Women in Islam Journal - Issue 2 (Arabic)

Page 1

‫‪9 789970 949618‬‬ ‫‪949601‬‬

‫مجلة صيحة‬ ‫العدد ‪2015 / 2‬‬

‫يا فتاة النيل‬ ‫انت قصدك ايه؟‬ ‫ِ‬ ‫عشة الفالتية‪ :‬من رائدات الحداثة‬ ‫والحياة العرصية يف السودان‬

‫على تخوم‬ ‫النسوية‬ ‫النقطة الجوهرية هي الزواج‪،‬‬ ‫فاملرأة غري املتزوجة ينظر لها‬ ‫كخطر ماحق‬

‫معنى أن‬ ‫تكون أخـ ًا‬ ‫أختي التي تصغرين ذات شخصية‬ ‫قوية يف الواقع كانت أقوي مني‬

‫الشخصي هو‬ ‫السياسي‬ ‫املرأة والحجاب – التعبري عن‬ ‫العالقة املعقدة عرب قامش اللوحات‬

‫الملف‪:‬‬

‫أجساد النساء ‪-‬‬ ‫األرض محل النزاع‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪1‬‬


‫كلمة التحرير‬ ‫‪ 05‬ثالثة أسئلة‪ :‬إلى التشكيلي إبراهيم السيد‬

‫وجوه‬

‫‪06‬‬

‫‪ 06‬استدعاء زكرى عشة الفالتيه‬ ‫  بنت النيل التي سعت للحياة العرصية يف السودان‬ ‫‪ 10‬شيخ علي عبد الرازق‬ ‫  رفض ومواجهة استخدام الدين لتربير قهر و تسلط الحكم‬ ‫‪ 12‬بلبل الصومال المغرد‬ ‫  إىل سعادو عيل وارسامي املغنية الصومالية املعروفة وعضوة الربملان‬ ‫‪ 14‬أبوهدية‪ ،‬السيرة اآلسرة‬

‫  شيخ من البجا أدرك أهمية تعليم البنات يف نهضة األمم‬ ‫‪ 18‬باألقالم واألواني‪ ،‬عن عوضيه عباس‬

‫  التعرف عيل حياة مليئة بالكفاح والعمل الشاق من اجل نساء السودان الفقريات‬

‫‪20‬‬

‫مساواة‬ ‫‪ 20‬حكايات أم سودانية عازبة‬

‫  العيش يف ظل منظومة قيمية مليئة بالتناقضات والعسف تجاه األمهات العازبات‬ ‫‪ 24‬على تخوم النسوية‬

‫  مناقشة أزمة الحراك النسوي يف أوساط املتعلامت يف املدن الحرضية‬ ‫‪ ٢٥‬هل تفكروا في الزواج؟‬

‫  فيلم ورسم كرتوين حول مركزية موضوع الزواج بني أجيال من النساء‬ ‫‪ ٢٧‬النساء من دارفور‬ ‫  ارث عامر من املشاركة االقتصادية والسياسية انقطع واستبدل بتواريخ من القهر‬ ‫‪ ٣٠‬رسالة إلى بلد كانت متسامحة وشعب مسالم‬ ‫  انا سودانية مسيحية ملاذا أعاىن من هذا اإلقصاء؟‬

‫‪27‬‬

‫‪ ٣٢‬الستات‪ :‬تقاليد صومالية صوفية و نسوية راسخة‬ ‫  دراسة ممتعة وفريدة للمامرسة الدينية الصوفية وسط النساء الصوماليات‬

‫هي وهو‬ ‫‪ ٣٦‬حول مفهوم الرجولة في الثقافة الصومالية‬ ‫  ما ال افهمه‪ ،‬ملاذا ال يعامل الناس يف مجتمعنا املرأة بإنسانية‬ ‫‪ ٣٨‬معني أن تكون أخا‬

‫  تجربة أخ يف عالقته مع أخته الصغرى ذات الشخصية القوية‬ ‫‪ ٤١‬عرض كتاب بين القصرين لنجيب محفوظ‬

‫  محفوظ ومناقشة شيزوفرنيا العالقات الجندرية يف الثقافة العرب‪-‬إسالمية‬ ‫‪ ٤٤‬مجتمع امومي مسلم هل هذا ممكن؟‬

‫  كيف تصالحت قيم املجتمع االمومي مع اإلسالم يف غرب سومطرة‬

‫‪41‬‬ ‫‪2‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫عـقم ‪ -‬عبء النساء المزمن!‬ ‫‪ ٤٦‬ال ُ‬ ‫  حول الفرضية السائدة يف أن قدرة الرجال عىل اإلنجاب يف حكم اليقني‬ ‫‪ ٤٩‬االستثمار في العداء للنساء وقانون النظام العام في السودان‬ ‫  قانون ال يعرب عن الثقافات ال َّراسخة ألهل السودان املسلمني‬


‫مراجعات معرفية‬ ‫‪ 54‬بين االجتهاد والعقالنية‬

‫  مفكرة إسالمية من تونس تطرح أن اإلسالم ديانة ذات طابع تح ُّرري يف األصل‬ ‫‪ 58‬بوكو حرام ومفهوم اختطاف البنات في المجتمعات اإلسالمية‬ ‫  بوكو حرام مل تنشأ من فراغ فهي تستمد مرشوعيتها من الفكر األصويل السائد‬ ‫‪ 61‬حرية األديان في الميزان‬

‫  أبواب اإلسالم وفقاً لتعاليمه ُمرشع ًة ملن أراد الدخول وسالك ًة ملن أراد الخروج عرب الحوار‬

‫‪58‬‬

‫‪ 65‬الخفاض الفرعوني ‪ -‬ماهي صلته باإلسالم‬

‫  حول تقاطعات التقاليد القدمية مع اإلسالم يف مجتمعات القرن اإلفريقي‬ ‫‪ 67‬يوم المرأة العالمي‬

‫  االحتفال واالحتفاء بالنساء من داخل الجامع يف يوغندا‬

‫بين الخاص والعام‬ ‫‪ 70‬الهجرة والحداثة في السودان‬ ‫  رصد وتوثيق لهجرات السودانيني وما أنتجته من مفاهيم جديدة عن اإلسالم‬ ‫‪ 74‬عرض لكتاب إسالمي‪ ،‬للكاتب‪ :‬امير احمد نصر‬ ‫  شاب سوداين يخوض بشجاعة يف أسئلة الهوية والعقيدة‬ ‫دى من جديد‬ ‫‪ 76‬وجه العهود المظلمة يتب َّ‬ ‫  حول ظهورعقوبة الرجم يف ترشيعات بعض الدول اإلسالمية‬

‫‪70‬‬

‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة‬ ‫األرض محل النزاع‬ ‫‪ 80‬حول كتاب صوت الموسيقي ‪ -‬جزء من تاريخ المرأة السودانية‬ ‫  من إصدارات مركز ساملة‪ ،‬إعداد وتحرير اكرم عبد القيوم‬ ‫‪ 82‬الما عندو قديم‪...‬‬ ‫  حكايات بالصور تستدعي حياة النساء يف السودان زمان وتعكس ومضات الحداثة‬ ‫‪ 88‬البد من استجابة سريعة ومباشرة بشأن العنف الجنسي ضد النساء‬ ‫  عرض لفيلم القاهرة ‪ 678‬للمخرج املرصي محمد دياب‬ ‫‪ 90‬جدلية المرأة والحجاب عبر الفنون التشكيلة‬ ‫  حوار مع الفنانة الفلسطينية ليىل الشوا‬

‫‪88‬‬

‫‪ 94‬مشكلتك في لونك الغامق‪ ،‬لكنها مشكلة بسيطة يمكن حلها‬ ‫  البعد السيايس والثقايف لظاهرة تفتيح البرشة يف السودان‬ ‫‪ 96‬موالدي‪ ،‬فليم للمخرج السنغالي عثمان سيمبيني‬ ‫  فيلم يعرب عن نضاالت النساء يف ريف غرب أفريقيا املسلم ضد الخفاض الفرعوين‬ ‫‪ 98‬قصيدة آالم أنثوية للشاعرة الصومالية دهبو علي موسى‬ ‫  صدى أصوات اآلالف من النساء اآليت اختربن العيش مع الخفاض‬

‫‪ 100‬بريد القراء‬ ‫‪ 101‬إصدارات صيحة‬

‫‪90‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪3‬‬


‫هيئة التحرير‬ ‫الناشر‬ ‫المبادرة االستراتيجية لنساء‬ ‫القرن االفريقي (صيحة)‬ ‫رئيسة التحرير‬ ‫هالة يس الكارب‬ ‫مديرة التحرير‬ ‫اميرة ناجي‬ ‫فريق التحرير‬ ‫عبد الخالق السر‪ ،‬شادية عبد المنعم‪،‬‬ ‫ريم عباس‪ ،‬السر السيد‬ ‫كارول مغابى‪،‬لورا والوسيمبي‬ ‫مراجعة‬ ‫عائشة السماني‪ ،‬مي نورالدين‬ ‫المترجمين‬ ‫شيماء محمود‪ ،‬ياسر عبيدي‪،‬‬ ‫شمس الدين عثمان‪ ،‬عائشة موسى‬ ‫السعيد‬ ‫تدقيق اللغة العربية‬ ‫البراق النزير الوراق‬ ‫كتاب مشاركين ومساهمين‬ ‫ريم عباس‪ ،‬نسرين مالك‪ ،‬فاطمة سليمان‬ ‫غزالي‪،‬‬ ‫بيقيريفس ساندي‪ ،‬سارة النقر‪ ،‬داليا حاج‬ ‫عمر‪،‬‬ ‫سقال شيخ علي‪ ،‬عبدالفتاح حسن علي‪،‬‬ ‫مياس سيف عبدالعزيز‪ ،‬عبدالخالق السر‪،‬‬ ‫اميرة ناجي‪ ،‬شادية عبد المنعم‪،‬‬ ‫فكتوريا برنال‪ ،‬ليف تنسون‪،‬‬ ‫ند ميردينك‪ ،‬كارول مغابى‪ ،‬سارة جاداهلل‪،‬‬ ‫زاهية سالم جورين‪ ،‬داهبو علي موسى‪،‬‬ ‫سامية نهار‪ ،‬فيصل مصطفي‪ ،‬عثمان مبارك‪،‬‬ ‫احمد ابراهيم اوالي‪ ،‬ماريكا انهارون‪،‬‬ ‫كمال الجزولي‪ ،‬هالة الكارب‪ ،‬عائشة‬ ‫موسى‪،‬‬ ‫اميرة محمد‪ ،‬نادية والدو‪ ،‬حافظ حسين‪،‬‬ ‫سامية النقر‪ ،‬اكرم عبد القيوم‪،‬‬ ‫رجينا اكوك‪ ،‬صالح عمار‬ ‫فنون‬ ‫امين بحيري‪ ،‬طالل الناير‪ ،‬امل بشير‪،‬‬ ‫نصرالدين الدومة‪ ،‬صالح إبراهيم‪ ،‬خالد البي‪،‬‬ ‫حسين ميرغني‪ ،‬ليلي الشوا‪ ،‬ايمن حسين‪،‬‬ ‫ابراهيم السيد‪ ،‬مروان الكنزي‪ ،‬خالد بحر‪،‬‬ ‫ارنولد بيرونقي‪ ،‬سالي يوسف‪ ،‬صفية‬ ‫اسحاق‬ ‫التصميم‬ ‫‪TAREK ATRISSI DESIGN‬‬ ‫‪http://www.atrissi.com‬‬

