دراسـتان عـلى تاريخ الشـيعة في جبل لبنان - ستيفان ونتر

Page 1

‫د ارسـتان عـلى تاريخ الشـيعة في جبل لبنان‬

‫عثمانية‬ ‫السـلُطات ال‬ ‫ـــــ األُمـــراء الشيعة و ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ـــــ زنـبـقـ ٌة بيـن األشــواك‬

‫د ‪ .‬ســتيفان وينـتَــر‬

‫تُـرجم بإشراف الشيخ د‪ .‬جعفر المهاجـر‬

‫دار بهاء الدين العاملي للنشر‬

‫‪1‬‬


2


‫تقـــــديــــــم‬

‫ـ ـــ ـــ ـــ ـــ ــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ـــ ــ ـــ ــــ‬

‫الشيخ د‪ .‬جـعـفـر المهاجـر‬ ‫يقصـد‬ ‫ينتمي الصديق الدكتور سـتيفان وينتـر ‪ ،‬دون أن ُ‬

‫ـج ُـدد ‪،‬‬ ‫ؤرخين اللبنانيين ال ُ‬ ‫الم ّ‬ ‫وربما دون أن يـدري ‪ ،‬إلى مجموعة ُ‬ ‫ـذت عـلى ِ‬ ‫النظـر ِّ‬ ‫بكل التأريخ اللبناني الرسـمي ‪،‬‬ ‫ـادة ّ‬ ‫عاتقها إع َ‬ ‫أخ ْ‬

‫العمل عليه بالكاهنين‬ ‫المت َـد َاول ‪ .‬ذلك الذي بـدأ‬ ‫ُ‬ ‫المكتوب و ُ‬ ‫إسطفان الدويهي وميخائيل الدبـس ‪ .‬ثم كان ِ‬ ‫آخـ ُـر ُممثّليه ‪،‬‬ ‫ِ​ِ‬ ‫بالنظَـر إلى الحو ِ‬ ‫وجهة ‪ ،‬الدكتورين‬ ‫ّ‬ ‫الم ّ‬ ‫الم ّ‬ ‫حركة والمقاصـد ُ‬ ‫افز ُ‬ ‫عادل إسماعـيل وكمال الصليبي ‪ .‬وفي ُمقابلهم هـذه المجموعة‬ ‫ـمل أعضاؤها ‪ُ ،‬ك ٌّـل عـلى ِح ـ َـده ‪ ،‬عـلى‬ ‫من المؤرخين التي ع َ‬

‫ٍ‬ ‫ال ‪،‬‬ ‫مصادر جـرى‬ ‫منظور جدي ٍـد واستنادًا إلى‬ ‫تجاه ـلُها طوي ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫رؤية تار ّ ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ـرب إلى‬ ‫أكثر‬ ‫ابتغاء ِعما ِرة‬ ‫ّ‬ ‫إنساني ًة للبنان ‪ ،‬وأق َ‬ ‫َ‬ ‫يخية َ‬ ‫قصة مسـار أهله في الزمان والمكان ‪ .‬نذكـر منهم ‪ ،‬بحس ِ‬ ‫ـب‬ ‫ُ‬ ‫ّ َ‬ ‫التسلسل التاريخي ألعمالِهم ‪ :‬الدكت ـور محم ـ ـد حماده في كتاب ــه‬

‫(تاريخ الشيعة في لبنان وسورّية والجزيرة في القــرون الوســطى)‪.‬‬ ‫ثم الدكتور سـ ــتيفان وينتر في ( شيعة لبنان تحت الحكم‬ ‫العثماني ‪ 5151‬ـ ـ ـ ـ ‪ . ) 5811‬ثم الدكتـور سـ ـ ـع ــدون حماده في‬

‫الشيعية في لبنان) ‪.‬‬ ‫كتابـيه(تــاريـخ الشيعة في لبنان) و(الثورة‬ ‫ّ‬ ‫أج ُـد ُب ّـدًا من أن أذكر ِّ‬ ‫كما ّأنني ال ِ‬ ‫اضع أعمالي الكثيرة‬ ‫بكل تو ُ‬ ‫َ‬ ‫المعروفة في هـذا النطاق ‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫إن اللُّحمةَ الجامع ـةَ بين أعمال ه ـؤالء المؤرخين ليـ ـس‬ ‫ّ‬ ‫ـف‬ ‫ـس المذهبي في البحث ‪ ،‬كما قـد‬ ‫ال َ‬ ‫يخطر ببال بعض َمن ي ِـق ُ‬ ‫نف َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫الحالة البائس ِـة التي أوصلنا‬ ‫الغضب من‬ ‫عـن َـد أسماء ُكـتُـبـهم ‪ ،‬بـل‬ ‫َ‬

‫ؤرخين وأشباههم ‪ ،‬بحيث غـدا السُّـكوت‬ ‫الم ّ‬ ‫إليها أسـالفُهم من ُ‬ ‫ـت لـه بكل المقاييس ‪ .‬ولـم ي ُكـن‬ ‫عليها امتهاناً لإلنسان الذي ّأرخ ْ‬

‫صدفة ‪،‬‬ ‫ـتمام المؤرخين ُ‬ ‫الجـ ـ ـ ُدد جميعًا بالتأريخ للشيعة ُمج ـ ـ ّرَد ُ‬ ‫اه ُ‬ ‫ٍ‬ ‫الضحي َة‬ ‫ألن الشيعة كانوا‬ ‫أو نتيج ًة‬ ‫ّ‬ ‫ضيقة ‪ ،‬بل ّ‬ ‫يخي ٍة ّ‬ ‫لرؤية تار ّ‬ ‫األُولى لذلك التاريخ المؤدَلج ِ‬ ‫تحيزة‪.‬‬ ‫يخي ٍة ُم ّ‬ ‫بح ّـدة ‪ .‬ج ّـراء رؤية تار ّ‬ ‫فكان ال ب ّـد من أن يبـدأ التصحيح باستحضارِهـم وم ِ‬ ‫ـلء المساحة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الهم الذي‬ ‫الفارغة من تاريخ لبنان بسبب‬ ‫تجاهـ ــلهم ‪ .‬ذلك هو ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ئ بكامل الوضوح في أعمالِهم ‪.‬‬ ‫يق أرُهُ القار ُ‬ ‫هتمـين هـذه‬ ‫الم ّ‬ ‫ُيش ّـرفني أن اُضـع بين أيـدي القُ ّـراء ُ‬ ‫عم َق َتيـن في‬ ‫الم ّ‬ ‫الترجمة لمقالتي الدكتور وينتر المبسـوطتين و ُ‬ ‫ـدت مـن فـائـ ٍ‬ ‫السياق نفسه ‪ِ ،‬‬ ‫ـدة‬ ‫آم ـالً أن يجــدوا فيهمــا مـث َـل ما وج ُ‬

‫ـتعــة ‪.‬‬ ‫وم َ‬ ‫ُ‬

‫والحمـد هلل‬

‫بعلبك ‪5151 / 9 / 5‬‬

‫‪4‬‬


‫فهرســـــت الموضوعات‬

‫األمراء الشيعة والسلطنات العثمانية‬ ‫الحملة على آل حماده في جبل لبنان ‪9 ...........‬‬ ‫خطة البحث وغرضه ‪9 ..........................‬‬ ‫القصر الخالي‪ :‬شيعة شمال لبنان في التاريخ‪55 ..‬‬ ‫الذئب الباكي‪ :‬الشيعة وبناء سوريا العثمانية‪51 .....‬‬

‫عية الشيعية في السلطنات العثمانية ‪44 ........‬‬ ‫الر ّ‬ ‫اســتنتاج ‪19....................................‬‬

‫الهوام ــش ‪16 ....................................‬‬

‫زنـبـق ٌة بين األشـواك‬

‫موجـز‪15 ........................................‬‬ ‫الشـركاء الموارنة إلمارة آل حماده ‪19 .............‬‬ ‫أمراء آل حماده والكنيسة المارونية ‪99 ............‬‬ ‫خـالص ـة ‪518 ....................................‬‬ ‫المصادر ‪519 ....................................‬‬

‫الفهارس التحليلية الشـاملة ‪551 .............................‬‬

‫‪5‬‬


6


‫األُمراء الشيعة والسلطن ات العثمانية‬

‫الحملـةُ عـلى آل حماده في جـبـل لبنـان ‪ 5196‬ـ ـ ـ ‪5194‬‬

‫‪7‬‬


8


‫الحملة عـلى آل حماده في جبل لبنان‪،‬‬ ‫‪3961 -3961‬‬ ‫خطّة البحث وغـرضه‬ ‫بين المآزق التي تواجه كل االمبراطوريات الحديثة‬ ‫كانت مسألة ‪ :‬بأي ُجـرع ـ ٍـة ينبغي كبت ‪ ،‬وبأي جرعة ينبغي‬ ‫المبتدعة ‪ ،‬أي الخارجة على‬ ‫إطالق ُ‬ ‫الحرّية ألقلياتهم الدينية ُ‬

‫الرسمية للدولة ‪.‬‬ ‫العقـيدة‬ ‫ّ‬ ‫في الدولة العثمانية ‪ ،‬كما هو معروف ‪ ،‬أضطُهدت‬

‫الجماعات الشيعيةُ في القرن السادس عشر ش ـرق االناضول‬ ‫ُ‬ ‫أن اسطنبول كانت تخشى أن يعمل هؤالء‬ ‫ِم ـ ار ًار وتك ار ًار ‪ .‬بسبب ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كطابور خامس إليران الشيعية ‪ .‬والدراسات التقليدية تؤكد على‬ ‫يخية‬ ‫الناحية الطائفية لهذا االضطهاد‪ ،‬مستندين الى النظرة التار ّ‬

‫وصف نصير‬ ‫العالمية التي تُسـقطُ عـلى عه َـد السلطنة العثمانية‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫السـ ّـني النامي ‪ .‬ولكن حديثاً سعى دعاةُ العثمانية‬ ‫اإلسالم ُّ‬

‫والمؤرخون الشعبيون كالهما الى البحث عن اسباب النزاع‬

‫ُّـني ‪ -‬الشيعي داخل المجتمع العثماني التركي ‪ُ .‬م ّبررين‬ ‫الس ّ‬ ‫صدام بين "هياكل اجتماعية" وفي سـياق‬ ‫ـأنهـا‬ ‫الحمالت الشرقية ب ّ‬ ‫ٌ‬ ‫مركز متز ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ايد البيروقراطية ‪ ،‬لتأسيس سيط ٍرة على‬ ‫البحث عن‬ ‫المب ّك ـ ـرة (‪.)5‬‬ ‫محيط السلطنة الحديثة ُ‬

‫‪9‬‬


‫إن النقاش عـلى السياسة الدينية العثمانية قد تجاهل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫كبير تجربة الشيعة العاديين خارَج نطاق فضاء‬ ‫الى ح ـ ٍّـد‬

‫االناضول ونطاق زمن عصر القـرن السادس عشر الذهبي ‪.‬‬

‫وا لدراسات المتاحة عـلى الشيعة في المقاطعات العربية ‪ ،‬بما‬ ‫فيها من مراكز عـلم وثقافة ش ـ ـيعية اثنى ع ـشرّي ـ ـة عـ ـريقـة ‪ ،‬كانت‬ ‫المحلية )‪،‬‬ ‫ـلي ـة (‬ ‫ّ‬ ‫االدبيـ ـات األه ّ‬ ‫بالتأكيـ ـ ـد ذات صبغة تعليمية ‪ :‬ف ـ ّ‬ ‫الذاتيــة الطائفية التي تُـش ـ ّكل‬ ‫الس ـ َـيـر‬ ‫وخصوصا مجموعات ِّ‬ ‫ّ‬ ‫أفـضــل مصـ ـ ــدر للسجالت التاريخية االسالمية في فترة ما قبل‬ ‫الحديثة ‪ ،‬تدعــو إلى تحريات عن حيوات ِ‬ ‫وس َـير األفـراد‬ ‫ّ‬ ‫األكاديميين (‪ .)5‬فرحالت علماء مرموقين معينين من سوريا إلى‬

‫إيران الصفوية – أيضاً في القرن السادس عشر‪ -‬قـد استُخدمت‬ ‫في الحقيقة مع وضد تسامح العثمانيين الديني (‪ . )6‬إال ان هذا‬ ‫بحكم المجتمعات الشيعية‬ ‫ُّ‬ ‫لم يوّفـر لنا إال القليل من‬ ‫التبصر ُ‬ ‫اليومي والواقعي في الفترة العثمانية ‪.‬‬ ‫هذا البحث يعالج واحداً من تلك المجتمعات التي‬

‫استوطنت الجبا ل الساحلية للبنان الحديث فوق مدينة طرابلس‬ ‫في القرن السابع عشر‪ .‬فيسعى لتفحص السلوك العثماني نحو‬

‫التشيع السوري من وجهة نظر إدارية عثمانية‪ُ ،‬مرّك از جوه ـريا‬ ‫ّ‬ ‫على َح َـد ٍث واحد ‪ :‬الحملة التأديبية ضد أُمراء آل حمادة الشيعة‬

‫سنة ‪.5194-5196‬‬

‫تورط فـيه ـا‬ ‫ف ـبخالف الكثير من المعارك األُخ ـرى التي ّ‬ ‫‪11‬‬


‫حكام مقاطعات سورية واقطاعيو المرتفعات‪ ،‬كانت هذه الواقعة‬

‫من الوضوح بما يكفي لكي تُ َّ‬ ‫سجل‪ ،‬ليس فقط في اليوميات‬

‫المحلية ‪ ،‬بل أيضا في مراس ـ ـيم سـ ـ ـ ـلطانية إدارية واسـ ـعة النطاق‬ ‫( مهمه دفترلري ) وفي ثالثة تواريخ سلطانية عـثمانية على‬ ‫تم تجاهلُها بالكامل في األدبيات اللبنانية‬ ‫األقل ‪ .‬ومع ذلك فقد ّ‬ ‫أسبقيةً لألقطاب المحليين ‪،‬‬ ‫والعثمانية المعاصرة ‪ ،‬التي تعطي‬ ‫ّ‬ ‫الذين ُي ّدعى ّأنهم مؤسسو لبنان الحديث من جهة ‪ ،‬أو النقالب‬ ‫السلطنة العسكري في أوروبا ‪ ،‬من جهة أخرى (‪.)4‬‬ ‫غــرض هذا البحث ه ــو تعيين موقع َحـ َـد ِث العنف‬ ‫وجـه إلى الشيعة هــذا ‪ ،‬على ثالثة مستويات من ُبنى التدوين‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬

‫التأريخي ‪ -‬أي اللبناني والسوري والسلطاني العثماني‪ -‬لكي‬ ‫ُنبين كيف أن اهتمامات ُمتباينـة ‪ :‬مالية وبيروقراطية ضيقة‬ ‫األُفُــق ‪ ،‬يمكن ان ُيرى انها تغ ـ ّذي مايبدو سياسة تمييز مذهبي‬ ‫في الشرق االوسط الحديث ‪.‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪11‬‬


12


‫القصر الخالي‪ :‬شيعة شمال لبنان في التاريخ‬ ‫إن لبنان‪ ،‬بوصفه كيانًا سياسيًا ‪ ،‬ليس يرقى في الزمان‬

‫أســس مترنيخ والمؤتمر‬ ‫إلى أبعـد من السنة ‪ ،5145‬عـندما ّ‬ ‫االوروبي‪ ،‬ثـم التحق بهم العثمانيون ‪ ،‬نظامًا إداريًا خاصًا في‬

‫ذلك الجـزء ذي الغالبية المارونية – المسيحية من الشرق ‪ .‬على‬

‫أن جذور الخصوصية اللبنانية تعـود إلى أبعـد من ذلك‪ .‬فالشوف‬ ‫وجبال كسروان كانتا الموطن الرئيس لكال المورانة والدروز منذ‬ ‫عامالن‬ ‫نهاية القرن الحادي عشر‪ ،‬وكال الطائفتين معّا كانتا تُ َ‬

‫كمبتدعين ُمنش ّقـيـن عـن الكثلكة وعن اإلسالم الشيعي‬ ‫ُ‬ ‫السّنة منذ زمن بعيد قــد‬ ‫االسماعـيلي ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فالح ّكام المسلمون ُ‬ ‫أغمضوا عيونهم عن معتقــدات هؤالء الدينية ‪ ،‬واعتمدوا على‬

‫ُمق ّـدمي الدروز المحليين لبسط األمن وتحصيل الضرائب في‬ ‫المرتفعات الساحلية ‪ ،‬حيث التجرؤ جيوش السلطنة وال جامعوا‬ ‫فتحت النظام العثماني كان‬ ‫الضرائب على المغامرة بالدخول ‪.‬‬ ‫َ‬ ‫يقدمون اليهم‬ ‫باب اإلقطاع هؤالء خاضعين ُلوالة المقاطعات‪ّ ،‬‬ ‫أر ُ‬

‫ويؤمنون لهم المساعــدة العسكرية‬ ‫الضرائب السنوية (ميري) ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أحيانا ‪ ،‬ولكنهم كانوا يتمتعون بدرجة كبيرة من االستقالل‬

‫المحلي‪ .‬واألمير فخر الدين ابن معن كان ناجحاً جداً في توسيع‬ ‫نفوذه التجاري والجغرافي ‪ ،‬قبل ان ُيعدم في اسطنبول سنة‬ ‫‪ ،5161‬لدرجة أنه ُينادى به غالبًا ِ‬ ‫كأب األ ُّم ــة اللبنانية ‪.‬‬ ‫‪13‬‬


‫اء في مصادره‬ ‫إن كتابة التاريخ اللبناني العثماني ‪ ،‬سو ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل‬ ‫الروائية األصلية ‪ ،‬أم في تفسيراته اإليجابية التقليدية‪ ،‬كان‬

‫طاغ عمل مؤلفين موارنة (‪ .)1‬فبالنسبة اليهم ‪ ،‬كان تحالف‬ ‫ٍ‬

‫االمراء الدروز واآلب اء المورانة ‪ ،‬الذي بادر إليه المعنيون وحافظ‬ ‫األساس أل ُّمـ ٍـة‬ ‫عليه الشهابيون في القرن الثامن عشر‪ ،‬ش ّكل‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫فالوالة المسلمون األتراك الذين سكنوا‬ ‫متميزة سياسيًا وثقافياً ‪ُ .‬‬ ‫عواصم مقاطعات طرابلس ودمشق وصيدا‪ ،‬كانوا في أحسن‬

‫االحوال ُغ ـ ـ ـرباء ُدخالء عـلى شؤون إمارة الجبل االكثر شـرع ّـي ًة‪.‬‬ ‫هـ ـ ــذه الرؤية للخصوصية اللبنانية كانت البطانة لتكوين لبنان‬ ‫الكبير سنة ‪ .5951‬على ان هذه الرؤية لم يشارك فيها أبداً كل‬

‫الجماعات الطائفية في الدولة ‪ .‬فالحرب األهـلية ‪ ،‬كما يــرى‬

‫بيت بمنازل كثيرة " ‪ ،‬كانت في‬ ‫عمق " ٌ‬ ‫الم ّ‬ ‫كمال صليبي في بحثه ُ‬ ‫ال بين متنافسين دروز ومسيحيين‪ ،‬ولكنها كانت ايضا‬ ‫جوهرها قتا ً‬

‫يخية الدولة‬ ‫السّنة لتار ّ‬ ‫بين نمط إدراك االرثوذوكس اليونان و ُ‬ ‫اللبنانية ِ‬ ‫نفسها (‪.)1‬‬

‫فحتى الذين بدأوا ُيعيدون النظر بالتاريخ اللبناني اليوم‬ ‫بالكاد بدأوا يأخذون بالحسبان الش ـ ـيعة االثنى عـ ـ شرية ‪ ،‬الذين هم‬ ‫اليوم بدون أدنى شك أكبر جماعة طائفية في البلد ‪ ،‬بوصفها‬ ‫يخيـاً للمجتمع اللبناني‪ .‬فباإلضافة إلى التدوين التاريخي‬ ‫مكوناً تار ّ‬ ‫ّ‬ ‫اهتمام بشخصية طرابلس‬ ‫المحلّي لجنوب لبنان ‪ ،‬بدأ هناك‬ ‫ٌ‬ ‫الشيعية قبل العثمانية‬

‫(‪)8‬‬

‫‪ ،‬ولكن قليلةٌ هـي المحاوالت حتى اآلن‬ ‫‪14‬‬


‫لدراسة المجتمع الشيعي وازاحته النهائية من الشمال في سياق‬ ‫السياسات والمجتمع العثمانيين‪ ،‬أو لكتابته في الرواية األكبر‬

‫هتمة‬ ‫للتاريخ الوطني اللبناني ‪ .‬فالرواية التقليدية تبقى غير ُم ّ‬

‫بالدور الشيعي في ماضي لبنان‪ ،‬وماتزال مقتنعة بأن مظاهرها‬

‫االجتماعية "ال تشكل فرقا أبداً للسكان المسلمين اآلخرين ‪...‬‬ ‫وبأن هذه الجماعة‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬لم تكن اال قليلة االرتباط‬

‫جداً باالرض وظلت بدون روابط بالحياة الريفية‪.)6( ".‬‬

‫كان آ ُل حماده األكثر أهمي ًة بين العشائر الشيعية التي‬ ‫سكنت منطقة كسروان في جبل لبنان في بداية الحقبة الحديثة‪.‬‬

‫هماً للعلم والثقافة الشيعيين تحت‬ ‫ومدينة طرابلس كانت مرك اًز ُم ّ‬ ‫استمر الشيعة يسكنون مناطقها الداخلية غالبًا‬ ‫حكم الفاطميين ‪ .‬و ّ‬

‫حتى حقبتي الصليبيين والمماليك‪ .‬وفي الغالب اتبعت العشائر‬

‫ستقرة ‪ُ :‬يش ــتّون في القُـ ـ ــرى‬ ‫الم ّ‬ ‫الشيعية طريقة العيش غير ُ‬ ‫الصغيرة ف ــي البقاع أو قُ ـ ــرب الس ـ ــاحل ‪ ،‬ويسوقون قطعان‬

‫آل‬ ‫ماشيتهم إلى المراعي العليا في الصيف (‪ .)51‬وقـد‬ ‫استقر ُ‬ ‫ّ‬ ‫حماده في وادي علمات في المرتفعات فوق جبيل ‪ ،‬في‬

‫امتدوا في كل‬ ‫المقاطعة المعروفة بـ "الفتوح" ‪ ،‬ولكنهم أيضًا ّ‬

‫كسروان ‪ ،‬وكانوا قادرين على المحافظة على اتصال مع‬

‫المجتمعات الشيعية في البقاع ‪ ،‬وحتى مع الجنوب االبعـ ــد‪.‬‬ ‫وبعكس هؤالء لم تـتـب ّـن العشائر الشمالية إرثاً علميا‪ ،‬بل مارست‬ ‫التشيع االثنى‬ ‫ال شعبياً ‪ ،‬ليس فقهيا ‪ ،‬من‬ ‫في الغالب شك ً‬ ‫ّ‬ ‫‪15‬‬


‫عشــري‪ .‬وق ــد الحظ المراقبون االوروبيون مهارات البقاء لدى‬

‫ـدامهم الحـربي (‪.)55‬‬ ‫الحماديين الجبليين واقـ َ‬ ‫اصطف زعماء آل حماده مع‬ ‫ابتداء من السنة ‪5161‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫أمراء آل عساف التركمان في طرابلس‪ ،‬وبرزوا كمنافسيين أوليين‬ ‫على جباية الضرائب في جبال كسروان (‪ .)55‬ويسجل اسطفان‬

‫الدويهي (ت ‪ ، )5814‬وهو مصدرنا الروائي األساس للقـرن‬ ‫السابع عشر‪ ،‬تعيينهم واقالتهم ومعاقبتهم ثم إعادة تعيينهم على‬

‫وج ّـبـة بشـ ـ ّـري والكورة أثنـاء‬ ‫إقطاعات البترون وجبيل والمنيطرة ُ‬ ‫الباب العالي غير مـرة لكبح قادة العشـائر‬ ‫تلك الفترة ‪ .‬وقـ ــد سعى‬ ‫ُ‬ ‫المتمردين بتعيين منافسيهم المحلّيين في االدارة المالية ‪ ،‬ولكنه‬

‫يتدبر دائمًا إثبات سيادته‬ ‫كان يعود في النهاية الى الفـريق الذي ّ‬ ‫باستعمال العنف‪.‬‬ ‫اع‬ ‫بين عشائر الدروز ظهرت هذه الحزبية كصر ٍ‬

‫جوهـري بين تحالفين قـ َـبــليين قديمين ‪ ،‬القيسيين واليمنيين ‪،‬‬ ‫عبروا عن الخصوصية اللبنانية ‪،‬‬ ‫فاألولون (وهـم آل معن) ّ‬

‫عبروا عن التعاون مع االمبرياليين‬ ‫واآلخرون (آل علم الدين) ّ‬ ‫ـكيلين (‪. )56‬‬ ‫أمــا الشيعة فلم ّ‬ ‫يدع ـوا ّأيـ ـًا من التش َ‬ ‫العثمانيين ‪ّ .‬‬

‫والعشائر مثل آل حماده مدينون بنجاحهم إلى مهارتهم في‬

‫المحلي ـة ( الدولة )‬ ‫السـلطات‬ ‫شاركات تكتيكية مع كال ُّ‬ ‫ّ‬ ‫تكوين ُم َ‬ ‫وأيضـاً مع القوى المحلية االخرى حسب ما تـقـتـضيه الحال‪.‬‬

‫‪16‬‬


‫تحت زعامة سرحان بن حماده ‪ ،‬زعيم العشــيرة منذ‬ ‫الســنة ‪ ، 5141‬نرى آل حماده إما ُم ّثبتين على ممتلكاتهم‬ ‫تطرف ‪ ،‬على‬ ‫الم ّ‬ ‫المتنوعة ‪ ،‬وا ّمـا ُمعا َقـبين بســبب طموحهم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫أساس ســنوي تقريباً ‪ .‬وقد صاروا‪ ،‬بوصفهم القوة السائدة الرئيسة‬ ‫في مقاطعة طرابلس‪ ،‬حلفاء على ق ــدم المساواة مع أُمراء لبنان‬

‫ال التجأ الزعماء الشهابيون مع‬ ‫الجنوبي ‪ .‬ففي السنة ‪ 5111‬مث ً‬

‫عائالتهم إلى آل حماده في كسروان ‪ ،‬بعد أن أرسل الوزير‬

‫ليدمــر موطنهم في وادي‬ ‫االول محمد كوبرولو ابنه فاضل أحمد ّ‬ ‫انسحاب الفصائل السلطانية‬ ‫أمن آ ُل معن‬ ‫َ‬ ‫التيم ‪ .‬في تلك االثناء ّ‬

‫بتقديم ضمان للشهابيين والحماديين ‪ .‬ولكنهم أنفسهم ف ـ ّـروا شماالً‬ ‫عـندما لم يتمكنوا من جمع المال‪ .‬في ه ــذه المرة تمكن سرحان‬

‫بالتوســل بأن اإلمارة ُمنهَـ َكــة ‪ ،‬وبالتالي‬ ‫ُّ‬ ‫حماده من تهدئة كوبرولو‬ ‫(‪)54‬‬ ‫رد‬ ‫ـإنـه " ليس من المناسب تدمير أرض السلطان " ‪ .‬وقد ّ‬ ‫فّ‬

‫المعنيون والشهابيون الجميل سنة ‪ 5181‬عندما س ـ ـ ّـير ُوالة‬ ‫طرابلس وصيدا ودمشق العثمانيون خمسـة آالف رجل ضد آل‬ ‫حماده ‪ ،‬ألنهم بالغوا في الثأر الغتيال احدهم في مأدبة رسمية‪.‬‬

‫وفي حين أن الشهابيين جهّـزوا جيشًا مساويًا في الحجم ‪ ،‬ولكن‬ ‫بو ٍ‬ ‫الء غــير معروف‪ ،‬تمكن أحمد ابن معن‪ ،‬الذي كان الباب‬

‫العالي قد أمره بالتحرك ايضا‪ ،‬من نصح الوالة بالعدول عن‬

‫الحرب ‪ ،‬بأن التزم هو بدفع ضرائب آل حماده المتأخرة (‪.)51‬‬

‫الطيبة ‪ ،‬مع تابعيهم من‬ ‫وفي سنة ‪ 5114‬تمكنت ادارة آل معن ّ‬ ‫‪17‬‬


‫الســحق‬ ‫عائلة الخازن المسيحية ‪ ،‬من حفظ آل حماده من ّ‬

‫والحـرمان من إقطاعاتهم (‪.)51‬‬

‫تُـق ـ ّـد ُم حمل ُة ‪ 5194-5196‬ضد آل حماده نفسها‬ ‫تحو َل إلى مؤامرة في وجه تدخل‬ ‫ـداء عشـائرٍّيًا َ‬ ‫بوصفه ع ً‬ ‫آخ ـ َـر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫مي ـزٍة النحدار‬ ‫حكومي ‪ .‬ولكن يمكن أن تُس ــتخ َـد َم أيضاً‬ ‫كعالمة ُم ّ‬ ‫اإلمارة الشيعية العام في شمال لبنان ‪.‬‬

‫تحيـزة بش ّـدة في هـذا النطاق‬ ‫ومع أن يوميات الدويهي ُم ّ‬ ‫فإن من الممكن إعادة بناء تسلسل االحداث بجمع رواية‬ ‫‪ّ ،‬‬ ‫عــون كامل ابن نجيم (ت ‪ )5191‬األكثر تفصيالً ‪ ،‬والذي‬

