Phoenix Bird

Page 1

‫طائرالفينيق‬

‫العدد السادس عرش‪ /‬خريف‪2022//‬‬ ‫‪2022‬‬ ‫إنسانية الرسالة‬ ‫د‪.‬حسن فرحات‬ ‫سألوين ما الخرب‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫شريين ومحمد الدرة‪ »..‬سرية عني»!‬ ‫أغنار عواضة‬ ‫التلوث البيئي يف زمن الفوىض‬ ‫د‪.‬نزار دندش‬ ‫بطوالت مواكن عريب‬ ‫رانية مرعي‬ ‫الكتابة للطفل‪ ..‬ومشاكل الطبع‬ ‫سليمة مليزي‬ ‫هزميتي يف حبك انتصار‬ ‫هدى غازي‬

‫‪Phoenix Bird‬‬ ‫‪Spring Issue 16‬‬ ‫إىل روح الشاعر « مظفَّر الن ّواب»‬ ‫عمر شبيل‬ ‫رحلة أمل‬ ‫عيل املويسات الجزائري‬ ‫شهداك‬ ‫حامد خضري الشمري‬ ‫هل يف ُذرانا من رفيق؟‬ ‫د‪.‬فاطمة مهدي الب ّزال‬ ‫نصائح ملعاجة األرق‬ ‫د‪.‬ماهر حسن‬ ‫حقن البالزما‬

‫اإلرشاد الفلسفي ال ُنظُمي‬ ‫د‪ .‬نور عبيد‬

‫مريم باجي‬


‫جميع الحقوق محفوظة‬

‫‪All rights reserved.2022 . No reproduction, copying or‬‬ ‫‪passing without expressed consent from the founder‬‬ ‫‪of magazine. For permission or writing opportunities‬‬ ‫‪please contact: beautyarabiamagazine@gmail.com‬‬

‫ِ‬ ‫تخصهم وحدهم ال غري‪.‬‬ ‫اآلرا ُء واألفكا ُر املطروح ُة يف‬ ‫صفحات املجل ِة من قبل الك ّت ِ‬ ‫اب ُّ‬

‫مجلة الفينيق‬

‫مجلة الفينيق هي مجلة جامعة ت ُع َنى باإلنسان وبالقضايا الفكرية العليا التي تنهض باإلنسان وتحاول أن تسهم يف رفع‬ ‫مستوى املجتمع اإلنساين لنعمل معاً ومع الوسائل الثقافية األخرى لنرش الحب والسالم والتعاون بني كل الطبقات‬ ‫اإلنسانية لتعيش بحب وتصالح ووئام وتعمل مجلة الفينيق بواسطة كتَابها املتنورين ان تحارب الجهل ألن الجهل هو‬ ‫صانع الرشور وجميع املآيس اإلنسانية وتدرك مجلة الفينيق عرب املواد الفكرية التي تطرحها أن إصالح املجتمع اإلنساين‬ ‫لن يت َّم ويُن َجز ّإل بالثقافة امللتزمة بتوعية اإلنسان وتبيان املنزلقات التي يوصلنا الجهل إليها وحده العقل املتن ِّور بالوعي‬ ‫والثقافة واملعرفة اإلنسانية هو الرساج الذي ينري لنا املسالك الصحيحة ويقودنا لسلوك الطريق الصحيح للوصول إىل ما‬ ‫فيه خري البرشية كلها‪ .‬ال ب ّد من اتخاذ العقل سالحاً ملواجهة الصعاب التي تعيق منو القدرة اإلنسانية الفاعلة واملتجهة إىل‬ ‫الرقي وانتصار الخري وردع الرشور‬ ‫ومبقدار ما تهت ُّم مجلة الفينيق بالعقل ودوره الف ّعال يف تنمية إنسانية اإلنسان فإنها تهتم بدور الروح يف السم ّو باإلنسان‬ ‫وتجربته العقلية وتنقيته من كل ما يعكّر مجرى مسريته‪ .‬إن الروح هي بقية الله فينا وهي الضوء الذي يرافق العقل يف‬ ‫مسريت ُه والروح هي التي تقول لنا جميعاً وبالتساوي‪" :‬كلّكم آلدم وآدم من تراب" ومجلة الفينيق تسري يف توجهاتها دامئاً‬ ‫بهذا املنحى الذي يوحد بني الفكر والسلوك‪ ،‬إذ ال قيمة للفكر الذي ال يتح َّول سلوكاً ويف اعتقادنا دامئاً أ ّن "خري الناس من‬ ‫نفع الناس"‪ ،‬و"الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إىل الله أنفعهم لعياله"‪ ،‬وال تفاضل بني الناس ّإل بالعمل الذي يساعد‬ ‫تشق طريقها بتصميم وعدم تراجع ألنها تؤمن بأنها‬ ‫اإلنسان عىل التقدم‪ .‬بالروح والعقل معاً استطاعت مجلة الفينيق أن َّ‬ ‫ُو ِجدتْ لهذه الرسالة اإلنسانية املثىل‬ ‫بهذا التوجه استطاعت مجلة الفينيق أن تجمع فيها عقوالً ِّنية أدباء ومفكرين وشعراء‪ .‬وجميعهم ملتزمون بنجاح رسالة‬ ‫هذه املجلة الغراء‪ .‬ومن آفاق مجلة الفينيق أنها استطاعت أن تقيم ِص ٍ‬ ‫الت بني الرشق والغرب النها تعتقد أن العقل‬ ‫والروح ال يتقيّدان مبكان دون آخر يف هذا الوجود‪.‬إنها تصدر يف مكان بعيد خلف البحار ولكن فكرها يجتاز املحيطات‬ ‫ليصل إىل كل ذي عقل منفتح يؤمن بأن جنسية الفكر إنسانية وليست حرصية يف مكان دون آخر‬ ‫تظل رائدة يف خدمة اإلنسان الذي ك ّرمه الله بالعقل والروح وجعله سيد املخلوقات جميعاً‪.‬‬ ‫نأمل أن ّ‬


‫طائر الفينيق‬ ‫مجلة أدب ّية ‪ ،‬فكريّة‪ ،‬متنوعة‪ ،‬فصلية تصدر يف مدينة نيويورك‪.‬‬ ‫بالواليات األمريك ّية املتحدة‬ ‫‪Magazine Founder: Dr. Hassan A Farhat, MD‬‬ ‫‪Senior Arts Director: Assad Kamran‬‬

‫الهيئة اإلدارية‬ ‫رئيس التحرير د‪ .‬حسن فرحات‬ ‫مريم باجي‪ :‬مراسلة وسفرية املجلة يف املغرب العريب‬ ‫التدقيق اللغوي‪ :‬د‪.‬سامي ال ّرتاس‪ -‬د‪.‬فاطمة الب ّزال‪ -‬أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫نقد أديب‪ :‬د‪.‬هويدا رشيف‪ -‬د‪ .‬مرياي حمدان ‪-‬أ‪ .‬سليمة مليزي‬‫أ‪ .‬مروان درويش‪ -‬أ‪ .‬منال رشف الدين‬ ‫شعر‪ :‬أ‪ .‬رانية مرعي ‪-‬أ‪.‬حامد الشمري‪ -‬ـأ‪.‬عيل املويسات الجزائري‬ ‫التغذية‪ :‬األخصائية مرينا شمس الدين‬ ‫الفن‪ :‬الفنانة حنان بو حسن‬ ‫الجامل‪ :‬أ‪.‬مريم باجي‬


‫املحتويات‬

‫افتتاح ّية ‪7‬‬ ‫إنسان ّية الرسالة‬

‫مقدمة خربية عن التلوث الييئي‬

‫أدب ‪70--9‬‬ ‫‪70‬‬

‫د‪ .‬حسن فرحات‬

‫بيئة ‪83--75‬‬ ‫‪83‬‬ ‫عمر شبيل‬ ‫التلوث البيئي يف زمن الفوىض‬ ‫د‪ .‬نزار دندش‬

‫التشبيه واالستعارة يف نهج البالغة‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫فا صلة بني امراتني‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬دريّة فرحات‬ ‫بريوت‪،‬الكتاب‪ ،‬االنفجار‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫حكايتي‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬

‫مقارنة بني القرآن الكريم والعهد الجديد‬ ‫أ‪.‬كوثر حسني فردون‬ ‫سرية عني‬ ‫أ‪ .‬أغنار عواضة‬

‫تسويغ الشعر وعالقته بالفكر‬ ‫د‪.‬مرياي أبو حمدان‬

‫الدولة السائبة واملوظف التعيس‬ ‫د‪.‬طالل الورداين‬

‫الكتابة للطفل ومشاكل الطبع؟‬ ‫أ‪.‬سليمة مليزي‬

‫دور الثقافة يف إنقاذ لبنان من مأزقه الحايل‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬

‫فلسفة ‪125--86‬‬ ‫‪125‬‬ ‫اإلرشاد الفلسفي ال ُنظُمي‬ ‫د‪ .‬نور عبيد‬ ‫العنف يف ظل العوملة‬ ‫د‪.‬ماغي عبيد‬

‫السمكات الثالث‬ ‫كتاب كليلة ودمنة‬

‫الحاممتان والحب‬ ‫كتاب كليلة ودمنة‬

‫ألف ليلة وليلة‬ ‫املوسوعة الحرة‬

‫جامل ‪130--128‬‬ ‫‪130‬‬ ‫حقن البالزما‬ ‫أ‪ .‬مريم باجي‬


‫الهيئة الثقاف ّية يف هذا العدد‬

‫د‪.‬حسن فرحات‬ ‫أ ‪.‬عمر شبيل‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬دريّة فرحات‬ ‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫د‪ .‬فاطمة الب ّزال‬ ‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان‬ ‫د‪ .‬ماغي عبيد‬ ‫د‪ .‬نور عبيد‬ ‫د‪ .‬طالل الوردايت‬ ‫د‪.‬نزار دندش‬ ‫أ‪.‬حامد خضري الشمري‬ ‫أ‪.‬أغنارعواضة‬ ‫أ‪.‬رانية مرعي‬ ‫أ‪ .‬كوثر حسني فردون‬

‫أ‪ .‬سليمة مليزي‬ ‫أ‪.‬مريم باجي‬ ‫أ‪ .‬عيل مويسات الجزائري‬ ‫أ‪ .‬حنان بو حسن‬ ‫أ‪ .‬رانية مرعي‬ ‫أ‪ .‬نها املوسوي‬ ‫أ‪.‬سناء الحاموش‬ ‫أ‪.‬زينة الجوهري‬ ‫أ‪ .‬هدى غازي‬ ‫أ‪ .‬دالل مهنا الحلبي‬ ‫أ‪.‬مصطفى بورتاتة‬ ‫أ‪ .‬سهر الدغمة‬ ‫أ‪ .‬فواز الحمفيش‬ ‫أ‪.‬عيل سعدة‬


‫افتتاحية‬ ‫إنسانية الرسالة‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‪ /‬رئيس التحرير‬ ‫الرسالة غاية ُ‬ ‫يهدف اإلنسان من خاللها إحداث تغيري إىل األعىل‬ ‫يف الحياة عرب السلوك والفكر والغاية‪ .‬وبهذا املعنى العميق‬ ‫للرسالة تكون إنسانية الفكر والسلوك‪ ،‬وتكون غايتها الخروج‬ ‫من جاهلية الفكر التي تؤدي إىل جاهلية الترصف‪ .‬ومل تكن‬ ‫للرساالت الساموية وما سام من رساالت أرضية أيضاً غاية سوى‬ ‫السمو بإنسانية اإلنسان‪ .‬لقد حرص النبي محمد رسالته بالحديث‬ ‫التايل‪" :‬إمنا بُعثت ألمتم مكارم األخالق"‪ ،‬وكانت الرساالت التي‬ ‫سبقت رسالة اإلسالم كلها تدعو إىل إنجاز وجود إنسانية اإلنسان‪.‬‬ ‫وإنسانية اإلنسان ال تكتمل بحرص الخري والصالح بفك ٍر دون فكر وال بدين دون دين‪ ،‬ألن حرص صوابية الخري وصالحيته‬ ‫يف فئ ٍة دون غريها هو جهل لحقيقة وجود الخري والصالح ذات املفهوم الكوين‪ .‬إن الخري يُخلَق يف النفس البرشية منذ فجر‬ ‫كينونتها الرتابية‪ ،‬مبعزل عن اللون والعرق والطائفة واملذهب‪ .‬وعملية حرص الخري يف أمة دون غريها هي يف حقيقتها فعل‬ ‫سيايس يهدف إىل تثبيت أركان دو ٍل أو أنظمة أو جامعات‪ .‬الله خلق الناس للتعارف والتآخي‪ ،‬والتعارف يعني التكامل‬ ‫ونرش املعرفة يف جميع املجتمعات البرشية‪ ،‬وتنقية النفس البرشية من أدرانها‪ ،‬ويف ذلك جاء يف القرآن الكريم‪" :‬يا أيها‬ ‫عليم خبري"‪.‬‬ ‫الناس إنّا خلقناكم من ذك ٍر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم‪ ،‬إنّ الله ٌ‬ ‫القرآن هنا يشري إىل الجنس البرشي بأكمله "من ذكر وأنثى"‪ ،‬هو مل يحدد ملّ ًة دون ملة‪ ،‬وال طائفة دون طائفة‪ ،‬وإمنا‬ ‫جعل التعارف هو ما يجمع بني البرش‪ ،‬والقرآن هنا يربط التعارف بالتقوى‪" :‬إ ّن أكرمكم عند الله أتقاكم"‪ .‬والتقوى هنا‬ ‫ليست فقهاً دينياً فحسب‪ ،‬وإمنا هي سلوك قائ ٌم عىل التعارف بني البرش‪ ،‬والتعارف هو نقيض العداء‪ ،‬أل ّن اإلنسان بفطرته‬ ‫"عدو ما يجهل"‪ .‬إذن يقا َو ُم الجهل باملعرفة والوعي‪ .‬والتعارف يجعل عهودا ً بني الناس لتصحيح وتصويب العالقات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫املعارف يف‬ ‫ولخلق نوع من الحقوق األخالقية التي يجب عىل اإلنسان عدم التنكر لها‪ ،‬وكم كان املتنبي رائعاً يوم قال‪" :‬إ ّن‬ ‫ذمم"‪ .‬مبجرد أن تقوم عالقة معرفة بينك وبني اآلخر فذلك يعني عهدا ً وذمة‪.‬‬ ‫أهل النهى ُ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫فن ‪175--174‬‬ ‫‪175‬‬

‫صحة ‪172--169‬‬ ‫‪172‬‬ ‫شعر ‪165--133‬‬ ‫‪165‬‬

‫نصائح ملعالجة األرق‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬ماهر حسن‬

‫إىل رشين أبو عاقلة‬ ‫عمر شبيل‬

‫لوحات فن ّية‬ ‫أ‪.‬حنان بو حسن‬

‫سألوين ما الخرب‬ ‫د‪.‬هويدا رشيف‬

‫هل يف ُذرانا من رفيق؟‬ ‫شهداك‬ ‫رحلة تأمل‬ ‫أ‪.‬عيل مويسات الجزائري أ‪.‬حامد خضري الشمري د‪.‬فاطمة مهدي الب ّزال‬ ‫بطوالت مواطن عريب‬ ‫أ‪.‬رانية مرعي‬ ‫الربيع‬ ‫أ‪.‬سهر الدغمة‬

‫«ريل و َح َمدْ » اىل روح الشاعر»مظفَّر الن َواب«‬ ‫دمعة عىل ْ‬ ‫أ‪.‬عمر شبيل‬ ‫زيارة‬ ‫أ‪.‬فواز الحمفيش‬

‫من لغثة الحرف إىل العيادة‬ ‫أ‪.‬دالل مهنا الحلبي‬ ‫قوارب املوت‬ ‫أ‪.‬مصطفى بورتاتة‬

‫أقالم واعدة ‪179--178‬‬ ‫‪179‬‬ ‫دور الشباب يف املجتمع‬ ‫أ‪.‬عيل السعدي‬

‫هزميتي يف حبك انتصار‬ ‫أ‪.‬هدى غازي‬

‫مكان آخر‬ ‫أ‪.‬سناء الحاموش‬

‫شارع َمه ُجو ٍر‬ ‫أ‪.‬نها املوسوي‬

‫معي‬ ‫أ‪.‬زينة الجوهري‬

‫الصواب اللغوي ‪181‬‬ ‫قل وال تقل‬ ‫أرسة التحرير‬

‫زاوية اللغة ‪183‬‬ ‫أي‬ ‫أرسة التحرير‬


‫سنعالج في هذا البحث الصورة البالغية‬ ‫« التشبيه واإلستعارة » في نهج البالغة‬ ‫عىل أن يتم التّوسع يف دراسة الكناية يف نهج البالغة يف العدد القادم‪.‬‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬

‫‪2022/05 /‬‬

‫مصطلح البالغة‬ ‫يرتتب عىل فهم طبيعة الكالم من قبل الفريقني‪ ،‬فهم مح ّدد للبالغة‪ ،‬فالقول‪ :‬إ ّن الكالم معنى قائم يف ال ّنفس‪ ،‬من قبل‬ ‫منصب عىل كشف ذلك املعنى أمام املتلقي‪ ،‬ولذلك قال الباقالين األشعري عن‬ ‫األشاعرة جعلهم يرون أن ه ّم املبدع‬ ‫ّ‬

‫البالغة إنها «اإلبانة عن األغراض التي يف ال ّنفوس» ‪ ،‬كام أ ّن ال ّنظر إىل الكالم عىل أنّه عبارة عن تلك األصوات واأللفاظ من‬ ‫منصب إىل املتلقي‪ ،‬ولذلك قال ال ّرماين املعتزيل‪:‬بأن البالغة إيصال املعنى إىل‬ ‫قبل الفريق الثاين جعلهم يرون أن ه ّم املبدع‬ ‫ّ‬

‫القلب يف أحسن صورة من اللفظ ‪.‬وهذا اإلختالف حول البالغة طبيعيجاء مرتبطاً بطبيعة الكالم‪ .‬فاملعنى القائم يف‬

‫ال ّنفس‪ ،‬يتك ّون ويتبلور ويأخذ هيئته ال ّنهائية من خالل مامرسة الكالم ويف أثنائها‪ .‬ونجاح الكالم ال يكون إال من خالل‬

‫الكشف عن املعنى‪ .‬واألصوات‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬ال قيمة لها‪ ،‬إذا مل تقم‪ ،‬بإيصال املعنى اىل اآلخرين‪ ،‬هكذا وجدنا أنفسنا‬

‫يف القرن ال ّرابع أمام فهمني متباينني للبالغة‪:‬فهم األشاعرة الذي ينكفئ إىل املؤلف من خالل اإلهتامم بوظيفة البالغة‬

‫الكشف ّية والتي يرتكز اهتاممها بالثنايئ (املؤلف‪-‬ال ّن ّص)‪ ،‬وفهم الشّ يعة واملعتزلة الذي يهتم باملتلقي من خالل ال ّرتكيز عىل‬ ‫عىل وظيفة البالغة اإليصالية‪ ،‬والتي يرتكّز اهتاممها بالثنايئ (ال ّن ّص‪-‬املتلقي)‪.‬‬

‫وال يعني ذلك أن الفريق األول سيدير ظهره كل ّياً للمتلقي‪ ،‬كام سيدير الفريق الثاين ظهره للمؤلف‪ ،‬ولكن املسألة نسبية‪.‬‬ ‫ومام يجدر ذكره أن وظيفة البالغة ليست سوى وظيفة ال ّن ّص‪.‬فهل يعني أن القرن ال ّرابع قد ساوى البالغة بال ّن ّص؟‬

‫ال تساوي البالغة عندهم وظيفة ال ّن ّص اآللية‪ ،‬ولكن الفنية الجامل ّية التي يقوم ال ّن ّص بعبئها‪.‬اذ قرنوا الوظيفتني الكشفية‬

‫واإليصالية بالصورة الجميلة‪.‬الكشف الفني الجميل‪ ،‬واإليصال الفني الجميل من دون أن يقيموا أي مسافة بني ما هو‬ ‫كشفي أو إيصايل من ناحية‪ ،‬وبني ما هو فني جميل من ناحية أخرى‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬الباقالين‪،‬إعجاز القرآن‪،‬القاهرة‪،‬دار املعارف‪،‬ط‪،1981 ،5‬ص‪.117‬‬

‫‪ .2‬الرماين‪،‬النكت يف إعجاز القرآن‪،‬من ضمن ثالث رسائل يف اإلعجاز‪،‬تحقيق محمد خلف الله احمد ومحمد زغلول سالم‪،‬مرص‪،‬دار املعارف‪،‬ط‪،3،1976 .‬ص‪.76-75 .‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أدب‬

‫طائر الفينيق‬


‫وال تع ّد هذه الفاعلية التي تقوم بها اللغة ال ّدور الوحيد املرسوم لها‪ ،‬خصوصاً إذا عرفنا أن داللة األلفاظ الوضعية‬ ‫ال تفي بحاجة التّعبري عن أشياء العامل جميعها‪ ،‬وخصوصاًالذهنية املجردة منها‪ ،‬وال عن مستويات الحال الواحدة‬ ‫املتفاوتة‪.‬هذا وال تستطيع إقامة العالقة بني املفردات يف حدود اإلسناد املوضوعي العادي للغة أن تنقل إلينا‬ ‫العوامل غري العادية التي يعيشها املبدعون‪ ،‬أو حتى أولئك ال ّناس العاديون يف ساعات وجدهم‪.‬‬ ‫نعب‬ ‫وال بد للغة‪ ،‬أي لغة‪ ،‬من أن تبتكر الوسائل التي تعوض مثل هذا القصور الذي تتصف به‪ ،‬فال ميكننا أن ّ‬ ‫مثل عن جميع أنواع املحبة التي ندركها‪ ،‬وال عن مختلف درجاتها‪ ،‬وقل األمر نفسه بالنسبة اىل(‬ ‫بكلمة (محبة) ً‬ ‫البغضاء)و(الحقد)و(األ نفة)‪.‬‬ ‫كل نوع وما مي ّيزه عن‬ ‫ونحن إذا سمينا كل حال من حاالت املحبة باإلسم نفسه إمنا نكون قد أخفينا خصوصية ّ‬

‫غريه‪.‬يعني أنّنا أ ّدينا صورة مش ّوهة عن الواقع وأفقدناه الكثري من حرارة الحياة‪.‬وال يقترص األمر عىل الحاالت‬

‫الذّهنية وال ّنفسية بل يتع ّداه إىل املسميات املحسوسة‪.‬فلو قلنا مثالً (أنف جميل)‪ ،‬وهو أمر محسوس ألخفينا‬ ‫تحت هذا العنوان (االنف)الصور املختلفة لألنوف الجميلة‪.‬وقل األمر نفسه بالنسبة إىل العني والخد والجيد‬ ‫والشّ جر والطّائر وغري ذلك‪.‬‬ ‫ويأيت واحدا ً من البنى اللغوية التي أوجدتها اللغة لتع ّوض مثل هذا القصور‪.‬فهو محاولة منها لقراءة بعض‬

‫جوانب العامل التي مل تطلها التّسمية الوضعية عن طريق مقارنتها بأشياء أخرى تفصح عن بعض مكنونها‪.‬واملقارنة‬

‫يف التّشبيه ليست إقامة موازنة بني شيئني‪ ،‬ولكن تسليطاً للضوء عىل أبعاد من هوية اليشء الذي نريد قراءته‬ ‫الشء اآلخر التي كثريا ً ما يقدمها التّشبيه غري مكتملة أل ّول وهلة‪ ،‬فريدفها بالكثري من‬ ‫وتسميتها من خالل هوية ّ‬ ‫القرائن التي تضيئها‪.‬فاملشابهة عملية تعبريية تفقد طريف التّشبيه هويتهام الواقعية لتقيم عىل أنقاضهام هوية‬ ‫جديدة هي الحاصل ال ّداليل الذي ترسب إىل ذهننا جراء هذه العملية‪ .‬أو هو اإلسم الذي يعرف به اليشء الذي‬ ‫احتاج اىل التّسمية فاقتىض التّشبيهالذي ع ّده الجرجاين‪:‬أحد األصول الكبرية‪ ،‬باإلضافة اىل التمثيل واإلستعارة‪ ،‬التي‬ ‫جل محاسن الكالم‪ ،‬إن مل يقل كلّها‪ ،‬متفرعة عنها وراجعة إليها‪ ،‬وكأنها أقطاب تدور عليها املعاين يف‬ ‫«كان ّ‬ ‫مترصفاتها‪ ،‬وأقطار تحيط بها من جهاتها» ‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .8‬عبد القاهر الجرجاين‪،‬أرسار البالغة‪،‬تحقيق ريرت‪،‬دار املسرية‪،‬بريوت‪،‬ط‪،2،1979‬م‪.‬ص‪.36.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ونستخلص من هذا املفهوم البالغة العربية غري مفهوم البالغة الغربية‪.‬والبالغتان مصطلحان مختلفان‪ .‬لكل منهام‬ ‫ظروفه وأبعاده ودالالته‪.‬‬ ‫ولعل الحديث عن بالغتنا بطريقة سلبية‪ ،‬أو وصفها بعدم ال ّنضج‪ ،‬وبالربوز بوجه ممقوت ‪ ،‬أو اتهامها باملعيارية‬ ‫ّ‬ ‫رسب من املفهوم الغريب إلينا‪ ،‬خصوصاً أنه قد وجد ما يعضده عندنا‪.‬إذ تع ّرف ال ّناس عىل البالغة العرب ّية من‬ ‫هو ت ّ‬ ‫خالل كتاب (التلخيص) للقزويني الخطيب ‪ .‬ويستدعي ذلك أن نعيد النظر يف موقفنا من البالغة العربية ليك‬

‫نكون عىل ب ّينة من أمرنا إذا أردنا أن نتح ّول إىل منتجني للثقافة بدالً من استهالكها‪ ،‬خصوصاً أن مفهوم البالغة‪،‬‬ ‫كام رأيناه هنا قد تعمق وصار أكرث دقّة يف القرن الخامس الهجري إذ ارتبط بتسمية جديدة هي (الظلم)‪.‬‬

‫وظيفة ال ّتشبيه الدّ اللية يف نهج البالغة (األبعاد الفنية لل ّتشبيه)‪:‬‬ ‫احتل ح ّيزا ً واسعاً فيه‪.‬فام هو التّشبيه‪ ،‬ألن تع ّرف‬ ‫من يقرأ النهج «‪ ،‬وخصوصاً الخطابة منه‪ ،‬يجد أن التّشبيه قد ّ‬ ‫حقيقته يسمح لنا باإلنطالق اىل دراسته يف ال ّنصوص الخطاب ّية من «ال ّنهج»؟أعطت اللغة أشياء العامل املعروفة‬

‫لكل يشء كلمة أو أكرث‪ ،‬وكانت تشرتك ع ّدة أشياء أحياناً بكلمة واحدة‪.‬يعني‬ ‫حس ّية كانت أم مج ّردة كلامت‪ ،‬فكان ّ‬ ‫أن مفردات اللغة محدودة العدد مهام كرثت‪ ،‬تبعاً ملحدودية أشياء العامل املعروفة‪.‬وال يعد إنتاج معجم األلفاظ‬ ‫وظيفة اللغة الوحيدة ولكن للغة وظيفة موازية إلنتاج املعجم‪ ،‬هي إقامة العالقة بني املفردات من خالل ما‬ ‫والصفات متناهية‪ ،‬فأ ّما داللة‬ ‫يسمى بالتأليف‪.‬ولقد اكتشف ال ّرماين هذه الحقيقة حني أعلن أن «داللة األسامء ّ‬

‫التّأليف فليس لها نهاية» ‪.‬والتّأليف هو الذي يرس للغة وظيفة إقامة التّواصل املستمر بني ال ّناس‪ ،‬كشفاً عن‬ ‫املعاين املوجودة داخل نفوسهم‪ ،‬وإيصاالً لها إىل أذهان املتلقني ‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .3‬طه ابراهيم‪،‬تاريخ النقد األديب‪،‬بريوت ‪،‬دار املعارف‪،‬ط‪،3،1976‬ص‪.76-75‬‬ ‫‪ .4‬عبد السالم املسدي‪،‬االسلوبية واالسلوب‪،‬بريوت‪،‬الدار العربية للكتاب‪،1982،‬ص‪،53-52‬عدنان بن ذريل‪،‬االسلوبية‪،‬مجلة الفكر العريب‪،‬العدد‪،60‬ص‪.249‬‬ ‫‪ .5‬عيل زيتون‪،‬البالغة العربية بني لغتي الرتاث والحداثة‪،‬مجلة الفكر العريب ‪،‬العدد‪،60‬ص‪.114‬‬ ‫‪ .6‬النكت يف إعجاز القرآن ‪،‬ضمن ثالث رسائل يف اإلعجاز‪،‬تحقيق خلف الله وسالم ‪،‬دار املعارف مبرص‪1976،‬م‪.‬ص‪.107.‬‬ ‫‪ .7‬عيل زيتون‪،‬البالغة العربية بني لغتي الرتاث والحداثة‪،‬مجلة الفكر العريب‪،‬العدد‪60‬سنة ‪،1990‬ص‪.126-114‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫واحدة وبشكل مفاجئ‪ ،‬إذ مل يكتف بتشبيهه بالثّور مع ما تقدمه هوية الثور من إضاءة جديدة لهوية طلحة‪،‬‬ ‫ومع ما ترمز إليه من امتالك قوة جسدية هائلة تسخر ملآرب ليست سوية األسلوب والنتائج وال سلميتها‪ ،‬ومع ما‬ ‫الصورة بهدف إمتام القراءة‬ ‫يرتبط ّ‬ ‫بكل ذلك من اعتزاز بغري ما يجب أن نعتز به‪ ،‬ولكنه لجأ اىل استكامل ّ‬ ‫السكونية‪ ،‬ـأي انّه مل يكن ثورا ً راقدا ًيجرت‪ ،‬أو متحركاً يلقف‬ ‫فقال‪(:‬عاقصاًقرنه)‪ ،‬فلم يبق يف حدوده أبعاده الرمزية ّ‬ ‫رشأي نتائج قد تكون‬ ‫الحشيش يف مرعى‪ ،‬ولكنه عاقص قرنه‪ ،‬مستعد لل ّنطاح بكل غطرسة موحية بأنّه ال يحسب لل ّ‬

‫الصورة مع عقصة القرن إىل نهايتها‪.‬فام أن يترشب الثور املوجة الضوئية التي قدمته متغطرساً‬ ‫وبيلة‪.‬وال تصل ّ‬

‫حتى تغمره موجة ضوئية أخرى تتداخل مع األوىل وتلحقها بأبعاد داللية جديدة تبلغ به ح ّد الحامقة‪« ،‬يركب‬ ‫الصعب ويقول هو الذّلول»‪ ،‬خصوصاً أن هذه الشخصية املتآلفة من بعدي‪:‬اإلنسان والثور‪ ،‬والتي ألغت تينك‬ ‫ّ‬ ‫الهويتني‪ ،‬لصالح هوية جديدة قد أعيدت م ّرة ثانية إىل بعدها اآلدمي وإن مل يكن إىل وضعية طلحة الواقعية بل‬

‫الصعوبة والخطورة إال أنه يكابر أو يتلبس ثوب‬ ‫الصعب من الدواب‪.‬ومع أنه مدرك ّ‬ ‫إىل وضعية من يحاول امتطاء ّ‬ ‫األحمق فيقول‪»:‬هو الذّلول»‪.‬‬ ‫الصفة‬ ‫مل نكن أمام تشبيه بسيط إذا ً‪ ،‬ولكننا أمام تشبيه متنام يتداخل مع كناية تزيد يف تعقيدات بنيته‪.‬وهذه ّ‬ ‫التي تحصلت لنا شيئاً فشيئاً عن شخصية طلحة‪ ،‬إمنا متت عن طريق قراءتها من قبل عيل (ع) وتعبريه عنها‪.‬‬ ‫واللجوء إىل التّشبيه هنا كان محاولة الكتشاف معادل لوضعية طلحة هذه التي مل تستطع اللغة العادية اإلفصاح‬ ‫السيطرة‬ ‫عنها‪.‬ولقد شكّلت هذه القراءة معرفة واكتشافاً للعامل يف هذه النقطة بالذات قصد تغيريه أو تحسينه أو ّ‬ ‫عليه‪.‬‬ ‫• ال ّنموذج الثاين‪:‬قراءة شخص ّية الجامعة‪ ،‬وتسميتهااملنافقون‪.‬‬ ‫وإذا ما أعلن عيل (ع) استحالة تقويم رجاله‪،‬فذلك أل ّن ال ّنفاق قد صار ظاهرة شائعة بينهم‪ ،‬يفعل فعله فيهم‪.‬‬ ‫تكاثر املنافقون‪« :‬منهم ملة الشّ يطان وحمة ال ّنريان «‪ .‬وإذا كان املنافقون أولئك الذين يظهرون اإللتزام بال ّدين‬ ‫ويضمرون العكس‪ ،‬وهذه ال ّداللة معلومة عند من يعرفون العربية‪ ،‬فإن عل ّياً قد قرأها قراءة منتمية اىل عامله‪،‬‬ ‫ترى يف املنافقني ما مل يره اآلخرون‪ .‬وليك يقدم ال ّداللة التي رآها‪ .‬أضاف (النريان) إىل (إبرة)‪ ،‬فأكسبها هوية‬

‫تتداخل فيها هويتا العبقري بس ّمه الناقع‪،‬وال ّنار بلظاها‪ ،‬لتيضء هوية‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .12‬اللمة ‪:‬الجامعة‪.‬‬ ‫‪ .13‬الحمة ‪:‬االبرة‪.‬‬ ‫‪ .14‬عيل بن ايب طالب ‪،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.224‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫وال يزال التّشبيه بنية تعبريية شديدة الحضور يف نتاجنا األديب املعارص‪ ،‬كونه منهجاً يف التعبري أثبتت التّجارب‬ ‫لكل العصور‪ ،‬خصوصاً أنه تلوين ألحد أشكال اإلسناد يف اللغة‪.‬واإلسناد نسغ اللغة الجاري يف‬ ‫األدبية صالحيته ّ‬ ‫عروقها‪.‬وإذا كان التّشبيه أحد الوان ذلك ال ّنسغ صار رضورة لغوية ال ب ّد منها يف جميع العصور‪ ،‬عصور ال ّنهايات‬ ‫التي نعيشها أم عصور البدايات التي عاشها اإلمام عيل(ع)‪.‬واحتالل التّشبيه ح ّيزا ً واسعاً من خطابة ال ّنهج يعني‬ ‫محاولة جادة من قبل عيل(ع) لتكوين عامله الخاص به من خالل تسمية أشيائه بهذه الطّريقة‪.‬فتسمية أشياء‬

‫العامل هي‪ ،‬بالنتيجة‪ ،‬إعادة انتاج للعامل الواقعي من خالل رؤية معينة‪ ،‬ومنهج تعبريي معني‪.‬وانتشار التّشبيه بهذه‬ ‫السعة يف خطابته إشارة واضحة الرتباطه برؤية الخطيب(ع)القائلة بوحدة أشياء الوجود التي صدرت عن صانع‬ ‫ّ‬ ‫حكيم واحد وم ّدبر عليم فرد بثّ فيها جامله فتالقت كلّها عىل التّسبيح بقدرته‪ ،‬وصارت أشبه ما تكون باملرايا‬ ‫تعكس صورة بعضها اآلخر‪.‬‬ ‫والدخول اىل عامل النهج من خالل التّشبيه‪ ،‬هو قراءة ملعلَم ثان بعد املعجم‪ ،‬من معامل اإلبداع فيه‪ ،‬ويستوجب‬ ‫ذلك مراقبة أمر هو تعرف غنى تلك القراءة من خالل التّشبيه‪.‬‬ ‫فمن يتابع التّشابيه يف «نهج البالغة»‪ ،‬يسرتع انتباهه جدل يكاد يحكم تلك التشابيه ويطبعها بطابعه‪ ،‬عنيت به‬ ‫جدل (اإلنسان‪/‬الدين)‪.‬‬ ‫سنكتفي بقراءة وتحليل بعض ال ّنامذج عن التّشبيه يف نهج البالغة‪:‬‬ ‫•النموذج االول‪ :‬قراءة شخصية اإلنسان الفرد والتّعبري عنها‬ ‫طلحة‪:‬خاطب عيل(ع)عبد الله بن عباس عندما أنفذه اىل الزبري يستفيئه اىل طاعته قبل حرب الجمل قائالً‪»:‬ال‬ ‫تلقني طلحة‪ ،‬فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصاً قرنه يركب الصعب ويقول‪:‬هو الذّلول‪.‬ولكن الق الزبري فإنه ألني‬ ‫عريكة ‪.‬نهى الخطيب (ع)عبد الله بن عباس عن لقاء طلحة‪ ،‬ويعني هذا النهي أمرين‪:‬األول هو أ ّن ابن عباس قد‬ ‫يلقى طلحة إذا مل ينه عن ذلك‪ ،‬والثاين هو أن ال ّنهي ناجم عن دراية عيل(ع)ببعض مقومات شخصية طلحة التي‬ ‫يجهلها رسوله‪.‬ولقد أوجب هذان األمران عليه أن يقرأ ما خفي من جوانب تلك الشّ خصية‪ ،‬فلجأ من أجل ذلك إىل‬ ‫التّشبيه املعقّد املتنامي الذي مل يوجد جاهزا ً دفعة‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .9‬عاقصاً قرنه‪،‬كناية عن تغطرسه‪.‬‬ ‫‪ .10‬الصعب‪:‬الدابة الجموع‪.‬‬ ‫‪ .11‬عيل بن ايب طالب‪،‬نهج البالغة‪،‬دار التعارف للمطبوعات‪،‬بريوت‪،‬ط‪1،1990‬م‪،‬ص‪.36‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫كام رأى علامء الجامل الغربيون ألنه‪ ،‬كام يرى الجرجاين ابن القرن الخامس‪ ،‬ال توجد سلسلة من التّعابري تتناول‬ ‫الفني عامة‪ ،‬والجامل األديب‪ ،‬عىل وجه‬ ‫الفكرة الواحدة‪ ،‬فتبلغ إحداها الكامل فيتمثل بها متام الجامل‪ .‬الجامل‬ ‫ّ‬

‫الخصوص‪ ،‬متصل برؤية الخطيب اىل العامل‪ .‬وغنى األدبية من غنى الرؤية‪ .‬وهذه الرؤية‪ ،‬التي ترتكز عىل الثقافة‪،‬‬ ‫بشكل أسايس‪ ،‬هي التي متكن األديب من أن يرى ما يراه يف هذا الجانب أو ذاك من جوانب العامل‪ .‬وما يراه إمنا‬

‫يراه باللغة‪ .‬ولذلك فإننا ال نستطيع القول كانت رؤيته عميقة مبعزل عن تعبريه‪ ،‬أو القول كان تعبريه رائعاً مبعزل‬ ‫عن الرؤية‪ .‬الثقافة بدالها ومدلولها تكون عميقة أو ال تكون‪.‬والذي يجب أال يغرب عن بالنا هو أن األديب الكبري‬ ‫هو بالرضورة مثقف كبري‪.‬‬ ‫وظيفة اإلستعارةالدّ الل ّية يف نهج البالغة‪:‬‬ ‫قراءة ثنائية (الفتنة‪/‬الدنيا)‪:‬‬ ‫•الفتنة‪:‬‬ ‫كان دفع الفتنة هامً محورياً عند عيل (ع)خصوصاً يف زمن خالفته‪،‬فكيف تبدت له؟وكيف قرأها؟‬ ‫تحدث (ع)ع ّمن أطاعوا الشّ يطان وسلكوا مسالكه قائالً‪»:‬يف فنت داستهم بأخفافها‪،‬ووطئتهم بأظالفها‪،‬وقامتعىل‬ ‫سنابكها»(ص‪.)47‬وهو حني أسند الفعلني‪(:‬داست)و(وطئت)اىل الفنت‪ ،‬وع ّدى األول منهام إىل اإلخفاق بوساطة‬ ‫حرف الجر‪،‬والثاين إىل األظالف‪،‬غ ّيب الهوية املوضوعية املجردة لتلك الفنت‪ ،‬وأكسبها هويتني فنيتني هام‪:‬هوية‬

‫الجمل التي تب ّدت من خالل األخفاف‪ ،‬وهوية الثّور التي ظهرت من خالل األظالف‪.‬‬

‫السحق‪،‬غري مدركة من تسحق‪ ،‬وال ما ينجم عن‬ ‫وهاتان الهويتان البهيميان تقدمان الفتنة قوة هائلة متمكنة من ّ‬ ‫السحق‪.‬وهذا أمر شديد البشاعة بالنسبة إىل عريب تلك املرحلة الحضارية‪.‬وحني يتصور الخائضون غامر الفتنة‬ ‫هذا ّ‬ ‫أنهم بعض وقودها ال بد من أن يأخذ الوجل قلوبهم فريعووا‪ .‬يعني ذلك أن اإلستعارة العلوية مل تقم بالوظيفة‬ ‫التعويضية وحدها‪،‬وظيفة الكشف عن خصوصية رؤية اإلمام (ع) إىل الفتنة‪ ،‬ولكنها قامت بوظيفة ثانية‪،‬هي‬ ‫السببي‪ ،‬ولكن عىل إخراج‬ ‫الوظيفة اإلقناعية‪ .‬هذا ومل ترتكز العملية اإلقناعية‪ ،‬عرب هذه اإلستعارة‪ ،‬عىل املنطق ّ‬

‫املتلقي من واقعه املوضوعي وال ّدخول به إىل عامل ف ّني تتب ّدى الفتنة فيه جمالَ وثورا ً‪.‬ويصبح املتلقي معه جزءا ً‬ ‫من آليات اشتغال هذا العامل املخيف الذي يدخل الخوف من الفتنة قلبه فيبتعد عنها‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫(املنافقني) وتقدمهم الينا الوباء الذي يطال السليمني (املؤمنني) فيأرسهم اىل مملكة الخطيئة‪ ،‬حيث يتحول‬ ‫الخطاة يل وقود تلك النار‪ .‬اننا أمام عملية إضاءة معقدة‪ ،‬يتبدى فيها املنافقون غري املنافقني‪ ،‬واملؤمنون غري‬ ‫املؤمنني‪ ،‬واإلبرة غري اإلبرة‪ ،‬والنار غري النار‪ ،‬يخلع كل عنرص منها هويته ليبدلها بهوية معقدة تخدم يف النهاية‬ ‫هدفاً واحدا ً هو قراءة املنافق والتعبري عنه من خالل منظور عيل (ع) وتجربته معه‪.‬‬ ‫•ال ّنموذج الثالث‪ :‬قراءة األمور ال ّدينية يف تشبيه ال ّنهج‪.‬‬ ‫القرآن الكريم‪ :‬مثة إبداع الهي آخر مرتبط باإلسالم هو القرآن‪ ،‬حاول عيل (ع)تقدميه‪»:‬ثم أنزل عليه الكتاب نورا ً‬ ‫ال تطفأ مصابيحه‪ ،‬رساجاً ال يخبو توقده‪ ،‬وبحرا ً ال يدرك قعره‪ ،‬ومنهاجاً ال يضل نهجه‪ ،‬وشعاعاً ال يظلم ضوؤه‪،‬‬ ‫وفرقاناً ال يخمد برهانه‪ ،‬وتبياناً ال تهدم أركانه‪ ،‬وشفاء ال تخىش أسقامه‪ ،‬وعزا ً ال تهزم أنصاره‪ ،‬وحقاً ال تخذل‬ ‫أعوانه» ‪ .‬إن رؤيته القرآن شبيهة برؤيته اإلسالم إىل ح ّد بعيد‪ ،‬قدمت لنا كتاب الله شفاقاً يحمل الهوية املناسبة‬ ‫والساج والبحر واملنهاج والشّ عاع والفرقان والتّبيان والشّ فاء‬ ‫يف اللحظة املناسبة ملوقف من املواقف‪ .‬فهو ال ّنور ّ‬ ‫والع ّز والحق‪ ،‬وال نصل اىل نهاية املطاف مع هذه الهويات‪ .‬فهو مفتوح إىل ما ال نهاية ‪ .‬ويشري هذا كله إىل ال ّنفع‬ ‫كل لحظة من حياتنا نحتاج فيها إىل القرآن‪.‬‬ ‫كل احتامل يف ّ‬ ‫العميم الذي يحمله القرآن‪ .‬ذلك ال ّنفع املفتوح عىل ّ‬ ‫والساج والبحر واملنهاج من‬ ‫كام تشري هذه القراءة إىل أمرين‪ :‬األول انتامء ّ‬ ‫يل وفكره‪ ،‬ملا للنور ّ‬ ‫الصورة إىل عامل ع ّ‬ ‫موقع يف ذلك العامل‪ ،‬والثاين‪ :‬هو ما ميثله القرآن يف نظره‪.‬‬

‫‪-2‬اإلستعارة‬ ‫أ‪-‬مهاد نظري‪:‬‬ ‫تظل قامئة بني ما يفكر به اإلنسان وما يقوله‪ ،‬يف إشارة إىل عنجر التعبري‬ ‫يرى بعضهم أن مسافة غري قابلة لإللغاء ّ‬ ‫عن أبعاد التفكري‪ ،‬بشكل كامل‪ .‬والحقيقة أنه ال توجد مثل تلك املسافة‪ ،‬ألنهال توجد فكرة مبعزل عن التعبري‪.‬‬ ‫الفكرة والتّعبري عنها أدباً‪ ،‬أو رسامً‪ ،‬أو موسيقى يولدان يف اللحظة عينها‪.‬وال وجود ألحد الطرفني مستقالً عن‬ ‫عب عنها‪ ،‬يف البالغة العربية‪ ،‬باملزية ال تكون بكامل التّعبري عن الداللة‪،‬‬ ‫اآلخر‪ .‬يعني ذلك أ ّن األدبية التي ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .15‬عيل بن ايب طالب‪،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.230-229‬‬ ‫‪ .16‬م‪.‬ن‪،‬ص‪.230‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫والتأمل في ديوانه‬ ‫محمد زينو شومان بين القصيدة‬ ‫ّ‬ ‫«فاصلة بين امرأتين»‬

‫أ‪.‬د درية كامل فرحات‬ ‫أستاذة يف الجامعة اللبنانية‬ ‫كلية اآلداب‬ ‫لكل إنسان‪ ...‬وهو‬ ‫الخالق ِّ‬ ‫إ ّن الف ّن هو موهبة إبداع وهبَها‬ ‫ُ‬

‫اإلبداعي اإلنسا ُّين حيث يُعد لونًا من ألوان الثقاف ِة‬ ‫تاج‬ ‫ال ّن ُ‬ ‫ُّ‬

‫ِ‬ ‫املألوف يف التّفكريِ ويف ال ّنظ ِر أو‬ ‫خروج عن‬ ‫اإلنسانيّة‪ ،‬وفيه‬ ‫ٌ‬ ‫يعب اإلنسا ُن عن أناه‬ ‫ِ‬ ‫الحكم عن أي يشء‪ ،‬فمن خالل الفنون ّ‬ ‫وذاته أو عن رأيه أو إحساسه‪.‬‬

‫يعب عن الواقع بلمسات الجامل‪ ،‬وهو تحويل للواقع بواسطة أساليب تعبريية‪ ،‬وأدائ ّية من نوع خاص‪،‬‬ ‫والفن ّ‬ ‫وسواء أكان الف ّن عملية تحويل‪ ،‬أو عملية رمز‪ ،‬أو هروبًا من الواقع‪ ،‬أو تساميًّا عليه‪ ،‬فال يه ُّم ذلك‪ .‬إنّ ا امله ّم أنّه‬ ‫انتقال من حقيقة عادية شائعة إىل عامل يفوق الواقع ويتّصف بالجاملية‪ ،‬و ُح ْسنِ الذّوق‪.‬‬ ‫وحسه‬ ‫إ ّن الفنون تحمل خربات الحياة وتجاربها‪ ،‬لذلك فهي وسيلة راقية لتنوير وتعليم اإلنسان‪ ،‬وتربية ذوقه‪ِّ ،‬‬ ‫شعب متط ّو ٌر‪.‬‬ ‫الشعب الذي تنمو فيه الفنو ُن واآلداب هو‬ ‫الجام ِّيل‪ .‬إ ّن‬ ‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫والشّ عر ف ّن من الفنون الجميلة‪ ،‬فهو مجمل عواطف ال ّنفس ونزواتها‪ ،‬يبدو تارة زفرات ح ّرى يُص ّعدها‬ ‫فيعب عن عواطف جمهور‬ ‫ً‬ ‫صدر هائج‪ ،‬وطو ًرا ابتسامات عذبة تعلو ثغ ًرا‬ ‫جميل‪ .‬وقد ّ‬ ‫تتسع دائرته بعض األحيان‪ّ ،‬‬ ‫عب عن عواطف أ ّمة بأرسها‪ ،‬والشّ اعر هـو الذي يشعر بعواطفه الشّ خصيّة أو بعواطف غريه‬ ‫من ال ّنفوس‪ ،‬بل ّ‬ ‫ربا ّ‬ ‫حب وبغض وفرح وحزن ‪ ،‬فرياها منعكسة عىل مرآة نفسه فيربزها إىل الخارج بطريقة تجعلنا شاعرين معه‬ ‫من ّ‬ ‫ببعض تلك العواطف‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫•الدّ نيا‪:‬‬ ‫ولقد تعامل (ع)مع الدنيا مبثل ما تعامل به مع الفتنة‪ .‬وإذا ما قدمت الفتنة بشاعة تدفع للتّخلص منها‪،‬فإ ّن‬ ‫جهدا ً أشد قد بذل لتخليص ال ّناس من رشور ال ّدنيا‪.‬وهو(ع)عندما يتح ّدث عن ال ّدنيا‪ ،‬فإنه غالباً ما يبدأ حديثه‬ ‫بحرف اإلستفتاح (أال)‪،‬ملا فيه من طاقة تنبيهية الفتة تهيئ املتلقي لنقلة من عامل إىل عامل‪.‬‬ ‫ولقد أرسل اإلمام (ع)‪،‬بعد واحد من استفتاحاته جملة تقريريّة «ولّت حذّاء»هي عبارة عن كناية تسحب ال ّدنيا‬ ‫من حوايل املتلقي‪ ،‬وتنسيه أنه يعيش فيها‪،‬لتقدمها مستقلة عنه‪،‬قد تراجعت بفعل طبيعتها التي ال يوثقبها‪.‬وال‬ ‫يكتمل خروج املتلقي من عامله الواقعي‪،‬مع هذه اإلستقاللية الالفتة‪ ،‬إال مع الهوية الجديدة التي صارت إليها‬ ‫الدنيا بفعل اإلستعارة‪ ،‬إذ»مل يبق منها إال صبابة كصبابة اإلناء اصطبها صابّها»(ص‪.)84‬باتت ال ّدنيا‪،‬يف أصلها‪ ،‬مع‬ ‫السعة‪،‬فكيف إذا مل يكن قد بقي فيه‬ ‫هذه الهوية ماء يف إناء‪.‬واإلناء مهام كان كبريا ً ّ‬ ‫يظل يف نظر املتلقي محدود ّ‬ ‫تبل ظأم‪.‬‬ ‫إال صبابة‪ ،‬بقية عافهاصاحبها‪،‬ألنها ال ّ‬ ‫إ ّن هوية كهذه ال متكن املتلقي من امتالك تدخل يف قناعاته هزال قيمة الدنيا الغائبة خصوصاً أن انحسارها‬ ‫مرتافق مع إقبال ما يضادها‪ ،‬نعني به اآلخرة‪».‬أال وأن اآلخرة قد أقبلت»إقباالً يجعلها تشكّل مع ال ّدنيا ثنائية‬ ‫«لكل منهام بنون فكونوا من أبناء اآلخرة‬ ‫تتعاىل فيه اآلخرة بشكل حاسم‪،‬وذلك وسط دعوة لإلنتامء إليها‪،‬إذ يوجد ّ‬ ‫وال تكونوا من أبناء ال ّدنيا»(ص‪)84‬وأهمية اإلنتامء يف اإلستعارة العلوية عائدة إىل هذه العشرية أو تلك انتامء‬ ‫قدرياً ال قبل لإلنسان بتغيريه‪ ،‬فإنّنا مع عيل(ع) أمام انتامء إسالمي يح ّدد املرء موقعه فيه‪.‬لقد أدخلت اإلستعارة‬ ‫كل متلق بالقدر وباإلتجاه الذي تتيحه له‬ ‫املتلقّي عاملاً رؤيوياً تسود األرسيّة فيه قيم جديدة يذهب معها خيال ّ‬ ‫رؤيته الخاصة‪.‬إنّه رشيك بقوة اإلستعارة يف إنتاج ذلك العامل‪ ،‬ويف اإلنتامء إليه‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫ويكمل الشّ اعر ارتحاله يف ديوانه فاصلة بني امرأتني‪ ،‬الذي يغوص فيه بالقضايا الوجوديّة املصرييّة‪ ،‬والعنوان‬ ‫عالمة‪ ،‬إشارة تواصل ّية له وجود مادي يتمثّل يف صياغته ونحته من مفردات لغة الكاتب أو لغة الكتاب‪ ،‬فلم تعد‬ ‫حب‬ ‫املرأتني تحمل داللتها املبارشة عىل جنس اإلناث‪ ،‬فالشّ اعر ّ‬ ‫ربا يضع ح ّده الفاصل بني أمرين‪ ،‬يربطهام عالقة ّ‬ ‫السامء واألرض‪ ،‬عالقة بني العشق والشّ غف‪ ،‬بني الحياة واملوت‪ ،‬بني الشّ ك واليقني‪،‬‬ ‫من نوع آخر‪ ،‬عالقة بني ّ‬ ‫تساؤالت عديدة يح ّملها الشّ اعر دالالت متعددة يف قصيدته التي وسم بها ديوانه‪:‬‬ ‫تساءلت‪:‬‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫لف؟‬ ‫الس ْ‬ ‫أهذي األرض ٌ‬ ‫بعض من مواريث ّ‬ ‫أهي ملك خالص يل؟‬ ‫الساموات التي متيش الهوينا‬ ‫وملن هذي ّ‬ ‫ ‬

‫بافتحار‬

‫ ‬

‫وصلف ؟‬ ‫ْ‬

‫شغف؟‬ ‫أهو قلبي بني كفّيك رغيف من ْ‬ ‫أم هو العشق يناديني‪..‬‬ ‫ ‬

‫طائر الفينيق‬

‫وال يرتك يل فاصلة للشّ عر‬


‫ّبيعي أن يدافع عن‬ ‫وقد يصعب تعريف الشّ عر‪ ،‬لك ّننا نقرتب منه إذا قلنا إ ّن الشّ عر حياة و مس ّو غ حياة‪ ،‬ومن الط ّ‬ ‫أقل تقدير‪،‬‬ ‫أيضا أن يكون الشّ عر يف جانب كبري منه عىل ّ‬ ‫ّبيعي ً‬ ‫أجمل وأنبل ما يف الحياة وهو اإلنسان ‪ .‬ومن الط ّ‬ ‫كل ما هو غري إنسا ّين أو يش ّوه اإلنسان ويبعده عن‬ ‫وبصورة غري مبارشة يف معظم األحيان حربًا مقدسة عىل ّ‬ ‫السواء‪.‬‬ ‫الحياة‪ ،‬أي يبعده عن الحرية والكرامة والجامل واالنسجام يف الظّاهر والباطن عىل ّ‬ ‫معبا عن آهاته وآالمه‬ ‫هذا هو الشّ عر‪ ،‬فكيف إذا كان مع شاعر متيّز بدفق يف مشاعره‪ ،‬يغ ّرد يف صباحاته‪ً ّ ،‬‬ ‫راسم واقعه الجنو ّيب املقاوم‪.‬‬ ‫وأفراحه‪ ،‬ويرسل أشجانه يف مساءاته‪ ،‬مص ّو ًرا نضاالت بيئته‪ً ،‬‬ ‫نَعم‪ ،‬شاع ٌر ُولد يف بلدة زفتا الجنوبيّة‪ ،‬يف عائلة كادحة‪ ،‬جعلت األرض مصدر رزقٍ لها‪ ،‬عاىن من الحرب األهليّة‪،‬‬ ‫فتع ّرثت مسريته التعلّم ّية‪ ،‬لك ّنه تطلّع إىل األمام‪ ،‬فرسم لنفسه خط نضال وكفاح يف الحياة فكان لالغرتاب تأثري يف‬ ‫حياته‪ ،‬فنقرأ دواوينه «عائد إليك بريوت» و «مواعد الشّ عر والجمر»‪.‬‬ ‫الصحافة طريقًا له‪ ،‬ويعمل يف صحف عديدة يف لبنان والوطن العريب‪ ،‬منها البالد‬ ‫وتكتمل مسرية كفاحه فيمتهن ّ‬ ‫والسفري وجريدة الجمهورية املرصية وصحيفة الحياة‪ .‬ويكتمل اإلبداع معه وتبدأ رحلته الشعرية عام‬ ‫وال ّنهار ّ‬ ‫كل ما نظمه انحيازه الكامل إىل الحداثة الشعريّة غري املتفلتة‪ ،‬وقد بنى‬ ‫‪ ،1978‬ومازالت تتوهج وتتأ لّق مؤك ًدا يف ّ‬ ‫التاب‪ /‬طقوس‬ ‫مدرسته الشعريّة الخاصة به‪ ،‬فتفتق قريحته عن دواوين منها‪ :‬الهجرة إىل وجهي القديم‪ /‬قمر ّ‬ ‫الهاميش‪ /‬قيامة القلق‪ /‬ه ّوة األسامء‪/‬‬ ‫ال ّرغبة‪ /‬أغمضت عشقي ألرى‪ /‬أهبط الكون غري ًبا‪ /‬مرواغات الفتى‬ ‫ّ‬ ‫التعاودي العبث‪ /‬مرقد عاب بن عابر‪ /‬وأخرها فاصلة بني امرأتني‪ ،‬إضافة إىل نتاجه النرثي خنزير الحداثة‪.‬‬ ‫نتاج أديب غزير ين ّم عن قريحة فذّة‪ ،‬وقراءة عناوين ال ّدواوين تتيح لنا أن نبحث يف أغوار الشّ اعر لنكشف‬ ‫مضامينها‪ ،‬فكام يقول جريار جينت بأ ّن العنوان مجموعة من العالمات اللسانيّة ميكن أن توضع عىل رأس ال ّنص‬ ‫لتح ّدده‪ّ ،‬‬ ‫وتدل عىل محتواه‪ ،‬ويساعد ذلك عىل إغراء الجمهور املقصود بقراءته‪ ،‬وهكذا كانت عناوين دواوين‬ ‫الشّ اعر محمد زينو شومان‪ ،‬فهو ينتقل بني األمل واألمل‪ ،‬بني الحياة واملوت‪ ،‬متأ ّم ًل ليخرج بقناعات راسخة يتّبعها‬ ‫يف الحياة‪ ،‬ومن خالل ذلك نبحر مع عشقه وإميانه ووطنيته ووجعه وقلقه‪ .‬وهو القائل عن نفسه بأنّه يف ارتحال‬ ‫دائم‪ ،‬ويف عدم استقرار‪ ،‬ويف قلق ال يخبو أواره‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫أو بنا ْن‬ ‫شواهد عديدة تثبت ميل الشّ اعر إىل الكتابة واإلبداع‪ ،‬فالكتابة فعل تعبري عن الهوية وعن االنتامء الخاص‪ ،‬ففي‬ ‫اإلبداعي تعبري عن اله ّم اإلنسا ّين‪ ،‬عن الطّموحات البرشيّة‪:‬‬ ‫العمل‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫غرستك عوسج ًة يف وريد الكال ْم‬ ‫ليك أتذكّر دو ًما‬ ‫عىل ال ّرغم من جرح صويت‬ ‫أنني القصيدة تحت لحاف الظّال ْم!‬ ‫تظل عالقته مع هذا الشّ عر عالقة‬ ‫وعىل ال ّرغم من هذه العالقة الوثيقة مع الشّ عر‪ ،‬وإحساسه بأنّه املالذ واملأمن‪ّ ،‬‬ ‫مراوغة واحتيال‪:‬‬ ‫لحظة الشّ عر العصي ْه‬ ‫هي من أمكر ّ‬ ‫كل اللحظاتْ‬ ‫راغت وأبدت من فنون املكر يل!‬ ‫كم وكم‬ ‫ْ‬ ‫تظل لحظة عصيّة‪ ،‬تعانده‪ ،‬وتهرب منه‪ ،‬لك ّنه يستم ّر يف البحث عنها‬ ‫نعم إ ّن لحظة اإلبداع والتّألق عند الشّ اعر ّ‬ ‫حتّى لو مل يدركها‪ ،‬وتدفعه إىل تقديم الشّ كر واالمتنان ملا يخطّه قلمه‪:‬‬ ‫والشّ كر للقلم املثابر يف يدي‬ ‫ ‬