‫‪ISSN 5241-2312‬‬ ‫جميع الحقوق © محفوظة للكتاب المعنيين أو‬ ‫للمبادرة االستراتيجية لنساء القرن األفريقي‬ ‫(صيحة)‪ .‬ال يجوز نسخ أي من محتويات هذا العدد‪،‬‬ ‫أو إعادة انتاجها أو طباعتها دون إذن مكتوب من‬ ‫الكتاب المعنيين أو من صيحة‪.‬‬ ‫للحصول على التصريح بالنشر او إعادة انتاج اي من‬ ‫مواد هذا العدد الرجاء توجيه الطلبات إلى‪:‬‬ ‫‪Strategic Initiative for Women in the‬‬ ‫)‪Horn of Africa (SIHA‬‬ ‫‪SIHA Regional Office‬‬ ‫‪Plot 3 Katalima Bend, Naguru, Kampala‬‬ ‫‪P.O. Box 2793, Kampala‬‬ ‫‪UGANDA‬‬

‫كلمة التحرير‬ ‫أعزائي و عزيزاتي القراء و القارئات‪،‬‬

‫هذا هو العدد الثاين من مجلة صيحة‪ :‬املرأة يف اإلسالم‪ .‬بشكل عام‪ ،‬ميكن القول إن العدد هو‬ ‫استمرار ملسعانا الدؤوب يف صيحة لتحقيق قيم االستنارة والعدالة‪ .‬فاملجلة يف جوهرها تعمل لتحدي‬ ‫األيدولوجيات الباعثة عىل الدوغامئية والتطرف‪ ،‬والتي تعمل عىل احتكار اإلسالم‪ ،‬يف مسعاها للرتويج‬ ‫للعنف والظلم يف إقليمنا والقارة والكثري من املناطق يف العامل‪ .‬أنه ملن دواعي الرسور أن نرى بوادر‬ ‫نجاح جهودنا‪ ،‬عىل الرغم من التحديات التي ال حرص لها‪ ،‬والتي منها‪ ،‬محدودية الوسائل التي منلكها‪،‬‬ ‫وتعقيدات البيئة التي نعمل فيها‪.‬‬ ‫العدد الثاين من املجلة‪ ،‬هو نتاج جهود من العمل الشاق املتواصل‪ ،‬متثلت يف جمع مادته من مختلف‬ ‫االصقاع الجغرافية‪ ،‬باإلضافة اىل اسهامات املختصني من الُكتّاب من خالل تناولهم لتشابكات العالئق‬ ‫الجندرية واإلسالم‪ .‬يف تقديري‪ ،‬أن العالئق الجندرية متثل مدخل نقدي مهم نحو تحدي االيدولوجيات‬ ‫املتطرفة ‪ ،‬والتي تعمل عىل تثبيت األفكار واملفاهيم امل ُرسخة إلقصاء املرأة‪ ،‬وتكريس دونيتها يف‬ ‫املجتمع‪ .‬كام أنها من جانب‪ ،‬تعمل عىل فضح تجارب االقصاء والتهميش التي تطال الرجال والنساء‬ ‫الناشطني يف محاربة ومقاومة ايدولوجيا التطرف‪.‬‬ ‫يأيت اليكم العدد الثاين يف وقت مفصيل‪ ،‬إقليميا ودولياً‪ .‬إنه الوقت الذي يتطلب منا بالرضورة تبني‬ ‫مواقف قوية‪ ،‬والعمل عىل التسلح معرفيا وثقافيا‪ ،‬إذا أردنا بالفعل مجابهة عنف وال عقالنية التطرف‬ ‫الديني‪ .‬علينا نفض الخوف الذي يتلبسنا‪ ،‬وكمجتمعات يجب أن نستعيد عالقتنا وصلتنا بديننا حتى‬ ‫نستطيع التفاعل بحرية واستقاللية مع معتقداتنا‪ .‬ال شك أن األمر سوف يستدعي بعض الوقت‪.‬‬ ‫فمعارك العقول واألفكار ليست معارك عابرة‪ ،‬أو موجة سياسية متالشية يسهل تعريفها والتنبؤ بنهايتها‬ ‫عرب قرار يصدر من الفاعلني الدوليني‪ .‬فالصرب‪ ،‬وتبني خيار املعرفة والوعي‪ ،‬هي مبثابة مفاتيح النجاح‬ ‫يف هذه الرحلة الشاقة‪.‬‬ ‫أثناء حفل تدشني العدد األول من املجلة يف السودان‪ ،‬قال يل أحد الحضور‪ :‬لقد قلتم كل يشء يف هذا‬ ‫العدد‪ ،‬لذا فإنه من الصعب أن تقوموا بإنتاج عدد آخر‪ .‬لقد كان ردي وقتها له‪ ،‬مياثل ذات التصميم‬ ‫والقوة التي تُرجمت يف اصدار هذا العدد الثاين‪ ،‬إذ قلت له‪ :‬إننا فقط عملنا عىل خدش السطح‪ ،‬وسوف‬ ‫ترى إن هذا العمل سوف يستمر لعقود قادمة‪ .‬يف الوقت الذي بدأنا فيه العمل إلنجاز العدد الثاين‬ ‫من املجلة‪ ،‬كان قد توفر لنا‪ ،‬وبشكل ال يصدق‪ ،‬كم هائل من املواد الباعثة عىل التنوير‪ ،‬والتي تتطرق‬ ‫مفاهيميا للعالئق الجندرية واإلسالم يف أطرها التاريخية واملعارصة‪ .‬كام اننا قد فوجئنا بهذا الكم الهائل‬ ‫من القصص التي ال حرص لها‪ ،‬والتي كانت يف انتظار من يحكها‪ ،‬وذلك الرثاء املعريف املبثوث يف بطن‬ ‫العديد من الكتب‪ ،‬التي طمرت وتم نسيانها‪ ،‬ومجموعات كثرية من الروايات والخربات الحياتية التي‬ ‫تنتظر املشاركة‪ .‬هذا العمل هو بحر ال قرار له وصريورته حتمية مهام صعبت الدروب‪ ،‬اذا اردنا ان نجد‬ ‫ألنفسنا مكانا يف هذا العامل كنساء وكمسلمني من افريقيا‪.‬‬ ‫عزيزي القارئ والقارئة‪ ،‬سوف تجدوا يف هذا العدد مواضيع ذات تحفيز فكري‪ ،‬وكذلك مقاالت تتناول‬ ‫القضايا الراهنة‪ ،‬واضاءات لبعض الشخصيات العظيمة التي ُحوربت وحاربت من أجل نرش الوعي‬ ‫وإشاعة العدالة‪ .‬كذلك هناك بعض الروايات الشخصية‪ ،‬واللقاءات مع رجال ونساء إقليميا ودوليا‪.‬‬ ‫أيضا من خالل بحثنا عن التحوالت يف املجتمع املسلم يف السودان وتفاعالته مع جسد املرأة‪ ،‬من خالل‬ ‫الصور القدمية التي بحوزتنا‪ ،‬خلصنا اىل تخصيص ملف يف هذا العدد بعنوان جسد املرأة‪ :‬ارض متنازع‬ ‫عليها‪ .‬يف هذا امللف ستجد‪ ،‬عزيزي القارئ‪ ،‬كام يف العدد السابق‪ ،‬لقاءات‪ ،‬فنون‪ ،‬شعر والكثري من املواد‪.‬‬ ‫ختاما‪ ،‬خالص الشكر والتقدير للسفارة الهولندية بالسودان‪ ،‬والتي من خالل مساهمتها‪ ،‬جعلت صدور‬ ‫العدد الثاين ملجلة صيحة املرأة يف االسالم ممكنا‪ .‬لهم التجىل عىل هذا االسهام القيم يف هذا العمل املهم‪.‬‬

‫‪sihahornofafrica@gmail.com‬‬ ‫‪www.sihanet.org‬‬

‫هالة الكارب‬ ‫رئيسة التحرير‬ ‫سبتمبر ‪٢٠١٥‬‬

‫‪4‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫ثالثة‬ ‫أسئلة‬ ‫ل‪:‬‬

‫كلمة‪ ...‬كلمة‬

‫المسجونية‪ :‬كره ومعاداة النساء‬ ‫ٌ‬ ‫((‪Misogyny‬‬

‫(املصطلح) | يعرب عن نهج ثقايف اجتامعي يقوم‬ ‫عىل معاداة وكره املرأة بشكل عام‪ .‬كام أنه يؤسس‬ ‫ملفاهيم تعمل عىل الحط من قدرها من خالل‬ ‫السلوك اليومي املامرس واللغة والتعابري واألمثلة‬ ‫الشعبية املستخدمة بشكل متواتر‪.‬‬

‫يقول الفنان ابراهيم السيد‪« ،‬ولدت في القاهرة عام ‪ 1976‬ونشأت هناك‬ ‫ودرست بها وتخرجت من كلية القانون»‪ .‬ولكنه لم‬ ‫حيث كان يعمل والدي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫المحاماة‪ ،‬فقد اهتم منذ زمن مبكر بالفنون‬ ‫مجال‬ ‫في‬ ‫يكن مهتما بالعمل‬ ‫ُ‬ ‫وكمراسل صحفي‪،‬‬ ‫التشكيلية والرسم والصحافة‪ .‬عمل كرسام كاريكاتير‬ ‫ُ‬ ‫واقام العديد من المعارض التشكيلية‪ ،‬واسهم بالرسومات في عدد من كتب‬ ‫األطفال‪ ،‬كما أن لدية اهتمام بالتصوير‪ ،‬وقام بإخراج عدد من األفالم القصيرة‪.‬‬

‫هل ترى ان هناك تضاد ما بني االسالم والفنون؟ وما‬ ‫هو رأيك ىف ما تفعله الجامعات املتطرفة باآلثار والفنون‬ ‫مثل حرق وتكسري لوحات الفنانني وتدمري اآلثار مثل ما‬ ‫يحدث اآلن ىف العراق وسوريا؟ وهل ميكن ان ترتك الفن‬ ‫يف يوم من األيام إذا تصورت انه يناقض عقيدتك؟‬

