الملحق الثقافي العدد 6

Page 1

‫الملحق الثقافي‬ ‫مرئيات‬ ‫"ثالثة فناني كوالج ونحات"‬

‫أفكار‬ ‫"بيان السايبورغ" لضونا‬ ‫اي (‪ )2‬محمد أسليم‬ ‫َه َار َاو ْ‬

‫بطاقة بيضاء‬

‫"تنهيدة صغيرة" زهرة زيراوي‬

‫متابعات‬ ‫"كراسات شتوية"‬

‫مريم الشرايبي‪ ،‬محمد قريش‪ ،‬ريم اللعبي‪ ،‬صاحبي شتيوي‬

‫نزهة المشتاق في اختراق اآلفاق‬

‫بول أوستر‬

‫الشعر الشمهروشي‬ ‫احلديث‬

‫«بومة رانالغ»‬

‫"شعراء العالم" لويس أراغون‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫انصرمت"‬ ‫"ستكون هذه الحياةُ قد‬ ‫ُ‬

‫عصب الكتابة‬

‫«أحرس يدي من ذئب الكتابة»‬ ‫ُ‬

‫رسالة برلين‬ ‫آخر إصدارات الفيلسوف األلماني‬ ‫آكسيل هونيث" رشيد بوطيب‬

‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما ّ‬

‫"كل النساء اللواتي أحببتهن تحولن إلى‬ ‫فراشات في قلبي" محمد مقصيدي‬ ‫مع الناشر‬ ‫بناني‪" :‬الفرق بين وزير الثقافة وسابقه أنه يضحك أكثر"‬

‫دريئة العدد‬ ‫هشام فهمي‬

‫‪Hicham_fahmi@hotmail.com‬‬

‫نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن املاضي‪ ،‬كنت أسمع عن‬ ‫فنان بوهيمي اسمه عباس صالدي يقطن بحي «ديور املساكني»‬ ‫الشعبي مبراكش‪ ،‬واملعروف بـ«حي العفاريت»‪ ،‬فنان غريب األطوار‪،‬‬ ‫عندما غضب يوما‪ ،‬حسب ما يروى عنه‪ ،‬ألصق إحدى لوحاته‬ ‫بالسقف وج ّبسها بالكامل‪ ،‬كانت والدته تبيع لوحاته بساحة جامع‬ ‫الفنا وكان تلميذه‪ ،‬الذي ع ّلمه الرسم وأعاد صياغة عوامله‪ ،‬حلاّ قا‪.‬‬ ‫ال أحد كان ليصدّق أن ذلك الشخص املمكن العثور عليه مقرفصا‬ ‫«السبسي» مع مراكشي بسيط‪ ،‬هو عباس‬ ‫في زاوية باحلي‪ ،‬يضرب ّ‬ ‫صالدي‪ ،‬فنان يعيش في حي أكثر غرائبية‪ ،‬إن دخله السرياليون‬ ‫سقطوا جميعا‪ ،‬واحدا تلو اآلخر‪ ،‬بجرعة فائقة من الواقعية‪ ،‬حتى‬ ‫صنع وقتها مالحمه العظيمة‪ ،‬بفضل عباقرته من مصارعي الثيران‬ ‫ّ‬ ‫وقطاع الطرق الذين يخبطون رؤوس‬ ‫املتأهبني في كل زاوية‪،‬‬ ‫بعضهم بالقناني‪ ،‬كأنهم آلهة اإلغريق يتنازعون من أجل أن يحظوا‬ ‫باألسطورة لليلة واحدة‪ .‬رغم ذلك‪ ،‬وكي نكون منصفني‪ ،‬صنع حيث‬ ‫«ديور املساكني» نخبة ثقافية وسياسية كان لها دور كبير في‬ ‫احلراك االجتماعي والشعبي باملدينة‪.‬‬ ‫سأكتشف‪ ،‬بعدها‪ ،‬عمال مشتركا لهذا الفنان مع الشاعر عبد الله‬ ‫زريقة‪ ،‬يقترن فيه الشعر بالفن التشكيلي‪ ،‬وهو «تفاحة املثلث» الصادر‬ ‫سنة ‪ ،1985‬عمل بدأت فيه جتربة زريقة الشعرية تستشرف األفق‬ ‫السريالي‪ ،‬وأضفت عليه لوحات ص�لادي اخلرافية‪ ،‬بكائناتها‬ ‫حتس بأنها ناطقة‪ ،‬سحرا خاصا‪.‬‬ ‫الفرعونية وطيورها العمالقة التي‬ ‫ّ‬ ‫ملاذا اختار الشاعر عبد الله زريقة الفنان عباس صالدي بالضبط؟‬ ‫هل كانت مجرد صدفة؟ هل يريد الشعر هنا أن يضفي على نفسه‬ ‫هالة من الغرائبية؟ أم أن أعمال صالدي بحاجة إلى لغة موازية كي‬ ‫تطمئننا إلى أنها ليست متعذرة على القبض ولو باللغة الشعرية؟‬ ‫أعود اليوم إلى «تفاحة املثلث» لعبد الله زريقة وعباس صالدي‪،‬‬ ‫وهذا اللقاء بني التشكيل والشعر املغربي‪ ،‬ألثير نقطة شغلتني‬ ‫مبكرا في مسار الشعر املغربي‪ ،‬وهي هوسه ليصبح شعرا بصريا‪،‬‬ ‫شعر يريد أن يرى نفسه‪ ،‬أن يراها متحققة أمامه على الورق‪ ،‬وهو‬ ‫ما فعلته القصيدة الكاليغرافية‪ ،‬قصيدة كانت ترى شكلها في‬ ‫احلروف امللتوية على البياض كـ«لبالب»‪ ،‬معلنة عن نفسها للعالم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫تتخل أبدا عن إنشاديتها‪.‬‬ ‫املشكلة أن هذه النصوص احلروفية لم‬ ‫لذلك كانت قراءة الشعراء احلداثيني لقصائدهم‪ ،‬رغم لكنة «املسيد»‬ ‫الراسخة فيها‪ ،‬توازي بني الصوتي والبصري‪ ،‬فتصبح كلمة‬ ‫«كبيييييييييير»‪ ،‬كبيرة فعال‪ ،‬في امتدادها املقروء واملرئي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املفخمة‬ ‫أعتقد أن عبد الله زريقة لم يتو ّرط في املوجة احلروفية‬ ‫بالصوت واملتش ّبكة في شبكية العني‪ ،‬بل حاول النفاذ بجلده وتركيب‬ ‫صور شعرية متروكة ملصيرها تسرد نفسها‪ .‬في املقابل سنقرأ أعماال‬ ‫شعرية أخرى أوغلت في النص احلروفي‪ ،‬للشاعر أحمد بلبداوي من‬ ‫بينها «حدثنا مسلوخ الفقر وردي» سنة ‪ ،1985‬و«هبوب الشمعدان»‬ ‫سنة ‪ ،1990‬وه��ي جت��ارب حتى ل��و ل��م تكتب بخط ال�� ّزن��ات��ي أو‬ ‫بالهيروغليفية‪ ،‬فإن من سيقرؤها عليه أن يكون مطلعا على تراث‬ ‫الشيخ الدمياطي وشعره‪ ،‬وأن يضع حتت وسادته كتاب «شمس‬ ‫املعارف الكبرى ولطائف العوارف» للشيخ أحمد البوني‪ ،‬الذي عند‬ ‫قراءته ينكشف سر األفالك واألكوان‪ ،‬وترتعد فرائص اإلنس واجلان‪.‬‬ ‫ال أريد أن أظلم هذه التجربة املهووسة بالتحديث وخلق نص‬ ‫يختلف عن النص الفقهي العمودي من جهة‪ ،‬وعن نص املركز‬ ‫املشرقي‪ ،‬ألن سياقها الثقافي واالجتماعي رمبا دفعها إلى ذلك‪،‬‬ ‫لكنها جتربة شعرية أسست فعليا للشعر الشمهروشي احلديث‪،‬‬ ‫شعر له امتداداته إلى اآلن في نصوص األجيال اجلديدة وطريقة‬ ‫تعاملها مع اللغة‪ ،‬كأنها قدر مطلسم لن يفك شفراته غير فقيه شاعر‪.‬‬ ‫لذلك سنكتشف أن الكثير من شعراء الشمهروشية األوائل‪ ،‬كانوا‬ ‫ميارسون النقد والسحر وكتابة احلروز في اجلامعات املغربية‪،‬‬ ‫ونقلوا أسرارهم إلى جيل شاب من السحرة احملدثني‪ ،‬الذين ّ‬ ‫لطخوا‬ ‫الكتب واملالحق الثقافية وستاتوهات «الفايسبوك» بأشعارهم‬ ‫الشمهروشية‪.‬‬ ‫أتأمل هذا التراث الشعري الشمهروشي بالكثير من احملبة طبعا‪،‬‬ ‫ألنه بالنهاية صورة عن الثقافة املغربية احلديثة في صراعها املرير‬ ‫لإلعالن عن ذاتها‪ ،‬وهو ما مينحنا االنطباع بأن حداثتنا حتتاج‬ ‫فعال إلى حتديث‪.‬‬ ‫وهنا أريد أن أتقاسم معكم مقطعا طريفا من ديوان شمهروشي‬ ‫ألحمد بلبداوي‪ ،‬صدر عن «بيت الشعر» باملغرب سنة ‪ ،2009‬بعنوان‬ ‫«حتى يورق ظل أظافره»‪ ،‬لكن علينا قبل ذلك‪ ،‬أن نبسمل ونحوقل‪،‬‬ ‫حتى ال يورق ظل أظافر شمهروش وأنتم تو ّرقون اجلريدة‪:‬‬ ‫«قال كان على رأس إمارة قارقوبياس آغا من آل جحشليم‪،‬‬ ‫يدعى قاوون بن حالوشيم بن شافاط امللقب مبض ّرط احلديد بن‬ ‫خاقون بن شموئيل‪ ،‬املعروف بابن ناقضة الوضوء ابن مغيظ‬ ‫مروض الذباب‪ ،‬ألنه كان أمهر من ع ّلم الذباب الوقوف على‬ ‫بن‬ ‫ّ‬ ‫رجل واحدة ‪.»..‬‬

‫لويس أراغون‪:‬‬

‫«ستكو ُن هذه‬ ‫احلياة ُ قد‬ ‫انصرمت»‬ ‫ْ‬

‫صاحبي شتيوي‬

‫نحات وثالثة فناني «كوالج»‬ ‫يشتغلون في ورشات مباشرة‬ ‫أمام جمهور الرباط‬

‫مرمي الشرايبي‬

‫محمد قريش‬

‫رمي اللعبي‬

‫«تنهيدة صغيرة»‬

‫بطاقة بيضاء‬ ‫الذات سفر النوازع والتطلعات‬ ‫واألفكار والقدرات‪ ،‬الذي ينتهي بنا‬ ‫إلى ما أنت مدعو لتكونه‪ ،‬هي في‬ ‫األخير سمتك أو هويتك‪ .‬الكتابة‬ ‫والفرشاة هويتي‪ .‬بهذا املعنى‪،‬‬ ‫تخلع الكتابة واللوحة عندي‬ ‫التقميش الواحد‪ ،‬تلجأ إلى اخليال‪،‬‬ ‫إلى القماش املمتد أو املنصوب‬ ‫على هيأة اإلنسان‪ ،‬الذي تراه الطير‬ ‫أو الوحوش أو البهائم‪ ،‬فتحسبه‬ ‫إنسانا‪ ،‬أسافر إلى الطيف‪ ،‬أحدق‬ ‫في ما تلقيه الشمس من ظالل في‬ ‫دواخلي‪ .‬تستهويني لعبة الشطرجن‪:‬‬ ‫األحمق‪ ،‬امللك‪ ،‬اجلندي‪.‬‬ ‫أكره الصباغة والكتابة الناصحة‬ ‫العاقلة الرشيدة‬ ‫من دغل لدغل‪ ،‬تترصدني سهام‬ ‫كثيرة‪ ،‬لكني أمضي أردد مع توماس‬ ‫ترانسترومر‪ ،‬وهو يسافر من‬ ‫البيانو إلى الشعر‪:‬‬ ‫«كل امرئ باب نصف مفتوح‬ ‫يفضي إلى غرفة للجميع»‬ ‫أهامسه‪ :‬معك أعلن رفضي لتعيني‬ ‫الغرف‬ ‫أسافر معك إلى غرفة للجميع‬ ‫على الكتابة أن تختلط باجلسد‪،‬‬ ‫الذي هو‪ -‬الذات العالم‪ -‬أن تعجن‬ ‫به حلما ودما‪.‬‬ ‫عليها أن تكون نزيف أعضاء‬

‫أيوب المزين‬

‫دريئة العدد‬

‫‪ l‬العدد ‪ l 70 :‬الخميس ‪ 7‬فبراير ‪5 2013‬‬

‫سرية‪ .‬إنه نزيف مستمر‪ ،‬ال يوقفه‬ ‫إال املوت‪ ،‬الكتابة هي السفر بعيدا‪،‬‬ ‫ضد اليقني‪ ،‬هي الترحل داخل الذات‬ ‫والعالم‪ ،‬هي التوجع واالستسالم‬ ‫والبعث‬ ‫أصغي إلى درس مارغريت دوراس‪:‬‬ ‫«مأخذي على الكتب بصفة عامة‪ ،‬هو‬ ‫كونها ليست حرة‪ ،‬إنها مصنوعة‬ ‫ومنظمة‪ ،‬كتب ظريفة بال امتداد‪ ،‬بال‬ ‫ليل أو صمت‪ ،‬بال كاتب حقيقي‪ ،‬كتب‬ ‫«نظيفة» ذات أصول كالسيكية خالية‬ ‫من أية مغامرة»‪.‬‬ ‫يوضح خبير السلوك «جيمس‬ ‫ماي كتلوط»‪ ،‬صاحب موقع «أدوات‬ ‫العقل» على اإلنترنت‪ ،‬والذي يعتبر‬ ‫مصدرا عزيزا للمعلومات‪« :‬ميكن‬ ‫تدريب األعصاب بشكل قوي وفعال‪،‬‬ ‫باستخدام األساليب الذهنية‪ ،‬مثل‬ ‫التخيل و احملاكاة»‪ .‬أليس التخيل‬ ‫هو استحضار صور من املاضي‬ ‫بواسطة التذكر؟ ويقوم التخيل‬ ‫بإعادة تركيب الواقع‪ ،‬تركيبه وفق‬ ‫ما أرى‪ ،‬عوالم جديدة حتاك من‬ ‫عوالم حتققت سابقا‪.‬‬ ‫أنت أمام قطع البازل‪ ،‬بإمكانك اآلن‬ ‫أن تبني منها عاملك اخلاص‪ .‬البيت‬ ‫العتيق الذي هدمته‪ ،‬من حجارته‬ ‫اآلن تبني البيت الذي حتلم به‪.‬‬ ‫املهم أن ذلك ينعكس عندي على ما‬

‫زهرة زيراوي (كاتبة وفنانة مغربية تقيم بين بلجيكا والمغرب)‬

‫أدونه‪ ،‬من خالل طرحي حلالة احللم‬ ‫والذاكرة‪..‬‬ ‫‪ ‬احلياة في ذاكرة املاضي‪ ،‬ومحاولة‬ ‫استرجاعه بتقنيات مختلفة‬ ‫ومعاصرة‪ ،‬ألخلق هذا التوازن‪،‬‬ ‫ألم ّد جسرا يربط املاضي هناك‪،‬‬ ‫باملستقبل املتخيل هنا‪.‬‬ ‫أن نؤسس العالم الداخلي‪ ،‬ونفتح‬ ‫كوة في جدار وعي املتلقي‪ ،‬يعاين‬ ‫منها العديد من التأويالت املختلفة‪،‬‬ ‫ونعطي القارئ حرية إعادة إنتاج‬ ‫العالقات الداخلية بني مفردات‬ ‫الواقع‪ ،‬خللق مساحة أكبر من‬ ‫االنفتاح الداللي للنص‪.‬‬ ‫إن عمقنا الوجودي يتجلى في ما‬ ‫يدعونا الفكر إليه‪ ،‬قد يكون كتابة‬ ‫أو فنا من الفنون تهرب إليه الذات‪،‬‬ ‫صباغة أو موسيقى أو كتابة أو‬ ‫ذلك‪ ،‬كل ما يرمم شقوقا تعكسها‬ ‫روح سعدي يوسف الشعرية‪:‬‬ ‫تان‬ ‫«بينهما قا ّر ِ‬ ‫وس ْب ٌع ِط ٌ‬ ‫باق‪..‬‬ ‫وبينهما ُّ‬ ‫فص ُل املر َء عن أصلِهِ‬ ‫كل ما َي ِ‬ ‫ُّ‬ ‫كل ما ِ‬ ‫يص ُل املر َء‬ ‫باملستحيل»‪.‬‬ ‫هذا وحده يظل اجلواب عن املمض‬ ‫املوجع والضالة التي تنشدها‬ ‫الذات‪ .‬هذه سيروراتنا‪ ،‬ما العمر؟‬ ‫هل هو زمن كمي أم كيفي؟‬