‫يستعمل التاريخ السرياني ‪ ،‬مع وثائق دار المحفوظات العثمانية‪.‬‬

‫الباب العالي ‪ ،‬منذ تموز ‪ُ ،5191‬والة طرابلس ودمشق‬ ‫فق ــد أمر‬ ‫ُ‬ ‫بالـ ّـرّد على اغتصاب سـ ــرحان إلقـطـاعـات ضرائب عكار والـ ّـزاوية‬ ‫ٍ‬ ‫أعيان دينيين محليين (‪. )58‬‬ ‫والكورة ‪ ،‬على أث ــر شـ ــكوى من‬ ‫أن بعض هذه األمالك كانت تحت سيطرة آل حماده منذ‬ ‫الواقع ّ‬ ‫أكثر من أربعين سنة ‪ ،‬ولم َير الوالي سبباً لتصحيح ذلك كما‬

‫هو واضح ‪ .‬ولكن األمر صار أكثر جـ ّـدّي ـ ـ ًة عندما هاجمت‬ ‫عائلتا زعـرور وعجوان القـ ــرى المسيحية في كسروان ودمروها ‪،‬‬ ‫(‪)51‬‬ ‫آل الخازن الى‬ ‫ثأ ًار لجريمة أُخرى في الشهر السابق ‪ .‬فأتى ُ‬ ‫دم ـرين أراضي الزعيم‬ ‫منطقة الفتوح ّ‬ ‫وردوا بنفس الطريقة ‪ُ ،‬م ّ‬ ‫الشـيعي حسين ابن سـرحان حماده ‪ ،‬حيث كانت البضائع‬

‫كالم آل الخازن هنا ‪ ":‬الفتوح‬ ‫المسروقة مخبأة ‪ .‬وينقل ابن نجيم َ‬ ‫‪18‬‬


‫مقابل مؤونتنا‪ .‬إذا اعدتم لنا مؤونتنا‪ ،‬وهي في أرضه ‪ ،‬فسوف‬ ‫ــــدها فلن نترك الفتوح تزدهر‬ ‫ُنبقي على الفتوح له ‪ .‬وان لم ُي ِع ْ‬ ‫إمـــا أن يطردنا منها وا ّمــا نطرده منها " (‪.)36‬‬ ‫‪ّ .......‬‬ ‫هذا المنطق أرضى الباب العالي‪ .‬ففي نهاية تشرين‬

‫االول وبداية تشرين الثاني صدرت األوامر ضد سرحان إلى‬

‫السلُطات المحلية في‬ ‫بوزوكلو مصطفي باشا طرابلس والى كل ُ‬ ‫دمشق والى ابن معن وآل شهاب (‪ . )51‬ولكن ابن معن ‪ ،‬راعي‬ ‫ـأن أم ًار ثانيًا‬ ‫آل الخازن ‪ ،‬كان أقل من ُمستجيب ؛ ما يوحي بـ ـ ّ‬ ‫كان قــد صدر إليه يأمره بالمشاركة مع رجاله المسلمين في بداية‬

‫آذار ‪ .)55( 5195‬مؤرخ البالط العثماني ارش ــد (ت ‪، )5861‬‬

‫الذي كان يستطيع الوصول إلى هذه الوثائق ‪ ،‬وأيضاً الدويهي‬

‫يؤرخان البداية الفعلية للحملة بسنة ‪ 5516‬هـ ‪5195 /‬م ‪،‬‬

‫أن علي باشا ‪ ،‬الذي‬ ‫الحسـ ــبان ّ‬ ‫ولكنهما فشــال في أن يأخـ ــذا في ُ‬ ‫حركة ‪ ،‬لم ُيعيَّن واليًا على طرابلس اال‬ ‫الم ّ‬ ‫القوة ُ‬ ‫يريان أنه كـان ّ‬

‫في آخر صيف تلك السنة ‪ .‬ولم تأخ ــذ الحملة مج ـ ـراها اال بع ــد‬

‫صدور أوامــر ج ــدي ــدة في شــباط ‪5196‬م ‪5514/‬هـ (‪.)56‬‬ ‫وربم ـ ــا كانت عالمة حنق الباب العالي من ابن معن ّأنــه رفض‬

‫ألف‬ ‫عادة ‪ .‬وعليه‬ ‫المرعــب‬ ‫َّ‬ ‫انضم إلى الباشا ُ‬ ‫ً‬ ‫هــذه المـ ّـرة الخطاب ُ‬ ‫رجل من القوات المحلية ‪ ،‬وان لم تكن من ابن معن ‪ ،‬الذي ‪:‬‬ ‫انطلق من طرابلس معتمدا على عـون‬ ‫"‬ ‫َ‬ ‫الخالق سبحانه‪ ،‬وبكل الجنود والفصائل الذين‬ ‫‪19‬‬


‫اســــتطاع جمعهـــم ‪ .‬فوضع قدم القوة والثـــأر في جبال‬ ‫صـــر على‬ ‫سرحان [ معنى اسمه "الذئب" ] ‪،‬‬ ‫وتحمل وأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫طاع الطرق "‪.‬‬ ‫مقاتلة هـــذه العصابة من ق ّ‬ ‫وقد وصلت مذكرة من الوزير المذكور تذكر أنه ‪:‬‬

‫" بفضل اهلل تعالى انقطع حبل جمعهم‪ .‬وسقط‬ ‫كثير منهم فريسة للسيف‪ ،‬ومن زعمائهم‪ ،‬حسين ابن‬ ‫سرحان وابناء عمه حسن وعـيسى ؛ والعديد من‬ ‫الملعونين امثالهم اصبحوا طعاما لنصل القوة والدمار‪.‬‬ ‫أ ما ابن معن ‪ ،‬مساعـده ‪ ،‬باالضافة الى قطاع الطرق‬ ‫الذين نجوا من السيف‪ ،‬فقد أخذوا طريق طلب الرحمة‬ ‫واقسموا على التوبة من الخبث والعصيان الذي كان‬ ‫عادة لهم حتى االن‪ .‬وقد اخذت اإلقطاعات والرعية من‬ ‫قبضتهم وظلمهم‪.)31( ".‬‬

‫يس ــتشـ ــرف ارش ــد العديد من األحداث المهمة فـ ــي‬

‫ـت ضد‬ ‫روايته الرس ـ ـ ــمية ( ولكنه يحـ ــذف الفظائع التي ارتــُك ـب ـ ْ‬ ‫القرويين الشيعة )‪ .‬وقد حبست الثلوج الكثيفة آل حماده أثناء‬ ‫فـ ـرارهم باتجــاه بعلبك‪ .‬فهلك مائةٌ وخمسـون رجال منهم بحسب‬

‫التـق ـ ــديرات‪ .‬وق ــد منع آ ُل الخازن مذبح َة إبـ ــادة الناجين ‪،‬‬ ‫بادعـ ـ ــاء أن ليس لديه ــم إذن من اب ــن مع ـ ــن بمغ ــادرة مقاطع ـ ــة‬ ‫طرابلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــس ‪ ،‬وبتوجيههم القوات السلطانية الى مكان آخر (‪.)54‬‬

‫ولكن كل ذلك لم ُي ِ‬ ‫لمطاردة آل حماده‬ ‫رض علي باشا‪ .‬فبدأ حملةً ُ‬ ‫‪21‬‬


‫اء من كانوا منهم شيعة أم غير ذلك ‪ .‬فأُحرقت‬ ‫وحلفائهم ‪ ،‬س ـو ٌ‬ ‫وس بيت النساء‪ ،‬وأُتي بالعديد من الرؤوس إلى طرابلس ‪.‬‬ ‫القُــرى ‪ُ ،‬‬ ‫آخــر إلى الفتوح لمجرد نهب‬ ‫وفي نهاية أيلول أرسل جيشًا ّ‬ ‫ِ‬ ‫محاولة إنقاذ بعض ماشيتهم ‪ ،‬قُبض على‬ ‫المزارع ‪ .‬وأثناء‬

‫حسين ابن سرحان وابن عمه حسن ديب وع ــدد من مرافقيهم‬

‫وقُتلوا (‪ .)54‬وفي نهاية تشرين االول‪ ،‬عندما زار عبد الغني‬ ‫النابلسي طرابلس‪ ،‬كان علي باشا مايزال خارجًا "يقاتل‬ ‫المبتدعين المعاندين ‪ ،‬عصابة آل حماده" (‪.)39‬‬

‫المرحلةُ االخيرة من العملية بدأت عندما صار علي‬

‫وج َـه خليفته‬ ‫باشا وزي ًار أول في آذار ‪ .5194‬وأثناء مغادرته ّ‬ ‫أرسالن محمد باشا‪ ،‬الذي اختاره بنفســه ‪ ،‬باالستمرار في‬ ‫صراعه ضد آل حماده ‪ ،‬وبتكليف ابن معن بإقطاعاتهم على أن‬

‫يضمن ُح ْســن سلوكهم ‪ .‬ولكن ابن معن تمّلص ‪ ،‬وقام ابن‬ ‫ُموره مع آل الخازن ‪ ،‬بنصب‬ ‫سوى أ َ‬ ‫حسين ابن سرحان ‪ ،‬بعد ان ّ‬

‫كمين للجماعة التي أرس ـ ـلها أرس ـ ـالن باشـ ـ ـا ‪ ،‬فـقـتـل مساع ـ ـده‬

‫الكـردي ( كتخدا ) وأربعين رجالً وعــدداً من أقطاب المناطق‪.‬‬ ‫وكان ُّ‬ ‫الرد تحضير إرسالية تأديبية ضخمة في شـهر حزيران ‪،‬‬ ‫مكونـة من قوات االقطاعيين المحليين ‪ ،‬وقوات سلطانية من كل‬ ‫ّ‬ ‫ابن معن إلى‬ ‫أنحاء سوريا ‪ ،‬وحتى من األناضول‪ .‬وفـ ـ ّـر ُ‬ ‫الباب العالي مسؤوال‬ ‫الشهابيين في وادي التيم ‪ ،‬بعد أن اعتبره‬ ‫ُ‬ ‫منافسـه موسى علم الدين الى‬ ‫عن عصيان آل حماده ‪ .‬وأُرسل‬ ‫َ‬ ‫‪21‬‬


‫دير القمر لالستيالء على قصره وأمالكه‪ .‬وقد كتب ارش ــد ما‬ ‫يلي ‪ ،‬عندما أدرك العصاة ان عشـرين ألف رجل قد تجمعوا في‬

‫البقاع الكبير‪:‬‬

‫" مأل قلوبهم الخوف والرعـب‪ .‬فتخلوا عن صبرهم‬ ‫وفـــروا إلى الضواحي والمحيط‪ .‬ولكنهم لوحقوا‬ ‫وتصميمهم‬ ‫ّ‬ ‫باقصى سرعة وبكل الوسائل ‪ ،‬والعديد ممن قبضوا عليهم نالوا‬ ‫العقاب الذي يستحقون‪ .‬وهكذا ُنظفت المنطقة من خبثهم‬

‫وفسادهم‪ ،‬كما كان مطلوبا‪".‬‬

‫(‪)32‬‬

‫المدونات المحلية يبدو أن‬ ‫ومع كل ذلك ‪ ،‬فبحسب‬ ‫ّ‬ ‫القليل من القـتال قد حدث فعال ‪ .‬وطورد آل حماده مرة اخرى‬ ‫في كل مكان ‪ ،‬وقــد ُسجن أو قُـتــل العديد منهم في صيدا حيث‬ ‫طلبوا اللجوء‪ .‬وفي نهاية السنة تم ّكــن فياض الخازن من‬ ‫المتبقية في طرابلس ‪ ،‬وتم تعيينه هو‬ ‫المفاوضة لسحب القوات ُ‬ ‫لجباية ضرائب في المقاطعات الشمالية (‪.)51‬‬

‫بعد وفاة ابن معن سنة ‪ 5198‬منح العثمانيون قريبه‬

‫السـ ـ ّـني بشير الشهابي مزيدًا من األراضي ‪ ،‬أكثر من أي أمير‬ ‫ُّ‬ ‫سابق ‪ .‬فسحق بقسوة العشائر الشيعية المستقلة في جنوب‬

‫تدخ ــل لدى والي طرابلس العادة‬ ‫لبنان‪ ،‬ولكنه في نفس الوقت ّ‬ ‫وض ِم َن عدم حدوث أي مشاكل من‬ ‫آل حماده إلى موطنهم َ‬ ‫جانبهم‪ .‬وفي السنوات التالية تمكن آل حماده من استعادة جباية‬

‫‪22‬‬


‫ضرائب بعض المناطق‪ " ،‬التي استولوا عليها بقسوة حتى‬

‫طُردوا في نهضة وطنية"عام ‪ ،5811‬كما قال فيليب حتي (‪.)59‬‬

‫من منظور لبناني‪ ،‬تنطوي اهمية احداث ‪-5196‬‬

‫تحول في القوة بين مجتمعي‬ ‫‪ ،5194‬فــي المدى البعيد‪ ،‬على ّ‬ ‫الشيعة والموارنة‪ .‬فقد أثار الموارنة الحملة حقًا‪ ،‬واستفادوا منها‬ ‫تدخلوا لصالح منافسيهم آل‬ ‫مباشرة‪ ،‬ومع ذلك في حمأة المعركة ّ‬

‫سووا االمور معهم‪ .‬فالتكافل الشيعي‪-‬‬ ‫حماده‪ ،‬وفي النهاية ّ‬ ‫الماروني في كسروان كان في النهاية مربحا لكلتا االمارتين ‪.‬‬

‫رحبوا بتدفُّق مستوطنين مسيحيين إلى‬ ‫فالمقاطعجية الحماديين ّ‬ ‫مناطقهم يستطيعون أن ُيقيموا معهم في أكثر االحيان عالقات‬

‫جوار خالية من التعصب الطائفي ‪ .‬فالمصادر المحلية تروي‬ ‫عن العديد من العائالت المارونية ‪ ،‬التي انتقلت إلى إقطاعات‬

‫الشيعة في كسروان ‪ ،‬وعن زعماء شيعة يهبون االراضي وحتى‬

‫األسماء للكنائس الجديدة (‪ .)61‬وحتى السنة ‪ 5814‬كان ُينظر‬ ‫الى الش ــيوخ الحماديين كوسطاء قوة في انتخاب البطاركة‬ ‫الج ــدد‪ ،‬وك ــانـ ـوا يقبل ــون الم ــال م ــن المـر ّشـ ــحين ألجـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫الموارنة ُ‬ ‫(‪)65‬‬ ‫آل‬ ‫مظاهـ ـ ـرتهـ ــم أثـن ـ ــاء االنتخــاب‬ ‫‪ .‬في تلك االثناء صار ُ‬

‫الخازن مدراء إعادة استيطان الموارنة في كسروان في القرن‬ ‫السابع عشر‪ ،‬مع عين على تأمين صعودهم السياسي في‬

‫مواجهة البطريرك (‪ .)65‬فهم لم يساعــدوا المسيحيين في استعادة‬ ‫وطن اسالفهم فقط ‪ ،‬بحسب األب جرجس زغيب (ت ‪، )5859‬‬ ‫‪23‬‬


‫بل اقرضوا الشيعة المال واشتروا منهم ارضهم بكرم ‪ " .‬فكال‬ ‫المسيحيين والمتاولة [الشيعة] وقّعـوا الوثائق‪ ،‬وصار المتاولة‬ ‫مستأجرين في االرض التي باعـــوها‪ ...‬ثم أتي الشيخ ابو‬ ‫الوفا الخازن (ت ‪ )3926‬واشترى المزيد‪ .‬وصار المتاولة‬

‫يقدرونه ويحترمونه‪ .)66(".‬كما ان رهبانًا موارن ًة آخرين يمدحون‬ ‫أمراء آل حماده المتأخرين وخصوصا عيسى حماده (ت‬

‫‪ )5858‬لعدله في حكمه الديني في كسروان‪.‬‬

‫(‪)64‬‬

‫على ان هذا التكافل كان غير مستقـ ّـر ولم يمكن أن‬ ‫يدوم إلى االبد‪ .‬فسيطرة الدائنين المسيحيين المسنودة على‬ ‫الفالحين الشيعة كانت مظه ًار للصعود غير المتكافئ في الثروة‬

‫فبغض النظر عن انفتاح المنطقة االقتصادي على الغــرب ‪،‬‬ ‫‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ابتداء لصالح مزارعي الحرير‪ ،‬والتجار الوسطاء‬ ‫الذي كان‬ ‫ً‬

‫وجامعي الضرائب ذوي الخلفيات المتنوعة ‪ ،‬فقد جلب القرن‬

‫السابع عشر للموارنة رعاية الملك لويس الرابع عشر المسيحي‬

‫جداً‪ .‬وساهم الفرنسيون بمدارس وارساليات جزويتية التحصى‬ ‫في كل الجبل‪ ،‬بقصد تعزيز "الــــوردة بين االشــواك"‪ ،‬اي‬ ‫ٍ‬ ‫تتردد فرساي‬ ‫الكنيسة الكاثوليكية في الشرق‪.‬‬ ‫أدق ‪ ،‬لم ّ‬ ‫وبكالم ّ‬ ‫في التدخل‪ ،‬دبلوماسيا واقتصاديا‪ ،‬في مساعدة وجهاء الموارنة‬

‫لشراء جباية الضرائب في المناطق التي كانوا يستعمرونها (‪.)61‬‬

‫وال مؤكد انه بالنسبة للسلطات العثمانية صارت المالءة المالية‬ ‫هي المعيار الوحيد للتفريق بين المقاطعجية الشيعة والموارنة ‪.‬‬ ‫‪24‬‬


‫ـإن آل الخازن مدينون بمكانتهم في المجتمع‬ ‫وعليه ف ّ‬ ‫لمق ــدار قدرتهم على الدفاع عن القضية المارونية أمام الفرنسيين‪.‬‬

‫فكبار آل الخازن كانوا يخدمون كنواب قناصل لفرنسا في بيروت‬ ‫منذ ‪ ،5111‬ولكن في العق ــد األخير من القرن بد ّقــة نما توسلهم‬ ‫آل الخازن‬ ‫للحماية نمواً أكثر حـ ـ ــدةً ‪ .‬وفي السنة ‪ 5111‬بدأ ُ‬ ‫مؤسسين‬ ‫يوسعون رعايتهم إلى الرهبانية اللبنانية الوليدة ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫مستوطنات جديدة وقوتهم االجتماعية حول الع ــدد المتنامي من‬

‫(‪)61‬‬ ‫لحسن الخازن كانت إثارة مسألة‬ ‫رهبانيات الجبل‬ ‫‪ .‬وبالنسبة ُ‬ ‫ظلم المسلمين هي الوسيلة األكثر تأكيدا لكسب عـطف فرنسا ‪،‬‬ ‫وبحلول العام ‪ 5198‬نجح حقًا في تأمين ٍ‬ ‫دعم للترقي من نائب‬

‫قنصل الى قنصل كامل (‪ .)68‬والقنصل الفرنسي األق ـ ــدم في‬

‫صيدا‪ ،‬الذي كان ه ـ ــذا الترقي على حسابه ‪ ،‬كان حانقا في تقييمه‬ ‫يؤج ُــر‬ ‫ُّ‬ ‫لتوس ــل آل الخازن س ــنة ‪ " :5815‬كان باشــا طرابلـــس ّ‬ ‫يدعي موارنة جبل لبنان انهم‬ ‫االراضي آلل حمــادة ‪ ،‬الذين ّ‬ ‫ظلموهم لما يقرب من خمسين سنة حتى االن " ‪.‬‬

‫"لهذا السبب جعلوا [ أي الموارنة ] يدفعون المستحقات‬ ‫العادية عن االراضي التي استأجروها والبيوت التي يملكونها ‪.‬‬ ‫وهم يدفعون هــذه المستحـ ّقـات مثل أتراك المنطقة‪ .‬ولكنهم‬ ‫اليعانون أكثر منهم بهــــذا الخصوص ‪ .‬ولكن بـإمكاني أن اقول‬ ‫لمعاليكم ‪ ،‬دون المبالغة كثيراً ‪ ،‬أنهم ُولدوا والشكوى على‬

‫شـــيئ‬ ‫شفاههم ‪ ،‬ألنهم مهما كان حالهم جيدا‪ ،‬لديهم دائما‬ ‫ٌ‬ ‫‪25‬‬


‫إضافي ليقولوه ‪ ،‬وخصوصا للناس الذين اليعرفـــونهم ويصغــون‬

‫اليهم " (‪.)13‬‬

‫ليس فرسـ ــاي فقط ‪ ،‬بل الباب العالي أيضا‪ ،‬كما سنرى‬ ‫قريبا ‪ ،‬كان يميل الى االصغاء ‪ ،‬عندما يتعلق االمر بإدعاءات‬

‫الفساد والظلم في المناطق ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪26‬‬


‫الذئب الباكي ‪ :‬الشيعة وبناء سوريا العثمانية‬ ‫ـبب إك ـراه السلطنة العثمانية‬ ‫قـبـل أن‬ ‫ّ‬ ‫نتفحص س ـ َ‬ ‫اإلقطاعيات الشيعية ‪ ،‬قد يكون من المفيد أن نناقش كيف حدث‬

‫أن تأسست هـذه السياسة في مقاطعات سوريا الجغرافية‪.‬‬

‫إن تسمية "سوريا" اإلدارية‪ ،‬تمـامـاً مثل تسمية "لبنان" ‪،‬‬

‫يخها إلى إعادة تنظيم المقاطعات‬ ‫هي حديثة النشأة ‪ ،‬يعود تار ُ‬ ‫مهم ـ ٍـة لـ ـ ـ ـ ـ "بروس‬ ‫العثمانية س ـ ـ ــنة ‪ .5114‬وفـ ـ ــي مقال ـ ـ ٍـة‬ ‫ّ‬ ‫ماسـ ــترز" بعن ـ ـوان ( السياسات العثمانية نحو سوريا في‬ ‫ُّ‬ ‫يحتج بأن ال العــرب وال‬ ‫القرنين السادس والسابع عشر )‬

‫العثمانيون كانوا يفهمون من عبارة "بالد الشام" اي شيء أبع ــد‬ ‫من كيان ثقافي ‪ ،‬وان كانت السياسة العثمانية نحو المقاطعات‬ ‫بأي طريقة عنها نحو االناضول أو ُرميليا ‪.‬‬ ‫السورية قد اختلفت ّ‬ ‫فذلك كان يظه ُـر بنح ٍـو أش ـ ّـد تحفُّظاً في الممارسات الشرعية‬ ‫(‪)69‬‬ ‫أن ه ــذه النظرة هي دقيقة بالتأكيد فيما‬ ‫االسالمية ‪ .‬وفي حين ّ‬

‫يتعلق بتشكيل السياسة اإلدارية ‪ ،‬ومن جانبنا فنحن سـ ـ ــوف‬

‫سمى " س ـ ــوريا " ق ـ ــد ُوجد فعالً‬ ‫نُـثـبت في ه ـ ـ ـ ــذا الفصل ّ‬ ‫أن ُ‬ ‫ماي ّ‬ ‫في عقول رجال الدولة العثمانيين ‪ ،‬فيما يخص تنفيذ السـياسة‬ ‫في مواقف االزمات ( كما في السنتين ‪ .)5194 -5196‬وفي‬

‫يتعين في إطار نظام حكومة المقاطعة‬ ‫مسـار آث ــار منفـذيها كان ّ‬ ‫الف ــرعي الذي بقـيت صيدا وطرابلس فيه مرتبطتين بدمشق ‪.‬‬ ‫‪27‬‬


‫المـمـثّــلين الشيعة يظهرون‬ ‫ليس مدهشا ‪ /‬غـ ـريبًا ّ‬ ‫أن ُ‬ ‫بشكل أكثر ُبرو ًاز في القصص الحديثة ‪ ،‬التي ُكتبت من وجهة‬ ‫نظر إدارة المقاطعات السورية ‪ ،‬من القصص الوطنية اللبنانية ‪،‬‬ ‫على الرغم من ّأنهم يشغلون نفس االنتشار الجغرافي (‪.)41‬‬ ‫فبعكس الدروز‪ ،‬لم يشكل السكان الشيعة قوة سياسية رئيسة‬

‫مرتكزة في منطقة واحدة ‪ .‬بل بالعكس كانت ُمشــتّـتـة بين إياالت‬ ‫دمش ــق وط اربـ ــلس وصي ـ ــدا‬

‫(‪)45‬‬

‫‪ .‬ومراسيم "المهمة" العثمانية‬

‫توضح درجة التنسيق العالية التي كانت الزم ًة لسلطات ه ــذه‬

‫الحج السنوي أو التدخالت العسكرية المحلية‪.‬‬ ‫المقاطعات لتنظيم‬ ‫ّ‬ ‫المبتدعة بالذات كانت‬ ‫وّ‬ ‫الرغـبة في إحكام السيطرة على الطوائف ُ‬

‫تُـ ــذ َكـ ُـر م ار ًار بوصفها سببًا للتقسيم االداري لألرض السورية‪ .‬فبعد‬ ‫فصل تشريعات دمشق وحلب على أثر تمرد جان بردي الغزالي‬

‫جهود‬ ‫سنة ‪ ،5158-5151‬أربك جمو ُح الدروز الجبليين‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫ية وسـ ـ ـ ٍ‬ ‫السـ ـ ـلطنة البتـداع إدا ٍرة مركـز ٍ‬ ‫مالية في مقاطعة الشام‬ ‫يادة‬

‫التمرد ‪ ،‬كما يبين عبدالرحمن ابو‬ ‫( دمشق ) ‪ .‬وقد تكثّـفـت حالةُ ّ‬ ‫حسين ‪ ،‬في السنوات ‪ ، 11-5111‬بامتالك الدروز أسلحة‬ ‫نارية أفضل ورفضهم كل محاوالت جمع الضريبة في المرتفعات‬

‫(‪)45‬‬ ‫ال غير اطالق حملة تأديبية‬ ‫‪ .‬لم يترك هذا للعثمانيين سبي ً‬

‫واسعة في الشوف سنة ‪ ،5111‬أُلحقت على اثرها مقاطعة صيدا‬ ‫– بيروت بمقاطعة طرابلس‪ ،‬التي كانت نفسها قد تكـ ـ ّـون ــت سـ ـ ــنة‬ ‫‪ ،5189‬ناظ ـ ـرةً إلـ ـ ــى تحقيق س ـ ــيطرٍة أفض ــل علـ ـ ــى االراضي‬ ‫‪28‬‬


‫المبتدعين (‪ .)46‬وتكوين ايالة‬ ‫المنضبطة بسبب سكانها ُ‬ ‫غير ُ‬ ‫منفصلة لصيدا‪ -‬بيروت سنة ‪ 5111‬كان ‪ ،‬بهذا المنظور‪،‬‬

‫هموم مشابهة ‪ .‬والمشروع هذا كان قد ُشرع به في السنة‬ ‫تُح ّـركه‬ ‫ٌ‬ ‫صرف النظر‬ ‫‪5156‬ـ ـ ـ ـ ‪ ،54‬أيضًا الحتواء نفوذ الدروز‪ .‬ولكن ُ‬

‫ولكن‬ ‫عنه بعد فـ ـ ـرار فخر الدين بن معن إلى المنفى (‪.)44‬‬ ‫ّ‬ ‫المشاكل سنة ‪ 5119‬اقنعت الوزير االعظم محمد كوبرولو‬ ‫ٍ‬ ‫لســلطة القوات المحلية‬ ‫بتكوين المقاطعة لتوفير‬ ‫أمان إضافي ُ‬ ‫المنيعة ‪ .‬يذكر الدويهي هنا شكاوى ضد الشهابيين والحماديين‬ ‫خصوصاً(‪.)41‬‬

‫ـق الشام التدريجي إلى "طرابلس الشام" و"صيدا‬ ‫إن شـ ـ ّ‬ ‫اف بوحدة س وريا االصيلة ‪ ،‬التي سعت‬ ‫ بيروت" هو بذاته اعتر ٌ‬‫اسطنبول‪ ،‬في لحظة معينة ‪ ،‬إلى تقسيمها من اجل ٍ‬ ‫حكم أفضل‪.‬‬

‫اتساع هذه االجراءات كانت تفرضه جزئيًا‬ ‫والشك في أن‬ ‫توقيت و َ‬ ‫َ‬ ‫بغض النظر عن‬ ‫الحاجةُ الستشراف اإلمارات المحلية ‪،‬‬ ‫ّ‬

‫انكشارية دمشق ولصوص بدو منطقة نابلس ‪ .‬على ان النظر‬

‫ـرد ٍ‬ ‫الى هذا كـ ـ ِّ‬ ‫فعل على تمرد وطني يطرح مشكلتين ‪:‬‬

‫المشـكلةُ األُولى ‪ّ :‬أنــه اليشــرح بشكل ُمـقــنع كيف‬ ‫ــــ ُ‬ ‫التقسيمات اإلدارّي ُة في السيطرة على الجبليين الخارجين‬ ‫تساعـد‬ ‫ُ‬ ‫أن‬ ‫على القانون ‪ .‬فمثــل أي مالحقة لحفظ االمن ‪ ،‬المتوقع ّ‬

‫تفتيت التشريعات ُيـفـي ُـد الالجئين ‪ .‬وحملة ‪ 5194-5196‬توفّ ــر‬ ‫دليالً على ذلك ‪ .‬فقد سبق أن رأينا ان آل الخازن قد رفضوا‬ ‫‪29‬‬


