قصة الغالف
منذ أن خلع الجيش املصري الرئيس السابق وعضو جماعة اإلخوان ،محمد مرسى ،كانت البالد ترزح تحت وطأة العنف والصراع الطائفى واالضطرابات .وكان الخطاب السائد والناجم عن ذلك املزيج الخطر – وإن كان هذا الخطاب نسجته بعناية أعلى نخبة بالجيش – هو خطاب الحرب على اإلرهاب .وفي إطار هذا الخطاب، أصبحت جماعة اإلخوان املسلمني العدو األول للشعب ،خاصة وأن النظام سلط الضوء على التصريحات التي أطلقها أعضاء بجماعة اإلخوان في أعقاب االنقالب تعهدوا فيها باالستشهاد دفاعا عن قضيتهم.
بعدما صنفت مصر اإلخوان تنظيما إرهابيا :هل تفعل الواليات املتحدة الشيء نفسه؟
أمريكا واجلماعة بقلم: تالى هلفونت
,,
أكد أوباما أن الواليات املتحدة «سوف تستمر في مضيها قدما في الحفاظ على عالقات بناءة مع الحكومة االنتقالية في مصر فيما تدعم املصالح الرئيسة مثل اتفاقيات كامب ديفيد ومكافحة اإلرهاب»
,,
28
وتجد اآلن الواليات املتحدة نفسها في موقف ملتبس حيث يجب عليها السير بحذر وسط أرض تعج باأللغام األرضية .وعلى الرغم من هذا الخطر ،تحاول أميركا مرة أخرى أن تستعيد وضعها في مصر؛ وذلك حيث إن العالقات الثنائية التي كانت من قبل تمثل حجر األساس في بنية التحالف األميركي في املنطقة كانت قد بدأت تشهد تراجعا سريعا بعدما أنتج ميدان التحرير ثورة 25يناير (كانون الثانى) .فعلى الرغم من أن الدعم األميركي ملصر كان قد صمد أمام العديد من التغيرات في السنوات السابقة ،فإنه لم يخرج منها دون أضرار ،وذلك حيث ساهمت العديد من العوامل في تراجع العالقات األميركية -املصرية؛ يتداعى اثنان منها على وجه الخصوص إلى األذهان حاليا .أوال ،طبيعة السياسة الخارجية األميركية تجاه مصر واملعتمدة على رد الفعل والتي كان العديد منا يرى أنها تأتي متأخرة باستمرار خطوتني عن تطور األحداث على األرض كما أنها لم تكن تتوافق دائما مع لب املصالح األميركية وهو ما ساعد على احتقان العالقات .وثانيا، تعرض ذلك التحالف لالضطرابات إثر تغير األوضاع السريع في مصر، فبعدما كان مبارك في القمة هبط منها في غمضة عني ،وبعدما كانت جماعة اإلخوان املسلمني تحظى بأغلبية أصوات الناخبني؛ حيث حصلت على 51.7 في املائة من األصوات فى صندوق االقتراع ،اتهمت في اليوم التالي بأنها تحاول بناء ديكتاتورية إسالمية جديدة .وقد دفعت هذه التغيرات الرئيسة في القيادة الواليات املتحدة للتساؤل عما إذا كان التحالف مع مصر يمكن إنقاذه أم ال وما هي تكلفة إنقاذه. وفي هذا السياق ،يجب علينا فحص السؤال بشأن ما إذا كانت الواليات املتحدة سوف تؤيد قرار الحكومة املصرية بتصنيف جماعة اإلخوان املسلمني كجماعة إرهابية ،واألهم من ذلك :هل تحذو حذوها. بغض النظر عن انعدام الثقة املتبادل بني الحلفاء ،يجب أن نأخذ في اعتبارنا املشهد الحالي في املنطقة ،وذلك حيث إن انتباه الواليات املتحدة كان مشتتا في العديد من القضايا؛ تحديدا إيران وسوريا واملشروع التاريخي لوزير الخارجية األميركي جون كيري – مفاوضات السالم اإلسرائيلية الفلسطينية مما جعلها تبدو أكثر انشغاال من أن تولي اهتماما ملصر ناهيك عن أنتتخذ موقفا واضحا بشأن قرارها بتصنيف جماعة اإلخوان كجماعة إرهابية .