‫أين أنا؟‬ ‫في املغرب‪ ،‬في بلجيكا‪ ،‬في «سيكند‬ ‫اليف»‪ ،‬حياة ثانية‪« .‬وفيها‪ ،‬ملن خاف‬ ‫القِ لى‪ُ ،‬متع َّز ُل»‪ ،‬عندما تصبح الكتابة‬ ‫وطنا‪..‬‬ ‫كم يروقني الهروب إلى الكتابة‬ ‫أو الصباغة هي العد العمري‪،‬‬ ‫أراوح بني حدي معادل جلسد‬ ‫ينكسر‪ ،‬وقوة تولد في الصعب مني‬ ‫أستعيض بها عن أزمنة افتقدتها‬ ‫هناك‪ .‬أردد مع جيم كاري‪« :‬كنت‬ ‫في حبس غامض‪ ،‬حيث ال ينمو أي‬ ‫شيء إال الغضب»‪.‬‬ ‫‪ ‬أراوح بني ماض غامض وآت‬ ‫منذور للكتابة لنأخذ «زمن تنهيدة»‬ ‫للكاتبة «آن فيليب»‪ ،‬إذ يتناول‬ ‫عملها الدميومة الزمنية وسؤال‪:‬‬ ‫«ما الذي تشكله حياة اإلنسان في‬ ‫سلم الكون؟»‪ ،‬لم أكن أريد أن أفكر‬ ‫إلى أي زمن سنبقى كذلك‪ .‬كانت‬ ‫الثواني تبدو لي ساعات‪ ،‬والنهارات‬ ‫بضع حلظات‪ ،‬ماذا تساوي حياتنا‬ ‫برمتها‪ ،‬قياسا بعمر الكون؟ «تكاد‬ ‫تساوي ما تستغرقه تنهيدة»‪ ،‬تلك‬ ‫هي محصلة احليوات املتالحقة‬ ‫للبشر‪ ،‬منذ أسالفنا ساكني الكهوف‪،‬‬ ‫الذين صاغوا التاريخ البشري‪،‬‬ ‫نحن مجرد حلقة صغيرة في سلسلة‬ ‫الكون‪.‬‬


‫‪ l‬العدد ‪ l 70 :‬الخميس ‪ 7‬فبراير ‪6 2013‬‬

‫"كراسات شتوية" تصدر شهر مارس عن دار "أكت سود"‬ ‫ّ‬

‫متابعات‬

‫بول أوستر يتأمل جسده ويسترجع ماضيه ويصرح بأنه ال يخاف الشيخوخة‬ ‫األخبار‬ ‫بدأ الروائي األمريكي بول أوستر يحس باأليام‬ ‫تلتهم عمره‪ ،‬لذلك كتب قائال‪« :‬إن��ك تعيش شتاء‬ ‫حياتك»‪ .‬بول أوستر الذي يبلغ من العمر ‪ 66‬سنة‪،‬‬ ‫يكتشف جسده وعمره‪ ،‬في كتابه األخير‪ ،‬ويالمس‬ ‫الشيخوخة واملوت واألمكنة التي عاشها‪ ،‬ويعتبر‬ ‫أن «احلياة مت ّر بسرعة»‪ ،‬وتترك ندوبها الواضحة‪.‬‬ ‫«إن���ه ل��غ��ري��ب أن ت��ص��ب��ح ع���ج���وزا‪ .‬احل��ي��اة متر‬ ‫بسرعة‪ .‬عندما تكون طفال‪ ،‬اليوم يكون أكثر طوال‪،‬‬ ‫والصيف يبدو بال نهاية‪ .‬اآلن أفتح عيني فأجدني‬ ‫في العام املقبل‪ ،‬وأحتفل بعيد ميالد جديد!»‪ ..‬هذا‬ ‫ما صرح به بول أوستر لوكالة «فرانس بريس»‪،‬‬ ‫والذي بدأ كتابة «ك ّراسات شتوية» وعمره ‪ 64‬سنة‪،‬‬ ‫وستصدر في شهر مارس عن منشورات دار «أكت‬ ‫سود» الفرنسية‪.‬‬ ‫«كنت أرغب في أن أكتب هذا الكتاب‪ ،‬الختبار‬ ‫حياتي اخلاصة‪ ،‬قبل أن أصبح شيخا أبله‪ ..‬لم يعد‬ ‫هناك وقت في نهاية املطاف‪ .‬كم من الصباحات‬ ‫املتبقية؟ «صرح مبتسما ثم أضاف‪« :‬لكنني لست‬ ‫خائفا من الشيخوخة»»‪.‬‬ ‫ب��ول أوستر ال��ذي قضى ث�لاث سنوات ونصف‬ ‫العام في باريس أيام الشباب‪ ،‬وقام بترجمة شعراء‬ ‫فرنسيني‪ ،‬قال‪« :‬إنني منهمك اآلن في إعادة قراءة‬ ‫الترجمة الفرنسية»‪ .‬هو الذي يعترف بتيهانه في‬ ‫املكان‪ ،‬حتى في نيويورك‪ ،‬ويقدم خارطة رائعة‬ ‫عن جسده وذكرياته‪« ،‬إنه كاتالوغ من املعطيات‬

‫احلسية‪ ،‬منذ طفولتي حتى اليوم»‪ .‬ويضيف‪« :‬ال‬ ‫أرى هذا الكتاب كسيرة ذاتية حقيقية‪ ،‬وال كمذكرات‪.‬‬ ‫إنه عمل أدبي مركب من مقاطع سير‪ -‬ذاتية‪ ،‬مثل‬ ‫قطعة موسيقية»‪ ،‬وقد أ ّلف بول أوستر ثالثة أعمال‬ ‫سير ذاتية‪ ،‬هي «اختراع العزلة» و»الكراس األحمر»‬ ‫و«الشيطان من ذيله»‪ ،‬ترجمت إلى ‪ 34‬لغة تقريبا‪.‬‬ ‫اختار بول أوستر‪ ،‬في كتابه التأملي‪ ،‬أن يكتب‬ ‫بصيغة املخاطب‪« :‬لقد بدأت تلقائيا بهذا الشكل‪،‬‬ ‫« ف��األ ن��ا» سيكون مفرطا في النرجسية‪ .‬وضمير‬ ‫الغائب غير شخصي»‪ ،‬ليؤكد أكثر «أنا ال أهتم بي‬ ‫شخصيا‪ ،‬ولكنني أحتدث عن جتربة كوني على قيد‬ ‫احلياة»‪ .‬لقد فضل االبتعاد عن أي نبرة متعالية‬ ‫في مخاطبته للقارئ‪ ،‬هدفه من ذلك إدماجه‪ ،‬كما‬ ‫يقول‪« :‬هذا ما أريده‪ ،‬تأليف كتاب تشاركي بيني‬ ‫وبني القارئ»‪ .‬ويضيف مؤلف «ثالثية نيويورك»‬ ‫الشهيرة‪ ،‬قائال‪« :‬آمل في أن يجد القراء تشابهات‬ ‫م��ع ح��ي��ا ت��ه��م اخل��اص��ة‪ .‬فنحن جميعا تع ّر ضنا‬ ‫حل��وادث‪ ،‬وفقدنا أع ّز الناس إلينا‪ ،‬وعرفنا اللذة‬ ‫واأللم‪ ،‬وواجهنا املوت»‪.‬‬ ‫في ه��ذه «ال��ك�� ّراس��ات»‪ ،‬يستحضر ب��ول أوستر‪،‬‬ ‫باستفاضة‪ ،‬والدته‪ ،‬التي توفيت سنة ‪ ،2002‬فهي‬ ‫في اآلن ذاته‪ ،‬فاتنة ومسؤولة وذكية‪ ،‬ولكن أيضا‬ ‫عصبية وضحية ن��و ب��ات الهلع والفوبيا‪ .‬إنها‬ ‫شخص‪ ،‬يقول أوستر‪« :‬ال أعلم عنه شيئا تقريبا»‪،‬‬ ‫ويعترف أيضا بأنه «قد تظاهر باملوت في مواجهة‬ ‫وفاتها»‪ ،‬بال دموع ومب َّنجا‪ ،‬عند انهيارها‪ ،‬بعد أن‬ ‫ظهرت عليها كل أعراض النوبة القلبية‪.‬‬

‫«كل شخص هو لغز‪ .‬إننا ال نفهم حقا اآلخرين‪.‬‬ ‫حتى أولئك األكثر حميمية بالنسبة إلينا‪ .‬وذلك‬ ‫لسبب ب��س��ي��ط‪ ،‬ه��و أن��ن��ا نبقى غ��رب��اء ح��ت��ى عن‬ ‫أنفسنا»‪ ،‬ثم يثير نقطة مهمة‪ ،‬وهي أن «الكتابة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫حتل شيئا‪».‬‬ ‫أبدا‪ ،‬ال‬ ‫يشكل الكاتب وزوجته الروائية «سيري هوزتفت»‪،‬‬ ‫ألكثر من ثالثني عاما‪ ،‬أحد األزواج األكثر شهرة في‬ ‫األدب‪ .‬ففي كتابه «ك ّراسات شتوية»‪ ،‬يضفي عليها‬ ‫كل الفضائل اجلميلة‪ ،‬ويكرر باستمرار على أنها‬ ‫«حب حياته» منذ التقاها يوم ‪ 23‬فبراير ‪.1981‬‬ ‫باملقابل‪« ،‬آمل في االستمرار في العيش ببيتي‬ ‫ال��ذي أقيم فيه ف��ي بروكلني‪ ،‬منذ عشرين عاما‪.‬‬ ‫مادمت مازلت ق��ادرا على صعود ون��زول طوابقه‬ ‫األربعة‪ ..‬فبروكلني هي أفضل مكان ميكن العيش‬ ‫فيه»‪.‬‬ ‫«لقد ب��دأت الكتابة في سن التاسعة‪ ،‬وقلت مع‬ ‫نفسي وأنا أبلغ خمس عشرة سنة‪ ،‬أحب أن أكتب‬ ‫مدى احلياة»‪« ،‬أنا أكتب كل شيء باليد‪ ،‬وبعد ذلك‪،‬‬ ‫أرقن النص على آلتي الكاتبة احملمولة القدمية»‪.‬‬ ‫«عندما تكتب‪ ،‬فإنك تعطي كل ما لديك‪ ،‬حتى لو‬ ‫كنت ستقذف بكل شيء في اليوم نفسه‪ .‬وميكنك‬ ‫النهوض من على مكتبك وتقول‪« :‬لقد بذلت كل‬ ‫م��ا ف��ي وس��ع��ي»‪ .‬ب��ول أوس��ت��ر م��ن أه��م الروائيني‬ ‫األمريكيني اليوم‪ ،‬و»ك ّراساته الشتوية» إحساس‬ ‫طبيعي ب��ال��زم��ن ال���ذي ي��ق�� ّرب��ن��ا أك��ث��ر‪ ،‬م��ن أسئلة‬ ‫الشيخوخة وامل��وت‪ ،‬التي يحتضنها األدب بكل‬ ‫عمق‪.‬‬