‫المثلج ‪ ،‬متمسكين بأنهم‬ ‫مالحقة آل حماده في شتاء ‪ُ 5196‬‬ ‫ليس لديهم إذن بعبور حدود الشام‪ -‬طرابلس الشام‪ .‬ومن‬ ‫الواضح ان الباب العالي كان ساخطا لتملص المتمردين من‬

‫العدالة بهذه الطريقة ‪ .‬فصدرت االوامر في حزيران ‪ 5194‬الى‬ ‫اليي طرابلس وصيدا لـ "مراقبة المرافيء على هذه السواحل‬ ‫وَ‬ ‫وأي مكان آخر‪ ،‬بحسب الحاجة‪ ،‬واالمساك بأي من قطاع‬ ‫الطرق المذكورين ومعاقبتهم بحسب القانون‪ ،‬عند وصولهم‬

‫بـنـيـة الفرار بالقوارب" (‪ .)48‬وأُرسل حكم مشابه بعد بضعة‬ ‫ّ‬ ‫اسابيع ا لى بيك سنجق صحراء دير الزور والرحبة ‪ ،‬طالبا منه‬ ‫أي من ابن معن وتابعيه القزلباش وتسليمهم الى‬ ‫القبض على ٍّ‬

‫طرابلس‪ ،‬عند إتيانهم عن هذا الطريق (‪ .)41‬ولكن هذا لم يكن‬

‫كافيا ‪ ،‬الن نفس االمر أُعـيد مرة اخرى في تشرين ّأول إلى والي‬ ‫صيدا وأيضا الى تورسون محمد ( انظر أدنـى ) (‪.)49‬‬

‫وقــد أثار حي ــدر أحم ــد الشهابي ‪ ،‬مؤرخ ال ـقـرن التاسع‬

‫عشـر ‪ ،‬مشكلة التشريعات ‪ ،‬حيث يذكر أن علي باشا‪ ،‬عندما‬ ‫صار والياً سنة ‪ ،5195‬ق ــد أُمر صراحةً بإلحاق شمال البقاع‬

‫بطرابلس ‪ ،‬بحيث يستطيع مراقبة المتمردين الشيعة الذين‬

‫يحاولون الف ـرار عــن ذلك الطريق (‪ .)11‬وأخي ار فإن الحجم الهائل‬ ‫لالوامر التنفيذية المتعلقة بحملة ‪ 5194-5196‬تؤكد الصعوبة‬ ‫اللوجستية لتنسيق أنشطة هذا العدد من السلطات المنفــردة ‪.‬‬

‫الوالة الثالثة ُيــذ ّك ــرون تك ـ ار ًار باالتفاق على وقت ومكان‬ ‫وكان ُ‬ ‫‪31‬‬


‫أن طول العملية غير‬ ‫َب ــدء االعــتداء ‪ ،‬وه ـ ــذا بذاته عالمة على ّ‬ ‫العادي كان جزئيًا عائدًا الى سـ ــؤ االدارة‪ .‬وباالضافة الى ذلك‬ ‫فـقــد ُوجهت مراسيم إضافية إلى القضاة والماللي واالعيان‬ ‫الدينيين في عاصمة المقاطعة ‪ ،‬تُذ ّك ــرهم بواجبهم بالتأكد عـلى‬ ‫أن األفـ ـراد المكلفين بالحملة ق ـ ــد شاركوا فيها فعالً (‪ .)15‬وبـإمكاننا‬ ‫صعب اإلنفاذ عملياً إلــى حـ ٍّـد كبير‪.‬‬ ‫ان نتخيل أن هذا أيضا ظل‬ ‫َ‬ ‫ـ ـ ـ ـ المشكلة الثانية ‪ :‬تتعلق بدرجة خصوصية غــرب‬ ‫سوريا في الرؤية اإلدارية العثمانية‪ .‬فإعادة تنظيم الوقف‬ ‫العسكري التقليدي في إياالت أكبر كان في الواقع سم ًة ُمعـ ّـرَف ـ ًة‬

‫اسع في سـنوات ‪ .)15( 5111‬فبانحدار أهمية إقطاع‬ ‫إلصالح و ٍ‬ ‫ٍ‬

‫الفرسان ‪ ،‬تراجع توزيع إقطاعات التيمار المنصف وآمرية‬ ‫السناجق الى المقاعـد الخلفية ‪ ،‬لترتقي بيوتات االمراء ‪ ،‬كنوع‬

‫يؤم َن تسديد‬ ‫من اإلمساك باألرض أو توحيد االدارة يمكن ان ّ‬ ‫ضرائب المقاطعات نقــداً لعــدة ســنوات‪ .‬فالبيوتات األكثر مهنية‬

‫ٍ‬ ‫أساس‬ ‫الوصول إلى المحاكم في اسطنبول على‬ ‫ض ّم ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت إليها ُ‬ ‫شخصي صلب في المقاطعات‪ .‬وقــد كوفئوا بحقو ٍ‬ ‫ق شبه ِملكية‬ ‫ّ‬ ‫لمناطقهم ‪ ،‬بل ُشجعوا على االسـ ــتثمار في التجارة الدولية لتأمين‬ ‫اسـتمرار مالءتهم ‪ .‬صرخة عميقة من نظام االستحقاقية‬ ‫الرغـبة في َهـ ـ ْـدم خصوصية‬ ‫العسكري السابق ‪ .‬فبدالً من ّ‬ ‫المحلية‬ ‫صعود المرزبانات‬ ‫المناطق ‪ ،‬شجع العثمانيون بفعالية‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫في جميع أنحاء السلطنة ‪ ،‬ماداموا هـ ـم وأبناؤهم ُجباة ضرائب‬ ‫‪31‬‬


‫كـفـؤيــن ‪ .‬فالتراكـ ـ ـب الواسع لجباية الضرائب ( إلتزام ) واالدارة‬ ‫السياسية عكست المدرج االقتصادي الجـديـ ــد‪.‬‬

‫وفي حين أن المؤرخين من ُدعاة العروبة فهمـوا صعود‬ ‫ٍ‬ ‫ُنموذج‬ ‫كانبعاث لالســتقالل الوطني ‪ ،‬أو كأ‬ ‫البيوتات المرموقة‬ ‫ِ‬ ‫ال على انحدار االستعمار‪ ،‬ـ ـ ـ ـ‬ ‫ُحـكـ ٍـم مملوكـي – جديد‪ ،‬أو دلي ً‬ ‫قابل ُدعاةُ العثمانية ذلـ ـ ـ ــك بأنه عالم ـ ـ ــة على جوهــر الحكومة‬ ‫َ‬ ‫السلطانية النشط بذاته ‪ .‬فعائلة العظم في حماة كانت جوهرّي ـّا‬

‫من تلك البيوتات ‪ .‬وقد احتكرت مواقع واليات سوريا الثالثة‬

‫ألكثر القــرن الثامن عشــر‪ .‬على ّأنــه كان هناك ع ــدة سوابق‬ ‫لحكم العائلة في سوريا القــرن السابع عشر‪ ،‬وتحديداً في سنوات‬

‫إصالحات كوبرولو‪ .‬فمحمد كوبرولو نفسه خدم مرةً والي ـاً على‬ ‫دمشق ‪ ،‬ومرتين على طرابلس (حيث صادف أن استخدم ابن‬

‫حمادة في حاشيته (‪ ، ))11‬قبل أن يرسل إبنه فاضل أحمد ليحكم‬ ‫دمشق في بداية ثورة حسن أباظة التي ساندها االنكشارية ‪ .‬وقد‬

‫ش ّكل والي دمشق التالي ‪ ،‬سيوافوش باشا ‪ ،‬التهديد االكثر جدية‬

‫(‪)11‬‬ ‫العصبة (المافيات) ‪،‬‬ ‫لتوليه منصب الوزير االول ‪ .‬فسياسات ُ‬ ‫التي تشمل ُوالة المقاطعات‪ ،‬واالنكشارية‪ ،‬والجبليون المبتدعـون‬

‫أبعد من أن‬ ‫‪ ...‬الخ‪ .‬كانت متصل ًة بأمثالها في اسطنبول ‪ ،‬وهم ُ‬ ‫ضد الشيعة يمكن‬ ‫يكونوا بعيدين عن المركز‪ .‬فالحمالت الواسعة ّ‬

‫أن تصبح ُمحركاً للتنافس العثماني‪ -‬العثماني ‪ ،‬كموضوع وطني‬

‫أن احداثًا مثل حدث ســنة ‪-5196‬‬ ‫بذاته ‪ .‬فمن المهم أن نعتبر ّ‬ ‫‪32‬‬


‫‪ 5194‬ليس مجرد ر ٍ‬ ‫قصة بين أُمراء لبنانيين ‪ ،‬وال بوصفه‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لدولة دون وجه ‪ ،‬بل‬ ‫تجسـيـدًا ممكن االستبدال للدولة ‪ ،‬او‬

‫صادرةٌ من المنظور الشخصي لرجال اإلدارة العثمانية أيضا‪.‬‬ ‫فكما أشرنا اعاله ‪ ،‬كانت ترقية علي باشا إلى وزير‬

‫تحول في مصير آل حماده ‪.‬‬ ‫أعظم سنة ‪ 5194‬نقطةَ ُّ‬

‫ذلـك أنـه مارس سلطته الجديدة على الفور تقريبا لتنظيم‬

‫طت كل سوريا‪ .‬وتع ّقب الشــيعة دون أدنـى رحمة لمعظم‬ ‫عملية غ ّ‬ ‫الزمن الذي شغل فيه منصبه في طرابلس ‪ .‬فبحلول حزيران‬

‫أُرسـ ــلت األوامر إلى ُوالة طرابلس وصيدا ‪ ،‬والى "متسلمي"‬ ‫دمشق وحلب ‪ ،‬والى سنجقبيك غزة واللجون والسلمية ودير‬ ‫الزور‪/‬الرحبة؛ والى فويفويد حمص وحماة وكيليس؛ والى دفتردار‬ ‫التيمار‪ ،‬والى كتخداه‪ ،‬والى نائب ال ّش ـ ــاوي ـ ـ ـ ــش والى كل مفتاح‬

‫ممكن وتيماري في مقاطعة حلب‪ .‬وفي نفس تلك اللحظة‬

‫حض اًر‬ ‫خيمًا في أدرنه ‪ُ ،‬م ّ‬ ‫بالضبط كان علي باشا شخصيا ُم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫لحملة ُسـ ــلطانية أش ـ ـ ّـد خط ار بكثير انطلقت في حزيران النتزاع‬ ‫قلعة بيترواردن من امبراطورية هابسبيرغ‬

‫(‪)18‬‬

‫‪ .‬فلماذا ‪ ،‬إذن ‪،‬‬

‫يرغب في توريط كـ ــل تلك الطاقـ ـ ــة والموارد لمحو آخر اتباع‬ ‫سرحان ابن حماده ؟!‬

‫تحول التشـ ُّدد إلى ابن معن ‪،‬‬ ‫أحـد األسباب األُولى كان ّ‬ ‫الذي كان قــد المه علـى عجـزه عــن محق الشيعة السنة السابقة‪:‬‬ ‫الجلي ‪ ،‬أ ّنــه ما دام منبع الفـســـاد‬ ‫" مـن الــواضح و ّ‬ ‫‪33‬‬


‫واللصوصية ‪ ،‬ابن معن المذكور‪ ،‬لم ُيعاقَــب‪ ،‬فإن شرور‬ ‫(‪)11‬‬ ‫احد من‬ ‫صــد" ‪ .‬وكان و ٌ‬ ‫وتحريض المفسدين الملعـونين لن ُي ّ‬ ‫أول م ارسـ ــيمه تجريد ابن معــن من كل امالكه ‪" ،‬جبايات‬ ‫الضرائب المرتبطة بمقاطعة صيدا‪ -‬بيروت‪ :‬الشوف‪ ،‬الجرد ‪،‬‬ ‫المتن والغرب ؛ مع بيغليك كسروان واقليم الخروب والمرج‬ ‫والعيون‪ ،‬وجباية الضرائب المرتبطة بها"‬ ‫سنجقبيك إلى غريمه موسى علم الدين‪.‬‬

‫‪ .‬تُمنح مع رتبة‬

‫سبب أساسي أوضح من‬ ‫وربما يمكن ان ُيستنتَج‬ ‫ٌ‬ ‫الطريقة التي كانت روايات الحكومة الرسمية تطرح العمليات‬ ‫المضادة للشيعة ‪ ،‬وخصوصا دور علي باشا فـيها‪ .‬مثال كانت‬ ‫مقدمة العـديد من االحكام المفاتيح التي صدرت اثناء رئاسة‬ ‫علي باشا الو ازرة تقارن ضمنيا بين شلل السلطات السابقة‬

‫وحيوية علي باشا بوصفه واليًا عـلى طرابلس‪:‬‬

‫" كنتيجة لتوفير دعم ابن معن ‪ ،‬فان عدم‬

‫استماعكم وطاعـتكم الوامرنا الشريفة التي صدرت‬ ‫سابقا لقطع كل عـون ومساعـدة وتخليصنا من‬ ‫الفاسدين الملعونين ‪ ،‬فإن استئصال هؤالء البائسين‬ ‫والخالص منهم لم يتحقق ‪ ،‬رغم حرص وحكمة‬ ‫ومتابعة الوالــي ‪ .‬وبسـبب اســتمرار لصـوصيتهــم‬ ‫المتواصلة ‪ ،‬فقد كلفنا قائدنا النبيل ومشيرنا المفتخر‬ ‫[‪ ...‬الخ ] علي باشا السنة الســـابقة الجتثاثهم‬ ‫‪34‬‬


‫واسـ ــتئصالهم ‪ ،‬وبعـــون اهلل تعالى ‪ ،‬صار اكثرهم‬ ‫طعاما لنصل الموت والدمار‪ .‬والذين نجوا من السيف‬ ‫لم يجدوا الفرصة وال القوة على بذر الفساد من جديد‬ ‫‪"...‬‬ ‫وما لم ُيذكر هــنا هـو ان علي طلب بنفسـه مساندة ابن‬ ‫معن ‪ ،‬وأن أكثر األعــداء ق ــد هلكوا في كارثة طقس وليس‬

‫المكـ ّـررة التـي اقتضاها مرس ــوم ‪5194‬‬ ‫بسيف األعــداء‪ .‬فالحملة ُ‬ ‫ضروري ــة بســبب " إن كان الناس في هذه المناطق سالمين من‬ ‫شرورهم وتحريضهم" فإن الشيعة‪ ،‬بمساندة ابن معن ‪ ،‬قد لجؤا‬ ‫ودمروا البلد "وقـتـلوا أربعين أو خمسين مسلما"‬ ‫مرة اخرى للتمرد ّ‬ ‫(‪)11‬‬ ‫أن علي باشـ ـ ـ ــا لم يحقق نجاحا‬ ‫‪ .‬اليوجد أي تلميح إلى ّ‬

‫طويل االمد ( بل طموحاً عالياً ) أكثر من الوالي السابق ‪ ،‬وأن‬ ‫أدى إلى كمين‬ ‫إص ارره كوزير أول على قلب توازن ُ‬ ‫القـوى ق ــد ّ‬ ‫جنود علي باشا الكارثي في المقام االول‪.‬‬

‫والرواية العثمانية الثالثة شبيهة بسؤ نيتها‪ .‬فمؤلف‬

‫مخطوطة برلين "تواريخ سلطان سليمان" يظل مجهوالً ‪ ،‬وليس‬

‫من الحكمة أن ننسب إليه أي اهتمام دعائي ضيق ‪ .‬ومع ذلك ‪،‬‬ ‫فـمن عالقته الدقيقة والموثوقة بحملة علي باشا الهنجارية ‪ ،‬من‬

‫الواضح أن ـ ــه كان على اتصال وثيق بالوزير االول (‪ .)15‬وعليه‬ ‫ـإن نسـ ــخة " تواريخ " لحملة طرابلس‪ ،‬بعكس حوليات ارشــد ‪،‬‬ ‫فـ ّ‬ ‫هي بالكامل رواية شخصية من وجهة نظر علي باشا‪ .‬فالتركيز‬ ‫‪35‬‬


‫األساسي هــو على عملية ‪ 5196‬التي قادها علي باشا شخصيا‬ ‫‪ :‬فحين صار واليًا على طرابلس ذهب الى "جبال سرحان"‬ ‫طلع بنفسه على شؤون السكان‪ ،‬ووجد انهم يعانون من قسوة‬ ‫لي ّ‬

‫بالغة‪ .‬فأُرسلت رســالةٌ إلى ابن معن ‪ ،‬يذكرها مؤرخنا المجهول‬ ‫بدين عائلته التاريخي للسالطين العثمانيين ‪،‬‬ ‫بطولها ‪ ،‬تذ ّكره َ‬ ‫وتأمره بالمشاركة في الحملـة العقابية ‪ .‬يتظاه ُـر ابن معن‬

‫يتوس ُل الباشا لتحقيق العدل وبالثأر " للعديد من‬ ‫بالطاعة ‪ ،‬بل ّ‬ ‫ـبـرر"‪ .‬فكان‬ ‫رجال عشــائرنا " الذين" قتلهم ابناء سرحان بال ُم ّ‬ ‫يب َّ‬ ‫ـت االدعاء بســيف العـــدالة ويـنـقــذ حقوق‬ ‫على علي أن " ُ‬ ‫الفقراء" قبل ان يأمر بالعدوان النهائي كوزير أول ‪ .‬في المقابل‬

‫الوالة السابقون ُمجبرين على تثبيت آل حماده على جباية‬ ‫كان ُ‬ ‫الضريبة التي استولوا عليها (‪.)15‬‬ ‫الوالة السابقون ؟ فكما رأينا ‪ ،‬األمــر‬ ‫من كان أُولئك ُ‬ ‫األصلي ضد حسين س ـ ـ ــرحان حماده أُرسل إلى بوزوكلو‬ ‫مصطفى باشـ ـ ــا في شتاء ‪ ،95/5195‬ربما استجاب ًة لشكوى من‬ ‫أُمراء آل الخازن الموارنـ ــة ‪ .‬ال تذك ـ ــر السـ ـ ــجالت الع ـربية َّ‬ ‫رد‬

‫فع ـ ــل مصطفى على ه ـ ــذا األمر‪ ،‬وال ألوامر ُمشابهة تأمره‬ ‫بإنفاذ حملة ضد آل الحرفوش في بعلبك ‪ ،‬وض ّـد النصيريين في‬

‫منطقة الالذقية في نفس الوقت تقريبا (‪ .)16‬الواقع ان بوزوكلو‬

‫مصطفى اليمكن إطالقا ان يكون نشطاً في االمور الطربلسية ‪،‬‬

‫تعرف والي طرابلس باتساق في هذه الفترة‬ ‫ألن‬ ‫المصادر المحلية ّ‬ ‫َ‬ ‫‪36‬‬


‫باسم "محمد"‪ .‬ومصطفى هذا خريج البالط الداخلي في "إندرون"‬ ‫‪ ،‬وخدم كآمر في الجيش وأدميرال أكبر قبل ان يتم تعيينه واليا‬

‫على دمشق سنة ‪ .)14( 19/5111‬وقد كان غير فاعل هنا‪ ،‬فقد‬ ‫فشل في قمع تمرد انكشاري نائم‬

‫(‪)11‬‬

‫‪ .‬وقد ترك أث ار اليذكر في‬

‫الســجالت المحـلية ‪ .‬ولكن في تلك السنة تزوج من بيهان‬ ‫سلطان ‪ ،‬اخت السلطان ابراهيم ‪ ،‬وأرملة وزير أول سابق (‪. )11‬‬

‫وبغض النظر عن كونه قد حضر‪ ،‬أم لم يحضر‪ ،‬إنزال رتبته‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫بنعمة أفضل‪ " .‬إذعانا‬ ‫في طرابلس‪ ،‬فـقـد عاد الى العاصمة‬ ‫لحقوقه السابقة‪ ،‬ولكونه واحداً من خدم السيد [ الوزير االول ]‬

‫"‬

‫تم تكليف مصطفى في الحملة االوروبية الجارية كنائب‬

‫وزي ـ ـر[ ركاب قائممقام ] (‪ .)18‬واستمر هكذا ليصير وزي ًار أول في‬

‫آذار ‪.5196‬‬

‫ال ُيدير طرابلس‪ ،‬إن لم يكن‬ ‫فمحمد الذي كان فع ً‬ ‫متصرفا غامضا او مجرد حالة خطأ في الشخصية ‪ ،‬يمكن ان‬

‫يكون غورش ـ ـ ــو محمد باشا الدمشقي ‪ .‬وعليه ‪ ،‬فهــذه واحدة من‬ ‫المـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـرات الكثي ـ ـ ـرة التي لم تكن فيها طرابل ـ ـ ـس موجودة كإيال ـ ٍـة‬ ‫مس ـ ــتقلة‪ .‬ولـ ـ ـ ـ ــم يـتـمتّــع "محمد" بميزة هيمنته على انكشارية‬ ‫دمشق ‪ ،‬بل ربما ٍ‬ ‫بعدد من التحالفات الشخصية مع بوزوكلو‬ ‫مصطفى أيضا ‪ .‬وبأصله الجورجي كان والء محمد الوحيد‪،‬‬ ‫اثناء خدمته العسكرية الطويلة‪ ،‬للبالط العثماني مباشرة ‪ .‬وقد‬ ‫كوفيء بالمقابل بيد صفية سلطان زاده ‪ ،‬التي يبدو انها حفيدة‬ ‫‪37‬‬


‫(‪)11‬‬ ‫يميل ‪ ،‬هو أيضا ‪ ،‬قليال الى معاقبة آل‬ ‫محمد الرابع‬ ‫‪ .‬وكان ُ‬ ‫حماده ‪ ،‬وأعاد تثبيتهم كجباة ضريبة سنة ‪.)19( 95/5195‬‬

‫والوالي الثالث الذي استلم أم ًار ِب ِّ‬ ‫صد "السرحانيين" في آذار‬ ‫‪ 5195‬ولكنه أهمل ذلك ‪ ،‬كان كوفونوس حمد باشا الصيداوي‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫ـي نشأ في البالط الداخلي وخدم في‬ ‫وهو عـب ٌـد من أصل روس ّ‬ ‫عدة واليات باالضافة الى صيدا ؛ وتزوج من عائلة كوبرولو ‪،‬‬

‫ـق طريقه صعودا حتى "نيشـانجي" ‪ ،‬ثم وكيل وزير‪ ،‬وفي‬ ‫وش ـ ّ‬ ‫سنة ‪ 5816‬ـصار وزي ًار أعظم (‪.)81‬‬

‫نضع دائرًة من إداريي المقاطعات العثمانية‬ ‫يمكننا أن‬ ‫َ‬ ‫التقليديين الذي اشتركوا في النشأة وخطوط السيرة العامة وأ ِ‬ ‫ُسلوب‬ ‫ّ‬

‫اإلدارة ‪ .‬فهم كمتحولين أجانب [ إلى اإلسالم ] و‪/‬أو نتاج‬ ‫البالط الداخلي ‪ ،‬أو عساكر بيروقراطيين عثمانيين تقليديين‪،‬‬

‫ُس ــس ق ّـوة ذاتية ‪ ،‬بل‬ ‫كالثالثة الذين مـ ّـر ذكرهم ‪ ،‬ـ ـ ـ ـ ـ لم يتمتعوا بأ ُ‬ ‫اعتمدوا بالكامل على عطف البالط وعلى "روح الجسد" المهني‬ ‫من أجل تقدمهم ‪ .‬وش ْـغـلهم لـ "بيغليربيليك"‪ ،‬مثل دمشق ‪ ،‬كان‬ ‫منصة انطالق إلدار ٍ‬ ‫ات أعلى في اآلسـ ــتانة ‪ ،‬المرك ــز السلطاني‪.‬‬ ‫في الشؤون المحلية الصرفة في المقاطعات ذات‬

‫وتدخـلهـم‬ ‫ّ‬

‫الرتبة الثانوية ‪ ،‬اي مالحقة الشـ ــيعة المغامرين المتهورين في‬

‫ســهول سوريا الداخلية ‪ ،‬لم يكن ذا مكانة عالية في سلسلة‬ ‫أولوياتهم ‪.‬‬

‫فعلي كان مواطنًا‬ ‫واألمر ليس كذلك ألمثال علي باشا‪ّ .‬‬ ‫‪38‬‬


‫من ديموتيكا‪ ،‬قطب االرسـ ــتقراطية التركية القديم ( ومكان والدة‬ ‫بايزيد الثاني) ‪ .‬صار أمين سر وصعــد في مراتب البيروقراطية‬ ‫المدنية‪ ،‬شغل مرتين وظيفة "دفتر دار" رئيس (‪ .)85‬فكونه مسلما‬ ‫بالوالدة ولم يحمل السالح ‪ ،‬وال تزوج من البيت العثماني ‪ ،‬هي‬ ‫علي مثاالً نموذجيًا لرجال‬ ‫خيارات سيرة قابلة للنمو ‪ .‬فصار ّ‬ ‫الحكم على‬ ‫الدولة ملتزمي اإلصالح ‪ ،‬الذين وصلوا الى دائرة ُ‬ ‫أساس قدرتهم االدارية المالية‪ .‬وكانت طرابلس ‪ ،‬وهي منطقة‬ ‫بدأت تزدهر كثي ار في القرن السابع عشر بصعود تجارة االقمشة‬ ‫وراء البحار‪ ،‬كانت ّأول موقع سياسي‪/‬عسكري يشغله‪ .‬وبخالف‬ ‫اصناف العبيد‪ -‬العسكر‪ ،‬كان ُينتظر من علي ‪ ،‬وقد فعل ‪ ،‬ان‬

‫أساس مساندة محلية تسمح له بالحكم وجباية الضريبة‬ ‫يكون‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫بفعالية ‪ .‬وقد كان كفؤًا جــدًا بهذا المجال كما هو واضح ‪،‬‬ ‫لترقيته الى وزير أعظم سنة ‪.5194‬‬

‫والرجل الذي أخذ مكانه كوزير أعظم لم يكن سوى‬ ‫بوزوكلو مصطفى‪ ،‬الذي خلفه في طرابلس‪ .‬فبعد صعوده بتوسط‬ ‫عالقـ ــاته بالبالط ‪ ،‬سـ ـ ــقط مصطفى عن طري ــق دسـ ــائـ ــس‬

‫القص ــر‪.‬‬

‫( فـقــد صار الســلطان أحـمــد الثاني ‪ ،‬الــذي لــم ي ُكـ ْـن‬ ‫أكـثـر من أُلعـوبـ ٍـة بـيــد خصيان القصر‪ ،‬غاضبًا منه لتكريسه‬

‫لت رتبتُه‬ ‫اكثر وقته للصيد‪ ،‬والقليل جــداً لو ازرته ) فقد أُهين وأُنز ْ‬ ‫ـت‬ ‫إلى والي طرابلس‪ ،‬ثم ُسـ ـ ــجن ‪ ،‬ثـ ــم أُعـيــد تأهيله عـنـدما ّ‬ ‫تدخلـ ْ‬ ‫‪39‬‬


‫ب حظّـه م ـرةً‬ ‫زوجته ألجله ‪ ،‬وتم تعـيـيـنه واليًا على صيدا ُليجـ ّـر َ‬ ‫ٍ‬ ‫الس ــيرة‬ ‫أُخــرى ‪ .‬وبرغم افـتـقـاره لقدرات إدارية حديثة ‪ ،‬فهو‪ ،‬و ّ‬ ‫التقليدية التي ُيمـثّــلها‪ ،‬ظل تهديدًا حقيقيًا لموقع علي باشا‪.‬‬

‫ولـقـ ــد برهن علي على جدارته بمدته الحيوية في‬ ‫ٍ‬ ‫دعـ ــم ‪،‬‬ ‫طرابلس‪ .‬ولكنه كان‬ ‫بحاجة لكي يبني نفسه إلى فريق ْ‬ ‫للتعويض عـن عدم اتصاله بالبالط وافتقاره إلى ٍ‬ ‫محلي ‪.‬‬ ‫سند‬ ‫ّ‬ ‫احدى االستراتجيات كانت أن يستعين بخدمات مؤيدين أك ـ ـراد ‪،‬‬

‫ممن ع ّـيـنهم على االقطاعات التي سـ ـ ـ ـ ــلبها من آل حماده(‪.)85‬‬ ‫ّ‬ ‫واألهم من ذلك كان اختياره ألرسالن محمد ابن المطرجي‬

‫الستئناف حربه الصليبية على الشيعة (‪ .)86‬وقد حاول مؤرٌخ‬ ‫ولكنـه غير دقيق ‪،‬‬ ‫يعبر عـن‬ ‫ٍ‬ ‫عر ٌّ‬ ‫انطباع شائع ‪ّ ،‬‬ ‫بي الحق ان ّ‬ ‫المحلي‬ ‫بتسميته أرسالن "مملوك علي" (‪ .)84‬وأرسالن يمثّــل‬ ‫ّ‬