‫ْ‬ ‫الورق‬ ‫مل ثرثرة‬ ‫هذا الذي ما ّ‬

‫ظل قرب وساديت أغفو وال يغفة‬ ‫بل ّ‬ ‫يالزمني طوال الوقت‬ ‫ولعل هذه العالقة بني الشّ اعر والشّ عر تقوده إىل حالة من‬ ‫نعم‪ ،‬هي عالقة تالزم وثقة‪ ،‬عالقة مستمرة التنتهي‪ّ ،‬‬ ‫التّأمل والبحث يف قضايا الوجود‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .4‬محمد زينو شومان‪ ،‬فاصلة بني امرأتني‪ ،‬ص ‪.36‬‬ ‫‪ .5‬محمد زينو شومان‪ ،‬فاصلة بني امرأتني‪ ،‬ص ‪.98‬‬ ‫‪ .6‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.50‬‬ ‫‪ .7‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫بني امرأتني؟‬ ‫هي ثنائيات تراوده‪ ،‬وتثري يف نفسه إشكاليات مختلفة‪ ،‬فال يبقى أمامه ّإل الشّ عر يفصل بني هذه العالقات‬ ‫املتنافرة الكامنة يف قلبه وفكرة‪.‬‬ ‫وهكذا نرى أ ّن عالقته بالشّ عر عالقة وثيقة تتجذّر يف نفسه إىل أبعد الحدود‪ ،‬وتستم ّر معه إىل أ ّن تكون قطرة‬ ‫الشّ عر هي ال ّنجاة من املوت‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫أرسع بنا‬ ‫ِ‬ ‫الكلامت‬ ‫مقدار ما تحوي ي ُد‬ ‫من مط ٍر‬ ‫ ‬ ‫القلب‬ ‫فهذا‬ ‫ُ‬ ‫ال يحيي ِه‬ ‫ِ‬ ‫املوت‪،‬‬ ‫وهو عىل شفري‬ ‫ّإل‬ ‫قطرة الشّ عر األخري ْة‬ ‫إ ّن ال ّنتاج األد ّيب يعكس الحالة الشّ عوريّة لألديب‪ ،‬أي أ ّن «الحالة االنفعاليّة وال ّنفسيّة التي تؤث ّر عىل الحالة‬ ‫الصدق‬ ‫الجسم ّية للكاتب‪ ،‬تنعكس بدورها عىل العمل األديب‪ ،‬ورمبا لهذه الحالة عالقة بصدق التّعبري أو مبا يُسمى ّ‬ ‫الفني‪ ،‬أي إ ّن العمل األديب ميثّل بصدق وقوة حقيقية مشاعر الكاتب وأحاسيسه» ‪ ،‬وشاعرنا شومان يعكس ما يف‬ ‫ّ‬ ‫داخله من إعجاب بالشّ عر وما له من تأثري عىل نفسه‪ ،‬وهو يلبي نداء الشّ عر طوع إرادته مأخوذًا به‪:‬‬ ‫أيها الشّ عر ل ّبيك‪ ،‬ل ّب َيك‬ ‫صاحب رؤيا‬ ‫رصف كام شئت‪ .‬إن كنت‬ ‫َ‬ ‫ُم ْرين‪ ..‬ت ّ‬ ‫فال ترت ّد ْد‪،‬‬

‫وم ّرر‪ ،‬عىل عنقي‪ُ ،‬م ْد ْ‬ ‫يتك‬

‫خاتم‪،‬‬ ‫سرتاين مطي ًعا أش ّد طواعي ًة لك من ٍ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬محمد زينو شومان‪ ،‬فاصلة بني امرأتني‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬ط ‪ ،2103 ،1‬ص ‪.119‬‬ ‫‪ .2‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.84‬‬ ‫‪ .3‬أنيسة فخرو‪ ،‬مظاهر العملية اإلبداعية يف تجربة الكتابة األدبية بالبحرين‪ ،‬ال م‪ ،‬ال ن‪ ،‬ط ‪ ،1993 ،1‬ص ‪.81‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫كل الجهات‪ ،‬فهو املتأ ّمل يف مصري العامل حوله‪ ،‬يرى املجهول الذي‬ ‫تتواتر األسئلة عند الشّ اعر‪ ،‬وتحارصه من ّ‬ ‫ظل مفتاحه معلّقًا بال ّزمان‪ ،‬فيقف أمام أسئلة كثرية لها عالقة بالوجود‬ ‫نشهده يف يومياتنا‪ ،‬حتى باب ال ّنجاة ّ‬ ‫واملصري‪ ،‬هذه التّساؤالت التي راودت عقل اإلنسان‪ ،‬فشغلت عقله ظواهر ال يعرف لها أجوبة؛ يحاول اكتناه‬ ‫رس الوجود فريت ّد عاجزا ً لك ّنه يثابر ويفكّر متأ ّمالً متسائالً عن الكون والجسد وال ّروح واملوت وما‬ ‫غياهب الذّات و ّ‬ ‫بعد املوت‪ ،‬بل إ ّن اإلنسان رأى يف وجود ذاته لغزا ً يحتاج إىل أن يجد له الجواب‪ ،‬فريسم الشّ اعر يف «برئ الطّالسم»‬ ‫أسئلته التي راودته يف تجربة الحياة‪ ،‬فيقول‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫هدف‬ ‫زلت أسعى دومنا‬ ‫ما ُ‬ ‫فض األحاجي‬ ‫كأي مراو ٍغ مل يستطع ّ‬ ‫ّ‬

‫ ‬

‫فغا‬

‫ ‬

‫ويف عينية ملح ال ّتجربة‬

‫حل لهواجسه‪ ،‬ويبحث عن األمل يف‬ ‫سائل الكواكب لعله يجد ًّ‬ ‫وتستم ّر تجربته يف اإلبحار باللغة باحثًا عن الجواب‪ً ،‬‬ ‫برئ الطّالسم‪ ،‬لك ّنه يعود خائبًا يشعر بالحرية‪:‬‬

‫ ‬

‫وكم ألقيت يف برئ الطّالسم من دال ْء‬ ‫ورجعت أكرث ريبة‬ ‫ُ‬ ‫وأش ّد حري ْه‬

‫_______________________‬ ‫‪ .10‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.91‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫فمنذ أن وجد اإلنسان عىل سطح هذه البسيطة وهو يبحث عن وجوده وحقيقة هذا الكون‪ ،‬بل إ ّن الوجود‬ ‫اإلنسا ّين عىل هذه األرض وجود مغرتب يف األصل ‪ ،‬وإ ّن االغرتاب هو أزمة الوجود اإلنسا ّين منذ األزل‪ ،‬لذلك لجأ‬ ‫«السمو يف التّأمل واستغراق الذّهن يف التّفكري» ‪ ،‬أي إنّه يلجأ إىل التّفكري العميق‬ ‫اإلنسان إىل حياة التّامل‪ ،‬أي ّ‬ ‫رس الوجود‬ ‫حول موضوع ما محاوالً اكتشاف جوانبه كافة؛ وانطلق اإلنسان باحثاً يف الكون والوجود والحياة وعن ّ‬ ‫وعن حقيقة ال ّروح والجسد وعن املوت والحياة ‪ ،‬وصوالً إىل البحث يف املاورائيات أو ما وراء الطّبيعة‪ ،‬ومل يكن‬ ‫محمد زينو شومان بعي ًدا من هذه التساؤالت‪:‬‬ ‫فأين مالذي؟‬ ‫وكيف مصريي عىل قاب ذنبني‬ ‫ ‬

‫ِ‬ ‫موعد اآلخر ْه؟!‬ ‫من‬

‫فهو يتّجه نحو الداخل ملالمسة عصب الوجود‪ ،‬خصوصا القضايا الوجودية التي بدأت ترواوده‪،‬‬ ‫وإىل ما هنالك من مثل هذه الفضاءات الفكريّة والنفسيّة التي تحتاج أكرث إىل اإلمعان والتّوغل يف ال ّداخل‪،‬‬ ‫وتدفع إىل طرح الكثري من التّساؤالت‪:‬‬ ‫أسئلة وأسئلة تبادلك الغموض كأنّهت الباب الذي قد علّق املفتاح عنق ال ّزمان‬ ‫ ‬

‫طائر الفينيق‬


‫ال نور يشهق داخل هذا الخباء املس ّمى الجسد‬ ‫فالبقاء يف هذا الجسد ما هو إىل ظالم مقيت‪ ،‬وإن كان الشّ اعر مل يأت عىل ذكر ال ّروح‪ ،‬أو العامل اآلخر الذي‬ ‫املادي صورة لذلك العامل اآلخر الذي ينطلق فيه رمبا باحثًا عن الحقيقة املطلقة‪:‬‬ ‫ينشده‪ ،‬فإن رفضه للجسد‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫الجلد؟!‬ ‫أحبيس أنا داخل‬ ‫فيا عج ًبا‬ ‫ٌ‬ ‫أفقد حتى وميض ال ّرما ْد‬ ‫ترى كيف أخرج من ذلك الغار؟‬ ‫من أين يل‬ ‫ولو بثاملة جمر ْه‬ ‫أتخنقني ظلامت الجس ْد؟!‬ ‫ويسيطر عىل الشّ اعر حالة القلق‪ ،‬فهروبه ال ّدائم يصطدم مبحارصة هذا القلق‪:‬‬ ‫أهرب‬ ‫من أين‬ ‫ُ‬ ‫ها هنا دو ًما‬ ‫يحارصين القلق؟‬

‫طائر الفينيق‬


‫وهذه التّأ ّمالت تقود الشّ اعر إىل البحث يف حقيقة الجسد‪ ،‬والعالقة مع ال ّروح‪ ،‬أي عن «الحقيقة املفكّرة والذّات‬ ‫«كل‬ ‫التي تتص ّور األشياء يف مقابل املوضوع املتص ّور ويقابل املادة كام يقابل الجسد» ‪ .‬وهذا الجسد ما هو إالّ ّ‬ ‫مادي يشغل ح ّيزا ً ويتم ّيز بالثقل واالمتداد ‪ ، »..‬وعىل ال ّرغم من الوصول إىل بعض املفاهيم حول ماهية‬ ‫جوهر‬ ‫ّ‬ ‫معبين عن اختالف آرائهم أو ناظرين إىل‬ ‫الجسد وال ّروح دينياً وفلسفيّاً‪ ،‬إالّ أنّه ّ‬ ‫ظل مفهوماً غامضاً تناوله الشّ عراء ّ‬ ‫طبيعة العالقة بني الجسد وال ّروح‪ ،‬نظرة عميقة تؤ ّدي أحياناً إىل رصاع اغرتا ّيب‪ ،‬لهذا يحاول الشّ اعر الخروج من‬ ‫جسده الذي يكبلّه ويربطه بالحياة ال ّدنيا‪ ،‬فاالنعتاق من الجسد هو الخالص‪ ،‬والبقاء يف الجسد هو القيد‪:‬‬ ‫أظل يف زنزانتي‬ ‫إىل متى ّ‬

‫ ‬ ‫ ‬

‫منحبسا‬ ‫ً‬ ‫يف علبة تدعى الجسد؟‬

‫والضجيج والعزلة واالرتعاش‪ ،‬لذلك ال ب ّد من الهروب إىل‬ ‫السواد واألنني ّ‬ ‫فالجسد عنده يناظر الوجود والعدم فهو ّ‬ ‫الالفضاء لعلّه يعرث عىل ما ضاع من ذلك الجسد املغلوب‪:‬‬ ‫ظالم ‪ ..‬ظال ْم‬ ‫أدور هنا‪ ،‬حول نفيس كمثل ال ّرحى‬ ‫الضوء‬ ‫أح ّدق فيعتمة الكهف‪ ،‬بحثًا عن ّ‬

‫طائر الفينيق‬


‫ّ‬ ‫الشيطان لبني آدم في الخطاب ال ّ‬ ‫يني‬ ‫أساليب إغواء‬ ‫د ّ‬

‫«مقارنة بين القرآن الكريم والعهد الجديد»‬

‫كوثر حسني فردون‬ ‫امللخص‬ ‫الحق‪ ،‬وب ّينه‪ ،‬وحذّرنا من خطوات الشّ يطان وطرقه‪ ،‬فأرسل الشياطني؛ ليم ّيز الخبثاء من‬ ‫أظهر الله لنا طريق ّ‬ ‫الحساسة التي شغلت َ‬ ‫بال اإلنسان‪ ،‬والتي ال تزال‬ ‫الطّيبني؛ يُع ّد موضوع الشّ يطان وإغواءاته وأساليبه من املواضيع ّ‬ ‫من املواضيع امله ّمة‪ .‬وقد اخرتت موضوع بحثي عىل هذا األساس‪ ،‬بعنوان‪« :‬أساليب إغواء الشّ يطان لبني آدم يف‬ ‫الديني» (مقارنة بني القرآن الكريم والعهد الجديد)‪.‬‬ ‫الخطاب‬ ‫ّ‬ ‫تعتمد هذه الدراسة عىل املنهجني‪ :‬التحلييل واملقارن؛ بغية الوصول إىل استنتاجات‪ ،‬تبنى عليها تص ّورات واضحة‪،‬‬ ‫تساهم يف توجيه القارئ؛ ليكون ملتفتاً إىل أساليب الشّ يطان‪ ،‬ومخططاته‪ ،‬فضالً عن طرق التصدي لهذه األساليب؛‬ ‫وذلك عن طريق اظهار مهمة الشّ يطان يف الرؤية الدين ّية التي حملتها نصوص االسالم واملسيحية؛ ألن إيضاح‬ ‫الوسائل التي يتّبعها الشياطني يف سعيهم إىل إيقاع الناس يف الغواية والضاللة‪ ،‬وفقًا ملا ذكره القرآن الكريم‪،‬‬ ‫الحق‪ ،‬يشكّالن مق ّدمةالزمة إلدراك طرق التص ّدي‬ ‫واظهار املكايد التي يستخدمونها‪ ،‬إلبعاد الناس عن طريق ّ‬ ‫لذلك‪ .‬كام أن تبينه الناس إىل عد ّوهم الرشير بعدوهم عرب تبيان األساليب الشّ يطان التي ذكرها العهد الجديد‪،‬‬ ‫للتعرف إىل مدى خطورة هذا العد ّو‪ ،‬وكيفية مواجهة أساليبه‪ ،‬يع ّد أم ًرا راج ًحا من أجل تكوين خربة دينية واعية‪.‬‬ ‫فجل األساليب التي ذكرها القرآن الكريم توافق معها العهد الجديد إىل ح ّد بعيد‪ ،‬ولكن يبقى للقرآن رسم‬ ‫ّ‬ ‫ووصف ّ‬ ‫أدق‪ ،‬وهذه عالمة عىل أن كتاب الله أبلغ‪ ،‬وأفصح‪ ،‬وذو بيان عا ٍل‪ ،‬حيث ص ّور بعمق مختلف الجوانب‬ ‫ٌ‬ ‫والتفاصيل التي ميكن أن يتعرض إليها البرش‪ ،‬عندما تطالهم غواية الشّ يطان‪.‬‬ ‫املقدّ مة‬ ‫والضعف عند مخلوقه اإلنسان‪ .‬وهو املرشف عىل‬ ‫إن الله (سبحانه وتعاىل) خالق الخلق‪ ،‬عالِم مبكامن الق ّوة ّ‬ ‫الصاع الذي يعيشه الفرد يف ال ّدنيا‪ ،‬وعىل ما يواجه هذا الفرد من تح ّديات مع الشّ يطان الذّي يُع ّد ‪-‬هو اآلخر‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫مخلوقاً من ِقبل الله (سبحانه وتعاىل)‪ ،‬لحكمة اقتضاها‪ ،‬وغاية أرادها‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫استطاع الشّ اعر أن يخوض يف موضوعات تتعلّق باألمور الغيبيّة‪ ،‬فتط ّرق إىل قضايا الوجود‪ ،‬ونقل خواطر وتأمالت‬ ‫يف الحياة والكون وال ّنفس البرشيّة‪ ،‬فقد ات ّخذ شعره منعطفًا نحو القضايا األكرث عالقة بالوجود وباملصري‪ ،‬مبعنى‬ ‫االنتقال إىل الداخل والغوص يف ال ّنفس‪ ،‬فارتبطت القصيدة بالتّساؤالت حول عالقة اإلنسان مبسائل ذات بُعد‬ ‫ميتافيزيقي أحياناً كاملوت‪ ،‬أو مبسائل متعلّقة بالحياة‪ ،‬وكان للقصيدة ال ّدور البارز يف تحديد هذه العالقة مع‬ ‫التكيز يف بحثنا هذا عىل قضايا‬ ‫معبة عن قضايا عديدة‪ ،‬وإذا كان ّ‬ ‫الوجود‪ ،‬فكانت عالقته بالشّ عر عالقة قوية ّ‬ ‫التّأمل فإ ّن الشّ اعر يف ديوان «فاصلة بني امرأتني» تناول ع ّدة قضايا منها ما له باألبعاد الوطنيّة والقومية‪ ،‬فتحدث‬ ‫وكل ما يتعلّق بالقضايا الحياتيّة اليوميّة‪.‬‬ ‫عن لبنان‪ ،‬ومل ينس فلسطني وغ ّزة‪ ،‬كام كان قريبا من األرض واملرأة ّ‬ ‫خلق يف عرص بات االنتشار فيه رسي ًعا عرب التكنولوجيا الحديثة‪ ،‬ويبقى‬ ‫الشّ اعر محمد زينو شومان شاعر مبدع ّ‬ ‫تغيه معامل الحياة الحديثة‪ ،‬بقدر ما يكون‬ ‫الشّ اعر راس ًخا ثابتًا‪ ،‬محافظًا عىل فكره العميق ونضجه‬ ‫اإلبداعي ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫وصول إىل ومضات‬ ‫ً‬ ‫كل جديد‪ ،‬يحاول أن يكتب القصيدة بأشكالها املتن ّوعة بني العمودي والتّفعيلة‪،‬‬ ‫متفاعل مع ّ‬ ‫ً‬ ‫تعتمد التّكثيف واإليجاز‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫ الدراسة الرابعة‪ :‬حقيقة إبليس كام جاءت يف القرآن الكريم‪ ،‬للباحث عبدالله بن سامل بن يسلم بافرج‪( ،‬أم‬‫القرى لعلوم الرشيعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬مكة املكرمة‪2009 ،‬م ‪1430‬ه)‪ .‬يتناول هذا البحث تعريف املالئكة‬ ‫وإبليس‪ ،‬ثم أقوال املفرسين يف حقيقة إبليس‪.‬‬ ‫ الدراسة الخامسة‪ :‬أساليب الشّ يطان يف إغواء بني آدم كام جاءت يف القرآن الكريم‪ ،‬للباحث محمد بن عبد‬‫العزيز املسند‪( ،‬قسم القرآن وعلومه كلية أصول الدين‪ ،‬جامعة االمام محمد بن سعود االسالمية‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫‪1432‬ه)‪ .‬يتناول هذا البحث أسباب عداوة الشّ يطان لإلنسان‪ ،‬وكيف ّية سعيه إىل إضالله‪ ،‬ويذكر األساليب التي‬ ‫تختص بأولياء الرحمن‪.‬‬ ‫يستخدمها الشّ يطان يف إضالل بني آدم عا ّم ًة‪ ،‬ث ّم يفصل يف ذكر األساليب التي‬ ‫ّ‬ ‫لشيطان ووظيفته يف الرؤية الدينية‬ ‫أوالً‪ :‬املفهوم الدال ّيل ملفردة الشّ يطان‬ ‫‪ .I‬البعد االشتقاقي ملفردة الشّ يطان‬ ‫اختلف أهل اللّغة يف األصل الذي يرجع إليه اشتقاق هذه الكلمة عىل قولني‪ :‬الجذر األول‪ :‬القول بأن الكلمة‬ ‫ترجع يف اشتقاقها إىل الجذر (شَ طَ َن)‪ ،‬أي‪ :‬بعد‪ .‬س ّمي به؛ لبعده عن الخري والرحمة»‪ .‬والجذر الثاين‪ :‬القول بأن‬ ‫الكلمة ترجع يف اشتقاقها إىل الجذر (شَ يَ َط)‪ ،‬ويستفاد ذلك من خالل ما ذكره بعضهم‪« :‬شاط اليشء‪ ،‬شيطاً‬ ‫وشياطة وشيوطة‪ ،‬احرتق‪ ،‬وشاطت القدر شيطاً‪ :‬احرتقت‪».‬‬ ‫وسواء أكان املصدر اللّغوي للشيطان شاط أو شطن‪ ،‬ففي األمر تناسب‪ .‬فإذا كان شاط مبعنى احرتق‪ ،‬فإنّه يستنبط‬ ‫من كون إبليس قد ُخلق من مارج من نار‪ .‬وإذا كان من الجذر شَ طَ َن‪ ،‬فألنه طُرد من رحمة الله‪ ،‬وأُبعد‪ .‬ولرمبا‬ ‫يكون الشّ يطان من اإلنس‪ ،‬أو من الج ّن‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإ ّن األرجح أنه من الجذر (شطن)‪ ،‬أي‪ :‬بَ ُع َد عن رحمة الله‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .1‬ابن مسعود‪ ،‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل املعروف بتفسري البغوي‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق املهدي‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار احياء الرتاث العريب‪2001( ،‬م)‪،‬‬ ‫ج‪ ،1‬ص‪.160‬‬ ‫‪ .2‬النيسابوري‪ ،‬محمد بن عبد الله ابو عبد الله الحاكم‪ ،‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط ‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب‬ ‫العلمية‪1989( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪-237‬ح‪.4952‬‬ ‫وأخرجه الطرباين‪ ،‬سليامن بن احمد بن ايوب ابو القاسم‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬تحقيق حمدي بن عبد املجيد السلفي‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة العلوم والحكم‪،‬‬ ‫(‪1983‬م)‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪-84‬ح‪.4656‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫الحساسة التي شغلت بال اإلنسان‪ ،‬والتي ال زالت من‬ ‫يُع ّد موضوع الشّ يطان وإغواءاته وأساليبه من املواضيع ّ‬ ‫املواضيع امله ّمة لدرستها‪.‬‬ ‫منهج ّية البحث‪:‬‬ ‫يف هذه الدراسة‪ ،‬سوف أعتمد املنهجني‪ :‬التحلييل واملقارن‪ .‬أ ّما املنهج التحلييل فيكون من خالل تفسري اآليات التي‬ ‫تتحدث عن الوسائل التي يستخدمها الشّ يطان يف إغواء بني آدم‪ ،‬وطرق التص ّدي لها‪ ،‬وذلك من خالل القرآن‬ ‫الكريم والعهد الجديد‪ ،‬وعرب تحليل اآليات‪ ،‬وتأويلها‪ ،‬لتكون واضحة‪ ،‬وقد اخرتت هذا املنهج‪ ،‬بغية الوصول إىل‬ ‫استنتاجات‪ ،‬تبتني عليها تصورات واضحة‪ ،‬ميكنني من خاللها أن أصل إىل النتائج‪ ،‬والتي سوف أعتمد فيها عىل‬ ‫املنهج املقارن من أجل إيجاد نقاط االتفاق‪ ،‬ونقاط االختالفبني نصوص هذين الكتابني‪ .‬وهذا ما أريد إظهاره؛‬ ‫ألصل إىل نتيجة تساهم يف توجيه القارئ‪ ،‬بحيث يكون ملتفتاً إىل أساليب الشّ يطان‪ ،‬ومخططاته‪ ،‬فضالً عن طريقة‬ ‫التّصدي لهذه األساليب‪.‬‬ ‫السابقة‪:‬‬ ‫إشارة عابرة إىل البحوث ّ‬ ‫ الدراسة األوىل‪ :‬الشّ يطان _خطواته وغاياته‪ ،‬للباحث وائل عمر عيل بشري‪ ،‬وهي رسالة ماجستري يف التفسري‬‫وعلوم القرآن‪( ،‬كلية أصول الدين‪ ،‬الجامعة االسالمية‪ ،‬غزة‪ ،‬سنة ‪2005‬م)‪ .‬يذكر هذا البحث تعريفًا للشيطان‬ ‫ويفصل يف أولياء الشّ يطان وصفاتهم‪.‬‬ ‫ونظائره وصفاته‪ ،‬من ثم يع ّرج عىل موضوع العداوة بني اإلنسان والشّ يطان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ثم يتناول بعد ذلك خطوات الشّ يطان‪ ،‬ووسائله‪ ،‬ومداخله إىل النفس‪ .‬ويكشف يف الفصلني األخريين غايات‬ ‫الشّ يطان‪ ،‬وعواقب اتباعه‪ ،‬ووسائل محاربته‪.‬‬ ‫ الدراسة الثانية‪ :‬كيد الشّ يطان من خالل آيات القرآن الكريم‪ ،‬للباحثة سعاد عمر عبد الحي مشهور‪ ،‬وهي رسالة‬‫ماجستري يف التفسري وعلوم القرآن‪( ،‬كلية الدعوة وأصول الدين‪ ،‬جامعة أ ّم القرى‪2008 ،‬م)‪ .‬تض ّمن البحث‪:‬‬ ‫تعريف الشّ يطان‪ ،‬وحقيقته‪ ،‬وأصله‪ ،‬والحكمة من خلقه‪ .‬ويقارب موقف الشّ يطان من األنبياء‪ ،‬ثم مكائد الشّ يطان‬ ‫نحو عامة بني آدم؛ ث ّم يعرض الوسائل الناجعة لدفع كيد الشّ يطان‪ .‬ويسلّط الفصل األخري الضوء عىل عاقبة‬ ‫الشّ يطان‪ ،‬وجزائه يف الدنيا واآلخرة‪.‬‬ ‫ الدراسة الثالثة‪ :‬من مكايد الشّ يطان والتحذير منها كام عرضها القرآن الكريم‪ ،‬للباحث منظور بن محمد بن‬‫محمد رمضان‪( ،‬قسم الدراسات القرآنية‪ ،‬كلية املعلمني‪ ،‬مكة املكرمة‪ ،‬الرياض‪2009 ،‬م ‪1430‬ه)‪ .‬وقد اشتمل‬ ‫البحث عىل تعريف املكايد‪ ،‬وذكر مكايد الشّ يطان‪ ،‬وعالج يف الفصل الثاين طرق الحيطة والحذر منه‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫إ ّن مقدرة الشّ يطان عىل التأثري محدودة‪ ،‬ألن سلطانه يقترص عىل األشخاص الذين اتّخذوا خيارهم‪ ،‬وانحازوا إىل‬ ‫رش ينبع من النفس أوالً‪ ،‬ث ّم يتفاقم بعون الشّ يطان‪ .‬أمام هذه‬ ‫رش‪ ،‬فهو يعاضدهم‪ ،‬ويزيد يف غ ّيهم‪ .‬فال ّ‬ ‫جانب ال ّ‬ ‫رش يف داخله‪ ،‬ويف البيئة التي‬ ‫املحنة الكربى‪ ،‬يقف اإلنسان ّ‬ ‫بكل عزة تليق بخليفة الله عىل األرض؛ ليكافح ال ّ‬ ‫تكتنفه‪ ،‬ويسري بالتاريخ نحو غاية سامية‪ ،‬فيخرج به من عامل املتناقضات إىل عامل الخري الكامل‪.‬‬ ‫ثالثًا‪ :‬الحكمة من وجود الشّ يطان‬ ‫يؤ ّدي وجود الشّ يطان إىل اكتامل مراتب العبودية لرسل الله وأوليائه مبجاهدة عدو الله وحزبه‪ ،‬ومخالفته‪،‬‬ ‫رشه وكيده‪،‬‬ ‫ومراغمته يف الله‪ ،‬واإلستعاذة به منه‪ ،‬واإللتجاء إىل الله‪ ،‬ليعيذهم من ّ‬ ‫ولعلّه كان من حكمته أن يجري ما حدث مع إبليس من لعن‪ ،‬وطرد من رحمة الله وملكوته بسبب معصيته‪،‬‬ ‫لكل من س ّولت له نفسه باملعصية‪ .‬فحني يستشعر العبد حال إبليس‪ ،‬وما آل إليه‬ ‫وجرأته عىل الله‪ ،‬ليكون عربة ّ‬ ‫بعد أن أكرمه الله وقربه‪ ،‬يَ ْك ُرب أمر املعصية يف نفسه‪ ،‬ويعظم خوفه من ربّه‪.‬‬ ‫وب‬ ‫وقد ورد يف العهد القديم‪ِ « :‬بك ْ َ​َث ِة تِ َجا َرتِ َك َمألُوا َج ْوف َ​َك ظُل ًْم فَأَ ْخطَأْتَ ‪ .‬فَأَطْ َر ُح َك ِم ْن َجبَلِ الل ِه َوأُبِي ُد َك أَيُّ َها الْ َك ُر ُ‬ ‫الْ ُمظَلِّ ُل ِم ْن بَ ْ ِي ِح َجا َر ِة ال َّنارِ‪ .‬ق َِد ا ْرت َ َف َع قَلْ ُب َك لِ َب ْه َج ِت َك‪ .‬أَف َْس ْدتَ ِح ْك َمتَ َك ألَ ْجلِ بَ َهائِ َك‪َ .‬سأَطْ َر ُح َك إِ َل األَ ْر ِض‪َ ،‬وأَ ْج َعل َُك‬ ‫أَ َما َم الْ ُمل ِ‬ ‫ُوك لِيَ ْنظُ ُروا إِلَيْ َك» ‪ .‬وذلك خري دليل عىل اهتاممه بالعربة والعظة من موقف إبليس مع الله‪ ،‬والذي‬ ‫رص عىل معصيته‪.‬‬ ‫جعله عربة ملن خالف أمره‪ ،‬وتكرب عن طاعته‪ ،‬وأ ّ‬ ‫ليتبي به خبيثهم من طيبهم‪ ،‬كام جعل أنبياءه ورسله محكاً لذلك‬ ‫حال إبليس محك‪ ،‬امتحن الله به خلقه؛ ّ‬

‫ل َما أَنتُ ْم َعلَ ْي ِه َحتَّ ٰى َيِي َز الْ َخبِيثَ ِم َن الطَّ ِّي ِب﴾ َو َما كَا َن‬ ‫التمييز‪ ،‬حيث قال تعاىل‪َّ ﴿ :‬ما كَا َن اللَّ ُه لِ َي َذ َر الْ ُم ْؤ ِم ِن َني َع َ ٰ‬

‫اللَّ ُه لِيُطْلِ َع ُك ْم َع َل الْ َغيْ ِب َولَٰ ِك َّن اللَّ َه يَ ْجتَبِي ِمن ُّر ُسلِ ِه َمن يَشَ ا ُء ﴿ فَآ ِم ُنوا بِاللَّ ِه َو ُر ُسلِ ِه ﴾ َو إِن تُ ْؤ ِم ُنوا َوتَتَّقُوا فَلَ ُك ْم‬ ‫أَ ْج ٌر َع ِظي ٌم﴾ ‪.‬‬ ‫يبي قوة االميان‪ ،‬وركازة العقيدة‪ .‬وهنا‪ ،‬تتباين مراتب الصالحني‪،‬‬ ‫إ ّن وقوع اإلبتالء والتمحيص وامتحان القلوب ّ‬ ‫فليسوا جميعاً بإميان واحد‪ ،‬بل بعضهم أعىل إمياناً من بعض‪ ،‬وتتباين مراتب العصاة‪ ،‬فليسوا جميعاً مبستوى‬ ‫واحد من ضعف اإلميان‪ .‬فلوال وجود الشّ يطان‪ ،‬مل يعرف الصالح من الطالح‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .8‬سفر حزقيال‪.17-16 :28 ،‬‬ ‫‪ .9‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.179‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ .II‬املدلول املعنوي ملفردة الشّ يطان‬ ‫الشّ يطان هو «كل ٍ‬ ‫عات متمرد من الج ّن واإلنس والدواب» ‪ .‬إذا ً‪َ ،‬ع ِم َل الشّ يطان بني الناس منذ البدء عىل‬ ‫التخريب واإلفساد واإلضالل‪ ،‬إذ «إ ّن الله وصف أصنافاً من البرش بوصف الشياطني‪ ،‬تشبيهاً لهم(ألفعالهم) بأفعال‬ ‫الشياطني‪ ،‬وهذا يؤكد املعنى بخطورة شياطني اإلنس» ‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬وظيفة الشّ يطان‬ ‫ونص الكتاب املقدس‪ ،‬بأ ّن عمل الشّ يطان اختباري تضلييل للبرش‪ .‬فإبليس شخصية‬ ‫النص القرآين‪ّ ،‬‬ ‫رصح ّ‬ ‫ّ‬ ‫مخلوقة من قبل الله الذي أعطاها الحرية منذ البدء‪ ،‬فرفضت التبعية لخالقها‪ ،‬واستقلت عنه‪ ،‬فقررت أن تلعب‬ ‫وبخاصة اإلنسان الذي هو مركز الخليقة‪.‬‬ ‫دور املعارض واملناقض إلرادته‪ ،‬وتعمل عىل إفساد خلق الله‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يشكّل املعتقدان املسيحي واإلسالمي ثنوية خاصة‪ ،‬وهي الثنوية األخالقيّة‪ .‬وال يطال التّناقض بني الله والشّ يطان‬ ‫كل مظاهر الوجود‪ ،‬وإنّ ا يقترص عىل اإلنسان واملجتمعات اإلنسان ّية‪ .‬وليس للشيطان سلطة فعلية إال عىل النفس‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسانية‪ ،‬حيث يعمل عىل إفسادها‪ ،‬وص ّدها عن طريق الله‪.‬‬ ‫غي‬ ‫ويف املسيح ّية‪ ،‬يُ ْع َر ُف الشّ يطان عن كثب من خالل تجارب يسوع املسيح يف ال ّربية‪ ،‬والتي كانت خري دليل عىل ّ‬ ‫الشّ يطان‪ .‬كام أن القرآن ّبي كيف أن الشّ يطان أخذ عىل نفسه عهدا ً _ منذ أن خلق الله آدم _ بإيقاع اإلنسان‪،‬‬ ‫الحق والخلق القويم‪ ،‬إذ يقول الله سبحانه يف كتابه عن لسان‬ ‫وغوايته‪ ،‬وتزيني املعصية له‪ ،‬وحرفه عن سبل ّ‬ ‫صاط َ​َك الْ ُم ْستَ ِقي َم ‪ .‬ث ُ َّم َلتِ َي َّن ُهم ِّمن بَ ْ ِي أَيْ ِدي ِه ْم َو ِم ْن َخلْ ِف ِه ْم َو َع ْن أَ ْ َيانِ ِه ْم‬ ‫إبليس‪﴿ :‬ق َ​َال فَب َِم أَ ْغ َويْتَ ِني لَ َقْ ُع َد َّن لَ ُه ْم ِ َ‬ ‫َو َعن شَ َمئِلِ ِه ْم ( َو َل ت َ ِج ُد أَك َْثَ ُه ْم شَ اكِرِي َن)‪.‬‬ ‫رش احتامالن مج ّردان‪ ،‬وخياران‬ ‫رش‪ .‬والخري وال ّ‬ ‫يحاول الشّ يطان أن يغوي اإلنسان‪ ،‬ويجربه‪ ،‬ليك يقوم بأعامل ال ّ‬ ‫ويقضلهم ومي ّيزهم عىل بقية‬ ‫أخالقيان‪ ،‬أتاحهام الله للبرش‪ ،‬ليكونا موضوعني للحرية التي وهبها لهم‪ ،‬ليك ّرمهم‬ ‫ّ‬ ‫الكائنات غري العاقلة‪ ،‬كام يقول تعاىل‪ُّ :‬‬ ‫﴿كل نَف ٍْس ذَائِ َق ُة الْ َم ْو ِت ( َونَ ْبلُوكُم بِالشَِّّ َوالْ َخ ْ ِي ِفتْ َن ًة ) َو إِلَ ْي َنا تُ ْر َج ُعو َن﴾‪.‬‬ ‫_______________________‬

‫‪ .3‬الكويف‪ ،‬أيوب بن موىس ابو البقاء الحنفي‪ ،‬الكليات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية‪ ،‬تحقيق عدنان درويش‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة‬ ‫الرسالة‪( ،‬ال ت)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.824‬‬ ‫‪ .4‬مصلح‪ ،‬خالد عبد العزيز‪ ،‬أعداء املؤمن يف ضوء القرآن الكريم‪:‬دراسة موضوعية‪ ،‬فلسطني‪ ،‬غزة‪ ،‬الجامعة االسالمية غزة‪2016( ،‬م)‪ ،‬ص‪.42‬‬ ‫املس الشيطاين وعوارضه بني الكنيسة وعلم النفس‪ ،‬خالصة املحارضات التي ألقيت يف مؤمتر الكهنة املقسمني يف روما‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪ .5‬خوري‪ ،‬مروان‪ّ ،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬طابعة معويش وزكريا‪1999( ،‬م)‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫‪ .6‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.17-16‬‬ ‫‪ .7‬سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -3‬اإلستحواذ‪:‬‬ ‫نسا ُه ْم ِذكْ َر اللَّ ِه ۚ أُولَٰ ِئ َك ِح ْز ُب الشّ يطان ۚ‬ ‫﴿استَ ْح َو َذ َعلَ ْي ِه ُم الشّ يطان فَأَ َ‬ ‫ورد يف الكتاب العزيز قوله تعاىل‪ْ :‬‬

‫اسو َن﴾ ‪ .‬وأصل استحوذ‪ »:‬الحوذ‪ ،‬وهو أن يتبع السائق حاذيي البعري‪ .‬وميكن‬ ‫أَ َل إِ َّن ِح ْز َب الشّ يطان ُه ُم الْ َخ ِ ُ‬

‫القول‪ :‬إ ّن الشّ يطان استحوذ عليه‪ ،‬أي‪ :‬ساقه مستولياً عليه‪ .‬وأغلب الظ ّن أنّه يكون باإلستحواذ عىل القلب‪ ،‬حتى‬ ‫إنه ينسيه ذكر الله‪.‬‬ ‫‪ -4‬اإلجالب بالخيل والرجل‪:‬‬ ‫إ ّن أصل ال َجلْب هو سوق اليشء‪ ...‬وأجلبت عليه‪ :‬صحت عليه بقهر‪ .‬وقد قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْاستَ ْف ِز ْز َمنِ‬

‫ْاستَطَ ْع َت ِم ْن ُهم ب َِص ْوتِ َك َوأَ ْجلِ ْب َعلَ ْيهِم ِب َخ ْيلِ َك َو َر ِجلِ َك َوشَ ا ِركْ ُه ْم ِف الْ َ ْم َوا ِل َوالْ َ ْو َل ِد َو ِع ْد ُه ْم ۚ َو َما يَ ِع ُد ُه ُم الشّ يطان‬ ‫إِ َّل ُغ ُرو ًرا﴾ ‪ .‬فيكون أسلوب إغواء الشّ يطان باإلجالب متمث ًّل أن يسوق ضحيّته بالزجر والصياح‪ ،‬فيتبع أوامره كام‬ ‫يشاء‪ ،‬وكأنه قائد يف معسكره‪.‬‬ ‫‪ -5‬تزيني الباطل‪:‬‬ ‫أصل التزيني_ بحسب اللّغة _هو تحسني وتسهيل املعصية لفاعلها‪ .‬وقد ورد التزيني يف كتاب الله يف‬ ‫َض ُعوا َولَٰ ِكن ق َ​َس ْت قُلُوبُ ُه ْم َو َزيَّ َن لَ ُه ُم الشّ يطان َما كَانُوا يَ ْع َملُو َن﴾‬ ‫مواضع كثرية‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬فَلَ ْو َل إِ ْذ َجا َء ُهم بَأْ ُس َنا ت َ َّ‬ ‫‪ .‬وقد توعد إبليس أعداءه بتزيني الباطل لهم‪ ،‬وهو أسلوب شيطا ّين خطر‪ ،‬فيزيّن الشّ يطان املعايص‪ ،‬ويُحسن‬ ‫الحق من‬ ‫القبيح‪ ،‬ويح ّوله إىل صورة مغرية‪ ،‬حتى يخيّل للضحية أ ّن فيه نفعها‪ ،‬فيحبّب الباطل إىل النفس‪ ،‬وينفّر ّ‬ ‫قلبه‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .14‬سورة املجادلة‪ ،‬اآلية ‪.19‬‬ ‫‪ .15‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.186‬‬ ‫‪ .16‬سورة االرساء‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬ ‫‪ .17‬سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.43‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫فوجود الشّ يطان يح ّرك الخبث يف النفوس‪ ،‬ويغري العباد؛ الرتكاب املعايص‪ ،‬والوقوع يف األخطاء‪ .‬وبذلك‪ ،‬تظهر‬ ‫وتكب‪ ،‬فريينا الله فيه قوته وجربوته وعقابه الشديد‪ .‬فبوجود الخبيث‪ ،‬تتضح‬ ‫صفات الجالل عىل من عىص وتجرب ّ‬ ‫صفات جامل الله‪ ،‬بعفوه عن املخطئني‪ ،‬ومغفرته للعاصني‪ ،‬وسرته عىل من ض ُعف وعىص‪ ،‬ومحبته لعباده‪ ،‬ورحمته‪.‬‬ ‫أساليب الشّ يطان اإلغوائية يف القرآن‪ ،‬وطرق التصدّ ي لها‬ ‫أوالً‪ :‬مفردات اإلغواء يف املعجم الشّ يطاين ودالالتها‬ ‫‪ -1‬التسويل واالمالء‪:‬‬ ‫ل لَ ُه ْم﴾ ‪ .‬والتسويل‪« :‬تزيني النفس ملا تحرص عليه‪،‬‬ ‫ورد يف القرآن الكريم قوله تعاىل‪﴿ :‬الشّ يطان َس َّو َل لَ ُه ْم َوأَ ْم َ ٰ‬ ‫وتصوير القبيح منه بصورة الحسن» ‪ .‬وهو إ ّما من السول‪ ،‬مبعنى اإلسرتخاء والتمطّي‪ ،‬أو من السول‪ ،‬مبعنى األمنية‬ ‫نبسط املعنى‪ ،‬فإنّنا نشري إىل أ ّن الكلمة_ يف موضع ذكرها الوحيد_ ارتبطت بلفظة اإلمالء‪،‬‬ ‫والطلب‪ .‬وإذا أردنا أن ّ‬ ‫والتي هي مبعنى التسويف‪ ،‬وطول األمل‪ ،‬والخلود إىل نفس اإلنسان التي ُحببت إليه الدنيا‪ ،‬فتتنافر نفسه مبارشة‬ ‫مع دين الله‪ ،‬والتزام أوامره‪.‬‬ ‫معبا ً عن التعاون مع الشّ يطان‪ ،‬فالنفس حني تريض شهواتها‪ ،‬تشعر باألمل‬ ‫وهنا‪ ،‬يأيت دور هذه اللفظة ّ‬ ‫والتأنيب يف ترك أوامر الله‪ ،‬فيأيت الشّ يطان‪ ،‬ليسهل عليها ارتكاب اإلثم‪ ،‬ويذهب عنها هذا التوتر‪ ،‬فيشعرها‬ ‫باإلسرتخاء بهذا التسويل‪ ،‬ويعطيها أمنيتها التي طلبت عىل رضاً ٍ‬ ‫زائف‪ ،‬واسرتخا ٍء كاذب‪.‬‬ ‫‪ -2‬الدعوة‪:‬‬ ‫يدعو الشّ يطان حزبه إىل أن يكونوا من أصحاب السعري‪ ،‬حيث قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن الشّ يطان لَ ُك ْم َع ُد ٌّو‬ ‫الس ِعريِ﴾ ‪ ،‬أي‪« :‬إمنا يقصد أن يضلكم حتى تدخلوا معه إىل‬ ‫فَات َّ ِخذُو ُه َع ُد ًّوا إِنَّ َا يَ ْد ُعو ِح ْزبَ ُه لِيَكُونُوا ِم ْن أَ ْص َح ِ‬ ‫اب َّ‬ ‫عذاب السعري‪ ،‬فهذا هو العدو املبني»‪ .‬إن الشّ يطان يدعو حزبه إىل نار جه ّنم وحني ينكشف الغطاء يوم القيامة‪،‬‬ ‫يتنصل الشّ يطان من دعوته‪ ،‬فهو يدعو البرش إىل أن ينضموا إىل ِحلْ ِف ِه‪ ،‬وتختلف استجاباتهم فالبعض يطيعه‪،‬‬ ‫الحق‪.‬‬ ‫ويكون رهن إشارته‪ ،‬والبعض ّ‬ ‫يظل ثابتاً ومستقيامً يف طريق ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .10‬سورة محمد‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬ ‫‪ .11‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪( ،‬ال ت)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.249‬‬ ‫‪ .12‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫‪ .13‬بن كثري‪ ،‬ابو الفداء اسامعيل بن عمر القريش الدمشقي‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق سامي بن محمد سالمة‪ ،‬ط‪ ،2‬لبنان‪ ،‬صيدا‪ ،‬دار املكتبة العرصية‪1996( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.534‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -9‬التغرير‪:‬‬ ‫اس إِ َّن َو ْع َد اللَّ ِه َح ٌّق ۖ ف َ​َل تَ ُغ َّرنَّ ُك ُم الْ َح َيا ُة ال ُّدنْ َيا ۖ َو َل يَ ُغ َّرنَّكُم‬ ‫وقد أىت ذكره يف كتاب الله‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها ال َّن ُ‬

‫بِاللَّ ِه الْ َغ ُرو ُر﴾ ‪ ،‬حيث قال الشوكاين‪« :‬الغرور هو الشّ يطان؛ ألن من شأنه أن يغ ّر الخلق‪ ،‬ومينيهم باألماين الباطلة‪،‬‬ ‫ويلهيهم عن اآلخرة‪ ،‬ويص ّدهم عن طريق الحق» ‪ .‬اذا ً‪ ،‬الشّ يطان يغ ّر الخلق باألماين الباطلة‪ ،‬ويلهيهم عن اآلخرة‬ ‫رض يف صورة النافع‪.‬‬ ‫والله‪ ،‬ويظهر للضحية ما هو م ّ‬ ‫‪ -10‬الفتنة‪:‬‬ ‫الفتنة هي االختبار واإلمتحان بالبالء‪ ،‬واملقصود بها هنا ما يتعلق بالشهوات‪ ،‬فقد قال تعاىل‪﴿ :‬يَا بَ ِني آ َد َم‬ ‫َل يَ ْف ِت َن َّن ُك ُم الشّ يطان ك َ​َم أَ ْخ َر َج أَبَ َويْكُم ِّم َن الْ َج َّن ِة يَن ِز ُع َع ْن ُه َم لِ َب َاس ُه َم لِ ُ ِييَ ُه َم َس ْوآتِه َِم﴾ ‪ ،‬و»الفتنة يف األصل هي‬ ‫اإلبتالء واإلمتحان واالختبار» ‪ .‬وهي أسلوب ال ميكن للمرء الفرار منه‪.‬‬ ‫‪ -11‬التخويف من الفقر واملوت‪:‬‬ ‫يقول تعاىل يف كتابه املجيد‪﴿ :‬الشّ يطان يَ ِع ُدكُ ُم الْ َف ْق َر َويَأْ ُم ُركُم بِالْ َف ْحشَ ا ِء ۖ َواللَّ ُه يَ ِع ُدكُم َّم ْغ ِف َر ًة ِّم ْن ُه َوف َْض ًل ۗ َواللَّ ُه‬

‫رشا‪ .‬ولهذا‪ ،‬يخوف به املتصدقني‪ .‬ويقول تعاىل‪﴿ :‬إِنَّ َا َٰذلِ ُك ُم الشّ يطان‬ ‫َو ِاس ٌع َعلِي ٌم﴾ ‪ ،‬فقد يرى اإلنسان الفقر ًّ‬

‫يُ َخ ِّو ُف أَ ْولِيَا َء ُه ف َ​َل ت َ َخافُو ُه ْم َو َخافُونِ إِن كُنتُم ُّم ْؤ ِم ِن َني﴾ ‪ ،‬أي‪ :‬ما كان منكم من خوف من املوت إذا خرجتم إىل‬ ‫املعركة‪ ،‬وما كان منكم من تحلف عن الجهاد خشية املوت‪ ،‬وما كان منكم من تهكّم عىل الشهداء الذين ض ّيعوا‬ ‫حياتهم بزعمكم‪ :‬كل ذلك إمنا هو فقط من الشّ يطان‪ ،‬وبسبب وساوسه‪ ،‬وتسويله‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .23‬سورة فاطر‪ ،‬اآلية ‪.5‬‬ ‫‪ .24‬الشوكاين‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ابن كثري‪1992( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.61‬‬ ‫‪ .25‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.27‬‬ ‫‪ .26‬ابن منظور‪ ،‬ابو الفضل جامل الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنرش‪1990( ،‬م)‪ ،‬ج ‪ ،13‬ص‪.317‬‬ ‫‪ .27‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.268‬‬ ‫‪ .28‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.175‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -6‬الوعد والتمنية‪:‬‬ ‫رش‪،‬‬ ‫إ ّن الشّ يطان يعد ومي ّني باألماين الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته التي هي محض ضالل و ّ‬

‫فيعدهم أنهم الفائزون‪ .‬والشّ يطان يتّبع يف غايته وتحصيلها يف قلب اإلنسان سبيل التمنية بالباطل‪ ،‬فهو يعظّم‬ ‫الدنيا يف قلوب البرش‪ ،‬ويهيّئ لهم أنها الفوز العظيم‪ ،‬حتى ينجرفوا فيها‪ ،‬ويقعوا يف سلسلة خطواته املوصلة إىل‬

‫الحق‪ ،‬ومرض القلب‪ ،‬والكفر باللّه‪ ،‬واملوت عىل ذلك‪ ،‬وقد تو ّعد الشّ يطان بهذه الخطوة‪ ،‬حيث تقول‬ ‫الغفلة عن ّ‬ ‫اآلية‪َ ﴿ :‬و َلُ ِضلَّ َّن ُه ْم َولَ ُ َم ِّنيَ َّن ُه ْم َو َل ُم َرنَّ ُه ْم فَلَيُبَتِّ ُك َّن آذَا َن الْ َنْ َع ِام َو َل ُم َرنَّ ُه ْم فَلَيُ َغيِّ ُ َّن َخل َْق اللَّ ِه ۚ َو َمن يَتَّ ِخ ِذ الشّ يطان‬

‫سانًا ُّمبِي ًنا*يَ ِع ُد ُه ْم َو ُ َي ِّني ِه ْم ۖ َو َما يَ ِع ُد ُه ُم الشّ يطان إِلَّ ُغ ُرو ًرا﴾ ‪.‬‬ ‫س ُخ ْ َ‬ ‫َولِيًّا ِّمن ُدونِ اللَّ ِه فَ َق ْد َخ ِ َ‬ ‫‪ -7‬التنسية‪:‬‬

‫يت‬ ‫الص ْخ َر ِة فَ ِإنِّ نَ ِس ُ‬ ‫أىت ذكر النسيان يف كتاب الله الحكيم من خالل قوله‪ ﴿ :‬ق َ​َال أَ َرأَيْ َت إِ ْذ أَ َويْ َنا إِ َل َّ‬ ‫نسانِي ُه إِلَّ الشّ يطان أَ ْن أَ ْذكُ َر ُه﴾ ‪ ،‬و»النسيان هو ترك اإلنسان ضبط ما استودع‪ ،‬إ ّما لضعف قلبه‪ ،‬وأ ّما‬ ‫الْ ُحوتَ َو َما أَ َ‬ ‫من غفلة‪ ،‬وإ ّما من قصد‪ ،‬حتى ينحذف عن القلب ذكره»‪ .‬وقوله تعاىل‪َ ﴿:‬و إِ َّما يُ ِ‬ ‫كل‬ ‫نسيَ َّن َك الشّ يطان﴾‪ ،‬املراد به ّ‬ ‫مثل يجلس مع املكذبني الذين يح ّرفون آيات الله‪ ،‬ويضعونها عىل غري مواضعها‪ ،‬فإذا جلس‬ ‫فرد من آحاد األ ّمة؛ ً‬ ‫أحد معهم ناسياً ﴿ف َ​َل ت َ ْق ُع ْد بَ ْع َد ال ِّذكْ َر ٰى﴾ بعد التذكر ﴿ َم َع الْ َق ْو ِم الظَّالِ ِم َني﴾‪ .‬ومن األساليب التي يعمد إبليس‬ ‫الحق‪ ،‬ومحاولة رصفه عن أوامر الله ما أمكنه ذلك‪.‬‬ ‫وجنده عىل زرعها يف قلب عد ّوه؛ إنساؤه ّ‬

‫‪ -8‬إظهار النصح‪:‬‬ ‫إ ّن الشّ يطان بأمانيه الكاذبة‪ ،‬وآماله الزائفة‪ ،‬ينيس اإلنسان عداوته‪ ،‬ويص ّور نفسه من الناصحني النافعني‪،‬‬ ‫يبي الله تعاىل ذلك يف اآلية‪َ ﴿ :‬وق َ​َاس َم ُه َم إِنِّ لَك َُم لَ ِم َن ال َّن ِ‬ ‫اص ِح َني*فَ َدلَّ ُه َم ِب ُغ ُرو ٍر ۚ فَلَمَّ ذَاقَا الشَّ َج َر َة بَ َدتْ‬ ‫حيث ّ‬ ‫لَ ُه َم َس ْوآتُ ُه َم َوطَ ِفقَا يَ ْخ ِصفَانِ َعلَيْه َِم ِمن َو َرقِ الْ َج َّن ِة ۖ َونَا َدا ُه َم َربُّ ُه َم أَلَ ْم أَنْ َهك َُم َعن تِلْك َُم الشَّ َج َر ِة َوأَقُل لَّك َُم‬

‫إِ َّن الشّ يطان لَك َُم َع ُد ٌّو ُّم ِب ٌني﴾ ‪ .‬والحقيقة أ ّن هذا كان كيدا ً ومكرا ً من الشّ يطان‪ .‬فال ّنصح‪« :‬فعل أو قول فيه صالح‬ ‫صاحبه» ‪ ،‬إذ يق ّدم الشّ يطان النصيحة بثوب مغشوش‪ ،‬فيبني من الخارج أنه يريد مصلحة العبد‪ ،‬ولكنه يخفي وراء‬ ‫هذا الثوب نوايا خبيثة ورشيرة‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .18‬سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.120-119‬‬ ‫‪ .19‬سورة الكهف‪ ،‬اآلية ‪.63‬‬ ‫‪ .20‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.425‬‬ ‫‪ .21‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.22-21‬‬ ‫‪ .22‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.432‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -16‬اإلستزالل‪:‬‬ ‫الزلة يف األصل‪ :‬اسرتسال الرجل من غري قصد‪ .‬وقوله‪﴿ :‬إِ َّن الَّ ِذي َن تَ َولَّ ْوا ِمن ُك ْم يَ ْو َم الْتَقَى الْ َج ْم َعانِ إِنَّ َا‬ ‫استخف‬ ‫ْاستَ َزلَّ ُه ُم الشّ يطان ِببَ ْع ِض َما ك َ​َسبُوا﴾ ‪ ،‬أي‪« :‬استدرجهم الشّ يطان‪ ،‬حتى زلوا‪ ،‬فإن الخطيئة الصغرية اذا‬ ‫ّ‬ ‫اإلنسان فيها‪ ،‬تصري مسهلة لسبيل الشّ يطان عىل نفسه‪.‬‬ ‫‪ -17‬اإليحاء‪:‬‬ ‫اإليحاء هو عملية يؤثر بها شخص يف آخر تأثريا ً مبارشا ً‪ ،‬فيجعله يتق ّبل رأياً أو فكرة أو اعتقادا ً من دون‬ ‫مناقشة أو أمر أو إجبار‪ .‬فالشّ يطان يعرف باألثر الذي يُنسب إليه‪ ،‬وهو وحي الرش‪ ّ،‬وخواطر الباطل والسوء يف‬ ‫الضال‪.‬‬ ‫النفس‪ ،‬فهو منشأ هذا اإليحاء ّ‬ ‫‪ -18‬الوسوسة‪:‬‬ ‫ت ُ َع َّر ُف الوسوسة بأنّها «الخطرة الرديئة‪ ،‬وأصله ]اللّفظ[ من الوسواس‪ ،‬وهو صوت الحيل‪ ،‬والهمس الخفي»‬

‫ل﴾ ‪،‬‬ ‫ل شَ َج َر ِة الْ ُخل ِْد َو ُمل ٍْك لَّ يَبْ َ ٰ‬ ‫‪ ،‬حيث قال الله تعاىل‪َ ﴿ :‬و ْس َو َس إِلَيْ ِه الشّ يطان ق َ​َال يَا آ َد ُم َه ْل أَ ُدلُّ َك َع َ ٰ‬

‫و»الوسوسة هي حديث النفس‪ ،‬يلقيه الشّ يطان يف قلب ابن آدم إذا غفل» ‪ ،‬وهي ما يلقيه الشّ يطان يف النفوس‬ ‫من الخواطر الرديئة‪ ،‬ليُذهب شمعة اإلميان يف القلوب‪.‬‬ ‫‪ -19‬الهمز‪:‬‬ ‫ات الشَّ يَ ِ‬ ‫ورد يف «سورة املؤمنون» قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقُل َّر ِّب أَ ُعو ُذ ب َِك ِم ْن َه َم َز ِ‬ ‫اط ِني﴾ ‪ ،‬فهمزات الشياطني‪:‬‬ ‫يتبي أ ّن الشّ يطان يهمز يف صدر بني آدم‪ ،‬أي‪ :‬يوسوس‪ ،‬وينزغ‪،‬‬ ‫نزغاتها ووساوسهم ‪ .‬ومن خالل اآليات القرآنية‪ّ ،‬‬ ‫وهو الكالم الخفي‪ ،‬ليقوم اإلنسان مبختلف أعامل الرشور واملعصية‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .33‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.155‬‬ ‫‪ .34‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.512‬‬ ‫‪ .35‬سورة طه‪ ،‬اآلية ‪.120‬‬ ‫‪ .36‬ابن مسعود‪ ،‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل املعروف بتفسري البغوي‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق املهدي‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.597‬‬ ‫‪ .37‬سورة املؤمنون‪ ،‬اآلية ‪.97‬‬ ‫‪ .38‬الشوكاين‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬فتح القدير‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.588‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -12‬اإلستفزاز‪:‬‬ ‫قال تعاىل مخاطباً الشّ يطان‪َ ﴿ :‬و ْاستَ ْف ِز ْز َمنِ ْاستَطَ ْع َت ِم ْن ُهم ب َِص ْوتِ َك َوأَ ْجلِ ْب َعلَ ْيهِم ِب َخ ْيلِ َك َو َر ِجلِ َك‬ ‫﴿استَ ْف ِززْ﴾‪ ،‬أي‪ :‬أزعج‪ ،‬واإلستفزاز‬ ‫َوشَ ا ِركْ ُه ْم ِف الْ َ ْم َوا ِل َوالْ َ ْو َل ِد َو ِع ْد ُه ْم ۚ َو َما يَ ِع ُد ُه ُم الشّ يطان إِلَّ ُغ ُرو ًرا﴾ ‪ .‬قوله‪ْ :‬‬ ‫هو طريقة يستخدمها الشّ يطان؛ إلزعاج العبد‪ ،‬وجعله عرض ًة للمعصية‪.‬‬ ‫املس‪:‬‬ ‫‪ّ -13‬‬

