���وى ال�شريازي عن التبغ الذي‬

‫ها�شمي رف�سنجاين‬

‫ح ّرم���ه لئال يكون حرب ًا على �إم���ام الزمان‪ ،‬وفتوى كا�شاين يف �أزمة ت�أميم‬ ‫الب�ت�رول الذي �أفتى ب�أن «كل من يعار�ض ت�أمي���م النفط الإيراين هو عدو‬ ‫للإ�سالم»‪ ،‬وفت���وى اخلميني حول اال�ستفتاء ع���ن اجلمهورية الإ�سالمية‪:‬‬ ‫«كل �صوت بـ (ال) هو �صوت �ضد الإ�سالم»‪ .‬و�أمام هذا النوع من الفتاوى‪،‬‬ ‫ميك���ن �أن تدخل البالد يف ح���رب �أهلية �أو دوامة من العن���ف �إذا ما �أفتى‬ ‫�أحد املراج���ع بفتوى من هذا القبيل‪ ،‬وقد �سبق �آيات اهلل الداعمني للتيار‬ ‫املحاف���ظ �أن �أ�ص���دروا فتاوى تُكفّ���ر زعماء الإ�صالحي�ي�ن وتطالب ب�إنزال‬ ‫عقوب���ة الإع���دام يف حقه���م‪ ،‬واحلكم عل���ى املتظاهرين بالإع���دام بتهمة‬ ‫احلرابة‪ ،‬الأمر الذي اعرت�ض عليه الكثري من املراجع الدينية‪.‬‬ ‫ اعرت����ض الكثريي���ن م���ن الأو�س���اط ال�سيا�سي���ة م���ع بداية الث���ورة على‬‫اجلمهوري���ة الإ�سالمي���ة‪ ،‬ودار �ص���راع ب�ي�ن النخب ال�سيا�سي���ة حول هوية‬ ‫اجلمهوري���ة وطابعه���ا الإ�سالم���ي‪ ،‬انطالق��� ًا م���ن خلفي���ات �أيديولوجي���ة‬ ‫ي�ساري���ة �أو ليربالية‪ .‬ويف الأزمة احلالية‪ ،‬يدور ال�ص���راع �أي�ض ًا على هوية‬ ‫اجلمهوري���ة الإ�سالمية وروحها؛ ورغ���م �أن الإ�صالحيني ي�ؤكدون �إميانهم‬ ‫بوالي���ة الفقيه‪ ،‬ف�إنه���م بذلك يناورون على هام�ش �سلط���ة الأمة يف مقابل‬ ‫�سلطة نائب الإم���ام الذي نظّ ر له اخلميني وت�ضمنته العديد من ن�صو�ص‬ ‫الد�ستور الإيراين‪ ،‬وبالتايل ف����إن اجلدل الد�ستوري وال�سيا�سي حول فهم‬ ‫الأطروحة ال�سيا�سية اخلمينية(‪� )5‬سي�ضاف �إىل اجلدل الفقهي‪ ،‬ما يُعقِّد‬ ‫املو�ضوع �أكرث‪.‬‬ ‫ �شه���دت مرحلة حكم ال�شاه ر�ضا بهلوي انزوا ًء للم�ؤ�س�سة الدينية ب�سبب‬‫ت�شدي���د النظام قب�ضته على ال�سلطة‪ ،‬وه���و �سلوك جل�أ �إليه فقهاء ال�شيعة‬ ‫يف مراح���ل تاريخية �سابق���ة‪ ،‬ولكن النظام ال�سيا�س���ي الإيراين يف الوقت‬ ‫احلا�ض���ر ينطل���ق م���ن (ويرتكز عل���ى) امل�ؤ�س�س���ة الدينية نف�سه���ا‪ ،‬وهذا‬ ‫يعن���ي �أن املواجه���ة حتمية‪ ،‬و�أنه ال جم���ال لالنزواء والرتاج���ع خا�ص ًة مع‬ ‫حماوالت املر�شد احل�صول على املرجعية ومناف�ستها يف عقر دارها‪ .‬وقد‬ ‫عم���د الكثري م���ن رجال الدي���ن �إىل و�صف عملية �إع���ادة انتخاب �أحمدي‬ ‫جناد بالعملي���ة غري ال�شرعية والطاغوتية(‪ .)6‬وم���ن جهة �أخرى‪ ،‬ظهرت‬ ‫�إىل العلن‪ ،‬وب�شكل م�ستم���ر‪ ،‬انتقادات لنظام والية الفقيه �أدىل بها بع�ض‬ ‫املراج���ع املح�سوبني على التيار الإ�صالحي‪ ،‬كما فعل مث ًال �آية اهلل �صانعي‬ ‫يف انتقادات���ه لبع�ض �آيات اهلل املحافظني يف قم الذين يدعون �إيل حتويل‬ ‫«اجلمهورية الإ�سالمية» يف �إيران‪� ،‬إىل «حكومة �إ�سالمية»‪ ،‬خ�صو�ص ًا بعد‬ ‫انتخاب �أحمدي جناد رئي�س ًا لإيران(‪.)7‬‬

‫�آية اهلل منتظري‬

‫ نظ���ام والي���ة الفقي���ه فر�ض نف�س���ه بالقوة وال�سط���وة ال�سيا�سي���ة ولي�س‬‫بامل�شروعي���ة والنظرية واحلجة الفقهية‪ ،‬وذلك لأن معظم املراجع‪ ،‬والتي‬ ‫تف���وق اخلميني منزل���ة علمية‪ ،‬عار�ضت���ه‪ ،‬بل حتى �أن���ه مل يكن هناك يف‬ ‫امل�سودة الأوىل من الد�ستور التي وقّعها اخلميني �أي ذكر لوالية الفقيه(‪.)8‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف����إن م�ستقبل نظام والية الفقيه �سيبق���ى مرتبط ًا بنف�س املعادلة‪،‬‬ ‫غ�ي�ر �أن �إمكانية التغيري من داخل احل���وزة العلمية تتطلب وجود مرجعية‬ ‫تتمت���ع مبوا�صف���ات كاريزمي���ة قادرة عل���ى ح�شد اجلماه�ي�ر �أو �شخ�صية‬ ‫�سيا�سية مدعومة من املرجعيات الدينية‪.‬‬ ‫ على عك�س معظم الأنظمة الثورية التي ت�ؤ�س�س حزب ًا يرتبع على ال�سلطة‬‫ويُق�ص���ي املعار�ضني ال�سيا�سي�ي�ن‪� ،‬أقدم النظام الإي���راين على ح ّل حزب‬ ‫اجلمهوري���ة الإ�سالمية ب�ش���كل تلقائي‪ ،‬وهذا يدل عل���ى قابلية التغيري يف‬ ‫النظام باجتاهات غري متوقعة‪.‬‬ ‫ ا�ستط���اع احلر�س الث���وري الإيراين التغلغل ب�شكل كب�ي�ر يف بُنى النظام‬‫وال�سيط���رة عل���ى العديد م���ن م�ؤ�س�ساته‪� ،‬إىل درج���ة �أن قادت���ه �أ�صبحوا‬ ‫يواجه���ون قيادات ال�ص���ف الأول من الث���ورة اعتماد ًا عل���ى دعم خامنئي‬ ‫املطل���ق لهم‪ ،‬م���ا يُنبئ ب���دور �أك�ب�ر للحر�س الث���وري م�ستقب�ل�اً مع وجود‬ ‫�صالحيات د�ستورية تخوله احلق بالتدخل يف ال�ش�ؤون ال�سيا�سية الداخلية‬ ‫(حماي���ة نظام والية الفقيه‪ ،‬و�إحباط امل�ؤام���رات �ضده)‪ .‬ويبدو �أن رف�ض‬ ‫ه���ذا الأخري لعقد ت�سوية �سيا�سية م���ع الإ�صالحيني‪ ،‬وجلوئه �إىل القوة يف‬ ‫حماولة لإنهاء الأزمة‪ ،‬يرجح �إمكانية ح�صول مواجهات عنيفة م�ستقبال‪.‬‬ ‫وق���د يقوم احلر�س باغتيال بع�ض الرموز الإ�صالحية لردع التيار‪ ،‬وهناك‬ ‫م�ؤ�ش���رات على ذلك �أبرزه���ا املحاوالت املتكررة الغتي���ال مهدي كروبي‪،‬‬ ‫والتهدي���د باغتي���ال خامت���ي ومو�س���وي واالعت���داء عل���ى ه���ذا الأخري يف‬ ‫التجمعات اجلماهريية‪ ،‬و�أحكام الإعدام التي وجهت للقيادات الطالبية‬ ‫بتهم���ة احلراب���ة‪ ،‬ويف كل ه���ذه املح���اوالت مل يت���م �إيق���اف املعتدين على‬ ‫القيادات الإ�صالحية‪ ،‬ما يعني �أنها كانت مدبرة وخمطط لها م�سبق ًا من‬ ‫طرف احلر�س الثوري‪ ،‬وم�سندة بفتوى �شرعية كما �سبق �أن �أ�شرنا‪.‬‬ ‫ تخفيف �شروط الت�صدي ملن�صب املر�شد الأعلى من �ضرورة توفّره على‬‫املرجعي���ة والتقليد التي كانت تتنا�سب مع الإمام اخلميني يف د�ستور �سنة‬ ‫‪ ،1979‬وتوفّر نائبه املعزول �آية اهلل ح�سني علي منتظري على اجلزء الكبري‬ ‫منها‪� ،‬إىل التنازل عن �شرط املرجعية واالقت�صار على الكفاءة ال�سيا�سية‬ ‫وما يليه���ا من �شروط(‪ .)9‬ومن جهة �أخرى‪ ،‬حتدث���ت بع�ض الأو�ساط عن‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪81‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫�إمكاني���ة ت�شكي���ل جمل�س �شورى من عدة �آيات اهلل ولي����س �آية اهلل واحداً‪،‬‬ ‫�أي جمل����س م���ن ‪� 3‬أو ‪� 5‬أ�شخا����ص‪ ،‬ليتوىل هو الوالي���ة‪ .‬ويف حالة مر�ض �أو‬ ‫ا�ستقال���ة خامنئي مث�ل�اً (‪ )10‬قد يفت���ح املجال لعدد �أكرب م���ن املتناف�سني‬ ‫الطاحمني لل�سلطة‪ ،‬الأمر الذي �سي�ؤدي �إىل اندالع �صراع �شديد على عدة‬ ‫جبهات‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬الأوىل‪ ،‬داخل التيار املحافظ نف�سه‪ ،‬ب�سبب التقارب العلمي وال�سيا�سي‬ ‫بينهم‪ ،‬وعدم وج���ود �شخ�صية قوية ت�ستطيع ح�س���م الأمور ب�شكل قطعي‪،‬‬ ‫وكرثة ع���دد رجال الدي���ن املحافظ�ي�ن يف امل�ؤ�س�سات‪ ،‬خا�ص��� ًة �أن جمل�س‬ ‫اخلرباء الذي يكلف بتعيني املر�شد ي�ضمّ ثمانني عامل دين‪ .‬ومن امل�ؤ�شرات‬ ‫على انق�سام التيار املحاف���ظ‪ ،‬انتقاد الكثري من رموزه ل�سيا�سات �أحمدي‬ ‫جناد‪.‬‬ ‫ب‪ .‬اجلبه���ة الثاني���ة‪ ،‬بني املحافظ�ي�ن والإ�صالحي�ي�ن الذي���ن �سي�ستغلون‬ ‫فر�صة ال�صراع بني املحافظني بالهجوم على املر�شحني للمن�صب �أو حتى‬ ‫املر�ش���ح الواحد �إذا ما ح�صل �إجماع وتواف���ق داخل التيار املحافظ‪ ،‬ومن‬ ‫امل�ستبعد �أن يكون مرجع��� ًا ديني ًا كبرياً‪ ،‬وهذا ما يدعم وجهة نظر الي�سار‬ ‫الإ�صالح���ي العلماين الذي يطالب ب�إلغاء والية الفقيه‪ .‬و�إىل جانب ذلك‪،‬‬ ‫ثم���ة من ينادي ب�إيجاد بع����ض القوانني يف الد�ستور تقيّ���د �سلطات الويل‬ ‫الفقي���ه بامل�ؤ�س�سات املنتخب���ة(‪ ،)11‬وقد ملّح لهذا ها�شم���ي رف�سنجاين يف‬ ‫لقاء م���ع �أئمة اجلمعة و�أع�ضاء جمل�س خ�ب�راء القيادة وجممع ت�شخي�ص‬ ‫م�صلحة النظ���ام ونواب حاليني و�سابقني يف جمل����س ال�شورى‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل بع����ض النا�شط�ي�ن ال�سيا�سي�ي�ن يف �إيران وحمافظني وم���دراء‪ ،‬وذلك‬ ‫مبنا�سبة ال�سنة الفار�سية اجلديدة‪ ،‬بقوله‪�« :‬إن الإمام اخلميني كان يعترب‬ ‫جمل�س ال�ش���ورى الإ�سالمي �أ�سا�س ًا ل�سيادة ال�شع���ب يف النظام الإيراين»‪،‬‬ ‫م�ضيف ًا «�إن املجل�س �سلطة «قوية»‪� ،‬إذ ا�ستطاع �أن ي�سنّ العديد من القوانني‬ ‫«املهمة» يف البالد على �أ�سا�س �آراء الإمام والقيادة والد�ستور»(‪.)12‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪ ،‬ف����إن وج���ود رف�سنج���اين عل���ى ر�أ����س املجل����س يجعل‬ ‫الإ�صالحي�ي�ن يف مرك���ز ق���وة‪ ،‬وق���د �سب���ق �أن دعمه بع����ض املحافظني يف‬ ‫انتخاب���ات رئي�س جمل����س اخلرباء على ح�ساب املر�ش���ح املحافظ �آية اهلل‬ ‫م�صباح يزدي‪ ،‬و�أبرزهم تلميذه حجة الإ�سالم حم�سن غرفيان(‪ .)13‬ويف‬ ‫دول���ة ي�شار �إىل �أكرب انتماء �سيا�سي فيها با�سم «حزب الرياح» على �سبيل‬ ‫الدعابة‪ ،‬ف�إن �أن�صار خامنئي احلاليني ميكنهم �أن يتخلوا عنه ب�سرعة �إذا‬ ‫�شعروا بهبوب رياح �سيا�سية �أقوى يف مكان �آخر(‪.)14‬‬ ‫ج‪� .‬أم���ا اجلبه���ة الثالثة‪ ،‬فهي ب�ي�ن املحافظني واملرجعي���ات الدينية التي‬ ‫ق���د ترفع غطاء ال�شرعية ع���ن املر�شد املر�شح �أو املعينّ ‪ ،‬وهناك من يتوقّع‬ ‫ب����أن يكون املر�شد القادِم م���ن طهران ولي�س من ق���م(‪ ،)15‬خا�صة �إذا ما‬ ‫تراف���ق ذلك مع احتجاجات ومعار�ض���ة �شعبية ومظاهرات يحركها التيار‬ ‫الإ�صالحي‪ ،‬علم ًا �أن طريق املر�شد علي خامنئي مل يكن �سهالً‪ ،‬ومع خلفه‬ ‫�سيك���ون �أكرث �صعوبة بالت�أكيد‪ ،‬وحتى رج���ال الدين املوجودين يف طهران‬ ‫ رغ���م ن�ش�أتهم يف قم ‪� -‬إال �أنهم �أ�صبح���وا مرتبطني بال�سيا�سة �أكرث من‬‫الدين‪.‬‬ ‫ تعام���ل النظ���ام مع الإ�صالحي�ي�ن ككلٍّ مرك���ب وعدم ا�ستثن���اء �أي تيار‬‫منه���م يف �أزم���ة االنتخاب���ات الرئا�سي���ة‪� ،‬ساعد على توحده���م وتكاتفهم‬ ‫خا�ص��� ًة م���ع ها�شم���ي رف�سنجاين ال���ذي كان ي�صنّف على �أن���ه ينتمي �إىل‬ ‫التيار الرباغماتي‪ ،‬وقد �شكلوا بذلك جبهة قوية‪ ،‬ال�سيما بعد ان�ضم �إليهم‬ ‫العديد من رجال الدين يف قم من امل�ؤيدين للجمهورية الإ�سالمية والذين‬ ‫له���م حتفظات على بع�ض ممار�سات ال�سلطة فق���ط‪ ،‬ومع هذا مل ي�ستثنوا‬ ‫‪82‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أي�ض ًا من بط�ش النظام مثل �آية اهلل حممد تقي خلجي(‪.)16‬‬ ‫ ي�ؤث���ر الري���ع النفط���ي ب�ش���كل �سلب���ي يف �سيا�س���ات النظ���ام الإي���راين‪،‬‬‫حي���ث ترب���ط نظرية الدول���ة الريعية عالق���ة مبا�شرة بني الري���ع النفطي‬ ‫والديكتاتوري���ة؛ ذل���ك �أن الدول���ة عندم���ا ال ترغ���م املواطن�ي�ن عل���ى دفع‬ ‫ال�ضرائب‪ ،‬ف�إنها يف احلقيقة ال تكون م�ضطرة لإجراء ت�سويات مع خمتلف‬ ‫الفئات االجتماعية مما يُ�شجع على قيام نظام ديكتاتوري‪ ،‬وحتول و�سائل‬ ‫الدول���ة القمعية ب�شكل خا����ص دون �أي انفتاح دميقراط���ي‪ .‬كما �أن �إعادة‬ ‫توزي���ع الريع النفطي �شجّ ع قي���ام نظام ا�ستلزامي (زبائن���ي)‪ ،‬بحيث �أن‬ ‫الدع���م ال�سيا�سي الذي تقدمه فئة اجتماعية يتوقف جزئي ًا على املكا�سب‬ ‫املالية التي جتنيها منه(‪.)17‬‬ ‫يُن�سَ ب‬ ‫الويل الفقيه وحدود الف�ساد ال�سيا�سي‬ ‫�إىل الإم���ام اخلمين���ي قول���ه «�إذا م���ررت مبعمّ���مٍ فا�سد فال تق���ل «معمم‬ ‫فا�س���د»‪ ،‬و�إمنا قُ���ل «فا�س ٌد تعمّ���م»»‪ ،‬ويف هذا �إقرار م���ن اخلميني بوجود‬ ‫علم���اء دي���ن فا�سدين‪ ،‬وهذا �أم���ر بديهي‪ .‬كما �أنه يف ع���امل ال�سيا�سة من‬ ‫امل�سلم���ات الت���ي ت�شرعن يف بع����ض الأدبي���ات ال�سيا�سية حت���ت م�سميات‬ ‫خمتلف���ة كامل�صلحة العلي���ا‪� ،‬أو امل�صلحة ال�شخ�صية �أو النف���وذ ال�سيا�سي‬ ‫وغريه���ا من امل�صطلحات‪ .‬وعندم���ا ي�سيطر رجال الدين على ال�سلطة يف‬ ‫�إي���ران‪ ،‬ويف ظ���ل تعدد م�ؤ�س�سات �صنع القرار الت���ي ي�شرف عليها �أو يكون‬ ‫�أع�ض���اء فيها رجال الدين‪ ،‬ف�إن حاالت الف�ساد تكون كثرية و�آثارها كبرية‬ ‫ج���د ًا وتنعك�س مبا�شر ًة على املجتمع؛ فهناك فرق كبري بني �سيا�سي فا�سد‬ ‫وعامل دين فا�سد‪.‬‬ ‫ومن بني اخل�صائ����ص التي متيز النظام ال�سيا�س���ي الإيراين‪ ،‬يف �صورته‬ ‫احلالية‪ ،‬عن غريه من الأنظمة ‪� -‬إ�ضافة �إىل من�صب املر�شد واالزدواجية‬ ‫امل�ؤ�س�ساتي���ة وغريه���ا من اخل�صائ����ص – �أن نظام���ه الق�ضائي توجد به‬ ‫حماكم خم�ص�صة لرجال الدين بو�صفها فرع من فروع الق�ضاء اخلا�ص‪.‬‬ ‫وق���د �أن�شئت ه���ذه املحكمة ملواجه���ة جت���اوزات بع�ض رج���ال الدين التي‬ ‫ه���دّدت م�صداقية النظام الإيراين نف�سه‪ ،‬مثل جت���اوزات �آية اهلل �صادق‬ ‫خلخايل الذي اتهم بالر�ش���وة وانتهاك العدالة‪ ،‬حتى �أن التدقيق يف ملف‬ ‫‪� 96‬شخ�ص��� ًا من بني ‪� 98‬شخ�ص ًا حكم عليهم خلخايل بالإعدام‪ ،‬قد �أ�سفر‬ ‫ع���ن براءته���م‪ ،‬كما �أثبت �أن تهم���ة االثنني الأخريي���ن ال ت�ستوجب احلكم‬ ‫عليهما بعقوبة الإعدام‪.‬‬ ‫وق���د �شُ كِّلت �أوىل ه���ذه املحاكم يف بداي���ة الثورة برئا�سة �آي���ة اهلل �آذري‪،‬‬ ‫�إال �أن جتاوزاته���ا جت���اه املخالفني يف ال���ر�أي من داخ���ل امل�ؤ�س�سة الدينية‬ ‫وم���ن خارجه���ا حدت ب�آية اهلل منتظري على ح ّله���ا يف عام ‪ ،1984‬قبل �أن‬ ‫يتمك���ن ري�شهري من �إبطال هذا احل��� ّل وال�سعي لدى الرئي�س – �آنذاك ‪-‬‬ ‫علي خامنئي ال�ست�صدار مر�س���وم جديد من اخلميني يق�ضي با�ستئنافها‬ ‫العم���ل وتر�ؤ�سه (�أي ري�شهري) لها‪ .‬وهكذا ارتبطت املحكمة منذ البداية‬ ‫بخالفات بني عنا�صر النخبة احلاكمة‪ ،‬وتطورت على النحو نف�سه(‪.)18‬‬ ‫وتتمث���ل اخت�صا�ص���ات ه���ذه املحكمة بالنظ���ر يف املو�ضوع���ات والق�ضايا‬ ‫التالية‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬الت�آمر �ضد القيادة �أو توجيه الإهانات �إليها من قبل رجال الدين‪.‬‬ ‫ب‪ .‬كل الت�صرفات والأعمال غري ال�شرعية التي يرتكبها رجال الدين‪.‬‬ ‫ج‪ .‬كافة املنازعات املحلية املخالفة للأمن العام التي يكون �أحد اخل�صوم‬ ‫فيها من رجال الدين‪.‬‬

‫يف حال��ة مر���ض �أو ا�ستقال��ة خامنئي ق��د يفتح املجال لع��دد �أكرب من املتناف�س�ين الطاحمني لل�سلط��ة‪ ،‬الأمر الذي‬ ‫�سي���ؤدي �إىل اندالع �ص��راع �شديد على عدة جبه��ات‪:‬الأوىل‪ ،‬داخل التيار املحافظ نف�س��ه؛ والثانية بني املحافظني‬ ‫والإ�صالحي�ين؛ �أم��ا اجلبهة الثالث��ة‪ ،‬فهي بني املحافظني واملرجعي��ات الدينية التي قد ترفع غط��اء ال�شرعية عن‬ ‫املر�شد املر�شح �أو املعينّ ‪ ،‬وهناك من يتوقّ ع ب�أن يكون املر�شد القادِم من طهران ولي�س من قم‬ ‫د‪ .‬جميع الق�ضايا التي تدعو القيادة �إىل النظر فيها‪.‬‬ ‫وقد جعل القانون �أحكام هذه املحكمة نهائية �إال يف ثالثة ا�ستثناءات‪ ،‬كما‬ ‫�أن املحكمة العليا للبالد ال متلك �أي نوع من الإ�شراف على حمكمة رجال‬ ‫الدي���ن‪ .‬وتر�شّ ح الأخرية للمتهمني حمامني يختارون من بينهم من يدافع‬ ‫عنه���م‪ ،‬ما جعل اخت�صا�صات املحكم���ة ف�ضفا�ضة والتي تثبت لها بتخويل‬ ‫القي���ادة احل���ق يف �أن تحُ يل عليه���ا ما ت�شاء من ق�ضاي���ا‪ ،‬وهذا هو املدخل‬ ‫ال���ذي �سمح مبحاكم���ة ال�صحفيني �أمام حمكمة رج���ال الدين‪ .‬وقد ف�سّ ر‬ ‫البع����ض املادة (‪ )25‬التي تخوِّل مكات���ب الإدعاء اخلا�صة باملحكمة ‪ -‬لي�س‬ ‫فق���ط احلق يف تعيني ق�ضاة التحقيق‪ ،‬لكن كذلك تنفيذ �أحكام املحكمة ‪-‬‬ ‫ب����أن للمحكمة قوات �أمنها اخلا�صة و�سجونه���ا امل�ستقلة‪ .‬ووفق املادة (‪)45‬‬ ‫الت���ي ت�شري �إىل امليزانية اخلا�صة للمحكمة يالحظ ب�أنها تمُ ّول من خزانة‬ ‫الدول���ة‪ .‬مع العلم ب�أن مداوالت املحكمة تتم يف �سرية تامة‪ ،‬وقد باءت كل‬ ‫م�ساعي دجمها يف الق�ضاء العام بالف�شل‪.‬‬ ‫يرتب���ط رجال الدين من جانب �آخر بالب���ازار‪ ،‬الذي يعترب امل�صدر املايل‬ ‫ال���ذي ا�ستطاع���ت بف�ضله احلوزة العلمي���ة اال�ستمراري���ة واملحافظة على‬ ‫ا�ستقالليته���ا ع���ن ال�سلطة ال�سيا�سية ع�ب�ر التاريخ‪ .‬وق���د ارتبطت ثورتيّ‬ ‫‪ 1905‬و‪ 1979‬ب�شكل كبري بعوامل اقت�صادية من �أهمها القرارات احلكومية‬ ‫التي كانت ت�ؤثر �سلب ًا يف م�صالح البازار‪ ،‬وبالتايل احلوزة العلمية ( زكاة‬ ‫اخلم�س)‪ ،‬ل���ذا فقد وقف رجال الدين �إىل جانب الب���ازار �ضد القرارات‬ ‫احلكومي���ة التي �أ�ض���رّت مب�صاحله���م‪ .‬وقد �أق���رّت بع����ض الأ�صوات من‬ ‫داخ���ل احلوزة به���ذه العالقة‪� ،‬إذ يقول �آية اهلل مطه���ري «�إذا �أردنا حوزة‬ ‫نقية فلنقط���ع العالقة بني رجال الدين والب���ازار»(‪ .)19‬والوا�ضح �أن هذا‬ ‫التداخ���ل يف امل�صالح بني الطرفني ي�ؤكد �أي�ض��� ًا على ا�ست�شراء الف�ساد يف‬ ‫احلوزة العلمية‪.‬‬

‫كما �أن من بني خ�صائ�ص النخبة ال�سيا�سية يف النظام الإيراين‪ ،‬خا�صية‬ ‫العائلية والقرابة‪� ،‬إذ ت�سيطر الكثري من ال�شخ�صيات من العائلة الواحدة‬ ‫على م�ؤ�س�سات و�أحزاب‪ ،‬وقد كانت هذه اخلا�صية �أحد الأ�سباب الرئي�سية‬ ‫يف ا�ست�ش���راء الف�س���اد ال�سيا�س���ي داخل �أبني���ة النظام الإي���راين �أجهزته‬ ‫وم�ؤ�س�سات���ه‪ .‬واملعروف يف ه���ذا الإطار‪� ،‬أن االتهام���ات مل ت�ستثنِ م�ؤ�س�س‬ ‫اجلمهورية الإ�سالمية (الإمام اخلميني) ب�سبب املمار�سات القمعية التي‬ ‫كان يقوم بها م�ؤيدوه �ضد خ�صومه ال�سيا�سيني الذين وقفوا �إىل جانبه يف‬ ‫مواجهته مع ال�شاه حتى الإطاحة به‪ ،‬ليطلق بعدها العنان للحر�س الثوري‬ ‫الذي ق���ام ب�إعدام الكثري منهم يف املحاكم الثوري���ة �أو عن طريق جرائم‬ ‫االغتيال ال�سيا�سي وهي – بر�أي البع�ض – من �أ�شنع �صور الف�ساد‪ .‬وهناك‬ ‫العديد م���ن املراجع و تقارير حقوق الإن�سان التي حتدثت عن االنتهاكات‬ ‫الت���ي ميار�سها النظام يف �إيران من���ذ �أيامه الأوىل‪ ،‬وقد طالت االتهامات‬ ‫حتى املر�شد احلايل للثورة الإ�سالمية على خامنئي‪ ،‬والذي حتدثت بع�ض‬ ‫التقاري���ر عند �إعالن نب�أ تدهور �صحت���ه عن احتمال �أن يكون ابنه هو من‬ ‫�سيخلفه يف من�صب املر�شد‪.‬‬ ‫وي�ؤكد املتابعون لل�ش�أن الإيراين �أنه �ضمن احللقة ال�ضيقة التي حتكم �إيران‬ ‫حالي��� ًا يوجد ابنيّ املر�شد (جمتبي خامنئي و�أحمد خامنئي) (‪ .)20‬زيادة‬ ‫عل���ى ذلك‪ ،‬فقد كان ال�سبب يف عدم مثول هادي خامنئي‪� ،‬شقيق املر�شد‪،‬‬ ‫�أم���ام حمكم���ة رجال الدين‪ ،‬وذلك على عك�س عب���د اهلل نوري الذي �س�ؤل‬ ‫عن �سبب مثوله �أمام حمكمة رجال الدين التي يطعن يف د�ستوريتها‪ ،‬فيما‬ ‫رف�ض خامنئي املثول �أمامها لل�سبب ذاته‪ ،‬ف�أجاب بقوله «ذلك كان هادي‬ ‫خامنئ���ي‪ ،‬وا�سم���ي عبد اهلل ن���وري»(‪ .)22‬وقد اتهم املعار����ض الإ�صالحي‬ ‫مهدي كروبي يف ر�سالته الأوىل للمر�شد ابنه جمتبى خامنئي‪ ،‬بالتورط يف‬ ‫�شبكة دعم �أحمدي جناد يف رئا�سيات ‪ 2005‬وطالبه بفتح حتقيق يف الأمر‪،‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪83‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫كم���ا طالبه يف ر�سالة مفتوحة �أخ���رى بالتدخل لوقف بع�ض قوات احلر�س‬ ‫الثوري وامل�سئولني م���ن التدخل غري القانوين يف االنتخابات(‪� .)22‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ذل���ك‪ ،‬حتدثت بع�ض التقارير عن وج���ود �شبهة م�ؤامرة يف مالب�سات‬ ‫وف���اة �أحمد خميني �أي�ضاً‪ ،‬والتي قي���ل �إنها جاءت نتيجة �أزمة قلبية‪ ،‬حتى‬ ‫�أن �أحد التقارير ال�صحفية ذكر �أن هناك �أدلة على �أن �أحمد خميني مات‬ ‫م�سموماً‪ ،‬لكن طبيب �أحمد خميني قُتل يف بيته قبل �أن ي�ستطيع املحققون‬ ‫اال�ستم���اع لأقواله‪ .‬و�أ�ش���ارت ال�صحف الإيرانية �إىل �أن���ه مل يكن مرتاح ًا‬ ‫لقيادة املر�شد الأعلى علي خامنئي(‪.)23‬‬ ‫هذه النم���اذج من الف�ساد ال�سيا�سي رمبا تكون فقط قمة اجلبل اجلليدي‬ ‫وم���ا خف���ي كان �أعظم‪ ،‬وقد يكون م���ا تتداوله الأو�س���اط ال�سيا�سية داخل‬ ‫�أروق���ة احلكم �أكرب بكثري‪ ،‬وكل طرف ب���ات يتحني الفر�صة لت�شويه �صورة‬ ‫مناف�سه‪ .‬وبالت�أكيد ال تخرج اتهامات �أحمدي جناد ورموز التيار املحافظ‬ ‫لرف�سنج���اين و�أبنائ���ه بالف�س���اد ال�سيا�سي عن ه���ذا ال�سي���اق‪ ،‬ما ا�ضطر‬ ‫خامنئ���ي للتدخل لنفي تلك التهم عن���ه دون �أن يعني ذلك �أن رف�سنجاين‬ ‫بريء منها‪ ،‬ولكن الراجح �أن هذا الأخري قد يكون لديه – بدوره ‪ -‬ملفات‬ ‫ف�ساد �ضد خامنئي نف�سه؛ فهو رفيقه من قبل جناح الثورة‪ ،‬وكانا ع�ضوين‬ ‫مع��� ًا يف املجل�س الثوري بعد جناحه���ا‪ ،‬وباقي تاريخهما ال�سيا�سي معروف‬ ‫ودرجة قرب الرجلني من بع�ضهما البع�ض ت�ؤكد ذلك‪.‬‬ ‫عل���ى �أنه رغم حماولة خامنئ���ي هذه‪� ،‬إال �أن الهجوم عل���ى رف�سنجاين ما‬ ‫زال م�ستم���ر ًا يف �سياق جتاذبات �أزمة االنتخاب���ات الأخرية‪ ،‬حيث �أ�صدر‬ ‫عب���د الر�ض���ا داوري‪ ،‬املدي���ر العام لوكال���ة الأنب���اء الإيراني���ة الر�سمية‪،‬‬ ‫���ات بفر�ض قيود عل���ى ن�شر �أخبار رئي�س جمم���ع ت�شخي�ص م�صلحة‬ ‫تعليم ٍ‬ ‫النظ���ام ها�شمي رف�سنجاين‪ ،‬واحل ّد من ن�شر �ص���وره �إىل �أن متنع نهائياً‪.‬‬ ‫وكان داوري �أ�ص���در �أوا�سط كانون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر املا�ضي تعليماته هذه‬ ‫�إىل حم���رري الوكالة‪ ،‬م�ضيف��� ًا �إليها �أال يمُ نح رف�سنج���اين لقب «�آية اهلل»‬ ‫و�أن يُذكر بد ًال م���ن ذلك ب�صفة «حجة الإ�سالم» فقط‪ ،‬و�أال تُذكر وظيفته‬

‫الهوامــ�ش والإحـــاالت‬ ‫(‪ )1‬ح�سن امل�صطفى‪« ،‬االنتخابات الرئا�سية الإيرانية‪:‬‬ ‫قراءة يف الواقع وامل�ستقب���ل»‪ ،‬امل�ستقبل العربي‪ ،‬العدد‬ ‫‪ ،269‬متوز‪/‬يوليو ‪� ،2001‬ص ‪.19‬‬ ‫(‪ )2‬ط�ل�ال عرتي�سي‪ ،‬اجلمهوري���ة ال�صعبة‪� :‬إيران يف‬ ‫حتوالتها الداخلية و�سيا�ساتها الإقليمية (بريوت‪ :‬دار‬ ‫ال�ساقي‪� ،)2006 ،‬ص ‪.193‬‬ ‫(‪ )3‬م�صطف���ى اللباد‪ ،‬حدائق الأح���زان‪� :‬إيران ووالية‬ ‫الفقيه (القاهرة‪ :‬دار ال�شروق‪� ،)2008 ،‬ص ‪.296‬‬ ‫‪84‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫(‪ )4‬توفي���ق ال�سيف‪« ،‬من���وذج الدول���ة الإ�سالمية عند‬ ‫التي���ار املحاف���ظ يف �إيران»‪ ،‬جملة الكلم���ة‪ ،‬العدد ‪،51‬‬ ‫‪.2006‬‬ ‫(‪ )5‬لتف�صي���ل �أكرث حول هذا املو�ض���وع‪� ،‬أنظر‪ :‬خمتار‬ ‫الأ�س���دي‪� ،‬أزم���ة العق���ل ال�شيع���ي (ب�ي�روت‪ :‬االنت�ش���ار‬ ‫العربي‪� ،)2009 ،‬ص‪.321‬‬ ‫(‪ )6‬جم���ال عبد الك���رمي �أيوب‪« ،‬املحافظ���ون واختيار‬ ‫املر�شد الأعلى القادم»‪ ،‬القد�س العربي‪.2010/3/4 ،‬‬

‫(‪ )7‬ح���وار �آية اهلل �صانعي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط‬ ‫اللندنية‪.2007/3/17 ،‬‬ ‫(‪ )8‬حوار �إبراهيم ي���زدي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط‬ ‫اللندنية‪.2007/3/21 ،‬‬ ‫(‪ )9‬نيف�ي�ن م�سع���د‪� ،‬صنع القرار يف �إي���ران والعالقات‬ ‫العربية – الإيرانية (ب�ي�روت‪ :‬مركز درا�سات الوحدة‬ ‫العربية‪� ،)2005 ،‬ص ‪.80‬‬ ‫(‪ )10‬حوار �إبراهيم يزدي مع �صحيفة ال�شرق الأو�سط‬

‫خال�ص��ة‬ ‫مل يبال���غ م�صطف���ى اللب���اد‪ ،‬اخلب�ي�ر‬ ‫امل�ص���ري يف ال�ش�ؤون الإيراني���ة‪ ،‬بقوله �إن الثابت الأك�ب�ر بالن�سبة للنظام‬ ‫ال�سيا�س���ي احل���ايل يف �إيران ه���و �ضرورة ا�ستق���رار دولة «والي���ة الفقيه»‬ ‫�إىل قي���ام ال�ساعة ويوم احل�س���اب‪� ،‬أو بتعبري �أدق �إىل غاي���ة ظهور الإمام‬ ‫الثاين ع�شر ليقيم دولة العدل وفق الت�صور ال�شيعي االثني ع�شري‪ .‬لهذا‪،‬‬ ‫ف����إن املحافظني يف �إي���ران �سيميلون دائم ًا �إىل الق���وة والرتهيب مبختلف‬ ‫الو�سائل عند �شعورهم باخلطر الداهم على النظام‪ ،‬خا�ص ًة مع ا�ستمرار‬ ‫ال�ضغوط الغربية عليه‪.‬‬ ‫وعلي���ه‪ ،‬ف����إن م�ستقبل والية الفقي���ه ال يبدو مرتبط ًا ب�أف���كار الإ�صالحيني‬ ‫التغيريي���ة بقدر ما هو مرتبط بقدرة املحافظني على حتقيق �إجنازات يف‬

‫‪،،‬‬

‫‪،،‬‬

‫تعامل النظام م��ع الإ�صالحيني ككلٍّ مركب‬ ‫وع��دم ا�ستثن��اء �أي تي��ار منه��م يف �أزم��ة‬ ‫االنتخابات الرئا�سية‪� ،‬ساعد على توحدهم‬ ‫وتكاتفه��م خا�صةً مع ها�شم��ي رف�سنجاين الذي كان‬ ‫ي�صنّ��ف على �أنه ينتمي �إىل التيار الرباغماتي‪ ،‬وقد‬ ‫�شكل��وا بذلك جبهة قوية‪ ،‬ال�سيما بع��د ان�ضم �إليهم‬ ‫العديد من رجال الدين يف قم‬

‫كرئي�س جمل�س اخلرباء املعن���يّ بتعيني الويل الفقيه وعزله‪ ،‬وهو من�صب‬ ‫ح�ص���ل علي���ه عرب االنتخ���اب‪ ،‬واالكتف���اء بذك���ر من�صب���ه كرئي�س جممع‬ ‫ت�شخي�ص م�صلحة النظ���ام‪ ،‬وهو من�صب عيَّنه فيه املر�شد علي خامنئي‪،‬‬ ‫م���ا ي�ش�ي�ر �إىل وج���ود نواي���ا لإق�صائ���ه تدريج ّي ًا م���ن املعادل���ة ال�سيا�سية‬ ‫الإيراني���ة بنا ًء على تعليمات مبا�ش���رة من الرئي�س حممود �أحمدي جناد‪،‬‬ ‫ويف �ض���وء تقري���ر �أعده وزي���ر اال�ستخب���ارات حيدر م�صلح���ي اقرتح فيه‬ ‫التخل����ص من رف�سنج���اين �سيا�سياً‪ ،‬بعد جتاوزه حمن���ة �إبعاده عن �إمامة‬ ‫�ص�ل�اة اجلمعة وعودته جم���دد ًا �إىل لعب دور الو�سي���ط املعتدل يف الأزمة‬ ‫الداخلية املتفاقمة‪.‬‬ ‫م���ن جانب �آخر‪ ،‬دع���ا رئي�س كتلة «الثورة الإ�سالمي���ة» روح اهلل ح�سينيان‬ ‫�إىل �أن ت�ستعني �إيران بال�شرطة الدولية (االنرتبول) العتقال مهدي جنل‬ ‫ها�شم���ي رف�سنج���اين وجلبه من لندن‪ .‬وجاءت دع���وة ح�سينيان‪ ،‬وهو من‬ ‫املتهم�ي�ن بال�ضل���وع يف قت���ل مثقف�ي�ن و�صحافيني يف عه���د الرئي�س حممد‬ ‫خامت���ي ع���ام ‪ ،1999‬بعد ثالث���ة �أيام من �إع�ل�ان رئي�س حماك���م طهران‬ ‫عل���ي ر�ضا �آوائ���ي �أن املحكمة فتح���ت بالفعل ملف ًا لفائ���زة ومهدي جنليّ‬ ‫رف�سنجاين‪ ،‬و�أكد �أنه �سيتم قريب ًا جد ًا مالحقتهما ق�ضائي ًا بتهمة الف�ساد‬ ‫والتحري�ض عل���ى اال�ضطرابات التي اندلعت بع���د االنتخابات الرئا�سية‪.‬‬ ‫ويذك���ر بع�ض املراقبني �أن رف�سنج���اين و�أ�سرته يتعر�ضون لـ»حملة ت�شويه»‬ ‫وا�سع���ة ومنظمة‪ ،‬ب���د�أت قبل االنتخاب���ات الرئا�سية ع���ام ‪ ،2005‬و�شارك‬ ‫فيه���ا ق���ادة يف احلر�س الث���وري والبا�سيج و�أع�ضاء مت�ش���ددون يف جمل�س‬ ‫اخل�ب�راء‪� ،‬إذ اعت�ب�روه مف�ص���ل ارتكاز يعتم���د عليه زعم���اء الإ�صالح يف‬ ‫�إثارة «اال�ضطرابات»‪ ،‬واتهموه بالتواط�ؤ مع «ر�ؤو�س الفتنة لالنقالب على‬ ‫النظام»(‪.)24‬‬ ‫وال �ش���ك يف �أن هذه الطريقة يف التعامل م���ع اخل�صوم ال�سيا�سيني لي�ست‬ ‫جدي���دة‪ ،‬و�أن رف�سنجاين لي�س �أول �ضحاياه���ا؛ فقد �سبق �أن �أُعفي ح�سني‬ ‫عل���ى منتظري م���ن قبل الإمام اخلميني بعد قي���ام الثالثي (رف�سنجاين‪،‬‬ ‫خامنئي‪ ،‬و�أحمد اخلميني) بالت�أثري فيه‪ .‬وقد رف�ض هذا الأخري منا�شدات‬ ‫منتظري ل���ه ب�إطالق �سراح �صهره الذي اته���م بالعمالة للواليات املتحدة‬ ‫و�أع���دم‪ ،‬يف ح�ي�ن �أرجع منتظ���ري الأ�سب���اب احلقيقية لذل���ك �إىل ك�شف‬ ‫مهدي ها�شمي ع���ن زيارة مكفارلني م�ست�شار الرئي����س الأمريكي الأ�سبق‬ ‫رونال���د ريج���ان لطهران ع���ام ‪ ،1986‬والت���ي �أ�سفرت عن �صفق���ة «�إيران‬ ‫غي���ت» التي ح�صلت �إيران مبوجبه���ا على �أ�سلحة �أمريكي���ة �أثناء احلرب‬ ‫م���ع العراق‪ .‬كما �أن الطريقة التي �أُبعِد بها منتظري عن ال�سلطة مور�ست‬ ‫قبله م���ع حممد �شريعتمداري جنل �آية اهلل �شريعتم���داري‪ ،‬ومع �أوالد �آية‬ ‫اهلل طالق���اين‪ ،‬وهو م���ا �ساهم يف حتييد هات�ي�ن ال�شخ�صيتني من احلياة‬ ‫ال�سيا�سية(‪.)25‬‬

‫واحلقيق���ة �أن ق�ضاي���ا الف�ساد ال�سيا�س���ي باتت ت�ؤثر يف النظ���ام الإيراين‬ ‫ب�ش���كل �سلب���ي‪ ،‬وقد تكون له���ا انعكا�سات خطرية خ�صو�ص��� ًا �إذا ما علمنا‬ ‫�أن الف�س���اد هو ال�سبب الرئي�س���ي يف زوال الأنظمة عرب التاريخ‪ .‬ويف حالة‬ ‫النظام الإيراين‪� ،‬ستكون االنعكا�س���ات ماثلة يف ناحيتني‪� :‬أوالهما‪ ،‬ت�أليب‬ ‫الر�أي العام �ضد النظام وتو�سيع املعار�ضة ال�شعبية له‪ ،‬خا�ص ًة مع توا�صل‬ ‫التدهور االقت�صادي و�إمكانية فر�ض عقوبات جديدة على طهران تلوح بها‬ ‫�أمريكا والإحت���اد الأوروبي وال متانعها رو�سيا‪ ،‬وما ينجر عليها من �ضعف‬ ‫يف الق���درة ال�شرائي���ة لدى املواطن الإي���راين‪� .‬إ�ضاف���ة �إىل ذلك‪ ،‬طريقة‬ ‫تعاط���ي النظام م���ع �أزمة االنتخاب���ات الرئا�سية الأخرية‪ ،‬م���ا ير�سخ تلك‬ ‫املواقف �ض���ده‪ ،‬وحتى القاعدة الفقرية (�أربع���ون مليون مواطن �إيراين)‬ ‫التي يغلب عليها التدين‪ ،‬والتي يتكئ عليها النظام وي�ستمد منها �شعبيته‪،‬‬ ‫قد تنقلب عليه �إذا ما وقفت ج ّل املراجع �ضد النظام‪.‬‬ ‫والناحي���ة الثانية تتبدى يف كرثة ق�ضايا الف�ساد وامللفات التي ميتلكها كل‬ ‫طرف �سيا�سي �ضد خ�صمه‪� ،‬إذ ب�إمكانها �أن ت�ؤجج التناف�س غري ال�شريف‬ ‫واحل���رب الإعالمية بني املت�صارعني م���ن خالل ك�شف تلك امللفات للر�أي‬ ‫الع���ام‪ ،‬ب���ل �إن ال�صراع ق���د ي�صل �إىل درج���ة االغتي���االت ال�سيا�سية وهو‬ ‫�أم���ر معهود يف ال�سيا�سة عموم��� ًا ويف الأنظمة العامل ثالثية خ�صو�صاً‪ ،‬ويف‬ ‫النظام ال�سيا�سي الإيراين ب�شكل �أكرث خ�صو�صية‪ ،‬نظر ًا لتاريخه احلافل‬ ‫بها حت���ى �أن �أحمد عبد الق���ادر ال�شاذيل �ألف كتاب��� ًا عنوانه «االغتياالت‬ ‫ال�سيا�سي���ة يف �إي���ران»‪ ،‬يتح���دث يف الف�ص���ل الرابع منه ع���ن االغتياالت‬ ‫ال�سيا�سية التي ح�صلت بعد الثورة الإ�سالمية‪ ،‬ومالحقة جهاز املخابرات‬ ‫الإي���راين للمعار�ضني ال�سيا�سيني يف اخل���ارج‪ .‬ومع �أن امل�ؤلف يتوقف عند‬ ‫منت�صف الت�سعينيات‪ ،‬ف����إن م�سل�سل االغتياالت ا�ستمر يف الداخل ليطال‬ ‫ال�صحفي�ي�ن والكتّاب واملفكري���ن و�أ�ساتذة اجلامعات م���ن الإ�صالحيني‪،‬‬ ‫وغريهم‪.‬‬

‫م�ستقب��ل والي��ة الفقي��ه ال يب��دو مرتبط ًا‬ ‫ب�أف��كار الإ�صالحي�ين التغيريي��ة بق��در م��ا‬ ‫ه��و مرتبط بقدرة املحافظ�ين على حتقيق‬ ‫�إجن��ازات يف م�ست��وى تطلع��ات املجتم��ع الإي��راين‪،‬‬ ‫وهذا �أمر �صعب للغاية نظر ًا للم�ستوى املعي�شي الذي‬ ‫يطمح �إليه ال�شباب الإي��راين على وجه اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫وحماولتهم جماراة النمط املعي�شي الغربي‬ ‫م�ست���وى تطلعات املجتمع الإيراين‪ ،‬وهذا �أمر �صعب للغاية نظر ًا للم�ستوى‬ ‫املعي�ش���ي ال���ذي يطم���ح �إلي���ه ال�شب���اب الإيراين عل���ى وج���ه اخل�صو�ص‪،‬‬ ‫وحماولتهم جم���اراة النمط املعي�شي الغربي؛ ف�إي���ران لي�ست ا�ستثناء من‬ ‫العامل‪ ،‬والعوملة مل تعد تعرف حدوداً‪ ،‬وال يبدو يف الأفق القريب واملتو�سط‬ ‫�أن املحافظ�ي�ن قادرين عل���ى تلبية ذلك الطموح يف ظ���ل �أو�ضاع طبيعية‪،‬‬ ‫�أم���ا �إذا �أ�ضيف لها م�شاكل االقت�ص���اد الإيراين‪ ،‬واحتمال فر�ض عقوبات‬ ‫جدي���دة مهم���ا كانت ذكية عل���ى اجلمهورية الإ�سالمية‪ ،‬ف�إنه���ا �ست�ؤثر يف‬ ‫خمتل���ف فئ���ات ال�شع���ب الإيراين ب�ش���كل كب�ي�ر‪ ،‬لأن ا�سته���داف احلر�س‬ ‫الث���وري ‪ -‬الذي ي�سيطر عل���ى ن�سبة كبرية من االقت�صاد الإيراين ‪ -‬معناه‬ ‫ا�ستهداف ال�شعب ب�أكمله‪.‬‬ ‫كما �أن موقف الأقليات يف �إيران من النظام هو نف�س املوقف الذي اتخذته‬ ‫من نظام ال�شاه‪ ،‬وذلك لأن واقعها االجتماعي‬ ‫ديناميات ال�صراع‬ ‫وحقوقه���ا ال�سيا�سي���ة مل تتح�س���ن ب���ل التايل ال�صومايل وفر�ص حلحلته‬ ‫ازدادت �س���وءاً‪ .‬و�إذا كان اال�ضطه���اد يف‬ ‫بقلم‪ :‬عطية عي�سوي‬ ‫املا�ض���ي ق���د مت ع���زوه �إىل الديكتاتوري���ة‬ ‫والتع�صب القوم���ي والعلماني���ة املت�شددة‪ ،‬ف�إن‬ ‫املمار�س���ات احلالي���ة متار�س با�س���م الدين‪ ،‬م���ا يجعل املعار�ض���ة لنظام‬ ‫امل�ل�ايل �أ�شد من نظام ال�ش���اه‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬ميكن القول �إن ال�صراع‬ ‫القائم عل���ى املرجعية �سينعك�س �سلب ًا على التجمع���ات ال�شيعية يف الوطن‬ ‫العرب���ي‪ ،‬خا�ص���ة يف ظ���ل املمار�س���ات ال�سيا�سي���ة التي يقوم به���ا النظام‬ ‫الإي���راين‪ ،‬وارتفاع �أ�صوات من داخل احل���وزة العربية تنتقد نظرية والية‬ ‫الفقيه والنظام على حد �س���واء‪ ،‬م�ستخدم ًة الأحداث ال�سيا�سية يف �إيران‬ ‫لدعم وجهة نظرها‪.‬‬ ‫ومع �أن جممل املالحظات ال�سابقة تبينّ مرونة النظام ال�سيا�سي يف �إيران‬ ‫و�إمكاني���ة التغي�ي�ر الن�سب���ي‪� ،‬إال �أن الراج���ح هو مراوح���ة الأزمة احلالية‬ ‫مكانه���ا يف ظل والية املر�شد احلايل عل���ي خامنئي‪ ،‬الذي �سيظل ‪ -‬بحكم‬ ‫�سلطات���ه املطلقة وكونه «ويل الفقي���ه» ‪ -‬هو من �سيحدد اجتاهات التغيري‬ ‫يف �إيران‪ ،‬كما م�ستقبل البالد ال�سيا�سي‪.‬‬

‫اللندنية‪.2007/3/21 ،‬‬ ‫املجلة‪.2010/1/29 ،‬‬ ‫(‪ )16‬مه���دي خلجي‪�« ،‬آي���ة اهلل ذو تفكري ثوري‪ :‬كيف‬ ‫(‪ )11‬قناة العربية‪.2010/4/6 ،‬‬ ‫(‪ )12‬حج���ة الإ�س�ل�ام حم�س���ن غرفيان يف ح���وار مع ذه���ب والدي م���ن �سجن ال�شاه �إىل �سج���ن خامنئي»‪،‬‬ ‫معه���د وا�شنطن ل�سيا�سات ال�ش���رق الأدنى‪ 19 ،‬كانون‬ ‫�صحيفة ال�شرق الأو�سط اللندنية‪.2007/3/18 ،‬‬ ‫الثاين‪/‬يناير ‪.2010‬‬ ‫(‪ )13‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )17‬تي�ي�ري كوفي���ل‪� ،‬إي���ران الثورة اخلفي���ة‪ ،‬ترجمة‬ ‫(‪ )14‬املرجع نف�سه‪.‬‬ ‫(‪ )15‬ك���رمي �سادجابور‪« ،‬م�ستقب���ل خامنئى الغام�ض‪ :‬خلي���ل �أحمد خليل (ب�ي�روت‪ :‬دار الفاراب���ي‪،)2008 ،‬‬ ‫طري���ق من الوحدة �أم���ام املر�شد الأعل���ى يف �إيران»‪� ،‬ص‪.323‬‬

‫(‪ )18‬نيفني م�سعد‪ ،‬مرجع �سبق ذكره‪� ،‬ص ‪.125‬‬ ‫(‪ )19‬املرجع نف�سه‪� ،‬ص ‪.147‬‬ ‫(‪ )20‬ح���وار حم�س���ن اله كدي���ور مع �صحيف���ة ال�شرق‬ ‫الأو�سط اللندنية‪.2007/3/19 ،‬‬ ‫(‪ )21‬نيفني م�سعد‪ ،‬مرجع �سبق ذكره‪� ،‬ص‪.184‬‬ ‫(‪ )22‬ال�شرق الأو�سط‪.2007/3/20 ،‬‬ ‫(‪ )23‬كاميلي���ا انتخاب���ي ‪ -‬ف���ارد‪« ،‬خامنئ���ي �س���وف‬ ‫ي�سقط!»‪ ،‬العربية نت‪.2009/12/27 ،‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪85‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫فو�ضى‬ ‫يف مقدي�شو‬

‫ديناميات ال�صراع ال�صومايل‪ ،‬وتداعياته‪ ،‬وفر�ص حلحلته‬ ‫عطيه عي�سوي‬

‫‪aessawy54@gmail.com‬‬

‫على العك�س من معظم ال�شعوب الأفريقية‪ ،‬ينتمي �أبناء ال�شعب ال�صومايل �إىل عرق واحد هو العرق ال�صومايل‪،‬‬ ‫ودين واحد هو الإ�سالم‪ ،‬ومذهب واحد هو ال�شافعي‪ ،‬ومع ذلك عجزوا عن االتفاق لإنهاء احلرب الأهلية التي‬ ‫راح �ضحيته���ا ن�ص���ف مليون �إن�س���ان منذ الإطاحة بنظام حك���م �سياد برى قبل نحو ‪ 19‬عام���اً‪� ،‬أو حتى تنفيذ‬ ‫م���ا اتفق���وا عليه‪ .‬فكلما اتفقوا عل���ى �شيء بعد مفاو�ضات طويلة و�شاقة ال يلتزم���ون بتنفيذه‪� ،‬أو على افرتا�ض‬ ‫ح�س���ن الني���ة مل ي�ستطيعوا التنفيذ‪ .‬فقد �أبرم���وا نحو ‪ 16‬اتفاق م�صاحلة‪ ،‬و�شكل���وا ‪ 14‬حكومة انتقالية خالل‬ ‫تل���ك الفرتة لكنه���ا انهارت �أو بقيت عاجزة عن اجناز الهدف منها‪ ،‬وهو وق���ف االقتتال وم�ساعدة امل�شردين‬ ‫والالجئ�ي�ن للعودة �إىل ديارهم و�إعادة بناء مرافق الدولة املنهارة بالتعاون مع اجلهات املانحة وقيادة البالد‬ ‫نحو انتخابات حرة ونزيهة الختيار رئي�س وبرملان لدولة دميقراطية احتادية‪ ،‬تتقا�سم فيها احلكومة املركزية‬ ‫ال�سلط���ة مع حكومات الأقاليم مع احلفاظ على تقاليد املجتمعات القبلية يف �إدارة �ش�ؤونها املحلية‪� .‬أبرز هذه‬ ‫االتفاقيات‪� :‬أدي�س �أبابا ‪ ،1993‬والقاهرة ‪ ،1997‬وعرتا (جيبوتي) ‪ ،2000‬ونريوبي ‪.2004‬‬ ‫ويبدو �أن ال�صوماليني ال يتعلمون الدر�س وي�ضع الكثريون منهم م�صاحلهم ال�شخ�صية والقبلية فوق م�صلحة‬ ‫الوطن‪ .‬وهكذا يكرر التاريخ نف�سه؛ فمثلما رف�ض اجلرنال فارح عيديد رئي�س امل�ؤمتر ال�صومايل املوحد‬ ‫‪86‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�صحفيالعدد‬ ‫أفريقية‪.‬‬ ‫مار�س‪/‬يونيو يف‬ ‫الثالث‪،‬متخ�ص�ص‬ ‫م�صري‬ ‫عطيه عي�سوي ا�سرتاتيجية‬ ‫‪2010‬ال�ش�ؤون ال ا�سرتاتيجية‬

‫‪87‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫(الربمل���ان امل�ؤقت) تن�صيب غرميه التقلي���دي على مهدي رئي�س ًا انتقالي ًا‬ ‫للدول���ة ملدة عامني بعد الإطاح���ة ب�سياد برى وهروبه من مقدي�شو يوم ‪27‬‬ ‫كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ ،1990‬برغم �أن مهدي وعيدي���د ينتميان �إىل قبيلة‬ ‫واح���دة ه���ي (هوي���ه)‪ ،‬و�إن كان الأول ينتمي لفرع «�أبج���ال» والثاين لفرع‬ ‫«هربجي���در»‪ ،‬ف����أدى ذل���ك �إىل ا�ستئناف احل���رب الأهلي���ة‪ .‬رف�ض ح�سن‬ ‫طاهر عوي����س زعيم احلزب الإ�سالمي املعار�ض ت���ويل �شيخ �شريف �شيخ‬ ‫�أحمد رئا�سة البالد‪ ،‬مع �أنهما كانا يقودان مع ًا تنظيم املحاكم الإ�سالمية‬ ‫قب���ل �أن يفرتقا يف �إريرتيا وينف�صل كل منهما بجناح من املحاكم‪ ،‬اندمج‬ ‫�أحدهما فى احلكومة االنتقالية والثاين يف احلزب الإ�سالمي‪ .‬وا�ستمرت‬ ‫احلرب حتى بعد ان�سحاب القوات الإثيوبية فى كانون الثاين‪/‬يناير ‪2009‬‬ ‫واكتف���ت �إثيوبيا بالتوغل الع�سك���ري يف الأرا�ضي ال�صومالية من حني �إىل‬ ‫�آخر قرب احلدود امل�شرتكة لإبعاد املتمردين املت�شددين ومنعهم من �شن‬ ‫هجم���ات على �أرا�ضيها �أو الت�سلل �إليها للقتال مع متمردي �إقليم �أوغادين‬ ‫ذي الأغلبية ال�صومالية الذي اقتطعه امل�ستعمرون الإجنليز من ال�صومال‬ ‫و�ضموه �إىل �إثيوبيا العام ‪ 1945‬مكاف�أة لها على دعمهم يف �صراعهم على‬ ‫النفوذ م���ع امل�ستعمرين الفرن�سيني وااليطاليني يف �ش���رق �أفريقيا وخليج‬ ‫عدن‪.‬‬ ‫الو�ضع احلايل يف ال�صومال‬ ‫حمركات ال�صراع ومغذياته‬ ‫ال يب�ش���ر بخري قريب‪ .‬فما زالت �أطراف الأزم���ة مت�شبثة مبطالبها لوقف‬ ‫القت���ال والدخ���ول فى مفاو�ض���ات‪ ،‬ومعظمه���ا مطالب تعجيزي���ة ي�صعب‬ ‫صال للتو�صل �إىل حل‪ .‬فقادة‬ ‫تلبيته���ا‪ ،‬هذا �إذا كانت هناك ني���ة خال�صة �أ� ً‬ ‫حرك���ة ال�شباب املجاهدي���ن املت�شددة يتهم���ون الرئي����س ال�صومايل ب�أنه‬ ‫عميل للغرب وباع الق�ضي���ة وير�أ�س حكومة ت�ضم عمالء لإثيوبيا مطلوبني‬ ‫للمحاكم���ة عم���ا ارتكبوه يف ح���ق ال�شعب م���ن جرائم على ح���د و�صفهم‪.‬‬ ‫كما يطالبون بتطبي���ق �أحكام ال�شريعة الإ�سالمية وفق��� ًا لفهمهم املت�شدد‬ ‫له���ا و�إقامة �إم���ارة �إ�سالمية‪ ،‬وطرد ق���وات حفظ ال�س�ل�ام الأفريقية قبل‬ ‫�أن يوافق���وا عل���ى وق���ف القتال‪ .‬وم���ع �أن الرج���ل �إ�سالمي حت���ى النخاع‪،‬‬ ‫وواف���ق بالفعل عل���ى تطبيق �أحكام ال�شريعة وتنقي���ة القوانني مما يخالف‬ ‫�أحكامه���ا‪� ،‬إال �أنه���م وا�صل���وا حماربته وعدم االعرتاف به‪ ،‬ب���ل �إن ال�شيخ‬ ‫طاه���ر عوي�س زعيم احلزب الإ�سالمي و�صفه ب�أنه خالف تعاليم الإ�سالم‬ ‫من �أجل م�صاحله اخلا�صة‪.‬‬ ‫امل�شكل���ة هنا هي �أن���ه �إذا وافق �شيخ �شريف على �سحب القوات الأفريقية‬ ‫ف�س���وف ت�سقط حكومت���ه‪ ،‬لأن الق���وات احلكومية ما زال���ت �ضعيفة وغري‬ ‫قادرة عل���ى حماية نظامه‪ ،‬كما �أنه ال ي�أم���ن �أال ينق�ضوا عهدهم وينقلبوا‬ ‫عليه بعد ان�سحابها‪ .‬و�إذا �أقام �إمارة �إ�سالمية وفق ًا ملفهومهم لها لن تقبل‬ ‫بها دول اجلوار‪ ،‬خا�صة �إثيوبيا‪ ،‬وال الدول الكربى‪ ،‬ويف مقدمتها الواليات‬ ‫املتح���دة‪ ،‬خوف��� ًا من انتهاجه���ا �سيا�سة مت�شددة تزع���زع الأو�ضاع يف‬

‫الو�ضع احلايل يف ال�صومال ال يب�شر بخري قريب‪ .‬فما زالت‬ ‫�أط��راف الأزمة مت�شبثة مبطالبها لوقف القتال والدخول‬ ‫فى مفاو�ضات‪ ،‬ومعظمها مطالب تعجيزية ي�صعب تلبيتها‪،‬‬ ‫هذا �إذا كانت هناك نية خال�صة �أ�ص ًال للتو�صل �إىل حل‬ ‫‪88‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ال���دول املج���اورة �أو ت����ؤوي عنا�صر تنظي���م القاعدة الفارين م���ن العراق‬ ‫و�أفغان�ستان‪ ،‬والذين �سبق �أن فجّ روا �سفارتي الواليات املتحدة يف تنزانيا‬ ‫وكيني���ا يف وق���ت واحد العام ‪ .1998‬كما �سب���ق �أن تعهد الرجل عقب توليه‬ ‫ال�سلطة بالتعاون مع دول اجلوار والعي�ش معها يف �سالم طاملا ال تتدخل يف‬ ‫�ش�ؤون بالده‪ ،‬وهو ما �أحدث ارتياح ًا لديها وجعلها تعرتف به وت�ساعده يف‬ ‫مواجهة خ�صومه باعتباره �أخف ال�ضررين‪.‬‬ ‫من عوام���ل (دينامي���ات) تغذية ال�ص���راع �أي�ضاً‪ ،‬تنظي���م القاعدة الذي‬ ‫ح���ث املتمردي���ن عل���ى موا�صل���ة «اجله���اد» �ضد �شي���خ �شريف بزع���م �أنه‬ ‫«انحرف ع���ن مبادئ الإ�س�ل�ام»‪ ،‬وعلى عدم الوق���وع يف م�صيدة املبادرة‬ ‫املدعوم���ة من «الغرب الكافر» للجلو�س �إىل مائدة التفاو�ض مع احلكومة‪.‬‬ ‫فه���ذا املوقف يجع���ل التو�صل �إىل اتفاق ب�ي�ن «املجاهدين» و«احلزب» من‬ ‫ناحي���ة واحلكومة من ناحي���ة �أخرى �شبه م�ستحيل‪ ،‬خا�ص���ة �أن «ال�شباب»‬ ‫و«احل���زب» يعلم���ان �أنهم���ا منبوذان م���ن الأنظم���ة العربي���ة والإ�سالمية‬ ‫الت���ي تكره التط���رف‪ ،‬ومن دول اجلوار التي تخ�ش���ى �أن ت�ؤدى م�شاركتهما‬ ‫يف احلك���م �إىل ت�ش���دد يف �سيا�سة مقدي�شو ي�ساه���م يف زعزعة اال�ستقرار‬ ‫�أكرث يف منطقة الق���رن الأفريقي �إذا ح�صل عنا�صر تنظيم القاعدة على‬ ‫موط���ئ قدم م�ؤث���ر مب�ساعدة مت�شددي���ن يف ال�سلط���ة ال�صومالية‪ .‬وطاملا‬ ‫ا�ستمر دع���م «القاعدة» ملتم���ردي ال�صومال باخلربة القتالي���ة والأفراد‪،‬‬ ‫حيث ق���درت املخابرات الأمريكية عدد �أفراده الذي���ن ت�سللوا بالفعل �إىل‬ ‫داخ���ل ال�صومال مبا يرتاوح ب�ي�ن ‪ 300 - 250‬عن�صر‪ ،‬ف�إن ذلك ي�شجعهم‬ ‫على التمادي يف متردهم والت�شدد يف مطالبهم‪ ،‬خا�صة �أن قادتهم �ضيقو‬ ‫الأفق وثقافتهم الدينية �ضحلة وي�سهل قيادتهم وتوجيههم من «القاعدة»‬ ‫بع���د �أن �أعلنوا والءه���م بالفعل لأ�سام���ة بن الدن زعي���م التنظيم‪ ،‬ودعوا‬ ‫�أتباعه �إىل القدوم �إىل ال�صومال‪.‬‬ ‫ي�ض���اف �إىل العوامل املغذي���ة للأزمة‪ ،‬ال�صراع عل���ى النفوذ والرثوة بني‬ ‫«ال�شب���اب» و»احلزب»‪ ،‬والذي ظهر جليا يف املعارك بينهما لل�سيطرة على‬ ‫مين���اء ومدينة كي�سمايو اال�سرتاتيجي���ة على بعد ‪ 500‬كم �إىل اجلنوب من‬ ‫مقدي�شو‪ .‬فحتى لو حدثت معجزة وت�صاحلا مع احلكومة �سيظل اخلالف‬ ‫بينهما �شوكة فى خا�صرة ال�صومال‪ .‬فميناء كي�سمايو يدر دخ ًال كبري ًا ملن‬ ‫ي�سيطر عليه من عائد اجلمارك وال�ضرائب ويتيح فر�صة لدخول �شحنات‬ ‫ال�سالح واملقاتل�ي�ن الأجانب للقتال �إىل جانبه‪ .‬وق���د دفع ال�صراع امل�سلح‬ ‫بينهم���ا بع�ض املراقبني للق���ول �إن املطامع ال�شخ�صي���ة والقبلية هي التي‬ ‫حتول دون اتفاقهما مع حكومة �شيخ �شريف و�أن الكثريين من قادة احلزب‬ ‫وال�شباب حتولوا �إىل �أمراء حرب جدد ال يختلفون كثري ًا عن �أمراء احلرب‬ ‫ال�سابق�ي�ن قبل �أن يق�ضى عليهم تنظيم املحاك���م الإ�سالمية العام ‪.2006‬‬ ‫كم���ا و�صف مراقبون بع�ض قادة هذي���ن الف�صيلني ب�أنهم انهاروا �أخالقي ًا‬ ‫وات�سم���وا بالأنانية‪ ،‬وتورط بع�ضهم يف �أعمال ت�شبه اجلرمية املنظمة مثل‬ ‫ا�ستباحة �أموال النا�س واعتبارها غنائم لهم‪ ،‬والقيام بت�صفية خ�صومهم‬ ‫م���ن ال�شخ�صيات البارزة واملثقفني لأ�سباب قد تك���ون �شخ�صية �أو قبلية‪.‬‬ ‫كم���ا �أدى اعتداء «ال�شباب» على حرمات وقب���ور م�شايخ الطرق ال�صوفية‬ ‫�إىل ا�شتب���اكات م�سلح���ة عنيفة م���ع «�أهل ال�سن���ة واجلماع���ة» ال�صوفية‪،‬‬ ‫وان�ضمام الأخرية �إىل احلكومة يف مواجهة اجلماعتني املت�شددتني �ضمن‬ ‫�صفقة القت�سام ال�سلطة‪.‬‬

‫ومم���ا يرجح �أن تغيري ًا يف الو�ض���ع القائم لن يحدث يف امل�ستقبل القريب‬ ‫م���ا جاء يف تقرير ملجموعة املراقبة الدولية اخلا�صة بال�صومال يف �آذار‪/‬‬ ‫مار� ��س ‪� 2010‬أن الق���وات احلكومي���ة ما زال���ت غري منظمة وغ�ي�ر فاعلة‬ ‫وفا�س���دة وتعانى م���ن ثقاف���ة امليلي�شيات بالرغ���م من امل�ساع���دة الدولية‬ ‫له���ا‪ ،‬و�أكد �أن امل����أزق الع�سكري ال يرجع �إىل ق���وة املعار�ضة امل�سلحة بقدر‬ ‫ما يعك����س �ضعف احلكوم���ة لأن قواته���ا امل�سلحة وال�شرط���ة مازالت غري‬ ‫متجان�سة حيث تتكون م���ن ميلي�شيات منف�صلة موالية مل�سئولني حكوميني‬ ‫�أو ع�سكري�ي�ن ي�ستفي���دون من اقت�صاد احل���رب ويرف�ضون االندماج حتت‬ ‫قي���ادة واحدة‪ .‬و�أ�ضاف التقري���ر �أن القوة الأفريقية هي التي ت�ضمن بقاء‬ ‫احلكوم���ة و�أن عدد �أف���راد امليلي�شيات املتحالفة م���ع احلكومة يرتاوح بني‬ ‫‪� 10 - 5‬آالف يف مقدي�ش���و و�أن احلكوم���ة مل تنج���ح يف ن�شر وحدة ع�سكرية‬ ‫واح���دة بحجم ف���وج �أو لواء وما زال خط املواجهة على بعد ‪ 500‬مرت فقط‬ ‫م���ن ق�صر الرئا�سة‪ .‬و�أخرياً‪� ،‬أكد التقرير �أن الدعم الإريرتى للمتمردين‬ ‫مل يتوقف‪ ،‬و�إن كان قد ق ّل منذ نهاية ‪.2009‬‬ ‫داخلي��اً‪:‬‬ ‫تداعي��ات حملي��ة و�إقليمي��ة ودولي��ة‬ ‫ا�ستمرار الأزمة ي�ؤدى �إىل مزيد من القتل والت�شريد واالغت�صاب والنهب‬ ‫امل�سل���ح للمدنيني الأبرياء الذي���ن لقي ‪� 20‬ألف ًا منه���م م�صرعهم‪ ،‬وت�شرد‬ ‫‪� 500‬أل���ف من���ذ بداية ‪ .2007‬كما خاطر ‪� 43‬ألف��� ًا ب�أرواحهم عابرين خليج‬ ‫عدن على منت ‪ 860‬قارب ًا �إىل اليمن هرب ًا من جحيم احلرب‪ ،‬ولقي مئات‬ ‫منه���م م�صرعهم غرقاً‪ .‬ح���ال القتال دون �إعادة بناء م���ا خرّبته احلرب‬ ‫وتنام���ي الفكر ال�سلف���ي املت�شدد عل���ى ح�ساب الفكر ال�ص���ويف املت�سامح‪،‬‬ ‫وتهي�أت الأجواء لدخول مزيد من عنا�صر «القاعدة» ليزيدوا ال�صوماليني‬ ‫رهق��� ًا بتحرمي الكثري مما �أح���ل اهلل وتطبيق �أحكام القتل واجللد يف غري‬ ‫موا�ضعه���ا‪ .‬ومن املمكن �أن تعود ظاهرة �أمراء احلرب الذين تاجروا بكل‬ ‫�ش���يء من املخ���درات �إىل ال�سالح م���رور ًا بغذاء الب�سط���اء‪ ،‬وهيمنوا على‬ ‫مق���درات البالد وموانيه���ا ومطاراتها‪ ،‬و�أقاموا مناط���ق نفوذ خا�صة بهم‬ ‫قبل �أن تهدم املحاكم الإ�سالمية معاقلهم بحلول منت�صف ‪.2006‬‬ ‫�إقليمياً‪ :‬تبقى الأزمة ال�صومال ب�ؤرة توتر ورمبا م�أوى حمتمل «للقاعدة»‬ ‫مما يثري قلق دول اجلوار‪ ،‬خا�صة �إثيوبيا‪ ،‬فتظل تتدخل ع�سكريا وبو�سائل‬ ‫�أخ���رى يف �ش�ؤون ال�صومال خوف ًا من �سيطرة املت�شددين الإ�سالميني على‬ ‫احلك���م والعودة للمطالبة ب�إقليم �أوغادي���ن �أو دعم حركات التمرد فيه �أو‬ ‫حرك���ة حترير �أوروم���و الإثيوبية املتمردة‪ .‬ال�شيء نف�س���ه ميكن �أن يحدث‬ ‫م���ع كينيا لأنها تخ�ش���ى �أن يطالب املت�شددون با�ستع���ادة الإقليم ال�شمايل‬ ‫الغرب���ي الكيني (�أنف���دي) الذي اقتطع���ه امل�ستعم���رون الربيطانيون من‬ ‫ال�صوم���ال و�ضم���وه لكينيا بعد احل���رب العاملية الثاني���ة‪� ،‬أو �إيواء عنا�صر‬ ‫«القاع���دة» ليتخذوا من الأر�ض ال�صومالي���ة نقطة انطالق ل�شن هجمات‬ ‫عل���ى م�صالح غربية داخ���ل �أرا�ضيها مثل ن�س���ف ال�سفارتني الأمريكيتني‬ ‫يف نريوب���ى ودار ال�سالم العام ‪ .1998‬وكلما ا�ستمرت الأزمة كلما وا�صلت‬ ‫اريرتيا ت�صفية ح�ساباتها مع �إثيوبيا على �أر�ض ال�صومال ب�سبب اخلالف‬ ‫بينهما على احلدود والذي �أدى �إىل حرب دموية بينهما بني العامني ‪1998‬‬ ‫و ‪ .2000‬وم���ن غري امل�ستبع���د �أن تتعر�ض جيبوتي التي ت�ساند �شيخ �شريف‬ ‫وت�ست�ضيف قاعدة ع�سكرية فرن�سي���ة و�أخرى �أمريكية‪ ،‬لهجمات انتقامية‬

‫ال ب��د من موا�صلة دعم حكومة �شيخ �شريف بال�سالح‪ ،‬وتدريب‬ ‫املزي��د م��ن الق��وات لإع��ادة بن��اء اجلي���ش تدريجي��اً‪ ،‬ودعمها‬ ‫بخرباء �أجانب وتقارير خمابرات واال�ستطالعات اجلوية ملنع‬ ‫�سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها‬

‫ت�ؤدى �إىل هجمات م�ضادة و�إطالة �أمد بقاء القاعدتني‪.‬‬ ‫عاملياً‪ :‬ا�ستمرار عمليات القر�صنة يف خليج عدن واملحيط الهندي ب�شكل‬ ‫يهدد‪ %10‬من حجم التجارة العاملية و‪ %25‬على الأقل من ا�ستهالك العامل‬ ‫م���ن النفط تع�ب�ر هذه املنطقة على م�ت�ن ‪� 22‬ألف �سفين���ة جتارية �سنوياً‪.‬‬ ‫فطامل���ا مل يتم حل الأزمة الأم و�إنهاء الفو�ض���ى على الرب ال�صومايل فلن‬ ‫تت���م ال�سيطرة على القرا�صن���ة الذين ينطلقون م���ن ال�شاطئ ال�صومايل‬ ‫ويع���ودون �إليه بال�سفن املخطوفة واحدة تلو الأخرى‪ ،‬خا�صة منطقة «�أيل»‬ ‫يف بونتالن���د انتظار ًا لدف���ع الفدية‪ ،‬وهي عملية مربح���ة بلغ عائدها نحو‬ ‫‪ 100‬ملي���ون دوالر وفق ًا لبع�ض التقديرات‪ ،‬وي�شتغل بها نحو ‪� 1000‬شخ�ص‬ ‫حالي���اً‪ .‬وكان �أب���رز عمليات اخلطف ناقل���ة النفط ال�سعودي���ة «�سرييو�س‬ ‫�ست���ار» وعلى متنها ‪ 2‬مليون برميل �أم���ام �سواحل كينيا‪ ،‬و�سفينة �أوكرانية‬ ‫حتم���ل ‪ 33‬دبابة ومع���دات ع�سكرية ومل يت���م الإفراج عنهم���ا �إال بعد دفع‬ ‫الفدي���ة‪ .‬ي�ض���اف �إىل ذلك‪ ،‬احتمال حت���ول ال�صومال �إىل م����أوى لتنظيم‬ ‫القاع���دة مهدد ًا امل�صالح الغربية يف �شرق‬ ‫الوجه اجلديد‬ ‫للدبلوما�سية الليبية‬ ‫�أفريقيا ورمب���ا امل�صالح العربي���ة �أي�ضاً‪ ،‬التايل‬ ‫بقلم‪� :‬أمرية عبداحلليم‬ ‫�إذا ا�ستط���اع �إح���كام قب�ضته على جانبي‬ ‫م�ضيق باب املندب يف البحر الأحمر‪.‬‬ ‫مما تقدم يت�ضح �أن احلل‬ ‫اخلروج من دوامة الفو�ضى‬ ‫لي�س �سهالً‪ .‬فاملتمردون يرف�ضون متام ًا وقف القتال والتفاو�ض �إال ب�شروط‬ ‫ي�صعب تنفيذها‪ ،‬والبد من موا�صلة التحرك على �أكرث من �صعيد يف وقت‬ ‫واح���د ع�سى �أن حتدث انفراج���ة ولو ب�سيطة ميكن البناء عليها‪ .‬ال بد من‬ ‫موا�صل���ة دعم حكومة �شيخ �شريف بال�س�ل�اح‪ ،‬وتدريب املزيد من القوات‬ ‫لإع���ادة بناء اجلي�ش تدريجياً‪ ،‬ودعمها بخرباء �أجانب وتقارير خمابرات‬ ‫واال�ستطالعات اجلوية ملنع �سقوطها ولتمكينها من تو�سيع نطاق �سيطرتها‪،‬‬ ‫ال���ذي ينح�صر حالي ًا يف قطاع �صغري م���ن العا�صمة مقدي�شو‪ .‬وفى الوقت‬ ‫نف�سه‪ ،‬حماول���ة اخرتاق �صفوف املتمردي���ن‪ ،‬وا�ستغالل اخلالفات بينهم‬ ‫لإ�ضعافه���م‪ ،‬وجتنيد عمالء من بينه���م‪ ،‬و�إحكام احل�صار على مناطقهم‬ ‫ملن���ع دخول �سالح له���م �أو ت�سلل عنا�صر من «القاع���دة» �إليهم‪ ،‬ومالحقة‬ ‫عنا�صرهم بكل الو�سائل حتى ينكم�ش نفوذهم تدريجياً‪.‬‬ ‫كم���ا يجب ال�سعي لدى زعماء الع�شائر‪ ،‬ول���و ب�إغرائهم باملال لي�ستخدموا‬ ‫نفوذهم لدى قادة التمرد ع�سى �أن يلقى بع�ضهم ال�سالح وي�ضعف موقف‬ ‫الآخرين‪ .‬و�أخرياً‪ ،‬التدخل لدى �إثيوبيا لتنفيذ حكم هيئة التحكيم الدولية‬ ‫ب�إع���ادة بلدة «بادم���ي» احلدودية املتنازع عليه���ا �إىل �إريرتيا حتى تتوقف‬ ‫الأخ�ي�رة عن دعم املتمردي���ن نكاية فيها ويف �أم�ي�ركا‪ ،‬وقيام �شخ�صيات‬ ‫ذات م�صداقية لدى قادة احل���زب الإ�سالمي وحركة ال�شباب مثل ال�شيخ‬ ‫يو�س���ف القر�ض���اوى ودول �إ�سالمية مثل تركيا مبحاول���ة جمعهم وممثلي‬ ‫احلكومة على مائدة التفاو�ض ع�سى �أن يخرج ال�صومال من عرثته‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪89‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫الوجه اجلديد‬ ‫ل�سيا�سة ليبيا اخلارجية‬ ‫حمددات التحوّل ودوائر احلركة‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم‬ ‫‪amiraabdelhalim99@gmail.com‬‬

‫تع���د �سيا�س���ة ليبيا اخلارجية من �أكرث ال�سيا�س���ات املثرية للجدل؛ فكثري من الباحث�ي�ن ي�صعب عليهم فهم‬ ‫توجهات هذه ال�سيا�سة نظر ًا لت�أرجحها بني قناعات �أيديولوجية وفكرية تبنتها القيادة الليبية منذ ال�سنوات‬ ‫الأوىل للث���ورة‪ ،‬وب�ي�ن حت���والت خارجية (�إقليمية ودولي���ة) تدفع يف اجتاهات ال تتفق ف���ى كثري من الأحيان‬ ‫م���ع هذه القناع���ات الأيديولوجية والفكري���ة‪ ،‬بل وجترب القي���ادة الليبية على الر�ض���وخ والإذعان للمطالب‬ ‫اخلارجية‪ ،‬مما يُظهِ ر ال�سيا�سة اخلارجية الليبية يف حالة م�ضطربة تبدو معها غري وا�ضحة املعامل‪ ،‬ويجعل‬ ‫ثمة �صعوبة يف حتديد الثوابت واملتغريات والتوقعات امل�ستقبلية لهذه ال�سيا�سة‪.‬‬ ‫م����ن هن����ا كان م����ن ال�ضروري لفه����م توجه����ات ال�سيا�س����ة اخلارجية‬ ‫الليبي����ة‪ ،‬وخا�صة منذ انتهاء احلرب الباردة على امل�ستويني الإقليمي‬ ‫وال����دويل‪ ،‬التعرف على �أهم املحددات التى مار�س����ت دور ًا م�ؤثر ًا يف‬ ‫حتديد توجه����ات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية خ��ل�ال هذه املرحلة بل‬ ‫و�ساهم����ت فى ر�س����م مالحمها‪ ،‬ودوائر احلرك����ة التى مت من خاللها‬ ‫تنفيذ هذه ال�سيا�سة‪ ،‬وميكن تو�ضيح ذلك كما يلي‪:‬‬ ‫�أوالً‪ :‬حمددات ال�سيا�سة اخلارجية الليبية‬ ‫�شه����دت ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبية من����ذ انتهاء احل����رب الباردة‬ ‫جمموع����ة من التحوالت التي ميكن و�صفه����ا بـ “الراديكالية”‪ ،‬مثلت‬ ‫قطيعة ملا ات�سمت به هذه ال�سيا�سة خالل العقود ال�سابقة‪ ،‬ومنذ قيام‬ ‫الثورة عام ‪ ،1969‬ودفعت هذه التغريات �إىل حماولة حتديد العوامل‬ ‫واملحددات امل�ؤثرة يف هذه ال�سيا�سة‪ ،‬والتي من �أهمها ما يلي‪:‬‬ ‫‪90‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أ‪ .‬التطورات الدولية‬ ‫مع جميء معمر القذايف �إىل ال�سلطة تبنّت القيادة الليبية املنطلقات‬ ‫الفكرية للنموذج امل�صري النا�صري فى التعامل مع الق�ضايا العربية‬ ‫والدولية؛ فعربياً‪� ،‬أكدت على فكرة “الوحدة العربية”‪ ،‬ولتطبيق هذه‬ ‫الفك����رة تعددت حم����اوالت حتقيق الوحدة بني ليبي����ا وبع�ض الأقطار‬ ‫العربي����ة‪ ،‬وبعد توقيع م�صر ملعاهدة كام����ب ديفيد ان�ضمت ليبيا �إىل‬ ‫املحور املناوئ مل�صر �إال �أنها ا�ستمرت فى تبني �أفكار الوحدة العربية‬ ‫ودعم حركات التحرير‪ .‬وبعد �أحداث لوكريبي وف�شل ليبيا فى تكوين‬ ‫جبهة عربية م�ساندة لها فى هذه الق�ضية‪ ،‬حتولت ليبيا �إىل الهجوم‬ ‫على العرب والدع����وة �إىل االن�سحاب من اجلامعة العربية‪ ،‬وطرحت‬ ‫بدي ًال جديد ًا لتوجهاتها اخلارجية متثل فى االجتاه �صوب �أفريقيا‪.‬‬ ‫وعل����ى امل�ست����وى الدويل‪ ،‬اتخ����ذت ليبيا مواقف �ضد الغ����رب وخا�صة‬ ‫�أمرية حممد عبداحلليم باحثة يف العلوم ال�سيا�سية‪ ،‬م�صر‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪91‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬

