المجلة التونسية للتاريخ العسكري -08 / Tunisian Journal of Military History n°08

Page 1



‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬ ‫فهرس العدد الثّامن‬ ‫ديسمبر ‪2018‬‬

‫القسم العربي‬

‫المؤلّف‬ ‫هيئة التّحرير‬ ‫الباحث عاطف بن سالم‬ ‫د‪ .‬ليلى زغدود‬ ‫د‪ .‬الشيباني بنبلغيث‬ ‫د‪ .‬لطفي بوعلي‬ ‫د‪ .‬علي آيت ميهوب‬ ‫د‪ .‬عبد المجيد بالهادي‬

‫المق ّدم عبد العزيز بوق ّزي‬ ‫د‪ .‬مح ّمد ضيف هللا‬

‫‪2‬‬

‫عنوان المقال‬

‫صفحة‬ ‫ال ّ‬

‫االفتتاحية‪03...............................................................‬‬ ‫حملة تونس ‪ 1535‬من خالل الوثائق والنشريات الحربية‬ ‫األلمانية ‪04................................................................‬‬ ‫مالحظات حول صناعة سفينة الشباك خالل القرن الثامن‬ ‫عشر……‪22..............................................................‬‬ ‫دور المماليك في نشأة الدولة الحديثة في تونس‪30...................‬‬ ‫السلطة الحسينية في مواجهة الممانعة دراسة في أشكال الرّدع‬ ‫العسكري من خالل مد ّونة اإلتحاف البن أبي الضّياف‪42..........‬‬ ‫أسرى المحور بالبالد التّونسيّة ‪55....................1949-1943‬‬ ‫ال ّ‬ ‫صحافة التّونسيّة والثورة الجزائريّة (‪ )1954-1957‬دراسة‬ ‫في أشكال ال ّدعم والتّغطية االعالميّة للثّورة من خالل صحيفتي‬ ‫" الصّباح والعمل "…‪73................................................‬‬ ‫شهادة العقيد متقاعدأبوبكربنكريّم…‪90................................‬‬ ‫قراءة في كتاب الموسيقى العسكريّة التّونسيّة لل ّدكتورأنيس‬ ‫المؤ ّدب‪101.................................................................‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫االفتتاحيّة‬ ‫يصدر العدد الثّامن من المجلّة التونسيّة للتّاريخ العسكري متض ّمنا مقاالت لعدد من‬ ‫األساتذة الباحثين في مجال التّاريخ العسكري‪ ،‬سواء من العسكريّين أو الجامعيين ويتزامن هذا‬ ‫االصدار من المجلّة مع احتفاء العالم والبالد التونسيّة بمرور خمس وسبعين سنة على نهاية أحداث‬ ‫الحرب العالميّة الثّانية بتونس وبداية هزيمة المحور أمام الحلفاء وتحرير أوروبا انطالقا من البالد‬ ‫التّونسيّة‪ ،‬باإلضافة لالحتفاء بمئوية نهاية الحرب الكبرى في ‪ 11‬نوفمبر ‪.2018‬‬ ‫ولذلك تناولت جل ّ مقاالت هذا العدد الفترة المعاصرة من تاريخ البالد التّونسيّة خالل‬ ‫الحربين العالميتين‪ ،‬فـاألستاذ فيصل ال ّشريف تطرّق في مقاله الى"مرور ‪ 75‬سنة للحملة على‬ ‫البالد التّونسيّة خالل الحرب العالميّة الثّانية ‪ 8‬نوفمبر ‪ 1942‬إلى غاية ‪ 13‬ماي ‪ ."1943‬أ ّما‬ ‫األستاذ علي آيت ميهوب فيواصل في نفس سياق الحرب العالميّة الثّانية ويتع ّمق في بعض جزئيّاتها‬ ‫من خالل مقاله حول"أسرى المحور بالبالد التّونسيّة ‪ .»1949-1943‬ليعود بنا العقيد سمير الشامي‬ ‫للحرب العالميّة األولى من خالل مقال باللّغة االنجليزية يبرز فيه الوفاق بين تركيا وألمانيا‬ ‫وإنعكساته على المقاومة التّونسيّة ض ّد االستعمار الفرنسي‪ .‬وينقلنا األستاذ عبد المجيد بالهادي‬ ‫للخمسينات من القرن الماضي ليق ّدم لنا مقاال بعنوان "ال ّ‬ ‫صحافة التّونسيّة والثّورة الجزائريّة‬ ‫(‪ )1957-1954‬دراسة في أشكال ال ّدعم والتغطية اإلعالميّة للثّورة من خالل صحيفتي 'الصباح‬ ‫والعمل "‪.‬‬ ‫نواصل خالل هذا العدد سرد ال ّروايات ال ّشفويّة التي عايشها قدامى العسكريّين لتكون‬ ‫في هذا العدد تدوينا لما أفادنا به "العقيد متقاعد أبوبكر بنكريّم" المنتمي للجيل المؤسّس للنّواة األولى‬ ‫للجيش الوطني يق ّدمها لنا المق ّدم عبد العزيز بوق ّزي تحت عنوان "شهادة العقيد متقاعد أبو بكر‬ ‫بنكريّم حول نشأة وتط ّور المؤ ّسسة العسكريّة خالل ال ّسنوات األولى لالستقالل"‪ .‬يضّم العدد الثّامن‬ ‫من المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري اضافة الى ما ذكر آنفا‪ ،‬عددا من ال ّدراسات التي تناولت‬ ‫فترات أسبق من الفترة المعاصرة‪ .‬يق ّدم األستاذ ال ّشيباني بنبلغيث مقاال حول "دور المماليك في‬ ‫نشأة ال ّدولة الحديثة في تونس"‪ .‬أ ّما الباحث عاطف سالم فعاد بنا إلى بداية ال ّ‬ ‫صراع العثماني‬ ‫اإلسباني والحملة على البالد التّونسيّة مستنداعلى الوثائق والنشريات الحربيّة األلمانيّة‪ .‬ليصطحبنا‬ ‫األستاذ لطفي بوعلي للفترة الحسينيّة بمقال اهت ّم فيه بـ «ال ّسلطة الحسينيّة في مواجهة الممانعة‪:‬‬ ‫دراسة في أشكال ال ّردع العسكري من خالل مد ّونة اإلتحاف البن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪ .‬وتطوف بنا‬ ‫األستاذة ليلى زغدود في مقالها بأشهر ال ّسفن التي عرفها المتو ّسط خا ّ‬ ‫صة خالل القرون ‪ 16‬و‪17‬‬ ‫ّ‬ ‫و‪ ،18‬حول مركب الشبك تحت عنوان "مالحظات حول صناعة سفينة الشباك خالل القرن الثامن‬ ‫عشر"‪ .‬لنختم بموضوع فيه الكثير من الطّرافة يق ّدمه لنا األستاذ مح ّمد ضيف هللا بعنوان "قراءة في‬ ‫كتاب الموسيقى العسكريّة التّونسيّة لألستاذ أنيس المؤدب"‪.‬‬ ‫ختاما يجدر التذكير‪ّ ،‬‬ ‫أن الغاية من المجلّة هي أساسا محاولة إبراز وتقديم وتوضيح جوانب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫من تاريخنا العسكري للق ّراء وه ّواة اإلطالع‪ ،‬باإلضافة لترسيخ الذاكرة الوطنيّة وبشكل خاصّ‬ ‫ّ‬ ‫الذاكرة العسكريّة لدى النّاشئة التّونسيّة‪ ،‬حتى نجعل ال ّدروس المستخلصة من األحداث التاريخيّة‬ ‫التي يصوغها الباحثون عبر صفحات المجلّة بأسلوب يجمع بين المتعة واإلفادة‪ ،‬دعائم لترسيخ‬ ‫الهويّة الوطنيّة وال ّشعور باالنتماء واالنفتاح على اآلخر‪ .‬وتبقى المجلّة مفتوحة لك ّل الباحثين في‬ ‫مجال التّاريخ العسكري الوطني وتدعوهم لإلسهام في إثرائها وفتح مسالك جديدة للبحث فيه‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫حملة تونس ‪ 1535‬من خالل الوثائق والنّشريات الحربيّة األلمانيّة‬ ‫عاطف سالم‬ ‫باحث بجامعة سوسة‬ ‫"ول ّما تم ّكن خير ال ّدين بتونس جاءت عمارة من بالد النصارى استنجد بها الحسن من قبل اإلمبراطور‬ ‫فيها مائة ألف مقاتل‪ ،‬قلت اإلمبراطور في ذلك الزمان هو صاحب اسبانية د ّمره هللا وإنما تس ّمى باإلمبراطور ولم‬ ‫يكن هذا اإلسم ألحد من أجداده واإلمبراطور من أسماء ملوك " األلمان " إلنّ ملكهم قديم واإلمبراطور عندهم‬ ‫كالخليفة عند المسلمين وإنّما نبّهت على هذا لئال يظنّ أنّه اإلمبراطور المعهود‪ ،‬ول ّما نزلت النصارى قابلتهم‬ ‫األتراك ومن انحاز إليهم من المسلمين وعددهم ثمانية عشر ألفا والتقى الجمعان بخربة الكلخ شرق ّي تونس وخير‬ ‫ال ّدين معهم وانتشب القتال بينهم وكانت مقتلة عظيمة"‪.1‬ابن أبي دينار‬

‫ظلّت "معركة حلق الوادي" التي وقعت في القرن ال ّسادس عشر‪ ،‬حدثًا تاريخيًّا غنيًّا‬ ‫ك ّ‬ ‫بدالالته فالش ّ‬ ‫أن األحداث التّاريخيّة الواقعة في تلك الفترة على عالقة وثيقة بالوقائع التي سبقتها‬ ‫ولها تأثيرات بالنّسبة إلى األحداث الالّحقة وعليه فإنّه يتحتّم علينا وضعها في سياقها التّاريخي‬ ‫والبحث عن الحقيقة التي تبيّن لنا الحوافز وتشرح لنا طبيعة األحداث وال ّ‬ ‫صراعات في أشكالها‬ ‫العديدة إذ ّ‬ ‫أن قطبي ال ّ‬ ‫صراع بين ال ّشرق اإلسالمي والغرب المسيحي قد أضفيا على القرن ال ّسادس‬ ‫عشر حركيّة وديناميكية أسهمتا بدور فاعل في بلورة وتحديد وجهة العالقات بين اإلمبراطوريّة‬ ‫الرومانية المق ّدسة و"بالد الحفصيّين" بتونس‪.‬‬ ‫فقد كانت تونس الحفصيّة ضعيفة وهو ما استغلّته المملكة اإلسبانيّة التّابعة لفضاء‬ ‫اإلمبراطوريّة الكبرى‪ ،‬الحتالل مدنها ال ّساحلية ّ‬ ‫وأن مجيء األتراك العثمانيّين إلى تونس قد كان له‬ ‫األثر الكبير على العالقات بين الطّرفين‪ ،‬فكانت األسرة الحفصيّة الحاكمة عادة ما تلجأ في ممثّلها‬ ‫"الحسن الحفصي" لالستنجاد باإلمبراطور "شارل الخامس" في ك ّل من إسبانيا أو ألمانيا من أجل‬ ‫طلب المساعدة والنّجدة حفاظا على ال ّسلطة خا ّ‬ ‫صة بعد أن ارتبطت الجزائر بال ّدولة العثمانيّة‬ ‫وأصبحت قاعدة ها ّمة لضرب المشروع اإلسباني في محاولة منها لتوحيد منطقة بالد المغارب‬ ‫تحت سلطة العثمانيّين‪ .‬حيث سنحاول في هذا المقال تسليط ال ّ‬ ‫ضوء على الظّروف التي تميّزت بها‬ ‫هذه الحملة العسكريّة من استعدادات ومعارك ونتائج من خالل نشريات ووثائق من منظور‬ ‫اإلمبراطوريّة الرومانية المق ّدسة محاولين فهم دور الفاعلين في إنجاح هذه الحملة على تونس وأه ّم‬ ‫االنعكاسات التي وجدت‪ .‬وعلى الباحث في التّاريخ أن يأخذ بعين االعتبار مدى أه ّمية االستنجاد‬ ‫بدراسة هذه المصادر األوروبيّة إلى جانب المصادر المحلّية في كتابة تاريخ تونس وبها سيتّضح‬ ‫اللّبس‪.‬‬ ‫‪ -1‬الحملة العسكرية على تونس ‪1535‬م ‪:2‬‬ ‫تعود أسباب هذه الحملة الحربيّة‪ 1‬إلى الظّروف السّياسيّة واالجتماعيّة التي كانت سائدة‬ ‫‪2‬‬ ‫آنذاك فمع دخول "خير ال ّدين بربروس" لتونس هرب السّلطان الملقّب بــ "الحسن الحفصي"‬ ‫‪ -1‬ابن أبي دينار‪ ،‬المؤنس في أخبار افريقيا وتونس‪ ،‬تحقيق محمد شمام‪ ،‬المكتبة العتيقة‪ ،‬تونس ‪ ،1967‬ص ‪.154‬‬ ‫‪- Fendri (M.), « Quelles répercussions a causé l’expédition de Charles Quint contre Tunis en 1535 sur‬‬ ‫‪l’historiographie et la littérature allemandes »in série de Conférences Beït al-Hikma N°3 , 2015 -2016 , p.‬‬ ‫‪50.‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫مذلوال يستنجد بملك إسبانيا آنذاك وإمبراطور اإلمبراطوريّة الرومانية المق ّدسة "شارل الخامس"‬ ‫على بني قومه‪ .3‬وكان هذا األخير قد أرسل سنة ‪1533‬م بعثة تجسّسيّة أولى برئاسة "أوشوا‬ ‫دارسيال " ‪ 4"Ochoa‬لدراسة األوضاع في تونس فأبلغه ّ‬ ‫أن تونس مستع ّدة ك ّل االستعداد لفتح‬ ‫أبوابها أمام الغزاة اإلسبان وباقي المرتزقة المسيحيّين ث ّم أرسل بعثة سرّية ثانية بإشراف‬ ‫‪6‬‬ ‫"لويسبريزيندا" "‪ ،5"Louis Presenda‬لكن شاء القدر أن يسبقه إليها "خير ال ّدين" سنة ‪1534‬م‬ ‫‪ ،‬وقد اعتبر "شارل لكان" "‪ " Charles Lesquin‬ض ّم تونس للممتلكات العثمانيّة تهديدا لممتلكاته‬ ‫بإيطاليا وللغرب المسيحي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما "خير ال ّدين" فقد أخذ يجمع األعراب من حوله الذين انغمسوا في الملذات والفتن‬ ‫ّ‬ ‫وحذرهم من الفتنة في اإلسالم واتّفقوا معه على أن يبقى في أيديهم ما أعطاه لهم "بنو حفص" من‬ ‫اإلقطاعات فالتزموا بذلك‪ ،‬ومع استنجاد "الحسن الحفصي" بـ "شارل الخامس" بعد أن تيقّن ّ‬ ‫بأن ال‬ ‫أمل له في االنتصار على "خير ال ّدين"‪ ،‬عزم على ارتكاب مظهر الخيانة لبالده‪ ،‬وهو ما استغلّته‬ ‫الكنيسة الكاثولكيةعلى يد ممثّلها "البابا" الذي بدأ يحرّ ض "شارل لكان" على ضرورة التص ّدي‬ ‫للعثمانيّين ولنشاط القرصنة الذي تز ّعمه األتراك بتونس وهو ما تبيّناه في" نشريّة ال ّراهب‬ ‫الكاثولكي" والعد ّو األ ّول للمصلح "مارتن لوثر يوهان إيك" "‪ 7" Johannes Eck‬حول حملة تونس‬ ‫‪ 1535‬وعلى أحقّية ملكيّة هذه البالد لصالح اإلمبراطوريّة الرومانية المقد ّسة‪ ،‬لما تزخر به من‬ ‫تاريخ نمت فيها المسيحيّة على يد الق ّديس"أغسطينوس" والق ّديس"سان لويس"‪ .8‬كما وافق األمراء‬ ‫اإليطاليّون واأللمان على أ ّ‬ ‫ي حملة يزعم "شارل الخامس" القيام بها في شمال إفريقيا ‪ 9‬رغم‬ ‫المعارضة العائليّة التي تلقّاها هذا األخير من أخته "ماريا"النّمساويّة التي كانت ترفض مشاركته‬ ‫شخصيّا في الحملة ‪ .10‬فصادف أن حدث ذلك في فترة قويت فيها ال ّروح الكاثوليكية والوحدة‬ ‫ال ّ‬ ‫صليبية بدول أوروبا‪ 11‬والحت بوادر تهديد الفرس مما و ّجه عناية "القسطنيطنيّة" نحو ال ّشرق‪،‬‬ ‫كما وعد "فرنسوا األ ّول" ملك فرنسا الذي تخلّى عنه حلفائه بالحياد فيما إذا هجم "شارل الخامس"‬ ‫على البرابرة ولع ّل الّنّداءات واإللحاحات المتواصلة لل ّسلطان المخلوع موالي "الحسن الحفصي"‬ ‫‪1‬‬

‫‪- Prosper Gachard (L.) ; De Vandenesse(J), Collection des voyages des souverains des Pays-Bas T. II,‬‬ ‫‪Itinéraire de Charles-Quint de 1506 a 1531. Journal des voyages de Charles-Quint, de 1514 à 1551,‬‬ ‫‪Bruxelles : Commission Royale d'Histoire, 1874.p100.‬‬ ‫‪ -2‬برنشفيك(روبار)‪ ،‬تاريخ إفريقية في العهد الحفصي‪ ،‬تعريب حمادي الساحلي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص ‪.16‬‬ ‫‪ -3‬رايمون (ريمون)‪ ،‬المدن العربية الكبرى في العصر العثماني‪ ،‬ترجمة‪ :‬لطيف فرج‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفكر‬ ‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪ ،1991‬ص ‪.21‬‬ ‫‪4‬‬ ‫« ‪- Elie (D.L.P), Documents inédits sur l'histoire de l'occupation Espagnole en Afrique (1506-1574),‬‬ ‫‪Mémoire du Capitaine Ochoa D'ercella sur les affaires du Roi du Tunis 1533 », R.A, t19, Alger,1875.‬‬ ‫قائد إسباني‪ ،‬كان سجينا في تونس‪ ،‬أطلق الحسن الحفصي سراحه سنة ‪1533‬م‪.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-De la Praimaudaie, Documents..., op. cit, «Mémoire de Luis Prèsenda, Envoyé en Mission A Tunis,‬‬ ‫‪Madrid, 7 Novembre 1534» , R.A,t19, 1875, pp338-340.‬‬ ‫‪ - 6‬عباد(صالح)‪ ،‬الجزائر خالل العهد التركي (‪ ،)1514-1830‬دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر ‪ ،2005‬ص ‪.62‬‬ ‫‪- -7‬يوهان إيك (‪1486-1543‬م) الهوتي ألماني‪ ،‬من أنصار الكنيسة الكاثوليكية إبان عصر اإلصالح البروتستانتي يعتبر الخصم ال ّرئيسي‬ ‫لمارتن لوثر وحركته اإلصالحية‪ ،‬وقد هاجمها في مقاالت عديدة‪ ،‬من أعماله ترجم التوراة إلى األلمانية ونشر عدة كتابات حول المواعظ‬ ‫وتاريخ المسيحية‪.‬‬ ‫‪ -8‬نشرية حول انتصار اإلمبراطور شارل الخامس في حملة تونس‪1535‬م للراهب األلماني يوهان إيك متوفر بالمكتبة البافاريةتحت رقم‪:‬‬ ‫‪ Hom. 489 4‬بعنوان ‪:‬‬ ‫‪Johannes Eck, Vmb den grossen sig KaiserlicherMaiestat, in Thunisverlihen Got, zudancken,‬‬ ‫‪zwupredig.... vilmeerfart wider die vnglaubigengethonhaben, Augsbourg, 1536, p17.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪- Duchhardt (H.), «DasTunisunternehmenKarls V. 1535,Mitteilungen des ÖsterreichischenStaatsarchivs,‬‬ ‫‪37, 1984, pp. 35-72.‬‬ ‫‪-10‬أرشيف الدولة النمساوية‪( ،‬وثائق العائلة الهابسبورغية)‪ ،‬مراسلة من ماريا النمساوية إلى فرديناند بتاريخ ‪ 12‬أفريل ‪ 1535‬ببروكسل‬ ‫تحت رقم‪Brüssel, AGR, Audience 95, / HHStA, Bel. PA 23/5, Konz.:‬‬ ‫‪-MEDINA (G.), «L'expédition de Charles-Quint à Tunis, la légende et la vérité», Rev. Tun. 13, 1906, p.‬‬ ‫‪186.‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪5‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫وخا ّ‬ ‫صة ال ّرغبة في عزل "الجزائر" عن إمدادات ال ّدولة العثمانيّة هما اللذان دفعاه إلى الهجوم على‬ ‫‪1‬‬ ‫عاصمة الحف ّ‬ ‫صيين‪.‬‬ ‫أ‪ -‬االستعدادات للحملة العسكرية‪:‬‬ ‫كانت التّحضيرات األولى بالنّسبة إلى اإلمبراطور" شارل الخامس" هي تحضيرات ما ّدية‬ ‫باألساس بدأت بع ّدة لقاءات مع المصرفي األلماني "أنطوان فوغر" " ‪ 2"Fugger‬من‬ ‫مدينة"أوغسبورغ" األلمانيّة الذي تعهّد له بتمويل كامل نفقات الحملة العسكريّة من أجور المرتزقة‬ ‫والكتائب المرافقة له من ألمانيا‪ ،‬إلى باقي الكتائب المسيحيّة اإلسبانيّة واإليطاليّة‪ ،‬وباقي المستحقّات‬ ‫األخرى من السّفن واألسلحة والمتطلّبات الحياتيّة للرّحلة‪،‬وتعود هذه العالقة في األصل منذ سنوات‬ ‫حيث قرّر" جاكوب فوغر"‪ 3‬األب مساندة "شارل الخامس" باألموال الالزمة ‪ 851.918‬ألف‬ ‫فلوريان‪،4‬لرشوة سبعة من األمراء المنتخبين لينصّبوه إمبراطورا على اإلمبراطوريّة الرومانية‬ ‫المق ّدسة في سنة ‪1519‬م مقابل أنّه أنعم عليهم بالنّبالة ومنحهم حقوقا سياديّة على أراضيهم بما فيه‬ ‫ك عملتهم الخاصّة والنّجاح في الحصول على ح ّ‬ ‫ص ّ‬ ‫ق بيع صكوك الغفران البابوية مما ضاعف‬ ‫ثروته‪.‬‬ ‫شرع اإلمبراطور "شارل الخامس" في إعداد حملة صليبيّة فأعطى أوامر سرّية بتحضير‬ ‫سفنه الموجودة في موانئ "إسبانيا" و"صقلّية" و"جنوة" و"نابولي"‪ ،‬باإلضافة إلى سفن لنقل‬ ‫المؤونة والغذاء وأمر بأن تشترى األقوات ّ‬ ‫والذخائر وغيرها‪،‬من لوازم الحرب كما كتب إلى "الدون‬ ‫يان" ملك إسبانيا "بأن يبعث إليه غليونه (سفينة حربيّة كبيرة الحجم) وكذا عددا من قطع أسطوله‬ ‫الحربي" وحسب رسالة موجّهة من أسقف"دي الفور" إلى "فرنسوا األ ّول" بتاريخ ‪ 18‬جوان‬ ‫‪1535‬م ورد فيها ّ‬ ‫أن السيّد "فيرون غونزاغ""‪5"Ferrand Gonzague‬حصل على تفويض‬ ‫‪6‬‬ ‫اإلمبراطور لتجميع عدد كبير من الخيول يقارب عددها ‪ 177‬ووضعها في حالة االستعداد ‪ .‬كما أنّه‬ ‫لم يبق في "نابولي" سفينة واحدة والرجال وال خيول‪.7‬كانت الحملة التي قادها" شارل لكان" مك ّونة‬ ‫من ع ّدة كتائب أبرزها الكتائب اإلسبانيّة ومن اإليطاليّين واأللمانيّين والبرتغاليّين أيضا ‪ ،8‬وتض ّم‬ ‫قرابة أربعمائة سفينة من مختلف األنواع واألحجام بما في ذلك سفينة على متنها ستّة وعشرون ألف‬ ‫جندي من جنود المشاة وقرابة ألفي فارس ‪،9‬كما كان على رأس تلك الق ّوات "دوق ألبا"و"مركيز‬ ‫دي غواست" وأمير"ساليرنو"و"مركيز دي مونديجار" وغيرهم من أبناء العائالت اإلسبانيّة‬ ‫‪- Carjaval (M.), L’Afrique de Marmol, trad. Nicolas Perrot d’Ablancourt, 3 vol., Thomas Jolly, Paris,‬‬ ‫‪1667, réed. Livre VI, Histoire des derniers rois de Tunis, Carthaginoiseries, Tunis, 2007.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪- Geffcken (P.), «Fugger GeschichteeinerFamilie: Die HandelsherrenmitdemDreizack », in: DAMALS 7/‬‬ ‫‪2004, p.5.‬‬ ‫‪-3‬جاكوب فوغر "‪( "Jacob Fugger‬ولد في ‪ 6‬مارس ‪ 1459‬وتوفي في ‪ 30‬ديسمبر ‪ ,)1525‬ويعرف أحيانا ً باسم جاكوب فوغر الثري‪,‬‬ ‫كان مصرفيا ً ألمانيا ً وعضو أسرة آل فوغر احتكر ميدان الزعامة والرأسمالية في التجارة والسيطرة المحكمة على األسياد ومالكي‬ ‫األراضي اإلقطاعية‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪- Häberlein (M.), The Fuggers of Augsburg: pursuing wealth and honor in Renaissance Germany,‬‬ ‫‪University of Virginia Press, 2012, p. 60.‬‬ ‫‪ -5‬فيرون غونزاغ (‪ :)FerrandGonzague‬ولد سنة ‪ 1507‬بقاستاال(‪ ،)Guastalla‬ينحدر من عائلة ملكية‬ ‫بإيطاليا‪ ،‬شارك في عدة معارك ضد الدولة العثمانية متحالفا مع هولندا وهنغاريا‪ ،‬شغل عدة مناصب منها نائب‬ ‫للملك بجزيرة صقلية‪ ،‬ثم حاكما لمدينة ميالن اإليطالية سنة ‪ ،1547‬توفي ببروكسل سنة ‪.1557‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-René (Q.), « La Proveeduría des Armadas : de l'expédition de Tunis (1535) à celle d'Alger (1541) », In:‬‬ ‫‪Mélanges de laCasa de Velázquez, Tome 14, 1978, p. 229.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪- Charrière (E.), La négociation de la France dans le Levant , Extrait de correspondance de Rome et de‬‬ ‫‪Venise, 4T, Paris, (1848-1860), t1, p. 268.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪-PIGNON (J.), «La participation portugaise à l'expédition de Charles Quint contre la Goulette et Tunis‬‬ ‫‪(1535) », Rev. Tun. 41,1940, p. 308-317.‬‬ ‫‪ -9‬كربخال (مارمول)‪ ،‬إفريقيا‪ ،‬تع‪ .‬محمد حجي وآخرون‪ 3 ،‬ج‪ ،‬دار النشر للمعرفة‪ ،‬الرباط‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.34‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪6‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫واإليطاليّة واأللمانيّة النّبيلة‪ .‬أ ّما القيادة العا ّمة فكانت ال ّشأن الخاصّ لإلمبراطور"شاراللخامس"‬ ‫الذي كان بمعي ّته مستشاره ونائبه الخاصّ "أنطوان بيرنوقرانفيل" "‪Antoin Perrenot de 1‬‬ ‫‪ "Granvelle‬ينظّم ويحرّك األسطول‪ 2‬المتك ّون من ع ّدة فرق عسكريّة نذكرها كاآلتي حسب وثائق‬ ‫"النّشريات اإلمبراطوريّة" التي كانت تطبع في المطابع الخاصّة بك ّل من مدينة‬ ‫"أوغسبورغونورنبرغ"؛ ففي نشريّة بتاريخ ‪ 25‬أفريل ‪1535‬م‪ 3‬ونشريّة ‪ 26‬جوان ‪1535‬م‪ 4‬حيث‬ ‫يق ّدم لنا النّاشر المدع ّو" يوهانبيتريوس""‪5"Johann Petreius‬إحصائيّة لما وصلته من معلومات‬ ‫حول القادة العسكريّين والمشاركين في حملة تونس ‪1535‬م وهي كاآلتي ‪:‬‬ ‫ فرق سفن "إسبانيا" و"جنوة"و"الفالندر" البلجيكيّة المتك ّونة من أربعة وخمسون قادسا شراعيا‬‫‪6‬‬ ‫وسبعين سفينة كبيرة وأربعة وعشرين مركبا جميعها تحت إمرة "أندري دوريا"‪.‬‬ ‫ فرق سفن "البرتغال" وتتك ّون من سبع وعشرين سفينة تحت إمرة "أنطونيو سالندا"‪.‬‬‫ فرق سفن "إيطاليا" و"مالطا" والمتك ّونة من ستّة وثالثين قادسا شراعيا وثمان وعشرين سفينة‬‫كبيرة تحت إمرة "ألفارو دو بازان"‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫كما يشارك الجيش البرّي ألسطول "شارل الخامس" بع ّدة فرق من المشاة نذكرها‬ ‫كاآلتي‪ :‬الق ّوات اإلسبانيّة وهي الق ّوات القديمة التي خاضت الحرب ض ّد"إيطاليا" والمتك ّونة من‬ ‫أربعة آالف رجل تحت قيادة الجنرال "المركيز دي جوازت"ترافقها الق ّوات المجنّدة الجديدة بثمانيّة‬ ‫آالف رجل تحت قيادة"دوقألبا"‪ ،‬أ ّما الق ّوات اإليطاليّة فتض ّم ألفي رجل تحت قيادة‬ ‫"لويس"البرتغالي‪ .‬وبالنّسبة إلى الق ّوات األلمانيّة فهي تتك ّون من ‪7‬آالف رجل‪ 8‬تحت قيادة القائد‬ ‫"ماركس" المعروف بـ "مكسيمليان ابيرستيان " "‪ 9" Maxmililien van Eberstein‬والقائد "جورج‬ ‫شيلينغ فون كانستات "‪ " Georg Schilling von Cannstatt10‬و "بيتر أرنست فون مانسفيلد "‬ ‫‪- Rousseau (A.) , Annales Tunisiennes ou aperçu historique sur la régence de Tunis, : (Extrait des‬‬ ‫‪Papiers d’État du cardinal Granvelle), Alger, 1864, pp. 408-414.‬‬ ‫‪ - 2‬نيقوالي (إيفانوف(‪ ،‬الفتح العثماني لألقطار العربية (‪ ،)1516-1574‬تعريب يوسف عطا‪ ،‬دار الفرابي‪ ،‬بيروت ‪ ،2004‬ص ‪-230‬‬ ‫‪.231‬‬ ‫‪ -3‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافارية‪ ،‬تحت رقم ‪Turc 82.4. o : Res.4 /‬بعنوان ‪:‬‬ ‫‪PetreiusJohann, AuszugettlicherMeylendischen und GenuesischenfrischerSchreiben, der‬‬ ‫‪KaiserLichenvndChristlichenArmata .... Kriegßrüstung in Affricabetreffend, Nürnberg 1535.‬‬ ‫‪-4‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بمكتبة الدولة لتراث البروسي ببرلين تحت رقم ‪N 933‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪UlhartPhilipp, NewezeyttungvonKaiserlicherMaiestatKriegsrüstungwider den Barbarossa gegen der‬‬ ‫‪StattThunis in Affrica z[ů]schickenAußNeapolisvndandernortengeschriben, Augsburg ,1535./‬‬ ‫نسخة أخرى متوفّرة بالمكتبة الوطنية النمساوية تحت رقم ‪+Z164752208‬‬ ‫‪ -5‬ولد سنة ‪1497‬م وتوفي في ‪ 18‬مارس ‪1550‬م عامل في الطباعة بمدينة نورنبرغ األلمانية مختص في طبع‬ ‫األعمال الرياضية والفلكية والسياسية واعتمد عليه في طباعة النشريات الخاصة لحملة تونس ‪1535‬م لكبار‬ ‫النبالء ورجال السياسة‪.‬‬ ‫‪ -6‬ولد بجنوة سنة ‪1468‬م وتوفي سنة ‪ ،.1560‬انضم في صفوف الفرسان القديس يوحنا‪ ،‬ثم دخل الحقا في‬ ‫خ دمة فرنسوا األول‪ ،‬حيث جهز ثماني بوارج بوسائله الخاصة لمهاجمة السفن العثمانية‪ ،‬وبعد معركة بافيا‬ ‫‪1525‬م‪ ،‬تخلى عنه ودخل في خدمة شارل الخامس سنة ‪1528‬م ‪.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪- Bégouën (C.M.), Notes et documents pour servir à une bibliographie de l'histoire de la Tunisie:‬‬ ‫‪(sièges de Tunis 1535 et de Mahédia 1550), 1901, pp. 67-68.‬‬ ‫‪ -8‬نشرية حملة تونس ‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافارية تحت رقم ‪Turc 82.19: Res.4 /‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪NeweZeyttung (NeueZeitung) von KaiserlicherMaiestatKriegsrüstung wider den Barbarossa, gegen der‬‬ ‫‪StattThunis in Affrica zuschicken, außNeapolisvndandernortengeschriben, 1535.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪- Hantzsch (V.), DeutscheReisende des sechzehntenJahrhunderts ,Leipzig ,1895, p. 66 /. Die‬‬ ‫‪VadianischeBriefsammlung St. Gallen Band V., I: Hälfte 1531-1535, St. Gallen, 1903, pp. 279-280.‬‬ ‫مراسالت بين نيكالوسجولدي وعمدة سانت غالن السويسرية حول حملة تونس ‪.1535‬‬ ‫‪ -10‬جورج شيلينغكانستات (ولد سنة ‪1490‬م بمنطقة ننويفن "‪ "Neuffen‬من مقاطعة بادن‪ -‬فورتمبيرغاأللمانية‪ ،‬وتوفي في ‪ 2‬فيفري‬ ‫‪1554‬م ببلدة بهايترسهايم "‪ " Heitersheim‬كان فارسا ألمانيا وقائدا في الجيش اإلمبراطوري لشارل الخامس شارك في الحملة على‬ ‫مدينة تونس وعين الحقا في مدينة طرابلس على الكتيبة اإلسبانية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪7‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫‪ 1" Peter Ernst von Mansfeld‬والذي خلّد لنا نقيشة تذكارية في مدخل قصره بمنطقة "كلوسن "‬ ‫‪ " Clausen‬اللوكسمبورغيّة وفيها ما يلي‪:‬‬ ‫‪«Petrvs Ernestvs comes in Mansfeld (...) regiiexercitvs Marischalcvs (...) Post‬‬ ‫‪Annos LVI (...) Cvmiaminde a Bello Africaead Tvnetvm, Qvo Primvm militarat‬‬ ‫‪omnibvs Pene in Postervm Expeditionibvs, Conflictibvs, and Vrbivm Expvgnationibvs‬‬ ‫‪Interfvisset (...) ».2‬‬

‫وبمشاركة أيضا للنّبيل النّمساوي "فرانزفونتيوفنباخ" ‪"Franz von Teuffenbach‬‬ ‫وتعرف هذه الق ّوات تحت اسم فرق " الندسكنيشت" "‪( "Landsknechte‬المرتزقة الذين ال‬ ‫ينطبق عليهم ما ينطبق على البشر) وينتمي هؤالء المرتزقة عبر التّاريخ إلى المه ّمشين من البشر‬ ‫سواء كانوا فقراء معدمين أو لقطاء أو محاربين نظاميّين مسرّحين من الخدمة العسكريّة حيث‬ ‫تسيطر عليهم روح االنتهازيّة واألنانيّة المفرطة والتعطّش ال ّدائم إلى ال ّدم‪ ،‬كما يفتقدون إلى معاني‬ ‫الفروسيّة ويفتقرون إلى االلتزام بما توجبه من سلوك أثناء الحرب‪ ،‬ووالؤهم لمن يدفع أكثر‪ ،‬وه ّمهم‬ ‫األساسي هو إرضاء من يؤجّرهم‪ ،‬ولذا فإنّهم يميلون بطبعهم إلى الخيانة‪،‬ويقف المف ّكر السيّاسي‬ ‫اإليطالي "نيكوال ماكيافيلي"‪ 3‬أيضا ً موقفا ً سلبيا ً من المرتزقة مشابهاً‪ ،‬ويقدح في دورهم ومسارهم‬ ‫فهم ال يحفظون العهود والمواثيق وال يخشون هللا وال يرعون ّ‬ ‫الذمم مع غيرهم‪ ،‬وبينهم من يمت ّد‬ ‫طموحه إلى أبعد من ال ّدور الذي رسم له وجيء به من أجله وأغلبهم جبناء أمام العد ّو وإن تظاهروا‬ ‫بال ّشجاعة أمام من يدفع لهم‪ .4‬امت ّد االرتزاق أيضا ً إلى ك ّل من "هولندا" و"ألمانيا" و"إنقلترا" نفسها‬ ‫ليصبح المرتزقة عالمة مميّزة في ك ّل الحروب األهليّة واإلقليميّة‪ .‬فكلمة "الندسكنيشت " تعرف‬ ‫باأللمانيّة بإسم"‪ "Landsknechte‬أ ّ‬ ‫ي جنود المشاة وهم مرتزقة أوروبيّون جلّهم من األلمان برزوا‬ ‫‪5‬‬ ‫بين نهايتي القرنين الخامس عشر والسّادس عشر وحقّقواشهرة عالميّة كمرتزقة لدى دول‬ ‫أوروبا‪.‬عملوا في العديد من الجيوش األوروبّية واكتسبوا سمعة عالية في القتال وخاصّة لكثرة‬ ‫وحشيّتهم وقد بدأ مفهوم"الندسكنيشت" في الظّهور سنة ‪1480‬م‪ 6‬فكلمة" ‪ "Knecht‬تعني الخادم‬ ‫التّابع للسيّد أو باألرجح "لصاحب ال ّسيادة األرض أو الوطن"‪.‬‬

‫‪ -1‬ولد ببلدة مانسفيلد األلمانية التابعة لمقاطعة ساكسونيا أنهالت في ‪ 20‬جويلية ‪1517‬م وتوفي في ‪ 22‬ماي ‪1604‬م بمدينة لوكسمبورغ وهو‬ ‫قائد في الجيش تابع لإلمبراطورية الرومانية المقدسة والمساعد لدون جوان النمساوي والحاكم لمقاطعة هولندا اإلسبانية ويعتبر من أهم‬ ‫القادة المشاركين في حملة ‪1535‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-Archives Nationales, Luxembourg, A-IV-65/1, fol. 2r-v (voir vol. I, 1.4., p. 40-43). Joseph (M.) : La‬‬ ‫‪vie martiale et fastueuse de Pierre-Ernest de Mansfeld 1517-1604, 2 tomes, Paris 1930, en particulier‬‬ ‫‪tome II, p. 173-174 ;aussivoirUn prince de la Renaissance Pierre-Ernest de Mansfeld (1517- 1604) 2007‬‬ ‫‪p. 77.‬‬ ‫‪ -3‬ماكيافي ّل (نيكوال دي برناردو دي)‪ 3( "Niccolò di Bernardo dei Machiavelli" :‬ماي ‪ 21-1469‬جويلية ‪1527‬م) ولد وتوفي‬ ‫في فلورنسا‪ ،‬كان مفكرا وفيلسوفا سياسيا إيطاليا إبان عصر النهضة‪ .‬أصبح الشخصية الرئيسية والمؤسس للتنظير السياسي الواقعي‪ ،‬والذي‬ ‫أصبحت فيما بعد عصب دراسات علم السياسة‪ .‬أشهر كتبه على اإلطالق‪ ،‬كتاب األمير‪ ،‬والذي كان عمالً هدف مكيافيلي منه أن يكتب‬ ‫تعليمات للحكام‪ ،‬نُش َر الكتاب بعد موته‪ ،‬وأيد فيه فكرة أن ما هو مفيد فهو ضروري‪ ،‬والتي كان عبارة عن صورة مبكرة للنفعية والواقعية‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪- Machiave (N.),Le Prince, trad. V. Périès, postface de Joël Gayraud, Mille et une nuits, Paris, 2003, p.‬‬ ‫‪104.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪- Bourre (J.P.), Les Lansquenets : un combat pour l'Empire, éd. Dualpha, 1999, p. 12.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-Hamish (M.), Scott, the Oxford Handbook of Early Modern European History, 1350-1750, Volume 2‬‬ ‫‪Oxford University Press, 2015, p. 563.‬‬ ‫‪8‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫نقيشة تذكارية أنجزت للمحارب "‬ ‫فرانزفونتيوفنباخ " زوج النّبيلة‬ ‫"بياتريكس شورت كندبرغ" تقديرا‬ ‫لمجهوداته في المشاركة لحملة تونس‬ ‫‪1535‬م رفقة اإلمبراطور "شارل‬ ‫الخامس" كما هو مبيّن بالقالدة‬ ‫المنقوشة "‪ "Barbaria‬والتب ّرع‬ ‫"ساويربرون‬ ‫بقلعة‬ ‫بمستشفى‬ ‫" ‪ " Sauerbrun‬بمنطقة "يودنبورغ"‪.‬‬ ‫يوانيوم‬ ‫المصدر‪ :‬متحف‬ ‫الثقافي" ‪Universal museum‬‬ ‫‪ - "Joanneum‬النّمسا‪.‬‬

‫بدأ هذا المصطلح يتغيّر ليرتبط بال ّسالح "‪ " Lanze‬أي ال ّرمح ويطلق على المحارب اسم‬ ‫"‪"Lanzknecht‬أ ّما مصطلح " ‪ " Landsknecht‬والمتواجد بكثافة في اللّغة األلمانيّة الحديثة فهويد ّل‬ ‫على معنى المرتزق أي (‪ )Söldner‬والتي عرفت أوج ق ّوتها في عهد اإلمبراطور "ماكسيمليان‬ ‫األ ّول" (‪1519 -1459‬م) الذي قام بتنظيمها رفقة "القائد جورج" ‪« George Von‬‬ ‫» ‪1528 -1473(Frundsber‬م)‪ 1‬فكانت تجمع ما بين ‪ 4000‬و‪ 10000‬آالف مرتزق‪ ،‬وقد ت ّم‬ ‫انتدابهم من المجال النّاطق بالّلغة األلمانيّة "‪ "germanophones‬خا ّ‬ ‫صة ومناطق من أوروبا الوسطى‬ ‫وأخرى من شمال "نهر ال ّراين" ومنطقة "األلزاس"‪ ،‬كما ت ّم إلحاق العديد من المتط ّوعين من منطقة‬ ‫"ستوكالندا"‪ ،‬فكانوا في بادئ األمر يتقاضون مرتّبا يقدر بـ ‪ 4‬فلوريان في ال ّشهر‪ ،‬وهو يمثّل دخال‬ ‫مغريا وها ّما بالنّسبة إلى تلك الفترة لجمع من المرتزقة والمه ّمشين منهم‪ ،‬إضافة لما يوفّره هذا‬ ‫العمل من فرص للنّهب واالستحواذ بالق ّوة والتّرفيه عن النّفس في إطار ق ّوة الجماعة المحاربة "‬ ‫فالك ّل للواحد"‪.‬وبلغت فرقة المرتزقة ذروتها العسكريّة خا ّ‬ ‫صة مع "شارل الخامس" حيث لعبت‬ ‫دورا كبيرا في أغلب انتصاراته ولكن بدأت تشهد انخفاضا في كفاءتها القتاليّة وتع ّرضت النتقاد‬ ‫شديد من قبل مسؤولي البالط األلماني لتزايد عدم انضباطهم وخا ّ‬ ‫صة أثناء ت ّمردهم سنة ‪1527‬م‬ ‫على اإلمبراطور م ّما أ ّدى لمهاجمة ونهب مدينة روما لم ّدة ‪ 9‬أشهر ‪.2‬‬ ‫أ ّما فيما يخصّ التّكتيك الحربي لهؤالء المرتزقة فقد كانوا في بادئ األمر يش ّكلون وحدة‬ ‫حربيّة تعرف باسم"الندسكنيشت" تابعة لـ "مكسيمليان األ ّول" وبها ‪ 300‬مرتزق من محترفي‬ ‫ال ّرماح الطّويلة بين ‪ 05‬و‪ 06‬أمتار و‪ 100‬محارب من حاملي ال ّسيوف الكبيرة و‪ 50‬محاربا من‬ ‫حاملي "القربينة" " ‪ .3"Arquebus‬وأخيرا ‪ 50‬محاربا من حاملي الفّؤوس الطّويلة الحجم أو ما‬ ‫تعرف بـ "المطرد"‪ .‬اتّخذ أصحاب "القربينة" العمود األساس لفرقة "الندسكنيشت"حيث يحصل‬ ‫‪1‬‬

‫‪- Cristini (L.S.), the landsknechts: German militiamen from late XV and XVI century, Soldiers weapons,‬‬ ‫‪2016, p. 3.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-Ibid., p. 19.‬‬ ‫(‪ )3‬القربينة هي سالح ناري مبتكر يـُعبّأ من الفوهة استخدم بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر وتتميـز بأن لها فتيال‬ ‫كخليفتها المسكيت )‪ (Musket‬وهو سالح ناري أملس الماسورة‪ ،‬إال أنها أخف وأسهل في الحمل ويتراوح عيارها بين ‪18-15‬مم‪ ،‬أما‬ ‫الكاليفر فهي نسخة محسنة من القربينة أنتجت أوائل القرن السادس عشر ويمكن أن تعتبر أ ّول سالح ناري يمكن حمله على نحو مماثل‬ ‫للبنادق الحالية معطيا ً بعض الدقّة في التّسديد‪.‬‬ ‫‪9‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫المحاربون العاديّون على قيمة ‪ 4‬فلوريان في ال ّشهر بينما الضبّاط والنّقباء يحصلون على أموال‬ ‫مضاعفة تصل إلى حدود ‪ 20‬فلوريان‪.‬‬ ‫أ ّما في ترتيب المرتزقة فلهم نظام في ذلك حيث تتك ّون الفرقة من الجنرال‬ ‫يدعى"‪"Colonel Oberste‬والذي يقع انتدابه من قبل اإلمبراطور ويساعده في مه ّمته "‪"Fähnleins‬‬ ‫و"‪،"Hauptmann‬وقد ساهمت هذه الفرقة منذ إعطائها األوامر بالقدوم إلى تونس في حملة‬ ‫اإلمبراطور "شارل الخامس"‪ 1‬لتسهيل دخول بقيّة الق ّوات العسكريّة نحو "حلق الوادي" وباألخصّ‬ ‫الحاضرة تونس ولنا أن نذكر على سبيل هذه المشاركة مثاال للمحارب المرتزق "نيكالوسغولدي"‬ ‫" ‪ ،2"Niklaus Guldi‬الذي د ّون لنا أغلب التّحضيرات والتّجهيزات التي قام بها "شارل" نحو‬ ‫تونس فصاحبنا هذا من أصول سويسريّة وبالتّحديد من مدينة "سانت غالن" التّابعة لمجال‬ ‫اإلمبراطوريّة ال ّرومانية المق ّدسة وهو حفيد "هانس غولدي" ت ّم نفيه من المدينة المذكورة ألسباب‬ ‫دينيّة لينخرط الحقا في سلك المحاربين بالكتيبة األلمانيّة "الندسكنيشت"‪ 3‬بعد إمضاء عقد اتّفاق‬ ‫للقتال بمقاطعة "بولسانو" أو ما تعرف بـ"جنوبتيرول" "‪ ،"Südtirol‬ليت ّم تحويله الحقا نحو ميناء‬ ‫"السبيتسيا" "‪ "La Spezia‬في الجزء ال ّشمالي الغربي من "إيطاليا"‪ ،‬ث ّم الحقا نحو"‬ ‫بيسكيراديلغاردا" "‪"Peschieradel Garda‬القريبة من مدينة "ليفورنا" متّجها نحو تونس رفقة ‪7‬‬ ‫آالف من زمالئه المرتزقة في ‪ 48‬سفينة ملتحقا ببقيّة األسطول‪ .‬حيث وصف لنا هذا الجند ّ‬ ‫ي‬ ‫المرتزق األوضاع السيّئة التي عاشها بين ال ّسفن من االكتظاظ واألوبئة والجوع أحيانا لقلّة المؤونة‬ ‫لجميع المحاربين كما كان شاهدا على صرامة العقوبات والقوانين‪ 4‬من قبل القادة المكلّفين بالحملة‬ ‫التي تصل بالقتل والتخلّص منهم عند تو ّغلهم بالقرب من قلعة "حلق الوادي"‪ ،‬كما ق ّدم لنا المحارب‬ ‫العديد من المعطيات والتّفاصيل الحربيّة حول الهجوم على مدينة "تونس" وتحرير المسيحيّين من‬ ‫سجون "خير ال ّدين بربروس" ونهب المدينة وإحراقها بك ّل بشاعة وبتحريض من قادتهم رغم‬ ‫األوامر القاسية إالّ أنّه انتقد بالش ّدة األفعال واعتبرها خطيئة كبيرة في مدينة أبهرته خصوبة‬ ‫أراضيها وجمالها فصاحبنا هذا ينتمي إلى " حركة األنابابتست " أو" تجديديّة العماد "‬ ‫(‪.5)Anabaptistae‬‬ ‫بداية ال ّرحلة الحربيّة على تونس ستكون يوم ‪ 30‬ماي ‪1535‬م‪ ،‬حيث ركب‬ ‫اإلمبراطور"شارل الخامس"البحر من "برشلونة"‪ 6‬على متن سفينة حربيّة ذات أربعة مجاديف‬ ‫اختيرت خ ّ‬ ‫صيصا له من قبل "أندريا دوريا" وكان يرافقه أخوه "اإلنفانثالدون لويس" الذي وصل‬ ‫ب ّرا ليشارك في هذه الحملة كما ركب معه عدد من ال ّسادة ونبالء القوم وعليتهم من اإلسبانيّين‬ ‫واأللمان ‪.7‬اجتمع شمل الجيش البحري في مرسى"ماون" في جزيرة "مينورقة" ثم أخذ طريقه‬ ‫نحو"سردينيا" أين التحق بركب األسطول "الماركيز دي جوازت" ومعه ثمان وعشرون سفينة نقل‬ ‫‪-Kays (V.S.V.), Majestat ... eroberung der Stadt Tunis – 1535, p. 2.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪- Briefsammlung (D.V.).Op.cit, pp. 279-296 :‬‬

‫‪2‬‬

‫مراسالت بين نيكالوسغولدي وعمدة سان غالن السويسرية‪.‬‬ ‫‪- Cuerva (G.), Ibarra (R.B.), Ángel(M.), de La conquista de Túnezpor los cronistasespañoles : Relato de‬‬ ‫‪la jornadadelemperador Carlos V a TúnezNiklausGuldin a Vadian 12 de enero 1536, El Consejo‬‬ ‫‪Superior de InvestigacionesCientíficas, 2017, p. 109.‬‬ ‫‪ -4‬مقال منشور بالموقع الرسمي ألرشيف سانت غالن السويسري بعنوان " نيكالوسغولدي " مرتزق سانت غالن‪:‬‬ ‫‪https://stadtarchiv.ch/inhalt/Niklaus_Guldi_Soeldner_Tagblatt_22.09.2015‬‬ ‫‪5‬هي حركة مسيحيّة إصالحية‪ ،‬ظهرت في أوروبا في القرن ال ّسادس عشر على شكل جماعات متف ّرقة في ألمانيا وهولندا وسويسرا في فترة‬ ‫متزامنة مع بداية اإلصالح البروتستانتي دعت هذه الحركة لعدم تعميد األطفال ألنّهم عاجزين عن االلتزام ال ّديني أو على اإليمان بحرّ ية‪،‬‬ ‫وطالبت بنفس الوقت بتجديد معموديّة البالغين ّ‬ ‫سن ال ّرشد‪ ،‬لذلك كان نيكالوسغولدي يعتمد في أفكاره على ال ّروح ال ّدينيّة المسيحيّة في كتابة‬ ‫مراسالته لعمدة سان غالن السويسريّة والتي تق ّدم لنا وجهة نظر أخرى حول حملة ‪1535‬م على تونس حملة ال ّشقاء والموت والخطيئ؛‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪Fath (S.), "Anabaptisme, le soulèvement des convertis", Revue SCIENCES HUMAINES, n°280, avril‬‬ ‫‪2016, pp. 40-43.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪- Gachard (L.P.) , Journal des voyages de Charles Quint .op .Cit. pp 323-324.‬‬ ‫‪ -7‬مارمول‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.34‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪10‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫وستّة وثالثون من الغاليرات الملكية‪ ،‬فأختار اإلمبراطور "شارل" مدينة "كاغلياري"‪ 1‬الواقعة‬ ‫جنوب جزيرة "سردينيا" لوضع االستعدادات النّهائيّة حيث استق ّر بها يومين‪ .‬وفي ‪ 14‬جوان‬ ‫‪1535‬م على ال ّساعة التّاسعة صباحا واصل األسطول تق ّدمه نحو ال ّسواحل التّونسيّة‪ 2‬وكما ورد عن‬ ‫"شارل لكان"فيما يلي‪" :‬إنّنا غادرنا سائلين خالقنا العون واإللهام‪..‬وأن نقوم بإذن هللا ومساعدته ما‬ ‫يبدو لنا أكثر فعاليّة وفضال ض ّد بربروس "‪.3‬ومع ما راج من األخبار عن التّجهيزات المسيحيّة التي‬ ‫أع ّدها "شارل الخامس"‪( 4‬انظر الملحق عدد‪ )1‬والتي وصلت إلى مسامع العد ّو المذكور فقد قام هذا‬ ‫األخير باستقدام فرقة من "الجزائر" واستدعى إلى "تونس" ك ّل الب ّحارة المسلمين العاملين في البحر‬ ‫المتو ّسط إلى جانب دعوة القبائل العربيّة إلى الجهاد كما طلب ال ّدعم من دار الخالفة التي كانت‬ ‫ق ّواتها في حالة حرب في آسيا الوسطى؛ فقام بتسليح برج الوادي الذي بني عند مدخل "قناة حلق‬ ‫أن بعض المصادر المحلّية تجزم ّ‬ ‫الوادي" ال ّرابطة بين البحر والبحيرة‪ ،‬غير ّ‬ ‫بأن"خير ال ّدين" لم‬ ‫يتّخذ إجراءات وقائيّة حتّى علم بقدوم الحملة فقد أورد "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" ما يلي‪»:‬ول ّما بلغ خبر‬ ‫‪5‬‬ ‫ذلك إلى خير ال ّدين بالحاضرة احتقر عد ّوه وأضاع الحزم اعتمادا على عل ّو كعبه وشيوع صيته« ‪.‬‬ ‫كما أصدر "خير ال ّدين" أمرا بتصفيّة قرابة ‪ 12‬ألف أسيرا كانوا موجودين في العاصمة لش ّكه في‬ ‫إخالصهم‪ ،‬لكنّه بعد ذلك تراجع وأبقاهم على قيد الحياة مكبّلين باألصفاد في زنزانات البالد وأخرى‬ ‫خا ّ‬ ‫صة‪ 6‬ونذكر بالخصوص منهم صاحبنا األسير األلماني "بالتشرشتيمر" الذي كان موجودا في‬ ‫‪7‬‬ ‫هذه األثناء بتونس ‪.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫ب ‪ -‬حملة حلق الوادي (االفتكاك)‪:‬‬ ‫مثلّت "قرطاج " أ ّول مكان ينزل فيها اإلمبراطور مرفوقا بعدد ها ّم من النّبالء والفرق األولى‬ ‫للمشاة واألتباع بمختلف مها ّمهم ورتبهم‪ 9‬وعسكروا قرب قلعة قديمة تس ّمى " قلعة الملح"‬ ‫بمكان"برج العيون" حسب "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪ ،‬وهو نفس المكان الذي نزل فيه سابقا "الق ّديس‬ ‫لويس" خالل الحروب الصليبيّة ‪10.‬حيث فرض"شارل الخامس" حصارا كبيرا على قلعة حلق‬ ‫الوادي رغم المضايقات والهجمات باللّيل والنّهار التي نظّمها "سنان باشا"و"خير ال ّدين"‪11‬وأمام‬ ‫تزايد هجماتهم فقد كانوا يتراجعون تحت ضغط نيران ال ّسفن اإلسبانيّة وكان في صدارة المعركة‬ ‫حسب ما أورده "مارمول"قدماء عساكر اإلسبان وكانت ورائهم الكتائب األلمانيّة من جهة‬ ‫المستنقع‪.12‬أ ّما الفيلق اإليطالي فقد تكبّد ع ّدة خسائر بعد محاوالت من طرف المسلمين استرجاع‬ ‫بعض المواقع في ليلة عيد "سان جون" يوم ‪ 23‬جوان وقد لقي قائدها" دي سارنو""‪"De Sarno‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪- Géraud (P.), « Le voyage de Tunis et d'Italie de Charles Quint ou l'exploitation politique du mythe de‬‬ ‫‪la croisade (1535-1536) », Bibliothèque d'humanisme et Renaissance, LXVII, 2, 2005, pp. 247-285.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪- Gachard (L.P.), Journal des voyages de Charles Quint, Op. Cit. pp. 330.‬‬ ‫‪ -3‬باتيست (وولف جون)‪ ،‬الجزائر وأوروبا (‪ ،)1830 – 1500‬تعريب‪ .‬أبو القاسم سعد هللا‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر ‪،1986‬‬ ‫ص ‪.47‬‬ ‫‪ -4‬نشرية حملة تونس ‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافارية‪ .‬تحت رقم ‪ Turc 82.14 b :‬بعنوان ‪:‬‬ ‫‪Christoph (S.), Römischer Keyserlicher.Sardinien, Ankunfft in Africa, des Ports zu, Nürnberg, 1535/ :‬‬ ‫نسخة أخرى متوفرة بالمكتبة الوطنية النمساويةتحت رقم (‪.)+Z157295003‬‬ ‫‪ -5‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.13‬‬ ‫‪-6‬إيفانوف‪ ،‬م‪.‬ن‪ ،‬ص ‪.231‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-Fendri (M.) Un Allemand à Tunis.Op. Cit. p. 127.‬‬ ‫‪-8‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافارية تحت رقم ‪ Res / 4 Turc 82.17:‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪WarhafftigeNewezeitung des KayserlichenSigs, zuGalettavndThunisgeschehen... Don Fernando de‬‬ ‫‪Gonzaga, HertzogzuArriano [et] c. Des HertzogenzuMantuabruder, seinembruderzugeschriben,‬‬ ‫‪Augsburg, 1535.‬‬ ‫‪ - 9‬نشرية حملة تونس ‪1535‬م متوفر بمكتبة الدولة للتراث البروسي ببرلين تحت رقم ‪( ZV 29011‬انظر ملحق عدد ‪ )2‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪-Scheurl, Christoph,NEwezeitung/ von der RomischenKaiserlichenMaiestat etc. Zug und eroberung des‬‬ ‫‪KunigreichsThunisanders Cartago (Karthago),1535.‬‬ ‫‪-10‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.14 -13‬‬ ‫‪ -11‬بربروس (خير الدين)‪ ،‬مذكرات‪ ،‬تعريب محمد دراج‪ ،‬األصالة‪ ،‬الجزائر‪ ،2010 ،‬ص ‪.173‬‬ ‫‪ -12‬مارمول‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.38‬‬ ‫‪11‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫حتفه‪ ،‬إضافة إلى ‪ 12‬من أفضل القادة المسيّرين‪ ،1‬كما أصيب "الماركيز دي مونديخار" ‪De‬‬ ‫‪ "Mondejar‬بجروح بليغة فبعث اإلمبراطور أثناء هذه الفترة إلى بالده لتزويده بعدد كبير من‬ ‫الخيّالة من طرف "فيرونغوغزاغ" "‪ "Gonzague‬الذي حصل على تفويض من اإلمبراطور‬

‫لتحضيرها‪.‬فكانت بذلك اإلمدادات تصل إلى "شارل لكان" من أغلب ال ّسواحل األوروبيّة من‬ ‫"نابولي" و"صقلية" و"سردانيا" و"إسبانيا" مح ّملة بالموا ّد الغذائيّة‪ ،‬أ ّما من "برشلونة" فقد ت ّم‬ ‫استدعاء القائد" روزا" "‪ "Rosa‬حامال معه المدفعيّة الثّقيلة والتي ت ّم استعمالها الحقا إلحداث‬ ‫تهديمات كبيرة في األسوار التي أقامها "خير ال ّدين" كما استطاع "شارل الخامس" من جهته‬ ‫استخدام برج متح ّرك يفوق ارتفاعه جدران "حلق الوادي" حيث لم يهدأ القصف المدفعي لم ّدة شهر‬ ‫كامل‪.2‬‬ ‫وفي ‪ 14‬جويلية ‪1535‬م‪ 3‬وبعد هجوم عنيف تم ّكن صاحب أوروبا رفقة فيالقه العسكريّة من‬ ‫دخول حصن "حلق الوادي" فق ّررت الحامية العثمانيّة بقيادة "سنان باشا" التّراجع نحو "تونس" بعد‬ ‫أن تكبّدت خسائر فادحة وتم ّكن بذلك "شارل" من الحصول على مايقارب ‪ 87‬سفينة و‪ 300‬مدفع‬ ‫إضافة إلى ما وجده من مدافع داخل الحصن يقارب عددها ‪ 140‬مدفعا فأصبحت القلعة المح ّ‬ ‫صنة‬ ‫تحت قيادة اإلمبراطور وأتباعه ‪ 4‬تصدر منها األوامر وتح ّ‬ ‫صن بها اإلمدادات القادمة من أوروبا‪.‬‬ ‫ول ّما استولى "شارل" على حلق الوادي‪ :5‬بك ّل مافيه اختلفت اآلراء بشأن ما يمكن عمله فيما‬ ‫بعد فرأى بعضهم ّ‬ ‫أن الغاية المنشودة قد تحقّقت باالستيالء على سفن القراصنة الذين كانوا يضايقون‬ ‫النّصارى‪ ،‬واألص ّح حينئذ هو العودة إلى ال ّديار بعد تحصين هذا المعسكر؛ وزعم أصحاب هذا‬ ‫ال ّرأي ّ‬ ‫أن المسلمين من األهالي ومن العرب لن يلبثوا أن يوالوا األمير "الحسن الحفصي"‪ ،‬وكان‬ ‫من بين القائلين بهذا ال ّرأي الماركيز " دوكوات" غير ّ‬ ‫أن أخا "شارل الخامس" اإلنفانث" الدون‬ ‫لويس" ودوق" آلب" وآخرون من ال ّسادة النّبالء‪ ،‬رأوا أنّه ال يجوز لإلمبراطور ال ّرجوع قبل إنهاء‬ ‫حملته على مدينة "تونس" وفيها ع ّزه وشرفه أمام النّصارى‪ .6‬وأمام هذا االختالف في اآلراء حول‬ ‫مواصلة هذه الحملة من عدمها جمع "شارلكان" جميع قادته في خيمته ال ّرئيسية‪ ،‬وأبلغهم عن مراده‬ ‫بالوعد الذي أعطاه للملك "الحسن الحفصي" إلرجاعه على عرش اإليّالة التّونسيّة‪ ،‬وثانيا ليف ّ‬ ‫ك من‬ ‫األسر ‪ 18‬ألفا ّ‬ ‫الذين يتطلّعون إليه من أجل تحريرهم‪ ،‬وختم حسب ما أورده "مارمول" بقوله‪":‬إ ّما‬ ‫تحقيق هذا المرام ال ّشريف وإ ّما الموت دونه"‪.‬‬ ‫وفي ال ّرسالة التي بعثها "نيكوالس" إلى" فرنسوا" األ ّول بتاريخ ‪ 13‬جويلية ‪1535‬م ورد فيها‬ ‫مايلي‪ّ ":‬‬ ‫إن الملك الذي جرى إبعاده عن تونس يريد المثول أمامه لتقبيل يده ولكي يض ّمه كذلك‪ ...‬وقد‬ ‫أجابه اإلمبراطور ّ‬ ‫بأن مثوله بين يديه يسرّه شرط أالّ يكون مصحوبا بكتيبة كبيرة بسبب النّقص‬ ‫‪7‬‬ ‫الكبير للمؤن وأنّه يستطيع المجيء بصحبة بعض مرافقيه المه ّمين"‪ .‬وبداية من يوم ‪ 17‬جويلية‬ ‫‪1535‬م تح ّركت الكتائب المسيحيّة (اإلسبان – األلمان – اإليطاليّون) نحو مدينة "تونس"‪ 8‬وكانت‬ ‫في طريقها تحرق وتنهب ك ّل شيء‪ ،9‬كما تم ّكن األسرى المسيحيّون الذين نجحوا في تهشيم أبواب‬ ‫‪ -1‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ... ،‬مصدر مذكور‪ ،‬مراسلة بين كارل الخامس وفرديناند بتاريخ ‪ 23‬و‪ 24‬جوان ‪ 1535‬بحلق الوادي تونس‬ ‫نحو فيينا تحت رقم ‪902: HHStA, Hs. Bl. 595, Kop.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-De la Praimaudaie: Documents, op. Cit, « Compte-rendu … », R.A, t19 1875, p. 357.‬‬ ‫‪ -3‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ... ،‬نفس المصدر المذكور‪ ،‬مراسلة بين كارل الخامس وفرديناند بتاريخ ‪ 14‬جويلية ‪ 1535‬بحلق الوادي نحو‬ ‫فيينا تونس تحت رقم ‪.HHStA, Hs. Bl. 595, Kop 908:‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪-Kunsthistorisches Museum (Vienne), Kaiser Karl V. erobert Tunis: DokumentationeinesKriegszuges in‬‬ ‫‪Kartons und Tappisserien, Wien 2013, p. 50.‬‬ ‫‪ -5‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافاريةتحت رقم ‪ Res / 4 Turc 82.17:‬بعنوان ‪:‬‬ ‫‪VerteuschtSchreiben von Kayserlicher...eroberung der konigklichenStadd Tunis in Africa ...xiii Juli‬‬ ‫‪1535.AnHarrenFernanden des Hertzogen von MontuaAusBreifen von Tunis, 1535 .‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪- Fayolle(T.), «Une médaille commémorative de la prise de Tunis par Charles Quint (1535)», Revue‬‬ ‫‪Africaine, Vol 73, 1932, pp. 117-118.‬‬ ‫‪- Charrière(E.),...Extrait de la correspondance de Rome et de Venise..., Op. Cit.p .271.7‬‬ ‫‪- -8‬مارمول‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.54‬‬ ‫‪ -9‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بمكتبة الدولة البافارية تحت رقم ‪Res/4Diss. 913‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪12‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ال ّسجون من ال ّسيطرة على القلعة وكان عددهم اثنا عشر ألف أسير‪ ،‬فقاموا بتوجيه مدافع معقل‬ ‫ّ‬ ‫وشن هجومه ولم يترك‬ ‫القصبة صوب جيوش المسلمين مما سهّل لـ"شارل الخامس" الفوز‪،1‬‬ ‫لـ"خير ال ّدين" الوقت لتنفيذ مخطّطاته‪،2‬فأجبر على التّراجع نحو مدينة "عنّابة" بعد دفاع لمدة ‪ 6‬أيّام‬ ‫بعد سقوط حصن "حلق الوادي"‪ ،‬كما ّ‬ ‫أن الجيش الذي كان يقوده "شارل" كان بمساندة من "الحسن‬ ‫ّ‬ ‫الحفصي"‪ ،‬ومع تراجع"خير ال ّدين" نحو "الجزائر" ث ّم الحقا نحو "الباب العالي" بعد تعقبه من‬ ‫ّ‬ ‫غيرأن هذه‬ ‫طرف األميرال" أندريا دوريا" أعلن األمان للنّاس إذا تخلّوا عن المقاومة وعن عدائهم‪،‬‬ ‫كانت سوى مج ّرد مناورة خسيسة من سلطان تونس ليدخل بها اإلمبراطور معيّة "الحسن" إلى‬ ‫الحاضرة تونس يوم ‪ 21‬جويلية ‪1535‬م‪3‬وت ّمت استباحة المدينة لم ّدة ثالثة أيّام ‪ 4‬تعرّضت فيها إلى‬ ‫أعمال النّهب وال ّسلب والقتل والحرق‪ 5‬التي طالت مساجدها وجوامعها ومن بينها بالخصوص‬ ‫"جامع ال ّزيتونة" الذي لم يسلم من همجيّة اإلسبان بالخصوص وإلى باقي ك ّل األحداث األليمة التي‬ ‫ذكرها "ابن أبي ال ّدينار"‪ 6‬في "خاطرة اإلربعاء" حتّى ّ‬ ‫أن أرجل فرس اإلمبراطور قد اصطبغت‬ ‫بدماء أشالء ال ّ‬ ‫ضحايا المتناثرة في أنحاء أزقّة وشوارع المدينة؛ وقد حاول العديد من المؤ ّرخين‬ ‫األوروبيّين تبرئة "شارل الخامس" من هذه الفضائح غير ّ‬ ‫أن ال ّرسالة المؤ ّرخة بتاريخ ‪ 23‬جويلية‬ ‫‪1535‬م‪ 7‬تؤ ّكد مسؤوليّته عن ما حدث ‪»:‬حيث جاء ّ‬ ‫إن بربروس قد ف ّر وفي نفس اليوم استولينا على‬ ‫تونس وح ّررنا العبيد من ال ّسجون وبما ّ‬ ‫أن الس ّكان لم يستقبلوا ملكهم كما ينبغي عليهم أن يستقبلوه‬ ‫‪8‬‬ ‫وكما هو ح ّ‬ ‫ق من حقوقه فقد رأيت عقابا لهم على عنادهم أن أسمح بنهب المدينة« ‪.‬‬ ‫كان خبر االستيالء على مدينة تونس للعالم المسيحي األثر الكبير حيث أق ّروا يوم ‪21‬‬ ‫جويلية ‪1535‬م "يوم شارل" مشهودا في تاريخ المسيحيّة بعد تحرير عدد كبير من ال ّسجناء والعبيد‬ ‫المسيحيّين‪ 9‬وكان وقعه أكثر في البالط النّمساوي وهو ما نتبيّنه من خالل مراسلة التّهنئة بالفوز‬ ‫التي ق ّدمها "فرديناند"ألخيه "شارل"‪ ،10‬وأيضا في المدن األلمانيّة ومنها خا ّ‬ ‫صة مدينة‬ ‫"نورنبرغ""‪ "Nuremberg‬التي احتفلت باالنتصار العظيم الذي حقّقه اإلمبراطور على األتراك في‬ ‫شمال إفريقيا في أغلب القصور بإطالق كثيف للمدافع وإشعال نيران االحتفال كما وثّقه الر ّسام‬ ‫‪11‬‬ ‫األلماني "ايرهارد الجميل" "‪ "ErhardSchön‬سنة ‪1535‬م‪.‬‬ ‫‪ -2‬نتائج حملة اإلمبراطور "شارل خامس"‪:‬‬‫*سياسيّا واقتصاديّا ‪:‬‬

‫‪Christoph (S.), Newezeytung (Neue Zeitung) von der Römischen Kay. May. ... Zug, vnderoberung des‬‬ ‫‪Künigreychs Thunesse, Augsburg 1535.‬‬ ‫‪ -1‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بمكتبة الدولة للتراث البروسي ببرلين تحت رقم‪ D 1134‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪-Christoph(S.),Sendbriefihreserlangten Siegsgegendem Barbarossa imKönigreich Tunis, Nürnberg ,‬‬ ‫‪ ).‬نسخة أخرى متوفرة بالمكتبة الوطنية النمساوية تحت رقم‪1535. / (Mf 28-18‬‬ ‫‪ - 2‬ابن أبي دينار‪ ،‬المؤنس‪ ،...‬ص ‪.185‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪- Álvarez(M.F.), «Conquista de Túnez», dins R. MenéndezPidal [dir.], Historia de España, XVIII. La‬‬ ‫‪España delemperador Carlos V (1500-1558; 1517-1556), Madrid, 1966, p. 417-468.‬‬ ‫‪ - 4‬أرشيف سيمانكس العام‪ ،‬ملف عدد ‪.426‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-Braquehaye (Ch.), « La prise et le pillage de la ville de Tunis, les 20 et 21 juillet 1535, racontés par un‬‬ ‫‪témoin oculaire », Rev. Tun., 11, 1904, 2 pl., p 181.‬‬ ‫‪ -6‬ابن أبي دينار‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪186 – 185‬؛ انظر كذلك أبي القاسم بن محمد مرزوق بن عظّوم المرادي القيرواني التونسي ‪ ،‬كتاب األجوبة‪،‬‬ ‫المجمع التونسي للعلوم والفنون واآلداب بيت الحكمة‪ -‬قرطاج‪ ،‬تونس‪2004 ،‬م ‪ ،‬ج‪ ،5‬ص ‪.145-144‬‬ ‫‪- 7‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬مراسلة من شارل الخامس إلى فرديناند بتاريخ ‪ 23‬جويلية ‪ 1535‬بحلق الوادي نحو فيينا‪.‬‬ ‫تونس تحت رقم ‪HHStA, Hs. Bl. 595, Kop 912.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪- De la Praimaudaie: Documents…, op.cit, «lettre de Sa Majesté…», R. A, t19, 1875, pp. 495-496.‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪-Sous la direction de Charles Weiss, Papiers d'État du cardinal de Granvelle d'après les manuscrits de‬‬ ‫‪la bibliothèque de Besançon, Imprimerie royale puis nationale, Paris tome I, 1841, pp. 362- 386.‬‬ ‫‪ -10‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬مراسلة من فرديناند إلى كارل الخامس بتاريخ ‪ 3‬سبتمبر ‪ 1535‬بفيينا تحت‬ ‫رقم‪HHStA, Hs. Bl. 595, Kop.922 :‬‬ ‫‪-11‬أرشيف الصور لمدينة ماربوغ " ‪ "Marburg‬لسنة ‪1535‬تحت رقم ‪.Nr. fm117266‬‬ ‫‪13‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫من نتائج حملة "شارل الخامس" على تونس أنّه ت ّم إعادة تنصيب "الحسن الحفصي" على‬ ‫عرشه‪1‬فرغم احتقار "شارل لكان" وعلمه ّ‬ ‫بأن التّونسيّين يمقتونه فإنّه أعاد تنصيبه تحت الحماية‬ ‫‪3‬‬ ‫اإلسبانيّة‪ ،2‬وقد اعترف بدوره بشروط معاهدة ‪ 6‬أوت ‪1535‬م وعلى غرار النّسخة العربيّة‬ ‫واإلسبانيّة‪ 4‬فقط استطعنا الحصول على نسخة أخرى باللّغة األلمانيّة‪5‬تتض ّمن ال ّشروط التي أمالها"‬ ‫شارل الخامس" على سلطان تونس والتّي أفقدت تونس استقاللها ومن أه ّم ما جاء فيه‪: 6‬‬ ‫ إطالق سراح جميع األسرى المسيحيين الموجودين بتونس‪.‬‬‫ أن يلتزم ملك تونس بدفع تعويضات الحملة العسكرية‪.‬‬‫ أن يدفع إلسبانيا ضريبة سنوية تقدر ب ‪ 12‬ألف من الديكات‪.‬‬‫ أن يلتزم بعدم السماح للبحارة المسلمين بالرسو في الموانئ التونسية وأن ال يدخل أحدا من‬‫مهاجري األندلس‪.‬‬ ‫ أن يتنازل "الحسن الحفصي" لـ"شارلكان" عن "حلق الوادي" و"عنابة" و"المهدية"‪.‬‬‫ أن يسمح للمسحيين باالستيطان في إقليم تونس وإقامة شعائرهم بكل حرية‪.‬‬‫ أن يسمح الملك الحفصي لإلسبان بصيد المرجان في تونس‪.‬‬‫ أن يأتي إلى تونس قنصل وقاضي للتثبت في الخصومات بين المسحيين‪.‬‬‫ أن يقدم الملك الحفصي لإلمبراطور ستة من أحسن الخيول العربية و‪ 12‬صقرا‪.‬‬‫ أن يتعهد اإلمبراطور بحماية التونسيين‪.‬‬‫‪7‬‬ ‫وقد ت ّم إبرام تلك المعاهدة يوم ‪ 6‬أوت ‪1535‬م ‪ ،‬كما اشترط عليه أيضا في حالة مخالفة‬ ‫أحد ال ّشروط المعاهدة المبرمة بينه وبين "شارلكان"أن يدفع أ ّول م ّرة ‪ 50‬ألف دوقا وفي الثّانية‬ ‫‪ 100‬ألف دوقا وفي حالة اإلخالل فلإلمبراطور ح ّ‬ ‫ق إسقاطه‪ .8‬ومع مغادرة "شارل الخامس" البالد‬ ‫التّونسيّة يوم ‪ 17‬أوت ‪ 1535‬م‪ 9‬متّجها نحو "صقليّة" ترك لدى "الحسن الحفصي"ق ّوة عسكريّة‬ ‫تتألّف من ‪ 200‬جندي‪ 10‬ترابط بـ"قصر القصبة" لحراسة ال ّسلطان شخصيّا‪ ،‬وإضافة إلى ذلك فقد‬ ‫أمر "شارل الخامس" بال ّشروع الفوري في تشييد قلعة حصينة في "حلق الوادي"‪ 11‬وترك لها لذلك‬ ‫حامية إسبانيّة تقدر بــ ألف جندي لحراسة "حلق الوادي" تحت إمرة "برناردو دي ماندوزا"‬

‫‪ -1‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافارية تحت رقم ‪ Res / 4 Eur. 402,9:‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪- VertragsartickelRomischerKeis. Ma. Vnd desrestituirtenKonigsvonTunisiSamptjrer...zeytungen 30‬‬ ‫‪Sepmtembris 1535.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪-Haedo, Op. cit, p. 58. voir aussi Braudel, «les Espagnols…»,Op.cit, pp. 371 -372.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪-BOUBAKER (S.) et Clara (I.) Álvarez (D.), Empreintes espagnoles dans l’histoire tunisienne. Études‬‬ ‫‪réunies par S. Boubaker et C. I.Álvarez Dopico, Gijón EdicionesTrea, S. L.2011, pp. 58-71.‬‬ ‫‪ -4‬أ‪.‬و‪ .‬ت‪ ،‬رصيد الوثائق اإلسبانية‪ ،‬صندوق ‪ ،2876‬ملف عدد ‪ /12‬أرشيف سيمانكس العام‪:‬‬ ‫‪- AGS, PTR, leg. 11, doc. 106.26 août 1535.‬‬ ‫‪ -5‬نشرية حملة تونس‪1535‬م متوفر بالمكتبة البافاريةتحت رقم ‪ Res / 4 Turc 82.4 m :‬بعنوان ‪:‬‬ ‫‪Auszug des Vertrags, so zwischen Kays.May. unddem König von Thunis, MuleyAltzachengenannt, am 6.‬‬ ‫‪Aug. Des 1535.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-De la Praimaudaie : Documents…, Op.cit, « Résumé de la conférence qui a bien aujourd'hui par ordre‬‬ ‫‪de sa Majesté avec le Roi de Tunis, 23Juillet 1535 », R.A, t. 19, 1875, p. 494.‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-Catherine (G.), « Un bel exemple d’entente hispano-tunisienne : le traité du 6 août 1535 entre Charles‬‬ ‫‪Quint et Mouley Hassen », dans AbdeljelilTemimi (dir.), Mélanges Louis (C.), Zaghouan (FTERSI),‬‬ ‫‪1995, pp. 319-328.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪-Ibid, p. 140.‬‬ ‫‪ -9‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬مراسلة من فرديناند إلى كارل الخامس بتاريخ ‪ 27‬أوت ‪ 1535‬بفيينا تحت‬ ‫رقم‪HHStA, Hs. Bl. 595, Kop.917 :‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪-Mercier, Op.cit, t.3, p. 39.‬‬ ‫‪-11‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.15‬‬ ‫‪14‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫"‪ 1"Birnardo De Mandoza‬إلى جانب ق ّوة بحريّة مك ّونة من ‪ 12‬قادسا شراعيا تحت إمرة‬ ‫"أنطوان دوريا"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما اجتماعيّا‪ ،‬فقد تج ّسدت آثارها في نهب وسرقة وأسر وقتل سكان مدينة تونس لم ّدة ثالثة‬ ‫أيّام ‪ 2‬وكان عدد القتلى باآلالف حسب عديد من المصادر المحلّية واستباحة األماكن المق ّدسة ومنها‬ ‫جامع ال ّزيتونة‪3‬وإحراق العديد من المكتبات التي تزخر بشتّى أنواع العلوم كـ "مكتبة أسرة عبد‬ ‫الواد" وهو ما أ ّدى الحقا إلى تدهور علمي خالل العهد العثماني‪ ،‬كما تزايدت أنواع الفتن داخل‬ ‫ّ‬ ‫وتجذر القبيلة في مجالها وازدياد الفتنة ال ّدينية بين‬ ‫المجتمع التّونسي والتف ّكك في دواخل البالد‬ ‫المسلمين والمسيحيّين‪.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫أ ّما على المستوى الفنّي‪ ،‬فمن خالل المراسالت والوثائق ال ّسياسيّة والعائليّة ‪ ،‬أتاحت حملة‬ ‫‪1535‬م على تونس الفرصة لعديد الر ّسامين والفنّانين األوروبيّين إنتاج أعمالهم‪ 5‬التي بقيت ذكرى‬ ‫فنّية موثّقة في بهو المتاحف العالمية‪ .6‬فقد مثّل احتالل تونس لــ "شارل الخامس" ذروة المجد‬ ‫العسكري لشخصه ض ّد ال ّدولة العثمانيّة‪ ،‬لذلك سعى منذ البداية الصطحاب عدد كبير من الر ّسامين‬ ‫والمد ّونين لنقل وقائع رحلته العسكريّة وحتّى تكون أعمالهم شاهدة في أروقة القصور والبالطات‬ ‫على مدى ق ّوة هذا اإلمبراطور ض ّد أعدائه‪ ،‬وبهذه ال ّ‬ ‫صورة النّاصعة استطاع "شارل الخامس" أن‬ ‫يتر ّسخ في المخيال المسيحي وأذهان المؤ ّرخين وال ّدارسين له‪ .‬ومن بين المرافقين لــ"شارل‬ ‫‪7‬‬ ‫الخامس" نذكر بالخصوص منهم الر ّسام" يانكورنيليسز وارميان ""‪"Jan CornelisezVermeyen‬‬ ‫ّ‬ ‫الذي استطاع أن يبدع في نقل أحداث معارك ووقائع حملة ‪1535‬م التي بقيت إلى يومنا هذا شهادة‬ ‫حيّة موثّقة !! وقد اصطحبه معه صاحب أوروبا فقام بتصوير ك ّل وقائع الحرب بإحداثها وتوثيقها‬ ‫بأسلوبه الفنّي المتميّز فقد اعتبره المؤ ّرخ الفرنسي "جون بيار فيني" ر ّسام تونس المحترف سنة‬ ‫‪1535‬م ‪ ،8‬حيث مثّلت لوحاته الفنّية شهادة حيّة عن الواقع الذي عايشه‪ .‬فقد استطاع أن يبذل جهدا‬ ‫كبيرا منذ بداية استقراره بكل من "قرطاج" ث ّم "حلق الوادي" التي مثّلت مسرح أحداث أه ّم‬ ‫المعارك (‪ 15‬جوان – ‪ 14‬جويلية) ‪1535‬م كما تمثّلت مه ّمته في ال ّسعي إلعادة الواقع واألحداث‬ ‫‪-1‬أرشيف الدولة النمساوية‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬مراسلة من كارل الخامس إلى فرديناند بتاريخ ‪ 16‬أوت ‪ 1535‬بحلق الوادي نحو فيينا تونس‬ ‫تحت رقم‪.HHStA, Hs. Bl. 595, Kop914 :‬‬ ‫‪ -2‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص ‪.14‬‬ ‫‪ -3‬عبد الوهاب(حسنحسني)‪ ،‬خالصة تاريخ تونس‪ ،‬ال ّدار التّونسية‪ ،‬تونس ‪ ،1983‬ص ‪.153–152‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪-Hofinger (B.), Tschugmell (N.), Moser-Kroiss (J.), Laferl (Ch.)F, Kufner (H.) ,Die Korrespondenz‬‬ ‫‪Ferdinands I. FamilienkorrespondenzBd.5: 1535 und 1536, Böhlau, Wien, 2015.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪-Monchikort(Ch.), «Essai bibliographique sur les plans imprimés de Tripoli, Djerba et Tunis-Goulette au‬‬ ‫‪XVIe siècle», Revue Africaine, 1925, pp. 398-399.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪-Wilfried (S.), Der Kriegszug Kaiser Karls V. gegen Tunis: Kartons und Tapisserien, Kunsthistorisches‬‬ ‫‪Museum Wien, 2000.‬‬ ‫‪7‬يان كورنليسوارميان‪:‬فنّان ور ّسام فلمنكي ولد سنة ‪1500‬م بمقاطعة برافويك الهولندية (شمال أمستردام) التّابعة لإلمبراطوريّة ال ّرومانية‬ ‫المق ّدسة التي تحكمها أفراد من العائلة الهابسبورغية المو ّسعة وتوفي سنة ‪1559‬م ببروكسال‪ .‬تتلمذ على يد والده ّ‬ ‫فن ال ّرسم المحلّي ث ّم التحق‬ ‫بقصر"‪ "Malines‬بهولندا لالشتغال في نسخ ال ّ‬ ‫صور ورسم كبار ال ّشخصيات الملكية تحت إمرة معلّمه "جون مابوس" ويدعى أيضا‬ ‫فن ال ّرسم واإلبداع الفلمنكي‪ ،‬وقد ساهم في نقل ّ‬ ‫بـ"جون ساير" وهو من المحترفين في ّ‬ ‫الفن ال ّروماني بطريقته الخا ّ‬ ‫صة إلى بلدان شمال‬ ‫أوربا وكان ينتمي إلى المدرسة الفلمنكية "‪ "Romonistes‬وتعني كلمة رومنيست كل األجانب وخاصة منهم الفنّانين الهولنديين الذين‬ ‫درسوا واشتغلوا في روما خالل القرن ال ّسادس عشر حيث مثّلت هذه المدرسة العريقة التي تأثّر بها "وارميان" والتي سيكون لها ال ّ‬ ‫صدى‬ ‫في أعماله والمتميّزة باتّجاه واضح في طريقة ال ّرسم كرسم المواضيع العادية ورسم األشخاص واألثرياء واألزياء واألثاث ووقائع الحرب‬ ‫المباشرة ومع ّداتها وهو على عكس ّ‬ ‫الفن الفلورنسي الذي اهت ّم بدراسة الفنون ورسومات المعابد والكنائس المسيحيّة‪ .‬ومع ازدياد مهاراته‬ ‫الفنّية والحرفية وأسلوبه في ال ّرسم بعد زيارته إلى ايطاليا التي اعتمدت أكثر على اإليقاع واالنسجام والتّنسيق والنّظام والهدوء وال ّرسم‬ ‫بالباهرة والتّشريق والتد ّرج والمزج بين األلوان وخا ّ‬ ‫صة في التّركيز على فنّتصوير األشخاص وتبيان مالمحهم الجسديّة وإظهارها التي‬ ‫بدت واضحة في أغلب أعمال "وارميان"حيث ساهمت في فتح األبواب له للعمل بكبرى القصور كخدمة الملكة "مارغريت" أميرة النّمسا‬ ‫ابنة الملك ماكسيمليان "‪ " Marie de Hongrie‬وعلى إثر موت والدها أرسل في بعثة دبلوماسية إلى بالط اإلمبراطور شارل الخامس‬ ‫سنة ‪ 1535‬الذي كان مستع ّدا للقيام بحملته على تونس‪،‬آنظر كذلك ‪:‬‬ ‫‪Hendrik )H.) Jan (C.V.), painter of Charles V and his conquest of Tunis: paintings, etchings, drawings,‬‬ ‫‪cartoons & tapestries, Doornspijk, the Netherlands: Davaco, 1989.‬‬ ‫‪Vittu(J.P), « Jan CorneliszVermeyen, peintre de Tunis en 1535 »,Ibla. N. 140, 1977, p. 243-267.‬‬ ‫‪8‬‬ ‫‪- Vittu(J.P.), Jan CorneliszVermeyen, peintre de Tunis. Op. cit, p. 245.‬‬ ‫‪15‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫بكل دقّة فق ّدم لنا أعماال تص ّور المعارك والمالحم التي دارت بين جيوش اإلمبراطور "شارل" و‬ ‫"خير ال ّدين بربروس"‪ ،‬فنراه ير ّكز كثيرا على المالبس واألزياء التي يرتديها الس ّكان المحليّون‬ ‫واألتراك‪ ،‬كذلك نجد عددا كبيرا من المع ّدات العسكريّة التي ت ّم اعتمادها من قبل الطّرفين كال ّرماح‬ ‫الطّويلة والبنادق التي تعرف بـ"القربينة" وهي خا ّ‬ ‫صة بالكتائب األلمانيّة القنّاصة " الندسكنيشت"‪،‬‬ ‫والذين كانوا منتشرين في ك ّل مكان ضمن مجموعات متّحدة على أرض المعركةّ أ ّما بالنّسبة إلى‬ ‫جيوش "خير ال ّدين" فنراها تعتمد على الفرسان بخيول مك ّونين شريطا طويال في محاولة منهم‬ ‫لحصار الجيش اإلسباني والكتائب المرافقة له معتمدين في ذلك على أقواسهم ونبالهم‪.‬‬ ‫أ ّما على مستوى البحر بالتّحديد قبالة "حلق الوادي" فنرى انتشارا كبيرا لل ّسفن‬ ‫المتن ّوعة األحجام‪ :‬سفن المؤونات المح ّملة باألسلحة والمدافع وسفن الجنود وأخرى مح ّملة بالخيول‪،‬‬ ‫أ ّما بالقرب من ال ّشواطئ فترى كثرة الخنادق ال ّدائرة من ك ّل الجهات بحصن "حلق الوادي" التي ت ّم‬ ‫تحصينها بال ّرجال وال ّسالح ومن جانب آخر أماكن لدفن الجثث والموتى الجنود الذين أصيبوا في‬ ‫المعارك‪ .1‬كما يبيّن لنا "وارميان" في لوحاته المعسكر الخاصّ باإلمبراطور من خالل خيمته‬ ‫الملكيّة الخا ّ‬ ‫صة والمجاورة ببقيّة خيمات الجنود المرابطة هناك‪ ،‬كل هذه ال ّرسومات بالنّسبة إلى‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الباحث في التّاريخ تمثل شهادات حيّة ونادرة وموثقة لصور واقع تلك المعارك التي كانت تدور‬ ‫على ال ّسواحل القريبة من مدينة تونس‪ ،‬وتوجد األعمال التّي رسمها "وارميان" في شكل لوحات‬ ‫فنّية باستعمال األلوان المائيّة وال ّزيتية‪ ،‬وعددها يقارب العشر بــ"متحف تاريخ الفنون بفيّينا"‪ .2‬وهي‬ ‫ذات الحجم الكبير وقد ت ّمت معالجتها العديد من الم ّرات للحفاظ على جماليّتها‪ .3‬أ ّما اللّوحات المقلّدة‬ ‫فهي منتشرة في بعض من أرجاء الدول األوروبيّة ونجدها في ألمانيا بالخصوص‪،‬أ ّما بالنّسبة إلى‬ ‫النّوع الثّاني من األعمال والمتمثّلة في شكل بساط كبير الحجم أو ما يعرف بــ"زرابي اإلمبراطور"‬ ‫التي ت ّم حياكتها في ورشات النّسيج بـ"بلجيكيا" على يد" ويليام بانيماكر" ‪Willemde‬‬ ‫‪"Pannemaker‬استنادا على ما ت ّم تقديمه في أعمال "وارميان" بأحجام كبيرة وهي اآلن معروضة‬ ‫بقصر "شارل الخامس" الخاصّ في "إشبيلية"‪ 4‬ويستطيع ك ّل زائر اإلطّالع عليها والتع ّرف على‬ ‫ك ّل خصائصها ال ّدقيقة‪،‬كما علينا أن ال ننسى مجموع األعمال الفنّية األخرى التي وثّقت حملة‬ ‫ضي المزخرف ّ‬ ‫‪1535‬م‪ ،‬نذكر أبرزها اإلبريق والطّبق الف ّ‬ ‫بالذهب على الطّريقة األلمانيّة‪ 5‬بــ‬ ‫"متحف اللّوفر الفرنسي"‪ 6‬والبعض اآلخر ما ت ّمنحته على جدران الكنائس األوروبيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن هذه اإلشارة الفنّية ألعمال "كورنليسوارميان" تبرز مدى أه ّمية هذه اللّوحات الفنّية‬ ‫التي ص ّورت لنا وقائع رحلة اإلمبراطور "شارل الخامس" ومعارك حملة ‪1535‬م على تونس‪ ،‬وقد‬ ‫استطاعت بقدر اإلمكان أن تق ّربنا وتعطينا صورة دقيقة واضحة حول مجريات األحداث التي‬ ‫شهدتها البالد التّونسيّة خالل النّصف األ ّول من القرن ال ّسادس عشر ‪ ،7‬فهي تمثّل شهادة حيّة وجب‬

