Mirrors of heritage, Issue N. 9, Fall-Winter 2019 مرايا التراث - العدد التاسع - خريف/شتاء

Page 1

‫‪Mirrors‬‬ ‫‪of Heritage‬‬ ‫العدد التاسع – خريف ‪  / ٢٠١٨‬شتاء ‪٢٠١٩‬‬

‫‪Issue No. 9 – Fall 2018 /  Winter 2019‬‬

‫‪Issue No. 9 – Fall 2018‬‬ ‫‪Mirrors of Heritage‬‬

‫َم َل ّف العدد‬

‫‪Special section‬‬ ‫‪At the Window of Beirut Star‬‬ ‫‪from‬‬ ‫‪our Popular Heritage‬‬ ‫‪• 2 Lebanese Pioneers:‬‬ ‫‪Afifi Karam, Yussef Huwayik‬‬

‫العدد التاسع – خريف  ‪٢٠١٨‬‬

‫‪• Memories‬‬

‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫•‪ ‬عفيفة كرم رائدة الرواية في َ‬ ‫األدب العـربي‬ ‫•‪ ‬يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬ ‫•‪ ‬حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف‬ ‫•‪ ‬ذاكرةُ تُ راثنا في َأعمال َأنيس فريحة‬


‫ـمية ُم َـح َّك َمة َتصدر مرتين في السنة‬ ‫َأكادي ّ‬ ‫َي ُ‬ ‫نش ُرها‬ ‫مركز التراث اللبناني‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية‬ ‫رئيس التحرير ال ُ‬ ‫ـمسؤول‪ /‬مديـر الـمركـز‬ ‫هنري زغيب‬ ‫ميــة‬ ‫الهـيـئَ ـة ِ‬ ‫العــلْ َّ‬ ‫َ‬ ‫العائلة)‪:‬‬ ‫الدكاتــرة‬ ‫األساتذةُ َّ‬ ‫اسم ِ‬ ‫(ترتيبا َأ ً‬ ‫ً‬ ‫بجديا ِب ْ‬ ‫رمزي بعلبكي | الجامعة َ‬ ‫كرسي الدراسات العربية‬ ‫األميركية | ُ أستاذ‬ ‫ّ‬ ‫لطيف زيتوني | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫السـرديات‬ ‫األميركية | ُأستاذ َّ‬

‫عماد سالمة | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية | ُأستاذ العالقات الدولية‬ ‫واإلعالم‬ ‫محمد َب َدوي َّ‬ ‫الشهال | الجامعة اللبنانية | مساعد رئيس الجامعة للعالقات العامة ِ‬ ‫األميركية | ُأستاذة ِإدارة َ‬ ‫غطاس | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫رنيه ّ‬ ‫األعمال‬

‫للش ُـؤون َ‬ ‫اإلسالمية في لبنان | مستشار رئيس الجامعة ُّ‬ ‫األكاديمية‬ ‫وجيه فانوس | الجامعة ِ‬ ‫منسق الهيئة العلمية‬ ‫الروح القدس ‪ -‬الكسليك | ّ‬ ‫َأنطوان ّ‬ ‫قسيس | جامعة ّ‬ ‫لحود | الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية | ُأستاذ الهندسة المعمارية والحفاظ على التراث‬ ‫َأنطوان ُّ‬

‫اإلدارة والتحرير‬ ‫ِ‬

‫مركز التراث اللبناني ‪ -‬الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية ‪ -‬قريطم ‪ -‬بيروت‬ ‫(المقسم ‪)1600‬‬ ‫هاتف‪+ 961 1 78 64 64 :‬‬ ‫ّ‬ ‫فاكس‪+ 961 1 78 64 60 :‬‬ ‫ص ب‪ 13 - 5053 :‬بيروت ‪ -‬لبنان‬ ‫‪clh@lau.edu.lb‬‬

‫‪www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh‬‬ ‫مجلة مرايا التراث ‪Facebook: Maraaya Journal‬‬

‫تصميم و إخراج‬

‫‪MarCom –LAU‬‬


‫العدد التاسع ‪ -‬خريف ‪ /٢٠١٨‬شتاء ‪٢٠١٩‬‬

‫‪3‬‬

‫ُأولى الــ‪‬مرايا‪ - ‬هنري زغيب‬ ‫وراق وارفةٌ في التاريخ‬ ‫َأ ٌ‬

‫‪١٤‬‬ ‫‪25‬‬

‫األدبي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪.‬إلهام كالّ ب البساط‬ ‫اللبنانية عفيفة كرم ‪‬غادة عمشيت‪‬‬ ‫رائدة الرواية في َ‬ ‫األدب العـربي‬

‫د‪ .‬إيلي حليحل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪/‬االجتماعي في أعمال أنيس فريحة‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكرةُ تُ راثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ف العدد‬ ‫َم َل ّ‬

‫‪2‬‬

‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫هنري زغـيب‬

‫‪50‬‬

‫عبد الفتاح خطاب‬ ‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‪ :‬مقهى الحاج داود‪‬‬

‫‪82‬‬

‫عبد اللطيف فاخوري‬ ‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪67‬‬

‫د‪ .‬وجيه فانوس‬ ‫شاع ُر َ‬ ‫ـاشـق َب ْـي ُـروت‬ ‫الزعنِّ ي ِ‬ ‫الشعـب وع ِ‬ ‫عمر ّ‬

‫‪‬مهنْ ِدز‪ ‬العصر الحديث‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬القرن التاسع عشر إلى َ‬

‫‪106‬‬ ‫‪135‬‬

‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫الوطنية‬ ‫حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف‬ ‫ّ‬

‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬

‫صورة الغالف‪ :‬بإزميل يوسف الحويك‬ ‫‪‬الباكيتان‪َ :‬أ ّول تمثال للشهداء (‪،)١٩٣٠‬‬ ‫باحة متحف نقوال سرسق‬


‫ُأولى الـ ‪‬مرايا‪‬‬

‫أَ ٌ‬ ‫وراق وارف ٌة في التاريخ‬ ‫هنـري زغـيـب‬ ‫رئيس التحرير‬

‫وهـ َـج الــذاكــرة‪ ،‬فالوثيقةُ َ‬ ‫األصليةُ‬ ‫شمس هذه‬ ‫ِإذا كانت‬ ‫ُ‬ ‫المحفوظات ْ‬ ‫ُ‬ ‫الذاكرة‪.‬‬ ‫المعنيون ً‬ ‫بحثا عن الشمس حين يستطيعون‪َّ ،‬‬ ‫بالوهج‬ ‫وإال اكتفَ وا‬ ‫يهتم‬ ‫ْ‬ ‫ُّ‬ ‫لذا ُّ‬ ‫نسخة عن َ‬ ‫ً‬ ‫األصلية َأو ِذ ْك ًرا ُم ْسنَ ًدا لها‪.‬‬ ‫في ما يكون‬ ‫َ‬ ‫يفسر‬ ‫قيمة ورقةٍ َأو صورةٍ َأو وثيقةٍ َأو بطاقةٍ َأو مخطوطةٍ‬ ‫وهذا ما ِّ‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬ ‫فصل من‬ ‫يتجمد عنده‬ ‫عريق‬ ‫رث‬ ‫تحمل َخ َّط صاحبها‪ ،‬ومعه‬ ‫تاريخا من ِإ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫نابضا في ورقةٍ ‪ ،‬صورةٍ ‪ ،‬وثيقةٍ ‪ ،‬بطاقةٍ ‪ ،‬مخطوطة‪.‬‬ ‫التاريخ َع َـب َـر‪ ،‬وال يزال ً‬ ‫وحسب‪ ،‬بل هو‬ ‫استرجاعي‬ ‫عاطفي َأو‬ ‫ـجي‬ ‫ْ‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌّ‬ ‫ليس للوثيقة َأثـ ٌـر نوستال ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫شرق‬ ‫ثقافيا َأو‬ ‫وطنيا َأو‬ ‫ثابت قد يكون‬ ‫سياحيا‪ ...،‬لـحقبةٍ َغ ُر َبت وتُ ُ‬ ‫دليل ٌ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫وضع‪ ،‬عن‬ ‫من وثيقةٍ لها فائدةٌ سوسيولوجيةٌ َأو تاريخيةٌ َأو سياسيةٌ عن‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ـام‪ ،‬عن مــواقـ َـع تراثيةٍ َأو تاريخيةٍ َأو‬ ‫ـاص‪ ،‬عن‬ ‫َ‬ ‫َأش ـخـ ٍ‬ ‫مواطنين‪ ،‬عن أع ـ ٍ‬ ‫تفيد في‬ ‫الدارس ِإلى‬ ‫تقود‬ ‫ِ‬ ‫راجع َأو لُ َـم ٍـح ُ‬ ‫اجتماعيةٍ ‪ ،‬يمكن َأن َ‬ ‫مصاد َر َأو َم َ‬ ‫َ‬ ‫كش ِف ما لم يكن ُمـمكنً ا اكتشافُ ُه لوال تلك الوثيقةُ َ‬ ‫اإليضاح َأو في ْ‬ ‫األصلية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مبعثرةٍ َأو َمـجموعةٍ مـحفوظةٍ ‪،‬‬ ‫وكم في الخبايا من‬ ‫َ‬ ‫وثائق َأصليةٍ ‪ ،‬متفرقةٍ َ‬ ‫قصصا ِّ‬ ‫َ‬ ‫حكاية التاريخ‪.‬‬ ‫مجموعها‬ ‫يشكل‬ ‫رسم في ذاتها‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تَ ُ‬ ‫* * *‬

‫تحض ُرني اآلن‪َ ،‬‬ ‫مث ًال‪ ،‬مجموعةُ‬ ‫رسائل جبران وماري هاسكل من ‪1908‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بقيت‬ ‫حتى وفاته سنة ‪ 325( 1931‬منه ِإليها‪ ،‬و‪ 290‬منها ِإلـيــه)‪ ،‬وهــي َ‬ ‫ً‬ ‫نائمة في ُع َل ٍب كبيرةٍ لدى ‪‬محفوظات جامعة نورث كاروالينا في‬ ‫سنوات‬ ‫ٍ‬ ‫مايــنِ س (زوج مــاري هاسكل)‪،‬‬ ‫ـشاﭘـل ِهـ ّـل‪ ،‬بين َأوراق ُأســرة فلورنس ْ‬ ‫تْ ِ‬ ‫معظمها ِﭬـرجينيا حلو في كتابها‬ ‫ـدرت‬ ‫حتى انكشفت هذه الرسائل َوأصـ َ‬ ‫َ‬ ‫‪‬النبي الحبيب – رسائل الحب بين جبران وماري هاسكل‪ ،‬ودفاتر يومياتها‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫حلقات‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫صايغ‬ ‫توفيق‬ ‫ـذ‬ ‫ـ‬ ‫خ‬ ‫أ‬ ‫ومنها‬ ‫ـورك – ‪،)1972‬‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـو‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫(‬ ‫الحميمة‪‬‬ ‫ـادةَ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬


‫‪4‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫جم َعها الحقً ا في كتابه َ‬ ‫‪‬أض ــواء جديدة‬ ‫متسلسلة في مجلته ‪‬ح ــوار‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫صفحات تلك الوثائق األصلية أ َ‬ ‫شرق ْت‬ ‫على جبران‪( ‬بيروت ‪ .)1966‬ومن‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مبثوثة بكل‬ ‫خاصة‬ ‫فكارا‬ ‫شخصية‬ ‫معلومات ِب َـخ ّط جبران‪ ،‬سيرةً‬ ‫ٌ‬ ‫حميمة وأ ً‬ ‫َ‬ ‫تَ ـ َـأ ٍّن في رسائله‪َ ،‬‬ ‫سجيـتِ ه بدون تَ َـحفُّ ظ أدب ٍّـي ما كان يمكن‬ ‫انفلش فيها على‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫نكليزي‪،‬‬ ‫واإل‬ ‫إال َأن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫يعتمده في كتاباته العامة التي آلت ِإلى ُكتبه‪َ ،‬ع َر ِّبيها ِ‬ ‫الرسائل َ‬ ‫ُ‬ ‫حقيقيا لـجبران ما كنا اكتشفناه‬ ‫وجها‬ ‫ِفإذا تلك‬ ‫األصلية تكشف ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مانعا كلَّ‬ ‫في كتاباته المنشورة‪ ،‬حتى جاء‬ ‫ُ‬ ‫مضمون الرسائل دليال دامغً ا‪ً ،‬‬ ‫َ‬ ‫خلط َأو َ‬ ‫َ‬ ‫عما‬ ‫ا‬ ‫بعيد‬ ‫سيرته‬ ‫في‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ومرجع‬ ‫جبران‪،‬‬ ‫رسم شخصية‬ ‫ٍ‬ ‫ً َّ‬ ‫ً ّ‬ ‫خل ٍل في ْ‬ ‫ـحاوالت َأ ْس َط َرةٍ َأو تجريح‪.‬‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫ـته‬ ‫بشخصي‬ ‫ـق‬ ‫ِ‬ ‫َل ِـح َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫األولــى للوثائِ ق َ‬ ‫هذه َ‬ ‫األهميةُ ُ‬ ‫حدت بكارلوس ْسليم‬ ‫األصلية هي التي َ‬ ‫ً‬ ‫محفوظا لدى نسيبه النحات البوسطني خليل‬ ‫البتياع ِإ ْرث جبران الذي كان‬ ‫ً‬ ‫جناح خاص‬ ‫ـحفوظا بعنايةٍ فائقةٍ في‬ ‫جبران وزوجته ِجين‪ ،‬وبات اليوم َم‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫مية‪ ‬في مكسيكو‪ .‬وألن الزوجين كانا يمتلكان من جبران‬ ‫لدى ‪‬متحف ُس ّ‬ ‫َ‬ ‫الوثائق َ‬ ‫غراض األصلية (كما آلت ِإليهما من مريانا شقيقة جبران)‪ ،‬كان‬ ‫واأل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وعال ُـمه‪ ،‬وهو َّ‬ ‫كتابهما ‪‬خليل جبران – حياته َ‬ ‫شكل لدى صدوره (نيويورك‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫‪ )1974‬أكمل ما كان َص َدر َ‬ ‫قبله من ِسـ َـير جبران‪.‬‬ ‫آخر تكون‬ ‫كاتب َأو َأ ِّي‬ ‫مواطن َ‬ ‫ديب َأو ٍ‬ ‫وما َأقولُ ه عن جبران‪َ ،‬ي ُص ُّح عن َأ ِّي َأ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫معينة‪.‬‬ ‫معي ٍن في مناسبة َّ‬ ‫مكان َّ‬ ‫لتراثِ ه َأو ِإ ْرثه َأهميةٌ َّ‬ ‫معين في ٍ‬ ‫زمن ٍ‬ ‫معينةٌ في ٍ‬ ‫* * *‬

‫لكن َ‬ ‫هذا عن َ‬ ‫األ َ‬ ‫حب‬ ‫األعــام‪َّ .‬‬ ‫تنس ُ‬ ‫همية ال تنحصر فيهم فقطـ‪ ،‬بل َ‬ ‫خاصةٍ تكشف زمنَ ها وظرفَ ها ومناسبتَ ها‬ ‫على َأ ِّي وثيقةٍ شعبيةٍ َأو فرديةٍ َأو َّ‬ ‫فتنبس ُط َأمام الباحث االجتماعي َأو التاريخي َأو السياسي معلومةٌ قد‬ ‫ِ‬ ‫بالغة َ‬ ‫َ‬ ‫نص ُي َو ِّثقُ ه‪.‬‬ ‫األهمية‬ ‫تكون‬ ‫ٍ‬ ‫لبحث َيكتبه َأو ٍّ‬ ‫دالالت‬ ‫ذات‬ ‫مع هذه االفتتاحية‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وثائق عاديةٌ ‪َ ،‬أو هي تبدو كذلك‪ ،‬لكنها ُ‬ ‫بليغة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫جازات‬ ‫واإل‬ ‫حركة الفنادق‬ ‫وثائق تعود ِإلى سنة ‪ ،1939‬تُ ب ِّـيـن‬ ‫منها‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫فترتئذ‪ِ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ـمواصفات وزارة االقتصاد‬ ‫تقيدهم ب‬ ‫ِ‬ ‫المعطاةَ لـمالكيها أو ُمشغِّ ليها بعد ُّ‬ ‫الوطني (قبل ِإنشاء ‪‬المفوضية العامة للسياحة‪ ‬وقبل ِإنشاء ‪‬المجلس‬ ‫الوطني للسياحة‪ ‬وقبل ِإنشاء وزارة السياحة)‪.‬‬ ‫بين تلك َ‬ ‫األوراق َ‬ ‫قدمها نسيب متى لفندقه ‪‬ﭘــانسيون‬ ‫مث ًال‪ :‬وثيقةٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مطلوبة‬ ‫تحسينات‬ ‫(بحمدون – أول حزيران ‪ )1938‬بعد ِإنجازه‬ ‫َأميركا‪‬‬ ‫ٍ‬


‫(بكتاب‬ ‫واإلسعاف العام‪‬‬ ‫في فندقه (‪ 1‬آذار ‪ .)1938‬وكان‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫‪‬مدير الصحة ِ‬ ‫مخالفات إلزالتها‬ ‫وعدد له‬ ‫ٍ‬ ‫طلبا سابقً ا َّ‬ ‫وجهه ِإليه في ‪ )1936/11/5‬رفض له ً‬ ‫َّ‬ ‫لتحسينات عاد فالتزم بها‬ ‫ـجد ًدا‬ ‫ٍ‬ ‫وتسوية وضعه‪ .‬والحقً ا خضع السيد متى ُم َّ‬ ‫(كتابه في ‪ 3‬آذار ‪.)1941‬‬

‫أَ ٌ‬ ‫وراق وارف ٌة‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 3‬آذار ‪ – 1941‬إفادة نسيب متى بإنجاز إصالحات‬ ‫وتحسينات كانت مطلوبة منه‬

‫‪ – 1936/11/5‬تنبيه مدير الصحة إلى نسيب متى‬ ‫بإجراء التعديالت المطلوبة‬

‫في التاريخ‬

‫‪ 1‬آذار ‪ – 1938‬طلب نسيب متى إلى وزارة االقتصاد بفتح أبواب ‪‬نزل َأميركا‪‬‬


‫‪ – 1939‬رسالة هـ‪ .‬جدعون االعالنية عن خدمات فندقه في بحمدون‬

‫‪6‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫من الوثائق َ‬ ‫يضا مع هذه االفتتاحية‪ :‬رسالةٌ من السيد هـ‪.‬‬ ‫األصلية َأ ً‬ ‫عارضا خدمات‬ ‫جدعون صاحب فندق ‪‬لوكولوس‪ )Lucullus( ‬الشهير‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فندقه في بحمدون لصيف ‪ .1939‬ووثيقةٌ ُأخرى في ‪َ 27‬أيار ‪ 1939‬من‬ ‫مفيدا َأ ّن مستَ ْث ِم َري ‪‬ﭘــانسيون الراهبة‪Pension( ‬‬ ‫المالك مخائيل يوسف‪ً ‬‬ ‫‪ )Schwester Nustas‬في بحمدون الضيعة َأصبحا عفيفة سابا ويوسف‬ ‫خذ ْ‬ ‫ـ ‪‬يرجى َأ ُ‬ ‫العلم‪.‬‬ ‫َأبو الخير ف ـ ُ‬

‫‪ 27‬أيار ‪ – 1939‬إفادة مخائيل يوسف‬ ‫عن تغيير االستثمار إلى شخصين آخرين‬


‫أَ ٌ‬ ‫وراق وارف ٌة‬

‫ومــن ‪ 9‬آذار ‪ 1938‬وثيقةٌ َأصليةٌ تفيد عن فندق ‪‬منارة لبنان‪ ‬في‬ ‫صاحبه شكري كامل‪ ،‬وموافقةُ وزارة‬ ‫رويسات سوق الغرب يعرض فيها‬ ‫ُ‬ ‫االقتصاد في ‪ 12‬آذار ‪.1938‬‬ ‫ومـ ــن ال ــوث ــائ ــق َ‬ ‫األص ـل ـيــة‬ ‫كــذلــك مــع هــذه االفتـتاحية‪،‬‬ ‫طــل ـ ٌـب م ــن ‪‬الــســي ــدة َأل ـيــس‬ ‫ُغـوتيـيـه ابنة المرحوم نخلة‬ ‫غانم‪ ،‬من التابعية الفرنسية‪،‬‬ ‫الـمـقـيـمــة حــالـ ًّـيــا فــي محطة‬ ‫مصد ٌق بتاريخ‬ ‫بحمدون‪،...‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ 1944/4/5‬من وزيــر التجارة‬ ‫والــصــن ــاع ــة (ي ــومـ ـه ــا عـ ــادل‬ ‫ع ـس ـيــران‪ ،‬وزيـ ـ ًـرا لالقتصاد‬ ‫الوطني)‪ ،‬لــ ‪‬الكشف وبيان‬ ‫‪– 1944/4/5‬‬ ‫طلب أليس غوتييه إلنشاء نزل‬

‫في التاريخ‬

‫‪ 12‬آذار ‪ – 1938‬موافقة وزارة االقتصاد‬ ‫على تعرفة فندق ‪‬منارة لبنان‪ ‬في رويسات سوق الغرب‬

‫‪7‬‬


‫ْ‬ ‫‪‬نزل ‪ Auberge de l’élite‬الذي تنوي السيدة غوتييه ِإنشاءه‬ ‫الرأي‪ ‬حول ْ‬ ‫‪‬على عقار ْ‬ ‫استأجرته من كميل وميشال جدعون‪.‬‬ ‫للسيدين‬ ‫وهــذه وثيقة ُأخــرى عن ِإجــازةٍ ممنوحةٍ في ‪ 19‬آذار ‪1966‬‬ ‫َ‬ ‫عبدالعزيز ومحمد الـحـلــوانــي بــ ‪‬استثمار مطعم ال ـحــاج داود‪ ،‬شــارع‬ ‫البطريرك الحويك‪ ،‬بناية الحلواني في بيروت‪.‬‬

‫‪8‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫يضا َوأيـ ًـضــا‪ :‬رسالةُ‬ ‫وتقدير في ‪ 1966/7/8‬من‬ ‫شكر‬ ‫ومــن الوثائق َأ ً‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫اإلدارة المحلية لِ ــلِ ـواء السليمانية في‬ ‫السيد ‪‬نــوزاد ّفتاح مدير ضريبة ِ‬ ‫الجمهورية العراقية‪‬‬ ‫مـ ـس ـ ِّـج ـ ًـا تـ ـق ــدي ـ َـر ُه‬ ‫ـ ‪‬إدارة فندق ﭘــاناما‬ ‫ل ِ‬ ‫– بــحــم ــدون‪ ‬على‬ ‫‪‬ال ـخــدمــة الـمـمـتــازة‬ ‫وال ـ ـع ـ ـنـ ــايـ ــة الـ ـت ــام ــة‬ ‫والـ ـ ـه ـ ــدوء والــنــظ ــام‬ ‫ـاإلضـ ـ ــافـ ـ ــة ِإلـ ـ ــى‬ ‫بـ ـ ـ ِ‬ ‫ْ‬ ‫المأكوالت الشهية‪.‬‬


‫* * *‬

‫‪ )1‬مرايا التراث‪ ‬تَ ُ‬ ‫احها‪ ،‬لـمرة واحدة فقط‪ِ ،‬بــنَ ـ ْـشــر‬ ‫شكر وزارةَ السياحة على َس َـم ِ‬ ‫مالكة الحقوق‪.‬‬ ‫الوزارة‬ ‫ـحفوظات‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫النادرة‬ ‫القديمة‬ ‫الوثائق‬ ‫هذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬

‫‪9‬‬

‫في التاريخ‬

‫وهــذه رسالةٌ من ‪‬امـ َ‬ ‫ـرأة‬ ‫ف ـق ـيــرة ال ت ـجــد م ــن ُيعيلها‬ ‫سوى اهلل وعطفِ ُكم‪ ،‬مؤَ َّرخة‬ ‫في ‪ 8‬كانون َ‬ ‫األول ‪ 1947‬من‬ ‫‪‬م ــاري بنت عبود الـبــدوي‪‬‬ ‫ِإلـ ـ ــى ‪‬م ـص ـل ـح ــة َ‬ ‫األخـ ـ ــاق‬ ‫والفنادق‪ ‬في الوزارة‪ُ ،‬‬ ‫تطلب‬ ‫من َحها ِإجازة االستثمار‬ ‫فيها ْ‬ ‫‪‬ألتعاطى َ‬ ‫بفتح نزل َ‬ ‫األسباب‬ ‫واالرت ـ ــزاق ب ـصــورة شريفة‪‬‬ ‫في ‪‬الطابق الثاني من بناية‬ ‫عبدالفتاح بو حمزة في محلة‬ ‫الزهرية – طرابلس‪.1‬‬

‫أَ ٌ‬ ‫وراق وارف ٌة‬

‫وهذه رسالة ُأخرى في ‪ُ 1964/7/14‬ش ً‬ ‫وتقديرا من السيد ‪‬وهيب‬ ‫كرانا‬ ‫ً‬ ‫البيطار مساعد وكيل وزارة التربية والتعليم في ُ‬ ‫األردن‪ِ ‬إلى رنيه ْبتياري‬ ‫عن َ‬ ‫‪‬الكـ َـرم اللبناني‪ ‬الذي القاه ‪‬في فندقكم العامر‪ ،‬حتى شعرنا َأننا في‬ ‫بيوتنا‪.‬‬


‫‪10‬‬ ‫هنري زغـيب‬

‫َأكتفي بهذه النماذج للداللةِ على َأهمية الوثائِ ق َ‬ ‫األصلية في تنصيع‬ ‫الذاكرة الوطنية والشخصية وحفْ ظها والحفاظ عليها‪.‬‬ ‫الوضع السياحي في‬ ‫وراق َأصلية‪ ،‬تَ َـم َّكــنَّ ا من معرفة‬ ‫ْ‬ ‫ِإذً ا‪ :‬في حفنة َأ ٍ‬ ‫ً‬ ‫ومنسقً ا ومرتَّ ـ ًـبا‬ ‫وناصعا‪،‬‬ ‫وناشطا‬ ‫مزدهرا‬ ‫لبنان قبل ‪ 80‬سنة‪ ،‬كيف كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ـادق زالــت الـيــوم عــن الخارطة السياحية‬ ‫ومنضبطا‪ ،‬وعرفنا َأس ـمـ َـاء فـنـ َ‬ ‫ً‬ ‫هيكلية‬ ‫رسمية لم ُتعد اليوم موجودةً في‬ ‫ودوائر‬ ‫سماء َأصحابها‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية‪َ ،‬وأ َ‬ ‫وانفتحنا على معالِ َـم من لبنان الثالثينات َ‬ ‫واألربعينات‪ ،‬منها ما‬ ‫الوزارات‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الباحث في الوضع االجتماعي والصحي‬ ‫ينفع‬ ‫َ‬ ‫يفيد ال ـمــؤَ ّر َخ‪ ،‬ومنها ما ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫فيد‬ ‫والسياحي‬ ‫فترتئذ‪ِ ،‬إلــى ُأمــور أخــرى ال نعرف َمــن يمكن أ ً‬ ‫ٍ‬ ‫يضا أن تُ َ‬ ‫الوثائق وسواها ِم ّـما تَ ـختزنُ ه‬ ‫عالمات لبنانيةٍ مرآتُ ـها هذه‬ ‫في البحث عن‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وعائالت ومؤَ‬ ‫وخزائن‬ ‫ودوائر رسميةٌ وخاصة‪،‬‬ ‫سسات‬ ‫بيوت ُوأ َس ٌر في لبنان‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫للبنان ناصعةٌ ال ُيـمكن انكشافُ ها‬ ‫ات وأ ٌ‬ ‫وراق ِإ ْن ُيكشف عنها تَ ظهر صورةٌ‬ ‫َ‬ ‫وملفّ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫وثائق أصلية كالتي نَ ُ‬ ‫نش ُره مع هذه االفتتاحية‪.‬‬ ‫قراءتنا‬ ‫َ‬ ‫إال من َ‬ ‫نوافذ الذاكرة‪ ،‬نُ ِط ُّل منها على‬ ‫دوما ِإلى فَ ـ ْـتـ ِـح‬ ‫ِ‬ ‫ـجب َأن نسعى ً‬ ‫هكذا َي ُ‬ ‫طالـما َ‬ ‫واسع َ‬ ‫يظ ُّل َينبض بالحياة َ‬ ‫نظ ُّل نُ ِط ُّل‬ ‫لبنان َغنِ ٍّـي‬ ‫تراث ِإنسانِ ـ ٍّـي من‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫على تلك النوافذ‪.‬‬ ‫هذه رسالةُ ‪‬مركز التراث اللبناني‪ ‬في الجامعة اللبنانية َ‬ ‫األميركية (‪.)LAU‬‬ ‫ولهذا تأ َّ‬ ‫َسسَتْ‪ ،‬مرآةً تعكسُ نَ ـبْـضَهُ‪ ،‬مَـجلةُ ‪‬مرايا التراث‪.‬‬

‫مدير المركز‪ /‬رئيس التحرير‬


‫ُ‬ ‫شروط النشر في مجلة ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫ً‬ ‫وهيئة ْ‬ ‫علمية‪َ ،‬أن تلفت الباحثين ِإلى‬ ‫هم مجلة ‪‬مرايا التراث‪ِ ،‬إدارةً‬ ‫َي ُّ‬ ‫التالي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫مرس ٍل للنشر‬ ‫غير‬ ‫رسل َأ‬ ‫‪َ .1‬أن يكون‬ ‫ُ‬ ‫صيال في بابه‪َ ،‬‬ ‫البحث ُ‬ ‫منشور َأو َ‬ ‫الم َ‬ ‫ٍ‬ ‫في مجلة ُأخرى‪.‬‬

‫العلمية‬ ‫ـتعارف عليها فــي المجالت‬ ‫المنهجية‬ ‫‪ .2‬اعتماد‬ ‫ّ‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ُ‬ ‫ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫حكمة‪ :‬التوثيق في كتابة الحواشي واألص ــول والمصادر والمراجع‬ ‫ُ‬ ‫العلمية‪.‬‬ ‫رات‬ ‫ختص‬ ‫والم‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المسنَ دة‬ ‫‪ .3‬عدم‬ ‫ُّ‬ ‫واإلسقاطات غير ُ‬ ‫التهجم الشخصي ِوإلماحات األدلجة ِ‬ ‫في مقاربات البحث‪.‬‬

‫‪ .4‬جميع َ‬ ‫الم َق َّدمة ِإلى المجلة تَ خضع لتحكيم اللجنة العلمية‪،‬‬ ‫األبحاث ُ‬ ‫وقد تستعين ِإدارة المجلة عند الحاجة بهيئة اختصاصيين تبقى َأسماء‬ ‫الع ْرف َ‬ ‫األكاديمي‪.‬‬ ‫طي الكتمان وفق ُ‬ ‫َأعضائها ّ‬

‫‪ُ .5‬يرسل الباحث مع نصه َّ‬ ‫بحثه‬ ‫بغير لغة ِ‬ ‫ملخ ًصا عنه في نحو ‪ 200‬كلمة ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بحاثها في‬ ‫تفضيال َأو بالفرنسية)‬ ‫(باإلنكليزية‬ ‫تسهيال َلفهرسة المجلة وأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫البيبليوغرافيا العالمية‪.‬‬

‫َ‬ ‫شروط‬ ‫‪ .6‬تحتفظ ِإدارة المجلة ِب َح ّق النشر َأو برفض َأ ِّي بحث ال يستوفي‬ ‫النشر َأعاله‪.‬‬

‫اآلراء ال ــواردةَ في َ‬ ‫ُ‬ ‫األبحاث‬ ‫العلمية‬ ‫واللجنة‬ ‫‪ .7‬ال تتبنى ِإدارةُ المجلة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المنشورة‪ ،‬وتبقى هذه على ُ‬ ‫ولية ُكـتّ ابها‪.‬‬ ‫مسؤ ّ‬

‫‪َ .8‬يحصل ُّ‬ ‫نسخة‬ ‫صدوره‪ ،‬وعلى‬ ‫كل‬ ‫باحث على ثالث ُن َسخ من العدد عند ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِإلكترونية من بحثه‪.‬‬ ‫‪ .9‬تَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫تعاون الباحثين في احترام شروط‬ ‫العلمية‬ ‫واللجنة‬ ‫شكر ِإدارةُ المجلة‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫حفاظا على المستوى ْ‬ ‫وخدمة لنصاعة‬ ‫العلمي في نهج الجامعة‪،‬‬ ‫النشر‪،‬‬ ‫التراثية في لبنان‪.‬‬ ‫الذاكرة‬ ‫ّ‬

‫نصوصهم باسم رئيس التحرير على هذا العنوان‪:‬‬ ‫‪ُ .10‬يرسل الباحثون‬ ‫َ‬ ‫مجلة ‪‬مرايا التراث‪ – ‬مركز التراث اللبناني‬ ‫الجامعة اللبنانية األميركية – قريطم – بيروت‬ ‫لكترونيا على عنوان ‪‬مركز التراث اللبناني‪clh@lau.edu.lb :‬‬ ‫َأو ِإ‬ ‫ًّ‬


‫‪12‬‬

‫هنري زغـيب‬


‫األدبي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫د‪.‬إلهام كالّ ب البساط‬ ‫اللبنانية عفيفة كرم ‪‬غادة عمشيت‪‬‬ ‫رائدة الرواية في األدب العـربي‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬ ‫‪/‬االجتماعي في َأعمال َأنيس فريحة‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكرةُ ُتراثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬


‫األدبي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫سنة ‪ 1913‬دعت إلى «فصل الدين عن الدولة» و«إِنشاء جامعة لبنانية»‬

‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬ ‫رائدة الرواية في األدب العربي‬ ‫«بديعة وفؤاد» (‪ )1906‬صدرت قبل ‪ 8‬سنوات من «زينب» مـحمد حسين هيكل‬

‫د‪.‬إلهام ك ّ‬ ‫الب البساط‬ ‫أستاذة في تاريخ الحضارات‬

‫في استعادتي ذكرى األديبة المهجرية عفيفة كرم‪ ،‬أستعيد من أحداث‬ ‫طفولتها المدرسية في عمشيت ذكرى مواضيع إنشاء تقليدية إذا ُأعجب‬ ‫حظيت التلميذة‬ ‫خبرها بين الجيران‪َ ،‬‬ ‫بها األساتذة وافتخر بها األهل وسرى ُ‬ ‫بإطراء‪ :‬ستكونين بحق غادة عمشيت‪،‬‬ ‫ـماحا إلى ‪‬غادة عمشيت‪ ‬عنوان رواية‬ ‫إلْ ً‬ ‫أصدرتْ ها ابنةُ عمشيت عفيفة كرم سنة‬ ‫‪ ١٩١٤‬ووصلت أصداؤها إلى كل بيت‪.‬‬ ‫ً‬ ‫احتفاال‬ ‫كان ناس القرية يكتفون‬ ‫واستشهادا بالعنوان الجميل فقط‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ولم تنعم بمحتوى الكتاب سوى قلة‬ ‫تناقلته باستنثار وحذر‪،‬‬ ‫من العائالت‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫وحفظته في عاللي منازلها أو في‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫مكتبات أديارها‪ ،‬مغلفً ا بالريبة والستر‬ ‫والغموض والغبار‪.‬‬ ‫غالف مقنَّ ٌع بالغبار كان َّ‬ ‫ٌ‬ ‫حظ‬ ‫بلى‪:‬‬ ‫َمن يـحاول الوصول إلى كتب عفيفة‬ ‫لف باهتة‪،‬‬ ‫ومالحقة آثارها‪ ،‬بين ُغ ٍ‬ ‫كرم ُ‬ ‫ومراسالت عائلية‪،‬‬ ‫وصفحات مصفَ ّرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫صحف مهجرية‪،‬‬ ‫وكمبياالت مالية‪ ،‬وبقايا‬ ‫ووكاالت تجارية‪،‬‬ ‫وص َو ٍر قديمة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫نتف من ذكريات يتناقلها عجائز القرية‪ ،‬ومساحات زيتون وسنديان‪،‬‬ ‫إلى ٍ‬ ‫وحجارة بناء قديم ال تزال في عمشيت على اسم ورثتها ‪‬األميركان‪.‬‬ ‫لم تُ كتب عن عفيفة كرم ّ‬ ‫إال دراسات قليلة ومقاالت عابرة‪ .‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫تتشكل صورة هذه األديبة الروائية‬ ‫تلك القليلة واستقراء آثارها الباقية‪،‬‬ ‫تميزت بعصاميتها‬ ‫المترجمة الصحافية الناقدة المناضلة‪ ،‬شخصية ّ‬ ‫وخصوصا بمثابرتها وجرأتها الفكرية وثورتها على‬ ‫وإنسانيتها ووطنيتها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫كل ظلم وظالم‪.‬‬


‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬ ‫‪15‬‬

‫رائدة الرواية في األدب العربي‬

‫ولدت عفيفة كرم نهار ‪ ٢٦‬تموز ‪١٨٨٣‬‬ ‫في عمشيت التي‪ ،‬في النصف اآلخر من‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬كانت بلدة ُو َجهاء‬ ‫وتجار حرير ومقصد أدباء ومفكرين من‬ ‫الغرب والشرق‪ :‬من إرنست رينان إلى‬ ‫بارس إلى الشرتوني واليازجي‬ ‫موريس ِّ‬ ‫والريحاني وغيرهم‪ ،‬وجاءت أمواج‬ ‫الهجرة فحملت نصف سكان البلدة إلى‬ ‫المهاجر األميركية‪.‬‬ ‫تميز‬ ‫نشأت عفيفة كرم في منزل ّ‬ ‫بالعلم والثقافة‪ .‬والدها يوسف صالح‬ ‫آخر رسم لعفيفة كرم‬ ‫طبيبا للقشلق (عسكر تركي‬ ‫كرم كان‬ ‫ً‬ ‫يقضي الشتاء في القرى على نفقة أهاليها‪ ،‬ومنه القول ‪‬سنة القشلق‪‬‬ ‫لتحالُ ف قساوة البرد مع َ‬ ‫معاون‬ ‫صلف العسكر التركي)‪ ،‬كما كان يوسف‬ ‫َ‬ ‫‪‬الخواجه مخايل بك طوبيا الكالّ ب‪ ‬المعروف بأعماله اإلنسانية‬ ‫شخصي ًة رئيسة باالسم في كتاب عفيفة‬ ‫(ظهر‬ ‫ومواقفه السياسية والوطنية‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫‪‬غادة عمشيت‪ .)‬وكانت أمها فروسينا ‪‬أنيسة المجلس‪ ،‬متكلمة‪ ،‬فهيمة‬ ‫در َب ْتها على القراءة والكتابة‪ ،‬وساعدت زوجها في تجارته‪.‬‬ ‫وفاضلة‪ّ ‬‬ ‫سنة ‪ ١٨٩٥‬توفي والدها‪ ،‬والتحقت بمدرسة الراهبة أورسوال في جبيل‪.‬‬ ‫لكن زواجها المبكر سنة ‪ 1896‬من‬ ‫نسيبها التاجر المهاجر حنا صالح‬ ‫بعد في الثالثة‬ ‫كرم َح َـم َلها‪ ،‬وهي ُ‬ ‫ْ‬ ‫عشرة‪ ،‬إلى الهجرة مع زوجها إلى‬ ‫شري ْـﭭ ـﭙـورت (‪ )Shreveport‬في‬ ‫والية لويزيانا األميركية مع أمها‬ ‫وشقيقتها أمينة‪.‬‬ ‫عانت عفيفة من الحنين في‬ ‫االغتراب‪َ ،‬‬ ‫وآل َـمها ُبعادها عن‬ ‫عمشيت ‪‬المحبوبة‪ ،‬فكانت‬ ‫ت َّ‬ ‫دوما‪ُ ،‬‬ ‫وتذكر فيها أسعد‬ ‫ـتذكرها ً‬ ‫أوقات حياتها‪ .‬وكانت عليلة‬ ‫الصحة تؤْ من أن عمشيت دواؤُ ها‪ ،‬عفيفة كرم وشقيقتها أمينة‬ ‫وتحن للعودة إليها ولو إلى ترابها‪ .‬التي كانت تعرف بالديار األميركية بـ ‪‬إميليا‪‬‬ ‫ّ‬


‫‪16‬‬

‫َ‬ ‫المعرفة إلى المطالعة‪،‬‬ ‫تنجب عفيفة‪ .‬انصرفت بكل طاقتها وحبها‬ ‫لم ِ‬ ‫فراحت تكتب إلى جريدة ‪‬الهدى‪ ‬في نيويورك‪ّ ،‬‬ ‫وتوثقت عالقتها بصاحبها‬ ‫حبها الكتابة‪.‬‬ ‫ُنعوم مكرزل الذي ّ‬ ‫شجعها وأطلق قلمها ورعى َّ‬ ‫هكذا بدأت تتجلى معالم شخصيتها المهجرية‪ :‬عصامية‪ ،‬حيوية‪،‬‬ ‫حرة‪ ،‬دعت في كتاباتها إلى رفض التقاليد البالية‬ ‫جريئة‪ ،‬مثابرة‪ ،‬متيقظة‪ّ ،‬‬ ‫نصوصها بالعفوية‬ ‫تميزت‬ ‫وإلى تحرير المرأة وإصالح أوضاع الوطن‪ّ .‬‬ ‫ُ‬ ‫سنويا بين ‪٢٢٠‬‬ ‫وغزارة في الكتابة لم تتوقف حتى مماتها‪ .‬كانت تكتب‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحيانا أربع مجالت في وقت واحد‪.‬‬ ‫مقاال‪ ،‬وتراسل‬ ‫و‪٢٥٠‬‬ ‫توازيا مع دفاعها عن المرأة والوطن وحرية االختيار والمعتقد‪ ،‬كانت‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫محسنة تجمع المال لمنكوبـي الحرب في لبنان‪ ،‬تتبنى األيتام‪ ،‬تساعد فقراء‬ ‫خصوصا لـ ‪‬الميتم‬ ‫وتقدم مساعداتها الجزيلة ورعايتها األثيرة‬ ‫المهجر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ذاتيا َّ‬ ‫ً‬ ‫تجلى أثره في‬ ‫المساعدات‬ ‫السوري‪ .‬ولم تكن تلك‬ ‫ُ‬ ‫إحسانا بل موقفً ا ًّ‬ ‫ذات اإلنتاج األدب ّـي الـمتنوع الـهادف‪.‬‬ ‫كتاباتها ِ‬ ‫أربعة مظاهر أدبية َو َس َـمت حياتها‪ :‬الصحافية‪ ،‬الناقدة االجتماعية‬ ‫واألدبية‪ ،‬المترجمة‪ ،‬الروائية‪.‬‬

‫د‪.‬إلهام كالّب البساط‬

‫‪ .١‬الصحافية‬ ‫كانت الصحافة المهجرية منبر عفيفة‬ ‫ْ‬ ‫لنشر كتاباتها والدفاع عن أفكارها‪ .‬ومنذ‬ ‫مقالها األول في ‪‬الهدى‪ ‬حتى وفاتها‬ ‫(‪َ )1924‬‬ ‫شغلت قضيةُ المرأة وتعليمها وحريتها‬ ‫نحو نصف مقاالتها التربوية واالجتماعية‬ ‫عهدئذ‪ ،‬في النصف اآلخر من‬ ‫والوطنية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬كانت الدعوة إلى تحرير‬ ‫دافعا لـظهور مجالت نسائية‬ ‫النساء وتعليمهن ً‬ ‫في بالد المهجر‪ .‬ولـم تكتَ ِف عفيفة بمقاالتها‬ ‫الصحافية‪ ،‬فأصدرت مجلتَ ين‪ :‬المرأة‬ ‫ً‬ ‫أسبوعية للحث على ُّ‬ ‫تعلم‬ ‫السورية‪)١٩١١( ‬‬ ‫التوجه للنساء‬ ‫اللغة العربية وإتقانها‪ ،‬وعلى‬ ‫ُّ‬ ‫بإرشادات اجتماعية وعائلية وصحية‪ ،‬ومجلة‬ ‫ً‬ ‫شهرية‬ ‫‪‬العالم الجديد‪ ‬النسائية (‪)1913‬‬ ‫اشترت امتيازَ ها من سلوم مكرزل (‪‬العالم‬


‫‪ .٢‬الناقدة االجتماعية واألدبية‬ ‫كانت لعفيفة في ‪‬الهدى‪ ‬زاوية خاصة باسم ‪‬عواطف‪ ‬تنشر فيها‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من انشدادها إلى الوطن البعيد‪ ،‬والمرأة ال ُـم َستَ َلبة‬ ‫مقاالتها الغزيرة‬ ‫نواح‪:‬‬ ‫الحضور‪ ،‬فالتزمت القضايا الوطنية والنسائية‪ ،‬في خمس ٍ‬ ‫‪1.1‬المرأة‬

‫‪2.2‬اللغة‬ ‫مدارس ال تجعل من‬ ‫طالبت بتعزيز العربية في المهجر وشجبت نهج‬ ‫َ‬ ‫العربية لغة أساسية‪ .‬استعاضت عن تعبير ‪‬اللغة األم‪ ‬بتعبير ‪‬اللغة‬ ‫وتشبثت بالعربية‪ :‬األميركانية تكتب‬ ‫ُأ ّم‪ .‬ورفضت الكتابة باإلنكليزية‬ ‫ّ‬ ‫لألميركانية‪ ،‬فعلى العربية الكتابة للمرأة العربية بالعربية كي تستطيع‬ ‫اللحاق بتطور بنات جنسها‪.‬‬ ‫‪3.3‬السياسة‬ ‫رفضت عفيفة في مقاالتها الحروب‪ :‬على األرض السالم‪ ،‬آيةٌ من‬ ‫ً‬ ‫مناال من كل آياته‪ ،‬ورفضت االنتداب ‪‬االستقالل‬ ‫أصعب‬ ‫المسيح‬ ‫ُ‬

‫‪17‬‬

‫رائدة الرواية في األدب العربي‬

‫جعلت من تعليم المرأة قضيتَ ها األولى‪ ،‬ودافعت عن حرية الفتاة في‬ ‫َ‬ ‫شريك‬ ‫اختيار حياتها وزواجها وفي رفض الزواج المبكر‪ :‬كيف يكون‬ ‫وكتبت عن ضرر التفرقة بين الصبي‬ ‫ِ‬ ‫عمرك وقد انقضى نصف عمره؟‪َ .‬‬ ‫والبنت‪ ،‬واغتراب أحد الزوجين وبقاء اآلخر في الوطن‪ ،‬وعروس ال ُـمهاجر‬ ‫المهاجرة‪ .‬شجبت العنف بكل‬ ‫العائد حسب المواصفات‪ ،‬ومشاكل العائلة‬ ‫ِ‬ ‫يجرد المرأة‬ ‫أنواعه‪ :‬عنف الفكرة والكلمة والنظرة والجسد ‪‬ألن العنف ّ‬ ‫جوابها عن دعوة محمد جميل‬ ‫من إنسانيتها وكرامتها‪ .‬ومن أبرز مقاالتها ُ‬ ‫لكن‬ ‫بيهم إلى أول مؤتمر نسائي في بيروت (‪ .)١٩١٩‬لم ينعقد المؤتمر ّ‬ ‫محمد جميل بيهم عاد الحقً ا فنشر مقالها في كتابه ‪‬فتاة الشرق في‬ ‫حضارة الغرب‪ ،)١٩٥٢( ‬وفيه عالجت تأثير الجهل على المرأة الزوجة‬ ‫ُ‬ ‫واألم والشريكة ّ‬ ‫مؤكدةً أن ‪‬للمرأة الحق كالرجل بهذا الكون‪.‬‬

‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬

‫ّ‬ ‫واستقلت بإدارتها وتحريرها‪ .‬ولعل عفيفة كرم في طليعة‬ ‫الجديد‪)‬‬ ‫أصدرن مجالت في المهجر‪ ،‬مع صحافيات رائدات مثل‪:‬‬ ‫نساء لبنانيات‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫هند نوفل أو مريانا مراش (‪ ،)١٩١٩-١٨٤٨‬كما حصلت من الباب العالي‬ ‫على إذْ ٍن لنشر مقاالتها السياسية‪.‬‬


‫الحقيقي يهدم بناية االستعباد القديمة‪ ...‬و‪‬ديمقراطية اليوم تهزأ من‬ ‫ومن ُح ِر َمها‬ ‫تعود العظمة‬ ‫ّ‬ ‫استخف بها‪َ ،‬‬ ‫أرستقراطية األمس‪َ ...‬‬ ‫و‪‬من َّ‬ ‫تلف الولد‬ ‫محضة‬ ‫دينية‬ ‫‪‬مدارس‬ ‫على‬ ‫ت‬ ‫ونقم‬ ‫ّ‬ ‫طلبها من غير أبوابها‪َ ،‬‬ ‫وتعصب وطاعة عمياء‪ .‬ودافعت عن حزب ‪‬النهضة‬ ‫بخرافات وتقاليد‬ ‫ُّ‬ ‫اللبنانية‪ ‬الطليعي في المهجر َ(أسسه نعوم مكرزل) وانتمت إليه وانتقدت‬ ‫ّ‬ ‫‪‬نود أن نُ فهم الزعماء والرؤساء بأن غاية مصالحنا‬ ‫الحكام‪:‬‬ ‫استبداد‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ثانيا‪.‬‬ ‫استبدادهم‬ ‫من‬ ‫األمة‬ ‫وتخليص‬ ‫‪،‬‬ ‫أوال‬ ‫نفوسهم‬ ‫من‬ ‫هم‬ ‫تخليص‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وهاجمت رجال الدين بقسوة وشراسة وغضب‪ ،‬وطالبت بفصل الدين عن‬ ‫معا ُيلغيان هوية‬ ‫‪‬إما الدين َّ‬ ‫الدولة َّ‬ ‫وإما الحكومة‪ ،‬لقيام وطن‪ .‬االثنان ً‬ ‫هذا البلد المحبوب التعس‪.‬‬

‫‪18‬‬ ‫د‪.‬إلهام كالّب البساط‬

‫‪4.4‬التاريخ والمستقبل‬ ‫ْ‬ ‫والعلم المستقبلي‪ .‬كانت‬ ‫في مقاالتها رؤية ثاقبة ألهمية التراث واآلثار‬ ‫مقاالتها تعريفً ا بمشاريعها الحداثية في الوطن‪ ،‬كـ ‪‬تمويل مشروع متحف‬ ‫آلثار جبيل‪ ‬في جبيل‪ ،‬و‪‬تمويل مشروع إلقامة جامعة لبنانية‪ .‬وأوردت‬ ‫في مقال لها أنها تبرعت هي وزوجها بتكاليف بناء ‪‬متحف جميل‪ ‬على‬ ‫تبرع بها صهرها سليمان جبرايل وشقيقه‪ .‬وذكرت‪:‬‬ ‫قطعة أرض ثمينة َّ‬ ‫‪‬فاوضنا بعض األنسباء ليحصلوا من ويغان على وعده بإبقاء آثار جبيل‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫في المدينة‪ ،‬فنباشر نحن ببناء المتحف حاال في الشهر القادم‪ .‬وتمنَّ ت‬ ‫‪‬يذكي نار المسألة‪ ،‬ألن مشاريعنا العمومية‬ ‫على صاحب ‪‬الهدى‪ ‬أن ُ‬ ‫قيام‬ ‫لسوء حظ الوطن‪ ،‬مثل المصيبة‪ ،‬تبدأ كبيرة ثم تصغر‪ .‬فهل من ٍ‬ ‫المنتدبة وحكومتنا‬ ‫لوطن ال تصان فيه آثاره؟ ما هو جواب الدولة‬ ‫ِ‬ ‫الوطنية؟؟ سنبذل المال في سبيل هذا المشروع‪ ،‬ولكن لن نبذلَ ه قبل أن‬ ‫نعرف الطريقة العادلة التي ستجري عليها الحكومة معنا‪ .‬حان لنا يا‬ ‫قوم أن ننذر النذور لــ‪‬مار لبنان‪ً ‬‬ ‫بدال من ‪‬مار أنطونيوس‪ ،‬وسنجعل‬ ‫من هذه الوقفية لـ ‪‬مار لبنان‪ ‬حلقةً أولى من سلسلة األوقاف المثمرة‬ ‫الضرورية‪.‬‬ ‫ردت على المنتقدين ّ‬ ‫وممول‪،‬‬ ‫مؤكدةً بأن ‪‬المشروع ِج ّد ّي‬ ‫مقال آخر َّ‬ ‫ّ‬ ‫وفي ٍ‬ ‫عج ْزنا عن متابعة هذا‬ ‫وال مانع من إقامة متحف مماثل في بيروت‪ْ ،‬‬ ‫وإن ِ‬ ‫يوميا‬ ‫المشروع‪ ،‬أال توجد حكومة محلية؟ أال يوجد سادات يقيسون البالد ًّ‬ ‫ً‬ ‫وعرضا وال عمل لهم‪ ،‬فيقومون بعمل مفيد في حياتهم؟ إذا نجح‬ ‫طوال‬ ‫ً‬ ‫فس ُأري التوماويين كيف تتم المقاصد‪....‬‬ ‫السعي َ‬ ‫وفي مقاالت أخرى دعت إلى إنشاء ‪‬الكلية اللبنانية‪ ،‬وأعلنَ ت أنها‬ ‫تبرعت وزوجها ‪‬بثروة موقوفة لخير الوطن وتعليم شبابه وفَ تَ َياته‪ .‬وفي‬


‫‪5.5‬األدب‬

‫‪ .3‬المترجمة‬ ‫ترجمت عفيفة خمس روايات‪:‬‬

‫ ‪1.‬ملكة اليوم‪‬‬

‫ترجمتها السيدة عفيفة كرم‪ ،‬تمثّ ل‬ ‫وهي حسب نعوم مكرزل ‪‬رواية‬ ‫ْ‬ ‫الوفاء في الزوجة والحب الشريف وإنكار الذات‪ .‬ويستحيل إيجاد األصل‬ ‫ونقلتها‬ ‫االنكليزي ألن عفيفة ّبدلت في عنوان القصة وأسماء أبطالها‬ ‫ْ‬ ‫من المجتمع اإلنكليزي إلى المجتمع العمشيتي مع عبارات محلية عامية‬ ‫عمشيتية‪.‬‬ ‫ ‪2.‬محمد علي باشا الكبير‪‬‬

‫َور َد في ‪‬المقتطف‪( ‬آذار ‪ )١٩٢١‬أنها ‪‬رواية تاريخية غرامية تأليف‬ ‫عر ْبتها عن اإلنكليزية الكاتبة‬ ‫الكاتبة الروائية اآلنسة ملباخ األلمانية‪ّ ،‬‬ ‫تاريخ‬ ‫سرد‬ ‫الرواية‬ ‫‪‬هذه‬ ‫عفيفة‪:‬‬ ‫الفاضلة السيدة عفيفة كرم‪ .‬وتكتب‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫رجل عظيم‪ ،‬ليس َمن ال يعرف اسمه‪ ،‬وال َمن يذكر عظمته‪ .‬ونهدف‬ ‫ٍ‬

‫‪19‬‬

‫رائدة الرواية في األدب العربي‬

‫كانت تصل إلى عفيفة كرم رسائل تطلب رأيها في عمل أدبي أو في‬ ‫موقف من حدث سياسي أو ثقافي‪ .‬في مقالها ‪‬أثر المرأة فوق ضريح‬ ‫المرأة‪( ‬مجلة ‪‬األخالق‪ّ )‬‬ ‫حللت كتاب مي زيادة ‪‬باحثة البادية‪( ‬ملك‬ ‫حفني ناصف) فالحظت أن لديها مقدرةَ مي وبالغتَ ها إنما ال حريتها‪.‬‬ ‫وجدت أن مي ُ‬ ‫مدنيتَ ي‬ ‫مثال المرأة الشرقية العصرية الواقفة على حدود‬ ‫َّ‬ ‫الشرق والغرب‪ ،‬وتمثل أول شرارة من نار الحرية النسائية في الديار‬ ‫المصرية‪ .‬ووجدت عفيفة في هذا الكتاب ‪‬همزة وصل بين الدينَ ين‬ ‫التعصب‬ ‫اإلسالمي والمسيحي‪ ،‬وجسر االتحاد الجنسي فوق خليج‬ ‫ّ‬ ‫تعبر عليه المسيحية إلى أختها المسلمة‪ّ .‬‬ ‫وركزت على‬ ‫الديني الذي ُ‬ ‫أهمية عاطفة المرأة تجاه المرأة‪ :‬متى رأيت المرأة تحيي ْذكر المرأة‪،‬‬ ‫قر بفضلها‪ ،‬وتذكر لها أعمالها بالفخر وال تذوب غيرةً ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وتمجد اسمها‪ ،‬وتُ ّ‬ ‫يرفعنه من هوة انحطاطه‪ ،‬وينتشلْ ن جنسهن من‬ ‫نساء‬ ‫الوطن‬ ‫في‬ ‫إن‬ ‫فقل‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫تلك الهوة في قلب الهوة‪.‬‬

‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬

‫عيد ‪‬الهدى‪ ‬الفضي‪ ،‬تنسيقً ا مع نعوم مكرزل‪ ،‬رفضت الهدايا وقبلت‬ ‫التبرعات لتأسيس الكلية اللبنانية التي هي ‪‬في ذمتنا لألمة‪.‬‬


‫منها إلى إتحاف قراء ‪‬الهدى‪ ‬برواية تجمع بين فائدة التاريخ والتفكهة‬ ‫الروائية‪.‬‬ ‫والروايات الثالث الباقية هي‪ :‬ابنة نائب الملك‪ ‬أللكسندر دوما‪،‬‬ ‫‪‬نانسي ستاير‪( ‬أعلنت عنها ‪‬الهدى‪ ‬سنة ‪ )١٩١٤‬و‪‬كليوﭘــاترا‪ ‬التي‬ ‫نسبتها بعض المراجع إلى عفيفة كرم‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫‪ .٤‬الروائية‬ ‫بدأت عفيفة بكتابة قصص قصيرة (من صفحة أو صفحتين في صحف‬ ‫خصت بها مجلة ‪‬األخالق‪،‬‬ ‫المهجر) ثم شرعت بكتابة قصص متسلسلة ّ‬ ‫صدرت في مطبعة ‪‬الهدى‪ .‬وهنا نماذج عن‬ ‫ثم انصرفت إلى كتابة روايات‬ ‫َ‬ ‫ُط ُرق اإلعالن عن روايتها في ‪‬الهدى‪ ‬و‪‬المشرق‪ ‬و‪‬األخالق‪ ‬و‪‬المحبة‪.‬‬ ‫‪1.1‬بديعة وفؤاد‬

‫‪20‬‬ ‫د‪.‬إلهام كالّب البساط‬

‫رواية نسائية غرامية أدبية‪ .‬باكورة مؤلفات السيدة عفيفة كرم‪ ،‬عدد‬ ‫صفحاتها ‪ 368‬صفحة كبيرة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬مطبعة الهدى ‪( .١٩٠٦‬كان عمرها‬ ‫‪ ٢٣‬سنة)‪ .‬تطرح الرواية قضية التفريق الطبقي من خالل َ‬ ‫جيلين متتاليين‪.‬‬ ‫تربت في دير لليتيمات‪ ،‬وخرجت تعمل خادمة لدى عائلة ثرية‪،‬‬ ‫بديعة يتيمة ّ‬ ‫مؤامرات‬ ‫ابنها فؤاد من النظرة األولى‪ ،‬لكن الوالدة حبكت‬ ‫ٍ‬ ‫أحبها فيها ُ‬ ‫َّ‬ ‫يتبين أن‬ ‫عندما‬ ‫إال‬ ‫الحبيبان‬ ‫يلتقي‬ ‫وال‬ ‫المهجر‪.‬‬ ‫إلى‬ ‫وإرسالها‬ ‫عنه‬ ‫إلبعادها‬ ‫َّ‬ ‫بديعة من عائلة أرستقراطية عارضت زواج أمها من فرنسي فقير‪ ،‬حتى إذا‬ ‫َ‬ ‫ووضعتها‬ ‫الطفلة بديعة‬ ‫مات األب وعادت األم إلى وطنها‪ ،‬رفضت العائلة‬ ‫ْ‬ ‫في الميتم‪ .‬في مقدمة الرواية تعتذر عفيفة عن ‪‬ضعف المرأة في الكتابة‬ ‫والتأليف‪ ،‬ألن المرأة ال تزال في طور البداية في هذا المضمار‪ .‬ثم‬ ‫ألفكار إصالحية تربوية‪ ،‬ال ترتيب‬ ‫تعرض أن هدفها من الرواية ‪‬الترويج‬ ‫ٍ‬ ‫سعيا لإلصالح والموعظة‪ .‬وتتدخل عفيفة مباشرة‬ ‫األحداث وتنسيقها ً‬ ‫فتخاطب القارئ للتأكيد على أمثولة الرواية‪ ،‬أي عادات المجتمع الطبقية‬ ‫التي وضعها الرجال‪ ،‬وتدافع عنها المرأة دون تضامنها مع أختها المرأة‪.‬‬ ‫ويتخلل النص الروائي أبيات شعرية شهيرة‪ ،‬تذهب سير األمثال مثل‪:‬‬ ‫مــا كل مــا يتمنــى المــرء يدركــه تجري الرياح بما ال تشتهي السفن‬ ‫ولــكل شــيء آفــة مــن جنســه حتــى الحديــد ســطا عليــه المبــرد‬ ‫أ‬ ‫ال تحســبوا رقصنــا مــا بينكــم ً‬ ‫ً‬ ‫مذبوحــا مــن اللــم‬ ‫طربــا فالطيــر يرقــص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫االبــن ينشــا علــى مــا كان والــده إن الصــول عليهــا ينبــت الشــجر‬


‫‪2.2‬فاطمة البدوية (‪)1908‬‬

‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬

‫األدباء المهجريون استقبلوا الرواية بحفاوة كبيرة‪ ،‬واعتبروها من‬ ‫تضعها األم في جهاز العروس قبل التخاريم‬ ‫‪‬خيرة الروايات‪ ‬التي يجب أن َ‬ ‫تغير في النفس وترفعها‪ ‬كما ذكر جرجي‬ ‫والتخاريج‪ ،‬ألن ‪‬مطالعتَ ها ّ‬ ‫نقوال باز في جريدة ‪‬المحبة‪ ‬سنة ‪.١٩٠٧‬‬

‫‪21‬‬

‫رائدة الرواية في األدب العربي‬

‫رواية وطنية يرى فيها القارئ تأثير الرجل العالِ ـم على المرأة الجاهلة‪،‬‬ ‫ويتجلى الوفاء النسائي‪ ،‬ومبادلة المرأة الفاضلة البغض بالحب‪ ،‬والجفاء‬ ‫بالحنو‪ .‬الرواية في ‪ ٣٠١‬صفحة كبيرة‪ ،‬نيويورك‪،‬‬ ‫بالوفاء‪ ،‬والقسوة‬ ‫ّ‬ ‫مطبعة ‪‬الهدى‪( .)١٩١٤( ‬كان عمرها ‪ ٣١‬سنة)‪ .‬تطرح الرواية قضية‬ ‫التضامن بين النساء‪ ،‬ومشكلة الطائفية‪ ،‬وعصبية رجال الدين‪ .‬فاطمة‬ ‫قررا‬ ‫المسلمة البدوية تحب سليم المسيحي المدني‪ .‬أمام ْ‬ ‫رفض األهل َّ‬ ‫الهرب إلى أميركا‪ ،‬لكن سليم ّ‬ ‫شرعي‬ ‫غير‬ ‫تخلى عنها خوفً ا من أن ُيعتبر َ‬ ‫ٍّ‬ ‫زواجه األميركي بدون موافقة أهله‪ .‬تتضامن أليس المسيحية األميركية‬ ‫ُ‬ ‫مع فاطمة البدوية السورية وتأويها مع ابنها‪ ،‬حتى عاد سليم إلى أميركا‬ ‫ليزوجهما‬ ‫فوجد فاطمة مريضة‪ .‬تلبية لرغبتها وقبل موتها أحضر كاهنً ا ّ‬


‫وليدفَ نا بعد موتهما في مدفن واحد‪ .‬أهدت عفيفة الكتاب إلى نعوم‬ ‫ً‬ ‫شرعا ُ‬ ‫فأعد َت‬ ‫نارا من محبة العالم تكاد تنطفئ‬ ‫مكرزل وخاطبته‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫‪‬وجدت ف ّـي ً‬ ‫وربط النفس‬ ‫ِإضرامها‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وزرعت ف ّـي بذور حب كسر القيود التقليدية ْ‬ ‫وظهيرا‪.‬‬ ‫مساعدا‬ ‫نصيرا وللسوريات‬ ‫برباط العلم‪ ...‬أدامك اهلل لآلداب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبالمقابل أهدى نعوم مكرزل كتابه ‪‬نثار األفكار‪ ‬إلى عفيفة كرم ‪‬األديبة‬ ‫عفوي ال ّ‬ ‫يركز على تسلسل‬ ‫أسلوب الكتاب‬ ‫الفاضلة والمفكّ رة الكبيرة‪.‬‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫بليغة‬ ‫تشابيه‬ ‫األحداث‪ ،‬بل يتنقل بين الماضي والحاضر والمستقبل‪ ،‬ويورد‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫أبيات‬ ‫مسترسال في وصف أو نقد‪ .‬ووردت فيها‬ ‫في وصف الحياة البدوية‬ ‫ٌ‬ ‫عناوين بعض الفصول‪.‬‬ ‫شعرية‬ ‫َ‬ ‫‪3.3‬غادة عمشيت‬

‫‪22‬‬ ‫د‪.‬إلهام كالّب البساط‬

‫‪‬رواية وطنية تاريخية اجتماعية ألّ فتها السيدة عفيفة كرم وسردت‬ ‫في سياقها حوادث تاريخية حقيقية وأنها رأي العين‪ .‬عدد صفحات هذه‬ ‫الرواية ‪ ٣٣٣‬صفحة كبيرة‪ ،‬نيويورك‪ ،‬مطبعة ‪‬الهدى‪ ‬سنة ‪.١٩١٤‬‬ ‫تهدف هذه الرواية إلى استنكار زواج الطفولة وممارسات ‪‬الهيئتين‬ ‫كتبت‪:‬‬ ‫السائدتين في الجبل‪ :‬الحكومة والكنيسة‪ .‬عن هذه الرواية َ‬ ‫‪‬لم أحصل على لذة في حياتي األدبية تفوق لذة كتابتي رواية ‪‬غادة‬ ‫سردت‬ ‫عمشيت‪ ‬هذه‪ ،‬ألني‬ ‫ُ‬ ‫حوادث‬ ‫في سياق وضعها‬ ‫َ‬ ‫تاريخيةً رأيتها رأي العين‪،‬‬ ‫أسماء‪ٌّ ،‬‬ ‫كل منها‬ ‫وذكرت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫علَ‬ ‫كر ٌم مني‪،‬‬ ‫م‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫عزيز‬ ‫ٌ‬ ‫ّ ُ َّ‬ ‫يت مرابع صبوتي‬ ‫وس ّـم ُ‬ ‫ولعبي فكان لذكرها‬ ‫َ‬ ‫حاربت‬ ‫عذوبةٌ في قلبي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫آفات هي‬ ‫في هذه الرواية ٍ‬ ‫أساس التعاسة العائلية‪،‬‬ ‫أعني ‪‬زواج الطفولة‪ ‬أو‬ ‫وقتل‬ ‫باألحرى ‪‬بيع البنات ْ‬ ‫تجاوزت‬ ‫نفوسهن‪ .‬إنما‬ ‫ُ‬ ‫التحفظ‬ ‫فيها حدود‬ ‫ُّ‬ ‫بأفكاري اإلصالحية‪ ،‬ولم‬ ‫تكن غايتي إال إظهار منزل عفيفة كرم في عمشيت (صيف ‪)1979‬‬


‫بشغف وحماسةٍ حتى لزمت الفراش‬ ‫تابعت عفيفة كرم كتاباتها ونضالها‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫مرضها بشجاعةٍ مثلما جابهت بكتاباتها الجريئة َّ‬ ‫كل‬ ‫جابهت‬ ‫‪.١٩٢٤‬‬ ‫أوائل‬ ‫َ‬

‫اللبنانية عفيفة كرم «غادة عمشيت»‬

‫‪ .5‬وفاتها‬

‫‪23‬‬

‫رائدة الرواية في األدب العربي‬

‫ذكرت مآثر أعيان عمشيت‪،‬‬ ‫المآثر والمآخذ‪ .‬هي رواية خصوصية ألني‬ ‫ُ‬ ‫قصدت أن أقول الحق في األكليروس‪ .‬هذه الرواية‬ ‫وهي عمومية ألني‬ ‫ُ‬ ‫ابنةُ‬ ‫َ‬ ‫عاما‬ ‫سقطت من قلبي الملتهب‪ .‬والقصة‪ :‬فريدة‬ ‫جمرةٌ‬ ‫أربعة عشر ً‬ ‫مغر َمةٌ بفريد‪ .‬أجبرها والدها على الزواج من حبيب (رجل غني في أواخر‬ ‫َ‬ ‫الخمسين)‪ .‬مات حبيب فانكفأت فريدة إلى الحياة في الدير مع صديقتها‬ ‫تسمي عفيفة‬ ‫الوفية سوسن‪ ،‬ال تلتقي حبيبها وتتحد به إال بعد الموت‪ّ .‬‬ ‫أشخاص هذه الرواية من عمشيت‪ :‬فارس جبور كرم ُّ‬ ‫بتهكم‪ ،‬مخايل بك‬ ‫والمتخيل بعفوية االنتقال من‬ ‫طوبيا بإعجاب‪ ،‬في أسلوب يجمع الواقعي‬ ‫َّ‬ ‫السرد إلى الخطاب‪ ،‬من عبارات فصيحة إلى تعابير عامية عمشيتية‪،‬‬ ‫ودوما ِب ِإيراد أبيات شعرية َ‬ ‫تخ ُل صفحةٌ من التهجم‬ ‫للمثل أو لالتعاظ‪ .‬ولم ْ‬ ‫ً‬ ‫على رجال الدين‪ ،‬ما أثار حفيظة األب لويس شيخو فكتب في ‪‬المشرق‪‬‬ ‫‪‬أكثر رجال الحكومة ورجال‬ ‫معترضا على القسوة في عباراتها مثل‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫وشر‪ ...‬جعلَ هم المسيح رعاة القطعان‪،‬‬ ‫الدين ذوو استبداد وظلم وفساد ّ‬ ‫ويتنعمون بصوفها‪ .‬أهدت الكاتبة روايتها ‪‬إلى‬ ‫يأكل أكثرهم الخراف‬ ‫َّ‬ ‫نفعا‬ ‫تجديهن‬ ‫هي‬ ‫كما‬ ‫الرواية‬ ‫أن‬ ‫ن‬ ‫تظ‬ ‫فال‬ ‫اللبنانيات‪،‬‬ ‫الفتيات والسيدات‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫رجال الدين كانا من أسباب‬ ‫ونقدها الحاد‬ ‫أدبيا‪ .‬ويبدو أن أسلوبها القاطع َ‬ ‫ًّ‬ ‫عدم توفُّ ر رواياتها في لبنان‪ ،‬وهما سبب إخفاء الكتاب بنسخه القليلة في‬ ‫مكتبات بيوت عمشيت‪ ،‬رغم احتفاء أهل عمشيت بعنوانه الرومنطيقي‬ ‫الذي ال يوحي بمحتواه وال يشي بمواقفه‪ ،‬ورغم عبارتها ‪‬عامة أهل بالدنا‬ ‫تحسب الدين الحقيقي في شخص خادمه‪... ‬مبادئي األولى صيانةُ‬ ‫َ‬ ‫جوهرة الدين النفسية‪ .‬ورغم إسهامها ببناء كنيسةٍ في المهجر‪ ،‬وإرسال‬ ‫مساعدات لعائالت عمشيت ومدارسها الدينية‪ُ ،‬ألْ ِصقت بها تهمة الضالل‬ ‫ٍ‬ ‫والكفر‪ .‬أما أسلوبها في هذه الرواية فيشبه أسلوب مقاالتها الصحافية‪:‬‬ ‫صي ٍغ‪،‬‬ ‫العبر االجتماعية وانتقاد كل خطأ‪ .‬كانت تنتقل بين عدة َ‬ ‫إعطاء َ‬ ‫ً‬ ‫متخفية وراء أبطال قصصها‪.‬‬ ‫وسرعان ما تتكلم عن نفسها عند محاولتها‬ ‫وتوالُ‬ ‫د‬ ‫فاعتمدت اإلفاضة‬ ‫ّركزت على الذكريات والحنين وتجارب حياتها‬ ‫َ‬ ‫وتداخلها في أسلوب تتمازج فيه الرومنطيقية (شهر الطهارة‬ ‫األفكار‬ ‫ُ‬ ‫واألزهار في ربيع الشهور) بعفويةٍ قادتها إلى استخدام َألفاظ عامية‬ ‫وتطعيم النثر بالشعر المأثور‪.‬‬