‫الواليات املتحدة‪ ،‬وت�صاعدت املواقف بني اجلانبني حتى و�صلت �إىل‬ ‫�ضرب الطائرات الأمريكية لليبيا‪ .‬وجاءت �أحداث احلادي ع�شر من‬ ‫�أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2001‬وما �سبقها من �أفول للأيديولوجية اال�شرتاكية‬ ‫ضال عم����ا طرحته �أزمة‬ ‫يف الع����امل بعد انهيار االحت����اد ال�سوفيتي‪ ،‬ف� ً‬ ‫لوكريب����ي م����ن تداعيات �سلبي����ة على الواق����ع الليبي؛ لتمث����ل منا�سبة‬ ‫دافع����ة �إىل التفكري فى �إع����ادة �صياغة ال�سيا�س����ة اخلارجية الليبية‪.‬‬ ‫فق����د ر�أت القي����ادة الليبي����ة �أن العامل حت����ول �إىل حموري����ن بارزين‪:‬‬ ‫حمور تتزعمه الواليات املتحدة وحلفائها فى احلرب على الإرهاب‪،‬‬ ‫�أم����ا املحور الآخر فهو املح����ور املناوئ لل�سيا�س����ة الأمريكية والغربية‬ ‫ب�صف����ة عامة‪ ،‬وهذا املح����ور �سيتعر�ض لالنتق����ام الغربي والأمريكي‬ ‫و�سيدف����ع ثمن معار�ضته لل�سيا�سات الأمريكي����ة �آج ًال �أم عاج ًال وفق ًا‬ ‫ل�شع����ارات ودعوى هذه املرحلة‪ ،‬ومنها االتهام بامتالك �أ�سلحة دمار‬ ‫�شام����ل �أو دعم املنظمات الإرهابية وغريها من االتهامات التى تفنن‬ ‫الغ����رب والواليات املتحدة فى �إطالقها عل����ى املنظمات والدول حمل‬ ‫االنتقام‪.‬‬ ‫وبالفعل بد�أت القيادة الليبية تعيد ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�صورة‬ ‫ال تعر�ضه����ا لالنتق����ام الغربي الأمريك����ي‪ ،‬والتحول من تبن����ي �أفكار‬ ‫�أيديولوجية معادية للغرب �إىل ا�ستخدام �سيا�سات برجماتية وخا�صة‬ ‫بعد الغزو الأمريكي للعراق و�سقوط نظام �صدام ح�سني حتت دعوى‬ ‫وحج����ج مماثلة لالتهامات املوجهة للنظ����ام الليبي‪ ،‬و�أهمها امتالك‬ ‫�أ�سلح����ة دمار �شامل‪ ،‬كما �أن ال�صف����ات التى كان يطلقها الغرب على‬ ‫الرئي�����س العراقى �صدام ح�سني هي نف�سها التي �أطلقها على الزعيم‬ ‫الليبي معمر القذايف‪.‬‬ ‫وعل����ى الرغم م����ن م�سل�سل الأزمات الذى ات�صف����ت به العالقات بني‬ ‫ليبيا والدول الغربية‪ ،‬والذي ت�ضمن العديد من احلوادث التى قامت‬ ‫به����ا ليبي����ا لتهديد امل�صال����ح الغربي����ة‪� ،‬إال �أن حماوالت ليبي����ا للعودة‬ ‫�إىل املحي����ط الدويل وحت�س��ي�ن العالقات مع الق����وى الغربية وخا�صة‬ ‫الوالي����ات املتحدة قد ت�صادف����ت مع �سعي غربي مماث����ل للتعامل مع‬ ‫ليبي����ا ب�صورة خمتلفة عن باقى الدول املارق����ة‪ ،‬وك�أن الغرب �أراد �أن‬ ‫يثبت للع����امل �أن الديكتاتوريني لن يتم التعامل معهم ب�أ�سلوب واحد؛‬ ‫فالدول الغربية وحتديد ًا الواليات املتحدة مل تر من احلكمة �أن تفتح‬ ‫جبهة للحرب فى �شمال �أفريقيا يف ظل حالة الفو�ضى التي ي�شهدها‬ ‫الع����راق بعد الغ����زو الأمريكي‪ ،‬كما خ�شيت ه����ذه القوى من تداعيات‬ ‫�أى حت����رك غربي جديد ومماثل ملا مت فى العراق على م�صاحلها فى‬ ‫املنطقة العربية‪.‬‬ ‫وبالفع����ل ب����ادرت ليبي����ا باتخ����اذ جمموعة م����ن اخلط����وات لتح�سني‬ ‫العالق����ات م����ع الغ����رب‪ ،‬ف�أعلن����ت م�سئوليته����ا عن ح����ادث لوكريبي‪،‬‬ ‫‪92‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫من القرن املا�ضي على ا�ستخدام مفردات مت�شددة ومواجهة‬ ‫للغ����رب‪� ،‬إذ ح����دد هذا اخلط����اب تهدي����دات الأم����ن الوطني‬ ‫اخلارجي����ة يف عدد من امل�صادر‪� :‬أوله����ا ال�صهيونية والوجود‬ ‫اال�سرائيلي فى العامل العرب����ي‪ ،‬وثانيهما االمربيالية املتمثلة‬ ‫ف����ى منوذجها فى ال����دول الغربية وخا�صة الوالي����ات املتحدة‬ ‫وبريطاني����ا وفرن�سا‪� ،‬إال �أن امل�صادر اخلارجية لتهديد الأمن‬ ‫الوطن����ي يف اخلط����اب ال�سيا�سي الليبي قد تغ��ي�رت مع �أواخر‬ ‫الت�سعينيات حيث ترك����زت هذه امل�صادر فى الإرهاب والتيار‬ ‫الإ�سالم����ي املتطرف‪ ،‬والذي عرف يف خطب العقيد القذافى‬ ‫ثانياً‪ :‬دوائر احلركة الليبية اخلارجية‬ ‫بظاهرة الزندقة‪.‬‬ ‫اعتم����د حتديد دوائر حرك����ة ال�سيا�سة اخلارجي����ة الليبية بعد انتهاء‬ ‫ج‪ .‬القدرات الوطنية‬ ‫احل����رب الباردة على املزج ب��ي�ن الأهداف امل�صلحي����ة والربجماتية‪،‬‬ ‫تعت��ب�ر الق����درات الوطنية م����ن �أهم املح����ددات الت����ى تر�سم الت����ي مل جت����د الدول����ة الليبية مف����ر ًا من تبنيه����ا ومزجها م����ع بع�ض‬ ‫ال�سيا�س����ة اخلارجية الي دولة وجماالت عم����ل هذه ال�سيا�سة املبادئ والأفكار الأيديولوجية والقيم الإن�سانية‪ .‬وقد ا�شتملت دوائر‬ ‫وتتمي����ز الدول����ة الليبية مبجموعة م����ن املقومات‬ ‫احلركة عل����ى العديد م����ن مناطق الع����امل‪ ،‬حيث احتلت‬ ‫امل�ؤث����رة يف حرك����ة الدول����ة اخلارجي����ة‪ ،‬ومن هذه‬ ‫دوائر حمددة �أولوي����ة يف نطاق ال�سيا�سة اخلارجية‬ ‫املقومات ما يلي‪:‬‬ ‫بد�أت القيادة الليبية تعيد‬ ‫الليبية‪ ،‬و�أهمها‪:‬‬ ‫ر�سم �سيا�ستها اخلارجية ب�صورة‬ ‫‪ .1‬ال�ثروة النفطية‪ :‬لقد �ساهم ظهور‬ ‫�أ‪ .‬الدائ��رة الأفريقي��ة‪ :‬حي����ث ن�شط����ت‬ ‫ال تعر�ضها لالنتقام الغربي‬ ‫النف����ط ف����ى الأرا�ض����ي الليبية م����ع نهاية‬ ‫الدبلوما�سي����ة الليبي����ة يف �أفريقيا بعد انتهاء‬ ‫والأمريكي‪ ،‬والتحول من تبني‬ ‫اخلم�سيني����ات م����ن الق����رن املا�ض����ي يف‬ ‫�أفكار �أيديولوجية معادية‬ ‫احلرب الب����اردة وخا�ص����ة بعد ال����دور الذي‬ ‫ضال عن‬ ‫�أحداث تغريات داخلية كثرية‪ ،‬ف� ً‬ ‫للغرب �إىل ا�ستخدام �سيا�سات‬ ‫لعبت����ه دول الق����ارة يف تخفي����ف ال�ضغ����وط‬ ‫برجماتية وخا�صة بعد الغزو‬ ‫االعتم����اد عليه فى تنفي����ذ ودعم توجهات‬ ‫الدولي����ة عل����ى ليبي����ا نتيجة لأزم����ة لوكريبي‪،‬‬ ‫الأمريكي للعراق و�سقوط‬ ‫ال�سيا�سة اخلارجي����ة الليبية‪ .‬فقد اعتمدت‬ ‫حي����ث اتخذت ال����دول الأفريقية ق����رار ًا يف قمة‬ ‫نظام �صدام ح�سني‬ ‫القي����ادة الليبية على عائداته يف دعم حركات‬ ‫واجادوج����و ‪ 1998‬يق�ضي بك�س����ر احلظر املفرو�ض‬ ‫التحرر يف العامل‪ ،‬وم����ع تطبيع ليبيا لعالقاتها مع‬ ‫من جمل�س الأمن عل����ى ليبيا‪ ،‬ودفعت الواليات املتحدة‬ ‫الغرب �سمح لل�شركات الغربية والأمريكية باحل�صول على‬ ‫وبريطاني����ا لقبول ال�ش����روط الليبي����ة‪ .‬ودعم التح����رك الأفريقي‬ ‫عقود للتنقيب عن النفط داخل ليبيا الذي ي�صل �إنتاجها اليومي منه مل�ؤازرة ليبيا توجهات القذايف نحو القارة‪ ،‬خا�صة يف ظل امل�ستجدات‬ ‫�إىل مليوين برميل وذلك من احتياطي قدره ‪ 41.5‬بليون برميل‪ .‬وتعد الدولي����ة والإقليمية التي دفعت يف اجتاه توحيد القارة‪ .‬فعقب جتميد‬ ‫ليبي����ا ثاين �أكرب منتج للنفط يف �أفريقيا بعد نيجرييا‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل االحت����اد املغاربي بادر الق����ذايف يف �أوائل ع����ام ‪1998‬بتوجيه الدعوة‬ ‫الغ����از الطبيعي الذي يبلغ احتياطي����ه ‪ 52.7‬تريليون قدم مكعب‪ .‬كما لإن�ش����اء جتمع �إقليمي جدي����د يكون خطوة �أوىل عل����ى طريق االحتاد‬ ‫دف����ع التزايد الذى ت�شهده عائدات النف����ط الليبي فى ت�شجيع الدولة الأفريق����ي ال�شامل وهو «جتمع دول ال�ساح����ل وال�صحراء»‪ ،‬وتبع هذه‬ ‫عل����ى تنفيذ �سيا�سته����ا يف القارة الأفريقية بتق����دمي امل�ساعدات التى املحاوالت تدعيم الوحدة الأفريقية من خالل تطوير منظمة الوحدة‬ ‫خلقت لليبيا زعامة �أفريقية كبرية‪.‬‬ ‫الأفريقي����ة وحتويله����ا �إىل االحتاد الأفريقي‪ ،‬حي����ث ولدت الفكرة يف‬ ‫‪ .2‬املوقع اجلغرايف‪ :‬كما يعد موقع ليبيا اجلغرافى من املحددات قم����ة �سرت يف ‪ 1999/ 9/9‬ومت الإعالن عن ت�أ�سي�س االحتاد الأفريقي‬ ‫املهم����ة ل�سيا�سته����ا اخلارجية‪ ،‬حي����ث يتيح هذا املوق����ع املتميز فر�ص يف قم����ة دربان ع����ام ‪ ،2002‬حيث �أكد الق����ذايف �أن الوحدة الأفريقية‬ ‫لتفعيل الدبلوما�سية الليبية يف مناطق كثرية من العامل‪ ،‬منها القارة ه����ي اخليار الوحيد �أمام القارة ملواجه����ة خمتلف التحديات‪ ،‬و�أعلن‬ ‫الأفريقية واملنطقة العربية وال����دول املتو�سطية بالإ�ضافة �إىل الدول رف�ض����ه للم�ساع����دات امل�شروط����ة التي متث����ل منفذ ًا الخ��ت�راق القوى‬ ‫الأوروبي����ة‪� ،‬إال �أن هذا املوقع وما يطرحه من فر�ص للتعاون بني ليبيا الغربي����ة و�إ�سرائيل للق����ارة‪ .‬كما ان�ضمت ليبي����ا �إىل مبادرة ال�شراكة‬ ‫وق����وى �إقليمية ودولية خمتلفة ميثل ف����ى الوقت ذاته نقطة �ضعف يف‬ ‫ظل اخلفة ال�سكانية وانخفا�ض القدرات الع�سكرية للدولة‪ ،‬حيث تبلغ‬ ‫م�ساح����ة ليبيا ‪ 1.670‬مليون كم مربع فى حني ي�صل عدد ال�سكان �إىل‬ ‫ح����واىل ‪ 6‬مليون ن�سمة‪ ،‬مما يجعل الدول����ة مهددة بهجرات وغزوات‬ ‫خارجي����ة وخا�صة القادمة م����ن �أفريقيا جنوب ال�صح����راء‪ .‬من هنا‬ ‫ت�أت����ى �أهمية ال�سيا�سة اخلارجي����ة فى حماية الأم����ن القومي الليبي‪،‬‬ ‫�سواء ملنع تعر�ض احلدود الليبية لهجرات خارجية‪� ،‬أو حلماية الرثوة‬ ‫النفطية التى متثل مطمع ًا للعديد من القوى اخلارجية‪.‬‬

‫و�أعلنت ر�سمي ًا امل�شاركة دولي ًا يف مكافحة الإرهاب يف �آب‪�/‬أغ�سط�س‬ ‫‪ ،2003‬وتخليه����ا عن براجمه����ا لإنتاج �أ�سلحة الدم����ار ال�شامل‪ ،‬حيث‬ ‫حاول����ت ليبيا من خالل هذه اخلط����وات جتنب الوقوع يف م�أزق �شبيه‬ ‫بالع����راق‪ .‬وتط����ورت العالقات اخلارجي����ة بني ليبيا وال����دول الغربية‬ ‫ب�ش����كل جذرى من ذل����ك الوقت‪ ،‬وخا�صة يف ظ����ل اهتمام هذه الدول‬ ‫بتدعي����م العالق����ات معها لتحقي����ق عدد م����ن امل�صال����ح احليوية فى‬ ‫مقدمتها امل�صالح االقت�صادية وامل�صالح الأمنية‪ ،‬و�سارعت الواليات‬ ‫املتح����دة يف ظ����ل هذا املناخ �إىل ح����ذف ا�سم ليبيا م����ن قائمة الدول‬ ‫غ��ي�ر املتعاون����ة فى مكافح����ة الإرهاب‪ ،‬و�ص����و ًال �إىل ع����ودة العالقات‬ ‫الدبلوما�سية معها وبناء �سفارة �أمريكية يف طرابل�س عام ‪.2006‬‬ ‫ب‪ .‬اخلطاب ال�سيا�سي‬ ‫تعت��ب�ر اخلط����ب ال�سيا�سي����ة للزعيم الليب����ي معمر الق����ذايف من �أهم‬ ‫حم����ددات الأيديولوجية الر�سمية للدولة‪ ،‬وم����ن ثمّ من �أهم م�صادر‬ ‫حتدي����د توجهات ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبية‪ ،‬حي����ث تت�ضمن هذه‬ ‫اخلط����ب مالم����ح مفهوم الأم����ن الوطني وم����ا يواجهه م����ن حتديات‬ ‫عل����ى امل�ست����وى الداخلي واخلارج����ي‪ ،‬ومن ثم����ة �أدوات مواجهة هذه‬ ‫التحدي����ات‪ .‬وق����د �ألقت التح����والت الدولية التى �شهده����ا العامل منذ‬ ‫انته����اء احلرب الب����اردة بظاللها على اخلط����اب ال�سيا�سي للقذايف‪،‬‬ ‫فل����م يعد اخلطاب ال�سيا�سى ذو امل�سحة الأيديولوجية املعادية للغرب‬ ‫منا�سب���� ًا لتحقيق الأمن الوطن����ي الليبي يف ظل انح�سار الأيديولوجية‬ ‫وت�صاع����د ال�ضغ����وط الدولية عل����ى ليبيا‪ ،‬لذلك �شه����د هذا اخلطاب‬ ‫تغيرّ ات على م�ستوى املفرادات والتوجهات‪.‬‬ ‫فقد اعتمد اخلطاب ال�سيا�سي الليبي خالل ال�سبعينيات والثمانينيات‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪93‬‬


‫املراقب اال�سرتاتيجي‬ ‫اجلدي����دة لتنمية �أفريقي����ا «النيباد»‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن العجز‬ ‫ضال ع����ن ان�ضمامها لع�ضوية دولة «�إ�سراطني» التي ت�ضم اليهود والفل�سطينيني‪ ،‬ف� ً‬ ‫ع����دد من اللجان وامل�ؤ�س�س����ات الأفريقية‪ .‬كما ط����رح العقيد القذايف العرب����ي عن ك�سر العزل����ة الدولية التي فر�ضته����ا �أزمة لوكريبي على‬ ‫فك����رة ت�أ�سي�س امل�ش����روع الأفريقي اال�سرتاتيج����ي اجلديد لالهتمام ليبي����ا‪ ،‬مما دفعه����ا �إىل حماولة احلفاظ على «�شع����رة معاوية» بينها‬ ‫بال�شب����اب والطفل وامل����ر�أة الأفريقية ال����ذي ي�ضم ‪ 23‬دول����ة �أفريقية وب��ي�ن العامل العربي‪ ،‬فرك����زت �سيا�ستها اخلارجية يف اجتاه �أفريقيا‬ ‫ومقره يف ليبيا‪.‬‬ ‫و�أ�صب����ح تدخله����ا يف ال�ش�����ؤون العربية يتم وفق ًا لآلي����ات تن�أى بها عن‬ ‫وبذلك لعبت ليبيا دور ًا مهم ًا يف القارة الأفريقية من خالل حمورين‪ :‬االنتقاد �أو �إثارة امل�شكالت‪.‬‬ ‫حم����ور امل�ساعدات‪ ،‬وحمور ت�سوي����ة ال�صراعات الذي �شمل عدد ًا من و�أخ��ي�راً‪ ،‬ميكن الق����ول �أن املح����ددات احلاكمة لل�سيا�س����ة اخلارجية‬ ‫دول القارة‪ ،‬كالكونغو الدميقراطية وال�سودان‪ .‬وحاز العقيد القذايف الليبية منذ انتهاء احل����رب الباردة وفى مقدمتها التطورات الدولية‬ ‫عل����ى ثق����ة الأفارقة حت����ى �أطلقوا عليه لق����ب «ملك مل����وك �أفريقيا»‪ ،‬وم����ا ر�سمت����ه من دوائ����ر للحركة اخلارجي����ة الليبية ق����د �ساهمت يف‬ ‫ويبدو �أن هذه الثقة �ستنم����و فى ظل ا�ستمرار االهتمام الليبي بعمقه تد�شني جمموعة من املبادئ التي متثل تغري ًا «راديكالياً» يف ال�سيا�سة‬ ‫الأفريق����ي‪ ،‬برغم الأزمات التي تظهر من حني لآخر مع بع�ض الدول الليبي����ة‪ .‬فمن ناحية‪ ،‬حر�صت القي����ادة الليبية على عدم العودة مرة‬ ‫الأفريقي����ة نتيجة لرف�ض هذه ال����دول للمبادرات الليبية‬ ‫�أخرى �إىل حالة العزلة الدولية والعداء للغرب لأن ال�شعب‬ ‫لت�سوي����ة ال�صراعات؛ فخالل ال�ص����راع الطائفى‬ ‫الليب����ي كان اخلا�سر الأكرب يف هذه ال�سيا�سة‪ .‬ومن‬ ‫مل يعد اخلطاب ال�سيا�سى‬ ‫الذى �شهدته نيجريي����ا م�ؤخر ًا اقرتح القذايف‬ ‫ناحية �أخرى‪ ،‬ت�أكدت القي����ادة الليبية �أن جزء ًا‬ ‫للقذايف ذو امل�سحة‬ ‫يف ت�صريحات����ه تق�سي����م نيجريي����ا لت�سوي����ة‬ ‫مهم���� ًا من حماية الأمن الوطني الليبي يعتمد‬ ‫الأيديولوجية املعادية‬ ‫للغرب منا�سب ًا لتحقيق الأمن‬ ‫هذا ال�صراع مم����ا �أثار �أزم����ة دبلوما�سية‬ ‫عل����ى اخلارج‪ ،‬مما ي�ؤكد على �ضرورة �إقامة‬ ‫انح�سار‬ ‫ظل‬ ‫يف‬ ‫الليبي‬ ‫الوطني‬ ‫ب��ي�ن البلدين‪� ،‬إال �أن ه����ذه التطورات متثل‬ ‫عالقات دبلوما�سية وتعاونية جيدة مع دول‬ ‫وت�صاعد‬ ‫أيديولوجية‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م�شكل����ة عاب����رة وال تعرب ع����ن تغري موقف‬ ‫العامل‪ ،‬وخا�صة الدول القريبة �سواء الدول‬ ‫ال�ضغوط الدولية على ليبيا‪،‬‬ ‫ال����دول الأفريقي����ة �أو اهتزاز ثقته����ا بليبيا‬ ‫الأفريقية �أو الدول الأوروبية‪ ،‬وخا�صة يف ظل‬ ‫لذلك �شهد هذا اخلطاب‬ ‫�أو تراج����ع الت�أيي����د والدعم الليب����ي للق�ضايا‬ ‫اخلفة ال�سكانية وال�ضعف الع�سكري للدولة‪.‬‬ ‫تغيرّ ات على م�ستوى املفرادات‬ ‫والتوجهات‬ ‫الأفريقية‪.‬‬ ‫�إال �أن القيادة الليبية مل ت�ستطع التخل�ص الكامل‬ ‫ب‪ .‬الدائ��رة الأوروبي��ة‪ :‬بع����د انته����اء �أزم����ة‬ ‫من منطلقاتها الأيديولوجية والفكرية ال�سابقة‪ ،‬والتي‬ ‫لوكريب����ي �شهدت العالقات الليبية ‪ -‬الأوروبية تقدم ًا كبرياً‪،‬‬ ‫تكر�س النظرة �إىل الدول الغربي����ة باعتبارها دو ًال ا�ستعمارية‬ ‫ضال عن‬ ‫ف����كل ط����رف ر�أى �أن هناك �ضرورة للتعاون م����ع الآخر‪ ،‬فليبيا حتتاج ولديه����ا نظ����رة ا�ستعالئي����ة لل����دول العربي����ة والأفريقي����ة‪ ،‬ف� ً‬ ‫�إىل ت�صدي����ر منتجاته����ا الزراعية وال�سمكية وح�ص����ول رعاياها على �أفكار الزعامة العربية والأفريقي����ة للعقيد القذايف والتي تدفعه �إىل‬ ‫ت�أ�شريات لل�سف����ر لأوروبا‪ ،‬و�أوروبا تتطلع �إىل مزيد من النفط‪ ،‬حيث طرح مبادرات غري منطقية‪ .‬وتظه����ر امل�سحة الأيديولوجية والثورية‬ ‫تع����د ليبيا م����ن �أهم م����وردي النفط والغ����از لأوروبا وتتمي����ز بالقرب للقيادة الليبي����ة يف �أوقات الأزمات‪ ،‬فخالل الأزمة الأخرية بني ليبيا‬ ‫اجلغ����رايف‪ ،‬ومتثل �سوق���� ًا مهمة لل�ص����ادرات الأوروبية‪ ،‬كم����ا يتعاون و�سوي�سرا – مث ًال ‪� -‬أعلن القذايف «اجلهاد �ضد �سوي�سرا»‪.‬‬ ‫اجلانب��ي�ن �أي�ض ًا ملواجهة الق�ضايا امل�شرتكة مثل ظاهرة الهجرة غري �إال �أن����ه‪ ,‬وعلى الرغم م����ن �أن ت�صريحات الق����ذايف تتخذ يف البداية‬ ‫ال�شرعية التي تن�شط عرب الأرا�ضي الليبية‪ ،‬وانت�شار جتارة املخدرات طابع���� ًا ت�صعيدياً‪ ،‬لكن����ه �سرعان ما يتم ت�سوي����ة الأزمة بتدخل بع�ض‬ ‫ومكافح����ة الإره����اب والتع����اون االقت�صادي من خ��ل�ال جمموعة من امل�سئولني الليبيني حتى تقبل القيادة الليبية ما تطرحه الدول الغربية‬ ‫الأطر مثل جمموعة ‪ ،5 +5‬وال�شراكة الأوروبية املتو�سطية‪.‬‬ ‫م����ن ت�سوية مثلما ح����دث يف �أزمة املمر�ض����ات البلغاريات عام ‪.2007‬‬ ‫ج��ـ‪ .‬املنطق��ة العربية‪ :‬متث����ل املنطق����ة العربية دائ����رة رئي�سية كما �أن قدرة القيادة الليبية على امل�ضي قدم ًا يف تطبيع العالقات مع‬ ‫و�ضروري����ة لل�سيا�س����ة اخلارجي����ة الليبي����ة بحك����م االنتم����اء وال����دور الغ����رب‪ ،‬واحلفاظ على ما و�صلت �إليه من مكت�سبات خالل ال�سنوات‬ ‫التاريخ����ي الذي لعبت����ه اجلماهريية الليبية لدع����م الق�ضايا العربية الأخ��ي�رة �سيتوقف يف املقام الأول عل����ى املرونة التي �ستتعامل بها مع‬ ‫وف����ى مقدمتها الق�ضية الفل�سطينية‪� ،‬إال �أن ال�سنوات الأخرية �شهدت املطال����ب الغربي����ة التي ت�شمل بع�����ض الإ�صالح����ات الداخلية‪ ،‬ومنها‬ ‫كثري ًا من االنتقاد وعدم التجاوب العربي للأطروحات الليبية لت�سوية حماية حقوق الإن�سان وامل�شاركة ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫امل�شكالت العربية‪ ،‬والتي ات�سمت بع�ضها بالغرابة مثل اقرتاح �إن�شاء‬ ‫‪94‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫املحـــور‬ ‫ق�ضيــــة العـــدد‬

‫التطرف يف اليمن‬ ‫�أنظمة التعليم و�صناعة‬ ‫ّ‬ ‫رات�شــل ولــ�ش‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪95‬‬


‫املحــــور‬

‫بذور الإرهاب‬ ‫�أنظمة التعليم والراديكالية‬ ‫الإ�سالمية فـي اليمن‬ ‫رات�شــل ولــ�ش‬

‫‪rswals@wm.edu‬‬

‫«(تعترب اليمن) من �أف�ضل البلدان العربية والإ�سالمية يف مت�سكها بتقاليدها‬ ‫وعقيدته���ا‪ ...‬وتتمي���ز بت�ضاري�سه���ا اجلبلي���ة‪ ،‬و�شعبها �شعب قبل���ي م�سلح‪،‬‬ ‫وي�سمح لل�شخ�ص �أن يتنف�س هوا ًء نقي ًا ال ي�شوبه الذل»‬ ‫�أ�سامة بن الدن‬

‫منذ زمن طويل‪� ،‬أدرك �أ�سامة بن الدن الفر�صة التي ميكن �أن توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛‬ ‫فطامل���ا لعب���ت اليم���ن دور ًا مهم ًا كم�ص���در و�أر�ضية �إع���داد لنمط الإره���اب الديني الذي يت�ص���ف به بن الدن‬ ‫من���ذ ت�أ�سي�س تنظي���م القاعدة‪ .‬وكون اليمن من �أكرب م�صادر مقاتلي اجله���اد يف �أفغان�ستان والآن يف العراق‪،‬‬ ‫وباعتباره���ا مالذ ًا �آمن ًا للمتطرفني‪ ،‬وكانت �أر�ضية �إعداد لأول هج���وم قامت به القاعدة وحالي ًا موطن ًا ملوجة‬ ‫�شر�سة من الإرهاب املحلي‪ ،‬فلي�س من املمكن جتاهل الدور الذي تلعبه اليمن يف تغذية الإرهاب الديني‪ .‬ويثور‬ ‫لدين���ا هنا �س�ؤال‪ :‬مل���اذا تعترب اليمن م�ساهم كبري جد ًا يف تغذية الإره���اب الديني املحلي واخلارجي على حد‬ ‫�س���واء؟ ومبا �أن الهجم���ات الإرهابية على امل�صالح الغربية يف اليمن م�ستم���رة دون انقطاع‪ ،‬ف�إن �إيجاد �إجابة‬ ‫لهذا ال�س�ؤال يعد �أمر ًا يف غاية الأهمية‪.‬‬ ‫‪96‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫رات�ش ـ���ل ولــ�ش باحث���ة �أمريكية يف م�شروع الأمن وال�سالم ال���دويل‪ ،‬ق�سم نظم احلكم – كلية‬ ‫ولي���م ومريي بفرجينيا‪ .‬واملق���ال يف الأ�صل ترجمة للجزء اخلا�ص باليم���ن يف درا�سة مقارنة‬ ‫بعنوان”‪Education Systems and Islamic Radicalism in the Arabian Peninsula: Background‬‬ ‫‪ ”Brief‬قدمت العام املا�ضي ‪ 2009‬يف كلية وليام وماري بفرجينيا‪ ،‬الواليات املتحدة‪.‬‬

‫من���ذ زم���ن طوي���ل‪� ،‬أدرك �أ�سام���ة ب���ن الدن الفر�صة الت���ي ميكن �أن‬ ‫توفرها البيئة اجلغرافية وال�سيا�سية يف اليمن؛ فطاملا لعبت اليمن دور ًا‬ ‫مهم��� ًا كم�صدر و�أر�ضية �إعداد لنمط الإره���اب الديني الذي يت�صف به‬ ‫ب���ن الدن منذ ت�أ�سي�س تنظي���م القاعدة‪ .‬وكون اليمن م���ن �أكرب م�صادر‬ ‫مقاتل���ي اجلهاد يف �أفغان�ست���ان والآن يف العراق‪ ،‬وباعتبارها مالذ ًا �آمن ًا‬ ‫للمتطرف�ي�ن‪ ،‬وكانت �أر�ضية �إعداد لأول هجوم قامت به القاعدة وحالي ًا‬ ‫موطن ًا ملوجة �شر�سة من الإرهاب املحلي‪ ،‬فلي�س من املمكن جتاهل الدور‬ ‫ال���ذي تلعبه اليمن يف تغذي���ة الإرهاب الديني‪ .‬ويثور لدين���ا هنا �س�ؤال‪:‬‬ ‫ملاذا تعت�ب�ر اليمن م�ساهم كبري جد ًا يف تغذي���ة الإرهاب الديني املحلي‬ ‫واخلارجي على ح���د �سواء؟ ومبا �أن الهجم���ات الإرهابية على امل�صالح‬ ‫الغربية يف اليمن م�ستم���رة دون انقطاع‪ ،‬ف�إن �إيجاد �إجابة لهذا ال�س�ؤال‬ ‫يعد �أمر ًا يف غاية الأهمية‪.‬‬ ‫�إن الأ�سب���اب الكال�سيكي���ة للإره���اب لي�س���ت كافي���ة لتف�س�ي�ر ظهور‬ ‫الإره���اب الديني يف اليمن؛ فال ميكننا �أن نن�سب ذلك �إىل عامل الفقر‪،‬‬ ‫وال �إىل عام���ل القمع احلكومي‪ ،‬وال �إىل عامل االحتالل اخلارجي �أي�ضاً‪.‬‬ ‫فمن���ذ الت�سعيني���ات ويعك�س الو�ض���ع االقت�صادي يف اليم���ن على الدوام‬

‫�ص���ورة كئيبة‪ ،‬ولهذا ال ميك���ن �أن نعتربه العامل املف�س���ر لتنوع الإرهاب‬ ‫املحل���ي يف اليم���ن‪� .‬أم���ا عامل القم���ع احلكومي يف اليم���ن‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫ال�سج���ن الع�شوائي والتعذيب والإعدام واالختطاف‪ ،‬فهو �أقل بكثري مما‬ ‫كان علي���ه خالل فرتة الت�شط�ي�ر يف ال�سبعينيات والثمانينيات‪ ،‬ولكن مع‬ ‫ه���ذا تع�ص���ف بالبالد حالي��� ًا موجة �إرهابي���ة عنيف���ة مل ي�شهدها اليمن‬ ‫م���ن قب���ل‪� .‬أما عامل االحتالل فه���و م�ستبعد‪ ،‬ولي�س هن���اك ما يدل على‬ ‫وج���ود احتالل خارجي؛ فال الواليات املتحدة وال غريها من قوى الغرب‬ ‫قام���ت ب�إن�ش���اء قاعدة ع�سكري���ة دائمة جلنودها يف اليم���ن منذ حتقيق‬ ‫الوح���دة عام ‪ ،1990‬والوجود الع�سكري الغربي يف اليمن ال يتجاوز �سوى‬ ‫ا�ستخدام املوانئ اليمنية كمحطات لتزوي���د ال�سفن الع�سكرية بالوقود‪،‬‬ ‫وه���ذا تقليد دويل معروف ال ين���م عن �أي احتالل خارج���ي‪ .‬ويف الواقع‬ ‫�أن املتغري املهم‪ ،‬الذي جتاهلته كث�ي�ر ًا البحوث العلمية املتعلقة باليمن‪،‬‬ ‫هو دور التعلي���م الديني يف تغذية التطرف‪ ،‬وهو التعليم الذي يُدرّ�س يف‬ ‫م�ؤ�س�سات التعليم اخلا�صة‪.‬‬ ‫وق���د �أ�ش���ارت العديد من املق���االت التي تناولت ظاه���رة التطرف يف‬ ‫اليمن �إىل الدور املهم الذي تلعبه امل�ؤ�س�سات الدينية اخلا�صة يف تطرف‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪97‬‬


‫املحــــور‬

‫ال�شب���اب اليمني‪� ،‬إذ الحظت �إحدى هذه املقاالت �أن هناك «�إجماع على‬ ‫�أن �أف�ضل طريقة لإنقاذ �شباب اليمن من الوقوع يف قب�ضة املتطرفني هي‬ ‫تغيري مناهج التعلي���م‪ ،‬خا�ص ًة يف املدار�س الإ�سالمي���ة‪ ،‬وت�شجيعها على‬ ‫تدري����س العلوم واللغات واجلغرافي���ا لكي تزيد من الوعي وفهم العامل»‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬يف احلقيقة‪ ،‬ال توجد حتى الآن درا�سة مبنية على التجربة لتحليل‬ ‫العالقة بني التعليم الديني اخلا�ص وظاهرة التطرف‪.‬‬ ‫وله���ذا ف�إنن���ي يف درا�سة حالة اليم���ن هنا �سوف �أتن���اول العالقة بني‬ ‫التعليم وظاهرة التطرف يف اليم���ن‪ ،‬و�س�أقدم �أدلة لتدعيم حجتي التي‬ ‫تق���ول ب�أن نظام التعليم الع���ام املحدود وغري الكايف هو ما يدفع بالكثري‬ ‫من ال�شباب اليمن���ي �إىل االلتحاق مب�ؤ�س�سات التعليم الدينية املتطرفة‪،‬‬ ‫وبالتايل يك���ون الطالب �أكرث عر�ض ًة للت���ورط يف �أعمال التطرف داخل‬ ‫الوط���ن وخارج���ه‪ .‬ولهذا الغر����ض‪� ،‬س�أ�ص���ف يف الق�س���م الأول من هذه‬ ‫الدرا�سة كيف تطور التعليم يف اليمن مع مرور الزمن‪ ،‬وذلك ملا لل�سياق‬ ‫التاريخ���ي للتعليم يف اليمن م���ن �أهمية‪ ،‬كونه يبني لنا كيف قُدِّ م التعليم‬ ‫الدين���ي املتطرف وتطور يف �أوقات معينة تزامن���ت مع امل�شاركة اليمنية‬ ‫يف �أعمال التطرف الديني املحلي والأجنبي‪ .‬و�س�أتناول يف الق�سم التايل‬ ‫الو�ضع احلايل للتعليم العام يف اليمن‪ ،‬مبين ًة مواطن �ضعفه وقلة توفره‬ ‫يف بع�ض مناطق البالد‪ ،‬لآن عدم توفر التعليم العام يُف�سِ ح املجال �أمام‬ ‫م�ؤ�س�س���ات التعلي���م الدين���ي لتنمو �سريع���اً‪� .‬أما الأق�سام الت���ي تلي ذلك‬ ‫ف�سوف �أخ�ص�صها لو�صف االنت�ش���ار الإقليمي للتعليم الديني‪ ،‬والتعرّف‬ ‫على �أهم امل�ؤ�س�سات الدينية املت�شددة‪ ،‬وفهم �آثار التعليم يف اليمن‪.‬‬ ‫�أما الأق�س���ام املتبقية فقد خ�ص�صتها لتو�ضيح منط امل�شاركة اليمنية‬ ‫يف �أعم���ال التطرف الداخلي واخلارجي‪ .‬و�سنج���د �أن هناك �أدلة توحي‬ ‫ب����أن �أغلبية املقاتلني الأجان���ب واملتطرفني املحليني ي�أت���ون من املناطق‬ ‫الت���ي بها تعليم ديني مت�شدد‪ ،‬و�أن جامعة الإميان ومدار�س دار احلديث‬ ‫عل���ى وجه اخل�صو�ص قد خرج���ت عدد ًا من اليمني�ي�ن ممن تورطوا يف‬ ‫�أعمال الإرهاب داخل الوطن و�شاركوا يف القتال يف العراق‪.‬‬

‫التعلي��م يف اليم��ن‬ ‫تعت�ب�ر اليم���ن �أفق���ر بل���د يف‬ ‫ال�ش���رق الأو�سط‪ ،‬وطبق��� ًا لتقديرات الأمم املتحدة حتت���ل اليمن املرتبة‬ ‫‪ 153‬من �أ�صل ‪ 177‬دولة على م�ؤ�شر التنمية الب�شرية لعام ‪� .2005‬إ�ضافة‬ ‫�إىل ه���ذا‪� ،‬أك�ث�ر م���ن ‪ %75‬من �سكان اليم���ن عمرهم م���ا دون ‪� 25‬سنة‪.‬‬ ‫وه���ذا التقديرات تبني م���دى حجم ال�صعوبات الت���ي تواجهها اليمن يف‬ ‫عملي���ة تقدمي نظام تعليم عام كايف لتلبية معدالت الإقبال على التعليم‪.‬‬ ‫ففي �سن���ة ‪ ،2005‬بلغت ن�سبة الأمية ‪ %73‬من الذكور و‪ %35‬من الن�ساء‪،‬‬ ‫بينم���ا و�صل املع���دل العام للأمية مل���ن �سنهم ‪� 15‬سنة و�أك�ب�ر �إىل ‪.%54‬‬

‫وعل���ى �سبيل املقارنة‪ ،‬جند �أن متو�سط معدل الأمية بني البالغني يف �أقل‬ ‫البلدان دخ ًال ي�صل �إىل حوايل ‪.%62‬‬ ‫واحلال �أن نظام التعلي���م يف اليمن �ضعيف‪ ،‬ونخر يف عظمه الف�ساد‪،‬‬ ‫ويقل���ل من جودت���ه كرثة �أع�ض���اء هيئ���ة التدري�س غري امل�ؤهل�ي�ن ووجود‬ ‫ف�ص���ول درا�سية مكتظّ ة بالطالب مع نق�ص �شدي���د يف طاقم التدري�س‪.‬‬ ‫يف مقاب���ل ذل���ك‪ ،‬هناك التعليم البديل – التعليم الديني– الذي بد�أ يف‬ ‫اليم���ن من���ذ فرتة طويلة‪ ،‬بل و�سب���ق نظام التعليم الع���ام احلديث الذي‬ ‫مل يب���د�أ �إال يف ال�ستيني���ات‪ ،‬ووا�ص���ل (�أي التعليم الدين���ي) تطوره جنب ًا‬ ‫�إىل جن���ب مع التعليم العام من���ذ ال�سبعينيات‪ .‬وينت�ش���ر التعليم الديني‬ ‫ب�ص���ورة خا�ص���ة يف املناط���ق الريفي���ة ذات الت�ضاري����س ال�صعبة‪ ،‬حيث‬ ‫تفتق���ر الدولة املركزي���ة ل�سلطته���ا الفعلية‪� .‬أما الط�ل�اب ب�شكل عام يف‬ ‫كال نظامي التعليم‪ ،‬ف�إننا جندهم يفتقرون �إىل املهارات التي يحتاجها‬ ‫�س���وق العمل‪ ،‬ويكون الط�ل�اب الذين يتلقون تعليم ًا ديني��� ًا مت�شدد ًا �أكرث‬ ‫عر�ضة لاللتحاق بجماعات الإرهاب الديني‪.‬‬

‫التاريخ احلديث للتعليم يف اليمن‬ ‫عندما‬ ‫ننظر �إىل تاريخ تطور التعليم يف اليمن يتبني لنا �أن نظام التعليم الديني‬ ‫البدي���ل منا �إىل جانب نظام التعليم العام‪ ،‬بل وازدهر كثري ًا يف املناطق‬ ‫الت���ي كان يغيب فيها التعليم الع���ام �أو يكون �ضعيف���اً‪ .‬وي�ؤكد لنا التطور‬ ‫التاريخ���ي للمعاهد الديني���ة هذه �أ�صل الأيديولوجي���ات التي تتبناها يف‬ ‫مناهجه���ا الدرا�سي���ة؛ فعلى �سبي���ل املثال متي���ل املدار�س الت���ي �أ�س�سها‬ ‫ومولها املجاهدون العائدون �إىل تبنّي �أيديولوجيتهم ال�سلفية اجلهادية‪،‬‬ ‫التي ت�ش���دد على �أهمية اجلهاد وتت�سامح م���ع العنف �ضد غري امل�سلمني‬ ‫وامل�سلم�ي�ن الذي���ن تربطهم عالقات بغري امل�سلم�ي�ن �أو ممن ينتمون �إىل‬ ‫طوائف م�سلمة �أخرى‪.‬‬ ‫تقليدياً‪ ،‬كان التعليم يف اليمن مقت�صر ًا على املعاهد الدينية املرتبطة‬ ‫بامل�ساج���د �أو املدار����س الت���ي ت�أ�س�ست عن طريق املب���ادرة املحلية‪ .‬وظل‬ ‫احل���ال على ذل���ك حتى عام ‪ 1962‬عندما تولت احلك���م يف �شمال اليمن‬ ‫حكوم���ة ع�سكري���ة بنظ���رة علماني���ة‪ ،‬وبد�أت يف ب���ذل اجله���ود لت�أ�سي�س‬ ‫نظ���ام تعلي���م علماين‪ .‬ولكن رغم ه���ذا مل يغري التم���دن والعلمنة خالل‬ ‫تل���ك الفرتة “الدور القوي جد ًا الذي لعبه الدين” يف ال�شمال‪ ،‬وال حتى‬ ‫املفاهيم املحافظة‪ ،‬فقد ظل���ت املعاهد الدينية تعمل بن�شاط �إىل جانب‬ ‫نظام التعليم العام العلماين‪.‬‬ ‫ويف ال�سبعينيات والثمانيني���ات تو�سّ ع التعليم العلماين ب�شكل ملحوظ‬ ‫و�أ�صب���ح �سهل املنال‪� ،‬إذ ارتفعت ن�سبة ط�ل�اب املدار�س كثري ًا بني ‪1970‬‬ ‫و‪ ،1980‬م���ن ‪ %12‬عام ‪� 1971‬إىل ‪ %50‬عام ‪ .1981‬لكن‪ ،‬حتى خالل هذه‬

‫الف�ت�رة �أي�ضاً‪ ،‬تعرق���ل �سري تط���ور التعليم العام‬ ‫وبعد حتقيق الوحدة اليمنية عام ‪ 1990‬مت دمج‬ ‫نظام���ي التعلي���م يف ال�شطري���ن‪ ،‬وحاول���ت الدولة‬ ‫ب�سب���ب اكتظ���اظ الف�صول الدرا�سي���ة بالطالب‪،‬‬ ‫عندما ننظر �إىل تاريخ‬ ‫توحي���د املناه���ج والن�صو����ص التعليمي���ة و�إ�صالح‬ ‫وقل���ة املدر�سني امل�ؤهلني‪ ،‬وترك كثري من الطالب‬ ‫تطور التعليم يف اليمن‬ ‫البني���ة املدر�سي���ة‪ ،‬وق���د كان �إج���راء مث���ل ه���ذه‬ ‫للدرا�سة‪.‬‬ ‫يتبني لنا �أن نظام التعليم‬ ‫التغيريات �صعب ًا نظ���ر ًا لعزلة اليمن الدولية �أثناء‬ ‫وخ�ل�ال ف�ت�رة ال�سبعيني���ات ا�ستغ���ل رئي����س‬ ‫الديني البديل منا �إىل‬ ‫حرب اخللي���ج ع���ام ‪ ،1991 – 1990‬بالإ�ضافة �إىل‬ ‫ال�شطر ال�شم���ايل �إبراهيم احلمدي فر�صة وجود جانب نظام التعليم العام‪،‬‬ ‫الفق���ر ال�شديد يف الب�ل�اد‪ .‬ويف �أواخر ‪ 1994‬انهار‬ ‫العُلماء ال�سُّ نة الذين در�سوا على �أيدي “الإخوان‬ ‫بل وازدهر كثري ًا يف‬ ‫االقت�ص���اد اليمني متاماً‪ ،‬نتيج���ة لتكاليف الوحدة‬ ‫امل�سلمني” يف القاهرة‪ ،‬وذلك ال�ستخدامهم كقوة‬ ‫املناطق التي كان يغيب‬ ‫وخ�سارة احل���واالت املالية على �إثر طرد ال�سعودية‬ ‫مناه�ضة للت�أث�ي�رات اال�شرتاكية‪ ،‬وعينّ احلمدي‬ ‫فيها التعليم العام‬ ‫للمغرتب�ي�ن اليمني�ي�ن يف مطلع الت�سعيني���ات‪ ،‬وبد�أ‬ ‫عب���د املجيد الزن���داين‪ ،‬الذي له “مي���ول وهابية‬ ‫�أو يكون �ضعيف ًا‬ ‫نظ���ام التعلي���م يف هذه الفرتة يع���اين من ازدحام‬ ‫�شديدة”‪ ،‬للإ�شراف على ت�أ�سي�س املعاهد الدينية‬ ‫�شديد يف القط���اع الطالبي لأن ح���وايل ‪350.000‬‬ ‫يف ال�شط���ر ال�شم���ايل‪ .‬وكان الزن���داين ي�ساف���ر‬ ‫طالب��� ًا التحقوا بالتعليم يف اليمن عقب عودة �أكرث‬ ‫با�ستم���رار ما بني اليم���ن وال�سعودية خالل فرتة‬ ‫ال�سبعيني���ات‪ ،‬وق���ام بتطعيم نظ���ام التعليم يف اليم���ن بتعاليم �إ�سالمية م���ن مليون مغرتب م���ن ال�سعودية ودول اخلليج الأخ���رى على �إثر حرب‬ ‫متح ّفظ���ة ومتطرفة ج���د ًا �أكرث مما كانت عليه من قبل‪ .‬وكانت هذه هي اخلليج يف ‪.1991 – 1990‬‬ ‫ويف ظ���ل الظ���روف االقت�صادي���ة املتده���ورة‪ ،‬مل ي�ستط���ع الكث�ي�ر من‬ ‫الف�ت�رة التي �أ�صبحت فيها املعاهد الدينية ال�سُّ نية املمولة من ال�سعودية‬ ‫(امل�سم���اة �أي�ض��� ًا باملعاه���د العلمي���ة) متث���ل البدي���ل الفعل���ي للمدار�س الأه���ايل حتم���ل �شراء الكت���ب املدر�سي���ة املكلفة التي كان���ت مطلوبة يف‬ ‫احلكومية الفق�ي�رة‪ ،‬وعُ رف عنها ن�شر مبد�أ ع���دم الت�سامح مع العقائد املدار����س العمومية‪ ،‬فا�ستمر من���و املعاهد ال�سلفية الت���ي تعك�س التعليم‬ ‫الإ�سالمية الأخرى‪ ،‬حتى �أن الزيود ال�شيعة اتهموها مبحاولة ا�ستئ�صال املت�ش���دد يف نظ���ام التعليم ال�سعودي حتى و�صل ع���دد تلك املدار�س عام‬ ‫‪� 1996‬إىل ‪ 400‬مدر�س���ة عل���ى م�ست���وى التعلي���م الثانوي فق���ط‪ .‬و�أعلنت‬ ‫املذهب الزيدي‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ 1983‬مت تعيني الزنداين وزير ًا للرتبية والتعليم(‪ ،)1‬وبرغم املدار����س ال�سلفية �أن عدد قطاعها الطالبي بل���غ ‪ 330.000‬طالباً‪ ،‬وكان‬ ‫ع���دم بقائه طوي ًال يف هذا املن�ص���ب �إال �أن مدار�سه الدينية تكاثرت مع منه���م ‪ 12.600‬طالب��� ًا يتدربون كمدر�سني “لتعلي���م اجليل القادم”‪ ،‬يف‬ ‫الدع���م الكبري ال���ذي ح�صلت عليه من امليزاني���ة املخ�ص�صة للتعليم يف حني مل يكن ع���دد الطالب يف املدار�س احلكومية �سوى ربع عدد طالب‬ ‫اليمن �إىل جان���ب الدعم املايل من ال�سعودية‪ .‬وبحل���ول العام الدرا�سي املدار����س ال�سلفية‪� .‬أي�ض ًا بذل الإ�سالمي���ون جهود ًا حثيثة للح�صول على‬ ‫‪ 1987 – 1986‬و�صل عدد املعاهد الدينية تقريب ًا ‪ 1126‬مدر�سة‪ ،‬ويف عام الأرا�ض���ي واملال م���ن �أجل بناء مدار����س لهم يف املناط���ق الفقرية التي‬ ‫‪ 1988‬كان ع���دد الط�ل�اب امل�سجلني يف هذه املدار�س ق���د و�صل ‪ 118000‬كانت الزراعة فيها على نطاق حمدود مثل بع�ض املناطق يف حمافظات‬ ‫طالب���اً‪ ،‬وكان ‪ 4600‬طالب��� ًا من هذا العدد يتدرب���ون كمدر�سني ليوا�صلوا �صنعاء و�إب وذمار‪.‬‬ ‫ن�ش���ر التعليم الديني‪ .‬وزادت ال�ضغ���وط الإ�سالمية على نظام املدار�س‪،‬‬ ‫و�أدت �إىل ع���زل اجلن�س�ي�ن ع���ن بع�ضهما يف املدار����س‪ ،‬و�أجربت جامعة‬ ‫البني��ة احلالي��ة لنظ��ام التعليم الع��ام يف اليمن‬ ‫�صنعاء على فر�ض قانون للحجاب الإ�سالمي بد ًال من �إلغائه‪ ،‬كما قامت ومدى توفره‬ ‫اجلامع���ة بطرد �أحد الأ�ساتذة عندما �أنك���ر ع�صمة الر�سول حممد من‬ ‫يعاين نظام التعليم يف املدار�س احلكومية من قلة توفره‪،‬‬ ‫ارتكاب اخلط�أ‪.‬‬ ‫وم���ن م�ستويات ح�ض���ور طالبي متدني���ة مقابل ارتفاع‬ ‫وبالن�سبة لليمن اجلنوبي‪ ،‬ف�إنه كان بني الفرتة من ‪ 1839‬وحتى ‪ 1967‬مع���دالت ترك الدرا�سة‪ ،‬وهناك تباينات �شا�سعة بني‬ ‫يرزح حت���ت حكم اال�ستعمار الربيط���اين‪ ،‬وكان التعليم الر�سمي �آنذاك م�ستوي���ات التعلي���م يف احل�ضر والتعلي���م يف الريف‪،‬‬ ‫مقت�ص���ر عل���ى مدينة عدن ث���م بد�أ يتط���ور بعد االن�سح���اب الربيطاين وكذل���ك بني ج���ودة التعليم املقدم لأبن���اء الأغنياء‬ ‫ع���ام ‪ ،1967‬وتبنى نف�س هيكل���ة نظام التعليم يف �شم���ال اليمن غري �أنه والتعلي���م املقدم لأبن���اء الفق���راء‪ .‬وحتى يف حال‬ ‫ات�س���ع ب�ص���ورة �أ�سرع خ�ل�ال ال�سبعينيات م���ن �أجل ن�ش���ر الأيديولوجية توف���ر التعليم للجميع فهو لي����س على درجة عالية‬ ‫اال�شرتاكي���ة‪ .‬وعل���ى العك����س مما كان علي���ه الو�ضع يف ال�شم���ال‪ ،‬مُنعت من اجل���ودة‪ .‬وكم���ا �سنو�ضح بالتف�صي���ل الحقاً‪،‬‬ ‫اجلماعات الإ�سالمية يف اجلنوب من ممار�سة �أن�شطتها قبل الوحدة‪.‬‬ ‫كان التعلي���م الدين���ي بدي�ل�اً متوف���ر ًا �إىل جانب‬ ‫(‪ )1‬تخل���ط الكاتبة هن���ا بني ال�شيخ عبداملجيد الزنداين و�شقيقه عبدالواح���د الزنداين الذي عينّ – ال ال�شيخ‬ ‫عبداملجي���د ‪ -‬وزي���ر ًا للرتبية والتعليم ع���ام ‪ ،1983‬يف احلكومة التي تر�أ�سها عبدالعزي���ز عبدالغني ومل يبق يف‬ ‫من�صبه – �أي عبدالواحد الزنداين ‪� -‬سوى عام واحد فقط‪( .‬املحرر)‬

‫‪98‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪99‬‬


‫املحــــور‬

‫نظ���ام التعليم العام‪ ،‬ويلتحق ب���ه كل من مل يجد فر�صة يف التعليم العام‬ ‫�أو مل ترُق لهم جودته‪.‬‬ ‫وم���ع �أن القانون اليمني ين�ص على التعليم العاملي الإجباري واملجاين‬ ‫للأطف���ال م���ن ‪� 15 – 6‬سن���ة‪� ،‬إال �أن الدول���ة ال تق���وم بتنفي���ذ �سيا�سته���ا‬ ‫التعليمي���ة‪� ،‬إذ جن���د عدد ًا كبري ًا م���ن الأطفال ال يذهب���ون �إىل املدار�س‬ ‫مطلق���اً‪ .‬ويف ع���ام ‪ ،2001‬مل يكن ملتحق ًا بالتعلي���م الأ�سا�سي �سوى ‪%75‬‬ ‫م���ن ال�سكان ممن ي�سمح لهم �سنّهم بالدرا�سة‪ ،‬و‪ %37‬بالتعليم الثانوي‪.‬‬ ‫كما �أن الكثريين يرتكون �صفوف الدرا�سة قبل �إمتام تعليمهم الأ�سا�سي‪،‬‬ ‫وال ي�ص���ل بنج���اح �إىل ال�صف ال�ساد�س �سوى ‪ 48‬طالب��� ًا من ‪ 100‬طالب‪.‬‬ ‫وم���ا يثبّط هم���م الطالب �أكرث ه���و حقيقة �أن الكثري م���ن اخلريجني ال‬ ‫ي�ستطيعون احل�صول على وظائف‪.‬‬ ‫وي�ؤثر بن�سب متفاوتة كل من قلة توفر التعليم‪ ،‬وتدين معدل االلتحاق‬ ‫باملدار�س‪ ،‬وعدم موا�صلة الدرا�سة‪ ،‬ون�سبة الأمية املتزايدة‪ ،‬يف املواطنني‬ ‫الفقراء والقاطنني يف الري���ف‪ .‬كما �أن هناك حتديات اقت�صادية ملحة‬ ‫وف�ساد م�ست�شر يف مفا�صل الدول���ة‪ ،‬وترتاجع �سلطة احلكومة با�ستمرار‬ ‫�إىل امل���دن احل�ضري���ة الكبرية‪ ،‬لهذا يرتكز التعلي���م العام �إىل حد كبري‬ ‫يف تل���ك املناطق‪ ،‬ويتوفر التعليم الأ�سا�سي يف احل�ضر بن�سبة عالية جد ًا‬ ‫(‪ )%91‬مما هو عليه احلال يف الريف (‪.)%78‬‬ ‫ويف الوق���ت الذي يرتفع فيه م�ستوى التعليم تقل وفرة املدار�س‪ ،‬حيث‬ ‫جن���د �أن املدار����س الثانوية املتوفرة ال ت�ستوعب �س���وى ‪ %48‬من �إجمايل‬ ‫القط���اع الطالبي بني �سن ‪ 6‬و‪ 14‬عاماً‪ ،‬مع توف���ر التعليم الثانوي لن�سبة‬ ‫ت�صل ‪ %84‬من طالب املناطق احل�ضرية و‪ %36‬فقط من طالب املناطق‬ ‫الريفي���ة حيث يعي�ش �أغلبية ال�شعب اليمني‪ .‬وعدم الذهاب �إىل املدار�س‬ ‫ظاه���رة ملحوظة متام ًا يف املناط���ق الريفية‪ ،‬حيث ي�ش���كل �أبناء الريف‬ ‫‪ %88‬م���ن �إجمايل الطالب غري الدار�سني مقابل ‪ %22‬من �أبناء املناطق‬ ‫احل�ضري���ة‪ .‬فبد�أ النا�س بالهجرة من الريف �إىل املدن بحث ًا عن ظروف‬ ‫اقت�صادية �أف�ضل‪ ،‬مما ي�ؤثر �أي�ض ًا يف معدل االلتحاق بالتعليم؛ فقد ترك‬ ‫التعليم الكثري من ال�شباب عام ‪ ،2007‬وانتقلوا �إىل املدن للح�صول على‬ ‫وظائف ليعيلوا �أ�سرهم عندما مل ي�ستطع الآباء فعل ذلك‪.‬‬ ‫وهن���اك فارق �آخ���ر يف االلتحاق بالتعليم ب�ي�ن �أبناء الأغني���اء و�أبناء‬ ‫الفق���راء يف اليمن‪ ،‬وه���و فارق قليل ن�سبياً؛ ‪ %44‬م���ن �أبناء الفقراء بني‬ ‫�سن ‪� 14 – 6‬سنة مقابل ‪ %33‬من �أبناء الأغنياء من نف�س الفئة العمرية‪.‬‬ ‫ووفق��� ًا لال�ستط�ل�اع ال���ذي �أجري ع���ن الفق���ر ع���ام ‪ ،1999‬و�صل معدل‬ ‫امللتحق�ي�ن بالتعليم من �أبناء الأ�سر الفق�ي�رة �إىل ‪ %62.9‬مقابل ‪%70.2‬‬ ‫م���ن �أبناء الأ�سر الغني���ة‪ ،‬مع العلم �أن هذه الإح�صاءات مل ت�أخذ يف عني‬ ‫االعتب���ار معدل االن�سحاب الع���ايل من التعليم بني �أبن���اء الفقراء‪ ،‬وهو‬

‫‪100‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الأمر الذي كان �سيو�سع الفجوة بني معدالت االلتحاق من �أبناء الأغنياء‬ ‫والفق���راء‪ .‬ويف الغالب يج�ب�ر الأهايل الفقراء �أبنائهم عل���ى الت�سول �أو‬ ‫االلتح���اق ب�س���وق العم���ل‪ ،‬ومينعون �أبنائه���م من احل�ض���ور �إىل املدر�سة‬ ‫نتيجة التكاليف (حوايل ‪ 10‬دوالرات لكل طالب يف ال�سنة)‪.‬‬ ‫وحت���ى عندم���ا يت�أتى الط�ل�اب للدرا�س���ة يف املدار�س العام���ة فهم ال‬ ‫يجدون �سوى م�ستويات تعليم متدنية‪ ،‬حيث يت�صف نظام التعليم ال�سيئ‬ ‫يف البل���د ببنية حتتي���ة �ضعيفة‪ ،‬ومن�ش�آت مدر�سية وم���واد تعليمية تفتقر‬ ‫للجودة‪ ،‬ونق�ص يف القاعات الدرا�سية واملدر�سني‪ ،‬و�أع�ضاء هيئة تدري�س‬ ‫غ�ي�ر م�ؤهلني‪ .‬وتقول �إحدى الدرا�سات التي �أجرتها احلكومة عام ‪2007‬‬ ‫�أن التعلي���م يف اليمن يت�صف �أي�ض ًا «بظاهرة الغ�ش واملحاباة والر�شوة»‪.‬‬ ‫كم���ا �أن التعليم يعاين �أي�ض ًا من نق�ص حاد يف املدر�سني امل�ؤهلني ت�أهي ًال‬ ‫علمي ًا يف مواد الريا�ضيات والعلوم واللغات؛ فن�صف املدر�سني مل يكملوا‬ ‫املرحلة الثانوية‪ ،‬حيث يقول ا�ستطالع �شامل عن التعليم يف اليمن �أجرته‬ ‫احلكومة خ�ل�ال ‪� 2000 – 1999‬أن ن�سبة املدر�سني الذين �أكملوا التعليم‬ ‫الأ�سا�سي مل تتجاوز ‪ %60‬بينما ‪ %40‬فقط �أكملوا التعليم الثانوي‪.‬‬ ‫وم���ا يزي���د الط�ي�ن بل���ة �أن التعلي���م يف اليم���ن م���ا زال يعتم���د عل���ى‬ ‫طريق���ة اال�ستظه���ار والتلقني‪ ،‬وكما يق���ول �أحد التقاري���ر ملمثل منظمة‬ ‫“اليوني�سي���ف” يف اليم���ن ف����إن «هن���اك الكث�ي�ر من املدر�س�ي�ن مثبطي‬ ‫الهم���م وغري مدربني يف اليم���ن يدفعون بالطالب �إىل ت���رك املدار�س»‪.‬‬ ‫ووجدت درا�سة �أخرى �أجرتها احلكومة اليمنية عام ‪� 2007‬أن التعليم يف‬ ‫اليم���ن يعتمد �إىل حد كبري “على احلفظ والأ�ساليب العتيقة”‪ .‬وميكننا‬ ‫مالحظة ت�أثري نظ���ام التعليم املتدين يف اليمن بجالء من خالل الدليل‬ ‫املروي عن �أحد الأ�ساتذة يف علم االقت�صاد بجامعة �صنعاء و�أ�ستاذ زائر‬ ‫بجامعة جورج تاون‪ ،‬م���ن �أن الأ�ساتذة يف اليمن يجدون خريجيهم غري‬ ‫قادرين حتى على كتابة �أ�سمائهم‪.‬‬

‫التعلي��م الدين��ي يف اليم��ن حالي�� ًا‬ ‫من���ذ‬ ‫زمن طويل والتعلي���م الديني موجود يف اليمن‪ ،‬وهو ي�سبق ت�أ�سي�س نظام‬ ‫التعلي���م احلديث مبراحل وما زال يف �سباق مواز مع التعليم العام‪ .‬حتى‬ ‫ع���ام ‪ ،2000‬كانت امل�ؤ�س�سات الدينية تعمل خ���ارج نطاق �سيطرة الدولة‬ ‫متام���اً‪ ،‬له���ذا تواج���ه احلكومة �صعوب���ات متوا�صل���ة يف مراقب���ة و�إدارة‬ ‫املعاه���د الدينية التي ترتكز ب�صورة خا�صة يف املناطق الريفية والقبلية‬ ‫التي تبتع���د عن قب�ضة احلكومة‪ ،‬ولعبت دور ًا مبا�شر ًا يف جتنيد عنا�صر‬ ‫الإرهاب ال�سني املتطرف‪.‬‬ ‫واجلدي���ر بالذكر هنا �أن املعاهد الديني���ة امل�ستقلة يف اليمن تربطها‬ ‫عالق���ات بعدد م���ن الطوائف ولك���ن لي����س جميعها مت���ورط يف ت�شجيع‬

‫االنف�صالية التي قام بها اال�شرتاكيون يف اجلنوب‬ ‫التطرف والعنف الديني‪ ،‬فهناك مدار�س تعليمية‬ ‫عن طري���ق ح�ش���د املقاتلني الع���رب العائدين من‬ ‫يف امل�ساج���د وكان���ت لف�ت�رة طويلة ه���ي امل�صدر‬ ‫حتى عام ‪ ،2000‬كانت‬ ‫�أفغان�ستان‪ ،‬ومنحته هذه امل�ساعدة حماية الرئي�س‬ ‫الوحيد للتعليم يف اليمن قبل تطور نظام التعليم‬ ‫امل�ؤ�س�سات الدينية تعمل‬ ‫�صالح �ضد منتقديه من داخل اليمن وخارجها‪.‬‬ ‫احلديث‪ ،‬وما زال الكثري منها يعمل ولكن هدفها خارج نطاق �سيطرة الدولة‬ ‫الأ�سا�سي ه���و تقدمي التعلي���م الأ�سا�سي وتدري�س متام ًا‪ ،‬لهذا تواجه احلكومة‬ ‫وق���د اُتهم الزنداين �أنه �أ�ص���در فتاوى قام على‬ ‫التعالي���م الديني���ة ال�صحيح���ة دون �أي دواف���ع‬ ‫�صعوبات متوا�صلة يف‬ ‫�أ�سا�سه���ا عنا�ص���ر بتفج�ي�ر املدم���رة الأمريكي���ة‬ ‫�سيا�سية خفية‪ .‬وهدف هذه الدرا�سة يف الأ�سا�س‬ ‫مراقبة و�إدارة املعاهد‬ ‫(كول) ع���ام ‪ 2000‬وقتل ثالثة مب�شرين م�سيحيني‬ ‫لي����س الرتكي���ز على مثل ه���ذه املعاه���د الدينية‪ ،‬الدينية التي ترتكز ب�صورة ع���ام ‪ .2002‬ويف �أيلول‪� /‬سبتمرب ‪� 2002‬أعلن �أن كل‬ ‫و�إمن���ا على تلك املعاهد الدينية التي تهدف فقط خا�صة يف املناطق الريفية‬ ‫ب�ل�اد امل�سلم�ي�ن �أ�صبحت «حتت �سيط���رة الكفار»‪.‬‬ ‫والقبلية التي تبتعد عن‬ ‫�إىل �إثارة الكراهية وعدم الت�سامح مع الآخرين‪،‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ ،2003‬دع���ى الزن���داين م���ع ع���دد م���ن‬ ‫قب�ضة احلكومة‬ ‫ويتم ا�ستغاللها لغايات �سيا�سية متطرفة‪ .‬وتتلقى‬ ‫ال�شخ�صيات اال�سالمي���ة يف اليمن �إىل اجلهاد يف‬ ‫�أغلبية هذه املدار����س املتطرفة دعمها املادي �إما‬ ‫الع���راق‪ .‬ويف عام ‪ 2004‬و�صفت���ه الواليات املتحدة‬ ‫م���ن ال�سعودية �أو م���ن املجاهدي���ن العائدين من‬ ‫والأمم املتح���دة ب�أن���ه “�إره���اب عاملي م���ن طراز‬ ‫القت���ال يف اخلارج‪ ،‬وهي موجهة لن�ش���ر الأيديولوجية ال�سلفية اجلهادية خا����ص”‪ .‬وميكننا الق���ول �إن املعتق���دات الدينية للزن���داين موجودة يف‬ ‫من خ�ل�ال تبني مناهج تعليمي���ة مماثلة لتلك التي تدر����س يف املدار�س املنهج الدرا�سي جلامعة الإميان‪.‬‬ ‫ال�سعودية‪.‬‬ ‫يف ع���ام ‪ ،1990‬و�إث���ر عودته من �أفغان�ست���ان‪� ،‬أ�س�س الزن���داين �أي�ض ًا‬ ‫تق���ع الكث�ي�ر م���ن املناط���ق النائي���ة يف اليمن خ���ارج نط���اق �سيطرة احل���زب ال�سيا�سي الإ�سالمي املحافظ املع���روف با�سم “التجمع اليمني‬ ‫احلكومة املركزية‪ ،‬وهذا ما تعك�س���ه معدالت االلتحاق املتدنية بالتعليم للإ�ص�ل�اح”‪ ،‬وهو احلزب الذي �أن�ش�أ مدار�س خا�صة به يف الت�سعينيات‪،‬‬ ‫الع���ام‪ ،‬وجن���د �أن املعاهد الديني���ة هي �أكرث �أهمية و�أك�ث�ر عدد ًا يف هذه وكان ل���ه نظامه اخلا�ص يف �إدارة معاهدة الدينية عام ‪ .2002‬وقد �سمح‬ ‫املناط���ق (خا�ص���ة يف �شم���ال اليمن)‪ ،‬حي���ث ي�ؤدي االنع���زال اجلغرايف الرئي����س اليمني له���ذه املدار�س بالظهور‪ ،‬بل قدم له���ا الدعم املادي يف‬ ‫�إىل �سيط���رة حم���دودة من قب���ل الدولة وعدم ثق���ة املجتمع يف احلكومة ف�ت�رة من الفرتات‪ .‬وكان الزن���داين هو من ي�سيطر عل���ى �آالف املعاهد‬ ‫املركزي���ة العلمانية‪ .‬كما جند �أن هن���اك معاهد دينية غري مرخ�ص لها الديني���ة الت���ي �أن�ش�أها ح���زب الإ�صالح من���ذ ‪ ،1990‬وتعك����س مناهجها‬ ‫وتتبنى �أيديولوجيات �سلفية ولها ميول متطرفة‪ ،‬كاملعاهد التي يف م�أرب الفك���ر اجلهادي ال�سلفي للزنداين‪ .‬وي�صف لنا اليمنيون الذين التحقوا‬ ‫وح�ضرم���وت وذمار‪ .‬وتوجد مثل هذه املعاه���د الدينية يف كل امل�ستويات مبدار�س حزب “الإ�صالح” كيف مت تلقينهم �أن امل�سلمني الذين يتبعون‬ ‫التعليمية‪ ،‬الأ�سا�سية والثانوية واجلامعية‪.‬‬ ‫تعالي���م الزنداين هم امل�سلم���ون “احلقيقيون”‪ .‬وعندم���ا �شعر الرئي�س‬ ‫وكم���ا �أ�شرنا �سابق���اً‪ ،‬فقد بذل الإ�سالميون ال�سلفي���ون جهود ًا خا�صة �صال���ح باخلطر ال�سيا�سي الذي ت�شكله مدار�س الإ�صالح عام ‪� 2002‬أعد‬ ‫لت�أ�سي����س ه���ذه املدار����س يف املناط���ق الريفي���ة الفق�ي�رة خ�ل�ال ف�ت�رة خطط ًا لدمج تلك املدار�س‪ ،‬التي بلغ عددها ‪ 1.300‬مدر�سة وعدد طالبها‬ ‫الت�سعيني���ات‪ ،‬وتدري���ب كادره���م اخلا�ص م���ن املدر�سني م���ن �أجل ن�شر ‪ 400.000‬طالباً‪ ،‬مع نظام التعليم احلكومي ابتدا ًء من عام ‪.2003‬‬ ‫�أيديولوجيته���م وتعليمها للأجي���ال املقبلة‪ .‬ومن �أ�شهر ه���ذه امل�ؤ�س�سات‬ ‫ويف ع���ام ‪� 1993‬أ�س����س الزنداين �أب���رز جامعة ديني���ة يف اليمن‪ ،‬وهي‬ ‫الدينية جامعة الإميان يف �صنعاء وجمموعة مدار�س دار احلديث‪ ،‬وهما جامع���ة الإمي���ان بالعا�صم���ة �صنع���اء‪ .‬واخت���ار ال�شي���خ موق���ع بناء‬ ‫م�ؤ�س�س���ات �أ�س�سه���ا �أ�شخا�ص مت�شددون‪ :‬عبد املجي���د الزنداين وال�شيخ اجلامع���ة يف �ضاحية فقرية على خ���ط �سريع �شمال �صنعاء‪،‬‬ ‫مقبل بن هادي الوادعي على التوايل‪.‬‬ ‫وه���ي وجهة للمهاجرين من الريف �إىل املدينة بحث ًا عن‬ ‫ترب���ط ال�شيخ عبد املجي���د الزنداين‪ ،‬الذي �سبق وقلن���ا �أن له “ميو ًال فر�ص اقت�صادية �أف�ضل‪ ،‬كما �أنها املوقع الذي ازدهر‬ ‫وهابية عميق���ة”‪ ،‬عالقات قوية بال�سعودية من���ذ ال�سبعينيات‪ .‬وقد قام في���ه الإ�سالم ال�سيا�سي‪ .‬وم���ع �أن اجلامعة بُنيت على‬ ‫الزن���داين يف الثمانيني���ات بتجني���د �آالف اليمني�ي�ن وال�سعوديني للقتال �أر����ض وهبته���ا احلكوم���ة اليمني���ة‪� ،‬إال �أنه���ا كانت‬ ‫�ض���د االحت���اد ال�سوفيتي يف �أفغان�ست���ان وكان ميث���ل الأب الروحي لهم‪ ،‬تتلقى الدعم امل���ادي يف بادئ الأمر من ال�سعودية‬ ‫وكان �أي�ض��� ًا يف نف����س الفرتة �أح���د “املعلمني الروحي�ي�ن” التابعني البن وع���دد م���ن اجلماع���ات الإ�سالمي���ة يف �أنح���اء‬ ‫الدن ولكن���ه بعد ذل���ك �أبعد نف�سه علن ًا عن بن الدن‪ .‬ويف احلرب الأهلية العامل الإ�سالم���ي‪ .‬وبالتايل‪ ،‬ف�إن اجلامعة تتبنى‬ ‫يف اليم���ن ع���ام ‪� 1994‬ساعد الزن���داين الرئي�س �صال���ح يف قمع املحاولة الأيديولوجية ال�سلفية يف مناهجها الدرا�سية‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪101‬‬


‫املحــــور‬

‫وق���د وجه���ت جهات حملي���ة و�أمريكي���ة اتهامات �ضد اجلامع���ة ب�أنها‬ ‫متتلك جناح ًا ع�سكرياً‪ ،‬وهي اتهامات �أنكرها الزنداين مرار ًا وتكراراً‪.‬‬ ‫وم�ؤخ���راً‪ ،‬اتهم���ت عدد م���ن ال�صح���ف اجلامعة ب�أنه���ا تدي���ر مع�سكر ًا‬ ‫للتدريب الع�سكري لكي تعد طالب ًا لل�سفر �إىل غزة والقتال هناك‪ ،‬ولكن‬ ‫الزن���داين �أنك���ر هذا االتهام���ات �أي�ضاً‪ ،‬مع �أن جون ووك���ر لند ‪ -‬الع�ضو‬ ‫الأمريك���ي يف حركة طالبان ‪ -‬كان طالب��� ًا يف جامعة الإميان قبل �سفره‬ ‫�إىل �أفغان�ستان للقتال هناك‪.‬‬ ‫ويف الوق���ت الذي كان���ت احلكومة اليمني���ة تبذل اجله���ود لإغالق �أو‬ ‫توحي���د م�ؤ�س�سات التعليم الديني اخلا�صة‪ ،‬كان الرئي�س �صالح يت�صدى‬ ‫با�ستم���رار لالنتقادات املوجه���ة للجامعة‪ ،‬ومل تغل���ق اجلامعة �إال لفرتة‬ ‫م�ؤقت���ة على �إثر هجمات احلادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ ،2001‬وهذه‬ ‫احلماي���ة �شبه امل�ستم���رة التي حتظى به���ا جامعة الإميان م���ن الرئي�س‬ ‫�صال���ح هي مقابل امل�ساعدة التي قدمها الزنداين من خالل دعم �صالح‬ ‫مبقاتلني م�سلحني �أجانب لقمع حماولة اجلنوب االنف�صالية عام ‪.1994‬‬ ‫ويف متوز‪/‬يولي���و ‪ 2008‬بل���غ عدد الط�ل�اب امل�سجل�ي�ن يف جامعة الإميان‬ ‫حوايل ‪ 6.000‬طالب‪.‬‬ ‫�أما فيما يتعلق مبعاهد دار احلديث فهي عبارة عن �شبكة من املعاهد‬ ‫تقي���م حلقات درا�سية مت�شددة ومنت�ش���رة يف اليمن‪ ،‬وقد مت ت�أ�سي�س �أول‬ ‫معه���د يف منطق���ة دم���اج مبحافظة �صع���دة على يد رج���ل دين متطرف‬ ‫يُدع���ى ال�شي���خ مقبل ب���ن هادي الوادع���ي‪ ،‬ويعترب هذا املعه���د من �أكرب‬ ‫معاه ��د “احلركة الإ�سالمي���ة ال�سلفية” يف اليمن‪ .‬وق���د در�س الوادعي‬ ‫عل���وم الدين يف ال�سعودية‪ ،‬حيث التحق باجلامعة الإ�سالمية يف املدينة‪.‬‬ ‫ومن���ذ ت�أ�سي�س �أول معهد ت�أ�س�ست الكث�ي�ر من مراكز دار احلديث داخل‬ ‫وخارج اليمن‪ .‬وبح�سب �أحد املواقع ال�سلفية‪ ،‬تنت�شر معاهد دار احلديث‬ ‫يف �سبع مناطق مينية ويف م�صر وال�صومال و�إندوني�سيا‪.‬‬ ‫وتتلقى معاهد دار احلديث دعمها من متربعني �سلفيني يف ال�سعودية‪،‬‬ ‫وه���م �أي�ض��� ًا من ي�شرف على �س�ي�ر التعليم فيها‪ .‬ويف ع���ام ‪ 2002‬اتهمت‬ ‫اليمن ه���ذه املعاهد بت�شجي���ع الفكر املتطرف‪ ،‬وقام���ت برتحيل �سبعني‬ ‫طالب��� ًا �أجنبي ًا من طالب املعاهد بحجة �أن وثائق �إقامتهم غري قانونية‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪ 2002‬ذكرت و�سائل الإعالم املحلية �أن هناك �أكرث من ثمانني‬ ‫معه���د ديني ل���ه عالقة مبراك���ز دار احلديث يف اليم���ن‪ ،‬ويرتادها عدد‬ ‫كبري من الطالب اليمنيني والع���رب والأجانب‪ .‬وذكرت و�سائل الإعالم‬ ‫املحلي���ة �أي�ض ًا �أن ل���دى الواليات املتحدة معلوم���ات ت�ؤكد �أن عنا�صر من‬ ‫مقاتل���ي تنظي���م القاعدة ه���م من طالب ه���ذه املراك���ز يف اليمن‪ .‬ويف‬ ‫ع���ام ‪ 2003‬ذك���رت م�صادر حملية �أن ع���دد املعاهد ال�سلفي���ة و�صل �إىل‬ ‫‪ 100‬معه���د يرتادها �آالف الطالب م���ن داخل اليمن وخارجها‪ .‬ويف عام‬

‫‪102‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪ 2004‬و�ص���ف حملل���و قوات امله���ام امل�شرتكة ملكافحة الإره���اب التابعني‬ ‫ملعتقل غوانتانامو‪ ،‬معهد دار احلديث مبنطقة دمّاج ب�أنه «مركز تدريب‬ ‫�إرهابي معروف»‪.‬‬ ‫ومع �أن املعاهد املذكورة �آنف ًا جت�سّ د �أهم الأمثلة على التعليم املتطرف‬ ‫يف اليم���ن‪� ،‬إال �أن هن���اك الكثري من املعاهد الديني���ة غري املرخ�ص لها‪.‬‬ ‫وذك���ر ال�صحف���ي اليمني حممد القا�ضي يف مقال���ة افتتاحية يف جريدة‬ ‫“مي���ن تامي���ز” �أن مناهج معظم املعاهد واجلامعات الدينية يف اليمن‬ ‫ت�شجع على “التع�صب الديني”‪ ،‬و”جتيز قتل غري امل�سلمني وتعتربهم‬ ‫كف���ار”‪ .‬ويف درا�س���ة �أجرتها وزارة الأوقاف والإر�ش���اد عام ‪ 2004‬تتوفر‬ ‫معلومات عن توزي���ع املعاهد الدينية‪ ،‬وت�شري �إىل �أن هناك حوايل ‪1000‬‬ ‫معه���د‪ ،‬و�أن معظمه���ا يعم���ل خارج نط���اق ال�سيط���رة املركزي���ة للدولة‪.‬‬ ‫وم���ع �أن بع�ض ه���ذه املعاهد تلقت دعمها املايل من قب���ل رجال الأعمال‬ ‫والأح���زاب ال�سيا�سية وجمعي���ات خريية بريئة‪� ،‬إال �أن كث�ي�ر ًا منها تلقى‬ ‫الدع���م املايل من جمعيات خريي���ة تربطها عالقة بالإرهاب‪ ،‬فقد كانت‬ ‫جمعي���ة احلرم�ي�ن اخلريي���ة يف ال�سعودية �إح���دى ه���ذه اجلمعيات وقد‬ ‫�أغلقته���ا ال�سلطات ال�سعودية بعد �إدانته���ا بجمع الأموال لدعم الأن�شطة‬ ‫الإرهابية‪.‬‬

‫الرد احلكومي على التعليم الديني‬ ‫قبل‬ ‫�أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2001‬مل تكن احلكومة اليمنية‬ ‫تتدخ���ل يف الأنظم���ة التعليمي���ة يف املعاهد الدينية‪ ،‬ب���ل �إنها كانت تقدم‬ ‫الكث�ي�ر من الدعم املايل لهذه املعاهد‪ ،‬ولكن بعد �إغالق جامعة الإميان‬ ‫لف�ت�رة م�ؤقت���ة يف �أعق���اب هجم���ات �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر وط���رد ‪ 500‬طالب‬ ‫�أجنبي لأ�سباب تتعلق مبحاربة الإرهاب‪ ،‬تبنّت احلكومة اليمنية �سيا�سة‬ ‫للإ�شراف الإداري واملايل على املعاهد الدينية‪ ،‬وقامت عام ‪ 2002‬بدمج‬ ‫ميزانيات هذه املعاهد �ضمن خم�ص�صات وزارة الرتبية والتعليم‪.‬‬ ‫ويف ع���ام ‪� 2004‬ضاعف���ت احلكومة اليمنية جهوده���ا لإغالق املعاهد‬ ‫الديني���ة‪ ،‬ف�أعلن���ت يف حزيران‪/‬يوني���و ‪ 2004‬قراره���ا ب�إغ�ل�اق املعاهد‬ ‫الديني���ة «نظ���ر ًا لوجود عالقة ب�ي�ن التطرف والتع�ص���ب وبع�ض املناهج‬ ‫الدرا�سي���ة التي ت�شجع �أيديولوجيات منحرف���ة وغريبة»‪ .‬وتعهدت وزارة‬ ‫الرتبي���ة والتعلي���م بالعمل عل���ى �إ�ص�ل�اح املناهج الديني���ة خللق مناهج‬ ‫حتت���وي على تعاليم �إ�سالمية معتدلة‪ ،‬بينما �أعلنت احلكومة توقفها عن‬ ‫تق���دمي الدعم للمعاهد الطائفية‪ ،‬ومن �ضمن هذا الدعم ما كان تقدمه‬ ‫للمعاهد ال�سلفية املتطرفة‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من كل هذه اجلهود‪� ،‬أعلنت احلكومة اليمنية عام ‪2005‬‬ ‫�أن���ه ما زال هناك ‪ 330.000‬طالب م�سجل يف معاهد دينية غري مرخ�ص‬

‫لها‪ .‬وبحلول عام ‪� 2008‬أغلقت احلكومة ما يقارب‬ ‫بطالة وطنية بلغت ‪.%40 – 35‬‬ ‫تطرف اليمنيني‬ ‫‪ 4.500‬معهد ديني غري مرخ�ص‪ ،‬ورحّ لت الطالب يف عام ‪� 2004‬ضاعفت احلكومة‬ ‫غ�ي�ر اليمنيني ممن كان���وا يدر�سوا بتهمة �أن تلك‬ ‫اليمنية جهودها لإغالق‬ ‫خ�ل�ال العق���ود القليل���ة املا�ضي���ة كان���ت اليمن‬ ‫املعاه���د تن�ش���ر الفكر املتط���رف والقت���ايل‪ .‬ويف‬ ‫املعاهد الدينية‪ ،‬ف�أعلنت يف‬ ‫متث���ل م�ص���در ًا لعنا�صر الإره���اب و�أر����ض �إعداد‬ ‫�آب‪�/‬أغ�سط����س من نف�س الع���ام ذكرت ال�صحف‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪ 2004‬قرارها‬ ‫ملقاتليه���م‪ .‬وقد �ساف���ر �آالف املتطوع�ي�ن اليمنيني‬ ‫اليمنية �أن احلكومة �أغلقت حوايل ‪ 1.000‬مع�سكر ب�إغالق املعاهد الدينية «نظر ًا يف الثمانينيات للم�شارك���ة يف اجلهاد �ضد القوات‬ ‫�صيف���ي دين���ي يف ‪ .2008‬ولكن م���رة �أخرى �صدر‬ ‫لوجود عالقة بني التطرف‬ ‫ال�سوفيتية يف �أفغان�ستان‪ ،‬ثم عادوا يف الت�سعينيات‬ ‫تقرير ر�سمي من وزارة الأوقاف يف كانون الأول‪/‬‬ ‫والتع�صب وبع�ض املناهج‬ ‫وب�صحبتهم “جماهدي���ن عرب” �آخرين‪ ،‬جالبني‬ ‫دي�سم�ب�ر ‪� 2008‬أو�ض���ح �أنه م���ا زال هناك حوايل‬ ‫الدرا�سية التي‬ ‫معه���م الأيديولوجية ال�سلفي���ة املتطرفة‪ .‬ويف عام‬ ‫ت�شجع �أيديولوجيات‬ ‫‪ 4.000‬معه���د يعم���ل يف اليم���ن‪ ،‬و�أن ‪ %20‬منها ال‬ ‫‪� 1992‬أ�صب���ح اليمن �أر�ضية �إع���داد وانطالق لأول‬ ‫منحرفة وغريبة»‬ ‫تعرف �أي رقابة حكومية‪.‬‬ ‫هجم���ات لتنظيم القاعدة الت���ي ا�ستهدفت جنود ًا‬ ‫ويف كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 2009‬ظل���ت هن���اك‬ ‫�أمريكيني كان���وا يف طريقهم �إىل ال�صومال خالل‬ ‫معاهد دينية غري قانونية تعمل دون رادع‪ ،‬ف�أعلنت‬ ‫“عملية ا�ستعادة الأمل”‪.‬‬ ‫احلكوم���ة اليمني���ة ا�ستئناف عملية �إغ�ل�اق هذه املعاهد الت���ي و�صفتها‬ ‫ويف الت�سعيني���ات ومطلع ع���ام ‪ 2000‬قامت جماع���ات �إرهابية حملية‬ ‫امل�ص���ادر احلكومي���ة ب�أنه���ا «�أماكن تفري���خ للإرهابي�ي�ن واملتع�صبني»‪ .‬تنتم���ي �إىل القاعدة بتنفي���ذ عدد من الهجمات‪ ،‬وق���د متكنت احلكومة‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪� ،‬أعلن���ت احلكومة ع���ن ا�سرتاتيجي���ة �شاملة ملعاجلة اليمنية من تفكيك تلك اجلماعات بحلول ‪ ،2003‬لكن اليمنيني ا�ستمروا‬ ‫“ثقافة التطرف والعنف”‪ ،‬وذلك من خالل تثقيف ال�شباب ون�شر «قيم يف ال�سف���ر �إىل اخلارج خالل تلك الف�ت�رة‪ ،‬وكانوا ميثلون م�صدر ًا كبري ًا‬ ‫الت�سامح واالعتدال يف العقي���دة الإ�سالمية‪ ،‬التي ترف�ض عدم الت�سامح للمقاتل�ي�ن الأجانب يف العراق بعد الغ���زو الأمريكي عام ‪ .2003‬ويف عام‬ ‫والتطرف»‪.‬‬ ‫‪ 2006‬ت�شكل���ت جماعة �إرهابية جديدة حتت م�سمى “تنظيم القاعدة يف‬ ‫اليمن”‪ ،‬ومنذ ذلك احلني وهي تقوم بتنفيذ هجمات عنيفة �ضد �أهداف‬ ‫�آث��ار التعلي��م يف اليم��ن‬ ‫�إن نظام التعليم العام غربية‪ ،‬من �ضمنها الهجمات التي ا�ستهدفت ال�سفارة الأمريكية و�سياح‬ ‫يف اليم���ن‪ ،‬وكذل���ك نظام التعلي���م الديني‪ ،‬ال يقوم���ان ب�إعداد الطالب �أ�سبان واملجمع ال�سكني الغربي‪.‬‬ ‫وجتهيزه���م بالق���درات وامله���ارات ال�ضرورية لت�أم�ي�ن وظائف لهم حال‬ ‫امل�شارك��ة اليمني��ة يف اجله��اد ب�أفغان�ست��ان (الثمانيني��ات‬ ‫تخرجه���م‪ ،‬لهذا حتى لو مل يتلق الط�ل�اب تعليم ًا ديني ًا متطرف ًا – الذي‬ ‫والت�سعينيات)‬ ‫يجعلهم �أكرث عر�ضة للم�شاركة يف الإرهاب الديني– ف�إن امل�شكلة تبقى‪،‬‬ ‫دع���م اليمنيون بقوة اجلهود اجلهادية يف اخل���ارج منذ الثمانينيات‪،‬‬ ‫كما قال عبد اهلل الفقيه‪� ،‬أ�ستاذ العلوم ال�سيا�سية بجامعة �صنعاء‪ ،‬يف �أن‬ ‫«�آالف��� ًا من ال�شباب اليمني العاطلني ع���ن العمل واليائ�سني‪ ،‬هدف �سهل وذل���ك عندم���ا �ساف���ر �آالف منه���م �إىل �أفغان�ست���ان لقت���ال ال�سوفي���ت‪،‬‬ ‫حي���ث �ش���ارك ثالث���ة �آالف مين���ي يف اجلهاد هن���اك‪ ،‬و�أ�صبح���ت اليمن‬ ‫للجماعات املتطرفة املحلية منها والعابرة للحدود»‪.‬‬ ‫�أك�ب�ر م�ص���در للمجاهدين بعد ال�سعودي���ة‪ .‬وقد جاء ه����ؤالء املقاتلون‬ ‫وال يك���ون ال�شب���اب ذوي امل�ستوي���ات التعليمي���ة املتدني���ة قادرين على‬ ‫�أو ًال م���ن �شم���ال اليم���ن‪ ،‬لأن اليمن اجلنوب���ي اال�شرتاكي كان‬ ‫�ش���ي �سوى العمل يف وظائف ب�أجر زهي���د‪ ،‬وينتهي بهم املطاف بالهجرة‬ ‫ينا�ص���ر ال�سوفيت ويب���ذل اجلهود ملن���ع املتطوعني اليمنيني‬ ‫للبح���ث عن فر����ص عمل �أف�ضل‪� .‬أم���ا ال�شباب الذين له���م خلفية علمية‬ ‫م���ن ال�سف���ر �إىل �أفغان�ستان لغر�ض اجله���اد‪ .‬و�شارك‬ ‫�أعلى فعليهم �أن يتناف�سوا ب�شدة للح�صول على وظائف يف القطاع العام‪.‬‬ ‫عبد املجيد الزن���داين يف جتنيد الكثري من اليمنيني‬ ‫وقد كان���ت احلكومة اليمني���ة يف الت�سعينات متثل �أك�ب�ر قطاع ي�ستوعب‬ ‫للجهاد هناك خالل الثمانيني���ات والت�سعينيات‪� ،‬إذ‬ ‫خريجي اجلامعات‪ ،‬لكنها �أ�صبحت يف منت�صف الت�سعينيات عاجزة عن‬ ‫ح�ش���د خالل الفرتة ‪� 5.000 ,1990 – 1984‬إىل ‪7.000‬‬ ‫توظيف املزيد من اخلريجني‪ ،‬ومل تعد ت�ستوعب �سوى ‪ %10‬من خريجي‬ ‫جماهد عربي‪ ،‬من بينهم عدد كبري من اليمنيني‪،‬‬ ‫كليات الزراعة والعلوم الإن�سانية وال�شريعة والقانون‪ ،‬و‪ %50‬من خريجي‬ ‫و�أر�سلهم �إىل مع�سك���رات القاعدة يف �أفغان�ستان‬ ‫التخ�ص�صات التجارية‪ .‬و�أ�شار �أحد �أ�ساتذة االقت�صاد يف جامعة �صنعاء‪،‬‬ ‫بغر�ض التدريب الديني والع�سكري‪ .‬وتقول بع�ض‬ ‫والأ�ستاذ الزائر بجامعة جورج تاون‪ ،‬يف مقالة له ن�شرها عام ‪� 2003‬إىل‬ ‫امل�صادر �أن اليمنيني �شكلوا ثلثي جمنّدي �أ�سامة‬ ‫�أن مع���دل البطالة يف �أو�ساط خريج���ي اجلامعات و�صل ‪ ،%50‬مع معدل‬ ‫بن الدن يف مع�سكرات تدريبه ب�أفغان�ستان‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪103‬‬