‫َاب﴾‪ ،‬قيل‪ :‬بنصب يف بدين‪ ،‬وعذاب يف مايل‬ ‫املس يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أَنِّ َم َّس ِن َي الشّ يطان ِب ُن ْص ٍب َو َعذ ٍ‬ ‫ورد ّ‬

‫مس الشّ يطان هو إلحاق األذى باملسوس يف جسده وماله‬ ‫وولدي‪ .‬فعند ذلك‪ ،‬استجاب له أرحم الراحمني ‪ .‬وهنا‪ّ ،‬‬ ‫وأهله‪ ،‬ويف هذا األسلوب ميتحن يف هذه التجارب‪ ،‬فيصبح اإلنسان أقرب إىل الله‪ ،‬أو عاجزا ً وقانطاً من رحمة الله‪.‬‬ ‫‪ -14‬األمر‪:‬‬ ‫ِالسو ِء‬ ‫يذكر القرآن الكريم كيف أن الشّ يطان يأمر الناس بالفحشاء والسوء واملعصية‪﴿ :‬إِنَّ َا يَأْ ُم ُركُم ب ُّ‬

‫َوالْ َف ْحشَ ا ِء َوأَن تَقُولُوا َع َل اللَّ ِه َما َل ت َ ْعلَ ُمو َن﴾ ‪ ،‬فمنهم من يلبي إيعازاته‪ ،‬فيتّبع سبيل الضالل‪ ،‬ومنهم من يحذّر‬ ‫منه‪ ،‬ويتن ّبه إىل أحابيله‪ ،‬فينجو من أوامره الخبيثة‪.‬‬ ‫‪ -15‬اإلستدراج‪:‬‬ ‫يتعامل الشّ يطان مع البرش من خالل منهج التدرج البطيء الذي يعرب بواسطته إىل املرء من حيث ال‬ ‫يدري‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬وال َِّذي َن كَ َّذبُوا بِآيَاتِ َنا َس َن ْستَ ْد ِر ُج ُهم ِّم ْن َح ْيثُ َل يَ ْعلَ ُمو َن﴾‪ ،‬وجاء يف لسان العرب‪ :‬سنستدرجھم‪:‬‬ ‫«سنأخذھم قلیال قلیالً‪ ،‬وال نباغتھم‪ .‬واستدرجه‪ ،‬أي‪ :‬أدناه منه عىل التدرج‪ ،‬فتدرج» ‪ .‬والشّ يطان يستدرج ابن‬ ‫آدم‪ ،‬أي‪ :‬يأخذه درجة درجة‪ ،‬ليوصله إىل ما يتمناه‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .29‬سورة االرساء‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬ ‫‪ .30‬ابن كثري‪ ،‬ابو الفداء اسامعيل بن عمر القريش الدمشقي‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق سامي بن محمد سالمة‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.74‬‬ ‫‪ .31‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.168‬‬ ‫‪ .32‬ابن منظور‪ ،‬ابو الفضل جامل الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.266‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫الحق‪:‬‬ ‫‪ -2‬قول ّ‬ ‫يأمر الله عباده بلزوم تزكية اللّسان بقول الخري‪ ،‬ويحذّرهم من قول الزور‪ ،‬كام يأمر الله بلزوم القول الحسن‪،‬‬ ‫وإظهاره للناس‪ ،‬كام يقول‪ُ ﴿ :‬خ ِذ الْ َع ْف َو َوأْ ُم ْر بِالْ ُع ْر ِف َوأَ ْعر ِْض َعنِ الْ َجا ِهلِ َني * َو إِ َّما يَن َز َغ َّن َك ِم َن الشّ يطان نَ ْز ٌغ‬ ‫كل إنسان؛ لينال القرب من الله‪ .‬وبه‬ ‫الحق صفة يجب أن يتحىل بها ّ‬ ‫ف َْاستَ ِع ْذ بِاللَّ ِه ۚ إِنَّ ُه َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ ‪ .‬فقول ّ‬ ‫ترفع الدرجات‪ ،‬وتح ّط السيئات‪ .‬وهذا ما يؤ ّدي إىل أن يتجنبه الشّ يطان‪ ،‬ويهجره‪.‬‬ ‫كل ما يستدعي الشّ يطان‪:‬‬ ‫‪ -3‬اجتناب ّ‬ ‫يبي أ ّن الشّ يطان ينزل عىل‬ ‫يحب‪ ،‬مثل الذنوب واملعايص واآلثام‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الشّ يطان يالزم من تق ّرب إليه ّ‬ ‫فالحق ّ‬ ‫مم ّ‬ ‫ل ك ُِّل أَف ٍ‬ ‫ل َمن تَ َن َّز ُل الشَّ َي ِ‬ ‫َّاك‬ ‫اط ُني * ت َ َن َّز ُل َع َ ٰ‬ ‫الذين يتّصفون باإلفك املبني‪ ،‬واإلثم الكبري‪ ،‬بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ه ْل أُنَ ِّبئُ ُك ْم َع َ ٰ‬ ‫الس ْم َع َوأَك َْثُ ُه ْم كَا ِذبُو َن﴾ ‪.‬‬ ‫أَثِ ٍيم * يُلْقُو َن َّ‬ ‫‪ -4‬التربؤ من الشّ يطان‪ ،‬واإلميان بالرحمن‪:‬‬ ‫يعلن املوىل سبحانه أ ّن التربؤ من الشّ يطان‪ ،‬واإلميان بالرحمن‪ ،‬هام عروة الله الوثقى‪ ،‬والحبل املتني‪ ،‬فيقول‬ ‫﴿ل إِكْ َرا َه ِف ال ِّدينِ ۖ قَد ت َّ َبيَّ َ ال ُّرشْ ُد ِم َن الْ َغ ِّي ۚ فَ َمن يَ ْك ُف ْر بِالطَّاغ ِ‬ ‫تعاىل‪َ :‬‬ ‫ُوت َويُ ْؤ ِمن بِاللَّ ِه فَق َِد ْاستَ ْم َس َك بِالْ ُع ْر َو ِة‬ ‫الْ ُوثْق َٰى َل ان ِف َصا َم لَ َها ۗ َواللَّ ُه َس ِمي ٌع َعلِي ٌم﴾ ‪.‬‬ ‫‪ -5‬قتال أولياء الشّ يطان‪:‬‬ ‫حثّ الله (سبحانه وتعاىل) املؤمنني عىل قتال أعدائه‪ ،‬بقوله‪﴿ :‬فَقَاتِلُوا أَ ْولِيَا َء الشّ يطان ۖ إِ َّن كَيْ َد الشّ يطان كَا َن‬ ‫َض ِعيفًا﴾‪.‬‬ ‫‪ -6‬عدم الخوف من الشّ يطان‪:‬‬ ‫ويظهر ذلك يف قوله تعاىل‪﴿ :‬إِنَّ َا َٰذلِ ُك ُم الشّ يطان يُ َخ ِّو ُف أَ ْولِ َيا َء ُه ف َ​َل تَ َخافُو ُه ْم َو َخافُونِ إِن كُنتُم ُّم ْؤ ِم ِن َني﴾ ‪ .‬وقد‬ ‫يبي للمؤمنني أ ّن الشّ يطان هو الذي يخ ّوفكم من أوليائه املرشكني‪ ،‬ويوهمكم أنهم ذوو‬ ‫ف ُّست اآلية برشح واضح أن «الله ّ‬ ‫ومتيس ملن أراد ذلك‪،‬‬ ‫بأس وق ّوة» ‪ .‬إ ّن مواجهة كيد الشّ يطان ووسوسته مطلب جميع املؤمنني باللّه‪ ،‬وأمرهام مستطا ٌع‬ ‫ّ‬ ‫يس الله لعبده سبل النجاة من غواية الشّ يطان وكيده‪.‬‬ ‫فقد ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .44‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية ‪.200-199‬‬ ‫‪ .45‬سورة الشعراء‪ ،‬اآلية ‪.223-221‬‬ ‫‪ .46‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.256‬‬ ‫‪ .47‬ابن كثري‪ ،‬ابو الفداء اسامعيل بن عمر القريش الدمشقي‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق سامي بن محمد سالمة‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.359-358‬‬ ‫‪ .48‬سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.175‬‬ ‫‪ .49‬حومد‪ ،‬أسعد‪ ،‬أيرس التفاسري‪ ،‬ط‪ ،4‬سورية‪ ،‬دمشق‪( ،‬ال دار)‪1998( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.468‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -20‬النزغ‪:‬‬ ‫أصل «ال ّنزغ هو الفساد‪ ،‬وذلك بأن تنزغ بني قوم‪ ،‬فتحمل بعضهم عىل بعض بفساد بينهم‪ .‬ونزغ الشّ يطان‬ ‫بينهم‪ :‬أفسد وأغرى» ‪ ،‬حيث يقول تعاىل‪َ ﴿ :‬وقُل لِّ ِعبَا ِدي يَقُولُوا الَّ ِتي ِه َي أَ ْح َس ُن ۚ إِ َّن الشّ يطان يَن َز ُغ بَيْ َن ُه ْم ۚ إِ َّن‬

‫نسانِ َع ُد ًّوا ُّمبِي ًنا﴾ ‪ .‬والظاهر من املعنى اللّغوي أ ّن النزغ مبعنى التحريك‪ ،‬واإلستفزاز‪ ،‬وإثارة‬ ‫الشّ يطان كَا َن لِ ْ ِل َ‬

‫ليضل اإلنسان عن‬ ‫النفس‪ ،‬وهو املعروف بالغضب‪ .‬فالشّ يطان ينزغ‪ ،‬أي‪ :‬يفسد‪ ،‬ويستفزز‪ ،‬ويثري النفس‪ ،‬ويغري؛ ّ‬ ‫مساره‪.‬‬ ‫‪ -21‬الصدّ عن سبيل الله‪:‬‬ ‫قد يكون الص ّد «انرصافاً عن اليشء‪ ،‬وامتناعاً‪ ،‬وقد يكون رصفاً ومنعاً»‪ .‬ورد يف كتاب الله قوله‪َ ﴿ :‬و َجدتُّ َها‬

‫السبِيلِ فَ ُه ْم َل يَ ْهتَ ُدو َن﴾ ‪ ،‬فإن‬ ‫َوقَ ْو َم َها يَ ْس ُج ُدو َن لِلشَّ ْم ِس ِمن ُدونِ اللَّ ِه َو َزيَّ َن لَ ُه ُم الشّ يطان أَ ْع َملَ ُه ْم ف َ​َص َّد ُه ْم َعنِ َّ‬ ‫من أهم ما يريده الشّ يطان من العبد أن يص ّده‪ ،‬ويرصفه عن ذكر الله‪ ،‬فيمنعه باإلغراء؛ لتحصيل الكفر باآلخرة‪،‬‬ ‫وترك هداية الله‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬طرق التصدّ ي ألساليب الشّ يطان يف القرآن الكريم‬ ‫‪ -1‬اإلستعاذة باللّه‪:‬‬ ‫ِيم﴾‪ :‬أستج ُري باللّه من دون غريه من‬ ‫اإلستعاذة تعني‪ :‬اإلستجارة‪ ،‬ومعنى ﴿أَ ُعو ُذ بِاللَّ ِه ِم َن الشّ يطان ال َّرج ِ‬ ‫حق يل َز ُمني ل َريب‪ .‬واإلستعاذة هي اإللتجاء إىل الله‬ ‫رضين يف ديني‪ ،‬أو يص َّدين عن ّ‬ ‫سائر خلقه‪ ،‬من الشّ يطان أن ي َّ‬ ‫ليتحصن بها‪ ،‬وتكون له درعاً واق ًيا‪ ،‬وحصناً من عدوه الشّ يطان‪.‬‬ ‫العظيم‪ ،‬وذلك‬ ‫ّ‬

‫_______________________‬ ‫‪.39‬‬ ‫‪ .40‬سورة االرساء‪ ،‬اآلية ‪.53‬‬ ‫‪ .41‬الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.569‬‬ ‫‪ .42‬سورة النمل‪ ،‬اآلية ‪.24‬‬ ‫‪ .43‬الطربي‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلميل‪ ،‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫مؤسسة الرسالة‪2000( ،‬م)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.111‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ .4‬التشكّل يف شَ َبه مالك نور‪:‬‬

‫ورد يف رسالة بولس أن الشّ يطان يتشكل يف شبه مالك نور‪« :‬الَ َع َج َب‪ .‬ألَ َّن الشّ يطان نَف َْس ُه يُ َغيِّ ُ شَ ْكلَ ُه إِ َل ِش ْب ِه‬

‫َمال َِك نُورٍ» ؛ حيث إ ّن الشّ يطان يضع يف ذهن املذنب أحياناً أن ما قام به ‪-‬وإن كان خطأً‪ -‬إمنا ال يستلزم العقوبة‪،‬‬ ‫أل ّن الله غفور رحيم‪ ،‬والعكس يف مواطن أخرى‪ .‬فيبدو لنا أ ّن قوله ناصح ملصلحتنا‪ ،‬ولكن يف الحقيقة هو باطل‪.‬‬ ‫الحق‪.‬‬ ‫فيتشكل يف صورة مالك‪ ،‬وي ّدعي أنه ميثّل ّ‬ ‫‪ .5‬تزيني الخطيئة بثوب فضيلة‪:‬‬ ‫إلباس الخطيئة ثوب الفضيلة هي حيلة من حيل الشّ يطان‪ ،‬حيث يق ّدم الشّ يطان بعض الخطايا بأسامء غري‬ ‫أسامئها‪ ،‬وبأسلوب يسهل قبوله‪ ،‬فتلبس الخطايا ثياب فضائل‪ .‬وقد ب ّينها العهد الجديد يف ع ّدة مواضع‪ ،‬وهو‬ ‫أسلوب خطري‪ ،‬ويصعب اكتشافه‪.‬‬ ‫‪ .6‬اإليقاع يف الفخّ ‪:‬‬ ‫ويظل خلفه‪ ،‬حيث يالزم اإلنسان‪ ،‬وينتظر منه ثغرة صغرية؛‬ ‫ّ‬ ‫ميتلك الشّ يطان الدهاء واملكر‪ ،‬فيرتصد ع ّدوه‪،‬‬ ‫ليدخل من خاللها إىل قلبه‪.‬‬ ‫‪ .7‬اجرتاح العجائب‪:‬‬ ‫قد يستخدم الشّ يطان هذا األسلوب إلغواء بني آدم‪ ،‬وقد نرى معجزات مضللة بغرض الخداع‪ ،‬كام تذكر اآلية‪:‬‬ ‫« َويَ ْص َن ُع آيَ ٍ‬ ‫ات َع ِظي َم ًة‪َ ،‬حتَّى إِنَّ ُه يَ ْج َع ُل نَا ًرا ت َ ْنز ُِل ِم َن الس َ​َّم ِء َع َل األَ ْر ِض قُ َّدا َم ال َّن ِ‬ ‫الساكِ ِن َني َع َل األَ ْر ِض‬ ‫اس‪َ ،‬ويُ ِض ُّل َّ‬ ‫بِاآليَ ِ‬ ‫لساكِ ِن َني َع َل األَ ْر ِض أَ ْن يَ ْص َن ُعوا ُصو َر ًة لِلْ َو ْح ِش الَّ ِذي كَا َن ِب ِه‬ ‫ات الَّ ِتي أُ ْع ِط َي أَ ْن يَ ْص َن َع َها أَ َما َم الْ َو ْح ِش‪ ،‬قَائِ ًل لِ َّ‬ ‫اش‪ ».‬فيحاول الشّ يطان أن يجذب إليه أكرب عدد ممكن من الناس‪.‬‬ ‫السيْ ِف َو َع َ‬ ‫ُج ْر ُح َّ‬

‫_______________________‬ ‫‪ .53‬رسالة بولس الرسول الثانية إىل أهل كورنثوس‪.14 :11 ،‬‬ ‫‪ .54‬سفر الرؤيا يوحنا‪.14-13 :13 ،‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫إغواء الشّ يطان لبني آدم وطرق التص ّدي لها يف العهد الجديد‬ ‫أوالً‪ :‬مفردات اإلغواء يف املعجم الشّ يطاين ودالالتها يف العهد الجديد‬ ‫‪ .1‬التخويف عرب التمثّل يف حيوان حقيقي أو أسطوري‪:‬‬ ‫ذكر الكتاب املقدس بعض الحيوانات الحقيق ّية واألسطورية التي ترمز إىل الفكر الشّ يطاين‪ ،‬وقد شُ ّبه‬ ‫الشّ يطان باألسد الزائر‪ ،‬وهو داللة عىل الق ّوة والشجاعة بالهجوم عىل الفريسة‪ .‬ويف سفر يوحنا‪ ،‬ذكر أ ّن الشّ يطان‬ ‫يدلن عىل املكر والدهاء والخديعة‪ .‬هذه‬ ‫هو التنني‪ ،‬والوحش‪ ،‬داللة عىل السلطة والحكم‪ .‬أ ّما الح ّية والذئب فهام ّ‬ ‫املخلوقات تقاوم عمل الله‪ ،‬وتستخدم موقعيتها؛ لتخويف اآلخرين‪ ،‬ولتحرفهم نحو الضالل‪ ،‬وتبعدهم عن الله‪،‬‬ ‫ومهمتها التخريب والتدمري‪.‬‬ ‫‪ .2‬الصدّ عن تعاليم اإلنجيل‪:‬‬ ‫وتصب‬ ‫كل معارفه؛ لتحقيق هذا الهدف‪.‬‬ ‫إ ّن غرض الشّ يطان هو مقاومة الله وملكوته‪ ،‬وهو يستخدم ّ‬ ‫ّ‬ ‫جهود الشّ يطان يف سبيل السيطرة عىل العامل‪ ،‬إذ «العامل يخضع لحكم الرشير» ‪ .‬وعندما يخضع اإلنسان إلرادته‪،‬‬ ‫فإنّه ينصاع له ض ّد أوامر الله‪ ،‬وذلك منذ آدم وحواء‪.‬‬ ‫‪ .3‬التجريب واالختبار‪:‬‬ ‫وح إِ َل ال َ ِّْبيَّ ِة‪َ ،‬وكَا َن‬ ‫ترك يسوع الجموع‪ ،‬وذهب إىل الصحراء‪ ،‬حيث ج ّربه الشّ يطان‪َ « :‬ولِلْ َوق ِْت أَ ْخ َر َج ُه ال ُّر ُ‬

‫ُه َن َاك ِف ال َ ِّْبيَّ ِة أَ ْربَ ِع َني يَ ْو ًما يُ َج َّر ُب ِم َن الشّ يطان‪َ .‬وكَا َن َم َع الْ ُو ُح ِ‬ ‫وش‪ ».‬والتجربة خربة سيئة إذا انهزمنا أمامها‪ ،‬فال‬ ‫يجب أن تكون أوقات اإلمتحان الداخيل موضع بغضنا ونفورنا‪ ،‬إذ بها نتشدد‪ ،‬وميكن أن يعلمنا الله من خاللها‬ ‫دروساً مثينة‪ .‬كام ج َّرب حواء يف الجنة‪ ،‬وأغراها‪ ،‬بغية ارتكاب الخطيئة‪ .‬فوظيفة الشّ يطان اختبارية تكتيكية‪،‬‬ ‫قصة أيوب‪ ،‬ملعرفة صالبة إميانه‪،‬‬ ‫وينحرص دوره فقط يف القيام مبهمة اختبار اإلنسان وتجريبه‪ ،‬كام نرى ذلك يف ّ‬ ‫ومدى صموده وصالبته‪.‬‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .50‬رسالة يوحنا األوىل‪.5: 19 ،‬‬ ‫يقسم عىل الشياطني‪ ،‬ترجمة األب جورج موراين وتنقيح هند متى‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪( ،‬ال د)‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫‪ .51‬األب امورت‪ ،‬غربيال‪ ،‬شهادات كاهن ّ‬ ‫‪ .52‬إنجيل مرقس‪.14-12: 1 ،‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ .9‬اإللقاء يف القلب‪:‬‬ ‫ذكر إنجيل يوحنا أن الشّ يطان ألقى يف قلب يهوذا أن يخون املسيح‪« :‬ف َِح َني كَا َن الْ َعشَ ا ُء‪َ ،‬وقَ ْد أَلْقَى الشّ يطان ِف‬ ‫قَل ِْب يَ ُهوذَا ِس ْم َعا َن ا ِإل ْس َخ ْريُ ِ‬ ‫وط ِّي أَ ْن يُ َسلِّ َم ُه» ‪ .‬واستعملت كلمة القلب؛ للداللة عىل ما هو داخيل‪ ،‬أو مركزي‪ ،‬أو‬ ‫تظل بعيدة عنه‪ ،‬حتى يفتح لها اإلنسان باباً لتدخل‬ ‫خفي‪ .‬أ ّما األفكار الرشيرة فهي نابعة من قلب اإلنسان‪ ،‬وال ّ‬ ‫منه‪ ،‬فيق ّدم الشّ يطان اقرتاحاته الرشيرة‪ ،‬ولكنه ال يرغمه عىل قبولها أو تنفيذها‪ ،‬فقد يلقي الشّ يطان األفكار‬ ‫الرشيرة إىل القلب‪ ،‬فيؤثر ذلك عىل السلوكه وترصفاته‪.‬‬ ‫‪ .10‬اإلستغفال‪:‬‬ ‫قد يستغفل الشّ يطان املرء الضحيّة؛ ليوقعه يف الخطيئة‪ ،‬وهو نائم يف ثبات‪ ،‬إذ «الشّ يطان يرتصدنا‪ ،‬ويعرف‬ ‫مواضع الضعف عندنا‪ ،‬فينظم العامل من أجل استغاللها»‪ .‬فهو يحاول أن يستغل فرص الغفلة؛ ليلقي فيها تجاربه‪.‬‬ ‫كام استغل جوع املسيح بعد صوم أربعني يوماً؛ ليك يجربه بتجربة الخبز‪.‬‬ ‫‪ .11‬إعامء األذهان‪:‬‬ ‫قد تسبق الخطيئة شهوة‪ ،‬أو غفلة‪ ،‬أو نسيان‪ .‬فحالة الغفلة أو النسيان هي تخدير من الشّ يطان لإلنسان‪ .‬فقد‬ ‫جاء يف رسالة بولس‪« :‬الَّ ِذي َن ِفي ِه ْم إِل ُه هذَا ال َّد ْه ِر قَ ْد أَ ْع َمى أَ ْذ َها َن غ ْ َِي الْ ُم ْؤ ِم ِن َني‪ ،‬لِئَالَّ ت ُِض َء لَ ُه ْم إِنَا َر ُة إِنْجِيلِ َم ْج ِد‬ ‫الْ َم ِسي ِح‪ ».‬فينساق إىل الخطيئة‪ ،‬كأنه ليس بوعيه وإدراكه‪ ،‬ويصبح غري قادر عىل التمييز‪ ،‬وهذا بسبب الشّ يطان‪،‬‬ ‫فينتهي أمره إىل توبة نصوح‪ ،‬أو إىل اليأس‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .60‬إنجيل يوحنا‪.2 :13 ،‬‬ ‫يقسم عىل الشياطني‪ ،‬ترجمة األب جورج موراين وتنقيح هند متى‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص‪.3‬‬ ‫‪ .61‬األب امورت‪ ،‬غربيال‪ ،‬شهادات كاهن ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫خطف الكلمة ونزعها‪:‬‬ ‫يبذل الشّ يطان قصارى جهده‪ ،‬ليك يحول بيننا وبني اإلميان‪ ،‬ويحملنا عىل عدم اإلميان بالكلمة حني نقرأها‬ ‫ونسمعها؛ وإذا ما أوليناها اهتاممنا يف الحارض‪ ،‬فإنه سيعمل عىل حملنا عىل أن ننساها‪ ،‬وسوف يح ّول عقولنا إىل‬ ‫يشء آخر‪ .‬وكل هذا‪ ،‬لئال نؤمن ‪ ،‬وقد ينزع الشّ يطان كلمة املسيح من القلوب‪ ،‬ويستبدلها بزوان؛ ليك يطفي نور‬ ‫الله‪ ،‬كام تقول اآلية‪« :‬ك ُُّل َم ْن يَ ْس َم ُع كَلِ َم َة الْ َملَك ِ‬ ‫ُوت َوالَ يَ ْف َه ُم‪ ،‬فَيَأْ ِت الشِِّّ ي ُر َويَ ْخط َُف َما قَ ْد ُز ِر َع ِف قَلْ ِب ِه‪ .‬هذَا ُه َو‬ ‫ِيق‪ ».‬وغالباً تقارن الكلمة باملسيح‪ ،‬أي‪ :‬الصالح والهداية والخالص‪ ،‬فيأيت الشّ يطان‪ ،‬لينزع‪،‬‬ ‫الْ َم ْز ُرو ُع َع َل الطَّر ِ‬ ‫ويخطف الكلمة من القلب؛ لئال يؤمنوا باللّه‪ ،‬وليُهيئ األرضية النجسة‪ ،‬وليب ّدل النور ظلمة‪.‬‬ ‫‪ .8‬الغربلة‪:‬‬ ‫رش‪ ،‬فيتغربل‪.‬‬ ‫املقصود من الغربلة أن التجارب واالختبارات التي مي ّر بها اإلنسان تضعه عىل طريقني‪ :‬الخري أو ال ّ‬

‫رش‪َ « .‬وق َ​َال ال َّر ُّب‪ِ :‬س ْم َعا ُن‪ِ ،‬س ْم َعا ُن‪ُ ،‬ه َوذَا‬ ‫وقد وصف األنبياء دينونة ّ‬ ‫الرب بالغربال ‪ ،‬إذ يفصل بني الخري وال ّ‬ ‫ك يُ َغ ْر ِبلَ ُك ْم كَال ِْح ْنطَ ِة!» فيستخدم الشّ يطان أسلوب الغربلة‪ ،‬ليخترب إميان املؤمن‪ ،‬فيفصل‬ ‫الشّ يطان طَلَبَ ُك ْم لِ َ ْ‬

‫املؤمن عن اإلنسان الضال‪ .‬فإذا وقع املؤمن يف شباك الشّ يطان‪ ،‬فإنّه يخرج من دائرة اإلميان‪ ،‬ليصري تلميذا ً من‬ ‫تالمذة الرشير‪.‬‬

‫____________________‬ ‫‪ .55‬هرني‪ ،‬متى‪ ،‬التفسري الكامل للكتاب املقدس‪ ،‬تعريب وتحرير مجموعة من الخدام املسيحيني بإرشاف جوزيف صابر‪ ،‬ط‪ ،1‬مرص‪ ،‬القاهرة‪،‬‬ ‫مطبوعات إيجلز‪2002( ،‬م)‪ ،‬ص‪.435‬‬ ‫‪ .56‬إنجيل متى‪.13:19 ،‬‬ ‫‪ .57‬سفر إشعياء‪.27 :30 ،‬‬ ‫‪ .58‬نخبة من االساتذة ذوي االختصاص ومن الالهوتيني‪ ،‬قاموس الكتاب املقدس‪ ،‬هيئة التحرير بطرس عبد امللك وجون ألكسندر طمسن وابراهيم‬ ‫مطر‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص‪.449‬‬ ‫‪ .59‬إنجيل لوقا‪.31 :22 ،‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ .3‬طرد الشّ يطان‪:‬‬ ‫كل البعد عن الشّ يطان‪ ،‬وعن‬ ‫للرب‪ .‬لذلك‪ ،‬يجب أن نبعد ّ‬ ‫قد يكون فتح أبواب التفكري بالشّ يطان مبنزلة خيانة ّ‬ ‫وكل جنده‪ ،‬وال يجوز أن نتساهل مع حيله‪ ،‬بل نرفضه بحزم‪ ،‬ونقول له‪« :‬ا ْذ َه ْب َع ِّني يَا شَ يْطَا ُن!» ‪.‬‬ ‫كل طرقه‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬

‫وب‪ :‬لِل َّر ِّب إِله َِك ت َْس ُج ُد‬ ‫فيعرف الشّ يطان أنّك جاد يف رفضك له‪ ،‬مثلام ق َ​َال لَ ُه يَ ُسو ُع‪«« :‬ا ْذ َه ْب يَا شَ ْيطَا ُن! ألَنَّ ُه َم ْكتُ ٌ‬ ‫َو إِ يَّا ُه َو ْح َد ُه ت َ ْعبُ ُد»» ‪.‬‬ ‫‪ .4‬مقاومة الشّ يطان‪:‬‬ ‫نستطيع التصدي للشيطان عن طريق مقاومته‪ ،‬فالقديس بطرس الرسول يقول‪« :‬إبليس خصمكم كأسد زائر‬ ‫يجول ملتمساً من يبتلعه هو»‪ ،‬وهو يقول بعدها‪« :‬فقاوموه راسخني يف اإلميان» ‪ .‬أي‪ :‬إن زئريه كأسد ال ينبغي أن‬ ‫يخيفكم‪ ،‬بل قاوموه‪ .‬والوقوف أمام الشّ يطان ينبغي أن يكون بقوة وصمود‪ ،‬بل بكل مقاومة‪ .‬فإ ّن الشّ يطان ميكنه‬ ‫أن يستنتج من الذي سيقاومه‪ ،‬ومن الذي إذا ضغط عليه قليالً‪ ،‬سوف يستسلم‪ .‬فاملقاومة يجب أن تكون بجدية‪،‬‬ ‫بكل صورها‪ ،‬ورفض التنازل عن الكامل‪ ،‬واإلرصار القلبي عىل السري يف‬ ‫وبكل ق ّوة‪ .‬واملقاومة هي رفض الخطيئة ّ‬ ‫كل أفكاره من بعيد‪ ،‬وعدم التفاوض مع يشء منها‪،‬‬ ‫كل مقرتحات الشّ يطان‪ ،‬ومراقبة ّ‬ ‫الطريق الروحي‪ ،‬ورفض ّ‬ ‫وطردها من أول وهلة‪ ،‬فإ ّن هذه العوامل كلّها تغلق أبواب النفس والفكر والقلب أمامه‪.‬‬

‫خامتة البحث‬

‫نستنتج _ من خالل ما تق ّدم_ أ ّن البعد اإلشتقاقي ملفردة الشّ يطان « استُ َّل «من الفعل‪( :‬شَ طَ َن)‪ ،‬وذلك وفق‬ ‫معناه الذي يتناسب مع إبعاده أو طرده من رحمة الله‪ ،‬وقد تط ّرقنا إىل املدلول املعنوي لهذه املفردة‪ ،‬والتي‬ ‫لُ ّخصت يف كونها ّ‬ ‫تدل عىل معاين اإلضالل والتخريب واإلفساد‪.‬‬ ‫وتبي أ ّن وظيفة الشّ يطان اإلغوائية هي اختبار أو تجربة‪ ،‬يُعنى اإلنسان بخوضها‪ ،‬وهو املفهوم الوارد يف الديانتني‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫للتوصل إىل الحكمة الكامنة وراء وجوده‪ ،‬حيث أوجده الله؛ ليامرس اإلنسان‬ ‫اإلسالمية واملسيحية‪ .‬وذلك كلّه مق ّدمة‬ ‫ّ‬ ‫رش يلغي إمكانية اإلختيار‪ ،‬كام أن مفهوم السعادة إمنا هو مرتبط‬ ‫ح ّريته يف اإلختيار‪ .‬فوجود الخري مطلقاً من دون وجود ال ّ‬ ‫يل لإلنسان‪ ،‬ابتغاء محاربة الشهوات‪ ،‬وما يدعو الشّ يطان إليه‪.‬‬ ‫بتجاوز العقبات من خالل الرتكيز عىل الجانب العق ّ‬ ‫_______________________‬ ‫‪ .67‬إنجيل متى‪.23 :16 ،‬‬ ‫‪ .68‬إنجيل متى‪.10 :4 ،‬‬ ‫‪ .69‬رسالة بولس األوىل‪.9 :5 ،‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ .12‬الخداع‪:‬‬ ‫رش‪ .‬إنّه يحتفظ‬ ‫أغوى الرشير اإلنسان منذ بدء التاريخ‪ ،‬فأساء استعامل ح ّريّته‪ ،‬وسقط يف التجربة‪ ،‬وارتكب ال ّ‬ ‫رش‪ ،‬ومع ّرضاً للضالل‪ :‬فاإلنسان‬ ‫بالرغبة يف الخري‪ ،‬ولك ّن طبيعته مجروحة بجرح الخطيئة األصلية‪ ،‬فأصبح ميّاالً إىل ال ّ‬ ‫يعاين من انقسام يف ذاته‪ .‬ولهذا‪ ،‬فحياة البرش كلّها ‪-‬سواء كانت فردية أو جامعية‪ -‬تبدو رصاعاً‪ ،‬ورصاعاً مأسويّاً‬ ‫رش‪ ،‬بني النور والظلامت ‪ .‬يتقن الشّ يطان أساليب الخداع‪ ،‬ويستطيع أن يظهر ‪-‬إن أراد‪ -‬يف هيئة مالك‬ ‫بني الخري وال ّ‬ ‫من نور‪ ،‬أو يف صورة أحد القديسني‪ .‬وقد يتخذ له أي اسم من األسامء‪ ،‬فيوجه اإلنسان بطريقة ما؛ ليوقعه يف‬ ‫الخطيئة‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬طرق التصدّ ي ألساليب الشّ يطان يف العهد الجديد‬ ‫‪ .1‬اإلميان باللّه والصالة والصوم‪:‬‬ ‫رض ع يف الصالة والصوم‪ ،‬والتوكّل عليه‪ ،‬كلّها وسائل تسمح لإلنسان بأن يهزم الشّ يطان‪ ،‬إذ‬ ‫اإلميان باللّه‪ ،‬والت ّ‬

‫يقول بولس الرسول‪« :‬أَ ِخ ًريا يَا إِ ْخ َو ِت تَ َق ُّو ْوا ِف ال َّر ِّب َو ِف ِش َّد ِة قُ َّوتِ ِه» ‪ .‬فالشّ يطان ال يقوى عىل املؤمنني‪ ،‬كام ذكر‬ ‫رسالة يوحنا‪« :‬بَلِ الْ َم ْولُو ُد ِم َن الل ِه يَ ْح َف ُظ نَف َْس ُه‪َ ،‬والشِِّّ ي ُر الَ َ َي ُّس ُه‪».‬‬

‫‪ .2‬عدم الخوف من الشّ يطان‪:‬‬ ‫الرب إىل ضعف الشّ يطان‪ ،‬وأننا‬ ‫الشّ يطان كائن ضعيف أمام اإلنسان املؤمن‪ ،‬بالرغم من ّ‬ ‫كل حيله‪ .‬وقد لفت ّ‬ ‫نستطيع هزميته‪ ،‬فقد أىت عىل ذكر ذلك يف إنجيل لوقا‪« :‬ها أنا أعطيكم سلطانا‪ ،‬لتدوسوا الحيات والعقارب وكل‬ ‫قوة العدو» ‪ .‬فمن يخاف من الشّ يطان‪ ،‬ويخضع له‪ ،‬يكون خائفاً يف اليوم األخري؛ ألنّه مل يجاهده ويغلبه‪ ،‬مثل‬ ‫املؤمنني املختارين‪.‬‬

‫_______________________‬ ‫‪ .63‬حارضة الفاتيكان‪ ،‬التعليم املسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ع ّربه عن الطبعة اللالتينية األصلية املرتوبوليت حبيب باشا واملطران يوحنا واألب ح ّنا‬ ‫الفاخوري‪( ،‬م‪.‬س)‪ ،‬ص ‪.514‬‬ ‫‪ .64‬رسالة بولس الرسول إىل أهل أفسس‪.10 :6 ،‬‬ ‫‪ .65‬رسالة يوحنا الوىل‪.18 :5 ،‬‬ ‫‪ .66‬إنجيل لوقا‪.19 : 10 ،‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫(صل الله‬ ‫رش الشّ يطان الرجيم‪ ،‬وهذه االستعاذة س ّنة من سنن الرسول ّ‬ ‫ذكر الله يف كتابه املجيد االستعاذة من ّ‬ ‫عليه وآله وسلم)‪ ،‬وذلك ليستجري اإلنسان خالقه‪ ،‬ويلجأ إليه‪ .‬وما قاربه باملعنى يف العهد الجديد هو طرد‬ ‫الشّ يطان‪ ،‬وذلك بعبارة محد ّدة‪ ،‬ذكرها الكتاب املقدس‪« :‬إذهب يا شيطان»‪ .‬كام تحدث القرآن الكريم والعهد‬ ‫الجديد عن طريقة من طرق التص ّدي‪ ،‬توافقت يف املعنى‪ ،‬فذكر القرآن التربؤ من الشّ يطان‪ ،‬واإلميان بالرحمن‪،‬‬ ‫أورد العهد الجديد اإلميان باللّه والصالة والصوم‪ .‬أ ّما قتال أولياء الشّ يطان فقد ذكره القرآن‪ ،‬وتناسب معه أسلوب‬ ‫«مقاومة الشّ يطان» املذكور يف العهد الجديد‪ .‬حثّ الكتابان عىل عدم الخوف من الشّ يطان‪.‬‬ ‫تبي يل أن هناك فروقًا بسيطة يف طرق التص ّدي للشيطان‪ ،‬حيث ذكر القرآن أسلوب اجتناب‬ ‫ومن خالل املقارنة‪ّ ،‬‬ ‫الحق ملواجهته‪ ،‬ومل يرد ذلك يف العهد الجديد‪.‬‬ ‫ما يستدعي الشّ يطان‪ ،‬وقول ّ‬ ‫وال بُ ّد من اإلشارة إىل أنّه ‪-‬عند دراسة أساليب الشّ يطان اإلغوائية كام رسمها القرآن الكريم‪ ،‬وكام بيّنها العهد‬ ‫فجل األساليب التي‬ ‫الجديد يف نصوصه‪ -‬مل أجد تبايناً واضحاً‪ ،‬وال اختالفاً كبريا ً بني أساليب االغواء‪ ،‬وطرق التص ّدي‪ّ .‬‬ ‫ووصف ّ‬ ‫أدق‪ ،‬ومح ّدد‪،‬‬ ‫ذكرها القرآن الكريم توافق معها العهد الجديد إىل ح ّد ال بأس به‪ ،‬ولكن يبقى للقرآن رسم‬ ‫ٌ‬ ‫كل الجوانب‬ ‫وأشمل‪ ،‬وهذه عالمة عىل أن كتاب الله أبلغ‪ ،‬وأفصح‪ ،‬وأفخم‪ ،‬وذو بيان عا ٍل‪ ،‬حيث تحدث عن ّ‬ ‫والتفاصيل التي ميكن أن يتعرض لها البرش يف رصاعهم مع الشّ يطان‪.‬‬

‫املصادر واملراجع‬

‫• القرآن الكريم‪.‬‬ ‫• العهد الجديد‪.‬‬ ‫يقسم عىل الشياطني‪ ،‬ترجمة األب جورج موراين وتنقيح هند متى‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫• األب امورت‪ ،‬غربيال‪ ،‬شهادات كاهن ّ‬ ‫لبنان‪( ،‬ال د)‪.‬‬ ‫• ابن كثري‪ ،‬ابو الفداء اسامعيل بن عمر القريش الدمشقي‪ ،‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬تحقيق سامي بن محمد سالمة‪،‬‬ ‫ط‪ ،2‬لبنان‪ ،‬صيدا‪ ،‬دار املكتبة العرصية‪1996( ،‬م)‪.‬‬ ‫• ابن مسعود‪ ،‬البغوي‪ ،‬معامل التنزيل املعروف بتفسري البغوي‪ ،‬تحقيق عبد الرزاق املهدي‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫دار احياء الرتاث العريب‪2001( ،‬م)‪.‬‬ ‫• ابن منظور‪ ،‬ابو الفضل جامل الدين محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الفكر للطباعة‬ ‫والنرش‪1990( ،‬م)‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫كام تناول البحث أساليب الشّ يطان اإلغوائية‪ ،‬وطرق التص ّدي لها يف القرآن الكريم‪ ،‬والعهد الجديد‪ ،‬حيث قارن‬ ‫بني ما ق ّدمه القرآن‪ ،‬وما ق ّدمه العهد الجديد؛ وات ّضح أن هناك تطابقاً بني معاين مفردات اإلغواء يف الكتابني‪ ،‬حيث‬ ‫ولعل ما تناسب مع هذا األسلوب يف العهد الجديد‪ :‬الص ّد عن‬ ‫ذكر القرآن الكريم أسلوب الص ّد عن سبيل الله‪ّ ،‬‬ ‫تعاليم اإلنجيل‪ .‬وكذلك توافق أسلوب تزيني الباطل والتسويل واإلمالء يف القرآن‪ ،‬مع أسلوب تزيني الخطيئة بثوب‬ ‫الفضيلة يف العهد الجديد‪ ،‬إ ْذ يج ّمل املُضل املعصية‪ ،‬ويجعلها سهل ًة خفيف ًة مغرية ممدودة باألماين واألمال‪.‬‬ ‫كام ورد يف الكتاب املجيد أسلوب اإلستحواذ واإلجالب الذي تالءم معه أسلوب إعامء األذهان املذكور يف العهد‬ ‫املس والفتنة‪ ،‬أي‪ :‬ما يتعلق باالختبار واإلمتحان‪ ،‬فأىت ما ماثله من أسلوب‬ ‫الجديد‪ .‬وقد تحدث القرآن عن أسلوب ّ‬ ‫يف العهد الجديد‪ ،‬وهو التجريب‪ ،‬واالختبار‪ ،‬وأسلوب الغربلة‪ .‬وقد عرض الفرقان بعض أساليب‪ ،‬تتفاوت إىل ح ّد‬ ‫ضئيل عند الوصف‪ ،‬وهي‪ :‬اإليحاء‪ ،‬والوسوسة‪ ،‬والهمز‪ ،‬والنزغ‪ ،‬والتي تشري إىل حديث الشّ يطان للنفس‪ ،‬وما يلقيه‬ ‫من أفكار رشيرة‪ ،‬وتآلف معه أسلوب اإللقاء يف القلب يف العهد الجديد‪.‬‬ ‫كام اتفق القرآن الكريم مع العهد الجديد يف أن الشّ يطان يُق ّدم النصيحة بثوب زائف‪ ،‬ويخفي وراء ذلك نوايا‬ ‫خبيثة‪ ،‬ت ُق ّدم عىل أنها موعظة‪ .‬فمصطلح إظهار النصح تطابق مع كون الشّ يطان يتشكل كشبه مالك نور يف تقديم‬ ‫النصح‪ .‬وقد استخدم القرآن املجيد أسلوب اإلستدراج واإلستزالل‪ ،‬والذي تناغم معه أسلوب االيقاع يف الف ّخ الوارد‬ ‫يف العهد الجديد‪ .‬وق ّدم القرآن أسلوب الوعد والتمنية والتغرير‪ ،‬حيث توافق معه أسلوب الخداع يف العهد‬ ‫الجديد‪ .‬كام أن أسلوب التنسية يف القرآن الكريم تطابق مع أسلوب اإلستغفال يف العهد الجديد‪ ،‬وذلك من خالل‬ ‫الغفلة الروحية التي تصيب اإلنسان‪ ،‬فينىس أنه عبد لله األوحد‪.‬‬ ‫وقد انفرد القرآن الكريم بالحديث عن أسلوب الدعوة‪ ،‬واألمر‪ ،‬واإلستفزاز‪ ،‬والتخويف من الفقر واملوت‪ ،‬ومل‬ ‫يأت العهد الجديد عىل ذكره‪ .‬ويف املقابل‪ ،‬أورد العهد الجديد كيف يخ ّوف الشّ يطان املستهدفني من ِق َبلِ ِه باإلغواء‬ ‫عرب التمثّل بحيوانات حقيقيّة أو أسطورية (األسد‪ ،‬الحية‪ ،‬الذئب‪ ،‬الوحش‪ ،‬التنني)‪ ،‬وأنّه يجرتح العجائب؛ ليجذب‬ ‫الناس إليه‪ ،‬وهذا ما مل يرد يف القرآن الكريم‪.‬‬ ‫وبعد البحث يف ثنايا القرآن الكريم والعهد الجديد‪ ،‬وصلت يف املقارنة إىل طرق التص ّدي ألساليب الشّ يطان‬ ‫املذكورة يف الكتابني‪ ،‬وكانت املقارنة عىل مستوى األلفاظ واملعاين التي تالءمت وتشابهت يف ما بينها‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫بيروت‪ ،‬الكتاب‪ ،‬االنفجار‬

‫الكاتب عمر شبيل‬ ‫ما الذي يجمع بني بريوت والكتاب واالنفجار؟ سؤال يتك َّو ُن‬ ‫جوابه من خصوصية منسجمة ومتنافرة‪ ،‬ومؤتلفة ومختلفة‪،‬‬ ‫ومتصارعة عىل أيّها األبقى‪ .‬بريوت منذ ولدت من ِ‬ ‫رحم البحر‬ ‫مل تكن والدتها قيرصية‪ ،‬بل كانت والدة طبيعية بعد زواج‬ ‫البحر والساحل اللبناين يف عرس املراكب املاخرة البحر من‬ ‫الرشق إىل الغرب‪ ،‬وكانت مراكب هذا العرس الخالد مع ّبأة‬ ‫بجواهر املعرفة قبل األرجوان واألقمشة الفاتنة‪ ،‬ومنذ املجذاف‬ ‫األول صارت بريوت كتاباً يحمل الحرف‪ ،‬وكان الحرف يحفر‬ ‫دالالته املعرفية يف العقل األوريب أكرث من األرجوان الذي فتنهم بجودته‪ .‬واستمرت بريوت كتاباً متحوِّالً يف إنسان‬ ‫بعض كنائسها مزام َري من كتاب النبي لجربان خليل جربان‪ ،‬حتى‬ ‫يسافر من مدرسة الحكمة إىل نيويورك لرتتل ُ‬ ‫لكأنه إنجيل مستعاد‪ ،‬ملسيح مستعاد يلقي حكمته من عىل جبل الزيتون وقانا الجليل‪ ،‬وكان يف هذا الكتاب كل‬ ‫كل يشء‪ ،‬والكتاب‬ ‫ما كان يحمله الرشق من صفاء ووجدان ونبوغ ونبوة‪ .‬أروع ما يف بريوت أنها صارت كتاباً قبل ِّ‬ ‫تح ّول إنساناً‪ ،‬واستطاعت بريوت‪ /‬اإلنسان أن متخر عباب البحر لتلبنن العامل باملعرفة التي مل تتأخر يوماً عن كونها‬ ‫يف املقدمة دامئاً‪ .‬وأصبحت بريوت مطبعة تصدر الكتب لكل أنحاء العامل‪ .‬وصارت تغري الناس بإدمان القراءة‬ ‫واملعرفة‪ .‬ولهذا مل تعد بريوت يف عقول الناس أبنية وساحالً وبحرا ً‪ ،‬وإمنا غدت ذاكر ًة لإلنسان الحامل بتطوير‬ ‫معارفه‪ ،‬وصارت مكتبات بريوت مطبوعة وتتجول أسامؤها يف أذهان املثقفني‪ .‬وصارت زيارة بريوت عند الناس‬ ‫تعني زيارة املعرفة والعلم‪ ،‬وخرجت بريوت من ذاكرة املدن املأهولة بالناس فقط لتغدو عاصمة ثقافية للعقول‬ ‫التواقة إىل الوصول إىل الضوء‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫• حارضة الفاتيكان‪ ،‬التعليم املسيحي للكنيسة الكاثوليكية‪ ،‬ع ّربه عن الطبعة اللالتينية األصلية املرتوبوليت‬ ‫حبيب باشا واملطران يوحنا واألب ح ّنا الفاخوري‪.‬‬ ‫• حومد‪ ،‬أسعد‪ ،‬أيرس التفاسري‪ ،‬ط‪ ،4‬سورية‪ ،‬دمشق‪( ،‬ال دار)‪1998( ،‬م)‪.‬‬ ‫املس الشّ يطاين وعوارضه بني الكنيسة وعلم النفس‪ ،‬خالصة املحارضات التي ألقيت يف مؤمتر‬ ‫• خوري‪ ،‬مروان‪ّ ،‬‬ ‫الكهنة املقسمني يف روما‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬طابعة معويش وزكريا‪1999( ،‬م)‪.‬‬ ‫• الراغب األصفهاين‪ ،‬ابو القاسم حسني بن محمد‪ ،‬املفردات يف غريب القران‪ ،‬تحقيق محمد سيد كيالين‪( ،‬ال ط)‪،‬‬ ‫لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار املعرفة‪( ،‬ال ت)‪.‬‬ ‫• الشوكاين‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬فتح القدير‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار ابن كثري‪1992( ،‬م)‪.‬‬ ‫• الطرباين‪ ،‬سليامن بن احمد بن ايوب ابو القاسم‪ ،‬املعجم الكبري‪ ،‬تحقيق حمدي بن عبد املجيد السلفي‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫مكتبة العلوم والحكم‪1983( ،‬م)‪.‬‬ ‫• الطربي‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب اآلميل‪ ،‬جامع البيان يف تأويل القرآن‪ ،‬تحقيق‬ ‫أحمد محمد شاكر‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪2000( ،‬م)‪.‬‬ ‫• الكويف‪ ،‬أيوب بن موىس ابو البقاء الحنفي‪ ،‬الكليات معجم يف املصطلحات والفروق اللغوية‪ ،‬تحقيق عدنان‬ ‫درويش‪( ،‬ال ط)‪ ،‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪( ،‬ال ت)‪.‬‬ ‫• مصلح‪ ،‬خالد عبد العزيز‪ ،‬أعداء املؤمن يف ضوء القرآن الكريم‪:‬دراسة موضوعية‪ ،‬فلسطني‪ ،‬غزة‪ ،‬الجامعة‬ ‫االسالمية غزة‪2016( ،‬م)‪.‬‬ ‫• النيسابوري‪ ،‬محمد بن عبد الله ابو عبد الله الحاكم‪ ،‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬تحقيق مصطفى عبد القادر‬ ‫عطا‪ ،‬ط ‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪1989( ،‬م)‪.‬‬ ‫• هرني‪ ،‬متى‪ ،‬التفسري الكامل للكتاب املقدس‪ ،‬تعريب وتحرير مجموعة من الخدام املسيحيني بإرشاف جوزيف‬ ‫صابر‪ ،‬ط‪ ،1‬مرص‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبوعات إيجلز‪2002( ،‬م)‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫وألن بريوت مكتنزة باملعرفة فقد قامت مبارشة من موتها‪ ،‬لتقول‪ :‬أنا العنقاء‪ .‬أنا لن أموت أل ّن أبنيتي تسكن يف‬ ‫الرؤوس وليس يف املكان املنفجر‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫رجليك غزيرا ً بالحياة‪ .‬ولن متويت يا ابنة الدهر إذا الشاطئ مات‪،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬إ ّن نه َر املوت سوف يبقى يجري تحت‬ ‫فاملوت يا بريوت أحياناً مشيمة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫قليلة هي املدن يف التاريخ اإلنساين التي خرجت من محدودية املكان والزمان لتصبح ذاكرة ال تربح العقول‬ ‫والقلوب بتقلبات الزمان وانهيار املكان‪ .‬أثينا هي إحدى املدن التي لن تتحول إىل دمار وآثار دارسة‪ ،‬حتى ولو‬ ‫غزتها كل جيوش العامل‪ .‬إنه يشء آخر إنها أرسطو وسقراط وأفالطون‪ ،‬إنها تلك الفلسفة التي مل يستطع عقل مهام‬ ‫تفتَّ َح أن يتامدى عليها وأن يلغي حضورها‪ ،‬اإلسكندرية مدين ُة ذاكرة أكرث من كونها مدينة مكان الرتباطها بالفكر‬ ‫اإلنساين املبدع‪ .‬وبريوت كانت مدينة ذاكرة‪ ،‬وملّا تزل‪ ،‬وما متتاز به بريوت عن مدن الذاكرة األخرى أنها ظلت‬ ‫طوال عمرها تح ِّول الزمن زمناً معرفياً وباستمرار‪ ،‬عىل الرغم من كل سهام الجهل والتخلف التي ُص ِّوبت إىل‬ ‫صدرها‪..‬‬ ‫لقد أعطى الزمان املعريف بريوت مزايا مل تستم َّر يف غريها‪ ،‬وظلت مدينة جالبة وليست مجلوبة‪ ،‬وظلت تجذب‬ ‫الفكر اإلنساين من أقايص األرض ليقيم فيها‪ ،‬ألنها تحمل روحها الرشقية الروحية ممهورة بأعىل ما يف الغرب من‬ ‫أناقة ورقي ووعي يقيم انسجاماً بني الفكر والسلوك‪ ،‬والحياة والجامل‪ ،‬وظلت د ْوحاً مخضالّ ملن طاردته وعورة‬ ‫املكان والزمان‪ .‬وظلت بريوت مقرا ً لكل فك ٍر مل يجد من يُؤويه بحدب وحب وسالم‪ .‬لقد تحولت املعرفة التي بنت‬ ‫بريوت مكاناً وسالماً يأوي إليه كل من أراد أن يفرغ فيها كل ما فيه من شحنات معرفية‪ .‬إنها بريوت الكتاب‪،‬‬ ‫أعني بريوت اإلنسان املعريف‪.‬‬ ‫هدفت بريوت كثريا ً عرب التاريخ‪ ،‬لقد استُ ِ‬ ‫هدف ما تكتنزه من وعي‪ ،‬وقد أكسبها وعيها قوة تقاوم كل من أراد‬ ‫واستُ ْ‬ ‫أن يلغيها كتاباً ومعرفة‪ ،‬ووقف الغزاة عند قدميها حفاة من الخلق والوعي‪ ،‬وحتى من السالح‪ .‬واملعرفة تقاوم‬ ‫ألنها سالح‪ ،‬والجهل ينهزم‪ ،‬ولو ملك أعتى األسلحة‪ .‬وهذا ما جعل بريوت عص ّي ًة عىل الزوال‪ .‬فاملعرفة دامئاً تكون‬ ‫نقيض املوت والزوال‪.‬‬ ‫دامئاً ذو النعمة محسود‪ ،‬وهذا ما جعل بريوت محسودة من قوى الرش كلها ألنها كانت تتطلع إىل األمام‪ ،‬ومن‬ ‫طبيعة الرش أن يتطلع دامئاً إىل الوراء‪ ،‬وألنها ظلت تتأنق طوال التاريخ وتسمو عىل كل ما كان يُل ُّم بها كان ال بد‬ ‫من رضبة صاعقة لهذه املدينة الخالدة فكان االنفجار‪ .‬واالنفجار يف حقيقته كان يهدف إىل قتل ما تعنيه بريوت‪،‬‬ ‫كان يهدف أوالً لقتل الكتاب وقتل الجامل والسالم الذي منحته هذه املدينة لكل فكر مالحق من أعدائه‪ .‬لقد‬ ‫كان االنفجار يف حقيقته أكرث من سالح تدمريي‪ ،‬لقد كان محاول َة إلغا ٍء ملدينة الكتاب واملعرفة والجامل‪ .‬كان‬ ‫االنفجار يريد إزالة ما تعنيه بريوت‪ ،‬وقد يخطئ من يفكر أن االنفجار كان تخريبيا فقط‪ ،‬لقد كان يهدف إىل‬ ‫إغراق بريوت يف البحر ليطمنئ ال ُّرب الرشير‪ .‬االنفجار كان سالح أعداء اإلنسانية‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫إنه املوت امام العدسة‪ .‬سبقها الطفل محمد الدرة‪ .‬كان محمد يسأل والده جامل لحظة علقا يف شارع صالح‬ ‫الدين املؤدي إىل منزل العائلة يف غزة‪ :‬ملاذا يطلقون النار علينا يا بابا؟ عجز جامل عن اإلجابة‪ .‬أراد حامية إبنه‬ ‫املوعود بسيارة جديدة‪ .‬رفع كم قميصه لعله يخفي جسم طفله الصغري والنحيل عن البارودة والبارود‪ ،‬إال أنهم‬ ‫أصابوا محمد وأصابوه‪ .‬سقط محمد مقتوالً يف حضن والده‪ .‬شاهده العامل كفيلم ومىض‪ .‬كأن شيئاً مل يكن سوى‬ ‫إستعادة كتلك التي حصلت بعد عرشين سنة عىل «املناسبة»!‪.‬‬ ‫باألمس‪ ،‬وبعد إصابة عيل السمودي املنتج يف فريق الجزيرة‪ ،‬برصاصة قنص متعمدة يف كتفه عند أطراف مخيم‬ ‫جنني يف الضفة الغربية املحتلة‪ ،‬قررت‬ ‫شريين أبو عاقلة ورفيقتها الصحافية شذا‬ ‫الحاميشة امليض يف مهمتهام يف شارع أمسك‬ ‫به جنود اإلحتالل ببنادق القنص بينام كان‬ ‫العديد من شباب املخيم عىل مقربة من‬ ‫شريين ورفيقتها بال أي قطعة سالح‪.‬‬ ‫من يراقب الرشيط الذي أبرز سقوط شريين‬ ‫ال يستطيع أن يتصور حالة العجز التي‬ ‫أصابت رفيقتها وصديقتها شذا الحاميشة‪.‬‬ ‫سقطت شريين وكان يفصل بينها وبني‬ ‫زميلتها جذع شجرة‪ .‬شذا تسند ظهرها إىل‬ ‫الجدار‪ .‬ترصخ وتبيك‪ .‬متد يدها لتلتقط شيئا من نبض شريين فينهمر الرصاص‪ .‬صار الخوف واملوت والدم هو‬ ‫الفاصل بني زميلتني وصديقتني‪ :‬واحدة ممدة أرضاً تسبح بدمائها والثانية مشدوهة تنتظر دورها األسود‪ .‬رصخ‬ ‫الشباب وهم ينادون سيارة اإلسعاف ويحاولون اإلقرتاب ولكن‪ ..‬إال أن وصل أحد الشبان إىل شريين وشذا‪ ،‬عىل‬ ‫وقع رشقات القنص املسموعة‪ ،‬ليتمكن من إبعاد شذا أوالً وإنتشال شريين إىل سيارة اإلسعاف ثانيا‬