‫‪https://en.wikipedia.org/wiki/Misogyny‬‬

‫وهي ظاهرة متفشية يف كل املجتمعات تقريبا‬ ‫ولكنها تتخذ شكل بنيوي يف املجتمعات التي‬ ‫تتبنى أنظمة عقائدية وثقافية مبنية عىل الثقافة‬ ‫البطريركية املطلقة التي تشيع أن دونية النساء امر‬ ‫مسلم به‪ ،‬وجزء من طبائع األشياء‪.‬‬ ‫وكره النساء يف املجتمع البطرياريك‪ ،‬يـتأسس عىل‬ ‫القوانني والترشيعات التي متنحه مرشوعيته‪،‬‬ ‫واملتواضعات الثقافية والقيمية التي تعمل عىل‬ ‫تطبيعه‪ ،‬وبالقدر الذي يعمل عىل التربير للعنف‬ ‫ضد املرأة والعمل عىل تش ُيئها وسلبها إلنسانيتها‪.‬‬ ‫عىل الرغم من أ ّن «كره النساء» سلوكاً متفشياً يف‬ ‫أوساط الرجال‪ ،‬االّ أنه أيضا يوجد بني النساء من‬ ‫واقع أن النساء يف غالب األحوال‪ ،‬ميثل ّن الحامل‬ ‫الثقايف للمجتمعات‪ ،‬حتى ولو كانت هذه الثقافة‬ ‫تعمل عىل الحط من قدره ّن‪ .‬وأمثلة عىل ذلك‪،‬‬ ‫ظاهرة إرصار النساء عىل خفض بناتهن أو االستسالم‬ ‫والرتويج لنموذج املرأة املثالية التي يصدرها‬ ‫املجتمع الذكوري‪ ،‬مثل استخدام كرميات تفتيح‬ ‫البرشة إلرضاء تصورات الرجال عن املرأة املرغوبة‬ ‫مع وعيه ّن التام بالرضر املعروف عنها‪ ،‬وكذلك‬ ‫القبول والرتويج ملامرسة تعدد الزوجات‪...‬الخ من‬ ‫مامرسات كره الذات‪.‬‬

‫ابراهيم السيد‬

‫بال‬

‫حساب‬

‫ارقــــام‬

‫‪30‬‬

‫فــــي‬ ‫عوا لــــم‬ ‫النســــا ء‬

‫منذ ‪ 30‬عاما صادقت يوغندا‬ ‫على اتفاقية القضاء على‬ ‫كافة أشكال التمييز ضد المرأة‬ ‫(‪ )CEDAW‬وهي اتفاقية دولية‬ ‫هامة تؤكد على احقية النساء‬ ‫من جميع انحاء العالم في‬ ‫المساواة في الحقوق والوجبات‬ ‫وعلي الغاء كافة اشكال التمييز‬ ‫السلبى ضد النساء والبنات‬ ‫وقد اعتمدت الجمعية العامة‬ ‫األمم المتحدة تلك االتفاقية في‬ ‫العام ‪ .1979‬ومن بين ‪ 193‬دولة‬ ‫اعضاء في الجمعية العامة لألمم‬ ‫المتحدة صادق على االتفاقية‬ ‫‪ 187‬دولة‪ .‬اثنين من ‪ 6‬دول لم‬ ‫تصادق بعد الصومال والسودان‪.‬‬

‫هل ميكن أن تحدثنا عن اللوحة يف غالف املجلة وما‬ ‫هي قصتها؟‬ ‫هي المرأة من اصول نوبية تز َّوجت زواجاً تقليدياً من‬ ‫رجلٍ غني يك تعول أرستها الفقرية‪ُ ،‬مضح ِّية مبشاعرها التي‬ ‫كانت إلنسان آخر‪ .‬عندما رأيتها كانت شاردة النظرات‬ ‫قليلة الكالم‪ ،‬رسمتها مبالمحها األصلية‪ ،‬واستلهمت الفن‬ ‫النويب يف هذه اللوحة حيث ان األبيض واألسود يعكس‬ ‫البيئة الزاهدة والخلفية املموجة ترمز ألمواج النيل‪.‬‬ ‫كيف تعرف نفسك‪ :‬هل أنت فنان أفريقي أم عريب؟‬ ‫ٌ‬ ‫محي للغاية بالنسبة يل‪ ،‬فأنا خلي ٌط من عدة‬ ‫سؤال ِّ‬ ‫ثقافات‪ ،‬منها النوبية والعربية واألفريقية وحتى األوربية‪،‬‬ ‫التي انتسب إليها عرب أحد أجدادي من البوسنة‪ .‬أما‬ ‫كرسام‪ ،‬فيقع تركيزي أكرث عىل الفن‬ ‫بالنسبة لوضعي َّ‬ ‫النويب باعتباره اختياري الخاص‪ ،‬وذلك لقلَّة امل ُهتمني به‪،‬‬ ‫معنى أكرب ومشاقاً أكرث‪.‬‬ ‫وهو ما يجعل مل ُه َّمتي ً‬

‫من املعروف ان الرتاث الثقايف للعرب القدماء تركز يف‬ ‫الشعر‪ ،‬ولكن بعد قرنٍ واحد ظهر تراث وثقافة إسالمية‬ ‫عظيمة من آداب وفنون وعامرة وموسيقى نتيجة‬ ‫المتداد الدولة االسالمية‪ .‬استمر هذا االزدهار الثقايف‬ ‫لقرون وال تزال بقاياه منترشة يف العديد من األماكن‬ ‫مثل تاج محل‪ ،‬األندلس‪ ،‬إسطنبول‪ ،‬القاهرة‪ ،‬وكازابالنكا‪.‬‬ ‫اإلسالم يف حقيقته يدعم الفنون ويشجع الفنانني وإن‬ ‫كان ضد جموح بعض الدخالء عىل الفن الذين يحاولون‬ ‫لفت االنتباه بحجة حرية الفن‪.‬‬ ‫تتمثل قوة الفن التشكييل يف قدرة اللوحة عىل‬ ‫مخاطبة املثقف والعامل الفقري والطفل والعجوز‬ ‫والرجل واملرأة يف آن واحد‪.‬‬ ‫بالنسبة لداعش والحركات العنيفة التي تعادي الفنون‬ ‫فلست مهتامً بتقييمهم ألعاميل طاملا أنا أشعر بالرضا‬ ‫لدي استعداد لحرق كل لوحايت‬ ‫عنها‪ ،‬ولكني يف املقابل َّ‬ ‫إذا كانت سبباً يف قتل إنسان آخر‪ ،‬فالفن خُلق إلحياء‬ ‫اإلنسان ال لقتله‪ .‬وانا أشعر بالرضا التام عن عميل ورحلة‬ ‫حيايت الشخصية‪ ،‬دينياً واجتامعياً وثقافياً‪ ،‬وأرى فكرة‬ ‫محاربة الدين للفن فكرة هيسرتية يف ُمجملها ألنها تربط‬ ‫كل أنواع الفنون بامل ُح َّرمات‪ .‬نعم هناك خطوط حمراء‬ ‫يف الفنون ولكنها أيضاً ليست فقط مرتبطة بالدين ولكن‬ ‫باألخالق واألعراف والقوانني االجتامعية وهي وإن كانت‬ ‫تختلف من بلد آلخر إال أن الجميع ال ينكر وجودها‪،‬‬ ‫وهو السبب الذي جعلني أرفض عرشات العروض الفنية‬ ‫التي تتعامل مع الفن كسلعة للربح أو لفت اإلنتباه فقط‬ ‫متجاهلة الرسالة السامية له‪ ،‬ا ّما بخصوص ان اترك الفن‬ ‫فذلك مستحيل ألن تركه مياثل أن أفقد عيني وأعيش يف‬ ‫ظالم قبيح‪.‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪5‬‬


‫انتي قصدك ايه يا فتاة النيل؟ قصدي الحياة العصرية في بلدة سودانية‬

‫عشة الفالتية فنانة عظيمة‬ ‫ورائدة من رائدات الحداثة‬ ‫والحراك النسوي في السودان‬ ‫في يوم من أيام العام ‪ 1943‬وقفت عشة الفالتية داخل أستديو بدار‬ ‫اإلذاعة السودانية بأم درمان وصدحت ببديع فنها «من دار االذاعة برسل‬ ‫ليك تهانى واشراقات سماعا‪ ...‬برسل ليك سالمي يا وطني البريدو»‪.‬‬ ‫فكانت أول امراة سودانية يتردد صدى صوتها البديع في أرجاء البالد‪.‬‬ ‫ذاك الوقت في السودان‪ ،‬كان الولوج إلى مهنة الفن والغناء أمرًا‬ ‫عسيرًا على الرجال فما بالك بالنساء! لذا كان من الطبيعي أن ٌيقاوم‬ ‫حضور عشة الطاغي حتى من قبل زمالئها من الفنانين الرجال ومن‬ ‫ضمنهم الفنان النجم في ذلك الزمان‪ ،‬الحاج محمد أحمد سرور‪ ،‬الذي‬ ‫أقسم أن قدمه لن تطأ دار اإلذاعة ما لم تذهب عشة وتختفي! إال أن‬ ‫عشة لم تبارح مكانها‪ ،‬وصمدت حتى أواخر أيامها في الحياة‪ُ ،‬متجاهلة‬ ‫ومتعالية على كل اإلساءات‪ ،‬حيث َّرد ت بأفضل الردود‬ ‫لذلك االزدراء‪ُ ،‬‬ ‫ً‬ ‫تمثال في ِّ‬ ‫فنها‬ ‫التي ألجمت األلسنة إلى األبد‪ ،‬فقد كان رد عشة ُم‬ ‫العظيم‪ ،‬الذي سيبقى ُممتدًا عبر األجيال‪.‬‬

‫وكام قالت يف مقابلة شهرية مع املرحوم الصحفي‬ ‫رحمي سليامن يف أوائل السبعينيات‪ »:‬أصلو يا‬ ‫سيدي‪ ،‬ملا كان عمري زي سبعة سنني وكده‪ ،‬كنت‬ ‫بندمج مع البنات يف بيوت األعراس واللعبات‪..‬‬ ‫وعشان صويت كان جميل وانا كنت معتزة بيهو‬ ‫جدا ً‪ ،‬كنت دامئاً بسيطر عىل املوقف واقوم بالهلولة‬ ‫كلها وكنا بنغنى غنا النسوان الكبار‪ ..‬ما ياهو‪ ..‬أغاين‬ ‫السرية والدلوكة‪ ..‬ومرات غنا رسور وكرومه‪ ..‬واوعى‬ ‫بالك‪ ..‬يف بيوت األعراس ما بقعد يف السباتة عشان‬ ‫أرقص‪ ..‬كنت مهتمة بس بأين اسمع وارسق الغنا»‪.‬‬