‫بول أوستر‬

‫أفكار‬

‫«بيان السايبورغ»‬ ‫لضونا هَارَاوَا ْي (‪)2‬‬ ‫ماكسونس غروجييه‬ ‫ترجمة ‪ :‬محمد أسليم‬ ‫تسخر ضونا هارواي من مفهوم «الطبيعة»‪ ،‬إذ ترى‬ ‫أنه لم يعد له وجود على اإلطالق في القرن العشرين‪،‬‬ ‫بل ومنذ أن شرع اإلنسانُ في زراعة األرض واستخدام‬ ‫األدوات والسفر عبر جميع أنحاء العالم‪ .‬ولذا‪ ،‬ال خشية‬ ‫من اقتران اجلسد (الطبيعي املفترض) باآللة (املتحدرة‬ ‫من التطورات التكنوثقافية) مادام «السايبورغ» ‪ -‬في‬ ‫رأيها ‪ -‬هجينا‪ ،‬مما هو منطقي في حد ذات��ه‪ :‬ففكرة‬ ‫سراب رجعي للمدافعني عن سراب جنة‬ ‫«الطبيعة» هي‬ ‫ٌ‬ ‫ُمفترضة مفقودة‪« :‬يتخطى «السايبروغ» مرحلة الوحدة‬ ‫األصلية‪ ،‬مرحلة التماهي مع الطبيعة باملعنى الغربي‪.‬‬ ‫هذا هو وعده الالشرعي الذي ميكن أن يؤدي إلى التدمير‬ ‫واالضطرابات واالحتجاج والتمرد وال��ث��ورة»‪ .‬تشير‬ ‫«ضونا هارواي»‪ ،‬في دراستها‪ ،‬إلى إمكانيات حقيقية‬ ‫لعمل نسوي نقدي وإبداعي في مجال تكنولوجيات‬ ‫املعرفة والبيولوجيا‪« :‬لقد َّ‬ ‫مت تشييد علوم االتصاالت‬ ‫والبيولوجيا احلديثة‪ ،‬بحافز مشترك يتمثل في كون‬ ‫ترجمة العالم هي مشكلة ترميز‪ ،‬من جهة‪ ،‬والبحث عن‬ ‫لغة مشتركة تختفي فيها كل مقاومة للمراقبة والتحكم‬ ‫وإخضاع كل عدم جتانس للتفكيك‪ ،‬وإعادة التجميع‪،‬‬ ‫واالستثمار‪ ،‬والتبادل»‪ ،‬من جهة أخرى‪ .‬ثم تأخذ مثال‬ ‫الكتابة واملعنى واللغة‪« :‬الكتابة هي أوال وقبل كل‬ ‫شيء‪ ،‬تكنولوجيا لـ«السايبورغ»‪ .‬وسياسة «السايبورغ»‬ ‫هي الكفاح من أجل اللغة والكفاح ضد التواصل الكامل‪،‬‬ ‫وضد الرمز الواحد الذي يجب أن يترجم بالضبط كل‬ ‫معنى حتت عقيدة «مركزية القضيب»‪ .‬ومتضي ضونا‬ ‫إلى حد ابتكار اصطالح صعب الترجمة‪ ،‬هو «النزعة‬ ‫املركزية لقضيب اللوغوس»‪ ،‬للتعبير بشكل أفضل عن‬ ‫التحكم «القضيب‪-‬قراطي» امل��م��ا َرس على اللوغوس‬ ‫(املعنى) في مجتمعنا‪ .‬وفي مجال احلركة النسوية‪،‬‬ ‫تقترح استعادة ام��ت�لاك النساء للتكنولوجيا على‬ ‫ُ‬ ‫نحو يتيح لهنّ أخيرا‪ ،‬أن يمُ سكنَ بزمام اليد األدوات‬ ‫َّ‬ ‫شجعهن‪ ،‬من ثمة‪ ،‬على البحث‬ ‫التكنوثقافية املعاصرة و ُي‬ ‫والتعليم وإنشاء مشاريع اجتماعية جديدة‪ ،‬إلى غير‬ ‫ٌ‬ ‫أعمال لن تعيقها إطالقا حواجز العرق أو‬ ‫ذلك‪ .‬وهي‬ ‫اجلنس أو العمر‪.‬‬ ‫وت��رى ه��اراوي أن «السايبورغ» ميضي إلى ما هو‬ ‫أبعد من التحوالت البيوآلية الناجتة عن االتصال‬ ‫جسد‪-‬آلة‪ ،‬إذ تستعمل صورة «السايبورغ» ملا حتتويه‬ ‫من ممكنات‪ ،‬وتستخدمها لعرض رؤية للعالم املقبل‬ ‫��ح��اور النظام القائم‬ ‫بفضلها‪ ،‬س ُيمكن حتطيم كل َم َ‬ ‫وسائر احلدود التي فرضتها الهيمنة الذكورية على‬ ‫ُ‬ ‫نفسه باعتباره‬ ‫اجلسد والعقل‪ .‬فـ»السايبروغ» ال‬ ‫يعرض َ‬ ‫جسدا ُمع َدّال ُيعاد ابتكاره باستمرار فحسب‪ ،‬بل ويظهر‬ ‫كذلك مبثابة مادة إلع��ادة كتابة نص جميع األجساد‬ ‫اخلاضعة للهيمنة‪ ،‬واملتعرضة لالستغالل والتجنيس‪.‬‬ ‫ول��ه��ذا ال��ص��راع النظري نتيجة‪ ،‬ه��ي إع���ادة النظر‬ ‫في النظام الرمزي الذي يجسده «السايبورغ»‪ ،‬ذلك‬ ‫أن «الثقافة األب��وي��ة» ‪ -‬كما ُي�لاح��ظ م��ارك دي��ري في‬ ‫فصله «اجل��س��د السياسي ب��اع��ت��ب��اره س��اي��ب��ورغ��ا» ‪-‬‬ ‫«طبقت التكنولوجيا على جسد املرأة بانتظام خلدمة‬ ‫االستيهامات ال��ذك��وري��ة‪« :‬أن��ت��ج مِ َ‬ ‫��ص��در ُن��هُ ��و َد‬ ‫��ش�� ُّد ال َّ‬ ‫الروايات العاطفية البارزة واملستديرة‪ ،‬ولو عرقل ذلك‬ ‫عملية التنفس وأعاق احلركة وزعزع األعضاء الداخلية‪،‬‬ ‫كبرها‪ُ ،‬منتجة‬ ‫واألث��واب املبطنة ترفع العجيزات و ُت ِ ّ‬ ‫جتسدَت‬ ‫وض��ع جسد «أنثى حيوان ساخن»‪ .‬أوه��ا ٌم‬ ‫َّ‬ ‫بالتأكيد في مفهوم «اجلنس الشبكي» ‪ -‬أو اجلنس‬ ‫َ‬ ‫تساءل عالم االجتماع‬ ‫املدعوم باحلاسوب‪ .‬وقد سبق أن‬ ‫األمريكي شارل ماك لوهان‪ ،‬منذ عام ‪ ،1951‬عن «أحد‬ ‫أكثر جوانب عاملنا الغريب‪ ،‬وهو االنصهار االستيهامي‬ ‫للجسد في التكنولوجيا»‪.‬‬ ‫ن��رى‪ ،‬من ثمة‪ ،‬ع��ودة ظهور رغبة الشريك املكبوتة‬ ‫ومتحرك هو هيأة‬ ‫املص َّممة فقط للمتعة‪ ،‬بشكل عصري‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫دمية قابلة للنفخ‪ ،‬أو إنسان آل��ي مي��ارس اجلنس ‪-‬‬ ‫في فيلم شفرة ع��داء‪ُ ،‬ت ُ‬ ‫قابل «بريس»‪ ،‬وهي النسخة‬ ‫أو املرأة الروبوت‪ ،‬الفكر َة التي يحملها الذكر الغربي‬ ‫عن الكمال األنثوي‪ .‬هذه الرؤية إلنسانية «خارجة عن‬ ‫كل قيد عضوي»‪ ،‬متجنبة ملزالق النوم‪ ،‬متخلصة من‬ ‫التعب ومن احلاجة إلى األكل‪ ،‬ومطيعة خالقها طاعة‬ ‫عمياء‪ ،‬تلك الفكرة تنتشر عادة في البيئة املغلقة لهواة‬ ‫ألعاب الفيديو واملعلوماتية (املهووسون ‪nerds ou‬‬ ‫‪ .)geeks‬ويؤدي هذا االنصهار للخيال والواقع إلى‬ ‫خلق استيهامات ُم َج َّس َمة هي كائنات رشيقة‪ ،‬مثل‬ ‫عارضات أزياء ثالثية األبعاد مخلوقة افتراضيا وذات‬ ‫تشكيل يتصف بالكمال‪ .‬مخلوقات جميلة باردة مدعومة‬

‫ب��احل��اس��وب‪ ،‬ذات وج���وه وس��ي��ق��ان وق��ام��ات ون��ه��ود‬ ‫خاضعة لرتوشات‪ُ ،‬منتجة بسلسالت‪ ،‬قابلة للتبديل‪،‬‬ ‫وتقدم باعتبارها رموزا للجمال املعاصر‪ .‬ليست هذه‬ ‫الصور الذكورية النموذجية سوى مرآة (وهم خطير)‬ ‫لشرائع عصرنا اجلمالية وحلاجة اجلنس الذكر الغربي‬ ‫النموذجية‪ ،‬إلى سيطرة تتفق ورغباته واستيهاماته‬ ‫األشد حميمية‪ .‬و ُيبالغ في استعمال هذه العملية في‬ ‫مجال اإلشهار واملجالت النسائية‪ ،‬وحتى في املجالت‬ ‫اإليروتيكية‪.‬‬ ‫ويتضح هذا الشغف لتحقيق الكمال بشكل جيد‪ ،‬في‬ ‫الكتاب «اجلمال الديجتالي» ليوليوس فييدمان‪ ،‬وهو‬ ‫إجنيل حقيقي لعالم مصممي العوالم االفتراضية‪ ،‬إذ‬ ‫ُ‬ ‫يعرض عددا كبيرا من الفنانني الذين يستعملون جميع‬ ‫البرامج املعلوماتية املتخصصة في الرتوش الرقمي‬ ‫(فوتوشوب‪ ،‬مايا‪ )..،‬ويعطي فكرة جيدة عن الرؤية‬ ‫التي يحملها مجتمعنا (وجميع البلدان) عن األنوثة‪.‬‬ ‫في أسطورة اجلمال‪ :‬كيفية استخدام صور من اجلمال‬ ‫ضد املرأة‪ ،‬تأخذ ناعومي وولف من جانبها‪ ،‬النموذج‬ ‫األن��ث��وي غير قابل للتحقيق ال��ذي تقترحه صناعة‬ ‫مستحضرات التجميل واألزياء‪ ،‬والذي تترجمه املرأة‬ ‫املعاصرة باأللم‪ ،‬وفقدان الشهية‪ ،‬واحلميات الغذائية‬ ‫القاسية‪ ،‬واجلراحات التجميلية املتكررة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬ ‫واليوم‪ ،‬بعد ُم��رور أكثر من ثالثني عاما‪ ،‬عن رؤى‬ ‫ماكلوهان التحذيرية‪ ،‬جت ُد موضوعات التكنولوجيا‬ ‫اإليروتيكية‪ ،‬واجلنس املدعوم باحلاسوب‪ ،‬وممارسة‬ ‫اجلنس مع التكنولوجيا والرغبات ال َّلحمية‪ ،‬التي ال‬ ‫جس َد لها‪ ،‬جت ُد نفسها مقترنة في جميع الفلسفات‬ ‫َ‬ ‫املرتبطة بعالم السيبرنطيقا‪ ،‬وراسخة بعمق في الثقافة‬ ‫السيبرنيطقية‪ ،‬حتت اسم «اجلنس الشبكي»‪.‬‬ ‫وتبلغ استيهامات للجنس اآللي واآلالت اجلنسية‬ ‫ذروت��ه��ا ف��ي فيلم ل��ي��ون��ارد ب��ري��ت «خ��ن��زي��ر املختبر»‬ ‫(‪ ،)1984‬على سبيل املثال‪ ،‬إذ البطل وعشيقته ملفوفان‬ ‫في معدات الواقع االفتراضي (قفازات تعمل باللمس‪،‬‬ ‫خ��وذة‪ ،‬ثياب‬ ‫مجهزة مبعدات استشعار)‪ ،‬ميارسان‬ ‫َّ‬ ‫ِجماعا افتراضيا‪ .‬في عالم الفضاء السيبرنطيقي‬ ‫األثيري‪ ،‬تظهر مثل مخلوقات ملساء وفضية تنصهر‬ ‫تذيب وحدة‬ ‫وجوهها‪ ،‬ثم تنفصل في وحدة صوفية‬ ‫ُ‬ ‫اجلسد‪ .‬ويع َتب ُر فيلم «فيديودروم» لديفيد كروننبرغ‪،‬‬ ‫مثاال آخر لهذا االفتتان باالنصهار اإليروتيكي بني‬ ‫اإلنسان واآللة‪ ،‬الذي يتحدث عنه مارشال ماكلوهان‬ ‫وفيديودروم‪ ،‬هو عبارة عن كائن طائر غير ُم َح َدّد الهوية‬ ‫(‪ )OVNI‬حقيقي (‪ ،)1974‬وهو واح ٌد من األعمال التي‬ ‫ال تنسى واملثيرة للقلق‪ ،‬وفكرته الرئيسية (استيالء‬ ‫حت��والت اللحم احلقيقية‬ ‫االفتراضي على الواقعي و ُّ‬ ‫أو املتخيلة الناجتة ع��ن��ه)‪ ،‬م��ات��زال ب�لا ش��ك راهنة‪.‬‬ ‫والعالقات شبه اجلنسية التي يقيمها ماكس رين‪،‬‬ ‫بطل الرواية الرئيسي مع لقطات تلفازه‪ ،‬هي تحَ ذي ٌر‬ ‫من االنغماس في الواقع االفتراضي على نحو ما يفعل‬ ‫اليوم آالف مستخدمي شبكة اإلنترنت‪ .‬هذا املوضوع‬ ‫هو ما يتناوله أيضا ُمخرج فيلم ‪،)1999( eXistenZ‬‬ ‫وص ُل «عصا التحكم» التي اخترعها كروننبرغ‪،‬‬ ‫إذ ُت َ‬ ‫بنوع من اإلست االصطناعي املرتبط باجلسد عن طريق‬ ‫احلبل السري‪ ،‬وينتقل الالعب إلى قلب عالم افتراضي‪،‬‬ ‫أكثر حقيقة من العالم الطبيعي‪.‬‬ ‫من خ�لال صنع ص��ورة جديدة للجسد‪ ،‬تؤثر آفاق‬ ‫«ال��س��اي��ب��ورغ» ب��ال��ض��رورة ع��ل��ى ال��ن��ش��اط اجلنسي‪،‬‬ ‫مبا أنها تخلق تفاعالت جديدة مع اخل��ارج‪ ،‬إذ متر‬ ‫األحاسيس بني حواجز اجلسد البشري‪ ،‬لتصبح ال‬ ‫اجلنس‬ ‫نهائية تقريبا‪ .‬وبذلك يمُ كن لزوجني أن ميارسا‬ ‫َ‬ ‫وهما منفصلني عن بعضيهما بآالف الكيلومترات‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬ليست القضايا املرتبطة باجلنس السيبراني‪،‬‬ ‫شأنها في ذل��ك ش��أن قضايا اجلسد والتكنولوجيا‬ ‫طرح مسألة‬ ‫عموما‪ُ ،‬مج َّرد حكايات ن��ادرة‪ ،‬بل إنها َت ُ‬ ‫«مصير النوع البشري»‪ ،‬وضمن هذا املستقبل مكانة‬ ‫اجلنسانية وآثارها على صعيد الهوية‪.‬‬ ‫يرى الفنان السيبرنطيقي سطيالرك أنه‪« :‬لم يعد‬ ‫هناك مجال على اإلط�لاق إلدام��ة النوع البشري من‬ ‫خالل التوالد‪ ،‬بل يدوم هذا النوع عبر رفع العالقات‬ ‫اجلنسية بفضل الواجهة إنسان ‪ -‬آل��ة‪ .‬عفا ال َّزمن‬ ‫على اجلسد‪ ،‬فنحنُ بلغنا ذروة الفلسفة وعلم وظائف‬ ‫األع��ض��اء‪ ،‬والعقل البشري كما نعرفه ص��ار ينتمي‬ ‫ُ‬ ‫��اب‬ ‫إل��ى امل��اض��ي»‪ .‬وتكمل ه���اراوي‪« :‬ال‬ ‫ينفصل اإلجن ُ‬ ‫السايبورغي ع��ن اإلجن���اب العضوي‪ .‬يحل اإلنتاج‬ ‫َّ‬ ‫محل اإلجن��اب‪ ،‬ويبدو مماثال ألح�لام عمل‬ ‫العصري‬ ‫استعمار «السايبورغ»‪ .‬حل ٌم يجعل كابوس التايلورية‬ ‫كامال ومثاليا»‪.‬‬

‫مريم الشرايبي (المغرب)‪ ،‬محمد قريش (العراق)‪،‬‬ ‫ريم اللعبي (المغرب)‪ ،‬صاحبي شتيوي (تونس)‬

‫مرئيـات‬

‫نحات وثالثة فناني «كوالج» يشتغلون‬ ‫في ورشات مباشرة أمام جمهور الرباط‬

‫االخبار‬

‫ت��س��ت��م��ر م���ؤس���س���ة االي������داع‬ ‫وال���ت���دب���ي���ر ف����ي دع�����م ف��ك��رت��ه��ا‬ ‫ال���ن���اج���ح���ة‪ ،‬وه����ي ع���ب���ارة عن‬ ‫م��ع��رض تتخلله ورش���ات فنية‬ ‫مباشرة أمام اجلمهور‪ ،‬فابتداء‬ ‫م���ن ‪ 31‬ي��ن��اي��ر امل���اض���ي وإل���ى‬ ‫‪ 28‬ف��ب��راي��ر اجل�����اري‪ ،‬سيكون‬ ‫اجل��م��ه��ور ال���ول���وع ب��امل��ع��ارض‬ ‫الفنية‪ ،‬على م��وع��د م��ع ك��ل من‬ ‫ال��ن��ح��ات ال��ت��ون��س��ي ص��اح��ب��ي‬ ‫شتيوي وثالثة فناني ال ّلصق‬ ‫أو «ال���ك���والج»‪ ،‬وه��م الفنانتان‬ ‫املغربيتان مرمي الشرايبي ورمي‬ ‫اللعبي‪ ،‬والفنان العراقي محمد‬ ‫ق��ري��ش‪ .‬فمن ف��احت فبراير إلى‬ ‫السادس منه‪ُ ،‬يشبع اجلمهور‬ ‫فضوله الفني ب��رؤي��ة فناني النحات التونسي صاحبي شتيوي‬ ‫«ال��ك��والج» الثالثة يشتغلون‬ ‫أمامه مباشرة‪ ،‬وسيتابع عن‬ ‫كثب والدة وتركيب لوحات فن‬ ‫«ال��ك��والج» وتقنياته احلديثة‬ ‫واملبتكرة‪ .‬فعبر ت��اري��خ الفن‬ ‫احلديث استطاع هذا الفن أن‬ ‫يتزاحم وي��ج��د لنفسه مكانا‬ ‫فنيا محترما‪ ،‬منذ الدادائيني‬ ‫وال��س��ري��ال��ي�ين ف��ي ثالثينات‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬إلى املغرب‪ ،‬ابن‬ ‫مدينة اجلديدة‪ ،‬الفنان أندري‬ ‫ال��ب��از ف��ي الستينات‪ ،‬الفنان‬ ‫العراقي محمد قريش‪ ،‬يستعمل‬ ‫ال��ورق في اللصق والتركيب‪،‬‬ ‫رمي اللعبي‬