‫‪24‬‬ ‫د‪.‬إلهام كالّب البساط‬

‫ُظلم وآفة‪ .‬توفّ يت في ‪ ٢٩‬تموز‬ ‫‪( ١٩٢٤‬عن ‪ ٤١‬سنة) وأوصت‬ ‫بعدم شراء األكاليل بل إرسال‬ ‫ثمنها إلى الميتم السوري في‬ ‫أثر بالغ‬ ‫لويزيانا‪ .‬كان لموتها ٌ‬ ‫على ّ‬ ‫كل َمن عرفها‪ .‬صدرت‬ ‫مئات الرسائل وبرقيات‬ ‫التعزية في الصحف األميركية‬ ‫والصحف الوطنية‪ ،‬وخصص‬ ‫لها نعوم مكرزل الصفحة‬ ‫األولى من جريدته ‪‬الهدى‪‬‬ ‫طوال شهر كامل لنشر رسائل‬ ‫المؤاساة وبرقيات التعازي التي‬ ‫كانت تفيض بالعاطفة واألسى‪.‬‬ ‫سنة ‪ ١٩٢٥‬أقيم لها تأبين‬ ‫كبير في عمشيت حيث كانت‬ ‫تود أن تُ دفن‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ضريح عفيفة كرم وزوجها ووالدتها في‪:‬‬

‫‪St. Joseph Cemetery Shreveport Louisiana‬‬

‫* * *‬

‫هذه لُ َـم ٌـح سريعةٌ عن عفيفة كرم التي شاركت في صياغةِ مرحلةٍ‬ ‫بزخم في معالجة قضايا‬ ‫مهجرية غنية مع أدباء وأديبات كبار شاركوا‬ ‫ٍ‬ ‫التحرر والحداثة وتَ قَ ُّدم النساء وتطوير المجتمعات وبناء األوطان‪ ،‬والغوص‬ ‫ُّ‬ ‫في تاريخ عمشيت االجتماعي والثقافي‪ .‬سوى أن تراثها ال يزال مشتتً ا في‬ ‫ِع ّل ّيات بعض المنازل القديمة ومكتباتها‪.‬‬ ‫ابن زوجها جون كرم َ‬ ‫األميركي مع زوجته‬ ‫في السبعينات جاء إلى لبنان ُ‬ ‫ً‬ ‫وكيال عن عائلتهم)‪ .‬أخذ يبحث عن‬ ‫ميرسينا (كان والدي بحكم القرابة‬ ‫حجري هو‬ ‫بيت‬ ‫آثار لـعفيفة‪ ،‬فلم يـجد سوى‬ ‫أراض قرويةٍ شاسعةٍ ووحشةِ ٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫مكتبة عامة في قريتها عمشيت‪ .‬وفيما‬ ‫تحويله‬ ‫الذي كانت عفيفة تنوي‬ ‫بعض مقاالتها‪ ،‬كانت عيناه تغيمان‬ ‫كان جون يستمع بشغف إلى ترجمتنا َ‬ ‫ً‬ ‫لكن لغته اإلنكليزية لم تُ َـم ِّك ْن ُه‬ ‫حزنا وأسى‪ .‬كان تائقً ا إلى تكريس ذكراها‪ّ ،‬‬ ‫سطر واحد بالعربية‪ ،‬لغتِ ها التي دعت طوال حياتها إلى محبتها‬ ‫من قراءة‬ ‫ٍ‬ ‫وحمايتها وتعليمها ونشرها‪.‬‬


‫األدبي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫الـم ْ‬ ‫راث َ‬ ‫شرِق‬ ‫ـي ب ِ َو ْج ِ‬ ‫دعا إِلى إ ِ ْحيا ِء ال ُت ِ‬ ‫الش ْعب ِ ِّ‬ ‫ه ِه ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وكش َ‬ ‫ٍ‬ ‫رائعة في عاداتهم والتقاليد‬ ‫ثروات‬ ‫ف ل ُّلبنانيين‬

‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫في أَعمال أَنيس فريحة‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫باحث في التاريخ القديم‬

‫ولد أنيس فريحة في قرية رأس المتن‪ .‬تلقّ ى‬ ‫مدرسـتَ ي الشويفات وسوق‬ ‫علومه الثانوية في‬ ‫َ‬ ‫الغرب‪ ،‬والجامعية في الجامعة األميركية‪– ‬‬ ‫بيروت‪ ،‬ثم أكمل دراساته العليا في ألمانيا‬ ‫األميركية‪ ،‬حتى نال شهادة‬ ‫المتحدة‬ ‫والواليات ّ‬ ‫ّ‬ ‫السامية من جامعة‬ ‫الدكتوراه في اللغات‬ ‫ّ‬ ‫السامية منها‪،‬‬ ‫وخصوصا‬ ‫در َس اللغات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫شيكاغو‪َّ .‬‬ ‫وتاريخ الشرق األدنى القديم وتاريخ الحضارات‪.‬‬ ‫األميركية في بيروت وألقى‬ ‫درس في الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية التابع‬ ‫محاضرات في معهد الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫الدكتور أنيس فريحة‬ ‫(‪)1992–1903‬‬ ‫العربية‪َّ .‬‬ ‫حل أستاذً ا ضيفً ا لدى‬ ‫لجامعة الدول‬ ‫ّ‬ ‫وتوج‬ ‫جامعات في لندن وفرانكفورت وكاليفورنيا‪ّ ،‬‬ ‫اللبنانية‪.‬‬ ‫األكاديمية في الجامعة‬ ‫مسيرته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خبةٍ ُم ِّ‬ ‫بإصدارات‬ ‫المكتبات‬ ‫وأكاديميين أغنَ وا‬ ‫فكرين‬ ‫َح ِظ َي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لبنان ِب ُن َ‬ ‫حتي‬ ‫العلوم‬ ‫وفيرةٍ في‬ ‫علم التاريخ‪ُ ،‬‬ ‫أبرزهم فيليب ّ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬وفي ُم َّ‬ ‫ّ‬ ‫قد ِمها ُ‬ ‫ِ‬ ‫وآخرون َّ‬ ‫خلفوا‬ ‫وجواد بولس وأسد رستم وكمال صليبي وجان شرف‪َ ،‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ً‬ ‫واالجتماعي ‪ ،‬عالجوا‬ ‫والديني‬ ‫السياسي‬ ‫لبنان‬ ‫تاريخ‬ ‫واسعة في‬ ‫ذخيرةً‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عناوين‬ ‫انضوت تَ ْح َت‬ ‫تنو َعة‪،‬‬ ‫ات‬ ‫مسائل‬ ‫في مؤلّ فاتِ ِهم‬ ‫وإشكالي ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تاريخي ًة ُم ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫بقواعد ْ‬ ‫ً‬ ‫تخص ِص ِهم‬ ‫فضال عن‬ ‫ومناه ِجه‪،‬‬ ‫ريخ‬ ‫منهم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واض َحة‪ ،‬التِ ً‬ ‫زاما ُ‬ ‫ُّ‬ ‫التأ ِ‬ ‫األكاديمي‪.‬‬ ‫التاريخية إلى عصرنا الحاضر‪،‬‬ ‫‪ 11‬فيليب حتي‪ ،‬تاريخ لبنان منذ أقدم العصور‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة أنيس فريحة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1972 ،‬؛ جواد بولس‪ ،‬التحوالت الكبيرة في‬ ‫تاريخ الشرق األدنى منذ االسالم‪ ،‬دار عواد للطباعة‪ ،‬بيروت‪( ،‬ب‪.‬ت)؛ أسد رستم‪،‬‬ ‫العصرية‪ ،‬صيدا‪1955 ،‬؛ كمال الصليبي‪ ،‬تاريخ لبنان‬ ‫مصطلح التاريخ‪ ،‬المكتبة‬ ‫ّ‬ ‫الحديث‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬؛ جان شرف‪ ،‬اإليديولوجية المجتمعية‪،‬‬ ‫منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪.1996 ،‬‬


‫‪26‬‬

‫غني ًة‬ ‫مادةً‬ ‫المقالةِ ُأعالج مؤلّ ٍ‬ ‫ضمت َّ‬ ‫تاريخي ًة َّ‬ ‫َّ‬ ‫في هذه َ‬ ‫فات ألنيس فريحة ّ‬ ‫اإلنسانية‪ .‬وهو َل ْم َيتَ َخ َّص ْص‬ ‫العلوم‬ ‫الغزير في‬ ‫تاجهِ‬ ‫استثنائية في َط َّي ِ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ات نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫في ُّ‬ ‫تابةِ التاريخ‪ ،‬بل تَ َع ُّمقُ ُه في‬ ‫غات‬ ‫ِ‬ ‫الل ِ‬ ‫رار ُم ْس َب ٍق ِب ِك َ‬ ‫السام َّيةِ والميثولوجيا لِ قَ ٍ‬ ‫األكاديم َّيةُ‬ ‫اإلنْ‬ ‫جار ُب ُه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلوم َو ِسواها ِم َن ُ‬ ‫هذ ِه ُ‬ ‫لوم سانِ َّية التي اغتنت بها تَ ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫انْ‬ ‫خصوصا في‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫واس‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫تاريخ‬ ‫ق‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫تاح‬ ‫إلى‬ ‫ى‬ ‫أد‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫والب‬ ‫فِ ِ هِ َ تَ ُّ ِ هِ َ قائِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َ ْ ثِ َّ‬ ‫العادات والتَ قاليد‪.‬‬ ‫شؤُ ون‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫طيلة ْ‬ ‫واره‪ُ ،‬م ْن ُذ طفولته‬ ‫مما َخ ِب َر ُه‬ ‫َكتَ َب أنيس فريحة في الفولكلور َّ‬ ‫مش ِ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتَ َج ِّوال في بلدان‬ ‫لف‬ ‫راهقً ا طالِ ًبا ِ‬ ‫ِ‬ ‫فم ْختَ ِ‬ ‫مراح ِل َحياتِ ه ُم ِ‬ ‫باحثا ُم ِّ‬ ‫در ًسا‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ماع َّيةٌ َع َّب َر عنها‬ ‫التاريخ ِّي‬ ‫واجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫حوذَ ْت على ُو ْجدانِ هِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫استَ َ‬ ‫ظواه ُر دينِ ّيةٌ ْ‬ ‫عدة‪ْ .‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ماع ٍّي غل َب‬ ‫خبيرا في الميثولوجيا‬ ‫تاج َّية بلغَ ها‬ ‫في ُخ‬ ‫وتاريخ اجتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫الصات ْ‬ ‫استِ ْن ِ‬ ‫ٍ‬ ‫الل ْبنانِ ّي‪ ،‬فَ ْض ًال َع ِن ُ‬ ‫راث ُ‬ ‫السام َّيةِ ‪.‬‬ ‫غات‬ ‫الت ُ‬ ‫ِ‬ ‫الل ِ‬ ‫َع َل ْيهِ ُ‬ ‫عناص َر َو َس َم ْت مؤلَّ فاتِ ه َو َمنَ َح ْتها‬ ‫سأعرض أبرز‬ ‫المعطيات‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫من هذه ُ‬ ‫طابعا خاص‪.‬‬ ‫ً‬

‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫‪ .1‬ميزة فريحة في التأْريخ االجتماعي‬ ‫اللبنانيين‬ ‫المؤرخين‬ ‫كثيرون من‬ ‫والرواةِ‬ ‫وع ِ‬ ‫والغربيين ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لماء االجتماع ُ‬ ‫ودرسوها َّ‬ ‫واألدب َ‬ ‫وحللوها‪،‬‬ ‫لبنان‬ ‫في‬ ‫والتقاليد‬ ‫العادات‬ ‫جمعوا‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْع ِب ّ‬ ‫ؤلّ‬ ‫قصة فنيانوس لشكري الخوري‪ ،‬رسائل‬ ‫بينها‬ ‫فات‪.‬‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫وأصدروها‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ومؤلَّ‬ ‫عدةٌ لِ َس ــالم‬ ‫فات‬ ‫ود‪،‬‬ ‫عب‬ ‫لمارون‬ ‫األحمر‬ ‫األمير‬ ‫الفغالي‪،‬‬ ‫شموني لحنّ ا‬ ‫ٌ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الراسي وبولس سالمة وجوزف نعمة ويوسف إبراهيم يزبك ولحد خاطر‬ ‫اجتماعي ًة‬ ‫راث‬ ‫جتمع ذاكرةً‬ ‫الت َ‬ ‫وهم جمعوا ُ‬ ‫وسواهم كثيرون‪ُ .2‬‬ ‫ّ‬ ‫الشعبي ُ‬ ‫ّ‬ ‫للم ِ‬ ‫َح َ‬ ‫الضياع‪ .‬لم تَ ُك ْن دراساتُ هم‬ ‫العادات‬ ‫فظ ْت هذه‬ ‫ِ‬ ‫والتقاليد من النِ ْس َي ِان أو َ‬ ‫َ‬ ‫دراسات صدرت‬ ‫التاريخيةِ في‬ ‫ذورها‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫شمولي ًة ِب َمضمونِ ها‪ ،‬ولم ُير ُّدوها إلى ُج ِ‬ ‫والتقاليد‬ ‫العادات‬ ‫التنو َع‬ ‫عنها‪ ،‬بينما فريحة راعى‬ ‫ِ‬ ‫البحثي في ُمقاربتهِ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ودينيا‪.‬‬ ‫ا‬ ‫واجتماعي‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫تاريخ‬ ‫دا‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫فأعطاها‬ ‫وأعاد ربطها ِب َم ْن َشئها‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ِ ًّ‬ ‫ُْ‬

‫قصة فنيانوس‪ ،‬تحقيق سليم قهوجي‪ ،‬منشورات جامعة الروح‬ ‫‪ 22‬شكري الخوري‪ّ ،‬‬ ‫حنّ‬ ‫الدبور‪،‬‬ ‫جريدة‬ ‫مطبعة‬ ‫‪،)1‬‬ ‫(ط‪.‬‬ ‫شموني‪،‬‬ ‫رسائل‬ ‫الفغالي‪،‬‬ ‫ا‬ ‫القدس‪ ،‬الكسليك‪2009 ،‬؛‬ ‫ّ‬ ‫عبود للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫نظير‬ ‫دار‬ ‫‪،)1‬‬ ‫(ط‪.‬‬ ‫األحمر‪،‬‬ ‫األمير‬ ‫ود‪،‬‬ ‫عب‬ ‫ّ‬ ‫بيروت‪1948 ،‬؛ مارون ّ‬ ‫جونية‪2012 ،‬؛ سالم الراسي‪ ،‬في الزوايا خبايا‪ ،‬دار نوفل‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬؛ لحد خاطر‪،‬‬ ‫العادات والتقاليد اللبنانية‪ ،‬ج‪ ،2-1 .‬مطبعة الجبل‪ ،‬درعون‪.1977 ،‬‬


‫‪ .2‬الدوافع‪ ،‬المصادر‪ ،‬الصيغة‬

‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ 33‬أنيس فريحة‪ ،‬معجم األلفاظ العامية في اللهجة اللبنانية‪ ،‬مطبعة المرسلين‬ ‫اللبنانيين‪ ،‬جونية‪.1947 ،‬‬ ‫األشهر العربية ومعانيها‪ ،‬دراسة فيلولوجية تاريخية‪ ،‬دار‬ ‫‪ 44‬أنيس فريحة‪ ،‬أسماء‬ ‫ُ‬ ‫العلم للماليين‪.1952 ،‬‬ ‫‪ 55‬أنيس فريحة‪ ،‬األمثال العامية اللبنانية من رأس المتن‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫األميركية‪ ،‬بيروت‪.1953 ،‬‬ ‫‪ 66‬أنيس فريحة‪ ،‬اسمع يا رضا‪ ،‬مطبعة الكريم‪ ،‬جونية‪.1965 ،‬‬

‫‪27‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫العادات‬ ‫ماع ّي‪َ ،‬وما تَ َم َّخ َض َع ْنها في‬ ‫الصات الفِ ْك ِر الدينِ ِّي‬ ‫ُخ‬ ‫ِ‬ ‫واإلجتِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قاليد ُ‬ ‫زات ِع ْل ِم َّية َع ِم َل فريحة على َج ْمعِ ها‬ ‫تيج ًة لِ ُم ْرتَ َك ٍ‬ ‫والتَ ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ ،‬جاءت نَ َ‬ ‫صادر لكنها َش َّك َل ْت‬ ‫َوتَ ْن ِ‬ ‫عاج َم َو ُك ُتب‪َ .‬ل ْم َي ْط َر ْحها َك َم ِ‬ ‫قيحها َح ّتى صدرت في َم ِ‬ ‫له ُأ ً‬ ‫العام َّية‪ ،‬ما‬ ‫فاظ‬ ‫ِ‬ ‫نتاجه في األلْ ِ‬ ‫راج َع ِم ْن ُص ْنعِ ه‪ ،‬منها ُ‬ ‫صوال‪ْ ،‬أو َأق َّل ُه َم ِ‬ ‫َ‬ ‫لور ُ‬ ‫العام َّيةِ ُ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي‬ ‫َم َّكنَ ُه ِم َن‬ ‫الل ْبنانِ َّية في َط ِ‬ ‫اإلحاطةِ ِب ِ‬ ‫لوج الفُ ولْ ْك ِ‬ ‫ريقهِ إلى ُو ِ‬ ‫‪3‬‬ ‫ِبفَ ْه ٍم َعميق ‪َ .‬و ُله في السياق ذاته ِد‬ ‫الم ْختَ َّصةِ‬ ‫ٌ‬ ‫راسات في األلْ ُسنِ ّية‪َ ،‬كتِ ْل َك ُ‬ ‫‪4‬‬ ‫راسات ُ‬ ‫ماء ْ‬ ‫اللغَ ِو َّية ‪.‬‬ ‫الد‬ ‫ِ‬ ‫الع َر ِب َّية َو ِسواها ِم َن ِ‬ ‫أس ِ‬ ‫األش ُه ِر َ‬ ‫سير َمعاني ْ‬ ‫ِبتَ فْ ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّية في ُص ْل ِب ْ‬ ‫العام َّيةِ ُ‬ ‫ثال‬ ‫واهتم فريحة‬ ‫ماع ّي‪،‬‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ريخ ْ‬ ‫َّ‬ ‫باألم ِ‬ ‫التأ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية‬ ‫ة‬ ‫العامي‬ ‫األمثال‬ ‫ه‬ ‫تاب‬ ‫ها‬ ‫ضم‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫الش‬ ‫األمثال‬ ‫فجمع‬ ‫كِ‬ ‫تِ‬ ‫ُ​ُ‬ ‫َْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ َّ‬ ‫ّ‬ ‫من رأس المتن‪.5‬‬ ‫العادات َوالتَ قاليد‪َ ،‬وانْ تَ قى الصيغَ َة‬ ‫ِ‬ ‫وهو ْاعتَ َم َد ِص َيغً ا ُمتَ نَ ِّو َع ًة في َع ْر ِضهِ‬ ‫ثال‬ ‫العام َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫المسائِ ِل التي تَ َ‬ ‫ناو َلها‪ ،‬كما في كتابه عن ْ‬ ‫ناس َب َة لِ ُك ٍّل ِم َن َ‬ ‫ُ‬ ‫األم ِ‬ ‫ً‬ ‫كانَ‬ ‫فجاء ْت الصيغَ ةُ‬ ‫ةُ‬ ‫ح‬ ‫واض‬ ‫الغاي‬ ‫و‬ ‫رات‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫واف‬ ‫الد‬ ‫ت‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ِ‬ ‫لِ‬ ‫ِ‬ ‫نانِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ ِّ‬ ‫ُ ْ َّ‬ ‫َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫سيط ًة َو َس ْه َلة تتيح ِّ‬ ‫التاريخ َّيةُ َب َ‬ ‫جه ٍد‬ ‫ِ‬ ‫االط َ‬ ‫حاجةٍ إلى ْ‬ ‫مون دونَ ما َ‬ ‫الع على َ‬ ‫الم ْض ِ‬ ‫راسات‬ ‫الد‬ ‫فاظ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوتَ ْمحيص‪ .‬وكذلك فَ َعل في ُم ْع َج ِم األلْ ِ‬ ‫العام َّية‪ُ ،‬معينً ا َرفَ َد ِ‬ ‫الم ْجتَ َم ِع القَ َر ِو ِّي ُ‬ ‫الكتابين‬ ‫الل ْبنانِ ّي‪ .‬ولِ َهذين‬ ‫َ‬ ‫لور َّي َة ِب َحقائِ َق ووقائع َع ِن ُ‬ ‫الفُ ولْ ْك ِ‬ ‫حاث َعميقَ ةٍ َو َط َ‬ ‫قام ِبها‬ ‫تاج ْأب ٍ‬ ‫أهمية تَ ْو ِ‬ ‫ثيق َّية بحيث أتَ ْت ُم ْحتَ َوياتُ ُهما نِ َ‬ ‫ويلةٍ َ‬ ‫فريحة‪.‬‬ ‫تابه ْإس َمع يا رضا‪ ،‬وال تَ ْستَ ْدعي ُج ْه ًدا‬ ‫سيرتُ ه الذاتِ َّيةُ َ‬ ‫َ‬ ‫وردت ّأو ًال في كِ ِ‬ ‫‪6‬‬ ‫األكاديم َّية‪،‬‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ماع‬ ‫االج‬ ‫ه‬ ‫سير‬ ‫م‬ ‫فيها‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫‪.‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫التاريخ‬ ‫ها‬ ‫لِ َك ْش ِف‬ ‫صيغَ‬ ‫تَ‬ ‫ِ‬ ‫تِ‬ ‫ِ‬ ‫تِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ​َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫مات‬ ‫فات َو ِس ٍ‬ ‫وص ٍ‬ ‫الحياةِ القَ َر ِو َّية‪ِ ،‬‬ ‫هامةٍ ِم َن َ‬ ‫وأرفَ َق في َم َح َّطاتِ ها َ‬ ‫بجوانِ َب َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الع ْي ِش في‬ ‫ساط‬ ‫وب‬ ‫ي‬ ‫روح‬ ‫وال‬ ‫لوك‬ ‫وبالس‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫الم‬ ‫ع‬ ‫واق‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ص‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ َّ ةِ َ‬ ‫ةِ َ‬ ‫تَ َّت ِ ِ ِ ِ ُ ْ تَ َ ِ ْ نانِ ِّ‬ ‫المؤَ ِّل ِف َش ْخ ِص ًّيا‪ ،‬مع الميل إلى‬ ‫ضور ُ‬ ‫َع ْص ِره‪ .‬وتَ تَ َم َّي ُز هذه الصيغَ ةِ ِب ُح ِ‬


‫‪28‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫الخاص‪ ،‬ضمن تَ َس ْل ُس ٍل زَ َمنِ ٍّي على ُخطى فريحة‬ ‫الحدثي‬ ‫ريخ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الو ْجدانِ َّيةِ َوالتَ ْأ ِ‬ ‫َو ِر ْح َلتِ ه الطويلة‪.‬‬ ‫فاء‬ ‫ِ‬ ‫ناء الصيغَ ةِ‬ ‫التاريخ َّيةِ ‪ ،‬اِلنْ تِ ِ‬ ‫الع ُ‬ ‫ْاختَ فَ ت َ‬ ‫ناوين الثانَ ِو َّيةُ ْأو ُ‬ ‫الم َك ِّم َلةُ ِب َ‬ ‫ماما لِ ْلنَ ْقد بل‬ ‫المؤَ لَّ فات ال ُي ْم ِك ُن ْ‬ ‫إخ ُ‬ ‫ضاعه تَ ً‬ ‫َ‬ ‫الحاجةِ َإل ْيها‪ .‬فهذا النوع من ُ‬ ‫ُ‬ ‫نَ‬ ‫أنْ‬ ‫كرر ذلك في‬ ‫وهو‬ ‫فريحة‪.‬‬ ‫لدى‬ ‫غ‬ ‫ي‬ ‫الص‬ ‫ناء‬ ‫ب‬ ‫ماط‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫م‬ ‫جيل‬ ‫س‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫هو تَ ْ‬ ‫َِ‬ ‫تابهِ قبل أن ْأنسى‪ ،‬فَ َض َّمنَ ُه ما فاتَ ُه في ُمؤَ لَّ فِ هِ َ‬ ‫الوقائِ ِع‬ ‫األ َّول‪ ،‬فَ ْض ًال َع ِن َ‬ ‫كِ ِ‬ ‫‪7‬‬ ‫استَ َج َّد ْت َل َد ْيه ‪.‬‬ ‫األح ِ‬ ‫َو ْ‬ ‫داث التي ْ‬ ‫فات ُ‬ ‫الس َ‬ ‫تاج ْت إلى ِص َي ٍغ‬ ‫المؤَ لَّ ُ‬ ‫هولةِ نَ فْ ِسها‪ ،‬بل ْاح َ‬ ‫َل ْم تَ َّت ِصف ُ‬ ‫األ ْخرى ِب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثارة‪ .‬فَ‬ ‫شاط‬ ‫قاليد تَ ْد ُخل في النَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫العادات َوالتَ ُ‬ ‫ناس ُب َو َط َ‬ ‫الم َ‬ ‫بيع َة َ‬ ‫المسائِ ِل ُ‬ ‫تَ تَ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫شاف‬ ‫اك‬ ‫في‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫د‪،‬‬ ‫ع‬ ‫الم‬ ‫و‬ ‫ثيف‬ ‫الك‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫الواس‬ ‫ي‬ ‫فَ‬ ‫قَّ‬ ‫تَ‬ ‫تِ ِ َ عالِ ِ هِ‬ ‫ِ َ ْ ُ‬ ‫ِ ِ َ‬ ‫ِ َ َُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫اإلنْ سانِ ِّ‬ ‫تاريخ ٌّي ُم َو َّح ٌد َ‬ ‫الب ْحتَ ة التي‬ ‫صيغَ ةٌ ُم َح َّد َدةٌ ْأو نَ موذَ ٌج‬ ‫ِ‬ ‫الم ْعتَ َم ِد في ُ‬ ‫لوم َ‬ ‫كذلِ َك ُ‬ ‫الع ِ‬ ‫الح َدثِ ّي الذي ْأر َس ْت‬ ‫مان ْأو َمكان‪َ .‬ح ّتى‬ ‫ُ‬ ‫التاريخ َ‬ ‫تَ ْن َط ِب ُق ْأوصافُ ها في ُك ِّل زَ ٍ‬ ‫الو ْضعِ َّية تَ تَ َط َّل ُب َم‬ ‫باع ِص َي ٍغ ُمتَ نَ ِّو َعةٍ‬ ‫َق ِ‬ ‫واضيع ُه اتِّ َ‬ ‫الم ْد َر َسةُ َ‬ ‫ُ‬ ‫الم ْن َه ِج َّي َة َ‬ ‫واع َد ُه َ‬ ‫والح َذ ِر في َع ْر ِضهِ‬ ‫الدقَّ ةِ‬ ‫ميزَ فريحة ِب ِ‬ ‫َ‬ ‫َق ْب َل َع ْر ِضها في ُمؤَ لَّ فات‪ .‬لِ ذا تَ ّ‬ ‫واض َح ًة َو ْ‬ ‫إجابات على‬ ‫إشكالِ َّي ًة تَ ْنتَ هي إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ناوين ِ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫قاليد‪َ ،‬و َح َّد َد َع َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ثانَ‬ ‫ناوين ِو َّية ُمتَ نَ ِّو َعة َو َو َض َعها في ِخ ْد َمةِ‬ ‫فج َّر َد ل َـذلِ ك َع َ‬ ‫تَ ساؤُ ٍل َم ْرك ِز ّي‪َ ،‬‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫االلْ‬ ‫الغاي‬ ‫و‬ ‫ث‬ ‫ح‬ ‫الب‬ ‫مون‬ ‫ض‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫زام‬ ‫طاع‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ال‬ ‫حاو‬ ‫ْ َ ُ ْ تَ ِ تِ َ ِ َ ْ ِ َ ْ ِ َ َ ةِ‬ ‫ُ‬ ‫وان َ‬ ‫الع ْن ِ‬ ‫الم ْر َك ِز ّي ُم ِ‬ ‫واض َع ِع َّدة‪.‬‬ ‫جيل‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ن‬ ‫تَ‬ ‫رادات في َم ِ‬ ‫استِ ْط ٍ‬ ‫ِم ْ َ ْ ِ ْ‬ ‫وخصص فريحة ُمؤَ لَّ فً ا لِ ْلقَ ْر َيةِ ُ‬ ‫راس َخةٍ‬ ‫ناص َر ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ ،‬لِ ما َيتَ َض َّم ُن ِم ْن َع ِ‬ ‫العامة‪ ،‬فجاء‬ ‫التاريخ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫ناء الصيغَ ةِ‬ ‫ُي ْم ِك ُن َو ْصفُ ها ِب ِ‬ ‫ّ‬ ‫موج ِبها ِب َ‬ ‫القاع َدة‪ ،‬أتَ َّم ِب ِ‬ ‫‪8‬‬ ‫المجال ‪.‬‬ ‫كتاب ُه ْ‬ ‫ُ‬ ‫األب َلغَ في هذا َ‬ ‫قاليد ُ‬ ‫ظور ُشمولِ ٍّي‬ ‫ِ‬ ‫َل ْم َي ْن َطلِ ق في َع ْر ِضهِ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫الل ْبنانِ َّي َة ِم ْن َم ْن ٍ‬ ‫إثارةَ ْ‬ ‫فالعادات‬ ‫ماع َّيةٍ َو َو َطنِ َّيةٍ رئيسة‪.‬‬ ‫إشكالِ َّيةٍ ْاجتِ ِ‬ ‫لِ هذا ُ‬ ‫ُ‬ ‫التراث‪ ،‬بل تَ َو ّخى َ‬ ‫ضارةَ القَ ْر َيةِ ُ‬ ‫قاليد‬ ‫الل ْبنانِ َّيةِ‬ ‫الشعبية انْ َد َر َجت في ما يشبه النِ داء َّ‬ ‫َوالتَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫بأن َح َ‬ ‫لور ُ‬ ‫عادات انْ َد َث َر ْت مع‬ ‫الل ْبنانِ ّي‬ ‫ٍ‬ ‫في َط ِ‬ ‫ريقها إلى الزَ وال‪ .‬لذا طرح ِم َن الفُ ولْ ْك ِ‬ ‫راج ِع َوالتَ ُآك ِل‪ّ .‬‬ ‫الزَ َمن‪ّ ،‬‬ ‫إال َّأن القارئ َي ْكتَ ِش ُف‬ ‫مركزً ا على تِ ْل َك ِ‬ ‫اآلخ َذةِ ِبالتَ ُ‬ ‫ً‬ ‫لور ُ‬ ‫ناوين‬ ‫الل ْبنانِ ّي ال تزال‬ ‫ناشطة َل ِكنَّ ها َح َّل ْت َع َ‬ ‫َجوانِ َب ُأ ْخرى ِم َن الفُ ولْ ْك ِ‬ ‫ْ‬ ‫قوسا َل ْم َي َشأ فريحة‬ ‫ناص ِر‬ ‫مار ٍ‬ ‫الع ِ‬ ‫ثانَ ِو َّي ًة بعد َ‬ ‫الرئيسة‪ ،‬فأكملت ُم َ‬ ‫سات َو ُط ً‬ ‫َ‬ ‫ماع ِّي العام‪.‬‬ ‫لوك االجتِ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ْاقتِ طاعها ِم َن ُ‬ ‫‪ 77‬أنيس فريحة‪ ،‬قبل أن انسى‪ ،‬دار النهار للنشر‪.1980،‬‬ ‫‪ 88‬أنيس فريحة‪ ،‬حضارة في طريق الزوال ‪‬القرية اللبنانية‪ ،‬مطبعة الكريم‪،‬‬ ‫جونية‪.1957 ،‬‬


‫الموصلة‬ ‫‪ .3‬العلوم‬ ‫ِ‬

‫‪ 99‬أنيس فريحة‪ ،‬سوانح من تحت الخروبة‪ ،‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪.1988‬‬ ‫‪ 110‬أنيس فريحة‪ ،‬اسمع يا رضا‪ ،‬مطبعة الكريم‪ ،‬جونية‪ ،1965 ،‬ص‪.105 .‬‬

‫‪29‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫وص َل ًة تَ ْن َد ِر ُج ضمن‬ ‫لوما ُم ِ‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫ماع ّي ُع ً‬ ‫ريخ ْ‬ ‫َو َض َع فريحة في ِخ ْد َمةِ التَ ْأ ِ‬ ‫التاريخ‬ ‫حاجتَ ُه ِم ْنها في‬ ‫فاستَ ْخ َد َم‬ ‫عار ِفهِ العِ ْل ِم َّيةِ‬ ‫تَ َخ ُّص ِصهِ العِ ْل ِم ّي َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫شير إلى‬ ‫لوما ِ‬ ‫ماع ّي‪ِ ،‬‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫جاع ًال ِم ْنها ُع ً‬ ‫موصلة‪ُ .‬‬ ‫فم ْعظ ُم ما َ‬ ‫جاء في نتاجه ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دراستها‬ ‫تجب‬ ‫لذا‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫باع‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫ديه‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ع‬ ‫ةً‬ ‫عار َف َ ميقَ ةٍ َ ُ تَ نَ ِّ َ ةٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ْ ُ تَ ِ َ َ ُ ْ تَ ِ َ‬ ‫َم ِ‬ ‫الموص َلةِ أو‬ ‫لوم‬ ‫ِ‬ ‫ثيرها في ُمؤَ لَّ فاتِ ه‪ُ .‬‬ ‫ومتابعةُ ُ‬ ‫على ُم ْستَ وى َأه ِم َّيتِ ها َوتَ ْأ ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫فات فريحة‪ ،‬ولم تَ‬ ‫الم َخ َّص َصةِ‬ ‫عظم ُمؤَ لَّ ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ساع َدة شملت ُم َ‬ ‫قتصر على تِ ْل َك ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ماع َّية‪ .‬لذا أكتفي ِب َع ْر ِض‬ ‫احتو ْت على‬ ‫التي‬ ‫أو‬ ‫قاليد دينِ َّيةٍ َو ْاجتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عادات وتَ َ‬ ‫َ‬ ‫حاب ْ‬ ‫ُ‬ ‫صاص في األلْ ُسنِ َّيةِ‬ ‫االختِ‬ ‫الخ ِ‬ ‫الع َ‬ ‫طوط َ‬ ‫ريضةِ لِ َه ِذ ِه ُ‬ ‫تار ًكا ْ‬ ‫أِلص ِ‬ ‫ِ‬ ‫العلوم‪ِ ،‬‬ ‫مون‬ ‫راءةِ ُ‬ ‫الخطوط َو ِع ْل ِم ْ‬ ‫ماع واألنتروبولوجيا‪ ،‬الغَ ْو َص في َم ْض ِ‬ ‫َو ِع ْل ِم ِق َ‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫واحتِ رافً ا‪.‬‬ ‫تاج فريحة َوتَ ْح َ‬ ‫ديد ما َب َلغَ ُه فيها ِع ْل ًما ْ‬ ‫نِ ِ‬ ‫قان‬ ‫الب ْح ِث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫المنَ ِّظ َ‬ ‫الباح َ‬ ‫رون لِ َم ْن َه ِج َ‬ ‫التاريخ ّي ُي ْج ِم ُعون على َضرورةِ إتْ ِ‬ ‫ثون َو ُ‬ ‫المؤَ ِّر ِخ ُّ‬ ‫غناء َع ْنها‬ ‫اللغات ُأصول البحث‪ُ ،‬خ ً‬ ‫ُ‬ ‫االستِ ُ‬ ‫صوصا ْتلك التي ال ُي ْم ِك ُن ْ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ضارات‬ ‫الح‬ ‫و‬ ‫عوب‬ ‫ش‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫التاريخ‬ ‫لومات‬ ‫ع‬ ‫الم‬ ‫على‬ ‫الع‬ ‫اْلط‬ ‫سيل‬ ‫َك َو‬ ‫ِ‬ ‫لِ‬ ‫العائِ‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫لِ‬ ‫ةٍ‬ ‫ةِ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫ِ‬ ‫كانات فريحة ُ‬ ‫اللغَ ِو َّية‪ ،‬على تَ نَ ُّو ِعها‪ ،‬تُ ْظ ِه ُر تَ َم ُّكنً ا‬ ‫الب ْحث‪َ .‬و ْإم ُ‬ ‫َ‬ ‫الم ْعنِ َّيةِ ِب َ‬ ‫َ‬ ‫واالنكليز َّية َواأللْ مانِ َّية‪ ،‬ومنها ُ‬ ‫ُ‬ ‫نْ‬ ‫ديمة‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ات‬ ‫الل‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‪،‬‬ ‫ي‬ ‫د‬ ‫الفَ‬ ‫غَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َل َ‬ ‫الل ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫غات القَ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫كيفي َة تَ لقّ يه ُ‬ ‫اللغَ َة‬ ‫كالالتينِ َّية‪ ،‬وهو‬ ‫َ‬ ‫ذاكرا ّ‬ ‫تابهِ إسمع يا رضا ً‬ ‫عرض لها في كِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫لّ‬ ‫ةُ‬ ‫واس ًعا في ُمؤَ فاتِ ه‪َ ،‬وتَ َو َّز َع ْت َب ْي َن‬ ‫غات‬ ‫السام َّي َح ِّيزً ا ِ‬ ‫ِ‬ ‫السريانِ َّية‪ .10‬وأخذت الل ُ‬ ‫َ‬ ‫الع َر ِب َّيةِ َو ُ‬ ‫والس ْريانِ َّيةِ َوالعِ ْب ِر َّية‪.‬‬ ‫غات‬ ‫اآلرام َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الل ِ‬ ‫الل ْه ِ‬ ‫ِ‬ ‫جات َ‬ ‫العميقَ ةُ ِب َب ْع ِض ُ‬ ‫اآلخر َش َّك َل ْت‬ ‫مام ُه ِب َب ْع ِضها َ‬ ‫الل ِ‬ ‫َم ْع ِرفَ ةُ فريحة َ‬ ‫غات َوإلْ ُ‬ ‫الحقائِ ِق‬ ‫التاريخ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫تاج ُه ِب ِ‬ ‫عام ًال ُم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساع ًدا َو َع َ‬ ‫واف ٍر ِم َن َ‬ ‫فار َقة َرفَ َد ْت نِ َ‬ ‫الم ًة ِ‬

‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫الس َ‬ ‫ماع َّي َح ّتى إذا َط َر َأ تَ َب ُّد ٌل َع َل ْيهِ ْأو انْ ِح ٌ‬ ‫راف‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫لوك ْ‬ ‫رافَ َق فريحة ُ‬ ‫قارنَ ة‪ .‬هكذا‬ ‫وس َّج َل‬ ‫ِ‬ ‫الج َ‬ ‫الواق َع َ‬ ‫أجرى ُم َ‬ ‫ْ‬ ‫الم َ‬ ‫ديد ِب ُ‬ ‫حال الذي َس َبق َ‬ ‫راج َع ًة لِ ْل ِ‬ ‫‪9‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تابهِ سوانح من تحت الخروبة ‪ .‬وألنها‬ ‫َح َّل ْت َع ُ‬ ‫ناوين ُم ْختَ لِ فَ ةٌ ُ‬ ‫وم َب ْعثرةٌ في كِ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ماس ٍك‬ ‫انْ َد َر َج ْت في‬ ‫قاليد َو َ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ ِ‬ ‫الخصائِ ِص الل ْبنانِ َّية حافَ ظ ْت على تَ ُ‬ ‫فاظ على الفَ ضائِ ِل‬ ‫الح ِ‬ ‫الد ْع َوةِ إلى ِ‬ ‫طاب ًعا ُو ْجدانِ ًّيا ِب َ‬ ‫الم ْضمون واتَّ َخ َذ ْت َ‬ ‫في َ‬ ‫ُ‬ ‫دور‬ ‫للذ ْهنِ َّيةِ االجتِ ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ ،‬والتَ ْنبيهِ ِم ْن ْأو ُجهٍ َس ِّي َئةٍ ِ‬ ‫ماع َّيةِ السائِ َدةِ عند ُص ِ‬ ‫الكتاب‪.‬‬


‫‪30‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫الم ْو َ‬ ‫ضارات‬ ‫الح‬ ‫ِ‬ ‫ساحةٍ ِ‬ ‫واس َعةٍ ِم َن َ‬ ‫أتاح ْت َل ُه ُح ِر ّي َة التَ نَ قُّ ِل على َم َ‬ ‫ثوقة‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫المسائِ ِل‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫اإليغال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫عوب‪،‬‬ ‫والش‬ ‫نَ‬ ‫التاريخ َّيةِ والدينِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫دينام‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫فتعام‬ ‫قاليد‪،‬‬ ‫العادات‬ ‫وخصوصا‬ ‫ماع َّية‪،‬‬ ‫استِ ْثنائِ َّيةٍ‬ ‫ةٍ‬ ‫ِ‬ ‫واالجتِ ِ‬ ‫والتَ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫قاط َعةِ في َ‬ ‫راف َّية‪،‬‬ ‫الم ْو‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫المتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مون َواأل ُط ِر ُ‬ ‫الش ْك ِل َو َ‬ ‫إزاء َ‬ ‫الم ْض ِ‬ ‫ضوعات ُ‬ ‫َ‬ ‫ناص َر َب ْحثِ َّي ًة‬ ‫كما ظهرت ً‬ ‫المتَ َض ِّمنَ ةِ َع ِ‬ ‫أيضا في مقاالته العِ ْل ِم َّيةِ القَ َ‬ ‫صيرة‪ُ ،‬‬ ‫‪11‬‬ ‫ُمتَ نَ ِّو َع ًة َو َكثيفَ ة ‪.‬‬ ‫كانات ُ‬ ‫الز ًما َم ْع َرديفِ ها‬ ‫استَ ْد َع ْت تَ ُ‬ ‫اإلم ُ‬ ‫ْ‬ ‫الم ْرتَ فِ َعةُ َو ُ‬ ‫اللغَ ِو َّيةُ ُ‬ ‫المنَ َّوعة ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الْ‬ ‫المأْلى‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫سير‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ئيس‬ ‫الر‬ ‫ات‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ر‬ ‫س‬ ‫وهو‬ ‫‪.‬‬ ‫رافي‬ ‫العِ‬ ‫هِ‬ ‫تِ‬ ‫هِ‬ ‫ياتِ‬ ‫لِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َ َ​َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َّ َ‬ ‫َ​َ َ‬ ‫الجغْ ّ‬ ‫ْ‬ ‫أنَّ‬ ‫و‬ ‫واف َيةٍ ومعرفةٍ جغرافية مزدوجة‬ ‫د‬ ‫على‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ث‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫حال‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫الس‬ ‫فَ‬ ‫رايةٍ ِ‬ ‫التِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِب َ ِ َ ْ‬ ‫الح َ‬ ‫تَ ْج َم ُع َب ْي َن‬ ‫ديثة (بركائِ ِزها القُ ْط ِر َّيةِ َوالقَ ْو ِم َّيةِ‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫راف َّيةِ َ‬ ‫الخار َطةِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ديم‬ ‫الد ْولِ ّي)‪َ ،‬و َب ْي َن‬ ‫أساس‬ ‫راف ّية القائِ َمةِ على‬ ‫الديمغْ ِ‬ ‫القانون َ‬ ‫ِ‬ ‫َو ُ‬ ‫ِ‬ ‫العال ِم القَ ِ‬ ‫المبنية على‬ ‫الحضارات‬ ‫صاد َّيةٍ َو ِف ْك ِر َّيةٍ‬ ‫عناصر ْاقتِ ِ‬ ‫الم ْرتَ ِك ِز على تَ َو ُّز ِع َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫آنَ‬ ‫الخار َطة‪ ‬أقصد‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫وب‬ ‫ذاك‪.‬‬ ‫اني‬ ‫ك‬ ‫الس‬ ‫الحراك‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ة‪،‬‬ ‫اجتماعي‬ ‫َو‬ ‫ـ ‪‬تَ‬ ‫تَ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ِ َ ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫الف‬ ‫راف ّي‪ ،‬رافَ قَ ُه فريحة ِب ْ‬ ‫اختِ ِ‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫الثاب ِت ُ‬ ‫الم ْعطى َ‬ ‫الب َش ِر َّي ُ‬ ‫ُ‬ ‫المتَ َح ِّر َك على ِ‬ ‫التاريخ َّية‪.‬‬ ‫بات‬ ‫ِ‬ ‫الحقَ ِ‬ ‫َ‬ ‫صيل ُ‬ ‫صاصا‪َ ،‬ب ْل َش َّق َطريقً ا‬ ‫ماما ْ‬ ‫واختِ‬ ‫اللغَ ِو ِّي إلْ ً‬ ‫ً‬ ‫َل ْم َي ْكتَ ِف فريحة ِبالتَ ْح ِ‬ ‫راءةِ ُ‬ ‫قس ًطا ِ‬ ‫تاج َع ْب َر تَ ْر َج َمةِ‬ ‫ِباتِّ ِ‬ ‫الخطوط‪َ ،‬‬ ‫جاه ِع ْل ِم ِق َ‬ ‫وحقَّ َق ْ‬ ‫واف ًرا ِم ْن هذا النِ ِ‬ ‫‪12‬‬ ‫نُ‬ ‫الك ْنعانِ َّية َو َمثيالتِ ها ِم َن‬ ‫الح َم َو‬ ‫أساطير ِم ْن أوغاريت ِ‬ ‫ديمة ل َـم َ‬ ‫صوص قّ َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫‪13‬‬ ‫عيدا ِم َن التَ َد ُّخ ِل في‬ ‫األد ِب‬ ‫السامي القَ ديم في ِب ِ‬ ‫الد ما َب ْي َن النَ ْه َر ْين ‪َ .‬و َب ً‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫قِّ‬ ‫طورة‬ ‫س‬ ‫األ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫الم‬ ‫في‬ ‫فريحة‬ ‫ل‬ ‫غ‬ ‫أو‬ ‫‪،‬‬ ‫ني‬ ‫ها‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫قَ‬ ‫ةِ‬ ‫التِ‬ ‫ةِ‬ ‫ةِ‬ ‫لِ‬ ‫ِ‬ ‫التَ‬ ‫ّ ْ‬ ‫َع َ َّ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ َ َ ِ‬ ‫فيدا ِم َن ِّ‬ ‫ديمة‬ ‫عوب َو َح‬ ‫ٍ‬ ‫ُم ْستَ ً‬ ‫ضارات َق َ‬ ‫سار ُش ٍ‬ ‫روح تَ َح َّك َم ْت ِب َم ِ‬ ‫الع على ٍ‬ ‫االط ِ‬ ‫ماع َّية‪.‬‬ ‫رموزها الفِ ْك ِر َّيةِ الدينِ َّيةِ َواالجتِ ِ‬ ‫عادها َو َع ِ‬ ‫ِب ْأب ِ‬ ‫ناص ِرها َو ِ‬ ‫خين َع َرب َكتَ بوا في‬ ‫التاريخ القَ ديم‪ ،‬بإيالئِ هِ‬ ‫وتمايز فريحة َع ْن ُمؤَ ِّر َ‬ ‫ِ‬ ‫عاصروا النَ ْه َض َة‬ ‫راسات‬ ‫الد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السام ّيةِ ما تَ ْستَ ِحقُّ ُه ِم ْن ِع َ‬ ‫ناية‪ .‬فهو َ‬ ‫أح ُد قالئِ ِل َ‬ ‫ماسة‪ْ .‬‬ ‫واقتَ َرنَ ْت‬ ‫االستِ ْك ِ‬ ‫واستَ جابوا َلها ِب َح َ‬ ‫شاف َّيةِ في َم ْطلِ ِع القَ ْر ِن العِ ْشرين ْ‬ ‫َ‬ ‫الع َر ِب ّي‪ ،‬كتِ ْل َك‬ ‫ماس ُت ُه في إنْ ِ‬ ‫الم ْش ِر ِق َ‬ ‫شاء َم ْد َر َسةٍ جديدةٍ َو ُمتَ ط ِّو َرةٍ في َ‬ ‫َح َ‬ ‫الميثولوج َّية‪.‬‬ ‫صوص‬ ‫الن‬ ‫القائِ َمةِ آنَ ذاك في الغَ ْر ِب‬ ‫تقوم على تَ ْر َج َمةِ ُ‬ ‫األوروب ّي‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ 111‬أنيس فريحة‪ ،‬دراسات في التاريخ‪ ،‬دار النهار للنشر‪.1980 ،‬‬ ‫‪ 112‬أنيس فريحة‪ ،‬مالحم وأسطير من أوغاريت (رأس شمرا)‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫االميركية‪ ،‬بيروت‪.1966 ،‬‬ ‫‪ 113‬أنيس فريحة‪ ،‬مالحم وأساطير من األدب السامي‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1967‬‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪J. BOTTERO – S. KRAMER, Lorsque les dieux faisaient l’homme, 114‬‬ ‫–‪mythologie mésopotamienne, Editions Gallimard, Paris, 1993; A. CAQUOT ‬‬ ‫‪M. SZNYCER – A. HERDNER, Textes Ougaritiques I. Mythes et légendes,‬‬ ‫‪(Coll. LAPO), Paris, 1974; A. CAQUOT – M. TARRAGON - J.L. CUNCHILLOS,‬‬ ‫‪Textes Ougaritiques II. Textes religieux et rituels, Correspondance, (Coll.‬‬ ‫‪LAPO), Paris, 1989.‬‬

‫‪31‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫األدب‬ ‫الح َم َو‬ ‫هكذا ترجم َم ِ‬ ‫أساطير ِم ْن أوغاريت‪ ،‬ومالحم وأساطير من َ‬ ‫َ‬ ‫العربي الوحيد في َع ْص ِره بخوض َه ِذ ِه‬ ‫ؤر َخ‬ ‫السامي َ‬ ‫الم ِّ‬ ‫القديم‪ ،‬فكان ُ‬ ‫َّ‬ ‫غربيين‬ ‫ماء‬ ‫غام َرة‬ ‫حاب االختِ صاص‪ ،‬وفي ُموازاةِ ُع َل ِ‬ ‫الم َ‬ ‫ّ‬ ‫متعر ًضا لنَ ْق ِد ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫أص ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫راستِ ها‪ ،‬من أمثال بوتيرو وكاكو‬ ‫حات‬ ‫اقين في الك ْش ِف َع ِن الل ْو ِ‬ ‫َس ّب َ‬ ‫ّ‬ ‫األثرية َو ِد َ‬ ‫‪14‬‬ ‫ودوسو وفيرولو وغاستر وشيفر وغيرهم ‪.‬‬ ‫رور ًّيا‬ ‫إذا َ‬ ‫كان التَ َع ُّر ُف على فَ ْحوى الميثولوجيا َو َدالالتِ ها ْأم ًرا ُم ً‬ ‫تاحا َو َض ِ‬ ‫أساس ًّيا َو َم ْع َب ًرا‬ ‫ماع واألنتروبولوجيا‪َ ،‬ش ْر ًطا‬ ‫ِ‬ ‫خين َو ُع َل ِ‬ ‫المؤَ ِّر َ‬ ‫ماء ْ‬ ‫في نتاج ُ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫قاص َد ُه ُم َ‬ ‫باش َرةً‬ ‫ديمة‪ ،‬فَ فريحة َب َلغَ َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحقَ َبةِ‬ ‫إلْ ِ‬ ‫لوج َ‬ ‫التاريخ َّيةِ القَ َ‬ ‫زام ًّيا لِ ُو ِ‬ ‫الح ِم َواألساطير‪،‬‬ ‫الم ِ‬ ‫اليد‪ .‬وألن تَ َصفُّ َح التَ ْر َج ِ‬ ‫َو ِب َل ْم ِس َ‬ ‫الم ْختَ َّصةِ ِب َ‬ ‫مات ُ‬ ‫جاز‬ ‫الصد ِق َّيةِ َو ِ‬ ‫َمهما اتَّ َصفَ ْت ِب ْ‬ ‫الح َر ِف َّية‪ ،‬ال َي ْرتَ قي إلى َم ْرتَ َبةِ التَ ْح ِ‬ ‫قيق َواإلنْ ِ‬ ‫السام َّية أن زَ َّو َد ُه‬ ‫صوص‬ ‫الن‬ ‫ِ‬ ‫الع َملِ ّي‪ ،‬كان من تَ َخ ُّص َص فريحة في تَ ْر َج َمةِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ القَ ديم‪.‬‬ ‫وام َض‬ ‫موص ٍل إلى كشفه َغ ِ‬ ‫ِبعِ ْل ٍم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ثيق َو ْ‬ ‫التأريخ‪،‬‬ ‫من َه ِ‬ ‫ذه الميزَ ةِ َلدى فريحة‪ ،‬وباستكشاف فَ عالِ َّيتِ ها في التَ ْو ِ‬ ‫الم ْستَ وى التِ قَ نِ ِّي‬ ‫الن‬ ‫ّيتضح أن تَ ْر َج َم َة ُ‬ ‫صوص القَ َ‬ ‫ديمةِ َوما َي ْن َبثِ ُق َع ْنها على ُ‬ ‫ِ‬ ‫والعامة‪.‬‬ ‫الخاصةِ‬ ‫عار ِفهِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َوالعِ ْل ِم ّي‪ ،‬تَ ْخ َض ُع لِ َش ْخ ِص َّيةِ ُ‬ ‫المتَ ْر ِج ِم َو َثقافَ تِ هِ َو َم ِ‬ ‫مقدمة كتابه مالحم وأساطير من األدب السامي القديم‪،‬‬ ‫وفريحة في ّ‬ ‫جيع‬ ‫ذكر أنَّ ُه ْ‬ ‫أخ َر َج َع َملِ َّي َة التَ ْر َج َمةِ ِبعض التَ َص ُّرف ْ‬ ‫حر ًصا ِم ْن ُه على تَ ْش ِ‬ ‫ميع ِفئاتِ ِهم‪َ ،‬وتَ ْمكينِ ِهم ِم ْن فَ ْه ِمها ِب ُس َ‬ ‫القُ ّر ِاء لِ ْ‬ ‫هولة‪َ .‬وي ْن َس ِح ُب‬ ‫إلق ِ‬ ‫بال َع َل ْيها ِب َج ِ‬ ‫الطاب ِع‬ ‫ذات‬ ‫الم ْعطى في ُمؤَ لَّ فاتِ هِ ِ‬ ‫استِ ْخ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫دامه هذا ُ‬ ‫الم ْب َد ُأ ذاتُ ه على طريقَ ةِ ْ‬ ‫َ‬ ‫تاريخ َّية‪َ ،‬وما‬ ‫استِ ْنتاجاتِ ه تتَ َرتَّ ُب َعل ْيها َم ْسؤولِ َّية‬ ‫ِ‬ ‫الدينِ ِّي َواالجتِ ِ‬ ‫ماع ّي‪ ،‬مع َّأن ْ‬ ‫ْ‬ ‫تَ ُ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد‬ ‫ضامين‪ ،‬في الفِ ك ِر الدينِ ِّي َو‬ ‫الصات َو َم‬ ‫ؤول َإل ْيه ِم ْن ُخ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫البةُ َو ُح ْس ُن‬ ‫الس ِ‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫الذ ْهنِ َّيةِ‬ ‫َو ِ‬ ‫الب َش ِر ِّي ُع ً‬ ‫الص َ‬ ‫موما‪ .‬من هنا َ‬ ‫ْ‬ ‫لوك َ‬ ‫ماع َّيةِ َو ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫ةُ‬ ‫ساع ًدا‪ ،‬إذ َب َرزَ ْت‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫مات‬ ‫ج‬ ‫التر‬ ‫دام‬ ‫خ‬ ‫اس‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫إم‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫قَ‬ ‫ْ‬ ‫ِ هِ ْ َ ِ ِ ً ُ ِ‬ ‫ْ تِ‬ ‫التَ َ ِ َ الثِ ِ ْ كاناتِ‬ ‫الب ْحثِ َّيةِ ُ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫انْ‬ ‫وانْ‬ ‫األ ْخرى‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ناص‬ ‫الع‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫جام‬ ‫س‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫واضحة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تَ‬ ‫ٍ َ‬ ‫َ‬ ‫ذخيرته العِ ْل ِم َّ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫حين َد َع ْت‬ ‫َ‬ ‫الحاجةُ ْ‬ ‫راسةُ‬ ‫رض‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ ِ‬ ‫بيعتَ ها تَ فْ ُ‬ ‫االجتِ ماع ألن َط َ‬ ‫قاليد تَ ْجنَ ُح إلى ِع ْل ِم ْ‬ ‫ِد َ‬ ‫ئاما ُع ْض ِو ًّيا َم َعه حتى ليصعب االنْ فِ صام َب ْينَ ُه َو َب ْي َن ِع ْل ِم التاريخ‪ّ .‬‬ ‫إال َّأن‬ ‫الْ تِ ً‬


‫‪32‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫ناص ِر‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫َق ِ‬ ‫ساع َدةِ‬ ‫ريخ تَ فْ ُ‬ ‫التاريخ َّية‪َ ،‬وتَ ْح َ‬ ‫رض تَ ْث َ‬ ‫بيت َ‬ ‫ديد ُ‬ ‫لوم ُ‬ ‫واع َد التَ ْأ ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫الم َ‬ ‫ً‬ ‫ومقاصد فريحة ِم ْن ُم َ‬ ‫واضحة‬ ‫العادات َوالتَ قاليد ذكرها‬ ‫حيطةِ ِبها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫عال َجةِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ولْ‬ ‫لور ّي‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ضار‬ ‫ح‬ ‫ث‬ ‫إر‬ ‫على‬ ‫ا‬ ‫فاظ‬ ‫ح‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ريخ‬ ‫أ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫ط‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫لها‬ ‫يه‬ ‫بتصد‬ ‫فُ‬ ‫تَ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍّ‬ ‫رور الزَ َمن‪ .15‬جاء إعالنه هذا في‬ ‫ُي ْخشى َع َل ْيهِ ِم َن َ‬ ‫ثار ِبفِ ْع ِل ُم ِ‬ ‫ياع َواالنْ ِد ِ‬ ‫الض ِ‬ ‫قاليد ُ‬ ‫الطاب ِع‬ ‫ذات‬ ‫الل ْبنانِ َّية‬ ‫أساسا في ُمؤَ لَّ فاتِ هِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َم ْع ِر ِض َج ْمعِ هِ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫قاليد‬ ‫و‬ ‫العادات‬ ‫ساح‬ ‫م‬ ‫على‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫س‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫بات‬ ‫الموج‬ ‫هذه‬ ‫إنما‬ ‫ماع ّي‪،‬‬ ‫َ َ ةِ‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫ِ َ التَ ِ‬ ‫ْ تَ ْ َ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لوب والنَ تائِ ِج في‬ ‫س‬ ‫األ‬ ‫ب‬ ‫ها‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ع‬ ‫قاط‬ ‫إن‬ ‫و‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ما‬ ‫السي‬ ‫خرى‪،‬‬ ‫األ‬ ‫تَ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ ِ َّ‬ ‫ّ‬ ‫َ ْ َ​َ ِ ْ ِ‬ ‫واض َع ِع َّدة‪.‬‬ ‫َم ِ‬ ‫تجنّ َب فريحة ُ‬ ‫مون ُمؤَ لَّ فاتِ هِ‬ ‫االجتِ ماع‪ ،‬لكن َم ْض َ‬ ‫هور ِب َم ْظ َه ِر عالِ ِم ْ‬ ‫الظ َ‬ ‫َ‬ ‫عات َو َخصائِ َصها‪َ ،‬وتَ ط ّورها‬ ‫الم ْجتَ َم ِ‬ ‫ماما َو ْف ْه ًما َعميقً ا ِس ِ‬ ‫أظهر إلْ ً‬ ‫َ‬ ‫مات ُ‬ ‫ْ‬ ‫بالشأن‬ ‫ليع‬ ‫ض‬ ‫وألنه‬ ‫األنتروبولوجيا‪.‬‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫فبلغ‬ ‫التاريخ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫الذ‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ِ َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫الفِ ْك ِ ّ َ ِ ْ نِ ّ َ ْ َ‬ ‫تاجه في‬ ‫ماع ِّي‬ ‫وعلم الفلسفة أضاف ُب ْع ًدا ِع ْل ِم ًّيا ُم ِ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ساع ًدا على نِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ماع َّيةِ ‪ .‬سوى أنه ْاح َ‬ ‫لوم‬ ‫الم‬ ‫واضيع االجتِ ِ‬ ‫يان هذه ُ‬ ‫ُم َ‬ ‫قار َبةِ َ‬ ‫تاط ِم ْن ُطغْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫صاص إلى التَ َص ّدي لِ ها‪ ،‬فلم‬ ‫حاب ْ‬ ‫اإلختِ‬ ‫على َم َه َّمتِ هِ التَ ْأ ِ‬ ‫أص َ‬ ‫ريخ َّية فدعا ْ‬ ‫ِ‬ ‫يغُ ص عليها حتى تَ تَ قَ َّد َم َ‬ ‫بيعةُ‬ ‫عول‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الط َ‬ ‫التاريخ َّيةُ لِ ُمؤَ لَّ فاتِ هِ ْ‬ ‫ماع َّيةِ على َمفْ ِ‬ ‫أهم َّي ُتها‪.‬‬ ‫لوم‬ ‫ِ‬ ‫الموص َلة‪َ ،‬م ْهما َب َلغَ ْت ِ‬ ‫ُ‬ ‫الع ِ‬ ‫المكانَ ةُ العِ ْل ِم َّيةُ َو َ‬ ‫األد ِب َّيةُ التي تَ َم َّت َع ِبها فريحة‪ ،‬تَ قود إلى‬ ‫الث ِ‬ ‫قاف َّيةُ َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَّ‬ ‫ْ‬ ‫ؤَ‬ ‫لوم‬ ‫الع‬ ‫ييم‬ ‫ق‬ ‫عند‬ ‫ا‬ ‫صوص‬ ‫خ‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫جعلت‬ ‫دة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ُ‬ ‫معقّ‬ ‫ْ‬ ‫تَ‬ ‫شائِ‬ ‫فاتِ‬ ‫ةٍ‬ ‫ثِ‬ ‫ةٍ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫إشكالِ َّ َ ْ َّ‬ ‫ِ ُ ِ‬ ‫القار َئ‪ .‬ومن‬ ‫صوبة ما َيغمر‬ ‫الموص َلةِ َل َد ْيه‪ ،‬ألن فيها ِم َن التنَ ُّو ِع َو ُ‬ ‫ِ‬ ‫الخ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫قاع َدةِ ِع ْل ِم االجتِ ماع‪،‬‬ ‫ات في ْأبحاثِ ه فانْ ط َلق ِم ْن ِ‬ ‫األو َل ِو ّي ِ‬ ‫سعة ُع ِ‬ ‫لومه ّبدل ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫التاريخ واألنتروبولوجيا‬ ‫الموصلة (في ُمقَ َّد ِمها ِعل ُم‬ ‫لوم‬ ‫ِ‬ ‫لِ َي ْج َع َل ِم ْن باقي ُ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫المؤَ ِّرخ‪،‬‬ ‫والميثولوجيا َو ِسواها) تتناغم معها‪ .‬من هنا أن اختياره صفة ُ‬ ‫استَ قَ َّر على ُم ْع َظ ِم ُمؤَ لَّ فاتِ ه‬ ‫والتَ ْص َ‬ ‫وارتَ ُ‬ ‫نيف الذي ْاعتَ َم َد ُه ْ‬ ‫ضاه‪َ ،‬ق ْد انْ تَ َش َر َو ْ‬ ‫‪16‬‬ ‫الفولكلور َّية‪ ،‬كما هو قال ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ .4‬نَ ْ‬ ‫شأة القرية اللبنان ّية وواقع الحياة االجتماع ّية‬ ‫تكوين ُ‬ ‫األ َّمةِ ال َي ْخ َض ُع لِ َع ِام َل ِّي ُ‬ ‫رق‬ ‫خين َّأن‬ ‫يرى ُ‬ ‫َ‬ ‫المؤَ ِّر َ‬ ‫بعض ُ‬ ‫اللغَ ةِ والعِ ِ‬ ‫َ‬ ‫كزات‬ ‫والعادات والتقاليد‪ .‬لم‬ ‫عوامل ُأخرى كالفولكلور‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫فحسب بل لِ‬ ‫تختلف ُم ْرتَ ُ‬ ‫فالم ْس ُح‬ ‫جتمع‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ ُّي للذاكرةِ‬ ‫اللبناني عن هذا الواقع‪ ،‬ولم تَ ُش ّذ عنه‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الم ِ‬ ‫تتب َع ما‬ ‫أن‬ ‫هنا‬ ‫من‬ ‫القديمة‪.‬‬ ‫الذاكرة‬ ‫هذه‬ ‫إلى‬ ‫يشير‬ ‫لبنان‪،‬‬ ‫في‬ ‫جتمعي‬ ‫الم‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ 1 15‬أنيس فريحة‪ ،‬حضارة في طريق الزوال ‪‬القرية اللبنانية‪ ،‬ص‪.16 .‬‬ ‫‪ 116‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.9 .‬‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ 117‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.37 .‬‬ ‫‪ 118‬أنيس فريحة‪ ،‬اسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها‪ ،‬مطابع الكريم‪،‬‬ ‫جونية‪.1965 ،‬‬

‫‪33‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫للعادات‬ ‫تقميش‬ ‫قام به أنيس فريحة من‬ ‫ِ‬ ‫وتوثيق ودراسةٍ‬ ‫والتقاليد السائدةِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫فَ‬ ‫فَ‬ ‫وين في‬ ‫التك‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫تجذ‬ ‫الم‬ ‫بناني‬ ‫الل‬ ‫خصي‬ ‫للش‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫أع‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫إلى‬ ‫نا‬ ‫ع‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫لبنان‬ ‫في‬ ‫ةِ‬ ‫ةِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٍ َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ القديم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫العادات‬ ‫يار‬ ‫كان ْ‬ ‫ِ‬ ‫قار َبةِ‬ ‫واجتِ ِ‬ ‫إطار ُجغْ ِ‬ ‫َ‬ ‫راف ٍّي ْ‬ ‫ماع ٍّي في ُم َ‬ ‫القريةِ الل ْبنانِ َّيةِ ك ٍ‬ ‫الختِ ِ‬ ‫فاحتلت ْ‬ ‫ّ‬ ‫نظ َرتُ ُه‬ ‫رديف َح ْت ِم ٌّي تَ َم َّث َل في َمصادر َر َك َن إليها فريحة‪،‬‬ ‫والتقاليد‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تاريخ القريةِ ُ‬ ‫نتاجات‬ ‫استِ ْثنائِ َّية تَ َرتَّ َب ْت عليها‬ ‫اللبنانِ َّية‬ ‫إلى‬ ‫ِ‬ ‫االستِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫طبيعةُ ْ‬ ‫أهمي ًة ْ‬ ‫ِ‬ ‫بي ُ‬ ‫راث َ‬ ‫الخصائِ ِص‬ ‫والخ‬ ‫اللبنانِ ّي‪ .‬فهو اتَّ َخ َذ ِم َن َ‬ ‫ُ‬ ‫بالت ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َّت ِص َلةِ ُ‬ ‫الصات ُ‬ ‫الش ْع ِّ‬ ‫تنوع‪ُ ،‬معينً ا ُي ْش ِب ُه في تَ نَ ُّو ِعهِ ُ‬ ‫األ َ‬ ‫صول‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫والس ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِّ‬ ‫سيج ْ‬ ‫ماع ِّي ُ‬ ‫مات في النَ ِ‬ ‫المكانَ ةِ‬ ‫الم ِ‬ ‫صادر‪َ ،‬وتَ ُ‬ ‫استِ ْن ُ‬ ‫فاو ِت َ‬ ‫تاج ُه ِم ْن تَ َع ُّد ِد َ‬ ‫التي ْاعتَ َم َدها‪ .‬وهذا ما ُي ْم ِك ُن ْ‬ ‫المسائِ ِل التي تَ َص ّدى فريحة في القريةِ ُ‬ ‫اللبنانِ َّية‪ .‬فهو‬ ‫إزاء َ‬ ‫التي حازَ تْ ها‪َ ،‬‬ ‫صاد ِر‬ ‫ياق‬ ‫ِ‬ ‫كشف عن ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫وين القريةِ اللبنانِ ّية‪ ،‬وأقصى ُم ْع َظ َم َ‬ ‫الس ِ‬ ‫التاريخ ِّي لِ تَ ْك ِ‬ ‫التاريخ َّيةِ َ‬ ‫الم ْيدان‪،‬‬ ‫األث ِر َّية‪ ،‬لِ َع َد ِم تَ َوفُّ ِرها ِب َش ْك ٍل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كاف َك ًّما َونَ ْو ًعا في هذا َ‬ ‫‪17‬‬ ‫واق ِع َ‬ ‫أشار‬ ‫األث ِر َّيةِ التي‬ ‫الم ِ‬ ‫لكنه لم يستغْ ِن َع ْنها تَ ً‬ ‫َ‬ ‫ماما ‪َ .‬و َي َّت ِض ُح ذلك في َ‬ ‫إليها في َج َب ِل لُ بنان‪َ ،‬‬ ‫والمالحم‪،‬‬ ‫لألساطير‬ ‫ِ‬ ‫الم َخ َّص َصةِ‬ ‫ساقها في َمقاالتِ هِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫باب الفِ ْك ِر الدينِ ِّي القَ ديم‪،‬‬ ‫داعما إياها بما تَ َم َّخ َض َع ْنها من استِ ْن‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫تاجات في ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الحديث‬ ‫التاريخ‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫قاليد‬ ‫العادات‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ناو‬ ‫التي‬ ‫أب‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫عيد‬ ‫تَ‬ ‫نانِ‬ ‫ِ‬ ‫هِ‬ ‫حاثِ‬ ‫والتَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َب ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ‬ ‫ِ‬ ‫واق ُع َ‬ ‫القر َي َة‬ ‫األث ِر َّيةُ ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫والم ِ‬ ‫هام َشها َ‬ ‫بارح َ‬ ‫ُ‬ ‫الض ِّي َق في ما َخ َّص ْ‬ ‫عاصر‪ .‬لذا َل ْم تُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪َ ،‬و ْإن تَ َ‬ ‫ُ‬ ‫راسات األخرى‪.‬‬ ‫الد‬ ‫ِ‬ ‫قاط َع ْت َم ْع َمثيالتِ ها في ِ‬ ‫اإلجتِ ماع‬ ‫الم َّت َب َع َة في األنتروبولوجيا ِ‬ ‫لم َي ْستَ ْبعِ ْد فريحة القَ ِ‬ ‫وع ْل ِم ْ‬ ‫واع َد ُ‬ ‫اإلنْ‬ ‫ديد‬ ‫والسيكولوجيا ِ‬ ‫لوم سانِ َّية (وعادةً يجب اعتمادها لِ تَ ْح ِ‬ ‫وسواها ِم َن ُ‬ ‫الع ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المكان‬ ‫في‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫ح‬ ‫ما‬ ‫أي‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫الب‬ ‫موعات‬ ‫ج‬ ‫الم‬ ‫مات‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫ِ َ ِ َّ ْ نَ َ ْ‬ ‫َو َو ْص ِف َخصائِ ِ َ ِ ِ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ناب ُه َب ْع َض هذه‬ ‫موج َبةٍ َب َّر َر ْت ْاجتِ َ‬ ‫بأس ٍ‬ ‫والزمان)‪َ .‬ع َر َض َلها ِبإيجاز مرفَ ٍق ْ‬ ‫باب ِ‬ ‫قاع َدةِ َ‬ ‫ماد ُه ِب َش ْك ٍل ُم ْط َلق‬ ‫ياس على ِ‬ ‫العناصر‪ِ .‬‬ ‫ِ‬ ‫قيم ْاعتِ ُ‬ ‫الك ِّم والنَ ْو ِع ال َي ْستَ ُ‬ ‫فالق ُ‬ ‫الم ْجتَ َم ِع ُ‬ ‫َ‬ ‫النموذَ‬ ‫الل ْبنانِ ّي‪.‬‬ ‫ح‬ ‫ش‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫م‬ ‫على‬ ‫كما‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫على‬ ‫القَ‬ ‫رائِ‬ ‫َ ِ ِّ‬ ‫ِ ُ‬ ‫ُ ْ َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّيةُ َب ً‬ ‫فصله فريحة َب َد ِت القريةُ ُ‬ ‫ديال‬ ‫الو ْص ِف ُ‬ ‫ففي َ‬ ‫رافي كما ّ‬ ‫الجغْ ِّ‬ ‫الم ْعطى َ‬ ‫وأِلن‬ ‫راغ‬ ‫ِ‬ ‫األث ِر ِّي‪َّ .‬‬ ‫الناشئ َع ِن النَ ْق ِص في ُ‬ ‫ِ‬ ‫واقعِ ًّيا ُمالئِ ًما لِ َس ِّد الفَ ِ‬ ‫ً‬ ‫عامال‬ ‫حد َدة‪ ،‬أضافَ ه فريحة‬ ‫مركزيا لِ نَ ْشأةِ‬ ‫اسم القرية ُي َع ِّب ُر عن وظيفَ ةٍ ُم َّ‬ ‫ًّ‬ ‫يان‬ ‫القُ رى‪ .‬لذا‪َ ،‬خ َّص َص كتابه أسماء المدن والقرى وتفسير معانيها لِ ْتب ِ‬ ‫َوظيفَ ةِ ُك ٍّل ِم ْنها انْ ِط ً‬ ‫القا ِم ْن تَ ْس ِم َيتِ ها‪.18‬‬