‫وقد ساعدها حفظها امل ُبكر للقرآن يف خلوة‬ ‫والدها‪ ،‬عىل رفع قدرتها يف حفظ كلامت األغاىن‬ ‫وال ُنطق السليم‪ ،‬حيث لفتت اإلنتباه منذ بدايتها‬ ‫وذلك لعذوبة صوتها وقدرتها العالية عىل الغناء‪،‬‬ ‫وقد استمدت اسم الفالتية تج ُّنباً للتقاليد املحافظة‪،‬‬ ‫حيت إنها مل ترِد أن يُذكر اسم والدها مقروناً باسمها يف عامل الغناء‪ ،‬وهو‬ ‫الرجل امل ُحافظ والشديد التقليدية‪ ،‬فأخذت اسم الفالتية‪ .‬وتتذكّر عشة‬ ‫معاناتها بسبب حبها للغناء وتقول إن والدها عندما يعرف بأنها تنوي‬ ‫املشاركة يف الغناء يف إحدى املناسبات‪ ،‬يقوم بربطها إىل الشجرة يف حوش‬ ‫املنزل حتى التذهب‪ ،‬إال أن شقاوة وعناد الشباب الذي ال يُقاوم‪ ،‬جعلها‬ ‫تستعني بأختها (جداوية) للهرب من املنزل واملشاركة يف الغناء‪ ،‬حيث‬ ‫اتضح الحقاً أن مسعى عشة الوحيد يف الحياة‪ ،‬هو الغناء والفن‪.‬‬

‫ولدت عائشة موىس أحمد يحيى ادريس أو عشة الفالتية كام ُعرفت‬ ‫الحقاً‪ ،‬يف مدينة كسال يف رشق السودان‪ ،‬حيث هاجر أبواها من مدينة‬ ‫سكوتو يف شامل نيجرييا أحد معاقل الهوسا‪ ،‬وهي من املدن املعروفة‬ ‫بتدريس القرآن‪ ،‬واستقر بهم املقام عند عودتهم من أداء فريضة الحج‬ ‫يف مدينة كسال بالسودان‪ ،‬ثم انتقلوا بعد ذلك إىل القضارف‪ ،‬وبعدها إىل‬ ‫الجزيرة بوسط السودان‪ ،‬وتحديدا ً يف مناطق ريفي مدينة املسلمية‪ ،‬حيث‬ ‫أنشأ والدها خلوة لتدريس وحفظ القرآن الكريم ‪ ،‬واشتغل كعامل زراعي‬ ‫يف مرشوع الجزيرة يف ذلك الحني؛ كانت عشة منذ طفولتها مولع ًة بالغناء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ورغم مقاومة أرستها واملنظور السلبي للفن يف امل ُجتمع‪ ،‬ودخول النساء‬ ‫بصوت (سوبرانو) حميم‪ ،‬وقدرات عالية يف حفظ وترديد أغاين‬ ‫وقد متت َّعت‬ ‫البنات‪ ،‬أو أغاين (الدلوكة) التي كانت رائجة يف أوساط النساء يف مناسبات يف مجاالت الغناء‪ ،‬قاومت هذه الفنانة العظيمة كل الضغوط ببسالة‬ ‫متناهية‪ ،‬وعملت جهدها لتثبِّت نفسها كفنانة مستقلة وجديرة باالحرتام‬ ‫األعراس‪ ،‬ومختلف الطقوس السودانية‪.‬‬

‫‪6‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫وجوه‬

‫اللوحة‪ :‬نصرالدين الدومة‪ ،‬السودان‬

‫عىل مر العصور‪ .‬وعىل حد قول األستاذ أمري النور‪ ،‬وهو فنان وموسيقي بعد عدة سنوات وذلك يف العام ‪ ،1939‬من والد ابنها الوحيد كامل خميس‬ ‫وصديق ابن عشة الوحيد الراحل كامل خميس‪ « :‬إن عشة ولدت لتغني إال أن الزواج اصطدم مع طموحات عشة الفنية واهتامماتها‪ ،‬فاختارت‬ ‫ُحريتها ووهبت نفسها لفن الغناء‪.‬‬ ‫ولتكون فنانة»‪.‬‬ ‫عانت عشة من الضغط االجتامعي‪ ،‬ومل تخضع لرشوط الزواج‬ ‫وعندما كانت يف سن الحادية عرش من عمرها‪ ،‬وقبل ولوجها عامل الشهرة‪،‬‬ ‫ز َّوجها أهلها قرسا ً ألحد أقاربهم يف مدينة السويك حيث مل يدم الزواج سوى التقليدي التى قامت وال تزال تقوم عىل إخضاع النساء‪ ،‬وسلب مواهبه َّن‬ ‫شهرين‪ ،‬عادت بعدها عشة طفل ًة حزين ًة إىل منزل أهلها لتتزوج مرة أخرى وقدراته َّن اإلبداعية التى قد تتناقض والدور االجتامعي املرسوم له َّن‪،‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪7‬‬


‫كام صمدت بشجاعة فائقة امام التمييز والحسد والتقليل من قدرها‪ ،‬الذهاب إىل مرص لتسجيل أسطوانة غناء سودانية‪ ،‬وصل إىل أسامعه أيضاً‬ ‫والسخرية منها يف مجتمع الفنانني الذكوري القايس‪ ،‬والحقا وبنفس صوت عشة العذب‪ ،‬وقرر بدوره أن يأخذها لتسجيل أسطوانة يف مرص‪.‬‬ ‫الشجاعة قاومت عشة مرض السكر اللعني الذي أفقدها أحد قدميها‪،‬‬ ‫وتسرتجع عشة املوقف الحقاً يف لقائها مع املرحوم رحمي سليامن‪:‬‬ ‫وتسخر عشة من املرض وتقول‪ :‬سأغني حتى ولو قطعوا رأيس‪.‬‬ ‫« اصلو ياود امي‪ ..‬يف واحد راجل صعيدي مولد هنا اسمه محمد زقايل‬ ‫دروب شائكة أمام إرادة ال تعرف التراجع بيعرفونا‪ ..‬يقوم يجي من مرص واحد خواجه اسمه ميشيان ‪ ..‬ميشيان‬ ‫ٌ‬ ‫بتاع االسطوانات‪ ..‬ميشيان ده كان جاي يسوق غنايني يسجل ليهم‬ ‫عشة احرتفت الغناء يف سودان الثالثينيات يف الوقت الذي احتجبت اسطوانات يف مرص‪ ..‬طلب من زقايل يفتش ليهو عن واحدة بتعرف‬ ‫فيه النساء خلف أسوار املنازل تحت سطوة تقاليد سودان الوسط‪ :‬ت ُرى ما تغني‪ ..‬قاموا جوين فوق البيت وطلبو مني أغني‪ ..‬وغنيت ليهم غنا‬ ‫الذي كان يدور يف ذهن البنت الصغرية التى هدمت تلك القيود مدفوعة الزمن داك البعرفو‪ ..‬الخواجة انبسط جدا ً وكنت بتمنى يقول يل قومي‬ ‫تسافري معانا كنت عاوزة ابقى مشهورة‪ ..‬قول ياسيدي‪ ..‬الخواجة قال‬ ‫بطموحها وحبها للغناء؟‬ ‫البنت صوتها جميل جدا ً وتقوم معانا‪ ..‬أبويا حلف يب جدودو انه ما‬ ‫يف أواخر عرشينيات القرن الفائت‪ ،‬انتقلت أرسة عشة إىل مدينة أمدرمان ممكن‪ ..‬قال ياجامعة مرص دي انا ماشفتها‪..‬وبكيت وزعلت‪ ..‬والخواجة‬ ‫الذاخرة بالحراك الثقايف يف ذلك الوقت‪ ،‬وعملت هي مع والدتها يف مشغل قعد يرتجى أبوي وقال انه مسئول عن أي حاجة تحصل يل‪ ..‬وما أطول‬ ‫لتنظيف وتنقيح الصمغ العريب‪ ،‬وكانت وهي يف حوايل الثانية عرشة من عليك ياود أمي‪ ..‬يف النهاية الخواجة عمل معانا كنرتاتو بعرشين غنوة‬ ‫عمرها‪ ،‬ترتنَّم بأغاىن الهوسا يف أثناء عملها‪ ،‬فلفتت عذوبة صوتها أنظار يب ستني جنيه‪ ..‬مش معقول؟ ما الجنيه الزمن داك كان جنيه‪ ..‬والدنيا‬ ‫مازي حسه‪ .. !..‬قول يازول سافرت مرص‪ ..‬وسقت معاي الشيال بتاعي‬ ‫زمالئها يف العمل‪ ،‬حيث رشَّ حها بعضٌ هم للغناء مع فرقة حرس الحدود‪.‬‬ ‫«أبوحراز» والخواجة يف مرص سكنت معاهو يف بيته مع زوجته واخته‬ ‫ووليداتو‪ ..‬وسجلتي شنو؟ أغاين كثرية ما بتذكرها كلها‪ ..‬الكني أول غنوة‬ ‫عانت عشة من الضغط االجتماعي‪ ،‬ولم تخضع لشروط الزواج‬ ‫سجلتها اسطوانة يا حنوين عليك بزيد يف جنوين ومن زمن بنادي الكني‬ ‫التقليدي التى قامت وال تزال تقوم على إخضاع النساء‪ ،‬وسلب‬ ‫لطشا عبد العزيز داؤود وحسع قاعد يغنيها !! وكانت أغانيا ناجحة‬ ‫جدا ً‪ ..‬وكان الزمن داك الفونوغرافات راقدة‪ ..‬واليل ماعنده فونوغراف‬ ‫وقدراتهن اإلبداعية التى قد تتناقض والدور االجتماعي‬ ‫مواهبهن‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اشرتى ليهو واحد عشان يسمع عشة الفالتية وكان بيوزع االسطوانات‬ ‫لهن‪ ،‬كما صمدت بشجاعة فائقة امام التمييز والحسد‬ ‫المرسوم‬ ‫َّ‬ ‫البازار السوداين ملك الخواجة كاتيفانيدس وولده دميرتي ومحلهم يف‬ ‫املحطة الوسطى‪.‬‬ ‫والتقليل من قدرها‪ ،‬والسخرية منها في مجتمع الفنانين الذكوري‬ ‫القاسي‪ ،‬والحقا وبنفس الشجاعة قاومت عشة مرض السكر‬ ‫اللعين الذي أفقدها أحد قدميها‪ ،‬وتسخر عشة من المرض وتقول‪:‬‬ ‫سأغني حتى ولو قطعوا رأسي‪.‬‬