‫نزهة المشتاق‬ ‫في اختراق اآلفاق‬

‫أيوب املزين*‬

‫ها قد أتيت يا شتاء الغرب من جديد‪ ،‬جئت‬ ‫بالروائح والعزلة وال��ذه��ب املصقول في حلق‬ ‫السماء‪ ،‬جلبت األغنيات املبثوثة في بلعوم ّ‬ ‫الشيخة‬ ‫ّ‬ ‫واهتراء ال ّندى على الشجر‪ ،‬من شدة النار‪ .‬يعرف‬ ‫الواقفون في الهشيم ط��راوة العشب واعتالل‬ ‫حطب الغابة‪ ،‬ويتذكر النائمون في الطني م ّنا‪،‬‬ ‫تلك املسارات الهامشية حلديقة ال ّلوكسومبورغ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫والسيقان والعطور‪ ،‬إلى أنْ‬ ‫تغرق‬ ‫غريك بالعنادل‬ ‫ُت‬ ‫ّ‬ ‫في احلوض الرئيسي‪ ،‬وكل القرائن ُتع ّر َ‬ ‫يك‪« :‬ما َزحه‬ ‫الريح اخلفيف‪ ،‬أسقطه في احللم‪ ،‬فمات‪ .‬لم يكن‬ ‫استشرت شعرية‬ ‫ليحتمل دُعابة النسيم»‪ .‬كم م ّرة‬ ‫َ‬ ‫صرت ثقي ً‬ ‫ال بالكنايات وال ّتواريخ‬ ‫األمكنة حتى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫إعجابك بنسر‬ ‫أسرفت في‬ ‫احملبوكة‪ ،‬وك��م م�� ّرة‬ ‫َ‬ ‫«زرادشت» يقطع اآلفاق البعيدة‪ ،‬ك ّلما ح ّلق عالي ًا‬ ‫ج َرت حتته األرانب والغزالن‪ ،‬فاضطر إلى ال ّنزول‬ ‫إلى الوحل لسفك دم الغواية‪ .‬ما كان لي‪ ،‬وفي ّ‬ ‫كل‬ ‫إنسان طائ ٌر كاسر ُيشبهه‪ ،‬إ ّال أن أطيل التحديق‬ ‫ٍ‬ ‫بجارح يسكن خراب املدينة؛ ال استرجاع سجن‬ ‫الباستيل حدث باهر‪ ،‬وال باحة متحف «اللوفر»‬ ‫ب��ذل��ك ال��ب��ه��اء ال��ب��ري��دي العتيق‪ ،‬وح��ده��ا بومة‬ ‫«رانالغ» مثيرة لالهتمام‪ :‬وافرة ال ّريش‪ ،‬شامخة‬ ‫وحكيمة‪ ،‬تتغ ّذى على جرذان املجاري الباريسية‪،‬‬ ‫وكم هي كثيرة وسمينة ونتنة! تطفح في القنوات‬ ‫واجلرائد وفي إصدارات دور ال ّنشر الرفيعة‪ .‬تلك‬ ‫قصة أخ��رى‪ ،‬األهم أن البومة تأكل لتكبر‪ ،‬تأكل‬ ‫وتكبر‪ ،‬وحتط برأسها الكبير العريض متى شاءت‬

‫محمد قريش‬

‫مرمي الشرايبي‬

‫ومي��ك��ن��ه أن ي��ق��ت��ط��ع م��ق��اال من‬ ‫جريدة أو ص��ورة فوتوغرافية‪،‬‬ ‫لكنه ال يستعمل مقصا‪ ،‬ولكنه‬ ‫يقوم بتقنية التمزيق كي تبدو‬ ‫ح��واف��ي التقطيعات بتعرجات‬ ‫متفاوتة‪ .‬الفنانة مرمي الشرايبي‬ ‫تقنيتها مختلفة‪ ،‬فهي تصنع‬ ‫أشكاال هندسية وتلصقها على‬ ‫اللوحة‪ ،‬وه��ي تستلهم طريقة‬ ‫رص���ف ال��زل��ي��ج امل��غ��رب��ي‪ ،‬لكن‬ ‫دون أن يحيل فنها على روح ما‬ ‫يسمى بالفن العربي اإلسالمي‪،‬‬ ‫عكس ذلك‪ ،‬فالفنانة رمي اللعبي‬ ‫تستلهم تقنيات عملها من جدها‬ ‫الذي كان س ّراجا ويوشي أسرجة‬ ‫اخليول ويطرزها بخيوط الذهب‬ ‫ال��دق��ي��ق��ة‪ .‬رمي ال��ل��ع��ب��ي ت��رس��م‬ ‫وتنسج وتضفر وتستعمل مواد‬ ‫نباتية وحيوانية ومعدنية‪ ،‬لها‬ ‫ج���ذور ف��ي امل��غ��رب وامل��ت��وس��ط‪.‬‬ ‫سلسلة امل��ع��ارض التي اختير‬ ‫ل��ه��ا ع��ن��وان «م��ع��اي��ش��ة اإلب���داع‬ ‫الفني»‪ ،‬ستجعل امل��ارة بساحة‬ ‫«م��والي احلسن» يعايشون فن‬ ‫النحت‪ ،‬حيث ستمأل الساحة‬ ‫م��ن��ح��وت��ات ال��ف��ن��ان ال��ت��ون��س��ي‬ ‫ص��اح��ب��ي ش��ت��ي��وي‪ ،‬ال����ذي ق��رر‬ ‫اإلقامة نهائيا بالدار البيضاء‪،‬‬ ‫وسنكتشف منحوتات برونزية‪،‬‬ ‫ضمنها حصان كاليغرافي من‬ ‫البرونز استطاع الفنان صاحبي‬ ‫شتيوي أن يجعلها تتحرك وهي‬ ‫منصوبة في فضائنا العمومي‪.‬‬

‫«بومة رانالغ»‬

‫على عود مائل ناحية األلم‪.‬‬ ‫في بحر هذا الليل القاحل‪ ،‬والباخرة‪-‬الدبابة‬ ‫ّ‬ ‫السني‪ ،‬وفيها من‬ ‫تحُ اذي الرصيف‬ ‫املطل على نهر ّ‬ ‫س ّياح الدنيا يابانيون فرحون بعلو برج «إيفيل»‬ ‫وأمريكيون م��رح��ون بطول قاماتهم‪ ،‬وأض��واء‬ ‫وهّ اجة ُتشعل نهد ًا ملتصق ًا فوق الزجاج‪ ..‬تبدو‬ ‫األبدية غير مجدية وألوان اجلمهورية اخلامسة‬ ‫شاحبة وكئيبة‪ .‬أغ��ادر املشغل الفسيح‪ ،‬حيث‬ ‫أسكن‪ ،‬ثم أنصرف ناحية جزيرة «سان‪-‬لويي»‬ ‫املستعجل»‪ .‬لم‬ ‫متأ ّبط ًا رواية بول موران «الرجل‬ ‫ِ‬ ‫أكن مستعج ً‬ ‫ال حينها‪ ،‬كنت أمشي بكسل اخلاسر‪،‬‬ ‫وأقرأ أسماء األزقة وأق ّيد بعضها في «ك ّناشي»‪.‬‬ ‫انعطفت ميين ًا تارك ًا خلفي «اجلزيرة» ومبنى‬ ‫«معهد العالم العربي»‪ .‬غالب ًا ما أتوه بني اليمني‬ ‫وال��ي��س��ار‪ ،‬ضفة ل��ي وضفة لكم‪ ،‬لكن األك��ي��د أن‬ ‫فرنسا قد فقدت يسار القيم في ميينية الدولة‪.‬‬ ‫أخذني السير إلى جسر الفنون‪ ،‬على الرصيف‬ ‫باعة الكتب والذكريات وبعض سارقات احملفظات‬ ‫ّ‬ ‫احتكت بإحداهن‬ ‫القادمات من أورب��ا الشرقية‪،‬‬ ‫سيدة حتتمي من املطر النحيف مبظلتها الثمينة‬ ‫وهددتها بالبوليس‪ ...‬على طرف العني‪ ،‬يتعانق‬ ‫عشاق يعقدون قلوبهم حول أقفال موصدة بإحكام‬ ‫في ش ّباك حديدي طويل‪ ،‬يت ُلون للحب جم ً‬ ‫ال ما‬ ‫عدت أفهمها‪ ،‬لوال رفقة فتاة تخزن الثوم داخل‬ ‫حقيبتها ال ّزرقاء وتعصر ال ّليمون في كوب من‬ ‫ال ّلويزة والعسل‪ ،‬وقتما داهمني األرق‪.‬‬ ‫مساكني كل هؤالء الذين يحتاجون ّ‬ ‫عشا وناي ًا‬ ‫وحروف ًا يكتبون بها ُغبنهم وق ّلة حيلتهم‪ .‬أرمق‬ ‫موسيقي ًا روماني ًا يعزف على اآلكورديون في املترو‬ ‫املتوجه إلى «سان‪-‬جيرمان‪-‬دي‪-‬بري»‪ ،‬وامرأة من‬ ‫سوق بـ»غامبيطا»‪،‬‬ ‫رجلها وسط‬ ‫الهندوس تق ّبل يد ُ‬ ‫ٍ‬ ‫وصبية من شمال إفريقيا يتبادلون ّ‬ ‫ِ‬ ‫الشتم وال ّلكم‬ ‫باألصول حتت جسر «نويي‪-‬سور‪-‬سني»‪ .‬جعلتني‬ ‫مشاهد عديدة من احلياة االعتيادية ُأعْ ِر ُ‬ ‫ض عن‬ ‫فسحات لطاملا مارسها القادمون إلى هنا‪ ،‬بهدف‬ ‫اإلبداع السياحي‪ ،‬وهم يتحدثون بعجرفة نادرة‬ ‫حسه غيرهم‪ :‬املآثر املسروقة واألحجار‬ ‫عن بذخ ال ُي ّ‬ ‫الضخمة املنقوشة بعناية ومثلجات «ماكدونالد»‬ ‫وصورهم امللتقطة عند نافورة «سان‪-‬ميشال»‬ ‫(انظر‪ ،‬انظر‪ ،‬كم هي جميلة)! يا له من إسهال‬

‫طورت‪ ،‬في املقابل‪ ،‬هواية سابقة‬ ‫وصفي عظيم! ّ‬ ‫كدت أفقدها‪« :‬زيارة املقابر»‪ّ .‬‬ ‫أفضل بساتني املقابر‬ ‫على احلدائق العامة‪ ،‬وعندما أتعب من ازدحام‬ ‫الورود والدموع‪ ،‬أتع ّقب بيوت ًا هجرها أصحابها‬ ‫إرهاق ًا أو مرض ًا‪ :‬سيروان‪ 12،‬زنقة لوديون؛ دريدا‪،‬‬ ‫ريس‪-‬أروجنيس‪/‬الضاحية القصية‪.‬‬ ‫أي م��دى يجعلنا من��ط عيش‬ ‫ب��دأت أفهم إل��ى ّ‬ ‫ال��ف��رن��س��ي�ين ح��زي��ن�ين ب��ل��ط��ف‪ ،‬ك��م��ا ق���ال اآلخ���ر‪.‬‬ ‫فحينما تهترئ احلضارات أو يصيبها تعب ما‪،‬‬ ‫مالمح املارة في الشوارع الكبرى‪ ،‬ولون‬ ‫حتكي‬ ‫ُ‬ ‫غائط كالب الوحيدين‪ ،‬السيرة املرضية للقاطنني‬ ‫والزائرين على ح ّد سواء‪ .‬لندع ذلك للمتخصصني‬ ‫في علم النفس والطهارة البيطرية‪ .‬أخمن اآلن‬ ‫بشدة‪ ،‬دون حنني ُيذكر‪ ،‬في أزقة خاوية بفاس وفي‬ ‫مكتبة عامرة بالكالسيكيات العربية والفرنسية‬ ‫واإلجنليزية‪ ،‬إال من بوكوفسكي‪ .‬ال ميكنني أن‬ ‫أحب بوكوفسكي‪ ،‬ذاك املمسوخ ال��ذي استفاق‬ ‫لنبوغه األدب��ي عندما أصبح‪ ،‬كما سمى نفسه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وصغرت تفاصيله‬ ‫«عجوز ًا ق��ذر ًا» ترهّ ل جسده‬ ‫التناسلية‪ُ ،‬يذكرني بكاتب فرنكوفوني محسوب‬ ‫علينا‪ ،‬استكرش اعتزاز ًا بقصصه‪ ،‬ولم يقلع بعد‬ ‫عن ش��رب م��داد عشرة ق��رون من أناقة فرنسية‬ ‫مغشوشة‪.‬‬ ‫ليس لي بتفضيل ملاهلر على ش��وب��ان‪ ،‬مهما‬ ‫ِ‬ ‫لكنك ي��ا أعمدة‬ ‫السمفونية التاسعة‪،‬‬ ‫تعالت‬ ‫ّ‬ ‫األبجدية ال تكونني بغير املرارة‪ .‬تصاعدي إذن‪،‬‬ ‫هُ دّي أوهام القلب‪ ،‬وال تدعي في باريس‪ ،‬غير هذا‬ ‫ال ّنص الذي يؤرقني‪ .‬هكذا أق ّلد سجاالت األموات‬ ‫وأحفر فيها لألغاني النسائية ثقوب ًا ض ّيقة يغمرها‬ ‫الصغيرة‪ ،‬تطلبني‬ ‫البول والكحول‪ .‬نعم يا لوسي ّ‬ ‫ِ‬ ‫حلنك‬ ‫اهتمام ًا وجوالت في «ريفولي»‪ُ .‬أنصت إلى‬ ‫وأنت تنادينني باسمي‪ ،‬تقولني إن فيه غرابة غير‬ ‫عربية‪ ،‬ك ّله لك‪ ،‬اسمي الثنائي‪ ،‬دعيه ُيد ّلك مخارج‬ ‫احلروف ومدخل الرؤية ِ‬ ‫إليك‪ ،‬فأنا ال أحتاج غير‬ ‫سريرك ألدفنك فيه‪ ،‬واالسم لك‪ .‬لوسي‪ّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫تأخر غروب‬ ‫أحتسس الغصن‬ ‫باق عند ال ّنافذة‬ ‫ّ‬ ‫هذا اليوم‪ ،‬لك ّني ٍ‬ ‫وأهذي‪« :‬أين تذهبني يا بومتي‪ ،‬أريد طوق ال ّريش‬ ‫وفناجني القهوة ألتابع اجللوس إلى املكتب في‬ ‫السهر»‪.‬‬ ‫غيابك‪ .‬لقد أتعبني ّ‬ ‫كاتب مغربي في إقامة أدبية بباريس‬


‫الملحق الثقافي‬

‫لويس أراغون‪:‬‬

‫دريئة العدد‬

‫إعداد ‪ :‬مبارك وساط‬

‫‪ l‬العدد ‪ l 70 :‬الخميس ‪ 7‬فبراير ‪7 2013‬‬

‫انصرمت»‬ ‫«ستكو ُن هذه احلياة ُ قد‬ ‫ْ‬

‫‪ -1‬في البدء‪ ..‬كانت الكذبة الكبرى‬ ‫اس��� ٌم ملنطقة شاسعة بإسبانيا‪ .‬وليس‬ ‫أراغ���ون‪ْ :‬‬ ‫مصادفة أن يكون للشاعر والروائي لويس (أو‪ :‬لوي‪،‬‬ ‫حسب النطق الفرنسي) أراغ��ون (‪،)1982 -1897‬‬ ‫اسم عائلي هو اسم هذه املنطقة ِ‬ ‫نفسها‪ .‬فلويس‪،‬‬ ‫��دري��و‪،‬‬ ‫الصغير‪ ،‬ك��ان االب��ن غير الشرعي للويس َأن ِ‬ ‫مدير الشرطة (والي األمن) السابق والسفير السابق‬ ‫لفرنسا في إسبانيا‪ ..‬من مارغريت توكا‪ ،‬التي كانت‬ ‫َ‬ ‫أطلق الوالد على‬ ‫متزوجا‪ .‬وقد‬ ‫عشيق ًة له وكان هو‬ ‫ً‬ ‫الطفل الوليد‪ ،‬الذي لم يمُ كنه أن يعترف بأنه أبوه‪،‬‬ ‫اسما عائليا من ذكرى‬ ‫اسمه الشخصي‪ ،‬و«فبرك» له‬ ‫ً‬ ‫أيام سفارته بإسبانيا‪ .‬وهكذا‪ ،‬سيكون عا َل ُم لويس‬ ‫أراغون‪ ،‬من بدءِ طفولته التي قضاها في باريس‪ ،‬ثم‬ ‫في ُنويي (البلدة اللصيقة بباريس)‪ ،‬وحتى مطلع‬ ‫مؤسسا على كذبة كبيرة‪ :‬فأمه كانت تزع ُم‬ ‫شبابه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫للناس أن��ه أخ��وه��ا‪ ،‬وأب���وه ك��ان يدعي أن��ه عرابه‪،‬‬ ‫ولن يعرف أراغ��ون نفسه احلقيقة إال بعد جتاوزه‬ ‫العشرين‪ ،‬ومبناسبة التحاقه باجلبهة‪ ،‬ف��ي سنة‬ ‫‪1918‬؛ وكان قد حصل على البكالوريا سنة ‪،1916‬‬ ‫وشرع في دراسة الطب‪ ،‬مثلما كان أندري بريتون‬ ‫قد فعل في الفترة نفسها‪ .‬لكن أحدًا منهما لن ُينهي‬ ‫دراساته الطبية تلك‪.‬‬