‫‪34‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫ناء على‬ ‫األسباب والقَ ِ‬ ‫واع ِد أعاله‪ ،‬اتكل على ذاكرته فَ َل َّخ َص ْأب َرزَ‬ ‫ِب ً‬ ‫ِ‬ ‫القريةِ ُ‬ ‫الل ْبنانِ ّية‬ ‫واق ِع في‬ ‫ماع َّيةِ‬ ‫واالجتِ ِ‬ ‫ماع َّيةِ‬ ‫الج ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الشاه َدةِ على الحياةِ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ساح َة‬ ‫القرية‬ ‫كتابه‬ ‫في‬ ‫ان‪،‬‬ ‫ك‬ ‫س‬ ‫اللبنانية حضارة في طريق الزوال‪َ .‬و َل َع َّل َ‬ ‫ّ‬ ‫لِ ْل ُ‬ ‫زالت َم ً‬ ‫قارنَ ًة ِبأماكِ َن‬ ‫َ‬ ‫الس ّك ِان ّ‬ ‫ثابتً ا اللْ تِ ِ‬ ‫الض ْي َعة ما ْ‬ ‫حتى َي ْو ِمنا هذا‪ُ ،‬م َ‬ ‫قاء ُ‬ ‫كانا ِ‬ ‫ُ‬ ‫أص َب َح ْت ُج ْز ًءا‬ ‫ُأخرى كالمشاع والتَ ّنور والطاحون‪ ،‬لكنها ِ‬ ‫فول أو ْ‬ ‫آخ َذةٌ ِباأل ِ‬ ‫ِم َن الماضي‪ ،‬أو َط َّي النِ ْسيان‪.‬‬ ‫رام َيةِ ْ‬ ‫راف‬ ‫األط ِ‬ ‫واقع ُمتَ ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫خار َط ًة تَ ْحتَ وي على َش َب َكةٍ ِم َن َ‬ ‫َر َس َم فريحة ِ‬ ‫راب َطةٍ في َ‬ ‫ديد‬ ‫الش ْك ِل‬ ‫بيرا َع ْب َر تَ ْح ِ‬ ‫َ‬ ‫أص َد َق تَ ْع ً‬ ‫والج ْو َهر‪ .‬وجاء َو ْصفُ ه ْ‬ ‫ُمتَ ِ‬ ‫ّ‬ ‫والعلية‬ ‫الح َي ِو َّيةِ لِ ُسك ِان القَ رية‪.‬‬ ‫والض‬ ‫الحاجات‬ ‫الض ْي َعةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫فساحةُ َ‬ ‫َ‬ ‫رورات َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫فاع ِل‬ ‫والمشح َرة‪،‬‬ ‫والحقول واألتون والعين‬ ‫والم ْع َص َرة‬ ‫جميعها َم ِ‬ ‫واق ُع لِ لتَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الحياةِ في القريةِ الل ْبنانِ ّية‪.‬‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ماع ِّي واإلقتِ ِ‬ ‫صاد ّي‪َ ،‬و َم ْص َد ٌر لِ َد ْي َ‬ ‫مومةِ َ‬ ‫ْ‬ ‫تيطان لم َي ُك ْن‬ ‫االس‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫راف َّيةِ ِإلنْ ِ‬ ‫الر ْق َعةِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫قاء ُ‬ ‫انْ تِ ُ‬ ‫بيل ْ‬ ‫شاء القُ رى في َس ِ‬ ‫ً‬ ‫البيئية‪،‬‬ ‫عايير تَ َّت ِص ُل ِب َم ْص َد ِر القوت‪ ،‬كتَ وفُّ ِر الشروط‬ ‫ّ‬ ‫مصادفة َب ْل ِب ً‬ ‫ناء على َم َ‬ ‫روط‬ ‫الرياح‪َ .‬وتَ ْن َس ِح ُب ْأي ًضا على ُش ِ‬ ‫وجودةِ ُ‬ ‫َ‬ ‫والو َ‬ ‫قايةِ ِم َن ِ‬ ‫الت ْر َبةِ والماء‪ِ ،‬‬ ‫والعر ِق ّي‪ ،‬إذْ‬ ‫ي‬ ‫والسياس‬ ‫ي‬ ‫هاد‬ ‫ط‬ ‫االض‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫الهاربون‬ ‫بعها‬ ‫ة‬ ‫للسالم‬ ‫ِ‬ ‫الدينِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اتّ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫يؤَ‬ ‫وان‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫واجهة‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫فاع‬ ‫الد‬ ‫مات‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫الم‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫أن‬ ‫القرية‬ ‫ع‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ض‬ ‫لِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫زَ‬ ‫تَ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ْ ٍ‬ ‫َّ ُ‬ ‫ْ ِّ َ ُ ْ‬ ‫ُيفْ تَ َر ُ ِ َ ْ ِ‬ ‫ُم ْحتَ َمل‪ ،‬كضرورة القرب ِم َن َش َب َكةِ ُ‬ ‫ئيس َّية‪ .‬هكذا َك َش َف فريحة‬ ‫الر ِ‬ ‫الط ُر ِق َ‬ ‫واق َع القُ رى ُ‬ ‫الل ْبنانِ ّية ُوبنيانها‪ُ ،‬م َم ِّه ًدا‬ ‫مات َو َخصائِ َص ّإب َان َع ْر ِضهِ َم ِ‬ ‫َع ْن ِس ٍ‬ ‫تقاليدها‪.‬‬ ‫فاصيل عاداتِ ها َو‬ ‫لِ ْلغَ ْو ِص في تَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ساحة الضيعة‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫العلية‬ ‫بيت لبناني‪ 1 :‬القبو أو المراح أو ّ‬ ‫المد – ‪ 2‬السطيحة – ‪ّ 3‬‬

‫‪35‬‬

‫معصرة للزيت ولدبس‬ ‫الخروب والزبيب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1‬المدرس – ‪ 2‬الزغل‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫خلقين معصرة دبس في الكروم‬


‫صاج على موقد‪ ،‬وعلى الصاج رغيف‬

‫‪36‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫فران الضيعة‬ ‫ّ‬

‫يوك (ليوك) للفرشات‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫امرأة تخبز في تنور‬ ‫وفيه تظهر جورة التنور‬ ‫وعلى جداره رغيف‬

‫‪37‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫سفارات العلية‪ ،‬وهي الجزء الناتئ من السطح‬

‫علية كما تظهر‬ ‫ّ‬ ‫من الداخل‬


‫الل ْبنانِ َّيةِ لِ ِج َهةِ ُمتَ َط ِّلبات ْ‬ ‫واق ُع القُ رى ُ‬ ‫ماع ّي‪ ،‬ما‬ ‫ريخ االجتِ ِ‬ ‫َي ْختَ لِ ُف ِ‬ ‫التأ ِ‬ ‫ْ‬ ‫الم ْجتَ َم ِع‬ ‫ريخ َّية ُ‬ ‫بار ُخ ِ‬ ‫الب ْح َث َع ْن َم ْن َه ِج َّيةٍ تَ أ ِ‬ ‫تأخ ُذ في ْ‬ ‫َح َّت َم َ‬ ‫صوص َّي َة ُ‬ ‫االعتِ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تاريخ َّية‪،‬‬ ‫راج َحقائِ َق‬ ‫ِ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي َو َ‬ ‫طاب َع ُه الفَ ريد‪ْ ،‬ارتآها فريحة كفيلة ِب ْ‬ ‫استِ ْخ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫صاد َر ُمتَ نَ ِّو َعةٍ َوكثيفَ ة‪،‬‬ ‫الع ِ‬ ‫ريخ تضم َم ِ‬ ‫ناص َر أعاله إلى َم ِ‬ ‫ضاما َ‬ ‫ًّ‬ ‫صاد َر للتأ ِ‬ ‫عاص َر فريحة حياةَ القرية‬ ‫إذ‬ ‫ع‪،‬‬ ‫الواق‬ ‫ض‬ ‫أر‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫قائق‬ ‫ح‬ ‫ها‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫قَ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫في ُ َّ ِ َ ُ ُ ْ تَ قاةٌ ِ ْ ْ ِ‬ ‫دوه ِبما َخ ِبروه وما انْ تَ قَ َل َإل ْي ِهم َع ْب َر التَ واتُ ِر ِم ْن‬ ‫واستَ َم َع إلى ِ‬ ‫قاطنيها‪ ،‬فَ زَ َّو ُ‬ ‫ْ‬ ‫جيل إلى جيل‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِّ‬ ‫ناس َبةٍ‬ ‫اإلج ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫َآث َر فريحة تَ ُ‬ ‫جاوزَ َ‬ ‫تماع َّيةِ في ْأبحاثِ ه‪ ،‬عند ُكل ُم َ‬ ‫ظاه ِر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ماع ّي‪.‬‬ ‫الج ِ‬ ‫وج َ‬ ‫دان الفِ ك ِر َ‬ ‫َيفْ َرغُ ِم ْن إيفائها َحقَّ ها َد ْر ًسا َوتَ َحقُّ قً ا‪ ،‬حتى يبلغ ْ‬ ‫ماع َّيةُ‬ ‫والس ُ‬ ‫روح‬ ‫الج ِ‬ ‫القر ِو َّيةِ‬ ‫الحياةِ‬ ‫ِ‬ ‫والذ ْهنِ َّيةُ َ‬ ‫فَ نَ َم ُط َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫لوك العام‪ ،‬تُ َع ِّبر َع ْن ٍ‬ ‫الب َش ِر ّيةِ َوحراكِ ها لِ تَ تَ َج َّس َد َوتَ تَ ّ‬ ‫قاليد‬ ‫جلى ِب ٍ‬ ‫عادات َوتَ َ‬ ‫المج َ‬ ‫سار ْ‬ ‫موعةِ َ‬ ‫تَ تَ َح َّك ُم ِب َم ِ‬ ‫َو ْأعراف‪.‬‬ ‫‪38‬‬

‫‪ .5‬المدرسة التاريخ ّية‬

‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫الثابت‬ ‫دار ُس‬ ‫التاريخ َّيةُ َم ً‬ ‫ِ‬ ‫خاضا َع ً‬ ‫ْاجتازَ ِت َ‬ ‫سيرا َق ْب َل ْأن تَ َّت ِخ َذ َش ْك َلها ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫وحتى نهاية القرون الوسطى ْارتَ َكزَ ْ‬ ‫اإليمان الدينِ ِّي‬ ‫ريخ على‬ ‫الم ْعروف‪ّ .‬‬ ‫التأ ُ‬ ‫َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫صير ُ‬ ‫إضافة إلى الْ ميثولوجيا التي‬ ‫الشعوب‪،‬‬ ‫اإل َل ِه ِّي في‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫مسار َو َم ِ‬ ‫والد ْو ِر ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ريخ‬ ‫قائما ِبذاتِ هِ ‪َ .‬ول ّما ْاجتازَ ْت ق ِ‬ ‫كعِ ْل ِم التاريخ لم تَ ك ْن ُ‬ ‫بعد ِعل ًما ً‬ ‫واع ُد التأ ِ‬ ‫الن ُم ّو‪ ،‬في‬ ‫راح َل ِع َّدة‪ ،‬تَ َر َك ْت ُك ٌّل ِم ْن َم َح ّطاتِ ها َب َص ٍ‬ ‫َم ِ‬ ‫العودةِ‬ ‫مات في َع َملِ َّيةِ ُ‬ ‫َ‬ ‫واع ِد التَ َب ُّح ِر في‬ ‫في‬ ‫أو‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ض‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫ع‬ ‫في‬ ‫الكالسيكي‬ ‫التاريخ‬ ‫إلى‬ ‫النَ‬ ‫تركيز َق ِ‬ ‫َ ْ ِ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫علوم التاريخ إبان القَ ْرن السابع عشر الذي َش ِه َد ْأي ًضا على تَ َط ُّو ٍر نَ ْو ِع ّي‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ ِع ْل ًما‬ ‫بات‬ ‫في ِ‬ ‫ُ‬ ‫أواخ ِر القَ ْر ِن التاسع عشر َو َم ْط َل ِع القَ ْر ِن العِ ْشرين َ‬ ‫الو ْض ِع َّية ُو ً‬ ‫دار ِس‬ ‫ناصر‪،‬‬ ‫الع ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْد َر َسةِ َ‬ ‫صوال إلى َ‬ ‫السيما مع َ‬ ‫متكام َل َ‬ ‫ّ‬ ‫الم ِ‬ ‫َ‬ ‫فاوتَ ة‪،‬‬ ‫باعا في أنْ ِ‬ ‫الح ْولِ َّية‪ ،‬وهي انْ تَ ش َر ْت تِ ً‬ ‫َ‬ ‫حاء أوروبا ِب َ‬ ‫صورةٍ َونِ َس ٍب ُمتَ ِ‬ ‫ةُ‬ ‫اإلنْ‬ ‫كليز َّية التي انْ تَ مى إليها فريحة الذي يتبين من‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫الح‬ ‫المدرس‬ ‫بينها‬ ‫َ ْ لِ َّ ةِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫لومهِ َو َثقافَ تِ ه َوتَ ُّأث ُر ُه ِبتَ َط ُّو ِرها‪.‬‬ ‫ضورها في ِف ْك ِره َو ُع ِ‬ ‫مؤلفاته ُح ُ‬ ‫المةُ‬ ‫ريخ‬ ‫الح ْولِ ّي ِات‪،‬‬ ‫الفار َقة أفْ َرزَ تْ ها ُثنائِ َّيةُ َم ْد َر َسةِ‬ ‫َ‬ ‫الع َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫باكورةُ التَ ْأ ِ‬ ‫األثريةُ في َم ْطلِ ِع‬ ‫واالكتشافات‬ ‫الم ْن َه ِج ِّي ِم ْن ِج َهة‪،‬‬ ‫اإلجتِ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ماع ِّي ِب َم ْعناها العِ ْل ِم ِّي َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫التاريخ القديم‪.‬‬ ‫المادةَ‬ ‫تابةِ‬ ‫ِ‬ ‫القَ ْر ِن العِ ْشرين ِم ْن ِج َهةٍ أخرى‪ ،‬لِ ُت َشكل ّ‬ ‫االساس َّي َة لِ ِك َ‬ ‫ِ‬ ‫المادةِ َ‬ ‫ْ‬ ‫السامية‪ ،‬وال ذكر‬ ‫األ َث ِر َّيةِ والميثولوجيا‬ ‫راسةِ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫وانخرط فريحة في ِد َ‬ ‫لَّ‬ ‫ؤَ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد تُ ْث ِب ُت‬ ‫في‬ ‫ه‬ ‫م‬ ‫لكن‬ ‫‪.‬‬ ‫ات‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫الح‬ ‫لكونه َّاط َل َع على َم ْد َر َسةِ َ ْ لِ ّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ فاتِ‬ ‫كليز َّية‪.‬‬ ‫ماع ّي بانتمائه إلى‬ ‫انْ ِحيازَ ُه إلى‬ ‫الح ْولِ ّي ِ‬ ‫التاريخ االجتِ ِ‬ ‫مدرسةِ َ‬ ‫َ‬ ‫ات اإلنْ ِ‬ ‫ِ‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ 119‬أنيس فريحة‪ ،‬دراسات في التاريخ‪ ،‬دار النهار للنشر‪.1980 ،‬‬

‫‪39‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫الحضارات‬ ‫الء‬ ‫تَ نَ َاو َل فريحة‬ ‫الستِ ْج ِ‬ ‫تاريخ َ‬ ‫الحقب َة القَ ِد َيم َة ِب َ‬ ‫َ‬ ‫صورةٍ ُم َر َّكزَ ة ْ‬ ‫ِ‬ ‫اسة‪.‬‬ ‫الدينِ ُّي مع‬ ‫االجتماعي‪ ،‬واالقتصادي مع ِ‬ ‫الم ْعطى ِ‬ ‫التي َي ْختَ لِ ُط فيها ُ‬ ‫الس َي َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المادة في ْأكثر‬ ‫ريس ُه َه ِذ ِه‬ ‫َّ‬ ‫ُويؤَ ِّك ُد تَ َع ُّم َق فريحة في ِع ْل ِم التاريخ تَ َلقّ يهِ َوتَ ْد ُ‬ ‫الجام َعةِ األميركِ َّيةِ في‬ ‫والسيما في‬ ‫وخار َجه‪،‬‬ ‫نان‬ ‫ِم ْن َص ْر ٍح‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أكاديم ٍّي في لُ ْب َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫واع ِد‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫فريحة‬ ‫تابات‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫شيكاغو‪.‬‬ ‫ع‬ ‫وجام‬ ‫بيروت‬ ‫ِ قَ ِ‬ ‫ِ َ ةِ‬ ‫ْ تُ ِ ْ كِ ُ‬ ‫تَ قَ ُّ ً ُ فْ ِ‬ ‫الوثائِ ق (كما التزم بها‬ ‫صاد ِر‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫التاريخ َّيةِ ِب َ‬ ‫الم ْد َر َسةِ َ‬ ‫الو ْضعِ َّيةِ لِ ِج َهةِ َح ْص ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫واإلسناد َ‬ ‫وش َّق َطريقَ ُه‬ ‫توب‬ ‫ك‬ ‫الم‬ ‫ق‬ ‫ماد‬ ‫اع‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫اح‬ ‫لكنه‬ ‫رستم)‪.‬‬ ‫أسد‬ ‫ةِ‬ ‫الوثائِ‬ ‫تِ‬ ‫تَ‬ ‫ْ َ​َ ْ َ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫واأللْ‬ ‫لوم‬ ‫الع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫واها‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫واألنتروبولوجيا‬ ‫الخاص إلى الميثولوجيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫نِ‬ ‫ُ َّ َ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ماع َّية‪.‬‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الموص َلة‪َ ،‬و َر َك َن إليها في ُمؤَ لَّ فاتِ هِ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ َّيةِ ْ‬ ‫التاريخ َّي َة ُج ْم َل ًة َوال تَ فْ صيال‪َ ،‬ول ْم َي َّت ِخ ْذ َم ْو َقفً ا‬ ‫دار َس‬ ‫ِ‬ ‫َل ْم َيتَ َ‬ ‫ناول َ‬ ‫الم ِ‬ ‫الرئيسة‬ ‫عين على َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫داع ًما ْأو ُم ْنحازً ا ٍّ‬ ‫أِلي ِم ْنها‪ .‬لكن الْ ُم َّطلِ َ‬ ‫تاجه َ‬ ‫الم ِح نِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫لَّ‬ ‫نَ‬ ‫ْ‬ ‫ؤَ‬ ‫الم َّت ِص َ ةِل‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ي‬ ‫ماع‬ ‫االج‬ ‫ريخ‬ ‫أ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫رابه‬ ‫اق‬ ‫يستنتجون‬ ‫تِ‬ ‫ُ فاتِ هِ ُ‬ ‫ِ ْ ْ َ َ ْ َ َ ةِ التَ ِ ْ تِ ِ ِّ‬ ‫َ‬ ‫والح َ‬ ‫الْ‬ ‫ْ‬ ‫ديثة‪،‬‬ ‫ة‬ ‫سيط‬ ‫الو‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫فاله‬ ‫إغ‬ ‫ذلك‬ ‫يعني‬ ‫أن‬ ‫بدون‬ ‫قاليد‪،‬‬ ‫ثائِ‬ ‫ِ‬ ‫بالعادات َوالتَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أح ً‬ ‫واضيع‬ ‫هام ِش ُمؤَ لَّ فاتِ ه‪ .‬فهو قارب َم‬ ‫داثا َو َوقائِ َع‬ ‫تاريخ َّي ًة في ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْأو ْإهماله ْ‬ ‫الطاب َع التَ ْثقيفِ ّي‪ ،‬عدا ِق َّلةٍ ِم ْنها انْ تَ مى إلى‬ ‫ماع َّي ًة َغ َل َب َع ْل ْيها‬ ‫واجتِ ِ‬ ‫َ‬ ‫دينِ َّي ًة ْ‬ ‫كم َ‬ ‫تابهِ دراسات في‬ ‫قالتِ هِ مجمع نيقيا‬ ‫التاريخ َ‬ ‫الح َدثِ ّي َ‬ ‫المسكوني (من كِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ) وفيها َ‬ ‫عال َج ْ‬ ‫سيح ّي ًة دينِ َّي ًة َوالهوتِ َّية‪ ،‬تَ َض ّمنَ ْت‬ ‫إشكالِ َّي ًة َكنَ ِس َّي ًة َم ِ‬ ‫َ‬ ‫طاب ٍع َح َدثِ ّي‪.19‬‬ ‫فاصيل ِ‬ ‫المكان‪َ ،‬و ِبتَ‬ ‫ذات َ‬ ‫ُش ً‬ ‫مان َو َ‬ ‫روحا ُم ْخ َّت َص ًة ِبالزَ ِ‬ ‫السابقَ ةُ‬ ‫دار ُس‬ ‫لم َي ِمل فريحة إلى َركائِ ز ْ‬ ‫يولوج َّية َ‬ ‫قام ْت َع ْل ْيها َ‬ ‫إيد ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫قات الدينِ َّيةِ أو ْ‬ ‫الح ْولِ ّي ِات اإلنْ‬ ‫صاد َّيةِ أو‬ ‫الم ْن َط َل ِ‬ ‫االقتِ ِ‬ ‫َم ْد َر َس َة َ‬ ‫ّ‬ ‫كليزية‪َ ،‬ك ُ‬ ‫ُ‬ ‫لقيدته في‬ ‫عوب َّية‪َ .‬ل ْم َي ْن َطلِ ْق في تَ ْأ ِ‬ ‫أحكام ُم ْس َبقَ ة‪َ ،‬ل ْو َح َص َل ْت ّ‬ ‫ريخهِ ِم ْن ْ‬ ‫الش ِ‬ ‫تاريخ ُ‬ ‫الحضارات‪ ،‬والنتهى إلى نَ تائِ ج تَ ْخ َض ُع‬ ‫شاف‬ ‫استِ ْك ِ‬ ‫عوب َو َ‬ ‫الش ِ‬ ‫َح َر َكةِ ْ‬ ‫ِ‬ ‫يخ ُل نِ تاجه‬ ‫ضوع َّيةٍ َو َم ْن ِط ِق َّية‪ .‬مع ذلك لم ْ‬ ‫أِلهوائِ هِ َو ُم ْعتَ قَ داتِ ه ال إلى َحقائِ َق َم ْو ِ‬ ‫ْ‬ ‫تاريخ َّيةٍ ّ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد‪َ ،‬وما انْ َب َث َق َع ْنها‬ ‫مؤثرة في سياق‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن َخ ْلفِ َّي ٍ‬ ‫تانتية‪.‬‬ ‫من خالصات‬ ‫ِ‬ ‫تاريخ َّية‪ ،‬منها انتماؤه إلى جماعةِ ْ‬ ‫الف ِر ْن ْدز البروتِ ْس ّ‬ ‫ْاعتَ َم َد فريحة ْ‬ ‫َ‬ ‫الحدثِ ّي‪،‬‬ ‫بعيدا عن‬ ‫الم ْستَ ِم َّر‬ ‫ريخ‬ ‫التأ َ‬ ‫ً‬ ‫التاريخ َ‬ ‫الطويل ُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫خين‬ ‫مدرسة‬ ‫َب ْع َدما أضحى‬ ‫تاريخي ًة مستقلة‪ .‬وهو أسلوب نجده لدى ُمؤَ ِّر َ‬ ‫ّ‬ ‫حتي‪،‬‬ ‫ين ُم ِ‬ ‫عاصرين فريحة مثل جواد بولس ونقوال زيادة وفيليب ّ‬ ‫لُ ْبنانِ ّي َ‬ ‫َّأكدوا على َ‬ ‫الجغْ َر ِافيا‬ ‫واب ِت‬ ‫يخ َّية وعلى عالقةِ‬ ‫التار ِ‬ ‫الطبيعيةِ‬ ‫التاريخ ِب ُ‬ ‫َّ‬ ‫الث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ينتمون مثل فريحة إلى‬ ‫المؤَ ِّرخون‬ ‫في َمفْ ِ‬ ‫َ‬ ‫الم ْن َه ِج ِّي ُ‬ ‫هومها َ‬ ‫الع ْض ِو ّي‪ .‬هؤالء ُ‬ ‫ْ‬ ‫ات اإلنْ‬ ‫افيا‬ ‫الح ْولِ َّي ِ‬ ‫َّ‬ ‫َم ْد َر َسةِ َ‬ ‫الجغْ َر َ‬ ‫الم ْستَ نِ ِد إلى ُ‬ ‫ريخ ُ‬ ‫كليزية‪ .‬وهذا النوع من التأ ِ‬


‫الح ْولِ ّي ِات‪ِ ،‬م ْنها‬ ‫دارس َغ ْر ِب َّيةٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َش َّك َل ً‬ ‫فترتئذ تَ َل ْت ْأو رافَ قَ ْت مدرسة َ‬ ‫صدى َلم ِ‬ ‫الفيدالية (نِ ْس َب ًة إلى بول فيدال دو البالش)‪ ،‬ويظهر‬ ‫رافية‬ ‫الم ْد َر َسة ُ‬ ‫ّ‬ ‫الجغْ ّ‬ ‫َ‬ ‫‪20‬‬ ‫ْ‬ ‫يخ َّيةِ ّ‬ ‫(ركزها فرناند بروديل )‪.‬‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫الم‬ ‫في‬ ‫ريخ‬ ‫التأ‬ ‫من‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫هذا‬ ‫النَ‬ ‫التار ِ‬ ‫ةِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫الع ْن ُص ِر اإلنْ سانِ ّي وتصدى‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫الم ْعطى ُ‬ ‫راف ِّي متأث ًرا ِب ُ‬ ‫انفتح فريحة على ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ياس َّية ْ‬ ‫صاد َّية‬ ‫الم َس َب ْع ُضها َمسائِ ل ِس ِ‬ ‫ماع َّيةٍ ُم ِ‬ ‫ات اجتِ ِ‬ ‫ِإل ْشكالِ َّي ٍ‬ ‫واقتِ ِ‬ ‫عاص َرةٍ َ‬ ‫َ‬ ‫بالع ْن ُص ِر‬ ‫راسات‬ ‫الد‬ ‫الجيوس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الجغْ ِ‬ ‫دون بلوغ ِ‬ ‫الم ْعطى ُ‬ ‫راف ِّي ُ‬ ‫ياس َّية فل ْم يربط ُ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ياس ّي ْأو تستشرف َمصالِ َح‬ ‫الصات تَ َّت ِصل‬ ‫الب َش ِر ِّي وصوال إلى ُخ‬ ‫الس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫بالنظام ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َق ْو ِم َّية‪.‬‬ ‫‪ .6‬الفكر الديني في مؤ ّلفاته‬

‫‪40‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫انْ ِط ً‬ ‫األنكلوسكسونية‪،‬‬ ‫ات‬ ‫الح ْولِ ّي ِ‬ ‫القا ِمن انْ تِ ِ‬ ‫ماء فريحة إلى َم ْد َر َسةِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ذور‬ ‫َوقُ ْر ِبهِ ِم َن‬ ‫التاريخ االجتِ ِ‬ ‫ماع ّي‪َ ،‬و َّ‬ ‫أِلن ْأو َل ِو ّياتِ هِ َ‬ ‫الب ْحثِ َّي َة تَ َر َّكزَ ْت على ُج ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخيار‪:‬‬ ‫جاء ْت َم ْن َه ِج َّي ُت ُه تَ ْر َج َم ًة لِ َهذا َ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد التاريخية القديمة‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لُ‬ ‫عادات‬ ‫ٍ‬ ‫سيد لِ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫مار ِ‬ ‫ماع َّية في ْبنان‪ ،‬كتَ ْج ٍ‬ ‫سات الدينِ َّية ْ‬ ‫الم َ‬ ‫َ‬ ‫قوس َو ُ‬ ‫قار َب الط َ‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫قاليد‪،‬‬ ‫الم ْنتَ ِظ َمةِ في‬ ‫عاليم‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫واع‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ديد‬ ‫الع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫خ‬ ‫َوتَ‬ ‫َ ْ ُ ُ َ ُ ِ ْ َ ِ القَ ِ ِ َ التَ ِ الدينِ َّ ةِ ُ‬ ‫َ‬ ‫أصداؤُ ها في‬ ‫الحقَ ُتها َب ْح ًثا‬ ‫ِ‬ ‫استَ ْد َع ْت ُم َ‬ ‫تاريخ ًّيا َعميقً ا تَ َب َّينَ ْت ْ‬ ‫الك َ‬ ‫نيسة‪َ .‬و َل َّما ْ‬ ‫الح‬ ‫ماع َّيةِ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫الذ ْهنِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الز ٍم مع ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ضارات القَ َ‬ ‫ديمة‪ُ ،‬م َّت ِش َح ًة ِبفِ ْك ٍر دينِ ٍّي ُمتَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ثابتَ ة‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ات‬ ‫ط‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ويل‬ ‫الط‬ ‫ريخ‬ ‫أ‬ ‫في‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫اع‬ ‫ذا‬ ‫عهدذاك‪.‬‬ ‫د‬ ‫تَ ِ هِ‬ ‫لِ‬ ‫السائِ َ ةِ‬ ‫ْ تَ َ َ‬ ‫َ َ ٍ ِ َْ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ديمة‪.‬‬ ‫بات‬ ‫الح‬ ‫ق‬ ‫م‬ ‫وع‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ع‬ ‫واق‬ ‫اثنتان‪:‬‬ ‫أبرزها‬ ‫القَ‬ ‫قَ‬ ‫القَ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ َ ةِ ْ نانِ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ ْ‬ ‫مون‬ ‫الح‬ ‫ِ‬ ‫تجلى تَ نَ ُّو ُع َ‬ ‫ضارات في مؤلفات فريحة‪ ،‬وهو شرح ِو ْح َدة َ‬ ‫الم ْض ِ‬ ‫الم ْن َط َل َق‬ ‫شاء ْإثباتَ ه‪َ :‬ش َّد َد على َش ْر ِح الفِ ْك ِر ِ‬ ‫بار ِه ُ‬ ‫كما َ‬ ‫الدينِ ِّي القَ ديم ِب ْاعتِ ِ‬ ‫ممارسات َ‬ ‫صير َّيةِ االنسانِ َّية‬ ‫األساس لمعظم‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تعبر َع ِن التَ‬ ‫وظ ِ‬ ‫ساؤالت َ‬ ‫واه ِر ّ‬ ‫َ‬ ‫الم ِ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫بيع‬ ‫الر‬ ‫ياد‬ ‫أع‬ ‫عرضه‬ ‫في‬ ‫مثال‬ ‫كما‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫راع‬ ‫الز‬ ‫عات‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫الم‬ ‫بيع‬ ‫ط‬ ‫من‬ ‫الطالعة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫تَ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ َّ‬ ‫َ ُ ْ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫مجس ًدا ِف ْك َرةَ إله‬ ‫أدونيس‪،‬‬ ‫‪/‬البطل‬ ‫ه‬ ‫اإلل‬ ‫ها‬ ‫طول‬ ‫ب‬ ‫نان القَ ديم‪،‬‬ ‫تَ‬ ‫ُ‬ ‫في لُ ْب َ‬ ‫ّ‬ ‫يتصدر ُ‬ ‫ّ‬ ‫الحياةَ في َ‬ ‫بيعةِ ِم ْن َجديد‪.‬‬ ‫َي ُ‬ ‫الي ْو ِم الثالِ ث‪َ ،‬وي ْب َع َث َ‬ ‫الط َ‬ ‫قوم في َ‬ ‫موت لِ َي َ‬ ‫سنويا على شاكِ َلةِ ْ‬ ‫األش ُه ِر َوالفُ صول‬ ‫مارساتِ ها‬ ‫َوتَ تَ َك َّر ُر َد َّو َامةُ ُط ِ‬ ‫ًّ‬ ‫قوسها َو ُم َ‬ ‫البابلِ ِّيين َوأنيني لدى‬ ‫الفينيق ّي‪ ،‬تَ موز لدى‬ ‫َي ْشتَ ِر ُك فيها إلى أدونيس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السوم ِر ِّيين‪ ،‬إلى ْأن ُي ْستَ ْك َم َل ْ‬ ‫التط ُ‬ ‫موم ُ‬ ‫ضارات‬ ‫الح‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫عوب َو َ‬ ‫الش ِ‬ ‫واف على ُع ِ‬

‫‪ 220‬حول المدارس ْ‬ ‫ريخية وتطورها‪:‬‬ ‫التأ ّ‬

‫‪Hervé INGLEBERT, Le Monde, l’Histoire. Essai sur les histoires universelles,‬‬ ‫‪PUF, Paris, 2014.‬‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ 2 21‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ 222‬المصدر نفسه‪.‬‬

‫‪41‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫أش ُ‬ ‫ماء ْأو تَ َب َّد َل ْت ْ‬ ‫بير التَ فْ صيلِ َّية‪َ .‬ويخلص‬ ‫الز ِ‬ ‫األس ُ‬ ‫راع َّية َم ْهما ْاختَ َلفَ ت ْ‬ ‫كال التَ ْع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫انْ‬ ‫العال ِم‬ ‫عوب‬ ‫ش‬ ‫دى‬ ‫ل‬ ‫قبوال‬ ‫ت‬ ‫الق‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫اإلل‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ك‬ ‫ف‬ ‫أن‬ ‫إلى‬ ‫فريحة‬ ‫ةَ‬ ‫عاثِ‬ ‫هِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ر‬ ‫الش‬ ‫عوب‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫ب‬ ‫أس‬ ‫جيل‬ ‫األدنى‪ .21‬من هنا استنتج‬ ‫لِ‬ ‫ةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ْ‬ ‫ديم كافَّ ة‪َ ،‬م ْع تَ ْس ِ ْ َ َّ‬ ‫ِ‬ ‫القَ ِ‬ ‫لياء َو ِق ّديسين ما َ‬ ‫زال‬ ‫طورةَ أدونيس تَ قَ َّم َص ْت الحقً ا في َش ْخ ِص َّيةِ ْأو ِ‬ ‫َّأن ُأ ْس َ‬ ‫مون َل ُهم قُ ْر ً‬ ‫ُ‬ ‫بانا َو َب ّخ ًورا‪ ،‬كما في‬ ‫قاليد الدينِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ ِ‬ ‫الل ْبنانِ ّي َ‬ ‫ون ُيقَ ِّد ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عاص َرة‪.‬‬ ‫الم ّي فاختَ َل َط ْت‬ ‫اإلس ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫وطال َأ َث ُر أدونيس التَ ْق َ‬ ‫ليد َ‬ ‫الل ْبنانِ َّيةِ ُ‬ ‫الع َر ِب َّي ْ‬ ‫معا‪.‬‬ ‫سيرةِ ُ‬ ‫الم ِ‬ ‫سيح ُّي َ‬ ‫الم ْسلِ َ‬ ‫ون ً‬ ‫َّ‬ ‫مون َو َ‬ ‫قص ُت ُه ِب َ‬ ‫الخضر ْأو ِج ْرجس الذي ُيقَ ِّد ُس ُه ُ‬ ‫َ‬ ‫الم ْن َه ِج َّيةِ ذاتِ ها‪ ،‬مثل الميالد‬ ‫وعال َج فريحة َم‬ ‫َ‬ ‫واضيع ِف ْك ِر َّي ًة دينِ َّي ًة ُأ ْخرى ِب َ‬ ‫الفصح سائِ َر ْ‬ ‫أثارها فريحة‬ ‫البعيد‪ ،‬لِ َك ْونِ ها تَ تَ قَ َّد ُم َمع‬ ‫إشكالِ َّي ِ‬ ‫في ْأم ِسهِ َ‬ ‫ات َ‬ ‫ْ‬ ‫‪22‬‬ ‫الم ْستوى ‪.‬‬ ‫على هذا ُ‬ ‫تَ َ‬ ‫ماع َّيةِ في‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫مار ِ‬ ‫قاط َع ْت ُع ُ‬ ‫سات الدينِ ّيةِ َو ْ‬ ‫الم َ‬ ‫روض فريحة مع ُ‬ ‫األوروب ّي‪ ،‬لِ ُت َش ِّك َل َم ْع َمثيالتِ ها ُ‬ ‫ريض ًة ُم َو َّح َدة في‬ ‫الغَ ْر ِب‬ ‫الل ْبنانِ َّيةِ َم ْش َه ِد َّي ًة َع َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أوروب َّية تَ َولَّ َد ْت ِم ْنها‬ ‫ضارات‬ ‫تاريخ ٍّي لِ َح‬ ‫ياق‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الش ْك ِل َو َ‬ ‫الم ْضمون‪ْ ،‬أر َدفَ ها ِب ِس ٍ‬ ‫ِ‬ ‫السحيق‬ ‫سات َو‬ ‫ٌ‬ ‫مار ٌ‬ ‫قوس َ‬ ‫ُم َ‬ ‫عاينَ ها فريحة‪َ ،‬ع َب َر ْت ِم َن الماضي َ‬ ‫عادات َو ُط ٌ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫سيح َّيةِ األولى التي َش ِه َد ْت ْ‬ ‫اشتِ باكا َب ْي َن‬ ‫الم ِ‬ ‫لتكون ْأع ً‬ ‫رون َ‬ ‫يادا َوثنِ َّية في القُ ِ‬ ‫راو َّيةِ التي َش َّك َل ْت‬ ‫الم ِ‬ ‫سيح ِّي َو ُم ْعتَ قَ ٍ‬ ‫بيهةٍ ِبه‪ِ ،‬‬ ‫دات َش َ‬ ‫الم ْعتَ قَ ِد َ‬ ‫ُ‬ ‫كالديانَ ةِ الميثْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫نيسةِ َع َل ْيها تواصلت َجوانِ ُب ُم ْختَ لِ فَ ةٌ‬ ‫ْ‬ ‫الك‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫رغ‬ ‫ب‬ ‫و‬ ‫ة‪.‬‬ ‫نيس‬ ‫الك‬ ‫على‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫فَ‬ ‫تَ‬ ‫َخ ً‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ ِ ُّ ِ‬ ‫عاصر‪.‬‬ ‫الم ِ‬ ‫رون ُ‬ ‫ِم ْنها حتى القُ ِ‬ ‫الو ْسطى فالتاريخ ُ‬ ‫َع ْر ُض فريحة ُ‬ ‫ضوحا‬ ‫سات في الغَ ْر ِب‬ ‫مار ِ‬ ‫األوروب ّي ْاكتَ َس َب ُو ً‬ ‫الم َ‬ ‫قوس َو ُ‬ ‫الط َ‬ ‫ِ‬ ‫بات‬ ‫الم ْو‬ ‫الم ْن ِط ِق ّي‬ ‫التاريخ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الحقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بتَ َس ْل ُسلِ هِ‬ ‫ضوعات في َ‬ ‫ُ‬ ‫وبتناوله َ‬ ‫التاريخ ِّي َ‬ ‫َ‬ ‫األم ُر َك َذلِ ك مع َمثيالتِ ها ُ‬ ‫التاريخ ِّي‬ ‫ياق‬ ‫الل ْبنانِ ّية ْ‬ ‫ِ‬ ‫قاد ِ‬ ‫الفتِ ِ‬ ‫الثالث‪ ،‬وال َي ْبدو ْ‬ ‫الس ِ‬ ‫الوسيطة‪.‬‬ ‫إلى ُم ْع َطيات َ‬ ‫الحقَ َبةِ َ‬ ‫ُ‬ ‫الم َ‬ ‫واب َّيةِ القَ فْ ِز‬ ‫باش َر ِب‬ ‫اتصال فريحة ُ‬ ‫التاريخ القَ ديم يثير مسألة َص ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت في‬ ‫الذهنيةِ‬ ‫شاط َب َش ِر ٍّي لحقبة زمنية طويلة تَ ْن َطوي على تَ َب ُّد ٍ‬ ‫َع ْن نَ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫والدينية‪َ .‬و َل َع َّل َ‬ ‫التاريخ َّي َة التي نَ َّب َه َإل ْيها‬ ‫وات‬ ‫ِ‬ ‫رات والفَ َج ِ‬ ‫الثغَ ِ‬ ‫االجتماعيةِ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫تيح َل ُه ِم ْن‬ ‫حاوال َر ْد َم ُ‬ ‫اله َّوةِ ِبما أ َ‬ ‫باع َه ِذ ِه َ‬ ‫الم ْن َه ِج َّية ُم ِ‬ ‫هي التي َدفَ َع ْت ُه إلى اتِّ ِ‬ ‫ريخ َّية‪.‬‬ ‫هارتِ هِ التَ ْأ ِ‬ ‫لوم ِ‬ ‫ْإم ٍ‬ ‫موص َلة‪ ،‬فَ ْض ًال َع ْن َم َ‬ ‫كانات َو ُع ٍ‬


‫‪ .7‬العادات والتقاليد العرب ّية‬

‫‪42‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫الم َّت ِص َلةُ ِب َ‬ ‫فات فريحة‬ ‫هام ِش مؤَ لَّ ِ‬ ‫الع َر ِب ِّي َح َّلت على ِ‬ ‫العال ِم َ‬ ‫َ‬ ‫المسائِ ُل ُ‬ ‫ْ‬ ‫األو َسط‬ ‫ريخهِ َح‬ ‫فتَ َط َّر َق إليها‬ ‫ٍ‬ ‫لماما عند تَ أ ِ‬ ‫ً‬ ‫ضارات في َم ْن َطقَ ةِ الِ َش ْر ِق ْ‬ ‫ْ‬ ‫تاج ُه في َخصائِ ِص‬ ‫ناس َبة‪َ .‬ل ْم َي َشأ ْأن ُي ْن ِجزَ نِ َ‬ ‫تقاطعت معها في ْأك َث َر ِم ْن ُم َ‬ ‫مات ُ‬ ‫بات‬ ‫عوب‬ ‫الحقَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو ِس ِ‬ ‫ساحةِ َ‬ ‫الع َر ِب َّيةِ ِم ْنها‪َ .‬وعلى َم َ‬ ‫السام َّيةِ بدون تِ ْل َك َ‬ ‫الش ِ‬ ‫باب ُ‬ ‫ضار ّي الذي َّكل َل َع َم َله‬ ‫ِ‬ ‫كام ِل َ‬ ‫الشمولِ َّيةِ َوالتَ ُ‬ ‫التاريخ َّية قاربها ِم ْن ِ‬ ‫الح ِ‬ ‫جات َع َر ِب َّي ًة انْ َب َثقَ ْت ِم ْنها ُ‬ ‫ضم َن ُم َ‬ ‫غات‬ ‫العام َّية َو َل ْه ٍ‬ ‫عال َجتِ هِ األلْ فاظ ِ‬ ‫الل ُ‬ ‫َ‬ ‫الب ْحثِ ّي‪ْ ،‬‬ ‫‪23‬‬ ‫بيره ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫السام َّيةُ ُ‬ ‫الم ْختَ لِ فَ ة‪ ،‬على َح ِّد تَ ْع ِ‬ ‫الل‬ ‫شارها في‬ ‫أوغل في‬ ‫‪‬اله ِ‬ ‫تاريخ القَ بائِ ِل َ‬ ‫ِ‬ ‫الع َر ِب َّيةِ َ‬ ‫الب َد ِو َّيةِ َق ْب َل انْ تِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫شام َلة َو َل ْم‬ ‫قارب‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صورةٍ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫قاليد َ‬ ‫الع َر ِب َّي َة ِب َ‬ ‫الخصيب‪ ،‬لكنه َل ْم ُي ِ‬ ‫كتابا كما خصص لتِ ْل َك ُ‬ ‫مامه‬ ‫استَ ْح َوذَ على ْاهتِ ِ‬ ‫يخصص لها ً‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ْ .‬‬ ‫شوب ُه ِم ْن تَ َخ ُّل ٍف على َخ ْلفِ َّيةِ الفِ ْك ِر‬ ‫الس ِ‬ ‫يان ِ‬ ‫الب ْن ُ‬ ‫الع َر ِب َّية َوما َي ُ‬ ‫ياس ُّي لِ ْل ُد َو ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫المسائِ ِل‬ ‫صوب‬ ‫اندفع‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ي‬ ‫ماع‬ ‫واج‬ ‫ي‬ ‫قاف‬ ‫ث‬ ‫الت‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫عاني‬ ‫ي‬ ‫الذي‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ِ‬ ‫تِ‬ ‫ةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ِ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ماع ّي‪ ،‬لتَ تَ َب َّي َن في‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫الش‬ ‫عن‬ ‫ا‬ ‫مبتعد‬ ‫ة‬ ‫ر‬ ‫عاص‬ ‫الم‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫الع‬ ‫ي‬ ‫ياس‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ َ ِ َّ‬ ‫الس َّ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ضامينها َع ْك َس‬ ‫ياس َّية تُ ْث ِب ُت َم‬ ‫ماع َّيةٌ ِس ِ‬ ‫قاص ُد ْاجتِ ِ‬ ‫الب ْح ِث َوقائِ ُع َو َم ِ‬ ‫ُ‬ ‫مون َ‬ ‫َم ْض ِ‬ ‫ذَ لِ ك‪ .‬وفي َ‬ ‫والديمقراطية لدى العرب‪،‬‬ ‫العربي َو ُمشكالته‪،‬‬ ‫بحثيه الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ديد‬ ‫واق ِع‬ ‫المعاش‪ ،‬على ِ‬ ‫واف َع َّأدت إلى ِ‬ ‫ود ِ‬ ‫قاع َدةِ تَ ْح ِ‬ ‫بابا َ‬ ‫أس ً‬ ‫الحال ُ‬ ‫ِ‬ ‫استخرج ْ‬ ‫ماع َّيةِ ُم ْن ُذ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫الذ ْهنِ َّيةِ‬ ‫األع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ميم ِ‬ ‫العادات والتَ ِ‬ ‫قاليد َو ْ‬ ‫راف َ‬ ‫ْ‬ ‫الع َر ِب َّية في َص ِ‬ ‫‪24‬‬ ‫رون ِع َّدة‪َ ،‬وال تَ ُ‬ ‫ياس ِّي والدينِ ِّي‬ ‫ماع ّي ‪ .‬وهو‬ ‫واالجتِ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫لوك ِ‬ ‫ْ‬ ‫قُ ٍ‬ ‫زال تَ تَ َح َّك ُم ِب ُ‬ ‫ريخ َ‬ ‫قاليد‬ ‫قارنَ ًة لِ ْل ِ‬ ‫عادات َوالتَ ِ‬ ‫الطويل ُم ً‬ ‫جريا ُم َ‬ ‫حافَ َظ على َم ْن َه ِج َّيتِ هِ في التَ ْأ ِ‬ ‫ديم ُو ً‬ ‫الع َر ِب َّية ْ‬ ‫صوال إلى َع ْص ِره‪َ ،‬م ْق ً‬ ‫رونا‬ ‫سار َس َل َك ْت ُه ِم َن‬ ‫َ‬ ‫هار َم ٍ‬ ‫بإظ ِ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ القَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ات‬ ‫في‬ ‫روف‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫بها‬ ‫أحاط‬ ‫ما‬ ‫و‬ ‫ها‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫الم‬ ‫ر‬ ‫ط‬ ‫األ‬ ‫التاريخ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫الم َح ّط ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِب ِ ُ َ ِّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الح ْك ِم‬ ‫الت‬ ‫ِ‬ ‫راح َل التي َش ِه َد ْت تَ َح ُّو ٍ‬ ‫الم ِ‬ ‫أساس َّية منذ ُ‬ ‫الثالت‪ .‬لِ ذا‪َ ،‬ش َر َح َ‬ ‫طاعي‪ً ،‬‬ ‫فالح ْك ِم َ‬ ‫اإلل ِه ِّي فَ ْ‬ ‫بلوغا إلى‬ ‫اإلق‬ ‫الم ْط َلق‬ ‫القَ َب ِّلي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فالح ْك ِم َ‬ ‫الم َل ِك ِّي ُ‬ ‫ّ‬ ‫‪25‬‬ ‫الح ْك ِم‬ ‫هوري ‪.‬‬ ‫الج ْم ّ‬ ‫النيابي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫الع َر ِب َّية‪،‬‬ ‫الواق ِع‬ ‫َّإن‬ ‫االنط َ‬ ‫ِ‬ ‫صيف ِ‬ ‫الق ِم َن تَ ْو ِ‬ ‫ِ‬ ‫المتَ َر ّدي في ُ‬ ‫الد َو ِل َ‬ ‫السياس ِّي ُ‬ ‫َ‬ ‫َو َط ْر َح ْ‬ ‫راط َّية‬ ‫الديم ْق ِ‬ ‫مار َسةِ‬ ‫إشكالِ َّيةِ ما تَ َو َّصل ْت َإل ْيهِ ُش ُ‬ ‫عوبها على َم ْستَ وى ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫واب َّيةِ‬ ‫األم ِر َ‬ ‫والمدى الذي َب َلغَ ْت ُه ليس ِب ْ‬ ‫َ‬ ‫العسير‪ِ ،‬ب َص ْر ِف النَ َظ ِر َع ِن َص ِ‬ ‫‪ 2 23‬أنيس فريحة‪ ،‬معجم األلفاظ العامية في اللهجة واللبنانية‪.‬‬ ‫‪ 224‬أنيس فريحة‪ ،‬دراسات في التاريخ‪ ،‬ص‪.267–251 .‬‬ ‫‪ 225‬المصدر نفسه‪.‬‬


‫‪ .8‬خالصة عا ّمة‬

‫‪43‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫المتَ َخ ِّص ٍص في ُ‬ ‫غات‬ ‫الل ِ‬ ‫تَ َ‬ ‫المؤَ ِّرخ ال ُ‬ ‫ناولْ ُت في هذا البحث أنيس فريحة ُ‬ ‫اإلجتِ ماع‪َ .‬و َل َع َّل التَ ُ‬ ‫داخ َل‬ ‫السام َّية أو في‬ ‫قاط َع والتَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الميثولوجيا ْأو في ِع ْل ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫قاليد َو َب ْي َن َمسائِ َل َو ْ‬ ‫أص َع ُب‬ ‫ِب ْي َن‬ ‫إشكالِ ّي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ ِ‬ ‫ات ُأ ْخرى في ِدراساتِ ه‪ْ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫التاريخ ّي َع ْن‬ ‫فصل ِف ْكره‬ ‫ما واجهني في قراءتي نتاج فريحة‪ ،‬إذ يستحيل‬ ‫ِ‬ ‫العلوم ُ‬ ‫األ ْخرى‪،‬‬ ‫قاع َدةٍ ِ‬ ‫سانية‪ .‬فهو َل ْم َيتَ قَ َّي ْد ِب ِ‬ ‫واح َدةٍ‬ ‫السيما االنِ ّ‬ ‫ّ‬ ‫َثقافَ تِ هِ في ُ ِ‬ ‫لوبهِ ْ‬ ‫الب ْحثِ َّيةِ في ْأك َثر ِم ْن َم ْو َضع‪.‬‬ ‫التأ ِ‬ ‫ريخ ّي َب ْل تحرر ِم ْن َ‬ ‫واب ِط َ‬ ‫الض ِ‬ ‫في ُأ ْس ِ‬ ‫ماء ُه إلى َم ْد َر َسةِ ْ‬ ‫ماع ِّي َوإلى َم ْن َه ِج َّيةِ‬ ‫ريخ االجتِ ِ‬ ‫َل ِك َّن ِ‬ ‫الس َم َة َّ‬ ‫العام َة تُ ؤَ ِّك ُد انْ تِ َ‬ ‫التأ ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫خون‬ ‫المؤَ ِّر َ‬ ‫الم ْستَ ِم ّر‪َ .‬ول َعل ُخ َ‬ ‫روج ُه على أطر يعتمدها ُ‬ ‫ويل َو ُ‬ ‫ريخ الط ِ‬ ‫التَ ْأ ِ‬ ‫مال بل ِم ْن تَ ْسخيره ُ‬ ‫يات‬ ‫الم ْع َط ِ‬ ‫الم ِ‬ ‫األ ْسلوب َو ُ‬ ‫ُ‬ ‫صور ْأو ْإه ٍ‬ ‫عاصرون َل ْم َي ْن َب ْع ِم ْن قُ ٍ‬ ‫المتَ َو ّخاةِ ِم ْن ْأبحاثِ ه‪.‬‬ ‫ي‬ ‫السام‬ ‫داف‬ ‫األه‬ ‫و‬ ‫الغايات‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫خ‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫التاريخ‬ ‫ِ َ ْ ِ‬ ‫ِ َّ لِ ِ ْ َ ةِ‬ ‫ِ َ ةِ ُ‬ ‫جاوزَ ْت في َأه ِم َّيتِ ها‬ ‫ففي ْأبحاثِ هِ عن‬ ‫ِ‬ ‫ثابتَ ة تَ َ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد َم ْن َه ِج َّيةٌ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الالم ْحدود‪ .‬لذا‬ ‫التاريخ ِّي‬ ‫الب ْحثِ َّيةِ األ ْخرى َوتَ َم َّث َل ْت في األفُ ِق‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬ ‫َ‬ ‫ميع َ‬ ‫َج َ‬ ‫ناص ِر َ‬ ‫األف َع َل‬ ‫استِ كانَ ة‪ ،‬لِ َك ْونِ ها األداةَ ْ‬ ‫َل ْم تَ ْع ِر ْف ِر ْح َل ُت ُه على َم ِّر ُ‬ ‫صور ُه ً‬ ‫دوءا ْأو ْ‬ ‫الع ِ‬ ‫الء ما َي ُل ُّف َ‬ ‫الز َم َة‬ ‫سات الدينِ َّي َة واالجتِ ِ‬ ‫مار ِ‬ ‫الظ ِ‬ ‫استِ ْج ِ‬ ‫الم َ‬ ‫ماع َّية ُ‬ ‫واه َر َو ُ‬ ‫في ْ‬ ‫الم ِ‬ ‫موض ْأو الْ تِ باس‪.‬‬ ‫الم ِ‬ ‫ُم ْجتَ َمعاتِ نا ُ‬ ‫عاص َرة ِم ْن ُغ ٍ‬ ‫ذور‬ ‫ماء‬ ‫تاريخ َّيةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫العادات َوالتَ ِ‬ ‫الم ْد ِر ِك َح ْت ِم َّي َة انْ تِ ِ‬ ‫َو ِم ْن َم ْو ِق ِع ُ‬ ‫قاليد إلى ُج ٍ‬ ‫الحقَ ها فريحة لِ َي ْستَ ْهدي إلى َم ْو ِقعِ ها َو َم ْو ِضعِ ها‬ ‫ضار َبةٍ سحيقة القدم‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بيئات‬ ‫راس ًة على‬ ‫د‬ ‫رى‬ ‫أج‬ ‫ها‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫واف‬ ‫زاد‬ ‫على‬ ‫ر‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ضارات‪.‬‬ ‫الح‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َب ْي َن َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َّ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫مار َستِ ها‬ ‫عات َح َّل ْت في َكنَ فِ ها‪ ،‬فكشف عن‬ ‫باب َو َد ِ‬ ‫ِ‬ ‫وم ْجتَ َم ٍ‬ ‫ُ‬ ‫واف ِع ُم َ‬ ‫وأس ِ‬ ‫ظروف ْ‬ ‫آنَ‬ ‫موصل‪ .‬فالميثولوجيا َم ْيدان‬ ‫األساطير َكعِ ْلم‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫الح‬ ‫الم‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫ذاك‬ ‫مستعينً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مات ُ‬ ‫الح‬ ‫الذ ْهنِ َّيةِ‬ ‫ِ‬ ‫راسةِ َخصائِ ِص َو ِس ِ‬ ‫ديمة‪َ ،‬و ِ‬ ‫عوب في َ‬ ‫ضارات القَ َ‬ ‫واسع لِ ِد َ‬ ‫الش ِ‬ ‫ً‬ ‫بارات اإلنْ سانِ َّيةِ ُم ْن ُذ نَ ْشأتِ ها‬ ‫ِ‬ ‫ماع َّيةِ السائِ َدةِ فيها‪ ،‬فَ ْضال َع ْن االختِ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ممر‬ ‫الم ِ‬ ‫وما رافَ قَ ها ِم ْن تَ َب ُّد ٍل َو ٍ‬ ‫حراك ُم ْستَ ِم ّر‪ .‬فاإللمام ِب َ‬ ‫الح ِم واألساطير ٌّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫انْ‬ ‫ت‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫إطار‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ش‬ ‫ها‬ ‫و‬ ‫ك‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫التاريخ‬ ‫الحقائِ ِق‬ ‫ً ُ ْ دانِ ًّ َ َ َ ْ فيهِ‬ ‫إلْ ِ‬ ‫ِ َّ لِ ْ نِ تُ‬ ‫لوغ َ‬ ‫زام ٌّي لِ ُب ِ‬ ‫مار َسة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الح َر َكةِ‬ ‫َمعاني َ‬ ‫الم َ‬ ‫التاريخ َّية في الفِ ْك ِر َو ُ‬

‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫واضحا في‬ ‫الم ْقتَ َر َحة‪ ،‬كما يظهر‬ ‫االستِ ْن‬ ‫ياس َّيةٍ‬ ‫مؤلفات ِس ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫تاجات َو ُ‬ ‫لول ُ‬ ‫الح ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫النص ِف الثاني ِم َن القَ ْر ِن العِ ْشرين‬ ‫الم ّط ِر ِد ُم ْن ُذ‬ ‫ياد‬ ‫د‬ ‫االز‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ذ‬ ‫أخ‬ ‫ة‬ ‫َك‬ ‫َ‬ ‫ثيفَ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫وافعِ ها‪َ ،‬ل َع َّلها‬ ‫الت َو َد ِ‬ ‫الم ْش ِك ِ‬ ‫وصوال إلى اليوم‪ .‬إال َّأن َ‬ ‫الع ْو َدةَ إلى ْ‬ ‫أص ِل ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كانات ِعل ِم َّية‬ ‫سابقَ تَ ها‪َ .‬وألنَّ ها ك َذلِ ك ّ‬ ‫إشكالِ َّيةٌ َرديفَ ة تَ ُ‬ ‫سخر لها فريحة ْإم ٍ‬ ‫فوق ِ‬ ‫المتَ نَ ِّوع‪.‬‬ ‫َو َم ْن َه ِج َّية تحيط ِب َجوانِ ِب َ‬ ‫الب ْح ِث ُ‬


‫‪44‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫عاينَ ها‬ ‫الح‬ ‫ديمةِ وعاد منها ِب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫عادات َوتَ قاليد َ‬ ‫غاص فريحة على َ‬ ‫ضارات القَ َ‬ ‫ذورها ُم ْعتَ ِم ًدا َح َ‬ ‫في َ‬ ‫قارنة‪،‬‬ ‫راس ًة ُم َ‬ ‫يالها ِد َ‬ ‫بيئتِ ها َو َع ْص ِرها وواجهها مع ُج ِ‬ ‫االختِ َ‬ ‫التاريخ َّيتَ ْين‬ ‫الحقبتَ ْي ِن‬ ‫الذ ْهنِ َّيةِ في ُك ٍّل ِم َن‬ ‫معالجا ْ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْن َط ِق َو ِ‬ ‫ً‬ ‫الف في َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫إيذانا‬ ‫هيد َّية‬ ‫رور الزَ َمن‪ ،‬فكان‬ ‫الم ْر َح َل َة التَ أ ِ‬ ‫ُ‬ ‫سيس َّية َوالتَ ْم ِ‬ ‫إنجاز ُه َه ِذ ِه َ‬ ‫ِبفِ ْع ِل ُم ِ‬ ‫ِبانْ ِط َ‬ ‫التاريخ َّية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫مهمتِ هِ‬ ‫القةِ َّ‬ ‫هودا َح َ‬ ‫كانات‬ ‫ثيث ًة َو ْإم ٍ‬ ‫َل ْم تَ ُك ْن َ‬ ‫الد ْر ُب التي َشقَّ ها فريحة ُم َع َّب َدة‪ .‬تَ َط َّل َب ْت ُج ً‬ ‫استِ ْثنائِ َّية َ‬ ‫واح ًدا‬ ‫قات َق ْب َل ْأن تُ ْص ِب َح سالِ َك ًة‪َ .‬ل ْم َي ْس ُل ْك َطريقً ا ِ‬ ‫الم َع ِّو ِ‬ ‫إلزالةِ ُ‬ ‫َب ْل َش َب َك ًة معقدة ِم َن ُ‬ ‫التاريخ َّيةِ َ‬ ‫الثالث َوب ْين‬ ‫بات‬ ‫ِ‬ ‫الحقَ ِ‬ ‫الجسور َب ْين َ‬ ‫الط ُر ِق َو ُ‬ ‫ساع َدة أعانته‬ ‫الح‬ ‫الم ِ‬ ‫المتَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫زامنَ ةِ في التَ ْوقيت‪ .‬صحيح أن ُ‬ ‫العلوم ُ‬ ‫ضارات ُ‬ ‫َ‬ ‫أضاف َإل ْيها‬ ‫واف َيةٍ لِ ْل َب ْحث لكنه َل ْم َي ْكتَ ِف ِبها َب ْل‬ ‫يات ِ‬ ‫علميا َو َرفَ َدتْ ُه ِب ُم ْع َط ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫عاص َرتِ هِ القَ ْر َية ُ‬ ‫َ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪.‬‬ ‫ـم‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫الش‬ ‫ه‬ ‫بار‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ُ َ‬ ‫ْاختِ َ‬ ‫جاحه‪:‬‬ ‫البةٍ قوية ّأدتا إلى نَ ِ‬ ‫وص َ‬ ‫َ‬ ‫راسةُ فريحة على ُثنائِ َّيةٍ متماسكة َ‬ ‫قام ْت ِد َ‬ ‫َ‬ ‫ماع ِّي ُ‬ ‫ُ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي في ُح َّلتِ هِ القَ َر ِو َّية بما‬ ‫ي‬ ‫التاريخ‬ ‫دان‬ ‫ج‬ ‫الو‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫األ‬ ‫ِ ِّ االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫العام ُل َّ ِ ُ ْ ِ‬ ‫والعام ُل اآلخر تَ َك َّو َن‬ ‫راف‪،‬‬ ‫أع‬ ‫و‬ ‫قاليد‬ ‫و‬ ‫وعادات‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ناص‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ٍ َ تَ َ َ ْ‬ ‫فيه ِ ْ َ ِ َ تُ راثِ َّ‬ ‫صورةٍ تَ ُ‬ ‫عار ِف‬ ‫الجام َعةِ‬ ‫حاقهِ ِب ِ‬ ‫راك ِم َّية ُم ْن ُذ الْ تِ ِ‬ ‫األميركيةِ في َب ْيروت‪ُ ،‬م ً‬ ‫ّ‬ ‫ِب َ‬ ‫رورا ِب َم ِ‬ ‫ليم َّيةِ في الغَ ْرب ّ‬ ‫روح َ‬ ‫الثقافَ ةِ‬ ‫ْاكتَ َس َبها من ِر ْح َلتِ هِ العِ ْل ِم َّيةِ والتَ ْع ِ‬ ‫واطالعه على ِ‬ ‫ناق َض ْين‪.‬‬ ‫قاف ّي ْي ِن ُم ْختَ لِ فَ ْين‪ْ ،‬إن َل ْم نَ قُ ْل ُمتَ ِ‬ ‫هوم ْي ِن َث ِ‬ ‫الغَ ْر ِب َّية‪َ .‬وهو احتفظ ِب َمفْ َ‬ ‫تاريخ ًّيا َو َو َطنِ ًّيا َو ِخ ْد َم ًة للقراء‬ ‫واج ًبا‬ ‫ِ‬ ‫ِف ْك ُر فريحة َو َثقافَ ُت ُه الواسعة َّأديا ِ‬ ‫والدارسين على رغم ُم َ‬ ‫التاريخ َّيةِ ‪،‬‬ ‫رعات زائِ َدةً ِم َن َ‬ ‫ِ‬ ‫الخ ْلفِ َّيةِ‬ ‫غات ْأو ُج ٍ‬ ‫بال ٍ‬ ‫بابها‬ ‫تاج‬ ‫االستِ ْن َ‬ ‫العام َ‬ ‫َّ‬ ‫الم ْبنِ َّي على ُم َح ِّص َلةِ ْأعمالِ ه‪ِ ،‬ب ْ‬ ‫والدينِ َّيةِ منها‪َ .‬ل ِك َّن ْ‬ ‫أس ِ‬ ‫الم ْستَ وى‬ ‫َو َد ِ‬ ‫المفاهيم َ‬ ‫وافعِ ها َوغاياتِ ها‪ ،‬يوضح َ‬ ‫الج ْو َه ِر َّية التي ْأرساها على ُ‬ ‫ماع ّي‪.‬‬ ‫التاريخ ِّي االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫قاليد ُ‬ ‫ون ُك ُثر ذوو‬ ‫ناو َل‬ ‫ِ‬ ‫رون لُ ْبنانِ َّي َ‬ ‫خون َو ُمفَ ِّك َ‬ ‫الل ْبنانِ َّي َة ُمؤَ ِّر َ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫تَ َ‬ ‫فات فريحة‬ ‫ريخ ًّيا‪َ ،‬ل َع َّل َب ْع َضها َ‬ ‫فاق ُمؤَ لَّ ِ‬ ‫لوبا ْتأ ِ‬ ‫أس ً‬ ‫مؤلفات ممتازة تَ ْوثيقً ا َو ْ‬ ‫ناح َيةِ َ‬ ‫التاريخية‪.‬‬ ‫الم ْن َه ِج ّية‬ ‫زام ِبالقَ ِ‬ ‫لِ ِ‬ ‫ّ‬ ‫واع ِد َ‬ ‫الك ِّم والتَ ْن ِ‬ ‫ظيم والتَ ْبويب وااللْ تِ ِ‬ ‫روح َّيتَ ُه‪،‬‬ ‫طاب ٍع‬ ‫خاص‪ ،‬هي ِ‬ ‫تاج ُه االجتِ ِ‬ ‫ماع َّي ِب َ‬ ‫لكن ما تَ َم َّيزَ ِبهِ فريحة َو َط َب َع نِ َ‬ ‫ّ‬ ‫دان‬ ‫المسائِ ِل االجتِ ِ‬ ‫كاد ال تَ ْخلو ِم ْنها َم ِ‬ ‫التي تَ ُ‬ ‫فاصل َ‬ ‫الم َّت ِص َلةِ ِب ُ‬ ‫الو ْج ِ‬ ‫ماع َّيةِ ُ‬ ‫موم ُ‬ ‫اإلنْ سانِ ّي الذي َي ُ‬ ‫الل ْبنانِ ّيين‪.‬‬ ‫الج ِ‬ ‫طال الفِ ْك َر الفَ ْر ِد َّي َو َ‬ ‫ماع ّي‪ِ ،‬س َّيما لدى ُع ِ‬ ‫الل ْبنانِ َّية إذ َو َج َد ُ‬ ‫واق َع القَ ْر َيةِ ُ‬ ‫عادات‬ ‫قين في‬ ‫ٍ‬ ‫عالج فريحة ِ‬ ‫غار َ‬ ‫الل ْبنانِ ّي َ‬ ‫ين ِ‬ ‫الح َظ َّأن‬ ‫واجتِ ِ‬ ‫َوتَ َ‬ ‫مارسونَ ها ِم ْن َغ ْي ِر َو ْع ٍي ْأو ْإدراك‪َ .‬و َ‬ ‫قاليد دينِ َّيةٍ ْ‬ ‫ماع َّية ُي ِ‬ ‫تعاليم‬ ‫سيح ِّي َوال إلى‬ ‫ديمةٌ ال تَ ُم ُّت إلى‬ ‫الكنيسةِ‬ ‫الم ِ‬ ‫معظمها َم ْو ٌ‬ ‫الدين َ‬ ‫روثات َق َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫غاد َر ْت ُم َر َّب َع ْ‬ ‫طاع‬ ‫ِب ِص َلة‪.‬‬ ‫الم ْجتَ َم ِ‬ ‫المتَ َط ِّو َرةَ في الغَ ْر ِب َ‬ ‫عات ُ‬ ‫وساء ُه َّأن ُ‬ ‫َ‬ ‫اإلق ِ‬


‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫‪ 226‬أنيس فريحة‪ ،‬دراسات في التاريخ‪ ،‬ص‪.45 .‬‬