‫املحــــور‬

‫وقد �أدرك �أ�سامة ب���ن الدن �أنه �سيجد �أر�ض ًا خ�صبة لتفريخ عنا�صره‬ ‫يف اليم���ن؛ ف�سعى �إىل حت�سني عالقاته بعدد من القبائل اليمنية و�ساعد‬ ‫الزن���داين يف ت�أ�سي�س حزب الإ�صالح‪ ،‬كما �ساع���د اليمنيني على ال�سفر‬ ‫�إىل �أفغان�ست���ان ملحارب���ة القوات ال�سوفيتي���ة‪ .‬وتقول بع����ض التقديرات‬ ‫�أن ع���دد اليمنيني الذين حاربوا يف �أفغان�ست���ان �أو تدربوا يف مع�سكرات‬ ‫القاعدة يرتاوح بني �آالف وع�شرات الآالف‪.‬‬ ‫وميكن ‪� -‬إىل حد ما ‪� -‬إرجاع تف�سري ارتفاع عدد املتطوعني اليمنيني‪،‬‬ ‫خا�ص��� ًة من �شمال اليم���ن‪� ،‬إىل ت�أ�سي�س املعاه���د ال�سلفية اجلهادية التي‬ ‫دعمته���ا ال�سعودي���ة حت���ت �إ�ش���راف الزن���داين يف �شم���ال اليمن خالل‬ ‫ال�سبعيني���ات‪ .‬وكما ذكرنا �آنفاً‪ ،‬فقد �أطلق رئي�س اليمن ال�شمايل العنان‬ ‫للزن���داين يف ت�أ�سي����س تلك املعاه���د الدينية املتطرفة لك���ي يواجه ت�أثري‬ ‫النف���وذ اال�شرتاك���ي يف اجلن���وب‪ ،‬ومت تعي�ي�ن الزنداين كوزي���ر للرتبية‬ ‫والتعلي���م (‪ )2‬عام ‪ 1983‬وا�ستمر يف جتني���د �آالف اليمنيني للجهاد �ضد‬ ‫ال�سوفي���ت يف الثمانيني���ات‪ ،‬وكان معظ���م املجندي���ن م���ن تل���ك املعاهد‬ ‫الدينية‪.‬‬ ‫الإرهاب املحلي يف اليمن (الت�سعينيات – ‪)2003‬‬ ‫مل تعمل اليمن خالل هذه الفرتة الزمنية كمالذ �آمن للمقاتلني العرب‬ ‫العائدي���ن من �أفغان�ستان فح�سب‪ ،‬بل �إنها كان���ت �أر�ض �إعداد وانطالق‬ ‫�أوىل هجم���ات القاع���دة‪ ،‬والتي تلته���ا العديد من الهجم���ات الإرهابية‪،‬‬ ‫ا�ستهدف���ت م�صالح غربي���ة ومل تردعها �إال �إج���راءات مكثفة ومناه�ضة‬ ‫للإرهاب عام ‪.2002‬‬ ‫خالل فرتة الت�سعينيات‪ ،‬كان اليمن عامل جذب للمقاتلني يف احلرب‬ ‫�ض���د ال�سوفيت‪ ،‬وقد وفّر احلزب الإ�سالمي املعار�ض – حزب الإ�صالح‬ ‫– احلماي���ة للمقاتل�ي�ن اليمني�ي�ن‪ .‬وخالل تلك الف�ت�رة رحبت احلكومة‬ ‫اليمنية بع�ش���رات الآالف من املقاتلني العرب العائدي���ن من �أفغان�ستان‬ ‫بعد احل���رب �ضد ال�سوفيت‪ .‬وق���د اكت�سب ه�ؤالء املقاتل�ي�ن خربة قتالية‬ ‫يف املعارك‪ ،‬ومت تلقينه���م الأيديولوجية ال�سلفية التي جلبوها معهم �إىل‬ ‫اليمن‪ .‬كما �ساع���د �آالف منهم الرئي�س �صالح يف حملته الع�سكرية التي‬ ‫تغل���ب فيها على اليمن اجلنوبي اال�شرتاك���ي الذي حاول االنف�صال عام‬ ‫‪ .1994‬وبع���د ذل���ك عا�ش بع�ضهم حي���اة �سالم يف اليم���ن‪ ،‬بينما ا�ستمر‬ ‫البع�ض الآخر يف ت�شكيل اجلماعات التابعة للقاعدة‪.‬‬ ‫وعندم���ا تل���ك�أت احلكوم���ة يف تلبية مطال���ب بع�ض املقاتل�ي�ن الأفغان‬ ‫(�أي بال�سم���اح له���م بااللتحاق باجلي����ش اليمني‪ ،‬ومنحه���م حرية �أكرث‬ ‫يف اجلن���وب �ض���د اال�شرتاكيني) اندل���ع القتال ب�ي�ن الطرفني يف متوز‪/‬‬ ‫يولي ��و ‪ ،1994‬وتغل���ب اجلان���ب احلكومي عل���ى املقاتلني وطُ ���رِ د بع�ضهم‬ ‫م���ن اليم���ن و ُقبِ�ض على البع�ض الآخر‪ .‬لكن هن���اك من فر من املقاتلني‬

‫وقام���وا بت�شكيل جي�ش عدن �أب�ي�ن الإ�سالمي‪ ،‬حيث قامت هذه اجلماعة‬ ‫ب�إن�شاء مع�سكر تدريب لعنا�صرها يف حمافظة �أبني لكي تتمكن من طرد‬ ‫الوج���ود الأمريكي والربيطاين من اليمن و�شبه اجلزيرة العربية‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫ا�ستغ���ل بن الدن اليمن كم����أوى لبع�ض عنا�صره و�أعمال���ه التجارية التي‬ ‫ا�ستخدمها كم�صدر للدعم امل���ايل واللوج�ستي‪ ،‬وكذلك لتزوير جوازات‬ ‫ال�سفر‪� .‬إ�ضافة �إىل هذا‪ ،‬كانت توجد هناك عدد من مع�سكرات التدريب‬ ‫الك�ب�رى التابعة للقاعدة حتى متكنت احلكوم���ة اليمنية من تفكيكها يف‬ ‫نهاي���ة الت�سعيني���ات‪ .‬ويقدر املحللون ب����أن اليمنيني ي�شكل���ون ثالث �أكرب‬ ‫متثيل وطني يف تنظيم القاعدة‪ ،‬بعد امل�صريني واجلزائريني‪.‬‬ ‫ويف كان���ون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ 1992‬ق���ام مقاتل���ون ينت�سب���ون للقاعدة‬ ‫بتنفي���ذ �أول هجوم �ضد �أهداف �أمريكية‪ ،‬عندما فجروا فندق يف مدينة‬ ‫ع���دن كان ي�ستخدم���ه اجلنود الأمريكيني كنقطة انتق���ال �إىل ال�صومال‬ ‫�أثن���اء «عملي���ة ا�ستعادة الأم���ل» التي متثل جزء ًا من اجله���ود الأمريكية‬ ‫حلل الأزم���ة الإن�سانية يف ال�صومال‪ .‬وكان الهج���وم‪ ،‬رغم ف�شله‪ ،‬نذير ًا‬ ‫بت�شكي���ل جي�ش عدن �أب�ي�ن الإ�سالمي التابع لتنظي���م القاعدة يف �أواخر‬ ‫الت�سعيني���ات‪ .‬ويف ‪ 28‬كانون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ 1998‬قام جي�ش عدن �أبني‬ ‫وف���روع �أخرى للقاع���دة باختطاف �ستة ع�شر �سائ���ح غربي يف حمافظة‬ ‫�أب�ي�ن‪ .‬ويف كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪ ،2000‬وبت�أيي���د من تنظي���م القاعدة‪،‬‬ ‫ح���اول عنا�صر جي�ش عدن �أبني مهاجمة ال�سفينة الأمريكية «يو �إ�س �إ�س‬ ‫�سوليفان»‪ ،‬لكن حماولتهم باءت بالف�شل‪.‬‬ ‫وكان �أول هجوم ناجح نفذه جي�ش عدن �أبني �ضد الواليات املتحدة يف‬ ‫‪ 12‬ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 2000‬عندما ق���ام انتحاريون يف زورق حممل‬ ‫مبتفج���رات من نوع ‪ C4‬وت���زن ‪ 270‬كجم‪ ،‬مبهاجم���ة املدمرة الأمريكية‬ ‫(ك���ول) التي كانت تر�سو يف ميناء عدن‪ .‬و�أ�صدر الحق ًا جي�ش عدن �أبني‬ ‫بيان��� ًا �أعلن فيه م�سئوليته عن هذا الهجوم‪ ،‬الذي قتل �سبعة ع�شر بحار ًا‬ ‫�أمريكي��� ًا وج���رح ت�سعة وثالث�ي�ن �آخرين‪ .‬وق���د كان ‪ %80‬من اجلهاديني‬ ‫الذي���ن ا�شرتكوا يف تنفيذ الهجوم �سعوديني م���ن �أ�صل ميني‪ ،‬من بينهم‬ ‫العقل املدبر للهجوم عبد الرحيم النا�شري‪.‬‬ ‫وتال ذل���ك الهجوم عدد م���ن املح���اوالت الفا�شلة‪ ،‬فف���ي متوز‪/‬يوليو‬ ‫‪ 2001‬مت القب����ض على ثمانية مقاتل�ي�ن مينيني‪ ،‬ممن �شاركوا يف اجلهاد‬ ‫�ض���د ال�سوفي���ت‪ ،‬وهم يخطط���ون للهجوم عل���ى ال�سف���ارة الأمريكية يف‬ ‫�صنع���اء‪ .‬ويف ‪ 6‬ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ 2002‬مت���ت ث���اين عملية جلي�ش‬ ‫ع���دن �أبني‪ ،‬وه���و الهجوم �ضد ناقل���ة النفط الفرن�سية “ملب���ورج” قبالة‬ ‫ال�سواح���ل اليمني���ة‪ ،‬وقتل فيه م���دين واحد وجرح �سبع���ة ع�شر �آخرين‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬تعاونت احلكومة اليمنية مع الواليات املتحدة يف اجلهود‬ ‫املبذول���ة ملكافح���ة الإره���اب‪ ،‬غري �أن جي����ش عدن �أبني وا�ص���ل هجماته‬

‫على امل�صالح الغربية حيث حاول �إ�سقاط طائرة‬ ‫احل���ادي ع�ش���ر م���ن �أيلول‪�/‬سبتم�ب�ر ‪ .2001‬ومنذ‬ ‫ذل���ك احلني واليمن تتعاون م���ن الواليات املتحدة‬ ‫مروحي���ة يف ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفمرب ‪ ،2002‬وقتل‬ ‫ميكن ‪� -‬إىل حد ما ‪-‬‬ ‫يف اجله���ود املبذولة ملكافحة الإرهاب‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫ثالث���ة مب�شرين �أمريكيني ب�أح���د امل�ست�شفيات يف �إرجاع تف�سري ارتفاع عدد‬ ‫كانون الأول‪/‬دي�سمرب من نف�س العام‪.‬‬ ‫قدم���ت احلكوم���ة الأمريكية امل�ساع���دة الع�سكرية‬ ‫املتطوعني اليمنيني للجهاد‬ ‫والدبلوما�سي���ة واملالية لليمن‪ .‬غري �أن هذا التعاون‬ ‫وخ�ل�ال ال�سن���وات التي تلت‪ ،‬قام���ت جماعات‬ ‫ً‬ ‫خا�صة من‬ ‫ب�أفغان�ستان‪،‬‬ ‫ظ���ل طيّ الكتم���ان حتى ال يثري الغ�ض���ب الداخلي‪.‬‬ ‫تنتم���ي لتنظي���م القاع���دة بع���دة هجم���ات �ض���د �شمال اليمن‪� ،‬إىل ت�أ�سي�س‬ ‫ويف ع���ام ‪ ،2002‬وبد ًال من و�ض���ع قواتها يف اليمن‪،‬‬ ‫امل�صالح الغربية يف اليمن‪ ،‬لكن عمليات مكافحة املعاهد ال�سلفية اجلهادية‬ ‫قامت الواليات املتحدة بنقل ‪ 800‬جندي من قوات‬ ‫الإره���اب ا�ستم���رت وا�ستطاع���ت بفعالية احتواء التي دعمتها ال�سعودية حتت‬ ‫العمليات اخلا�ص���ة �إىل جيبوتي‪ ،‬حيث من املمكن‬ ‫العنا�صر املقاتلة الت���ي تنتمي للقاعدة‪ ،‬واعتقلت �إ�شراف الزنداين يف �شمال‬ ‫ن�شره���م ب�سرعة �ضد عنا�ص���ر تنظيم القاعدة يف‬ ‫ال�شرط���ة عدد ًا كبري ًا م���ن اجلهاديني ثم �أطلقت‬ ‫اليمن خالل ال�سبعينيات‬ ‫اليمن‪.‬‬ ‫�س���راح البع�ض منهم يف مبادرة عفو عام �شريطة‬ ‫وعندم���ا تبنّ���ت اليم���ن موقف��� ًا م�ؤي���د ًا للع���راق‬ ‫�أن ال يقوموا ب�أي هجمات على الأرا�ضي اليمنية‪.‬‬ ‫وعار�ضت �أي تدخل غربي يف حرب اخلريج ‪1990‬‬ ‫وبالإ�ضافة �إىل وجود �آالف املحاربني الأفغان‪،‬‬ ‫ميك���ن عزو ظه���ور ظاهرة الإره���اب الداخل���ي يف اليم���ن �إىل عدد من – ‪ 1991‬قطع���ت ال�سعودي���ة والكوي���ت عالقاتها الدبلوما�سي���ة مع اليمن‬ ‫العوام���ل املهم���ة‪ ،‬وهي‪ :‬تهدي���د الأه���داف الع�سكرية الغربي���ة؛ والو�ضع والدعم املايل كذلك‪ ،‬وط���ردت ال�سعودية ما يقارب مليون عامل ميني‪،‬‬ ‫صال وما زال يعاين‬ ‫االقت�ص���ادي الداخل���ي املتفاق���م؛ وانت�ش���ار املدار�س واملعاه���د الدينية وه���و ما زاد من ال�ضغط على االقت�صاد امل�ضطرب �أ� ً‬ ‫املتطرفة يف اليمن‪ .‬ومع �أن املنطقة �شهدت عرب التاريخ وجود ًا ع�سكري ًا م���ن تكاليف الوحدة‪ ،‬فلم ت�ستطع احلكومة تق���دمي الدعم املايل الكايف‬ ‫قوي��� ًا للوالي���ات املتح���دة‪� ،‬إال �أن الدولة احلديثة يف اليم���ن مل ت�ست�ضيف للتعليم العام‪ .‬ويف مقابل ذلك‪ ،‬ازدهرت املدار�س ال�سلفية املدعومة من‬ ‫�أي قاع���دة ع�سكري���ة �أمريكي���ة دائم���ة عل���ى �أرا�ضيه���ا‪ .‬واملالح���ظ �أن ال�سعودية خالل تلك الفرتة‪ ،‬وخا�صة يف املناطق الريفية الفقرية‪ .‬فعلى‬ ‫�سبي���ل املثال‪ ،‬ت�أ�س�س���ت جامعة الإميان على يد الزن���داين يف �سنة ‪1993‬‬ ‫القوات الأمريكي���ة وغريها من القوات الغربية ت�ستخدم املواين اليمنية‬ ‫كمحط���ات للتزود بالوقود‪ ،‬الأمر الذي يُعد ممار�سة دولية مثالية ال تنم بتمويل �سعودي‪.‬‬ ‫وكان م���ن �أهم ما ت�ضمنت���ه �إ�سرتاتيجية مكافح���ة الإرهاب الناجحة‬ ‫عن احتالل �أجنبي‪ .‬ولكن رغم غياب احل�ضور الع�سكري للقوى الغربية‬ ‫يف اليم���ن �إال �أن معظم الهجمات ال�ساحقة الت���ي ُنفِّذت كانت ت�ستهدف الت���ي تبنّته���ا اليمن �إغ�ل�اق مئ���ات املعاهد الديني���ة‪ ،‬وتطبي���ق برنامج‬ ‫�إع���ادة التعلي���م �أيديولوجي من خالل احلوار م���ع العلماء امل�سلمني‪ .‬ويف‬ ‫�أهداف غربية‪.‬‬ ‫وكنتيج���ة حلرب اخللي���ج ‪ 1991 – 1990‬توت���رت العالقات بني اليمن مطل���ع ‪ 2002‬ط���رد الرئي����س �صالح �أكرث م���ن ‪ 100‬معلم وطال���ب �أجنبي‬ ‫وال���دول الغربية حت���ى منت�صف الت�سعينيات‪ ،‬عندما ق���رر الغرب �إعادة يف امل�ؤ�س�س���ات الديني���ة اخلا�صة ممن ال يحمل���ون ت�أ�شرية قانونية‪ ،‬ومن‬ ‫العالق���ات مع اليمن و�شجّ ع �صندوق النقد ال���دويل والبنك الدويل على �ضم���ن ه���ذه امل�ؤ�س�س���ات معاه���د دار احلدي���ث وجامع���ة الإمي���ان‪ .‬وقد‬ ‫تقدمي الدعم املايل لليمن‪ .‬ولكن ذلك مل يُجدِ نفع ًا يف �إيقاف الهجمات ا�ستهدف���ت الدول���ة هذه املدار�س عل���ى وجه اخل�صو����ص‪ ،‬لأن عدد ًا من‬ ‫الإرهابي���ة الداخلية �ضد امل�صالح الغربية يف اليم���ن‪ .‬ففي ‪ ،1992‬وقبل طالبه���ا تورط���وا ب�شكل مبا�شر يف �أعمال �إرهابي���ة داخلية‪ .‬فقد كان كل‬ ‫الإع�ل�ان عن �إعادة العالق���ات ح�صل �أول هج���وم للقاعدة �ضد اجلنود م���ن علي جاراهلل وعابد عبد الرزاق كام���ل – العن�صران املن�سوبان‬ ‫الأمريكيني‪ ،‬الذين توقفوا يف عدن وهم يف طريقهم �إىل ال�صومال‪ .‬كما للقاعدة‪ ،‬وامل�سئ���والن عن اغتيال �أحد ال�سيا�سيني املعار�ضني‬ ‫قامت عنا�صر جي�ش عدن �أبني بتنفيذ �أول هجوم ناجح لها �ضد البحرية وثالث ممر�ضات م�سيحيات يف �أواخر ‪ – 2002‬من منتجات‬ ‫الأمريكي���ة‪ .‬فف���ي ع���ام ‪ 1999‬ب���د�أت الوالي���ات املتحدة ت�ستخ���دم عدن جامعة الإميان‪.‬‬ ‫املقاتلون اليمنيون يف العراق (‪ – 2003‬حتى‬ ‫كمحطة للت���زوّد بالوقود‪ ،‬ومنذ ‪ 1999‬وحتى تفجري املدمرة “كول” عام‬ ‫‪ 2000‬توقف���ت ما يق���ارب ‪� 24‬سفينة حربية تابع���ة للبحرية الأمريكية يف الآن)‬ ‫ع���دن لغر�ض تعبئة الوقود‪ ،‬وبعد تفجري “كول” علّقت الواليات املتحدة‬ ‫من���ذ ع���ام ‪ 2003‬وا�ص���ل اليمني���ون ال�سفر �إىل‬ ‫عمليات التزوّد بالوقود يف اليمن‪.‬‬ ‫اخلارج كمقاتل�ي�ن �أجانب‪ .‬وقد ذك���رت التقارير‬ ‫ويف ع���ام ‪ 2001‬ج���ددت الوالي���ات املتح���دة التزامها بتق���دمي الدعم ع���ام ‪� 2008‬أن املجاهدي���ن اليمني�ي�ن يوجدون يف‬ ‫امل���ادي لليم���ن‪ ،‬وتع���ززت العالق���ات ب�ي�ن الدولت�ي�ن �أكرث بع���د �أحداث ال�سعودي���ة و�أفغان�ست���ان وال�صوم���ال ولبنان‪ ،‬مع‬

‫(‪ )2‬راجع مالحظة املحرر ب�ش�أن ذلك‪ ،‬والتي �أوردها �صفحة ‪ 99‬من هذا العدد‪.‬‬ ‫‪104‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪105‬‬


‫املحــــور‬

‫وج���ود �أكرب ع���دد منه���م يف العراق‪ ،‬حي���ث ي�شاركون يف حرك���ة التمرد‬ ‫�ض���د القوات الأمريكي���ة يف العراق منذ االحتالل الأمريك���ي لهذا البلد‬ ‫ع���ام ‪ .2003‬كم���ا ي�شكلون �أك�ب�ر ثالث م�صدر م���ن املقاتل�ي�ن الأجانب‪،‬‬ ‫وقام���وا بتنفيذ عدد من الهجمات االنتحاري���ة‪ .‬ويف عام ‪ 2006‬اكت�شفت‬ ‫درا�س���ة �أجراها مرك���ز الدرا�سات اال�سرتاتيجي���ة والدولية �أن ‪ %17‬من‬ ‫املقاتلني الأجانب يف العراق يحملون اجلن�سية اليمنية‪ ،‬وذكرت �صحيفة‬ ‫“الثوري” �أنه مت تنفيذ ع�شرين هجوم انتحاري على يد مينيني‪.‬‬ ‫وتختلف من �سنة �إىل �أخرى التقديرات عن عدد املقاتلني اليمنيني يف‬ ‫العراق‪ .‬ففي عام ‪ 2005‬بلغ عدد املقاتلني اليمنيني الذين �سافروا للقتال‬ ‫يف الع���راق ‪ 2.000‬مقات���ل‪ ،‬بح�سب و�سائل الإعالم املحلي���ة‪ .‬بينما يقول‬ ‫تقدير م�شروع تقييم الأمن القومي لعام ‪� 2005‬أن عدد املقاتلني الأجانب‬ ‫يف الع���راق و�صل ثالثة �آالف مقاتل‪ %17 ،‬منهم مينيني (�أي ‪ 500‬مقاتل‬ ‫مين���ي)‪ .‬وبحلول ‪ 2007‬ذكرت و�سائل الإع�ل�ام اليمنية �أن هناك حوايل‬ ‫‪ 1.289‬مقاتل ميني يف العراق‪ ،‬منهم ‪ 550‬مقات ًال من �صنعاء‪ .‬وبعد ذلك‬ ‫يف نف�س العام ذكرت و�سائل �إعالم مينية �أخرى �أن عدد اليمنيني الذين‬ ‫�ساف���روا للقتال يف العراق خالل الفرتة ‪ 2006 – 2003‬بلغ ‪ 1000‬مقاتل‪.‬‬ ‫ويف ‪� 2008‬أ�ص���در كلنت وات�س تقرير ًا بنا ًء على معلومات تتعلق باملقاتلني‬ ‫الأجانب م���ن �سج�ل�ات “�سينجار”‪ ،‬ومعتق���ل غوانتانام���و‪ ،‬وخمتطفي‬ ‫الطائ���رات يف احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬وقال التقرير �أن اليمن‬ ‫تعترب �أكرب ثالث م�صدر للمقاتلني الأجانب كونها تقدم �أربعة �إىل ثمانية‬ ‫�أ�ضع���اف املقاتلني الذين تقدمهم الدول الع�ش���رون الأخرى املذكورة يف‬ ‫هذه الدرا�سة‪.‬‬ ‫تو�ض���ح املعلوم���ات املتوف���رة ع���ن املقاتل�ي�ن اليمني�ي�ن جمموع���ة من‬ ‫االجتاهات‪ ،‬منها‪� :‬أن املقاتلني هم من فئة ال�شباب القادمني من �صنعاء‪،‬‬ ‫وم���ن طالب م�ؤ�س�سات التعليم الدين���ي‪ ،‬ومعظمهم من جامعة الإميان‪.‬‬ ‫وذك���رت و�سائل الإعالم املحلية �أن معظ���م املجندين للجهاد يف العراق‬ ‫ه���م دون �س���ن الع�شري���ن عاماً‪ .‬ويف ع���ام ‪ 2007‬ذك���رت و�سائل الإعالم‬ ‫اليمني���ة �أي�ض��� ًا �أن ما يقارب ‪ %50‬من املقاتل�ي�ن اليمنيني يف العراق هم‬ ‫م���ن �صنعاء‪ ،‬خا�ص���ة منطقة مُ�سَ يك املعروفة بتخري���ج متطرفني دينياً‪.‬‬ ‫وت�ؤك���د درا�سة �أجري���ت عام ‪� 2008‬أن �صنعاء تنت���ج �أكرث بقليل من ‪%50‬‬ ‫من املقاتل�ي�ن اليمنيني‪ ،‬مع �أنها ال ت�شكل �س���وى ‪ %5‬من ال�شعب اليمني‪.‬‬ ‫و�أ�ضاف���ت الدرا�س���ة �أن مدينة ع���دن تنتج ‪ %15‬من املقاتل�ي�ن اليمنيني‪،‬‬ ‫وه���ي ال ت�شكل �سوى ‪ %2‬من ال�شعب اليمن���ي‪ .‬وت�شري هذه املعلومات �إىل‬ ‫�أن التجني���د للقتال ه���ي ظاهرة ح�ضرية (�أي يف امل���دن)‪ ،‬و�أن املقاتلني‬ ‫الأجان���ب هم من ال�شباب املتمدنني م�ؤخراً‪ .‬كما �أنها تتطابق مع حقيقة‬ ‫�أن جامعة الإميان وفرع من معاهد دار احلديث موجودة يف �صنعاء‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ووج���دت درا�س���ة �أخرى �أجري���ت ع���ام ‪� 2008‬أنه باملقارن���ة مع الدول‬ ‫الأخ���رى املنتجة للمقاتلني الأجان���ب‪ ،‬يت�ضح �أن �أك�ث�ر اليمنيني �شاركوا‬ ‫يف اجله���اد بدافع الدي���ن‪ .‬وقد و�صف عدد من القاتل�ي�ن �أنف�سهم ب�أنهم‬ ‫طالب متدينني‪ ،‬بينما قال �آخرون �أنه مت جتنيدهم عن طريق امل�ساجد‪.‬‬ ‫وتو�صل���ت الدرا�سة �إىل �أن �أغلب �أولئ���ك املجندين يف العراق �أما طالب‬ ‫�أو عاطلني عن العمل‪� ،‬أو �أنهم عمال عاديون‪ .‬كما ذكرت بع�ض التقارير‬ ‫ع���ام ‪� 2007‬أن ع���دد ًا م���ن خريج���ي جامعة الإمي���ان – وبع�ضه���م كانوا‬ ‫م�سجّ ل�ي�ن �سابقني فيه���ا ‪� -‬ساف���روا �إىل العراق كمقاتل�ي�ن �أجانب‪ ،‬وهو‬ ‫�أي�ض ًا ما �أكدته �أجهزة الأمن الداخلية‪.‬‬ ‫موجة الإرهاب احلالية يف اليمن (‪ - 2006‬حتى الآن)‬ ‫قالت نادية ال�سقاف‪ ،‬رئي�سة حترير �صحيفة “مين تاميز”‪� ،‬إنه «كان‬ ‫هناك اتفاق (مع اجلهاديني)‪ ،‬ولكن ذلك االتفاق مل يعد مجُ دياً؛ فالآن‬ ‫لي�س هناك �سوى املت�شددين ممن يريدون �أن ت�ستخدمهم القاعدة‪ ،‬وهم‬ ‫العائ���دون م���ن العراق �أو �أفغان�ست���ان وال ميتلكون �أي مه���ارات �أو خلفية‬ ‫علمية‪ ،‬ومل يتم دجمهم يف املجتمع‪ .‬كما �أنه مت غ�سل �أدمغتهم‪ ،‬فاجلهاد‬ ‫هو كل ما يعرفون»‪.‬‬ ‫وما يُالحظ هو �أن الإرهاب الداخلي يف اليمن يزداد �ضراوة منذ عام‬ ‫‪ 2006‬عندم���ا ت�أ�س�س “تنظي���م القاعدة يف اليمن” عل���ى �أيدي الفارين‬ ‫من �أح���د ال�سجون اليمنية بعد اتهامهم بارت���كاب �أعمال �إرهابية مطلع‬ ‫ع���ام ‪ .2000‬وبالرغم من �أن الواليات املتحدة تق���دم م�ساعدة ع�سكرية‬ ‫لليم���ن من���ذ ‪ ،2001‬ف�إن���ه مل تقم �أي ق���وى �أجنبية‪� ،‬أمريكي���ة �أو غريها‪،‬‬ ‫ب�إن�ش���اء قاع���دة دائمة له���ا يف اليمن‪ .‬م���ع ذلك‪ ،‬ف�إن معظ���م الهجمات‬ ‫الت���ي نفذته���ا “القاعدة يف اليمن” كانت �ض���د �أهداف غربية‪ ،‬مبا فيها‬ ‫�سياح و�سفارات‪ .‬وال�س�ؤال الذي يطرح نف�سه هنا هو‪ :‬ما هو ال�سبب وراء‬ ‫نهو�ض الإرهاب الداخلي يف اليمن؟ هذا ال�س�ؤال هو ما �س�أحاول الإجابة‬ ‫عليه بعد ا�ستعرا�ض و�صفي لنمط موجة الإرهاب احلالية يف اليمن‪.‬‬ ‫يف �شباط‪/‬فرباي���ر ‪ 2006‬متكن ثالثة وع�شرون �سجني من الفرار من‬ ‫�سجن الأمن ال�سيا�سي يف اليمن‪ ،‬وقام اثنان من الفارين ب�إن�شاء جماعة‬ ‫�إرهابي���ة – “القاع���دة يف اليم���ن” – م�ستلهم�ي�ن �أيديولوجياته���ا من‬ ‫تنظي���م القاعدة‪ .‬وقد قامت بتنفيذ �أول هجماتها بعد �سنة من تكوينها‪.‬‬ ‫ويُ�ش���ار عاد ًة �إىل جماعة القاعدة يف اليم���ن “باجليل الأ�صغر” ملقاتلي‬ ‫القاع���دة يف اليمن‪ ،‬وهم ممن حاربوا يف العراق والآن يرف�ضون احلوار‬ ‫م���ع احلكومة اليمنية كما فعل املقاتلني من اجليل ال�سابق‪ .‬ومن �أهداف‬ ‫ه���ذه اجلماع���ة‪ ،‬والتي حت���دد �أيديولوجيته���ا بو�صفها جهادي���ة �سلفية‪:‬‬ ‫�إطالق �سراح عنا�ص���ر القاعدة‪ ،‬ورفع القيود احلكومية على ال�سفر �إىل‬ ‫العراق‪ ،‬وع���دم تعاون الدولة مع �أعداء الإ�س�ل�ام (�أي الواليات املتحدة‬

‫وحلفائها)‪ ،‬والعودة �إىل ال�شريعة الإ�سالمية‪.‬‬ ‫الهجم���ات الإرهابية الأخرى التي قامت بتنفيذها‬ ‫القاع���دة يف اليم���ن‪ ،‬الهجم���ات الت���ي ا�ستهدفت‬ ‫وتتبنى هذه اجلماعة عدة ت�سميات �أخرى �إىل‬ ‫تو�ضح املعلومات املتوفرة‬ ‫جممع���ات �سكني���ة ي�سكنها �أجانب‪ .‬فف���ي ني�سان‪/‬‬ ‫جان���ب “القاعدة يف اليمن”‪ ،‬من �ضمنها “�ألوية‬ ‫عن املقاتلني اليمنيني‬ ‫�أبري���ل ‪ 2008‬تعر����ض جمم���ع �سكن���ي لأمريكي�ي�ن‬ ‫جن���د اليم���ن” وحرك���ة “اجله���اد الإ�سالم���ي”‬ ‫يف العراق جمموعة من‬ ‫وغريه���م من الأجانب يف �صنعاء‪ ،‬لهجوم بقذائف‬ ‫و”القاعدة يف �شبه جزيرة العرب”‪ .‬وبعد دجمها‬ ‫االجتاهات‪ ،‬منها‪� :‬أن‬ ‫املدف���ع الهاون‪ ،‬ولك���ن مل يُ�صب �أحد ب����أذى �سوى‬ ‫مع فرع القاع���دة يف ال�سعودية يف كانون الثاين‪/‬‬ ‫يناي���ر ‪ 2009‬تبنّت ا�سم “تنظي���م قاعدة اجلهاد املقاتلني هم من فئة ال�شباب تك�سر بع�ض النوافذ‪.‬‬ ‫القادمني من �صنعاء‪ ،‬ومن‬ ‫و�أحدث عملية تقوم به���ا القاعدة يف اليمن (يف‬ ‫يف جزي���رة الع���رب”‪ .‬ويف املقابلة الت���ي �أجرتها‬ ‫التعليم‬ ‫ؤ�س�سات‬ ‫�‬ ‫م‬ ‫طالب‬ ‫اجلزي���رة م���ع قائ���د التنظي���م الوحي�ش���ي يف ‪27‬‬ ‫الع���ام املا�ضي ‪ )2009‬كانت يف اخلام�س من �آذار‪/‬‬ ‫من‬ ‫ومعظمهم‬ ‫الديني‪،‬‬ ‫مار�س ‪� 2009‬ضد جمموعة �سياح من كوريا اجلنوبية‬ ‫كان���ون الثاين‪/‬يناير‪ ،‬ب���رر الوحي�شي �ضرب “كل‬ ‫إميان‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫جامعة‬ ‫كانوا ي���زوروا موقع �سياحي يف ح�ضرموت‪ ،‬عندما‬ ‫امل�صالح ال�صليبية” يف �شبه اجلزيرة‪ ،‬و�أ�شار �إىل‬ ‫قام انتحاري مبهاجمتهم‪ .‬وبعد ذلك بثالثة �أيام‪،‬‬ ‫�أن “احل���روب ال�صليبية” �ضد فل�سطني والعراق‬ ‫ُنفِّذت عملية �إرهابية �أخرى فا�شلة ا�ستهدفت وفد ًا‬ ‫و�أفغان�ستان وال�صومال تنطلق من قواعد يف �شبه‬ ‫مل�سئول�ي�ن كوريني وذوي �ضحاي���ا العملية ال�سابقة‪ .‬وادع���ت القاعدة يف‬ ‫اجلزيرة العربية‪.‬‬ ‫وق���د ا�ستهدف���ت العمليات التي قامت بها القاع���دة يف اليمن من�ش�آت اليمن �أن العملية ا�ستهدفت الكوريني اجلنوبيني نظر ًا للدور الذي تلعبه‬ ‫نفطية و�سياح �أجانب و�سفارات �أجنبية على وجه التحديد‪ .‬ففي ‪� 15‬أيلول‪ /‬كوريا اجلنوبية يف احلرب على الإرهاب‪ ،‬التي تقودها الواليات املتحدة‬ ‫�سبتمرب ‪ 2006‬كان���ت �أول حماولة هجوم للقاعدة يف اليمن‪ ،‬وا�ستهدفت يف العراق و�أفغان�ستان (وكان اجلنود الكوريني اجلنوبيني ي�شكلون ثالث‬ ‫مين���ا ًء لت�صدير للنفط يف ح�ضرموت وم�صف���اة نفطية ومن�ش�آت غاز يف �أك�ب�ر عدد من اجلن���ود الأجانب يف العراق حتى كان���ون الأول‪/‬دي�سمرب‬ ‫م�أرب‪ ،‬ولكن قوات الأمن متكنت من تفجري �أربع �سيارات مفخخة‪ ،‬و ُقتِل ‪.)2008‬‬ ‫�إن ق���ادة القاع���دة يف اليمن هم من ال�سجن���اء الذين فروا من �سجن‬ ‫مهاجمان قبل و�صولهما للهدف‪ .‬كما قامت القاعدة يف اليمن بعدد من‬ ‫العملي���ات الأخرى �ضد من�ش����آت نفطية يف اليمن منذ ذلك احلني‪ ،‬ومن الأم���ن ال�سيا�س���ي يف �شباط‪/‬فرباي���ر ‪� ،2006‬أما بقية معظ���م العنا�صر‬ ‫�أه���م تل���ك الهجمات الهجومني اللذي���ن ا�ستهدفا خط���وط النفط لأحد فه���م من ال�شب���اب الذين ان�ضم���وا للقاعدة الحقاً‪ ،‬ول���دى الكثري منهم‬ ‫ال�ش���ركات الفرن�سية وحقل نفط ل�شركة �صينية يف ني�سان‪�/‬أبريل ‪2008‬؛ خ�ب�رة قتالية كبرية اكت�سبوها يف املعارك الت���ي خا�ضوها يف �أفغان�ستان‬ ‫وبع���د هذا ب�أي���ام قالئل‪ُ ،‬زرِعت قنبلتان بالقرب م���ن مقر �شركة النفط وال�صوم���ال والع���راق‪ .‬و�أي�ض��� ًا ي�ش���كل اليمني���ون الأغلبية م���ن عنا�صر‬ ‫الكندية “نك�سن” يف �صنعاء‪.‬‬ ‫القاع���دة مع وجود عدد من املقاتل�ي�ن الأجانب‪ ،‬من بينهم عدد متنامي‬ ‫وا�ستهدفت القاعدة يف اليمن قبل هذين الهجومني ال�سفارة الأمريكية م���ن املتطرفني ال�سعوديني‪ .‬واجلدير بالذك���ر �أن الكثري من ه�ؤالء ولدوا‬ ‫ب�صنع���اء يف �آذار‪/‬مار�س ‪ 2008‬عن طري���ق �ضربها باملدفع الهاون‪ ،‬لكن يف ال�سعودي���ة وه���م من �أبناء املغرتب�ي�ن اليمنيني‪ ،‬ورمب���ا تلقوا تعليمهم‬ ‫القذيف���ة وقعت على “مدر�سة �سبعة يوليو للبن���ات” التي كانت بالقرب هناك وجلبوه �إىل اليمن عند عودتهم‪.‬‬ ‫م���ن ال�سفارة وجرحت ثالثة ع�شرة فتاة وخم�س���ة جنود‪ .‬ويف �أيار‪/‬مايو‬ ‫ويف �أعقاب الهج���وم االنتحاري على ال�سي���اح الكوريني اجلنوبيني يف‬ ‫‪� 2008‬ضرب���ت القاعدة يف اليمن ال�سفارة الإيطالية بقذيفتي هاون‪ .‬ويف �آذار‪/‬مار����س ‪ 2009‬ن�ش���رت احلكوم���ة اليمنية قائم���ة ب�أ�سماء اثنا‬ ‫ال�ساب���ع ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2008‬تعر�ضت ال�سفارة الأمريكية مرة ع�ش���ر ميني��� ًا مم���ن قيل �أنه���م «جُ نّ���دوا وتدربوا عل���ى �أيدي‬ ‫�أخرى لهجمات �إرهابية عن طريق ا�ستخدام �سيارتني مفخختني‪.‬‬ ‫عنا�ص���ر القاعدة لكي يقوموا بتنفي���ذ عمليات انتحارية‬ ‫�أما الهجمات الإرهابية على ال�سياح الأجانب فقد بد�أت يف متوز‪/‬يوليو يف الوط���ن»‪ .‬وي�ت�راوح عمر ه����ؤالء ب�ي�ن الثامنة ع�شر‬ ‫‪ ،2007‬عندما ا�ستخدمت القاعدة يف اليمن �سيارة مفخخة للهجوم على والت�سع���ة والع�شري���ن �سنة‪ ،‬وذك���رت و�سائل الإعالم‬ ‫�سي���اح �أ�سبان قاموا بزيارة معبد بلقي����س مبحافظة م�أرب‪ ،‬وراح �ضحية املحلية يف �آذار‪/‬مار�س ‪� 2009‬أن القاعدة يف اليمن‬ ‫الهج���وم ثمانية �سياح �أ�سبان ومينيني اثنني‪ .‬ويف الثامن ع�شر من كانون جنّ���دت ال�شب���اب الذين حت���ت �س���ن الثامنة ع�شر‬ ‫الثاين‪/‬يناي���ر ‪ 2008‬حدثت عملية �إرهابية �أخرى �ضد ال�سياح الأجانب‪ ،‬على وج���ه اخل�صو����ص‪ ،‬وذل���ك ال�ستخدامهم يف‬ ‫عندما �أطلق �أربع���ة م�سلحني النار على �سائحتني بلجيكيتني و�سائقيهما عملياته���ا الإرهابية الأخرية‪ .‬وق���ال املتخ�ص�ص‬ ‫اليمني�ي�ن يف ح�ضرموت‪ ،‬وقتلوا الأربعة مع ًا وجرحوا �أثنني �آخرين‪ .‬ومن بالتمرد يف اليمن غريغوري جون�سون‪ ،‬يف مقابلة‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪107‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫املحــــور‬

‫نظرات فـي ق�ضايا اجلغرافيا ال�سيا�سية املعا�صرة‬ ‫له‪� ،‬أن القاع���دة يف اليمن فع ًال تتلقى دعم ًا �شعبي ًا من الداخل‪ ،‬وخا�صة‬ ‫م���ن ال�شباب ال�ساخط وفئات املجتمع الأخ���رى‪ ،‬وذكر �أن جملة “�صدى‬ ‫املالح���م” الت���ي ت�صدرها ه���ذه اجلماعة حتظى ب�شعبي���ة كبرية‪ ،‬حيث‬ ‫يت���م تنزي���ل ن�سخ منها ع���ن طريق االنرتن���ت ومن ثم تُطب���ع وتُوزع على‬ ‫ال�سُّ كان‪.‬‬ ‫وكما �أ�شرنا �آنف ًا يتلقى ال�شباب اليمني تعليمهم من عدد من امل�صادر‬ ‫التي من �ضمنها نظام التعليم العام املتدين واملدار�س واملعاهد الدينية‪،‬‬ ‫غري �أن معظمهم ال يتعلم امله���ارات والقدرات التي يتطلبها �سوق العمل‬ ‫وله���ذا ال ي�ستطيع���ون احل�صول عل���ى وظائف‪ ،‬وهو م���ا يرتكهم عر�ضة‬ ‫لعنا�صر الإرهاب الديني‪ .‬ومع �أن احلكومة اليمنية تبذل اجلهود لإغالق‬ ‫املعاهد الدينية غري املرخ�ص لها منذ ‪� ،2001‬إال �أن هناك درا�سة قامت‬ ‫به���ا احلكومة يف كانون الأول‪/‬دي�سم�ب�ر ‪ 2008‬ووجدت �أنه ما زال هناك‬ ‫م���ا يقارب ‪ 4.000‬معهد ديني يف اليم���ن‪ %20 ،‬منها ال يخ�ضع للإ�شراف‬ ‫والرقاب���ة من قبل الدولة‪ .‬وبعد هجمات �آذار‪/‬مار�س ‪� 2009‬ضد ال�سياح‬ ‫الكوري�ي�ن اجلنوبيني‪ ،‬قال وزير الداخلية اليمن���ي �أن عدد ًا من املدار�س‬ ‫واملعاه���د الدينية التي “ت�شجع الإرهاب والعنف وقتل ال�سياح” ما زالت‬ ‫تعمل يف اليمن‪ ،‬و�أرجع اللوم عليها ‪� -‬إىل حد ما ‪ -‬يف انت�شار الإرهاب‪.‬‬ ‫ونظ���ر ًا لأهمي���ة وقيم���ة امله���ارات والق���درات القتالية الت���ي اكت�سبها‬ ‫املقاتل���ون يف �أفغان�ست���ان والع���راق وال�صومال‪ ،‬قام تنظي���م القاعدة يف‬ ‫اليم���ن ب�إر�سال عدد من عنا�ص���ره للتدريب هناك‪ .‬وقد وجهت اتهامات‬ ‫�ضد تنظيم القاع���دة يف اليمن ب�أنها قام �أكرث من مرة بتوجيه املقاتلني‬ ‫للقت���ال يف العراق‪ ،‬ب���ل و�صرح التنظي���م نف�سه يف كان���ون الثاين‪/‬يناير‬ ‫‪ 2009‬ب�أن���ه �أر�سل �أكرث من ‪ 300‬مقاتل ميني ينتمون �إىل تنظيم القاعدة‬ ‫للجهاد يف العراق و�أفغان�ستان وال�صومال عام ‪ .2008‬كما �أن االنتحاري‬ ‫الذي نفذ الهجوم على ال�سياح الكوريني كان يبلغ من العمر ثمانية ع�شر‬ ‫�سنة‪ ،‬وقد مت تدريبه يف ال�صومال‪.‬‬ ‫ومب���ا �أن عنا�ص���ر ف���رع القاعدة يف ال�سعودي���ة ما زال���وا يت�سللون �إىل‬ ‫اليمن من���ذ منت�صف ‪ ،2008‬ف�إنه���م �سيجلبون معه���م �أفكارهم الدينية‬ ‫املتطرفة‪ .‬وقد �أعلنت قوات الأمن يف �آذار‪/‬مار�س ‪ 2009‬عن ‪ 116‬م�شتبه‬ ‫ومطلوب �أمنياً‪ ،‬من �ضمنهم ‪� 50‬سعودي‪ ،‬لقيامهم ب�أعمال �إرهابية داخل‬ ‫احل���دود اليمنية‪ .‬واجلدير بالذكر �أن���ه �سبق و�أن �ضم �أ�سماء الكثري من‬ ‫ه����ؤالء املواطن�ي�ن ال�سعوديني �إىل قائمة �سعودي���ة للمطلوبني بتهم تتعلق‬ ‫بالإرهاب‪.‬‬

‫‪108‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫اخلامتة‬ ‫على الرغم من كرثة املقاالت التي �أ�شارت‬ ‫�إىل �أهمية دور التعليم الديني يف ظهور ظاهرة التطرف ودعم الإرهاب‪،‬‬ ‫ف�إن���ه مل تك���ن هن���اك درا�سة مبنية عل���ى التجربة لفح����ص العالقة بني‬ ‫التطرف وهيكلية التعليم ومدى توفره يف اليمن‪ .‬وما تراه هذه الدرا�سة‬ ‫�أن �ضع���ف وحمدودي���ة التعليم العام مقاب���ل انت�شار م�ؤ�س�س���ات التعليم‬ ‫الديني املتط���رف �أدى �إىل خمرجات ال متلك الق���درات واملهارات التي‬ ‫يتطلبها �سوق العمل‪ ،‬وبالتايل عدم القدرة على احل�صول على وظائف‪.‬‬ ‫كم���ا �أن احلكوم���ة املركزي���ة‪ ،‬وبالت���ايل التعلي���م الع���ام‪ ،‬ال ي�صالن �إىل‬ ‫املناط���ق النائي���ة الفقرية �أو ذات الت�ضاري�س الوع���رة؛ فال يتلقى �شباب‬ ‫هذه املناطق التعلي���م �إال من خالل نظام التعليم الديني اخلا�ص‪ ،‬الذي‬ ‫�أي�ض��� ًا ال يخف���ق يف تهيئة طالبه ل�سوق العم���ل‪ .‬ويف حال املعاهد الدينية‬ ‫املتطرف���ة‪ ،‬ف�إن هذا التعليم يغذي الطالب ب�أيديولوجية متطرفة‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي يجعلهم لقمة �سائغة لعنا�صر الإرهاب الديني‪.‬‬ ‫وم���ا جنده يف هذه الدرا�سة من �أدل���ة تدعم هذه النظرية‪ .‬ففي فرتة‬ ‫ال�سبعيني���ات ت�أ�س�ست مدار�س ومعاهد ديني���ة متطرفة يف �شمال اليمن‬ ‫بدع���م من ال�سعودي���ة‪ ،‬وكان���ت النتيجة �أن���ه يف ف�ت�رة الثمانينيات كان‬ ‫تقريب ًا معظم املتطوعني اليمني�ي�ن للجهاد �ضد ال�سوفيت يف �أفغان�ستان‬ ‫ه���م م���ن �أبناء ال�شم���ال‪ .‬وقد كان عب���د املجيد الزن���داين‪ ،‬امل�سئول عن‬ ‫ت�أ�سي����س ه���ذه املدار�س‪ ،‬عامل جتني���د ومر�شد ديني له����ؤالء املتطوعني‬ ‫اليمني�ي�ن يف �أفغان�ستان‪ .‬وبعد انته���اء احلرب �ضد ال�سوفيت عاد الكثري‬ ‫م���ن املقاتلني العرب �إىل اليمن وه���م يحملون معتقدات جهادية �سلفية‪.‬‬ ‫ويف نف����س الوقت‪ ،‬كان���ت امل�ؤ�س�سات الدينية تتكاث���ر‪ ،‬خا�صة يف املناطق‬ ‫الريفي���ة الفقرية‪ ،‬بينما كان التعليم الع���ام يعاين الكثري نظر ًا للظروف‬ ‫االقت�صادية ال�صعبة التي كان مير بها البلد‪.‬‬ ‫و�أنتجت �إحدى هذه امل�ؤ�س�سات الدينية‪ ،‬التي ت�أ�س�ست يف الت�سعينات‪،‬‬ ‫�إرهابي�ي�ن حملي�ي�ن يف مطل���ع ع���ام ‪ 2000‬ومقاتل�ي�ن �أجانب يف‬ ‫الع���راق م�ؤخراً‪ .‬ومع �أن احلكوم���ة اليمنية متكنت من احلد‬ ‫ب�ص���ورة م�ؤقتة من ظاهرة الإرهاب عام ‪ ،2003‬عندما‬ ‫قام���ت ب�إغالق عدد من ه���ذه املدار�س من بني جهود‬ ‫�أخ���رى‪� ،‬إال �أن نظام التعلي���م الديني اخلا�ص ا�ستمر‬ ‫يف التط���ور حتى عام ‪ .2009‬وتعزو احلكومة اليمنية‬ ‫معظ���م موجة الإره���اب الداخلي حالي��� ًا �إىل بقاء‬ ‫هذه امل�ؤ�س�سات الدينية املتطرفة‪ ،‬وا�ستمرارها يف‬ ‫تعليم الأجيال‪.‬‬

‫ممرات ال�شيطان‬

‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬

‫هاج�س املالذ الآمن‬ ‫�سكوت �ستيوارت‬

‫جيبوتي ال�صغرية‪:‬‬ ‫ملاذا يحوم حولها الكبار؟‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪109‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫ممرات ال�شيطان‬ ‫خطوط التقاء التهريب والنفط والإرهاب يف اليمن واجلزائر وو�سط �آ�سيا‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف‬ ‫‪director@shebacss.com‬‬

‫يف احلياة املعا�صرة ويف التاريخ‪ ،‬ثمة �أحداث وظواهر ت�سرتعي االنتباه دون غريها‪� ،‬إما لأهميتها ومدى ت�أثريها‬ ‫يف امل�صال���ح الدولي���ة‪ ،‬و�إم���ا لفرادتها‪� ،‬أو لكليهما‪ .‬ولكن عندما ي�ستمر فع���ل احلدث لفرتة ما‪ ،‬قد تطول‪ ،‬ويتكرر‬ ‫من���ط احل���دث والفع���ل يف �أكرث من بقعة جغرافية عاب���رة للحدود ورمبا تتعا�صر هذه الأمن���اط‪ ،‬ن�صبح هنا �أمام‬ ‫ظاهرة‪.‬‬ ‫يتن���اول ه���ذا املق���ال و�صف���اً‬ ‫ً‬ ‫وحتلي�ل�ا لظاهرة غريبة قد يق���ود البحث املعم���ق �إىل اكت�شاف �أبعاد �أخ���رى لها‪ .‬هذه‬ ‫الظاه���رة جتم���ع ب�ي�ن �أربعة �أم���ور‪ :‬الإره���اب‪ ،‬والتهريب‪ ،‬ومتدي���دات النفط والغ���از‪ ،‬وطرق القواف���ل يف الع�صور‬ ‫القدمي���ة‪ .‬بع����ض هذه العنا�صر مرتابطة وميك���ن تف�سريها وبع�ضها حتتاج �إىل بحث �أعمق‪ .‬ما يجمع بينها �أنها‬ ‫ت�ستخدم‪ ،‬يف بع�ض الأحيان بتطابق كامل‪ ،‬نف�س الطرق واملمرات يف التمديد واالنت�شار واال�ستخدام‪ .‬ما يجعلها‬ ‫تق�صيه���ا يف اليمن واجلزائر وو�س���ط �آ�سيا‪ ،‬ورمبا‬ ‫ظاه���رة‪� ،‬أن ه���ذا التطاب���ق الن�سب���ي موجود يف ث�ل�اث حاالت مت ّ‬ ‫جند حاالت مماثلة �إن خ�ضع الأمر لبحث �أ�شمل‪ .‬و�إذا كان ا�سم ال�شيطان يوحي بكل ما هو �شر‪ ،‬ولي�س �أكرث �شراً‬ ‫م���ن الإره���اب والتهريب اللذين ين�شران اخلراب والدمار يف املجتمعات‪ ،‬لذا ف����إن طرق انت�شارهما واملمرات التي‬ ‫ي�ستخدمانها ت�ستحق بجدارة م�سمى “ممرات ال�شيطان”‪.‬‬ ‫يف درا�س���ة‬ ‫القابلي��ة للتهدي��د‬ ‫ن�شرته���ا م�ؤ�س�سة «راند» البحثية الأمريكي���ة‪ ،‬ذكرت عاملني ي�سهمان‬ ‫يف جع���ل مناطق �أكرث م���ن غريها عر�ضة لتهدي���د جماعات الإرهاب‬ ‫لتمدي���دات النفط والغ���از‪ .‬العامل الأول؛ هو عدم ق���درة الدولة على‬ ‫ممار�س���ة م�سئولياتها و�صالحياتها على �إقلي���م خا�ضع لها بالأ�سا�س‪،‬‬ ‫وهذا العامل م�شتق من ق���درة الدولة على اخرتاق املجتمع وتنظيمه‪،‬‬ ‫وم���دى احتكار الدولة ال�شرعي ال�ستخ���دام القوة‪ ،‬ومدى قدرة الدولة‬ ‫على ال�سيطرة على حدودها‪� .‬أما العامل الثاين فيتمثل يف مدى توافر‬ ‫الظ���روف املالئم���ة لوجود التم���رد �أو الإره���اب‪ .‬وهذا العام���ل �أي�ضا‬ ‫ي�ستند �إىل م���دى توافر البنية التحتية‪ ،‬وم���دى توافر م�صادر للدخل‬

‫‪110‬‬

‫‪110‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو ‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ل�سكان املنطقة املعنية‪ ،‬ومالئمة العامل الدميغرايف لعمليات اخلروج‬ ‫على القانون‪.‬‬ ‫وتو�صل���ت الدرا�سة �إىل �أن العامل الدميغرايف يُعد العامل الرئي�سي‬ ‫يف حتدي���د �إمكانية وجود اجلماعات الإرهابي���ة‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل وجود‬ ‫قي���م اجتماعية داعمة للتمرد على �سلط���ة الدولة‪ .‬لكن‪ ،‬وعلى الرغم‬ ‫من قرب املن�ش����آت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من �أماكن وجود‬ ‫اجلماعات الإرهابية‪ ،‬ف����إن البنية الأ�سا�سية للنفط نادر ًا ما تعر�ضت‬ ‫للهج���وم‪ ،‬نتيجة لع���دة �أ�سب���اب منها ان�شغ���ال اجلماع���ات الإرهابية‬ ‫با�سته���داف احلكوم���ات املحلية‪ ،‬ف�ض�ل�اً عن �أن ا�سته���داف مثل تلك‬ ‫املن�ش����آت يتطلب م�ستوى من املهارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي‬ ‫�أحمد عبدالكرمي �سيف رئي�س التحرير‪ ،‬واملدير التنفيذي‬ ‫ملركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫الذي تفتقده العديد من اجلماعات اجلهادية العاملية‪.‬‬ ‫وق���د ت�صاع���دت املخ���اوف الغربي���ة يف الآونة الأخ�ي�رة من قيام‬ ‫التنظيمات اجلهادية العاملي���ة با�ستهداف �إمدادات الطاقة‪ ،‬خا�صة‬ ‫م���ع التهديدات املتك���ررة التي �أطلقه���ا تنظيم القاع���دة بقطع هذه‬ ‫الإمدادات‪ ،‬وحماولته و�ضع هذه التهديدات مو�ضع التنفيذ يف بع�ض‬ ‫احل���االت مث���ل ا�ستهداف ناقل���ة النفط الفرن�سي���ة “ليمبورج” عام‬ ‫‪ ،2002‬ومن�ش�أة �أبقيق ال�سعودية للنفط يف ‪ ،2006‬والهجمات املتكررة‬ ‫التي تعر�ضت له���ا خطوط النفط العراقية‪ .‬وتعترب البنية الأ�سا�سية‬ ‫للنف���ط والغ���از م�صدر ج���ذب كبري للقاع���دة‪ ،‬لي�س ب�سب���ب قيمتها‬ ‫احلقيقي���ة‪ ،‬بقدر ما يرجع �إىل التكلفة العالي���ة التي تتكبدها الدول‬ ‫للدفاع عن هذه املن�ش�آت‪ ،‬وبالتايل يرغب التنظيم يف ا�ستنزاف هذه‬ ‫الدول عرب الهجوم على من�ش�آتها وجعل تكلفة حمايتها م�ضاعفة‪.‬‬ ‫�إال �أن �أثر الهجمات الإرهابية على من�ش�آت النفط ال يزال حمدوداً‪،‬‬ ‫ويكمن ال�سبب الرئي�سي وراء الأثر املحدود للهجمات الإرهابية على‬ ‫�أ�سع���ار النفط العاملية‪ ،‬يف ق���درة بع�ض الدول على زي���ادة �إنتاجها‪،‬‬ ‫الأم���ر الذي عوّ�ض النق����ص الناجت عن الهجم���ات الإرهابية‪ ،‬حيث‬ ‫متتلك “منظمة �أوبك”‪ ،‬وب�شكل خا�ص ال�سعودية‪ ،‬القدرة على زيادة‬ ‫�إنتاجه���ا لتعوي����ض النق�ص يف الإم���دادات العاملي���ة‪ ،‬وبالتايل غياب‬ ‫ت�أث�ي�ر لأي تناق�ص يف الإمدادات على الأ�سعار عاملي ًا(‪ ،)1‬ولكن يبدو‬ ‫�أن خ�شي���ة جماعات الإرهاب من ت�ألي���ب دول الغرب �ضدها يجعلها‬ ‫تتوخ���ى احلذر قبل التفكري يف مهاجم���ة �أنابيب النفط والغاز ويبدو‬ ‫هذا وا�ضح ًا يف حالة اجلزائر بعد ‪)2(.1992‬‬

‫اليمن‬ ‫يقول امل�ؤرخ الإغريقي �أجاثرخيد�س‬ ‫ال���ذي عا�ش يف الق���رن الثاين قبل امليالد «�إنه ال يب���دو �أن ثمة �شعب ًا‬ ‫�أغن���ى م���ن ال�سبئيني و�أهل جره���اء‪ .‬كانوا وكالء ع���ن كل �شيء يقع‬ ‫حت���ت ا�س���م النق���ل بني �آ�سي���ا و�أوروب���ا‪ ،‬وه���م الذين جعل���وا �سورية‬ ‫البطلمية غنية‪ ،‬و�أتاحوا للتجار الفينيقيني جتارة رابحة‪ ،‬و�آالف ًا من‬ ‫�أ�شياء �أخرى»‪ .‬ويتحدث امل�ؤلف املجهول لكتاب «الطواف حول البحر‬ ‫الإريرتي» الذي كتب يف القرن الأول امليالدي �أن العرب كانوا حينها‬ ‫ي�سيط���رون على �ساحل «عزانا»‪ ،‬وه���و �ساحل �شرق �أفريقيا مما يلي‬ ‫ال�صومال‪ .‬وذكرت الكتب املقد�سة جتارة �سب�أ‪ ،‬ففي القر�آن الكرمي‪:‬‬ ‫«وجعلن���ا بينهم وبني القرى التي باركنا فيها قُ���رىً ظاهرةً‪ ،‬وقدّرنا‬ ‫فيه���ا ال�سّ ري‪� ،‬س�ي�روا فيها ليايل و�أيام��� ًا �آمنني» (�سب����أ‪ .)18 :‬ويذكر‬ ‫الرحال���ة ال�صيني «فاهيان» الذي زار �سيالن ع���ام ‪ 414‬للميالد �أن‬ ‫التجار ال�سبئي�ي�ن والعرب من عمان وح�ضرم���وت ي�سكنون يف بيوت‬ ‫فارهة يف م�ستوطناتهم هناك‪ ،‬وذكر �أنهم يتاجرون بالعود‪)3(.‬‬ ‫لق���د كانت التج���ارة الربية متتد عرب الطريق ال���ذي يبد�أ من قنا‬

‫ب�شبوة‪ ،‬على امتداد وادي ميفعة ومنه �إىل �شبوة‪ ،‬ومن �شبوة يوا�صل‬ ‫الطري���ق عرب م�أرب �إىل جنران‪ .‬وقد �سيط���رت مملكة قتبان لفرتة‬ ‫عل���ى ه���ذا الطريق‪ ،‬وهي مملك���ة عربية قدمية قام���ت يف حمافظة‬ ‫�شبوة يف حوايل الن�صف الثاين من الألفية الأوىل قبل امليالد وكانت‬ ‫عا�صمته���ا متنع‪ .‬يعد نق�ش الن�صر من �أق���دم امل�صادر التي حتدثنا‬ ‫ع���ن مملكة قتبان‪ ،‬وفيه كان���ت قتبان �شريك ًا ململك���ة �سب�أ يف حربها‬ ‫�ض���د �أو�سان‪ ،‬والتي كان من نتائجه���ا �سقوط �أو�سان و�سيطرة قتبان‬ ‫تدريجي��� ًا على معظم �أرا�ضيها‪ .‬وقد ظهرت قتب���ان يف �أول الأمر يف‬ ‫وادي بيحان‪ ،‬وامت���دت �أرا�ضيها من وادي بيحان �شرق ًا و�إىل البحر‬ ‫الأحم���ر غرباً‪ ،‬ومن �أنح���اء مدينة ذمار �شم���االً‪� ،‬إىل البحر العربي‬ ‫جنوباً‪.‬‬ ‫كذل���ك يروي نق�ش من عهد امللك �شهر هالل‪ ،‬ابن يدع �إب ذبيان‬ ‫(�سن���ة ‪ 370‬ق‪ .‬م‪ ،).‬ا�شته���ار القتبانيون يف جم���ال العمارة وخا�ص ًة‬ ‫بناء املدن واملن�ش�آت العامة ال�سيما الطرق‪ ،‬حيث يذكر �أحد النقو�ش‬ ‫م���ن الق���رن الثاين قبل املي�ل�اد �أن املكرب يدع �أب ذبي���ان �شقّ نقيل‬ ‫(مبلق���ة)‪ ،‬وهو طريق جبل���ي �صاعد يربط مناط���ق قتبان باملناطق‬ ‫ال�سبئي���ة وكان له دور كبري يف ت�سهيل �سري القوافل التجارية املحملة‬ ‫بالب�ضائ���ع‪ ،‬وهو طريق القوافل القدمي ويف نف�س الوقت تنت�شر اليوم‬ ‫خاليا الإرهاب على امتداد هذا الطريق‪ .‬كذلك يدل ما مت اكت�شافه‬ ‫م���ن مب���اين ومعاب���د العا�صم���ة متنع‪ ،‬عل���ى مهارة فائق���ة يف جمال‬ ‫البن���اء‪ .‬كم���ا �أب���دع القتبانيون يف املج���ال احلريف وخا�ص���ة �صناعة‬ ‫التماثيل مبختلف �أنواعه���ا‪ ،‬و�سك العمالت الف�ضية والذهبية والتي‬ ‫كانت حتمل ا�سم الق�صر امللكي (حريب) يف متنع‪.‬‬ ‫والي���وم تنت�شر خاليا الإرهاب يف اليم���ن على حمور �أبني ‪� -‬شبوة‬ ‫ م����أرب ‪ -‬اجل���وف‪ ،‬مع وج���ود خاليا متناثرة ب�ش���كل غري م�ؤثر يف‬‫مناط���ق �أخرى‪ .‬ويالحظ �أن مناطق تركز القاعدة تتماهى مع طرق‬ ‫القواف���ل القدمية التي �سيطرت عليه���ا املمالك القدمية؛ ففي �أبني‪،‬‬ ‫حي���ث �سادت مملكة �أو�سان‪ ،‬تنت�شر فيها اليوم اجلماعات اجلهادية‬ ‫مث���ل جي����ش عدن ‪� -‬أب�ي�ن‪ .‬ويف �شبوة‪ ،‬حي���ث �سادت مملكت���ا �أو�سان‬ ‫وقتبان‪ ،‬تنت�شر خاليا القاعدة يف املحفد واملعجلة وحبّان‪ .‬ويف م�أرب‬ ‫واجلوف‪ ،‬حيث �سادت مملكة �سب�أ‪ ،‬تنت�شر خاليا الإرهاب يف العرق‬ ‫واحل�صون و�صرواح‪.‬‬ ‫�أم���ا التهريب ونتيج���ة لقلة موارد اليمن و�ضع���ف خفر ال�سواحل‪،‬‬ ‫فقد تكونت نقاط عديدة ملمار�سته على ال�سواحل اليمنية‪ ،‬لعل �أهمها‬ ‫املخ���ا وذب���اب على البحر الأحم���ر‪ ،‬وعلى بحر الع���رب قنا يف �شبوة‬ ‫و�شق���ره يف �أبني واملنطقة ما بني قنا �إىل �ساحل �أمبح يف ح�ضرموت‪،‬‬ ‫مع وجود نق���اط عديدة �أخرى منت�شرة على طول ال�سواحل اليمنية‪.‬‬ ‫يتخ���ذ طريق���ا التهريب م���ن قنا و�شق���رة االجتاه �شم���ا ًال ليتحدا يف‬ ‫مار�س‪/‬يونيو‬ ‫مار�س‪/‬يونيو‬ ‫الثالث‪،‬الثالث‪،‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعددالعدد‬

‫‪2010 2010‬‬

‫ا�سرتاتيج اية�سرتاتيجية‬

‫‪111 111‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫ميفعة ب�شبوة‪ ،‬ثم يوا�صل التهريب طريقه �شما ًال مار ًا ب�شبوة القدمية‬ ‫حي���ث يتوحد مع طريق التهريب الرئي�سي القادم من ح�ضرموت مار ًا‬ ‫ب�شرقي م�أرب واجلوف �إىل ال�سعودية‪ .‬بينما تتخذ طرق التهريب من‬ ‫عل���ى �سواحل ح�ضرموت اجتاهات عديدة‪ ،‬منه���ا ما مير بثمود و�آخر‬ ‫مير بزمخ يف العرب ثم يوا�صالن �شما ًال باجتاه ال�سعودية و�شرق ًا باجتاه‬ ‫اخللي���ج‪ ،‬بينما يتوحد طريق التهري���ب الرئي�سي يف ح�ضرموت مبثيله‬ ‫الرئي�سي الق���ادم من �شبوة يف �شبوة القدمي���ة‪ ،‬الذي يوا�صل اجتاهه‬ ‫�شما ًال كما ورد ذكره �آنفاً‪ .‬وهذا الطريق هو �أي�ض ًا نف�س طريق القوافل‬ ‫القدمي ونف�س مواقع انت�شار خاليا الإرهاب‪.‬‬ ‫�أم���ا عن متديدات النف���ط والغاز‪ ،‬فنجدها وب�ش���كل ن�سبي تتقارب‬ ‫يف ك ًال م���ن �شب���وة وح�ضرموت وتتماهى مع ط���رق التهريب والتجارة‬ ‫القدمي���ة‪ .‬فنجد خط الغ���از الرئي�سي ميتد من �صاف���ر مب�أرب جنوب ًا‬ ‫م���ار ًا بجن���ة والعقلة و�أعي���اد وميفعة ور�ضوم ثم بلح���اف يف قنا‪ ،‬وهو‬ ‫نف����س طريق القوافل القدمي���ة ويتماهى مع ط���رق التهريب يف �شبوة‬ ‫قرب��� ًا وابتعاداً‪ .‬وباملث���ل‪ ،‬تنت�شر متديدات النف���ط يف ح�ضرموت بدء ًا‬ ‫من امل�سيلة بغيل بن ميني بح�ضرموت الداخل جنوب ًا �إىل ميناء ال�ضبة‬ ‫ب�ي�ن ال�شحر والريان على بحر العرب بط���ول ‪ 95‬كيلومرت ومير اخلط‬ ‫مبنطقة اجلف���ف ثم العي�ص ثم جول الربقاء ثم احلجلة ثم الرم�ضة‬ ‫ثم وادي الربح ثم معياذ ثم مير بزغفة و�أخري ًا ميناء ال�ضبة‪.‬‬

‫اجلزائ��ر‬ ‫�سجل���ت كت���ب ال�ت�راث العرب���ي‬ ‫معلوم���ات غزيرة ع���ن ه���ذه املنطقة‪ ،‬وق���د ت�ضمنت تل���ك املعلومات‬ ‫الأن�شط���ة االقت�صادي���ة والثقافي���ة والعالق���ات االجتماعي���ة ل�س���كان‬ ‫املنطق���ة‪ ،‬والأنظمة ال�سيا�سية التي �سادت فيها‪ .‬ويعترب ابن حوقل من‬ ‫�أ�شهر امل�ؤرخني الذين تناولوا م�سالك ال�صحراء‪ ،‬فرتك لنا معلومات‬ ‫قيم���ة يف كتابه «�ص���ورة الأر�ض» ال���ذي جمع مادت���ه يف �إفريقيا �أثناء‬ ‫جتواله وا�شتغاله بالتج���ارة‪ .‬فقد طاف يف بالد املغرب حتي درعة ما‬ ‫بني عامي ‪340 336-‬هـ ‪951 – 947/‬م‪ ،‬ودخل ال�صحراء الكربى حتى‬ ‫�أودغ�ست؛ فكان بذلك �أول جغرايف عربي ي�صل �إىل تلك املناطق‪.‬‬ ‫يورد ابن حوقل �أن الن�ش���اط التجاري ربط املنطقة كلها ربط ًا تام ًا‬ ‫ما ب�ي�ن �سجلما�سة و�أودغ�س���ت غرب ًا حتى زويلة �شرق���اً‪ ،‬وبني ارتباط‬ ‫�سلع املنطقة بتج���ارة حو�ض البحر املتو�سط‪� .‬أما الأدري�سي فقد �أورد‬ ‫يف كتاب���ه «�صفة املغرب و�أر�ض ال�س���ودان وم�صر والأندل�س» معلومات‬ ‫قيمة وتفا�صيل دقيقة عن ممالك �إفريقيا جنوب ال�صحراء واملراكز‪،‬‬ ‫وامل�ساف���ات بينه���ا يف الأقاليم ب�ص���ورة وا�ضحة ت�ساع���د على حتديد‬ ‫مواقعه���ا‪ .‬وتناول الطرق ال�صحراوية ع�ب�ر جميع مناطق ال�صحراء‪،‬‬ ‫و�أفا�ض يف احلديث عن الن�شاط التجاري‪ ،‬وو�صف القوافل و�أعدادها‬ ‫وال�سل���ع التي تنقلها يف ذهابها و�إيابه���ا بتف�صيل دقيق مل ي�سبقه �إليه‬ ‫�أحد ممن و�صلتنا �أعمالهم‪.‬‬ ‫‪112‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أم���ا التهري���ب فيحت���ل الوق���ود وامل���واد الغذائي���ة ذات اال�ستهالك‬ ‫الوا�سع �صدارة املواد الت���ي ا�شتد تهريبها عرب ال�صحراء الكربى من‬ ‫اجلزائ���ر �إىل النيج���ر بالدرج���ة الأوىل ومايل بالدرج���ة الثانية‪� .‬أما‬ ‫التهري���ب الآتي من النيج���ر ومايل �إىل اجلزائ���ر فيقت�صر على مواد‬ ‫التجمي���ل وال�سجائر الأجنبية التي تراجعت خالل ال�سنوات الأخرية‪.‬‬ ‫وتع���د احل���دود اجلغرافية يف نظ���ر املهربني‪ ،‬بتمرنا�س���ت وعني فزام‬ ‫وعني �صالح‪ ،‬وهمي ًة بحك���م اعتبارات تاريخية كالقرابة الناجمة عن‬ ‫امل�صاه���رة وتداخ���ل م�صالح ال�س���كان عرب احل���دود‪ ،‬وبحكم �ضعف‬ ‫الإح�سا����س باالنتم���اء للدولة الناجم ع���ن حرمان املنطق���ة و�ضعفها‬ ‫اجتماعي ًا واقت�صادياً‪.‬‬ ‫تعت�ب�ر مترنا�ست واحدة م���ن �أكرب الوالي���ات ال�صحراوية م�ساحة‪،‬‬ ‫وتبع���د كل منطق���ة عن الأخ���رى مئ���ات الكيلومرتات‪ .‬وه���ذه واحدة‬ ‫م���ن العوامل التي ظ���ل املهربون ي�ستفي���دون منها‪ ،‬ي�ستغل���ون املنافذ‬ ‫والف�ض���اءات والع���روق ال�شا�سع���ة الت���ي مل ت�ستف���د بعد م���ن التغطية‬ ‫الأمني���ة‪ .‬حتوّل ال�شريط احلدودي ال�صحراوي‪ ،‬من منطقة فم زكيد‬ ‫�إىل الطاو�س وحا�سي بي�ضة‪ ،‬حتوّل �إىل منفذ تهريب بعيد عن املراقبة‪،‬‬ ‫وتنامى ن�شاط التهريب يف ال�صحراء وال�ساحل‪ ،‬وحتولت املنطقة �إىل‬ ‫�ساح���ة حرب بني الق���وات احلكومية ومقاتلي املهرب�ي�ن والإرهابيني‪.‬‬ ‫كما متت���د م�سالك التهريب انطالق ًا م���ن ال�سواحل ال�شمالية وبحرية‬ ‫مارتي�ش���كا‪� ،‬إىل �ضواح���ي الق�ص���ر الكب�ي�ر والعرائ����ش‪� ،‬إىل املناطق‬ ‫احلدودية املرتامية الأطراف ب�إقليم الر�شيدية‪.‬‬ ‫�إ�ضاف���ة �إىل ذل���ك‪� ،‬أ�صب���ح ال�شري���ط املمت���د ب�ي�ن حا�س���ي بي�ض���ة‬ ‫والطاو�س مرور ًا مبحاميد الغزالن وفم زكيد بطاطا منفذ ًا بري ًا �آخر ًا‬ ‫للمهربني‪ ،‬وهي امل�سالك التي تقطعه���ا قوافل املخدرات قبل الو�صول‬ ‫�إىل املنافذ احلدودية ومنه���ا �إىل خمتلف الدول املغاربية‪ ،‬لي�س فقط‬ ‫اجلزائر بل �أي�ض ًا ليبيا وتون�س ودول ال�ساحل‪ ،‬مبا فيها مايل والنيجري‬ ‫وموريتاني���ا‪ .‬وتل���ك مناطق توجد كلها على حاف���ة ال�شريط احلدودي‬ ‫و�أغلبي���ة �ساكنيها من البدو الرحل وحي���اة الكثري منهم تغريت بتغري‬ ‫الن�ش���اط االقت�ص���ادي يف املنطقة؛ فل���م يعد يهم الكث�ي�ر منهم رعي‬ ‫الإبل وال املا�شية وال الفالحة‪� ،‬إذ وفرت خربة �أولئك مب�سالك املنطقة‬ ‫ال�صحراوي���ة ومتعرجاتها م�صدر دخل له���م ال يقدر بثمن؛ فقدرتهم‬ ‫على حتديد املواقع و�أي�ض ًا الإفالت من مراقبة حر�س احلدود بل �أي�ض ًا‬ ‫تتبع امل�سارات عن طريق النجوم‪ ،‬جتعلهم �أف�ضل خرباء ي�ستعان بهم‬ ‫لعبور املمرات الوعرة دون التيه بني كثبان الرمال‪.‬‬ ‫كم���ا �أن عالق���ات امل�صاهرة العاب���رة للحدود جعل���ت احلدود بال‬ ‫معنى بني الدول‪ .‬فال يجد �سكان اجلانبني فرق ًا بني مهرب و�إرهابي؛‬ ‫فالأ�شياء بتمرنا�ست معقدة‪ ،‬من جانب �أن هناك من يقيم يف النيجر‬ ‫ول���ه نف�س وثائق الإقامة يف مترنا�ست‪ ،‬حي���ث �أن هناك ‪ 90‬باملائة من‬ ‫�سكان بع�ض املناطق مزدوجي اجلن�سية‪ .‬واحلدود بالن�سبة للمهربني‬

‫ه���ي حدود وهمية‪� ،‬أي �أن هناك روابط عائلية‬ ‫تاريخي���ة وم�صلحية جعل���ت كثري من املهربني‬ ‫ب���ل ومن املواطن�ي�ن ال يعرتف���ون باحلدود‪)4(.‬‬ ‫والبع�ض يقر�أ التهريب على �أنه نتيجة منطقية‬ ‫لو�ض���ع احلرم���ان ال�سائد يف املنطق���ة الناجم‬ ‫عن غي���اب الدولة عل���ى نحو جع���ل الإح�سا�س‬ ‫باالنتم���اء للدولة �ضعي���ف‪ ،‬و�أ�صب���ح التهريب‬ ‫منط حياة طبيعي لل�سكان‪.‬‬ ‫وبنف����س مت���دد �شب���كات‬ ‫التهري���ب‪ ،‬تنت�ش���ر �شب���كات‬ ‫الإره���اب‪ .‬يق���ول عب���داهلل‬ ‫حفيظي‪،‬وهوباحثمتخ�ص�ص‬ ‫يف ال�ش����ؤون ال�صحراوي���ة‪� ،‬إن‬ ‫تنظي���م البولي�ساريو ن�شط يف‬ ‫تهريب املخ���درات وال�سجائر‬ ‫واملوا�ش���ي �إىل دول اجل���وار‪.‬‬ ‫وللتنظيم عالق���ات بالقاعدة‬ ‫واحلركات الإرهابية والتمرد‬ ‫يف ال�صح���راء الك�ب�رى‪)5(.‬‬ ‫والإره���اب ه���و ال���ذي يوف���ر‬ ‫احلماية ملافيا التهريب العابر‬ ‫للحدود طامل���ا �أن هناك تزاوج‬ ‫للم�صالح بينهما‪ ،‬و�أهم اجلماعات امل�سلحة ذات العالقة هنا «قاعدة‬ ‫اجله���اد يف ب�ل�اد املغ���رب الإ�سالم���ي»‪ ،‬و»اجلماعة ال�سلفي���ة للدعوة‬ ‫والقتال»‪ ،‬و»اجلماعة الإ�سالمية امل�سلحة»‪.‬‬ ‫وجند �أي�ض ًا متديدات النف���ط والغاز يف اجلزائر‪ ،‬ويف دول املغرب‬ ‫عموم���اً‪ ،‬تتماهى ن�سبي ًا م���ع �شبكات التهريب وخارط���ة انت�شار خاليا‬ ‫الإرهاب‪ .‬فهناك �أنبوب ينقل النفط من عجيلة وجتونتورين و�أوهانت‬ ‫على مين���اء بجاية‪ ،‬و�آخر ينقل النفط م���ن عجيلة وجتونتورين وميتد‬ ‫�شرق��� ًا �إىل مين���اء ال�صخرية التون�س���ي‪� ،‬أما �أنابيب الغ���از فتمتد من‬ ‫حا�س���ي م�سع���ود وحا�سي الرم���ال و�أرزي���و اىل ميناء وه���ران و�أنبوب‬ ‫ث���اين �إىل تون�س وثالث �إىل املغرب‪ ،‬وجميعه���ا تعرب مئات الأميال من‬ ‫ال�صحارى املقفرة‪)6(.‬‬ ‫لق���د كان���ت ل�صناع���ة احلرير‬ ‫و�س��ط �آ�سي��ا‬ ‫مكانة مهم���ة يف حياة ال�شعوب منذ الع�ص���ور القدمية‪ .‬وكان احلرير‬ ‫والبه���ارات القادم���ة من ال�ش���رق الأق�صى عام ًال فع���ا ًال يف العالقات‬ ‫الدولية بني ال�شرق والغرب‪ ،‬ويف تعريف الغرب بالثقافة ال�شرقية‪ .‬وقد‬ ‫�ساهم���ت قوافل احلرير والبهارات يف �إن�شاء طرق جتارية من ال�صني‬

‫ممرات مهددة‪ :‬خريطتان تو�ضحان خطوط متديدات النفط‬ ‫يف اجلزائر (ميني) وو�سط �آ�سيا و�شبه اجلزيرة العربية (ي�سار)‬

‫حتى �أوروبا‪ .‬وكانت‪ ‬القواف���ل يف الع�صور الو�سطى تنطلق من ال�صني‬ ‫م���ن مدينة زيان حالي ًا باجتاه مدين���ة قا�شغار يف �أوزبك�ستان‪ ،‬وهناك‬ ‫تنق�س���م �إىل طريق�ي�ن الأول عرب وديان �أفغان�ست���ان �إىل بحر الهازار‪،‬‬ ‫والآخ���ر عرب‪ ‬جبال قاراق���وروم �إىل �إيران ومن هن���اك �إىل الأنا�ضول‬ ‫وبعد ذلك �إما عن طريق البحر‪� ،‬أو بر ًا عن طريق تركيا �إىل �أوروبا‪ .‬‬ ‫وقد ا�ستفادت هذه احلرك���ة التجارية التي تطورت من ال�شرق �إىل‬ ‫الغرب من �شبكة الط���رق التي كانت ت�ستخدم منذ الع�صور القدمية‪.‬‬ ‫و�سمي���ت ط���رق القوافل ه���ذه‪ ،‬والتي تبل���غ �آالف الكيلوم�ت�رات والتي‬ ‫كانت ت�ساعد يف نقل احلرير والبور�سلني والورق والبهارات والأحجار‬ ‫الكرمية ب�شكل‪ ‬كثيف بني القارات‪ ،‬والتي �ساعدت يف تبادل الثقافات‪،‬‬ ‫بـ «طريق احلرير»‪ .‬فبالإ�ضافة �إىل �أن طريق احلرير قد �شكل طريق ًا‬ ‫جتاري ًا ربط بني �آ�سيا و�أوروبا منذ �أكرث من �ألفي عام‪ ،‬ف�إنه قد �ساعد‬ ‫�أي�ض ًا على متازج الثقافات والأديان والأجنا�س‪.‬‬ ‫�إن �أك�ث�ر �أرا�ضي ه���ذه املنطقة عبارة عن �سه���وب قاحلة‪ ،‬و�شديدة‬ ‫ال�ب�رد يف ال�شت���اء‪ ،‬ويف�س���ر ه���ذا الأمر انع���زال �شعوبه���ا الطويل عن‬ ‫الت�أث�ي�رات اخلارجي���ة‪ .‬وكانت الرثوات التي ترتاك���م يف هذه املنطقة‬ ‫بفعل نقل التجارة تتجمع عادة يف واحات يلتجئ �إليها النا�س‪ ،‬وكثري ًا‬ ‫ما �أثارت غرية الآخرين وح�سدهم‪ .‬وكانت بع�ض �أ�شهر تلك الواحات‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪113‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫على الرغم من قرب املن�ش�آت النفطية اجلغرايف يف دول كثرية من �أماكن وجود اجلماعات الإرهابية‪ ،‬ف�إن البنية الأ�سا�سية‬ ‫للنفط نادر ًا ما تعر�ضت للهجوم‪ ،‬نتيجة لعدة �أ�سباب منها ان�شغال اجلماعات الإرهابية با�ستهداف احلكومات املحلية‪ ،‬ف�ض ًال‬ ‫ع��ن �أن ا�سته��داف مثل تلك املن�ش�آت يتطل��ب م�ستوى من امله��ارات والتخطيط والدعم اللوجي�ستي ال��ذي تفتقده العديد من‬ ‫اجلماعات اجلهادية العاملية‬

‫مث���ل �سمرقند ومرو وبخارى حمطات عل���ى طرق القوافل املمتدة من‬ ‫ال�ص�ي�ن �إىل الغ���رب‪ ،‬والتي ت�سم���ى طريق احلرير‪ .‬ونتيج���ة ل�صعوبة‬ ‫جغرافي���ة املنطقة‪ ،‬جند �أن التهريب قد تنام���ى يف ال�سنوات الأخرية‬ ‫ب�شكل ملحوظ و�شكل منط حياة عادي لل�سكان‪.‬‬ ‫رغ���م ذلك‪ ،‬ت�ش�ي�ر التقديرات �إىل امتالك مناط���ق طريق احلرير‬ ‫ح���ول «بحر قزوي���ن» الحتياطي م�ؤكد من النفط ي�ت�راوح بني ‪ 18‬و‪34‬‬ ‫ملي���ار برميل‪ ،‬واحتياطي حمتمل يبل���غ نحو ‪ 200‬مليار برميل‪ .‬وتعادل‬ ‫ه���ذه التقدي���رات نح���و ثل���ث احتياطي نف���ط ال�ش���رق الأو�س���ط‪� .‬أما‬ ‫احتياطي الغاز امل�ؤكد في���دور حول ‪ 170‬تريليون قدم مكعب‪ ،‬وتقرتب‬ ‫�أرق���ام االحتياطي املحتمل من ‪ 250‬تريليوناً‪ ،‬حيث و�ضعت الدرا�سات‬ ‫الدقيقة للرثوات املكت�شفة املنطقة يف املرتبة الثانية بعد اخلليج‪.‬‬ ‫ومبوقع���ه الأورو‪�-‬آ�سي���وي الفا�ص���ل ب�ي�ن القوقاز يف الغ���رب و�آ�سيا‬ ‫الو�سط���ى يف ال�ش���رق‪ ،‬يتو�س���ط طري���ق احلري���ر رقع���ة جغرافي���ة‬ ‫تتقا�سمه���ا خم�س دول‪ ،‬هي رو�سيا و�أذربيجان يف الغرب وكازاخ�ستان‬ ‫وتركمان�ستان من ال�شمال وال�شرق‪ ،‬و�إيران من اجلنوب‪ .‬ولأن حركات‬ ‫الإ�سالم ال�سيا�سي ن�شطت بو�ضوح ‪ -‬بعد انهيار ال�شيوعية‪ -‬بني �سكان‬ ‫هذه املناطق‪ ،‬يروق للباحثني ت�سمية املنطقة «بطريق الرثوة والدين»‪.‬‬ ‫(‪ )7‬فف���ي ع���ام ‪ ،1995‬كانت املنطق���ة تنتِج فق���ط ‪ 870.000‬برميل يف‬ ‫‪114‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الي���وم (‪ 44‬مليون طن بال�سن���ة)‪ .‬ويف ع���ام ‪ ،2010‬زاد الإنتاج لي�صل‬ ‫�إىل ‪ 4.5‬ملي���ون برمي���ل باليوم‪� ،‬أي بن�سبة زيادة �أك�ث�ر من ‪ 500‬باملائة‬ ‫خ�ل�ال ‪� 15‬سن���ة فقط‪ .‬بهذا متثِّ���ل املنطقة حوايل ‪ 5‬باملائ���ة من �إنتاج‬ ‫النف���ط العاملي‪ ،‬وحوايل ‪ 20‬باملائة من النفط املنتَج �ضمن الدول غري‬ ‫املن�ضمّة لأوبك‪.‬‬ ‫لكن هناك م�شكلة �أ�سا�سية تبقى بحاجة حلل‪ :‬كيف بالإمكان �إي�صال‬ ‫م�ص���ادر الطاقة ال�ضخمة يف املنطقة �إىل الأ�سواق حيث احلاجة لها؟‬ ‫احل���ل املطروح هو بن���اء طريق «جديد» للحري���ر‪� .‬إن الأخطار كبرية‪،‬‬ ‫ولك���ن مردوده���ا املادي كب�ي�ر‪ )8(.‬هناك خي���ار الذه���اب �شرق ًا عرب‬ ‫ال�صني‪ ،‬ولكن هذا يعني بناء �أنبوب بطول �أكرث من ‪ 3000‬كيلومرت �إىل‬ ‫و�س���ط ال�صني‪ ،‬وهو �أمر غري عمل���ي وم�ستبعد‪ .‬هناك خيار �آخر‪ ،‬وهو‬ ‫بن���اء خط �أنابي���ب جنوب ًا من �آ�سيا الو�سط���ى �إىل املحيط الهندي‪� .‬إن‬ ‫�أحد الطرق جنوب ًا �سيمر عرب �إيران‪ .‬ولكن هذا اخليار غري وارد �أمام‬ ‫ال�شركات الأمريكية ب�سبب الت�شريعات املتعلقة باملقاطعة من الواليات‬ ‫املتحدة ودول الغرب‪ .‬اخلط الآخر املمكن هو عرب �أفغان�ستان‪ ،‬والذي‬ ‫ي�ش���كل حتديات خا�صة‪� .‬إن �أفغان�ستان تع���اين من حروب مريرة منذ‬ ‫ثالث���ة عقود‪ ،‬واملنطقة الت���ي �سوف مير عربها خ���ط الأنابيب تنت�شر‬ ‫فيها حركات اجلهاد الإ�سالموية وطالبان والقاعدة‪ .‬على الرغم من‬