‫طائر الفينيق‬


‫شيرين ومحمد الدرة‪« ..‬سيرة عين»!‬

‫الكاتبة أغنار عواضة‬ ‫ورمت يف آلة التصوير عرشين حديقه وعصافري الجليل‪ /‬ومضت‬ ‫تبحث خلف البحر عن معنى جديد للحقيقة‪ /‬وطني حبل غسيل‬ ‫ملناديل الدم املسفوك ‪ .‬ومتددت عىل الشاطىء رمالً ونخيل»‬ ‫(كلامت محمود ‪ /‬درويش؛ أغنية مرسيل خليفة)‬ ‫فلسطني ليست مجرد قصيدة رثائية وال رواية تراجيدية وال‬ ‫معزوفة حزينة وال صورة بالفحم األسود‪ ،‬عىل أهمية ذلك كله‪.‬‬ ‫هي قصة موت يومي متام ٍد‪ ..‬تقابلها قصة حياة لشعب يعرف‬ ‫كيف يفاجىء نفسه واآلخرين بقدرته عىل التضحية والعطاء‪..‬‬ ‫والثورة‪ .‬يتحدث الكاتب ابراهيم نرصالله يف رواية «سرية عني» (ثالثية األجراس) عن مقارنته بني املصور الصهيوين‬ ‫موشيه الذي يريد محو فلسطني بالكامريا او بالرصاص وبني كرمية عبود اول مصورة عربية فلسطينية‪ .‬يف روايته‪،‬‬ ‫يقول نرصالله‪ :‬بسط ليفي (املصور الشبح الذي تبادل وموشيه الكامريا والبندقية) الجريدة أمام عيني موشيه‪،‬‬ ‫وقال‪ :‬لقد هزمتني مصورة عربية‪ ،‬أعني هزمتك أعني هزمتنا‪».‬‬ ‫كل ما فعلته كرمية أنها ص ّورت حياة الفلسطينيني يف بيوتهم واألحياء واألزقة تعج بأناسها وأهلها الفلسطينيني‬ ‫الحقيقيني كم تشبه كرمية عبود شريين أبو عاقلة‪ .‬وكم تشبه كرمية عبود املصور الفرنيس شارل إندرالن الذي‬ ‫إلتقط رشيط إختباء جامل الدرة ونجله الطفل الشهيد محمد يف الثالثني من أيلول‪/‬سبتمرب ‪2000‬‬ ‫شريين أبو عاقلة مراسلة قناة «الجزيرة» الصحافية املقدسية التي تسكن يف رام الله كانت يف مخيم جنني صباح‬ ‫اليوم تغطي أنباء وردتها عن إقتحامه من قبل قوات اإلحتالل‪ .‬أرسلت إىل محطة «الجزيرة» الخرب ووعدت‬ ‫مبوافاتهم بكل جديد‪ .‬إلتقط لها زميلها آخر صورها وهي ترتدي الدرع الواقي والخوذة الحديدية‪ .‬وكعادة هذه‬ ‫الصحافية املحرتفة الهادئة مل تنقل الخرب فحسب بل قررت هذه املرة أن تصنع من قصتها خربا ً ولو بحرب الدم‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫لفلسطني‪ .‬للقدس‪ .‬لحي الشيخ ج ّراح‪ .‬هذه هي سرية شريين أبو عاقلة‪ .‬من أين أتت كل هذه الجرأة إىل هذه‬ ‫املراسلة «الحربية» أتحتاج ميداناً أكرث تعبريا ً من كل مدن وقرى فلسطني التي تحولت ساحات حرب متواصلة ‪.‬‬ ‫بفعل إحتالل يحاول منذ مثانني عاماً تدجني شعب عىل اإلستسالم والخنوع والخضوع‪ ،‬ولكنه يزداد إرصارا ً عىل‬ ‫املقاومة والتشبث باألرض؟ هذه ليست املرة األوىل وال األخرية التي يعتدي فيها جنود اإلحتالل عىل الجسم‬ ‫الصحايف‪.‬‬

‫حصل ذلك يف فلسطني ولبنان ودول عربية أخرى‪ .‬إغتال اإلرسائيليون كتابا وصحافيني فلسطينيني يف عواصم‬ ‫أوروبية وعربية‪،‬أبرزها بريوت‪ ،‬وتم تقديم عرشات ال بل مئات الشكاوى حول اإلستهداف املنظم للصحافيني‬ ‫وبعضها بلغ عتبة املحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬ولكن النتيجة هي التقاعس عن إجراء أي تحقيق يف أعامل ترقى ألن‬ ‫تكون جرائم حرب وجرائم ضد اإلنسانية‪.‬يقول لنا التاريخ القريب والبعيد أنه ال ميكن التعويل عىل املجتمع‬ ‫الدويل ومؤسساته فسياسة الكيل مبكيالني هي السائدة‪ ،‬ولعل أكرث ما ميكننا املطالبة به هو ان تعمد املؤسسة‬ ‫التي تعمل فيها الشهيدة شريين أبو عاقلة ـ املنخرطة يف تطبيع كامل مع العدو ـ إىل عدم إهدار دم شريين مرة‬ ‫ثانية وبالتايل أخذ الدروس والعرب‪ ..‬أما الباقي‪ ،‬فسيتواله شعب فلسطني‪ ،‬بلحمه العاري من كل يشء إال من كرام‬

‫تنويه‪ :‬لقد نرش هذا املقال من قبل عىل موقع ‪ 180‬بتاريخ ‪2022/5/12‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫لو عدنا إىل رشيط الفيديو‪ .‬شاهدنا شذا تخاطب الجميع بعيونها الحائرة‪ .‬يدها ترتفع وال تصل إىل شريين‪ .‬تفصل‬ ‫بينهام عوامل ومحيطات‪ .‬أي لحظة عاشتها شذا وأي صورة إلتقطتها عينا شريين قبل أن تسقط أرضاً‪ .‬كيف متكن‬ ‫القناص من إصابة هذا الفاصل ـ املقتل بني قبة سرتتها املدرعة وأطراف خوذتها‪ .‬سنتيمرتات ورمبا مليمرتات قليلة‬ ‫كانت كافية ألن يُنفّذ قرار إعدام شريين بالقتل املتعمد‪ .‬لكأن إسمها وضع عىل «الالئحة الحمراء»‬

‫التي تحتاج عادة إىل توقيع رئيس وزراء العدو‪ .‬صارت شريين تشكل خطرا عىل األمن القومي لدولة اإلحتالل‪ .‬ال‬ ‫بد من التخلص منها‪ .‬القتل املتعمد سياسة يريد العدو من خاللها ان يرى العامل كله ذلك بوضوح‪ .‬حتى حني‬ ‫يذري جنود اإلحتالل رصاصهم الطائش ـ وهذه املرة مل يكن كذلك ـ فإنه يتعمد مامرسة القتل بوحشية زائدة‪.‬‬ ‫عقل يدرك خطورة اإلعالم امليداين‪ .‬الصورة ابلغ من ألف كلمة‪.‬‬ ‫شريين الصوت والصورة‪ .‬الكلمة والعيون‪ .‬الفكرة واملشهدية‪ .‬العفوية التي تصطاد لقطة‪ .‬اإلرادوية بجعل املقاومة‬ ‫ليس مجرد رصاصة وحجر‪ .‬فعل املقاومة وعي وشجاعة‪ .‬إقرتبت شريين من املوت مرارا ً وكانت تتجاهل حضوره‬ ‫بالقرب منها‪ .‬مرت من أمام منزلها وأفراد عائلتها وتجاهلتهم كلهم‪ .‬بدت أكرث إنشدادا ً للموضوع‪ .‬للقصة‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫وهكذا يتقارب الشاعر مع متلقيه يف سبيل فكري وانفعايل واحد ‪،‬وما يكون ذاتياً خاصاً يصبح عاماً ومشرتكاً‬ ‫يشاطره وحدة اللقاء بينهام‪،‬وتصبح املعرفة يف الشعر متحركة‪،‬متآخية بال ضوابط وقيود‪ ،‬وتتحول إىل عملية‬ ‫تفكيكية وتجريبية يف محاولة إلشاعة التآخي والفاعلية املتبادلة‪.‬‬ ‫حينئذ يتحول الفكر إىل مجاز ال حقيقة ‪،‬وينصهر فيه مع الشعر فيشكّل البنية املجازية للتعبري التي أصبحت‬ ‫أسلوبا ودودا ً إلشباع حاجة النفس التي ضاقت بالواقعية‪،‬فتنصهر عالقات جديدة بني الكلامت والواقع ‪،‬وهي‬ ‫عالقات احتاملية تتعدد فيها املعاين والفهم واإلستيعاب ‪،‬فينشأ رصاع التناقضات الذي يُرثي عمل الشاعر‪ ،‬وتشعره‬ ‫باإلكتفاء النفيس والذايت واالبتكار‪.‬‬ ‫لذا إن الشعر فضاء واسع ال حدود له ‪،‬يتحرك وفق مشاعر وفكر كاتبه‪،‬يجمع بني روحه وسكينته وعقله ‪،‬فيشيع‬ ‫يف األجواء ضوءا ً يخرتق املجهول‪،‬ويخرج الفكر من االنغالق ويعيش يف املطلق لتحصيل الكامل‪ ،‬وترتقي اللغة يف‬ ‫مضامينها وتتقارب البيانات املعرفية للمؤثرات العقلية واملنطقية للمبدع‪.‬‬ ‫إذن إن كتابة الشعر معتمدا ً عىل الفكر البرشي لإلنسان قراءة صادقة للتجارب والهيمنة الزمنية عىل األحداث‬ ‫التي تحصل للفرد‪.‬ومن خالل الشعر يتحرر الفكر من األسس العقالنية و يغوص يف أعامق الوجود والذات ملالقاة‬ ‫عامل بعيد عنه يريده أن يكون يف وحدة مصريية معه‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫تسويغ الشعر وعالقته بالفكر‬

‫د‪ .‬مرياي أبو حمدان‬ ‫‪،‬نتبي أن الفكر هو من جهة‬ ‫إذا رجعنا إىل جذر كلمة الفكر ّ‬ ‫القلب والنفس والعاطفة‪،‬وليس من جهة العقل وهو يعني‬ ‫إعامل الخاطر يف اليشء ‪.‬‬ ‫والخاطر هو ما يخطر يف القلب واملشاعر واألحاسيس ‪،‬ويدل‬ ‫أننا نفكر بقلوبنا وليس بعقولنا‪.‬‬ ‫وإذا رجعنا إىل جذر كلمة العقل‪،‬نالحظ أن العقل يتبع األخالق‪،‬‬ ‫ذلك أنه يحفز صاحبه عىل فعل الخريونبذ الرش‪،‬ويرده عن‬ ‫مشاغل السوء ومدارك الهوى‪.‬وعىل هذا يجمع الفكر بني‬ ‫الروحانية والتأمل‪.‬وحني ينظم الشاعر منظومته الشعرية يكون يف مواجهة حدسه النفيس والفكري ‪،‬إذ يضع‬ ‫إبداعه يف قوالب الرمز والصورة تعبريا ً عن ميوله املعرفية املتخ ّيلة‪.‬‬ ‫وهذه الصورة تكشف عن الغامض والقابع داخل اإلنسان املفعم بالعاطفة واإلندفاع ‪،‬فتمتلئ باإلرشاقات‬ ‫والتوترات املتضادة ‪،‬ويبدو النص كأنه يتدفق عىل مشارف الذات ومنابع الروح والنفس ‪.‬لذا تنقل ما كان مكبوتاً‬ ‫أو مجهوالً‪،‬وتوسع مجال املعرفة ومضامني الفكر‪.‬‬ ‫من هنا يعيش الشاعر املتاهات والتساؤالت يف إطار اإلنفعاالت الكامنة يف حدود الرتكيبات املتفاعلة مع الذات‬ ‫واآلخر‪.‬‬ ‫وتربز جلياً مفردات وتعابري يف سياق جاميل تنضوي تحتها تقنية بالغية وتركيبات شعرية مفعمة بالحياة‬ ‫والحيوية‪،‬وتندرج يف أتون الفكر والحياة والروح‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫حكا يتي‬ ‫املرسات وبهجة املنام السارد يف وحدته ألف حكاية وحكاية حاملة يف طياتها األماين واآلمال الستمرارية الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫أزهرت نفيس يف كل الفصول وأمثرت يف أطباقها حنان األم الرؤوم ليس عىل أطفال فقط مضوا مع الحياة بل عىل‬ ‫من وهبني الحياة بعدما عربت حكايتي بكل صنوف املامت‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫تهاليل من الشكر ألنها نظرت فلم ت َر يف أطباقها سوى مثرة واحدة أبقاها الله يل‪،‬لتؤنس روحي يف هذه الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫حالوة متتصها عروقي من أحشاء العمر وأريج ترشبته قضباين من نور الشمس الدافئة التي تنعش تربتي التي‬ ‫منت بأريحية الحبيب وترعرعت عىل سكونه املتحدي للحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫شجرة نفيس املزروعة يف حقل بعيد عن سبل الزمن تدين من النجوم سقيتها بدمي ودموعي قائلة» إن الدم‬ ‫العطوف نكهة‪،‬ويف الدموع حالوة تج ّمل الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫بركة يف فاهي ‪،‬وحق يف جويف ألن الربكة ابنة الدموع والحق ابن الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫سفينة فكري وميناء بحري ‪،‬أسري من خاللها إىل جزر املحبة ألجمع منها املن والسلوى وجميع األحجار الكرمية‬ ‫فتكون جزرا ً يل ملواجهة كل صعاب الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫مليئة بنفائس األرض وغرائبها أمجدها بجدارة ألنها أدخلتني مدينتها مزمرة بابتسامة استحقاق الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫بدايتها مع الشوق ونهايتها حضن املوت ‪،‬أكتب أحداثها يف رضاب فاه الحياة وأسطرها عىل صفحات قلب زارعة‬ ‫وحب الحياة‪.‬‬ ‫فيه حبّي‬ ‫ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫حكا يتي‬

‫د‪.‬هويدا رشيف‬ ‫مدّ وجزر ‪،‬حياة مع الحياة ‪،‬يف عامل الرؤيا ابتدأت‪،‬ومقاالت‬ ‫طفولية عىل صفحة األمل املزروع وعىل جبني من أعطيته‬ ‫وأعطاين الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫خواطر فلسفية ذاتية‪،‬أصف يف بعضها شعوري باإلنتامء إىل‬ ‫سفينة الروح الضامنة للحياة ‪،‬ووجبة ثقافية خيالية دسمة‬ ‫يقدمها يل من اخرتته من أجل هذه الحياة ‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫قلبي املنسوج عىل جبني الحبيب حيث يسمعني أثريه نغامت‬ ‫الشذى التي ترتاقص عىل نوتات دقات قلبه الحنون‪،‬مسطرة أغانيه وأناشيده يف رشياين النابض بالحياة‪.‬‬ ‫حكايتي‬ ‫إرشاقة شمس بعد أشباح من الليل القاتم‪،‬تهمس بأرسار الحبيب وأحالمه مرتقبة صباحه صابرة بهواي نوره‬ ‫الذي أهواه‪.‬‬ ‫حكايتي‬ ‫تسكت وتسمع تكلمه‪،‬يف حلم مطمنئ تغرد فيه عصافري الجنة التي سأراها خالل الحياة‪.‬‬ ‫حكايتي‬ ‫صارت زنبقة بيضاء متفتحة ترفع رأسها فوق الثلوج التي طوتها السنني بعد اللقاء الغايل امللتصق بالحياة‬ ‫‪،‬فولدت يفّ حورية ترقص عىل كتف الحياة‪.‬‬ ‫حكايتي‬ ‫رأسها منتصب أمام السكينة‪،‬تتاميل مدندنة مصلية تراتيل العشق األبدي طوال الحياة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫الدولة السائبة والموظف التعيس‬

‫د‪.‬طالل الورداين‬ ‫يف بالدي التي تحكمها عصابات التجار واملصارف يرزح املوظف‬ ‫التعيستحت وطأة مصيدتهم‪ ،‬فهم ال يبالون ملا مير به من معاناة‪،‬‬ ‫زد عىل ذلك انهم يبتزونه يف معاشه الهزيل الذي ال يكفي قوت‬ ‫عياله‪ ،‬فيرسقونه كل يوم ويطالبونه ان يتحمل ويضحي فاي‬ ‫تحمل واي تضحية وقد تقاذفته اللصوص من كل جانب ‪،‬فبائع‬ ‫الخضار رفع اسعاره خمس عرشة مرة وقس عىل ذلك كل املصالح‬ ‫االخرى من بائع الثياب اىل بائع املاء اىل بائع اللحوم ‪،‬والعد‬ ‫يطول‪ ،‬اال انت ايها املوظف التعيس يف حقيل الرتبية والدفاع‬ ‫واالمن حقهم عليك ان تحمي مناصبهم وعروشهم وممتلكاتهم ‪،‬‬ ‫لكن ال يحق لك ان تعيش بكرامة فال يخفى علينا انهم سلبوا من كل منا مبعدل متوسط ما يوازي الف‬ ‫وخمسامية دوالر علهم يغطون نهبهم ورسقاتهم ‪ ،‬ومقابل ذلك يطالبونك بالصرب والتحمل‪ ،‬نحن نسالهم هل‬ ‫اوالدهم يعانون ما يعانيه اوالدنا من تقشف؟ هل اعيادهم كاعيادنا ينغصنا النقص الحاد يف متطلبات الحياة ؟‬ ‫هل يقفون عىل ابواب املستشفيات كام نقف وال يحق لنا طبابة كونكم رفعتم عنا تغطية كل الصناديق الضامنة‪،‬‬ ‫باي وقاحة تتحدثون عن كرامة املوظف ‪ ،‬هل هذا الفتات الذي تكرمون به علينا لرشاء البنزين فقط ‪،‬هل هذا‬ ‫الفتات يؤمن لنا االستمرار ‪ ،‬بالله عليكم اخربوا هؤالء ان الذين يحافظون عىل امن اجسادكم وعقولكم هم اليوم‬ ‫يكفرون بسياستكم الرعناء فمعاشاتنا محتجزة يف البنوك والتقدميات الفتات الهزيلة محتجزة ايضا ‪ ،‬وال يزال‬ ‫نفاقكم يرغي ويزبد‪ ،‬فكفوا عن هذه املهاترات واعلموا اننا واوالدنا لن نرحمكم ال فوق االرض وال تحتها فارحلوا‬ ‫ال اسف عليكم واتركونا نواجه ما فعلته ايديكم باللحم الحي‪ ،‬ساء ما فعلتموه بنا ‪،‬اال يكفيكم كل ذلك؟ نحن‬ ‫نعدكم ان مل يشبع اوالدنا ال تروا لكم مكانة بيننا فغادرونا ايها الفاسدون ‪،‬لقد لفظتكم االرض فالف‬ ‫تشكرون؟؟؟!!!‬ ‫طائر الفينيق‬


‫حكا يتي‬ ‫دنيا من اللعب‪ ،‬شطرنج تنوعت نتائجها جمعت يف كتاب حيايت محتوية عىل ألوان شتى من إنتاج الحياة فنجد‬ ‫فيها قصصاً من الخيال والواقع ومتنيات أغلبها تلخص وتهدف إىل االستقرار واألمان‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫وسام مجد أثيل علقته التجارب الغابرة والحارضة عىل صدري وصدر كل من صادفني يف هذه الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫بانت من وراء نقاب املوت ظاهرة عليها مالمح الصرب واألمل ووجه فارس قوي يتكلم بال نطق‪،‬وجهه فرح باسم‬ ‫منشدا ً أهازيج النرص بلقاء الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫اشرتت عمرها الباقي بسكات املجد ‪،‬سكرى بخمرة النرص وع ّز اإلنتصار كالسيف هيبة ووقارا ً ‪،‬هي ذلك السكوت‬ ‫الذي يقبض عىل القلوب القوية فيرتفع عن الصغائر هابطاً من نفس كبرية إىل عمق لجة الحياة‪.‬‬ ‫حكا يتي‬ ‫خيط مذ ّهب ربطته عىل زندي ‪،‬عرفت اليد التي غزلت حريرها واألصابع التي حاكت خيوطها فسرتها بالثقة‬ ‫املفقودة ‪،‬حاجباً وجهها املنقبض بيده املرتعشة‪،‬تلك اليد التي أزاحت بعزمها وإخالصها رؤوس األحزان ‪،‬وصارت‬ ‫ماسحة دموعها ‪،‬ألنها المست حوايش منديل عقدت أطرافه أصابع محبوبة عىل قلبها حول زند رجل جاء ليشهد‬ ‫أمامي بإعطايئ الحياة‪.‬‬ ‫فكيف ال يكون عنوان حكايتي مع الحياة‪،‬وحيايت الستكامل فصول الحكاية‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫كيف‪ .‬يعي نفسه أن يكون كاتباً أو اعالمياً أو استاذا ً أو مديرا ً ناجحاَ يف املستقبل ‪ ،‬وت ُصبح الكتابة عند إتقانها عملية تلقائية؛ حيث يستطيع‬ ‫الطفل الرتكيز عىل عمله دون القلق بشأن كيفية تشكيل الحروف‪ .‬كام يحتاج األطفال أو املراهقون إىل إصدارات أدبية مختلفة لتغذي جوانب‬ ‫تفكريهم و تقوي نواحي الخيال و اإلبداع والحوار و التفكري الناقد فيهم ‪ ،‬و تشبع حاجاتهم و ميولهم‪ ،‬و توجه اتجاهاتهم و تفكريهم مبا يربطهم‬ ‫بأصالة ماضيهم و يكيفهم بطبيعة حارضهم و يؤسس رؤاهم املستقبلية؛ لتكون وسيلة من وسائل التعليم و التثقيف بالتسلية و املشاركة يف‬ ‫الخربة ‪ ،‬و طريقا لتكوين العواطف السليمة‪ ،‬و تنمية املشاعر الوطنية الصادقة ‪ ،‬و أسلوبا يقفون به عىل الحقيقة و يكتشفون مواطن الصواب و‬ ‫الخطأ يف املجتمع‪ ،‬و يتعرفون اىل طريق الخري و الرش يف الحياة ‪ ،‬و سبيال لتوجيه أنواع الخيال و فنون الكتابة لديهم‪ ،‬ليسترشفوا به عىل عامل باتت‬ ‫املعرفة فيه متجددة‪ ،‬و التقانة العلمية متسارعة حتى يتحقق التوازن النفيس و الفكري لألطفال يف مراحل منوهم و نضجهم؛ ليواجهوا طبيعة‬ ‫الحياة و ما تفرضه عليهم بيئتهم و عاملهم‪.‬‬

‫م‬ ‫ًمن هنا كان اهتاممي بأدب األطفال ” باعتباره من أقوى الدعامات يف بناء اإلنسان‪ ،‬و فتح معامل املعرفة أمامه‪ ،‬لذلك حسب تجربتي الطويلة يف‬ ‫الكتابة للطفل ‪ ،‬ادافع كثريا عن هذا النوع من االدب الذي يعترب مهامً جدا ً ‪ ،‬حيث اذا كتبنا للطفل وتك ّو َن تكويناً سليامً ‪ ،‬سيكون رجل الغد الذي‬ ‫يصنع مجد هذا الوطن ‪ ،‬لذلك أنا يف صدد خوض ترجمة القصص املوجهة للطفل‪ .‬املرتجمة اىل اللغة الفرنسية واالنجليزية ‪ ،‬حتى نعزز تعليم‬ ‫الطفل اللغات الحية منذ نعومة اظافره ‪ ،‬حتى تساعده يف املستقبل أن يكون تلميذا ً ناجحاً ‪ ،‬وتسهل عليه تعليم اللغات الحية ‪ ،‬وتعترب التجربة‬ ‫التي انتهجتها دار رومنس القرن ‪21‬للنرش والتوزيع و التوزيع والرتجمة ‪ ،‬فريد ٌة من نوعها يف الجزائر ‪ ،‬رغم غالء الطباعة بالنسبة لقصص االطفال‬ ‫‪ ،‬التي تتطلب الرسومات باليد من طرف فنان ‪ ،‬وااللوان الزاهية التي تجذب الطفل وتحببه يف املطالعة‪ ،‬رغم النداءات الكثرية التي ناشدنا بها‬ ‫وزارة الثقافة من أجل التكفل بطباعة قصص االطفال ‪ ،‬إال أننا وجدنا أنفسنا‪ .‬نصارع غالء طبع القصص ‪ ،‬ونتحدى كل الصعاب من أجل‪ .‬انتعاش‬ ‫أدب الطفل يف الجزائر ‪ ،‬ومن اجل مواصلة حلمنا ان ننهض بهذا االدب اىل العاملية ‪ ،‬وتوظيف القصص الشعبية الجزائرية املستوحاة من الرتاث‬

‫العريق والغني ‪ ،‬لذلك اقرتح أن يكون منتدى مستقب ُّيل لالهتامم بأدب الطفل ‪ ،‬وتكون رعايته من طرف وزارة الثقافة والرتبية ‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫الكتابة للطفل ‪ ..‬ومشاكل الطبع ؟‬

‫سليمة مليزي‬ ‫االديبة والصحفية مديرة النرش يف دار رومنس القرن‬ ‫‪ 21‬للنرش والتوزيع والرتجمة الجزائر ‪ 23‬ماي ‪2022‬‬ ‫الكتابة للطفل تعترب من أصعب الفنون االدبية حيث‪ .‬يتطلب من الكاتب أن يدرس‬ ‫جي ًدا سلوكيات الرتبية عند الطفل ‪ ،‬حتى يتمكن من الولوج اىل أفكاره الحاملة حيث‬ ‫يعترب خيال الطفل واسعاً وليس له حدود يف تخيّل االشياء العادية وأحالمه الواسعة‬ ‫التي يريد دامئاً التحلق بها يف الفضاء ‪ ،‬ومخيلته تذهب بعي ًدا عن الواقع املعاش ‪ ،‬خاصة اذا قرأ القصص الخيالية ‪ ،‬و العلمية ‪ ،‬او شاهد افالم‬ ‫الكرتون التي هي املحببة للطفل اكرث من الكتاب‪ ،‬فالطفل يف أوىل مراحل حياته نجده يقلد ما يحدث يف محيطه ‪ ،‬خاصة يقلد كثريا ً والديه ‪ ،‬لذلك‬ ‫يجب عىل االولياء أن يراعوأ جي ًدا ترصفاتهم أمام طفلهم ‪ ،‬ويحسنون الترصف أمامه ‪ ،‬ويعاملونه كانه شخص كبري ‪ ،‬ويسمعون اىل اسالته التي‬ ‫نجدها عند االطفال االذكياء أحيانا غريبة ‪ ،‬وتكون أكرب من سنهم ‪ ،‬لذلك السلوك الجيد يف املعاملة مع الطفل يجعله يظهر ذكاء ُه ‪ ،‬مبكرا ً خاص ًة‬ ‫اذا علمنا ُه املطالعة ‪،‬وحببنا إليه الكتاب الذي يعترب جزءا ً ال يتجزآ من اشيائه املهمة يف تربيته‪.‬‬

‫من هنا ندرك أهمية الكتابة للطفل ‪ ،‬ألنها تخلق له خياال واسعا‪ .‬وتكسب ُه املعرفة والعلوم ‪ ،‬وتؤهل ُه أن يكون تلميذا َ ناجحاَ يف دراسته ‪ ،‬وقد ربط‬ ‫بعض الخرباء ‪ ،‬ان الطفل الذي يحب مطالعة القصص خاصة اذا قام بتمثيل القصة بينه وبني نفسه عىل شكل مونولوغ ‪ ،‬او حوار مزدوج ‪ ،‬تعلمه‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ثم تكلم املحامي صالح الدسوقي وركّز عىل أن التغيري يجب أن يكون بدءا ً بسلوك اإلنسان‪ ،‬وشدد عىل دور‬ ‫اإلنسان العامل مي املجال السيايس‪ ،‬مؤكدا ً حتمية التغيري ألنها التعبري الحقيقي عن حقيقة الحياة‪.‬‬ ‫وتكلم األستاذ رفعت فارس عن قوة الفكر اإلنساين يف تطوير انتقال الحضارة اإلنسانية إىل األعىل دامئاً‪ ،‬واستعرض‬ ‫دور مفكرين ال تزال أفكارهم تعيش فينا إىل اليوم‪.‬‬ ‫ثم تكلم األستاذ محمد أمني باسم جمعية الحوار من أجل لبنان الواحد‪ :.‬الخطاب‪ :‬االنتخايب املتشنج يف لبنان ال‬ ‫يخدم مصلحة لبنان واللبنانيني‪ ،‬مام يتطلب العمل من أجل بناء الثقة بني اللبنانيني أوالً وإطالق عجلة الحوار‬ ‫الوطني الصادق الذي هو الضامنة لبناء دولة القانون واملؤسسات التي ننشدها جميعاً‪.‬‬ ‫وتكلم األستاذ محمد الخطيب باسم املنتدى البقاعي قائالً‪ :‬لقد حولوا البلد إىل صحراء قاحلة‪ ،‬بل جهنم حسب‬ ‫املعنى املتداول‪ ،‬وأخلوا البلد من مثقفيه وكوادره العلمية وأفرغوا املستشفيات من أطبائها وممرضيها بعد أن‬ ‫كان لبنان مشفى ليس للعرب والرشق األوسط فحسب بل للعامل أجمع‪ .‬وينسحب هذا الكالم عىل وضع املصارف‬ ‫حيث تحول لبنان إىل بلد مفلس وال ثقة ألحد به يف الداخل والخارج بعد أن كان مستودع أمانات للعامل‬ ‫وللمغرتبني بشكل خاص وأخريا ً ليست هذه املنظومة املتسلطة والفاسدة بحاجة ملتعلمني فأفرغت البلد من العلم‬ ‫وأهله ومؤسساته بتحويله إىل بلد يجهل فوق جهل الجاهلني‪ .‬وكل هذا إلحكام قبضتهم عىل البلد وشعبه وبالتايل‬ ‫جعله إ ّمعة لرتكيعه وإبقائه يلهث خلف رغيف الخبز والغاز واملحروقات‪ ،‬وحبة الدواء‪ ،‬وليلغوا فكرة املواجهة‬ ‫والنضال إلسقاط هذه السلطة‪ .‬وهكذا يكون كل من يريد الرتشح لالنتخابات النيابية يجب أن يكون ذئباً وإال‬ ‫أكلته ذئاب السلطة‬ ‫أما الكاتبة واإلعالمية هدى غازي فقد تكلمت باسم جمعية وحدة املجتمع‪ :‬فقد ذكرت تعقيباً عىل حديث‬ ‫الدكتور غسان سكاف عن الغربة‪ ،‬وأثرها عىل املجتمع اللبناين‪ ،‬وآثارهذه الغربة عىل كل بيت لبناين‪ ،‬وأضافت أننا‬ ‫شبعنا خطابات واعدة ونحن يف زمن نحتاج فيه لألفعال وليس لألقوال‪ .‬واستفرست من الدكتور غسان عن‬ ‫مبادراته الفردية يف خدمة الشعب اللبناين‪ ،‬ويف البقاع خاصة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫دور الثقافة في إنقاذ لبنان من مأزقه الحالي‬

‫الكاتب عمر شبيل‬ ‫كان اللقاء الثقايف اليوم ‪ /2022/5/4‬يف مقر املنتدى الثقايف‬ ‫االجتامعي يف البقاع‪ /‬يف مقر املنتدى‪ ،‬يف الصويري بحضور‬ ‫ممثلني عن املنتدى الثقايف وعن املجلس السيايس يف البقاع‬ ‫الغريب وراشيا‪ ،‬وجمعية وحدة املجتمع‪ ،‬وجمعية الحوار من‬ ‫أجل لبنان الواحد وهيئة املنتدى الثقايف الجديد‪ ،‬واملنتدى‬ ‫البقاعي وممثلني عن مجموعة الشباب الثقافية يف الصويري‪.‬‬ ‫وقد حرض جم ٌع ثقايف واجتامعي‪ ،‬وكان من الحضور‪:‬‬ ‫األستاذ عمر شبيل مؤسس املنتدى الثقايف االجتامعي يف البقاع‪ ،‬واملحامي صالح الدسوقي رئيس املجلس الثقايف يف‬ ‫البقاع الغريب وراشيا‪ ،‬والسيدة ندى مصطفى صوان رئيسة جمعية وحدة املجتمع وعضو الهيئة اإلدارية يف جمعية‬ ‫متخرجي جامعة بريوت العربية‪ ،‬واألستاذ رفعت فارس عضو املجلس الثقايف يف البقاع الغريب وراشيا‪ ،‬والكاتبة‬ ‫اإلعالمية هدى غازي عضو جمعية وحدة املجتمع‪ ،‬والشاعرة رانية مرعي باسم هيئة الحوار الثقايف الدائم‪،‬‬ ‫واألستاذ محمد أمني باسم جمعية الحوار من أجل لبنان الواحد‪ ،‬واألستاذ محمد الخطيب باسم املنتدى البقاعي‪،‬‬ ‫واألستاذ رضا طعمة‪ ،‬واإلعالمية مالك نور الدين الصمييل‪ ،‬وعامر شبيل‪ ،‬وعبد الحميد أبو منري‪ ،‬ومحمد عبد‬ ‫اللطيف شبيل‪ ،‬واملهندس نزار شبيل‪ ،.‬ورياض إبراهيم شبيل‪ ،‬وعبد الله محمد خليل‪.‬‬ ‫وحرض ضيفاً مع املجتمعني الدكتور غسان سكاف الذي أجرى حوارا ً مط ّوالً مع الحارضين مب ِّينا توجهاته لخدمة‬ ‫مجتمعه إذا نجح يف االنتخابات التي ستجري يف الخامس عرش من الشهر الحايل‪ .‬ثم أجاب عىل أسئلة الذين‬ ‫حاوروه‪.‬‬ ‫وقد افتتح اللقاء األستاذ عمر شبيل مر ِّحباً بالجميع ومب ّيناً دور الثقافة يف نهضة لبنان من أزماته الكثرية‪ ،‬ورأى أن‬ ‫تغي‪ ،‬وتصلح الخلل يف املجتمع اإلنساين إالّ إذا تح ّولت سلوكاً ودفاعاً عن قضايا اإلنسان العليا‪،‬‬ ‫الثقافة ال ميكن أن ّ‬ ‫يف الحرية والحلم ورغيف الخبز والعدالة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫الحمامتان والحب‬

‫كتاب كليلة ودمنة‬ ‫يبني هذا املثل عاقبة التعجل يف حياة اإلنسان ‪ ،‬وهي الندم والحرسة ‪ ،‬وقصته‬ ‫زعموا أن حاممتني – ذكرا وأنثى – مألا عشهام من الحنطة والشعري ‪ .‬فقال الذكر لألنثى ‪ :‬إنا إذا وجدنا يف‬ ‫الصحاري ما نعيش به فلسنا نأكل مام يف عشنا شيئا ‪ .‬فإذا جاء الشتاء ومل يكن يف الصحاري يشء رجعنا إىل ما يف‬ ‫عشنا فأكلناه ‪.‬‬ ‫فرضيت األنثى بذلك وقالت له ‪ :‬نِعم ما رأيت ‪.‬‬ ‫وكان ذلك الحب نديا حني وضعاه ‪ ،‬فامتأل عشهام منه ‪ .‬وانطلق الذكر يف بعض أسفاره ‪ .‬فلام جاء الصيف يبس‬ ‫ذلك الحب وضمر ‪.‬‬ ‫فلام رجع الذكر رأى الحب ناقصا فقال لها ‪ :‬أليس كنا قد أجمعنا رأينا عىل أال نأكل منه شيئا ؟ فلم أكلته ؟‬ ‫فجعلت تحلف أنها ما أكلت منه شيئا ‪ .‬وجعلت تعتذر إليه فلم يصدقها ‪ ،‬وجعل ينقرها حتى ماتت ‪.‬‬ ‫فلام جاءت األمطار ودخل الشتاء تندى الحب وامتأل العش كام كان ‪ .‬فلام رأى الذكر ذلك ندم ثم اضطجع إىل‬ ‫جانب حاممته وقال‪:‬‬ ‫ما ينفعني الحب والعيش بعدك إذا طلبتك فلم أجدك ‪ ،‬ومل أقدر عليك ‪ ،‬وإذا فكرت يف أمرك وعلمت أين قد‬ ‫ظلمتك ‪ ،‬وال أقدر عىل تدارك ما فات ‪ .‬ثم استمر عىل حزنه فلم يطعم طعاما وال رشابا حتى مات إىل جانبها‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أما الشاعرة رانية مرعي فقد تكلمت باسم هيئة الحوار الثقايف الدائم‪ ،‬وتناولت يف مطالعتها رضورة التزام‬ ‫املتحدث باسم التغيري أن يكون تغيريياً ومبتدئا بنفسه ليك ال يكون كالمه تنظريياً وبعيدا ً عن معاناة الناس‬ ‫وأوجاعهم التي مل تعد تطاق أبدا ً‪ ،‬وكانت جريئة يف طرحها وهي توجه كالمها للدكتور غسان سكاف املرشح‬ ‫لدخول الندوة الربملانية‪ ،‬وحتى ال يقع يف نفس األخطاء التي وقع بها سابقوه من الذين ينتقدهم اآلن‪ .‬وطالبت‬ ‫باعتبارها ابنة البقاع الغريب العزيز عىل قلبها أن تكون البنية الصحيحة للطرقات يف أولوية املشاريع التي يجب‬ ‫أن تعالج والتي يعاين من سوئها البقاعيون جميعاً‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫السمكات الثالث‬

‫كتاب كليلة ودمنة‬ ‫يرضب هذا املثل لثالثة أصناف من البرش ‪ :‬أحدهام ‪ :‬مجتهد حريص عىل نفع نفسه والبعد عن مواطن الهالك ‪،‬‬ ‫واآلخر يتأىن ويتأىن حتى إذا وقع االمتحان واالبتالء جد يف تخليص نفسه يف اللحظة األخرية ‪ ،‬فنجا بعد أن كاد‬ ‫يهلك ‪.‬وأما الثالث ‪ :‬فعاجز غري فطن ‪ ،‬يضيع األوقات يف اللهو واللعب ‪ ،‬حتى يقع به االمتحان واالبتالء ‪ ،‬فيقع‬ ‫متعرثا مع العاجزين ‪ ،‬وقصته ‪:‬‬ ‫زعموا أن غديرا كان فيه ثالث سمكات‪ ،‬وكان ذلك املكان يف منخفض من األرض ال يكاد يقربه من الناس أحد ‪،‬‬ ‫فلام كان ذات يوم مر صيادان عىل ذلك الغدير مجتازين فتواعدا أن يرجعا إليه بشباكهام فيصيدا السمكات‬ ‫الثالث اللوايت رأياهن فيه ‪.‬‬ ‫فلام رأتهام السمكة األوىل وكانت رسيعة البديهة ‪ ،‬ارتابت بهام وتخوفت منهام فقفزت من مدخل املاء إىل النهر ‪.‬‬ ‫وأما السمكة الثانية وكانت ذكية ‪ ،‬فتلبثت حتى جاء الصيادان ‪ ،‬فلام أبرصتهام قد سدا املخرج وعرفت الذي‬ ‫يريدان بها قالت ‪ :‬فرطت وهذه عاقبة التفريط ‪ ،‬فكيف الخالص ؟‬ ‫ثم متاوتت وجعلت تطفو عىل وجه املاء منقلبة‪ ،‬فأخذاها فألقياها عىل األرض غري بعيدة من النهر ‪ ،‬فوثبت فيه‬ ‫فنجت منهام ‪.‬‬ ‫أما السمكة الثالثة وكانت عاجزة ‪ ،‬فلم تزل يف إقبال وإدبار حتى صاداها ‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬




‫ألف ليلة وليلة‬

‫املوسوعة الحرة‬ ‫ألف ليلة وليلة هو كتاب يتض ّمن مجموعة من القصص التي وردت يف غرب وجنوب آسيا باإلضافة إىل الحكايات‬ ‫الشعبية التي ُج ِمعت وت ُرجمت إىل العربية خالل العرص الذهبي لإلسالم‪ .‬يعرف الكتاب أيضاً باسم الليايل العربية‬ ‫يف اللغة اإلنجليزية‪ ،‬منذ أن صدرت النسخة اإلنجليزية األوىل منه سنة ‪ ،]2[1706‬واسمه العريب القديم «أسامر‬ ‫الليايل للعرب مام يتضمن الفكاهة ويورث الطرب» وفقاً لنارشه وليم ماكنجنت‪]3[.‬‬ ‫ُجمع العمل عىل مدى قرون‪ ،‬من ِقبل مؤلفني ومرتجمني وباحثني من غرب ووسط وجنوب آسيا وشامل أفريقيا‪.‬‬ ‫تعود الحكايات إىل القرون القدمية والوسطى لكل من الحضارات العربية والفارسية والهندية واملرصية وبالد‬ ‫الرافدين‪ .‬معظم الحكايات كانت يف األساس قصصاً شعبية من عهد الخالفة‪ ،‬وبعضها اآلخر‪ ،‬وخاصة قصة اإلطار‪،‬‬ ‫فعىل األرجح تم استخالصها من العمل البهلوي الفاريس «ألف خرافة» (بالفارسية‪ :‬هزار أفسان) والتي بدورها‬ ‫اعتمدت جزئياً عىل األدب الهندي‪ ]4[.‬باملقابل هناك من يقول أن أصل هذه الروايات بابيل‪]5[.‬‬ ‫ما هو شائع يف جميع ال ُّنسخ الخاصة بالليايل هي البادئة‪ ،‬القصة اإلطارية عن الحاكم شهريار وزوجته شهرزاد‪،‬‬ ‫التي أدرجت يف جميع الحكايات‪ .‬حيث أن القصص تنطلق أساساً من هذه القصة‪ ،‬وبعض القصص مؤطرة داخل‬ ‫حكايات أخرى‪ ،‬يف حني تبدأ أخرى وتنتهي من تلقاء نفسها‪ .‬بعض ال ُّنسخ املطبوعة ال تحتوي سوى عىل بضع‬ ‫مئات من الليايل‪ ،‬والبعض اآلخر يتضمن ألف ليلة وليلة أو أكرث‪ .‬الجزء األكرب من النص هو بأسلوب النرث‪ ،‬عىل‬ ‫الرغم من استخدام أسلوب الشعر أحياناً للتعبري عن العاطفة املتزايدة‪ ،‬وأحياناً تستخدم األغاين واأللغاز‪ .‬معظم‬ ‫القصائد هي مقاطع مفردة أو رباع ّية‪ ،‬كام أن بعضها يكون أطول من ذلك‪.‬‬ ‫هناك بعض القصص املشهورة التي تحتويها ألف ليلة وليلة‪ ،‬مثل «عالء الدين واملصباح السحري»‪ ،‬و»عيل بابا‬ ‫واألربعون لصاً»‪ ،‬و»رحالت السندباد البحري السبع»‪ ،‬كام أن هناك بعض الحكايات الشعبية يف منطقة الرشق‬ ‫األوسط التي تعترب شبه مؤكدة تقريباً‪ ،‬وليست جزءا ً من ألف ليلة وليلة املوجودة يف اإلصدارات العربية‪ ،‬ولكنها‬ ‫أضيفت من قبل املسترشق الفرنيس أنطوان غاالن ومرتجمني أوروبيني آخرين‪ ]6[،‬وكان أنطوان غاالن قد عمل عىل‬ ‫ترجمة الكتاب إىل الفرنسية سنة ‪.1704‬‬ ‫ً‬ ‫طائر الفينيق‬




‫بيئة‬ ‫مقدمة خبرية ‪ «:‬التلوث البيئي في زمن الفوضى »‬ ‫اقيمت الندوة للدكتور نزار دندش يف مقر املنتدى الثقايف االجتامعي‪/‬الصويري‬

‫الكاتب عمر شبيل‬ ‫وقد حرض الندوة عدد غفري من مختلف املناطق اللبنانية من عكار‬ ‫وعرسال وحديثا واملرج ومجدل عنجر والصويري وسعد نايل وبر الياس‪.‬‬ ‫وقدمت الندوة الناشطة االجتامعية عضو املنتدى الثقايف االجتامعي يف‬ ‫البقاع هدى غازي وقد ركزت يف تقدميها عىل أهمية اللقاءات الجمعية لخدمة‬ ‫املجتمع وأكدت أن هذه اللقاءات يجب أن تنطلق من فعل ثقايف يف لقاءات مستمرة جمعية‪ ،‬ثم قدمت االستاذ‬ ‫عمر شبيل معتربة إياه مؤسسة ثقافية كاملة‪ ،‬والذي يعمل بكل طاقته لتكرار اللقاءات الثقافية والتي أصبحت‬ ‫منهجاً ميارس باستمرار يف املنتدى الثقايف االجتامعي‬ ‫وبعدها تكلم االستاذ عمر شبيل حول دور الثقافة امللتزمة يف نهضة مجتمعاتنا وخالصها من األوبئة التي متارس‬ ‫تحت عناوين مدمرة وشكر الدكتور نزار دندش عىل تلبيته الدعوة وعىل حضوره الثقايف واالجتامعي ثم شكر‬ ‫الحضور عىل االهتامم الدائم بتنشيط الفعل الثقايف‪.‬‬ ‫ثم قدمت الناشطة هدى غازي الدكتور نزار دندش مبينة موسوعيته العميقة يف العلم البيئي وذكرت نشاطاته‬ ‫الكثرية يف خدمة املجتمع بيئياً وذكرت مؤلفاته الكثرية التي تتناول أكرث من منحى‪ ،‬ثم أعطت الكالم للدكتور نزل‬ ‫دندش الذي ألقى محارضة علمية عميقة عن البيئة وخطورة تأثرياتها عىل الجنس البرشي‬ ‫وستنرش املحارضة كاملة يف العدد القادم يف املنافذ الثقافية‪.‬والرائع أن الحوار والنقاش حول البيئة كان يف مستوى‬ ‫متقدم ومن الذين تكلموا بعمق ووعي االستاذ محمد الخطيب واالستاذ محمد امني واألستاذة نجوى الغزال‬ ‫وفاندا شديد رميا والناشط االجتامعي هدى طعيمة واتفق الجميع عىل استمرار عقد الندوات‬ ‫باستمرار‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫بيئة‬




‫لقد إعتدنا أن نفرح بكل إكتشاف جديد فنهلل لكل مستحرض كيميائية ونكتشف فيام بعد أن هذا وذاك‬ ‫واألسبستوس والسامد الكيميايئ وانواع املبيدات ‪ ،‬ويف البيوت الزجاجية والخيم البالستيكية وأكياس النايلون‬ ‫ومزيالت الروائح ورشاشات الشعر واملرشوبات الغازية والحلويات املزركشة وصوالً إىل األجهزة الكهربائية وأجهزة‬ ‫الحاسوب والهاتف الخلوي وكل ما له عالقة بالحقول الكهربائية واملغناطيسية وغريها ‪ ..‬التلوث هو الهاجس‬ ‫الذي بات يقض مضاجعنا ‪ .‬وقبل أن ننطلق الذي يف رحلة إكتشاف أنواعه وقبل إستعامل مصطلحات مل يعتد عىل‬ ‫دقتها من كان إختصاصه خارج مجال العلوم الطبيعية الدقيقة ‪،‬دعونا نذكر بتعريف البيئة وتعريف التلوت‬ ‫ونذكر بتأثريه عىل صحة األنسان‬ ‫مصطلح بيئة يدل عىل كل ما يتفاعل معه اإلنسان يف محيطه ‪ ،‬كسطع األرض (حىش عمق معني ) إىل الغالف‬ ‫الجوي مع كل ما يدخل يف تركيبه من موارد ‪ ،‬إىل الكائنات الحية األخرى التي تعيش مع األنسان عىل هذا‬ ‫الكوكب وتدخل معه يف رشاكة وتفاعل ‪ ،‬إضافة إىل البيئة األصطناعية التي تشمل ما سيشيده األنسان ‪ ،‬واىل البيئة‬ ‫األجتامعية والتنمية املستدامة ‪ .‬وتعرف االيكولوجيا عىل أنها علم عن عالقة الكائنات الحية أفرادا ً وحجامات فيام‬ ‫بينها ‪ ،‬وعالقتها بالطبيعة املحيطة بها ‪ ،‬أو علم عن العالقة املتبادلة بني الكائنات الحية والوسط الذي نعيش فيه‬ ‫‪ .‬منذ خمسامية وأربعني مليون عام بدأت الكائنات الحية تظهر عىل كوكب األرض اي عندما تأمنت رشوط الحياة‬ ‫من درجة حرارة مقبولة ونسبة اوكسجني مناسبة يف الهواء ونسبة رطوبة معقولة‪.‬‬ ‫أعتادت كائنات األرض عىل التأقلم مع الظروف املحيطة والتعايش مع التغريات الالحقة ‪ .‬لكن أنواعاً كانت‬ ‫تختفي نتيجة تغريات بيئية مفاجئة التغريات التي حصلت يف املايض كانت طبيعية ‪ ،‬اي ال دخل لإلنسان بها ‪،‬أما‬ ‫اليوم فإن األدميني قد غريوا ومنذ الثورة الصناعية الكثري الكثري من معامل الكوكب وساهموا يف تغيري تركيبته ‪ .‬من‬ ‫هنا نقول أن تلويث البيئة ال يؤثر عىل صحة األنسان فحسب بل ويؤثر عىل طبيعة املكونات يف الطبيعية ويشكل‬ ‫خطرا ً عىل وجود بعض األنواع ومنها األنسان نفسه ‪ .‬إن التلوث البيئي ال يعني وجود موارد أو حقول بعينها ‪،‬بل‬ ‫يعني وجود هذه املواد بكميات غري مالمئة تفوق الحد األمن ‪ .‬أن معظم املواد موجودة يف الطبيعة بإستسناء تلك‬ ‫املركبات التي يخلقها األنسان لكن بعضها قد يزيد عن الحدود األمنة وذلك نتيجة النشاط البرشي‪.‬هناك ثالثة‬ ‫أنواع من التلوث هي التلوث الكيميايئ ‪ ،‬التلوث الفيزيايئ والتلوث البيولوجي‪ .‬التلوث الكيميايئ يعني أن نسبة‬ ‫ذرات هذه املادة أو تلك قد فاق الحد املسموح به أو األمن وتربز فيه العنارص املصنفة عىل أنها ملونة ‪ ،‬مرسطنة‬ ‫أو مسببة لألمراض أو أنها تهدد البيئة الكيميائية للبيئة أو تسبب فيها االنحراف‪ .‬كام يف حاالت اإلحتباس الحراري‬ ‫طائر الفينيق‬


‫التلوث البيئي في زمن الفوضى‬

‫الدكتور نزار دندش‬ ‫الطب يتط ّور وعد َد األطباء يزداد ؟‬ ‫ملاذا تكرث األمراض يف عامل اليوم ‪ ،‬رغم أن ّ‬ ‫ملاذا خرسنا املعركة يف مواجهة الرسطان رغم مئات مليارات الدوالرات‬ ‫التي رصفت عىل األبحاث يف هذا املجال ؟‬ ‫ملاذا ترتفع نسب املتوفني من األطفال واملشوهني بني حديثي الوالدة ؟‬ ‫وملاذا تزداد نسبة الوالدات املبكرة ؟‬ ‫وملاذا يرتدى جهاز املناعة عند اإلنسان يوماً بعد يوم ؟‬ ‫لو جمعنا كل أدوات االستفهام مع الكثري من أشباهها لحصلنا عىل ملاذا‬ ‫كبرية جدا ً بوسع هذا العامل الذي نعيش فيه‪.‬‬ ‫إن صحة اإلنسان ‪ ،‬وكام تقول الدراسات اإلحصائية عىل عالمة مبارشه بإسلوب عيشه ‪ ،‬بنظام غذائه ‪ ،‬وبالبيئة‬ ‫الخارجية ومن األسباب الرئيسية لرتدي وضعنا الصحي السمية املتزايدة يف غذائنا وهوائنا وكل ما يحيط بنا أو‬ ‫نتعاطى معه ‪.‬وال تعجبوا اذا قلت لكم أن سموماً كثري ًة موجودة حتى يف منازلنا ‪ ،‬يف رشاشف غرفة النوم‬ ‫ووساداتها ‪ ،‬يف الشامبو والصابون ومعجون األسنان وموارد التنظيف ومساحيق التجميل ويف األلبسة ‪ ...‬وحتى يف‬ ‫لعب األطفال يف الشامبو تدخل أنواع من املركبات الكيميائية السامة منها الفورما لدهيدات املرسطنة ‪ ،‬وفيها‬ ‫مادة امليثانول املهيجة ‪ .‬ويف بعض األنواع تدخل سولفات الصوديوم التي تسبب مشاكل يف العني والجلد واملجاري‬ ‫التنفسية ‪ ،‬ويف جهاز املناعة ‪ .‬أما املنظفات فحدثوا وال حرج ‪ ،‬ففيها ما يؤثر عىل الجهاز الهضمي والجهاز العصبي‬ ‫وما يؤدي إىل إرتخاء العضالت‪...‬‬ ‫أما مساحيق غسيل الثياب فقد تسبب سعاالً وصعوبة يف التنفس وحساسية يف الجلد والعني‪ .‬واألسوأ نجده يف‬ ‫منظفات الثياب عىل الناشف ففي تلك املركبات ما يسبب بأعطال يف الكبد والكىل ورمبا بإصابات رسطانية‪ .‬ويف‬ ‫أحمر الشفاه تدخل مساحيق مثل أوكيس كلوريد البزموت ‪ ،‬وهو مسحوق سام ال يذوب يف املاء ‪ ،‬وتدخل مواد‬ ‫ملونة وغريها معجون االسنان يحتوي عىل الفلورايد وله عوراض جانبية منها قصور الغدة الدرقية وترقق العظم‬ ‫وتسمم الكبد‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫و تعترب محطات توليد الطاقة و وسائل النقل من أهم مصادر تلوث الهواء‪ .‬ومن ملوثات الهواء تلك الغازات‬ ‫املرسطنة التي تحتوي عىل املعادن الثقيلة و عىل املشتقات النفطية‪ .‬و قد أثبت العلم أن هذه امللوةات تؤثر عىل‬ ‫خاليا جسم اإلنسان و تساهم يف إنتشار األورام الرسطانية و أمراض الجهاز التنفيس و الجهاز الهضمي واملسالك‬ ‫البولية و أمراض الغدد و أمراض الجهاز العصبي‪.‬‬ ‫أما املياه السائلة التي يتفرد بوجودها كوكب األرض فقد نالها التلوة عىل نطاق واسع يف البحار و األنهار‬ ‫ً‬ ‫الجوفية‪،‬فإضاف إىل نفايات الصناعات التي تُقذف إىل البحار و األنهار و اىل تلك‬ ‫والبحريات‪ ....‬وصوالً إىل املياه‬ ‫الناتجة عن وسائل النقل البحري والنهري تنتج مدن العامل أكرث من ‪ 500‬مليار مرت مكعب من املياه املبتذلة يف‬ ‫العام تتم نعالجة نصفها‪ ،‬أما النصف اآلخر فيقذف كام هو اىل االنهار والبحار واليابسة‪.‬‬ ‫والخطري يف املياه املبتذلة أنها تحتوي عىل مركبات التنظيف الكيميائية وان ما تحتويه من معادن ثقيلة‬ ‫ومشتقات نفطية ينتسب إىل العنارص الخطرية املرسطنة‪ .‬و إضافة اىل نفايات املصانع‪ ،‬تستقبل االنهار و البحريات‬ ‫النفايات الزراعية‪ ،‬و هي عبارة عن سامد كياموي و مبيدات يصل جزء منها اىل املياه الجوفية فيتحول بعضه اىل‬ ‫مواد سامة‪ .‬والجدير بالذكر ان تلوث مياه الرشب و املواد الغذائية بالنيرتات و النيرتيت واملبيدات يؤدي اىل‬ ‫اصابات رسطانية‪.‬‬ ‫وتلوثها بالكلور والبرتات يتسبب بامراض القلب واالوعية الدموية وامراض الجهاز الهضمي و الدم أما الرتبة التي‬ ‫تجري فيها أعقد العمليات الكيميائية والفيزيائية والبيولوجية‪ ،‬حيث يتم ٌ‬ ‫تبادل واس ٌع للمواد والطاقة‪ ،‬وتتم‬ ‫بت نشاطاته‬ ‫عمليات منو النباتات وتفاعل الكائنات الحية‪ ....‬فقد اوصلها االنسان اىل وضعٍ مرت ٍّد ومحزن‪ ،‬فتس ّب ْ‬ ‫املختلفة بتعرية أكرث من ملياري هكتار من االرايض‪ ،‬حيث القى فيها نفاياته الصلبة والسائلة و أث ّر عىل العمليات‬ ‫أسباب كثرية ال تتسع لها محترض ٌة بأكملها‪.‬‬ ‫الكيميو‪-‬الفيزيو‪-‬بيولوجية التي تشكل خصوبة الرتبة‪.‬و لتلوث الرتبة‬ ‫ٌ‬ ‫ومن أخطر االمور ان تلوث الرتبة يرتجم تلوثاً يف املواد الغذائية الزراعي‪ .‬تلوث السالسل الغذائية‪:‬‬ ‫أكدت الدراسات العلمية أن امللوثات املوجودة يف البيئة قادرة عىل الدخول إىل املنتوجات الغذائية الزراعية‬ ‫بنسب عالية حيث ترتاكم فيها برتكيزات ضارة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫أو تفكل طبقة األوزون أو ما شابه التلوث الكيميايئ يطال املوارد الغذائية والغالف الجوي واملياه والرتبة‬ ‫التلوث الفيزيايئ‬ ‫ويشمل التلوث باألشعاعات‬ ‫التلوث الكهرومغناطييس الناتج عن األجهزة الكهربائية وعن خطوط الكهرباء وال سيام تلك املسامة التوتر العايل‬ ‫التلوث البيولوجي‬ ‫ويعني دخول أجسام ضارة بجسم األنسان اىل وسطه وتكاثرها فيه‪.‬‬ ‫و يعني دخول أجسام جديدة إىل النظام األيكولوجي تكون غريبة عنه و يشمل التلوث بامليكروبات و الفريوسات‬ ‫والبكترييا وتعترب نفايات املستشفيات و نفايات الصناعات امليكروبيولوجية من مصادر هذا التلوث كام تعترب‬ ‫األسلحة الجرثومية والبيولوجية االخرى مصدرا ً لهذا النوع من التلوث‪.‬‬ ‫التلوث البيئي يف زمن الفوىض‬ ‫هو عنوان ندوتنا لهذا اليوم‪ .‬فبامذا يختلف التلوث يف زمن الفوىض عنه يف زمن اإلنتظام ؟‬ ‫يف زمن الفوىض تضعف الرقابة و يضعف االنضباط فيفتح باب التلويث عىل مرصاعيه‪ .‬و يضاف إىل زمن الفوىض‬ ‫زمن الحروب‪ ،‬ففي أيام الحرب تنعدم الرقابة و يدخل إىل حقل التلوث عامل جديد و خطري هو التلوث الناجم‬ ‫عن انفجار القذائف املستعملة و قذائف الحرب مل تكن يوماً قذائفاً للسالم‪ .‬سوف أتوسع قليالً يف هذا املوضوع و‬ ‫ِ‬ ‫امللوثات و أكرثها‬ ‫يف موضوع تلوث نهر الليطاين القريب من هذه القاعة‪ ،‬لكن دعوين اق ّدم بداي ًة جرد ًة بأخط ِر‬ ‫تأثريا ً عىل صح ِة اإلنسان‪.‬‬ ‫غيت يف‬ ‫التلوثُ األشه ْر هو تلوثُ الهواء حيث مألت الصناع ُة غالفَنا الجوي بالغازات ذات املنشأ الصناعي و ّ‬ ‫تركيب ِة هذا الغالف الذي يقذف اإلنسان اليه سنوياً أكرث من ‪ ١٥‬مليار طن من ثاين أوكسيد الكاربون مقابل ‪٧٠‬‬ ‫مليار طن تنتجها الطبيعة‪ ،‬و أكرث من ‪ ١٦٠‬مليون طن من اوكسيد الكربيت مقابل ‪١٤٢‬مليار طن تنتجها الطبيعة‪،‬‬ ‫إضافة إىل ماليني األطنان من اوكسيد األزوت و أول اوكسيد الكربون و من الفريون الذي يساهم يف تفكيك‬ ‫جزيئات األوزون‪ ،‬حيث يتعدى مجموع ما يقذفه االنسان إىل الغالف الجوي العرشين مليار طن سنوياً من املواد‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أكاسيد و ألداهيدات و ديكوسني و غريه‪.‬‬ ‫جسيامت صلبة و غازات معدنية و‬ ‫امللوثة‪ ،‬من‬

