الملحق الثقافي
لويس أراغون:
دريئة العدد
إعداد :مبارك وساط
lالعدد l 70 :الخميس 7فبراير 7 2013
انصرمت» «ستكو ُن هذه احلياة ُ قد ْ
-1في البدء ..كانت الكذبة الكبرى اس��� ٌم ملنطقة شاسعة بإسبانيا .وليس أراغ���ونْ : مصادفة أن يكون للشاعر والروائي لويس (أو :لوي، حسب النطق الفرنسي) أراغ��ون (،)1982 -1897 اسم عائلي هو اسم هذه املنطقة ِ نفسها .فلويس، ��دري��و، الصغير ،ك��ان االب��ن غير الشرعي للويس َأن ِ مدير الشرطة (والي األمن) السابق والسفير السابق لفرنسا في إسبانيا ..من مارغريت توكا ،التي كانت َ أطلق الوالد على متزوجا .وقد عشيق ًة له وكان هو ً الطفل الوليد ،الذي لم يمُ كنه أن يعترف بأنه أبوه، اسما عائليا من ذكرى اسمه الشخصي ،و«فبرك» له ً أيام سفارته بإسبانيا .وهكذا ،سيكون عا َل ُم لويس أراغون ،من بدءِ طفولته التي قضاها في باريس ،ثم في ُنويي (البلدة اللصيقة بباريس) ،وحتى مطلع مؤسسا على كذبة كبيرة :فأمه كانت تزع ُم شبابه، َّ ِ للناس أن��ه أخ��وه��ا ،وأب���وه ك��ان يدعي أن��ه عرابه، ولن يعرف أراغ��ون نفسه احلقيقة إال بعد جتاوزه العشرين ،ومبناسبة التحاقه باجلبهة ،ف��ي سنة 1918؛ وكان قد حصل على البكالوريا سنة ،1916 وشرع في دراسة الطب ،مثلما كان أندري بريتون قد فعل في الفترة نفسها .لكن أحدًا منهما لن ُينهي دراساته الطبية تلك.
-2دادائية ..سوريالية ..قصائد أولى
نشر أراغون أولى قصائده« ،تعطش للغرب» ،في م���ارس م��ن سنة .1918وب��ع��د التحاقه باجلبهة، اشتغل كمساعد طبيب ،وسيتعرف بأندري بريتون في مستشفى «فال-دي -غراس» ،فقد كانا ُمكلفني باملهمة ذاتها ،وقضيا عددًا من ليالي احلراسة في «جناح املجانني» ،يقرآن «أناشيد مالدورور» لِلوتريامون، «وسط ما كانت اإلنذرات بالهجمات اجلوية املُ ْمكنة ُتثيره لدى املرضى من صرخات ونحيب» (ل .أراغون). الح ًقا ،بعد احل��رب ،وبعد أن انتميا معا ،ومعهما فيليب سوبو ،إلى الدادائية لفترة ،سينفصل الثالثة (بريتون ،سوبو وأراغون) عن هذه األخيرة ،ويرحلون لإلقامة في َكنف السوريالية ،التي كتب بيانها أندري زعيمها. بريتون سنة ،4192وكان َ سنة ،1920حل بباريس داعية الدادائية األكبر، الشاعر تريستان تزارا ،الروماني األصل ،الفرنسي أساسا ،والذي سيكتسب اجلنسية الفرنسية. التعبير ً كان تزارا قد كتب يقول في «مانفستو دادا :»1918 «« ...دادا» ال تعني شي ًئا ( )...أنا ضد األنساق ،أكث ُر األنساق مقبولِية ،هو أال يكون للمرء أي نسق ()... هدم فل َيقل ُكل إنسان بصوت جهوري :هنالك عمل ٍ س وتنظيف.»... كبير ،عمل َسلبي ،ينبغي إجنازهَ .ك ْن ٌ وقد حتمس أراغون (مثلما بريتون وفيليب سوبو)، ��اس��ا مجال ِ ّ الشعر للتمرد ال��دادائ��ي ال��ذي ط��ال أس ً والفن .