اللوبي الإيراني

Page 34

‫اإلخوان لم يحدثوا قطيعة معرفية معها‪ ،‬وأن من جاءوا من خلفيات‬ ‫أخرى منهم لم يحافظوا على القطيعة املعرفية التي كانت تفصلهم‬ ‫عنها قبل تحولهم إلى الفكر اإلسالمي‪ .‬فلم يختلف فكرهم عن‬ ‫توجهات جماعة اإلخوان واإلسالم السياسي عموما في جوهرها‪،‬‬ ‫ُبل قدم بعضهم رؤى بدت أكثر تشددا في صيغتها الفكرية التي‬ ‫طرحت بها مقارنة بالتوجهات السياسية املعادلة لها في خطاب‬ ‫اإلخوان وغيرهم من قوى اإلسالم السياسي‪.‬‬ ‫خ��ذ مثال امل��وق��ف م��ن «اآلخ ��ر»‪ .‬فقد ظ��ل ك��ل م��ن البشري وعمارة‬ ‫يعتبران فكر العلمانيني املصريني واف��دا من الغرب وغريبا على‬ ‫الشرق‪ ،‬بل تعدى األمر الفكر إلى من يؤمنون به حيث اعتبروهم‬ ‫غرباء‪ .‬وأذكر أننا كنا في ندوة نظمتها صحيفة «الحياة» في مكتبها‬ ‫بالقاهرة عام ‪ 1994‬حني فاجأنا دكتور محمد عمارة بترديد القول‬ ‫املأثور شعبيا «البيت بيت أبونا‪ ..‬والغرب بيطردونا»‪ ،‬قاصدا أن‬ ‫«العلمانيني» الغرباء يسعون إلى إقصاء اإلسالميني األصالء‪ .‬وقد‬ ‫شرحت له يومها أن الدار (الوطن) للجميع وليست ألحد‪ ،‬ولم يرثها‬ ‫أي طرف عن أبيه وليس فيها غرباء ألن من يعيشون فيها كلهم‬ ‫شعب واحد‪.‬‬ ‫وي�ك�ش��ف ك�ت��اب دك �ت��ور ع �م��ارة «م�ع��رك��ة املصطلحات ب�ين ال�غ��رب‬ ‫واإلسالم» الصادر عام ‪ 1996‬رفضا دفينا لكل ما تعبر عنه مفاهيم‬ ‫التنوير والديمقراطية وحقوق اإلنسان والعقالنية واإلبداع‪ ،‬وليس‬ ‫تاريخ جماعة اإلخوان ومراجعة ما كتبه عن هذا التاريخ باعتباره فقط مفهوم العلمانية‪ ،‬ونفورا شديدا من املضمون التحرري لهذه‬ ‫مؤرخا‪ .‬فقد تضمن أحد كتبه التأريخية (الحركة السياسية في املفاهيم‪ .‬فالتنوير مثال هو محض اتجاه مادي ال ديني‪.‬‬ ‫مصر ‪ )1952-1945‬في طبعته األول��ى الصادرة عام ‪ 1972‬رؤية‬ ‫نقدية ص��ارم��ة لتوجهات جماعة اإلخ ��وان وممارساتها ف��ي تلك وق��ل مثل ذل��ك عن بعض أفكار املستشار ط��ارق البشري الذي‬ ‫الفترة‪ .‬فقد انتقد مصادرتها الدين ملصلحتها وسعيها للسيطرة ينظر إلى العلمانية باعتبارها «واف��دا غريبا اقتحم حياة مصر‬ ‫على اإلسالم وعدم احترام أعضائها إال أهداف جماعتهم كتنظيم‪ ،‬وشعبها في القرن التاسع عشر»‪ .‬ويعتبر كتابه «الحوار اإلسالمي‬ ‫والغموض الذي اكتنف نظرتها لطبيعة الدعوة‪ ،‬وهل هي سياسية أم العلماني» الصادر عام ‪ 1996‬مثاال للغلو في هذا املجال‪ .‬فقد ربط‬ ‫دينية‪ .‬واعتبر البشري هذا الغموض مقصودا لتسهيل النمو تحت بني ما سماه وفود الفكر العلماني وحضور االستعمار‪ ،‬ورأى أن‬ ‫ستار الدعوة الدينية وج��ذب كثير من الناس بعيدا عن صراعات البحث عن أمر الفكر الوافد في مجمله (أي كل األفكار اإلنسانية‬ ‫السياسة املباشرة ومراوغة الحكومة واألح��زاب وال��رأي العام رغم امل��دن�ي��ة) ال يتيسر إال باستحضار قصة امل��واج�ه��ة السياسية‬ ‫أنها كانت – في نظره حينئذ – ليست إال تنظيما سياسيا يسعى والعسكرية املستمرة مع الغرب على مدى القرنني األخيرين‪ ،‬في‬ ‫للسلطة‪ .‬كما انتقد عدم اهتمامها باملسألة الوطنية‪ ،‬معتبرا أنها إطار ما يسميه «عصر مقاومة االستعمار»‪.