‫طائر الفينيق‬


‫و يف حاالت الفوىض ت ُخرق القوانني و يتم استعامل الكيامويات بشكل عشوايئ من قبل املزارعني الذين ال يتمتعون‬ ‫بالخربة‪ ،‬و من قبل اآلخرين الذين ميارسون رضوب االحتيال و الذين يرشّ ون التفاح بعد قطفه مبادة شمعية‬ ‫تعطيه ملعاناً و يرشون غريه أيضاً و يجدون آالف الطرق لالحتيال‪.‬‬ ‫و يف ظروف الفوىض تحرق النفايات عشوائياً مع ما تحتويه من مواد بالستيكية و ما ينتج عن حرقها من غازات‬ ‫االيوكسني‪ .‬و يف زمن الفوىض ت ُقطع االشجار الحرجية و يتم تلويث االنهار و ال يجري فحص مياه الرشب و يتم‬ ‫استرياد االجهزة السيئة و متر خطوط التوتر العايل فوق املنازل السكنية و يتم نصب اعمدة البث بني املنازل فتمأل‬ ‫الحقول الكهرومغناطيسية املنازل و املؤسسات و يف ظروف الحرب يستعمل االمريكيون القذائف التي تحتوي عىل‬ ‫نسب هي االعىل يف االصابات الرسطانية و تخرتق القذائف‬ ‫اليورانيوم املخصب يف العراق فيعاين العراقيون من ٍ‬ ‫االرسائيلية يف جنوب لبنان بل يف كل مكان و تنترش موادها يف املدن و الحقول‪ ،‬و تقصف محطات الطاقة يف‬ ‫الزهراين و يترسب منها النفط اىل البحر و تتسبب بتلوث املياه و قتل االسامك‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫نسب مخيفة من املعادن الثقيلة( حديد‪ ،‬منغميز‪ ،‬كروم‪ ،‬فاناديوم‪ ،‬زنك‪،‬‬ ‫و املنتوجات الغذائية باتت تحتوي عىل ٍ‬ ‫نحاس‪ ،‬كوبلت‪ ،‬زرنيخ‪ ،‬باريوم‪ ،‬كارميوم‪ ،‬رصاص‪ ،‬زئبق‪ ،‬قصدير و غريه)‪ ،‬و معظمها مواد رسطنة اذا دخلت‬ ‫نسب من النوكليدات املشعة مثل اليورانيوم‪ ،‬التوريوم‪،‬‬ ‫بكميات تفوق الحدود املسموح بها‪ .‬و تحتوي عىل ٍ‬ ‫الراديوم‪ ،‬السيرنيوم‪ ،‬الرتيتيوم السرتونسيوم‪ ،‬التظائر املشعة للصوديوم‪ ،‬الباريوم‪ ،‬الكربون‪ ،‬اليود‪ ،‬البولوثيوم و‬ ‫الرصاص‪.‬‬ ‫هذه النوكليدات خطرية عىل صحة اإلنسان و مرسطنة وتعترب االسمدة الكيميائية مصدرا ً غنياً بالنوكليدات املش ّعة‬ ‫و بأنواع النيرتات و النيرتين الضارة‪.‬أما ما يصيب النهر الليطاين من تلوة فهو خيال ال يصدق بعد نصف قرن من‬ ‫صحوة الوعي البيئي يف العامل و ثالثني عاماً من النشاطات البيئية يف لبنان‪ .‬و يف لبنان كام تعلمون يتحول الضمري‬ ‫اىل تجارة و االخالق اىل احجي ٍة ال يفهمها حتى الراسخون يف العلم‪ .‬فمياه الرصف الصحي و قنواتها تصب يف هذا‬ ‫النهر دون أية معالجة او تكرير طبعاً‪ .‬واملصانع ترسل نفاياتها الصناعية السائلة اليه و دون معالجة ايضاً‪.‬‬ ‫نفايات املستشفيات و نفايات محطات الوقود واملسالخ و املطاعم تسلك ايضاً نفس الطريق و حسب املصلحة‬ ‫الوطنية لنهر الليطاين فإن مساحة االرايض الزراعية عىل ضفتي النهر تقدر‪ 8396‬هكتارا ً منها ‪ 1000‬هكتار تروى‬ ‫لري حوايل‬ ‫صيفاً من النهر مبياه الرصف الصحي‪ .‬وكانت الهيئة قد اوقفت العمل مبرشوع قناة من بحرية القرعون ّ‬ ‫االلفي هكتار من االرايض و قد اظهرت التحاليل املخربية ان املياه يف شبكتي محطة شمسني برالياس و شمسني‬ ‫عنجر غري مطابقة للمواصفات اما عدد املشرتكني يف هاتني الشبكتني فيبلغ سبعة االف ‪ .‬و يف عملية مسح ملا‬ ‫ينتجه ‪ 185‬مصنع من ٍ‬ ‫رصف صناعي و معدل ما يصب منه يف النهر تبني ان حوايل ‪ 10268‬مرت مكعب من مياه‬ ‫الرصف هذه تصب يف النهر يومياً أي ما يعادل اربعة ماليني مرت مكعب سنوياً علامً بأن عدد املصانع يبلغ ‪865‬‬ ‫مصنعاً يف الدول التي تكون فيها أجهزة الرقابة فاعلة تت ّم باستمرار مراقبة املواد الغذائية من أول الطريق اىل‬ ‫آخره‪ :‬تتم مراقبة الرتبة و األسمدة التي تلقي فيها كامً و نوعاً‪ ،‬و تتم مراقبة املبيدات و مينع استعامل املركبات‬ ‫املحرمة دولياً و لو تم تغيري أسامئهم‪ .‬و يتم التأكد من سالمة مياه الري‪ ،‬و يتم تحليل املنتوجات يف مختربات‬ ‫موثوقة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫فلسفة‬



‫وإذا كان علم النفس قد عالج العقل االنفعايل وتفاعالت الجهاز الحويف يف الدماغ‪ ،‬فإ ّن عىل الفلسفة أن تعالج‬ ‫شؤون العقل املنطقي الكائن يف مق ّدمة الدماغ‪ ،‬وهو املسؤول األ ّول عن الوعي والسلوك‪ .‬إ ّن للعقل االنفعايل‬ ‫قيادته الذاتيّة‪ ،‬وللعقل املنطقي إرادة القيادة املؤ ّدية إىل الحرية‪ .‬صحيح أنّه ال ميكن الفصل بني العقل االنفعايل‬ ‫والعقل املنطقي‪ ،‬إال أ ّن معالجة أوهام العقل املنطقي‪ ،‬ويُعنى بها املعتقدات واألفكار‪ ،‬ترتك أثرها الفاعل يف إدارة‬ ‫العافية اإلنسانيّة‪ ،‬تلك كانت النتائج التي خلُص البحث إىل مناقشة مناذج عنها‪.‬‬ ‫الكلامت املفاتيح‪ :‬اإلرشاد الفلسفي‪ -‬ال ُنظُمي‪ -‬املرشد‪ -‬املسرتشد‪ -‬العقل املنطقي‪ -‬العقل االنفعايل‪ -‬ما فوق‬ ‫الجينوم‬ ‫محتوى البحث‬ ‫يطرح عنوان كتاب مصطفى النشّ ار»العالج بالفلسفة‬ ‫ظل تفاقم مشكالت الفرد عىل الصعد كافّة‪ .‬يرى النشّ ار أ ّن‬ ‫سؤال مفاده ما ميكن أن تق ّدمه الفلسفة لإلنسان يف ّ‬ ‫ً‬ ‫الفلسفة عدا عن كونها األداة الرضوريّة لإلبداع واإلقناع (النشار‪ ،2010 ،‬ص ‪ ،)35‬فإنّها تتع ّدى إرشاد الفرد إىل‬ ‫معالجة أمراض اإلنسان كافّة كاالجتامع ّية والسياس ّية والدين ّية والبيئ ّية‪.‬‬ ‫مؤسسات اإلرشاد الص ّحي والنفيس واالجتامعي واألرسي كلّها البيئة غري السويّة التي تتعامل مع‬ ‫تجسد ّ‬ ‫كام ّ‬ ‫(مك‪ ،2007 ،‬ص ‪ .)71‬والفرد‬ ‫الحدث الص ّحي للفرد والجامعة‪ ،‬إنّها ابتكار اإلنسان يف ترقيه نحو الرفاه والسعادة ّ‬ ‫يعيش دامئًا أصداء انتامءاته الجغرافيّة والتاريخيّة واملعيشيّة العا ّمة ويتفاعل مع مجاالت الحياة الطبيعيّة‬ ‫واملربمجة واملص ّنعة‪ ،‬فالسلوك الفردي يسبح يف دوائر االحتواء(ص ‪.)25‬‬ ‫وأي إرشاد نريد؟‬ ‫أي عالج ّ‬ ‫العالج بالفلسفة واإلرشاد‪ّ ،‬‬ ‫وربا‬ ‫تثبت كيمياء الدماغ أ ّن الرياضة تعالجنا وتح ّررنا من االكتئاب‪ ،‬وبعض األمراض حتّى املزمنة منها كالضغط ّ‬ ‫السكري‪ .‬وتثبت ذاتها أ ّن التأ ّمل يحد من ارتفاع هرمون الكورتيزول‪ ،‬وإفراز السيتوكني ويح ّررنا من التوتّر والقلق‬ ‫والخوف واإلدمان‪ ،‬وتشظّي الخلية املناع ّية املس ّبب للرسطان وغريه‪ .‬كام تح ّررنا املوسيقى من األمل والقلق‪ ،‬فتنطلق‬ ‫األندورفينات لتثري فينا السكينة والهدوء والسالم‪.‬‬ ‫كل ذلك يت ّم بتفاعل العقل االنفعايل مع املؤث ّرات الخارج ّية أو الداخل ّية‪ ،‬أو اإليحائ ّية أو الحرك ّية؛ وما أكرث فنون‬ ‫ّ‬ ‫العالج بالرقص والدراما والرسم وخالفه‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫اإلرشاد الفلسفي ال ُن ُظمي‬

‫د‪ .‬نور عبيد‬ ‫امللخص‬ ‫اإلرشاد الفلسفي علم قديم متت ّد جذوره إىل الحوارات السقراط ّية‪،‬‬ ‫كفن إبداعي‪ ،‬يهدف إىل توليد األفكار‪ ،‬عرب الديالكتيك الذي اعتربه‬ ‫الطريقة الوحيدة املمكنة ملعرفة الحقيقة والفضيلة‪ .‬وقد اشتهر‬ ‫سقراط بإتقانه للجهل الذي ي ّدعيه ليدخل عربه إىل استجواب‬ ‫حب‬ ‫املواطنني األثن ّيني للعثور عىل الحقيقة‪ ،‬يف سعي مم ّيز ملا يس ّمى ّ‬ ‫الحكمة من خالل حياة مختربة‪ ،‬تهدف إىل تحسني حياة شخص‪ ،‬حياة‬ ‫تستحق أن تُعاش‪ .‬يف هذا السياق‪ ،‬يتج ّدد‬ ‫من دونها مل تكن الحياة‬ ‫ّ‬ ‫البحث يف الفلسفة العالج ّية من خالل نظريّات متع ّددة منها النظريّة اإلدراك ّية‪ ،‬والنظريّة السلوك ّية‪ ،‬والنظريّة‬ ‫الكلّ ّية والتكامل ّية‪ ،‬وعليه يعتمد املرشد الفلسفي املنهج العقالين أو الفلسفي أو اإلستطيقي أو التأ ّميل (الخالف‪ ،‬ال‬ ‫ت‪ ،‬ص ‪ ،)3‬إلخ‪.‬‬ ‫يهت ّم هذا البحث بالفلسفة العالج ّية وفق النهج ال ُنظُمي (السيستامي)‪ ،‬الذي يفرتض أ ّن أيّة مشكلة هي نتيجة‬ ‫خللٍ وظيفي يف املجموعة‪ ،‬ذلك أ ّن الفرد يتأث ّر مبقاصده‪ ،‬ومقاصد اآلخرين من حوله‪ .‬ومبا أ ّن املاديّة ال تجيب عن‬ ‫حاجات اإلنسان للتفتّح واالزدهار ألنّها تحجب نصف طبيعته‪ ،‬فإ ّن اإلنسان يصاب بال انتظام األشياء‪ ،‬وال انتظام‬ ‫الكينونة‪ .‬وهذا الالانتظام يحتاج إىل ال ُنظُم ّية املجتمع ّية‪ ،‬أي معالجة أفكار الفرد ومعتقداته يف سياقها الجمعي‪.‬‬ ‫ككل ال ينفصل عن العائلة‪ ،‬فإ ّن عىل الفلسفة أن تعاين الفرد والعائلة‬ ‫وكام يعالج علم النفس الفرد سيستام ًّيا ّ‬ ‫ككل ال ينفصل عن مؤث ّرات العقل الجمعي والحياة والكون‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫_______________________‬ ‫*أستاذة يف الجامعة اللبنانية‪ -‬كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية ‪-‬الفرع الرابع ‪dr.nourelhouda@hotmail.com‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ويعالج علم النفس مشاكل العقل االنفعايل‪ ،‬وقد رصد جوبيرت كبري اآللهة الرومانيّة رصا ًعا بني العواطف والحكمة‪،‬‬ ‫حسمها الفيلسوف الهولندي‪ Erasmus‬بانهزام العقل أمام القلب‪ .‬وقد أق ّر العلم الحديث هذا الرصاع بالفصل بني‬ ‫العقلني املنطقي واالنفعايل؛ عقالن يتفاعالن لبناء حياتنا‪ ،‬وفق أستاذ علم النفس األمرييك دانييل جوملان يف كتابه‬ ‫«الذكاء العاطفي»‪ .‬جانب انفعايل عاطفي وآخر منطقي يتصارعان باستمرار يف جميع األوقات؛ ولك ّن اإلحصاءات‬ ‫تشري إىل أ ّن ‪ 80‬باملئة من الناس تنساق خلف العقل االنفعايل‪ ،‬ال إىل ما يحتّمه املنطق‪ .‬واملنطق وليد املكتسبات‪،‬‬ ‫فكيف لنا أن نعالج هذا العقل املنطقي؟‬ ‫تأيت الفلسفة الرسيريّة‪ ،‬أو الفلسفة العياديّة يف طليعة املرشّ حني لعالج العقل املنطقي املأزوم أو من يعتقد أ ّن‬ ‫رفضا وعنرصيّة وقه ًرا ودون ّية‪ ،‬إلخ‪ ...‬فكيف ميكن للفلسفة أن‬ ‫الحق وفق نظرته األحاديّة التي تثمر ً‬ ‫لديه ّ‬ ‫تساعدنا‪ ،‬أن تعمل عىل الح ّد من مآيس اإلنسان املعقّدة؟‬ ‫هناك شيطان يرتبّص بالبرشيّة‪ ،‬منذ أسطورة الخلق والتكوين‪ ،‬وأمراض ورشور تصيبنا دون م ّربر منطقي أو‬ ‫عاطفي‪ ،‬وأوجاع ومصائب تصيبنا جامعات وفرادى‪ .‬وأنا كائن الفرادة والبصمة الفريدة أتيتها ال أعرف ملَ وأغادرها‬ ‫ال أعرف متى‪ ،‬وقد ال أعرف إىل أين‪ .‬تساؤالت برسم اإلجابة‪ ،‬وليس من مجيب‪..‬‬ ‫املستقل واالنعكاس والنقد‪ ،‬ألجل فهم‬ ‫ّ‬ ‫ر ّعادة سقراط‪ ،‬حيث يقوم امليرس‪ ،‬الذي ي ّدعي الجهل‪ ،‬بالرتويج للتفكري‬ ‫الخاصة من خالل توليد تفكريهم الذايت (سوزان كوبا وآن‬ ‫أكمل للموضوع‪ ،‬يؤ ّدي باملشاركني بالحوار إىل حلولهم‬ ‫ّ‬ ‫تويد)‪.‬‬ ‫وعزاء الفلسفة لبوئتيوس ‪ 523(Boèce‬م)‪ ،‬الذي كتبه وهو ينتظر املحاكمة يف السجن‪ ،‬وتدور فكرته حول مشكلة‬ ‫رش يف عامل يحكمه الله‪ .‬والرواقيّون واألبيقوريّون قد استخدموا التفكري‬ ‫«ثيودييس» وكيف ميكن أن يكون ال ّ‬ ‫الفلسفي للتقليل من االضطرابات االنفعال ّية‪ ،‬وتوطيد الشعور بالراحة باعتباره نتيجة طبيع ّية للحياة الحكيمة‬ ‫التي يسعى إليها املرء لذاتها‪.‬‬ ‫تأهيل‪ ،‬دورهم يف مساعدة الناس عىل فهم خرباتهم الشخص ّية‪ ،‬وعىل‬ ‫ً‬ ‫رشعوا للفالسفة‪ ،‬أكرث املامرسني املهن ّيني‬ ‫ّ‬ ‫كل هؤالء ّ‬ ‫ولعل أقدم مامريس اإلرشاد الفلسفي يف أيّامنا كان بيرت‬ ‫التوافق النفيس االجتامعي مع واقع وجود الفرد يف الحياة‪ّ .‬‬ ‫كويستينباوم‪ ،‬جامعة والية سان خوسيه‪ ،‬كاليفورنيا‪ .‬وأه ّم مؤلّف له يف هذا املجال كتابه (‪« )1978‬الصورة الجديدة‬ ‫للشخص‪ :‬نظريّة ومامرسة الفلسفة الرسيريّة تحديد املساهامت األساسيّة للفلسفة يف االستشارة»‪ .‬ت ّم تعزيز مامرسته‬ ‫الخاصة من خالل التدريب املكثّف ألخصائ ّيي الص ّحة العقل ّية يف تطبيقات املبادئ الفلسف ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫الخلق‪ ،‬ليصبح الدماغ قاد ًرا عىل القيادة الذاتيّة وفق ديباك شوبرا‬ ‫فقد تطلّب األمر ‪ 14‬مليار عام من التط ّور ّ‬ ‫توسع علم النفس والعلوم العصب ّية يف رصد جهاز االنفعاالت‪،‬‬ ‫‪ ،Deepak Chopra‬يف كتابه الدماغ الخارق‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ونجحوا يف تصوير مناطق النشاط الدماغي أثناء االنفعال والتفاعل‪ .‬إ ّن أحد األشياء الفريدة يف الدماغ البرشي هو‬ ‫أنّه ميكنه القيام مبا يعتقد أنّه يستطيع فعله فقط (ديباك شوبرا‪ ،‬ورودولف إ‪.‬تانزي)‪.‬‬ ‫حامل ألبعاد أخرى‪ ،‬وهذا‬ ‫لكن يبقى اإلنسان هذا الكائن املستنري املصنوع من الغبار أو املخلوق من الرتاب‪ ،‬يبقى ً‬ ‫ما يشري إليه ديفيد إيجلامن يف كتابه «املتخفّي‪ ،‬الحيوات الرسيّة للدماغ» فالدماغ بالنسبة إليه شخص آخر‪ ،‬وهو‬ ‫ليس أنا‪.‬‬ ‫نعرف ملاذا نبيك عندما نولد‪ ،‬نعرف ملاذا ننام الـ‪ ،Adenosine‬ونرصد الشبكة الدماغ ّية تلك التي تقبع يف الظالم‪،‬‬ ‫املؤشة عىل اإلبداع‪ ،‬ذلك أنّنا نرصد نشاطًا يف منطقة ما من‬ ‫ونستنتج أ ّن الـ‪ ،REM sleep‬هي مرحلة النوم ّ‬ ‫الدماغ‪ .‬وباملراقبة الخارج ّية نرصد‪ ،‬ونعلم أ ّن لدماغنا عقل انفعايل وآخر منطقي؛ هو العقل الذي نعتقد معه أنّنا‬ ‫كل األدلّة السليمة معنا‪.‬‬ ‫حق‪ ،‬وأ ّن ّ‬ ‫عىل ّ‬ ‫وكل األدلّة الصادقة يف جعبته‪ ،‬فإ ّن الجواب يكمن يف أنّه الوهم‬ ‫الحق معه‪ّ ،‬‬ ‫وبالسؤال ملاذا يعتقد اآلخر أ ّن ّ‬ ‫وتركيبة العقل املنطقي والعقل الفلسفي يف اإلنسان‪.‬‬ ‫العقل املنطقي‪ ،‬هو املكتسبات املعرف ّية املكونة من معادالت فكريّة‪ ،‬كاملعادالت الرياض ّية‪ ،‬التي تستند إىل حقائق‬ ‫تؤكّد أو تف ّند حقائق أخرى‪ .‬العقل املنطقي مربمج عىل املعرفة املتوفّرة وكلّام زادت املعرفة تط ّور العقل املنطقي‬ ‫الكائن يف مق ّدمة الدماغ‪.‬‬ ‫تصدق معارف العقل املنطقي يف األمور املاديّة‪ ،‬كالنار علّة إحراق‪ ،‬أ ّما يف املسائل الفكريّة والعقائديّة واملعنويّة‪،‬‬ ‫فيقع االختالف بسبب العقل املنطقي القائم عىل برمجة العقل الجمعي والرتبية والبيئة‪.‬‬ ‫حق‪ ،‬فذلك أل ّن عقيل مربمج عىل معلومات ومعارف ومعتقدات تؤ ّدي إىل تلك‬ ‫عندما أقول بأ ّن مذهبي عىل ّ‬ ‫بالحق املبني وهم‪ ،‬واعتقادي بح ّريتي وهم‪ ،‬ومعرفة الحقيقة املطلقة وهم‪ .‬وهي أوهام‪ ،‬حني‬ ‫النتيجة‪ .‬فاعتقادي‬ ‫ّ‬ ‫تعجز عن تفسري الكون‪ ،‬والعدالة‪ ،‬واملرض‪ ،‬واملوت ووقائع أخرى تصيبنا الدهشة أو االرتياب أو العجز‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫‪ -1‬توصيف املشكلة من الرشيكني‬ ‫‪ -2‬تحليل تباديل شخص ّية الرشيكني «من أنا» واهتامماتهام‪.‬‬ ‫‪ -3‬تساوالت حول التوقّعات من الحياة‪ ،‬وحول توافق التوقّعات مع الواقع‪ ،‬ث ّم كيفيّة عيش هذا الواقع‪.‬‬ ‫‪ -4‬تفكري يف مرحلة من مراحل الحياة املاضية أو الحال ّية‪.‬‬ ‫‪ -5‬السؤال املتبادل حول معنى أن تكون الحياة سعيدة‪.‬‬ ‫‪ -6‬التوصل إىل تص ّور واضح حول الزواج السعيد‪.‬‬ ‫سمه بـ»عمليّة السالم»‪ ،‬وقد‬ ‫ومن الجدير ذكره أ ّن مارينوف (‪ )2000 ,Marinoff‬قد ح ّدد مراحل خمس ملا ّ‬ ‫تض ّمنت‪ :‬املشكلة‪ ،‬االنفعال‪ ،‬التحليل‪ ،‬التأ ّمل‪ ،‬والتوازن‪ .‬وهو يرى أ ّن علامء النفس مل يتق ّدموا إىل مراحل تحديد‬ ‫املشكلة‪ ،‬وقراءة ردود الفعل‪ ،‬والتعبري املفيد عنها‪ ،‬كام كيفيّة التص ّدي للمشكلة‪ ،‬واستكشاف اإلطار الفلسفي‬ ‫املؤ ّدي إىل حالة من التوازن والتوافق النفس‪-‬معريف‪.‬‬ ‫حل‬ ‫كام قد يوضح ما تق ّدم‪« ،‬أ ّن اإلرشاد الفلسفي حركة جديدة تستخدم أساليب التفكري والنقاش الفلسفي يف ّ‬ ‫مشكلة لشخص ما‪ ...‬ويت ّم اقرتاحه كبديل لثقافة اإلرشاد النفيس والط ّبي»‪ ،‬وأنّه كث ًريا ما يحمل عىل إعادة التفكري‬ ‫يف القيم والرصاعات‪ ،‬كذلك طريقة إدارة األزمات بعقالنيّة‪ .‬فخربة املرض‪ ،‬واملعضالت األخالقيّة‪ ،‬واملهنيّة‪ ،‬ومعاين‬ ‫الحياة واملوت‪ ،‬والح ّرية‪ ،‬تتخطّى عامل الحوف ّية (الجهاز الحويف املسؤول عن االنفعاالت‪ ،‬الغ ّدة النخام ّية‬ ‫والهيبوكامبيس)‪.‬‬ ‫تفس رؤية العامل‬ ‫ب‪ -‬األحاديّة مقابل التع ّدديّة‪ :‬ويُعنى بهالرشوط عمل املرشد‪ ،‬ونهجه (‪ .)1995 ,Lahav‬فاملناهج ّ‬ ‫يف ثالثة أدوار هي‪:‬‬ ‫‪ -1‬مساعدة الزائر (املسرتشد) يف التعبري عن وجهة نظره عن العامل وما يعايشه من أحداث يوم ّية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مساعدة الزائر يف معاينة جوانب اإلشكاليّة بدقّة‪ ،‬واختبار مكامن الفشل أو ضعف األداء‪.‬‬ ‫‪ -3‬مساعدة الزائر عىل تطوير وإثراء مواجهته للعامل‪ ،‬وتنمية خرباته الذات ّية‪ ،‬وتوضيح األفاهيم املختلّة‪ ،‬ووجهات‬ ‫النظر املش ّوشة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫ويف الثامنينيّات‪ Ad Hoogendijk ،‬وجريد آخنباخ‪ ،‬أملانيّان هولنديّان‪ ،‬أسسا نفسيّهام كفالسفة استشاريّني‪ ،‬وقادا‬ ‫بديل لثقافة العالج النفيس من خالل العمل حرصيًّا‬ ‫الطريق إىل عدد من التط ّورات يف جميع أنحاء العامل‪ .‬اقرتحا ً‬ ‫يف مجال التحقيق الوجودي مع العمالء أو املرىض اللذين أطلقا عليهم مس ّمى «الزوار»‪.‬‬ ‫تأسست الجمع ّية األملان ّية لإلرشاد واملامرسة الفلسف ّية‪ ،‬وأه ّم روادها ‪ .Achenbach‬ويف عام‬ ‫ويف عام ‪ّ ،1982‬‬ ‫‪ّ ،1992‬أسس إليوت دي كوهني‪ ،‬بول شاريك‪ ،‬وتوماس ماجنيل جمعيّة االستشارة الفلسفيّة الوطنيّة (‪ ،)NPCA‬يف‬ ‫أمريكا‪ ،‬وهي تق ّدم من خالل «معهد التفكري» (‪ )LBT‬العالج املنطقي النقدي‪.‬‬ ‫تأسست (‪ )SEA‬جمعية التحليل الوجودي يف لندن‪ .‬وعام ‪ ،1998‬لومارينوف‪ ،‬ق ّدمت جمعيّة‬ ‫ويف عام ‪ّ ،1988‬‬ ‫املامرسني الفلسف ّيني األمريك ّية االستشارات م ّمن لديهم درجة علم ّية يف الفلسفة ماسرت أو دكتوراه‪ .‬كام تنرش مجلّة‬ ‫احرتافيّة‪ ،‬ولديها قامئة عضويّة باملستشارين الفلسفيّني املعتمدين عىل موقها اإللكرتوين‪.‬‬ ‫ويف عام ‪ ،2020‬يق ّدم قسم الفلسفة يف الهند‪ ،‬جامعة بنجابو شانديغار وجامعة كرياال‪ ،‬مرشو ًعا يف اإلرشاد الفلسفي‬ ‫يف الهند‪.‬‬ ‫وتشمل األنشطة الشائعة يف املامرسة الفلسف ّية‪:‬‬ ‫‪ -1‬فحص حجج الز ّوار وم ّربراتهم‪.‬‬ ‫‪ -2‬توضيح وتحليل وتعريف املصطلحات واألفاهيم‪.‬‬ ‫‪ -3‬كشف وفحص االفرتاضات األساسيّة واآلثار املنطقيّة‪.‬‬ ‫‪ -4‬كشف التعارضات والتناقضات‪.‬‬ ‫‪ -5‬استكشاف النظريّات الفلسفيّة التقليديّة وأهميّتها لقضايا الزائر‪.‬‬ ‫‪ -6‬عكس القضايا واألسئلة عىل املتحاورين‪.‬‬ ‫‪ -7‬مناقشة وتحديد جميع األنشطة املتعلّقة بالقضيّة‪.‬‬ ‫ويح ّدد ديرك (‪ )2009,Dirk‬اإلرشاد الفلسفي ضمن مجموعات ثالث متداخلة‪:‬أ‪ -‬العمالن ّية مقابل النظريّة‪ ،‬ب‪-‬‬ ‫األحاديّة مقابل التع ّدديّة‪ ،‬ج‪ -‬املهنيّة الفنيّة‪.‬‬ ‫ست‬ ‫أ‪ -‬العمالن ّية مقابل النظريّة‪ :‬تعني املامرسة الفعل ّية لإلرشاد الفلسفي (‪ ) 1995 ,Prins-Bakker‬وهي يف ّ‬ ‫مثل‪.‬‬ ‫مهارات‪ ،‬اإلرشاد الزواجي ً‬ ‫طائر الفينيق‬


‫نور تلقت تربية علامنيّة‪ ،‬تتخذ من خدمة اإلنسانيّة مذهبًا لها‪ ،‬وهي تؤمن بأ ّن التفكري النقدي ينزع السحر عن‬ ‫األشياء ويحميها من خيبة األمل‪ .‬وتفكّر بنوع ّية حياتها ال مب ّدتها‪ .‬رياض ّية‪ ،‬هي ال تؤمن بالخوارق وبالج ّن ومبا وراء‬ ‫الطبيعة‪ ،‬داروينيّة مصنوعة من الغبار الكوين‪ ،‬وبعد موتها ستكون وجبة هنيّة للديدان‪ .‬وهي تعترب أ ّن املستشفى‬ ‫خطرية كالسجن عىل ص ّحة اإلنسان‪ ،‬وأ ّن الفوائد محدودة لـ‪ 80‬باملئة من األدوية‪ ،‬وهي تخدم الناس بتعليمهم أنّه‬ ‫مهام بلغ حجم الفوىض حولهم‪ ،‬فإنّه بإمكان الفرد أن يداوي نفسه إذا بقي متوازنًا‪ ،‬مستق َّر املشاعر‪ ،‬ميارس‬ ‫الطب‬ ‫أيضا أ ّن مرحلة‬ ‫الرياضة‪ ،‬ويعتمد نظا ًما صح ًّيا‪ ،‬ويتواصل مع اآلخرين ومع نفسه بشكل سليم‪ .‬وتعترب ً‬ ‫ّ‬ ‫ضل سبيله‪ ،‬وأ ّن استنفاذ خريات األرض وانتهاك حرمتها‬ ‫مرحلة بربريّة من تاريخ البرشيّة‪ ،‬وأ ّن العقل البرشي قد ّ‬ ‫هام سبب جشع اإلنسان وأمراضه‪ .‬توقّفت عن تناول دواء الضغط املزمن وعالجت نفسها بالرياضة والغذاء‬ ‫املناسب‪ ،‬والتأ ّمل ألجل السالم الداخيل‪ .‬تعتقد بأ ّن الغضب والحقد والضغط النفيس انفعاالت تجلب األمراض‬ ‫كا فّة‪.‬‬ ‫أ ّما نايا فهي مؤمنة مت ّممة لواجباتها الدينيّة‪ ،‬تؤمن بأ ّن الشيطان موجود‪ ،‬وهو قد حاول أن يجرب يسوع خالل‬ ‫فرته صومه م ّدة أربعني يو ًما‪ .‬وهي تعيش يف بيئة مختلطة (مسلمة‪ -‬مسيح ّية‪ -‬درزيّة)‪ .‬تعتقد أ ّن الخالص باإلميان‬ ‫املسيحي‪ ،‬وترفض داخليًّا أبناء املذاهب األخرى لكونهم يف ضالل‪ .‬تزور الشيوخ املسلمني الذين يفكّون الكتيبة‬ ‫والسحر‪ .‬ليست رياض ّية تأكل وتتكل عىل الله‪ ،‬تعاين من اآلالم واألوجاع التي ال أسباب طب ّية لها‪ ،‬ال يه ّمها تعليم‬ ‫اآلخرين‪ ،‬عليهم أن يتعلّموا من يسوع والق ّديسني بأ ّن الشاطر من يخلص نفسه‪ .‬وتزور املرشد الروحي يف كنيسة‬ ‫رجل من طائفة أخرى‪ ،‬وهي قد وهبته نفسها‪ ،‬وأهله يرفضون‬ ‫تحب ً‬ ‫بعيدة م ّرة بعد أخرى لتعرتف بذنوبها‪ ،‬فهي ّ‬ ‫الرب‪ ،‬ألنّها ترتكب يف عشقها الخطيئة‪.‬‬ ‫زواجه منها‪ .‬وهي تخاف أن متوت دون كسب رىض ّ‬ ‫الحب مباح يف رشائع األرض والسامء‪ ،‬وأ ّن يسوع الكنيسة والطقوس غري يسوع‬ ‫صديقتها نور تؤكّد لها بأ ّن‬ ‫ّ‬ ‫الحقيقي الذي نادى بالغفران واملحبّة‪ .‬وأ ّن عليها أن تتز ّوج حبيبها عىل الرغم من معارضة األهل والكنيسة‪ ،‬وذلك‬ ‫تخصهام فقط‪.‬‬ ‫ألنّهام راشدان ومسؤوالن‪ ،‬وحياتهام ّ‬ ‫ٍ‬ ‫قصة نايا ومصريها‪ .‬ويف الليل‪ ،‬تغ ّط نور غطيط من يجهل اله ّم‬ ‫متيض نايا ونور‬ ‫ساعات طوال يف مناقشة تفاصيل ّ‬ ‫والخطيئة‪ ،‬وتعاين نايا األرق وآالم يف الرأس تكاد ال تفارقها‪ .‬فقد قال لها األخ األصغر املصاب باضطراب االرتياب‬ ‫مم طبخت مخافة أن تضع له الس ّم يف الطعام‪ ،‬وأ ّن عصافريه من صنف‬ ‫رصفاتها‪ ،‬وأنّه رفض أن يأكل ّ‬ ‫أنّه ال يرتاح لت ّ‬ ‫الكناري قد أوحت له بأ ّن الجارة املسلمة قد وضعت الكتيبة يف قرب موريس‪ ،‬وهذا هو سبب آالم الرأس املزمنة‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫يرى إلينبوجن(‪ )2006 ,Ellenbogen‬أ ّن الطبيب النفيس يش ّخص املشكلة من خالل تسميات وتصنيفات‬ ‫لكل منهم بصمته املتف ّردة ومشكلته املتف ّردة‬ ‫لالضطرابات املع ّدة مسبقًا؛ وهذا ما ال ينطبق عىل البرش‪ ،‬أل ّن ٍّ‬ ‫لكل ذلك‪ ،‬يش ّجع املرشد الفلسفي الزائر أو املسرتشد ألن يح ّدد‪ ،‬ويعاين‪ ،‬ويقيّم نقديًّا‬ ‫(‪ .)1998,Seligman‬إضافة ّ‬ ‫تخصه وتعنيه‪.‬‬ ‫ما خفي عنه‪ ،‬ث ّم يضع هو الحلول والصياغات التي ّ‬ ‫يف حني يرى رايب (‪ )2001 ,Raabe‬أ ّن اإلرشاد الفلسفي يجب أن يسلك مراحل أربع‪:‬‬ ‫املرحلة األوىل‪ :‬مرحلة الغمر الح ّر ‪ ، Free floating‬وهي مرحلة التعارف‪ ،‬والتع ّرف عىل املشكالت‪ ،‬ومناقشة‬ ‫الحل‪.‬‬ ‫أسلوب العالج‪ ،‬وتبيان ما إذا كان اإلرشاد الفلسفي هو ّ‬ ‫حل املشكالت الفوريّة ‪ ،Immediate Problem Resolution‬وفيها يواكب املرشد املسرتشد‬ ‫املرحلة الثانية‪ّ :‬‬ ‫باستخدام قدرات تفكريه الفلسفي إليجاد حلول ملشكلته‪ .‬وأه ّم إجراءات هذه املرحلة‪:‬‬ ‫ عدم توفري إجابات للمسرتشد‪ ،‬ليكتشف هو ما عليه فعله‪.‬‬‫الخاص به‪ ،‬من خالل تطبيق مهارات التفكري املتط ّورة‪ ،‬انطالقًا فرضيّات‬ ‫ توجيه املسرتشد إىل رؤية العامل‬‫ّ‬ ‫املسرتشد وأفكاره‪ ،‬وليس بنا ًء عىل إطاره املرجعي الداخيل‪ ،‬وما ركن إليه من أعراف وعادات‪.‬‬ ‫املرحلة الثالثة‪ :‬التعليم القصدي‪ ، Intentionally teaches،‬وفيها يعلم املرشد املسرتشد مهارات التفكري الناقد‪،‬‬ ‫مم يسمح له أن يتج ّنب استباق ًّيا مشكالته املستقبل‪ ،‬وهنا يرى رايب (‪ )2001‬أ ّن اإلرشاد الفلسفي يتم ّيز عن‬ ‫ّ‬ ‫حل مشكالته‪.‬‬ ‫اإلرشاد النفيس لجهة تكوين املسرتشد الستقالليّته يف ّ‬ ‫يتخل املرشد عن املسرتشد بعد أن تسلّح بالقدرة‬ ‫املرحلة الرابعة‪ :‬التج ّنب االستباقي‪ّ ،Proactive avoidance ،‬‬ ‫عىل النقد والحكم‪ ،‬وفيها يو ّجه املرشد املسرتشد لعدم الرتكيز عىل املشكالت بل عىل تطبيق مهارات التفكري الناقد‬ ‫مستقل‪ ،‬ووفق رؤية املسرتشد للعامل‪ .‬وهنا‪ ،‬تتح ّول الفلسفة إىل مامرسة حيات ّية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫عىل نحو‬ ‫ووفقًا لرايب (‪ ،)2001‬فإ ّن هذه الطريقة تتمركز حول املسرتشد‪ ،‬ومن خالل نظرته للعامل‪ ،‬يت ّم وصف الظواهر‪،‬‬ ‫وتفسريها وتأويلها‪ ،‬والخالص إىل النقد اإلبداعي‪.‬‬ ‫ج‪ -‬املهنيّة الفنية‪ :‬التو ّجه إىل مهنيّة الفلسفة مبوضوعيّة‪ ،‬عرب ثالثة أنواع مناألنشطة‪ :‬إرشاد األفراد‪ ،‬وإرشاد أنواع‬ ‫مختلفة من الجامعات‪ ،‬والتشاور مع منظّامت عديدة‪.‬‬ ‫تلك كانت باختصار الفلسفة الرسيريّة‪ ،‬أ ّما موضوع العالج ال ُنظُمي «السيستامي» للعقل املنطقي‪ ،‬فهو املؤىت‬ ‫الذي أقرتحه للمناقشة عرب شخصيتني المرأتني هام نور ونايا‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫يقتيض اإلرشاد ال ُنظُمي ما يأيت‪:‬‬ ‫أ‪ -‬عىل مستوى التكوين الشخيص‪:‬‬ ‫‪-1‬تسليح نايا مبنطق حقيقة املسيحيّة‪ ،‬بعي ًدا عن توظيفات الكنيسة‪.‬‬ ‫‪ -2‬إعادة تعريف الخطيئة والذنب وفق موقف املسيح من الزانية‪.‬‬ ‫‪ -3‬توجيهها نحو قراءة نقديّة للتديّن من أجل الخالص إىل رأي الدين‪.‬‬ ‫‪ -4‬تحويل معارفها املكتسبة إىل سلوك‪ ،‬فبعد أن رأت الحقيقة الدين ّية بوجهها السمح الرحب املختلف‪ ،‬وبعد أن‬ ‫سامحت نفسها‪ ،‬وبعد أن قيّمت وضعها الجديد فإنّها ال ب ّد قادرة عىل اتخاذ ما يالمئها من قرار‪.‬‬ ‫ب‪ -‬عىل مستوى العالقات‪:‬‬ ‫‪ -1‬يف العالقة بالذات‪ ،‬تح ّررت نايا من أوهامها‪ ،‬وأصبحت قادرة عىل إيجاد التوازن‪.‬‬ ‫‪ -2‬يف العالقة باملحيط‪ :‬تناقش نايا بفاعل ّية حقيقة املسيح ّية‪ ،‬وتخرج إىل موقف أعىل من رأي اآلخر الذي ال يعدو‬ ‫وهم‪.‬‬ ‫كونه ً‬ ‫‪ -3‬عىل مستوى املضمون‪ ،‬وجدت نايا الحقيقة بعد بحث‪ ،‬وعىل مستوى الشكل رأي اآلخرين ليس أنا‪ .‬فإن اعتقد‬ ‫يخصه وال ميثّلني‪ .‬يف هذا املوقف‪ ،‬تتح ّرر نايا من رأي املجتمع ونظرته‬ ‫اآلخر ّ‬ ‫بأن مذنبة بالزواج من مسلم‪ ،‬فهذا ّ‬ ‫إليها‪.‬‬ ‫ج‪ -‬عىل مستوى دائرة اإلرشاد‪ :‬يقتيض اإلرشاد ال ُنظُمي أن تطال إرشاداته جميع األفراد والجامعات املقربني من‬ ‫نايا‪ ،‬وجميع املعن ّيني بإبداء الرأي يف قض ّية نايا‪ ،‬وذلك ألجل تكوينهم عىل املستوى الشخيص باملهارات النقديّة‪،‬‬ ‫ومبهارات تحويل املعارف إىل سلوكيّات‪.‬‬ ‫وعليه‪ ،‬يكون اإلرشاد ال ُنظُمي‪ ،‬قد حاول تحرير العقل املنطقي من أوهام مكتسباته‪ ،‬ليس مبعالجة أوهام الفرد‬ ‫فحسب‪ ،‬بل مبعالجة الدائرة املحيطة بالفرد‪ ،‬وأعني بها املجتمع‪ .‬وبذلك‪ ،‬يتح ّول العقيل املنطقي من دائرة‬ ‫االكتساب التلقيني إىل داىرة التكوين النقدي‪ ،‬يف سيستام معالجة يبدأ من القناعة لينتهي إىل معرفة موضوع ّية‬ ‫تؤ ّدي به إىل التوازن‪.‬‬ ‫باختصار‪ ،‬ال يسعني ّإل التأكيد أ ّن جميع مكتسبات العقل املنطقي هي أوهام‪ ،‬نعتربها حقائق‪ .‬وأ ّن هذه الحقائق‬ ‫قابلة للتعديل وفق معطيات تؤ ّمن للفرد التوازن‪ ،‬وللمجتمع السالم‪ .‬لذلك‪ ،‬متّت معالجة واقع نايا‪ ،‬وتُرك واقع‬ ‫نور امليلء باألوهام‪ ،‬غري أنّها أوهام قد أ ّدت إىل التوازن والسعادة‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫وهنا يأيت السؤال‪ ،‬هل ح ّررت األفكار نور‪ ،‬وقيّدت نايا باألرق واألمل؟ أم أ ّن نور هي األخرى تعيش أوهامها‬ ‫العلامن ّية‪ ،‬والتي تعتربها واقع ّية ومنطقية؟‬ ‫قد تكمن اإلجابة يف تناول هذه املشكلة نُظُميًّا‪ .‬ففي األصل‪ ،‬ال تعتقد نور بأيّة قدرة خارجها قادرة عىل جعلها‬ ‫وأي خلل‬ ‫بأي رضر‪ّ .‬‬ ‫تعاين‪ ،‬فهي إن حافظت عىل توازنها الص ّحي‪ ،‬والعاطفي‪ ،‬واالجتامعي‪ ،‬والفكري فإنّها لن تصاب ّ‬ ‫لديها فإ ّن سببه كامن يف تقصريها يف مكانٍ ما‪ .‬هي متلك حياتها وح ّريتها‪ ،‬وهي من تق ّرر يف جميع شؤون حياتها‪،‬‬ ‫هي تستمتع باللحظة‪ ،‬وال تحمل هموم غدها ألنّها تقوم مبا عليها‪ ،‬مقتنعة متا ًما أنّها واعية‪ ،‬وح ّرة‪ ،‬ومسؤولة‬ ‫وسيّدة قرارها‪.‬‬ ‫حتمي هو املوت‪ ،‬وليس من يحاسب أو يكاىفء‪ ،‬مصنوعة من الغبار الكوين وستعود إىل الرتاب‪،‬‬ ‫تستسلم ملصري‬ ‫ّ‬ ‫وعند فناء األرض ستعود لكينونتها األوىل غبار كوين‪.‬هي ال مترض أل ّن سبب أمراضها ما تقوم به من خلل يف‬ ‫مامرساتها‪ ،‬وهي ال تتناول األدوية العتقادها بأنّها غري مفيدة‪ ،‬وال تدخل املستشفى أل ّن املكوث فيها أخطر من‬ ‫وبغض النظر عن صوابيّة أو خطأ قناعاتها‪ ،‬فإ ّن ما متارسه يؤ ّدي بها ألن تعيش حياة مستق ّرة‪،‬‬ ‫املكوث يف السجن‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كل ما يصيبه‪.‬‬ ‫تواجهها بفاعل ّية املسؤول عن ّ‬ ‫قد تكون معتقداتها أوها ًما‪ ،‬غري أ ّن ما اكتسبته من أوهام قد ع ّزز لديها وعي ما يحصل لها‪ ،‬وهي تنتقد تعلّق نايا‬ ‫تصب يف رؤية املسيح الحقيق ّية‪.‬‬ ‫بقشور القناعات الدين ّية التي ال ّ‬ ‫الحق يف جانب ديانتها فقط‪ ،‬وهي ترفض اآلخر واآلخر‬ ‫أ ّما مكتسبات نايا فهي أوهام ً‬ ‫أيضا‪ ،‬فهي تعتقد بأ ّن ّ‬ ‫يرفضها‪ .‬نُظُم ًّيا أصل مشكلتها يف الرتبية الدين ّية‪ ،‬وأصل شعورها بالذنب هو اعتقادها بأنّها ترتكب الخطيىة‪،‬‬ ‫وأصل هوسها وقلقها من رؤى شقيقها هو يقينها بأنّها آمثة‪ ،‬وأصل أرقها هو الخوف من أن تُكتشف فعلتها‪ ،‬وهي‬ ‫وإن تح ّررت باالعرتاف لدى املرشد الروحي‪ّ ،‬إل أنّها ما زالت عىل عالقة بحبيبها‪ .‬وهي تعاين رفض األهل‪ ،‬التي إ ّن‬ ‫حق‪ ،‬فهي من طائفة أخرى‪ .‬وهي لش ّدة تديّنها ستخرس امللكوت ألنّها‬ ‫وضعت نفسها مكانهم العتربت أنّهم عىل ّ‬ ‫ستتزوج من غري طائفتها‪ ،‬ورصاع األفكار التي يسكنها يتح ّول إىل آالم مقيمة ال أسباب عضويّة لها‪.‬‬ ‫أيضا االتصال الروحي بسبب ما تعتقده خطيئة‪ ،‬وهي ضمنيًّا‬ ‫إ ّن نايا قد فقدت االستقرار الوجداين‪ ،‬وقد فقدت ً‬ ‫رسيّة مع رجل‪ ،‬وهي قد فقدت األمن األرسي ألنّها فعلت ما ال يرىض به‬ ‫فقدت االتصال مع املجتمع ألنّها يف عالقة ّ‬ ‫أهلها‪ ،‬وهي قد فقدت أمنها الذايت بفعل ذنبها الذي ارتكبته‪ .‬هي ّ‬ ‫متعثة منطقيًّا‪ ،‬بسبب أوهام مكتسباتها‪ .‬هي‬ ‫ال تعرف ما تفعله‪ ،‬هل تهرب مع حبيبها إىل بلد تتز ّوج فيه مدن ًّيا‪ ،‬أم تواجه األهل والكنيسة واملجتمع‪ ،‬أم ماذا؟‬ ‫طائر الفينيق‬


‫حكم عىل السلبيّة والعجز شعور بالدونيّة‪ ،‬تشعر بأنّها ليست مستحقّة لتقدير من‬ ‫‪ -3‬الشعور بالدونيّة‪ :‬يرتت ّب ً‬ ‫حولها‪ ،‬يع ّزز لديها هذا الشعور فشل العالقة الزوج ّية‪ ،‬رأي اإلخوة واألخوات‪ ،‬ونظرة املجتمع‪ ،‬فتقع يف وهم أ ّن‬ ‫العامل كلّه يتحالف ض ّدها‪.‬‬ ‫رش‪ :‬ما الذي ينتظرين يف الخارج؟ سؤال تطرحه عىل نفسها»رفاقي وأصدقايئ هم اآلن يشمتون‬ ‫‪ -4‬العامل مساحة لل ّ‬ ‫يب‪ .‬جرياين‪ ،‬إحداه ّن تتح ّدث ع ّني بالسوء‪ .‬ما موقف زماليئ يف العمل‪ ،‬أكيد زميلتي التي تغار مني ستحتفل مع‬ ‫باقي الزمالء مبناسبة طالقي»‪.‬‬ ‫واألب يلقون‬ ‫أي منزل تقيم فيه‪ ،‬حتّى األ ّم‬ ‫وتدور رحى رحلة سحق الذات وجلدها‪ ،‬يرتافق ّ‬ ‫كل ذلك مع توت ّر يف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّقة‪.‬تتوسد األشواك حني تنام‪ ،‬وتغرق‬ ‫الخاصة معها‪ ،‬فهم يتأ لّمون أل ّن ابنتهم أصبحت مطل‬ ‫باللوم عليها يف جلستهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف بحر الكآبة وهي تتسلّح بالدموع‪ .‬تقبع يف زاوية انتظار مشكلة من هنا وأخرى من هناك وال رفيق لها سوى‬ ‫الوجع‪.‬‬ ‫مم يجعل من حولها‬ ‫بأي فعل مفيد؛ ّ‬ ‫وساوس القهر ترافق أنفاسها‪ ،‬فتعجز حتّى عن خدمة نفسها‪ ،‬أو عن املبادرة ّ‬ ‫يضيق بها ذر ًعا‪.‬مهزومة هي‪ ،‬فهي يف سبات موتهاال تواكب رشوق الشمس‪ ،‬ويف ليلها الحالك ال ترى الفجر‪ ،‬وال‬ ‫كل حني‪.‬تتو ّهم نهاية العامل وحدها‪ ،‬ويف الخارج زمن يجري‪ ،‬وحياة خالّقة تفتح أبواب‬ ‫تصغي لشدو البالبل يف ّ‬ ‫السامء للواثقني‪.‬‬ ‫بدل منها‪ ،‬فهي من وهبها الله‪ ،‬ووهبتها الطبيعة بصمة الفرادة‪ ،‬بصمة ع ٍني ٍ‬ ‫ويد‬ ‫ال يشء وال أحد ميكنه النهوض ً‬ ‫ولسان‪ .‬هي فقط من يق ّرر أين تكون‪ ،‬ومن تكون‪ .‬وهبها الله العقل والجسد‪ ،‬ومنحها نعمة البصرية ال لتعذب‬ ‫تلك الروح التي هي نسمة من روح الله‪.‬‬ ‫يناديها اإلرشاد الفلسفي بالقول‪ :‬قومي‪« ،‬يا صب ّية‪ِ ،‬‬ ‫قصة شفاء امرأة‪ .‬امرأة قيل يف َجلدها‬ ‫لك أقول قومي»‪ ..‬إنّها ّ‬ ‫«من كان منكم بال خطيئة فلريمها بحجر»‪ .‬الطالق ليس بخطيئة‪ .‬الطالق نهاية لعقد‪ ،‬عقد زواج مل يُكتب له‬ ‫االستمرار‪ .‬هذا ما عىل املطلّقة ومن حولها أن يدركوه‪.‬‬ ‫باإلرشاد تنهض‪ ،‬تلملم أشالء روحها‪ ،‬باملنطق تتعلّم كيف توصد أبواب الجحيم‪ .‬صحيح أ ّن لجه ّنم عذابات ترتك‬ ‫ندوبًا يف النفس‪ ،‬و ّرمبا يف الجسد‪ .‬غري أ ّن الروح أب ّية‪ ،‬عل ّية‪ ،‬وحده باريها قادر عىل كرسها‪ .‬فلتنهض ليقظة الروح‬ ‫للرب نوافذ النعم‪.‬‬ ‫رش ع ّ‬ ‫والضمري‪ ،‬ولت ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫وعليه‪ ،‬فإ ّن الحلول التي يق ّدمها علم النفس ملعالجة مسائل العقيل االنفعايل‪ ،‬ال ب ّد وأن يت ّوج جهودها اإلرشاد‬ ‫الفلسفي عرب معالجة شؤون العقل املنطقي‪.‬ذاك أنّالدماغ االنفعايل‪ ،‬دماغ القيادة الذات ّية للامكينة البرشيّة‪،‬‬ ‫مستقل ينظّم بإبداع ما ال نعيه‪ .‬أ ّما العقل املنطقي فهو املسؤول عن قيادة الوعي بحريّة ومسؤوليّة‪ ،‬إنّه باملؤازرة‬ ‫ّ‬ ‫مع الدماغ االنفعايل قد يح ّررنا من آالمنا ومشاكلنا جميعها‪ .‬العقل املنطقي هو مسؤول‪ ،‬ومثال آخر حول رأي‬ ‫املجتمع باملرأة املطلقة‪ ،‬وصورة املطلقة عن نفسها‪ ،‬كونها ضحيّة أم مسؤولة‪ ،‬قد يكون رضوريًّا‪.‬‬ ‫فهل املطلّقة ضح ّية أم مسؤولة؟ إشكال ّية أخرى تطرح الكثري من عالمات االستفهام حول واقع املطلّقة‪ ،‬هل هي‬ ‫ضحيّة الواقع االجتامعي الوظيفي للمرأة‪ ،‬أم هي ضحيّة ظروف األرسة بحيث يختلف وضع املطلّقة الغنيّة عن‬ ‫تلك الفقرية‪ ،‬ويختلف وضع املتعلّمة املستقلّة عن تلك التقليديّة التابعة؟ هل هي ضح ّية خيار خاطىء يف ظروف‬ ‫قاهرة؟‬ ‫تتع ّدد ظروف الضح ّية والنتيجة واحدة‪ ،‬موقف املطلقة‪ ،‬ووضعها النفيس واملعنوي واإلنساين‪ .‬مطلقة نعم ولك ّنها‬ ‫مسؤولة وليست ضحيّة‪ .‬ملَ ال؟ ماذا لو أنّنا حفرنا عميقًا يف جوهر املرأة وكينونتها‪ ،‬ملاذا تتخذ وضعيّة الضحيّة؟‬ ‫ملاذا تنصاع لتلك الوصمة املعنويّة؟ ما الذي مينعها من ات ّخاذ زمام املبادرة لتقود محنتها بوعي ومسؤول ّية؟‬ ‫يتطلّب الجواب عن تلك اإلشكاليّة رضورة البحث يف شخصيّة من اتّخذت وضعيّة الضحيّة‪ ،‬تلك الوضعيّة السلبيّة‬ ‫املنفعلة التي يقابلها وضع ّية الس ّيدة‪ ،‬املبادرة الفاعلة‪ ،‬س ّيدة نفسها وقرارها‪ ،‬الس ّيدة التي تعرف ما تريده‪ ،‬تعرف‬ ‫كيف تؤكل الكتف‪ ،‬وكيف متيض بعزم وق ّوة إلدارة األزمة التي ستمنحها بع ًدا معنويًّا مميّ ًزا‪.‬‬ ‫املطلقة الضح ّية‪ :‬تفشل يف العالقة‪ ،‬وقد ال تجد املرأة يف نفسها سب ًبا‪ ،‬أو أيّة مساهمة منها يف فشل العالقة‪ .‬تشعر‬ ‫وربا ضحيّة تد ّخل أهله‪ ،‬تلجأ إىل أهلها‪ ،‬وتبدأ حلقات الرقص مع الشيطان يف حفلة‬ ‫بأنّها ضحيّة أنانيّة الزوج‪ّ ،‬‬ ‫وربا‬ ‫تحريض وإثارة املشاكل وتقاذف التهم‪ ،‬وسط خطاب كراه ّية يحرق املطلّقة واملطلّق واألهل واألوالد ّ‬ ‫األصدقاء واملق ّربني؛ حفلة ترقص فيها الضحيّة مع الشيطان ثم ت ّدعي أنّها يف الجحيم (ستيف ماربويل)‪.‬‬ ‫املطلّقة الضح ّية مسؤولة‪ ،‬والدليل عىل مسؤول ّيتها هي األركان األربعة لشخص ّية الضحية‪:‬‬ ‫املؤشات بطريقة سلبيّة‪ ،‬تعظّم صغائر األمور‪ ،‬تتوقّع األسوأ دو ًما‪ ،‬تض ّخم‬ ‫تفس املطلّقة ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫‪ -1‬السلبيّة والقلق‪ّ :‬‬ ‫أيّة مسألة خالف ّية يوم ّية‪ ،‬تعترب نفسها يف كارثة يكاد يعقبها نهاية العامل‪.‬‬ ‫السلبي عليها فتشعر بالعجز عن مواجهة أبسط املواقف‪ ،‬وتقيض السلبيّة‬ ‫‪ -2‬الشعور بالعجز‪ :‬يطغى شعورها‬ ‫ّ‬ ‫رصف وفق مقتضيات العقل السليم‪.‬‬ ‫عىل أيّة إمكان ّية تحفّزها عىل الت ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪ -5‬اليقظة املعرف ّية املنطق ّية‪ :‬يعلم الجميع أ ّن الطالق منصوص عنه يف الرشائع‪ ،‬وأنّه حالة اجتامعيّة‪ ،‬وموضوعيّة‪،‬‬ ‫وأنّه ال يدخل يف نطاق التحريم أو الجرمية أو العيب أو العار‪ .‬إنّه ليس بجرمية أخالق ّية أو اجتامع ّية‪.‬أما نظرة‬ ‫أبناء املجتمعات املغلقة فهي نظرة املتخلّفني عن ركب الوعي بحقيقة الدين وقضايا اإلنسان‪ ،‬وهي نظرة تنضح‬ ‫مبكنونات ذواتهم وال متثّل املطلّقة‪.‬‬ ‫‪ -6‬اليقظة الروح ّية‪ :‬لحظة السيادة وتجاوز الذات‪ .‬فالطالق مرحلة تكوينيّة‪ ،‬أل ّن املرأة كحبة القمح‪ ،‬قد اعتنى‬ ‫الحب‪،‬‬ ‫بهاأهلها لتكون ح ّبة خري وصالح‪ ،‬وقد خضعت لعمل ّية الدراسة‪ ،‬والسلق‪ ،‬ث ّم الطحن‪ ،‬وقد كوتها نار‬ ‫ّ‬ ‫وق ّدمت نفسها قربان عطاء عىل مائدة األرسة الهنيّة‪.‬ولك ّنها اليوم مطلّقة‪ ،‬هناك ذات تجاوزتها‪ ،‬هي الذات‬ ‫العاديّة‪ ،‬املتواضعة‪ ،‬وهي اليوم مختلفة‪ ،‬وقد أرسلها الله إىل العامل ببصمة فرادة‪.‬أيكون لها دور قد نسيته يف غامر‬ ‫الهموم واملسؤوليّات‪ ،‬يف داخلها «أنا» مل ترتك لها ظروف الحياة فرص ًة للتأ ّمل فيها‪.‬‬ ‫اليوم هي مطلّقة‪ ،‬اليوم هي ُمطلَقة‪ ،‬لقد فُكّت عنها أغالل الجري وراء الهموم واملسؤول ّيات‪ .‬وهناك أنا تنتظر أن‬ ‫تكونها طبيبة‪ ،‬أو أديبة‪ ،‬أو باحثة‪ ،‬أو عاملة‪ ،‬ناشطة سياسيّة أو اجتامعيّة‪ ،‬هناك أنا تجاوزت ذاتها العاديّة إىل ذات‬ ‫تطورت يف مرحلة تكوين ّية هي الطالق‪.‬هناك أنا س ّيدة قرارها‪ ،‬تبحث عن قرارها‪ ،‬هي يف يقظة روح ّية‪ ،‬ويف لحظة‬ ‫السيادة‪.‬‬ ‫التعاطف‪:‬ييل عليها الذكاء العاطفي أن تضع نفسها مكان اآلخر‪ ،‬هذا أمر يف غاية األهم ّية‪ ،‬فاملطلّق هو‬ ‫‪ -7‬يقظة‬ ‫ُ‬ ‫أيضا مي ّر بظرف عصيب‪.‬أن تسامح ألجل سالمها أ ّو ًل‪ ،‬هو أمر يف غاية الحكمة والنبل والذكاء‪ .‬وأن ال تقوم بدور‬ ‫ً‬ ‫تحرييض ألجل سالم أرستها وعائلتها‪ ،‬وعائلة من انفصلت عنه‪ ،‬وأن تنظر للجميع بعني الرحمة والتسامح‪ ،‬هو فعل‬ ‫إميان ومحبّة‪ .‬وأن تعترب نفسها كائنملقى يف املستقبل‪ ،‬أمر يحف ّزها بجديّة للبحث عن مستقبل أفضل وخيار أرقى‪.‬‬ ‫رس ع يف الخروج من عالقة إىل أخرى‪ ،‬يعني أن تكون رحومة بنفسها وبغريها‪ ،‬أل ّن الجراح تحتاج إىل بعض‬ ‫وأن ال تت ّ‬ ‫الوقت لتطيب‪ .‬وأن متنح نفسها التوازن يف أبعاده كاملة نفسيًّا وعاطفيًّا‪ ،‬وجسديًّا‪ ،‬واجتامعيًّا‪ ،‬وروحيًّا هي غاية ال‬ ‫يدركها إال األنقياء‪ ،‬واألقوياء‪.‬‬ ‫وحني تتجاوز وضعيّة الضحيّة وتتّخذ قرار املبادرة‪ ،‬لتدير أزمتها بوعي ومسؤوليّة فإ ّن املحنة تتح ّول إىل نعمة‪.‬‬ ‫والضح ّية املهزومة تتح ّول إىل قائد فاعل‪ ،‬عندها فقط تقودين كمطلّقة رحلة التغيري لتجاوز الذات الضعيفة إىل‬ ‫الذات السياديّةاإليجابيّة‪ ،‬وبدل أن تستسلمي لوصمة «أنكمطلّقة» فإّن بإمكانك صناعة بصمة «سيّدة نفسها‬ ‫وقرارها»‪.‬فكوين عىل قدر املسؤول ّية‪ ،‬مسؤولة ال ضح ّية‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ماذا عليّها أن تفعل؟‬ ‫ربا مفروغ منه‪ .‬فالطالق‬ ‫‪ -1‬اليقظة النفس ّية‪ :‬تلقي ر ّدات الفعل األوىل بالرصاخ‪ ،‬بالبكاء‪ ،‬بالوحدة والصمت‪ ،‬أم ٌر ّ‬ ‫خلقة‪ ،‬ففي وحدتها العميقة‬ ‫يت ّوج تراكم مرارة‪ .‬الوحدة هي نقطة ضعف يُنصح بتجنيدها لتحويلها إىل طاقة ّ‬ ‫عليها أن تتد ّرب عىل أن ال تج ّرت األفكار السلب ّية‪ ،‬وأن ال تتذكّر املواقف املؤذية واملتش ّنجة‪ .‬وأن تج ّند قواها للتغيري‬ ‫الذي ميكن معه أن ال تتع ّرض م ّرة أخرى يف حياتها ملوقف فيه إهانة أوضعف‪ .‬والصمت مفتاح سحري معه تتسلّح‬ ‫بالثقة‪ ،‬بالهدوء‪ ،‬بتقزيم السلب ّيات‪ ،‬وبتلقّي موجات األخبار املؤذية بالتهميش‪.‬‬ ‫‪ -2‬اليقظة األخالقيّة والضمري‪ :‬فالتد ّرب عىل الهدوء والثقة‪ ،‬حني يُطلب إليها الحديث عن مشكلتها تتح ّدث بنربة‬ ‫واثقة‪ ،‬وإيقاع هادئ وواضح‪ ،‬تتكلّم مبوضوع ّية‪ ،‬وشفاف ّية‪ ،‬دون مبالغة أو تهويل‪ .‬وبغري افرتاء أو كذب‪ ،‬تتحدث‬ ‫قصة مطلّقة أخرى‪.‬‬ ‫بسالسة وانسيابيّة كام لو أنّها تروي ّ‬ ‫جل ما يريده الطليق هو أن يجعلها غاضبة ومنفعلة‪ ،‬هي أسهل األمور عليه‪ ،‬ألنّها بعفويّة‬ ‫‪ -3‬اليقظة االنفعال ّية‪ّ :‬‬ ‫سوف تنج ّر للرد‪ ،‬وهذا ميكن أن يضعها يف موقف ال يخدم مصلحتها‪ ،‬موقف قد يصفه املشاهد أو املستمع‬ ‫بالوقاحة والوضاعة وقلّة األدب‪ .‬فعليها أن ال متنح ألحد ومجانًا فرصة اإلمعان يف تشويه صورتها‪ ،‬مهام كان كالمه‬ ‫مؤذيًا فإ ّن تهميشها له بعدم الر ّد عىل االفرتاء والكذب هو عالمة عىل نبلها ورفعتها‪ .‬إن أمعن يف األذية أو القدح‬ ‫والذ ّم‪ ،‬فلترتك املحامي يقوم مبا عليه‪ .‬إ يّاها أن ت ُستدرج إىل مستنقع القيل والقال‪ ،‬واألخذ والر ّد‪ .‬وكذلك‪ ،‬صون‬ ‫الكربياء‪ ،‬وعدم االنسياق ّ‬ ‫لذل مراقبة صفحة الطليق أو حالته عىل الواتسآب‪ ،‬وعدم مبتابعة أخباره يف العمل أو‬ ‫بني األهل واألقارب والجريان‪.‬وحني تختلج يف داخلها مشاعر الغضب‪ ،‬فلتكتب ما تو ّد قوله‪،‬فلرتقص‪ ،‬تسبح‪ ،‬أو‬ ‫تتأ ّمل‪ .‬وإذا خانتها أناملها إىل شاشة املحمول فليكن االتصال بصديقة تصغي إىل وجعها دون أن تتد ّخل لتق ّدم لها‬ ‫املختصة إن اقتىض األمر ذلك‪.‬‬ ‫الحلول‪ .‬وال بأس باملواكبة‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4‬اليقظة السلوك ّية‪ :‬عدم معاقرة الفراغ‪ ،‬وال للخلود لغرفة النوم ّإل للغفوة‪ .‬ليكن نهارها مضبوطًا يف برنامج‬ ‫يومي‪ ،‬يتض ّمن رياضة أو نشاط ترفيهي‪،‬أو مساهمة يف األعامل املنزل ّية‪ ،‬أو مرافقة األصحاب يف مشاوير ورحالت‪،‬‬ ‫األب يف مخيّلتهم‪،‬‬ ‫وليكن العالج بالفلسفة دليلها‪ .‬وال ننىس ما يعانيه أوالد املطلقة‪ ،‬فال تجحد بتشويه صورة ّ‬ ‫خاصة البنات‪ .‬إن حصل ذلك فإنّها ت ُسهم بإصدار نسخ برشيّة مش ّوهة للمجتمع والحياة‪.‬فليكن لها عودة إىل‬ ‫ّ‬ ‫املدرسة أو الجامعة‪ ،‬ولتبحث عن عمل‪ ،‬ولتخلع عنها ثوب املايض فهي ابنة اليوم‪ ،‬وكائن ملقى يف املستقبل‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫هش أكرث من الحياة‪ ،C’est chose tendre que la vie ،‬يقول إ ّن الفلسفة تساعدك عىل العيش‬ ‫ويف كتابه يشء ّ‬ ‫بشكل أفضل‪ ،‬بشكل أكرث وضو ًحا‪ ،‬وأكرث سعادة أحيانًا‪ .‬لك ّن الحياة هي التي تشكّل أهم ّية قصوى‪ .‬وبالتايل‪ ،‬فلن‬ ‫أي معنى ّإل يف خدمة هذه الحياة‪ ،‬وأنتم تعلمون ما قاله دي مونتني «تحفتنا العظيمة واملجيدة‬ ‫يكون للفلسفة ّ‬ ‫هي العيش يف الوقت املناسب»‪ .‬والفلسفة ميكن أن تساعدنا يف ذلك رشط أن ال تكون كافية لوحدها أو أن تأخذ‬ ‫مكان الحياة‪.‬‬