‫وقد روت عشة أنها دوماً أُعجبت بالفنانة رابحة خوجالوي‪ ،‬والتي‬ ‫اشتهرت بغناء (التُم ت ُم) الفريد‪ ،‬والذي كان وقتها يتوسل (الدلوكة)‬ ‫بإيقاعها الحميم‪ .‬هذا النمط من الغناء ارتجلته جموع النساء امل ُسرتَقَّات‬ ‫يف السودان للتعبري عن ذواتهن املسلوبة بفعل االسرتقاق القايس والذي‬ ‫ساد السودان ألزمانٍ ‪ .‬غناء رابحة اتسم ببساطة الكلامت والتطريب العايل‪،‬‬ ‫ونحن هنا نعترب أن رابحة خوجالوي باملقابل‪ ،‬قد شكَّلت يف غناء (التُم ت ُم)‬ ‫يف املجال العام عالمة فارقة‪ ،‬حيث أن عامل الغناء العام ويف الحفالت‪ ،‬كان‬ ‫أمرا ً مقصورا ً عىل الرجال‪.‬‬

‫وفيام بني عام ‪ 1941-1936‬سافرت عشة عدة مرات إىل القاهرة‬ ‫رصت‬ ‫لتسجيل عدد من األسطوانات وتتذكر عشة بفخر أنها دوماً أ َّ‬ ‫عىل لبس التوب السوداين الذي مت َّيزت بلبسه‪ ،‬وأضفت عليه من رقَّتها‬ ‫ووقارها جامالً‪ ،‬فصار جزءا ً من صورتها املطبوعة دوماً يف أذهان أجيا ٍل‬ ‫من السودانيني‪.‬‬

‫امرأة ُمتفرِّدة ورائدة نسوية‬

‫املثري لإلنتباه يف سرية عشة الفالتية‪ ،‬ليس عذوبة صوتها وقدرتها عىل‬ ‫الغناء فقط‪ ،‬ولكن شخصها الطموح وذكائها‪ ،‬الذي أخذ بها من دهاليز‬ ‫غناء البنات والدلوكة خلف أسوار البيوت وحيشان النسوان‪ ،‬إىل عوامل‬ ‫الغناء املحرتف ومساحاته‪ ،‬والذى كان وال يزال حكرا ً عىل الرجال‪ ،‬واألكرث‬ ‫إثارة يف سرية عشة‪ ،‬متاسك شخصيتها واعتدادها بنفسها وبفنها‪ ،‬ويُرى‬ ‫التصقت عشة برابحة‪ ،‬وصارت تساعدها يف أثناء الحفالت بتجميع املال ذلك واضحاً يف لقاءاتها الصحفية‪ ،‬واإلذاعية‪ ،‬والتلفزيونية‪ ،‬حيث إن عشة‬ ‫ملن أراد حضور حفلها الغناىئ‪ ،‬وعندما حرض محمد زقايل ليطلب من رابحة ظلَّت حتى آخر أيام حياتها فخورة بفنها وإسهاماتها الغنائية‪ُ ،‬متصالحة‬

‫‪8‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫وجوه‬

‫مع نفسها‪ ،‬مل يغشاها االرتباك‪ ،‬حيث مل تُضلِّل عشة نفسها بأى تصورات تاريخ ُملهم عبر األجيال‬

‫زائفة حول هويتها‪ ،‬ومل تستسلم لضغوط املجتمع الذكورى االستعالىئ‬ ‫ستظل عشة وذكراها الحميمة‪ ،‬ومض ٌة من ومضات الحداثة‬ ‫ُ‬ ‫واملحافظ امل ُجحفة‪ ،‬وظلَّت حتى آخر يومٍ يف حياتها‪ ،‬عشة الفالتية‪،‬‬ ‫السودانية‪ ،‬أضاءت بحضورها وغنائها املجال الثقايف واالجتامعي‬ ‫الفنانة السودانية‪.‬‬ ‫السوداين‪ ،‬واألهم‪ ،‬فإن عشة فرضت وجودها كرائدة من رائدات‬ ‫الحوارات مع عشة عكست قوة شخصيتها‪ ،‬وانفتاح ذهنها ومعرفتها النسوية السودانية‪ ،‬باقتحامها ملجاالت موصودة األبواب يصعب‬ ‫العميقة لقيمة إسهاماتها‪ ،‬حتى عندما مل تح َظ بنصيبها من التقدير‪ ،‬فإن اخرتاقها‪ ،‬وعادة ما يصاحب دخول تلك املجاالت الكثري من املخاطر‬ ‫ذلك مل يهزمها أو يجعلها ُ‬ ‫تشك يف مقدراتها الفنية‪ ،‬وعدم التقدير هو أمر واآلالم التي ال حدود لها‪ .‬عاشت عشة تلك املخاطر وتح َّملت اآلالم‬ ‫تعاين منه امل ُبدعات من النساء يف سياقات املجتمع الذكوري‪ ،‬حيث يصري الناتجة عن اإلرث الثقايف امل ُح َّمل بالتمييز ضد النساء‪ ،‬ووجودهن يف‬ ‫فعل اإلبداع حكرا ً عىل الرجال‪ ،‬وإسهامات النساء عموماً التؤحذ بجدية‪ ،‬املجال العام بشجاعة فائقة‪ ،‬ودون أن تفقد ابتسامتها العذبة وطاقتها‬ ‫ويُستهان بها باعتبارها إسهامات الترقى إىل مستوى التقدير امل ُجتمعي‪ .‬اإلبداعية‪ ،‬أو أن ت ُشكِّك يف صحة خياراتها الوجودية كامرأة سودانية‬ ‫فخاصية إكتساب التقدير يف بالد مثل السودان‪ُ -‬مستلبة متاماً بقيم ُمسلمة و ُمغنية ُمبدعة‪.‬‬ ‫املجتمع التقليدى وغالبا ما مينح التقدير مرشوطاً إىل ٍ‬ ‫حد كبريٍ بهوية‬ ‫كامل خميس ابن عشة الفالتية‪ ،‬كان صغريا ً يف العمر عندما توفيت‬ ‫صاحب وصاحبة اإلسهام‪ ،‬وهوية عشة مبعايري ثقافة وسط السودان‪،‬‬ ‫السكَّر اللئيم عام ‪ ،1974‬إال أنه ظل ُمخلصاً لذكراها‬ ‫مرض‬ ‫اء‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫والدته‬ ‫ُعرض ٌة للتم ِّييز واإلقصاء‪ ،‬كونها امرأة أوالً‪ ،‬و ُمغني ٌة ثانياً‪ ،‬ومن أرسة فقرية‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫حتى وفاته قبل عدة سنوات‪ .‬ظل كامل خميس يحمل معه أينام‬ ‫ثالثاً‪ ،‬إضافة إىل عبء التصنيف االثني الثقيل‪.‬‬ ‫ذهب‪ ،‬حقيبة بالستيك بها بعض من ذكريات عشة يف أيام عظمتها‪،‬‬ ‫مل ت ُح َظ عشة الفالتية بتعليم نظامي‪ ،‬إال أنها سطَّرت منوذجاً للوعي وبعضاً من صو ٍر وأسطوانات قدمية‪ ،‬تلك الحقيبة انتهت إىل أحد‬ ‫تخطَّى الحدود الضيقة للتعليم بشكله التقليدي‪ ،‬وذلك بتق ُّدميتها أصدقاء كامل عقب وفاته‪ ،‬إال أنه ومع وفاة هذا الصديق‪ ،‬اختفت‬ ‫حسها املوسيقي الصادق‪ ،‬وموهبتها الحقيبة مبحتوياتها البسيطة والغالية يف نفس الوقت‪.‬‬ ‫وإنسانيتها العالية‪ ،‬إضافة إىل َّ‬ ‫القوية‪ .‬لقد كانت عشة الفالتية من أوائل النساء الاليت لح َّن أغنياته َّن‬ ‫بأنفسهن‪ ،‬وقد شاركت بفاعلية يف التوزيع املوسيقي ألغانيها‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ومضة من ومضات الحداثة‬ ‫ستظل عشة وذكراها الحميمة‪،‬‬

‫فنانة ُمبدعة وعالمة في تاريخ الفن‬ ‫السوداني‬ ‫من أميز إبداعات عشة الفنية‪ ،‬أغنياتها للجنود السودانيني‬ ‫أثناء الحرب العاملية الثانية‪ ،‬حيث تغ َّنت بأغنيات غاية يف اللُطف‬ ‫والطرافة‪ ،‬وقد عكست يف أغنياتها بساطة السودانيني وقدرتهم عىل‬ ‫تهوين املواقف الخطرة وتحويلها إىل هزل‪ ،‬مثالً‪ ،‬يف خضم القصف‬ ‫عىل الخرطوم يف بداية األربعينيات‪ ،‬تظهر عشة بأغنية‪ « :‬طيارة جاتنا‬ ‫تحوم شايلة القنابل كوم جات ترضب الخرطوم رضبت حامر كلتوم‬ ‫ست اللنب»‪.‬‬ ‫غ َّنت عشة يف اإلذاعة السودانية منذ افتتاحها يف أوائل األربعينيات‪،‬‬ ‫رص‬ ‫وت ُعترب بكل املقاييس‪ ،‬أغنيتها األنيقة (من دار اإلذاعة)‪ ،‬إيذاناً بع ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جديد من التواصل األثريى‪ ،‬وقد رفرف صوت عشة الحميم عرب بالد‬ ‫السودان وأفريقيا‪ ،‬فباإلضافة إىل غنائها يف مرص‪ ،‬فقد غ َّنت يف نيجرييا‬ ‫والصومال‪ .‬وبجانب قدراتها الغنائية‪ ،‬امتلكت عشة قدرة فطرية عىل‬ ‫إرتجال الشعر الغنايئ‪ ،‬حيث استثمرت وأبدعت يف إنتاج إرث سوداين‬ ‫تقل عنهم يف عمق إسهاماتها‪.‬‬ ‫غنايئ‪ ،‬أسوة باملبدعني من معارصيها‪ ،‬ومل َ‬