‫‪45‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫قود فيما َيتَ َم َّس ُك ُ‬ ‫المتَ َح ِّك ِم‬ ‫َو َأدواتِ هِ ُم ْن ُذ ُع ٍ‬ ‫الل ْبنانِ ّي َ‬ ‫ون َو َ‬ ‫الع َر ُب ِبالماضي ُ‬ ‫المتَ زَ ِّمت‪.‬‬ ‫الس ِ‬ ‫فاص ِل َحياتِ ِهم‪َ ،‬و ِب ُسلوكِ ِهم االجتِ ِ‬ ‫ِب َم ِ‬ ‫ماع ِّي َو ِ‬ ‫المتَ َخ ِّل ِف َو ُ‬ ‫ياس ِّي ُ‬ ‫سيج‬ ‫الواق ِع االجتِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫توص َل إلى َحقيقَ ةِ‬ ‫ميق َط َ‬ ‫ماع ّي بفَ ْه ِمهِ َ‬ ‫وهو َّ‬ ‫الع ِ‬ ‫بيع َة النَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ناولوا َ‬ ‫ياس َّي‬ ‫التاريخ ّي‪َ .‬ل ْم ينقَ ْد إلى‬ ‫الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ياقهِ‬ ‫وس ِ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي ِ‬ ‫أن ِ‬ ‫الش َ‬ ‫َ‬ ‫الذين تَ َ‬ ‫الحدثِ ّي َمهما‬ ‫ْأو الدينِ َّي ْأو الطائِ فِ َّي ِب َش ْك ٍل ُم ْنفَ ِصل‪ ،‬وال عالج‬ ‫التاريخ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َب َلغَ ْت َأه ِم َّيةُ هذا القائِ ِد ْأو َ‬ ‫الت‬ ‫الت َوالتَ َب ُّد ِ‬ ‫جاهل التَ َح ُّو ِ‬ ‫الملِ ك‪َ ،‬ب ْل تَ َ‬ ‫ذاك َ‬ ‫الع ْي ِش‬ ‫الس ْل َطة لِ َك ْونِ ها ال تُ َب ِّد ُل في َق ِ‬ ‫واع ِد َ‬ ‫على ُم ْستَ وى ُ‬ ‫الح ْك ِم َوانْ تِ ِ‬ ‫قال ُ‬ ‫ْ‬ ‫لَّ‬ ‫ؤَ‬ ‫ظاه ِر‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫ظ‬ ‫م‬ ‫أي‬ ‫م‬ ‫في‬ ‫ليس‬ ‫لذا‬ ‫ا‪.‬‬ ‫قيد‬ ‫ع‬ ‫األمور‬ ‫تزيد‬ ‫ُ فاتِ هِ ُّ َ َ ٍ ِ ْ َ ِ‬ ‫َ تَ ْ ً‬ ‫َو ُأ ُس ِسه‪َ ،‬ب ْل ُ‬ ‫التاريخ ُ‬ ‫هام ِش َم‬ ‫راف َّيةٍ‬ ‫واضيع َو ُأ ُط ٍر ُجغْ ِ‬ ‫الحدثِ ّي‪ ،‬وإذا َح َّل على ِ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ةُ‬ ‫فَ‬ ‫ريخ‬ ‫التأ‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫م‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫زام‬ ‫ث‪.‬‬ ‫ح‬ ‫الب‬ ‫بيع‬ ‫ط‬ ‫ها‬ ‫رض‬ ‫رور‬ ‫ض‬ ‫رى‪،‬‬ ‫ُأ ْخ‬ ‫فْ‬ ‫تَ‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫والتِ‬ ‫لِ‬ ‫ةٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫تاريخ‬ ‫واع ِدها التَ ْأ ِ‬ ‫ماع ِّي التي تَ َّأث َر ِبقَ ِ‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫ريخ َّية ْ‬ ‫أسقَ َط ُك َّل ما َي َّت ِص ُل ِب ِ‬ ‫راسات َو ْأب ً‬ ‫شؤون‬ ‫واضعا فيه ِد‬ ‫ماعة‬ ‫واهتم‬ ‫األفراد‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫الج َ‬ ‫ً‬ ‫بتاريخ َ‬ ‫ّ‬ ‫حاثا تُ ْعنى ِب ِ‬ ‫ِ‬ ‫الم ْع ِض َلةُ‬ ‫الم ْشتَ َر َكة‪َ .‬وعلى َض ْو ِء َقناعاتِ ه تَ َو َّج َه إلى َح ْي ُث ُ‬ ‫الناس َو ُم ْش ِكالتِ ِهم ُ‬ ‫ِ‬ ‫ةُ‬ ‫فَ‬ ‫األعراف‪َ .‬ل ْم ُي َو ِّثق‬ ‫و‬ ‫قاليد‬ ‫و‬ ‫العادات‬ ‫على‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫و‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫األساس‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ض‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫التَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ‬ ‫الع ْ ِ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫لُ‬ ‫ُ‬ ‫يوخ َو َعجائِ ِز القَ ْر َية‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫الم‬ ‫ي‬ ‫األص‬ ‫ها‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫قاليد‬ ‫و‬ ‫عادات‬ ‫تَ‬ ‫لِ‬ ‫ِ‬ ‫نانِ‬ ‫ٍ‬ ‫تَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ّ‬ ‫ْ ِّ ُ َ ِ ِ‬ ‫َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫مستخدما‬ ‫ة‪،‬‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫الل‬ ‫ي‬ ‫ماع‬ ‫الج‬ ‫ر‬ ‫إيقاظ‬ ‫إلى‬ ‫هدف‬ ‫بل‬ ‫ثيق‪،‬‬ ‫و‬ ‫نانِ‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫الذاكِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫التَ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َّ‬ ‫َّ‬ ‫لِ ُم َج َّر ِد ْ‬ ‫جيد‬ ‫ذورها‬ ‫ُأ ْسلوبه‬ ‫ِ‬ ‫بإعادةِ َر ْب ِط ُك ٍّل ِ‬ ‫التاريخ َّية‪ .‬فهو ُي ُ‬ ‫َ‬ ‫ظاه َرةٍ ْأو ُم َ‬ ‫مار َسةٍ ِب ُج ِ‬ ‫القَ فْ زَ َ‬ ‫الط َ‬ ‫سافات‪ ،‬ما َم َّكنَ ُه‬ ‫الم‬ ‫بات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحقَ ِ‬ ‫ويل َب ْي َن َ‬ ‫التاريخ َّية ويحترف ْاختِ صار َ‬ ‫القارئ‬ ‫وجنَّ َب ُه‬ ‫َ‬ ‫الح ِ‬ ‫ِم َن ِ‬ ‫فاظ على تَ ُ‬ ‫الب ْحثِ ّي‪َ ،‬‬ ‫وازنِ هِ َ‬ ‫االنزالق والتَ َع ُّثر‪َ .‬ولِ كي َي َض َع ِ‬ ‫سات‬ ‫التاريخ َّية َع َر َض‬ ‫الحقائِ ِق‬ ‫مار ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أمام َ‬ ‫قاب ُلها ِم ْن ُم َ‬ ‫َ‬ ‫عادات َوتَ قاليد َوما ُي ِ‬ ‫واستِ ْش ُ‬ ‫الس ْح ِر َ‬ ‫راف‬ ‫الح‬ ‫ِ‬ ‫مار َسةُ ِ‬ ‫قوس في َ‬ ‫ديمة‪ .‬فَ ُم َ‬ ‫ضارات القَ َ‬ ‫والش ْع َوذَ ةِ ْ‬ ‫َو ُط ٍ‬ ‫الع ْقلِ ّي َلدى ُ‬ ‫عوب‬ ‫صول تَ ُ‬ ‫عود إلى ما َق ْب َل التَ َط ُّو ِر َ‬ ‫ُ‬ ‫الم ْستَ ْق َب ِل ذات ُأ ٍ‬ ‫الش ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ةٌ‬ ‫عادات‬ ‫سات دينِ َّي قديمة تَ َح َّول ْت مع الزَ َم ِن‬ ‫ٍ‬ ‫الز ِ‬ ‫مار ٌ‬ ‫راع َّية‪ .‬ثمة ُم ْعتَ قَ ٌ‬ ‫دات َو ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫سات تُ واكب‬ ‫قاليد اجتِ ِ‬ ‫َوتَ َ‬ ‫مار ٌ‬ ‫قوس ُ‬ ‫وم َ‬ ‫ماع َّية‪ ،‬كالتبصير وقراءة الكف‪ .‬وثمة ط ٌ‬ ‫الز ّياحات‪َ ،‬م َر ُّدها إلى‬ ‫و‬ ‫رابين‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫ي‬ ‫الح‬ ‫مات‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫سيح‬ ‫الم‬ ‫ياد‬ ‫القَ‬ ‫ْ‬ ‫األع َ َ ِ َّ كالتَ ْ ِ ِ َ َ وانِ ّ ةِ َ‬ ‫َ ِ‬ ‫راع َّيةٍ َربيعِ َّيةٍ كأدونيس في ْأولِ ياء َو ِق ّديسين ‪‬ال نَ ُ‬ ‫رق‬ ‫ز‬ ‫ه‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫زال نُ ْح ُ‬ ‫تَ قَ ُّ ِ آلِ َ ةٍ ِ ِ‬ ‫يراف َق فريحة في َم ّ‬ ‫التاريخ ّي َي ْستَ ْخ ِر ُج‬ ‫ِ‬ ‫ات َع ْر ِضهِ‬ ‫حط ِ‬ ‫البخور‪َ .26‬و َم ْن ِ‬ ‫َل ُهم َ‬ ‫ماع َّية َغ ْي ِر َم ْن ِط ِق َّية َيتَ َب َّي َن‬ ‫سات دينِ َّيةٍ واجتِ ِ‬ ‫مار ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن ذاكِ َرتِ هِ‬ ‫الالواع َية َحقيقَ َة ُم َ‬ ‫أمامه‪.‬‬ ‫ذورها‬ ‫ِ‬ ‫الم ْش َه ِد َّيةِ التي تَ ْرتَ ِس ُم َ‬ ‫ُج َ‬ ‫الل َ‬ ‫التاريخ َّية ِم ْن ِخ ِ‬ ‫ثير ِم َن َ‬ ‫المديح‪ ،‬ذَ ْو ًدا‬ ‫ناول فريحة‬ ‫ِ‬ ‫الث ِ‬ ‫الح َ‬ ‫العادات َوالتَ َ‬ ‫تَ َ‬ ‫قاليد َ‬ ‫ناء َو َ‬ ‫ميدةَ ِب َك ٍ‬ ‫اله ِو َّيةِ‬ ‫الح ِ‬ ‫رورةِ ِ‬ ‫بيرا َع ْن تَ َع ُّل ِقهِ ِبها َ‬ ‫كان ُ‬ ‫َع ْنها َوتَ ْع ً‬ ‫وض َ‬ ‫فاظ َع َل ْيها ُر ْكنً ا ِم ْن ْأر ِ‬


‫‪46‬‬ ‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫التراثِ َّيةِ ُ‬ ‫الق َي ِم َوالفَ ضائِ ِل‬ ‫كير ِب ِ‬ ‫ُ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ .‬لِ ذا َخ َّص َص َم َ‬ ‫ساح ًة ُم ْعتَ َبرةً لِ ْلتَ ْذ ِ‬ ‫ُ‬ ‫صفات تُ َش ِّك ُل‬ ‫والتعاون في الشدائد َو‬ ‫والتماس ِك العائِ لِ ّي‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪ ،‬كالنجدة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ضارةٍ لُ ْبنانِ َّيةٍ ِبفِ ْع ِل‬ ‫َركائِ زَ َ‬ ‫ياع القَ ْر َيةِ َك َح َ‬ ‫الع ْي ِش القَ َر ِو ّي َ‬ ‫البسيط‪َ .‬و َخ ْو َف َض ِ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية حضارة في طريق‬ ‫أص َد َر كتابه القرية‬ ‫تياح الحياةِ َ‬ ‫ّ‬ ‫الع ْص ِر َّيةِ لها ْ‬ ‫ْاج ِ‬ ‫الزوال‪.‬‬ ‫اإلمكانات َ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد‬ ‫ساو ِئ‬ ‫ِ‬ ‫للك ْش ِف َع ْن َم ِ‬ ‫الجهود َو ْ‬ ‫إن ُ‬ ‫حاس ِن َو َم ِ‬ ‫خين‬ ‫واب‬ ‫راز ُمؤَ ِّر َ‬ ‫ال تَ تَ َوقَّ َف على َعتَ َبةِ ْ‬ ‫َ‬ ‫األب ِ‬ ‫الموص َدة‪ .‬وليس فريحة ِم َن ِط ِ‬ ‫قيدا‪ .‬فهو‬ ‫َي ْجتَ نِ َ‬ ‫عوب ًة َوتَ ْع ً‬ ‫الحلول َم ْهما َب َلغَ ِت االشكالِ ّي ُ‬ ‫ات ُص َ‬ ‫بون ْاقتِ َ‬ ‫راح ُ‬ ‫الم َ‬ ‫باش َرة‪،‬‬ ‫لوبهِ ْاقتَ َر َح ِع‬ ‫الس ِ‬ ‫الجات اجتِ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫المسائِ ِل ِ‬ ‫ماع َّي ًة َب ً‬ ‫عيدا ِم َن َ‬ ‫ياس َّيةِ ُ‬ ‫ِب ُأ ْس ِ‬ ‫ات‪.‬‬ ‫َو ِبغَ ْي ِر ِص َي ٍغ طائِ فِ َّيةِ ْأو‬ ‫راو ُح َمكانَ ها َوتُ فَ ِاق ُم األزَ َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫إيديولوج َّيةِ تُ ِ‬ ‫الم ْقتَ َر َحةُ ِب َش ْك ٍل َم َ‬ ‫الح ُ‬ ‫ماما كما تَ َم ْح َو َر ْت‬ ‫رك ِز ٍّي على لُ ْبنان‪ ،‬تَ ً‬ ‫تَ َر َّكزَ ْت ُ‬ ‫لول ُ‬ ‫راث‬ ‫فاهيم فريحة َح ْو َل‬ ‫َم‬ ‫الت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ياء ُ‬ ‫إح ِ‬ ‫العادات َوالتَ قاليد‪ .‬لذا دعا إلى َ‬ ‫إعادةِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الع ْي ِش في‬ ‫ريع‬ ‫ألساليب َ‬ ‫الش ْع ِب ِّي ِب َو ْج ِههِ ُ‬ ‫الم ْش ِرق‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫جاء نِ داؤُ ُه ْ‬ ‫وس َط تَ َب ُّد ٍل َس ٍ‬ ‫إزاء ازدياد َ‬ ‫الج َبلِ َّيةِ ُ‬ ‫ضارةِ‬ ‫الظ ِ‬ ‫القُ رى َ‬ ‫وال َح َ‬ ‫واه ِر ُ‬ ‫الل ْبنانِ َّية‪َ .‬و َ‬ ‫المؤَ ِّد َيةِ إلى زَ ِ‬ ‫فاضا ُم َّط ِر ًدا‪ .‬وجاءت دعوته‬ ‫القَ ْر َية َس َّج َلت الفَ ضائِ ُل‬ ‫ميدةُ انْ ِخ ً‬ ‫الح َ‬ ‫ُ‬ ‫والعادات َ‬ ‫ياد َو َطنِ َّيةٍ تَ ْش ُم ُل ُ‬ ‫ياد‬ ‫األع ِ‬ ‫الملِ ّحة بإحياء ْأع ٍ‬ ‫الل ْبنانِ ّي َ‬ ‫ميعا‪ ،‬إلى جانِ ِب ْ‬ ‫ين َج ً‬ ‫ُ‬ ‫المتَ نَ ِّو َعة‪.‬‬ ‫الدينِ ّيةِ ُ‬ ‫ياس َّي َة في‬ ‫ومن أسلوبه‬ ‫الس ِ‬ ‫الم ْع ِض َل َة ِ‬ ‫ُ‬ ‫اعتماد َ‬ ‫الرسائِ ل‪ ،‬يشير فيها إلى أن ُ‬ ‫عود إلى َ‬ ‫العادات‬ ‫النفوس‪ ،‬وإلى أن‬ ‫ِ‬ ‫المتَ َج ِّذ َرةِ في ُ‬ ‫لُ ْبنان تَ ُ‬ ‫الثقافَ ةِ الطائِ فِ َّيةِ ُ‬ ‫باب‬ ‫االجتِ ِ‬ ‫َوالتَ َ‬ ‫ديمة تَ ُم ُّد النَ َ‬ ‫سيج ْ‬ ‫قاليد القَ َ‬ ‫ماع َّي ُ‬ ‫أس ِ‬ ‫الم ْنقَ ِس َم على ذاتِ ه ِب ْ‬ ‫َ‬ ‫حيد َ‬ ‫الذ ْو ِق‬ ‫الس ْل ِب ّي‪َ .‬و‬ ‫راح ُم َّت ِصل َّأن تَ ْو َ‬ ‫َ‬ ‫الحياة في َم ْعناها َ‬ ‫أضاف في ْاقتِ ٍ‬ ‫‪27‬‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫نَ‬ ‫حيدة التي‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪.‬‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫ياس‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫األ‬ ‫حيد‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫األولى‬ ‫و‬ ‫ط‬ ‫الخ‬ ‫ل‬ ‫ث‬ ‫ُي َم‬ ‫َ‬ ‫ةَ‬ ‫تَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ةِ‬ ‫ِ‬ ‫الو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫الم َّرةُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ريحةٍ َو ُم َ‬ ‫باش َرة‪.‬‬ ‫تَ َط َّر َق فيها إلى َش ٍأن ِس ِ‬ ‫صورةٍ َص َ‬ ‫ياس ٍّي لُ ْبنانِ ٍّي ِب َ‬ ‫صاصا ال َيفْ قَ ُهه ْبل تَ َجنَّ َب َم‬ ‫واس َعةٍ‬ ‫رايةٍ ِ‬ ‫َل ْم َي َّد ِع ْاختِ‬ ‫واضيع عدة َ‬ ‫كان على ِد َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫فيها‪َ .‬وفَ َّض َل – إلى تَ َخ ُّص ِصهِ في ُ‬ ‫مام ِب َمسائِ َل‬ ‫الل ِ‬ ‫ديمة – االهتِ َ‬ ‫غات القَ َ‬ ‫طال ُ‬ ‫ماع َّيةٍ تَ ُ‬ ‫العادات والتقاليد‬ ‫ميم َحياتِ ِهم‪ ،‬فاختار‬ ‫ِ‬ ‫اجتِ ِ‬ ‫الل ْبنانِ ّي َ‬ ‫ين في َص ِ‬ ‫ً‬ ‫ماع َّيةِ لدى ُ‬ ‫مات تَ َدفَ ُع‬ ‫الل ْبنانِ ّيين ِم ْن َخ َد ٍ‬ ‫الج ِ‬ ‫مدركا ّأن ما ُيقّ ِّد ُم ُه يوقظ الذاكِ َرة َ‬ ‫وأر َش َد إلى‬ ‫ِب ِهم إلى‬ ‫واجتِ ِ‬ ‫التطور‪ .‬هكذا أصاب ظاهرة َو َطنِ ّية ْ‬ ‫ّ‬ ‫ماع ّية َقديمة‪ْ ،‬‬ ‫الس ُب ِل لِ ُم َ‬ ‫كان‬ ‫ذورها االجتِ ِ‬ ‫ماع َّية‪ ،‬أي ِم َن َ‬ ‫الم ِ‬ ‫ْأق َر ِب ُ‬ ‫عال َجةِ ُم ْش ِكالتِ نا ِم ْن ُج ِ‬ ‫ُ‬ ‫األساس ِّي في األ َّمة‬ ‫الخ َل ِل‬ ‫الصحيح‪ .‬وأكد في الشأن السياسي على َم ْص َد ِر َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫‪ 227‬أنيس فريحة‪ ،‬سوانح من تحت الخروبة‪ ،‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعة األولى‪،‬‬ ‫‪.1988‬‬


‫األُصول والمراجع‬ ‫العربية‬ ‫‪1.1‬باللغة‬ ‫ّ‬

‫ •بولس جواد‪ ،‬التحوالت الكبيرة في تاريخ الشرق األدنى منذ االسالم‪ ،‬دار‬ ‫عواد للطباعة‪ ،‬بيروت‪( ،‬ب‪.‬ت)؛‬ ‫التاريخية إلى عصرنا الحاضر‪،‬‬ ‫ •حتي فيليب‪ ،‬تاريخ لبنان منذ أقدم العصور‬ ‫ّ‬ ‫ترجمة أنيس فريحة‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪1972 ،‬؛‬

‫قصة فنيانوس‪ ،‬تحقيق سليم قهوجي‪ ،‬منشورات جامعة‬ ‫ •الخوري شكري‪ّ ،‬‬ ‫الروح القدس‪ ،‬الكسليك‪2009 ،‬؛‬ ‫ •الراسي سالم‪ ،‬في الزوايا خبايا‪ ،‬دار نوفل‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬؛ لحد خاطر‪،‬‬ ‫العادات والتقاليد اللبنانية‪ ،‬ج‪ ،2–1 .‬مطبعة الجبل‪ ،‬درعون‪.1977 ،‬‬

‫العصرية‪ ،‬صيدا‪1955 ،‬؛ كمال‬ ‫ •رستم أسد‪ ،‬مصطلح التاريخ‪ ،‬المكتبة‬ ‫ّ‬ ‫الصليبي‪ ،‬تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬؛‬

‫ •شرف جان‪ ،‬اإليديولوجية المجتمعية‪ ،‬منشورات الجامعة اللبنانية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1996‬‬

‫عبود للطباعة والنشر‪،‬‬ ‫عبود مارون‪ ،‬األمير األحمر‪( ،‬ط‪ ،)1 .‬دار نظير ّ‬ ‫ • ّ‬ ‫جونية‪2012 ،‬؛‬

‫ •فريحة أنيس‪ ،‬أسماء األشهر العربية ومعانيها‪ ،‬دراسة فيلولوجية تاريخية‪،‬‬ ‫دار العلم للماليين‪.1952 ،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬اسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها‪ ،‬مطابع‬ ‫الكريم‪،‬جونية‪.1965 ،‬‬

‫‪47‬‬

‫في أَعمال أَنيس فريحة‬

‫الدبور‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫ •حنّ ا الفغالي حنا‪ ،‬رسائل شموني‪( ،‬ط‪ ،)1 .‬مطبعة جريدة ّ‬ ‫‪1948‬؛‬

‫‪/‬االجتماعي‬ ‫التاريخي‬ ‫ذاكر ُة تُراثنا‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬

‫حابها لكنه‬ ‫ماع ّي‪ .‬صحيح أنه تَ َر َك‬ ‫يان االجتِ ِ‬ ‫السياس َة ْ‬ ‫الب ْن ِ‬ ‫َو َم ْك َمنِ هِ في ُ‬ ‫َ‬ ‫ألص ِ‬ ‫راث ُ‬ ‫ثاره‪،‬‬ ‫وإعادةِ َر ْب ِطهِ‬ ‫الت ِ‬ ‫قوم على َج ْم ِع ُ‬ ‫َ‬ ‫أرسى َم ْد َر َس ًة تَ ُ‬ ‫الل ْبنانِ ِّي َق ْب َل انْ ِد ِ‬ ‫عات ِع َّدة‬ ‫ذوره‬ ‫مات ُم ْجتَ َم ٍ‬ ‫راسةِ َخصائِ ص َو ِس ِ‬ ‫ِ‬ ‫التاريخ َّية‪ ،‬والتَ َع ُّم ِق ِب ِد َ‬ ‫ِب ُح ِ‬ ‫ُ‬ ‫أمام ُ‬ ‫الط ّال ِب والباحثين في‬ ‫واه ِرها‪ .‬هكذا فَ تَ َح األفُ َق ِ‬ ‫الحقَ ةِ َظ ِ‬ ‫َو ُم َ‬ ‫واس ًعا َ‬ ‫ٌّ‬ ‫قوم ُكل ِم ْن ُهم في َح ْق ِل‬ ‫التاريخ ِ‬ ‫وع ْل ِم االجتِ ماع والميثولوجيا واأللْ ُسنِ َّية‪ ،‬لِ َي َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫زير في‬ ‫صاصه ِب ْأب ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ْاختِ‬ ‫حاث ِعل ِم َّية‪ُ ،‬م َّت ِكئا على َم ْخ ِ‬ ‫زون فريحة َونِ ِ‬ ‫تاجهِ الغَ ِ‬ ‫لوم اإلنْ سانِ ّية‪.‬‬ ‫باب ُ‬ ‫ِ‬ ‫الع ِ‬


‫ •فريحة أنيس‪ ،‬إسمع يا رضا‪ ،‬مطبعة الكريم‪ ،‬جونية‪.1965 ،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬األمثال العامية اللبنانية من رأس المتن‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫األميركية‪ ،‬بيروت‪.1953 ،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬حضارة في طريق الزوال ‪‬القرية اللبنانية‪ ،‬مطبعة الكريم‪،‬‬ ‫جونية‪.1957 ،‬‬

‫ •فريحة أنيس‪ ،‬دراسات في التاريخ‪ ،‬دار النهار للنشر‪.1980 ،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬سوانح من تحت الخروبة‪ ،‬جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعة‬ ‫األولى‪.1988 ،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬قبل أن انسى‪ ،‬دار النهار للنشر‪.1980،‬‬ ‫ •فريحة أنيس‪ ،‬معجم األلفاظ العامية في اللهجة واللبنانية‪ ،‬مطبعة‬ ‫المرسلين اللبنانيين‪ ،‬جونية‪.1947 ،‬‬

‫‪48‬‬

‫ •فريحة أنيس‪ ،‬مالحم وأساطير من األدب السامي‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪.1967‬‬

‫د‪ .‬إيلي حليحل‬

‫ •فريحة أنيس‪ ،‬مالحم وأساطير من أوغاريت (رأس شمرا)‪ ،‬منشورات الجامعة‬ ‫االميركية‪ ،‬بيروت‪.1966 ،‬‬

‫األجنبية‬ ‫‪2.2‬باللغات‬ ‫ّ‬ ‫‪• BOTTERO J. – KRAMER S., Lorsque les dieux faisaient l’homme,‬‬ ‫‪mythologie mésopotamienne, Editions Gallimard, Paris, 1993.‬‬ ‫‪• CAQUOT A. – SZNYCER M. – HERDNER A., Textes Ougaritiques I.‬‬ ‫‪Mythes et légendes, (Coll. LAPO), Paris, 1974.‬‬ ‫‪• CAQUOT A. – TARRAGON M. – CUNCHILLOS J.L., Textes‬‬ ‫‪Ougaritiques II. Textes religieux et rituels, Correspondance, (Coll.‬‬ ‫‪LAPO), Paris, 1989.‬‬ ‫‪• INGLEBERT Hervé, Le Monde, l’Histoire. Essai sur les histoires‬‬ ‫‪universelles, PUF, Paris, 2014.‬‬

‫*  الصور مع هذا الموضوع مأخوذة من كتاب أنيس فريحة القرية اللبنانية – حضارة‬ ‫في طريق الزوال‪.‬‬


‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‪ :‬مقهى الحاج داود‪‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬ ‫شاع ُر َ‬ ‫عمر الزّ ِّ‬ ‫ـاشق َب ْـي ُروت‬ ‫عني ِ‬ ‫الشـعب وع ِ‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬ ‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪‬مهنْ ِدز‪ ‬العصر الحديث‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬القرن التاسع عشر إلى َ‬

‫عبد اللطيف فاخوري‬


‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‪:‬‬ ‫«مقهى الحاج داود»‬ ‫حكاية جميلة رواها الموج وابت َل َعها البحر‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫كاتب‪/‬باحث في التراث اللبناني‬

‫نابضا من معالم المدينة‪،‬‬ ‫ـزءا‬ ‫بيروت العتيقة‬ ‫عرفت‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫مقاهي كانت ُجـ ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫حيوي في التواصل‬ ‫دور‬ ‫ٌّ‬ ‫مكانا للترفيه وتمضية الوقت‪ ،‬إنما كان لبعضها ٌ‬ ‫ومقرا للحركات السياسية‬ ‫وشعرية‪،‬‬ ‫أدبية‬ ‫بين األفرقاء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ومنتديات للقاءات ّ‬ ‫ًّ‬ ‫تجمع لتحريك الــرأي العام والتظاهرات واالنتفاضات‬ ‫ومركز‬ ‫والنقابية‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫أساسيا من حركة المدينة‪،‬‬ ‫والشعبية‪ ،‬حتى بات بعضها َم ْع ًلما‬ ‫المطلبية‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ونقطة استشعار لنبض الناس‪.‬‬ ‫من تلك المقاهي التي تتداعى إليها ذكريات األصالة‪ ،‬أستعرض تاريخ‬ ‫أقدمها زمنً ا‪ :‬مقهى الحاج داود‪.‬‬ ‫‪ .1‬من عرزال إلى مقهى‬ ‫الحاج داود بن عبد الكريم بن حسن ّ‬ ‫يتحدر من عائلة بيروتية‬ ‫خطاب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫عائالت لديها ‪‬منزول‪ ‬الستضافة زوار العائلة‬ ‫عريقة كانت إحدى خمس‬ ‫ٍ‬ ‫وشخصيات تزور بيروت‪ ،‬كما جاء في كتاب ‪‬منزول بيروت‪ ‬للمؤرخ المحامي‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‪ ،‬أن ‪‬المنزول‪ ‬ذو أهمية رئيسة عند البيارتة‪ ،‬وهو‬ ‫بيت ضيافة ُمستقل عن المنزل الرئيسي بمدخله وغرفه ومنتفعاته‪.1‬‬ ‫كان الحاج داود ذات فترة يجتمع بأصدقائه لتدخين األركيلة في عرزال‬ ‫وسط منطقة األوزاعي‪ ،‬إلى أن وقع سوء تفاهم مع صاحب العرزال فقرر‬ ‫أن يكون له عرزاله الخاص‪.‬‬ ‫مطية الشهيرة‬ ‫عاين أمكنة عــدةً حتى أعجبه‬ ‫الس ّ‬ ‫ٌ‬ ‫موقع قرب مقبرة ُ‬ ‫قصد رئيس الميناء (أو ‪‬ناظر‬ ‫نطية)‪.‬‬ ‫ُ(يقال لها ً‬ ‫َ‬ ‫الس ّ‬ ‫الص ّ‬ ‫أيضا ُ‬ ‫نطية أو ُ‬ ‫طالبا مساعدته الستثمار قطعة أرض من أمالك الدولة‪ ،‬فكان‬ ‫البحرية‪ً )‬‬ ‫جواب ‪‬الناظر‪ :‬نعطيك عشرة أذرع‪ ،‬وإن استطعت ردم البحر حتى‬ ‫ملكا لك‪.2‬‬ ‫جزيرة قبرص تكون ً‬ ‫‪ 11‬عبد اللطيف فاخوري‪ ،‬منزول بيروت‪ ،2003 ،‬منزول بيت خطاب‪ ،‬ص‪.343 .‬‬ ‫خطية كتبها حسن أبو رامز‬ ‫‪ 22‬أرشيـڤ المحامي عبد اللطيف فاخوري‪ ،‬وثيقة‬ ‫ّ‬ ‫الكردي الذي كان يعمل في مقهى الحاج داود‪.‬‬


‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫‪51‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫رسم للمقهى يرقى إلى سنة ‪1854‬‬


‫‪52‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫تلك المحلة المنتقاة كانت في القرن التاسع عشر تدعى ‪‬الزيتونة‪،‬‬ ‫اله وحانات ليلية ذاعت شهرتها منذ أربعينيات‬ ‫وتحولت الحقً ا إلى بقعة َم ٍ‬ ‫القرن الماضي‪ ،‬وهي عند فقش الموج مباشرةً ‪ ،‬على امتداد صخري يعلو‬ ‫سطح البحر بثالثة أمتار ّ‬ ‫صغيرا بطول ‪ 500‬متر بين عرزال‬ ‫خليجا‬ ‫تشكل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مطية‪.‬‬ ‫الس ّ‬ ‫الحاج داود ومقبرة ُ‬ ‫بنى الحاج داود عرزاله على الصخور نحو سنة ‪ ،1870‬وراح يدخن فيه‬ ‫يقدم لهم األراكيل مع ضيافة الشاي والقهوة‪،‬‬ ‫أركيلته مع أصدقائه‪ ،‬ثم جعل ّ‬ ‫إلى أن اقترحوا عليه بناء مقهى يستثمره‪ .‬ولكن أرض العرزال ضئيلة (نحو‬ ‫‪ 6‬أمتار مربعة)‪ ،‬لذا استخدم الحاج داود‪ ،‬لبناء مقهاه فوق المياه‪ ،‬أعمدة‬ ‫ً‬ ‫الماء‬ ‫خشب قطراني‬ ‫طويلة من‬ ‫صلب مستورد من األناضول (تركيا) مقاوم ٍ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومتينة في البحر‪،‬‬ ‫عميقة‬ ‫غرسها‬ ‫والحشرات فال يتآكل مع السنين‪ ،‬ت َّـم‬ ‫ُ‬ ‫وعليها تمددت أرض المقهى بحيث يستطيع الجالس أن يرى سطح الماء‬ ‫تحته من الفواصل بين األلواح الخشبية‪ .‬وجيء له بالكراسي الخيزرانية‬ ‫والطاوالت الخشبية‪.‬‬ ‫وبعد فترة قليلة أضيف القرميد إلى سقف المقهى‪ُ ،‬وبــنِ ـ َـيــت على‬ ‫خصوصا في الشتاء‪ ،‬فتضفي‬ ‫زجاجية تلطمها أمواج البحر‪،‬‬ ‫جدرانه نوافذ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫خاصا من صوت الموج وانتشار رذاذه‪.‬‬ ‫على المقهى‬ ‫ً‬ ‫طابعا ً‬ ‫وكثيرا ما كان يستبد االنفعال بالعبي النرد (طاولة الزهر) حتى يرمي‬ ‫ً‬ ‫تنبه الحاج داود‬ ‫لذا‬ ‫الخشبية‪،‬‬ ‫ـواح‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫األ‬ ‫شقوق‬ ‫من‬ ‫هذا‬ ‫فيقع‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫النرد بنزَ ٍ‬ ‫دائما زوجين من كل نرد بكل طاولة زهر‪.‬‬ ‫فجعل لديه ً‬ ‫‪ .2‬في الصحافة والوثائق‬ ‫عهدئذ‪،‬‬ ‫صدرت عن مقهى الحاج داود مقاالت عدة عن طرافته ونُ درته‬ ‫ٍ‬ ‫‪3‬‬ ‫المصور‪ ،‬برشلونة‪.  1881 ،‬‬ ‫من أقدمها صورة له نشرتها مجلة العالم‬ ‫َّ‬ ‫ومن وثيقة في ‪ 22‬رجب ‪1307‬هـ‪1890/.‬م‪ .‬حصول مقاسمة قطعة أرض‬ ‫بين ورثــة الوالي مدحت باشا‪ ،‬في حضور ابنته فاطمة ممدوحة التي‬ ‫أفــادت بأن والدها ‪‬كان يملك قطعة أرض معروفة بأرض المسلخ في‬ ‫ً‬ ‫شماال وشرقً ا‬ ‫الحسن (الحصن) يحدها‬ ‫محلة المجيدية من محلة ميناء ُ‬ ‫‪4‬‬ ‫بعضه البحر وبعضه قهوة الحاج داود بن عبد الكريم خطاب ‪. ....‬‬ ‫‪3 3‬‬ ‫‪ 44‬أرشيـڤ المحامي عبد اللطيف فاخوري؛ والسجل الشرعي‪ ،‬رقم ‪ ،782‬سنة‬ ‫‪1307‬هـ‪.‬‬ ‫‪Revue El Mundo Ilustrado, n° 188, 1881, p. 617.‬‬


‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫وفي هذا السياق ُيــروى أن والي سورية مدحت باشا (أبو اإلصــاح) زار‬ ‫وتوجه إلى شاطئ البحر عند الطرف الشرقي لخليج‬ ‫بيروت سنة ‪1878‬‬ ‫َّ‬ ‫الزيتونة‪ ،‬فدخل إلى مقهى الحاج داود وأعجب بموقعه فاشترى قطعة‬ ‫أرض مالصقة له‪.‬‬ ‫وفي مصادر أخرى‪ ،‬ضعيفة اإلسناد‪ ،‬أن الحاج داود أنشأ المقهى سنة‬ ‫‪ 1876‬مكان فندق قديم كان اسمه ‪‬أوتيل يونيفرس‪ ،5‬والحقً ا أضيف إلى‬ ‫المقهى مطعم ومسبح فبات االسم ‪‬مقهى ومطعم الحاج داود‪.‬‬ ‫وفــي جريدة ‪‬ثـمــرات الفنون‪ ‬ورد هــذا اإلع ــان‪ :‬إننا اتخذنا في‬ ‫قهوة الحاج داود الشهيرة ببديع منظرها ولطيف موقعها محالً للطعام‬ ‫على ما تشتهيه األنفس وتلذ به األعين‪ ،‬وأحضرنا له من المعدات ما‬ ‫يكفل براحة الزايرين وانبساطهم‪ ،‬وليس الخبر كالعيان‪ .‬التوقيع‪ :‬محيي‬ ‫الدين ْش َب ْقلو‪.6‬‬ ‫‪ 55‬موقع ‪‬لبنان الجديد‪ ،‬نشرة ِإلكترونية تصدر عن مؤسسة ‪‬المركز العربي‬ ‫للحوار‪ً 2016/7/28 - ،‬‬ ‫نقال عن صفحة‪ :‬تراث بيروت‪.‬‬ ‫‪ 66‬أرشيـڤ المحامي عبد اللطيف فاخوري؛ وجريدة ‪‬ثمرات الفنون‪ ،‬العدد ‪،1223‬‬ ‫تاريخ ‪ 8‬ذو القعدة ‪1306‬هـ‪1890/.‬م‪.‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫مقهى الحاج داود ‪)Revue El Mundo Ilustrado( 1881‬‬

‫‪53‬‬


‫لكن‪ ...‬إياكم والخمر والميسر‬ ‫‪ .3‬رواد لألركيلة والقهوة‬ ‫ْ‬

‫‪54‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫الجمعة (العطلة‬ ‫ُ‬ ‫اشتهر المقهى فكانت تقصده عائالت دمشقية أيام ُ‬ ‫التسوق‪ ،‬وعائالت أخرى من‬ ‫األسبوعية في سوريا) للنزهة أو السباحة أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حلب ومن الالذقية تتواعد على اللقاء فيه‪ ،‬كما‬ ‫مقصدا للسياح العرب‪.‬‬ ‫كان‬ ‫ً‬ ‫باكرا‬ ‫رواده‬ ‫أما ّ‬ ‫المحليون فكانوا يقصدونه ً‬ ‫ّ‬ ‫لتدخين األركيلة ولعب الورق وطاولة النرد أو‬ ‫(محاطة بتشكيلة‬ ‫تناول أطيب ترويقة فــول ُ‬ ‫واسعة من األصناف)‪ ،‬يخدمهم النادالن ديب‬ ‫اليمنى‬ ‫ّ‬ ‫النخال وشقيقه فهد (كانت تعلو عينَ ه ُ‬ ‫غشاوة) يلبيان طلباتهم ويتحركان كالمكوك‬ ‫المسبح التابع المقهى‬ ‫بين الطاوالت‪ .‬وكــان‬ ‫ُ‬ ‫الحاج‬ ‫عميقً ا ذا شاطئ رملي نــاعــم‪ ،‬يــديــره‬ ‫ُّ‬ ‫ـؤجــر ‪‬الـحـسـكــات‪‬‬ ‫صــالــح عـيــد ال ــذي ك ــان يـ ّ‬ ‫(الحسكة هي لوح ‪‬ركمجة‪ُ ‬ي َو َّج ُه بمجذاف)‪.‬‬ ‫احد الزبائن‬

‫زبائن‬ ‫في المقهى‬

‫صباحا‬ ‫اعتاد مقهى الحاج داود أن يفتح أبوابه من الساعة الخامسة‬ ‫ً‬ ‫الليلية‬ ‫ـرواد المالهي‬ ‫حتى السادسة مساء حين تــروح المنطقة تزدحم بـ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ـحر ًما فيه لعب‬ ‫َ‬ ‫والخ ّمارات‪ ،‬فال يختلط هؤالء ب ّ‬ ‫ـرواد المقهى الذي كان ُم َّ‬ ‫القمار أو شرب الخمور‪.‬‬ ‫وكانت للمقهى مساحة منفصلة بالشراشف ُمخصصة للعائالت‪ .‬ويروى‬ ‫واشتم رائحة العرق الكحولي‪،‬‬ ‫يوما بتلك المساحة‬ ‫مر ً‬ ‫ّ‬ ‫أن الحاج داود إذ ّ‬


‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫اقترب من الطاولة وأمسك بشرشفها من زواياه األربع وحمله بما فيه من‬ ‫صحون وكبايات ومأكوالت ورماه في البحر‪.‬‬ ‫وعن السيدة ُسليمى شاتيال يموت (والدة النائب السابق الدكتور باسم‬ ‫يموت) أن والــدهــا الباشا محيي الدين شاتيال‪ 7‬كــان من رواد المقهى‬ ‫ظن‬ ‫يوم ّ‬ ‫الدائمين‪ ،‬يتناول مع الغداء َ‬ ‫كوب ماء مع عصير الحامض‪ .‬وذات ٍ‬ ‫كأسا مثله من النادل الــذي أجابه‪:‬‬ ‫أحــد الزبائن أنــه كــأس عــرق فطلب ً‬ ‫‪‬واضح أنك غريب وهذه زيارتك األولى‪ .‬نحن ال نقدم الكحول في مقهى‬ ‫الحاج داود‪ ،‬وشرح للزبون حقيقة ما يتناوله الباشا شاتيال‪.‬‬ ‫كان المقهى ينفصل عن الشارع العام بـزاروب (زقاق)‪ ،‬وكان له مدخالن‬ ‫وس ّلم (درج)‪ ،‬فيركن الزبائن سياراتهم في الزاروب‪ .‬وقبيل أحداث ‪،1975‬‬ ‫ُ‬ ‫أطلقت بلدية بيروت اسم ‪‬الحاج داود‪ ‬على الشارع رقم ‪ 71‬في ميناء‬ ‫تكريما له‪.‬‬ ‫الحصن‪،‬‬ ‫ً‬

‫‪55‬‬

‫‪ .4‬شعراء وأدباء ورسامون‪ ...‬سياسيون وقضاة وصحافيون‬ ‫وسياسيون‪ ،‬منهم‬ ‫كان بين ّرواد المقهى مثقفون وشعراء وصحافيون‬ ‫ّ‬ ‫الشاعر أمين نخلة والــرســام مصطفى فــروخ ونقيب المحامين الشاعر‬ ‫ً‬ ‫وفكرا‪.‬‬ ‫وأدبا‬ ‫ميشال عقل وآخرون ممن أسسوا تاريخ لبنان الحديث‬ ‫سياسة ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا النائب والوزير واألديــب السوري عبد السالم العجيلي‪،‬‬ ‫ومن زواره ً‬ ‫وكان الشاعر العراقي أحمد صافي النجفي يعتبر ‪‬مقهى الحاج داود‪‬‬ ‫مقره الــدائــم‪ ،‬يلتقي فيه أصــدقــاءه من األدب ــاء‪ ،‬وبينهم ميخائيل نعيمة‬ ‫ّ‬ ‫والشاعر الـقــروي (رشيد سليم الـخــوري) وم ــارون عبود وســواهــم‪ .‬وكان‬ ‫المزاجية‪ :‬ال يكتفي بكرسي يجلس‬ ‫النجفي يرتاح في المقهى إلى جلسته‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سفيرا في ايطاليا‪ ،‬وكان يتقن‬ ‫الحقا‬ ‫‪ 77‬نال لقب الباشوية من األمير فيصل وأصبح‬ ‫ً‬ ‫سبع لغات‪.‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫مقهى الحاج داود ‪1910‬‬


‫مقهى الحاج داود ‪1938‬‬

‫‪56‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫ً‬ ‫وثالثا يضع عليه‬ ‫يمد عليه رجليه أو يتكئ عليه‪،‬‬ ‫ثانيا ّ‬ ‫عليه‪ ،‬بل يطلب ً‬ ‫ً‬ ‫أحيانا ينزع حذاءه ويرفع رجليه‬ ‫ورابعا لكوفيته وعقاله‪ ،‬وكان‬ ‫الصحف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واضعا قدميه على حافة الطاولة‪ ،‬فيلتف حوله الرواد في حلقة تضيق أو‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أحيانا يسرح بخياله‬ ‫تتسع حسب الظروف‪ .‬وبرغم هذه الحلقة كان النجفي‬ ‫رباعية استوحاها من‬ ‫سجل بيت شعر أو‬ ‫ُم ِ‬ ‫غم ًضا عينيه ال يفتحهما إال ُلي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وليال‬ ‫يدونها على حواشي الصحف أو أغلفة علب السجائر‪،‬‬ ‫اإلغفاءة‪،‬‬ ‫تلك‬ ‫ّ‬ ‫حررها في غرفته المتواضعة على ضوء مصباح وحيد يتدفّ أ بـحرارته‬ ‫ُي ّ‬ ‫شتاء‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪8‬‬ ‫ـم‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ا‪:‬‬ ‫أيض‬ ‫ـرواد‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫كبار‬ ‫ومن‬ ‫ربي السوري محمد كامل بنقسلي وكان‬ ‫ً‬ ‫ُ ّ‬ ‫يتخذ كل صيف طاولة خاصة في المقهى يكتب عليها قصص األطفال‬ ‫وكتب التربية النفسية لألوالد‪.‬‬ ‫جوعا‬ ‫يترك عندي‬ ‫ً‬ ‫من ذكريات الرسام أمين الباشا‪ :‬هذا المقهى ُ‬ ‫إلى الطفولة‪ .‬كنت أزوره صباح األحد مع والدي فيدخل إلى مكتبة فيه‬ ‫كتابا يقرأ فيه بينما أنا أشرب الكازوزة وأتأمل البحر‪.9‬‬ ‫يشتري الوالد ً‬ ‫وكانت المكتبة ذات قنطرة حجرية وباب خشبي بجانب المقهى‪ ،‬يشتري‬ ‫منها الزبائن الكتب والمطبوعات أو يستأجرونها‪.‬‬ ‫قاضيا‬ ‫ومن أبرز الــرواد السياسيين‪ :‬الرئيس سامي الصلح منذ كان‬ ‫ً‬ ‫ونواب ووزراء وصحافيون (منهم مؤسس‬ ‫رئيسا للحكومة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫وحتى حين أصبح ً‬ ‫‪‬النهار‪ ‬جبران تويني) كان المقهى منتدى لهم للتداول في أوضاع بيروت‬ ‫والسياسة والبلد‪.‬‬ ‫وارت ـ ــاده الـقــاضـيــان إح ـســان مـخــزومــي ورف ـيــق غـ ــزاوي يلتقيان فيه‬ ‫ال ُـمحامين‪ ،‬والـمــديــر فــي وزارة الــزراعــة المهندس عــادل أبــو النصر‪،‬‬ ‫وأعضاء من ‪‬حركة القوميين العرب‪ ‬بينهم المحامي عمر زين (األمين‬ ‫‪8 8‬‬ ‫‪ 99‬‬

‫مستشار وزير التربية والتعليم في الكويت الشيخ عبد اهلل الجابر الصباح‪.‬‬ ‫حديث َأمين الباشا إلى يقظان التقي‪ ،‬جريدة ‪‬المستقبل‪.2016/10/18 ،‬‬


‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬ ‫‪57‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫العام السابق التحاد المحامين العرب) ومنير منيمنة (صاحب مطبعة‬ ‫متخرجي‬ ‫الشعار (الرئيس السابق لجمعية‬ ‫منيمنة)‪ ،‬والمحامي سامي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المقاصد اإلسالمية في بـيــروت)‪ ،‬وجميل ملك (المدير السابق لفرع‬ ‫ضمان الـمــرض ُ‬ ‫واألمــومــة فــي الصندوق الوطني للضمان االجتماعي)‬ ‫القصابين‬ ‫فروخ‪ ،‬وعبد الرحمن بكداش العدو (نقيب‬ ‫ّ‬ ‫والمصرفي راشد ُّ‬ ‫ّ‬ ‫وتجار المواشي)‪ ،‬ومنير فتحة (نقيب تجار الفواكه والخضار بالجملة)‪،‬‬ ‫المعبي‬ ‫ويوسف دوغان (نقيب تجار الفواكه والخضار بالمفرق) وعثمان‬ ‫ّ‬ ‫سر النقابة) فيتداولون ُبمستجدات األمــور السياسية والوطنية‬ ‫(أمين ّ‬ ‫ً‬ ‫ويحضرون لها‪ ،‬وينضم إليهم أحيانا الرئيس‬ ‫و‪‬يطبخون‪ ‬االنتخابات‬ ‫ّ‬ ‫تقي الدين الصلح‪ .‬وكذلك الحاج محمد فضل خالد يلتقي فيه الدكتور‬ ‫محمد خالد (إبن سماحة المفتي محمد توفيق خالد ومؤسس المؤسسات‬ ‫اإلجتماعية المعروفة بإسمه) وشقيقاه الدكتور بكري خالد ومختار خالد‬ ‫ّ‬ ‫(عضو مجلس بلدية بيروت) والبروفسور وفيق سنو (الرئيس السابق‬ ‫جمعيات العائالت البيروتية)‪.‬‬ ‫التحاد‬ ‫ّ‬ ‫يتم استدعاء الدكتور‬ ‫ومن طرائف ما يروى ْأن عند الحاالت الطارئة كان ّ‬ ‫محمد خالد بإطالق سهم ناري من سطح مستشفاه (في محلة البسطة‬ ‫فير ّد بإطالق سهمين إشارةَ أنه تلقى الخبر‪ ،‬فيركب‬ ‫ُويشرف على المقهى) ُ‬ ‫سرعا نحو المستشفى‪.‬‬ ‫سيارته البويك وينطلق ُم ً‬ ‫كان المقهى يستقبل رواده من جميع المناطق ُمسلمين ومسيحيين‬ ‫ـودا (بينهم زكــي زيتونة من كبار تجار األج ــواخ)‪ ،‬ويــرتــاده قبضايات‬ ‫ويـهـ ً‬ ‫بيروت (منهم راشد اللوزي وأبو سعيد جنّ ون ودرويش بيضون)‪ ،‬ومختار‬ ‫مدير األمن العام الفرنسي‬ ‫األشرفية محمد شاكر بيضون‪ ،‬وكان‬ ‫محلة‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المفوض كولومباني يلتقي القبضايات فــي المقهى‬ ‫فــي ســوريــا ولبنان‬ ‫ّ‬ ‫لتسوية األمــور وتهدئة األوضــاع! وعن عائلة بيضون أن كولومباني كان‬ ‫شخصيا لدرويش بيضون (أبو علي) ثم بات شريكه في أعماله‬ ‫صديقً ا‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫واضعا ساقا فوق‬ ‫ـوم كان في المقهى ضابط فرنسي‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫التجارية! وذات يـ ٍ‬ ‫ً‬ ‫ساق‪ ،‬ما كان يغيظ درويش بيضون الذي طلب منه أن يجلس معتدال‪ ،‬فأبى‬ ‫الضابط فأمسكه بيضون من كرسيه وقذف بهما إلى البحر! وكالعادة أزال‬ ‫أيضا (لقربه من األسواق التجارية)‬ ‫كولومباني ذيول الحادثة! ومن رواده ً‬ ‫تجار ورجــال أعمال يقصدونه لتناول الترويقة واحتساء القهوة وتوقيع‬ ‫اتفاقات وإبرام صفقات‪.‬‬ ‫ملتقى رواد من كل لبنان‪ ،‬ورمــزً ا من رموز‬ ‫كان ‪‬مقهى الحاج داود‪‬‬ ‫ً‬ ‫التالقي الوطني وذاكرةً ً‬ ‫الشعبية‪ .‬وكان‬ ‫حية للحفاظ على التراث والحكايا‬ ‫ّ‬


‫لوكندة قصر البحر‬

‫‪58‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫موقعه عالمة فارقة في بيروت‪،‬‬ ‫منه ُثبتت رؤْ ية هالل شهر شعبان‬ ‫سـ ـن ــة ‪1305‬هـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ‪1888/.‬م‪.10.‬‬ ‫ويستدل منه على بعض العناوين‪.‬‬ ‫فسنة ‪ 1910‬ص ــدر فــي جــريــدة‬ ‫‪‬ل ـســان ال ـحــال‪ ‬ه ــذا اإلع ــان‪:‬‬ ‫‪‬كلمة حــق ‪ّ ..‬إن أت ـقـ َـن وأطـهـ َـر‬ ‫وح ًّسا‪ ،‬هو ال ُـمسمى‬ ‫نَ ــزل‪،‬‬ ‫معنى ِ‬ ‫ً‬ ‫‪‬لـ ــوك ـ ـنـ ــدة قــص ــر الـ ـبـ ـح ــر‪ ‬فــي‬ ‫بيروت بجوار قهوة الحاج داود‪،‬‬ ‫وهو الوحيد بمفروشاته النفيسة‬ ‫وم ـنــاظــره الـبــديـعــة بـ ـ ًـرا وب ـحـ ًـرا‪،‬‬ ‫وباالختصار إن لسان حاله ُينادي‬ ‫بملء السرور‪:‬‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫يــا ابــن الكـرام أال تدنــو فتبصــر مــا‬

‫قــد َّ‬ ‫حدثــوك فمــا ر ٍاء َكمــن َسـ ِـمعا‪.11‬‬

‫‪ 110‬أرشيـڤ المحامي عبد اللطيف فاخوري؛ والسجل الشرعي‪ 27 ،‬شعبان‬ ‫‪1305‬هـ‪1888/.‬م‪.‬‬ ‫‪ 111‬عبد اللطيف فاخوري‪ ،‬منزول بيروت‪ ،2003 ،‬ص‪.359 .‬‬


‫‪ .5‬من الحاج داود إلى الحاج الحلواني‬

‫مد َّو ٌن في إخراج قيد النفوس‪.‬‬ ‫‪ 112‬هكذا اسمها َ‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫إجازة استثمار‬

‫‪59‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫توفي الحاج داود خطاب عام ‪ .1904‬ولم يرغب ابنه الحاج سعيد (وكان‬ ‫مدير الجمارك) أن يتفرغ للمقهى‪ ،‬فاتفق على إدارتــه مع الحاج محمد‬ ‫يومئذ (رئيس نقابة أصحاب المقاهي)‬ ‫الحلواني‪ ،‬شيخ كار القهاوي‪‬‬ ‫ٍ‬ ‫على أن يقتسما األرباح‪.‬‬ ‫ولدى وفاة الحاج سعيد‪ً ،‬‬ ‫تاركا ثالثة أوالد‪ :‬كامل (أخذ عن والده إدارة‬ ‫تاجرا) ورمزية‪ ،‬استمر سريان االتفاق مع الحاج‬ ‫الجمارك) وداود (كان‬ ‫ً‬ ‫محمد الحلواني وبعده مع ولديه عبد القادر وعبد الرحمن‪ ،‬ويعاونهما‬ ‫شقيقهما عبد العزيز‪.‬‬ ‫‪12‬‬ ‫ولدى وفاة سعدا الوزان (أرملة الحاج سعيد خطاب) اشترى المقهى‬ ‫عبد القادر وعبد الرحمن الحلواني‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مجانا إلــى آل خطاب‬ ‫يقدم الشاري‬ ‫ومــن طرائف صفقة الشراء أن ّ‬ ‫المستكة عند ارتيادهم المقهى!‬ ‫فنجان قهوة وقطعة من راحة الحلقوم مع‬ ‫ِ‬ ‫وكان مقهى الحاج داود درج على تقديم راحة الحلقوم مع القهوة إلى زبائنه‪،‬‬ ‫حاليا بعض مقاهي وسط بيروت‪.‬‬ ‫وهي فكرة اقتبسها عنه ًّ‬


‫‪60‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬ ‫إجازة الحاج داود‬

‫رد سلبي‬


‫‪ .6‬في ذاكرة الشعر والسينما‬

‫‪ 113‬ملصق فيلم ‪‬بيروت يا بيروت‪ ،‬لــمارون بغدادي‪ ،‬واعتُ بر الفيلم يومها تَ ــنَ ـ ُّـبـ ًـؤا‬ ‫بالحرب‪.‬‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫مقهى الحاج داود ‪ – 1965‬بكاميرا المصور األميركي تشارلز كوشمن‬

‫‪61‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫من ذاكــرة المقهى الفنية أن المخرج‬ ‫مـ ــارون ب ـغــدادي ص ـ ّـور فـيــه سـنــة ‪1975‬‬ ‫مشاهد من فيلمه ‪‬بيروت يا بيروت‪ ‬مع‬ ‫عزت العاليلي وميراي معلوف وجوزيف‬ ‫بو نصار وأحمد الزين وثريا خــوري‪،13‬‬ ‫وص ـ ـ ّـور ف ـيــه أي ـ ًـض ــا س ـنــة ‪ 1980‬فيلمه‬ ‫الوثائقي ‪‬همسات‪ ‬عن الشاعرة ناديا‬ ‫مدم ًرا‪.‬‬ ‫تويني‪ ،‬وكان المقهى َّ‬ ‫ومـ ـ ــن األف ـ ـ ـ ــام ال ـ ـتـ ــي ظـ ـه ــر ف ـي ـهــا‬ ‫المقهى‪ :‬الفيلم الفرنسي ‪La Grande‬‬ ‫‪ Sauterelle‬للمخرج جــورج لوتنير مع‬ ‫موال محمد مرعي في‬ ‫ميراي دارك وهاردي‬ ‫ِ‬ ‫كروغر سنة ‪ ،1967‬ومشهد ّ‬ ‫فيلم ‪‬سفر برلك‪ ‬لألخوين رحباني سنة ‪.1967‬‬ ‫مرارا عمليات تأهيل من خراب أو إهمال‪ .‬سنة ‪1968‬‬ ‫عرف المقهى‬ ‫ً‬ ‫مهجورا حتى‬ ‫ضربته عاصفة عنيفة‪ ،‬ثم جاءت حرب ‪ 1975‬فظل المقهى‬ ‫ً‬ ‫فرمدته في كانون األول‬ ‫أصابه دمار جزئي ثم اشتعلت فيه نار القذائف ّ‬ ‫‪ .1975‬وعند ترميم المنطقة في التسعينات‪ ،‬اختفى المقهى ومعه شارع‬ ‫الحاج داود‪.‬‬


‫ولشاعر بيروت أمين الــادقــي قصيدة يتحسر فيها على ما أصاب‬ ‫بيروت من خــراب حتى ضاعت معالمها‪ ،‬ومن أبياتها وصـ ُـف ُمــروره في‬ ‫وسط الدمار‪:‬‬ ‫أسواق بيروت الضائعة ْ‬ ‫‪ ...‬فــ ُ‬ ‫ـمررت‪ ،‬ال ُ‬ ‫إدريســها إدريـ ُ‬ ‫ـس أو كان فــي ســوق الجميــل أنيـ ُ‬ ‫ـس‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ونزلــت نحــو البحــر فــي‬ ‫وجليــس‬ ‫ــل‬ ‫ِ‬ ‫ركـ ٌ‬ ‫داووده مــا كان فيــه مؤ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومشيت في سوق الطويلة كي أرى كيــف الخــر ُ‬ ‫اب ُيريــده ِإ ُ‬ ‫بليــس‪.14‬‬

‫‪62‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫مقهى الحاج داود ‪1968‬‬ ‫بعدما ضربته العاصفة البحرية‬

‫مقهى الحاج داود ‪1975‬‬

‫العلوم العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،2000 ،‬ص‪.17 .‬‬ ‫‪ 114‬أمين الدقي‪ ،‬بيروت تتكلم‪ ،‬دار ُ‬


‫‪ .7‬أطباق سائدة و«أَسعار متهاودة»‬

‫الئحة األسعار‬

‫مقهى الحاج داود ‪1974‬‬

‫مقهى الحاج داود ‪1972‬‬

‫‪63‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫وشهد المطعم إقـبـ ً‬ ‫يضم‬ ‫ـاال كثيفً ا على صحن ُعــرف بــ ‪‬مخلوطة‪‬‬ ‫ّ‬ ‫تشكيلة طبخات تعرفته ليرة واحدة‪ ،‬فأقبل عليه موظفو الشركات وعمال‬ ‫الــورش والمحالت التجارية‪ ،‬وبينهم ُع ّمال ورشــة الحاج أحمد فتح اهلل‬ ‫لألبواب الحديدية‪.‬‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫سنة ‪ 1970‬كانت تعرفة المقهى‪ :‬األركيلة مع القهوة والمرطبات ‪40‬‬ ‫قرشا‪ ،‬صحن خضرة‬ ‫قرشا‪ ،‬صحن الفول مع رغيفين وسرفيس كامل ‪ً 75‬‬ ‫ً‬ ‫قرشا‪ ،‬أوقية اللحمة‬ ‫كبة مع رغيفين ‪ً 150‬‬ ‫مطبوخة خمسة أصناف وقرص ّ‬ ‫المشوية ورغيفان وسرفيس أو كيلو سمك مقلي أو مشوي ثالث ليرات‪،‬‬ ‫يقدم‬ ‫وإذا أضيف حمص أو طرطور أو سلطة أو كبيس ‪ً 50‬‬ ‫قرشا‪ .‬وكان ّ‬ ‫مغلية على الفحم‬ ‫بعد األكل ‪‬فروتُّ و‪( ‬فاكهة موسمية)‪ .‬كانت القهوة‬ ‫ّ‬ ‫‪‬الـ ـ ّـدقـ ــة‪ ،‬أمـ ــا األرك ـي ـل ــة ف ــإذا‬ ‫أحضر الزبون تنباكها معه كان‬ ‫‪‬األركلجي‪ ‬الحاج ربــاح حرب‬ ‫ـرشــا فقط لقاء‬ ‫يتقاضى ‪ 35‬قـ ً‬ ‫الخدمة‪.‬‬


‫من اليمين‪ :‬مقهى البحرين ‪ -‬مقهى الحاج داود ‪ -‬مقهى البحري‬

‫‪64‬‬ ‫عبد الفتاح خطاب‬

‫صياد السمك الشهير ‪‬أبو خليل النجماوي‪ :‬هو أحد أشهر‬ ‫ويتذكر ّ‬ ‫المدمس‬ ‫مقاهي بيروت القديمة على اإلطالق‪ ،‬وال أطيب من أكل الفول‬ ‫ّ‬ ‫‪‬المسبحة‪ ‬أمام منظر البحر‪ ...‬كنت أهوى السباحة هناك‪،‬‬ ‫وحمص‬ ‫ّ‬ ‫وأتصيد وأبيع السمك لقهوة الحاج داود التي كانت كأنها جزيرة وسط‬ ‫ّ‬ ‫المياه‪ .15‬وعلى ذكر السمك ُطرفة رواها عمر فاخوري (‪)1946–1895‬‬ ‫السماك أن طريق البحر في الحرب العالمية األولى كان ُم ً‬ ‫قفال‪،‬‬ ‫عن زريق‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫وأخلوا بالنظام‬ ‫‪‬البلشفيك‪ ‬ثاروا‬ ‫ون‬ ‫دع‬ ‫ي‬ ‫ا‬ ‫قوم‬ ‫أن‬ ‫ادين‬ ‫الصي‬ ‫إلى‬ ‫ونُ ـمي‬ ‫ً ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫فترتئذ عند ساحل الزيتونة صنف سمك‬ ‫فأغرقوا في البحر األسود‪ .‬وظهر‬ ‫ٍ‬ ‫‪16‬‬ ‫غريب ال نعرفه سميناه ‪‬البلشفيك‪. ‬‬ ‫وعن ساحل الزيتونة الحديث‬ ‫ك ـتــب األس ـ ـتـ ــاذ ع ـبــد الـلـطـيــف‬ ‫فـ ــاخـ ــوري‪ :‬خ ـل ـيــج الــزي ـتــونــة‬ ‫لَ ـ ـ ـ ِـحــق ـ ْـت ــه ال ـ ُـعــجــم ــة فــأص ـبــح‬ ‫‪‬زيتونة بــاي‪ .‬و‪‬الحاج داود‪‬‬ ‫مرغوبا به في الزيتونة‬ ‫لم يعد‬ ‫ً‬ ‫الجديدة‪ ...‬الرملة والدالية‬ ‫والزيتونة باي‪ ،‬تقول للبيارتة‪:‬‬ ‫باي باي‪.17‬‬ ‫مقهى الحاج داود ‪1990‬‬ ‫ْ‬ ‫السلم ما عجزت عن قتله‬ ‫‪ 115‬محمد نزَّ ال‪ ،‬كان اسمها الزيتونة… حين يقتل‬ ‫الحرب‪ ،‬جريدة األخبار‪.2016/9/21 ،‬‬ ‫‪ 116‬عمر فاخوري‪ ،‬االتحاد السوڤياتي حجر الزاوية‪ ،1944 ،‬ص‪.15 .‬‬ ‫‪ 117‬عبد اللطيف فاخوري‪ ،‬الحاج داود خطاب غير مرغوب به في الزيتونة باي‪ ،‬ولكل‬ ‫زمان زيتونة‪ ...‬وزبائن‪ ،‬جريدة اللواء‪.2012/9/5 ،‬‬


‫داود الحفيد (إلى اليسار) وشقيقه كامل (إلى اليمين)‬ ‫يحيطان بأمهما سعدا أرملة سعيد ابن الحاج داود صاحب المقهى‬ ‫(أرشيـڤ عبد الفتاح خطاب)‬

‫زاوية حنين من ذاكرة بيروت‬

‫تلك ذكرياتي عن الحاج داود‬ ‫(جد والدي) رحمه اهلل‪.‬‬ ‫خطاب ّ‬ ‫ك ــان مـقـهــاه ‪‬أي ـقــونــة الـشــاطــئ‪‬‬ ‫ورمــزً ا من رمــوز بيروت الجميلة‬ ‫األصيلة‪.‬‬ ‫وتلك بيروت التي أحـ ّـن إليها‬ ‫ك ـمــا عــرفـ ُـت ـهــا‪ ،‬وع ـشـ ُـت ـهــا‪ ،‬و‪...‬‬ ‫كثيرا!‬ ‫ُ‬ ‫عشقتها ً‬

‫‪65‬‬

‫«مقهى الحاج داود»‬

‫لوحة أكواريل للفنان نبيل سعد ‪2016‬‬

‫لوحة أكواريل‬ ‫للفنان نبيل سعد ‪2017‬‬


‫‪66‬‬

‫كفالة الحاج داود عبد الكريم خطاب‬

‫عبد الفتاح خطاب‬

‫أيام الحاج داود‪ :‬هكذا كانت الثقة ضمانة الكفالة‬ ‫ّ‬ ‫المتعثرين‪.‬‬ ‫كان الحاج داود رجل نخوة ُويبادر إلى ُمساندة أصدقائه‬ ‫البن في‬ ‫حمص ّ‬ ‫ومــن مآثره في هــذا‪ ،‬أن عبد الرحمن نجا التزم َم َ‬ ‫حمص من احتكار اإلدارة) لقاء إثني عشر ألف غرش‬ ‫بيروت (كان ال َـم َ‬ ‫ً‬ ‫جنوبا‪،‬‬ ‫لخزينة إيالة صيدا) من كسروان شماال إلى الحدود المصرية‬ ‫ً‬ ‫لقاء كفالة مالية بهذا المبلغ وهو مبلغ ضخم في المعايير المالية في‬ ‫تلك األيــام‪ .‬لم يتمكن عبد الرحمن من تسديده‪ ،‬فبادر الحاج داود‬ ‫خطاب إلى تقديم كفالته للخزينة بتسديد القيمة دون أن يطلب أي‬ ‫ضمان من نجا مقابل كفالته‪.‬‬ ‫والحــقً ــا قــام مصطفى نجا فكفل شقيقه عبد الرحمن بالمبلغ‬ ‫المكفول من الحاج داود‪ .‬ولضمان حق الحاج داود رهــن مصطفى‬ ‫حي الرميلة مساحتها ‪ 2200‬ذراع‪ ،‬وأقيم الحاج داود‬ ‫قطعة أرض في ّ‬ ‫ً‬ ‫وكيال عن الراهن ببيع المرهون ووفاء المبلغ عن شقيقه تجاه الخزينة‬ ‫إذا استحق أداء مبلغ اإللتزام ولم يدفعه أحد الخ‪ ...‬كما يظهر في‬ ‫ويتبين فيها أن الكفالة‬ ‫الوثيقة المؤرخة ‪ 27‬شوال ‪1281‬هـ‪1865 /‬م‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في تلك الحقبة كانت تستند على الثقة مع أن ‪‬الكفيل ّ‬ ‫(ملزَ م‬ ‫حطاط‪ُ ‬‬ ‫بالغُ رم)‪ .‬ومع ذلك سارع الحاج داود إلى كفالة عبدالرحمن حتى قبل‬ ‫أن يكفل مصطفى شقيقه عبدالرحمن‪.‬‬


‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫عمر الزّعنِّي شاعِ ر ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ٍّ ‪ -‬اجتماعي‬ ‫ثقافي ‪ -‬سياسي‬ ‫شفوي‬ ‫شاه ٌِد على تراث‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫األمين العام التحاد الكتّ اب اللبنانيين‬

‫ُولِ َد في بيروت سنة ‪ 1 1895‬وتوفي فيها سنة ‪.21961‬‬ ‫ً‬ ‫متنو ًعا مــن ثقافات زمــانــه‪ .‬التحق‬ ‫قسطا وف ـيـ ًـرا‬ ‫حصل‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ـ ‪‬الكلية الـ ُـعـثـمــانـ َّـيــةِ ‪( ‬اإلســامـ َّـيــة الحــقً ــا) فــي بيروت‬ ‫ب‬ ‫َّ‬ ‫ـؤسـسـهــا الـ َّـش ـيــخ أح ـم ــد عـ َّـبــاس‬ ‫لـــمـ ِّ‬ ‫األزهري وإدارة ناظرها العام الدكتور‬ ‫بـشـيــر الـ ـق ـ َّـص ــار‪ .3‬وكـ ــان م ــن رفــاقــه‬ ‫شباب استشهدوا الحقً ا‪ :‬عبد الغني‬ ‫الشيخ أحمد عباس األزهري العريسي‪ ،‬عمر حمد‪ ،‬محمد ومحمود‬ ‫المحمصاني‪ ،‬على حبل مشنقة جمال‬ ‫تخرج‬ ‫العثمانية‪،‬‬ ‫الكلية‬ ‫باشا سنة ‪ .41916‬بعد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫إداري‬ ‫ضابطا‬ ‫العالمية األولــى‬ ‫الزعني ّإبــان الحرب‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫وال تُ َع ِّينه اآلستانة؛‬ ‫فترتئذ‪ ،‬والية‬ ‫‪ 11‬كانت بيروت‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫عثمانية قائمة بذاتها‪ ،‬يدير شؤونها ٍ‬ ‫لذا اكتسبت ً‬ ‫األوروبية‪ ،‬وباتت‬ ‫الدول‬ ‫المنطقة‪،‬‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫واقتصادي‬ ‫ا‬ ‫سياسي‬ ‫ثقال‬ ‫فاهتمت بها ُّ‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من جعلهم بيروت‬ ‫محط القناصل األوروبيين وتنافسهم خدمة لمصالح بلدانهم‪،‬‬ ‫العثمانية‪ .‬فيليب حتِّ ي‪ ،‬لبنان في التَّ اريخ‪ ،‬ترجمة‬ ‫الدولة‬ ‫ممرا إلى الكثير من مقدرات َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫أنيس فريحةـ‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،1959 ،‬ص‪524 .‬؛ داود وابراهيم كنعان‪ ،‬بيروت في‬ ‫التَّ اريخ‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،1963 ،.‬ص‪.99-97 .‬‬ ‫‪ 22‬باتت بيروت عاصمة لبنان ومركز استقطاب تجاري واقتصادي وسياحي وثقافي‬ ‫الساقي‪ ،‬بيروت‪2006 ،‬؛‬ ‫وعالميا‪ .‬حليم بركات‪ ،‬المدينة‬ ‫عربيا‬ ‫وسياسي‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫الملونة‪ ،‬دار َّ‬ ‫والهوية من جبران إلى فيروز‪ ،‬دار النَّ هار للنَّ شر‪ ،‬بيروت‪2010 ،‬؛‬ ‫كمال ديب‪ ،‬الثَّ قافة‬ ‫َّ‬ ‫رهيف فاضل‪ ،‬من العمارة إلى المدينة‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪2010 ،‬؛ ميشال عاصي‪،‬‬ ‫الضوء َّ‬ ‫والظالم‪ ،‬دار النَّ هار للطباعة والنَّ شر والتَّ وزيع‪ ،‬بيروت‪.1994 ،‬‬ ‫من َّأيام َّ‬ ‫‪ 33‬سمير الزعني‪ ،‬عمر الزعني الثائر‪ ،‬دار الفارابي‪ ،‬بيروت‪2010 ،‬؛ خير الدين‬ ‫الزركلي‪ ،‬األعالم‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،2002 ،‬ص‪57 .‬؛ وجيه‬ ‫فانوس‪ ،‬عمر الزعنِّ ي وشعره‪ ،‬رسالة الكفاءة‪ ،‬كلية التربية‪ ،‬الجامعة اللبنانية‪.1973 ،‬‬ ‫‪ 44‬عمر فاخوري‪ ،‬الباب المرصود‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،.‬ص‪62 .‬؛ سميح‬ ‫القومية‬ ‫قصة شهداء الوطن – ‪َّ 6‬أيار‪ ،‬ال‪.‬ن‪1996 .‬؛ عبد الكريم الحسني‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫الزَّ ين‪َّ ،‬‬ ‫والديمقراطية والثَّ ورة‪ ،‬شمس للنَّ شر واإلعالم‪ ،‬ال‪.‬ت‪ ،.‬ص‪.152 .‬‬ ‫َّ‬


‫‪68‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫العثمانية‪ ‬في حمص‪،‬‬ ‫من ‪‬المدرسة العسكرية‬ ‫َّ‬ ‫السنوات األخيرة من الحرب‬ ‫وتـ َّـم تعيينه خالل َّ‬ ‫العالمية األول ــى‪ ،‬في ‪‬بئر السبع‪( ‬فلسطين)‬ ‫ً‬ ‫مسؤوال عن تنظيم اإلعاشة‬ ‫للجند‪.5‬‬ ‫َّ‬ ‫العسكرية ُ‬ ‫بكلية الـحـقــوق في‬ ‫ف ــور انـتـهــاء ال ـحــرب الـتـحــق َّ‬ ‫اليسوعية (بيروت) لدراسة القانون لكنه‬ ‫الجامعة‬ ‫َّ‬ ‫فُ ِصل عنها في السنة األخيرة‪ .‬وكان من رفاقه‬ ‫محمد المحمصاني‬ ‫الشهيد َّ‬ ‫فترتئذ كميل شمعون وعبد اهلل اليافي‪.6‬‬ ‫ٍ‬ ‫ناظرا‬ ‫مساعدا‬ ‫عمل الزعنِّ ي‬ ‫في تلك الفترة ِ‬ ‫ً‬ ‫قضائيا في وزارة العدل‪ ،‬ثم ً‬ ‫ًّ‬ ‫لمؤسسها َّ‬ ‫عباس‬ ‫اإلسالمية‬ ‫الكلية‬ ‫ـدرس الفرنسية في‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ومـ ّ‬ ‫الشيخ أحمد َّ‬ ‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬ ‫األهلية لمؤسستها‬ ‫األزهري ‪ ،‬وفي المدرسة‬ ‫كساب ‪ ،‬وكانتا‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫السيدة ماري َّ‬ ‫عليمية في بيروت‪ ،‬على اختالف ما بينهما من رؤى‬ ‫من أشهر المؤسسات َّ‬ ‫الت َّ‬ ‫والتعاون‬ ‫سياسية‬ ‫تقبل اآلخر والمختلف َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وتعليمية‪ .‬وهنا مقدرة الزعنِّ ي في ُّ‬ ‫سن تعليمه‪ .‬كما أسهم‬ ‫وح‬ ‫للنشء‬ ‫وتربية‬ ‫للوطن‬ ‫خدمة‬ ‫معهما‬ ‫اإليجابي‬ ‫ُ ِ‬ ‫‪‬جمعية الكشاف المسلم‪ ‬في لبنان‪ ،‬وأصبح من قادة‬ ‫الزعني في تأسيس‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الكشاف‪ ‬التي كانت تصدر عن‬ ‫الكشاف فيها‪ ،‬وساهم في تحرير ‪‬مجلة َّ‬ ‫‪9‬‬ ‫هذه‬ ‫بدءا من ‪. 1927‬‬ ‫َّ‬ ‫الجمعية ً‬ ‫والسياسي‬ ‫وتزامل عبر الحركة‬ ‫الصحافي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الكشفية مع نخبة مثقَّ فين‪َّ :‬‬ ‫النصولي واألديب والنَّ اقد عمر فاخوري والكاتب المسرحي‬ ‫الدين ُّ‬ ‫محيي ِّ‬ ‫‪ 55‬من مقابالت أجريتُ ها سنة ‪ 1972‬مع أفراد (تُ ُو ُّفوا اليوم) من أسرة الزعني وبعض‬ ‫زمالئه وأصدقائه‪ :‬شقيقه سعد الدين‪ ،‬زوجته بهية ضيا الحمزاوي‪ ،‬عبد اهلل المشنوق‪،‬‬ ‫صالح الدين اللبابيدي‪ ،‬داود بيزنطيان‪.‬‬ ‫‪ 66‬من مقابلة أجريتُ ها (في ‪ )1973/2/16‬مع صديق الزعني وشريكه في مكتب‬ ‫المحاماة الشاعر صالح الدين اللبابيدي‪ ،‬في منزله (حي المنارة – بيروت)‪ ،‬ومقابلة‬ ‫أخرى (في ‪ )1973/2/20‬مع الوزير عبد اهلل المشنوق في مكتبه (شارع بشارة الخوري‬ ‫– بيروت)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫تلميذا وتخرج منها‬ ‫‪ 77‬أسسها سنة ‪ ،1895‬سنة والدة عمر الزعنِّ ي الذي التحق بها‬ ‫العالمية‪.‬‬ ‫بشهادة‬ ‫َّ‬ ‫‪ 88‬أسستْ ها سنة ‪.1916‬‬ ‫الجمعية في ‪ 30‬أيلول ‪ 1920‬بتوجيه الشيخ توفيق الهبري وبدعم مالي‬ ‫‪ 99‬تأسست‬ ‫َّ‬ ‫مباشر من سعد اهلل العيتاني‪ ،‬ومن مؤسسيها‪ :‬سعيد وعبد اهلل ُّدبوس وعبد الرحمن‬ ‫الرسمي بموجب ‪‬علم وخبر‪ ‬في‬ ‫ومحي الدين قرنفل وعمر األنسي‪ ،‬وصدر ترخيصها َّ‬ ‫‪ .1921/6/29‬جمعية الكشاف المسلم في لبنان‪ :‬مائة عام في خدمة الناشئة‪ :‬مع صور‬ ‫ووثائق نادرة‪ ،‬بيروت‪.2010 ،‬‬