‫‪1‬‬

‫‪- Helgerson (R.),A sonnet from Carthage: Garcilaso de la Vega and the new poetry of sixteenth-century‬‬ ‫‪Europe, University of Pennsylvania Press, 2007, p. 51.‬‬ ‫‪ -2‬متحف تاريخ الفنون بفيينا‪ )Kunsthistorische Museum( ،‬الطابق الثالث الخاص برسومات حملة تونس ‪Inv.-Nr. (1535‬‬ ‫‪ )2038-2074‬بالنسبة للوحات الناقصة عدد ‪ 1‬و‪ .9‬انظر المالحقمن ‪ 3‬إلى ‪.6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪- Kugler(G.)undBauer(R.), « Die Nachwebung der Tunis-Serie Kaiser Karl VI. DurchJodocus de Vos,‬‬ ‫‪Brüssel 1712 – 1721 »,in: Der Kriegszug Kaiser Karls V. gegen Tunis. KartonsundTapisserien (hrsg. von‬‬ ‫‪W. Seipel), Wien 2000, S. 111 - 139.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪- Soly (H.), Charles Quint : 1500-1558 : l'empereur et son temps, Arles (Bouches-du-Rhône) : Actes‬‬ ‫‪sud, 2000, p. 163.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪- Castan(A.), « La conquête de Tunis en 1535 racontée par deux écrivains franc-comtois, Antoine‬‬ ‫‪Perrenin et Guillaume de Montoiche », mémoire lu à la Société d'émulation du Doubs dans sa séance‬‬ ‫‪publique du 19 décembre, 1889, p. 280.‬‬ ‫‪ - 6‬متحف اللوفر‪ ،‬الطابق األول‪ ،‬قاعة العرض عدد ‪ ،25‬إبريق وطبق شارل الخامس ‪ ،1535‬تحت رقم ‪.MR 351/341MR‬‬ ‫‪7‬‬ ‫‪-Tostmann (O.), « Gedankenüber die Tunis-Teppichserienach Jan‬‬ ‫‪VermeyenZeitschriftfürKunstgeschichte »,71.Bd., H. 1, DeutscherKunstverlagGmbh Munchen Berlin‬‬ ‫‪Stable, 2008, pp. 73-100.‬‬ ‫‪16‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫على المؤ ّرخ االستعانة بها في كتابة تاريخ البالد التّونسيّة فالعالقة بين ّ‬ ‫الفن والتّاريخ في حملة‬ ‫‪1535‬على تونس هي عالقة تواصل وتكامل ال تخلو من االنفصال واالنقطاع وعلى الباحث أن‬ ‫يعي بها‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬

‫ّ‬ ‫إن مشروع اإلمبراطور وصاحب مملكة إسبانيا "شارل الخامس" في الحوض الغربي للبحر‬ ‫األبيض المتو ّسط قد اقتضى التد ّخل في البالد التّونسيّة بعد إلحاح متواصل من قبل ملكها "الحسن‬ ‫الحفصي" فهي ذريعة اتّخذها اإلمبراطور من أجل تثبيت أقدامه في المنطقة وقطع الطّريق أمام‬ ‫اإلمبراطوريّة العثمانيّة المتنامية والمتمثّلة في شخص "خير ال ّدين بربروس" بإبرام معاهدة ‪1535‬م‬ ‫ح ّولت البالد إلى شبه مستعمرة أوروبيّة احتفظ فيها الحفصيّون بسلطة شرفية وأعطيت االمتيازات‬ ‫الكبيرة للمسيحيّين‪ .‬وما أريد اإلشارة إليه ّ‬ ‫أن جميع المعلومات واالستنتاجات ليست بأحكام نهائيّة‬ ‫وأنّه بم ّجرد ظهور وثائق جديدة ستعرف تغيّرا ال محالة‪ ،‬فهي جهد علمي أتمنّى أن يكون منطلقا‬ ‫لدراسة حملة ‪1535‬م من زوايا وأرشيفات أخرى على غرار ما ق ّدم في مقالنا هذا من جانب‬ ‫األرشيفات األلمانيّة والنّمساويّة‪.‬‬

‫صور‪:‬‬ ‫ملحق ال ّ‬

‫ملحق عدد(‪ :)1‬نشرية حملة تونس‪1535‬م‬ ‫المكتبة البافارية تحت رقم‪Turc 82/14 b‬‬

‫‪17‬‬

‫ملحق عدد (‪ :)02‬نشرية حملة تونس ‪1535‬م‬ ‫المكتبة البافارية تحت رقم ‪Res/4 Turc‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫ملحق عدد (‪ :)3‬سير اإلمبراطور شارل الخامس‬ ‫نحو حصن حلق الوادي ض ّد تق ّدم المسيحيّين متحف‬ ‫تاريخ الفنون بفيّي نا‬

‫ملحق عدد (‪:)5‬‬ ‫تق ّدم الكتائب األلمانيّة‬ ‫الندسكنيشت‬ ‫نحو مدينة تونس‪ -‬متحف‬ ‫تاريخ الفنون بفيينا‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ملحق عدد (‪ :)4‬ق ّوات خير ال ّدين‬ ‫بربروس (األعراب واألتراك) متحف تاريخ الفنون‬ ‫بفيّينا‬

‫ملحق عدد (‪ :)6‬تق ّدم‬ ‫الكتائب األلمانية‬ ‫الندسكنيشت نحو مدينة‬ ‫تونس‪ -‬متحف تاريخ‬ ‫الفنون لفيينا‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫البيبليوغرافيا‪:‬‬ ‫‪.I‬األرشيف‪:‬‬ ‫•‬

‫أرشيف ال ّدولة النّمساوية‪:‬‬

‫(وثائق العائلة الهابسبورغية)‪ ،‬مراسلة من ماريا النمساوية إلى فرديناند بتاريخ ‪ 12‬أفريل‬ ‫•‬ ‫‪ 1535‬ببروكسل تحت رقم‪Brüssel, AGR, Audience 95,/ HHStA, Bel. PA 23/5, Konz.:‬‬ ‫أرشيف سيمانكس العا ّم‪:‬‬ ‫•‬ ‫ملف عدد ‪.426‬‬ ‫‬‫‪-Braquehaye (Ch.), « La prise et le pillage de la ville de Tunis, les 20 et 21 juillet 1535,‬‬ ‫‪1racontés par un témoin oculaire », Rev. Tun., 11, 1904, 2 pl., p 18.‬‬

‫•‬

‫األرشيف الوطني لوكسمبورغ‪:‬‬

‫‪A-IV-65/1, fol. 2r-v (voir vol. I, 1.4., p. 40-43). Joseph (M.) : La vie martiale et‬‬ ‫‪fastueuse de Pierre-Ernest de Mansfeld 1517-1604, 2 tomes, Paris 1930, en particulier‬‬ ‫‪tome II, p. 173-174 ; aussi voir Un prince de la Renaissance Pierre-Ernest de Mansfeld‬‬ ‫‪(1517- 1604) 2007.‬‬

‫ أرشيف الصور لمدينة ماربوغ " ‪ "Marburg‬لسنة ‪1535‬تحت رقم ‪.Nr. fm117266‬‬‫ بالموقع الرسمي ألرشيف سانت غالن السويسريبعنوان " نيكالوسغولدي " مرتزق سانت‬‫غالن‪:‬‬ ‫‪https://stadtarchiv.ch/inhalt/Niklaus_Guldi_Soeldner_Tagblatt_22.09.2015.‬‬

‫‪-II‬‬

‫المصادر المطبوعة‪:‬‬

‫ابن أبي دينار‪ ،‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬تحقيق محمد شمام‪ ،‬المكتبة العتيقة‬ ‫‬‫تونس ‪.1967‬‬ ‫أبي القاسم بن محمد مرزوق بن عظّوم المرادي القيرواني التونسي‪ ،‬كتاب األجوبة المجمع‬ ‫‬‫التونسي للعلوم والفنون واآلداب بيت الحكمة‪ -‬قرطاج‪ ،‬تونس‪.2004 ،‬‬ ‫بربروس (خير الدين)‪ ،‬مذكرات‪ ،‬تعريب محمد دراج‪ ،‬األصالة‪ ،‬الجزائر‪.2010 ،‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ -III‬المراجع‪:‬‬ ‫‪ -1‬المراجع باللّغة العربيّة‪:‬‬ ‫ باتيست (وولف جون)‪ ،‬الجزائر وأوروبا (‪ ،)1830 – 1500‬تعريب‪ .‬أبو القاسم سعد‬‫اللهالمؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1986 ،‬‬ ‫ برنشفيك (روبار)‪ ،‬تاريخ إفريقية في العهد الحفصي‪ ،‬تعريب حمادي الساحلي‪ ،‬دار الغرب‬‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬ ‫ رايمون (ريمون)‪ ،‬المدن العربية الكبرى في العصر العثماني‪ ،‬ترجمة‪ :‬لطيف فرج‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار‬‫الفكر للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ‪.1991‬‬ ‫‪19‬‬


2018 / 8 ‫العدد‬

‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

.1983 ‫ تونس‬،‫ ال ّدار التّونسية‬،‫ خالصة تاريخ تونس‬،)‫عبد الوهاب (حسن حسني‬ ‫ دار هومة للطباعة والنشر‬،)1514-1830( ‫ الجزائر خالل العهد التركي‬،)‫عباد(صالح‬ .2005 ‫ الجزائر‬،‫والتوزيع‬ ‫ ج‬،‫ الرباط‬،‫ دار النشر للمعرفة‬،‫ ج‬3 ،‫ محمد حجي وآخرون‬.‫ تع‬،‫ إفريقيا‬،)‫كربخال (مار مول‬ .3 ‫ تعريب يوسف عطا‬،)1516-1574( ‫ الفتح العثماني لألقطار العربيّة‬،(‫نيقوالي (إيفا نوف‬ .2004 ‫ بيروت‬،‫دارالفرابي‬

:‫المراجع باللغات األجنبية‬

.1

-

Álvarez (M.F.), « Conquista de Túnez », dins R. Menéndez Pidal [dir.], Historia de España, XVIII. La España de lemperador Carlos V (1500-1558 ; 1517-1556) Madrid, 1966, p. 417-468 - BOUBAKER (S.) et Clara (I.) Álvarez (D.), Empreintes espagnoles dans l’histoire tunisienne. Études réunies par S. Boubaker et C. I. Álvarez Dopico, Gijón Ediciones Trea, S. L.2011, pp. 58-71. - Bourre (J.P.), Les Lansquenets : un combat pour l'Empire, éd. Dualpha, 1999. - Carjaval (M.), L’Afrique de Marmol, trad. Nicolas Perrot d’Ablancourt, 3 vol. Thomas Jolly, Paris, 1667, réed. Livre VI, Histoire des derniers rois de Tunis, Carthaginoiseries, Tunis, 2007. - Charrière (E.), La négociation de la France dans le Levant, Extrait de correspondance de Rome et de Venise, 4T, Paris, (1848-1860). - Castan (A.), « La conquête de Tunis en 1535 racontée par deux écrivains francscomtois, Antoine Perrenin et Guillaume de Montoiche », mémoire lu à la Société d'émulation du Doubs dans sa séance publique du 19 décembre, 1889. - Catherine (G.), « Un bel exemple d’entente hispano-tunisienne : le traité du 6 août 1535 entre Charles Quint et Mouley Hassen », dans Abdeljelil Temimi (dir.) Mélanges Louis (C.), Zaghouan (FTERSI), 1995, pp. 319-328. - Cristini (L.S.), The landsknechts: German militiamen from late XV and XVI century Soldiers weapons, 2016. - - Cuerva (G.), Ibarra (R.B.), Ángel (M.), de La conquista de Túnez por los cronistases pañoles : Relato de la jornada de lemperador Carlos V a Túnez Niklaus Guldin a Vadian 12 de enero 1536, El Consejo Superior de Investigaciones Científicas, 2017. - Duchhardt (H.), « Das Tunis unternehmen Karls V. 1535 », Mitteilungen des Österreichischen Staats archivs,37, 1984, pp. 35-72. - Elie (D.L.P) , Documents inédits sur l'histoire de l'occupation Espagnole en Afrique (1506-1574), « Mémoire du Capitaine Ochoa D'ercella sur les affaires du Roi du Tunis 1533 », R.A, t19, Alger, 1875. - Fath (S.), "Anabaptisme, le soulèvement des convertis", Revue SCIENCES HUMAINES, n°280, avril 2016, pp. 40-43. - Fayolle (T.), « une médaille commémorative de la prise de Tunis par Charles Quint (1535) », Revue Africaine, Vol 73, 1932, pp. 117-118. 20


2018 / 8 ‫العدد‬

‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

- Fendri (M.), « Quelles répercussions a causé l’expédition de Charles Quint contre Tunis en 1535 sur l’historiographie et la littérature allemandes »in série de Conférences Beït al-Hikma N°3, 2015 -2016. - Geffcken (P.), «Fugger Geschichte einer Familie: Die Handelsherrenmit dem Dreizack », in: DAMALS 7/2004. - Géraud (P.), «Le voyage de Tunis et d'Italie de Charles Quint ou l'exploitation politique du mythe de la croisade (1535-1536) », Bibliothèque d'humanisme et Renaissance, LXVII, 2, 2005. - Häberlein (M.), The Fuggers of Augsburg: pursuing wealth and honor in Renaissance Germany, University of Virginia Press, 2012. - Hantzsch (V.),Deutsche Reisende des sechzehnten Jahrhunderts ,Leipzig ,1895, p. 66/. Die Vadianische Briefsammlung St. Gallen Band V., I: Hälfte 1531-1535, St. Gallen, 1903, pp. 279-280. - Hamish (M.), Scott, The Oxford Handbook of Early Modern European History, 1350-1750, Volume 2 Oxford University Press, 2015.

- Hendrik) H.)Jan (C.V.), painter of Charles V and his conquest of Tunis: paintings, etchings, drawings, cartoons & tapestries, Doornspijk, the Netherlands: Davaco, 1989. - Helgerson (R.), A sonnet from Carthage: Garcilaso de la Vega and the new poetry of sixteenth-century Europe, University of Pennsylvania Press, 2007. - Hofinger (B.), Tschugmell (N.), Moser-Kroiss (J.), Laferl (Ch.) F, Kufner (H.), Die Korrespondenz Ferdinands I. Familien korrespondenz Bd.5: 1535 und 1536, Böhlau, Wien, 2015. - Eck (J.), Vmb den grossen sig KaiserlicherMaiestat, in Thunisverlihen Got, zudancken, zwupredig.... vilmeerfart wider die vnglaubigen gethonhaben, Augsbourg 1536. - Kugler (G.) und Bauer (R.), « Die Nachwebung der Tunis-Serie Kaiser Karl VI. Durch Jodocus de Vos, Brüssel 1712 – 1721 », in: Der Kriegszug Kaiser Karls V. gegen Tunis. Kartonsund Tapisserien (hrsg. von W. Seipel), Wien 2000. - Kunst historisches Museum (Vienne), Kaiser Karl V. erobert Tunis: Dokumentationeines Kriegszuges in Kartons und Tappisserien, Wien 2013. - Machiave (N.) Le Prince, trad. V. Périès, postface de Joël Gayraud, Mille et une nuits Paris, 2003. - MEDINA (G.), « L’expédition de Charles-Quint à Tunis, la légende et la vérité », Rev Tun. 13, 1906. - Monchikort (Ch.), « Essai bibliographique sur les plans imprimés de Tripoli, Djerba et Tunis-Goulette au XVIe siècle », Revue Africaine, 1925, pp. 398-399.

21


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫مالحظات حول صناعة سفينة "الشبك" خالل القرن الثّامن عشر‬ ‫د‪ .‬ليلى زغدود‬ ‫كانت جلّ القطع البحريّة المستعملة في المالحة ببلدان المغرب أو بلدان الحوض‬ ‫الغربي من البحر األبيض المتو ّسط‪ ،‬سفنا متوسطيّة ال ّ‬ ‫صنع‪ .‬وتستعمل في التّجارة البحريّة أو النّشاط‬ ‫القرصني‪،‬وكانت في معظم األوقات مصنوعة في دور ال ّ‬ ‫صناعة األوروبيّة المتع ّددة‪ ،‬ونذكر من‬ ‫بينها في القرون ال ّسابع عشر والثّامن عشروالتّاسع عشر‪ ،‬دور ال ّ‬ ‫صناعة الفرنسيّة في منطقة‬ ‫"بروتاني" ( ‪ )Bretagne‬والمخت ّ‬ ‫صة في صناعة المراكب من الحجم الكبير‪ ،‬أ ّما ترسانة "مرسيليا"‬ ‫‪1‬‬ ‫صصت في صناعة ال ّسفن ال ّ‬ ‫وترسانة "بوردو" وغيرهما فقد تخ ّ‬ ‫صغيرة والمتو ّسطة الحجم‪ .‬ونذكر‬ ‫ّ‬ ‫كذلك دور ال ّ‬ ‫صناعة "اإلنقليزيّة" و"االيطاليّة" التي اشتهرت بصناعة ال ّسفن الكبيرة والثقيلة المع ّدة‬ ‫أساسا للحرب والمجهّزة بأقوى المدافع‪.‬‬ ‫ومن أبرز القطع البحريّة المعروفة ببلدان المغرب‪" ،‬تونس" و"الجزائر" و"ليبيا"‬ ‫و"المغرب األقصى"‪ ،‬واألكثر استعماال "مركب الشباك"‪ ،‬والجمع "شباكات" و"شبابك" وفي‬ ‫اإليطاليّة "شابيكو" " ‪ "Sciabecco‬وفي اإلسبانية "جابيكو" "‪ 2"Jabeque‬ويؤ ّكد بعض الباحثين‬ ‫أن أصل التّسمية عربي‪ ،‬و ُمشت ّ‬ ‫على ّ‬ ‫ق من كلمة "شبكة" المع ّدة لصيد ال ّسمك‪ 3.‬وقد عرف العرب منذ‬ ‫القرون الوسطى هذا النّوع من ال ّسفن قبل تطويرها وركبوه واستعملوه في ال ّ‬ ‫صيد وفي التّجارة‬ ‫البحريّة‪.‬‬ ‫بدأ استعمال سفينة الشباك في أواخر القرن الخامس عشر في "البحر األبيض المتوسّط"‬ ‫وانتشر ركوبه ليصل إلى "الـبحر األدرياتيكي" وجزء من "بحر البلطيق" بداية من القرن الثّامن‬ ‫عشر‪ .‬ويس ّمى أيضا "سنبوك" وهو من ال ّسفن ال ّشراعية المتو ّسطية المنحدرة من‬ ‫"القادس"و"الغليوطة"‪ ،‬وتتميّز هذه القطع بارتفاعها عن سطح البحر‪ ،‬ويمكنها المالحة كامل‬ ‫فصول ال ّسنة‪ 4.‬ويصنّف الشباك ضمن المراكب الحربيّة‪ ،‬وتختلف أبعادها الطّولية التي تتراوح بين‬ ‫خمسة عشر مترا وأربعين مترا‪ .‬وله مق ّدمة ممت ّدة وجؤجؤ ينتهي بقاطعة في شكل سيف‪ ،‬وكانت‬ ‫مؤ ّخرتها تق ّدم على أرضيّة خارجيّة مك ّونة من خشبة بين جناحين جاعلة المتراس ممت ّدا ومحاطا‬ ‫بمم ّر‪ ،‬أ ّما تصرتها فكانت تتألف من ثالثة صواري‪ ،‬ففي المق ّدمة يوجد ال ّ‬ ‫صاري األمامي مائال ج ّدا‬ ‫نحو األمام‪ ،‬وفي الوسط يوجد ال ّ‬ ‫صاري الكبير‪ ،‬وأ ّما صاري المؤ ّخرة فيوجد بقرب المقود الذي‬ ‫يحمل في بعض األحيان مصطبة صغيرة‪ ،‬وتتك ّون الشبابك في العادة أيضا من ثالثة أشرعة فوق‬ ‫هوائيات‪ ،‬غير ّ‬ ‫أن بعضها كان يُقاد بأشرعة مربّعة على صاريات تكون قطعة واحدة أي إنّها مك ّونة‬ ‫من ثالث قطع مطعمة بعضها على اآلخرين‪ ،‬أ ّما "ال ّ‬ ‫صاري"األخير فيحمل في أغلب األحيان‬ ‫‪1‬‬

‫‪- LE GOFF, (J.), MEYER, (J.), « La construction navale en Bretagne de 1762 à 1788 (fin) », In :‬‬ ‫‪Annales deBretagne. Tome 76, numéros 2-3, 1969, pp. 433-443.‬‬ ‫ ويذكر صاحب المقال أن دور صناعة السفن الفرنسية المختصة في صناعة المراكب الصغيرة تقع على سواحل المونش وسواحل البحر‬‫األبيض المتوسط في مرسيليا وبوردو‪ ،‬وأن صناعة السفن كانت مرتبطة ارتباطا وثيقا بقوة االستثمارات في التجارة البحرية‪ ،‬واعتبر هذا‬ ‫القطاع من أهم القطاعات الصناعية الفرنسية فيما بين ‪.1790-1760‬‬ ‫‪2‬‬ ‫سفن اإلسالميّة على حرف المعجم‪ ،‬جامعة اإلسكندريّة‪ .1974 ،‬ص ‪.73‬‬ ‫ النخيلي(درويش)‪ ،‬ال ّ‬‫‪3‬‬ ‫‪- BOUCHET, "Les chébecs de la marine française", In NEPTUNIA, Revue de l'association des amis du‬‬ ‫‪musée de la marine, N° 4, 4e trimestre 1946, p. 13.‬‬ ‫‪- PANSAC, D., Les corsaires barbaresques, la fin d’une épopée 1800-1820, CNRS, Paris, 1999, p. 42.‬‬ ‫ أميلي(حسن)‪ ،‬المغاربة والمجال البحري خالل القرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬أطروحة دكتورا الدولة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم‬‫اإلنسانية المحمدية‪ ،2001 ،‬ص ‪.212‬‬ ‫‪22‬‬

‫‪4‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫شراعا التينيا وقد عرفها "دوزي" فقال‪" :‬الشباك سفينة حربيّة صغيرةالحجم تُستعمل عادة في‬ ‫البحر المتو ّسط"‪ ،1‬وهي من ال ّسفن ال ُمصنّعة في ترسانة طرابلس منذ القرن الثّامن عشر‪ ،‬وربّما‬ ‫‪2‬‬ ‫حتّى قبل ذلك‪ ،‬ألنّها من المراكب التي عرفها العرب في العصور الوسطى‪.‬‬ ‫وتميّزت "الشبابك" بالخفّة وال ّرشاقة وال ّسرعة وتماسكها فوق البحر رغم خفّتها‪ ،‬ولهذا‬ ‫كانت دائما ضمن تشكيالت مراكب الغزو حيث يُعتمد عليها في مهاجمة سفن األعداء وال ّدخول بها‬ ‫إلى المناطق الضيّقة‪ .‬وقد ش ّكلت خفّة الشباك وضعف غاطسه دافعين أساسيين ليصبح أكثر ال ّسفن‬ ‫ضحلة‪ ،‬وخا ّ‬ ‫مالئمة لإلبحار في المياه ال ّ‬ ‫صة خطورة الموج عند اإلعصار‪ .‬لذلك بادر المغاربة إلى‬ ‫تغيير دوره من مركب للصّ يد إلى سفينة حربيّة صغيرة وجاهدوا من أجل جعلها أق ّل حجما وأكثر‬ ‫سرعة من النّوع المتو ّسطي منذ القرن ال ّسابع عشر‪ 3.‬ويشير بعض الباحثين إلى ّ‬ ‫أن استعماله النّاجح‬ ‫في النّشاط القرصني هو ما دفع البحريّات األوروبيّة إلى اعتماده لمالحقة ال ّسفن المعادية‪ .‬وصار‬ ‫"الشباك" على امتداد قرنين إلى جانب "الفرقاطة "و"الغليوطة" نوعا رئيسيّا في ال ّسفن المعتمدة‪،‬‬ ‫يتراوح طاقمه بين مائة ومائتي رجل وحمولته ال تتجاوز في الح ّد األقصى مائتي ّ‬ ‫طن‪.‬‬ ‫وقد تبيّن‪ ،‬بعد هزيمة المعركة البحريّة "ليبانتو" سنة ‪ ،1573‬الفارق الكبير في تقنيّات‬ ‫صناعة ال ّسفن بين بلدان شمال إفريقيا ونظيراتها األوروبيّة‪ .‬فسعى ريّاسها إلى تطوير أدواتهم‬ ‫العمليّة لمواجهة المنافسة األوروبيّة ال ّشرسة‪ ،‬مستفيدين من المواجهات البحريّة المتواصلة ض ّد‬ ‫خصومهم لتطوير خبراتهم المالحيّة وقدراتهم القتاليّة وتوسيع إطّالعهم على الحديث في ميدان‬ ‫ال ّسفانة‪ .‬وعرفت سفن المغاربة في أواخر القرن ال ّسادس عشر إدخال تغييرات كبيرة وها ّمة في‬ ‫صناعة بعض القطع البحريّة مثل "الغالسات")‪ (Galéasses‬اإلسبانيّة واإليطاليّة وهي في األصل‬ ‫قادس مجذافي ثقيل مجهّز بثالثة صواري‪ .‬واعتبر هذا اإلنجاز تح ّوال ها ّما في تقنيّات المالحة لسفن‬ ‫بلدان شمال إفريقيا‪ ،‬ألنّها جمعت بين مواصفات " القادس"و" الغليون"‪ .‬كما حصل تط ّور ها ّم في‬ ‫نوعيّة ال ّسفن القتاليّة واستغالل أفضل لتجهيزاتها وخا ّ‬ ‫صة تمرّس الب ّحارة على استخدام األشرعة‬ ‫‪4‬‬ ‫الالتينيّة أ ّوال‪ ،‬ث ّم إتقان التح ّكم في استعمال األشرعة المربّعة األكثر سهولة‪ .‬هذا ما مثّل مرحلة‬ ‫انتقاليّة في تطوير تقنيّات صنع ال ّسفن في مطلع القرن ال ّسابع عشر‪ ،‬وبفضل االستعانة بالخبرات‬ ‫المتق ّدمة لل ّسفانة األوروبيّين والعاملين بدور ال ّ‬ ‫وو َر ِشها وموانئها‬ ‫صناعة ببلدان شمال إفريقيا ِ‬ ‫المتع ّددة‪ .‬فبدال من القوادس التّقليديّة التي كانت سائدة ظهرت ال ّسفن المستديرة األكثر مالئمة للعمل‬ ‫في موانئ "الجزائر"و"تونس"و"طرابلس"و"المغرب األقصى"‪ .‬ويشير األب "دان" إلى ّ‬ ‫أن‬ ‫الهولندي "سيمون دانسير" هو من ط ّور قدرات التّقانة الجزائريّين وح ّدثها سنة ‪ ،1606‬وعلّمهم‬ ‫تقنيّة استعمال األشرعة وأدخل إلى ورش الجزائر بداية استعمال ال ّسفن المستديرة‪ .‬فيما اطّلع‬ ‫التّونسيّون على هذه التّقنية عن طريق القرصان اإلنقليزي "إدوارد"‪ ،‬ونفس ال ّدور قام به العلج‬ ‫‪5‬‬ ‫اليوناني"مامي رايس" في طرابلس سنة ‪.1619‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد كانت هذه ال ّسفن تحمل أسماء متن ّوعة على اختالف أنواعها وأشكالها منها‪ :‬الطريدة‬ ‫وال ّسنبك والفرقاطة والغليوطة والبوالكر والصندل وغيرها‪ .‬وتميّزت بذلك عن ال ّسفن األوروبيّة‬ ‫ال ّ‬ ‫صنع بالتّقليص من أحجامها وحمولتها األمر الذي يسمح لها بانسيابيّة أكبر وأفضل على سطح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫البحر‪ ،‬وعد هذا التجديد األكثر نجاحا وأهميّة في استعمال التقنيات المالحيّة الجديدة‪ .‬لقد كان‬ ‫إلستخدام ال ّسفن المستديرة دوافع أساسيّة تتمثّل في التّقليص من حمولة المركب عن طريق استبدال‬ ‫دوزي (رنيهارت)‪،‬تكملة المعاجم العربية‪ ،‬تعريب محمد سليم النعيمي‪ ،‬ج ‪ ،1،2‬وزارة الثقافة والفنون‪ ،‬العراق‪ ،1978 ،‬ص ‪.241‬‬ ‫‪ 2‬الطويل (أمحمد سعيد)‪ ،‬البحرية الطرابلسية في عهد يوسف باشا القرمانلي ( ‪ ،)1795-1832‬دار الكتاب الجديد المتحدة‪ ،‬بيروت‪-‬‬ ‫لبنان‪ ،2000 ،‬ص ‪.137-136‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪BOUCHET, "Les chébecs de la marine française", Op.cit. p. 13.‬‬ ‫‪ -4‬أميلي (حسن)‪" ،‬البحرية العثمانية في الحوض الغربي للبحر المتوسط خالل القرنين ‪ 16‬و‪ 17‬من الريادة إلى التبعية"‪ ،‬العثمانيون‬ ‫والعالم المتوسطي‪ ،‬مقاربات جديدة‪ ،‬تنسيق عبد الرحمان المؤدن وعبد الرحيم بنحادة‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بالرباط‪،‬‬ ‫سلسلة‪ :‬ندوات ومناظرات رقم ‪ ،2003 .109‬ص ‪.102-91‬‬ ‫‪5‬‬ ‫ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪3‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫جزء من طاقم التّجذيف بق ّوة األشرعة مما يزيد من عامل الخفّة وال ّسرعة فضال عن كونه يقلّل من‬ ‫‪1‬‬ ‫حجم مصاريف ال ّ‬ ‫صنع‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يمكن االستدالل على أه ّمية ال ّسفينة الشباك وعلى ال ّدور الذي لعبته في تنشيط التبادالت‬ ‫التّجاريّة أو في الغارات البحريّة على أهداف أوروبيّة مختلفة‪ ،‬قياسا ألعداده داخل بلدان المغرب‪.‬‬ ‫فعامل الخفّة وال ّسرعة كان يسمح لهذا المركب أن يضرب أهدافا ُمح ّددة على الموانئ األوروبيّة‬ ‫المتوسطيّة‪ ،‬ويعود بسرعة قبل أن تلحق به سفن العد ّو مح ّمال بالبضائع واألسرى والعتاد وما شابه‬ ‫من غنائم الغزو في البحر‪ .‬ويورد"بنزاك"‪ّ 2‬‬ ‫أن طرابلس الغرب كانت تملك خالل السنوات بين‬ ‫‪ 1787-1785‬سفينتين من نوع الشباك تحمل ما بين ‪ 10‬و‪ 18‬مدفعا‪ ،‬إلى جانب ‪ 12‬غليوطة‬ ‫مجهّزة بمدافع يتراوح عددها بين مدفعين اثنين وأربعة مدافع‪ .‬وإجماال كانت طرابلس تملك ‪14‬‬ ‫قطعة بحرية مجهّزة ب ‪ 54‬مدفعا‪ .‬وكانت الجزائر تملك ‪ 13‬سفينة مسلّحة بـ ‪ 218‬مدفعا خالل‬ ‫السنوات ‪ .1787- 1785‬أ ّما األسطول التّونسي وحسب نفس المرجع فقد كان يض ّم ‪ 38‬مركبا‬ ‫مسلّحا بـ ‪ 202‬مدفعا‪ .‬فقد اعتمدت إيّالة تونس بشكل ملحوظ على سفينة الشباك في تقويّة أسطولها‬ ‫الحربي وتنشيط حركة التّبادالت التّجاريّة فيما بين ال ّسنوات ‪ ،1815-1787‬وقد ض ّم أسطولها‬ ‫المتك ّون من ‪ 38‬قطعة بحريّة ‪ 5‬سفن من نوع شباك فيما بين ‪ ،1787-1785‬كما ع ّد ‪ 12‬سفينة‬ ‫شراعيّة سنة ‪ 1803‬من بينها ‪ 8‬شبابك ووصل حجم األسطول سنة ‪ 1816-1815‬إلى ‪ 20‬مركبا‬ ‫‪3‬‬ ‫شراعيا كان منها خمسة قطع من نوع الشباك‪.‬‬ ‫لقد مثّل البحر األبيض المتو ّسط جسرا لعبور ال ّسلع والبضائع‪ ،‬ولتبادل التّقنيات المالحيّة‬ ‫والخبرات البشريّة المتع ّددة والمتن ّوعة بين حوضيه الغربي وال ّشرقي‪ .‬وهذا ما سمح بمرور األفكار‬ ‫والتّقنيات الجديدة والمستحدثة في صناعة ال ّسفن‪ ،‬فقد أخذ التقانة الفرنسيّون عن نظرائهم في بلدان‬ ‫شمال إفريقيا التّقنيات ال ُمدخلة على سفينة الشباك خالل بداية القرن الثّامن عشر‪ .‬واستطاعوا تطوير‬ ‫هيكل سفينة الشباك بشكل كبير ما بين بداية القرن الثّامن عشر ونهايته‪ ،‬فخالل الحرب على‬ ‫قراصنة شمال إفريقيا قرّر وزير البحريّة الفرنسيّة سنة ‪ 1750‬صناعة أربعة شبابك لحماية‬ ‫ال ّ‬ ‫سواحل من هجمات القراصنة المغاربة حملت أسماء ( ‪le Requin, l'Indiscret, le Rusé et le‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪ّ )Serpent‬‬ ‫لكن هذه الشبابك األربعة واجهت مشاكل تقنيّة عند إنزالها الماء حالت دون استعمالها‪.‬‬ ‫فلجأت وزارة البحريّة الفرنسيّة إلى صنع أربعة مراكب شباك جديدة سنة ‪ 1764‬وأطلقت عليها‬ ‫األسماء التاليّة (‪ 5.)le Renard, le Séduisant, le Singe et le Caméléon‬فهذا المركب يأخذ أبعاده‬ ‫حسب تغيّر استعماالته فالمركب ال ُمع ّد للنّشاط القرصني يتراوح طوله بين ‪ 12‬و‪ 25‬مترا‪ .‬أ ّما‬ ‫‪6‬‬ ‫المركب الحربي فيكون طوله بين ‪ 30‬و‪ 45‬مترا‪.‬‬ ‫لقد عمل التقانة على تخفيف وزن مركب الشباك والتّرفيع في حمولته في اآلن ذاته‬ ‫فال ّسفينة التي كانت حمولتها ‪ 32‬طنّا يمكن أن تصل بعد التّعديالت التّقنية المدخلة عليها إلى ‪ 59‬أو‬ ‫‪ 65‬طنّا‪ .‬حسب قياسات أخذت لمراكب مختلفة فيما بين سنوات ‪ ،1816-1790‬في دور صنع‬ ‫فرنسيّة‪ .‬فالورش يمكنها صناعة وتركيب مركب خفيف من هذا النّوع خالل فترة ال تتجاوز عشرة‬ ‫أشهر بتكلفة عالية‪ .‬في حين يأخذ إصالح هذا المركب م ّدة ال تق ّل عن ثالثة أشهر داخل الورش‬ ‫الفرنسيّة‪ ،‬في كل من ميناء "مرسيليا" أو "سان تروبز")‪ (Saint- tropez‬أو في ميناء "الساين" ( ‪La‬‬ ‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.102-99‬‬

‫‪1‬‬

‫‪PANZAC,) D.( , Les corsaires …, Op.cit, p. 101.‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ 3‬لقد ذكرت هذه القطع البحرية المختلفة وخاصة مركب الشباك في وثائق األرشيف الوطني التونسي ضمن السلسلة التاريخية‪ ،‬وخاصة في‬ ‫الملفين رقم ‪ 1070‬و‪ ،1071‬صندوق ‪ 187‬اللذين اشتمال على قوانين وتراتيب وميزانية وزارة البحر‪ .‬ولمزيد من التعمق والبحث في‬ ‫مختلف القطع البحرية التي كانت تكون األسطول التونسي انظر‪ :‬زغدود‪ ،‬ليلى‪ ،‬البحرية التونسية في قرن ‪ ،1881-1782‬أطروحة‬ ‫الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية بتونس‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2014-2013‬ص ‪.76-70‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪BOUCHET, "Les chébecs de la marine française", Op.cit. p. 14.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪Ibid., p. 14-15.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪DELHAYE, Marion, « Quelques remarques sur la construction française des chébecs entre la fin du‬‬ ‫‪XVIII et le début du XIX siècle », In Archaonautica, vol. 14, 1998. p. 259.‬‬ ‫‪24‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫‪ 1.)Seyne‬وقد ت ّم االستغناء عن استعمال مراكب الشباك بعد ظهور ال ّسفن البخاريّة خا ّ‬ ‫صة الفرقاطة‬ ‫واقتصر استغالل الشباك على ال ّ‬ ‫صيد والنّقل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن التّأريخ لصناعة ال ّسفن وللتقنيات المالحيّة المدخلة عليها خالل الفترة الحديثة يضع‬ ‫ّ‬ ‫الباحث أمام عديد التح ّديات‪ .‬كما يمثل تداخل أسماء ال ّسفن وتع ّدد أنواعها صعوبة كبيرة تحول دون‬ ‫إنجاز دراسة تقنيّة دقيقة لهذه ال ّسفن المتو ّسطية ال ّ‬ ‫صنع‪ .‬وفي هذا اإلطار يُع ّد البحث الجا ّد الذي قام‬ ‫ّ‬ ‫به المهندس المعماري البحري الجزائري "أمين علي حيدر"‪ ،‬إضافة كبيرة تمكن من دراسة‬ ‫الخصائص التّقنية والمقاييس ال ّدقيقة لمركب الشباك‪ ،‬الذي نشره على الموقع اإللكتروني‬ ‫"البحري" (‪ 2،)El-Babhri‬فبعد بحث طويل في عديد المكتبات األوروبيّة‪ ،‬وبتشجيع من األستاذ‬ ‫"موالي بلحميسي" المختصّ في تاريخ البحريّة الجزائريّة‪ .‬تو ّ‬ ‫صل الباحث "أمين علي حيدر" إلى‬ ‫ّ‬ ‫العثور على تصاميم ونماذج تُع ّد األصليّة "للشباك الجزائري" بمكتبة ال ّسويد‪ .‬ضمن كتاب ألفه‬ ‫المهندس المعماري البحري السويدي "فريدريك هندريك أف شبمان"‪Frederic Henric of (3‬‬ ‫‪ )Chapman‬بعنوان‪:‬‬ ‫‪« Traité sur la construction navale, plans avec explications et preuves de l’architecture‬‬ ‫‪navale commerciale ».‬‬ ‫نشر الكتاب سنة ‪ ،1775‬ويُع ّد بمثابة الموسوعة التي جمع فيها صاحبها أه ّم نماذج ّ‬ ‫فن‬ ‫صناعة ال ّسفن فيعصره‪ .‬وهو الذي أطلق اسم "الشباك الجزائري" (‪ )Algérien chebec‬على‬ ‫التّصاميم والمخطّطات التي وضعها‪ ،‬ولم يطلق عليها اسم "شباك القراصنة" كما كان متداوال على‬ ‫تسميته في الكتب األوروبيّة في الفترة الحديثة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪Ibid. pp. 260-261.‬‬ ‫‪- Amine (A.H.), « Le Chebec algérien d’après Chapman-1775", inhttp://concept-naval.El‬‬‫‪bahri.com.2013. pp. 1-6.‬‬ ‫‪ -3‬ولد فريدريك‪ ،‬في ‪ 9‬سبتمبر ‪ 1772‬في السويد‪ ،‬وعرف عنه شغفه بتصميم السفن‪ .‬عمل مهندسا بحريا لبحرية السويد‪ ،‬ثم ارتقى إلى رتبة‬ ‫نائب أمير البحر )‪ (vice amiral‬سنة ‪ ،1791‬اختفى في ‪ 19‬أوت ‪ 1808‬في "قتبارق" (السويد)‪ ،‬حسب ما ورد في مقال حيدر أمين‬ ‫المشار إليه‪ ،‬ص ‪.3-2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪25‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫"الشباك" كما وثّقه "شبمان" ووضع تصاميمه‪ ،‬تض ّمن الخصائص الرئيسيّة للشباك الجزائري‬ ‫وهي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ الطول بين المتعامدين الجؤجؤ (صدر السفينة) ومؤخرتها‪ 127 :‬قدم ما يعادل ‪ 38‬متر‪.‬‬‫ العرض ‪ 25 1/5‬قدم ما يعادل ‪ 7.48‬مترا‪.‬‬‫ّ‬ ‫ غاطس المياه (الك ّمية التي تسحبها ال ّسفينة حين تغطس لثقل الشحنة)‪9 1/3 :‬القدم أي ما‬‫يعادل ‪ 2.77‬مترا‪.‬‬ ‫ سطح ال ّسفينة‪ :‬يحمل ‪ 16‬مدفعا تحمل مقذوفات بوزن ‪ 3‬باوندات‪.‬‬‫ الكوثل (طرف المؤ ّخرة)‪ :‬يحمل ‪ 4‬مدافع بمقذوفات وزن ‪ 12‬باوند‪.‬‬‫ سطح الطّرف األمامي‪ :‬يحمل ‪ 8‬مدافع بمقذوفات وزن ‪ 3‬باوندات‪.‬‬‫‪1‬‬ ‫ المركب يحتوي على ‪ 9‬أزواج مقاعد للمجذفين و‪ 30‬بندقية‪.‬‬‫وحلّل الباحث "أمين حيدر" بعض التّصاميم‪ ،‬ليورد ّ‬ ‫أن مخطّط ال ّشكل‪ :‬يمثّل الجزء األيسر‬ ‫من مخطّط مؤ ّخرة الشباك والجزء األيمن منه مق ّدمة المركب‪ .‬كما الحظ ّ‬ ‫أن الجزء األيسر من‬ ‫‪2‬‬ ‫األشكال المستديرة في وسط ال ّ‬ ‫صورة إلى األعلى تطابق اللّوحة الخلفية‪ .‬انظر الصورة التالية‪:‬‬ ‫وبالنّظر إلى ال ّ‬ ‫صواري الثّالثة وإلى الفارق بين طول األنبوب الخلفي وسطح ال ّسفينة ال ّرئيسي‬ ‫نالحظ ّ‬ ‫أن العارضة مصنوعة منقطعة واحدة األمرالذي يمنحها صالبة على كامل طولها‪ .‬وقد‬ ‫‪3‬‬ ‫وصلت بـسطح ال ّسفينة )‪ (l’étrave‬عبر قطعة كبيرة تُس ّمى "خنزيرالبحر" )‪.(le marsouin‬‬ ‫والقوس الخلفي مصنوع ومدعومبنفس الطّريقة التي يستعملها اليوم الن ّجارة البحريّون‪ .‬وقد ق ّدمت لنا‬ ‫هذه ال ّدراسة التّقنية قراءة واضحة بالقياسات واألرقام لمركب الشباك إضافة إلى المج ّسمات‬ ‫وال ّ‬ ‫صور‪.‬‬ ‫يعتبر البحث في صناعة ال ّسفن وتقنيات المالحة من الموضوعات الواعدة والواسعة وإن‬ ‫كان رصيد الكتابات للمدرسة التّاريخيّة المغاربيّة إجماال مازال محدودا مقارنة بغيره من المدارس‬ ‫التّاريخيّة التي اهت ّمت بدراسة التّاريخ البحري والمالحي كالمدرسة الفرنسيّة واإلنقليزيّة وغيرهما‪.‬‬ ‫وال يمكن دراسة التح ّوالت التّقنية المدخلة على صناعة ال ّسفن بأنواعها المختلفة دون تظافر‬ ‫مجهودات عديد االختصاصات التي تتقاطع مع التّاريخ‪ ،‬وتنصهر معه لتؤ ّسس لمعرفة تقنيّة دقيقة‬ ‫وشاملة مثل عمل المهندس البحري والباحث المعماري البحري‪ ،‬إلخراج عمل مشترك أو دراسة‬ ‫تجمع بين مؤ ّرخي بلدان شمال إفريقيا المخت ّ‬ ‫صين في التّاريخ البحري‪ ،‬تكون قراءات متن ّوعة‬ ‫ومختلفة ومتكاملة‪.‬‬

‫صورة للّوحة‬ ‫الخلفية التي‬ ‫تحمل‬ ‫‪1‬‬ ‫مدفعين‬

‫‪Amine. (A.H.), « Le chebec algérien… », Op.cit. p. 3.‬‬ ‫‪Ibid. p.4.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Ibid. P.4.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪26‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫تصاميم ومج ّسمات لمركب الشباك الفرنسي‬ ‫"الروكان"‪1750( Le Requin)1‬‬ ‫‪27‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫صورة مج ّسمات مقطعية لشباك فرنسي يعود لسنة‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1750‬‬

‫صورة لسفينة الشباك‬

‫البيبلفيا‬ ‫‪28‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫البيبليوغرافيا‬ ‫‪I‬المراجع باللّغة العربيّة ‪:‬‬‫ أميلي )حسن( ‪ ،‬المغاربة والمجال البحري خالل القرنين السابع والثامن عشر‪ ،‬أطروحة دكتوراه‬‫الدولة‪ ،‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية المحمدية‪.2001 ،‬‬ ‫أميلي(حسن)‪ "،‬البحرية العثمانيّة في الحوض الغربي للبحر المتو ّسط خالل القرنين ‪ 16‬و‪ 17‬من‬‫سطي‪ ،‬مقاربات جديدة‪ ،‬تنسيق عبد الرحمان‬ ‫ال ّريادة إلى التّبعية"‪ ،‬العثمانيّون والعالم المتو ّ‬ ‫المؤ ّذنوعبد الرحيم بنحادة‪ ،‬منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانيّة بال ّرباط‪ ،‬سلسلة‪ :‬ندوات‬ ‫ومناظرات رقم ‪.2003 .109‬‬ ‫سفن اإلسالميّة على حرف المعجم‪ ،‬جامعة اإلسكندريّة‪.1974 ،‬‬ ‫ النخيلي(درويش)‪ ،‬ال ّ‬‫ الطويل (أمحمد سعيد)‪ ،‬البحرية الطرابلسيّة في عهد يوسف باشا القرمانلي (‪ )1795-1832‬دار‬‫الكتاب الجديد المتّحدة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪.2000 ،‬‬ ‫ السليمي (سناء)‪ ،‬ميناء طرابلس الغرب في عهد األسرة القرمانلية ‪ ،1835 -1711‬شهادة‬‫ال ّدراسات المع ّمقة في التّاريخ الحديث‪ ،‬كلّية العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة بتونس‪ ،‬السنة الجامعية‬ ‫‪.2002-2001‬‬ ‫دوزي (رنيهارت)‪ ،‬تكملة المعاجم العربيّة‪ ،‬تعريب مح ّمد سليم النعيمي‪ ،‬ج ‪ ،1،2‬وزارة الثقافة‬‫والفنون‪ ،‬العراق‪.1978 ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ زغدود (ليلى)‪ ،‬البحريّة التونسيّة في قرن ‪ ،1881-1782‬أطروحة الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم‬‫اإلنسانيّة واالجتماعيّة بتونس‪ ،‬ال ّسنة الجامعية ‪.2014-2013‬‬

‫‪- II‬المراجع باللّغة الفرنسيّة ‪:‬‬

‫‪-Amin (A.H.), « Le Chebec algérien d’après Chapman-1775", in http://concept‬‬‫‪naval.El-bahri.com.2013.‬‬ ‫‪- BELHAMISSI (M.), Histoire de la marine algérienne 1516-1830. Alger 1986.‬‬ ‫‪- BOUCHET, "Les chébecs de la marine française", In NEPTUNIA, Revue de‬‬ ‫‪l'association des amis du musée de la marine, N° 4, 4e trimestre 1946.‬‬ ‫‪- DELHAYE(M.) « Quelques remarques sur la construction française des chébecs entre‬‬ ‫‪la fin du XVIIIe et le début des XIXe siècles », InArchaeonautica, vol. 14, 1998.‬‬ ‫‪- ELKEFI (B.), Les termes techniques de la marine, Beyrouth, Liban. 1981.‬‬ ‫‪- LE GOFF (J.) MEYER (J.)، «La construction navale en Bretagne de 1762 à 1788‬‬ ‫‪(fin)», In : Annales de Bretagne. Tome 76, numéros 2-3, 1969.PANSAC (D.), Les corsaires‬‬ ‫‪barbaresques, la fin d’une épopée 1800-1820.CNRS, Paris, 1999.‬‬

‫‪-III‬المواقع االلكترونيّة ‪:‬‬ ‫‪www.pinterest.com.‬‬ ‫‪www.lacardinale.com.‬‬

‫‪29‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫دور المماليــك التّونسييـن في تأسيـس ال ّدولـة التّونسيـة الحديثـة‬ ‫د‪ .‬الشيباني بنبلغيث‬ ‫تك ّونت في تونس خالل الحكم العثماني طائفة من المماليك‪ ،‬جاؤوا إلى تونس عن طريق‬ ‫األسر أو الشراء‪ ،‬من مناطق متع ّددة في آسيا وأوروبا‪ .‬وقد إهت ّم البايات الحسينيّون بعدد من هؤالء‬ ‫المماليك في التّعليم والتّربية مع أبنائهم‪ ،‬ومن ث ّمة انخرطوا في خدمة من أحسن تربيتهم‪.‬‬ ‫وإستعان البايات بهم في مجال اإلدارة والجيش‪ ،‬وذلك عوض جند األتراك الذين كانوا‬ ‫يحاولون اإلستيالء على ال ّسلطة في أوائل القرن التّاسع عشر‪ .‬فأزداد البايات إعتمادا على عدد من‬ ‫المماليك البارزين والموثوق فيهم‪ ،‬سواء في شؤون اإلدارة أو قيادة المحلّة‪ ،‬وحتّى سلطة الواليات‪.‬‬ ‫وعند إحداث أحمد باي للوزارات (‪ )1837-1856‬أمسك المماليك بعدد منها خا ّ‬ ‫صة وزارة الحرب‬ ‫ووزارة المالية وساعدهم على ذلك تناقص وفود المماليك من الخارج‪ ،‬ومصاهرة بعضهم مع أفراد‬ ‫األسرة الحاكمة‪ .‬ث ّم إزداد المماليك ق ّوة بعد إصدار قانون عهد األمان وما تاله من تطبيق ال ّدستور‬ ‫فدخلوا في كل المجاالت ال ّسياسيّة والعسكريّة وحتّى القضائيّة وكانت الوزارة الكبرى من نصيبهم‬ ‫إلى زمن طويل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يتناول هذا العمل دخول المماليك إلى أجهزة الدولة وال ّسيطرة على ُج ّل الخطط الوزاريّة فيها‬ ‫أثناء القرن التّاسع عشر وذلك ضمن العناصر التّالية‪:‬‬ ‫‪ -1‬دخول المماليك ألجهزة ال ّدولة‪.‬‬ ‫‪ -2‬مواقع المماليك في خطط ال ّدولة قبل قانون تحرير العبيد‪.‬‬ ‫‪ -3‬دور المماليك في قيام ال ّدولة الحديثة في تونس‪.‬‬ ‫فبماذا تميّزت سلطة المماليك في ال ّدولة؟‬ ‫ّ‬ ‫وما أهميّة دورهم في قيام كيان ال ّدولة التونسيّة؟‬ ‫وإلى أ ّ‬ ‫ي ح ّد استطاعوا أن يبرزوا أنفسهم كمصلحين وطنيّين؟‬ ‫ّ‬ ‫نورد في الورقات التالية ما تو ّ‬ ‫صلنا إليه من معلومات ومقاربات حول الموضوع من خالل‬ ‫ما توفّر لدينا من المصادر األصليّة المعاصرة للحدث‪.‬‬

‫أ ّوال‪ :‬ظهور المماليك في قصور األسرة الحسينية الحاكمة‪:‬‬

‫‪ -1‬دخول المماليك لمراكز القرار في ال ّدولة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫المماليك إسم يطلق على فئة من النّاس رجاال ونسا ًء فقدوا حرّيتهم وبيعوا في األسواق‪ .‬وت ّم‬ ‫إمتالكهم عن طريق األسْر في الحروب أو ال ّشراء من مناطق مختلفة‪ ،‬وانتقلوا إلى أماكن أخرى‬ ‫بعيدة عن مواطنهم األصليّة حسب العرض والطّلب‪.‬‬ ‫وقد جلب منهم إلى تونس عدد كبير نتيجة لحروب القرصنة في البحر األبيض المتو ّسط‪،‬‬ ‫أو ال ّشراء من األسواق‪ ،‬يوم كانت تجارة العبيد رائجة‪ .‬وحضي الكثير من هؤالء بملكيّة الح ّكام لهم‬ ‫كخدم و ْملك‪ .‬وكان اختيارهم يت ّم تبعا لجمالهم أو ق ّوتهم أو معرفتهم باللّغات األجنبيّة وهؤالء أثمانهم‬ ‫مرتفعة في الغالب وال يقدر عليهم إالّ القليل‪ .‬وكان ح ّكام األسرة الحسينيّة الذين استقرّوا في تونس‬ ‫قد شعروا بالحاجة إلى هذا النّوع بالخصوص من المماليك ذوي البشرة البيضاء‪ ،‬ليعتمدوا عليهم‬ ‫كعنصر مواز لمن يخشونه في ال ّسلطة من جند األتراك‪ ،‬في جيشهم أو أبناء البالد الطّامحين‬ ‫لل ّسلطة‪ .‬وكان ت ّجار العبيد يتسابقون في جلب ما يرغب فيه هؤالء من العبيد إليهم وحتّى إهداءهم‬ ‫‪30‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫إيّاهم عند الحاجة‪ .‬وبهذه الطّريقة تسرّب عدد من المماليك إلى قُصور الطّبقة الحاكمة‪ ،‬وتكاثر‬ ‫عددهم من النّساء وال ّرجال ال ّشباب مع األيّام‪ .‬فكان البايات يختارون من تظهر عليه عالمات‬ ‫النّجابة‪ ،‬وقاموا بتربيته جسميّا وخلقيّا وتربويّا ومنحوهم أسماء عربيّة جميلة كأسماء األنبياء‬ ‫وال ّرسل أو التي تُوحي بالتّفاؤل‪ ،‬أو أسماء سادتهم من المالكين لهم‪ .‬وتضاف إليها أحيانًا صفة المهنة‬ ‫التي يشغلها في خدمة سيِّده باعتبارهم ليست لهم أسماء عربيّة عرفوا بها أو لقبا معروفا‪.‬‬ ‫وسُرعان ما انجذب إليهم البايات في األسرة الحاكمة ووجدوا فيهم ضالّتهم وأصبحوا لهم‬ ‫خير معين في القصور كحرّاس شخصيّين أو إدارة شؤونهم الخا ّ‬ ‫صة الماليّة والعسكريّة‪ .‬فاعتمدوا‬ ‫على الرّجال وتز ّوجوا النّساء فالتحم السيّد بالمملوك ولم يلبث المماليك أن تصاهروا مع سادتهم‬ ‫فتز ّوجوا منهم وز ّوجوهم بناتهم‪ .‬وعلى هذا األساس ت ّم اختالط المماليك بأسر البايات واألهالي من‬ ‫خالل ال ّزواج‪ ،‬م ّما جعل الجانبان بمرور ال ّزمن يتناسون شيئا فشيئا فكرة السيّد والمملوك وشروط‬ ‫العبوديّة والحرّية حتّى قبل إعالن عتق العبيد ومنع العبوديّة دوليا‪.‬‬ ‫وهذه أمثلة من شبكة التّزاوج بين أفراد األسرة الحسينيّة الحاكمة ومماليكها في الفترة‬ ‫موضوع البحث كما أوردها "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪:‬‬ ‫ـ تز ّوج "اسماعيل كاهيه" من ابنة "حسين بن علي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج"رجب خزنه دار" من "فاطمة" ابنة "حسين بن علي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "مصطفى خوجه" من ابنتين على التّوالي من بنات "علي باي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "يوسف صاحب الطّابع" ابنة "علي باي" التي توفّى عنها زوجها‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "شاكير صاحب الطّابع" من ابنة "حسين بن محمود باي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "سليمان كاهيه "ابنة "محمود باي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "مصطفى آغا" ابنة "مصطفى باي"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "خير ال ّدين كاهيه" ابنة "إسماعيل كاهيه"‪.‬‬ ‫ـ تز ّوج "رشيد" ابنة "محمد العربي ز ّروق"‪.1‬‬ ‫وتعزيزا لعالقات البايات مع مماليكهم جعل "محمود باي" سنة ‪ 1814‬لمماليكه عقد زواج‬ ‫جماعي ض ّم عددا من المماليك في القصر‪ .‬وجمع الباي المجلس ال ّشرعي وعقد للوزير" يوسف‬ ‫صاحب الطّابع" على ابنة ع ّمه المتوفّى عنها زوجها "مصطفى خوجه"‪ ،‬وللوزير "سليمان كاهيه"‬ ‫على ابنته‪ ،‬ولـ " يوسف كاهيه" على ابنة "إسماعيل كاهيه"‪ ،‬ولـ"خير ال ّدين كاهيه" على أختها‪.‬‬ ‫وكان خطيب العقد هو "ال ّشيخ إسماعيل التّميمي"‪.2‬‬ ‫‪ -2‬تكليف المماليك بالمها ّم ال ّرئيسيّة في ال ّدولة‪:‬‬ ‫ما إن استق ّر األمر لألسرة الحسينيّة في البالد التّونسيّة بعد الفتنة ال ّسياسيّة المعروفة‬ ‫ووثق البايات بعدد من مماليكهم الذين تربّوا على أيديهم‪ ،‬وفي قصورهم‪ ،‬حتّى بدؤوا بتكليفهم‬ ‫بالمأموريات الها ّمة في ال ّدولة ال ّ‬ ‫صاعدة‪.‬‬ ‫وابتداء من عهد "ح ّمودة باشا الحسيني" (‪ )1782-1814‬برز المماليك في مواقع‬ ‫المسؤوليّة التي أسندت إليهم‪ .‬فأسند "ح ّمودة باشا" قيادة الجيش لمملوكه "مصطفى خوجه"‪ ،‬وهو‬ ‫الذي قاد المحالّت العسكريّة وخا ّ‬ ‫صة المحلّة إلى طرابلس الغرب سنة ‪ 1795‬ثم أسندت قيادة الجيش‬ ‫‪3‬‬ ‫في الحرب مع الجزائر سنة ‪ 1807‬لـ"يوسف صاحب الطّابع" ‪ .‬وبنجاح هذه القيادات ازداد البايات‬ ‫وثوقا بالمماليك خا ّ‬ ‫صة في الذين كانت لهم معرفة باللّغات األجنبيّة‪ .‬وخالل الفترة اشتهر عدد من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المماليك‪ ،‬تولّوا خططا ها ّمة بداية من أواخر القرن الثامن عشر إلى بداية القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫‪ )1‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف(أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬تحقيق نخبة من كتابة الدولة للشؤون الثقافية‬ ‫واألخبار‪ ،‬تونس‪.1963 ،‬ج‪ ،7‬ص‪.136‬‬ ‫‪ )2‬ن‪.‬م‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.136‬‬ ‫سابق‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.136‬‬ ‫‪ )3‬المصدر ال ّ‬ ‫‪31‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫نورد فيما يلي ترجمة أه ّم المماليك الذين كلّفوا بخطط في ال ّدولة في فترة ما قبل التّحرير‪ .‬كما‬ ‫أوردها "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" الذي عاش مع عدد منهم وعرف عنهم ك ّل كبيرة وصغيرة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وهي تبرزأه ّم صفات هذه النخبة التي التفت حول البايات الماسكين بال ّسلطة‪ ،‬والمها ّم التي كلفوا بها‬ ‫ّ‬ ‫والذكاء والقرب من الباي‪ .‬وذلك بالتّرتيب حسب‬ ‫وبما تميّزوا به عن غيرهم في القيادة والحنكة‬ ‫تاريخ وفاتهم ملتزمين في كثير من األوصاف بكلمات "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪:‬‬ ‫ـ "رجب خزنه دار"‪ :‬يقول عنه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" أصله من الموالي ربّاه "الباشا علي باي" وكان‬ ‫معه في الجزائر خالل "الفتنة الباشية"‪ .‬خدم في دولته ودولة ابنه "ح ّمودة"‪ ،‬وكان تقيّا عفيفا أمينا‬ ‫ثقة‪ ،‬سلم النّاس من يده ولسانه توف ّي سنة ‪ 1797‬م‪.‬‬ ‫ـ "مصطفى خوجه"‪ :‬يقول عنه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪ :‬أصله من "بالد القرججاء" صغيرا في عهد‬ ‫"علي باشا بن مح ّمد"‪ ،‬سكن بالمدرسة الباشية‪ ،‬وقرأ مبادئ العلوم ث ّم اختاره "علي بن حسين"‬ ‫‪1‬‬ ‫ي الفكر سليم ال ّ‬ ‫لخطّة خزنه دار‪ ،‬وز ّوجه ابنته‪ ،‬كان خيّرا عفيفا قو ّ‬ ‫صدر توف ّي سنة ‪1800‬م‪.‬‬ ‫ـ "اسماعيل كاهيه"‪ :‬أصله من "القرج" نشأ في خدمة الباشا" علي بن حسين" فباشر الخطط وترقّى‬ ‫في المناصب كال ّسفر بالمحلّة ووالية األعراض‪ ،‬صاهر مخدومه على ابنته‪ ،‬وقعت خصومة بينه‬ ‫وبين "ح ّمودة باشا" فهرب بنفسه بسبب منافسته ألبناء سيّده وأبناء أخيه فانتقل إلى خدمة ال ّدولة‬ ‫‪2‬‬ ‫العثمانيّة وصار باشا الشا ّم‪.‬‬ ‫ـ "سليمان كاهيه األ ّول"‪ :‬أصله من "القرج" ومن مماليك الباشا "علي بن حسين" ثم ترقّى إلى أن‬ ‫‪3‬‬ ‫صار "كاهيه األمحال" وسافر بالمحلّة‪ ،‬كان خيرا عفيفا مقيّد اللّسان بالعجمة توف ّي سنة ‪.1807‬‬ ‫ـ "حسن خزنه دار"‪ :‬هذا مملوك لمملوك هو "مصطفى خوجه" وكان خزنه دار صار باش آغا‬ ‫‪4‬‬ ‫الصبايحية بوجق تونس‪ ،‬وول ّي خزنه دار كاهية دار الباشا توف ّي سنة ‪ 1815‬ودفن في تربة سيّده‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫السن‬ ‫ـ "يوسف صاحب الطّابع"‪ :‬أصله من "بالد البغدان" اشتراه التّاجر "ب ّكار الجلّولي" صغير‬ ‫وأهداه للباي "ح ّمودة باشا"‪ ،‬علّمه اللّغة وأخالق البالد وترقّى في خدمة الطّابع‪ ،‬قاد الجنود وأسّس‬ ‫جميل المآثر مثل جامعه بالحلفاوين وال ّزاوية لتعليم القرآن‪ ،‬والمدرسة للتّعليم‪ ،‬واألسواق والوكالة‬ ‫والح ّمام والمخازن‪ .‬وع ّمر الجامع بأربع خزائن من الكتب وكتب عليها التّحبيس‪ ،‬وأوقف عليها‬ ‫أوقافا مفيدة وجعل دفترا إلحصاء أوقافه واشترط المحاسبة في كل عام‪ .‬أحيا كل ما اندثر من‬ ‫المكاتب القرآنية بالحاضرة وحبّس على ثالثين قارئا يقرؤون القرآن بجامع ال ّزيتونة‪ .‬وله حبس ها ّم‬ ‫‪5‬‬ ‫لمارستان المرضى بصفاقس‪.‬‬ ‫وجاءت ثروته من التّجارة خارج تونس إذ كان يملك سفنا كثيرة للتّجارة والغزو يقول عنه "ابن‬ ‫أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪ ":‬أنّه كان حسنة من حسنات ال ّدهر وبابا من أبواب الخير وكان ذا سياسة وأخالق‪،‬‬ ‫كريم الطّبع يحبّ العلماء وال ّ‬ ‫صالحين ويحبّ الوطن‪ .‬ومحبوب من النّاس‪ ،‬كان آية هللا في صدق‬ ‫النّصيحة ويعتبر زعيم ال ّدولة العارف بسياستها ودقائق أحوالها‪ .‬لكنّه تنازع مع بعض المق ّربين من‬ ‫‪6‬‬ ‫الباي فقتل سنة ‪."1815‬‬ ‫ـ "سليم خوجه"‪ :‬أصله من "القرج" نشأ في خدمة "ح ّمودة باشا" قال عنه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪:‬‬ ‫"كان آية في الوفاء‪ ،‬قرّبه الباي "محمود باشا" وسافر عنه إلى ال ّدولة العثمانيّة والجزائر‪ .‬تز ّوج من‬ ‫بنات البالد وهي ابنة " "ال ّشيخ مهاود" شيخ ال ّربض‪ .‬كان يكتب بالقلم العربي والتّركي‪ ،‬حسن‬ ‫‪7‬‬ ‫األخالق‪ ،‬ذا وقار وه ّمة عالية ودين مع تواضع‪ ،‬سليم األثر طيّب الخير توفي ّسنة ‪.1819‬‬ ‫ضياف وقد ترجم لسبعة وخمسين منهم‪ .‬وقد تميّزت تراجمهُ بالدقّة والوضوح حتى أن كل من‬ ‫‪ )1‬كل التراجم مستقاة من تراجم ابن أبي ال ّ‬ ‫يتميّز بصفة معيّنة عن غيره يذكر ذلك بالتفصيل مثال ذلك من كان يتقن لغة أو لغات أو لديه شي ٌء من العلم‪.‬‬ ‫‪ )2‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪.7‬‬ ‫‪ )3‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )4‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )5‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )6‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )7‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ـ "رشيد خوجه"‪ :‬أصله من "بالد القرج" جعله "الباي ّحمودة باشا"على خزائنه في الغرفة بقصر‬ ‫ي‬ ‫باردو كان ثقة أمينا خيِّرًا تقيّا بعيدا عن الش ّر حسن الكتابة بالقلم التّركي نق ّي العرض‪ ،‬توف ّ‬ ‫‪1‬‬ ‫‪.1823‬‬ ‫ـ "شاكير المملوك"‪ :‬من مماليك "ح ّمودة باشا" تز ّوج من عقائل تونس منابنة "علي مهاود" شيخ‬ ‫ال ّربض‪ ،‬تق ّدم للخطط وأساء وأحسن له معرفة بعلم الحساب وبراهينه وبرع فيها‪ .‬توف ّي سنة ‪1825‬‬ ‫‪2‬‬ ‫ودفن بتربة الوزير" صاحب الطّابع"‪.‬‬ ‫‪ -3‬مواقع المماليك في سلطة ال ّدولة‪:‬‬ ‫اتّضحت خطط ال ّدولة ابتداء من عهد "ح ّموده باشا" (‪ )1782-1814‬وسرعان ما تس ّرب‬ ‫المماليك إلى تلك المواقع بشكل رسمي إلى جانب الباي‪.‬‬ ‫سياسيّة‪:‬‬ ‫أ‪ -‬المواقع ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تمثّل هذا الموقع في صاحب الطابع حيث أعطى هذه الخطة المملوك "يوسف" ومهمتّه هي‬ ‫حمل طابع الباي وختم أوراقه وأوامره ال ّ‬ ‫صادرة عنه إلى الواليات والقيادات ويمثّل هذا الموقع‬ ‫ال ّسلطة ال ّسياسيّة حيث يعطي صاحب الختم رأيه وقراراته ال ّسياسيّة في ال ّشؤون ال ّداخليّة وحتّى‬ ‫‪3‬‬ ‫العالقات الخارجيّة فاحت ّل المملوك "يوسف" هذا المنصب ال ّسياسي األ ّول بعد سيّده الباي‪.‬‬ ‫ب‪ -‬المواقع العسكريّة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ ّما الموقع الثّاني الذي احتله المماليك هو ال ّسلطة العسكريّة أو قيادة الجند‪ ،‬فقد اعتمد "حمودة‬ ‫باشا" على عدد من المماليك الذين يمكن االطمئنان لهم‪ ،‬عوض جند التّرك أو أهل البالد‪ .‬فكان‬ ‫"مصطفى خوجه" أ ّول من قاد الجند ض ّد ليبيا سنة ‪ ،1795‬ثم "يوسف صاحب الطّابع" الذي قاد‬ ‫الحرب ض ّد الجزائر سنة ‪ .1807‬وقاد هؤالء ّ‬ ‫بالذات المحلّة العسكريّة التي تجوب البالد من ال ّشمال‬ ‫إلى الجنوب ك ّل سنة عوض الباي قبل أن تصبح المحلّة لوارثي العرش الحسيني‪ .‬وهي ذات طابع‬ ‫‪4‬‬ ‫عسكري غالبا‪.‬‬ ‫ج‪ -‬المواقع االقتصاديّة‪:‬‬ ‫هذا الموقع يمثّله الخزنه دار ويعني ّ‬ ‫بالذات الذي يشرف على خزينة ال ّدولة الماليّة‪ .‬وهذا‬ ‫الموقع كان من نصيب المماليك المق ّربين ج ًّدا من الباي ولذلك نجد لقب خزنه دار يعطى لمن يتولّى‬ ‫هذه الخطّة من المماليك وكثيرا ما يبقى هذا اللّقب للمملوك حتّى وإن تولّى منصبا آخر‪ .‬مثال ذلك‬ ‫‪5‬‬ ‫"مصطفى خزنه دار" الذي تولّى مناصب عديدة ومنها الوزارة الكبرى طيلة ‪ 36‬سنة‪.‬‬

‫سسات التّونسية‪:‬‬ ‫ثانيّا‪ :‬المماليك خالل تحديث المؤ ّ‬

‫بدأ "أحمد باي" الذي تولّى بعد والده "مصطفى بن حسين باي" سنة ‪ 1837‬بمجرّد تولّيه‬ ‫بوضع برنامج لبناء دولة حديثة ومؤ ّسساتها‪ .‬نورد فيما يلي باختصار ما قام به في هذا المجال ومن‬ ‫استعان بهم من المماليك الموجودين‪.‬‬ ‫‪ -1‬إحداث الجيش النّظامي‪:‬‬ ‫أحدث "أحمد باي" تبعا لسياسته االستقالليّة عن ال ّدولة العثمانيّة جي ًشا نظاميا من أبناء البالد‬ ‫على الطّريقة األوروبيّة مك ّونا من فرق الخيّالة والمشاة‪ .‬وقد ع ّزز هذا العمل ما منحه له ال ّسلطان‬ ‫العثماني من لقب عسكري مميّز وهو "لقب ُمشير" مما جعله يزداد رغبة في مواصلة ما قام به من‬ ‫بناء عسكري لدولة ذات مؤ ّسسات مستقلّة‪ .‬ولهذا الغرض أنشأ "مدرسة حربية في باردو" وبقصره‬ ‫سنة ‪ .1840‬وبدأت المدرسة عملها بخمسين تلمي ًذا اختيروا من صغار المماليك ذوي األصول‬ ‫االغريقيّة وال ّشركسيّة وبعض أبناء البالد ولع ّل هذا يُشير إلى اعتماده على المماليك وأبنائهم في‬ ‫‪ )1‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬ج‪.7‬‬ ‫‪ )2‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )3‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬ج‪.3.‬‬ ‫‪ )4‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )5‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ال ُمستقبل‪ .‬وقد تخرّج منها عدد من الضبّاط الّذين لعبوا دورا بارزا في بناء مؤ ّسسات ال ّدولة ومنها‬ ‫‪1‬‬ ‫وزارة الحرب فيما بعد‪.‬‬ ‫‪ - 2‬عتــق المماليــك‪:‬‬ ‫من أه ّم أعمال "أحمد باي" الحضاريّة المب ّكرة إصداره أمرا بعتق المماليك التّونسيّين وسواءا‬ ‫كان هذا العمل استجابة لطلبات ال ّدول األوروبيّة أم عن رغبة شخصيّة فإنّه يعتبر عمالً إصالحيّا‬ ‫صة ّ‬ ‫مميّزا خالل الفترة إذا قيس بأعمال غيره من باشوات ال ّدولة العثمانيّة خا ّ‬ ‫وأن هذا الباي كما‬ ‫يقول "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪" :‬أنّه في ظاهر حاله شيء من الميل بطبعه إلى الحضارة التي أُ ّسسها‬ ‫ومالك أمرها الحرّية"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لذلك صدر أمر الباي إلى سائر البالد التونسيّة بعتق المماليك ال ّسودان وذلك كما نصّ األمر‬ ‫ّ‬ ‫ألن غالب أهل هذه المملكة ال يحسنون ملك إخوانهم من بني آدم على الوجه ال ّشرعي أو قريب منه‪.‬‬ ‫صدر األمر سنة ‪ 1840‬بمنع بيع ال ّرقيق في ال ّسوق‪ ،‬وأسقط المال الموظّف لل ّدولة عن‬ ‫أثمانهم وهدم ال ّدكاكين الموضوعة لجلوسهم‪ ،‬وسكت عن بيعهم في غير ال ّسوق ويبدو أنّه اتّبع في‬ ‫صدور األوامر في هذا الشأن‪ ،‬التدرّج‪ .‬ففي سنة ‪ 1842‬صدر أمر الباي ّ‬ ‫بأن المولود في المملكة‬ ‫التّونسيّة أصبح حرّا‪ .‬وفي سنة ‪ 1846‬حجّر ملكهم تماما‪ .‬وأمر بأن يكتب في عتق المملوكين ّ‬ ‫بأن‬ ‫الوالء لمواليهم ولم يجعل والءهم لبيت المال‪ ،‬فوافقه على ذلك رئيس الفتوى يومها وقام هو بدوره‬ ‫بتحرير عبيده وكذلك وافقه كبير مجلس ال ّشورى المماليك "ال ّشيخ إبراهيم ال ّرياحي"‪ ،‬وكتب رسالة‬ ‫للمجلس ال ّشرعي في الغرض وعيّن عدوال بـ"زاوية سيدي محرز"‪ ،‬و"ال ّزاوية البكرية‪ "،‬و"زاوية‬ ‫سيدي منصور" يكتبون لك ّل من أتى مستشيرا ح ّجة في حكمنا له بالعتق على سيّده وترفع للباي‬ ‫‪2‬‬ ‫لختمها‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أن هذا العمل وجد قبوال حسنا عند أغلب المسلمين باعتبار ّ‬ ‫ك ّ‬ ‫والش ّ‬ ‫أن ذلك هو أمر شرعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يحث عليه الشرع والقانون البشري‪.‬‬ ‫وتأييدا لهذا أورد "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" رسالة نُشرت في البالد‪ ،‬تؤيّد هذا العمل‪ ،‬لم يعرف‬ ‫كاتبها وأشيع أنّها جاءت من أوروبا‪ .‬نورد منها هذه الفقرة‪:‬‬ ‫«يا أهل النّفوس ال ّزكيّة والقلوب ال ّسالمة النّقيّة‪ ،‬واألخالق التي بال ّرحمة ح ّرية‪ ،‬شرعكم‬ ‫متش ّوف للحريّة‪ ،‬والملك للنّوع اإلنساني أعظم بليّة‪ ،‬وحالة المملوكين جليّة‪ ،‬وهللا يقدر على عكس‬ ‫‪3‬‬ ‫القضيّة‪ ،‬كما ملككم إيّاهم‪ ،‬يملكهم إيّاكم‪ ،‬وهو القادر فوق عباده وهو الحكيم الخبير»‪.‬‬ ‫وهذه القوانين ساعدت على بروز عدد من المماليك البيض في مجال اإلدارة وشؤون ال ّدولة‬ ‫ورفعت عددًا كبيرا منهم إلى هرم ال ّسلطة من الذين لديهم طموح سواء في خدمة ال ّدولة أو غيرها‪.‬‬ ‫‪ -3‬بروز المماليك في عهد "أحمد باي"‪:‬‬ ‫نورد فيما يلي اثنين منهم كما ترجم لهم المؤرّخ "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪:‬‬ ‫* "إسماعيل كاهيــه"‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وصفه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" بأنه من المماليك القرج صاحب خير نشأ في خدمة "ح ّمودة باشا"‬ ‫وخرج عن خدمته ثم رجع للعمل في عهد "محمود باشا باي" وأصبح "آغا وجق دار باشا" وكان‬ ‫صهرا لـ"حسين باي" على ابنته‪ .‬وتدرّج في الخطط وسافر في األمحال وزاول األعمال وقاد‬ ‫الفرسان إلى ميادين القتال حتى أصبح "كاهيه باي األمحال"‪4.‬ويصف صاحب اإلتحاف أخالقه‬