‫خامتة‪:‬‬

‫مام تقدم ميكننا أن نستنتج مؤتيات نتجت عن معايشة تجربة نور التي تعتقد بأمور ال تتطابق والواقع املعريف‬ ‫الذي ينص عليه الطب والعلم التقليدي؛ غري ان دراسات معارصة حول ما فوق الجينوم (‪ )Epigemome‬تؤكد أن‬ ‫معارفنا‪ ،‬ومامرساتنا وعاداتنا الغذائية والسلوكية كام أفكارنا‪ ،‬وصورتنا عن أنفسنا تؤثر يف الدنا ((‪ DNA‬ما يعني‬ ‫أن معتقداتنا الواقعة حكامً يف خانة األوهام‪ ،‬سواء تطابقت مع الواقع أم تضاربت معه تفعل فعلها يف التيلومري‪،‬‬ ‫وهو الجزء الذي يشبه الذيل يف الدنا‪ ،‬والذي يطول ومعه تتحسن الصحة ويطول العمر‪ ،‬يف حال اعتقدنا بحريتنا‬ ‫وسلكنا وفق قناعاتنا ومعتقداتنا‪ .‬ذلك أننا ال نرث أمراضنا ومشاكلنا‪ ،‬وما نرتىب عليه يشكل خيارا ً من ‪ 33‬ألف‬ ‫خيار لحمضنا النووي‪ .‬فحمضنا النووي ليس محكوماً عليه باختيار بروتني واحد فقط بل لديه خيارات كبرية‪،‬‬ ‫والخيار يتشكل وفق إمكانيات الجسد ومعنويات الروح‪.‬‬ ‫إن ما قدمه علم النفس ألجل معالجة العقل اإلنفعايل ال بد أن يُستكمل بدراسات حول العقل املنطقي‪ ،‬ويف هذا‬ ‫املجال قرصت الفلسفة حيث ال يجب‪ .‬عىل الفلسفة أن تدرس بعنايه العقل املنطقي لجهته الوظيفية‪،‬‬ ‫والفيزيولوجية كام العقائدية والنقدية‪ .‬ذلك هو الباب الذي تقرتحه هذه الدراسة ليفتح للفلسفة أفقها بحيث‬ ‫يكون لها دور عالجي آلفات األفراد واملجتمعات‪ ،‬فال يضيع دورها يف البحث عن الحقيقة‪.‬‬ ‫فنحن ننزع نحو اإلرتقاء وفق برغسون‪ .‬ونيتشه سمى اإلنسان بـ» الحيوان املريض» وما يحتاجه املريض هو‬ ‫العالج ال البحث عن الحقيقة وحسب‪ ،‬وبناء اإلنسان املتفوق يحتاج فيلسوفاً وفيزيولوجياً حاذقاً‪ ،‬يحفّز اإلنسان‬ ‫ليفي بوعوده ويتحرر من عقال الضمري املصطنع‪ ،‬املشبع باألوهام‪ .‬يتحرر من أوهامه‪ ،‬من أمراضه‪ ،‬إىل إنسان‬ ‫معاىف يف جوهره‪ .‬وال يكون العالج لفرد بعينه‪ ،‬وإمنا سيستامياً يطال الجامعة أو املجموعة املحيطة بالفرد حامل‬ ‫املرض وباألشخاص املحيطني به من حاميل عدوى األوهام ذات الفضاء السلبي‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫نور ونايا‪ ،‬واملطّلقة مسؤولة ال ضحيّة‪ ،‬إرشاد نفيس نُظُمي (سيستامي)‪ ،‬قد يبدو للقارىء أنّها قصص أو جملة‬

‫ٍ‬ ‫إرشادات وتوصيات ال عالقة لها باإلرشاد الفلسفي‪ ،‬أو كأنّها مج ّرد حلول تنظرييّة‪ ،‬لك ّنها يف الواقع تجارب مستم ّدة‬ ‫من الواقع املعاش‪ ،‬وهي ذات مضامني فلسفّية ومعرفية‪ ،‬أهمها‪:‬‬

‫كل ما ينتمي إىل املكتسبات العقائديّة (كالج ّن والشيطان)‪.‬‬ ‫ويصب فيها ّ‬ ‫‪ -1‬البحث يف أوهام العقل املنطقي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -2‬التح ّرر من منظومة األعراف والتقاليد التي ال تستند إىل األخالق الدينيّة أو إىل القيم األخالقيّة السليمة (رفض‬ ‫اآلخر)‪.‬‬ ‫(الحق يف جانبي أنا)‪.‬‬ ‫‪ -3‬التح ّرر من النظرة اآلحاديّة‪ ،‬وعدم قبول اآلخر واالعرتاف به‬ ‫ّ‬ ‫خاصة املتخلّفني عن ركب الوعي (رأي‬ ‫‪ -4‬االنعتاق من رأي املجتمع‪ ،‬والتح ّرر من عقل ّية القطيع‪ ،‬ونظرة اآلخرين‪ّ ،‬‬ ‫اآلخرين يب ال ميثّلني)‪.‬‬ ‫تجل يف اليقظة السلوك ّية‪.‬‬ ‫‪ -5‬تحويل املعارف إىل سلوك ّ‬ ‫‪ -6‬تأكيد سيادة وعي الفرد عىل أنّه مسؤول ومبادر وفاعل‪ ،‬ال كضحيّة مستلبة ومنفعلة‪.‬‬ ‫‪ -7‬التكوين عىل املسؤول ّية‪ ،‬وتعزيز ما للذكاء العاطفي من فاعل ّية يف إدارة األزمات‪.‬‬ ‫‪ -8‬الفصل بني العقل االنفعايل ومركزه الجهاز الحويف يف الدماغ ‪ ،‬والعقل املنطقي ومركزه مق ّدمة الدماغ‪.‬‬ ‫‪ -9‬تجاوز وضع ّية الضح ّية إىل وضع ّية املسؤولة هو بعينه تجاوز الحالة العاطف ّية إىل الحالة املنطق ّية‪.‬‬ ‫‪ -10‬الفرد كائن ملقى يف املستقبل‪ ،‬وهو مع ّني بالتغيري ملا يحمله يف وجوده من بصمة فرادة‪.‬‬ ‫‪ -11‬القلق وما يحمله من معاناة وجوديّة تحفّز عىل صناعة التغيري‪.‬‬ ‫‪ -12‬الحريّة‪ ،‬والدميقراطيّة‪ ،‬واحرتام االختالف‪ ،‬وصناعة السعادة‪ ،‬وغريها‪..‬‬ ‫يقول الفيلسوف املعارص أندرية كومت سبونفيل ‪ ،André Comte Sponville‬رائد فلسفة الواقع‪ ،‬يف لقائه‬ ‫بـ»العريب الجديد» لقد نظرت دامئًا إىل التفكري يف السعادة باعتباره جز ًءا من تقاليد الفلسفة‪ .‬ما كان يه ّمني يف‬ ‫البداية هو فكرة الحكمة‪ ،‬والتي تعني يل كيف ّية استعامل العقل لنعيش بشكل أفضل‪ .‬من خالل هذه الرؤية‪،‬‬ ‫أعارض تص ّورات متداولة للفلسفة كأداة إشعاع أكادميي أو كوسيلة جد ٍل يف الصالونات سابقًا ويف وسائل اإلعالم‬ ‫حال ًّيا‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬



‫املراجع العرب ّية‬ ‫ آن دوبراوز (‪ .)2015‬خفايا الدماغ‪.‬املجلة العربية‪PDF .‬‬‫ بوئيثيوس (‪ 524‬م)‪ .‬عزاء الفلسفة باريس ‪ .GOGUÉ‬تر‪ .‬عادل مصطفى )‪.)2012‬‬‫ الخالف‪ ،‬رضا (ال ت)‪».‬الفلسفة العالج ّية واملشورة الفلسف ّية»‪ ،‬يف‪ :‬مجلّة وادي النيل للدراسات والبحوث‬‫اإلنسانيّة واالجتامعيّة والرتبويّة‪9555-2536 : ISSN.‬‬ ‫ دانييل‪ ،‬جوملان (‪« .)1970‬الذكاء العاطفي»‪ ،‬تر‪.‬ليىل الجبايل‪ .‬يف‪:‬عامل املعرفة (‪.)262‬مكتبة جرير‪.‬‬‫ ديفيد‪ ،‬إيجلامن (‪ .)2013‬املت ّخفي‪ :‬الحيوات الرسية للدماغ‪.‬دار جداول‪.‬‬‫ رايب (‪ )2001‬اإلرشاد الفلسفي‪ .‬ويستبوت‪ ،‬كونتيكيت‪ :‬بريجر‪.‬‬‫ شوبرا ديباك‪ ،‬إ‪ .‬تانزي (ال ت)‪ .‬الدماغ الخارق‪ ،‬تر‪ .‬محمد حسيك وجامنة األخرس‪PDF.‬‬‫ العاسمي‪ ،‬رياض (‪« .)2016‬ما بني اإلرشاد الفلسفي والنفيس رصاع أم تعاون»‪ ،‬يف‪ :‬مجلة نقد‪ ،‬وتنوير (‪.)5‬‬‫ النشّ ار‪ ،‬مصطفى (‪.)2010‬العالج بالفلسفة‪ .‬القاهرة‪ :‬الدار املرصيّة السعوديّة‪.‬‬‫ ميك‪ ،‬عباس محمود (‪.)2007‬تكنولوجيا صناعة الجينات(ط ‪ .)1‬بريوت‪ :‬املؤسسة الجامعية للدراسات والنرش‬‫والتوزيع‪.‬‬ ‫املراجع األجنبية‬ ‫‪Voyage en systémique. Éditions FABERT .)2007( Caillé, Philippe‬‬ ‫‪Philosophical principles of logic-based therapy. Practical Philosophy .)2003( Cohen‬‬ ‫‪LE DÉVELOPPEMENT PERSONNELSYSTÉMIQUE. .)1997(DEGRYSE, PAUL‬‬ ‫‪ÉDITIONS ACCARIAS L’ORIGINEL.Collection Le corps conscient‬‬ ‫‪Sorrel Patrick (s.d).Redonner à la philosophies a vocation thérapeutique.Les‬‬ ‫‪Philosophes.fr‬‬ ‫‪PRÉSENTATION DE LA PHILOSOPHIE, PDF.)2018( Sponville, André Comte‬‬ ‫‪L’approche systémique pour gérer l’incertitude et la.)2012( YATCHINOVSKY, Arlette‬‬ ‫‪complexité.Collection formation permanente‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫(‪Francis,Fukuyama, La fin de l’histoire et le dernier homme, Paris, Editions Flammari,)2‬‬ ‫‪.1994,on‬‬ ‫(‪ )3‬فتحي املسكيني‪ ،‬الهوية والزمان‪ ،‬بريوت‪ ،‬دار الطليعة‪ ،2001 ،‬ص‪.118‬‬ ‫(‪.1990 ,Jacques Attali, Lignes d’horizon,Paris, Publication Fayard Publié dans Essais)4‬‬ ‫(‪)5‬تريي إيجلتون‪ ،‬اإلرهاب املقدس‪ ،‬نقله أسامة إسرب‪ ،‬ط‪ ،1‬سوريا‪ ،‬بدايات للطباعة والنرش‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.5‬‬ ‫ميادين التواصل والعدل واألخالق‪ ،‬واإلستهالك وحريات التعبري‪ ،‬وحقوق اإلنسان والطبيعة‪.‬‬ ‫إنها مأساة البرشية يف واقعنا املعارص التي جعلت اإلنسان يستشعر وجعه املتمثل بوعيه لهذا الخلل العميق يف‬ ‫وضعيته الوجودية حيث أن جدلية القاتل واملقتول التي يعيشها اإلنسان املعارص‪ ،‬واقع حضارة مل تأتِه إال بالبؤس‪،‬‬ ‫صحيح أنها أمنت له لذّات زائفة‪ ،‬لكنها مل تستطع أن تؤمن له السعادة‪ ،‬وفّرت له الرسعة يف التواصل واإلتصال‬ ‫ٌ‬ ‫لكنها فشلت يف أن توفر له السالم الداخيل والسالم العاملي‪ ،‬بل هي أوهمته بسالم توازن الرعب بني األقوياء‪،‬‬ ‫حيث مئات املاليني من أبناء العامل الثالث يئنون تحت وطأته‪ ،‬كراماتهم مهدورة‪ ،‬ثرواتهم منهوبة‪ ،‬أوطانهم‬ ‫مسلوبة وذواتهم مستلَبة ومع َّنفة‪.‬‬ ‫لعل هذا البحث يقدم إجابة أولية عن كيفية تخليص هذا اإلنسان املعارص من العنف وآلياته يف ظل عوملة‬ ‫اتخذت يف بدايات نشأتها اسم الرأساملية العاملية‪ ،‬إال أن كهنوت الرأساملية كان قد لجأ إىل تعميدها الحقاً باسم‬ ‫العوملة‪ ،‬ولعل الهدف من ذلك طمس وجهها القبيح املع ِّنف وإبرازها عىل أنها ظاهرة حتمية‪ ،‬إنسانية‪ ،‬أخالقية‬ ‫وتحررية‪ ،‬يف حني أنها يف جوهرها وطبيعتها هي ليست سوى ظاهرة تجديدية لإلختالس‪ ،‬واإلستغالل ونهب خريات‬ ‫الشعوب ومق ِّدرات األوطان‪ ،‬إنها النظام الشمويل املمهد لقيام دكتاتورية عاملية مطلقة‪ ،‬مستخدم ًة عنفها‬ ‫وتسلطها لذا؛ ال بد من الرتكيز عىل مدارك أسباب العنف وإدارة نتائجه‪ ،‬باإلستناد إىل املنهج التحلييل القائم عىل‬ ‫تفكيك الظواهر اإلجتامعية وإخضاعهام للدراسة التفصيلية‪ ،‬وعدم إهامل أي مكون من مكوناتها‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫العنف في ظل العولمة «مدارك األسباب وإدارة النتائج»‬

‫د‪.‬ماغي عبيد‬ ‫مقدمة‪ :‬اإلنسان املعارص املأزوم الذي تتفاقم يوماً بعد يوم عوارض‬ ‫دماره‪ ،‬ال سيام وأنه أُفرغ من محتواه اإلنساين بسبب استغراقه‬ ‫الوجودي يف قيم حضارة مادية خالصة‪ ،‬جعلته يعاين العنف يف ظل‬ ‫عوملة مع ِّنف ٍة ومع َنف ٍة معاً‪ ،‬فرتاه يعاين القلق يف وضعيته الوجودية‪،‬‬ ‫بني أن ينادي باإللحاد الرصيح ديناً وعقيدة‪ ،‬أو أن يعرتف بإميان‬ ‫شكيل باهت ال دور له يف توجيه مصري اإلنسانية‪ ،‬أو أن يُت َّخذ من‬ ‫الدين ملجأ للقتل والذبح‪ ،‬فباسم الله يُقتل اإلنسان‪ ،‬وعىل اسمه‬ ‫يُذبح ويُقطع رأسه‪،‬ال سيام وأن ما تشهده مجتمعاتنا العربية اليوم من موجات إرهابية هي األعنف يف تاريخ املنطقة‪.‬‬ ‫إنساننا املعارص يعيش عىل الصعيد اإلجتامعي والدويل متأرجحاً بني حروب ثالثة‪ :‬حرب يخوضها‪ ،‬وأخرى يطفئ‬ ‫ذيولها‪ ،‬وثالثة يتأهب إلشعالها‪ ،‬وحتى عىل الصعيد الفردي هو يف حرب داخل ذاته دامئة اإلشتعال لذا؛ يسعى‬ ‫لتخفيف وطأتها بالهروب إىل الخارج واإلستغراق يف ملذات لن تطفئ ظأمه‪ ،‬ولن تشفي غليله وتعيد إليه توازنه‪.‬‬ ‫عىل الرغم من أن هذا اإلنسان نتاج ثورات عدة‪ :‬لغوية‪ ،‬إبستمولوجية‪ ،‬تحليل نفيس‪ ،‬أنرتبولوجيا‪ ،‬جدلية تاريخية‪،‬‬ ‫وعلمية تقنية مواكبة لحركة الفكر‪ ،‬لكن جميع هذه الثورات تنتج الواقع يف غليانه وتعدده(‪ .)1‬من هنا يتبادر إىل‬ ‫الذهن التساؤل اآليت‪ :‬عن أي إنسان نبحث؟ هل نبحث عن اإلنسان املع َّنف فينا؟ وكيف لنا أن نخلصه من عنفه‪،‬‬ ‫ونحقق له سالمه يف ظل عوملة آلت عىل نفسها تحويله إىل أداة لقتله وتدمريه؟ هل نبحث عن إنسان الخطيئة؟ أم‬ ‫عن اإلنسان األخري املنذر بنهاية التاريخ(‪)2‬؟ أم اإلنسان العاملي(‪)3‬؟ أم البدوي الرحال الحديث(‪ )4‬الحارض جسدياً‬ ‫والغائب روحياً؟‪.‬‬ ‫تربز مشاكل اإلنسان املعارص يف سقوط النامذج‪ ،‬ورصاع األجيال واإليديولوجيات‪ ،‬وما يرافقها من اختالالت بيئية‬ ‫وتحوالت نوعية يف الهندسية الوراثية‪ ،‬وثورة اتصاالت ومعلومات‪ ،‬وأزمات رأساملية متعاقبة إىل دميقراطية توأمية‬ ‫لإلرهاب(‪ .)5‬تتقاطع هـذه األزمات وتتشابك لتنتج الصريورة األعمق واالكرث تجذرا ً يف‬ ‫(‪)1‬عبد السالم بنعبدالعايل‪ ،‬ثقافة األذن والعني‪،‬الدار البيضاء‪ ،‬دار توبقال للنرش‪ ،1994 ،‬ص‪.54‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أ‪ -‬التعريف بالعوملة وطبيعتها‪:‬تتعدد تعريفات العوملة وتحديداتها تبعاً للموضوع الذي ترتبط به‪ ،‬أو تتجه إليه‬ ‫لذا؛ العوملة هي التحول من املجال اإلقليمي‪ ،‬والوطني إىل العاملية أو الكونية‪ ،‬ال املجال الدويل‪ ،‬إذ إن املجال‬ ‫الدويل يتطلب وجود حواجز وحدود يف ما بني الدول والشعوب‪ ،‬يف حني أن الكونية كام يعرفها البعض بالقول‪»:‬‬ ‫الكونية ليست إيديولوجية جديدة للهيمنة تدعو لها القوى العظمى املسيطرة بقدر ما هي عملية تاريخية تُعدّ‬ ‫نتيجة الزمة لتفاعالت معقدة‪ ،‬سياسية واقتصادية وثقافية وعلمية وتكنولوجية‪ ،‬فإن املعرفة بصددها ال تتعلق‬ ‫كام يظن البعض برفضها أو مهاجمتها وإمنا يف نسق القيم الذي ينبغي أن يوجه حركتها‪ ،‬ويحدد مساراتها‪ ،‬حتى‬ ‫تكون عملية تاريخية يف مصلحة التحرر اإلنساين‪ ،‬من الجوع والقهر‪ ،‬وخطوة حاسمة يف سبيل صياغة عامل جديد‪،‬‬ ‫شجاع‪ )1(».‬تعني الكونية إلغاء املكان والزمان واملسافة‪ ،‬وإحالل الجغرافيا اإلقتصادية محل الجغرافيا السياسية‪،‬‬ ‫فالالح ّد املكاين يُفرس بالفراغ الكوين كله‪ ،‬والالحد الزماين يتضمن مرحلة ما بعد الحداثة‪ ،‬وما بعد املجتمع‬ ‫الصناعي‪ ،‬أما الالحد عىل الصعيد البرشي فيشمل الجامعة اإلنسانية بأجمعها(‪.)2‬‬ ‫ب‪ -‬التمييز يف ما بني العوملة والعاملية‪ :‬إذا ما كانت العوملة تشمل وحدة الجنس البرشي‪ ،‬فالعاملية تقع عىل‬ ‫النقيض منها إذ متثل اإلنفتاح عىل ثقافات وحضارات العامل أجمع‪ ،‬ويف حني أن العوملة ترفض‬ ‫(‪ )1‬جورج حجار‪،‬العوملة والثورة‪،‬شعبي سيحكم‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬بيسان للنرش‪ ،2000 ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‪ )2‬زكريا طاحون‪ ،‬بيئات ترهقها العوملة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬جمعية املكتب العريب للبحوث والتنمية‪2003 ،‬م‪ ،‬ص‪.15‬‬ ‫* الرباديغم‪ :‬النموذج القيايس أو املثال الكامل الذي ينبغي اتباعه‪.‬‬ ‫أي ثقافة ال تذوب يف الثقافة األمريكية‪ ،‬فإن العاملية تذهب إىل إثراء ثقافات العامل وتالقحها حضارياً وعلمياً‬ ‫وتقنياً‪ .‬العوملة قرية كونية»(‪ ،)1‬غزو ثقايف وسيلته الصدام والرصاع بني الحضارات‪ ،‬إضاف ًة إىل اخرتاق خصوصيات‬ ‫الثقافات الوطنية والقومية‪.‬‬ ‫العاملية نزوع إنساين عاملي‪ ،‬يهدف إىل التفاعل والتعاون‪ ،‬التعارف والتكامل بني مختلف الشعوب واألمم حيث‬ ‫التعدد واإلختالف‪ ،‬والتنوع يشكل القاعدة والقانون(‪ .)2‬لعل هذا التعريف للعاملية يختلف عام هو عليه الحال‬ ‫يف الواقع الغريب‪ ،‬الذي ال يؤمن إال بالنزعة املركزية املرتبطة بالنموذج الغريب‪ ،‬ووحدة تطبيقه لها‪ ،‬حيث أن‬ ‫السبب يرجع إىل الحوادث التي طرأت عىل العامل الغريب الطامح ألن يقولب العامل اقتصادياً وسياسياً‪ ،‬ثقافياً‬ ‫وقيمياً‪ ،‬عسكرياً‪...‬داخل قوالب غربية(‪ .)3‬وبالتايل فهي ‪»:‬مجتمع واحد‪ ،‬وثقافة عاملية متجانسة‪ ،‬واقتصاد عاملي‬ ‫واحد‪ ،‬وغياب الدول القومية»(‪.)4‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫التحليل الفلسفي واإلجتامعي والنفيس لسلوك الفرد ينطلق من الفرد ذاته بأبعاده البيولوجية‪ ،‬ومن ميوله‬ ‫الفطرية واملكتسبة‪ ،‬ومن محيطه اإلجتامعي الذي يشكل القاعدة اإلساسية إلثارة السلوك العدواين إن عىل صعيد‬ ‫األفراد أو الجامعة‪ ،‬أو يف الحي‪ ،‬واملدرسة‪ ،‬ويف األسواق‪ ،‬وعىل شاشات التلفزة‪ ،‬فاألحداث املامرسة إمنا هي نتاج‬ ‫تلك العالقات املتفاعلة مع الظروف الفكرية الثقافية‪ ،‬واإلجتامعية واإلقتصادية للمجتمع لذا؛ يف هذا البحث‬ ‫سنسلط الضوء عىل الظروف الثقافية واإلقتصادية‪ ،‬اإلجتامعية والدينية التي انعكست سلباً عىل مجتمعاتنا‪ ،‬يف‬ ‫واقع هذا النظام العاملي الجديد‪ ،‬الذي ُعرف بنظام العوملة‪ ،‬صحيح أنه ولّد أثارا ً إيجابية من حيث تسهيل التنقل‬ ‫والتواصل‪ ،‬والرتابط بني شعوب العامل قاطب ًة‪ ،‬لكن نتائج العوملة السلبية أورثت تدهورا ً كبريا ً يف العالقات‬ ‫اإلجتامعية‪ ،‬كام أن ثقافة القرية الكونية املهيمنة التي عملت عىل نرش إيديولوجية الهيمنة الرأساملية‪ ،‬وحرية‬ ‫التجارة واألموال‪ ،‬والدعاية لسيادة آليات السوق‪ ،‬التي عممت ثقافة الفكر املادي‪ ،‬وانهيار القيم اإلنسانية‪،‬‬ ‫وسيادة املصلحة الشخصية والفردية يف رشيعة غاب القوي يأكل الضعيف‪ ،‬وقد تتسع الهوة بني أطراف املصلحة‬ ‫الواحدة‪ ،‬مام يؤدي إىل استخدام العنف بغية تحقيق النفوذ والسطو‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬ما العالقة يف ما بني العنف والعوملة؟ لعل اإلشكالية الرئيسة التي تُطرح عىل بساط الفكر اإلنساين تبعاً‬

‫للحالة الكاوسية‪ »”Chaos‬التي يعيشها العامل قرسا ً يف ظل البديهيات التي تؤسس لثقافة العاملية وانتظارها‬ ‫املحتوم‪ ،‬حيث التعارض والتناقض بني مسرية املدنية الكونية‪ ،‬وحضارة العنف املحسوم‪ ،‬أي إىل ما بني ضلعي‬ ‫«الرباديغم»* التاريخي‪ ،‬الجيوفلسفي‪/‬الجيوسيايس‪ .‬ال سيام وأن القطيعة الكارثية يف ما بني ضلعي هذا الرباديغم‬ ‫قد ينذر بالقيامة‪ ،‬وبالهالك امليتافيزيقي التام‪ ،‬حيث أن صيغة املدنية قد وصلت ح ّد اإلنفجار عىل املستوى‬ ‫الكوين متجاوزة بذلك أركيولوجيا أداتية القوة‪ ،‬إىل استرشاف جينالوجيا القوة‪ ،‬أي قوة التمدن كغاية يف ذاتها‪،‬‬ ‫مستكملة بذلك مرشوعية نهاية التاريخ املتطابق مع املفهوم األصيل للكوسموبوليتيا‪ ،‬مبعنى سياسة املدينة‪،‬‬ ‫وكونية السياسة‪ ،‬كمرشوع ماهوي لإلنسان يف ذاته ولذاته‪.‬‬ ‫إن أركيولوجيا الفعل الحضاري يكشف عن متيزه‪ ،‬وعن خصوصية عالقته بالعنف الذي يربز إبتكار الحضارة‬ ‫لطريقة تعاملها مع بربريتها األصلية الكامنة يف أصولها‪ ،‬ومدى قدرتها عىل تعديلها ومن ثم إعادة صياغتها مبا‬ ‫يتوافق وجدلية التفاعل يف ما بني الجيوسيايس والجيوفلسفي إيجابياً‪ ،‬عىل أال يطغى أحدهام عىل اآلخر‪ ،‬ال سيام‬ ‫إن أىت من سيطرة القطب األول عىل الثاين‪ ،‬فالعنف واقع ال محالة‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫الهيمنة عليه بقوة السالح تارة‪ ،‬وبقوة السوق تارة أخرى‪ ،‬فإن التساؤل الذي يُطرح هل من حركة فكرية لها؟ أم‬ ‫أنها من إفرازات الرأساملية املعارصة؟ وهل هي تتسق مع الدعوة الصهيونية التي تطالب لليهود مبواطنة عاملية‪،‬‬ ‫وجواز سفر عاملي‪ ،‬وبعودة اليهود إىل أورشليم‪ ،‬وعودة الرب إىل بيت املقدس‪ ،‬وبذلك يصبح بيت الرب هو‬ ‫العاصمة العاملية(‪)1‬؟‪ ،‬وبالتايل هل هي الحلم الذي دعا إليه الرواقيون بوحدانية الشعوب والبرشية من خالل‬ ‫إنشاء الدولة‪-‬املدينة العاملية عىل قاعدة املساواة؟ وهل يكمن الحل يف إحالل الجغرافيا السياسية مكان الجغرافيا‬ ‫اإلقتصادية من خالل إلغاء املسافة والزمان واملكان؟‪.‬‬ ‫ ال وجود لتحديد متفق عليه يف العلوم اإلنسانية‪ ،‬وال اإلجتامعية‪ ،‬وال اإلقتصادية‪ ،‬وال السياسية‪ ،‬وال حتى يف‬ ‫العلوم األخرى ملفهوم العوملة الذي بدأ يرتدد عىل ألسنة الناس‪ ،‬وشاع استخدامه يف النصف الثاين من القرن‬ ‫العرشين‪ ،‬حيث بدأت تباشري تغيريات بنيوية تحدث يف العامل‪ ،‬مرتافق ًة مع تحوالت اقتصادية‪ ،‬وسياسية‪،‬‬ ‫واجتامعية وفكرية أحدثت ظاهرة جديدة من التعاطي يف العالقات الدولية يف ما بني الدول والشعوب‪.‬‬ ‫ومبا أن للعوملة تأثريات تفرضها يف مختلف املجاالت‪ :‬اإلجتامعية‪ ،‬واإلقتصادية‪ ،‬السياسية والثقافية وعىل‬ ‫عالقات الدول بعضها ببعض‪ ،‬تعددت الطروحات يف تعريفها‪ ،‬وتفسريها‪ ،‬وانقسام وجهات النظر تجاهها بحسب‬ ‫املدرسة أو التيار الفكري الذي تنطلق منه‪ ،‬ففي حني أن التيار الجمهوري يدعو إىل رفع القيود‪ ،‬لدفع املبادرة‬ ‫الخاصة‪ ،‬وبالتايل املحافظة عىل قيادة أمريكا للعامل الحر‪ ،‬واشرتاط مالزمة الدميقراطية للرأساملية‪ ،‬عىل اعتبار أن ال‬ ‫دميقراطية من دون رأساملية‪ ،‬محذرين من التدمري اإلبداعي لهذه الرأساملية وقوتها الساحقة‪ ،‬مطالبني بلجم‬ ‫الرأساملية ال إطالق العنان لها‪.‬‬ ‫يف مقابل وجهة النظر هذه‪ ،‬تربز وجهة نظر مضادة أو معارضة‪ ،‬منشؤها التيار اليساري الذي يجد يف العوملة‬ ‫عملية استغالل‪ ،‬رأس حربتها الرشكات املتعددة الجنسيات‪ ،‬وبخاصة عاملقة املال والصناعة‪ ،‬وهي إذ تعمل عىل‬ ‫نرش روحية العجز واليأس والعبثية يف مختلف أصقاع العامل‪ ،‬مربر ًة بذلك حتمية وجودها كأمر واقع‪ ،‬واستحالة‬ ‫التصدي ملشاريعها ومخططاتها‪ ،‬واإلنغامس يف استهالكياتها‪ ،‬وإزاء اختالف وجهات النظر هذه إزاء العوملة‪،‬‬ ‫سنسعى إلبراز تعريفاتها‪ ،‬وتحديداتها وطبيعتها‪ ،‬لندرك بعد ذلك أبعادها العنفية وأثرها عىل واقع مجتمعاتنا‬ ‫املعارصة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫يف هذا املجال‪ ،‬تتداخل مفاهيم العوملة والعاملية حيث أن عدم مجاراتهام يعني نهاية التاريخ‪ ،‬وبالتايل فال بد من‬ ‫اإلنخراط يف العوملة طوعاً أو كرهاً‪ ،‬والعوملة ما هي يف حقيقتها سوى زعامة أمريكية مبعنى محاولة أمريكا «أمركة‬ ‫السياسة واإلقتصاد» ونرش ثقافة اإلستهالك‪ ،‬ال سيام الهيمنة اإلنكلوسكسونية من خالل استخدام السالح‪ ،‬بقصد‬ ‫متدد عامل الجنوب أكرث فأكرث وبخاصة يف أمريكا وأوروبا‪ ،‬وخلق استقطابات جديدة عىل أساس طبقي‪ ،‬وعودة‬ ‫الرصاع بني الرأسامل والعمل‪ ،‬وبهذا املعنى يعرفها البعض بكونها ‪ »:‬هي زيادة درجة اإلرتباط املتبادل بني‬ ‫املجتمعات اإلنسانية‪ ،‬من خالل عمليات انتقال السلع ورؤوس األموال‪ ،‬وتقنيات اإلنتاج واألشخاص‬ ‫واملعلومات»(‪ ،)5‬وهذا إن ّ‬ ‫دل عىل يشء إمنا يدل عىل أن تشكل العوملة إمنا هو نتاج تحالف لرشكات متعددة‬ ‫الجنسيات‪ ،‬متركزت حول املجتمع الصناعي العسكري لحاميتها‪ ،‬وبالتايل هي طفرة أو نقلة نوعية يف التحول‬ ‫الرأساميل من تصدير رأسامل مايل‪ ،‬إىل تصدير إنتاج صناعي يتحكم بالعامل وشعوبه ومقدراته‪ ،‬لهذا ال يتواىن محمد‬ ‫عابد الجابري عن تحديدها بأنها‪ »:‬تتويج ملسلسل من التطور والتوسع يف مجال اإلتصال واإلعالم‪ ،‬والدعاية وصوالً‬ ‫إىل خلق سوق عاملية واحدة حقيقية‪ ،)6(».‬فإن كانت العوملة هي «أمركة العامل» أو‬ ‫(‪.p10 ,1999 ,ALAIN NONJON, LA MONDIALISATION, France, Ėditions Sedes)1‬‬ ‫(‪)2‬محمد آدم‪« ،‬العوملة وأثرها عىل الدول اإلسالمية»‪،‬مجلة النبأ مركز املدينة املنورة للعلوم والهندسة‪،‬‬ ‫‪،2000‬فرباير‪ ،‬ص‪.63‬‬ ‫(‪)3‬عبد املنعم الحفني‪ ،‬املعجم الشامل ملصطلحات الفلسفة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكتبة مدبويل‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.298‬‬ ‫(‪ )4‬وروريك موراي‪« ،‬جغرافيات العوملة»‪ ،‬ترجمة سعيد منتاق‪ ،‬مجلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،397‬فرباير‪ ،2013‬ص‪.22‬‬ ‫(‪)5‬عبد الكريم بكار‪ ،‬العوملة‪ :‬طبيعتها‪ ،‬وسائلها‪ ،‬تحدياتها‪ ،‬التعامل معها‪ ،‬ط‪ ،1‬األردن‪ ،‬دار اإلعالم للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪1421‬ه\‪ ،2000‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)6‬محمد عابد الجابري‪ ،‬قضايا الفكر املعارص‪ ،‬بريوت‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،1997 ،‬ص‪.139‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫(‪SELIM ABOU, “Les Identités en question”, Mondialisation et Francophonie,Palais de l’Unesco)1‬‬ ‫‪.P19 ,1998 ,avril 30-29 ,2000 3e forum de l’an ,Beyrouth‬‬ ‫(‪ )2‬عبد الرزاق مرتي‪ ،‬مشكالت التنمية والبيئة والعالقات الدولية‪ ،‬ط‪ ،1‬الجزائر‪ ،‬الدار الخلدونية للنرش والتوزيع‪،‬‬ ‫‪1429‬ه\‪2008‬م‪ ،‬ص‪230-229‬‬ ‫(‪ )3‬بركات‪ ،‬حليم‪ ،‬الهوية أزمة الحداثة والوعي التقليدي‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬رياض الريس للطباعة والنرش‪2002 ،‬م‪ ،‬ص‪.29‬‬ ‫(‪p950 ,1981 ,HABERMAS,JURGEN, LA Modernité un projet inachevé, Critique, n413 .)4‬‬ ‫الدال إقتصادياً عىل مجال املال والتسويق واإلتصال‪ ،‬وما هي إال نتاج إفرازات املعلوماتية التي ُوظفت لتربز حرية‬ ‫السلع والخدمات‪ ،‬واأليدي العاملة‪ ،‬ورأس املال واملعلومات العابرة للحدود الوطنية واإلقليمية‪ ،‬وعىل الرغم من‬ ‫اإللتباسات الحاصلة حول ماهيتها إال أنها ت ُعد سبباً أساسياً للعنف لذا؛ سنكتفي بإيراد تحدياتها وآثارها العنفية عىل‬ ‫املجتمعات‪.‬‬ ‫د‪ -‬إشكالية العنف‪ :‬ظاهرة العنف من الظواهر الصعبة واملعقدة‪ ،‬حيث أن تأثرياتها تطال فئات ورشائح اجتامعية‬ ‫كبرية‪ ،‬وبدرجات متفاوتة‪ ،‬كام أنها قد تؤدي إىل تغيري يف العالقات اإلجتامعية والسياسية‪.‬‬ ‫ت ُعترب إشكالية العنف من أخطر القضايا اإلجتامعية املتأثرة باألوضاع اإلقتصادية والبيئية والسياسية‪ ،‬فهي تتطور مع‬ ‫تطور املجتمعات‪ ،‬وتغرياتها القيمية والفردية‪ ،‬وقد تتشابك املفاهيم وتتعقد يف ظل ظاهرة العنف‪ ،‬التي تختلف بني‬ ‫أفراد املجتمع الواحد‪ ،‬مام يستدعي تعقيدا ً يف أساليب ضبطها‪ ،‬يف ظل نظم اجتامعية‪ ،‬حيث أن أسبابها ترجع إىل‬ ‫التطور الهائل يف اإلنتاج اإلقتصادي‪ ،‬وتنوع السلع‪ ،‬وانفتاح األسواق‪ ،‬وحرية التجارة‪ ،‬والالحدودية يف املعامالت‬ ‫اإلقتصادية‪ ،‬ولعل األهم بينها تلك التطورات الحاصلة يف األنظمة املعلوماتيه والتي أورثت مشاكل اجتامعية ال ع ّد لها‬ ‫وال حرص‪.‬‬ ‫نف ال ُخ ُ‬ ‫رق باألمر وقلة الرفق به والشدة‬ ‫ه‪ -‬ماهية العنف لغ ًة واصطالحاً‪ :‬العنف ‪ La Violence‬لغ ًة من عنف‪ ،‬وال ُع ُ‬ ‫واملشقة‪ ،‬وهو معالجة األمور بالشدة والغلظة‪ ،‬والعنف ضد الرفق‪ ،‬يُقال عنيف إذا مل يكن رفيقاً يف أمره واعتنف األمر‬ ‫أخذه بعنف(‪ )1‬فالعنف بهذا املعنى يتضمن معاين الشدة والتوبيخ‪ ،‬والقسوة واللوم‪ ،‬لهذا ورد يف الحديث الرشيف‪»:‬‬ ‫إن الله رفيق يحب الرفق ويُعطي عىل الرفق ما ال يعطي عىل العنف»(‪ )2‬العنف إذا ً‪ ،‬هو ضد الرفق واللني بالقول‬ ‫والفعل‪ ،‬وهو يف الرشيعة ال يختلف معناه عام ورد يف اللغة‪ ،‬بل هو يتضمن معنى الشدة واملشقة‪ ،‬وهو قد يتخذ‬ ‫شكل العنف الفعيل أو اللفظي‪.‬‬


‫العوملة هي هيمنة الفكر الليربايل عىل العالقات اإلقتصادية الدولية‪ ،‬ترتافق وريادة التقنية التي قد تحمل يف طياتها‬ ‫اإلحتامل باإلنقالب عىل الدولة القومية‪ ،‬حيث سيادة الفرد بدل السيادة القومية‪ ،‬وبالتايل محاولة استقطاب من‬ ‫ميلك ويحكم‪ ،‬ويبيع عقله أو جسده بأجر فيحكم األقوياء الذين ال يبالون باملُثُل التي‬ ‫(‪)1‬وفاء محمد حسن األيويب‪ ،‬الحضارة والعوملة إىل أين؟‪،‬ط‪ ،1‬الد‪ ،2012 ،‬ص‪.229‬‬ ‫أوىص بها القانون الدويل‪.‬‬ ‫أمست العوملة واقعاً ال اختيارا ً‪ ،‬ولعل من أبرز إفرازاتها متحور الرثوة واملعرفة وتركيزها‪ ،‬لدرجة أنها أصبحت تخلق‬ ‫تحدياً أمام مناذج ثقافية واجتامعية‪ ،‬حيث هزت أركان بعض النظم‪ ،‬ال سيام دول العامل الثالث التي أصبحت تدين‬ ‫بالخضوع والتبعية للهيمنة األمريكية‪ ،‬كام أنها طرحت إشكاليات ‪»:‬املفهوم الجديد للثقافة‪ ،‬والسؤال حول ال ُهويات‪،‬‬ ‫واإلسرتاتيجيات اللغوية»(‪.)1‬‬ ‫لعل من أبرز أهداف العوملة تصميم النامذج اإلقتصادية املستمدة من سياسة الهيمنة للدول الكربى‪ ،‬فتوحيد العامل‪،‬‬ ‫وإلغاء الحدود الجغرافية‪ ،‬أتت كنتيجة حتمية لتطور ثورة املعلومات واإلتصال إذ جعلت العوملة قادرة عىل إلغاء‬ ‫دور الجغرافيا(‪ ،)2‬وبالتايل اإلنسان الجديد‪ ،‬هو إنسان الفكرة واملعلومة الضوئية‪ ،‬ومبا أن املكان يرتبط بالجغرافيا‬ ‫ويتالزم بالزمان‪ ،‬فهل للزمان معنى؟ وهل هو ‪ »:‬معنى لنهاية قرن وبدء قرن‪ ،‬لقد بدأ قرن آخر ومل نبدأ نحن‪)3(».‬‬ ‫فهل نحن نخوض تجربة العهد الجديد املتولد من القديم‪ ،‬واملتفوق عليه قدرة وإمكاناً وإنتاجاً؟ أم أننا نعيش واقع‬ ‫مرشوع الحداثة الذي مل يكتمل بعد‪ ،‬عىل اعتبار أن مفكري ما بعد الحداثة لديهم رغبة يف اإلبتعاد عن املايض املشبع‬ ‫بالتناقضات‪ ،‬يف حني أنها ال تعدو‪ ،‬صيغة جديدة ملفهوم قديم هو الحداثة‪ ،‬ومتثل رغبة لدى املفكرين باإلبتعاد عن‬ ‫ٍ‬ ‫ماض مشبع بالتناقضات‪ ،‬وما بعد الحداثة هو محاولة إثراء مرحلة الحداثة ذاتها وإمتام مرشوعها‪ ،‬ولن يكون ذلك‬ ‫وفق هابرماس إال من خالل هدم األنساق الجامدة واإليديولوجيات املغلقة‪ ،‬من خالل العمل عىل إزالة التناقض‬ ‫الحدايث يف ما بني الذات واملوضوع يف الهوية الواحدة‪ ،‬ويكون ذلك بني الجانب العقالين والجانب الذايت من اإلنسان‪،‬‬ ‫إضافة إىل رفض الحتمية يف العلم‪ ،‬والشمولية يف التفكري‪ ،‬وإىل الرتكيز عىل الجزئيات والرؤى املجهرية للكون والوجود‪،‬‬ ‫وبذلك تغدو الحقيقة واليقني رهناً بعدد من املعايري تضعها يف معظمها التكنولوجيا(‪ .)4‬تبدو التكنولوجيا والحال‬ ‫هذه‪ ،‬وكأنها مظهر من مظاهر الحداثة‪ ،‬وما بعد الحداثة‪ ،‬لكنها ال ترتافق مع منو فكري وعقيل وآداء حضاري متميز‬ ‫لذا؛ يبقى اآلداء الوظيفي للتكنولوجيا فارغاً من املضمون‪ ،‬ألنه ال ميتلك فكرا ً تقدمياً موازياً له‪ ،‬كالعيش يف وسط‬ ‫توسع إسمنتي وتقنيات متطورة‪ ،‬إمنا ال ميكن التملك من قيمتها إال احتوائها‪.‬وما العوملة إذا ً؟ سوى ذلك اإلستخدام‬ ‫طائر الفينيق‬