‫رائــف فــاخــوري‪ ،‬وبعض أهــل التِّ جارة َّ‬ ‫والشأن‬ ‫العام كأحمد أيــاس وحسين العويني وصالح‬ ‫بيهم ومحمد عمر منيمنة‪.‬‬

‫محي الدين النصولي‬ ‫باللباس الكشفي‬

‫عمر الزّعنِّي‬

‫‪ 110‬قاص بيروتي‪ .‬انتخب بين ‪ 1943‬و‪ 1949‬عضو مجلس أمناء ‪‬جمعية المقاصد‬ ‫مسرحيات‬ ‫الخيرية اإلسالمية في بيروت‪ ،‬وأمين السر‪ .‬توفي مطلع سنة ‪ .1954‬له‬ ‫َّ‬ ‫و‪‬الريال الزَّ ائف‪.‬‬ ‫منها ‪‬جابر عثرات الكرم‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫كريم‪ ،‬المسرح اللبناني في نصف قرن ‪ ،1950-1900‬دار المقاصد للطباعة‬ ‫‪ 111‬‬ ‫محمد ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والتأليف والنشر‪ ،‬بيروت‪.2000 ،‬‬ ‫فخاري يوضع فيه الماء لتبريده‪.‬‬ ‫المصرية‪ :‬إناء‬ ‫بالمحكية‬ ‫‪‬ق َّلة‪‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪‬ق َلل‪ ،‬جمع ِ‬ ‫‪ِ 112‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫‪69‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫ً‬ ‫ومسرحيا فشارك سنة ‪ 1920‬على مسرح‬ ‫أدبيا‬ ‫وزاول الزعني‬ ‫ًّ‬ ‫نشاطا ًّ‬ ‫مسرحية ‪‬جابر عثرات الكرام‪َّ ‬‬ ‫للشيخ‬ ‫‪‬الكريستال‪ – ‬بيروت‪ ،‬في تمثيل‬ ‫َّ‬ ‫‪10‬‬ ‫شخصية الشاعر‬ ‫رائف فاخوري ‪ ،‬بتأديته‬ ‫َّ‬ ‫‪‬ح ــنَ ـ ْـي ــن‪‬؛ وف ــي ف ـتــرة االس ـتــراحــة (على‬ ‫ُ‬ ‫عــادة المسرحيات في تلك الحقبة) كان‬ ‫يقدم ‪‬وصلةً ‪ ‬مغناة من اإلنشاد االنتقادي‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫فً‬ ‫حكوميا برتبة‬ ‫ا‬ ‫موظ‬ ‫ـان‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫وإذ‬ ‫الوطني‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫ممنوعا عليه الظهور‬ ‫مساعد قضائي‪ ،‬كان‬ ‫ً‬ ‫اسما‬ ‫‪‬حنين‪‬‬ ‫ً‬ ‫المسرحي والغناء‪ ،‬اتخذ ُ‬ ‫شخصيته في‬ ‫مستوحيا إي ــاه مــن‬ ‫فــنِ ـ ًّـيــا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫منذئذ‬ ‫ر‬ ‫ه‬ ‫فاشت‬ ‫ـرام‪‬؛‬ ‫ـ‬ ‫ك‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ـرات‬ ‫ـ‬ ‫ث‬ ‫ـ‬ ‫ع‬ ‫ـر‬ ‫‪‬جــابـ‬ ‫ٍ‬ ‫ُِ‬ ‫عمر الزِّ عني في العقد‬ ‫‪11‬‬ ‫العشرين‪،‬الثاني باسم ‪‬األستاذ حنين‪ . ‬وفي إحدى تلك‬ ‫من القرن‬ ‫‪‬الدنيا قايمة‬ ‫حين اشتُ ِهر باسم ‪‬األستاذ حنين‪ ‬االستراحات َأنْ َش َد قصيدة ُّ‬ ‫مستوحى‬ ‫والشعب غافل‪‬؛ وهي مونولوج‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫‪12‬‬ ‫الشهيرة في حينه َّ‬ ‫القناوي‪َّ ‬‬ ‫للشيخ‬ ‫القلل ِ‬ ‫من لحن طقطوقة ‪‬مليحة قوي ِ‬ ‫سيد درويش‪ ،‬أشار فيها الزعنِّ ي إلى تضييع النَّ اس طريق النِّ ضال الوطني‬ ‫ِ‬ ‫متلهين بالبحث في موضوع سفور المرأة وحجابها‪:‬‬ ‫ة‪،‬‬ ‫للحري‬ ‫ا‬ ‫طلب‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫الدنيــا قايمــة والشــعب غافــل راحــت بالدكــم مــا حــد ســائل‬ ‫َّ‬ ‫وال علــى ميــن؟! شــوفوا الباليــا شــوفوا َّ‬ ‫الحــق عليكــم‬ ‫الرزايــا‬ ‫َّ‬ ‫والشــعب قايــم علــى الماليــة نســيوا الحمايــة نســيوا الوصايــة‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫مــا حــد فاهــم إيــه الحكايــة والطاســة ضايعــة يــا مصلحيــن!‬


‫َّ‬ ‫عيونكــم نايمــه يــا رجــال غليظــه‬ ‫والــدم فايــر زي الــكازوزة‬ ‫قمتــوا َع حيلكــم علــى العنطــوزة وهمتكــم رخــوة زي البالوظــة‬ ‫أ‬ ‫ِّ‬ ‫بتبيعــوا الوطــان بســلة تيــن‬

‫‪70‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫تعبيرية وعبر‬ ‫وطنية‬ ‫هذا النهج‪ ،‬بما فيه من رؤية‬ ‫انتقادية ضمن مباشرةٍ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫حياة عمر الزعني النتشارها‬ ‫شعبي‪ ،‬كان فاتحة‬ ‫لحني‬ ‫ناء‬ ‫ٍ‬ ‫ِب ٍ‬ ‫غيرت َّ‬ ‫أحداث َّ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫األدبية والفنِ َّية‬ ‫هويته‬ ‫وشهرتها بين الناس‪ ،‬انطلق منها الزعنِّ ي إلى تأسيس َّ‬ ‫َّ‬ ‫في اإلنشاد االنتقادي‪.‬‬ ‫السياسية االجتماعية‪ ،‬أذاعها‬ ‫هكذا بدأ اندفاعه باألغنية االنتقادية ِّ‬ ‫منذ ‪ 1920‬على خشبة ‪‬مسرح الكريستال‪ ‬في بيروت وبقي عليها حتى‬ ‫ً‬ ‫شاهدا على وقائع العيش في لبنان‪ ،‬بين‬ ‫شعبيا‬ ‫فعال ناقدا‬ ‫وفاته‪ ،‬فكان‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫األول من النصف اآلخر‪.‬‬ ‫األول من القرن العشرين ونهاية العقد َّ‬ ‫النصف َّ‬ ‫انتقاديا ً‬ ‫ياسي‬ ‫شاعرا‬ ‫الزعني‬ ‫تعاظمت شهرة عمر َّ‬ ‫ًّ‬ ‫جريئا في المجالين ِّ‬ ‫ً‬ ‫الس ِّ‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬وانتشرت في الناس قصائده وأغانيه َّ‬ ‫خصوصا تلك‬ ‫عبية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الش َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الفرنسي‪.‬‬ ‫االنتداب‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫بالوطن‬ ‫حيق‬ ‫ي‬ ‫ما‬ ‫فيها‬ ‫يهاجم‬ ‫التي كان‬ ‫لطةِ‬ ‫تعنُّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫‪13‬‬ ‫وشعبيا شهرةُ قصيدته ‪‬حاسب يا فرنك‪ ، ‬التي هزئ‬ ‫سياسيا‬ ‫واندلعت‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫جراء تراجع سعر‬ ‫الفرنسي‬ ‫ب‬ ‫المنتد‬ ‫سلطة‬ ‫أيام‬ ‫االقتصادي‬ ‫دهور‬ ‫الت‬ ‫بها من َّ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َّ‬ ‫الدولية الكبرى‪:‬‬ ‫‪‬الفرنك الفرنسي‪ ‬أمام العمالت‬ ‫َّ‬ ‫حاسب‬ ‫ســاحب‬ ‫ِّفهمنــا لويــن بعــدك‬ ‫ِ‬ ‫حاســب يا فرنك‪ ،‬يا فرنك ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِّ‬ ‫أ‬ ‫صاحــب أهلــك جافــوك‪ ،‬والجانــب‪:‬‬ ‫مــا خليــت محــب وال ِ‬ ‫فرحانـيــــــن‪ ،‬شمتانـيــــــــن‪ ،‬ناوييــن محــوك‪ ،‬مــا بيناســب‬ ‫يــا فرنــك‪ ،‬دخلــك حاســب حاســب يــا فرنــك ِوشــد فرامــك‬ ‫ُ َْ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫إنعامــك‬ ‫شــوف المــارك والكـراون قد َامــك مــن لطفــك أو مــن‬ ‫ارحمنــا نحنــا بغرامــك مجبوريــــــــن‪ ،‬محروميـــــــن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫عفــوك وإحســانك‬ ‫طالبيــن‬ ‫حاســب يــا فرنــك وخــد لــك َد ْو َره‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫بتطلــع ســنتي بتنــزل عشــرة مــش كل َّ‬ ‫الجــره‬ ‫مــره بتســلم‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫يجيــرك مــن‬ ‫هللا‬ ‫هالمــرة قولوا آمين‪ ،‬يا سامعين‪ ،‬يا مفلسين‬ ‫العيشـــة بعـــدك ُمـــرةَّ‬ ‫االنتقادية أصــدر المفوض السامي الفرنسي‬ ‫بسبب هــذه األنـشــودة‬ ‫َّ‬ ‫قرارين‪ :‬األول بفصل عمر الزعني َّ‬ ‫السنة األخيرة‬ ‫الطالب الجامعي في َّ‬

‫السيد‪ ،‬أعظم األحداث المعاصرة‪ ،‬مكتبة حسن العصرية‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪ 113‬فؤاد صالح‬ ‫ِّ‬ ‫‪ ،2015‬ص‪.444 .‬‬


‫عمر الزّعنِّي‬

‫‪ 114‬من مقابلتي (آب ‪ )1972‬مع الشاعر صالح الدين اللبابيدي في منزله (منطقة‬ ‫‪‬المنارة‪ – ‬بيروت)‪.‬‬ ‫‪ 115‬من مقابلتي (آب ‪ )1972‬مع شقيقه سعد الدين الزعني في متجره (‪‬الوسط‬ ‫التجاري‪ ،‬شارع حسين األحدب تجاه مبنى بلدية بيروت)‪.‬‬ ‫‪ 116‬من ‪ 1925/12/23‬إلى ‪ .1926/6/23‬صحافي وسياسي (‪.)1935/10/5 -1876/4/5‬‬ ‫لمدة‬ ‫‪ 117‬انتخبه المجلس النيابي ومجلس الشيوخ (برئاسة الشيخ محمد الجسر) ّ‬ ‫ثالث سنوات على ما كان ينص الدستور حينها‪ .‬ثم أعاد انتخابه لوالية أخرى في‬ ‫تموز‪ .1929‬شكل حكومته األولى في ‪ّ 31‬أيار ‪ 1926‬برئاسة أوغست باشا أديب‪ .‬وفي‬ ‫وجدد انتخابه‬ ‫‪ 27‬آذار ‪ 1929‬قبل انتهاء والية الدباس بشهرين‪ ،‬اجتمع المجلس النيابي ّ‬

‫‪71‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫اليسوعية)‪ ،‬واآلخر‬ ‫من اإلجازة في الحقوق (الجامعة‬ ‫َّ‬ ‫بنقله من مساعد قضائي لدى وزارة العدل في محكمة‬ ‫بيروت وتعيينه في محكمة البترون‪.‬‬ ‫ـراريــن وقعهما الـمـصـيــري على‬ ‫ك ــان لــذيــنِ ـ َـك ال ـقـ َ‬ ‫ّ‬ ‫فتخلى عن وظيفة المساعد القضائي‬ ‫حياة الزعني‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وترك الجامعة َ‬ ‫مرغ ًما‪.‬‬ ‫لصعوبة انتقاله إلى البترون‪،‬‬ ‫المحاميين عمر‬ ‫لكنه أسس في بيروت مع صديقيه‬ ‫َ‬ ‫مره‬ ‫فــاخــوري وصــاح الـ ِّـديــن اللبابيدي‪،‬‬ ‫مكتب محاماة في الثالثينات من ُع ِ‬ ‫َ‬ ‫السور‪( ،‬اليوم ‪‬ساحة رياض‬ ‫في مبنى من ‪‬ساحة ُّ‬ ‫الصلح‪ .)‬كان الفاخوري َّ‬ ‫واللبابيدي يترافعان أمــام القضاء‪ ،‬والزعني‬ ‫ُّ‬ ‫إلى‬ ‫العائدة‬ ‫والمكتبية‬ ‫اإلدارية‬ ‫األمور‬ ‫يتابع‬ ‫الدعاوى التي تناط بالمكتب‪.14‬‬ ‫َّ‬ ‫التصرف‪ ،‬انصرف الزعني إلى نظم القصائد‬ ‫حرية‬ ‫حيال هذا الواقع من َّ‬ ‫ُّ‬ ‫االنتقادية وتلحين بعضها وغنائه أمام جمهور راح يتزايد حتى وجد الزعنِّ ي‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫مؤسسة لطبع األسطوانات‬ ‫سيس‬ ‫تأ‬ ‫إلى‬ ‫ا‬ ‫بلوغ‬ ‫أن‪،‬‬ ‫الش‬ ‫لهذا‬ ‫غ‬ ‫فر‬ ‫الت‬ ‫إمكان َّ ُّ‬ ‫َّ‬ ‫‪15‬‬ ‫ونشرها‪ :‬زعنِّ ي فون‪. ‬‬ ‫فــي ‪َّ 23‬أي ــار ‪ ،1926‬ولـلـمـ َّـرة األول ــى منذ‬ ‫مندوبا‬ ‫الفرنسية‬ ‫عينت الحكومة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫االن ـتــداب‪َّ ،‬‬ ‫مدنيا لها‪ :‬هنري دي جوفنيل (‪Henry‬‬ ‫ساميا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫‪16‬‬ ‫‪ . )de Jouvenel‬فاتخذ في َ‬ ‫اإلداريــة‬ ‫خطته‬ ‫َّ‬ ‫‪‬عسكري‪ ‬في‬ ‫‪‬م َدنِ ًّيا‪ ‬غير‬ ‫ٍّ‬ ‫نهجا َ‬ ‫ياسية ً‬ ‫ِّ‬ ‫الس َّ‬ ‫إدارة البلد‪ .‬دعــا المجلس النِّ يابي إلــى وضع‬ ‫انتخب‬ ‫للدولة‪ ،‬وعند إقــراره (‪َ )1926‬‬ ‫دستور َّ‬ ‫المجلس في ‪ 26‬أيــار شــارل َّدبــاس َّأول رئيس‬ ‫اللبنانية‪ ،‬وبقي في منصبه حتى‬ ‫للجمهورية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫‪17‬‬ ‫‪1934‬‬ ‫الثاني‬ ‫كانون‬ ‫‪.‬‬ ‫السامي هنري دي جوفنيل‬ ‫َّ‬ ‫المفوض َّ‬


‫‪72‬‬

‫تأرج َحت إدارة َّدباس بين الوالء لسلطة االنتداب‬ ‫َ‬ ‫وم ـ ـحـ ــاوالت‪ ،‬م ـت ـعـ ِّـثــرة غــالـ ًـبــا‪ ،‬إلرض ـ ــاء الـ ِّـسـيــاســة‬ ‫الشكوى َّ‬ ‫المعارضة االن ـتــداب‪ .‬لــم تتجه َّ‬ ‫عبية‬ ‫الش َّ‬ ‫من عهده مباشرة إلــى شخصه‪ ،‬بل هاجمت ناس‬ ‫المفوض‬ ‫أوضاعا َّأدت إلى تعيين‬ ‫إدارتــه‪ ،‬منتقدة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫الرئاسي‪ .‬وكان‬ ‫السامي الفرنسي إياه في المنصب ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫صارخا بجرأة وقــوة ووضــوح‪،‬‬ ‫الزعنِّ ي صوتً ا‬ ‫عمر‬ ‫ّ‬ ‫الرئيس شارل َّدباس‬ ‫فأطلق أنشودة انتشرت حتى اضطرت الحكومة إلى‬ ‫َّ‬ ‫مصادرة نسخ أسطوانة هذه األنشودة‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫البحــر كبيــر‪ ،‬يــا ِّريــس بحريــة حميــر‪ ،‬يــا ريــس‬ ‫أ َّ‬ ‫فرحــان كتيــر‪ ،‬يــا ِّريــس لنــك ِّريــس‪ ،‬يــا ِّريــس‬ ‫َ​َ‬ ‫َ َ‬ ‫أمــر هللا‬ ‫العلــم‪ ،‬يــا ِّريــس‬ ‫وحكــم‪ ،‬يــا ِّريــس وعطيــوك‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وبغطــة قلــم‪ ،‬يــا ريــس عملــوك ريــس‪ ،‬يــا ريــس‬ ‫ِّ‬ ‫الر يــح ْس ِــم ِّيه‪ ،‬يــا ِّريــس فيــن رايــح ِفـ َّـي‪ ،‬يــا ِّريــس‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫بقولــك ُح ِر َّيــة‪ ،‬يــا ِّريــس ما خ ْر َجك ِّريس‪ ،‬يا ِّريس‪.‬‬

‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫َّ‬ ‫اقتصادية كبرى عاشتها أميركا َّثم‬ ‫تأثر لبنان‪ ،‬كسائر الــدول‪ ،‬بأزمة‬ ‫َّ‬ ‫‪18‬‬ ‫ٌ‬ ‫الضعف االقتصادي العام ظهر خلل في‬ ‫أوروبا في مطلع الثالثينات ‪ .‬ومع ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وسياسية‬ ‫ة‬ ‫اجتماعي‬ ‫معادالت‬ ‫ب‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫في‬ ‫اإلدارة والتِّ جارة واالجتماع‪ ،‬ساهم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫انطالقا من هنا أنشد الزعني قصيدته الشهيرة‬ ‫اعتاد البلد أن يقوم عليها‪.‬‬ ‫واقعية أحوال النَّ اس‪:‬‬ ‫صور فيها بمرارة‬ ‫َّ‬ ‫‪‬بيروت‪َّ ‬‬ ‫ي ــا ضيعان ــك ي ــا بي ــروت الخواطـــر مكســـورة‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬ ‫مقهـــورة‬ ‫والنفـــوس‬ ‫مقبـــورة‬ ‫والحريـــة‬

‫رئيسا بأكثرية ‪ 42‬صوتً ا؛ َّ‬ ‫الرئيس الدباس برئاسة أوغست‬ ‫ً‬ ‫تشكلت آخر حكومة في عهد َّ‬ ‫باشا أديب في ‪ 25‬آذار ‪ 1930‬واستمرت حتى ‪ 10‬أيار‪ .1932‬شهد عهد دباس تنظيمات‬ ‫العدلية‪ ،‬تأسيس شهادة ‪‬البكالوريا اللبنانية‪،‬‬ ‫وإدارية منها‪ :‬تنظيم المحاكم‬ ‫سياسية‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إصدار مرسوم بإنشاء المتحف الوطني‪ ،‬وضع النشيد الوطني اللبناني‪ ،‬وتعديل الدستور‬ ‫الرئيس ست‬ ‫مرتين (‪ :1927‬دمج مجلس الشيوخ بمجلس النواب‪ ،‬و‪ :1929‬جعل والية َّ‬ ‫ّ‬ ‫سنوات غير قابلة للتجديد ً‬ ‫بدال من ثالث)‪ .‬ولكن دباس رفض أن يستفيد من هذا‬ ‫التعديل‪.‬‬ ‫‪ُ 118‬ع ِرفت بتسمية ‪ Great Depression‬وهي أزمة اقتصادية بدأت سنة ‪1929‬‬ ‫واستمرت إلى بداية األربعينات‪ ،‬وكانت إح ــدى أكبر األزمات االقتصادية في القرن‬ ‫َّ‬ ‫العشرين‪ .‬وقد انطلقت األزمة من الواليات المتَّ حدة األميركية‪ ،‬ويقول المؤرخون إنها‬ ‫بدأت مع انهيار سوق األسهم األمريكية في ‪ 29‬تشرين األول ‪ 1929‬بما ُس ّمي يومها‬ ‫‪‬الثُّ الثاء األسود‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫للنبـــوت‬ ‫والكــــام‬ ‫أ‬ ‫عايميـــن‬ ‫والرذال‬ ‫أ‬ ‫َّ‬ ‫عمتمـــوت‬ ‫والوادم‬ ‫أ‬ ‫بالحــكام استهتـــــار‬ ‫فــي َّ‬ ‫النــوادي والبيــوت‬ ‫بيتمرمــر‬ ‫والقريــب‬ ‫واللــي بيضهــر مــا بيفــوت‬

‫َّ‬ ‫الجهـــال حــــــاكمين‬ ‫أ‬ ‫والنـــذال عايــشيـــــن‬ ‫مــا فيــه هيبــة وال وقــار‬ ‫ْ‬ ‫وينمــا مشــيت لعــب قمــار‬ ‫الغريــب بـيـــتمخطر‬ ‫واللــي بيفــوت مــا بيضهــر‬ ‫يــا ضيعانــك يــا بيــروت‬

‫عمر الزّعنِّي‬

‫جسدت السياسة االقتصادية التي اتبعتها سلطة االنتداب ما ُس ّمي ‪‬اقتصاد‬ ‫‪ 119‬‬ ‫َّ‬ ‫حكرا على المصالح‬ ‫له‬ ‫المرافقة‬ ‫والخدمات‬ ‫التجاري‬ ‫التبادل‬ ‫بجعل‬ ‫االتفاقيات‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الفرنسية‪ .‬وكانت سلطة االنتداب تكتفي بإنفاق ما تحصله من رسوم جمركية وضرائب‬ ‫ّ‬ ‫غير مباشرة‪ ،‬وكانت نحو ‪ %80‬من مداخيلها‪ .‬ولم تكن معدالت هذه الرسوم توفر حماية‬ ‫للصناعات الناشئة‪ ،‬ولم يكن ممكنً ا رفع هذه المعدالت ألن النخب التجارية كانت تمانع‬ ‫في ذلك‪.‬‬

‫‪73‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫في ثالثينات القرن العشرين وأربعيناته ازداد‬ ‫ً‬ ‫مرهونة‬ ‫االحتكار التِّ جاري‪ ،‬وباتت معظم األمــور‬ ‫المؤسسات‬ ‫لمصالح‬ ‫المحتكرة‪ ،19‬فكانت إدارة‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫النِّ ظام االحتكاري تحت سلطة االنتداب وحجها‪،‬‬ ‫ما سبب خسائر هائلة لالقتصاد الوطنِ ِّي وحجب‬ ‫فرصا عظمى في االستثمار واالنتاج‪.‬‬ ‫عنه ً‬ ‫فــي العقد الـ َّـثــالــث مــن الـقــرن العشرين عانى‬ ‫ماليةٍ صعبةٍ ‪ ،‬ومــن عدم‬ ‫المواطنون مــن ضائقة َّ‬ ‫ُّ‬ ‫االنتاجية‪.‬‬ ‫السيطرة على مقدراتهم‬ ‫َّ‬ ‫تمكنهم من َّ‬ ‫عمر الزِّ عني‬ ‫فنظام االحتكار كان يضرب رؤوس األمــوال غير‬ ‫ُ‬ ‫في نهاية الثالثينات‬ ‫(يا ضيعانك يا بيروت) الخاضعة لــه‪ ،‬ويرغمها على الخضوع لمصالحه‬ ‫وم ــآرب ــه‪ .‬فــان ـبــرى عـمــر الــزَ عــنِّ ــي ي ـنـ ِّـدد بسياسة‬ ‫فاضحا ما تُ بنى عليه من نهب خيرات الوطن واستغالل منتجاته‬ ‫االحتكار‬ ‫ً‬ ‫وتفقير ناسه‪:‬‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫كل شــي صــار احتــكار‬ ‫والنــار‬ ‫والنــور‬ ‫المــي‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫احتـــكار‬ ‫والدخـــان‬ ‫باحتـــكار التنبـــاك‬ ‫أ‬ ‫أ‬ ‫مزروعـــات الوطـــان ال محصــول اللمــان‬ ‫ُ‬ ‫وال منتــوج اليابــان مــا ْم ِن ْحكــم علــى زرعــه‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫وال ْم ِنش ِــرف علــى بيعــه‬ ‫حتــى ِبمالنــا مــش أح ـرار‬


‫ومــا منحكــم علــى َ‬ ‫المـ ْـي‬ ‫كل شي نافع كل شي َح ْي‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ال َع الشــمس وال َع الفـ ْـي‬ ‫شو ْي َ‬ ‫طار من إيدينا َ‬ ‫شو ْي‬

‫الزعني‪ ،‬على المسرح‪ ،‬زمن االنتداب‬

‫‪74‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫عمر الزِّ عني مع عائلته‬ ‫(زوجه السيدة بهية ضيا الحمزاوي‬ ‫محمد)‬ ‫وابنته دالل وابنه َّ‬

‫قضت طبيعة العيش أن تبقى معظم ُ‬ ‫األســر في لبنان‪ ،‬على اختالف‬ ‫َّ‬ ‫يتفيأ‬ ‫العرف‬ ‫االجتماعي أن َّ‬ ‫مناطق سكنها‪ ،‬متالحمة في ما بينها‪ .‬وجرى ُ‬ ‫ُّ‬ ‫أبناء العائلة العيش تحت جناح األب أو الجد وبرعايته‪ ،‬في منزل واحد‬ ‫تتوسع في هذا‬ ‫يتوزع على غرفة لكل ولد‪ .‬ولربما كان لبعض األسر أن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫المجال فتبني مساكن ألبنائها بجوار مسكن األب أو الجد؛ لكن ال يمكن‬ ‫ألي من هذه المساكن أن تبتعد عن رعاية األب أو الجد‪ .‬هذا النِّ ظام في‬ ‫ويسر‬ ‫العائلية‬ ‫الرعاية‬ ‫السكن ّأمن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫واالجتماعية للمنضوين تحت لوائه‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫والجد في المهنة التي‬ ‫األب‬ ‫يتابعون‬ ‫األبناء‬ ‫معظم‬ ‫كان‬ ‫ما‬ ‫ا‬ ‫وغالب‬ ‫مهامهم‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫يرتزقون من العمل فيها‪.‬‬ ‫خصوصا في مطلع القرن‬ ‫الزمن‪،‬‬ ‫تطور َّ‬ ‫تغيرت ُ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫بعض هذه األمور مع ُّ‬ ‫العشرين َّإبان االنتداب‪ ،‬فلم ُيعد بعض أبناء العائلة الواحدة يتابعون مهنة‬ ‫الرزق‬ ‫األب أو حرفة‬ ‫ِّ‬ ‫الجد‪ ،‬بل سعوا إلى مجاالت مختلفة في العمل وكسب ِّ‬ ‫المجتمعية‪ ،‬وأخذت طبيعة عمل الفرد تترك بصمات لها‬ ‫الفاعلية‬ ‫وتأمين‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والمفهومية‬ ‫ة‬ ‫االجتماعي‬ ‫عالقاته‬ ‫ة‬ ‫وكيفي‬ ‫باألسرة‬ ‫التصاقه‬ ‫ومدى‬ ‫وجوده‬ ‫على‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مع العائلة بشكل عام‪.‬‬


‫‪َّ 220‬أول األمر‪.‬‬ ‫الرأس يكون فيه َّ‬ ‫قصيرا‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫ً‬ ‫‪ 221‬ترتيب لشعر َّ‬ ‫‪ 222‬عصا‪.‬‬ ‫الرجال‪.‬‬ ‫‪ 223‬مثل ِّ‬ ‫القران‪.‬‬ ‫‪ 224‬عقد ِ‬ ‫‪ 225‬ظهر ‪‬النايلون‪ ‬سنة ‪ ،1938‬فبدأ ظهور هذا النوع من الصناعات (البالستيكية‬ ‫بشكل عام)‪ .‬مخترع ‪‬النايلون‪ ‬هو واالس كاروثرز ومساعدوه في شركة دو بونت‪.‬‬ ‫كان أول تطبيق عملي للنايلون كمنتج للزبائن سنة ‪ 1938‬عندما تم استخدامه في‬ ‫ً‬ ‫كبيرا له في تشرين األول ‪1939‬‬ ‫صناعة شعيرات فراشي األسنان‪ .‬ثم وجد‬ ‫تطبيقا ً‬ ‫عندما استخدم في صناعة الجوارب النسائية لمشابهته ملمس الحرير ورخص ثمنه‪ .‬من‬ ‫عطي لهذا المنتج ناتج عن دمج‬ ‫تفسيرات تسمية هذا المنتج ِّ‬ ‫الصناعي أن االسم الذي ُأ َ‬ ‫اختصار لكلمتي نيويورك (‪ )NY‬ولندن (‪ )LON‬فأصبح االسم نايلون (‪)NYLON‬؛ أو‬ ‫عندما ُض ِر َبت اليابان بالقنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية أطلق األميركيون تسمية‬ ‫النايلون من الجملة التالية‪ :‬لقد فقدت اآلن اليابان القديمة‪NOW YOU LOSS( ‬‬ ‫‪ )THE OLD NEPON‬وكلمة ‪‬نيبون‪ ،‬تعنى اليابان؛ وأعطي تيمنً ا بعبارة‪ :‬نو ران‪‬‬ ‫أبدا إلى خيط أي تبقى مشربكة‬ ‫(‪ )No Run‬ويقصد بها أنها (أي النايلون) ال تتحول ً‬ ‫ً‬ ‫وصوال‬ ‫أو متداخلة ببعضها البعض‪ .‬وتم تغيير االسم عدة مرات من ‪‬نولون‪ ،‬نوالن‪‬‬ ‫إلى ‪‬نايلون‪‬؛ كما نسب البعض اآلخر تسمية نايلون إلى أسماء زوجات مكتشفي هذه‬ ‫المادة (نانسي‪ ،‬إيفون‪ ،‬لوال‪ ،‬أوليفيا‪ ،‬نينا)‪.‬‬

‫‪75‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫‪‬النايلون‪ )Nylon( 25‬في َ‬ ‫العالم مع بداية ثالثينات‬ ‫ازدهرت صناعة َّ‬ ‫القرن العشرين‪َ ،‬‬ ‫الصناعة بلدان العالم ُب َع ْي َد الحرب‬ ‫هذه‬ ‫نتجات‬ ‫م‬ ‫ِّ‬ ‫وغزَ ت ُ‬

‫عمر الزّعنِّي‬

‫االجتماعية وعاش ما ِّ‬ ‫تغير‬ ‫التغيرات‬ ‫عاين الزعني هذه‬ ‫َّ‬ ‫تبشر به من ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫السلوك والقيم والمفاهيم‪ ،‬فوضع قصيدة ‪‬ليلة ُعرسي‪ ‬وأنْ َش َدها‬ ‫في ُّ‬ ‫واس ًعا في لبنان وبعض البلدان‬ ‫لحني فَ َرنْ ِس ٍّي راقص‪ ،‬فالقت‬ ‫بإيقاع‬ ‫انتشارا ِ‬ ‫ً‬ ‫ٍّ‬ ‫العربية خــال ثالثينات القرن العشرين وأربعيناته‪ .‬وهــو اتخذ مناسبة‬ ‫َّ‬ ‫االحتفال بالعرس رمــزً ا لبداية حياة جديدة وانطلق على لسان العروس‬ ‫الرؤية الجديدة لالستقالل عن العائلة‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫محد ًثا عن ُّ‬ ‫ليلــة ُعرســي‪ ،‬خمســين تاكســي‪ ،‬واقفيــن عالبــاب‬ ‫ُ‬ ‫َّأول باليــش‪ ،20‬الحلــق شــاليش‪ ،21‬واطلــع بالــكاب‬ ‫الحمــل باســتون‪ ،22‬أال غارســون‪ ،23‬وبشــيل الحجاب‬ ‫ِ‬ ‫أ‬ ‫أهلــه بحــاره‪ ،‬ونحنــا بحــاره‪ ،‬متــل الغــراب‬ ‫أ‬ ‫مــا لهــم الكم‪ ،‬غيــر َّ‬ ‫الســام‪ ،‬ســام الحبــاب‬ ‫ُ ُّ‬ ‫ُ ُّ‬ ‫كلــه بأمــري‪ ،‬كلــه بشــوري‪ ،‬مــن غيــر حســاب‬ ‫َ َّ‬ ‫إن عجبهــم‪ ،‬إن خلصهــم‪ ،‬يكتبـوا الكتاب‪.24‬‬


‫‪76‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫ً‬ ‫العالمية َّ‬ ‫مالية لكثير من‬ ‫الصناعة‬ ‫الثانية‪ .‬وفَّ ــرت هذه ِّ‬ ‫بديال أ َّقــل كلفة َّ‬ ‫َّ‬ ‫قليدية َّ‬ ‫بيعية‪ ،‬لكنها لم َّ‬ ‫تتمكن من توفير ما كانت‬ ‫المنتجات بالمواد َّ‬ ‫الت َّ‬ ‫الط َّ‬ ‫قليدية َّ‬ ‫الطبيعية من جودة وديمومة‪.‬‬ ‫تؤمنه المواد َّ‬ ‫ِّ‬ ‫الت َّ‬ ‫‪‬النايلون‪ ‬في لبنان مع‬ ‫تَ رافَ َق‬ ‫ظهور ُمنتجات َّ‬ ‫ُ‬ ‫المتحدة‬ ‫فاعلية‬ ‫ظهور‬ ‫دولية بقيادة الواليات َّ‬ ‫سياسية َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫فاعلية لم تكن بهذا الظهور‬ ‫األميركية في البلد؛ وهي‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫األمر‬ ‫استغل‬ ‫سبقت‪.‬‬ ‫التي‬ ‫المراحل‬ ‫في‬ ‫ة‬ ‫القو‬ ‫وتلك َّ‬ ‫َ‬ ‫عمر الزعني في أربعينات القرن الماضي فربط بين‬ ‫صناعي من تلك المرحلة‪ ،‬وبين‬ ‫‪‬النايلون‪ ،‬كمنتج‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ياسية للغرب في بالدنا بقيادة الواليات‬ ‫َّ‬ ‫الت ُّ‬ ‫وجهات ِّ‬ ‫الس َّ‬ ‫وجهات على مستويات‬ ‫تجره هذه َّ‬ ‫الت ُّ‬ ‫َّ‬ ‫األميركية؛ وما ُّ‬ ‫والثقافي والصناعي عمر الزّ عنِّ ي في آخر‬ ‫َّ‬ ‫السياسي واالجتماعي‬ ‫ِّ‬ ‫الوجود ِّ‬ ‫أربعينات القرن العشرين‬ ‫فــي لـبـنــان‪ .‬وي ــرى الــزعـنــي َّإن هــذه المستويات ال‬ ‫َّ‬ ‫الرخيص َّ‬ ‫الخالب‪ ،‬لكنها‪،‬‬ ‫الثمن‪ ،‬وصاحب المظهر‬ ‫تخالف مبدأ ‪‬النَّ ايلون‪َّ ‬‬ ‫والديمومة‪.‬‬ ‫مثله‪ ،‬ال تَ تَ َّ‬ ‫متع بالجودة َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ويلــن للنــاس ويلــن‪ ،‬مــن شــر بــاد النايلــون‬ ‫صــار ْ‬ ‫وينمــا مشــيت‪ ،‬أو ُرحــت وجيــت‬ ‫مشـ َّـمع‪ ،‬كبابيت‪ ،‬كرتون وشيت‪ ،‬ودم العفريت‬ ‫نايلون‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫كل مأكولــك‪ ،‬كل مشــروبك‪ ،‬كل ملبوســك‪ ،‬مــن طربوشــك لبابوجــك‪،‬‬ ‫نايلون‬ ‫والســخافات ِّ‬ ‫والدعايــات‪َّ ،‬‬ ‫المجــاَّت‪ ،‬بــاالت بــاالت‪َّ ،‬‬ ‫حتــى الويــات‬

‫نايلون‬

‫ُ‬ ‫اَّ‬ ‫ُ‬ ‫مــا خـ بــاب‪ ،‬دفتــر وكتــاب‪ ،‬شــعرا وك َّتــاب‪،‬‬ ‫عامليـــن حســـاب ي ْب َعـــت ُن َّ‬ ‫ـــواب‬ ‫ِ‬ ‫نايلون‬ ‫اللبنانية بعد‬ ‫للجمهورية‬ ‫الرئيس بشارة الخوري َّأول رئيس‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫انتخب َّ‬ ‫المتعددة‬ ‫ياسية اللبنانية مساراتها‬ ‫ِّ‬ ‫االستقالل واتخذت دورة الحياة ِّ‬ ‫الس َّ‬ ‫الجمهورية بشارة الخوري‪،‬‬ ‫والمتنوعة‪ .‬رأى معظم اللبنانيين إلى رئيس‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫أنَّ‬ ‫الصلح‪ ،‬على هما من دعامات االستقالل األولى‬ ‫ورئيس الحكومة رياض ُّ‬ ‫الرئاسية األولى‬ ‫الوالية‬ ‫انتهاء‬ ‫مع‬ ‫لذا‪،‬‬ ‫االستقالل‪.‬‬ ‫مؤسسي دولة‬ ‫ومن كبار ِّ‬ ‫َّ‬


‫للرئيس الـخــوري تــم التجديد لــه إلى‬ ‫َّ‬ ‫واليــة ثانية؛ لكن هــذه الوالية شهدت‬ ‫شعبية الـ َّـرئـيــس الخوري‬ ‫تــراجـ ًـعــا فــي‬ ‫َّ‬ ‫وتراخيا في قدراته على إدارة شؤون‬ ‫ًّ‬ ‫الدولة‪.26‬‬ ‫َّ‬ ‫الرئيسان الخوري (بالقبعة)‬ ‫والصلح (بالطربوش)‬

‫عمر الزّعنِّي‬

‫‪ 226‬إنتخب بشارة الخوري في ‪ 21‬أيلول ‪ .1943‬وفي ‪ 11‬تشرين الثاني اعتقله‬ ‫الفرنسيون في قلعة راشيا مع رئيس الحكومة رياض الصلح وعدد من أعضاء حكومته‪،‬‬ ‫بسبب طلبهم االستقالل عن سلطة االنتداب الفرنسي على لبنان‪ .‬ثارت البالد من هذا‬ ‫االعتقال حتى أفرج الفرنسيون عن المعتقلين في ‪ 22‬تشرين الثاني واعترفوا باستقالل‬ ‫لبنان‪ .‬وضع الخوري مع رياض الصلح ‪‬الميثاق الوطني‪ ‬الذي َّ‬ ‫نظم أسس الحكم في‬ ‫لبنان‪ّ .‬‬ ‫شكل في عهده (‪ 9‬سنوات) ‪ 15‬حكومة و‪ 9‬رؤساء حكومات‪ .‬وسنة ‪ 1952‬أجبر‬ ‫على االستقالة بعد مظاهرات ضخمة على خلفية اتهامه بالفساد‪.‬‬

‫‪77‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫َ‬ ‫اللبنانية في‬ ‫واالجتماعية‬ ‫ياسية‬ ‫ـام‬ ‫كثير في المجالس ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َّ‬ ‫قيل كـ ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كثيرا‬ ‫الصحف‬ ‫المحلية في تلك المرحلة ً‬ ‫َّ‬ ‫هذا الموضوع‪ ،‬وتناقلت معظم ُّ‬ ‫النورماندي‪( ‬منطقة‬ ‫من مضامين هــذا الـكــام‪ .‬وكانت صالة ‪‬فندق ُّ‬ ‫السياسة واإلعالم‪ ،‬يلتقون‬ ‫‪‬الزيتونة‪ – ‬بيروت)‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫مقصدا لكثير من أهل ِّ‬ ‫فيه ويتداولون في لقاءاتهم هذه أوضاع البلد‪ ،‬وأحوال الرئيس الخوري في‬ ‫واليته الجديدة هذه‪.‬‬ ‫وكان عمر الزعني‪ ،‬كسواه من أهل الفكر واإلعالم‪ ،‬من َّرواد صالة فندق‬ ‫الصالة‪ ،‬والنِّ قاش بين المجتمعين‬ ‫النُّ ورماندي‪ .‬وفي إحدى جلسات تلك َّ‬ ‫المجددة للرئيس بشارة الخوري ألقى الزعنِّ ي‬ ‫ئاسية‬ ‫َّ‬ ‫يدور حول الوالية ِّ‬ ‫الر َّ‬ ‫تفزع‪:‬‬ ‫وال‬ ‫له‬ ‫د‬ ‫‪‬جد‬ ‫مطلعها‬ ‫قصيدة غير مغنَّ اة‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ومربــع‬ ‫َج ِّــدد لــه‪ ،‬وال تفــزع خليــه قاعــد‬ ‫بيضــل أســلم مــن غيــره‪ ،‬وأضمــن للعهــد وأنفــع‬ ‫ْ‬ ‫ِوش عرفنــاه وجربنــاه وعرفنــا غايتــه ومبــداه‬ ‫ووافــق هوانــا هــواه قـ َّـدام خصمــه‪ ،‬يــا محــاه‬ ‫مــا زال ظهــرت نوايــاه مــا عــاد فيــه مانــع يمنــع‬ ‫َج ِّــدد لــه وال تفــزع هــوي بأمنيتــه ظفــر‬ ‫ومدامتــه شــبعت ســفر والمحــروس نــال الوطــر‬ ‫واخوانــه شــبعوا بطــر مــا عــاد فــي منهــم خطــر‬ ‫ِّ‬ ‫مــا عــاد إلهــم وال مطمــع‬ ‫جــدد لــه‪ ،‬وال تفــزع‬


‫‪78‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫وضـ َّـجــت ب ـيــروت‪ ،‬ومعها لبنان مــن أقـصــاه إلــى أق ـصــاه‪ ،‬إذ انطلقت‬ ‫مبينة للنَ اس‬ ‫شــرارات هذه القصيدة نـ ًـارا في هشيم السياسة‬ ‫اللبنانية‪ِّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫السياسي من إدارة الرئيس الخوري‪ .‬كانت اإلشارات التي‬ ‫موقف الزعني ِّ‬ ‫أطلقها الزعني شديدة الوضوح‪ ،‬ولم تكن تحتمل أي تأويل أو تمويه أو‬ ‫مبكية‬ ‫مواربة‪ .‬كانت صرخة كبرى في وجه العهد‪ ،‬وهي صرخة ساخرة لكن َ‬ ‫الرئيس ومن معه في إدارة العهد‪ ،‬فأصدر‬ ‫ِّ‬ ‫ومحرضة إلى أبعد حد‪ .‬غضب َّ‬ ‫المرة األولى التي يواجه فيها عمر‬ ‫وهي‬ ‫عني‪،‬‬ ‫عمر‬ ‫بسجن‬ ‫ا‬ ‫قضائي‬ ‫ا‬ ‫حكم‬ ‫الزِّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫َّ‬ ‫السجن‪.‬‬ ‫الزعني‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬ ‫السجن‬ ‫في‬ ‫نزالء‬ ‫مع‬ ‫مل‪‬‬ ‫الر‬ ‫‪‬سجن‬ ‫في‬ ‫ودع‬ ‫وأ‬ ‫عني‬ ‫عمر‬ ‫على‬ ‫قُ ِب َض‬ ‫الزِّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫والسوابق‪ .‬وهنا‪ ،‬شمخ الزعني بكرامته إلى أقصى‬ ‫من أصحاب الجرائم َّ‬ ‫مــا فــي الـ ُّـشـمــوخ مــن اع ـتــزاز وكِ ـبــر‪ :‬هــو ليس‬ ‫بمهرب وال بقاتل بل‬ ‫بمجرم وليس بسارق وال‬ ‫ِّ‬ ‫وحق المواطن‪،‬‬ ‫حر عن حقوق الوطن ِّ‬ ‫هو ُم ِ‬ ‫داف ٌع ٌّ‬ ‫ـواج ـ ٌـه فَ ـ ٌّـذ لـلـمـســؤول ال ــذي ال يــراعــي‬ ‫وه ــو م ـ ِ‬ ‫مصالح الشعب وحقوقه‪ .‬وبعد أسابيع قليلة من‬ ‫‪‬السكري‪‬‬ ‫هذا اإلحباط ُأصيب الزعنِّ ي بداء‬ ‫ُّ‬ ‫فضج النَّ اس بهذا األمر‪ ،‬وتوالت الوفود‬ ‫الفتاك‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عبية مطالبة باإلفراج عن عمر الزعني ورفع‬ ‫الش َّ‬ ‫ُّ‬ ‫يوما من‬ ‫الظلم الــذي أحــاق بــه‪ .‬وبعد أربعين ً‬ ‫الرمل‪ ‬غادره بعفو خاص‬ ‫االعتقال في ‪‬سجن َّ‬ ‫أصدرته الحكومة‪.‬‬ ‫الرمل‬ ‫عمر الزِّ عنِّ ي‪ ،‬إثر خروجه من سجن َّ‬ ‫الس َّكري‬ ‫ً‬ ‫مصابا بداء ُّ‬

‫واالجتماعية في لبنان‪ ،‬في‬ ‫ياسية‬ ‫تابع الزعني إيقاعات الحياة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َّ‬ ‫وتنوعات‬ ‫عدة‬ ‫رات‬ ‫تغي‬ ‫تشهد‬ ‫األمور‬ ‫أن‬ ‫خمسينات القرن العشرين‪ ،‬ووجد‬ ‫ُّ ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫كثيرة‪ .‬والحظ َّأن األنثى ما عادت سجينة المنزل األسري بل انطلقت في‬ ‫َّ‬ ‫حرية وثقة عالية بالنَّ فس‪ ،‬في كثير من مجاالت َّ‬ ‫ومحطات‬ ‫الشأن العام‬ ‫َّ‬ ‫العمل فيه‪.‬‬ ‫ووجــد الزعني أن األنثى في انطالقتها أخــذت تميل إلى تغيير صار‬ ‫يطال بعض قيافتها المعهودة في اللباس وبعض مظاهر السلوك‪ :‬باتت‬ ‫السيارة وتنطلق مع أصحاب‬ ‫ترتدي السراويل الخارجية‪ ،‬كالذكور‪ ،‬وتقود َّ‬ ‫التغيير االجتماعي الــذي طال مظاهر العيش وقيم‬ ‫حرية‪ .‬إنَّ ــه‬ ‫لها بكل َّ‬ ‫ُّ‬


‫‪ 227‬بدأ مجلس النواب في لبنان بتسميات مختلفة‪ :‬في ‪ 22‬أيلول ‪ 1920‬كان ‪‬اللجنة‬ ‫اإلدارية‪ ،‬عدد مقاعده ‪ 17‬ودامت واليته حتى ‪ 8‬آذار ‪ .1922‬تعدلت تسميته سنة ‪1925‬‬ ‫إلى ‪‬المجلس التمثيلي‪ ‬من ‪ 24‬أيار ‪ 1925‬حتى نهاية ‪ 1925‬وعدد مقاعده ‪30‬؛ َّثم‬ ‫أصبح ‪‬مجلس الشيوخ‪ ‬من ‪ 24‬أيار ‪ 1926‬حتى تشرين األول ‪ 1927‬وعدد مقاعده ‪16‬‬ ‫(بانخفاض ‪ 14‬عن المجلس التمثيلي) َّثم تتالى العمل بالمجلس ً‬ ‫وفاقا لما يلي‪:‬‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب األول‪ ،‬عدد مقاعده ‪ 46‬من ‪ 18‬تشرين الثاني ‪ 1928‬حتى ‪ 13‬أيار‬ ‫‪.1929‬‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب الثاني من ‪ 15‬تموز ‪ 1929‬حتى ‪ 10‬أيار ‪ 1932‬وعدد مقاعده ‪45‬‬ ‫(بنقصان مقعد واحد)‪.‬‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب الثالث من ‪ 30‬كانون األول ‪ 1932‬حتى ‪ 5‬حزيران ‪،1937‬عدد مقاعده‬ ‫مقعدا)‪.‬‬ ‫‪( 25‬بنقصان عشرين‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب الرابع من ‪ 29‬تشرين الثاني ‪ 1937‬وحتى ‪ 21‬أيار ‪ 1939‬وكان عدد‬ ‫فإن كل مجالس النواب كانت مختلطة‪،‬‬ ‫مقاعده ‪ 62‬أي زيادة ‪37‬‬ ‫مقعدا وحتى هذا التاريخ َّ‬ ‫ً‬ ‫منتخبا والعدد اآلخر كان معينً ا‪.‬‬ ‫كان‬ ‫عددا من النواب‬ ‫اي إن ً‬ ‫ً‬

‫‪79‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫التجريب‪ ،‬وكان‬ ‫ياسية في لبنان تعاني‬ ‫كثيرا من َّ‬ ‫كانت الحياة ِّ‬ ‫ً‬ ‫الس َّ‬ ‫المجلس النِّ يابي ُّ‬ ‫ياسية‪ ،‬بل ومن ركائزها‬ ‫بناني من أسس هذه الحياة ِّ‬ ‫الس َّ‬ ‫الل ُّ‬ ‫الساحة األرحب لتمثيل ناس الوطن على مختلف انتماءاتهم‬ ‫الكبرى‪ .‬فهو َّ‬ ‫وتنوع‬ ‫الجغرافية‬ ‫ياسية‪ ،‬واختالف مناطقهم‬ ‫ُّ‬ ‫الس َّ‬ ‫ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الس َّ‬ ‫ماوية ُّ‬ ‫وتعدد أديانهم َّ‬ ‫تغيرات طالت الجانب‬ ‫إلى‬ ‫‪‬المجلس‪‬‬ ‫خضع‬ ‫هنا‬ ‫ومن‬ ‫ة‪.‬‬ ‫وحي‬ ‫الر‬ ‫مذاهبهم‬ ‫ُّ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫بادعاء تمتين‬ ‫العمل‬ ‫ومنها‬ ‫التمثيلي فيه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫المستمر على زيادة عدد النُّ َّواب ِّ‬ ‫ُّ‬ ‫‪27‬‬ ‫يابي َّ‬ ‫السياسي ‪ .‬ولكن الزعني كان يرى‬ ‫َّ‬ ‫للشعب وتحسين األداء ِّ‬ ‫التمثيل النِّ ِّ‬

‫عمر الزّعنِّي‬

‫صوره الزعني في قصيدته المغناة ‪‬يم‬ ‫الحياة ومفاهيم العصر‪ ،‬وهو ما ِّ‬ ‫الجاكيت والبنطلون‪:‬‬ ‫َي ْ‬ ‫ــم الجاكيــت والبنطلــون‪ ،‬شــفتك واقفــه علــى البلكــون‬ ‫َّ‬ ‫خم ِنتــك شــب‪ ،‬يــا مدموزيــل‪ ،‬ال تواخذينــي‪ ،‬بــاردون‪ ،‬بــاردون‬ ‫شــفتك البســه بيريــه وكاســكيت‪ ،‬ودايــره ُّ‬ ‫بالســوق بتيــاب البيــت‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫مــن غيره بــودره‪ ،‬من غيــر تواليت‪،‬‬ ‫وقاصــه شــعرك «أال غرســون»‬ ‫َّ‬ ‫خم ِنتــك شــب‪ ،‬يــا مدموزيــل‪ ،‬ال تواخذينــي‪ ،‬بــاردون‪ ،‬بــاردون‬ ‫ِّ‬ ‫وشــفتك طالــع بالليــل وحــدك‪ ،‬مــا فــي رجــال ماشــي حــدك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫رايحــه جايــه ْ‬ ‫وينمــا بــدك‪ ،‬طالعــه مــن هــون‪ ،‬نازلــه مــن هون‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫خم ِنتــك شــب‪ ،‬يــا مدموزيــل‪ ،‬ال تواخذينــي‪ ،‬بــاردون‪ ،‬بــاردون‬ ‫اَّ‬ ‫مــره َّ‬ ‫شــفتك َّ‬ ‫بعربيــة «بويــك»‪ ،‬طالعــه بالليــل مــن فيــ شــيك‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫وعلىجنبكست‪،‬شيكوسمباتيك‪ ،‬وعمتتمـايـلـــــي عالدركســـيون‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫خم ِنتــك شــب‪ ،‬يــا مدموزيــل‪ ،‬ال تواخذينــي‪ ،‬بــاردون‪ ،‬بــاردون‬


‫التغييرات في عدد النُّ َّواب لم تكن هي الحل الحقيقي لحسن‬ ‫َّأن جميع َّ‬ ‫الوطنية للمجلس النِّ يابي‪.‬‬ ‫الفاعلية‬ ‫انتظام‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫النــواب كانــوا عشــرين‪ ،‬عملوهم خمسة وخمسين‪،‬‬ ‫زادوهــم ســبعة وســبعين‪ ،‬وكمان إم اربعة وأربعين‬ ‫قالــوا بكــره ســتة وســتين ولو صاروا تسعة وتسعين‬ ‫َ‬ ‫ـــي ِّهي ِّ‬ ‫الم ِّيـــه‪ ،‬الحالـــه‪ِّ ،‬هي ِّ‬ ‫ـــي‬ ‫ودركبوهـــم ع ِ‬

‫‪80‬‬ ‫د‪ .‬وجيه فانوس‬

‫عمر الزِّ عنِّ ي في آخر ظهور له‪،‬‬ ‫قبيل وفاته بأسابيع قليلة‪ ،‬سنة ‪1961‬‬

‫–‪ ‬مجلس النواب الخامس فكان من ‪ 21‬أيلول ‪ 1943‬حتى ‪ 7‬نيسان ‪ ،1947‬وعدد‬ ‫مقاعده ‪( 55‬على قاعدة أضعاف العدد ‪ 11‬وهو الرقم األساسي الذي يعطي ستة مقاعد‬ ‫للمسيحيين وخمسة مقاعد للمسلمين)‪ .‬ومنذ هذا التاريخ أصبحت المجالس منتخبة‬ ‫بكاملها بدون نواب معينين‪.‬‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب السادس من ‪ 25‬أيار ‪ 1947‬حتى ‪ 30‬آذار ‪ 1951‬وكان عدده كالسابق‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪55‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب السابع من ‪ 5‬حزيران ‪ 1951‬حتى ‪ 30‬أيار ‪ 1953‬وأصبح عدد مقاعده‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪77‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب الثامن من ‪ 13‬آب ‪ 1953‬حتى ‪ 20‬آب ‪ 1957‬وخفض عدد مقاعده إلى‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪44‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب التاسع من ‪ 20‬آب ‪ 1957‬حتى ‪ 18‬تموز ‪ 1960‬وكانت زيادة عدد مقاعده‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫إلى ‪66‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب العاشر من ‪ 18‬تموز ‪ 1960‬حتى ‪ 8‬أيار ‪ 1964‬وتم زيادة مقاعده إلى‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪99‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬مجلس النواب الحادي عشر من ‪ 8‬أيار ‪ 1964‬حتى ‪ 9‬أيار ‪ 1968‬وبقي عدد مقاعده‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪99‬‬ ‫ً‬ ‫–‪ ‬المجلس النيابي الثاني عشر من ‪ 9‬أيار ‪ 1968‬وحتى ‪ 3‬أيار ‪ 1972‬وبقي عدد مقاعده‬ ‫مقعدا‪.‬‬ ‫‪99‬‬ ‫ً‬


‫عمر الزّعنِّي‬

‫فندق النورماندي في منطقة الزيتونة زمن عمر الزعني‬

‫‪81‬‬

‫شاعر ُ َ‬ ‫وعاشق ب َ ْيرُوت‬ ‫الشعب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫الضاحك‪َّ ،‬‬ ‫نجم‬ ‫الساخر َّ‬ ‫والم َل ِّحن الموسيقي‪ ،‬هو ُ‬ ‫الشاعر ُ‬ ‫عمر الزعني‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫والخاصة‪،‬‬ ‫العامةِ منها‬ ‫االجتماعية‬ ‫السهرات‬ ‫ياسيةِ‬ ‫ومحور الل ِ‬ ‫َّ‬ ‫قاءات ِّ‬ ‫الس َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫وثقافي‬ ‫واجتماعي‬ ‫دولي‬ ‫رات‬ ‫تغي‬ ‫وعايش‬ ‫حياته‬ ‫في‬ ‫ا‬ ‫أحداث‬ ‫عاصر‬ ‫كثيرةً‬ ‫َّ ةٍ‬ ‫َّ ةٍ‬ ‫َّ ةٍ‬ ‫ُّ ٍ‬ ‫شاهدا لزمنه وعليه‪،‬‬ ‫وسياسيةٍ عديدةٍ ‪ ،‬هو المثقَّ ُف الذي تسنَّ ى له أن يكون‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫واإلحباط‬ ‫األلم‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫كثير‬ ‫تحمل‬ ‫ة‬ ‫خصي‬ ‫الش‬ ‫تجربته‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫خ‬ ‫ي‬ ‫وها هو‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بصورةٍ‬ ‫تَ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الرأي‪:‬‬ ‫الرؤيةِ ورجاحةِ َّ‬ ‫مق ُّ‬ ‫ولكن ِب ُع ِ‬ ‫َ ِّ َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫وفرفــح يــا ُ زعنــي‬ ‫وبيقولــوا لــي‪ ،‬غنــي غنــي‪ ،‬غنــي ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫واتهنــى بكاســي وأ َ‬ ‫كيف ممكن غ ِّني وإشرب‪،‬‬ ‫طــرب‬ ‫والجــو مســموم ومكهرب‪ ،‬مــن هالجــو ما فيــه مهرب‬ ‫نفســي وروحــي عطشــانه‪ ،‬ومــا لــي وصــول َّ‬ ‫للســبيل‬ ‫َّ‬ ‫بتضحــك مــن غيــر عــازه‪ ،‬برقــص‪ ،‬وماشــي بجنــازه‪،‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ــكر‪َّ ،‬‬ ‫ِبس‬ ‫والســم بقــزازه‪ ،‬وعضــام جــدودي مــازه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عزرائيـــل‬ ‫والخشخاشـــه خمـــاره‪ ،‬والســـاقي‬ ‫حياتــي هــم ونكــد‪ ،‬وطول عمري عايش كمد‪،‬‬ ‫مــا لــي فــي ُّ‬ ‫الدنيــا ســند‪ ،‬وغريــب بوســط البلــد‬ ‫َّ‬ ‫لــذات ُّ‬ ‫محــروم‬ ‫الدنيــا‪ ،‬وفــي بــادي عايــش ذليــل‬


‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬القرن التاسع عشر‬ ‫‪‬مه ْندِز‪ ‬العصر الحديث‬ ‫إلى‬ ‫َ‬

‫عبد اللطيف فاخوري‬ ‫محام ومؤرخ‬ ‫ٍ‬

‫مدخل تاريخي عام‬ ‫ذكر ابن خلدون أن ‪‬الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله‪ ،‬واستقامة‬ ‫في فكره‪ ،‬ألن براهينها كلها ّبينة االنتظام‪ ،‬جلية الترتيب‪ ،‬ال يكاد الغلط‬ ‫يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها‪ ،‬فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ‪.‬‬ ‫مهندسا فال‬ ‫مكتوبا على باب أفالطـون‪ :‬من لم يكن‬ ‫وقد زعموا أن كان‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫يدخلن منزلنا‪.1‬‬ ‫ورد في وقفية السلطان المملوكي قانصوه الغوري على مجمع الغورية‬ ‫مخصصات للنفقة على صيانة الوقف ‪‬مرتبة الثنين مهندسين‬ ‫تحديد‬ ‫ٍ‬ ‫‪2‬‬ ‫واثنين سباكين واثنين مرخمين ونجار واحد ‪ .‬وفي خروج أمير الحاج في‬ ‫محمل سنة ‪801‬هــ‪1399/.‬م‪ .‬لحجة رجبية اصطحب معه لعماره ما تهدم‬ ‫من المسجد الحرام ‪‬المعلم‪ ‬شهاب الدين أحمد بن الطولوني الذي‬ ‫وصفه بــ ‪‬المهندس‪ .3‬وذكر في حوادث سنة ‪ 802‬هـ‪1400/.‬م‪ .‬وفاة كبير‬ ‫المهندسين ومعلم المعلمين الشهابي أحمد بن محمد الطولوني وهو‬ ‫جد البدري حسن معلم المعلمين اآلن‪.4‬‬ ‫في سنة ‪ 886‬هـ‪1481/.‬م‪ .‬احترق المسجد النبوي َ‬ ‫مر السلطان قايتباي‬ ‫فأ َ‬ ‫‪‬الخواجا شمس الدين محمد ابن الزمن‪ ‬بالتوجه الى المدينة وأرسل‬ ‫‪5‬‬ ‫بناء جامع ابن طولون إلى‬ ‫ونسب المقريزي َ‬ ‫عدة بنائين ونجارين ومرخمين ‪َ .‬‬ ‫حضرت له الجلود كي يرسم عليها‬ ‫مهندس نصراني بناه بدون ُع ُمد‪ ،‬وحين ُأ ِ‬ ‫‪ 11‬إبن خلدون‪ ،‬المقدمة‪ ،‬ص‪.486 .‬‬ ‫‪ 22‬فريد شافعي‪ ،‬العمارة العربية واإلسالمية في مصر‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.309 .‬‬ ‫‪ 33‬ابن إياس‪ ،‬بدائع الزهور في وقائع الدهور‪ ،‬ج‪ ،1 .‬قسم ‪ ،2‬ص‪.520 .‬‬ ‫‪ 44‬ابن إياس‪ ،‬بدائع الزهور في وقائع الدهور‪ ،‬ج‪ ،1 .‬قسم ‪ ،2‬ص‪.553 .‬‬ ‫‪ 55‬ابن إياس‪ ،‬بدائع الزهور في وقائع الدهور‪ ،‬ج‪ ،1 .‬قسم ‪ ،2‬ص‪ ،507 .‬حوادث سنة‬ ‫‪ 886‬هـ‪.‬‬


‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪ 66‬سعاد ماهر‪ ،‬مساجد مصر وأولياؤها الصالحون‪ ،‬ص‪144 .‬؛ المقريزي‪ ،‬الخطط‪،‬‬ ‫ج‪ ،4 .‬ص‪.26 .‬‬ ‫‪ 77‬صالح لمعي‪ ،‬التراث المعماري اإلسالمي في مصر‪ ،‬ص‪.89 .‬‬ ‫‪ 88‬الجبرتي‪ ،‬تاريخ عجائب اآلثار في التراجم واألخبار‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.553 .‬‬

‫‪83‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫صوره له فأعجبه وبناه‪ .6‬ذكر صالح لمعي بأن أبواب‬ ‫تخطيط المسجد‪َّ ،‬‬ ‫‪7‬‬ ‫صممها ثالثة مهندسين أرمن أحدهم يدعى يوحنا الراهب ‪ .‬وذكر‬ ‫القاهرة َّ‬ ‫الجبرتي في حوادث سنة ‪231‬هـ‪1814/.‬م‪ .‬أن حسين جلبي عجوة‪ ،‬من أبناء‬ ‫األرز وعمل مثالها من الصفيح تدور َبثورين‬ ‫البلد‪ ،‬ابتكر صورة دائرة لدق‬ ‫ّ‬ ‫بدل أربعة ُ‬ ‫فأعجب به محمد علي باشا وأمره بالمسير إلى دمياط ليبني‬ ‫فيها دائرة و‪‬يهندسها بمعرفته‪ ،‬وأعطاه ما يحتاجه من أخشاب وحديد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قابلية للمعارف فأمر ببناء‬ ‫ويشير الجبرتي إلى أن الباشا رأى في أوالد البلد‬ ‫مكتب رتّ ب فيه جملة أوالد وجعل ِّ‬ ‫معل َمهم حسن الموصلي يقرر لهم قواعد‬ ‫الحساب والهندسة ْ‬ ‫وعلم المقادير والقياسات واالرتفاعات واستخراج‬ ‫المجهوالت بمشاركة شخص رومي يقال له ‪‬روح الدين‪ ‬وأشخاص من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متنوعة من أشغال اإلنكليز ألخذ األبعاد‬ ‫هندسية‬ ‫اآلت‬ ‫حضر لهم ٍ‬ ‫اإلفرنج‪َ ،‬وأ َ‬ ‫واالرتفاعات والمساحة‪ ،‬وسموا المكتب ‪‬مهندس خانة‪ ،‬كانوا يداومون فيه‬ ‫من الصباح إلى بعد الظهيرة ثم ينزلون إلى بيوتهم‪َ ،‬ويخرجون في بعض‬ ‫األيام الى الخالء ُّ‬ ‫لتعلم مساحات األراضي وقياساتها باألقصاب‪ .8‬بعدها‬ ‫أنشأ محمد علي مدرسة سنة ‪ 1819‬ومدرسة أخرى للهندسة في بوالق‬ ‫سنة ‪ 1834‬إلعداد التالميذ لمدارس المدفعية والهندسة الحربية والبحرية‬ ‫والمناجم وإعداد الموظفين للمصالح المختلفة التي تتطلب معرفة بالعلوم‬ ‫الرياضية‪.‬‬ ‫أشرف المهندسون والمعماريون الفرنسيون على تنفيذ مشاريع محمد‬ ‫معجبا بنابوليون بونابرت‪ ،‬وإذ أدرك‬ ‫علي باشا في مصر‪ .‬وكــان الباشا‬ ‫ً‬ ‫المحيطون به هذا اإلعجاب كانوا يتقربون منه مادحينه بأنه ‪‬نابوليون‬ ‫الثاني‪ .‬وبناء على نصيحة دروفيتي (‪ Drovetti‬قنصل فرنسا في القاهرة)‬ ‫المهندسين‪ :‬سريزي والمبير وموجيل (ناظر‬ ‫استقدم محمد علي من فرنسا‬ ‫ِ‬ ‫الـ ‪‬مهندس خانة‪ )‬ولينان دي بلفون وباسكال كوست الذي بنى لمحمد‬ ‫وفق تصميم القنصل دروفيتي‪ .‬كما أرسل محمد علي إلى‬ ‫علي قصر شبرا ْ‬ ‫فرنسا رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك‪ ،‬ولدى عودتهما وضع رفاعة كتابه‬ ‫‪‬تخليص اإلبريز في تلخيص باريز‪ ‬وأسس علي مبارك كلية دار العلوم‪.‬‬ ‫متأثرين بالمجتمع واإلدارة الفرنسيين‪ .‬ومن بعثات محمد علي‬ ‫وكان االثنان‬ ‫َ‬ ‫إلى فرنسا‪ :‬مصطفى بهجت الذي أسند إليه بعد عودته منصـ ــب ‪‬باش‬


‫مهندس الجفالك‪ ‬واشترك مع المهندس موجيل بك في بناء القناطر‬ ‫أيضا تخصص محمد مظهر باشا في الرياضيات‬ ‫الخيرية‪ .‬وفي باريس ً‬ ‫والهندسة‪ ،‬وعــاد فبنى منارة اإلسكندرية‪ .‬وحين عــاد محمود نامي بك‬ ‫عينه ابراهيم باشا‬ ‫جركس من فرنسا‬ ‫متخص ًصا في الهندسة والرياضيات ّ‬ ‫ّ‬ ‫حاكما على بيروت‪ .‬ومــن البعثات إلــى إنكلترا حكاكيان بك‬ ‫سنة ‪1833‬‬ ‫ً‬ ‫الــذي تخصص ثماني سنوات في األعمال الهندسية‪ ،‬ولــدى عودته سنة‬ ‫مهندسا لمصنع الــورق وأشــرف على بناء االستحكامات في‬ ‫‪ُ 1836‬ع ِّي َن‬ ‫ً‬ ‫اإلسكندرية‪.‬‬ ‫‪ .1‬المعمار باشي أو «شيخ البنائين» في بيروت‬

‫‪84‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫جاء في وثائق محكمة بيروت الشرعية أن َمن كانوا يقومون بالبناء‬ ‫المتوارثة من جيل إلــى جيل‪.‬‬ ‫ويشرفون عليه‪ ،‬هم من أصحاب الخبرة‬ ‫َ‬ ‫فكان ‪‬المعمار باشي‪ ‬أو ‪‬شيخ المعماريـين‪ ‬بمثابة المهندس أو رئيس‬ ‫المهندسين‪ .‬وكان أكثر هؤالء من محلتَ ي المزرعة والمصيطبة في بيروت‪ ،‬وهم‬ ‫من الــروم األرثــوذكــس المتأثرين‬ ‫بالفن البيزنطي‪ .‬وكــان يستعان‬ ‫برأيهم عند حصول منازعة بين‬ ‫ال ـج ـيــران ح ــول الـبـنــاء وال ـحــدود‬ ‫وحقوق االرتفاق‪ ،‬أو عند حصول‬ ‫مقاسمة بين الشركاء‪ .‬وكان لقب‬ ‫‪‬المهندس‪ ‬أقرب إلى صانع فني‪،‬‬ ‫مقاول يخطط البناء ويشرف على‬ ‫ٍ‬ ‫تنفيذه فــي الــوقــت نفسه‪ .‬وكــان‬ ‫ساد‬ ‫معلمو البناء خاضعين‬ ‫ٍ‬ ‫لنمط َ‬ ‫الحرف والمهن في بيروت‬ ‫نظام ِ‬ ‫َ‬ ‫إبـ ــان ال ـع ـصــر ال ـع ـث ـمــانــي‪ ،‬يشبه‬ ‫النمط السائد فــي بقية المدن‬ ‫وال ـعــواصــم ال ـعــرب ـيــة‪ ،‬الـمـعــروف‬ ‫ب ـن ـظ ــام الـ ـط ــوائ ــف واألص ـ ـنـ ــاف‬ ‫وأرباب الصنايع وأصحاب المهن‬ ‫وأهل الحرف‪.‬‬ ‫قناطر بيت السردوك في البسطة التحتا‬ ‫أقد ُم ما عثرنا عليه في تنظيم‬ ‫َ‬ ‫من أعمال شيخ البنائين‬ ‫ِح َرف بيروت‪ ،‬يرقى إلى النصف‬


‫مقاسمة بحضور المعلم حنا زعزوع شيخ البنائين ‪1850‬‬

‫‪ 99‬لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ – 364‬أيار ‪1881‬؛ ثمرات الفنون‪ ،‬عدد ‪ – 618‬شباط ‪.1887‬‬ ‫‪ 1 10‬سجل ‪ ،69/65‬ص‪103 .‬‬

‫‪85‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫‪ .2‬محتويات البناء وكلفة إِنشائه‬ ‫عن سجالت محكمة بيروت الشرعية ّأن بين شيوخ مهنة العمار‪ :‬المعلم‬ ‫حنا زعزوع شيخ البنائين لسنة ‪1267‬ه‪1850/.‬م‪ 10.‬وكان المعلم الياس شاهين‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫اآلخر من القرن التاسع عشر‪ ،‬وهو مأخوذ من بعض وثائق محكمة بيروت‬ ‫َ‬ ‫الشرعية المحفوظة منذ سنة ‪ ،1843‬ومن بعض قــرارات مجلس بلدية‬ ‫بيروت منذ سنة ‪.1858‬‬ ‫ً‬ ‫شيوخا‬ ‫فسنة ‪ 1881‬اختار المجلس البلدي في بيروت‪ ،‬ألرباب الحرف‪،‬‬ ‫وكلف كـ ً‬ ‫يسألون عنهم‪ّ ،‬‬ ‫ـا منهم تقديم دفتر بأسماء التابعين لصنعته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومحال إقامتهم‪ .‬بعد انتقادات لحقَ ت هذا‬ ‫وبيان أعمارهم وأسماء والِ ِديهم‬ ‫التعيين‪ ،‬لجأ المجلس البلدي الى النمط الديمقراطي فينتخب ُ‬ ‫أهل كل‬ ‫صنف ً‬ ‫وحددت فترةُ‬ ‫وح ْسن السلوك‪ُ .‬‬ ‫شيخا من صنفهم معروفً ا باالستقامة ُ‬ ‫االنتخاب من ‪ 4‬أيار‪/‬مايو الى ‪ 2‬حزيـران‪/‬يونيو ‪ 1881‬على فترتين صباحية‬ ‫ومسائية‪ ،‬ومن الفئات التي حددت لها مواعيد انتخاب‪ :‬شيوخ العاملين في‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫المرخمون‪،‬‬ ‫المبلطون‪،‬‬ ‫الكالسون‪،‬‬ ‫الرمالة‪،‬‬ ‫مجال قطاع البناء‪ :‬الدهانون‪ّ ،‬‬ ‫المورقون‪ ،‬النجارون‪ .‬وسنة ‪ 1887‬فرضت البلدية‬ ‫المعمارية‪ ،‬المقلعجية‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫مصدقة من‬ ‫ضرورة االستحصال على رخصة منها تُ جيز ممارسة الصنعة‬ ‫َّ‬ ‫شيخ حرفته على أهليته لذلك‪.9‬‬