وفي ِ 1920 نفسها ،نشر أراغون مجموعته َ وتتضمن 23قصيدة ،هي األول���ى« :ن���ا ُر ال��ف��رح»، القصائد األولى التي كتبها في مطلع حياته األدبية. نقرأ مقطعا من إحدى تلك القصائد ،وهي املعنونة «خميس خالص»: «يا ش��وارعُ ،يا ُق�� ًرى ،إلى أين ُ كنت َأ ْج��ري؟ كان اجلليد يطردني في املنعطفات نحو ِب َر ٍك ُأخرى)...( . إل��ى داخلي ينفذ النهار .ما ال��ذي َتبتغيه مني املرايا البيضاء وتلك ِ ّ النسوة اللواتي صادفتهنّ ؟ أهذه أكذوبة أم لعبة؟ دمي ليس له هذا اللون. على شوارع املريخ متوهجة اإلسفلت ،يا زهرات الثلج! اجلميع فهموا ما بقلبي (»)... ( ترجمة :م .وساط ،كما هو احلال بالنسبة إلى سائر املقطوعات فرنسية األصل املدرجة في هذا املقال). ف��ي ه��ذه السنة ِ نفسها ،ح���اول االن��ض��م��ام إلى احل��زب الشيوعي ،ونشر روايته األول��ىَ « ،أنيسيه أو البانوراما» ،التي ظهر معها اقتداره في الكتابة الروائية ،من جهة ،واستقالليته عن رفاق املسيرة األدبية ،إذ من املعلوم أن بريتون كان ي��زدري الفن الروائي. وفي باريس ما بعد احلرب العاملية األولى ،عاش أراغ��ون عالقتني غراميتني فاشلتني :مع الرسامة األمريكية إي��ي��ر دي الن��ي (ال��ت��ي ستتركه وترتبط ِبد ِْر ُيو ال روشيل) ،ثم مع دنيز ليفي (التي ستفضل أن تتزوج ببيير نافيل) .وفي ،1924تشكلت املجموعة السوريالية ،التي ضمت شعراء وفنانني ،من بينهم (بريتون ،أراغ��ون ،إيلوار وديسنوس )...ووقتها، كان أراغون يقرأ بشغف كتب هيغل وماركس ولينني وف��روي��د ،...وف��ي 1924و ،1925كتب أه��م أعمال َّ «ف�ل�ا ُح ب��اري��س» ،وه��و العمل مرحلته السوريالية: ِّ الشعري -ال َّنثري ،ال��ذي سيظهر سنة ،1926أي السنة نفسها التي ُن ِشرت له فيها مجموعته الشعرية
لويس أراغون مع رفيقته إلزا
«احلركة األبدية».
َ -3فالح باريس
عن «فالح باريس» ،قال الفيلسوف والناقد األملاني فالتر بنيامني« :لم أكن أستطيع أن أقرأ منه في املساء، وأنا في سريري ،أكث َر من صفحتني أو ثالث ،ذلك أن ما كنت أقرؤه كان يجعل قلبي يدق بقوة كبيرة ،ح َّد أنني ُ كنت أضطر إلى َت ْرك الكتاب جانبا» .وفي مالحظة درج��ت في طبعة 1966من «فالح باريس»، أولية ُأ ِ وال ش��ك ف��ي أن ال��ذي صاغها ك��ان أراغ���ون نفسه، (وإن حتدث فيها عن نفسه بضمير الغائب) ،نقرأ: « ...عن الذي ينظر إلى ُكل شيء بعينني مفتوحتني على ِسعتهما ،نقول إنه َيخرج من قريته .وهكذا، فالحا باريسيا ،كان أراغون يجول في ممر فباعتباره ً أعمال َشق بولفار هوسمان ُت ُ ُ شكل األوبرا الذي كانت خط ًرا عليه ،وكانت نظر ُته اجلديدة تلتقط وتسجل مئات املشاهد من الواجهات وامللصقات ،التي كانت الصدفة جتع ُلها ُقبالته .»...والكتاب ُيقدم لنا تأمالت السارد في املدينة التي يتجول فيها ،وتأمالته في الزمن ،ويبرز لنا قوة الرغبات العاطفية لديه ،والتي ُ يتشبث بها ليتمكن من هَ زم اليأس واجلنون ،وفي الكتاب ،حرص على التقاط ما هو عجيب في املعيش ُ (انظر مقتط ًفا اليومي ،وعلى الدفاع عن السوريالية. منه ،مرفقا باملقال).