‫الكامل ‪ ،‬فهو مواطن من بلـدة جبلة ‪ ،‬ولم تكن لديه أية خبرة‬

‫رسمية على االطالق عندما صار بيغلربيه على طرابلس في‬ ‫ربيع ‪ .5194‬على انه كان بإمكانه االستعانة بدعم اخيه قبالن‬ ‫‪ ،‬الذي حكم ‪ ،‬كأبيه من قبله ‪ ،‬مدينة الالذقية ِ‬ ‫كملكية خاصة‬ ‫(‪ .)81‬وقد أظ هر أرسالن بعض البراعة في الفقه االسالمي ‪ ،‬كما‬ ‫الحظ عـبـد الغني النابلسي في زيارته الثانية إلى المنطقة‪ .‬وربما‬ ‫ُّـني المعتاد للمسلمين‬ ‫شارك االخوان علي باشا بازدرائهم الس ّ‬ ‫المتبدعين [ الشيعة ] ‪ ،‬الذين كانوا مألوفين لهم عـن قُــرب في‬ ‫غــرب سوريا‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫في السنوات االخيرة صار أرسالن والياً على دمشق‪،‬‬

‫وقبالن على صيدا‪ ،‬وكانا يتبادالن قيادة الحج االسالمي ‪ .‬وق ــد‬

‫عاد أرسالن مرة اخرى ليلي طرابلس ‪ " ،‬لعدم وجود ُم ٍ‬ ‫ساو له‬ ‫(‪)88‬‬ ‫كون‬ ‫في إلزام العرب بحفظ النظام"‬ ‫‪ .‬وهكذا‪ ،‬اذا حدث أن ّ‬

‫ابناء مطرجي البيت الرئيس الحاكم في فترة اإلصالح في سوريا‬

‫(‪)81‬‬

‫‪ ،‬فذلك على األغلب بفضل شراكتهم مع الوزير االعظم ‪.‬‬

‫وبالعكس عندما كان علي ‪ ،‬من موقع حكمه في البلقان البعيدة‬

‫في ربيع سنة ‪ُ ،5194‬يصدر المراسيم لربط كل سوريا ‪ ،‬من‬ ‫سنجق‪ -‬بيه غـ ـ ّـزة إلى فويفويد كيليس ‪ ،‬بقيادة أرسالن في‬ ‫مؤسسة عظيمة واحدة ‪ ،‬فذلك كان بنفسه هدفاً سياسيًا بمقدار ما‬

‫كان سعيًا لتدجين أبناء سرحان‪.‬‬

‫ال‬ ‫ولسؤ طالع الوزير االعظم ‪ ،‬لم يكن أرسالن أه ً‬

‫للمهمة‪ .‬فـ " تعيين طوسون محمد باشا لسحق الشيعة‬ ‫المبتدعــين في جبال طرابلس"‪ ،‬كما ُي ِ‬ ‫عنون مؤرخ البالط ارش ــد‬

‫قصته الحماسية (‪ ، )89‬حدث في منتصف التحشيد عندما أعـل ــن‬ ‫ٍ‬ ‫عبء بهذا المسـتوى‬ ‫تحمل‬ ‫أرسالن نفسه ّأنــه غير قادر على ُّ‬

‫الباب العالي إلى طوسون محمد باشا‪،‬‬ ‫مـن الضخامة ‪ .‬فالتجأ‬ ‫ُ‬ ‫تخصص في محاربة‬ ‫الم ّ‬ ‫الهثًا لكي ال ُيجهض الحملة ‪ ،‬وهــو ُ‬

‫قُطّـاع الطُ ُـرق وضابط " ُمفـتّـ ــش" لقلب جي ــش األناضول وجناحه‬ ‫األيســر (‪ " . )11‬فتأخير وتوقيف الجنود الذين تم جمعهم حتى‬ ‫يسبب هبوط معنويات‬ ‫صدور فرماني الملكي من جديد سوف ّ‬ ‫‪41‬‬


‫العسـكر ‪ .‬فثقتي السلطانية تقع على حسن ادارتك واستعدادك "‬

‫(‪.)33‬‬

‫امر صارمة بتقديم النصح‬ ‫من جهته‪ ،‬تل ّقى أرسالن أو َ‬ ‫(‪)15‬‬ ‫اسيم جديدة أُرسلت‬ ‫لقائد الحملة العسكري المحترف ‪ .‬ولكن مر َ‬

‫في بداية تشرين االول توبخ ارسالن النه لم يحقق األوامر‬

‫والخطط الكثيفة ‪:‬‬ ‫"لقد وصل الى سمعنا ان [ طوسون محمد ] قد اتجه‬ ‫الى هناك بعد تلقيه اتصالكم ‪ .‬كنا ننتظر ونتوقع اخبا ار منكم ‪،‬‬ ‫ولكن الى هذه اللحظة التوجد اي إشارة او مؤشر منكم‪ .‬أنت‬ ‫مذنب باالهمال وعــدم االهتمام‪".‬‬

‫(‪)31‬‬

‫ويعاد إرسالها إلى كل‬ ‫فنحن نرى وفودًا مغضبةً تُرسل ُ‬ ‫مؤنبة إياهم لعدم تحركهم ‪ ،‬وتأمرهم بتحقيق‬ ‫السلطات في سوريا ّ‬ ‫فيطلب من‬ ‫اجتياح أرض ابن معن ومساعديه القزلباش‪ُ .‬‬

‫إسماعيل باشا‪ ،‬الوالي الجديد لدمشق ‪ ،‬بأن اليكتفي بارسال‬

‫أن‬ ‫"كتخداه" بل بالذهاب بنفسه ‪ ،‬إذ رأى انه قد عاد من الحج و ّ‬ ‫لديه خبرة طويلة في المنطقة (‪ .)14‬فاذا ضممنا الى ذلك تقارير‬

‫السجالت العربية ٍ‬ ‫بقتال قليل ‪ ،‬يصبح من الواضح ان حرب علي‬ ‫باشا الصليبية العظيمة على الشيعة قد تالشت بنهاية الخـريف‪.‬‬

‫غاضب أخير إلى‬ ‫حكم"‬ ‫ٌ‬ ‫وفي بداية كانون االول صدر " ٌ‬ ‫ارسالن وطوسون محمد (‪ .)11‬فطوسون محمد متهم اآلن‬ ‫باالهمال لعدم تحقيق أي تقدم‪ .‬ثم ُذكر للمرة االخيرة إلنهاء‬ ‫‪42‬‬


‫السلطة إلى أرسالن والعودة الى موقعه االصلي‬ ‫المهمة ‪ ،‬واعادة ُ‬ ‫في االناضول‪ ،‬بحيث يمكنه التحضير لحملة سلطانية جديدة‬ ‫على هنغاريا تم التخطيط لها في الربيع ‪.‬‬

‫بالنسبة آلل حماده تنتهي القصة هنا‪ .‬فقد تم بالنتيجة‬ ‫تشتيتهم ‪ .‬وبعد بضع سنوات فقط عادوا إلى جبايات ضرائبهم‬ ‫في شمال لبنان‪ ،‬عندما صار بشير الشهابي أمي اًر بار اًز (‪ .)11‬في‬

‫تلك االثناء لم ُيضع احمد بن معن الكثير من الوقت في إعادة‬ ‫بناء مكانته‪ .‬ففي ربيع ‪ 5191‬أطلق ثورةً ريفي ًة ضد الضرائب‬

‫أجبرت موسى علم الدين على هجر اقطاعاته الجديدة وطلب‬ ‫الحماية في صيدا‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫بإعفاء من الضرائب ‪،‬‬ ‫في البداية وعـد الباب العالي‬ ‫ٍ‬ ‫لحملة أُخرى "لقذف" ابن معن و"محو الشيعة‬ ‫وبخطط أيضا‬ ‫المبتدعين قاطبة وقاطعي الطرق البؤساء عن وجه االرض"‬

‫(‪ .)18‬كان س يقودها إسماعيل باشا‪ ،‬المتقاعد اآلن‪( ،‬والذي انشق‬ ‫الى اصفهان سنة ‪ ))11( 5815‬وبوزوكلو صيدا مصطفى باشا‬

‫(الذي تحاشى أن ُيجابه آل حماده عندما كان واليا على طرابلس‬ ‫في المقام االول) (‪ .)19‬ولكن بمجرد إعفاء علي من الو ازرة في‬ ‫أعلم االثنان اسطنبول بان‬ ‫آذار‪ ،‬على أثر وفاة السلطان أحمد‪َ ،‬‬ ‫الواردات من جباية الضرائب سوف تزيد اذا تُركت البن معن ‪.‬‬ ‫بحلول ايلول ‪ 5191‬استسلمت السلطة الجديد لما اليمكن تجنبه‬ ‫‪ ،‬واصدرت قرار عفو عن ابن معن وذلك بشرط ‪:‬‬ ‫‪43‬‬


‫" أن يظل منشغال بشؤونه هو؛ وان يخدم‬ ‫بإخالص واستقامة ؛ وان اليؤوي القزلباش ‪ ،‬وال قطاع‬ ‫ا لطرق الشيعة المبتدعين وغيرهم من المفسدين في‬ ‫وحول طرابلس‪ .‬وبأن اليؤذي القرى والسابلة في‬ ‫الضواحي ؛ وبأن يدفع المستحقات السنوية عن‬ ‫الشوف وكسروان ‪ ،‬وجباية الضرائب المرتبطة بها‬

‫والتي تحت يده بكاملها الى الوالي ؛ وبأن َّ‬ ‫يصد الشيعة‬

‫المبتدعـين وغيرهم من قطاع الطرق من المنطقة ‪...‬‬

‫(‪")69‬‬

‫بغض النظر عن فشل حملة ‪ 5194-5196‬في‬ ‫ّ‬ ‫تحقيق أي تغييرات دائمة ‪ ،‬ظـ ّـل الباب العالي راضياً بم ــا يكفي‬

‫وسمح لبيت ابن مطرجي‬ ‫عـ ـ ــن أفـ ـراد إدارة غــرب سوريا‪ُ .‬‬ ‫باحتكار المراكز العليا في المقاطعة حتى موت ارسالن سنة‬

‫‪ .5814‬بوزوكلو مصطفي ُرّقي مرة أُخرى إلى والي دمشق قبل‬ ‫عودته في النهاية الى وطنه االستانة سنة ‪ ،5198‬ليخدم مرتين‬ ‫أخريين كنائب للوزير االعظم‪.‬‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪44‬‬


‫عـية الشيعية في السلطنات العثمانية‬ ‫الر ّ‬ ‫إن حملة ‪ 94-5196‬ضد آل حماده كانت اجابة‬ ‫محلي على األرض ‪ ،‬على مستوى أول ‪ ،‬ومناورات‬ ‫اع‬ ‫لصر ٍ‬ ‫ًّ‬ ‫وظيفية من البيروقراطية العثمانية العليا ‪ ،‬على الثاني ‪ .‬ومع‬ ‫ذلك فإن عملية عسكرية بهذا االتساع اليمكن تفسيرها بشكل‬ ‫كامل دون تحديد مكانها في سياق صنع القرار السلطاني االكبر‬

‫في هذه الفترة ايضا‪ .‬فاالعتبارات السلطانية لم تُحـ ّـدد مصير‬ ‫حددت‬ ‫االجراء المتخذ بحق شيعة جبل لبنان مسبقا ‪ ،‬بل ّ‬

‫متصو ًار فيها آنذاك ‪ ،‬والذي‬ ‫المتغيرات التي كان ذلك االجراء‬ ‫ّ‬ ‫عيد تفحص‬ ‫سي ُ‬ ‫مازال مفهوماً اليوم ‪ .‬القسم االخير من هذا المقال ُ‬ ‫كلمات مراسيم دار المحفوظات‪ ،‬ويثبت ان توسلها بالخلق الديني‬

‫يخدم لتأطير هموم اجتماعية ‪ -‬اقتصادية دنيوية جـدًا‪،‬‬

‫وايديولوجية بنحـ ٍـو ُم ٍ‬ ‫ساو في قلب الحملة‪.‬‬ ‫الم ّـدعى كان في رأس المراسيم‬ ‫فكف ــر آل حماده ُ‬ ‫رسلة إلى ُســلطات المقاطعات دائما‪ .‬فهم ُيـنـتـقَـدون بشـ ّـدة إما‬ ‫الم َ‬ ‫ُ‬ ‫بأنهم "روافض"‪ ،‬وهو تعبير عن البدعة التي تُـنسب إلى الشيعة‬ ‫االثنى عشرية ‪ ،‬وا ّمـا بأنهم "قزلباش قطاع طريق"‪ ،‬تشبيها لهم‬ ‫بعلويي شرق األناضول‪ ،‬أو بكليهما ‪ .‬فمق ـ ّـدمات األوامر التي‬

‫صدرت سنة ‪ ، 5194‬إذن ‪ ،‬تُشــير إليهم دائما بدون تغيير كـ‬ ‫"القزلباش الملعونين الذين يتحتّم تدميرهم"‪ .‬في المقابل كان‬ ‫‪45‬‬


‫ضحاياهم "مسلمين" أو "رعايا"‪ ،‬أي أنهم "جماعة" السلطان‬ ‫العثماني‪ ،‬ومن ضمنهم بالطبع الموارنة المسيحيين المهضومة‬ ‫ونص برلين المجهول يذهب أبعد ‪ ،‬بأن يحاول أن‬ ‫ُّ‬ ‫حقوقهم ‪.‬‬

‫ُيعطي للقصة وجها طائفيا بشرحه ‪ ":‬إن طائفة الروافض تـعـتـبـر‬ ‫أن من واجبهم مقاتلة ومحاربة أُمة االسالم" (‪ .)63‬واألكثر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫هناك جملة مهمة في مرسوم آذار‪ /‬حزيران ‪ 5194‬المفصل فقط‬

‫تــــم تعـيـيـنه الســـتئصالهم‬ ‫تؤكد أن "عـلي باشا ‪ ...‬قــــد ّ‬ ‫والتخلص منهم على أســـاس أمــري السلطاني المنشور في‬ ‫السنة الماضية بحسب الفتوى السامية" (‪ .)95‬لم يظهر حتى‬

‫اآلن حكم قضائي رسمي‪ ،‬كما تشير الفتوى ‪ ،‬بالنسبة الى آل‬ ‫حماده‪ .‬ولكن الحاجة الى أن يوجد دليل مكتوب من اجل‬

‫اضطهاد الشيعة السوريين ُيطابق الموقف الرئيس لنخبة السلطنة‬ ‫الديني والفقهي ‪ .‬فالحمالت السابقة ضد الدروز‪ ،‬كما ّبين ابو‬

‫حسين ‪ ،‬كانت غالبا تُـب ّـرر قانونيًا كدفاع عن اإليمان االسالمي‬ ‫(‪.)96‬‬ ‫يصبح السؤال هل إن ايديولوجية الموافقة الدينية السنية‬

‫هي أساسية أم عارضة على الدولة العثمانية الفعلية ؟ ‪.‬‬ ‫فاضطهاد الشيعة المتكرر في القرن السادس عشر‪ ،‬الذي ساعــد‬

‫السـ ّـنة‬ ‫على تكوين صورة السلطنة العثمانية كبطل غيور على ُّ‬

‫المتعصبة‪ ،‬اليمكن فصلها عن الحروب الحانقة على إيران‬ ‫ُ‬ ‫(‪)94‬‬ ‫‪ .‬على انه في أواخر القرن السابع‬ ‫الشيعية في ذلك الوقت‬ ‫‪46‬‬


‫ٍ‬ ‫كعامل في معاملة آل‬ ‫عشر‪ ،‬يمكن اهمال العالقات بالصفويين‬ ‫حماده والشيعة االخرين في سوريا‪ .‬فالسلطنتان اللتان لم تحدث‬ ‫بينهما حروب في اكثر من نصف قرن‪ ،‬تتمتعان اآلن بأفضل‬

‫روابط الصداقة في تاريخهما‪ .‬فسنة ‪ 5119‬اسـتُـقـبـل إعالن‬ ‫سـفارة عـثمانية ارتقاء السلطان سليمان العرش بالترحيب في‬ ‫اصفهان ‪ ،‬وكلب علي خان ‪ ،‬والي غانجا ‪ ،‬أُعيد معها لنقل‬

‫تهاني الشاه ‪ .‬وقد شعر المؤرخ محمد سلحدار (ت ‪)54/5856‬‬

‫الحقا بأنه ُملـ َـزم بان يصفه بأنه "كلب عقور نذل من قزلباش‬ ‫قــــواد" (‪ .)91‬ولكن من الواضح أن البالط العثماني لم‬ ‫مبتدع ّ‬ ‫يكن له نفس الشعور آنئذن ‪ .‬فبعد رحلة طويلة عبر‬

‫االناضول(اثناءها محمد الثاني كان قد خلف سليمان) ُسمح‬

‫ٍ‬ ‫قصر ‪ ،‬وق ـ ّـدم لـه‬ ‫لكلب علي بالتقدم الى ادرنه حيث استُقبل في‬ ‫ير األعظم الخمر والطعام ‪ .‬وفي نهاية شباط ‪ ،5195‬أُذن‬ ‫الوز ُ‬ ‫له بالمثول أمام السلطان ليقـ ـ ّـدم له رسال ًة مع " فيل وخمسة‬ ‫أحصنة سباق فريدة في إيران‪ ،‬وخمسة واربعين جمال فارسيا‪،‬‬

‫وهدايا اخرى" أتى بها معه (‪.)91‬‬

‫اد األُمراء الشيعة مثل‬ ‫وعندما تذك ـ ُـر "المهمات" أفر َ‬ ‫سرحان أو شديد ابن حرفوش باالسم فإن صفة "رافضي" التطبق‬ ‫عليهم شخصيًا‪ ،‬بل قد تطبق على أتباعهم‪ .‬وأيضا‪ ،‬يجب أن‬

‫نتذكر أن مهمة السيطرة على شيعة سوريا كانت تُسند احيانا‪،‬‬ ‫قبل ‪ 5194‬وبعد إعادة تأهيله سنة ‪ ،5191‬بوضوح إلى األمير‬ ‫‪47‬‬


‫المبتدع الدرزي ابن معن (‪ .)98‬فالسلطات العثمانية كانت تعي‬ ‫ول األُمراء اللبنانيين الطائفية ‪ ،‬ولكنها لم ترغب بإزالة‬ ‫جيــدًا مي َ‬ ‫ّ‬ ‫الشرعـية عن األفراد الذين كانت تعتمد عليهم لجباية الضرائب‬ ‫في الماضي وستستمر على ذلك في المستقبل ‪ .‬فآل حماده لم‬ ‫يكونوا فقط موضوع األوامر السلطانية التنفيذية ‪ ،‬بل كانوا‬ ‫غرضها ايضا‪ .‬ففي شباط ‪ 5195‬أُرسلت نسخ من "االحكام" الى‬ ‫َ‬ ‫كل الناس ‪ ،‬لمساندة‬ ‫إسماعيل وحيدر ابن سرحان ‪ ،‬من بين ّ‬

‫عقابية ضد األمير الشيعي شديد ابن حرفوش (‪.)91‬‬ ‫حملة‬ ‫ّ‬ ‫وازدواجية الباب العالي نحو آل حماده ُيع ّـب ُـر عنها بوضوح في‬

‫مرسوم في تموز‪ /‬ايلول ‪ ،5191‬أُذيع رسميا استجابة لشكاوى‬

‫من ‪:‬‬

‫"علماء الدين‪ ،‬والمؤمنين‪ ،‬واالئمة ومستمعي‬ ‫المواعظ في طرابلس‪:‬‬ ‫" إن سرحان واتباعه لم يكتفوا بوضع ايديهم‬ ‫على جباية ضرائب جبيل والبترون والضنية وجبة‬ ‫بشري من الوالة المتتابعين منذ وقت طويل‪ ،‬بل‬ ‫اغتصبوا االن مقاطعات عكار والزاوية والكورة [ الى‬ ‫الشمال ]‪ .‬وباالضافة الى انهم مدينون بمتأخرات‬ ‫ضريبة هائلة‪ ،‬فإن المخزون واالمالك والمؤن التي‬ ‫يملكها السكان خارج المدينة قد ُدمرت بايديهم‪ .‬وكم‬ ‫نزلوا على طرقات المسافرين والتجار للقتل والنهب بعد‬ ‫‪48‬‬


‫موت الوالي حمزة باشا [ فجأة سنة ‪.] 36/3933‬‬ ‫وليس هناك نهاية لهذا الفساد والشر‪ .‬واذا خالفوا‬ ‫الع ادة وكان في نيتهم االستيالء على جباية الضرائب‬ ‫السابقة الذكر‪ ،‬عكار والزاوية والكورة ويسكنها‬ ‫مسلمون‪ ،‬باالضافة الى جباية ضرائب التي كانت في‬ ‫ايديهم‬

‫منذ زمن طويل والتي يسكنها دروز‬

‫العامة المساكين في‬ ‫ومسيحيون‪ ،‬فمن المؤكد ان‬ ‫ّ‬ ‫المناطق الريفية سوف يتوزعون ويتشتتون بسبب‬ ‫ظلمهم‪".‬‬ ‫وقد أُمر واليا طرابلس ودمشق حقا بأن‪:‬‬ ‫ُمة‬ ‫"اليعطوهم جباية ضريبة مناطق تسكنها أ ّ‬

‫محمد‪ ،‬باالضافة الى جباية الضريبة التي بايديهم‬ ‫ويسكنها مسيحيون ودروز ‪ ...‬يحفظوا ويحموا تلك‬ ‫االماكن التي تحتاج حماية ورجاال موثوقين وجنودا من‬ ‫المقاطعة‪ .‬وال تسمحوا لهم باالستيالء حتى على‬

‫مزرعة واحدة مما ‪ ...‬سبق ذكره باالضافة الى االماكن‬ ‫التي يمسكونها منذ القديم‪ ،‬ودافعوا عن أمة االسالم‬

‫من غصبهم وظلمهم‪.)66( ".‬‬

‫المهم أن الباب العالي لم يشجب آل حمادة بسبب‬ ‫ّ‬ ‫تشيعهم‪ ،‬ولم يحرمهم من أمالكهم االصلية التي يسكنها غير‬ ‫السنة‪ ،‬ولم يفرض عليهم عقابا ُمحـ ّـدداً في وقته‪ .‬وادانة حلفاء آل‬ ‫‪49‬‬


‫حمادة بـ "قزلباش" و"روافض" في االزمات التالية لم يكن مجرد‬

‫ُّ‬ ‫إن وصف دين العثمانيين بالحق والمتمردين‬ ‫تأنــق بالغي‪ .‬بل ّ‬ ‫بالكفــر وااللحاد يريد ان يلفت النظر إلى أن الشيعة قد بدأوا‬ ‫يطرحون تح ـ ـ ّـديّا غير مقبول لسلطة الدولة الشرعية (‪.)511‬‬ ‫فالجريمة التي اضطُ ِهد آل حماده بسببها‪ ،‬بحسب "مهمة دفتر‬

‫لري" ‪ ،‬لم تكن عدم ايمانهم بذاته‪ ،‬بل "إشكياليك"‪ ،‬اي "قطع‬ ‫الطرق" و"الطغيان" بالمعنى الواسع ‪ ،‬الكلمات التي تركت تاثي ًار‬ ‫على مزارعي كسروان الموارنة بشكل رئيس‪ .‬فحقيقة ان الروافض‬

‫ُشّبهوا بقطاع الطرق يشير الى أن مشكلتهم كانت ينظر اليها‬ ‫دينيـة ‪.‬‬ ‫كمشكلة إجتماعية وليس ّ‬

‫العصاة في الريف كانت مرضًا مزمنًا في‬ ‫إن مشكلة ُ‬ ‫العديد من بدايات الممالك الحديثة ‪ .‬وبالنظر إلى السلطنة‬

‫العثمانية بالذات ‪ ،‬فـق ــد أثبت ان عبقرية اندماجهـ ــم تعود الى‬ ‫ال من إخراجهم منه‬ ‫ضمهم في نموذج رعاية الدولة ب ــد ً‬ ‫الرغبة في ّ‬ ‫(‪ .)515‬على أنه ‪ ،‬كما في التنظيمات العسكرية واإلدارية على‬ ‫حولت جذريا قُطّاع‬ ‫العموم ‪ّ ،‬‬ ‫إن الحاجات المتغيرة للسلطنة قد ّ‬ ‫طُـ ُـرق المقاطعات عبر مجرى القرن السابع عشر‪ .‬فكما أثـبـت‬ ‫هليل إنالجيك ‪ ،‬أن الدولة العثمانية‪ ،‬بإعطائها السالح الناري‬

‫للفالحين الذين اليملكون ارضًا وللمتشردين للخدمة في قوات‬

‫المشاة الواسعة ‪ ،‬قد ساهمت في صعود عصابات المرتزقة الذي‬

‫حكموا فعالً األناضول عندما كان الجيش النظامي بعيـ ـ ــداً في‬ ‫‪51‬‬


‫كون مايسمى شركات "ساروكا"‬ ‫حمالته ‪ .‬في نفس الوقت ّ‬ ‫و" ِس ــكبان" العمود الفـقـري للبيوتات النبيلة التي سادت سياسات‬ ‫المقاطعات ‪ .‬وقد حاولت اسطنبول في المناسبات أن تتحـ ّـرى‬ ‫نفوذ الـ "ساروكا" و" ِسـكبان" باستعما ل االنكشارية ‪ ،‬أو بإرسال‬ ‫مقاتلي قُطّاع طُ ُـرق متخصصين إلى األناضول (‪ ،)516‬باالضافة‬ ‫إلى تقنية اكثر إبداعًا ‪ :‬النفير العام‪ ،‬أو التجنيد اإللزامي‬ ‫للمواطنين غير العسكريين‪ .‬فعلى النقيض من قرون من التقاليد‬

‫ابتداء من ثورة جاللي‪ ،‬على‬ ‫‪ ،‬عـرضت الحكومة العثمانية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫المحلية الدفاع عن مجتمعاتهم ‪ ،‬ليس فقط‬ ‫المدنية‬ ‫الميليشيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫ضد قطاع الطرق المتجولين ‪ ،‬بل حتى ضد سلطات الدولة‬

‫السـ ّـالَبة علناً‪ ،‬وهذه شهادة صارخة على المركزية السلطة في‬ ‫ّ‬ ‫(‪)514‬‬ ‫‪.‬‬ ‫السلطنة‬

‫إن الحرب الموهنة ضد االمبراطورية الرومانية ‪-‬‬

‫األلمانية في ‪ 5199-5116‬قد أتــت بقُطّاع الطرق المرتزقة‬ ‫والمقاومة الشعبية إلى المقــدمة مــرًة أُخرى ‪ .‬وقد استُ ِ‬ ‫عمل‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫محاولة‬ ‫العامة‪ ،‬وفي‬ ‫جنــدون المدنيون أيضا في الحمالت‬ ‫الم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫(‪)511‬‬ ‫ولكن‬ ‫‪،‬‬ ‫إلعادة احتالل كيوس من البندقيين سنة ‪5194‬‬ ‫ّ‬

‫النفير العام قـد اسـتُـخـدم إلعاقة متمردي ياغين عثمان باشا‬ ‫وشركات السكبان االناضولية العائدة إليه سنة ‪. 19 -5111‬‬

‫الجادة لإلطاحة بالسلطنة العثمانية نفسها‬ ‫وهي المحاولة الوحيدة‬ ‫ّ‬ ‫بين تيمور وأتاتورك (‪.)511‬‬ ‫‪51‬‬


‫وفي ضوء الخطر الذي ُيمثّـله ياغين عثمان وجيشه ‪،‬‬ ‫أن اختيار الباب العالي إعالن النفير العام أيضًا إلخماد‬ ‫يبــدو ّ‬

‫اضطراب آل حماده االقل خط ًار بكثير ذو مغــزى ‪ .‬وال ّش َـبهُ بين‬ ‫االثنين مكتوب مباشرة في وثيقة مب ّك ـرة ‪ ،‬حيث ُينتقد آل حمادة‬

‫كـ "روافض قزلباش قطاع طرق" (‪ .)518‬فالتجنيد اإللزامي أُعلن‬ ‫أن ابن معن هو السبب‬ ‫فـقط في ربيع ‪ ،5194‬بعد تعيين ّ‬ ‫الحقيقي لنهب الشيعة‪ .‬ومع ذلك فإن مسألة كسر تحالفهم قد‬ ‫أن الحش ــد ليس فقط‬ ‫أن الباب العالي قد حـ ّـدد ّ‬ ‫مهمًا لدرجة ّ‬ ‫اعتُبر ّ‬ ‫ٍ‬ ‫سلطانية"‪ ،‬بل‬ ‫لجميع قوات المقاطعات "الذين لم ُيكلّفوا بحملة ُ‬ ‫ايضا لجيوش البيوت الخاصة بوالة المقاطعات ‪" ،‬وبواسطة‬ ‫التجنيد العام‪ ،‬كل الميليشيات المدنية القادرة على القتال‪،‬‬ ‫ومايكفي من الرجال من مقاطعات طرابلس وصـيــدا وبيــروت‬ ‫ودمشــــــق وحلــــــب ‪ ،‬باالضافة إلــى رجـــال الميليشـــيا المدنيــــة‬

‫[ ‪ ]il erleri‬التابعين لحكوماتهم القادرين على حمل السالح"‬ ‫(‪.)393‬‬

‫والميليشات المدنية بحسب االستاذ إينالجيك أيضًا‪،‬‬

‫كانت تُستأجر محليا من أعيان البلدة أو القرية (عبارة ياغي‪-‬‬ ‫باشي ‪ ،‬كما يس ــمى آمروهــم ‪ ،‬توحي بار ٍ‬ ‫تباط بنقابات التجارة )‬ ‫ُ‬ ‫وتُسجَّل لدى القاضي للخدمة المسلحة ضد جماعات قُطاع‬