‫صباغة المعمار باشي سنة ‪1292‬ه ـ ــ‪1875/.‬م‪ ،11.‬والمعلم فضول ابراهيم‬ ‫ّ‬ ‫‪12‬‬ ‫حبيب جنحو المعمار باشي بين سنتي ‪1311-1308‬هـ‪1893-1890/.‬م‪.‬‬

‫‪86‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬ ‫كشف بحضور المعلم الياس بن شاهين صباغة معمار باشي ‪1875‬‬

‫الستبيان كلفة البناء وأجور اليد العاملة‪ ،‬نعود إلى وثيقة من ‪ 24‬جمادى‬ ‫األولى سنة ‪1291‬هـ ــ‪1874/.‬م‪ .‬توضح منازعة في المجلس الشرعي بين‬ ‫ّ‬ ‫المعلم نعمة بن جرجس طنوس حطب والخواجا سليم الشامي بن نقوال‬ ‫عمر للخواجا سليم في أرضــه الكائنة‬ ‫الرومي‪َّ ،‬‬ ‫مؤداها أن المعلم نعمة ّ‬ ‫وبابا‪ ،‬وللغرفة‬ ‫في حي القنطاري ما يلي‪ :‬عمل للبيت المذكور شباكً ا ً‬ ‫بابا‪ .‬رفع سقف العلية الواقعة قبلي داره القديمة بمقدار ذراع ونصف‬ ‫ً‬ ‫‪ 1 11‬سجل ‪ ،92/1291‬ص‪.103 .‬‬ ‫‪ 112‬سجل ‪ 1310/1308‬و هـ ‪125‬؛ وسجل ‪ 1314/1310‬ص‪.46 .‬‬


‫‪87‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫حديدا وأربعة شبابيك وبابين‪ ،‬وعمل‬ ‫سقفا‬ ‫بناها باألحجار‪ ،‬وعمل لها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫بابا وشباكً ا بقيا بال تركيب في األوضة العلوية القديمة الواقعة‬ ‫ً‬ ‫أيضا ً‬ ‫عمر التصوينة في الجانب الغربي من األرض‪.‬‬ ‫المذكورة‪.‬‬ ‫العلية‬ ‫شمالي‬ ‫ّ‬ ‫عمل بوابتين‪ ،‬إحداهما ببالط فرني والثانية بحجر رملي بأغالق خشب‪.‬‬ ‫بلّ ط فسحة الدار السفلية الراكبة عليها دار سليم ببالط فرني ورخام‪.‬‬ ‫أصلح المصطبتين الواقعتين أسفل الدار العلوية‪ .‬بنى له السلم الحجر‬ ‫الفرني الذي هو سبعة وعشرون درجة‪ ،‬والسفرة المصعد منها إلى ممشى‬ ‫الــدار العلوية‪ .‬بنى الــدار العلوية التي هي سبعة أماكن وفسحة‪ ،‬منها‬ ‫خمسة أماكن‪ ،‬وفسحة مسقوفة باألخشاب والطوان والقرميد‪ ،‬واثنان‬ ‫مسقفان باألخشاب‪ .‬عمل باألماكن السبعة المذكورة األبواب الدغلمة‬ ‫بابا من الخشب والخزانة والشبابيك التي هي عشرون‬ ‫التي هي أحدعشر ً‬ ‫شباكً ا‪ ،‬منها سبعة عشر بأباجور وسياخ حديد‪ ،‬واثنان بدون إغالق وال‬ ‫عمر بالدار العلوية مرتفقين‪،‬‬ ‫سياخ‪ ،‬واثنان بأغالق خشب وسياخ حديد‪ّ .‬‬ ‫وبلّ طهما بالرخام‪ ،‬وجعل لهما بابين من خشب‪ .‬بلط الفسحة العلوية‬ ‫بالبالط الــرخــام‪ .‬عمل الواجهة الشمالية وب ــرواز األخـشــاب التي بها‪،‬‬ ‫ووضع له بها هذين العامودين الرخام‪ .‬عمل الممشى الذي أمام الواجهة‬ ‫المذكورة بثالثة سفورة حديد وأخشاب‪ .‬عمل للدار العلوية ثالث عشرة‬ ‫مبوقة بخشب وزجــاج‪ ،‬والقماري الثالث المعجمات بخشب بال زجاج‪.‬‬ ‫وأوضح المعلم نعمة حطب أن جميع ما احتاجت إليه تلك األبنية من‬ ‫حجر وطين وأخشاب وحديد وبالط وقرميد وزجاج وكتان وكلس ورمل‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫مقاسمة بحضور معمار باشي فضول بن ابراهيم حبيب جنحو‬ ‫والمعلم اندراوس بن متري فواز ‪1891‬‬


‫وماء بلغ خمسة وأربعين الف قرش وأن أجرة الفعلة والمعلمين لِ َما ذكر‬ ‫بلغت خمسة االف قرش‪.13‬‬ ‫وتولى ِّ‬ ‫معلما العمار طنوس سمعان وكنعان رزق سنة ‪ 1891‬إعادة بناء‬ ‫ِّ‬ ‫المعلمان‬ ‫كنيسة مار الياس في محلة المصيطبة‪ .‬واشتهر في سنة ‪1880‬‬ ‫ابراهيم شمشوم ومتري غالم‪.‬‬ ‫‪ُ .3‬قدامى المهندسين في بيروت‬

‫‪88‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫أقـ ـ ــدم إش ـ ـ ــارة لِ ـ َـل ـف ـظــة‬ ‫‪‬الـ ـمـ ـهـ ـن ــدس‪ ‬وردت في‬ ‫وثيقة ترقى إلى آخر شعبان‬ ‫‪1279‬ه ـ ـ ـ ـ ــ‪1862/.‬م‪ ،.‬حــول‬ ‫مقاسمة دار بين مالكيها‪،‬‬ ‫فـ ـك ــان مـ ــن شـ ـه ــود الــح ــال‬ ‫‪‬ف ـت ــوت ـل ــو ن ـج ـيــب أف ـن ــدي‬ ‫ً‬ ‫حاال‪ ‬دون‬ ‫مهندس بيروت‬ ‫أن ُي ـ ـعـ ـ َـرف م ــا ال ـم ـق ـصــود‬ ‫بـ ‪‬مهندس بيروت‪َّ ‬‬ ‫إال إذا‬ ‫فترتئذ هــو المهندس‬ ‫كــان‬ ‫ٍ‬ ‫‪14‬‬ ‫الوحيد في المدينة ‪ .‬وفي‬ ‫اآلخـ ــر مــن الـقــرن‬ ‫الـنـصــف َ‬ ‫التاسع عشر ذاعــت شهرة‬ ‫ي ــوس ــف أفـ ـن ــدي ال ـخ ـيــاط‬ ‫الذي ُو ِص َف بأنه ‪‬مهندس‬ ‫بـ ـل ــدي ــة ب ـ ـ ـيـ ـ ــروت‪ ،‬وكـ ــان‬ ‫ِع ـلـ ُـم الهندسة بــدأ يحظى‬ ‫بــاالهـتـمــام‪ ،‬كما يظهر من‬ ‫ـص للشيخ الشاعر قاسم‬ ‫نَ ـ ٍّ‬ ‫أب ــو الـحـســن الكستي سنة‬

‫بشارة أفندي بن الياس بن انطون مهندس والية بيروت‬ ‫ومعاونه فيكن آق شهرليان ‪1892‬‬

‫‪ 113‬سجل ‪ 92/291‬ص‪ .12 .‬الطوان‪ :‬هيكل خشبي َّ‬ ‫يركب عليه القرميد‪ .‬واألباجور‬ ‫درفات الشبابيك من قطع خشبية صغيرة لدخول النور؛ سفورة جمع سفر أو زفر وهو‬ ‫حجر بارز عن الحائط َّ‬ ‫تعلق عليه قنطرة أو كشك؛ مبوقة‪ :‬من بوقة‪ ،‬مدورة‪ .‬القماري‪:‬‬ ‫َ‬ ‫دخول النور‪.‬‬ ‫قمريات مفردها قمرية نافذة عالية في الجدار تتيح‬ ‫‪ 114‬سجل ‪ ،1279‬ص‪.131 .‬‬


‫متصرف جبل لبنان داوود باشا (‪ )1868–1861‬استدعى المهندسين‬ ‫بمترجمين‪ .‬وفرنكو باشا‬ ‫الفرنسيين ألفونس المبير ومسيو هدن‪ ،‬وأرفقهما‬ ‫َ‬ ‫(‪ّ )1873–1868‬‬ ‫شكل لجنة لألشغال العامة دعاها قومسيون إدارة النافعة‬ ‫ناظرا للطرقات‪ ‬وجــاء في قــرار تعيينه‬ ‫وع َّين ‪‬المعلم يوسف سماحة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫من مجلس اإلدارة‪ :‬بعد المذاكرة مع قومسيون إدارة النافعة ُر ِؤ َي أن‬ ‫المصلحة ال تحتاج إلــى كثرة المهندسين‪ ،‬بل يكفيها مهندس واحد‬ ‫هو المعلم يوسف سماحة‪ .‬وكان من األجانب المهندسان مسيو هدن‬ ‫ِّ‬ ‫المعلمون متري رستم الشويري وطنوس‬ ‫وفيشان آغــا‪ ،‬ومــن الملتزمين‬ ‫التقدم‪ ،‬عدد ‪ 47‬سنة ‪.1881‬‬ ‫‪ 115‬‬ ‫ُّ‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪ .4‬مهندسو متصرفية جبل لبنان‬

‫‪89‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫‪ 1881‬جاء فيه‪ :‬ال يخفى أن أنواع العلوم كثيرة‪ ،‬منها علْ ُم الهندسة الذي‬ ‫ُي ْب َحث به عن مقادير الطول والعرض والعمق‪ .‬وقد ظهرت منافعه في‬ ‫هذه األيام‪ ،‬وأخذ يتقدم في جميع الممالك‪ ،‬فتحسنت األبنية والطرق‪،‬‬ ‫وتحصنت بأسبابه األقاليم والبالد‪ ،‬وارتاحت النفوس ْ‬ ‫بتأثيراته في األماكن‬ ‫والمحالت‪ ،‬وأزالت مضرات كثيرة لواله لتَ َح َّملَ ها الناس‪ .‬ومن أمعن النظر‬ ‫في غايته‪ ،‬رأى به العجائب الناشئة عن استعمال الخطوط المستقيمة‬ ‫والمنحنية وأنواع الزوايا والدوائر على هيئات مختلفة‪ ،‬وعرف ما يستحقه‬ ‫أربابه من التكريم ألنهم بذلوا جهدهم بتعلُّ م هذا الفن‪ ،‬وأظهروا ثمراته‬ ‫ُ‬ ‫متواريا تحت حجاب الغفلة وعناكب النسيان‪.‬‬ ‫لفضاء العالم بعدما كان‬ ‫ً‬ ‫ومن جملة فوائده‪ :‬جلْ ُب الماء البعيد بطريقة سهلة الى محل لزومه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وسلوك العجالت النارية والخيلية في أماكن ما كان قبلها يرجى سلوكها‬ ‫وتقدم به‪ :‬جناب‬ ‫ومــن برع بهذا الفن‬ ‫َّ‬ ‫نظرا لصعوبتها وعسرها‪َ .‬‬ ‫فيها ً‬ ‫يوسف أفندي الخياط مهندس الدائرة البلدية في بيروت الــذي أبدى‬ ‫فيه غرائب تدقيقات وأشكال كانت في غاية األشكال‪ ،‬وتَ شهد له أعماله‬ ‫– التي أظهرها في محل مأموريته – بأنه من المتقدمين في صناعته‪،‬‬ ‫المجسمات‬ ‫لكشف غــوامــض‬ ‫ـان ْ‬ ‫والماهرين فــي براعته التي هــي بــرهـ ٌ‬ ‫َّ‬ ‫األفالطونية‪ ،‬وحيث أن من ينفع الناس يستحق الشكر منهم‪ ،‬حررت‬ ‫لح ِّقه‬ ‫هذه المقالة‬ ‫وشكرا له على تلك األعمال‪ .15‬ومن معاوني‬ ‫ً‬ ‫إيجابا َ‬ ‫ً‬ ‫مهندس الوالية بشارة أفيديسيان سنة ‪ 1882‬في‬ ‫المهندس يوسف الخياط‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بناء السراية الصغيرة في البرج‪.‬‬


‫خنيصـر والياس خوري والياس زغيب وأنطوان سعادة‪ .16‬وفي سنة ‪1877‬م‪.‬‬ ‫والمتصرف رستم باشا (‪ )1883–173‬طلب الــى مهندس المتصرفية‬ ‫بناء ُه‬ ‫‪‬استوخلي‪ ‬أفندي‬ ‫َ‬ ‫تصميم جسر نهر بيروت (جسر الباشا)‪ .‬والتزم َ‬ ‫أمر المتصرف‬ ‫‪1879‬‬ ‫وسنة‬ ‫الخوري‪.‬‬ ‫طانيوس‬ ‫أسعد‬ ‫المعلم‬ ‫البنّ ُاء الشويري‬ ‫َ‬ ‫معمارية متوسطي الصناعة لكل ناحية (مديرية) من أنحاء‬ ‫معلمين‬ ‫بتعيين ِ‬ ‫ّ‬ ‫‪17‬‬ ‫جبل لبنان ‪.‬‬ ‫‪ .5‬تدريس كتاب االصول الهندسية‬

‫‪90‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫سنة ‪ 1857‬صدر كتاب ‪‬األصــول الهندسية‪ ‬للدكتور كرنيليوس فان‬ ‫ديك الذي َ‬ ‫ذك َر عن غايته منه ‪‬لما رأيت افتقار المدارس في هذه البالد‬ ‫اعتنيت بترجمة‬ ‫الــى كتب هندسية بها تتم الفائدة المقصودة منها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا الكتاب المفيد المشتمل على كتب أقليدس الستة ومضافات أخرى‬ ‫في تربيع الدائرة وهندسة األجسام وأصول قياس المستويات المستوية‬ ‫تدريس هذا الكتاب لتالمذة السنة الخامسة في المكتب‬ ‫والكروية‪ .18‬تَ َّم‬ ‫ُ‬ ‫السلطاني العالي للتعليم الثانوي في بيروت (أسسه مدحت باشا سنة‬ ‫وكتاب فان ديك ِّ‬ ‫يذكرنا بكتاب وضعه سنة ‪990‬م‪ .‬أبو الوفاء‬ ‫‪.19)1879‬‬ ‫ُ‬ ‫محمد بن محمد البوزجاني المهندس عنوانُ ُه ‪‬في ما يحتاج اليه الصناع‬ ‫تصرف أصحاب المهن والصناعة‪.20‬‬ ‫من أعمال الهندسة‪ ‬ووضعه في ُّ‬ ‫‪ .6‬تحوالت العمارة نحو التغريب‬ ‫ذات عالقة بثقافة مهندسين‬ ‫الت التي طرأت على طراز العمارة‪ُ ،‬‬ ‫التحو ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ومعماريين ّ‬ ‫خططوا مشاريع البناء بعد انحسار معلمي عمار اكتسبوا خبرتهم‬ ‫ممن سبقهم من خريجي مديرية اسطنبول أو من توسكانا‪.‬‬ ‫في أيام إبراهيم باشا بدأت بيروت منذ ‪ 1832‬تتسع‪ ،‬ويتكاثر البناء‬ ‫السور‪ ،‬لذا‬ ‫في أماكن كانت خارج السور‪ ،‬وبدأ البناء في‬ ‫َ‬ ‫أماكن قريبةٍ من ُ‬ ‫‪ 116‬أسد رستم‪ ،‬لبنان في عهد المتصرفية‪ ،‬ص‪.139 .‬‬ ‫‪ 117‬أسد رستم‪ ،‬لبنان في عهد المتصرفية‪ ،‬ص‪.204 ،202 .‬‬ ‫‪ 118‬يوسف قزما الخوري‪ ،‬د‪ .‬كرنيليوس فان ديك ونهضة الديار الشامية العلمية في‬ ‫القرن التاسع عشر‪ ،‬ص‪.112 .‬‬ ‫‪ 119‬أسد رستم‪ ،‬لبنان في عهد المتصرفية‪ ،‬ص‪.265 .‬‬ ‫‪ 220‬حكمت عبد الرحمن‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم عند العرب‪ ،‬ص‪.157 .‬‬


‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪ 221‬هو ابن محمود نامي بك (حاكم بيروت بين ‪ 1832‬و‪.)1840‬‬ ‫‪ 222‬لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ 160‬و ‪ – 161‬أيار ‪1879‬؛ لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ – 542‬شباط‬ ‫‪.1883‬‬ ‫‪Gebran Yacoub, Histoire de L’architecture au Liban 1875–2005, 1882. 223‬‬

‫‪91‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫كثر البناء فــي المصيطبة‬ ‫وزق ــاق الـبــاط والقنطاري‬ ‫والصيفي والقيراط (ساحة‬ ‫ال ـ ــدب ـ ــاس)‪ ،‬وبـ ـع ــد خـ ــروج‬ ‫ابراهيم باشا اتسع العمران‬ ‫خ ــارج المدينة بين ‪1840‬‬ ‫و‪ 1876‬بعدما زالت األسوار‬ ‫يتبين أن‬ ‫‪،‬‬ ‫فترتئذ‬ ‫ت‬ ‫نشب‬ ‫وأبنية‬ ‫اإلنشائية‬ ‫األعمال‬ ‫واألبـراج‪ .‬ومن مراجعة‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫بين من خططوا لها ونفَّ ذوها تلقَّ وا في الغرب علوم الهندسة والعمارة‪.‬‬ ‫مهندس‬ ‫وسنة ‪ 1879‬قرر مجلس بلدية بيروت تجميل ساحة البرج فتولى‬ ‫ُ‬ ‫رسم خريطة حديقة وسط‬ ‫‪‬والية سورية‪( ‬منذ ‪ )1874‬بشارة أفيديسيان ْ‬ ‫كالبركة وسطها‪ ،‬وتركيب‬ ‫الساحة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مستوحيا شكلها من حدائق مصر وتركيا‪ُ ،‬‬ ‫كشك خشبي تَ عزف فيه فرقة موسيقية‪.‬‬ ‫‪21‬‬ ‫وكان رئيس المجلس البلدي فخري بك‬ ‫ماهرا في علم الهندسة‪ ،‬وجــال في األقطار‬ ‫ً‬ ‫األوروبـيــة‪ ،‬وشاهـ ــد ما فيها من إصالحات‪،‬‬ ‫فــاسـتـجـلــب م ــن أوروب ـ ــا مـصــابـيــح كهربائية‬ ‫اكتتابا لتغطية نفقات‬ ‫إلنــارة الساحة‪ ،‬وفتح‬ ‫ً‬ ‫المشروع‪ .‬وكان بين المساهمين في المشروع‪:‬‬ ‫المعمار باشي الياس صباغة‪ ،‬وكــان فخري‬ ‫تقليدا لحديقة األزبكية‬ ‫بــك يريد الحديقة‬ ‫ً‬ ‫في القاهرة‪ .22‬وتولى بشارة أفيديسيان سنة‬ ‫‪ 1882‬وض ــع تصميم ال ـســراي الصغير في‬ ‫ساحة الب ــرج‪ .‬وفي السنة ذاتها بدأت مدرسة‬ ‫اسطنبول للفنون الجميلة تتبنّ ى ً‬ ‫نمطا‬ ‫غربيا بشارة أفيديسيان مهندس والية بيروت‬ ‫ًّ‬ ‫مهندس مبنى السراي الصغير‬ ‫َّأثر على العمارة في الدول العربية‪.23‬‬ ‫عن صحيفة ثمرات الفنون أن عدد خريجي دار الهندسة البرية في‬ ‫ً‬ ‫ضابطا منهم‪ :‬ثالثة بدرجة ‪‬يوزباشي ممتاز‪‬‬ ‫اسطنبول سنة ‪ 1902‬بلغ ‪71‬‬ ‫بينهم خالد أفنـدي (الحموي)‪ ،‬و‪ 9‬بدرجة مــازم من صنف االستحكام‬


‫بينهم اسماعيل أفندي (الحلبي)‪ ،‬وبدرجة ضابطة قلعة ‪ 14‬بينهم أمين‬ ‫افندي (الدمشقي) ومصطفى أفندي (الحلبي)‪ ،‬وبدرجة مدفعي سيار ‪46‬‬ ‫بينهم حسني أفندي (الحموي) وعارف أفندي (الدمشقي)‪ .‬وخريجو دار‬ ‫عامئذ بلغوا تسعة طالب بعد إكمالهم االختبار النهائي‪،‬‬ ‫الهندسة الملكية‬ ‫ٍ‬ ‫‪24‬‬ ‫بينهم سعيد أفندي من القدس الشريف ‪.‬‬

‫‪92‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬ ‫كشف على عقار من عارف أفندي مأمور أبنية دائرة بيروت ‪1866‬‬

‫سنة ‪ 1893‬نال يوسف أفتيموس شهادة الهندسة المدنية من الواليات‬ ‫مصمم برج الساعة العربية في ساحة السراي‬ ‫المتحدة األميركية‪ .‬وهو‬ ‫ّ‬ ‫الكبير‪ ،‬وسنة ‪ 1900‬صمم السبيل الحميدي في ساحة السور (ريــاض‬ ‫وحاليا في حديقة الصنائع)‪ .‬وسنة ‪ 1920‬صمم مع فؤاد قزح بناء‬ ‫الصلح –‬ ‫ًّ‬ ‫المسماة تجاوزً ا‬ ‫(حاليا عند زاوية السوديكو‪ :‬بناية بركات‪‬‬ ‫مبنى القناطر‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 224‬ثمرات الفنون‪ ،‬عدد ‪ ،1407‬تاريخ ‪ ،902/12/1‬ص‪.4 .‬‬


‫المهندسون الذين درســوا الهندسة في أميركا وأوربــا تأثروا بالثقافة‬ ‫الغربية‪ ،‬ومن تخرجوا من كلية الهندسة لدى الجامعة األميركية أو كلية‬ ‫الهندسة لدى جامعة القديس يوسف في بيروت‪ ،‬تلقَّ وا العلم على أساتذة‬ ‫تغي َرت أقسام البيت ووظائف محتوياته وتقسيماته‪ ،‬وتجلى ذلك‬ ‫أجانب‪ ،‬لذا َّ‬ ‫في وظيفة الممر الداخلي ونقل الحمام والكنيف من خارج البيت الى داخله‪.‬‬ ‫‪2 25‬‬ ‫‪ 226‬ثمرات الفنون‪ ،‬عدد ‪ ،1011‬كانون الثاني ‪.1895‬‬ ‫‪Gebran Yacoub, Histoire de L’architecture au Liban 1875 –2005, 1894. 227‬‬ ‫‪Gebran Yacoub, Histoire de L’architecture au Liban 1875 –2005, 1896, 228‬‬ ‫‪Gebran Yacoub, Histoire de L’architecture au Liban 1875 –2005, 1893.‬‬

‫‪1906.‬‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪ .7‬تأثُّر العمارة بالثقافة الغربية‬

‫‪93‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫‪‬ب ـيــت بـ ـي ــروت‪ .)‬وس ـنــة ‪1923‬‬ ‫صمم مبنى المجلس البلدي في‬ ‫َّ‬ ‫صمم مبنى‬ ‫‪1929‬‬ ‫وسنة‬ ‫بيروت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التياترو الكبير‪.25‬‬ ‫سنة ‪ُ 1892‬ح َّل مجلس بلدية‬ ‫نهيت خدمات مهندس‬ ‫بيروت ُوأ َ‬ ‫البلدية‪ُ ،‬‬ ‫وعـ ِّـيــن أمين عبد النور الساعة العربية من أعمال يوسف أفتيموس‬ ‫مهندسا لها فاشترك مع إسحق‬ ‫ً‬ ‫لــوي مفتش الــزراعــة في ‪‬واليــة ســوريــة‪ ‬سنة ‪ 1895‬في تخطيط موقع‬ ‫غربي بيروت‪ .‬درس التربة واقترح وسائل ناجعة لمنع تقدم الرمال‬ ‫الرمل‬ ‫ّ‬ ‫‪26‬‬ ‫الى المناطق الداخلية في المدينة ‪ .‬ترجم أمين عبد النور الى العربية‬ ‫قوانين البناء العثمانية‪ .‬وفي تلك المرحلة كانت أهم األبنية من تصميم‬ ‫مهندسين أجانب‪ .‬سنة ‪ 1894‬صمم المهندس اإليطالي جيوزبي ماجوري‬ ‫كاتدرائية مار جرجس المارونية في شارع األمير بشير‪ .27‬وسنة ‪1896‬‬ ‫باشر تيوفيل فاالميار بحث إنشاء مــأوى األمــراض العقلية العصفورية‪،‬‬ ‫وسنة ‪ 1906‬صمم المهندس المعماري الفرنسي مبنى البنك العثماني في‬ ‫المرفأ‪ ،28‬وسنة ‪ 1913‬تم تدشين فرع في الجامعة األميركية للتخصص في‬ ‫افتتح سنة ‪ ،1920‬وسنة ‪ 1919‬أنشئت مدرسة الهندسة‬ ‫الهندسة المعمارية ُ‬ ‫العليا في بيروت لدى جامعة القديس يوسف‪ ،‬وكان التسجيل فيها بدأ منذ‬ ‫‪.1913‬‬


‫دارا في البسطة الفوقا وأنشأ البلكون الدائري‬ ‫وحين بنى عمر رمضان ً‬ ‫َ‬ ‫الخارجي وزينه بأعمدة الرخام ّ‬ ‫وبلط الدار بالرخام‪ ،‬جعل الحمام والكنيف‬ ‫َ‬ ‫جوا سخام‪.‬‬ ‫ومن‬ ‫رخام‬ ‫ا‬ ‫بر‬ ‫‪‬من‬ ‫ل‪:‬‬ ‫المث‬ ‫داخل الدار‪ ،‬فدرج بين البيارتة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وكان معماريو بيروت يجعلون مطبخ البيت ومنتفعاته في الجهة الشرقية‬ ‫صباحا فيه‪ .‬وعند الشروع‬ ‫شتاء‪ ،‬لقضاء المرأة وقتها‬ ‫المكشوفة للشمس‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ببناء مبنى كلية الحرج في محلة البربيـر‪ ،‬اختلف أعضاء جمعية المقاصد‬ ‫َ‬ ‫ولحظ عمر الداعوق ذاك الموقع‬ ‫الخيرية اإلسالمية في موقع المطبخ‪،‬‬ ‫ً‬ ‫مدرسة يكون جاهزً ا لتأجيره‪.‬‬ ‫مبررا بأن بأن عند إشغال المبنى واستعماله‬ ‫ً‬ ‫والمعمار في بيروت خصص غرف النوم غربي البناء كي تدخلها الشمس‬ ‫شتاء‪ ،‬وصيفً ا يدخلها نسيم الهواء الغربي المسمى ‪‬الهواء الحنون‪.‬‬ ‫ً‬

‫‪94‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫أقسام البيت البيروتي القديم‬ ‫والغرفة المعروفة كمنزول‬

‫مبنى مدرسة كلية المقاصد‬ ‫الحرج –‪1920‬‬


‫‪ .8‬المهندس و«المهندز» بين العامة والخاصة‬

‫‪ 2 29‬سليم سالم‪ ،‬المذكرات‪ ،‬ص‪.113 .‬‬ ‫‪ 330‬حسن الكرمي‪ ،‬قاموس الهادي الى لغة الغرب‪.‬‬

‫‪95‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫وتحوالتها‬ ‫‪ .9‬تطور العمارة في بيروت‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫ملجأ لإلنسان من عواصف الطبيعة‬ ‫لم تقتصر العمارة على كونها‬ ‫ً‬ ‫وهوى لفؤاده‪ ،‬ومتعة لعيشه‪،‬‬ ‫وأخطار العدو‪ ،‬لكنها‬ ‫تعبير عن خصوصيةٍ‬ ‫ً‬ ‫ٌ‬ ‫يأنس بها لشكل بيته وألحجاره وعقوده ونوافذه وقمرياته وسقفه وأخشابه‬ ‫وحديقته وبركة مائه وشجرات الليمون والنارنج وشجيرات الفل والياسمين‬ ‫تمتع بأمواج البحر موجة‬ ‫والنرجس‪ .‬إذا جلس عند الواجهة الشمالية ّ‬ ‫الهواء الغربي الحنون‪.‬‬ ‫خديه‬ ‫ولفح ّ‬ ‫تالحق موجة‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫المعماري في بيروت على هذه األشكال وما‬ ‫كان من الطبيعي أن يحافظ‬ ‫ُّ‬ ‫ُّ‬ ‫رغ َم‬ ‫تبثه من شحنات عاطفية قبل أن تدهم الثقافات الغربية‬ ‫المجتمع وتُ ِ‬ ‫َ‬ ‫التكيف مع قيمها وموادها‬ ‫المعماري على مواكبة الموجات اآلتية‪ ،‬وعلى‬ ‫ُّ‬ ‫من دون إهمال الهوية الذاتية ووجدانية المجتمع‪ .‬وإذا كانت العالقة بين‬ ‫تتحول مع الزمن شحنة‬ ‫اإلنسان والمكان تبدأ من طلب المنفعة‪ ،‬فإنها‬ ‫َّ‬ ‫عاطفية ووجدانية بما تختزنه الذاكرة من وقائع وأحــداث‪ .‬والمعماريون‬ ‫مسؤُ ولون عن الواقع الذي يوجدونه على األرض وعن التوافق بين أعمالهم‬ ‫وبين حقوق الفرد والجماعة‪.‬‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪‬عمر‬ ‫المهندس لدى العامة هو معلم العمار‪ ،‬كما غنى وديع الصافي ّ‬ ‫يغن للمهندس‪ .‬وتُ ــردد العامة لفظة‬ ‫يا معلم العمار وعلي حارتنا‪ ‬ولم ِّ‬ ‫‪‬المهندز‪ ‬بدل المهندس لسهولة لفظ الزاي على السين في آخر الكلمة‪،‬‬ ‫أيضا وال ّ‬ ‫يدل قائلها على عاميته‪.‬‬ ‫مع أن ‪‬المهندز‪ ‬لفظة فصيحة ً‬ ‫في مذكرات سليم علي سالم (أبي علي) أن الوالي ّكلف التاجر محمد‬ ‫رئيسا للمجلس البلدي بالوكالة فتردد هذا بالقبول ألنه (كما قال أبو‬ ‫أياس ً‬ ‫شبه ّأمي ال يمكنه القيام بذلك‪ُ .‬عرض ذلك على الرئيس المكلف‬ ‫علي) ُ‬ ‫فاستشار أبا علي الذي أشار عليه بإحالتها الى المهندس‪ .‬وكتب أبو علي‬ ‫أن الرئيس المذكور كتب على المعاملة‪ :‬تحال الى المهندز‪ .29‬مع أن‬ ‫‪‬المهندز‪ً ‬‬ ‫لغة هو من يهندز للمباني والجسور وقنوات المياه (أي المهندس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫مضبوطا‪ ،‬وهو المقياس والمعيار‪.‬‬ ‫و‪‬هندز‪ ‬الرجل الشيء عمله حتى خرج‬ ‫‪30‬‬ ‫و‪‬هندس‪ :‬وضع الخرائط والتقديرات لبناء األبنية والجسور والمصانع ‪.‬‬ ‫َ‬


‫‪96‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫بمراحل بـ َ‬ ‫َ‬ ‫ـدأت في البيت من فسحة‬ ‫مرت العمارة في بيروت ولبنان‬ ‫وأزهارا نضرة فيشترك‬ ‫وأشجارا مثمرة‬ ‫تض ُّم بركة ماء‬ ‫سماوية مكشوفة ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتتوزع الغرف حول‬ ‫واألزهار‪،‬‬ ‫والماء‬ ‫والهواء‬ ‫السماء‬ ‫في‬ ‫السكان جميعهم‬ ‫َّ‬ ‫الفسحة‪ ،‬وتفتح عليها‪ ،‬وتشكل إحدى الغرف ً‬ ‫إيوانا للجلوس والسمر‪ُ ،‬ع ِرف‬ ‫في بيروت بـ ‪‬الليوان‪ ‬تحريفً ا لـ ‪‬اإليوان‪.‬‬ ‫والحقً ا َّتم سقف الفسحة السماوية بجسور من الخشب الكريش مغطاة‬ ‫رفت بـ ‪‬الدار‪ .‬ثم جرى وضع ثكنة‪ 31‬من هيكل خشبي ّ‬ ‫مغطى‬ ‫فع ِ‬ ‫بالطين ُ‬ ‫ّ‬ ‫المطلة على البحر‪،‬‬ ‫جدت الواجهة الشمالية بقناطرها الثالثة‬ ‫وو َ‬ ‫بالقرميد‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫بديال عن البلكون الداخلي الذي‬ ‫ووجد البلكون المطل على الخارج للجلوس‬ ‫ُ‬ ‫كان يطل على الفسحة السماوية الداخلية فقط‪.‬‬ ‫وفي مرحلة ثالثة ُأهملت القناطر والقمريات والعقود‪ّ ،‬‬ ‫وحل الباطون‬ ‫ّ‬ ‫ـاج الـغــامــق بــدل األباجور(تقليد‬ ‫المسلح محل الحجر الــرمـلــي‪ ،‬وال ــزج ـ ُ‬ ‫وألغي ترتيب الغرف فلم تعد تفتح على الــدار‪ .‬وغابت غرفة‬ ‫المشربية)‬ ‫َ‬ ‫األسرة من غرفة النوم وخدمات الحمام والخالء‬ ‫وتعدد‬ ‫الجلوس المشتركة ُّ‬ ‫ّ‬ ‫المشتركة‪ ،‬فغاب اجتماع الجماعة وضعفت الرابطة العائلية لمصلحة الفرد‬ ‫الشخصية‪ ،‬وبــات الممر في الــدار يلج منه أفــراد األســرة ٌّ‬ ‫كل الى غرفته‬ ‫ومنتفعاتها التي أصبحت ضمن الغرف من دون المرور بغرفة الجلوس وال‬ ‫معرفة َمن فيها وال ما يدور في البيت‪ .‬وتَ رافق ذلك مع تراجع العالقات‬ ‫السلطوية التقريرية لألب رب األسرة المتِّ صف بالحزم والجد‪ ،‬إنما دون أن‬ ‫تحرر الفرد وإظهار حقه في المناقشة وتقرير مصيره‪.‬‬ ‫يصل األمر الى حد ُّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫وتماسكه‪،‬‬ ‫سهل بناء األبراج وتعميق األساس‬ ‫استعمال الباطون‬ ‫المسلح َّ‬ ‫مكان الطريقة القديمة في حفر األساسات عن طريق الشق ووضع‬ ‫فح َّل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الترابة والحجارة (دبش)‪ .‬من هنا إطالق الشاعر عبد المعطي حجازي على‬ ‫أبنية الباطون لقب ‪‬أشجار االسمنت‪ .‬ويصح القول إن العمارة الحديثة‬ ‫َ‬ ‫خليط‬ ‫المساحيق الفاقعة وجهها وارتــدت‬ ‫كالمرأة المتبرجة التي غطت‬ ‫ُ‬ ‫ثياب ثمينة من بيوت األزيــاء الباريسية‪ ،‬إنما غاب عنها الــذوق واألناقة‬ ‫حتى لتبدو جميلة ولكنها باردة جامدة ال عاطفة فيها وال حرارة‪ .‬واللجوء‬ ‫أبراجا في الفضاء‪ ،‬أدى إلى خلل الشعور بالمساواة بين‬ ‫الى تعلية األبنية‬ ‫ً‬ ‫الناس‪ ،‬فالبناء األفقي أدفأ للعالقات في ما بينهم‪.‬‬ ‫عدم تمييز العامة بين معلم العمار والمهندس (كالخلط بين الطبيب‬ ‫ُ‬ ‫والحكيم) مصدره نظرة المجتمع الى دور المهندس كمعماري يراعي تراث‬ ‫‪ 331‬ثكنة ً‬ ‫نقال عن الثكنات التي أنشأها ابراهيم باشا لعساكره في بيروت سنة ‪1832‬‬ ‫(حاليا بين شارع المصارف ومبنى مجلس اإلنماء‬ ‫التكنات‬ ‫أو‬ ‫بالثكنات‬ ‫رفت‬ ‫في محلة ُع‬ ‫ًّ‬ ‫واإلعمار)‪.‬‬


‫‪ .10‬مواد البناء ومصادرها ظهور شركات المقاوالت‬

‫قطعة أرض في محلة المقالع في مزرعة المصيطبة ‪1864‬‬

‫‪97‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫تعددت مصادر مواد البناء‪ ،‬وكان البيروتيون يجلبون الحجر الرملي للبناء‬ ‫من مقالع المصيطبة والزيدانية‪ ،‬تتولى أرتال من الحمير نقله إلى مواضع‬ ‫الــورش‪ .‬من هذه المقالع ما ذكرته وثيقة مسجلة سنة ‪1266‬ه‪1849/.‬م‪.‬‬ ‫باع محمود وناصيف إبراهيم تلحوق بموجبها الى متري عبده سركيس ما‬ ‫سابقا‬ ‫يخصهما في ‪‬قطعة األرض الكائنة في مزرعة المصيطبة كانت‬ ‫ً‬ ‫مقلعا ألجل استخراج األحجار‪ .‬وكــان من جملة المقالع قطعة أرض‬ ‫ً‬ ‫مساحتها سبعة اآلف وثالثماية ذراع معروفة بالمقلع العتيق في مزرعة‬ ‫المصيطبة‪ ‬اشتراها ملحم بن ديــب الياس مطر من أن ــدراوس بطرس‬ ‫تصرف بها تسع عشرة سنة‪ ،‬ثم ْ‬ ‫استأجرها ميخائيل‬ ‫سلوم جنحو الذي كان َّ‬ ‫أحجارا‬ ‫أبي جبرا الشويري والياس الكريشاني لقلع األحجار فقلع منها‬ ‫ً‬ ‫كثيرة على ما أعلمتنا وثيقة منازعة حول األرض المذكورة حصلت سنة‬ ‫بعضا بالجص‬ ‫‪1298‬ه ـ ـ ــ‪1880/.‬م‪ .‬وكــانــت الـحـجــارة تلصق فــوق بعضها ً‬ ‫نخل) وهو للحجر كالمسمار للخشب‪.‬‬ ‫طحن ُوي َ‬ ‫حرق في أتون ُوي َ‬ ‫(جفصين ُي َ‬

‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫المجتمع وقيم أهله ومعتقداتهم‪ ،‬وليس مجرد واضــع تصاميم وحاسب‬ ‫ميز بين المهندس والمعماري‬ ‫كميات حديد وترابة وبحص فقط‪ .‬وأول من ّ‬ ‫قصرا‬ ‫له‬ ‫يشيد‬ ‫أن‬ ‫البصرة‬ ‫حاكم‬ ‫كان أبو الحسن ابن الهيثم حين طلب منه‬ ‫ً‬ ‫فاستأذن األمير بأن يضع التصميم الهندسي فقط‪ ،‬واعتذر عن اإلشراف‬ ‫مكر ًسا وقته للعلم‪.‬‬ ‫على عملية البناء ِّ‬


‫قريبا من األتونات الشهير برأس بيروت‬ ‫أرض تين الرمل ً‬

‫‪98‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫(جمعها أتاتين) واآلتون‬ ‫وكانت في بيروت القديمة محلة باسم ‪‬األتونات‪‬‬ ‫ُ‬ ‫موضع في حفرة من األرض َ‬ ‫توقد فيها النار لعمل الجير والجص وإعداده‬ ‫لخلطه مع الرمل في البناء‪ .‬وكان البيارتة يلفظونها ‪‬ياتون‪ ،‬وكانت تحفر‬ ‫إلى عهد قريب حفرة خاصة للكلس في الورش‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫سهم‬ ‫استعمال مواد البناء منذ أواخر القرن التاسع عشر في بيروت َأ َ‬ ‫فــي ظهور أنـمــاط جــديــدة مــن األبنية‪ .‬فسنة ‪ 1859‬بــدأت تــرد أخشاب‬ ‫للجسور وألواح من اللون األحمر اللقش برسم منجور البنايات الى محل‬ ‫‪‬ثابت إخوان وشركاهم‪ ‬في بيروت بأسعار أرخص من الخشب الوارد من‬ ‫األناضول ومن لبنان‪ .32‬وأشــارت صحيفة ‪‬حديقة األخبار‪ ‬إلى أن هذا‬ ‫النوع أحسن من الخشب القطراني‪ ،‬كما أشارت إلى ورود كمية من زيت‬ ‫الكاز األميركي‪ .33‬أما القرميد فكان يأتي من محل ‪‬جبشارد إخوان‪ ‬في‬ ‫مفض ًال في اآلستانة وفي دوائر الحكومة كما‬ ‫سان هنري بفرنسا‪ ،‬وكان‬ ‫َّ‬ ‫‪34‬‬ ‫أعلن أوغست دوبــان وشركاه في بيروت ‪ .‬وقد استوردت بيروت سنة‬ ‫مطلوبا لشدة‬ ‫‪ 1887‬مليون قطعة قرميد من فرنسا‪ .35‬وكان رخام كرارا‬ ‫ً‬ ‫بياضه ونعوميته‪ ،‬إال أن ارتفاع أسعاره جعلت البعض يستعيض عنه برخام‬ ‫سيرا فيتزا (قرب ليكورنا)‪ .‬لكن الخواجة ميخائيل عكه اتفق سنة‬ ‫وارد من ّ‬ ‫‪36‬‬ ‫‪ 1888‬مع السنيور أوغوستينو ماركيني على توريد رخام كرارا من مقالعه ‪.‬‬ ‫أما التمديدات الجديدة والمياه والقساطل والطلمبات فكانت سنة ‪1888‬‬ ‫‪ 3 32‬حديقة األخبار‪ ،‬عدد ‪.1859/8/11 ،84‬‬ ‫‪ 333‬حديقة األخبار‪ ،‬عدد ‪.1867 /11/4 ،85‬‬ ‫‪ 334‬لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،1106‬سنة ‪.1888‬‬ ‫‪Gebran Yacoub, Histoire de L’architecture au Liban 1875–2005, 1887. 335‬‬ ‫‪ 336‬لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،1123‬سنة ‪.1888‬‬


‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫‪3 37‬‬ ‫‪ 338‬‬ ‫‪ 339‬‬ ‫‪ 440‬‬ ‫‪ 441‬‬

‫لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،1032‬سنة ‪.1888‬‬ ‫لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،2035‬سنة ‪.1895‬‬ ‫لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،4121‬سنة ‪.1902‬‬ ‫لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،7486‬سنة ‪.1914‬‬ ‫لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،4533‬سنة ‪.1904‬‬

‫‪99‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫تباع في بيروت لدى محل فرنسيس راجحة وولده في محلة الدباغة قرب‬ ‫الميناء‪ .37‬وسنة ‪ 1895‬كانت الجسور الحديدية الخالية من البوالد ترد من‬ ‫محل يوسف ديمون وشركاه في بلجيكا‪ ،‬وكان الكلس اإلفرنجي (‪chaux‬‬ ‫‪ )hydraulique‬يرد من مرسيليـا‪ ،38‬ومانعات الصواعق تستورد من أوروبا‬ ‫وحلت األجــراس الكهربائية مكان َ‬ ‫لكثرة البنايات الشامخة‪ّ ،‬‬ ‫الط ْرق على‬ ‫األبــواب‪ ،‬والمصباح من داخل المنزل وخارجه‪ ،‬وتباع في محل مصطفى‬ ‫حاليا)‪.39‬‬ ‫العريس تجاه المستشفى العسكري (مجلس اإلنمار واإلعمار ً‬ ‫منذ ‪ 1914‬شــاع استعمال أل ــواح اإلترنيت لسقف الثكنات بـ ً‬ ‫ـدال من‬ ‫خصوصا حيث تكثر األمطار والثلوج‪ ،‬لخفة وزنه ومقاومته عوامل‬ ‫القرميد‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الطبيعة‪ .‬وفي نشرة ظريفة أذاعها درويش يوسف حداد في بيروت أن إسم‬ ‫‪‬إترنيت مأخوذ من لفظة ‪ Eternité‬ومعناها األبدية وتفسيره المعنوي‬ ‫األلواح األبدية‪ .‬ومنظرها بديع كما يشاهد في بنايات الكلية األميركية‬ ‫ومدرسة الطب الفرنسية في بي ــروت‪ .‬وكان األترنيت يرد من شركة أترنيت‬ ‫في بلجيكا‪.40‬‬ ‫منذ أوائل القرن العشرين َ‬ ‫وشركات مقاوالت‬ ‫نظام المقاولة‬ ‫بدأ يظهر‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫‪‬غني عن البيان ما‬ ‫األشغال‪ .‬فسنة ‪ 1904‬أعلن جبران ُّلبس وشركاه ْأن‬ ‫ٌّ‬ ‫يتكبده أصحاب األبنية من العناء‪ ،‬ويخسرونه من الوقت الثمين واألكالف‬ ‫َّ‬ ‫الزائدة‪ ،‬لعدم اعتمادهم على خبير يكفل دِ قة الشغل والمتانة واالقتصاد‬ ‫واالكـتـفــاء بمالحظة انشغالهم بأنفسهم مــع معاملة صـ َّـنــاع مختلف‬ ‫الـ ِـحـ َـرف‪ .‬فننصح لمن يريدون التخلُّ ص من هذه المتاعب والخسائر‬ ‫يشرفوا مكتب الهندسة والمقاوالت الكائن في‬ ‫في بيروت والجهات أن ّ‬ ‫سوق سرسق تجاه إدارة المحبة حيث يستعلمون عن اإليضاحات الفنية‬ ‫التي يرغبون‪ ،‬ويستحصلون على الرسوم والخرائط والرسوم المقتضية‬ ‫على اختالف أنواعها‪َ ،‬وي َّطلعون على أسعار وشروط مناسبة فضالً عن‬ ‫مساهالت خصوصية بالدفع لمن ال تمكنهم حالتهم المادية من الوفاء‬ ‫ويتضح لهم ما يتوفر لديهم من معدات وأسباب المتانة والراحة‬ ‫العاجل‪َّ ،‬‬ ‫معا َ‬ ‫وعظم الفوائد التي تعود عليهم‬ ‫والجمال واالقتصاد بالوقت والمال ً‬ ‫من عقد المقاوالت بشأنه‪ .41‬كما أعلن أنطون ملحمة سنة ‪ 1908‬أنه‬


‫وبنفس أكــاف البنايات الدارجة‬ ‫‪‬مهندس مقاول في خان فخري بك‬ ‫ْ‬ ‫ينشىء البنايات وجميع األشـغــال على الـطــراز الباريزي الحديث مع‬ ‫الزخرفات الخارجية فضالً عن الترتيبات الداخلية‪.42‬‬ ‫عــن رف ـعـ ْـت ال ـجــادرجــي ّأن ع ـمــارة مــا قـبــل الـعـشــريـنــات فــي بـيــروت‬ ‫وجدت العاطفة والجمالية‪ ،‬وهو ما ورثه معماريو الثالثينات واألربعينات‬ ‫َ‬ ‫والخمسينات كأنطون ثابت وعاصم سالم وخليل خوري من لبنان‪ ،‬ومحمد‬ ‫مكية من العراق‪ ،‬وحسن فتحي وسيد كريم من مصر‪ ،‬وراسم بدران من‬ ‫ّ‬ ‫وتتلوث نتيجة ظهور طبقة‬ ‫األردن‪ .‬لكن تجارب هؤالء الرواد أخذت تنحسر ّ‬ ‫من أصحاب الريع النفطي ال تتعاطف مع المجتمع‪ ،‬وتنحو نحو عمارة‬ ‫مثيرة غريبة عن هوية المجتمع تهدف الى اإلثارة واإلبهار والربح السريع‪.‬‬ ‫‪ .11‬العمارة أيام االنتداب الفرنسي‬ ‫‪100‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫ق ـبــل االن ـ ـتـ ــداب ال ـفــرن ـســي‬ ‫استعانت بلدية بيروت بالمهندس‬ ‫النمساوي دورفـلــر في عمليات‬ ‫هـ ــدم األبــنــي ــة ال ـقــدي ـمــة‪ .‬ومــع‬ ‫االنـ ـت ــداب‪ ،‬مـنــذ ‪ 1920‬انتعش‬ ‫ال ـع ـمــران وب ــدأ ظ ـهــور الـبــاطــون‬ ‫المسلح على نطاق واسع‪ ،‬وكان‬ ‫مهندسوه البارزون من خريجي‬ ‫ج ــام ـع ــات الـ ــواليـ ــات الـمـتـحــدة‬ ‫(يوسف أفتيموس وبهجت عبد‬ ‫النور وصالح وفوزي عيتاني) أو‬ ‫تحديدا‬ ‫جامعات أوروبا‪ ،‬وفرنسا‬ ‫ً‬ ‫(أن ـ ـطـ ــوان ثــابــت وف ــري ــد ط ــراد‬ ‫وجوزف نجار)‪.‬‬ ‫ف ــي ت ـلــك ال ـح ـق ـبــة اشـ ُـت ـهــر‬ ‫المهندس مارديروس َألْ تونيان‪.‬‬ ‫در َس فــي فــارنــا (بلغاريا)‬ ‫وهــو َ‬ ‫ـدســا‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫ه‬ ‫ـ‬ ‫م‬ ‫‪1919‬‬ ‫ـة‬ ‫ـ‬ ‫ن‬ ‫ـ‬ ‫س‬ ‫ج‬ ‫وتـ ـخ ـ َّـر‬ ‫ً‬ ‫ـاريــا م ــن م ــدرس ــة الـفـنــون‬ ‫م ـع ـمـ ً‬

‫توقيع المهندس النمساوي دورفلر على رخصة بلدية بيروت‬

‫‪ 442‬لسان الحال‪ ،‬عدد ‪ ،5771‬سنة ‪.1908‬‬


‫الهندسة المعمارية في بيروت‬ ‫‪101‬‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫الجميلة فــي بــاريــس‪ ،‬وعــاد‬ ‫ـدســا‬ ‫إل ــى ل ـب ـنــان فـ ُـعـ ِّـيــن مـهـنـ ً‬ ‫معماريا لدى وزارة األشغال‬ ‫ًّ‬ ‫طلبت منه سنة ‪1933‬‬ ‫التي َ‬ ‫وض ــع تصميم مبنى مجلس‬ ‫ْ‬ ‫النواب اللبناني‪ .‬سنة ‪1934‬‬ ‫َ‬ ‫ساعة العبد في‬ ‫تصميمه‬ ‫فاز‬ ‫ُ‬ ‫ساحة النجمة‪ .‬وسنة ‪1939‬‬ ‫كاثوليكوسية األرمــن‬ ‫صـ َّـمــم‬ ‫َّ‬ ‫األرث ــوذك ــس فــي انـطـلـيــاس‪،‬‬ ‫وس ـنــة ‪ 1947‬كـنـيـسـ َـة اآلب ــاء‬ ‫البولُ سين فــي حريصا‪ ،‬كما‬ ‫صـ ّـمــم م ـصــح ال ـعــزون ـيــة في‬ ‫جامع أبي بكر الصديق‪ .‬المهندس مارديروس التونيان‬ ‫الـ ـش ــوف‪ ،‬وج ــام ــع أبـ ــي بكر‬ ‫الصديق في المرفأ‪ ،‬وقصر آل الداعوق في الحمراء (محطة الداعوق)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫قصر أسمهان في عاليه‪ .‬وله إنجازات في األردن والعراق‬ ‫وسنة ‪1942‬‬ ‫َ‬ ‫(قبة الجرس في كنيسة المهد)‪ .‬استلهم َألتونيان مبنى المجلس‬ ‫وفلسطين ّ‬ ‫فصممه على شكل نصف دائــرة‪،‬‬ ‫النيابي من قصور األمــراء في الشوف‬ ‫َّ‬ ‫واستعمل فيه الحجر المقصوب‪ .‬وهــو استعمل هــذا الحجر في غالبية‬ ‫األبنية التي صممها وأنشأها‪ ،‬ومنها التصميم الحجري (اللوحة الحجريـة)‬ ‫لـجــاء الجيوش األجنبية‬ ‫عن لبنان عند نهر الكلب‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1930‬وضع المهندس‬ ‫بهجت عـبــد ال ـنــور رسـ ًـمــا‬ ‫لبناء جامع في رأس شارع‬ ‫ال ـ ـم ـ ـعـ ــرض بـ ـ ــدل ج ــام ــع‬ ‫ال ـ ــدرك ـ ــاه الـ ـ ــذي هـ َـدم ـتــه‬ ‫ال ـب ـلــديــة ع ـنــد تخطيطها‬ ‫شوارع بيروت‪.‬‬ ‫َ‬ ‫خــال المرحلة األولــى‬ ‫بيوت‬ ‫مــن اإلن ـتــداب ُبنِ َيت‬ ‫ٌ‬ ‫ـوص ــا فـ ــي مـنـطـقــة‬ ‫(خـ ـص ـ ً‬ ‫الـ ــرمـ ــل) بــال ـخ ـشــب عـلــى‬ ‫رسم المهندس بهجت عبد النور لجامع الدركاه الجديد النمط ‪‬ال ـب ـغــدادي‪ ،‬وال‬


‫ً‬ ‫حديثا في الشرق‪،‬‬ ‫وبناء بيوت من الخشب لم يكن‬ ‫تزال بقاياها الى اآلن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فكمال الدين الغزي َ‬ ‫ذك َر في الرسالة القدسية في تاريخ النابلسي (مخطوط‬ ‫بأن كان للشيخ عبد الغني النابلسي‬ ‫في مكتبة الجامعة األميركية ‪ -‬بيروت) ْ‬ ‫قصر جميعه من الخشب‪ ،‬يشتمل على شبابيك وكتبية‪ ،‬تحته إيوان مرتفع‬ ‫ٌ‬ ‫فيفَ ك‬ ‫البعض‬ ‫ببعضه‬ ‫ركب‬ ‫اذا‬ ‫ه‬ ‫تشد‬ ‫الحديد‬ ‫من‬ ‫غرابات‬ ‫وله‬ ‫األرض‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫وينقَ ل من مكانه إلى مكان في البساتين وغيرها‪ ،‬على عشرة بغال‪ ،‬وقد‬ ‫صنع سنة ‪1139‬هــ‪1726/.‬م‪ .‬وكان البيارتة يصطافون في محلة األوزاعي‬ ‫ً‬ ‫قليال عن األرض‪ّ .‬‬ ‫في عرازيل ّ‬ ‫إال أن أحدهم‪،‬‬ ‫مركبة من جذوع األشجار تعلو‬ ‫عبد الرحيم دندن‪ ،‬ابتكر فكرة ‪‬البيت الجاهز‪ ،‬فكان يجلب معه الى تلك‬ ‫وألواحا من الخشب يشد بعضها الى بعض بالبراغي فيحصل‬ ‫قطعا‬ ‫ً‬ ‫المحلة ً‬ ‫ِّ‬ ‫على غرفة‪ ،‬ويقوم آخر الصيف بفكها ونقلها الى بيروت‪.‬‬ ‫‪ .12‬مثلث العمارة االنسان والمكان والزمان‬ ‫‪102‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫اعتبر‬ ‫اإلنشاء‪ ،‬في األدب‪ ،‬إقامة عمران للكالم‪ ،‬فإذا خال من اإلبداع ُ‬ ‫بيتً ا من ورق وانتهى بانتهاء المسرحية‪ .‬والعمارة في علم الهندسة‪ :‬إقامة‬ ‫بناء للحياة‪ ،‬ويتميز المعماري بأن له قلب إنسان وروح فنان‪ .‬وفي علم‬ ‫ُ‬ ‫الرجل بالزوجة‪ ،‬دخل‬ ‫تأسيس عائلة‪ .‬وفي اللغة‪ :‬بنى‬ ‫الزواج‬ ‫االجتماع أن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫وعمره جعله آهال بالسكان‪ .‬وأعمر الرجل على‬ ‫وعمر الرجل بيتً ا بناه‪ّ ،‬‬ ‫بها‪ّ .‬‬ ‫تزوج بها‪ .‬وسكن الرجل داره ّ‬ ‫حل وأقام فيها‪ .‬والمسكن هو البيت‪.‬‬ ‫امرأته َّ‬ ‫سكنَ ت نفسه‪ :‬اطمأنت‪ ،‬والسكينة‪ :‬الطمأنينة‪ .‬وفي التنزيل ‪‬ومن آياته أن‬ ‫أزواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة‪.‬‬ ‫جعل لكم من أنفسكم‬ ‫ً‬ ‫هكذا يجتمع في البناء والعمارة والمسكن‪ :‬الحياة والحجر والبشر‪.‬‬ ‫مثلث من اإلنسان والمكان والزمان‪ .‬من هنا أن اإلنسان (أي‬ ‫فالعمارة إذً ا ٌ‬ ‫األول الذي يساهم في تشكيل المكان المنسجم مع‬ ‫المعماري) هو العنصر ّ‬ ‫زمانه‪.‬‬

‫بكاميرا مي حيدر‬


‫الهندسة المعمارية في بيروت‬

‫بكاميرا محمود صفدي‬

‫ه ْن ِدز‪‬‬ ‫منذ ‪‬معمار باشي‪ ‬إلى ‪‬م َ‬

‫بكاميرا غابرييال رومانوس‬

‫‪103‬‬


‫المصادر والمراجع‬ ‫‪1.1‬باللغة العربية‬

‫‪104‬‬ ‫عبد اللطيف فاخوري‬

‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•ابن إياس‪ ،‬بدائع الزهور في وقائع الدهور‪.‬‬ ‫•إبن خلدون‪ ،‬المقدمة‪.‬‬ ‫•جاردجي رفعة‪ ،‬مقام الجلوس في بيت عارف آغا‪.‬‬ ‫•الجبرتي‪ ،‬تاريخ عجائب اآلثار في التراجم واألخبار‪.‬‬ ‫•رستم أسد‪ ،‬لبنان في عهد المتصرفية‪.‬‬ ‫•سالم عبد العزيز‪ ،‬القيم الجمالية في فن العمارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫الشرعية‪ ،‬وثائق مختلفة‪.‬‬ ‫•سجالت محكمة بيروت‬ ‫ّ‬ ‫•سالم سليم‪ ،‬المذكرات‪.‬‬ ‫•شافعي فريد‪ ،‬العمارة العربية واإلسالمية في مصر‪.‬‬ ‫•عبد الرحمن حكمت‪ ،‬دراسات في تاريخ العلوم عند العرب‪.‬‬ ‫•فاخوري عبد اللطيف‪ ،‬منزول بيروت‪.‬‬ ‫•فتحي حسن‪ ،‬العمارة العربية الحضرية بالشرق األوسط‪.‬‬ ‫•قزما الخوري يوسف‪ ،‬كرنيليوس فان ديك ونهضة الديار الشامية العلمية‬ ‫في القــرن التاسع عشر‪.‬‬ ‫•الكرمي حسن‪ ،‬قاموس الهادي الى لغة الغرب‪.‬‬ ‫•لمعي صالح‪ ،‬التراث المعماري اإلسالمي في مصر‪.‬‬ ‫•ماهر سعاد‪ ،‬مساجد مصر وأولياؤها الصالحون‪.‬‬ ‫•المقريزي‪ ،‬الخطط‪.‬‬

‫‪2.2‬جرائد وصحف‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬ ‫ ‬

‫•التقدم‪.‬‬ ‫•ثمرات الفنون‪.‬‬ ‫•حديقة األخبار‪.‬‬ ‫•لسان الحال‪.‬‬

‫األجنبية‬ ‫‪3.3‬باللغات‬ ‫ّ‬ ‫‪• Kfoury Semaan, Maisons Libanaises.‬‬ ‫‪• Liger – Belair Jacques, L’habitation au Liban.‬‬ ‫‪• Saliba Robert, Domestic Architecture between Tradition and‬‬ ‫‪Modernity.‬‬ ‫‪• Yacoub Gebran, Histoire de L’architecture au Liban 1875–2005.‬‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫الوطنية‬ ‫حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف‬ ‫ّ‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫مس َب ًقا إِلى ما يُضمِر الكيان الصهيوني لفلسطين‬ ‫في آذار ‪ 1948‬نـ َّبـ َه ْ‬ ‫في شباط ‪ 1950‬طالب بإِقامة عالقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا‬

‫حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬ ‫من مفاوضات الجالء (‪ )1945‬إِلى محادثات فلسطين (‪)1948‬‬

‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫باحثة في التاريخ الحديث والمعاصر‬ ‫جامعة الروح القدس – الكسليك‬

‫مدخل‬ ‫ولد حميد فرنجية في زغرتا سنة ‪ .1907‬تزوج في الرابعة والثالثين‬ ‫بابنة خالته برت شعراوي في مطرانية بيروت المارونية‪ .1‬تعاطى السياسة‬ ‫نائبا (‪ )1937–1934‬عن‬ ‫البرلمانية‬ ‫في الثالثين‪ .‬دخل الندوة‬ ‫اللبنانية ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المفوض السامي الفرنسي غبريال‬ ‫لبنان الشمالي‪ ،‬ثم ‪ 1939–1937‬حين‬ ‫ُ‬ ‫بيو ّ‬ ‫الثانية‪ ،‬ثم ‪،1947–1943‬‬ ‫العالمية‬ ‫النيابي عشية الحرب‬ ‫حل المجلس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نائبا عن أقضية الكورة‪ ،‬زغرتا‪ ،‬البترون (‪–1951‬‬ ‫و‪ .1951–1947‬ثم ً‬ ‫‪ ،)1953‬وعــن دائ ــرة زغــرتــا (‪ .)1957–1953‬استقال مــن النيابة قبل‬ ‫نائبا عن دائــرة زغرتا‬ ‫أسابيع من انتهاء والية المجلس‪ُ .‬وب َع ْي َد انتخابه ً‬ ‫السياسي حتى وفاته‬ ‫دماغية أقعدته عن العمل‬ ‫صابته جلطة‬ ‫(‪َ )1957‬أ ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪.2 1981‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫طويلة‬ ‫سياسية‬ ‫حقبة‬ ‫ـرن من تاريخ لبنان المعاصر‬ ‫ّ‬ ‫شغل نحو ربــع قـ ٍ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية ُ‬ ‫النيابية‬ ‫والكتل‬ ‫وطنية استرعت انتباه األحزاب‬ ‫سطع فيها بمواقف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الحكومة‬ ‫الناقد‬ ‫السياسية‪ .‬كان المعارض المسؤول‪ ،‬والموالي‬ ‫والقيادات‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ـرافً‬ ‫حتى التي يـشــارك فيها‪ ،‬إذا وجــد انـحـ ــا عــن الخط السياسي الــذي‬ ‫ً‬ ‫أحيانا عن الوزارة‪ ،‬ويستقيل‬ ‫رسمته في بيانها الوزاري‪ .‬هكذا كان يعزف‬ ‫ْ‬ ‫مرات حين يجد بقاءه فيها شاهد زور‪ ،‬وهو ما ال ينسجم وقناعاته‬ ‫منها‬ ‫ٍ‬ ‫والسياسة التي ينتهجها‪.‬‬ ‫ميز فــي السياسة الداخلية‪ ،‬لمع حميد فرنجية في‬ ‫الم ّ‬ ‫إلــى عمله ُ‬ ‫خصوصا عند مشاركته في الوفد الرسمي‬ ‫واإلقليمية‪،‬‬ ‫العربية‬ ‫السياسة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 11‬جورج فرشخ‪ ،‬حميد فرنجية وجمهورية اإلستقالل‪ ،1997 ،‬ص‪،102 ،97 ،66 .‬‬ ‫‪115 ،109‬؛ منح الصلح‪ ،‬حوار مسجل مع المؤلف‪ ،‬النهار‪1982/9/7 ‬؛ غسان تويني‪،‬‬ ‫مسجل مع المؤلف‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ‬جلسة ‪ 25‬أيار ‪.1946‬‬ ‫حوار‬ ‫ّ‬ ‫‪ 22‬جورج فرشخ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪66 ،58–55 .‬؛ حميد فرنجية‪ ،‬كلمات وصور‪،‬‬ ‫‪.1981–1907‬‬


‫العربية‪ ،‬وتوقيع لبنان على ميثاقها في ‪22‬‬ ‫اللبناني لتأسيس جامعة الدول‬ ‫ّ‬ ‫آذار ‪.1945‬‬ ‫أخطر‬ ‫نشب ْت قضية فلسطين فشغلت لبنان والعالم العربي‬ ‫وحين َ‬ ‫َ‬ ‫واقتصاديا‬ ‫ووطنيا‬ ‫قوميا‬ ‫كارثة ال تزال الشعوب العربية تنوء تحت وطأتها‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫وسياسيا‪ ،‬كان لحميد فرنجية ورياض الصلح ويوسف سالم ونجيب صدقة‬ ‫ًّ‬ ‫وشارل مالك دور في التخفيف من هولها برعاية شعب فلسطيني اقتَ َل َع ْته‬ ‫من أرضه دولةٌ‬ ‫مغتصبة وصفها الرئيس شارل الحلو بقوله‪ :‬اسرائيل دولة‬ ‫ِ‬ ‫تُ عاكس مجرى التاريخ‪.‬‬

‫حميد فرنجية‬ ‫‪107‬‬

‫قانونية عميقة‪.‬‬ ‫وعلمية‪ ،‬وبثقافة‬ ‫وفكرية‬ ‫سياسية‬ ‫تميز فرنجية بمكانة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كان البرلماني ً‬ ‫ً‬ ‫وفعال‪ .‬اتّ خذ النيابة والــوزارة وسيلة للخدمة العامة‪.‬‬ ‫قوال‬ ‫ميز‪ .‬كان يقضي معظم أوقاته في‬ ‫اعتبره عارفوه ‪‬الزعيم‬ ‫الم َّ‬ ‫الوطني ُ‬ ‫ّ‬ ‫المجلس أو في مكتبه الوزاري أكثر مما في بيته‪ .‬صنّ فه غسان تويني ومنح‬ ‫الصلح بأنه ّ‬ ‫يتعذر وجود سياسي نظيره‪ .‬كان يؤكد أن المقعد النيابي ليس‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫حميد فرنجية في مطلع حياته السياسية‬


‫أقل ً‬ ‫سياسيون الوزير المرشح الدائم‬ ‫شأنا من حقيبة الوزارة‪ .‬اعتبره قادة‬ ‫ّ‬ ‫لالستقالة‪ :‬استقال من الحكومة مرات عندما كان يجدها ال تلبي قناعاته‪.‬‬ ‫كان أصغر نائب وأصغر وزير خارجية في لبنان‪ُ .‬س ّم َي ‪‬رجل االستقالل‬ ‫والمرجعية الــوطـنـ ّـيــة‪ّ .‬‬ ‫تجلت مواقفه الوطنية فــي معركة‬ ‫واإلن ـجــازات‬ ‫ّ‬ ‫اإلستقالل‪ ،‬ومعركة الجالء‪ ،‬وفي إنشاء ‪‬الجامعة العربية‪ ‬و‪‬منظمة‬ ‫عضوا‬ ‫الثانية‬ ‫العالمية‬ ‫األمم المتحدة‪ .‬أصبح لبنان عند انتهاء الحرب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسا في منظمة األمم المتحدة التي ولدت في مؤتمر سان فرنسيسكو‬ ‫ً‬ ‫كليا بمواثيقها‪ .‬كافح حميد فرنجية على صعيد السياسة‬ ‫والتزم‬ ‫‪1945‬‬ ‫سنة‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫الدولية من خالل منظمة األونسكو‪ ،‬وحقق للبنان مآثر ومكتسبات وطنية‬ ‫كبرى حتى أقعده المرض فترك السياسة وانعزل في الغيبوبة والنسيان‪،‬‬ ‫قويا‪.‬‬ ‫سندا‬ ‫وخسر به لبنان ً‬ ‫وطنيا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫‪ .1‬معركة اإلستقالل‬ ‫‪108‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫بعد االنتخابات انصرف حميد فرنجية إلــى تحضير معركةِ رئاسة‬ ‫ودع ِم مرشحه بشارة الخوري‪ .‬لكن إميل إده (منافس الخوري)‬ ‫الجمهورية ْ‬ ‫وصرح عن استعداده‬ ‫زج اسم فرنجية في المعركة من دون أن يستشيره‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫لالنسحاب لمصلحة أحد أربعة‪ :‬كميل شمعون ويوسف اسطفان وحميد‬ ‫فرنجية وأمين السعد‪ ،‬وذلك لإليقاع بين فرنجية وحليفه بشارة الخوري‪.3‬‬ ‫َ‬ ‫السلطة الشرعية (‪ )1943/11/11‬تَ َو َّج َه حميد‬ ‫ويوم اعتقال الفرنسيين‬ ‫مالقيا الرئيس صبري حماده‪ ،‬وتبعه خمسة‬ ‫فرنجية إلى مجلس النواب‬ ‫ً‬ ‫آخ ــرون‪ :‬صائب ســام وهـنــري فــرعــون ومحمد الفضل ورشـيــد بيضون‬ ‫ومــارون كنعان‪ ،‬ولحق بهم آالف مواطنين تجمهروا أمــام مجلس النواب‬ ‫لمتابعة ما يجري‪ .‬وحين وصل نائب طرابلس سعدي المنال‪ ،‬انعقدت جلسة‬ ‫ّ‬ ‫فشكلوا حكومة بشامون‬ ‫اتفق فيها الحاضرون على شكل العلم اللبناني‪،‬‬ ‫وقــرروا تشكيل حكومة احتياط برئاسة حبيب أبي شهال وعضوية حميد‬ ‫المر وأحمد األسعد وهنري فرعون‪ .‬لم يعتقل الفرنسيون‬ ‫فرنجية وغبريال ّ‬ ‫ـأن‬ ‫فرنجية ألن البروفسور غولمييه نـ ّـوه باعتدال فرنجية السياسي‪ ،‬وبـ ّ‬ ‫اعتقاله سيثير غضب أهل الشمال‪.4‬‬ ‫‪ 33‬بشارة الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.261–259 .‬‬ ‫‪ 44‬منير تقي الدين‪ ،‬والدة االستقالل‪ ،‬ص‪49 .‬؛ أوراق فارس الخوري‪ ،‬تنسيق وتعليق‬ ‫وإعداد كوليت خوري‪ ،‬ص‪.115 – 114 .‬‬


‫حميد فرنجية‬

‫فرنجية في مناسبة وطنية‪ ،‬ويبدو من اليمين‪ :‬رياض الصلح‪ ،‬صبري حمادة‪ ،‬بشارة الخوري‬

‫من أجل البحث في مجلس األمــن حول عملية الجالء الفرنسي عن‬ ‫لبنان‪ ،‬شكلت الحكومة اللبنانية وفـ ًـدا من رياض الصلح وحميد فرنجية‬ ‫انضم إليهم كميل شمعون في الجمعية العامة لألمم المتحدة‬ ‫ويوسف سالم‬ ‫َّ‬ ‫فبلغ صوت لبنان الدول التي ساهمت في مؤتمر سان فرنسيسكو إلنشاء‬ ‫األم المتحدة (اتفاق ‪.)1945/12/13‬‬ ‫عقد مجلس األمن اجتماعه األول في كانون الثاني ‪ 1946‬وانتهى بانتخاب‬ ‫رئيسا له‪ .‬وفي صباح ‪ 1946/1/19‬ألقى حميد‬ ‫ماكلين مندوب بريطانيا‬ ‫ً‬ ‫مهما في الهيئة‬ ‫فرنجية وزير خارجية لبنان ورئيس الوفد اللبناني‬ ‫ً‬ ‫خطابا ًّ‬ ‫العامة لألمم المتحدة‪ ،‬أمام المندوبين المنتظرين َ‬ ‫كلمة لبنان الذي شغلت‬ ‫ّ‬ ‫قضيته جميع األندية العالمية والسياسية‪ .‬قوبل فرنجية بالهتاف والتأييد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لحظة نهض من مقعده للتوجه إلــى منصة الخطابة‪ .‬خطب بالفرنسية‬ ‫وخصوصا رئيس‬ ‫وبصوت قوي حــازم‪ ،‬وكــان المندوبون مشدودين اليه‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المجلس الذي لم يرفع عينيه عنه‪ .5‬وختم فرنجية خطابه بالقول‪ :‬جميع‬ ‫‪ 55‬‬

‫منير تقي الدين‪ ،‬الجالء‪ ،‬ص‪.208 ،202–201 .‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫‪ .2‬لبنان في مجلس األمن‬