‬‬ ‫رغم ما كان يصدر عن قادتها من تعريض باالستعمار أحيانا أو‬ ‫هجوم عليه كانت أقل التنظيمات تعرضا للمسألة الوطنية وتحديدا ويعني ذل��ك أن الكثير من املفاهيم األساسية التي تقوم عليها‬ ‫للموقف إزاءها في وقت كانت هذه املسألة هي بؤرة االهتمام العام‪ .‬الدولة الوطنية في هذا العصر ليست إال فكرا وافدا ارتبط بالغزوة‬ ‫وليس هذا إال غيض من فيض االنتقادات التي وجهها البشري إلى االس�ت�ع�م��اري��ة‪ ،‬وأن م�ق��اوم��ة ه��ذه ال �غ��زوة ت��رت�ب��ط ب��ال�ت��ال��ي (وه��ذا‬ ‫اإلخوان في الطبعة األولى من الكتاب‪.‬‬ ‫استنتاجنا وليس قوله الصريح) بمواجهة تلك املفاهيم التي ال‬ ‫يستقيم بناء ال��دول واملجتمعات في العصر الراهن في غيابها‪.‬‬ ‫غير أنه لم يلبث أن ّ راجع نظرته هذه إلى اإلخوان مراجعة جذرية ولعله ينسى أن من بني هذه املفاهيم ما كان سالحا في مواجهة‬ ‫تقريبا‪ .‬ولذلك ص��در الطبعة الثانية للكتاب الصادرة عام ‪ 1983‬االستعمار مثل السيادة الوطنية وتقرير املصير فضال عن مفهوم‬ ‫بمقدمة طويلة في ‪ 68‬صفحة أفصح فيها عن تغيير نظرته إلى الديمقراطية الذي يرتبط بالضرورة باستقالل الوطن ألنه يقوم‬ ‫جماعة اإلخ��وان‪ .‬وأوضح في هذه املقدمة‪ ،‬التي لم تكن من حيث على مبدأ السيادة للشعب ال��ذي تنفر منه بعض ق��وى اإلس�لام‬ ‫حجمها ووظيفتها مجرد مقدمة بل فصال جديدا‪ ،‬أن فكره تغير‪ .‬السياسي صراحة وبعضها اآلخر ضمنا أو ثورية‪.‬‬ ‫وقال‪« :‬دار فكري دورة كبيرة» فيما يتعلق بفهم طبيعة جماعة‬ ‫اإلخوان ودورها‪ ،‬موضحا أنه أدرك أن من ينظر إليها من خارج وك�ث�ي��رة ه��ي ف��ي ال��واق��ع األم�ث�ل��ة ال��دال��ة على أن ال�ت��وج�ه��ات الفكرية‬ ‫ّ‬ ‫إطارها الفكري والعقيدي والحضاري «ال يستطيع أن يستصحب للمثقفني وال�ك��ت��اب ال��ذي��ن اش�ت�ه��روا بأنهم وس�ط�ي��ون‪ ،‬ب��ل بكونهم‬ ‫منطقها»‪ ،‬وال يعي الفرق «بني املنهج اإلسالمي كما يراه اإلخوان النماذج األبرز للوسطية‪ ،‬ليست إال تعبيرا عن التوجهات السياسية‬ ‫واملنهج العلماني الذي انطبع به فكر الكثيرين من أبناء املؤسسات لجماعات اإلسالم السياسي بما فيها جماعة اإلخوان‪.‬‬ ‫الحديثة في بلدنا»‪ .‬ومضى بعد ذلك «يصحح» ما أخطأ فيه عندما فالوسطية اإلسالمية‪ ،‬التي تقوم على فكرة عامة بسيطة مؤداها‬ ‫لم يستصحب منطق اإلخ��وان‪ ،‬ويراجع ما ورد عنهم في الطبعة أن��ه ال إف ��راط وال ت�ف��ري��ط‪ ،‬ه��ي ن�م��ط ح�ي��اة يعيشه م�ئ��ات امل�لاي�ين‬ ‫األولى «بهذا النظر» الجديد‪ ،‬ويوضح أنه صار يفهم ما غفل عنه من املسلمني بشكل طبيعي وليست توجها فكريا أو سياسيا‪.‬‬ ‫من قبل‪.‬‬ ‫فاإلنسان املسلم وسطي بفطرته إال إذا تعرض ملا يفسد هذه‬ ‫ويعني ذل��ك أن املثقفني «ال��وس�ط�ي�ين» ال��ذي��ن انشقوا على جماعة الفطرة التي فطره الله عليها <‬

‫‪,,‬‬

‫تحدث محمد‬ ‫عمارة في‬ ‫كتاباته‬ ‫وتصريحاته‬ ‫كثيرا عما‬ ‫سماه الوسطية‬ ‫الجامعة دون أن‬ ‫يوضح ما الذي‬ ‫تجمعه على‬ ‫وجه التحديد‬

‫‪,,‬‬

‫فهمي‬ ‫هويدي‬

‫المجلة ‪ /‬العدد ‪ 1594‬أبريل ‪ -‬نيسان ‪2014‬‬

‫‪35‬‬


Turn static files into dynamic content formats.

Create a flipbook
Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.
اللوبي الإيراني by المجلة - Issuu