قصة الغالف
وبلغت هذه المواجهة بين الجهاد العالمي والوطني أقصى مراحلها من الحرب الكالمية عندما بدأ تنظيم القاعدة حملة دعائية ضد حزب هللا وحماس .وكانت القاعدة محبطة نتيجة غيابها عن لبنان وفلسطين .واتهم تنظيم القاعدة حزب هللا وحماس «ببيع» أراضيهم وقضيتهم إلى إسرائيل بقبول وقف إطالق النار أو االنتخابات .وحث التنظيم حركة حماس على إقامة إمارة «إسالمية» في غزة، ولكن سحقت قوات حماس المتعاطفين مع بن الدن .واستخدمت القاعدة مرارا أسلوب التشهير الطائفي للهجوم على مقاتلي الشيعة في لبنان ،دون تحقيق تقدم كبير على أرض الواقع .وتحول الجهاد العالمي بصورة متزايدة إلى نداء ظاهري وأعتمد بشكل كبير على شبكة اإلنترنت، بينما زاد الجهاد الوطني من جذوره في التمرد. وبذلك حين لم يستطع تنظيم القاعدة المحافظة على الجهاد الثوري في المملكة العربية السعودية ،فشل أيضا في تحويل مسار الجهاد الوطني في الشرق األوسط. وزادت أزمة الجهاد العالمي سوءا عندما سحب أكثر العلماء الجهاديين تشددا دعمهم لتنظيم القاعدة (بما في ذلك واحد من أعضائه المؤسسين ،وهو «دكتور فضل» المصري ،أو سيد إمام الشريف). وتم تصوير بن الدن وأتباعه بأنهم «خانوا» القيم األساسية لإلسالم .وكان رد فعلهم بالتأكيد على حق المقاتلين المجاهدين ،حتى الذين ال يحظون بخلفية دينية ،في تقرير ما هو صواب أو خطأ في اإلسالم .ويروج تنظيم القاعدة لدين جديد، ويحول الشرعية الدينية من العلماء إلى المتشددين .ويتطابق هذا التصعيد للعنف الرمزي مع حقيقة مفادها أن األغلبية الساحقة من ضحايا تنظيم القاعدة من المسلمين. وحين واجهت بن الدن هذه المشكلة المستفحلة ،نظر بإيجابية أكثر إلى الجهاد الثوري للعتيبي .ولكن ال يزال تنظيم القاعدة يتمسك بأجندته العالمية ،وال يترقب العد التنازلي حتى يوم القيامة. ولقد حيد تدنيس مكة المكرمة معظم الطاقات المخلصة في العالم السني. والوضع مختلف تماما في العالم الشيعي، حيث يحظى الحنين إلى المهدي ،أو اإلمام الغائب ،بترنيمات سياسية قوية. ونجد مقتدى الصدر ،وهو رجل دين شيعي العدد 1533
عراقي عمره 30عاما فقط ،ولكنه ابن وابن أخ ألثنين من آيات هللا «الشهداء». ولعب مقتدى على هذا الوتر عند إطالق «جيش المهدي» في عام .2003وجمعت الحركة الصدرية بين الجهاد العسكري والمناورات السياسية ،بينما تطورت
بعد ثالثين عاما من سفك الدماء في مكة ،ال تالقى دعوة العتيبي لحمل السالح أي صدى .فشل الجهاد الثوري في كل مكان في العالم اإلسالمي ،أو كما حدث في الصومال ،خلق دوائر النهائية من الحرب األهلية .ولهذا يسيطر الجهاد الوطني على الساحة الجهادية، وخاصة في حالتي حماس وحزب هللا ميليشيا تؤمن بأحداث النهاية بشكل أكثر وضوحا ،وهى جماعة «أنصار اإلمام مهدي» في جنوب العراق .وتم سحق تمردهم في مدينة النجف المقدسة في يناير ،2007وكان الغضب في العالم الشيعي مماثال للصدمة التي حدثت لدى األمة كلها ،في نوفمبر ،1979نتيجة اقتحام الكعبة. ما بعد رسائل جهيمان بعد ثالثين عاما من سفك الدماء في مكة، ال تالقى دعوة العتيبي لحمل السالح أي صدى .فشل الجهاد الثوري في كل مكان في العالم اإلسالمي ،أو كما حدث في الصومال ،خلق دوائر النهائية من الحرب
األهلية .ولهذا يسيطر الجهاد الوطني على الساحة الجهادية ،وخاصة في حالتي حماس وحزب هللا ،إال أن مواجهتهما مع إسرائيل قد جعلتهما أكثر شعبية في الخارج أكثر مما يتمتعان به من شعبية داخل أراضيهما .ويرفع المقاتلون المتمردون شعار الجهاد العرقي-الوطني أيضا حين يقاتلون في سبيل األقليات المسلمة ،كما حدث في تايالند أو في الفلبين ،ولكن غياب قيادة موحدة يضعف موقفهم .في كل هذه األزمات ،تعد الحاجة إلى تحويل االنجازات العسكرية إلى إنجازات سياسية هي التحدي الرئيسي الذي يواجهه الجهاد الوطني. خالل العقود الثالث الماضية ،ركزت عناوين األخبار على البعد العنيف لمفهوم الجهاد ،وتجاهلت الشعبية المتزايدة للشكل غير العسكري من الجهاد .وتم شن حمالت دولية ضد الفقر واألمية واألوبئة تحت راية الجهاد ،وعلى سبيل المثال من خالل منظمة المؤتمر اإلسالمي .وأدت زيادة فاعلية المجتمع المدني إلى مبادرات أخرى من الجهاد المصحوب بالوعي االجتماعي .وبينما ينحرف تنظيم القاعدة بعيدا عن اإلسالم ويروج لعقيدته الخاصة، فان هذا التطور الجذري هو تذكرة طيبة بأن الجهاد ليس بالضرورة مرادفا للعنف، وأنه محاولة شاملة لتحقيق رسالة النبي. أستاذ بمعهد باريس للدراسات السياسية وعمل كأستاذ زائر بجامعة جورج تاون وقد منح معهد التاريخ الفرنسي جائزته الرئيسية لكتابه «أحداث النهاية في اإلسالم الذي ستنشره مطبعة جامعة كاليفورنيا باللغة اإلنجليزية 23