‫‪ -2‬دادائية‪ ..‬سوريالية‪ ..‬قصائد أولى‬

‫نشر أراغون أولى قصائده‪« ،‬تعطش للغرب»‪ ،‬في‬ ‫م���ارس م��ن سنة ‪ .1918‬وب��ع��د التحاقه باجلبهة‪،‬‬ ‫اشتغل كمساعد طبيب‪ ،‬وسيتعرف بأندري بريتون في‬ ‫مستشفى «فال‪-‬دي‪ -‬غراس»‪ ،‬فقد كانا ُمكلفني باملهمة‬ ‫ذاتها‪ ،‬وقضيا عددًا من ليالي احلراسة في «جناح‬ ‫املجانني»‪ ،‬يقرآن «أناشيد مالدورور» لِلوتريامون‪،‬‬ ‫«وسط ما كانت اإلنذرات بالهجمات اجلوية املُ ْمكنة‬ ‫ُتثيره لدى املرضى من صرخات ونحيب» (ل‪ .‬أراغون)‪.‬‬ ‫الح ًقا‪ ،‬بعد احل��رب‪ ،‬وبعد أن انتميا معا‪ ،‬ومعهما‬ ‫فيليب سوبو‪ ،‬إلى الدادائية لفترة‪ ،‬سينفصل الثالثة‬ ‫(بريتون‪ ،‬سوبو وأراغون) عن هذه األخيرة‪ ،‬ويرحلون‬ ‫لإلقامة في َكنف السوريالية‪ ،‬التي كتب بيانها أندري‬ ‫زعيمها‪.‬‬ ‫بريتون سنة ‪ ،4192‬وكان‬ ‫َ‬ ‫سنة ‪ ،1920‬حل بباريس داعية الدادائية األكبر‪،‬‬ ‫الشاعر تريستان تزارا‪ ،‬الروماني األصل‪ ،‬الفرنسي‬ ‫أساسا‪ ،‬والذي سيكتسب اجلنسية الفرنسية‪.‬‬ ‫التعبير‬ ‫ً‬ ‫كان تزارا قد كتب يقول في «مانفستو دادا ‪:»1918‬‬ ‫«‪« ...‬دادا» ال تعني شي ًئا (‪ )...‬أنا ضد األنساق‪ ،‬أكث ُر‬ ‫األنساق مقبولِية‪ ،‬هو أال يكون للمرء أي نسق (‪)...‬‬ ‫هدم‬ ‫فل َيقل ُكل إنسان بصوت جهوري‪ :‬هنالك عمل ٍ‬ ‫س وتنظيف‪.»...‬‬ ‫كبير‪ ،‬عمل َسلبي‪ ،‬ينبغي إجنازه‪َ .‬ك ْن ٌ‬ ‫وقد حتمس أراغون (مثلما بريتون وفيليب سوبو)‪،‬‬ ‫��اس��ا مجال ِ ّ‬ ‫الشعر‬ ‫للتمرد ال��دادائ��ي ال��ذي ط��ال أس ً‬ ‫والفن‪ .‬وفي ‪ِ 1920‬‬ ‫نفسها‪ ،‬نشر أراغون مجموعته‬ ‫َ‬ ‫وتتضمن ‪ 23‬قصيدة‪ ،‬هي‬ ‫األول���ى‪« :‬ن���ا ُر ال��ف��رح»‪،‬‬ ‫القصائد األولى التي كتبها في مطلع حياته األدبية‪.‬‬ ‫نقرأ مقطعا من إحدى تلك القصائد‪ ،‬وهي املعنونة‬ ‫«خميس خالص»‪:‬‬ ‫«يا ش��وارعُ ‪ ،‬يا ُق�� ًرى‪ ،‬إلى أين ُ‬ ‫كنت َأ ْج��ري؟ كان‬ ‫اجلليد يطردني في املنعطفات‬ ‫نحو ِب َر ٍك ُأخرى‪)...( .‬‬ ‫إل��ى داخلي ينفذ النهار‪ .‬ما ال��ذي َتبتغيه مني‬ ‫املرايا البيضاء وتلك ِ ّ‬ ‫النسوة اللواتي صادفتهنّ ؟‬ ‫أهذه أكذوبة أم لعبة؟ دمي ليس له هذا اللون‪.‬‬ ‫على شوارع املريخ متوهجة اإلسفلت‪ ،‬يا زهرات‬ ‫الثلج! اجلميع فهموا ما بقلبي (‪»)...‬‬ ‫( ترجمة‪ :‬م‪ .‬وساط‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة‬ ‫إلى سائر املقطوعات فرنسية األصل املدرجة في هذا‬ ‫املقال)‪.‬‬ ‫ف��ي ه��ذه السنة ِ‬ ‫نفسها‪ ،‬ح���اول االن��ض��م��ام إلى‬ ‫احل��زب الشيوعي‪ ،‬ونشر روايته األول��ى‪َ « ،‬أنيسيه‬ ‫أو البانوراما»‪ ،‬التي ظهر معها اقتداره في الكتابة‬ ‫الروائية‪ ،‬من جهة‪ ،‬واستقالليته عن رفاق املسيرة‬ ‫األدبية‪ ،‬إذ من املعلوم أن بريتون كان ي��زدري الفن‬ ‫الروائي‪.‬‬ ‫وفي باريس ما بعد احلرب العاملية األولى‪ ،‬عاش‬ ‫أراغ��ون عالقتني غراميتني فاشلتني‪ :‬مع الرسامة‬ ‫األمريكية إي��ي��ر دي الن��ي (ال��ت��ي ستتركه وترتبط‬ ‫ِبد ِْر ُيو ال روشيل)‪ ،‬ثم مع دنيز ليفي (التي ستفضل أن‬ ‫تتزوج ببيير نافيل)‪ .‬وفي ‪ ،1924‬تشكلت املجموعة‬ ‫السوريالية‪ ،‬التي ضمت شعراء وفنانني‪ ،‬من بينهم‬ ‫(بريتون‪ ،‬أراغ��ون‪ ،‬إيلوار وديسنوس‪ )...‬ووقتها‪،‬‬ ‫كان أراغون يقرأ بشغف كتب هيغل وماركس ولينني‬ ‫وف��روي��د‪ ،...‬وف��ي ‪ 1924‬و‪ ،1925‬كتب أه��م أعمال‬ ‫َّ‬ ‫«ف�ل�ا ُح ب��اري��س»‪ ،‬وه��و العمل‬ ‫مرحلته السوريالية‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫الشعري‪ -‬ال َّنثري‪ ،‬ال��ذي سيظهر سنة ‪ ،1926‬أي‬ ‫السنة نفسها التي ُن ِشرت له فيها مجموعته الشعرية‬

‫لويس أراغون مع رفيقته إلزا‬

‫«احلركة األبدية»‪.‬‬

‫‪َ -3‬فالح باريس‬

‫عن «فالح باريس»‪ ،‬قال الفيلسوف والناقد األملاني‬ ‫فالتر بنيامني‪« :‬لم أكن أستطيع أن أقرأ منه في املساء‪،‬‬ ‫وأنا في سريري‪ ،‬أكث َر من صفحتني أو ثالث‪ ،‬ذلك أن ما‬ ‫كنت أقرؤه كان يجعل قلبي يدق بقوة كبيرة‪ ،‬ح َّد أنني‬ ‫ُ‬ ‫كنت أضطر إلى َت ْرك الكتاب جانبا»‪ .‬وفي مالحظة‬ ‫درج��ت في طبعة ‪ 1966‬من «فالح باريس»‪،‬‬ ‫أولية ُأ ِ‬ ‫وال ش��ك ف��ي أن ال��ذي صاغها ك��ان أراغ���ون نفسه‪،‬‬ ‫(وإن حتدث فيها عن نفسه بضمير الغائب)‪ ،‬نقرأ‪:‬‬ ‫«‪ ...‬عن الذي ينظر إلى ُكل شيء بعينني مفتوحتني‬ ‫على ِسعتهما‪ ،‬نقول إنه َيخرج من قريته‪ .‬وهكذا‪،‬‬ ‫فالحا باريسيا‪ ،‬كان أراغون يجول في ممر‬ ‫فباعتباره‬ ‫ً‬ ‫أعمال َشق بولفار هوسمان ُت ُ‬ ‫ُ‬ ‫شكل‬ ‫األوبرا الذي كانت‬ ‫خط ًرا عليه‪ ،‬وكانت نظر ُته اجلديدة تلتقط وتسجل‬ ‫مئات املشاهد من الواجهات وامللصقات‪ ،‬التي كانت‬ ‫الصدفة جتع ُلها ُقبالته‪ .»...‬والكتاب ُيقدم لنا تأمالت‬ ‫السارد في املدينة التي يتجول فيها‪ ،‬وتأمالته في‬ ‫الزمن‪ ،‬ويبرز لنا قوة الرغبات العاطفية لديه‪ ،‬والتي‬ ‫ُ‬ ‫يتشبث بها ليتمكن من هَ زم اليأس واجلنون‪ ،‬وفي‬ ‫الكتاب‪ ،‬حرص على التقاط ما هو عجيب في املعيش‬ ‫ُ‬ ‫(انظر مقتط ًفا‬ ‫اليومي‪ ،‬وعلى الدفاع عن السوريالية‪.‬‬ ‫منه‪ ،‬مرفقا باملقال)‪.‬‬

‫‪ -4‬الواقعية‪ ،‬الحزب الشيوعي‪ ،‬إلْ زَ ا‬ ‫في يناير ‪ ،1927‬التحق أراغون باحلزب الشيوعي‬

‫الفرنسي‪ ،‬رفقة أندري بريتون‪ ،‬وإ ْثر إيلوار‪ ،‬ولن يبقى‬ ‫هذان األخيران في احلزب إال أشهرا معدودة‪ ،‬وإن‬ ‫كان إيلوار سيعود إليه في ما بعد‪ .‬وفي ‪ ،1928‬ظهر‬ ‫ص َّنف في األسلوب» (أو «رسالة في األسلوب»)‪،‬‬ ‫له ُ‬ ‫«م َ‬ ‫وهو‪ ،‬نوعً ا ما‪« ،‬مانفستو أراغون األدبي»‪ .‬وفيه هجوم‬ ‫على شخصيات أدبية‪ ،‬مثل ِجيد وفاليري‪ ،‬وإعادة‬ ‫نظر عنيفة في الفن السائد وفي احلضارة الغربية‪،‬‬ ‫وفيه هجاء قوي للرأسمالية‪ ،‬إلى جانب عناية كبيرة‬ ‫بالصورة الشعرية‪ ،‬فمما نقرؤه فيه‪ ،‬مثال‪:‬‬ ‫<<<<<<‬ ‫«أسلوبي هو مثل الطبيعة‪ ،‬ورمبا التما ُث ُل بينهما‬ ‫متبادَل‪ .‬اتبعوني بانتباه عبر املياه التي جتري‬ ‫الصخور‪ .‬إن َقطاعة الورق‬ ‫ج��داو َل‪ ،‬وعلى امتداد ّ‬ ‫ِ‬ ‫تع ُ‬ ‫رف القرية مبا‬ ‫الهائلة التي تعتمدُها الط ُرقات ال ْ‬ ‫فيه الكفاية‪ .‬يلزمك دليل وأنت جتتاز آباط الغابات‪.‬‬ ‫يتربص بك رجل ُم َت َذ ْأ ِبنٌ من َز َبد‪ ،‬وهنا سيأكلك‬ ‫هناك‬ ‫ُ‬ ‫ُف ْط ٌر‪-‬مِ ي ُنو ُتور‪ .‬بوارق غريبة تهيم في كل مكان تقري ًبا‬ ‫من ُسهولي»‪.‬‬ ‫‪.......‬‬ ‫متذأبن‪ :‬منقلِب إلى ذئب‪ .‬املينوتور‪ :‬في امليثولوجيا‬ ‫اليونانية‪ ،‬كائن له جسم إنسان ورأس َثور‪.‬‬ ‫في تلك الفترة نشر أراغون‪ِ ،‬باسم مستعار‪ ،‬كتابا‬ ‫إري��نْ »‪ ،‬منع ْت ُه الرقابة‪.‬‬ ‫إيروسيا حتت عنوان « َف ْرج ِ‬ ‫كما أنه حاول االنتحار بعد مغامرة عاطفية سيئة‬ ‫النهاية‪ ،‬وبعد تفاقم أزمتِ ه املادية‪ .‬إثر ذلك‪ ،‬عاد إلى‬ ‫نضاله السياسي وأدبه‪ .‬وقد التقى ِبالشاعر الروسي‬ ‫فالدميير ماياكوفسكي سنة ‪ ،1928‬وبعدها ب ُأ ِ‬ ‫خت‬

‫قرينةِ هذا األخير‪ ،‬إل��زا (هنالك من يكتبها‪ :‬إلسا)‬ ‫تر ُيولِيه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ُث�� َّم إنّ أراغ��ون سينحاز إل��ى التصور الواقعي‬ ‫االشتراكي لألدب‪ ،‬األمر الذي سيؤدي إلى القطيعة‬ ‫بينه وبني بريتون والسوريالية (‪ .)1930‬وفي سنة‬ ‫‪ ،1939‬سيرتبط بزواج رسمي بإلزا تريوليه (وهي‬ ‫روسية األصل‪ ،‬اكتسبت اجلنسية الفرنسية‪ ،‬وكانت‬ ‫ً‬ ‫أيضا (بالفرنسية) وحصلت على جائزة‬ ‫ِروائ��ي��ة‬ ‫«ال��غ��ون��ك��ور» سنة ‪ ،)1945‬ث��م يلتحق باجلبهة‬ ‫لِيحارب ُمجددا‪ .‬وبعدها‪ ،‬سيشارك‪ ،‬بطريقته‪ ،‬في‬ ‫املقاومة‪.‬‬ ‫وع��ل��ى ال��ع��م��وم‪ ،‬ف���إن ح��ي��اة أراغ�����ون سترتبط‬ ‫باألساس‪ ،‬بعد احلرب‪ ،‬بنشاطه في احلزب الشيوعي‬ ‫الفرنسي وبإلزا‪ ،‬وس َيزور االحتاد السوفياتي العدي َد‬ ‫من املرات‪ ،‬و ُي ْبدي مناصرته للخط الستاليني‪ ،‬ولن‬ ‫صبح ذا موقف نقدي إزاء ستالني‪ ،‬إال بعد وفاة‬ ‫ُي ِ‬ ‫هذا األخير و َك ْش ِف خروتشوف عما عُ رف بـ»جرائم‬ ‫س��ت��ال�ين»‪ .‬وس��ي��دي��ن أراغ����ون‪ ،‬سنة ‪ ،1968‬تدخل‬ ‫اجليش األحمر لقمع «ربيع براغ»‪ ،‬و َيكتب‪ ،‬في تلك‬ ‫السنة‪ ،‬مقدم ًة لرواية ميالن كونديرا‪« ،‬املزحة»‪ ،‬كما‬ ‫سيبدي تعاطفه مع حركة «م��اي ‪ ،»1968‬دون أن‬ ‫ُيغادِ َر احلزب الشيوعي‪ ،‬طبعً ا‪.‬‬ ‫ك��ت��ب أراغ�����ون‪ ،‬وق���د أص��ب��ح ع��ض��وا ب����ارزا في‬ ‫احلزب املذكور‪ ،‬وأصبحت إلزا رفيقته في احلياة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫باحلب‪،‬‬ ‫قصائد ُت ِشيد بالشيوعية‪ ،‬وأخرى حتتفي‬ ‫وترتفع ب��ه إل��ى ذرى عالية‪ ،‬وك��ان��ت ه��ذه األخيرة‬ ‫غنائية الطابع‪ ،‬كالسيكية الشكل‪ ،‬وقد غنى عد ًدا‬ ‫منها مغنون م��ع��روف��ون‪ ،‬مثل لِيو فيري وج��ورج‬ ‫براسنس وجان فيرا‪ ...‬كان براسنس أول من غنى‬