كما أن هناك دليال على أن تقديم الواليات املتحدة الدعم لهذا القرار في هذه اللحظة لن يكون في مصلحة الواليات املتحدة في هذه املرحلة وهو ما سأشرحه الحقا. على أية حال ،لم يمض قرار الحكومة املصرية بتصنيف الجماعة كجماعة إرهابية تماما دون أن يلفت األنظار في واشنطن .ومع ذلك ،فإن التصريح
المجلة /العدد 1592فبراير -شباط 2014
الرسمي الوحيد حول ذلك القرار جاء من املتحدثة باسم الخارجية األميركية التي قرأت بعناية تصريحا معدا مسبقا يتمحور حول تداعيات مثل تلك الخطوة على الحريات التي يكفلها القانون لألميركيني وليس للمصريني، فيقول التصريح: «نحن قلقون بشأن تصنيف الحكومة املصرية االنتقالية في 25ديسمبر املاضي لجماعة اإلخوان املسلمني كجماعة إرهابية ،باإلضافة إلى استمرار حمالت اعتقال واحتجاز املتظاهرين السلميني ومنظمات املجتمع املدني والنشطاء السياسيني .وما زلنا قلقني بعمق بشأن االعتقاالت واالحتجازات واالتهامات بدوافع سياسية في مصر .وكما قلنا ،تثير هذه األفعال التساؤالت حول تطبيق القانون بعدالة ودون انحياز ،كما أنها لن تمضى قدما بالعملية االنتقالية». وعلى الرغم من أن الرئيس األميركي باراك أوباما لم يدل بأية تصريحات حول تلك القضية حتى اآلن ،أعرب وزير الخارجية جون كيري عن مخاوفه في مكاملة هاتفية مع نظيره املصري ،وزير الخارجية نبيل فهمي قبل ذلك بأربعة أيام .وكان لهذه املكاملة هدفان :التعبير عن عزاء كيرى الصادق للحكومة املصرية وأسر ضحايا الهجوم اإلرهابي الذي استهدف مديرية أمن الدقهلية في املنصورة وللتأكيد على حاجة مصر إلى إقامة عملية سالم شاملة تحترم حقوق اإلنسان األساسية وتضمنها لكافة املواطنني ،باإلضافة إلى الحاجة لتحقيق االستقرار السياسي والتغير الديمقراطي. وباملثل ،اتصل وزير الدفاع تشاك هيغل بوزير الدفاع املصري ،عبد الفتاح السيسي قبل يوم من تصريح وزارة الخارجية مقدما تعازيه ومناقشا ما وصفه وزير الدفاع« :بالتوازن بني األمن والحرية» .ولهذه املحادثة أهمية خاصة أخذا في االعتبار أن قدرا كبيرا من العالقات الثنائية بني البلدين كان يعتمد على هذين الرجلني وليس على الفرق الدبلوماسية التي أوكلتها الدولتان لهذه املهمة .ومع ذلك ،لم يقم أي من كيرى أو هيغل بذم أو امتداح ذلك التصنيف .ويبدو أن عدم وجود رد فعل رسمي يعكس إلى حد ما رغبة في التقليل من شأن القضية.
الواليات املتحدة أختارت عدم االنحياز وفي الحقيقة ،حدد أوباما هذا املسار بنفسه قبل عدة شهور أثناء الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة لألمم املتحدة عندما قال مباشرة إنه يعتزم عدم االنحياز ألحد األطراف ،مؤكدا أن كال من الرئيس املعزول محمد مرسى والحكومة االنتقالية يحكمان بأسلوب قمعي وال يتضمن كافة األطياف،