‫‪109‬‬


‫‪110‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫جهودنا وجهود أصدقائنا السوريين مركزة على تحقيق هذه الغاية التي‬ ‫ً‬ ‫أساسيا لتقدم حياتنا الوطنية‪ .‬بعدها قام وزيرا‬ ‫شرطا‬ ‫يعتبرها لبنان‬ ‫ًّ‬ ‫خارجيتَ ي سوريا ولبنان بإبالغ األمين العام لمجلس األمن أن تتولى هذه‬ ‫المؤسسة الدولية عملية جالء القوات األجنبية عن لبنان‪.‬‬ ‫الرئيس‬ ‫صباح ‪ 15‬شباط ‪ ،1946‬وفي جلسة عامة‪ ،‬دعا‬ ‫الساعة ‪11:00‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫المندوبين اللبناني (حميد فرنجية) والسوري (فــارس الخوري) لعرض‬ ‫َ‬ ‫شدد فرنجية على عدم جدوى‬ ‫قضيتَ ي لبنان وسوريا على مجلس األمن‪ّ .‬‬ ‫بقاء قوات غريبة في هذين البلدين‪ ،‬وعلى أن االتفاق الفرنسي – البريطاني‬ ‫خاضعا لـشــروط ال تتفق وروح ـيــة ميثاق هــذه المؤسسة‬ ‫يجعل الـجــاء‬ ‫ً‬ ‫الــدولـيــة‪ .‬اقـتــرح مـنــدوب أميركا تسوية (حــل غير نهائي) بــإجــراء ثالثة‬ ‫تعديالت على االقتراح المذكور‪ .‬المندوب البريطاني بيفن رفض تعديالت‬ ‫فرنجية‪ ،‬فاجتمع به كميل شمعون وحميد فرنجية وفــارس الخوري في‬ ‫نوق َشت في مجلس األمن‪.‬‬ ‫وزارة الخارجية البريطانية وتباحثوا في مواضيع ِ‬ ‫اقترح اللبنانيون والسوريون إجراء المفاوضات في بيروت أو لندن‪ .‬اقترح‬ ‫بيدو مندوب فرنسا إجــراء المفاوضات في باريس فوافق الحاضرون‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وتشكل وفد لبنان لحضور االجتماع من حميد فرنجية وزيــر الخارجية‬ ‫ورياض الصلح رئيس الحكومة السابق ويوسف سالم وزير الداخلية على‬ ‫أن ينضم إلى الوفد الرسمي كميل شمعون وزير لبنان المفوض في لندن‪،‬‬ ‫وتوجه الوفد إلــى االجتماع في مطلع ‪ .1946‬عــرض مجلس األمــن في‬ ‫قدم حميد فرنجية باسم‬ ‫جلسة ‪ 14‬شباط ‪ 1946‬شكوى لبنان وسوريا‪ّ .‬‬ ‫الوفد اللبناني وباللغة الفرنسية شكوى لبنان إلــى مجلس األمــن وشدد‬ ‫على ان لبنان وسوريا عضوان في هيئة األمم المتحدة‪ ،‬وال يجوز الحد من‬ ‫بعد‬ ‫مسوغ‬ ‫سيادتهما الكاملة‪ .‬وبانتهاء الحرب العالمية الثانية ال‬ ‫قانونيا ُ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫لبقاء جيوش أجنبية على أراضيهما (قوات فرنسية)‪.6‬‬ ‫‪1.1‬مفاوضات الجالء في باريس‬ ‫وصل الوفد الرسمي إلى باريس فانصرف كل عضو إلى تحقيق مهمته‪.‬‬ ‫اتصل حميد فرنجية بوزارة الخارجية الفرنسية فتبين له إصرارها على‬ ‫عقد معاهدة فرنسية مع لبنان وسط أجواء من لندن تعبر عن عدم رضا‬ ‫الحكومة البريطانية على عقد معاهدة منفردة مع الفرنسيين في باريس‪،‬‬ ‫بعدما اتفقت بريطانيا وفرنسا على أن يسبق الجالء الفرنسي عن لبنان‬ ‫َ‬ ‫وأفضلية‬ ‫امتيازات‬ ‫المنتدبة‬ ‫عقد معاهدة بين لبنان وفرنسا تعطي الدولة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ومصالح حيوية‪ .‬شنّ ت الصحف المعارضةُ‬ ‫الحكومة حملة اعالمية‬ ‫وجود‬ ‫َ‬ ‫‪ 66‬‬

‫كمال الصليبي‪ ،‬تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬ص‪.237–232 .‬‬


‫‪ .3‬تأييد لبنان القضايا العربية‬

‫‪ 77‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.250–247 .‬‬ ‫‪ 88‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.254 .‬‬ ‫‪ 99‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪27 .‬؛ باسم الجسر‪ ،‬ميثاق ‪ ،1943‬دار النهار‪.1978 ،‬‬ ‫‪ 1 10‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.46 .‬‬

‫‪111‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫وتشديدا على‬ ‫تعليقً ا على أعمال الوفد اللبناني في جامعة الدول العربية‬ ‫ً‬ ‫نواب بينهم حميد فرنجية وفيليب تقال‬ ‫تأييد لبنان القضايا العربية‪َّ ،‬‬ ‫تقدم ٌ‬ ‫وعادل عسيران باقتراح تأييد قضيتي مصر وفلسطين اللتين بحثتا باهتمام‬ ‫في مجلس الجامعة العربية‪ُ .9‬ح ّل المجلس النيابي في ‪ 8‬نيسان ‪ 1947‬وبدأ‬ ‫تشكيل اللوائح االنتخابية في المناطق‪ .‬في الشمال‪ ،‬وبعد التخبط في ذيول‬ ‫حوادث حصلت عند عجز عبد الحميد كرامي عن تأمين الئحة ائتالفية‬ ‫ّ‬ ‫وتخلي بعض أنصاره وحلفائه المرشحين عنه‪ ،‬وبمسعى خاص من رياض‬ ‫مفرج‪،‬‬ ‫الصلح‪ ،‬تألفت الئحة زغرتا من حميد فرنجية ويوسف كرم وميشال ّ‬ ‫واستبعد الصحافي حنا غصن‪ .‬بعد االنتخابات النيابية صدر مرسوم في‬ ‫ُ‬ ‫‪ 4‬حزيران ‪َ 1947‬ح ّدد موعد الجلسة األولى في ‪ 9‬حزيران ‪ .1947‬قُ َبيل‬ ‫الجلسة استقال رياض الصلح من رئاسة الحكومة فأعاد بشارة الخوري‬ ‫تكليفه من جديد‪ ،‬وأسند إلى كميل شمعون وزارة الداخلية ووزارة الصحة‪،‬‬ ‫ما أثار غضب النائب الشيخ سليم الخوري (شقيق الرئيس) فاستقال من‬ ‫النيابة وآلت وزارة الخارجية إلى حميد فرنجية‪.10‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫ضد رياض الصلح وانضمت إليها الصحف المواليةُ اإلنكليزَ يدعمها في‬ ‫متجنية‬ ‫قاسية‬ ‫إعالمية‬ ‫ويمول حملة‬ ‫بيروت الجنرال االنكليزي سبيرس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضد حميد فرنجية‪.7‬‬ ‫غادر الوفد اللبناني الرسمي لندن الى باريس وبقي شمعون في لندن‬ ‫معارضا انتقال الوفد إلى باريس‪ .‬في بيروت انتقد البعض رياض الصلح‬ ‫ً‬ ‫لقبوله بعضوية وفد يرأسه حميد فرنجية‪ .‬وبرر يوسف سالم مارونية رئيس‬ ‫تعبيرا عن وطنيته الصادقة ودهائه السياسي‬ ‫الوفد بقبول رياض الصلح‬ ‫ً‬ ‫تفاه َم مــع بـشــارة الـخــوري كــي ال يثيرا حساسية‬ ‫وذكــائــه المفرط‪ .‬فهو َ‬ ‫‪8‬‬ ‫الفرنسيين ضد الوفد‪ ،‬باعتبار الموارنة أصدقاء تقليديين لهم ‪ .‬وبعد‬ ‫ُّ‬ ‫تعثر المفاوضات مع الوفد الفرنسي‪ ،‬تحلحلت األمور حين رئيس الوفد‬ ‫الفرنسي بيدو أبلغ الوفد اللبناني الرسمي بقبول فرنسا الجالء عن لبنان‬ ‫وتم وضع بروتوكول الجالء الرسمي عن لبنان‬ ‫قبل ‪ 31‬كانون األول ‪ّ .1946‬‬ ‫ووقعه الوفدان اللبناني والفرنسي في ‪ 19‬شباط ‪.1946‬‬


‫‪ .4‬حميد فرنجية والعالقات اللبنانية السورية‬

‫‪112‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪1.1‬زيارة الرئيس السوري إلى بيت الدين‬ ‫ً‬ ‫اتفاقا مع شركة النفط األميركية‬ ‫سنة ‪ 1947‬وقّ عت الحكومة اللبنانية‬ ‫بتمرير أنابيبها من العراق إلى لبنان لتَ ُص ّب على الشاطئ اللبناني في‬ ‫الزهراني‪ .‬فشلت الشركة في عقد اتفاق مماثل مع الحكومة السورية‬ ‫فتأزمت العالقات بين الحكومتين السورية واألميركية‪ .‬اتفق بشارة الخوري‬ ‫ّ‬ ‫ورياض الصلح مع الرئيس شكري القوتلي ورئيس الحكومة السورية جميل‬ ‫مردم بك على أن يقوم الرئيس السوري ورئيس حكومته بزيارة لبنان (في‬ ‫قصر بيت الدين) للتفاهم مع الرئيس الخوري والرئيس الصلح‪ .‬ومن األمور‬ ‫المعقدة المنوي بحثها كان تصريح العاهل األردنــي الملك عبداهلل حول‬ ‫مشروع ‪‬سوريا الكبرى‪ ‬واتفاقية النفط‪ .‬تحدد موعد الزيارة في ‪ 27‬آب‬ ‫‪.1947‬‬ ‫وصل الوفد الرئاسي السوري إلى عاليه‪ ،‬وبعد استراحة قصيرة توجه‬ ‫الوفدان الرئاسيان في سيارة الرئاسة إلى قصر بيت الدين الذي أعجبهما‬ ‫بموقعه الطبيعي وطرازه البنائي الشرقي وعظمته وجماله‪ .‬تداول الوفدان‬ ‫موضوعي ‪‬اتفاق النفط‪ ‬مع الحكومة السورية‪ ،‬وقضية ‪‬الهالل‬ ‫في‬ ‫َ‬ ‫الخصيب‪ .‬وغادر الوفد الرئاسي بيت الدين في ‪ 28‬آب بمواكبة رسمية‬ ‫اجواء إيجابية‬ ‫ومرافقة الوزير حميد فرنجية حتى الدامور‪ .‬وتركت الزيارة‬ ‫ً‬ ‫بين البلدين‪.11‬‬ ‫واالقتصادية بين سوريا ولبنان‬ ‫المالية‬ ‫‪2.2‬المفاوضات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ وموقف فرنسا منها‬ ‫في ‪ 30‬آب ‪ 1947‬أبلغت حكومةُ باريس الحكومتَ ين اللبنانية والسورية‬ ‫بنقض االتـفــاق المالي الموقَّ ع معهما‪ ،‬فتحفَّ ظت الحكومتان على هذا‬ ‫واحد وطالبتا بالتفاوض لتصفية ذيول االتفاق‪ .‬تعزيزً ا‬ ‫جانب‬ ‫النقض من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫لهذا التفاهم حضر وزيــر مالية سوريا إلى عاليه َوأعلم نظيره اللبناني‬ ‫المفوض في باريس للتفاوض‬ ‫بقرار حكومته تكليف خالد العظم وزيرها‬ ‫ّ‬ ‫وزير خارجيتها حميد فرنجية القيام‬ ‫باسمها‪ ،‬فكلفت الحكومة اللبنانية َ‬ ‫بهذه المهمة‪ .12‬وفي ‪ 9‬أيلول سافر حميد فرنجية إلى باريس واستغرقت‬ ‫‪ 111‬بشارة الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.86 .‬‬ ‫‪ 112‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪86 .‬؛ منير تقي الدين‪ ،‬الجالء‪ ،‬دار بيروت للطباعة‬ ‫والنشر‪.1956 ،‬‬


‫ً‬ ‫طويال بين مد وجزر‪ ،‬حتى كاد مندوب لبنان يصل إلى‬ ‫المفاوضات وقتً ا‬ ‫مرحلة اليأس في التفاوض‪.‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫‪ 113‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.87 .‬‬

‫‪113‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫‪3.3‬أجواء المفاوضات‬ ‫تعقدت المفاوضات منذ البداية عند البحث في مصاريف جيوش‬ ‫االنتداب‪ :‬طالبت فرنسا بدفعها لها وكانت تبلغ الماليين‪ .‬رفض الوفد‬ ‫اللبناني فتوقفت المفاوضات‪ ،‬ثــم استؤنفت على أســس سليمة‪ ،‬وعــاد‬ ‫التناقض فوقع بين وجهتي نظر الحكومتين اللبنانية والـســوريــة‪ .‬عاد‬ ‫الــوفــدان إلــى بيروت وعقَ دا جلسة بحضور ريــاض الصلح وجميل مردم‬ ‫بك‪ ،‬فوافق الجميع على رأي حميد فرنجية‪ .‬بعد هذا التطور اإليجابي‬ ‫استؤنفت المباحثات فوصلت إلى خاتمتها السعيدة في آخر تشرين الثاني‬ ‫‪ .1947‬قرر الوفدان السفر إلى العراق‪ ،‬وفي دمشق قبل بغداد كان اجتماع‬ ‫الوفدين بوضع خطة نهائية للبحث مع‬ ‫مع الرئيس السوري فـ َّـوض فيه‬ ‫َ‬ ‫الفرنسيين باالتفاق مــع المسيو بيسون مدير بنك اإلص ــدار الفرنسي‬ ‫الموجود في بيروت ريثما يعود الوفدان من العراق‪.13‬‬ ‫في طريق العودة عرج الوفدان إلى سوريا واجتمعا بالرئيس السوري‬ ‫ورئيس الوزارة السورية وتسلما منهما المخطط المالي المنتظر‪ .‬ثم درساه‬ ‫في بيروت فحمله مدير بنك اإلصــدار المالي إلــى الحكومة الفرنسية‪.‬‬ ‫وبعد مدة تسلمت الحكومتان مشروع االتفاق النهائي لتوقّ عا عليه‪ .‬انعقدت‬ ‫اجتماعات مشتركة ومتتالية فــي بـيــروت ودمـشــق وش ـتــورة بين ال ــوزراء‬ ‫اللبنانيين والسوريين‪ ،‬لم تصل إلى نتائج نهائية بسبب التردد في مواقف‬ ‫السوريين‪ ،‬ما اضطر المفاوضين إلى التوقف عن االجتماعات فأنذرت‬ ‫الحكومة الفرنسية الوفدين المفاوضين بضرورة إنجاز المفاوضات قبل‬ ‫نهاية كانون الثاني ‪ ،1948‬وإال تصبح فرنسا في ّ‬ ‫حل من أي ارتباط حول‬ ‫هذا الموضوع‪.‬‬ ‫تالحقت االجتماعات بين المسؤولين في لبنان وسوريا إلبرام اإلتفاق‬ ‫النهائي‪ّ .‬‬ ‫تقلبت المواقف السورية فتعثرت المفاوضات‪ ،‬واتخذت منحى‬ ‫معقدا بسبب تشدد المفاوضين السوريين بمن فيهم رئيسا‬ ‫سياسيا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫الـجـمـهــوريــة والـحـكــومــة‪ ،‬وات ـخــذت الـمـفــاوضــات طــابـ ًـعــا خ ـط ـيـ ًـرا‪ .‬تشدد‬ ‫الرئيسان الخوري والصلح إزاء العقَ د السورية حول االتفاق فانفصمت‬ ‫الوحدة الجمركية بين لبنان وسوريا (تحققت الحقً ا سنة ‪ .)1950‬استدعى‬ ‫السنية في لبنان واستمزجا رأيها حول الموضوع‪ ،‬فوافقت‬ ‫الرئيسان القيادة‬ ‫ّ‬


‫أيضا‬ ‫على موقف الحكومة الرسمي‪ .‬استشارا الهيئات االقتصادية فوافقت ً‬ ‫كما وافقت لجنة المال البرلمانية باستثناء سامي الصلح وكمال جنبالط‪.‬‬ ‫وبدأ الجانب السوري يتخذ تدابير قاسية ضد لبنان بما فيها القطيعة‪ .‬في‬ ‫‪ 31‬كانون الثاني ‪ 1948‬عاد الوفد اللبناني من شتورة إلى بيروت بتشاؤم من‬ ‫موقف الجانب السوري ومواقفه السلبية فأبرق الخوري والصلح إلى الوزير‬ ‫منفردا بـدون الجانب السوري‪.‬‬ ‫حميد فرنجية للتوقيع على االتفاق اللبناني‬ ‫ً‬

‫‪114‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬


‫حميد فرنجية‬ ‫‪115‬‬

‫‪4.4‬المناورات السورية‬ ‫بعد توقيع هــذا االت ـفــاق شـ ّـن رجــال السياسة الـســوريــون حملة على‬ ‫رياض الصلح وبشارة الخوري‪ ،‬شارك فيها الرئيسان السوريان والصحافة‬ ‫السورية لـمواقفهم السلبية من توقيع االتفاق المذكور بدون السوريين‪.‬‬ ‫عاد الوفد الرسمي من القاهرة (الجامعة العربية) وانعقد اجتماع اللجنة‬ ‫السياسية للجامعة العربية في بيروت‪ .‬حاول عبد الرحمن عزام (أمين‬ ‫التوسط بين السوريين واللبنانيين لتخفيف‬ ‫عام الجامعة العربية آنذاك)‬ ‫ُّ‬ ‫حدة األجواء فاستدعاه الرئيس الخوري إلى القصر وأبلغه‪ ،‬بحضور حميد‬ ‫فرنجية‪ ،‬أن الجانب اللبناني أقصى ما يقبل بالتنازل في موقفه‪ :‬إحالةُ‬ ‫االتفاق النقدي المالي إلى مجلس النواب اللبناني إلقــراره‪ .‬قبل الجلسة‬ ‫تَ م استدعاء خبيرين عالميين إلبداء رأيهما فيه‪ ،‬فلم ُير َّد الجانب السوري‬ ‫تردد الصلح في الموضوع فشرح له خطورة‬ ‫سلبا وال‬ ‫إيجابا‪ .‬لمس الخوري ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫واقتصاديا وأبلغه بأن هذا الموقف اتخذه مع جميل مردم‬ ‫ا‬ ‫سياسي‬ ‫التراجع‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫بك‪ ،‬وحسن جبارة الخبير السوري ورئيس وفد دمشق للمصالح المشتركة‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫حميد فرنجية ّ‬ ‫اتفاقية النقد بين لبنان وفرنسا‬ ‫يوقع‬ ‫ّ‬


‫‪116‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫بين البلدين‪ .‬استشار الجانب اللبناني الخبير الدولي فان ويلند‪ ،‬وأطلعه‬ ‫الرئيس على مضمون االتفاق فوافق عليه ونصحه بإجراء تعديالت عليه‬ ‫السنية في لبنان والمعارضة السورية‪.‬‬ ‫إرضاء للمعارضة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫إزاء هذا المنحى السلبي لتدهور العالقات بين لبنان وسوريا‪ ،‬بادر الملك‬ ‫ً‬ ‫وسيطا بين السوريين واللبنانيين‪ ،‬مع‬ ‫المصري فاروق إلى إرسال كريم تابت‬ ‫استعداده لعقد اجتماع مصري–سوري–لبناني في القاهرة إلعادة العالقات‬ ‫مبديا إعجابه باستقبال الرئيس‬ ‫الودية إلى طبيعتها‪ .‬عاد الرسول إلى بالده ً‬ ‫إياه في لبنان‪ُ .14‬دعي رؤساء الوفود العربية في ‪ 10‬نيسان ‪ 1948‬إلى اجتماع‬ ‫رسمي في القاهرة‪ ،‬وعالجت المباحثات موضوع االتفاق النقدي‪ ،‬فاستقبل‬ ‫الملك فاروق رياض الصلح وجميل مردم وباحثهما في الموضوع المذكور‪.‬‬ ‫وقام رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا باستقبال حميد‬ ‫فرنجية في حضور خبيرين ماليين مصريين لبحث العالقات الخارجية بين‬ ‫لبنان ومملكة مصر‪ .15‬في ‪ 3‬أيار ‪ 1948‬عقد المجلس النيابي اللبناني جلسة‬ ‫‪16‬‬ ‫ومعمقة وافق وزير المال‬ ‫لبحث اتفاق النقد وإقراره ‪ .‬بعد مناقشات متشعبة ّ‬ ‫الحاج حسين العويني على االتفاق رغم شوائب فيه لكنه أفضل الممكن‪.‬‬ ‫تولى الدفاع عن االتفاق حميد فرنجية وزيـ ُـر الخارجية (كونه المندوب‬ ‫اللبناني الذي وقّ ع على االتفاق مع الجانب الفرنسي)‪ .‬طالب النائبان سامي‬ ‫الصلح وكميل شمعون ِب َر ّد االتفاق‪ ،‬واتسمت معارضة شمعون بطابع شخصي‬ ‫وحادة َأقر‬ ‫استهدف المفاوض اللبناني حميد فرنجية‪ .‬بعد نقاشات طويلة‬ ‫ّ‬ ‫نوابا مسلمين ومسيحيين‪ ،‬عارضه‬ ‫ضمت ً‬ ‫المجلس التفاق بأكثرية ساحقة ّ‬ ‫نواب من الفئتين لكنهم أقلية‪ .‬فكانت الجلسة عامل تهدئة جنبت انقسام‬ ‫البالد إلى معسكرين طائفيين‪.17‬‬ ‫‪5.5‬سفير بابوي في سوريا بمسعى حميد فرنجية‬ ‫اغتنم الرئيس الخوري وجود اثنين من كبار الدبلوماسيين في الخارج‬ ‫(شارل حلو وزير لبنان المفوض في الفاتيكان‪ ،‬وإميل خوري وزير لبنان‬ ‫‪ 114‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.96 .‬‬ ‫‪ 115‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.97 .‬‬ ‫‪ 116‬محاضر جلسات المجلس النيابي‪ ،‬سنة ‪ ،1948‬ص‪ 974 .‬وما يليها‪ ،‬وقسم‬ ‫الوثائق‪.‬‬ ‫وزيرا في الحكومة التي َّ‬ ‫اطلعت على مشروع االتفاق في ‪24‬‬ ‫‪ 117‬كان كميل شمعون ً‬ ‫نص التقرير وناقشه في الجلسة‬ ‫الدين‬ ‫تقي‬ ‫بهيج‬ ‫النائب‬ ‫كانون الثاني ‪ .1948‬ووضع‬ ‫َّ‬ ‫المالية‪.‬‬ ‫بصفته مقرر اللجنة‬ ‫ّ‬


‫‪ 118‬نشرتها صحف دمشق في ‪ 6‬نيسان ‪ 1949‬واستقالة خالد العظم في ‪ 7‬نيسان‪،‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪197–192 .‬؛ كمال الصيبي‪ ،‬تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬ص‪.139 .‬‬ ‫‪ 119‬وزير المالية على عهد شكري القوتلي‪.‬‬ ‫‪ 220‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.205 .‬‬

‫‪117‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫‪6.6‬حركات التغيير في سوريا‬ ‫نبإ مفاجئ‪ :‬حسني الزعيم‬ ‫صباح ‪ 30‬آذار ‪ 1949‬استفاقت بيروت على ٍ‬ ‫وضع الرئيس شكري‬ ‫عسكري‪،‬‬ ‫القائد العسكري في سوريا قام بانقالب‬ ‫َ‬ ‫القوتلي ورئيس وزرائ ــه خالد العظم في اإلقــامــة الجبرية‪ ،‬حـ َّـل مجلس‬ ‫حصر به السلطتين التنفيذية والتشريعية‪ ،‬وفرض األحكام العرفية‬ ‫النواب‪َ ،‬‬ ‫مع إظهار موقف حسن نية تجاه لبنان‪ .‬وفي ‪ 3‬نيسان وصل إلى بيروت‬ ‫موفد ملكي يمثل الملك فاروق في مصر وقابل بشارة الخوري ليستطلع‬ ‫منه حقيقة ما يجري في سوريا فأحاله الرئيس إلى حميد فرنجية ورياض‬ ‫الصلح اللذين ّزوداه بالتوضيحات‪ .‬أجرى حميد فرنجية اتصاالت عاجلة‬ ‫أي واحد بينهم موقفً ا‬ ‫مع وزراء مفوضين عرب وأجانب لكنه لم يلمس من ّ‬ ‫صحافيا‬ ‫مؤتمرا‬ ‫صريحا من االنقالب‪ .‬في ‪ 7‬نيسان عقد حسني الزعيم‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫أعلن فيه استقالة شكري القوتلي من رئاسة الجمهورية وخالد العظم من‬ ‫رئاسة الحكومة‪ ،18‬وبــدأ السياسيون واإلعالميون المعارضون في لبنان‬ ‫يتهافتون إلى دمشق للتقرب من العهد الجديد ومضايقة الحكومة اللبنانية‪.‬‬ ‫طالبا منه‬ ‫وفــي فجر ‪ 13‬نيسان هاتَ َف وهبي الحريري‪ 19‬ريــاض الصلح‬ ‫ً‬ ‫االعتراف بالنظام الجديد‪ .‬أجابه الصلح أن وزير الخارجية حميد فرنجية‬ ‫موعدا لمقابلة حسني الزعيم‪ ،‬فتلقّ ى من‬ ‫طالبا‬ ‫اتصل بزميله السوري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫‪20‬‬ ‫تمنيا بإرجاء إرسال الوفد اللبناني في الوقت المحدد ‪.‬‬ ‫نظيره ًّ‬ ‫جبارة (مندوب حسني الزعيم) برياض الصلح وأبلغه أن‬ ‫اتصل حسن ّ‬ ‫إيجابيا لمصلحة لبنان‪ ،‬وأن الرئيس السوري تراجع‬ ‫الجو في دمشق انقلب‬ ‫ًّ‬

‫حميد فرنجية‬

‫المفوض لــدى دولــة ايطاليا) فأقام على شرفهما مأدبة غــداء في مقر‬ ‫بيت الدين حضرها رياض الصلح وحميد فرنجية وضيف الشرف السفير‬ ‫البابوي‪ .‬أثيرت في االجتماع إقامة عالقات دبلوماسية بين البابوية وسوريا‪،‬‬ ‫ورئيس‬ ‫فقر ال ــرأي بــأن يدعو حميد فرنجية رئـيـ َـس الحكومة السورية‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية رياض الصلح والسفير البابوي في لبنان إلى مأدبة غداء‬ ‫الحكومة‬ ‫ّ‬ ‫للتفاهم حول تحقيق هذا العمل الدبلوماسي المهم‪ .‬وافق السفير البابوي‬ ‫تعرضه النتقادات أوساط مسيحية لمسايرته الحكومة‬ ‫المونسيور ورينا رغم ّ‬ ‫اللبنانية‪ .‬إنما ساهم في نجاح العملية َتو ِّلي الوزير فرنجية ودعم الوزيرين‬ ‫المفوضين شارل حلو وإميل خوري‪ ،‬وموقف السفير البابوي اإليجابي‪.‬‬


‫‪118‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫عن اتهام رياض بالمشاركة في التخطيط لالنقالب‪ .‬تميز هذا االجتماع‬ ‫باإليجابية وطلب حسني الزعيم من فرنجية االعتراف بالوضع الجديد‬ ‫ففَ َعل‪ .‬واستجاب حسني الزعيم إلى نصيحة العاهل السعودي بتأليف‬ ‫ّ‬ ‫فشكلها الزعيم‬ ‫حكومة مدنية شرعية‪َّ .‬كلف بها فيضي األتاسي ففشل‪،‬‬ ‫برئاسته‪ .‬عاد فرنجية إلى بيروت ونقل إلى الرئيسين الخوري والصلح‬ ‫نتيجة المشاورات والمباحثات‪ .‬استدعى إلى مكتبه في وزارة الخارجية‬ ‫الــوزراء المفوضين لكل من الواليات المتحدة وفرنسا وانكلترا وتباحث‬ ‫معهم حول الوضع الراهن في سوريا‪ ،‬وأوضح لهم أن سياسة لبنان العربية‬ ‫واحدة مع كل األقطار العربية‪ .‬وعن نصيحة وزير بريطانيا المفوض أن‬ ‫الهاشمية ومخاوفها‪ ،‬وخاصة الملك عبد‬ ‫يراعي لبنان مشاعر العائلة‬ ‫ّ‬ ‫تثبت‬ ‫اهلل‪ ،‬أجابه فرنجية أن المطلوب بالمقابل من العائلة‬ ‫ّ‬ ‫الهاشمية أن ّ‬ ‫توقف دعواتها لتحقيق‬ ‫اعترافها بالوضع الراهن في سوريا وفي لبنان‪ ،‬وأن ِ‬ ‫فكرة ‪‬الهالل الخصيب‪ ‬أو ‪‬سوريا الكبرى‪ .21‬وفي ‪ 23‬نيسان استقبل‬ ‫بشارة الخوري وزيــر بريطانيا المفوض في بيروت وفهم من حديثه أنه‬ ‫ال يستبعد فكرة ‪‬سوريا الكبرى‪ ‬أو ‪‬الهالل الخصيب‪ .‬انعقد مجلس‬ ‫الوزراء في جلسة غير عادية للبحث في مسألة االعتراف بالنظام الجديد‬ ‫هاتفيا بحسني‬ ‫في سوريا‪ ،‬فوافق المجلس باإلجماع‪ .‬اتصل رياض الصلح‬ ‫ًّ‬ ‫شعورا باالرتياح‪ .‬واتصل حميد فرنجية ً‬ ‫ليال‬ ‫الزعيم وأبلغه النبأ فترك لديه‬ ‫ً‬ ‫رسميا قرار مجلس الوزراء‬ ‫بمفوضيات الدول األجنبية والعربية وأبلغها‬ ‫ًّ‬ ‫بهذا الخصوص‪.‬‬ ‫‪7.7‬اعتداء على األراضي اللبنانية‬ ‫في ‪ 19‬أيار ‪ 1949‬وصلت إلى منطقة حاصبيا سيارة عسكرية سورية‬ ‫فيها الضابط أكرم طبارة وثالثة جنود‪ ،‬اغتالوا اللبناني كامل حسين وهربوا‪.‬‬ ‫لحقت بهم قوة من الدرك اللبناني واعتقلتهم في قرية ينطا فهاج الرأي‬ ‫العام السوري‪ ،‬وطلب حسني الزعيم من رياض الصلح تسليمه الضابط‬ ‫ورفاقه بحجة أن القتيل جاسوس‪ .‬بعد مفاوضات معقدة انعقد اجتماع‬ ‫لبناني سوري على الحدود اللبنانية السورية‪ّ .‬‬ ‫مثل الجانب اللبناني حميد‬ ‫فرنجية وفيليب تقال وأنيس صالح‪ .‬وصل الوفد اللبناني الساعة ‪10:00‬‬ ‫صباح ‪ 25‬أيار ‪ 1949‬فاستقبله الجانب السوري عند خيمة حمراء تزينها‬ ‫األعالم اللبنانية والسورية ويحيط بها جنود سوريون بكامل أسلحتهم‪ .‬دخل‬ ‫ّ‬ ‫المسلحين عن مكان‬ ‫وأصر حميد فرنجية على إبعاد‬ ‫الوفدان إلى الخيمة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 221‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.212 .‬‬


‫االجتماع‪ .‬توزع الجنود على الطريق العام لمنع السير وانتهى االجتماع‬ ‫إيجابيا بعد مفاوضات شاقة بين أعضاء الوفدين‪.22‬‬ ‫ًّ‬

‫في ‪ 21‬آذار ‪ 1948‬انعقد مجلس الجامعة العربية في لبنان للبحث في‬ ‫قضية فلسطين إذ كانت المؤشرات الدولية تشير إلى محاولة إلنشاء وطن‬ ‫اجتماع اللجنة السياسية للجامعة العربية في‬ ‫االجتماع‬ ‫يهودي فيها‪ .‬سبق‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫‪ 2 22‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.216 .‬‬ ‫‪ 223‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.147 .‬‬ ‫‪ 224‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.252 .‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫‪ .5‬القضية الفلسطين ّية‬

‫‪119‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫‪8.8‬انقالب جديد في سوريا وعودة حميد فرنجية إلى لبنان‬ ‫صباح األحــد ‪ 14‬آب ‪ 1949‬حــدث انقالب جديد في سوريا بقيادة‬ ‫سامي الحناوي (أقــرب المقربين إلى حسني الزعيم) وأعلن أنه القائد‬ ‫كما بـ ِـإعــدام حسني‬ ‫العام ورئيس الحكومة‪ .‬أصــدرت قيادة االنـقــاب ُح ً‬ ‫فورا‪ .‬سعت الحكومة‬ ‫الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي‪ ،‬ونفذت الحكم ً‬ ‫اللبنانية إلى تفادي ذيول ما جرى وما سيجري‪ .23‬عاد حميد فرنجية من‬ ‫وتوجه إلى القصر الجمهوري لمقابلة رئيس الجمهورية‪ .‬استعرض‬ ‫أوروبا‬ ‫ّ‬ ‫معه األوضاع وأطلعه على تقرير الوزير المفوض في واشنطن شارل مالك‪،‬‬ ‫أيضا رياض الصلح‪ ،‬وفي التقرير شرح مالك رأيه في مستقبل‬ ‫وأطلع عليه ً‬ ‫غريبا إلى هذا الشرق‪ .‬اقترح‬ ‫عنصرا‬ ‫العالم العربي بعد دخول إسرائيل‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫رئيس الجمهورية على وزارة الخارجية اإلبراق إلى ممثل لبنان في واشنطن‬ ‫تقديرا ألنشطته في المحافل الدولية لمصلحة لبنان والعرب‪.24‬‬ ‫ً‬ ‫وسط هذه األجــواء المشحونة عقد المجلس النيابي (في ‪ 13‬شباط‬ ‫‪ )1950‬جلسة لمناقشة المستجدات السياسية والعسكرية في لبنان والدول‬ ‫مفاد ُه أن ‪‬لبنان لن يبقى‬ ‫العربية‪ .‬ألقى النائب حميد فرنجية‬ ‫خطابا عنيفً ا ُ‬ ‫ً‬ ‫على حياده تجاه الــدول العربية ألن استقالله مهدد‪ .‬وأعلن أن ‪‬لبنان‬ ‫يفضل مصالح العرب على غيرهم من الدول‪ ،‬أما إذا اصطدمت مصالحهم‬ ‫ّ‬ ‫نفضل مصلحة لبنان على جميع مصالح اآلخرين‪،‬‬ ‫بمصلحة لبنان فإننا ّ‬ ‫ّ‬ ‫سلبا على‬ ‫واعتبر أن ‪‬الوضع في سوريا غير مريح وغير مستقر ويؤثر ً‬ ‫لبنان‪ .‬وطالب بـ ‪‬إقامة عالقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا لتأمين‬ ‫الجارين‪.)‬‬ ‫البلدين‬ ‫حسن سير العمل وتنظيم العالقات بين َ‬ ‫َ‬


‫القاهرة َّ‬ ‫تمثل فيها لبنان بالرئيس رياض الصلح ووزيــر الخارجية حميد‬ ‫فرنجية وانضم إليهما كميل شمعون العائد من لندن كوزير مفوض‪ .‬دار‬ ‫البحث عن انتهاء االنتداب البريطاني على فلسطين والهدنة المنتظرة بين‬ ‫الصهاينة والعرب ومستقبل فلسطين بعد األحداث والتطورات ْ‬ ‫المأساوية‪.‬‬ ‫لم تُ سفِ ر المباحثات عن أي نتيجة عملية بسبب انقسام وجهات نظر العرب‬ ‫تجاه القضية الفلسطينية‪.25‬‬ ‫‪1.1‬الجالء البريطاني المفاجئ من حيفا‪ :‬كارثة مرعبة‬

‫‪120‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫يتنبه المسؤُ ولون العرب إلى خطورة ما يجري‪ّ ،‬‬ ‫إال بعد انسحاب‬ ‫لم َّ‬ ‫اإلنكليز فجأةً من حيفا ووقوع كارثة دموية خطيرة‪ :‬انفتاح المدينة لقمة‬ ‫كبيرا‬ ‫بناءها‪ِّ ،‬‬ ‫مهجرين ً‬ ‫قسما ً‬ ‫رادع مشتِّ تين َأ َ‬ ‫سائغة للصهاينة اجتاحوها بال ٍ‬ ‫خصوصا في صور‬ ‫عجت الشواطئ بألوف النازحين‪،‬‬ ‫ً‬ ‫منهم إلى لبنان‪ ،‬حتى َّ‬ ‫‪26‬‬ ‫وصيدا‪ ،‬بين الرعب والفقر والمعنويات المنهارة  ‪ّ .‬‬ ‫تبلغ الرئيس بشارة‬ ‫ـورا إلى الجنوب يتفقدهم‪ ،‬يرافقه نائب بيروت‬ ‫الخوري األنباء‬ ‫فتوجه فـ ً‬ ‫َّ‬ ‫الحاج حسين العويني‪ .‬وأعطى تعليماته لالهتمام بهم وتقديم كل ما يلزم‬ ‫لهم من مساعدات‪.27‬‬ ‫‪2.2‬رالف بونش والكونت برنادوت في لبنان‬ ‫تحت الضغوط الدولية على العرب لقبول الهدنة األولى (‪ 11‬حزيران‬ ‫َ‬ ‫إفساحا للعمل الديبلوماسي‪ ،‬وبعدما وافقت عليها‬ ‫أربعة أسابيع‬ ‫‪)1948‬‬ ‫ً‬ ‫اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية (‪ 18‬تموز ‪ ،)1948‬وصل إلى لبنان‬ ‫الم َّكلف إيجاد الحلول‬ ‫رالف بونش معاون الكونت برنادوت الوسيط الدولي ُ‬ ‫رسمية لالجتماع في‬ ‫لقضية فلسطين‪ .‬حمل بونش إلى الحكومة دعــوة‬ ‫ّ‬ ‫رودس بحضور عبد الرحمن عزام للبحث في شروط الهدنة مع اسرائيل‪،‬‬ ‫بشكل غير مباشر‪ ،‬ويكون صلة الوصل بينهما الوسيط الدولي‪.‬‬ ‫اجتمع الرئيس الخوري برياض الصلح وحميد فرنجية وعبد الرحمن‬ ‫عزام الذي عاد فاقترح الجانب اللبناني دعوة الوسيط برنادوت إلى لبنان‬ ‫لمقابلته‪ِ .‬قب َل برنادوت الدعوة ووصــل إلى بيروت في ‪ 24‬تموز واختلى‬ ‫‪ 225‬بشارة الخوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪99 .‬؛ باسم الجسر‪ ،‬المرجع السابق‪،‬‬ ‫ص‪13 .‬؛ مارون رعد‪ ،‬محطات أساسية‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.309 .‬‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫يوما من الموعد‬ ‫‪ 226‬‬ ‫اإلنكليز من حيفا قبل ‪ً 20‬‬ ‫فجأة‪ ،‬بدون أ ِّي ِإنذار ُمسبق‪ ،‬انسحب ِ‬ ‫كارثيا على منطقة الشرق األوسط‪.‬‬ ‫ذلك‬ ‫فكان‬ ‫ًّ‬ ‫‪ 227‬بشاره الخوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.99 .‬‬


‫مترجما‪ .‬بعدها استقالت‬ ‫بالرئيس الخوري في اليوم التالي بحضور بونش‬ ‫ً‬ ‫حكومة رياض الصلح فأعاد الرئيس تكليفه من جديد‪ ،‬وأبقى من الوزراء‬ ‫على حميد فرنجية وجبرائيل المر ومجيد أرسالن‪.28‬‬ ‫‪3.3‬فلسطين في هيئة األمم المتحدة‬

‫حميد فرنجية‬

‫‪ 228‬بشاره الخوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.136 ،128 .‬‬ ‫‪ 229‬بشاره الخوري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪147 .‬؛ مارون رعد‪ ،‬محطات أساسية‪،‬‬ ‫ص‪.312 ،309 .‬‬ ‫ِّ‬ ‫(ممثل لبنان‬ ‫‪ 330‬أرسل رياض الصلح تطمينً ا الى الحكومة بواسطة حبيب َأبي شهال‬ ‫إلى المؤتمر البرلماني العام في ِإيطاليا)‪ .‬بعد المؤتمر انتقل أبو شهال إلى باريس‬ ‫واجتمع برياض الصلح وأطلق بعدها الكلمة ْ‬ ‫المأثورة‪ :‬لبنان مرفوع الرأس في هيئة‬ ‫األمم المتحدة بوفده وبرئيسه رياض الصلح‪ .‬وكان الصلح بنى ُ‬ ‫تفاؤله على حديثه مع‬ ‫مشوبا بكثير من التحفُّ ظ‪ .‬المرجع‬ ‫المستر بيغن عن عرب فلسطين‪ ،‬لكن التفاؤل كان‬ ‫ً‬ ‫نفسه‪ ،‬ص‪.158 .‬‬

‫‪121‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫بدأت الجمعية العامة لألمم المتحدة تبحث في مستقبل فلسطين تركيزً ا‬ ‫على إقامة دولة يهودية صغيرة على أرض فلسطين وتقسيمها بين العرب‬ ‫يتوددون الى عبداهلل‬ ‫واليهود‪ .‬تحفظ العرب وبدأ المفاوضون الدوليون َّ‬ ‫وجعلها‬ ‫(أمير شرقي األردن) واعدينَ ُه َ‬ ‫بض ّم القسم العربي إلى إمارته ْ‬ ‫‪29‬‬ ‫ً‬ ‫‪‬المملكة األردنية الهاشمية‪ ‬يكون هو ملكا عليها ‪ .‬اجتمع وزير الخارجية‬ ‫السوري محسن البرازي بوزير الخارجية اللبناني حميد فرنجية في مكتب‬ ‫الرئيس بشارة الخوري لبحث ‪‬الدولة العربية الفلسطينية‪ ‬وموقف األمير‬ ‫سفر الوزير السوري إلى القاهرة وبغداد الستبيان‬ ‫عبداهلل منها‪ .‬تقرر‬ ‫ُ‬ ‫موقفهما الرسمي من قضية فلسطين‪َ .‬أ َ‬ ‫نظيره اللبناني‬ ‫طلع الوزير السوري‬ ‫َ‬ ‫على رغبته في تقديم مذكرة إلى األمانة العامة لجامعة الــدول العربية‬ ‫بمثابة شكوى سورية رسمية ضد ‪‬إمــارة شرقي األردن‪ ‬بسبب موقف‬ ‫األمير عبداهلل من المشكلة الفلسطينية‪ .‬وافــق الجانب اللبناني شرط‬ ‫يتأمن لها الجو المالئم‪ .‬عــاد الـبــرازي من مهمته‬ ‫تأخير تقديمها حتى‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫بالتريث حول هذا الموضوع‪.‬‬ ‫العربية‬ ‫ـدول‬ ‫ـ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫رغبة‬ ‫حامال معه‬ ‫متشائما‬ ‫ُّ‬ ‫ً‬ ‫الجانب اللبناني‬ ‫يتصل‬ ‫أن‬ ‫منه‬ ‫ا‬ ‫طالب‬ ‫فرنجية‬ ‫حميد‬ ‫الخوري‬ ‫بشارة‬ ‫استدعى‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫بالجانب السوري ِإلبالغ شكري القوتلي بالواقع واالتفاق معه أن ينتظروا‬ ‫ليقرر الجميع‬ ‫عــودة رئيس وزراء العراق مزحم الباجه جي إلــى دمشق ّ‬ ‫معا تحديد الوقت المالئم إلعطاء الموقف الرسمي العربي من قضية‬ ‫ً‬ ‫‪30‬‬ ‫فلسطين‪ .‬تم إبالغ رياض الصلح في باريس بهذا الموقف ‪ .‬بعد نزول‬ ‫الرئيس من بيت الدين إلى بيروت اتصل وزيـ ُـر الخارجية حميد فرنجية‬


‫بوزيري خارجية مصر والعراق للتأكد من استعدادهما لالعتراف بـ ‪‬حكومة‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫رسميا بهذه‬ ‫قبوال‪ .‬عندها اعترف لبنان‬ ‫فلسطين العربية‪ ‬فلمس منهما‬ ‫ً‬ ‫الحكومة في ‪ 13‬تشرين األول ‪.31 1948‬‬

‫‪122‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪4.4‬معارك بين جيش اإلنقاذ والصهيونيين‬ ‫توجه حميد فرنجية إلى القاهرة في ‪ 28‬تشرين األول ‪ 1948‬لحضور‬ ‫مؤاتيا لتحقيق أية‬ ‫الــدورة العادية لجامعة الــدول العربية‪ .‬لم يكن الجو‬ ‫ًّ‬ ‫اإلنقاذ الفلسطيني والصهاينة على‬ ‫ّ‬ ‫إيجابية‪ ،‬بسبب معارك عنيفة جيش ِ‬ ‫الحدود اللبنانية الجنوبية‪ ،‬وحلقت طائرات إسرائيلية فوق بيروت ومناطق‬ ‫استمرت بدعم‬ ‫لبنانية‪ ،‬وألقت مناشير تهدد السكان والحكومة اللبنانية إذا‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫متالحقة‬ ‫جلسات‬ ‫الح ِرج عقد مجلس الوزراء‬ ‫ٍ‬ ‫جيش اإلنقاذ‪ .‬إزاء هذا الوضع َ‬ ‫وبقي على اتصال برياض الصلح في باريس وحميد فرنجية في القاهرة‬ ‫لمتابعة األوضاع‪ .32‬وسط هذه األجواء المقلقة بدأت تتواتر األخبار السيئة‬ ‫َ‬ ‫والحكومة أن‬ ‫رئيس الجمهورية‬ ‫من مجلس الجامعة العربية‪ ،‬فأبلغ فرنجية‬ ‫َ‬ ‫النقراشي باشا (رئيس الحكومة المصرية) لم يحضر ًّأيا من اجتماعات‬ ‫الجامعة‪ ،‬وال حضر عبد الرحمن عزام (وزير الخارجية المصرية) بحجة‬ ‫الـمــرض‪ ،‬وأن الوفد العراقي تأخر عن افتتاح الجلسات األول ــى‪ .‬وفور‬ ‫رئيس الوزارة المصرية وجرى بينهما‬ ‫رئيسه فاضل الجمالي‬ ‫َ‬ ‫وصوله قابل ُ‬ ‫عتاب حول ترك مصر وحيدة في الحرب‪ ،‬وتابع فرنجية في رسالته بأنه‬ ‫وبعدئذ ّ‬ ‫يبلغ الحكومة بمضمون‬ ‫سيقابل النقراشي في ‪ 25‬تشرين الثاني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ما سيجري بينهما‪.33‬‬ ‫فور ُّ‬ ‫تبل ِغ الخوري معلومات إيجابية عن المباحثات في الجامعة العربية‪،‬‬ ‫اجتماعا لمجلس الــوزراء وأطلعه على مضمون اجتماعه بالرئيس‬ ‫ترأس‬ ‫ً‬ ‫السوري شكري القوتلي في فندق مسابكي (شتورة ‪ )1948/11/6‬وفي ما‬ ‫يتعلق بموقف الملك عبداهلل‪ ،‬وأوضــاع الجامعة العربية السيئة والعمل‬ ‫العسكري المشترك الذي تُ رك أمر البت فيه إلى القيادتين العسكريتين‬ ‫اللبنانية والـســوريــة‪ .‬أبــرق ال ـخــوري إلــى ريــاض الصلح وحميد فرنجية‬ ‫بمضمون ما جرى‪ .34‬وفي ‪ 12‬تشرين الثاني عاد فرنجية من القاهرة وقابل‬ ‫تحسن‬ ‫شارحا له ما يدور في أروقة الجامعة العربية‪،‬‬ ‫الخوري‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشيرا إلى ُّ‬ ‫‪3 31‬‬ ‫‪ 332‬‬ ‫‪ 333‬‬ ‫‪ 334‬‬

‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪155 .‬؛ مارون رعد‪ ،‬محطات أساسية‪ ،‬ص‪.312 ،309 .‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.159–158 .‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.161 .‬‬ ‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪( 164 .‬قسم الوثائق)‪.‬‬


‫‪ 3 35‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.165 .‬‬ ‫‪ 336‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.170 .‬‬ ‫‪ 337‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪171 .‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫َ‬ ‫‪‬لجنة توفيق‪‬‬ ‫تعيين ‪‬هيئة األمم المتحدة‪ ‬ما َس ّمتْ ها‬ ‫‪ُ 5.5‬‬ ‫سريعا إلى‬ ‫تلقى الرئيس الخوري برقية من رياض الصلح بأنه عائد‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫لبنان في ‪ 1947/12/7‬إذ كان القائم بأعمال مفوضية العراق زاره ً‬ ‫ناقال‬ ‫ليال‬ ‫إليه برقية من نجيب الراوي (رئيس وفدهم العراقي إلى األمم المتحدة)‬ ‫بتمن من فارس الخوري رئيس البعثة السورية في مجلس األمن‬ ‫مشفوعة ٍّ‬ ‫باستعجال عودة رياض الصلح إلى لبنان‪ .‬استدعى الرئيس حميد فرنجية‬

‫‪123‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫في أنشطة الوفود أكثر مما كان في الجلسات األولى‪ ،‬وإلى عودة التفاهم‬ ‫طبيعيا بين مصر والعراق وإلى اتفاق الوفود على عمل مشترك في نقطة‬ ‫ًّ‬ ‫محددة على الجبهة المصرية‪ ،‬وسيقوم لبنان بدوره في الواجب الوطني‬ ‫الفوجين السوريين المرابطين على حدود لبنان‪ .‬أيد‬ ‫بعد االستغناء عن دور‬ ‫َ‬ ‫‪35‬‬ ‫الرئيس السوري قرار الجامعة خالل حديثه الهاتفي مع بشارة الخوري ‪.‬‬ ‫بعد احتفاالت االستقالل (‪ )1948/11/22‬عاد المسؤولون إلى شجون‬ ‫الدولة ومتاعبها واالتفاق المالي واالقتصادي مع سوريا وموضوع الهدنة‬ ‫فــي مجلس األم ــن‪ .‬فــي ‪ 27‬تشرين الثاني انعقد غــداء عمل إلــى مائدة‬ ‫الرئيس الخوري حضرها رئيس وزراء سوريا جميل مردم بك مع وزيري‬ ‫االقتصاد والمال السوريين‪ ،‬وعن الجانب اللبناني حضر الوزراء جبرائيل‬ ‫المر وحميد فرنجية وفيليب تقال وحسين العويني‪ .‬وجــرت مفاوضات‬ ‫سياسية واقتصادية ومالية وتقرر االستمرار في الوضع حتى عودة رياض‬ ‫الصلح من باريس‪ .‬وانعقدت خلوة في القصر الجمهوري بين بشارة الخوري‬ ‫وجميل مردم بك وحميد فرنجية وانضم اليهم وزير الدفاع مجيد ارسالن‬ ‫وقائد الجيش العماد فؤاد شهاب‪ ،‬وتداول الحاضرون في الحالة العامة‬ ‫على الحدود اللبنانية السورية بعد أن انكفأ اليها ‪‬جيش اإلنقاذ‪.36‬‬ ‫ـوع ال ـهــدنــة الــدائ ـمــة بـيــن الـعــرب‬ ‫عـنــد مناقشة مجلس األم ــن مــوضـ َ‬ ‫وإسرائيل‪ ،‬دارت المباحثات ضد مصلحة العرب لمصلحة الصهاينة‪ .‬طلب‬ ‫المفوض مقابلة رئيس الجمهورية فاستقبله بحضور حميد‬ ‫وزير بريطانيا‬ ‫َّ‬ ‫فرنجية‪ ،‬ونصحهم باسم حكومة بالده أن َيقبل العرب بمشروع برنادوت‬ ‫تفسير رفضه وأبدى‬ ‫فص َل الجانب اللبناني‬ ‫كــ ‪‬أفضل الحلول‪ .‬وعندما َّ‬ ‫َ‬ ‫مستمزجا رأيه‬ ‫الصلح‬ ‫رياض‬ ‫إلى‬ ‫أبرق‬ ‫بالموافقة‪،‬‬ ‫معاكسا ولم يقبل‬ ‫رأيا‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫‪37‬‬ ‫اإلسراع في العودة للبت بموضوع ‪‬جيش اإلنقاذ‪. ‬‬ ‫عليه‬ ‫واقترحوا‬ ‫ِ‬


‫‪124‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫واستشاره فاقترح فرنجية بأن يبقى الصلح في باريس ألهمية إقامته هناك‬ ‫بإجراء مساهمة في الحل‪ ،‬وتقوية موقف لبنان‪ .‬اقترحت الجمعية العامة‬ ‫لألمم المتحدة تشكيل لجنة توفيق من ثالثة أعضاء‪ .38‬وكيل الوسيط الدولي‬ ‫سرفواز اقترح على الحكومة هدنة قصيرة على الحدود وحصر المفاوضات‬ ‫َ‬ ‫شرط‬ ‫العسكرية بدون تدخل وزارة الخارجية‪ .‬وافقت الحكومة‬ ‫بين القيادات‬ ‫ّ‬ ‫االنسحاب من القرى المحتلة‪ .‬وت َّـم َض ُّم القسم العربي من فلسطين إلى‬ ‫مؤتمر في أريحا والمناداة بالملك عبداهلل ً‬ ‫ملكا عليه‪ ،‬ما أثار‬ ‫األردن بعقد‬ ‫ٍ‬ ‫استنكار ملك مصر فاروق فطلب من بشارة الخوري المشاركة في االستنكار‪.‬‬ ‫اجتمع مجلس الوزراء اللبناني على الفور وكلف حميد فرنجية القيام بالمهمة‬ ‫َ‬ ‫الرئيس‬ ‫الملك بضرورة العودة إلى كنف الجامعة العربية‪ ،‬وأعلم‬ ‫فناشد‬ ‫َ‬ ‫‪39‬‬ ‫األمر‬ ‫بهذا‬ ‫الصلح‬ ‫ورياض‬ ‫السوري‬ ‫العماد‬ ‫زار‬ ‫‪1947‬‬ ‫األول‬ ‫كانون‬ ‫‪17‬‬ ‫في‬ ‫‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فــؤاد شهاب القصر ُلي ْطلع رئيس الجمهورية على محادثاته مع الوسيط‬ ‫الدولي الذي عرض القيام بمفاوضات عسكرية إلجالء العدو عن األراضي‬ ‫اللبنانية‪ ،‬على أن يجتمع في اليوم التالي برئيس أركان األمم المتحدة‪ .‬طلب‬ ‫بوزيري الخارجية والدفاع ويرجئ الجواب حتى‬ ‫من قائد الجيش بأن يتصل‬ ‫َ‬ ‫عودة رياض الصلح‪ .‬في اليوم التالي ّ‬ ‫تبلغ رئيس الجمهورية من قائد الجيش‬ ‫اتفاقه مع رئيس أركان حرب األمم المتحدة على خطة عسكرية وافق عليها‬ ‫وزيرا الخارجية والدفاع‪ .‬وفي ‪ 22‬كانون االول وصل رياض الصلح إلى مطار‬ ‫بيروت من دون أي تصريح لوسائل اإلعالم‪.40‬‬ ‫‪6.6‬هدنة رودس والمفاوضات فيها‬ ‫وساطة رياض الصلح َّأدت إلى عقد اجتماع الرئيس الخوري بالرئيس‬ ‫السوري (بحمدون ‪ 5‬كانون الثاني ‪ .)1949‬وصل بشارة الخوري إلى الفندق‬ ‫برفقة رياض الصلح وحميد فرنجية‪ .‬ناقش المجتمعون في أربع ساعات‬ ‫مشكلة القضية الفلسطينية وموقف كل دولة عربية منها‪ .‬اقترحوا سفر‬ ‫رئيس الــوزارة رياض الصلح إلى بغداد لمتابعة الموقف‪ ،‬ثم آثروا تأخير‬ ‫سفر الصلح واستدعوا وزير لبنان المفوض من واشنطن وناقشوا الوضع‬ ‫في حضور حميد فرنجية حول خطط مستقبلية لمجابهة الواقع‪.41‬‬ ‫‪ 338‬صدر قرار التقسيم في ‪ .1947/11/29‬بشاره الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪،3 .‬‬ ‫ص‪.176 .‬‬ ‫‪ 339‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪177 .‬‬ ‫‪ 440‬في قرار ‪‬الجمعية العامة‪ ‬غابت اإلشارة إلى قرار تقسيم فلسطين‪ ،‬كما غابت‬ ‫اإلشارة كذلك إلى تقرير برنادوت‪ :‬بشاره الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.176 .‬‬ ‫‪ 441‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.185 .‬‬


‫حميد فرنجية‬

‫‪ 442‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.194–192 .‬‬ ‫‪ 443‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ّ 197–192 .‬تم التوقيع على الهدنة مع األردن في ‪ 3‬نيسان‬ ‫‪ 1949‬ومع سوريا في ‪ 3‬تموز‪ .‬ولم تتم أية هدنة مع العراق والمملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫ب ــدأت مـفــاوضــات رودس سنة ‪ 1949‬متعثرةً وك ــان مـحــور السياسة‬ ‫اللبنانية التركيز على متابعة أجــواء االتفاقية‪ .‬عاد مدير الخارجية من‬ ‫ّ‬ ‫دمشق بعد أن اجتمع بالرئيس السوري الستشراف موقفه من الهدنة مع‬ ‫إسرائيل‪ ،‬كان موقفه يميل إلى انتظار نتائج محادثات رودس ليقرر موقفه‬ ‫الرسمي من الهدنة‪ .‬تعثرت المفاوضات فسمحت الحكومة اللبنانية للقيادة‬ ‫العسكرية أن تجتمع في رأس الناقورة بالقيادة الصهيونية في حضور‬ ‫ممثلي األمــم المتحدة‪ ،‬شـ َ‬ ‫ـرط ألَّ ا يوقّ ع الجانب اللبناني على أي إتفاق‬ ‫َّ‬ ‫إال بعد صدور اتفاق رودس‪ .‬كانت الشكوك تساور موقف السوريين من‬ ‫‪42‬‬ ‫تحركات الملك عبداهلل المثيرة الشك والريبة وطموحاته المشبوهة ‪.‬‬ ‫بعدها جاء المندوب العراقي الجديد جميل المدفعي (رئيس وزراء سابق)‬ ‫ساعيا إلى ترميم‬ ‫فقابل رياض الصلح وحميد فرنجية‪ ،‬وانتقل إلى القاهرة‬ ‫ً‬ ‫العالقات بين بغداد والقاهرة حول الوضع العربي‪ .‬توقفت محادثات رودس‬ ‫يوما بعد يوم‬ ‫بــدون بلوغ أي اتفاق‪ .‬أخــذت تــزداد االعترافات بإسرائيل ً‬ ‫وخاصة من بريطانيا ودول الحلف األطلسي‪ .‬وفي ‪ 31‬كانون الثاني ‪1949‬‬ ‫َ‬ ‫الدول العربية لالشتراك في مفاوضات‬ ‫دعا الوسيط الدولي المستر بونش‬ ‫الهدنة‪ .‬انعقد اجتماع بين وزير الخارجية حميد فرنجية ووزير الخارجية‬ ‫توج َه المبعوث العراقي جميل‬ ‫السوري لالتفاق على موقف موحد فيما َّ‬ ‫المدفعي إلى القاهرة ليجتمع بالملك عبداهلل والوصي على العرش عبد‬ ‫اإللــه على الحدود العراقية األردنـيــة‪ .‬في ‪ 18‬شباط وصلت إلى بيروت‬ ‫‪‬لجنة التحقيق الدولية‪ ‬إلجــراء مهمتها في مراحلها األخـيــرة‪ .‬اجتمع‬ ‫رئيس الجمهورية بحميد فرنجية ورياض الصلح لبحث القدس وملحقاتها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وموضوع الالجئين‪ ،‬ثم اجتمع بـأعضاء ‪‬اللجنة‪ّ ‬‬ ‫فشكك في نواياهم السيئة‬ ‫ضد مصالح العرب‪ ،‬وغادرت اللجنة إلى تل أبيب‪ .‬في ‪ 24‬شباط تم التوقيع‬ ‫على الهدنة بين مصر وإسرائيل ولم ُيعد أمام العرب ّ‬ ‫إال التوقيع عليها‪.‬‬ ‫محادثات بدأت في الناقورة مع الجانب‬ ‫اللبنانية مواصلة‬ ‫فضلت الحكومة‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصهيوني‪ .‬في ‪ 21‬شباط ‪ 1949‬وصــل إلــى بيروت خالد العظم لبحث‬ ‫ترتيبات مالية واقتصادية وسياسية بين الجانبين‪ .‬استقبله الرئيس بشارة‬ ‫متوج ًسا من سياسة الملك‬ ‫الخوري بحضور رياض الصلح وحميد فرنجية‬ ‫ِّ‬ ‫عبداهلل المعاديةِ العرب‪.43‬‬


‫‪126‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫خريطة تقسيم فلسطين العام ‪1948‬‬

‫‪7.7‬المراحل األخيرة للهدنة مع إسرائيل‬ ‫في ‪ 28‬شباط اجتمع مجلس الــوزراء واشترط على الوسيط الدولي‬ ‫وفوض وزارة‬ ‫إبقاء المفاوضات مع الجانب اإلسرائيلي في الناقورة فوافق َّ‬ ‫تلتها جلسة ثانية في‬ ‫الدفاع بمسؤولية مفاوضات بدأت في أول آذار ‪ْ 1949‬‬ ‫فعليا إال في ‪ 10‬آذار‪ .‬وفي ‪ 22‬آذار عقد مجلس الوزراء‬ ‫‪ 3‬آذار ولم تبدأ ًّ‬ ‫ووقّ‬ ‫وأقره‪ ،‬ع عليه المفاوض اللبناني نهار ‪23‬‬ ‫جلسة ثانية فدرس االتفاق ّ‬ ‫آذار في مخفر رأس الناقورة‪.‬‬


‫‪ .6‬دور فرنجية في السياسة الداخل ّية‬

‫حميد فرنجية‬

‫‪ 4 44‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.360 .‬‬ ‫‪ 445‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.383 .‬‬

‫‪127‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫استقالت الحكومة وتشكلت حكومة جديدة برئاسة حسين العويني‬ ‫لالشراف على انتخابات تجري في دورتين‪ 15 :‬و‪ 22‬نيسان ‪ّ .1951‬‬ ‫ترشح‬ ‫حميد فرنجية في دائرة مثلث الزاوية البترون الكورة‪ ،‬ففاز وحده من الئحة‬ ‫ماديا‪ ،‬وفاز بقية أعضاء الالئحة المضادة‪ .44‬بعد البيان الوزاري‬ ‫ضعيفةٍ‬ ‫ًّ‬ ‫للحكومة الجديدة (ألقاه عبداهلل اليافي في المجلس) نالت الحكومة الثقة‬ ‫على أساسه في ‪ 19‬حزيران ‪ 1951‬بأكثرية ‪ 53‬صوتً ا ضد ‪.45 22‬‬ ‫عـ ــارضـ ــت ال ـح ـكــومـ َـة‬ ‫ال ـجــديــدةَ جـبـهــةٌ قــوامـهــا‬ ‫ث ـمــان ـيــة ن ـ ــواب م ــن كتلة‬ ‫جـ ـنـ ـب ــاطـ ــ‪/‬شـ ـمـ ـع ــون‪/‬إده‬ ‫قــاومــت الرئيس وشقيقه‬ ‫ال ـش ـيــخ سـلـيــم الــخ ــوري‪،‬‬ ‫وتشكلت مجموعة ثانية‬ ‫من صبري حماده ورياض‬ ‫الـصـلــح ومـجـيــد أرس ــان‬ ‫وبهيج تقي الدين‪ ،‬وثالثة‬ ‫من سليمان العلي والرابعة‬ ‫من حميد فرنجية‪.‬‬ ‫اغتيل ري ــاض الصلح‬ ‫فـ َـجـ َـرت انتخابات فرعية‬ ‫النتخاب الـبــديــل‪ .‬عرض‬ ‫فــرن ـج ـيــة ع ـلــى الــرئ ـيــس‬ ‫الـ ـ ـخ ـ ــوري إنـ ـ ـج ـ ــاح ت ـقــي‬ ‫الدين الصلح فاستصعب‬ ‫وزيرا مع الرئيس بشارة الخوري‬ ‫فرنجية ً‬ ‫الــرئ ـيــس ذل ــك لـمــواجـهــة‬ ‫قيادات سياسية في الجنوب أمثال أحمد األسعد‪ ،‬ومعارضة عبداهلل اليافي‬ ‫وحمل المسؤولية للرئيس‪.‬‬ ‫هذا االختيار‪ .‬لم يقتنع فرنجية بالتبريرات ّ‬ ‫استقالت حكومة عـبــداهلل اليافي فــي ‪ 9‬شباط ‪ .1952‬كلف بشارة‬ ‫ً‬ ‫الخوري سامي الصلح ّ‬ ‫حكومة في ‪ 12‬شباط من عشرة وزراء نالت‬ ‫فشكل‬


‫الثقة بأكثرية ‪ 56‬صوتً ا‪ ،‬وكان حميد فرنجية من المعارضين إلى جانب‬ ‫نواب جبهةٍ اشتراكيةٍ وطنيةٍ من سبعة نواب‪.46‬‬ ‫التربوية‬ ‫‪1.1‬دور حميد فرنجية في السياسة‬ ‫ّ‬

‫‪128‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫العامة لألونسكو مؤتمرها الثالث في بيروت‬ ‫سنة ‪ 1948‬عقدت‬ ‫الجمعية ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتربية‪ .‬وجاء‬ ‫للخارجية‬ ‫وزيرا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وألقى فيه حميد فرنجية كلمة لبنان بصفته ً‬ ‫مقرا الجتماع ثقافي دولي‪.‬‬ ‫في كلمته‪ :‬شرف رفيع للبنان أنكم اخترتموه ً‬ ‫يقدر هذا الشرف‪ ،‬ويدرك ما ينطوي عليه هذا الحدث‬ ‫الشعب اللبناني ّ‬ ‫من أهمية‪ ،‬ويعلم ما يخصكم به العالم من اهتمام بالغ وما يعلّ قه من‬ ‫آمال على نجاح جهودكم في سبيل نشر السالم بين الناس‪ ،‬وإقامته عـلى‬ ‫تعاون الشعوب في ظل الثقة واالحترام المتبادلين ال على الخوف من‬ ‫‪47‬‬ ‫عبر فرنجية عن غبطته لثقة المؤسسات‬ ‫القوة والحيطة من رهبتها‪ّ . ‬‬ ‫الدولية بلبنان‪ .‬وأعلن للمؤتمرين أن لبنان ال يستقبلهم وحده بل تشاركه‬ ‫في االستقبال وفود رسمية من الــدول العربية‪ .‬وأشــاد بمنهاج عمل هذه‬ ‫المؤسسة الدولية القائم على تحقيق الوحدة في التنوع الثقافي كما أعلنت‬ ‫ذلك سنة ‪ .1948‬وأشاد فرنجية بالعالقات الحضارية بين الشرق والغرب‪،‬‬ ‫لكن هذا اللقاء دولي فريد‪ ،‬وهنا عظمة األونسكو كمنظمة دولية حضارية‬ ‫حرية في جو من األخوة‬ ‫تسهم في تطوير الشعوب لتعبر عن آرائها بكل ّ‬ ‫اإلنسانية السمحاء‪ .‬وقال إن الحديث‪ ،‬بعد مأساة الحرب العالمية الثانية‪،‬‬ ‫غريبا على‬ ‫يتكون‪ .‬وهذا ليس‬ ‫ً‬ ‫قائم على إنسان جديد ينشد ذاته‪ ،‬وهو أخذ ّ‬ ‫حضارات شعوب تعاقبت على الشرق والغرب منذ أقــدم العصور‪ّ .‬‬ ‫وركز‬ ‫الفنية ال يؤدي وحده إلى تحرير‬ ‫فرنجية على أن التوسع في أساليب العلم‬ ‫ّ‬ ‫وتحدث‬ ‫المتبعة وأساليب التعليم المكانة األولى‪.‬‬ ‫فكر اإلنسان بل للطريقة ّ‬ ‫ّ‬ ‫عن اإلنسان الذي تتمثل فيه المعضلة‪ ،‬وانطلق إلى وجه آخر من وجوه‬ ‫معتبرا أن األمم المتحدة ّركزت على نبذ االستعباد‬ ‫معضلته هي التربية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫متخذة الحريات العامة والحرية الشخصية وسيلة لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫تهي ُئ‬ ‫وهنا يبرز دور التربية الحرة ومكانتها في نظر األمم المتحدة‪ ،‬ألنها ِّ‬ ‫ـرارا برغم تحديات تجابههم‪ .‬وهنأ الوزير على تحديد‬ ‫أناسا يعيشون أحـ ً‬ ‫ً‬ ‫الغاية من التربية‪ .‬فبعد أن تحدد ماهية اإلنسان ندع التربية تقوده في‬ ‫تفتح عقلي ونفسي يتيح له تكوين ذاته لينتهي إلى اكتشاف نفسه‬ ‫طريق ّ‬ ‫وتربية تتخذ الروح هدفً ا لها ال غنى لها عن الرياضة النفسية والجسدية‪.‬‬ ‫‪ 4 46‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.439 .‬‬ ‫‪ 447‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪ 524 .‬وما بعدها‪.‬‬


‫اشـتــدت المعارضة ضــد الرئيس بـشــارة الـخــوري ففشلت تشكيالته‬ ‫الحكومية ما أدى إلى استقالته‪ 49‬وتعيين حكومة ثالثية َّ‬ ‫ترأ َسها فؤاد شهاب‬ ‫تنحي القادة المسلمين عن‬ ‫برغم مواالة بعض النواب بشارة الخوري‪ ،‬لكن ِّ‬ ‫خطيا إلى رئيس‬ ‫تأليف الحكومات أرغم الرئيس على االستقالة فقدمها‬ ‫ًّ‬ ‫المجلس النيابي‪ .‬وكان ذلك ‪‬االنقالب األبيض أو الثورة البيضاء‪.‬‬ ‫‪1.1‬فرنجية والعهد الجديد‬

‫‪50‬‬

‫انحصرت المعركة بين حميد فرنجية وكميل شمعون‪ .‬ومالت األمور‬ ‫ً‬ ‫انتخب كميل شمعون‬ ‫بداية لمصلحة فرنجية‪ ،‬إنما في الساعات األخيرة ُ‬ ‫رئيسا بدعم ســوري من أديــب الشيشكلي بعد قيام شمعون برحلة صيد‬ ‫ً‬

‫ً‬ ‫كامال في نشرة وزارتي التربية والخارجية بالعربية واإلنكليزية‬ ‫‪ 448‬الخطاب منشور‬ ‫(‪ 17‬تشرين الثاني ‪.)1948‬‬ ‫‪ 449‬يوسف سالم‪ 50 ،‬سنة مع الناس‪ ،‬ص‪.344–342 ،339–335 .‬‬ ‫‪ 550‬يوسف سالم‪ 50 ،‬سنة مع الناس‪ ،‬ص‪.356–354 .‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫‪ .7‬ثورة بيضاء‬

‫‪129‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫ألهمية العامل اإلجتماعي عنده‪ ،‬رأى أن على التربية إعداد اإلنسان‬ ‫ونظرا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الحر واإلنسان اإلجتماعي وتنمية شعوره بالمسؤولية وباالنتماء إلى األمة‪.‬‬ ‫كما رأى فرنجية مشكلة تــواجــه األونـسـكــو‪ :‬التربية التي فــي صلب‬ ‫الوطنية في نفس المواطن‪ ،‬قد تَ صرفه عن‬ ‫أهدافها تعزيز حرمة القيم‬ ‫ّ‬ ‫االهتمام باآلفاق العالمية الفسيحة‪ .‬فعن المنظمة الدولية أن التربية التي‬ ‫تربوية تستمد مقوماتها ً‬ ‫أوال‬ ‫الوطنية تحتاج بيئة‬ ‫تستند بطبيعتها إلى القيم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية‪ .‬وما األمة ّ‬ ‫إال جماعة تحمل الثقافة والتراث الحضاري‬ ‫من الحياة‬ ‫ّ‬ ‫عبر األجيال‪ .‬وعلى األمة‪ ،‬في رأي فرنجية‪ ،‬أن يكون لها إطار جغرافي‬ ‫استنادا إلى تاريخ موحد‪ ،‬وتتولى األمة تربية‬ ‫تعتصم فيه داخل حدودها‬ ‫ً‬ ‫أبنائها لتغرس خالصة أذواق أجيالها في نفوسهم الناشئة‪ ،‬وتعرض عليهم‬ ‫وس ّل ًما للقيم والديانة في‬ ‫قبل أن يبلغوا مرحلة االختبار فكرة عن الحياة‪ُ ،‬‬ ‫بعض األحيان‪ .‬وختم الوزير فرنجية كلمته‪ :‬علينا في هذه اآلفاق المشرقة‬ ‫الواسعة أن نثق بالعلم وبمستقبل اإلنسانية‪ ،‬وعندئذ نفكر غير واهمين‬ ‫بأمم متحدة أخذت على عاتقها قطع كل ثقة بقدرات األقدمين‪ ،‬وتسلمت‬ ‫دفة التاريخ لتقوده إلى شاطئ الحرية والسالم‪ .‬فحيث تكون الروح تكون‬ ‫الحرية‪.48‬‬