‫عصب الكتابة‬

‫«أحرس يدي من ذئب الكتابة»‬ ‫ُ‬

‫بدء‬ ‫ِّ‬ ‫الشعر ماسوني مخادعٌ ‪ .‬ال يؤمن‬ ‫كثيرا باﻹكراهات اجلمالية‪ُ .‬يبـدد‬ ‫وقته في النحت أو الكسل‪ .‬أحيانا‬ ‫يتعب‪ ،‬وأحيانا ينام‪ :‬حتى ثمة‬ ‫أحالم وكوابيس‪ ..‬من عاداته أن‬ ‫يهمل حالقة ذقنه أليام‪ ،‬لكنه طبعا‬ ‫ُيصر على إغراء املرآة‪ .‬من هـواياته‬ ‫الـمشي‪ ..‬في الشمس أو في أروقـة‬ ‫ظليلة‪ ،‬في الضوء أو في سـراديب‬ ‫معتمة‪ .‬يمُ رن استعاراته علـى‬ ‫اخللود ويقايض حريته باحتياالت‬ ‫كثيرة‪ .‬ال ُيخيفه العيش هناك‪ ،‬على‬ ‫َأسـ ّرة مسكونة بأنفاس موتى‪ ،‬على‬ ‫أصابع مالعنة‬ ‫أثاث تحَ ّسسته‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وممسوسـني‪ ...‬ومنذ أن ت َذوق‬

‫حسن ملهبي‬ ‫خطيئة احلداثة‪ ،‬صار يضع قناعا‪،‬‬ ‫ويهيم ‪-‬مستوحشا‪ -‬في أرض النثر‪.‬‬

‫درس سقراط‬ ‫سيكون نهارا مـختلفا‪ ،‬هذا ما‬ ‫أعتقده‪ .‬ألن مرآة تكسرت في نومي‪،‬‬ ‫واجلدران صارت شفافة‪ .‬أعيد‬ ‫صياغة الصباح لينسجم مع لون‬ ‫قميصي‪ ،‬أترك فنجان القهوة على‬ ‫حافة النافذة وأغادر الـبيت‪ .‬أمشي‬ ‫مثقال بسالسل غيابك‪ ،‬يسيل من‬ ‫أصابعي ما تبقى بداخلي من حنان‪.‬‬ ‫ليـس هـذا ما كنت أرغب في كتابته‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫أردت أن أرتـب دوالب غرائزي‪،‬‬ ‫وأن أمنح للقسوة مبـررا أخالقيا‪،‬‬

‫حتى ينبت عشب من فكرة ذهابك‪.‬‬ ‫أستقبل األلم في أرض محايدة‪،‬‬ ‫في ذلك نوع من اخلداع‪ ..‬حتى ال‬ ‫يكون األلم سلطة أو تدميرا ذاتيا‪،‬‬ ‫وتكوني أنت فقط‪ ،‬دون فائض في‬ ‫املشاعر‪ .‬سأمشي وسأفكر كم سكبنا‬ ‫من نبيذ لتغرق السفن في نومنا‪،‬‬ ‫سأمشي وسأفكر كم كانت عالية‬ ‫أنقاض رغباتنا على السرير‪ .‬سأجد‬ ‫ممـرا يقود إلى أطـراف املتاهة‪ :‬كأن‬ ‫أرمم شروخ متثال اخليانة‪ ،‬كأن‬ ‫أخترع فلسفة للوهم‪ ،‬أو أسحب من‬ ‫املوت ما يجعله حقيقة‪ ..‬تعلمـني‬ ‫أن أنفاسك ما زالت محبوسة فـي‬ ‫صـدري‪ ،‬هــذا ما يترك لـي هــواء‬ ‫إضافيا‪ ...‬حتى حيـن تتكـسر مرآة‬ ‫في نومي أو تصير جدران هذا‬

‫البيت شفافة‪ .‬لست نائما اآلن‪ ،‬فقط‬ ‫أمرن كسلي على حب القطط‪ ،‬وأضع‬ ‫حليبا في الفنجان املتروك علـى‬ ‫ِ‬ ‫ارمتيت منهـا‪...‬‬ ‫حافة النـافذة التـي‬ ‫قبـل هذا‪ ،‬كـنت أعتقد أن فـالسفة‬ ‫اإلغريق وحدهم ينتحرون‪.‬‬

‫هامش الخطأ‬ ‫بعـد قـليل سنذهب‪ ،‬وسنترك‬ ‫وراءنا أثاثا غاليا‪ .‬سنذهب دون‬ ‫خرائط وال حقائب‪ ،‬لن نركـب قطارات‬ ‫أو سيارات‪ .‬سيكون معنا فقط خيال‬ ‫قليل وأســرار في جيوب املعاطف‪.‬‬ ‫حتى الذكريات سنتركها طعاما للقط‬ ‫العجوز‪ .‬لم تعد لنا أشياء لنعيش‬

‫من أجلها هنا‪ ،‬قد يكون في ذلك نوع‬ ‫من احلرية أو بعض من اليأس‪.‬‬ ‫عجوز آخر سنتـركـه وراءنـا‪ :‬إنه‬ ‫األمل‪ ،‬سنتركـه دون وداع وال طعام‪.‬‬ ‫صور كثيرة ستبقى عائمة على مياه‬ ‫الصنبور املعطـل‪ ،‬ومسودات وهـدايا‬ ‫وأحـذية قـدمية‪ .‬ماتزال زجاجة على‬ ‫رفـوف املطبخ‪ ،‬سنتقاسم نبي َذها‬ ‫قبل أن نغادر‪ .‬لن نبحث عن املفاتيح‬ ‫واألقفال‪ ،‬سنترك األبواب مشرعـة‬ ‫على الهواء والـضوء واللصوص‪،‬‬ ‫مع علمنا أال أحد بعدنا سيأتي‬ ‫إلعادة بناء الـسراب‪ .‬بعد قليل‬ ‫سنذهب‪ ،‬وسيظل ِ ّ‬ ‫الشعر هناك‪ ،‬في‬ ‫خلفية قليلة اإلضاءة‪.‬‬ ‫من مجموعة شعرية ستصدر قريبا‬ ‫بعنوان «النو ُم في أسـ ّرة اآلخرين»‬

‫له قصيد ًة‪ ،‬هي «ليس هنالك مِ ن ُحب سعيد»‪ ،‬التي‬ ‫كان أراغون قد كتبها في فترة أوشكت فيها عالقته‬ ‫بإلزا أن تنفرط‪ ،‬وتلك األزمة هي التي ستلهمه أيضا‬ ‫ورليان»‪ ،‬من قصيدة له ذات‬ ‫إحدى أهم رواياته‪ُ « ،‬أ ِ‬ ‫طابع «سياسي واقعي»‪ ،‬حتمل عنوان «جواب إلى‬ ‫اليعاقبة»‪ ،‬نقرأ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫املارسييز‪⁄‬‬ ‫«‪ ...‬أح�� ّي��ي هنا النشيد األمم��ي ض��د‬ ‫تراجعي يا مارسييز أمام‪ ⁄‬النشيد األممي‪ ،‬ذلك أن‬ ‫هذا‪ ⁄‬هو خريف أيامك‪»...‬‬ ‫<<<<<<‬ ‫أما إلزا‪ ،‬فستحضر‪ ،‬باالسم أو باإلشارة في العديد‬ ‫من قصائد أراغون‪ ،‬وباالسم في عناوين أعمال له‪،‬‬ ‫أشه ُرها «عيون إلزا» (وهذه ترجمة أحسن‪ ،‬شعريا‪،‬‬ ‫من «عينا إلزا»)‪ ،‬و«مجنون إلزا»‪ .‬من قصيدة «ليلة‬ ‫املنفى»‪ ،‬ضمن «عيون إلزا»‪ ،‬نقرأ‪:‬‬ ‫«(‪ )...‬ك��ان��ت ُخ��ط��ى احل��امل�ين َت ِ��ط��ن على ال��ب�لاط ‪⁄‬‬ ‫وع��ش ٌ‬ ‫ِ��ص َ‬ ‫��ق ال��ب��واب��ات العريضة ‪⁄‬‬ ‫��اق يتحاضنون ل ْ‬ ‫ُ‬ ‫وبياض ِك‬ ‫نحن االثنني كنا ُن َعمر الالنهاية بأيادينا ‪⁄‬‬ ‫يؤجج الظل اخلفيف األبدي (‪ )...‬أتذكرين تلك‬ ‫كان‬ ‫ّ‬ ‫الليالي التي كان يغلفنا خاللها ليل‪ ⁄‬يأتي من القلب‬ ‫وال يليه صباح؟‪»..‬‬ ‫وفي «مجنون إل��زا»‪ ،‬وهو كتاب شعري ُي ِ‬ ‫داخ ُل ُه‬ ‫س��رد نثري‪ -‬بل ويشكل السرد التاريخي عموده‬ ‫الفقري‪ ،-‬جند أراغون ُي ْن ِش ُد احلب‪ ،‬ويقيم جسو ًرا‬ ‫مع احلضارة العربية في األندلس‪ ،‬فثمة املجنون‬ ‫ِ‬ ‫والشخصية‬ ‫الغرناطي‪ ،‬الهائم في طرقات غرناطة –‬ ‫مستوحاة من «مجنون ليلى» (قيس بن عامر النجدي‪،‬‬ ‫أو قيس العامري‪ ،‬املذكور بكل من هاتني الصيغتني‬ ‫في الكتاب)‪ ،‬وهنالك أبو عبد الله الصغير‪ ،‬الذي‬ ‫ي��ن��ح��از إل��ي��ه أراغ�����ون‪ ،‬وي��رغ��ب ف��ي أن يعيد إليه‬ ‫االعتبار‪ ...‬وهنالك‪ً ،‬‬ ‫أيضا‪ ،‬الكلمات والصيغ العربية‬ ‫املكتوبة باحلروف الالتينية‪ ...‬بل و»افتراض» أن‬ ‫اس ِم اإللهة اجلاهلية‪،‬‬ ‫اس َم إلزا قد يكون مشتقا من ْ‬ ‫ْ‬ ‫«العُ ّزى»‪...‬‬ ‫ومعلوم أن أراغون كتب عددًا من الروايات‪ ،‬منها‬ ‫«أج���راس ب ْ‬ ‫ورل���ي���ان»‪...‬‬ ‫���ال»‪« ،‬األح��ي��اء اجلميلة» و» ُأ ِ‬ ‫وكما سبقت اإلش��ارة‪ ،‬فإن «أورليان» التي ( ُن ِش َرتْ‬ ‫سنة ‪ ،)1944‬من أهم روايات أراغون‪ ،‬وقد كتبها في‬ ‫فترة اضطراب في العالقة بينه وبني إلزا تريوليه‪...‬‬ ‫فأورليان‪« ،‬البطل»‪ ،‬هو ضابط فرنسي سابق خدم في‬ ‫بالد املشرق‪ ،‬يحل بعد انتهاء احلرب العاملية األولى‬ ‫ُ‬ ‫حيث يعيش‪ ،‬خ�لال فترة من عشرينات‬ ‫بباريس‪،‬‬ ‫القرن املاضي‪ ،‬حياة أعزب غني عامرة بالسهرات‬ ‫والعالقات الغرامية العابرة‪ ،‬إلى أن يلتقى ِب ِرينِ يس‪،‬‬ ‫التي ال ُيعجب بها في البداية‪ ،‬ولكنه سرعان ما‬ ‫بتعلق ش��دي��د‪ ...‬وهنا تبدأ تلك‬ ‫سيشعر جتاهها‬ ‫ٍ‬ ‫العالقة مستحيلة التح ّقق‪...‬‬ ‫وجدير بال ّذكر أن اس َم ِبرينيس يبدو مأخوذا‪ ،‬في‬ ‫هذه الرواية‪ ،‬من تراجيديا ل َر ِ‬ ‫اسنيْ‪ ،‬عنوا ُنها «برينيس»‬ ‫ً‬ ‫أيضا‪ ،‬وهي كذلك عن حب متع ّذر االستقرار‪ ...‬تبدأ‬ ‫«أورليان» كالتالي‪:‬‬ ‫«ف��ي امل��� ّرة األول���ى التي رأى أورل��ي��ان خاللها‬ ‫برينيس‪ ،‬بدتْ له قبيحة ح ًّقا‪ .‬لقد نفر منها‪ ،‬هذا ما‬ ‫حصل‪ .‬لم ُي ِحب أسلوبها في اللباس‪ُ .‬قماش لباسها‬ ‫ال يبدو له جدي ًرا بأن يقع عليه االختيار‪ .‬لقد كانت‬ ‫له أفكاره في ما يخص أصناف ال ُقماش‪ .‬وهذا كان‬ ‫ُق ً‬ ‫ماشا رأى نسوة كثيرات يرتدين مالبس مصنوعة‬ ‫مستحبا من‬ ‫يتوقع شي ًئا‬ ‫منه‪ .‬األمر الذي جعله ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أميرة من الشرق‪ ،‬دون أن يبدو‬ ‫اس َم‬ ‫ٍ‬ ‫هذه التي حتمل ْ‬ ‫أنها تعتبر لزاما عليها‪ ،‬أن تكون ذات ذوق‪َ .‬ش ْع ُرها‬ ‫صفيف‪ .‬والشعر‬ ‫كان كاب ًيا في ذلك اليوم‪ ،‬وسيئ ال َّت ْ‬ ‫يتطلب عناية مستمرة‪ .‬ل ْم َي ُكنْ مبستطاع‬ ‫املقصوص‬ ‫ُ‬ ‫أورليان أن يقول إنها شقراء أو سمراء‪ .‬فهُ و لم ميأل‬ ‫ً‬ ‫غامضا‪،‬‬ ‫منها عينيه‪ .‬وقد تركت في نفسه ِإحساسا‬ ‫عاما‪ ،‬بالب َرم واحل َنق‪ .‬وتساءل عن السبب في ذلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫للتناسب‪ .‬فهي كانت َأم َيل إلى‬ ‫لقد كان هنالك انعدا ٌم‬ ‫ُ‬ ‫صر‪ ،‬وشاحب ًة (‪ )...‬لو كانت ُت َسمى جان أو ماري‪،‬‬ ‫القِ َ‬ ‫عاو َد التفكي َر فيها حلظ ًة واحد ًة‪ .‬لكن أن يكون‬ ‫ملا كانَ َ‬ ‫اسمها بيرينيس‪ .‬لديه شعو ٌر غريب بالتط ُّير‪ .‬وهذا‬ ‫ُ‬ ‫بالتحديد ما كان ُي ْحنِ ُقه‪.‬‬ ‫كان ُّ‬ ‫كل هذا ُيعي ُد إلى ذهنه بيتا ُم َعي ًنا ل ِ‬ ‫ِراسنيْ‪،‬‬ ‫وه��و البيت ال��ذي طاملا َف��� َر َ‬ ‫نفس ُه على ذاكرته‬ ‫ض‬ ‫َ‬ ‫أثناء احلرب‪ ،‬وهو في اخلنادق‪ ،‬ثم بعد أنْ ُس ِ ّر َح من‬ ‫اجليش‪ .‬بيت لم يكن حتى ِل َي ِج َد ُه جمي ً‬ ‫ال‪...‬‬ ‫ُتوفيت إل��زا تريوليه سنة ‪ ،1970‬وم��ع��روف أن‬ ‫أراغون ْ‬ ‫أظهر‪ ،‬بعد وفاتِ ها‪ ،‬ميوله املثلية‪ .‬وقد توفي‬ ‫بدوره سنة ‪َ ،1982‬‬ ‫مخ ِ ّلفا أكث َر من ‪ 80‬عمال أدبيا‪.‬‬ ‫وك��ان ق��د حصل على ج��ائ��زة «لينني» سنة ‪.6591‬‬ ‫ووفا ُته قد ُت َذكر قارئ ِشعره بقصيدة له‪ ،‬عنوا ُنها‬ ‫«ستكون هذه ااحلياة قد انصرمتْ »‪ ،‬يقول مطلعها‪:‬‬ ‫انصرمتْ مثلما حصن كبير‬ ‫«ستكون هذه احلياة قد‬ ‫َ‬ ‫حزين ُت ِر َك لِتعبره كل الرياح ‪ ⁄‬التيارات الهوائية فيه‬ ‫صفِ ُق األبواب‪ ،‬ومع ذلك ليست هنالك غرفة واحدة‬ ‫َت ْ‬ ‫مغلقة‪ )...( ⁄‬في هذا املسكن سواء أكنا ُقدامى أم ُج ُددًا‪،‬‬ ‫ما من أحد منا ُيقيم في بيت هو ح ًّقا بي ُته (‪.»)...‬‬