‫ذلك‪ ،‬ف�إن طريق ًا عرب �أفغان�ستان يبدو اخليار الأف�ضل مع العدد الأقل‬ ‫أرا�ض‬ ‫من العوائق التقنية‪� .‬إنها �أق�صر طريق �إىل البحر ولديها ن�سبي ًا � ٍ‬ ‫منا�سبة ملد اخلط‪ .‬واخلط عرب �أفغان�ستان �سوف ي�سمح ب�إي�صال نفط‬ ‫�آ�سي���ا الو�سطى قريب ًا من �أ�س���واق �آ�سيا‪ ،‬وبالتايل �سيك���ون الأقل كلفة‬ ‫على �صعيد نقل النفط‪.‬‬ ‫ويذكر عم���ار علي ح�سن �أن خطوط نقل النف���ط والغاز تتقاطع مع‬ ‫م�سارات توزي���ع اجلماعات الإ�سالموي���ة الراديكالية يف مناطق �آ�سيا‬ ‫الو�سطى والقوقاز و�أفغان�ست���ان وباك�ستان وال�صني‪ )9(.‬فخط �أنابيب‬ ‫�أترياو‪�-‬سام���ارا بط���ول ‪ 432‬ميل ميتد من �أت�ي�راو يف كازاخ�ستان �إىل‬ ‫�سام���ارا يف رو�سيا‪ ،‬وخ���ط كون�سرتي���وم بحر قزوين بط���ول ‪ 990‬ميل‬ ‫يب���د�أ من حقل تينجيز بكازاخ�ستان �إىل ميناء نوفور�سي�سك الرو�سي‪،‬‬ ‫وخ���ط �آخر بط���ول ‪ 1040‬ميل يبد�أ من كازاخ�ست���ان ومير عرب كل من‬ ‫تركمان�ست���ان و�أفغان�ست���ان لي�ص���ل �إىل ج���وادر يف باك�ست���ان‪ ،‬وخ���ط‬ ‫كازاخ�ست���ان ‪� -‬إي���ران بط���ول ‪ 930‬مي���ل يب���د�أ يف كازاخ�ست���ان مرور ًا‬ ‫برتكمان�ستان �إىل جزيرة خ���رج الإيرانية‪ ،‬وخط غاز �سينتجاز بطول‬ ‫‪ 1270‬مي���ل يب���د�أ من دولت �أباد يف تركمان�ست���ان ليمر عرب حريات يف‬ ‫�أفغان�ستان �إىل مولتان بباك�ستان‪)10(.‬‬ ‫وتنت�ش���ر جماعات �إ�سالمية عديدة حول خط���وط �أنابيب نقل الغار‬ ‫والنف���ط ال�سابقة‪� ،‬س���واء املوجودة �أو املخطط لها‪ .‬فع���دا عن انت�شار‬ ‫حرك���ة طالب���ان والقاع���دة يف �أفغان�ست���ان و�شمال وغ���رب باك�ستان‪،‬‬ ‫ينت�ش���ر ح���زب النه�ض���ة الإ�سالم���ي يف �أوزبكي�ست���ان وطاجيك�ستان‪،‬‬ ‫وتنت�شر خالي���ا حركة التوبة يف �أوزبكي�ست���ان وقريغيز�ستان‪ ،‬وكذلك‬ ‫ترتك���ز حرك���ة العدال���ة يف �أوزبكي�ست���ان وقريغيز�ست���ان‪ ،‬كم���ا توجد‬ ‫ح���ركات عديدة �أخ���رى مثل حركة الإ�س�ل�ام والدميقراطية واحلزب‬ ‫اليمقراط���ي الإ�سالم���ي واحلرك���ة ال�شعبي���ة الأوزبكية وح���زب �آال�ش‬ ‫الكازاخي وجميعها متتد عل���ى �شكل قو�س يف �آ�سيا الو�سطى والقوقاز‬ ‫وتنته���ج العنف‪ .‬كما �أكد وزي���ر الداخلية الباك�ست���اين الأ�سبق ن�صري‬ ‫اهلل باب���ر‪ ،‬الأب الروحي خللق حركة طالب���ان‪� ،‬أن �إ�سالم �أباد دفعت‬ ‫بحرك���ة طالبان و�أو�صلتها للحكم بهدف ت�أم�ي�ن مرور خطوط �أنابيب‬ ‫نفط وغاز عرب �أفغان�ستان �إىل جنوب �شرق �آ�سيا‪)11(.‬‬ ‫وب�ش���كل ع���ام‪ ،‬هن���اك راب���ط ب�ي�ن ح���ركات الإره���اب والتهريب‪.‬‬ ‫فالإنرتب���ول يربط ب�ي�ن القاعدة ومهربني ب�أم�ي�ركا اجلنوبية‪� ،‬إذ �أكد‬ ‫م�سئ���ول يف جمال مكافح���ة التهريب والقر�صنة وج���ود �صالت تربط‬ ‫تنظي���م القاع���دة ومهربني يف املنطق���ة احلدودية لكل م���ن الربازيل‬ ‫وباراغ���واي والأرجنت�ي�ن‪ .‬و�أو�ض���ح نف�س امل�سئ���ول �أي�ض��� ًا �أن ثمة �أدلة‬ ‫موجودة منذ عام ‪ ،2003‬كم���ا حدد وجود �صالت �أخرى بني التهريب‬ ‫وخ�ص بالذك���ر جمموعات ع�سكرية‬ ‫والإره���اب يف �إيرلن���دا ال�شمالية ّ‬ ‫فيها تخ�ص�صت يف جتارة الفودكا املهربة‪)12(.‬‬

‫وقبل ختام هذا املقال‪ ،‬ال بد من التنويه‬ ‫ببع����ض املالحظ���ات املهم���ة‪� .‬أواله���ا‪� ،‬أن التايل‬ ‫بقلم‪� :‬سكوت �ستيوارت‬ ‫ه���ذه الأف���كار متث���ل ن���واة لتفك�ي�ر وت�أمل‬ ‫يف ظواه���ر الديناميكي���ة االجتماعي���ة‪ ،‬والتي‬ ‫ت�ستح���ق بحث ًا �أعمق رمبا يو�صل لنتائ���ج �أخرى ورمبا يظهر بطالنها‪.‬‬ ‫ثاني���اً‪ ،‬يف املناطق الثالث املدرو�سة هنا مل يك���ن غريب ًا �أن يكون �أكرث‬ ‫�أع�ضاء القاع���دة واملهربني من �أبناء هذه املناطق نف�سها‪ .‬وهذا يقود‬ ‫ال�ستنت���اج �آخر هو �أن عالقات القرابة وامل�صاهرة ت�ساعد على �إيجاد‬ ‫احلماية والتغطية و�سهولة املرور للمهربني و�سهولة االختباء واحلماية‬ ‫للإرهابي�ي�ن‪� .‬أخرياً‪� ،‬إن �ضعف وجود الدولة يف املناطق الطرفية خلق‬ ‫�إح�سا�س ًا بعدم االنتماء لدى �سكان هذه املناطق‪ ،‬وبالتايل �أوجد منط ًا‬ ‫مقب���و ًال حملي ًا للحياة والإنتاج يعتمد العن���ف والتهريب ك�سُ بُل للبقاء‪،‬‬ ‫والب���د من التعامل معها من هذا املنظور و�إيج���اد بدائل �إنتاج للحياة‬ ‫بديلة قبل الق�ضاء عليها‪.‬‬ ‫احلركات اجلهادية‬ ‫و�أهمية املكان‬

‫الهوامــ�ش والإحـــاالت‬ ‫(‪ )1‬انظر‪:‬‬ ‫‪Michael Mihalka and David Anderson, ”Is the Sky Falling? Energy‬‬ ‫‪Security and Transnational Terrorism”, Strategic Insights, Volume‬‬ ‫‪VII, Issue 3 (July 2008). <http://www.nps.edu/Academics/centers/‬‬ ‫‪>ccc/publications/OnlineJournal/2008/Jul/mihalkaJul08.html‬‬

‫(‪ )2‬عم���ار علي ح�س���ن‪ ،‬ممرات غري �آمن���ة (دبي‪ :‬مركز اخللي���ج للأبحاث‪،‬‬ ‫‪� ،)2003‬ص ‪.8‬‬ ‫(‪ )3‬انظر‪http://en.wikipedia.org/wiki/Qataban :‬‬ ‫(‪ )4‬انظر‪:‬‬ ‫‪http://elkhabar.com/dossiersp/?ida=202505&idc=46&cid=0&ei=Fj‬‬ ‫‪HVRI_XC‬‬

‫(‪ )5‬عب���داهلل حفيظ���ي‪“ ،‬االنف�صالي�ي�ن ال�صحراوي�ي�ن‪ :‬العالق���ات اخلفي���ة‬ ‫واحلقيقة ال�ضائعة”‪ ،‬على الرابط‪:‬‬ ‫‪http://www.maghribouna.com/alakbar-almaghribia/3905.html‬‬

‫(‪ )6‬عمار علي ح�سن‪ ،‬ممرات غري �آمنة‪ ،‬م�صدر �سبق ذكره‪� ،‬ص ‪.58‬‬ ‫(‪� )7‬شري���ف �شعب���ان م�ب�روك‪�“ ،‬إي���ران‪ ..‬واحل�ص���ار الأمريك���ي يف �آ�سي���ا‬ ‫الو�سطى”‪ ،‬خمتارات �إيرانية‪ ،‬العدد ‪� ،62‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪.2005‬‬ ‫(‪ )8‬ع�ص���ام خ���وري‪“ ،‬ع�سكرة النف���ط وم�ش���روع ال�شرق الو�س���ط الكبري”‪،‬‬ ‫احل���وار املتمدن‪ ،‬العدد ‪ .2007 ،1949‬على الراب���ط‪http://www.ahewar. :‬‬ ‫‪org/debat/show.art.asp?aid=99991‬‬

‫(‪ )9‬عمار علي ح�سن‪ ،‬م�صدر �سبق ذكره‪� ،‬ص ‪.38‬‬ ‫(‪ )10‬امل�ص���در ال�سابق‪� ،‬ص �ص ‪ 39-41‬نق ًال عن‪:‬‬

‫‪http//www.eia.doe.gov/‬‬

‫‪emeu/cabs/caspgraph.html‬‬

‫(‪ )11‬يحي���ى غ���امن‪“ ،‬ال�صراع حول غاز و�سط �آ�سي���ا”‪ ،‬يف‪� :‬إبراهيم نافع‪ ،‬ما‬ ‫الذي يج���ري يف �آ�سيا (القاه���رة‪ :‬مركز الأهرام للرتجم���ة والن�شر‪ ،‬الطبعة‬ ‫الأوىل‪���� ،)1998 ،‬ص ‪210‬؛ وانظ���ر كذلك‪ :‬عمار علي ح�س���ن‪ ،‬م�صدر �سابق‪،‬‬ ‫�ص ‪.10‬‬ ‫(‪ )12‬انظر‪:‬‬ ‫‪http://www.aljazeera.net/News/archive/archive?ArchiveId=95509‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪115‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫م���ن املقومات الأ�سا�سي���ة التي يعتمد عليه���ا النموذج التحليلي ال���ذي و�ضعته م�ؤ�س�س���ة «�سرتاتفور»‬ ‫(البحثي���ة الأمريكي���ة) هو �أهمية املكان‪ .‬فاجلغرافية الطبيعي���ة والثقافية لأي بلد حتتّم على الدولة يف‬ ‫ذلك البلد مواجهة نوع معني من الأمور الإ�سرتاتيجية امللحة مهما كان ال�شكل الذي تتخذه تلك الدولة‪.‬‬ ‫فعل���ى �سبيل املثال‪ ،‬كان على رو�سيا االمربيالية واالحت���اد ال�سوفيتي ورو�سيا ما بعد ال�سوفيت مواجهة‬ ‫نف�س ال�ضرورات الإ�سرتاتيجية‪ .‬وعلى غرار ذلك يكون للمكان �أثر كبري يف ت�شكيل اجلماعات املقاتلة‬ ‫وعملها‪ ،‬و�إن مل يكن نف�س الأثر الذي يكون يف الدولة‪ ،‬وذلك لأن هذه اجلماعات‪ ،‬وخا�صة العابرة منها‬ ‫للحدود‪ ،‬تتنقل من مكان �إىل �آخر‪.‬‬ ‫وم���ع �أن جغرافي���ة البلد املعني متث���ل �أهمية بالغ���ة من منظور‬ ‫اجلماعات املقاتلة‪� ،‬إال �أن هناك �أي�ض ًا عوامل �أخرى تلعب دور ًا يف‬ ‫خلق املكان املنا�سب لبق���اء هذه اجلماعات؛ فبينما توفر املناطق‬ ‫الوا�سعة من الت�ضاري�س الوعرة كاجلبال �أو الأدغال �أو امل�ستنقعات‬ ‫مالذ ًا �آمن ًا للجماعات املقاتلة وبالتايل تنفيذ عملياتها على نطاق‬ ‫وا�س���ع �إال �أنه البد �أن تكون الدولة املركزية �ضعيفة يف البلد الذي‬

‫«مالذ �آمن»‪:‬وفرت املنطقة الوعرة‬ ‫والنائية يف �شرق و�شمال �شرق‬ ‫�أفغان�ستان املحاذية للأرا�ضي‬ ‫الباك�ستانية اجلرداء مكان ًا مثالي ًا‬ ‫لأن�شطة القاعدة‪ ،‬لبعدها كثري ًا عن‬ ‫املحيط وعن قدرة الواليات املتحدة‬ ‫الأمريكية لإظهار قوتها‬

‫م�صر قام���ت الدولة مبالحقتهم‪ .‬ف�أ�صبح املقاتلون الذين ينجون‬ ‫م���ن االعتق���ال �أو القتل يلوذون بالفرار �إىل خ���ارج البالد وينتهي‬ ‫بهم املط���اف �إىل �أماكن كال�سودان والع���راق وباك�ستان (و�أحيان ًا‬ ‫مدينة جري�سي الأمريكية)‪ .‬ولك���ن خالل العقود الثالثة املا�ضية‬ ‫�أ�صب���ح الكثري من ه�ؤالء املقاتل�ي�ن امل�صريني املتنقلني‪ ،‬مثل �أمين‬ ‫الظواه���ري‪ ،‬يلعب���ون دور ًا يف ت�شكي���ل وتطوي���ر تنظي���م القاعدة‪،‬‬

‫هاج�س املالذ الآمن‬ ‫ِ‬ ‫احلركات اجلهادية و�أهمية املكان‬

‫تتخ���ذ منه هذه اجلماعات وكر ًا لعنا�صره���ا‪� ،‬أو �أن تكون متعاونة‬ ‫تغ����ض الطرف عما تق���وم به اجلماع���ات املقاتلة‪.‬‬ ‫�أو عل���ى الأقل ّ‬ ‫�إ�ضافة �إىل ذلك‪ ،‬ميثل وجود �شعب متعاطف عام ًال هام ًا يف جعل‬ ‫منطقتهم م�ل�اذ ًا �آمن ًا لعنا�صر تلك اجلماع���ات‪ .‬ويف حال غياب‬ ‫هذا اخلليط م���ن العوامل املواتية متيل اجلماع���ات املقاتلة �أكرث‬ ‫�إىل العم���ل كعنا�ص���ر �إرهابي���ة يف خاليا ح�ضري���ة �صغرية‪ .‬فعلى‬ ‫�سبيل املثال‪ ،‬بالرغم من �أن م�صر كانت �أحد املهود الأيديولوجية‬ ‫للجه���اد �إال �أن اجلهاديني مل يتمكنوا من توطيد �أقدامهم يف هذا‬ ‫البلد (مثلما فعلوا يف اجلزائر واليمن وباك�ستان)‪ ،‬وذلك لأن كل‬ ‫م���ن الدولة وجغرافية الب�ل�اد ال ميثالن عوام���ل مواتية للعنا�صر‬ ‫اجلهادية حتى يف املناطق التي يوجد بها �أنا�س متعاطفون مع تلك‬ ‫العنا�صر‪ ،‬فعندم���ا بد�أت تن�شط عنا�صر التنظيمات اجلهادية يف‬

‫‪116‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�سكوت �ستيوارت‬

‫التنظيم اجلهادي العابر للحدود‪.‬‬ ‫وبالرغم م���ن �أن تنظيم القاعدة واحلرك���ة اجلهادية الوا�سعة‬ ‫التي يدعمها التنظيم هما منظمتان عابرتان للحدود‪� ،‬إال �أنهما ما‬ ‫زالت���ا تت�أثران بالعوامل الفريدة التي يتميز بها املكان‪ ،‬ومن املهم‬ ‫درا�سة كيفية ت�أثري مثل هذه العوامل على م�ستقبل احلركة‪.‬‬ ‫املكان والتطور التاريخي للجهاد بد�أت براعم عملية‬ ‫التنق���ل احلدي���ث لظاه���رة اجلهاد الت���ي انتهت بت�شكي���ل تنظيم‬ ‫القاع���دة تنم���و يف املنطق���ة اجلبلي���ة الوعرة على ط���ول احلدود‬ ‫امل�شرتك���ة ب�ي�ن �أفغان�ست���ان وباك�ست���ان‪ ،‬وهي �إقلي���م نائي مل يكن‬ ‫مل���يء بالالجئني – واملقاتل�ي�ن من �أنحاء الع���امل – فح�سب‪ ،‬بل‬

‫�سكوت �ستيوارت باح���ث وحملل �أمريكي يف م�ؤ�س�سة «�سرتاتفور»‪ .‬وم�ؤ�س�سة �سرتاتفور ‪ Stratfor‬هي م�ؤ�س�سة‬ ‫بحثي���ة �أمريكي���ة متخ�ص�صة يف حتلي���ل ال�ش�ؤون الدولي���ة‪ ،‬برز دورها خ�ل�ال ال�سنوات الأخ�ي�رة كم�صدر‬ ‫للمعلومات والتحليالت اال�ستخباراتية واال�سرتاتيجية‪ .‬وقد ن�شر هذا املقال بالإجنليزية‪ ،‬بتاريخ ‪� 25‬آذار‪/‬‬ ‫مار�س ‪ ،2010‬يف موقع امل�ؤ�س�سة اخلا�ص على �شبكة الإنرتنت‪ ،‬حتت عنوان‪Jihadism and the“:‬‬ ‫‪.”Importance of Place‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪117‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫وتغمره كميات كبرية م���ن ال�سالح ويعجّ باجلوا�سي�س وتع�صف به‬ ‫امل�ؤامرات والفكر الإ�سالمي املت�شدد‪ ،‬وقد �أثبتت هذه املنطقة �أنها‬ ‫موطن مثايل لت�شكيل احلركة اجلهادية احلديثة عقب االن�سحاب‬ ‫ال�سوفيت���ي من �أفغان�ستان عام ‪ ،1989‬لكنه���ا �سرعان ما ع�صفت‬ ‫بها �أعم���ال العنف التي ن�شبت بني امل�سلمني‪ .‬وبعد �سقوط النظام‬ ‫ال�شيوع���ي يف العا�صم���ة الأفغانية كابول ع���ام ‪� 1992‬أدت احلرب‬ ‫الأهلي���ة �شبه امل�ستمرة ب�ي�ن زعماء احلرب امل�سلم�ي�ن املتناف�سني‬ ‫�إىل تدم�ي�ر الب�ل�اد حتى تول���ت حركة طالبان زم���ام احلكم عام‬ ‫‪ ،1996‬ولك���ن حت���ى بعد ذلك ظل���ت الدولة الت���ي تقودها طالبان‬ ‫تخو����ض حرب ًا مع جماعات حتالف ال�شم���ال‪ .‬ويف ظل هذه الفو�ضى‬ ‫ب���د�أ تنظي���م القاعدة ع���ام ‪ 1992‬بنق���ل عنا�ص���ره �إىل ال�سودان‪،‬‬ ‫البل���د الذي انته���ج نهج��� ًا �إ�سالمي ًا مت�ش���دد ًا بعد انق�ل�اب ‪1989‬‬ ‫بقي���ادة اجلرنال عمر الب�شري‪ ،‬والذي ت�أث���ر كثري ًا بح�سن الرتابي‬ ‫وحزب���ه الوطني الإ�سالمي‪ .‬وخالل هذه الفرتة ا�ستمرت القاعدة‬ ‫يف �إن�ش���اء مع�سك���رات تدريبي���ة يف �أفغان�ست���ان مث���ل مع�سك���رات‬ ‫اخلالدان والفاروق ودارونت���ا‪ ،‬وحافظت على بقاء �شبكة معاقلها‬ ‫الباك�ستاني���ة يف بع����ض الأماكن مثل مدينت���ي كارات�شي وبي�شاور‪،‬‬ ‫اللت�ي�ن ا�ستخدمتهما لتوجيه عنا�صرها املجاهدة من اخلارج �إىل‬ ‫مع�سكراتها التدريبية يف �أفغان�ستان‪.‬‬ ‫ومن عدة نواحي كان ال�سودان هو املكان الأف�ضل للقاعدة كونه‬ ‫وفّ���ر مالذ ًا بعيد ًا وي�سمح مع ذل���ك بتوا�صل �أكرب بكثري مع العامل‬ ‫اخلارج���ي من املع�سك���رات النائية يف �أفغان�ست���ان‪ .‬ولكن يف نف�س‬ ‫الوق���ت كان هذا املالذ ذو حدين‪ ،‬فقد وقع التنظيم حتت مراقبة‬ ‫�أ�ش���د خالل فرتة �إقامته يف ال�سودان مما كان الو�ضع عليه خالل‬ ‫�إقامته يف �أفغان�ست���ان‪� ،‬إذ كانت فرتة �سنواته يف ال�سودان (‪1992‬‬

‫مناطق احل���دود الباك�ستانية الوعرة م���ا زالت ت�شكل نقطة‬ ‫ارت���كاز بالن�سب���ة للمجاهدين‪ ،‬لكن ال�ضغ���ط املتزايد الذي‬ ‫تفر�ض���ه ال�ضربات اجلوية الأمريكي���ة والعمليات الع�سكرية‬ ‫الباك�ستانية يف بع�ض املناطق مثل باجور و�سوات ووزير�ستان‬ ‫اجلنوبي���ة �أج�ب�ر املجاهدي���ن الأجانب على ت���رك باك�ستان‬ ‫والبحث عن �أماكن �أكرث �أمان ًا‬ ‫– ‪ )1998‬ه���ي الف�ت�رة الت���ي �أ�صبح فيه���ا الكثري م���ن دول العامل‬ ‫املناه�ض���ة للإره���اب على علم بوج���ود القاعدة‪ ،‬كم���ا �أن معظم‬ ‫النا����س خارج جمتمع حماربة الإرهاب مل يكونوا يعرفوا �شيئ ًا عن‬ ‫هذا التنظي���م حتى حدوث تفجريات ال�سفارة الأمريكية يف �شرق‬ ‫�أفريقي���ا يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ع���ام ‪ ،1998‬ومن ثمّ �أ�صبحت القاعدة‬ ‫‪118‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫فع ًال حديث كل بيت بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪.‬‬ ‫وكان له���ذه ال�شهرة ثمن غايل‪ ،‬فبعد حماولة االغتيال التي نفذت‬ ‫يف حزيران‪/‬يوني���و ‪� 1995‬ضد الرئي�س امل�صري ح�سني مبارك يف‬ ‫العا�صمة الأثيوبية (نُ�سِ ب الهجوم �إىل مقاتلني م�صريني وعنا�صر‬ ‫من القاعدة) بد�أ املجتمع الدويل – مبا يف ذلك م�صر والواليات‬ ‫املتح���دة – مبمار�سة �ضغوط �شديدة على حكوم���ة ال�سودان لكي‬ ‫تق���وم بفر�ض �سيطرتها على �أ�سامة ب���ن الدن وتنظيم القاعدة �أو‬ ‫طردهما من البالد‪.‬‬ ‫ويف �أيار‪/‬ماي���و ‪ 1996‬ق���ام ب���ن الدن وجماعت���ه‪ ،‬الذين رف�ضوا‬ ‫اخل�ض���وع لل�سيط���رة‪ ،‬ب�ش��� ّد الرح���ال والع���ودة م���رة �أخ���رى �إىل‬ ‫�أفغان�ست���ان‪ ،‬وقد كان التوقيت مالئم للقاعدة التي ا�ستطاعت �أن‬ ‫جت���د لنف�سها مالذ ًا �آمن ًا هناك حيث كان���ت طالبان ت�ستعد ل�شن‬ ‫هجومها الأخري على كابول‪ ،‬محُ ققة اال�ستقرار يف معظم مناطق‬ ‫الب�ل�اد‪ .‬وبالرغم �أن طالب���ان مل تكن منا�صرة الب���ن الدن ب�شكل‬ ‫كبري ف�إنها على الأقل مل متانع وجوده يف �أفغان�ستان و�أن�شطته التي‬ ‫يقوم بها‪ ،‬وكانت ت�شع���ر �أنها ملزمة بحمايته ك�ضيف حتت قانون‬ ‫«با�شتون���وايل» – القانون القدمي لل�شعب البا�شتوين‪ .‬ومن جانبها‬ ‫قام���ت القاعدة بكل دهاء بتزوي���ج عنا�صرها من القبائل املحلية‬ ‫امل�ؤثرة‪ ،‬وذل���ك ك�إجراء �إ�ض���ايف ل�ضمان �آمان �أك�ب�ر لعنا�صرها‪.‬‬ ‫وبعد عودت���ه �إىل �أفغان�ستان بفرتة وجيزة‪� ،‬شعر بن الدن بالأمان‬ ‫الكايف لإ�صدار �إعالن �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 1996‬باحلرب �ضد الواليات‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫وق���د كان���ت املنطقة الوع���رة والنائي���ة يف �شرق و�شم���ال �شرق‬ ‫�أفغان�ستان املحاذية للأرا�ض���ي الباك�ستانية اجلرداء توفر املكان‬ ‫املث���ايل لأن�شطة القاع���دة‪ ،‬لبعدها كثري ًا ع���ن املحيط وعن قدرة‬ ‫الواليات املتحدة الأمريكية لإظهار قوتها‪ .‬ومع �أن هجوم �صواريخ‬ ‫كروز الأمريكي���ة يف �آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 1998‬عقب تفجريات ال�سفارة‬ ‫الأمريكي���ة يف �ش���رق �أفريقيا‪ ،‬قد نغّ�ص قلي�ل�اً �إقامة القاعدة يف‬ ‫�أفغان�ست���ان �إال �أن���ه مل يكن فعا ًال �إىل حد كب�ي�ر‪ ،‬و�أثبت حمدودية‬ ‫ق���درة الواليات املتحدة على الو�ص���ول للتنظيم الذي ظل يعمل يف‬ ‫�أفغان�ستان دون منغّ�صات حتى غزو القوات الأمريكية لأفغان�ستان‬ ‫يف ت�شري���ن الأول‪�/‬أكتوب���ر ‪ .2001‬وخ�ل�ال وجود تنظي���م القاعدة‬ ‫يف �أفغان�ست���ان عم���ل على تقدمي التدريب���ات الع�سكرية الأ�سا�سية‬ ‫لع�ش���رات الآالف م���ن الرج���ال الذي���ن م���روا ع�ب�ر مع�سكرات���ه‬ ‫التدريبية‪ ،‬والتي ا�ستطاع���ت �أن تقدم �أي�ض ًا تدريبات متقدمة يف‬ ‫مهنة الإرهاب لعدد قليل من الطالب املختارين‪.‬‬ ‫عل���ى �أن الغ���زو الأمريك���ي لأفغان�ستان غيرّ نظ���رة املجاهدين‬ ‫متام��� ًا جتاه �أفغان�ستان‪ ،‬حيث مل تعد القوات الع�سكرية الأمريكية‬ ‫حم�ص���ورة يف املحي���ط الهندي ب���ل امتدت �إىل قل���ب �أفغان�ستان‪،‬‬

‫وبه���ذا حتولت البالد م���رة �أخرى من مالذ وم���كان للتدريب �إىل‬ ‫�ساحة قتال ومت تدمري مع�سكرات التدريب �أو �إعادتها �إىل اجلانب‬ ‫الباك�ست���اين من احلدود‪ ،‬وف��� ّر بع�ض املجاهدي���ن �إىل مواطنهم‬ ‫الأ�صلي���ة‪ ،‬بينم���ا توجه �آخرون – ك�أبي م�صع���ب الزرقاوي – �إىل‬ ‫املناط���ق القاحل���ة �شم���ال العراق الت���ي كانت ج���زء ًا من احلظر‬ ‫الأمريك���ي على الطريان‪ ،‬وبالتايل كانت بعيدة عن متناول �صدام‬ ‫ح�س�ي�ن ال���ذي‪ ،‬لكون���ه رئي�س��� ًا علماني���اً‪ ،‬مل يُبدِ �س���وى القليل من‬ ‫التعاطف الأيديولوجي مع ق�ضية املجاهدين‪.‬‬ ‫�أما ط���وق الإقليم البا�شت���وين الوعر والنائ���ي يف باك�ستان فقد‬ ‫كان ميث���ل يف البداي���ة ملج�أً يرحب بعنا�ص���ر املجاهدين‪ ،‬غري �أن‬ ‫ال�ضربات اجلوية الأمريكية حولته �إىل مكان خطر فت�شتت عنا�صر‬ ‫القاع���دة و�أ�صبحوا مطاردين‪ ،‬وخ�س���ر التنظيم قيادات مهمة يف‬ ‫�أفغان�ستان من �أمثال حممد عاطف‪ ،‬وت�ضاعفت تلك اخل�سائر يف‬ ‫باك�ستان حيث �أُعتقل �أو قُتل بع�ض ال�شخ�صيات املهمة كخالد �شيخ‬ ‫حممد‪ ،‬وحتت ال�ضغط ال�شدي���د ا�ضطرت القيادة العليا للتنظيم‬ ‫�إىل االختباء حتت الأر�ض للبقاء على قيد احلياة‪.‬‬ ‫ويف �أعقاب الغزو الأمريكي للعراق يف �آذار‪/‬مار�س ‪� 2003‬أ�صبح‬ ‫العراق مكان ًا منا�سب��� ًا للحركة اجلهادية‪ .‬وعلى عك�س �أفغان�ستان‬ ‫الت���ي كان يُنظر �إليها على �أنها بلد نائي وتقع على �أطراف العامل‬ ‫الإ�سالم���ي‪ ،‬تقع العراق يف القلب حيث كان���ت بغداد موقع عر�ش‬ ‫الإمرباطوري���ة الإ�سالمية مل���ا يقارب خم�سة ق���رون‪ .‬ويعترب غزو‬ ‫‪ 2003‬م�ؤي���د ًا للرواية التي يطلقها اجلهادي���ون‪ ،‬والتي مفادها �أن‬ ‫الغرب قد �أعلن احلرب �ضد الإ�سالم‪ ،‬الأمر الذي قدّم دعم ًا قوي ًا‬ ‫للجهود التي تُبذل جلمع املال والرجال لن�صرة ن�ضال املجاهدين‪،‬‬ ‫و�سرع���ان م���ا تدفقت جم���وع املجاهدين الأجانب م���ن كل �أنحاء‬ ‫الع���امل �إىل العراق‪ ،‬لي�س من ال�سعودية واجلزائر فح�سب بل حتى‬ ‫من �أمريكا ال�شمالي���ة ودول �أوروبا‪ .‬و�شهدنا �أي�ض ًا مطالبة تنظيم‬ ‫القاعدة الأم اجله���ادي العراقي‪/‬الأردين �أبي م�صعب الزرقاوي‬ ‫بتقدمي الدعم املايل‪.‬‬ ‫وم���ن العوام���ل التي جعل���ت الع���راق مكان��� ًا منا�سب��� ًا للعنا�صر‬ ‫اجلهادي���ة‪ ،‬كرم �شي���وخ ال�سنّة يف املثل���ث ال�سني بالع���راق الذين‬ ‫قدم���وا امل����أوى للمقاتلني الأجان���ب وا�ستخدموه���م ك�أداة للقتال‪،‬‬ ‫ولك���ن م���ا �إن جفّ���ت منابع �سخ���اء زعم���اء القبائل حت���ى �شهدنا‬ ‫حركة �صحوة الأنب���ار ‪ ،2006 – 2005‬و�أ�صبح العراق �أكرث عدائية‬ ‫للمجاهدين الأجانب‪ ،‬وزادت هذه العداوة �ضراوة نتيجة لوح�شية‬ ‫الزرق���اوي وته���وره باالعتداء عل���ى امل�سلمني الآخري���ن‪ .‬فتغريت‬ ‫طبيع���ة الت�ضاري����س الب�شرية يف رب���وع املثلث ال�سن���ي حتى �أ�صبح‬ ‫م���كان خمتلف���اً‪ ،‬ثم قتل الزرق���اوي يف يوني���و ‪ 2006‬وتعطلت �سبل‬ ‫ت�سلل املجاهدين �إىل العراق‪.‬‬

‫بعد عودته �إىل �أفغان�ستان يف منت�صف الت�سعينيات‪،‬‬ ‫�شعر �أ�سامة بن الدن بالأمان الكايف لإ�صدار �إعالن‬ ‫�آب‪�/‬أغ�سط�س ‪ 1996‬باحلرب �ضد الواليات املتحدة‬ ‫ويف الوقت الذي �أ�ضطر بع�ض عنا�صر املجاهدين ممن حاربوا‬ ‫يف العراق‪� ،‬أو ممن كانوا يتطلعون لل�سفر �إىل هناك‪� ،‬إىل الذهاب‬ ‫�إىل باك�ست���ان ب���د�أ غريهم م���ن املجاهدين بالرتكي���ز على فكرة‬ ‫ال�سف���ر �إىل �أماكن �أخرى كاجلزائر واليم���ن‪ .‬وبعد حركة �صحوة‬ ‫الأنب���ار بفرتة وجي���زة �شهدنا ت�شكيل تنظي���م القاعدة يف املغرب‬ ‫الإ�سالمي (‪ )AQIM‬وجتديد ن�ش���اط املجاهدين يف اليمن الذين‬ ‫�أ�ضعفته���م كثري ًا ال�ضربة ال�صاروخية الأمريكية يف نوفمرب ‪2002‬‬ ‫و�سل�سل���ة االعتقاالت خ�ل�ال الف�ت�رة ‪ .2003 – 2002‬وكغريها من‬ ‫الأماكن الأخرى‪� ،‬أ�صبحت ال�صومال وجهة يق�صدها املجاهدون‬ ‫الأجانب لتلقي التدريب والقتال‪ ،‬خا�صة ممن لهم جذور �صومالية‬ ‫�أو �أفريقية‪.‬‬ ‫وكل ه���ذا يقودن���ا �إىل احلا�ض���ر ال���ذي جن���د في���ه �أن مناطق‬ ‫احلدود الباك�ستانية الوعرة ما زالت ت�شكل نقطة ارتكاز بالن�سبة‬ ‫للمجاهدين‪ ،‬لكن ال�ضغط املتزايد الذي تفر�ضه ال�ضربات اجلوية‬ ‫الأمريكية والعمليات الع�سكرية الباك�ستانية يف بع�ض املناطق مثل‬ ‫باجور و�س���وات ووزير�ستان اجلنوبية �أج�ب�ر املجاهدين الأجانب‬ ‫عل���ى ت���رك باك�ست���ان والبحث عن �أماك���ن �أكرث �أمان���اً‪ .‬وجند �أن‬ ‫القي���ادة املركزية لتنظيم القاع���دة يف انهيار م�ستمر بينما بع�ض‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪119‬‬


‫جيوبوليتيك‬ ‫اجلماع���ات الأخرى مثل طالبان وتنظيم القاعدة يف �شبه جزيرة‬ ‫الع���رب قد تولت قيادة اجلهاد يف �ساحة املعركة‪ .‬وطاملا ا�ستمرت‬ ‫�أيديولوجي���ة الفك���ر اجله���ادي �سي�ستم���ر املجاه���دون املتنقل���ون‬ ‫والعاب���رون للحدود يف عمله���م‪ ،‬و�سيتوق���ف متركزهم اجلغرايف‬ ‫املقبل على عدد من العوامل‪.‬‬ ‫عندم���ا ننظ���ر يف‬ ‫العوام��ل اجلغرافي��ة‬ ‫العقارات الثابتة الأ�سا�سية التي متتلكها العنا�صر اجلهادية جند‬ ‫�أن من �أهم العوامل الأوىل (كما هو احلال يف �أي �صفقة عقارية)‬ ‫ه���و موق���ع ذل���ك العقار‪ ،‬غ�ي�ر �أن العنا�ص���ر اجلهادي���ة‪ ،‬بخالف‬ ‫معظم م�شرتي���ي املنازل‪ ،‬ال يحبون امل�سك���ن القريب من الأماكن‬ ‫العامة كموقف املرتو وموا�صالت نقل املوظفني الرئي�سية‪ ،‬لكنهم‬ ‫يف�ضل���ون املكان املنع���زل واخلايل ن�سبي ًا م���ن ال�سلطة احلكومية‪،‬‬ ‫وه���ذا هو �سبب جع���ل �أفغان�ستان والإقليم احل���دودي الباك�ستاين‬ ‫وجزر �أرخبيل �سولو وال�سهل الأفريقي وال�صومال مناطق منا�سبة‬ ‫ترتادها العنا�صر اجلهادية‪.‬‬ ‫�أما العام���ل الثاين فهو املحيط الب�ش���ري‪ ،‬فعنا�صر املجاهدين‬ ‫كغريه���ا من اجلماعات املقاتلة واملتمردة حتتاج �إىل �شعب حملي‬ ‫متعاط���ف معها �إذا م���ا �أرادت العم���ل ب�أعداد �أك�ب�ر من اخلاليا‬ ‫ال�صغ�ي�رة‪ ،‬وه���ذا ينطبق ب�ش���كل خا����ص عل���ى �إدارة املع�سكرات‬ ‫التدريبي���ة التي ي�صع���ب �إخفائها‪ .‬وم���ن دون الدعم املحلي تكون‬ ‫العنا�صر اجلهادية معر�ضة خلطر ت�سليمهم لل�سلطات �أو الو�شاية‬ ‫بهم عند بع�ض ال���دول كالواليات املتحدة‪ ،‬التي تبدي ا�ستعدادها‬ ‫لتق���دمي مبالغ طائلة مقابل العثور على الق���ادة الرئي�سيني‪� .‬أي�ض ًا‬ ‫وجود �شعب م�سلم حماف���ظ يت�سم بالتقاليد القتالية ميثل عالمة‬

‫م���ع جتفيف امل�ستنقع���ات املتوفرة لعنا�ص���ر املجاهدين يف‬ ‫بع�ض الأماكن كاليمن وباك�ست���ان‪� ،‬سيظل ال�س�ؤال‪ :‬ما هي‬ ‫الوجه���ة التالية الت���ي �سيق�صده���ا املجاهدي���ن؟ وما هي‬ ‫نقط���ة االرت���كاز التالية يف �ساع���ة املعركة؟ يب���دو جلي ًا �أن‬ ‫�أحد الأماكن املمكنة ه���و ال�صومال‪ ،‬ولكن بالرغم من �أن‬ ‫احلكومة هناك عاجزة �إال �أن البيئة هناك ال ت�ساعد على‬ ‫�أن ت�صبح ال�صومال باك�ستان �أو مين ًا �آخر‬ ‫�إيجابية كما هو ملحوظ يف باك�ستان واليمن‪ .‬وبالفعل حاول (ولكن‬ ‫عبثاً) �أبو م�صعب ال�سوري‪ ،‬املخطط اجلهادي املعروف وال�شهري‬ ‫�أي�ض��� ًا ب�أنه «املخطط واملنف���ذ للجهاد العاملي»‪� ،‬إقن���اع �أ�سامة بن‬ ‫الدن ع���ام ‪ 1989‬باالنتقال �إىل اليم���ن‪ ،‬وذلك نظر ًا لتوفر املحيط‬ ‫‪120‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الب�شري املواتي هناك‪.‬‬ ‫وتت�ض���ح جلي��� ًا �أهمية العام���ل الب�شري يف حالة الع���راق امل�شار‬ ‫�إليها �آنف���اً‪ ،‬حيث عمل التغيري يف موق���ف م�شايخ القبائل ب�سرعة‬ ‫عل���ى حت���ول املناطق الت���ي كانت ذات م���رة ترح���ب باملجاهدين‬ ‫الأجان���ب �إىل مناطق معادية له���م وخطرية على حياتهم‪ ،‬ومتكن‬ ‫املجاهدون العراقي���ون الذين كانوا قادرين على التعاي�ش ب�صورة‬ ‫�أف�ض���ل مع املواطن�ي�ن املحليني عل���ى البقاء �أط���ول يف تلك البيئة‬ ‫املعادي���ة من رفاقهم الأجان���ب‪ .‬ويعترب مفهوم الدعم املحلي هذا‬ ‫م���ن العوامل التي �ستحد من ق���درة املجاهدين العرب على العمل‬ ‫يف �أماك���ن بعي���دة وم�ضطربة كمناطق جن���وب ال�صحراء الكربى‬ ‫ب�أفريقي���ا �أو حتى يف الغابات اال�ستوائي���ة ب�أمريكا ال�شمالية‪ ،‬فهم‬ ‫لي�س���وا من ال�سكان الأ�صليني مثل عنا�صر القوات امل�سلحة الثورية‬ ‫يف كولومبي���ا �أو �سينديرو لومينو�سو‪ ،‬كم���ا �ستقف االختالفات يف‬ ‫الدين واحل�ضارة عائق ًا يف طري���ق م�ساعيهم للزواج من القبائل‬ ‫القوية مثلما فعلوا يف باك�ستان واليمن‪.‬‬ ‫�إن الت�ضاري�س اجلغرافي���ة والب�شرية عوامل م�ساعدة للعنا�صر‬ ‫اجلهادي���ة ولكنها لي�ست العوامل الوحيدة‪ ،‬حيث من املمكن وبكل‬ ‫�سهول���ة تدريب مقاتل�ي�ن يف حقل مفتوح ك�أدغ���ال كثيفة الأ�شجار‬ ‫�إذا مل تتدخ���ل قوة خارجي���ة ملنع ذلك‪ ،‬وهذا هو ما يجعل من دور‬ ‫الدول���ة عام�ل�اً هام ًا �إىل جانب عامل امل���كان‪� .‬أي �أن من العوامل‬ ‫املهم���ة �أي�ض��� ًا لبق���اء العنا�صر اجلهادي���ة وتطورها‪ ،‬وج���ود دولة‬ ‫مركزي���ة �ضعيفة تفتقر لل�سيط���رة ال�سيا�سية واجلغرافية على �أي‬ ‫منطق���ة من مناطقه���ا �أو وجود نظام حكم متع���اون �أو على الأقل‬ ‫ال يتدخ���ل يف �ش����ؤون املجاهدي���ن‪ .‬وعندما ن�أخ���ذ الدولة يف عني‬ ‫االعتب���ار‪ ،‬ف����إن علين���ا �أن نركز على مق���درة الدول���ة املعنية على‬ ‫امل�ست���وى املحل���ي ورغبتها يف حماربة احل���ركات اجلهادية‪ ،‬حيث‬ ‫جن���د �أن عدد ًا من البل���دان �سمحت لوجود احلركة اجلهادية ومل‬ ‫تعار�ض���ه حكومات تلك البلدان طامل���ا �أن اجلهود اجلهادية تركز‬ ‫�أعمالها خارج البلد‪.‬‬ ‫لكن اال�ستمرار يف تبني هذه النظرة مل يعد �أمر ًا حكيم ًا و�أ�صبح‬ ‫حمل �ش���ك بعد �أحداث احلادي ع�شر من �أيلول‪�/‬سبتمرب‪ ،‬كما �أن‬ ‫اجلماعات اجلهادية يف ع���دد من البلدان بد�أت بتنفيذ عملياتها‬ ‫يف البل���دان حمل �إقامته���ا مثلما حدث يف �إندوني�سي���ا وال�سعودية‬ ‫واملغ���رب العرب���ي وحت���ى يف �سين���اء امل�صرية‪ ،‬عندم���ا ا�ستجابت‬ ‫اجلماعات املقاتلة لدعوة القاعدة من �أجل اجلهاد العاملي‪ .‬وكان‬ ‫لهذا ثمن باهظ بالن�سبة لهذه اجلماعات‪ ،‬فقد �أجربت الهجمات‬ ‫التي نفذتها اجلماعات الإرهابية – �إىل جانب ال�ضغط الأمريكي‬ ‫– بع����ض ال���دول على تغي�ي�ر نظرتها جتاه عنا�ص���ر اجلماعات‬ ‫اجلهادية‪ ،‬وبد�أت تل���ك الدول بالرتكيز على تدمريها‪ .‬ويف بع�ض‬

‫البلدان كانت احلكومات تفتقر للقدرة على جمع املعلومات‬ ‫ال�ضرورية والقدرة التكتيكية‪ ،‬وا�ستغرقت الكثري من الوقت‬ ‫واجلهد لبناء وتطوير مثل هذه القدرات ملكافحة للإرهاب‪.‬‬ ‫�أما يف �أماكن �أخرى مثل ال�صومال فلم تكن هناك حكومات‬ ‫قوية مبا فيه الكفاية لالعتماد عليها‪.‬‬ ‫ومنذ �أحداث احل���ادي ع�شر م���ن �أيلول‪�/‬سبتمرب �أخذت‬ ‫الواليات املتح���دة تهتم كثري ًا «بتجفي���ف امل�ستنقعات» التي‬ ‫تتخذ منه���ا هذه اجلماعات مالذ ًا ووك���ر ًا لتدريب عنا�صر‬ ‫جدي���دة‪ ،‬حيث امتدت هذه اجله���ود حول العامل من جنوب‬ ‫الفلب�ي�ن �إىل �آ�سي���ا الو�سط���ى وم���ن بنغالد����ش �إىل م���ايل‬ ‫وموريتانيا‪ .‬كما بد�أت تثمر يف بع�ض الأماكن كاليمن‪ ،‬حيث‬ ‫�أ�صبح���ت بع�ض القوات اخلا�ص���ة مبحاربة الإرهاب متتلك‬ ‫االكتفاء الذاتي وحتق���ق تقدم ًا يف حماربة تنظيم القاعدة‬ ‫يف �شبه جزيرة العرب‪ .‬و�إذا ا�ستمر اليمن يف �إبداء الرغبة خ�ل�ال وجود تنظيم القاعدة يف �أفغان�ستان عمل على تقدمي‬ ‫يف مالحق���ة عنا�صر القاع���دة يف �شبه جزيرة العرب‪ ،‬و�إذا التدريبات الع�سكرية الأ�سا�سية لع�شرات الآالف من الرجال‬ ‫ا�ستم���ر املجتم���ع ال���دويل يف متكينه م���ن فعل ذل���ك‪ ،‬ف�إنه الذين مروا عرب مع�سكراته التدريبية‬ ‫�سيكون قادر ًا على �أن يحذو حذو املغرب العربي وال�سعودية‬ ‫وع�ل�اوة على ذلك‪ ،‬متتلك ال�صوم���ال‪ ،‬كما هو احلال بالن�سبة‬ ‫و�إندوني�سي���ا‪ ،‬وه���ي بل���دان مل يتم فيه���ا ا�ستئ�ص���ال �ش�أفة‬ ‫م�شكل���ة اجلهاد متام��� ًا ولكن مت مالحق���ة اجلماع���ات و�إ�ضعاف لليمن‪� ،‬سواحل �شا�سع���ة تطل على البحر‪ ،‬وهو ما ي�سمح للواليات‬ ‫قدراته���ا التكتيكية‪ .‬وهذا يعن���ي �أنه لن يُنظر �إىل اليمن على �أنها املتح���دة �إىل ح���دٍّ م���ا بالو�ص���ول املبا�ش���ر �إىل البل���د؛ فال�سواحل‬ ‫ت�ش���كل م�ل�اذ ًا �آمن ًا �أو قاع���دة تدريب لعنا�ص���ر املجاهدين‪ .‬ومن ال�صومالي���ة الطويل���ة املطل���ة عل���ى املحيط الهن���دي وخليج عدن‬ ‫�أوجه هذا امل�سعى امله���م �أي�ض ًا �إعادة ت�شكيل املحيط الب�شري من تُ�سه���ل مهم���ة ت�سلل الطريان‪ ،‬بل وحتى الف���رق اخلا�صة من و�إىل‬ ‫خالل الإجراءات الأيديولوجية‪ ،‬التي منها رف�ض الفكر اجلهادي الأرا�ضي ال�صومالية‪ .‬ويف ظل وج���ود قاعدة �أمريكية يف جيبوتي‬ ‫ك�أيديولوجية‪ ،‬وتغيري املناهج الدرا�سية‪ ،‬و�إعادة ت�أهيل املقاتلني‪ .‬ف�إن���ه من ال�سهل �أي�ض ًا �إبقاء مدارات طائرات دون طيار يف �سماء‬ ‫وم���ع جتفيف امل�ستنقعات املتوفرة لعنا�صر املجاهدين يف بع�ض ال�صومال‪.‬‬ ‫�إن غربل���ة وتقلي����ص الأماك���ن الت���ي‬ ‫الأماكن كاليمن وباك�ستان‪� ،‬سيظل ال�س�ؤال‪ :‬ما هي الوجهة التالية‬ ‫ملاذا يحوم الكبار‬ ‫للتجمع‬ ‫املجاهدين‬ ‫عنا�ص���ر‬ ‫إليها‬ ‫�‬ ‫����‬ ‫أ‬ ‫تلج‬ ‫حول جيبوتي ال�صغرية؟‬ ‫الت���ي �سيق�صدها املجاهدين؟ وما هي نقط���ة االرتكاز التالية يف‬ ‫التايل‬ ‫بقلم‪� :‬سقاف عمر ال�سقاف‬ ‫�ساع���ة املعركة؟ يبدو جلي ًا �أن �أحد الأماكن املمكنة هو ال�صومال‪ ،‬والتدريب ب�أعداد كب�ي�رة هو عبارة عن‬ ‫ولك���ن بالرغ���م م���ن �أن احلكومة هن���اك عاج���زة وال ت�سيطر �إىل توا�ص���ل للعملي���ة الطويل���ة الت���ي نتّبعها‬ ‫على القل���ة القليلة من مقدي�شو �إال �أن البيئة هناك ال ت�ساعد على من���ذ �سنني عديدة‪ .‬وهذا ميثل الفرتة االنتقالية لتهديد العنا�صر‬ ‫�أن ت�صب���ح ال�صوم���ال باك�ست���ان �أو مين ًا �آخر‪� .‬إ�ضاف���ة �إىل ذلك‪ ،‬اجلهادي���ة من تهدي���د يعتمد عل���ى تنظيم القاع���دة �أو حتى على‬ ‫�ستعم���ل االنق�سامات القبلية وطبيع���ة املجتمع ال�صومايل املتفتتة فروعها الإقليمية �إىل تهديد يعتمد على حركة �أو�سع نطاق ًا تتكون‬ ‫�ضد حركة ال�شباب ونزعتها اجلهادية‪ ،‬فكثري من زعماء القبائل م���ن خاليا �أ�سا�سي���ة �أ�صغر وعنا�صر متي���ل �إىل العزلة‪ .‬وبال�سعي‬ ‫وزعماء احلروب ينظ���رون �إىل املجاهدين كخطر يهدد �سلطتهم قدم ًا �سيكون على طبيعة القت���ال �ضد احلركة اجلهادي الت�أقلم‪،‬‬ ‫وله���ذا �سيحاربونه���م‪� ،‬أو �سيقومون بت�سري���ب املعلومات للواليات لأن التغ�ي�رات يف نوعية التهديد �ستحتم تغيري الرتكيز من جمرد‬ ‫املتح���دة لتمكينها من �ض���رب عنا�صر املجاهدي���ن الذين تراهم حماول���ة جتفي���ف امل�ستنقع���ات الك�ب�رى لتفري���خ اجلهاديني �إىل‬ ‫م�ص���در تهديد‪ .‬كم���ا �أن العرب و�شعوب جن���وب �آ�سيا مييلون �إىل تنظي���ف الربك ال�صغ�ي�رة لتفريخ اجلهادي�ي�ن املوجودة يف بع�ض‬ ‫الظه���ور يف ال�صوم���ال التي تغل���ب عليها �سمة العن�ص���ر الب�شري الأماك���ن كلندن وبروكلني وكارات�شي وحت���ى الف�ضاء الإلكرتوين‪.‬‬ ‫وكم���ا �أ�شرنا يف نقا�ش �ساب���ق �ستربز لهذه املعرك���ة جمموعة من‬ ‫الأ�سود‪.‬‬ ‫التحديات اخلا�صة بها‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪121‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫جيبوتي‬ ‫ال�صغرية‪..‬‬ ‫عق���ب �أحداث احل���ادي ع�شر من �أيلول‪� /‬سبتم�ب�ر ‪ 2001‬اختارت الواليات املتح���دة الأمريكية دولة جيبوتي‬ ‫ال�صغ�ي�رة الت���ي ال تتعدى م�ساحتها الـ‪ 23200‬كيلومرت مربع‪ ،‬وعدد �سكانها ال يتجاوز الـ‪� 800‬ألف ن�سمة‪ ،‬كمق ٍّر‬ ‫مُتق���دِّ م لقيادة التحال���ف الدويل املناه�ض للإرهاب‪ ،‬تك���ون مهمته الأ�سا�سية منع ت�سل���ل �أع�ضاء حمتملني يف‬ ‫تنظي���م القاعدة �إىل منطقة القرن الإفريقي‪ ،‬و�إيجاد مالذ �آمن لهم هناك‪ .‬ومنذ ذلك احلني يتمركز حوايل‬ ‫‪ 1800‬جندي �أمريكي يف قاعدة “لومنيه” بالقرب من العا�صمة جيبوتي‪ ،‬ومن املعروف �أن هذه القاعدة كانت‬ ‫تابعة للجي�ش الفرن�سي وقد �أعارها للقوات الأمريكية يف العام ‪ 2001‬وذلك يف �إطار الرتتيبات اخلا�صة لإن�شاء‬ ‫التحالف الدويل ملكافحة الإرهاب‪.‬‬ ‫�سقاف عمر ال�سقاف‬ ‫‪saqqaf@shebacss.com‬‬

‫�إن اختي���ار جيبوتي دون �سواها من قبل القيادة الأمريكية للقيام‬ ‫به���ذه الوظيفة و�إن�شاء القاعدة الع�سكري���ة فيها‪ ،‬مل ي�أتِ من فراغ‪،‬‬ ‫و�إمنا يرجع �إىل جمل���ة من العوامل �أهمها موقعها اجلغرايف؛ حيث‬ ‫تق���ع جيبوتي يف جنوب غ���رب خليج عدن‪ ،‬وعل���ى ال�ساحل ال�شرقي‬ ‫للق���ارة الأفريقية‪ .‬يحدها من ال�شمال الغربي �إريرتيا‪ ،‬ومن الغرب‬ ‫واجلنوب �إثيوبيا بحدود طولها ‪ 500‬كيلومرت‪ ،‬ومن اجلنوب ال�شرقي‬ ‫ال�صوم���ال بحدود طوله���ا ‪ 100‬كيلومرت‪ ،‬ومن ال�ش���رق باب املندب‬ ‫وخليج عدن بحدود طولها ‪ 350‬كيلومرت‪.‬‬ ‫وجيبوت���ي �إىل جانب ثالث دول �أفريقية هي ال�صومال‪ ،‬و�إثيوبيا‪،‬‬ ‫و�إريرتي���ا‪ ،‬ي�شكل���ون منطقة الق���رن الأفريقي مبفهومه���ا التقليدي‬ ‫والت���ي تكت�س���ب �أهمي���ة حيوية م���ن الناحية‬ ‫اجليو�سرتاتيجي���ة‪ ،‬وذل���ك لأن دوله���ا تط���ل‬ ‫على املحي���ط الهندي من ناحية‪ ،‬وتتحكم يف‬ ‫املدخل اجلنوبي للبح���ر الأحمر عند م�ضيق‬ ‫باب املن���دب من ناحية �أخ���رى‪ .‬كما �أن دول‬ ‫هذه املنطقة تتحكم نظري ًا يف طريق التجارة‬ ‫العامل���ي‪ ،‬وخا�صة جت���ارة النفط القادمة من‬ ‫منطقة اخلليج واملتوجه���ة �إىل الغرب‪ ،‬وهي‬

‫�أي�ض ًا ممر ا�سرتاتيج���ي لأي حتركات ع�سكرية قادمة من الواليات‬ ‫املتح���دة �أو �أورب���ا �ص���وب املنطقة‪ .‬ومتت���از جيبوتي �أي�ض��� ًا ب�أهمية‬ ‫ا�ستثنائي���ة ك���ون �سواحله���ا وموانئها متثل نق���اط ارت���كاز �أ�سا�سية‬ ‫لعملي���ات النقل البحري واجلوي للق���وات الدولية يف حتركاتها �إىل‬ ‫منطق���ة التوتر الإقليمي يف ال�شرق الأو�سط والبحر الأحمر‪ ،‬و�شرق‬ ‫�أفريقي���ا واملحيط الهندي و�صو ًال �إىل �آ�سي���ا‪ .‬وهناك �إمكانية �إقامة‬ ‫قواعد بحرية �أمام �سواحلها ويف اجلزر التابعة لها‪ ،‬و�أهمها جزيرة‬ ‫ر�أ�س الدمرية التي دخلت ب�سببها جيبوتي يف نزاع م�سلح مع �إريرتيا‬ ‫�أكرث من مرة‪.‬‬ ‫�أ�ض���ف �إىل ذل���ك‪� ،‬أن ط���ول �ساحله���ا اجلنوبي ووج���ود مينائي‬

‫ملاذا يحوم‬ ‫حولها الكبار؟!‬

‫‪122‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪123‬‬


‫جيوبوليتيك‬

‫ت��درك جيبوتي متام�� ًا �أن �إمكانياتها كدولة �صغرية‪ ،‬وحمدودية قدرتها على‬ ‫تغيري واقع جيو�سيا�سي تكر�س عرب عقود من الزمن‪� ،‬أرغمها على التكيف مع‬ ‫الوجود الع�سكري الأجنبي على �أرا�ضيها‪ ،‬بل واال�ستفادة منه‬ ‫جيبوت���ي و�أبوك‪ ،‬يعطيان ميزة ر�س���و ال�سفن على اختالف حمولتها‬ ‫و�أنواعه���ا‪ .‬كما �أن ا�شرتاك جيبوت���ي يف حدودها الدولية مع �إثيوبيا‬ ‫وال�صوم���ال و�إريرتيا‪ ،‬وهي دول تعاين من م�شاكل و�أزمات داخلية‪،‬‬ ‫وا�ضطراب���ات �سيا�سية خارجي���ة‪ ،‬قد عزز من مكانته���ا الإقليمية‪،‬‬ ‫خ�صو�ص��� ًا و�أنها تنعم ن�سبي��� ًا با�ستقرار �سيا�س���ي و�أمني يكاد يكون‬ ‫منعدم ًا يف تلك املنطقة‪.‬‬ ‫وانطالق��� ًا من موقعه���ا و�أهميتها اال�سرتاتيجي���ة‪ ،‬اهتمت القوى‬ ‫اال�ستعمارية التقليدية الكربى وقتها (بريطانيا وفرن�سا) بجيبوتي‬ ‫من���ذ وق���ت مبكر‪ ،‬بل وتناف�س���ت للح�صول على موط���ئ قدم لها يف‬ ‫هذه الرقعة اجلغرافية الهامة‪ .‬ويف �ضوء هذا التناف�س املحموم بني‬ ‫ه���ذه القوى اال�ستعمارية لل�سيطرة على �أه���م املواقع اال�سرتاتيجية‬ ‫واملم���رات الدولية‪ ،‬احتلت بريطانيا ع���دن يف العام ‪1839‬؛ وهذا ما‬ ‫ا�ستف���ز فرن�سا ودفعه���ا �إىل االهتمام بال�ساح���ل الإفريقي امل�شرف‬ ‫عل���ى خلي���ج عدن‪ ،‬ولكن ه���ذا االهتمام مل ي�أخذ بع���د ًا عملي ًا �إال يف‬ ‫ع���ام ‪ ،1862‬وذل���ك عندما ق���ررت فرن�س���ا �أن تكون �أب���وك الواقعة‬ ‫عل���ى مدخل خليج تاجورة ال�شمايل هي املرك���ز الرئي�سي لن�شاطها‬ ‫التج���اري والع�سكري؛ فاتفقت مع �أحد م�شائخ الدين ويدعى �أحمد‬ ‫�أبو بكر على �أن يتنازل لها عن ميناء �أبوك وال�سهل املمتد من ر�أ�س‬ ‫عل���ي يف اجلن���وب �إىل الدم�ي�رة يف ال�شم���ال‪ ،‬ووقع���ت معاهدة بني‬ ‫الطرف�ي�ن يف �آذار‪ /‬مار����س ‪ 1862‬ومبوجبها تعه���دت فرن�سا مقابل‬ ‫ه���ذا التنازل ب�أن تدفع لل�شيخ مبلغ��� ًا من املال‪ ،‬و�سمي الإقليم الذي‬ ‫�سيطرت عليه فرن�سا “ال�ساحل ال�صومايل الفرن�سي”‪.‬‬ ‫وكان م���ن نتيجة هذه املعاهدة �أن �أخذت بريطانيا ترنو بنظرها‬ ‫�ص���وب ال�صوم���ال‪ ،‬ولك���ن الأمر ال���ذي حف���ز فرن�س���ا �إىل احتالل‬ ‫املنطقة امل�سم���اة اليوم “جيبوتي” هو احت�ل�ال بريطانيا مل�صر يف‬ ‫الع���ام ‪ 1882‬وتطلعه���ا �إىل تو�سي���ع نفوذه���ا يف ال�س���ودان وال�ساحل‬ ‫الإفريق���ي‪ .‬ويف العام ‪� 1887‬أقامت فرن�سا قاع���دة يف جيبوتي التي‬ ‫�أ�صبح���ت العا�صمة �سنة ‪ ،1892‬وجيبوت���ي املدينة �أكرث نفع ًا لفرن�سا‬ ‫من �أبوك لأنها تطل على خليج عدن وت�شرف على املحيط الهندي‪.‬‬ ‫كم���ا �أنها نقطة ابت���داء ال�سكة احلديدية التي ت�صله���ا ب�أدي�س �أبابا‬ ‫عا�صمة �إثيوبيا‪.‬‬ ‫ويف الع���ام ‪ 1888‬و�ضعت بريطانيا وفرن�سا حد ًا خلالفاتهما حول‬ ‫‪124‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫مناطق النف���وذ‪ ،‬وذلك ب�أن تركت بريطاني���ا لفرن�سا ر�أ�س جيبوتي‬ ‫مقابل �إعالن بريطانيا حمايتها على بالد ال�صومال‪ .‬واعترب اخلط‬ ‫صال‬ ‫املمتد من جنوب جيبوتي �إىل حدود ال�صومال و�إثيوبيا حد ًا فا� ً‬ ‫بني ما متلكه فرن�سا وما ت�سيطر عليه بريطانيا‪.‬‬ ‫ومن���ذ ذلك التاريخ ظل���ت جيبوتي حتت احلك���م الفرن�سي رغم‬ ‫ال�سعي امل�ستمر من قبل ال�سكان للتخل�ص من اال�ستعمار الفرن�سي‪،‬‬ ‫وكان الع���ام ‪ 1960‬نقط���ة حتول باجتاه التحرر وذل���ك عندما �أُعلن‬ ‫ا�ستق�ل�ال املنطقت�ي�ن اللت�ي�ن كانت���ا تابعت�ي�ن لربيطاني���ا و�إيطالي���ا‬ ‫واحتادهم���ا حتت م�سم���ى “اجلمهورية ال�صومالي���ة”‪ ،‬ما �أدى �إىل‬ ‫ت�أجي���ج ال���روح الوطنية عن���د اجليبوتي�ي�ن وتزاي���د مطالبهم لنيل‬ ‫اال�ستقالل‪ .‬ولكن فرن�سا رف�ضت منح جيبوتي التي �أ�صبحت ت�سمى‬ ‫“�أفريقي���ا ال�شرقية الفرن�سي���ة” اال�ستقالل‪ ،‬فكان �أن نظّ م الكفاح‬ ‫ال�شعب���ي �ضد احلكم الفرن�سي يف جيبوت���ي نف�سه و�صعّد من �أعمال‬ ‫املقاومة حتى انتهى الأمر ب�إعالن ا�ستقالل جيبوتي يف ‪ 27‬حزيران‪/‬‬ ‫يوني ��و ‪ 1977‬ولكن مع احتف���اظ الفرن�سيني بقواعده���م الع�سكرية‪،‬‬ ‫وبذلك �أ�صبحت جيبوتي الع�ضو رقم ‪ 148‬يف الأمم املتحدة والع�ضو‬ ‫‪ 49‬يف منظمة الوحدة الأفريقية والـ ‪ 21‬يف جامعة الدول العربية‪.‬‬ ‫والي���وم م���ع تزاي���د االهتم���ام ال���دويل بجيبوتي بحك���م موقعها‬ ‫اجلغ���رايف و�أهميتها بالن�سبة للجه���ود الدولية يف مكافحة الإرهاب‬ ‫والقر�صن���ة البحرية‪ ،‬مل تعد فرن�سا وحده���ا املوجودة يف جيبوتي؛‬ ‫ف�إىل جانب القاعدة الع�سكرية الأمريكية الوحيدة يف �إفريقيا هناك‬ ‫وجود ع�سكري بريطاين و�أ�سباين‪� ،‬إ�ضافة �إىل �أ�سطول �أملاين �صغري‬ ‫مك���ون من ع���دة فرقاطات بحري���ة و�أربعة مراك���ب متوين وحوايل‬ ‫�ألف���ي بحار‪ ،‬وجت���وب هذه القط���ع البحرية خليج ع���دن وال�سواحل‬ ‫ال�صومالية واليمنية‪ ،‬ويرجع البع�ض هذا الوجود املكثف للأ�ساطيل‬ ‫والب���وارج احلربية يف خليج عدن واملحي���ط الهندي �إىل �أنه نوع من‬ ‫التناف����س اال�ستعماري اجلديد خ�صو�ص ًا ب�ي�ن فرن�سا و�أمريكا على‬ ‫الق���ارة الأفريقية‪ ،‬وذلك انطالق ًا من منطقة القرن الأفريقي‪ .‬ويف‬ ‫هذا الإطار‪ ،‬ميكن فهم ت�صريح���ات اجلرنال بيفار القائد ال�سابق‬ ‫للق���وات الفرن�سية بجيبوتي حني قال “ال �أحد يعرت�ض على وجودنا‬ ‫هنا‪ ،‬ال يف املا�ضي وال يف احلا�ضر وال يف امل�ستقبل‪ .‬والآخرون جمرد‬ ‫عابرو �سبيل ب�سبب �أحداث ال�ساعة”‪.‬‬

‫والواق���ع �أن هناك تخوف فرن�سي من تراج���ع نفوذها و�سطوتها‬ ‫يف الق���ارة الأفريقية ل�صالح الواليات املتحدة الأمريكية‪� ،‬إذ مل يعد‬ ‫وا�ضح��� ًا مدى �أهمية انت�شار قواتها هن���اك والدور الذي ت�ؤديه‪ .‬ويف‬ ‫ت�صريح �آخر لوزيرة الدف���اع الفرن�سي جلريدة “ال�شرق الأو�سط”‬ ‫بتاريخ ‪ 28‬ت�شري���ن الأول‪� /‬أكتوبر ‪ 2008‬جاء فيه �أن هدف الواليات‬ ‫املتح���دة هو �إقام���ة قاعدة خلفي���ة ملحاربة الإره���اب‪ ،‬و�أ�ضافت �أن‬ ‫“الوج���ود الع�سكري الأمريك���ي لي�س دائم ًا بل هو مرتبط مبحاربة‬ ‫الإره���اب بينما الوجود الفرن�سي دائم”‪ .‬كم���ا جاء �إعالن الرئي�س‬ ‫الأمريك���ي ال�سابق جورج بو�ش يف ال�سابع من �شباط‪ /‬فرباير ‪2007‬‬ ‫ع���ن قراره ب�إن�شاء قيادة ع�سكرية موحدة جديدة للقارة يف �أفريقيا‬ ‫(�أفريك���وم) ليزي���د م���ن ح���دة املخ���اوف الفرن�سية جت���اه الدوافع‬ ‫احلقيقي���ة لإن�ش���اء ه���ذه القاع���دة‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا و�أن تقارير خمتلفة‬ ‫حتدث���ت ع���ن جيبوت���ي كموق���ع حمتم���ل ال�ست�ضافة ه���ذه القاعدة‬ ‫الع�سكرية‪.‬‬ ‫�إن الأمريكي�ي�ن والفرن�سيني عل���ى ال�سواء يدرك���ون �أهمية املوقع‬ ‫اجلغ���رايف الذي حتتله جيبوت���ي‪ ،‬خ�صو�ص��� ًا و�أن الدولتني تعر�ضتا‬ ‫لهجومي�ي�ن �إرهابيني ح�س���ب و�صفهم يف املنطق���ة البحرية القريبة‬ ‫م���ن جيبوتي‪ ،‬الأول ا�ستهدف املدمرة الأمريكية “يو �إ�س �إ�س كول”‬ ‫يف خليج عدن العام ‪ 2000‬والثاين ا�ستهدف ناقلة النفط الفرن�سية‬ ‫“ليمب���ورج” يف الع���ام ‪ .2002‬وانطالق ًا من جيبوتي �أي�ضاً‪ ،‬متكنت‬ ‫الوالي���ات املتحدة الأمريكي���ة بوا�سطة طائرة م���ن دون طيار تابعة‬ ‫لوكال���ة اال�ستخب���ارات املركزية من اغتيال �أبو عل���ي احلارثي �أحد‬ ‫زعم���اء تنظيم القاعدة‪ ،‬وذلك يف حمافظة م����أرب اليمنية‪ .‬كما ال‬ ‫نن�سى �أن �سواحل �شرق �أفريقيا ومن �ضمنها ال�ساحل اجليبوتي هي‬ ‫املناط���ق الأقرب لإ�سرائي���ل‪ ،‬حيث املداخل اجلنوبي���ة امل�ؤدية �إليها‬ ‫ترتك���ز يف ه���ذه املنطقة؛ لذا ف����إن وجود قواع���د ع�سكرية فيها من‬ ‫�ش�أن���ه طم�أن���ة �إ�سرائيل‪ .‬ويف نف����س الوقت‪� ،‬ضم���ان الوجود الدائم‬ ‫بالقرب من منابع النفط التقليدية واملحتملة يف اليمن واخلليج‪.‬‬ ‫�إذ ًا م���ن الوا�ض���ح �أن جيبوتي حتولت �إىل نقطة ارت���كاز �أ�سا�سية‬ ‫ت�ستخدمه���ا الق���وى الك�ب�رى يف حربها على م���ا ي�سم���ى بالإرهاب‬ ‫ال���دويل‪ ،‬و�أي�ض ًا من �أجل حماية م�صاحلها و�ضمان تدفق �إمدادات‬ ‫النف���ط �إليه���ا‪ .‬واحل���ال �أن جيبوت���ي بحك���م موقعه���ا يف منطق���ة‬ ‫م�ضطرب���ة‪ ،‬ووجود هواج�س تاريخية لديها ب�أنها م�ستهدفة من قبل‬ ‫جريانه���ا الكب���ار (�إثيوبيا وال�صوم���ال)‪ ،‬بالإ�ضاف���ة �إىل حمدودية‬ ‫موارده���ا الذاتية؛ كل ذل���ك جعلها ال تعار�ض ‪ -‬م���ن حيث املبد�أ ‪-‬‬ ‫الوج���ود الع�سك���ري الأجنبي عل���ى �أرا�ضيها كنوع م���ن احلماية لها‬ ‫يف مواجه���ة �أعداءه���ا املفرت�ض�ي�ن‪ ،‬ويف الوقت نف�س���ه ت�أمني مبالغ‬ ‫مالية كبرية تدعم االقت�ص���اد اجليبوتي جرّاء ت�أجري تلك القواعد‬ ‫واملق���رات الع�سكرية للق���وى الكربى‪ .‬كما �أن جيبوت���ي تدرك متام ًا‬

‫معلومات �أ�سا�سية‬

‫جيبوتي‪ :‬دولة عربية تقع يف منطقة القرن الأفريقي‪ ،‬على حماذاة‬ ‫ال�شاطئ الغربي مل�ضيق باب املندب‪.‬‬ ‫احلدود‪ :‬حتده���ا �إريرتيا من ال�شمال و�إثيوبيا من الغرب واجلنوب‪،‬‬ ‫وال�صومال من اجلن���وب ال�شرقي فيما تطل �شرق ًا على البحر الأحمر‬ ‫وخلي���ج ع���دن‪ ،‬وعلى اجلانب املقاب���ل لها عرب البح���ر الأحمر يف �شبه‬ ‫اجلزي���رة العربية‪ ،‬اليمن الت���ي تبعد �سواحلها نح���و ‪ 20‬كيلومرت ًا عن‬ ‫جيبوتي‪.‬‬ ‫امل�ساحة‪ 23,200 :‬كم‪.‬‬ ‫عدد ال�سكان‪ 800,000 :‬ن�سمة‪.‬‬ ‫تاري��خ اال�ستق�لال‪ :‬ا�ستقل���ت ع���ن فرن�س���ا يف ‪ 27‬حزيران‪/‬يونيو‬ ‫‪.1977‬‬ ‫تاريخ االن�ضمام �إىل جامعة الدول العربية‪.1977 :‬‬ ‫العا�صمة‪ :‬جيبوتي‪.‬‬ ‫اللغة الر�سمية‪ :‬العربية والفرن�سية‪.‬‬ ‫لغات حملية معرتف بها‪ :‬العفرية وال�صومالية‪.‬‬ ‫نظام احلكم‪ :‬جمهوري ن�صف رئا�سي‪.‬‬ ‫رئي�س الدولة‪� :‬إ�سماعيل عمر جيلة‪.‬‬ ‫الناجت املحلي بح�سب تقديرات ‪ 982 :2008‬مليون دوالر‪.‬‬ ‫يعي����ش نحو خم�س �سكان البل���د تقريب ًا حتت اخلط العاملي للفقر بنحو‬ ‫‪ 1.25‬دوالر يومي ًا‪.‬‬

‫�أن �إمكانياته���ا كدولة �صغرية‪ ،‬وحمدودي���ة قدرتها على تغيري واقع‬ ‫�سيا�س���ي تكر�س ع�ب�ر عقود من الزم���ن‪� ،‬أرغمها عل���ى التكيف مع‬ ‫الوجود الع�سك���ري الأجنبي على �أرا�ضيها‪ ،‬بل واال�ستفادة منه‪ ،‬لذا‬ ‫حت���اول جيبوتي الي���وم �إيجاد نوع م���ن التوازن الن�سب���ي يف جن�سية‬ ‫القوات الأجنبية املوجودة يف �أرا�ضيها‪ ،‬وحتر�ص على خلق عالقات‬ ‫جي���دة مع جريانها ع��� ّل ذلك ي�ضمن لها على امل���دى الطويل الأمن‬ ‫واال�ستقرار يف منطقة مل تنعم بهما منذ �أمدٍ طويل‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪125‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫قراءات فـي ال�سيا�سة واالقت�صاد وال�ش�ؤون اجلارية‬

‫�صدر حديث ًا‬

‫�أدمغة �صهيون املقاتلة‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫احلرب الهجينة‬ ‫ريا�ض قهوجي‬ ‫طريق اخلليج للخروج‬ ‫من م�أزق «تنمية ال�ضياع»‬ ‫علي خليفة الكواري‬ ‫الآلية ال�شرعية فـي مكافحة الف�ساد‬

‫حممد غالب ال�شرعبي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪126‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪127‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫يف غِ م���ار انهماكهم ب���ـ «البحث» عن �صيغ ٍة ما تُنهي ق�ضية ال�صراع العرب���ي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪ ،‬ين�سى العرب‬ ‫ غالب���اً‪� -‬إ�سرائي���ل؛ فه���ي جمرد “كيان” بغي�ض ال ي�ستح���ق حتى جمرد التفات ٍة �إليه‪ ،‬م���ا بالنا بدرا�سة‬‫ه ��ذا “الكيان حتمي ال���زوال” وتفحُّ �صه عن قُرب؛ فالأمر ال ي�ستحِ ق حتى جم���رد جُ هد التفكري فيه(!)‬ ‫لك���ن �إ�سرائيل‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬ال تفعل؛ فهي تتذكر خ�صومه���ا دائماً‪ .‬وهي تعرف متام ًا �أن م�س�ألة بقائها يف‬ ‫ه���ذا املحي���ط العدائي لن يتحقق �إال بت�أم�ي�ن كل عنا�صر القوة املمكنة‪ ،‬بدء ًا من الق���وة الع�سكرية ولي�س‬ ‫انته���ا ًء باملعرف���ة العلمية وال�سيا�سي���ة‪ .‬ثمة مقولة �شه�ي�رة لفرن�سي�س بيكون مفاده���ا �أن “املعرفة قوة”‪،‬‬ ‫والإ�سرائيلي���ون ي�ؤمنون به���ا حتى الثّمالة‪ .‬وعلى كل حال‪ ،‬ف�إن جتربة الدولة العِربية تُثبت م�ضامني ذلك‬ ‫الإميان با�ستمرار‪ ،‬وال نحتاج �إىل كثري من الأدلة ال�ستي�ضاح الأمر‪.‬‬

‫�أدمغة �صهيون املقاتلة‬ ‫ٌ‬ ‫حتقيق �أ ّويل حول مراكز التّفكري وامل�شورة يف �إ�سرائيل‬ ‫حممد �سيف حيدر‬

‫‪m_saif@shebacss.com‬‬

‫‪128‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ويف ح�ي�ن ت�ص���رف معظم احلكومات يف املنطق���ة العربية جهودها‬ ‫يف مط���اردة املُفكّري���ن و�إِذالل الباحث�ي�ن م���ن �أبناءه���ا ب�شتى الطرق‬ ‫والأ�سالي���ب (�إهم���ا ًال والمباالة �أو اعتق���ا ًال وت�شري���د ًا وترويعاً)‪ ،‬ومن‬ ‫ثمّ دفعه���م دفع ًا �إىل الفرار بـ “�أدمغته���م” وكرامتهم �إىل عامل �أكرث‬ ‫رحاب���ة‪ ،‬حيث تكون ال�ص���دور مفتوح���ة للعطاء والب���ذل العلمي بغري‬ ‫ح���دودٍ �أو قيود؛ ف����إن الدول���ة ال�صهيونية ما فتئت حتتف���ي مبفكريها‬ ‫و�أدمغته���ا املقاتل���ة يف �س�ي�رور ٍة ال ته���د�أ وال تعرف الكل���ل �أو امللل منذ‬ ‫حلظتها الوجودية الأوىل‪.‬‬ ‫وب�ي�ن كال ال�سبيل�ي�ن واملنهجني (العَربي والعِ�ب�ري �إن جاز القول)‬ ‫هو ٌة �أخذت تت�سع كل يوم وفرا ٌغ ي�أبى �إال توغ ًال ومكوثاً‪ ،‬والنتيجة كارثة‬ ‫بر�سم بالدٍ متتد من اخلليج حتى املحيط‪ ،‬وهي كارثة ما انفكت تكبرُ‬ ‫م���ع مرور الزمن ككرة ثلجٍ متدحرج���ة مل تزل تندفع ب�سرعة ماحِ قة‪.‬‬ ‫وللخيب���ة يف بالد العرب مذا ٌق خمتلف؛ فه���ي ال تنال العلم التجريبي‬ ‫مت�س �سمعة الكُتل الب�شرية ال�ضخمة القاطنة يف هذا املحيط‬ ‫وحده �أو ّ‬ ‫اجليو�سيا�س���ي البال���غ االت�ساع واملو�سومة بـ “التخل���ف” على الدوام‪،‬‬ ‫و�إمن���ا اتّ�سع التّداعي ليطال �سيا�سات ال���دول وتوجهات ُ�صنّاع القرار‬ ‫واملتحكمني ب�أمن بلدانهم وم�ستقبلها على املدى املنظور‪.‬‬ ‫ويف حني يتخبّط ال�سّ ا�سة العرب يف توجهاتهم الآنية واال�سرتاتيجية‪،‬‬ ‫كنتيج���ة حتمية الفتقادهم م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة‪ ،‬التي من �أهم‬ ‫وظائفه���ا و�ضع تو�صيف���ات وحتليالت دقيقة للواق���ع ور�سم “خرائط‬ ‫ط���رق” كا�شِ ف���ة تُ�ساعد على اتخاذ ق���رارات ر�شي���دة ومدرو�سة �إزاء‬ ‫الأزم���ات ال�سيا�سي���ة املختلف���ة وايج���اد حل���ول منا�سب���ة للم�ش���كالت‬ ‫املجتمعي���ة القائمة وجتاوز (�أو احلد عل���ى الأقل من) �آثارها ال�سلبية‬ ‫املحتملة؛ جند‪ ،‬يف اجلهة الأخ���رى حيث ي�ستوطن الأعداء‪ ،‬درو�س ًا ال‬ ‫تنتهي حول �أهمية العلم والعلماء‪ ،‬البحث العلمي والباحثني‪.‬‬ ‫وال ي�سعن���ا هن���ا �أن ُنلِ���مّ ب���كل �شيء يتعل���ق بهذا املو�ض���وع املرتامي‬ ‫الأط���راف‪ ،‬بل �سنق�ص���ر جهودنا على ا�ستط�ل�اع دور مراكز البحوث‬ ‫والدرا�سات وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف �إ�سرائيل‪ ،‬وعلى نح ٍو �أويل‬ ‫وموج���ز قد نتمكن ‪ -‬يف وقت الح���ق ‪ -‬من تطويره وتو�سيعه يف درا�سة‬ ‫مُ�سهب���ة متى متكّنا من ذلك‪ .‬وبداي���ة ينبغي الإ�شارة �إىل �أن املق�صود‬ ‫بـ “م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة” هنا ال ين�صرف �إىل مراكز الأبحاث‬ ‫الأكادميي���ة ذات التوج���ه التخ�ص�صي الدقي���ق‪ ،‬و�إن كانت اجلامعات‬ ‫واملعاه���د الإ�سرائيلي���ة ت�ضم ع���دد ًا ال ي�ستهان به منه���ا‪ .‬وهي تختلف‬ ‫عن مراك���ز البحث والتطوي���ر (‪ )Research & Development‬العامِ لة‬ ‫يف خدم���ة قطاع التكنولوجيا وال�صناعات الع�سكرية‪ .‬ولئن كان هذان‬ ‫النوع���ان الأخريان ُيع���دّان باملئات (ما ال يقل ع���ن ‪ 700‬مركز)‪ ،‬ف�إن‬ ‫ع���دد م�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة يف �إ�سرائي���ل ال يزيد عن الدزينتني‬ ‫�إال بقليل (نحو ‪ 30‬م�ؤ�س�سة ومركزاً)‪.‬‬ ‫حممد �سيف حيدر مدير حترير جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‪ ،‬وباحث يف مركز �سب�أ‬ ‫للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪.‬‬