‫إلى سوريا واجتماعه بالرئيس السوري‪ .‬يوسف سالم دعم ترشيح فرنجية‬ ‫تقديرا لوطنيته وذكائه واعتبره ‪‬الرئيس األمثل للجمهورية‪ .‬إنما واجه‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ضغوطا متعددة المصادر مدعومة من أطراف دولية منها بريطانيا وفرنسا‪،‬‬ ‫المرش َحين في منزله كي ُيجري ٌّ‬ ‫َّ‬ ‫كل منهما حساب النواب الذين‬ ‫فجمع‬ ‫يؤيدونه فيتنازل صاحب األصوات القليلة إلى خصمه ويتجنب لبنان معركة‬ ‫غير مأمونة العواقب‪ .‬فجأة وقف حميد فرنجية وقــال لكميل شمعون‪:‬‬ ‫‪‬مبروك‪ .‬وانتهت معركة الرئاسة‪.‬‬ ‫‪51‬‬ ‫رئيسا بإجماع المجلس النيابي ‪.‬‬ ‫في اليوم التالي ُ‬ ‫انتخب شمعون ً‬ ‫‪ .8‬رجل اإلنجازات‬ ‫‪1.1‬الجالء‬ ‫‪130‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫إستقالت حكومة عبد الحميد كرامي في ‪ 22‬آب ‪ 1945‬فشكل سامي‬ ‫الصلح حكومة جديدة في ‪ 29‬آب ضمت حميد فرنجية وزيـ ًـرا للخارجية‬ ‫وعهدت به إلى‬ ‫والتربية‪ .‬كان موضوع الجالء في رأس اهتمامات الحكومة‬ ‫َ‬ ‫تكلم حميد فرنجية ّ‬ ‫طرح البيان الوزاري ّ‬ ‫وركز على‬ ‫حميد فرنجية‪ .‬وعند ْ‬ ‫‪52‬‬ ‫موضوعين‪ :‬الجالء وفلسطين ‪.‬‬ ‫كانت فرنسا وبريطانيا مختلفتين في النظرة إلى الجالء‪ .‬بعد انتهاء‬ ‫الحرب العالمية الثانية واستسالم ألمانيا واليابان في ‪ 8‬أيار ‪ 1945‬انصرف‬ ‫المجلس النيابي إلى معالجة قضية ‪‬الجالء‪ .‬وفي مطلع تشرين األول‬ ‫ً‬ ‫متسائال عن مصير الجالء‬ ‫‪ 1945‬وقف الرئيس صائب سالم في المجلس‬ ‫فأجابه فرنجية‪ُ :‬‬ ‫‪‬أطمئن النواب إلى أن موضوع الجالء هو شغلنا الشاغل‪،‬‬ ‫‪53‬‬ ‫ّ‬ ‫الحل المناسب ‪.‬‬ ‫وال مجال للمساومة‪ .‬أرجو أن تثقوا بنا لنصل إلى‬ ‫عندما جــاء دور كلمة لبنان في مجلس األمــن عــرض حميد فرنجية‬ ‫ودعي حميد فرنجية وفارس الخوري للمشاركة في النقاش‬ ‫ملف الجالء‪ُ .‬‬ ‫من دون أن يحق لهما االقـتــراع‪ .‬وبعد جدل طويل رفع الرئيس الجلسة‬ ‫من دون اعتراض فرنجية والخوري‪ ،‬وتحدد موعد الجلسة التالية ظهر‬ ‫‪ 551‬يوسف سالم‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.360–358 .‬‬ ‫‪ 552‬البيانات الوزارية‪ ،‬المجلد األول‪ ،‬ص‪.161 ،155 .‬‬ ‫‪ 553‬بشاره الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪140 .‬؛ الجريدة الرسمية‪ ،‬جلسة‬ ‫‪ 2‬ت‪1945 1‬؛ منير تقي الدين‪ ،‬الجالء‪ ،‬ص‪162 .‬؛ مارون رعد‪ ،‬محطات اساسية‪،‬‬ ‫ص‪.312–309 .‬‬


‫‪ 554‬منير تقي الدين‪ ،‬الجالء‪ ،‬ص‪.209–207 .‬‬ ‫‪ 555‬األمم المتحدة‪ ،‬مجلس األمن‪ ،‬المحضر الكامل للجلسة العشرين ً‬ ‫نقال عن حميد‬ ‫فرنجية‪ ،‬كلمات وصور‪ ،‬ج‪ ،1 .‬ص‪.216 .‬‬ ‫‪ 556‬يوسف سالم‪ 50 ،‬سنة مع الناس‪ ،‬ص‪238 .‬؛ بشاره الخوري‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪.‬‬ ‫‪ ،2‬ص‪.215 .‬‬ ‫‪ 557‬غسان تويني‪ ،‬حوار مسجل مع المؤلف؛ بيار اده‪ ،‬حوار مسجل مع المؤلف‪ ،‬جريدة‬ ‫الديار‪ 15 ،‬تموز ‪.1955‬‬ ‫مسجل مع المؤلف؛‬ ‫مسجل مع المؤلف؛ باسم الجسر‪ ،‬حوار‬ ‫‪ 558‬منح الصلح‪ ،‬حوار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كلمات وصور‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.168 .‬‬

‫‪131‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫‪2.2‬اللقاء بالرئيس عبد الناصر‬ ‫وس َط موجة عروبية في مصر على عهد عبد الناصر ّلبى حميد فرنجية‬ ‫ْ‬ ‫دعوة لزيارة مصر‪ ،‬وتباحث مع أصدقائه ومستشاريه وكان أبرزهم منح‬ ‫الصلح الذي قال لمحمود رياض سفير مصر في سوريا (عن طريق عمه‬ ‫تقي الدين الصلح والنائب علي بزي)‪ :‬ال يجوز لمصر عبد الناصر أن‬ ‫تدخل السياسة اللبنانية إال عن طريق ماروني كبير هو حميد فرنجية‪،‬‬ ‫فهو كبير وصاحب كلمةٍ إذا وعدك وفى‪ .‬أما كميل شمعون فيعدك وال‬ ‫يعطيك شيئً ا‪َ .‬ويذكر منح الصلح في جلسة خاصة أن حميد فرنجية‬ ‫ّ‬ ‫سيفشل‬ ‫قال له إنه ذاهب إلى مصر لمقابلة عبد الناصر‪ ،‬وكميل شمعون‬ ‫الزيارة ألنه يسير في سياسة ستخرب البلد‪ .‬طلب منه العمل على إنجاح‬ ‫مهمته إذ ال يمكن لبنان أن يكون ضد مصر أو ضد سوريا‪ ،‬وهو ذاهب إلى‬ ‫سهل باسم الجسر المهمة في مصر‪ .‬وفي‬ ‫مصر ليفتح‬ ‫جسورا معها بعدما ّ‬ ‫ً‬ ‫بحرا إلى القاهرة‪ .‬فوجئ فرنجية باستقبال‬ ‫‪ 26‬آب ‪ 1955‬سافر فرنجية ً‬ ‫وبدوا مدركين حجمه السياسي‬ ‫مميز خصه به كبار المسؤولين المصريين َ‬ ‫ً‬ ‫الكبير وأنه قد يكون الرئيس المقبل للبنان‪ ،‬وذلك‬ ‫نكاية بشمعون‪ .58‬وقابل‬

‫حميد فرنجية‬

‫اليوم التالي‪ .54‬وفي هذه األخيرة (الساعة ‪ 11:00‬ظهر الجمعة ‪ 15‬شباط‬ ‫خاتما إياها بدعوة فرنسا وبريطانيا لسحب‬ ‫‪ )1946‬ألقى فرنجية كلمته‬ ‫ً‬ ‫قواتهما من لبنان وسوريا‪ .55‬رفعت الجلسة إلى بعد الظهر‪ .‬وتدخل حميد‬ ‫ً‬ ‫مطوال‪ ،‬وبــدأ التعاطف الدولي تجاه القضيتين‬ ‫فرنجية وفــارس الخوري‬ ‫فأجمع المندوبون على جالء قوات هاتين الدولتين عن سوريا ولبنان تاركين‬ ‫لألطراف المعنية ان تتفق على موعد الجالء‪ .56‬وقّ ع حميد فرنجية باسم‬ ‫لبنان وثيقة الجالء ونُ فِّ ذت في ‪ 31‬كانون األول ‪ 1946‬على عهد الرئيس‬ ‫عين في أول حكومةٍ حميد فرنجية‬ ‫بشارة الخوري‪ .‬وفي أول عهد شمعون َّ‬ ‫في‬ ‫عادة‬ ‫فرنجية‬ ‫يشترك‬ ‫وزيرا مع بيار إده وغسان تويني‪ .‬وعندما‬ ‫حكومةٍ‬ ‫ً‬ ‫كانت تسمى ‪‬حكومة حميد فرنجية‪.57‬‬


‫رد عبد الناصر الزيارة‬ ‫فرنجية عبد الناصر في جو إيجابي‪ .‬وفي الغد ّ‬ ‫لحميد فرنجية في مقر إقامته‪.59‬‬ ‫‪3.3‬رئيس مؤتمر الشعوب العربية‬ ‫في ظل األوضاع الدولية المتقلبة‪ ،‬زار كميل شمعون إيران (إحدى دول‬ ‫تحد ًيا للرأي العام‬ ‫حلف بغداد) في ‪ 17‬تشرين األول ‪ ،1956‬وكانت الزيارة ِّ‬ ‫العربي والمد الناصري‪ ،‬ما جعل الفرقاء يستعدون لجولةٍ تاليةٍ محفوفةٍ‬ ‫بالمخاطر والمفاجآت‪ .‬حاول كل فريق أن يحدد موقفه‪ .‬اغتنمت الحركة‬ ‫الناصرية الظروف لمصلحتها‪ .‬وعندما انعقد مؤتمر الشعوب العربية‬ ‫رئيسا‬ ‫في دمشق (‪ 18‬أيلول ‪ ) 1956‬انتخب المؤتمرون حميد فرنجية‬ ‫ً‬ ‫ردا على الذين يتهمون الناصرية بأنها ‪‬حركة‬ ‫له باإلجماع‪ .‬وكــان ذلك ً‬ ‫ّ‬ ‫واحتل الموضوع صفحات الصحف اللبنانية والعربية والدولية‪.60‬‬ ‫إسالمية‪،‬‬ ‫‪132‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬

‫‪4.4‬حميد فرنجية زعيم المعارضة ‪1957‬‬ ‫استاء حميد فرنجية من شعار رفعه حزب الكتائب‪ :‬عندما يهدد الخطر‬ ‫لبنان‪ ،‬بمن تفكر ً‬ ‫الجميل!‪ ‬وناشد الجميل التوقف عن هذا‬ ‫أوال؟! بـبيار‬ ‫ّ‬ ‫الشعار‪ .‬في ‪ 19‬شباط ‪ 1957‬دعا البطريرك حميد فرنجية إلى غداء في‬ ‫بكركي‪ ،‬وأبلغه أن الفاتيكان يؤيد خطه الوطني ويعارض نهج شمعون‪ .‬شعرت‬ ‫تتصدى لمشروع شمعون الطامح إلى‬ ‫المعارضة بضرورة تشكيل جبهة قوية‬ ‫ّ‬ ‫التجديد‪ .‬تشكلت الجبهة في منزل حسين العويني َّ‬ ‫وترأسها حميد فرنجية‪.61‬‬ ‫‪5.5‬الجولة األخيرة في انتخابات ‪1957‬‬ ‫في ‪ 20‬آب ‪ 1957‬انتخبت ‪‬جبهة االتـحــاد الوطني‪ ‬حميد فرنجية‬ ‫رئيسا لها‪ .‬وتوالت االستحقاقات الدستورية‪ ،‬فكلف الرئيس شمعون سامي‬ ‫ً‬ ‫وزيرا للخارجية‪ .‬حضر‬ ‫مالك‬ ‫شارل‬ ‫وعاد‬ ‫الجديدة‪،‬‬ ‫الحكومة‬ ‫تشكيل‬ ‫الصلح‬ ‫ً‬ ‫ومنحها للحكومة ألنها أعلنت قبولها بــ ‪‬مبدأ‬ ‫حميد فرنجية جلسة الثقة‬ ‫َ‬ ‫أيزنهاور‪ .‬استحوذت كلمته على اهتمام النواب‪ ،‬ورفض تبريرات شارل‬ ‫مالك وسامي الصلح لموقفيهما من السياسة الخارجية للحكومة‪.‬‬ ‫‪ 559‬باسم الجسر‪ ،‬حوار مسجل مع المؤلف؛ بيار اده‪ ،‬حوار مسجل مع المؤلف؛ حميد‬ ‫فرنجية‪ ،‬كلمات وصور‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪.168 .‬‬ ‫‪ 660‬لويس الحاج‪ ،‬من مخزون الذاكرة‪ ،‬ص‪43 .‬؛ جريدة التلغراف‪ 19 ،‬أيلول ‪.1956‬‬ ‫‪ 661‬حميد فرنجية‪ ،‬كلمات وصور‪ ،‬ج‪ ،2 .‬ص‪264 .‬؛ جريدة الديار‪ ،‬شباط ‪ 1957‬و‪13‬‬ ‫أيار ‪ ،1957‬و‪ 31‬أيار ‪ 2 ،1957‬حزيران ‪1957‬؛ النهار‪ 14 ،‬أيار ‪ ،3 1957‬أيار ‪2 ،1957‬‬ ‫حزيران ‪1957‬؛ مجلة الصياد‪.1957/9/26 ،‬‬


‫خاتمة‬ ‫هذه الدراسة السريعة ال تفي إلعطاء صورة كاملة عن رجل شغل تاريخ‬ ‫ربع‬ ‫اسمه في المنابر الدولية َ‬ ‫لبنان السياسي‪ ،‬وتاريخ البالد العربية‪ ،‬ولمع ُ‬ ‫قرن‪ .‬ولو ُأتيح له أن يكمل حياته الوطنية لكان أغنى لبنان والعرب بعطاءاته‬ ‫الص ُعد‪.‬‬ ‫واستفاد منه لبنان على مختلف ُ‬ ‫جدير موضوع أطروحات جامعية في السياسة والتاريخ‬ ‫حميد فرنجية‬ ‫ٌ‬ ‫بعضا‬ ‫والقانون‪ ،‬فهو قدوة في الحياة السياسية‪ .‬وهذه الدراسة كشفت ً‬ ‫ً‬ ‫التعمق في هــذه الشخصية خدمة‬ ‫ضئيال من شخصية فرنجية‪ ،‬لبدء‬ ‫ّ‬ ‫للتاريخ والوطن والمواطنية الصالحة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قاسية كانت وفــاة حميد فرنجية على األوس ــاط الداخلية والعربية‬ ‫نقلته‬ ‫والدولية‪ ،‬وانعكست موجة أسى على أهله ومحبيه وعارفيه‪ ،‬كما ْ‬ ‫الصحافة عن رجال السياسة في تلك الفترة‪.62‬‬

‫حميد فرنجية‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪133‬‬

‫ •تقي الدين منير‪ ،‬والدة االستقالل‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت‪.1944 ،‬‬ ‫ •الجريدة الرسمية‪ ،‬جلسة تشرين األول ‪.1945‬‬

‫ •الجسر باسم‪ ،‬الصراعات اللبنانية والوفاق‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪.1981 ،‬‬ ‫ •الجسر باسم‪ ،‬الميثاق الوطني‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪.1978 ،‬‬ ‫ •الخوري بشارة‪ ،‬البيانات الوزارية‪ ،‬ج‪.1 .‬‬

‫ •الخوري بشارة‪ ،‬حقائق لبنانية‪ ،‬ج‪ ،3–1 .‬الدار اللبنانية للنشر الجامعي‪،‬‬ ‫بيروت‪.1983 ،‬‬ ‫ •الخوري فارس‪ ،‬أوراق فارس الخوري‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق‪.1989 ،‬‬

‫ •رعد مارون‪ ،‬محطات أساسية في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر‪ ،‬ج‪،1 .‬‬ ‫‪.1997‬‬

‫ •سالم يوسف‪ 50 ،‬سنة مع الناس‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪.1975 ،‬‬

‫ •الصليبي كمال‪ ،‬تاريخ لبنان الحديث‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪.1967 ،‬‬

‫‪ 662‬لكلمات ومواقف السياسيين اللبنانيين والعرب واألجانب والصحافيين‪ :‬حميد‬ ‫فرنجية‪ ،‬كلمات وصور‪.1981–1907 ،‬‬

‫رجل االستقالل والمواقف الوطنيّة‬

‫ •تقي الدين منير‪ ،‬الجالء‪ ،‬دار بيروت للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1956 ،‬‬


‫ •فرشخ جورج‪ ،‬حميد فرنجية وجمهورية االستقالل‪ ،‬الطبعة العربية األولى‪،‬‬ ‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت ‪.1997‬‬

‫ •فرنجية حميد‪ ،‬كلمات وصور‪.1981–1907 ،‬‬

‫ •الوثائق المتعلقة بمباحثات وزارة الخارجية اللبنانية مع مفوضية لبنان في‬ ‫لندن‪ ،‬تُ نشر ألول مرة في نصها الرسمي‪.‬‬

‫ •وقائع جلسات مجلس النواب ومحفوظاته‪.‬‬

‫‪134‬‬ ‫د‪ .‬ليندا رزق‬ ‫في مؤتمر دولي بين رياض الصلح ويوسف سالم‬


‫التاريخي‬ ‫تراثنا‬ ‫ّ‬

‫يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬ ‫سا‬ ‫اعتزل الناس يأْ ً‬ ‫ٍ‬ ‫صمت وسكينة‬ ‫وعانق اإلِزميل في‬

‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫باحثة في تاريخ الفن‬

‫‪ .1‬مدخل‬ ‫َ‬ ‫أعمال رائــد النحت اللبناني يوسف الحويك يعتمد تحليلنا‬ ‫عر ُضنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫وفنيا أعمال هذا المبدع المنسي في وطنه‪ً ،‬‬ ‫نحتي ًة‬ ‫تاركا أعماال‬ ‫ّ‬ ‫تاريخيا ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫نفّذها بين روما وباريس ولبنان‪.‬‬ ‫‪ .2‬هو‬ ‫نهار ‪ 9‬آذار‬ ‫ولــد يوسف سعداهلل الحويك في قرية حلتا (البترون) َ‬ ‫ـوات فــي قــريــة ع ــورا (ق ــرب حـلـتــا)‪ .‬تنقّ ل فــي حياته‬ ‫‪ .1883‬وع ــاش س ـنـ ٍ‬ ‫المدرسية الصعبة بين مدارس عدة‪ ،‬فلم يلق أي تشجيع لمتابعة فنه‪ .‬انتقل‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪ 1897‬إلى مدرسة الحكمة (بيروت)‪ ،‬وفيها زامل جبران خليل جبران‬ ‫وانعقدت بينهما صداقة استمرت مع هجرة كليهما إلى أوروبا‪.1‬‬ ‫‪َ 1.1‬‬ ‫سف ُر ُه إلى أوروبا‬ ‫سنة ‪َ 1902‬‬ ‫نقل ُه ذووه إلى معهد اآلباء اللعازاريين في عينطورة‪ ،‬إلحاطته‬ ‫بالتنشئة الرهبانية‪ ،‬لكن جهود العائلة لم تُ ثمر‪ .‬وفي السنة التالية (‪)1903‬‬ ‫عم ُه البطريرك الياس الحويك بإرساله إلى روما لدراسة‬ ‫حقَّ َق طموحه‬ ‫الفني ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الحرة‪ ‬فكان لها‬ ‫الرسم‪ ،‬فبقي فيها خمس سنوات‪ ،‬ملتحقً ا بـ ‪‬المدرسة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وتشكيال في الطين وقولبة‬ ‫رسما وتلوينً ا‬ ‫تطور دراسته الفنية ً‬ ‫دور ّ‬ ‫فعال في ّ‬ ‫‪2‬‬ ‫الجفصين ‪ .‬بعد روما انتقل إلى باريس متعمقً ا في دراسة الرسم والنحت‪.‬‬ ‫وفيها عاد التقى صديقه جبران‪ ،‬فكانا يتقنان دراسة الرسم ويشتركان‪،‬‬ ‫‪ 11‬سيزار نمور‪ ،‬النحت في لبنان‪ ،‬منشورات دار الفنون الجميلة لالستثمارات‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬ص‪.86 .‬‬ ‫مصورة‬ ‫‪ 22‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬يوسف الحويك أعمال نحتية ّ‬ ‫بعدسة مانوغ‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2004 ،‬ص‪25–23 .‬؛ وكذلك سيزار ّنمور‪،‬‬ ‫النحت في لبنان‪ ،‬ص‪.87–86 .‬‬


‫‪136‬‬

‫للتوفير‪ ،‬في دفع أجرة ‪‬الموديل‪ّ .‬‬ ‫الفنية‪ ،‬ولم ينجرفا‬ ‫اطلعا على الحركة‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الحي الالتيني‪ ،‬بل بقيا محافظين‬ ‫فترتئذ في‬ ‫في تيارات ثورية بدأت تظهر‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫على األسلوب الكالسيكي‪.3‬‬ ‫كوالروسي (‪ )Académie Colarossi‬التي‬ ‫التحق الصديقان بأكاديميا‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫ّ‬ ‫كميل كلوديل وفنانون أجانب قصدوا‬ ‫تأسست سنة ‪ ،1870‬وإليها انتسبت‬ ‫العري‬ ‫باريس لتجويد أدائهم في هذه األكاديميا‬ ‫المتخصصة في رسوم ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫نقال عن عدة موديالت‪ .5‬ويعترف الحويك بأثر جبران عليه في إتقان فن‬ ‫حرضني على النحت بقوله‪ :‬يا يوسف‪ ،‬الشرق‬ ‫النحت‪ :‬جبران هو الذي ّ‬ ‫بحاجة إلى نحات‪ .‬ومن وقتها بدأت أنحت الصخور والرخام‪ .‬وبرغم‬ ‫يرد في مذكرات الحويك فرق واضح بينهما‪ :‬جبران كان‬ ‫الصداقة بينهما‪ُ ،‬‬ ‫أتحمل في البشر‬ ‫في النمط األميركي على باطنيةٍ بعكسي أنا‪ .‬لم أكن‬ ‫ّ‬ ‫مواجهة الند للند‪.6‬‬ ‫إلــى الشغف الفنّ ي غــاص الحويك على قــراءة الكتب الفلسفية‪ ،‬وله‬ ‫ويوميات‬ ‫ترجمت ُه ‪‬جحيم‪ ‬دانتِ ه‪،‬‬ ‫محاوالت في الكتابة والترجمة‪ ،‬منها‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫‪7‬‬ ‫وزجليات ‪.‬‬

‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬

‫‪ُ 2.2‬‬ ‫عودتهُ إلى لبنان‬ ‫غــادر الحويك باريس بعد جبران (أواخــر ‪ )1910‬وعــاد إلــى بيروت‪،‬‬ ‫داعيا إلى النهضة الشاملة عبر جمعية‬ ‫منصرفً ا إلى الفن والسياسة‪،‬‬ ‫ًّ‬ ‫‪8‬‬ ‫اإلصالح‬ ‫مساندا ابن منطقته خيراهلل خيراهلل ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ 33‬إدفيك جريديني شيبوب‪ ،‬جبران والحويك في باريس‪ ،‬طبعة ثالثة‪ ،‬دار اإلبداع‬ ‫الحرف الذهبي‪ ،2001 ،‬ص‪.9–8 .‬‬ ‫‪ 44‬كميل كلوديل (‪ :)1920–1856( )Camille Claudel‬فرنسية عملت مع النحات‬ ‫رودان‪ .‬من أعمالها ‪‬رقصة الفالس‪.)la Valse( ‬‬ ‫‪.Grand Larousse Encyclopédique, Tome 3, Paris, 1960, p 181‬‬

‫حجار‪ ،‬ط‪ ،1 .‬دار النهار للنشر‪،‬‬ ‫بسام ّ‬ ‫‪ 55‬اسكندر نجار‪ ،‬جبران خليل جبران‪ ،‬ترجمة ّ‬ ‫بيروت‪ ،‬أيلول ‪ ،2006‬ص‪.75 .‬‬ ‫‪ 66‬رياض فاخوري‪ ،‬حديقة ضيوف الفن اإلنطباعي اللبناني (أضواء على‬ ‫الماهدين)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪.76 .‬‬ ‫‪ 77‬إدفيك جريديني شيبوب‪ ،‬جبران والحويك في باريس‪ ،‬ص‪.94 .‬‬ ‫مصورة‬ ‫‪ 88‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬يوسف الحويك أعمال نحتية ّ‬ ‫بعدسة مانوغ‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،2004 ،‬ص‪.29 .‬‬


‫مجد ًدا‬ ‫‪3.3‬إلى باريس وروما‬ ‫ّ‬ ‫قبيل اندالع الحرب العالمية الثانية غادر الحويك لبنان في آخر باخرة‬ ‫توجه إلــى رومــا ثم إلــى باريس‪.9‬‬ ‫أبحرت من مرفأ بيروت إلــى إيطاليا‪َّ .‬‬ ‫فقدمه إلى البابا‬ ‫الحويك‬ ‫الياس‬ ‫عمه البطريرك‬ ‫َّ‬ ‫في روما صدف وجود ّ‬ ‫بنديكتوس الخامس عشر الــذي ّكلفه صنع تمثال رخامي له‪ ،‬نفّ ذه سنة‬ ‫‪.10 1919‬‬

‫يوسف الحويك‬

‫‪ 99‬موريس الحويك‪ ،‬مجلّ ة الرابطة‪ ،‬تصدر عن اللجنة الثقافية في رابطة البترون‬ ‫اإلنمائية والثقافية‪ ،‬العدد ‪ ،2‬كانون األول ‪ ،1991‬ص‪51 .‬؛ يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.29 .‬‬ ‫‪ 110‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.31 .‬‬ ‫‪ 111‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.32–31 .‬‬ ‫‪ 112‬سيزار ّنمور‪ ،‬النحت في لبنان‪ ،‬ص‪.32–31 .‬‬ ‫‪ 113‬الملك فيصل األول (‪ )1933–1883‬من األسرة الهاشمية‪َ ،‬‬ ‫حكم على العراق سنة‬ ‫‪.1921‬‬ ‫‪ 114‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ط‪ ،1 .‬دار الفارابي‪،‬‬ ‫بيروت‪ ،2013 ،‬ص‪.33 .‬‬

‫‪137‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫فترتئذ‬ ‫‪4.4‬صداقتُ هُ مع الملك فيصل األول ودوره السياسي‬ ‫ٍ‬ ‫بعد مؤتمر فرساي (‪ )1919‬انتقل الحويك إلى باريس‪ ،‬وعلِ َم أن الملك‬ ‫ً‬ ‫فيصل سيصل إليها‪ .‬فحجز وصديقه خيراهلل في الفندق‬ ‫غرفة مجاورةً‬ ‫لعاه على ما يدور في الكواليس‪ ،‬قبل‬ ‫تلك التي سينزل فيها الملك‪ ،‬كي ُي ْط ُ‬ ‫اجتماعه بمندوبي الدول الكبرى‪.11‬‬ ‫شارحا له المدلوالت‬ ‫كان الحويك دليل الملك فيصل إلى متحف اللوفر‪،‬‬ ‫ً‬ ‫الجمالية في ُعري التماثيل واللوحات‪ ،‬فيما الشرق يغطي جسد المرأة‬ ‫معا المعارض والمكتبات‪ .‬أراد الحويك أن ُيظهر‬ ‫بهالة من القدسية‪ .‬زارا ً‬ ‫يشجعه على خلق ظروف مالئمة للتقدم واإلصالح‬ ‫له ما أنجزه الغرب‪ ،‬وأن ّ‬ ‫في العالم العربي‪.12‬‬ ‫ّأيـ َـد يوسف الحويك أفكار ثــورة الملك فيصل األول‪ 13‬قطب الحركة‬ ‫وزيرا للمعارف والفنون الجميلة‬ ‫فعينه الملك ً‬ ‫القومية ورائد الوحدة العربية‪َّ ،‬‬ ‫‪14‬‬ ‫في ‪‬حكومةِ ٍّ‬ ‫ظل‪ّ ‬‬ ‫شكها مع المغتربين العرب في باريس ‪ .‬نفّ ذ الحويك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومالمحه كي‬ ‫قسمات وجهه‬ ‫نصفيا للملك‪،‬‬ ‫برونزيا‬ ‫تمثاال‬ ‫ِ‬ ‫ناقال بأمانةٍ‬ ‫ًّ‬ ‫َ‬ ‫ًّ‬ ‫تَ ظهر نزعته إلى االستقالل‪ .‬ونفّ ذ المنحوتة في ثالث نسخ‪.‬‬ ‫استعدادا للذهاب إلى بغداد‪ّ ،‬‬ ‫وفكر بإنشاء‬ ‫درس الحويك اإلنكليزية‬ ‫ً‬ ‫تضم الشخصيات الرئيسية في ‪‬ألف‬ ‫بغداد‬ ‫حديقة باسم ‪‬شهرزاد‪ ‬في‬ ‫ّ‬


‫ليلة وليلة‪ ‬بعالمها السحري‪ .‬انشغل الملك بالسياسة عن التفكير بذاك‬ ‫المشروع الفني‪ ،‬لكنه مات في ‪ 8‬أيلول ‪ 1933‬ومات معه مشروع ‪‬ألف ليلة‬ ‫وليلة‪.15‬‬ ‫‪5.5‬معرض السراي الصغير في لبنان (‪)1921‬‬ ‫سنة ‪ 1921‬شارك الحويك في معرض الفنون (السراي الصغير – ساحة‬ ‫النجمة – بيروت)‪ ،‬فكان النحات الوحيد بين الرسامين (مصطفى فروخ‬ ‫ً‬ ‫حامال معه من باريس منحوتتَ ين بالرخام األبيض‬ ‫ورشيد وهبي وغيرهما)‪،‬‬ ‫‪16‬‬ ‫كبيرا لعاريتين مستلقيتين ‪ ،‬فكان رواد المعرض يميلون بوجههم‬ ‫ً‬ ‫حجما ً‬ ‫عنهما لـ ‪‬مخالفتهما الحشمة والحياء‪ ،‬فأدرك الحويك آنذاك أن األجواء‬ ‫بعد لهذا النمط الفني‪ ،‬عكس ما في الغرب‪.17‬‬ ‫مهي َأةً ُ‬ ‫في بيروت ليست َّ‬ ‫‪6.6‬زواجه‬ ‫‪138‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬

‫‪‬آنــا مارينا‬ ‫تزوج يوسف الحويك سنة ‪ 1925‬من المركيزة اإليطالية َّ‬ ‫تعرف عليها في المحترف الباريسي فأظهرت إعجابها‬ ‫بوليني‪ ‬وكــان ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعلقها به‪ .‬بعد ثالثة أشهر من زواجهما بدأت تظهر عليها عوارض الجنون‬ ‫وولِ َد ابنه جورج في‬ ‫والغضب‪ ،‬فهجرها وهي حامل في شهرها السادس‪ُ .‬‬ ‫ً‬ ‫محاميا‪ ،‬وزار عورا مرة‬ ‫كثيرا‪ .‬درس ابنه الحقوق وأصبح‬ ‫غيابه‪ ،‬ما آلمه ً‬ ‫‪18‬‬ ‫واحدة قبل وفاة والده ‪.‬‬ ‫‪7.7‬العودة واالستقرار في لبنان‬ ‫مجد ًدا إلى بيروت‪ ،‬وال مسكن له‪ .‬عرض عليه‬ ‫سنة ‪ 1939‬عاد الحويك ّ‬ ‫الشاعر شارل القرم‪ 19‬أن يستخدم التخشيبة الصغيرة في حديقة منزله‬ ‫ً‬ ‫الخلفية كانت‬ ‫مخزنا لقطع غيار سيارات فورد (كان وكيلها في لبنان)‪،20‬‬ ‫‪ 115‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪.34 .‬‬ ‫‪ 116‬سيزار ّنمور‪ ،‬النحت في لبنان‪ ،‬ص‪88 .‬‬ ‫‪ 117‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.35 .‬‬ ‫‪ 118‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪36 .‬؛ سيزار ّنمور‪،‬‬ ‫النحت في لبنان‪ ،‬ص‪.88 .‬‬ ‫‪ 119‬شارل داوود القرم ( ‪ :)1963–1894‬ابن الرسام داوود القرم‪ ،‬كاتب وشاعر لبناني‬ ‫باللغة الفرنسية‪ .‬أنشأ سنة ‪ 1919‬المجلة الفينيقية‪ .‬للمزيد عنه‪ :‬جميل جبر‪ ،‬شارل‬ ‫القرم‪ ،‬شاعر الجبل الملهم في سيرته وآثاره‪ ،‬منشورات المجلة الفينيقية‪.1995 ،‬‬ ‫‪ 220‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.51 .‬‬


‫للمرة األولى‪ ،‬د‪.‬‬ ‫‪ 221‬عقل العويط‪ ،‬العصر والثقافة‪ ،‬أوراق ليوسف الحويك‪ ،‬تنشر ّ‬ ‫ت‪ ،.‬ص‪.38 .‬‬ ‫‪ 222‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪51 .‬؛ عقل العويط‪ ،،‬العصر والثقافة‪،‬‬ ‫ص‪51 .‬؛ فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪.34 .‬‬ ‫‪ 223‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.53 .‬‬ ‫‪ 224‬سيزار ّنمور‪ ،‬النحت في لبنان‪ ،‬ص‪.89 .‬‬ ‫‪ 225‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪.35–34 .‬‬

‫‪139‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫‪8.8‬االنتقال إلى عورا‬ ‫ً‬ ‫مت ً‬ ‫منزال ورثه عن والده‪ ،‬يقضي فيه الربيع‬ ‫خذا‬ ‫انزوى الحويك في عورا ّ‬ ‫شتاء إلى بيروت قرب مدرسة راهبات العائلة المقدسة‬ ‫والصيف وينتقل‬ ‫ً‬ ‫المارونيات‪ .23‬وفي عورا كان يعيش بين العزلة والسكينة‪ ،‬يستقبل بعض‬ ‫(مستجما) وعمر األنسي وزوجته‪،‬‬ ‫زوارا قليلين‪ ،‬بينهم أمين الريحاني‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫فروخ‪.24‬‬ ‫ومصطفى ّ‬ ‫سنة ‪ 1956‬منحه رئيس الجمهورية كميل شمعون وســام االستحقاق‬ ‫اللبناني لريادته في النحت‪ .‬بين ‪ 1956‬و‪ 1957‬زاره الرسام عزمي البحيري‬ ‫عارضين عليه فكرة كتاب تحوي يومياته‪ ،‬فاقتنع‪.‬‬ ‫والكاتبة إدفيك شيبوب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫يصور األعمال المشتتة‪ ،‬فيما انصرف الحويك إلى الرسم‬ ‫وأخذ البحيري ّ‬ ‫المائي والزيتي‪ُ ،‬م ْنجزً ا مجموعة لوحات مائية لـمناظر قروية لبنانية‪ ،‬تتسم‬ ‫بالشفافية واللمسة العفوية‪ .‬وتوفي الحويك في ‪ 21‬تشرين األول ‪ 1962‬عن‬ ‫عاما في المستشفى اللبناني‪/‬الجعيتاوي في بيروت‪.25‬‬ ‫‪ً 79‬‬

‫يوسف الحويك‬

‫سنوات في تخشيبة سببت له‬ ‫ووعده ببناء محترف له‪ .‬لكن الحويك‪ ،‬بعد‬ ‫ٍ‬ ‫أمراضا عصبية‪ ،‬أدرك أن وعود شارل قرم غير صادقة‪ ،‬فترك منحوتاته‬ ‫ً‬ ‫فيها وغادر إلى عورا‪.21‬‬ ‫ومن مذكراته‪ :‬كنت أعيش في تخشيبة في حديقة القرم‪ ،‬ذات باب‬ ‫سنتيمترا‪ .‬يهاجمني البرد والمطر‬ ‫وعلوه خمسة وسبعون‬ ‫عرضه متران‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫من بابها الضيق‪ .‬كنت ال أستطيع أن أرتدي مالبس تليق بي كفنان ورجل‬ ‫مطلقا‪ .‬كانوا‬ ‫زهــدنــي بالحياة‪ .‬ال قيمة للفن‬ ‫ً‬ ‫فكر‪ .‬عملي في بيروت ّ‬ ‫إلي رسم األجــداد واألقــارب وإصالح‬ ‫يجلبون لي ضيق َ‬ ‫النفس‪ .‬يطلبون ّ‬ ‫وس ُم ِّوه‪ .‬لذلك‪ ،‬في‬ ‫األنوف والشفاه‪ .‬وهذا ما يأباه الفن وشعوري ِبق َـي ِـمه ُ‬ ‫أوائل الخمسينات‪ ،‬اعتزلت الناس في الخمسينات‪.22‬‬


‫‪ .3‬أعما ُلهُ النحتية‬ ‫تتنوع هذه بين وجوه وعاريات ومنحوتات نصبية دينية‪ ،‬استخدم لها‬ ‫ّ‬ ‫الجص‪ ،‬الرخام‪،‬‬ ‫مواد مختلفة (الحجر‪ ،‬الصخر‪ ،‬الحجر الكلسي‪ ،‬البرونز‬ ‫ّ‬ ‫الخشب‪ ،‬الجفصين)‪ .‬وعالج مواضيع مختلفة كالمرأة النائمة‪ ،‬والتراث‬ ‫اللبناني‪ ،‬ورؤوس شخصيات سياسية وأدبية وفنية‪.‬‬ ‫‪1.1‬رأس فتاة نسيبة الشاعر شارل القرم‬ ‫جانبيا إلى‬ ‫من الحجر الكلسي‪ .‬تربط الفتاة شعرها الناعم وينسدل‬ ‫ًّ‬ ‫العنق‪ .‬عيناها صغيرتان بارزتان‪ ،‬والحاجبان رقيقان‪ .‬معالم الوجه ناعمةٌ‬ ‫تأمل وبراءة كما‬ ‫شرقية‪ ،‬الفم جميل ممتلئ‪ ،‬العنق قصير‪ .‬وهي في حالة ّ‬ ‫تدل نظراتها‪ .‬ويبدو أن َ‬ ‫الشعر لُ ّون فهو يبرز بشكل مختلف عن الوجه‪.‬‬

‫‪140‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫رأس فتاة نسيبة الشاعر شارل قرم‪ .26‬الحويك ‪1938‬‬ ‫حجر كلسي‪ .‬ارتفاع‪ 40 ،‬سم‪ ،‬مجموعة شارل القرم‬ ‫‪René Lavenant (Adaptation française), L’art contemporain au liban, Dar 226‬‬ ‫‪.el- Machreq éditeur, Beyrouth, 1974, p. 40‬‬


‫يوسف الحويك‬

‫‪2.2‬امرأة ذات وجه حالم‬ ‫للحويك منحوتات عدة لرؤوس نساء‪ .‬ومنحوتة ‪‬وجه حالمة‪ُ ‬عرضت‬ ‫في متحف نقوال سرسق (األشرفية – بيروت) سنة ‪.2015‬‬ ‫المنحوتة نصفية برونزية المرأة مغمضة العينين‪ ،‬رأسها إلى الخلف‬ ‫ً‬ ‫قليال‪ .‬وجهها بيضاوي‪ ،‬عنقها طويل حوله سلسال‪ .‬أنفها دقيق‪ ،‬شفتاها‬ ‫ممتلئتان‪ ،‬ذقنها بارز‪ .‬وعن اسم المنحوتة أنها نائمة تحلم‪ .‬عالج الحويك‬ ‫دقيق إلبراز جمال المرأة وأنوثتها‪.‬‬ ‫بشكل‬ ‫المنحوتة من مختلف الجوانب‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫فشعرها يندمج باإلطار في كتلة واحدة تحيط بالوجه‪ .‬تبدو زخارف على‬ ‫الشعر‪ّ .‬‬ ‫متموجة إلظهار َ‬ ‫وركز النحات على اإلضاءة بتنَ ُّوع‬ ‫البرونز وخطوط‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ومضيئا على الوجه‪ ،‬بينما يغور‬ ‫قاتما عند العنق‬ ‫فيكون‬ ‫ملمس المنحوتة‬ ‫ً‬ ‫العنق في الظالل‪.‬‬

‫‪141‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫نموذج صب برونزي – تمثال نصفي المرأة بوجه حالمة‬ ‫مؤرخة‪ .‬مجموعة فاروق جهاد أبي اللمع‪ .‬تصوير شخصي‬ ‫غير ّ‬


‫‪142‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬

‫‪3.3‬امرأة نائمة وسادتها أعمدة بعلبك‬ ‫تتوسد أعمدة بعلبك وينسدل شعرها على‬ ‫هي امــرأة نائمة عارية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫خداها‬ ‫األعمدة‪ .‬وجهها بيضاوي‪ ،‬مالمحه بالغة األنوثة‪ ،‬شعرها ناعم‪ّ ،‬‬ ‫ممتلئان‪ ،‬تُ غمض عينيها (كما في أغلب منحوتات الحويك لوجوه النساء)‪.‬‬ ‫لهذا العمل رمزية عالية‪ ،‬ألهمية هياكل بعلبك منذ العصر الروماني‪،‬‬ ‫وبنحته األعمدة مع المرأة ّأكد النحات على هويته وأضفى على المنحوتة‬ ‫روحيتها اللبنانية عبر أهم المعالم األثرية في لبنان‪ .‬استوحى الفنان هذا‬ ‫العمل من منحوتة (‪ )Pallas au Parthénon‬للنحات رودان‪ :‬وجه امرأة على‬ ‫رأسها معبد البارثنون في أثينا‪ ،‬رمز أثينا إلهة العقل والمعرفة والحرب‬ ‫عند اليونان‪.‬‬

‫امرأة نائمة وسادتها أعمدة بعلبك‬ ‫غير ّ‬ ‫موقعة‪ ،‬د‪ .‬ت‪ ،.‬طين‬


‫أوغست رودان ‪:‬‬ ‫‪،Pallas au Parthénon28‬‬ ‫‪ ،1896‬رخام وطين‪،‬‬ ‫‪ 47‬سم ×‪38،7‬سم×‪31‬سم‪.‬‬

‫‪ 2 27‬غسان تويني (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬ص‪.56 .‬‬ ‫‪http://www.musee-rodin.fr/en/collections/sculptures/pallas-au- 228‬‬ ‫‪parthénon‬‬

‫عن الموقع اإللكتروني لمتحف رودان (باريس)‪.‬‬

‫‪143‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫‪4.4‬طنطور‬ ‫طنطورا (رقــم‪.)2 :‬‬ ‫سنة ‪ 1940‬نحت الحويك منحوتة لفتاة تعتمر‬ ‫ً‬ ‫مالمح وجه المرأة أوروبية ناعمة وجميلة‪ .‬والطنطور تأكيد على الهوية‬ ‫اللبنانية والفولكلور الشرقي‪ ،‬وفي ذلك ُّ‬ ‫تأث ُر الفنان بالتراث اللبناني إذ‬ ‫كانت النسوة يضعن على رؤوسهن الطنطور‪ .‬ولعل المنحوتة نموذج ألميرة‬ ‫سائدا في القرن التاسع عشر‪َ .‬جمع النحات‬ ‫لبنانية‪ ،‬والطنطور كان ًّزيا‬ ‫ً‬ ‫في هذه المنحوتة بين األسلوب الشرقي والغربي‪ .‬وإدخــال زي من أزياء‬ ‫الفولكلور رسالةُ إظهار تراثنا اللبناني من خالل الفن‪.‬‬ ‫رغــم ت ـنـ ّـوع االس ـلــوب الفني بين ‪‬االطـ ــال والـطـنـطــور‪ ‬تتميز هذه‬ ‫تأمل وحالمة‪.‬‬ ‫المنحوتات بمالمح الوجوه الشرقية‪ ،‬وهي نائمة أو في حالة ّ‬ ‫بعض الوجوه بشكل جانبي أو وجاهي (‪ .)face‬أغلبها منحوتات من الحجر‬ ‫ً‬ ‫أحيانا‪.‬‬ ‫لوجوه قروية رصينة قاسية‬

‫يوسف الحويك‬

‫الم ْع َلم األثري مع المرأة‪ .‬في منحوتة‬ ‫المشترك بين المنحوتتين إدخال َ‬ ‫تأمل‪ ،‬على رأسها‬ ‫رودان وجه المرأة صغير وهي تغمض عينيها في حالة ّ‬ ‫خ ــوذة هــي الـمـعـبــد‪ .‬وف ــي منحوتة‬ ‫الحويك تَ ظهر أنوثة المرأة‪ ،‬وكتفها‬ ‫العارية تزيد من أنوثتها‪ .‬على زندها‬ ‫سـ ــوار‪ ،‬وتــأنَّ ــى الـحــويــك فــي نحت‬ ‫أع ـمــدة بعلبك‪ ،‬بشكل دقـيــق رغم‬ ‫صغر حجمها‪ ،‬فظهرت األعـمــدة‬ ‫‪27‬‬ ‫بأدق تفاصيلها‪.‬‬ ‫الستة ّ‬


‫يجمع بين مواضيع هذه المنحوتات تركيز الحويك على وجوه المرأة‬ ‫الشرقية والقروية‪ ،‬ما ُيظهر أسلوبه الشخصي مع تأثره بمنحوتات رودان‪.‬‬ ‫إطارا للوجه فأضفى‬ ‫حافظ على كتل الحجر أو البرونز أو الجص ليشكل ً‬ ‫عليه المزيد من الجمال والرمزية‪ .‬وتعابير الوجه خفيفة وبسيطة مستوحاة‬ ‫من التراث الشعبي والوجوه القروية‪.‬‬

‫‪144‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫طنطور‪ ،1940 29‬جص؛ ارتفاع ‪ 90‬سم؛ مجموعة جوزيف ريشا‬

‫‪ 229‬‬

‫‪.René Lavenant, Op. cit, p. 35‬‬


‫يوسف الحويك‬ ‫‪145‬‬

‫‪ .4‬األنصاب‬ ‫نفّ ذ الحويك منحوتات نصبية ضخم للساحات العامة‪ ،‬بينها تمثال‬ ‫الشهداء األول ‪‬الباكيتان‪ ،‬وتمثال يوسف بك كرم‪ .‬وهنا لمحة عن العملين‬ ‫ألهميتهما التاريخية والوطنية‪.‬‬

‫‪1.1‬تمثال الشهداء األول‪ :‬الباكيتان‪‬‬

‫هو اليوم على مدخل الباحة عند الدخول إلى متحف نقوال سرسق‬ ‫(األشــرفـيــة)‪ ،‬منحة من بلدية بـيــروت‪ .‬ففي ‪ 2‬أيلول ‪ّ 1930‬‬ ‫دشــن نصب‬ ‫الشهداء ‪‬الباكيتان‪ 31‬في احتفال رسمي ّ‬ ‫تركيزه في ساحة‬ ‫منظم‪ .‬وتم‬ ‫ُ‬ ‫الشهداء حيث ُع ِّلقت مشانقُ هم‪.‬‬ ‫‪Joseph Chami, le mémorial du Liban, le Mandat de Béchara el Khoury, 330‬‬ ‫‪.p. 124 ,1943-Volume 1, 1861‬‬

‫‪ 331‬جريدة البلد‪ ،‬الصفحة الثقافية‪ ،‬الباكيتان ليوسف الحويك‪ ،‬العدد ‪ ،213‬األربعاء‬ ‫‪ 28‬تموز ‪.2004‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫الحويك في المحترف‪ 30‬ينحت المرأة ذات الطنطور‪.‬‬


‫‪146‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬

‫تمثال الشهداء األول (الباكيتان) ‪ ،1930‬حجر جيري (نحو‪160×100‬سم)‪،‬‬ ‫باحة متحف نقوال سرسق‪ ،‬تصوير شخصي‪.‬‬

‫ّركـ ــز ال ـحــويــك عـلــى وحــدة‬ ‫التضامن المسيحي‪/‬االسالمي‬ ‫جس َدها في‬ ‫في وجه االنتداب‪َّ ،‬‬ ‫امــرأتـيــن ت ـمـ ّـدان أيديهما فوق‬ ‫رمدة (في المنحوتة الحالية‬ ‫ِم َ‬ ‫حيث هي‪ ،‬غابت المرمدة‪ ،‬ربما‬ ‫فاستغْ نِ َي عنها)‪.‬‬ ‫تضررت‬ ‫ألنها‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫لكن ً‬ ‫لغطا حصل بين المواطنين‬ ‫ج ـعــل ال ـل ـج ـنــة ال ـف ـن ـيــة لبلدية‬ ‫بيروت تنقل التمثال من ساحة‬ ‫البرج‪ ،‬وانهدمت قاعدة التمثال‬ ‫ســن ــة ‪ 1948‬ف ـب ـق ـيــت ســاحــة‬ ‫الــشــه ــداء ‪ 12‬س ـنــة م ــن دون‬ ‫تمثال يرمز إلى شهداء ‪ 6‬أيار‪،‬‬ ‫حتى استبدلت الــدولــة تمثال‬

‫المرأة المسيحية‬


‫الـحــويــك بــآخــر للفنان اإليطالي‬ ‫مــاري ـنــو م ــازاك ــورات ــي (‪Marino‬‬ ‫‪ 32)Mazzacurati‬وهــو الموجود‬ ‫حالي ًا في ساحة الشهداء‪.33‬‬ ‫ّ‬

‫‪2.2‬تمثال يوسف بك كرم‬

‫تمثال يوسف بك كرم‪ .1932 ،‬برونز؛‬ ‫ارتفاع ثالث أمتار وثلث المتر‬ ‫ساحة كنيسة مار جرجس إهدن‪.‬‬ ‫تصوير شخصي‪.‬‬

‫‪ 332‬مارينو مازاكوراتي (‪.)1969–1907‬‬ ‫‪ 333‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪.34 .‬‬ ‫‪ 334‬سمعان خازن‪ ،‬في سبيل تاريخ لبنان‪ ،‬يوسف بك كرم في المنفى‪ ،‬صفحة المعة‬ ‫من تاريخ لبنان المجيد في القرن التاسع عشر‪ ،‬مطبعة اإلنشاء‪ ،‬طرابلس‪،1950 ،‬‬ ‫ص‪.456 .‬‬

‫‪147‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫عمل فني رائد لرائد النحت‬ ‫تكريما بطل خالد في‬ ‫في لبنان‪،‬‬ ‫ً‬ ‫تــاريــخ لبنان‪ .‬نــفّ ــذه الحويك من‬ ‫البرونز سنة ‪ 1932‬باالتفاق مع‬ ‫اللجنة المختصة ‪.34‬‬

‫يوسف الحويك‬

‫الم ْسلمة‬ ‫المرأة ُ‬


‫وأبدع الحويك في إظهار مقدرته الفنية العالية بإبراز مالمح كرم من‬ ‫شاهرا‬ ‫ممتطيا حصانه متحفِّ زً ا للوثوب‬ ‫شمم وبطولة وحماسة وغضب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫سيفه بيمناه‪.35‬‬ ‫تأثر الحويك بتماثيل الفروسية المنتشرة في أوروبا‪ .‬فعالج منحوتات‬ ‫نصبية ذات أهمية وطنية وتاريخية وفنية‪ .‬ففي تمثال الباكيتان أسى‬ ‫أمهات شهداء ‪ 6‬أيار من دون تفريق بين مذاهب الشهداء وأديانهم‪ .‬وفي‬ ‫وسط باحة الكنيسة في إهدن‬ ‫تمثال يوسف بك كرم رمز بطل من لبنان‪ْ ،‬‬ ‫شموخه الزوار‪.‬‬ ‫يتهيب‬ ‫َ‬

‫‪148‬‬ ‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬ ‫تفصيل من التمثال‬

‫‪ .5‬المنحوتات الدينية‬ ‫عالج يوسف الحويك المواضيع الدينية في منحوتاته‪ ،‬بينها منحوتة‬ ‫(حاليا لدى متحف دير راهبات العائلة‬ ‫لعمه البطريرك الياس الحويك‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫المقدسة المارونيات في عبرين‪/‬البترون)‪.‬‬ ‫‪ 335‬فيصل سلطان‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬ص‪.457 .‬‬


‫يوسف الحويك‬

‫‪1.1‬تمثال البطريرك الياس الحويك‬ ‫برونزي نفذه الحويك سنة ‪ 1934‬بالحجم الطبيعي للبطريرك‪،‬‬ ‫هو‬ ‫ٌّ‬ ‫وبتقنية عالية‪ .‬مالمح الوجه دقيقة‪ ،‬الحاجبان عريضان‪ ،‬العينان بارزتان‪،‬‬ ‫تفاصيل دقيقة للشاربين واللحية واللباس الكهنوتي مع كل ثنية من القماش‪،‬‬ ‫يتدلى من عنقه صليب من الذهب محفورة عليه خطوط ذهبية تمثل النور‬ ‫ّ‬ ‫المصلى‪ ،‬بأدق التفاصيل األصابع واألظافر‬ ‫اإللهي‪ ،‬اليدان ممدودتان على‬ ‫تأمل‬ ‫حالة‬ ‫في‬ ‫ـده‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ـاث‬ ‫ـ‬ ‫ج‬ ‫والبطريرك‬ ‫اليمنى‪،‬‬ ‫والخاتم في إصبع اليد‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫عمه أو وجهه‪ .‬وعلى جانبي‬ ‫وصالة‪ .‬لم ُيغْ فِ ل الفنان َّ‬ ‫أي تفصيل من جسد ّ‬ ‫خصوصا قرب الرأس وفي ُ‬ ‫الك ّمين‪.‬‬ ‫المنحوتة دراسة متأنية لثنيات الثياب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫واضح على‬ ‫وعند الطابية على ْرأسه تَ ظهر تفاصيل األذنين‪ .‬وتوقيع الفنان‬ ‫ٌ‬ ‫قاعدة التمثال أمام ضريح البطريرك‪.‬‬

‫‪149‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬

‫البطريرك الياس الحويك بالحجم الطبيعي؛ ّ‬ ‫موقعة ‪.1934‬‬ ‫برونز؛ ‪53 ×146‬سم؛‬ ‫كنيسة دير راهبات عبرين البترون؛ تصوير شخصي‪.‬‬

‫‪ .6‬خالصة‬ ‫اتَّ ـبــع يوسف الحويك األسـلــوب الكالسيكي رافـ ًـضــا الـتـيــارات الفنية‬ ‫الحديثة‪ّ .‬‬ ‫أبرزهم رودان (‪)1917–1840‬‬ ‫تأثر بأعمال فنانين‬ ‫أوروبيين‪ُ ،‬‬ ‫ّ‬


‫لكنه لم يتَ َخ َّل في كل نتاجه عن هويته الشرقية وبيئته‪ .‬أفاد من دراسته‬ ‫عصرئذ‪،‬‬ ‫بالتعرف على تيارات فنية مختلفة كانت سائدة‬ ‫في روما وباريس‬ ‫ٍ‬ ‫ُّ‬ ‫فطو َر مهاراته واكتسب مهارات جديدة‪ ،‬لكنه لم يعالج أي عمل تجريدي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫وأكد على انتمائه إلى وطنه وبيئته رغم تنقله في أرجاء أوروبا‪.‬‬ ‫إنه حقًّ ا رائــد النحت في لبنان‪ ،‬قــدوة نحاتين تأثروا به في بدايات‬ ‫مسيرتهم الفنية ثم اتبعوا أسلوبهم الخاص‪ ،‬وأبرزهم ميشال بصبوص الذي‬ ‫يميزه‪.‬‬ ‫اعتمد‬ ‫ً‬ ‫أسلوبا مختلفً ا ّ‬ ‫‪ .7‬المراجع‬ ‫‪1.1‬المراجع العربية‬

‫‪150‬‬

‫ •جبر جميل‪ ،‬شارل القرم‪ ،‬شاعر الجبل الملهم في سيرته وآثاره‪ ،‬منشورات‬ ‫المجلة الفينيقية‪.1995 ،‬‬

‫د‪ .‬ديانا بشارة جحا‬

‫مصورة‬ ‫ •تويني غسان (تقديم)‪ ،‬يقظة الحجر‪ ،‬يوسف الحويك أعمال نحتية ّ‬ ‫بعدسة مانوغ‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪.2004 ،‬‬

‫ •سلطان فيصل‪ ،‬كتابات مستعادة من ذاكرة فنون بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬ ‫الفارابي‪ ،‬بيروت‪.2013 ،‬‬

‫ •خازن سمعان‪ ،‬في سبيل تاريخ لبنان‪ ،‬يوسف بك كرم في المنفى‪ ،‬صفحة‬ ‫المعة من تاريخ لبنان المجيد في القرن التاسع عشر‪ ،‬مطبعة اإلنشاء‪،‬‬ ‫طرابلس‪.1950 ،‬‬

‫ •شيبوب إدفيك جريديني‪ ،‬جبران والحويك في باريس‪ ،‬طبعة ثالثة‪ ،‬دار‬ ‫اإلبداع الحرف الذهبي‪.2001 ،‬‬

‫ •فاخوري ريــاض‪ ،‬حديقة ضيوف الفن اإلنطباعي اللبناني (أضــواء على‬ ‫الماهدين)‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬مكتبة هنري صعب‪ ،‬بيروت‪.1993 ،‬‬

‫حجار‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار‬ ‫بسام ّ‬ ‫ •نجار اسكندر‪ ،‬جبران خليل جبران‪ ،‬ترجمة ّ‬ ‫النهار للنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬أيلول ‪.2006‬‬

‫ •نمور سيزار‪ ،‬النحت في لبنان‪ ،‬منشورات دار الفنون الجميلة لالستثمارات‬ ‫والنشر‪ ،‬بيروت‪.1990 ،‬‬

‫‪2.2‬الجرائد‬ ‫للمرة األولى‪،‬‬ ‫ •العويط عقل‪ ،‬العصر والثقافة‪ ،‬أوراق ليوسف الحويك تنشر ّ‬ ‫د‪.‬ت‪.‬‬


‫ •جريدة البلد‪ ،‬الصفحة الثقافية‪ ،‬الباكيتان‪ ‬ليوسف الحويك‪ ،‬العدد ‪،213‬‬ ‫األربعاء ‪ 28‬تموز ‪.2004‬‬

‫ •الحويك مــوريــس‪ ،‬مجلّ ة الرابطة‪ ،‬تصدر عن اللجنة الثقافية في رابطة‬ ‫البترون اإلنمائية والثقافية‪ ،‬بإشراف الدكتور جورج قبالن‪ ،‬األستاذ عبد اهلل‬ ‫أبي عبد اهلل‪ ،‬العدد الثاني كانون األول‪.1991 ،‬‬

‫‪3.3‬المراجع األجنبية‬

‫‪• Grand Larousse Encyclopédique en dix volumes, Tome 3, Paris,‬‬ ‫‪1960.‬‬ ‫‪• Lavenant René (Adaptation française), l’art contemporain au‬‬ ‫‪Liban, dar el-Machreq éditeur, Beyrouth, 1974.‬‬

‫‪4.4‬المراجع على شبكة اإلنترنت‬ ‫‪www.musee-rodin.fr/en/collections/sculptures/pallas-au-parthénon‬‬

‫يوسف الحويك‬

‫‪• Chami Joseph, le mémorial du Liban, le Mandat Béchara el‬‬ ‫‪Khoury, Volume 1, 1861–1943.‬‬

‫‪151‬‬

‫رائد النحت في لبنان‬


‫صدر في ‪‬مرايا التراث‪‬‬ ‫العدد األول‪ :‬خريف ‪/  2014‬شتا ء ‪٢٠١٥‬‬

‫* تراثنا اللبناني‪ :‬معالم وعالمات‬ ‫•حسان حالق‪ :‬بلدية بيروت المحروسة في العهد العثماني‬ ‫•يوسف الحوراني‪ :‬حرمون جبل التجلي ونيسا مغارة أدونيس‬ ‫•ابرهيم كوكباني‪ :‬بعلبك مدينة الشمس ُاللغز الذي لم ُيعد لغزً ا‬

‫* ملف العدد‪ :‬التراث اللبناني الشفوي بين المروي والمحكي والموسيقي‬ ‫المروي‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت‪ ...‬إحكي لنا من تراثك‬ ‫ّ‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الزجل اللبناني من البدايات – شعر الحياة اليومية‬ ‫والتراث‬ ‫•كفاح فاخوري‪ :‬من فصول الحياة الموسيقية في لبنان‬ ‫•محمود زيباوي‪ :‬التراث الفولكلوري الشعبي كما تناوله األخوان رحباني‬ ‫•ناصر مخول‪ :‬اآلالت الموسيقية التراثية‪ :‬تصنيعها والعزف عليها‬ ‫•بديع الحاج‪Le chant traditionnel au Liban :‬‬

‫* إرثنا التراثي‪ :‬تشريعات ومعايير‬ ‫•حنا العميل‪ :‬التراث الثقافي غير المادي‪ :‬تحديات المحافظة عليه‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬أسباب التلف والدمار في المصادر التراثية‬ ‫•محمد ناصر‪ :‬دور التشريعات في حفظ التراث وحمايته‬


‫العدد الثاني‪ :‬ربيع‪ /‬صيف ‪2015‬‬

‫والد َولي‬ ‫عدد خاص في موضوع‪ :‬لبنان في األرشيف الوطني ُ‬ ‫* لبنان في األرشيف المحلي‬ ‫•أحمد حطيط‪ :‬لبنان في أرشيف الحروب الصليبية‬ ‫•الياس القطار‪ :‬أرشيف لبنان في العهد المملوكي‬ ‫•أنطوان القسيس‪ :‬لبنان في الزمن الفينيقي‬ ‫•بطرس لبكي‪ :‬حرير لبنان في األرشيف المحلي واألجنبي‬ ‫•جوزف أبو نهرا‪ :‬لبنان في أرشيف األديار ‬ ‫•حسان حالق‪ :‬لبنان في أرشيف بيروت‬ ‫•رياض غنام‪ :‬لبنان في األرشيف األهلي‬ ‫•عبداهلل المالح‪ :‬لبنان في أرشيف المتصرفية‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬لبنان في األرشيف اإلسالمي‬

‫* لبنان في األرشيف األجنبي‬ ‫الحكيم‪ :‬لبنان في األرشيف الفرنسي‬ ‫•أنطوان‬ ‫ّ‬ ‫•عباس أبو صالح‪ :‬لبنان الخمسينات في األرشيف األميركي‬ ‫•عبداللطيف الحارس‪ :‬لبنان في األرشيف البريطاني‬ ‫•كرم رزق‪ :‬لبنان في األرشيف النمساوي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬لبنان في األرشيف األميركي‬


‫العدد الثالث‪ :‬خريف ‪/ 2015‬شتاء ‪2016‬‬

‫العمراني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•نسيب حطيط‪ :‬ال ـتــراث الـعـمــرانــي فــي ب ـيــروت بين ال ـهــدم والتنمية‬ ‫المستدامة‬ ‫•مي عبود أبي عقل‪ُ :‬‬ ‫تراث لبنان باالندثار‪ُ ...‬م َه َّدد‬ ‫مج َّمد‬ ‫ُ‬ ‫وقانون حمايته في مجلس النواب‪َ ...‬‬ ‫•أنطوان فشفش‪ :‬تطور األشكال العمرانية والمدنية في بيروت منذ نهاية‬ ‫القرن التاسع عشر‬

‫في‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا ِ‬ ‫الح َر ّ‬ ‫ـعبية‪ ...‬قبل َأن تَ ـزُ ول‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬تقاليد ش َّ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫والتبعية في‬ ‫الحيز الجغرافي اللبناني بين التمايز‬ ‫•جــورج شلهوب‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العهدين األموي والعباسي‬ ‫•مسعود ضاهر‪ :‬المسألة الطائفية في لبنان‪ :‬المسار التاريخي واآلفاق‬ ‫المستقبلية‬ ‫•مــروان أبي فاضل‪ :‬جبل الكرمل‪ :‬صراع بين النبي الياس وكهنة بعـل‬ ‫ُصــور الفينيقي‬


‫العدد الرابع‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٦‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫•وجيه فانوس‪ :‬الشخصية التراثية المدينية في الوجدان الشعبي البيروتي‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫المادية في لبنان‬ ‫•رجا لبكي‪ :‬مدخل إلى دراسة الحضارة‬ ‫ّ‬

‫الصحافي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫يائها‬ ‫•جوزف أبي ضاهر‪ :‬الصحافة اللبنانية من َأ ِل ِفها إلى ِ‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)١‬‬ ‫• َأحمد َ‬ ‫األندلسيين في العصور الوسطى‬ ‫حطيط‪ :‬لبنان في كتابات الرحالة‬ ‫ّ‬

‫* تراثنا العائلي‬ ‫•أنطوان مسرة‪ :‬التربية على التراث من الشعار والحنين إلى السلوك في‬ ‫الحياة اليومية‬ ‫‪* Liban: patrimoine historique et touristique‬‬

‫‪• Hareth Boustani: Deir el-Qamar: patrimoine architectural et‬‬ ‫‪urbain‬‬

‫‪• Abdel-Raouf Sinno: The journey of the German emperor‬‬ ‫‪William II to Bilâd ash-Shâm in 1898‬‬


‫العدد الخامس‪ :‬خريف ‪/ ٢٠١٦‬شتاء ‪2017‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫لبناني َأثري وتاريخي في عكار‬ ‫•أنيس شعيا‪َ :‬م ْع َل ٌم‬ ‫ٌّ‬ ‫المادية‬ ‫الدينية في الحضارة‬ ‫•سوالنج الحلو‪ :‬موقع األوقاف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫الشعبي‬ ‫* ملف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عبداللطيف فاخوري‪ :‬بيروت أيام زمان‪ :‬الطب وطب األسنان والصيدلة‬

‫الديني‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬جامع طينال الحاجب في طرابلس‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)2‬‬ ‫•بيار مكرزل‪ :‬لبنان في رحلة المستشرق البلجيكي َأنسيلمي َأدورنو‬ ‫‪* Notre patrimoine religieux‬‬ ‫‪• Antoine Fischfisch: Église Mar Zakhia  –  Ajaltoun entre revi‬‬‫‪talisation et restauration‬‬ ‫‪• Paul Zgheib: L’art Syriaque : les paradigmes de l’existence‬‬

‫‪* Notre patrimoine historico-archéologique‬‬ ‫‪• Jeanine Abdul Massih: La carrière archéologique de Baalbek‬‬ ‫‪dévoile son secret‬‬


‫العدد السادس‪ :‬ربيع ‪ /‬صيف ‪٢٠١٧‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫موحدة‬ ‫•مروان أبي فاضل‪ :‬صيدا وصور في العصر الحديدي (مملكة ّ‬ ‫أم مملكتان؟)‬ ‫الشعبي‬ ‫* َم َل ّف العدد‪ :‬تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•علي شعيب‪ :‬الزعامة الشعبية في جنوب لبنان َ(أحمد َ‬ ‫نموذجا)‬ ‫األسعد‬ ‫ً‬

‫* لبنان على أقالم الرحالة (‪)٣‬‬ ‫• َأحـمـد ح َـطـيـط‪ :‬لبنان وبالد الشام َأ ّي َام حروب الفرنج في الشرق من‬ ‫جبير َ‬ ‫األندلسي (‪ 581–578‬هـ‪1185–1183/‬م)‬ ‫خالل رحلة ابن َ‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•ليندا رزق‪ :‬ظاهرة رائدة في الشرق العربي‪ :‬التعليم العالي في لبنان‪:‬‬ ‫نشأته‪ ،‬منطلقاته‬ ‫‪* Notre patrimoine historique‬‬

‫‪• Dr Ibrahim Kaoukabani: Les stèles de Nahr el Kalb‬‬


‫العدد السابع‪ :‬خريف ‪/ 2017‬شتاء ‪٢٠١٨‬‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫قديما) حاضرة فينيقية منسية‬ ‫الص َر َفـنْ ـد (صربتا ً‬ ‫•د‪ .‬عصام علي خليفة‪َ :‬‬ ‫بين التاريخ والتقاليد‬ ‫•د‪ .‬صوالنج موريس الحلو‪ :‬معاصر الزيتون ومطاحن الحبوب في قضاء‬ ‫العثماني‬ ‫الشوف ّإبان الحكم‬ ‫ّ‬

‫بهية من تاريخ لبنان المعاصر‬ ‫* َم َل ّف العدد‪ :‬صفحة ّ‬ ‫•وسام اللحام‪ :‬لبنان في طوابعه ُ‬ ‫األولــى‪ :‬منذ ِإعالن دولة لبنان الكبير‬ ‫حتى االستقالل‬

‫المادي‬ ‫* تراثنا غير‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫اللبنانية‬ ‫المسألة‬ ‫العثمانية على‬ ‫•د‪ .‬مسعود ضاهر‪َ :‬أ َثــر التنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(‪)1860 – 1835‬‬ ‫•د‪ .‬جورج شلهوب‪َ :‬أضواء على الجذور التاريخية للكيان اللبناني‬ ‫•د‪َ .‬أمين الياس‪ :‬التجديد في منظومة الفكر العربي (المعلم بطرس‬ ‫نموذجا)‬ ‫البستاني‬ ‫ً‬

‫* مراسالت‬ ‫•أ‪.‬د‪ .‬عمر عبدالسالم تدمري‪ :‬بعلبك‪ ...‬ال ستة أعمدة بل ثمانية!‬


‫العدد الثامن‪ :‬ربيع‪/‬صيف ‪٢٠١٨‬‬

‫التاريخي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫نصار‪ :‬الياس ديب مطر (‪ّ )1910–1857‬أول محاولة لكتابة‬ ‫•د‪ .‬أندريه ّ‬ ‫الوطني‬ ‫التاريخ‬ ‫ّ‬ ‫•د‪ .‬بيار مكرزل‪ :‬القبطان الفرنسي توسان ّ‬ ‫أالر (‪)Toussaint Allard‬‬ ‫قذ َ‬ ‫ُم ْن ُ‬ ‫األمير بشير سنة ‪1822‬‬

‫* َملَ ّف العدد‪ :‬تقاليدنا َ‬ ‫واألعراف‬ ‫‪‬الخضر‪ ‬بين‬ ‫•مروان أبي فاضل‪ :‬بيروت ‪‬عيد النهر‪ ،‬مار جرجس‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫األساطير والكنائس والمساجد‬ ‫المادي‬ ‫* تراثنا‬ ‫ّ‬ ‫•ميشال حالق‪ :‬عكار المنسية في أقصى الشمال‬ ‫* مهن ِح َر ِف ّية تقليدية‬ ‫•د‪ .‬رجاء يوسف لبكي‪َ :‬‬ ‫الع َرق‬ ‫‪‬ش ْيل‪َ ‬‬ ‫‪* Notre patrimoine matériel‬‬ ‫‪• Eddy Choueiry: Liban sur Rail‬‬


Mirrors of Heritage Refereed journal published twice a year by The Center for Lebanese Heritage (CLH) at The Lebanese American University (LAU)

Henri Zoghaib – Editor

Issue No. 9 – Fall 2018 / Winter 2019

Literary Heritage: Afifi Karam Pioneer of the Arabic Non-Fiction Memories from our Pop Heritage Special Section: At the Window of Beirut Star Political Heritage: Hameed Frangieh Artistic Heritage: Huwayik Pioneer of the Sculpture in Lebanon

Center for Lebanese Heritage Lebanese American University, Kraytem, Beirut – Lebanon Phone: +961.1.78 64 64 (ext: 1600) Fax: +961.1.78 64 60 P.O. Box: 5053 13 Beirut – Lebanon email: clh@lau.edu.lb www.lau.edu.lb/centers-institutes/clh Design and layout by MarCom – LAU


‫‪Mirrors‬‬ ‫‪of Heritage‬‬ ‫العدد التاسع – خريف ‪  / ٢٠١٨‬شتاء ‪٢٠١٩‬‬

‫‪Issue No. 9 – Fall 2018 /  Winter 2019‬‬

‫‪Issue No. 9 – Fall 2018‬‬ ‫‪Mirrors of Heritage‬‬

‫َم َل ّف العدد‬

‫‪Special section‬‬ ‫‪At the Window of Beirut Star‬‬ ‫‪from‬‬ ‫‪our Popular Heritage‬‬ ‫‪• 2 Lebanese Pioneers:‬‬ ‫‪Afifi Karam, Yussef Huwayik‬‬

‫العدد التاسع – خريف  ‪٢٠١٨‬‬

‫‪• Memories‬‬

‫نافذة على نجمة بيروت‬

‫•‪ ‬عفيفة كرم رائدة الرواية في َ‬ ‫األدب العـربي‬ ‫•‪ ‬يوسف الحويك رائد النحت في لبنان‬ ‫•‪ ‬حميد فرنجية‪ :‬رجل االستقالل والمواقف‬ ‫•‪ ‬ذاكرةُ تُ راثنا في َأعمال َأنيس فريحة‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.