‫السودانية‪ ،‬أضاءت بحضورها وغنائها المجال الثقافي‬ ‫واالجتماعي السوداني‪،‬‬

‫غري أن إرث عشة الفالتية اليُق َّدر بثمن‪ ،‬فهي لديها أكرث من مئة‬ ‫أغنية معظمها يف حب السودان والسودانيني‪ ،‬وسوف تظل عشة فنانة‬ ‫عظيمة‪ ،‬مل تزايد بف ِّنها‪ ،‬وامرأة سودانية ُملهمة‪ ،‬أسهمت يف ترسيخ قيم‬ ‫حقوق النساء يف السودان‪ ،‬وتواجدهن يف السياق العام‪ ،‬حيثام يزال‬ ‫حلم (الحياة العرصية يف بلدة سودانية) يطاردنا كنساء سودانيات‪،‬‬ ‫فنقرتب تار ًة ويصري الحلم بعيد املنال يف معظم األحوال‪ ،‬وذلك بعد‬ ‫أكرث من أربعني عاماً عىل رحيل عشة الفالتية‪.‬‬ ‫كتبت ريم عباس بناء على لقاءات مع االستاذ امير النور الباحث‬ ‫والموسيقى المعروف وصديق اسرة الفنانة عائشة الفالتية‬ ‫ومن اسرة الفنانة د‪.‬عادل حربى استاذ الموسيقى بكلية‬ ‫الموسيقى والدراما فى جامعة السودان‪.‬‬ ‫ترجمتها من االنجليزية بتصرف‪ :‬هالة الكارب‬

‫‪1‬حوار صحفي مع‬ ‫الفنانة عائشة الفالتية‬ ‫في جريدة الصحافة‪،‬‬ ‫أجراه الصحفي‬ ‫الراحل المرحوم‬ ‫رحمي سليمان أوائل‬ ‫السبعينيات (التاريخ‬ ‫غير معروف)‬ ‫‪2‬احمد سكينجا‪-‬تاريخ‬ ‫قصير للموسيقى‬ ‫السودانية الشعبية‬ ‫‪3‬أغنية فتاة النيل‪،‬‬ ‫كلمات عبد الرحيم‬ ‫السيد‪ ،‬غناء عشة‬ ‫الفالتية‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪9‬‬


‫الشيخ علي عبد الرازق‪:‬‬

‫خطورة العقل النقدي داخل‬ ‫المؤسسة الدينية‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬خصوصاً أ ّن الكتاب صدر يف فرتة سقوط السلطنة العثامن ّية‬ ‫وقيام الدولة األتاتوركيّة العلامنيّة الحديثة يف تركيا‪ ،‬يف حني كان ملوك‬ ‫العرب يتنافسون عىل لقب “الخليفة”‪ ،‬ومن بينهم امللك فؤاد األ ّول‪،‬‬ ‫ملك مرص يف وقتئذ‪.٢‬‬ ‫ويغفل الكثريون من النقاد الظروف التاريخية واملعرفية التي أنتجت‬ ‫الشيخ عيل نفسه قبل فكره‪.‬فالرتكيز السائد عىل الظرف التاريخي‬ ‫السيايس الذي يراه املؤرخون والنقاد مبثابة املحرك والدافع الرئييس‬ ‫إلنتاج مثل هذا الكتاب املثري للجدل‪ ،‬واملتمثل يف زوال دولة الخالفة‬ ‫اإلسالمية يف تركيا مبجيء كامل أتاتورك‪ ،‬رمبا كان يحمل بعض الصحة‬ ‫إن مل يكن الكثري منها‪ ،‬ولكن من خالل الوقائع التاريخية نفسها نجد‬ ‫أن املنتوج الفكري الذي كان سائدا ً بُعيد هذه الواقعة ال يخرج عن‬ ‫العويل والنحيب عىل زوال هذه «الخالفة» أكرث من مراجعتها نقدياً‪.‬‬ ‫وهذا ليس بالغريب‪ ،‬فاملعرفة الدينية السائدة وقتها ومصدرها األزهر‪،‬‬ ‫كانت معرفة إميانية باملطلق‪ ،‬تعزز اليقني بالسائد من املعرفة الدينية‬ ‫وترفعها اىل مصاف املقدس أكرث من أن تساءلها ومتحصها نقدياً‪ .‬عىل‬ ‫أية حال هذا نهجاً ما زال سائدا ً اىل يومنا هذا‪ ،‬ورمبا لهذا مل نعرف‬ ‫مراجعات كربى‪ ،‬أو دراسات نقدية يعتد بها أنتجتها هذه املؤسسات‬ ‫الدينية العريقة‪ .‬فأقىص أماين هذه املؤسسات هو تقرير واقع الوعي‬ ‫األيديولوجي الذي تشكل يف بواكري املجتمع اإلسالمي نتاج الرصاعات‬ ‫السياسية واالجتامعية التي اكتنفت مسريته‪ ،‬وأنتجت علام دينيا غزيرا ً‬ ‫عمل منذ البداية إلكساب هذه الرصاعات الدنيوية بعدا ً دينيا قوامها‬ ‫إضفاء رشعية دينية النتصارات السياسة وانكساراتها عىل السواء‪.‬‬

‫اإلسالم وأصول الحكم‬ ‫اللوحة‪ :‬حسين مرغني‪ ،‬السودان‬

‫هو شيخ أزهري مرصي‪ ،‬ولد عام ‪ 1888‬يف قرية أبو جرج مبحافظة‬ ‫ثم ذهب إىل األزهر حيث‬ ‫املنيا ألرسة ثر ّية‪ .‬حفظ القرآن يف ك ّتاب القرية‪ّ ،‬‬ ‫ثم ذهب إىل جامعة أكسفورد‬ ‫حصل عىل درجة العامل ّية عام ‪ّ .1912‬‬ ‫الربيطان ّية لدراسة االقتصاد‪ ،‬ولك ّنه مل يكمل دراسته فيها‪ ،‬ورسعان ما‬ ‫عاد إىل مرص بعد اندالع الحرب العامل ّية األوىل‪ .‬وعقب عودته ُع ِّي قاضياً‬ ‫رشع ّياً‪ .‬شغل مناصب عديدة‪ ،‬منها‪ :‬عضو يف مجلس الن ّواب‪ ،‬عضو يف‬ ‫‪١‬‬ ‫مجلس الشيوخ ووزير لألوقاف‪ .‬كام كان عضواً يف املجمع اللغوي‪.‬‬ ‫أصدر الشيخ عيل عبد الرازق يف عام ‪ 1925‬كتاب اإلسالم وأصول‬ ‫الحكم الذي أثار ض ّجة كبرية حوله‪ ،‬ودارت النقاشات والردود‪ ،‬فقد‬ ‫اعترب البعض أ ّن هذا الكتاب يدعو إىل علمنة اإلسالم وفصله عن الحياة‬ ‫السياسيّة لأل ّمة‪ .‬وأكرث ما أثار الردود والنقاشات هو موقف الكاتب من‬ ‫الخالفة‪ ،‬حيث اعتربها من ابتكار املسلمني وأال أصول لها يف الترشيع‬

‫‪10‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫أىت الشيخ عىل عبد الرازق‪ ،‬كام هو معروف‪ ،‬من قلب املؤسسة‬ ‫الدينية‪ ،‬أي األزهر‪ ،‬وهو هنا‪ ،‬يف مثل هذه الظروف‪ ،‬كمن أىت شيئاً أدى‪،‬‬ ‫كام تقول اآلية القرآنية‪ .‬ولكن رمبا فات عىل الكثريين أن الشيخ نهل‬ ‫أيضاً من املعارف الوضعية‪ .‬فسريته الذاتية تقول إنه بُعث اىل جامعة‬ ‫أكسفورد لتلقي تعليامً عاليا بعد أن أتم دراسته باألزهر‪ .‬ونحن نعرف‬ ‫أن املؤسسات التعليمية الغربية هي مؤسسات علامنية بالكامل تعمل‬ ‫عىل اكساب حساسية نقدية مختلفة اتجاه املعرفة وخصوصاً الديني‬ ‫منها املؤسس عىل اليقني‪ .‬بالطبع ليس كل من درس بهذه الجامعات‬ ‫أصبح يتمتع بعقل نقدي‪ .‬فأكرثهم كام يخربنا الواقع ينطبق عليه قول‬ ‫املفكر السوري جالل العظم واصفاً زميل له يُد ّرس الفلسفة «بأنه يعلم‬ ‫الفلسفة ملدة ربع قرن ومع ذلك مل يعرتيه الشك يوماً واحدا ً»! الشاهد‬ ‫من قويل هذا‪ ،‬أن الشيخ البد أنه كان يتمتع بعقل نقدي اكسبته املعرفة‬ ‫الوضعية دربة وزودته بالوسائل النقدية املالمئة‪ ،‬كام كان الشأن مع‬ ‫االمام محمد عبده‪ ،‬رفاعة الطهطاوي والدكتور طه حسني‪ .‬والشاهد‬ ‫أن هذا الوعي النقدي قد تقاطع فيام بعد مع النهج التلقيني اإلمياين‬ ‫ومترد عليه كام دلنا عىل ذلك كتابه املثري للجدل والذي جر عليه غضب‬