‫وميك���ن الق���ول �أن ه���ذه امل�ؤ�س�سات تجُ �سِّ���د‪ ،‬بكل و�ض���وح وفعالية‪،‬‬ ‫ظاه���رة الـ ‪� ،advising‬أي تقدمي امل�ش���ورة املهنية لل�سيا�سيني و�صانعي‬ ‫الق���رارات‪ .‬وهذه ظاهرة قدمية ال تمُ يّز ع�صرنا فقط‪ ،‬لكنها تطورت‬ ‫ب�ش���كل الفت منذ الفرتة التي دارت فيها احلرب العاملية الثانية (و�إن‬ ‫ظه���رت قبلها ‪ -‬وحتديد ًا يف الواليات املتحدة‪ -‬بعقدين من الزمن)‪،‬‬ ‫���رف �آمنة” يتناق�ش فيه���ا ك ٌل من املُخططني‬ ‫�إذ ب���د�أت على هيئة “غُ ٍ‬ ‫الع�سكري�ي�ن وعلماء اال�سرتاتيجي���ا والدفاع‪ ،‬وبعد ه���ذه الفرتة ‪� -‬أي‬ ‫�أثناء احلرب الباردة يف خم�سينيات و�ستينيات القرن املا�ضي‪ -‬بد�أت‬ ‫مراك���ز التفكري وامل�شورة تتكاثر يف الوالي���ات املتحدة و�أوربا والعامل‪.‬‬ ‫ويُ�شري املعدل الت�صاعدي لت�أ�سي�س مراكز التفكري حول العامل �إىل �أن‬ ‫العق���د ما بني ‪ 1990‬و‪ 2000‬كان الف�ت�رة الذهبية التي ظهر فيها �أكرب‬ ‫ع���دد من املراكز‪� ،‬إذ و�صل عدد املراك���ز اجلديدة فيها �أكرث من ‪120‬‬ ‫مركزاً‪.‬‬ ‫ومع مطلع القرن احلادي والع�شرين‪� ،‬أخذت هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات‬ ‫يف التط���ور ب�شكل مت�سارع ونوعي يف بل���دان خمتلفة من العامل ومنها‬ ‫�إ�سرائيل كما تذهب الباحثة بريال �آيزنكنغ – كانه‪ ،‬وهي م�ؤلفة كتاب‬ ‫�ص���در حديث��� ًا يتناول هذا املو�ض���وع‪ .‬وتُ�ضيف «�أنه يعم���ل يف �إ�سرائيل‬ ‫الي���وم �أكرث من ع�شري���ن “م�ؤ�س�س���ة بحث وتفكري”‪ ،‬وه���ي “العبة”‬ ‫ُع�ت�رف بها يف امل�شهد ال�سيا�سي‪ ،‬و�أنه يف حني مل يكن ممكن ًا �إطالق ًا‬ ‫م ٌ‬ ‫ر�ؤي���ة وجوده���ا على �أنه “ظاه���رة”‪ ،‬فقد �أُقيم من���ذ �أوائل ت�سعينيات‬ ‫الق���رن الع�شرين‪ ،‬ف�صاع���داً‪ ،‬نحو خم�س ع�ش���رة م�ؤ�س�سة ومركز ًا يف‬ ‫مقاب���ل �سبع م�ؤ�س�س���ات فقط يف ال�سنوات الع�شري���ن ال�سابقة لذلك»‪.‬‬ ‫وق���د دفع هذا احل���راك املت�صاعد �إ�سرائي���ل �إىل احتالل املرتبة رقم‬ ‫‪ 23‬عل���ى امل�ستوى العاملي م���ن حيث عدد املراكز البحثي���ة وم�ؤ�س�سات‬ ‫التفك�ي�ر‪ ،‬وهي مرتبة متقدم���ة جد ًا بالن�سبة لدول���ة �صغرية‪ ،‬م�ساح ًة‬ ‫وحجم ًا و�سكاناً‪.‬‬ ‫وقبل‬ ‫ديناميكية ال�شخ�صية الإ�سرائيلية‬ ‫احلدي���ث عن مراك���ز وم�ؤ�س�س���ات التفكري هذه‪ ،‬ال بد م���ن التعريف‪،‬‬ ‫�أوالً‪ ،‬باملركب الأ�سا�س الفاعل داخل هذه املراكز‪ /‬امل�ؤ�س�سات باعتبار‬ ‫�أن �شخ�صي���ة الف���رد ومتيّزه الثق���ايف واحل�ضاري ينعك�س���ان ‪ -‬ب�شكل‬ ‫�أو ب�آخ���ر‪ -‬على املكان ال���ذي يعمل فيه ذلك الف���رد وي�سعى لتطويره‪.‬‬ ‫ال�شخ�صي���ة الفردية الإ�سرائيلية تت�سم بالفع���ل – كما الحظ البع�ض‬ ‫ بالديناميكية واحلركية‪ ،‬وهي كذلك �شخ�صية بنيوية مُركّبة تعتمد‬‫يف تثبيت مواقفها مُركّبني �أ�سا�سيني وهما‪ :‬املعرفة والقوة‪ .‬ومنذ وقت‬ ‫مُبكِّ���ر‪ ،‬تر�سّ خت ل���دى الإ�سرائيليني‪ ،‬حُ كّام ًا وحمكوم�ي�ن‪ ،‬ومبا يُ�شبِه‬ ‫العقي���دة �أو الإيديولوجي���ا‪ ،‬فك���رة �ضرورة اجلمع بني الق���وة واملعرفة‬ ‫م���ن �أجل حماية م�شروعهم الوجودي الذي تمُ ثِل «الدولة ال�صهيونية»‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪129‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫�إط���اره الأ�سا�سي‪ ،‬واحلا�ضنة الرئي�سي���ة للتقدم والرخاء الذي ين�شده‬ ‫ه�ؤالء‪ ،‬ولي�س جمرد �ضمان البقاء وح�سب‪.‬‬ ‫إدراك �إ�سرائيلي مُبكِّر لأهمية دور العلم‬ ‫وتتكئ هذه القناعة عل���ى � ٍ‬ ‫واملعرف���ة وحيويته الفائقة يف �صياغة حياة املجتمعات الإن�سانية‪ ،‬وهو‬ ‫�إدراكٌ ن���راه جليّ��� ًا يف �أق���وال عدد من الق���ادة الإ�سرائيلي�ي�ن �أبرزهم‬ ‫حايي���م وايزم���ان‪� ،‬أول رئي�س لإ�سرائيل‪� ،‬إذ يق���ول «العلم هو �سالحنا‬ ‫وم�صدر قوتنا ودرعن���ا»‪ ،‬كذلك مقولة �شمعون برييز التي ت�شدد على‬ ‫�أن «املعلوم���ة �أقوى من املدفع»‪ .‬ي�ض���اف �إىل ذلك‪ ،‬ما جاء على ل�سان‬ ‫�إ�سح���ق نافون‪ ،‬الرئي����س الإ�سرائيلي الأ�سبق‪ ،‬م���ن �أن «تبادل الثقافة‬ ‫واملعرفة ال يقل �أهمية عن �أي ترتيبات ع�سكرية»‪.‬‬ ‫واحلال �أن هذا التفكري‪ ،‬الذي عُ زِّ ز بالقدرات والإمكانيات الالزمة‬ ‫لال�ستم���رار وامل�ض���ي قُدم ًا نحو ت�أم�ي�ن الوجود يف بيئ���ة جيو�سيا�سية‬ ‫مُعقّدة ترف�ض وجود �إ�سرائيل ناهيك عن االعرتاف بها‪ ،‬قاد القيّمني‬ ‫على الدولة العِربيّة ‪� -‬سا�س ًة وع�سكر‪ ،‬مفكرين وباحثني‪� -‬إىل احلر�ص‬ ‫دوم��� ًا على التعاطي مع م�ستجدات الواقع املحيط ومتغرياته العا�صفة‬ ‫الت���ي ال تهد�أ ومبا ي�ضمن احلف���اظ على «كيانية» الدولة وقدرتها على‬ ‫احلرك���ة مبرونة والتعامل م���ع العرب املناه�ضني له���ا واملحيطني بها‬ ‫م���ن كل اجتاه‪ .‬ويف قل���ب هذا احلر�ص‪ ،‬وذلك االهتم���ام‪ ،‬كان ملراكز‬ ‫وم�ؤ�س�س���ات الأبح���اث وامل�ش���ورة مكان���ة خا�صة‪ ،‬وموق���ع مميز‪ ،‬ودور‬ ‫خطري‪.‬‬ ‫وال �ش���ك �أن املكان���ة الرفيع���ة والتقدي���ر الع���ايل اللّذي���ن حظي���ت‬ ‫بهم���ا (وال ت���زال) مراك���ز وم�ؤ�س�س���ات التفكري وامل�ش���ورة يف املجتمع‬ ‫الإ�سرائيل���ي‪ ،‬يتالءم���ان مع الدور امله���م الذي تقوم به ه���ذه املراكز‬ ‫يف �ص���وغ ال�سيا�س���ات العامة و�صناعة الق���رار يف �إ�سرائيل‪ .‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل م�ساهمته���ا الفاعل���ة يف تطوي���ر الأداء الإ�سرائيلي الع���ام‪� ،‬سوا ًء‬ ‫عل���ى م�ستوى الدولة �أو املجتمع‪ ،‬وذلك – كما �سبق و�أن �أ�شار الباحث‬ ‫الفل�سطيني كم���ال علي ح�سن ‪ -‬من خالل عملها «يف م�ستويات عدة‪،‬‬ ‫منها‪:‬‬ ‫‪ .1‬تطوي���ر احلي���اة املعرفي���ة يف �إ�سرائيل‪ .‬فمراكز ال ِفك���ر عاد ًة ما‬ ‫ت�ستقطب �أهل اخلربة وامل�ؤهلني علمي ًا و�أكادميياً‪ ،‬لذلك ف�إن مل�ؤ�س�سات‬ ‫البح���ث دور �أ�سا�سي يف تطوير احلي���اة املعرفية والفكرية والعملية يف‬ ‫الو�س���ط الإ�سرائيلي العام‪ ،‬ع���ن طريق �أن�شطته���ا الثقافية ومنابرها‬ ‫الإعالمية املختلفة‪.‬‬ ‫‪� .2‬إقام���ة ج�س���ور العالق���ة والتوا�صل ب�ي�ن �أطراف متع���ددة تمُ ثّل‪،‬‬ ‫مبجملها‪� ،‬أقط���اب �إدارة ال�سيا�سة العامة وتنفيذه���ا والتفاعل معها‪،‬‬ ‫فه���ي تتو�س���ط العالقة ب�ي�ن احلكوم���ة وامل�ؤ�س�س���ات الأكادميية‪ .‬ومن‬ ‫جه���ة �أخرى‪ ،‬تمُ كِّن احلكومة من تاليف �أخطائه���ا �أو حت�سني و�سائلها‬ ‫و�سيا�ساته���ا‪ ،‬م���ن خالل ما تت���م مالحظته ع�ب�ر الر�ؤي���ة الأكادميية‬ ‫وم���ا تتمخ�ض عنه عملية التطوير الفكري���ة واملناق�شات النقدية لتلك‬ ‫‪130‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الأفكار‪.‬‬ ‫‪� .3‬إ�شاع���ة روح البح���ث العلمي والتعامل م���ع الق�ضايا مبو�ضوعية‪،‬‬ ‫وتعمي���م ثقافة البح���ث والتح���ري واال�ستدالل التي تق���ف بال�ضد من‬ ‫ثقافة الت�سطيح واخلرافة والأحكام الع�شوائية‪ ،‬ورعاية املبدعني على‬ ‫وجه اخل�صو�ص وتوفري الفر�صة املنا�سبة للراغبني يف البحث والكتابة‬ ‫والت�أليف و�إبداء الر�أي‪ ،‬و�إقامة ج�سور التوا�صل بينهم واجلمهور»‪.‬‬ ‫ومما عزّز من �أهمية هذه املراكز وامل�ؤ�س�سات وقُدرتها على التطوّر‬ ‫– كمّ��� ًا ونوع���اً‪ ،-‬تحَ���وّل املجتم���ع الإ�سرائيلي من جمتم���ع مُتق�شِّ ف‪،‬‬ ‫كم���ا كان عليه احل���ال يف خم�سيني���ات القرن املن�ص���رم‪� ،‬إىل جمتمع‬ ‫وف���رة ورفاه بدء ًا م���ن الت�سعينيات وم���ا �أ�سفر عنه ذل���ك من تال�شي‬ ‫مفه���وم امل�ستوطن الرائ���د (احلالوت�س) ل�صالح مفه���وم اال�ستيطان‬ ‫(الديلوك�س) ح�سب تعب�ي�ر املُفكِّر الراحل عبد الوهاب امل�سريي‪ .‬ويف‬ ‫�ض���وء هذا التح���ول‪ ،‬نفهم ملاذا حتت���ل �إ�سرائيل الي���وم املرتبة الأوىل‬ ‫عاملي��� ًا يف ن�سب���ة الإنفاق عل���ى البحوث والتطوير بالن�سب���ة �إىل الناجت‬ ‫جل ّل‬ ‫املحل���ي‪ ،‬الأمر الذي �ساهم كث�ي�ر ًا يف ا�ستقرار الأو�ض���اع املالية ُ‬ ‫املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثية العاملة يف هذا البلد‪.‬‬ ‫عل���ى �أن املث�ي�ر لالهتم���ام �أكرث‪ ،‬ال���دور الفاعل واملح���وري للجي�ش‬ ‫الإ�سرائيلي يف ه���ذا الإطار والذي يعك�س بو�ضوح الأهمية التي توليها‬ ‫الدولة العِربية لفكرة امل���زج بني املعرفة والقوة‪� ،‬إذ لعب اجلي�ش (وال‬ ‫يزال) دور ًا حا�ضن ًا النخراط �إ�سرائيل يف الثورة املعرفية‪ .‬فعلى �سبيل‬ ‫املثال‪ ،‬هن���اك العديد من مُنت�سبي امل�ؤ�س�س���ات املتخ�ص�صة يف جمال‬ ‫الأم���ن واالت�صاالت �أم�ضوا �سن���وات يف مراكز �أبحاث وحدات النخبة‬ ‫(ت�ساحال)‪.‬‬ ‫واحلال �أن كل هذه الأمور مجُ تمعةً‪ ،‬وغريها‪� ،‬أخذت – ومنذ مطلع‬ ‫العق���د املا�ضي حتدي���داً‪ -‬يف دع���م دور �إ�سرائيل الإقليم���ي ومكانتها‬ ‫العاملي���ة وتقويتهما على نح��� ٍو ملحوظ‪ ،‬ال�سيم���ا �أن خُ �صمائَها العرب‬ ‫ُيبْ���دونَ – حتى اللحظة ‪ -‬المب���االة مُريعة مبو�ضوع املعرفة ال�سيا�سية‬

‫يف حني يتخبّط ال�سّ ا�سة العرب يف توجهاتهم الآنية‬ ‫واال�سرتاتيجي��ة‪ ،‬كنتيج��ة حتمي��ة الفتقاده��م‬ ‫م�ؤ�س�سات التفك�ير وامل�شورة‪ ،‬جند‪ ،‬يف اجلهة الأخرى‬ ‫حيث ي�ستوطن الأعداء‪ ،‬درو�س ًا ال تنتهي‬ ‫حول �أهمية العلم والعلماء‪،‬‬ ‫البحث العلمي والباحثني‬

‫واال�سرتاتيجي���ة والعلمي���ة على حدٍ �س���واء‪ ،‬بالرغم من �أنه���ا ‪ -‬والك ّل‬ ‫يعلم ذلك ويُقرّه‪� -‬أ�ضحت �أحدى املدخالت واملكونات الرئي�سية للقوة‬ ‫واملكانة يف ع�صرنا‪ ،‬ناهيك عن «ترفّع» عددٍ كبري منهم جلهة معرفة‬ ‫(واال�ستم���رار يف الإحاطة بـ) التوجهّات احلاكم���ة ل�صنّاع القرار يف‬ ‫�إ�سرائيل‪ ،‬التي ينظرون �إليها بو�صفها «العدو الأول» للأمة العربية!‬ ‫بي���د �أن ه���ذا ‪-‬‬ ‫«الع��رب» حت��ت املجه��ر‬ ‫كم���ا �أ�شرنا يف بداية حديثن���ا‪ -‬مل يدفع الإ�سرائيليني‪ ،‬يف املقابل‪� ،‬إىل‬ ‫«الر ّد باملثل»‪ ،‬فهو تكتي���ك غري م�أمون العواقب على الإطالق وال يليق‬ ‫بدولة حتر�ص على جتاوز هاج�س امل�شروعية املُزمِ ن الذي تعاين منه‪،‬‬ ‫وحت�صني �أمنها القومي املُهدد – رغم كل �شيء‪ ،‬حتى اتفاقيات ال�سالم‬ ‫ومعاهدات���ه‪ .‬ولهذا كان املحيط العرب���ي‪ ،‬دو ًال وجمتمعات‪ ،‬والتي هي‬ ‫يف حالة �صراع مُعلن مع امل�شروع ال�صهيوين يف املنطقة‪ ،‬حمل اهتمام‬ ‫ودرا�س���ة من قِبل العلم���اء واملفكرين اليه���ود والإ�سرائيليني منذ �أمدٍ‬ ‫بعيد ميتد �إىل ما قبل قيام �إ�سرائيل نف�سها على الأر�ض الفل�سطينية‪.‬‬ ‫فعلى �سبي���ل املثال‪ ،‬مت �إن�شاء «معهد الدرا�سات ال�شرقية» يف اجلامعة‬ ‫العربي���ة بالقد����س منذ �سن���ة ‪ .1926‬وبع���د ت�أ�سي�س الدول���ة العربية‪،‬‬ ‫ارتفع���ت وترية االهتمام الإ�سرائيلي بدرا�س���ة املنطقة العربية‪ ،‬وتالي ًا‬ ‫تعاقبت املراك���ز وامل�ؤ�س�سات البحثية‪ ،‬الت���ي كرّ�ست جهودها لدرا�سة‬ ‫التط���ورات الت���ي جت���ري يف العامل العرب���ي‪ ،‬يف الظه���ور‪ ،‬مثل «معهد‬ ‫ف���ان لري» ال���ذي ت�أ�س�س يف القد�س يف �سن���ة ‪ ،1959‬و«م�ؤ�س�سة ر�ؤوفني‬ ‫�شيل���واح» التي ت�أ�س�ست يف ذات ال�سن���ة برعاية اجلمعية اال�ست�شراقية‬ ‫يف �إ�سرائيل‪ ،‬والتي دُجمت �سنة ‪ 1965‬يف جامعة تل �أبيب‪.‬‬ ‫لك���ن دور مراك���ز الأبحاث ال�سيا�سي���ة واال�سرتاتيجي���ة وم�ؤ�س�سات‬ ‫التفكري وامل�شورة الإ�سرائيلية برز �أكرث‪ ،‬وتعمّقت ت�أثرياته يف توجّ هات‬ ‫الدولة العِربية‪ ،‬بعد حرب حزيران‪ /‬يونيو ‪ 1967‬التي �شنتها �إ�سرائيل‬ ‫على الدول العربي���ة املجاورة‪� ،‬إذ واجهت الأوىل م�ضاعفات الأرا�ضي‬ ‫املحتل���ة اجلديدة و»اخلط���ر الدميوغ���رايف» املاثل يف كثاف���ة ال�سّ كان‬ ‫الع���رب واملقاومة املُ�سلّحة وقرارات الأمم املتحدة‪ ،‬بالتوازي مع تعقّد‬ ‫م�شكلة �أمن الدولة وم�ستقبلها‪ .‬وفيما بعد‪� ،‬أ�صبحت الدرا�سات والآراء‬ ‫التي تُقدمها مراك���ز الأبحاث ال�سيا�سي���ة واال�سرتاتيجية وم�ؤ�س�سات‬ ‫التفكري وامل�شورة هي من ي�صوغ – �إىل حدٍ كبري‪ -‬ويبلور نظرة الر�أي‬ ‫العام الإ�سرائيلي نحو العرب‪.‬‬ ‫وم���ن يتتبع خارطة مراك���ز الأبحاث يف �إ�سرائيل الي���وم‪� ،‬سيُده�ش‬ ‫كث�ي�ر ًا �أمام كرثة ع���دد مراكز البحث والدرا�س���ات الإ�سرائيلية التي‬ ‫تتخ�ص����ص يف درا�س���ة خمتل���ف الق�ضاي���ا يف الع���امل العرب���ي‪ ،‬وهذه‬ ‫املراكز ال ترتك �شارِد ًة وال وارِدة يف املنطقة �إ ّال وتُ�شبِعها بحث ًا ودرا�سة‬ ‫ومتحي�ص ًا حت���ى تخل�ص‪ ،‬يف النهاية‪� ،‬إىل تقدمي ا�ستنتاجات ب�ش�أنها‪،‬‬ ‫يعقُبه���ا ع���اد ًة ط���رح ت�ص���ورات وتو�صي���ات محُ���ددة قد تُفي���د �صنّاع‬

‫املكانة الرفيعة والتقدير العايل اللّذين حظيت بهما‬ ‫(وال ت��زال) مراك��ز وم�ؤ�س�سات التفك�ير وامل�شورة يف‬ ‫املجتم��ع الإ�سرائيلي‪ ،‬يتالءمان م��ع الدور املهم الذي‬ ‫تقوم به هذه املراكز يف �صوغ ال�سيا�سات‬ ‫العامة و�صناعة القرار يف �إ�سرائيل‬

‫ال�سيا�س���ة وخمططو اال�سرتاتيجي���ات يف وزارة الدفاع و�أجهزة الأمن‬ ‫واال�ستخبارات‪.‬‬ ‫وبالتدري���ج‪� ،‬أخذت هذه املراكز واملعاه���د وامل�ؤ�س�سات يف االعتماد‬ ‫عل���ى نخب���ة م���ن املفكري���ن اليه���ود املتخ�ص�صني يف جم���االت كثرية‬ ‫ومتعددة‪ ،‬كما م�ضت يف زي���ادة و�سائلها و�أدواتها البحثية وتطويرها‪،‬‬ ‫وتو�سّ عت مكتباتها وت�ضخّ مت قاعدة معلوماتها‪ ،‬كما ت�ضاعفت �أعداد‬ ‫مطبوعاته���ا ودرا�ساته���ا وت�ش ّعب���ت موا�ضيعه���ا وحم���اور اهتماماتها‬ ‫املعرفية وال�سيا�سي���ة واالقت�صادية واال�سرتاتيجية‪ .‬ويف الوقت نف�سه‪،‬‬ ‫تع���ززت ارتباطاتها مع احلكومة وم�ؤ�س�ساتها باعتبار �أنها �أ�صبحت ‪-‬‬ ‫بال�ض���رورة‪ -‬مراكز للدفاع عن املجتمع والدول���ة الإ�سرائيلية وتعزيز‬ ‫�أدائهم���ا يف املج���االت كاف���ة‪ ،‬وراحت تُقي���م الن�شاط���ات بالتعاون مع‬ ‫امل�ؤ�س�سات امل�شابهة لها يف الغرب والواليات املتحدة الأمريكية خا�صة‪.‬‬ ‫كم���ا با�ش���رت يف و�ض���ع م�شاري���ع وحلق���ات نقا�شية و�إع���داد حتريات‬ ‫ودرا�سات م�ستقبلية‪ ،‬عميقة ووا�سعة تتناول‪ ،‬بالتحليل واال�ست�شراف‪،‬‬ ‫تركيب���ة الدول العربية ودينامياتها ال�سيا�سية واملجتمعية والدفاعية‪/‬‬ ‫الع�سكرية وبالأخ�ص الدول والقوى املحيطة ب�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫و�إىل جان���ب العديد م���ن مراكز البحث املتخ�ص�ص���ة يف درا�سات‬ ‫الع���امل العرب���ي‪ ،‬ف����إن كل جامع���ة يف �إ�سرائيل ت�ضم �أك�ث�ر من مركز‬ ‫�أبح���اث متخ�ص����ص يف درا�س���ة املنطقة العربية‪ ،‬ناهي���ك عن مراكز‬ ‫البح���ث التابع���ة للأجه���زة اال�ستخباري���ة الإ�سرائيلية؛ فمث�ل�اً جهاز‬ ‫الأم���ن الداخلي (ال�شني بيت) له مركز �أبحاث متخ�ص�ص يف درا�سة‬ ‫التط���ورات التي ت�شهدها الأرا�ضي الفل�سطينية من خمتلف النواحي‪،‬‬ ‫و(ال�ش�ي�ن بيت) ال ي�ستغل العمالء فق���ط يف احل�صول على املعلومات‬ ‫اال�ستخبارية املتعلقة بن�شطاء الف�صائل الفل�سطينية الذين ي�ساهمون‬ ‫يف �أن�شطة املقاومة‪ ،‬بل يحاول ا�ستثمار ه�ؤالء العمالء و»اعت�صارهم»‬ ‫حت���ى النهاية‪� ،‬إن جاز القول‪ ،‬للح�ص���ول على �أكرب قدر من املعلومات‬ ‫واملعطي���ات ح���ول م�سائل وق�ضاي���ا خمتلفة وتوفريه���ا ملركز الأبحاث‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪131‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫التابع لـ (ال�شني بيت) الذي يطرح �أ�سئلة حمددة‪ ،‬ويطلب من العمالء‬ ‫احل�صول على �إجابات عنها‪.‬‬ ‫كم���ا �أن جهاز اال�ستخبارات اخلارجية (مو�ساد) ميلك‪ ،‬هو الآخر‪،‬‬ ‫أبحاث �ضخم يتوىل درا�سة التطورات يف العامل العربي‪ ،‬وهذا‬ ‫مرك���ز � ٍ‬ ‫املرك���ز ُيق���دم تو�صي���ات لدوائر �صنع الق���رار ال�سيا�سي ح���ول طبيعة‬ ‫العالق���ة مع العرب وم�ستقبلها ب�صورة م�ستمرة‪ .‬يف نف�س الوقت‪ ،‬ف�إن‬ ‫جهاز اال�ستخب���ارات الع�سكرية املعروف بـ (�أمان) ي�ضم بني �أق�سامه‬ ‫مركز �أبحاث كبري متخ�ص�ص بدرا�سة املنطقة وق�ضاياها املختلفة‪.‬‬ ‫ومل‬ ‫عبور احلدود لرتوي�ض العقول‬ ‫تقِف حركة ه���ذه املراكز وامل�ؤ�س�سات البحثي���ة الإ�سرائيلية عند حدود‬ ‫العم���ل يف داخ���ل (و�ضمن) �أرا�ض���ي الدول���ة العِربي���ة‪� ،‬إذ �أن بع�ضها‪،‬‬ ‫مُ�ستغِ�ل�اً �أجواء ال�سالم والتطبي���ع و�أحاديثهما الت���ي راجت بعد توقيع‬ ‫م�صر ال�سادات اتفاقية كامب ديفيد مع �إ�سرائيل وخالل العقد الأخري‬ ‫م���ن القرن املن�صرم ال���ذي �شهد انطالق «عملي���ة ال�سالم» بني العرب‬ ‫والإ�سرائيلي�ي�ن قبل جموده���ا يف ال�سنوات الأخرية‪ ،‬عَ �َبلرَ احلدود �إىل‬ ‫عدد من الدول العربية‪ ،‬كالأردن وم�صر‪.‬‬ ‫ويف ظل دع���وة «التطبيع الثقافى»‪ ،‬وحتت يافطت���ه العري�ضة‪ ،‬قامت‬ ‫ه���ذه املراك���ز‪ ،‬و�أبرزها «املرك���ز الأكادميي الإ�سرائيل���ي» يف القاهرة‪،‬‬ ‫ب���دور خطري يف اخ�ت�راق العقل والوج���دان العربي�ي�ن لرتوي�ضهما على‬ ‫القبول بالدولة ال�صهيونية والتعاون معها على ح�ساب احلقوق والثوابت‬ ‫العربي���ة‪ ،‬وطرح «ثقافة ال�سالم» كبدي���ل لثقافة املقاومة التى كانت قد‬ ‫اعتمدته���ا منظمات املقاوم���ة الفل�سطينية ودول عربي���ة �أعطت �أهمية‬ ‫مركزية وحمورية للق�ضية الفل�سطينية يف �أجندتها الوطنية‪.‬‬ ‫و�ضمن ا�سرتاتيجيّة �إ�سرائيلية �شاملة يف جمال �إر�ساء دعائم التطبيع‬ ‫والتج�سّ ����س و�إف�ساد النخب العلمية والثقافية العربية و�إعادة توجيهها‪،‬‬ ‫عم���ل «املركز الأكادمي���ي الإ�سرائيلي» ب���د�أب �شديد عل���ى �إقامة �أو�سع‬ ‫االت�ص���االت والعالقات مع مراكز البحث العلم���ي يف م�صر (الر�سميّة‬ ‫منه���ا والأهلية)‪ ،‬مع الرتكيز على م�س�ألة جم���ع املعلومات الدقيقة عن‬ ‫عنا�ص���ر بُنية املجتمع امل�صري‪ ،‬وحتويل تلك املعطيات والدرا�سات �إىل‬ ‫جه���از اال�ستخب���ارات الإ�سرائيلية (املو�س���اد) و�إىل دوائر �صنع القرار‬ ‫مئات م���ن النُّخب ال�سيا�سية‬ ‫يف �إ�سرائي���ل‪ .‬ويرتافق ذلك مع ا�ستدراج ٍ‬ ‫والثقافية‪ ،‬ب�شراء ذممهم ب�آالف الدوالرات ثمن ًا لبحث يتكوّن من عدة‬ ‫�صفحات‪ ،‬ولي�س �شرط ًا يف بع�ض الأحيان ما حتويه هذه ال�صفحات من‬ ‫معلوم���ات‪ .‬ففي �أحوالٍ عديدة‪ ،‬يبقى الهدف الرئي�س هو الربط الوثيق‬ ‫للباحث به���ذه الدوائر و�إغرا�ؤه باملال واالمتي���ازات حتى ينتقل انتما�ؤه‬ ‫من التم�سك بلغة الوطن �إىل الدفاع عن لغة الدوالر‪.‬‏‬ ‫وال ب���د م���ن القول‪ ،‬يف ال�سياق ه���ذا‪� ،‬أن التطبيع الثق���ايف يمُ ثّل‪ ،‬كما‬ ‫وتب�ص���ر‪« ،‬الدعامة الرئي�سة للتغلغ���ل الإ�سرائيلي‬ ‫الح���ظ البع�ض بدقة ّ‬ ‫‪132‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫يف املنطق���ة‪ ،‬لأنه �أعم���ق و�أكرث ا�ستقرار ًا من �أيّ ترتيب���ات �أمنية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫املناط���ق منزوعة ال�سالح‪ ،‬وو�ضع قوات دولية‪ ،‬و�أجهزة �إنذار �إلكرتونية‬ ‫وغريه���ا من الرتتيب���ات‪ .‬فالتطبيع الثقايف يظ��� ّل العامل احلا�سم على‬ ‫امل���دى البعي���د‪ ،‬لأنّ ال�ص���راع يرت�سّ خ يف وع���ي ال�شع���وب وثقافاتها ويف‬ ‫ذاكرته���ا اجلمعيّة ووجدانها القوم���ي‪ ،‬فت�صعب عمليّة ه��� ّز القناعات‬ ‫وتدم�ي�ر مق ّوم���ات الذاك���رة الوطني���ة‪ ،‬واخ�ت�راق الثواب���ت التاريخية‪،‬‬ ‫والدينيّة واحل�ضاريّة دون �إقامة ج�سور للتوا�صل والتطبيع الثقايف‪.‬‬ ‫ومن هنا‪ ،‬فقد قامت اال�سرتاتيجية الإ�سرائيلية وجتليّاتُها املعا�صرة‬ ‫عل���ى حماولة ن���زع الع���داء من الوج���دان والعق���ل والذاك���رة العربيّة‪،‬‬ ‫ا�ستكما ًال لن���زع الأ�سلحة املقاوِمة‪ ،‬وهي املهمّة التي ت�ضمنُها االتفاقات‬ ‫ال�سيا�سيّة والأمنية‪ ،‬و�ضرورة ا�سرتاتيجيّة انعقد حولها الإجماع الفكري‬ ‫يف �إ�سرائي���ل ويلت���فُّ خلفها املخطّ ط���ون واملنفذون؛ فقام���ت بت�أ�صيلها‬ ‫والتنظري لها مراكز بحوث عمليّة وجامعات ومعاهد وهيئات �أكادمييّة‬ ‫�إ�سرائيلي���ة كـ»املرك���ز اليهودي العرب���ي» و»معهد العالق���ات الإن�سانية»‬ ‫و»معهد الدرا�سات العربية» و ُكلّها تتبع جامعة حيفا‪ ،‬و»ق�سم الدرا�سات‬ ‫الإ�سالميّة وال�ش���رق �أو�سطيّة» يف اجلامعة العربية‪ ،‬و»مركز الدرا�سات‬ ‫اال�سرتاتيجي���ة» يف جامعة تل �أبيب (الذي �أطلق عليه ا�سم «جايف» فيما‬ ‫بعد)‪ ،‬و»املركز الدويل لل�سالم يف ال�شرق الأو�سط» و»املركز الأكادميي‬ ‫الإ�سرائيل���ي» بالقاه���رة وغريه���ا م���ن املراك���ز وامل�ؤ�سّ �س���ات البحثي���ة‬ ‫املعروفة»‪.‬‬ ‫عل���ى‬ ‫عومل��ة �إ�سرائي��ل‪� ،‬ص��ورة وخطاب�� ًا‬ ‫�أن ال���دور ال���ذي متار�سه هذه املراك���ز وامل�ؤ�س�سات يف خ���ارج �إ�سرائيل‬ ‫واملنطق���ة‪ ،‬يظل الأخطر ال�سيما و�أنه ي���زداد زخم ًا وكثاف ًة بالتوازي مع‬ ‫ات�ساع نطاق العوملة والتق���ارب املت�سارع بني الأمم وال�شعوب والثقافات‬ ‫املختلف���ة‪ .‬فقد ا�ستطاع كث�ي�رٌ من مراكز البح���وث وم�ؤ�س�سات التفكري‬ ‫الإ�سرائيلي���ة تطوي���ر وج���وده وارتباطاته يف �أماك���ن خمتلفة من العامل‬ ‫ري م��ن مراك��ز البح��وث الإ�سرائيلية تطوير‬ ‫ا�ستط��اع كث ٌ‬ ‫وج��وده وارتباطاته يف �أماكن خمتلفة من العامل ال�سيما‬ ‫يف الغ��رب‪ ،‬وبلغ��ت �إمكاني��ات ه��ذه املراك��ز وارتباطاتها‬ ‫وت�أثرياته��ا هن��اك ح��د ًا و�ش���أو ًا بعيدي��ن بحي��ث غ��دا‬ ‫الرَّ�سميني يف �أمريكا و�أوربا وغريهم من‬ ‫ال�سيا�سيني يُرددون املنطق الإ�سرائيلي‬ ‫ذاته‬

‫م�ؤ�س�سات يف خدمة «الكيان»‬ ‫يعد مركز جايف للدرا�سات اال�سرتاتيجية (الذي من املراك���ز البحثي���ة الأخرى‪ ،‬ميك���ن ت�سميتها‬ ‫�أ�صبح ا�سمه الآن معهد درا�سات الأمن القومي) على النحو التايل‪:‬‬ ‫التابع جلامعة تل �أبيب‪ ،‬ومعهد هاري �س‪ .‬ترومان مرك���ز مو�شيه داي���ان لدرا�سات ال�ش���رق الأو�سط‬ ‫للأبحاث وخدمة ال�سالم التابع للجامعة العربية و�أفريقيا‪.‬‬ ‫مرك���ز تاوب لدرا�س���ات ال�سيا�س���ة االجتماعية يف‬ ‫يف القد�س‪ ،‬من �أهم املراكز البحثية وم�ؤ�س�سات �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫التفكري وامل�شورة املرتبطة بالقطاع اجلامعي يف معهد القد�س للدرا�سات ال�سيا�سية‪.‬‬ ‫�إ�سرائيل‪.‬‬ ‫مركز بيجن‪ -‬ال�سادات للدرا�سات الإ�سرتاتيجية‪ .‬مركز برييز لل�سالم‪.‬‬ ‫وبالإ�ضاف���ة �إىل هذين املركزي���ن‪ /‬امل�ؤ�س�ستني‪ ،‬معهد فان لري يف القد�س‪.‬‬ ‫مركزيت�سحاق رابني لدرا�سات �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫هن���اك مراكز وم�ؤ�س�س���ات تفكري �أخ���رى رائدة معهد ليونارد ديفي�س للعالقات الدولية‪.‬‬ ‫معه���د موري����س فول���ك للأبح���اث االقت�صادية يف‬ ‫تنتم���ي �إىل القطاع اجلامعي‪ ،‬وكذلك القطاعني م�ؤ�س�س���ة الدرا�س���ات اال�سرتاتيجي���ة وال�سيا�سي���ة �إ�سرائيل‪.‬‬ ‫املتقدمة‪.‬‬ ‫م�ؤ�س�سة ريئوت (الر�ؤيا)‪.‬‬ ‫اخلا����ص واحلكوم���ي و�شب���ه احلكوم���ي يف مركز �أريئيل لأبحاث ال�سيا�سة‪.‬‬ ‫مرك���ز �شي�ل�اح لدرا�س���ات ال�ش���رق الأو�س���ط‬ ‫�إ�سرائيل‪ .‬ومن �أبرز هذه املراكز‪ :‬املركز املتعدد امل�ؤ�س�سة الإ�سرائيلية للدميقراطية‪.‬‬ ‫و�أفريقيا‪.‬‬ ‫االخت�صا����ص هريت�سلي���ا‪ ،‬ومعه���د فلور�سهامير املركز اليهودي ‪ -‬العربي‪.‬‬ ‫معه���د ليف���ي �أ�شك���ول للبح���وث االقت�صادي���ة‬ ‫لدرا�س���ات ال�سيا�س���ة‪ ،‬ومرك���ز درا�س���ات الأمن مركز �إ�سرائيل‪/‬فل�سطني للأبحاث واملعلومات‪.‬‬ ‫واالجتماعية وال�سيا�سية‪.‬‬ ‫القوم���ي يف جامع���ة حيف���ا‪ .‬و�إىل جان���ب مراكز مركز تامي �شتاينمت�س لأبحاث ال�سالم‪.‬‬ ‫املركز الأكادميي الإ�سرائيلي يف القاهرة‪.‬‬ ‫معه���د حايي���م هريت�س���وغ للإع�ل�ام واملجتم���ع املركز الدويل لل�سالم يف ال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫الأبح���اث وم�ؤ�س�سات التفكري وامل�شورة هذه وهي وال�سيا�سة‪.‬‬ ‫معهد الدرا�سات الآ�سيوية والأفريقية‪.‬‬ ‫الأك�ث�ر ن�شاط ًا وتقدم��� ًا يف �إ�سرائيل‪ ،‬هناك عدد‬

‫ال�سيما يف الغرب‪ ،‬وبلغت �إمكانيات هذه املراكز وارتباطاتها وت�أثرياتها‬ ‫هن���اك حد ًا و�ش����أو ًا بعيدي���ن بحيث غ���دا الرَّ�سميني يف �أم�ي�ركا و�أوربا‬ ‫وغريهم م���ن ال�سيا�سيني ‪ -‬ودون احلاج���ة �إىل �أمثلة لأنها ال تحُ �صى‪-‬‬ ‫���ات كث�ي�رة‬ ‫���ات ومنا�سب ٍ‬ ‫يُ���رددون املنط���ق الإ�سرائيل���ي ذات���ه‪ ،‬ويف �أوق ٍ‬ ‫تُ�ستع���ار وتُ�ستن�سخ م�صطلحاته وتعبريات���ه‪ ،‬يف مقوالتهم حول الق�ضية‬ ‫الفل�سطيني���ة وق�ضايا الع���امل العربي وم�شكالت���ه القائمة الأخرى‪ .‬ويف‬ ‫الوق���ت نف�سه‪ ،‬جند �أن الإعالم الأمريك���ي خ�صو�صاً‪ ،‬والغربي عموماً‪،‬‬ ‫يعتمد ب�شكل وا�سع على «خربة» هذه املراكز اال�سرائيلية ودرا�ساتها‪.‬‬ ‫ومكم���ن اخلطورة يف ذل���ك‪� ،‬أن ه���ذه الدرا�سات‪ ،‬وتل���ك «اخلربة»‪،‬‬ ‫ع���اد ًة ما تُ�ستغل من �أجل الرتويج لنم���ط معني من التفكري واخلطاب‪،‬‬ ‫هو بالتحديد اخلطاب الر�سمي لل�سّ ا�سة الإ�سرائيليني وفهمهم لق�ضايا‬ ‫املنطق���ة ويف مقدمتها ق�ضية ال�صراع العربي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪ ،‬بالإ�ضافة‬ ‫�إىل تكري����س ون�شر نظريات و�أف���كار تتعلق بالعن���ف والإرهاب ومعاداة‬ ‫ال�سامي���ة وال�ش���رق الأو�س���ط اجلديد والتف���وق اليه���ودي ودميقراطية‬ ‫�إ�سرائي���ل والتهدي���دات الت���ي تط���ال �أمنه���ا القوم���ي م���ن ِقب���ل الدول‬ ‫الديكتاتوري���ة يف املنطق���ة‪ ،‬ناهيك عن قولبة �ص���ورة العرب وتنميطها‬ ‫بحي���ث يُل�صق بها كل ما هو �شائن و�سلبي‪ .‬ومن ثمّ ‪ ،‬العمل على توظيف‬ ‫ذلك كله من �أج���ل تغيري املعادالت ال�سيا�سي���ة واملواقف اال�سرتاتيجية‬ ‫مبا يخدم الطرف الإ�سرائيلي‪ ،‬وم�صاحله ح�صراً‪.‬‬ ‫وعطف��� ًا على ما �سبق‪ ،‬يُالحظ �أن جمي���ع مراكز البحوث وم�ؤ�س�سات‬

‫التفكري الإ�سرائيلية‪ ،‬حتت���وي على ق�سم خا�ص بالعالقات واالت�صاالت‬ ‫اخلارجي���ة‪ .‬ويعك�س هذا‪ ،‬م���ن ناحية‪ ،‬حر�صها ال�شدي���د على احلفاظ‬ ‫على روابطها وعالقاتها اخلارجية‪ ،‬وتنمية التعاون والتبادل املعلوماتي‬ ‫والثق���ايف م���ع املراكز امل�شابهة يف ال���دول املتقدمة وخا�ص���ة يف �أمريكا‬ ‫ضال ع���ن ا�ستج�ل�اب الدعم املادي له���ا من قبل‬ ‫ال�شمالي���ة و�أورب���ا‪ ،‬ف� ً‬ ‫احلكوم���ات الأمريكي���ة والأوربية‪ .‬ومن ناحية �أخ���رى‪� ،‬ضمان التوا�صل‬ ‫مع اجلاليات اليهودية املنت�شرة يف العامل والتي تُ�شكّل حلقة الو�صل بني‬ ‫هذه اخلزّانات الإ�سرائيلية واليهود يف ال�شتات‪.‬‬ ‫ومن املهم الإ�شارة �إىل �أن مراكز البحوث‬ ‫احلرب الهجينة‬ ‫يف الع�صر الرقمي‬ ‫وم�ؤ�س�س���ات التفكري وامل�ش���ورة يف �إ�سرائيل التايل‬ ‫بقلم‪ :‬ريا�ض قهوجي‬ ‫تت���وزع على ث�ل�اث قطاع���ات �أ�سا�سية‪ ،‬هي‬ ‫القطاع اجلامع���ي والقطاع اخلا�ص �أو امل�ستقل‬ ‫والقط���اع احلكوم���ي و�شب���ه احلكومي‪ .‬عل���ى �أن الدور ال���ذي قامت به‬ ‫اجلامع���ات الإ�سرائيلية‪ ،‬وال تزال تقوم ب���ه (جامعة تل �أبيب خا�صة)‪،‬‬ ‫يف �إن�ش���اء هذه امل�ؤ�س�س���ات واحت�ضانها ورعايتها‪ ،‬و�ضم���ان ا�ستمرارية‬ ‫عمله���ا‪ ،‬يبقى الأب���رز والأك�ث�ر �أهمية‪ .‬و ُتع���د مراكز الأبح���اث التابعة‬ ‫للقط���اع اجلامعي من �أن�شط و�أقدم مراكز الفكر يف �إ�سرائيل �إذ تالزَم‬ ‫ت�أ�سي�سه���ا مع �إن�شاء اجلامع���ات الإ�سرائيلية وكذلك �إنفتاحها وتعاونها‬ ‫م���ع اجلامعات يف العامل وخا�صة اجلامع���ات يف دول الغرب‪ ،‬وحتديد ًا‬ ‫اجلامعات الأمريكية والربيطانية والفرن�سية والأملانية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪133‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫احلـرب‬ ‫الهجينة‬

‫تطــور �أ�سالــيب حــرب الع�صـابـ ــات‬ ‫واحلرب الثورية يف الع�صر الرقمي‬ ‫ريا�ض قهوجي‬

‫‪riadka@emirates.net.ae‬‬

‫من���ذ مطل���ع التاريخ وظه���ور اجليو����ش واحل���روب �شكلت‬ ‫احلرب غري النظامي���ة �أو ما يعرف �أي�ض ًا بحرب الع�صابات‬ ‫تهدي���د ًا حقيقي ًا للجيو����ش النظامية التي مل جت���د يوم ًا ح ًال‬ ‫�سه ًال له���ا‪ .‬ولطاملا نظر الكتاب الع�سكريني واال�سرتاتيجيني‬ ‫الغربي�ي�ن بازدراء حل���رب الع�صاب���ات ومن �شارك���وا فيها‪.‬‬ ‫ولق���د �أطلق���ت العديد م���ن الأ�سم���اء وال�صف���ات على رجال‬ ‫ح���رب الع�صابات منها ما كان �إيجاب���ي وغالبها كان �سلبياً‪.‬‬ ‫ومرد ذلك يعود لكون الدول العظمى والغازية هي من يحبذ‬ ‫اجليو����ش النظامية ويحتقر الفرق غري التقليدية التي كانت‬ ‫ت�شكله���ا ع���ادة �شعوب ال���دول املحتل���ة‪ .‬كان���ت اال�ستثناءات‬ ‫‪134‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الوحي���دة عرب التاريخ احلديث خالل احلرب العاملية الثانية‬ ‫(املقاتل�ي�ن الأح���رار يف فرن�سا ورو�سي���ا ودول �أخرى احتلتها‬ ‫جيو�ش ق���وات املحور) واملجاهدين الأفغ���ان قبل االن�سحاب‬ ‫ال�سوفيات���ي واملقاتلني ال�شي�ش���ان‪� .‬إال �أن الأمور ازدات �سوء ًا‬ ‫بعد هجمات ‪� 11‬أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ 2001‬حيث مل يعد هناك يف‬ ‫الع���امل �أي �ش���يء (�صراع) يعرف على �أنه���ا حرب حترير �أو‬ ‫ثورة �شرعية‪ .‬كل قوة غ�ي�ر نظامية وت�ستخدم و�سائل العنف‬ ‫لتحقي���ق �أهدافه���ا ال�سيا�سي���ة �أو غريها (بغ����ض النظر عن‬ ‫�أحقيتها) باتت تعرف على �أنها �إرهابية‪.‬‬ ‫لك���ن طبيعة ال�صراعات اليوم �أخ���ذت �أ�شكا ًال �أكرث تعقيد ًا‬ ‫ريا����ض قهوج���ي الرئي����س التنفي���ذي مل�ؤ�س�س���ة ال�ش���رق الأدن���ى واخللي���ج للتحليل‬ ‫الع�سكري‪� -‬أنيغما‪ ،‬دبي‪.‬‬

‫مم���ا كانت علي���ه نتيجة الث���ورات التكنولوجي���ة واملعلوماتية‬ ‫الت���ي �أوج���دت و�سائل وجم���االت جديدة للمواجه���ة مل تكن‬ ‫متوف���رة �سابق���اً‪ .‬فلق���د وفر االنرتن���ت و�سيلة �شب���ه جمانية‬ ‫لن�ش���ر املعلوم���ات والتوا�صل وجتيي�ش ال���ر�أي العام واحلرب‬ ‫املعلوماتية‪ ،‬يف حني وفّر الهاتف اخلليوي و�سيلة ات�صال قوية‬ ‫حملي��� ًا ودولياً‪ .‬كم���ا �أدى التطور يف علوم الكيمياء �إىل ظهور‬ ‫�أن���واع متعددة من املتفج���رات التي ي�سه���ل �إعدادها حملياً‪،‬‬ ‫كما وفرت ال�سوق ال�سوداء املتنامية بفعل حت�سن املوا�صالت‬ ‫واالت�ص���االت �أ�سلحة متقدمة وفعالة �ضد اجليو�ش احلديثة‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬ف�إن التط���ور التكنولوجي على الأ�صعدة كافة قد �أدى‬

‫�إىل ظه���ور جي���ل جديد م���ن الق���وى الثورية تعتم���د �أ�ساليب‬ ‫وتكتيكات وو�سائل جديدة مل تكن معروفة قبل نهاية احلرب‬ ‫الب���اردة‪ .‬ومب���ا �أن الواليات املتحدة الأمريكي���ة كانت الدولة‬ ‫الت���ي خرج���ت منت�صرة م���ن احلرب الب���اردة وبات���ت القوة‬ ‫العظم���ة الوحي���دة‪ ،‬ومب���ا �أن �أمريكا ه���ي الدول���ة التي تقود‬ ‫حتالف���ات دولية يف ح���روب منذ ع���ام ‪ ،1990‬بع�ضها ما زال‬ ‫م�ستم���ر ًا يف �أفغان�ستان والعراق‪ ،‬ف����إن الباحثني الع�سكريني‬ ‫الأمريكي�ي�ن كان���وا �أول م���ن و�ضع درا�سات ع���ن تطور حرب‬ ‫الع�صاب���ات �أو احلرب الثورية التي باتت تعرف لديهم اليوم‬ ‫با�سم “احلرب الهجينة”‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪135‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫ب����د�أ تعب��ي�ر “احل����رب‬ ‫تعري��ف احل��رب الهجين��ة‬ ‫الهجينة” يظه����ر يف كتابات ودرا�سات امل�سئول��ي�ن الأمريكيني منذ انتهاء‬ ‫ح����رب ال�شي�شان خ��ل�ال العقد الأخري م����ن القرن الفائ����ت‪ .‬ولقد ظهرت‬ ‫ع����دة تعريفات للحرب الهجينة‪� .‬أول من عرف بها كان املقدم يف اجلي�ش‬ ‫الأمريك����ي بيل نيمي����ث �إذ و�صفها “بنموذج ع�صري حل����رب الع�صابات‪،‬‬ ‫حي����ث ي�ستخ����دم فيها الث����وار التكنولوجي����ا احلديثة و�سب����ل حديثة حل�شد‬ ‫الدع����م املعنوي وال�شعبي”‪ .‬ويق�صد هن����ا بالتكنولوجيا احلديثة الأ�سلحة‬ ‫املتط����ورة‪ ،‬والتي ا�ستخدم����ت �ضمن تكتيكات ح����رب الع�صابات ب�شكل مل‬ ‫تعد اجليو�����ش النظامية لدى الدول الكربى قادرة عل����ى التمييز فيما �إذا‬ ‫كان����ت تخو�ض ح����رب تقليدية �أو غ��ي�ر تقليدية‪ .‬فلقد ا�ستخ����دم املقاتلون‬ ‫ال�شي�شان �صواريخ حديثة م�ضادة للدروع والطائرات‪� ،‬إمنا يف اطار حرب‬ ‫الع�صاب����ات ويف مع����ارك جل�أ فيه����ا ال�شي�شاني����ون �إىل عملي����ات انتحارية‬ ‫ون�صب كمائن مع هجمات مرتدة‪.‬‬ ‫و�ض����ع باح����ث �أمريكي �آخ����ر‪ ،‬وهو نايث����ان فراير‪ ،‬الذي عم����ل يف مكتب‬ ‫وزي����ر الدفاع‪ ،‬تعريف ًا �آخر للحرب الهجينة‪ .‬وقال �إن احلرب الهجينة هي‬ ‫عندما ت�ستخدم جمموعة م�سلح����ة اثنان �أو �أكرث من الأ�ساليب الهجومية‬ ‫الأربع التالية‪ :‬حرب تقليدية‪ ،‬حرب غري نظامية‪� ،‬إرهاب كارثي‪ ،‬ا�ستغالل‬ ‫التكنولوجيا لتهديد اال�ستقرار وتعطيل عمل الدول‪.‬‬ ‫�أم����ا العقي����د املتقاع����د يف اجلي�ش الأمريك����ي جاك ماك����ون فهو ي�صف‬ ‫احل����رب الهجين����ة بتلك الت����ي ت�ش����ن بوقت واحد عل����ى ثالث جبه����ات �أو‬ ‫حماور‪ :‬داخل التجمع ال�سكاين يف منطقة ال�صراع‪ ،‬وداخل منطقة النزاع‬ ‫االقليمي����ة‪ ،‬وعلى م�ستوى املجتم����ع الدويل‪� .‬أي �أن ماكون ي�شدد على البعد‬ ‫العقائدي والفكري ك�أدوات �أ�سا�سية يف تعريف احلرب الهجينة‪.‬‬ ‫�آخر من ق����دم تعريف للحرب الهجينة كان ال�ضابط يف م�شاة البحرية‬ ‫الأمريكية فرانك هوفمان‪ ،‬الذي و�صفها على ال�شكل التايل‪“ :‬حني يقدم‬ ‫‪136‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫خ�ص����م عل����ى ا�ستخدام ‪ -‬وب�ش����كل متزامن ومتقن ‪ -‬مزيج م����ن الأ�سلحة‬ ‫التقليدي����ة والتكتي����كات غ��ي�ر النظامية واالره����اب (مهاجم����ة مدنيني �أو‬ ‫هجمات انتحارية) والت�صرف االجرامي يف جمال �أر�ض املعركة مبجمله‬ ‫(داخل����ي وخارج����ي) من �أجل حتقي����ق �أهداف����ه”‪� .‬أثار تعري����ف هوفمان‬ ‫ت�سا�ؤالت حول خ�صائ�ص احلرب الهجينة؛ فهل يجب الرتكيز على ا�سلوب‬ ‫القتال �أوالهيكلية التي ميتلكها اخل�صم‪ ،‬وهل التزامن با�ستخدام القدرات‬ ‫ملزم �أم يجوز الت�سل�سل بتطبيقها‪ ،‬وهل املزج بالأ�ساليب يعني بال�ضرورة‬ ‫وج����ود قوى وجمموعات متعددت تعمل مع ًا �أو ب�شكل متجان�س‪ ،‬وهل العمل‬ ‫االجرام����ي �أحد �أ�ش����كال املواجهة �أم فقط لت�أمني م����وارد مالية للخ�صم‪.‬‬ ‫وال يوج����د �أجوبة حمددة حتى الآن ب�سب����ب تعدد احلاالت وخ�صو�صية كل‬ ‫منها‪ ،‬بالرغم من �أوجه ال�شبه يف اخل�صائ�ص وال�صفات‪.‬‬

‫�أمثلة وحاالت‬ ‫يعترب حزب اهلل من �أجنح الأمثلة‬ ‫عل����ى القوى الت����ي طبّقت احل����رب الهجينة بنج����اح‪ ،‬ب����ل �أن �أ�سلوب عمل‬ ‫احلزب وخ�صائ�صه باتت القدوة الت����ي ت�صبوا �إىل تطبيقها قوى �أخرى‪.‬‬ ‫ومتث����ل النج����اح الأكرب حل����زب اهلل يف ح����رب �صيف ‪ ،2006‬ح��ي�ن اعتمد‬ ‫مقاتل����وه تكتيكات حرب الع�صابات م�ستخدم��ي�ن �صواريخ م�ضادة للدروع‬ ‫وال�سفن بنجاح مبهر‪ ،‬كم����ا متكنت �صواريخه من تهديد اجلبهة اخللفية‬ ‫للع����دو‪ ،‬وجنحت �أدوات����ه االعالمية من حتقيق ن�صر معن����وي على العدو‪.‬‬ ‫حت����ى �أن حزب اهلل متكن من اخ��ت�راق �أجهزة ات�صال الع����دو والتج�س�س‬ ‫عل����ى حركته ومنعه من اخ��ت�راق �صفوفه‪ ،‬مما �أوقع اجلي�����ش اال�سرائيلي‬ ‫بح����ال من ال�ضياع الكبري �أدى �إىل هزميته ميدانياً‪ .‬و�شاهدنا الحق ًا كيف‬ ‫حاولت حما�����س �أن تعتمد �أ�سلوب حزب اهلل و�إمنا ب�شكل مُ�صغّر يف حرب‬ ‫غزة‪.‬‬ ‫يعترب تنظي����م القاعدة �أو التنظيمات املرتبطه به ب�شكل مبا�شر �أو غري‬ ‫مبا�شر من الق����وى التي تعتمد ما يعرف باحلرب الهجينة‪ ،‬و�إمنا ب�أ�شكال‬

‫�أو م�ستوي����ات خمتلفة طبق ًا ملكان وجودها ونوعي����ة م�سرح العمليات‪ .‬ففي بع�ضه����ا البع�ض‪ .‬وبذلك تك����ون القوى امل�سلحة ال�سوي�سري����ة مهي�أة للقتال‬ ‫داخ����ل الدول التي متلك حكوم����ات و�أنظمة قوية ومتما�سك����ة يقت�صر دور ب�أ�سل����وب تقليدي وبنهج حرب الع�صاب����ات يف �آن واحد‪ ،‬ومنذ اليوم الأول‬ ‫القاعدة على عمليات انتحاري����ة وهجمات حمدودة �ضد من�ش�آت حكومية للح����رب‪ .‬وقبل ذلك‪ ،‬وحتديد ًا يف االحت����اد ال�سوفيتي‪ ،‬لعب الأن�صار دور ًا‬ ‫وع�سكرية‪ ،‬كما هو احلال يف القاعدة يف بالد املغرب‪� .‬أما يف الدول التي ال كب��ي�ر ًا �إىل جان����ب اجلي�ش ال�سوفيات����ي النظامي يف دحر الق����وات النازية‬ ‫توجد فيها �سيطرة قوية للحكومة‪ ،‬مثل العراق فهي �شنت حرب ع�صابات املحتل����ة وطردها‪ .‬وال تعت��ب�ر ال�سيا�س����ة الدفاعية للجمهوري����ة الإ�سالمية‬ ‫م�صحوبة بهجمات انتحارية واعتم����دت اجلرمية املنظمة (خطف ونهب الإيرانية تطبيق ًا دقيق ًا للحرب املركبة‪ ،‬حيث �أن احلر�س الثوري الإيراين‬ ‫بن����وك) لتموي����ل عملياته����ا‪ ،‬الت����ي �شملت‬ ‫ب����ات م�سلح���� ًا اليوم ب�ش����كل �أق����رب �إىل اجلي�ش‬ ‫�أحيان���� ًا ق�صف���� ًا باملدفعي����ة وال�صواري����خ �أث��رت التط��ورات التكنولوجي��ة ب�ش��كل كب�ير النظام����ي من����ه �إىل ميلي�شي����ات تعتم����د ح����رب‬ ‫لأهداف �أمريكية وعراقية‪ .‬كما اعتمدت يف �ش��كل احل��روب والنزاع��ات وجعلته��ا �أك�ثر الع�صابات‪ .‬كما �أن ميلي�شيا البا�سيج ت�ستخدم‬ ‫و�سائل الكرتونية متقدمة للرتويج لفكرها تعقي��داً‪ ،‬خا�صة بالن�سبة ال��دول الكربى التي مله����ام حماية النظام م����ن التهديدات الداخلية‬ ‫وح�شد �صفوف م�ؤيديها‪.‬‬ ‫ت�سع��ى �إىل حماية م�صاحلها وت�أمني �سيطرتها �أك��ث�ر منه����ا للخارجي����ة‪ .‬وعلي����ه‪ ،‬ف�����إن �سيا�سة‬ ‫ح�سم‬ ‫ألة‬ ‫�‬ ‫م�س‬ ‫تعد‬ ‫فلم‬ ‫الدولي��ة‪.‬‬ ‫ال�ساحة‬ ‫على‬ ‫الدف����اع الإيرانية فريدة من نوعها �إىل حد ما‪،‬‬ ‫وتعم����ل القاع����دة الي����وم ب�أ�سل����وب‬ ‫“الفران�شاي����ز”‪� ،‬أي �أف����رع متول نف�سها املع��ارك واحل��روب و�إخ�ضاع ال��دول وال�شعوب ولكنها ال تزال تعترب �أقرب للحرب املركبة‪.‬‬ ‫بال�سهولة التي كانت عليها‬ ‫ولكنها ت�س ِوّق للفك����ر والعقيدة والأهداف‬ ‫�أظه����رت احل����روب الأخ��ي�رة يف املنطقة �أن‬ ‫اال�سرتاتيجي����ة نف�سه����ا‪ .‬وعلي����ه‪ ،‬ف�����إن‬ ‫ال����دول الكربى بات����ت متتل����ك تفوق���� ًا ع�سكري ًا‬ ‫القاع����دة متثل �أ�سلوب ًا ال مركزي ًا يف احل����رب الهجينة على م�ستوى دويل‪ ،‬كب��ي�ر ًا يف احلرب التقليدية �إىل حد باتت معه �أي حماولة من دولة عادية‬ ‫ل����ن تكون حماربته����ا �سهلة يف ح����ال اعتمدت و�سائ����ل ع�سكرية فقط دون ملواجهته����ا ب�شكل تقليدي فا�شلة و�أقرب لالنتح����ار‪ .‬وخري مثال على ذلك‬ ‫�سواها من و�سائ����ل فكرية واجتماعية و�سيا�سية واقت�صادية‪ .‬هذا يف حني عملية اجتياح الكويت‪ ،‬والتي متت ب�ساعات ب�سبب التفوق الع�سكري الكبري‬ ‫ت�سعى القوى التي ت�ستخدم احلرب الهجينة ال�ستنزاف و�إرهاق خ�صومها للجي�ش العراقي وغياب �أي ميلي�شيات منظمة يف الكويت يف حينه‪ .‬ويتكرر‬ ‫لإرغامه����م عل����ى االن�سحاب م����ن � ٍ‬ ‫أرا�����ض حمتل����ة �أو التخلي ع����ن �سيا�سة املث����ل ثانية يف الهجوم الرو�سي على جورجيا حيث كادت القوات الرو�سية‬ ‫خارجية معينة‪ ،‬وهي ا�سرتاتيجية تكون �أكرث فعالية �ضد الدول التي لديها �أن حتتل �أرا�ض جورجيا كافة يف �أيام قليلة لوال التدخل الدويل وال�ضغوط‬ ‫�أنظم����ة دميقراطية و�شدي����دة الت�أثر بالر�أي الع����ام‪ .‬ويف هذه احلال تكون الدبلوما�سية‪� .‬إن اعتماد جورجيا على قواتها النظامية فقط لوقف جي�ش‬ ‫�أم��ي�ركا و�أوروبا �أكرث ت�أثر ًا باحلرب الهجينة من الدول التي متلك �أنظمة ج����رار بحجم اجلي�ش الرو�سي دون �أي ميلي�شي����ات حتارب ب�أ�سلوب حرب‬ ‫ديكتاتورية �أو �شمولية‪.‬‬ ‫الع�صابات جعلها تخ�سر احلرب ب�شكل �سريع وخمز‪.‬‬

‫احل��رب املركب��ة‬ ‫�إن م����زج �أ�سالي����ب القت����ال م����ن‬ ‫ح����رب تقليدية وحرب غري نظامية لي�����س بالأمر اجلديد‪� ،‬إذ �أن دو ًال عدة‬ ‫ا�ستخدم����ت هذه العقيدة الع�سكرية �ضمن �سيا�ستها الدفاعية‪ .‬ولتفريقها‬ ‫ع����ن احل����رب الهجينة‪ ،‬وعدم مقارن����ة نف�سها مع ح����ركات حترر وحروب‬ ‫ثورية �أخرى‪ ،‬عمد الكتاب الغربيون وخا�صة يف �أمريكا مثل توما�س هوبر‪،‬‬ ‫�إىل اط��ل�اق ا�سم خا�ص عليها وهو “احل����رب املركبة”‪ .‬وتقدم �أمثلة على‬ ‫ه����ذا النوع من احل����روب‪ :‬كالثورة الأمريكية �ض����د بريطانيا‪ ،‬حني �شكلت‬ ‫ف����رق نظامي����ة �أمريكية مدعومة م����ن ميلي�شيات حملي����ة ملهاجمة اجلي�ش‬ ‫الربيط����اين وطرده من الواليات املتح����دة الأمريكية التي كانت قد �أعلنت‬ ‫ا�ستقالله����ا عن اململك����ة املتحدة‪ .‬ولقد ا�ستخدم����ت امليلي�شيات الأمريكية‬ ‫حينه����ا تكتي����كات �شبيهة �إىل ح����د بعيد بتكتي����كات ا�ستخدمته����ا حركات‬ ‫ثوري����ة وحتررية �أخرى تعترب اليوم �إرهابية‪ .‬ويقول امل�ؤرخون يف الغرب �إن‬ ‫احل����رب املركبة تعتمد من قبل دول يف حني �أن احلرب الهجينة ت�ستخدم‬ ‫م����ن قبل العبني من خارج ال����دول‪� ،‬أي منظمات ال تخ�ض����ع لنظام الدولة‬ ‫ح�سب التعريف الدويل للأمم‪.‬‬ ‫يعت��ب�ر املثل ال�سوي�سري اليوم من �أجن����ح �سيا�سات الدفاع‪ ،‬حيث هناك‬ ‫جي�����ش نظامي وجي�ش �شعبي يتم ا�ستنفارهم����ا وتعب�أتهما ب�سرعة ملواجهة‬ ‫�أي تهدي����د خارجي‪ ،‬كل هذا �ضمن �أنظمة حمددة للمواجهة والتن�سيق مع‬

‫لقد �أثرت التطورات التكنولوجية ب�شكل كبري‬ ‫اخلامتة‬ ‫يف �ش���كل احلروب والنزاعات وجعلتها �أكرث تعقي���داً‪ ،‬خا�صة بالن�سبة الدول‬ ‫الك�ب�رى التي ت�سع���ى �إىل حماية م�صاحلها وت�أم�ي�ن �سيطرتها على ال�ساحة‬ ‫الدولي���ة‪ .‬فلم تعد م�س�ألة ح�سم املعارك واحلروب و�إخ�ضاع الدول وال�شعوب‬ ‫بال�سهول���ة التي كانت عليها‪ .‬فم���اذا يعترب هزمية‬ ‫طريق دول اخلليج للخروج‬ ‫من م�أزق «تنمية ال�ضياع»‬ ‫للقوى التي تعتمد احلرب الهجينة؟ هذا �س�ؤال التايل‬ ‫ت�صع���ب الإجاب���ة علي���ه‪ ،‬ك���ون الط���رف الذي‬ ‫بقلم‪ :‬علي خليفة الكواري‬ ‫ينتهجه���ا ي�ستخ���دم �أ�سالي���ب ويحم���ل �صفات‬ ‫ي�صعب ح�سمها ودحرها يف معركة واحدة �أو حتى‬ ‫ع���دة معارك‪� .‬سيبق���ى البعد الفكري والعقائدي م���ن �أ�صعب الأهداف التي‬ ‫عل���ى الغرب حماولة هزميتها دون تغي�ي�ر �سيا�ساته اخلارجية نحو املنطقة‪.‬‬ ‫كم���ا �أن منع اخل�صم من تطوير تر�سانته م���ن الأ�سلحة احلديثة وا�ستخدام‬ ‫اجلرمية املنظمة لتمويل ذاته �سيبقى حتدي ًا �صعباً‪ ،‬اذ يتطلب حتقيقه تعاون ًا‬ ‫ا�سرتاتيجي��� ًا ودولي ًا لأق�صى املجاالت‪ .‬ويجب على الدول ال�صغرى �أن تعتمد‬ ‫عقيدة احل���رب املركبة �ضمن �سيا�ساتها الدفاعية م���ن �أجل تعزيز قدرتها‬ ‫عل���ى مواجهة �أي هج���وم �أو حماولة غزو من قبل دولة كربى لأرا�ضيها‪ ،‬كما‬ ‫�أن على الدول ال�صغرى ا�ستغالل مواردها الب�شرية والطبيعية واالقت�صادية‬ ‫كافة للدفاع عن نف�سها‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪137‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬

‫اخلروج من م�أزق‬ ‫«تنمية ال�ضياع»‬ ‫النفط والتنمية ومتطلبات الإ�صالح‬ ‫فـي �أقطـار جملـ�س التعـاون اخلليجي‬ ‫علي خليفة الكواري‬

‫‪dr_alkuwari@hotmail.com‬‬

‫مم���ا ي�ؤ�سف له حق��� ًا �إن النفط يف الدول العربية ما زال خارج نطاق ال�سيط���رة الوطنية‪ ,‬ومل يتم �إخ�ضاعه العتبارات‬ ‫التنمية احلميدة ومتطلبات اال�صالح‪ ,‬و�إمنا كانت ردة الفعل ملا يح�صل يف �أ�سواقه وتقلبات �أ�سعاره ولي�س الفعل الواعي‪,‬‬ ‫ه���ي احلقيق���ة املرة املتكررة‪ .‬ه���ذا بالرغم من ال�ضجيج الإعالمي ل���وزراء النفط وكرثة تردي���د احلكومات ل�شعارات‬ ‫التنمي���ة والإ�صالح عامة‪ ,‬وتنويع م�صادر الدخل وبناء قاعدة اقت�صادية بديلة لالعتماد على �صادرات النفط خا�صة‪.‬‬ ‫فم���ا زال النف���ط يف املنطقة بالرغم م���ن �أهميته وت�أثريه املركزي‪ ,‬يفتق���د �إىل �سيا�سات نفطي���ة وطنية تخ�ضع النفط‬ ‫العتبارات التنمية‪ .‬فهو املارد الذي يعيث ف�ساد ًا بالب�شر واحلجر وين�شر الإف�ساد والف�ساد‪ ،‬ويقو�ض املجتمعات‪ ،‬ومي�سخ‬ ‫الهوية الوطنية‪ ،‬ويكر�س منوذج «تنمية ال�ضياع» �أحياناً‪ ,‬وذلك دون عيب يف النفط و�إمنا العيب فينا‪.‬‬ ‫‪138‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫علي خليفة الكواري باحث قطري‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪139‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫ولع����ل �أحد امل�ؤ�شرات على غياب ال�سيا�س����ات النفطية الوطنية‪ ,‬يتمثل يف‬ ‫التقلب����ات احلادة والطفرات النفطية املتك����ررة ‪ -‬والتي �سرنكز عليها يف‬ ‫ه����ذه املقالة ‪ -‬وم����ا ت�ؤدي �إليه م����ن تو�سع يف الإنفاق الع����ام غري الر�شيد‪،‬‬ ‫وتفاقم �أوجه اخللل املزمنة و�أخطرها اخللل ال�سكاين‪ ,‬وما يلي كل طفرة‬ ‫وانح�ساره����ا من جمود �أو تراجع يف حجم �إنت����اج النفط و�أ�سعاره و�أزمات‬ ‫م�صطنع����ة‪ ,‬ما كان لها �أن حتدث ل����و �أن دول املنطقة كان لديها �سيا�سات‬ ‫نفطية تخ�ضع �إنتاج النفط وعائداته العتبارات التنمية‪ .‬فال�شغل ال�شاغل‬ ‫للحكوم����ات ‪ -‬م����ع الأ�سف ‪ -‬تركز دائم���� ًا يف كيفية تدوي����ر عوائد النفط‬ ‫ب�ص����رف النظر عن ج����دوى الإنفاق الع����ام يف زمن الطف����رات‪ .‬هذا من‬ ‫ناحية‪ ,‬وم����ن ناحية �أخرى كيفية موازنة الإنفاق العام مع عائدات النفط‬ ‫دون �إ�صالحه‪ ,‬يف وقت تراجع �أ�سعار النفط �أو تراجع �إنتاجه‪ .‬الأمر الذي‬ ‫�أدى �إىل تزاي����د ن�صيب النفقات ال�سرية يف امليزانيات العامة على ح�ساب‬ ‫النفقات العلنية‪ ,‬وكان ال�ضحايا يف كل تراجع وانح�سار للطفرات النفطية‬ ‫هم �أ�صحاب الدخل املحدود وخدمات التعليم وال�صحة واال�سكان‪.‬‬ ‫وبذل����ك ان�صرف����ت احلكومات ع����ن الأمر املهم وامل�ص��ي�ري وهو حتقيق‬ ‫تنمي����ة ذات وج����ه �إن�ساين ت�ستثم����ر عائدات النفط بد ًال م����ن ا�ستهالكها‪,‬‬ ‫تنمي����ة ترتك����ز عل����ى �سيا�س����ة نفطي����ة تخ�ض����ع �إنت����اج النف����ط وت�صدي����ره‬ ‫الحتياج����ات التنمية االقت�صادية – االجتماعي����ة ال�شاملة‪ .‬ولذلك ت�أرجح‬ ‫منط «التنمية النفطية» بني �ضياع فر�ص التنمية ومنط «تنمية ال�ضياع» يف‬ ‫ال����دول ال�صغرية‪ ،‬التي بد�أت تفقد لغتها العربية وت�ضيع هويتها العربية‪-‬‬ ‫الإ�سالمي����ة‪ ،‬ويتفاقم فيه����ا اخللل ال�سكاين‪ ،‬و�ص����و ًال �إىل ت�شجيع التوطني‬ ‫مبوجب ربط الإقامة الدائمة مبجرد �شراء حق االنتفاع بعقار‪.‬‬ ‫ويف ه����ذه املقال����ة �س����وف �أتوق����ف �أو ًال عند الطف����رات النفطي����ة‪ .‬وثانياً‪:‬‬ ‫�أع����ود �إىل تناول مفهوم التنمية‪ .‬وثالثاً‪� :‬أتط����رق �إىل �أوجه اخللل املزمنة‬ ‫يف املنطق����ة ومتطلبات الإ�صالح اجلذري‪ .‬و�س����وف �أعتمد يف هذه املقالة‬ ‫عل����ى بحوثي ودرا�سات����ي ال�سابقة‪ ,‬يف �إ�شارة من����ي �إىل �أن م�سار التغريات‬ ‫االقت�صادي����ة واالجتماعي����ة امل�صاحبة للنفط‪ ,‬مل تك����ن تداعياته اخلطرة‬ ‫بعي����دة عن اهتم����ام الدار�س��ي�ن يف املنطقة‪ ,‬و�إمنا كان����ت عيونهم ب�صرية‬ ‫و�أياديهم ق�صرية‪.‬‬

‫�أوالً‪ :‬ع��ن الطف��رات النفطي��ة‬ ‫�شه����دت‬ ‫�أ�سعار النفط طف����رات متكررة ب�سبب كبت �أ�سعار النفط ومنعها من بلوغ‬ ‫م�ستوي����ات التكاليف احلدية لإنت����اج بدائل النفط‪ .‬وه����ذه الطفرات التي‬ ‫�شاهدناه����ا يف عام ‪ 1973‬و‪ 1979‬ومن����ذ عام ‪ 2002‬حتى ‪ 2008‬هي قفزات‬ ‫تلقائي����ة مفاجئ����ة‪ ,‬تبد�أ يف الأ�سع����ار الفورية وتت�أك����د يف الأ�سعار الر�سمية‬ ‫للنف����ط‪� ,‬ضد الكبت الذي مار�ست����ه الأخوات ال�سبع ط����وال ال�سبعينيات‪,‬‬ ‫ومار�ست����ه بعد ذلك الدول الأع�ضاء يف وكال����ة الطاقة الدولية مبا�شرة يف‬ ‫ثمانينيات وت�سعينيات القرن الع�شرين حتى بد�أت الطفرة الثالثة‪.‬‬ ‫وجدي���� ٌر بالت�أكي����د �أن الأ�سب����اب اجلوهري����ة للطف����رات النفطي����ة ميكن‬ ‫تلخي�صه����ا يف عاملني رئي�سيني �أولهما‪ :‬ا�ستنف����اذ الطاقة الإنتاجية للدول‬ ‫امل�ص����درة للنفط‪ ،‬وعجزها عن تلبية منو الطلب علي����ه‪ .‬وثانيهما‪ :‬ارتفاع‬ ‫التكاليف احلدية لتطوير و�إنتاج بدائل النفط والطاقة‪.‬‬ ‫‪140‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�ستنف��اذ الطاقة الإنتاجي��ة‪� :‬أول الأ�سب����اب اجلوهرية واملبا�شرة‬ ‫للطفرات النفطية تعود بالدرجة الأوىل �إىل عجز عر�ض النفط عن تلبية‬ ‫احتياج����ات الطلب علي����ة ملدة معت��ب�رة‪ ,‬ب�سبب تال�شي الطاق����ة الإنتاجية‬ ‫الفائ�ضة يف الدول امل�صدرة للنفط‪ .‬وهذا ال ينفي �أن تكون هناك �أ�سباب‬ ‫معجل����ة �أو عوامل م�شجعة لطفرات الأ�سعار‪ ,‬مثل ق����رار املقاطعة العربية‬ ‫يف عام ‪ 1973‬والث����ورة الإيرانية يف ‪ 1979‬وتداعياتهما‪ .‬ورمبا ت�ؤدي بع�ض‬ ‫ه����ذه العوام����ل املعجل����ة �إىل ال�صعود بال�سع����ر �إىل م�ستوي����ات ال تعرب عن‬ ‫الأ�سباب اجلوهرية‪ ,‬فيتم تعديل ال�سعر �إىل م�ستوى املتطلبات اجلوهرية‬ ‫الرتفاع����ه‪ .‬ومثال ذلك الت�صحيح هو تراج����ع �سعر برميل النفط من ‪147‬‬ ‫دوالر �أمريك����ي يف متوز‪/‬يولي����و ‪� 2008‬إىل م�ست����وى ‪ 70‬دوالر �أمريك����ي بعد‬ ‫�شهرين يف �شهر �أيلول‪�/‬سبتمرب ‪ .2008‬فقد كان االرتفاع �إىل م�ستوى ‪147‬‬ ‫دوالر �أمريك����ي للربمي����ل ي�ساوي �ضعف التكاليف احلدي����ة لبدائل النفط‪.‬‬ ‫وكان يعرب ع����ن النزع الأخري للم�ضاربات ال�شره����ة التي �سبقت انك�شاف‬ ‫الأزم����ة املالي����ة العاملية على نط����اق وا�سع‪� .‬أما ما تلي ذل����ك من انخفا�ض‬ ‫حت����ت م�ستوى ‪ 70‬دوالر �أمريكي ف�إن����ه يعود �إىل تراجع الطلب العاملي على‬ ‫النف����ط م�ؤقتاً‪ .‬وقد عاد �سعر النفط يف �أواخر ‪� 2009‬إىل حوايل ‪ 70‬دوالر ًا‬ ‫للربميل‪.‬‬ ‫وغن����ي ع����ن القول ب�أن ارتفاع �أ�سع����ار النفط منذ بداي����ة الطفرة الثالثة‪,‬‬ ‫مل يك����ن مقت�ص����ر ًا على ارتفاع �أ�سع����ار النفط‪ ,‬و�إمنا �شم����ل كذلك �أ�سعار‬ ‫م�ص����ادر الطاق����ة الأخرى كلها �أي�ضاً‪ ,‬تعبري ًا عن عج����ز الطاقة الإنتاجية‬ ‫القائمة لإنتاج م�صادر الطاق����ة املختلفة عن �سد حاجات الطلب املتزايد‬ ‫عل����ى الطاقة‪ .‬فقد ارتفع ا�ستهالك العامل من م�صادر الطاقة الأولية من‬ ‫‪ 9.3‬بلي����ون ط����ن ع����ام ‪� 2000‬إىل ‪ 10.65‬بليون طن ع����ام ‪ 2004‬واىل ‪11.1‬‬ ‫بلي����ون طن عام ‪ .2007‬ونتيجة لذل����ك ارتفع �سعر الفحم على �سبيل املثال‬ ‫ وه����و ث����اين م�صدر (‪ )% 28.6‬للطاقة بعد النف����ط ‪ -‬من ‪ 36‬دوالر ًا للطن‬‫يف ع����ام ‪� 2000‬إىل ‪ 43‬دوالر ًا للط����ن يف ‪ 2004‬واىل ‪ 87‬دوالر ًا للطن يف عام‬ ‫‪.2007‬‬ ‫ولع����ل اجل����دول رقم (‪ )1‬يو�ض����ح لنا العالقة بني منو الطل����ب العاملي على‬ ‫النف����ط والطفرات النفطية‪ ,‬وذل����ك عندما تكون �أ�سع����اره متدنية‪ .‬الأمر‬ ‫ال����ذي ي�ؤدي عند ا�ستمرار ذلك لفرتة طويلة‪� ,‬إىل عجز الطاقة الإنتاجية‬ ‫يف ال����دول الأع�ضاء يف الأوب����ك عن مواجهة الطلب عل����ى النفط‪ .‬عندها‬ ‫يطفر ال�سع����ر املكبوت �إىل م�ستويات التكالي����ف احلدية لإنتاج النفط من‬ ‫مكام����ن وم�ص����ادر بديلة‪ .‬ويت�ضح م����ن اجلدول �أن �أ�سع����ار النفط يف عام‬ ‫‪ 1961‬الت����ي هبط����ت على �إث����ر تخفي�ض �ش����ركات النف����ط للأ�سعار مرتني‬ ‫�أولهم����ا يف �شباط‪/‬فرباي����ر ‪ 1959‬وثانيها يف �آب‪�/‬أغ�سط�����س ‪ ,1960‬والتي‬ ‫هبط����ت بال�سع����ر �إىل ‪ 1.90‬دوالر �أمريكي للربميل‪ ,‬ا�ستم����رت على حالها‬ ‫تقريب ًا حتى عام ‪.1970‬‬ ‫عندها طفرت الأ�سعار الفورية للنفط يف مطلع ال�سبعينيات قبل �أن توافق‬ ‫�ش����ركات النفط على تعديالت طفيف����ة يف الأ�سعار و�صلت �إىل ‪ 2.06‬دوالر‬ ‫للربمي����ل ع����ام ‪ ,1971‬و‪ 2.80‬عام ‪ ,1972‬و‪ 3.10‬دوالر ع����ام ‪ ,1973‬قبل �أن‬ ‫تق����وم الأوبك منفردة بتحديد �سعر نفطها لأول مرة يف عام ‪1974‬وترفعه‬ ‫�إىل ‪ 10.40‬دوالر للربمي����ل‪ .‬وقد مت ذلك على �إث����ر ارتفاع الأ�سعار الفورية‬

‫جدول (‪ )1‬يو�ضح العالقة بني منو الطلب على النفط وبني الطفرات النفطية‬ ‫(الإنتاج‪ :‬مليون برميل يومياً‪ /‬ال�سعر‪ :‬دوالر للربميل)‬ ‫ال�سنة‬

‫�إنتاج العامل‬

‫�إنتاج الأوبك‬

‫ال�سعر‬

‫مالحظات‬ ‫فرتة هيمنة �شركات النفط‬ ‫ا�ستمرار هيمنة �شركات النفط‬ ‫الطفرة الأوىل‬

‫الكمية‬

‫الن�سبة ‪%‬‬

‫‪1961‬‬ ‫‪1970‬‬

‫‪23‬‬ ‫‪50‬‬

‫‪6‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪26‬‬ ‫‪36‬‬

‫‪1.90‬‬ ‫‪2.00‬‬

‫‪1974‬‬ ‫‪1975‬‬ ‫‪1978‬‬ ‫‪1980‬‬

‫‪58‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪63‬‬ ‫‪62‬‬

‫‪27‬‬ ‫‪24‬‬ ‫‪28‬‬ ‫‪24‬‬

‫‪46.50‬‬ ‫‪43.60‬‬ ‫‪44.40‬‬ ‫‪38.70‬‬

‫‪10.41‬‬ ‫‪11.60‬‬ ‫‪13.30‬‬ ‫‪35.69‬‬

‫‪1985‬‬ ‫‪1986‬‬ ‫‪1998‬‬

‫‪57‬‬ ‫‪60‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪29‬‬

‫‪26.30‬‬ ‫‪30.00‬‬ ‫‪39.70‬‬

‫‪27.53‬‬ ‫‪13.10‬‬ ‫‪12.10‬‬

‫‪2002‬‬ ‫‪2005‬‬ ‫‪2007‬‬

‫‪74‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪81‬‬

‫‪30‬‬ ‫‪34‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪40.30‬‬ ‫‪41.90‬‬ ‫‪43.20‬‬

‫‪23.74‬‬ ‫‪49.35‬‬ ‫‪68.19‬‬

‫الطفرة النفطية الثانية‬ ‫ال�ضغط على �صادرات الأوبك‬ ‫انك�سار الطفرة الثانية‬ ‫‪ 13‬عام من االنك�سار‬ ‫بداية الطفرة الثالثة‬ ‫الطفرة النفطية الثالثة‬ ‫الطفرة النفطية الثالثة‬

‫امل�صدر‪British Petroleum, Statistical Review )Annual Reports(. :‬‬

‫التي عجلت بها حرب ت�شرين الأول‪�/‬أكتوبر ‪ 1973‬واملقاطعة النفطية التي‬ ‫تلتها‪ .‬وبقيت الأ�سعار عند م�ستوى ‪ 13‬دوالر �أمريكي للربميل‪ ,‬حتى حلقت‬ ‫الطف����رة الثانية بالطفرة الأوىل عل����ى �إثر قيام الث����ورة الإيرانية وارتفاع‬ ‫الأ�سعار الفورية‪ ,‬فبلغ �سعر الربميل ‪ 29.2‬دوالر �أمريكي عام ‪ 1979‬وو�صل‬ ‫�أعلى م�ستوى له عام ‪ 1980‬وهو ‪ 36‬دوالر �أمريكي للربميل‪.‬‬ ‫ويف تقديري �أن الطفرة الثانية هي ا�ستمرار للطفرة الأوىل التي مل ت�أخذ‬ ‫مداه����ا‪ .‬ورمبا ذهبت الطف����رة الثانية بال�سعر �إىل �أك��ث�ر مما يجب‪ ,‬ومبا‬ ‫ال ي�سم����ح امل�ستهلكون به وال تقدر الدول الأع�ض����اء يف الأوبك على الدفاع‬ ‫عن����ه كما �سبقت الإ�شارة‪ ,‬عندها انخف�ضت �صادرات دول الأوبك يف عام‬ ‫‪� 1985‬إىل الن�صف تقريباً‪ 15 ,‬مليون برميل بعد �أن كانت ‪ 28‬مليون برميل‬ ‫يف ع����ام ‪ ,1978‬فانهارت �أ�سعار النفط نتيجة لذالك يف عام ‪� 1986‬إىل ‪13‬‬ ‫دوالر للربميل وظلت دون الع�شرين دوالر �أمريكي حتى ‪.1999‬‬ ‫بعد ذل����ك تراجعت �أ�سع����ار النفط حوايل ‪15‬عام‪ ,‬وعندم����ا بد�أ ال�ضغط‬ ‫على �إنتاج الأوبك يتزايد مرة �أخرى وطاقتها الإنتاجية الفائ�ضة تتال�شى‪,‬‬ ‫ارتف����ع ال�سع����ر عام ‪� 2000‬إىل ‪ 27.60‬وا�ستم����ر دون ‪ 30‬دوالر �أمريكي حتى‬ ‫عام ‪ 2004‬حيث �أخذت الطفرة النفطية الثالثة تت�صاعد عندما بلغ �إنتاج‬ ‫�أوب����ك �أكرث من ‪ 34‬مليون برميل يومياً‪ ,‬فو�صل �سعر برميل النفط �إىل ‪36‬‬ ‫دوالر �أمريك����ي وا�ستمر حتى بلغ متو�سط �أ�سع����ار �سلة نفط الأوبك ‪69.10‬‬ ‫دوالر �أمريكي للربميل يف عام‪.2007‬‬ ‫التكاليف احلدي��ة لإنتاج النفط من مكامن وم�صادر جديدة‪:‬‬ ‫ال�سب����ب اجلوهري والأعمق للطف����رات النفطية يتمثل يف ارتفاع التكاليف‬ ‫احلدية لإنتاج النفط من مكامن وم�صادر بديلة للنفط التقليدي‪ .‬وارتفاع‬ ‫�سع����ر النفط هن����ا ي�صبح �شرط���� ًا اقت�صادي���� ًا لقيام امل�ستثمري����ن بتطوير‬ ‫املكام����ن وامل�ص����ادر والتقنيات اجلديدة الالزمة ل�س����د احتياجات الطلب‬

‫العاملي املتزايد على النفط من م�صادر جديدة غري تقليدية‪.‬‬ ‫وجدي���� ٌر بالت�أكيد �أن م�ستوى �أ�سعار النف����ط عندما ت�صل م�صادر الإنتاج‬ ‫التقليدية املنتجة للنفط �إىل طاقتها الق�صوى يف املديني املتو�سط والبعيد‬ ‫ب�سب����ب الطبيع����ة النا�ضبة للنفط‪ ,‬توقف����ت يف املا�ضي و�س����وف تتوقف يف‬ ‫امل�ستقب����ل على التكالي����ف احلدية للمكام����ن وامل�صادر اجلدي����دة للطاقة‬ ‫ب�شكل عام والنفط ب�شكل خا�ص‪ .‬وكما �سبقت الإ�شارة ف�إن �أ�سعار م�صادر‬ ‫الطاق����ة ب�شكل عام يف مطلع الطفرة الثالث����ة �أخذت تتزايد عاك�سة بذلك‬ ‫ارتف����اع التكالي����ف احلدية لإنت����اج الطاقة من مكامن وم�ص����ادر جديدة‪.‬‬ ‫كم����ا �أن تزاي����د املحاذير البيئية قد �أدى �إىل ارتف����اع تكاليف �إنتاج الفحم‬ ‫والطاق����ة الذرية وامل�صادر اجلديدة البديل����ة للم�صادر التقليدية كلما مت‬ ‫التو�سع يف �إنتاجه‪ ،‬هذا من ناحية‪.‬‬ ‫م����ن ناحية �أخرى ف�����إن للنفط ‪ -‬الزيت والغ����از ‪ -‬ا�ستخدامات خا�صة ال‬ ‫تناف�سه فيها حتى الآن م�صادر الطاقة الأخرى‪ .‬و�أهم هذه اال�ستخدامات‬ ‫جم����االن �أولهما‪ :‬وقود �سائ����ر و�سائ����ل املوا�صالت وثانيهم����ا‪ :‬ال�صناعات‬ ‫البرتوكيماوية‪ .‬واملناف�س للنفط من املكامن التقليدية يف هذين املجالني‪,‬‬ ‫ه����و النفط نف�سه والذي ميك����ن احل�صول عليه وعل����ى م�شتقاته من �أربعة‬ ‫م�ص����ادر رئي�سية غ��ي�ر تقليدي����ة‪� ،‬أولها‪� :‬إنتاج����ه من املحيط����ات والبحار‬ ‫العميقة‪ .‬وثانيها‪ :‬ا�ستخال�صه من زيت القار الرملي‪ ،‬وثالثها‪ :‬ا�ستخراجه‬ ‫من الزيت احلجري ورابعها‪ :‬ت�صنيعه من الوقود احليوي‪.‬‬ ‫وق����د بلغ����ت تكالي����ف �إنتاج النفط م����ن هذه املكام����ن وامل�ص����ادر البديلة‬ ‫لإنت����اج النفط عند مطلع الطفرة النفطية الثالثة‪ ,‬بني ‪ 40-36‬لزيت القار‬ ‫الرمل����ي يف والية الربتا يف كندا‪ ,‬و‪ 47.70‬دوالر لت�صنيع الزيت من الوقود‬ ‫احلي����وي يف الربازيل‪� .‬أما تكاليف الإنت����اج املقدرة للم�شاريع املخطط لها‬ ‫لإنت����اج النف����ط من املحيط����ات واملياه العميق����ة‪ ,‬ف�إنها تقدر ب��ي�ن ‪35 - 30‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪141‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫دوالر يف خلي����ج املك�سي����ك‪ ,‬و‪ 45-40‬دوالر يف بحر ال�شم����ال‪ ,‬و‪ 65-60‬دوالر‬ ‫يف �أعم����اق البح����ار يف �سواح����ل الربازي����ل‪ ،‬و‪ 75 – 65‬يف �أعم����اق البحار يف‬ ‫غرب �أفريقيا‪.‬‬ ‫وبالن�سب����ة للم�ص����ادر الأخ����رى البديلة الت����ي يجرى تطويره����ا يف الوقت‬ ‫الراه����ن‪ ،‬فهي ح����وايل ‪ 65‬دوالر للربميل من زيت الق����ار الرملي يف كندا‪,‬‬ ‫و�أك��ث�ر م����ن ‪ 70‬دوالر لإنت����اج النفط من �سواح����ل الواليات املتح����دة وما ال‬ ‫يق����ل ع����ن ‪ 70‬دوالر لإنتاج الزيت م����ن الوقود احليوي و�أك��ث�ر من ‪ 70‬دوالر‬ ‫للربميل من الزيت ال�صخري‪� .‬أما �إنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�شجر‬ ‫واحل�شائ�����ش ‪ -‬اجلي����ل الثاين ‪ -‬ف�����إن تكاليف �إنتاجها تق����در بني ‪159-105‬‬ ‫دوالر للربميل(‪.)1‬‬