-4الواقعية ،الحزب الشيوعي ،إلْ زَ ا في يناير ،1927التحق أراغون باحلزب الشيوعي
الفرنسي ،رفقة أندري بريتون ،وإ ْثر إيلوار ،ولن يبقى هذان األخيران في احلزب إال أشهرا معدودة ،وإن كان إيلوار سيعود إليه في ما بعد .وفي ،1928ظهر ص َّنف في األسلوب» (أو «رسالة في األسلوب»)، له ُ «م َ وهو ،نوعً ا ما« ،مانفستو أراغون األدبي» .وفيه هجوم على شخصيات أدبية ،مثل ِجيد وفاليري ،وإعادة نظر عنيفة في الفن السائد وفي احلضارة الغربية، وفيه هجاء قوي للرأسمالية ،إلى جانب عناية كبيرة بالصورة الشعرية ،فمما نقرؤه فيه ،مثال: <<<<<< «أسلوبي هو مثل الطبيعة ،ورمبا التما ُث ُل بينهما متبادَل .اتبعوني بانتباه عبر املياه التي جتري الصخور .إن َقطاعة الورق ج��داو َل ،وعلى امتداد ّ ِ تع ُ رف القرية مبا الهائلة التي تعتمدُها الط ُرقات ال ْ فيه الكفاية .يلزمك دليل وأنت جتتاز آباط الغابات. يتربص بك رجل ُم َت َذ ْأ ِبنٌ من َز َبد ،وهنا سيأكلك هناك ُ ُف ْط ٌر-مِ ي ُنو ُتور .بوارق غريبة تهيم في كل مكان تقري ًبا من ُسهولي». ....... متذأبن :منقلِب إلى ذئب .املينوتور :في امليثولوجيا اليونانية ،كائن له جسم إنسان ورأس َثور. في تلك الفترة نشر أراغونِ ،باسم مستعار ،كتابا إري��نْ » ،منع ْت ُه الرقابة. إيروسيا حتت عنوان « َف ْرج ِ كما أنه حاول االنتحار بعد مغامرة عاطفية سيئة النهاية ،وبعد تفاقم أزمتِ ه املادية .إثر ذلك ،عاد إلى نضاله السياسي وأدبه .وقد التقى ِبالشاعر الروسي فالدميير ماياكوفسكي سنة ،1928وبعدها ب ُأ ِ خت
قرينةِ هذا األخير ،إل��زا (هنالك من يكتبها :إلسا) تر ُيولِيه. ِ ُث�� َّم إنّ أراغ��ون سينحاز إل��ى التصور الواقعي االشتراكي لألدب ،األمر الذي سيؤدي إلى القطيعة بينه وبني بريتون والسوريالية ( .)1930وفي سنة ،1939سيرتبط بزواج رسمي بإلزا تريوليه (وهي روسية األصل ،اكتسبت اجلنسية الفرنسية ،وكانت ً أيضا (بالفرنسية) وحصلت على جائزة ِروائ��ي��ة «ال��غ��ون��ك��ور» سنة ،)1945ث��م يلتحق باجلبهة لِيحارب ُمجددا .وبعدها ،سيشارك ،بطريقته ،في املقاومة. وع��ل��ى ال��ع��م��وم ،ف���إن ح��ي��اة أراغ�����ون سترتبط باألساس ،بعد احلرب ،بنشاطه في احلزب الشيوعي الفرنسي وبإلزا ،وس َيزور االحتاد السوفياتي العدي َد من املرات ،و ُي ْبدي مناصرته للخط الستاليني ،ولن صبح ذا موقف نقدي إزاء ستالني ،إال بعد وفاة ُي ِ هذا األخير و َك ْش ِف خروتشوف عما عُ رف بـ»جرائم س��ت��ال�ين» .