‫وجوه‬ ‫املؤسستني الدينية والسياسية حينام اتحدت مصالحهام وما أكرث اتحادها وأنواع الحكومات عند اليونان‪ ،‬وهم الذين ارتضوا أن ينهجوا باملسلمني‬ ‫يف واقعنا اإلسالمي املعارص منه والسالف‪.‬‬ ‫مناهج الرسيان يف علم النحو‪ ،‬وأن يروضوهم برياضة بيديا الهندي يف‬ ‫كتاب كليلة ودمنة‪ .‬بل رضوا بأن ميزجوا لهم علوم دينهم مبا يف فلسفة‬ ‫‪٤‬‬ ‫هذا واقع استنكه أغواره الذين واتتهم ظروف تعليم مغاير قوامه اليونان من خري ورش‪ ،‬وإميان وكفر؟‬ ‫املؤسسات التعليمية التي وفدت مع االستعامر‪ .‬وقد طفق هؤالء‬ ‫املزودين بوسائل املعرفة الحديثة والتفكري النقدي يعملون عىل نقد‬ ‫ومتحيص كل ما هو مؤسس عىل أرضية هشة ويقتات من الثبات واليقني ثمن حرية الفكر‬ ‫أكرث مام ينبني عىل موضوعية املعرفة وضوابطها املنهجية‪ .‬لست هنا‬ ‫تعرض الشيخ عيل عبد الرازق يف خامتة األمر اىل الطرد واملهانة‪ .‬فقد‬ ‫بصدد التتبع التاريخي للمسرية املعرفية الكبرية والتي عملت وما‬ ‫زالت عىل ضبط وتنقيح التاريخ املعريف للحضارة اإلسالمية يف مظانها أصدر األزهر أمرا ً بسحب شهادته العاملية وتم طرده من كل الوظائف‬ ‫األبستمولوجية‪ ،‬بقدر ما أود أن ابني الفرادة التي وسمت العمل النقدي الحكومية والدينية التي كان يشغلها‪ .‬وتكالب عليه العلامء يصلونه‬ ‫بالسنة من حديد‪ ،‬وأصبح معزوالً منبوذا ً اىل ان عاد الحقاً يف عهد امللك‬ ‫للشيخ عىل عبد الرازق‪.‬‬ ‫فاروق اىل األزهر مجددا ً‪ ،‬ويقال إنه أضطر اىل «التوبة» عام صدر عنه‬ ‫ال شك أن توقيت الكتاب وحده هو الذي مبقدوره أن يرشح لنا حجم من أفكار تناولها كتاب اإلسالم وأصول الحكم‪ .‬وهذا عىل العموم مثار‬ ‫تلك الهبة املرعبة والرشسة التي قوبل بها الشيخ‪ .‬نقديا ميكن القول أ ّن جدل مازال قامئا بني املدافعني عن الشيخ وبني نقاده من تيارات اإلسالم‬ ‫الكتاب مل يتناول موضوعة متس صميم املقدس يف بعديه (القرآن والسنة) املحافظ من جهة أخرى‪ .‬وكان الكاتب اإلسالمي املعروف الدكتور محمد‬ ‫كام درج حامه االرثوذكسية الدينية ان يهددوا ويتوعدوا‪ .‬فمسألة عامرة أول من أشار اىل ذلك يف كتابه اإلسالم بني التنوير والتزوير يف‬ ‫«الخالفة» نفسها هي مسألة مستجدة أحدثها الرصاع السيايس للدولة فصل بلغ ‪ 57‬صفحة‪ .‬ومل يكتفي عامرة بذلك يف الكتاب املذكور‪ ،‬بل أنه‬ ‫الدينية التي تأسست بعد وفاة الرسول‪ ،‬وتبلورت أبعادها ومراميها مع شكك يف أن يكون الكتاب أصال من تأليف عيل عبد الرازق‪ ،‬حتى أنه‬ ‫معاوية بن ايب سفيان واتخذت التوريث نهجاً راسخاً منذ عهد األمويني ارجع فكرته اىل الدكتور طه حسني وأحيانا اىل بعض املسترشقني أمثال‬ ‫وانتهاءا ً بدولة الخالفة العثامنية‪ .‬سعى الشيخ يف كتابه اىل تبيان ذلك مرجوليس اليهودي أو توماس أرنولد ! والكالم السائد من قبل عامرة‬ ‫ورد األمر اىل واقعه التاريخي الذي أنتج الفكرة نفسها وتجسداتها عرب وتم تبنيه من قبل أرثوذكسية املسلمني فيام يخص تراجع الشيخ عن‬ ‫التاريخ‪ .‬وهنا نورد مقطعاً من الكاتب محمد قطيش يوضح فيه الواقع رأيه قائم عىل مقابلة متت معه يف احدى الصحف املرصية يف العام‬ ‫التاريخي الذي أنتج الفكرة ومالبساتها السياسية والدينية‪ :‬صدر هذا ‪1951‬م‪ ،‬وهو رأي أخرجه عامرة من سياقه الذي تم فيه‪ .‬فقد ُسئل‬ ‫الكتاب يف فرتة كانت قد انهارت فيها الخالفة العثامنيّة‪ ،‬ووقعت خاللها الشيخ عن قوله من أن اإلسالم دين روحي فقط وال عالقة له باألحكام‬ ‫الدول العرب ّية واإلسالم ّية تحت النفوذ األورويب‪ ،‬وكان يجري العمل عىل والترشيعات الضابطة للمجتمع املسلم‪ .‬فكان رده بأنه أخطا يف ذلك‪،‬‬ ‫لتول الخالفة وقال ان الرشيعة جزء من العقيدة‪ ،‬مضيفا‪ ،‬بأن ما ذكره رمبا أجراه‬ ‫إعادة إحياء الخالفة اإلسالميّة‪ ،‬وكان من بني الدول املرشّ حة ّ‬ ‫مرص‪ .‬كام أن عددًا من الزعامات العربية واإلسالمية تطلعت متلهفة الشيطان عىل لسانه وقتها‪ .‬مع أنه أكد للمحرر أنه عىل رأيه فيام يتعلق‬ ‫لهذا املنصب الشاغر‪.‬يف تلك الفرتة ساد شعور عميق بالفراغ يف الدول مبضمون الكتاب – أي موضوع الخالفة يف اإلسالم‪ -‬وال تراجع عن ذلك‪.‬‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬ورضورة ملحة لتدارك األمر‪ ،‬ولذلك يف عام ‪1925‬م‪ ،‬دعا األزهر اليشء الثابت واملعروف أن الشيخ حتى مامته مل يقوم بدحض كتابه‬ ‫يف مرص مجموعة من رجال الدين إىل عقد مؤمتر يف القاهرة لبحث علناً ومل يقم بإصدار كتاب يرتاجع فيه عن قناعاته فيام يخص موضوع‬ ‫موضوع الخالفة‪ .‬انتهى هذا املؤمتر بقرارات تفيد أن منصب الخالفة الخالفة والدولة اإلسالمية‪ .٥‬أنتج عيل عبد الرازق أكرث من ثالثة كتب‬ ‫رضوري للمسلمني كرمز لوحدتهم واجتامعهم‪ .‬ولكن ليك يكون هذا ولكن مل تجد حظها من الشهرة مثلام وجد كتاب اإلسالم وأصول الحكم‪.‬‬ ‫املنصب ف ّعاالً‪ ،‬البد أن يجمع الخليفة بني السلطة الدينية والسلطة وال نعرف بالطبع قيمة هذه الكتب الفكرية والعلمية‪ ،‬وما إذا كانت‬ ‫املدنية‪ .‬يف تلك األثناء كان هناك اتجاه لتنصيب امللك فؤاد األ ّول (ملك تفوق يف قيمتها أهمية الكتاب املذكور‪ ،‬وذلك ألنها مل تتعرض للنقد أو‬ ‫مرص) خليفة للمسلمني‪.‬وسط هذه األجواء أدىل عيل عبد الرازق بدلوه املراجعة من قبل النقاد‪،‬رمبا حتى يومنا هذا‪ ،‬كام كان الحال مع كتاب‬ ‫مصدرا ً كتابه اإلسالم وأصول الحكم‪ ،‬وقد اخترص فيه املسألة بوضوح‪ ،‬اإلسالم وأصول الحكم‪.‬‬ ‫فقال بأن الخالفة اإلسالمية ليست أصالً من أصول اإلسالم‪ ،‬بل هي مسألة‬ ‫دنيوية وسياسية أكرث من كونها مسألة دينية‪ ،‬ومل يرد بيا ٌن يف القرآن‪ ،‬وال‬ ‫يف األحاديث النبوية يف التأكيد عىل وجوب تنصيب الخليفة أو اختياره‪ .‬األفكار الحقة ال تموت‬ ‫ذهب عبد الرازق أبعد من ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬التاريخ يبني أن الخالفة كانت‬ ‫رش وفساد‪ .٣‬هذا ما كان من‬ ‫نكبة عىل اإلسالم وعىل املسلمني‪ ،‬وينبوع ٍ‬ ‫أمر الغضبة السياسية عىل الشيخ‪ ،‬ولكن الغضبة املرضية التي شنتها‬ ‫املؤسسة الدينية عليه فيام بعد وتجريده من ألقابه العلمية والدينية‬ ‫مردها هو نقده الرصيح والواضح لعلامء الدين عرب التاريخ اإلسالمي‬ ‫عند استعراضه ملقام الخليفة وصالحياته وسكاتهم املريب عن السلطة‬ ‫التي منحت له‪ .‬وهو ال يجد مربر لهذا الصمت سواء التواطؤ‪ .‬فهم‬ ‫الذي تعرضوا لكل ما ميس حياة املسلم‪ ،‬حتى مسائل الحيض خاضوا‬ ‫فيها‪ ،‬فاملهم قد وقفوا حيارى أمام ذلك العلم‪ ،‬وارتدوا دون مباحثه‬ ‫حسريين؟ مالهم أهملوا النظر يف كتاب الجمهوريّة ألفالطون وكتاب‬ ‫السياسة ألرسطو‪ ،‬وهم الذين بلغ من إعجابهم بأرسطو أن لقبوه باملعلّم‬ ‫األ ّول؟ وما لهم رضوا أن يرتكوا املسلمني يف جهالة مطبقة مببادئ السياسة‬

‫تويف الشيخ عىل عبد الرازق يف عام ‪ ،1966‬ومع ذلك توالت طبعات‬ ‫كتابه اىل يومنا هذا‪ .‬رمبا نجح سدنة قفل باب االجتهاد يف الجام الرجل‬ ‫حينها وأذالله‪ ،‬ولكن فات عليهم أن األفكار الحقة ال متوت‪ .‬فالشاهد أ ّن‬ ‫رج به‬ ‫أفكاره قد ألقت حجرا ً ضخامً يف بركة الفكر اإلسالمي اآلسنة‪،‬حجر ّ‬ ‫املسكوت عنه وأنتج حراكاً ما فتئا ينداح بعد أن زادت وتريته عرب الزمن‪.‬‬ ‫سيظل كتاب اإلسالم وأصول الحكم واحدا ً من االجتهادات الفكرية‬ ‫العظيمة يف مسرية التجديد اإلسالمي‪ ،‬وسيظل الشيخ عيل عبد الرازق‬ ‫يذكر كأحد املفكرين ذوي الفكر الثاقب والشجاعة املتناهية يف الوقوف‬ ‫يف وجه تيار «االجامع» الفقهي املسنود دوما بالسلطة السياسية‪ ،‬والذي‬ ‫بات بتواطؤه املشهود مع السلطان الغاشم ميثل واحدة من العقبات‬ ‫الكؤود يف سبيل االرتقاء باألمة اإلسالمية‪.‬‬ ‫عبد الخالق السر‬

‫‪١‬ويكيبيديا العربية‬ ‫‪٢‬مدونة فكر بال قيود‬ ‫‪https://fakkerfree.‬‬ ‫‪wordpress.‬‬ ‫‪com/2014/06/12‬‬ ‫‪٣‬نفس المصدر‬ ‫‪٤‬نفس المصدر‬ ‫‪ ٥‬اإلسالم بين التنوير‬ ‫والتزوير‪ ،‬محمد عمارة‪،‬‬ ‫دار الشروق‪ ،‬طبعة‬ ‫ثانية ‪ ،2002‬علمنة‬ ‫اإلسالم والعمران‪،‬‬ ‫(ص‪.)96-39‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪11‬‬


‫اللوحة‪ :‬حسين مرغني‪ ،‬السودان‬

‫سعادو على وارسامي‪:‬‬

‫الغ ِّريد‬ ‫وداع ًا بلبل الصومال ِ‬ ‫يف حوايل الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الخميس املوافق الثالث والعرشين فنانة موهوبة و مرتبطة بقضايا بلدها‬