‫الملحق الثقافي‬

‫‪ l‬العدد ‪ l 70 :‬الخميس ‪ 7‬فبراير ‪8 2013‬‬ ‫يف المكتبات‬

‫«مع الناشر»‬

‫مدير «دار طارق للنشر» قال لـ «األخبار» إن حضور الكتاب المغربي بفرنسا ضعيف‬

‫بشر بناني‪ :‬الفرق بني وزير الثقافة وسابقه أنه‬ ‫يضحك أكثر ويوزع االبتسامات دون نتائج‬ ‫في هذا الحوار‪ ،‬الذي تفتحه «األخبار» مع الناشرين في ملحقها الثقافي‪ ،‬يكشف بشر بناني‪ ،‬المشرف على «دار طارق للنشر»‪ ،‬رفقة‬ ‫ماري لويس بلعربي عن جديد الدار‪ ،‬وتأثير تأجيل المعرض على الناشرين‪ ،‬والحضور الباهت للكتاب المغربي بالخارج‪.‬‬

‫حاورته‪ :‬سعيدة شريف‬

‫وال���ف���رق ب��ي��ن��ه وب�ي�ن ال���وزي���ر ال��س��اب��ق‬ ‫بنسالم حميش‪ ،‬أنه يعرف كيف يضحك‬ ‫ويفرق االبتسامات دون نتائج‪ .‬تأجيل‬ ‫امل��ع��رض خطأ كبير‪ ،‬فهل تخدم وزارة‬ ‫الثقافة مكتب معارض ال��دار البيضاء‪،‬‬ ‫أم الثقافة باملغرب؟ املعرض برأيي ال‬ ‫يخدم إال مكتب معارض الدار البيضاء‪،‬‬ ‫وبعض املؤسسات احمللية التي ال عالقة‬ ‫لها بالكتاب‪ ،‬والتي تعطى لها أروقة في‬ ‫املعرض دون أي وجه حق‪ ،‬فمنذ عشرين‬ ‫سنة وأنا أحضر إلى املعرض‪ ،‬ويبدو لي‬ ‫أننا نعود إلى الوراء وال نتقدم إطالقا‪،‬‬ ‫مادام تنظيمه يتم بطريقة تنفر القارئ‬ ‫من الكتاب وال حتببه فيه‪.‬‬

‫> م��ا جديد «دار ط��ارق للنشر»؟ وه��ل ما‬ ‫زالت تنتهج السياسة نفسها إلى اآلن؟‬ ‫تواصل «دار طارق للنشر» سياستها‪،‬‬ ‫التي ميكن تلخيصها في تقدمي الكتاب‬ ‫اجليد بثمن مناسب‪ ،‬يتماشى والقدرة‬ ‫الشرائية للقارئ املغربي‪ .‬والدار ال تراهن‬ ‫على إص���دار العديد م��ن الكتب‪ ،‬ولهذا‬ ‫ف��م��ن��ش��ورات ال���دار ت��ت��راوح ب�ين ‪ 10‬أو‬ ‫‪ 12‬كتابا في السنة في أحسن األحوال‪.‬‬ ‫وجديد الدار هذه السنة‪ ،‬كتاب جماعي‬ ‫يضم أم��ث��اال تناهض ظ��اه��رة ال��رش��وة‬ ‫باللغة العربية والفرنسية واألمازيغية‪،‬‬ ‫يحمل عنوان «‪Des proverbes contre‬‬ ‫‪ ،»la corruption‬وذ ل����ك بالتنسيق‬ ‫م��ع «ت��ران��س��ب��ران��س��ي امل���غ���رب»‪ ،‬وك��ت��اب‬ ‫عبارة عن قصص مصورة للكاتب عمر‬ ‫البرغوتي‪ ،‬يحمل عنوان «‪BDS contre‬‬ ‫‪l’Apartheid et l’occupation de‬‬ ‫‪ ،»la Palestine‬واملجموعة القصصية‬ ‫«محنة الفراغ» للكاتب واملعتقل السياسي‬ ‫السابق أحمد امل��رزوق��ي‪ ،‬صاحب كتاب‬ ‫«تازمامارت‪ :‬الزنزانة رقم ‪ ،»10‬والذي‬ ‫ح��ق��ق��ت ب��ه ال����دار م��ب��ي��ع��ات م��ه��م��ة‪ .‬كما‬ ‫س��ت��ص��در ق��ري��ب��ا ع���ن ال�����دار مجموعة‬ ‫قصصية للكاتب أحمد بوزفور‪ ،‬حتمل‬ ‫عنوان «نافذة على الداخل»‪.‬‬

‫> م��ا تقييمك ل �ل��دع��م امل �خ �ص��ص للكتاب‬ ‫املغربي‪ ،‬وحلضوره في املعارض اخلارجية؟‬

‫> ما موقف «دار طارق للنشر» من تأجيل‬ ‫فعاليات املعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار‬ ‫البيضاء‪ ،‬وسياسة الوزارة الوصية في مجال‬ ‫النشر والكتاب؟‬ ‫امل����ع����رض س���ي���ك���ون خ����س����ارة ك��ب��ي��رة‬ ‫للناشرين‪ ،‬لتزامنه مع معارض أخرى‪،‬‬ ‫ألن���ه ي��أت��ي ي��وم��ا واح����دا م��ب��اش��رة بعد‬ ‫م��ع��رض ب��اري��س‪ ،‬إض��اف��ة إل��ى أن وزي��ر‬ ‫الثقافة احلالي محمد أمني الصبيحي‪،‬‬ ‫ل����م ي��س��ت��ش��ر ال���ن���اش���ري���ن ف����ي ت��أج��ي��ل‬ ‫املعرض‪ ،‬ومنذ سنة لم يحقق أي شيء‬ ‫ي��ذك��ر ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��ن��ش��ر وال��ك��ت��اب‪،‬‬

‫نحن في دار طارق للنشر ال نستفيد من ذعم‬ ‫وزارة الثقافة وال نطلب هذا الدعم إذ نشتغل‬ ‫بإمكانياتنا الخاصة والوزارة مطالبة فقط بشراء‬ ‫الكتب لتزود بها المكتبات‪.‬‬

‫الدعم ال��ذي تخصصه وزارة الثقافة‬ ‫للكتاب‪ ،‬لم يخلف أثرا يذكر‪ ،‬ولم يساهم‬ ‫في تقليص ثمنه إلى النصف‪ ،‬كما هو‬ ‫مأمول منه‪ .‬ونحن في ال��دار ال نستفيد‬ ‫م��ن ه��ذا ال��دع��م وال نطلبه‪ ،‬إذ نشتغل‬ ‫بإمكانياتنا اخلاصة‪ ،‬وال��وزارة مطالبة‬ ‫فقط بشراء الكتب لتزود بها املكتبات‪،‬‬ ‫التي توجد في وضعية كارثية‪ .‬وأعتقد‬ ‫أن وزي��ر الثقافة ال يعرف وضعية جل‬ ‫امل����دن امل��غ��رب��ي��ة‪ ،‬ف��ل��و ف��ع��ل ذل���ك لوقف‬ ‫على وضعها احلقيقي‪ .‬أما عن حضور‬ ‫الكتاب املغربي في اخلارج فهو ضعيف‬ ‫جدا‪ ،‬ومعرض جزر الكناري األخير كان‬ ‫كارثة حقيقية بكل املقاييس‪ ،‬استفاد منه‬ ‫موظفو وزارة الثقافة فحسب‪.‬‬ ‫وف��ي م��ع��رض ال��ق��اه��رة ك��ان حضورنا‬ ‫باهتا ج��دا‪ ،‬وفي فرانكفورت ال يحضر‬ ‫إال ن���اش���ر أو ن����اش����ران‪ ،‬أم����ا م��ع��رض‬ ‫باريس‪ ،‬الذي يعد األهم بالنسبة إلينا‪،‬‬ ‫ف��ح��ض��ور ال��ك��ت��اب امل��غ��رب��ي ف��ي��ه يكون‬ ‫ضعيفا م��ق��ارن��ة م��ع اجل��زائ��ر وت��ون��س‪،‬‬ ‫ألن السفارة املغربية بباريس‪ ،‬واجلهات‬ ‫امل��س��ؤول��ة عنه ال ت��ق��وم بالتعريف به‪،‬‬ ‫إذ تأخذ الكتب منا باملجان وال تقوم‬ ‫بواجبها‪.‬‬

‫رواية «حيوات متجاورة»‬ ‫حملمد برادة تصدر‬ ‫بالفرنسية‬

‫اب��ت��داء من منتصف شهر فبراير اجل��اري‪،‬‬ ‫جند في املكتبات الترجمة للفرنسية لرواية‬ ‫«حيوات متجاورة»‪ ،‬للكاتب والناقد املغربي‬ ‫محمد ب��رادة‪ ،‬والصادرة عن منشورات «أكت‬ ‫سود»‪ ،‬وقد ترجمتها ماتيلد شيفر بالتعاون‬ ‫مع محمد خوشن‪.‬‬ ‫رواي��ة «حيوات متجاورة» سبق أن صدرت‬ ‫بالعربية عن داري «الفنك» املغربية و»اآلداب»‬ ‫اللبنانية سنة‪ 2009.‬ت��دور ال��رواي��ة حول‬ ‫حيوات متجاورة لثالث شخصيات‪ ،‬نعيمة‬ ‫آيت الهنا والوارثي و»ولد هنية»‪.‬‬

‫مجلة «أنفاس»‬ ‫املغربية تعود مع كنزة‬ ‫الصفريوي‬ ‫«مجلة «أن��ف��اس» ‪ 1973 - 1966‬آمال‬ ‫الثورة الثقافية باملغرب»‪ ،‬هو الكتاب الذي‬ ‫سيصدر شهر م��ارس املقبل‪ ،‬للصحافية‬ ‫والناشطة الثقافية ك��ن��زة الصفريوي‪،‬‬ ‫عن دار «سيروكو» املغربية‪ ،‬وهو دراسة‬ ‫حول جتربة مجلة «أنفاس»‪ ،‬كتب مقدمتها‬ ‫الشاعر عبد اللطيف اللعبي‪ ،‬أحد مؤسسي‬ ‫مشروع «أنفاس»‪.‬‬

‫محمود عبد الغني يترجم‬ ‫رواية «محمد يحبني»‬ ‫أللينا رييس‬ ‫عن مؤسسة «الدوسري للثقافة واإلب��داع»‪،‬‬ ‫ت��ص��در ال��ت��رج��م��ة ال��ع��رب��ي��ة ل���رواي���ة «محمد‬ ‫يحبني» لكاتبتها ألينا رييس‪ ،‬الرواية التي‬ ‫كانت قد صدرت عن دار «غاليمار» سنة‪.1999‬‬ ‫تعتبر ألينا رييس من أه��م روائ��ي��ات موجة‬ ‫أدب���ي���ة ع���ارم���ة‪ ،‬ك���ان اجل��س��د واإلي��روت��ي��ك��ي‬ ‫محورها األس��اس��ي‪ ،‬وع��رف��ت تألقا أكبر مع‬ ‫روايتها «اجل��زار» التي ف��ازت بجائزة «بيير‬ ‫لويز»‪ ،‬وكتبت روايتها «محمد يحبني» بعد‬ ‫رحلة إلى املغرب‪ ،‬وجتري أحداثها في قرية‬ ‫«سيدي إفني»‪.‬‬

‫«رسالة برلين»‬

‫الحب إال للحبيب األول‬ ‫ما‬ ‫ّ‬

‫آخر إصدارات الفيلسوف األلماني آكسيل هونيث‬

‫كتـاب وشعـراء يـروون‬ ‫قصـة حبـهم األولـى‬

‫«حرية الفرد كحرية اجتماعية‬ ‫تقتسم بعالقة االعتراف‬ ‫املتبادلة مع اآلخرين»‬

‫كل النساء اللواتي‬ ‫أحببتهن حتولن‬ ‫إلى فراشات‬ ‫في قلبي‬

‫محمد مقصيدي‬

‫أذكر أن أول عشق دهسني بعجالته‪ ،‬عندما كنت أعبر‬ ‫احل��ي��اة أم���ام ب��اب الطفولة‪ .‬وم��ن��ذ ذل��ك ال��ي��وم‪ ،‬واحل��ب‬ ‫يشتعل في رأس��ي كغابة حتترق‪ .‬عشرات لم تسلمن من‬ ‫حبي‪ :‬بنات اجليران‪ ،‬زميالت املدرسة‪ ،‬ممثالت شهيرات‪،‬‬ ‫رف��ي��ق��ات ال��ع��م��ل‪ ،‬ع���اب���رات سقطت ع��ي��ن��اي ف��ي عيونهن‬ ‫بالصدفة‪ ،‬نساء من روايات‪ ..‬عشرات لم تسلمن من حبي‪:‬‬ ‫آم��ال بعينيها اخل��ض��راوي��ن‪ ،‬نسرين وه��ي حتمل كتاب‬ ‫«االقتصاد السياسي» في الثانوية‪ ،‬كيت وينسليت في‬ ‫فيلم «تيتانيك»‪ ،‬مدام بوفاري‪ ،‬مرمي وصديقتها‪ ،‬خديجة‬ ‫ذات ال��وج��ه املالئكي‪ ،‬م��ود «ال��ف��راش��ة» الفرنسية ونحن‬ ‫نزرع القبالت في مراكش‪ ،‬تامارا اليونانية اجلميلة التي‬ ‫أجنبت لي ناتاليا‪ ،‬سيلفيا بعينيها اإليطاليني وشعرها‬ ‫القصير جدا كفرح في اخلريف‪ ،‬نينا التي حتب القطط‬ ‫أكثر مني‪..‬‬ ‫ليس هنالك قليل م��ن احل��ب إن ل��م يكن ثمة كثير من‬ ‫اجلنون‪ ،‬لكنهن يعشن كلهن اآلن في هذا القلب املريض‬ ‫باحلب‪ ..‬آه! لقد أحببت العاهرات والطبيبات والشاعرات‬ ‫وع��ازف��ات الكمان والساكسفون‪ ،‬أحببت ن��ادل��ة احلانة‬ ‫بلهيب العاطفة نفسها التي أحببت بها معلمة اللغة‬ ‫اإلجنليزية في ثانوية «احلسن الثاني» ببني مالل‪ .‬كنت‬ ‫أحب يوم األحد أيضا ويوم السوق األسبوعي‪ ..‬أحببت‬ ‫دائما‪،‬وسوف أفعل‪.‬‬ ‫ال‪ ،‬األس�ل�اف ي��ق��ول��ون‪« :‬م��ا احل��ب إال للحبيب األول»‪.‬‬ ‫وي���ق���ول���ون أي���ض���ا‪« :‬احل�����ب أع����م����ى»‪ .‬األك��س��ي��ول��وج��ي��ا‬ ‫والرومانتيزم ‪ ،‬تقتضيان أن أجزم بالقطع وأشير بسبابتي‬ ‫إلى تلك احلبيبة التي أكلت قلبي مثل تفاحة‪ .‬وأنا أسند‬ ‫ظهري إلى املجهول‪ ..‬كم أحبك قبل أن أراك‪ ،‬أم أنني أتعلق‬ ‫بالكلمات أكثر منك؟ كم أحبك بعد أن رأيتك‪ ،‬أم أنني أتعلق‬ ‫مبا ال ينبغي لي أن أتعلق به؟ تلك العضلة الصغيرة التي‬ ‫تضخ الدم في صدري‪ ،‬تلك العضلة التي باخلطأ يسميها‬ ‫الشعراء واألطباء بالقلب‪ ،‬هل من الواجب أن أدفنها حتت‬ ‫الثلج كي أتوقف عن احلب؟‪! ‬‬ ‫أع��رف أن��ه عصي على الشرح ما ال أري��د أن أق��ول��ه‪ ،‬آه‬ ‫ك��م يؤملني املسكني أف�لاط��ون‪ ،‬دي��وج�ين‪ ،‬فيريتر‪ ،‬وتلك‬ ‫السالومي التي ذبحت ريلكه ونيتشه على نفس العتبة‪.‬‬ ‫أنا العاشق ال أعرف عن العشق شيئا‪.‬‬ ‫وإذا فتحت قلبي‪ ،‬أية فراشة ستخرج أوال؟ سوف أتركه‬ ‫على حاله‪ ،‬الشمس تأتي وتروح‪ ،‬واألرض تفيض باملوتى‪.‬‬