‫‪ )1‬انظر كتابنا‪ :‬الجيش التونسي في عهد الصادق باي‪ ،‬نشر كلية اآلداب بصفاقس ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات‪ ،‬تونس‬ ‫‪.1995،‬‬ ‫‪ )2‬ابن أبي الضياف‪ ،‬م‪.‬ن‪ ،‬ج‪ .4‬وكان رئيس الفتوى يومها هو‪ :‬الشيخ محمد بيرم‪.‬‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص ‪.104‬‬ ‫‪ )3‬ابن أبي ال ّ‬ ‫‪ )4‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪34‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫بقوله‪ :‬كان آية هللا في ال ّ‬ ‫صدق والوفاء والحياء وكرم النّفس يقال في شأنه‪ :‬سلم النّاس من يده ولسانه‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ّ‬ ‫توف ّي سنة ‪ 1864‬ودفن في التربة الحسينيّة‪.‬‬ ‫* "مصطفى آغـــا"‪:‬‬ ‫أصله من "القرج"‪ ،‬نشأ في خدمة "مصطفى باي"واختصّ به وسافر معه وحمدت خدمته‬ ‫وصاهره على ابنته‪ ،‬وتدرّج في الخطط حتّى صار"باشآغا"في"وجقالحاضرة"‪ .‬عيّنه"أحمد باي"‬ ‫وزيرا للحرب واستعان به في جمع الجند عند إنشاء الجيش النّظامي‪ ،‬وسافر معه إلى باريسوسافر‬ ‫إلى ال ّدولة العثمانيّة و"طرابلس"‪ ،‬محمود األثر‪ ،‬طيّبْ الخير‪.‬‬ ‫كان مهت ّما بالعلم ومطالعة الكتب الفقهيّة والتّاريخيّة‪ ،‬مشاركا في الفقه‪ ،‬وتوصف أخالقه بأنّه‬ ‫كان ثقة أمينا نق ّي العرض يسلك طريق الج ّد بعيدا عن الغلط‪ ،‬ذاكرا شاكرا‪ ،‬عالي اله ّمة عزيز‬ ‫النّفس‪ ،‬صعب االنقياد‪ .‬يعرف معنى العلم ويعظم العلماء‪ .‬يغلب عليه الطّبع العسكري يقول الح ّ‬ ‫ق‬ ‫وال يُبالي‪ .‬فصيح اللّسان‪ ،‬خلّص الحاضرة من هرج في دولة "أحمد باي"‪ .‬ويوصف بأنّه كان شديد‬ ‫التعصّب للمماليك من قبيلته (الذين من أصل القرج) بكيّفية ال تُشين جمال فضيلته‪ .‬توف ّي سنة‬ ‫‪ ،1867‬شهد "ال ّ‬ ‫صادق باي" جنازته ولم يتخلّف عنه أحد من آل بيته ورجال ال ّدولة ودفن في مقبرة‬ ‫‪2‬‬ ‫األشراف‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن دخول هؤالء المماليك لتولي الخطط المختلفة في ال ّدولة‪ ،‬وتصرّفهم بحريّة في الخطط‬ ‫والتملّك والتّعليم‪ ،‬وحتّى دفنهم في مقابر أسيادهم‪ ،‬ومقابر ال ّشرفاء‪ ،‬لدليل على تمتّعهم بالحرّية‬ ‫الكاملة داخل الهيئة الحاكمة‪ ،‬وفقدوا بذلك صفة العبوديّة التي جاؤوا بها وحتّى أبناءهم نسوا هذه‬ ‫ال ّ‬ ‫صفة‪ ،‬ووجدوا أنفسهم في بيئة بعيدة ك ّل البُعد عن معنى االسم الذي كانوا يحملونه و ُعرفوا به‬ ‫والذي لم يبق منه إال لفظ "سيدي"‪ .‬فك ّونوا الثّروات وتح ّكموا في غيرهم وملكوا حتّى العبيد دون‬ ‫إعالن أنّهم تحرّروا من العبّودية سوى أنّهم أصبحوا أسيادًا في قصور األسياد‪ .‬وحتّى البايات‬ ‫أصبحوا يدعونهم باألبناء بدل األتباع أو العبيد قبل صدور قانون التّحرير وخا ّ‬ ‫صة المماليك‬ ‫"ال ّشركس" و "القرج" وهم من منطقة "القوقاز"‪ 3.‬إالّ أنّه من الواضح ّ‬ ‫أن هذه الحريّة التي امتلكوها‬ ‫بشكل أو بآخر هي التي م ّكنتهم من القيام بال ّدور األكبر في بعث المؤ ّسسات والقيام بأعباء الخطط‬ ‫ال ّ‬ ‫صغيرة والكبيرة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬دور المماليك في بناء ال ّدولة خالل عهد التّحرير‪:‬‬ ‫‪ -1‬المماليك في عهد القانون‪:‬‬ ‫كان إعالن "عهد األمان"سنة ‪ 1857‬وبعده إعالن ال ّدستور سنة ‪ 1861‬فرصة حقيقيّة للحريّة‬ ‫والحداثة لس ّكان البالد التّونسيّة جميعا‪ .‬وم ّما تميّز به هذا العهد أنّه وفّر البيئة المناسبة لصعود‬ ‫المماليك التّونسيّين واضطالعهم بالمها ّم الكبيرة في سلطة ال ّدولة بعد أن أصبحوا أحرارًا شرعًا‬ ‫وقانونًا‪.‬‬ ‫ورغم ّ‬ ‫أن القانون لم يدم طويال وأوقف العمل به فإنّه فسح المجال أمام المماليك لتركيز‬ ‫ال ّسلطة في أيديهم وتعاظم دورهم كفئة متميّزة في البالد فأمسكوا بج ّل المناصب واالمتيازات حول‬ ‫البايات خا ّ‬ ‫صة المناصب ال ّسياسيّة والمناصب العسكريّة‪.‬‬ ‫سياسي‪:‬‬ ‫* ففي الميدان ال ّ‬ ‫‪4‬‬ ‫كان "مصطفى خزنه دار" المملوك من أصل يوناني وزيرا مقرّبا منذ عهد "أحمد باي"‬ ‫ّ‬ ‫ست وثالثين سنة شريكا أساسيا‪ ،‬في ك ّل إصالح‪ ،‬وتحديث المؤ ّسسات ال ّسياسيّة‬ ‫واستم ّر لم ّدة‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪ ،8‬ص ‪.135‬‬ ‫‪ )1‬ابن أبي ال ّ‬ ‫‪ )2‬ن‪.‬م‪ ،.‬ص ‪.145‬‬ ‫‪ )3‬ن‪.‬م‪ ،.‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪ )4‬انظر حول هذا الوزير بحثنا الجامعي حول‪ :‬الوزير األكبر مصطفى خزنه دار وسياسته الدينية والتعليمية‪ ،‬المق ّدم للجامعة التونسية لنيل‬ ‫شهادة الكفاءة في البحث سنة ‪.1986‬‬ ‫‪35‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫والماليّة والعسكريّة‪ ،‬في عهد من يطلق عليهم في ذلك ال ّزمن بالمشيرين الثّالثة وهم ‪" :‬المشير أحمد‬ ‫باي" و"المشير محمد باي"و"المشير مح ّمد ال ّ‬ ‫صادق باي"‪ .‬وجاء "عهد األمان" فع ّزز سلطته وبرز‬ ‫معه مماليك كثيرون أشهرهم صهره على ابنته "خير ال ّدين"‪ ،‬ث ّم"الجنرال حسين" الذي كان رئيسا‬ ‫أل ّول بلديّة بتونس‪ ،‬و"الجنرال رستم" المتخرّج من المدرسة الحربيّة‪.‬‬ ‫وخالل التّطبيق أمسك عدد كبير من المماليك بال ّسلطة ومن ث ّمة وقع البايات تحت تأثير‬ ‫الوزراء المماليك كثيرا أو قليال‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫كأن األمور أصبحت عكسية وانقلبت ال ّدولة إلى دولة مماليك‬ ‫لكن دون إعالن‪ .‬فقد مثّلوا العدد األكبر في المجالس الحكمية وكانت رئاستها منوطة بهم على النّحو‬ ‫التّالي‪:‬‬ ‫ـ "خير ال ّدين"رئيس المجلس األكبر‪.‬‬ ‫ـ "مح ّمد" عامل ال ّساحل رئيس المجلس االعتيادي‪.‬‬ ‫ـ "إسماعيل صاحب الطّابع"رئيس مجلس التّحقيق‪.‬‬ ‫ـ "فرحات"رئيس مجلس الجنايات‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫ّ‬ ‫هذا إضافة إلى تواجدهم في أغلب المجالس والوزارات والقيادات المحلية بالجهات التّونسيّة‪.‬‬ ‫* في الميدان العسكري‪:‬‬ ‫كان عدد الضبّاط المماليك واحدا وسبعين ضابطا منحوا ال ّرتب ال ّسامية في الجيش وتمتّعوا‬ ‫بمرتّبات وامتيازات متن ّوعة‪ ،‬وحتّى الذين لم يت ّولوا مناصب سياسيّة أو عسكريّة منحوا رواتب قارّة‬ ‫سنة ‪ 1860‬إضافة إلى منافع أخرى من األكل واللّباس وال ّسالح من ميزانيّة خصّصت لهم رسميّا‬ ‫‪2‬‬ ‫من ال ّدولة‪.‬‬ ‫وكان عدد المماليك الضبّاط واحدا وسبعين ضابطا ينقسمون حسب رتبهم إلى ثماني‬ ‫‪3‬‬ ‫مجموعات نذكر منهم هنا األه ّم في ال ّرتبة وعددهم‪:‬‬ ‫ المجموعة األولى‪ :‬رتبة أمير األمراء وعددهم اثنا عشر ضابط مملوك‪.‬‬‫ المجموعة الثانية‪ :‬رتبة أمراء األلوية وعددهم تسعة عشر ضابط مملوك‪.‬‬‫ المجموعة الثالثة‪ :‬رتبة أمراء اآلاليات وعددهم تسعة ضباط مملوكين‪.‬‬‫الوزارات التي توالّها المماليك خالل أربعين سنة‪:‬‬ ‫ـ وزراء الحرب‪:‬‬ ‫مصطفى آغا‬

‫‪1840‬‬

‫مح ّمد خزنه دار‬

‫‪862‬‬

‫أحمد ز ّروق‬

‫‪1865‬‬

‫الجنرال رستم‬

‫‪1870‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪1862‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1865‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1869‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1878‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫ـ وزارة البحر‪:‬‬ ‫خيرالدين‬ ‫اسماعيل كاهية‬ ‫الجنرال رشيد‬ ‫محمد خزندار‬

‫‪1858‬‬ ‫‪1862‬‬ ‫‪1863‬‬ ‫‪1866‬‬

‫‪1862‬‬ ‫‪1863‬‬ ‫‪1863‬‬ ‫‪1872‬‬

‫‪ )1‬انظر حول قانون عهد األمان ومجالسه الحكمية كتابنا‪ :‬النظام القضائي في البالد التونسية‪ ،‬نشر مكتبة عالء الدين صفاقس‪ ،‬سنة‬ ‫‪.2002‬‬ ‫‪ )2‬األرشيف الوطني‪ ،‬السلسلة التاريخية‪ ،‬صندوق ‪ ،92‬ملف ‪ ،75‬وثيقة ‪.6‬‬ ‫‪ )3‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪36‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬ ‫احمد زروق‬

‫‪1877‬‬

‫‪1881‬‬

‫ـ الوزارة الكبرى‪:‬‬ ‫مصطفي خزندار‬ ‫خير ال ّدين‬ ‫محمد خزندار‬

‫‪1859‬‬ ‫‪1873‬‬ ‫‪1877‬‬

‫‪1873‬‬ ‫‪1877‬‬ ‫‪1877‬‬

‫أمير األمراء رشيد‪:‬‬ ‫•‬ ‫أصله من "القرج" ومن مماليك "سليمان كاهيه" تربّى بداره ثم أخذه "حسين باي" وأضافه‬ ‫إلى ابنه "ح ّمودة باي" ثم نقله إلى الخدمة العسكريّة إلى أن صار "أمير آالي بعسكر سوسة" ث ّم‬ ‫تولّى قيادة سوسة بعد قتل "شاكير صاحب الطّابع" ث ّم استقال منها‪ .‬اهت ّم بعلم ال ّ‬ ‫صناعة الحربيّة‬ ‫فعرّف بكتبها وتح ّ‬ ‫صل من علماء على ملكة واسعة شهد له أقرانه بذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تو ّجه سفيرا لفرنسا ث ّم إلى الجزائر وكتب مذكرات رحلته إليها قمنا بتحقيقها ونشرها سنة‬ ‫‪ 2009‬واختاره "أحمد باي" إلمارة العسكر الذي أرسله لل ّدولة العثمانيّة وتحت إمرته أسطول‬ ‫بحري وخالل عامين من الحرب أرسل ع ّدة رسائل لل ّدولة التّونسية اشتملت على أخبار حربيّة‬ ‫وسياسيّة ومواقف ها ّمة‪1‬جمعتها ونشرتها محقّقة في كتاب بعنوان‪" :‬رسائل الجنرال رشيد إلى‬ ‫ال ّدولة في حرب القرم"سنة ‪ .2009‬هذا األمير له محبّة في الخير وإعانة المحتاج‪ ،‬عالي اله ّمةسليم‬ ‫صدر صادعا بالح ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ق شجاعا مقداما صعب المقاداة مت ّخلقا بالطّابع العسكري‪ ،‬كريم النّفس حسن‬ ‫‪2‬‬ ‫المعاشرة وف ّي العهد حافظا لمروءته من دنس المداهنة والملق‪ .‬وفي سنة ‪ 1865‬كان من بين‬ ‫األعيان الذين أمرهم الباي بعدم اإلتيان لقصره ولم يسلبهم شيئا من مالهم وال من ألقابهم‪ .‬توفّي خنقا‬ ‫‪3‬‬ ‫سنة ‪ 1867‬بعد إتّهامه بالميل إلى "العادل باي" الذي قام بثورة ض ّد أخيه‪.‬‬ ‫إسماعيل السنّي‪:‬‬ ‫•‬ ‫أصله من "ال ّروم" من مماليك الباشا "حسين باي" تربّى مع ابنه " َمحمد باي"‪ ،‬وقرأ معه‬ ‫شيئا من القرآن وتعلّم الكتابة‪ .‬وثق الباي بأمانته ّ‬ ‫فواله بعض مها ّمه الحالية وز ّوجه من شقيقته‬ ‫وأسكنه معه في داره وتوفيّت في عصمته وتركت له ابنا ثم تز ّوج ابنة "رشيد كاهيه" وتوفّيت‬ ‫وتركت منه ابنا‪.‬‬ ‫ول ّما تولّى " َمحمد باي" جعله من وزرائه وس ّماه "صاحب الطّابع"‪ ،‬تولّى عمل جربه‪ ،‬ثم‬ ‫تن ّكر له الباي لوشايات من بعض ُح ّساده‪ ،‬تولّى وكالة ال ّرابطة‪ ،‬ث ّم رئاسة مجلس التّحقيق أيّام‬ ‫القانون‪ .‬وانتخب عض ًوا لمجلس ال ّشورى والمجلس الخاصّ "وهو أ ّول من استحسن تضعيف‬ ‫‪4‬‬ ‫ّ‬ ‫بالحذاق بال حافر وال ساق مطواعا لسيّده"‪.‬‬ ‫اإلعانة تق ّربا‪ .‬كان متو ّسط اإلدراك يروم االلتحاق‬ ‫كان يميل لصحبة أهل العلم لم يتد ّرب في السيّاسة وال مارسها‪ ،‬تق ّدم للمحّلة التي جهّزت‬ ‫إلطفاء نار الفتنة وهو يكره القانون لقصوره عن مدارك األفهام‪.‬‬ ‫رجع مريضا وتولّى مكانه"رستم" الذي ألبسه "النّيشان"‪ ،‬ومنعه الباي من جملة من منع‬ ‫عن قصره وبقي في بيته إلى أن اتّهم بالوقوف مع "العادل باي" وقتله الباي خنقا سنة ‪ 1867‬ودفن‬ ‫‪5‬‬ ‫في "زاوية السيّدة بركة" ليال‪.‬‬ ‫مح ّمد خزنه دار‪:‬‬ ‫•‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هو مملوك من "اليونان" اشتراه "شاكير صاحب الطابع" وأهداه إلى "حسين باي"‪ .‬تولى‬ ‫المناصب ال ّسياسيّة منذ زمن "المشير أحمد باي" الذي ّ‬ ‫واله قيادة ال ّساحل فعرف بـ"عامل ال ّساحل"‪.‬‬ ‫‪ )1‬انظر عنه كتابنا‪ :‬رسائل الجنرال رشيد إلى الدولة التونسية في حرب القرم بين ‪ 1854‬و‪ ،1856‬نشر مكتبة عالء الدين تونس‪.2009 ،‬‬ ‫‪ )2‬ابن أبي الضياف‪ ،‬اإلتحاف ج‪.8‬‬ ‫‪ )3‬ن‪.‬م‪ ،.‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪ )4‬المقصود بتضعيف اإلعانة‪ :‬مضاعفة الضريبة السنوية سنة ‪ 1864‬من ‪ 36‬إلى ‪ 72‬لاير وهي التي كانت سببا في االنتفاضة التّونسيّة‬ ‫ضياف‪.‬‬ ‫على دولة الباي سنة ‪ .1864‬ما بين القوسين هو من تعبير ابن أبي ال ّ‬ ‫‪ )5‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪.8‬‬ ‫‪37‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫وقد تدرّج في ال ّرتب العسكريّة من أمير آالي إلى أمير لواء وأمير أمراء وهي أعلى رتبة عسكريّة‪.‬‬ ‫عرف بالثّقة وحسن ال ّسلوك حتّى لقّبه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" بـ"ال ّرجل الكامل"‪ ،‬ولّي وزارة الحرب‬ ‫‪1‬‬ ‫ث ّم وزارة البحر وتولّى بعد "خير ال ّدين" الوزارة الكبرى م ّرتين‪.‬‬ ‫أحمد ز ّروق‪:‬‬ ‫•‬ ‫هو مملوك أيضا من أنصار الوزير األكبر "مصطفى خزنه دار" اشتهر أثناء ثورة ‪1864‬‬ ‫بالقضاء على الثّورة في ال ّساحل حيث جنّب ال ّدولة خطرا كبيرا ولكنّه في نفس الوقت‪ ،‬د ّمر حياة‬ ‫النّاس هناك لع ّدة سنين‪ ،‬تقلّب في مناصب عديدة‪ ،‬أشهرها وزارة الحرب بعد نجاحه في "محلّة‬ ‫السا ّحل"‪ .‬اتّهم بتبذير األموال التي حصل عليها من الغرامات واإلعانات أثناء حملة ال ّساحل‪ ،‬وكان‬ ‫"ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" أحد أعضاء لجنة المحاسبة الذي قال عنه‪ :‬رأيت من فصوله العجب العجاب‪.‬‬ ‫وكان معه في المحاسبة "مح ّمد خزنه دار" عامل ال ّساحل واكتشف ّ‬ ‫أن ما أخذه لنفسه ب ّدد أكثره في‬ ‫التّرف ولم يحصل منه إالّ القليل‪ .‬تز ّوج من أخت "مح ّمد الصادق باي" وتولّى وزارة البحر من‬ ‫‪2‬‬ ‫سنة ‪ 1877‬إلى ‪ 1881‬وتوف ّي بعد ذلك بقليل‪.‬‬ ‫‪ -2‬المماليك في "وزارة المماليك" وزارة"خير ال ّدين"‪:‬‬ ‫ما إن شهدت البالد فترة من سيادة القانون بال ّشكل الذي طبّق به‪ ،‬وبروز المؤ ّسسات‬ ‫الحديثة حتّى توقّف العمل بالقانون‪ ،‬فكان هذا العمل نكسة لمعالم الحداثة التي لمعت بوارقها زمن‬ ‫القانون‪ .‬وعادت البالد إلى استبداد مقيت تراجعت بسببه ك ّل اإلصالحات‪ ،‬وسواء ساهم في ذلك‬ ‫المماليك المحرّرين أم غيرهم ّ‬ ‫فإن ال ّسلطة بقيت بيدهم‪ ،‬واتّهم بعضهم باستغالل األوضاع ال ّسياسيّة‬ ‫والماليّة لفائدته‪ .‬ودخلت البالد لم ّدة عقد من ال ّزمن في أزمة سياسيّة واقتصاديّة خانقة كانت نتيجتها‬ ‫إقالة الوزير األكبر" مصطفى خزنه دار"‪.‬‬ ‫إالّ ّ‬ ‫أن تسلّم "خير ال ّدين" منصب الوزير المباشر ث ّم الوزارة الكبرى كان بمثابة المنقذ‬ ‫للبالد م ّما تر ّدت فيه‪ .‬إذ كانت فترة تولّيه على قصرها مليئة باإلنجازات في مجاالت عديدة‪ .‬فج ّدد‬ ‫نظام التّعليم بال ّزيتونة‪ ،‬وأحدث التّعليم العصري بتأسيس "المدرسة ال ّ‬ ‫صادقيّة"‪ ،‬فبعثت في عهده‬ ‫"وزارة المعارف" التي أسندت للـ"جنرال حسين"‪ ،‬وأعاد القوانين الخا ّ‬ ‫صة بسلطة "الڤيّاد" وكذلك‬ ‫ّ‬ ‫قوانين العدول‪ ،‬وأحدث جمعية األوقاف التي كانت ثروتها ال ّ‬ ‫ضخمة مبعثرة‪ ،‬فوضعها على الطريق‬ ‫ال ّ‬ ‫صحيح‪ ،‬حيث و ّزعت في مجاالتها األصليّة طبقا لنصوص الواقف‪ .‬وشارك معه في ك ّل ذلك عدد‬ ‫من المماليك المتخ ّرجين من المدرسة الحربيّة وأشهرهم "حسين"و"رستم" الذين كانا خير معينين‬ ‫له في ك ّل ما قام به‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فقاد هؤالء المماليك الثالثة بالخصوص عمليّة اإلصالح‪ ،‬إذ كان الثالثة يمتلكون مستوى ثقافيّا‬ ‫متميّزا في زمنهم‪ ،‬وصفهم الوزير"مصطفى خزنه دار" ّ‬ ‫بأن الثّالثة يمثّلون رجال واحدا‪ :‬مدبّر‬ ‫‪3‬‬ ‫ّ‬ ‫عامألمين‪" .‬خير ال ّدين" قادر على العمل‪ ،‬و"حسين" قادر على التدبير‪ ،‬و"رستم" رجل أمين‪ .‬فمن‬ ‫هم هؤالء الثّالثة؟‬ ‫ـ خيرال ّدين‪ :‬مملوك شركسي استطاع أن يصبح رئيس وزراء تونس‪ .‬عرف بثقافته بالعربيّة‬ ‫والفرنسيّة وهو باعث النّهضة الحديثة في تونس قبل الحماية الفرنسيّة‪.‬‬ ‫مارس العمل ال ّسياسي طويال مع المشيرين الثّالثة‪ ،‬قام بع ّدة بعثات سياسيّة لدوألوروبا وال ّدولة‬ ‫العثمانيّة‪ .‬كانت له عالقة وثيقة مع علماء ال ّزيتونة‪ ،‬وهو أ ّول وزير دعا إلى اإلصالح والنّهضة في‬ ‫البالد اإلسالميّة‪ ،‬وقد ض ّمن ذلك في كتابه ‪" :‬أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك" الذي طبع في‬ ‫تونس سنة ‪ 1867‬وهو من الوثائق النّادرة التي خطّتها أقالم ال ّسياسيّين في القرن التّاسع عشر في‬ ‫اإلصالح‪.‬‬

‫‪ )1‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )2‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪ .159‬وانظر كذلك بيرم الخامس‪ ،‬القطر التونسي في صفوة االعتبار‪.‬‬ ‫‪ )3‬انظر‪ :‬كريكن (فان)‪ ،‬خير الدين والبالد التونسية‪ ،‬ترجمة البشير بن سالمة‪ ،‬دار سحنون ‪،‬تونس ‪.1988‬‬ ‫‪38‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫اشتمل الكتاب على مق ّدمة طويلة ث ّم دراسة مقارنة لعشرين دولة أوروبيّة‪ ،‬ث ّم موجز عن أقسام‬ ‫العالم الجغرافيّة وقا ّراته‪ ،‬وقائمة مقارنة بالتّقويمين الهجري والميالدي‪ .‬وأخيرا ملحقا يتض ّمن‬ ‫تقريضات معاصري "خير ال ّدين" ومعارفه للكتاب‪ .‬وما إن ق ّدم "خير ال ّدين" استقالته في تونس‬ ‫حتّى سافر إلى "اآلستانة" ورحّب به ال ّسلطان شخصيّا وسلّمه قصرا على ضفاف "البوسفور" لكنّه‬ ‫كان ّ‬ ‫يحن إلى تونس البلد الذي احتضنه صغيرا وكبيرا‪ .‬وهناك في "اآلستانة" س ّمي صدرًا أعظم ث ّم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رئيسا للجنة اإلصالح المالي في ال ّدولة وهي مكونة من فرنسا وانقلترا وال ّدولة العثمانيّة الشبيهة‬ ‫باللّجنة الماليّة التّونسية التي ترأسها في تونس‪.‬‬ ‫وإذا كان عهد القانون لم يدم طويال وانتهى إلى التوقّف ّ‬ ‫فإن تأثير المماليك في مراكز‬ ‫بقي فاعال ومستمرًا ظهر ذلك جليّا في وزارة "خير ال ّدين" الذي تسلّمها بعد إقالة "مصطفى‬ ‫القرار َ‬ ‫خزنه دار"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ومن المماليك الذين برزوا في عهد القانون في مناصب ها ّمة ومؤثرة نذكر منهم‪:‬‬ ‫ الجنرال حسين‪.‬‬‫ الجنرال رستم‪.‬‬‫ أحمد زروق‪.‬‬‫ـ الجنرال حسين‪ :‬أصله مملوك شركسي‪ ،‬جلب إلى تونس صغيرا دون ّ‬ ‫سن العاشرة تربّى في‬ ‫قصر حسين باي (‪ )1824-1835‬تعلّم العلوم ال ّدينيّة واللّغويّة ودخل "المدرسة الحربيّة بباردو"‬ ‫وتق ّدم إلى ال ّرتب السنيّة فأصبح يحمل رتبة أمير لواء العسكريّة‪ ،‬ورئيس المجلس البلدي الذي تأسّس‬ ‫سنة ‪ 1.1858‬ثم كلّف "حسين" باإلشراف على المطبعة ال ّرسميّة التي تأ ّسست ‪ 20‬جويلية ‪1860‬‬ ‫وس ّميت صحيفتها‪" :‬ال ّرائد التّونسي" أ ّول جريدة تونسيّة أسبوعيّة‪ .‬وكتب له الباي أمرًا في ذلك نصّه‬ ‫كما أورده «ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" ‪" :‬ومحصله أنّه ال يطبع إالّ ما ينفع النّاس وال ينافي ال ّسياسة‬ ‫‪2‬‬ ‫واآلداب اإلنسانيّة على قدر حضارة المملكة واستعداد غالبها ونحو ذلك"‪.‬‬ ‫أصبح رئيسا لمجلس الجنايات والمجالس العرفية ‪ 1861‬وعضو مجلس الباي الخاصّ س ّماه‬ ‫"خير ال ّدين" وزيرا للمعارف والنّافعة والتّجارة في وزارته ثم لقّب بـ"وزير االستشارة‬ ‫والمعارف"‪ ،‬ث ّم ناب عن ال ّدولة في قضيّة "القائد نسيم" مع ال ّدولة‪ ،‬ويعتبر "حسين" من ألمع‬ ‫المصلحين التّونسيّين مع "خير ال ّدين" و"الجنرال رستم" و"أحمد بن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" قال عنه "مح ّمد‬ ‫ال ّسنوسي"‪" :‬حامل لواء ال ّسياسة المتق ّدم به علىأعمال ال ّرئاسة"‪ 3.‬وله آثار كثيرة مكتوبة نذكر‬ ‫عناوينها على النّحو التّالي‪:‬‬ ‫وكان "الجنرال حسين" ال ّرجل الثّاني في عمليّة اإلصالح إلى جانب "خير ال ّدين" صاحب‬ ‫"خير ال ّدين" في ال ّسفرات إلى أوروبا خا ّ‬ ‫صة في "قضيّة ابن عيّاد" إذ تولّى االثنان ال ّدفاع عن‬ ‫أموال ال ّدولة المهرّبة إلى باريس وقد نجحا في ذلك‪ .‬وللـ"جنرال حسين"ر ّدا على رسالة "ابن عيّاد"‬ ‫لل ّدولة التّونسيّة س ّماها‪" :‬حسم األلداد في نازلة محمود بن عيّاد" كذلك قام بال ّدفاع عن أموال ال ّدولة‬ ‫المهرّبة إلى إيطاليا عن طريق "نسيم ش ّمامه" حتّى أنّه بقي من أجل ذلك في إيطاليا إلى أن توفّي‬ ‫وألّف في ذلك رسالة بعنوان‪":‬القسطاس المستقيم في ظهور اختالل الحكم بنفي جنسيّة القائد نسيم"‪.‬‬ ‫وله تقرير عن التّعليم بجامع ال ّزيتونة‪ ،‬ورسائله كثيرة إلى "خير ال ّدين" جمعت وطبعت في ثالثة‬ ‫أجزاءفي تونس‪ .‬ومن أشهر ما كتب رسالته ال ّشهيرة في تحرير ال ّرقيق التي جاءت جوابا عن‬ ‫مكتوب ورد إليه من قنصل جنرال دولة أمريكا في تونس المس ّمى ‪" :‬أموس بيري"الذي طلب منه‬ ‫خصّيصا اإلجابة عن أسئلة في شأن العبوديّة وتأثيرها في تونس وهل أعقبت تَأ َ ُّسفًا من األهالي على‬ ‫‪ )1‬الطويلي(أحمد)‪ ،‬الجنرال حسين‪ :‬حياته وآثاره‪ ،‬تونس ‪.1994‬ص‬ ‫‪ )2‬ابن أبي الضّ ياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص ‪.37-36‬‬ ‫‪ )3‬ورد هذا القول في ديوان محمود قابادو نشره عمر بن سالم عن مركز الدراسات واألبحاث االقتصادية واالجتماعية تونس ‪.1984‬‬ ‫‪39‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫فقدها أو انشراحا بذلك؟ وقد أجابه "حسين" جوابا كافيا وافيا في تحليل دقيق بالعربيّة شرعًا وقانونا‬ ‫يد ّل على عمق ثقافة ال ّرجل وتديّنه ودوره في خطط ال ّدولة الحديثة واإلصالح‪.1‬‬ ‫أ ّما ثالث الثّالثة فهو "الجنرال رستم" المتخرّج من المدرسة الحربيّة وهو يع ّد من نخبة‬ ‫اإلصالح قام بمها ّم سياسيّة عديدة‪ ،‬يوصف بالج ّد والخلق الحسن‪ ،‬تولّى وزارة الخارجيّة سنة ‪1862‬‬ ‫ووزارة ال ّداخلية ث ّم وزارة الحرب سنة ‪ .1870‬وقام في عهد "خير ال ّدين" بقيادة ع ّدة محالّت‬ ‫‪2‬‬ ‫عسكريّة داخل البالد‪ ،‬توفّي بـ"اآلستانة" سنة ‪.1886‬‬

‫الخاتمـــة‪:‬‬

‫يتّضح لنا من المعلومات التّاريخيّة الواردة في هذه الورقات دور المماليك الذين قدموا إلى‬ ‫تونس في فترات متعاقبة في تط ّور األوضاع ال ّسياسيّة واالقتصاديّة والعسكريّة وبناء مؤ ّسسات‬ ‫ال ّدولة الحديثة‪ .‬ويعود ذلك إلى ع ّدة عوامل ّ‬ ‫لعأله ّمها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أن ما يميّز هؤالء المماليك تن ّوع عناصرهم ومناطق جلبهم‪ ،‬وكان وجود العنصر‬ ‫المتو ّسطي األوروبي بارزا بين عناصر المماليك‪ .‬وهذا العنصر يمتلك ثقافة أكثر من غيره وأقرب‬ ‫إلى التّالؤم مع س ّكان تونس‪.‬‬ ‫وقد حرصت سلطة البايات على تكوين المماليك تكوينا يتالءم مع رغباتهم في ال ّشؤون‬ ‫ال ّشخصيّة والمها ّم اإلداريّة لل ّدولة للتخلّص من جند الترك‪ ،‬الذين أحدثوا لها القالقل‪ .‬فعمل البايات‬ ‫على مصاهرة المماليك وتزويجهم من بناتهم وهو ما جعلهم يضطلعون بالمها ّم الكبيرة والخطيرة‬ ‫في قصور البايات ومن خالل تلك المصاهرة تصاعد دورهم في ال ّسلطة في عهد "أحمد‬ ‫باي"وساهموا معه في ترسيخ اإلصالح العسكري وال ّسياسي ومن ث ّمة أمسكوا بأه ّم المناصب في‬ ‫قيادة الجيش واإلدارة المركزيّة والمناصب االقتصاديّة‪ ،‬خا ّ‬ ‫صة التّجارة‪ .‬ويعود ذلك أساسا إلصدار‬ ‫قانون تحرير العبيد خالل الفترة الذي منحهم ق ّوة أكثر‪ ،‬ومن ث ّمة تعاظم دور المماليك في ال ّسلطة‬ ‫ال ّسياسيّة والعسكريّة في عهد "ال ّ‬ ‫صادق باي" وكان على رأس ال ّسلطة من المماليك لم ّدة طويلة في‬ ‫عهده "مصطفى خزنه دار" حتّى ّ‬ ‫أن الوزير كان يخرج من هذه الوزارة ليدخل في أخرى أو من‬ ‫هذا المنصب ليدخل في غيره‪ ،‬أو يجمع بينهما‪ .‬وأمسكوا خالل تطبيق "عهد األمان" برئاسة ك ّل‬ ‫المجالس الحكمية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وبعد تراجع اإلصالحات ال ّدستوريّة‪ ،‬وتوقف المجالس اضطرب وضع البالد سياسيّا‬ ‫واقتصاديّا إلى أن جاءت وزارة "خير ال ّدين" فبرز دور المماليك المحرّرين كعناصر تونسيّة وطنيّة‬ ‫تسعى إلى اإلصالح وبعث المؤ ّسسات العلميّة واالجتماعيّة من جديد فكان إصالح التّعليم ال ّزيتوني‬ ‫وإنشاء "المدرسة ال ّ‬ ‫صادقيّة" خير مثال على ذلك‪ .‬وإنشاء إدارة متط ّورة لألوقاف وأداروا المطبعة‬ ‫ال ّرسميّة وإصدار "جريدة ال ّرائد الرّسمي" التي أشرف عليها "الجنرال حسين" وهوالذي اضطلع‬ ‫برئاسة أ ّول بلديّة في تونس‪.‬‬ ‫ومن خالل هذه المؤ ّسسات الحديثة دافعُوا بك ّل ق ّوة عن تونس الوطن الذي احتضنهم ولم‬ ‫يجعلوا عنه بديال وحتّى من خرج منهم من تونس كان مكرها‪.‬‬ ‫وشاهد ذلك أنّه من المفارقات العجيبة ّ‬ ‫أن بعض عناصر المماليك كانوا أكثر إخالصا للوطن‬ ‫تونس ودافعوا عنه ض ّد مختلسي األموال لفترة طويلة ض ّد"بن عيّاد" وض ّد"نسيم ش ّمامة" وقام بذلك‬ ‫"خير ال ّدين" و"الجنرال حسين"‪.‬‬ ‫غير ّ‬ ‫أن هذا ال ّدور اإلصالحي في تونس من قبل المماليك حورب من جهات ع ّدة داخليّة‬ ‫وخارجيّة فتراجع إصالح البالد بعد استقالة "خير ال ّدين" وهجرة "رُستم" وبقاء "حسين" في إيطاليا‬ ‫مشغوال بال ّدفاع عن أموال ال ّدولة‪ ،‬وثالثتهم رفضت فرنسا رجوعهم للبالد ومن ث ّمة دخلت البالد في‬ ‫مجال االستعمار الذي احت ّل البالد سنة ‪.1881‬‬ ‫‪ )1‬انظر‪ :‬الطّويلي (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪ )2‬انظر كتابنا‪ :‬الجيش التونسي في عهد الصادق باي‪ ،‬نشر كلية اآلداب بصفاقس ومؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات‪ ،‬تونس‬ ‫‪.1995،‬‬ ‫‪40‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫البيبليوغرافيا‬ ‫‪ – 1‬المصادر‪:‬‬ ‫ األرشيــف الوطني التونسي‪:‬‬‫بعض الوثائق من ال ّسلسلة التّاريخيّة والدفاتر اإلداريّة‪:‬‬ ‫ ال ّسلسلة التاريخية‪ :‬صناديق‪.166 – 92 – 3 – 1 :‬‬‫ الدفاتر اإلدارية والجبائيّة‪ :‬تحت عدد‪.3413 –2341–399–11:‬‬‫ المصادر المطبوعة‪:‬‬‫ابن أبي ال ّ‬‫ضياف(أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬تحقيق نخبة من‬ ‫كتابة الدولة للشؤون الثقافية واألخبار‪ ،‬األجزاء ‪ ،8.7.4.3‬تونس‪.1963 ،‬‬ ‫ ابن أبي دينار (أبوعبد هللا محمد)‪ ،‬المؤنس في أخبار إفريقية وتونس‪ ،‬تحقيق محمد شمام‬‫تونس‪.1967،‬‬ ‫ بن يوسف (محمد الصغير)‪ ،‬المشرع الملكي في سلطة أوالد علي تركي( تحقيق أحمد الطويلي)‬‫المطبعة العصرية‪ ،‬تونس‪.1998 ،‬‬ ‫ خوجة (حسين)‪ ،‬ذيل بشائر أهل اإليمان بفتوحات آل عثمان‪ ،‬الدار العربية للكتاب ‪.1975،‬‬‫ التونسي (خير الدين)‪ ،‬أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك‪ ،‬تحقيق المنصف الشنّوفي‪ ،‬الدار‬‫التونسية للنش‪.1986 ،‬‬ ‫‪ -2‬المراجع‪:‬‬ ‫الشيباني (بنبلغيث)‪ ،‬الجيش التونسي في عهد الصادق باي‪ ،‬مركز التّيميمي للبحث العلمي وكلية‬‫اآلداب بصفاقس‪ ،‬تونس‪.1995 ،‬‬ ‫الشيباني (بنبلغيث)‪ ،‬النظام القضائي في البالد التونسية‪ ،‬صفاقس ‪.2002،‬‬‫الشيباني(بنبلغيث)‪ ،‬الوزيراألكبرمصطفى خزنه دار وسياسته الدينية والتعليمية‪ ،‬شهادة الكفاءة‬‫للبحث‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬تونس‪ ( ،1986 ،‬مرقونة و موضوعة بمكتبة كلية ‪9‬‬ ‫أفريل)‪.‬‬ ‫الطّويلي (أحمد)‪ ،‬الجنرال حسين‪ ،‬حياته وآثاره‪ ،‬تونس‪.1999 ،‬‬‫ عبد السالم(أحمد)‪( ،‬جمع وتحقيق)‪ ،‬رسائل الجنرال حسين إلى خير الدين‪ ،‬في ثالثة أجزاء بيت‬‫الحكمة‪ ،‬تونس‪.1992 ،‬‬ ‫‪ -‬كريكن(فان)‪ ،‬خير ال ّدين والبالد التّونسيّة‪ ،‬ترجمة البشير بن سالمة‪ ،‬دار سحنون‪ ،‬تونس‪.1988،‬‬

‫‪41‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫سلطة الحسينيّة في مواجهة قوى الممانعة‪ :‬دراسة في أشكال ال ّردع‬ ‫ال ّ‬ ‫العسكري‬ ‫ضياف‬ ‫من خالل مد ّونة اإلتحاف البن أبي ال ّ‬ ‫د‪ .‬لطفي بو علي‬ ‫المق ّدمة‪:‬‬

‫منذ وصولها إلى الحكم سنة ‪1705‬م سعت ال ّسلطة الحسينيّة إلى التح ّكم في مجال ال ّسيادة‬ ‫وتوسيع دائرة الخضوع‪ .‬وقد استندت في ذلك إلى جهاز عسكري متنقّل عريق عمل على ترسيخ‬ ‫تقاليد خروجه ال ّدوري والالّدوري كتعبير على حضوره الما ّدي وقدرته على مراقبة الفاعلين‬ ‫االجتماعيّين وال ّسيطرة على مجمل مجال ال ّسيادة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتكشف المعلومات المبثوثة في المصادر التاريخيّة والمتصلة بتشريح األداء العسكري‬ ‫لألمحال خالل القرنين ‪ 18‬و‪19‬م وجود نزعة هجومية قائمة على الق ّوة والبطش‪ .‬وتع ّد المد ّونة‬ ‫التّاريخيّة التّونسيّة خالل تلك الفترة –والسيّما اإلتحاف لـ "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" ‪ -‬مصدرا على درجة‬ ‫كبيرة من األه ّمية حيث تض ّمن المؤلَّف معلومات ثريّة حول مجمل التّقنيات التي اعتمدتها ال ّسلطة‬ ‫في مراقبة مجال ال ّسيادة وترويض المجموعات القبلية القوية‪ .‬كما كشف الكتاب حجم العنف الما ّدي‬ ‫وال ّرمزي الذي مارسته المحلّة في وجه القوى المناهضة لل ّسلطةوذلك من خالل استخدامه لمعجمية‬ ‫عنيفة وفريدة من نوعها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫سنحاول في هذه الورقة ‪-‬وباالستناد إلى ما توفر من معطيات ثريّة في كتاب اإلتحاف‬ ‫تشريح مجمل الموروث العمليّاتي الذي راكمته المؤ ّسسة العسكريّة المتنقّلة طوال الفترة الحديثة‬ ‫المتأ ّخرة بما يساعد في تعقّل آليات اشتغالها وفهم التّكتيكات التي استخدمتها في مالحقة المارقين‬ ‫عن ال ّسلطة وتحييز مجال ال ّسيادة‪.‬‬ ‫‪ -1‬جهاز عسكري جوال لسلطة حسينية متنقلة‪:‬‬ ‫يبدو ّ‬ ‫أن مسار المركزة ال ّسياسية في تونس والذي انطلق منذ العصر الوسيط المتأ ّخر‬ ‫ضع من دون اللّجوء إلى تشكيل فرق عسكريّة‬ ‫أفرز سلطة غير قادرة على التح ّكم في المجال ال ُم ْخ َ‬ ‫موسميّة محمولة ب ّرا تسير وفق مسارات ومواقيت معلومة وفي سياق حمالت المراقبة‬ ‫المنتظمةوالتي اصطلح على تسميتها بـ"األمحال"‪ .‬ولذلك مثّل خروجها مناسبة دورية الختبار ق ّوة‬ ‫ال ّسلطةالسيّما في مجتمع تميّز بانقسامه إلى مجموعات المدن الذي تسيطر عليه ال ّدولة والمه ّدد‬ ‫باستمرار من قبل المجموعات القبليّة المارقة‪ ،‬وعالم البوادي واألرياف الذي تضعف فيه سلطة‬ ‫ال ّدولة وتتر ّكز به القبائل القويّة المنتجعةالمرابطة بالمناطق المنيعة والطا ّمحة دوما إلى االستقالل‬ ‫عن ال ّدولة‪ .‬وعليه ّ‬ ‫فإن هذه الثنائيّة االجتماعيّة والمجاليّة فرضت نمطا جديدا لممارسة ال ّسلطة يقوم‬ ‫على ال ّسفر المنتظم وغير المنتظم للجهاز العسكري بهدف فرض هيبة ال ّدولة وبسط نفوذها على‬ ‫كامل مجال ال ّسيادة‪ ،‬السيّما في محيط قبلي يتميّز بالنّزعة إلى الحركة‪ .‬ولذلك نعتقد ّ‬ ‫أن ث ّمة حقيقة‬ ‫الب ّد من إدراكها عندما نتح ّدث عن ال ّشرعية في تونس وهي ّ‬ ‫أن هذه ال ّشرعية ليست نهائيّة وليست‬ ‫أن هذه ال ّشرعية تج ّددها باستمرار مؤ ّسسة المحلّة ّ‬ ‫مقتصرة على الحاضرة‪1.‬كما ّ‬ ‫الذراع العسكري‬ ‫‪1‬بوعلي (لطفي)‪ ،‬ديناميكية التحديث العسكري في البالد التونسية خالل القرنين ‪ 18‬و‪19‬م‪ :‬مقاربة في التاريخ االجتماعي‪ ،‬أطروحة‬ ‫دكتوراه‪ ،‬كليّة العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة بتونس‪ ،2015 ،‬ص ‪.89 – 87‬‬ ‫‪42‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫المتنقّل التّابع لل ّدولة وق ّوته ال ّ‬ ‫ضاربة‪ .‬هذه الحقيقة التّرابية ك ّرست نمطا متميّزا لل ّسلطة في تونس‬ ‫اصطلح على تسميته "بال ّسلطة المتج ّولة أو الج ّوالة" في إشارة إلى وجود داللة مجالية في التّعاطي‬ ‫مع الفاعلين االجتماعيّين‪ .‬وعليه ّ‬ ‫فإن خطّ سير المحلّة يرسم في واقع األمر حدود ال ّدولة ويح ّدد‬ ‫مجال نفوذها الثّالثي األبعاد باعتباره يمت ّد إلى الجريد جنوبا وال ّساحل شرقا والحدود الجزائريّة‬ ‫غربا‪ .1‬أي أنّنا أمام هندسة مجالية شعاعية تعكس رغبة المخزن في الوصول إلى أبعد مدى جغرافي‬ ‫يالمس التّخوم حيث المناطق الجبليّة وال ّ‬ ‫صحراوية‪ .‬وبهذا المعنى تتح ّول المحلّة إلى أه ّم مؤ ّسسة‬ ‫راهن عليها المخزن في بسط نفوذه على األرض وعلى الس ّكان‪ ،‬إذ عليها أن تثبت قدرة فائقة على‬ ‫اختراق مجاالت ال ّرفض والممانعة‪ .‬وهذا يستوجب ضمنيا إقصاء ك ّل أشكال النّفوذ المنافسة‬ ‫ومحاربة الهويّات المحلّية التي من شأنها أن تعيق تملّك المجال‪ .2‬ولع ّل النّجاح في تكريس تحييز‬ ‫تدريجي للمجال م ّكن ال ّسلطة الحسينيّة من تحقيق سيطرة مستديمة على التّراب والعباد‪ ،‬كما ساعد‬ ‫هذا المسار الطّويل في تطوير الوعي باالنتماء إلى جماعة متجانسة يتجاوزانتسابها ال ّروابط المحلّية‬ ‫الضيّقة التي ال تعترف سوى بالهويّة ّ‬ ‫الذاتية‪.‬‬ ‫وبغضّ النّظر عن مسار التّحييز الذي رافق تش ّكل ال ّدولة في تونس‪ّ ،‬‬ ‫فإن هناك موروثا‬ ‫سياسيّا حاولت ال ّسلطة في تونس أن تحافظ عليه ‪-‬على األق ّل منذ العهد الحفصي‪ -‬ويتمثّل في إعطاء‬ ‫أه ّمية قصوى للمجال‪ .‬لذلك ظ ّل النّشاط ال ّسياسي يدور حول ثنائيّة الممارسة ال ّشرعيّة للعنف‬ ‫وتكريس ال ّسيادة التّرابية داخل حدود معلومة‪ .‬كما ّ‬ ‫أن مؤ ّسسة المحلّة أضحت شرطا من شروط‬ ‫النّجاح في مراقبة المجال وحاجة أكيدة في عمليّة الممارسة ال ّسياسية‪ ،‬فضال عن كونها مثّلت‬ ‫الطّريقة المثلى لتجديد الوالءات وتثبيتها‪ .‬وهكذا تك ّرست عبر المراكمة التّاريخيّة تقاليد الخروج‬ ‫الموسمي للمحلّة كأه ّم االستراتيجيّات التي اعتمدتها ال ّسلطة في ال ّدفاع عن الحوزة التّرابية ض ّد‬ ‫النّزعات المحلّية وذلك طبعا عبر احتكار المراقبة ومحاصرة أشكال النّفوذ المحلّي المنافسة‪ ،‬إ ّما‬ ‫عبر احتوائها أو عبر إقصائها من مه ّمة مراقبة المجال‪ .‬ومن هذه ال ّزاوية ّ‬ ‫فإن األمحال كانت مناسبة‬ ‫إلحكام ال ّسيطرة على فضاءات يخشى خروجها عن ال ّسلطة أو التحاقها بصفوف الممانعين‪ ،‬كما أنّها‬ ‫اختبار دوري لتجديد الوالء واالعتراف بالشرعيّة‪ 3.‬وبهذا المعنى تتح ّول األمحال إلى أه ّم فضاء‬ ‫للنّشاط ال ّسياسي حيث تتكرّس فيها مق ّومات البناء اإليديولوجي والما ّدي للنّظام المخزني‪4.‬كما ّ‬ ‫أن‬ ‫تسيير هذه األمحال ساهم من دون ش ّ‬ ‫ك في نجاح سيرورة التّحييز وتش ّكل ال ّدولة التّرابية فضال عن‬ ‫‪5‬‬ ‫ّ‬ ‫حصول التّوافق بين ال ّسلطة المركزيّة وقسم ها ّم من الفاعلين المحليين‪.‬‬ ‫الدولة الحسينيّة وأشكال الهرسلة العسكريّة‪:‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫ّ‬ ‫تعتبرالمحلة إحدى أه ّم وسائل التّرويع العسكري التي اعتمدتها ال ّدولة في خضد شوكة‬ ‫ال ّدواخل من خالل لجوئها المنتظم إلى أقصى درجات العنف الما ّدي‪ ،‬الذي قد يرقى أحيانا إلى ح ّد‬ ‫اإلبادة الجماعيّة‪ .‬ويؤ ّدي التّرويع العسكري إلى تحطيم إرادة المقاومة لدى الفاعلين االجتماعيّين‬ ‫عبر الهرسلة المتواترة للجهاز النّفسي‪ -‬االنفعالي الجمعي‪ .‬لذلك سنر ّكز على دراسة آليات االختراق‬ ‫‪1‬‬

‫‪Dakhlia (J.), « Dans la mouvance du prince: la symbolique du pouvoir itinérant au Maghreb », Annales‬‬ ‫‪économies sociétés civilisations, n°3, Mai-Juin 1988, pp. 738-740.‬‬ ‫‪ 2‬ابن سليمان (فاطمة)‪" ،‬مجال خميروال ّسلطة المركزية بتونس في القرن ‪19‬م‪ :‬من التخوم إلى الحدود ومن المخزن إلى الدولة "‪ ،‬روافد‪،‬‬ ‫العدد ‪ ،2000 – 1999 5‬ص ‪. 17 – 8‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Dakhlia (J.), Op.cit, p. 757.‬‬ ‫ترى "جوسلين دخلية" ّ‬ ‫أن المسك بزمام ال ّسلطة في بالد المغارب عا ّمة يقتضي من الحاكم أن يكون دائم الحركة وتقول في هذا المجال‪:‬‬ ‫‪« Pour tenir effectivement le pouvoir il faut tenir les routes, l’intérieur du pays ».‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Dakhlia (J), L’oubli de la cité : la mémoire collective à l’épreuve du lignage dans le Jérid Tunisien, éd.‬‬ ‫‪La découverte, Paris, 1990, p. 228.‬‬ ‫‪5‬دالي (ح ّمادي)‪ ،‬النفوذ المحلي بالبالد التونسية وتش ّكل ال ّدولة التّرابية ‪1877-1574‬م‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانيّة‬ ‫واالجتماعيّة‪ ،‬تونس‪ ،2004 -2003 ،‬ص ‪.484 – 479‬‬ ‫‪43‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫العسكري العنيف للمجال ال ّداخلي وتفكيك التّكتيكات التي استنبطتها ال ّسلطة لفرض إرادتها على‬ ‫س ّكانه‪ .‬ورغم تطّ ّور المحلّة من آلة حرب في العهد الحفصي إلى آلة خراج في العهد العثماني فإنّنا‬ ‫نعتقد ّ‬ ‫أن العنف مثّل حجر ال ّزاوية في هذه المؤ ّسسة وسمتها ال ّرئيسيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد تبيّن بعد التحليل المستفيض الستراتيجيّات التح ّرك العسكري على الميدان ومن خالل‬ ‫تفكيك أه ّم تكتيكات الفعل العسكري ّ‬ ‫أن المؤ ّسسة العسكريّة وعلى رأسها المحلّة‪ ،‬عالوة على أنّها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أكسبت ال ّسلطة في تونس ذلك الطا ّبع المتنقل‪ ،‬ظلت التجسيم الحقيقي للممارسة الميدانيّة لل ّسلطة‬ ‫والوسيلة المثلى لتحييز مجال ال ّسيادة وبلورة مفهوم التملّك التّرابي‪.‬‬ ‫وباستقرائنا للمعلومات الواردة في المصادر التّاريخيّة يتأ ّكد ّ‬ ‫أن ظاهرة العنف الما ّدي‬ ‫للمحلّة لم تتراجع ال في العهد المرادي وال في العهد الحسيني‪ ،‬فـ"ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" يصف الطّابع‬ ‫الهمجي لألمحال التي قادها "مراد بن علي باي" سنة ‪1699‬م ‪،‬فيذكر "وخرج بمحلّة ال ّ‬ ‫صيف إلى‬ ‫باجة وفعل بأهلها ما ه ّون عليهم فراق الوطن فخرجوا منها لل ّشعاب واألودية‪...‬وتركوها خاوية على‬ ‫عروشها"‪ 1.‬كما تح ّدث في كتابه عن الطّابع القمعي الذي رافق "حملة زرّوق" بال ّساحل سنة‬ ‫‪1864‬م‪ ،‬وهو ما أ ّكده "األستاذ خليفة شاطر" عند تتبّعه لمسار محلّة ز ّروق‪ 2.‬ولع ّل التّكوين‬ ‫العسكري لقيادات المخزن وللبايليك هو الذي يب ّرر اللّجوء المفرط للعنف‪ ،‬فقد كانت نشأتهم مليئة‬ ‫بمشاهد التّرويع والقمع في إطار تنقّلهم مع المحلّة وما رافق تلك التنقّالت من مشاهد العنف ض ّد‬ ‫ال ّرعايا ال ّرافضين للمخزنة‪.‬‬ ‫وقد برزت في المصادر التّاريخيّة التّونسيّة معجميّة ثريّة تعبّر عن العنف الذي يرافق‬ ‫سفر المحلّة ويميّز أداءها العسكري‪ ،‬فـ"الصغيّر بن يوسف" تح ّدث في كتابه "المشرع" عن الظّلم‬ ‫الذي تعرّض له هو نفسه من طرف المحلّة عند مرورها ال ّدوري بــ"باجة" فذكر "أنا أ ّول من ابتلي‬ ‫بهم وتسلّط عليّنهبهم‪ .3"...‬كما استعمل "صاحب اإلتحاف" العديد من المصطلحات للتّعبير عن‬ ‫الطّابع الهمجي للمحلّة من مثل "أثخن فيهم مراحل بالقتل واألسر" ‪" -‬فاستباحوا وعاثت أيديهم فيما‬ ‫جاورها من القرى وشغلهمالنّهب عن الحزم" ‪" -‬فعاث فيه بحرق ال ّزيتون وقطعه وط ّوع كثيرا من‬ ‫البلدان" ‪" -‬وأبادهم بالقتل واستصفاء األموال والتّمثيل" ‪" -‬أدار حبل المنيّة على أعناقهم" ‪-‬‬ ‫"وأخذهم أخذة أفنت الكراع والمتاع" ‪" -‬وأخرجهم من ديارهم وترك معتصمهم خاويا على عروشه‬ ‫" ‪" -‬فد ّوخ جبلهم" "ش ّدد وطأته على أهلها" ‪" -‬فأخذهم في مضاجع خيامهم ومات من مات‬ ‫وامتألت أيدي السرية من نهبهم واستاق مالهم من الظّهر واألنعام" إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫أن معظم البحوث األكاديميّة في ال ّسنوات األخيرة تعتبر ّ‬ ‫ورغم ّ‬ ‫أن البناء التّرابي لل ّدولة‬ ‫اعتمد على ثنائيّة الق ّوة العسكريّة والتّفاوض‪ّ ،‬‬ ‫وأن أبرز وجوه التّفاوض هو تحويل المجموعات‬ ‫المحاربة إلى قوى تسند ال ّسلطة وتساعدها في تكريس هيمنتها على المجال من خالل مخزنة ع ّدة‬ ‫قبائل وتزميلها‪4.‬رغم ذلك نعتقد ّ‬ ‫أن ممارسة العنف واستعراض الق ّوة عبر كامل مجال ال ّسيادة مثّل‬ ‫ال ّسمة األبرز لل ّدولة في تونس طوال القرنين ‪ 18‬و‪19‬م‪ ،‬حيث ظ ّل المركز ال ّسياسي يعمل طوال‬ ‫هذه الفترة على فرض سيادته على المجال وفق معقوليّته كق ّوة إخضاع وإكراه‪ .‬لكنّنا نق ّر ّ‬ ‫بأن هذا‬ ‫العنف قد يشت ّد أو يتراجع بحسب الفترات وبحسب موازين القوى ال ّداخليّة‪ .‬وفيما يلي استعراض‬ ‫أله ّم التّكتيكات العنيفة التي ميّزت العمل العسكري للمحلّة بحسب التّوصيف الذي جاء في كتب‬ ‫اإلخباريّين التّونسيّين وال ّسيما مد ّونة "االتحاف البن أبي ال ّ‬ ‫ضياف"‪.‬‬

‫‪ 1‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬تونس ‪ ،1963‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.75‬‬ ‫‪CHATER (Kh.), Insurrection et répression dans la Tunisie du 19ème siècle, la M’hella de Zarrouk au‬‬ ‫‪Sahel (1864), Université de Tunis, 1978, p. 230.‬‬ ‫‪ 3‬ابن يوسف (الصغير)‪ ،‬المشرع الملكيفي سلطنة أوالد علي تركي‪ ،‬تحقيق وتقديم أحمد الطويلي‪ ،‬تونس‪ ،1998‬ص ‪.178‬‬ ‫‪ 4‬ابن سليمان (فاطمة)‪ ،‬اإليّالة التونسية بين القرنين ‪ 16‬و‪19‬م‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة‪ ،‬تونس‪- 1998 ،‬‬ ‫‪ ،1999‬ص ‪.151- 150‬‬

‫‪2‬‬

‫‪44‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫الحصار‪:‬‬ ‫يصف صاحب "الكتاب الباشي" عمليّة الحصار التي ضربها "يونس باي" على‬ ‫"القيروان" في ديسمبر ‪1739‬م والتي انتهت بقتل ع ّمه"حسين بن علي"‪ ،‬إذ يذكر "أخذ بمخنقها‬ ‫ومنع وصول اإلمداد إليها وغاداها القتال وراوحها"‪ .1‬ويضيف ّ‬ ‫بأن هذا الطّوق أزمن واشت ّدت‬ ‫وطأته على الس ّكان "ونالهم من الجهد والجوع أمر ال يبلغه الوصف حتّى اضط ّروا إلى أكل الكالب‬ ‫والسنانير وال ّدماء وجلود الحيوانات ‪ ...‬واستهلك النّاس أموالهم وجهودهم وضاقتأحوالهم"‪2.‬يبدو من‬ ‫خالل هذه ال ّشهادة المر ّوعة أنّالحصاراستهدف عزل القيروان وس ّكانها عن العالم الخارجي‬ ‫والتّضييق عليهم في كسبهم وق ّوتهم وش ّل قدرتهم على المقاومة لدفعهم إلى االستسالم‪.‬‬ ‫يستهدف هذا التّكتيك عموما‪ ،‬س ّكان المناطق الجبليّة المنيعة طبيعيا مثل‬ ‫ّ‬ ‫يتعذر الوصول إليها‪ ،‬حيث يضرب عليها خناق شديد إلجبار س ّكانها‬ ‫"عمدون"و"وسالت" والتي‬ ‫والمعتصمين بها على النّزول من الجبل لطلب األمان‪ ،‬ولذلك يتح ّول الجبل عند تطويقه إلى سجن‬ ‫كبير وشديد الوطأة‪ .‬ويترافق الحصار عادة مع محاوالت مداهمة قد تستم ّر لفترات طويلة وال‬ ‫تتوقّف إالّ بالوصول إلى المعتصمين لتبدأ مرحلة قاسية ومؤلمة من النّهب وال ّسلب واستباحة‬ ‫الحرمات وافتكاك األرزاق‪ ،‬كما حصل عندما اقتحم"حسين بن علي""جبل وسالت" في أفريل‬ ‫‪1728‬م أين كان يتح ّ‬ ‫صن أنصار "علي باشا"‪،3‬حيث تذكر المصادر أنّه عمد إلى "القيروان"‬ ‫فحاصرها ثالثة أيّام‪ ،‬ث ّم إلى "ال ّساحل" فقطع وأحرق ما به من أشجار ال ّزيتون في عمليّة انتقامية‬ ‫‪4‬‬ ‫عنيفة استهدفت خصومه في هذه المناطق‪.‬‬ ‫يت ّوج الحصار عادة بع ّدة إجراءات عقابيّة انتقاميّة قاسية ج ّدا أه ّمها‪ :‬التّجويع وذلك بقطع‬ ‫اإلمدادات من المؤونة التي يمكن أن تصل إلى الجماعة المحاصرة والتي قد تطيل أمد المقاومة‪ .‬كما‬ ‫يشمل التّجويع بدوره ضرب المقومات االقتصاديّة لعيش س ّكان المناطق المحاصرة كقطع النّخيل‬ ‫وحرق المزروعات‪ .‬وفضال عن التّجويع تلجأ ال ّسلطة إلى سياسة التّغريم حيث تفرض غرامات‬ ‫ماليّة ثقيلة على القوى الممانعة مقابل العفو الذي يق ّدم لهم‪ 5.‬وهي مغارم ثقيلة ومرهقة تحاول ال ّسلطة‬ ‫من خاللها تحميل المعتصمين شروطا ماليّة مهينة ومذلّة لضمان خضوع دائم‪ .‬على ّ‬ ‫أن المغارم‬ ‫يمكن أن تكون ماليّة أو عينيّة‪ ،6‬إذ تذكر الوثائق األرشيفية ّ‬ ‫أن"حسين بن علي" فرض سنة ‪1735‬م‬ ‫خطايا ما ّليّة على بعض القرى ال ّ‬ ‫صغيرة من "وطن سوسة" لتحالفها مع "علي باشا"‪ ،‬كما سلّط‬ ‫‪7‬‬ ‫خطيّة ماليّة على أهل "تاكرونه" بسبب بيعها الحبوب لـ"علي باشا" زمن الحرب مع ع ّمه ‪ .‬كما‬ ‫تذكر الوثائق األرشيفية ّ‬ ‫أن"علي باي" بعد إخماد ثورة "إسماعيل باي" في ‪1762‬م اعتمد أسلوبا في‬ ‫التّغريم طال جميع المتواطئين الذين ناصروا زعيم الثّورة حيث فرض خطيّة على "أهل‬ ‫ج ّمال"الذين احتضنوا "إسماعيل باي" ق ّدرت بـ ‪ 200‬لتر زيت‪ ،‬كما سلّط على "أوالد‬ ‫زيد"من"المثاليث" سنة ‪1764‬م خطيّة قدرها ‪ 5000‬دينار لتع ّديهم وإفسادهم‪ .‬وفي شهر ماي من‬ ‫نفس ال ّسنة سلّط على أهالي "القلعة الصغرى" خطيّة ماليّة قدرها ‪ 10000‬دينار‪ ،‬وعلى‬ ‫"الفراشيش" فرض خطيّة عينيّة قيمتها ‪ 4500‬كبش و‪ 4000‬شاة‪ ،‬ودفع "أوالد عمران من ماجر"‬ ‫في نفس ال ّسنة ‪ 1000‬لاير‪ 8.‬وقد طال التّغريم حتّى المجموعات التي تأوي" الوسالتية" الذين‬ ‫‪ 1‬ابن عبد العزيز (ح ّمودة)‪ ،‬الكتاب الباشي‪ ،‬تحقيق محمد ماضور‪ ،‬تونس‪ .1970‬ص ‪.22‬‬ ‫سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬ ‫‪ 2‬المصدر ال ّ‬ ‫‪ 3‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلّد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.75‬‬ ‫‪4‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلّد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.110‬‬ ‫‪ 5‬ابن طاهر(جمال)‪ ،‬الفساد وردعه‪ :‬الردع المالي وأشكال المقاومة والصراع بالبالد التونسية (‪1840 – 1705‬م)‪ ،‬منشورات كلية‬ ‫اآلداب‪ ،‬منّوبة‪ ،1995 ،‬ص ‪.110‬‬ ‫‪ 6‬ورد في اإلتحاف ّ‬ ‫أن علي باي قبل أن يعفو على قبائل ماجر الذين تحالفوا مع إسماعيل باي في ثورته عليه فإنه غرّمهم ‪ 1000‬بعير‬ ‫و‪ 400‬فرس‪ .‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪ .163‬كما ذكر صاحب كتاب المشرع الملكي ّ‬ ‫أن حسين بن علي بعد حصار جبل وسالت أمر‬ ‫بتغريم أهل الجبل ‪ 60‬ألف لاير مقابل ال ّ‬ ‫صفح عنهم ثم قام بتخفيضها إلى ‪ 40‬ألف لاير بعد استجداء طويل ول ّما تلّكؤوا في ال ّدفع أمر‬ ‫بتهجيرهم من الجبل‪ .‬ص ‪.240-237‬‬ ‫‪ 7‬ابن طاهر (جمال)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص‪.118 - 111‬‬ ‫‪ 8‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪.142‬‬ ‫‪45‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫شرّدهم "علي باي"‪ ،‬حيث ت ّم إجبار مجموعة" أوالد عون" على دفع خطيّة قدرها ‪ 10‬آالف دينار‬ ‫‪1‬‬ ‫بسبب إيوائهم لعائالت من "الوسالتية"‪.‬‬ ‫التّمثيل الجسدي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وردت عند "صاحب اإلتحاف" في صيغة "أباد بالقتل والتمثيل"‪ .‬وتع ّد من أكثر أساليب‬ ‫القمع فظاعة وبشاعة إذ يتّصل بتسليط عقاب بدني يهدف إلى تسليط اإليالم الجسدي العلني‪ ،‬حيث‬ ‫يتح ّول العقاب البدني العنيف إلى ظاهرة فرجويّة يشاهده عموم النّاس فيثير لديهم مشاعر متباينة من‬ ‫ال ّرعب والفزع‪.‬‬ ‫وقد عبّر "صاحب اإلتحاف" عن هذا الحضور العنيف لل ّسلطة إذ يذكر في معرض‬ ‫حديثه عن هول التّنكيل الجسدي الذي سلّطه "علي باشا" على خصومه المتحالفين مع "حسين بن‬ ‫علي" فيقول "وكان جريئا على سفك الدماء السيّما فيما يتعلّق بالطّاعة حتّى أفرط في ذلك وخرج‬ ‫عن نطاق العقل‪ ،‬يقتل من يتّهمه بالميل لع ّمه‪ ...‬ال أمان في دولته ألحد"‪ .2‬كما ق ّدم "ابن أبي‬ ‫ال ّ‬ ‫ضياف" مثالين ألسلوب التّمثيل الجسدي الذي ميّز فترة حكم "علي باشا"‪ ،‬فيشير إلى التّمثيل بــ‬ ‫"جاء باهلل أبو فوردة" وكان من خ ّدام "علي باشا" لكنّه لجأ إلى ع ّمه "حسين بن علي" فاشت ّد غضبه‬ ‫عليه وأمر بالتّنكيل به بطريقة شنيعة‪ .‬إلى جانب التّمثيل بـ ‪ 7‬من جند الترك تز ّعموا ثورة ض ّد‬ ‫"علي باشا" فأمر بخنقهم وألقاهم بــ "بطحاءالقصبة "فأثار ذلك مشاعر الحقد لدى األتراك فعزموا‬ ‫على الثّورة لكن "يونس باي" الحقهم وأمر بشنق ‪ 500‬جندي منهم‪.‬‬ ‫وعموما يتّخذ التّمثيل الجسدي ع ّدة أشكال هي في غاية اإليالم والوحشيّة أه ّمها‪ :‬تكسير‬ ‫اليدين وال ّرجلين‪ ،‬قطع اآلذان‪ ،‬ج ّر المن ّكل به في ذيل دابّة كالفرس أو البغل والطّواف به في أسواق‬ ‫المدينة وإلقائه على حالته حتّى الموت كما حصل مع "جاء باهلل أبوفردة" اإلعدام شنقا وإلقاء الجثّة‬ ‫في البطحاء كما حصل مع سبعة جنود من جند الترك الذين تزع ّموا الثّورة ض ّد"علي باشا"‪.‬‬ ‫ورغم ّ‬ ‫أن المحلّة بداية من النّصف األ ّول من القرن ‪19‬م لم تعد في حاجة إلى استعمال العنف‬ ‫‪3‬‬ ‫الما ّدي للوصول إلى أهدافها ‪ ،‬فإنّنا نعتقد ّ‬ ‫أن البطش الفرجوي وال ّدموي لم ينقطع بصفة كلّية وإنّما‬ ‫خفّت وطأته‪ ،‬بدليل ما ذكره صاحب اإلتحاف أثناء خروج الوزير "شاكير صاحب الطّابع" في ماي‬ ‫‪1837‬م بمحلّة من عسكر النّظام و"المخازنية" وبعض "المزارقية" لقمع ثورة "ال ّشيخ الحسين" بـ‬ ‫"جبل ماطر"و"بجاوه"‪ ،‬فعمد األميرآالي "قارة مح ّمد" إلى قادة الثّورة فن ّكل بهم و"مثّل بأبدانهم من‬ ‫ال ّ‬ ‫ضرب المب ّرح وعبث بأجسادهم عبث الصّبيان بالحيوان من قطع اآلذان وتأليم األبدان وغير ذلك‬ ‫‪4‬‬ ‫م ّما ال يبيحه شرع وال عقل"‪.‬‬ ‫والثّابت أن التّمثيل الجسدي قد يتّخذ أشكاال مغالية تصل أحيانا إلى التع ّدي على األعراض‬ ‫في تجاوز صارخ للقيم واألعراف‪ ،‬فقد جاء في أحد التّقارير في ربيع األ ّول ‪1274‬هـ (سبتمبر‬ ‫‪1856‬م) أنّه في أثناء ثورة "غومه المحمودي"‪ ،‬أمر أمير محلّة األعراض بهتك حرمة نساء" بني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأصغرهن‪ ...‬فقد استأثر بها أمير المحلّة‬ ‫وأجملهن‬ ‫زيد"‪ ،‬كما ت ّم سبي ‪ 10‬نسوة أعطين للخ ّدام‪،‬‬ ‫‪5‬‬ ‫واصطفاها لنفسه بل "ربط زوجها وأبوه في ال ّسالسل مع ‪ 150‬من أهل البلد"‪.‬‬ ‫التّصفية الجماعيّة‪:‬‬ ‫وردت في كتب المؤ ّرخين التّونسيّين في صيغة "أفنى الجميع خنقا وشنقا" أو " كان‬ ‫جريئا على سفك ال ّدماء"‪ :‬وهو أسلوب في االنتقام من الجماعات المناوئة لل ّسلطة أو تلك التي تحمل‬ ‫ال ّسالح‪ .‬ويعود هذا التّكتيك ال ّسياسي‪-‬العسكري إلى بدايات التّواجد العثماني بتونس وتواصل قبيل‬ ‫انتقال ال ّسلطة إلى الحسينيّين حيث عمد"مراد باي" سنة ‪1700‬م إلى قتل وأسر عدد كبير من‬