‫ثانيا‪« :‬التنمية النفطية» ومفهوم التنمية احلميدة‬

‫«التنمية النفطية» �إن �صحت الت�سمية هي منط التنمية ال�سائد يف �أقطار‬ ‫جمل�����س التع����اون وهي منوذج ي�صع����ب ت�سميته تنمية‪ ,‬و�إمن����ا هي حم�صلة‬ ‫تلقائي����ة متقلب����ة للتغريات الت����ي �صاحبت ع�ص����ر النف����ط يف دول املنطقة‬ ‫و�أبعدته����ا عن �أمناط التنمية احلميدة‪ .‬فم����ا حم�صلة التغريات امل�صاحبة‬ ‫للنفط يف �أقطار جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية؟‬ ‫الإجاب����ة املُرّة التي ت�ؤكدها �أدبيات التنمية‪ ،‬ت�شري �إىل �أن تلك التغريات ‪-‬‬ ‫الفجائي����ة والع�شوائية ‪ -‬مل تكن عملية تنمية باملعنى املتعارف عليه ملفهوم‬ ‫التنمي����ة احلمي����دة‪ .‬وبعد الإطالع عل����ى عدد من التعريف����ات‪ ،‬تو�صلنا �إىل‬ ‫تعريف خمت�صر يعترب «التنمية ال�شاملة عملية جمتمعية واعية وم�ستدامة‪,‬‬ ‫وقف��ة عن��د االنعكا�س��ات املالي��ة للطف��رة الثالث��ة موجهة وفق �إرادة وطنية من �أجل �إيجاد حتوالت هيكلية و�إحداث تغيريات‬ ‫انعك�ست الطفرة النفطية الثالثة على قيمة �صادرات النفط والغاز امل�سال �سيا�سية واجتماعية واقت�صادية وثقافية‪ ,‬ت�سمح بتحقيق ت�صاعد م�ضطرد‬ ‫‪ ,LNG‬و�أدت �إىل زيادة قيمة �صادرات الدول ال�ست يف جمل�س التعاون �إىل لقدرات املجتمع املعني وحت�سني م�ستمر لنوعية احلياة فيه»‪.‬‬ ‫ح����وايل ثالثة �إ�ضع����اف ون�صف يف الفرتة من ع����ام ‪ .2002-2007‬كما �أدت‬ ‫�إىل زي����ادة عائ����دات النفط التي مت توريده����ا �إىل امليزانيات العامة للدول‬ ‫ال�س����ت م����ن ‪ 91,1‬بليون دوالر ع����ام ‪ 2002‬اىل ‪ 355‬بلي����ون دوالر عام ‪ 2007‬ماهية التغريات امل�صاحبة للنفط‬ ‫يتبني‬ ‫(ح����وايل �أربعة �أ�ضعاف)‪ .‬وبذلك حققت ال����دول ال�ست فوائ�ض كبريه من لن����ا �إذاً‪ ,‬من حتديد معنى م�صطلح التنمي����ة بكل م�سمياتها الإيجابية �أنها‬ ‫امليزانيات العامة ت�صاعدت من ‪ 10.6‬بليون دوالر(‪ )%11,20‬عام ‪� 2002‬إىل مفهوم مركب‪ .‬فالتنمية عملية ‪ ،Process‬كما �أنها �آلية ‪ ,Mechanism‬هذا‬ ‫�إىل جان����ب كونها �أداة وو�سيلة لتحقيق �أهداف مرحلية �ضمن �إطار غايات‬ ‫‪ 158.4‬بليون دوالر (‪ )%51.20‬عام ‪.2007‬‬ ‫�إن�سانية وح�ضارية ذات �أبعاد جمتمعية‪� .‬أما م�ؤ�شراتها املتداخلة واملتكاملة‬ ‫ونت����ج عن تلك الفوائ�����ض زيادة يف حجم الأ�ص����ول اخلارجية املالية لدول فه����ي �أربعة‪� :‬أولها‪ :‬منو اقت�صادي مبعنى تزايد م�ضطرد يف �إنتاجية الفرد‬ ‫املنطق����ة ال�ست‪ ,‬والت����ي مت تقديرها بح����وايل ‪ 1.8‬تريلي����ون دوالر يف نهاية و�إنت����اج املجتمع‪ .‬وثانيه����ا‪ :‬حتوالت هيكلية تطال �أوج����ه التخلف ال�سيا�سية‬ ‫عام ‪ .2007‬وقد تعر�ضت ه����ذه الأ�صول اخلارجية �إىل‬ ‫والإداري����ة واالقت�صادي����ة واالجتماعي����ة والثقافية‬ ‫خ�سائ����ر ب�سبب الأزمة العاملية‪ ,‬ق����درت يف نهاية ‪2008‬‬ ‫كاف����ة‪ ,‬بهدف تنمي����ة القدرات و�إط��ل�اق الطاقات‬ ‫بحوايل ربع قيمتها‪ .‬كم����ا �صاحب هذا التدفق الكبري ان�صرف��ت احلكوم��ات ع��ن الأم��ر‬ ‫اخليرّ ة على امل�ستويني الفردي واجلماعي‪ .‬وثالثها‪:‬‬ ‫وال�سري����ع لعائدات النفط ت�سرب لإي����رادات الدول من املهم وامل�صريي وهو حتقيق تنمية‬ ‫حت�سن م�ضطرد وم�ست����دام لنوعية احلياة املعنوية‬ ‫�ص����ادرات النفط‪ .‬فقد كان هن����اك فرق كبري بني قيمة ذات وجه �إن�ساين ت�ستثمر عائدات‬ ‫واملادية لأفراد املجتمع وجماعاته‪ .‬ورابعها‪ :‬تكري�س‬ ‫�ص����ادرات النف����ط وب��ي�ن م����ا مت توري����ده �إىل امليزانيات النفط بد ًال من ا�ستهالكها‪ ,‬تنمية‬ ‫ن�س����ق اجتماعي يحافظ على ا�ستم����رار املجتمع وال‬ ‫العام����ة يف نف�س الأعوام‪ .‬وق����د لوحظ هذا الت�سرب يف ترتك��ز عل��ى �سيا�س��ة نفطي��ة‬ ‫يدم����ر هويته‪ ,‬يهدف �إىل تو�سي����ع اخليارات املتاحة‬ ‫جمي����ع دول جمل�س التعاون با�ستثن����اء الكويت التي كان تخ�ض��ع �إنت��اج النف��ط وت�صديره للمواطن��ي�ن ب�أجياله����م املتعاقب����ة وذل����ك تعب��ي�ر ًا‬ ‫م����ا ورد للميزاني����ة من قيم����ة �ص����ادرات النفط يف عام الحتياجات التنمية االقت�صادية ع����ن تبن����ي �إ�سرتاتيجي����ة جمتمعية وطني����ة للتنمية‬ ‫‪ 2007‬يزيد بن�سبة ‪ %8.5‬وهذا راجع �إىل ن�شر ح�سابات – االجتماعية ال�شاملة‬ ‫امل�ستدامة‪.‬‬ ‫ختامي����ة للميزاني����ة العام����ة يف الكوي����ت يدققها ديوان‬ ‫و�إذا �أجرين����ا مقارن����ة مو�ضوعي����ة ب��ي�ن مفه����وم‬ ‫املحا�سبة التاب����ع ملجل�س الأمة‪� .‬أما هذا الفرق يف بقية‬ ‫التنمية ال����ذي �سبقت الإ�شارة �إليه‪ ،‬وبني التغريات‬ ‫الدول فق����د بلغت ن�سبته النق�ص فيه يف ع����ام ‪ %17.3 :2007‬يف الإمارات‪،‬‬ ‫و‪ %27.4‬يف العربية ال�سعودية‪ ،‬و‪ %50.4‬يف قطر‪ ,‬وهذا ي�شري �إىل �أن هناك االقت�صادي����ة واالجتماعية ‪ -‬الفجائية والع�شوائي����ة املتقلبة‪ ,‬التي �شهدتها‬ ‫مبال����غ كبرية معت��ب�رة من عائدات النف����ط والغاز امل�س����ال ‪ LNG‬مل تدخل املنطق����ة يف ع�ص����ر النفط‪ ،‬يتبني لن����ا مدى ابتعاد تل����ك التغريات عن نهج‬ ‫امليزاني����ات العامة‪ .‬بل تت�سرب منه����ا ل�سبب �أو لآخ����ر‪ .‬والت�سرب املق�صود التنمي����ة‪ ،‬ويت�أك����د لن����ا �أنها ال ترق����ي �إىل م�س ـت����وى عملية تنمي����ة‪ ,‬ب�أي من‬ ‫هن����ا هو ت�س����رب عائدات النفط والغ����از امل�سال ب�شكل خا�����ص قبل دخولها الت�سميات امل�ستحب����ة‪ ,‬حيث مل تهتدِ تلك التغريات بن�سق اجتماعي ي�صون‬ ‫امليزاني����ات العامة‪� ,‬أما الت�س����رب من امليزانيات فذلك �أمر الحق وهو لي�س الهوي����ة ويحافظ على امل�صال����ح العليا للمجتم����ع باعتب����اره م�ؤ�س�سة دائمة‬ ‫�أقل �أهمية منه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬وتل���ح على فك���رة ويراودين حل���م بالن�سبة مل�ستقبل اجليل الث���اين من الوقود‬ ‫‪142‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫احلي���وي‪ ,‬ويتمث���ل ذلك يف �أن تك���ون �صحارينا يف اجلزي���رة العربية هي املنطقة‬ ‫امل�ؤهلة لإنتاج الوقود احليوي من �سيقان ال�شجر واحل�شائ�ش‪ .‬وهذا علمي ًا ممكن‬ ‫�إذا طورنا بحوث تهجني النباتات وجعلها تقبل املياه املاحلة الوفرية لدينا‪.‬‬

‫تتعاق����ب عليه����ا الأجي����ال‪ ،‬و�إمنا كان����ت تغ��ي�رات منفلتة م����ن عقالها‪ ،‬مل‬ ‫ت�ضبطه����ا �إ�سرتاتيجية وطني����ة حتقق تنمية ذات وج����ه �إن�ساين‪ ,‬وحتافظ‬ ‫عل����ى حقوق املواطنني وت�ص����ون هويتهم عرب الأجي����ال‪ .‬الأمر الذي حَ وّل‬ ‫تل����ك التغريات – تدريجي���� ًا ‪ -‬يف دول املنطقة �إىل منط يرتاوح بني �ضياع‬ ‫فر�ص التنمية وبني منط من «تنمية ال�ضياع» يف الدول ال�صغرية‪.‬‬

‫�ضي��اع فر���ص التنمي��ة‬ ‫�أ�ضاع����ت التغ��ي�رات‬ ‫الع�شوائية املتقلبة على املنطقة فر�ص تنمية حمتملة‪ ،‬نتيجة لعدم �إ�صالح‬ ‫�أوجه اخللل املزمنة بل تفاقمها‪ ,‬وعجز ال�سيا�سات احلكومية عن �إحداث‬ ‫تغي��ي�رات هيكلية ت�سمح ببناء قاع����دة �إنتاجية ‪ -‬م�ؤ�س�سية وب�شرية ومادية‬ ‫ بديل����ة للنف����ط‪ .‬وهذا العج����ز ال ينفي وجود حت�س����ن ‪ -‬مرهون ا�ستمرار‬‫معظمه با�ستمرار تدفق ريع النفط على امليزانيات العامة لدول املنطقة ‪-‬‬ ‫يف جوان����ب من احلياة املادية مثل ارتفاع م�ستوى املعي�شة وارتفاع امل�ستوى‬ ‫ال�صح����ي وانت�ش����ار التعليم واالت�ص����ال بالعامل‪ .‬ولكن تبق����ى احلقيقة ب�أن‬ ‫تل����ك التح�سينات متثل حالة �سمحت بها الوف����رة النفطية‪ ،‬ولي�ست عملية‬ ‫تعرب عن اجتاه م�ستمر يف التح�سن‪ ،‬يعك�س حتوالت يف البنية االقت�صادية‬ ‫واالجتماعي����ة‪ .‬ولذلك الحظنا ب�أن م�ستويات املعي�ش����ة ترتاجع ب�شكل عام‬ ‫وم�ستويات معي�شة ذوي الدخل املحدود ترتاجع ب�شكل خا�ص كلما ت�أرجحت‬ ‫الطف����رات النفطية بني امل����د واجلزر‪ .‬وكذلك ميك����ن �أن ترتاجع خدمات‬ ‫ال�صح����ة والتعليم والإ�سكان وغريها حتت �ضغط انخفا�ض معدالت زيادة‬ ‫الإنفاق العام كلما انح�سرت طفرت من طفرات �أ�سعار النفط‪.‬‬ ‫�أم����ا اجلوان����ب املعنوية م����ن احلياة فلم ت�شه����د حت�سن ًا يذك����ر‪ ،‬با�ستثناء‬ ‫الكوي����ت التي عا�شت فرتات متقطعة من احلي����اة الد�ستورية ومتتع بع�ض‬ ‫مواطنيه����ا بقدر م����ن االنتخاب‪ ،‬كما توف����ر فيها قدر م����ن حرية التنظيم‬ ‫والتعبري وحكم القانون‪ .‬ولذلك ف�إن امل�شاركة ال�سيا�سية الفعالة و�ضمانات‬

‫احلري����ات العام����ة و�ضمانات حقوق املواط����ن والإن�سان مل تتق����دم‪ ،‬بل �إن‬ ‫بع�ض���� ًا من �ضماناتها التقليدية قد تراج����ع نتيجة لرتاجع الدور ال�سيا�سي‬ ‫للقبيل����ة العربي����ة‪ ،‬دون ا�ستبداله مب�ؤ�س�سات جمتمع م����دين حديث‪ ،‬الأمر‬ ‫ال����ذي �أخ ّل مبتطلب����ات احلد الأدنى م����ن التوازن بني ال�سلط����ة واملجتمع‪،‬‬ ‫وجع����ل الأف����راد يقفون عاجزين �أم����ام �آلة ال�سلطة الت����ي ت�ضخمت بف�ضل‬ ‫امتالكه����ا لري����ع النفط وحتكمه����ا يف �سيا�سات �إعادة توزيع����ه �إ�ضافة �إىل‬ ‫ت�أث��ي�ر اخللل ال�سكاين واحلماية الأجنبي����ة‪ ,‬والتي �أدت جمتمعة �إىل ن�شوء‬ ‫«�سلط����ة �أكرث من مطلق����ة وجمتمع �أكرث من عاجز» على حد تعبري الزميل‬ ‫حممد غبا�ش‪.‬‬ ‫واىل جانب عدم حتقي����ق تقدم يذكر يف اجلوانب ال�سيا�سية من احلياة‪،‬‬ ‫ف�����إن امل�شاركة ب����كل �أبعادها الأخرى ق����د تدنت ن�سبياً‪ .‬كم����ا �أن التما�سك‬ ‫االجتماع����ي قد تردّى‪ .‬وكذلك غابت عن التغ��ي�رات التي �صاحبت ع�صر‬ ‫النف����ط يف املنطق����ة اعتبارات امل�ستقبل والعدالة ب��ي�ن اجليل الواحد وبني‬ ‫ضال عن تزايد االنك�شاف عل����ى اخلارج ب�شكل عام‬ ‫الأجي����ال املتعاقب����ة‪ ،‬ف� ً‬ ‫واالنك�شاف الأمني ب�شكل خا�ص‪ ،‬مما �أثر يف الإرادة الوطنية التي بدا �أن‬ ‫دول املنطقة قد ا�سرتدتها عندما انتهاء عهد احلماية الربيطانية‪.‬‬

‫من��ط «تنمي��ة ال�ضي��اع»‬ ‫وال�س�����ؤال‬ ‫املنطق����ي الذي يطرح نف�سه ب�إحلاح عل����ى �أهل املنطقة واملعنيني مب�ستقبل‬ ‫�شعوبه����ا ‪ -‬يف الوق����ت احلا�ضر ‪ -‬يف �ض����وء املح�صلة ال�سلبي����ة التي �أ�سفر‬ ‫عنه����ا امل�سار اخلاطئ يف املا�ض����ي‪ ,‬هو �إىل �أين �سوف ي�ؤدي ا�ستمرار ذلك‬ ‫امل�س����ار اخلط����ر مبجتمعات املنطق����ة و�شعوبه����ا يف امل�ستقب����ل؟ لقد فوتت‬ ‫التوجه����ات اال�ستهالكية عل����ى املنطقة فر�صة بناء قاع����دة �إنتاجية بديلة‬ ‫للنف����ط‪ ،‬و�ض ّيع����ت بالتايل فر�صة بدء عملية تنمي����ة م�ستدامة على كل من‬ ‫دوله����ا‪ .‬فهل تدفع اليوم التوجه����ات ‪ -‬التي ما زالت حتكم م�سار احلا�ضر‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪143‬‬


‫فـي ب�ؤرة االهتمام‬ ‫ مبجتمعات املنطقة �إىل ال�ضياع ‪ -‬ال قدر اهلل ‪ -‬بعد �أن �ضيعت توجهات ق����د ال يتطابق مع معنى كلمة ‪ Reform‬التي قد يكون الق�صد من �إطالقها‬‫التفكي����ك و�إعادة الت�شكيل التي طرحها الغرب واتبعتها احلكومات‪ ,‬لأنها‬ ‫املا�ضي فر�ص ًا ثمينة لبدء عملية تنمية م�ستدامة‪.‬‬ ‫�إن املعطيات التي �أفرزتها التغريات امل�صاحبة لع�صر النفط‪ ،‬وا�ستمرار ال تغ��ي�ر من و�ضع ال�سلطة القائمة و�إمنا حت�سن �صورتها يف نظر ما ي�سمى‬ ‫�أوجه اخلل����ل املزمنة‪ ،‬وتفاق����م اخللل ال�سكاين واخلل����ل الأمني على وجه بـ “املجتمع الدويل”‪.‬‬ ‫لذل����ك البد لكل دعوة ج����ادة للإ�صالح �أن حتدد �أوجه اخللل التي ت�سعى‬ ‫اخل�صو�����ص‪ ،‬تدف����ع ب����دول املنطق����ة ب�شكل ع����ام واحتاد الإم����ارات وقطر‬ ‫والبحرين ب�شكل خا�ص �إىل منط «تنمية ال�ضياع» �إن جاز ت�سمية التغريات �إىل �إ�صالحها‪ ،‬وتعني الأهداف املرجو الو�صول �إليها من عملية الإ�صالح‪،‬‬ ‫الراهن����ة «تنمية»‪ .‬ولعل تفاقم اخللل ال�س����كاين وما �سي�ؤدي �إليه من ن�شوء وتلت����زم بال�سيا�سات التي حتق����ق ذلك‪ .‬و�أوجه اخلل����ل املزمنة يف املنطقة‬ ‫مراك����ز دولية منقطعة ال�صلة باملجتمعات الأ�صلي����ة فيها‪ ,‬بلغتها وهويتها ميك����ن �إجمالها يف �أربعة �أوجه رئي�سة‪ .‬منها اثن����ان متفق عليهما من قبل‬ ‫وم�صاحلها (منط �سنغافورة)‪ ,‬يظل احتما ًال وارد ًا بالن�سبة للدول الأ�صغر احلكومات وال�شعوب وال تخلو �إ�سرتاتيجية للتنمية �أو خطة �إال و�أكدت على‬ ‫يف املنطقة‪ .‬هذا �إذا ا�ستمر ‪ -‬ال قدر اهلل ‪ -‬اخللل ال�سكاين يف تداعياته‪� ،‬ضرورة مواجهتهما‪� .‬أولهما‪ :‬اخللل ال�سكاين‪ ،‬وثانيهما‪ :‬اخللل الإنتاجي‪-‬‬ ‫ومل يتمك����ن املواطنون �أن يعيدوا لأنف�سهم �أهمية اجتماعية ويكت�سبوا حق االقت�ص����ادي‪ .‬واثن����ان �آخ����ران م�سك����وت عنهما عل����ى امل�ست����وى الر�سمي‪،‬‬ ‫امل�شاركة ال�سيا�سية‪ ،‬اللتني ت�سمحان لهم ب�أن يقوموا بدور التيار الرئي�سي وي�شكالن عبئ ًا وعائق ًا �أمام الإ�صالح على امل�ستوى الأهلي‪� ،‬أولهما‪ :‬اخللل‬ ‫يف املجتم����ع‪ .‬وم����ن هنا ف�إن احتم����االت ال�ضياع ال يج����وز التقليل منها‪� ،‬إذ يف العالق����ة بني ال�سلطة واملجتمع وغي����اب الدميقراطية يف معظم �أقطار‬ ‫�أن هناك خطر ًا ماث ًال يه����دد بانزالق التغريات االقت�صادية واالجتماعية جمل�����س التعاون‪ .‬وثانيهما‪ :‬اخللل الأمني‪ ،‬واالعتماد على الغرب يف توفري‬ ‫الراهن����ة �إىل م�����آزق ي�صع����ب اخل����روج منه‪ .‬ه����ذا �إذا مل تك����ن بع�ض دول الدفاع عن دول املنطقة‪.‬‬ ‫املنطقة قد انزلقت �إليها بالفعل‪.‬‬ ‫وم����ن هن����ا ف�إن �أي �أجن����دة للإ�صالح املن�ش����ود يف املنطقة يج����ب �أن تبد�أ‬ ‫وم����ن �أخط����ر هذه املزالق هو م����ا ت�شهده الإمارات وقط����ر والبحرين من ب�إ�صالح �أوجه اخللل املزمنة الرئي�سة الأربعة املذكورة �أعاله‪� ,‬إ�ضافة �إىل‬ ‫تفاقم اخللل ال�سكاين‪ ،‬والتوجه لتطوير بنية �أ�سا�سية اجتماعية وثقافية‪ ,‬حتديد �أهداف عملي����ة الإ�صالح و�سيا�ساته ومراحله‪ .‬وجدير بالت�أكيد �أن‬ ‫عماده����ا اللغ����ة االجنليزي����ة يف التعلي����م ويف الإدارة والرتفيهية‪ ,‬من �أجل دواعي الإ�ص��ل�اح واملطالبة به مل تتوقف يف املنطقة على امل�ستوى الأهلي‪،‬‬ ‫خدمة متطلبات �سيا�سات التو�سع العقاري لغري حاجة املواطنني والوافدين وكذلك الإ�شارة �إىل احلاجة �إليه على امل�ستوى الر�سمي‪:‬‬ ‫للعم����ل‪ ,‬و�إمنا بق�صد التوط��ي�ن عن طريق ت�شجيع م�ش��ت�ري العقارات من‬ ‫فعل��ى امل�ستوى الر�سمي ومنذ قيام جمل�س التعاون اعرتف امل�سئولون‬ ‫خمتل����ف الق����ارات وع��ب�ر احل�ض����ارات بتوف����ر بيئ����ة‬ ‫يف املجل�س بوج����ود م�سار خطر‪ ،‬وكتب الأ�ستاذ عبد‬ ‫اجتماعي����ة وثقافية مف�ضلة لديهم‪ ,‬ومبنحهم �إقامات‬ ‫اهلل ب�شارة عام ‪ ،1987‬يف العدد ال�ساد�س من جملة‬ ‫دائم����ة مع جمي����ع �أف����راد �آ�سره����م‪ ،‬ب�ص����رف النظر �أ�ضاع��ت التغ�يرات الع�شوائي��ة التعاون‪ ،‬م�ؤكد ًا وج����ود مطالب �إ�صالح‪ ،‬تغلق دونها‬ ‫عن حاج����ة العمل �إليهم يف الدول����ة املانحة للإقامات املتقلب��ة على املنطق��ة فر�ص تنمية الأب����واب‪ .‬وقال‪« :‬هناك طرق����ات على �أبواب هادئة‪،‬‬ ‫الدائمة �أو �إمكانيات اندماجهم يف املجتمع الوطني‪ .‬حمتملة‪ ،‬نتيجة لع��دم �إ�صالح �أوجه تقليدية (‪ )...‬ت�أت����ى بنداء عن التغيري يف القوانني‪،‬‬ ‫وقد �أدت هذه ال�سيا�سات الغريبة عن املنطق الوطني اخلل��ل املزمنة ب��ل تفاقمه��ا‪ ,‬وعجز واملواقف‪ ،‬وااللتزام����ات‪ ،‬ويف امل�ؤ�س�سات‪ ،‬و�أهمها يف‬ ‫والإن�ساين‪ -‬طم�����س ثقافة جمتمعات قائمة واقتالعها ال�سيا�س��ات احلكومي��ة ع��ن �إح��داث الفل�سف����ات واملنطلقات»‪ .‬و�أ�ضاف �أن «التحدي الذي‬ ‫ل�صلح م�ستوطن��ي�ن جدد‪� -‬إىل ت����دين ن�سبة املواطنني تغي�يرات هيكلي��ة ت�سم��ح ببن��اء يواج����ه دول اخللي����ج‪ ،‬ه����و قدرتها م����ن عدمها على‬ ‫يف �إجم����ايل ال�سكان يف عام ‪� 2007‬إىل حوايل الن�صف قاعدة �إنتاجية ‪ -‬م�ؤ�س�سية وب�شرية التجاوب مع هذه الطرقات»‪.‬‬ ‫يف �ست����ة �أعوام فقط‪ .‬حي����ث �أ�صبحت ن�سبة املواطنني ومادية ‪ -‬بديلة للنفط‬ ‫وبعد مرور �أكرث من عقد من الزمن �أي�ضاً‪ ،‬جند‬ ‫‪ %10‬يف الإم����ارات و‪ %16‬يف قط����ر‪ ,‬واىل الن�صف يف‬ ‫�أن «�إ�سرتاتيجية التنمية ال�شاملة بعيدة املدى لدول‬ ‫البحرين بعد �أن كانت قبل عام واحد ت�ساوي الثلثني‪.‬‬ ‫جمل�س التعاون (‪ ،»)2025-2000‬والتي اعتمدها‬ ‫هذا مقارنة بن�سبة ‪ %20‬يف الإمارات‪ ,‬ون�سبة‪ %31‬يف قطر عام ‪� .2001‬أما القادة يف اجتماع املجل�س الأعلى يف دورته التا�سعة ع�شرة يف كانون الأول‪/‬‬ ‫م�ساهمة املواطنني يف �إجمايل قوة العمل فقد تدنت �إىل ‪ %5‬يف الإمارات دي�سمرب ‪ 1998‬يف �أبو ظبي‪ ،‬ت�ؤكد �أن «من �أبرز التحديات التي تعي�شها‬ ‫و‪ %7‬يف قطر و‪ %15‬يف البحرين‪.‬‬ ‫م�سرية التنمية الوطنية بدرجة �أو ب�أخرى‪ ،‬ومل تتخل�ص منها رغم مرور‬ ‫�أكرث من �أربعة عقود تنموية بهذه الدول‪( ،‬هي) ا�ستمرار هيمنة املوارد‬ ‫�إ�ص��ل�اح الأحادية على م�صادر توليد الدخل‪ ،‬وهو ما يعمل على ت�ضييق خيارات‬ ‫ثالث��اً‪ :‬متطلب��ات الإ�ص�لاح‬ ‫�أوجه اخللل املزمنة يف املنطقة هو املدخل لبدء عملية تنمية حميدة طال التنمية وفر�ص الك�سب‪ .»...‬وت�ضيف الإ�سرتاتيجية م�ؤكدة ارتباط كافة‬ ‫انتظاره����ا‪ .‬كما �أن ب����دء عملية التنمية يف املنطق����ة يتطلب �سيا�سة نفطية التحديات بـ «اختالالت بيّنة يف الرتكيبة ال�سكانية‪ ،‬مبا تت�ضمنه من‬ ‫تخ�ض����ع النفط العتبارات التنمية‪ .‬فالإ�صالح كما نفهمه يف اللغة العربية ت���أث�يرات �سلبية على التجان�س االجتماعي وبواعث املواطنة والوالء‪،‬‬ ‫وهي اختالالت قد جنمت عن االعتماد الكثيف على العمالة الأجنبية‪،‬‬ ‫‪144‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫واختالالت �سوق العمل‪ ،‬والثبات الن�سبي لنظم التعليم والتدريب ونظم كان لظ����روف اللحظة الراهن����ة والعوامل اخلارجي����ة �إ�ضافة �إىل احلركة‬ ‫الوطني����ة يف كل م����ن الكويت والبحري����ن‪ ،‬ف�ض ٌل يف خروج تل����ك الد�ساتري‬ ‫التوظف والأجور»‪.‬‬ ‫وعل��ى امل�ست��وى الأهل��ي‪ ,‬ميثل «م�ش����روع الإطار الع����ام لإ�سرتاتيجية كن�صو�ص‪ ،‬ولكنها عطلت يف البحرين و مت جتاهل جوهرها عند التطبيق‬ ‫التنمي����ة والتكام����ل» يف �أقطار جمل�����س التعاون‪� ,‬أحد ت�ص����ورات الإ�صالح يف الكويت‪.‬‬ ‫املطلوب����ة لت�صحي����ح م�سار التنمية يف املنطقة‪ .‬مت �إع����داد هذا الت�صور يف وال يفوتن����ي �أن �أختم هذه املقالة باجلهود الت����ي بذلها منتدى التنمية يف‬ ‫ع����ام ‪ 1983‬من قبل فريق عمل بتكليف من الأمانة العامة ملجل�س التعاون‪ .‬املنطقة‪ .‬ففي اللق����اء اخلام�س والع�شرين ملنت����دى التنمية‪ ،‬متت مراجعة‬ ‫التو�صي����ات الت����ي �أكدت عليها لقاءات املنتدى عل����ى مدى ‪ 25‬عاماً‪ ،‬ومتت‬ ‫وقد بد�أ هذا امل�شروع باملنطلق والطموح الذي متثله املادة‬ ‫درا�سة �أوجه اخللل املزمنة‪ .‬كما مت التو�صل �إىل‬ ‫الرابع����ة من النظام الأ�سا�سي للمجل�س‪ ،‬التي اعتربت �أن‬ ‫املجل�����س ج����اء «ا�ستكما ًال مل����ا بد�أت����ه (دول املنطقة) من �إ�ص�لاح �أوجه اخلل��ل املزمنة م�شروع �أهلي للإ�صالح اجلذري من الداخل يف‬ ‫جه����ود يف خمتل����ف املجاالت احليوي����ة التي ته����م �شعوبها يف املنطق��ة هو املدخ��ل لبدء �أقطار جمل�س التع����اون‪ .‬وقد حتددت �أجندته يف‬ ‫ما يلي‪:‬‬ ‫وحتق����ق طموحاتهم نحو م�ستقبل �أف�ضل و�صو ًال �إىل وحدة عملي��ة تنمي��ة حمي��دة طال‬ ‫�أوالً‪ :‬ت�صحي����ح العالقة بني ال�سلطة واملجتمع‪.‬‬ ‫دولها»‪.‬‬ ‫عملية‬ ‫بدء‬ ‫أن‬ ‫�‬ ‫كما‬ ‫انتظارها‪.‬‬ ‫وذل����ك من خالل الف�صل ب��ي�ن الدولة باعتبارها‬ ‫وبع����د ذك����ر الغاي����ات بعيدة امل����دى للتنمي����ة والتكامل يف‬ ‫يتطل��ب‬ ‫املنطق��ة‬ ‫يف‬ ‫التنمي��ة‬ ‫م�ؤ�س�س����ة يت�س����اوى فيه����ا كل املواطن��ي�ن وب��ي�ن‬ ‫املنطقة‪� ،‬أكد الإطار العام هذا على التحديات التي تواجه‬ ‫املنطق����ة والإمكانيات املتاحة له����ا‪ .‬وتوقف امل�شروع ب�شكل �سيا�سة نفطية تخ�ضع النفط �شخ�صي����ة احلاك����م‪ ،‬وبالتايل الف�ص����ل بني املال‬ ‫خا�����ص عند الأه����داف الإ�سرتاتيجي����ة العاجلة‪ ،‬وحددها العتبارات التنمية‬ ‫الع����ام فيه����ا وب��ي�ن امل����ال اخلا�����ص‪ ،‬وت�أكيد حق‬ ‫املواطنني جميع ًا يف تكافئ الفر�ص يف املنا�صب‬ ‫يف الت����ايل‪� :‬أوالً‪ ،‬تخفي�ض االعتم����اد على النفط تدريجي ًا‬ ‫العامة‪ ،‬و�إقامة نظام احلكم على �أ�سا�س �شرعية‬ ‫و�إخ�ضاع �إنتاجه العتب����ارات التنمية‪ .‬ثانياً‪ ،‬تخفي�ض قوة‬ ‫العم����ل الوافدة وتعديل تركيبها وحت�سني نوعيتها‪ .‬ثالثاً‪� ،‬إخ�ضاع النفقات د�ستور دميقراطي‪.‬‬ ‫العام����ة ملعايري اجل����دوى االقت�صادي����ة‪ .‬رابع����اً‪� ،‬إ�ص��ل�اح الإدارة الراهنة ثاني��اً‪ :‬ت�أ�سي����س �شبكة �أم���ان اجتماعي‪ .‬وذل���ك من �أجل ت�أم�ي�ن املواطنني‬ ‫وتنميته����ا (مبتدئني بالإدارة ال�سيا�سية)‪ .‬خام�ساً‪ ،‬بناء قاعدة اقت�صادية ب�ش���كل �إيجابي �ضد تداعي���ات تقوي�ض دور �أهل املنطق���ة؛ �شبكة �أمان وطني‬ ‫بديلة‪� .‬ساد�ساً‪ ،‬بناء قاعدة علمية ‪ -‬تقنية ذاتية متطورة‪� .‬سابعاً‪� ،‬إ�صالح �ض���د ظاهرة �أ�شكال البطالة املت�صاع���دة وانخفا�ض القدرة على املناف�سة مع‬ ‫التعلي����م وربط����ه مبتطلبات التنمي����ة‪ .‬ثامناً‪ ،‬توفري البيئ����ة املالئمة لتنمية الوافدي���ن‪ ,‬نتيجة لعدم تهيئة املواطنني للمناف�س���ة يف �سوق العمل ويف جمال‬ ‫الأعم���ال‪ ,‬ب�سب���ب نظ���م احلواف���ز املغلوطة يف �سيا�س���ات التعلي���م والتوظيف‬ ‫ثقافة اجتماعية م�ستمرة‪.‬‬ ‫ويف اخلت����ام حدد م�شروع الإطار العام هذا‪ ,‬متطلبات تنفيذه يف ما يلي‪ :‬احلكومي‪ .‬وكذلك �ضمان حق التعليم والعالج وت�أمني م�ستوى معي�شي كرمي‪.‬‬ ‫�أوالً‪ ،‬جت�سي����د الكيان ال�سيا�سي املوحد وتر�سيخ �أ�س�سه‪ .‬ثانياً‪� ،‬إيجاد �إدارة ثالثاً‪� :‬إ�صالح اخللل ال�سكاين‪ .‬وذلك كي ي�صبح املواطنون تدريجي ًا �أغلبية‬ ‫�إقليمي����ة لإدارة التنمي����ة‪ .‬ثالثاً‪ ،‬تهيئة الإدارة املحلي����ة وتوثيق ترابطها مع مطلقة يف ال�سكان‪ ,‬ون�سبة ال تقل عن ‪ %50‬من قوة العمل يف كل ن�شاط وكل‬ ‫�إدارة التنمي����ة الإقليمية‪ .‬وقد كان الت�أكي����د على متطلبات التنفيذ هذه – قط����اع من قطاعات الإنت����اج يف كل دولة‪ .‬حتى ي�س��ت�رد املواطنون دورهم‬ ‫مع الأ�سف ‪ -‬ال�سبب الرئي�سي لرف�ض وزراء التخطيط للم�شروع‪ ،‬وجتاهله الإنتاجي وال�سيا�سي باعتبارهم التيار الرئي�سي يف املجتمع‪.‬‬ ‫باعتب����ار التنمي����ة والتكام����ل لديهم جم����رد م�شروعات م�شرتك����ة ولي�ست رابع��اً‪� :‬إ�صالح اخلل����ل الإنتاجي‪ .‬وذل����ك باال�ستفادة من م����وارد الزيت‬ ‫�إ�صالح ًا �سيا�سي ًا واجتماعي ًا �إىل جانب الإ�صالح االقت�صادي‪.‬‬ ‫والغاز الطبيعي يف �إطار كيان قابل للتنمية‪ ،‬وتوظيف ريعهما يف عملية بناء‬ ‫قاع����دة اقت�صادية متنوعة من حيث الن�شاط����ات والقطاعات‪ ،‬تكون بديلة‬ ‫وبالرغم للنف����ط ميكنه����ا تدريجي ًا توفري فر�ص عم����ل مُنتِجة وم�ص����ادر دخل بديلة‬ ‫نحو �إ�صالح جذري من الداخل‬ ‫م����ن ال�صد الر�سم����ي العنيف املتوا�صل لكل مطال����ب الإ�صالح يف املنطقة لعائ����دات النفط‪ ،‬وتنمية قدرة على توازن ميزان املدفوعات‪ ،‬وتلبية حاجة‬ ‫ف�إن الإ�صالح اجلذري من الداخل ما زال مطلب ًا ملحاً‪ ,‬كما كان الإ�صالح اال�سترياد من عائدات �صادراتها‪.‬‬ ‫دائم���� ًا مطلب���� ًا لأهل املنطقة يف الع�صر احلديث‪ ،‬من����ذ �أن انفردت النظم خام�س��اً‪� :‬إ�ص��ل�اح اخلل����ل الأمني يف �إط����ار جمل�س التع����اون‪ .‬وذلك من‬ ‫الراهن����ة باحلك����م يف �إطار معاه����دات احلماية‪ .‬فاملطالب����ة بالإ�صالح مل خالل االندماج الإقليمي والتكامل العربي من �أجل تقليل احلاجة الوطنية‬ ‫تنقط����ع عل����ى مدى قرن م����ن الزمان‪ ،‬ولكنه����ا مع الأ�س����ف �أٌجه�ضت �أو مت والإقليمية والعربية لأي مظلة �أمن خارجي‪.‬‬ ‫احتوا�ؤه����ا �أمني����اً‪ ،‬ومل تتبلور يف الغالب وت�صبح حرك����ة �شعبية م�ستدامة‪� ،‬ساد�ساً‪ :‬مطل����ب الدميقراطية وحقوق الإن�س����ان وتنمية املجتمع املدين‪،‬‬ ‫حت����ى تكلل بالو�صول �إىل توافق مع احلكومات‪ ,‬تتوفر له مقومات التطبيق باعتب����ار الدميقراطي����ة هدف���� ًا من الأه����داف الوطني����ة‪ ،‬واىل جانب ذلك‬ ‫على �أر�ض الواقع‪ .‬وي�ستثنى من ذلك‪ ،‬املرحلتان الق�صريتان اللتان �شهدتا و�سيلة لتحقيق بقية الأهداف‪.‬‬ ‫و�ض����ع د�ست����ور الكويت لع����ام ‪ 1962‬ود�ست����ور البحرين لع����ام ‪ ،1972‬والتي‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪145‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫ب�صراحة‬

‫�سجال‬

‫�صدر حديث ًا �ضمن‬ ‫�سل�سلة ر�سائل جامعية‬

‫�آراء‬

‫�إي‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫‪ :‬ظا‬

‫عل‬

‫يح‬ ‫�سني اب‬

‫مل ٌ‬ ‫ة‬ ‫�‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫مظل‬

‫كري‬ ‫*‬ ‫عبد ا‬

‫لغ‬

‫ومة؟‬

‫ني ا‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ي‬

‫لم ًا «متييزي ًا»!‬ ‫�أن تكون ُم�س ِ‬ ‫د الدين العثماين‬

‫وار مع الدكتور �سع‬

‫ح‬

‫تواز‬ ‫اخلليج العرب ن مفقود‪:‬‬ ‫ي والبع‬

‫�سيا�سة اليمن اخلارجية‬ ‫جتاه دول القرن الإفريقي‪:‬‬ ‫م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي‬

‫حممد علي عمر احل�ضرمي‬

‫دا‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ق‬ ‫ا‬ ‫م�ؤثر‬ ‫يف‬ ‫ة‬ ‫ك‬ ‫يف‬ ‫قوة‬ ‫حت‬ ‫دي‬ ‫�سالم الرب�د امل�صالح‬ ‫ضي‬

‫جدلية ا‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫�‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫م‬ ‫هل جتاوزه والدمي‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫‪:‬‬ ‫ا الإ�‬ ‫سالميون؟‬ ‫نبيل‬

‫البكريي‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪146‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثاين‪ ،‬يناير‪/‬فرباير‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪147‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫بو�ضــوح‬

‫�آراء‬

‫�سجال‬

‫بو�ضوح مع �سعد الدين العثماين‬

‫�أن تكون مُ�سلِم ًا «متييزياً»!‬

‫“‬

‫جدلية الديني وال�سيا�سي‪ ،‬وتالي ًا جدلية الدولة الدينية والدولة املدنية‪ ،‬من الق�ضايا الفكرية املعا�صرة الأكرث‬ ‫�إثارة لل�صخب يف �أو�ساط نخب امل�شهد ال�سيا�سي والفكري العربي مبختلف �أطيافه وتوجهاته من �إ�سالمييه �إىل علمانييه‪،‬‬ ‫م��رور ًا ببقي��ة �ش��ركاء امل�شهد من ليرباليني وقومي�ين وي�ساريني‪ .‬وقد و�صل هذا اجل��دل م�ؤخر ًا �إىل دائ��رة الظاهرة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ُمث�ير ًا خالف�� ًا واختالف ًا بني تياري��ن �إ�سالميني‪� ،‬أحدهما تقليدي م�شدود بحنينه اجلامح نح��و املا�ضي‪ ،‬والآخر �أكرث حداثة‪ .‬ومن‬ ‫ممثل��ي ه��ذا التيار الأخري يربز ا�سم املفكر الإ�سالمي وال�سيا�سي املغربي الدكتور �سعد الدين العثماين‪ ،‬الذي ينظر �إليه باعتباره‬ ‫�أح��د رواده الكب��ار من خالل عدد من الكتب الت��ي �ألفها يف هذا اجلانب‪ ،‬وب�صفة خا�صة كتابي��ه ال�شهريين “ت�صرفات النبي �صلى‬ ‫اهلل عليه و�سلم يف الإمامة” و”الدين وال�سيا�سة ‪ ..‬متييز ال ف�صل”‪ ،‬اللذين اعتربا الأ�سا�س الذي تقوم عليه ر�ؤية تيار احلداثة‬ ‫الإ�سالم��ي لق�ضاي��ا الدين والدولة والع�صر‪ ،‬ف�ض ًال ع��ن كتابه “يف الفقه الدعوي‪ :‬م�ساهمة يف الت�أ�صي��ل” وكتابه “فقه امل�شاركة‬ ‫ال�سيا�سية عند �شيخ الإ�سالم بن تيمية”‪.‬‬ ‫ولع��ل �أك�ثر ما يلفت النظر ت�أكيد العثماين ال�ضمن��ي على �أن هناك “علمانية يف الإ�س�لام” (و�إن كان يف�ضل ا�ستخدام تعبري‬ ‫حا�ضر منذ بداياته‪..‬‬ ‫“الدميقراطية” الأكرث برجماتية والأقل �إثارة للجدل)‪ ،‬و�أن التمييز بني الديني وال�سيا�سي يف الإ�سالم‬ ‫ٌ‬ ‫كي��ف ذل��ك؟ هذا م��ا نحاول ا�ستي�ضاحه‪� ،‬إىل جانب عدد م��ن ق�ضايا الفكر الإ�سالمي املعا�صر و�شواغل��ه‪ ،‬عرب احلوار الذي �أجراه‬ ‫نبيل البكريي مع الدكتور �سعد الدين العثماين‪ ،‬الذي �شغل حتى عهد قريب من�صب الأمني العام حلزب العدالة والتنمية‬ ‫املغربي‪ ،‬وي�شغل حالي ًا من�صب رئي�س املجل�س الوطني وم�سئول العالقات اخلارجية يف احلزب نف�سه‪.‬‬

‫“‬

‫‪148‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�أ�����ش����رت يف درا����س���ت���ك «ال���دي���ن‬ ‫وال�سيا�سة‪ ..‬متييز ال ف�صل» �إىل �أن‬ ‫اخلالف بني الدين وال�سيا�سة خالف‬ ‫فرعي ولي�س خالف ًا جوهري ًا‪� .‬إىل �أي‬ ‫مدى ميكن �أن ي�شكل هذا القول مدخ ًال‬ ‫ملزيد من التقارب بني الإ�سالميني‬ ‫والعلمانيني يف عاملنا العربي؟‬ ‫�أظن �أن الفكر الإ�سالمي يف بداية النه�ضة‬ ‫العربية الإ�سالمية‪ ،‬وخ�صو�ص ًا نهاية القرن‬ ‫التا�سع ع�شر وبداية القرن الع�شرين‪ ،‬ت�شكل‬ ‫ك����رد فع����ل عل����ى هجم����ة الثقاف����ة الغربية‪،‬‬ ‫وبالت����ايل كان م����ن الطبيع����ي �أن جن����د فيه‬ ‫بع�����ض النت����وءات واملبالغ����ات الت����ي مل تكن‬ ‫مبني����ة على عمق نظ����ري وا�ستقراء للموقف‬ ‫ال�شرع����ي‪ ،‬ولكنه����ا تكونت يف �إط����ار دفاعي‬ ‫يق����وم على مب����د�أ احلفاظ عل����ى الوجود يف‬ ‫مقابل هجمات الفك����ر الغربي‪ .‬ولهذا بقيت‬ ‫عدد م����ن الق�ضايا حمتفظ����ة بغمو�ضها �إىل‬ ‫عهد قريب‪ ،‬ومن �أبرز هذه الق�ضايا و�أهمها‬ ‫عالق����ة الدين بالدولة‪ ،‬والدني����ا‪ ،‬وال�سيا�سة‬ ‫يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫ما ه��ي الإ�شكاليات الت��ي ا�ستدعت‬ ‫ه��ذه املراجع��ة م��ن قبي��ل ه��ذا املزج‬ ‫والتماهي يف لغتكم‪ ،‬ثم �أمل ُين ِتج هذا‬ ‫التماهي �إ�شكاليات �أخرى على �صعيد‬ ‫املزج بني الفتوى والر�أي الب�شري؟‬ ‫الفك����ر يتطور‪ ،‬وثمة حم����اوالت ظهرت يف‬ ‫�سي����اق احل�ضارة الإ�سالمية يف بداية القرن‬ ‫املا�ض����ي لإع����ادة �شمولية الدي����ن �إىل العقل‬ ‫الإ�سالم����ي املت�أث����ر بالفكر الغرب����ي‪ ،‬والذي‬ ‫ب����د�أت تن�ش�أ فيه مدار�س حت����اول �أن جتاري‬ ‫الغربيني يف الف�صل ب��ي�ن الدين والدولة‪،‬‬ ‫والف�ص����ل ب��ي�ن الدين وال�سيا�س����ة يف �أق�صى‬ ‫درجات����ه وجتلياته‪ .‬وكنتيج����ة لذلك ُبو ِلغ يف‬ ‫التنظري مل�س�ألة التماهي بني الدين والدولة‪،‬‬ ‫وب��ي�ن الدي����ن وال�سيا�سة‪ ،‬الأم����ر الذي طرح‬ ‫�إ�ش����كاالت �أخ����رى �أدت يف نهاية املطاف �إىل‬ ‫خروج فكرة «التميي����ز»‪ ،‬التي قال بها ُكتاب‬ ‫ومفكرون كُثرُ ‪.‬‬

‫(‬

‫)‬

‫ه��ل تعت�بر �أن حال��ة الكهنوتية يف‬

‫املمار�س��ة ال�سيا�سي��ة ه��ي �إحدى هذه‬ ‫الإ�شكاليات؟‬ ‫لي�ست الكهنوتية كلها ولكنها حالة قريبة‬ ‫منها‪� ،‬إذ وجدت �إ�شكاالت مل ت�ستطع �أن جتد‬ ‫ح ًال يف هذا التماه����ي‪ ،‬ثم وقع �أي�ض ًا انفتاح‬ ‫عل����ى النم����وذج الغرب����ي الأجنلو�ساك�س����وين‬ ‫م����ن الناحي����ة النظري����ة‪ ،‬لأن ال����ذي �سيطر‬ ‫يف الدرا�س����ات النظرية ح����ول عالقة الدين‬ ‫بالدول����ة‪ ،‬والدين بال�سيا�سة‪ ،‬يف البداية هي‬ ‫املدر�س����ة الفرن�سية (العلماني����ة الفرن�سية)‬ ‫هم�ش����ة له ب�شكل‬ ‫املت�شددة �ض����د الدين �أو املُ ِّ‬ ‫كب��ي�ر‪ ،‬لكن بعد ذلك تب��ّي�نّ حقيقة �أنه حتى‬ ‫يف الفكر الغرب����ي هُ ناك مدار�س واجتاهات‬ ‫متنوع����ة ومتباين����ة‪ ،‬و�أن االجت����اه العلم����اين‬ ‫الأك��ث�ر ت�شدد ًا ه����و االجتاه امل�سيط����ر نظري ًا‬ ‫لكن عملي ًا هُ ناك توجهات �أخرى �أقرب �إىل‬ ‫الفك����رة الإ�سالمية م����ع �شيء م����ن التعديل‬ ‫وبع�ض االختالفات‪ ،‬وم����ن هُ نا جاءت فكرة‬ ‫التمييز‪.‬‬ ‫م�ؤدى كالمك �أن فكرة التمييز �أتت‬ ‫ل ُتم ِكّن��ا م��ن اال�ستف��ادة م��ن عطاءات‬ ‫التجرب��ة الإن�ساني��ة يف جم��ال‬ ‫ال�سيا�س��ة‪ ،‬نظ��ر ًا لأن الإ�سالمي�ين‬ ‫رمب��ا جت ّم��دت عندهم فك��رة التاريخ‬ ‫الإ�سالم��ي‪ ،‬و�أ�صبح��وا يعتق��دون �أن‬ ‫�صورة الدولة الإ�سالمية هي ال�صورة‬ ‫التاريخية املا ِثلة يف اخلالفة‪..‬‬ ‫ه����ذا م����ن نتائ����ج التماه����ي ب��ي�ن الديني‬ ‫وال�سيا�س����ي يف الفك����ر الإ�سالم����ي املعا�صر‪،‬‬ ‫فقد جعل ال�سيا�س����ي ينطبق عليه ما ينطبق‬ ‫عل����ى كثري من جوان����ب الدين م����ن الثبات‪،‬‬ ‫وهذا ج ّمد الفكر ودفع �أنا�س �إىل �أن ينحتوا‬ ‫يف مقابل الأفكار الغربية �أفكار ًا م�ستقاة من‬ ‫الألف����اظ والن�صو�ص الدينية مثل «ال�شورى»‬ ‫مقابل «الدميقراطية» على �أ�سا�س الت�ضاد‪،‬‬ ‫ومثل «اخلالفة» مقابل «الدولة املدنية» �أي�ض ًا‬ ‫عل����ى �أ�سا�س الت�ضاد‪ ..‬وهك����ذا‪ .‬لكن عندما‬ ‫نتمعن يف امل�س�ألة‪ ،‬جند �أن هذا الت�ضاد ‪ -‬يف‬ ‫احلقيقة ‪ -‬م�صطن����ع ومل يكن حقيقي ًا‪� .‬إننا‬ ‫بحاج����ة �إىل تفكيك الق�ضاي����ا‪ ،‬لأن معاجلة‬

‫“‬

‫االجت��اه العلم��اين الأك�ثر‬ ‫ت�ش��دد ًا هو االجت��اه امل�سيطر‬ ‫نظري�� ًا يف الغ��رب لك��ن عملي ًا‬ ‫هُ ناك توجه��ات �أخرى �أقرب‬ ‫�إىل الفك��رة الإ�سالمي��ة م��ع‬ ‫�ش��يء م��ن التعدي��ل وبع���ض‬ ‫االختالفات‪ ،‬ومن هُ نا جاءت‬ ‫فك��رة التميي��ز ب�ين الدين��ي‬ ‫وال�سيا�سي‬

‫الق�ضايا ب�صورة نظرية‪ ،‬وب�صيغة التعميم‪،‬‬ ‫يغطي م����ا فيها م����ن �صواب �أو م����ا فيها من‬ ‫�إيجابي����ات‪ ،‬وم����ا فيها م����ن خ��ي�ر‪ ،‬ويجعلها‬ ‫كله����ا يف �سلة واحدة وهذا ال يليق كمنهج يف‬ ‫التحليل والنظر وتقيي����م �أي جتربة ب�شرية؛‬ ‫فكل جترب����ة ب�شرية‪ ،‬وكل فكر ب�شري‪ُ ،‬ي�ؤخذ‬ ‫من����ه و ُيرد‪ُ ،‬ي�ستف����اد م����ن �إيجابياته وتطرح‬ ‫�سلبيات����ه‪ُ ،‬ي�سل����ط علي����ه النقد ولك����ن �أي�ض ًا‬ ‫ي�ؤُخ����ذ مبا فيه من �إيجاب����ي للإن�سان‪ ،‬وهذا‬ ‫ال ميك����ن �أن يك����ون �إال عن طري����ق التفكيك‪،‬‬ ‫�أم����ا النظر �إىل الأمور من خالل العموميات‬ ‫و�إ�ص����دار �أح����كام مطلقة عليه����ا ف�إنه ينايف‬ ‫املنهج العلمي وينايف حتى املنهج الإ�سالمي‬ ‫يف النظر �إىل الأمور‪.‬‬ ‫يف ه��ذه النقط��ة �أ�ش��رت يف كتابك‬ ‫ح��ول «ت�صرف��ات النب��ي (���ص) يف‬ ‫الإمام��ة» �إىل �أن ه��ذا امل�سل��ك يف‬ ‫التمييز بني ت�صرفات النبي (�ص) يف‬ ‫النبوة والإمامة ي���ؤدي �إىل الت�أ�صيل‬ ‫لفكرة الف�صل ب�ين ال�سلطات و�إي�ضاح‬ ‫اجلانب امل��دين‪ ،‬و�أن الدول��ة تت�أ�س�س‬ ‫على قاعدة مدنية‪ .‬كيف ذلك؟‬ ‫هاتان فكرت����ان متمايزت����ان وخمتلفتان‪.‬‬ ‫الفكرة الأوىل جاءت من التنظري الذي قام‬ ‫ب����ه الإمام �شه����اب الدين الق����رايف يف بع�ض‬ ‫ُكتب����ه‪ ،‬وخا�صة يف كتاب����ه املعروف «الإحكام‬ ‫يف متيي����ز الفتاوى عن الأح����كام وت�صرفات‬ ‫القا�ض����ي والإمام»‪ .‬فعملية التمييز التي قام‬ ‫بها القرايف هي �إب����داع حقيقي‪ ،‬لأنها ت�شكل‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪149‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بو�ض ــوح‬

‫ب����ذور جنيني����ة للتميي����ز النظ����ري يف الفكر‬ ‫ال�سيا�س����ي بني هذه ال�سلطات؛ فعندما مييز‬ ‫ب��ي�ن القا�ضي كقا�ض����ي وبني رئي�����س الدولة‬ ‫الذي يق����وم بالوظيف����ة ال�سيا�سي����ة‪ ،‬ويعطي‬ ‫لهذا �سمات الفع����ل الق�ضائي ولذاك �سمات‬ ‫العم����ل ال�سيا�سي‪ ،‬ف�إن ه����ذا �إبداع يف الفكر‬ ‫الب�شري وه����ذا �شيء مهم‪ ،‬عل����ى �أ�سا�س �أن‬ ‫الت�شريع هو جوهر وظيفة الفقيه يف املجتمع‬ ‫امل�سل����م قدمي ًا‪ ،‬باعتب����ار �أن الفقيه حينذاك‬ ‫كان ي�ش����كل ال�سلط����ة العلمية وحت����ى �سلطة‬ ‫ال�شورى‪ ،‬وذلك نتيجة وحدة املعرفة �آنذاك‬ ‫وب�ساطته����ا‪ .‬وه����ذه يف احلقيقة ه����ي بذور‪،‬‬ ‫ولي�ست ف� ً‬ ‫صال حقيقي ًا ب��ي�ن ال�سلطات‪� .‬إنها‬ ‫بذور لنظرية الف�صل بني ال�سلطات‪.‬‬ ‫�إذا �ص��ح التو�ضيح ال��ذي ذكرته يف‬ ‫كتاب��ك يف م�س�ألة تعريف ابن خلدون‬ ‫لل�سلط��ة ال�سيا�سي��ة وواجباتها ب�أنها‬ ‫نائب��ة ع��ن النب��ي �صل��ى اهلل علي��ه‬ ‫و�سل��م يف اجلان��ب ال�سيا�سي‪ ،‬هل ي�صح‬ ‫هذا االعتب��ار يف ال�سلطة الت�شريعية‬ ‫باعتبار �أن الفقيه هو نائب عن النبي‬ ‫(�ص)؟‬ ‫العلم����اء ورث����ة الأنبياء من ناحي����ة العلم‪،‬‬ ‫لكن يج����ب �أن ال ن�أخ����ذ تق�سيم����ات القرايف‬ ‫ك ُم�س ّلم����ة مطلق����ة خ����ارج الزم����ان وامل����كان‬ ‫وال�سياق‪ ،‬فكما قل����ت‪« :‬هي بذور‪ ،‬وهي فكر‬ ‫ي�صلح لع�صره»‪� .‬أما ق�ضية ابن خلدون فقد‬ ‫حتدثت عنها يف �سياق مغاير‪ .‬ال�سياق الآخر‬ ‫يتعل����ق بال�سلط����ة ال�سيا�سي����ة م����ا دامت هي‬ ‫تخ ُل����ف النبي‪ ،‬لكن تخلف����ه يف ماذا؟ تخلفه‬ ‫يف اجلانب ال�سيا�س����ي‪ ،‬وبالتايل ف�إذا كانت‬ ‫ت�صرف����ات النب����ي (�ص) ال�سيا�سي����ة نف�سها‬ ‫ت�صرف����ات مدني����ة‪ ،‬وت�صرف����ات �إجتهادية‪،‬‬ ‫وت�صرف����ات ب�شري����ة‪ ،‬فم����ن ب����اب �أوىل �أن ال‬ ‫تخ����رج الت�صرفات ال�سيا�سية ملن جاء بعده‪،‬‬ ‫عن هذا ال�سياق الب�شري االجتهادي‪.‬‬ ‫ذك��رت �أي�ض�� ًا �أو بالأح��رى جعل��ت‬ ‫والية الأم��ر يف ال�سلط��ة ال�سيا�سية‪،‬‬ ‫غ�ير �أن ه��ذا كث�ير ًا م��ا �أدى ببع���ض‬ ‫‪150‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫“‬

‫�إذا ك��ان��ت ت�صرفات النبي‬ ‫���ص��ل��ى اهلل ع��ل��ي��ه و���س��ل��م‬ ‫ال�سيا�سية نف�سها ت�صرفات‬ ‫مدنية‪ ،‬وت�صرفات �إجتهادية‪،‬‬ ‫وت�صرفات ب�شرية‪ ،‬فمن باب‬ ‫�أوىل �أن ال تخرج الت�صرفات‬ ‫ال�سيا�سية مل��ن ج��اء بعده‪،‬‬ ‫ع��ن ه��ذا ال�سياق الب�شري‬ ‫االجتهادي‬

‫ال ُكتاب والباحثني �إىل اخللط يف هذه‬ ‫النقطة بني العلماء واحلكّام؟‬ ‫ال‪ .‬التميي����ز ال����ذي �أت����ى به الق����رايف كان‬ ‫يف «الت�صرف����ات بالإمام����ة» واملق�ص����ود‬ ‫الت�صرف����ات بال�سلط����ة ال�سيا�سي����ة‪ ،‬والإمام‬ ‫هن����ا معرف ل����دى الق����رايف وحم����دد‪ ،‬فهذا‬ ‫م�صطل����ح‪ ،‬وبالتايل يجب �أن ُيفهم التق�سيم‬ ‫�سمه �إمام ًا �أو‬ ‫يف �إط����ار امل�صطلح كما ُحدد؛ ِّ‬ ‫�سمه رئي�س دول����ة‪ ،‬الألفاظ يجب �أال حتجب‬ ‫ِّ‬ ‫املع����اين بل املع����اين هي الت����ي له����ا الأولوية‬ ‫يف فه����م الألفاظ‪ ،‬والدولة املدني����ة تعني �أن‬ ‫االجتهاد فيها ب�شري‪ ،‬و�أن القرار ال�سيا�سي‬ ‫فيه����ا ب�ش����ري باملث����ل‪ ،‬وبالتايل فه����ي مدنية‬ ‫لي�ست دينية‪.‬‬ ‫ه��ل يعن��ي ه��ذا �أن��ه عندم��ا تكون‬ ‫الدول��ة غ�ير ديني��ة باملعن��ى الغربي‬ ‫ف�إنه��ا �ستك��ون مدن ّية باملعن��ى الغربي‬ ‫�أي�ض ًا؟‬ ‫�شكل يف املعنى الغربي يكمن يف‬ ‫كال‪� .‬إن املُ ِ‬ ‫الدين‪ ،‬لأن الديني يف احلقل الداليل الغربي‬ ‫ي�ستح�ضر املعنى الكن�سي‪ ،‬بعك�س املدين‪ .‬وقد‬ ‫قلت �أن هناك فرق ًا بني العلمانية الفرن�سية‬ ‫و‪ Secularism‬يف الأجنلو�ساك�سوني����ة‪،‬‬ ‫والعلماني����ة الفرن�سي����ة �أق����رب �إىل �أن تكون‬ ‫عقي����دة ونح����ن ال ن�ستح�ضرها هن����ا‪ ،‬وهذه‬ ‫لي�ست مدني����ة حقيقية لأن املدنية تقع خارج‬ ‫�إطار �أي عقيدة‪� .‬إنه����ا ت�سيري وتدبري �ش�ؤون‬

‫الدولة و�ش�����ؤون ال�سيا�سة بنا ًء على النجاعة‬ ‫وامل�صلح����ة‪ ،‬وبنا ًء �أي�ض ًا عل����ى امل�آالت‪ ،‬وهي‬ ‫كله����ا مف����ردات ت�ستخ����دم يف الفكر واحلقل‬ ‫الإ�سالميني‪.‬‬ ‫ه��ل ن�ستطي��ع الق��ول �إذ ًا �أن��ه لي�س‬ ‫هن��اك �أي معن��ى حقيق��ي للعلماني��ة‬ ‫الغربية؟‬ ‫ال‪ .‬لأن����ه عندما ن�ستدعي النموذج الغربي‬ ‫ف�إن غر�ضنا هو اال�ستف����ادة واملقارنة ولي�س‬ ‫التب ّني املطلق‪ ،‬فلي�س هناك �أي جتربة يف �أي‬ ‫ثقاف����ة �أو �أي ح�ضارة �أو �أي جمتمع تُبنى عن‬ ‫طريق ن�س����خ جتربة �أخرى‪ .‬و�أن����ا �أقول �أكرث‬ ‫م����ن هذا‪� :‬إن����ه حتى يف العالق����ة بني الديني‬ ‫وال�سيا�سي يف املجتمع����ات امل�سلمة لي�س من‬ ‫ال�ضروري �أن تكون على منط واحد؛ فيمكن‬ ‫ل����كل جمتم����ع �أن يبن����ي جتربته م����ن �سياقه‬ ‫التاريخ����ي اخلا�ص‪ ،‬وقد تك����ون خمتلفة عن‬ ‫جترب����ة العالقة ب��ي�ن الدين����ي وال�سيا�سي يف‬ ‫�أي جمتمع �آخر ولو كانا جمتمعني م�سلمني‪،‬‬ ‫لأن هناك م����ا ي�سمح به واق����ع املجتمع فيما‬ ‫يرتا�ض����ي عليه النا�س‪ ،‬كم����ا �أن هناك �أبعاد‬ ‫كث��ي�رة قد يختل����ف فيها جمتم����ع م�سلم عن‬ ‫جمتمع م�سلم �آخر‪.‬‬ ‫بناء على هذا �أن‬ ‫هل ميكنن��ا القول ً‬ ‫جتربة اخلالفة الإ�سالمية الرا�شدة‬ ‫مل تك��ن جتربة ديني��ة و�إمنا جتربة‬ ‫�سيا�سي��ة بامتي��از‪ ،‬وبالت��ايل ف�إنها ال‬ ‫تجُ ِّ�سد ال�ص��ورة املثالية التي ال ميكن‬ ‫اخلروج عنها يف ت�شكيل قالب الدولة‬ ‫التي يريدها الفكر الإ�سالمي؟‬ ‫نعم‪ ،‬هذا �صحيح‪ .‬ف�����إذا كانت ت�صرفات‬ ‫الر�س����ول (�����ص) ال�سيا�سي����ة نف�سه����ا ه����ي‬ ‫ت�صرف����ات ب�شرية اجتهادية‪ ،‬فمن باب �أوىل‬ ‫�أن تكون ت�صرفات خلفائه الرا�شدين ب�شرية‬ ‫واجتهادية �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫�إذ ًا فكتابي��ك «ت�صرف��ات الر�س��ول‬ ‫بالإمام��ة» و»الدي��ن وال�سيا�س��ة‪..‬‬ ‫متيي��ز ال ف�ص��ل»‪ ،‬ينم��ان ع��ن م�شروع‬

‫�سعد الدين العثماين يف �سطور‬ ‫يع���د الدكت���ور �سع���د الدي���ن العثم���اين‪ ،‬املولود‬ ‫يف �سن���ة ‪ ،1956‬واح���د ًا م���ن �أب���رز ال�سيا�سي�ي�ن‬ ‫الإ�سالمي�ي�ن يف املغ���رب‪ .‬فقد خا����ض غمار العمل‬ ‫ال�سيا�س���ي من���ذ �أن كان نائب��� ًا برملاني��� ًا يف الوالية‬ ‫الت�شريعي���ة ‪ ،2002 - 1997‬ويف الوالي���ة الت�شريعية‬ ‫الثاني ��ة ‪2007 – 2002‬‏‪ .‬كم���ا كان مدي���ر ًا حل���زب‬ ‫«احلرك���ة ال�شعبية الد�ستوري���ة الدميقراطية» من‬ ‫كان���ون الثاين‪/‬يناي���ر ‪� 1998‬إىل ت�شري���ن الثاين‪/‬‬ ‫نوفم�ب�ر ‪ ،1999‬وع�ضو ًا م�ؤ�س�س��� ًا حلزب «التجديد‬ ‫الوطني» (‪ )1992‬الذي تع ّر�ض للمنع من ال�سلطات‬ ‫املغربي���ة‪� .‬إ�ضافة �إىل �أنه كان نائب��� ًا للأمني العام‬ ‫حل���زب «العدال���ة والتنمي���ة» من���ذ ‪� ،1999‬إىل �أن‬ ‫�أ�صبح �أمينه العام يف ن�سيان‪�/‬أبريل ‪.2004‬‏‏‬ ‫وكح���ال جتربت���ه ال�سيا�سي���ة كان تاريخ���ه‬ ‫الأكادميي حاف ًال؛ فه���و يحمل الدكتوراه يف الطب‬ ‫الع���ام �سن���ة ‪ ،1986‬م���ن كلي���ة الط���ب وال�صيدلة‬ ‫بال���دار البي�ض���اء‪ ،‬كما قرنها ب�إج���ازة يف ال�شريعة‬ ‫الإ�سالمي���ة �سن���ة ‪ 1983‬م���ن كلية ال�شريع���ة ب�أيت‬ ‫مل���ول‪ .‬كم���ا ن���ال دبلوم��� ًا يف الدرا�س���ات العليا يف‬ ‫الدرا�س���ات الإ�سالمي���ة م���ن كلي���ة الآداب والعلوم‬ ‫الإن�ساني���ة بالرب���اط (ت�شري���ن الثاين‪/‬نوفم�ب�ر‬ ‫‪ ،)1999‬حت���ت عن���وان «ت�صرف���ات الر�سول �صلى‬

‫متكام��ل يف �إط��ار فك��رة حموري��ة ما‪.‬‬ ‫وال�س���ؤال هن��ا‪ :‬ه��ل ممك��ن �أن تف�ضي‬ ‫ه��ذه املقارب��ة الفكري��ة �إىل تق��ارب‬ ‫بن الإ�سالميني والعلمانيني ب�شكل من‬ ‫الأ�شكال؟‬ ‫نع����م‪ ،‬هذا م�شروع م�ستمر‪ .‬وممكن �أي�ض ًا‬ ‫�أن ُيف�ض����ي �إىل تق����ارب ب��ي�ن الإ�سالمي��ي�ن‬ ‫وف�صي����ل �أو ف�صائ����ل من العلماني��ي�ن ولي�س‬ ‫كله����م؛ لأن العلمانية �أن����واع و�أ�شكال‪ ،‬هناك‬ ‫علماني����ة �أق����رب م����ا تك����ون �إىل الت�ص����ور‬ ‫الإ�سالم����ي‪ ،‬وهن����اك علماني����ة ُم ِغرق����ة يف‬ ‫الت�شدد مثلما يوجد يف الفكر الإ�سالمي من‬ ‫ه����م مت�ش����ددون‪ ،‬ومن هم �أقل ت�ش����دد ًا ومن‬ ‫هم و�سطيون‪.‬‬ ‫ه��ل يعن��ي ه��ذا �أن��ك تتف��ق م��ع‬

‫اهلل عليه بالإمامة وتطبيقاتها الأ�صولية»‪ .‬وح�صل‬ ‫على دبلوم �آخر يف الط���ب النف�سي �سنة ‪ 1994‬من‬ ‫املركز اجلامعي للط���ب النف�سي‪ ،‬بالدار البي�ضاء‪.‬‬ ‫كما حاز �شهادة الدرا�سات العليا يف الفقه و�أ�صوله‬ ‫�سنة ‪ 1987‬من دار احلديث احل�سنية يف الرباط‪.‬‬ ‫من �أبرز م�ؤلفاته‪:‬‬ ‫يف الفقه الدعوي‪ :‬م�ساهمة يف الت�أ�صيل‪� ،‬صدرت‬ ‫طبعته الأوىل �سنة ‪.1989‬‬ ‫يف فقه احلوار‪� ،‬صدرت طبعته الأوىل �سنة ‪1993‬‬ ‫عن من�شورات الفرقان‪ ،‬الرباط‪.‬‬ ‫فق���ه امل�شارك���ة ال�سيا�سي���ة عن���د �شي���خ الإ�سالم‬ ‫اب���ن تيمية‪� ،‬صدرت طبعت���ه الأوىل �سنة ‪ 1997‬عن‬ ‫من�شورات الفرقان‪ ،‬الرباط‪.‬‬ ‫ق�ضي���ة امل���ر�أة ونف�سي���ة اال�ستب���داد‪� ،‬ص���درت‬ ‫طبعت���ه الأوىل �سنة ‪ 1998‬عن من�شورات الفرقان‪،‬‬ ‫الرباط‪.‬‬

‫مقولة الدكت��ور عبدالوهاب امل�سريي‬ ‫وتق�سيم��ه للعلماني��ة �إىل «علماني��ة‬ ‫جزئية» و«علمانية �شاملة»؟‬ ‫ٌ‬ ‫ملحظ مه ٌم عن����د امل�سريي بقوله �إن‬ ‫هذا‬ ‫هناك «علمانية جزئية» و«علمانية �شاملة»‪،‬‬ ‫على �أ�سا�س �أن العلمانية اجلزئية هي علمانية‬

‫“‬

‫ال����ع��ل�اق����ة ب��ي��ن ال���دي���ن���ي‬ ‫وال�����س��ي��ا���س��ي يف املجتمعات‬ ‫امل�سلمة لي�س من ال�ضروري‬ ‫�أن تكون على من��ط واح��د؛‬ ‫فيمكن لكل جمتمع �أن يبني‬ ‫جتربته من �سياقه التاريخي‬ ‫اخلا�ص‬

‫ط�ل�اق اخللع وا�شرتاط موافق���ة الزوج‪� ،‬صدرت‬ ‫طبعت���ه الأوىل �سنة ‪ 2002‬عن من�شورات الفرقان‪،‬‬ ‫الرباط‪.‬‬ ‫ت�صرف���ات الر�س���ول �صل���ى اهلل علي���ه و�سلم يف‬ ‫الإمام���ة‪ :‬الدالالت املنهجي���ة والت�شريعية‪� ،‬صدرت‬ ‫طبعت���ه الأوىل �سنة ‪ 2003‬عن من�ش���ورات الزمن‪،‬‬ ‫الرباط‪.‬‬ ‫‏�أ�ص���ول الفقه يف خدمة الدع���وة‪� ،‬صدرت طبعته‬ ‫الأوىل �سنة ‪2006‬‏ عن من�شورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪.‬‬ ‫الدي���ن وال�سيا�س���ة ‪ ..‬متيي���ز ال ف�ص���ل‪� ،‬صدرت‬ ‫طبعت���ه الأوىل �سن���ة ‪ 2009‬ع���ن املرك���ز الثق���ايف‬ ‫العربي‪ ،‬بريوت والدار البي�ضاء‪.‬‬

‫على م�ستوى امل�ؤ�س�سات فقط‪� ،‬أي �أنها متييز‬ ‫بني الديني وال�سيا�س����ي على م�ستوى الدولة‬ ‫وامل�ؤ�س�س����ات حت����ى ال تك����ون هن����اك هيمن����ة‬ ‫للديني عل����ى القرار ال�سيا�س����ي‪ .‬بينما متثل‬ ‫«العلماني����ة ال�شامل����ة» عقي����دة يف املجتم����ع‬ ‫وعقي����دة يف امل�ؤ�س�سات‪ ،‬وهن����اك متييز بني‬ ‫امل�ستويني‪ .‬لكن هذا لي�س معناه �أن العلمانية‬ ‫اجلزئية ه����ذه التي طبق����ت يف بع�ض الدول‬ ‫الغربي����ة هي نف�سها التي ن ّدع����ي �أنها تعك�س‬ ‫عالقة الديني بال�سيا�سي يف الإ�سالم‪ ،‬فلكل‬ ‫جتربة �سياقها وخ�صو�صياتها �أي�ض ًا‪.‬‬ ‫نفه��م من كالم��ك �أنه م��ن املمكن �أن‬ ‫ن�ست�ض��يء مالمح جترب��ة علمانية ما‬ ‫لال�ستف��ادة منها يف واق��ع جمتمعاتنا‬ ‫الإ�سالمية؟‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪151‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بو�ض ــوح‬

‫نع����م‪ ،‬ه����ذا �صحي����ح‪ .‬فلطامل����ا ا�ستف����اد‬ ‫امل�سلم����ون ع��ب�ر الق����رون م����ن جت����ارب دول‬ ‫كافرة؛ فعم����ر بن اخلطاب على �سبيل املثال‬ ‫�أخذ نظ����ام الدواوين من الفر�س‪ ،‬وكثري من‬ ‫الأنظمة يف احل�ضارة الإ�سالمية �أخذت من‬ ‫ح�ضارات �أخرى غري م�سلمة‪.‬‬ ‫هن��ا حتديد ًا حتدث الدكتور حممد‬ ‫عاب��د اجلابري ‪ -‬رحم��ه اهلل‪� -‬أنه ال‬ ‫يوجد علماني��ة يف املجتمع الإ�سالمي‬ ‫لأن��ه لي���س هُ ن��اك كني�س��ة‪ ،‬وبالتايل‬ ‫ف�إن��ه لي���س بالإم��كان اال�ستف��ادة من‬ ‫�أي جترب��ة علمانية‪ .‬كي��ف ترى هذا‬ ‫الأمر؟‬ ‫�صحيح‪ .‬غ��ي�ر �أن اجلابري ي�ستح�ضر هنا‬ ‫التجرب����ة الفرن�سية‪ ،‬فالنخب يف املغرب هي‬ ‫نخ����ب فرانكفونية‪ ،‬وقد نهلت م����ن الفل�سفة‬ ‫����م فب�إمكانهم القول �إنه ال‬ ‫الفرن�سية‪ ،‬ومن ث ّ‬ ‫ميكن �أن تكون هن����اك علمانية يف الإ�سالم‪.‬‬ ‫لكننا ندعو‪ ،‬يف املقاب����ل‪ ،‬لي�س �إىل العلمانية‬ ‫ولك����ن �إىل الدميقراطية‪ ،‬ويف ه����ذا نوع من‬ ‫الربجماتي����ة يف الت�ص����رف‪ .‬ونح����ن نق����ول‬ ‫« ِل َن ِح ّل هذا الإ�شكال»‪� ،‬إذ �أن طرح العلمانية‬ ‫عالني����ة ي�����ؤدي �إىل ردود فع����ل �سلبية وقد‬ ‫ي�ؤدي �إىل الرف�ض التام‪ ،‬وبالتايل ِلنتَخ ّل عن‬ ‫ولن�سمها «دميقراطية»‪.‬‬ ‫ت�سمية «علمانية»‬ ‫ِّ‬

‫(‬

‫)‬

‫ميث��ل ه��ذا الط��رح م��ن قبلك��م‪،‬‬ ‫كمنتم�ين للتي��ار الإ�سالم��ي‪ ،‬جتديد ًا‬ ‫وحتديث�� ًا فكري�� ًا قد ي�ساه��م يف احلد‬ ‫من املواجهة وال�صدام مع نخب امل�شهد‬ ‫ال�سيا�س��ي والفك��ري العربي الأخرى‪،‬‬ ‫كالي�ساري�ين والقومي�ين وغريه��م‪.‬‬ ‫لك��ن ه��ل يوج��د حتدي��ث ومراجع��ة‬ ‫م��ن الأط��راف الأخ��رى‪ ،‬وخا�ص��ة‬ ‫العلماني�ين‪ ،‬ت�ص��ب يف ه��ذا االجت��اه‬ ‫الت�صاحلي ؟‬ ‫�إن حديثن����ا ع����ن ت�صرف����ات الر�س����ول‬ ‫يف الإمام����ة‪ ،‬وع����ن �سماته����ا‪ ،‬وع����ن الدول����ة‬ ‫املدني����ة يف الإ�س��ل�ام‪ ،‬وع����ن التميي����ز ب��ي�ن‬ ‫الدين����ي وال�سيا�س����ي‪ ،‬لي�����س هدف����ه التق ّرب‬

‫(‬

‫‪152‬‬

‫)‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫“‬

‫الدميقراطي��ة �أو�س��ع يف‬ ‫الوط��ن م��ن �أي طوائ��ف‬ ‫�أو �أف��كار‪ ،‬و«التميي��ز ب�ين‬ ‫الدين��ي وال�سيا�س��ي» ه��ي‬ ‫فكرة لإعادة بناء وقراءة‬ ‫ه��ذه العالق��ة يف الفك��ر‬ ‫الإ�سالم��ي بغ���ض النظ��ر‬ ‫عن امل�شروع ال�سيا�سي‬

‫م���ن العلمانيني‪ ,‬فنحن بالفع���ل �إذا متعنا يف‬ ‫التاريخ الإ�سالمي �سنجد �أن هذا التمييز قد‬ ‫وج���د با�ستمرار‪ .‬وكما �سبق يل �أن �أو�ضحت‪،‬‬ ‫فقد ظهر يف الفك���ر الإ�سالمي املعا�صر منذ‬ ‫بداية القرن املا�ضي ويف �سياق رد الفعل على‬ ‫التجربة العلمانية الغربي���ة‪ ،‬نوع من املبالغة‬ ‫يف رف����ض التمييز ب�ي�ن الدين���ي وال�سيا�سي‪،‬‬ ‫وبالت���ايل فم���ا قمت ب���ه يعد ت�صحيح��� ًا‪ ،‬وال‬ ‫يخ���رج عن ما قام به جيل من املفكرين ومن‬ ‫العلم���اء‪ ،‬جي ٌل كام ٌل من العلم���اء نظروا �إىل‬ ‫ه���ذا الأم���ر تدريجي��� ًا‪ ،‬وهذا طبيع���ي يف �أي‬ ‫فكر‪� .‬أم���ا بالن�سب���ة للجانب العلم���اين‪ ،‬ف�إن‬ ‫هن���اك كثري م���ن النا�س ممن كان���وا يتبنون‬ ‫العلمانية قد ه ّذب���وا ر�ؤاهم وعدلوا يف بع�ض‬ ‫�أفكارهم واقرتبوا �أكرث من الفكر الإ�سالمي‪،‬‬ ‫وهذا طبيعي‪.‬‬ ‫�إىل �أي م��دى ميك��ن �أن ينعك���س هذا‬ ‫عل��ى ال�سيا�سة‪ ،‬نق�صد م�شروع الدولة‪،‬‬ ‫لأن �أغلب حماور ال�صراع كانت يف هذا‬ ‫اجلانب؟‬ ‫يف ر�أي���ي �أن���ه لي����س م���ن ال�ض���روري �أن‬ ‫ينعك����س ه���ذا عل���ى م�ش���روع الدول���ة‪ ،‬لأن‬ ‫الدميقراطي���ة ه���ي تناف����س ب�ي�ن خمتل���ف‬ ‫القوى‪� ،‬سواء �أكانت علماني���ة �أو �إ�سالمية �أو‬ ‫غريها‪ .‬فالدميقراطي���ة �أو�سع يف الوطن من‬ ‫�أي طوائ���ف �أو �أف���كار‪ ،‬و«التمييز بني الديني‬ ‫وال�سيا�سي» هي فكرة لإعادة بناء وقراءة هذه‬ ‫العالقة يف الفكر الإ�سالمي بغ�ض النظر عن‬

‫�سجـال‬ ‫امل�ش���روع ال�سيا�سي‪ .‬ومع ذل���ك‪ ،‬ميكن القول‬ ‫�أن التميي���ز ال���ذي نن�ش���ده �سيجع���ل م�شروع‬ ‫الدولة �أكرث واقعية و�أكرث قبو ًال‪ ،‬كما �سيم ّكنه‬ ‫من ا�ستيعاب معظ���م التطورات املوجودة يف‬ ‫الفكر الب�شري ويف الواقع الإن�ساين‪.‬‬ ‫لك��ن �إذا كان��ت العقي��دة ال�سيا�سي��ة‬ ‫تع��د قاع��دة �ضم��ن مدر�س��ة الدول��ة‬ ‫الغربية‪ ،‬ف�إن اجلميع ُي�ؤ�س�س على هذه‬ ‫القاع��دة املوح��دة ت�صوراته��م لفكرة‬ ‫الدول��ة ولوظيفته��ا‪ ،‬وبالت��ايل فرغم‬ ‫اختالف النا�س يف امل�شاريع ال�سيا�سية‬ ‫والربام��ج االنتخابي��ة لك��ن القاعدة‬ ‫تظل واح��دة‪ ،‬بينم��ا ال يوجد هذا يف‬ ‫جمتمعاتنا‪..‬‬ ‫هذا �صحيح‪ ،‬لأننا يف حالة انفعال بالآخر‪،‬‬ ‫ولأنن���ا ل�سن���ا يف مرحل���ة البن���اء امل�ؤ�س�س���ي‬ ‫احلقيق���ي يف العم���ق‪ .‬نحن منفعل���ون‪ ،‬وهذا‬ ‫طبيعي لأن هناك ح�ضارة مهيمنة وح�ضارتنا‬ ‫يف طور البناء والت�أثر‪.‬‬ ‫كي��ف ُتق ّي��م جترب��ة العدال��ة‬ ‫والتنمي��ة الرتك��ي على �ض��وء نظرية‬ ‫الف�ص��ل والتميي��ز ه��ذه ب�ين الدين��ي‬ ‫وال�سيا�سي؟‬ ‫�إن فك���رة «التمييز» لي�س���ت نظرية مطلقة‬ ‫ونحن ال ُن ِّ‬ ‫نظر للجميع‪ .‬واحلقيقة �أن للتجربة‬ ‫الرتكي���ة �سي���اق خمتلف متام ًا عل���ى م�ستوى‬ ‫الدول���ة‪ ،‬وعل���ى م�ست���وى ال�سيا�س���ة‪ ،‬وعل���ى‬ ‫م�ستوى املجتم���ع‪ ،‬وبالتايل ف�إن م�آل التجربة‬ ‫وتطوراتها يظالن خمتلفني‪ .‬فرتكيا ‪ -‬كدولة‬ ‫حديثة ‪ -‬لي�ست كدولنا التي ت�ضرب التقليدية‬ ‫يف �أطنابه���ا‪ ،‬ونحن ما زلنا تالميذ يف جمال‬ ‫الدميقراطي���ة ح�سب تقديري‪ .‬وعلى م�ستوى‬ ‫املجتمع الرتكي‪ ،‬هن���اك حتديث‪ .‬واملق�صود‬ ‫بالتحدي���ث هن���ا ال ُبعد عن التخل���ف‪� ،‬أما يف‬ ‫جمتمعاتن���ا ف�ل�ا زال هن���اك تخل���ف وا�سع‪:‬‬ ‫مالي�ي�ن من الأمي�ي�ن‪ ،‬وتخلف عل���ى م�ستوى‬ ‫البناء االجتماعي وعل���ى م�ستوى الت�صورات‬ ‫وعل���ى م�ستوى الدين نف�سه‪ ,‬ومن ّثم ال مكان‬ ‫للمقارنة بني التجربتني‪.‬‬

‫�إيران‬

‫ظاملةٌ �أم مظلومة؟‬

‫�ستبطن ًا اجلدل املحتدم‬ ‫ب����أي عني نرى �إيران اليوم؟ يرتدد هذا ال�س����ؤال ُم ِ‬ ‫الدائر منذ فرتة حول جارة العرب و�شقيقتهم الأكرث طموح ًا وتوثب ًا ال�ستعادة‬ ‫مكانته���ا كقوة �إقليمية عظم���ى‪ .‬وغالب ًا ما يتم النظر عربي��� ًا �إىل �إيران من‬ ‫منطلق حتيزات فكرية و�سيا�سية تنق�سم معظم الر�ؤى على �إثرها بني لونني‬ ‫ورا�ض) ‪ ،‬وقلي ًال ما‬ ‫وطرحني‪� :‬أ�سود (ناق���م وم�ستاء) و�آخر �أبي�ض ( ُمعجب ٍ‬ ‫جند من يف�ضل اللون الرمادي‪ ،‬حيث التوفيق املعريف وحماولة الفهم‪.‬‬ ‫وعلى �أية حال‪ ،‬يت�ضمن «�سجال» هذا العدد من جملة «مدارات ا�سرتاتيجية»‬ ‫الطرح�ي�ن ذي اللون�ي�ن احلدي�ي�ن النقي�ض�ي�ن‪ ،‬واله���دف ب�ش���كل �أ�سا�سي �أن‬ ‫نق���ف على حجج الطرفني (ولكل منهم���ا ‪ -‬يف احلقيقة ‪ -‬منطقه وبراهينه‬ ‫ووجاهت���ه)‪ ،‬ع ّلنا نتم ّكن من ا�ستثارة فهم �أق���ل ا�ستقطاب ًا ‪ -‬رمبا ‪ -‬ومن ّثم‬ ‫حماولة ّ‬ ‫لفهم ُمر ّك ٍب و�أقل تب�سيط��� ًا للم�س�ألة الإيرانية كما‬ ‫طريق ٍ‬ ‫�ش���ق ٍ‬ ‫ثالث ٍ‬ ‫ه���ي ال كما تبدو الآن‪ :‬ظامل ٌة يف عني ه���ذا الفريق �أو مظلوم ٌة يف عني الفريق‬ ‫ذاك!‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪153‬‬


‫بو�ض ــوح‬

‫مدار الأفكار‬ ‫�سجال‬

‫بالتف����وق والتميز‪ ،‬يتولّد لديها نزع����ة للتو�سع وال�سيطرة والهيمنة‬ ‫مدفوعة مبنطق الفوقية واال�ستعالء‪.‬‬

‫�آراء‬

‫مظاهر ال�سيطرة والهيمنة الإيرانية‬

‫فوقية‪ ،‬واحتالل‪ ،‬ونفوذ ال يطاق‬

‫ما الفرق بني �إيران و�إ�سرائيل؟‬ ‫علي ح�سني باكري‬

‫‪alibakeer@hotmail.com‬‬

‫اكت�سب���ت ال�سيا�سات اجليوبوليتكية الإقليمية لإيران منذ ن�شوء الإمرباطورية الفار�سية واىل اليوم‬ ‫نزع���ة الهيمن���ة وال�سيط���رة حتى �أ�صبحت جزءاً من الهوية القوميّة للب�ل�اد‪ .‬ومل ي�أت ذلك عن عبث �أو‬ ‫ب�ش���كل ط���ارئ بطبيعة احل���ال‪ .‬فعرب التاري���خ كان الإيرانيون (الفر�س) يعتقدون دوم���اً �أنّهم متفوقون‬ ‫على غريهم من ال�شعوب والثقافات‪ ،‬وقد قادهم هذا التفكري �إىل �شيء من العن�صرية والفوقية جتاه‬ ‫الآخر‪ ،‬ودفعهم �إىل اال�ستكبار والغطر�سة‪ ،‬فلم يعف �أحداً من ال�شعوب والقوميات مبا فيها تلك املكونة‬ ‫لإي���ران وه���و م���ا ن�ستطي���ع �أن نالحظه م���ن خالل التوزي���ع اجلغرايف للقومي���ات غ�ي�ر الفار�سية والتي‬ ‫ترتكز يف �أطراف �إيران نتيجة لال�ضطهاد الذي عانته قدمياً من ال�سلطة املركزية‪.‬‬ ‫منطلقات نزعة الهيمنة وال�سيطرة الإيرانية‬