وس��ي��دي��ن أراغ����ون ،سنة ،1968تدخل اجليش األحمر لقمع «ربيع براغ» ،و َيكتب ،في تلك السنة ،مقدم ًة لرواية ميالن كونديرا« ،املزحة» ،كما سيبدي تعاطفه مع حركة «م��اي ،»1968دون أن ُيغادِ َر احلزب الشيوعي ،طبعً ا. ك��ت��ب أراغ�����ون ،وق���د أص��ب��ح ع��ض��وا ب����ارزا في احلزب املذكور ،وأصبحت إلزا رفيقته في احلياة، ُ باحلب، قصائد ُت ِشيد بالشيوعية ،وأخرى حتتفي وترتفع ب��ه إل��ى ذرى عالية ،وك��ان��ت ه��ذه األخيرة غنائية الطابع ،كالسيكية الشكل ،وقد غنى عد ًدا منها مغنون م��ع��روف��ون ،مثل لِيو فيري وج��ورج براسنس وجان فيرا ...كان براسنس أول من غنى
عصب الكتابة
«أحرس يدي من ذئب الكتابة» ُ
بدء ِّ الشعر ماسوني مخادعٌ .ال يؤمن كثيرا باﻹكراهات اجلماليةُ .يبـدد وقته في النحت أو الكسل .أحيانا يتعب ،وأحيانا ينام :حتى ثمة أحالم وكوابيس ..من عاداته أن يهمل حالقة ذقنه أليام ،لكنه طبعا ُيصر على إغراء املرآة .من هـواياته الـمشي ..في الشمس أو في أروقـة ظليلة ،في الضوء أو في سـراديب معتمة .يمُ رن استعاراته علـى اخللود ويقايض حريته باحتياالت كثيرة .ال ُيخيفه العيش هناك ،على َأسـ ّرة مسكونة بأنفاس موتى ،على أصابع مالعنة أثاث تحَ ّسسته ٍ ُ وممسوسـني ...ومنذ أن ت َذوق
حسن ملهبي خطيئة احلداثة ،صار يضع قناعا، ويهيم -مستوحشا -في أرض النثر.
درس سقراط سيكون نهارا مـختلفا ،هذا ما أعتقده .ألن مرآة تكسرت في نومي، واجلدران صارت شفافة .أعيد صياغة الصباح لينسجم مع لون قميصي ،أترك فنجان القهوة على حافة النافذة وأغادر الـبيت .أمشي مثقال بسالسل غيابك ،يسيل من أصابعي ما تبقى بداخلي من حنان. ليـس هـذا ما كنت أرغب في كتابته... ُ أردت أن أرتـب دوالب غرائزي، وأن أمنح للقسوة مبـررا أخالقيا،
حتى ينبت عشب من فكرة ذهابك. أستقبل األلم في أرض محايدة، في ذلك نوع من اخلداع ..حتى ال يكون األلم سلطة أو تدميرا ذاتيا، وتكوني أنت فقط ،دون فائض في املشاعر .سأمشي وسأفكر كم سكبنا من نبيذ لتغرق السفن في نومنا، سأمشي وسأفكر كم كانت عالية أنقاض رغباتنا على السرير .سأجد ممـرا يقود إلى أطـراف املتاهة :كأن أرمم شروخ متثال اخليانة ،كأن أخترع فلسفة للوهم ،أو أسحب من املوت ما يجعله حقيقة ..تعلمـني أن أنفاسك ما زالت محبوسة فـي صـدري ،هــذا ما يترك لـي هــواء إضافيا ...حتى حيـن تتكـسر مرآة في نومي أو تصير جدران هذا
البيت شفافة .لست نائما اآلن ،فقط أمرن كسلي على حب القطط ،وأضع حليبا في الفنجان املتروك علـى ِ ارمتيت منهـا... حافة النـافذة التـي قبـل هذا ،كـنت أعتقد أن فـالسفة اإلغريق وحدهم ينتحرون.