‫‪1‬أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪.120‬‬ ‫‪2‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.120 - 118‬‬ ‫‪3‬دالي (حمادي)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص‪.166‬‬ ‫‪ 4‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الجزء ‪ ،3‬ص ‪.217‬‬ ‫‪5‬م‪.‬ن‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الجزء ‪ ،3‬ص ‪.218‬‬ ‫‪46‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫الجزائريّين بعد أن استولى على "محلّة قسنطينة" وأرسل برؤوس القتلى إلى تونس‪ 1.‬وقد تد ّعم هذا‬ ‫التو ّجه في التّصفية الجماعيّة في الفترة الحسينيّة التّأسيسيّة السيّما أثناء "الفتنة الباشيّة"‪ ،‬حيث تذكر‬ ‫المصادر ّ‬ ‫أن"حسين بن علي" بعد حصاره لـ"جبل وسالت" في أفريل ‪1728‬م في إطار حربه ض ّد‬ ‫ّ‬ ‫ابن أخيه "علي باشا" فضّل ف ّ‬ ‫ك الحصار الذي تواصل ثالثة أشهر واتجه إلى "الكاف" التي خشي‬ ‫وصول القوى المعارضة إليها‪ .‬ول ّما بلغها قبض على زعماء المعارضة وقتل منهم أكثر من سبعين‬ ‫رجال بعد أن مكث بـ "الكاف" قرابة ال ّشهرين يحاول خاللها ضرب المعارضة‪ 2.‬ث ّم ّ‬ ‫إن"علي باشا"‬ ‫إثر انتصاره على ع ّمه "حسين بن علي" سنة ‪1739‬م ‪،‬عمد إلى إبادة أتباع ع ّمه بالقتل والتّمثيل‬ ‫الجسدي ومصادرة األرزاق والممتلكات حتّى ّ‬ ‫أن"ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" يصفه بأنّه "كان جريئا على‬ ‫سفك ال ّدماء السيّما فيما يتعلّق بالطّاعة يأخذ في ذلك بالظنّة حتّى أفرط في ذلك وخرج عن نطاق‬ ‫العقل يقتل من يتّهمه بالميل لع ّمه وبنيه ويأخذ ماله‪ ،‬ال أمان في دولته ألحد"‪ 3.‬ويصف"الصغيّر بن‬ ‫يوسف" عمليّة التّنكيل وصفا دقيقا إذ يتح ّدث عن إعدام أكثر من ‪ 35‬ثائرا بعد أن جرى البحث عنهم‬ ‫ومالحقتهم حتّى داخل ال ّزوايا وت ّم تعذيبهم من طرف "باش شاطر التّرك" (رئيس الجالّدين)‪.‬‬ ‫ويضيف أنّه بعد أن ت ّم قطع رؤوسهم "بقيت جيفهم على األرض مطروحة ودماؤهم في التّراب‬ ‫مسفوحة فأخذوا عليهم اإلذن أهلهم فأذن لهم في رفوعهم فرفعوهم وغسلوهم وكفنّوهم وفي القبور‬ ‫‪4‬‬ ‫دفنوهم"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويبدو ّ‬ ‫أن هذا األسلوب في العقاب الجماعي مثل احدى أه ّم االستراتيجيّات التي‬ ‫ّ‬ ‫اعتمدها"علي باشا" فعلى إثر "ثورة جند التّرك" لسنة ‪1756‬م أمر بخنق قادة الثورة وكانوا سبعة‬ ‫منهم "قارة علي" وألقاهم في "بطحاء القصبة"‪ .‬كما واصل متابعة الفا ّرين إلى فنادق العطّارين وقام‬ ‫"يونس باي" بقتلهم جميعا وكانوا ‪ 500‬جندي وحجّر على األتراك منذ ذلك الحين سكنى الفنادق‬ ‫‪5‬‬ ‫متج ّمعين "وأسكنهم متفرّقين في العل ّوات"‪.‬‬ ‫ورغم ّ‬ ‫أن التّصفية الجسديّة الجماعيّة تواصلت في فترة "ح ّمودة باشا الحسيني" فإنّها‬ ‫أصبحت تت ّم بطريقة دقيقة وضيّقة‪ ،‬فعلى إثر "ثورة أوالد مساهل" بقيادة "حامد بن شريفة"‬ ‫ورفضهم دفع الجباية استعمل الباي "ح ّمودة باشا" الحيلة‪ ،‬فقبض على "حامد" وكلّف ‪ 500‬فارس‬ ‫بقيادة آغة باجة "سليمان كاهية" بمداهمة المنطقة‪ ،‬فباغتها وأعمل القتل في أهلها ثم عمد إلى‬ ‫نهبها‪6.‬وبنفس التّنكيل جوبهت "ثورة جند التّرك" لسنة ‪1811‬م‪ ،‬حيث كلّف الباي كاهية وجق‬ ‫الصبايحية بـ "تونس""مح ّمد الخ ّماسي" بمالحقة ‪ 500‬جندي تركي ف ّروا إلى خارج الحاضرة‪ ،‬فل ّما‬ ‫‪7‬‬ ‫لحق بهم قرب "وادي الطّين "بـ "ماطر" عمد إلى تصفيتهم بشكل جماعي‪.‬‬ ‫على ّ‬ ‫أن أسلوب االنتقام ال ّدموي من المجموعات المناوئة تواصل بعد "ح ّمودة باشا"‪ ،‬إذ‬ ‫تذكر المصادر التّاريخيّة ّ‬ ‫أن الوزير "شاكير صاحب الطّابع"قاد سنة ‪1837‬م محلّة من عسكر‬ ‫النّظام و"المخازنية" وبعض "المزارقية" إلى "جبل ماطر" و"بجاوة" قضى فيها على رؤوس‬ ‫الفتنة بعدأن أخمد ثورتهم‪ .8‬كما قاد "محمد باي" أمير "محلّة باجة" حملة ض ّد"أوالد خمير" سنة‬ ‫‪1845‬م الذين ساندوا ثورة رجل ا ّدعى أنّه من أوالد "عثمان باي"‪ ،‬وتذكر المصادر ّ‬ ‫أن"محمد باي"‬ ‫‪9‬‬ ‫"أنكى في الذين اعصوصبوا عليه"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫غير ّ‬ ‫أن ما تجدر مالحظته هو أن الوصول إلى هذه المجموعات المناوئة كان مسألة‬ ‫محفوفة بالمخاطر إذ تدرك ال ّسلطة أنّها تتعامل مع عناصر كثيرة العدد وفي جغرافيا منيعة‪ .‬ولذلك‬ ‫سابق‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.43‬‬ ‫‪1‬المصدرال ّ‬ ‫‪ 2‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلّد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.76 -75‬‬ ‫‪ 3‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلّد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.118‬‬ ‫‪ 4‬ابن يوسف (الصغيّر)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪.178‬‬ ‫‪ 5‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪. 128‬‬ ‫‪ 6‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،3‬ص ‪.32 – 31‬‬ ‫‪ 7‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪.56 ،3‬‬ ‫سابق‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،3‬ص ‪. 217‬‬ ‫‪8‬المصدرال ّ‬ ‫‪9‬ن ‪.‬م ‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،4‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪47‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫نعتقد ّ‬ ‫أن النّجاح في مثل هذه العمليّات االنتقامية اعتمد عنصر المباغتة‪ ،1‬حيث كانت تت ّم مفاجأة‬ ‫ّ‬ ‫الخصوم ومنعهم من التنظم واالستعداد‪ .‬فمباغتة القوى المناوئة المتح ّ‬ ‫صنة يخلق لديها حالة من‬ ‫اإلرباك تش ّل قدرتها على المقاومة وتدفعها إلى االنهيار‪ .‬كما ّ‬ ‫أن النّجاح في هذه المها ّم يرتبط بالقدرة‬ ‫على جمع المعلومات أو ما يس ّمى بالعمليّات االستخباراتيّة‪ ،‬إذ يسبق تنفيذ العمليّات العسكريّة تكوين‬ ‫رصيد من المعلومات التي توفّرها شبكة من الجواسيس تح ّدد بدقّة أماكن تح ّ‬ ‫صن المنتفضينودرجة‬ ‫استعدادهم‪ .‬وهي معلومات اعتمد عليها" ح ّمودة باشا" أساسا في معرفة نقاط ضعف القوى المعادية‬ ‫والتّمهيد لقمعها وإخضاعها‪.‬‬ ‫كما تجدر المالحظة‪ّ ،‬‬ ‫أن ج ّل الثّورات التّي قامت على أساس المناوئة والتح ّ‬ ‫صن في مناطق‬ ‫منيعة كانت تت ّم في الغالب من أجل الته ّرب الجبائي ولم تكن تحمل مضمونا سياسيّا معاديا لل ّسلطة‬ ‫وال تسعى لقلب النّظام‪ .‬لذلك لم تتمتّع هذه الحركات العاصية بدرجة عالية من التنظّم والتّأطير على‬ ‫مستوى الهيكلة والتّسليح ولم تكن تحمل مشروعا سياسيّا متكامال قابال للتّنفيذ م ّما ساعد ال ّسلطة في‬ ‫اإلجهاز عليها بسرعة‪.‬‬ ‫النّفيوالتّهجير‪:‬‬ ‫وردت في "كتاب اإلتحاف" في صيغة "أخرجهم من ديارهم" أو "أجالهم وترك معتصمهم‬ ‫خاويا على عروشه"‪ .‬يهدف اإلجالء أو التّرحيل إلى تقويض العالقة بين القبيلة العاصية ومجالها‬ ‫الجغرافي األصلي الذي توجد فيه وذلك بهدف إضعاف شوكتها وكسر إرادتها‪ ،‬ويحمل التّرحيل‬ ‫القسري داللة مجالية تحيل على الطّرد التع ّسفي حيث يت ّم إ ّما بإجبار مجموعة بشريّة على مغادرة‬ ‫موطن سكناها األصلي لالستقرار بمناطق تكون قابلة لإلخضاع‪ ،‬أو بتشتيتهم في المدن والقرى‬ ‫القريبة منهم‪ .‬ولذلك يتطابق التّرحيل مع معاني النّفي والتّهجير التي كانت تمثّل أه ّم التّكتيكات التي‬ ‫صة تلك التي تح ّ‬ ‫لجأ إليها "المراديون" في مقاومتهم لسلطة القبائل خا ّ‬ ‫صنت بالمناطق الجبليّة المنيعة‬ ‫والمستعصية مثل "جبال خمير وعمدونووسالت"‪ .‬ثم تواصلت هذه ال ّسياسة مع"الحسينيّين" بهدف‬ ‫تقويض العالقة بين القبيلة ومجالها الجغرافي التّقليدي الذي تربطها به عالقة وجدانيّة قويّة‪.‬‬ ‫وقد استأثر "جبل وسالت" بج ّل الحمالت العسكريّة التي طالت المجموعات الجبليّة في‬ ‫القرن ‪18‬م وذلك بسبب تو ّرط س ّكانه في ال ّ‬ ‫صراع ال ّداخلي على ال ّسلطة بين "حسين بن علي"و"علي‬ ‫باشا"‪ .‬ففي ‪1728‬م عمد "حسين بن علي" إلى اقتحام الجبل في إطار مالحقته لخصومه الموالين لـ‬ ‫"علي باشا" ولكنّه ق ّرر إثر ذلك العفو عن المعارضين وأعطاهم األمان شريطة عدم ال ّسكنى بأوعار‬ ‫الجبل باستثناء "أوالد مانس" الذين وقفوا إلى جانبه في حربه ض ّد ابن أخيه‪ 2.‬ونفس المصير واجهه‬ ‫س ّكان الجبل عندما ساندوا ثورة "إسماعيل باي" في جويلية ‪1762‬م‪ ،‬فبعد نهب الس ّكان وسلبه عفا‬ ‫الباي عن الثّائرين وسرّح أسراهم‪ ،‬إالّ أنّه منعهم من ال ّسكن به وشتّتهم في القرى وترك جبلهم‬ ‫خاويا‪ .‬أ ّما أهل "مساهل"من"ماجر" فقد واجهوا نفس المصير إثر ثورتهم سنة ‪1795‬م بزعامة"‬ ‫حامد بن شريفة" من "أوالد الفرجاني" فبعد أن تم ّكن "ح ّمودة باشا" من إخماد ثورتهم سرّح‬ ‫المعتقلين منهم وأمرهم بترك أوطانهم وال ّسكن بضواحي "القيروان" فكسّر بذلك شوكتهم‪3.‬وتجدر‬ ‫اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن ال ّسلطة الحسينيّة لجأت إلى اإلجالء في معاقبة جند الترك في الحاضرة الذين ثاروا‬ ‫على" علي باشا" في ‪1743‬م حيث ق ّرر ابنه "يونس باي" "منعهم من سكنى الفنادق مجتمعين‬ ‫‪4‬‬ ‫وأسكنهم متفرّقين في المناطق المرتفعة من الحاضرة"‪.‬‬ ‫العمليّات العسكريّة االستباقيّة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫تح ّدث عنها "صاحب اإلتحاف" في صيغة "حسم الداء قبل انتشاره" أو "بادر ال ّ‬ ‫ضعيف قبل‬ ‫أن يقوى"‪ .‬وهو أسلوب يهدف إلى توجيه ضربة عسكريّة استباقيّة مباغتة تفضي إلى ش ّل حركة‬ ‫‪1‬وردت في المصادر التّاريخية في صيغة "وصلهم على حين غفلة" أو "حسم ال ّداء قبل انتشاره" أو أيضا "بادر الضّعيف قبل أن يقوى"‪.‬‬ ‫‪ 2‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.111‬‬ ‫سابق‪ ،‬المجلد ‪ ،2‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.32 - 31‬‬ ‫‪3‬المصدرال ّ‬ ‫‪4‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.128‬‬ ‫‪48‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ي تح ّرك عسكر ّ‬ ‫الخصم وقدرته على التّعبئة والمواجهة‪ .‬ويستوجب أ ّ‬ ‫ي مؤثّر وحاسم قدرا ال بأس به‬ ‫‪1‬‬ ‫من التح ّكم في المعلومة وحتّى في احتكارها‪.‬‬ ‫من وجهة نظر تاريخيّة يبدو ّ‬ ‫أن"حسين بن علي" هو أ ّول من أ ّسس هذا األسلوب في‬ ‫المواجهة واعتمده لتهيئة الظّروف ال ّسياسيّة لتأسيس ال ّدولة‪ ،‬إذ تشير المصادر اإلخباريّة ّ‬ ‫أن"حسين‬ ‫بن علي" ل ّما علم بعزم "إبراهيم الشريف" على العودة إلى تونس من البحر بدعم من الجزائر‪ ،‬كلّف‬ ‫مجموعة من رؤساء البحر بركوب سفينة إفرنجيّة بقيادة "حسين رايس" متن ّكرين في لباس أوروبي‬ ‫وخرجوا من "ميناء حلق الوادي" إلى أن صادفوا" إبراهيم ال ّشريف" وهو يحاول دخول اإليّالة‪،‬‬ ‫فقتلوه رميا بال ّرصاص ثم قطعوا رأسه وعادوا به إلى الباي‪ 2.‬كما ّ‬ ‫أن هذا األسلوب من المواجهة‬ ‫استخدمه "علي باي" في مواجهة ثورة "إسماعيل باي" عندما لجأ إلى "جبل وسالت" في أواخر‬ ‫سنة ‪1759‬م‪ ،‬حيث تخ ّوف "علي باي" من خصمه وخشي استقواءه بجمعه ألعداد كبيرة من‬ ‫المناصرين‪ ،‬فبادر إلى توجيه ضربة عسكريّة استباقيّة مخيّرا محاصرة "جبل وسالت" عوضا عن‬ ‫اقتحامه‪ .‬وقد اعتمد في هذا الحصار على قبائل "جالص" و"أوالد عون" وغيرهم‪ ،‬إلى جانب ما‬ ‫سيّره إلى الجبل من "المخازنية" و"المزارقية"‪ ،‬ولما طال أمد الحصار أخذ المتح ّ‬ ‫صنون ينزلون‬ ‫من الجبل مستسلمين طائعين خاصة بعد فرار "إسماعيل باشا" إلى "قسنطينة" للّحاق بأبيه "يونس‬ ‫‪3‬‬ ‫باي"‪.‬‬ ‫وقد واصل "ح ّمودة باشا الحسيني" هذا التّكتيك في التّعاطي مع خصوم ال ّداخل عندما اتّبع‬ ‫سياسة االغتيال ال ّسياسي ونجح في ذلك بشكل الفت‪ .‬كما استخدمه أيضا مع"الجزائر" واستفاد في‬ ‫تطبيق ذلك من "النّضج االستخباراتي" الذي ميّز فترة حكمه‪ ،‬حيث أصبح البايليك يتح ّكم في‬ ‫المعلومة التي خ ّولت له التح ّرك بالكيفيّة المالئمة وفي التّوقيت المناسب والتح ّكم في جميع خيوط‬ ‫اللّعبة السياسيّة‪ .‬وقد تسنّى ذلك بفضل وجود شخصيّات شديدة الوالء للباي ربطت مصيرها به‬ ‫شخصيّا والسيّما "الوزير يوسف صاحب الطّابع"الذي يمكن اعتباره "العقل المدبّر لجهاز ال ّدولة‬ ‫‪4‬‬ ‫بر ّمته"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن نجاح "الباي ح ّمودة" في نسج شبكة من العالقات االستخباراتيّة هي التي يسّرت‬ ‫وصول المعلومة في الوقت المناسب وم ّكنته من سرعة التح ّرك إزاء األخطار‪ .‬هذا المعطى الجديد‬ ‫انتبه له"مح ّمد ال ّسنوسي" الذي أطنب في وصف الباي فذكر أنّه "كان متّخذا القبّة الحمراء أمام‬ ‫باردو لقبول جواسيسه عشيّة كل يوم يعلم منهم جميع ما وقع في ذلك اليوم‪ ،‬حتّى انفرد بمعرفة‬ ‫حقيقة ما عليه البالد وأهلها بالجملة"‪ 5.‬هذا ال ّسبق في تملّك المعلومة يسّر ال فقط حسن التص ّدي‬ ‫لعناصر الممانعة وإنّما أيضا حسن االستعداد لمجابهة "أتراك الجزائر" الذين ق ّرر "حمودة باشا"‬ ‫استئصال شوكتهم وقطع عادة تع ّديهم على المملكة‪ :‬من ذلك أنّه لما بلغ الباي ّ‬ ‫أن"الجزائريّين"‬ ‫يستجمعون قواهم ويستع ّدون لمهاجمة إيّالة "تونس" سنة ‪1808‬م بعد هزيمتهم في حرب سنة‬ ‫‪1807‬م‪ ،‬أمر الباي بتجهيز محلّة بها ‪ 100‬خباء من العسكر وجمع حولها الفرسان من "المخازنية"‬ ‫و "المزارقية" وفرسان العروش وأمر "يوسف صاحب الطّابع" بقيادتها صحبة" سليمان كاهية"‬ ‫في جوان ‪1808‬م‪ ،‬وبفضل هذه القدرة االستباقيّة وسرعة التّعبئة استطاعت المحلّة تحقيق التف ّوق‬ ‫من دون ال ّدخول في مواجهة عسكريّة‪ ،‬فما إن قطعت المحلّة" وادي س ّراط" حتّى تقهقر الجيش‬ ‫‪6‬‬ ‫الجزائري وعاد أدراجه‪.‬‬ ‫‪1‬كالفيل (بول)‪ ،‬المكان والسلطة‪ ،‬ترجمة ع‪ .‬شمس الدين‪ ،‬المؤ ّسسة الجامعيّة لل ّدراسات والنّشر والتوزيع – بيروت‪ ،1990 ،‬ص ‪. 27‬‬ ‫صدد ّ‬ ‫يذكر كالفيل في هذا ال ّ‬ ‫أن ممارسة أيّة سلطة يتطلّب تنظيما للفضاء وتحويال مستم ّرا للمعلومات‪.‬‬ ‫‪ 2‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء‪ ، 2‬ص ‪.163‬‬ ‫‪3‬ن‪.‬م‪ ،‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪4‬المستغانمي (محمد فوزي)‪ ،‬بالط باردو زمن حمودة باشا (‪1814 – 1782‬م)‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬نشر دراسات مغاربية‪– 2006 ،‬‬ ‫‪ ،2007‬ص ‪.550‬‬ ‫‪ 5‬السنوسي (محمد)‪ ،‬مسامرات الظريف بحسن التعريف‪ ،‬تحقيق وتعليق الشيخ محمد الشاذلي النيفر‪ ،‬دار العرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت –‬ ‫لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،1994‬ص ‪.122‬‬ ‫‪ 6‬ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء‪ ، 1‬ص ‪.94‬‬ ‫‪49‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫سياسي‪:‬‬ ‫االغتيال ال ّ‬ ‫أشار إليه "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" في صيغة "اقترفها شنعاء منكرة" أو "خرج فيها عن العقل"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهو أسلوب فظيع في التّصفية الجسديّة للعناصر المناوئة لل ّسلطة السيّما تلك التي تشكل خطرا على‬ ‫مصير ال ّساللة الحاكمة‪ .‬وتتّخذ التّصفية السياسيّة ع ّدة أشكال أه ّمها‪:‬‬ ‫ االغتيال ال ّسياسي المفضوح‪ :‬وهو شكل من أشكال التّصفية الجسديّة العلنيّة األكثر دمويّة‪.‬‬‫ويبدو من خالل تتبّع المصادر التّاريخيّة ّ‬ ‫أن هذا ال ّشكل أسّس له "حسين بن علي" نفسه عندما كلّف‬ ‫مجموعة من رؤساء البحر بقيادة "حسين رايس" بالقبض على "إبراهيم ال ّشريف" الذي كان يحاول‬ ‫دخول البالد الستعادة ال ّسلطة بدعم من "الجزائر" في جانفي ‪1706‬م‪ .‬فبعد أن ألقي عليه القبض‬ ‫وقع قتله رميا بال ّرصاص ثم قطع رأسه وعرض على "حسين بن علي" الذي أمر بدفنه‪ 1.‬ويبدو‬ ‫ّ‬ ‫أن"حسين بن علي" الذي اعتمد هذا األسلوب في التخلّص من خصمه ال ّسياسي "إبراهيم ال ّشريف"‬ ‫استخدمه "علي باشا" لتصفيته هو نفسه سنة ‪1740‬م‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وقد تواصل هذا ال ّشكل ال ّدموي العنيف في التخلص من الخصوم ال ّسياسيّين كالذي حصل‬ ‫لـ "حسين بن علي" سنة ‪1740‬م‪ ،‬وينفرد كل من "ح ّمودة بن عبد العزيز" في"الكتاب الباشي"‬ ‫و"ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" في "اإلتحاف" بوصف الطّريقة التي ت ّمت بها تصفية "حسين بن علي" من‬ ‫طرف"يونس باي"‪ ،‬فيذكران أنّه بعد خروج "حسين بن علي" من "القيروان" إثر حصارها‬ ‫حصارا خانقا لحق به جند "يونس باي" فسقط من على فرسه‪ ،‬وعندها ت ّمت تصفيته‪ .‬ويعلّق "ابن‬ ‫عبد العزيز" على "يونس باي" قائال "اقترفها شنعاء منكرة تص ّم عنها اآلذان وتخرص عنها‬ ‫األلسن"‪ 2.‬كما يصف "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف" التّصفية قائال "اخترط سيفه (يونس باي) وباشر قتله‬ ‫بنفسه وعلى إثر ذلك بعث برأسه إلى "علي باشا" مع األسرى من أتباعه"‪ 3.‬ورغم ّ‬ ‫أن" حسين بن‬ ‫علي" حاول استعطاف "يونس باي" مذ ّكرا إيّاه ّ‬ ‫بأن أباه "علي باشا" كان قد شهد ختانه وهو في‬ ‫حجره‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫أن ذلك لم يغفر له وأص ّر على قتله ث ّم قطع رأسه وبعث به إلى"تونس" مع أخيه‬ ‫"سليمان" ليعرضه على أبيه‪ .‬وقد عبّر "علي باشا" عن حقد شديد على ع ّمه عندما أص ّر على‬ ‫عرض رأس ع ّمه المقطوعة على زوجته وبناته حتّى "كدن يمتن من الهلع" في مشهد يعبّر عن‬ ‫فظاعة روح االنتقاموالتشفّي التي كان يحملها "علي باشا"‪ .‬ولم يكفه ذلك بل أمر بوضع رأس ع ّمه‬ ‫بالقبّة بـ "بطحاء القصبة" لعرضه على النّاس‪.‬‬ ‫إذن يبدو أنّنا أمام نمط من االنتقام ال ّسياسي الالّأخالقي الخارج عن المعقول‪ .‬وليس من‬ ‫المبالغة في شيء عندما نق ّر ّ‬ ‫بأن"علي باشا" انفرد بتجسيد مشاهد عنيفة ومغالية أثناء عمليّات‬ ‫التّصفية الجسديّة التي شملت "حسين بن علي" وأتباعه مثل "عامر" أخيه من أ ّمه و"أحمد شلبي"‬ ‫وابنه "علي" و"علي ال ّسبعي"و"علي بن مريقة"و"علي اليمني"‪ 4.‬كما ّ‬ ‫أن"علي باشا" انفرد بأنّه ق ّدم‬ ‫لنا صورا قاسية من التّنكيل طالت أتباع ع ّمه من س ّكان "القيروان" يقول عنها "ابن أبي‬ ‫ال ّ‬ ‫ضياف"بأنّه "خرج فيها عن العقل"‪5.‬هذا ال ّشكل من االغتيال المفضوح تك ّرر مع "علي باشا"‬ ‫عندما قمع "ثورة جند الترك" سنة ‪ 1756‬م حيث عمد إلى سبعة من كبار جند الترك فأمر بقتلهم‬ ‫خنقا ثم ألقاهم بـ"بطحاء القصبة" ليجعلهم عبرة‪ .‬كما قتل منهم قرابة ‪ 500‬جندي‪ ،‬ولع ّل المعجميّة‬ ‫التي اعتمدها "ح ّمودة بن عبد العزيز"فيوصف عمليّة التّصفية تعبّر عن نفسيّة لـ "علي باشا" ّ‬ ‫شاذة‬ ‫‪6‬‬ ‫حيث يذكر أنّه بعد أن أعدم خصومه "شفى نفسه منهم"‪.‬‬ ‫نفس المشهد المفضوح يص ّوره لنا صاحب "الكتاب الباشي" لكن هذه الم ّرة بمناسبة‬ ‫تخلّص "مح ّمد باي" ابن "علي باشا" من أصحاب "يونس باي" الذين ناصروه في ثورته ض ّد أبيه‬ ‫‪1‬ن‪.‬م ‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء‪ ، 1‬ص ‪.94‬‬ ‫‪ 2‬ابن عبد العزيز (ح ّمودة)‪،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪. 23‬‬ ‫‪ 3‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪. 114‬‬ ‫‪ 4‬ابن عبد العزيز (حمودة)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪. 25‬‬ ‫‪ 5‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.118‬‬ ‫‪ 6‬ابن عبد العزيز (حمودة)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪ . 38‬بهذه الصور الدموية العنيفة والمؤلمة نجد أنفسنا أمام شخص مريض يتوق إلى رؤية مشاهد‬ ‫الدم ويحرص على عرضها على الجمهور العريض من سكان الحاضرة‪.‬‬ ‫‪50‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫"علي باشا" سنة ‪1762‬م‪ ،‬حيث يذكر أنّه عمد إلى أتباع "يونس باي" من اإلنكشارية وأمراء‬ ‫ال ّرايات وأعيان البلد "فأفنى الجميع خنقا وشنقا"‪ 1،‬ثم التفت إلى بقيّة عسكر الترك فشرّدهم ونفاهم‬ ‫عن آخرهم وأسقط أبناءهم من ديوان الجند وشرّد بعضهم إلى القرى‪ .‬وقد بلغ عدد من نفى من‬ ‫الترك ألفا التحق أكثرهم بـ "الجزائر" وثبتوا في ديوان جندها‪ 2.‬ويختم "ح ّمودة بن عبد العزيز"‬ ‫‪3‬‬ ‫الحلم والعفو"‪.‬‬ ‫واصفا "علي باشا" «وهذه ثمرة إتّباع الغضب واالنتقام واإلخالل بفضيلة ِ‬ ‫صة ‪:‬‬ ‫العمليّات الخا ّ‬ ‫وهي طريقة ابتدعها ‪-‬على ما يبدو‪« -‬ح ّمودة باشا" تقوم على إنجاز مها ّم استخباراتيّة‬ ‫دقيقة ومح ّددة بهدف التخلّص من الخصوم بطريقة غير مفضوحة وهو ما يجعلنا نجازف بالقول‬ ‫ّ‬ ‫بأن"ح ّمودة باشا الحسيني" هو الذي أ ّسس ما نطلق عليه اليوم "التّصفية ال ّسياسيّة" لكن من دون أن‬ ‫يخلف ذلك أيّة تداعيات على االستقرار ال ّداخلي‪.‬‬ ‫التّخويف والتّرهيب‪:‬‬ ‫وردت في مد ّونة "ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف "في صيغة "فنزل بهم الرعب‪ ...‬فأتوه متنصّلين‬ ‫طائعين"‪ :‬هو أسلوب يهدف باألساس إلى التّخويف عبر استحضار أدوات العنف الما ّديمن أجل‬ ‫إثارة سيكولوجيّة الخضوع والتّسليم باألمر الواقع‪ .‬ويتطابق هذا التّكتيك مع تص ّور "ماكس فيبر"‬ ‫أن أه ّم مصادر تقبّل الفرد للخضوع هو التمثّل ّ‬ ‫لل ّسلطةمعتبرا ّ‬ ‫الذهني للقهر‪ ،‬وهي عمليّة وجدانيّة‬ ‫يستبطن خاللها العقل إمكانيّات العقاب‪ ،‬فتسيطر عليه حاالت متداخلة من الهلع والخوف من إمكانيّة‬ ‫العقاب م ّما يفضي إلى الخضوع الطّوعي والتّلقائي‪ .‬ويضيف "فيبر" ّ‬ ‫أن درجة الخضوع تزداد أو‬ ‫ضع‪ 4.‬هذا التص ّور" الفيبيري" لل ّسلطة يتقاطع‬ ‫تتقلّص بحسب درجة القهر الذي يستبطنه ذهن ال ُم ْخ َ‬ ‫مع المقاربة النّفسيّة في تحليل ما يس ّمى "العقل الالّشعوري"‪ 5.‬وإذا ما طبّقنا هذه المقاربة النّفسيّة في‬ ‫مجال بحثنا نستطيع أن نجزم ّ‬ ‫بأن المحلّة عند استخدامها لعمليّات التّرويع ‪-‬التي تح ّدثنا عنها في ع ّدة‬ ‫فصول من بحثنا‪ -‬تخلّف في ّ‬ ‫الذاكرة الفرديّة والجماعيّة أحداثا منبّهة انفعاليا يجري ترميزها في‬ ‫سياق التج ّول الموسمي أو الطارئ للمحلّة فتولّد ضغطا انفعاليا يعبّر عنه الفرد أو الجماعة بحاالت‬ ‫من الخوف والهلع‪ ،‬قد تر ّسخ نوعا من اإلحباط الذي يفضي إلى الخضوع اآللي‪ .‬لذلك ّ‬ ‫فان إحضار‬ ‫أدوات العنف وعرضها أمام الفاعلين االجتماعيّين يمثّل باألساس عمليّة سيكولوجيّة تؤثّر في‬ ‫األذهان وتحقّق ال ّدولة من خاللها قدرا من اإلحباط يساعدها في تحقيق هيمنة مطلقة على المجال‪.‬‬ ‫وفي هذه الحالة ال تكون المحلّة مجبرة على استخدام أدوات القهر الما ّدية وإنّما تكتفي بعرضها على‬ ‫‪6‬‬ ‫الخصوم لتفعيل المشاعر السلبيّة التي تح ّدثنا عنها‪.‬‬ ‫لكنّنا نعتقد ّ‬ ‫أن التّوظيف النّفسي لوسائل القمع الما ّدية مثّل في بدايات العهد الحسيني تكتيكا‬ ‫لجأت إليه المحلّة‪ ،‬ألنّه وكما بينّا سابقا لم يكن إحضار أدوات القمع يهدف فقط إلى التّخويف فقد‬ ‫جرى في أغلب الحاالت استعمالها على األرض‪ ،‬بدليل أنّنا لم نس ّجل تفعيال للعنف ال ّرمزي‬ ‫واستثمارا لذاكرة البطش ّإال في مناسبتين هما‪ :‬األولى عندما ذكر "صاحباإلتحاف" ّ‬ ‫أن أهل"‬ ‫القيروان" ل ّما خرجت إليهم محلّة ال ّشتاء تحت قيادة "مراد بن علي باي" سنة ‪1699‬م خاف أهلُها أن‬ ‫يح ّل بهم ما ح ّل بأهل "باجة" في محلّة ال ّ‬ ‫صيف من تنكيل‪" ،‬ففضّلوا الخروج منها وتركوها خاوية‬ ‫على عروشها"‪ 7.‬لذلك التزم أهل "القيروان" دفع ما عليهم من مجابي لتجنّب أيّة إجراءات زجريّة‬ ‫‪1‬ن‪.‬م ‪ ،‬ص ‪. 86‬‬ ‫‪ 2‬ن‪.‬م‪ ،‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪ 3‬ن‪.‬م‪ ،‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫‪ 4‬الغ ّزي (وسيم)‪ ،‬المفاهيم السياسية المعاصرة ودول العالم الثالث‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،1987 ،‬ص‪. 45‬‬ ‫‪ 5‬وهي مقاربة ترى أن معالجة المعلومات لدى اإلنسان تتم عبر مرحلتين هما‪ :‬مرحلة االحتفاظ أو التخزين ومرحلة االسترجاع أو التذكر‪،‬‬ ‫وأن المرحلة الثانية من المعالجة النفسية تفضي إلى موقف انفعالي يسمى بالذاكرة االنفعالية ‪ Emotional Memory‬بمعنى أن األحداث‬ ‫التي تقترن في الذاكرة بمشاهد غير سارة كالعنف والدم تعد أحداثا منبّهة انفعاليا ألنها أحداث يجري ترميزها بسهولة في الذاكرة وفق سياق‬ ‫معين وتولد ضغطا انفعاليا قد يكون إيجابيا أو سلبيا ‪.‬‬ ‫‪6‬محمد قاسم (عبد هللا)‪" ،‬سيكولوجية ّ‬ ‫الذاكرة ‪ :‬قضايا واتّجاهات حديثة"‪ ،‬مجلة عالم المعرفة‪ ،‬عدد ‪ ،2003 ،290‬ص‪ : 14 - 11‬اعتمد‬ ‫الكاتب على التّحليل النّفسي الفرويدي وكتاب " أسس علم النفس " لوليام جيمس ‪.‬‬ ‫‪ 7‬يذكر ّ‬ ‫أن المغارم تمثلّت في ‪ 1000‬بعير و‪ 400‬فرس ورد في ‪ :‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬اإلتحاف‪ ، ...‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.163‬‬ ‫‪51‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫صة ّ‬ ‫وأن ك ّل خروج للمحلّة يترافق بال ّ‬ ‫خا ّ‬ ‫ضرورة مع عمليّات بطش ال محدودة‪ .‬أ ّما الثّانية فهي‬ ‫ضياف" ّ‬ ‫عندما ذكر "ابن أبي ال ّ‬ ‫أن"علي باي" ‪-‬في إطار سعيه للقضاء على ثورة "اسماعيل باي"‪-‬‬ ‫عمد إلى محاصرة "جبل وسالت" وبدأ بـ "أوالد عيّار" "فأخذهم أخذة أفنت الكراع والمتاع فنزل‬ ‫‪1‬‬ ‫ال ّرعب في قبائل ماجر فأتوه متنصّلين طائعين والتزموا دفع مغارم قبل أن يعفى عنهم"‪.‬‬ ‫استخدام وسائل التف ّوق العسكري‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وردت عند "صاحب اإلتحاف" في صيغة "ورمى ‪ ...‬بالمدافع حتى كادت أن تصير دكا"‪.‬‬ ‫يبدو ّ‬ ‫أن سياسة العنف المفضوح التي طبعت فترة حكم الباياتالمراديين في تعاطيهم مع القوى القبلية‬ ‫الممانعة قادت التّشكيلة العسكريّة إلى اعتماد المدفع أو "البونبه" كما تس ّمى في وثائق األرشيف‬ ‫الوطني كوسيلة فعّالة وسريعة لحسم المواجهات العسكريّة‪2.‬فمن النّاحية اإلجرائية ت ّم اللّجوء إلى‬ ‫المدفع لضرب قوى المعارضة في األماكن المفتوحة والمكشوفة بهدف إحداث أكبر قدر من‬ ‫صة المناطق الجبليّة ّ‬ ‫الخسائر البشريّة‪ .‬أ ّما في األماكن المنيعة وخا ّ‬ ‫فإن استخدام المدفع يترافق مع‬ ‫إجراءات ميدانيّة صارمة كالحصار والتّضييق بغاية استنزاف العناصر المتح ّ‬ ‫صنة وإجبارها على‬ ‫االستسالم‪.‬‬ ‫وبتتبّع المعلومات المبثوثة في المصادر التّاريخيّة يتأ ّكد لنا ّ‬ ‫أن ال ّسلطة الحسينيّة واصلت‬ ‫إحضار المدفع وواصلت استخدامه فعليّا في المعارك التي خاضتها خالل القرن ‪19‬م‪ ،‬ويمكن‬ ‫اإلشارة في هذا ال ّ‬ ‫صدد إلى مناسبتين على األق ّل ت ّم فيهما استخدام المدفع هما‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ المناسبة األولى‪ :‬في الحرب ض ّد"الجزائر"سنة ‪1807‬م وتحديدا خالل الجولة الثانية منها‪،‬‬‫فعندما استشعر الوزير "يوسف صاحب الطّابع" الهزيمة أمر قادة المحلّة بتسريح المدافعفاقترح‬ ‫‪3‬‬ ‫عليه "مصطفى" استخدامه عند تج ّمع المهاجمين وذلك إليقاع أكبر قدر من الخسائر البشريّة‪.‬‬ ‫وفعال فقد أ ّدى استخدام المدافع إلى تشتّت المهاجمين‪ ،‬ثم د ّعم الوزير بهجوم ب ّري معاكس قاده‬ ‫الخيّالة أ ّدى إلى فرار الجزائريّين واستيالء الجند التّونسي على أثقال المحلّة من مدافع وسالح وإبل‬ ‫وغير ذلك من آالت الحرب التي غنموها‪.‬‬ ‫ المناسبة الثّانية‪ :‬أثناء حملة "ز ّروق" على "ال ّساحل" سنة ‪1864‬م حيث يذكر "ابن أبي‬‫ضياف" "ورمى القلعة ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫صغرى بالمدافع حتى كادت أن تصير د ّكا"‪ 4.‬وهنا م ّرة أخرى جاء‬ ‫استخدام المدفع في إطار يتّسم بالدقّة البالغة خا ّ‬ ‫صة عندما عمد أهل "مساكن"و"القلعة الصغرى"‬ ‫إلى مهاجمة "محلّة ز ّروق"‪ ،‬فأجبرت القيادة العسكريّة داخل المحلّة على اتّخاذ قرار يحسم‬ ‫المواجهة باستخدام المدفع ض ّد أهل "القلعة ال ّ‬ ‫صغرى" مما أ ّدى إلى استسالمها‪ .‬ثم ل ّوح أمير المحلّة‬ ‫باستخدام المدفع لضرب بلدة "مساكن" فأثار ذلك حالة من ّ‬ ‫الذعر والهلع فاضط ّر أهلها إلى الفرار‪.‬‬ ‫ضياف" جاء فيها ّ‬ ‫غير ّ‬ ‫أن رواية "ابن أبي ال ّ‬ ‫أن قيادة المحلّة إثر فرار أهل "مساكن" تم ّكنت من أسر‬ ‫بعض الث ّوار واالستيالء على بعض أمتعتهم‪.‬‬ ‫غير أنّه من المفيد التّذكير ّ‬ ‫بأن استخدام المدفع في القرن ‪19‬م لم يعد عشوائيا كما كان‬ ‫يحصل في العهد المرادي‪ ،‬وإنّما أصبح وسيلة يُلجأ إليها لحسم المعارك المستعصية وطريقة ف ّعالة‬ ‫لكسر إرادة المقاومة لدى األطراف المواجهة‪ .‬وهو ما يد ّل على ّ‬ ‫أن المدفع أو "البونبة" ظ ّل خيارا‬ ‫عسكريا ثابتا وتكتيكا ناجعا لجأت إليه المحلّة وخا ّ‬ ‫صة نواتها التّركية المتمرّسة على استخدام‬ ‫األسلحة النّارية‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫ثبت لدينا بعد ال ّدراسة التّفصيلية لمجريات الفعل العسكري خالل القرنين ‪ 18‬و‪19‬م أنّ‬ ‫ال ّسلطة الحسينيّة استثمرت ما ورثته عن الفترات ال ّسابقة من جهاز عسكري متنقّل الستعراض‬ ‫ق ّوتها عبر مسارات معلومة وأخرى طارئة‪ ،‬حيث كانت مؤ ّسسة المحلّة مدع ّوة لمغادرة الحاضرة‬ ‫‪ 1‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪ ،2‬ص ‪.75‬‬ ‫‪2‬دالي (حمادي)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪.169 - 166‬‬ ‫‪ 3‬ابن أبي ال ّ‬ ‫ضياف (أحمد)‪ ،‬ن‪.‬م‪ ،‬المجلّد ‪ ،2‬الجزء ‪ ،3‬ص ‪. 48 - 37‬‬ ‫‪4‬م‪ .‬ن ‪ ،‬المجلد ‪ ،3‬الجزء ‪ ،5‬ص ‪.180-177‬‬ ‫‪52‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫بشكل دوري أو اضطراري باتّجاه مجمل مجال ال ّسيادة‪ ،‬وأثناء سيرها كانت حريصة على عرض‬ ‫ما راكمته من أشكال وطرق في التّرويض ال ّسياسي والجبائي‪.‬‬ ‫إن تقييما موضوعيا لطريقة اشتغال المحلّة يؤ ّكد ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن التّراث العملياتي للمؤ ّسسة العسكريّة‬ ‫طوال القرنين ‪ 18‬و‪19‬م اعتمد باألساس على استراتيجيات عنيفة وعلى تكتيكات القهر الما ّدي بما‬ ‫يثبت وجود تأصيل لثقافة البطش ال ّسياسي طوال الفترة المدروسة‪ .‬فمن خالل تحليل المصادر‬ ‫اإلخباريّة التي اهت ّمت بتفكيك بنية العمليّات العسكريّة يتبيّن ّ‬ ‫أن ال ّسلطة الحسينيّة اعتمدت باألساس‬ ‫مقاربة عنيفة في مقارعة كتلة الممانعة في ال ّداخل بلغت في دمويّتها حدودا "خرجت فيها عن‬ ‫العقل"‪ .‬وهو ما أتاح لها في نهاية المطاف تحقيق التّحييز الكامل لتراب ال ّسيادة وتفكيك مق ّومات‬ ‫المجال السائب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫على المستوى الس ّوسيولوجي ّ‬ ‫فإن المسار الطويل من التّطويع والهرسلة العسكريّة أجبر‬ ‫بعض الفاعلين االجتماعيّين على بناء استراتيجيّات متن ّوعة في التّعاطي مع ال ّسلطة أفضت في‬ ‫ضع وإلى انحصار تدريجي لكتلة الممانعة وال ّرفض‪ .‬ومهما يكن من‬ ‫النّهاية إلى توسّع المجال ال ُم ْخ َ‬ ‫أمر ّ‬ ‫فإن هذا الخروج ال ّدوري يسّر تأسيس تقارب غير مسبوق بين المركز وجزء من المجال‬ ‫المحلّي قوامه عالقات "الخدمة" وتبادل المنافع‪ .‬وقد ساهم ذلك تدريجيّا في توسيع دائرة الوالء‬ ‫ال ّسياسي وتنامي اإلحساس باالنتماء إلى جماعة متجانسة وإلغاء الهويّات القبليّة والمحلّية‪ .‬وهو ما‬ ‫يعكس وجود نجاح الفت للمخزنة بشكل أتاح توسيع دائرة الخضوع وتمتين روابط الوالء لل ّدولة‪.‬‬ ‫ولع ّل نجاح ال ّسلطة الحسينيّة في عهد "أحمد باي" في تشكيل فرق نظاميّة يعكس نضج مسار‬ ‫ال ّدولة‪ ،‬وهو ما أفضى إلى تراجع ال ّدور المحوري للمحلّة كوسيلة نموذجيّة في استعراض الق ّوة وفي‬ ‫الممارسة ال ّدموية لل ّسلطة خا ّ‬ ‫صة مع تد ّعم اكتمال البناء التّرابي وتحييز المجال‪.‬‬

‫البيبليوغرافيا‬ ‫‪-I‬األرشيف ‪:‬‬ ‫أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪.142‬‬ ‫أ‪ .‬و‪ .‬ت‪ ،‬دفتر ‪.120‬‬ ‫‪-II‬المصادرالمطبوعة ‪:‬‬ ‫ابن أبي الضياف (أحمد)‪ ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد األمان‪ ،‬تونس‪1963 ،‬‬ ‫المجلد ‪ ،1‬الجزء ‪.2‬‬ ‫ابن عبد العزيز (ح ّمودة)‪ ،‬الكتاب الباشي‪ ،‬تحقيق محمد ماضور‪ ،‬تونس‪.1970‬‬ ‫ابن يوسف (الصغيّر)‪ ،‬المشرع الملكيفي سلطنة أوالد علي تركي‪ ،‬تحقيق وتقديم أحمد الطويلي‬ ‫تونس‪.1998‬‬ ‫ّ‬ ‫ال ّسنوسي (مح ّمد)‪ ،‬مسامرات الظريف بحسن التّعريف‪ ،‬تحقيق وتعليق الشيخ محمد الشاذلي‬ ‫النيفردار العرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬الطبعة األولى ‪.1994‬‬

‫‪-III‬المراجع ‪:‬‬ ‫المراجع باللّغة العربية‪:‬‬ ‫•‬ ‫ ابن طاهر(جمال)‪ ،‬الفساد وردعه‪ :‬الردع المالي وأشكال المقاومة والصراع بالبالد‬‫التّونسية (‪1840 – 1705‬م)‪ ،‬منشورات كلّية اآلداب‪ ،‬منّوبة‪.1995 ،‬‬ ‫‪53‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ ابن سليمان (فاطمة)‪ ،‬اإليّالة التّونسية بين القرنين ‪ 16‬و‪19‬م‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كلية‬‫العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة‪ ،‬تونس‪.1999 – 1998 ،‬‬ ‫ ابن سليمان (فاطمة)‪" ،‬مجال خميروالسّلطة المركزيّة بتونس في القرن ‪19‬م‪ :‬من التّخوم‬‫إلى الحدود ومن المخزن إلى الدولة "‪ ،‬روافد‪ ،‬العدد ‪2000 – 1999 ،5‬‬ ‫سياسية المعاصرة ودول العالم الثّالث‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫ الغ ّزي (وسيم)‪ ،‬المفاهيم ال ّ‬‫العربي‪.1987،‬‬ ‫سلطة‪ ،‬ترجمة ع‪ .‬شمس ال ّدين‪ ،‬المؤسسة الجامعية لل ّدراسات والنّشر‬ ‫ (بول)‪ ،‬المكان وال ّ‬‫والتّوزيع – بيروت‪.1990 ،‬‬ ‫ بوعلي (لطفي)‪ ،‬ديناميكية التّحديث العسكري في البالد التّونسية خالل القرنين ‪ 18‬و‪19‬م‪:‬‬‫مقاربة في التّاريخ االجتماعي‪ ،‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬كليّة العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة بتونس‪،‬‬ ‫‪.2015‬‬ ‫ محمد قاسم (عبد هللا)‪" ،‬سيكولوجية ّ‬‫الذاكرة‪ :‬قضايا واتّجاهات حديثة"‪ ،‬مجلة عالم‬ ‫المعرفةعدد ‪.2003 ،290‬‬ ‫ دالي (ح ّمادي)‪ ،‬النفوذ المحلي بالبالد التّونسيّة وتش ّكل ال ّدولة التّرابية ‪-1574‬‬‫‪1877‬مأطروحة دكتوراه‪ ،‬كلّية العلوم اإلنسانيّة واالجتماعيّة‪ ،‬تونس‪.2004 -2003 ،‬‬ ‫ المستغانمي (محمد فوزي)‪ ،‬بالط باردو زمن ح ّمودة باشا (‪1814 – 1782‬م)‪ ،‬أطروحة‬‫دكتوراه‪ ،‬نشر دراسات مغاربية‪.2007 – 2006 ،‬‬

‫•‬

‫المراجع باللّغة الفرنسيّة‪:‬‬

‫‪CHATER (Kh.), Insurrection et répression dans la Tunisie du 19ème siècle, la‬‬ ‫‪M’hella de Zarrouk au Sahel (1864), Université de Tunis, 1978.‬‬ ‫‪DAKHLIA (J), L’oubli de la cité : la mémoire collective à l’épreuve du lignage‬‬ ‫‪dans le Jérid Tunisien, éd. La découverte, Paris, 1990.‬‬ ‫‪DAKHLIA (J.), « Dans la mouvance du prince : la symbolique du pouvoir itinérant‬‬ ‫‪au Maghreb », Annales économies sociétés civilisations, n°3, Mai-Juin 1988, pp.‬‬ ‫‪738-740.‬‬

‫‪54‬‬

‫‬‫‬‫‪-‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫أسرى المحور بالبالد التّونسية‬ ‫‪1949-1943‬‬ ‫علي آيت ميهوب‬ ‫جامعة منّوبة‬ ‫المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر‬ ‫المق ّدمة‪:‬‬

‫عديدة هي الموضوعات المرتبطة بفترة الحرب العالميّة الثّانية في البالد التّونسيّة أو ما‬ ‫يعرف بـ"حملة تونس" (نوفمبر ‪ -1942‬ماي ‪ )1943‬التي لم تجد بعد حظّها من ال ّدرس رغم تع ّدد‬ ‫البحوث حول تلك الفترة‪1.‬ولع ّل من بين أبرز تلك الموضوعات نجد مسألةأسرى المحور بالبالد‬ ‫التّونسيّة‪ .‬وفي الحقيقة ّ‬ ‫فإن موضوع أسرى الحرب عموما هو من المواضيع المطروقة حديثا‪ ،‬إذ بدأ‬ ‫االشتغال عليه منذ تسعينات القرن الماضي مع تج ّدد المقاربات الخا ّ‬ ‫صة بالتّاريخ العسكريالسيّما منه‬ ‫تاريخ الحربين العالميتين‪ .‬هكذا وبعد أن كانت فئة أسرى الحرب فئة مه ّمشة في ال ّدراسات الخا ّ‬ ‫صة‬ ‫بالحرب العالميّة الثّانية أضحت هذه الفئة مح ّل اهتمام الباحثين وتح ّولت إلى عنصر رئيسي في‬ ‫سياق موضوعات عديدة مرتبطة بالحرب العالميّة الثّانية من بينها موضوعاتعن الحرب‬ ‫والمجتمعات زمن ال ّسلم وزمن الحرب والعالقات ال ّدولية وخا ّ‬ ‫صة العالقة بين المنتصر والمنهزم‬ ‫وكذلك اقتصاد الحرب‪...‬إلخ‪.‬‬ ‫في هذا ال ّسياق تندرج هذه الورقة الموسومة "أسرى المحور بالبالد التّونسيّة ‪-1943‬‬ ‫‪ ."1949‬فحملة تونس عرفت إحدى أكبر هزائم المحور في الحرب العالميّة الثّانيّة وليس أد ّل على‬ ‫‪2‬‬ ‫ذلك من سقوط حوالي ربع مليون من ق ّوات المحور في األسر مع نهاية المعارك في ماي ‪.1943‬‬ ‫لقد اعتمدنا إلنجاز هذه الورقة على عدد من المصادر األرشيفيّة السيّما تقارير ومراسالت‬ ‫المقيم العا ّم الفرنسي بتونس والقيادة العليا للق ّوات الفرنسيّة بتونس ومراسالت عدد من الوزراء‬ ‫الفرنسي ّين‪ .‬كما استفدنا كثيرا من أطروحة الباحث الفرنسي "فابيان تيوفالكيس" " ‪Fabien‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪"Théofilakis‬التي خصّصها لدراسة األسرى األلمان لدى فرنسا بين ‪ 1944‬و‪.1949‬‬

‫‪1‬من بين هذه البحوث نذكر‬ ‫‪-Cherif (F.), La Tunisie dans la tourmente de la secondeguerre mondiale, Tunis, Centre de Publication‬‬ ‫‪Universitaire, 2014.‬‬ ‫‪- Dahman (M.S) , Les contingents tunisiens ayant servi dans l’armée française pendant la deuxième‬‬ ‫‪guerre mondiale, doctorat de IIIèmecycle, Paris I, 1987.‬‬ ‫وكذلك البحوث الواردة في‪:‬‬ ‫‪- Comité National Tunisien d'Histoire de la 2ème Guerre Mondiale, Colloque international sur l'histoire‬‬ ‫‪de la 2ème Guerre Mondiale : campagne de Tunisie novembre 1942 mai 1943, Ministère de la défense‬‬ ‫‪Nationale, 1982.‬‬ ‫‪ 2‬أغلب المصادر والمراجع تق ّدم رقم ربع مليون أسير في حين ّ‬ ‫أن الجنرال "اندرسون" ‪Anderson‬قائد الجيش األول البريطاني يق ّدم رقما‬ ‫أق ّل بكثير ‪ .168000 :‬انظر‬ ‫‪- Dhouib (M.N.), La Tunisie dans le tourbillon de la Seconde Guerre mondiale, La Marsa, Mc- Editions,‬‬ ‫‪2ème édition, 2014, p. 81.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Théofilakis (F.), Les prisonniers de guerre allemands en mains françaises (1944-1949) : captivité en‬‬ ‫‪France, rapatriement en Allemagne, thèse doctorat en histoire, Université de Paris X Nanterre,[en ligne],‬‬ ‫‪url https://bdr.u-paris10.fr/theses/internet/2010PA100184_diff.pdf.‬‬ ‫‪55‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫جملة من التّساؤالت تثيرها هذه الورقة‪ :‬ما الذي ميّز تجربة األسر بالبالد التّونسيّة عن غيرها‬ ‫من تجارب األسر زمن الحرب العالميّة الثّانية؟ كيف تط ّورت وضعيّة أسرى المحور في عالقة‬ ‫بتط ّور مجريات الحرب؟ ما مدى احترام سلطات الحماية التّفاقية جنيف لسنة ‪ 1929‬في معاملة‬ ‫أسرى المحور بالبالد التّونسيّة؟ أ ّ‬ ‫ي تأثير لألسر على ال ّروح المعنويّة لألسرى وعلى والئهم‬ ‫للنّظامين الفاشي والنّازي؟ ما مدى مسؤوليّة أسرى المحور في ال ّدمار الذي لحق البالد التّونسيّة‬ ‫ومن ث ّمة ما مدى مشروعيّة احتفاظ سلطات الحماية بهم بعد نهاية المعارك وإلزامهم بإعادة بناء ما‬ ‫د ّمرته الحرب؟ وأ ّ‬ ‫ي تأثير الستخدام اليد العاملة األسيرة على اليد العاملة التّونسيّة؟ أيّة صورة‬ ‫يحملها فرنسيّو البالد التّونسيّة على أسرى المحور؟ وكيف تط ّورت تلك ال ّ‬ ‫صورة؟‬ ‫أ ّوال–ق ّوات المحور من الحرب إلى األسر‪:‬‬ ‫ليس في نيّتنا الخوض في تفاصيل معارك الحرب العالميّة الثّانية التي كانت البالد‬ ‫التّونسيّة مسرحا لها بين نوفمبر ‪ 1942‬وماي ‪ ،11943‬بل يكفينا التّذكير ببعض العناصر التي من‬ ‫شأنها أن تساعدنا على تبيّن الظّرفية التي ج ّدت فيها عمليّة أسر ق ّوات المحور بتونس‪ .‬فبعد هزيمتها‬ ‫في "معركة العلمين" انسحبت ق ّوات المحور نحو البالد التّونسيّة وبدورهم توجّه الحلفاء إلى تونس‬ ‫بعد أن أنزلوا يوم ‪ 8‬نوفمبر ‪ 1942‬بالمغرب والجزائر‪ .‬فتح ّولت هكذا تونس إلى إحدى ساحات‬ ‫الحرب العالميّة الثّانية لم ّدة ستّة أشهر‪ ،‬عرفت خاللها البالد معارك عديدة على غرار معارك‬ ‫"مجاز الباب" و"القصرين" و"مدنين" و"مارث"‪ ...‬ورغم ما أبدته ق ّوات المحور من مقاومة فإنّها‬ ‫تكبّدت خسائر كبرى وانحسر مجال نفوذها في مناطق بنزرت وتونس والوطن القبلي‪ ،‬لتستسلم في‬ ‫األخير يوم ‪ 13‬ماي ‪ 1943‬وتنتهي بذلك "حملة تونس" ومعها حضور المحور بإفريقيا‪.‬‬ ‫لئن كان من ال ّ‬ ‫صعب وفق الوثائق والمصادر المعتمدة تحديد دقيق لجغرافيّة عمليّات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسر داخل البالد التّونسيّة فمن المؤكد أنه مع نهاية "حملة تونس" بهزيمة ق ّوات المحور‬ ‫واستسالمها بجهة الوطن القبلي ّ‬ ‫فإن حوالي ربع مليون من هذه الق ّوات غدوا أسرى لدى جيوش‬ ‫الحلفاء‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن الغالبيّة ال ّساحقة من هؤالء األسرى وقع أسرهم من قبل الجيشين‬ ‫األمريكي والبريطاني‪ ،‬في حين ّ‬ ‫أن عدد الذين سقطوا في األسر لدى الق ّوات الفرنسيّة كان محدودا‪،‬‬ ‫لم يتجاوز ‪ 17000‬أسير‪ 2‬وهو أمر منطقي بحكم ال ّ‬ ‫ضعف الذي كانت تعاني منه هذه الق ّوات سواء‬ ‫في شمال إفريقيا أو في فرنسا ذاتها‪.‬‬ ‫لم تتوقّف عمليّة أسر ق ّوات المحور بنهاية حملة تونس في ماي ‪ 1943‬بل استم ّرت‬ ‫ألشهر عديدة بعد ذلك التّاريخ‪ ،‬فعدد من العسكريّين األلمان ت ّم القبض عليهم وأسرهم في جويليّة‬ ‫وأوت ‪ 1944‬وذلك بعد أن نجح عدد من العسكريّين األلمان في االختباء السيّما بـ "جبال الوطن‬ ‫القبلي" وبدرجة أق ّل "جبال جهة بنزرت" مستفيدين من دعم األهالي الذين ز ّودوا المختبئين‬ ‫بالمؤونة واللّباس بمقابل مالي‪ 3‬أو تعاطفا معهم‪.‬‬ ‫ومن أشهر أسرى المحور الذين سقطوا في األسر بالبالد التّونسيّة نجد الجنرال "فون‬ ‫أرنيم"‪ "VonArnim‬قائد الفيلق اإلفريقي "‪ "AfrikaKorps‬خلفا لـ"رومل"‪ ،‬إذ ت ّم أسره في ‪ 12‬ماي‬ ‫‪ 1943‬مع ضبّاط وقيادة أركانه جنوب "ح ّمام األنف"‪ .‬وقد نقل إلى "معسكر مجاز الباب" ومنه إلى‬ ‫"الجزائر" فـ"بريطانيا" التي مكث بها أسيرا إلى حدود ‪ .1947‬كما نذكر من بين األسرى‬

‫‪ 1‬لمزيد االطالع على "حملة تونس" انظر‪:‬‬ ‫‪- Cherif (F.) ,Op.cit.‬‬ ‫‪- Dhouib (M.N.), Op.cit.‬‬ ‫‪- D'Arcy-Dawson (J.), La Campagne de Tunisie, [TunisianBattle] traduction d'Albert Frédérik,‬‬ ‫‪Editions universitaires, les presses de Belgique, 1947.‬‬ ‫‪ 2‬أرشيف اإلقامة العامة (يذكر الحقا‪ :‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،).‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬برقية القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس‬ ‫(ماي ‪.)1943‬‬ ‫‪ 3‬لع ّل هذا ما يفسّر ّ‬ ‫أن أغلب المختبئين كانوا من الضبّاط الذين سمحت لهم أموالهم استمالة التّونسيين‪.‬‬ ‫‪56‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫اإليطاليّين الدرّاج الشهير "فاوستو كوبي" "‪ )1960 - 1919("Fausto Coppi‬الذي وقع أسره‬ ‫بجهة الوطن القبلي من قبل فرقة انقليزيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لئن بلغ عدد أسرى المحور بالبالد التونسيّة حوالي ربع مليون أسير ّ‬ ‫فإن الذين وقع‬ ‫االحتفاظ بهم داخل البالد لم يتجاوز بضعة آالف في حين وقع ترحيل البقيّة نحو بلدان الحلفاء‬ ‫خا ّ‬ ‫صة الواليات المتّحدة األمريكيّة وبريطانيا وفرنسا‪ .‬إذن كم هي أعداد األسرى المحتفظ بها داخل‬ ‫ّ‬ ‫التّراب التونسي؟ وكيف تط ّور هذا العدد؟‬ ‫مع هزيمة ق ّوات المحور و"تحرير البالد" طرحت مسألة اإلبقاء على عدد من األسرى بالقدر‬ ‫الذي يسمح بإعادة بناء ما د ّمرته الحرب من ناحية وتعويض اليد العاملة المحلّية التي ما تزال‬ ‫بجبهات القتال‪ .‬واعتبر المقيم العا ّم ّ‬ ‫أن حا ّجيات البالد هي في حدود ‪ 16000‬أسير‪ ،‬ومن األفضل أن‬ ‫يكونوا من اإليطاليّين بحكم التّعاطف الكبير الذي أبداه الت ّونسيّون مع األلمان زمن الحرب‪ .‬غير ّ‬ ‫أن‬ ‫القائد األعلى المدني والعسكري لق ّوات الحلفاء لم يمنح البالد إالّ ‪ 7000( 12000‬ألماني و‪5000‬‬ ‫‪1‬‬ ‫إيطالي)‪.‬‬ ‫لقد بلغ عدد األسرى ذروته في ديسمبر ‪ 1944‬بحوالي ‪ 15000‬أسير بعد أن كان عددهم‬ ‫‪ 12580‬في أوت ‪ 7177( 1943‬ألماني و‪ 5403‬إيطالي) يتو ّزعون بين ثالثة مراكز وهي‬ ‫"بنزرت"و"تونس"و"زغوان"‪ 2.‬ث ّم أخذ عدد األسرى منذ ‪ 1945‬في التّراجع‪ ،‬فلم يعد يتجاوز‬ ‫‪ 10574‬أسير في ماي ‪ 1946‬من بينهم ‪ 10074‬ألماني بعد رحيل أغلب األسرى اإليطاليّين نحو‬ ‫إيطاليا والمغرب األقصى‪ .‬وفي ‪ 1‬نوفمبر ‪ 1946‬صار العدد الجملي لألسرى ‪3،9337‬وواصل‬ ‫التّراجع طيلة سنتي ‪ 1947‬و‪ ،1948‬فلم يعد يفوق بضعة مئات‪.‬‬ ‫احتفظت إذن ال ّسلطات الفرنسيّة داخل البالد التّونسيّة من ماي ‪ 1943‬إلى نهاية ‪1946‬‬ ‫باآلالف من أسرى المحور‪ .‬وقد أقام هؤالء داخل عدد من المعسكرات التي وقع إحداثها تباعا‪.‬‬ ‫وتمثّلت المعسكرات الرئيسيّة في أربعة معسكرات‪ :‬المعسكر عدد ‪ 15‬ببنزرت والمعسكر عدد ‪16‬‬ ‫بتونس والمعسكر عدد ‪ 17‬بزغوان والمعسكر عدد ‪ 18‬بصفاقس‪ .‬كما وجدت مالحق وحظائر تتبع‬ ‫هذه المعسكرات ال ّرئيسة‪ .‬فمعسكر تونس ض ّم ملحقين بك ّل من سوسة والقيروان ومعسكر صفاقس‬ ‫ض ّم ملحقا برمادة‪ ،‬وكان لمعسكر زغوان ملحق بسوق ال ّجمعة‪ .‬ونذكر من بين الحظائر ال ّرئيسيّة‪:‬‬ ‫حظائر جرزونة وطبرقة وقرنبالية وبوفيشة وقابس ومدنين ورمادة‪ .‬لقد اختلفت ظروف اإلقامة‬ ‫‪4‬‬ ‫داخل هذه المقرّات من حيث المأوى (ال ّسكن) والتّغذية واللّباس‪.‬‬ ‫ومع تزايد أعداد األسرى بالبالد التّونسيّة فإنّه وقع في ‪ 5‬ماي ‪ 1943‬إحداث جهاز أسرى‬ ‫‪5‬‬ ‫المحور بشمال إفريقيا ومقرّه بمدينة الجزائر وتحت إشراف الكولونيل "بالنشار" " ‪."Blanchard‬‬ ‫وكانت مه ّمة هذا الجهاز التصرّف في أسرى حملة تونس‪ .‬لكن بعد استسالم الفيلق‬ ‫اإلفريقي «‪»AfrikaKorps‬في ‪ 13‬ماي وأسر ما يزيد عن ‪ 250000‬عنصر من ق ّوات المحور‬ ‫برزت الحاجة إلى هيكل جديد فكانت إدارة تفقّد أسرى الحرب‪D.I.P.G.‬وعيّن على رأس هذا الهيكل‬ ‫الجنرال "بواسو""‪ "Boissau‬الذي س ّمي متفقّدا عا ّما ألسرى المحور‪ 6.‬لكن بعد تحرير فرنسا‬ ‫وسقوط أعداد كبيرة من أسرى المحور بالمتروبول عالوة على تحويل أعداد ضخمة من األسرى‬ ‫من القوى الحليفة انتقل هذا الجهاز إلى فرنسا في ‪ 1‬أوت ‪ 1945‬وأعيدت هيكلته تحت مس ّمى جديد‬ ‫هي اإلدارة العا ّمة ألسرى الحرب ‪ D.G.P.G.‬ووضع على رأسه الجنرال "بويسون"‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬برقية ‪ 28‬ماي ‪.1943‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مذكرة القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس (‪ 12‬ماي ‪.)1943‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬جدول ألعداد أسرى حرب المحور بشمال افريقيا في ‪ 1‬نوفمبر ‪.1946‬‬ ‫‪ 4‬لمزيد االطالع انظر تقرير القائد الجهوي لمعسكرات أسرى الحرب‪ ،‬أرشيف المصلحة التاريخية لجيش الب ّر الفرنسي (يذكر الحقا‬ ‫أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،).‬بكرة ‪ ،Ns407‬صندوق‪ ،2H174‬ملف ‪ ،2‬وثيقة ‪.1212 -1209‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪Théofilakis (F.), Op.cit, p.292.‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Ibid. p.186.‬‬ ‫‪57‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫"‪1."Buisson‬في المقابل أحدثت إدارة جهويّة ألسرى الحرب بالبلدان المغاربيّة الثّالثة في ارتباط‬ ‫‪2‬‬ ‫مباشر باإلدارة العا ّمة بباريس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫اآلالف إذن من ق ّوات المحور عاشوا تجربة األسر داخل البالد التونسيّة‪ .‬ولئن اختلفت‬ ‫تلك التّجربة من أسير إلى آخر ّ‬ ‫فإن وق َعها النّفسي كان شديدا على الجميع السيّما وقع لحظة ال ّسقوط‬ ‫في األسر واأليّام األولى منه‪ .‬وفي هذا ال ّ‬ ‫صدد اعتبر الباحث الفرنسي "فابيان تيوفالكيس ‪Fabien‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ّ "Théofilakis‬‬ ‫أن ال ّسقوط في األسر يمثّل قطيعة في حياة األسير كما يشكل األسر صدمة عسكريّة‬ ‫ّ‬ ‫وسياسيّة السيّما بالنسبة للعسكريّين المتشبّعين باإليديولوجيا النازيّة‪ .‬إذ يتح ّول األسر عندهم إلى‬ ‫‪4‬‬ ‫خضوع للعد ّو الفرنسي وإلى عارعلى الوطن‪.‬‬ ‫كيف تقبّل أسرى المحوروضعهم الجديد؟ هل احترمت ق ّوات الحلفاء اتّفاقية جنيف فيما‬ ‫يتعلّق بمعاملة األسرى عند أسرهم؟ ألم تسجّل عمليّات اعتداء وانتقام من هؤالء األسرى؟ في‬ ‫الحقيقة ّ‬ ‫إن اإلجابة على هذه األسئلة ليست متيسّرة في ضوء صمت المصادر ال ّرسمية الفرنس ّي وك ّل‬ ‫ما نحتكم إليه في هذا ال ّ‬ ‫صدد هي شهادات عدد قليل من األسرى‪ .‬من بين تلك ال ّشهادات نذكر شهادة‬ ‫الجندي اإليطالي "روجيرو برتوتي" "‪"RuggeroBertotti‬الذي يعلمنا أنّه سقط في األسر رفقة‬ ‫حوالي ‪ 60000‬أسيرفي ‪ 13‬ماي ‪ .1943‬وقد ساروا على أقدامهم لما يقرب اليومين تحت حراسة‬ ‫صلوا خاللها إالّ‬ ‫عناصر من اللّفيف األجنبي إلى أن بلغوا معسكر الفحص حيث بقوا ثالثة أيّام لم يتح ّ‬ ‫على الماء‪ ،‬كما أقاموا في العراء‪ .‬وأضاف أنّهم كانوا خالل هذه األيّام األولى في حراسة مناوشين‬ ‫ضرب‪ .‬وقد ق ّ‬ ‫جزائريّين عاملوهم معاملة سيّئة وضربوهم شتّى أنواع ال ّ‬ ‫ضوا عشرة أيّام في تلك‬ ‫األوضاع الصعبة‪ .‬وتواصل بعد ذلك ال ّشقاء أليّام أخرى ساروا خاللها حوالي ‪ 100‬كلم على‬ ‫القدمين نحو محطّة مجاز الباب أين ركبوا قطارا مع ّدا للبضائع ونقل ال ّدواب‪ ،‬حملهم إلى الجزائر‪.‬‬ ‫وروى أسير إيطالي آخر "بياتروريزوتو" "‪ "Pietro Rizzuto‬في مذ ّكراته ظروف أسره يوم‬ ‫‪ 13‬ماي ‪ 1943‬إذ ت ّم نقله مع رفاقه اإليطاليّين إلى أحد المعسكرات تحت إشراف إنقليزي قرب‬ ‫سوسة وكان مكتظّا م ّما اضطرّهم للبقاء في العراء‪ .‬وقد وجد في المعسكر الكثير من رفاقه‬ ‫اإليطاليّين م ّما أراحه نفسيّا غير ّ‬ ‫أن األخبار حول مقتل رفاق آخرين كانت تثير فيه األحزان‪ .‬وبعد‬ ‫أيّام غادروا المعسكر في رحلة على القدمين حاملين معهم أغراضهم التي تزن كيلوغرامات وكانوا‬ ‫حوالي عشرة آالف رجل اصطفّوا في ثالثة صفوف وامت ّدت رحلتهم أليّام مرّوا خاللها بعديد المدن‬ ‫والقرى فكانوا في رحلتهم مح ّل فضول الس ّكان الذين تعاطفوا معهم بطرق مختلفة من ذلك تعاطف‬ ‫اإليطاليّين إلى ح ّد بكاء النّسوة‪ .‬وكانت ال ّرحلة طويلة وشاقّة ج ّدا انتهت بوصولهم إلى معسكر بمدينة‬ ‫تونس تحت إشراف فرنسي تعرّضوا فيه إلى استفزازات من قبل "ديغوليين" وأعمال انتقاميّة بلغت‬ ‫ح ّد قتل أحد األسرى من قبل حارس مغربي‪ 5.‬في المقابل ّ‬ ‫فإن ال ّسلطات النّازية عملت على استخدام‬ ‫أسراها بشمال إفريقيا لمزيد تعبئة الس ّكان ض ّد العد ّو الفرنسي بإبراز تر ّدي وضعهم المادي داخل‬ ‫المعسكرات لذلك كانت ترسل لهم الطّرود البريديّة كما اشتكت من ش ّح المعلومات الخا ّ‬ ‫صة بهم فهي‬ ‫تجهل عددهم وأسماءهم‪ 6.‬وتبعا لرفضها التّفاوض مع ال ّسلطة الفرنسيّة ّ‬ ‫فإن قنوات االتّصال الوحيدة‬ ‫كانت اللّجنة ال ّدولية لل ّ‬ ‫صليب األحمر‪ .‬وحرصت تلك اللّجنة على تحسين ظروف أسرى ق ّوات‬ ‫المحور بتونس وعلى أن تطبّق سلطات الحلفاء بنود اتفاقيّة جنيف الخا ّ‬ ‫صة بأسرى الحرب‪.‬‬

‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّ ّمة‪.‬‬

‫‪Ibid. p.308.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪3‬‬

‫‪Théofilakis (F.), Op.cit, p.48.‬‬ ‫‪Ibid, p.61.‬‬ ‫‪5‬‬ ‫‪Rizzuto (P.), Diario de Guerra E Prigionia, [en ligne], url :www.qattara.it/diari_files/diariodiguerra.pdf,‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪Théofilakis (F.), Op. cit, p.121.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪58‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ثانيا– األسرى داخل معتقالتهم‪:‬‬ ‫ظروف األسر‪:‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫ما من شك أن أسوأ فترات األسر كانت األيام األولى بسبب ارتفاع عدد األسرى من ناحية‬ ‫وعدم الجاهزية اللوجستية من ناحية أخرى‪ ،‬لذلك اضطر أغلب األسرى للنوم في العراء والسير‬ ‫على األقدام لساعات وأحيانا أليام‪ .‬ولئن كان لضعف اإلمكانيات وارتفاع عدد األسرى دور في‬ ‫تردي أوضاع األسرى فإنه ليس من المستبعد كذلك أن تكون تلك األوضاع تندرج في إطار سياسة‬ ‫عقابية تسعى إلى مزيد إذالل األسرى‪.‬‬ ‫لقد اختلفت ظروف األسر بشكل كبير حسب الجهة اآلسرة‪ .‬فليس المعتقلون لدى ال ّسلطات‬ ‫األمريكيّة أو األنقليزيّة مثل أولئك المعتقلين لدى ال ّسلطات الفرنسيّة‪ .‬فعديدة هي المؤ ّشرات‬ ‫وال ّشهادات التي تبرز ّ‬ ‫أن وضعيّة األسرى لدى األنقلوسكسونيين كانت أفضل بكثير من وضعيّة‬ ‫رفاقهم الخاضعين لإلشراف الفرنسي ولع ّل ذلك كان مرتبطا بتفاوت حجم اإلمكانيات المتوفّرة‬ ‫للجهتين اآلسرتين من ناحية وبدرجة العداء لق ّوات المحور من ناحية أخرى‪ .‬كما ّ‬ ‫أن ظروف‬ ‫األسرى خا ّ‬ ‫صة األلمان منهم تأثّرت حتما بهزيمة ألمانيا وإعالن استسالمها في ‪ 8‬ماي ‪ ،1945‬ذلك‬ ‫أنّه خالل الفترة التي سبقت نهاية الحرب في أوروبا كان على ال ّسلطات الفرنسيّة أن تحترم بنود‬ ‫اتّفاقية جنيفوتح ّسن معاملة األسرى لديهاباعتبار وجود مليون و‪ 800‬ألف من ق ّواتها أسرى لدى‬ ‫‪1‬‬ ‫النّظام النّازي‪.‬‬ ‫عالوة على هذه العوامل ّ‬ ‫فإن عنصرا آخر تدخ ّل في التّأثير على ظروف األسر وهو‬ ‫المنظّمات ال ّدولية وفي مق ّدمتها اللّجنة ال ّدولية لل ّ‬ ‫صليب األحمر التي عملت على أن تحترم القوى‬ ‫المتحاربة اتّفاقية جنيف لسنة ‪ 1929‬والخا ّ‬ ‫صة بمعاملة األسرى‪ ،‬ومن أجل ذلك كان ممثّلّوها‬ ‫يزورون معسكرات األسرى والحظائر التي يشتغلون بها ويحرّرون تقارير حول ظروف اإلقامة‬ ‫وال ّشغل واالنضباط والتّغذية والظّروف الص ّحية والمالبس واألجرة اليوميّة‪...‬‬ ‫وتؤ ّكد مختلف المصادر التي اعتمدنا عليها من تقارير ال ّ‬ ‫صليب األحمر ال ّدولي وكذلك‬ ‫تقارير القيادة العسكريّة الفرنسيّة عالوة على شهادات بعض األسرى‪ ،‬على ّ‬ ‫أن أكثر ما اشتكى منه‬ ‫أن اتفاقيّة جنيف تنصّ على ّ‬ ‫األسرى هو التّغذية السيّما مشكل نقص ما ّدة الخبز رغم ّ‬ ‫أن حصّة خبز‬ ‫األسير يجب أن تكون مساوية لحصّة حرّاس المعسكرات‪ .‬وش ّددت مذ ّكرة اإلدارة العا ّمة ألسرى‬ ‫الحرب في ‪ 17‬جويلية ‪ 1945‬على ّ‬ ‫أن حصص األسرى من الموا ّد الغذائيّة يجب أن تكون مساوية‬ ‫‪2‬‬ ‫للحصص المسندة للجندي الفرنسي وكانت الحصّة العاديّة في حدود ‪ 1900‬حريرة‪ .‬ويبدو ّ‬ ‫أن عددا‬ ‫من األسرى قد هلكوا جرّاء سوء التّغذية‪ .‬فاألسير اإليطالي "بياتروريزوتو" يقول في شهادته ّ‬ ‫إن‬ ‫حصّته من الخبز كانت في حدود ‪ 100‬غرام يوميّا وإنّه كان يضط ّر ألن يغلّي الخبز بالماء وأنّه‬ ‫أصيب هو ورفاقه بالهزال وذلك داخل المعسكر عدد ‪ 16‬بتونس الخاضع لإلشراف الفرنسي‪3.‬كما‬ ‫اشتكى األسرى أيضا من تر ّدي وضعيّة اللّباس‪ ،‬وقد أقرّت ال ّسلطات الفرنسيّة باألمر وأ ّكدت على‬ ‫ضرورة توحيد اللّباس بين جميع األسرى‪.‬‬ ‫لقد دفع تر ّدي أوضاع األسرى في مستوى اللّباس والتّغذية عددا منهم لالمتناع عن‬ ‫مواصلة ال ّشغل فقد رفض في ‪ 31‬ديسمبر ‪ 1943‬حوالي ‪ 300‬أسير إيطالي مستخدمين في مؤسّسة‬ ‫"بوسيرون" "‪"Boussiron‬مواصلة العمل بدعوى ضعف حصّة الخبز‪ 4.‬وعلى العكس من ذلك كان‬ ‫مستوى تغذية بعض األسرى‪ ،‬خا ّ‬ ‫صة المستخدمين في القطاع الفالحي جيّدا م ّما أثار امتعاض‬ ‫المدنيّين التّونسيّين والفرنسيّين الذين كانوا يعانون من نقص في الموا ّد األساسيّة بسبب اعتماد نظام‬ ‫‪Op.cit. p.102.‬‬ ‫‪Ibid., p.104.‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Rizzuto (P.), Op.cit.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،217‬مذكرة (‪.)1-1-1944‬‬ ‫‪59‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫التّقسيط بالنّسبة للكثير من الموا ّد‪ .‬لذلك أ ّكدت مذ ّكرة ‪ 30‬جويلية ‪ 1943‬على ّ‬ ‫أن حصّة األسرى من‬ ‫‪1‬‬ ‫المواد الغذائيّة المقسّطة ال يجب أن تتجاوز في جميع الحاالت الحصّة المح ّددة للس ّكان المدنيّين‪.‬‬ ‫ومن أجل االستفادة من األسرى كق ّوة عمل وكذلك من أجل تلميع صورتها في األوساط‬ ‫ال ّد ولية عملت فرنسا على تحسين ظروف عيش األسرى لديها في بلدان شمال إفريقيا كما في‬ ‫المتروبول عبر توفير ما يكفي من الموا ّد الغذائيّة والمالبس‪ .‬واستندت ال ّسلطات الفرنسيّة في توفير‬ ‫هذه الحا ّجيات األساسيّة على ما كانت تق ّدمه اللّجنة ال ّدولية لل ّ‬ ‫صليب األحمر والواليات المتّحدة‬ ‫األمريكيّة من مساعدات ضخمة سواء موا ّد غذائيّة أو مالبس أو أدوية وتجهيزات طبّية‪ .‬أ ّما‬ ‫المصدر الثّاني المه ّم فهو ألمانيا وذلك منذ صائفة ‪ ،1945‬إذ اعتبرت فرنسا أنّه على ألمانيا أن‬ ‫ترسل ألسراها األغذية والمالبس مثلما أرسلت فرنسا ألسراها بألمانيا طيلة خمس سنوات‪ .‬وبفعل‬ ‫هذه اإلمدادات المتن ّوعة المصادر تحسنّت وضعيّة األسرى السيّما في مستوى حصّتهم من‬ ‫الحريرات‪.‬‬ ‫عموما يمكن القول ّ‬ ‫إن ظروف األسر ارتبطت بجملة من العوامل المتداخلة‪ .‬واتّسمت تلك‬ ‫الظّروف بتر ّديها في فترات طويلة جرّاء محدوديّة اإلمكانيات أكثر منه نتيجة اعتماد سياسة انتقامية‬ ‫ممنهجة‪ ،‬وإن كان ذلك ال ينفي تع ّمد البعض من الفرنسيّين إساءة معاملة األسرى في مستوى‬ ‫ظروف األسر (تغذية‪ -‬إكساء – إقامة) أو مستوى مراقبتهم األمر الذي دفع بعدد من األسرى إلى‬ ‫الفرار‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫مراقبة األسرى وفرارهم‪:‬‬

‫لقد كان أكبر تح ٍّد واجه فرنسا في معاملة أسرى المحور سواء المتواجدين بتونس أو بقيّة‬ ‫بلدان شمال إفريقيا أو بالمتروبول هو التّوفيق من ناحية بين ضوابط ال ّ‬ ‫صرامة واالنضباط بما ال‬ ‫يه ّدد األمن العا ّم ومن ناحية أخرى توفير معاملة تستجيب لبنود اتّفاقيّة جنيف وتأخذ بعين االعتبار‬ ‫وجود مئات اآلالف من األسرى الفرنسيّين لدى ألمانيا إلى حدود ماي ‪ .1945‬ولع ّل من أبرز‬ ‫المشاكل التي طرحت أمام ال ّسلطات الفرنسيّة في تعاملها مع أسرى المحور هي مسألة مراقبتهم‬ ‫صة في الفترة األولى‪ .‬ففي تقرير إحدى المنظّمات األمريكيّة اعتبرت ّ‬ ‫وحراستهم خا ّ‬ ‫أن ال ّسلطات‬ ‫‪2‬‬ ‫الفرنسيّة تبدو غير قادرة على مراقبة األسرى الذين هم تحت تصرّفها‪ .‬في المقابل ّ‬ ‫فإن ال ّسلطات‬ ‫الفرنسيّة كانت تتّهم البريطانيّين واألمريكيّين بالتّساهل مع أسرى المحور وتمتيعهم بحريّة كبيرة‪.‬‬ ‫واعتبر الباحث الفرنسي "فابيان تيوفالكيس" ّ‬ ‫أن التّجربة ال ّشمال افريقيّة مثّلت امتحان أ ّوليللعالقات‬ ‫‪3‬‬ ‫بين الحلفاء الغربيّين في تسيير األسرى األلمان وكشفت عن مواطن التوتّر في صلب الحلف‪.‬‬ ‫والعامل ال ّرئيسي الذي جعل مراقبة األسرى معقّدة أنّهم كانوا مشتّتين بحكم استخدام‬ ‫ضيعات الفالحيّة أو بالمؤسّسات ال ّ‬ ‫غالبيّتهم في االقتصاد المدني سواء في ال ّ‬ ‫صناعية أو في حظائر‬ ‫األشغال العا ّمة‪ .‬وللح ّد من التّجاوزات المس ّجلة في مستوى حراسة األسرى ومراقبتهم اتّخذت‬ ‫ال ّسلطات الفرنسيّة مجموعة من اإلجراءات‪ .‬من ذلك ّ‬ ‫أن األسرى المستخدمين بحظائر األشغال‬ ‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫العا ّمة تعهّد حراستهم إلى ال ّسلطات العسكريّة التي عادة ما تكلّف المناوشين األهالي بهذه المه ّمة‬ ‫‪6‬‬ ‫ّ‬ ‫صف فرنسي إذا تجاوز عدد األسرى بالحظيرة مائة أسير‪.‬‬ ‫ويكون على رأس فرقة الحراسة ضابط‬ ‫وقد بلغ عدد عناصر فرق الحراسة في جوان ‪ 1944‬حوالي ‪ 1793‬عنصرا يتو ّزعون على أربع‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مذكرة (‪.)4-12-1943‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير الضابط "بيتر ريدولف" (‪.)8-7-1943‬‬ ‫‪Théofilakis (F.), Op.cit.‬‬ ‫‪ 4‬في نهاية ‪ 1945‬تواجدت ّ‬ ‫ست حظائر بالبالد (جرزونة‪ -‬قرنبالية‪ -‬سليانة‪ -‬القرية‪ -‬أم الوديان‪ -‬القيروان) كانت تستخدم ‪ 1236‬أسير‬ ‫يحرسهم ‪ 159‬مناوش‪.‬‬ ‫‪ 5‬إلى حدود ديسمبر ‪ 1945‬كان عدد المناوشين المكلفين بالحراسة ‪ 160‬عنصرا لكن وقع التقليص في هذا العدد وتعويضهم عبر انتداب‬ ‫قوّات من عناصر المخزن‪.‬‬ ‫‪6‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،Ns407‬صندوق‪ ،2H174‬ملف ‪ ،2‬وثيقة ‪.1212 -1209‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪3‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫فرق حراسة‪ .‬أ ّما بالنّسبة للمش ّغلين الخواصّ فمقابل استفادتهم من ضعف أجور اليد العاملة األسيرة‬ ‫‪1‬‬ ‫كان عليهم تأمين حراستهم عبر انتداب حرّاس مدنيّين مسلّحين مع توفير مح ّل مغلق‪.‬‬ ‫وقد ح ّددت ال ّسلطات الفرنسيّة عقوبات في ح ّ‬ ‫ق المخالفين والمتجاوزين‪ .‬فبالنّسبة إلى‬ ‫ّ‬ ‫األسرى تراوحت العقوبة بين التّقليص من األجرة والعقوبة ال ّسجنية‪ ،‬أ ّما المشغل المخالف‬ ‫والمتهاون فتدرّجت العقوبة من اإلنذار إلى ال ّسحب الجزئي أو الكلّي لألسرى‪ .‬غير ّ‬ ‫أن تلك العقوبات‬ ‫صة تنامي عمليّات فرار األسرى‪ .‬وفي الحقيقة ّ‬ ‫لم تمنع تواصل التّجاوزات‪ 2‬وخا ّ‬ ‫فإن منع تلك‬ ‫العمليّات لم يكن باألمر الهيّن إذا علمنا أنّه في ‪ 30‬أفريل ‪ 1945‬وجد ‪ 4500‬أسير يتو ّزعون على‬ ‫‪ 750‬مش ّغل فالحي‪ .‬ومع تواصل أعمال الفرار من عند المش ّغلين ال ّ‬ ‫صغار ت ّم التّأكيد على التّشديد‬ ‫في تطبيق اإلجراءات القانونيّة التي تنصّ على ضرورة أن ال يق ّل عدد األسرى عند ك ّل مش ّغل عن‬ ‫‪ 15‬مع إمكانيّة تجميع أسرى لمش ّغلين متجاورين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫لقد تمتّع األسرى‪ ،‬خاصّة اإليطاليّين منهم‪ ،‬بحرّية كبرى في التنقل والحركة من ذلك‬ ‫التج ّول في المدن وارتياد األماكن العموميّة مثل المقاهي والحانات ودور البغاء بل واالستحمام في‬ ‫البحر‪ 3.‬وأثار هذا الوضع استياء المدنيّين الفرنسيّين‪ .‬وللح ّد من تلك المظاهر دعت ال ّسلطات‬ ‫الفرنسيّة المش ّغلين إلى مزيد الحزم في حراسة األسرى ونبّهت على أصحاب الحانات والمقاهي‬ ‫‪4‬‬ ‫بعدم البيع لألسرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إن التّجاوزات العديدة والمتن ّوعة التي رافقت مراقبة األسرى وحراستهم خارج فضاء‬ ‫المعسكرات المغلقة يثبت فشل ال ّسلطات الفرنسيّة في كسب رهان توفير اإلطار البشري الكافي‬ ‫والمؤهّل ألداء مها ّم حراسة األسرى‪ .‬من ناحية أخرى ّ‬ ‫فإن تحويل األسرى إلى الخواصّ وحراستهم‬ ‫من قبل مدنيّين يشير إلى تد ّخل الوسط المدني في إدارة شؤون األسرى وتراجع انضباط األسرى‬ ‫وهو ما كان يثير مخاوف ال ّسلطات الفرنسيّة التي كثيرا ما اتّهمت المش ّغلين بقلّة الوعي وتغليب‬ ‫مصالحهم الخا ّ‬ ‫صة على المصلحة الوطنيّة الفرنسيّة "فهؤالء إ ّما عن ضعف أو إهمال أو مصلحة بل‬ ‫حتّى عن تعاطف يُبْدون الكثير من الو ّد واإلحسان لألسرى متناسين أنّهم يسيئون لواجبهم‬ ‫كفرنسيّين"‪ .‬وكانت ال ّسلطات الفرنسيّة متخ ّوفة من تواصل األسرى مع المدنيّين التّونسيّين‬ ‫والفرنسيّين وبثّهم لدعايتهم المسيئة للحضور والتّأثير الفرنسيّين بالبالد‪.‬‬ ‫يمكن القول إنّه باستثناء أقليّة من األسرى التي أقامت داخل المعسكرات المغلقة وخضعت‬ ‫من ث ّمة إلى مراقبة مش ّددة‪ّ ،‬‬ ‫فإن الجزء األكبر من األسرى المستخدمين عند الخواصّ تمتّعوا بهامش‬ ‫كبير من الحرّية نتيجة عدم صرامة الح ّراس األمر الذي شجّع عددا منهم على خوض تجربة‬ ‫الفرار‪ .‬ولئن كان الفرار ظاهرة عاديّة الزمت األسر في مختلف األزمنة والحروب‪ّ ،‬‬ ‫فإن فرار‬ ‫أسرى المحور بالبالد التّونسيّة قد اصطبغ بجملة من الخصائص وذلك في ارتباط بحيثيّات األسر‬ ‫وظروفه‪ .‬ومن بين أبرز تلك الخصائص هو الطّابع الجماعي ألعمال الفرار‪ ،‬إذ تراوح عدد الفا ّرين‬ ‫في أغلب العمليّات بين أربعة وستّة أسرى مع تسجيل عمليّات فرار ضخمة بلغ فيها عدد الفا ّرين‬ ‫العشرات‪ .‬ولع ّل أضخم العمليّات تلك التي ج ّدت ببنزرت‪ ،‬إذ نجح ‪ 58‬أسيرا مستخدمين في البحريّة‬ ‫في الفرار وانتشر خبر فرارهم في ج ّل مراكز االعتقال‪ 5‬وكذلك هروب ستّين أسيرا إيطاليا بالفحص‬ ‫وأيضا فرار أربعين أسيرا ألمانيا في جوان ‪ 1943‬من معسكر سيدي الهاني‪.‬‬ ‫شمل الفرار إذن األسرى اإليطاليّين واأللمان مع اختالف بين العنصرين من حيث سبل‬ ‫الفرار وأهدافه‪ ،‬إذ كان األسرى اإليطاليّون يسعون إلى الوصول إلى إيطاليا لذلك ج ّدت معظم‬ ‫حوادث فرارهم بالمدن ال ّساحلية بنيّة ركوب إحدى البواخر والوصول إلى إيطاليا في حين كان أمل‬ ‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،123‬مذكرة القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس (‪.)1944 - 11 -7‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ 2‬من بين تلك التجاوزات منح مشغلين بعضا من األسرى المشتغلين لديهم إلى مش ّغلين جدد دون علم السلطات بل ومنحهم حتى لمشغلين‬ ‫إيطاليين‪.‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق ‪ ،2736‬وثيقة‪،477‬تقرير القائد الجهوي لمعسكرات أسرى الحرب بتونس (‪.)28-7-1945‬‬ ‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬مذكرة (‪.)21-3-1944‬‬ ‫‪5‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة‪ ،443‬مراسلة الكاتب العام المساعد للحكومة إلى المقيم العام )‪.)1945-4-30‬‬ ‫‪61‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫عدد من األسرى األلمان الوصول إلى الجزء اإلسباني من المغرب‪ .‬وإذ استفاد األسرى اإليطاليّون‬ ‫الفا ّرون من دعم العائالت اإليطاليّة المقيمة بالبالد ّ‬ ‫فإن األلمان وجدوا دعما من التّونسيّين‬ ‫ّ‬ ‫المتعاطفين معهم كما استفادوا من ضعف أجهزة الحراسة‪ .‬لكن يجب التأكيد على ّ‬ ‫أن ضعف ال ّرقابة‬ ‫ّ‬ ‫وتراخي الحرّاس لم يكن العامل الوحيد لتنامي أعمال الفرار‪ ،‬بل كان لظروف اإلقامة والشغل دور‬ ‫في ذلك‪ .‬فك ّل أسير يجد ظروف أسر مالئمة ومعاملة حسنة من قبل مش ّغله إالّ وتتراجع لديه ال ّرغبة‬ ‫في الفرار حتّى وإن كانت الحراسة متراخية‪.‬‬ ‫ك في ّ‬ ‫لكن لماذا يُ ْقدم األسرى على الفرار؟ ما من ش ّ‬ ‫أن الدوافع كانت مختلفة‪ .‬فالبعض لم‬ ‫يستسغ وضعه كأسير إن كان على المستوى الما ّدي أو خا ّ‬ ‫صة المعنوي ومن أجل إنهاء تلك‬ ‫ّ‬ ‫وبحث البعض اآلخر المتح ّمس للمبادئ الفاشيّة أو النّازيّة‬ ‫الوضعيّة الدونيّة دخلوا مغامرة الفرار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫من وراء الفرار على االلتحاق مج ّددا بجبهات القتال معتقدين في إمكانيّة النّصر متأثرين بال ّدعاية‬ ‫النّشيطة داخل معسكرات األسرى‪ .‬وهدف بعض األلمان من وراء الفرار إلى لفت انتباه الحلفاء إلى‬ ‫‪1‬‬ ‫الوضعيّة المترديّة لألسرى األلمان لدى فرنسا ورغبتهم في التّرحيل نحو وطنهم‪.‬‬ ‫لقد ش ّكل فرار األسرى هاجسا لسلطات الحماية بفعل ما سبّبه من إشكاالت سواء في‬ ‫المستوى االقتصادي أو األمني وما مثّله من ضرر على صورة فرنسا‪ .‬لذلك عملت تلك ال ّسلطات‬ ‫على الح ّد من تنامي أعمال الفرار عبر اتّخاذ مجموعة من اإلجراءات‪ ،‬من بينها تدعيم الحراسة‬ ‫وتكثيفها في مختلف المراكز التي يتواجد بها أسرى المحور وكذلك بالموانئ‪ .‬هذا عالوة على‬ ‫اإلجراءات التّأديبيّة المقرّرة في شأن المش ّغلين الخواصّ الذين يف ّر عدد من األسرى المشتغلين‬ ‫لديهم‪ .‬وتمثّلت تلك اإلجراءات في سحب جزئي أو كلّي لألسرى ثم فرض عليهم دفع غرامة على‬ ‫ك ّل أسير فار تق ّدر بـ ‪ 1500‬فرنك‪ .‬أ ّما آخر اإلجراءات فتخصّ التّونسيّين المتّهمين بتقديم ال ّدعم‬ ‫للفا ّرين األلمان‪ .‬وكانت تلك اإلجراءات مزدوجة فمن ناحية تسليط عقوبات زجرية تصل إلى‬ ‫ال ّسجن لك ّل من يق ّدم دعما لألسرى الفا ّرين‪ ،‬ومن ناحية أخرى تخصيص منح ماليّة وعينيّة لك ّل من‬ ‫يساعد على القبض على أسرى فا ّرين ت ّم إقرارها منذ ‪2.1943‬وتعتبر هذه المنحة محاولة لتكوين‬ ‫شبكة استخباراتيّة تد ّعم شبكة المراقبة والحراسة‪ .‬وفعال قام بعض األهالي باإلبالغ عن أسرى‬ ‫فا ّرين بل والمساهمة في إيقاف البعض منهم‪ .‬وفيما يتعلّق باألسرى الفا ّرين فقد س ّخرت ال ّسلطات‬ ‫الفرنسيّة جميع اإلمكانيّات البشريّة واللوجستيّة المتاحة من أجل القبض عليهم ويحدث أن يُقتل‬ ‫أسرى فا ّرون عند عمليّة مطاردتهم‪ 3‬هذا إضافة إلى العقوبات ال ّسجنية وأحيانا الجسديّة التي تنتظر‬ ‫المقبوض عليهم‪ .‬غير ّ‬ ‫أن مختلف هذه اإلجراءات ال يمكن لوحدها أن تقضي على الظّاهرة‪ .‬فكم بلغ‬ ‫عدد األسرى الفا ّرين؟‬ ‫ق ّدمت ال ّسلطات الفرنسيّة أرقاما لعدد األسرى الفارّين في الفترة الممت ّدة بين ماي ‪1943‬‬ ‫و‪ 31‬ديسمبر ‪ 1947‬بلغ ‪ 471‬أسيرا‪ ،‬قبض على ‪ 395‬منهم في حين بقي في حالة فرار ‪76‬‬ ‫آخرون‪ ،‬في حين أنّه في سنة ‪ 1948‬لم تسجّل إال حالة فرار وحيدة‪ .4‬إذن نسبة الفا ّرين هي في‬ ‫حدود ‪ .% 3‬لكن ربّما ال يجب الوثوق كثيرا إلى هذه األرقام الفرنسيّة التي تسعى ربّما إلى‬ ‫التّخفيض منها حتّى ال تبدو في موقف الفاشل في التص ّدي للظّاهرة؟ من ناحية أخرى فإنّه من شبه‬ ‫المؤ ّكد ّ‬ ‫أن عددا أكبر راودتهم فكرة الفرار غير أنّهم لم يمرّوا إلى التّنفيذ لعوامل مختلفة‪ .‬ولع ّل من‬ ‫بين تلك العوامل هو ضعف أمل نجاح الفرار في تحقيق الهدف منه واضطرار األسير الفا ّر إلى‬ ‫العيش مختبئا في مناطق وعرة غابية وجبليّة في ظروف قاسية خا ّ‬ ‫صة مع تراجع دعم األهالي لهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بعد تأ ّكد هزيمة المحور وخا ّ‬ ‫صة بعد فرض ال ّسلطات لعقوبات لك ّل من يقدم الدعم للفا ّرين (المأوى‪-‬‬ ‫اللّباس‪ -‬الغذاء) فاضط ّر عدد من األسرى الفا ّرين إلى العودة إلى معسكراتهم‪ .‬لكن في المقابل هناك‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير الكولونيل "ديو" ‪ Dio‬إلى المقيم العام (‪.)19-5-1947‬‬ ‫‪ 2‬تصل المنحة إلى ‪ 1500‬فرنك على ك ّل أسير فار‪.‬‬ ‫‪ 3‬من ذلك قتل أحد األلمان الفارين بجبل سيدي زيد قرب زغوان في أفريل ‪.1944‬‬ ‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير قائد جهاز تصفية أسرى الحرب األلمان بتونس (‪.)31-7-1948‬‬ ‫‪62‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫من األسرى من كرّر عمليّة الفرار ألكثر من مرّة‪ .‬من ناحية أخرى يالحظ ارتفاع وتيرة الفرار في‬ ‫فصلي ال ّربيع وال ّ‬ ‫صيف بسبب مالئمة العوامل المناخية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عموما ّ‬ ‫فإن عمليّات فرار أسرى المحور بالبالد التونسيّة وإن لم تبلغ نسبا كبيرة فإنها‬ ‫تبرز نقائص في منظومة مراقبة األسرى وحراستهم‪ .‬كما تكشف تلك العمليّات عن تر ّدي الحالة‬ ‫المعنويّة لعدد من األسرى ال ّشيء الذي دفعهم إلى خوض مغامرة فُرص النّجاح فيها شبه معدومة‪.‬‬ ‫وأخيرا أظهرت تلك العمليّات تباين تعاطي المدنيّين مع األسرى الفا ّرين‪.‬‬