‫(‪)519‬‬ ‫فإن العديد من المراسيم‬ ‫الطُرق‬ ‫‪ .‬وكما اش ـ ـ ـ ـرنا أعاله ‪ّ ،‬‬ ‫التنفيذية الصادرة سنة ‪ُ 5194‬و ّجهت بالفعل إلى سلطات‬

‫‪52‬‬


‫طرابلس ودمشق الدينية ‪ ،‬وبلدات اخرى ‪ ،‬لإلشراف على‬ ‫التحشيد للحملة العقابية كتيبة الميلشيات عن طريق النفير العام‪.‬‬

‫في النهاية بالطبع لم يكن باستطاعة ابن معن والشيعة نقض‬

‫الحشد الجمعي في كل سوريا‪ .‬ويحتمل ان هذه الوثائق لم تكن‬ ‫حدث فعال ‪ ،‬أي ُمشـاركة قُسـاة‬ ‫عية لِما‬ ‫َ‬ ‫اال لمنح صفة الشر ّ‬ ‫محليين يسعون للنهب أو الثأر من آل حماده ‪ .‬وعلى كل حال‪،‬‬ ‫فــإن انتداب مدنيين لقتال حتى متمردي ـ ــن صغـار مجانًا ‪ ،‬في‬

‫حين يجب أن ُيـتـرك ذلك إلى "لعسكر المحترف والبيوت المؤيدة‬ ‫قبل بضعة سنوات فقط – او في حالتنا قبل بضعة اشهر‪ -‬هو‬

‫ٍ‬ ‫لتحول أساسي بعيد المدى في طبيعة عالقة الدولة‬ ‫ض‬ ‫َع َر ٌ‬ ‫بمواطنيها‪ .‬وبمعنى ما‪ ،‬إن استعمال النفير العام والميليشيات‬ ‫الشعبية لحفظ أمن المناطق الريفية ُيمثّــل مق ــدمة انتشار‬ ‫مؤسسات "دربند" في القرن الثامن عشر‪ ،‬حيث كانت مجتمعات‬ ‫بكاملها تُوطّن عن د روابط توصيالت مهمة واستراتيجية معزولة ‪،‬‬ ‫لتساعـد على تقسيم سيطرة الدولة على االراضي المترامية‬ ‫االطراف(‪ .)551‬هكذا سقط آل حماده ضحية تغير رؤية اإلدارة‬ ‫السلطانية سنة ‪ ، 94-5196‬وليس للك ارهية الدينية القديمة ‪.‬‬

‫ربما كان أفضل تمثيل لهذا التغيير هو تأسيس سياسة‬ ‫اإلسكان السلطانية ‪ ،‬أو سياسة توطين القبائل ‪ ،‬في نهاية القرن‬

‫بناء الدولة ‪ ،‬خصوصا‬ ‫السابع عشر‪ .‬فعلى مدى التاريخ ‪ ،‬كان ُ‬ ‫في الشرق االوسط ‪ ،‬حيث الصحارى والسهوب الشاسعة ‪ ،‬يعتمد‬ ‫‪53‬‬


‫ضم ‪ ،‬وعند االمكان تثبيت‬ ‫إلى حد كبير على قدرة السلطة على ّ‬ ‫المترحلين ‪ .‬وقد اتخذ هذا المسار في السلطنة‬ ‫المواطنين الرعاة‬ ‫ّ‬ ‫العثمانية عــدة أشكال ‪ ،‬من تشجيع االستقرار حول تكايا‬

‫الدروايش في الجبهة العسكرية االوروبية قـ ـديما ‪ ،‬إلى ترحيل‬ ‫قبائل كاملة بالقوة (سورجون) إلى األراضي المفتوحة حديثا في‬ ‫القرن السادس عشر‪ ،‬إلى االستثمار في زعماء العشائر بمنحهم‬ ‫األراضي في القرن التاسع عشر (‪ .)555‬فاستطالة أمد الصراع‬

‫مع رايخ آل هابسبورغ قــد أدى إلى حاجة ماسة إلى سيطرة َقب ّلية‬

‫أيضًا‪ .‬فإن سنوات من قطع المرتزقة للطُـ ُـرق التي سببتها الحرب‬ ‫عمقت مأزق السلطنة المالي الحاد ‪ ،‬فكالهما قد ازداد تعقيدًا‬ ‫قد ّ‬ ‫بخسـ ــارة أر ٍ‬ ‫اض كبيرة في البلقان ‪ .‬ما أدى الى موجات إضافـ ّـيـ ــة‬

‫مـ ـ ــن الالجئين باتجاه االناضول ‪ .‬فإدخا ُل العثمانيين برنامجًا‬ ‫متمي ًاز لتوطين القبائل ولتحصيل الضرائب في ‪ 91-5195‬كان‬

‫بهذه الخلفية ‪ ،‬كما يوضح جنكيز أرهونلو (‪ .)555‬فقد كان الباب‬ ‫العالي يأمل إعادة الحياة إلى القرى والمزارع الهامشية المهجورة‬ ‫في مناطق مثل الرقّة وشرق االناضول‪ ،‬بضم المكافآت‬

‫الضريبية الى منح االراضي لتشتيت التجمعات الكبيرة ‪ ،‬وفوق‬

‫الس ــلب التي تُصيـب دافعي الضرائب‬ ‫كل شيء إنهاء عمليات ّ‬ ‫المزارعـين الموطَّنين ‪ .‬فبقدر دقة البادرة واإلطار الزمني الذي‬ ‫اقترحه اورهونلو‪ ،‬فإن سياسة االسكان توفّ ــر أفضل فكرة مفيدة‬ ‫لفهم سعي السلطنة لتأديب آل حماده في ‪.5194-5196‬‬ ‫‪54‬‬


‫إن فـظاظـة مـراسيـم ربـيع ‪ 5194‬ضـ ـد آل حم ـ ـاده‬ ‫" القزلباش الملعونين الذين يتحتم تدميرهم" تُخفي االتجاه‬ ‫الذرائعي لألحكام األُولى‪ .‬فكما رأينا‪ ،‬قد شجب أعيان طرابلس‬

‫الدينين اصالً إلحاق آل حماده مناطق يسكنها ُسّنة بجباية‬ ‫هم الباب العالي الرئيس أن "العامة‬ ‫ضريبتهم‪ ،‬حيث كان ّ‬ ‫المساكين في المناطق الريفية سوف تتشتت وتتوزع بسبب‬ ‫ظلمهم"‪ .‬فهذه العناية المفرطة بمصالح الرعية دافعي الضرائب‬ ‫تميز أوامر الحملة التأديبية في شتاء ‪ 95/5195‬أيضا‪:‬‬ ‫" القزلباش ‪ ...‬اتوا الى منطقة الكورة‪ ،‬وقتلوا‬ ‫احد عشر من رجالها‪ ،‬واعتدوا على امالكهم‬ ‫وبضائعهم‪ ،‬واستولوا على منتوجاتهم‪ ،‬تاركين الناس‬ ‫والعوائل جوعى بائسين ‪...‬‬

‫(‪)331‬‬

‫"قُطاع الطرق الروافض الذين يعيشون في‬

‫جبال طرابلس كانوا يجتاحون ضواحي طرابلس لعدة‬ ‫سنوات ‪ ،‬سارقين ابقار وثيران ومواشي الرعايا‬ ‫المساكين االخرى ‪ ،‬وقاتلين الناس ومدمرين االمالك‬ ‫وباذرين الفساد والشرور‪ .‬ولما ازداد طغيانهم‬ ‫واعتداءاتهم صار الرعايا المســـاكين غير قادرين على‬ ‫دفع ضريبة الميري ‪،‬‬

‫وأكثرهم قــــد تركوا بيوتهم‬

‫وغادروا ارضهم‪ .‬ومصير اولئك الذين بقوا يزداد سوءاً‪،‬‬ ‫وال يملكون الموارد والقابلية على دفع الميري"‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫(‪)331‬‬


‫باالضافة إلى اغتصابهم جباية ضريبة الدولة‬ ‫في هذه المناطق وآكلين ومبتلعين الوصوالت التي‬ ‫تستحق قانوناً لخزينة االسالم‪ ،‬فإن طغيانهم وظلمهم‬ ‫للرعايا المساكين قد تجاوز كل الحدود‪ .‬فهؤالء لم‬ ‫يعودوا قادرين على حفظ اهلهم وعائالتهم او حماية‬ ‫أمالكهم او التصرف بها كما يرغبون‪ ،‬وال مؤونتهم‬ ‫وماشيتهم وحيواناتهم ومزارعهم واشجارهم المثمرة‪.‬‬ ‫وقطاع الطرق المذكورين اليتبعون السنة المطهرة‬ ‫واليطيعون الوالي‪ .‬وبسبب رفضهم دفع الميري‬ ‫ويظلمون ويضطهدون الرعايا المساكين‪ ،‬فإن وجودهم‬ ‫في هذه المناطق هو السبب في بدء ودوام الهيجان‬ ‫صد طغيانهم‬ ‫والسبب في دمار االرض‪ .‬من الضروري ّ‬ ‫وظلمهم للرعايا المساكين باالضافة الى أعذارهم‬ ‫وسفههم فيما يتعلق بضريبة الميري‪ ،‬والتخلص من‬

‫وجودهم في المنطقة (‪".)331‬‬

‫الباب العالي لم ُيقـ ّـرر عموماً ما ينبغي عمله بهــذه‬ ‫الشكاوى ‪ .‬فالمراسيم من ‪ 94-5196‬تحمل تغييرات متعددة لـ‬ ‫"خذوهم واعـطوهم العقاب الذي يستحقون بحسب القانون" وهو‬ ‫(‪)551‬‬ ‫أن األحكام السابقة تقترح درج ًة أعلى‬ ‫يعني إعدامهم‬ ‫‪ .‬على ّ‬ ‫ممـا سبق أن ذكرناه في سياقات اخرى ‪،‬‬ ‫من المرونة‪ .‬فأحدها ‪ّ ،‬‬

‫يذكر شكوى أعيان طرابلس "من المؤكد ان الرعايا سوف‬ ‫‪56‬‬


‫ويعدموا ‪ ،‬باالضافة الى‬ ‫يتشتتون ويتوزعـون إن لم ُيعاقبوا ُ‬

‫ٍ‬ ‫قليل من قطاع الطرق المذكورين سابقا في قلعة‬ ‫سجن‬

‫(‪)558‬‬ ‫طرابلس"‬ ‫يفضلون أن يأخذوا افراداً‬ ‫‪ .‬وفي الغالب كان الوالة ّ‬ ‫من العشيرة رهائن لكي يضمنوا انقياد االمراء ‪ .‬ه ــذا بالطبع‬

‫استغل‬ ‫يمكن ان يكون له نتائج عكسية ‪ ،‬كما في ‪ 5114‬عندما‬ ‫ّ‬ ‫آل حماده إعفاء الوالي حديثا وقاموا بغارة جريئة على القلعة‬

‫لتحريـ ـ ــر الرهائن بالسيف (‪ .)551‬والسند االخير لحملة ‪5194‬‬ ‫(‪)559‬‬

‫‪ ،‬وهو ما قد يوحي بأن‬

‫استُبق بقتل رهائن آل حماده‬ ‫ٍ‬ ‫سلمية حتى حينه‪ .‬وأحد‬ ‫بتسوية‬ ‫السلطات كانت ماتزال تأمل‬ ‫ّ‬ ‫المراسيم المتأخرة لسنة ‪ 5195‬يذهب أبعد بأن ُيحـ ّـدد الذين‬ ‫سجل أولئك الذين ينبغي ان ُينفوا‬ ‫سوف ُيعـدمون ‪ ،‬وأيضا أن ُي ّ‬ ‫في السجالت الرئيسة (‪.)551‬‬

‫هم السلطات العثمانية الجوهــري هو حفظ أساس‬ ‫كان ّ‬ ‫ضريبة الرعايا ‪ .‬وليفعلوا ذلك كانوا مستعدين في البداية‬ ‫للتفاوض إلبعاد الشيعة االشرار وليس إعدامهم بشكل اعمى ‪،‬‬

‫حتى ضد رغبات أعيان الرعايا المحليين ‪ .‬فشيعة المنطقة كانوا‬

‫خاضعين لسياسات التوطين السلطانية ‪ ،‬بالضبط كغيرهم من‬ ‫الجماعات القبيلية ‪ ،‬كما يمكن ان نس ـ ـتنتج من أحكام شباط‬

‫‪ 5195‬إلى واليي دمش ـ ـق وطرابلس المتعلقة بشـديد بن حرف ـ ـ ـ ـوش‬ ‫( الذي ُك ّـنـا ق ــد ألمحنا اليه سابقا) ‪:‬‬ ‫إقترح عـلى الروافض الذين يعيشون في القرى ‪ ،‬في‬ ‫ْ‬ ‫‪57‬‬


‫الممرات الجبلية قُــرب بعلبك ‪ ،‬واقنعهم بتسليم قطاع الطُـــرق‬

‫المذكورين سابقاً الهل القرى‪ ،‬وبأن يغادروا هم انفسهم الجبال‬

‫وان ينزلوا مجتمعين الى سهل [البقاع] ويستقروا ويهتموا‬

‫بشؤونهم ‪ ....‬فبالنســبة ألولئك الذين يطـــردون قاطع الطريق‬ ‫المذكور [ شديد ] من منازلهم ويغادروا بانفسهم اماكنهم في‬ ‫الجبال العالية‪ ،‬وينزلوا الى السهل ويهتموا بشؤونهم‪ ،‬فحسنا‬ ‫يفعلون‪ .‬أما اولئك الذين يساعدون قطاع الطرق ويمتنعون‬ ‫عن التسليم ‪ ،‬واليك ّفون عن ارتكاب الشرور والفساد على‬ ‫المسلمين ‪ ،‬فإن دماءهم مهدورة قانونا ‪ ،‬عاقبوهم‪.‬‬

‫(‪)333‬‬

‫وقد بقي العرض ساريا لعشرة اشهر ‪ ،‬بعد فشل أول‬ ‫حملة للقبض على شديد‪.‬‬

‫فاهتمام الباب العالي بالفائدة المالية واضح ‪ ،‬حتى‬

‫بعـد أن تحولــت الحملة على آل حماده الى ما يشبه الثأر‬ ‫الشخصي من جهة الوزير االعظم علي ‪ .‬فالغرض الرسمي‪،‬‬

‫كما قيل للألعيان الدينيين المكلفين بتنظيم النفير العام سنة‬ ‫ويحسن احوال‬ ‫‪ ،5194‬كان مايزال "ان يجعل البلد مزدهرا‬ ‫ّ‬ ‫المؤمنين" (‪ .)556‬في الواقع‪ ،‬استلم ارسالن وطورسون باشا‬ ‫تعليمات دقيقة بما عليهم ان يفعلوه بعد هزيمة المتمردين بعون‬ ‫اهلل ‪:‬‬

‫الحـية‬ ‫الحـية وغـير‬ ‫"استولوا على ُممتلكاتهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التي تجدونها ؛ أموالهم النقدية‪ ،‬متعلقاتهم ‪ ،‬حيواناتهم‬ ‫‪58‬‬


‫‪ ،‬مواشيهم ‪ ،‬وكل أمالكهم ومخازنهم ‪ ،‬وكل ما هناك ‪،‬‬ ‫لمصلحة سجل الضريبة والمحاسبة والخزينة ‪.‬‬ ‫تحروا واعـثروا على اموالهم‬ ‫باالضافة الى ذلك ‪ّ ،‬‬ ‫المدفونة والمخبأة في اماكن سكنهم وخيمهم ‪ ...‬وفي‬ ‫االماكن األُخرى التي تظنون وتشكون ‪ ،‬بكل وسيلة‬ ‫ممكنة ‪ ،‬من الناس الذين يعرفون ومن الرجال الذين‬ ‫تقبضون عليهم ‪ .‬احفروا في االماكن المشبوهة ‪.‬‬ ‫وسعـوا بحثكم وجهودكم واعـثروا عليها‪ .‬استولوا عليها‬ ‫ّ‬ ‫الي واعـلموا عرشي الجليل‬ ‫لمصلحة الخزينة ‪ ،‬واكتبوا ّ‬ ‫بالسجل" (‪.)331‬‬

‫فآل حماده وشــيعة س ـ ــوريا اآلخـ ـرون يمكن أن‬ ‫يكــونـوا نظ ـ ـ ـ ـرياً عنده ـ ـ ـ ـ ـم‬

‫"قزلباش ملعونين يتحتم التخلص منهم" ‪ .‬ولكن ترحيلهم‬ ‫أو أخذ الضريبة منهم أومصادرتهم أو استخدامهم‬ ‫كجباة للضريبة مايزال أجدر‪.‬‬ ‫انتقائيا ُ‬ ‫ـــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪59‬‬


61


‫إســتنتاج‬ ‫إن ثروة مراسيم "المهمة" الموجودة قد جعلت حملة‬ ‫ّ‬ ‫احدة من أفضل االحداث‬ ‫‪ 5194-5196‬على آل حماده و ً‬ ‫أن األعمال‬ ‫توثـيـقـاً في تاريخ‬ ‫التشيع العثماني ‪ .‬النريد ان نقول ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحربية والعنف فـقـط تُظهر أدلّةً إرشيفية عـلى الجماعة الشيعية‪.‬‬

‫فسجالت محكمة طرابلس ‪ ،‬مثالً ‪ ،‬تُـثـبـت تكليف آل حماده‬

‫النصيريين المحليين بجباية الضرائب على طول القرن‬ ‫وأعيان ُ‬

‫(‪)551‬‬ ‫إن أي تاريخ اجتماعي شامل للسكان الشيعة‬ ‫الثامن عشر ‪ّ .‬‬ ‫في سوريا الحديثة سوف يضطر في النهاية إلى أن يعود ليس‬

‫فقط الى دار المحفوظات ومصادر الرواية ‪ ،‬بل ايضا إلى الجزء‬

‫االساسي من سجالت ضرائب المقاطعات ‪ ،‬والى سجالت‬ ‫األوقاف والمقامات المحلية وتقارير القناصل االجانب ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متميز كهـذا هـو ثمي ـ ٌـن‬ ‫حدث‬ ‫ومع ذلك فإن تحليل‬ ‫يزودنا بصو ٍرة عن اإلمارة الشيعية وارتباطاتها‬ ‫بذاته ‪ ،‬ألنه ّ‬

‫بالسلطات العثمانية عند نقـاط اتصال عـ ـ ّـدة عمليات طويلة‬ ‫األمـد‪ .‬وقد حاول نا في هذه المقالة أن نش ــرح الحملة ضمن ثالثة‬ ‫محلي ًة بدأنا‬ ‫محاضرات من تدوين التاريخ ‪ :‬على المستوى األكثر ّ‬ ‫بآل حماده كو ٍ‬ ‫احدة من اإلمارات النشطة شبه المستقلة في جبال‬

‫لبنان الشمالي في نهاية القرن السابع عشر‪ .‬فبعد ان تمـتّع آ ُل‬ ‫حماده طويالً بصفة مقاطعجي في المناطق الريفية ‪ ،‬بدؤا في‬

‫هذه الفترة يعانون من المقاولين الموارنة الذين أخذوا يحلّون‬ ‫‪61‬‬


‫محلهم ‪ ،‬وهؤالء كانوا قادرين على حشد المساندة االوروبية‬ ‫إلعادة استيطان كسروان والفتوح ‪ .‬فباتصاالتهم الدولية‬

‫ـال آل الخـ ــازن‬ ‫ومجاالتهم الزراعية الواسعة ‪ ،‬ك ـ ـ ّـون امثـ ـ ُ‬ ‫والشـهابيين ( وهؤالء متحولون الى المسيحية ) أساسًا اقتصاديًا‬ ‫وكالء الضريبة العثمانيين التقليديين‬ ‫ممـا يستطيع‬ ‫ُ‬ ‫ُمربحاً أكثر ّ‬ ‫المطاف استطاعت اإلمارة‬ ‫أمثال آل حماده ‪ .‬وفي نهاية َ‬

‫تؤس ــس عنوانًا سياسيا وتاريخيا لـ "لبنان" لم يكن‬ ‫المارونية أن ّ‬ ‫ضيق ‪.‬‬ ‫للشيعة فيه إال‬ ‫ٌ‬ ‫مكان ّ‬ ‫بميل م ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شابه نحو التبرير من‬ ‫وخلفية الحملة تتميز‬ ‫ُ‬ ‫فابتداء من إصالح‬ ‫وجهة نظر إداريي المقاطعات العثمانية ‪.‬‬ ‫ً‬ ‫كوبرولو‪ ،‬سقطت الحكومة السورية تحت سيطرة بيوتات نبيلة‬

‫وطنية مرّكـزة‪ .‬كما شهدت الحملـة العقابية سنة ‪5194-5196‬‬

‫السـ ــلطة من النخبة العس ــكرية غير المهتمة والغائبة ‪،‬‬ ‫تحو ً‬ ‫ال في ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال إلى أنظمة تحصيل الضريبة المحترف ـة‬ ‫بكل المقاييـ ـس ‪ ،‬وصو ً‬

‫( وحلفائهم في العاصمة السلطانية ) ‪ ،‬التي سادت التاريخ‬ ‫آل حماده من جهود السلطنة‬ ‫مؤخ ـ اًر ‪ .‬وأخيـ ًار ‪ ،‬عانى ُ‬ ‫السوري ّ‬ ‫ابتغاء إشباع الحاجات المالية‬ ‫دنيوي‬ ‫المضاع َـفـة لتعميق ما هو‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫المتعاظمة ‪ ،‬من أجل منافسة القوى االوروبية الحديثة ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فبتشجيعها التسليح المدني ‪ ،‬وتأسيسها سياسات التوطين القبيلي‬

‫السلطانية ‪ ،‬تجاوزت الحكومة المركزية باطّـ ـراد على الفضاء‬

‫الرعــوية‪ .‬إذا‬ ‫االجتماعي لعشائر الجبل والصحراء المنطلقة شبه ّ‬ ‫‪62‬‬


‫كان الترشي د االجتماعي هـو الناظم المشترك لهذه العمليات‬ ‫أن تشيُّع آل حماده لم يكن ذا أهـم ّـي ٍة‬ ‫الثالث ‪ ،‬فهل يعني ذلك ّ‬ ‫في اضطادهم أثناء السنتين ‪5194-5196‬؟‬ ‫أن منح‬ ‫أن تجاهل حقيقة أنه في حين ّ‬ ‫من المؤكد ّ‬ ‫االقطاعات العادية يتجاهل االنتماء الطائفي ‪ ،‬فإن مراسيم‬ ‫حولت كونهم "روافض" و"قزلباش" إلى‬ ‫الم ّ‬ ‫ُ‬ ‫همة ذات الصلة قد ّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫حجر‬ ‫سياسية للدولة‪ .‬فالتعصب اإلسالمي بقي حقًا‬ ‫مشكلة‬ ‫َ‬ ‫الزاوية في االيديولوجية السلطانية في هذه الفترة ‪ .‬والنزاع‬

‫دمر سنة‬ ‫الم ّ‬ ‫المتجدد مع ايران ‪ ،‬وخصوصا اقتراح نادر شاه ُ‬ ‫‪ ، 5861‬بإضافة التشيع كمذهب خامس لالسالم ‪ ،‬سوف ُيطلق‬

‫هجوماً المثيل له ضد النسـ ـ ـ ــبية الطائفية من جهة العثمانيين‬

‫(‪)551‬‬ ‫التجانـس الديني ضمن المملكة‬ ‫ض‬ ‫ُ‬ ‫‪ .‬فقد صار فـ ْـر ُ‬ ‫مميزًة لتماسك وتحديث الدولة حتى نهاية القرن‬ ‫العثمانية عالم ًة ّ‬

‫التاسع عشر(‪.)558‬‬

‫في التحليل النهائي‪ ،‬يبدو التدين الشيعي دليالً ثقافيًا‬

‫قانونيًا لحالة وجود كاملة ‪ ،‬صارت لعنةً لبداية مشـروع الدولة‬

‫الحديثة ‪ .‬فقـد التزم آل حماده ‪ ،‬مثل علويي شرق االناضول إلى‬ ‫ٍ‬ ‫بشكل من اإليمان الذي لم يكن باستطاعة العثمانيين‬ ‫حـ ٍّـد كبير‪،‬‬

‫ال االعتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـراف به قانوناً وال السيطرة عليه بمؤسساتهم‪ .‬فصار‬

‫المبـتـ ــدع عندهـ ــم ‪ ،‬في‬ ‫موق ُ‬ ‫ـف العثمانيين من ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـذا االسالم ُ‬ ‫المالية ‪،‬‬ ‫نهاية الق ـ ـ ـ ــرن السابع عشر‪ ،‬امتداداً مباش اًر للمسؤولية‬ ‫ّ‬ ‫‪63‬‬


‫والسيادة على االراضي ‪ ،‬واالنتظام االجتماعي ‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫حملة ‪ّ 5194-5196‬بناءةً بطريقتين متضادتين ‪ :‬باالشارة إلى‬ ‫األهمية النسبية للمجتمع الشيعي في سوريا في ذلك الزمن ‪،‬‬ ‫وبتوفير بعض اإلشارات إلى لماذا اصبحت اإلمارة الشـيعية في‬ ‫المرتفعات اجتماعياً وسياسياً غـير قابلة للحياة في العالم‬ ‫العثماني المتغير بســرعة ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪64‬‬


‫الهوامش‬

(*) With many thanks to Cornell Fleischer, Gottfried

Hagen, the Basbakanlik archive staff and the" Fonds pour la Formation de Chercheurs et l'Aide a la recherché" (Quebec).

5 Taha Akyol, Osmanli 'da ve Iran 'da Mezhep ve

Devlet

(Istanbul:

Milliyet

Yayinlary,

5999):

Fariba

Zarinebafshahr, "Qizlibash 'Heresy' and Rebellion in Ottoman

Anatolia during the Sixteenth Century", Anatolia Moderna, 8 (5998), 5-51.

‫اسية في‬ ّ ‫ "البدايات الشيعية والتقاليد الدر‬: ‫ انظر آخر أعمال ُرلى أبي سـعد‬5 The Muslim World 19 (5999), 5-55,: ‫جبل عامل من لبنان في " مجلة‬ . ‫والمصادر المذكورة هناك‬

6 Andrew Newman, "The Myth of the clerical

Migration to Safawid Iran" Ara Shiite Opposition to Ali al-Karaki and Safawid Shiism", Die Welt des Islam 66 (5996), 11-555:

DevinStewart, "Notes on the Migration of 'Amili Scholars to Safavid Iran", Journal of Near eastern Studies 11 (5991), 15-

516; idem, "Husayn b. 'Abd al Samad al-'Amili's Treatise for sultan Suleiman and the Shiite Safi'I Legal Tradition", Islamic Law and Society 4(5998), 511-99.

: )5981:‫ التوثيق األكثر تمام ًا هو لدى محمد كامل البابا (ت‬4

Josef von 94‫ ـ‬519 / )5991 ‫ ُج ّرس للنشر‬، ‫طرابلس في التاريخ (طرابلس‬

Hammer, Geschichte des Osmanischen Reiches (Pest: C.A.

Hartleben, 5161), 1:184, 411-8 [added ref, to M.K. 'Ali].

1 Georg Graf, Geschichte der Christlichen Arabischen

Literatur vol. 6 (Vatican City: Biblioteca Apostolica, 5949), 556.

1 Kamal Salibi, A House of Many Mansions. The

History of Lebanon Reconsidered (Berkeley, etc.: University of

California Press, 5911). The same author's sole reference to

65


the Hamadas in 'The Modern History of Lebanon' (London:

Weidenfeld & Nicolson, 5911) occurs on page 4:"The hamadas did not recognize the overlordship of the Lebanese emirs, and their rule in north Lebanon was violent and oppressive."

، ‫ تاريخ الشيعة في ساحل بالد الشام الشمالي (بيروت‬: ‫ هاشم عثمان‬8

‫ الشيعة في طرابلس من الفتح‬: ‫ يحيى قاسم فرحات‬، )5994 ‫مؤسسة األعلمي‬

: ‫ محمد علي مكي‬، )5999 ‫ دار المالك‬، ‫العربي حتى الفتح العثماني (بيروت‬

، ‫ بيروت‬، ‫ من الفتح العربي إلى الفتح العثماني (الطبعة الرابعة‬5151 ‫ ـ‬161 ‫لبنان‬

. 5995‫دار النهار للنشر‬

medieval

on the debate over the confessional makeup of the Kisrawan,

see

Ahmad

Beydoun,

Identite

confessionnelle de temps social chez le historiens libanais contemporaries (Beirut: Universite Libanaise, 5914), 88-554.

1 Noteworthy exceptions include Qasim al-Samad,

"Muqata'ajiyya al-Danniyya wa Mawqifuhum min al-Sira' 'ala

al-Imara al-Shihabiyya" in al-Jam'iyya al-Lubnaniyya li-'lDirasat al-Uthmaniyya (al-Mu'tamar al-awwal), Lubnan fi 'l-

Qarn al-Thamin 'Ashar (Beirut: Dar al-Muntakhab, 5991), 51581: Rabah abi Haidar, La Societe chiite des Bilad Jebayl a

l'epoque da la Mutasarrifiyya (5115-5958) d'apres des

documents inedits (unpublished Sorbonne-Paris IV doctoral thesis, 5981).

9 Adel Ismail, Histoire du Liban du XVIIe siècle a no

jours (Paris: G.P. Maisonneuve, 5911), 5:51-1.

51 Michel Salame, "Une Tribu chiite des montagnes

de Hermel (Liban). Les Nacer ed-Dine", Revue de Geographie de Lyon 65 (5918), 558-51.