هامش الخطأ بعـد قـليل سنذهب ،وسنترك وراءنا أثاثا غاليا .سنذهب دون خرائط وال حقائب ،لن نركـب قطارات أو سيارات .سيكون معنا فقط خيال قليل وأســرار في جيوب املعاطف. حتى الذكريات سنتركها طعاما للقط العجوز .لم تعد لنا أشياء لنعيش
من أجلها هنا ،قد يكون في ذلك نوع من احلرية أو بعض من اليأس. عجوز آخر سنتـركـه وراءنـا :إنه األمل ،سنتركـه دون وداع وال طعام. صور كثيرة ستبقى عائمة على مياه الصنبور املعطـل ،ومسودات وهـدايا وأحـذية قـدمية .ماتزال زجاجة على رفـوف املطبخ ،سنتقاسم نبي َذها قبل أن نغادر .لن نبحث عن املفاتيح واألقفال ،سنترك األبواب مشرعـة على الهواء والـضوء واللصوص، مع علمنا أال أحد بعدنا سيأتي إلعادة بناء الـسراب .بعد قليل سنذهب ،وسيظل ِ ّ الشعر هناك ،في خلفية قليلة اإلضاءة. من مجموعة شعرية ستصدر قريبا بعنوان «النو ُم في أسـ ّرة اآلخرين»
له قصيد ًة ،هي «ليس هنالك مِ ن ُحب سعيد» ،التي كان أراغون قد كتبها في فترة أوشكت فيها عالقته بإلزا أن تنفرط ،وتلك األزمة هي التي ستلهمه أيضا ورليان» ،من قصيدة له ذات إحدى أهم رواياتهُ « ،أ ِ طابع «سياسي واقعي» ،حتمل عنوان «جواب إلى اليعاقبة» ،نقرأ: ِ املارسييز⁄ « ...أح�� ّي��ي هنا النشيد األمم��ي ض��د تراجعي يا مارسييز أمام ⁄النشيد األممي ،ذلك أن هذا ⁄هو خريف أيامك»... <<<<<< أما إلزا ،فستحضر ،باالسم أو باإلشارة في العديد من قصائد أراغون ،وباالسم في عناوين أعمال له، أشه ُرها «عيون إلزا» (وهذه ترجمة أحسن ،شعريا، من «عينا إلزا») ،و«مجنون إلزا» .من قصيدة «ليلة املنفى» ،ضمن «عيون إلزا» ،نقرأ: «( )...ك��ان��ت ُخ��ط��ى احل��امل�ين َت ِ��ط��ن على ال��ب�لاط ⁄ وع��ش ٌ ِ��ص َ ��ق ال��ب��واب��ات العريضة ⁄ ��اق يتحاضنون ل ْ ُ وبياض ِك نحن االثنني كنا ُن َعمر الالنهاية بأيادينا ⁄ يؤجج الظل اخلفيف األبدي ( )...أتذكرين تلك كان ّ الليالي التي كان يغلفنا خاللها ليل ⁄يأتي من القلب وال يليه صباح؟».. وفي «مجنون إل��زا» ،وهو كتاب شعري ُي ِ داخ ُل ُه س��رد نثري -بل ويشكل السرد التاريخي عموده الفقري ،-جند أراغون ُي ْن ِش ُد احلب ،ويقيم جسو ًرا مع احلضارة العربية في األندلس ،فثمة املجنون ِ والشخصية الغرناطي ،الهائم في طرقات غرناطة – مستوحاة من «مجنون ليلى» (قيس بن عامر النجدي، أو قيس العامري ،املذكور بكل من هاتني الصيغتني في الكتاب) ،وهنالك أبو عبد الله الصغير ،الذي ي��ن��ح��از إل��ي��ه أراغ�����ون ،وي��رغ��ب ف��ي أن يعيد إليه االعتبار ...وهنالكً ، أيضا ،الكلمات والصيغ العربية املكتوبة باحلروف الالتينية ...