‫ثالثا‪ -‬عالقات األسرى وحالتهم المعنويّة‪:‬‬

‫يمكن التّمييز في عالقات األسرى بين مستويين من العالقات‪ :‬عالقات األسرى فيما بينهم‬ ‫وعالقاتهم مع المدنيّين‪ .‬ففي المستوى األ ّول ساد الجفاء عالقة األسرى األلمان باألسرى اإليطاليّين‪.‬‬ ‫إذ أ ّكدت أحد التّقارير األمنيّة على تدهور هذه العالقة بسبب مشاعر الحقد التي أبداها األلمان تجاه‬ ‫‪1‬‬ ‫حلفائهم ال ّسابقين األمر الذي دفع ال ّسلطات اآلسرة إلى الفصل بين العنصرين‪.‬‬ ‫في المقابل لم يكن أسرى المحور في قطيعة مع المدنيّين سواء منهم األوروبيّين أو‬ ‫التّونسيّين وذلك بحكم طبيعة نظام األسر الذي خضعوا له والمتمثّل في االشتغال في الحظائر أو عند‬ ‫الخواصّ بضيعاتهم أو بمنازلهم‪ .‬وكثيرا ما أ ّكدت التّقارير الفرنسيّة على ّ‬ ‫أن العالقة بين المدنيّين‬ ‫األوروبيّين واألسرى كانت أكثر من و ّدية بل وتجاوزت ذلك أحيانا إلى عالقات حميميّة على غرار‬ ‫القضيّة التي أثارت ضجّة كبرى وتمثّلت في استقبال األخ ّ‬ ‫صائية االجتماعيّة "أرالن أوف"‬ ‫"‪"Arlanoff‬ألسرى ألمان بثكنة "سوسيى" "‪"Saussier‬لالحتفال بعيد ميالد "هتلر"‪ .‬وتكرّرت‬ ‫‪2‬‬ ‫زيارات األسرى لهذه األخ ّ‬ ‫صائية م ّما أثار استياء الحرّاس والمدنيّين الفرنسيّين‪.‬‬ ‫عموما كانت عالقة األسرى اإليطاليّين جيّدة بمواطنيهم‪ ،‬فقد أبدت العائالت اإليطاليّة‬ ‫الكثير من العطف على أسرى بالدهم في حين كانت عالقاتهم محدودة بالفرنسيّين وبالتّونسيّين‪ .‬في‬ ‫المقابل نجح األسرى األلمان في ربط عالقات جيّدة مع عموم األوروبيّين بما في ذلك الفرنسيّين‪،‬‬ ‫وحظوا بتعاطف التّونسيّين السيّما في المرحلة األولى من األسر‪ .‬وقد تع ّددت مظاهر التّعاطف‪ ،‬من‬ ‫ذلك أنّه خالل مرور العربات النّاقلة لألسرى األلمان كان األهالي يلقون إليهم بال ّدخان والخبز‬ ‫والغالل‪ ...‬وتكرّرت هذه العمليّة في ع ّدة مناطق (بن عروس‪ ،‬سيدي فتح هللا‪ ،‬منزل تميم‪ 3)...‬كما‬ ‫تجلّى ذلك التّعاطف في نجاح عدد من العسكريّين األلمان في االختباء وعدم ال ّسقوط في األسر لم ّدة‬ ‫أشهر بفضل احتضان األهالي ودعمهم ولم يتراجع ذلك ال ّدعم إالّ مع تأ ّكد هزيمة المحور وكذلك‬ ‫نتيجة اإلجراءات العقابية المذكورة سلفا التي اتّخذتها ال ّسلطات الفرنسيّة‪ .‬ورغم تراجعه ّ‬ ‫فإن دعم‬ ‫األهالي لألسرى األلمان الفا ّرين لم يتوقّف تماما إذ واصل البعض تزويدهم بالغذاء والمالبس‪.‬‬ ‫لم يقتصر اإلعجاب باألسرى األلمان والتّعاطف معهم على التّونسيّين بل شمل كذلك‬ ‫العديد من المع ّمرين الفرنسيّين الذين كانوا يفضّلونهم على األسرى اإليطاليّين بسبب ارتفاع‬ ‫مردودهم في العمل وهو ما يفسّر معاملة المع ّمرين ألسراهم األلمان بكثير من الثّقة ومنحهم هامشا‬ ‫كبيرا من الحرّية‪ 4.‬وتط ّورت العالقة في بعض ال ّ‬ ‫ضيعات الفالحيّة إلى عالقة قريبة من عالقة األب ّوة‬ ‫ضيعات تجاوز الكثير منهم الستّين سنة في حين ّ‬ ‫باعتبار ّ‬ ‫أن أصحاب ال ّ‬ ‫أن معظم األسرى لم‬ ‫ّ‬ ‫يتجاوزوا الثالثين‪ .‬وقد أزعج هذا الوضع سلطات الحماية التي ترى في عالقة المع ّمرين الو ّدية مع‬ ‫األلمان خطرا على األمن ّ‬ ‫ألن من شأن ذلك أن يشجّع التّونسيّين على مزيد التّعاطف مع األلمان‬ ‫وتقديم ال ّدعم لهم‪ ،‬لذلك طالبت هذه ال ّسلط بتعويض األسرى األلمان بأسرى إيطاليّين لألشغال‬ ‫فإن ال ّسلطات الفرنسيّة سواء بتونس أو بالمتروبول تعتقد ّ‬ ‫الفالحيّة‪ 5.‬وفي الحقيقة ّ‬ ‫أن العالقة مع‬ ‫األسير األلماني هي عالقة مع عد ّو منهزم فال يجب أن تتح ّول إلى نوع من التّآخي والتوا ّد‪.‬‬ ‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،79‬مذكرة مصلحة االستعالمات (‪.)12-1944 -11‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬مجموعة وثائق‪.‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير قائد فرقة الجندرمة بمنزل تميم (‪.)4-2-1944‬‬ ‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬مراسلة المراقب المدني بالوطن القبلي إلى المراقب المدني بتونس (‪.)13-3-1944‬‬ ‫‪5‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪63‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫على هذا النّحو ّ‬ ‫فإن اللّقاء المتواصل بين المدنيّين الفرنسيّين واألسرى أسهم بشكل رئيسي في‬ ‫تغيّر صورة األسير الذي وإن لم يتح ّول إلى صديق‪ ،‬فإنّه لم يبق عد ّوا‪ .‬لكن يجب القول ّ‬ ‫إن هذا‬ ‫التغيّر كان تدريجيّا في ال ّزمن‪ ،‬كما أنّه لم يشمل جميع فرنسيّي اإليّالة فقسم من الفرنسيّين حافظ على‬ ‫تحفّظه وربّما كرهه لألسرى‪ .‬وقد ش ّكلت عالقات األسرى االجتماعيّة أحد العناصر المؤثّرة في‬ ‫حالتهم المعنويّة والنفسيّة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتتطلّب دراسة الحالة المعنويّة والذهنيّة ألسرى المحور بالبالد التونسيّة التمييز بين‬ ‫مرحلتين‪ :‬األولى من ماي ‪ 1943‬إلى نهاية الحرب والثّانية من نهاية الحرب إلى نهاية األسر‪ .‬من‬ ‫ناحية أخرى فالحالة المعنويّة ورغم القواسم المشتركة بين األسرى فإنّها اختلفت بين األسرى‬ ‫األلمان واإليطاليّين كما اختلفت داخل نفس المجموعة‪ .‬فخالل المرحلة األولى من األسر‪ ،‬أي‬ ‫المرحلة التي سبقت نهاية الحرب ّ‬ ‫فإن عديد األسرى حافظوا على تعلّقهم بالمبادئ الفاشيّة أو النّازيّة‬ ‫ّ‬ ‫وكانوا مؤمنين بقدرة "المحور" على كسب الحرب حتّى أنّها عديدة هي المؤ ّشرات الدالة على‬ ‫ترسّخ هذه المشاعر عند فئة من األسرى السيّما بين األسرى اإليطاليّين‪ .‬فعلى سبيل المثال في‬ ‫أفريل ‪ 1944‬وبمحطّة سوق األربعاء علّق أسرى إيطاليّون األعالم اإليطاليّة بالقطار الذي كانوا‬ ‫يركبونه للوصول إلى المعسكر المخصّص لهم بمدينة تونس‪ ،‬كما ر ّددوا األناشيد الفاشية وخصوصا‬ ‫"جوفنسا" "‪ "Giovinezza‬النّشيد ال ّرسمي للحزب الفاشي وترديد عبارة "دوتشي‪ -‬دوتشي"‪.‬‬ ‫وتكرّرت نفس الحادثة في ماطر في ماي ‪ .1944‬وبهدف استفزاز الفرنسيّين لم يتورّع بعض‬ ‫األسرى اإليطاليّين في ترديد عبارات معادية لفرنسا وإتيان حركات استفزازيّة باأليدي‪ .‬عموما ّ‬ ‫فإن‬ ‫أغلب هذه الحوادث واألعمال االستفزازيّة أتاها أسرى إيطاليّون خاضعون لإلشراف اإلنجليزي أو‬ ‫األمريكي مستفيدين من تراخي هذه ال ّسلطات وعدم جديّتها في تطبيق اإلجراءات العقابية ض ّد‬ ‫المخالفين‪ .‬كما كانت أعمال االستفزاز تتكاثر خا ّ‬ ‫صة في المناطق التي تتواجد بها جالية إيطاليّة‬ ‫كبيرة العدد مثل مدينتي بنزرت وفريفيل (منزل بورقيبة)‪ ،‬إذ يشعر األسرى بنوع من الحماية‪.‬‬ ‫والبعض اآلخر كان مردودهم في العمل ضعيفا إن لم يكن منعدما ويع ّدون ذلك عمال مقاوما من‬ ‫خالل عدم تقديم الدعم لعد ّوتهم فرنسا‪ .‬إذن حافظ عدد من األسرى اإليطاليّين على والئهم لـ‬ ‫"موسوليني"‪ ،‬فقد صرّح طبيب إيطالي لـراديو روما بعد أن نجح في الفرار من أسره بتونس ّ‬ ‫أن‬ ‫"الدوتشي" بإمكانه التّعويل على بعض األسرى اإليطاليّين الذين لم تتغيّر مشاعرهم نحوه‪ 1.‬وما زاد‬ ‫في ترسيخ هذا الوالء هو تمكين بعض العائالت اإليطاليّة عددا من األسرى من سماع البرامج‬ ‫المخصّصة ألسرى الحرب براديو روما وهو ما يش ّكل تهديدا لألمن فبعودتهم مساءا إلى المعسكر‬ ‫‪2‬‬ ‫وسرد ما استمعوا إليه لرفاقهم فإنّهم يغرسون بذلك فكرة الفرار لديهم‪.‬‬ ‫لئن كانت ال ّرغبة في الفرار واستئناف القتال أكثر بروزا عند األسرى اإليطاليّين‪ ،‬بحكم‬ ‫عامل القرب الجغرافي ربّما‪ّ ،‬‬ ‫فإن عددا من األسرى األلمان أبدوا بدورهم تح ّمسا للفرار وااللتحاق‬ ‫بالجزء اإلسباني من المغرب ومنها إلى ألمانيا‪ .‬جانب آخر من األسرى المتح ّمسين للنّازيّة كان‬ ‫مؤمنا شديد اإليمان بانتصار جيش بالدهم في نهاية الحرب العتقادهم في ق ّوة هذا الجيش وفي ذكاء‬ ‫"الفوهرر" ّ‬ ‫وأن األخبار التي تر ّوج حول انتصارات الحلفاء ما هي إالّ أخبار زائفة دعائية‪.‬‬ ‫وتواصل هذا االعتقاد إلى نهاية سنة ‪ ،1944‬وكثيرا ما كانت هذه العناصر النّازيّة ترسم ال ّ‬ ‫صليب‬ ‫المعقّف على الجدران وتنشر دعايتها داخل المعسكرات‪3.‬كما أسهمت الطّرود البريديّة القادمة من‬ ‫ألمانيا خالل الفترة األولى من األسر في التّعبئة ّ‬ ‫الذهنية لألسرى وفي محافظة أغلبهم على تعلّقهم‬ ‫بالنّازيّة‪ .‬لكن بداية من ‪ 1945‬تراجع هذا التعلّق مع تتالي الهزائم األلمانيّة‪ .‬وفي المقابل وجدت بين‬ ‫األسرى األلمان عناصر معادية للنّازية معظمهم من األعضاء األوفياء للحزب ال ّشيوعي الذين وقع‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،228‬مذكرة (‪.)28-3-1944‬‬ ‫‪2‬األرشيف الوطني‪ ،‬سلسلة الحركة الوطنية‪ ،‬صندوق ‪ ،53‬ملف ‪ ،2‬وثيقة ‪ ،3‬مذكرة (‪.)15-6-1944‬‬ ‫‪ 3‬أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية (يذكر الحقا أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،).‬بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،159‬مراسلة المقيم العام إلى‬ ‫وزير الخارجية الفرنسي (‪.)11-3-1947‬‬ ‫‪64‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫تجنيدهم بشكل متأ ّخر ضمن الفرقة ‪ .999‬وخالل األشهر األولى من األسر تعرّض هؤالء األسرى‬ ‫‪2‬‬ ‫المعادون للنّازية للهرسلة والتّعنيف داخل المعسكرات إلى ح ّد القتل‪ 1‬من قبل األسرى النّازيّين‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى‪ّ ،‬‬ ‫فإن ال ّروح المعنويّة ألسرى المحور وحالتهم النّفسيّة لم تكن متماثلة بل‬ ‫ّ‬ ‫اختلفت نتيجة جملة من العوامل الذاتية والموضوعيّة‪ .‬فعموما وإن كان أغلب األسرى رافضين‬ ‫لوضعيّتهم الجديدة كأسرى ّ‬ ‫فإن عوامل تخفّف من هذا ال ّشعور أو تزيد في تعميقه فالذي يتلقّى‬ ‫ّ‬ ‫مراسالت منتظمة من عائلته ليس كمن ال يستطيع التواصل مع ذويه‪ ،‬وليس كمن يشتغل في ضيعة‬ ‫فالحية له هامش كبير من الح ّرية مثل الذي يشتغل في إزالة األلغام المه ّدد بالموت في ك ّل لحظة‪.‬‬ ‫ويع ّد غياب التّواصل مع الوطن ومع العائلة العامل األ ّول في فقدان التّوازن النّفسي‪ ،‬ألنّه يفقدهم‬ ‫ال ّشعور باالنتماء إلى مجموعة ويجعل األسير دون هويّة ويح ّوله إلى مجرّد رقم داخل معسكر كبير‪.‬‬ ‫والكثير ترك زوجته وربّما أطفاال ليجد نفسه أسيرا بعيدا عن الوطن وعن العائلة‪ ،‬ال تصله أخبارهم‬ ‫ي"بياتروريزوتو" ذكر أنّه لم تصله أخبار من عائلته إالّ بعد‬ ‫وال طرودهم البريديّة‪ ،‬فاألسير اإليطال ّ‬ ‫أحد عشر شهرا من أسره‪ .‬وما يعقّد الوضع النّفسي لبعض األسرى هو شعورهم أنّهم لم يخرجوا من‬ ‫أجواء الحرب‪ .‬وكانت قدرة البعض على التح ّمل ضعيفة وهو ما يفسّر تواتر عمليّات االنتحار‪.‬‬ ‫هل ّ‬ ‫أن ال ّروح المعنويّة كانت متشابهة بين األسرى الضبّاط واألسرى رجال الجيش؟ في‬ ‫فإن مصادرنا ال تسمح لنا بتقديم إجابة قاطعة‪ .‬في المقابل ف ّ‬ ‫الحقيقة ّ‬ ‫إن عناصر كانت تخفّف على‬ ‫األسرى من ذلك تلقّي مراسالت أو طرود بريديّة من عائالتهم‪ ،‬وكذلك إمكانيّة ممارسة شعائرهم‬ ‫ال ّدينيّة خاصّة بالنّسبة إلى األسرى اإليطاليّين‪ ،‬في حين ّ‬ ‫أن هذه اإلمكانيّة كانت أكثر تعقيدا بالنسبة‬ ‫إلى األسرى األلمان‪" ،‬البروتستان" في معظمهم‪ 3.‬ونشير إلى ّ‬ ‫أن ال ّسلطات الفرنسيّة أصدرت نشريّة‬ ‫لفائدة األسرى "البروتستان" المعتقلين بإفريقيا ال ّشماليّة‪ ،‬تطبع في الجزائر وانتقلت في ‪ 1945‬إلى‬ ‫باريس‪ .‬من ال ّ‬ ‫صعب تبيّن مدى إقبال األسرى على الممارسة ال ّدينيّة وتط ّور هذا اإلقبال‪ ،‬كما أنّه من‬ ‫صعب إدراك أ ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫ي تأثير للبعد ال ّديني في الروح المعنويّة لألسرى‪ .‬ويؤ ّكد الباحث الفرنسي "فابيان‬ ‫تيوفالكيس" ّ‬ ‫أن فرنسا كانت ترمي إلى جملة من األهداف من وراء سماحها لألسرى األلمان‬ ‫بالممارسة ال ّدينيّة فأ ّوال هذا األمر يش ّكل عنصر دعاية تثبت من ورائه ال ّدولة اآلسرة احترامها للبعد‬ ‫اإلنساني لألسرى والتزامها بالقانون ال ّدولي في هذا ال ّشأن‪ .‬كما ّ‬ ‫أن العناية بال ّشأن ال ّديني قد يساعد‬ ‫على القطيعة بين األسرى والنّازيّة ومبادئها المد ّمرة وكذلك المساعدة في تجنّب وقوع األسرى تحت‬ ‫‪4‬‬ ‫تأثير ال ّشيوعيّة‪.‬‬ ‫ما نخلص إليه ّ‬ ‫أن الحالة المعنويّة والنفسيّة ألسرى المحور قد تط ّورت مع تط ّور سير‬ ‫الحرب كما اختلفت باختالف ظروف األسر وطبيعة ال ّشغل الذي استخدم فيه األسرى‪.‬‬

‫رابعا‪ -‬األسرى وال ّرهانات االقتصاديّة‪:‬‬

‫تجدر اإلشارة في البداية إلى ّ‬ ‫أن اتفاقيّة جنيف سمحت بتشغيل األسرى من جنود وضبّاط‬ ‫ّ‬ ‫صف واستثنت الضبّاط من العمل‪ .‬وقد حرصت سلطات الحماية على تشغيل اليد العاملة األسيرة‬ ‫في االقتصاد المدني والعسكري‪ .‬ومر ّد هذا الحرص هو االستفادة من ق ّوة العمل هذه في ظ ّل النّقص‬ ‫الحا ّد في اليد العاملة المحلّية بسبب تجنيد أعدادا كبرىمن الشبّان التّونسيّين والفرنسيّين المقيمين‬ ‫بالبالد‪ .‬وتمسّكت سلطات الحماية باليد العاملة األسيرة حتّى بعد نهاية الحرب واستندت في ذلك إلى‬ ‫الحجم الهائل من ال ّدمار الذي سبّبته ق ّوات المحور للبالد التّونسيّة سواء في مستوى البنية التّحتيّة أو‬ ‫األنشطة االقتصاديّة‪ .‬واعتبرت ‪-‬مثلما اعتبرت ال ّسلطات الفرنسيّة بالمتروبول‪ّ -‬‬ ‫أن تشغيل األسرى‬ ‫هو في جانب منه تحميلهم المسؤوليّة ع ّما ارتكبوه‪.‬‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،79‬مذكرة مصلحة االستعالمات (‪.)12-1944 -11‬‬ ‫‪2‬إلى حدود نهاية ‪ 1944‬كانت العناصر النازية تحتل مواقع هامة في المعسكرات وكانوا يستغلون مواقعهم لضرب أعداء النازية وأحيانا‬ ‫الحكم عليهم باإلعدام من قبل محاكم شرف سرّية‪ .‬انظر أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪.159‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪.373‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Théofilakis (F.), Op. cit, p. 487.‬‬ ‫‪65‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫أ ّكد المقيم العا ّم"شارل ماست" في تقرير له في جوان ‪ 1943‬على ّ‬ ‫أن البالد في حاجة إلى ‪19000‬‬ ‫أسير من أجل استخدامهم في اقتصاد البالد‪ ،‬غير أنّها لم تتحصّل إالّ على ‪ 1.15000‬وعلى ال ّرغم‬ ‫من ذلك لم يقع استيعاب هذا العدد سريعا بسبب صعوبة توفير حا ّجيات األسرى وخا ّ‬ ‫صة حراستهم‬ ‫‪2‬‬ ‫لذلك وقع نقل ‪ 2500‬أسير إلى الجزائر وتحويل ‪ 5000‬أسير لفائدة الجهاز العسكري‪ .‬وقد طالب‬ ‫المقيم العا ّم بإضافة ‪ 6000‬أسير من أجل تقديم مساعدة ناجعة لالقتصاد التّونسي المتضرّر من‬ ‫االحتالل األلماني وم ّما سبّبته الحرب من تدمير ومن نقص في اليد العاملة المتخصّصة‪.‬‬ ‫لقد شهد تشغيل أسرى المحور في البالد التّونسيّة مجموعة من التح ّوالت والتغيّرات‬ ‫مثلما يتّضح من قراءة أحد التّقارير المتعلّقة باستعمال األسرى في االقتصاد المدني والعسكري‬ ‫بتونس بين جويليّة ‪ 1943‬وفيفري ‪ 3.1946‬فخالل هذه الفترة وقع استخدام ‪ 14000‬أسير بنسب‬ ‫متساوية تقريبا بين االقتصاد المدني (‪ )6000‬والمصالح العسكريّة (‪ )6300‬مع وجود ‪ 2000‬غير‬ ‫صالحين للعمل (مرضى أو سخرة داخل المعسكر)‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤ ّكد التّقرير على ّ‬ ‫أن اللّجوء لألسرى كان نتيجة التقلص الكبير في اليد العاملة‬ ‫واالرتفاع الكبير لألجور‪ .‬وبدأ استخدام هؤالء األسرى بعد "تحرير" العاصمة في تفريغ القطارات‬ ‫والبواخر في ظ ّل نقص ع ّمال ال ّرصيف‪ .‬وفي سبتمبر ‪ 1943‬صارت عمليّة تشغيل األسرى مهيكلة‬ ‫بعد إحداث ديوان التّعبئة المدنية بمنشور ‪ 15‬سبتمبر ‪ .1943‬فوقع وضع حوالي ‪ 8000‬أسير على‬ ‫ذ ّمة االقتصاد المدني‪.‬‬ ‫وكانت الفالحة القطاع الذي استأثر بالنّصيب األكبر من اليد العاملة األسيرة‪ ،‬إذ تو ّزع‬ ‫األسرى على ‪ 700‬مش ّغل فالحي ينتشرون في ‪ 12‬مراقبة مدنيّة‪ .‬أ ّما في القطاع ال ّ‬ ‫صناعي فاستخدم‬ ‫صة في المناجم ومصانع اإلسمنت والكلس ومؤسّسات ال ّ‬ ‫األسرى خا ّ‬ ‫صناعة الحديديّة‪ .‬عالوة على‬ ‫ذلك استعمل األسرى بشكل مكثّف في األشغال العا ّمة‪ ،‬خا ّ‬ ‫صة في إعادة بناء المدن المتضرّرة‬ ‫‪4‬‬ ‫(بنزرت – سوسة – صفاقس– القيروان) وفي إعادة ترميم الجسور والطّرقات‪.‬‬ ‫وانطالقا من جويلية ‪ 1945‬عرف تشغيل األسرى مرحلة جديدة تميّزت بالتّضييق في‬ ‫استخدامهم بهدف الح ّد من التّجاوزات المصاحبة لهذا االستخدام وبسبب عودة جانب كبير من اليد‬ ‫العاملة المحلّية بعد تسريحها‪ .‬ومن أبرز القرارات التي تؤ ّكد هذا التو ّجه الجديد نجد قرار المقيم‬ ‫العا ّم في ‪ 2‬جويلية ‪ 1945‬الذي ألغى بمقتضاه جميع االستثناءات لقرار وزير الحرب الذي ح ّدد‬ ‫العدد األدنى لألسرى لكلّ مش ّغل بـ ‪ 15‬أسيرا‪ ،‬وأ ّدى تطبيق هذا اإلجراء إلى سحب ‪ 1500‬أسير من‬ ‫القطاع الفالحي‪5.‬أ ّما اإلجراء الثّاني فتمثّل في إقرار المنحة التّعويضيّة التي يدفعها المش ّغلون لفائدة‬ ‫األسرى على أساس أجرة يوميّة لألسير بـ ‪ 122‬فرنك‪ .‬وقع إقرار هذه المنحة في ديسمبر ‪1945‬‬ ‫وبدأ العمل بها في ‪ 1‬جانفي ‪ 1946‬ولم تصبح نافذة إالّ في ‪ 1‬أفريل ‪6.1946‬والجدير ّ‬ ‫بالذكر في هذا‬ ‫صدد ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫أن المنحة التّعويضيّة وقع اعتمادها بك ّل من فرنسا والجزائر والمغرب منذ ‪ 7.1944‬وأ ّدى‬ ‫هذا اإلجراء إلى تراجع كبير في أعداد األسرى المستخدمين في االقتصاد المدني‪ .‬وفي الحقيقة فلئن‬ ‫اندرج إقرار المنحة التعويضيّة في إطار تطبيق ما تنصّ عليه "اتّفاقيّة جنيف" فإنّه كان يهدف‬ ‫أساسا إلى حماية اليد العاملة المدنيّة وتجنيبها منافسة اليد العاملة األسيرة‪ .‬وقد وقع بعث صندوق‬ ‫التّعويض لجمع عائدات المنحة التّعويضيّة التي بلغت في ‪ 31‬ديسمبر ‪ 21534561 :1946‬فرنك‬ ‫‪8‬‬ ‫ت ّم تخصيصها باألساس لفائدة قدماء المحاربين التّونسيّين والفرنسيّين‪.‬‬

‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مراسلة المقيم العام إلى القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس (‪.)9-11-1943‬‬ ‫‪2‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير حول استخدام أسر الحرب في االقتصاد (‪.)15-12-1946‬‬ ‫‪4‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪ 5‬تقرير حول استخدام أسر الحرب في االقتصاد (‪ ،)15-12-1946‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫‪6‬المصدرنفسه‪ ،‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير حول نشاط مصلحة التعبئة المدنية لسنتي ‪.1946-1945‬‬ ‫‪7‬المصدر نفسه‪.‬‬ ‫‪8‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،79‬مذكرة (‪.)27-3-1947‬‬ ‫‪66‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫على هذا النّحو يمكن القول ّ‬ ‫إن التح ّدي األكبر الذي طرح على سلطات الحماية في مسألة‬ ‫استخدام أسرى المحور منذ ‪ 1945‬وخا ّ‬ ‫صة ‪ 1946‬هو االستفادة من اليد العاملة األسيرة دون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلضرار بمصالح اليد العاملة المحلّية‪ .‬فكثيرة هي التقارير التي تؤكد ّ‬ ‫أن استعمال أسرى المحور‬ ‫أ ّدى إلى طرد ع ّمال مستخدمين أو إلى عدم انتداب عاطلين‪ .‬في المقابل تنفي ال ّسلطات أ ّ‬ ‫ي تأثير‬ ‫سلبي الستخدام األسرى على اليد العاملة المحلّية‪ .‬فعلى سبيل المثال أ ّكد رئيس جهة صفاقس ّ‬ ‫أن‬ ‫استعمال األسرى لم يكن له انعكاس على اليد العاملة المحلّية‪ ،‬فهذه األخيرة حسب المسؤول‬ ‫الفرنسي كانت متقاعسة في موسم جمع ال ّزيتون لذلك اضط ّر مالكو ال ّزياتين لتشغيل األسرى‬ ‫األلمان‪ 1.‬ولع ّل أكثر األطراف المتد ّخلة في هذه المسألة هي المنظّمات النقابية المختلفة (الكنفدرالية‬ ‫العامة لل ّشغل – االتّحاد العا ّم التّونسي لل ّشغل ‪ -‬االتّحاد النقابي لعملة القطر التّونسي) التي تع ّددت‬ ‫تش ّكياتها‪ 2‬من استخدام األسرى مثلما نقرأ في عريضة االتّحاد النقّابي لعملة القطر التّونسي "في‬ ‫الوقت الذي تتزايد فيه البطالة في تونس بطريقة خطيرة ج ّداوعدد كبير دون عمل يبحثون عن شغل‬ ‫في المناجم وفي المؤ ّسسات الفالحيّة وفي حظائر األشغال العا ّمة‪ ،‬فإنّه يقع استخدام األسرى األلمان‬ ‫مكان الع ّمال التّونسيّين أو الفرنسيّين‪ ...‬ففي القيروان ‪ 350‬أسير يشيّدون طريقا في حين ّ‬ ‫أن البطالة‬ ‫بلغت نسبا كبيرة‪ .‬هذه اليد العاملة األسيرة التي تخلق البطالة العا ّمة بإمكانها أن تجد شغال بسهولة‬ ‫في فرنسا‪ 3".‬وقد اعتبرت النقابات إذن ّ‬ ‫أن تشغيل األسرى تسبّب في بطالة اليد العاملة المحلّية وفي‬ ‫اإلضرار بمصالح الع ّمال وعرقلة مطالبهم في التّرفيع في األجور وتحسين الوضعيّة الما ّدية‪ .‬ولع ّل‬ ‫ما أثار النقابات هو تشغيل األسرى عند الخواصّ في نزل ومطاعم ومؤسّسات تجاريّة للموا ّد‬ ‫الغذائيّة بل وحتّى كمعينين منزليين‪ .‬وقد ق ّررت ال ّسلطات العسكريّة تقليص هذا االستخدام في‬ ‫مرحلة أولى ث ّم إلغاءه في مرحلة ثانية‪ .‬ويبدو ّ‬ ‫أن هذا القرار جاء تحت ضغط النقابات لكن أيضا‬ ‫نتيجة احتجاجات غير المنتفعين باألسرى الذين رأوا في ذلك منافسة غير نزيهة بحكم األجور‬ ‫المنخفضة لليد العاملة األسيرة‪ ،‬وكذلك بسبب التّجاوزات الحاصلة نتيجة االتّصال المباشر بين‬ ‫األسرى والمدنيّين اإليطاليّين والمسلمين‪.‬‬ ‫وفي ر ّده على احتجاجات النقابات بيّن العميد قائد اإلدارة الجهويّة ألسرى الحرب في‬ ‫أفريل ‪ّ 1947‬‬ ‫أن األسرى المستخدمين في االقتصاد المدني آنذاك كانوا في حدود ‪ 2500‬أسير من‬ ‫بينهم ‪ 600‬يشتغلون في نزع األلغام‪ ،‬وهم من االختصاصات الضروريّة المنتمين إلى فئات مهنيّة‬ ‫ي انعكاس على البطالة الحاليّة‪ ،‬بل بالعكس ّ‬ ‫تشكو نقصا وبالتّالي ّ‬ ‫فإن استعمالها لن يكون له أ ّ‬ ‫فإن‬ ‫‪4‬‬ ‫رحيلها سيسبّب اضطرابا كبيرا في اقتصاد البالد‪.‬‬ ‫وخالفا للمواقف ال ّرافضة لتشغيل األسرى فقد احت ّج المش ّغلون المدنيّون وأساسا المع ّمرون‬ ‫الفرنسيّون على قرار المقيم العا ّم في ‪ 2‬جويلية ‪ 1945‬الذي ح ّدد العدد األدنى لألسرى عند ك ّل‬ ‫مش ّغل بـ ‪ 15‬أسيرا وجنّدوا جريدة "تونس الفرنسيّة" "‪ّ "La Tunisie Française‬‬ ‫لشن حملة ض ّد هذا‬ ‫القرار الذي أنهى المكاسب التي كان يجنيها هؤالء المع ّمرون وذلك على اعتبار ّ‬ ‫أن األجرة اليوميّة‬ ‫لألسير تتراوح بين ‪ 50‬و‪ 70‬فرنكا في حين ّ‬ ‫أن أجرة عامل متخصّص بال ّريف تتراوح بين ‪250‬‬ ‫‪5‬‬ ‫و‪ 300‬فرنك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫آخر النقاط التي أثارتها مسألة تشغيل األسرى هي مجاالت استخدامهم‪ .‬وسنخصّ بالذكر‬ ‫استخدام األسرى في إزالة األلغام‪ .‬ويحسن بنا أن نشير في البداية إلى العدد الكبير من األلغام التي‬ ‫ت ّم زرعها في البالد التّونسيّة أثناء الحرب‪ ،‬إذ ق ّدرت بنصف مليون لغم تو ّزعت على ‪6000‬‬ ‫هكتُضاف إليها أعداد ضخمة من القذائف والقنابل اليدويّة المنتشرة على مساحات شاسعة‪ 6.‬وكانت‬ ‫‪1‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،105‬تقرير رئيس جهة صفاقس (‪.)20-2-1945‬‬ ‫‪ 2‬لقد احتج االتحاد العام التونسي للشغل على االستعمال المكثّف ألسرى الحرب في مناطق مختلفة من البالد السيما بمنطقة فريفيل‪.‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،79‬عريضة االتّحاد النقابي لعملة القطر التونسي (‪)25-3-1947‬‬ ‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مذكرة إلى المقيم العام (‪.)18-4-1947‬‬ ‫‪5‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،516‬مذ ّكرة مو ّجهة للكاتب العام المساعد للحكومة التّونسيّة (‪.)25-8-1945‬‬ ‫‪ 6‬لمزيد االطالع انظر بحثنا "التونسيون وأسلحة الحرب العالمية الثانية ‪ ،"1949-1943‬مجلة الك ّراسات التونسية‪ ،‬عدد ‪،213-212‬‬ ‫‪.2011‬‬ ‫‪67‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫عودة االقتصاد تقتضي إزالة األلغام فت ّم توظيف المئات من األسرى في هذه المه ّمة بالبالد التّونسيّة‬ ‫وذلك بالرغم من ّ‬ ‫أن استعمال األسرى في إزالة األلغام مخالف للقانون ال ّدولي ولـ «اتّفاقية جنيف"‪.‬‬ ‫غير ّ‬ ‫أن ال ّسلطات الفرنسيّة كانت ترى ضرورة أن يشارك األلمان في هذا المجهود الخطير باعتبار‬ ‫مسؤوليّتهم في زرع األلغام وكذلك لرغبتها في عدم تعريض حياة الفرنسيّين إلى الخطر‪ .‬ومن‬ ‫ال ّ‬ ‫صعب تقديم إحصائيّات دقيقة لعدد القتلى والمصابين من األسرى بسبب األلغام‪ .‬وقد شجب‬ ‫"ال ّ‬ ‫صليب األحمر" منذ مارس ‪ 1944‬استعمال فرنسا لألسرى األلمان في إزالة األلغام بالبالد‬ ‫‪1‬‬ ‫التّونسيّة‪ ،‬ودعاها إلى تحسين ظروف األسرى المستخدمين في هذه المه ّمة الخطيرة وأن ال يقع‬ ‫إرسالهم إلى هذا العمل في إطار عقوبة‪ .‬واعتبر ال ّ‬ ‫صليب األحمر في ‪ 1947‬أنّه من غير العدل إزالة‬ ‫مخلّفات الحرب من قبل أسرى ألمان غير مؤهّلين تقنيا للقيام بذلك‪ .‬وفي هذا اإلطار كثيرا ما اشتكى‬ ‫األسرى من سوء معاملتهم‪2‬وكذلك من عدم تلقّيهم لدروس حول تفكيك األلغام والمتفجّرات‬ ‫المختلفة‪ 3.‬وهو ما يفسّر ربّما تع ّدد اإلصابات في صفوفهم‪ .‬ويعتبر الباحث الفرنسي "فابيان‬ ‫أن األسرى المستخدمين في إزالة األلغام يشعرون أنّهم مازالوا في الحرب ّ‬ ‫تيوفالكيس" ّ‬ ‫وأن حياتهم‬ ‫ّ‬ ‫مه ّددة في ك ّل لحظة األمر الذي أثر فيهم معنويا وأ ّدى إلى تكاثر محاوالت الفرار في صفوفهم‪.‬‬ ‫عموما يمكن القول ّ‬ ‫إن أسرى المحور بمرورهم إلى ساحات العمل صاروا مساهمين في عمليّة‬ ‫إعادة البناء بعد أن أسهموا وهم في ساحات القتال في عمليّة التدمير‪ .‬كما أ ّدى تشغيل األسرى إلى‬ ‫مجموعة من التح ّوالت في مستوى تمثّل المدنيّين لألسرى وفي مستوى التّعامل معهم من قبل‬ ‫سلطات الحماية‪ ،‬إذ تغلّب البعد االقتصادي على البعد العسكري في هذا التّعامل األمر الذي يفسّر‬ ‫تمسّك هذه ال ّسلطات باألسرى وحرصها ال ّشديد على عدم تحريرهم وترحيلهم إلى بلدانهم‪.‬‬

‫خامسا‪ -‬ترحيل األسرى وح ّل المعسكرات‪:‬‬

‫لقد خضع ترحيل أسرى المحور عن البالد التّونسيّة إلى مجموعة من االعتبارات‬ ‫ال ّسياسيّة واالقتصاديّة والقانونيّة‪ .‬وهذه االعتبارات هي التي تفسّر االختالف الجل ّي بين ترحيل‬ ‫األسرى اإليطاليّين واأللمان‪ .‬فمنذ ‪ 1944‬بدأ ترحيل األسرى اإليطاليّين وذلك العتبارات تخصّ‬ ‫األمن العا ّم (خطورة بقاء أسرى إيطاليّين في ظ ّل وجود جالية إيطالية كبيرة العدد بتونس)‬ ‫والعتبارات تخصّ المصلحة ال ّسياسيّة لفرنسا‪ 4‬والحلفاء (بداية التّقارب مع إيطاليا بعد رحيل‬ ‫موسوليني)‪ .‬وطالب المقيم العا ّم في أفريل ‪ 1944‬تعويض ‪ 3780‬أسير إيطالي من غير المخت ّ‬ ‫صين‬ ‫بعدد مساو من األسرى األلمان‪ 5.‬وتقرّر في نوفمبر من نفس ال ّسنة تبديل األسرى اإليطالي ّين‬ ‫المتواجدين بتونس بأسرى ألمانلكن نتيجة صعوبات في مستوى توفير وسائل النّقل لم يقع التّبديل‬ ‫بشكل كامل بما أنّه مازال إلى حدود ‪ 2400‬أسير إيطالي بتونس‪ ،‬ودعا المقيم العا ّم سلطات الجزائر‬ ‫إلى تسريع العمليّة معتبرا ّ‬ ‫أن إبعاد هؤالء األسرى اإليطاليّين هو أولوية‪ 6.‬وأعلمت الحكومة‬ ‫الفرنسيّة التّمثيليّة اإليطاليّة بباريس في أوت ‪ 1945‬أنّها قرّرت تحرير جميع األسرى اإليطاليّين‬ ‫لديها وعودتهم إلى إيطاليا‪ .‬واتّخذ هذا القرارعلى ضوء تط ّور عالقات فرنسا مع الحكومة اإليطاليّة‪.‬‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن االنقلوسكسونيّين قد سبقوا الفرنسيّين إلى اتّخاذ هذا القرار‪ 7،‬وتواصلت‬ ‫عمليّة تحرير األسرى اإليطاليّين على دفعات‪ ،‬فغادر آخر فوج منهم البالد في ‪ 4‬فيفري ‪ 1946‬على‬ ‫‪8‬‬ ‫ظهر الباخرة "مونتوكيولي" ‪.Montecuccoli‬‬

‫‪Théofilakis (F.), Op.cit, p. 602.‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير قائد جهاز تصفية أسرى الحرب األلمان بتونس (‪.)1948-2-28‬‬ ‫‪3‬المصدر نفسه‪ ،‬تقرير قائد جهاز تصفية أسرى الحرب األلمان بتونس (‪.)1948-2-24‬‬ ‫‪4‬اعتبر المقيم العام ّ‬ ‫أن األسرى اإليطاليين يعتبرون ورقة ضغط بيد فرنسا ال يجب التخلّي عنها قبل تسوية العالقات مع إيطاليا‪.‬‬ ‫‪5‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق ‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،535‬مراسلة القائد األعلى للقوات الفرنسية بتونس (‪.)11-9-1945‬‬ ‫‪6‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق ‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،508‬مراسلة المقيم العام إلى القائد األعلى للقوات الفرنسية بتونس (دون تاريخ)‬ ‫‪ 7‬رغب البريطانيون واألمريكيون في تحرير األسرى اإليطاليين لديهم أصيلي البالد التونسية وترحيلهم إلى تونس غير ّ‬ ‫أن المقيم العام‬ ‫اعترض على هذا المقترح لخطورته على أمن البالد‪.‬‬ ‫‪8‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،134‬مراسلة المقيم العام إلى وزير الخارجية الفرنسي (‪.)11-3-1947‬‬ ‫‪68‬‬

‫‪1‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ي تقليص في أعداد األسرى‪ ،‬معتبرا ّ‬ ‫لقد اعترض المقيم العا ّم في البداية على أ ّ‬ ‫أن تونس هي‬ ‫ّ‬ ‫الوحيدة من بلدان شمال إفريقيا التي تكبّدت خسائر فادحة في اقتصادها وبنيتها التحتية جرّاء الحرب‬ ‫ومن ث ّمة حاجتها لالستفادة من اليد العاملة األسيرة‪ 1،‬وفي هذا اإلطار تتن ّزل معارضته قرار سلطات‬ ‫بالده ترحيل ‪ 1000‬أسير ألماني نحو المغرب األقصى في جوان ‪ 21946‬وهو ما ت ّمت االستجابة‬ ‫ضغوط ال ّدولية وخا ّ‬ ‫له‪ .‬لكن منذ بداية ‪ 1947‬تزايدت ال ّ‬ ‫صة األمريكيّة على فرنسا من أجل تحرير‬ ‫أسرى الحرب لديها‪ ،‬ففي ‪ 3‬ديسمبر ‪ 1946‬قامت كتابة ال ّدولة األمريكيّة بمساعي لدى الحكومة‬ ‫الفرنسيّة من أجل تحرير جميع األسرى األلمان لديها الذين أسندتهم لها الواليات المتّحدة وذلك قبل‬ ‫أكتوبر ‪ 3.1947‬لقد اتّخذ مجلس الوزراء الفرنسي قرارا يقضي بتسريح جميع األسرى األلمان‬ ‫بالبالد التّونسيّة وبقيّة بلدان شمال إفريقيا ونقلهم نحو فرنسا قبل ‪ 15‬جوان ‪ 1947‬وأن ال يقع اإلبقاء‬ ‫صين في إزالة األلغام‪ 4.‬غير ّ‬ ‫إال على عدد قليل من المخت ّ‬ ‫أن القائد األعلى للق ّوات الفرنسيّة بتونس‬ ‫اعترض على ذلك القرار معتبرا ّ‬ ‫أن رحيل األسرى سيسبّب اضطرابا كبيرا وأنّه من ال ّ‬ ‫صعب‬ ‫ّ‬ ‫تعويض األسرى ّ‬ ‫ألن اليد العاملة المحلية قليلة الخبرة وأنّه من األفضل اإلبقاء على األسرى بشكل‬ ‫يساعد على إصالح أكبر قدر من األضرار التي سبّبتها الحرب التي عانت منها تونس بشكل‬ ‫خاصّ ‪ 5.‬وقد عبّر المقيم العا ّم عن نفس التخ ّوفات‪ ،‬فقد اعتبر أنّه إذا كان من الممكن التخلّي عن اليد‬ ‫العاملة األسيرة غير المتخصّصة فإنّه من الخطورة بمكان سحب اليد العاملة المتخصّصة‪ ،‬فمن شأن‬ ‫ذلك أن يه ّدد بإيقاف بعض األشغال ذات األه ّمية الحياتيّة للبالد‪ ،‬لذلك طالب بضرورة اإلبقاء إلى‬ ‫نهاية ‪ 1947‬على ذ ّمة االقتصاد العا ّم للبالد على ‪ 2400‬مختصّ في إعادة البناء والميكانيك العا ّم‬ ‫‪6‬‬ ‫عالوة على ‪ 500‬أسير مشتغلين في إزالة األلغام‪.‬‬ ‫وقد قرّر مجلس الوزراء الفرنسي في األخير تسريح األسرى األلمان بتونس على دفعات‪:‬‬ ‫‪ 2000‬في أوت ‪ 1947‬و‪ 2000‬في سبتمبر و‪ 1000‬في أكتوبر ‪ 1947‬وأن ال يبقى في أفضل‬ ‫الحاالت إال ‪ 500‬أسير مخت ّ‬ ‫صين في نزع األلغام‪ 7.‬وقد توجّه ال ُم َرحّلون إلى فرنسا‪ .‬وبذلك يمكن‬ ‫القول ّ‬ ‫إن ترحيل األسرى من تونس وكذلك الجزائر والمغرب لم يكن بفعل ضغط النقابات‬ ‫واحتجاجات األهالي من قدماء المحاربين أو العاطلين بقدر ما كان نتيجة حاجة االقتصاد الفرنسي‬ ‫لهذه اليد العاملة بعد سحب أعداد كبيرة من األسرى لديها نتيجة ال ّ‬ ‫ضغوط األمريكيّة‪.‬‬ ‫وأمام استحالة اإلبقاء على ما يكفي من األسرى برزت ال ّدعوة إلى تحويل عدد منهم إلى‬ ‫ع ّمال أحرار على غرار ما وقع بفرنسا‪ .‬ويتح ّ‬ ‫صل من اختار هذه الوضعيّة على عديد االمتيازات‬ ‫(أجر وظروف إقامة وتغذية وم ّدة عمل معادلة لما يتمتّع به العامل األجنبي)‪ .‬لقد واجه مقترح‬ ‫تحويل األسرى إلى ع ّمال أحرار معارضة ع ّدة أطراف مثل النقابات وال ّ‬ ‫صليب األحمر وحتّى‬ ‫قيادات عسكريّة لدواع أمنيّة‪8.‬كما ّ‬ ‫أن وزير ال ّشغل وال ّ‬ ‫ضمان االجتماعي الفرنسي اعترض على هذا‬ ‫المقترح بح ّجة وجود فائض من الع ّمال األهالي وأنّه من األفضل تحويل األسرى األلمان إلى فرنسا‪.‬‬ ‫من ناحيتهم لم يتح ّمس أغلب األسرى األلمان لألمر‪ 9.‬وفي األخير تحت ضغط المقيم العا ّم سُمح‬ ‫للبالد التّونسيّة في سبتمبر ‪ 1947‬باالحتفاظ بـ ‪ 700‬أسير من بينهم ‪ 200‬متخصّصون في إزالة‬ ‫‪10‬‬ ‫األلغام وقذائف الحرب‪ ،‬يتمتّعون بنفس أجور وظروف عيش الع ّمال من نفس صنفهم‪.‬‬ ‫‪1‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،180‬مراسلة المقيم العام إلى وزير الخارجية (‪.)17-7-1947‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬رسالة المقيم العام إلى الكولونيل "فراندان" ‪Frandon‬رئيس قسم 'افريقيا"‬ ‫بقيادة األركان (‪.)20-7-1946‬‬ ‫‪3‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬مذكرة (‪.)1-2-1947‬‬ ‫‪4‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬برقية (‪.)4-7-1947‬‬ ‫‪5‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬مراسلة القائد األعلى للقوات الفرنسية بتونس إلى وزير الجيوش (‪-11-21‬‬ ‫‪.)1946‬‬ ‫‪6‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬مراسلة المقيم العام إلى القائد األعلى للجيش الفرنسي (‪.)3-12-1946‬‬ ‫‪7‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬برقية رئيس المجلس الفرنسي (‪.)4-7-1947‬‬ ‫‪ 8‬اعترض الكولونيل "فراندان" في رسالة إلى المقيم العام على هذه العملية لما تشكله من مخاطر على المستوى األمني والسياسي‪.‬‬ ‫‪ 9‬حسب المقيم العام ‪ % 5‬فقط من األسرى رغبوا في التحوّل إلى ع ّمال أحرار‪.‬‬ ‫‪10‬أ‪.‬و‪.‬خ‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،189‬مراسلة وزير الخارجية الفرنسي إلى المقيم العام (دون تاريخ)‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫إذن لم يبق بالبالد التّونسيّة سنة ‪ 1948‬إال بضع مئات من األسرى األلمان (‪ 498‬في بداية‬ ‫سبتمبر) وفي ‪ 7‬سبتمبر ‪ 1948‬غادر من بينهم ‪ 392‬انطالقا من ميناء بنزرت‪ ،‬فلم يبق هكذا إالّ ‪12‬‬ ‫بال ّسجن المدني وأسير بمستشفى سوسة و‪ 91‬ف ّ‬ ‫ضلوا البقاء والتح ّول إلى ع ّمال أحرار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وتجدر اإلشارة إلى أنّه بالتّزامن مع تقلّص أعداد األسرى فإنه وقع ح ّل اإلدارة الجهويّة‬ ‫ألسرى الحرب وكذلك فرق الحراسة وأيضا المعسكر عدد ‪ 16‬بتونس العاصمة وذلك في ‪31‬‬ ‫أكتوبر ‪ .1947‬كما ت ّم بعث هيكل لتصفية جهاز أسرى الحرب‪ 1،‬ح ّل بدوره في ‪ 16‬سبتمبر‬ ‫‪2‬‬ ‫‪.1948‬‬ ‫ّ‬ ‫لئن كان التّرحيل يمثل بالنّسبة لألسير النّهاية الفعليّة للحرب فإنّه ال يمكننا في ظ ّل ما‬ ‫نتوفّر عليه من مصادر معرفة كيف استقبل أسرى المحور عند عودتهم إلى ك ّل من إيطاليا وألمانيا‬ ‫ومدى اندماجهم في مجتمعهم الجديد بعد سنوات من الغياب قضّوها في الحرب وفي األسر ومدى‬ ‫تأثير تجربة األسر عليهم الحقا‪ .‬كما ال نعرف هل هناك من أسرى المحور من عاد الحقا إلى البالد‬ ‫التّونسيّة أو على األق ّل من خامرته فكرة زيارة البلد الذي قضّى فيه تجربة من ال ّ‬ ‫صعب نسيانها وهي‬ ‫تجربة األسر‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫نخلص في نهاية هذا البحث إلى جملة من االستنتاجات‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ ّ‬‫إن سقوط ما يزيد عن ربع مليون أسير من ق ّوات المحور في البالد التونسيّة في ماي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1943‬يع ّد محطة فارقة في تاريخ الحرب العالميّة الثانية أشرت إلى بداية اختالل التوازن بين‬ ‫القوى المتحاربة وإلى بداية انهيار دول المحور‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ لم تقتصر عمليّة وفترة أسر ق ّوات المحور بالبالد التونسيّة على البعد العسكري بل‬‫تداخلت فيها األبعاد العسكريّة واألمنيّة واالقتصاديّة وال ّسياسية والقانونيّة واإلنسانيّة‪ .‬وهو ما يفسّر‬ ‫تع ّدد األطراف المتد ّخلة والمرتبطة باألسرى فعالوة على ال ّسلطات الفرنسيّة المدنيّة والعسكريّة‬ ‫والحلفاء األمريكيّين والبريطانيّين نجد اللّجنة الدوليّة لل ّ‬ ‫صليب األحمر وكذلك المدنيّين األوروبيّين‬ ‫الذين استفادوا من وجود األسرى واستخدموهم كيد عاملة أ ّما المدنيّون التّونسيّون فكان عليهم عدم‬ ‫التّعامل أو التّعاطف مع هؤالء األسرى‪.‬‬ ‫ لقد استخدمت سلطات الحماية أسرى المحور في إعادة بناء ما د ّمرته الحرب وأجبرت‬‫عددا منهم على إزالة األلغام بدعوى تحميلهم المسؤوليّة عن ال ّدمار الذي لحق بالبالد‪ .‬وهو ما يطرح‬ ‫قضيّة على غاية من األه ّمية هل ّ‬ ‫أن األسرى األلمان واإليطاليّين هم ممثّلون للنّظامين النّازي‬ ‫والفاشي حتّى يُح ّملون المسؤولية‪ ،‬أم أنّهم عسكريّون قاموا بواجبهم وربّما هناك من كان غير راغب‬ ‫في المشاركة في الحرب ويتح ّول بذلك استخدامهم في المهن الشاقّة والخطيرة إلى شكل من أشكال‬ ‫العنف الذي يسلّطه المنتصر على المنهزم‪.‬‬ ‫ ّ‬‫إن خروج أسرى المحور من المعسكرات المغلقة والتحاقهم بفضاءات االقتصاد‬ ‫المدني سواء داخل ال ّ‬ ‫ضيعات الفالحيّة أو بالمصانع أو حظائر البناء أو حتّى بالمتاجر والمنازل‬ ‫عالوة على انعكاساته اإليجابيّة على ال ّروح المعنويّة والحالة النّفسية لهؤالء األسرى فإنّه قد أسهم‬ ‫في تح ّول تمثّل جانب كبير من الفرنسيّين لألسرى خا ّ‬ ‫صة األلمان منهم من أعداء يجب إذاللهم إلى‬ ‫مساعدين ورفاق وحتّى أصدقاء يجدر حسن معاملتهم‪ .‬ويؤ ّكد الباحث الفرنسي "فابيان تيوفالكيس"‬ ‫ّ‬ ‫أن أسرى الحرب األلمان لدى فرنسا كان لهم دور غير مباشر في تطوير العالقات الفرنسيّة‬ ‫األلمانيّة وتسوية خالفاتهما النّاشئة عن الحرب‪.‬‬

‫‪1‬أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،Ns407‬صندوق ‪ ،2H174‬ملف ‪ ،5‬وثيقة ‪ ،1246‬مذكرة القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس (‪- 10 -20‬‬ ‫‪.)1946‬‬ ‫‪2‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مراسلة الجنرال "ديو" ‪ Dio‬إلى المقيم العام (‪.)23-10-1948‬‬ ‫‪70‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫البيبليوغرافيا‪:‬‬ ‫‪ -I‬األرشيف ‪:‬‬ ‫‪ -1‬األرشيف الوطني التونسي‪:‬‬ ‫ األرشيف الوطني‪ ،‬سلسلة الحركة الوطنية‪ ،‬صندوق ‪ ،53‬ملف ‪ ،2‬وثيقة ‪ ،3‬مذكرة (‪-6-15‬‬‫‪.)1944‬‬ ‫‪- 2‬أرشيف وزارة الخارجيّة الفرنسيّة ‪:‬‬‫ بكرة ‪ ،576‬صندوق ‪ ،109‬ملف ‪ ،1‬وثيقة ‪ ،159‬مراسلة المقيم العام إلى وزير الخارجية‬‫الفرنسي (‪.)11-3-1947‬‬ ‫‪ -3‬أرشيف االقامة العا ّمة‪:‬‬ ‫ أرشيف اإلقامة العامة (يذكر الحقا‪ :‬أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،).‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير‬‫مرقمة‪ ،‬برقية القيادة العليا للقوات الفرنسية بتونس (ماي ‪.)1943‬‬ ‫أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬مذكرة القيادة العليا للقوات الفرنسية‬‫بتونس (‪ 12‬ماي ‪.)1943‬‬ ‫أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬وثيقة غير مرقمة‪ ،‬تقرير قائد فرقة الجندرمة بمنزل تميم‬‫(‪.)1944-2-4‬‬ ‫أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R729‬صندوق ‪ ،2602‬مراسلة المراقب المدني بالوطن القبلي إلى المراقب‬‫المدني بتونس (‪.)13-3-1944‬‬ ‫ إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،228‬مذكرة (‪.)28-3-1944‬‬‫ أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،123‬مذكرة القيادة العليا للقوات الفرنسية‬‫بتونس (‪.)1944 - 11 -7‬‬ ‫ ‪ .‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R137‬صندوق ‪ ،1781‬وثيقة ‪ ،105‬تقرير رئيس جهة صفاقس (‪-2-20‬‬‫‪.)1945‬‬ ‫ أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة‪ ،443‬مراسلة الكاتب العام المساعد للحكومة‬‫إلى المقيم العام )‪.)1945-4-30‬‬ ‫ ‪ .‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق ‪ ،2736‬وثيقة‪ ،477‬تقرير القائد الجهوي لمعسكرات‬‫أسرى الحرب بتونس (‪.)28-7-1945‬‬ ‫ أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R599‬صندوق‪ ،2736‬وثيقة ‪ ،516‬مذ ّكرة موجّهة للكاتب العام المساعد‬‫للحكومة التّونسيّة (‪.)25-8-1945‬‬ ‫ أ‪.‬إ‪.‬ع‪ ،.‬بكرة ‪ ،R762‬صندوق ‪ ،2698‬وثيقة غير مرقّمة‪ ،‬رسالة المقيم العام إلى‬‫الكولونيل "فراندان" ‪Frandon‬رئيس قسم 'افريقيا" بقيادة األركان (‪.)20-7-1946‬‬ ‫ أ‪.‬م‪.‬ت‪.‬ج‪.‬ب‪.‬ف‪ ،.‬بكرة ‪ ،Ns407‬صندوق ‪ ،2H174‬ملف ‪ ،5‬وثيقة ‪ ،1246‬مذكرة القيادة‬‫العليا للقوات الفرنسية بتونس (‪.)1946 - 10 -20‬‬

‫‪71‬‬


2018 / 8 ‫العدد‬

‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

:‫المراجع‬-II - Cherif (F.), La Tunisie dans la tourmente de la seconde guerre mondiale, Tunis, Centre de Publication -Universitaire, 2014. - Dahman (M.S), Les contingents tunisiens ayant servi dans l’armée française pendant la deuxième guerre mondiale, doctorat de III ème cycle, Paris I, 1987. -Comité National Tunisien d'Histoire de la 2ème Guerre Mondiale, Colloque international sur l'histoire de la 2ème Guerre Mondiale: campagne de Tunisie novembre 1942 mai 1943, Ministère de la défense Nationale, 1982. - Dhouib (M.N.), La Tunisie dans le tourbillon de la Seconde Guerre mondiale, La Marsa, Mc- Editions, 2ème édition, 2014. -D'Arcy-Dawson (J.), La Campagne de Tunisie, [Tunisian Battle] traduction d'Albert Frédérik, Editions universitaires, les presses de Belgique, 1947.-Théofilakis (F.), Les prisonniers de guerre allemands en mains françaises (19441949) : captivité en France, rapatriement en Allemagne, thèse doctorat en histoire, Université de Paris X Nanterre, [en ligne], url https://bdr.uparis10.fr/theses/internet/2010PA100184_diff.pdf. -Rizzuto (P.), Diario de Guerra E Prigionia, [en ligne], url :www.qattara.it/diari_files/diariodiguerra.

72


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫صحافة التّونسيّة والثّورة الجزائريّة (‪)1957 – 1954‬‬ ‫ال ّ‬ ‫دراسة في أشكال ال ّدعم والتّغطية اإلعالميّة للثّورة من خالل صحيفتي‬ ‫صباح" و"العمل"‬ ‫"ال ّ‬ ‫عبد المجيد بلهادي‬ ‫المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر‬ ‫جامعة منّوبة‬ ‫المق ّدمة‪:‬‬

‫حظيت الثّورة الجزائريّة على امتداد ثماني سنوات بدعم تونسي متن ّوع األشكال‪،‬‬ ‫عسكري وسياسي وإعالمي‪ ،‬ومثّلت تونس القاعدة الخلفيّة ال ّشرقية للثّورة‪ ،‬تم ّدها بال ّسالح‪ ،‬وتتمركز‬ ‫فيها الق ّوات العسكريّة للتد ّرب وتنظيم الحمالت ض ّد مواقع الجيش الفرنسي‪ ،‬وتن ّوعت أشكال ال ّدعم‬ ‫فمنها ما كان شعبيا‪ ،‬وما كان رسميا‪.1‬وساندتأكبر ال ّ‬ ‫صحف التّونسيّة وأوسعها انتشارا الثّورة‬ ‫الجزائريّة‪ ،‬وكانت في مق ّدمة ذلك صحافةالحزب الحرّ ال ّدستوري التّونسي‪ ،‬الذي تح ّول إلى حزب‬ ‫حاكم منذ ‪ ،1956‬وهو ما يعني تبنّي هذا الحزبللثّورة ونهجها من أجل تحرير الجزائر‪ .‬ولقد ظهرت‬ ‫ع ّدة دراسات سواء تونسيّة أو جزائريّة حاولت أن تلقي ال ّ‬ ‫ضوء على مختلف جوانب هذا‬ ‫ال ّدعم‪2‬وربّمامن الجوانب التي تستح ّ‬ ‫ق المزيد من التع ّمق هو ال ّدعم اإلعالمي وكيفيّة تغطيته ألحداث‬ ‫الثّورة وتعاطيه مع تط ّورها‪ ،‬وهو ما سنحاول التّركيز عليه ودراسته في هذا البحث‪ ،‬من خالل أه ّم‬ ‫صحيفتين تونسيّتين آنذاك وهما "ال ّ‬ ‫صباح" و"العمل"‪ ،‬خالل الفترة الممت ّدة بين ‪ 1954‬و‪ ،1957‬فما‬ ‫هو الحيّز الذي أخذته الثّورة الجزائريّة فيهما؟ وما هي أه ّمية المساحة التي أفردتها هذه الص ّحافة‬ ‫للتّعبير عن ال ّرأي وتقديم ال ّدعم المعنوي للجزائر وثورتها المسلّحة؟ وكيف غطّت ال ّ‬ ‫صحيفتان‬ ‫األحداث العسكريّة وال ّسياسية للثّورة؟‬

‫صص مساحة إعالميّة ها ّمة للثّورة الجزائريّة‪:‬‬ ‫صحافة التّونسيّة تخ ّ‬ ‫‪ -1‬ال ّ‬

‫اتّفقت ع ّدة دراسات على ّ‬ ‫أن نجاح الثّورة الجزائريّة‪ ،‬وتم ّكنها من الوقوف في وجه عد ّو‬ ‫يملك ك ّل مق ّومات التف ّوق‪ ،‬قد ت ّم بتظافر عناصر مختلفة‪ ،‬ومن بينها‪ ،‬ال ّدعم اإلعالمي الذي حظيت به‬ ‫والذي م ّكنها من مواجهة اآللة اإلعالميّة وال ّدعائيّة الفرنسيّة‪ ،‬وقد تبلور هذا ال ّدعم في أشكال‬ ‫ع ّدةفقد "ساهم رجال الثقافة وال ّ‬ ‫صحافة واألدب في التّعريف بالقضيّة الجزائريّة ونشر أخبارها‬ ‫‪3‬‬ ‫ّ‬ ‫وخلق رأي عام متعاطف ومتح ّمس معها‪ ، "..‬وفي هذا اإلطار الب ّد من التذكير بال ّدور الذي لعبته‬ ‫اإلذاعة التّونسيّة‪ ،‬في التّعريف بالقضيّة الجزائريّة وثورتها‪ ،4‬فقد خ ّ‬ ‫صصت بين ‪ 1956‬و‪1959‬‬ ‫ضمن برمجتها ح ّ‬ ‫صة بعنوان "صوت الجزائر الح ّرة" وهو برنامج إخباري يتّصل بالمقاومة التي‬ ‫ّ‬ ‫األدلة على أه ّمية هذا ال ّدعم وتن ّوعه‪ ،‬يمكن أن نذكر أن حوالي ‪ % 80‬من ال ّسالح الذي تدفّق إلى الثّورة كان ي ّمر عبر تونس‪،‬‬ ‫‪ 1‬من بين‬ ‫انتشار مراكز جيش التّحرير على طول الشريط الحدودي الغربي للبالد التّونسيّة‪ ،‬واستقرار الحكومة الجزائريّة المؤقّتة بتونس منذ تشكيلها‬ ‫في نوفمبر ‪ ،1958‬ذكره الصغيّر (عميره عليّة)‪ ،‬اليوسفيون وتحرر المغرب العربي‪ ،‬المغاربية وإشهار الكتاب‪ ،‬تونس‪ ،2007 ،‬ص ‪157‬‬ ‫– ‪.229 – 228 – 169‬‬ ‫‪2‬يمكن على سبيل الذكر ال الحصر أن نذكر من بين هذه الدراسات‪:‬‬ ‫ الصغيّر (عميره عليّة)‪ ،‬اليوسفيون وتحرر المغرب العربي‪ ،‬المغاربية وإشهار الكتاب‪ ،‬تونس‪.2007 ،‬‬‫ المدني (أحمد توفيق)‪ ،‬حياة كفاح‪ ،‬الجزء الثّالث مع ركب الثّورة الجزائريةّ‪ ،‬ال ّشركة الوطنيّة للنّشر والتّوزيع‪.1982 ،‬‬‫ بوزبيد (عبد المجيد)‪ ،‬اإلمداد خالل حرب التّحرير الوطني شهادتي‪ ،...‬مطبعة الديوان‪.2007 ،‬‬‫ الشايبي (محمد لطفي)‪ ،‬مساهمة تونس في ثورة التّحرير الجزائرية (‪ ،)1958 – 1954‬مرقونة‪.‬‬‫‪3‬الصغيّر (عميره عليّة)‪ ،‬اليوسفيون وتح ّرر المغرب العربي‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.247‬‬ ‫‪ 4‬البد من ذكر أهمية الدور الذي قامت به إذاعات أخرى خالل تلك الفترة مثل "صوت العرب" من مصر واإلذاعة المغربية‪.‬‬ ‫‪73‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫بدأت كفاحها ض ّد المستعمر‪ ،1‬وقد أثار هذا البرنامج ض ّجة إعالمية وأزمة بين الحكومتين التّونسيّة‬ ‫والفرنسيّة‪ ،2‬وجدال إعالميا على أعمدة صحيفة "العمل" التي رأت في التد ّخل الفرنسي بهدف منع‬ ‫هذا البرنامج بمثابة تد ّخل في ال ّشأن ال ّداخلي التّونسي‪ ،3‬وتذكر بعض ال ّدراسات ّ‬ ‫أن هذا البرنامج‬ ‫تولّى تقديمه المذيع الجزائري "عيسى مسعود" الذي استطاع بواسطة صوته الحماسي أن يجنّد‬ ‫آالف الشبّان الجزائريّين في صفوف الثّورة الجزائريّة‪ ،‬بال ّرغم من ّ‬ ‫أن هذه الح ّ‬ ‫صة ال تزيد عن‬ ‫ساعة واحدة ‪.4‬‬ ‫ويمكن القول أنّه بتظافر مجموع هذه الجهود‪ ،‬تم ّكنت ال ّدعاية الجزائريّة خالل سنوات‬ ‫‪ 1962 – 1954‬من إسماع صوت الثّورة خارج حدود الجزائر‪ ،‬وإيصال الواقع الح ّي لل ّرأي العا ّم‬ ‫الفرنسي واألوروبي واألمم المتّحدة‪ ،‬واقتنعت ال ّشعوب بعدالة القضيّة الجزائريّة م ّما نتج عنه تأييد‬ ‫عالمي لكفاح ال ّشعب الجزائري‪ ،5‬وفي إطار هذا ال ّزخم اإلعالمي‪ ،‬يمكن التّأكيد على ّ‬ ‫أن ال ّ‬ ‫صحافة‬ ‫التّونسيّة لعبت دورا بارزا في هذه ال ّدعاية للثّورة والتّعريف بالقضيّة الجزائريّة‪ ،‬وهو ما يمكن تبيّنه‬ ‫صصته صحيفتا "ال ّ‬ ‫في البداية من خالل ما خ ّ‬ ‫صباح" و"العمل" من مساحة إعالميّة للثّورة‬ ‫الجزائريّة منذ يومها الثاني أي ‪ 2‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫صباح"ال ّ‬ ‫تض ّمنت أعداد صحيفة "ال ّ‬ ‫صادرة خالل الفترة الممت ّدة بين ‪ 2‬نوفمبر ‪1954‬و‪21‬‬ ‫ديسمبر ‪ 1954‬أي خالل ال ّشهر الذي تال اإلعالن عن قيام جبهة التّحرير الوطني الجزائريّة‬ ‫وانطالق الثّورة المسلّحة‪ ،‬حوالي ‪ 23‬خبرا وتعليقا يتعلّق بالثّورة المسلّحة‪ ،‬سواء كان ذلك الخبر‬ ‫سياسيّا أو عسكريّا أو غيره‪.‬كما تض ّمن ‪ 12‬عنوانا حول الثّورة وأحداثها ال ّداخليّة وال ّدولية خالل‬ ‫شهر جويلية – أوت ‪ 1955‬أي في الفترة التي تلت التّوقيع على اتّفاقيات ‪ 3‬جوان ‪ 1955‬التي‬ ‫استرجعت بمقتضاها تونس حكمها ّ‬ ‫الذاتي وكان من المفترض أن تكون األخبار والحوادث ال ّداخليّة‬ ‫هي الطّاغية على غيرها من األخبار‪ .‬أ ّما صحيفة " العمل" فقد وقعت دراسة مضمونها خالل فترة‬ ‫محورية أخرى بالنّسبة إلى البالد التّونسيّة وهي األشهر التي تلت االستقالل التا ّم في تونس (‪20‬‬ ‫مارس ‪ ،)1956‬أي بين ‪1‬جويلية و‪ 25‬سبتمبر ‪ ،1956‬وهي مرحلة طغت عليها تهيئة الوضع‬ ‫ال ّداخلي وتركيز أسس ال ّدولة الوطنيّة‪ ،‬ولكن ذلك لم يمنع ال ّ‬ ‫صحيفة األولى في البالد و"لسان الحزب‬ ‫الح ّر ال ّدستوري التّونسي" الذي قاد النّضال الوطني من أن تخ ّ‬ ‫صص حيّزا ها ّما للثّورة الجزائريّة‬ ‫بحيث نعثر على حوالي ‪ 35‬عنوانا يتعلّق بالثّورة ويتص ّدر بصفة عا ّمة ال ّ‬ ‫صفحة األولى وبخطّ غليظ‬ ‫وبالّلون األحمر‪ .‬ووقع االختيار على فترة أخرى ها ّمة أيضا وهي الممت ّدة بين ‪ 2‬أفريل ‪ 1957‬و‪26‬‬ ‫جوان ‪ ،1957‬وهي مرحلة طغى عليها توتّر العالقة بين تونس وفرنسا وخا ّ‬ ‫صة إثر إقدام فرنسا‬ ‫على قطع معونتها االقتصاديّة لتونس في أفريل ‪ ،1957‬فر ّد"بورقيبة" الفعل وأعلن دخول البالد في‬ ‫مرحلة التح ّرر االقتصادي (العملة‪ ،‬البنك المركزي‪ ،‬إلغاء الوحدة القمرقية‪. )..‬‬ ‫واتّخذ هذا اإلجراء الفرنسي كعقوبة لتونس نظرا لموقفها المساند للثّورة الجزائريّة‪.‬‬ ‫ويتن ّزل هذا االختيارأيضا في مواكبة تصاعد أعمال المقاومة في إطار "معركة مدينة الجزائر" ( ‪La‬‬ ‫‪ ،6)Batailled’Alger‬ولذلك يالحظ ّ‬ ‫أن ‪ 22‬عددا من مجموع ‪ 78‬عددا تقريبا من أعداد ال ّ‬ ‫صحيفة قد‬ ‫تض ّمن ‪ 38‬عنوانا حول الثّورة وأحداثها‪ .‬أي ّ‬ ‫أن حوالي ثلث األعداد كانت الثّورة الجزائريّة حاضرة‬ ‫‪7‬‬ ‫فيها بشكل أو بآخر‪.‬‬

‫‪ 1‬بشير (المولدي)‪" ،‬نحو تونسة اإلذاعة في الخمسينات"‪ ،‬في أعمال الملتقى الدولي التاسع حول تصفية االستعمار بتونس‪ :‬األطوار‬ ‫واألبعاد (‪ ،)1964 – 1952‬منشورات المعهد األعلى لتاريخ الحركة الوطنية‪ ،‬تونس‪ ،1999 ،‬ص ‪.53‬‬ ‫‪2‬الشايبي (محمد لطفي)‪ ،‬مساهمة تونس في ثورة التحرير‪ ،‬نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.12‬‬ ‫‪3‬المرجع السابق‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪4‬ابن فرج (المنصف)‪ ،‬ملحمة النضال التّونسي – الجزائري من خالل حوادث ساقية سيدي يوسف‪ ،‬مطبعة المغرب للنشر‪ ،‬تونس‪،‬‬ ‫‪.174 ،2006‬‬ ‫‪5‬ن‪.‬م‪ ،‬ص ‪.175‬‬ ‫‪ 6‬انطلقت في ‪ 7‬جانفي ‪.1957‬‬ ‫‪ 7‬تصدر بشكل يومي‪ ،‬وتتوقّف عن ال ّ‬ ‫صدور كل يوم اثنين‪.‬‬ ‫‪74‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫والب ّد من اإلشارة إلى مسألة أخرى تتعلّق بالجانب ال ّشكلي ومدى االهتمام الذي حظيت به الثّورة‬ ‫الجزائريّة وهو ّ‬ ‫صحيفتين خ ّ‬ ‫أن ال ّ‬ ‫صصتا بعض االفتتاحيّات واألعمدة للحديث عن الثّورة وتحليل‬ ‫أبعادها وتط ّورها ال ّسياسي والعسكري‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك يمكن ذكر عمود بعنوان "صوت‬ ‫الجزائر" بصحيفة "العمل"‪ ،‬وقد وردت فيه آراء تحليليّة‪.‬وتص ّدرت عناوين الثّورة صدر‬ ‫صحيفتين عموما بل ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫إن صحيفة "العمل" قد أفردت للثّورة خالل سنة ‪ 1957‬ركنا في صفحتها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫األولى بعنوان " الثورة الجزائريّة تزحف" ويتض ّمن عناوين تم ّجد نجاحات الثورة على المستوى‬ ‫العسكري‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك"هللا أكبر! والنّصر للجزائر"‪ّ .1‬‬ ‫إن هذه األه ّمية التي أولتها صحيفتا‬ ‫"ال ّ‬ ‫صباح" و"العمل" للثّورة الجزائريّة ليست إال دليال آخر‪ ،‬على المساندة التي كانت تحظى بها‬ ‫الثّورة الجزائريّة في قطاع اإلعالم بتونس أسوة ببقيّة القطاعات‪ ،‬وفي هذا اإلطار يمكن أن نفهم‬ ‫كيف ّ‬ ‫أن ال ّ‬ ‫صحيفتين الكبيرتين في تونس خالل تلك الفترة تتبنّيان الثّورة منذ أيّامها األولى وخالل‬ ‫ّ‬ ‫هذا الطّور الذي كان حاسما سواء بالنّسبة إلى تونس أو الجزائر وفي فترة لم تتخلص فيها تونس من‬ ‫القبضة االستعماريّة بعد‪ ،‬ونعني سنوات ‪ ،1957 – 1954‬وكيف ّ‬ ‫أن"الحزب الح ّر ال ّدستوري‬ ‫التّونسي" وزعيمه "الحبيب بورقيبة" الذي كان يخوض غمار النّضال ض ّد فرنسا على أكثر من‬ ‫صعيد يفتح أعمدة صحيفته النّاطقة بلسانه لتنقل أحداث الثّورة وتمنحها ال ّدعم الالّزم‪.‬‬

‫صة بالتّحاليل وطرح اآلراء حول قضيّة الجزائر‪:‬‬ ‫صحافة التّونسيّة تفرد أعمدة خا ّ‬ ‫‪-2‬ال ّ‬

‫صحافة التّونسيّة بمتابعة تط ّور أحداث الثّورة وتغطيتها‪ ،‬بل إنّها خ ّ‬ ‫لم تكتف ال ّ‬ ‫صصت‬ ‫بعض االفتتاحيات واألعمدة لتحليل مختلف المواقف سواء كانت العسكريّة منها أو ال ّسياسية‪ ،‬وكذلك‬ ‫إلبداء ال ّرأي حول هذه المسائل‪ ،‬وللتّعبير عن التّضامن التّونسي مع القضيّة الجزائريّة وثورتها‪،‬‬ ‫ففي جانب التّحاليل يذكر ّ‬ ‫أن صحيفة "ال ّ‬ ‫صباح"‪ ،‬قامت منذ ‪ 2‬نوفمبر ‪ ،1954‬بتخصيص حيّز إلبداء‬ ‫ال ّرأي والتّعليق على األحداث‪ ،‬ففي ركن "رسالة باريس" تبيّن ّ‬ ‫أن هناك ثالثة مواقف لألطراف‬ ‫الفرنسيّة من أحداث الجزائر‪ ،‬تختلف باختالف الموقف من الحكومة الفرنسيّة‪.2‬أ ّما صحيفة‬ ‫"العمل"‪ ،‬فقد خ ّ‬ ‫صصت مجموعة من االفتتاحيات واألعمدة لشرح مختلف المواقف العربيّة أو‬ ‫ال ّدولية من قضيّة الجزائر وثورتها‪ ،‬وفي مق ّدمتها الموقف التّونسي‪ ،‬ففي افتتاحية ‪ 11‬ماي ‪1956‬‬ ‫ذكرت ّ‬ ‫أن أجواء الفرح التي يمنحها أ ّول عيد فطر في تونس المستقلّة "ال يمكن أن ينسي التّونسيّين‬ ‫واجبهم تجاه الجزائر حيث األطفال ال يحتفلون في هذا اليوم بالعيد بل يواجهون القمع والتسلّط‬ ‫والقتل‪ ،‬ولكن بفضل وطنيّتهم ال ّ‬ ‫صادقة وتصميمهم المنقطع النّظير وال ّدعم الذي يق ّدمه لهم إخوانهم‬ ‫وأصدقاؤهم من مختلف أنحاء العالم‪ ،‬سوف يعرفون بعد مرحلة اليّأس والحزن الفرح‪ ،‬وبعد الهزيمة‬ ‫النّصر"‪ .3‬ومن خالل افتتاحيّة يوم ‪ 10‬جوان ‪ ،1956‬ذكرت ّ‬ ‫أن هدفها يتمثّل في جعل قرائها العرب‬ ‫ّ‬ ‫وبأن نضال الجزائريّين هدفه‬ ‫التّونسيّين مطّلعين على أخبار الجهاد الذي انخرط فيه الجزائريّون‬ ‫الحفاظ على عروبة الجزائر وأن يع ّم فيها األمن‪.4‬‬ ‫ومن خالل افتتاحيّة يوم ‪ 5‬جويلية ‪ ،1956‬تط ّرقت إلى ّ‬ ‫أن مرور ‪ 126‬سنة من االحتالل‬ ‫بالجزائر ليست له أه ّمية ما دامت قد انطلقت فيها ثورة تب ّشر بالنّصر القريب‪ ،‬وهي "‪ ...‬واثقة من‬ ‫الخالص ذات يوم أخذ يبدو قريبا بعد ثورتها األخيرة ثورة األحرار المناضلين التي ّ‬ ‫يغذيها شعب‬ ‫الجزائر بإيمانه العجيب ذلك اإليمان الذي بقي نوره و ّ‬ ‫ضاء خالل هذه الم ّدة الطّويلة رغم محاوالت‬ ‫‪1‬العمل‪ 6 ،‬أفريل ‪.1957‬‬ ‫صباح‪ 2 ،‬نوفمبر ‪ ،1954‬رسالة باريس‪.‬‬ ‫‪2‬ال ّ‬ ‫‪3‬‬ ‫‪Archives de Vincennes (Services Historique de l’Armée de Terre), 2H 153, bobine S 388. Dossier n1 :‬‬ ‫‪Physionomie de la presse arabe tunisienne / L’indépendance tunisienne et le soutien apporté au‬‬ ‫‪Mouvement F.L.N.‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪Ibid., p 304‬‬ ‫‪75‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫المحق واإلبادة ورغم الق ّوة المتو ّحشة التي لجأ إليها االستعمار الفرنسي من يوم شروعه في احتالل‬ ‫البالد وتسخير أهلها فقد ثبتت الجزائر في وجه االستعمار‪ ،‬تشهد بذلك ثوراتها التي ال تهدأ واحدة‬ ‫منها ّإال لتندلع ثورة أخرى‪ .1"...‬وتعود مع افتتاحيّة يوم ‪ 14‬ماي ‪ ،1957‬إلى مناقشة قضية‬ ‫الجزائر وثورتها‪ ،‬والمآل الذي من المفترض أن تتجه إليه‪ ،‬وهو االستقالل إذ ال يمكن في رأي‬ ‫كاتب االفتتاحية أن يوجد حل آخر يضمن مصالح الطرفين الجزائري والفرنسي إال التعجيل بمنح‬ ‫الجزائر استقاللها خاصة وأن تونس والمغرب قد حصال على استقاللهما‪" :‬فمشكلة الجزائر لم تعد‬ ‫عند ذوي العقول ال ّرصينة مشكلة تهدئة أو محافظة على الح ّريات وإن كان انتهاكا منكرا في ح ّد‬ ‫ذاته‪ .‬وإنّما هي مسألة استقالل وكيفيّة تنسيقاالستقالل مع حفظالمصالح الفرنسيّة وربط عالقات الو ّد‬ ‫صداقة بين فرنسا والجزائر‪ّ ،‬‬ ‫وال ّ‬ ‫فإن الجزائر الحلقة األخيرة التي المناص من انضمامها إلى عقد‬ ‫‪2‬‬ ‫المغرب العربي الكبير"‪.‬‬ ‫وبمناسبة سقوط حكومة "غي موللي" االشتراكيّة في ‪ 21‬ماي ‪ 1957‬بعد أن قضت في‬ ‫الحكم حوالي أربعة عشر شهرا‪ ،‬يستنتجكاتباالفتتاحيّة ّ‬ ‫أن سقوطها يعود بال ّدرجة األولى إلى سياستها‬ ‫في الجزائر إذ انتهجت منهج الحرب بدال من اللّجوء إلى الحلول األخرى"فالحرب ال تح ّل المشكلة‬ ‫الجزائريّة ّ‬ ‫وأن الح ّل الوحيد هو تمكين األ ّمة الجزائريّة من تقرير مصيرها نفسها‪ .‬بقي على خليفة م‪.‬‬ ‫موللي أن يستخلص العبرة"‪ .3...‬وواصلت ال ّ‬ ‫صحيفة في افتتاحيّة اليوم الموالي الحديث عن سقوط‬ ‫حكومة "غي موللي"‪ ،‬وقد أعادت سبب ذلك إلى تخبّط ال ّسياسة الخارجيّة الفرنسيّة‪ ،‬إذ لم تحسن‬ ‫التّعامل مع المشاكل التي اعترضتها وهي المشكلة الجزائريّة وعدوان ‪ 1956‬على مصر‪ ،‬واألزمة‬ ‫صعوبات ال ّداخلية‪ 4‬كما أنّها أشارت إلى تعليقات ال ّ‬ ‫مع تونس منذ أفريل ‪ ،1957‬إضافة إلى ال ّ‬ ‫صحافة‬ ‫الفرنسيّة (لوفيغارو‪ ،‬لوباريزيان ليبيري‪ ،‬كومبا‪ )...‬وال ّدولية حول سقوط هذه الحكومة ورأت أنّها‬ ‫‪5‬‬ ‫ترجع ال ّسبب ال ّرئيسي لذلك إلى قضيّة الجزائر‪.‬‬ ‫وفي ركن "أصداء ال ّ‬ ‫صحافة"‪ ،‬تق ّدم صحيفة "العمل" في أحد أعدادها قراءة لالختالف‬ ‫الواضح في تفسير احتالل الجزائر والحرب المعلنة عليها مع أواسط الخمسينات وهو اختالف بين‬ ‫ما يقوله ال ّسياسيّون الفرنسيّون وبين ما تعبّر عنه بعض ال ّ‬ ‫صحف االستعماريّة‪ ،‬التي تكشف بشكل أو‬ ‫بآخر زيف ا ّدعاءات ال ّسياسيّين‪" :‬تقول البالغات الفرنسيّة ال ّرسمية ّ‬ ‫إن حرب الجزائر إنّما هي‬ ‫حرب تأمين ال حرب استعماريّة وإنّها ستسبق االنتخابات التي تتم ّخض عن مخاطبين‬ ‫(أكفّاء)إلدخال تحسينات على الوضع ال ّسياسي واالجتماعي واالقتصادي في الجزائر ولكن ال ّ‬ ‫صحف‬ ‫االستعماريّة تكشف القناع وتتح ّدث بما ال تتح ّدث عنه البالغات ال ّرسميّة وتقول ّ‬ ‫إن مستقبل فرنسا‬ ‫في الجزائر وأنّه يتأ ّكد المحافظة على ذلك المستقبل أي إبقاء االستعمار سائدا وهذه الغاية‬ ‫االستعماريّة تستشف مما ّ تكتبه تلك ال ّ‬ ‫صحف‪ ...‬فهذه صحيفة (لوباريزيان ليبيري) تتكلّم عن الثّروة‬ ‫الطبيعيّة ال ّسائلة التي تكمن في بطن الصحراء وتعبّر عن خوفها من غلبة المقاومين وانتصار‬ ‫المجاهدين فيستأثرون بتلك الثّروة التي هي في الواقع ثروتهم الوطنيّة‪ ...‬وتقول "لوباريزيان‬ ‫ليبيري" "ويضاف إلى ذلك اإلنتاج المعدني الضخم(فحم‪ ،‬حديد) البترول الذي انبثق من األرض في‬ ‫(أجيلة) قرب الحدود ال ّ‬ ‫صحراويّة اللّيبيّة وكذلك النّتائج الطيّبة التي ظهرت من أعمال التّنقيب قرب‬ ‫"عين صالح" وأن االحتياطي من البترول ال ّ‬ ‫صحراوي المعروف حتّى اآلن يكفي لتموين إفريقيا‬ ‫‪1‬العمل‪ 5 ،‬جويلية ‪" ،1956‬افتتاحية‪ ،‬حي على العمل"‪.‬‬ ‫‪ 2‬العمل‪ 14 ،‬ماي ‪" ،1957‬افتتاحية‪ ،‬حي على العمل"‪.‬‬ ‫‪3‬العمل‪ 22 ،‬ماي ‪" ،1957‬االفتتاحية‪ ،‬حي على العمل"‪.‬‬ ‫‪4‬العمل‪ 23 ،‬ماي ‪" ،1957‬االفتتاحية‪ ،‬حي على العمل"‪.‬‬ ‫‪ 5‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪76‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ال ّشماليّة م ّدة خمسين عاما"‪ ،‬هذا ما تقوله "الباريزيان ليبيري" وهي صحيفة استعماريّة معروفة‬ ‫وهو ما يكشف القناع عن حقيقة الحرب التي تقوم بها فرنسا في الجزائر رغم مزاعم البالغات‬ ‫ال ّرسميّة وهي حرب فتوحات جديدة وتركيز لقدم االستعمار في الجزائر الستثمارها استثمارا جديدا‬ ‫بعد أن اكتشف وجود معادن ومناجم ومستقبل صناعي عظيم لل ّ‬ ‫صحراء التي يريد استثمارها‬ ‫المستعمرون وأفقروا أرض أهل الجزائر‪.1‬‬ ‫وتض ّمنت صحيفة "العمل" أحد األعمدة وعنوانه "صوت الجزائر"‪ ،‬فكان عبارة عن‬ ‫مساحة إلبداء ال ّرأي في مسار الثّورة والمواقف ال ّدولية منها‪ ،‬وربّما للتّذكير في بعض الحاالت‬ ‫بالجرائم االستعماريّة الكبرى التي ارتكبت في حق الجزائريّين‪ ،‬فبمناسبة ذكرى احتالل الجزائر في‬ ‫‪ 5‬جويلية ‪ ،1956‬تض ّمن هذا العمود قراءة مقارنة بين هذا اليوم الذي نفّذ فيه الجزائريّون إضرابا‬ ‫عا ّما وتتزايد فيه أعمال المقاومة وبيّن يوم ‪ 5‬جويلية ‪ 1830‬الذي يرمز إلى انتصاب االحتالل‪:‬‬ ‫"كان يوم االثنين ‪5‬جويلية ‪ 1830‬من أشنع األيّام في تاريخ الجزائر‪ ،‬وكان يوم الخميس ‪ 5‬جويلية‬ ‫‪ 1956‬من أروع األيّام في تاريخ الجزائر‪ .‬كان يوم االثنين ‪ 5‬جويلية ‪ 1830‬أتعس يوم في تاريخ‬ ‫الجزائر‪ ،‬ألنّه طلع عليها وأرضها مدنّسة بأقدامالغاصب المحت ّل وقد وطئت أرجل ّ‬ ‫شذاذ أوروبا‬ ‫وجوابي اآلفاق‪ ،‬وع ّشاق المغامرات مغامرات ال ّسلب والنّهب وانتهاك األعراض والحرمات –‬ ‫تراب شبه جزيرة سيدي فرج التّعيسة‪ -‬فنزل بهم الغ ّم واله ّم وزال كل فرج‪ -‬وبذلك أحدثت في جسم‬ ‫الوطن الجرح الذي يتس ّرب منه "مكروب" الطّاعون االستعماري اللّعين‪...‬أما يوم ‪ 5‬جويلية ‪1956‬‬ ‫فقد برهن فيه هذا الجسم الجبّار أنه مازال يحتفظ بحيويّته كاملة ومقاومته عنيفة‪ ،‬وأنّه يستطيع بحول‬ ‫هللا ث ّم بعزيمته الفوالذية وإرادته الحديديّة القضاء الكامل على كل خطر‪ ،‬والتخلّص من كل أثر لهذا‬ ‫الجرثوم اللعين‪.2"...‬‬ ‫وعبّر كاتب عمود يوم ‪ 16‬أوت ‪ ،1956‬عن منطق جديد في فهم تط ّور األحداث‬ ‫بالجزائر فبعد سنتين تقريبا من انطالق الثّورة المسلّحة بدأت تتش ّكل قناعة لدى المتابعين لل ّشأن‬ ‫الجزائري ّ‬ ‫بأن االستقالل بات مسألة وقت ال غير كما وقع التّعبير عنه كالتّالي‪...":‬هي الجزائر التي‬ ‫آمنت بحقّها في الحياة وجيوش الجزائر آلت على نفسها أن تبلّغ لك ال ّدعوة وتحمل لك رسالة التّبشير‬ ‫ق لم يعد له مب ّرر في الحياة‪ّ ،‬‬ ‫وأن امتصاص ال ّدماء بغير ح ّ‬ ‫بأن عهد االستعمار ولّى األدبار ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأن‬ ‫الجزائر بلد مسلم عريق له أهله وهم وحدهم أولى بالتص ّرف فيه ّ‬ ‫وإن حرب اإلبادة لن تجديك نفعا‬ ‫‪3‬‬ ‫صينية‪ . "...‬هكذا عبّرت ال ّ‬ ‫وسترجع عليك بالوبال أدهى مما رأيت في حرب الهند ال ّ‬ ‫صحافة‬ ‫التّونسيّة في هذا القسم من مضمونها عن تبّنيها لنهج الثّورة وقضيّة الجزائر من منطلق اإليمان‬ ‫باألخ ّوة والتّضامن والمصير المشترك‪ ،‬وكذلك من خالل القناعة ّ‬ ‫بأن الثّورة المسلّحة قادرة على‬ ‫صراع لفائدة الجزائر‪ ،‬وهو الجانب اآلخر الذي عملت ال ّ‬ ‫حسم ال ّ‬ ‫صحافة على تغطيته وإنارة قرائها‬ ‫بأد ّ‬ ‫ق أخباره وتفاصيله‪.‬‬