55 Laurent d'Arvieux (d. 5815) Memoires du

Chevalier d'Arvieux, ed. Jean-Baptiste Labat (Paris: CharlesJean-Baptiste Delespine le fils, 5861), 465-4.

66


‫الحمادية انظر‪ :‬أنطونيوس أبو خطار العينطوريني‬ ‫‪ 55‬في تاريخ األسرة‬ ‫ّ‬ ‫(ت‪ : )5155:‬مختصر تاريخ جبل لبنان (بيروت ‪ :‬دار لحد خاطر ‪48 / )5916‬ـ ـ‬ ‫‪ ،15‬طنوس الشدياق (ت‪ )5119 :‬أخبار األعيان في جبل لبنان (بيروت ‪ :‬الجامعة‬

‫اللبنانية ‪ 595 / )5981‬ـ ‪ ، 8‬محسن األمين (ت‪ )5915 :‬أعيان الشيعة (بيروت ‪:‬‬

‫دار التعارف ‪ ، 151 / 5 : )5911‬البابا ‪ :‬طرابلس ‪ :‬م‪.‬س‪.‬ذ‪.‬‬

‫‪ 56‬علي إبراهيم درويش ‪ :‬جبل عامل بين ‪ 5151‬ـ ـ ‪ : 5199‬الحياة‬

‫السياسية والثقافية (بيروت ‪ ،‬دار الهادي ‪ 59 / ) 5996‬ـ ـ ‪ 18 ،61‬ـ ـ ‪. . 9‬‬

‫‪ 54‬إسطفان الدويهي ‪ :‬تاريخ األزمنة ‪ 5191‬ـ ـ ‪( 5199‬بيروت ‪،‬‬

‫المطبعة الكاثوليكية ‪611 / ) 5915‬‬

‫‪ 51‬نفسه ‪ 619 /‬ـ ـ ‪. 81‬‬ ‫‪ 51‬أيضـاً ‪. 681‬‬

‫‪58 Basbakanlik Arsivleri (Istanbul): Muhimme Defteri‬‬

‫‪(MD) 5110840588; MD 5110840581. These registers generally‬‬ ‫‪refer to the Hamada as the "Sirhan-ogullari". The earliest‬‬

‫‪references to Sirhan ibn Hamada can be found in the‬‬

‫‪Sachsische Landesbibliothek (Dresden) manuscript Eb 618, a‬‬ ‫‪muhimme deteri for the years 5185-5181 A.H., fols. 51b,‬‬ ‫‪ 51‬انظر ايضا منصور طنوس الحاتوني‪ ،‬نبذة تاريخية في المقاطعة‬

‫‪515a.‬‬

‫الكسروانية‪ ،‬منشورات يوسف ابراهيم يزبك (الطبعة االولى ‪-19 ،5911 ،)5114‬‬ ‫‪ ، 91‬حول االغتيال االول‪.‬‬

‫‪ 59‬عون كامل ابن نجيم‪" ،‬نبذة من تاريخ لبنان في القرن السابع عشر‪،‬‬

‫المشرق ‪.1-151 )5958( 51‬‬

‫‪MD‬‬

‫‪also‬‬

‫‪51 MD 5150150584; MD 5150180651‬‬ ‫‪55 MD 51505150819‬‬

‫;‪55 Basbakanlik: Ali Emiri Tasnifi 1/695‬‬ ‫‪is‬‬

‫‪dating‬‬

‫‪(Istanbul:‬‬

‫‪Tarih,‬‬

‫‪This‬‬

‫‪51405110116.‬‬

‫‪MD‬‬

‫;‪51405110115‬‬

‫‪corroborated by Ibn Njaym, "Nubtha", 158.‬‬

‫‪Rasid,‬‬

‫‪67‬‬

‫‪Efendi‬‬

‫‪Mehmed‬‬

‫‪56‬‬

‫‪5111/11)5,:594-1.‬‬


54 Duwayhi, Tarikh, 689.

51 Ibn Nujaym, "Nubdha", 158-1.

‫) الحقيقة والمجاز في رحلة بالد‬5865 ‫عبد الغني النابلسي (ت‬51

،‫ دار المعرفة‬:‫ طبعة رياض عيدالحميد مراد (دمشق‬،‫الشام ومصر و الحجاز‬

.515،551 )5919

58 Rasic, Tarih, 5:511-1.

. 5 ‫ ـ‬611/ ‫ تاريخ‬: ‫ الدويهي‬، 9 ‫ ـ‬151 / ‫ نزهة‬: ‫ نجيم‬51

59 Lebanon in history: From the Earliest Times to the

Present (London: MacMillan & Co., 5918), 618.

:‫ تاريخ عودة النصارى الى جرد وكسروان (القاهرة‬،‫ جرجس زغيب‬61

‫؟] ترجـمه ج ـزئيا في حيفا مخايل معلوف ليمان باسم‬595[ ،‫مطبعة المقتطف والمقطم‬

A troubled period in the history of kisrwan from original "

Lebanese manuscript", Arab Historical review for Ottoman

Studies 55-55 (5991), 511-1.

65 Estelle to Pontchartrain, in Adel Isamail, ed.

Documents Diplomatiques et consulaires relatifs a l'histoire du Liban (Beirut, edition des Oeuvres politiques et historiques, 5981), 5:11-11.

65 Richard van Leeuwen, Notables and Clergy in

Mount Lebanon. The Khazin Sheikhs and the maronite church (5861-5141) (Leiden, etc.: Brill, 5994), 15-1, 515-8.

66 Zghayb/Malouf Leman, "a Troubled Period", 516.

64 'Aynturini, Mukhtasar, 565-5: c.f. "al-Shaykh 'Isa

Hamada al-Mitwali", attributed to Tuma al-Labudi (d. 5811) &

Aghustin Zinda (d. after 5861), ed. Paul Mas'ad, al-Mashriq 61 (5941), 65-41.

61"Lettre du Roi au Magnifique Seigneur Nassif,

Prince des Maronites", 5 July 5198, reproduced in Jean de la

Roque (d. 5841), Voyage de Syrie et du Mont-Liban, ed. Jean Raymond (Beirut, Dar Lahad Khater, 5915), 555-5.

68


61 van Leeuwen, Notables and Clergy, 16, 518-51.

68 "Lettres Patentes du Roi, en Faveur de l'Emir

Hassun Casen, Maronite", in "de la Roi, Voyage de Syrie", 5515.

61 Estelle to Pontchartrain, Documents Diplomatiques

et Consulaires, 5:41.

69 In Thomas Philip, ed., The Syrian Land in the

51th and 59th Century. The Common and the Specific in the Historical Experience (Stuttgart: Franz Steiner, 5995), 55-51.

41 Rafiq, Bilad al-Sham wa Misr, Muhammad adnan

Bakhit, The Ottoman Province of Damascus in the sixteenth

Century (Beirut: Librairie du Liban, 5915); Abdul Rahim Abu-

Husayn, Provincial Leaderships in Syria, 5181-5111 (Beirut: AUB, 5911).

45 On the Shiite urban notables of Aleppo, see

Marco Salati, Ascesa e caduta di una famiglia di asraf sciite di

Aleppo: I Zuhrawi o Sugra-zada (5111-5811) (Rome: Instituto per l'Orientd C.A. Nallino, 5995).

45 Abdul Rahim Abu-Husayn, "Problems in the

Ottoman Administration in syria during the 51th and 58th Centuries: The case of the sanjak of sidon-beirut", International Journal of Middle east studies 54 (5995), 118-81.

46 Kamal Salibi, "the Sayfas and the Eyalet of Tripoli

5189-5141", Arabica 51 (5986), 61.

44 Abu-Husayn, "Problems", 185-6: c.f. Mehmet

Sureyya, Sicill-I Osmani, ed. Nuri akbayar & Seyit Ali

Kahraman (Istanbul: Turkiye ekonomik ve Toplumsal Tarih Vakfi, 5991), 141.

41 Duwayhi, Tarikh, 611-8.

41 Rafiq, Bilad al-Sham wa Misr, 594, 551-8.

69


48 MD 51101051. 41 MD 51109059.

49 MD 511054061; MD 511051041.

11 Al-Ghurar al-Hisan fi Akhbar abna' al-Zaman

(Cairo: Matba'at al-Salam, 5911), 846. 15

511054068.

MD

5150150584:

MD

51505110811:

MD

15 Klaus rohrborn, Untersuchungen zur osmanischen

Verwaltungsgeschichte Gruyter,5986)esp. Ottoman

Vezir

(Berlin,

14-14:

and

Pasa

Rifaat

etc.:

Ali

Walter

Abou-el-Haj,

Households

de

"The

5116-5816:

A

Preliminary Report", journal of the American oriental Society 94 (5984), 461-48;

Metin Kunt, The sutlan's servants. The

Transformation of the Ottoman Provincial Government, 51115111 (New York: Columbia University Press, 5916). 16 Later also malikane, or life-tax farm.

14 Jane Hathaway, The Politics of Housholds in

Ottoman Egypt. The Rise of the Qazdaglis (New York: Cambridge University Press, 5998); Kark Barbir, Ottoman Rule in Damascus, 5811-5811 (Princeton University Press, 5911).

.611 / ‫ تاريخ‬: ‫ الدويهي‬11

11 Stanford Shaw, History of the Ottoman Empire

and Modern Turky. Volume 5: Empire of the Gazes: The Rise

and Decline of the Ottoman Empire, 5511-5111 (Cambridge Universisty Press, 5981), 518-55.

18 Rasid, Tarih, 5:511; Silahdar Findikhh Mehmed

Aga, Silahdar Rarihi, (Istanbul: Orhaniye Press, 5951), 5:8451.

11 MD 511051-55065.

71


19 MD 51109051. The slightly earlier MD 51101058

appears to be a draft version of this same decree.

11 MD 51101051; MD 511051-55065; MD 511051069;

MD 511051045. 15

Staatsbibliothek/Preussischer

KultureBesitz

(Berlin): Diez A. Quart 81, fol. 16a-511a. The incomplete manuscript covers the years 5199 to 5551 A.H. 15 Ibid., fol.511b-518a.

16 MD 51105410165; MD 5150150581. 14 Sureyya, Sicill-I Osmani, 5591-5. 11 Rasid, Tarih, 5:584.

11 Sureyya, Sicill-I Osmani 9, 555. 18 Rasid, Tarih, 5:519.

11 Sureyya, Sicill-I Osmani 68،5114. 19 Duwayhi, Tarikh, 681.

81 Sureyya, Sicill-I Osmani 556-4, 851. 85 ibid., 594-1.

. 11‫ ـ‬689 / ‫ تاريخ‬: ‫ الدويهي‬85

86 That arslan was promoted specifically with this

goal in mind is underlined by Ibn Nujaym, "Nubdha", 151; and Surayya, Sicill-I Osmani, 654.

، 611 ‫ تاريخ‬: ‫ الدويهي‬81 . 846 / ‫ الغرر الحسان‬: ‫ الشهابي‬84 ; Sureyya, Sicill-i Osmani, 118.

.‫ و‬5 ‫ ـ‬515 / ‫ الحقيقة‬: ‫النابلسي‬

‫ نشرة‬، ‫النابلسية في الرحلة الطرابلسية‬ ‫ التحفة‬: ‫ عبد الغني النابلسي‬81 ّ Heribert Busse (Beirut: Franz Steiner, 5985), 18. 5:489.

88 Sureyya, Sicill-I Osmani, 654; Rasid, Tarih, 81 Barbir, Ottoman Rule, 15-6. 89 Rasid, Tarih, 5:511.

71


11 Sureyya, Sicill-I Osmani,5169-41. 15 MD 511051-55065. 15 MD 511051065.

16 MD 511051069; also MD 511051045. 14 MD 511058045.

11 MD 5110610561; MD 5110610568.

11 Banditry by Tripoli-area Shiites is reported again

as early as February 5191; see MD 5110150658; MD 511051905196.

18 MD 511055-56069; MD 511056041.

ً‫ موسى من جانبه تلقّى نصيحة بأن " دع عينيك وأُ ُذنيك مفتوحة‬19 ، ‫ فإن تكن المسألة التي كانت سبب األزمة مسألة رعاية فقط‬.... ‫على كل الجهات‬

‫ باالعتماد على حكمة‬، ‫فهدئهم واسترضهم بالنصيحة واالهتمام "في موسم الحصاد‬ ّ ‫ وستتل ّقى رسالة أمان وهكذا‬، ‫المتوجبة عليم سـتُس ّـدد‬ ‫ائب‬ ‫ر‬ ‫الض‬ ‫فإن‬ ، ‫الدولة‬ ‫رجال‬ ّ ُ

‫ وبهذه الوسيلة سترجع إلى عملك بسهولة‬. ‫تنجو بنفسك وال تُسحق تحت األقدام‬ . 46 . 54 . 511 ‫همة‬ ّ ‫الم‬ ُ ‫ انظر دفتر‬. ‫وستبقى في موقعك‬

91 MD 51105690114.

95 Tevarih, fol. 511b.

95 MD 51101051; MD 51101058; MD 51109051; MD

511051065.

96 Abu-Husayn, "Problems", 111-8. 94 Hanna Shorweide, "Der Sieg der Safaviden in

zPersien und seine Ruckwirkung auf die Schiiten Antoliens im

51. Jahrhundert", Der Islam 45 (5911)< 91-556; C.H.Imber, "The persecution of the Ottoman Shiites according to the

muhimme defterleri, 5111-5111", Der Islam 11 (5989), 54186.

155.

91 Silahdar Tarihi, 5:151.

91 Rashid, Tarih, 5:515; c.f. silahdar Tarihi, 5:151,

72


98 Is the omission of anu reference to the "heretical

Shiites" mentioned in MD 51505110811 (addressed to the vali, molla and kadi of Tripoli) from the otherwise identical MD

51505150819 (to ibn Maan) evidence of tact on some chancery official's part?

91 MD 51105690165.

99 MD 511084. 588; c.f. MD 5110840581. 511 c.f. Abdul-Rahim abu Husayn, "The Shiites in

Lebanon and the Ottomans in the 51th and 58th centuries" in

La Shi'a nell'Impero Ottomano (Rome: Accademia Nazionale dei Lincei, 5996), 556.

516 Karen Barkey, Bandits and Bureaucrats. The

Ottman Rout to State Centralization (Ithaca, etc.: Cornell University Press, 5994).

515 Halil Inalcik, "Military and Fiscal Transformation

in the Ottoman Empire, 5111-5811", Archivum Ottomanicum 1 (5911), 516-668; reprinted in Studies in Ottoman Social and Economic History (London: Variorum, 5911).

516 For our period, these mufti included tursum

Mehmed, who was then diverted to fight the Hamads, and his successor, Genc Mehmed. On the latter, see Sureyya, sicill-I Osmani, 5115; MD 511051-55065. 514-55.

514 Inalcik, "Military and Fiscal Transformation", 511 The force was led by Genc Mehmed and

included conscripts from Kazdagi, Kastomonu, Bolu, Giga and elsewhere; Rasid, Tarih, 5:586. The same author reports that the Istanbul residents drafted for the imperial compaign at

Edirne were given the option of paying a tax instead; see Tarih, 5:11.

73


511 Silahdar Tarihi, 5:618-16, 415-4, 419-51;

Radid, Tarih, 5:69-41, 86-1; Hammer, Geschichte, 1:155-6, 156-1; Inalcik, "Military and Fiscal Transformation", 599-615. 518 MD 5150180651.

511 Numerous similar orders in MD 511, pages 1-

8, 51-55, MD 511058045 and MD 511051046, issued in November, additionally specify that the provincial (yerlu) Damascene Janissaries are to be sent. 518-51.

519 Inalcik, "Military and Fiscal Transformation", 551 Cengiz orhonlu, Osmanli Imparatorlugu 'nda

Derbend Teskilati (5nd 5991);

Yusuf

expanded edition. Istanbul: Eren,

Halacoglu,

XVIII.

Yuzyilda

Osmanli

Impartorlugu'nun Iskan siyaseti ve Asiretlerin Yerlestirilmesi (Ankara: turk Tarih Kurumu, 5911), 94-511.

555 see Halacoglu, Iskan Siyaseti, 5-9. However,

the author's characterization of this policy as "turklestirilme" (turkification) seems, kn light of the large Kurdish and Arab populations involved, needlessly ethnicized.

555 Cengis orhonlu, Osmanli Imparatorlugu 'nda

Asiretlerin Iskani (Istanblu: Eren, 5918), comprising Osmanly Imparatorlugu'nda Asiretleri Iskan Tesebbusu (5195-5191), first published in 5916, and "Osmali Imparatorlugu 'nda Asiretlerin Iskani" in Turk kutlutu Arastirmalari 51(5981). 556 MD 5150180651.

554 MD 51505110811; MD 51505150819. 551 MD 5-405110115; MD 51405110116. 551 Imber, "Persecution", 581-5. 558 MD 5-505110811.

551 Duwayhi, Tarikh, 681.

74


559 Ibn Nujaym, "Nubdha", 151.

551 MD 5150150584, A similar order concerning

Nusayri brigands instructs the governor of Tripoli to "kill them all lawfully or banish them to another region, "the latter case also to be detailed in the bas muhasebe defterleri"; MD 5150150581.

555 MD 51105680155; MD 51105410165. 555 MD 5150810611. 556 MD 51108051.

554 MD 51101054; MD 511051041; MD 511051041.

‫السياسية في‬ ‫أهمية والية طرابلس اإلدارية و‬ : ‫ حسن يحيى‬551 ّ ّ ‫النصف األول من القرن الثامن عشر من خالل الوثائق العثمانية وغيرها من‬

‫ نظام االلتزام في والية طرابلس في القرن الثامن‬: ‫ قاسم الصمد‬، 61 / ‫الوثائق‬ ‫ في المؤتمر األول‬1 ‫ ـ‬86 / ‫عشر من خالل وثائق سجالت المحكمة الشرعية‬

‫ ( الجامعة اللبنانية‬5951 ‫ ـ‬5151 ‫لتاريخ والية طرابلس ّإبان الحقبة الـعثمانية‬ . )5991

551 Ernest Tucker, "Nadir Shah and the Ja'afari

Madhhab Reconsidered", Iranian Studies 58 (5994), 516-89.

558 Selim Deringil, "The Struggle Aginst Shi'ism in

Hamidian Iraq", Die Welt des Islam 61 (5991), 41-15. ‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ‬

75


76


‫" زنـبـقـ ٌة بين األشواك "‬

‫الموارنة و الشيعة في جبل لبنان ‪3291-3963 ،‬‬ ‫د ‪ .‬سـتيفان وينتر‬

‫هـذه المقالة هي ترجمةٌ أمينة عن األصل‬ ‫‪Arabica 15 – 5‬‬

‫نسية المنشور في مجلة‬ ‫بالفر ّ‬ ‫)‪ .(5114‬ترجمها إلى العربية فضيلة الشيخ محمود الزين‪.‬‬

‫‪77‬‬


78


‫مـوجــز‬ ‫عدة تغييرات إجتماعية وادارية‬ ‫عاشت والية طرابلس ّ‬ ‫أهمها عزل اإلمارة الشيعية آلل‬ ‫أثن َ‬ ‫ـاء القرن الثامن عشر ؛ و ِمن ّ‬ ‫الجباة التقليديين في جبل لبنان ‪ِ ،‬من ِقبل‬ ‫حماده ‪ ،‬الح ّكام – ُ‬ ‫شهابيي صيدا وحلفائهم الموارنة المحلّيين ‪ .‬وألنهم غالبًا ما كانوا‬ ‫فإن أفول آل حماده في‬ ‫مهملين عند كتابة التاريخ الوطني ‪ّ ،‬‬ ‫فسر بنفس القدر‬ ‫إطار المنظومة اإلقطاعية اللبنانية يمكن ان ُي ّ‬ ‫ِمن خالل تهميشهم اإلجتماعي – اإلقتصادي البطيئ كما ِمن‬ ‫الخفية ‪ .‬ويستفيد هذا المقال ِمن ارشيف‬ ‫خالل عداواتهم‬ ‫ّ‬ ‫القنصلية‬ ‫المحكمة اإلسالمية في طرابلس كما ِمن العالقات‬ ‫ّ‬

‫الفرنسية في ذلك العصر ‪ ،‬ويحاول ان ُيظهر اإلرتباط المتنامي‬ ‫آلل حماده بدائنيهم وانخراطهم الفاشــل في بعض الصراعات‬

‫كأهم األسباب للتراجع الشيعي في لبنان –‬ ‫المارونية الداخلية ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشمالي في القرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫مثل " ز ٍ‬ ‫نبقة بين األشواك " قال البابا ليو العاشر عن‬ ‫ال إياها بشكل‬ ‫متقب ً‬ ‫الكنيسة المارونية في سوريا سنة ‪ّ ، 5151‬‬ ‫متقدم للكاثوليكية الغربية في شرق أوسط غير‬ ‫رسمي كموقع ّ‬ ‫‪5‬‬ ‫وكل‬ ‫قابل للشفاء ‪ .‬ويمكن اعتبار اهتمام الكرسي الرسولي ّ‬ ‫أوروبا أيام النظام القديم باألقّليات المسيحية في الشرق ‪ ،‬كو ٍ‬ ‫احد‬ ‫ِ‬ ‫أثناء‬ ‫ـويـة س ــياسـية خاصة بلبنان‬ ‫أهم العناصر لبلورة ُه ّ‬ ‫َ‬ ‫من ّ‬ ‫أمنت البعثة الكاثوليكية الثالوثية التي‬ ‫العصر العثماني ‪ .‬وقد ّ‬

‫‪79‬‬


‫الرماحون ‪ ،‬كذلك الروابط التجارية‬ ‫قادها اليسوعيون والكرمليون ّ‬ ‫القوية والشخصية مع أوروبا ‪ ،‬للطائفة المارونية في الجبل‬

‫باألخص ‪ ،‬إمتيازات تربوية واقتصادية أبعدتهم أكثر‬ ‫الساحلي‬ ‫ّ‬ ‫وكونت فيما بعد‬ ‫فأكثر عن باقي المجتمع الساحلي السوري ‪ّ ،‬‬

‫قاعـدةً لطموحاتهم الوطنية ‪ .‬وقد إتّضحت عراقة األبوة الغربية‬ ‫منذ منتصف القرن السابع عشر عندما ربط الملك " المسيحي‬

‫المصالح التجارية والسياسية الفرنسية‬ ‫جداً " لويس الرابع عشر‬ ‫َ‬ ‫في المنطقة بحماية السكان الكاثوليك ‪ .‬وكما تشير رسالةٌ‬ ‫وموجهة الى مشايخ منطقة‬ ‫مؤرخة في آب ‪5856‬‬ ‫ّ‬ ‫قنصلية ّ‬ ‫تكون "أجمل وردة‬ ‫كسروان ‪ ،‬فإن " الوالية المارونية " سوف ّ‬

‫في الشرق" ليس فقط للسلطات البابوية ‪ ،‬وانما لفرنسا‬

‫اإلمبراطورية كذلك ‪. 5‬‬

‫شك في‬ ‫تدع المراسالت القنصلية الفرنسية أي ّ‬ ‫وال َ‬ ‫ملمحة الى تأثير األورثوذوكس‬ ‫ـدو الدين‬ ‫ّ‬ ‫المقدس‪ّ ،‬‬ ‫كون ع ـ ـ ـ ّ‬ ‫اليونانيين ( وامتداداً الى اإلنكليز الك ّفار ) ‪ ،‬وراء الخيبة‬ ‫الدبلوماسية و " تلعن" معاناتها في الشرق ‪ .‬وكل َم ّرة نلتفت فيها‬ ‫ِ‬ ‫ان اإلمتداد‬ ‫الى األشواك المتشابهة اكثر من الزنابق ‪ ،‬نالحظ ّ‬ ‫السياسي والجغرافي للموارنة يكتمل في المرحلة األولى على‬ ‫حساب اإلجتماع اإلقطاعي للشيعة اإلثنى عشريين ‪ .‬وكانت‬ ‫باألخص قد سيطرت على‬ ‫عائلة حماده في وادي علمات‬ ‫ّ‬ ‫المناطق الشيعـية في جبيل والفتوح منذ العصر المملوكي ‪ .‬وبعد‬ ‫‪81‬‬


‫إعادة الهيكلية الضريبية في العهد العثماني في القرن السادس‬ ‫ت هذه العائلة نفسها ملتزمة بنتائج زيادة الضرائب‬ ‫وجد ْ‬ ‫عشر ‪َ ،‬‬ ‫على امتداد بقعة جغرافية ساحلية تحتوي على مناطق ذات‬ ‫وتمتد أحيانًا حتى صافيتا‬ ‫بشري ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫غالبية مارونية مثل ّ‬ ‫جبة ّ‬ ‫وعكار شماالً ‪.‬‬ ‫لفترة ِمن الزمن ‪ ،‬نافس آل حماده متعهّدي الضرائب‬ ‫المعروفين ‪ :‬المعنيين والشهابيين ِمن حيث السلطة والتأثير ‪.‬‬ ‫ولكنهم مع ذلك لم ينجحوا ابدًا في كسب الثقة الكاملة للسلطات‬

‫العثمانية ‪ ،‬وال ‪ ،‬وهذا األه ّـم ‪ ،‬في جذب التجار ورجال الدين‬ ‫والمستعمرين المسيحيين لبناء منطقة اقتصادية وسياسية مستقلّة‬ ‫المجددين ‪ .‬وعلى العكس ‪ ،‬فإن‬ ‫على غرار مواطنيهم الدروز‬ ‫ّ‬

‫المتوجسة من آل حماده أثارت عدم‬ ‫الحكومة القليلة اإلطالع و ّ‬ ‫رضاها عن رعاياها الموارنة وأعلنت عصيانهم بالنهاية‪ .‬وفي‬

‫صنفها فيليب حتّي بكل سهولة‬ ‫العام ‪ ، 5816‬و ِمن خالل حادثة ّ‬ ‫بوصفها " إنتفاضة وطنية " ‪ ،‬طلبت الطائفة المارونية في جبل‬ ‫لبنان من قائدها العسكري يوسـ ــف الش ـ ـ ــهابي إزاحة إمارة آل‬ ‫حماده بشكل نهائي‬

‫‪6‬‬

‫‪ .‬وبالرغم من ان بقايا هذا اإلتحاد ما‬

‫زالت مقيمة في منطقة جبيل حتى ايامنا هذه ‪ ،‬فإن غالبية‬ ‫عشائر جبل لبنان الشيعية كانت مجبرة على الهجرة نحو الهرمل‬ ‫والبقاع الشمالي في نهاية القرن الثامن عشر والقرن التاسع‬

‫عشر‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫اإلم ـ ـارة الشيعية في والي ـ ـة طرابلس لم تأخــذ حـقّ ـها في‬ ‫كتابة التاريخ العثماني واللبناني ‪ .‬فقد جعل التأريخ اللبناني ِمن‬

‫ألمة سرمدية ‪ ،‬ولكنه تقليديا‬ ‫إمارة الشوف ( والية صيدا ) مسخًا ّ‬ ‫قلّما كان يأخذ بعين اإلعتبار المؤسسات والسيرورة خارج إطار‬

‫فإن الكتّاب‬ ‫اسطورة التعايش الدرزي – الماروني ‪ .‬بالمقابل ‪ّ ،‬‬ ‫الشيعة وصفوا تاريخ المنطقة الطرابلسية أيام العثمانيين بعبارات‬

‫الحميمية والظلم الطائفي ‪ ،‬وغالبًا ضمن حرب كالمية مش ــتعلة‬

‫‪4‬‬ ‫الرعـوي وال الجحيم المذهبي‬ ‫ّ‬ ‫ضد الموارنة ‪ .‬وانما ال َ‬ ‫الغزل ّ‬ ‫الجيد للماضي الصحيح للبنان العثماني ‪.‬‬ ‫استطاعا التلخيص ّ‬ ‫أن "الثقافة المذهبية" هي خطاب‬ ‫وقد ألمح أسامة المقدسي الى ّ‬

‫معب ًار بذلك عن إرادة‬ ‫منبثق فقط من القرن التاسع عشر ‪ّ ،‬‬ ‫السلطات العليا العثمانية واألوروبية بفرض مبادئهـا بالحكم‬

‫"الحديث" و "العقالني" على المجتمع اللبناني‬

‫"التقليدي" ‪.1‬‬

‫فإن أحمد بيضون قد ّبين بشكل واضح في بحثه حول‬ ‫بالمقابل ّ‬ ‫بأن اإلعتراف المسبق بـ "نظام"‬ ‫الهوية وكتابة التاريخ اللبناني ّ‬

‫شبه ديني في "لبنان التاريخي" هو سؤال كبير حول الرؤية‬

‫‪1‬‬ ‫إن النقاش الحالي حول أُفول إمارة آل حماده ال‬ ‫المذهبية ! ‪ّ .‬‬ ‫وصية للتاريخ المذهبي للشيعة ‪ ،‬وانما‬ ‫ُيـ ـراد له أن يكون ملحق‬ ‫ّ‬ ‫إعادة فحص للنظام اإلقطاعي العثماني ِمن خالل واحدة ِمن‬

‫أهم خيباته في القرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫‪82‬‬


‫المهمة للمستشارية العثمانية ِمن بين‬ ‫تبدو الق اررات‬ ‫ّ‬ ‫أفضل مصادر تاريخ اإلمارات الشيعية في سوريا الجغرافية ‪ .‬لقد‬