‫يرى الإيرانيون �أ ّنه����م �أ�صحاب ح�ضارة تعود �إىل �آالف ال�سنني‬ ‫ملا قبل الإ�سالم‪ ،‬و�أنّهم كانوا �أوّل من �أ�س�س الإمرباطوريات وحكم‬ ‫املنطقة‪ ،‬و�أن ه����ذا التاريخ يعطيهم احلق يف �أن ميار�سوا تفوّقهم‬ ‫ال����ذي يعتق����دون به لي�س عل����ى م�ستوى املحي����ط الإقليمي ال�ضيق‪،‬‬ ‫و�إمنا الأو�سع �إقليمي ًا ودولياً‪.‬‬ ‫هذه الفكرة مل يتخل عنها حكّام �إيران على اختالف �أنظمتهم‬ ‫مرورا بال�شاه وو�ص����و ًال �إىل املر�شد الأعلى‪ .‬وهم يرتكزن دوم ًا يف‬ ‫�سعيه����م لتحقي����ق هدفهم �إىل عام����ل التميّز ع����ن “الآخر” الذي‬ ‫يجعله����م يعتقدون دوم ًا �أنّهم متفوق��ي�ن “عليه” و�أحق “منه” يف‬ ‫القي����ادة والتزعّ م‪ .‬ولذلك‪ ،‬جند �أن التمي����ز الإيراين ينطلق دوم ًا‬ ‫م����ن العامل الثق����ايف‪� ،‬إذ لطاملا عرّفت �إي����ران نف�سها يف حميطها‬ ‫ارتكاز ًا �إىل عامل اللغة الفار�سية والثقافة الفار�سية‪ .‬فالإيرانيون‬ ‫ينظ����رون �إىل �أنف�سه����م على �أنه����م متفوقني عرقي���� ًا وثقافي ًا على‬ ‫وخا�صة على العرب‪� .‬أ�ضيف �إىل هذا العن�صر‬ ‫ال�شعوب املج����اورة ّ‬ ‫فيم����ا بعد‪ ،‬البع����د املذهبي ال�شيعي والذي �أ�صب����ح عام ًال �آخر من‬ ‫عوام����ل التمايز الذي ت�سعى �إليه �إي����ران دائم ًا لتكون خمتلفة عن‬ ‫حميطه����ا‪ ،‬معتق����دة �أنّها متثّل اخل����ط القومي يف الإ�س��ل�ام‪ ،‬علما‬ ‫�أنّ املذه����ب ال�شيع����ي مل تعرف����ه �إيران ر�سمي ًا �إ ّال من����ذ زمن ال�شاه‬ ‫‪154‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�إ�سماعيل ال�صفوي‪.‬‬ ‫لذل����ك‪ ،‬فاملتمع����ن يف الأدب الإيراين يرى في����ه عن�صرية جتاه‬ ‫العرب‪� ،‬إذ ال تزال �أو�صاف وم�صطلحات مثل “همج” و”حفاة”‬ ‫وبدائي��ي�ن” و”�أكلة جراد” و”غزاة” م�ستخدمة على نطاق وا�سع‬ ‫يف الأدب الإي����راين لو�صف العرب‪ ،‬ولع����ل �أبرز دليل على ذلك ما‬ ‫يعترب “�أقد�س” عمل �أدبي لدى الإيرانيني على الإطالق �إذا �صح‬ ‫التعبري وهو “ال�شهنامة”‪.‬‬ ‫وحت����ى على ال�صعي����د الطائفي‪ ،‬فقد و�ض����ع الإيرانيون روايات‬ ‫اخرتعوه����ا لتنا�س����ب �أهواءه����م القوميّة مطلقني العن����ان للنزعة‬ ‫ال�شعوبي����ة‪ ،‬و�أبرزها على الإطالق ما ي�ش��ي�ر �إليه الكاتب الإيراين‬ ‫املع����روف عل����ي �شريعتي م����ن تفا�صيل حول الق�ص����ة املفربكة عن‬ ‫«زواج الإم����ام احل�سني من ابنة امللك الفار�سي يزدجر والتي كان‬ ‫اخلليف����ة عم����ر ينوي قتلها ‪-‬عل����ى حد زعمهم‪ -‬لك����ن الإمام علي‬ ‫منعه من ذلك»‪ ،‬يف �إ�شارة خبيثة �إىل م�ساندة �سيدنا علي للفر�س‬ ‫يف وج����ه قيادة عمر للعرب‪ .‬وهو مث����ال على الكيفية التي كان وما‬ ‫زال الإيراني����ون ي�ستخدم����ون به����ا الدي����ن لتحقيق م�����آرب قوميّة‪،‬‬ ‫وي�ستغلون �أهل البيت للطعن يف العرب‪.‬‬ ‫وتدفع هذه املرتكزات الثقافية والدينية �إيران �إىل ال�سعي دوم ًا‬ ‫للمحافظ����ة عل����ى هذا التميز ع����ن املحيط‪ ،‬ونتيجة له����ذا ال�شعور‬ ‫علي ح�سني باكري باحث يف العالقات الدولية‪.‬‬

‫تعت��ب�ر منطقة اخللي����ج العرب����ي‪ ،‬منطق����ة حيوي����ة ذات �أهمية‬ ‫�إ�سرتاتيجي����ة كونها متثّل دارة التما�����س الأوىل مع �إيران واملدخل‬ ‫�إىل البع����د الإقليم����ي ال�سيم����ا باجت����اه الوط����ن العرب����ي‪ .‬ولذل����ك‬ ‫ت�سع����ى �إيران لل�سيطرة على هذه البواب����ة �سوا ًء بطريقة ع�سكرية‬ ‫مبا�ش����رة �أو عرب نفوذها بطريقة غ��ي�ر مبا�شرة‪ .‬ويعود ال�سبب يف‬ ‫ذل����ك �أو ًال �إىل نزعة الهيمنة والتو�س����ع الإيرانية وثاني ًا �إىل �ضعف‬ ‫ه����ذه املنطقة التي تعترب خا�صرة رخ����وة �إذا �صح التعبري‪ .‬فالكتل‬ ‫املحيط����ة ب�إيران حت���� ّد من طموحاتها نظر ًا ملوازاته����ا يف القوّة �أو‬ ‫تفوقه����ا عليها يف كثري من الأحيان‪ ،‬كالكتلة الرتكية غرب ًا والكتلة‬ ‫الباك�ستاني����ة والأفغاني����ة �شرق���� ًا والكتل����ة الرو�سية �شم����االً‪ ،‬وعليه‬ ‫فاملم����ر الوحيد ملمار�س����ة النفوذ الإيراين والنزع����ة التو�سعيّة يقع‬ ‫دائم ًا باجت����اه العراق ومنطقة اخلليج العرب����ي التي تعترب املجال‬ ‫احليوي لإيران‪ ،‬ومن مظاهرها‪:‬‬ ‫‪ .1‬احت�ل�ال اجل���زر العربي���ة الإماراتي���ة‪ :‬وه����و مظه����ر م����ن‬ ‫مظاه����ر ال�سيطرة املبا�ش����رة‪ ،‬وفيه احتلت �إي����ران اجلزر الثالث‬ ‫عل����ى مراحل زمنية وتعمل على تطبي����ق �سيا�سية الأمر الواقع من‬ ‫ناحية ط����رد ال�س����كان وا�ستبدالهم وتعزيز اال�ستيط����ان‪ .‬يتجاهل‬ ‫كثري من املتعاطفني مع �إيران من العرب هذه امل�س�ألة‪ ،‬وهو م�ؤ�شر‬ ‫خط��ي�ر على خل����ل �أخالقي بنيوي ل����دى ه�����ؤالء‪ ،‬فاالحتالل واحد‬ ‫ولي�����س هناك احتالل جيد و�آخر �سيء واحتالل مقبول و�آخر غري‬ ‫مقب����ول‪ .‬كما �أنّ االحتالل ال يتعلق باحلج����م‪ ،‬فمن يقبل باحتالل‬ ‫م��ت�ر من �أرا�ضيه يقبل باحتاللها كله����ا‪ ،‬ويف هذا ال تختلف �إيران‬ ‫عن �إ�سرائيل كدولة حمتلة ومعتدية‪.‬‬ ‫أرا�ض عراقية‪� :‬أطماع �إيران يف العراق ال متناهية‬ ‫‪ .2‬احت�ل�ال � ٍ‬ ‫وه����ي ت����رى يف نفوذها امل�ستج����د بعد احل����رب الأمريكي����ة بدافع‬ ‫�إ�سرائيل����ي عل����ى الع����راق‪ ،‬نف����وذا م�شروع����ا وم�ستحقا م����ن بوابة‬ ‫التاريخ واجلغرافيا واملذهب‪ .‬وق����د قامت العام املا�ضي باحتالل‬ ‫جزي����رة �أم الر�صا�ص وطالبت ر�سمي ًا ب�ض����م ميناء “خور العمية‬ ‫العراق����ي” �إىل مياهه����ا و�سيادته����ا الإقليمي����ة‪� ،‬إ�ضاف����ة �إىل �ضمّ‬ ‫حوايل ‪ 100‬دومن �سنوي ًا من الأرا�ضي العراقية يف �شط العرب �إىل‬ ‫ال�سيادة الإيراني����ة‪ ،‬م�ستغلة االنهيار العراقي وغياب الدولة‪ ،‬وهو‬ ‫م����ا ج�سّ دته ر�سالة باحتالل منطقة بئر فكّة قبل �أ�شهر مدّعية �أنّ‬ ‫الأمر جمرد نزاع حدودي‪.‬‬ ‫‪ .3‬املطالب���ة بالبحري���ن‪ :‬ويالح����ظ يف هذا الإط����ار �أنّ النظام‬ ‫الإ�سالمي ذهب يف التطرف القومي والنزعة التو�سعية �أبعد مما‬ ‫ذه����ب �إليه نظام ال�شاه‪ .‬ب����ل �أنّ العديد م����ن امل�سئولني الإيرانيني‬ ‫رفيع����ي امل�ست����وى اعت��ب�روا �أنّ ال�ش����اه خ����ان �إي����ران بتنازل����ه ع����ن‬ ‫البحري����ن‪ .‬وال يكف الر�سمي����ون عن التذكري دوم ًا بذلك بني فرتة‬

‫و�أخرى‪ ،‬ومن ه�ؤالء ح�سني �شريعتمداري م�ست�شار املر�شد الأعلى‬ ‫�آي����ة اهلل علي خامنئ����ي‪ ،‬ومدير حتري����ر �صحيفة “كيه����ان” �شبه‬ ‫الر�سمية‪ ،‬الذي يعترب «�أنّ البحرين جزء من الأرا�ضي الإيرانية‪،‬‬ ‫و�أن املطل����ب الأ�سا�س����ي لل�شع����ب البحريني حالي ًا ه����و �إعادة هذه‬ ‫املحافظ����ة �إىل الوطن الأم والأ�صلي» �أي �إيران الإ�سالمية!‪ .‬ومثله‬ ‫عل����ي �أكرب ناطق ن����وري‪ ،‬ع�ضو جممع ت�شخي�����ص م�صلحة النظام‬ ‫والرئي�س ال�سابق ملجل�س ال�شورى‪ ،‬الذي يرى «�أن مملكة البحرين‬ ‫تابعة تاريخي ًا لب��ل�اد فار�س‪ ،‬و�أنها الوالية ‪ 14‬من �إيران»‪ .‬وتعك�س‬ ‫هذه املواق����ف الر�سمية املتكررة عقلية الهيمن����ة الإيرانية وعقدة‬ ‫التاري����خ ال�شبيهة بالعقدة الإ�سرائيلية الت����ي تبني عليها مطالبها‬ ‫التو�سعية دوماً‪.‬‬ ‫‪ .4‬ت�سمي���ة اخللي���ج بـ “الفار�سي”‪ :‬ومي ّث����ل ذلك عقدة را�سخة‬ ‫تظهر من خاللها الغرائ����ز القومية يف مقابل احل�س الديني لدى‬ ‫اجلمهورية الإ�سالمية وقادته����ا‪ ،‬لدرجة �أنّه قد ّمت اقرتاح ت�سمية‬ ‫اخلليج با�س����م “اخلليج الإ�سالم����ي” لكن �إي����ران رف�ضت اال�سم‬ ‫م�ص����رّة عل����ى “الفار�سي”‪ ،‬حت����ى �أنّ الرئي�س جن����اد ال يكف عن‬ ‫تكرار �أن ت�سميته باخلليج العربي هو م�ؤامرة “�صهيونية”‪ .‬ويجد‬ ‫رغم ذلك من العرب من ي�صفق له!‬ ‫لقد غ��ّي�رّ ت دول اخللي����ج العرب����ي ت�سمية التجمّ����ع الذي ي�ضم‬ ‫دوله����ا به����دوء ودون �ضو�ضاء �إعالمي����ة لي�صبح اال�س����م الر�سمي‬ ‫حالي���� ًا “جمل�س التعاون ل����دول اخلليج العربي����ة”‪ ،‬يف �إ�شارة �إىل‬ ‫ع����دم وجود ح�سا�سية عربي����ة جتاه ا�سم اخللي����ج على الرغم من‬ ‫املطالب����ة ب����ه‪ .‬يف املقابل‪ ،‬ال تفوت �إي����ران فر�ص����ة �إ ّال وت�شدد على‬ ‫فار�سية اخللي����ج‪ ،‬وقد �سنّت لهذا الغر�ض يوم���� ًا وطني ًا لالحتفال‬ ‫بـ “اخلليج الفار�س����ي”‪ .‬وقدم جعفر حممدي‪ ،‬وهو رئي�س حترير‬ ‫موق����ع “ع�صر �إيران” املت�شدد‪ ،‬اقرتاح ًا ملجل�س للربملان الإيراين‬ ‫لإن�شاء �إقليم با�سم “اخلليج الفار�سي” يتكون من اجلزر الإيرانية‬ ‫يف اخللي����ج‪ ،‬بالإ�ضافة �إىل اجل����زر الإماراتية الثالث املحتلة‪ ،‬رد ًا‬ ‫على ما يقول �أنّها “�أطماع �إماراتية” باجلزر الإيرانية‪.‬‬ ‫‪ .5‬التدخل يف الدول املجاورة‪ :‬وهو ي�أتي من منطلقات النزعة‬ ‫�إىل ال�سيط����رة والهيمن����ة التي حتدثنا عنها‪ ،‬ويتج����ه دوم ًا باجتاه‬ ‫الكتل����ة ال�ضعيف����ة �إقليمي���� ًا واملتمثل����ة يف النط����اق العرب����ي‪ .‬ويقوم‬ ‫ذل����ك على اخرتاق هذه الدول من الناحي����ة ال�سيا�سية عن طريق‬ ‫اال�ستثم����ار يف ال�شرخ العمودي بني ال�شع����وب والأنظمة من جهة‪،‬‬ ‫وم����ن الناحي����ة املذهبية عن طري����ق اال�ستثم����ار يف ال�شرخ الأفقي‬ ‫يف الف��ت�ن ال�سنيّة‪-‬ال�شيعي����ة بني ال�شعب الواح����د من جهة �أخرى‪،‬‬ ‫وذلك على الرغم من االدعاء الدائم بان هذه الفنت هي من �صنع‬ ‫الآخ����ر‪ .‬لكن احلقيقة ت�شري �إىل �أنّ هذه الفنت مل تكن موجودة يف‬ ‫الع�ص����ر احلديث قب����ل والدة اجلمهورية الإ�سالمي����ة‪ .‬ومل تنج �أي‬ ‫دول����ة عربية من التدخالت الإيرانية يف ه����ذا النطاق من العراق‬ ‫ودول جمل�����س التع����اون واليمن‪ ،‬م����رور ًا بلبن����ان وفل�سطني‪ ،‬ولي�س‬ ‫انتها ًء مب�صر واملغرب‪ ،‬و�صو ًال �إىل موريتانيا‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪155‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫طبيعة امل�شروع الإيراين يف املنطقة و�أدوات الرتقاء �إيران كقوّة عظمى يف منطقة ال�شرق الأو�سط‪ ،‬اعتمدت‬ ‫�إي����ران طريقتني خمتلفتني‪ ،‬الأوىل تتع ّل����ق مب�صاعب االخرتاق‬ ‫حتقيقه‬ ‫امل�شروع الإي����راين لي�س وهم ًا نختلقه من عندنا وال ت�ضخيم ًا العربي‪-‬ال�سنّ����ي‪ ،‬والثاني����ة تتع ّل����ق مب�شكل����ة النف����وذ الأمريكي‬ ‫ن�ستجلب����ه‪ ،‬و�إمنا هو خطر واقعي تعك�س����ه الت�صرفات الإيرانية باملنطقة‪.‬‬ ‫بالن�سب����ة لل�ش����ق الأول‪ :‬فق����د عم����دت �إىل اخ��ت�راق القاعدة‬ ‫وال�ضم والتدخل والتفتيت والتفري�س‪ .‬ول�سنا‬ ‫املتمثلة باالحتالل ّ‬ ‫ن ّتخ����ذ موقف ًا م�سبق ًا من �إيران‪ ،‬والدلي����ل �أنّ عهد خامتي �شهد ال�شعبي����ة يف الوط����ن العرب����ي‪� ،‬سوا ًء م����ن الناحي����ة املذهبية �أو‬ ‫�أف�ض����ل العالقات على الإطالق بني الع����رب و�إيران‪ ،‬لكنّ الذي ال�سيا�سي����ة �أو االجتماعي����ة‪ .‬وم����ن الطبيع����ي �أنّ الورق����ة الأوىل‬ ‫تغيرّ هم الإيراني����ون‪ .‬فاملحافظون اجلدد يف �إيران ال يختلفون والأ�سا�سي����ة يف هذا االخرتاق – للأ�سف ‪ -‬هي الورقة ال�شيعية‬ ‫م����ن ناحية التنظ��ي�ر الأيديولوج����ي عن املحافظ��ي�ن اجلدد يف العربي����ة (املبايعة للويل الفقيه بالدرجة الأوىل)‪ .‬ولكن مبا �أنّ‬ ‫�أمريكا‪ ،‬و�أمّ����ا ر�ؤيتهم الدينية وتلك املتعلقة بالعالقات الدولية ه����ذه الورقة ال ت�ستطي����ع الت�أثري على جممل الق����رار يف الوطن‬ ‫العرب����ي‪ ،‬ف�إنه ال بد من اال�ستفادة من مكونات املجتمع الأخرى‬ ‫بني “معنا �أو �ضدنا” تكاد تكون متطابقة‪.‬‬ ‫الأك��ث�ر ع����دد ًا وت�أثري ًا م����ن ال�شيعة يف الدائ����رة الأو�سع ومن ثمّ‬ ‫وميك����ن جت�سيد امل�ش����روع الإيراين بالطم����وح الذي عبرّ عنه‬ ‫ال�سنّ����ة‪ ،‬ويتم ذلك باللعب على �أوتار املقد�سات التي تلتغي عند‬ ‫الإم����ام اخلميني‪ ،‬وفق م����ا نقله عنه الرئي�����س الإيراين ال�سابق‬ ‫حدودها‪ ،‬بالن�سبة للمواطن العربي القومية �أو ال�سنّي املذهب‪،‬‬ ‫�أبو احل�سن بني �صدر‪ ،‬الذي قال‪�« :‬أخربين �أنّه كان يريد �إقامة‬ ‫التق�سيم����ات والت�س����ا�ؤالت والت�شكي����كات والتناق�ضات بل وحتى‬ ‫ح����زام �شيعي لل�سيطرة على �ضفتي العامل الإ�سالمي‪ .‬كان هذا‬ ‫طعنات الأم�س وخدع اليوم‪.‬‬ ‫احل����زام يت�ألف من �إي����ران والع����راق و�سوريا ولبن����ان‪ ،‬وعندما‬ ‫ويرتك����ز التحرّك الإيراين يف هذا الإط����ار على ثالث �آليات‬ ‫ي�صب����ح �سي����د ًا لهذا احل����زام ي�ستخ����دم النفط وموق����ع اخلليج‬ ‫هي‪:‬‬ ‫الفار�سي لل�سيطرة على بقية العامل الإ�سالمي»‪.‬‬ ‫‪ .1‬اخلط���اب الأيديولوج���ي‪ -‬الدمياغوج���ي‪ :‬وه����و خطاب‬ ‫مل يتخ����ل الإيراني����ون ع��ب�ر القرون ع����ن ه����ذه املقاربة على‬ ‫اخت��ل�اف حكّامه����م و�أنظمتهم مب����ا فيه النظ����ام احلايل الذي �شعب����وي يتمحور حول مهاجمة �إ�سرائيل وتعظيم �شان فل�سطني‬ ‫دون �أن يعك�����س ذل����ك حقيق����ة الأمر‪ ،‬ذل����ك �أنّ‬ ‫يقوده خامنئي‪ ،‬والنظرة �إىل �إيران بهذا املعنى‬ ‫الغاي����ة م����ن ه����ذا اخلط����اب حتري����ك ال�ش����ارع‬ ‫ال تختلف عن النظ����رة �إىل �إ�سرائيل �أو �إىل �أي‬ ‫دولة �أخ����رى حتاول ب�سط �سيطرته����ا ع�سكري ًا امل�����ش��روع الإي����راين لي�س العرب����ي وا�ستقطاب����ه خلل����ق بيئة مه ّيئ����ة لتقبّل‬ ‫وهم ًا نختلقه وال ت�ضخيم ًا النف����وذ الإيراين يف الع����امل العربي حتت �شعار‬ ‫و�إيديولوجي ًا وب�شكل تخريبي‪.‬‬ ‫ن�ستجلبه‪ ،‬و�إمنا هو خطر مقاومة �إ�سرائيل م����ن جهة‪ ،‬ولزعزعة الأنظمة‬ ‫وه����ذه املعطي����ات يعلمها الإيراني����ون جيداً‪ ،‬واقعي تعك�سه الت�صرفات القائمة عرب �ضرب العالقة بينها وبني �شعوبها‬ ‫�إذ يق����ول مث ً‬ ‫��ل�ا الباحث الإي����راين واخلبري يف الإي����ران����ي����ة امل��ت��م��ث��ل��ة من جهة �أخرى‪.‬‬ ‫ال�سيا�س����ة اخلارجي����ة الإيراني����ة يف طه����ران‪،‬‬ ‫�������ض���م‬ ‫ب����االح����ت��ل�ال وال ّ‬ ‫يق����ول �أحد الك ّت����اب الإيرانيني م����ن القومية‬ ‫فرزاد بيزي�شكبور‪ ،‬يف مقال له بعنوان “�إيران‬ ‫وميزان القوى الإقليمي”‪�« :‬إن النظام العراقي وال���ت���دخ���ل وال��ت��ف��ت��ي��ت الأذرية «�أنا م�سلم �شيع����ي‪ ،‬ال �أ�ستطيع �أن �أفهم‬ ‫كيف يحاول �أن يربر النظام دفاعه عن فل�سطني‬ ‫بقي����ادة �ص����دام ح�سني مل يعد موج����ود ًا اليوم‪ ،‬والتفري�س‬ ‫من منطلق �إ�سالمي‪ ،‬يف حني �أنّه ي�ساند �أرمينيا‬ ‫�أمّ����ا النظ����ام الثاين املع����ادي لإي����ران واملتمثل‬ ‫امل�سيحية التي حتتل ‪ %20‬من �أرا�ضي �أذربيجان‬ ‫بنظ����ام طالبان الأفغ����اين فق����د ّمت التخل�ص من����ه‪ .‬واليوم ف�إن‬ ‫الق����ادة اجلدد للع����راق و�أفغان�ست����ان �أكرث قرب ًا لإي����ران من �أي (امل�سلم����ة)‪ ..‬يف هذا نف����اق وتعار�ض مع الإ�س��ل�ام والطائفة‪..‬‬ ‫ط����رف �آخر‪ ،‬وب����د ًال من �ص����دام لدينا الآن رئي�����س عراقي غري وهو دليل على التالعب بالق�ضية الفل�سطينية»‪.‬‬ ‫وال �ش����ك �أن م����ا عرب عنه هذا الكات����ب ال ينطبق على احلالة‬ ‫عرب����ي وفخور مبعرفته و�إتقانه اللغة الفار�سية‪ ،‬وعدد كبري من‬ ‫�أع�ضاء احلكومة العراقية والربمل����ان العراقي كانوا قد ام�ضوا الأذري����ة فقط‪ ،‬بل وكذلك بالن�سبة لل�شي�شان يف رو�سيا والألبان‬ ‫�سنوات طويلة يف �إيران و�أجنبوا �أوالد ًا لهم هنا ودخلوا مدار�س يف كو�سوف����و‪ ،‬ب����ل ويف �أفغان�ست����ان والعراق؛ فاملحت����ل الأمريكي‬ ‫طهران وتعلموا بها‪ .‬كذلك يحتل ال�شيعة اليوم يف العراق ولبنان والإ�سرائيل����ي يبعد �أمتار قليلة فقط عن احلدود‪ ،‬فبماذا نف�سّ ر‬ ‫والبحرين مواقع مهمة داخل الأنظمة ال�سيا�سية لبلدانهم مما مباركة �إيران له يف العراق و�أفغان�ستان ومعار�ضته له يف �أماكن‬ ‫�أخرى؟!‬ ‫يعطي �إيران كنتيجة لذلك اليد العليا يف املنطقة»‪.‬‬ ‫‪ .2‬خل���ق �أذرع وح���ركات موالي���ة له���ا‪ :‬وي�أت����ي ذل����ك يف �إطار‬ ‫ونظ����ر ًا حل�سا�سية امل�ش����روع الذي يعترب الركي����زة الأ�سا�سية‬ ‫‪156‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫تثبيت الزعزعة التي يحدثها اخلطاب الإيراين وترجمته واقع ًا ‪� -‬إيق����اف دعم املجموع����ات الفل�سطينية املعار�ض����ة‪ ،‬وال�ضغط‬ ‫عملياً‪ .‬ولذلك نالحظ �أنّه يف البلدان والأماكن التي يوجد فيها عليه����ا لإيق����اف عملياتها العنيف����ة �ض ّد املدني��ي�ن الإ�سرائيليني‬ ‫نفوذ �إيراين‪ ،‬هناك ح����ركات و�أحزاب متثّل هذا النفوذ ب�شكل داخل حدود �إ�سرائيل العام ‪.1967‬‬ ‫وخا�صة عندما تك����ون �شيعية ‪ -‬حتوي����ل حزب اهلل اللبناين �إىل حزب �سيا�سي منخرط ب�شكل‬ ‫ر�سم����ي وعلني وبتبعي����ة ع�ضوي����ة ّ‬ ‫كحزب اهلل اللبن����اين‪ ،‬الذي �أعلن �أمينه العام علن ًا ب�أنّه يفتخر كامل يف الإطار اللبناين‪.‬‬ ‫�أن يك����ون ف����رد ًا تابع ًا لل����ويل الفقيه يف �إيران‪� .‬أامّ����ا يف البلدان ‪ -‬قبول املبادرة العربية التي طرحت يف قمّة بريوت عام ‪،2002‬‬ ‫التي ال يوجد فيها ال�شيعة‪ ،‬فيتم التعويل على حركات �إ�سالمية �أو م����ا ي�سمى “طرح الدولتني”‪ ،‬والتي تن�ص على �إقامة دولتني‬ ‫ذات توجّ ه قريب �أو حت����ى امتطاء موجتها حتت �شعار املقاومة والقبول بعالق����ات طبيعية و�سالم مع �إ�سرائيل مقابل ان�سحاب‬ ‫ال�ستخدامه����ا ك����ـ (‪ )Proxy‬فيم����ا الهدف احلقيق����ي ا�ستغاللها �إ�سرائي����ل �إىل ما بعد ح����دود ‪ ،1967‬ما يعن����ي االعرتاف عملي ًا‬ ‫للأجن����دة الإيرانية القوميّة اخلا�صة‪ .‬ومل يعد ذلك بخاف على با�سرائيل‪.‬‬ ‫�أحد خالل ال�سنوات القليلة املا�ضية‪ ،‬وال يحتاج �إىل �أي جهد يف كل ذل����ك مقابل االعرتاف له����ا مبوقع قوّة عظم����ى يف املنطقة‬ ‫ظل ال�شواهد على الأر�ض‪� ،‬سواء يف لبنان �أو فل�سطني �أو اليمن والتعهد بتفهّم م�صاحلها‪.‬‬ ‫ويف ه����ذا الإطار‪ ،‬يعتق����د رئي�س املجل�س الوطن����ي الإيراين‪-‬‬ ‫�أو غريها من الدول‪.‬‬ ‫‪ .3‬زي���ادة الق���وّة الع�سكري���ة‪ :‬وهدفه����ا فر�ض �إي����ران ككقوّة الأمريك����ي‪ ،‬و�أ�ست����اذ العالقات الدولي����ة املولود يف �إي����ران تريتا‬ ‫�إقليمي����ة ذات ردع ا�سرتاتيجي‪ ،‬ولهذا نرى �أنّ النظام الإيراين بار�س����ي (واملته����م الآن م����ن قب����ل املحافظني اجلدد ب�أن����ه ر�أ�س‬ ‫يعتم����د تطوي����ر قدرات����ه ال�صاروخ ّي����ة وهي ق����درات ذات طابع حرب����ة �إي����ران يف ت�شكل لوبي م����وايل لها يف �أم��ي�ركا‪ ،‬ملجرد �أنه‬ ‫هجوم����ي‪� ،‬إ�ضاف����ة �إىل ن ّيت����ه تطوي����ر ق����درات نووي����ة ك�ضام����ن يرف�����ض م�س�ألة العقوبات) �أنّ العالقة ب��ي�ن املثلث الإ�سرائيلي‪-‬‬ ‫رادع لبق����اء النظ����ام ودع����م االرتق����اء الإقليمي ال����ذي تقوم به الإي����راين – الأمريك����ي تقوم على امل�صال����ح والتناف�س الإقليمي‬ ‫يف املنطق����ة‪ .‬وه����و على الرغ����م من ذلك ي�سع����ى �إىل التمدد يف واجليو�سرتاتيج����ي‪ ،‬ولي�����س عل����ى الأيديولوجي����ا واخلطاب����ات‬ ‫داخل الدول العربي����ة‪ ،‬وخا�صة جهازه اال�ستخباراتي عرب فيلق وال�شع����ارات التعبوي����ة احلما�سي����ة ال����خ‪ .‬فاملح����رّك الأ�سا�س����ي‬ ‫القد�����س واحلر�س الثوري‪ ،‬ال����ذي يحر�ص على تعيني �ضباط له للأح����داث يكم����ن يف العام����ل “اجليو�سرتاتيج����ي” ولي�����س‬ ‫“الأيديولوج����ي” الذي يعترب جمرّد و�سيلة �أو‬ ‫يف البعث����ات الديبلوما�سي����ة الإيرانية كال�سفري‬ ‫الإي����راين ال�ساب����ق للع����راق ح�س����ن كاظم قمي ت��ع��م��ل �إي���������ران على رافعة‪.‬‬ ‫ويف حتلي����ل امل�شه����د الثالث����ي له����ذه الدول‪،‬‬ ‫وال�سف��ي�ر الالح����ق �أي�ض ًا ح�س����ن دانافار‪ ،‬وهما ح���ل م��ع�����ض��ل��ة ال��ن��ف��وذ‬ ‫�ضابط����ان يف فيل����ق القد�����س‪ .‬دون �أن نن�س����ى الأم��ي�رك����ي م���ن خ�لال جند �أن �إ�سرائيل تعتم����د يف نظرتها �إىل �إيران‬ ‫اخلاليا النائمة واملنت�شرة يف كل الدول العربية الإ���ص��رار ال��دائ��م على عل����ى “عقيدة الطرف” ال����ذي يكون بعيد ًا عن‬ ‫و�آخره����ا م����ا ك�شفت عن����ه ال�سلط����ات الكويتية ع��ق��د «���ص��ف��ق��ة ك�ب�رى» املح����ور‪ ،‬فيما تعتم����د �إيران عل����ى التاريخ حني‬ ‫ومثلها البحرينية قبل �أ�سابيع قليلة‪.‬‬ ‫م��ع ال��والي��ات املتّحدة كانت الهيمنة “الطبيعية” لإيران متتد لتطال‬ ‫بالن�سب����ة لل�شق الثاين‪ :‬ال����ذي يتعلق مب�شكلة تعطيها اليد الطوىل يف اجلريان القريبني منها‪ .‬وبني هذا وذاك‪ ،‬ي�أتي‬ ‫دور الالع����ب الأمريك����ي ال����ذي يتالع����ب بهذا‬ ‫النف����وذ الأمريك����ي يف املنطق����ة‪ .‬فتعم����ل �إيران املنطقة‬ ‫امل�شهد ويتم التالعب ب����ه �أي�ض ًا خالل م�سريته‬ ‫عل����ى ح����ل ه����ذه املع�ضلة م����ن خ��ل�ال الإ�صرار‬ ‫اخلا�صة واملتغيرّ ة تباعاً‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للو�صول �إىل �أهدافه‬ ‫الدائم عل����ى عقد “�صفقة كربى” مع الواليات‬ ‫ن�ستنت����ج باخت�صار �شديد‪� ،‬أن اجلميع يتناف�س للح�صول على‬ ‫امل ّتح����دة تعطيها اليد الط����وىل يف املنطقة وترج����ع �إليها الدور‬ ‫ح�صة م����ن امل�ساحة العربي����ة املمتدة من املحي����ط �إىل اخلليج‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ال����ذي كانت حتظى به �أي����ام ال�شاه‪ .‬وقد تناولن����ا تفا�صيل هذه‬ ‫ال�صفق����ة م����رار ًا وتك����رار ًا عرب حتلي����ل الوثيق����ة الر�سمية التي وذل����ك ب�أ�سماء خمتلفة من م�شروع “ال�ش����رق الأو�سط الكبري”‬ ‫بعثت بها �إيران �إىل �أمريكا يف بداية عهد بو�ش االبن‪ ،‬وتت�ضمن �إىل “�إ�سرائي����ل الكربى” �إىل “ال�ش����رق الأو�سط الإ�سالمي” �أو‬ ‫“�إيران الكربى”‪ ،‬والتي دعا الأمني العام حلزب اهلل الإيراين‬ ‫تعهد ايران بـ‪:‬‬ ‫ ا�ستخ����دام نفوذها يف العراق ل����ـ «حتقيق الأمن و اال�ستقرار‪ ،‬وع�ض����و جمل�����س �صيان����ة الد�ستور ال�سي����د حممد باق����ر خرازي‬‫�إىل ت�شكيله����ا يف كالم ل����ه منت�صف �أيار‪/‬ماي����و ‪ 2010‬لتمتد من‬ ‫�إن�شاء م�ؤ�س�سات دميقراطية‪ ،‬وحكومة غري دينية»‪.‬‬ ‫ �شفافي����ة كامل����ة لتوف��ي�ر االطمئن����ان والت�أكيد ب�أ ّنه����ا ال تطوّر �أفغان�ستان �إىل فل�سطني وحتكم ال�شرق الأو�سط و�آ�سيا الو�سطى‪،‬‬‫�أ�سلحة دمار �شامل‪ ،‬وااللتزام مبا تطلبه الوكالة الدولية للطاقة مب����ا ي�ؤدي �إىل تدمري �إ�سرائيل والدول املناف�سة املجاورة لإيران‬ ‫(الدول العربية) وظهور املهدي املنتظر‪.‬‬ ‫الذرية ب�شكل كامل ودون قيود‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪157‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫متى نكف عن ممار�سة اخلداع علن ًا‬

‫لنبحث عن عدو �آخر غري �إيران‬ ‫عبد الغني املاوري‬

‫‪abda_m111@yahoo.com‬‬

‫يف كل م����رة ال ي�ستطي����ع الع����رب حتقيق �شيء ي�ستحق الثناء‪ ،‬ف�إنه����م يلجئون �إىل اخرتاع عدو‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �أن هذه العادة غري جديرة باالحرتام‪� ،‬إال �أنها �أكرث العادات العربية ازدهاراً‪.‬‬ ‫لق����د كان����ت �إ�سرائي����ل على مدى �أكرث من خم�س��ي�ن عاماً هي ال�شماعة الت����ي يتم على م�شجبها‬ ‫تعلي����ق كل الإخفاق����ات والأخط����اء‪ ،‬وحت����ى الديكتاتوري����ة التي ات�سم����ت بها الأنظم����ة العربية ‪-‬‬ ‫والت����ي ال يج����در �أبداً الدفاع عنها ‪ -‬اعتُربت يف وقت من الأوقات خياراً �صائباً و�ضرورة وطنية‬ ‫ملواجهة حماوالت �إ�سرائيل الرامية للتو�سع ون�شر الفو�ضى يف الدول العربية‪.‬‬ ‫لك����ن التوج����ه العرب����ي الر�سمي لإقام����ة عالقات طبيعية م����ع الدولة العربية فر�����ض يف نهاية‬ ‫املطاف البحث عن عدو جديد‪ ،‬وكان هذا العدو ‪ -‬ل�سوء احلظ – هو اجلارة �إيران‪ .‬وقد �أظهر‬ ‫امل�ؤيدون للنظرية التي تقول �أن �إيران خط ٌر داهم على الأمن القومي العربي حما�س ًة مفرطة‬ ‫يف تدعيم مواقفهم من خالل تبني مقوالت فاقعة‪ ،‬رمبا حان الوقت لتفكيكها قبل �أن تتحول‬ ‫�إىل حقائق مطلقة‪.‬‬ ‫مفارقة العدو وال�صديق‬ ‫«�إي���ران و�إ�سرائيل وجهان لعملة واحدة» هذه هي �إحدى هذه‬ ‫املق���والت التي يت���م ت�سويقها لل���ر�أي العام العرب���ي‪ ،‬وينطلق‬ ‫القائل���ون بوج���ود ت�شابه بني �إيران و�إ�سرائي���ل من �أن كليهما‬ ‫لدي���ه �أطماع حقيقية‪ ،‬وينتهج �سيا�س���ة عدائية �ضد امل�صالح‬ ‫العربي���ة‪ ،‬ويوا�صل عملي���ات اخلرق لل�سي���ادة الوطنية للدول‬ ‫العربي���ة من خ�ل�ال اال�ستم���رار يف احتالل �أرا�ض���ي عربية‪،‬‬ ‫وجتنيد عمالء وجوا�سي�س‪ ،‬وكذا العمل على تفجري املجتمعات‬ ‫العربية من خالل دعم اجلماعات اخلارجة على القانون‪.‬‬ ‫ال �ش���ك �أن ه���ذا الن���وع من الأح���كام‪ ،‬الذي يجع���ل �إيران‬ ‫و�إ�سرائيل يف مرتبة واحدة‪ ،‬ينطوي على قدر كبري من التهور‬ ‫ويفتق���ر �إىل املنطق‪� ،‬إذ �أنه يتجاهل حقائ���ق عدة �أبرزها �أن‬ ‫�إي���ران دولة طبيعية بعك�س �إ�سرائيل التي هي دولة م�صطنعة‬ ‫بامتي���از؛ وفيما تعد �إيران �إحدى �أهم الدول الإ�سالمية‪ ،‬ف�إن‬ ‫‪158‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫�إ�سرائي���ل تق���دم نف�سها بو�صفه���ا قاعدة متقدم���ة للم�شروع‬ ‫الغربي اال�ستعماري‪.‬‬ ‫�أم���ا فيما يتعل���ق مب�س�ألة احت�ل�ال �أرا�ضي عربي���ة‪ ،‬ف�إنه ال‬ ‫ميكن الت�سليم مببد�أ امل�س���اواة بني احتالل اجلزر الإماراتية‬ ‫الثالث واحت�ل�ال فل�سطني‪ ،‬ذلك �أن ق�ضية اجلزر الإماراتية‬ ‫تت�صل بامل�س�ألة احلدودية غري املثالية منذ رحيل االحتالالت‬ ‫الغربي���ة عن املنطقة العربية‪ ،‬وهن���اك �أمثلة م�شابهة للحالة‬ ‫الإيراني���ة‪ -‬الإماراتي���ة فيم���ا ب�ي�ن ال���دول العربي���ة بع�ضه���ا‬ ‫البع�ض‪ ،‬ومل يجر�ؤ �أحد على ا�ستخدام تعبري كالذي ا�ستخدم‬ ‫�ض���د �إيران‪ ،‬فيما االحتالل الإ�سرائيلي لفل�سطني هو احتالل‬ ‫ا�ستيطاين يرتكز على مبد�أ �سلب الأر�ض وطرد �شعب ب�أكمله‬ ‫دون وجه حق‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغ���م من ه���ذه الف���روق اجلوهري���ة ب�ي�ن �إيران‬ ‫و�إ�سرائيل‪� ،‬إال �أن هن���اك من ي�سعى القناعنا بوجود عالقات‬ ‫�سري���ة بينهما بق�صد الإ�ضرار بالعامل العربي‪ ،‬وهو �أم ٌر يثري‬ ‫عبدالغني املاوري �صحفي وكاتب من اليمن‪.‬‬

‫ال���ذي تبدي���ه حما�س �أم���ام االعتداءات‬ ‫ال�سخري���ة‪ .‬عل���ى النقي�ض من ذل���ك‪ ،‬تتوافر‬ ‫�أدل���ة عل���ى وج���ود حتال���ف غ�ي�ر معل���ن بني التوجه العربي الر�سمي الإ�سرائيلي���ة املتوا�صل���ة يع���ود يف ج���زء‬ ‫�إ�سرائي���ل وبع����ض الأنظمة العربي���ة ملواجهة لإق������ام������ة ع��ل�اق����ات منه للدعم الإي���راين‪ ،‬لذلك يبدو بع�ض‬ ‫الدعوات العربي���ة حلما�س بقطع �صلتها‬ ‫م���ا ي�سم���ى بالتم���دد الإي���راين‪ ،‬واجلماعات‬ ‫��ة‬ ‫ل‬ ‫��دو‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م��ع‬ ‫طبيعية‬ ‫ب�إيران مبثابة طعنة يوجهها �شخ�ص �إىل‬ ‫املرتبطة ب���ه مثل حركة حما����س وحزب اهلل‬ ‫نهاية‬ ‫يف‬ ‫فر�ض‬ ‫العربية‬ ‫ج�سده‪ ،‬وهذا جنون‪.‬‬ ‫اللبناين‪.‬‬ ‫وتك�ش���ف بع�ض الت�صريح���ات اال�سرائيلية املطاف البحث عن عدو‬ ‫ال يعني ه���ذا �أن حما�س ق���د ارتبطت‬ ‫الر�سمية جانب��� ًا من هذه العالقة التي جتهد جديد‪ ،‬وكان هذا العدو نهائي��� ًا بامل�ش���روع الإي���راين‪ ،‬و�إمنا يعني‬ ‫العوا�ص���م العربي���ة لإخفائه���ا‪ ،‬فق���د �ص���رح ‪ -‬ل�����س��وء احل���ظ – هو �أن هناك حاجة «حم�ساوية» لإيران‪ ،‬ويف‬ ‫ح���ال متكن���ت حما�س من �إيج���اد حليف‬ ‫رئي����س الوزراء الإ�سرائيل���ي بينامني نتيناهو اجلارة �إيران‬ ‫بديل يوفر لها الدعم املطلوب ال�ستمرار‬ ‫�أم���ام جتم���ع اللوب���ي الإ�سرائيل���ي الأمريكي‬ ‫�سيا�سته���ا‪ ،‬ف�إنه���ا ل���ن حتر����ص عل���ى‬ ‫“�أيب���اك” قائ�ل�اً ‪�« :‬أ�ستطي���ع �أن �أقول لأول‬ ‫م���رة يف حياتي �أن الع���رب والإ�سرائيليني يرون اليوم عدوهم عالقتها ب�إيران �أكرث مما ينبغي‪ ،‬هكذا الأمر بب�ساطة‪ .‬ينبغي‬ ‫امل�ش�ت�رك» يف �إ�شارة منه لإي���ران‪ ،‬وكانت ت�سيبي ليفني وزيرة التذك�ي�ر �أن عالق���ة حما�س ب�إيران مل تكن جي���دة يف بدايات‬ ‫اخلارجي���ة الإ�سرائيلي���ة ال�سابقة قد دع���ت يف م�ؤمتر �أعمال الثورة الإ�سالمي���ة الإيرانية‪ ،‬فقد كان���ت حما�س تعترب �إيران‬ ‫منت���دى الدوحة للدميقراطية والتنمي���ة والتجارة احلرة عام دول���ة �شيعية مارق���ة‪ .‬وللمفارق���ة‪ ،‬كانت حما����س تتهم حركة‬ ‫‪ 2008‬لإقامة حتالف ي�ضم ا�سرائيل والعرب للت�صدي للخطر فت���ح ب�أنها جزء من م�شروع لت�شييع املنطقة‪ ،‬وقد دارت االيام‬ ‫الإيراين؛ «فمنع �إيران م���ن احل�صول على ال�سالح النووي لت���ذوق من الك�أ����س نف�سه‪ .‬ال ب�أ����س هنا م���ن اال�ستعانة بر�أي‬ ‫ ح�سب ليفني ‪ -‬م�صلحة م�شرتكة لإ�سرائيل والعامل العربي‪� ،‬أحد �أبرز الكتاب واملحللني ال�سيا�سيني الأمريكيني‪ ،‬و�أعني به‬‫ويول���د تفاهم��� ًا ب�أن �إ�سرائي���ل والدول الإ�سالمي���ة يف املنطقة فريد زكريا رئي�س حتري���ر الطبعة الدولية ملجلة “نيوزويك”‬ ‫الأمريكي���ة‪ ،‬الذي كتب مقا ًال مهم ًا يف ‪ 20‬كانون الثاين‪ /‬يناير‬ ‫تواجه تهديد ًا م�شرتكاً»‪.‬‬ ‫�إىل ذل���ك‪ ،‬كتب �إيليوت �أبرامز �أبرز الأ�سماء اليهودية التي ‪ 2009‬يناق����ش فيه املزاع���م الإ�سرائيلية والعربي���ة التي تتهم‬ ‫عملت يف �إدارة الرئي�س الأمريكي جورج بو�ش االبن‪ ،‬مقا ًال يف حما�س ب�أنها تابع���ة لل�سيا�سة الإيرانية‪ .‬يقول زكريا‪« :‬حما�س‬ ‫�صحيفة “وول �سرتيت جورنال” الأمريكية يو�ضح فيه حقيقة لي�س���ت بيدق ًا يف ي���د �إيران‪ .‬طوال عقود‪ ،‬كان���ت �إيران تف�ضل‬ ‫ال�صراع الدائر يف املنطقة بالقول «يوجد �صراع خطري اليوم ومتول جمموعات فل�سطيني���ة �أخرى‪ ،‬هي اجلهاد الإ�سالمي‪.‬‬ ‫يف ال�شرق الأو�سط‪ ،‬لكنه لي�س بني الإ�سرائيليني والفل�سطينيني‪ ،‬يف الآونة الأخرية‪ ،‬بد�أت حما�س بقبول الأموال والأ�سلحة من‬ ‫و�إمن���ا هو �ص���راع املتحالف�ي�ن معن���ا (�أي مع �أم�ي�ركا)‪ ،‬ومن �إيران‪ ،‬لكن هذا ال يعني �أنها تتلقى �أوامر منها �أي�ضاً»‪.‬‬ ‫�ضمنهم م�ص���ر وال�سعودية وال�سلط���ة الفل�سطينية و�إ�سرائيل‬ ‫�إن اته���ام �إي���ران بال�سع���ي لتوري���ط الع���رب يف مواجه���ات‬ ‫والإمارات العربية املتح���دة �ضد �إيران وقطر و�سورية وحزب خا�س���رة م���ع �إ�سرائيل من خ�ل�ال دفع ح���ركات املقاومة �إىل‬ ‫اهلل واجلماعات الفل�سطينية الإق�صائية»‪.‬‬ ‫التحر�ش بالإ�سرائيليني فيه �سذاجة بالغة؛ فم�ستوى التن�سيق‬ ‫لق���د �أدى ال�شحن غري امل�سبوق الذي رعت���ه بع�ض الأنظمة بني الأنظم���ة العربية وا�سرائيل كفيل بالت�أكي���د ب�إف�شال هذه‬ ‫العربية املرتبطة بعالقات وثيقة بالواليات املتحدة الأمريكية اخلطط يف حال وجدت‪.‬‬ ‫�إىل اختالق وقائع غ�ي�ر موجودة‪ .‬فعلى �سبيل املثال‪ ،‬اعتُربت‬ ‫غ���زة جيب��� ًا �إيراني���اً‪ ،‬يف حني �أن ه���ذه املزاع���م مل تكن �سوى مبالغات “الهيمنة الإيرانية”‬ ‫ادع���اءات �إ�سرائيلية يف الأ�سا�س‪ ،‬وقد �أ�ضاف خ�صوم حما�س‬ ‫م���ن ال�صعب ت�صديق كل ما يق���ال عن �سعي �إيران للهيمنة‬ ‫م���ن العرب البع���د املذهبي كنوع م���ن الت�ضلي���ل‪� ،‬إذ ال�صقت على العامل العربي‪ ،‬فهناك مبالغات غري مفهومة لت�صوير �أي‬ ‫تهمة م�ساعدة �إيران يف ت�شييع املنطقة‪.‬‬ ‫حت���رك �إيراين ب�إجتاه ال���دول العربية على �أنه حماولة لب�سط‬ ‫ال �شك �أن حركة حما�س غري مُنزهة عن ارتكاب الأخطاء‪ ،‬النف���وذ‪ .‬ال يعن���ي هذا التخلي نهائي ًا عن ال�شع���ور بالقلق �إزاء‬ ‫لك���ن عالقته���ا ب�إي���ران ال ميك���ن �أن تع���د خط����أً؛ فال�صم���ود‬

‫(‬

‫)‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪159‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�سجـ ــال‬

‫بع����ض اخلطوات الإيراني���ة التي ال ت�ساعد عل���ى بناء الثقة‪� .‬إىل �إقاليم فيدرالية‪.‬‬ ‫على �سبيل املثال‪ ،‬ال يج���ب الت�ساهل جتاه الت�صريحات التي‬ ‫لن�أخ���ذ مثا ًال �آخر ميكن من خالل���ه ت�أكيد �أو نفي التدخل‬ ‫�أطلقه���ا م�ست�شار مر�شد اجلمهورية عل���ي �أكرب ناطق نوري‪ ،‬الإي���راين يف ال�ش����ؤون الداخلي���ة للدول العربي���ة‪ ،‬هذا املثال‬ ‫والت���ي اعت�ب�رت �أن البحري���ن ه���ي املحافظ���ة الرابعة ع�شر ه���و اليمن‪ .‬فقد اُعت�ب�رت احلرب املمتدة من���ذ �ست �سنوات‬ ‫لإي���ران‪� ،‬أو جتاه ما كتبه ح�س�ي�ن �شريعتمداري رئي�س حترير بني اجلي�ش اليمن���ي واملتمردين احلوثيني جزء ًا من م�ؤامرة‬ ‫�صحيفة “كيهان” الإيرانية القريبة من املر�شد يف منت�صف �إيراني���ة تهدف لتحقي���ق جملة من الأه���داف اال�سرتاتيجية‬ ‫‪ ،2007‬م���ن �أن الطلب الأ�سا�س���ي لل�شعب البحريني حالي ًا هو يف مقدمته���ا حما�صرة اململكة العربي���ة ال�سعودية‪ ،‬وحماولة‬ ‫�إع���ادة هذه املحافظة الت���ي مت ف�صلها عن �إيران �إىل الوطن زعزعة �أمنها وا�ستقرارها‪.‬‬ ‫الأم والأ�صلي‪� ،‬أي �إيران الإ�سالمية‪.‬‬ ‫يف هذه الق�ضية‪ ،‬تُواجَ ه �إيران بقائمة طويلة من االتهامات‪،‬‬ ‫لك���ن مثل هذه املواق���ف ال ينبغي �أن ت����ؤدي �إىل قطيعة مع تبد�أ بتمويل وتدري���ب احلوثيني وال تنتهي بالعمل على �إعادة‬ ‫�إيران‪ ،‬خ�صو�ص ًا و�أنها ال ت ِرّ‬ ‫ُعب عن ر�أي الدولة الإيرانية التي “احل�ضور الفار�سي” �إىل اليمن واجلزيرة العربية‪� ،‬إال �أن‬ ‫تنف���ي با�ستمرار وج���ود �أي �أطماع له���ا يف البحرين‪� .‬صحيح ه���ذه االتهامات يف الواقع حتتوي عل���ى مبالغات كثرية‪ .‬فقد‬ ‫�أن املناوئني لإيران لن يقبلوا مثل هذا التو�ضيح‪ ،‬لكن ينبغي �أثبت���ت احل���رب ال�ساد�سة (�آب‪� /‬أغ�سط����س ‪� 2009-‬شباط‪/‬‬ ‫التذكري دائم ًا بوجود فروق جوهرية بني ال�سيا�سات الر�سمية فرباي���ر ‪ )2010‬وجود تعاطف �إي���راين مع احلوثيني وح�سب‪،‬‬ ‫وال�سيا�س���ات ال�شعبوية؛ يف كل بالد هن���اك من يتحدث وفق عل���ى الأق���ل ه���ذا م���ا ميك���ن �إثبات���ه دون عناء‪ .‬وق���د رف�ض‬ ‫منطق �شعب���وي و�أحيان ًا فو�ض���وي‪ ،‬ولأن �إيران كانت يف وقت امل�س�ؤول���ون اليمنيون على اخت�ل�اف م�ستوياتهم اتهام �إيران‬ ‫م���ن الأوقات �إحدى �أهم الإمرباطوريات الكربى يف التاريخ‪ ،‬مب�ساع���دة احلوثي�ي�ن‪ ،‬واكتف���وا بلفت اجلان���ب الإيراين �إىل‬ ‫ف�إن هناك من يحلم ب�إعادة هذا املا�ضي‪،‬‬ ‫قي���ام احلوازات واجلمعي���ات اخلريية يف‬ ‫لك���ن حل�س���ن احل���ظ ه����ؤالء الأ�شخا����ص‬ ‫�إي���ران بدع���م احلوثي�ي�ن‪ .‬وق���د يكون من‬ ‫مل��اذا ال تُ�لام الواليات‬ ‫الذين لديهم طموحات تو�سعية ال ميثلون‬ ‫املنا�سب القول �إن هذا النوع من الدعم ال‬ ‫املتح��دة عن��د احلديث‬ ‫الأكرثية‪.‬‬ ‫يقت�ص���ر على �إيران‪ ،‬بل ي�شمل دو ًال عربية‬ ‫عن وجود �صفقة ما مع‬ ‫الع���راق‪ ،‬من���وذج �ص���ارخ عل���ى “نوايا‬ ‫عدة ومنها البحرين والكويت‪.‬‬ ‫الإيراني�ين يف الوق��ت‬ ‫�إي���ران التو�سعي���ة” بح�س���ب الذي���ن‬ ‫هناك �سب���ب �أخر يجع���ل احلديث عن‬ ‫ال��ذي توجّ ��ه �سه��ام‬ ‫يجاهرون بالعداء لل�سيا�س���ات الإيرانية‪،‬‬ ‫خط���ر �إيران �أم���ر ًا م�شكوك ًا في���ه‪ ،‬فنظام‬ ‫النق��د �إىل �إيران لذات‬ ‫فطامل���ا اُتهم الإيراني���ون بال�سعي لتفكيك‬ ‫(املاليل) و�صل لطريق م�سدود‪� ،‬إذ يعاين‬ ‫ال�سب��ب؟ �إن مث��ل ه��ذا‬ ‫العراق من �أج���ل اال�ستيالء على اجلنوب‬ ‫من م�شكلة بنيوية‪ ،‬فالدول التي تتنازعها‬ ‫االنح��دار ينبغ��ي �أن‬ ‫الغن���ي بالنف���ط‪ ،‬وغالب��� ًا ما يت���م الربط‬ ‫�شرعيتان ال �شك �أنها مر�شحة للدخول يف‬ ‫يتوقف على الفور!‬ ‫ب�ي�ن دع���وات املجل����س الأعلى بقي���ادة �آل‬ ‫�أتون �صراعات قاتلة‪.‬‬ ‫احلكيم لإقامة جنوب فيدرايل على غرار‬ ‫كرد�ست���ان العراق‪ ،‬وبني التوجه���ات الإيرانية‪ .‬يف الواقع‪� ،‬إن‬ ‫املغالط���ات يف هذا ال�ش�أن �أكرث من �أن حت�صى؛ فال�سيا�سيون �أ�سطورة «احلزام ال�شيعي»‬ ‫خالف ًا للحقيق���ة‪ ،‬ي�سعى الذين ال ي�ؤي���دون �إقامة عالقات‬ ‫يف اي���ران يدركون جيد ًا �أن جمرد التفكري يف الإ�ستيالء على‬ ‫نف���ط العراق هو مبثاب���ة �إعالن حرب مع الوالي���ات املتحدة طبيعي���ة مع �إي���ران لإيهامنا ب����أن الإيرانيني ي�سع���ون لإن�شاء‬ ‫الأمريكية‪ ،‬وهو خيار �سيعملون على جتنبه مهما كان الثمن‪“ .‬حزام �شيعي” يف املنطقة‪ ،‬فيما الوقائع ت�شري �إىل �أن �إيران‬ ‫من جه���ة �أخرى‪� ،‬إن جن���اح املجل�س الأعل���ى يف �إقامة �إقليم هي �أك�ب�ر املت�ضررين من ا�ستخدام ال�س�ل�اح الطائفي‪ .‬لقد‬ ‫يف اجلن���وب‪ -‬وهو �أم ٌر م�ستبعد على الأقل يف الوقت املنظور قوبل���ت اجنازات ح���زب اهلل اللبناين يف مواجه���ة �إ�سرائيل‬ ‫ب�سب���ب تراجع الت�أيي���د ال�شعبي لهذه الفك���رة – لن يتم لأن با�ستهج���ان البع����ض انطالق ًا من هذه الر�ؤي���ة ال�ضيقة‪ ،‬وقد‬ ‫�إي���ران ت�ؤيد ذلك‪ ،‬ولكن لأن الد�ستور العراقي الذي �أ�شرفت و�ص���ل الأم���ر اىل اعتبار ح���رب ‪ 2006‬ب�ي�ن ا�سرائيل وحزب‬ ‫على ت�صميمه الواليات املتحدة هو من ي�سمح بتق�سيم العراق اهلل اللبناين م�ؤام���رة �صهيونية‪� -‬شيعية من �أجل خداع �أهل‬ ‫‪160‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ح���ال �ضمنت لهم �أم�ي�ركا دور ًا حموري��� ًا يف اخلليج العربي‪،‬‬ ‫ال�سنة(!)‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من �سذاجة هذا املنطق‪ ،‬ف�إنه يجد رواج ًا لدى وك���ذا احل�صول على بع�ض االمتي���ازات االقت�صادية‪ .‬دعوين‬ ‫البع�ض‪� .‬أثناء احلرب العراقية‪ -‬الإيرانية التي ا�ستمرت نحو ال �أ�سرت�س���ل كثري ًا يف ذكر مثل ه���ذه الرباهني‪ ،‬حتى ال �أقتنع‬ ‫ثم���ان �سنوات مل يكن التق�سيم وت�صني���ف الأ�شخا�ص والدول فع ًال ب�أن هناك “�صفقة” �ستح�صل بني �أمريكا و�إيران تكون‬ ‫عل���ى �أ�س����س مذهبية يحظى به���ذا االنت�شار‪ ،‬فق���د كان نظام على ح�ساب امل�صالح العربية‪.‬‬ ‫�صحي���ح �أن الواليات املتحدة الأمريكي���ة ت�أمل يف ا�ستعادة‬ ‫�ص���دام ح�سني يهاج���م �إيران بو�صفه���ا دول���ة فار�سية ت�سعى‬ ‫لتفري�س الع���رب‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬مل يكن �أحد يهتم بالتحقق �إيران كحليف م���رة �أخرى باعتبار ذل���ك م�صلحة �أمريكية‪،‬‬ ‫من �صحة هذه االتهامات‪ .‬وقد ازدهرت يف تلك الفرتة الكتب �إال �أن ه���ذا ال ميك���ن �أن يك���ون مقابل التخلي ع���ن حلفاءها‬ ‫واملن�شورات التي تو�ض���ح الطريقة اال�ستعالئية التي يفكر بها الأ�سا�سي�ي�ن‪ .‬فامل�صالح الأمريكية احليوية موجودة يف الدول‬ ‫الإيراني���ون جتاه العرب‪ ،‬فيما مت جتاه���ل نظرة بع�ض العرب العربية‪ ،‬وهي غري قابلة للم�ساومة‪ ،‬و�أمن �إ�سرائيل ورغباتها‬ ‫لي�ست حم���ل خالف بالن�سب���ة للم�سئول�ي�ن الأمريكيني؛ فمن‬ ‫الإ�ستعالئية جتاه �إيران‪.‬‬ ‫ودون �أن يبدو الأمر وك�أنه ا�ست�سال ٌم لنظرية امل�ؤامرة‪ ،‬ف�إن املع���روف �أن االهتمام الأمريك���ي بالربنامج النووي الإيراين‬ ‫االحت�ل�ال الأمريكي للعراق منذ �سبع �سن���وات هو من �أعطى مل يك���ن لي�صب���ح به���ذه الأهمية م���ن املتابعة ل���وال ال�ضغوط‬ ‫ه���ذا ال�ص���راع املذهبي كل ه���ذا الزخم‪ ،‬وحول���ه �إىل تهديد الإ�سرائيلي���ة بح�س���ب ما يق���رره‪ ،‬وبرباه�ي�ن حا�سمة‪ ،‬خبريا‬ ‫للمجتمع���ات العربية والإ�سالمي���ة‪ .‬فالت�شيع يف نهاية املطاف ال�سيا�سة الأمريكية جون مري�شمامير و�ستيفن والت‪.‬‬ ‫لهذه الأ�سباب وغريها ال توجد �صفقة �أمريكية ‪� -‬إيرانية‪،‬‬ ‫لي����س مُنتج ًا �إيرانياً‪ ،‬و�إمنا �أي�ض ًا ‪ -‬وكان يف الأ�سا�س ‪ -‬منتج ًا‬ ‫�إال �إذا ح���دث �شيء غري منطقي ومتكّن‬ ‫عربي���اً‪ ،‬لذلك ف����إن الطريق���ة املثلى ملعاجلة‬ ‫الإيرانيون من �إقن���اع الأمريكيني ب�أنهم‬ ‫ه���ذا امللف ال�شائك ال تكمن يف اتهام ال�شيعة‬ ‫ملعاجلة‬ ‫املثلى‬ ‫الطريقة‬ ‫�أه���م من �إ�سرائيل والعرب معاً‪ ،‬وحينئذٍ‬ ‫الع���رب بال���والء لإي���ران‪ ،‬و�إمن���ا يف �إعط���اء‬ ‫ال‬ ‫ال�شائك‬ ‫الت�شيع‬ ‫ملف‬ ‫ينبغ���ي توجي���ه الل���وم لأم�ي�ركا ولي����س‬ ‫ال�شيعة وال�سنة وغريهم من الطوائف حقوق‬ ‫املواطنة املت�ساوية؛ فاخلطر احلقيقي هو يف تكمن يف اتهام ال�شيعة لإي���ران‪ .‬ملاذا ال تُ�ل�ام الواليات املتحدة‬ ‫التمييز الذي تنتهجه بع�ض الأنظمة العربية‪ ،‬العرب بالوالء لإي��ران‪ ،‬عن���د احلدي���ث عن وجود �صفق���ة ما مع‬ ‫الإيرانيني يف الوقت ال���ذي توجّ ه �سهام‬ ‫ولي�س اخلطر الإيراين املزعوم‪.‬‬ ‫ال�شيعة‬ ‫إعطاء‬ ‫�‬ ‫يف‬ ‫إمنا‬ ‫�‬ ‫و‬ ‫النقد �إىل �إي���ران لذات ال�سبب؟ �إن مثل‬ ‫وال�����س��ن��ة وغ�ي�ره���م من ه���ذا االنح���دار ينبغ���ي �أن يتوق���ف على‬ ‫حديث ال�صفقة املزعومة‬ ‫ال�����ط�����وائ�����ف ح���ق���وق الفور!‬ ‫«ال �ش���ك �أن �إيران ت�سع���ى لعقد �صفقة مع‬ ‫الوالي���ات املتح���دة الأمريكي���ة عل���ى ح�ساب املواطنة املت�ساوية‬ ‫�أخ�ي�راً‪ ،‬ال يب���دو �أن الت�شب���ث بفك���رة‬ ‫اخلط���ر الإيراين عم ًال عاق�ل�اً ‪ ،‬ف�إيران‬ ‫العرب»‪ .‬هكذا يحاول مناه�ضو �إيران‪ ،‬الذين‬ ‫يف نهاي���ة املط���اف دولة ت�سع���ى لتحقيق‬ ‫ي�صف���ون �سيا�ساته���ا بامل�سرحي���ة ال�سمج���ة‪،‬‬ ‫القول‪ .‬ح�سناً‪ ،‬دعونا نتعرف مبزيد من ال�صرب على مربرات م�صاحله���ا التي من اخلط�أ مقارنتها بامل�صالح الإ�سرائيلية‪.‬‬ ‫ه�ؤالء‪� :‬إيران ترفع لواء الق�ضية الفل�سطينية وتدعم جماعات وعل���ى كلٍ ‪ ،‬ميكن �أن يكون اجل���دل امل�ستمر حول ما �إذا كانت‬ ‫مثل حزب اهلل اللبناين واحلوثيني‪ ،‬وتقيم عالقات مهمة مع �إي���ران متثل خطر ًا على �أم���ن الدول العربي���ة �أم ال‪ ،‬منا�سبة‬ ‫الأطراف الفاعلة يف العراق من �أجل �إرغام الأمريكيني على جيدة لفهم �إيران كما ينبغي‪ ،‬وبناء عالقات جيدة وخمتلفة‪.‬‬ ‫ولع���ل دعوة الأمني الع���ام للجامعة العربية عم���رو مو�سى يف‬ ‫التعاون معها‪.‬‬ ‫القمة العربية الأخرية التي عقدت �أواخر �آذار‪ /‬مار�س ‪2010‬‬ ‫ي�ضي���ف الناقم���ون عل���ى �إي���ران‪ :‬ال�سيا�سي���ون الإيرانيون‬ ‫يف مدينة �سرت الليبية لفتح حوار مع الإيرانيني‪ ,‬خطوة مهمة‬ ‫�شدي���دو ال���ذكاء‪ ،‬ولذل���ك ف�إنهم �س���وف يبيع���ون �شعاراتهم‬ ‫يف ه���ذا االجتاه بالرغم من حتفظ بع����ض الأنظمة العربية‪،‬‬ ‫القدمي���ة ويوقفون �سيا�ستهم املعادي���ة لإ�سرائيل مبا يف ذلك‬ ‫التي ما تزال تنظر �إىل �إيران من املنظار الأمريكي‪ .‬و�إىل �أن‬ ‫دع���م حما�س واجله���اد الإ�سالم���ي وح���زب اهلل اللبناين يف‬ ‫ي�أتي اليوم الذي ميكن لهذه الأنظمة �أن ترى بعينها ال بعيون‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪161‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫بو�ضـ ــوح‬

‫�آراء‬

‫�سجال‬

‫توازن مفقود‬ ‫اخلليج‪ ‬العربي والبعد الثقافـي‬ ‫كقوة م�ؤثرة يف حتديد امل�صالح‬ ‫�ســالم الرب�ضـــي‬

‫‪jordani_alrabadi@hotmail.com‬‬

‫‪ ‬للدول الكربى م�صالح ا�سرتاتيجية يف املنطقة‪ ،‬والعوامل االقت�صادية والأمنية وال�سيا�سية هي‬ ‫الت��ي حتدد ب�شكل �أ�سا�سي هذه امل�صالح‪ ،‬ولكن يجب ع��دم �إغفال العوامل الثقافية كقوة م�ؤثرة‬ ‫ودافعة لتلك امل�صالح‪� ،‬سواء على �صعيد النظرة الثقافية للدول الكربى‪ ‬ملنطقة اخلليج (عالقة‬ ‫الغرب بالإ�سالم)‪� ،‬أو على �صعيد الواقع الثقايف لتلك املنطقة (الواقع الإ�سالمي)‪ ،‬والذي يعترب‬ ‫عام ًال م�ساعد ًا للدول الكربى لتحقيق م�صاحلها‪.‬‬ ‫�إن عامل �أو معيار البعد الثقايف يف حتليل واقع م�صالح الدول الكربى يف اخلليج ميكن مقاربته من‬ ‫خالل �شقني‪� :‬أولهما العالقة بني الغرب والإ�سالم‪ ،‬وثانيهما العالقة بني التيارات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ال�شق الأول‪ :‬العالقة بني الغرب والإ�سالم‬ ‫‪ ‬ال ميكن اعتبار الأيديولوجية واالقت�صاد وحدهما عالمات �أ�سا�سية للتناف�س �أو ال�صراع فامل�صالح من �أهم عالماتها الأ�سا�سية‬ ‫و�أ�شملها و�أعمقها ت�أثري ًا هو احلقل الثقايف‪ ،‬فكثري من النظريات ت�ؤكد على �أن امل�صدر الرئي�سي لل�صراع يف عامل ما بعد احلرب‬ ‫الباردة �سيكون م�صدر ًا ثقافي ًا ولي�س �أيديلوجي ًا �أو اقت�صادياً‪ .‬فالثقافات هي الإطار امل�سيطرعلى العالقات الدولية وت�أكيد ًا على‬ ‫هذا الواقع ميكن العودة �إىل ت�صريح الرئي�س الفرن�سي ال�سابق جاك �شرياك يف م�ؤمتر اليون�سكو عام ‪ 2001‬حيث قال «القرن‬ ‫التا�س���ع ع�شر �شهد �صراع القوميات والقرن الع�شرين �شهد �صراع الأيديلوجيات‪� ،‬أما القرن احلادي والع�شرين ف�سي�شهد �صراع‬ ‫الثقاف���ات»‪ .‬م���ن هذا املنطلق‪ ،‬ف�إن التدخل الأمريك���ي يف العاملني الإ�سالمي والعربي واخلليج جزء من���ه لي�س م�شروع ًا �أمريكي ًا‬ ‫فق���ط‪ ،‬ب���ل يف احلقيقة ميكن اعتب���اره ت�صور الدول الكربى – على الرغ���م من متايزها‪ -‬لل�سيطرة عل���ى املنطقة لعدة �أ�سباب‬ ‫منطقية‪:‬‬ ‫الإره��اب‪ :‬حماول���ة ل�صق الإره���اب بالإ�سالم واعتبار منطق���ة اخلليج هي م�صدر الإره���اب فكري ًا ومادي��� ًا وبالتايل فالعامل‬ ‫الثق���ايف هو الذي يح���دد هذة الر�ؤية‪ ،‬وعندم���ا نتكلم عن الإرهاب والنم���اذج التف�سريية لهذة الظاهرة م���ن ثقافية‪� ،‬سيا�سية‪،‬‬ ‫�أمنية‪ ،‬اقت�صادية‪ ،‬ا�سرتاتيجية‪ .‬البد من االعرتاف بان كل تلك التفا�سري ت�صب بالدرجة الأوىل يف خانة امل�صالح‪.‬‬ ‫‪162‬‬ ‫‪162‬‬

‫يناير‪/‬فرباير‬ ‫الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬ ‫ا�سرتاتيجية العدد الثاين‪،‬‬

‫‪2010‬‬ ‫‪2010‬‬

‫�سالم الرب�ضي باحث يف العالقات الدولية‪ ,‬الأردن‪.‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪163‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�آراء‬

‫الطاق��ة‪ :‬وه���ي �أ�سا����س االعتم���اد املتبادل ب�ي�ن دول الع���امل بابعاده‬ ‫االقت�صادية والأمنية والقومية‪.‬‬ ‫م�شكل��ة الع��رب وامل�سلمني مع �إ�سرائي��ل‪ :‬وهذه امل�شكل���ة لها الأثر‬ ‫الكبري على الغرب‪ ,‬وهي م�ضطرة – �أي الدول الكربى‪ -‬للتدخل فيها‪.‬‬ ‫اجليو�ش الأجنبية‪ :‬ال ميكن بقاءها يف اخلليج للأبد فمن هذا املنطلق ال‬ ‫بد لها من بن���اء انظمة جديدة للأمن والأمان وم�شاريع ال�شرق الأو�سط‬ ‫– واخلليج جزء منها – منوذج عن هذا الت�صور‪.‬‬ ‫كم���ا �أنّ امل�صال���ح الإ�سرتاتيجيّ���ة الإ�سرائيليّ���ة يف املنطقة من���ذ ما بعد‬ ‫احت�ل�ال العراق قائمة على كيفيّ���ة مواجهة التزايد يف قوّة ونفوذ �إيران‪.‬‬ ‫وامل�صال���ح الإيرانيّة قائمة على كيفيّة حماية م�صاحلها من اال�ستهداف‬ ‫الأمريك���ي والإ�سرائيل���ي‪ .‬ف�إيران و�إ�سرائي���ل دولت���ان �إقليميّتان تريدان‬ ‫احل�صة �سوف تكون‬ ‫ح�صتهم���ا يف االقت�ص���اد وال�سّ يا�سة العامليّة‪ ،‬وه���ذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف ال�ش���رق الأو�س���ط حتدي���داً‪ ،‬وكالهما يحت���اج �إىل �ضمان���ات �سيا�سيّة‬ ‫ال�ضمانات لي�ست ببعيدة عن النفوذ‬ ‫واقت�صاديّ���ة و�أمنيّة‪ ،‬وبالطبع ه���ذه ّ‬ ‫يف املنطقة العربيّة وخ�صو�ص ًا منطقة اخلليج العربي‪.‬‬ ‫ال�شك���وك واملخاوف وا�ضحة للعيان عندم���ا يتم التكلم عن ت�صور الدول‬ ‫الك�ب�رى للمنطق���ة ب�أكملها مبا فيها اخللي���ج العرب���ي‪ ،‬وم�شاريع ال�شرق‬ ‫الأو�س���ط ب�أ�سمائ���ه املختلفة حتمل يف طياتها ت�ص���ور كامل للمنطقة من‬ ‫جغ���رايف‪� ،‬سيا�سي‪ ،‬اقت�صادي‪� ،‬أمني قائم عل���ى حزمة من الإ�صالحات‬ ‫املتعددة التي يراد‪ ‬تعميمها والتي حتمل يف م�ضمونها ابعاد ثقافية‪ ،‬جتعل‬ ‫م���ن هوية تلك املنطق���ة عابرة للأيدلوجي���ات والدين والهوي���ة القومية‬ ‫واحل�ضاري���ة‪ ،‬وهذا ما يطلق عليه حروب الهويات بني الهالل الإ�سالمي‬ ‫ من املغرب حتى اندوني�سيا ‪ -‬وبني امل�شاريع ال�شرق �أو�سطية‪.‬‬‫�إذا كان التن���ازع بالدّرج���ة الأوىل هو عبارة عن ت�ضارب يف م�صالح تلك‬ ‫ال���دّول‪ ،‬ومن ه���ذا املنطق الإ�سرتاتيجي ميكن الت�س���ا�ؤل‪ :‬هل من املمكن‬ ‫�أن تتقاط���ع امل�صال���ح الإ�سرتاتيجيّ���ة ب�ي�ن الأط���راف الثالث���ة‪� :‬أمريكا‪،‬‬ ‫و�إ�سرائيل‪ ،‬و�إيران؟‬ ‫هذا الطرح الإ�سرتاتيجي قد يكون وارداً‪ ،‬فلعبة امل�صالح ال تقف عند �أيّ‬ ‫حاجز يف علم ال�سّ يا�سة والعالقات الدّوليّة‪ .‬فالواليات املتحدة �أ�صبحت‬ ‫مقتنعة واقعي ًا ب�أنّ امل�أزق العراقي مي ّر عرب بوابة �إيران و�سورية‪ ،‬والغطاء‬ ‫الفكري ملثل هذا التقارب امل�ستقبلي قد يكون قائم ًا على اقتناع الواليات‬ ‫املتح���دة ب�أنّ اخلط���ر الإرهابي ال�سّ ن���ي �أ�ش ّد وط�أ ًة م���ن النفوذ الإيراين‬ ‫ال�صحوة ال�شيعيّة هي ال�سّ ّد املنيع‬ ‫ال�شيعي يف املنطقة‪ ،‬وبالتايل قد تكون ّ‬ ‫املراد من���ه الوقوف يف مواجهة التطرّف الإ�سالمي ال�سّ ني العربي‪ ،‬ومن‬ ‫هذا املنطلق ينظر �إىل �إيران كحليف �أو على الأقل كحالة يجب �إعطاءها‬ ‫م�ساحة بحدّها الأدنى‪.‬‬ ‫ال�ص���راع واملواجهة فيما ب�ي�ن �أمريكا‬ ‫ه���ذه ال�سّ يا�س���ة ت�ساعد عل���ى نقل ّ‬ ‫والغرب والإ�سالم �إىل املواجهة فيما بني النفوذ ال�شيعي والنفوذ ال�سّ ني‪.‬‬ ‫وه���ذا ما ي�ستدل علي���ه من ق���راءة الإ�سرتاتيجيّة الأمريكيّ���ة يف منطقة‬ ‫ال�شرق الأو�سط من خالل تعاملها الدّاخلي يف كل من العراق ولبنان‪.‬‬ ‫‪164‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ال�شق الثاين‪:‬العالقة بني التيارات الإ�سالمية‬ ‫تكم���ن اخلط���ورة يف ه���ذا ال�شق ب����أن ت�ستطي���ع الدول الك�ب�رى حتقيق‬ ‫م�صاحلها من خالله‪ ،‬فالواقع الإ�سالمي واخلليج منوذج عنه‪ ،‬تتجاذبه‬ ‫وتت�ص���ارع داخل���ه تيارات خمتلفة وواقع اخللي���ج العربي يعك�س كل تلك‬ ‫املتناق�ضات املتنوعة املختلفة واملت�ضاربة‪:‬‬ ‫�أ‪ .‬فكري��اً‪ :‬الإ�صالحي�ي�ن‪ ،‬التقليديني‪ ،‬الأ�صوليني‪ ..‬ال���خ‪ .‬فهناك من‬ ‫ينادي بالإ�صالح الكامل والتحرر‪ ،‬وهناك من املفكريني الذين ينظرون‬ ‫للتح���والت مبنظار تقليدي‪ .‬وكذلك الأ�صولي�ي�ن الذين يحاولوا اخلروج‬ ‫ع���ن كل ما هو م�أل���وف و�إن�س���اين �أي التطرف الأعم���ى‪ ،‬وهذا احلراك‬ ‫ال�سيا�س���ي واالجتماعي يلقي بظالله على امكاني���ة الدول وقدرتها على‬ ‫احلف���اظ على كيانها من جه���ة وم�صاحلها من جهة �أخرى‪ ،‬ويف املقابل‬ ‫ي�سم���ح لل���دول الك�ب�رى التدخل حت���ت غط���اء ن�ش���ر الدميقراطية تارة‬ ‫وحقوق الإن�س���ان تارة �أخرى من �أجل حتقيق غايت�ي�ن‪ :‬الأوىل‪ ،‬ال�ضغط‬ ‫على تل���ك الدول لتحقي���ق م�صاحلها حتت �شع���ار اال�ستقرار واحلفاظ‬ ‫على االنظم���ة‪ .‬والثانية‪ ،‬ا�ستغالل هذا احل���راك لبناء منوذج ح�ضاري‬ ‫ثقايف جديد يخدم م�صاحلها وتطالعاتها‪.‬‬ ‫ب‪ .‬مذهبي��اً‪� :‬سني‪� ،‬شيعي‪ ،‬علوي‪ ،‬وهابي‪ ،‬حوث���ي‪� ،‬أ�شوري‪ ،‬ماروين‪،‬‬ ‫قبط���ي‪ ...‬الخ‪ .‬فاخلالف املذهبي يف الع���امل الإ�سالمي دخل يف �أ�صول‬ ‫القناع���ات الدينية بعد خروجه من عب���اءة امل�صالح ال�سيا�سية‪ ،‬وهناك‬ ‫�سع���ي نحو فرز وا�صطف���اف يلعب فية املوروث الطائف���ي دور ًا حيوي ًا يف‬ ‫تثبيت ركائز ما هو قادم والعراق منوذج �صارخ لهذا الواقع‪ .‬فمن نتائج‬ ‫احتالل العراق يف ع���ام ‪� 2003‬أحداث تغيرّ ات ا�سرتاتيجيّة يف املنطقة‪،‬‬ ‫فبع���د �أن كان الواقع قائم ًا على مفهوم م�صالح الدول‪ ،‬الآن هذا الواقع‬ ‫ال�صورة وا�ضحة املعامل فيه‪.‬‬ ‫�أمام نفق مل تعد ّ‬ ‫معطي���ات املنطقة وحتديد ًا منطقة اخللي���ج العربي ت�شري اىل �أننا �أمام‬ ‫نظ���ام جديد وخطري للغاي���ة‪ ،‬ي�شبه واقع ال���دّول الأوروبيّة ما قبل توقيع‬ ‫معاه���دة و�ستفالي���ا ‪ ،1648‬والرّهان على الوقت قد ال ميك���ن �أن ي�ستم ّر‬ ‫طوي�ل�ا يف ظل البيئ���ة اال�سرتاتيجيّة اخلطرة التي تع���اين منها املنطقة‬ ‫يف ظ���ل القوّة امل�سيطرة على هذه البيئة وهي �أمريكا و�إ�سرائيل‪ ،‬و�إيران‬ ‫وح���ركات املقاوم���ة‪ .‬وهذه املعطي���ات ميكن ا�ستغالله���ا والتالعب على‬ ‫تناق�ضاتها من قبل الدول الكربى على �صعيدين‪:‬‬ ‫‪ .1‬داخ���ل كل دول���ة عل���ى ح���دة‪ ،‬كاخلالف���ات املذهبي���ة داخ���ل اليمن‪،‬‬ ‫البحرين‪ ،‬الكويت‪ ،‬ال�سعودية‪� ،‬إيران‪ ،‬العراق‪ ،‬م�صر‪..،‬الخ‪.‬‬ ‫‪ .2‬ب�ي�ن الدول فيم���ا بينها‪ :‬كالعالقات العربي���ة ‪-‬الإيرانية �أو العربية ‪-‬‬ ‫العربية‪ .‬وهذا ما كان عبرّ عنه �أكرث من زعيم عربي حول والء ال�شيعة‬ ‫�أو ح���ول «اله�ل�ال ال�شيعي» �أو ازدياد النفوذ الإي���راين‪ .‬وقد تكون القمة‬ ‫العربية التي انعقدت يف ليبيا العام اجلاري ‪ 2010‬تعبرّ عن هذا الواقع‪،‬‬ ‫وخا�صة فيم���ا يتعلق بايجاد املقاربة اال�سرتاتيجية يف كيفية التعاون مع‬ ‫�إي���ران‪ .‬وه���ذه املعطيات ميك���ن مقاربتها من خالل ط���رح الإ�شكاليات‬ ‫التالي���ة‪ :‬ه���ل ت�ستطي���ع الوالي���ات املتحدة والغ���رب من ا�ستغ�ل�ال هذه‬

‫تناق�ض خطري‪� :‬أ�صبح هناك من يرغب بنقل ال�صراع يف ال�شرق الأو�سط من �صراع عربي ‪� -‬إ�سرائيلي ا�سرتاتيجي‪� ،‬إىل �صراع عربي ‪� -‬إيراين‬

‫املخ���اوف القائمة عل���ى ابعاد مذهبي���ة يف معاجلة ملف �إي���ران النووي‬ ‫م���ن خ�ل�ال دعم‪ ‬م���ا ب���ات ي�سم���ى االنظمة‪ ‬املعتدلة‪ ‬ال�سني���ة لها؟‪ ‬وهل‬ ‫يعقل‪ ‬ان‪ ‬ترتك���ز قاعدة وا�سرتاتيجية الأمن القوم���ي العربي على ابعاد‬ ‫مذهبية وطائفية؟‬ ‫املنطق���ة �أمام تناق�ض خطري ج���داً‪ ،‬عربي ًا �أ�صبح هن���اك‪ ،‬وبلحظة ما‪،‬‬ ‫ال�صراع يف ال�ش���رق الأو�سط من �ص���راع عربي ‪-‬‬ ‫م���ن يرغ���ب �أن ينق���ل ّ‬ ‫�إ�سرائيل���ي ا�سرتاتيجي‪� ،‬إىل �صراع عربي ‪� -‬إيراين ممّ ا يطرح ت�سا�ؤالت‬ ‫�إ�سرتاتيجيّة بامتي���از عن �أولويّات حتديد الأخط���ار وكيفيّة مواجهتها‪.‬‬ ‫ومن امل�ستغرب هذا التحوّل يف النظرة العربيّة للم�صالح الإ�سرتاتيجيّة‬ ‫العربيّ���ة‪ ،‬وم���ا هي منطلق���ات ودوافع تل���ك امل�صالح غري املتف���ق عربي ًا‬ ‫صال م���ن حيث غياب االجم���اع العربي‪ .‬ومن امل�ؤ�س���ف جد ًا �أن‬ ‫عليه���ا �أ� ً‬ ‫تتخ���ذ العالق���ات العربيّ���ة ‪ -‬الإيرانيّة طابع ًا مذهبي���اً‪ ،‬يف حني جند �أنّ‬ ‫ال�ضغوط���ات واملفاو�ضات الدّولية مع �إي���ران وحتديد ًا الواليات املتحدة‬ ‫ّ‬ ‫واالحت���اد الأوروب���ي تخرج عن ه���ذا الإطار املذهب���ي‪ ،‬بينما جندها يف‬ ‫و�ضع خمتلف داخل منطقة اخلليج العربي وال�شرق الأو�سط‪.‬‬ ‫منذ احت�ل�ال العراق الت���وازن اال�سرتاتيجي يف منطق���ة اخلليج مفقود‬ ‫وه���ذا الت���وازن يف الأ�صل‪ ‬حمك���وم بعوام���ل خارجي���ة وداخلي���ة‪ ،‬ولق���د‬ ‫�أ�صبح���ت منطق���ة اخلليج م�ص���در ًا للقل���ق والتوت���ر وتواج���ه م�ستقب ًال‬

‫حمفوف��� ًا باملخاطر ومل���يء بالتوقع���ات‪ ،‬خا�صة يف ظل �أو�ض���اع العراق‬ ‫ال�صعبة‪ .‬كما �أننا �أمام تناق�ض �صعب يف اخلليج‪ ،‬حيث املعادلة ال�صعبة‬ ‫تلع���ب فيه���ا الدول الك�ب�رى دور الالعب الأ�سا�سي ال���ذي يحارب �إيران‬ ‫�سيا�سي��� ًا ويدعمها ا�سرتاتيجي��� ًا يف ذات الوقت‪ .‬والتطورات يف اخلليج‪،‬‬ ‫تلك املنطقة احل�سا�سة �صاحبة اخللل يف موازين القوى‪ ،‬بحاجة لر�صد‬ ‫وبحث ومراقبة ملحاولة ايجاد مقاربة تعيد التوازن الإ�سرتاتيجي املفقود‬ ‫يف منطق���ة حيوية من العامل العرب���ي والإ�سالمي‪ .‬هذه املقاربة ال ميكن‬ ‫�أن يكتب لها النجاح �إال يف حال كانت عملية‪� ‬إعادة التوازن الإ�سرتاتيجي‬ ‫قائمة �أقلّه على �أ�سا�س‪ ‬موازين تبادل امل�صالح ولي�س موازين القوة حتى‬ ‫�إ�شع���ا ٍر �آخر؛ فاحلوار الإيراين ‪ -‬الأمريك���ي والإيراين ‪ -‬الأوروبي حول‬ ‫املل���ف النووي �أو الو�ضع يف العراق قد يك���ون مبثابة �صورة عن م�ستقبل‬ ‫تلك املنطقة؟‬ ‫يبق���ى الت�سا�ؤل مط���روح‪� :‬أين العرب من ه���ذا الواقع؟‪ ‬وعلى �أية قاعدة‬ ‫ميك���ن لنا بناء الأمن القومي‪ :‬القاع���دة املذهبية �أم قاعدة توازن القوة‬ ‫املادي ‪ -‬املفقود حالي ًا ‪� -‬أم قاعدة تبادل امل�صالح؟‬ ‫حتديد تلك القاعدة قد ميكن التما�سه من خالل �إعادة النظر مبوروثنا‬ ‫وواقعنا الثقايف‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪165‬‬


‫مدار الأفكار‬ ‫بو�ضـ ــوح‬ ‫�سجال‬ ‫�آراء‬

‫نبيل البكريي‬

‫جدلية الإ�سالم والدميقراطية‪..‬‬ ‫نبيل البكريي‬

‫‪albukiri@hotmail.com‬‬

‫عل��ى م��دى ن�صف ق��رن �أو �أكرث م��ن الزمن‪ ،‬طر�أ تط��ور فك��ري و�سيا�سي كبري عل��ى خارطة الأف��كار والر�ؤى‬ ‫والت�ص��ورات ل��دى التي��ار الإ�سالم��ي‪ ،‬وه��و م��ا نالحظ��ه جلي�� ًا من خ�لال و�ص��ول البع���ض منهم ع��ن طريق‬ ‫الدميقراطي��ة واالنتخاب��ات �إىل �س��دة احلك��م وال�سلطة كما هو احل��ال يف فل�سطني وتركي��ا‪ .‬لكن مثل هذه‬ ‫النتيج��ة مل ت��� ِأت �إال بع��د �شوط طويل من اجلدل املحتدم على مدى ثلثي الق��رن املا�ضي وحتى اليوم حول‬ ‫الدميقراطية والإ�سالم؛ حدود االلتقاء ونقاط االختالف‪.‬‬ ‫‪166‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫نبيل البكريي باحث يف احلركات الإ�سالمية‪ ,‬اليمن‪.‬‬

‫هل جتاوزها الإ�سالميون؟‬ ‫�شهد الن�صف الثاين من القرن املا�ضي جد ًال فكريا حمتدم ًا يف �أو�ساط‬ ‫النخ���ب العربي���ة والإ�سالمية‪ ،‬م���ن �إ�سالمي�ي�ن وعلماني�ي�ن وليرباليني‬ ‫وي�ساريني وغريهم‪ ،‬حول �إ�شكالية العالقة بني الإ�سالم والدميقراطية‪،‬‬ ‫لك���ن النقا�ش الأهم تركز ب�شكل �أكرب يف �أو�ساط النخب الإ�سالمية قبل‬ ‫تبلور ه���ذا امل�صطلح وحتوله �إىل م�صطلح الإ�سالميني تالياً‪� ،‬إذ ت�صدّر‬ ‫ه���ذا النقا�ش عدد من كبار الأدباء والكتاب م���ن �أمثال املفكر امل�صري‬ ‫الراحل عبا����س حممود العق���اد يف كتابه «الدميقراطي���ة يف الإ�سالم»‪،‬‬ ‫وت�ل�اه كتاب للكاتب واملفك���ر امل�صري املثري للج���دل خالد حممد خالد‬