‫لعل الطابع الجديد للعنف املعارص الخاص باملجتمعات املتقدمة‪ ،‬يتسم بالتناقض يف ظهور اإلنسان العقالين‪،‬‬ ‫والعقالنية‪ ،‬وردود األفعال التي تفجر دمارا ً‪ ،‬فيبدو أنه كل ما حققته البرشية من اإلنجازات العلمية واإلخرتاعات‬ ‫التقنية‪ ،‬تجد نفسها مهددة بأمنها وأمانها‪ ،‬وكأنه بقدر ما يسري اإلنسان نحو العوملة‪ ،‬بقدر ما يزداد توحشاً وعنفاً‪.‬‬ ‫من هنا‪ ،‬يتبادر اىل الذهن التساؤل اآليت‪ :‬كيف نفرس عجزنا ككائنات تتباهى بأنها متتاز بالعقل والبصرية عن‬ ‫معالجة األزمات واملشكالت التي تشكل تحدياً فتقودنا إىل العنف أو اإلرهاب‪ .‬أوليس العنف يف جوهره يشكل‬ ‫نفياً للعقل والقيم اإلنسانية؟ أوليس انتصارا ً للغرائز عىل العقل؟ وهل العنف من ثوابت الفعل اإلنساين ينغرس‬ ‫بعمق يف نفسية الكائن البرشي؟ أم هو نتاج السلطة والقوة؟‬ ‫تأيت ظاهرة العنف كنتيجة لعوامل عدة‪ :‬نفسية‪ ،‬اجتامعية‪ ،‬سياسية واقتصادية‪ ،‬تارك ًة آثارها السلبية يف‬ ‫مجتمعاتنا ومؤسساتنا املدنية واألهلية‪ ،‬ال سيام وأنها تشكل عائقاً أمام التنمية‪ ،‬قد تصل ح ّد التهديد‬ ‫مك‪ ،‬وسامي عجم‪ ،‬إشكالية العنف‪ ،‬العنف املرشع والعنف املدان»‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬املؤسسة الجامعية‬ ‫(‪ )1‬رجاء ّ‬ ‫للدراسات والنرش والتوزيع‪ ،2008 ،‬ص‪.41‬‬ ‫(‪.P18 ,1997 ,Pierre Clastres, Archéologie de la Violence, France, Ėditions de L’Aube)2‬‬ ‫واملس بسيادتها ومبكانتها أمام الدول األخرى‪ ،‬وعىل الرغم من تعدد األسباب‬ ‫باستقرار الدولة وأمنها وأمانها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الباعثة عىل استخدام هذا السلوك يف مناطق التجمعات السكانية التي تعمد إىل القوة والضغط املادي واملعنوي‬ ‫لتحقيق غايات بعض أفرادها‪ ،‬وبطريقة غري رشعية‪ ،‬إال أنه ال بد من الوقوف عند هذه الظاهرة‪ ،‬ومحاولة ضبط‬ ‫خلفياتها وآثارها يف مجتمعاتنا‪ ،‬حيث أنه من خالل هذا البحث سنلجأ إىل توضيح أهمية معالجة هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫متوقفني عند طرق انتشارها يف املجتمع‪ ،‬وربط خلفياتها السلبية بالجوانب اإلقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واإلعالمية‬ ‫لنظام العوملة‪ ،‬محاولني إبراز البعد الفلسفي اإلجتامعي لهذه األبعاد‪ ،‬ومركزين عىل إظهار آثارها يف البنية‬ ‫اإلجتامعية للمجتمعات‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫وباملعنى اإلصطالحي‪ ،‬العنف هو استخدام القوة إللحاق األذى والرضر باألشخاص‪ ،‬وإتالف املمتلكات‪ ،‬ومن بني‬ ‫تعريفات كثرية‪ ،‬ورد عىل سبيل املثال ال الحرص‪ »:‬العنف هو نتاج عدوى مرضية تنقل اإلنسان من حالة الطهارة‬ ‫والنقاوة‪ ،‬إىل حالة القذارة والتوحش‪ ،‬والرش املستورد يكمن يف اإلستخدام املتوحش لألنا‪ ،)3(»...‬لهذا يرى البعض‬ ‫يف العنف وسيلة فعالة للتغيري‪ ،‬فبه يستطيع اإلنسان الخروج من مأزقه الوجودي‪ ،‬ومن‬ ‫(‪)1‬املناوي‪ ،‬التوفيق عىل مهامت التعاريف‪ ،529/1/‬إبن منظور‪ ،‬لسان العرب(‪ ،)257/9‬قلعة جي‪ ،‬معجم لغة‬ ‫الفقهاء(‪.)323/1‬‬ ‫(‪)2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الرب والصلة واآلداب‪ ،‬باب فضل الرفق‪ ،‬رقم‪.)2003/4(2593:‬‬ ‫(‪1re édition, France, Presses ,Franҫois Laplatine, La Philosophie et La Violence)3‬‬ ‫‪.P193,1976 ,Universitaires‬‬ ‫خطر انهياره الداخيل‪ ،‬وعندما تندثر لغة الحوار والتفاهم‪ ،‬تنطلق لغة العنف‪ ،‬لرتجع لإلنسان قيمته وكيانه‪،‬‬ ‫واعتباره ككائن موجود يف مجتمع‪ ،‬فتتجه عدوانيته تجاه اآلخر مستخدماً القوة‪ ،‬بطريقة غري عادلة بغية إلحاق‬ ‫األذى والرضر باآلخرين وممتلكاتهم ‪»:‬وبذلك يصبح العنف قوة كبرية وبدائية يفرضها فرد عىل آخر‪ ،‬وهي قوة‬ ‫ميكن أن تؤدي إما إىل التخجيل أو‪ /‬إما إىل الرعب وميكن أن نجدها يف معظم حاالت املرض النفيس سواء كفعل‬ ‫أسايس أو كنتيجة تلقائية‪ .)1(»...‬يتضح من هذه التعريفات أن مفهوم العنف يشمل كل سلوك يتضمن معنى‬ ‫اإلستخدام الفعيل للقوة املادية‪ ،‬بغية إلحاق األذى والرضر بالذات أو باألشخاص اآلخرين‪ ،‬وتخريب املمتلكات‪،‬‬ ‫للتأثري يف إرادة املسته َدف‪ ،‬وعىل هذا األساس‪ ،‬فالسلوك العنيف يتضمن معنى اإلرغام والقهر من جانب الفاعل‪،‬‬ ‫والخضوع أو املقاومة مـن جانب املفعول بـه أو املسته َدف‪ ،‬وهو قديم قدم املجتمعات لذا يرى فيه لو روا‬ ‫غورهان‪ »: Leroi-Gourhan‬يرجع السلوك العدواين لإلنسان األول‪ ،‬وهو يلتصق التصاقاً وثيقاً بالواقع البرشي‪،‬‬ ‫يغي فيه أي يشء أبدا ً‪.)2(».‬‬ ‫ولعل التطور املتسارع للمقتىض اإلجتامعي يف ظل السياق البطيء لنضوجه النوعي مل ّ‬ ‫العنف بهذا املعنى هو استجابة سلوكية تتميز بطبيعة إنفعالية شديدة قد تنطوي عىل انخفاض يف مستوى‬ ‫التفكري‪ ،‬إنه مامرسة القوة ضد الغري عن قصد‪ ،‬وقد يؤدي العنف إىل التدمري أو إلحاق الرضر املادي وغري املادي‬ ‫بالنفس والغري‪ ،‬فالعنف املجتمعي يتمثل بإلحاق الرضر باملجتمع أفرادا ً وجامعات‪ ،‬أو مؤسسات‪ ،‬ضاربني بعرض‬ ‫الحائط ما أقرته األديان والرشائع‪ ،‬وقد يتخذ العنف يف عرصنا الراهن طابعاً جديدا ً‪ ،‬مفارقاً‪ ،‬ال يستطيع الباحث‬ ‫األخالقي الذي يتأمل يف السلوك اإلنساين إغفاله‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ولعل صعوبة التكيف مع الواقع املادي واإلقتصادي للمجتمع الحديث واملعارص‪ ،‬وبخاصة الطبقة الفقرية التي‬ ‫يعمد بعض أفرادها إىل ترصفات غري قانونية بغية تحقيق رغبات مادية أو معنوية‪ ،‬مستخدمني العنف يف‬ ‫ترصفاتهم لذا؛ ال ميكن أن نفصل األبعاد اإلجتامعية للعنف عن العوامل األخرى اإلقتصادية‪ ،‬السياسية‪ ،‬البيئية‪،‬‬ ‫الفكرية والثقافية وغريها‪ ،‬ومجموع هذه العوامل تربز بظاهرة التفكك اإلجتامعي‪ ،‬واإلنحالل الخلقي‪ ،‬ورصاع‬ ‫املصالح‪ ،‬مام يؤدي إىل تأزم يف املناخ السيايس‪ ،‬وفراغ ثقايف‪ ،‬وتعصب يف األفكار‪ ،‬ويف بعض اإليديولوجيات‪ ،‬قد تفرز‬ ‫جامعات متطرفة‪ ،‬تستخدم العنف يف برنامجها السيايس‪ ،‬كام أن لعامل التدرج الطبقي‪ ،‬واإلستغالل املادي من قبل‬ ‫الرشكات اإلقتصادية الكربى عملت عىل انتشار ظاهرة العنف يف األوساط الفقرية‪ ،‬التي باتت تهدد الشباب‬ ‫املنفتح عىل عرص املعلوماتية والتكنوقراطية بسمتها محددات الثقافة املعوملة‪.‬‬ ‫أثارت العوملة تحديات كبرية عىل الشعوب والدول واملجتمعات‪ ،‬مخلف ًة بذلك العديد من اآلثار الخطرية عىل كل‬ ‫املستويات‪ ،‬ولكن وعىل الرغم من التفاوت يف ما بني األمم وشعوبها شامالً وجنوباً‪ ،‬إال أن اآلثار اإلجتامعية‪،‬‬ ‫واإلقتصادية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬والسياسية‪ ،‬والبيئية والثقافية تعطينا فكرة عن واقع هذه التحديات وما ولّدته من نتائج‬ ‫عنفية خطرية‪ ،‬ال تزال البرشية ترزح تحت أعبائها‪ ،‬ولعل تطبيق نظام العوملة‪ ،‬بتنوع آلياته أدى إىل تعقيد‬ ‫العالقات اإلجتامعية وحركيتها‪ ،‬املصاحبة لظهور العديد من املشكالت اإلجتامعية مام استوجب دراستها وتحليلها‪،‬‬ ‫ال سيام وأن إشكالية العنف اتخذت منحى معقدا ً‪ ،‬برتكيبتها وأبعادها السياسية‪ ،‬أو ما يُعرف باإلرهاب‪.‬‬ ‫يحيا اإلنسان يف عامل تتجاذبه قوى التدمري‪ ،‬وكأن القتل والعنف والتدمري حاجات ال بد منها يف حياة اإلنسان‬ ‫واملجتمعات لذا؛ ليس هناك من معيار واحد لفهم السلوك العدواين‪ ،‬ومن غري املمكن فهمه من دون رده إىل‬ ‫إطاره العالئقي اإلجتامعي والفلسفي‪ ،‬والغاية من معالجة ظاهرة العنف ال تكمن يف تطبيق الجزاء للحد منها‪ ،‬بل‬ ‫البحث عن الخلفيات املسببة لها‪ ،‬ومن ثم تأسيس أفكار وآراء وتصورات أكرث واقعية وعقلنة لضبطها وعالجها‬ ‫بطرائق علمية وموضوعية‪ .‬ويبقى السؤال ما هي إفرازات العوملة وآثارها العنفية عىل املجتمعات اإلنسانية؟ ‪:‬‬ ‫أ‪ -‬يف امليدان النفيس‪ :‬يُعترب العنف مبثابة الصفة املالزمة لإلنسان‪ ،‬ولطاملا تجسد الفعل العنفي األول يف حياة‬ ‫البرش‪ ،‬يف قتل قابيل ألخيه هابيل‪ ،‬فقابيل القاتل‪ ،‬كان مزارعاً ومل يكن ليهرق دماً‪ ،‬يف حني كان هابيل راعياً‪ ،‬يذبح‬ ‫املاشية ويقدمها عىل مذبح اإلله‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫واملس بسيادتها ومبكانتها أمام الدول األخرى‪ ،‬وعىل الرغم من تعدد األسباب‬ ‫باستقرار الدولة وأمنها وأمانها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الباعثة عىل استخدام هذا السلوك يف مناطق التجمعات السكانية التي تعمد إىل القوة والضغط املادي واملعنوي‬ ‫لتحقيق غايات بعض أفرادها‪ ،‬وبطريقة غري رشعية‪ ،‬إال أنه ال بد من الوقوف عند هذه الظاهرة‪ ،‬ومحاولة ضبط‬ ‫خلفياتها وآثارها يف مجتمعاتنا‪ ،‬حيث أنه من خالل هذا البحث سنلجأ إىل توضيح أهمية معالجة هذه الظاهرة‪،‬‬ ‫متوقفني عند طرق انتشارها يف املجتمع‪ ،‬وربط خلفياتها السلبية بالجوانب اإلقتصادية‪ ،‬والثقافية‪ ،‬واإلعالمية‬ ‫لنظام العوملة‪ ،‬محاولني إبراز البعد الفلسفي اإلجتامعي لهذه األبعاد‪ ،‬ومركزين عىل إظهار آثارها يف البنية‬ ‫اإلجتامعية للمجتمعات‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬تحدّ يات العوملة وآثارها العنفية‪ :‬تتزايد أعامل العنف يوماً بعد يوم‪ ،‬وهي وصلت ح ّد القتل امل ُ َمرس يف‬ ‫العديد من األماكن واملؤسسات والشوارع‪ ،‬ولعل العنف املستخ َدم قد همش كل معايري الضبط القانوين والخلقي‪،‬‬ ‫وبالتايل ألحق الرضر والخسائر بالبرش والحجر‪ ،‬وهذا ما حدا بالباحثني واملفكرين املتخصصني يف شتى ميادين‬ ‫العلم واملعرفة‪ ،‬لعقد مؤمترات وندوات ومحارضات‪ ،‬بغية تحديد وتفسري أسباب انتشار ظاهرة العنف لذا؛ يشكل‬ ‫بحثنا هذا نواة محاولة لعرض بعض األفكار التي تتمحور حول ظاهرة العنف كمفهوم وسبب انتشارها يف‬ ‫مجتمعاتنا‪ ،‬ومحاولة ربط هذا التحليل العنفي الذي يرتاوح يف ما بني الدافع اإلنفعايل العنفي الذي يحصل‬ ‫كنتيجة رصاع بني شخصني أو جامعتني‪ ،‬وبني نظرة الفرد املحبطة ملجتمعه بسبب عجزه عن تلبية حاجاته املادية‬ ‫واملعنوية‪ ،‬مام يدفعه إىل الحقد‪ ،‬والكراهية واإلستياء الذي يصل ح ّد العدوان‪ ،‬والتي هي نتاج العوملة‪.‬‬ ‫متثلت آثار العوملة عىل الصعيد الثقايف بظهور فئات همها الوحيد العنف واإلعتداء عىل ممتلكات الغري‪ ،‬وبأحدث‬ ‫الوسائل التكنولوجية‪ ،‬فتلجأ إىل املخدرات والكحول لرتهيب األفراد‪ ،‬إضاف ًة إىل العنف داخل املؤسسات الرتبوية‬ ‫املتأثرة مبواقع التثقيف العاملي»اإلنرتنت»‪ ،‬فرتى فيه تقدماً ومتيزا ً‪.‬‬ ‫كام أنه ال ميكن إغفال العنف اإلقتصادي‪ ،‬والذي يُعد نتاجاً إلنعكاسات ثقافة العوملة حيث قيم الكسب املادي‬ ‫الالمحدود‪ ،‬والوضع اإلقتصادي الالمرشوط‪ ،‬واملنافسة‪ ،‬واحتكار السلع‪ ،‬وما يرافق ذلك من أعامل عنفية وانحالالت‬ ‫خلقية تتزايد بسبب عجز األفراد واملنحرفني عمن يتكفلهم نفسياً وتربوياً‪ ،‬ومحاولة دمجهم وإعادتهم إىل الحياة‬ ‫اإلجتامعية السليمة‪ ،‬ولعل البعض يذهب إىل أن مشاعر العدوانية منبعها البنية البيولوجية والوراثية عند بعض‬ ‫األفراد‪ ،‬وبالتايل منبعها نفسية اإلنسان وذاتيته‪ ،‬والبعض اآلخر يرجعها للتنشئة اإلجتامعية واألرسية‪ ،‬وللمحيط‬ ‫الخارجي والبيئي الدور األكرب‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫فاألطفال والشبان الذين انخرطوا يف أعامل العنف والقتل يتجهون أكرث نحو الهوية السلبية (هوية املقاتل‬ ‫والعدواين) ويخرسون الكثري من املعارف والقيم األخالقية واإلجتامعية‪ ،‬كام أن الدعاية اإلعالمية وما يرافقها من‬ ‫تضخيم األمور تدفع بالطفل إىل اإلستمرار يف اتخاذ موقف الضحية أو املقاتل إرضا ًء لرنجسيته‪ .‬لذا؛ يجدر بنا أن‬ ‫نويل اإلهتامم األول لحاجات الطفل امللحة ونعمل عىل إعادة بناء شخصية وتنشئته‬ ‫(‪)1‬العنف السيايس يف العامل ‪ ،1987-1967‬وقائع بيبليوغرافيا وثائق‪ ،‬ج‪ ،1‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬إعداد سادر مركز التوثيق‬ ‫والبحوث اللبناين‪ ،‬بيت املستقبل‪ ،‬عضو أرسة مؤسسات اإلمناء للبنان‪1988 ،‬م‪ ،‬ص‪.11‬‬ ‫(‪)2‬مصطفى حجازي‪ ،‬التخلف اإلجتامعي‪ ،‬سيكولوجية اإلنسان املقهور‪ ،‬ط‪ ،4‬بريوت‪ ،‬معهد اإلمناء العريب‪،1986 ،‬‬ ‫ص‪.202‬‬ ‫اإلجتامعية بصورة سليمة‪ )1(».‬ولعل التسلط والقهر والقمع الذي متارسه أمريكا عىل مجتمعاتنا‪ ،‬واإلستمرار يف‬ ‫بنية الحياة الشعورية‪ ،‬تحول املقموع الضعيف إىل قامع‪ ،‬فيعيش اإلنسان املعارص تحت سلطة ال»هو» املقموع‪،‬‬ ‫أو «األنا األعىل» القامع‪ ،‬وبذلك يصبح أشبه بأداة ينفذ ما ُيىل عليه من أوامر‪ ،‬ال كعاقل يعي ما يقوم به من‬ ‫أفعال‪ ،‬منتج لها وفاعل فيها‪.‬‬ ‫كام أن العنف جرثومة موجودة يف كل واحد منا‪ ،‬كذلك الهمجية سوسة تجعل التواصل مع اآلخر أمرا ً‬ ‫مستحيالً‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فالهوة التي ابتدعها ديكارت بني الوعي والعامل‪ ،‬مل يعد معموالً بها اليوم‪ ،‬ال سيام وأنه مع‬ ‫سيطرة املادية التاريخية واإلتجاهات الرباغامتية‪ ،‬واإلنسان برأي هيدغر» موجود يف العامل»‪ ،‬إال أنه عامل عنفي‪،‬‬ ‫والشعور الهمجي ببنيته عنفي‪ ،‬حيث أنه ال فرق بني فظائع الحروب الهمجية التي ُمورس فيها أفظع أنواع‬ ‫العنف‪ ،‬وبني املامرسات العنفية اليومية التي يعيشها إنساننا املعارص‪ ،‬سوى فرق بالكمية والدرجات‪ ،‬ال بالنوعية‬ ‫أو البنيوية‪.‬‬ ‫ب‪ -‬يف امليدان اإلجتامعي‪ :‬ت ُعترب وسائل اإلتصال واملعلوماتية من املصادر املهمة والفاعلة يف زيادة وترية استخدام‬ ‫العنف عند األطفال والشباب‪ ،‬ال سيام وأن املواظبة عىل مشاهدة أفالم العنف‪ ،‬والرعب والجنس تؤدي بالعديد‬ ‫من الشباب إىل الجنوح واإلنحراف‪ ،‬واإلدمان واإلجرام لذا؛ ال بد من تفسري وتحليل لهذه املسألة‪ ،‬وكشف أسبابها‪،‬‬ ‫محاولني إيجاد قواعد ومعايري اجتامعية قادرة عىل منع هذه اإلنحرافات وردعها‪ ،‬وحتى منع اإلخرتاقات القانونية‬ ‫عرب وسائل الضبط اإلجتامعي‪ ،‬من خالل ضبط معايري التنشئة اإلجتامعية يف ظل أساليب تربوية وتوجيهية قبل‬ ‫اللجوء إىل العقاب‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫كان هابيل بديالً عن ذات أخيه‪ ،‬حيث أن نزوة املوت تحولت من ذات قابيل إىل موضوع خارجي هو هابيل‪،‬‬ ‫الذي يحمل معنى العنف البديل أو املضاد (الضحية)‪ ،‬وبالتايل فقابيل مل يكن ليجد بديالً عن أخيه ليحول إليه‬ ‫عنفه لذا؛ هذا ما تقوم به العوملة األمريكية‪ ،‬من خالل استعامر العوامل األخرى‪ ،‬وبالتايل فعنفها هو الوجه اآلخر‬ ‫للقهر‪ ،‬إذ تعمد إىل إحياء حملة اإلرهاب العاملي املتمثل يف خلق وحش وهمي‪ ،‬ومن ثم يعقبه حمالت للتخلص‬ ‫من هذا الوحش‪ ،‬وبذلك تقود العامل كله يف عملية إخضاع لنظامها وقوانينها اإلقتصادية والسياسية يف رصاع مميت‬ ‫من أجل مكانتها وهيبتها‪ ،‬ومتارس عدوانها الذي يربز إما عىل صورة استباحة وسلب‪ ،‬أو عىل صورة عنف‬ ‫مدمر‪...»:‬فالدول العظمى‪ ،‬يف اسرتاتيجيتها وتكتيكها‪ ،‬متارس لعبة «شفا الهاوية»‪ .)1(»...‬لهذا تجد األمريكيون‬ ‫يتنكرون للعدوانية الكامنة يف ذواتهم‪ ،‬وملشاعر الحقد واإلثم الذاتية‪ ،‬ساعني إليجاده يف املوضوع الخارجي‪ ،‬يف‬ ‫«الضحية» التي متثل يف نظرهم داللة العقبة الوجودية التي تسلبهم حقهم يف السعادة‪ ،‬فيصبح فعل القتل‬ ‫بالنسبة لهم واجباً نبيالً‪ ،‬ورضورة مطلبية ‪ »:‬ولذلك يصبح فعل القتل‪ ،‬ال فقط بريئاً من اإلثم ومربرا ً فحسب‪ ،‬بل‬ ‫مطلوباً كواجب نبيل هو الدفاع عن الذات وكرامتها وقدسيتها‪ ،‬أو الدفاع عن الجامعة وقيمها‪ ،‬أو حتى الدفاع عن‬ ‫الحضارة واإلنسانية من العنارص املخربة الهدامة‪ ،‬وهكذا يبدو العنف التدمريي كرضورة مربرة ال بد منها إلعادة‬ ‫األمور إىل نصابها‪ ،‬كواجب عىل املرء النهوض به‪ ،‬من أجل بدء وجود جديد ال تسممه وال تعرقله الضحية‪-‬العقبة‬ ‫الوجودية‪ )2(».‬من هنا‪ ،‬تعمد السياسة األمريكية إىل إستباحة قتل اآلخر‪ ،‬املعيق لوجودها ومصالحها إذ إن يف‬ ‫قتل اآلخر املغاير لها‪ ،‬واملختلف عنها‪ ،‬إثبات لوجودها واستمرارها الذايت‪ ،‬مربر ًة رضورة العنف التدمريي ضد‬ ‫العنارص املخربة والهدامة‪ ،‬ومن أجل عامل خا ٍل من الضحية التي متثل العقبة الوجودية لذا‪ ،‬ميكن اعتبار بأن من‬ ‫إفرازات العوملة‪:‬‬ ‫‪ - 1‬العدوان والهمجية‪ :‬أشاعت العوملة نرش العدوان‪ ،‬الذي يُنظر إليه عىل أنه آفة املجتمعات الكربى‪ ،‬ومن هنا‪،‬‬ ‫فال بد من إرجاعه إىل إطاره العالئقي اإلجتامعي والفلسفي‪ ،‬وبالتايل فاملامرسات التدمريية‪ ،‬قد ال تكون وليدة‬ ‫شغف بالتدمري‪ ،‬وهي ليست مالزمة للطبع البرشي‪ ،‬لكنها قد تتجسد يف لحظات انفجار‪ ،‬وقد يكون حصيلة عوامل‬ ‫عدة متشابكة ومتداخلة ساهمت يف تكوينه وتشكيله لذا؛ فالعنف هو الوجه اآلخر للقهر والعدوان‪ ،‬وهذا ما‬ ‫تصدره العوملة للعامل أجمع لهذا مل يتوان البعض من املفكرين عن التحذير قائالً‪...”:‬من املفيد أن يتوقف الكبار‬ ‫عن استغالل األطفال يف مجال العنف والدعاية اإلعالمية‪ ،‬ألن ذلك ال يخدم مصلحة الطفل وإمنا ييسء إليه‪ ،‬إىل‬ ‫مفاهيمه األخالقية واإلنسانية‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫‪-2‬التفكك األرسي واإلجتامعي‪ :‬حيث سيادة العدوانية والجنوح والجرمية كنتيجة حتمية للتغيريات الهيكلية‬ ‫والبنيوية عىل مستوى األخالق والقيم‪ ،‬والتغري يف العادات والتقاليد واملفاهيم السائدة لدى الناس‪ ،‬إضافة إىل‬ ‫عاملة األطفال‪ ،‬وإجبار النساء عىل العمل لساعات طويلة وبأجر زهيد‪ ،‬مام أورث فوىض يف البنيان اإلجتامعي‪،‬‬ ‫فازداد الخوف والرعب واإلرتباك والقلق‪ ،‬كذلك أدى هذا الوضع املرتدي إىل انتشار املخدرات وتعاطي الرذيلة‪،‬‬ ‫وإىل تفكك األرس‪ ،‬وارتفاع نسبة الطالق والهجر‪ ،‬واإلنتحار والقتل‪ ،‬والفساد والرشوة ‪...»:‬فبدت األرسة اللبنانية‬ ‫مفككة وظهر الشباب اللبناين هامشياً مستعدا ً ألعامل العنف املدمر والسلوك الجرامئي عىل أشكاله وأنواعه‬ ‫املتعددة‪ .‬ومن هذه األعامل الهامشية واملنحرفة التي تعترب جرماً يعاقب عليه القانون الجزايئ نذكر الرسقة‬ ‫واإلغتصاب واستعامل السالح غري املرخص‪...‬وتعاطي املخدرات واإلخالل باآلداب العامة وتزوير الهوية والنصب‬ ‫واإلحتيال والقتل وإيذاء األفراد وإيذاء الذات باإلنتحار‪ )3(»...‬وهذه العدوانية‪ ،‬قد ال تقترص عىل األرسة فحسب‪،‬‬ ‫بل هي تطال كل املجتمعات‪ ،‬ولعل السبب يف ذلك يرجع إما إىل عدم املساواة‪ ،‬أو انعدام التوازن‪ ،‬وهذا ما يولد‬ ‫(‪)1‬هادي‪ ،‬أحمد قيس‪ ،‬اإلنسان املعارص عند هربرت ماركيوز‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‪،‬‬ ‫‪1980‬م‪ ،‬ص‪.112‬‬ ‫(‪.p27 ,2004 ,Khoury,Touma, The Psychology of War, Liban, unedited research)2‬‬ ‫مك‪ « ،‬املشكالت النفسية لألرسة»‪ ،‬مقال من وقائع مؤمتر إمناء لبنان اإلجتامعي‪ 16-15‬ترشين‬ ‫(‪)3‬عباس ّ‬ ‫الثاين‪ ،1991‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،‬مركز الدراسات والتوثيق والنرش‪ ،‬املجلس اإلسالمي الشيعي األعىل‪ ،‬سلسلة دراسات‬ ‫الحياة اللبنانية_‪1992 ،1‬م‪ ،‬ص‪.227‬‬ ‫الخوف والقلق يف األهل واملجتمعات‪ ،‬وحتى يف السلطات ولدى علامء النفس واإلجتامع الذين يطالبون برضورة‬ ‫تاليف العدوانية ومخاطرها‪ ،‬حفاظاً عىل القانون واألمن والحريات‪.‬‬ ‫إنتشار األمية والبطالة‪ :‬ساهمت العوملة إسهاماً كبريا ً يف نرش األمية والبطالة من خالل هيمنة سوقها عىل‬‫املجتمع‪ ،‬وما أنتجه من تكسري للبنى واملنظومات اإلجتامعية واإلقتصادية‪ ،‬حيث فرضت رشوطها العالية للمعرفة‬ ‫يف الدول النامية‪ ،‬مام أدى وسيؤدي إىل ازدياد عدد العاطلني عن العمل‪ ،‬إذ إنه بحسب التقرير الذي نُرش يف‬ ‫جنيف‪ ،‬وتؤكده منظمة العمل الدولية‪ ،‬فإن عدد العاطلني عن العمل سيتخطى ‪ 219‬مليون شخص يف العام ‪،2019‬‬ ‫وبذلك فإن عديد القوى العاملة سيصبحون جيشاً من العاطلني عن العمل يف القرن الواحد والعرشين‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فمعدالت البطالة كانت يف العام ‪ 2009‬بحدود‪ 24.0‬يف املئة‪ ،‬لتصل إىل ‪ 29.5‬يف العام ‪ ،2014‬يف حني تتوقع املنظمة‬ ‫طائر الفينيق‬


‫لعل من أبرز تجليات العوملة وعنفها يتمثل يف مجتمع القهر الذي يحيل اإلنسان املعارص إىل مقهور ذي بعد‬ ‫واحد‪ ،‬عىل اعتبار أن تكنولوجيا املجتمعات الصناعية املتقدمة‪ ،‬كانت قد ساهمت يف التخلص من األنظمة‬ ‫اإلجتامعية السابقة‪ ،‬وأرست منوذجاً واحدا ً ممكناً يعتمد التفكري اآلحادي‪ ،‬الذي يسم عقلية اإلنسان املعارص»ذي‬ ‫البعد الواحد» بحسب « ماركيوز‪ .)1(»”Marcuse‬هذا املنطق اإلستبدادي متارسه أمريكا عرب قهر اإلنسان املعارص‬ ‫وإخضاعه يف جميع مظاهر حياته اإلجتامعية‪ ،‬وظروف عمله وإنتاجه‪ ،‬وعالقاته اإلجتامعية‪ ،‬وحتى عىل حياته‬ ‫الباطنية‪ ،‬وتفكريه‪ ،‬وعقله‪،‬وعواطفه‪ .‬والتكنولوجيا هي األداة التي تسهل توجيه الجامهري ومراقبتها‪ ،‬وشدها إىل‬ ‫رغبات وحاجات مصطنعة ومتجددة باستمرار‪ ،‬والهدف من كل ذلك‪،‬‬ ‫(‪.P202 ,1999 ,Yacoub, Ghassan, Psychology Of Wars and Disastres, Beyrouth, dar Al Faraby)1‬‬ ‫(‪Herbert Marcuse, L’Homme Unidimensiel: Essai sur l’idéologie de la société industrielle)2‬‬ ‫‪.1979 ,avancée, Traduit de l’anglais par Monique Wittig et l’auteur, Paris, Ėditions de Minuit‬‬ ‫ومن ترويجها يتمثل يف اإلبقاء عىل األنظمة العاملية القامئة‪ ،‬والحفاظ عىل دميومتها واستمراريتها‪ .‬ولعل أبرز‬ ‫سامت هذا القمع الرأساميل‪ ،‬يتجسد يف القدرة الهائلة عىل دمج قوى السخط والتمرد يف داخله‪ ،‬وتحويلها إىل‬ ‫قوى تعمل عىل إبقاء الوضع القائم(‪ )1‬إنه التحدي من قبل هذا املجتمع الرأساميل املتوحش الذي يعرض بوقاحة‬ ‫سافرة كمية كبرية من السلع بينام يجد ضحاياه أنفسهم محرومني منها‪ ،‬وكل ذلك ملصلحة ماليك الرشكات الكربى‪،‬‬ ‫وأصحاب رؤوس األموال‪ .‬ولعل عنف العوملة عىل صعيد إجتامعي يتمثل يف‪:‬‬ ‫‪ -1‬إنتشار الجرمية وشيوع العدوانية والجنوح‪ :‬مل تقترص العوملة عىل األموال واملعلومات‪ ،‬بل هي متادت لتصبح‬ ‫عوملة جرمية‪ ،‬حيث شاعت عمليات اغتصاب األطفال واإلتجار بأعضاء البرش‪ ،‬واإلتجار باملخدرات وغسيل األموال‪،‬‬ ‫واإلغتيال‪ ،‬واإلبتزاز‪ ،‬وأضحت الجرمية املنظمة العاملية تأيت بالفوائد واألرباح عىل أصحابها لذا؛ مل يكن من‬ ‫املستغرب إنتشار ظاهرة اإلخالل باآلداب العامة لدرجة ارتفعت فيها نسبة بنات الهوى بصورة ملفتة للنظر‪،‬‬ ‫وكرثت املالهي الليلية وانتشار اإلدمان عىل املخدرات بني طالب الجامعات(‪ )2‬وعىل الرغم‪ ،‬من تنبه املختصني‬ ‫وغري املختصني لهذه الحقيقة امل ّرة‪ ،‬لكن التواطؤ كان حاصالً فعليا يف ما بني الضحية والجالد األمر الذي أوجب ال‬ ‫التصدي ملتعاطيها فقط‪ ،‬بل ملروجيها أيضاً‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫لعبت العوملة دورا ً كبريا ً يف إفقار الشعوب واملجتمعات‪ ،‬حيث أن الرشكات املتعددة الجنسيات هي الفاعل‬ ‫األسايس يف منطوق العوملة الحايل‪ ،‬لعلها سياسة الطغيان والهيمنة وتكديس األموال يف يد فئة قليلة عىل حساب‬ ‫أغلبية سكان الكرة األرضية هي التي جعلت هذه الرشكات العابرة للقارات‪ ،‬تتحكم يف الحكومات ال العكس‪،‬‬ ‫وهي إذ تنرش إرهابها وتطلق عنفها لدرجة ‪ »:‬تراجع دولة الحقوق‪ ،‬وتراجع غريزة الدفاع وعرص األمان بحيث‬ ‫أصبحنا يف عرص اإلرهاب‪ ،‬وتراجع الطبيعة‪ ،‬والثقافة إذ أصبح منوذج اإلنسان هو الحيوان‪ .‬وأضحت نجمة‬ ‫غي مالبسه‪ .‬أصبح‬ ‫الرأساملية هي النجمة التي ال تخفت أبدا ً‪ ،‬وأصبح الشيطان هو نفسه الذي سنستبدله بآخر ّ‬ ‫الرش جذرياً أكرث من أي وقت مىض ومل تنفع أدواؤنا ضد النزعة اإلقتصادوية»(‪ .)1‬العنف يف عرصنا حقيقة ال يرقى‬ ‫إليها الشك‪ ،‬والجرمية تحصل يف معظم دول العامل‪ ،‬مام يجعل مجتمعاتنا الحالية تعيش القلق والحرية‪ ،‬الخوف‬ ‫والرعب إزاء هذه الظاهرة الخطرية التي تتفىش يف مجمل األوساط والرشائح اإلجتامعية‪ ،‬إن عىل مستوى‬ ‫املؤسسات أو عىل مستوى املجتمع األهيل واملدين‪ ،‬منذرة بتهديد األجيال ومستقبل األمم‪.‬‬ ‫من هنا نلمس بأن عرصنا هو عرص اإلرهاب ‪... »:‬فاإلرهابيون‪ ،‬سواء أكانوا يعاقبة أو من نوعية إرهابيي زمننا‬ ‫الحديث‪ ،‬وسواء أكانوا إسالميني أو مؤيدين يف البنتاغون ل»الصدمة والرعب»‪ ،‬أو من القائلني بنظرية املؤامرة‬ ‫الذين تعج بهم تالل داكوتا‪ ،‬ال تخلو جعبتهم بوجه عام من األفكار‪ ،‬مهام كانت تلك األفكار خطرية أو منافية‬ ‫للعقل والطبيعة‪ .‬فإرهابهم إذن ليس إال وسيلة تساعدهم يف تنفيذ رؤاهم السياسية‪ ،‬وليس بديالً لها‪ .‬وقد شاعت‬ ‫فلسفة معقدة من اإلرهاب السيايس يف أوروبا خالل القرنني التاسع عرش والعرشين‪ ،‬يصعب اختزالها بأية طريقة‬ ‫إىل مجرد سفك دماء‪ ،‬لذا فإن كلمة «إرهايب» هي نقص يف التقدير‪ . )2(».‬إنه عرص الرعب والعنف‪ ،‬ولعل السبب‬ ‫يف ذلك يرجع إىل أن البرشية املعارصة بقدر ما تتجه نحو املدنية‪ ،‬بقدر ما تتضاعف إشكالياتها وتتعقد أزماتها‪،‬‬ ‫فتولد الخراب والدمار والوبال عىل مجتمعاتها‪ ،‬ومدنية العرص أثبتت عجزها وفشلها يف حل مشاكل مجتمعاتها‪،‬‬ ‫وبالتايل تحقيق السعادة والسالم بني بني البرش‪ ،‬بل هي عىل العكس من ذلك مهدت لحروب وعنف وإرهاب‬ ‫أدخل العامل يف كوة مظلمة ضبابية مجهول املصري ما من أحد قادر عىل معرفة إىل أن ميكن أن تؤدي؟‬ ‫ومبا أن العنف يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالجرمية لكونه علتها الفاعلة‪ ،‬فإن الجرمية يف تعريفها القانوين تع ّد انتهاكاً‬ ‫للعرف السائد‪ ،‬مام يستدعي توقيع الجزاء عىل منتهكيه‪ ،‬كذلك هو الحال أيضاً يف العدوان‪ ،‬الذي ينظر إليه عىل‬ ‫أنه آفة املجتمعات الكربى‪ ،‬والسلوك الذي يُقصد به إيقاع األذى باآلخرين‪ ،‬وقد يكون مصدره فرد أو جامعة‪،‬‬ ‫وقد يُوجه إىل فرد أو جامعة‪ ،‬وقد يتخذ أشكاالً‪ :‬بدنياً أو لفظياً‪ ،‬غاضباً أو مخططاً بهدف‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أن ترتفع النسبة إىل ‪ 29.8‬يف املئة يف العام الحايل‪ ،‬قبل أن تبلغ ‪ 29.9‬يف املئة يف العام ‪ .)1( 2019‬هكذا إذا ً‪ ،‬تشهد‬ ‫مجتمعاتنا ألواناً من العنف تؤدي إىل تدمري املجتمعات‪ ،‬وتهجري االآلف من املواطنني‪ ،‬إضافة إىل زعزعة القيم‬ ‫األخالقية واإلجتامعية‪ ،‬وحتى اإلنسانية عند فئة من البرش تقودهم إىل بيع أنفسهم للشيطان‪ ،‬هذه الفئة التي‬ ‫أبدت استعدادها لإلنحراف نتيجة البطالة واإلضطهاد‪ ،‬والضجر والجوع‪ ،‬والخوف والحاجة‪.‬‬ ‫ج‪ -‬يف امليدان اإلقتصادي والسيايس‪:‬‬ ‫كام أن من شأن هيمنة النظرة الليربالية املامرسة من قبل الرشكات اإلحتكارية‪ ،‬أن تقيض عىل الطبقة الفقرية‪،‬‬ ‫وما يرتتب عنها من صريورة العالقات الدولية التي فرضتها سياسة األقوياء غري مبالية باملُثُل التي أوىص بها القانون‬ ‫الدويل‪ ،‬وما يستتبع ذلك من قوانني إقتصادية مجحفة ساهمت يف ازدياد البطالة والفقر‪ ،‬فساءت األوضاع‬ ‫املعيشية لهذه الطبقة مام جعل اإلعتداءات تتخطى حدود املعقول واملنطقي‪ ،‬لدرجة نسمع بحاالت الخطف‬ ‫واإلبتزاز‪ ،‬بيع األعضاء‪ ،‬وكل عمليات اإلحتيال والغش واملضاربات يف السلع‪ ،‬كذلك هو الحال يف أعامل اإلختالس‪،‬‬ ‫والفساد املايل‪ ،‬ولعل الهدف من ذلك كسب القوت‪ ،‬حتى ولو بطريقة غري مرشوعة‪ ،‬بغية العيش وتحسني‬ ‫املدخول‪ ،‬وتحقيق مكانة أو سلطة يف الوسط اإلجتامعي‪ .‬من هنا‪ ،‬فالعنف باملعنى السيايس هو األوسع واألكرث‬ ‫اشتامالً‪ ،‬لذا يتبادر إىل الذهن التساؤل حول متى يصبح العنف سياسياً؟ وما هي الحدود التي متيز بني العنف‬ ‫السيايس وغريه من أشكال العنف اإلجتامعي؟(‪ )2‬وإذا ما كان بعض املفكرين قد دعا إىل فصل السياسة عن‬ ‫اإلقتصاد‪ ،‬عىل اعتبار أنها علم كام فعل مونتسكيو(‪)3‬‬ ‫(‪.WWW. Omalarab.Org>Index Php)1‬‬ ‫(‪)2‬خليل أحمد خليل‪« ،‬سوسيولوجيا العنف» لبنان‪ ،‬الفكر العريب املعارص‪ ،‬العدد‪ ،27‬خريف ‪1983‬م‪ ،‬ص‪.19‬‬ ‫(‪.P12,1959 ,Louis Althusser, Montesqieu, La Politique et l’histoire,Paris, P.U.F )3‬‬ ‫محتذياً بذلك حذو مكيافيليل‪ ،‬فإن ماركس يرى فيها مجرد ظاهرة اقتصادية طبقية‪ ،‬وأداة أو وسيلة تستخدمها‬ ‫لسيطرة طبقة عىل أخرى‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫(‪Samuel P.Huntington, Le Choc des Civilisayions, Traduit de l’anglais (Ėtats unis) Par Jean-)1‬‬ ‫‪.P23 ,1997 ,Luc Fidel, Paris, Ėditions Odie Jacob‬‬ ‫(‪.Op Cit, Loc Cit, P239)2‬‬

‫الخامتة‪:‬‬

‫لعل عامل العوملة املصنوع يف الواليات املتحدة‪ ،‬وبتوجه أمرييك سيلعب يف التحوالت اإلجتامعية اآلتية‪،‬‬ ‫واإلستقطابات الطبقية‪ ،‬والتقلبات السلطوية‪ ،‬النقطة املركزية واملحورية لإلنقالب عىل أمريكا‪ ،‬وسقوطها‬ ‫وانهيارها‪ ،‬مبعنى أن أمريكا تحفر قربها بيدها‪ ،‬وقيام الرايخ الرابع بحسب جورج حجار‪ ،‬ما هو إال بداية النهاية‬ ‫ألمريكا‪ ،‬حيث أن الفكرة الوحيدة مهام بلغت من عظمة هي يف النهاية تحمل بذور نقيضها وفنائها‪ ،‬وبالتايل كلام‬ ‫توسع نفوذ أمريكا والتزاماتها‪ ،‬كلام تأكد احتامل اضمحاللها واندثارها‪.‬‬ ‫نتج عن العوملة آثار‪ :‬نفسية‪ ،‬واجتامعية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬وسياسية‪ ،‬ودينية تفرض علينا تح ّديات‪ ،‬حيث أن رصاعات‬ ‫اليوم يف ظل عوملة هي ليست رصاع حضارات وثقافات فحسب‪ ،‬بل هي رصاعات نفسية واجتامعية‪ ،‬اقتصادية‬ ‫وسياسية‪ ،‬دينية وفكرية تحصل داخل الذات اإلنسانية‪ ،‬ويف وحدات وطنية وإقليمية‪ ،‬فتتصف بتعدديتها اإلتنية‬ ‫أو الدينية‪ ،‬إذ إن أنظمة الدول السياسية أثبتت عجزها عن تحقيق فكرة املواطنية‪ ،‬وبالتايل القضاء عىل الهوية‬ ‫وخصوصيات الشعوب‪ ،‬مام أدى وسيؤدي إىل حروب فردية واجتامعية وأهلية‪ ،‬قد تتصف ظاهرياً بانتامءاتها‬ ‫الثقافية والدينية‪ ،‬إمنا يف عمقها وجوهرها هي ميدان إلدارة األزمات يف منظور اإلسرتاتيجية األمريكية التي تسعى‬ ‫جاهدة للتدخل يف مجمل رصاعات املصالح الكربى يف العامل‪ ،‬وبعناوين ايديولوجية كربى‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫(‪.P357,1997 ,Claude Polin, Claude Rousseau, La Cité dénaturé, Eds.PSR,La Roche-Rigault)1‬‬ ‫(‪ )2‬إيجلتون‪ ،‬تريي‪ ،‬اإلرهاب املقدس‪ ،‬مصدر سابق ذكره‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫الكسب‪ ،‬وقد يحتوي الغضب والكسب معاً‪.‬‬ ‫د‪-‬البعد الديني‪ :‬من املعلوم بأنه بعد انهيار املعسكر اإلشرتايك عمدت أمريكا إىل الدعوة لنظام عاملي جديد‬ ‫كبديل للنظام الذي كان سائدا ً يف القرن العرشين‪ ،‬متثل هذا النظام بظاهرة العوملة التي تجعل العامل قرية كونية‬ ‫واحدة‪ ،‬ولعل الهدف األمرييك من العوملة القضاء عىل انقسام العامل إىل قسمني‪ :‬عامل شامل يف مقابل عامل جنوب‪،‬‬ ‫عب عنه املفكر األمرييك صموئيل هنتغتون بكتابه صدام الحضارات معلناً‪ »:‬العامل بعد الحرب الباردة‪ ،‬كام‬ ‫كان قد ّ‬ ‫يصفه‪ ،‬يستوجب سبع أو مثان حضارات كبرية محكومة باإلنتساب واإلختالفات الثقافية‪ ،‬التي تأيت بالخسارة‬ ‫والرضر عىل املصالح‪ ،‬والروابط‪ ،‬وبالتايل التنافر والرصاعات بني الدول‪ )1(».‬إنه الرصاع الذي أبدى فيه هنتغتون‬ ‫الخوف عىل مستقبل الحضارة الغربية وثقافتها التي ستكون يف مأزق مع الحضارات املنافسة لها‪ ،‬وبخاص ٍة‬ ‫الصينية والعربية اإلسالمية‪ ،‬ال سيام وأن ثقافة األخرية تقوم عىل العنف لذا؛ من غري املستغرب أن يعمد املسلمون‬ ‫إىل القيام بحروب ضد الغرب‪ ،‬أو حتى العامل اآلخر املغاير لهم‪ ،‬حيث أن الظروف مؤاتية يف ظل صحوة إسالمية‬ ‫تولّدت كرد فعل ضد الحداثة والعوملة‪ ،‬والتي تجد يف الغرب عدوا ً فتتملكها مشاعر الحقد والغضب واإلستبداد‪،‬‬ ‫وحتى العنف والعداء‪ ،‬ال سيام وأن أمريكا تساند إرسائيل العدوة األوىل للعرب واملسلمني‪.‬‬ ‫يلجأ هنتغتون إىل ربط الرصاع عند العرب بثقافتهم الدينية‪ ،‬حيث باعتقاده أن صلب الدين اإلسالمي قائم عىل العنف‪،‬‬ ‫لذا هو ال يتواىن عن القول ‪ »:‬املشكلة املركزية لألزمة بحسب قوله‪ ...،‬إنه اإلسالم‪ ،‬الحضارة املختلفة‪ ،‬حيث تشكلت‬ ‫قناعة لدى ممثليها بأفوقية ثقافتهم‪ ،‬لكنهم محارصون بدونية قدراتهم‪ ،‬وهنا تكمن املشكلة‪.... ،‬بينام يف الغرب‪ ،‬حضارة‬ ‫مختلفة أيضاً‪ ،‬حيث تشكلت قناعة راسخة لدى ممثيل هذه الحضارة بكونية ثقافتهم‪ ،‬مام جعلهم يعتقدون بقدراتهم‬ ‫املتفوقة‪ ،‬وبالتايل امليل للحق بنرش هذه الثقافة يف العامل أجمع‪ ،‬بكونهم املق ّومني لها‪ ،‬وهذا ما يغذي الرصاعات بني‬ ‫اإلسالم والغرب‪ . )2(».‬لعل مزاعم هنتغتون‪ ،‬وتخ ّوفه من الحضارتني الصينية والعربية اإلسالمية إمنا هو يف حقيقته رصاع‬ ‫فكري واقتصادي تستعمله أمريكا ملامرسة ضغوطاتها اإلقتصادية والتي هي أصعب من الحرب العسكرية فتلجأ إما إىل‬ ‫مقاطعة الدول اقتصادياً أو محاربتها عسكرياً كام حصل يف العراق‪ ،‬أو تعمد إىل اخرتاق األسواق من خالل إغراقها بالديون‬ ‫والفوائد واملشاكل اإلقتصادية‪ ،‬فيجعل الدول يف مآزق داخلية وتجد الحل يف افتعال األزمات مع دول الجوار‪ ،‬كام أنه ال‬ ‫يخفى عىل أحد ثقافة الهيمنة واإلستعالء التي متارسها أمريكا وحليفتها إرسائيل عىل العامل العريب واإلسالمي‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫إن كان األمر كذلك‪ ،‬فام املعايري؟ من هي السلطة املخولة وضعها؟ وهل ميكن للعنف كرذيلة أن يكون داعامً‬ ‫للحق كأسمى فضيلة؟ هل ميكن أن تتحول الرذيلة إىل فضيلة؟ وهل للعنف من أن يُرشعن كام هو الحال عند‬ ‫ماكس فيرب؟ أم هو غري قابل للرشعنة بتاتاً كام عند غاندي؟ وهل الحل يف الحق الطبيعي أم يف حق القوة كام‬ ‫لدى روسو وهوبز؟ وكيف يستقيم التعدد فعالً وكينونة يف عوملة أحادية القطب؟‬ ‫لعل الحل يكمن يف الفلسفة‪ ،‬التي عليها أن تخرج عن كونها أداة انتقاد لتصبح أداة بناء‪ ،‬وعىل الفيلسوف الذي‬ ‫عليه أن يصاحب الناس يف التحرر من قيود واستبداد األنظمة‪ ،‬ساعياً إىل نرش الفكر العلمي والعقالين يف مجتمعه‬ ‫ضد الجهل والخرافة والظالمية‪ .‬فلم يعد املطلوب القدرة عىل التفلسف‪ ،‬بل األهم وضع الحلول للمشاكل األكرث‬ ‫إلحاحاً وتأثريا ً يف مسارنا التاريخي والحضاري‪.‬‬ ‫تحصن األفراد نفسياً واجتامعياً‪ ،‬من خالل‬ ‫مام تق ّدم نستنتج‪ ،‬بأنه من املستحسن بناء قاعدة فكرية سليمة ّ‬ ‫توظيف وسائل اإلعالم بصورة هادفة‪ ،‬والعمل عىل تحديث املناهج الدراسية وتطويرها‪ ،‬كام أنه من الواجب بناء‬ ‫تكتالت اقتصادية سليمة وقوية‪ ،‬تستفيد من كل الخربات‪ ،‬وتوظفها يف سبيل رفع مستوى دخل أعىل للفرد والدولة‬ ‫بحيث تجعل اإلنسان املعارص أكرث تحصيناً يف وجه إغراءات النظام الجديد‪ ،‬ويف وجه تكتالت العوملة‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫مل تستطع الحضارة التي وعدت اإلنسان بالسعادة والرفاهية‪ ،‬وبالوفرة يف اإلنتاج القائم عىل التبادل املتكاىفء‬ ‫والتعاقد الح ّر أن تؤمن له سعادته وتحفظ كرامته‪ ،‬بل عىل العكس من ذلك هي قادت اإلنسان ومازالت تسري به‬ ‫إىل زمن توازن الرعب والعنف‪ ،‬عىل اعتبار أن يف العنف وسيلة فعالة للتغيري‪ ،‬فمن خالله يستطيع اإلنسان‬ ‫التخلص من خطر انهياره الداخيل‪ ،‬ومأزقه الوجودي‪ ،‬حيث أن لغة العنف تنطلق عندما تنتفي لغة الحوار‬ ‫والتفاهم‪ ،‬معيدة لإلنسان قيمته وكيانه‪ ،‬واعتباره ككائن موجود يف مجتمع‪ ،‬إذ إن عدوانيته تتجه نحو اآلخر‪.‬‬ ‫ويبقى السؤال كيف لنا أن نحرر اإلنسان املعارص من عنفه؟‪.‬‬ ‫هل يكمن الحل يف املرجعية الكنطية للعقل كمحكمة عليا تبت يف شؤون النظر والعمل‪ ،‬والترشيع والقانون‪،‬‬ ‫واإلعتقاد واملامرسة؟ أم نسلّم مع هيغل الذي مل يرفض محكمة العقل الخاضع لسريورة التاريخ‪ ،‬متخذا ً من الحرب‬ ‫الطريق للتطور؟ أم نذهب مع ماركس الذي يجد الحل يف نهاية الرصاع الطبقي‪ ،‬وإلغاء الطبقات بنهاية التاريخ؟‬ ‫أم هل يتمثل الحل يف التفكري النيتشوي الذي يعلن موت الله‪ ،‬محاوالً التمييز بني أخالق العبيد وأخالق السادة؟‬ ‫ويتبعه يف ذلك هيدغر‪ ،‬ويعيل هابرماس من قيمة أخالقية الحوار والتواصل‪ ،‬ناعياً امليتافيزيقا يف ظل عوملة‬ ‫مأزومة ومع ِّنفة تصبح الساحة مفتوحة لربوز األصوليات‪.‬‬ ‫وتأيت أعامل فوكو‪ ،‬ومن بعده دريدا يف ما يُسمى ب»مابعد البنيوية» إذ يرص فوكو عىل مزاوجة‬ ‫(‪)1‬جورج ح ّجار‪ ،‬العوملة والثورة‪ ،‬شعبي سيحكم‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬بيسان للنرش والتوزيع‪ ،2000 ،‬ص‪.375‬‬ ‫الفلسفة بالتاريخ‪ ،‬مؤكدا ً يف حفرياته املعرفية مدى النفي الذي اعتمدته الذات باستبعادها كل ذات أخرى‪ ،‬فنفي‬ ‫الذات الداخيل هو وجه امتداد لنفي الذات الخارجي‪ ،‬وصوالً إىل ماركيوز املبرش باإلنسان ذي البعد الواحد‪،‬‬ ‫املستغني عن الحرية بوهم الحرية‪ ،‬كذا يفرض الواقع التكنولوجي آلية استعباد اإلنسان‪.‬‬ ‫إذا كان العنف مرفوضاً وغري مقبول‪ ،‬والجميع متفق عىل كراهيته‪ ،‬ووجوب تجنبه‪ ،‬فالسؤال الذي يطرح نفسه‪:‬‬ ‫كيف يكون الرد عىل العنف؟ وهل ميكن للعنف أن يكون مربرا ً؟ مبعنى آخر كيف ميكن للعنف أن يكون مرشعاً‬ ‫بحيث يصبح مقبوالً إن مل نقل مطلوباً؟‬

‫طائر الفينيق‬


‫جامل‬



‫( طبعا من الخطر اللجوء ألي ترصف كان أو فعل ذلك منفردا ً ) بأخذ عينة من دم الشّ خص أو املرأة التي تريد‬ ‫اإلستفادة من هذه التقنية بعد ذلك يتم وضع عيّنة ال ّدم هذه يف جهاز « الطّرد املركزي « الذي يعمل عىل فصل‬ ‫مك ّونات ال ّدم األساسيّة عن بعضها‬ ‫بالصفائح ال ّدمويّة و التي سنستخدمها يف الغرض التجمييل عن‬ ‫و أخريا سنحصل عىل سائل البالزما األصفر املركّز ّ‬ ‫طريق الحقن يف املنطقة املراد عالجها ‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫حقن بالزما‬ ‫أ‪ .‬مريم باجي‬ ‫مع التقدم يف السن يحدث يف الجسم الكثري من التغريات و من أكرثها شهرة و إزعاجا ظهور التجاعيد و ترهل‬ ‫البرشة ‪ ،‬و مع التطور يف العلم ظهرت عدة طرق لعالج هذا املشكل‬ ‫هناك حلول معقدة بعض اليشء مثل عمليات التجميل و هناك أمور أخرى بسيطة انترشت عىل نطاق واسع يف‬ ‫اآلونة األخرية خاصة بعدما قدمت نتائج رائعة و بتكلفة ليست باهضة‪.‬‬ ‫من بني أشهر هذه التقنيات و الطرق التي استحبتها الكثري من السيدات « حقن البالزما «‬ ‫ما هي حقن البالزما ؟‬ ‫هي التقنيات الحديثة التي استخدمت يف العالج وحاليا تعد من أهم التقنيات التي تلجأ لها النساء حقن البالزما‬ ‫ويقوم املختصون يف التجميل بعياداتهم‬

‫طائر الفينيق‬


‫شعر‬

‫طائر الفينيق‬


‫تحتوي البالزما عىل الفيتامينات و املعادن و الهرمونات و التي تقوم بتحفيز األنسجة املترضرة كام تساعد‬ ‫عىل تحفيز البرشة و ما تحتها إلنتاج الكوالجني ‪ ،‬و فيام ييل نذكر أهم فوائد حقن البالزما‬ ‫‪ -‬التقليل من مظهر التجاعيد و الخطوط الرفيعة و يف حالة ما إذا كانت جديدة و غري عميقة فستختفي‬

‫‪ _#‬تصغري املسامات الكبرية و التخلص منها‬ ‫‪_#‬تعبئة التجاويف ليبدو الوجه أكرث حيوية‬ ‫‪_ #‬تنشيط و تجديد البرشة و ما تحتها‬ ‫‪_#‬إزالة آثار التعب التي تظهر حول العيون‬ ‫‪_#‬تحسني الندوب الخاصة بحب الشباب‬ ‫‪ _#‬التخلص من تأثريات أشعة الشمس التي سببت الرضر للبرشة‬ ‫لكل تقنية منافع و لها أرضار أيضا لذا ننصحكم بالحذر و عدم تسليم وجوهكم ألي كان أو تجريب ذلك‬ ‫بأنفسكم‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫شعر‬


‫إىل شريين أبو عاقلة‬ ‫عمر شبيل ‪2022/5/13‬‬ ‫يُ ِ‬ ‫أخت‪ّ ،‬أن عريب‪،‬‬ ‫ؤسفُني‪ ،‬يا ُ‬ ‫لسانُ ُه أط َو ُل من ِ‬ ‫سالح ِه‪،‬‬ ‫سال ُح ُه الرصا ُخ وال ُخط َْب‬ ‫العرب‪،‬‬ ‫تسترصخي‬ ‫«شريي ُن»‪ ،‬ال ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫املشقوق‪،‬‬ ‫قميص ِك‬ ‫سوف يجيئون‪ ،‬ويف أيْ ِديه ُم‬ ‫ُ‬ ‫وفوقَ ُه د ٌم ك َِذ ْب‪.‬‬ ‫أخجل من ِ‬ ‫جرح ِك‪ ،‬يا «شريي ُن»‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫العرب‬ ‫وه َو ين َز ُف‬ ‫ْ‬ ‫أُنْ ِ‬ ‫يطيب‬ ‫الجرح ل ْن‬ ‫بيك‪ ،‬يا «شريي ُن»‪ ،‬إ ّن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الخضيب‬ ‫ّإل إذا َض َّم ْدتِ ِه بشعب ِ​ِك‬ ‫ْ‬ ‫*****‬ ‫أخت‪ّ ،‬أن ُمسلِ ٌم‪ ،‬سال ُح ُه الدعا ْء‬ ‫يؤسفُني يا ُ‬ ‫ندعو عىل العد ِّو يف الجوام ْع‪،‬‬ ‫وصوتُنا أعىل من املداف ْع‪،‬‬ ‫رس ُق ال ِع َن ْب‪.‬‬ ‫ومندح الناطو َر‪ ،‬وهو ي ِ‬ ‫ُ‬ ‫*****‬

‫طائر الفينيق‬


‫ليت‪ ،‬يا أختا ُه‪ّ ،‬أن عريب‪،‬‬ ‫يا َ‬ ‫لسانُ ُه يف َجيْبه‪،‬‬

‫سال ُح ُه يف ِيد ِه‪ ،‬وجر ُح ُه ال ُهويّ ْة‪.‬‬ ‫الجرح الذي ضام ُد ُه القضيّ ْة‬ ‫أجمل‬ ‫َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫خضيب ن ْز ِف ِه تولَ ُد بندق ّي ْة‪.‬‬ ‫ومن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫عندئذ لو قب َِل السال ْم‬ ‫يكو ُن من بُنو ِد ِه الحسا ْم‬ ‫*****‬ ‫د ُم ِك يا «شريين»‪،‬‬ ‫فوق ِ‬ ‫قد صار َ‬ ‫اإلكليل‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫نعش ِك‬ ‫الدليل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫كان عىل حضار ِة املستعم ِر‬ ‫« شريي ُن» ِ‬ ‫أنت ُم ْجرِم ْة‪،‬‬ ‫وآل ُة التصوي ِر يف يَ َديْ ِك من أسلح ِة الدما ْر‬ ‫وصوتُك األبع ُد من أوها ِمه ْم‬ ‫تُهمتُه اإلجرام‪.‬‬ ‫*****‬ ‫قابيل‪ ،‬يا «شريي ُن» حتى اآل ْن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يخاف من «هابيل»‬ ‫أل َّن يف العدوانِ ضعفًا عندما يوا ِج ُه اإلميان‪،‬‬ ‫والبندقيّ ْة ‪،‬‬ ‫عندما يحملُها ال ُعدوا ْن‬ ‫ُ‬ ‫تخاف من ِسكِّي َن ٍة يحملُها اإلميان‪.‬‬ ‫*****‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أخت أن د َمنا ال َحرا ْم‬ ‫يؤسفُني يا ُ‬ ‫الجيوب بالحرا ْم‪.‬‬ ‫متتلئ‬ ‫ليس حراماً عندما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫والقدس‪ ،‬يا «شريي ْن»ـ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وضوحها وقربِها‪ ،‬بعيد ٌة‬ ‫بالرغم من‬ ‫صل‬ ‫وعندما نُ ّ‬ ‫يَ ُؤ ُّمنا الحاخا ْم‪.‬‬ ‫مرتديًا غبا َءنا و ُجبّ َة اإلسالم‪.‬‬ ‫*****‬ ‫ُ‬ ‫يطوف بي َننا‬ ‫أخجل من نَ ْع ٍش‬ ‫ُ‬ ‫أخجل من ِ‬ ‫جرح ِك إ ْذ نسأ لُ ُه‬ ‫ُ‬ ‫جيب‪ ،‬وهو ُ‬ ‫السبب‪.‬‬ ‫يعرف‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يرفض أ ْن يُ َ‬ ‫أخجل من صوتِ ِك‪ ،‬يا «شريين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫من ربعِ قرنٍ يُ ِ‬ ‫رس ُل الرصا ْخ‪.‬‬ ‫العرب‬ ‫تَسم ُع ُه الدنيا‪ ،‬وال يسم ُع ُه‬ ‫ْ‬ ‫*****‬ ‫نحن ٌ‬ ‫أخت‪ ،‬ال يَنق ُ​ُصنا اللجا ْم‬ ‫خيول‪ ،‬إنّ ا يا ُ‬ ‫خيولُنا رسيع ُة ال َع ْد ِو إ ِىل الورا ْء‬ ‫سيوفُنا معلّقاتٌ َسب ْع‬ ‫«مألنا الربَّ حتى ضاق ع ّنا وما ُء البح ِر منل ُؤ ُه سفينا»‬ ‫األمس ماتْ ‪،‬‬ ‫لآل َن ال نعرف أ َّن‬ ‫َ‬ ‫وأنّنا نُكْىس مبا يجعلُنا ُعراةْ‪،‬‬ ‫مثقوب‪ ،‬ونحن ال ْ‬ ‫نزال‬ ‫وال َدلْ ُو‬ ‫ٌ‬ ‫نري ُد أ ْن منألَ ُه باملا ِء حتى يرتوي القطيع‪.‬‬ ‫فليرشب القطي ْع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ولْيَ ْه َنأِ ال ُرعا ْة‬ ‫*****‬

‫طائر الفينيق‬




‫«شريي ْن »‬

‫ال ب ّد من أ ْن ي ِق َف املوتُ أما َم ِ‬ ‫ِ‬ ‫امللفوف‬ ‫نعش ِك‬ ‫بالوط ْن ‪.‬‬ ‫والشهدا ُء سوف يحرضون‪،‬‬

‫ويخجل األحيا ُء من حضورِه ْم‬ ‫ُ‬ ‫ألنّه ْم جاؤوا بال كف ْن‪.‬‬ ‫ال ب ّد أ ْن تبدأَ من ِ‬ ‫نعش ِك‪ ،‬يا شريي ْن»‪،‬‬ ‫خارط ُة الوط ْن‬ ‫فمن رأى خارط ًة تبدأُ من بَ َد ْن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أسأل‪ ،‬يا «شريي ْن»‪،‬‬ ‫عن وطنٍ يرس ُم من أبنائِ ِه خارط ًة بالد ُم‪.‬‬

‫الحب‪ُ ،‬م ْذ كان‪ِ ،‬ذ َم ْم‪.‬‬ ‫«شريي ُن»‪ ،‬إ ّن‬ ‫َّ‬ ‫إذ ْن‪ِ ،‬‬ ‫شئت‪ ،‬فلن ت ِ‬ ‫أحبّي مثلام ِ‬ ‫ُخطئُ ِك الطلق ُة‪،‬‬ ‫والحب ِذ َم ْم‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫****‬

‫«شريي ْن »‪،‬‬

‫تقتل ُِك الطلق ُة لك ْن أبدا ً‬ ‫تقتل الوط ْن‬ ‫لن َ‬ ‫كل من ماتوا‪ ،‬ومل ميوتوا‬ ‫ألنّ ُه مؤل ٌَّف من ِّ‬ ‫أخت‪ ،‬من كا َن وكُ ْن‬ ‫ُم َؤل ٌَّف‪ ،‬يا ُ‬ ‫*****‬ ‫«شريي ُن» إ ّن شعبَنا مقهو ْر‪.‬‬

‫يوم من األيام أ ْن يثو ْر‪،‬‬ ‫ال ب َّد يف ٍ‬ ‫الب َّد أن يثور‪،‬‬ ‫رص املقهو ْر‪.‬‬ ‫ال ب َّد أ ْن ينت َ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫نخاف من ِ‬ ‫«شريي ُن» لن َ‬ ‫سالحه ْم‬ ‫إ َّن الذي ُ‬ ‫القتيل‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫يخاف من آل ِة تصوي ٍر هو‬ ‫بقلب شعب ِ​ِك الواسعِ يا «شريي ْن»‪،‬‬ ‫نامي ِ‬ ‫نعل ُم أ َّن املوتَ لن ينا َم‪،‬‬ ‫لك ّنام األحقا ُد يف الصدو ِر لن تنا ْم‪،‬‬ ‫هذا الذي ح َّدث َ ِني ِه « ُع َم ُر» العائد من سلفيت‬ ‫النعش عن ِ‬ ‫وأ ُّم ُه إ ْذ ُ‬ ‫الس ّك ْني‪.‬‬ ‫َ‬ ‫تسأل‬ ‫والجرح‪ ،‬يا «شريي ْن»‬ ‫ُ‬

‫حتى ولو أ ْوغ َ​َل يف أعام ِقنا‪،‬‬ ‫ت ْ ُِبئُ ُه إراد ُة انتقا ْم‪.‬‬ ‫رصاص بندق ّي ْة‬ ‫رسها‬ ‫ُ‬ ‫وآل ُة التصوي ِر قد يك ُ‬ ‫وقد تكو ُن التهم َة ال ُهويّ ْة‪.‬‬

‫القبض يا «شريين»‬ ‫وقد يَ ِت ُّم‬ ‫ُ‬ ‫عىل الفدا ِّيئ الذي سال ُح ُه ِ‬ ‫الس ِّك ْني‬ ‫لك َّن ما مل تستط ْع ِ‬ ‫ْفيت» أ ْن تنالَ ُه‬ ‫«سل ُ‬ ‫َ‬ ‫األطفال يك ال يبلغوا‬ ‫شعب يَلِ ُد‬ ‫إخضا ُع‬ ‫ٍ‬ ‫مرحل َة الكهول ْة‬ ‫ليس مسمو ًحا لهم أ ْن يبلغوا مرحل َة الكهول ْة‬ ‫بل َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫واحد منذور‬ ‫أل ّن َّ‬