‫أثار آل حماده ‪ ،‬الذين كانوا ُجباة الضرائب األساسيين في كل‬ ‫منطقة طرابلس ‪ ،‬بشكل منتظم غضب السلطات األميرية بسبب‬ ‫تمنعهم عن دفع الضرائب وبسبب ما تصفه بـ لصوصيتهم‬ ‫ّ‬ ‫ويظهر التوثيق العثماني لحملة‬ ‫وظلمهم واحيانًا بسبب بدعهم ‪ُ .‬‬

‫عامي ‪ 5196‬و‪ 5194‬بشكل واضح‬ ‫إقتصاص واسعة مابين َ‬ ‫وبالرغم ِمن ال َذ ّم ضد الهرطقة ‪....‬و‪ ،....‬أن أهدافًا إدارية‬ ‫مالية المقاطعات ومراقبة عصابات‬ ‫ملموسة مثل إعادة تنظيم ّ‬ ‫حركت إضطهاد‬ ‫السطو‬ ‫ّ‬ ‫وباألخص تحضير العشائر هي التي ّ‬ ‫الدولة تجاه آل حماده وأمراء شيعة آخرين ‪ . 8‬ولسوء الحظ ‪،‬‬ ‫صوره بربرية شيعية‬ ‫فإن وثائق المستشارية ّ‬ ‫ّ‬ ‫تقدم لنا وصفًا لما تُ ّ‬ ‫متوازنة مع ما تعطيه المصادر الروائية اللبنانية ‪ .‬تاريخيًا ‪ ،‬فإنه‬ ‫يجب مراقبة الخالفات المتنامية بين آل حماده ورعاياهم الموارنة‬

‫توسع‬ ‫من ضمن إطار صعود آل الخازن وأعيان آخرين كذلك ّ‬

‫البنية اللبنانية إنطالقًا من نهاية القرن السابع عشر ‪ .‬وتشير‬ ‫األهمية‬ ‫دراسات حديثة أجراها فان لووين و جوزيف ابو نه ار الى‬ ‫ّ‬

‫السياسية ‪ -‬اإلجتماعية على المدى الطويل لإلستيطان الرهباني‬ ‫يتوجه مع ذلك الى‬ ‫الماروني في الجبل اللبناني ‪ِ ،‬من دون أن ّ‬ ‫حل مكان ـ ــه ‪ .1‬والمساهــمة‬ ‫النظام اإلقطاعي‬ ‫المتأصل الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫األكبـ ـ ــر في هـ ــذا الصـ ــدد تبقى دائماً د ارسـ ــة مسعود ضاهر عن‬ ‫‪83‬‬


‫الجذور الطائفية في لبنان ‪ ،‬حيث يعرض تراكم األمالك الوقفية‬ ‫بين أيدي األرستقراطية المارونية المدع ـومة ِمن فرنسا‪ ،‬باعتبارها‬

‫ٍ‬ ‫بلباس طائفي‬ ‫مصدر صراع طبقي‬

‫‪9‬‬

‫‪ِ .‬من مساوئ هـ ــذه‬

‫تقديم المصالح المنطقية للطبقات فقط ‪ ،‬مع‬ ‫المقاربة البنيوية‬ ‫ُ‬ ‫الشخصية والتقاليد ‪ ،‬عند الفعاليات السياسية ‪.‬‬ ‫إبعاد اإلرتباطات‬ ‫ّ‬

‫يستكشف هذا البحث مجموعتين من المحفوظات اآلتية‬

‫من طرابلس ( سجل المحكمة الشرعية والمراسالت السياسية‬ ‫التدخل البائس آلل حماده‬ ‫أن‬ ‫ّ‬ ‫للقنصلية الفرنسية ) حتى يستنتج ّ‬ ‫ّ‬ ‫في بعض الصراعات المارونية الداخلية ‪ ،‬أكثر ِمن مواجهتهم‬

‫مع الطائفة الكاثوليكية بكاملها ‪ ،‬كان أهم العوامل لتهميشهم في‬

‫جبل لبنان في الق ــرن الثامن عشر ‪.‬‬ ‫ــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ‬

‫‪84‬‬


‫‪ 3‬ـــــ الشركاء الموارنة إلمارة آل حماده‬ ‫محكوم ًة منذ العهد المملوكي ِمن ِقبل السالالت القبلية‬

‫نصف البدوية مثل آل حماده وآل عساف ‪ ،‬تل ّقت أعالي بالد‬ ‫كسروان والفتوح موجات متواصلة من المزارعين والقرويين‬ ‫إبتداء من القرن السابع عشر ‪ .‬وفي بداية القرن ‪،‬‬ ‫الموارنة‬ ‫ً‬ ‫تتحدث الدوريات المحّلية عن آل الخازن الذين اشتروا في‬ ‫ّ‬ ‫كسروان أمالكًا ِمن المتاولة الشيعة الذين أصبحوا فقراء على إثر‬ ‫حملة تأديبية عثمانية جديدة ‪ " :‬وقّع المسيحيون والمتاولة‬

‫ري ْت‬ ‫اإلتفاقات ‪ ،‬وصار المتاولة ف ّ‬ ‫الحين في األراضي التي اشتُ َ‬ ‫منهم ‪ 51 " .‬وقد تسارعت وتيرة اإلستحواذ هذه على األراضي‬ ‫ايام الشي خ ابو نواف الخازن نائب قنصل فرنسا في بيروت منذ‬ ‫العام ‪ 5115‬ومهندس عـ ـ ـ ّـدة مستعمرات زراعية وسـ ـ ــط جبل‬ ‫رد أول موجة عنف مناطقية ضد هؤالء‬ ‫لبنان ‪ .‬وقد أمكن ّ‬ ‫القادمين الجدد لق ــد ‪ " :‬أصبح المتاولــــة فقـــــراء وصاروا‬ ‫مراقبين بحزم ِمن ِقبل السلطات " ‪ . 55‬ومع ذلك فقـ ـ ــد ق ـ ـ ّـدر‬ ‫الدراية عند إقطاعيي آل الخازن ‪،‬‬ ‫شيعة كسروان الدعم المالي و ّ‬

‫استمرت هجرة الموارنة واستحواذهم على األراضي حتى القرن‬ ‫و ّ‬ ‫التالي ‪.‬‬ ‫ال من مبيعات األمالك هذه كان‬ ‫ويبدو ان عدداً قلي ً‬

‫ال في المحكمة الشرعية لمنطقة طرابلس‬ ‫مسج ً‬ ‫ّ‬ ‫‪85‬‬

‫‪55‬‬

‫‪ .‬وبالرغم من‬


‫أن المسيحيين والمسلمين ( المهرطقين ) كثي اًر ما لجأوا الى‬

‫التشريع السني اإلسالمي في أ ٍ‬ ‫ُمور أُخرى ‪ ،‬فانه يجب اإلعتقاد‬

‫بأن تسجيل معامالتهم العقارية المتبادلة ل ـ ــدى الدولة العثمانية لم‬

‫يكن بموافقتهم ‪ .‬وتبقى كمية غير معروفة من ُحجج البيع‬ ‫معينين او في‬ ‫لملكيات قديمة آلل حماده بين أيدي أناس ّ‬ ‫محفوظات بعض األديرة‬

‫‪56‬‬

‫‪ .‬ويمكن للبحث والتحليل النظامي‬

‫لهذه الوثائق ‪ ،‬المستحيل ضمن إطار هذا المقال ‪ ،‬أن يكون‬

‫معمق للعالقات الشيعية‪-‬المارونية في القرن‬ ‫ضروريًا لفهم‬ ‫ّ‬ ‫الثامن عشر‪.‬‬ ‫بالمقابل ‪ ،‬فإن وثائق المحكمة اإلسالمية يمكن لها أن‬

‫تعطينا معلومات حول ظاهرة أخرى ‪ .‬أعني حول هذه العالقة‬ ‫مع تفاصيل عن أعيان موارنة ساهموا بشكل أو بآخر مع آل‬

‫حماده بتحديد ضرائب اإلجارة الزراعية ‪ .‬وككل إلتزام ضريبي ‪،‬‬ ‫فإن إلتزام آل حماده كان موضوعًا للتجديد وللتأكيد السنوي ‪.‬‬

‫وتُظهر التعهدات القانونية بأن القيمة الضريبية لكل منطقة كما‬ ‫دفعها تظل تقريبًا بال تغيير طوال الفترة المتّفق عليها ‪.‬‬ ‫ُمهِّـ َـل ُ‬ ‫وبشكل عا م ‪ ،‬فقد كانت آلل حماده مسؤولية دفع كل الضرائب‬ ‫المتوجبة ضمن أراضيهم ‪ ،‬بما في ذلك المفروضة على األوقاف‬ ‫ّ‬ ‫المارونية والخاصة بالعسكر ‪ ،‬كذلك فرض الميري وسلسلة‬ ‫ويستحق ثالثة أرباع‬ ‫مخصصات وجزية ‪.‬‬ ‫متكاملة اخرى ِمن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫المجموع "خالل موسم الحرير‪ "،‬بينما يستحق الربع الباقي بعد‬ ‫‪86‬‬


‫قطاف الزيتون قبل نهاية السنة المالية في آذار بشهر أو‬ ‫‪54‬‬ ‫عدة وثائق أن آل حماده كانوا َّ‬ ‫مكلفين‬ ‫بشهرين ‪.‬‬ ‫ونجد في ّ‬ ‫طور البلد ‪ ،‬وبحماية الشعب‬ ‫بشكل قاطع بالسهر على رخاء وت ّ‬ ‫ككل والمسافرين " ِمن معبر المسيلحة حتى جسر المعاملتين" ‪.‬‬

‫ولكن ليست الشروط القانونية لهذه اإلتفاقات هي‬ ‫محل‬ ‫تهمنا ‪ ،‬واّنما كيفية المفاوضات عليها هي التي‬ ‫ّ‬ ‫التي ّ‬ ‫اهتمامنا حاليًا ‪ .‬كانت نصوص اإللتزام األكثر ِقدمًا (الموجودة‬

‫إبتداء من العام ‪ )5118‬تتم باللغة التركية في العاصمة‬ ‫ً‬ ‫المناطقية ‪ .‬ولم يكن أمراء آل حماده يحضرون أبداً بشكل‬ ‫شخصي إلى القصر ‪ ،‬طبعاً ضمن هاجس األمن ‪ ،‬بـل كان‬

‫يمثّلهم شخص مسلم من محيطهم كوكيل عنهم ‪ .‬ومع ذلك‬ ‫ِّ‬ ‫المتكلم باللغة العربية ومقبولة‬ ‫سجل بصيغة‬ ‫كانت كلمة الشرف تُ ّ‬ ‫ِمن ِقبل السلطات العثمانية‪ ،‬التي كانت تعتبر كل عائلة المشايخ‬ ‫هذه يضمن بعضها إلتزامات بعضهااآلخر ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫وكضمانة‬

‫إضافية ‪ ،‬كان الوكيل أو أحد أقارب الجابي ‪ ،‬غالباً زوجته أو‬

‫اوالده ‪ ،‬مجبرين على البقاء في منطقة مراقبة من طرابلس حتى‬

‫‪51‬‬ ‫الودي رزح تحت األزمة‬ ‫تسديد كافة قيمة اإللتزام ‪ .‬هذا التفاهم ّ‬ ‫المالية واإلجتماعية الخطيرة التي زعزعت األمبرطورية خالل‬

‫العقد والنصف األخير من القرن السابع عشر ‪ .‬وقد أثار هذا‬ ‫وباألخص هجومهم الوقح على‬ ‫التصرف السيء آلل حماده ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪58‬‬ ‫‪ ،‬أكثر فأكثر غضب‬ ‫طرابلس لتحرير أحد رهائن الكفالة‬ ‫‪87‬‬


‫العثما نيين وقاد إلى شبه إبادة لإلمارة من خالل حملة تأديبية‬ ‫فريدة من نوعها سنة ‪ . 5194‬وفي نهاية هذه األزمة فقط‬ ‫أ ِ‬ ‫ُعط َي تفويض عن عمد للمعنيين ثم للشهابيين لمراقبة مواطنيهم‬ ‫الشيعة ‪ .‬يشير هذا للمرة األولى إلمتداد إمارة الشوف صراحةً‬

‫إلى خارج حدود والية صيدا ‪ .‬وبعد ما كانوا من بين عائالت‬ ‫الجباة األكثر شهرة ‪ ،‬عاد آل حماده الى اراضيهم سنة ‪5191‬‬

‫خاضعين سياسيًا وباألخص ماليًا لجيرانهم ‪.‬‬

‫التبدل على سلسلة من الوثائق عن‬ ‫إنعكس هذا‬ ‫ّ‬ ‫تجديد إلتزامات آل حماده التي غطّت ‪ ،‬بالرغـم من بعض‬

‫الممتدة من العام ‪ 5865‬الى العام ‪ . 5815‬لقد‬ ‫الثغرات ‪ ،‬الفترة‬ ‫ّ‬ ‫كان التبدل األكثر بداهة بالنسبة للمرحلة السابقة أن مشايخ آل‬ ‫حماده قد أقلعوا عن المجازفة بالدخول الى مدينة طرابلس من‬

‫اجل التفاوض على بنود اتفاقات اجاراتهم الزراعية ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫فيما‬

‫يخص التزاماتهم حول المناطق الخاصة بمنازلهم (جبيل و‬ ‫متجولة الى قصر‬ ‫البترون) ‪ ،‬فقــد كانت تُستدعى محكمة شرعية‬ ‫ّ‬ ‫جبيل أو الى قرية شيعية في الجبل ‪ ،‬حيث يستطيع المشايخ أن‬

‫العثمانيـة ‪ .‬واعتبا ًار‬ ‫يشعروا بأنهم محمييون اكثر من يـ ــد العدالة‬ ‫ّ‬ ‫من العام ‪ ، 5841‬كانت الجلسات تُعقد في الكورة ‪،‬في قرية‬ ‫كفر عطا أو "على ضفة نهر َبديد ‪ ،‬على حدود المنطقة" ‪ ،‬أي‬ ‫كرد اصدقاء الشيعة ‪،‬‬ ‫في مكان تحت إشراف اإلقطاعيين األ ا‬

‫‪88‬‬


‫ويحتمل ان تكون هذه المنطقة تُستخدم كمنطقة عازلة غير‬ ‫ُ‬ ‫منحازة بين الدولة العثمانية وامارة آل حماده ‪.‬‬ ‫لم تعد كلمات ال ّشـرف ‪ ،‬وحج ـ ـ ُـز األهل مقابل الدفع‬ ‫موجـ ــودةً في اتفاقات اإللتـ ـ ـزام الالّحقـ ــة ‪ .‬واعـتب ــا اًر من العام‬ ‫‪ ، 5841‬غــدت السلطات تفرض وجود كفالة مالية مع كل عقد‬ ‫جديد ‪ .‬وكان كفالء آل حماده حينها ‪ ،‬وبال استثناء تقريبًا ‪،‬‬

‫ذميين) من القرى الواقعة تحت وصايتهم ‪،‬‬ ‫مشايخ نصارى ( ّ‬

‫المحدد للبدل‬ ‫وكانوا يتقاسمون عبء التسوية كاملة وفي الوقت‬ ‫ّ‬ ‫المالي لمزارعات اسيادهم ‪ .‬وليس من الواضح إذا ما كان هؤالء‬ ‫جراء هذه المسؤولية‬ ‫األعيان الصغار يجنون ارباحًا شخصية ّ‬ ‫التي ال يمكن إهمالها ‪ .‬وكانت توجد دائمًا دالئل ‪ ،‬على األقل‬

‫ثالثة مختلفة ‪ ،‬تعهّد فيها كفالء أقوياء ‪ ،‬لهم برامجهم السياسية‬ ‫الخاصة ‪ ،‬تك ّفلوا فيها بإلتزامات آل حماده ‪ .‬وفي الهرمل ‪ ،‬على‬ ‫مؤمنة من ِقبل‬ ‫سبيل المثال ‪ ،‬كانت الكفالة ‪ ،‬ولوقت طويل ‪َ ،‬‬ ‫سليمان آغا ‪ ،‬سيد حصن األكراد الطموح في المقاطعة المجاورة‬ ‫لحمص‬

‫‪51‬‬

‫‪.‬ثانياً تك ّفل ناصيف بن رع ــد أربعة مشايخ من آل‬

‫حماده بشخصهم ‪ .‬كانت لهم اتفاقات جزئية في جبة بشري في‬

‫آذار ‪.55 5819‬‬

‫وكانت عائلة رعد السنية الحاكمة قد طردت‬

‫آل حماده من إقطاع الضنية قبل جيلين ‪ ،‬لكنها صارت فيما بعد‬

‫تعدي اإلمارة الشهابية على لبنان‬ ‫حليفة لهم في المقاومة ضد ّ‬ ‫الشمالي ‪ 55.‬وفي النهاية لدينا وثيقة التزام ( تَ ّم التفاوض عليها‬ ‫‪89‬‬


‫في بيروت ‪ ،‬خارج النطاق القضائي لطرابلس! ) حيث تعهّد‬ ‫األمير العالي المقام ملحم الشهابي بكفالة الديون التي كانت‬

‫أكثر ارتفاعًا بمبلغ ‪ 51‬فاصلة ‪ 115‬ونصف غروش لصالح آل‬ ‫حماده ‪ .‬إن استثمار الشهابيين في ديون اإللتزام آلل حماده‬ ‫ولمزارعين آخرين ‪ ،‬وليست المشروعية العملية لـ ـ "اإلمارة‬ ‫المؤرخون الوطنيون ‪ ،‬سمح لهم‬ ‫يتخيلها‬ ‫اللبنانية" ‪ ،‬بحسب ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫على ما يبدو بأن يوسعوا سيطرتهم الى خارج صيدا وفي والية‬ ‫طرابلس في منافسة كاملة للدولة العثمانية ‪ِ .‬‬ ‫فمن خالل تأمين‬

‫الكفالة لمجموعة ضرائب يفترض انها ملغاة ‪ ،‬حصل الشهابيون‬ ‫للتدخل في امور الشمال‬ ‫المحرك والتبرير‬ ‫في آن معاً على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الريفية ‪ .‬وفي آذار ‪ ، 5816‬اُعطيت كل األلقاب الشكلية لكل‬ ‫اإلقطاعات التي كانت عائدة تقليديًا آلل حماده إلى يوسف‬

‫الشهابي‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫وفي النهاية ‪ ،‬فإن عدم قدرة اإلمارة الشيعية تجاه‬

‫الدائنين األكثر إلحاحاً ‪ ،‬أكثر من المبادرات‬

‫"الوطنية"‬

‫المزعومة للدروز والموارنة ‪ ،‬هي التي تفسر إذعانها وتصفيتها‬

‫في العقد التالي‪.‬‬

‫ونالحظ وجود دراسة أكثر دقة ‪ ،‬وان كانت نظرية ‪،‬‬

‫حول عالقات آل حماده مع بعض األعيان الموارنة في القرن‬ ‫الثامن ع شر ‪ ،‬من خالل وثائق اإللتزام هذه التي كان التفاوض‬ ‫عليها يتم في العاصمة المناطقية ‪ .‬وان يكن من الطبيعي أن‬ ‫يضمن عـدد من عشرات مشايخ القرى المارونية (وليس ِمن‬ ‫‪91‬‬


‫آل حماده ‪ ،‬وتذكر العقود وباألخص في‬ ‫الضروري برضاهم) َ‬ ‫قدموا لإلمارة ولسنوات طويلة‬ ‫عدة اشخاص ّ‬ ‫جبة بشري أسماء ّ‬ ‫ّ‬ ‫خدمات كوكالء شرعيين في محكمة طرابلس ‪ .‬وال نملك حاليًا‬

‫اي وسيلة لمعرفة بأي طريقة كانوا يكافأون وكيف كانوا‬

‫لمفوضيهم ‪ .‬وكانت توجد مع‬ ‫النمامين المحليين ِّ‬ ‫يتفاهمون مع ّ‬ ‫ذلك بعض األحداث الطريفة لعائالت مسيحية على عالقة مهنية‬ ‫طويلة األمد مع اإلمارات الشيعية ‪ .‬نذكر منها على سبيل‬ ‫أن كاتب ِسَير من القرن التاسع عشر ينقل قصة شيخ‬ ‫المثال ‪ّ ،‬‬ ‫ماروني من العاقورة ( في مقاطعة جبيل )‪ُ ،‬يدعى يوسف بن‬ ‫الخوري جرجس قد هرب الى كنف األمير الحرفوشي في بعلبك‬

‫احد منافسيه إسماعيل حماده إلغتياله ‪.‬‬ ‫جند ُ‬ ‫سنة ‪ 5815‬بعدما ّ‬ ‫وبمجرد انتقاله الى جوار مواطنه الشيعي ‪،‬‬ ‫ولكن إسماعيل هذا ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جدًا بمعرفة وصفاء ه ــذا الشيخ ‪ ،‬لدرجة أنه اتخــذه مباشرة‬ ‫انبهر ّ‬ ‫لخدمته وأعاد له منصبه األساسي ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫وفي قصة اخرى شبيهة‬

‫سر‬ ‫باألولى ‪ ،‬كان الشيخ يوسف الدحداح من العاقورة امين ّ‬ ‫ألمراء آل الحرفوش قبل أن يستميله آل حماده مع اوالده سنة‬ ‫‪ 5816‬بسبب معرفتهم باللغة التركية ‪ .‬وقـ ـ ــد كوفئــت خدماتهم‬ ‫بحصة من اراضي جبيل ‪ ،‬في الفتوح وفي كسروان ‪،‬‬ ‫المخلصة‬ ‫ّ‬ ‫لكنهم أُجبروا على بيعها سنة ‪ 5811‬عند إفالس آل حماده ‪.‬‬

‫بعد ذلك دخل آل الدحداح في خدمة األمراء الشهابيين‬

‫المنتصرين وانتقلوا الى دير القمر ‪.‬‬

‫‪51‬‬

‫‪91‬‬


‫إن عقود اإللتزام ال تستطيع ان تعطينا االّ القدر القليل‬ ‫ّ‬ ‫عن وكالء آل حماده ‪ .‬وكون بعض امراء الشيعة كانوا يمثَّلون‬

‫شكليًا من َقبل ناطقين موارنة باسمهم في المحكمة الحنفية في‬ ‫معبر عن هذا‬ ‫طرابلس في القرن الثامن عشر ‪ ،‬هو بذاته ّ‬

‫التوثيق‪ .‬ويمكن للمحفوظات العائلية والكنسية في لبنان لشمالي‬ ‫ويات ودوافع األعيان الموارنة الذين‬ ‫أن تُع ّـرفنا بال شك بأكثر ُه ّ‬ ‫عدة وكالء‬ ‫قرروا اإلنطالق مع اإلمارة الشيعية ‪ .‬وقد ُذكر ّ‬

‫أن ارتباطهم‬ ‫نصارى بشكل منتظم في البيانات الشرعية لدرجة ّ‬ ‫مجرد عادات‬ ‫بالمشروع المالي آلل حماده ال يبدو بأنه‬ ‫ّ‬

‫بيروقراطية ‪ :‬ففي البترون ‪ ،‬حيث كان عادة من ضمن كفالء‬ ‫آل حماده زعماء قرى مسلمين ومسيحيين مجتمعين ‪ ،‬فق ـ ــد كان‬ ‫ذمي (وباألخص شخص اسمه‬ ‫دائمّا على وجه التقريب شيخ ّ‬ ‫سلمان ولد إيليا من مجدرفل) يمثّلهم أمام القاضي ‪ 58.‬وكانت‬ ‫جبة بشري مقسمة بين ع ـ ّـدة أبناء عمومة من آل حماده ‪ ،‬وكان‬ ‫لكل منهم فريقه الخاص من الوكالء في القصر ‪ .‬وكان هذا‬ ‫الفريق يشتمل عادة على المخاتير الموارنة في القرى األساسية‬

‫مثل إهدن وزغرتا وكذلك مخاتير الضيع الصغيرة التي سـ ـ ــكنها‬ ‫في الماضي شيعة مثل حصرون وتوال ‪ .‬ومن بين الوكالء‬ ‫وفاء آلل حماده هناك سليمان أبو نعمة وخليفته ميخائيل‬ ‫األكثر ً‬ ‫ول ـ ــد الشـ ــدياق ‪ ،‬من قرية عـين تورين الصغيرة ‪ 51.‬وان كان‬ ‫من المجازفة استنتاج نسب شخصي مع األمراء الشيعة ‪ ،‬تجدر‬ ‫‪92‬‬


‫أن مجرد التاريخ الماروني الذي يمتدح آل حماده‬ ‫اإلشارة إلى ّ‬ ‫وحكومتهم في جبل لب نان يعطينا فكرة عن شيخ آخر من نفس‬ ‫القرية ‪ ،‬أنطونيوس أبو خطّار العينطوريني (المتوفى سنة‬ ‫‪59‬‬ ‫أن هؤالء الكفالء فقدوا‬ ‫‪.)5155‬‬ ‫ومن البديهي القول ّ‬ ‫بمجرد انتقال اإللتزامات الى أيدي الشهابيين ‪ .‬فلم يعد‬ ‫مواقعهم‬ ‫ّ‬ ‫مضطر للمثول أمام القاضي العثماني؛ بل كانت‬ ‫ًّا‬ ‫األمير الكبير‬

‫المحكمة الشرعية لطرابلس تأتي اليه ‪ ،‬مقيمة في قصره في دير‬

‫القمر في أذار ‪. 61 5816‬‬

‫ـــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫‪93‬‬


94


‫‪3‬ـــــ امراء آل حماده والكنيسة المارونية‬ ‫فإن هذا‬ ‫أن الدراسات اإلضافية ضرورية ‪ّ ،‬‬ ‫بالرغم من ّ‬ ‫الت المحكمة الشرعية في طرابلس يوحي‬ ‫التص ّفح األولي لسج ّ‬ ‫تحزب اإلمارة قد انعكس تلقائياً على المجموعات المذهبية‬ ‫بأن ّ‬ ‫ّ‬

‫أن آل حماده قد انخرطوا‬ ‫في القرن الثامن عشر ‪ ،‬من حيث ّ‬ ‫اكثر فاكثر في شبكة من اإلرتباطات واإللتزامات المتبادلة مع‬

‫يخص‬ ‫أما في ما‬ ‫ّ‬ ‫الدائنين والمستوطنين والكفالء المسيحيين ‪ّ .‬‬ ‫فإن عالقاتهم مع الطبقة الكهنوتية المارونية‬ ‫حّ‬ ‫ظهم السياسي ‪ّ ،‬‬

‫أما كونهم ملتزمين لجبة بشري والبترون ‪ ،‬فقد‬ ‫ظلّت أساسية ‪ّ .‬‬ ‫كان آل حماده أسياداً بعراقة على المؤسسات المركزية للكنيسة‬

‫الكاثوليكية في الشرق ‪ ،‬بما في ذلك الكرسي البطريركي في دير‬

‫قنوبين في وادي قاديشا ‪ ،‬وكذلك على مؤس ـ ـ ــسات رهبانية اخرى‬ ‫في كل جبل لبنان ‪ ،‬التي أعلن الفرنسيون حمايتهم لها منذ‬

‫منتصف القرن السابع عشر ‪.‬‬ ‫ومؤرخو‬ ‫فإذن ليس ِمن المفاجئ ان يكون خدم‬ ‫ّ‬ ‫الجباة الشيعة وأن يصفوهم‬ ‫الكنيسة اكثر انتقاداً تجاه الزعماء ‪ُ -‬‬

‫بالجشعين ‪ ،‬وقد سهّل هذا الموقف سيطرة الشهابيين على الحكم‬ ‫وعمم كذلك الصورة السلبية تقريبّا آلل حماده في‬ ‫سنة ‪5811‬‬ ‫ّ‬ ‫كتابة التاريخ اللبناني التقليدي‪ 65.‬لذلك ‪ِ ،‬من المعتبر أن نرى‬ ‫كيف ارتأى الدبلوماسيون الفرنسيون العالقات بين زنابقهم‬

‫الكاثوليكيين الشرقيين واإلقطاعيين المسلمين ‪ .‬ويجب القول بأنه‬ ‫‪95‬‬


‫بالرغم من وعود حكومتهم بتنفيذ سياسة الكنيسة المشرقية ‪ ،‬فإن‬ ‫قناصل صيدا وطرابلس في القرن الثامن عشر كانوا في الدرجة‬ ‫األولى سماسـ ـ ـرةً وتجا ًار ‪ .‬وكثي ًار ما كانوا يشتكون ظاهريًا ِمن‬ ‫اإلكليروس وبعض األعيان المسيحيين ‪ ،‬وباألخص آل الخازن ‪،‬‬ ‫عندما كانوا ينزعجون منهم في نشاطهم بوصفهم تُ ّجار حرير‪.‬‬ ‫وهكذا تعطي المراسالت القنصلية المدقق بها في هذه المنطقة‬

‫إنطباعًا ‪ ،‬وان لم يكن موضوعيًا بعمق ‪ُ ،‬يثبت تحفظًا ناد ًار تجاه‬ ‫موقفها من مسيحيي جبل لبنان ‪ ،‬والتي تعطينا لمح ًة عن‬ ‫الصراعات الكنسية الداخلية التي تخلّف احياناً صراعات يقال‬ ‫انها مذهبية مع امراء آل حماده ‪.‬‬ ‫ِمن أحدى أوائل المقاالت المشار اليها ِمن ِقبل‬