بل و»افتراض» أن اس ِم اإللهة اجلاهلية، اس َم إلزا قد يكون مشتقا من ْ ْ «العُ ّزى»... ومعلوم أن أراغون كتب عددًا من الروايات ،منها «أج���راس ب ْ ورل���ي���ان»... ���ال»« ،األح��ي��اء اجلميلة» و» ُأ ِ وكما سبقت اإلش��ارة ،فإن «أورليان» التي ( ُن ِش َرتْ سنة ،)1944من أهم روايات أراغون ،وقد كتبها في فترة اضطراب في العالقة بينه وبني إلزا تريوليه... فأورليان« ،البطل» ،هو ضابط فرنسي سابق خدم في بالد املشرق ،يحل بعد انتهاء احلرب العاملية األولى ُ حيث يعيش ،خ�لال فترة من عشرينات بباريس، القرن املاضي ،حياة أعزب غني عامرة بالسهرات والعالقات الغرامية العابرة ،إلى أن يلتقى ِب ِرينِ يس، التي ال ُيعجب بها في البداية ،ولكنه سرعان ما بتعلق ش��دي��د ...وهنا تبدأ تلك سيشعر جتاهها ٍ العالقة مستحيلة التح ّقق... وجدير بال ّذكر أن اس َم ِبرينيس يبدو مأخوذا ،في هذه الرواية ،من تراجيديا ل َر ِ اسنيْ ،عنوا ُنها «برينيس» ً أيضا ،وهي كذلك عن حب متع ّذر االستقرار ...تبدأ «أورليان» كالتالي: «ف��ي امل��� ّرة األول���ى التي رأى أورل��ي��ان خاللها برينيس ،بدتْ له قبيحة ح ًّقا .لقد نفر منها ،هذا ما حصل .لم ُي ِحب أسلوبها في اللباسُ .قماش لباسها ال يبدو له جدي ًرا بأن يقع عليه االختيار .لقد كانت له أفكاره في ما يخص أصناف ال ُقماش .وهذا كان ُق ً ماشا رأى نسوة كثيرات يرتدين مالبس مصنوعة مستحبا من يتوقع شي ًئا منه .األمر الذي جعله ال ُ َ أميرة من الشرق ،دون أن يبدو اس َم ٍ هذه التي حتمل ْ أنها تعتبر لزاما عليها ،أن تكون ذات ذوقَ .ش ْع ُرها صفيف .والشعر كان كاب ًيا في ذلك اليوم ،وسيئ ال َّت ْ يتطلب عناية مستمرة .ل ْم َي ُكنْ مبستطاع املقصوص ُ أورليان أن يقول إنها شقراء أو سمراء .فهُ و لم ميأل ً غامضا، منها عينيه .وقد تركت في نفسه ِإحساسا عاما ،بالب َرم واحل َنق .وتساءل عن السبب في ذلك. ّ للتناسب .فهي كانت َأم َيل إلى لقد كان هنالك انعدا ٌم ُ صر ،وشاحب ًة ( )...لو كانت ُت َسمى جان أو ماري، القِ َ عاو َد التفكي َر فيها حلظ ًة واحد ًة .لكن أن يكون ملا كانَ َ اسمها بيرينيس .لديه شعو ٌر غريب بالتط ُّير .وهذا ُ بالتحديد ما كان ُي ْحنِ ُقه. كان ُّ كل هذا ُيعي ُد إلى ذهنه بيتا ُم َعي ًنا ل ِ ِراسنيْ، وه��و البيت ال��ذي طاملا َف��� َر َ نفس ُه على ذاكرته ض َ أثناء احلرب ،وهو في اخلنادق ،ثم بعد أنْ ُس ِ ّر َح من اجليش .بيت لم يكن حتى ِل َي ِج َد ُه جمي ً ال... ُتوفيت إل��زا تريوليه سنة ،1970وم��ع��روف أن أراغون ْ أظهر ،بعد وفاتِ ها ،ميوله املثلية .وقد توفي بدوره سنة َ ،1982 مخ ِ ّلفا أكث َر من 80عمال أدبيا. وك��ان ق��د حصل على ج��ائ��زة «لينني» سنة .6591 ووفا ُته قد ُت َذكر قارئ ِشعره بقصيدة له ،عنوا ُنها «ستكون هذه ااحلياة قد انصرمتْ » ،يقول مطلعها: انصرمتْ مثلما حصن كبير «ستكون هذه احلياة قد َ حزين ُت ِر َك لِتعبره كل الرياح ⁄التيارات الهوائية فيه صفِ ُق األبواب ،ومع ذلك ليست هنالك غرفة واحدة َت ْ مغلقة )...( ⁄في هذا املسكن سواء أكنا ُقدامى أم ُج ُددًا، ما من أحد منا ُيقيم في بيت هو ح ًّقا بي ُته (.»)...