‫صحافة التّونسيّة تغطّي يوميّات الثّورة‪ :‬سير المعارك واتّساع دائرة‬ ‫‪-3‬ال ّ‬ ‫المواجهات بين ‪ 2‬نوفمبر ‪ 26 – 1954‬جوان ‪:1957‬‬

‫اعتمدت صحيفتا "ال ّ‬ ‫صباح" و"العمل" خالل تغطيتهما ألحداث الثّورة وسير المعارك‬ ‫على مصادر متن ّوعة يمكن القول إنّها ذات مصداقيّة كبرى‪ ،‬مما يجعل محتوى ما أوردته من أخبار‬ ‫ونقل لألحداث يمكن أن يُصنّف في درجة المصدر الموثوق به‪ ،‬ولإلشارة فقد اعتمدت مثال على ما‬ ‫نقلته "وكالة محطة إفريقيا مغرب (و‪.‬ا‪.‬م)"‪" ،‬القاهرة و‪.‬ا‪.‬م"‪" ،‬رويتر"‪"،‬فرنس برس ف‪.‬ب"‪ ،‬لكنّها‬ ‫في تعاملها مع هذه الوكالة األخيرة كانت حذرة‪ ،‬وكثيرا ما و ّجهت لها النّقد لعدم حياديّتها في نقل كل‬ ‫األخبار(مثال تعتيمها على عدد القتلى من الجنود الفرنسيّين واالكتفاء باإلشارة إلى عدد الجرحى)‬ ‫‪1‬العمل‪ 19 ،‬جويلية ‪" ،1956‬أصداء الصّ حافة‪ ،‬الحرب االستعماريّة الجزائريّة على حقيقتها"‪.‬‬ ‫‪2‬العمل‪ 19 ،‬جويلية ‪" ،1956‬صوت الجزائر‪ ،‬يوم ‪ 5‬جويلية التّاريخي"‪ ،‬اإلمضاء‪ ،‬مسؤول (انظر الوثيقة ‪ 3‬ملف مصور)‪.‬‬ ‫‪3‬العمل‪ 16 ،‬أوت ‪" ،1956‬صوت الجزائر‪ ،‬منطق المدنية"‪ ،‬اإلمضاء‪ ،‬الشرفي‪.‬‬ ‫‪77‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫صحيفتين كانتا تعتمدان على إمكانيّتهما ّ‬ ‫ولكن يتبيّن أيضا ّ‬ ‫أن ال ّ‬ ‫الذاتية إذ كان لهما مراسلوهما في‬ ‫العواصم الكبرى كباريس وواشنطن والقاهرة‪ ،‬أ ّما بالنّسبة إلى الجزائر فكثيرا ما تتك ّرر عبارة‬ ‫مصادرنا الخا ّ‬ ‫صة مصدرنا الخاصّ من "عنّابة" أو "الجزائر" أو"قسنطينة"‪ ،‬وهو ما يعني أنّها‬ ‫"جنّدت" مراسلين من الجزائر أو ربّما حتّى من أوساط الث ّوار لم ّدها بك ّل المعطيات وكسر حاجز‬ ‫التّعتيم الذي أرادت فرنسا أن تمارسه عليهم‪.‬‬ ‫الب ّد من اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن االختيار على الفترة المدروسة وكما تق ّدم بيانه ينبع من أه ّمية‬ ‫األحداث والوقائع التي كانت تشهدها تونس أو الجزائر في نفس الوقت‪ ،‬وهو ما كان يتح ّكم في‬ ‫تط ّور األوضاع ال ّسياسيّة أو العسكريّة في البلدين بشكل حاسم‪ ،‬وكان له تأثيره بكل تأكيد على‬ ‫الوسائل اإلعالميّة ونعني هنا ال ّ‬ ‫صحف التي تصدر بإمكانيّات محدودة وفي ظروف تتع ّرض فيها‬ ‫لعمليّات الحصار وربّما المنع والتّوقيف من قبل سلط االحتالل الفرنسيّة‪ ،‬وخا ّ‬ ‫صة قبل ‪ 3‬جوان‬ ‫‪ 1955‬ولذلك فال غرابة أن تتض ّمن ال ّ‬ ‫صحف في البداية عناوين ومواقف ضبابيّة حول الثّورة‪ ،‬ثم‬ ‫يتد ّرج األمر نحو الوضوح فتتح ّول إلى صحف مساندة وداعمة بشكل كلّي‪ ،‬مسألة أخرى جديرة‬ ‫بالمالحظة‪ ،‬وهي ّ‬ ‫صة صحيفة "ال ّ‬ ‫صحف وخا ّ‬ ‫أن هذه ال ّ‬ ‫صباح"‪ ،‬يبدو أنّها فوجئت بانطالق الثّورة‬ ‫وربّما على غرار أطياف واسعة من المالحظين ولهذا كانت العناوين التي وردت في األيّام األولى‬ ‫حول أعمال المقاومة ال تصبّ في مصلحتها‪ ،‬فبين ‪ 2‬و‪ 5‬نوفمبر ‪ 1954‬ورد في الصفحة األولى‬ ‫عناوين من نوع "‪ 30‬حادثا إرهابيا بالقطر الجزائري"‪" 1‬ق ّوات األمن تحاول قمع اإلرهاب‬ ‫بسرعة"‪" 2‬الحالة غامضة في منطقة أريس الجزائرية"‪" ،3‬قنابل المدافع ونيران رشاشات‬ ‫الطّائرات يستخدمها الجيش لقمع نشاطات العصابات المسلّحة"‪ .4‬هكذا وردت إذا مصطلحات من‬ ‫نوع "اإلرهاب" و"العصابات المسلّحة" وغيرها من العبارات‪ ،‬لكن ذلك ال يعبّر ّإال عن عنصر‬ ‫المفاجأة الذي نجم عن انطالق الثّورة والتي وقع استيعاب أبعادها بعد فترة قصيرة من ال ّزمن فمنذ‬ ‫يوم ‪ 7‬نوفمبر ‪ ،1954‬أي بعد يومين أو ثالثة أيّام على أقصى تقدير‪ ،‬ظهرت عناوين مغايرة تماما‬ ‫من أه ّمها "الث ّوار يشتبكون في معارك قصيرة باألوراس"‪" ،5‬الث ّوار يهيمنون فياألوراس"‪" ،6‬‬ ‫ّ‬ ‫المضالت والمشاة يشنّون الهجوم على جبال األوراس لتطويق الث ّوار"‪ .7‬هكذا تغيّرت المفاهيم‬ ‫جنود‬ ‫والمصطلحات المستعملة من اإلرهاب والعصابات المسلّحة‪ ،‬إلى الث ّوار والمقاومة وغيرها من‬ ‫ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫تصطف إلى جانب الثّورة‪.‬‬ ‫صفات التي‬ ‫والمتتبّع لمجموع أعداد ال ّ‬ ‫صحيفتين بإمكانه اإلطّالع على "يوميات الثّورة" بك ّل تفاصيلها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وهو ما يمثّل في رأينا مصدرا ها ّما من مصادر كتابة تاريخ هذه الثورة‪ ،‬فمنذ يوم ‪ 2‬نوفمبر يمكن‬ ‫التع ّرف على بداية األعمال المسلّحة في الجزائر‪ ،‬من خالل مجموعة األخبار التي أوردتها صحيفة‬ ‫"ال ّ‬ ‫صباح"‪ ،‬ففي خبرها المتعلّق بهذه األحداث‪ ،‬ذكرت أنّه "جرت ع ّدة أعمال تخريبيّة في اللّيلة‬ ‫الماضية بمنطقة عاصمة الجزائر وعلى نحو ال ّساعة الواحدة صباحا انفجرت بعض القنابل من‬ ‫ال ّ‬ ‫صنع المحلّي دون أن تحدث أضرارا ها ّمة وذلك في الجزائر بـ"نهج هوش" على مقربة من دار‬ ‫‪8‬‬ ‫إذاعة الجزائر وفي مستودع البترول (موري)‪ ، "..‬وذكرت في نفس الخبر ّ‬ ‫أن بعض العمليّات‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 2 ،872‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪1‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 3 ،873‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪ 2‬ال ّ‬ ‫‪3‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 5 ،875‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪4‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 7 ،877‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪5‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 9 ،878‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪6‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 10 ،879‬نوفمبر ‪.1954‬‬ ‫‪7‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 2 ،872‬نوفمبر ‪ 30"،1954‬حادثا إرهابيا بالقطر الجزائري"‪.‬‬ ‫‪8‬ال ّ‬ ‫‪78‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫األخرى أ ّدت إلى مقتل أحد أعوان األمن ويدعى "حامد هارون"‪ ،‬في حين تمكن منفذا العمليّة من‬ ‫الفرار‪ .1‬كما وقعت اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن ال ّسلطة الفرنسيّة بادرت بتقديم دعم إضافي لق ّواتها بالجزائر‬ ‫متمثّال في إرسال ثالثة طوابير من جند المظالّت ّ‬ ‫وأن وزير ال ّداخلية الفرنسي "فرانسوا ميتيران"‬ ‫قد بادر بوضع ق ّوات أمن إضافيّة تحت تص ّرف الحاكم العا ّم الفرنسي لتعزيز األمن بالجزائر‬ ‫وقسنطينة ووهران‪ .2‬وتق ّدم في اليوم الموالي قائمة بالذين وقعت تصفيتهم من قبل الث ّوار في مدينة‬ ‫قسنطينة‪ " :‬هذه قائمة في بيان أسماء ضحايا االعتداءات التي وقعت في صبيحة األمس بمقاطعة‬ ‫قسنطينة‪ ،‬م‪ .‬مونورو – المعلم بقرية تيفيفال بدائرة أيرس البلديّة المختلطة‪" ،‬القائد بن حاجي‬ ‫ال ّ‬ ‫صادق" من "دوار مشوشن" التّابع لنفس ال ّدائرة البلديّة والقبطان بالجيش الفرنسي سابقا‬ ‫"السوليوتنان برنو" التّابع لفرقة الصبايحيّة التّاسعة‪ ،‬الجندي "بيار أوادا" التّابع لفرقة المشاة التّاسعة‬ ‫الجندي"أوجين كوشي" التّابع لفرقة الطّبجيّة ال ّرابعة"‪.3‬وخالل يوم ‪ 4‬نوفمبر ‪ 1954‬تطرقّت‬ ‫ال ّ‬ ‫صحيفة إلى حصار الث ّوار لقرية "فم – الطّوب" الواقعة على طريق "خنشلة" بجبال األوراس‬ ‫وعدم قدرة الق ّوات الفرنسيّة على ف ّ‬ ‫ك هذا الحصار‪ ،‬وأشارت إلى ما يدور داخل األوساط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االستعماريّة من تساؤالت حول الطّرف أو األطراف التي تتولى قيادة الثورة‪ ،‬وحيث أمكن التعرّ ف‬ ‫إلى البعض منهم مثل "الثّائر المس ّم ى قرين بلقاسم بن بشير المحكوم عليه باإلعدام مرارا عديدة‬ ‫لقيامه بع ّدة اغتياالت"‪.4‬‬ ‫ّ‬ ‫وخالل يوم ‪ 10‬نوفمبر ‪ ،1954‬تح ّدثت ال ّ‬ ‫جنودالمظالت والمشاة‬ ‫صحيفة تحت عنوان "‬ ‫يشنّون الهجوم على جبال األوراس"‪ ،‬عن الجهود التي تبذلها الق ّوات الفرنسيّة من أجل التص ّدي‬ ‫ألعمال المقاومة‪ ،‬ومن ذلك إرسال ق ّوات من المشاة والمظلّيين والصبايحية للقضاء على الث ّوار‬ ‫المتمركزين بـ"جبال األوراس"‪ ،‬كما أعلنت عن وصول ق ّوات إضافية من فرنسا تقدر بـ ‪ 740‬من‬ ‫ّ‬ ‫المظالت وأعوان الجندرمة إلى ميناء "عنّابة"‪ ،‬كما وصلت إلى مطار المدينة ‪ 7‬طائرات‬ ‫جنود‬ ‫‪5‬‬ ‫نافورية ‪ .‬وتتح ّدث أخبار يوم ‪ 18‬نوفمبر عن حصول اشتباكات بين الث ّوار والق ّوات الفرنسيّة‬ ‫بـ"جبال القبائل" "وقد كان هذا االشتباك حا ّدا حيث أسفر عن قتل ثالثة من الث ّوار وجرح اثنين منهم‬ ‫– وتقول المصادر الفرنسيّة ّ‬ ‫أن ق ّوات األمن قد أسرت عشرة من الث ّوار في هذه المعركة وغنمت‬ ‫‪6‬‬ ‫عددا ال يستهان به من البنادق ال ّسريعة والبنادق اإليطاليّة" ‪ ،‬ويذكر في هذا اإلطار أيضا بأن الحاكم‬ ‫العا ّم في الجزائر قد أصدر قرارا بمنع نقل الحبوب والتّمور واالتّجار بها في كامل "جهة األوراس"‬ ‫ومن المتوقّع أيضا تحجير االتّجار في األغنام والهدف من كل هذه اإلجراءات هو قطع التّموين عن‬ ‫الث ّوار‪ .7‬وفي إطار التص ّدي الفرنسي للثّورة المسلّحة‪ ،‬تنشر صحيفة "ال ّ‬ ‫صباح" المنشور الذي ألقته‬ ‫الطّائرات الفرنسيّة يوم ‪ 20‬نوفمبر ‪ 1954‬على أهالي "منطقة األوراس"‪ ،‬والذي يدعوهم إلى‬ ‫مغادرة منطقتهم وعدم االلتحاق بالمقاومة لقاء منحهم األمان‪.8‬‬ ‫وبعد حوالي ال ّشهر من انطالق الثّورة‪ ،‬بدأت ال ّ‬ ‫صحيفة تورد أخبارا عن االعتقاالت‬ ‫والمحاكمات التي أخذت ال ّسلطات الفرنسيّة في تطبيقها على الث ّوار الذين يقعون في قبضتها‪ ،‬فخالل‬ ‫يوم ‪ 7‬ديسمبر ‪ ،1954‬وتحت عنوان "نتيجة االشتباكات بالجزائر" تق ّدم القائمة التّالية من المعتقلين‬ ‫والمحكوم عليهم في "ناحية باتنة"‪":‬مثل أمام المحكمة ال ّزجرية بـ"باتنة" عشرة من األفراد بتهمة‬ ‫االعتداء على أمن ال ّدولة وأصدرت ض ّدهم األحكام اآلتية‪ :‬حكم على السيّد بونقشة أحمد بعشرة‬ ‫أعوام سجنا وبمائة ألف فرنك خطيّة وخمسة سنين تغريبا وحرمانه من التمتّع بحقوقه المدنيّة م ّدة‬ ‫خمسة أعوام وعلى "ال ّسيد بن شائبة ال ّشريف" بخمسة أعوام سجنا وخمس سنين تغريبا وحرمان‬ ‫‪1‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪2‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 3 ،873‬نوفمبر ‪" ،1954‬ق ّوات األمن تحاول قمع اإلرهاب بسرعة "‪.‬‬ ‫‪3‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 4 ،874‬نوفمبر ‪" ،1954‬تط ّور الحالة بالجزائر"‪.‬‬ ‫‪4‬ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 10 ،879‬نوفمبر ‪" ،1954‬جنود المضالت والمشاة يشنون الهجوم على جبال األوراس"‪.‬‬ ‫‪5‬ال ّ‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 18 ،886‬نوفمبر ‪ " ،1954‬اشتباك جديد بالجزائر"‪.‬‬ ‫‪6‬ال ّ‬ ‫‪7‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 21 ،889‬نوفمبر ‪ " ،1954‬األمان يمنح لث ّوار الجزائر"‪.‬‬ ‫‪8‬ال ّ‬ ‫‪79‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫م ّدة خمس سنين من التمتّع بحقوقه المدنيّة وعلى "السيّد القادري صالح" بعشرة أعوام سجنا ومائتي‬ ‫ألف فرنك خطيّة وعشرة أعوام تغريبا وحرمانه م ّدة عشرة أعوام من التمتّع بحقوقه المدنية‪ .‬وعلى‬ ‫"السيّد ذرغابه بلقاسم" بخمسة أعوام سجنا وتغريبه لم ّدة خمسة أعوام وحرمانه من التمتّع بحقوقه‬ ‫المدنيّة لم ّدة خمسة أعوام وعلى "ال ّسادة بوعطاش محمد و"زادية عبد هللا" و"درية بلقاسم" بسبعة‬ ‫أعوام سجنا وتغريبهم م ّدة خمس سنوات وحرمانهم من التمتّع بحقوقهم المدنية م ّدة خمسة أعوام‬ ‫وعلى السيّدين "بالورغي األخضر" و"أبي حسنة خليفة" بسجنهما م ّدة خمس سنوات وحرمانهما‬ ‫من التمتّع بحقوقهما المدنيّة وال ّسياسيّة‪ .‬والمالحظ في شأن هؤالء المحكوم عليهم ّ‬ ‫أن ال ّسلط كانت‬ ‫ألقت عليهم القبض وهم ماسكون ال ّسالح بمنطقة جبال أوراس"‪.1‬ومن خالل نفس العدد‪ ،‬تجري‬ ‫ال ّ‬ ‫صحيفة ما يشبه التّقييم لحصيلة المواجهات بين الث ّوار والق ّوات الفرنسيّة خالل م ّدة خمسة أسابيع‬ ‫وتق ّدم األرقام التالية‪" :‬دخلت العمليّات العسكريّة بمنطقة أوراس في أسبوعها الخامس ولم يصدر‬ ‫بالغ رسمي عن عدد الموتى والجرحى في صفوف الجيش والث ّوار وعن مقدار األسلحة المحجوزة‬ ‫بيد ّ‬ ‫أن ال ّدوائر الشبيهة بال ّرسمية قد أصدرت قائمة أولى في شأن الخسائر التي لحقت بالطّرفين ‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫صف الضبّاط– قتيل واحد وجريح واحد‪.‬‬ ‫الخسائر في‬ ‫ّ‬ ‫صف الجنود – ‪ 9‬قتلى و‪ 38‬جريحا‪.‬‬ ‫الخسائر في‬ ‫ّ‬ ‫صف المدنيين – ‪ 3‬قتلى و‪ 6‬جرحى‪.‬‬ ‫الخسائر في‬ ‫الخسائر في ص ّ‬ ‫ف الثوار ‪ 35 -‬قتيال و‪ 9‬جرحى وأسرى‪.‬‬ ‫عدد الموقوفين من األشخاص المشكوك فيهم ‪ 1850‬منهم ‪ 350‬أودعوا ال ّسجن بمقتضى بطاقة‬ ‫إيداع‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫عدد األسلحة المحجوزة ‪ 600‬بندقيّة حربيّة و‪ 300‬بندقيّة صيد و‪ 100‬مس ّدس" ‪.‬‬ ‫أ ّما بالنّسبة إلى التّغطية ال ّ‬ ‫صحفية ألحداث سنة ‪ ،1955‬ورغم أن ّالوضع ال ّداخلي في‬ ‫تونس كان في أوج التح ّوالت‪ ،‬فقد أمضيت في ‪ 3‬جوان ‪ ،1955‬اتّفاقيات االستقالل ال ّداخلي‬ ‫وانقسمت البالد على إثرها إلى شقّين مساند ورافض لها وهو ما كان له تأثير في أوساط الثّورة‬ ‫الجزائريّة‪ ،‬حيث ساند ش ّ‬ ‫ق منها تو ّجه األمين العام "صالح بن يوسف"‪ ،3‬ولكن رغم كل ذلك فإن‬ ‫صحيفة "ال ّ‬ ‫صباح" واصلت تغطية يوميّات الثّورة بنفس النّسق والوتيرة‪ ،‬فهي تنقل أخبار‬ ‫‪4‬‬ ‫المواجهات ال ّدائرة في أغلب مناطق البالد‪ ،‬وهران عنّابة‪ ،‬خنشلة‪ ،‬سكيكدة‪ ،‬تب ّسة‪ ،‬وتيزي وزو‬ ‫وم ّما يجدر ذكره أيضا تع ّرضها خالل هذه المرحلة إلى بعض أحكام اإلعدام واألشغال الشاقّة التي‬ ‫صدرت ض ّد الث ّوار أو المتعاونين معهم "نظرت محكمة الق ّوات المسلّحة ال ّدائمة لمدينة "عوجة" في‬ ‫يوم األمس في قضيّة جماعة منظّمة (اليد السوداء) وبعد ساعتين أصدرت المحكمة ثالثة أحكام‬ ‫باإلعدام وحكما واحدا باألشغال الشاقّة المؤبّدة وستّة أحكام باألشغال الشاقّة لم ّدة عشرين سنة‬ ‫وحكما واحدا باألشغال الشاقّة لم ّدة خمس سنوات ومن بين المحكوم عليهم باإلعدام يوجد السيّد"‬ ‫حبيبي المغربي" وهو من أبطال سباق الدراجات سابقا‪.5"..‬‬ ‫واحتلّت تغطية الحوادث األليمة كما تس ّميها ال ّ‬ ‫صحيفة "هجمات ال ّشمال القسنطيني" التي‬ ‫وقعت في الجزائر يوم ‪ 20‬أوت ‪ ،1955‬حيّزا ها ّما حيث وقعت اإلشارة إلى ّ‬ ‫أن سلطات االحتالل‬ ‫قامت بتصفية عدد ها ّم من الث ّوار‪6‬في مدن "الجزائر"‪"،‬سكيكدة"و"قسنطينة"‪ ،‬ونشرت ال ّ‬ ‫صحيفة‬ ‫صورة لجثث القتلى وهي ملقاة بـ"ملعب مدينة سكيكدة"‪ ،‬مع التّعليق على ذلك بالقول "تمثّل هذه‬ ‫ال ّ‬ ‫صورة جثث القتلى من الجزائريّين وقد ألقيت في ملعب بلدية مدينة سكيكدة الذي جعل منه "بيتا‬

‫‪1‬الصباح‪ ،‬العدد ‪ 7 ،902‬ديسمبر ‪ " ،1954‬نتيجة االشتباكات بالجزائر"‪.‬‬ ‫‪2‬المصدرنفسه‪.‬‬ ‫‪3‬الشايبي (لطفي)‪ ،‬مساهمة تونس في ثورة التحرير الجزائرية‪ ،‬نفس المرجع‪.10 ،‬‬ ‫‪ 4‬الصباح‪ ،‬العدد ‪ 17 ،1094‬جويلية ‪" ،1955‬كمين ينصبه ثوار الجزائر لفرقة من المشاة قتل قائدها و‪ 8‬من رجالها"‪.‬‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 21 ،1097‬جولية ‪" ،1955‬أحكام باإلعدام في الجزائر"‪.‬‬ ‫‪5‬ال ّ‬ ‫‪ 6‬ارتكبت سلطات االحتالل مجزرة في ح ّ‬ ‫ق المدنيين إذ يقدر عدد الذين وقع إعدامهم بحوالي ‪12000‬جزائري‪.‬‬ ‫‪80‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫لحفظ األموات " وقتيا وذلك أثناء حوادث يوم ‪ 20‬أوت "‪ .1‬وكانت قبل ذلك قد نشرت في صدر‬ ‫صفحتها األولى‪ ،‬البيان الذي أصدره ال ّديوان ال ّسياسي للحزب الح ّر ال ّدستوري التّونسي حول‬ ‫هذهاألحداث‪ّ :‬‬ ‫"إن ال ّديوان ال ّسياسي للحزب الح ّر ال ّدستوري التّونسي بعد استعراض الحوادث‬ ‫ّ‬ ‫األليمة بالقطرين الشقيقين الجزائر وم ّراكش يتر ّحم على جميع األبرياء الذين سقطوا ضحيّة ال ّسياسة‬ ‫االستعماريّة الفاشلة‪ .‬ويعلن ّ‬ ‫بأن مواصلة سياسة القمع بالجزائر وم ّراكش ينافي ج ّو التّهادن والتّفاهم‬ ‫ال ّسائد اليوم في ال ّسياسة العالميّة بصفة عا ّمة وبتونس بصفة خا ّ‬ ‫صة‪ .‬ويص ّرح بضرورة إرجاع‬ ‫ّ‬ ‫الملك ال ّشرعي لمراكش سيدي محمد بن يوسف وتحقيق رغائب الشعب الم ّراكشي‪ .‬كما يرى‬ ‫وجوب المبادرة بالمفاهمة مع الممثّلين الحقيقيّين لل ّشعب الجزائري‪ .‬ويهيب بالحكومة الفرنسيّة‬ ‫وال ّشعب الفرنسي وال ّ‬ ‫ضمير العالمي لوضع ح ّد لسياسة الش ّدة وتعويضها بسياسة التّفاهم الح ّر‬ ‫‪2‬‬ ‫ّ‬ ‫والتّفاوض‪ .‬عن ال ّديوان ال ّسياسي الطيب المهيري" ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإذا ما وقع االنتقال إلى دراسة مدى ال ّدعم والمساندة اإلعالمية للثورة الجزائرية التي‬ ‫ق ّدمتها صحيفة "العمل"‪ ،‬وهي لسان الحزب الح ّر ال ّدستوري التّونسي‪ ،‬فإنّه يمكن القول ّ‬ ‫إن تعاطيها‬ ‫مع أحداث الثّورة كان يت ّم بشكل أكثر جرأة‪،‬وبمساندة علنية ربّما أكبر مما قامت به صحيفة‬ ‫"ال ّ‬ ‫صباح"ويمكن قراءة ذلك من خالل إفرادها لعناوين واستخدامها لصفات ومصطلحات‪ ،‬وإعالنها‬ ‫ّ‬ ‫عن مواقف تعبّر عن المساندة المطلقة للثورة في مواجهة القمع الفرنسي‪ ،‬فالعناوين التي تك ّررت‬ ‫بشكل مستم ّر سنتي ‪ 1956‬و‪ 1957‬تتض ّمن عبارات مثل "المقاومين الجزائريّين"‪ ،‬و"انتصار باهر‬ ‫للمقاومين الجزائريّين" و"تضامن تونس الكامل مع الجزائر ال ّشقيقة"‪ ،‬و"مكامن عديدة ينصبها‬ ‫المقاومون"‪ ،‬و"المقاومون الجزائريّون يضاعفون الحمالت"‪ ،‬و"المكامن ينظّمها المقاومون في ك ّل‬ ‫مكان بالبالد الجزائريّة"‪ ،‬و"الفدائيّون الجزائريّون يهاجمون في رابعة النّهار مركز ال ّشرطة بقلب‬ ‫صصت ال ّ‬ ‫عاصمة الجزائر"‪ .‬وانطالقا من سنة ‪ ،1957‬خ ّ‬ ‫صحيفة ركنا قا ّرا ألحداث الثّورة اختارت‬ ‫له من العناوين "الثّورة الجزائريّة تزحف"‪.‬‬ ‫أ ّما على مستوى محتوى تغطية أحداث الثّورة في هذه ال ّ‬ ‫صحيفة‪ ،‬فيالحظ أنّها اهت ّمت‬ ‫بك ّل الوقائع المسلّحة وتط ّورها وامتدادها على كامل جغرافيا الجزائر‪ ،‬وم ّما يمكن ذكره المواجهات‬ ‫التي حصلت بين المقاومة والجيش الفرنسي مع نهاية شهر جوان ‪ ،1956‬في "جبل‬ ‫العنق"بمنطقة"تب ّسة" قرب الحدود التّونسيّة‪ ،‬وإن لم تح ّدد الخسائر النّاجمة عنها‪ .‬وتنقل أيضا بعض‬ ‫ردود فعل غالة االستعمار‪ ،‬وذلك من خالل تفجير مق ّر"حزب البيان" الذي ّ‬ ‫نفذته من أطلقت عليهم‬ ‫تسمية "اليد الحمراء"‪ ،3‬وتنقل في عددها الموالي أخبارا عن الحوادث والمواجهات المسلّحة في ك ّل‬ ‫من "الجزائر"و "وهران" (موقعة عين األصفر) و"قسنطينة"و"تب ّسة"‪ ،‬وقدرت خاللها عدد القتلى‬ ‫صصت ال ّ‬ ‫بــــ ‪ 7‬قتلى في صفوف الجنود الفرنسيّين‪ .4‬وخ ّ‬ ‫صحيفة يوم ‪ 6‬جويلية ‪ ،1956‬حيّزا ها ّما‬ ‫للحديث عن يوم ‪ 5‬جويلية‪ ،‬وهو الذي يوافق ما أطلقت عليه "ذكرى احتالل الجزائر"‪ ،‬حيث نشرت‬ ‫على صفحتها األولى بيان ال ّديوان ال ّسياسي للحزب ال ّدستوري التّونسي‪ ،‬والذي عبّر فيه عن تضامنه‬ ‫الكامل مع الجزائر الشقيقة‪" :‬في هذا اليوم التّاريخي الذي احتلّت فيه الق ّوات الفرنسيّة الجزائر ين ّدد‬ ‫ال ّديوان ال ّسياسي للحزب الح ّرال ّدستوري التّونسي باسم شعب تونس بالحرب االستعماريّة القاسية‬ ‫ال ّرامية إلى غزو القطر ال ّشقيق من جديد ويشهر باالعتداءات المتوالية على األرواحواألرزاق‬ ‫والمدن والقرى اآلمنة وما تج ّره من آالم ودماء وخراب‪ .‬ويرى ّ‬ ‫أن ح ّرية ال ّشعب الجزائري في‬ ‫ق مق ّدس‪ ،5"...‬وذكرت في نفس اإلطار أيضا ّ‬ ‫اختيار ما يرتضيه من الحكم وفي تقرير مصيره ح ّ‬ ‫أن‬ ‫صباح‪ ،‬العدد ‪ 26 ،1127‬أوت ‪" ،1955‬اشتباكات وهجومات متع ّددة للث ّوار‪ ،‬الوالي العا ّم يتح ّدث عن طريقة الث ّوار في حوادث ‪20‬‬ ‫‪1‬ال ّ‬ ‫أوت"‪.‬‬ ‫صباح‪ 24 ،1125 ،‬أوت ‪ّ ،1955‬ال ّديوان ال ّسياسي وأحداث المغرب والجزائر"‪.‬‬ ‫‪2‬ال ّ‬ ‫‪3‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 1 ،214‬جويلية ‪" ، 1956‬اشتباك عنيف على حدود تونس والجزائر بين المقاومين الجزائريين والجنود الفرنسيين لم تظهر‬ ‫نتائجه بعد"‪.‬‬ ‫‪4‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 3 ،215‬جويلية ‪" ،1956‬انتصار باهر المقاومين الجزائريين موقعة عين األصفر وقد خسر الجنود فيها ‪ 7‬قتلى و‪ 2‬من‬ ‫الجرحى عدا األسلحة ّ‬ ‫والذخيرة"‪.‬‬ ‫‪5‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 6 ،218‬جويلية ‪" ،1956‬تضامن تونس الكامل مع الجزائر ال ّشقيقة في محنتها الحاضرة"‪.‬‬ ‫‪81‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫الوزراء التّونسيّين رفضوا تلبية دعوة الوزير المف ّوض الفرنسي "روبير جيلي" لحضور حفلة‬ ‫أقامتها ال ّسفارة الفرنسيّة خالل هذا اليوم وذلك "لكون ‪ 5‬جويلية له أه ّمية في تاريخ الجزائر ال ّشقيقة‬ ‫صحيفة ّ‬ ‫المكافحة إذ هو يمثّل ذكرى احتاللها‪ .1"..‬أ ّما على مستوى الجزائر فقد ذكرت ال ّ‬ ‫أن‬ ‫اإلضراب العام الذي نفّذه الجزائريّون بهذه المناسبة كان ناجحا بشكل كبير "كاد اإلضراب يع ّم‬ ‫جميع الميادين الحيويّة صبيحة أمس في عاصمة الجزائر فقد أصبحت أنهجها وساحاتها وميادينها‬ ‫مقفرة أشبه شيء ما بأيّام رمضان حيث ّ‬ ‫أن عدد عربات الترامواي (قليل)‪ ...‬أ ّما األسواق فهي‬ ‫ّ‬ ‫خاوية على عروشها ولم يحضر فيها ال باعة وال المستهلكون وال الناقلون وكذا أسواق األحياء‬ ‫الثانوية‪ .‬كما خلت الطّرقات من الباعة المتج ّولين‪ .2"...‬وخالل اليوم الموالي يلحظ ّ‬ ‫أن ال ّ‬ ‫صحيفة‬ ‫تتح ّدث عن اإلجراءات ال ّزجرية التي اتّخذتها ال ّسلط الفرنسيّة في بعض المدن مثل‬ ‫"الجزائر"و"وهران" ض ّد الت ّجار وأصحاب المقاهي والموظّفين الذين شاركوا في اإلضراب‬ ‫العا ّمكما شملت العقوبات ع ّمال ال ّرصيف بـ"مدينة وهران" من المغاربة الذين شاركوا في‬ ‫اإلضراب "إذ وقع تعويضهم بعدد آخر من العاطلين عقابا لهم والتّعويض لم ّدة غير محدودة"‪.3‬‬ ‫وتتض ّمن التّغطية اإلعالمية لصحيفة " العمل" حول الثّورة وأحداثها باإلضافة إلى‬ ‫أخبار المواجهات المسلّحة بين المقاومين والجيش الفرنسي وق ّوات األمن معطيات أخرى حول‬ ‫األعمال الفرديّة في مختلف جهات البالد‪ ،‬وكذلك األعمال المو ّجهة ض ّد المع ّمرين والمستوطنين‬ ‫الفرنسيّينوالتي تشمل تخريب المزارع وال ّ‬ ‫ضيعات االستعمارية فمن خالل عدد يوم ‪ 19‬جويلية‬ ‫‪ ،1956‬يمكن االطّالع على البعض من هذه األعمال‪(":‬جاء) من مدينة بجاية ّ‬ ‫أن المقاومين قطعوا‬ ‫‪ 2000‬ألفي شجرة من البرتقال في مزرعة الفرنسي طورين وجاء من سكيكدة ّ‬ ‫أن المقاومين أطلقوا‬ ‫أ ّول أمس النّار على سيّارة ر ّكاب صغيرة قرب بلدة عزابة فأصابوا فرنسيّين مدنيين‪ ...‬وجاء من‬ ‫بلدة االربعاء قرب البليدة ّ‬ ‫أن مقاوما أطلق النّار علىمزارع فرنسي فأرداه قتيال عندما كان خارجا من‬ ‫مزرعته‪ ،4"...‬ويمكن قراءة ومتابعة مثل هذه الحوادث من خالل ع ّدة مقاالت أخرى مثل‬ ‫"المقاومون الجزائريّون يضاعفون الحمالت الجماعية على الجنود والفرديّة على أذناب‬ ‫االستعمار"‪ ،5‬وكذلك مقال بعنوان "المقاومون ينصبون كمينا هائال يتمكنّون فيه من قتل ‪ 9‬جنود‬ ‫وإصابة آخرين"‪ 6‬وورد في مقال آخر صدر يوم ‪ 11‬أوت ‪ّ 1956‬‬ ‫أن المواجهات التي وقعت قبل‬ ‫ثالثة أيّام أ ّدت إلى مقتل حوالي ‪ 18‬جنديا فرنسيا وجرح ما يزيد عن عشرين آخرين‪ ،‬كما هاجم‬ ‫المقاومون مزرعة تجريبيّة بـ"ب ّشار" وأحرقوها عن آخرها وقتلوا مديرها الموالي لفرنسا‪ .7‬ون ّدد‬ ‫مقال آخر بجرائم االستعمار الفرنسي الذي يرتكب بحق الجزائريّين المدنيين أو الث ّوار‪ ،‬ففي عدد‬ ‫يوم ‪ 24‬أوت ‪ ،1956‬نقرأما يلي "علمنا من مصدر موثوق ّ‬ ‫بأن الجنود الفرنسيّين ألقوا القبض أخيرا‬ ‫بدوار تازبنت قرب مدينة تبسة على أربعة مقاومين في زيهم العسكري ذي الشعار الخاصّ ‪ ،‬وبعد‬ ‫أن أحكموا وثاقهم أريق عليهم النّفط وأضرموا فيهم النّار‪ ...‬فشووا كما تشوى لحوم ال ّ‬ ‫ضان‪ ،‬على‬ ‫مرأى من (حماة اإلنسانيّة) الذين كانوا بال ريب ّ‬ ‫يتلذذون بذلك المنظر ويمتعون آذانهم بموسيقى‬ ‫‪8‬‬ ‫األنين"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وخالل عام ‪ 1957‬وعندما كانت "معركة مدينة الجزائر" على أشدها أفردت ال ّ‬ ‫صحيفة‬ ‫أعمدتها لتواكب مختلف األحداث المتعلّقة بالثّورة على المستويين العسكري وال ّسياسي بما يمكن‬ ‫‪ 1‬ن‪.‬م‪" ،‬في يوم ذكرى احتالل الجزائر رفض الوزراء التّونسيون حفل م‪ .‬جيلي"‪.‬‬ ‫‪ 2‬ن‪.‬م‪" ،‬إضراب عام في الجزائر يقوم به جميع الجزائريين في يوم ذكرى احتالل الجزائر"‪.‬‬ ‫‪3‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 7 ،219‬جويلية ‪" ،1956‬اإلضراب الوطني الجزائري يوم ‪ 5‬جويلية ينجح نجاحا تا ّما يتميّز له االستعماريون من الغيظ وقد‬ ‫سلطت اإلدارة عقوباتها ال ّشديدة على المضربين"‪.‬‬ ‫‪4‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 19 ،229‬جويلية ‪" ،1956‬اشتباك جديد قرب تيزي وزو ومكامن عديدة ينصبها المقاومون للجنود"‪.‬‬ ‫‪5‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 31 ،238‬جولية ‪" ،1956‬المقاومون الجزائريون يضاعفون الحمالت الجماعيّة والفرديّة على أذناب االستعمار"‪.‬‬ ‫‪6‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 9 ،246‬أوت ‪.1956‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪7‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 11 ،248‬أوت ‪" ،1956‬المكامن ينظمها المقاومون في كل مكان بالبالد الجزائرية وقد تعددت أعمال التخريب واالعتداءات‬ ‫الفرديّة"‪.‬‬ ‫‪8‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 24 ،259‬أوت ‪" ،1956‬مصرع جنرال فرنسي بالجزائر في حادث طيران وقد لقي حتفه مع ضباط آخرين االشتباكات‬ ‫والمكامن تتع ّدد"‪.‬‬ ‫‪82‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫مالحظة التطّور النّوعي لعمليات المقاومة‪ ،‬فتحت عنوان "هللا أكبر والنّصر للجزائر"‪ ،‬تورد‬ ‫ال ّ‬ ‫صحيفة خبر دخول المقاومين إلى "قرية باستور" من مدينة "باتنة" في يوم ‪ 4‬أفريل ‪1957‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وال ّسيطرة عليها لفترة معيّنة‪" :‬طوق ‪ 250‬من رجال جيش التحرير الوطني في الليلة قبل البارحة‬ ‫قرية (باستور) على بعد ‪ 25‬كلم من مدينة باتنة بمنطقة جبال األوراس وبعد أن قطعوا األسالك‬ ‫الهاتفية التي تربطها بالخارج هجموا بعنف على مركز الجندرمة بها واقتحموا جميع بناياته حيث‬ ‫أعدموا ذبحا رئيس المركز ال ّ‬ ‫ضابط و‪ 4‬من أعوان الجندرمة‪ ،‬بينما اختفى الحارسان في دهليز‬ ‫ّ‬ ‫وانض ّم الجزائري الوحيد فيهم إلى الفدائيين ث ّم قادهم إلى مستودع األسلحة التابع للمركز فاستولوا‬ ‫على أه ّم ما به وأضرموا النار فيما تبقى وانتشروا في أنهج القرية مهلّلين مكبّرين تحت زغردة‬ ‫النّساء الالّئي خففن إلى الخارج عند سماع ترديد (هللا أكبر والنصر للجزائر)‪ .1"...‬وتتابع في مقال‬ ‫آخر التط ّور النّوعي لألسلحة المستخدمة من قبل رجال جيش التّحرير وتأثير ذلك على سير‬ ‫المعارك ض ّد الجيش الفرنسي‪ ،‬فقد م ّكنتهم األسلحة الجديدة من تدمير الوسائل العسكريّة المصفّحة‬ ‫للعد ّو‪" :‬حصل عشيّة أ ّول أمس اشتباك عنيف بجبال الميلية بوالية قسنطينة بين فرق من جنود جيش‬ ‫التّحرير الوطني وعدد كبير من ق ّوات االحتالل تم ّكن أثناءه المقاومون من تحطيم دبّابة خفيفة‬ ‫وسيّارة مصفّحة بفضل قذائف (البازوكا) التي استعملها رجال جيش التّحرير أل ّول م ّرة بتلك‬ ‫الناحية‪.2"...‬‬ ‫وتعود من خالل عدد يوم ‪ 17‬أفريل لتطرق هذا التط ّور النّوعي في أسلحة جيش‬ ‫التّحريروأه ّمية الخسائر التي ألحقتها بالجيش الفرنسي‪" :‬الجزائر ‪ 16‬أفريل‪ :‬نشبت أ ّول أمس‬ ‫معركة طاحنة بجبال الميلية بين ع ّدة فرق من جنود جيش التّحرير الوطني ووحدات من ق ّوات‬ ‫االحتالل المع ّززة بالطائرات العموديّة والمقاتلة وبعد قتال عنيف استعمل فيه المقاومون أسلحة‬ ‫فتاكة مثل البازوكا والهاون عيار (‪ )80‬والر ّشاشات الثّقيلة عيار (‪ )30‬المضا ّدة للطّيران‪ ،‬تبيّن أن‬ ‫ق ّوات االستعمار قد خسرت (‪ )65‬قتيال من بين الجنود وضابطيْن سامييْن أحدهما برتبة قبطان قتل‬ ‫في المعركة الب ّرية واآلخر برتبة (كومندان)مات محترقا في الطّائرة العموديّة التي أسقطتها مدفعية‬ ‫المقاومين‪ 3"...‬وتستم ّر اإلشارة إلى هذه المنجزات العسكريّة خالل األعداد الموالية‪ ،‬وخا ّ‬ ‫صة‬ ‫التط ّور النّوعي في المواجهات إذ يرد في أعداد أيّام ‪ 19‬أفريل و‪ 14‬ماي ‪ 1957‬حديث عن إسقاط‬ ‫المقاومين للطّائرات الفرنسيّة وتحطيم الدبّابات‪ ،4‬وم ّما يؤ ّكد على تط ّور تغطية ال ّ‬ ‫صحيفة ألعمال‬ ‫ق تفاصيلها‪ ،‬هو ّ‬ ‫المقاومة واإللمام بأد ّ‬ ‫أن عددي‪ 22‬و‪ 23‬ماي ‪ ،1957‬قد نشرا أخبارا حول عمليات‬ ‫المقاومة وأضافا لها قسما يتعلّق ببعض بالغات جيش التّحرير الوطني الجزائري‪:‬‬ ‫"القاعدة الشرقية‪ :‬في يوم ‪ –1957 – 4 – 22‬وضعت فرقة من الكتيبة الخامسة لغما تحت‬ ‫الخطّ الحديدي ال ّرابط بين سوق أهراس وبوشقوف‪ ،‬فانفجر اللّغم تحت القطار ال ّساعة ال ّسابعة‬ ‫فانقلبت القاطرة و‪ 9‬عربات كما قتل وجرح عدد كبير من الجنود الفرنسيّين كانوا بالقطار‪ ،‬وتعطّلت‬ ‫المواصالت ‪ 4‬أيّام‪.‬‬ ‫‪ :1957 – 5 – 7‬و ّجهت مدفعيّة الفيلق الثّاني – لجيش التّحرير – قنابلها على قرية مجاز‬ ‫الصفا‪ ،‬مدة ساعة كاملة فهدمت أكثر معاقل العدو العسكرية التي كانت بها ولم تصلنا بعد المعلومات‬ ‫عن الخسائر النهائية التي كانت فادحة‪ .‬كما هاجمت فرقة الكتيبة الخامسة مركز (المزرعة) بأوالد‬ ‫‪5‬‬ ‫(بشيح) وما تزال خسائر العدو مجهولة"‪.‬‬ ‫وطرحت مع نهاية شهر ماي ‪ ،1957‬مسألة جديدة ناجمة عن تزايد قمع ال ّسلط االستعماريّة‬ ‫صصت لها ال ّ‬ ‫في الجزائر‪ ،‬وهي تتمثّل في لجوء أعداد ها ّمة من الجزائريّين إلى تونس‪ ،‬فخ ّ‬ ‫صحيفة‬ ‫‪1‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 6 ،452‬أفريل ‪" ،1957‬هللا أكبر والنّصر للجزائر"‪.‬‬ ‫‪2‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 12 ،457‬أفريل ‪" ،1957‬تحطيم دبّابة وسيّارة مصفّحة في اشتباك قرب الميلية"‪.‬‬ ‫‪3‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 17 ،461‬أفريل ‪" ،1957‬المقاومون يستعملون القذائف المو ّجهة ومدافع الهاون"‪.‬‬ ‫‪4‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 14 ،484‬ماي ‪" ،1957‬إسقاط ‪ 3‬طائرات وتحطيم دبّابتين وقتل ‪ 212‬جنديا وجرح ‪ 103‬في كمائن واشتباكات دامية بمختلف‬ ‫الجهات"‪.‬‬ ‫‪5‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 22 ،491‬ماي ‪ 3" ،1957‬معارك عنيفة تسفر عن قتل ‪ 70‬جنديا وأسر ‪ 7‬بينما تتضاعف المقاومة الفرديّة بجميع أنحاء القطر‬ ‫الجزائري"‪.‬‬ ‫‪83‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫حيّزا لإلحاطة بظروف الالّجئين‪ ،‬وبيان الموقف التّونسي ال ّداخلي وتح ّرك الحكومة على مستوى‬ ‫األمم المتّحدة لطلب ال ّدعم لهؤالء الالّجئين ومحاولة التّخفيف من معاناتهم‪ ،‬ففي الجانب األ ّول أي ما‬ ‫يتعلّق بتدفّق الالّجئين ورد في عدد يوم ‪ 29‬ماي أنّه صدر بالغ حكومي تونسي "ذكر أن ألفين من‬ ‫الالجئين الجزائريّين احتموا بالبالد التّونسيّة وقنابل مدافع الهاون تضرب في أعقابهم وهم قادمون‬ ‫من قرية عين الحوت التي اكتسحتها عمليّات القمع الّرهيبة وهكذا يتض ّخم عدد الالّجئين وقد يزداد‬ ‫تض ّخما في المستقبل ويق ّدر عددهم في البالد التّونسيّة بع ّدة عشرات من اآلالف فيهم العدد الوفير من‬ ‫النّساء واألطفال‪ ،1"...‬وأشارت إلى ّ‬ ‫أن ال ّسلطة التّونسيّة قد وفّرت مختلف المساعدات الممكنة من‬ ‫غذاء ودواء وأغطية لالجئين وأحاطتهم بال ّرعاية الص ّحية واألمنية إذ نشرت ق ّوات من الحرس‬ ‫الوطني والجيش لمنع مالحقتهم من قبل الجيش الفرنسي‪.‬‬ ‫كما بيّنت ّ‬ ‫أن ال ّسلطة التّونسية قامت بدعوة البعض من ال ّ‬ ‫صحفيين التّونسيين وال ّدوليين‬ ‫ّ‬ ‫لزيارة المراكز التي خ ّ‬ ‫صصتها إليواء الالجئين في "مشيخة أوالد مسلم"من معتمدية"عين‬ ‫ّ‬ ‫دراهم"والية"سوق األربعاء" (جندوبة حاليا)‪ ،‬حيث أمكن لهم اإلطالع على أوضاعهم والحصول‬ ‫على شهادات عن معاناتهم‪...":‬وإثر وصولنا شرعنا في االتّصال بهؤالء اإلخوان لنتع ّرف على ما‬ ‫أصابهم من تع ّسف وقهر وإرهاق‪ .‬وكان أ ّول منظر استلفت أنظارنا هو امرأة تحمل طفلين وإلى‬ ‫جانبها كانت عليها أطمار مم ّزقة الجسم برصاص أصابها في رجلها اليمنى وهي تصرخ وتبكي‬ ‫قائلة لقد فقدت ثالثة أطفال فدنونا منها وسألناها عن حالتها فقالت‪ :‬لقد أخذنا الجند الفرنسي نحن‬ ‫معشر النّسوة وساقنا كقطيع من الغنم إلى مكان بعيد عن ال ّرجال‪ ...‬ث ّم سألناها عن أبنائها الثّالثة‬ ‫فقالت‪ :‬لست أدري أين هم وال ما فعل بهم الجيش فقد فررت تحت ال ّرصاص حاملة هؤالء الصغار‬ ‫الموجودين معي تاركة ورائي أبنائي الثّالثة اآلخرين ولم أتم ّكن من التّفتيش عنهم‪ ،2"...‬وأوردت‬ ‫في نفس اإلطار صورا إلحدى موجات الّلّجوء التي وصلت إلى هذه المنطقة‪ ،‬وهي كما تذكر تتك ّون‬ ‫في أغلبها من النّساء واألطفال حيث احتفظ الجيش الفرنسي بال ّرجال‪ ،‬أو ّ‬ ‫أن من تبقّى منهم التحق‬ ‫بصفوف المقاومة‪.‬‬ ‫أ ّما على مستوى التح ّرك ال ّسياسي وال ّدبلوماسي الذي خاضته الحكومة التّونسيّة‬ ‫صحيفة ّ‬ ‫لمناقشة قضيّة الالّجئين‪ ،‬فقد ذكرت ال ّ‬ ‫بأن سفير تونس بواشنطن "المنجي سليم" التقى يوم‬ ‫‪ 28‬ماي ‪ 1957‬باألمين العا ّم لألمم المتّحدة "داغ هامرشولد" وق ّدم له تقريرا اضافيا عن الحالة التي‬ ‫عليها الالّجئون‪ ،‬كما طلب في تقريره من المراقب األعلى لالّجئين التّابع لهيئة األمم المتّحدة أن يهت ّم‬ ‫على الفور بمشكلة الالّجئين الجزائريّين الذين بلغ عددهم اإلجمالي في تونس حوالي المائتي ألف‬ ‫وأن إمكانيّات تونس تظ ّل محدودة‪ ،3‬ويبدو ّ‬ ‫الجئ ّ‬ ‫أن المساعي التّونسيّة في هذا اإلطار قد كلّلت‬ ‫صحيفة في أحد أعدادها الموالية ّ‬ ‫بالنّجاح‪ ،‬إذ تذكر ال ّ‬ ‫أن المندوبيّة العليا لالّجئين قد ق ّررت تعيين‬ ‫"أرنولد رورهلت" الكاتب العا ّم ال ّسابق لل ّ‬ ‫صليب األحمر "النورفيجيل" إجراء بحث في تونس‬ ‫بخصوص حالة الالّجئين الجزائريّين‪ .4‬الب ّد من التّذكير هنا ّ‬ ‫أن بعض ال ّدراسات اختلفت حول العدد‬ ‫الجملي لالّجئين‪ ،5‬فلئن تح ّدث "المنجي سليم" كما تق ّدم عن وجود حوالي ‪ 200‬ألف الجئ جزائري‬ ‫فإن دراسة "محمد لطفي الشايبي" تذكر ّ‬ ‫بتونس سنة ‪ّ ،1957‬‬ ‫أن العدد بلغ خالل هذه السنّة‬ ‫‪6‬‬ ‫‪ 250.000‬الجئ منهم ‪ 65000‬من النّسوة و‪ 40.000‬من اليتامى‪ .‬وقد عملت الحكومة التّونسي ّة‬ ‫على توفير اإلحاطة بهم‪ ،‬فإلى جانب ال ّدعم ال ّرسمي المباشر للحكومة التّونسيّة‪ ،‬تش ّكلت إثر ‪1956‬‬ ‫‪1‬العمل‪ 29 ،497 ،‬ماي ‪" ،1957‬الالّجئون الجزائريّون يتدفّقون على األراضي التّونسيّة"‪.‬‬ ‫‪2‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 29 ،497‬ماي ‪" ،1957‬مع ّ‬ ‫الالجئين في مشيخة أوالد مسلم"‪.‬‬ ‫‪3‬العمل‪ ،‬عدد ‪" ،497‬تقرير تونس إلى األمم المتّحدة"‪.‬‬ ‫‪4‬العمل‪ ،‬عدد ‪ 16 ،513‬جوان ‪.1957‬‬ ‫‪5‬تذكر دراسة أخرى وردت في المجلّة التّونسيّة للعلوم االجتماعيّة‪ّ ،‬‬ ‫أن عدد الجزائريّين خالل سنة ‪ 1956‬كان يقدر بــ ‪ ،66.845‬انخفض‬ ‫سنة ‪ 1966‬إلى ‪ ،23.596‬ذلك ّ‬ ‫أن حصول الجزائر على استقاللها سنة ‪ ،1962‬قد دفع بأعداد ها ّمة للعودة إلى الجزائر‪ ،‬المعطيات ذكرها‪:‬‬ ‫‪Marcoux (A), « La population étrangère de Tunisie 1956 – 1970 ». Dans la : Revue Tunisienne des‬‬ ‫‪SciencesSociales. Publication du C.E.R.E.S, n 25, 1971, p p 225 - 226.‬‬ ‫‪6‬الشايبي (محمد لطفي)‪ ،‬مساهمة تونس في ثورة التّحرير الجزائريّة‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.6‬‬ ‫‪84‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫"لجنة دينيّة لل ّدفاع عن المضطهدين المدنيّين الجزائريّين وإعانة الالّجئين منهم‪ .1"..‬أ ّما ما يمكن‬ ‫قوله بالنّسبة لهذا الجانب من تغطية ال ّ‬ ‫صحافة التّونسيّة للثّورة المسلّحة الجزائريّة فهو أنّها تم ّكنت‬ ‫كما يبدو من م ّد القارئ والمتابع لل ّشأن الجزائري‪ ،‬بأد ّ‬ ‫ق التّفاصيل عن ك ّل العمليّات التي شملت كلّ‬ ‫التّراب الجزائري تقريبا بين ‪ 1954‬و‪ ،1957‬ومثّلت بذلك "صوت المقاومة" الذي يخترق الحدود‬ ‫ويكسر حاجز التّعتيم الفرنسي‪ ،‬وفي ذات الوقت كانت هذه ال ّ‬ ‫صحافة تكسر حاجزا آخر وهو المتمثّل‬ ‫في متابعة النّشاط ال ّسياسي للثّورة الجزائريّة وزعمائها والتّعريف بهم‪.‬‬

‫سياسي للثّورة الجزائريّة‪:‬‬ ‫صحافة التّونسيّة تواكب تط ّورالنّشاط ال ّ‬ ‫‪-4‬ال ّ‬

‫الب ّد من المالحظة ّ‬ ‫أن متابعة النّشاط ال ّسياسي للثّورة الجزائريّة‪ ،‬وتغطيته‪ ،‬قد حاز على‬ ‫نصيب أق ّل م ّما حظي به النّشاط العسكري والمقاومة المسلّحة‪ ،‬فهل يعود ذلك إلى ّ‬ ‫أن الثّورة‬ ‫اختارت نهج المقاومة المسلّحةأكثر من التّعويل على الجانب ال ّسياسي؟ وبصفة عا ّمة ّ‬ ‫فإن‬ ‫صحيفتين قد بذلتا جهدا في محاولة تتبع هذا النّشاط وم ّد القارئ به‪ ،‬وخا ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫صة بالنّسبة إلى المحطّات‬ ‫الها ّمة منه‪.‬وهذا النّشاط وكما يتّضح من خالل هذه التّغطية يمكن تقسيمه إلى قسمين‪ ،‬أ ّولهما نشاط‬ ‫بعض ال ّزعماء الجزائريّين المنتمين إلى جبهة التّحرير الوطني الجزائري‪ ،‬أو من غير المنتمين‪،‬‬ ‫ويتمثّل ذلك في نقل بعض مبادراتهم ال ّسياسيّة‪ ،‬أو تصريحاتهم التي قاموا باإلدالء بها في بعض‬ ‫المناسبات أو االجتماعات مع منظّمات وأحزاب عربيّة أو غيرها‪ ،‬أ ّما القسم الثاني والذي يمكن‬ ‫اعتباره أكثر أه ّمية‪ ،‬فيتمثّل في متابعة نشاط أعضاء جبهة التّحرير الوطني الجزائريّة في المحافل‬ ‫ال ّدولية وخا ّ‬ ‫صة مسألة ترسيم القضيّةالجزائريّةعلى جدول أعمال الجمعيّة العا ّمة لألمم المتّحدة‪ ،‬أو‬ ‫ما يمكن تسميته بتدويل القضيّة الجزائريّة‪ ،‬والذي كان أحد نقاط نداء أ ّول نوفمبر ‪ .1954‬وقد أخذت‬ ‫هذه المسألة الحيّز األكبر في اهتمام ال ّ‬ ‫صحافة التّونسيّة‪.‬‬ ‫لقد اشتمل الجانب األول من النشاط السياسي للزعماء الجزائريين‪ ،‬والذي يمكن العثور‬ ‫عليه من خالل صحيفة "ال ّ‬ ‫صباح" مثال على رسالة "مصالي الحاج" إلى القوى الكبرى األربع في‬ ‫العالم بمناسبة اجتماعهم في جنيف بسويسرا في ‪ 16‬جويلية ‪ ،1955‬وقد طالب من خاللها بتدخل‬ ‫هذه القوى إليقاف إطالق النار في الجزائر وإيجاد حل مرضي للمشكلة الجزائرية‪ ،‬ومما ورد في‬ ‫هذه الرسالة التي أرسلت لكل طرف على حدة المقتطف التالي‪...":‬واليوم تدعونا سياسة المعايشة‬ ‫بين األقطاب األربعة التي تهدف النسجام العالقات األمميّة وحماية اإلنسانيّة من حرب عالميّة ثالثة‪-‬‬ ‫تدعونا للكتابة إليكم مؤملين من وراء ذلك إلفات نظركم إلى مشكلة شمال إفريقيا والمشكلة‬ ‫صة‪ .2..‬وخالل يوم ‪ 5‬أوت ‪ ،1955‬نشرت صحيفة "ال ّ‬ ‫الجزائريّة بصورة خا ّ‬ ‫صباح" مقاال للزعيم‬ ‫"فرحات عبّاس" زعيم"حزب البيان" بمجلة "فيديراسيون"‪ ،‬وقد طرح من خالله الحل الذي يراه‬ ‫مناسبا للقضية الجزائرية‪ ،‬وهو يتمثل في دولة جزائرية فيدرالية في نطاق جامعة شعوب بإشراف‬ ‫فرنسا كما ورد في مضمون هذا المقال‪...":‬وفي هذا البناء الجديد تكون الجزائر محتلّة مركز دولة‬ ‫اتّحادية مشاركة في المجموعة المذكورة وذلك هو الطّريق العادي الذي يجب أن تسير فيه الجزائر‬ ‫أ ّما التكلّم عن الجزائر باعتبارها ثالث مقاطعات فرنسيّة في الوقت الذي يعيش فيه تسعة أعشار‬ ‫س ّكان الجزائر على هامش قوانين الجمهوريّة الفرنسيّة فإنّه يكون من قبيل المخادعة ال ّرامية إلى‬ ‫تغطية االمتيازات التي يتمتّع بها بعضهم وقد حان الوقت ليوضع ح ّد لهذه المخادعة"‪ .3‬لكن‬ ‫المطالب الجزائرية تطورت منذ سنة ‪ 1956‬إذ تجاوزت ما كان مطروحا سنتي ‪ 1954‬و‪1955‬‬ ‫‪ 1‬ن‪.‬م‪ ،‬ن‪.‬ص‪.‬‬ ‫صباح‪ 24 ،‬جويلية ‪" ،1955‬نص مذ ّكرة ال ّزعيم مصالي الحاج المو ّجهة إلى األقطاب األربعة"‪.‬‬ ‫‪2‬ال ّ‬ ‫صباح‪ 5 ،‬أوت ‪" ،1955‬ال ّزعيم الجزائري فرحات عبّاس يقترح إنشاء دولة جزائرية فيديرالية في نطاق جامعة شعوب بإشراف فرنسا"‪.‬‬ ‫‪3‬ال ّ‬ ‫‪85‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫إلى مطالب جديدة تتمحور في مجملها حول االستقالل‪ ،‬ففي عدد يوم ‪ 17‬جويلية ‪ ،1956‬تحدثت‬ ‫صحيفة "العمل" عن تنقل وفد من الجزائريين إلى"بلغراد" للقاء الزعماء "جمال عبد‬ ‫الناصر"و"جواهر الل نهرو" و "جوزيف تيتو" بمناسبة اجتماعهم في "يوغسالفيا"‪ ،‬وقد تركب‬ ‫هذا الوفد من "ال ّدكتور األمين دباغين واألستاذ محمد اليزيدي وفرحات عبّاس‪ ،‬وذلك بهدف عرض‬ ‫القضيّة الجزائريّة ووضعها على جدول أعمالهم"‪ ،1‬وذكرت في العدد الموالي أن هذا الوفد قد أعد‬ ‫برنامجا يتكون من أربع نقاط لتسوية القضية الجزائرية‪ ،‬وفي مقدمتهامطلب االستقالل‪ ،‬ويتضح‬ ‫بذلك أن طرح هذا المطلب قد سبق نتائج وقرارات "مؤتمر الصومام" الذي انعقد في ‪ 20‬أوت‬ ‫‪ 1956‬وتتمثل هذه النقاط في‪:‬‬ ‫‪ -1‬اعتراف فرنسا بمبدإ استقالل الجزائر‪.‬‬ ‫‪-2‬إيقاف القتال عقب التصريح باالعتراف المذكور‪.‬‬ ‫‪ - 3‬فتح مفاوضات بين فرنسا وممثلين جزائريين‪.‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪ -4‬إطالق سراح جميع المساجين ال ّسياسيّين"‪.‬‬ ‫أ ّما بالنّسبة إلى الجانب الثّاني من هذا النّشاط‪ ،‬فقد واكبت الصحيفتانتط ّور ال ّدعم العربي‬ ‫واإلفريقي وال ّدولي على المستوى ال ّسياسي الذي حظيت به الثّورة الجزائريّة‪ ،‬فمنذ ‪ 4‬نوفمبر‬ ‫‪ ،1954‬تح ّدثت عن "الموقف العربي من أحداث الجزائر"‪ ،‬فعرضت مثال تعليق اإلذاعة المصريّة‬ ‫صص مذياع القاهرة ح ّ‬ ‫بالقاهرة على انطالق الثورة‪":‬خ ّ‬ ‫صة حيّا فيها الثّورة الجديدة الجزائريّة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ووصف الحوادث التي وقعت أخيرا بالجزائر بأنها حقبة أولى لنضال الشعب الجزائري الذي‬ ‫سينتهي باستقالل الجزائر‪ .‬وأنهى مذيع القاهرة هذه الح ّ‬ ‫صة بقوله إنّنا نحيّي ال ّشعب الجزائري‬ ‫‪3‬‬ ‫ال ّشجاع الذي يقوم في وجه االحتالل الفرنسي ليستر ّد حقوقه المسلوبة‪، "..‬وعرضت في نفس الوقت‬ ‫مواقف ممثّلي ال ّدول العربيّة باألمم المتّحدة وقد تراوحت بين أطراف ترفض مساندة الثّورة‬ ‫(الموقف العراقي على لسان مندوبه فاضل الج ّمالي)‪ ،‬وبين موقف مساند وهو موقف "أحمد‬ ‫الشقيري" الكاتب العا ّم للجامعة العربيّة بالنّيابة الذي"ص ّرح بأنّالجامعة تش ّجع حركة الثّورة‬ ‫الموجودة اآلن بالجزائر وكفاح الجزائريّين وتعاون التّونسيّين والمغاربة على اكتساب ح ّريتهم‪.4"..‬‬ ‫صحيفة ّ‬ ‫وتبيّن ال ّ‬ ‫أن هناك ع ّدة مساع قد بذلت من طرف الوطنيّين الجزائريّين لدى‬ ‫ّ‬ ‫الجامعة العربية لتكلّف هذه األخيرة ال ّدول العربيّة باألمم المتحدة بتقديم شكوى إلى مجلس األمن‬ ‫صة بالمشكلة الجزائريّة‪ ،5‬وعرضت في مقال آخر تحاليل بعض ال ّ‬ ‫خا ّ‬ ‫صحف حول ال ّدعم العربي‬ ‫للثّورة وخا ّ‬ ‫صة الموقف المصري‪ ،‬ففي جريدة "لوموند" "نشر "إدوارد سابليي" االختصاصي في‬ ‫شؤون ال ّشرق األوسط فصال عن موقف البالد العربية من مشاكل شمال إفريقيا قال فيه بالخصوص‬ ‫" ّ‬ ‫إن القادة العرب يقفون اليوم موقفا جديدا تجاه مشاكل شمال إفريقيا بعد ما تركوا المجال فسيحا‬ ‫‪6‬‬ ‫لحملة عنيفة ض ّد االستعمار الفرنسي‪ ."..‬وأشارت في تعليقها على هذا المقال إلى دور إذاعة‬ ‫"صوت العرب" المصرية وإلى دور "ال ّرئيس جمال عبد النّاصر" الذي أعلن عن مساندته للثّورة‬ ‫من منطلق مبدئي‪" :‬وقد حاول البكباشي جمال عبد النّاصر في رسالة أذاعها بالراديو تبرير موقفه‬ ‫حيث قال ّ‬ ‫إن خطورة الحالة في شمال إفريقيا هي دليل على المصاعب التي يواجهها االستعمار‬ ‫الفرنسي في تلك البالد ّ‬ ‫وأن ال ّ‬ ‫صحف الفرنسيّة نفسها قد اهت ّمت بالحالة هناك وال يجب أن نغفل عن‬ ‫أمر وهو ّ‬ ‫أن ك ّل حدث يصيب أ ّمة عربية تتو ّجع له األمم العربية األخرى بحيث ال يمكن أن تقف‬ ‫‪1‬العمل‪ 17 ،‬جويلية ‪" ،1956‬وفد الوطنيين الجزائريين يح ّل ببلغراد"‪.‬‬ ‫‪2‬العمل‪ 19 ،‬جويلية ‪" ،1956‬عبد النّاصر ونهرو وتيتو يجتمعون"‪.‬‬ ‫صباح‪ 4 ،‬نوفمبر ‪" ،1954‬الموقف العربي من أحداث الجزائر"‪.‬‬ ‫‪3‬ال ّ‬ ‫‪ 4‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪5‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫‪6‬الّصباح‪ 12 ،‬نوفمبر ‪" ،1954‬موقف البالد العربية من حوادث الجزائر"‪.‬‬ ‫‪86‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫األمم العربية موقف عدم التد ّخل‪1".‬وفي ‪ 8‬ديسمبر ‪ 1954‬ورد خبر حول تكليف المملكة العربية‬ ‫ال ّسعودية من قبل الجامعة العربية برفع القضيّة الجزائريّة إلى الجمعيّة العموميّة لألمم المتّحدة في‬ ‫‪2‬‬ ‫دورتها الحالية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫واستم ّرت ال ّ‬ ‫صحيفة في متابعة تط ّور ال ّدعم ال ّسياسي العربي للثورة الجزائريّة خالل سنة‬ ‫ّ‬ ‫‪ 1955‬فنقلت تصريح وزير الخارجيّة المصري "محمود فوزي" بمق ّر األمم المتحدة يوم ‪15‬‬ ‫جويلية ‪ 1955‬وقد ذكر فيه ّ‬ ‫بأن"مصر تأمل بأن يتمتّع ال ّشعب الجزائري بحقوقه في الح ّرية واعتبر‬ ‫الوزير المصري المزاعم القانونيّة واألعذار االقتصاديّة التي تقف حجر عثرة في وجه اكتساب هذا‬ ‫ق ال ترتكز على الص ّحة‪...‬وأشار إلى ّ‬ ‫الح ّ‬ ‫أن حكومة القاهرة ستشارك في ك ّل عمل من شأنه أن يعين‬ ‫‪3‬‬ ‫على تحرير ال ّشعب الجزائري" ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وإثر انعقاد "مؤتمر باندونغ" (‪ 24 – 18‬أفريل ‪ ،)1955‬تولت صحيفة "ال ّ‬ ‫صباح" متابعة‬ ‫نتائج هذا المؤتمر وخا ّ‬ ‫صة في عالقته بقضيّة الجزائر‪ ،‬إذ تعرض نصّ المذ ّكرة التي بعثت بها‬ ‫مجموعة ‪29‬دولة من إفريقيا وآسيا إلى األمانة العا ّمة لألمم المتّحدة‪" :‬وجاء في هذه المذ ّكرة أيضا‬ ‫ّ‬ ‫أن على األمم المتّحدة أن تضع ح ّدا لحالة االضطراب والفوضى الخطيرين في أقرب وقت ممكن‬ ‫وإصدار قرارات بمنح القطرين الجزائري والمغربي استقاللهما وح ّريتهما وذلك عمال بمقتضيات‬ ‫دستور األمم المتّحدة الذي ينصّ على أنّه يجب أن تتمتّع جميع ال ّشعوب المولى عليها والتي تحت‬ ‫الوصاية بسيادتها واستقاللها‪.4"...‬وقد تابعت تح ّركات الوفد اإلفريقي اآلسيوي في األمم المتّحدة‬ ‫خالل هذا ال ّشهر‪ ،‬فذكرت ّ‬ ‫أن الكتلة العربية اآلسيوية ق ّررت تقديم قضيّة المغرب إلى األمم المتّحدة‬ ‫‪5‬‬ ‫وأنّها تنظر في إمكانيّة عرض قضيّة الجزائر عليها ‪.‬‬ ‫واهت ّمت صحيفة " العمل"‪ ،‬بدورها بالنّشاط ال ّسياسي للوطنيّين الجزائريّين وال ّدعم‬ ‫العربي واإلفريقي وال ّدولي الذي ما انف ّ‬ ‫ك يتط ّور لفائدتهم منذ سنة ‪ .1956‬فقد بدأ الحديث عن‬ ‫االستقالل وتشكيل حكومة جزائريّة وإن كانت في الخارج‪ ،‬فقد ورد في أحد أعداد هذه ال ّ‬ ‫صحيفة في‬ ‫صحف ال ّسورية " ّ‬ ‫جويلية ‪ 1956‬نقال عن ال ّ‬ ‫أن اللّجنة ال ّسياسية للجامعة العربية قد تدرس قريبا‬ ‫مشروع تكوين حكومة جزائرية ح ّرة في الخارج‪ .‬وبعد أن تت ّم المصادقة على هذا المشروع من‬ ‫طرف أعضاء الجامعة ّ‬ ‫فإن الحكومات العربية تعترف حاالّ بالحكومة الجديدة وتعلن استقالل‬ ‫الجزائر وفصلها نهائيا عن فرنسا‪ .‬ث ّم تدعى الحكومة الجزائرية الح ّرة إلى االنخراط في الجامعة‬ ‫العربية وتتّخذ مق ّرها سواء بالقاهرة أم بدمشق إلى تمام تحرير الجزائر‪ .6."..‬وفي إطار متابعة‬ ‫ال ّدعم العربي واإلفريقي واآلسيوي لقضيّة الجزائر‪ ،‬بيّنت "العمل" " ّ‬ ‫أن كتلة الدول العربية اآلسيوية‬ ‫قد عقدت يوم الخميس ‪ 23‬أوت ‪ ،1956‬اجتماعا بمق ّر هيئة األمم المتّحدة حضره نائب عن جبهة‬ ‫التّحرير الوطني الجزائري تع ّرضت فيه بوجه خاصّ إلى الحالة بالجزائر وتبودلت حوله اآلراء‬ ‫حول إمكانيّة عرض القضيّة الجزائريّة على هيئة األمم المتّحدة في دورتها العادية التي ستنعقد في‬ ‫شهر نوفمبر القادم‪.7"..‬‬ ‫وخالل عام ‪ 1957‬استم ّرت تغطية هذا ال ّدعم‪ ،‬فقد أوردت صحيفة "العمل"‪ ،‬نصّ‬ ‫ال ّرسالة التي ق ّدمتها الكتلة اإلفريقية – اآلسيوية لألمين العا ّم لألمم المتّحدة "داغ هامرشولد" في ‪16‬‬ ‫أفريل ‪ 1957‬حول ح ّل سلمي للقضيّة الجزائريّة‪ ،‬وم ّما ورد فيها‪" :8‬إنّنا نتش ّرف بإلفات اهتمامكم‬ ‫إلى التط ّورات األخيرة التي طرأت بالبالد الجزائريّة‪ .‬لقد صادقت الجمعيّة العا ّمة لألمم المتّحدة‬ ‫باإلجماع أثناء دورتها األخيرة على قرار يتعلّق بالوضعيّة بالجزائر التي تسبّبت في كثير من اآلالم‬ ‫‪ 1‬ن‪.‬م‪.‬‬ ‫صباح‪ 8 ،‬ديسمبر ‪" ،1954‬المملكة العربية ال ّسعودية تثير قضيّة الجزائر أمام األمم المتّحدة"‪.‬‬ ‫‪2‬ال ّ‬ ‫صباح‪ 15 ،‬جويلية ‪" ،1955‬تزايد اهتمام الدول العربية بقضيّة الجزائر"‪.‬‬ ‫‪3‬ال ّ‬ ‫صباح‪ 19 ،‬جويلية ‪" ،1955‬منح الجزائر والمغرب ح ّ‬ ‫ق تقرير المصير"‪.‬‬ ‫‪4‬ال ّ‬ ‫صباح‪ 21 ،‬جويلية ‪.1955‬‬ ‫‪5‬ال ّ‬ ‫‪6‬العمل‪ 18 ،‬جويلية ‪" ،1956‬االعتراف بحكومة وطنيّة للجزائر"‪.‬‬ ‫‪7‬العمل‪ 25 ،‬أوت ‪" ،1956‬عرض قضيّة الجزائر على هيئة األمم المتّحدة"‪.‬‬ ‫‪ 8‬الوثيقة ‪ 4‬في الملف المص ّور‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫والخسائر البشريّة‪ .‬وفي القرار المذكور تعرب الجمعيّة العا ّمة في إيجاد ح ّل سلمي ديمقراطي عادل‬ ‫لمشكلة الجزائر بواسطة وسائل مطابقة لمبادئ ميثاق األمم المتّحدة‪ ،‬ولكن بال ّرغم من قرار األمم‬ ‫المتّحدة ّ‬ ‫فإن الخسائر في األرواح البشريّة لم تضعف بل تضاعفت وذلك لعدم ال ّرغبة في التّعاون من‬ ‫جانب ال ّسلط‪ ،‬وهذه الوضعيّة ال تقود إلى الح ّل المرج ّو بل ّ‬ ‫إن العنف والقمع الجماعي يبعدان كل‬ ‫إمكانيّة في الح ّل ويتناقضان تماما مع روح وأهداف القرار الذي صادقت عليه الجمعيّة العا ّمة‬ ‫باإلجماع‪ .‬ومما يؤ ّكد هذا كما يؤ ّكد اعتقادنا ّ‬ ‫أن ال ّسلط ال تتّخذ أ ّ‬ ‫ي قرار يتماشى مع روح قرار األمم‬ ‫المتّحدة هو ما نقتطفه من تصريحات شخصيّات مسؤولة عن تط ّور الحوادث بالجزائر خالل‬ ‫ال ّشهرين األخيرين‪ .‬ويتعلّق ما جاء في رسالة الكتلة بال ّرسائل التي و ّجهتها ‪ 357‬شخصيّة وببالغ‬ ‫مجلس رجال الكنيسة بفرنسا وبتصريح وزير سابق وببالغ صدر عن القيادة العا ّمة للجيش الفرنسي‬ ‫بتاريخ ‪ 20‬مارس ويرى الموقّعون على ال ّرسالة إنّه إذا لم يحصل أ ّ‬ ‫ي تح ّسن في الوضعيّة ستصبح‬ ‫من الخطورة بمكان وأنّه ينبغي التأ ّكد من احترام روح قرار األمم المتّحدة وعدم جهله‪ .‬وأخيرا تقول‬ ‫الوفود الموقّعة على ال ّرسالة إنّنا نلفت اهتمامكم إلى الوضعيّة كما وصفناها لكم بصفتكم مسؤولين‬ ‫عن ال ّسالم واألمن في العالم‪ .‬والوفود الموقّعة تنتمي إلى البلدان اآلتية‪ :‬أفغانستان‪ ،‬بيرمانيا‪ ،‬مصر‬ ‫سايالن‪ ،‬الحبشة‪ ،‬الهند‪ ،‬إندونيسيا‪ ،‬إيران‪ ،‬العراق‪ ،‬األردن‪ ،‬ليبيا‪ ،‬المغرب‪ ،‬النيبال‪ ،‬الباكستان‬ ‫المملكة العربية السعودية‪ ،‬السودان‪ ،‬تونس‪ ،‬سوريا‪ ،‬اليمن"‪.1‬‬ ‫ومع تصاعد وتيرة المواجهات وتزايد القمع الفرنسي اجتمعت الكتلة اإلفريقيّة اآلسيوية‬ ‫باألمم المتّحدة مج ّددا بطلب من م ّمثلي جبهة التّحرير الوطني الجزائريّة "لدرس مسألة اإلبادة في‬ ‫الجزائر وسلّموا مذ ّكرة لجميع أعضاء األمم المتحدة متّهمين فيها فرنسا مباشرة بعدم اقتراح‬ ‫التّفاوض من أجل وقف القتال كما أ ّكد "عبد القادر الشندرلي" موقف جبهة التّحرير والذي يبدي‬ ‫استعداد الجبهة ورغبتها في التّفاوض فورا مع فرنسا من أجل وقف القتال على أساس االعتراف‬ ‫باستقالل ال ّشعب الجزائري"‪ .2‬لقد وقف العرب واألفارقة واآلسيويون وكما يتّضح من خالل هذه‬ ‫النّماذج خلف الثّورة الجزائريّة وزعمائها‪ ،‬فق ّدموا لها ال ّدعم الكافي وخا ّ‬ ‫صة بين ‪ 1955‬و‪،1957‬‬ ‫وهو ما م ّكن من تدويل القضيّة الجزائريّة وعزل فرنسا تدريجيا‪ ،‬ويمكن القول ّ‬ ‫إن تغطية الصحافة‬ ‫التّونسيّة لمسار القضيّة على المستوى ال ّدولي كان ها ّما سواء من حيث إنارة الرأي العام ّفي تونس‬ ‫أو غيره بما كان يدور في ال ّساحة العربية وال ّدولية من مواقف مساندة لقضيّةالجزائر باعتبارها‬ ‫إحدى القضايا العادلة‪ ،‬أو من خالل كسر الحصار الذي كانت فرنسا ترغب في فرضه على الثّورة‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬ ‫لقد ساهمت الصحافة التّونسيّة من خالل مثالي "ال ّ‬ ‫صباح" و"العمل"‪ ،‬بدور ها ّم في تغطية‬ ‫أحداث الثّورة الجزائريّة‪ ،‬العسكريّة منها وال ّسياسية‪ ،‬فرصدت انطالق الكفاح المسلّح منذ أيّامه‬ ‫األولى وتابعت تط ّوره الميداني والنوعي‪ ،‬ور ّكزت على الجرائم االستعمارية في ح ّ‬ ‫ق الجزائريّين‬ ‫خالل الفترة الممت ّدة بين ‪ 1954‬و‪ ،1957‬وهذه الفترة وإال تغطّي ال ّسنوات الثماني للّثورة‪ّ ،‬‬ ‫فإن ما‬ ‫يتوفّر من معطيات حولها من خالل ما ورد في أعداد ال ّ‬ ‫صحيفتين‪ ،‬يُع ّد ها ّما إذ يم َّكن من بناء تص ّور‬ ‫متكامل حول هذا الطّور‪ .‬ولم تهمل الصحافة –كما اتّضح‪ -‬النّضال ال ّسياسي للجزائريّين فتابعت‬ ‫نشاطهم على المستوى العربي والدولي‪ ،‬وخا ّ‬ ‫صة داخل أروقة األمم المتّحدة‪ ،‬من أجل ال ّدفع باتّجاه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدويل قضيتهم‪ .‬وقد وقفت كما يتّضح موقف المساند لهذه القضيّة والثورة‪ ،‬فأدت بذلك جزءا من‬ ‫ال ّدور الذي أداه التّونسيون إلى جانب أشقّائهم في نضالهم من أجل التح ّرر واالستقالل‪.‬‬

‫‪1‬العمل‪ 17 ،‬أفريل ‪" ،1957‬نصّ ال ّرسالة التي ق ّدمتها الكتلة اإلفريقية – اآلسيوية للمستر همارشولد"‪.‬‬ ‫‪2‬العمل‪ 24 ،‬أفريل ‪" ،1957‬الكتلة اإلفريقيّة اآلسيوية تنظر في قضيّة الجزائر"‪.‬‬ ‫‪88‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫البيبليوغرافيا‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫األرشيف‪- :‬‬ ‫ ‪Archives de Vincennes (Services Historique de l’Armée de Terre), 2H 153,‬‬‫‪/bobine S 388. Dossier n1 : Physionomie de la presse arabe tunisienne‬‬ ‫‪.L’indépendance tunisienne et le soutien apporté au Mouvement F.L.N‬‬

‫‪-2‬‬ ‫•‬

‫المراجع‪:‬‬ ‫المراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫ ابن فرج (المنصف)‪ ،‬ملحمة النّضال التّونسي – الجزائري من خالل حوادث ساقية سيدي‬‫يوسف‪ ،‬مطبعة المغرب للنّشر‪ ،‬تونس‪.2006 ،‬‬ ‫ المدني (أحمد توفيق)‪ ،‬حياة كفاح‪ ،‬الجزء الثّالث مع ركب الثّورة الجزائريةّ‪ ،‬ال ّشركة الوطنيّة‬‫للنّشر والتّوزيع‪.1982 ،‬‬ ‫ الصغيّر (عميره عليّة)‪ ،‬اليوسفيون وتحرر المغرب العربي‪ ،‬المغاربيّة وإشهارالكتاب‪ ،‬تونس‬‫‪.2007‬‬ ‫ الشايبي (محمد لطفي)‪ ،‬مساهمة تونس في ثورة التّحرير الجزائرية (‪ )1958 – 1954‬مرقونة‪.‬‬‫ بوزبيد (عبد المجيد)‪ ،‬اإلمداد خالل حرب التّحرير الوطني شهادتي‪ ،...‬مطبعة الديوان‪.2007 ،‬‬‫ بشير (المولدي)‪" ،‬نحو تونسة اإلذاعة في الخمسينات"‪ ،‬في أعمال الملتقى ال ّدولي التّاسع حول‬‫تصفية االستعمار بتونس‪ :‬األطوار واألبعاد (‪ ،)1964 – 1952‬منشورات المعهد األعل لتاريخ‬ ‫الحركة الوطنية‪ ،‬تونس‪.1999 ،‬‬ ‫•‬

‫المراجع باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪Marcoux (A), « La population étrangère de Tunisie 1956 – 1970 ». Dans la :‬‬ ‫‪Revue Tunisienne des SciencesSociales. Publication du C.E.R.E.S, n 25, 1971.‬‬

‫‪89‬‬

‫‪-‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫شهادة العقيد متقاعد أبو بكر بنكريّم‬

‫‪1‬‬

‫تحرير‪ :‬المقدّم عبد العزيز بوڤ ّزي‬ ‫في مسته ّل هذه ال ّشهادة أريد أن أتو ّجه بال ّشكر إلى إدارة التّراث واإلعالم والثقافة على هذه‬ ‫االستضافة التي ستخ ّ‬ ‫صص للحديث عن تاريخ الجيش الوطني‪.‬‬