‫للثأ ِر م ّم ْن قتلوا أخا ْه‬ ‫وسجنوا أباه‬ ‫أل ِّمه إ ْذ ولدتْ ل ُه أخاً يف السج ْن‬ ‫رص السام ْء‬ ‫مل يب ِ‬ ‫ومل ي َر الطيو ْر‬ ‫*****‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أو زورق صغري من حطب‬ ‫أسافر فيه إليه مع زرقة السامء‬ ‫السحر‬ ‫ليالً مع ّ‬ ‫سألوين من جديد ما الخرب؟‬ ‫قلت‪:‬أنبته عشقاً يف أشعاري‬ ‫أنشدته ورتلته نشيدا ً وطنياً‬ ‫كاتبة فيه القصائد‬ ‫عىل نغم الوتر‬ ‫وهو يف وطن آخر‬ ‫ومنزل آخر‬ ‫وحيدا ً يشتيك وحديت‬ ‫نلطم معاً ظلم القدر‪...‬‬ ‫ملوح ًة مبنديل حبي‬ ‫عليك السالم‬ ‫إىل يوم املنتظر!‬ ‫يا شيزوفرينيا حرويف‬

‫طائر الفينيق‬


‫سألوني ما الخبر‬

‫د‪ .‬هويدا رشيف‬ ‫سألوين ما الخرب؟‬ ‫قلت‪:‬لحن قلبي يتاميل ‪،‬يتأرجح‬ ‫يتغنى بأيام السحر‪...‬‬ ‫عيوين ترتاقص عىل موج‬ ‫شفتيه بكل حذر‬ ‫قلت‪ :‬لو كان له برج‬ ‫لحبست نفيس يف دمه‬ ‫وأجري برشايينه ال مفر‬ ‫وأغرسه وردة حمراء‬ ‫تتفتح عىل أنفايس الرطبة‬ ‫بعيدا ً‪،‬بعيدا ً عن كل البرش‬ ‫آه‪،‬آ ٍه‪...‬‬ ‫لو كان له سفينة‬ ‫طائر الفينيق‬


‫شهداك‬

‫الشاعر‪ :‬حامد خضري الشمري‬

‫شهداك ذاب القلب‬ ‫بينهام‬ ‫فرتفقي ْيب إن ملستهام‬ ‫طريا هزار ٍ غ ّردا فدعي‬ ‫كفي ناعمتني عشهام‬ ‫ّ‬ ‫وثريتان إذا توهجتا‬ ‫ش ّع الوجو ُد وعاد مبتسام‬ ‫كأسان من خمر معتقة ٍ‬ ‫والش ْهد شعشع فيهام فهمى‬ ‫وفراشتان يفوح منتشياً‬ ‫روض البنفسج من جاملهام‬ ‫ُ‬ ‫وهام كقيثارين يطربني‬ ‫ويشيع ّيف البـِش ْـ َر عزفهام‬ ‫طوىب ملا يف الصدر ملهمتي‬ ‫فلقد ركعت اليوم عندهام‬ ‫والروض نادتني منائره‬ ‫والقبتان سجدت تحتهام‬ ‫ِ‬ ‫شهداك ناقوسان ِ فاتخذي‬ ‫صدري الولهان َديْ َره ُـام‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫جاء الربيع وعاد منخذالَ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫رحـلـة تأمـل‬

‫الشاعر ‪ :‬عيل مويسات الجزائري‬

‫فـسالـت دمـوعي فـوق خـدي َجـــوارِيا‬ ‫للـنجــوم العـوالِيـا ‪°‬‬ ‫َرنـ ْوتُ بعــيـني‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫مـوا ِقـعها تـلك الـنجــوم مـثـيـــــ َر ٌة ‪ °‬نــراهـا عــىل َمــ ِّر الــزمانِ َســـوارِيا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بـعـد الـتــأ ُمـلِ بـاكِــيا‬ ‫لـلـبعـيــد تأ ُمـال ‪ °‬فــيـرجِـــ ُع ِمــ ْن‬ ‫ـــل طــ ْريف‬ ‫فـأرس ُ‬ ‫ليس ُمفارِقي ‪ °‬كــأ َن بـنـات الـشع ِر ت َـ ْهـــ َوى ُسـهـا ِديا‬ ‫ويف الليلِ نبض الشع ِر َ‬ ‫ـج يف عم ِر امل َ‬ ‫الـشـبـاب بَـوا ِقــيا‬ ‫الـقـلـب أ ْعــالق‬ ‫شـيـيب قواريب ‪ °‬ويف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتولِ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الـنــفــس حانِــيا‬ ‫ومايل ِس َوى همس السكونِ ُمسا ِمري ‪ °‬صـدا ُه له َوقْــ ٌع عـىل‬ ‫حـيـب َسـواسـيا‬ ‫ــسـيـس تـساؤ ٍل ‪ °‬فـنـ ْب ِحــ ُر يف‬ ‫يُــ َر َّد ُد يف ُعـ ْمـقي َه‬ ‫األفـق ال َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ـلـكــوت الله ا ْمـيض ُمـــسا ِفـرا ‪ °‬فـ ُيــ ْبـهِـــرين ُصـنـع القــديــ ِر إال ِهــيا‬ ‫ويف َم‬ ‫ســ ُيـ ْنـهي مـسا َر العـمــ ِر موتٌ ُمـقــ َّد ٌر ‪ °‬ونَـرجــ ُع يـــو َم الــبــ ْع ِ‬ ‫ـــث لل ِه ثـانِــيا‬

‫ِ‬ ‫عــاصـــــيا‬ ‫شـــــقـي كـان لله‬ ‫فــمـنا ســعــيــ ٌد يف الـ َيـمـيـــنِ كــتابـه ‪ °‬ومــنـا‬ ‫ٌ‬ ‫ــح َمــ ْن شَ ــ َط بـ ِفـكـ ِر ِه ُم ِ‬ ‫ـلـحــدا ‪ °‬فأتـ َبـ َعــ َه الـشــيـطـا ُن إ ْذ صا َر غـا ِويا‬ ‫فــيا َويْ َ‬

‫ـص عـلـيـنا يف ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫وكــل عــىل مـاكـان مــنـ ُه ُمـجـازِيا‬ ‫ٌ‬ ‫حاف ِفـعالنا ‪°‬‬ ‫سـتُ ْح َ‬ ‫العــلـيـم قــ ْد قـ ْد أحاط بخــلـ ِقـ ِه ‪ °‬ويـعـلـم ما يَـخــفَـى ومـا كـان بـا ِديا‬ ‫و ِعــلـ ُم‬ ‫ِ‬

‫عـمـيـق الغـ ْو ِر ال ُمـتَــنا ِهــيا‬ ‫الخـلــق إال كــقـطــ َر ٍة ‪ °‬بِــ َبـ ْحـ ٍر‬ ‫أراهـا عــلــو َم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫رب الـعـــــ ْر ِش تُـخــبِـــــ ُر أنـ ُه ‪ °‬إلــ ٌه عـــــظـــيـــ ٌم قــا ِد ٌر ُمــتَــعـالِـــيا‬ ‫وآيـاتُ ِّ‬

‫ـب يُــطْـ َوى دونَــنا ِ‬ ‫ــب أنــ ُه خا ِفـيا‬ ‫ولحــكْـ َم ٍة ‪ °‬وأ ْر َو ُع ما يف الغـــ ْي ِ‬ ‫أ َرى الغــ ْي َ‬

‫طائر الفينيق‬


‫هل في ُذرانا من رفيق ؟‬

‫د‪ .‬فاطمة مهدي الب ّزال‬ ‫ْ‬ ‫تقرتف إال جناية عمرها‬ ‫يا زهر ًة مل‬ ‫املغيب‬ ‫ُمذ راو َدتها لهف ٌة نحو‬ ‫ْ‬

‫الوقت العقي َم ببابِها‬ ‫يحرس‬ ‫من‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ظل‬ ‫يرتاح يف ّ‬ ‫طيل عم ًرا آخ ًرا‬ ‫و يُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ريب؟‬ ‫الحكايا باسطًا كفّي ِه يف أم ٍر ُم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ستستهل‬ ‫ُّ‬ ‫الجهات إذا دن ْو ِت‬ ‫كل‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫عم يستب ُّد‬ ‫لترصف األنواء ّ‬ ‫محدودب ال ّن ِ‬ ‫بض‬ ‫بخافق‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫رتيب‪.‬‬ ‫عىل بح ٍر ْ‬ ‫منيش عىل أعامرنا‬ ‫وندوس ِظ ًّل صامتًا‬ ‫ُ‬ ‫الطريق»‬ ‫«مات‬ ‫حتى وإن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬

‫رفيق‬ ‫ْ‬ ‫هل يف ذرانا من ٍ‬ ‫حاب‬ ‫يو ِر ُد األيا َم من ّ‬ ‫الس ِ‬ ‫طل ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وكل ما يف جو ِف ِه ُ‬ ‫ضعف‬ ‫أمثال‬ ‫ّ‬ ‫اب ؟‬ ‫ق ْد تغشّ ا ُه ّ‬ ‫الس ْ‬

‫طائر الفينيق‬


‫إذ فاح يف اآلفاق عطرهام‬ ‫تذوي الزنابق يف خامئل‬ ‫ويظل زاهي اللون روضهام‬ ‫ّ‬ ‫ضاعت بقفـْر الحب قافلتي‬ ‫فرأيت دريب يف الدجى بهام‬ ‫العني تنهش منهام ويدي‬ ‫تدنو وقلبي حام حولهام‬ ‫وهام وجودي كله وأنا‬ ‫ما كنت إال عابدا ً لهام‬ ‫أص ُب بال ورع ٍ‬ ‫إن يلهثا ْ‬ ‫وأنا الربي ُء أعود متـّ َهام‬ ‫عجبي لعنقودين ِ من عسل ٍ‬ ‫الغض والتهام‬ ‫خطفا فؤادي ّ‬ ‫لو مل يكونا مل تكن أبدا ً‬ ‫أرض بها يحيا الورى وسام‬ ‫ٌ‬ ‫شهداك مام فيك ِ من ألق ٍ‬ ‫مل أستطع لآلن نطقهام‬ ‫ال لن أمسهام وال سلمت‬ ‫كف تدنـّس ذلك الحرما‪//‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫أعام ُرنا مقص ّي ٌة‬ ‫ياح ‪.‬‬ ‫وغاللُنا كال ّرملِ تذروها ال ّر ْ‬ ‫تبتئس!!‬ ‫ال‬ ‫ْ‬ ‫وجيش من غُبا ْر‬ ‫ٌ‬ ‫رب وأتبا ٌع‬ ‫فلكل «قافل ٍة»‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬ ‫طريق زاخ ٌر ‪ٌّ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫اإلثم يف وضح ال ّنها ْر‬ ‫يتناوبون عىل‬ ‫اقرتاف ِ‬ ‫ليل ستهذي‬ ‫مررت بفسق ِهم ً‬ ‫وإذا‬ ‫َ‬ ‫كلُّهم ُرهبا ُن ليلٍ « ُخشّ عا أبصا ُرهم»‬ ‫السجو ِد‬ ‫محدودب َني وق ْد أطالوا يف ّ‬ ‫ويف الوعو ْد ‪.‬‬ ‫ال تبتئس إن َ‬ ‫جاءك الطُوفا ُن بالنبأ العظيم‬ ‫وتسابق الفقرا ُء ترتى‬ ‫الصدي ْد‬ ‫ُمجهدين ويف حلوقه ُم ّ‬ ‫عميق‬ ‫يتقاذفو َن املوت يف زه ٍو‬ ‫ْ‬ ‫أين الطريق؟‬ ‫الجهل وانعتق الكال ْم‬ ‫ُ‬ ‫«ال عاصم اليو َم» استُبيح‬ ‫اب الحام ْم‬ ‫ْ‬ ‫وتسابقت يف األفق أرس ُ‬ ‫ق ْد ال يكو ُن الحل ُم مسمو ًحا ولك ْن‬ ‫بالعزم ت ُحيي‪ ،‬كلّام مات َ ‪،‬‬ ‫قبض ٌة ُمخضلّ ٌة‬ ‫ِ‬ ‫السال ْم ‪//.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫ِ‬ ‫رفيق ُمثقلٍ‬ ‫بالحرف تجري يف معانيه‬ ‫هل من ٍ‬ ‫اشتهاءات الفرا ِر من القوايف والبحو ْر؟‬ ‫ُ‬ ‫طريق للعبو ِر بال سؤال؟‬ ‫هل من‬ ‫ٍ‬ ‫يستنطق املايض ويخل ُع يف زوايا ُه بقايا اإلنتظا ْر؟‬ ‫ُ‬ ‫هذا ُم ْ‬ ‫حال !‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ليست تحي ْد‬ ‫الجهات منار ٌة‬ ‫وهناك يف أقىص‬ ‫ْ‬ ‫للمغيب‬ ‫تؤش‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫كانت ّ ُ‬ ‫الضيا ِء عالم ًة‬ ‫لك ّنها ُّ‬ ‫تستل من وه ِج ّ‬ ‫تلهو بها‬ ‫وتخي ُط فستان الحبو ِر للعب ٍة منس ّي ٍة‬ ‫وتعي ُد ترتيب األماين والوعو ْد ‪.‬‬ ‫الشو ْد‬ ‫وهناك يف برئ ّ‬ ‫صوت يُحايك الضو َء‬ ‫ٌ‬ ‫وحي ونو ْر‬ ‫يف أطام ِر ِه ٌ‬ ‫حيق‬ ‫استل سيفًا يك يؤ ّد َب ُعصب ًة ألقتْ ُه يف‬ ‫ما ّ‬ ‫الس ْ‬ ‫الجب ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ابتهاالت ال ّدمو ْع‬ ‫ريق عىل مرمى العيونِ ويف‬ ‫كا َن الطّ ُ‬ ‫ِ‬ ‫الوجد ضا ْع‬ ‫لك ّن ُه عن َد اشتدا ِد‬ ‫ِ‬ ‫بعض اإلنكسا ِر‬ ‫استحل‬ ‫ّ‬ ‫الجهات إذا‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫القلب ُ‬ ‫َ‬ ‫يعوزها خ ّط ال ّرجو ْع ‪.‬‬ ‫اسرتح‬ ‫صاحب األم ِر‬ ‫يا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫القحط ق ْد ع ّم البال ْد‬ ‫هذا أوا ُن‬ ‫للس ْ‬ ‫ؤال ؟‬ ‫ماذا سيبقى ّ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫َّ‬ ‫«مظفر الن ّواب»‬ ‫إىل روح الشاعر‬

‫الشاعر‪ :‬عمر شبيل ‪2022 /5/22‬‬ ‫أنت يا ُمظَ ّف ْر‬ ‫ها َ‬ ‫ْ‬ ‫العراق‬ ‫تعود‬ ‫«ريل و َح َم ْد»»‬ ‫لك ْن بال ْ‬ ‫والجس ُم كالرو ِح إىل َم ْنب ِت ِه يشتاق‬ ‫«والريل» يا « َح َم ْد»‬ ‫ُ‬ ‫مثل َ​َك يف جس ْد‬ ‫«يُ ُر ْد للنارصي ْة ْردو ْد»‬ ‫« َم ْخ ْ‬ ‫بألف َع ْبةْ»‬ ‫نوك ْ‬ ‫وأنت يا ُمظَ ّف ْر‬ ‫َ‬ ‫تطلب يف َع ْو َدتِ ِه‬ ‫ُ‬ ‫مثل َ​َك أالّ «يَ ْج َع ْر‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫الس ْمرة»‬ ‫«تخاف يْ َف ّز ِز َ‬ ‫ينطفئ الجس ْد‬ ‫وعندما‬ ‫ُ‬ ‫ليس يكو ُن جائزا ً للرو ِح أن ُتار َِس الحس ْد‬ ‫يحق يف الغرب ِة أ ْن‬ ‫ِْ‬ ‫كانا‬ ‫رفيقي وال ّ‬ ‫ُيا َر َس الحس ْد‬ ‫كانا معاً عىل الطريق «يلعبانِ طُ ّف َريةْ»‬ ‫«ريل» أنا‬ ‫مثل َُك يا ْ‬ ‫ْ‬ ‫«مخنوك بْألِ ْف َع ْيةْ»‬ ‫كنت عىل الغرب ِة يا ُمظّ ّف ْر‬ ‫َ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫بطوالت مواطن عربي‬

‫الشاعرة رانية مرعي‬ ‫أيّها التّاري ُخ س ّج ْل‬ ‫وأب ًدا أب ًدا ال تؤ ّج ْل‪..‬‬ ‫انترصت عىل وطني!‬ ‫ُ‬ ‫عق ْر ُت تربتَ ُه الشه ّية‬ ‫وأ ْد ُت شعلتَ ُه البه ّية‬ ‫ر ّو ْع ُت ضحكتَ ُه الشج ّية‬ ‫وانتشيت‪..‬‬ ‫وهويّتي م ّزقتُها‬ ‫وحمل ُْت طائفتي ومضيت‬ ‫كل أعدايئ‬ ‫أحاك ُم بها ّ‬ ‫ونسيت‬ ‫أنّهم رفاق طفولتي‪v‬‬ ‫علم لنشيدي‬ ‫ورس ْم ُت ً‬ ‫ورث ُْت البح َر‬ ‫وس ّي ْج ُت حدودي‬ ‫باألسامء‬ ‫ودف ْن ُت عىل تخو ِمها‬ ‫كل الذكريات‬ ‫ّ‬ ‫كل املصفّقني‬ ‫وأقن ْع ُت ّ‬ ‫أ ّن معي مفتاح الج ّنة‬ ‫بشين‬ ‫وأنّنا من امل ُ َّ‬ ‫وأ ّن من خالفَنا‬ ‫يف ضالل ُمهني‬ ‫أيُّها التّاري ُخ س ّج ْل‬ ‫رص ُت عىل وطني‪!..‬‬ ‫انت ْ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫الربيع‬

‫الشاعرة‪ :‬سهر الدغمة‪ /‬فلسطني‬ ‫أقفز األن‬ ‫نعم‬ ‫مع الربيع‬ ‫والورق االخرض‬ ‫مع السامء العاجة بالشمس‬ ‫واملنقلبة مع ضفائر غروب الشمس‬ ‫تلونت عيونك‬ ‫وسقطت دمعاتك‬ ‫وحازت شفتك عىل إعجاب من ألقى لها نظرة‬ ‫وليكن هذا املساء!‬ ‫كجاملك املرصع بالهدوء‬ ‫وتناول ما تشاء‬ ‫عزيزي‬ ‫فاألرض لنا‬ ‫واللوز االخرض عىل وشك أن يثمر‬ ‫إياك أن تنىس‬ ‫من ناداك حني وقعت‬ ‫واحتضنت هذه الروح‬ ‫البياتة يف ورق شجر‬ ‫منقوشة ‪//‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫ُ‬ ‫تقول للعراق‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وي ِح ْن»‬ ‫«ح ْن بُ َ‬ ‫« ْونِحي ِْس ال َونّ ْة ِ‬ ‫ونْ ِت ِحن»‬ ‫خوصلِ ْش ك َِّت الدم ْع»‬ ‫«م ْر ْ‬ ‫رش ْط الدم ْع َح ْد ِر الجف ْن»‬ ‫« ْ‬ ‫ْ‬ ‫للعراق‬ ‫كنت ترىض‬ ‫ما َ‬ ‫يف ظلم ِة الغرب ِة أن يبيك‬ ‫ْ‬ ‫معك‬ ‫لك ّنها الغربة يا « ُمظَ َف ْر»‬

‫قاسي ٌة‪ ،‬ودم ُعها ال يُ ْز َج ْر‬ ‫وقد ُ‬ ‫ْ‬ ‫العراق‬ ‫تطول غرب ُة‬ ‫لك ّنه َ‬ ‫وروح‬ ‫سوف يعو ُد جس ًدا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ميوت‪.‬‬ ‫إ ّن‬ ‫العراق لن ْ‬ ‫وأنت يا مظف ْر‬ ‫قلت للعراقِ ‪ :‬روحانا معاً‬ ‫كم َ‬ ‫«يا ْال ترسي ِ َّب ْويأ الن ْب ْض»‬ ‫روحي ْعىل رو َح ْك تَ ْن ِس ِحن»‪//‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫جاءت إلي ِه ليس غريي‬ ‫إ ّن من‬ ‫ْ‬ ‫ليتني أقد ُر أ ْن أر ِج َعها يك ال ترى‬ ‫حل يب‪.‬‬ ‫ما َّ‬ ‫كان يكفيها الذي م َّر علينا‪.‬‬ ‫باب الفج ِر حتى ال يراها‬ ‫ْ‬ ‫أغلقت يف الليلِ َ‬ ‫وقالت َغطِّني‪ ،‬يا َولَدي‪،‬‬ ‫السجن‪،‬‬ ‫صاحب‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫بالليلِ حتى ال ي َر ْوين‪.‬‬ ‫كيف جاءت‪،‬‬ ‫تفعل شيئاً‬ ‫وهي ال تقد ُر أ ْن َ‬ ‫تدخل يف حزين وأرسي‬ ‫َ‬ ‫غ َري أ ْن‬ ‫وأنا ُ‬ ‫أعرف أين غبت عنها منذ دهرٍ‪،‬‬ ‫وهي يف حفرة ق ِرب‪.‬‬ ‫آ ِه‪ ،‬يا أ ّمي اعذريني‪ ،‬كم َتَ َّن ْي ُت لَ َو انّا‬ ‫ههنا ال نلتقي‪.‬‬ ‫فاقبيل يا أ ِّم عذري‬ ‫اىل من يؤملني انني كلام دخلت الدار ال اراها‬ ‫سألت ِ‬ ‫عنك فقالوا ه ّدها االنتظا ُر فَ َر َحلَ ْت‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫بعدك عن راحلٍ أو ُمقيم‬ ‫فلم أسأل‬ ‫ُ‬ ‫الفراق فيال ُه كم يوجع‬ ‫طال‬ ‫و دنا اللّقا و امللتقى ِ‬ ‫بك أو َج ُع‬ ‫شابت نوايص هامتي‬ ‫فأنا و إ ْن‬ ‫ْ‬ ‫و ال ّدهر ُ يطب ُع ك ُف ُه ما يطب ُع‬ ‫احمل يف الفؤا ِد طفولتي‬ ‫ُ‬ ‫مازلت‬ ‫ُ‬ ‫حسني يف ِ‬ ‫املهد طفال يرضع‬ ‫وأُ ُ‬ ‫طيب قالدة الود ِع التي‬ ‫مازال ُ‬ ‫طائر الفينيق‬


‫زيارة‬

‫الشاعر‪ :‬فواز الحمفيش ‪ /‬العراق‬ ‫أيضاً ألمي التي أ ّجلت موتها م ّرتني لتحرض عريس‬ ‫ٍ‬ ‫السواحل»‬ ‫ْ‬ ‫ومجذاف ليك تبدو‬ ‫من ديواين «ال ب ّد من َزنْ ٍد‬ ‫قلب أمي كان أعمى‬ ‫ُ‬ ‫ال يرى يف الكونِ غريي‬ ‫يوم راحت لن تراين‪،‬‬ ‫كنت أدري أنّها من ِ‬ ‫ُ‬ ‫إنها ترق ُد يف حفر ِة قربِ‪.‬‬ ‫وأنا يف آخ ِر الدنيا‪ ،‬ودوين ظُلْم ٌة تُش ِب ُه عمري‪.‬‬ ‫والباب ُم ْغل َْق‪،‬‬ ‫جاءت إىل زنزانتي‪،‬‬ ‫فجأ ًة‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫باب الل ِه ُم ْغل َْق‬ ‫وبوجهي كا َن ُ‬ ‫لسعِ الربد ُم ْغل َْق‬ ‫وف ُم الس ّجانِ من ش ّد ِة ْ‬ ‫كالباب ُم ْغل َْق‪.‬‬ ‫وفمي‬ ‫ِ‬ ‫باب!!‬ ‫الباب‪ ،‬ولك ْن ُّ‬ ‫أي ْ‬ ‫فُ ِت َح ُ‬ ‫باب قلبي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وكل الكونِ ُمغل َْق‬ ‫الباب‪ُّ ،‬‬ ‫كيف‬ ‫آ ِه‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫انفتح ُ‬ ‫الباب‪،‬‬ ‫الباب‪ ،‬وال أعل ُم َ‬ ‫وإذا أمي عىل ِ‬ ‫كيف انفتَ َح ُ‬ ‫ص ببايب‪.‬‬ ‫الحارس املَقْرو ُر‪،‬‬ ‫و َم َّر‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫واملفتاح ما َ َّ‬ ‫وكل الكونِ ُم ْغل َْق!!!‬ ‫فتح الباب‪ُّ ،‬‬ ‫يا ت ُرى من َ‬ ‫يا ت ُرى من دلّها‬ ‫قلب أ ّمي كا َن أعمى‬ ‫ُ‬ ‫ال يرى يف الكونِ غريي‪.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫هزيمتي في حبك انتصار‬

‫الشاعرة هدى غازي‪ /‬لبنان‬

‫تجوب عروقي‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬فيصدح َز َم ِان ب ِْاس ِمك‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬وم ُّد املو ِج ِف َع ْي َن ْيك‬ ‫‪‎‬يالط ُم قال َع أشواقي‬ ‫غزل تار ِ‬ ‫‪‎‬يَا رجالً َ‬ ‫ِيخي‬ ‫ون بِه‬ ‫‪‎‬ونسج ِمن ُج ُن ِ‬ ‫َ‬ ‫س َم ِديَّة اإلنصهار‬ ‫‪‎‬اسطور ًة َ ْ‬ ‫‪‎‬هزميتي‬ ‫‪ِ ‎‬ف ُح ِّبك انْ ِت َصار‬ ‫‪‎‬يَا نغم ًة َع َزفَت‬ ‫‪َ ‎‬ع َل أوتا ِر قَلْبِي‬ ‫سار‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬أجمل الْ َ ْ َ‬ ‫‪‎‬تَ َو َّضأَ ُت بصدقك‬ ‫عشق‬ ‫‪‎‬وبهمس ِة‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫مشارف بوحك‬ ‫‪َ ‎‬ع َل‬ ‫‪‎‬ضاهت ِب ُح ْس ِن َها‬ ‫ْ‬ ‫‪‎‬أجمل الْ َشْ َعار‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬يرفرف خا ِف ِقي‬ ‫ِ‪‎‬ف الْ َه َوى فَ َر ًحا‬ ‫‪‎‬وترتدي درويب‬ ‫‪‎‬رونق الْ َ ْز َهار‬ ‫َ‬ ‫‪َ ‎‬وبَ ْي نبضك ونبيض‬ ‫ِ‬ ‫البعد‬ ‫ثلج‬ ‫‪‎‬يذوب ُ‬ ‫ُ‬ ‫ان‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬تتصافح الْ َ َم ِ ّ‬ ‫‪‎‬ويف ُّر ِالنْ ِتظَار‬ ‫طائر الفينيق‬


‫نُ ِظ َم الفؤا ُد بخيطَها يتضو ُع‬ ‫ُن صوت ُِك شادياً‬ ‫مازال يف أُذ َ َ‬ ‫طورا ً يف ِّرقني و طورا ً يجم ُع‬ ‫مازلت يا أُ َّم الشّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫دائد َم ْف َزعي‬ ‫أشكو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحادثات وأفز ُع‬ ‫إليك‬ ‫عدت ُ‬ ‫أعرف من أنا‬ ‫ال تسأيل ما ُ‬ ‫أبحرت ِ‬ ‫عنك ُم َض ّيع‬ ‫أنا منذ أن‬ ‫ُ‬ ‫أَ َو تسأليني عن رشاع سفينتي‬ ‫الجهات األرب ُع‬ ‫ول تَقاذفه‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫وعينيك التي أشتاقها‬ ‫أخىش‬ ‫املوجعات ال ُه َّج ُع‬ ‫أن ت ُستَف َّز‬ ‫ُ‬ ‫الف تساؤ ٍل و تساؤ ٍل‬ ‫يا أ ُّم ُ‬ ‫الخطوب فتلس ُع‬ ‫تغفو فتوقظها‬ ‫ُ‬ ‫أ َو تعلمني بأن تحت جلودنا‬ ‫ُح ُجب من الظلامت ليست ترفع‬ ‫دواخل لو كُشِّ فت أرسارها‬ ‫ٌ‬ ‫و‬ ‫التحنن ُمرض ُع‬ ‫أرضعت رغم‬ ‫ما‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّان أُ ِ‬ ‫عيذك أن تري ما كتّمت‬ ‫نفيس وما نامت عليه االضلع‬ ‫صدري االحزا ٌن تأكل بعضها‬ ‫يف‬ ‫َ‬ ‫مفز ُع‬ ‫ليل بهي ٌم مدله ٌّم‬ ‫ٌ‬ ‫موحش‬ ‫ٌ‬ ‫خرب الجوانب‬ ‫ٌ‬ ‫أنا‬ ‫هيكل ُ‬ ‫ٌ‬ ‫متص ِّدع‬ ‫متزلزل‬ ‫متآكل‬ ‫ال تعجبي فالحزن صار شعارنا‬ ‫إن مل تجده نفوسنا نتص ّنع‪//‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫وكيف ينمو الحرف يف لسانها‬ ‫ومل تزل يف فرتة الحليب‬ ‫سي يل مبا ِ‬ ‫فيك‬ ‫أَ ِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫يبكيك‬ ‫الحس‬ ‫فوأد‬ ‫ِّ‬ ‫رسي يل بال وجلٍ‬ ‫أ ّ‬ ‫وقويل ما انطوى في ِكذ‬ ‫والنزيف‬ ‫بثوبك امل ُ َد ّمى والجر ِح‬ ‫ْ‬ ‫اآلهات يف القلب ت ِ‬ ‫ُضنيك‬ ‫ورصخة‬ ‫ْ‬ ‫السحري‬ ‫للبوح يا سيديت‪ .‬تأث ُري ُه‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫يشفيك‬ ‫بوحي وال تخايف فالب ْو ُح‬ ‫قويل الذي يف ْ‬ ‫البال‬ ‫يسرتيح ْ‬ ‫ْ‬ ‫البال‬ ‫بالقال‪ .‬لن‬ ‫بالقيلِ أو‬ ‫َ‬ ‫ال تسكني يف الصورة‪ ،‬واألُطُ ِر املحفور ْة‬ ‫والكف ُن الحقيقي يف الصورة املحصور ْة‬ ‫يناقض الصريورة‬ ‫والوأ ُد منذ كا ْن‬ ‫ُ‬ ‫قد كان أشقى صور ٍة‪.‬‬ ‫عن أم ٍة مقهورة‪.‬‬ ‫قد يخجل الرتاب من طفل ٍة مطمورةْ‪//.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫من لثغة الحرف إىل العيادة‬

‫الشاعرة ‪ :‬دالل مهنا الحلبي‬

‫تستوط ُن الفكر الذي يسكنني‬ ‫عبق عتيق‬ ‫روائح من ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫صوت ال ذاكر ٌة له‬ ‫ال‬ ‫َ‬ ‫و ُمبه ُم الثوب بال مالم ٍح‬ ‫لكنه عجيب‬ ‫قد ولدته امرأ ٌة باكية‬ ‫يف حضنها‬ ‫وميض فكرها يسألني‬ ‫كان‬ ‫ُ‬ ‫وال أجيب‬ ‫كانت حروف فكرِها‬ ‫تبرص ما املعنى الذي تريد‬ ‫أن تبديه لآليت إىل حكم ِتها‬ ‫ليهدأَ الوجيب‬ ‫كانت بومض فكرها تثمل من‬ ‫يطيب‬ ‫يري ُد من علَّ ِت ِه السودا ِء أن‬ ‫ْ‬ ‫وقوة االفكار واألسامء يف دفرتها‬ ‫متنحها الدخول للعقل الذي تريد ُه‬ ‫وتكشف الغيوب‬ ‫قبل‬ ‫كانت جنيناً ْ‬ ‫ومل تكن ُ‬ ‫دت‬ ‫تعرف كيف ُولِ ْ‬

‫طائر الفينيق‬



‫مكان آخر‬

‫الباب مرشع‬ ‫الشاعرة‪ :‬سناء الحاموش‬ ‫والنوافذ‬ ‫تصفق للعاصفة ‪...‬‬ ‫والضوء يف املكان‬ ‫يراقص فراشة‬ ‫تأىب أن تنطفىء ‪..‬‬ ‫وجه يف لوحة يهيم ‪...‬‬ ‫ودخان رمادي ينتفض‬ ‫مع كل نبص هواء ‪...‬‬ ‫عندما يصري الكون‬ ‫سقفاً ‪ ،‬وجدارا ً‪ ،‬ووجهاً‬ ‫كيف اسرتدين منه‬ ‫وقد انسحبت عني‬ ‫مالمحي واصوات العصافري ‪..‬‬ ‫كيف اصحو من الليل وما عاد‬ ‫يأتيني بهداياه الصباح ‪...‬‬ ‫ال يتوقف الدوار يف رأيس‬ ‫زحمة من رصاخ وغناء ‪...‬‬ ‫اقبع كصنم‪ ...‬اتأرجح كنجم‪..‬‬ ‫وقلبي يف مكان أخر ‪...‬‬ ‫هده البكاء‬ ‫طائر الفينيق‬



‫الشاعرة نها املوسوي‬

‫ور‬ ‫شارع َمهجُ ٍ‬

‫جسم يلبس ال ّنار‪،‬‬ ‫يتّجه إىل األسفل‬ ‫يرقد يف صورة تختزل ال ّزمن‬ ‫يتساءل‪:‬‬ ‫هل أنا خارج من صورة مائ ّية أو هوائ ّية أو صورة تراب ّية ‪..‬؟‬ ‫رسم أو شب ًحا‬ ‫قد أكون صور ًة أو ً‬ ‫نيس تاريخه‬ ‫ويبحث عن ذاكرة‬ ‫مخبىأة يف نص يتج ّول بحرية‬ ‫عىل ضفاف جسد هادىء‬ ‫قد ال تفهمني‬ ‫أنت‬ ‫أنا مل أَكن يف النص الَّذي تقرأة َ‬ ‫انا حنطة الشّ وق الشتائ ّية املجبولة بالخوف املجبولة بال ّدفء‬ ‫كل مواعيد الوالدة‬ ‫وانت الضوء األعرج املتأ ّخر دامئًا عن ّ‬ ‫أنا دوائر الينبوع املتسع ليغمر الوجود بأرسه‪//.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫واأليت يـبـدو خـا ِفـيـا‬ ‫ُحـلـمي تـ َبـ َّخـ َر فـي الهـوا‬ ‫خـ ُط الـ ِنـهـايَـ ِة بـا ِديـا‬ ‫الـمـوت حـويل حـائِـ ٌم‬ ‫ُ‬ ‫وأرا ُه مـني دانِـيـا‬ ‫ُحـلـمي تـ َبـ َّخـ َر فـي الهـوا‬ ‫خـ ُط الـ ِنـهـايَـ ِة بـا ِديـا‬ ‫الـمـوت حـويل حـائِـ ٌم‬ ‫ُ‬ ‫وأرا ُه مـني دانِـيـا‬ ‫والله يـا أمي رحـيـ ْم‬ ‫مـايل ِسـوا ُه راجـيـا‬ ‫فـلـ َعـلـ ُه سـ ُيـعـيـ ُدنـي‬ ‫يـا أ ُم نحـ َو ِك ثـانـيـا‬ ‫طـلـب أخـيـ ْر‬ ‫أمـا ُه لـي‬ ‫ٌ‬ ‫كـوين َعـلـيـا راضـيـة‪//‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫قـوارب الـمـوت‬

‫الشاعر مصطفى بورتاتة‬ ‫ال تـسـألـوا عـ ْن ِو ْج َهـتي‬ ‫فـالـ َهــ ُّم عـنـي جـانـِيـا‬ ‫ِ‬ ‫خـاطـري‬ ‫الـقـ ْهـ ُر يـؤلِـ ُم‬ ‫وأنـا لـريب شـاكِـيـا‬ ‫يـا أيـهـا الـفـقـ ُر الـذي‬ ‫الز ْمـتَـني ُمـتـمـا ِديـا‬ ‫إين سـأبْ ِحـ ُر هـارِبـا‬ ‫ن ْحـ َو الـ َمـ َدى الـ ُمـتـرا ِمـيـا‬ ‫ـت أمي ِخـفـ َيـ ٍة‬ ‫و َّد ْع ُ‬

‫و َهـ َجـ ْر ُت أ ْهـلـي سـا ِعـيـا‬ ‫لـ ْم أ ْحـتـ ِم ْـل َعـيـش الـ ِن ْ‬ ‫ـفـاق‬ ‫ـبـت مـ ْوجـا عـاتِـيـا‬ ‫فـركِ ُ‬

‫يف زو َرقٍ نحـ َو الـبـعـيـ ْد‬ ‫ـيـش ُحـلـمـا خـا ِويـا‬ ‫أل َع َ‬ ‫الـريـح ت ْجـر ُِف َمـ ْركَـبـي‬ ‫ُ‬

‫طائر الفينيق‬


‫يا من زرعتك حقل الشعر‬ ‫متدد فوق دفاتري‪..‬‬ ‫أ َودك املخطوط بأناميل‬ ‫عىل جدران قلبي‬ ‫قم يك أأت َّم بك‪..‬‬

‫يف صالة من ضياء‬ ‫ألرجع العمر فتيا»»‬ ‫ألسكب نورك فوق نور إمياين‬ ‫لنبقى معا»‬ ‫نكأل الدنيا اناشيد الوفاء‪//.‬‬ ‫طائر الفينيق‬


‫معي‬

‫الشاعرة‪ :‬زينة الجوهري‬

‫«أرسمك قمرا‬ ‫فيخجل القمر‬ ‫ارسمك شمسا»‬ ‫فتغرق الشمس يف الكسوف‬ ‫أرسمك زهرة‬ ‫فيشدها منفاها‪..‬‬ ‫سوف ارسمك الطيف‬ ‫يرافقني اىل حدود الكون‬ ‫سأرسم وجهك عىل اعواد صدري‬ ‫غلة العمر‪..‬‬ ‫تثمر تفاحتي يف جنة الحياة‬ ‫يا من شاركتني النبض فآنسني‬ ‫يا من مشيت يف عقيل ملكا»‬

‫طائر الفينيق‬


‫وتورياتهم‬ ‫من مزاح الشعراء ْ‬ ‫قال احمد شوقي لحافظ ابراهيم على سبيل التورية‪:‬‬ ‫واود ْعتُ إنسانا ً وكلبا ً أمانةً‬ ‫ْ‬ ‫والكلب حاف ُ‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫اإلنسان‬ ‫فضيَّعَها‬ ‫ُ‬ ‫فر ّد عليه حافظ ابراهيم‪:‬‬ ‫نار ولوعةٌ‬ ‫يقولون ّ‬ ‫إن الشوقَ ٌ‬ ‫اليوم باردا‬ ‫فما با ُل شوقي أصبح‬ ‫َ‬ ‫****‬ ‫كان الشاعر…‪.‬سماحة نسيت اسمه يملك مصنع أحذية فأرسل حذاء هدية لصديقه توفيق ضعّون وارسل معه ممازحاً‪:‬‬ ‫لقد أهديتُ توفيقا ً حذا ًء‬ ‫فقال العالمون وما علي ِه‬ ‫أما قال الفتى العربي قديما ً‬ ‫شبيهُ‬ ‫ِب إلي ِه‬ ‫الشيء منجذ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫فر ّد عليه الشاعر توفيق ضعّون‪:‬‬ ‫لوكان يُهدى إلى اإلنسان قيمتُه‬ ‫ل ُك ْنتُ أستا ِه ُل الدنيا وما فيها‬ ‫لكن تَقَب َّْلتُها في الحال معتقدا ً‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫أن الهداياا على مقدار هاديها‬ ‫******‬ ‫طلب الخليفة األموي عبد الملك بن مروان من األخطل والفرزدق وجرير وهم في مجلسه أن يتفاخروا فقال الفرزدق‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫القطران والشعرا ُء جربى‬ ‫أنا‬ ‫وفي القطران للجربى ِشفا ُء‬ ‫فر َّد عليه األخطل بقوله‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫فإن ت َكُ ِز ّق زامل ٍة فإني‬ ‫أنا الطاعون ليس له دوا ُء‬ ‫فقال جرير‪:‬‬ ‫أنا الموتُ الذي آتي عليكم‬ ‫طائر الفينيق‬


‫طائر الفينيق‬


‫نصائح لمعالجة األرق‬ ‫يل الدكتور ‪ :‬ماهر حسنً‬ ‫الصيد ّ‬ ‫‪ 2022-5-7‬البنية ‪ /‬لبنان‬ ‫‪ -1‬اجعل البيئة مؤاتية للنوم‪ :‬يجب إبقاء غرفة النوم مظلمة‬ ‫وهادئة‪ ،‬دون أن تكون حا ّرة ج ًّدا أو باردة ج ًّدا ‪ .‬يف بعض األحيان‬ ‫قد يكون من املفيد ارتداء س ّدادات األذن أو حتّى قناع عىل‬ ‫العينني ملساعدة الشخاص الّني ينبغي عليهم النوم اثناء النهار يف‬ ‫الغرفة التي ال ميكن أن تكون مظلمة متاما‪.‬‬ ‫‪ -2‬استخدام الوسائد ‪:‬‬ ‫ميكن للوسائد بني الركبتني أن تجعل النوم أكرث راحة ‪ ،‬أو ميكن‬ ‫االستلقاء عىل الظهر مع وسادة كبرية تحت الركبتني ‪.‬‬ ‫‪ -3‬استخدام الرسير فقط للنوم ‪:‬‬ ‫ال يجب استخدام الرسير للطعام أو للقراءة او ملشاهدة التلفاز أو استخدام الحاسب وغري ذلك من األنشطة‬ ‫املرتبطة باالستيقاظ‬ ‫‪ -4‬انهض ‪:‬‬ ‫عندما تكون غري قادر عىل النوم يف غضون ‪ 20‬دقيقة ‪ ،‬فإ ّن النهوض والقيام بيشء آخر يف غرفة أخرى ث ّم العودة‬ ‫إىل الفراش عند النعاس قد يكون أكرث فعال ّية من البقاء يف الرسير وبذل جهد أكرب ملحاولة النوم‬ ‫‪ -5‬مت ّرن بانتظام ‪:‬‬ ‫ميكن ملامرسة الرياضة أن تساعدك عىل النوم بشكل طبيعي ‪ ،‬ولكن ينبغي التوقّف عن مامرسة التامرين قبل ‪5‬‬ ‫ساعات من النوم ألنّها تحفّز القلب والدماغ وقد تبقي الشخص مستيقظا ‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫صحة‬

‫طائر الفينيق‬


‫‪ -8‬تج ّنب تناول األطعمة واملرشوبات التي تؤث ّر عىل النوم‪:‬‬ ‫ميكن لألطعمة واملرشوبات التي تحتوي عىل الكحول أو الكافيني ( القهوة‪-‬الشاي – املتّة‪ -‬املياه الغازيّة والشوكوال )‬ ‫أن تتداخل مع النوم ‪ .‬كذلك األمر بالنسبة للنيكوتني ( سواء السجائر أو الصقات النيكوتني ) صحيح أ ّن الكحول‬ ‫تساعد عىل النوم لك ّنها تسبّب اإلستيقاظ الباكر وبالتايل تقلّل عدد ساعات النوم ‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫‪-6‬االسرتخاء ‪:‬‬ ‫حمم داىفء والقيام بتامرين التنفّس التي‬ ‫ميكن للتوتّر‬ ‫النفيس أن يتداخل مع النوم ‪ ،‬ميكن بهذه الحالة أخذ ّ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا عىل الشخص التد ّرب عىل نسيان مشاكله وهمومه حاملا يدخل غرفة النوم‪.‬‬ ‫تساعد عىل النوم ‪ ،‬وينبغي ً‬ ‫‪ -7‬تج ّنب النشاطات املحفّزة قبل النوم ‪:‬‬ ‫تج ّنب مشاهدة الربامج التلفزيون ّية املثرية ‪ ،‬ومامرسة ألعاب الكومبيوتر أو القيام مبهام معقّدة متّصلة بالعمل‬ ‫قبل ساعة من النوم ألنّها قد تجعل النوم أكرث صعوبة ‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫كاس العامل قطر ‪2022‬‬ ‫التاريخ‪ :‬من ‪ 12‬نوفمرب إىل ‪ 18‬ديسمرب ‪2022‬‬ ‫املباراة األوىل تقام يوم اإلثنني ‪ 12‬نوفمرب‬ ‫املباراة النهائية تقام يوم ‪ 18‬ديسمرب‬

‫طائر الفينيق‬


‫‪ -9‬ال مانع من تناول وجبة خفيفة‪:‬‬ ‫وخاصة إذا‬ ‫إذا كنت تشعر بالجوع ميكن للجوع أن يتداخل مع النوم ‪،‬وقد يكون املفيد أحيانًا تناول وجبة خفيفة ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كانت دافئة ّإل إذا كان الشّ خص يعاين من ارتجاع ‪ ،‬يف هذه الحالة ينبغي التوقّف عن تناول الطعام بضع ساعات قبل‬ ‫النوم ‪.‬‬ ‫‪ -10‬التخلّص من السلوكيّات التي تثري القلق ‪:‬‬ ‫ميكن للشخص أن يلجأ إىل إخفاء ساعة الجدار أو ساعة الطاولة يك ال يركّز عىل الوقت وينبغي تج ّنب النظر إىل الساعة‬ ‫أثناء التواجد يف الرسير ‪.‬‬ ‫‪ -11‬إمضاء بعض الوقت تحت ضوء النهار الساطع ‪:‬‬ ‫يساعد التع ّرض للضوء يف أثناء النهار عىل إعادة ضبط ساعة الجسم الداخليّة ليك تتزامن مع دورة الظالم والضوء‬ ‫الطبيعيّة ف األرض ‪.‬‬ ‫ليل ‪.‬‬ ‫‪ -12‬تج ّنب قيلولة النهار باستثناء األشخاص الذين تتطلّب أعاملهم السهر ً‬

‫طائر الفينيق‬


‫دامئاً هناك نقطة لبداية جديدة ‪ ،‬فالحياة اختبار يضعك بني خيارين ‪ ،‬إما تختار الجدران وتراقب تلك النوافذ‬ ‫بالزجاج الحاجب عام يخفيه من أرسار ‪ ،‬ولفت انتباهك بوردة وورقة خرضاء تزهر وتذبل مع الفصول عىل رشفته‬ ‫‪ ،‬ويقلص حجم طموحاتك عىل مقاسه ويثري فضولك بفكرة واحدة مدمرة ‪ ،‬وهي يا ترى ما يوجد خلف الزجاج !‬ ‫لذا كن متيقناً بأن تنظر حيث ال حدود وال سدود وال ضباب وال مسافات قريبة ‪ ،‬ثبت الرشاع عىل منت سفينتك‬ ‫وابدأ إلبحار تأن إن أتاك الضباب لكن أكمل عندما ينتهي ‪ ،‬تأمل السامء والبحر والطيور الهامئة ‪ ،‬وراقب الريح‬ ‫اللذي يوجه رشاعك واتبعه بقلبك حيث يأخذك واشكر الله عىل كل هذه النعم ‪ ،‬عليك بالسعي والله عز وجل‬ ‫ينري الكون من حولك ‪ ،‬سخر لنا الكون ليكرمنا فال يجوز الثبات كالحجر ليأيت أمر إلزالة ‪....‬لوحتي بعنوان (‬ ‫الرشاع والضباب ) باأللوان الزيتية ‪ ....‬لوحتتي بعنوان (فسحة أمل) ‪ ....‬أكريليك‬

‫طائر الفينيق‬


‫فن‬

‫لوحات فنية‬ ‫الفنانة ‪ :‬حنان بو حسن‬ ‫كن متيقظاً يف ما تنتقي لتغذي جنني الحروف يف أعامقك ‪ ،‬أنت املسؤول‬ ‫عن جودة البذور للزرع منها الفاسدة التي تتلف أفكارك تنمو وتجتاح‬ ‫مساحات فائقة األهمية تلغيها تلوثها بالشوائب وتحرص أن ترتك فراغات‬ ‫تحولك لكائن مشتت وحائر يف دائرة محكمة األقفال ‪ ،‬متاهة ال بداية وال‬ ‫نهاية ! لذا كن حريصاً وبعناية ازرع بذور العلم واملعرفة واسقها الحرب ‪،‬‬ ‫والتصيغ الحروف بعناية وتبدأ التجوال يف كل ركن من عقلك ولتملئ كل‬ ‫املساحات والفراغات باملعرفة واملعلومات الغنية العالية الجودة ‪ ،‬فتكرس األغالل املحكمة لفاهك وتخرج عمدا ً‬ ‫عن لسانك لتبهر وتنري مسامع آذان كل من مير أمامك ‪ ،‬فلتكن مشعاً بحواراتك وآرائك ‪ ،‬عندها فقط تعرف بأنك‬ ‫خلقت لتأكد إمضائك عرب الحروف التي تجتاز النور وتتسلل بعيون الرايئ كصورة أنيقة وتعرب بلطف بآذان‬ ‫الشخص املقابل للتشكل يف أعامقه لوحة بإمضاء فنان ال ينىس ‪....‬لوحتي (جنني الحروف) باأللوان الزيتية ‪....‬‬

‫طائر الفينيق‬




‫وهنا يأيت دور الشباب الذي يُعد العامود الفقري للمجتمعات ويشكّل املعيارالذي يُقاس من خالله مستوى‬ ‫التقدم أو تخلُّف املجتمع وتلعب البنية الرتبوية واملسار املنهجي الذي يسلكه الفرد منذ نعومة أظفاره معطوفاً‬ ‫عىل دور األرسة ليواكب النمو البيولوجي للطفل عرب أساليب التنشئة الحديثة التي تعتمد زرع القيم وتحديد‬ ‫اإلتجاهات السليمة وبناء رؤية واضحة للطالب متكنه من تحديد أهدافه وطموحاته وتأمني إمكانية تحقيقها عرب‬ ‫املسارات التخصصية وعرب الجامعات التي تستقطب الكفاءات وتستكمل بناء الشخصية اإلنسانية للطالب فضالً‬ ‫عن القدرات العلمية لتبلور اإلنسان الواعي لدوره يف املجتمع والذي ميتلك حس اإلنتامء لوطنه‪،‬املتعايل عىل‬ ‫األنانية وحب الذات ليشكل وأقرانه القاعدة الصلبة لرفعه املجتمع وسم ّوه‪.‬‬ ‫وعليه فإن التكامل ما بني القطاعات الرتبوية وخاصة الجامعات التي تعمل وفق األساليب الحديثة والتي تسري يف‬ ‫تطور مستمر آخذ ًة يف الحسبان الحاجات والكفايات املستجدة‪،‬لتنتج النخب الشابّة ذات الكفاءة والتي بدورها‬ ‫ستعمل وبشكل تلقايئ إىل الدفع نحو تشكيل مجتمع ميلك الرؤية الواضحة ويسلك بالوطن نحو ٍ‬ ‫غد أفضل‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫أقالم واعدة‬

‫دور الشباب في المجتمع‬ ‫الطالب عيل سعدة‬

‫لقد شهدت البرشية عرب تاريخها والدة وأُفول العديد من الحضارات التي تركت مرياثاً عظيامً من الشواهد الدالّة‬ ‫عىل تقدمها ورفعتها قياساً باملرحلة التاريخية التي عايشتها‪،‬كحضارات بالد ما بني النهرين والحضارة املرصية‬ ‫واليونانية والرومانية‪،‬وقد كان العلم ونخ ُبهُ الركيزة األساس التي أسهمت ومن خالل إنجازاتها الفكرية‬ ‫التحض‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والفلسفية التي أثرت النظم اإلجتامعية وأفضت إىل تدرجها نحو‬ ‫كام كان لفن العامرة الفضل يف نقل صور املايض بإعجازاته الهندسية كاألهرامات والحدائق املعلّقة‪،‬شواهد‬ ‫لتثبت مكانة العلم ودوره يف حفر أسامء تلك الحضارات يف سجل الخلود‪.‬‬ ‫يحتل مقدمة‬ ‫وقد شهدت الحقبة الزمنية ما بني القرنني الثامن والتاسع عرش مخاضاً يستحق وبكل جدارة أن ّ‬ ‫األحداث التاريخية التي قلبت املوازين وأ ّرخت لعهدين للبرشية ما قبل‪-‬وما بعد أال وهي «الثورة‬ ‫الصناعية»‪،‬والتي ما كانت لتقوم لوال إسهامات فالسفة عرص األنوار وما كان لنتاجهم الفكري من أثر يف نفوس‬ ‫الشعوب واألمم التي كانت متعطشة لنور العلم بعد قرون سوداء قضتها مبحرة يف ظلامت الجهل تتقاذفها‬

‫أمواج اإلستبداد وت َحكُّم الطبقات الحاكمة القابضة عىل مقدرات البالد والعباد وعرب إبقاء تلك الشعوب أسرية‬ ‫زنازين الجهل لتأمني إستمرارية الحكم ألقلية عاشت الرفاهية عىل حساب أوجاع وعذابات أكرثية مسحوقة‪.‬‬ ‫جاءت تلك الثورة ومن خالل علامئها وآراءهم الفلسفية والتي إنتقلت تدريجياً وأخذت مكانتها يف املخزون‬ ‫الثقايف للطبقة الشابة والتي كانت ركيزة الثورة وحجر أساسها‪ ،‬ثورة عىل كافة األصعدة اإلجتامعية منها‬ ‫والسياسية واإلقتصادية والثقافية لتثبت وبامللموس ما للعلم من قدرة عىل قلب الوقائع وما له من أثر يف رفعة‬ ‫األمم وتقدمها‪.‬‬

‫طائر الفينيق‬


‫الصواب اللغوي‬

‫قل وال تقل‬ ‫قسم التحرير‬

‫قل‪ٌ :‬‬ ‫ورق ثخني ويشء ثخني‬ ‫وال تقل‪ :‬ورق سميك وال يشء سميك‬ ‫َ‬ ‫العرب»وسمك اليش َء يسمكه سمكاً رفعه فارتفع‪ ،‬وقال‬ ‫فالسميك يف اللغة يعني العايل والرفيع ويف قاموس لسان‬ ‫الفرزدق‪:‬‬ ‫إ ّن الذي َ‬ ‫سمك السام َء بنى لنا‬ ‫بيتاً دعامئُ ُه أع ُّز وأط َو ُل‬ ‫قل‪ :‬باع الدا َر وما سواها من العقار‬ ‫وال تقل‪ :‬باع الدا َر وسواها من العقار‬ ‫وذلك أل ّن «سوى» من األسامء املستعملة لالستثناء املقصورة عليه‪ .‬يقول الشاعر مقيس بن حبابة السهمي‪:‬‬ ‫سأتركها ُ‬ ‫وأترك ما سواها‬ ‫من اللذات ما أرىس يسو ُم‬ ‫أي أترك الذي هو سواها‬ ‫ويف الحديث الرشيف‪":‬املسلمون تتكافأُ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وير ُّد عليهم أقصاهم وهم ي ٌد عىل من سواهم"‪.‬‬ ‫قال عىل من سواهم ومل يقل عىل سواهم يعني وهم متحدون عىل الذين هم سواهم‬ ‫قل‪ :‬هذا َر ُّد َر ّد أو ر ٌّد عىل را ّد‪ ،‬وهذا ر ّد نقد أو ر ّد عىل ناقد‬ ‫ْ‬ ‫تقل‪ :‬هذا ر ّد عىل ر ّد وال هذا ر ّد عىل نقد‬ ‫وال ْ‬ ‫وذلك ألنك تقول رددتُ الكالم القبيح عىل صاحبه وال تقل رددت عىل الكالم القبيح فالكالم هو املدود ال صاحبه‬ ‫ويف النفع نقول‪ :‬رددت إليه ماله‪ ،‬ويف القرآن الكريم‪ :‬فرددتاه إىل أمه يك تقر عينها وال تحزن‪.‬‬ ‫قل‪َ :‬ز َّو َد ُه زادا ً وكتاباً وشيئاً آخر‬ ‫ْ‬ ‫وال تقل‪ :‬ز ّو َده بزاد و بكتاب وبيشء‬ ‫وذلك الن األصل يف استعامل «ز ّود وتز ّود» أن يكونا مقصوريْن عىل الزاد ثم تطورت الكلمة إىل املجاز‪ .‬وقال‬ ‫الزمخرشي يف أساس البالغة‪»:‬ومن املجاز زودته كتاباً اىل فالن‬ ‫يقول الشاعر‪:‬‬ ‫ال ألْ َف َي َّن َك بعد املوت تندبني ويف حيايتَ ما ز ّو ْدتني زادي‬ ‫طائر الفينيق‬


‫طائر الفينيق‬


‫زاوية اللغة‬

‫أي‬ ‫أرسة التحرير‬

‫بتشديد الياء‪ :‬تأيت‪:‬‬ ‫أفعل‬ ‫تفعل ْ‬ ‫أي يش ٍء ْ‬ ‫‪ 1‬ــ اسم رشط جازم‪َّ :‬‬ ‫أي الرشطية حسب الجملة التي تليها‪.‬‬ ‫أي‪ :‬اسم رشط جازم مفعول به للفعل تفعل‪ ،‬ويختلف إعراب ّ‬ ‫َّ‬ ‫تفعل‪ :‬فعل مضارع مجزوم ألنه فعل الرشط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أفعل‪ :‬فعل مضارع مجزوم ألنه جواب الرشط‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ويف اآلية الكرمية‪« :‬أ ّياً ما تدعوا فله األسامء الحسنى»‬ ‫فله األسامء الحسنى‪ :‬الفاء رابطة لجواب الرشط‪ ،‬والجملة يف محل جزم جواب الرشط الرتباطها بالفاء‪.‬‬ ‫الحزبي أحىص ملا لبثوا أمدا»‪.‬‬ ‫«أي‬ ‫‪ 2‬ــ ُّ‬ ‫ْ‬ ‫أي االستفهامية‪ :‬كام يف اآلية الكرمية‪ُّ :‬‬ ‫أي‪ :‬اسم استفهام‪ ،‬مبتدأ مرفوع‬ ‫ُّ‬ ‫أي ٍ‬ ‫فارس‪ .‬وإعرابها هنا صفة للنكرة «فارس»‪.‬‬ ‫فارس ُّ‬ ‫‪ 3‬ــ أن تكون دالّة عىل معنى الكامل‪ ،‬كقولنا‪ :‬إنه ٌ‬ ‫أي‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫فتح األلف وسكون الياء تأيت‪:‬‬ ‫رب ارحمني‪ .‬وتضاف إليها األلف أحياناً‪ ،‬كقول أيب فراس الحمداين‪:‬‬ ‫أي ِّ‬ ‫أ‪ -‬حرف نداء‪ ،‬مثل‪ْ :‬‬ ‫ناحت بقريب حامم ٌة‬ ‫ْ‬ ‫أقول وقد‬

‫أيا جارتا لو تعلمني بحايل‬

‫أيا جارتا ما أنصف الدهر بيننا‬

‫تعا ْيل أقاس ْم ِك الهمو َم تعايل‬

‫ومنها قول الحطيئة‪:‬‬ ‫ضيف وال ِقرى‬ ‫وقال أيا ربّا ُه‬ ‫ٌ‬

‫بحقِّك ال تحر ْمه تا الليل َة اللحام‬

‫أي َذ َهب‬ ‫ب‪ -‬حرف تفسري‪ ،‬مثل‪ :‬عندي عسجد ْ‬

‫طائر الفينيق‬



‫ِ‬ ‫فصل عنوانِ‬ ‫يصعب ُ‬ ‫املقدسة ‪ ،‬عندئ ٍذ‬ ‫متتزج الدما ُء الزك ّي ُة‬ ‫باألرض ّ‬ ‫" عندما ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫الكامل من ِّ‬ ‫األرض عن وجدان َّي ِة املر ِء ومتسكُه بها نحو التح ُّرر‬ ‫كل أنواعِ‬ ‫ِ‬ ‫االضطهادت واالحتالالت "‬ ‫د‪ .‬حسن فرحات‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.