‫األسر الملتبس للبطريرك الماروني‬ ‫الدبلوماسيين الفرنسيين ‪ ،‬هو ْ‬ ‫في كسروان ‪ .‬والقصة تبدأ في أيلول سنة ‪ ، 5816‬عندما ذهب‬ ‫الشيخ عيسى حماده بصحبة محازبيه للمطالبة ظاهريًا بالدفع‬

‫المسبق لضرائب هذا العام ‪ ،‬بحسب امر باشا طرابلس ‪ .‬رفض‬

‫أدى الى إساءتهم‬ ‫البطريرك الجليل إسطفان الدويهي ذلك ‪" ،‬ما ّ‬ ‫العصي "‪ . 65‬على‬ ‫وكمية من ضربات‬ ‫معاملته ّ‬ ‫بعدة صفعات ّ‬ ‫ّ‬

‫حرك آل الخازن ‪ 111‬الى ‪ 811‬رجل ‪ ،‬وأتوا ألخذ‬ ‫إثر ذلك ‪ّ ،‬‬ ‫لمحتجز في كسروان ‪ .‬وكادت حرب العشائر هذه في‬ ‫البطريرك ا‬ ‫َ‬ ‫تدخل أمير "الدروز"‬ ‫جبل لبنان أن‬ ‫تنحرف بإحكام ِمن خالل ّ‬ ‫َ‬ ‫بشير الشهابي ‪ .‬إستعمل المؤرخون فيما بعــد هذه الحادثة كمثال‬ ‫‪96‬‬


‫على نجدة آل الخازن للدولة المارونية ضد المتاولة المعتدين‪. 66‬‬ ‫صر الخازنيون على أن‬ ‫عند موت الدويهي في ربيع ‪ ، 5814‬أ ّ‬ ‫يكون انتخاب البطريرك الجديد عندهم لمنع المرشحين ‪ ،‬بحسب‬ ‫يتم انتخابهم بالقوة ‪،‬‬ ‫زعمهم ‪ ،‬من شراء دعم آل حماده "وأن ّ‬ ‫مثل ما حصل بالماضي‪ . 64"...‬ربما كان لهذه المخاوف ما‬ ‫يبررها ‪ ،‬ألنه ما إن مات صاحب الكرسي البطريركي الجديد في‬ ‫ّ‬ ‫آل حماده‬ ‫ابن شقيقه َ‬ ‫توسل ُ‬ ‫تشرين األول ‪ ، 5811‬حتى ّ‬ ‫إلعطائه األصوات الالزمة ُلينتخب بدوره‪.‬‬

‫تنبه نائب القنصل الفرنسي في طرابلس ‪ ،‬بيار‬ ‫ّ‬ ‫أن "هؤالء الخونة الذين يتولّون مناصب الحكام‬ ‫بولالرد الى ّ‬ ‫واألسياد في لبنان هم في قنوبين وينظّمون اصوات السكان‬ ‫الذين يتفقون معهم"‪ .‬ولكنه كان مربكًا اكثر بالضغط الذي‬

‫مارسه آل الخازن على المطارنة المحّليين ‪ ،‬الذين‪ ،‬وبحسبه ‪،‬‬

‫مقرهم األساسي في قنوبين‬ ‫يجب عليهم إختيار بطريركهم "في ّ‬ ‫حرية من كسروان"‪ 61.‬يمكن أن‬ ‫حيث تكون اصواتهم اكثر ّ‬ ‫بأن الدبلوماسية الفرنسية ترمـي بالدرجة األولى الى تأمين‬ ‫ّ‬ ‫نشك ّ‬ ‫تأثيرها في الشؤون الكنسية ضد اإلقطاعيين المسيحيين كما‬

‫الشيعة ‪ .‬في النهاية اُجبر آل حماده على ترك قنوبين‬

‫والخازنيون على السماح للمطارنة بالعودة ‪ .‬وقد أمل الفريقان‬

‫المفضلين‪.‬‬ ‫بذلك تحسين ظروف انتخاب مرشحيهم‬ ‫ّ‬

‫‪61‬‬

‫أما‬ ‫ّ‬

‫ال ّأوالً في صيدا ‪ ،‬فقد افتخر‬ ‫بولالرد ‪ ،‬الذي أصبح الحقاً قنص ً‬ ‫‪97‬‬


‫ِ‬ ‫حسن وضع الموارنة الواقعين تحت سيطرة‬ ‫مرة بأنه ّ‬ ‫أكثر من ّ‬ ‫الشيخ عيسى بالمكانة التي تكنها فرنسا‬ ‫الشيعة ‪ ،‬مذ ّك ًار‬ ‫َ‬ ‫للبطريركية‪ 68.‬ووسط سطوته ‪ ،‬دفع آل حماده الى إرسال‬ ‫حرس شرف الى الحفل الكبير لتنصيب البطريرك الجديد سنة‬ ‫يفسر ذلك تدوين مصاريف متوجبة ‪ ،‬بعد سنوات‬ ‫‪ 5814‬كما ّ‬ ‫‪61‬‬ ‫الحقة ‪ ،‬إلدارة البحرية لكي يستوفي المبلغ ‪.‬‬ ‫وبينما كانت لبولالرد ميول في كتاباته الحتقار كل‬

‫تميز دبلوماسيون آخرون‬ ‫األعيان الجبليين بال استثناء ‪ ،‬فقد ّ‬ ‫بموقفهم الحيادي او المتعاطف بشكل واضح مع آل حماده ‪.‬‬

‫نائب القنصل في طرابلس‬ ‫ففي حزيران سنة ‪ ، 5851‬قال‬ ‫ُ‬ ‫بوازمونت ‪ ،‬عن الشيخ عيسى بأنه "كهل لديه الكثير من‬

‫للمرة األولى‬ ‫تعرف عليه ّ‬ ‫الحيوية والصداقة لرعايا الملك" بعدما ّ‬ ‫‪ .‬وقد وعده األمير بأن يكون للمبعوثين الفرنسيين "كل القبول‬ ‫الذي يمكن أن يرغبوا به" طالما أنه وأقرباءه يحكمون جبل‬

‫‪69‬‬ ‫التدخل‬ ‫توجب على بوازمونت‬ ‫لبنان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫مر عام‪ ،‬حتّى ّ‬ ‫وبالكاد ّ‬ ‫عند والي طرابلس لتأمين حصانة لدير محلي للكرمليين الحفاة ‪،‬‬ ‫خوفاً ِمن أن يلجأ اليه آل حماده خالل حملة تأديبية‪ .41‬وبالرغم‬

‫من مكافأته الحقًا برتبة من الحاكم لحمايته للكرمليين ‪ ،‬ففي‬

‫تهجم بوازمونت ليس على الشيعة‬ ‫تقريره الرسمي عن الوضع ‪ّ ،‬‬ ‫العصاة ‪ ،‬وانما على التهديدات بالحرب ِمن ِقبل الحاكم ‪ ،‬التي‬ ‫قادت بحسبه الى هزيمة كاملة ‪.45‬‬

‫‪98‬‬


‫مرة أخرى الى واحدة من اكبر‬ ‫عاد الكرمليون ّ‬ ‫"المصائب" ضمن تداخل العالقات الفرنسية ‪ -‬العثمانية ‪-‬‬ ‫المسيحية‪ -‬الشيعية في جبل لبنان في ذلك العصر ‪ .‬ففي آب‬ ‫متهور من دير مار سركيس‬ ‫سنة ‪ 5851‬تشاجر راهب شاب‬ ‫ّ‬ ‫بشري ‪ ،‬وانتزع منه بندقيته‬ ‫لسبب تافه مع مزارع ماروني في ّ‬ ‫وقتله بطلق ناري‪.‬‬

‫‪45‬‬

‫طارد الفالحون الغاضبون الكرملي ورفاقه‬

‫مدعومين بفرقة من الخيالة من آل حماده ‪ ،‬وألقوا القبض على‬

‫أحد المفاوضين الفرنسيين وأساؤا معاملته على ما يبدو لعدة‬ ‫ايام‪ .‬وأُوكلت مهمة إطالق سراحه من آل حماده ودفع دية القتيل‬ ‫وتهدئة السلطات العثمانية الى نائب القنصل لومير الذي كتب‬

‫محض اًر رسميًا دقيقاً لمكافأته الحقاً من قبل الكرمليين المركزيين‬

‫في روما ‪ .‬في النهاية ‪ ،‬حصل أهل الضحية على دية قدرها‬ ‫‪ 511‬قرش ‪ ،‬وتل ّقى الباشا ‪ 511‬قرشًا مباشرة ‪ .‬وكان نصيب آل‬ ‫حماده ‪ 111‬قرش بدل المشاكل التي عانوا منها ‪ 46!...‬أما‬ ‫لمرة متعاطفاً مع اإلقطاعيين ‪،‬‬ ‫الحاكم ‪ ،‬ولكي ُيظهر نفسه ولو ّ‬ ‫أرسل ق ار ًار مه ّذبًا جدًا في تشرين سنة ‪ 5851‬يطلب فيه منهم‬ ‫إعادة تثبيت الكرمليين في ديرهم‪ 44.‬و ِمن جانبه ‪ ،‬فقد ترجى‬ ‫لومير مسؤولي الو ازرة بأن ال يسمحوا بإرسال بعثات الى لبنان‬ ‫‪41‬‬

‫ومتقدمين قليالً بالسن" ‪.‬‬ ‫"إالّ لرهبان حذرين وعقالء‬ ‫ّ‬ ‫إن أفضل تجسيد لتدخل األمراء الشيعة في األمور‬ ‫ّ‬

‫الكنسية يمكن أن تكون في كارثة البطريرك يعقوب ع ّـواد سنة‬ ‫‪99‬‬


‫‪ . 5851‬فقد اتُ ِهم ( ألسباب سياسية ‪ ،‬بحسب المراقبين‬

‫الفرنسيين) بارتكاب "زنى المحارم مع شقيقته وابنتها ‪ ،‬واللواط‬

‫والعالقات الجنسية مع البهائم ‪ ،‬والقتل بحضور أحد رهبانه‬ ‫الذي فاجأه بالجرم المشهود" ُخلع يعقوب من ِقبل رهبانيته‬ ‫وو ِ‬ ‫ضع تحت الحراسة حتى "ال يلجأ الى طلب الحماية من‬ ‫ُ‬ ‫الشيخ الحمادي‪ "...‬و " اليكون نموذجه جاذباً للكثير من‬ ‫أقاربه إلتباع الدين المحمدي‪".‬‬

‫‪41‬‬

‫ومع ذلك فقد أعاد البابا له‬

‫اإلعتبار سنة ‪ . 5855‬وهـو قرٌار ارتأى الدبلوماسيون انه من‬ ‫الصعب أن يحترمه الخازنيون والطائفة التي ما زالت شديدة‬ ‫التأثر بما جرى‬

‫‪48‬‬

‫‪ .‬عند عودته الى جبل لبنان في شباط‬

‫‪ ،5854‬بعد ثالث سنوات ونصف من العقوبة ‪ ،‬تحاشى يعقوب‬ ‫المرور بكسروان ‪ ،‬متوجهاً مباشرة الى جبيل لتحية إسماعيل‬ ‫حماده ‪ .‬و ِمن هناك تابع طريقه الى قصر عـيسـ ــى حماده في‬ ‫جبة بش ــري ‪ ،‬حيث أقيم له احتفال رائع ‪. 41‬‬

‫أث ـ ــار نقص اللياقة هذا غضباً كبي ًار لدى الخازنيين‪،‬‬

‫محميهم في قنوبين ‪ ،‬و‬ ‫أمن الشيعة اقامة‬ ‫ّ‬ ‫وباألخص بعدما ّ‬ ‫" بــــدأوا بإجبار موارنة جبل لبنان ‪ ،‬الذين هم رعاياهم ‪ ،‬على‬ ‫أصر‬ ‫اإلعتراف ببطريركهم برضاهم أو بالقوة ‪ 49".‬بينما‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسيون واليسوعيون وآل حماده على ان يكون قرار البابا‬

‫محترمًا ‪ ،‬ففد أعلن الخازنيون وموارنة كسروان العصيان‬

‫المفتوح‪ .‬وفي نيسان سنة ‪ ، 5854‬اقنعوا الوالي العثماني بتجنيد‬ ‫‪111‬‬


‫آل المرعبي ‪ ،‬اإلقطاعيين األكراد في عكار ‪ ،‬لإلغارة على دير‬ ‫‪11‬‬

‫فشلت المحاولة ‪ ،‬ولكن بعد‬

‫مجددًا‪.‬‬ ‫قنوبين ‪ ،‬و َ‬ ‫ط ـ ـ ْـرد يعقوب ّ‬ ‫ثالث سنوات نجح آل المرعبي بإغتيال عيسى حماده ‪ ،‬األمير‬ ‫صح التعبير‪ ،‬دفاعاً عن‬ ‫الشيعي الكبير الذي اعتُبر شهيداً ‪ ،‬إذا ّ‬ ‫السلطة البابوية وعن الشرعية الكاثوليكية في جبل لبنان !‬ ‫ــــــــــــــــــــــــــــــ ـ‬

‫‪111‬‬


112


‫خالصة‬ ‫تبقـ ـى إمـ ــارة آل حماده نوعًا ما يتيم َة التاريـ ـ ـخ اللبنان ـ ـ ـي‬

‫كوصي ثقيل ومزعج "‪15‬على البالد‬ ‫الحدي ـ ـث ‪ ،‬تُـ ـذكـ ـ ـ ـر ف ـق ـ ـط "‬ ‫ّْ‬ ‫المارونية العليا ‪ ،‬ثم تُنسى لصالح "األمراء" الدروز‪ .‬ومع ذلك ‪،‬‬ ‫فإن نظرةً عن كثب للمجتمع الريفي لوالية طرابلس العثمانية ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فوق التمييز المذهبي ‪ ،‬تعطي عالقات معقدة بين ملتزمي‬ ‫الضرائب والوسطاء التجار واألعيان الكنسيين ‪ .‬يبقى الكثير‬ ‫من األبحاث المتوجب تنفيذها اليوم حول اإلقطاعيين الشيعة من‬

‫خالل تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في الشرق ‪ .‬وللحديث فقط عن‬ ‫نطاق ممكن ‪ ،‬فإن آل حماده قد شغلوا الفرع البلدي الصغير من‬ ‫ضد الحلبيين األقوياء طوال القرن‬ ‫الدولة اللبنانية ‪ ،‬ودافعوا عنه ّ‬ ‫تطبع بال شك أحكام‬ ‫الثامن عشر ‪ 15،‬هذه المراعاة سوف‬ ‫ُ‬ ‫مختلف المؤرخين الموارنة لذلك الوقت ‪.‬‬

‫في هذا البحث ‪ ،‬حاولنا المساهمة بتاريخ أكثر‬ ‫ٍ‬ ‫لمحة على اإلمارة الشيعية ِمن‬ ‫التصاقاً بجبل لبنان من خالل‬ ‫خالل وثائق محفوظات غير معروفة كثي اًر ‪ .‬وكمصدر أساسي‬

‫للتاريخ اإلجتماعي العثماني ‪ ،‬تُظهر سجالت المحكمة الشرعية‬ ‫في طرابلس بشكل جيد التداخل بين مشروع آل حماده مع‬

‫مر السنين قبل‬ ‫إقطاعييهم ودائنيهم ‪ ،‬وارتباطه المتنامي على ّ‬ ‫إمساك الشهابيين بكل اإللتزامات القروية ‪ .‬بالمقابل ‪ ،‬فإن‬ ‫مراسالت القناصل الفرنسيين المعاصرين ‪ ،‬ترسم لوحةً عن ُبعــد‬ ‫‪113‬‬


‫‪ ،‬وحتى خشنة ‪ ،‬عن الزنبقة بين األشواك وأسيادها العلمانيين ‪.‬‬ ‫واصف ًة المشايخ الشيعة كفاعلين منخرطين جدّا في الصراعات‬

‫المارونية الداخلية ‪ ،‬أكثر من وصفهم بالمعتدين على الطائفة‬

‫بأكملها ‪ .‬وتساعدنا هذه المصادر على أن ن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرى من خاللها‬ ‫التهميش اإلقتصادي واإلجتماعي البطيء آلل حماده في القرن‬ ‫َ‬ ‫الثامن عشر‪ .‬واذن يدفعنا الى إعادة التفكير بالدور األساسي‬ ‫لإلقطاع الشيعي في تاريخ لبنان ‪.‬‬

‫‪114‬‬


‫المصادر ‪:‬‬ ‫إن مصادر هذا البحث صارت بمتناول اليد بفضل مساهمة جزئية من‬ ‫*ّ‬ ‫نورما وايت وايما كال هاريس من محفوظات جامعة شيكاغو ‪ .‬كما أحرص على شكر‬

‫برنارد هيبرجي و بريجيت مارينو لنصائحهم القيّمة ‪.‬‬

‫‪ . 5‬كمال صليبي ‪ :‬بيت بمنازل كثيرة ‪ :‬الهوية اللبنانية في عمق التاريخ‬

‫(باريس ‪ :‬نوفل ‪. 16 / )5919،‬‬

‫‪ . 5‬المحفوظات الوطنية ‪ ،‬باريس ‪" ..........‬كان ُينظر دائماً للوالية‬ ‫المارونية على أنها زنبقة بين األشواك بسبب الصفاء الدائم إليمانها المستقيم بين األعــداء‬

‫المعَلنين لديننا المقدس‪ ...‬وهذا ما يأخذ منه كل المؤمنين الحقيقيين وسط عواصف ديننا ‪،‬‬ ‫انكم في الشرق اجمل وردة "‬

‫‪ . 6‬فيليب حتي ‪ ،‬لبنان في التاريخ ‪ ،‬من العهود الق ـ ـديمة الى الحاضر‬

‫(لندن ‪ :‬ماك ميلين وشركاه ‪618 ، )5918 ،‬‬

‫‪ . 4‬يوسف محمد عمر ‪" ،‬نظرة على ماضي وحاضر الشيعة في بالد‬

‫كسروان وجبيل" ‪ ،‬العرفان ‪ ، 86-15 )5914( 85-5‬مستعاد عند إبراهيم سليمان ‪،‬‬

‫بلدان جبل عامل ‪ :‬قالعه ومدارسه وقصوره ومروجه ومتاحفه جباله ومشاهده (بيروت ‪:‬‬ ‫مؤسسة الدائرة ‪ ، )5911،‬توطئة ‪. 86-119 ،‬‬

‫‪ . 1‬أسامة مقدسي ‪ ،‬ثقافة الطائفية ‪ :‬تاريخ وعنف في القرن الثامن عشر‬

‫في لبنان أيام العثمانيين (بركيالي ‪ :‬جامعة كاليفورنيا طبعة العام ‪.)5111‬‬

‫‪ . 1‬أحم ــد بيضون ‪ ،‬الهوية الطائفــية واألزمنة اإلجتماعية عـنـ ــد المؤرخين‬

‫اللبنانيين ( بيروت ‪ :‬الجامعة اللبنانية ‪.)5914 ،‬‬

‫‪ . 8‬إسطفان ونتر ‪ " ،‬األمراء الشيعة والسلطات العثمانية ‪ :‬الحملة ضد آل‬

‫حمادة في جبل لبنان ‪ ، "5194-5196 ،‬األرشيف العثماني ‪.41-519،)5111(51‬‬

‫‪ . 1‬ريتشارد فان ليوين ‪ ،‬أعيان ورجال دين في جبل لبنان ‪ :‬مشايخ آل‬

‫الخازن والكنيسة المارونية (‪)5141-5861‬‬

‫( ليدن بريل‪ )5944‬جوزيف أبو نه ار‬

‫" دور الهيئات الكنسية في التحوالت اإلقتصادية واإلجتماعية في جبل لبنان في القرن‬ ‫الثامن عشر " منشوات دانيال بانزاك ‪ ،‬التاريخ اإلقتصادي واإلجتماعي لألمبرطورية‬

‫العثمانية وتركيا (‪( )5911-5651‬باريس ‪ :‬بيترز ‪.18-81، )5991 ،‬‬

‫‪ . 9‬مسعود ضاهر ‪ ،‬الجذور التاريخية للمسألة الطائفية اللبنانية ‪-5198 ،‬‬

‫‪( 5115‬بيروت ‪ :‬معهد اإلنماء العربي ‪.)5915 ،‬‬

‫‪115‬‬


‫‪ .51‬جرجس زغيب ‪ ،‬تاريخ َعود النصارى الى جرد كسروان (القاهرة ‪:‬‬ ‫مطبعة المقتطف والمقطّم ش‪.‬م ‪ ، ).‬مترجم جزئياً من ِقبل هيفا مخايل معلوف ليمان في‬

‫" المرحلة المضطربة في تاريخ كسروان من خالل مخطوطات لبنانية اصلية ‪ ،‬مجلة‬ ‫التاريخ العربي للدراسات العثمانية ‪516،)5911( 55-55‬‬ ‫‪ .55‬نفسه ‪.514،‬‬

‫‪ .55‬الجامعة اللبنانية في طرابلس ‪ :‬سجالت المحكمة الشرعية (نسخة) ‪،‬‬

‫‪ 55 :5/5‬؛ ‪ 66: 5/5‬؛ ‪ 56 : 5/4‬؛ ‪ 1:55‬؛ ‪ ( 1:59101‬مبيعات ملكيات آل‬ ‫حماده ) ‪.‬‬ ‫على ‪....‬‬

‫المدون‬ ‫‪.56‬أنظر عملية بيع كفرسغاب (المؤرخ في تشرين أول ‪)5841‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ .54‬عن نظام اإللتزام في طرابلس بشكل عام ‪ ،‬انظر قاسم الصمد ‪" ،‬نظام‬

‫اإللتزام في والية طرابلـ ـ ــس في القرن الثامن عشر من خالل وثائق سجالت محكمتها‬

‫الشرعية " المؤتمر األول لتاريخ والية طرابلس إبان الحقبة العثمانية ‪5951-5151‬‬

‫(الجامعة اللبنانية ‪.91-19،)5991 ،‬‬

‫‪.51‬انظر‪،‬على سبيل المثال‪ ،‬سجالت‬ ‫‪.51‬سجالت‬

‫‪.58‬سجالت ‪ ( 6:1‬تشرين األول ‪ . )5111‬ذُكرت هذه القصة ايضاً عند‬

‫البطريرك والمؤرخ الماروني إسطفان الدويهي ‪ ،‬تاريخ األزمنة ‪( 5199-5191،‬بيروت ‪:‬‬

‫المطبعة الكاثوليكية ‪.681،)5915،‬‬

‫‪.51‬اإلستثناءات الوحيدة كانت إنتداب مشايخ آل حماده الذين ِ‬ ‫قدموا من‬

‫الهرمل لهذه المناسبة ‪ ،‬وبيت العائلة الحالي يشهد على اإللتزام األول في آذار ‪5865‬‬ ‫(سجالت ‪)1-1 :1‬‬

‫‪.59‬سجالت ‪( 585 :1‬آذار ‪ )5841‬؛ ‪( 8-544 :55‬آذار ‪ )5815‬؛‬

‫‪( 9-91 ، 65 :51‬آذار ‪)5818‬‬

‫‪.51‬سجالت ‪(1 :8‬اذار‪)5861‬؛ ‪( 5-581 : 1‬اذار ‪ )5841‬؛ ‪659 : 1‬‬

‫(اذار‪ )5841‬؛ ايضاً ‪ ( 561 : 54‬آذار ‪ )5811‬حيث اعطي التزام الهرمل ألمراء آل‬ ‫الحرفوش من بعلبك ‪.‬‬

‫‪ .55‬سجالت ‪.551 ، 594 : 51‬‬

‫‪ .55‬قاسم الصمد ‪ ،‬تاريخ الضنية السياسي واإلجتماعي في العهد العثماني‬

‫(مؤسسة الجامعة )‪61- 59‬‬

‫‪116‬‬


‫‪ .56‬سجالت ‪( 515 : 51‬اذار ‪. )5849‬‬ ‫‪ .54‬سجالت ‪1- 554: 58‬‬

‫‪ .51‬طنوس الشدياق (المتوفى سنة ‪ )5119‬أخبار األعيان في حبل لبنان‬

‫(بيروت ‪ :‬الجامعة اللبنانية ‪. 91، )5981 ،‬‬

‫‪ .51‬انطونيوس ابو خطار العينطوريني (المتوفى سنة ‪ ، )5155‬مختصر‬

‫تاريخ جبل لبنان ( بيروت ‪ :‬دار لحد خاطر ‪ 1 – 14 ،)5916،‬؛ منصور حتوني ‪،‬‬ ‫نبذة تاريخية في المقاطعة الكسروانية ( بيروت ‪ :‬دار نظير عبود ‪516 ، 99 ،) 5911‬‬ ‫– ‪515 ،4‬‬

‫‪ .58‬سجالت ‪( 8 – 41 : 8‬اذار ‪ )5868‬؛ ‪( 554: 8‬اذار ‪ )5869‬؛ ‪8‬‬

‫‪( 655 ، 591:‬اذار ‪)5841‬؛ ‪( 58 : 51‬اذار ‪)5841‬؛ ‪( 58 : 51‬اذار ‪.)5841‬‬

‫مسجل في ‪( 615 : 8‬اذار ‪. )5841‬‬ ‫اإلستثناء الوحيد لوكيل مسلم ّ‬ ‫‪ .51‬سجالت ‪( 58 : 51‬اذار ‪ )5841‬؛ ‪( 514 : 55‬اذار ‪ )5815‬؛ ‪54‬‬

‫‪( 1 – 591 :‬اذار ‪ )5811‬؛ ‪( 551 : 51‬اذار ‪. )5819‬‬ ‫‪ .59‬عينطوريني ‪ ،‬مختصر ‪.‬‬

‫‪ .61‬سجالت ‪ . 551 : 58‬الحق ًا ‪ ،‬قُ ّدم يوسف الشهابي في طرابلس‬ ‫بواسطة الحاج حسين بن علي من دمشق ‪ .‬انظر سجالت ‪( 1 – 41 : 5 / 51‬اذار‬

‫‪.)5811‬‬

‫‪ .65‬راجع م‪ .‬جوبالن (األسم المستعار لبولس نجيم) ‪،‬القضية اللبنانية ‪:‬‬

‫دراسة للتاريخ الدبلوماسي والقانون الدولي (باريس ‪ :‬ارثور روسو ‪ )5911 ،‬؛ توفيق توما‬ ‫‪ ،‬فالحون ومؤسسات اقطاعية لدى الدروز والموارنة في لبنان في القرن السابع عشر الى‬

‫سنة ‪ 5985( ، 5954‬؛ بيروت ‪ :‬الجامعة اللبنانية ‪.)5911 ،‬‬

‫وضرب‬ ‫‪ ...................65‬تحكي نسخة الحقة ّ‬ ‫أن البطريرك "قد اُهين ُ‬ ‫على وجهه باألحذية ِمن ِقبل الشيخ عيسى زعيم الحماديين " ‪ .‬راجع ‪(........‬طرابلس)‬

‫‪...........‬تشرين األول ‪5811‬‬

‫‪ .66‬ميشال شبلي ‪ ،‬تاريخ لبنان في عصر األمراء (‪)5145 – 5161‬‬

‫(بيروت‪:‬الجامعة اللبنانية ‪14 ،)5914 ،‬‬ ‫‪ . 64‬نفسه‬ ‫‪ .61‬نفسه‬ ‫‪ .61‬نفسه‬ ‫‪.68‬نفسه‬

‫‪117‬‬


‫‪.61‬نفسه‬ ‫‪.69‬نفسه‬ ‫‪.41‬نفسه‬ ‫‪.45‬نفسه‬

‫‪ .45‬بحسب أحد الشهود ‪ ،‬كان الفالح يحمل له زجاجة النبيذ في الطريق‬

‫إلقامة الصالة في إهدن ‪ ،‬واقترح عليه ممازحاً أن يشرباها معاً قبل ان تنكسر ‪ .‬أخذ األب‬ ‫المحـت ـ ـ ــرم الزجاجة غاضب ًا "ما ّأدى الى كالم ٍ‬ ‫ناب من الفالح والى شـ ــتم األب المحترم ‪.‬‬

‫ويبدو أنه كان مخمو ًار‪.......... .‬‬ ‫‪ .46‬نفسه ‪.........‬‬

‫‪.44‬القرار محفوظ فقط بالترجمة الفرنسية ‪.‬‬ ‫‪ .41‬نفسه ‪.......‬‬ ‫‪........ .41‬‬

‫‪......... .48‬‬

‫‪ .41‬نفسه ‪ .......‬أنظر ايض ًا بطرس فهد ‪ ،‬تاريخ الرهبانية اللبنانية في‬

‫فرعيها الحلبي واللبناني ‪ ( 5845 – 5196 ،‬جونية مطبعة الكريم ‪) 5919 – 5916 ،‬‬

‫‪8- 514 : 6 ،‬‬

‫‪ . 49‬نفسه ‪............ .‬‬

‫‪ . 11‬نفسه ‪......... .‬‬

‫‪ .15‬دومينيك شوفالييه ‪ ،‬مجتمع جبل لبنان في عصر الثورة الصناعية في‬

‫اوروبا (باريس ‪ :‬بول جوثنور ‪55، )5985 ،‬‬

‫‪ .15‬راجع ‪ :‬فهد ‪ ،‬الرهبانية اللبنانية ‪ 419 : 5 ،‬؛ ‪ 5 – 555 : 4‬؛ ‪: 4‬‬

‫‪. 8 – 661‬‬

‫‪118‬‬


‫الفهارس التحليلية‬

‫‪119‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.