‫‪-1‬‬

‫تكوين النّواة األولى للجيش الوطني‪:‬‬

‫يع ّد الجيش إحدى المق ّومات األساسيّة لك ّل دولة مستقلّة وعنصرا من عناصر ال ّسيادة‬ ‫الوطنيّة على غرار التّمثيل الديبلوماسي‪ ،‬واألمن ال ّداخلي‪ ،‬هذا ويحتاج الجيش إلى كل متطلّبات‬ ‫الحياة من قيادة ومدارس ومصالح وتموين وتنظيم وتسليح وتدريب وسكن وص ّحة وفنّيات‬ ‫وتجهيزات ومعرفة وتقنيات‪ .‬وفي هذا اإلطار أؤ ّكد لجميع التّونسيين والتّونسيات ّ‬ ‫أن تونس من‬ ‫ال ّدول القالئل في العالم التي ك ّونت جيشا تونسيا ـ"لحما ودما"‪ ،‬إذ في العادة‪ ،‬تستعين ال ّدول حديثة‬ ‫االستقالل بمساعدة ال ّدول المستعمرة على تكوين جيوشها‪.‬‬ ‫والتّساؤل المطروح هو لماذا لم تطلب تونس من فرنسا مساعدتها على تكوين جيشها على‬ ‫غرار بعض الدول المجاورة؟‬ ‫باختصار شديد ّ‬ ‫ألن تونس ق ّررت مساندة الثّورة التّحريرية في الجزائر التي اندلعت قبل‬ ‫استقالل تونس بسنتين وتحديدا يوم غرّة نوفمبر ‪ ،1954‬فال يعقل أن يتعايش على ترابنا جيش‬ ‫فرنسي وجيش تحرير جزائري بلغ تعداده حوالي ‪ 20‬ألف مقاتل‪ .‬على هذا األساس ت ّمت دعوة‬ ‫المجموعة البسيطة والمتواضعة من اإلطارات والجنود التّونسيين العاملين تحت راية جيش فرنسا‬ ‫لاللتحاق بصفوف الجيش الوطني‪ ،‬فتط ّوع لها حوالي ‪ 1500‬فرد من بينهم ‪ 26‬ضابطا‪ ،‬أعالهم‬ ‫رتبة "رائد" وحيد والبقيّة نقباء ومالزمون‪ ،‬كان لهم الفضل على تونس وعلى تكوين النواة األولى‬ ‫للجيش الوطني‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى هؤالء‪ ،‬ت ّم إدماج عناصر حرس الباي الذين ال يتجاوز عددهم ‪ 200‬أو‬ ‫‪ 300‬بعد أن ت ّم الحطّ من رتبهم لتكون القيادة بيد الضبّاط أصحاب الخبرة والمتأتين من الجيش‬ ‫الفرنسيحيث ّ‬ ‫أن تونس في حاجة إلى جيش مقاتل وال إلى جيش تشريفات‪ .‬هذه العناصر األولى‬ ‫ك ّونت أ ّول فوج مختلط عرف بـ"الفوج األ ّول لمختلف األسلحة" ويتك ّون من سرايا مشاة وس ّرية‬ ‫مدفعية وس ّرية مصفّحات وفصيل هندسة وفصيل إشارة‪ ...‬في اآلن ذاته كانت النّية تتّجه لتكوين‬ ‫مجموعة من الشبّان التّونسيين بالمدرسة العسكرية الفرنسية "سان سير"‪ ،‬وفتحت مناظرة وطنية‬ ‫‪1‬العقيد أبو بكر بنكريم ولد في ‪ 27‬جانفي ‪ 1938‬بـالعامرة من والية صفاقس‪ ،‬له ‪ 4‬أبناء‪ ،‬انخرط في صفوف الجيش في ‪ 25‬سبتمبر ‪" 1956‬دورة‬ ‫بورقيبة"‪ .‬تلقى تكوينه العسكري بفرنسا وتخرج في اختصاص مشاة ثم تابع دروس األركان بالواليات المتحدة األمريكية ودروس المدرسة الحربية العليا‬

‫بفرنسا ودروس معهد الدفاع الوطني‪.‬‬

‫تولى عدة مسؤوليات من أهمها‪ :‬آمر فوج‪ ،‬رئيس قسم بأركان جيش البر‪ ،‬آمر اللواء الترابي الصحراوي‪ ،‬كاهية رئيس أركان جيش البر وملحق عسكري‬ ‫بحري وجوي لدى سفارة تونس بالمغرب‪ ،‬كما شارك ضمن القوات األممية لحفظ السالم بالكونغو (‪.)1963 –1961‬‬

‫تحصل على الوسام العسكري‪ ،‬الصنف الثاني من وسام الجمهورية‪ ،‬الصنف الثالث من وسام االستقالل‪ ،‬وسام الشرف للحرس الوطني ووسام األمم‬ ‫المتحدة للكونغو‪.‬‬

‫غادر الجيش يوم غرة نوفمبر ‪ 1986‬وعين رئيسا مدي ار عاما للشركة الوطنية للزراعات اآللية وواليا على سيدي بوزيد والكاف‪.‬‬ ‫‪90‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫للغرض وردها أكثر من ‪ 10000‬مطلب‪ ،‬وت ّمت دعوة ‪ 1000‬شابّ منهم الجتياز المناظرة‪ ،‬وفي‬ ‫نهاية األمر وقع االختيار على ‪ 105‬من الشبّان (كنت من بينهم ) لاللتحاق بفرنسا ومتابعة تكوين‬ ‫عسكري سريع لثلثي المجموعة وذلك لم ّدة سنة اعتبارا لألوضاع ال ّداخلية التي تميّزت بال ّ‬ ‫صراع‬ ‫بين" بورقيبة" و"صالح بن يوسف (‪ )...‬وبتهديد ال ّسلط العسكريّة الفرنسيّة المتواجدة بالجزائر التي‬ ‫ّ‬ ‫وتشن غارات برّية وج ّوية على بالدنا بدعوى مالحقة الث ّوار‬ ‫كانت كثيرا ما تخترق التّراب التّونسي‬ ‫الجزائريين الذين يلجؤون إلى تونس‪ .‬لهذه األسباب أعيدت هيكلة "الفوج األ ّول المختلط"‪ ،‬الذي كان‬ ‫يض ّم ‪ 1500‬أو ‪ 1600‬جنديا في جوان ‪ ،1956‬بنسق سريع ليصبح بعد شهرين‪ ،‬ثالثة أفواج كما‬ ‫يلي‪:‬‬ ‫ الفوج األ ّول‪ :‬بڤابس تحت إمرة ال ّرائد "محمد الميساوي" ومرجع نظره واليتي ڤابس وڤفصة‪.‬‬‫ الفوج الثّاني‪ :‬مركز قيادته بعين دراهم بقيادة ال ّرائد "األسمر بوزيان" ويغطّي جندوبة والكاف‪.‬‬‫ الفوج الثّالث‪ :‬بالقصرين وآمره "ال ّرائد محمد اإلمام"‪ .‬وتتبعه المراكز التّالية‪ :‬اللوبيرة‪ ،‬السري‬‫حيدرة‪ ،‬الرميلة‪ ،‬عين بودرياس‪ ،‬بوشبكة‪ ،‬تمصميدة‪ ،‬درناية‪ ،‬خشم الكلب‪ ،‬تالبت‪ ،‬برج أ ّم علي‬ ‫فريانة‪.‬‬ ‫كانت هذه األفواج متمركزة على الحدود وهي تتك ّون من أربع إلى ّ‬ ‫ست سرايا ومو ّزعة‬ ‫على مراكز متع ّددة بلغت تقريبا ‪ 60‬مركزا‪ ،‬كان بعضها على مسافة كيلومتر إلى حوالي خمس‬ ‫كيلومترات من الحدود مع الجزائر وقد كان أغلبها على شكل خيام أو بناءات متواضعة بوسائل‬ ‫ومجهود خاصّ للجنود‪ .‬في هذا اإلطار أشير إلى أنّال ّدولة التّونسية أ ّممت أراضي المعمرين في‬ ‫بعض الجهات الحدودية على غرار الكاف منذ سنة ‪( 1958‬التّأميم الكلّي لمثل هذه األراضي لم يتم‬ ‫إالّ سنة ‪ )1964‬نظرا لوجودها على الحدود مع الجزائر‪ ،‬وقد ت ّم استغالل البناءات الموجودة بهذه‬ ‫األراضي إلقامة المراكز‪ .‬وكنّا نقطع بعض األشجار رغم معارضة أعوان الغابات الذين كنّا أحيانا‬ ‫نطلق النّار باتّجاههم في الهواء لتخويفهم حتّى يعودوا من حيث أتوا لنتم ّكن من استكمال األشغال‪.‬‬ ‫كما ت ّم بعث ع ّدة وحدات في اختصاصات مختلفة على النّحو التالي‪:‬‬ ‫ وحدة مدفعية بالعوينة تحت إمرة " المرحوم شهيد معركة الجالء ببنزرت الرائد محمد البجاوي"‬‫ وحدة مد ّرعات وخيّالة بباب سعدون آمرها "النّقيب بن سعيد"‪.‬‬‫ وحدة نقل ببوشوشة يأمرها "ال ّرائد ال ّ‬‫صادق منصور"‪.‬‬ ‫ وحدة إشارة بباب سعدون تحت قيادة "ال ّرائد البشير بوعيش"‪.‬‬‫ّ‬ ‫الصف بمنّوبة تحت إمرة "النّقيب محمد صالح المق ّدم"‪.‬‬ ‫ مدرسة ضبّاط‬‫ وكالة مه ّمات عسكريّة يديرها "ال ّرائد الشريف "‪.‬‬‫ وكالة اللّباس والتّموين بمنّوبة تحت إدارة "ال ّرائد المرحوم فرشيو"‬‫ وحدة معدات بباب سعدون آمرها " النّقيب الهادي بن عبد القادر"‬‫ شبه مستشفى عسكري بالعمران آمره"الرّائد الحجري"‪.‬‬‫‪ -‬إدارة الرياضة العسكرية بباردو بقيادة " النّقيب حسين ح ّمودة"‪.‬‬

‫‪ -2‬تط ّور الجيش بداية من سنة ‪:1958‬‬ ‫في أواخر ‪ 1957‬وبداية سنة ‪ ،1958‬تط ّور عدد أفواج القتال بتط ّور عديد الجيش‬ ‫التّونسي الذي أصبح يع ّد تقريبا ‪ 10000‬فردا‪ ،‬فبعثت األفواج التّالية‪:‬‬

‫‪91‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ الفوج ال ّرابع بقفصة ويشتمل على مراكز أ ّم القصب‪ ،‬فم الخنقة‪ ،‬ميداس‪ ،‬تمرزة‪ ،‬الشبيكة الرديّف‬‫المتلوي وحزوة‪.‬‬ ‫ الفوج الخامس ببنزرت‪.‬‬‫ الفوج ال ّسادس بالعوينة‪.‬‬‫ الفوج ال ّسابع ببوشوشة‪.‬‬‫ الفوج الثّامن في والية الكاف ويشتمل على مراكز عين زانة‪ ،‬وادي زيتون‪ ،‬عين أم جرى ساقية‬‫سيدي يوسف‪ ،‬عين الكرمة‪ ،‬وادي المالح‪ ،‬البيار‪ ،‬الڤواطن‪ ،‬سيدي أحمد‪ ،‬بوغانم‪ ،‬الفالتة‪ ،‬بوجابر‬ ‫الجريصة‪ ،‬القلعه الجرداء‪ ،‬بئر حميدة‪.‬‬

‫‪ -3‬بداياتي بساقية سيدي يوسف‪:‬‬ ‫في األثناء‪ ،‬وبعد عودتنا من فرنسا‪ ،‬ت ّم إرسال الضبّاط الذين عيّنوا للعمل بالفوج الثّاني‬ ‫ّ‬ ‫الصف حيث‬ ‫إلى مركز التّدريب بثكنة طبرقة بهدف حذق القيادة واللّغة العربية والتّعايش مع ضبّاط‬ ‫تواصلت هذه ال ّرسكلة إلى غاية أحداث ساقية سيدي يوسف في فيفري ‪ .1958‬بعد شهرين من‬ ‫العدوان على هذه القرية‪ ،‬ت ّم تعييني بالس ّرية الخامسة بالكاف‪ ،‬وهي تابعة للفوج الثّاني الذي مق ّره‬ ‫عين دراهم وكان آمرها "النّقيب علي شرشر" من حرس الباي ولهذه الس ّرية مراكز في ال ّساقية‬ ‫وعين الكرمة وعين أ ّم جرى ووادي زيتون ت ّم بنائها من قبل الجنود الذين قسّموا إلى مجموعات‬ ‫بعضها يهت ّم بالمركز وتحصينه وبعضها كان يقوم بال ّدوريات الرّاجلة بين المراكز‪ .‬إضافة إلى‬ ‫ذلككان هذا الفوج يض ّم س ّرية في غار ال ّدماء وس ّرية في بوجابر وس ّرية في عين دراهم ومركز‬ ‫تدريب في طبرقة‪ ،‬كما كان يض ّم ‪ 16‬مركزا تتو ّزع من ال ّشمال إلى الجنوب كاآلتي‪ :‬عين الب ّكوش‪،‬‬ ‫عين سعيدة‪ ،‬ف ّج الكحلة‪ ،‬عديسة‪ ،‬الرويعي‪ ،‬عين سروية‪ ،‬سيدي ق ّدور‪ ،‬بودالّعة‪ ،‬سوق حليمةالغ ّرة‪،‬‬ ‫عين سلطان‪ ،‬الفايجة‪ ،‬القليعة‪ ،‬السري‪ ،‬الزيالي زيني‪ ،‬وضيعة ديبوا ‪.Dubois‬‬ ‫عند التحاقي بالس ّرية الخامسة‪ ،‬انتقلت على متن سيّارة الجيب الوحيدة في الس ّرية التي كانت‬ ‫على ذ ّمة اآلمر إلى ساقية سيدي يوسف التي ت ّمت قنبلتها منذ شهرين وفرغت من س ّكانها إالّ قليال‬ ‫من المنازل وكنت قد طلبت من آمر الس ّرية وضع السيّارة على ذ ّمتي لم ّدة يوم ثان لزيارة المراكز‬ ‫ال ّراجعة لي بالنّظر في ظروف طيّبة‪.‬‬

‫‪-4‬‬

‫مواجهتي األولى للنّار الحقيقيّة‪:‬‬

‫كانت أ ّول زيارة إلى المركز ال ّشمالي وادي زيتون‪ ،‬بعد الظّهر وعند العودة وقبل‬ ‫غياب الشمس بقليل رأيت أل ّول م ّرة رتال يرتدي بدالت قتال اتّضح أنّهم ث ّوار جزائريين‪ ،‬وقد‬ ‫هممت باستفسارهم فأجابوا بصوت رجل واحد "النّظام النّظام" وأعتقد أنّهم متو ّجهين إلى جهة‬ ‫سوق هراس وال إلى المركز الفرنسي المعروف بالڤوادر (‪ )les gardes forestiers‬والمحاذي‬ ‫لمركز ساقية سيدي يوسف الذي ال يبعد عن الح ّد إالّ مسافة ‪ 200‬أو ‪ 300‬متر فقد كانت ال ّسلط‬ ‫التّونسية تش ّدد على الث ّوار الجزائريين عدم مهاجمة المراكز الفرنسية المتاخمة للحدود التّونسية لذلك‬ ‫كانوا على األرجح يتّجهون نحو سوق هراس ‪ 20‬كلم داخل الوطن الجزائري‪.‬‬ ‫في نفس اللّيلة وحوالي ال ّساعة العاشرة سمعنا إطالق نيران عديدة استعمل فيها‬ ‫الجزائريون أل ّول م ّرة مدفع الهاون ‪ 81‬مم ودام تبادل إطالق النار حوالي ساعتين فكنت أل ّول م ّرة‬ ‫أمام مواجهة حقيقية للنّار‪ ،‬حيث كان مركزنا بال ّساقية يمكننا من مشاهدة ميدان المناورة بفضل‬ ‫موقعه الممتاز الذي يوفّر لنا الحماية والمشاهدة وقد أبهرت بشجاعة المقاومين الجزائريين الذين‬ ‫‪92‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫كانوا وصلوا إلى أق ّل من ‪ 50‬متر من المركز الفرنسي وكانوا على وشك ال ّدخول للمركز لوال ّ‬ ‫أن‬ ‫صديقة فوق المركز إلنقاذه حتّى ّ‬ ‫ضابط الفرنسي طلب بإطالق نار المدفعية ال ّ‬ ‫ال ّ‬ ‫أن شظايا القذائف‬ ‫كانت تلحقنا‪ ،‬طلب آمر المركز الفرنسي أيضا تعزيزه بالمروحيات والدبّابات وسقط العديد من‬ ‫ال ّ‬ ‫ضحايا الجزائريين والفرنسيين‪.‬‬ ‫إضافة إلى هذه المواجهات المباشرة كان الفرنسيون يكلّفون الحركيين (حركي) وهم‬ ‫الجزائريون المتعاملين مع ال ّسلط العسكريّة الفرنسيّة ضد ّالثّورة بالبحث عن مراكز الث ّوار‬ ‫الجزائريين وبزرع األلغام في المسالك التّونسية التي يتبعونها‪ ،‬وهنا أتوقّف عند مركز بير حميدة‬ ‫الذي كان تابعا للس ّرية المتمركزة بجهة قلعة سنان في بوجابر تحت إمرة "المالزم عزوز" وهو من‬ ‫شارك في مناسبتين في حرب الهند الصينيّة‪ ،‬وأذكر أنّه بمناسبة عيد األضحى سنة ‪ 1959‬ت ّم تعييني‬ ‫لنيابة المالزم عزوز (الذي كان رب عائلة ومنح إجازة لقضاء عطلة العيد مع عائلته بالعاصمة)‬ ‫ونظرا ّ‬ ‫ألن هذا المركز كان شبه خراب أمرت بإصالحه وإقامته من جديد وتضافرت جهود الجنود‬ ‫التّابعين له مع جنود االحتياط الذين عملوا مع الجيش الفرنسي وت ّم تركيزه يوم عيد األضحى‪ ،‬غير‬ ‫أنّه بعد ‪ 3‬أيّام تع ّرض لهجوم الحركيين الذين اشتبكنا معهم وقتلنا منهم اثنان وف ّر اآلخرون‪.‬‬ ‫بعد شهر من هذه الحادثة‪ ،‬عثر عمدة المكان على بغل يحمل صندوقين كتب عليهما‬ ‫بالّلغة العربية "ذخيرة" كانت الغاية من هذه الحمولة تفجير المقاومين الجزائريين فأعلم بذلك معتمد‬ ‫قلعة سنان الذي بدوره اتّصل بآمر س ّرية الجيش ببوجابر على بعد ‪ 5‬كلم وأعلمه بوجود ذخيرة‪،‬‬ ‫فأخرج "المالزم أ ّول الخذيري" البغل على أطراف مدينة قلعة سنان وطلب من ال ّسائق أن يبتعد‬ ‫بالسيّارة الجيب وقام بفتح ال ّ‬ ‫صندوق الذي كان من ما ّدة البالستيك وأحدث االنفجار حفرة عمقها متر‬ ‫وعرضها مترين تقريبا ولم يبق من "المالزم ع ّزوز" إالّ أشالء (‪ 200‬غ) وقد كنت أ ّول من وصل‬ ‫إلى مكان الحادث‪.‬‬ ‫كما أذكر ذات م ّرة عثورنا على لغم ‪ 2‬كلم جنوب مركز عين الكرمة بالمكان المعروف‬ ‫بوادي المالح الذي يش ّ‬ ‫ق الطّريق الموازي للح ّد على مستوى تاجروين وقلعة سنان على إثر حادثة‬ ‫فالّح معروف بالجهة يدعى " المولهي" وكان يملك سيّارة أمريكيّة ال ّ‬ ‫صنع وله ‪ 10‬أبناء من بينهم ‪6‬‬ ‫راكبين معه في ذلك اليوم وكان ال يحسن ال ّسياقة وفي إحدى المنعرجات التي تم ّر بالوادي انحرفت‬ ‫به السيّارة وتفادى دون قصد انفجار هذا اللغم فكان ذلك سببا في إنشاء مركزا بذلك المكان بأمر من‬ ‫"المق ّدم األسمر بوزيّان" الذي كان آنذاك آمرا على مجموعة الفوجين الثاني والثامن‪ .‬ونظرا لما‬ ‫يتميّز به هذا المركز من عوامل تخفيه عن األنظار‪ ،‬إذ حفر في أحد المرتفعات المحاذية للوادي وال‬ ‫يمكن رؤيته إالّ من خالل العلم المرفوع على سطحه (على ارتفاع حوالي ‪ 10‬أمتار) وكان يحتوي‬ ‫على عدد من الغرف إلقامة الجنود ومن ش ّدة انبهار اآلمر "األسمر بوزيّان" به أمر بشراء كبش‬ ‫وذبحه للعسكريين اعترافا لهم بحسن عملهم وتفانيهم من أجل حماية وطنهم ّ‬ ‫والذود عنه‪.‬‬ ‫في نفس هذا اإلطار أشير إلى دورة ‪ 1958/1‬من الجنود المدع ّوين الذين قضوا ‪3‬‬ ‫سنوات في الخدمة العسكريّة ويتقاضون منحة مدع ّو ولم يعترض أو يف ّر أحدا منهم أو رفض العمل‬ ‫وقد كنّا آنذاك ضبا ّطا وجنودا تقريبا في نفس العمر (مثال كنت أنا في سن ‪ )22‬وكانت العالقة بيننا‬ ‫متينة في كنف االنضباط واالحترام وجوهرها االعتزاز باالنتماء للوطن وال ّدفاع عنه وهو أمر ال ب ّد‬ ‫من إيصاله إلى األجيال القادمة وكيف ّ‬ ‫أن جيل االستقالل كان دون إمكانيات وأحيانا دون غذاء‬ ‫وهدفه الوحيد حبّ الوطن وال ّرفع من شأنه‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪-5‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ساقية‪:‬‬ ‫صحراوية عند أحداث ال ّ‬ ‫الوحدات ال ّ‬

‫سنة ‪ 1958‬وبعد العدوان على ساقية سيدي يوسف ق ّررت الحكومة التّونسية منع الجيش‬ ‫الفرنسي المرابط بالجمهوريّة التّونسية من الخروج من ثكناته دون إذن مسبّق غير ّ‬ ‫أن قائد‬ ‫ال ّ‬ ‫صحراء الفرنسي "العقيد ‪"Mollot‬الذي كان مق ّره رمادة واصل القيام بدورياته العادية التي يصل‬ ‫مداها إلى وادي دكوك بين رمادة وتطاوين‪ .‬ونتيجة لعدم تنفيذه هذا القرار أمرت القيادة التّونسية‬ ‫الس ّرية الموجودة بتطاوين بإقامة مراكز على وادي دكوك ومنع ال ّدوريات الفرنسية من المرور‪ ،‬في‬ ‫ذلك الوقت بدأ تم ّرد بعض الجنراالت الفرنسيّة بالجزائر والتقطت المخابرات التّونسية برقيات بين‬ ‫صحراء تنصّ على ّ‬ ‫الجزائر والجيش الفرنسي بال ّ‬ ‫أن يوم ‪ 25‬ماي ‪ 1958‬ستو ّجه إليه طائرات لقنبلة‬ ‫وادي دكوك أين يتمركز الجيش التّونسي فت ّم إعالم القيادة باألمر وصدرت التّعليمات إلى الوحدات‬ ‫التّونسية بمزيد التح ّ‬ ‫صن والحيطة ومن الغد هاجمت الطّائرات الفرنسية المراكز ولم تقع إصابات‬ ‫بين الجنود التّونسيين‪ .‬وكر ّد فعل أمرت القيادة "النّقيب الزاير" رحمه هللا أن ينصب على بعد ‪ 1‬أو‬ ‫‪ 2‬كلم من رمادة مدافع هاون محمولة على سيّارات وأطلق النّار ليال على ثكنة رمادة ث ّم انسحب كما‬ ‫قام بعض الث ّوار التّونسيين ومن بينهم "القائد مصباح الجربوع" بمهاجمة المركز الفرنسي برمادة‬ ‫غير أنّه عند انسحابهم ونظرا لعدم معرفتهم وحذقهم فنون القتال لحقت بهم يوم الغد الوحدات‬ ‫الفرنسية وقضت عليهم جميعا إلى جانب مدير المدرسة االبتدائيّة بالمكان وعائلته‪ .‬أجبرت هذه‬ ‫الحادثة فرنسا على بدء المفاوضات خا ّ‬ ‫صة مع اعتالء "دي غول" الحكم يوم غرّة جوان ‪ 1958‬وت ّم‬ ‫االتّفاق على انسحاب ك ّل الوحدات الفرنسية من التّراب التّونسي باستثناء بنزرت قبل نهاية خريف‬ ‫‪.1958‬‬

‫‪ -6‬ال ّدعم التّونسي للثّورة الجزائرية‪:‬‬ ‫اندلعت هذه الثّورة بعشرين شخصا ع ّزل ودون أ ّ‬ ‫ي إمكانيات إذ اتّفقوا على أن يكون‬ ‫يوم غ ّرة نوفمبر ‪ 1954‬يوم اندالع العمل المسلّح في ك ّل واليات الجزائر بما في ذلك العاصمة كما‬ ‫أ ّكده أحد القادة بعزمه على القيام بذلك قائال " ننجز الغرض حتّى في العاصمة ولو نستعمل قردة من‬ ‫جبال الشيفا" ونظرا لتشديد ال ّرقابة الفرنسية على طرق المواصالت البحرية فقد استعمل الث ّوار‬ ‫الجزائريون في البداية أسلحة من الحرب العالمية الثّانية إلى غاية استقالل تونس‪ ،‬الذي سرّت به‬ ‫الجزائر باعتبار أنّها ستمثّل عمقا استراتيجيا وقاعدة خلفية للثّورة وستمثّل المنفذ الّرئيسي لتمرير‬ ‫ّ‬ ‫والذخيرة التي تأتي من ال ّشرق األوسط تم ّر بليبيا‬ ‫حا ّجيات الثّوار من األسلحة وكانت األسلحة‬ ‫ويتسلّمها الجيش التونسي جنوب البالد وتحمل على متن سيّارات عسكرية تونسيّة رغم تواجد‬ ‫الجيش الفرنسي بهذه المناطق إلى غاية عام ‪ .1958‬والغريب في األمر أنّه في بعض األحيان كانت‬ ‫ال ّشاحنات العسكرية التي تنقل األسلحة تتعطّل لسبب أو آلخر وكان الجنود الفرنسيين الموجودين‬ ‫بتلك الجهة يقومون بإصالحها دون التفطّن لحمولتها‪.‬‬ ‫هذا التّضامن التّونسي الجزائري كان سببا في توتّر العالقات التّونسية الفرنسية فتع ّددت‬ ‫انتهاكات الجيش الفرنسي للمجال التّونسي واعتداءاته على التّونسيين وممتلكاتهم بدعوى مالحقة‬ ‫الث ّوار الجزائريين وكان أ ّول وأكبر اعتداء على جهة المريج من منطقة عين دراهم يوم ‪ 31‬ماي‬ ‫‪ 1957‬وأسفر عن إصابة تسعة بين جنود وحرس وطني وكذلك السيّد "خميس الحجري" الكاتب‬ ‫العا ّم لوزارة الخارجيّة الذي كان يومها على عين المكان بصدد إعداد تقرير لألمم المتّحدة في‬ ‫‪94‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫جينيف حول مخيّم الالّجئين الجزائريين بعين دراهم رفقة المدير العام لإلدارة الجهويّة في وزارة‬ ‫ال ّداخلية السيّد " الباجي قائد ال ّسبسي "‪.‬‬

‫‪-7‬‬

‫العالقة بين الجيش التّونسي وجيش التّحرير الجزائري‪.‬‬

‫عند استقالل تونس‪ ،‬بدأ توافد الالّجئين الجزائريين على تونس وخا ّ‬ ‫صة على واليات‬ ‫جندوبة والكاف والقصرين ومن هؤالء ت ّم انتداب عدد كبير من الث ّوار الذين تك ّونوا في تونس خالفا‬ ‫للذين قدموا من الجزائر وأسندت لهم مه ّمتان األولى هي التّكوين والثّانية هي اإلمداد اللوجستيي‬ ‫لل ّداخل الجزائري فقد كان ال ّسالح يجلب من مصر عبر ليبيا والجنوب التّونسي ليصل إلى الحدود‬ ‫التّونسية الجزائرية األمر الذي يتطلّب أناس إليصاله وبغرض منع تس ّرب األسلحة واألفراد إلى‬ ‫داخل الجزائر‪ ،‬قامت فرنسا ببناء خطّ "موريس" على بعد ‪ 70‬كلم من الحدود وهو خطّ مكهرب‬ ‫تع ّزز بخطّ ثان "شال" على بعد ‪ 25‬كلم تقريبا من التّراب التّونسي‪.‬‬ ‫سنة ‪ 1957‬تكثّفت عمليّة فرار الضبّاط الجزائريين من الجيش الفرنسي العاملين بفرنسا‬ ‫وألمانيا واتّخاذ تونس وجهة لهم وكان من بينهم مجموعة من النّقباء المد ّربين تدريبا جيّدا غير ّ‬ ‫أن‬ ‫القيادة الجزائرية حينها لم تكن تثق بهم فت ّم اإلبقاء عليهم بتونس ولم يتم تشريكهم في العمليات‬ ‫العسكرية من قبل قيادة جيش التّحرير‪ ،‬كما ّ‬ ‫أن رئيس األركان آنذاك وجد بعض ال ّ‬ ‫صعوبات في‬ ‫ميدان القيادة‪ ،‬وفي هذا اإلطار نذكر على سبيل المثال حادثة استسالم "علي الحنبلي" صحبة كامل‬ ‫وحدته إلى فرنسا‪ .‬إثر هذه العملية عيّنت القيادة الجزائرية "العقيد هواري بومدين" قائد الحدود‬ ‫الغربية بجهة وجدة المغربية في خطّة قائدا لألركان العا ّمة التي اتّخذت من مدينة غار الدماء‬ ‫التّونسية مق ّرا لها ووجد الضبّاط الجزائريون القادمون من الجيش الفرنسي من القيادة الجديدة كلّ‬ ‫الثّقة وال ّدعم وكان من بين هؤالء "النقيب محمد زرقيني"‪ "،‬بوتله"‪" ،‬عبد القادر شابو" الذي‬ ‫استشهد في حادث مروحية وكان مدير ديوان بومدين " النقيب عبد المؤمن"‪" ،‬النقيب بن شريف"‬ ‫الذي أصبح مديرا للدرك الوطني و"سليمان هوفمان"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كما أشير ّ‬ ‫أن من مظاهر ال ّدعم التّونسي للثورة الجزائرية تمكين مجموعة من التالمذة‬ ‫الضبّاط الجزائريين تع ّد ‪ 12‬فردا‪ ،‬عرفناهم في "مدرسة سان سير"‪ ،‬من جوازات سفر تونسية‬ ‫ونزلوا بتونس والتحقوا بالقيادة الجزائرية ومن بينهم زميلي "عبد المجيد لالهم" الذي تقلّد منصب‬ ‫وزير ال ّسياحة ث ّم كاتب عا ّم رئاسة الجمهوريّة بعد أن تقلّد مها ّم مدير التّشريفات برئاسة الجمهوريّة‪.‬‬ ‫كما كان لجيش التّحرير الجزائري ع ّدة مراكز حدودية بالتّراب التّونسي من بينها بمنطقة‬ ‫طبرقة " المنكورة‪ ،‬عين طاشة‪ ،‬غمد الزان‪ ،‬وادي فروت‪ .‬وفي منطقة عين دراهم توجد مراكز‬ ‫جيش التحرير الجزائري في جبل بودينار‪ ،‬وادي ظلمة‪ ،‬جبل عديسة‪ ،‬عين صروية‪ ،‬وادي بوعديلة‪.‬‬ ‫أ ّما في منطقة "غار ال ّدماء" التي كانت تحتضن مق ّر قيادة هيئة أركان جيش التّحرير ففيها مراكز‬ ‫أخرى مثل "الغرّة‪ ،‬المواجن‪ ،‬عين سلطان الذي يقوده ال ّرائد شايب راسو وهي الكنية التي كان‬ ‫يعرف بها "الّرئيس ال ّراحل بن جديد"‪ ،‬الفايجة‪ ،‬قلعة الفرس‪ ،les 4 chemins ،‬كاف البرل‪ ،‬شمتو‬ ‫التي كانت بها وحدة استشفائية‪ .‬وفي الكاف نذكر مدرسة اإلطارات بضيعة تعرف بضيعة بني‬ ‫(‪ )Béni‬وقاعدة لوجستية في تاجروين ووحدات مقاتلة في جبل سودان‪ ،‬عين زانة‪ ،‬وفي جبل‬ ‫الكوشة وجبل سيدي أحمد جنوب ال ّساقية‪ .‬أ ّما في القصرين فلهم مراكز في جبل الشعانبي ومنطقة‬ ‫الرميلة بجهة فريانة‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪-8‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫المه ّمة األممية بالكونغو‪:‬‬

‫ق ّ‬ ‫ضيت ثالث سنوات في ساقية سيدي يوسف (‪ ،)1961 – 1958‬وطلبت األمم المتّحدة‬ ‫سنة ‪ 1960‬من تونس بعث وحدات إلى الكونغو بمناسبة استقاللها وبسبب األوضاع المضطربة‬ ‫فيها‪ .‬وقد كان ممثّل تونس في األمم المتّحدة الزعيم "المنجي سليم"‪ ،‬يرغب في أن تكون تونس أ ّول‬ ‫بلد يصل جيشها إلى الكونغو وفعال عملت القيادة ليال نهارا حتّى تم ّكنت من تجهيز هذه البعثة‬ ‫المتك ّونة من الفوجين التّاسع والعاشر بقيادة العقيد "لسمر بوزيان"‪ ،‬التي غادرت ثكنة العوينة يوم‬ ‫‪ 14‬جويلية ‪ 1960‬بحضور السيّد "الباهي لدغم" كاتب ال ّدولة لل ّرئاسة وال ّدفاع وكانت بعثتنا‬ ‫العسكرية أولى الوحدات اإلفريقيّة التي وصلت إلى الكونغو مع فوج من غانا‪.‬‬ ‫في األثناء‪ ،‬عيّنت األمم المتّحدة الجنرال السويدي "كارل فان هوزن" بصفة وقتية قائدا‬ ‫للق ّوات األممية المتك ّونة تقريبا من ثالثين دولة وكانت النّية تتّجه لتكوين لواء من فوجي تونس‬ ‫وفوج غانا تحت قيادة آمر الفوج الغاني الذي كان انڤليزيا‪ ،‬األمر الذي لم يرق للقائد "لسمر‬ ‫بوزيان"‪ ،‬وقد تح ّدث الجنرال "كارل فان هوزن" في كتابه ‪ soldat de la paix‬عن هذه الحادثة‬ ‫مشيدا بالقائد "لسمر بوزيان" الذي كان حسب قوله رجال صارما ومحل ّثقة لديه وهو من لم يقبل‬ ‫أن يكون تحت إمرة "انڤليزيا"‪ .‬فما كان من القيادة األممية إالّ أن عيّنت الوحدة التّونسية في مقاطعة‬ ‫"كسّاي" وهي تقريبا بمساحة تونس وفيها أربع قبائل"عروش"‪ ،‬اثنان منهم من المستحيل أن يتّفقا‬ ‫وهما "البالوبا وللولوا"‪ .‬فتاريخيا‪ّ ،‬‬ ‫تشن الحرب بينهما كل عشر سنوات‪ .‬وكان أمرا فادحا ومحيّرا‬ ‫لدى األمم المتّحدة ألنّه بمج ّرد قدوم البعثة التّونسية إلى هذه المقاطعة استتبّ األمن وال ّسلم في ظرف‬ ‫ثالثة أشهر‪ ،‬ال ّشيء الذي أبهر القيادة األممية وكانت نتيجته أن لقّب العقيد "لسمر بوزيّان" بصفة "‬ ‫أمير الكسّاي" من طرف القائد األعلى للق ّوات األممية بالكونغو‪ .‬وهذه ميزة الجندي التّونسي الذي‬ ‫ينفذ مها ّمه على أحسن وجه بعيدا عن عالم ال ّسياسة‪.‬‬ ‫وعند إحدى زيارات العقيد "لسمر بوزيان" إلى تونس لإلتّصال بالقيادة‪ ،‬اتّصلت به‬ ‫معبّرا عن رغبتي في ّ‬ ‫الذهاب إلى الكونغو‪ ،‬فالتحقت بالبعثة رفقة س ّريتين طلبهما لدعم اللّواء‬ ‫التّونسي في مارس ‪ 1961‬لتكوين الفوج ‪ 11‬بقيادة المرحوم ال ّرائد "الصادق بن سعيد"وت ّم تركيز‬ ‫الس ّريتين بقاعدة ‪ KITONA‬البحرية الج ّوية التي توجد بمصبّ نهر الكونغو بالمحيط األطلسي وهي‬ ‫قاعدة عصرية تابعة لحلف شمال األطلسي ومجهّزة بمم ّر لجميع أنواع الطائرات‪ .‬وكانت قاعدة‬ ‫‪ KITONA‬تشتمل على ‪ 150‬منزال فاخرا للضبّاط في حين كنّا ضابطين فقط أنا والمالزم أول‬ ‫المرحوم" الحمزاوي" وت ّم تعييني من قبل العقيد "بوزيان" آمرا للقاعدة خلفا لل ّرائد "بن سعيد" إلى‬ ‫جويلية ‪ 1961‬تاريخ اندالع معركة بنزرت حيث طلبت تونس من األمم المتّحدة عودة لوائها لل ّدفاع‬ ‫عن الوطن‪.‬‬ ‫كان اللّواء التّونسي بالكونغو يعرف باسم "لواء المالزمين" ّ‬ ‫ألن به خمسين مالزما‬ ‫ينتمي جميعهم إلى ال ّدورة األولى‪ ،‬إلى جانب أربعة ضبّاط سا ّمين واحد برتبة مق ّدم واثنان برتبة‬ ‫رائد واثنان برتبة نقيب‪ ،‬أ ّما المالزمون فقد ت ّم توزيعهم بسراياهم فمثال كان المالزم أول "الشابي"‬ ‫في "بورفرانكي" و"محمد الورغي" و"عبد الرحمان بن الحاج يحي" في موايكا و"المنصف‬ ‫الماطري" في الكماكمبا و"حميدة الفرشيشي" في تشيكبّا‪ ،‬و"إسماعيل باي" في بكوانغا‪ ،‬و"يوسف‬ ‫بركات" في لوبوتا و"مصطفى المق ّدم" في موريديتو‪ ،‬أ ّما "محمد قزارة"‪" ،‬عز ال ّدين بن‬ ‫‪96‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫الطيّب""ح ّمادي ال ّشيخ""الحبيب العزابي"‪ "،‬تركي رمضان"‪" ،‬ع ّمار عبد القادر"‪ "،‬كمال بن‬ ‫بدر""مصطفى درغوث"‪ "،‬محمد بن قيزة"‪" ،‬لطفي الغماري"‪" ،‬محمد مخلوف"‪" ،‬حمود‬ ‫الڤنوني"‪"،‬عبد الر ّزاق سعيد"‪ ،‬فقد كانوا في مراكز القيادة‪ ،‬في حين شغل "سالم الصبّاغ "خطّة‬ ‫ضابط اتّصال بمق ّر القيادة األممية‪ .‬وقد رافق وحداتنا طاقم موسيقى عسكري كان له صدى طيّبا‬ ‫لدى العسكريين األجانب‪.‬‬ ‫أ ّما الضبّاط ال ّسامون فـهم على التّوالي "األسمر بوزيان "آمر اللواء ويساعده كل من‬ ‫المق ّدم "الحبيب ال ّسوسي"‪ ،‬وآمري األفواج الرائد "أحمد العابد"‪" ،‬علي شرشر"‪" ،‬محمد‬ ‫اإلمام""الصادق بن سعيد"‪ ،‬والنقيب "المنصف السيّد" رئيس أركان اللواء و"الهادي بن عبد‬ ‫القادر" و"عبد الملك العالّني" مكلفين باإلدارة واللوجستيك‪.‬هذا وقد تع ّرض العسكريون التّونسيون‬ ‫خالل هذه المه ّمة إلى بعض الحوادث والمغامرات على غرار ما وقع للمالزم أول "كمال بن بدر"‬ ‫الذي أرسلته القيادة لمرافقة طبيب إلى بورفرنكي على مسافة ‪ 90‬كلم وحين وصوله وجه إليه القائد‬ ‫برقية يطلب فيها منه العودة حاالّ وكانت الطّرقات عبارة عن مسالك فالحية فتوقّف عند شجرة‬ ‫لالستراحة وهناك تفاجأ بمحاصرته من قبل مجموعة من متساكني المنطقة من األفارقة الذين حملوه‬ ‫معهم إلى القرية كرهينة ألنّه أبيض البشرة وكانوا يستع ّدون لقتله لوال نجاح إحدى المتساكنات في‬ ‫إقناع عناصر القبيلة بأنّه إفريقي من أصل تونسي‪.‬‬ ‫بطلب من الحكومة التّونسيّة‪ ،‬عادت الق ّوات التّونسيّة إلى الوطن إثر حرب بنزرت في‬ ‫أوت ‪ 1961‬وعلى إثر انتهاء معركة بنزرت‪ ،‬طالبت األمم المتّحدة بعودة التّونسيّين إلى الكونغو‬ ‫وت ّم توجيه الفوج ‪ 14‬بقيادة الرائد "حسين رميزة" الذي كان آمر للفوج ال ّرابع عشر وت ّم تعييني‬ ‫مساعدا له وكان ذهابنا في شهر ديسمبر ‪ 1961‬انطالقا من العوينة وتمركزنا بكاطنغا وهي أغنى‬ ‫والية في الكونغو وتوفّر حوالي نصف ميزانية ال ّدولة بفضل ثرواتها المنجمية من النّحاس‬ ‫واألورانيوم‪ ،‬فقد أعلن واليها‪ Tchombé‬انفصاله عن ال ّدولة ودخلت الوالية في حالة من الفوضى‬ ‫واالضطرابات بين أنصاره والمعارضين له قبائل ‪ Balubas‬الذين يع ّدون حوالي ‪ 80000‬نسمة ت ّم‬ ‫تجميعهم فيمنتزه لتأمين حمايتهم‪ ،‬وقد دامت المه ّمة سنة وشهرين وكانت تربطنا بكافّة األطراف‬ ‫عالقة جيّدة بما في ذلك مع زعيم االنفصاليين ‪ Tchombé‬الذي كان يتبادل معنا ال ّزيارات بمق ّر‬ ‫الوحدة العسكرية‪.‬‬ ‫خالل تواجدنا بكاطنغا زارنا العقيد "لسمر بوزيان" في مناسبتين بصفته آنذاك كاهية‬ ‫رئيس األركان العا ّمة "الجنرال طبيب" (رحمهما هللا) وأثناء ال ّزيارة الثّانية رافقته خالل أنشطته‬ ‫ألتولّى ترجمة ونقل أحاديثه إلى اإلنقليزية وقد صادف أن كنّا في زيارة للقائد األعلى للق ّوات‬ ‫األممية (هندي الجنسية) وسمعنا إطالق نار تبيّن فيما بعد ّ‬ ‫أن الجيش الكاطنغي هو الذي كان يطلق‬ ‫النار من مسافة بعيدة‪ ،‬وقد طلب العقيد "لسمر بوزيّان" من مضيّفه ضرورة الر ّد لحماية أفراده‬ ‫وال ّرفع من معنوياتهم وفعال بعد ساعتين أو ثالث يصدر األمر من األمم المتّحدة بنيويورك‬ ‫بالتص ّدي للجيش الكاطنغي‪ ،‬فخرجت الوحدات األممية من ثكناتها وحاولت التماسّ مع الجندرمة‬ ‫الكاطنغية إلى أن تقهقرت وانسحبت من القتال‪ .‬بعد استتباب األمن بالمنطقة واإلطاحة بـ‬ ‫نظام‪ Tchombé‬انتقلت وحداتنا لحفظ األمن بمدينة إليزابتفيل عاصمة المقاطعة وكان أدائها في كلّ‬ ‫المناطق التي عملت بها مح ّل إعجاب وتقدير خا ّ‬ ‫صة من الصحافة الكونغولية التي كانت تشيد‬ ‫بمستوى الوحدات التّونسية وحيادها إلى أن ت ّمت المه ّمة في شهر مارس ‪.1963‬‬ ‫‪97‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪-9‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫العودة إلى تونس واستكمال المسيرة‪:‬‬

‫بعد رجوعي من كاطنغا وقع تعييني بهيئة األركان العا ّمة في خطّة كاهية آلمر القسم‬ ‫األ ّول ال ّرائد "منصف ال ّ‬ ‫صيد"‪ ،‬لم ّدة سنة ونصف إلى سنتين تر ّشحت إثرها إلجراء تربّص دروس‬ ‫النقباء‪ .‬في تلك الفترة أصبح هذا التربّص يخضع أل ّول م ّرة لمناظرة بطلب من آمر قسم التّكوين‬ ‫ال ّرائد "عبد الحميد بن يوسف" الذي اشتهر بج ّديته وحزمه وقد اجتزت المناظرة بنجاح وتابعت‬ ‫التربّص رفقة النّقيب "لطفي الغماري" لم ّدة ‪ 9‬أشهر بالواليات المتّحدة األمريكيّة بمدرسة المشاة‬ ‫‪ Fort Béning‬وتربّص بمدرسة ال ّشؤون المدنية (العمل المدني) ‪ Fort gorden‬وقد كانت عودتنا‬ ‫إلى تونس مع تعيين السيّد "أحمد المستيري" على رأس وزارة ال ّدفاع‪.‬‬ ‫آنذاك تغيّرت هيكلة الجيش وتك ّونت الجيوش الثّالث وأصبح "الجنرال السوسي" قائدا‬ ‫لجيش الب ّر في حين ت ّم تعييني على رأس قسم األفراد وفي نفس الوقت رئيسا لديوان رئيس األركان‬ ‫خالل الم ّدة من ‪ 1967‬إلى ‪ .1969‬تميّزت هذه الفترة بتكليف "ال ّرائد الحبيب ع ّمار" رئيس قسم‬ ‫التّكوين العسكري بالتّحضير لما س ّمي "اإلعداد العسكري" وقد تمثّلت الفكرة في قضاء تالمذة‬ ‫األقسام النّهائية من التّعليم الثّانوي يومي ال ّسبت واألحد من ك ّل األسبوع و‪ 15‬يوما خالل العطلة‬ ‫ال ّ‬ ‫صيفية للتّدريب على المبادئ األساسية للحياة العسكريّة من ارتداء بدلة القتال والتحيّة والخطوة‬ ‫وال ّرمي واإلنضباط وغير ذلك وت ّم بعث معسكرات في عين دراهم وبنزرت وجرجيس للغرض‬ ‫وكانت فكرة ممتازة للغاية وت ّم تكوين دورات ممتازة ج ّدا ال زالت عالقة ّ‬ ‫بالذاكرة‪ .‬هذا التّكوين ال‬ ‫ّ‬ ‫السن‬ ‫يعفي ال ّشباب من الخدمة العسكرية ولكن تت ّم تهيئته فحسب ليكون ضابط احتياط عند بلوغه‬ ‫القانونية لاللتحاق باألكاديمية العسكرية‪.‬‬ ‫أثناء تواجدي بهيئة األركان ت ّمت ترقيتي إلى رتبة رائد عام ‪ 1967‬واجتزت مناظرة‬ ‫مدرسة األركان التي تابعتها بالواليات المتّحدة األمريكيّة سنة ‪ 1970 -1969‬مع صديقي وابن‬ ‫دورتي ال ّرائد "الحبيب عمار" ومن حسن حظّي أن كنت شاهدا على إقالع المركبة‬ ‫الفضائية"‪ "Apollo 11‬عند توجيهها أل ّول م ّرة إلى سطح القمر وكان طاقم "‪ "Apollo 11‬هو الذي‬ ‫تبنّى دورتنا ففي ألبوم ال ّدورة هناك مراسالت من هذا الطّاقم تعبّر عن ذلك وحضرنا أيضا عمليّة‬ ‫توجيه "‪ "Apollo 13‬التي لم تنجح وأعادوها إلى األرض قبل وصولها إلى القمر‪.‬‬

‫‪ -10‬تجربتي في القيادة بعين دراهم‪:‬‬ ‫عند عودتي إلى تونس من تربّص مدرسة األركان سنة ‪ ،1970‬وجدت السيّد "حسيب بن‬ ‫ع ّمار" على رأس وزارة ال ّدفاع الوطني‪ ،‬حينها طالبت بتمكيني من قيادة وحدة قتال وكانت الفرصة‬ ‫مالئمة لتعييني آمرا للفوج الثّاني بعين دراهم الذي كنت أتمنّاه ألنّه أ ّول فوج عملت به باإلضافة إلى‬ ‫ضيت بعين دراهم ‪ 3‬سنوات لم يطرأ خاللها أ ّ‬ ‫سمعته المتميّزة بالجيش على جميع المستويات‪ .‬ق ّ‬ ‫ي‬ ‫حادث رغم تنظيم كل أربعة أشهر مدرسة نار لفائدة الشبّان الذين ينهون تربّصهم وتدريبهم في‬ ‫مركز التّدريب بطبرقة وذلك باستعمال األسلحة الثّقيلة على غرار الر ّشاش ‪ 30‬والر ّشاش المضا ّد‬ ‫للطّائرات ‪ 12.7‬مم والمدافع الهاون ‪ 81‬و‪ 106‬مم المضا ّد للدبّابات‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪-11‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫صحراء وبدايات مشروع رجيم معتوڨ‪:‬‬ ‫بال ّ‬

‫في األثناء تر ّشحت لمناظرة المدرسة الحربية العليا بباريس ونجحت فيها وتابعت‬ ‫التربّص بفرنسا لم ّدة سنتين من سنة ‪ 1973‬إلى ‪ 1975‬ال ّدورة ‪ ،87‬ت ّم تعييني على إثرها لم ّدة سنة‬ ‫بهيئة األركان‪ ،‬ث ّم وبطلب منّي عيّنت على رأس الفوج التّرابي ال ّ‬ ‫صحراوي الذي كان مق ّر قيادته‬ ‫برمادة‪ .‬التحقت بمق ّر عملي برمادة يوم ‪ 5‬أوت ‪ 1976‬في شهر رمضان المعظّم‪ ،‬حيث الحرارة‬ ‫يومها ‪ 50‬درجة في الظ ّل والظّروف المعيشية لألفراد صعبة جدا من النّاحية المهنية والحياتية‬ ‫والتّجهيزات وغير ذلك‪ ،‬وقد جرت العادة أن يت ّم تعيين العناصر المعاقبة تأديبيا للعمل بهذه المناطق‬ ‫صة ّ‬ ‫الصحراوية مما يش ّكل خطرا على األمن خا ّ‬ ‫وأن تونس تواجه وقتها صعوبات مع إحدى ال ّدول‬ ‫المجاورة لهذه األسباب اتّصلت برئيس األركان المرحوم "الجنرال ال ّشيخ" ونحن ننتمي إلى نفس‬ ‫ال ّدورة واقترحت عليه أن لن تبقى الوحدات الصحراوية كوحدات تأديبيّة وأن تمنح لك ّل فرد ق ّ‬ ‫ضى‬ ‫ثالث سنوات عمال فعليا بال ّ‬ ‫صحراء ح ّرية اختيار مق ّر عمله بعدها‪ ،‬فكان ذلك حالّ مناسبا للح ّد من‬ ‫مطالب النّقل وتشجيع األفراد على العمل بهذه المناطق‪ .‬كما كنت قد دعوت أحد الضبّاط المعروفين‬ ‫بالج ّدية والحزم يدعى" محمد المؤ ّدب" من سالح اإلشارة (وصل إلى رتبة أمير لواء وشغل منصب‬ ‫مدير عا ّم األمن العسكري) الذي وصل يوم ‪ 25‬أوت ‪ 1976‬إلى رمادة وق ّ‬ ‫ضى معي سنتين ونصف‬ ‫في خطّة ضابط إشارة وضابط مخابرات وغادر إثرها الفوج ّ‬ ‫للذهاب إلى تربّص بالخارج‪.‬‬ ‫كما أنّه وفي إطار تشجيع ورفع معنويات األفراد وإعطائهم فرصة للبقاء مع أهاليهم‬ ‫والتّرويح عن النّفس‪ ،‬إذا كانت ال ّ‬ ‫صحراء خالية من كل المرافق األساسيّة والكمالية‪ ،‬وافقت القيادة‬ ‫على مقترح تمكين األفراد العاملين برمادة والمراكز التّابعة لها من رخصة بأسبوع ونقلهم بوسائل‬ ‫نقل عسكرية حتّى قابس بعد عمل ‪ 5‬أسابيع متتالية فكان ذلك حافزا للعمل بال ّ‬ ‫صحراء‪.‬‬ ‫باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬كان ال ب ّد من العناية أيضا بتعزيز الوحدات الصحراوية بالعتاد‬ ‫والتّجهيزات فمثال المكيّف الوحيد بالثّكنة كان بمكتبي وليس هناك مولد للتيّار الكهربائي‪ ،‬فأشار‬ ‫عل ّي "النقيب المرحوم بشير بن عبد ال ّرحمان" الذي كان ضابط لوجستيك بدعوة السيّد "سعيد‬ ‫القصي" المسؤول عن المحاسبة بالوزارة والسيّد "سالم الخميلي" مراقب المصاريف بالوزارة‬ ‫األولى لقضاء أسبوع أو اثنين بال ّ‬ ‫صحراء واإلطّالع على ظروف العيش بها‪ ،‬وفعال قدما صحبة‬ ‫زميلهم السيّد "بشير سالم بلخيرية" وقاموا بزيارة جميع المراكز المتق ّدمة وعاينوا النقائص في‬ ‫المع ّدات والتّجهيزات وطلبوا منّي طلب تحديد الحا ّجيات ال ّ‬ ‫ضرورية واقتنائها‪ ،‬وشرعنا في التّأثيث‬ ‫والتّجهيز ّ‬ ‫ألن ال ّ‬ ‫صحراء تستقبل كافّة الملحقين العسكريين ومعظم ال ّسفراء‪ .‬فمثال أثناء فترة عملي‬ ‫هناك زارني ما ال يق ّل عن ‪ 10‬وزراء ورئيس البرلمان و‪ 4‬أو ‪ 5‬سفراء بحيث كان الب ّد من تهيئة‬ ‫فضاءات الستقبال هذه ال ّشخصيات ببرج بورقيبة وبرج الخضراء ورمادة وتطاوين‪ ،‬وبذلك ت ّم‬ ‫توفير المرافق األساسية من أدواش وأدوات تسخين وتبريد ونادي للراحة والتّسلية لألفراد‪.‬‬ ‫على مستوى التّنمية لفت انتباهي "النقيب العيّاشي" الذي كان يعمل معي آمرا لس ّرية‬ ‫ڤبلّي وأشار عل ّي بالتّرخيص له في استصالح ‪ 4‬أو ‪ 5‬هكتارات من األراضي المهملة وتوزيعها‬ ‫على الرقباء أصيلي المنطقة الذين يعتزمون الخروج على التّقاعد فسمحت له بذلك وكنت عازما‬ ‫على مناقشة ال ّسلط الجهويّة أ ّ‬ ‫ي الوالي في الموضوع الذي استحسن الفكرة وتبنّاها وت ّمت تهيئة هذه‬ ‫المساحة بجهة "الطوفاية" منطقة دوز وقام بتقسيم األراضي وتسجيلها وطلب منّي تمكينه من‬ ‫‪99‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫القائمات فاخترنا من ك ّل عرش واحد ومن ك ّل جهة واحد فكان ذلك بمثابة اللّبنة األولى لمشروع‬ ‫رجيم معتوڨ الذى أثمر بعد ‪ 10‬سنوات‪.‬‬

‫‪-12‬‬

‫أحداث قفصة‪:‬‬

‫وفي سنة ‪ 1978‬أرسلت دورية على المهاري من رمادة إلى بير زار حوالي ‪ 80‬كلم‬ ‫مز ّودة براديو مشفّر‪ .‬وقد وافتني ال ّدورية في اليوم الثّالث ببرقية تطلب فيها توجيه شاحنتين لنقل‬ ‫ك ّمية من األسلحة (‪ 200‬قطعة سالح وذخيرتها) فو ّجهت لهم شاحنتي "ماجروس" وحملوا األسلحة‬ ‫المتك ّونة من أسلحة فردية وجماعية في حين ت ّم اإلبقاء على ال ّ‬ ‫صناديق فارغة على عين المكان‬ ‫ونصبنا كمينا للتثبّت من مصدر هذه األسلحة واكتشفنا بعد يومين وصول سيّارة على متنها ليبين‬ ‫ي العسكري اللّيبي تم ّكنوا من الفرار بعد إطالق النّار عليهم واتّضح ّ‬ ‫يرتدون الز ّ‬ ‫أن النّظام اللّيبي‬ ‫كان يستع ّد لمساعدة عناصر عمليّة مدينة قفصة وقتئذ‪.‬‬ ‫في ‪ 5‬جانفي ‪ 1980‬تم ّكنت من بعض المعلومات التي تفيد بتسريب أسلحة من ليبيا إلى‬ ‫تونس عبر جبال " الظّاهر" فأرسلت ضابط االستعالمات النقيب "ڤريرة" مح ّمال برسالة خطّية إلى‬ ‫رئيس األركان اللواء" محمد ڤزاره" أعلمته باألمر وطلبت منه إلحاق س ّرية طالئع بال ّ‬ ‫صحراء لم ّدة‬ ‫شهر للقيام ببعض الكمائن‪ .‬وفعال م ّكنني من ذلك وألحق طائرتين حربيتين بمطار جربة وق ّرر‬ ‫التّعبئة لإلطارات أيّام راحة آخر ك ّل أسبوع طيلة شهر جانفي الذي كنت أعتبره ساخنا على تونس‪.‬‬ ‫وفي اللّيلة الفاصلة بين ‪ 26‬و‪ 27‬جانفي ‪ 1980‬خاطبني رئيس األركان ليال حوالي ال ّساعة‬ ‫الثّانية صباحا طالبا وضع فصيل من س ّرية ڤبلّي لحماية مدخل توزر وفصيل ثان لحماية مدخل‬ ‫نفطة‪ ،‬أين يوجد "الرئيس بورڤيبة" في فترة عطلة‪ .‬وعند استفساري عن األسباب‪ ،‬أعلمني بمهاجمة‬ ‫مجموعة من الث ّوار ثكنتي ڤفصة بالجنوب الغربي للبالد‪ ،‬فتوقّعت ّ‬ ‫أن وصول هاته المجموعة إلى‬ ‫صحراء‪ ،‬منطقة الوحدات ال ّ‬ ‫ڤفصة أمرا محيّرا إن كان ذلك على طريق ال ّ‬ ‫صحراوية التي ش ّددت‬ ‫وأحكمت وسائل ال ّدفاع باستعمال الكمائن وال ّدوريات على المروحيات والسيّارات والمهاري‪ ،‬فلم‬ ‫يسترح بالي حتّى أعرف من أين دخلوا؟ وكيف وصلوا بسالم إلى ڤفصة؟‬ ‫كانت الحقيقة مريحة حيث ثبت أنّهم دخلوا من الغرب ال من ال ّشرق‪ ،‬ودامت العملية‬ ‫حوالي األسبوع ت ّم القضاء على عدد قليل منهم في حين ت ّم القاء القبض على معظمهم‪ ،‬باستثناء‬ ‫واحد هرب إلى الغرب‪ ،‬ومقاضاتهم ث ّم تنفيذ حكم اإلعدام فيهم‪ .‬في شهر أوت وبعد أربع سنوات‬ ‫ضيتها بال ّ‬ ‫ق ّ‬ ‫صحراء‪ ،‬هاته الم ّدة التي أعتبرها أفضل فترة في حياتي المهنية وقع تعييني بطلب منّي‬ ‫ملحقا عسكريا بال ّرباط ق ّ‬ ‫ضيت منهم ثالث سنوات مليئة بالحركية بين المسؤولين التّونسيين‬ ‫والمغاربة والمدارس العسكريّة وتكوين فوج من تالمذة ضبّاط طيران بـ"مدرسة م ّراكش‬ ‫المغربيّة"‪.‬‬ ‫***‬ ‫مالحظة‪:‬‬ ‫انتهت الشّهادة الشّفوية للعقيد متقاعد أبوبكر بنكريّم‪ ،‬أوردناها بك ّل أمانة‪ .‬وك ّل األفكار‬ ‫واآلراء والمواقف التي تض ّمنتها ال تلزم غير صاحبها وال تعبّر في شيء عن الخطّ التّحريري‬ ‫للمجلّة التّونسية للتّاريخ العسكري وال عن أفكار ومواقف وآراء هيئة تحريرها‪ ،‬وهي التلزم‬ ‫وزارة الدّفاع الوطني‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫قراءات في آخر اإلصدارات‪....‬‬

‫صورة غالف الكتاب‬

‫‪101‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫عرض كتاب‪:‬‬ ‫د‪ .‬أنيس المؤدب‪ ،‬حفريات في ذاكرة الموسيقى العسكرية التونسية من بداية القرن ‪17‬‬ ‫إلى نهاية القرن ‪ ،19‬تونس‪ :‬سوتيميديا للنشر والتوزيع‪ 201 ،2016 ،‬ص‪.‬‬

‫مراجعة‪ :‬محمد ضيف هللا‬ ‫المعهد العالي لتاريخ تونس المعاصر‬ ‫جامعة منّوبة‬ ‫يتطلّب االهتمام بتاريخ الموسيقى العسكريّة أكثر من اختصاص‪ ،‬وما أهّل المؤلّف أنيس‬ ‫المؤ ّدب إلى أن يكتب في هذا الموضوع هو أنّه ُمحرز على األستاذيّة في الموسيقى (‪ )1994‬وعلى‬ ‫ال ّدكتوراه في التّراث وكان موضوعها حول الثقافة الموسيقيّة بتونس خالل الفترتين البونيّة‬ ‫وال ّرومانية (‪ ،)2007‬كما قضى خدمته العسكريّة في الطّاقم الموسيقي للجيش الوطني‪ .‬ومن المه ّم‬ ‫اإلشارة كذلك إلى ّ‬ ‫أن هذا الكتاب حظي بتشجيع عدد من الجامعيّين من بينهم د‪ .‬سمير ب ّشة الذي كتب‬ ‫ّ‬ ‫التّصدير أو باألحرى التقديم‪.‬‬ ‫والحقيقة كما الحظ ذلكد‪ .‬ب ّش ّ‬ ‫ةأن "ال ّدراسات المهت ّمة بالموسيقات العسكريّة هي أق ّل‬ ‫حظوة من غيرها من ال ّدراسات في تاريخ المباحث الموسيقولوجية بشكل عا ّم" (ص ‪ ،)12‬ويمكن‬ ‫أن نالحظ في نفس ال ّسياق ّ‬ ‫أن الكتابات حول الموسيقى العسكريّة قليلة‪ ،‬وأق ّل منها الكتابات حول‬ ‫ّ‬ ‫علىست عشرة صفحة‬ ‫تاريخها‪ .‬وأ ّماقائمة المصادر والمراجع التي بلغ عددها ‪ 159‬عنوانا وتمت ّد‬ ‫كاملة‪ ،‬فهي ال تد ّل على كثرة الكتابات حول الموسيقي العسكريّة تحديدا‪ ،‬بقدر ما تكشف المجهود‬ ‫الذي بذله المؤلّف في التّنقيب فيها على جمل شحيحة ومعلومات متناثرة‪ ،‬قد ال تم ّكنه منالوصول إلى‬ ‫ال ّ‬ ‫صورة النّهائية للمربكة (‪ )puzzle‬التي راهن على استكمالها‪.‬‬ ‫إال ّ‬ ‫أن ذلك ال ينزع شيئا من قيمة هذا الكتاب الذي تناول فيه صاحبه الموضوع على‬ ‫امتداد حوالي ثالثة قرون‪ ،‬بين بداية القرن ال ّسابع عشر ونهاية القرن التّاسع عشر‪ ،‬وهي فترة كفيلة‬ ‫بتلمس التط ّورات التاريخيّة التي تتعلّق بالموسيقى العسكريّة‪ ،‬من بداية العهد العثماني إلى انتصاب‬ ‫الحماية الفرنسيّة مرورا بتأثيرات الهجرة الموريسكية األندلسيّة وما جلبته من تراث موسيقي‬ ‫أندلسي وصوال إلى اإلصالح العسكري في القرن التّاسع عشر وما رافقه من ظهور الطّواقم‬ ‫الموسيقيّة العسكريّة على النّمط األوروبي بآالتها الموسيقيّة وقوالبها اإليقاعيّة وطرق تعلمها‪.‬‬ ‫يقع هذا الكتاب في ثالثة فصول‪ ،‬اهت ّم أ ّولها بمصادر البحث (ص ‪ ،)53-27‬وهي مسألة‬ ‫منهجيّة ته ّم الباحث أكثر من القارئ العادي‪ ،‬وقد قسّم المؤلّف مصادره إلى أربعة أصناف‪ ،‬هي على‬ ‫التوالي‪:‬‬ ‫‪ -1‬المصادر الموسيقيّة ‪ - 2‬الوثائق األرشيفيّة‪.‬‬ ‫‪ -4‬الوثائق اإليقونغرافية‪.‬‬ ‫‪-3‬المصادر المكتوبة‪.‬‬

‫صدد ما يلي‪ّ :‬‬ ‫أن ال ّ‬ ‫ونالحظ بهذا ال ّ‬ ‫صنف الثّالث الذي س ّماه "بالمصادر المكتوبة" يمكن أن يشمل بقية‬ ‫األصناف بما في ذلك الوثائق اإليقونغرافية التي وردت في األصل في كتب منشورة‪ ،‬كذلك ال ّشأن‬ ‫بالنّسبة إلى المصادر الموسيقيّة والتي تتمثّل في مخطوطتين اثنتين‪.‬‬

‫‪102‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫ ّ‬‫أن المؤلّف لم يعد إلى الوثائق األرشيفية مباشرة‪ ،‬وإنّما اكتفى باستعمال مراجع اعتمد‬ ‫ّ‬ ‫أصحابها على وثائق األرشيف الوطني‪ ،‬وبالتالي ما كان عليه أن يفرد الوثائق األرشيفية بفقرة‬ ‫ضمن مصادره (ص ‪ )42-41‬أو كان عليه أن يقوم بنفسه بالتنقيب في ذلك األرشيف‪.‬‬ ‫ ّ‬‫أن من أه ّم المصادر التي اعتمدها المؤلّف مخطوط تحت عنوان "غاية ال ّسرور‬ ‫والمنى‪ ،‬الجامع لدقائق ورقائق الموسيقى والغناء" ويعود إلى سنة ‪ 1871‬وقد ألّفه أربعة أشخاص‬ ‫بينهم ثالثة ضبّاط من الجيش التّونسي‪ .‬وإذ أشار المؤلّف إلى ّ‬ ‫أن هذا المخطوط قد نشرته وزارة‬ ‫الثقافة في شكله األصلي بطريقة التّصوير الفوتغرافي دون تقديم أو تحقيق (ص ‪ ،)33‬فالفرصة‬ ‫قائمة أمام المؤلّف نفسه لكي يحقّق وينشر هذا المخطوط الها ّم‪ ،‬يما يثري المكتبة الموسيقيّة‪.‬‬ ‫أ ّما الفصل الثّاني من الكتاب فقد جاء تحت عنوان‪" :‬الفرق الموسيقيّة العسكريّة على‬ ‫النّمط العثماني" (ص ‪)105-55‬؛ وقدأعادها المؤلّف إلى فرقة المهتر العثماني‪ ،‬إال أن التّسمية التي‬ ‫عرفت بها وتداولها اإلخباريون هي "النّوبة" (ص ‪ ،)60‬وتقوم فرق النّوبة يوميا بإيقاظ العسكر‬ ‫صباحا واإلعالن عن توقّف النّشاط مساء وبداية الحراسة اللّيلية‪ .‬كماأنّها تصاحب المحلّة في‬ ‫خروجها م ّرتين سنويا‪ ،‬ومن الطّريف أنّها كانت ال تتوقّف عن العزف طيلة الطّريق‪ .‬كما كانت‬ ‫النّوبة ترافق العسكر في عملياته الحربيّة‪ ،‬إضافة إلى أنّها كانت تساهم في إحياء المواكب مثل‬ ‫األعياد وفي التّشريفات ال ّرسمية‪ .‬وقد استعان المؤلّف في هذا الفصل ببعض ال ّ‬ ‫صور التي يظهر فيها‬ ‫عازفون وآالت موسيقيّة كانت تستعملها النّوبة وتعود إلى أصول عثمانيّة وأخرى محلّية‪ ،‬وقد‬ ‫حصرها في خمسة أصناف (ص ‪ )80‬مع ما يقابلها من عازفين هم الغيّاطة والطبّالة والنفارة‬ ‫(العازفون على النفير) وضاربو النقرات والصنوج (ص ‪ .)90‬أ ّما ال ّرصيد الموسيقي فهو ذو‬ ‫محتوى محلّي إالّ أنّه صيغ في قوالب ذات أصول عثمانية‪ .‬وأشار المؤلّف إلى ّ‬ ‫أن النّوبة استم ّرت‬ ‫حتّى بعد إلغاء عسكر الترك وتعويضه بالعسكر النّظامي‪.‬‬ ‫يتناول الفصل الثّالث واألخير من الكتاب‪ ،‬الطّواقم الموسيقيّة العسكريّة على النّمط‬ ‫األوروبي (ص ‪ .)172-107‬وقد خ ّ‬ ‫صص المؤلّف العشرين صفحة األولى منه (ص ‪)128-109‬‬ ‫ّ‬ ‫لبدايات حضور الموسيقى األوروبيّة بالبالد التونسيّة‪ ،‬ورغم أه ّمية ما جاء فيها من معلومات ثريّة‬ ‫ومتن ّوعة‪ ،‬فإنّهاخارج الموضوع‪ ،‬وكان عليه بالتّالي أن يختصرها والتّركيز على طواقم الموسيقى‬ ‫العسكريّة‪ ،‬مشيرا إلى أنّها ظهرت قبل إصالحات أحمد باي نفسه إذ يعود أ ّول استعراض لها إلى‬ ‫األسبوع األول من ماي ‪( 1831‬ص‪ .)133‬وال يتوقف التّأثير األوروبي هنا على األزياء التي كان‬ ‫يرتديها الموسيقيّون العسكريّون وإنّما أيضا اآلالت الموسيقيّة التي كانوا يعزفون عليها‪ ،‬والتي‬ ‫حافظت على أسمائها الفرنسيّة أو اإليطاليّة‪ .‬كما ّ‬ ‫أن الطّواقم الموسيقيّة العسكريّة أوكلت مه ّمة‬ ‫تدريبها إلى أوروبيّين‪ ،‬استغلّوا موقعهم لتعليمها عزف النّشيد الوطني الفرنسي "المارسياز" (ص‬ ‫‪ .)134‬ور ّكز المؤلّف على فرقة الباي التي استم ّر وجودها إلى تحت الحماية الفرنسيّة وكان لها‬ ‫دور تشريفاتي‪ .‬أ ّما من حيث رصيدها الموسيقي فقد ض ّم موسيقات محلّية تونسيّة من‬ ‫المالوفوالبشارف كما توارثت ال ّرصيد القديم للنّوبة‪.‬‬ ‫من خالل هذا الكتاب نتبيّن ّ‬ ‫أن تاريخ الموسيقى العسكريّة يتماشى مع التّاريخ العا ّم للبالد‬ ‫التونسيّة من حيث مرورها من التّأثيرات ال ّشرقية العثمانية إلى التّأثيرات األوروبيّة‪ ،‬دون أن يقضي‬ ‫ي منهما على الطّابع الموسيقي المحلّي‪ .‬كما نالحظ من جانب آخر‪ّ ،‬‬ ‫أ ّ‬ ‫أن الكاتب يبدو حذرا أحيانا في‬ ‫ّ‬ ‫الوصول ببعض المسائل إلى نهاياتها وهذا في الحقيقة يتعلق بالمصادر التي بقيت في اعتقادنا غير‬ ‫مستوفاة طالما أن المؤلّف لم ينقّب بنفسه في أرصدة األرشيف الوطني‪ .‬وللفت النّظر إلى ما قد‬ ‫يش ّكله من أه ّمية فيما يتعلّق بموضوع الموسيقى العسكريّة واألوساط االجتماعيّة التي يُختار من‬ ‫بينها الموسيقيّون‪ ،‬نورد فيما يلي وثيقة وردت ضمن ال ّسلسلة التّاريخية (ال ّ‬ ‫صندوق ‪ 23‬الملف ‪266‬‬ ‫الوثيقة ‪ ،)15‬يعود تاريخها إلى ‪ 21‬صفر ‪ 18 /1293‬مارس ‪ ،1876‬وهي تكشف عن عزوف أبناء‬ ‫بلدة زغوان عن اللّحاق بـ "مزيكة العسكر"‪ ،‬بعد أن كانت ال ّسلطة قد طلبت أن يلتحق بها خمسة‬ ‫‪103‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬

‫عشر شابّا‪ .‬وقد يكون التوجّه إلى زغوان ّ‬ ‫بالذات لما عرفت به من تقاليد وتراث موسيقي موريسكي‪.‬‬ ‫ّإال ّ‬ ‫أن القائمة النّهائية قد أثارت احتجاجات األهالي ال ّرافضين للحاق أبنائهم بفرقة الموسيقي‬ ‫العسكرية والطّريف ّ‬ ‫أن أربعة من المحتجين هم من العسكريّين‪ ،‬أحدهم برتبة يوزباشي‪ .‬وأ ّما عن‬ ‫أصولهم ّ‬ ‫فإن ثالثة من المحت ّج ين ينحدرون من الوسالتية وال يوجد من ضمنهم أحد من األندلسيين‪.‬‬ ‫مقابل ذلك نجد من بين أعيان البلدة الذي رفعوا العريضة ثالثة من أصول أندلسية (‪ 1‬فاضل‪ ،‬و‪2‬‬ ‫العروسي)‪.‬‬ ‫الوثيقة‬ ‫أحمد بن الفقيه أحمد الزريبي‬ ‫الحاج أحمد بن الحاج صالح بن رحومة الوسالتي‬ ‫أحمد المغربي المالّخ‬ ‫علي بن محمد الطّويل الوسالتي‬ ‫اليوزباشي محمد بن الحاج محمد البديوي من عسكر الطبجية‬ ‫أحمد بن محمد مهيدي العسكري‬ ‫الشاوش الحاج عثمان بن الحاج َمحمد بن الحاج الطرابلسي‬ ‫العسكري البشير بن َمحمد الوسالتي‬ ‫الحمد هلل وصلى هللا على سيّدنا وموالنا محمد وعلى آله وصحبه وسلمّ‬ ‫جناب الثّقة األوحد الخالصة األسعد الهمام األع ّز العمدة المنتخب أميراللوا سيدي محمود عزيز‬ ‫عامل رياح والبليدات في التّاريخ‪ ،‬أبقاه هللا تعلى محفوظا بمنّه‪ ،‬ال ّسالم عليكم ورحمة هللا وبعد‬ ‫فالمعروض عن جنابكم أنّه ل ّما قدم األجل المرعي الصاغقالغسي سي عمار بن أحمد الغربي‬ ‫النتخاب خمسة عشر نفرا من أبناء زغوان لمزيكة العسكر باإلذنالمشيري المطاع ووقع ذلك ممن‬ ‫له اإلذن على طبق اإلذن العلي المذكور‪ ،‬فل ّما استوفت الخدمة في ذلك وثبت للخدمة من استوفت‬ ‫ّ‬ ‫بالسن الموجب‬ ‫ف‬ ‫ال ّشروط فيه‪ ،‬وطرح منها من له عذر بانفراده ألبويهأو ألحدهما‪ ،‬أو كان لم يَ ِ‬ ‫لذلك أو تجاوز عنه طبق اإلذن المذكور‪ ،‬قام أقارب ال ُمثبتين وهم األنفار المذكورين أعاله وصالوا‬ ‫علينا بال ّشتم ألعراضنا واللّعن آلبائنا بمحضرالخاصة واللفيف في مواطن متع ّددة‪ ،‬ومن جملة شتمهم‬ ‫أن تف ّوهوا على أن طرحنا ألصحاب األعذار الخا ّ‬ ‫صة بأخذ أربعة آالف ريـال وكالم طويل في‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫جانبنا وجانب النايب الشرعيبزغوان لم تحصره هاته البطاقة وحيث تُق ّول فينا ذلك مع الشتم‬ ‫ألعراضنا فالمرجوا (كذا)من جنابكم إثبات ذلك بعد استفساركم لجميع ما وقع‪ ،‬فإن ثبت ذلك فالنّظر‬ ‫لمن له النّظر‪ ،‬وإن كان افتراء فالمؤمل إنصافنا حقّنا من هاؤالء (كذا) المتف ّوهين علينا بالكالم الغير‬ ‫االيق (كذا)الظالمين ألعراضنا سيّما عرض الشريعة الذي ال يليق بذلك المنصب إال األحسنوالعهدة‬ ‫في ذلك عليكم ودمتم في أمن هللا ورعيه والسالم من مجلّوك فقير ربه محمد الشاذليعزوز وحمودة‬ ‫فاضل نايب زغوان والشيخ بها خميس العروسي وشيخ السواحلية بها حسنبن مبارك وشيخ‬ ‫الوسالتية الحاج محمد عباس ومحمد الصادق بن تمسك وصالح بن الحاجعباس ومحمد الشرقي‬ ‫العروسي لطف هللا بالجميع‪ .‬في ‪ 21‬صفر الخير من شهور سنة ‪1293‬ثالثة وتسعين ومايتين وألف‪.‬‬ ‫صح من ح ّمودة فاضل‬ ‫صح من نايب األحكام مح ّمد الشاذلي عزوز‬ ‫صح من محمد الصادق بن تمسك‬ ‫صح من الشيخ خميس العروسي‬ ‫صح من صالح بن عباس‪ .‬صح من حسن بن مبارك‪ .‬صح من ال ّشرقي العروسي‪ .‬صح من ال ّشيخ‬ ‫الحاج مح ّمد عبّاس‪.‬‬

‫‪104‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪105‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪106‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬


‫المجلّة التّونسيّة للتّاريخ العسكري‬

‫‪107‬‬

‫العدد ‪2018 / 8‬‬


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 08 Décembre 2018

Table des matières Partie anglaise / Française

L’auteur

L’article

Comité de rédaction

Editorial…………….………….....................................................01

Colonel / Dr Samir Chemi

THE TURKISH-GERMAN ALLIANCE DURING THE

Page

WWI AND ITS IMPACT ON THE RESISTANCE OF THE TUNISIAN PEOPLE TO FRENCH COLONIZATION.…..03

Maître/C. Faycel Cherif

75 ANS LA CAMPAGNE DE TUNISIE 8 NOVEMBRE 1942 - 13 MAI 1943………….………………....20


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

EDITORIAL L’apprentissage de l’histoire contribue à la formation d’individu susceptible de mieux comprendre les débats et enjeux de leurs sociétés à la lumière de passé. C’est pourquoi l’apprentissage de l’histoire doit se faire par le biais d’une approche inclusive ouverte à la diversité des points de vue et des expériences. Sur cette base nous présentons la 8éme édition de la Revue Tunisienne d’Histoire Militaire. Cette édition présente des articles élaborés par des chercheurs en histoire militaire, universitaires et militaires. La parution de ce numéro coïncide également avec la commémoration de 75 ème années de la fin des événements de la 2èmeGuerre mondiale en Tunisie, et le début de la défaite des forces de l’Axe contre les Alliés ainsi que la libération de l’Europe. Dans ce cadre ce numéro comporte plusieurs articles concernant l’histoire contemporaine de la Tunisie durant les deux Guerres mondiales. Le Professeur Faysal Cherif s’est intéressé à la « 75 années de la campagne de Tunisie pendant la 2ème Guerre mondiale (8 Novembre 1942 jusqu’à 13 Mai 1943) ». Dans le même contexte le Professeur Ali Aïet Mihoub dévoile un peu le coté énigmatique « Des prisonniers des forces de l’Axe en Tunisie 1943-1949 ». Quant au Colonel Samir Chemi, il a choisi de mettre en exergue l’alliance entre la Turquie et l’Allemagne, à travers son article rédigé en langue anglaise « The Turkish-German alliance during the W.W.I. and its impact on the resistance of the Tunisian people to french colonization ». Il a tenté de démontrer les effets sur la résistance tunisienne contre l’occupation française. Le Professeur Abdelmajid Belhedi nous a présenté un article intitulé « La presse Tunisienne et la révolution Algérienne (1954-1957) : Etude des formes de soutien et de couverture médiatique de la révolution à travers les journaux Le Matin et L’Action ». La Revue s’est intéressée également aux récits oraux des anciens militaires en présentant le témoignage oral du Colonel (R.) Aboubaker ben Kraim. Ce témoignage est présenté par le Lt. Colonel Abdelaziz Bouguezzi sous le titre « Témoignage du Colonel (R.) Aboubaker ben Kraim concernant la naissance et l’évolution de l’institution militaire pendant les premières années de l’indépendance ». Outre ces études, le 8ème numéro de R.T.H.M. comporte aussi un nombre d’études traitant l’époque moderne de la Tunisie. Ainsi le Professeur Chibeni ben Belghith présente « Le rôle des mamlouks dans la naissance de l’état moderne en Tunisie ». Néanmoins le chercheur Atef ben Salem remonte jusqu’au début de conflit Ottmano-Espagnol, en se référant aux documents d’archives militaires Allemands. La période Husseinite est évoquée minutieusement par le Professeur Lotfi Bouali à travers un article rédigé en langue arabe intutilé « Le pouvoir Husseinite face à la résistance : Etude des formes de dissuasion militaire à partir du corpus d’El Ithef d’Ibn Abi Dhiaf ». La Professeure Laila Zaghdoud a voulu présenter le côté rayonnant de l’industrie militaire maritime. Elle a également focalisé sur les célèbres navires méditerranéens du XVI au 1


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

XVIII siècles. Dans son article intitulé « Observations concernant la fabrication du navire Chebek au XVIIIème siècle. », elle a essayé de présenter les caractéristiques de ce navire. La 8ème édition de La R.T.H.M. est enrichie par l’article du Professeur Med Dhifallah « Compte-rendu sur le livre de Professeur Anis Elmeddeb ; La musique militaire Tunisienne ». En épilogue, il convient de rappeler que l’objectif de cette revue est de présenter aux lecteurs certains aspects de notre histoire militaire et d’affirmer chez les jeunes la mémoire militaire nationale. La R.H.M.T. demeure ouverte pour tous les chercheurs dans le domaine de l’histoire militaire de la Tunisie pendant toutes les époques.

2


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

THE TURKISH-GERMAN ALLIANCE DURING THE WWI AND ITS IMPACT ON THE RESISTANCE OF THE TUNISIAN PEOPLE TO FRENCH COLONIZATION Colonel / Dr. Samir CHEMI Tunisian Commission of Military History

Introduction: The World War I that had shaken the international order at the beginning of the twentieth century had many direct and indirect repercussions on Tunisia. Under the French occupation since 1881, Tunisia was forced to be involved in the war. In fact 80.000 Tunisian soldiers were mobilized in western and eastern WWI fronts in addition to the 30.000 men working in French fields and factories. Furthermore, Tunisia was obliged to contribute considerably in the economic war effort. However, The Great War was perceived by the Tunisian people as a moment of decline of the French colonialism, and a favorable opportunity to combat the Protectorate regime. The expectation of a German-Turkish victory had galvanized a large armed resistance movement in the south-east of Tunisia. This movement joined the Libyan Resistance against the Italian occupation rejected by Istanbul. Turkey and Germany called the colonized people to join their cause and struggle against the British and French occupation, exalting religious and nationalist sentiments. This call, added to an active propaganda, has stimulated reactions of adhesion and sympathy among the Tunisian elite, the Movement of Young Tunisians, and Tunisian population. The French authorities in occupied Tunisia tried to hide and minimise the failure of French armies and their casualties in the western front face to Germany and later in the Dardanelles face to Turkish armies. They had spared no effort to prevent all manifestations of alliance or solidarity between the Tunisians and Turkey by carrying out anti-German and anti-Turk mass propaganda, by the oppression of armed popular resistance and by the exile of any nationalist sympathizer with Istanbul. This paper is organized as follows: - The Ottoman and German policy towards the Allies’ colonies and its impact on Tunisia. - The French policy in occupied Tunisia during WWI - The WWI and the reinforcement of Tunisian resistance to French occupation

I-

THE OTTOMAN - GERMAN POLICY TOWARDS ALLIE’SCOLONIES AND ITS IMPACT ON TUNISIA:

1- Turkish–German Alliance and the holy war: The Prussian-Ottoman military relations go back to the 18th century. The Ottoman sultans tied strong relations with Prussia and many Prussian military missions were deployed in the Ottoman Empire in order to modernize the Ottoman army. During the two decades before the First World War, the relations between Germany and the Ottoman Empire were increasingly deepened. The construction of the Baghdad Railway attested not only the Ottoman-German financial and economic partnership, but also “the peaceful German imperialism in the Middle East”. The visit of 3


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Kaiser Wilhelm II to Istanbul in 1898 was particularly a strong catalyst for the mutual sympathy, interest and cooperation. He had also visited Beirut and Damascus where he visited the tomb of Saladin and already designated himself as the protector of 300 million of Muslims. Many people All over the “Ottoman Empire” believed that the Kaiser was already Muslim and called him “alHaj” (Haci)! … After the deposition of “Sultan Abdulhamid” on April 25, 1909 and the absence of reaction of Wilhelm II, the great ally, during the loss of “Tripolitania” (1911-1912), the pan-Islamic movement became more active. The first pan “Arabic congress” took place in Paris in 1913.The new “Sultan Mohamed V” (Rashad) was considered as a symbol of the union and solidarity of the Muslim world1. He proclaimed the Jihad (October 15, 1914) and there was the hope that a greater insurrection would break out in the British and French colonies as well as in parts of “Russia”. The Sultan’s entry into the war on the side of the Central Powers was justified. In his proclamation the “Sultan said”: “…For three centuries, Russia has tyrannized us, it has sown mines in the Bosphorus Strait ... In the holy war for God! God is with us ... Religion and homelands call us loudly. Brave and valiant soldiers, she claims the sacrifice of your lives for her triumph ... God and his Prophet are with us, on our side ... Moreover, we joined the best and the most powerful army in the world and thanks to God, we will come out of degradation and we will not be detested anymore…”2 On November 14, 1914 a tract was printed in Istanbul, in 50,000 copies for distribution in Muslim countries. The Young Turks newspaper published on November 26, 1914 a “Fatwa” of “Sheikh al Islam” calling the Muslims to fight against the infidels who dared to attack the capital of Islam, “Istanbul”. He concluded: “The caliphate invites you to the holy war”. 3Many tracts and newspapers claiming the holy war were printed in “Germany” to be diffused all over the Muslim countries.