‫وأنا ميت قبل أن أراك وبعد أن رأيتك‪ .‬لكن‪ ،‬ألنني أفتح‬ ‫اآلن بالقلم تلك اجلروح اجلميلة‪ ،‬فأنا أقول‪« :‬مرحى مرحى‬ ‫بالشمس وب��األرض‪ ،‬أنا أحبكن جميعا‪ ،‬سوف أترك لكنّ‬ ‫غرفتي وقلبي وأعيش كنملة في صحراء‪.‬‬ ‫وال ج��دوى من استعمال املنطق في الشوق‪ ،‬ال جدوى‬ ‫من علوم التاريخ واألركيولوجيا والهندسة وامليكانيك‪ ،‬ال‬ ‫جدوى من شرائط فيروز وجاك بريل وعبد احلليم حافظ‪،‬‬ ‫حتى الفاليوم والزاناكس بال فائدة‪ ..‬اآلن‪ ،‬وقد وضعت‬ ‫األحاسيس كلها على الطاولة كي أخضعها لعمليات العقل‪،‬‬ ‫كي أعرف كثافة كل حب على حدة‪ ،‬طوله وارتفاعه‪ ،‬ومن‬ ‫أية إلكترونات كان‪ ،‬سرعته ودرجة حرارته‪ ،‬ترتيبه على‬ ‫سلم «ريشتر»‪ ..‬كي أعرف أهو حب حقيقي أم فقط نسخة‬ ‫مزيفة؟ فليأت علماء اآلثار‪ ..‬تعالوا بالكربون ‪ ،41‬ثمة عظام‬ ‫مشاعر مجهولة ونقوشات على جدران القلب اكتشفتها‬ ‫للتو ‪ .‬ليأت مروضو األسود‪ ..‬تعالوا بالفخاخ وبندقيات‬ ‫الصيد‪ ،‬ثمة حب وحشي وجائع هنا‪ ..‬في هذه الناحية‬ ‫من املخ ‪ .‬ليأت حفارو القبور‪ ،‬وجتار السالح واللصوص‬ ‫والشرطة‪ ،‬والشعراء ورجال القضاء واملهربون‪ ،‬وجمهور‬ ‫القراء‪ ،‬وممرضو الصليب األحمر‪ ..‬تعالوا باآلالت وأدوات‬ ‫العمل‪ ،‬سوف جتدون حتت جلدي تلك املرأة اخلرافية التي‬ ‫ال تشبه أحدا‪ ،‬ال تشبه حتى نفسها‪.‬‬ ‫ال أع��رف مل��اذا أتذكر اآلن‪ ،‬حبيبتي م��ود ولقاءنا األول‬ ‫ب��آس��ف��ي‪ ،‬ك��ي��ف أمضينا الليلة كلها ق��ري��ب��ا م��ن الشعر‬ ‫واحلياة‪ ،‬ال زلت أذكر طعم قبلتها األولى بعد يومني من‬ ‫لقاءنا األول‪ .‬لكنه كان عليها أن ترحل‪ ،‬وكان علي أن أبقى‪.‬‬ ‫اآلن‪،‬كلما وصلتني رسالة منها‪ ،‬أسأل نفسي‪ :‬هل حقا مود‬ ‫حبي األول؟‬ ‫وال أعرف ملاذا أتذكر اآلن‪ ،‬حبيبتي تامارا ولقاءنا األول‬ ‫بالدار البيضاء‪ ،‬ال زلت أذكر طعم قبلتها األول��ى؟ وكيف‬ ‫دفعنا احلب اجلنوني إلى حماقة الزواج؟ وها نحن اآلن‬ ‫صديقان‪ ،‬بعد أن ذهب كل واحد منا إلى عامله اخلاص‪ .‬هل‬ ‫حقا تامارا حبي األول؟ سؤال رأيته على املرآة مرارا قبل‬ ‫أن نفترق‪.‬‬ ‫وال أعرف ملاذا أتذكر اآلن خديجة‪ ،‬التي أحببتها من كل‬ ‫قلبي وأحببت كندا بسببها‪ ،‬هي اآلن هناك‪ ،‬وأنا هنا ‪...‬‬ ‫يبدو أنني إن لم أقفل هذه الكلمات هنا أيضا‪ ،‬وأقفل‬ ‫قلبي معها‪ ،‬فسوف جتتاحني ال��ذاك��رة ول��ن أنتهي من‬ ‫احلكي إلى األبد‪.‬‬

‫يواصل الفيلسوف األملاني‬ ‫آك���س���ي���ل ه���ون���ي���ث‪ ،‬ف����ي آخ���ر‬ ‫إص�����دارات�����ه «ح����ق احل���ري���ة»‪،‬‬ ‫ق���راءت���ه وحت��ي��ي��ن��ه للمشروع‬ ‫الفلسفي لهيغل‪ ،‬الذي كان قد‬ ‫ش��رع فيه منذ كتابه الشهير‬ ‫«ك��ف��اح م��ن أج���ل االع���ت���راف»‪.‬‬ ‫ق����راءة تنطلق ه���ذه امل���رة من‬ ‫ف��ل��س��ف��ة احل�����ق ال��ه��ي��غ��ل��ي��ة‪،‬‬ ‫وت��ؤس��س مل��ا يسميه هونيث‬ ‫ب��احل��ري��ة االج��ت��م��اع��ي��ة‪ .‬يبدأ‬ ‫هونيث بنقد مفهوم احلرية‬ ‫كما تطور في الفلسفة احلديثة‪،‬‬ ‫نقد يلتقي إل��ى ح��د كبير مبا‬ ‫ك��ت��ب��ه أدورن�������و ف���ي «اجل����دل‬ ‫ال��س��ل��ب��ي» م���ن ن��ق��د ل��ل��ح��ري��ة‬ ‫وم��ن أجلها‪ ،‬يبغي حتقيقها‬ ‫خ��ارج الوهم الرأسمالي‪ ،‬إذ‪،‬‬ ‫بحسب أدورن�����و‪ ،‬ل��م تتحقق‬ ‫تلك احلرية التي نافح عنها‬ ‫ال��ت��ن��وي��ر‪ ،‬وظ��ل��ت م��ج��رد حرية‬ ‫محضة وأم���ر ح��م��ل��ي‪ ،‬أو أداة‬ ‫للسيطرة على الطبيعة‪ ،‬موجهة‬ ‫ضد الفرد‪ .‬لهذا ينتقد أدورن��و‬ ‫ال��ف��ص��ل ال��ص��ارم ل�لأخ�لاق عن‬ ‫الطبيعة واإلن��س��ان ل��دى كانط‪،‬‬ ‫وس��ي��را ع��ل��ى خ��ط��ى ه��ي��غ��ل‪ ،‬ما‬ ‫يسميه باالرتفاع بالتفكير إلى‬ ‫مستوى ال��ن��ظ��ام‪ ،‬وينتقد ربط‬ ‫اإلرادة احلرة بعقل ال شخصي‪،‬‬ ‫غ��ري��ب ع��ن ال��ع��ال��م‪ .‬إن احل��ري��ة‬ ‫إم��ا أن تكون حرية معيشة أو‬ ‫ال تكون‪ ،‬وهي ال تتحقق إال في‬ ‫السياق الشخصي لألفراد‪ .‬في‬ ‫«ح��ق احل��ري��ة»‪ ،‬يتتبع هونيث‬ ‫خ��ط��ى ه��ي��غ��ل ومي���ض���ي أب��ع��د‬ ‫منه‪ ،‬متجاوزا أيضا تشاؤمية‬ ‫آدورن��و‪ ،‬وهو يفكر في مبادئ‬ ‫ال��ع��دال��ة االج��ت��م��اع��ي��ة انطالقا‬ ‫م���ن حت��ل��ي��ل اج��ت��م��اع��ي ألج��ل‬ ‫التعبير عما يسميه بـ»الشروط‬ ‫األساسية ألعرافية دميقراطية»‪.‬‬ ‫إنه ينتقد كانط‪ ،‬وينتقد معيارية‬

‫الفيلسوف األملاني آكسيل هونيث‬

‫ف�لاس��ف��ة ك��راول��ز وه��اب��رم��اس‪،‬‬ ‫ل��ك��ن خ��ص��وص��ا ت��ل��ك احل��ري��ة‬ ‫ال��س��ل��ب��ي��ة ال��ت��ي ظ��ل��ت ع��م��ي��اء‬ ‫أم����ام ك���ل م���ا ه���و اج��ت��م��اع��ي‪.‬‬ ‫يؤكد هونيث ارتباط املعايير‬ ‫بالواقع واستحالة استنباطها‬ ‫ق��ب��ل��ي��ا‪ ،‬ب���ل ف��ق��ط ان��ط�لاق��ا من‬ ‫املمارسة اإلنسانية‪ .‬إنه بذلك‬ ‫ي���داف���ع ع���ن ح��ري��ة اجتماعية‬ ‫يفهمها‪ ،‬ان��ط�لاق��ا م��ن هيغل‪،‬‬ ‫كاعتراف‪ ،‬كأعرافية دميقراطية‪.‬‬ ‫فبالنسبة إل���ى ه��ي��غ��ل‪ ،‬وكما‬ ‫أوض������ح ه���ون���ي���ث‪ ،‬ال وج����ود‬ ‫لعدالة م��ج��ردة‪ ،‬خ��ارج العالم‪،‬‬ ‫ت��أت��ي��ن��ا م��ن خ���ارج���ه‪ ،‬معيارية‬ ‫محضة كما هو احلال عند كانط‬ ‫ول���وك‪ .‬ف��أن تكون ع���ادال‪ ،‬يعني‬ ‫أن تنطلق دائما من املمارسات‬ ‫القائمة‪ ،‬فقط ف��ي ال��ع�لاق��ة‪ ،‬في‬ ‫احل���ي���اة االج��ت��م��اع��ي��ة ول��ي��س‬ ‫ف��ي امل��ف��ه��وم‪ ،‬تتحقق نظرية‬ ‫العدالة‪ ،‬فإما أن تسود العدالة‬ ‫ف��ي امل��ؤس��س��ات أو ل��ن ت��س��ود‪.‬‬

‫لكن حرية الفرد تظل في سياق‬ ‫العدالة شرطا أساسيا‪ ،‬يتوجب‬ ‫ف��ه��م��ه��ا ك���ح���ري���ة اج��ت��م��اع��ي��ة‪،‬‬ ‫أقتسمها مع اآلخرين‪ ،‬وليست‬ ‫ت��ل��ك احل���ري���ة ال��ت��ي ال تتحقق‬ ‫إال ضد اآلخ��ر‪ ،‬كما احل��ال عند‬ ‫س��ارت��ر‪ .‬إنها حرية تقوم على‬ ‫االع����ت����راف‪ .‬إن ه��ون��ي��ث ينقذ‬ ‫احلرية من إفالسها املفاهيمي‪،‬‬ ‫بعد النقد القاصم الذي تعرضت‬

‫رشيد بوطيب‬

‫له على يد املدرسة الفرنسية‪،‬‬ ‫وهو يفهمها كحرية من حلم‬ ‫ودم‪ ،‬ك��ع�لاق��ة ب��اآلخ��ري��ن‪ .‬إن‬ ‫املعايير العادلة تظل مرتبطة‬ ‫ب��ح��ري��ة ال���ف���رد‪ ،‬ألن���ه ف���ي ظل‬ ‫ه����ذه احل���ري���ة‪ ،‬مي��ك��ن دائ��م��ا‬ ‫إعادة النظر في هذه املفاهيم‪.‬‬ ‫فاحلرية الفردية ضمانة ضد‬ ‫مختلف أشكال الدوغمائية‪،‬‬ ‫إذ غالبا ما نضحي بالعدالة‬ ‫أي���ض���ا ح��ي�ن ن��ض��ح��ي ب��ه��ذه‬ ‫احل��ري��ة‪ ،‬لهذا يكتب هونيث‪:‬‬ ‫«أن����ه م���ن غ��ي��ر امل��ف��ه��وم بعد‬ ‫اليوم‪ ،‬أن ننشد حتقيق نظام‬ ‫عادل دون أن ندافع وفي شكل‬ ‫متزامن‪ ،‬عن حرية الفرد»‪ ،‬بل‬ ‫إنه ال يفهم العدالة إال «كحماية‬ ‫ودعم وحتقيق حلرية أعضاء‬ ‫املجتمع مجتمعني»‪ .‬ول��ه��ذا‬ ‫ن��راه ينتقد احل��ري��ة السلبية‬ ‫لهوبز وس��ارت��ر‪ ،‬اللذين ح��ررا‬ ‫احلرية من كل ش��رط‪ ،‬غير أنه‬ ‫ينتقد أيضا احلرية التفكرية‬ ‫كما ط��وره��ا كانط انطالقا من‬ ‫روس����و‪ ،‬وال��ت��ي تفهم كنتيجة‬ ‫للقوانني التي أسس العقل لها‪.‬‬ ‫فحسب هونيث‪ ،‬وحده من يضع‬ ‫قوانني ممارسته‪ ،‬ميكن اعتباره‬ ‫حرا‪ .‬أما احلرية التفكرية فهي‬ ‫عقلنة وليست تواصال‪ ،‬ورغم‬ ‫أنها اكتست لبوسا بيذاتيا مع‬ ‫آبل وهابرماس‪ ،‬إال أنها لم تكن‬ ‫اجتماعية بشكل كاف‪ .‬ال حرية‬ ‫إذن إال في ظل اعتراف متبادل‪،‬‬ ‫اعتراف ال يتحقق إال إذا انخرط‬ ‫األف������راد ف���ي ع��م��ل امل��ؤس��س��ات‬ ‫االجتماعية‪ .‬مع هونيث‪ ،‬نتعلم‬ ‫ح���ري���ة أخ�������رى‪ ،‬ت���دع���ون���ا إل���ى‬ ‫االن���خ���راط أك��ث��ر ف���ي املجتمع‬ ‫ومؤسساته وأسئلته‪ ،‬فال حرية‬ ‫خارج العالقة‪ ،‬وال حرية خارج‬ ‫االعتراف‪ ،‬وال حرية بدون نضال‬ ‫مستمر ويومي من أجل احلرية‪.‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.