‫«الدميقراطية �أبداً» الذي �أ�صدر �أول طبعة منه عام ‪ 1953‬وما تاله بعد‬ ‫ذلك من كُتب تركزت جلها يف هذا املنحى‪.‬‬ ‫وقد تباينت وجهات النظر حول الدميقراطية والإ�سالم بني �أربعة تيارات‬ ‫�أو مدار�س فكرية‪ ،‬بح�سب الباحث زكي �أحمد يف كتابه «الدميقراطيات‬ ‫يف اخلط���اب الإ�سالمي احلديث واملعا�صر»‪ ،‬الذي حاول فيه �سرب �أغوار‬ ‫املوق���ف العام لنخب امل�شهد الفكري العربي م���ن الدميقراطية‪ ،‬والذي‬ ‫تو�ص���ل ب���ه �إىل تباين ه���ذا امل�شهد �إىل �أربع���ة تيارات رئي�سي���ة‪ :‬فالتيار‬ ‫الأول‪ ،‬وه���و الذي حاول �أن يُظه���ر �أن يف الإ�سالم ما يقابل دميقراطية‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪167‬‬


‫مدار الأفكار‬

‫�آراء‬

‫الغرب‪ ،‬حيث ي�أتي كتاب املفكر عبا�س حممود العقاد «الدميقراطية يف‬ ‫الإ�س�ل�ام» يف طليعة هذه النخبة �إذ جاء �صدور كتاب املفكر الإ�سالمي‬ ‫اجلزائري مالك بن نبي «حول الدميقراطية يف الإ�سالم» يف هذا االجتاه‬ ‫حي���ث �أكد فيه على ال�شورى ودالالته���ا ال�سيا�سية كبديل فكري وفل�سفي‬ ‫ملفه���وم الدميقراطية الغربية‪� .‬أما التيار الثاين فقد متثل بتلك املدر�سة‬ ‫الت���ي حاولت �أن تظهر نظرية ال�شورى يف الإ�سالم مقابل الدميقراطية‬ ‫يف الغ���رب‪ ،‬و�أبرزه���ا حماول���ة ح�س���ن الرتاب���ي يف كتاب���ه «نظ���رات يف‬ ‫الفق���ه ال�سيا�سي»‪ ،‬وكتاب عبد احلمي���د الأن�صاري «ال�شورى و�أثرها يف‬ ‫الدميقراطي���ة»‪ .‬ويف هذي���ن الكتابني قدم �صاحباهم���ا مقاربات فكرية‬ ‫ح���اوال من خالله���ا �أن يثبتا �أن ال�ش���ورى الإ�سالمية ه���ي الدميقراطية‬ ‫الغربي���ة �أو �أن الدميقراطية الغربية هي ال�شورى الإ�سالمية بعينها‪ ،‬مع‬ ‫بع����ض االختالفات ال�شكلية الب�سيطة‪ .‬ولعل �أبرز من ميثل هذه املدر�سة‬ ‫هم تيار الإخوان امل�سلمون بكل تفرعاته ومدار�سه يف العامل الإ�سالمي‪،‬‬ ‫كالعدال���ة والتنمية يف تركي���ا‪ ،‬واحلزب الإ�سالم���ي يف ماليزيا‪ ،‬وحزب‬ ‫الرئي����س واملفكر الإ�سالم���ي البو�سن���ي الراحل علي ع���زت بيجوفي�ش‪،‬‬ ‫م�ؤ�س�س حزب العمل الدميقراطي‪.‬‬ ‫�أم���ا التي���ار �أو املدر�س���ة الثالثة‪ ،‬فقد حاول���ت الت�شكي���ك بالهجوم على‬ ‫دميقراطي���ة الغ���رب‪ ،‬و�أبرزه���ا حماول���ة خال���د حممد خال���د يف كتابه‬ ‫«الدميقراطي���ة‪� ..‬أب���د ًا « والذي حت���دث فيه عن كون الإ�س�ل�ام هو �أول‬ ‫دميقراطي���ة يف تاري���خ الب�شري���ة‪ ،‬وكتاب حممد قط���ب «مذاهب فكرية‬ ‫معا�ص���رة»‪ ،‬و�إن كان يف ه���ذا الأخ�ي�ر متيي���ز وا�ضح ب�ي�ن الدميقراطية‬ ‫كمنظومة فكرية متكاملة واالنتخابات ك�آلية �إجرائية‪ ،‬حاول من خالله‬ ‫الأ�ست���اذ حمم���د قط���ب الأخ الأك�ب�ر للمفك���ر الإ�سالمي اجل���ديل �سيد‬ ‫قطب‪� ،‬أن ي�ضع مقارب���ة فكرية بُني عليها الكثري من الفتاوى ال�سيا�سية‬ ‫لأبرز رموز ال�سلفي���ة الوهابية كال�شيخ عبد العزيز بن باز وبن عثيمني‪،‬‬ ‫اللذي���ن �أفتيا بجواز خو�ض االنتخابات �شريطة التفريق بني االنتخابات‬ ‫والدميقراطي���ة من خ�ل�ال قبول الأوىل‬ ‫ونبذ الثانية‪.‬‬ ‫�أما التي���ار الرابع فه���و املتمثل بتلك هن��اك بع���ض الإ�سالمي�ين‬ ‫املدر�سة الت���ي رف�ضت الدميقراطية يرى �أن الإ�سالم له ت�صوره‬ ‫واعتربته���ا فك���رة ال مت���ت للإ�سالم اخلا�ص للحريات‪ .‬و�أن هذا‬ ‫ب�صلة‪ ،‬و�أبرزها كتاب املفكر ال�شيعي الت�ص��ور �أرق��ى م��ن الت�صور‬ ‫كاظم احلائ���ري «�أ�سا����س احلكومة الدميقراطي‪ ،‬بحيث ي�صري‬ ‫الإ�سالمي���ة»‪ ،‬وكتاب���ات «ح���زب م��ن قبي��ل ظل��م ال�شريع��ة‬ ‫التحري���ر الإ�سالم���ي» ال���ذي �أ�س�سه و�إحب��اط متيزه��ا �أن نقول‬ ‫القا�ض���ي الفل�سطين���ي تق���ي الدي���ن ب�أن الإ�سالم دميقراطي‪� ،‬إال‬ ‫النبهاين ع���ام ‪ ،1953‬وه���ذه الر�ؤية �أن هذا الفريق ال يذهب يف‬ ‫هي م���ا تتبناه م���ا ُيع���رف بال�سلفية القول �إىل تعار�ض الإ�سالم‬ ‫اجلهادي���ة املعروفة اليوم بالقاعدة‪ ،‬مع الدميقراطية‬ ‫ضال عن ف�صيل ما يُعرف بال�سلفية‬ ‫ف� ً‬ ‫‪168‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫اجلامي���ة‪ ،‬ن�سبة لل�شيخ حممد �أمان اجلامي‪ ،‬تلك الن�سخة ال�سلفية التي‬ ‫تُقد����س النخب احلاكمة‪ ،‬وميثله���ا اليوم يف اليمن تي���ار ال�شيخ الراحل‬ ‫مقبل الوادعي وتالمذته‪ ،‬كمحمد الإمام واحلجوري ويف ال�سعودية ربيع‬ ‫املدخلي وفالح احلربي وغريهما‪.‬‬

‫ر�ؤية جامدة‪ ..‬ولكن‬ ‫وعلى الرغم من هذا التباين‬ ‫واجلدل املحتدم بني نخب امل�شهد الإ�سالمي وقف العلمانيون‪ ،‬مفكرون‬ ‫ومثقف���ون‪ ،‬عند جدلي���ة �أن الإ�سالم والدميقراطية �ض���دان ال يلتقيان‪،‬‬ ‫والعجي���ب يف الأم���ر �أن ه���ذا الر�أي من قب���ل العلمانيني يحظ���ى بت�أييد‬ ‫�شريح���ة كبرية م���ن الإ�سالميني املت�شددين الذين ي���رون الدميقراطية‬ ‫كف���رًا؛ لأنه���ا جتع���ل احلاكمي���ة لل�شعب‪ ،‬يف ح�ي�ن ينبغ���ي �أن تكون هذه‬ ‫احلاكمية هلل‪.‬‬ ‫وتب���ع هذي���ن الطرف�ي�ن العلم���اين وال�سلف���ي يف ر�ؤيته���م ب����أن الإ�سالم‬ ‫والدميقراطي���ة �ض���دان ال يلتقي���ان‪ ،‬ط���رف �آخ���ر ه���و ق�س���م كبري من‬ ‫م�ست�شرق���ي الغ���رب ومراكز الدرا�س���ات والأبحاث في���ه التي تنطلق يف‬ ‫معظم �أحكامها من توجهات غري معرفية بل �سيا�سية بحتة‪.‬‬ ‫ورغم ذلك فق���د ظهرت توجهات غربية معرفي���ة مو�ضوعية ومن�صفة‬ ‫يف تناولته���ا لق�ضية الدميقراطية والإ�س�ل�ام كالباحثني جون ا�سبوزيتو‬ ‫وزميله جيم�س �سكاتوري‪ ،‬اللذان �أعدا بحث ًا مهم ًا ن�شر لهما حتت عنوان‬ ‫«الإ�س�ل�ام والدميقراطي���ة»‪� .‬إذ ذك���را يف البحث �أن بع����ض اجلماعات‬ ‫الإ�سالمي���ة �شجبت الأ�سلوب الغرب���ي للدميقراطية ونظام احلكم الذي‬ ‫�أدخله الربيطانيون يف بلدانهم‪ ،‬وكان رد فعلهم ال�سلبي هو ‪ -‬يف حقيقة‬ ‫الأم���ر ‪ -‬تعبري ًا عن رف�ض ع���ام للنفوذ اال�ستعم���اري الأوروبي‪ ،‬ودفاع ًا‬ ‫عن الإ�سالم �ضد زيادة االعتماد على الغرب‪ ،‬ب�أكرث منه رف�ض ًا �إجمالي ًا‬ ‫للدميقراطية‪.‬‬ ‫وهذه ر�ؤية تقرتب كثري ًا من حقيقة اجلدلية القائمة يف �أو�ساط النخب‬ ‫الفكري���ة واملثقفة يف ال�ساحة ح���ول عالقة الإ�س�ل�ام بالدميقراطية‪،‬‬ ‫وح���دود االلتق���اء واالخت�ل�اف معه���ا‪ ،‬و�أن مظاه���ر ع���دم القابلي���ة‬ ‫للدميقراطية يف الع���امل العربي والإ�سالمي ال تعود ب�شكل رئي�سي �إىل‬ ‫م���ا يُقال عن �أن «الإ�سالم خما�ص ٌم للدميقراطية وحمقر لها» بح�سب‬ ‫الكاتب الأمريكي عمو�س برملوتر‪ ،‬بقدر مرد ذلك �إىل تراكمات العداء‬ ‫التاريخ���ي بني الغ���رب والعامل الإ�سالمي‪ ،‬وهو م���ا انعك�س رف�ض ًا لكل‬ ‫قادم من الغرب من الأفكار واملفاهيم‪.‬‬ ‫�أي��ن تكم��ن امل�شكل��ة؟‬ ‫�صحي���ح �أن هن���اك بع�ض‬ ‫الإ�سالمي�ي�ن يرى �أن الإ�سالم له ت�ص���وره اخلا�ص للحريات‪ .‬و�أن هذا‬ ‫الت�ص���ور �أرقى من الت�صور الدميقراطي‪ ،‬بحيث ي�صري من قبيل ظلم‬ ‫ال�شريعة و�إحباط متيزها �أن نقول ب�أن الإ�سالم دميقراطي‪� ،‬إال �أن هذا‬ ‫الفريق ال يذهب يف القول �إىل تعار�ض الإ�سالم مع الدميقراطية‪.‬‬

‫�أو�ض���ح مث���ال على ذل���ك‪ ،‬ه���و القيادي‬ ‫امل�ص���ري يف التي���ار ال�سلف���ي ال�سروري‬ ‫جم���ال �سلط���ان‪ ،‬وكي���ل م�ؤ�س�سي حزب‬ ‫الإ�صالح امل�ص���ري (حت���ت الت�أ�سي�س)‬ ‫ونا�ش���ر جمل���ة «املن���ار اجلدي���د»‪ ،‬الذي‬ ‫كان من �أكرث الكتاب نقدا للدميقراطية‬ ‫وخا�ص���ة يف رده ال�شه�ي�ر عل���ى فت���وى‬ ‫ال�شي���خ يو�س���ف القر�ض���اوي القائل���ة‬ ‫بالدميقراطي���ةن وال���ذي ن�ش���ره عل���ى‬ ‫�صفح���ات جمل���ة «البي���ان» اللندني���ة‬ ‫ع���ام ‪ 1992‬حت���ت عن���وان «ح���وار يف‬ ‫الدميقراطي���ة»‪ ،‬وال���ذي قال في���ه‪�« :‬إن‬ ‫الدميقراطي���ة والثيوقراطي���ة كالهم���ا‬ ‫م�صطل���ح �أوروب���ي الن�ش����أة والتكوي���ن‬ ‫والتاري���خ والدالل���ة‪ ،‬وال يعنين���ا �أمرهم���ا‬

‫وتكمن الإ�شكالية يف نظر امل�سلمني عموماً‪ ،‬والإ�سالميني خ�صو�صاً‪،‬‬ ‫فيم���ا الحظ���ه الأكادمي���ي الفل�سطيني عب���د ال�ستار قا�س���م من �أن رغ��م جت��اوز الإ�سالميني‬ ‫«�شريحة منه���م ترى �أن الإ�سالم و�سّ ع نط���اق احلقوق واحلريات‪ ،‬اليوم للكثري من العقبات‬ ‫لكن���ه جع���ل احلري���ة م�سئول���ة ومرتبط���ة بح���دود اهلل و�شرعت���ه‪،‬‬ ‫وف�صي���ل �آخ���ر من الإ�سالميني ق���ال‪� :‬إنه ال قيد البت���ة يف الإ�سالم يف ط����ري����ق ال���ق���ب���ول‬ ‫عل���ى احلري���ات؛ لأن كل �إن�س���ان مطالب بعر����ض حججه‪ ،‬وتقدمي بالدميقراطية‪� ،‬إال �أن‬ ‫بينات���ه‪ ،‬وعل���ى كل مكلف �أن يختار‪ ،‬حي���ث ال �إجبار على عقيدة يف ذلك ال يعني بال�ضرورة‬ ‫�أن االن��ق�����س��ام الكبري‬ ‫الإ�سالم»‪.‬‬ ‫و قري���ب من هذه الر�ؤية حول عالقة الإ�سالم بالدميقراطية‪ ،‬جاء م���ن ق��ب��ل الإ���س�لام��ي�ين‬ ‫ر�أي ال�شيخ حممد الغ���زايل يف كتابه «د�ستور الوحدة الثقافية بني ح���ول ع�لاق��ة الإ���س�لام‬ ‫امل�سلم�ي�ن»‪� ،‬إذ �أ�ش���ار �إىل �أن «الدميقراطية لي�س���ت دين ًا يو�ضع يف بالدميقراطية مل يُح�سَ م‬ ‫�صف الإ�س�ل�ام‪ ،‬و�إمنا هي تنظيم للعالقة ب�ي�ن احلاكم واملحكوم‪ ،‬ب�شكل تام حتى اللحظة‬ ‫ننظ���ر �إليه لنطالع كيف توفرت الكرامة الفردية للم�ؤيد واملعار�ض‬ ‫عل���ى ال�سواء‪ ،‬وكيف �شي���دت �أ�سوار قانونية ملنع الف���رد �أن يطغى‪،‬‬ ‫ولت�شجي���ع املخال���ف �أن يقول مبلء فم���ه‪ :‬ال‪� .‬إن اال�ستب���داد كان الغول‬ ‫ال���ذي �أكل دينن���ا ودنيانا‪ ،‬فهل يحرم على نا�ش���دي اخلري للم�سلمني �أن كم�سلمني»‪.‬‬ ‫يقتب�س���وا بع�ض الإجراءات التي فعلته���ا الأمم الأخرى ملّا بليت مبثل ما ورغم هذا فقد حتولت نظرة جمال �سلطان للدميقراطية بعد ذلك كغريه‬ ‫م���ن الإ�سالميني من مدر�سة الإخوان‪ ،‬مرور ًا بعبد الرحمن عبد اخلالق‬ ‫ابتلينا به»‪.‬‬ ‫�أم���ا مُكفّري الدميقراطية كال�شيخ حممد �سرور زين العابدين بن نايف �صاح���ب مدر�سة ال�سلفي���ة ال�سيا�سي���ة �أو العلمية كما ت�سم���ى يف �أو�ساط‬ ‫م�ؤ�س�س التيار ال�سروري‪ ،‬وعلي باحل���اج نائب رئي�س اجلبهة الإ�سالمية ال�سلفي�ي�ن‪ ،‬هذا ع���دا عن ال�شوط الكب�ي�ر الذي كان قد قطع���ه الإخوان‬ ‫للإنق���اذ اجلزائرية املحظ���ورة وغريهم‪ ،‬فرغم تكفريه���م وت�سفيههم يف ه���ذا ال�سي���اق‪ .‬ومن هن���ا ن�ستطيع الق���ول �إن جزء ًا كبري ًا م���ن التيار‬ ‫للدميقراطي���ة ف����إن بع�ضه���م اليوم‪ ،‬كال�شي���خ �سرور‪ ،‬يدع���و �أتباعه �إىل الإ�سالم���ي جتاوز كثري ًا م�شكل���ة النظرة ال�ضيق���ة للدميقراطية كالتيار‬ ‫القب���ول بالدميقراطي���ة ولكن باعتبارها – �ش���ر ًا ال بد منه – ومار�سها الإخ���واين مبدار�س���ه املختلفة‪ ،‬لكن الإ�شكالية الت���ي ما زالت حتوم حول‬ ‫بع�ضه���م ب���ل خا�ض���وا جتربته���ا كال�شي���خ علي بلح���اج ال���ذي تر�شح يف قب���ول الإ�سالميني للدميقراطية تكمن يف م�س�أل���ة الدولة املدنية وحدود‬ ‫انتخاب���ات اجلزائر ال�شه�ي�رة عام ‪ ،1992‬والتي �ألغي���ت حينها الكت�ساح تطبيقاته���ا املطلقة‪ ،‬كمفه���وم عام للحرية الليربالي���ة واحلرية املحددة‬ ‫الإ�سالمي�ي�ن لها‪ ،‬حي���ث خا�ضها ال�شي���خ مع ما كان يكتب���ه من مقاالت الت���ي تقيده���ا ثوابت الدين بال�ض���رورة يف الإ�سالم‪ ،‬ه���ذا عدا عما بات‬ ‫حينها حتت عنوان «الأدلة اجللي���ة يف كفر امللة الدميقراطية»‪ ،‬و�أعتقد يُطل���ق عليها يف الكتاب���ات الغربية عن احل���ركات الإ�سالمية بـ «املناطق‬ ‫�أن هذا اتخذ مبثابة مربر للإيعاز الغربي ب�إيقاف م�سرية الدميقراطية الرمادية» من قبيل حق���وق املر�أة وغري امل�سلم يف تويل املنا�صب الكربى‬ ‫اجلزائرية حينها‪ ،‬وال���ذي �أ�صبح هاج�س ًا م�سيطر ًا على املخيال الأمني يف الدولة امل�سلمة �أو ما ت�سمى فقهي ًا بالواليات العامة‪ ،‬مع �أن هذه الر�ؤى‬ ‫الغرب���ي يف تعامل���ه مع احلركات الإ�سالمية حت���ى اليوم‪ ،‬كما هو احلال تنطلق يف املخيال الغربي من ت�صور و�سياق ثقايف مغاير لي�س بال�ضرورة‬ ‫�أن يوجد ما مياثله يف النطاق الثقايف واالجتماعي يف املجتمع امل�سلم‪.‬‬ ‫بالن�سبة حلركة حما�س الفل�سطينية وغريها من احلركات الإ�سالمية‪.‬‬ ‫ليبق���ى مع ذلك مفهوم الدميقراطية لدى الإ�سالميني مقبو ًال يف حدوده‬ ‫الإجرائي���ة العامة التي ال ت�صادم معلوم ًا من الدين بال�ضرورة‪ ،‬وال تعني‬ ‫جت��اوز‪ ..‬ولك��ن‬ ‫ورغ���م جت���اوز الإ�سالمي�ي�ن الي���وم‬ ‫بال�ضرورة �أي�ض��� ًا �أن الدميقراطية ال ميكن الو�صول �إليها �إال من املدخل‬ ‫للكث�ي�ر م���ن العقب���ات يف طريق القب���ول بالدميقراطي���ة‪� ،‬إال �أن ذلك ال‬ ‫ك�شرط �أ�سا�سيٍ ‪ ،‬خا�صة يف �ضوء جتارب دميقراطية رائدة يف‬ ‫ٍ‬ ‫العلماين‪،‬‬ ‫يعن���ي بال�ضرورة �أن االنق�سام الكبري من قب���ل الإ�سالميني حول عالقة‬ ‫املنطقة ‪ -‬با�ستثناء الدميقراطية الرتكية بن�سختها الأردوغانية الأخرية‬ ‫الإ�س�ل�ام بالدميقراطي���ة مل يُح�سَ ���م ب�شكل ت���ام حتى اللحظ���ة‪ ،‬مع �أن‬ ‫ والدميقراطي���ة الإ�سرائيلية والإيرانية‪ ،‬الت���ي تعاي�ش فيها الديني مع‬‫الغالبية العظمى هم الي���وم من امل�سلمني بالدميقراطية بل والنا�شطني‬ ‫الدني���وي جنب ًا �إىل جن���ب دون �أن يُقال �أن غي���اب �أحدهما �شرطٌ لبقاء‬ ‫يف الدع���وة �إليها بعد �أن �سطّ روا كتب ًا ومقاالت يف نقدها والتحذير منها‬ ‫الآخر‪ ،‬وه���و نف�سه املتعارف عليه يف �أغلب �صي���غ الدميقراطية الغربية‬ ‫والرد على القائلني بها‪.‬‬ ‫كالربيطانية والأمريكية‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪169‬‬


‫الفهر�ست‬ ‫مراجعات للكتب وعرو�ض موجزة‬

‫ي�صدر قريب َا‬

‫اخل�صائ�ص الدميغرافية لل�سكان فـي اجلمهورية اليمنية‬

‫�أمني حممد حمي الدين‬

‫�أحمد نعمان الربكاين‬

‫�أمريكا والطريق‬ ‫�إىل«الدميقراطية‬ ‫الإ�سالمية»‬ ‫نوح فِ لدمان‪ /‬م‪� .‬س‪ .‬ح‬

‫رفـ ـ ــد ال�سيا�سـ ـ ــة باملعرفـ ــة‬

‫‪Relating Policy to Knowledge‬‬ ‫‪170‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫بالإ�ضافة �إىل‬ ‫عرو�ض موجزة‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪171‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫طريق �أمريكا �إىل‬ ‫«الدميقراطية الإ�سالمية»‬ ‫بالن�سبة لإدارة الرئي�س الأمريكي باراك �أوباما‪ ،‬والتي �أبدت حر�صها ‪ -‬كما �أعلنت يف �أكرث من منا�سبة ‪ -‬على التعامل مع العامل‬ ‫الإ�سالمي ب�صورة خمتلفة �أ�سا�سها «االحرتام املتبادل وامل�صالح امل�شرتكة»‪ ،‬قد ُي�ش ِّكل كتاب نوح ِفلدمان «ما بعد اجلهاد‪� :‬أمريكا‬ ‫والن�ض���ال من �أج���ل الدميقراطية الإ�سالمية»‪ ،‬بطروحاته املغاي���رة و�أفكاره العملية‪� ،‬إطار ًا مهم ًا للفه���م وتوليد املبادرات ودافع ًا‬ ‫للحرك���ة ب�شكل �أكرث �إيجابي���ة ُيف�ضي �إىل جتاوز القوالب النمطية اجلاهزة التي حددت ‪ -‬لف�ت�رة طويلة‪ ،‬ال�سيما عقب اعتداءات‬ ‫احلادي ع�شر من �أيلول‪� /‬سبتمرب ‪� - 2001‬شكل وم�سار توجهات ال�سيا�سة اخلارجية الأمريكية �إزاء العامل الإ�سالمي‪.‬‬ ‫�ص���درت �أوىل طبع���ات كتاب «ما بعد اجلهاد» ربيع العام ‪ ،2003‬يف ظل حملة �أمريكية حممومة كان العراق هدفها املركزي‪ ،‬وكان‬ ‫ال�س����ؤال املط���روح �أمام الكثريين وقتذاك‪« :‬هل ميكن �أن حت���ل الدميقراطية يف دولة يلعب فيها الإ�س�ل�ام دور ًا فاع ًال؟»‪ ،‬غري �أن‬ ‫�أمريكا املهوو�سة ‪ -‬كما «حمافظيها اجلدد» – بالعراق مل تكن حتى ذلك احلني قد �شغلت نف�سها بالإجابة عنه‪ .‬لكن نوح ِفلدمان‬ ‫فعل‪ ،‬وجاء كتابه هذا نتيجة مبا�شرة لهذا االن�شغال الفكري العميق حول «الدميقراطية الإ�سالمية»‪ .‬وبح�سب ِفلدمان ف�إن املق�صود‬ ‫بالدميقراطية الإ�سالمية «املزاوجة بني القيم الإ�سالمية كما ينظر �إليها امل�سلمون‪ ،‬والقيم املعرتف ب�أنها دميقراطية»‪.‬‬ ‫ون���وح فِلدمان‪ ،‬ملن ال يعرفه‪ ،‬هو �أ�ستاذ القانون الد�ستوري بكلية القانون‬ ‫بجامع���ة نيويورك‪ .‬وقد ح�صل على درجة الدكتوراه يف الفكر الإ�سالمي‬ ‫من جامع���ة �أك�سفورد الربيطاني���ة‪ .‬وعقب الغزو الأمريك���ي للعراق وقع‬ ‫االختيار عليه �ضمن جمموعة من القانونيني ل�صياغة الد�ستور اجلديد‬ ‫له���ذا البل���د‪ .‬وم���ا ميي���ز فِلدمان �أنه ن����أى – وين����أى ‪ -‬بنف�س���ه عن تيار‬ ‫“املحافظني اجلدد” الذي اتخذ ‪ -‬وال يزال رغم انكفاءه الن�سبي م�ؤخر ًا‬ ‫ موقف��� ًا مت�صلب ًا من الإ�سالم‪ ،‬وتراه فئ���ة منهم على �أنه العدو اجلديد‬‫ال���ذي حل حمل ال�شيوعية‪ ،‬والبد م���ن اال�شتباك معه حتى يكون م�صريه‬ ‫هو م�صري ال�شيوعية (!)‪ .‬وهو يعتقد ب�صورة حا�سمة �أن الطريق الوحيد‬ ‫�أمام �أمريكا ك���ي تتمكن من ك�سب الأ�صدقاء يف العامل الإ�سالمي يتمثل‬ ‫يف �إثباته���ا ‪ -‬وعلى نحو قاطع ‪� -‬أنه���ا تريد م�ساعدتهم لتحقيق ما تنعم‬ ‫ب���ه من حرية ورخاء ونظام حكم يتيح لل�شع���ب امل�شاركة فيه‪ ،‬و�أنها متى‬ ‫متكنت من ذلك ف�إن املت�شككني �سيبد�أون �ساعتها ‪ -‬و�ساعتها فقط ‪ -‬يف‬ ‫تغيري نظرتهم لأمريكا‪ ،‬والتعامل معها ب�شكل خمتلف‪ ،‬بنّاء و�إيجابي‪.‬‬ ‫‪172‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫يت�أ�س�س كتاب “ما بعد اجلهاد” على فكرة حمورية مفادها �أننا جتاوزنا‬ ‫مرحلة اجلهاد‪ ،‬مبعنى تعبئة الإ�سالم الراديكايل يف حرب حتى النهاية‬ ‫م���ع الواليات املتح���دة زعيمة الع���امل الغرب���ي‪� ،‬إذ �أن الإ�سالم املتطرف‬ ‫كم���ا يق���ول فِلدمان يف �أف���ول �سريع‪ ،‬وق���د �أجهد نف�سه وفق���د قوة الدفع‬ ‫ال ب�سب���ب املوقف الأمريكي من���ه‪ ،‬بل لأن جماهري امل�سلم�ي�ن على ات�ساع‬ ‫العامل الإ�سالمي وتنوع���ه ترف�ض هذا النهج‪ .‬وال يعنى ذلك �أننا ب�صدد‬ ‫انته���اء الأعمال الإرهابية‪ ،‬ف�سوف ت�ستمر هذه الأعمال على نحو متفرق‬ ‫ولكنه���ا �ستك���ون �أعما ًال يائ�سة حمبطة‪ .‬حتى هج���وم ‪� 11‬أيلول‪� /‬سبتمرب‬ ‫ي���راه فِلدمان على �أنه ح�شرجة يائ�س���ة لتيار مهزوم‪ .‬لقد وهن احلما�س‬ ‫للجهاد الثوري‪ .‬و�أينما توجهت �أب�صارنا‪ ،‬ال نرى �إال هزائم لهذه القيادة‬ ‫يف �أفغان�ستان وال�سودان و�إيران‪ ..‬لقد فقد اجلهاد الثوري بريقه‪.‬‬ ‫�إن لُبّ ما يذهب �إليه فِلدمان‪ ،‬هو العك�س متام ًا مما ذهب �إليه فران�سي�س‬ ‫فوكويام���ا يف كتابه “نهاي���ة التاريخ وخامت الب�ش���ر”‪ ،‬والراحل �صامويل‬ ‫هنتنجتون يف كتاب���ه “�صدام احل�ضارات و�إعادة بناء النظام العاملي”‪،‬‬

‫نوح ِفلدمان‬ ‫وحت���ى ما يذهب �إليه م�ست�شرق ذائع ال�صيت كربنارد لوي�س يف �أكرث من‬ ‫عم���ل له‪� ،‬إذ ي�ؤمن فِلدمان �أنه لي�س هناك تعار�ض جوهري بني الإ�سالم‬ ‫والدميقراطي���ة‪ ،‬و�أن الوق���ت الراهن هو وقت واع���د لإحداث تزاوج بني‬ ‫الإ�سالم والدميقراطية‪ .‬فكالهما يت�ضمنان �أفكار ًا مرنة قابلة لالنت�شار‪،‬‬ ‫كم���ا �أن الإ�سالم لي�س بدعة بني الأديان ال�سماوية؛ فكني�سة اجنلرتا هي‬ ‫الكني�سة الر�سمية‪ ،‬واملحكم���ة العليا يف �أمريكا ت�ستبعد امللحدين عندما‬ ‫ن�صت منذ زمن غري بعيد على �أننا �شعب متدين تعرتف م�ؤ�س�ساته بوجود‬ ‫ّ‬ ‫ُعرّف نف�سها ب�أنها “دولة يهودية دميقراطية”‪ .‬وجميع‬ ‫اهلل‪ ،‬و�إ�سرائي���ل ت ِ‬ ‫امل�سلم�ي�ن مت�ساوون �أمام اهلل‪ ،‬مثلم���ا تدعو الدميقراطية للم�ساواة‪ ،‬كما‬ ‫�أن الإ�س�ل�ام منفتح على خمتل���ف الثقافات‪ ،‬بدلي���ل �أن هناك �أمم ًا من‬ ‫�ش���رق الأر�ض وغربها دخلت الإ�س�ل�ام واحتفظت يف نف�س الوقت بلغتها‬ ‫ونظم حكمها‪.‬‬ ‫ويرى فِلدمان �أن العدالة والأخالق والأمل وااللتزام يف الإ�سالم مفاهي ٌم‬ ‫تت�س���م بالعمق‪ ،‬وت�ش���كل يف الوقت ذاته قوة هائلة ميك���ن �أن ترثى العمل‬ ‫ال�سيا�س���ي واالجتماع���ي‪ .‬وامل�ؤك���د �أن قوة الإ�سالم يف حي���اة امل�سلمني ال‬ ‫تتعار����ض مع اجتاه مئ���ات املاليني م���ن امل�سلمني الذي���ن ي�ؤمنون بحكم‬ ‫�أنف�سه���م ب�أنف�سه���م‪ .‬وله���ذا ت�شه���د احلقب���ة احلالي���ة‪،‬‬ ‫حقب���ة ما بع���د اجلهاد‪ ،‬ت�شهد تكثيفً���ا يف منو احلركات‬ ‫بيانات الكتاب‬ ‫ال�شعبية الإ�سالمية الت���ي ت�ؤمن بنوع من الدميقراطية‪ ،‬ما بعد اجلهاد‪:‬‬ ‫وهى دميقراطية تتط���ور با�ستمرار وتن�شد �سيا�سة حكم �أمريكا والن�ضال من‬ ‫�أجل الدميقراطية‬ ‫ر�شيدة‪.‬‬ ‫الإ�سالمية‬ ‫ويف ال�سي���اق ذاته‪ ،‬يج���ادل فِلدمان ب����أن مفهوم اجلهاد نوح فِلدمان‬ ‫الأك�ب�ر‪ ،‬جه���اد النف����س‪ ،‬ال���ذي ين�س���ب �إىل الر�سول هو ترجمة‪ :‬عبدالرحمن‬ ‫يف �أدق معاني���ه جهاد من �أجل العدال���ة‪ .‬كما �أن ت�صارع عبداهلل ال�شيخ‬ ‫الأف���كار ال ينبغ���ي �أن يف�ضي بال�ض���رورة �إىل �صراع‪� .‬إن دار املريخ للن�شر‪،‬‬ ‫اخلط���اب الإ�سالم���ي‪ ،‬يف جوه���ره‪ ،‬هو خط���اب العدالة القاهرة‬ ‫‪2004‬‬ ‫و�سيادة القان���ون وال�شورى وامل�سئولية‪ .‬ويرى �أن املع�ضلة ‪� 432‬صفحة‪.‬‬ ‫الأ�سا�سي���ة للدميقراطي���ة يف الع���امل الإ�سالم���ي لي�ست‬

‫العقيدة الإ�سالمية ولكنها يف نظم احلكم الديكتاتورية والأوتوقراطية‪،‬‬ ‫واالنف�ص���ام بني هذه النظم و�شعوبها‪� .‬إنها نظم ت�ستميت يف الدفاع عن‬ ‫ضال عن ذلك يعرتف‬ ‫�أماكنها املغت�صبة يف احلكم واالقت�صاد والأمن‪ .‬ف� ً‬ ‫فِلدم���ان بالتن���وع ال�شديد بني الب�ل�اد الإ�سالمي���ة فيما يتعل���ق بالتقدم‬ ‫نح���و الدميقراطية والظ���روف االقت�صادية واالجتماعي���ة‪ ،‬ولكن النظم‬ ‫الديكتاتورية تقف ب�شرا�سة �ضد الدميقراطية احلقيقية‪.‬‬ ‫وهن���اك عقب���ة �أخ���رى ك�أداء �أم���ام الدميقراطي���ة تتمث���ل يف تف�ضي���ل‬ ‫الواليات املتح���دة للنظم الأوتوقراطية‪ ،‬و�إن كانت هذه ال�سيا�سة تخ�ضع‬ ‫ملراجع���ة وا�ضحة الآن‪ .‬لقد قدمت هذه النظم نف�سها على �أنها احلامية‬ ‫لال�ستق���رار الذي يخ���دم امل�صالح الأمريكية �ضد اخلط���ر الذي ي�شكله‬ ‫الإ�سالمي���ون‪ .‬يف الوقت نف�سه �أخلت ه���ذه النظم ال�ساحة ال�سيا�سية من‬ ‫�أي ق���وى �سيا�سية فاعل���ة‪ ،‬حتى تبدو للأمريكيني ب�أنه���ا البديل الوحيد‪.‬‬ ‫ويكرر الكاتب هذه النغمة من �أول الكتاب لآخره‪ ،‬وي�شدد عليها وين�صح‬ ‫خط موازٍ ‪ ،‬يدعوها �إىل‬ ‫الواليات املتح���دة بالتخلي عن هذه النظم‪ .‬ويف ٍ‬ ‫تبن���ي خيار دعم و�ص���ول الإ�سالميني �إىل ال�سلطة ع�ب�ر انتخابات حرة‏‪،‬‬ ‫وي�ؤك���د �أن ‏ه م���ن اخلط�أ االعتقاد ب����أن الإ�سالميني متعار�ض���ون حتم ًا مع‬

‫غالف الطبعة العربية‬

‫غالف الطبعة الإجنليزية‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪173‬‬


‫الفهر�ست‬

‫مراجعات‬

‫امل�صال���ح الأمريكية‏ ‏‪ .‬ولذا ينبغي على الواليات املتح���دة �أن تدفع بخيار‬ ‫الإ�سالمي�ي�ن املعتدلني‪ ،‬و�أن ت�سمح للأح���زاب ال�سيا�سية الإ�سالمية ب�أن‬ ‫تخو����ض انتخابات ح���رة‏‪,‬‏ فتجرب���ة الدميقراطية الإ�سالمي���ة واملت�سمة‬ ‫باحليوي���ة والقابلية للتطبيق على �أر�ض الواقع‪ ،‬ت�ستحق �أن تُعطى فر�صة‬ ‫بالفعل‏‪.‬‬ ‫وعطف ًا على ما �سبق‪ ،‬يُحذر فِلدمان من تفويت فر�صة تر�سخ الدميقراطية‬ ‫الإ�سالمية يف العاملني العربي والإ�سالمي‪ ،‬م�ؤكد ًا �أن بديل الدميقراطية‬ ‫�سيكون املزي���د من الأوتوقراطية‪ ،‬وال خمرج من ه���ذا الطريق امل�سدود‬ ‫�س���وى ت�صور نوع ما من الدميقراطي���ة الإ�سالمية‪ .‬فلي�ست هناك حاجة‬ ‫لأن تك���ون دميقراطي���ة امل�سلم�ي�ن ذات امل�ضمون الإ�سالم���ي هي نف�سها‬ ‫دميقراطي���ة الإ�سالميني الذين ال يحكمون �إال وفق ال�شريعة الإ�سالمية‪،‬‬ ‫ب���ل �إن الأم���ر الأك�ث�ر احتما ًال هو �أنه���ا �ست�ستمد من قي���م الإ�سالم‪ ،‬ويف‬ ‫الوق���ت نف�س���ه‪ ،‬ت�ستوعب املب���ادئ الدميقراطي���ة‪ ،‬واحلماي���ة القانونية‪،‬‬ ‫وامل�ؤ�س�سات‪ .‬بل �إنه حت���ى دميقراطية الإ�سالميني ‪� -‬إن �أمكن ت�صور �أن‬ ‫يك���ون الإ�سالميون دميقراطيني‪ -‬قد يكون فيها من املزايا �أكرث مما يف‬ ‫الأوتوقراطي���ة‪ .‬وي�ضيف امل�ؤلف قائالً‪� :‬إن �أحد الأ�ش���كال املمكنة للدولة‬ ‫الإ�سالمية ميكن �أن ت�ضمن لكل مواطنيها حقوق ًا مت�ساوية‪ ،‬ومنها حرية‬ ‫حد �سواء؛‬ ‫االعتق���اد �أو احلرية الديني���ة للم�سلمني وغري امل�سلمني عل���ى ٍ ّ‬ ‫�إذ ال يتع���دى معنى �أن الدولة �إ�سالمية �سوى الن�ص على �أن الإ�سالم هو‬ ‫الدي���ن الر�سمي للدول���ة‪ .‬وثمة احتمال ثان وه���و �أن تتخذ الدميقراطية‬ ‫الإ�سالمي���ة من ال�شريع���ة الإ�سالمية التقليدية م�ص���در ًا لقوانني الأمة‪،‬‬ ‫وه���ذا هو االقرتاح الأكرث �شيوعاً‪ ،‬وق���د تق�صر الدولة الإ�سالمية الثالثة‬ ‫املحتملة يف نظامها الت�شريعي على ال�شريعة الإ�سالمية وحدها‪.‬‬ ‫ويح���اول فِلدمان �أن يربه���ن لبالده وللغرب عل���ى �أن �إيجاد دميقراطية‬ ‫يف دول���ة م�سلم���ة �أم���ر ممكن من خ�ل�ال النم���وذج الإي���راين والنموذج‬ ‫الرتك���ي‪ ،‬فطبق��� ًا له متثل اجلمهوري���ة الإ�سالمية الإيراني���ة الآن فر�صة‬ ‫لظه���ور الدميقراطي���ة الإ�سالمية‪ ،‬وهي فر�صة ال نظ�ي�ر لها‪ ،‬فمثل هذه‬ ‫الدميقراطي���ة الإ�سالمي���ة �ستبد�أ يف ح���ل امل�شاكل الت���ي تواجهها �إيران‬ ‫الي���وم دون عنف‪ ،‬و�أك�ث�ر من هذا ف�ستكون منوذج���ا حتتذيه دول �أخرى‬ ‫يف الع���امل الإ�سالم���ي‪� .‬أما تركيا فهي تقدم اليوم منظ���ور ًا رائع ًا ‪ -‬على‬ ‫ح���د قول���ه ‪ -‬لإمكاني���ة الدميقراطي���ة الإ�سالمي���ة؛ فرتكيا لديه���ا �أكرث‬ ‫الدميقراطي���ات فاعلي���ة يف �أي دولة ذات غالبي���ة م�سلمة يف العامل‪ ،‬كما‬ ‫�أنه���ا متثل حمك ًا حقيقي ًا لإمكان قي���ام دميقراطية �إ�سالمية‪ .‬لقد �أظهر‬ ‫الإ�س�ل�ام يف تركيا ما يتمي���ز به من قابلية للتجدد والتكيف‪ ،‬على الرغم‬ ‫مما تعر�ض له من قمع وتهمي�ش على مدى ثمانني عاماً‪.‬‬ ‫وم���ا يقال ع���ن تركيا ميك���ن �أن يقال عن جت���ارب �إندوني�سي���ا وماليزيا‬ ‫وباك�ست���ان‪ .‬فعلى الرغم من تعثرّ التجربة الدميقراطية يف هذه البلدان‬ ‫م���ا زالت هناك �إمكانيات ال ب�أ�س بها لقيام الدميقراطية‪ .‬وي�ؤكد امل�ؤلف‬ ‫الظ���روف اخلا�ص���ة لإندوني�سي���ا وماليزي���ا‪� ،‬أو ًال لنوعي���ة الإ�سالم الذي‬ ‫ضال ع���ن ف�ضائل‬ ‫انت�ش���ر هن���اك‪� ،‬إذ مل ينت�ش���ر بالغ���زو بل بالإقن���اع‪ .‬ف� ً‬ ‫‪174‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫الفهر�ست‬ ‫الت�سامح ال���ذي مييز ح�ضارة هذه املناط���ق‪ .‬ويف باك�ستان ي�شري امل�ؤلف‬ ‫�إىل موق���ف ال�صف���وة الباك�ستانية التي مل تتخل �أبد ًا ع���ن مبد�أ املواءمة‬ ‫ب�ي�ن الدميقراطية والإ�سالم‪ ،‬ناهيك عن جترب���ة الباك�ستانيني الطويلة‬ ‫يف مداوالت العالقة بني الإ�سالم والدميقراطية‪.‬‬ ‫وال يي�أ����س فِلدم���ان من �إمكانية قيام دميقراطي���ة يف دول العامل العربي‬ ‫عل���ى ما بينها م���ن اختالفات وتنوعات‪� ،‬إال �أنه ي���رى ‪ -‬كما ر�أى �آخرون‬ ‫غ�ي�ره ‪� -‬أن الدميقراطية تواجه �أ�صعب امتحاناتها يف املنطقة العربية‪.‬‬ ‫ومم���ا ميي���ز الدول العربي���ة امللكي���ة �أو الع�سكرية الفق�ي�رة �أو الغنية هو‬ ‫احلكم الديكتاتوري‪ ،‬و�إن اختلفت حدته يف �سورية وليبيا مث ًال من ناحية‬ ‫وم�ص���ر من ناحية �أخ���رى‪ .‬فالدميقراطية يف هذه ال���دول تواجه حمنة‬ ‫�شديدة تتمثل يف احلظر على تكوين الأحزاب ال�سيا�سية وعلى احلريات‬ ‫وغي���اب ال�ضمانات القانونية‪ ،‬وهناك ال�سجون وتلفيق التهم للمعار�ضة‪.‬‬ ‫ومع ذلك فرياح التغي�ي�ر بد�أت تهب على املنطقة‪ ،‬حيث ن�شهد حتركات‬ ‫طبق���ات الأر�ض التحتي���ة ال�سابقة حلدوث اله���زات الأر�ضية‪ ،‬فرنى يف‬ ‫ال�سعودي���ة انتخابات بلدي���ة جديرة بالإ�شادة‪ ،‬وهن���اك جتربة البحرين‬ ‫املب�شرة بالأمل‪.‬‬ ‫وعل���ى الرغ���م م���ن �أن الدميقراطية �ستحت���اج حللفاء حملي�ي�ن لتنجح‬ ‫يف الع���امل الإ�سالمي‪ ،‬لك���ن �أحد الأف���كار الرئي�سية الت���ي يتحلّق حولها‬ ‫كت���اب فِلدمان هذا ه���و �أن م�سلمني كثريي���ن م�ستع���دون بالفعل للأخذ‬ ‫بالدميقراطية‪ ،‬بيد �أن حكوماتهم هي التي تعرت�ض الطريق‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫ثمة ما ي�شري �إىل �أن الدميقراطية �ستجد حلفاء لها من املجتمع املدين‪،‬‬ ‫م���ن بني املعتدلني والعلمانيني‪ ،‬ب���ل و�ستجد لها حلفاء �أي�ض ًا ‪ -‬وهذا �أمر‬ ‫جدي���ر باملالحظة ‪ -‬بني الإ�سالميني الذين ق�ضوا طوال كثري من �أعوام‬ ‫العق���د املا�ضي يف بن���اء م�ؤ�س�سات اجتماعية وخريية �أ�ش���ار �إليها علماء‬ ‫ال�سيا�س���ة بو�صفه���ا جمتمع��� ًا مدنياً‪ .‬وب���ذا لن تكون اجله���ود الأمريكية‬ ‫لت�شجي���ع من���و الدميقراطية يف العامل الإ�سالمي ب���ذور ًا �ألقيت يف �أر�ض‬ ‫قاحل���ة‪ ،‬طاملا �أن الإ�سالم والدميقراطية ت�ساوق���ا ونتجت عنهما توليفة‬ ‫ا�سمها “الدميقراطية الإ�سالمية”‪.‬‬ ‫وق�صارى القول �إن امل�سلمني ‪ -‬على حد تعبري امل�ؤلف يف �صفحات الكتاب‬ ‫الأخرية ‪ -‬مل تلدهم �أمهاتهم مربجمني �ضد الدميقراطية �أو لقبول حجج‬ ‫الإ�سالميني املتزمتني‪ ،‬هذا ما يثبته القرن الع�شرون‪ .‬ب�إمكاننا �أن نعرف‬ ‫�ص���دق هذه املقولة فقط عندما توجد حري���ة �سيا�سية حقيقية يف العامل‬ ‫الإ�سالم���ي‪ ،‬وعندما ت�صبح االنتخابات حرة ونزيهة‪ .‬فحتى الآن مل يتم‬ ‫جتريب �سيا�سات �إ�سالمية حرة يف معظم الدول الإ�سالمية‪ .‬و�أخري ًا ف�إن‬ ‫املراق���ب لل�ساحة الإ�سالمية منذ �أحداث ‪� 11‬أيل���ول‪� /‬سبتمرب امل�شئومة‪،‬‬ ‫وعق���ب غزو كل م���ن �أفغان�ستان والعراق‪ ،‬ي�شهد �سباق��� ًا الهث ًا بعيد ًا عن‬ ‫الأنظ���ار على امتداد العامل الإ�سالمي يعاود النظر يف امل�سلمات‪ ،‬وينظر‬ ‫يف كيفي���ة الت�أقلم مع النظام اجلدي���د يف املنطقة ويف العامل‪ .‬و�إن كانت‬ ‫ال�ص���ورة العامة تبدو وك�أن الأمور جتري على ما تعودت �أن جتري عليه‪،‬‬ ‫�إال �أن ال�صورة مل تعد كذلك حقاً‪.‬‬ ‫م‪� .‬س‪ .‬ح‬

‫عرو�ض موجزة‬ ‫�سيا�سة اليمن اخلارجية جتاه دول القرن الإفريقي‪:‬‬ ‫م�ساهمة يف درا�سة القرار ال�سيا�سي‬ ‫حممد علي عمر احل�ضرمي‬ ‫مركز �سب�أ للدرا�سات الإ�سرتاتيجية (�صنعاء)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 265‬صفحة‬ ‫ي�سع���ى م�ؤلف هذا الكتاب �إىل تو�ضيح الأ�س�س العامة‬ ‫التي يرتكز عليها القرار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني‬ ‫يف �شكل���ه العام‪ ،‬وجت���اه دول منطقة القرن الإفريقي‬ ‫ب�شكل خا�ص‪� ،‬إذ تعاين دول هذه املنطقة من توترات‬ ‫ونزاعات م�ستمرة وع���دم ا�ستقرار‪ ،‬وما ي�شكله ذلك‬ ‫م���ن ت�أث�ي�ر يف دول اجل���وار‪ ،‬ومنه���ا اليم���ن‪ .‬ولأجل‬ ‫حتقي���ق هذه الغاية‪ ،‬ف����إن هذه الدرا�س���ة ‪-‬كما يقول‬ ‫�صاحبها‪ -‬حتاول الإجابة عل���ى بع�ض اال�ستف�سارات‬ ‫والت�س���ا�ؤالت �أهمه���ا‪ :‬كيف يتم �صنع ق���رار ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجي���ة اليمني���ة؟ وما هو دور كل م���ن امل�ؤ�س�سات‬ ‫الر�سمي���ة وغري الر�سمي���ة يف عملية �صنع القرار ال�سيا�سي اخلارج���ي؟ وما مدى ت�أثري‬ ‫البيئ���ة اخلارجي���ة يف ق���رار ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمنية؟ ومل���اذا يهتم �صان���ع القرار‬ ‫ال�سيا�سي اليمني يف �سيا�سته مبنطقة القرن الإفريقي؟‬ ‫ويخل�ص امل�ؤلف يف نهاية الدرا�سة �إىل جمموعة من اال�ستنتاجات �أهمها‪� :‬أن ال�صياغة‬ ‫النهائي���ة للق���رار ال�سيا�س���ي اخلارج���ي اليمني تنفرد ب���ه م�ؤ�س�سة واح���دة وهي رئا�سة‬ ‫اجلمهوري���ة التي متتلك مبفرده���ا ال�سلطات واالمتيازات الت���ي تخولها بطبع ال�سيا�سة‬ ‫اخلارجي���ة اليمنية وف���ق فل�سفتها اخلا�صة؛ كم���ا �أن دور ال�سلط���ة الت�شريعية يف عملية‬ ‫�صن���ع ق���رار ال�سيا�سة اخلارجي���ة اليمنية ما ي���زال �ضعيف ًا كون ال�سلط���ة الت�شريعية يف‬ ‫اليمن تعاين من �ضعف يف بنيتها الوظيفية‪ ،‬وذلك حد من قدرتها على ممار�سة عملية‬ ‫�صنع ال�سيا�سة يف �شكلها العام ومنها القرار ال�سيا�سي اخلارجي؛ و�أن ت�أثري اجلماعات‬ ‫والق���وى الفاعل���ة داخلي ًا يف الق���رار ال�سيا�سي اخلارجي ما ي���زال دون امل�ستوى امل�أمول‬ ‫مقارن���ة بالو�ضع يف ال���دول املتقدمة‪ ،‬فت�أثري تلك اجلماعات عل���ى القرارات ال�سيا�سية‬ ‫الداخلي���ة‪ ،‬يكاد يكون �أكرب م���ن ق�ضايا ال�ش�ؤون اخلارجي���ة؛ و�أخري ًا يالحظ من خالل‬ ‫تتب���ع الق���رار ال�سيا�سي اخلارجي اليمني جتاه دول منطقة الق���رن الأفريقي‪� ،‬أن هناك‬ ‫حترك �إيجابي ل�صانع القرار نحو ق�ضايا دول املنطقة خا�صة امل�ساعي الرامية �إىل دعم‬ ‫املبادرات التي تقوم بها جيبوتي وكينيا‪ ،‬ودورهما يف و�ضع حد للأزمة ال�صومالية‪.‬‬

‫اليمن وجمل�س التعاون لدول اخلليج العربية‪ :‬البحث عن االندماج‬ ‫حممد �سيف حيدر‬ ‫مركز الإمارات للدرا�سات والبحوث اال�سرتاتيجية (�أبوظبي)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 98‬صفحة‬ ‫يج���ادل الباح���ث اليمني حمم���د �سيف حيدر يف كتاب���ه هذا‪ ،‬الذي ن�ش���ر م�ؤخر ًا �ضمن‬ ‫�سل�سل���ة «درا�س���ات ا�سرتاتيجية» التي ي�صدره���ا مركز الإم���ارات للدرا�سات والبحوث‬

‫اال�سرتاتيجي���ة‪ ،‬ب�أن���ه رغ���م �أن العالق���ات اليمنية‬ ‫ اخلليجي���ة تب���دو الي���وم يف حال��� ٍة «�أك�ث�ر م���ن‬‫جي���دة» ُمقا َرن���ة ب�سنوات العقد الأخ�ي�ر من القرن‬ ‫الع�شري���ن‪� ،‬إال �أن وردية امل�شه���د اليمني اخلليجي‬ ‫تعقيدات‬ ‫الظاهرة‪ُ ،‬تخفي يف احلقيقة بني ظاللها‬ ‫ٍ‬ ‫ج ّم���ة وعوائق ي�صع���ب جتاوزها‪ ،‬ميني��� ًا وخليجي ًا‪،‬‬ ‫رهق طريف العالقة ب�أعباء‬ ‫دون دفع � ٍ‬ ‫أثمان باهظة ُت ِ‬ ‫هائل���ة‪ ،‬ورمبا تتجاوز بكثري ما يح�سبان ح�سابه يف‬ ‫الوقت الراهن‪ .‬وهذا يعني �أن التقدم احلا�صل يف‬ ‫العالق���ات اليمنية ‪ -‬اخلليجية عموم ًا‪ ،‬ويف م�سرية‬ ‫التكام���ل الإقليم���ي الذي يتي���ح لليمن ني���ل الع�ضوية‬ ‫ً‬ ‫ثمر كثري ًا‪ ،‬وينتظر‬ ‫م‬ ‫وغري‬ ‫ا‬ ‫�شكلي‬ ‫يظل‬ ‫الكاملة يف جمل����س التعاون اخلليجي خ�صو�ص ًا‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫دفعة �إ�سرتاتيجية �أقوى حترك مفا�صله املُتثا ِقلة‪.‬‬ ‫ويف �ضوء ذلك‪ ،‬حتاول الدرا�سة ا�ستك�شاف �إمكانات اندماج اليمن يف منظومة جمل�س‬ ‫التع���اون لدول اخللي���ج العربية يف ظل املعطيات والتط���ورات الأخرية التي ي�شهدها كل‬ ‫م���ن اليمن وحميطه الإقليمي‪ ،‬وذلك من خ�ل�ال بحث وحتليل الثابت واملتغري يف دوافع‬ ‫طريف العالقة من عملية االندماج وعوائقها وواقعها الراهن‪ ،‬و�صو ًال �إىل حماولة ر�سم‬ ‫معامل م�ستقبل هذه العملية وم�آالتها يف �ضوء املتغريات والأو�ضاع امل�ستجدة يف املنطقة‪،‬‬ ‫والت���ي �أخذت تفر�ض نف�سها على �ص ّن���اع ال�سيا�سات يف اليمن ويف دول اخلليج على ح ٍّد‬ ‫�س���واء‪ ،‬و ُتنبئ ‪ -‬كما يعتق���د امل�ؤلف ‪ -‬ب�إمكانية دخول العالقة ب�ي�ن اليمن ودول جمل�س‬ ‫التع���اون منعطف ًا مهم��� ًا وحا�سم ًا قد ي�ؤ�س�س ملرحلة جديدة يف تاريخ اليمن املعا�صر كما‬ ‫يف م�سرية جمل�س التعاون لدول اخلليج العربية التكاملية‪.‬‬

‫�أَن تكون عربي ًا يف �أيامنا‬ ‫عزمي ب�شارة‬ ‫مركز درا�سات الوحدة العربية (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 239‬صفحة‬ ‫يق���دَّم املفك���ر العرب���ي املع���روف عزم���ي ب�ش���ارة‬ ‫ب�ي�ن دفتَ���ي كتابه ه���ذا جمموع���ة م���ن الدرا�سات‬ ‫واملحا�ض���رات قدمها يف الف�ت�رة من منت�صف عام‬ ‫‪ 2007‬حت���ى بداي���ة ع���ام ‪ ،2009‬وفيه���ا ربط‬ ‫م�س�أل���ة النه�ضة بالهوي���ة العربية واحلداثة‪ ،‬وربط‬ ‫م�صري القومي���ة العربية مبدى قدرته���ا على تق ُّبل‬ ‫مهم���ات وحتدي���ات املجتم���ع احلدي���ث والع�ص���ر‬ ‫احلديث‪ ،‬ومواجهة هذه التحديات‪ .‬يت�ألف الكتاب‬ ‫رئي�سة ه���ي‪« :‬ق�ضاي���ا عربية»‪،‬‬ ‫م���ن ثالثة �أق�س���ام َ‬ ‫و»املتغ�ي�رات الأمريكي���ة يف نهاي���ة مرحل���ة بو�ش»‪،‬‬ ‫و»فل�سطني والق�ضية الفل�سطينية»‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪175‬‬


‫الفهر�ست‬

‫عرو�ض موجزة‬

‫وتتمي����ز مو�ضوعات هذا الكتاب ب�أمرين‪� :‬أولهما‪ ،‬براعة الباحث يف ربط م�س�ألة النه�ضة‬ ‫بالهُوية العربية واحلداثة‪ ،‬وربط م�صري القومية العربية مبدى قدرتها على تق ُّبل مهمات‬ ‫وحتدي����ات املجتمع احلدي����ث والع�صر احلديث‪ ،‬ومواجهة ه����ذه التحديات مب�شروع‪ .‬كما‬ ‫يرب����ط ب��ي�ن مهمة جتديد الفكر العربي مب�شروع بناء الأم����ة‪ ،‬وحتديد مطالب وبرامج يف‬ ‫ه����ذا االجتاه تكون مفهومة للنا�س‪ ،‬وميك����ن للنا�س ربطها مب�صاحلهم املادية واحلقوقية‬ ‫كمواطن��ي�ن‪ .‬والأمر الث����اين‪ :‬ما حتمله ف�صول الكتاب ‪ -‬وهي �ستة ع�شر ف� ً‬ ‫صال ‪ -‬من ُبعد‬ ‫فك����ري جدي����د‪ ،‬و�أ�سلوب ت�شخي�صي حتليل����ي‪� ،‬إ�ضافة �إىل ما جتلى فيه����ا من نب�ض حيوي‬ ‫ي�ش��ي�ر �إىل �ض����رورة جتديد الفك����ر‪� ،‬إن كان ذلك يف الق�ضية العربي����ة عموم ًا‪� ،‬أو الق�ضية‬ ‫الفل�سطينية‪.‬‬

‫ال�شيعة يف امل�شرق الإ�سالمي‪ :‬تثوير املذهب وتفكيك اخلريطة‬ ‫عاطف معتمد عبد احلميد‬ ‫�شركة نه�ضة م�صر للطباعة والن�شر والتوزيع (القاهرة)‪2008 ،‬‬ ‫‪� 227‬صفحة‬ ‫من خ�ل�ال ق���راءات كثرية وخ�ب�رة ميداني���ة وا�سعة‬ ‫جمعه���ا يف كتاب���ه «ال�شيع���ة يف امل�ش���رق الإ�سالم���ي‪:‬‬ ‫تثوي���ر املذهب وتفكي���ك اخلريطة» يح���اول الدكتور‬ ‫عاطف معتم���د عبد احلميد الإجاب���ة على جمموعة‬ ‫م���ن الأ�سئلة التي �أثريت بع���د �سقوط بغداد واحتالل‬ ‫الع���راق من قبل �أمريكا يف الع���ام ‪ 2003‬حول �صعود‬ ‫ال�شيعة يف العراق واملنطقة عموم ًا‪ .‬حيث �أغرى هذا‬ ‫ال�صع���ود ال�شيع���ي امل�ؤل���ف بتتبع اخلريط���ة ال�شيعية‬ ‫يف الع���امل الإ�سالم���ي وبقي���ة دول الع���امل؛ فبحث يف‬ ‫ن�سبته���م الإجمالي���ة من ع���دد ال�س���كان‪ ،‬ويف وزنهم‬ ‫ال�سيا�س���ي‪ ،‬وكي���ف مت�ض���ي عالقته���م االقت�صادي���ة‬ ‫واالجتماعية باجلماعات الدينية والأثنية الأخرى‪.‬‬ ‫كم���ا حاول امل�ؤلف الإجاب���ة على �أ�سئلة �أخرى من قبيل من ال���ذي ر�سم مالمح ال�صورة‬ ‫النمطي���ة التي نحملها عن ال�شيعة؟ هل هم م�ست�شرق���ون �أم �سلفيون؟ و�إذا كان املفهوم‬ ‫ال�شيع���ي ي���رى يف كل �أر�ض كربالء ويف كل ي���وم عا�شوراء فما الذي يجم���ع �شيعة الهند‬ ‫وباك�ست���ان ب�شيعة اخللي���ج ولبنان‪ .‬وكيف مت�ض���ي العالقات ال�سني���ة – ال�شيعية �ضمن‬ ‫ه���ذه اخلريطة املعقدة‪ .‬كل هذه الأ�سئلة يجيب عليه���ا امل�ؤلف من خالل ف�صول الكتاب‬ ‫اخلم�سة‪ ،‬حيث يعنى الف�صل الأول بتلم�س ما �سماه امل�ؤلف «بالقابلية للفتنة» وهو ف�صل‬ ‫يق���دم �صورة �إجمالية عن الأ�سباب التي وقفت خل���ف �صعود ال�شيعة ال�سيا�سي يف الربع‬ ‫الأخري من القرن الع�شرين‪.‬‬ ‫ويعال���ج الثاين �صورة ال�شيع���ة يف امل�شرق الإ�سالمي تلك ال�ص���ورة التي ت�شكلت يف وعي‬ ‫الكثريي���ن من خالل ما كتبه امل�ست�شرقون عن ال�شيعة‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال عن ر�سم مالمح ال�صورة‬ ‫التي يقدمها التيار ال�سلفي عن ال�شيعة يف امل�شرق الإ�سالمي‪� .‬أما الف�صل الثالث فيقرتب‬ ‫م���ن �شيع���ة اخلليج واليمن معتني ًا بالتط���ورات التي حدثت يف العق���ود الثالثة الأخرية‪.‬‬ ‫ويلقي الف�صل الرابع ال�ضوء على �أكرث مناطق ال�شيعة توتر ًا يف لبنان وفل�سطني و�سوريا‪.‬‬ ‫بينم���ا يطوف الف�صل اخلام�س على بع����ض معامل ال�شيعة يف الهند وباك�ستان مع �إعطاء‬ ‫�إ�شارات حول ما ميكن ت�سميته بالإ�سالم ال�شعبي يف هذه املنطقة بالغة التنوع‪.‬‬

‫الإ�سالم واحلداثة‪ :‬االن�سحاب الثاين من مواجهة الع�صر‬ ‫جمموعة من الكتّاب‬ ‫الأهلية للن�شر والتوزيع ومن�بر احلرية‪ ،‬باال�شرتاك والتعاون مع م�ؤ�س�سة‬ ‫“ليربتي فور �أول” (ع ّمان)‪2010 ،‬‬ ‫‪� 204‬صفحات‬ ‫يق���دم ه���ذا الكتاب ق���راءة ثري���ة ومهمة لإ�شكالي���ة الإ�س�ل�ام واحلداثة من حي���ث �أنها‬ ‫‪176‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ت���روم معاجل���ة ق�ضاي���ا مف�صلي���ة يف ه���ذا الإطار‬ ‫ي�أت���ي على ر�أ�سها‪ :‬موقع العلماني���ة والر�أ�سمالية يف‬ ‫املجتمع���ات الإ�سالمية من جه���ة‪ ،‬وعالقة الإ�سالم‬ ‫بالدميقراطية من جهة ثاني���ة‪ .‬وي�ضم هذا الكتاب‬ ‫�ستة �أوراق تندرج �ضم���ن حموريني‪� :‬أولهما “جدل‬ ‫العلمن���ة والر�سمل���ة يف املجتمع���ات الإ�سالمي���ة‬ ‫املعا�ص���رة”‪ ،‬ويب���د�أ بورق���ة مل�أم���ون كي���وان ح���ول‬ ‫دور العلماني���ة يف املجتمع���ات العربي���ة املعا�ص���رة‪.‬‬ ‫كم���ا ي�شمل �أي�ض��� ًا ورق���ة مل�صطفى �أكي���ول بعنوان‪:‬‬ ‫“الر�أ�سمالي���ة الإ�سالمي���ة”‪ ،‬و�أخري ًا يت�ضمن هذا‬ ‫املح���ور ورقة �أعدها منعم �أ‪� .‬سري بعنوان‪�“ :‬صراع‬ ‫احل�ضارات‪� :‬سوء تفاهم بني الإ�سالم والغرب”‪.‬‬ ‫�أم���ا املحور الثاين فيت�ضمن ب���دوره ثالثة �أوراق حتت عن���وان “الإ�سالم والدميقراطية‬ ‫�أي���ن يكمن اخللل؟!” الورقة الأوىل �أعدها �سوكيدي موليادي حول العجز الدميقراطي‬ ‫يف الع���امل الإ�سالمي‪ ،‬ويف الورق���ة الثانية اهتم لطفي ال�ش���وكاين بالإجابة على ال�س�ؤال‬ ‫التايل‪“ :‬هل الفقة ال�سيا�سي مازال منا�سب ًا؟”‬ ‫و�أخ�ي�ر ًا يت�ضمن املح���ور ورقة ملار�سودي و‪ .‬كي�س�سرو حتت عن���وان‪“ :‬دور االت�صاالت‬ ‫واملعلوماتي���ة يف دمقرط���ة العامل الإ�سالمي”‪ .‬ويخل�ص الكت���اب يف النهاية �إىل �أنه ال‬ ‫يوج���د ارتباط بني الإ�سالم وانت�شار تكنولوجيا االت�صاالت واملعلومات‪ .‬و�أن االرتباط‬ ‫ب�ي�ن جمم���وع عدد امل�سلم�ي�ن وانت�شار ه���ذه التكنولوجي���ا �ضعيف‪� ،‬أم���ا االرتباط بني‬ ‫الدميقراطي���ة وهذه التكنولوجيا فهو قوي ومرتف���ع‪ ،‬و�أن �سبب �ضعف م�ستوى انت�شار‬ ‫ه���ذه التكنولوجي���ا يف الدول الإ�سالمية يعود �إىل �ضعف م�ست���وى الدميقراطية فيها‪.‬‬ ‫فعل���ى الرغ���م مما لهذه التكنولوجيا م���ن �آثار �سلبية‪ ،‬لكنها ميك���ن �أن ت�شكل تهديد ًا‬ ‫للحكومات اال�ستبدادي���ة‪ ،‬وت�صبح قناة مفتوحة لتطوير م�شاركة ال�شعب يف ال�سيا�سة‬ ‫العام���ة ورف���ع وعي ال�شعب وفهم���ه حلقوقه وواجبات���ه ورفع كفاءة امل���وارد الب�شرية‪،‬‬ ‫وذلك لأن تزايد الذكاء والإبداع ي�ؤدي �إىل رفع امل�ستوى االقت�صادي وال�سيا�سي لكافة‬ ‫�أفراد ال�شعب‪.‬‬

‫�أيديولوجيا الإ�سالم ال�سيا�سي وال�شيوعية‬ ‫�سامح حممد �إ�سماعيل‬ ‫دار ال�ساقي باال�ش�تراك مع م�ؤ�س�سة الدرا�سات الفكرية املعا�صرة (بريوت)‪،‬‬ ‫‪2010‬‬

‫‪� 238‬صفحة‬ ‫يح����اول الدكتور �سامح حمم����د �إ�سماعيل من خالل‬ ‫كت����اب «�أيديولوجيا الإ�س��ل�ام ال�سيا�سي وال�شيوعية»‬ ‫حتلي����ل م�صطل����ح الأيديولوجيا ب�إلق����اء ال�ضوء على‬ ‫املواق����ف ال�سيا�سي����ة الت����ي واكب����ت ظه����ور الدول����ة‬ ‫الإ�سالمي����ة والتنظ��ي�رات الأيديولوجي����ة التي كانت‬ ‫�أ�سا�س العم����ل ال�سيا�سي لل�شيوعي����ة‪ .‬والأيديولوجيا‬ ‫كم����ا يقول امل�ؤل����ف ال ميك����ن حتقيقه����ا وتفعيلها �إال‬ ‫بال�سع����ي الدائم وامل�ستمر لتقرير الفعل ال�س�سيا�سي‬ ‫وحتدي����د طاب����ع احلي����اة االجتماعي����ة واالقت�صادية‬ ‫لتقييد الفرد داخل اجلماعة والتحكم يف �سلوكياته‪،‬‬ ‫ب����ل ونياته �أي�ض���� ًا‪ ،‬بو�صفها غطاء مذهبي���� ًا عقائدي ًا‬ ‫ي�ش����كل ر�ؤية الفرد لنف�س����ه وللآخر‪ ،‬مما يتطلب وجود ن�سق معريف م�سبق‪ ،‬فكري عقائدي‬ ‫�أو فل�سف����ي‪ ،‬ميكن الإحالة الدائمة �إليه ثم ال�سعي نحو تطبيق هذا الن�سق عملي ًا وفق ر�ؤية‬ ‫القائ����م بتطبيقه‪ .‬والأيديولوجيا يف م�سعاها هذا غري قابلة للحوار‪ ،‬وتنطق دوم ًا بدعاوى‬ ‫طوباوي����ة مثالية لأنها ت�ؤمن باحلق الذي لديها‪ ،‬و�أن م����ا تقوم به هو ر�سالة كونية ال يجوز‬ ‫ال��ت�ردد حيال القيام به حتى لو ا�ضطرت �إىل حتطيم املجتمعات‪ ،‬و�إىل �إفناء املاليني من‬ ‫�أجل ر�سالتها‪.‬‬

‫وي����رى امل�ؤلف �أن ثمة ت�شابه ًا ي�صل �أحيان���� ًا �إىل حد التطابق بني ممار�سات الإمرباطورية‬ ‫الإ�سالمي����ة يف خمتل����ف �أطواره����ا (�أموي����ة‪ ،‬عبا�سي����ة‪ ،‬مملوكي����ة‪ )...‬والإمرباطوري����ة‬ ‫ال�سوفياتي����ة‪ ،‬عل����ى الرغم من �إميان الأوىل با هلل الواحد و�إحل����اد الثانية‪ ،‬وعلى مابينهما‬ ‫من فارق زمني كبري‪ .‬ويعزو امل�ؤلف هذه املفارقة �إىل النزوع الأيديولوجي للإ�سالم الذي‬ ‫ظه����ر عقب وفاة النبي ونهاي����ة العهد الرا�شدي‪ ،‬مبتعد ًا عن نه����ج النبي وتعاليم الر�سالة‬ ‫الإ�سالمية ومفاهيمها الأخالقية و�أن�ساقها القيمية‪.‬‬ ‫�إن �أبرز وجوه الت�شابه بني املمار�ستني بح�سب امل�ؤلف‪ :‬تقدي�س احلاكم وعبادة ال�شخ�صية؛‬ ‫عن����ف الدول����ة وقمع كل �أ�شكال املعار�ض����ة؛ تهمي�ش الفرد وعدم اح��ت�رام احلياة واحلرية‬ ‫الإن�سانية؛العن�صري����ة جتاه ال�شعوب املهم�شة وفق ًا لعن�صر احلكام؛ الإحالة على مرجعية‬ ‫تاريخية قابلة للت�أويل والو�ضع خدمة للحكم؛ التو�سع اخلارجي؛ �أدجلة االقت�صاد والثقافة‬ ‫وجماالت الإبداع كافة‪.‬‬

‫عامل ما بعد �أمريكا‬ ‫فريد زكريا‬ ‫ترجمة‪ :‬ب�سام �شيحا‬ ‫الدار العربية للعلوم نا�شرون (بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 245‬صفحة‬ ‫بعد �أن �أجنزت �أمريكا حتوالتها ال�صناعية‪� ،‬سرعان‬ ‫ما �أ�صبح����ت �أقوى دولة يف الع����امل منذ �إمرباطورية‬ ‫روم����ا‪ .‬ولهذا ظلت �أمريكا‪ ،‬على مدار معظم �سنوات‬ ‫الق����رن الع�شري����ن متار�����س دور الهيمنة ب�ص����ورة �أو‬ ‫ب�أخ����رى على جماالت االقت�ص����اد وال�سيا�سة والعلوم‬ ‫والثقاف����ة بال مناف�س �أو من����ازع‪ .‬وكانت تلك ظاهرة‬ ‫غ��ي�ر م�سبوقة يف التاريخ احلدي����ث‪ .‬ويف هذا الكتاب‬ ‫الذي �ألفه واحد من املحللني ال�سيا�سيني الأمريكيني‬ ‫املرموقني‪ ،‬وه����و فريد زكريا رئي�����س حترير الطبعة‬ ‫الدولية ملجلة نيوزويك‪ ،‬يحاول امل�ؤلف �أن يجيب عن‬ ‫جمموع����ة من الأ�سئلة حول التح����والت القادمة التي‬ ‫بد�أت معاملها تظهر يف عاملنا اليوم وعلى ر�أ�سها الأزمة املالية‪ ،‬والتي تتميز بح�سب زكريا‬ ‫ب�أنه����ا «مل تن�ش�أ يف بقعة متخ ّلفة من العامل النامي‪ ،‬بل ن�ش�أت من قلب الر�أ�سمالية العاملية‬ ‫ الوالي����ات املتحدة الأمريكي����ة ‪ -‬و�ش ّقت طريقها عرب �شرايني النظام املايل العاملي‪ .‬ومع‬‫�أنها ال تنذر بنهاية الر�أ�سمالية �إال �أنها قد تعني �إىل ح ّد كبري نهاية نوع حمدد من الهيمنة‬ ‫العاملية بالن�سبة �إىل الواليات املتحدة»‪.‬‬ ‫ويرى زكريا �أن الت�أزم االقت�صادي احلايل ي�س ّرع االنتقال �إىل عامل ما بعد �أمريكا‪ ،‬ويت�سم‬ ‫هذا العامل بالنهو�ض االقت�صادي لدول �أخرى كال�صني والهند والربازيل وجنوب �أفريقيا‬ ‫وغريه����ا‪ ،‬مما ي�ؤدي �إىل حت����والت �سيا�سية وع�سكرية وثقافي����ة‪ ،‬و�إىل �شعور بالقوة والثقة‬ ‫يرتج����م بالق����درة على الت�صرف بحرية وفر�ض الوجود‪ ،‬بحي����ث �أن هذه الدول الناه�ضة‪،‬‬ ‫حت����ى لو انخف�ضت مع����دالت منوها‪« ،‬لن تتخلى ب�سهولة وهدوء ع����ن �أدوارها اجلديدة يف‬ ‫النظام العاملي»‪.‬‬

‫ا�ستعادة رو�سيا مكانة القطب الدويل‪� :‬أزمة الفرتة االنتقالية‬ ‫عاطف معتمد عبد احلميد‬ ‫مرك��ز اجلزيرة للدرا�س��ات (الدوحة) وال��دار العربية للعل��وم نا�شرون‬ ‫(بريوت)‪2009 ،‬‬ ‫‪� 143‬صفحة‬ ‫يت�س���اءل الباحث امل�ص���ري عاطف معتمد عبد احلميد يف ثنايا ه���ذا الكتاب‪ :‬هل ما‬ ‫ت���زال رو�سي���ا دولة عظمى تتمتع بالتو�س���ع اجلغرايف والتم���دد اجليو�سيا�سي‪ ،‬وهل ال‬ ‫ت���زال ق���ادرة على التق���دم �إىل مناطق �أكرث عمق��� ًا لت�ضم داخ���ل �أ�سوارها احلديدية‬ ‫مئ���ات املل���ل‪ ،‬ومئات �أخرى من الأل�س���ن واللغات‪ .‬ومع �أنه ي�ؤكد ب�أن���ه ال توجد م�شكلة‬

‫جيو�سيا�سي���ة يف الع���امل �إال ولرو�سي���ا كلمة فيها؛‬ ‫فرو�سي���ا تقابلن���ا ح�ي�ن نراج���ع الأزم���ة النووي���ة‬ ‫الإيرانية �أو الكورية‪ ،‬كما جندها يف �سوق ال�سالح‬ ‫ويف �أزمات البح���ر الكاريبي‪ ،‬ويف ت�صدير النفط‬ ‫والغاز‪ ،‬ويف ال�صراع العربي ‪ -‬الإ�سرائيلي‪ ..‬الخ‪.‬‬ ‫�إال �أن امل�ؤل���ف ما ينفك يطرح ع���دد ًا من الأ�سئلة‬ ‫ت���دور ح���ول رو�سي���ا ومكانته���ا يف ع���امل متع���دد‬ ‫الأقطاب تتكاتف في���ه الدول الكربى مثل اليابان‬ ‫و�أملاني���ا وال�ص�ي�ن والهن���د و�أملانيا وفرن�س���ا �أمام‬ ‫امل���ارد الأمريكي‪ ،‬م�شدد ًا على �أنه ال توجد �أي قوة‬ ‫ت�ستطيع �أن تناور على امل�ستوى اجليو�سيا�سي غري‬ ‫رو�سيا‪ ،‬ولكن يف �أي طريق تناور وما هي �أدواتها و�أي م�ستقبل لها؟‬ ‫ي�ضم الكتاب ب�ي�ن جنباته ف�صول ثالثة‪� ،‬أولها يحمل عنوان «زمن جتميع احلجارة»‪،‬‬ ‫ويعر�ض للأ�سا�س اجلغرايف ال�سيا�سي للدولة الرو�سية‪� .‬أما الثاين في�أتي حتت عنوان‬ ‫«الع���ودة ل�ساح���ة املعارك»‪ ،‬ويبح���ث فيه امل�ؤل���ف مكانة اجلي����ش الرو�سي وحماوالت‬ ‫�إ�صالح���ه ومناوراته يف اجتاهات خمتلفة‪ ،‬ف� ً‬ ‫ضال ع���ن دور النفط والغاز الرو�سي يف‬ ‫ع���ودة قوة رو�سيا كونهما و�سيلة للتحك���م يف �أمن الطاقة يف مناطق نفوذها ال�سابقة‪.‬‬ ‫فيم���ا يعالج الف�صل الثالث التناف�س الرو�سي الأمريكي فيما �أ�سماه الكاتب «مناورات‬ ‫احلديقة اخللفية»‪.‬‬

‫عدو اجلميع‪ :‬القر�صنة وقانون الأمم‬ ‫ ‪The Enemy of All: Piracy and the Law of N‬‬‫‪tions‬‬ ‫دانيال هيلر روزن ‪Daniel Heller-Roazen‬‬ ‫زون بوك�س (نيويورك) ‪Zone Books (NY)، 2009‬‬ ‫‪� 274‬صفحة‬ ‫ميك���ن اعتبار كت���اب «عدو اجلميع» تاريخ��� ًا ثقافياً‬ ‫للقانون‪ ،‬احل���دود الإقليمية‪ ،‬الدولة‪ ،‬الذات والآخر‬ ‫كما ت���راه �شخ�صية القر�صان ال���ذي ميكن تعريفه‬ ‫عل���ى �أن���ه �شخ����ص يق���وم بعملياته خ���ارج احلدود‬ ‫واملجتمعات املعرتف بها‪ .‬كما يعترب الكتاب درا�سة‬ ‫حول كيفية تعريف القانون للقوى التي تن�شط خارج‬ ‫ح���دود الدولة‪ .‬يقول الكاتب �إن القر�صان هو العدو‬ ‫الأ�صلي للجن�س الب�شري‪ ،‬وي�شري �إىل قناعته مبقولة‬ ‫�إن هن���اك �أع���داء ميك���ن التفاو����ض معه���م و�إقامة‬ ‫هدن���ة معهم �إذا �سمحت الظروف‪ .‬لكن هناك عدو‬ ‫ال ج���دوى من توقيع �أي اتفاقي���ة معه وتكون احلرب‬ ‫مع���ه م�ستمرة دائم ًا‪ .‬ه���ذا العدو هو القر�صان الذي اعتربه رجال القانون الأوائل «عدو‬ ‫اجلميع»‪.‬‬ ‫يف هذا الكتاب‪ ،‬يعيد دانيال هيلر روزن بناء املكان املتغري للقر�صان يف الفكر القانوين‬ ‫وال�سيا�سي بدءا من الع�صور القدمية �إىل الو�سطى فاحلديثة واملعا�صرة‪ ،‬ويلقي ال�ضوء‬ ‫عل���ى الأ�ص���ول الفل�سفية لع���دو مميز‪ .‬يقول داني���ال هيل���ر روزن �إن القر�صان املعا�صر‬ ‫ه���و �شخ�صية قانوني���ة و�سيا�سية لها خ�صو�صية معينة ي�سك���ن يف منطقة خارج احلدود‬ ‫الإقليمي���ة‪ .‬وميك���ن للدول �أن ت�شن معارك غ�ي�ر عادية �ضد مثل ه���ذا العدو و�أن تطبق‬ ‫بحقه �إجراءات ع�سكرية مربرة حتت م�سمى احلرب والأمن‪.‬‬ ‫يع���رف الكات���ب القر�صن���ة على �أنه���ا حالة جتتمع فيه���ا �أربعة �ش���روط‪ :‬منطقة خارج‬ ‫احلدود الإقليمية للدولة؛ عمالء ال ينتمون لدولة حمددة؛ انهيار التمييز بني الت�صنيف‬ ‫ال�سيا�س���ي واجلنائ���ي؛ وتغيري مفهوم احل���رب‪ .‬وي�ؤكد الكاتب �أن من���وذج القر�صنة ال‬ ‫ي���زال �ساري��� ًا يف هذا الع�صر‪ .‬وم���ع �أن الكثريين يعتقدون �أن مفه���وم القر�صنة ينتمي‬ ‫للع�صور القدمية والو�سطى‪� ،‬إال �أن عدو اجلميع �أقرب �إلينا الآن مما نعتقد‪.‬‬ ‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪177‬‬


‫�أُفـ ُــق‬

‫�أكمل الدين �إح�سان �أوغلي‬

‫«امل�ؤمتر الإ�سالمي» على �أعتاب عهد جديد‬ ‫تو�شك منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي على دخول مرحلة جديدة مهمة ذات دالالت خا�صة ومرام بعيدة‪� ,‬إذ يعترب‬ ‫ب���دء املنظم���ة يف عملية ت�أ�سي����س هيئة دائمة وم�ستقلة حلق���وق الإن�سان حتت مظلة املنظم���ة حدث ًا جديد ًا يف‬ ‫م�س�ي�رة املنظم���ة‪ ,‬وي�أتي تنفيذ ًا لأحد البنود الرئي�سية املن�صو�ص عليه���ا يف املادة اخلام�سة ع�شرة من ميثاق‬ ‫املنظم���ة اجلديد الذي ُاعتمِ د بالإجم���اع ودخل حيز التنفيذ منذ انعقاد قمة دكار يف �آذار‪/‬مار�س ‪ .2008‬كما‬ ‫يعت�ب�ر تطبيق ًا ملا تن�ص علي���ه بنود برنامج العمل الع�شري الذي اعتمدته القمة الإ�سالمية اال�ستثنائية الثالثة‬ ‫املنعقدة يف مكة املكرمة يف كانون الأول‪/‬دي�سمرب ‪.2005‬‬ ‫ً‬ ‫ويع���د �إن�شاء هيئة دائم���ة وم�ستقلة حلقوق الإن�سان جت�سيدا للأهمية البالغ���ة التي توليها الدول الأع�ضاء يف‬ ‫املنظم���ة لتعزيز حقوق الإن�سان وتطبيق مبادئها يف �إطار القي���م الإ�سالمية وتلك املعرتف بها وامل�ستمدة من‬ ‫القيم العاملية امل�شرتكة للعدالة وامل�ساواة والت�سامح وكرامة الإن�سان وحريته‪ .‬ومما ال �شك فيه �أن هذه الهيئة‬ ‫�ستك���ون ر�صيد ًا جديد ًا للمنظمة يف القيام مبهمتها الرامي���ة �إىل الإرتقاء بنوعية حياة امل�سلمني داخل الدول‬ ‫الأع�ضاء يف املنظمة ويف �أو�ساط املجتمعات الإ�سالمية يف اخلارج‪.‬‬ ‫كما ا�ستطاعت منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي تعزيز ح�ضورها داخل جمل�س حقوق الإن�سان يف جنيف‪ .‬و�ساهمت‬ ‫ب�صورة �إيجابية وب ّناءة يف �إجناح م�ؤمتر ديربان الثاين ملكافحة العن�صرية والتمييز العرقي وكراهية الأجانب‬ ‫وغريه���ا من �أ�شكال التع�ص���ب‪ ,‬مربهنة بذلك على جديتها يف اال�ضطالع بدور ف ّعال �ضمن منظومة عالقات‬ ‫دولي���ة تت�س���م بالإن�سجام‪ ،‬وتقوم عل���ى �أ�سا�س االحرتام املتب���ادل وعدم التمييز‪ .‬عالوة عل���ى ذلك‪ ,‬فقد لقي‬ ‫الإع�ل�ان عن �إقامة هيئة دائم���ة وم�ستقلة حلقوق الإن�سان ا�ستح�سان املجتمع ال���دويل وترحيبه‪ ,‬مبا يف ذلك‬ ‫املفو�ضية ال�سامية حلقوق الإن�سان التابعة للأمم املتحدة‪.‬‬ ‫ا�ستناد ًا �إىل وثيقة �أعدتها الأمانة العامة للمنظمة ب�ش�أن �إقامة هذه الهيئة‪ ,‬عقد فريق من اخلرباء احلكوميني‬ ‫املخت�ص�ي�ن بت�أ�سي�س الهيئ���ة اجتماعني خالل �شه���ر ني�سان‪�/‬أبريل ‪ ,2009‬بهدف و�ضع �صيغ���ة نهائية مل�شروع‬ ‫النظ���ام الأ�سا�س���ي للجهاز اجلديد التاب���ع للمنظمة‪ .‬بينما تع ّه���د اجتماع لكبار‬ ‫امل�سئولني من ممُ ِّثلي الدول الأع�ضاء بت�شكيل الهيئة يف غ�ضون عامني‪.‬‬ ‫ُحدث تغري ًا نوعي ًا على م�ستوى‬ ‫و�إنني على يقني ب�أن هذه الهيئة امل�ستقلة �ست ِ‬ ‫املنظم���ة على نحو تتناغم فيه حقوق الإن�س���ان العاملية واحلريات مع القيم‬ ‫الإ�سالمي���ة‪ ,‬وذلك م���ن �أجل توفري نظ���ام حماية قوي ي�ؤم���ن التمتع الكامل‬ ‫بجميع حقوق الإن�سان يف الدول الأع�ضاء‪ .‬كما �إنني موقن ب�أن عمل الهيئة �سيعني‬ ‫عل���ى تعزي���ز القيم العاملية حلق���وق الإن�سان كجزءٍ ال يتج���ز�أ من عملية م�ستمرة تبن ّته���ا املنظمة منذ اعتماد‬ ‫�إعالن القاهرة حلقوق الإن�سان‪.‬‬ ‫�إن برنام���ج العم���ل الع�شري وامليثاق اجلديد ال يقت�ص���ران على الدعوة �إىل �إن�شاء هيئ���ة حقوق �إن�سان تابعة‬ ‫ملنظم���ة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪ ,‬بل �إنهما فتحا الباب لآفاق �أرحب �أم���ام عملية الإ�صالح ال�سيا�سي والفكري‪ .‬كما‬ ‫�أنهما يح ّثان الدول الأع�ضاء على التعاون يف جمال تعزيز قيم الت�سامح واحلريات الأ�سا�سية واحلكم الر�شيد‪,‬‬ ‫و�سي���ادة القانون‪ ,‬وامل�ساءلة‪ ,‬واالنفتاح‪ ,‬والتفاهم مع �سائر الأدي���ان واحل�ضارات‪ ,‬ونبذ التع�صب والتطرف‪,‬‬ ‫وغر�س قيم االعتزاز بالهوية الإ�سالمية‪.‬‬ ‫�أكمل الدين �إح�سان �أوغلي �أمني عام منظمة امل�ؤمتر الإ�سالمي‪.‬‬ ‫‪178‬‬

‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫‪:∞JÉg‬‬

‫‪+967 1 682144‬‬

‫‪:¢ùcÉa‬‬

‫‪+967 1 677879‬‬

‫‪16822 :Ü.¢U‬‬ ‫‪á«æª«dG ájQƒ¡ª÷G - AÉ©æ°U‬‬

‫‪E-mail: info@Shebacss.com‬‬

‫‪www.Shebacss.com‬‬

‫ا�سرتاتيجيةالعدد الثالث‪ ،‬مار�س‪/‬يونيو‬

‫‪2010‬‬

‫ا�سرتاتيجية‬

‫‪179‬‬


w w w . s h e b a c s s . c o m

á«é«JGΰSE’G äÉ°SGQó∏d CÉÑ°S õcôe Sheba Center for Strategic Studies

á`` `aô©ŸÉH á`` ` `°SÉ«°ùdG ó`` ` `aQ

Relating Policy to Knowledge 2010

‫يونيو‬/‫ مار�س‬،‫ا�سرتاتيجية العدد الثالث‬

180


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.