“Al- Jihad”, a newspaper claiming the holy war. Printed in Berlin:

- Arnoulet(F.), « Les Tunisiens et la Première Guerre mondiale (1914 - 1918) » ,Revue d’Occident musulmanet de la Méditerranée, Année 1984, Volume 38, Numéro 1, pp 47-61, p.49. 2 -Reprinted entirely by the Italian newspaper La Tribuna published in Rome on November 12, 1914 (diffused in Tunisia) 3 - Arnoulet (F.), Op. cit. ,p.50. 1

4


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

“Le Jeune – Turc”: Young Turk Movement newspaper

2- The impact of pan-Islamic propaganda on Tunisia: The official position that prevailed both in “Tunis” and “Paris” was the same. As a reaction to the Turkish-German policy, the Bey of Tunis1addressed a proclamation in which he exalted the welfares of the Protectorate. He opposed the respect of French authorities for Muslims and for their religion to the German intrigues to drag Turkey into the conflict. France, he continued, has no hate against the “Sultan” since recently, it gave him a credit of 100 million to repair the destruction caused by the “Balkan war”. We must not confuse the Turkish people with the minority of army who are lost behind Germany. He ended by assuring the Tunisians that they would not fight in the “Hedjaz”, the country of the venerated holy places, and that he had perfect confidence in the victory of “France”2. On the 10th of October, 1914, the crown prince sent a message to “General Vérand” commander of French troops in “Tunisia”, in which he wished victory to the French army and condemned the attitude of “Turkey”. Similarly, some religious brotherhoods (such as Kadria, Rahmania and Aïssaouia) in solidarity with the Bey declared themselves in service of the Allies and refused the principle of holy war advocated by the “Sultan”. They wrote to the French Resident General in Tunisia: “Germany is a barbaric country; we will remain loyal to the Bey and France.” The Souassis declared that: “During 33 years (1881-1914), the government of the Protectorate had satisfied us with welfares. Therefore, France has become our homeland and Tunisians are her children.” A leader of the “Rahmania” brotherhood of “Mohamed Salah ben Sheikh Tahar” wrote on December 19 a telegram to Raymond Poincaré, French President: 1 2

- Mohamed al-Naceur Bey (1906-1922) - Arnoulet (F.), Op. Cit. p.51.

5


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

“The Ottoman government had thrown himself, hands and feet tied, in the Germanic trap» In the Great Mosque of Tunis, “Sheikh el Islam” himself officially condemned the inattention of some Turkish leaders. He regretted the attitude of the Ottoman government and had considered that the abandonment of its neutrality was due to the lack of experience of some ministers. This official position did not hide a great popular sympathy. Indeed, as the French General Resident1 noted: “Tunisians hope that Turkey would be in conflict only with Russia and England and would not have to fight against France. They also hope that the Ottoman Empire and Constantinople were not seriously threatened”.2 Indeed, Tunisian people revealed an intense feeling of solidarity with the “Sultan”. The manifestations and acts of this solidarity aroused the anxiety of Protectorate authorities. «On the night of February 28, 1915, students were caught placarding on the pillars of the Great Mosque Some tracts exhorting for holy war. A young man, author of a poem on the holy war, was arrested. At his home, a huge bundle of pan-Islamic Arabic letters and newspapers was seized.”3 The extension of the conflict in the “Balkans” (Feb.1915) was a major event which attracted the interest of Tunisians and favored their sympathy with Turkey. “… We have to affirm the gravity of the emotion provoked in Tunisia, and particularly in Tunis city, by the attack of the Dardanelles”, Wrote the Resident General. «This emotion is certainly greater than the reaction due to Turkey’s entry into the conflict and even more important than the Sultan’s call to the holy war.” 4 In his letter dated march 1915 he admitted that “The Dardanelles affair was stirring up more and more minds, especially in the Muslim middle class of Tunis. Yesterday, at the High School of Muslim Girls, the daughter of a senior official cried: "All that the French newspapers say is false. Long live Germany! " 5 In another letter he added: "I was told this morning that yesterday, in a school in the Tunis city, a young Tunisian pupil said to one of his French friends:" It seems that the Turks are killing many French people at the Dardanelles. May God kill them all! "6 The popularity of the Sultan increased seriously. Many people called him the “Ghazi”, the leader. A Turkish newspaper, “El Adel”, revived the topic of pan-Islamism. It was distributed secretly in Tunisia. The daily “Jeune Turc” of March 17, 1915 published a decree stating that “Any Algerian or Tunisian presently in the “Ottoman Empire” is considered an Ottoman subject and that the Conventions signed with France on 1913 were already invalid”7. On the western front, some Tunisian soldiers mobilized among French troops tied friendly relations with German soldiers. In a letter to a relative at “Testour” (west of Tunis), a soldier wrote: "…Here some news about our relation with German soldiers... We talk together in the trenches, they do not shoot us and we do alike. We give each other tobacco. None uses his gun,

1

- Alapetite (G.), French lawyer and diplomat born in Clamecy (Nièvre) January 5, 1854 and died in Paris on March 22, 1932. From January 1907 to November 1918 Alapetite was named Minister Plenipotentiary, Resident General of France in Tunisia. His correspondence with his supervisory department is a mine of information on Tunisia during the First World War. 2 - French Ministry of ForeignAffairs Archives (Quai d’Orsay) ; Correspondance politique de Gabriel Alapetite relative à la Tunisie en Guerre.Series: papiers d’agents, microfilmed copy preserved by l’Institut Supérieur de l’Histoire de la Tunisie Contemporaine (ISHTC-Tunis); bobines 494, 495,496. Letter dated 1/03/1915, Folio 114. 3 - Alapetite (G.), Ibid.p.51. 4 -Alapetite (G.), Op.cit. p.51. 5 - Alapetite (G.), Ibid. p.51. 6 - Alapetite (G.), Ibid. p.51. 7 - Archives Nationales de Tunisie, Série E, Carton 440, folio n° 19.

6


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Only artillery fires. We go out of the trenches and talk to the Germans. We agreenèot to shoot each other. They tell us we are friends; we do not hurt you..."1 Some of the Tunisian prisoners correspondences contain photographs in which they are portrayed dressed as German soldiers (field sweater, infantry pants, half-boot…), sometimes Turkish-style fez (chechia). The correspondence and the behavior of some Tunisian soldiers reflect a feeling of culpability. They really felt guilty of going to war against the Sultan’s army and his German allies. Some correspondences reflect sympathy with the German-Turkish alliance: "We ask God to grant victory to those who lend their support to Islam…" wrote a soldier prudently, knowing that his letter will be read by the “French Censorship Commission”. If his wishes had been in favor of France he would have expressed it clearly! The French military authorities have kept Tunisian soldiers in the back ranks in order to avoid opposing them to Turkish troops fighting in “Bulgaria”. The soldier “Mokhtar ben Sadok” of the 4thSpahis regiment wrote to a relative: "We, all North Africans, do not go to the Battle zone because we may meet Turk Muslim soldiers there. We are very happy that this is so because this decision allows us to stay behind and therefore not to fight… " 2 The French authorities tried to find an explanation for the sympathy of the Tunisians with the “Sultan”. According to the General Resident "The fact which has created a lot of excitement here (in Tunisia) is that we have been forced to take up arms against Turkey and to fight directly against the Turks. This emotion is more acute because we have allies who are particularly antipathetic to Muslims, as the case of Italians in Tunisia”.3 He also thought that Tunisians venerate “Istanbul” and contemplate it proudly because it’s «the capital of the only free Muslim military power. His decadency would end many dreams and provoke a deep consternation…”4

3- North African prisoners in Germany: The Germans showed sympathy, respect and tolerance with the Muslim prisoners of war. A mosque was built in the "Crescent” detention camp at “Wunsdorff” near “Zossen” (30 km from Berlin). This mosque was inaugurated5on July 13, 1915. This camp was also equipped with baths and Turkish cafés for the prisoners. Muslim traditions and religious rules have been respected there by German authorities6. In his inaugural address, the Colonel Commander of the camp proclaimed loudly the following speech: "Muslims! His Majesty Wilhelm II, Emperor of Germany, generously ordered the construction of this mosque to allow Muslim soldiers, followers of the crescent, prisoners of war here, to perform their religious duties under the same conditions as in their countries…This day, the eve of the month of Ramadan, coincides happily with the inaugural of this mosque. The Muslims present here will appreciate this happy circumstance which, in a country foreign to their customs, enables them on the eve of the holy month to accomplish all the prescriptions of their

1

- A Letterdated on Septembre 23, 1915, ANT (Tunisian National Archives), Série E, 440 A / 18, Mobilisation 19141918, dossier 344-349, Rapport de la Commission militaire de contrôle postal pour la période du 1 er au 10 /10/1915. 2 - ANT, Série E, 440 A / 18, Mobilisation 1914-1918, dossier 344-349, Rapport de la Commission militaire de contrôle postal pour la période du 1er/ 7 au 15 /08/1918, folio 3. 3 - Alapetite (G.), Op.cit. Letter dated August 8, 1915. 4 -Alapetite (G.), Ibid. 5 - Were present in this ceremony some German officers and the ambassador of Turkey. 6 - Lieutenant El Hadj Abdallah, L’Islam dans l’Armée française (Guerre de 1914-1915), Istanbul, 1915. pp.31-37.

7


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Religion… The foundation of this monument is also a mark of the benevolent respect that his imperial majesty assigns to Islam…!”1 Another speech was pronounced by an Algerian in which he said: “Muslims, my brothers! When you were embarked a few months ago as fighters in the French ranks, you were probably penetrated with prejudices against Germany. Germans had been portrayed to you as barbarians and their soldiers as bloodthirsty road robbers who slaughter women and children and who execute the wounded on the battlefield. You were told, in particular, that Muslims were the object of ruthless reprisals and blasphemies. In fact have you met any of these acts among the Germans, who, under the irresistible impetus of their armed forces, had made prisoners with all your chiefs? Have you been the object of the slightest molestations during all your stay? Have you not been, at all times surrounded by paternal German solicitude? Remember that you were totally forgotten, since the first day of your captivity, by the French who have not thought about sending you even a pack of cigarettes which the Germans distribute to you profusely here? And this beautiful mosque that Germany built for you, is it a cruelty too? No, my dear friends! You have come as irresponsible enemies against Germany, you will return as grateful friends… When from the top of this minaret the “Muezzins” will call to prayer; Their ritual and sonorous voice will spread on Islam the intuitive germ that will henceforth link the grateful sympathy of Muslims to the generous ideas of great Germany. In his inaugural speech, the well-known Tunisian scholar “Cheikh Mohammed al Khidr Hussein” thanked the German nation and the Emperor “Wilhelm II”. He added: “… Our Algerian brothers will remember how France used the mosques of “Salah Bey” in Constantine and the Great mosque of “Annaba” as camps for its armies. They can compare between Germany who built a wonderful mosque like this and France government who is destroying the Islam and his institutions.”2

Mosque in the German "Crescent” detention camp (Wunsdorff - Zossen) Dedicated for Muslim prisoners of war and inaugurated on July 13, 1915.

1 2

8

- Lieutenant El Hadj Abdallah, L’Islam dans l’Armée française ( Guerre de 1914-1915), Istanbul, 1915, p. 34. - CNUDST, Afrique 1918-1940, carton 17, bobine 533, folio: 154-156.


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Following the request of the German Government, the Ottoman authorities, invited several imams and scholars from “Damascus” (Syria), to instruct the prisoners, and to encourage them to serve in the Ottoman-German ranks.1 “Ahmed Kasbari” and “Emir Ali Pasha” (son of Algerian Emir Abdelkader) participated actively in this mission2. Many Tunisian nationalists and intellectuals in Germany tried actively to convince Muslim prisoners of war, who were fighting with France, to join the German-Turkish alliance. Indeed, benevolence and German-Turkish propaganda may have had some expected results. Many Tunisian soldiers imprisoned in Germany have joined the Turkish ranks.3This was also due to the big stick, tyrannical and colonialist French policy in “Tunisia”.

II-

FRENCH POLICY IN OCCUPIED TUNISIA DURING WWI:

A research in the French Diplomatic Archives (Quai d'Orsay) and particularly in the political correspondence of French Resident General in Tunisia, “Gabriel Alapetite” with his Supervisory department, related to Tunisia during the WWI, allowed me to discover some very important documents reflecting the impact of Turkish – German alliance on occupied “Tunisia”. Indeed, The French protectorate in “Tunisia” was called to manage a difficult situation. It had to convince the Tunisian people of the legitimacy of the war against the “Ottoman Empire” and to conceal the Allies defeats, both in Western and Eastern fronts, through censorship, propaganda and isolation of the French wounded evacuated to Tunisia in order to hide the casualties and maintain the prestige of France in its colonies. 1. Human and economic efforts of war imposed on Tunisia during the WWI: “Africa” had been considered by its colonizers as a huge reservoir of soldiers 4 in which they can recruit easily according to the imperatives of their politics and international relations. “Tunisia”, a French colony since 1881, wasn’t an exception. Since 1914 to 1919, more than 80,000 soldiers were mobilized to serve on Western and Eastern WWI fronts. 30,000 workers were employed in French fields and factories. The total number of Tunisians mobilized for the service of France was at least 110,000 men. The losses due to this mobilization were very important in comparison with the Tunisian demography which didn’t exceed 1.800.000 inhabitants: 35 900 killed and 29.000 wounded 5! This demographic disaster, added to inclement natural conditions, had aggravated seriously the economic and social crisis. In fact, since spring 1914, an exceptional drought in “Tunisia” announced a bad harvest which affected the internal and external trade. The lack of production, the disruption of trade, the 1

- Centre National Universitaire de Documentation Technique et Scientifique (CNUDST), Guerre 19141918 « Perspectives sur l’avenir des Musulmans algériens », le 15/03/1916, Carton 1636, Bobine P.77, 3/19166/1916, folio. 4. 2 - Ajili(T.), “French religious policy in the fronts toward the Tunisian soldiers mobilized during WWI” in Annales de l’Université de Tunis, n° 32, Tunis, 1991, pp. 173-224, p.183. (Arabic). 3 - ANT, ANT, Série E, 440 A / 18, Mobilisation 1914-1918, dossier 344-349, Rapport de la Commission militaire de contrôle postal pour Octobre1916, folio 3. 4 - Charles Mangin (Lt. Colonel), La force noire, Hachette et Cie, Paris, 1910, p.94. 5 -Arnoulet (F.), « Les Tunisiens et la Première Guerre mondiale (1914-1918) » in Revue de l’Occident musulman etla Méditerranée n° 38, 1984, pp.47-61.

9


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Speculations, the usury and the war effort imposed on “Tunisia” will further degrade the situation of Tunisians, already severely damaged by colonization, and worsen their misery. 1 Describing this situation, the General Resident wrote: "... Misery is continuously ravaging people. The problems of pricing and distribution of foods are still the most difficult for us... The fish is missing now … the rise of wheat could not be moderated only if we receive a shipment from Morocco ... I read this morning in an Italian newspaper an extremely dramatic article on the misery in Tunisia and on the lamentable state where is reduced the poor people of the Italian colony. One of the greatest damage caused by the mobilization here is the interruption of railways construction and mining activities…”2 Since the outbreak of the hostilities and especially after the debacle of French armies on autumn 1914, military service was perceived by Tunisian as a way to bring young people to an almost certain death.3 That’s why, during the War, the campaigns of recruitment took place in hesitancy and lack of enthusiasm. In fact, many acts reflected the panic of conscription: desertion voluntary mutilations, insurrections, fights… The refusal to serve was repressed in the blood. Several deserters were shot all over the territory of “Tunisia”. The soldier “Mustapha ben Bouzayen” wrote to his father: "About my brother Med Salah you have to look for a replacement. Do not let him go to the regiment. I beg you! If you want you Can sell two bulls, three cows… you can sell the horse and the sheep you own in association with Ali… you have to do all that’s required for the replacement… He mustn’t go! Don’t let him go! »4. The soldier “Tahar ben Larbi” wrote: "It is necessary, it is necessary, to give me information about my brother “Ahmed”. Was he enrolled as soldier? Yes or no? If he is not exempted, tell him that he have to sell all the animals, yours and mine and replace himself. He must not come to the regiment… My dear brother, since I received your letter, I have lost my mind! I do sleep neither night nor day.... My brother must never come, I trust you… ».5 2. The censorship of correspondences and press: The French Protectorate authorities in “Tunisia” created the Military Postal Control Commission responsible of sorting, translating the correspondences from and to the fronts. It must censor letters that may transfer information, descriptions or any details which can undermine the morale of the troop or the population. The General Resident wrote about this subject: "General Moinier telegraphed yesterday the order to censor the letters of Tunisian soldiers! Censorship is accomplished here (in Tunisia) since September (1914). If we had waited for the intervention of General Moinier, the panic would have taken much larger proportions… "6 The interpreter officer Galtier, in mission at the depots of Aix and Arles, reported that the correspondence is very important not only by the number of letters sent, but also due to its content which often represents a danger. It was necessary, according to him, to check as much as possible this reciprocal movement of news which can only produce bad effects. According to him all correspondence must be carefully examined and controlled.7 1

- Demontes (V.), La Tunisie pendant la guerre, Alger, 1916. - Lettre du résident général G. Alapetite au MAE daté du 02/03/1915, Ibid. 3 -Mahjoubi (A.), Les origines du mouvement national en Tunisie (1904-1934), Publication de l’Université de Tunis, Tunis, 1982, p.186. 4 - Fond SHAT, bobine 73, carton n°1001 doc. 112 5 - Fond SHAT, bobine 73, carton n°1001 doc. 112. 6 - Lettre Alapetite au MAE datée du 4 décembre 1914. Op.cit., f.4. 7 - Rapport de l’officier interprète de 1ère classe Galtier en mission aux dépôts d’Aix et d’Arles, Ibid., folio 50. 2

10


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

The protectorate's authorities were aware of the adverse effects that the European anti-Ottoman press could have on Tunisian public opinion. That is why they censored magazines and newspapers that violated the morals of Muslims and published vexatious articles or illustrations. After the Allies’ debacle at “Dardanelles” the General Resident expressed his anxiety about the effect of this Turkish victory in “Tunisia”. He also tried to manipulate the press by censorship to limit the propagation of French and Allies’ disaster in the oriental front: "…The news about the Dardanelles are exaggerated in the press here (Tunisia). The journalists make sensational news to newspapers and take them wherever they can. We cannot teach them tact! If we have really great difficulties there, the Tunisians will have the impression that Turkey is invincible.” 1 A month later, he noted in another letter: “…The Dardanelles affair continues to give us a lot of concern. You must admit that according to the Tunisians, the operation failed and that we will be guilty and shamefaced because we tried to put the hand on the capital of the Caliphate”. The protectorate authorities no longer tolerated the French press, which write about the Allies’ difficulties in the Eastern Front. “We had to cut the other day in a newspaper in Tunis the reproduction of a Times article on the difficulties of the expedition of the Dardanelles which would have for objectives to justify the landing of Sir W. Churchill but who would have authorized here to predict our defeat”2. 3. Anti-Ottoman and anti-German policy and propaganda: The Allies were conscious of the importance of the Muslim world in the German-Turkish alliance. They tried to obstruct the spread of the call to Holy War. They also encouraged the insurrection of “Sharif Hussein” against the ottoman presence in Arabia, in order to restore the primacy of the holy places (in Arabia) and minimise the position of “Istanbul” as capital of the “Caliphate”. Encouraged by France and England some Arabs, from “Hedjaz” to “North Africa” reproached the Ottomans for usurping the caliphate for their benefit and advocated the reestablishment of the caliphate in “Mecca”!3

Sharif Hussein: Leader of the great arab revolution against the Ottomans

1

- Alapetite (G.), Op. Cit. Letter dated February 24, 1915. - Ibid., May 25, 1915 3 - TLILI (B.), « Les rapports arabo-turcs à la veille de la Grande Guerre (1910-1913) » - Cahiers de Tunisie, Tome XXIII, 1975, n° 89-90, p. 40-45. 2

11


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

In order to undermine Turkey's image with Tunisians, the protectorate authorities have tried to justify the rise in cereal prices by the obstruction of the canal and that the operations led by the Allies just intended to open it up to international navigation. The Tunisian well-known newspaper “La Dépêche” is manipulated to convince the population about Allies ‘attacks against Turkey. “I will announce in la Dépêche that the exaggerated increase of the cereals price is due to the Dardanelles’ locking and that the operations lead by the Allied there, will open the waterway and surely will bring here the wheat of Odessa to the previous courses”1. In both camps, belligerents have used religion and religious sentiments to galvanize alliances and peoples' adherence to the conflict. If the Central Powers found in pan-Islamism a means of creating anti-allied fronts in the colonies of France and Great Britain, the Allies didn’t hesitate to hoist the flag of Christianity. Some expressions like "The Crusade of Salonika"2 or "The Death of Istanbul"3 are too expressive. In his correspondence the General Resident seems to be very concerned about the effect some vexatious French publications could have in “Tunisia”. “Justyesterday I learned that bookstores and newsagents posted the page of the newspaper "J’ai Vu" which reproduced a map and views of the “Bosphorus” and the “Dardanelles” with this title in big character: "AFTER MORE THAN FOUR CENTURIES, CHRISTIANITY RISES TO PUNISH ISLAM"(March 18, 1916). I immediately asked the General to seize the newspaper, and I will ask him to forbid its sale from now on in Tunisia.” 4 In another letter to Foreign Affairs (Paris) dated March 31, 1915 he wrote: “…Allow me to point out the deplorable effect that is likely to produce among Muslim subjects the engraving of the newspaper" Le Rire " dated March 27, with "kick in the fez "as a legend. The fez or chechia is a religious emblem as much as a political one… In order to maintain tranquility in North Africa, I hope that the metropolitan censorship be aware of the serious inconveniences that presents any attack on the Turks. It concerns all Muslims”5.

1

- Alapetite,Op.cit. letter dated march 1, 1915, folio 114. - Used inFrench bimonthly magazine (1897-1913) and other publications. 3 - Bérard (V.), La Mort de Stamboul, considérations sur le gouvernement des Jeunes-Turcs, Armand Colin, Paris,1913. 418 p. 4 - Alapetite, Op. Cit. letter dated March24, 1915. 5 - Alapetite, Op. Cit., letter dated March 31, 1915 2

.

12


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Engraving published in the French newspaper “Le Rire” (The Laugh) n ° 19 of March 27, 1915, Paris with the legend "kick in the fez

Anti-German propaganda flyer

The Allies’ propaganda presented German as cruel and merciless. According to this propaganda, the German Red Cross nurses were heartless with the wounded and prisoners of war! In spite of this very active propaganda the sympathy of the Tunisians with the GermanTurkish Alliance has not been altered. They considered themselves psychologically and spiritually as part of the Ottoman caliphate. In fact, despite its political and institutional independence since the 18th century, Tunisia has always maintained links of cooperation, mutual aid and alliance with Istanbul. It is this deep and secular relationship that explains Turkey's perception as a refuge for 13


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

the National Movement, which was also inspired by the Turkish reformist and nationalist movement. III- THE WWI AND THE REINFORCEMENT OF TUNISIAN RESISTANCE

TO FRENCH OCCUPATION: 1- Armed resistance in Tunisia and French oppression: The Protectorate regime imposed in “Tunisia” on 1881 was the result of asymmetric military operations that were conducted by the French expeditionary forces in Tunisia (50.000 soldiers) since April 1881 against an almost unarmed people. After two years of asymmetric fighting, the popular resistance against the French aggression retreats towards the South of the country and then towards the “Tripolitania” expecting to return to the fight, reinforced by the Ottoman troops since Turkey was considered as the only power that could provide aid to the Tunisian resistance. Unfortunately, it was not the case. The “Wilaya” of Tripoli was too poor to assist Tunisian resistance. The death of their leader “Ali Ben Khalifa”, the French terrorization and reprisal ended their stay in “Tripolitania”. Most of them come back to “Tunisia” on 1885. “Libya” will fall later under Italian occupation (1911). After the “pacification”, the political, legal, economic, financial and social structures of the Protectorate have been established. The French authorities proceeded to an excessive exploitation of the country's human and economic resources. Tunisian people have suffered in oppression and misery the impact of agricultural colonization, social segregation and the spoliation of its wealth. The National Movement was reduced to the activities of several cultural associations or newspapers demanding very moderate reforms of the protectorate regime. From the beginning of the 20th century the colonial politics became more oppressive and the situation was so aggravated that the Tunisian people came on confronting the protectorate regime. Two big uprisings took place before the WWI: - The confrontation of the spring of 1906 in the center-west (Thala and Kasserine) smothered in the blood. - The confrontation of autumn 1911 following the “Jellaz” affair and the occupation of neighboring “Libya” by Italy. Despite their limited nature, the confrontations of 1906 and 1911 confirmed that relations with the French protectorate were explosive. The First World War will further stimulate the refusal to join the protectorate regime. The WWI 1914-1918 that initially opposed the European powers have been felt in “Tunisia” as a moment of decline of the colonial hand and consequently an opportunity to seize, in order to strengthen resistance and accelerate the liberation process. In order to create an internal front, the Ottoman Empire and Germany distributed flyers calling on Tunisians to resist. The campaign revives the hope of a German-Turkish victory and Provokes the uprising of the South-East tribes, which was one of the greatest highlights of the Tunisian Armed Resistance. From the first tumult, the French authorities threw in prison the notabilities of “Wadarna” tribe, causing a general rebellion in the South-East of “Tunisia”. The rebels established an alliance with the Libyan leader “Khalifa ibn 'Askir”, fighting the Italian occupation, gathered their forces and began irritating the southern positions of the French occupation forces in “Tunisia”. Between 1915 and 1918, forty-three passes of arms opposed the two camps. The two most important were the battles of: 14


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

-

N° 8 / 2018

“Dhiba”– “Um al-Swiq” (September 15 - October 9, 1915). “Dhiba”– “Remada” (June 18 - 30, 1916).

To put an end to the rebellion and to prevent infiltration from the Tripoli border, the French authorities managed to conclude an advantageous treaty with “Khalifa ibn 'Askir”. They urged the Libyan guerrilla leader to bring neither help nor protection to the Tunisian resistance. As result to this oppression the rebellion had progressively collapsed. Only “Daghbaji” and “Bashir ben Sdira”, two exceptional resistance combatants continued to resist until 1920. The sources are not unanimous about the losses of each camp. The French authorities recognize 387 killed and 332 wounded in their ranks, 250 victims and 74 wounded among Tunisians. The Resistance draws a heavier result: 1181 dead and 356 wounded in the French camp, but only 127 Tunisian martyrs. In addition to Tripolitan ally defection, several factors explain the collapse of the revolt. The most important were the lack of a unified command, an external support and adequate weapons, in front of a well-organized French army, equipped with planes and machine guns. Despite the “pacification”, the French protectorate continued its colonialist big stick and repressive policy. Many nationalists were exiled or left voluntarily “Tunisia” to reside in European capitals and to lead a political struggle against the protectorate regime, benefiting mainly from the support of “Istanbul” and “Berlin”. 2- Tunisian nationalist action in Istanbul and Berlin during the WWI: Few years before the French occupation (1881), the Tunisian government, had tried to renew closer relation with Turkey. “Kheireddine” felt the need of such alliance against European threats. After the establishment of the Protectorate, the Tunisian people remained tuned to Turkey looking for an Ottoman help for the resistance. Inspired by Young Turks, some Tunisian intellectuals found the Young Tunisian Movement since 1907. They were advocated for the rights of Tunisian people and claimed to reform the protectorate regime.

“Le Tunisien”: The newspaper of Tunisian Young Movement .

15


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

After the confrontations of the years 1911-1912, the Tunisian National Movement deprived of its most prestigious leader “Ali Bach Hamba”1, having no means of expression and propaganda, oppressed by the protectorate regime policy, had certainly continued his activities overseas. Istanbul was the refuge of the nationalists of the Young Tunisians Movement2. The Tunisian national movement continues during the Great War under the instigation of the Young Tunisians in exile like the brothers “Ali” and “Mohamed Bach-Hamba” and the “Sheikhs Salah Cherif”, “Ismaïl Sfaïhi” and “Mohamed Elkhedhir Houssine”. The action of these Tunisian nationalists fits, it is true, within the framework of the pan-Islamist movement which aims at the union of all the Muslims under the protection of the Caliph to fight the enemies of Islam. Supported by “Turkey” and “Germany”, they carry out active propaganda among the soldiers; North African soldiers in the hands of Germans, urging them to join the Turkish rank3. In this pan-Islamist propaganda the emphasis is on the benevolent policy of the Khalif's allied Germany towards Muslims, while stressing that this attitude contrasts with that of the Allied Powers who have always been enemies of Islam. Young Tunisians in exile can thus be at the service of pan-Islamism4 while defending the cause of their own country. In this perspective, the “Sheikhs Salah Cherif”, “Ismail Sfayhi”5 and “Mohamed Elkhedhir Houssine” lead their action during the First World War. A committee for the independence of “Algeria” and “Tunisia” was formed for this purpose in 1916 in Berlin under the presidency of “Salah Cherif” and with the participation of a young Algerian “Mohamed Miziane Etlemçani”6. On the occasion of the Socialist Conference in “Bern”, this committee publishes a brochure entitled "The claims of the Algerian-Tunisian people" in which he demands the total independence of these two countries. The following year the committee for the independence of Algeria and Tunisia returns to the charge. In a booklet entitled "The Complaints of the Oppressed Peoples: Tunisia and Algeria", the abuses, injustices and discriminations engendered by the French colonial regime in these two countries are emphasized in violent terms, calling for their complete independence and immediate. "At no time, the people had renounced their liberty; their ties with the Khalifat, whose love and veneration are deeply rooted in their hearts. Discreetly, the patriots work for the liberation of their countries. Many emigrated to reach their goal at the first opportunity. Today time has come for the people to seek justice against their oppressor, to claim their right to life liberty and independence»7. From this independence, these young Tunisian pan-Islamists have, it is true, a 1

-Ali Bach Hamba: a Tunisian lawyer,journalist and politician born in 1876 in Tunis and died October 29, 1918 in Constantinople. He co-founded the Movement Young Tunisians in 1907 with Bechir Sfar. 2 - The party was formed in 1907 by a group of young Tunisian intellectuals who thought that the Tunisians should have their self-determination, rather than being under French Protectorate. The movement was inspired by the Young Turkish (reformist party in Ottoman Empire). After confrontation broke out in Tunisia as a result of the Italian invasion of Libya and French moves to make Jellaz Cemetry a public property, the French administration clamped down on the group. Its leaders were sent into exile and the group itself was forced underground. The newspaper was Le Tunisien(in french). 3 - A.E. Tunisie (1917-1929). Vol. 61. Secrétariat General-Sûreté publique Note sur le Docteur Dupinet. Tunis, 24juin 1917. 4 - In August 1910 on the occasion of the delivery of battleships bought in Germany, Young Tunisians (baptized Mouhadjirs in Istanbul), expressed their support for the Sultan and their attachment to Pan Islamism and Ottomanism.Victor Bérard,La mort de Stambul;Considération sur le gouvernement des Jeunes Turcs, Armand Colin; Paris, 1913. p.141. 5 - Salah Cherif and Ismail Sfayhi, respectively, professor at the Zitouna and former Hanafite cadi of Tunis leave Tunisia in 1906. They died, the first in Switzerland in 1920, the second in Constantinople in 1918. 6 - Goldstein (D.), Libération ou annexion ; aux chemins croisés de l’histoire tunisienne (1914-1922). Tunis 1978. p. 266. 7 - Cité par Mohamed-SalahLejri. L‘Évolution du mouvement national tunisien. Op. cit., Tome I. p.163.

16


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

traditional idea; They conceive it under a form of autonomy within the Ottoman Empire And, to achieve their goals, they rely on the support of the Central Empires. Parallel to this action led in particular from “Istanbul” and “Berlin” by Young Tunisians of Zeitounian formation deeply engaged in the Pan-islamist Current, other Tunisian nationalists undertook in The Maghreb Review1, organ founded in May 1916 in “Geneva” by “Mohamed Bach-Hamba”2 a less violent and more thoughtful campaign in favor of “Tunisia”, “Algeria” “Morocco” and “Tripolitania”. The Maghreb Review did not cease to denounce all the defects of the colonial regime like the spoil of the grounds, the iniquitous and oppressive character of the taxes, the discrimination in education and salaries for Europeans, the allocation of the largest part of the budget for the needs of colonization etc …3 However, although sponsored by the Turkish consulate in Geneva, the director of this magazine, “Mohamed Bach-Hamba”, seems, through his articles, avoid to Compromise excessively with the Central Empires4. He also didn’t claim, until 1918 independence for the Maghreb countries, but only reforms under the colonial regime 5 and the proclamation of a constitution that could guarantee the rights of the Tunisian people against all the abuses of the colonial regime. After the armistice, reassured by the principles proclaimed by President “Wilson” including the right of peoples to self-determination, the Maghreb Review kept reclaiming the total independence of the Maghreb countries. The Young Tunisian Movement exiled in “Turkey” and “Germany”, abandoned the traditional idea of independence within the Ottoman Empire and reclaimed, with “Mohamed Bach-Hamba”, a modern type of independence inspired of Wilson’s and the Society of Nations principles. The action of young Tunisians exiled in “Turkey”, “Germany” and “Switzerland” disturbed the French authorities. The French Government, through its diplomatic and consular missions in Switzerland, follows this activity closely. The Maghreb Review is banned in “Tunisia”. All the properties of the brothers “Ali” and “Mohamed BachBamba”, the “Sheikhs Salah Sherif” and “Ismail Sfayhi” were sold for the profit of the Protectorate.

Ali Bach Hamba, born in 1876 in Tunis and died October 29, 1918 in Istanbul, journalist and Tunisian politician, leader of Young Tunisian Movement.

1

- Monthly in 1916, The Maghreb Review is published every two months until August 1918. Its latest issue is dated "September-December 1918. 2 - Mohamed Bach-Hamba was born in Tunis in 1881 to a family of Turkish origin. He attended elementary and secondary school at Sadiki College. After a stint as a temporary agent at the Directorate General of Finance, he was appointed deputy judge at Driba. He prepares, parallel to his work, a license in law with exemption of the baccalaureate. He left Tunis in 1913 to join his brother Ali in Constantinople. Returning to Tunisia on January 15, 1914, he left permanently March 25, 1914. During the Great War he moved to Europe where he undertakes an active propaganda for the Maghreb countries. He died in Berlin in December 1920. (The voice of the Tunisian, February 2, 1932.Art of Chedly Khairallah). 3 - Tlili (B.) « La grande guerre et les questions tunisiennes, Le groupement de la “Revue du Maghreb” (1916-1918) », In Les Cahiers de Tunisie. Tome XXVI Nos 101-102. Ier et 2ème trimestres 1978. pp. 31 à 108. 4 - Goldstein (D.), Libération ou annexion... Op. cit. p. 267. 5 - La Revue du Maghreb, N° 1, 30 mai 1916. Notre programme. p.4.

17


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Conclusion: WWI was essentially a conflict between Europeans. “Tunisia”, as French colony since 1881 was dragged into this war. The war, imposed on the country, aggravated the economic and social situation of Tunisians. The mobilization of 130,000 young men in a war that was not theirs deprived the country of a considerable labour and resistance force. However, WWI was considered by the Tunisians as a moment of rebellion on the colonial hand and the national movement was organized around young Tunisians, who were inspired by the Young Turks. The German-Turkish Alliance found a wide sympathy among the Tunisian people who took advantage of the debacle of “France” at the beginning of the War to organize resistance against the protectorate. Following the oppression and colonial tyranny, several nationalists left the country and others were exiled. They took advantage of “Istanbul” and “Berlin” support and led during the War a political action against the French occupation. After the armistice, Tunisian nationalism would become more radical, taking advantage of the principles of Wilson and the League of Nations. The reclamation of reforms inside the protectorate regime will give way to the idea of independence, supported by an active syndicalist movement and well-structured political parties. We can conclude that the German-Turkish alliance had largely influenced the political life in occupied Tunisia and participated in the crystallization and continuity of the Tunisian Nationalist Movement during WWI.

******

Bibliography 1- Archive : * Archives Nationales de Tunisie : - FPC / Série E / Carton 440A / dossier 18: Affaires militaires, Mobilisation de 1914. - FPC/ MN / 0016/0005/1917-1918 : Notes et rapports sur l’état d’esprit de la population pendant la 1ère guerre mondiale.

* Institut Supérieur d’Histoire de la Tunisie Contemporaine : - Fond MAE * Bobine P80 : Affaires musulmanes. Soldats musulmans dans l’Armée française. - Archive n° 1664 : Conditions matérielles et morales des soldats nord africains en France14-18. - Dossier n° 1666 : Conditions de la mobilisation et services des renseignements. - Fond MAE * Bob. P 81 : Affaires musulmanes. Soldats musulmans dans l’Armée française. - Dossier n°1667 : Troupes nord africaines engagées en Mésopotamie. - Dossier n°1669 : Situation des prisonniers de guerre des blessés et des anciens Militaires nord africains, Recrutement pour l’Armée française. - Fond MAE * Bobine 493 : Papiers d’agents : Correspondance politique d’Alapetite avec Piretti de la Rocca relative à la Tunisie en Guerre, déc.1914-juin 1916. 18


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

2- Researches : - Clayton (A.), Histoire de l’Armée française en Afrique : 1830-1962, (traduit de l’anglais par Paul Gaujac). - Aubertin (Lt. Colonel), Historique sommaire du 4ème Régiment de Marche de Tirailleurs tunisiens, Imprimeries Gounouilhou, Bordeaux, 1919. - Boukabouya (Lt.), Les soldats musulmans au service de la France, Librairie nouvelle de Lausanne, Lausanne, 191- « Souvenirs d’un captif en Allemagne », in Le Mutilé d’Algérie, 4ème année, n° 168, 21 nov. 1920. -Tlili(B.) « La grande guerre et les questions tunisiennes, Le groupement de la “Revue du Maghreb” (1916-1918) », In Les Cahiers de Tunisie. Tome XXVI Nos 101-102. Ier et 2ème trimestres 1978. - Charles Mangin (Lt. Colonel), La force noire, Hachette et Cie, Paris, 1910. - Dabboub (M.A.), L’opinion publique tunisienne et la 1ère guerre mondiale, C.A.R, FSHST, Tunis, 1993 (en Arabe). - Drevet R. (Commandant), L’Armée tunisienne, Tunis, 1922. - Le Pautremat (P.), Héros de Tunisie. Spahis et tirailleurs d'Ahmed Bey 1er à M. Lamine Bey. 1837 - 1957, éd. Cérès, Tunis, 2005. - Deroo (E.) et Champeaux (A.), « Panorama des troupes coloniales françaises dans les deux guerres mondiales », Revue historique des armées [En ligne], 271 | 2013, mis en ligne le 23 juillet 2013. - Exposition Coloniale Internationale, L’Armée française en Tunisie, Imprimerie Nationale, Paris, 1931. -Arnoulet (F.), « Les tunisiens et la première guerre mondiale (1914-1918) » in Revue de l’Occident musulman et la Méditerranée n° 38, 1984. - Meynier (G.), « Le problème du loyalisme des Algériens dans l’Armée française 1914-1918 » in Bulletin de la Société d’Histoire Moderne, 6ème série, n°10, 80ème année, édité en supplément à la Revue d’Histoire Moderne et Contemporaine n°2, 1981. - Mahjoubi (A), Les origines du mouvement national en Tunisie (1904-1934), Publications de l’Université de Tunis, Tunis, 1982. - Mennerat (M.), Tunisiens héroïques au service de la France : l'épopée du 4ème Tirailleurs sur le front français, Guerre 1914-1918, éd. Berger-Levraut, Paris, 1939. - Blanchard (P). Et Lemaire (S.), Culture coloniale, la France conquise par son Empire (18731931), Editions Autrement, décembre 2002. - Nicolas (P.), Sidi Brahim des neiges… Sur les traces du 4ème régiment de tirailleurs tunisiens, MC-Éditions, Carthage, 2008. - Perreau-Pradier (P.) etBesson (M.), l’Afrique du Nord et la Guerre, Librairie Félix Alcan, Paris, 1918. - Patrick de Georges (T.), « Les tunisiens », in Héros oubliés, L’Afrique du Nord dans la grande Guerre 1914-1919. - Ajili (T.), “French religious policy in the fronts toward the Tunisian soldiers mobilized during WWI” in Annales de l’Université de Tunis, n° 32, Tunis, 1991. (Arabic).

19


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

75 ANS LA CAMPAGNE DE TUNISIE 8 NOVEMBRE 1942 - 13 MAI 1943 Par : Faysal CHERIF, Maître de Conférences (HDR) en Histoire Contemporaine Institut Supérieur d’Histoire de la Tunisie Contemporaine :

Préambule : S’étalant sur 6 mois, la campagne de Tunisie est considérée parmi les plus importantes de la Seconde Guerre mondiale. Bien au-delà de simples opérations militaires, le débarquement allié anglo-américain et gaulliste du 8 novembre 1942 sur les côtes nord-africaines, marque un grand tournant dans l’histoire de la région et de l’Europe en général. Dans ce nouvel ordre de ce nouveau théâtre, la guerre vient désormais de s’étendre de l’Egypte au Maroc. Il faut dire que depuis la fin de la bataille d’ « El Alamein » le 24 octobre 1942, la campagne militaire s’installa désormais sur le sol tunisien, dernier carré défendable pour les forces germano-italiennes en terre d’Afrique.

I - Le débarquement allié et les étapes de la Campagne : Le débarquement anglo-franco-américain a été décidé en se conformant à la vision du Premier Ministre britannique « Winston Churchill » d’attaquer l’ennemi par le « ventre mou », dite également stratégie de la périphérie. Cela a été décidé après l’échec cuisant du débarquement allié sur les côtes de Dieppe en août 1942. Promettant une armada de 500.000 soldats, l’opération baptisée « Torch », ne donna finalement tout au long de la campagne militaire que 250.000 soldats. Entre novembre et décembre, 107.000 soldats anglo-américains et français débarquèrent, le reste était venu par intermittence, ou par le front du sud avec l’arrivée massive en mars- avril de la VIIIème Armée britannique de « Montgomery ». Ainsi, des batailles aériennes, navales et terrestres furent engagées sur plusieurs fronts en territoire tunisien. Il sera question de revenir ici sur les plus importantes batailles de « la Campagne de Tunisie » qu’on peut dès lors la subdiviser en cinq phases bien distinctes : -

1

La première phase : du 19 novembre aux débuts décembre 1942, elle marque la première poussée britannique sur Tunis par « la vallée de Medjerda ». La deuxième phase : elle débute fin décembre allant jusqu’à février, celle-ci correspond à la bataille dans la dorsale. Poussée allemande sur « Sbiba » et « Kasserine ». La troisième phase : débute en mars et se termine vers le 6 avril 1943, période marquée par la bataille de « Mareth » ainsi que par l’échec de la VIII èmearmée britannique dans sa tentative d’un débordement par l’ouest. La quatrième phase : avril 1943, après la victoire alliée, on assiste à une montée générale vers le nord et aux premiers assauts sur Tunis. La cinquième phase : mai 1943, la concentration du gros de la manœuvre sur Tunis par une poussée générale des Alliés finissant par la capitulation et la reddition des armées germano-italiennes au « Cap-Bon ».1

CHERIF (Faysal), La Tunisie dans la tourmente de la Seconde Guerre mondiale 1938-1943, Tunis, Ed CPU, 2014, p. 344.

20


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Opération « Torch », débarquement angloaméricain du 8 novembre 1942.

II-Le contexte de la Campagne de Tunisie : « Hitler » désirait maintenir les armées de l’Axe en Afrique le plus longtemps possible et ce jusqu’à l’automne 1943. Ce répit donnerait à l’armée allemande stationnée en France le temps de mettre le littoral européen en état de défense. Le commandement allemand était beaucoup moins résolu que son gouvernement, étant effrayé de relancer la guerre d’Afrique avec tout ce qu’elle exigeait de moyens dans un moment où la situation en Russie devenait intenable et les pertes très lourdes après « la bataille de Stalingrad » et la capitulation du « Général Van Paulus » le 21 février 1941. Les hauts officiers allemands étaient peu disposés par principe à détacher des forces sur un théâtre qu’ils considèrent comme « extérieur », ils avaient, en outre, toute raison de craindre que celles qu’il fera passer de l’autre côté de la Méditerranée ne soient bientôt coupées de l’Europe et acculées à un désastre, du fait de l’action navale et aérienne à attendre des Alliés sur les communications maritimes. C’est en définitive prendre le choix du moindre dégât en laissant sur place l’« Afrika Korpset » des troupes italiennes et en procédant à l’établissement d’une tête de pont limitée en hommes pour empêcher les coalisés d’entreprendre des initiatives contre l’Europe.1 La mise en place du dispositif allié demanda du temps, alors que l’Axe avait déjà largement consolidé ses positions. A la suite des opérations militaires, le territoire tunisien se trouva partagé en deux zones : - Zone occupée par les forces de l’Axe : comprenant approximativement la partie située à l’Ouest de la ligne « Cap-Serrat-Gafsa », où Tunis continuait toujours à jouer son rôle de capitale. - La zone tombée sous la domination alliée et comprenait la partie située à l’Est de cette même ligne, et placée au point de vue administratif sous l’autorité du « Général Jurion » qui avait été nommé Vice - Résident de France au « Kef »par décision du 9 janvier 1943 du général d’Armée Haut-commissaire de France.2 La première attaque alliée lancée à partir d’un front allant du Nord au Sud du pays, jusqu’aux abords des Chotts. Les forces germano-italiennes s’étaient définitivement repliées de « Cyrénaïque » et le 31 décembre 1942, l’Etat-major prenait la décision capitale d’abandonner la 1 2

ORNANO (L.), « La bataille de Mareth », Dans : La Revue Historique des Armées, (RHA), n°2, 1955, pp.113-114. PELLEGRIN (A.), Histoire de la Tunisie depuis les origines jusqu’à nos jours, Tunis, édition La Rapide, 1944, p. 196.

21


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

« Tripolitaine »et de regrouper toutes ses forces en « Tunisie ». Ainsi, le commandement des Forces de l’Axe s’en remettait plus au hasard des circonstances qu’à un plan d’opérations solidement préétabli. Les troupes étaient regroupées en une 1ère et une Vème armée, cette dernière étant sous le commandement du « Général Von Arnim » qui avait succédé au « Général Nehring » le 9 décembre 1942. Le secteur imparti à cette Vème était un triangle inscrit entre « Bizerte » au Nord, « Sfax »au Sud-Est, « Gafsa » au Sud-Ouest (une région montagneuse pour l’essentiel). La 1ère armée, constituée de l’« Afrika Korps », très éprouvée par la campagne de « Libye », restait sous le commandement d’ « Erwin Rommel ». Elle avait pour rayon d’action la zone comprise entre la ligne « Sfax-Gafsa » et les fortifications de la ligne « Mareth ». Face à « Von Arnim », sur le flanc ouest en direction Nord-Sud se trouvait la Ière armée alliée commandée par le « Général Alexander » et comprenait sous son commandement le 5è C.A. britannique, le 19è C.A. français, le 2è C.A. américain qui se trouvait face à « Gafsa » et qui avait installé sa base et ses avions à « Tebessa » (Algérie). La VIIIème armée britannique, regroupant toutes les troupes du « Commonwealth » (Néo-Zélandais, Australiens, Canadiens, Indous…), venait de « Tripolitaine »sous le commandement du « Général Montgomery ». C’est dans ce contexte que vont commencer les plus grandes batailles de « La Campagne de Tunisie » que nous allons les exposer par ordre chronologique de leur déroulement.

Carte de la Campagne de Tunisie

22


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

III -Les premières offensives alliées sur le Nord et Tunis (décembre 1942janvier 1943) : Aussitôt installés, les Alliés tentèrent à deux reprises de s’emparer de « Tunis ». La première offensive fut déclenchée le 21 novembre 1942, sur la route qui reliait « Djebel Abiod à Mateur ». Et le long de la route « Béja-Oued Zergua ». Britanniques et Américains conjuguèrent leurs forces et purent dégager « Tebourba » le 27 novembre, et le 28, ils étaient aux abords de « Mateur et Djedaïda ». Le 1er décembre, les Allemands lancèrent alors une farouche contre-offensive et leur infligèrent de sévères pertes. Ce front s’est temporairement stabilisé dès le 10 décembre. A partir du 27 décembre, toute offensive du côté allié fut suspendue en raison de très mauvaises conditions météorologiques.1 Entre-temps, et pendant le mois de janvier 1943, les forces germano-italiennes tentèrent quelques offensives avec succès. Le 5 janvier 1943, la 5ème Panzer Armée déclenche une puissante offensive à partir du « Pont de Fahs » écrasant la Division de Marche (DM) du Maroc. Les Allemands, et afin de mieux asseoir leur dispositif, avaient installé un secteur de défense côtière à « Bizerte » tenu par le « Général Nauffer » avec des éléments de la 20 ème Division L.W. (Luftwaffe) pendant que d’autres défenses furent aménagées à « Tunis » (colonel Fiedler) et dans le « Cap Bon »au « Batn » tenue par le « Général Braudenburg ». Le 8 décembre, le 90ème C.A. allemand fut dissous et le « Général Nehring » rappelé en Europe. Il lui a été reproché de juger avec pessimisme les chances d’une solide tête de pont de l’Axe en Tunisie et aussi de ne pas être assez souple avec les partenaires italiens, ceux-ci s’étaient vu reprocher leur fâcheux comportement à « Tunis », en termes blessants et en prirent ombrage. Le « Général Lorenzelli » ayant d’ailleurs de son côté violemment protesté dût être également sacrifié et, le 23 décembre, céda le commandement de la D.I. Superga au « Général Fernando Gelich ». La création d’un commandement d’armée en « Tunisie » avait été recommandée par le « Maréchal Kesselring ». En ce fin de mois de janvier, « Sidi Bouzid » fut encerclée par les forces de l’Axe, alors que le 2ème Corps U.S les attendait 70 km plus au Nord. Débuteront alors escarmouches et batailles locales au Centre-ouest tunisien.

IV- La bataille de Kasserine : Le Général américain « Dwigh David Eisenhower » décida de renoncer à toute opération d’envergure en direction de « Tunis », la saison des pluies ayant commencé, il s’était alors porté principalement sur la « Tunisie centrale ». Vers la fin du mois de janvier 1943, le « Général Eisenhower » partit au « Maroc » à « Anfa » (Conférence de Casablanca : 14-24 janvier 1943), le but étant la révision totale de ses plans, pour qui les opérations de la région de « Kasserine » prendront désormais le nom de code « Satin ». Le 2ème corps américain stationné à « Tébessa » en « Algérie », sous le commandement du Général américain « Liyod Fredendall », se devait de participer à une offensive limitée pour couper les communications des forces de l’Axe entre « Sousse » et « Gabès ». Il incombait particulièrement au 2ème Corps américain d’éviter de mettre le gros de son effectif en situation telle qu’il ne pût se replier sur la zone « Tébessa-GafsaSbeïtla ». La 1ère armée britannique se préparait dans l’entre-temps à exécuter aussitôt que possible, dès le 1er mars, une opération d’envergure sur « Bizerte et Tunis ». Mais le problème du commandement se trouva posée en entier, et suite à cet arrêt momentané des opérations, il a été décidé d’unifier le commandement afin de coordonner avec plus d’efficacité les troupes américaines et britanniques ainsi que les Forces Françaises Libres (F.F.L).

1

JARS (R.), Les campagnes d’Afrique ; Libye, Egypte, Tunisie, Paris, Payot, 1957, pp. 199-200.

23


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Le plan préconisé par « Eisenhower » pour l’armée américaine n’avait aucune ampleur stratégique, il se limitait tout au plus à des opérations locales limitées sans débordement ni envergure. L’opération « Satin » consistait essentiellement à mener de petites incursions locales et visait ostensiblement à annihiler les forces germano-italiennes en leurs coupant les terrains de jonctions possibles. Vers la fin de janvier 1943, l’opération commandée par le 2 ème corps US comprenait : - 4 bataillons de chars moyens. - 1 bataillon de chars légers. - 6 bataillons d’infanterie. - 3 bataillons de pionniers d’assaut. - 1 groupe de reconnaissance. - 135 pièces d’artillerie. Le « Général Eisenhower » aurait bien voulu engager la 1ère division Blindée US, mais son état-major lui répondit qu’il lui était impossible de ravitailler un tel effectif.1 « Fredendall » se contenta tout au plus à ériger un bunker à la frontière algérienne afin de défendre son dernier carré qui est sa base. Aucune offensive d’envergure n’était à envisager. La mise en place du dispositif allié demanda du temps, alors que l’Axe avait déjà largement consolidé ses positions. Après le retrait du Général français « Henri Barré », le 19 novembre 1942, ce dernier avait rejoint « les Forces Françaises Libres » (FFL) ainsi que les forces alliées. C’est ainsi que le commandement des forces de l’Axe émit des réserves quant à l’éventuel emploi d’éléments militaires français suspectés de rallier les anglo-américains et les Gaullistes. La bataille sera livrée essentiellement entre les Allemands et les Américains puis, Britanniques et Français viendront tardivement à la rescousse des troupes américaines en difficultés. La première attaque alliée fut lancée à partir d’un front allant du Nord au Sud du pays, jusqu’aux abords des « Chotts ». Les forces germano-italiennes s’étaient définitivement repliées de « Cyrénaïque » en « Libye » le 31 décembre 1942, l’Etat-major prenait la décision capitale d’abandonner la « Tripolitaine »et de regrouper toutes ses forces en « Tunisie ». Face à « Von Arnim », sur le flanc ouest en direction Nord-Sud, se trouvait la 1ère armée alliée commandée par le Général anglais « Harold Alexander » et comprenait sous son commandement le 5è C.A britannique, le 19è C.A. français, le 2è C.A américain qui se trouvait face à « Gafsa » et qui avait installé ses avions à « Tébessa ». Vers la fin du mois de janvier, « Sidi Bouzid » fut encerclée par les forces de l’Axe, alors que le IIème Corps américain stationnait sur la frontière algérienne. La bataille livrée sur « Faïd » les 30 et 31 janvier donna une éclatante victoire aux panzers (blindées) allemandes et à « Von Arnim » qui commanda l’attaque. Le Général anglais « Kenneth Anderson » donna finalement l’ordre à « Frendendall » de replier la première division blindée américaine sur « Sbeïtla ». Car devant l’impossibilité de venir en aide aux troupes françaises sous le commandement du Général « Edouard Welvert », il valait mieux regrouper les forces et penser à une accalmie avant d’engager une nouvelle offensive. Toujours vers la fin du mois de janvier, les Alliés se sont rendu compte de la dispersion et de l’absence de coordination efficace, ce qui pourrait donner un avantage certain aux troupes de l’Axe. Le 25 janvier 1943 fut décidée la réorganisation du haut commandement allié. Le haut commandement militaire allemand, représenté par le « Maréchal Albert Kesselring », et le « Général Von Arnim », prirent la décision de diriger l’essentiel des forces blindées de « Rommel » sur le « Col de Chambi à Kasserine ». Il faut dire qu’après les combats de « Faïd » et « Meknassy », les blindées américaines massées entre « Sbeïtla » et « Gafsa » Constituaient 1

Voir à cet égard les mémoires du Général Koeltz (L.), Une campagne que nous avons gagnée, Tunisie 1942-1943. Paris, Hachette, 1959, p. 126.

24


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

pour « Kesselring » une haute menace pour ses troupes. Les Allemands étaient dans l’offensive, alors que les Alliés se trouvaient acculés à la défensive. Dès le 1er février le « Général Fredendall » avait mis des unités sur « Hajeb El Ayoun » et les autres unités sur « Sbeïtla », « Feriana » et « Bou Chebka ». Dès le 3 février, « Rommel » avait envoyé une requête auprès du commandement suprême italien afin d’entrevoir une percée vers la base américaine de « Tébessa » à travers le col de « Kasserine ». Dans ce but, il demanda Le renforcement du 5ème panzer afin de la mettre à sa disposition pour cette opération, la proposition est rejetée par « Von Arnim » qui craignait par-dessus-tout la défaillance de la logistique et du ravitaillement pour une opération de telle envergure. Les forces allemandes engagées le furent sous le commandement de « Rommel » et de la 5e Panzer armée commandée par « Von Arnim ». Quant aux forces alliées elles dépendaient du 2e corps de l'armée américaine commandée par le « Major Général Lloyd Fredendall ». La situation allemande est précaire. Les troupes américaines ont déjà traversé le massif de l’« Atlas » et ont établi une tête de « pont à Faïd » au-delà du massif de la « dorsale tunisienne ». Ils sont en excellente position pour couper en deux les forces allemandes. « Rommel » et l ' « Afrika Korps » risquait de se retrouver séparés du reste des forces de la « Wehrmacht » et des bases de ravitaillement du nord de la « Tunisie ». Il est évident qu'elles ne peuvent alors pas rester sans bouger devant cette menace si imminente. L' « Afrika Korps » atteint les lignes le 30 janvier, la 21ème division blindée allemande infligea une défaite facile face aux troupes françaises qui défendaient « Faïd ». La première division blindée américaine avait tenté pour sa part d’ériger un obstacle à l’avancée foudroyante des panzers allemands, mais elle a subi un déluge de feu car les Allemands maîtrisaient parfaitement la « Blitzkrieg » : la guerre éclair. La suprématie allemande face aux troupes américaines et françaises ne faisait aucun doute. Il y a d’une part une forte stratégie du commandement allemand unifié et efficace malgré les quelques dissensions entre « Rommel »et « Von Arnim », et de l’autre l’expérience du terrain pour une armée en guerre depuis des mois sur le front d’« Afrique », deux facteurs qui jouent indéniablement en faveur des Allemands sans parler de l’avancée technique des armes allemandes, particulièrement les blindées. Dès le 11 février, les plans allemands étaient révisés. « Von Arnim » et après la prise du col de « Faïd », tenta de lancer une offensive conjointement avec la 10ème et la 21ème division panzer afin de prendre « Sidi Bou Zid » alors que « Rommel » fort du 5ème panzer fera une poussée sur « Gafsa » et continue sur « Feriana » en passant par « Kasserine ». L’opération menée par « Von Arnim » sera baptisée « Fruhlingswind » (vent de printemps) alors que celle préconisée par « Rommel » prendra le nom de « Morgenluf » (air du matin).1 Dès le 12 février, « Eisenhower » avait quitté « Alger » pour regagner « Sbeïtla » le 13 afin de réorganiser les troupes.2 « Rommel », avait tenté à travers cette opération qui n’est guère d’envergure, d’améliorer son ravitaillement et mettre en difficulté les Américains sur « le flanc algérien » sur le « versant ouest du col de Chambi ». Il comptait surtout sur la rapidité de l’action de ses blindées et miser sur l’effet de surprise. Le 14 février, la 21 « Panzer division » s’est dirigée à l’attaque de « Sidi Bouzid », à 15 km kilomètres de « Faïd ». La bataille dura un jour, les blindés M3 des Américains n’ont fait aucunement le poids avec les chars allemands, ils furent ainsi acculés à la retraite ou à la destruction. À la fin de la journée, l'Armée allemande contrôlait totalement « Faïd ». Malgré une seconde tentative américaine de reprendre le terrain, cette contre-attaque s’est soldée par un échec cuisant. Les blindées allemandes purent se diriger le 16 février avec pour objectif le contrôle de « Sbeïtla ». 1 2

Watson (B.), Exit Rommel, Mechanicsburg, Stackpole, 2007. p. 73. Atkinson (A.), An Army at Dawn. Londres, 2003. p. 331.

25


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Les panzers allemands commandés par « Ziegler », composées de trois détachements, prirent la direction de « Sbeïtla », alors que côté américain « Mac Quillin » était enclin à replier ses troupes sur « Sbeïtla ». La percée s’est faite le 16 la nuit, les troupes américaines furent prises de panique, la situation fut sauvée in extrémis par une batterie qui a pu bloquer l’avancée allemande sur « Sbeïtla ».1 Les troupes de « Mac Quillin » et de « Stack » opposèrent une Résistance de leurs artilleries face aux tentatives de débordement et de contournement à l’assaut de « Sbiba » par les panzers allemands durant toute la journée du 17 février. Ils reçurent l’ordre de se replier au sud de « Tébessa » afin de s’organiser et éviter un débordement allemand sur la base même. La décision de « Von Arnim » de diriger la 10 ème panzer vers « Hajeb el Aïoun » donna un répit aux Alliés afin de préparer la trouée de « Sbiba ». C’était une occasion stratégique manquée par les troupes allemandes d’anéantir la 1ère Division Blindée (DB) américaine. Pour sa part, « Rommel » avait déployé un détachement de « Liebenstein » sur « Feriana » et put occuper l’après-midi le terrain d’aviation de « Thelepte » qui se trouve dans les environs. Le 18 février, les renforts alliés venant des Français et des Britanniques allaient inéluctablement remettre de l’équilibre en faveur des Alliés pour contrer la grande offensive allemande sur le col de « Kasserine ». Il faut dire que les Allemands avaient l’avantage d’être expérimentés par rapport aux Américains. En effet, ces derniers viennent pour la plupart de subir leur baptême de feu en cette terre d’Afrique, un terrain qu’ils ne maîtrisent nullement et qu’ils viennent à peine de découvrir. A la date du 16 février, l’Armée blindée américaine fit un repli défensif sur le flanc occidental des montagnes s’abritant derrière le col de « Kasserine », laissant derrière elle de lourdes pertes s’élevant à 2 546 tués, 103 chars, 280 véhicules, 18 canons de campagne, trois canons antichars et une batterie anti-aérienne. Après deux jours de répit, le 19 février, « Rommel » envisage de lancer de nouveau un assaut sur la passe de « Kasserine ». Dès le 18 février il s’est rendu à « Feriana » où il avait constaté que tout le terrain du sud de la grande dorsale a été abandonné par les Américains. Il proposa alors à « Von Arnim » d’exploiter au maximum cette situation et de faire une poussée vers « Tébessa », siège du IIème Corps américain. « Von Arnim » essuya un refus ferme, poussant « Rommel » à s’adresser à « Kesselring » chef de Corps d’armée pour le convaincre de cette opportunité. La proposition de « Rommel » convint pleinement « Kesselring » qui voulait en découdre avec toute menace qui viendrait de l’Ouest pour l’« AfrikaKorps » et la présence de l’Axe en « Tunisie ». Le plan de « Rommel » consistait à faire une poussée sur « Thelpete » par la 21 ème panzer et la 10ème sur « Kasserine » afin de traverser le col et venir à bout des troupes américaines stationnées à « Tébessa ». Le lendemain, il dirige personnellement l'attaque menée par la toute nouvelle 10e Panzer division détachée par la 5e Panzer armée déployée dans le nord. Il espère ainsi capturer les dépôts de ravitaillement américains alors que la 21e Panzer division poursuit son attaque vers le nord à travers la trouée de « Sbiba ». Ces manœuvres visaient ostensiblement à bloquer toute action des armées alliées qui tenteraient de couper les troupes germano-italiennes. Le plan de « Rommel » fut finalement validé, malgré les réticences voire l’aversion de « Von Arnim ». Au matin du 19 février, par un temps pluvieux, « Rommel » partit à 9h00 de « Sbeïtla », ne parvenant à « Sbiba » que vers 14 heures retardé par les intempéries. Face à la résistance de l’artillerie américaine, le 21ème panzer s’est replié abandonnant chars et véhicules et dut prendre la défensive sur les lignes arrières de « Sbiba ». Malgré une deuxième tentative de percer le col vers 16h, les efforts de « Rommel » furent vaines et le front s’est stabilisé. Ce19 février, les Alliés commençaient à remettre leurs dispositifs grâce surtout à la précieuse aide britannique de la 26ème brigade blindée du « Général Charles Dunphie » stationnée 1

Koeltz (L.), Une Campagne….Op. cit., p. 232.

26


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

A « Thala ». Le 20 février, toujours par un mauvais temps de pluie et de neige sur les hauteurs, le 21 ème panzer tente un assaut sur « Sbiba ». A la passe de « Kasserine », et très vite, les lignes américaines sont percées, la puissance de feu des Allemands dépasse largement celle des Américains acculés à battre en retraite. Les Américains étaient peu aguerris aux batailles des blindées dans un milieu naturel nouveau. Les chars allemands, en l’occurrence les « Panzer IV » et « Tigre », étaient les derniers nés de l’industrie de guerre allemande. Ils sont à la fois Puissants en force de tirs, rapides et capables de franchir les terrains les plus difficiles. Face à eux, les chars américains « Lee » et « M3 Stuart » ne font aucunement le poids dans le cours des batailles, ils seront d’ailleurs abandonnés définitivement en 1943 par l’armée américaine en raison justement de leurs puissances limitées. La nuit du 20 au 21 février, alors que la passe de « Kasserine » est devenue sous contrôle allemand, une véritable inquiétude s’empara des Alliés, la Ière Armée prit en main le commandement des opérations dans tout le secteur. Il a été décidé de déclencher une guerre d’usure par des attaques de l’artillerie vu la supériorité des chars allemands dans le combat « Rommel » donna l’ordre après la prise de la passe de « Kasserine » d’inspecter les Alliés sur « djebel Hamra » et « Thala ». Le 21 février, le climat était devenu plus clément, et afin de donner à l’attaque toute sa vigueur, « Rommel » est resté avec le groupe principal de la « 10e panzer division » qui suit la route vers le nord en direction de « Thala ». En même temps, une force italo-allemande s’est dirigée vers le nord-ouest en progressant sur une route plus au sud avec pour objectif « Haïdra ». Toute la journée du 21 février était marquée par l’offensive allemande sur « Thala », occupant au passage le col de « djebel Hamra ». L’assaut sur cette ville est marqué par la résistance de l’artillerie alliée, ce qui a retardé l’avancée des panzers allemands. La 26 ème Brigade britannique a ainsi pu stopper la percée. Le même jour, l’offensive sur la passe de « Kasserine », s’est mise en mouvement mais tardivement (vers 14 heures) en se scindant en 2 colonnes. La première a principalement pris pour objectif « Tébessa », la seconde le pied nord du « mont Chambi ». Ces deux tentatives n’eurent pas de succès dans la percée du front érigé par les alliés. Les deux attaques allemandes de ce 21 février étaient vouées à l’échec, car non seulement le terrain n’était pas favorable, mais également la résistance de l’artillerie avait dérouté les calculs faits préalablement de la force des blindées allemandes. Ainsi, le 22 février sera une date décisive dans la bataille de la passe de « Kasserine ». Alors que le « Colonel allemand Friedrich Von Broich » s’apprêtait à attaquer de nouveau dès l’aube, de petites unités françaises, britanniques et américaines arrivent au secours de la garnison des troupes américaines. L’artillerie renforcée, les quelques chars de la 26 ème brigade britannique ont pu bluffer les Allemands. Les tirs étaient intenses, « Rommel » donna les ordres aux blindées allemandes de rester sur la défensive. Sur le deuxième front de « Tébessa », deux bataillons allemands sous le commandement de Menton se lancèrent la nuit mais se sont égarées, ils avaient face à eux un régiment d’infanterie et des artilleurs français sous le commandement du « Colonel Molière ». A la fin de la journée du 22 février, les deux fronts de « Thala » et de « Tébessa » étaient stables, et les stratégies côté allié commençaient à se mettre en place en attendant les renforts des Français et des Britanniques. L’aviation américaine est entrée en action ce 22 février vers 16h, 26 bombardiers ont pris pour cible les positions allemandes dans la passe de « Kasserine ». Mais c’est un véritable coup de théâtre qui se produisit le 23 février, les troupes allemandes se sont retirées quasiment de tous les fronts de « Kasserine » et de ses environs. Le matin de ce 23 février, les Alliés étaient fort surpris du retrait précipité des Allemands qui avaient laissé derrière eux chars, munitions et documents. « Rommel » avait pris cette décision suite à la dispersion de Ses troupes et l’arrivée massive des renforts aux troupes américaines, il craignait par-dessus tout 27


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

de se couper de ravitaillement en hydrocarbures, en munition, en alimentation et en logistique. Le 23 février, une attaque aérienne américaine de grande envergure sur la passe de « Kasserine » précipite le repli des troupes de l'Axe et les Alliés reprennent définitivement la passe, le 25 février les sons des canons se sont décimés.

V- La Bataille de Mareth mars-avril 1943 : La bataille de « Mareth » reste l’un des épisodes les plus connus de la « Seconde Guerre Mondiale » dans la chronique des militaires et des historiens spécialisés. Cette ligne, fut à l’origine une conception française afin de parer à toute éventualité d’attaque italienne par la « Tripolitaine ». Dès le début de 1936, les travaux sont mis à exécution. Sur la ligne principale, elle est constituée de 28 points d’appui composés de boyaux, de tranchées d’un petit nombre de blockhaus et de postes de commandement à l’épreuve d’abus de 149 mm ; 40 casemates avaient été construites en plaine pour l’infanterie, dotées de pièces de 47 mm de Marine, 11 bataillons d’infanterie, 6 groupes d’artillerie de 140 mm, 80 armes antichars et un bataillon de chars D1 en assuraient la défense. Bien différente de la ligne « Maginot », la ligne « Mareth » est une fortification légère en raison de la faiblesse des crédits et de l’approvisionnement difficile des chantiers. La ligne « Mareth », est longue de 45 km, partant de « Mareth » sur la côte maritime et se prolongeant jusqu’à « Tataouine ». Elle fut baptisée « ligne Maginot du désert ». Ces ouvrages furent démilitarisés par une commission germano-italienne, la Commission Italienne d’Armistice avec la France (CIAF). Suite à la défaite des forces de l’Axe à la Seconde bataille d’« El Alamein », les ouvrages sont de nouveau réarmés par l' « Afrika Korps » (novembre 1942-mars 1943) pour retarder l'avance de la VIIIème armée britannique dirigée par le « Général Bernard Montgomery » : 100 kilomètres de barbelés furent posés, 100 000 mines antichar, 70 000 mines antipersonnel et des abris sont mis en place et les ouvrages renforcés par des canons antichars et antiaériens. De plus, la ligne « Mareth » étant judicieusement construite derrière l’« Oued Zigzaou » cela en fait un fossé antichar naturel d’une profondeur de sept mètres, ce qui rend quasiment impossible une offensive directe par des engins de quelque nature que ce soit. Après leurs succès en « Irak », « Syrie » et « Liban », les forces armées britanniques effectuaient une percée contre les forces de l’Axe en « Egypte » et en « Libye ». Montgomery avait été appelé au commandement de la VIII èmeArmée le 13 août 1942 et deux jours plus tard, le « Général Alexander » fut nommé commandant en chef des armées britanniques au Moyen-Orient. Les opérations britanniques contre les positions de l’Axe débutèrent le 31 août 1942. Après un répit faute de carburant, dès le 2 octobre, le gros des efforts fut porté sur « El Alamein » (Egypte) à une centaine de kilomètres d’« Alexandrie ». Le rapport de force était nettement avantageux pour les Britanniques qui disposaient de 230.000 hommes et 1.030 chars alors que « Rommel »n’avait plus que 100.000 hommes et 500 chars (dont 218 allemands). La supériorité aérienne était de l’ordre de 5 à 3. Le 23 février 1943, le « Général Rommel »prenait le commandement du groupe d’armées formé par laIèreet la Vème Armées sur le sol tunisien. Le « Général italien Giovanni Messe » prit le commandement de laIèreArmée alors que dès décembre 1942 des fortifications de la ligne « Mareth » avaient été consolidées avec l’aide de plusieurs milliers de travailleurs. Le 23 janvier 1943, les Alliés occupèrent « Tripoli » qui servit de centre de ravitaillement pour la VIIIème armée britannique. Les premiers éléments anglais atteignent « Médenine » et « Foum Tataouine » sans combat le 18 février. Dès lors, le « Général Montgomery » concentra ses efforts et lança l’attaque sur la ligne « Mareth ». Le 22 février, « Rommel » reçut l’ordre d’arrêter ses opérations sur « Gafsa », l’objectif étant devenu la destruction de la VIIIème armée britannique par une manœuvre d’encerclement. Sur une demande pressante du« Général Alexander Montgomery » en dépit de la faiblesse de ses effectifs (le gros des troupes néo-zélandaises était toujours à 28


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Tripoli), tenta sans succès d’ouvrir une brèche dans la ligne « Mareth ». Mais, fortes de quelque 400 chars, les unités britanniques venaient de se renforcer par des chars neufs et l’arrivée massive des troupes néo-zélandaises sur « Médenine » le 28 février. Le « Général Rommel » lança alors l’opération « Capri », destinée à arrêter et déstabiliser la VIIIème Armée. Cette opération, lancée le 6 mars, n’avait, selon les stratèges, aucune chance de Succès. Après avoir perdu presque tous ses chars, « Rommel »fut contraint de battre en retraite et alla se réfugier derrière la ligne « Mareth » dans le « Sud tunisien », ce qui lui laissa le temps de préparer une vigoureuse contre-offensive contre la VIIIème Armée britannique. La bataille de « Mareth » a lieu du 16 au 28 mars 1943. Elle coïncide avec la pression exercée alors au Centre et au Nord de la Tunisie par les forces alliées sur les forces de l'Axe commandées par le « Général Hans-Jürgen Von Arnim ». Car, au même moment, les Alliés commencent à retrouver la suprématie aérienne et maritime dans le Bassin méditerranéen. La 1 ère Armée commandée par le « Général Messe », dispose d’une artillerie assez importante et des batteries côtières échelonnés de « Gabès » à « Sfax ». La valeur de cet ensemble est relativement faible face à la VIIIème armée britannique. C’est une armée qui vient d’opérer une longue retraite elle a perdu des hommes et des armes, et bien qu’elle fut complétée par des éléments venant de la Péninsule italienne, ces hommes manquent de connaissances techniques et sont confrontés à un terrain qui leur est totalement étranger. Dans les unités allemandes qui ont servi d’arrière-garde ou ont été utilisées par « Rommel »dans la région de « Gafsa » et dans le combat de « Médenine », la situation est largement déficitaire. La force réelle des unités du « Général Messe » ne constituait que 50% de la force organique et l’insuffisance notoire du matériel était extrêmement grave. On manquait initialement de 72% de chars, de 41% d’auto-blindées, de 67% d’artillerie. Les Anglais sont équipés du matériel blindé le plus performant de l’époque et même des armées en guerre.

Carte de la bataille de Mareth (musée de l’armée, Mareth) Les Britanniques, aidés de la colonne française du « Général Leclerc », se cassent d'abord les dents lors de leurs attaques frontales. Après une contre-attaque manquée sur « Médenine », la

29


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Ligne est occupée par les unités survivantes de l' « Afrika Korps de Rommel », devenues la 1ère Armée italienne, commandée par le « Général Giovanni Messe ». Le 19 mars 1943, la VIIIème Armée britannique assaille la ligne « Mareth ». La 50ème division d'infanterie britannique parvient à pénétrer la ligne près de « Zarat », mais son avancée est anéantie par une contre-attaque de la 15èmePanzerdivision (22 mars). Bien que l'attaque britannique soit défaite, « Montgomery » envoie des corps d'armée, sous la direction du lieutenant « Général Brian Horrocks », avec la 2ème division néo-zélandaise de « Bernard Freyberg » autour des collines de « Matmata ». Les informations du « Long Range Désert Group » suggèrent alors que la ligne pourrait être débordée : « Montgomery » renforce donc les forces de « Freyberg » et décide d'opérer un mouvement de contournement de la ligne. La colonne traverse le col de « Tebaga », le 27 mars, ce qui rend la ligne intenable pour les troupes de l'Axe. Cependant, les forces de « Messe » échappent à l'encerclement et battent en retraite en direction de « Gabès ». Dans un ultime effort pour remporter une victoire susceptible relever le moral de ses troupes l’« Afrika korps » tenta une nouvelle offensive le 10 mars sur « Médenine » pour reprendre « Ksar Rhilane » ou étaient stationnées les troupes du « Général Leclerc », cette opération se solda également par un échec. Le lendemain, le commandement passa à « Von Arnim » et « Hitler » recommanda au Duce de garder secret ce changement. De ce fait, les Alliés crurent jusqu’à la fin de la campagne qu’ils avaient affaire à « Rommel ». Dans cet épisode de la bataille, on assiste à l’entrée en scène massive de l’aviation, surtout des Britanniques qui n’ont commencé à en faire usage sur ce front sud qu’à partir de cette date (10 mars). Aussi l’équilibre des forces évolua nettement en faveur des Alliés.1La fin de la bataille de « Mareth » fut consommée le 6 avril 1943, laissait présager la défaite imminente des forces de l’Axe sur e sol tunisien. Le 10 avril « Sfax » chuta, puis Sousse le 12 et une grande bataille s’est livré entre les monts « Zaghouan » et « Enfida » ville. Les nombreux cimetières qui jonchent le territoire tunisien témoignent de la férocité des combats dans chaque partie de la « Tunisie ».

Le Maréchal Erwin Rommel

30

Le Général Messe


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Le Général Von Arnim

Le Général Omar Bradley

31

N° 8 / 2018

Le Général Albert Kasseriling

Le Général George Patton


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

Le Général Bernard Montgomery

N° 8 / 2018

Le Général Philippe Leclerc

VI- Assaut final et fin de la Campagne de Tunisie : Après la défaite de l’Axe sur la ligne « Mareth », les forces germano-italiennes avaient regroupé toutes les forces armées dans un réduit allant de « Zaghouan » à « Tunis » avec un prolongement vers le « Cap Bon » ; dernier pont continental qui permettrait de rejoindre la péninsule italienne. Le « Maréchal Messe » prit le commandement de la Ire Armée, assisté du « Général Anderson », il ordonna un retrait à la hauteur de « Meknassy » et s’est vu menacé par le IIè CA US et par les Français à la hauteur de « Kairouan ». Aidé par « Von Arnim », il réussit à regagner le 13 avril les montagnes entre « Enfida ville » et « Zaghouan ». Les forces de l’Axe ne disposaient dans ce moment précis de la campagne de presque plus de chars en raison du manque de ravitaillement et de carburant ; elles étaient désormais quasiment encerclées.1 La VIIIème armée de « Montgomery » avait tenté une attaque frontale sur « Takrouna » qui tourna à l’échec face à l’armée italienne. Le « Général Alexander » se préparait entre-temps à l’assaut final sur « Bizerte » et « Tunis » pour le début du mois de mai. Le XIXème Corps Français, qui prolonge la VIIIème armée à sa gauche, entre « Zaghouan » et le « Pont du Fahs », aura la mission ingrate d’une attaque préliminaire le 4 mai pour attirer dans son secteur ce qui reste des blindés de l’armée germano-italienne.2* L’attaque décisive sur Tunis, fut lancée par les Britanniques à partir de « Medjez el-Bab » ; 2 divisions, dont la fameuse 2ème D.B., ont été prélevées sur la VIIIème armée. Cette action avait totalisé l’engagement de 2 Corps d’Armée, avec chacun 2 Divisions d’Infanteries pour renforcer le front et 1ère Division Blindée. Le 7 mai Tunis et « Bizerte » passèrent simultanément sous domination alliée. Le reste de l’opération se résuma à une vaste rafle de prisonniers et de matériels. Malgré tout, les Italiens opposèrent une vive résistance à « Zaghouan », et les Allemands au « Cap Bon ». A la date du 9 mai, le dernier réduit se situait entre « Hammam-Lif »et « Kélibia ». La journée du 6 mai fut particulièrement marquée par un bombardement intensif sur « Tunis ». Pour le reste, « la D.C.A. allemande a peu réagi. De nombreux incendies se sont

1

Dans cette troisième phase de la campagne de Tunisie, la supériorité alliée est disproportionnée : 15 à 20 chars allié contre 1 allemand ou italien, les Alliés ont la complète maîtrise de l’air. 2 * Après la défaite de « Stalingrad », les Allemands subissaient leur deuxième grande défaite en Tunisie au point qu’ils lui ont donné le nom de « Tunisgrad ».

32


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

Déclarés ; les Allemands, traqués, firent sauter leurs dépôts avant d’évacuer la ville. C’est une façon de plier bagage. »1 Pendant leur départ, les Allemands reçurent l’ordre de détruire tout ce dont les nouveaux occupants pourraient profiter. Ce fut une retraite hâtive, les soldats faisaient sauter tout ce qui pouvait servir de provision ou d’aide à l’armée adverse : puits, ponts, jardins, armes et munitions. Ils prirent le chemin de la mer, mais l’aviation anglaise coulait les quelques navires qui tentaient de fuir. Ainsi, le 5 mai, « Habib Bougatfa », militant néo-destourien, trouva la mort lors du naufrage du navire italien qui le transportait avec les soldats et les civils vers la « Sicile ». Le « Général Von Arnim » s’est rendu avec ses troupes à « Sainte Marie Zit ». Le « Maréchal Alexander » envoya un télégramme le 13 mai 1943 à « Winston Churchill » : « Monsieur le premier Ministre, il est de mon devoir de vous rendre compte que la campagne de Tunisie est terminée ; toute résistance ennemie a cessé. Nous sommes maîtres des rivages nord-africains. ».2

Carte : Assaut final sur le Nord, Tunis et le Cap Bon

Bilan humain : -Victimes et blessés : Le bilan est toujours contradictoire mais fut certainement plus lourd du côté allié. On estime le nombre de morts parmi l’armée américaine à 2715 et à 8978 blessés (soit un

1 2

GIDE (A.), Journal, Paris, Gallimard, 1949, p. 35. JARS (R.), les campagnes d’Afrique…, Op. cit., p. 246.

33


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

total de 11 693), les Britanniques à 4439 tués et 12 575 blessés soit un total de 17 0141. Le nombre de Français tués pendant la campagne s’élèverait à 2156 et 10 276 blessés.2 Ce qui fait un total des pertes alliées d’environ 65.000

Chronologie de la campagne de Tunisie. (8 novembre 1942-13 mai 1943) : 9/XI 1942 : Débarquement des forces de l’Axe sur Tunis et Bizerte. 17-18/XI 1942 : Occupation de Ben Guerdane, Médenine et Gabès. Herlinghausen ancien commandant de l’Afrika Korpsen Libye cède la place au général Nehring. 18 /XI 1942 : Attaque allemande sur Medjez el Bab qui échoue. 18-19/XI 1942 : Le maréchal Kesserling transmet un ultimatum au général Barré. Ce dernier disposait au total de 13.000 hommes dont 3000 sont restés bloqués à Bizerte et seront désarmés. 22-28/XI 1942 : Marche anglo-américaine sur Tunis qui échoue. I 1943 : Répit et prise de position des forces alliées. 30/I-2/II : Prise de Faïd par les troupes de l’Axe. 3-4/II : Prise de Meknassy par l’Axe II : Jonction des forces germano-italiennes venant de Libye avec celles de Tunisie et la réorganisation du commandement. 15/II : Un groupe d’Armée est ainsi constitué sous les ordres de Rommel (qui quitta la Tunisie le 8 mars) puis sous ceux de Von Arnim réunissant la Ière et la Vème Armée, l’ensemble est dirigé par le Commando Supremo depuis Rome ; Hitler et Mussolini dirigent eux-mêmes les opérations. 18-27/I : Trouée d’Oueslatia menée par Von Arnim et la Vème : les Français perdent 2500 hommes. 18/II : Remaniement complet du côté allié. L’ensemble est toujours sous les ordres d’Eisenhower depuis Alger. Création par le général Alexander du VIIIème G.A. qui regroupe la VIIIème armée de Montgomery et la Ière armée d’Anderson. Cette dernière est elle-même interalliée avec le Vème C.A. britannique (Alfrey) et le XIX C.A. français 6/III : Rommel subit un échec à Thala(ce fut sa dernière action en Afrique). 6/III-6 IV : Bataille de Mareth. 9/III : Messe prend la relève sur Rommel à la Ière armée. 20/III : Echec de la VIIIème armée d’une offensive frontale : débordement à l’Ouest à Oued Akarit, Matmata des forces néo-zélandaises et françaises avancent sur EL Hamma. 26/III : Messe est obligé de consacrer toutes ses blindés à El Hamma. 27/III : Messe abandonne la ligne Mareth. 29/III : Occupation par les Alliés d’Oued Akarit. 13/IV : Messe aidé par Von Arnim réussit à s’échapper de la menace du IIè C.A. U.S à la hauteur de Meknassy puis par les français à la hauteur de Kairouan, il réussit à gagner les montagnes du Nord du Sahel, entre Enfida ville et Zaghouan. 13/IV : Attaque de Takrouna par la VIIIème échoue après la résistance italienne. 10/IV : Chute de Sfax aux mains alliées. 12/IV : Chute de Sousse. 12/IV : Avance alliée sur Enfida ville. Howe, Northwest Africa, p. 675, cité in KOELTZ (L.), Une campagne que nous avons gagnée…, Op. cit., pp. 387388. 2 PETIT (J.), « La campagne de Tunisie » Op. cit., p. 97. 1

34


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

N° 8 / 2018

5-12/V : Offensive britannique et américaine sur Tunis. 7/V : Entrée des Alliés à Tunis. 8/V : Défilé de la victoire des Alliés à la place Gambetta et aux rues de Tunis. 11/V : Percée de Zaghouan. 13/V : Attaque finale sur le Cap Bon et réédition des forces de l’Axe.

******

Bibliographie

- Atkinson, An Armyat Dawn. Londres, Abacus, 2003. -BEAUFRE (André), De Montmartre à Tripoli. Journal d’un correspondant de guerre, Montréal, édition de l’Arbre, coll. France Forever, 1944. -BRUNET (J.P.), LAUNAY (M.), D’une guerre mondiale à l’autre 1914-1945, Paris, édition Hachette, 1993. - Cherif (F.), La Tunisie dans la tourmente de la Seconde Guerre mondiale 1938-1943. Tunis,éd CPU, 2014. - DAILLIER (P.), Terre d’affrontement : le sud tunisien. La ligne Mareth et son étrange destin, Paris, édition Nouvelles Editions Latines, 1985. - DUBREUIL (L. A.), Aventures de guerre en Tunisie, Oran, Imp. la Touque, 1946. - FRANÇOIS-PONCET (A.), Les lettres secrètes échangées entre Hitler et Mussolini, Paris, édition du Pavois, 1946. - JARS (R.) Les campagnes d’Afrique ; Libye, Egypte, Tunisie, Paris, Payot, 1957. - KOELTZ (L.), Une campagne contre nous gagnée : Tunisie 1942-1943, Paris, Hachette, 1959. - L’Afrique du Nord dans l’histoire (TI), La seconde guerre mondiale et ses prolongements en Afrique du nord, Lyon, édition Archat, 1955. - Les grandes unités françaises. Historiques succincts. Campagne de Tunisie et d’Italie. Opérations de Corse et de l’île d’Elbe (1942), Paris, publication S.H.A.T., 1970. - SPIVAK (M.), Les forces françaises dans la lutte contre l’Axe en Afrique, Ministère de la Défense Nationale. Etat Major, vol I, 407p. et vol II 471p. Paris, imp. J.E.P., 1983. - Stratégicus : Le tournant de la guerre. Stalingrad, El Alamein, Tunisie 1942-1943, Paris, Hachette, 1947. - Témoignages de guerre (1939-1945), numéro spécial : La bataille de Tunis, n°19, 1990. - TRUCHET (A.), L’armistice de 1940 et l’Afrique du Nord, Paris, P.U.F., 1955. - Watson (B.), Exit Rommel, Mechanicsburg, Stackpole, 2007.

35


Revue Tunisienne d’Histoire Militaire

36

N° 8 / 2018



Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.