‫من يوليو ‪ ،2014‬كنت داخل فرع مرصف محيل ىف العاصمة الصومالية‬ ‫مقديشو‪ ،‬حني سمعت صوت ثالثة أعرية نارية‪ .‬وللوهلة األوىل‪ ،‬ظننت أنه‬ ‫من امل ُحتمل أن يكون هناك جنود يطلقون النار يف الهواء‪ ،‬للتخفيف من‬ ‫االزدحام املروري عىل الطريق الرئييس‪ ،‬وبعد بضع ثواين من صوت األعرية‬ ‫رجل وهو يرصخ‪ ،‬بأن نائب ًة برملاني ًة قد أُغتيلت؛‬ ‫النارية‪ ،‬دخل إىل الفرع ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫مل يكن يف تصوري أو تصور أي شخص آخر كان داخل املرصف يف ذلك‬ ‫اليوم املأساوي‪ ،‬أن تلك الطلقات هي التي أردت واحدة من أكرث امل ُغ ِّنيات‬ ‫املحبوبات يف الصومال‪ ،‬وعضوة بالربملان‪ ،‬سعادو عىل وارسامي‪ ،‬هو االسم‬ ‫الذي يكاد يُثري العواطف املتأججة يف كل بيت صومايل‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫ولدت يف خمسينات القرن املايض يف قري ٍة صغري ٍة تقع بالقرب من‬ ‫بوهوودل تسمى هدهدنكا‪ ،‬وقد اشتهرت يف العاصمة مقديشو‪،‬‬ ‫بعد أن اكتشفها أحد أصدقاء عائلتها‪ .‬كانت وقتها فتاة شابة نحيلة‬ ‫وجميلة وتتميز بقصة شعر آفرو آثره‪ .‬برزت سعادو ليس ملجرد‬ ‫عذوبة صوتها‪ ،‬ولكن أيضاً لجاملها وسلوكها‪ .‬التحقت يف سنة ‪1973‬م‬ ‫بفرقة «ابري» لتُصبح ضمن واحد ٍة من أكرث الفرق املوسيقية شهر ًة يف‬ ‫البالد‪ ،‬والتي كانت خالل تلك الفرتة تتألف من العديد من املوسيقيني‬ ‫البارزين‪ .‬وقد درجت العديد من النساء خالل تلك الحقبة عىل تقليد‬


‫وجوه‬

‫أسلوبها وخيالئها‪ ،‬فقد كانت مبثابة أمنوذج لـ «صوفيا لورين» يف القرن إمرأة ال تعرف الخوف‬

‫األفريقي‪ ،‬بعد أن استطاعت أن تتفوق عىل مثيالتها يف الغناء‪.‬‬

‫كان إسناد أدوار مرسحية للموسيقيني خالل حقبة السبعينيات‬ ‫أم را ً شائع اً يف الصومال‪ ،‬حيث مل تتخلف سعادو عن ذلك وبرزت‬ ‫من خالل تلك العديد من املرسحيات‪ ،‬مام جذب االنتباه لتمثيلها‬ ‫وغنائها‪ .‬ويف وقت الحق أصبحت سعادو اس امً مألوفا ليس لتمثيلها‬ ‫وغنائها فحسب‪ ،‬وإمنا أيضا لنشاطها السيايس‪ .‬ففي حقبة الرئيس‬ ‫سياد بري تعرض العديد من الفنانني إما للسجن أو النفي نتيج ًة‬ ‫ملواقفهم امل ُناهضة للحكومة الشيوعية امليول يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫كانت سعادو وقتها شابة ومشهورة‪ ،‬فشاركت يف واحدة من‬ ‫املرسحيات وأدت واحدا ً من أعظم أدوارها‪ ،‬والتي عملت من خالله‬ ‫عىل التعبري عن تطلعات شعبها‪ .‬خاضت سعادو أول تجربة لها‬ ‫يف مواجهة القانون عندما انخرطت يف حركة شعرية ُع رِفت باسم‬ ‫دي يل وهي اختصار ألسامء مجموعة من الفنانني الذين وقفوا ضد‬ ‫النظام‪ .‬وىف اثناء نشاطها يف تلك الحركة املعارضة‪ ،‬خ لُصت سعادو‬ ‫إىل كتابة قصيدتني أوشكتا أن تؤديان إىل ال ُح كم عليها باإلعدام‪،‬‬ ‫ولكن ت َّم تخفيف ال ُح كم يف النهاية لتميض ستة أشهر بالسجن‪.‬‬ ‫ويف أواخر عقد الثامنينيات‪ ،‬أصدرت سعادو أغنيتها جادو‬ ‫الندكروزر والتي تعني قم ب رشاء الالندكروزر‪ ،‬حيث أصبحت تلك‬ ‫االغنية من األغاين التي تُح ِّرض الصوماليني ضد نظام الرئيس‬ ‫ال راحل سياد بري‪ .‬وقد ظلت كلامت هذه األغنية الخالدة‪ ،‬يف‬ ‫الذاكرة الجامعية لألمة‪ ،‬والتي تقول بعض أبياتها (أحصل عىل‬ ‫سيارة الالندكروزر‪ ،‬وتس َّول لتحصل عىل الذرة‪ُ ،‬م ستعرض اً نفسك‬ ‫ٍ‬ ‫كشخص رفيع املستوى يف القرن األفريقي)‪ .‬كانت كلامت هذه‬ ‫األغنية ت ُش ُري إىل أ ّن البالد كانت تتس َّول للحصول عىل الذرة‪،‬‬ ‫بينام كان أعضاء الحكومة يعيشون يف ٍ‬ ‫ترف ويتجولون بسيارات‬ ‫لقي القبض عىل سعادو بسبب هذه األغنية‪،‬‬ ‫الالندكروزر‪ .‬وعندما أُ َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ضابط يف مخفر الرشطة أن‬ ‫وأثناء التحقيق معها‪ ،‬طلبت من‬ ‫يحرض لها كوب من املاء‪ ،‬فأجابها الضابط أنه ال يوجد لديهم‬ ‫ماء‪ ،‬ثم ر َج ته سعادو يك يدير ُم ك ِّي ف الهواء يف غرفة التحقيق‪،‬‬ ‫وأجاب الضابط مرة أخرى أنه ليس هناك كهرباء‪ ،‬نظرت سعادو إىل‬ ‫الضابط وقالت‪ :‬ال اعرف ملاذا اعتقلتموين‪ ،‬فأغنيتي ليست سوى‬ ‫إفادة لفساد الحكومة وسوء استغاللها ألموال دافعي ال رضائب‪،‬‬ ‫بينام الشعب يعاين الفاقة نتاج عدم توفر احتياجاته األساسية‪.‬‬

‫غادرت سعادو وطنها ىف بدايات التسعينات وعاشت ىف الواليات املتحدة‬ ‫االمريكية ابان الحرب الرشسة التى عمت ربوع بالدها‪ .‬ثم عادت مرة‬ ‫اخرى ايل الصومال ىف عام ‪ 2012‬كممثلة ملنطقتها بونت الند الساحلية ىف‬ ‫شامل الصومال ىف الربملان الفيدراىل‪ .‬تركزت جهود سعادو خالل اعاملها ىف‬ ‫الربملان عىل وحدة الصومال كام ظلت اغانيها دوما تنادى بالسلم واهمية‬ ‫توحيد الهوية الوطنية للصوماليني‪ .‬وقد كان صوت سعادو عالياً ىف نقد‬ ‫االنفصاليني من مواطنيها وقامت برتجمة ذلك ايل اغاىن تغنى بها الشعب‬ ‫الصومايل مثل اغنيتها عن مدينة الس لوند و التى حارب الصوماليني منها‬ ‫االستعامر وناضلوا من اجل وحدة بالدهم‪ ،‬والس لوند ايضا هى املنطقة‬ ‫التى خاض فيها اهاىل ارض الصومال معركتهم ضد الدولة االم نحو انفصال‬ ‫دولتهم ‪.‬كام تغنت الحقاً بأغنيتها اللطيفة حول عدم قدرة الصوماليني عيل‬ ‫االتفاق‪ ».‬دعونا نتصالح‪ ،‬كال لن نتصالح‪ ،‬حسناً اسمح يل أن أتصالح معك‪،‬‬ ‫كال لن تتصالح معي‪ ،‬حسنا فالنتصالح من أجيل‪ ،‬كال لن أتصالح من أجلك»‪.‬‬ ‫تركزت جهود سعادو خالل اعمالها فى البرلمان على وحدة‬ ‫الصومال كما ظلت اغانيها دوما تنادى بالسلم واهمية توحيد‬ ‫الهوية الوطنية للصوماليين‪.‬‬

‫وقد تلقت سعادو العديد من االنتقادات ىف عام ‪ 2009‬عندما دعمت‬ ‫قضية التعويض التي رفعها رئيس الوزراء الصومايل السابق محمد عيل‬ ‫سمرت وات ُهمت بانها متواطئة مع نظام سياد بري املنهار‪ .‬ورغم االنتقادات‬ ‫التى تلقتها استمرت سعادو ىف رفع صوتها عاليا ضد الفساد ىف الدولة‬ ‫الصومالية وضد عدم كفاءة النواب يف الربملان وضعف التزامهم نحو قضايا‬ ‫ناخبيهم‪ .‬ويف ايامها االخرية تلقت سعادو عدة تهديدات باملوت اال ان ذلك‬ ‫مل يثني جهودها يف فضح الفساد حيث ظلت تناقش وبصوت عال فساد‬ ‫بعض السياسيني النافذين واهمية ادراج املحاسبية والعدالة ضمن الدولة‬ ‫الصومالية لتحقيق االستقرار والسالم‪ .‬ستظل ذكري سعادو حية ىف اذهان‬ ‫مواطنيها ممن الصوت لهم وذلك لشجاعتها وقدراتها الفريدة عيل مواجهة‬ ‫الفساد‪ .‬كام سيظل غنائها محفورا ً ىف وجدان الصوماليني لسنوات قادمة‬ ‫رغم كل التناقضات التى احاطت بسرية حياتها‪.‬‬ ‫ساغال شيخ علي‪ ،‬بتحرير‬

‫ترجمه من االنجليزية‪ :‬شمس الدين عثمان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪13‬‬


‫أبوهدية سيرة آسرة‬ ‫عند تتبع إنجازات وسيرة العظماء منا‪ ،‬فمن المهم أيضا إيالء العناية‬ ‫للزمن الذي عاشوا فيه‪ ،‬وكيف كانت األشياء قبل وجودهم‪ ،‬وكيف‬ ‫أسهم حضورهم في تغير الواقع‪ ،‬وكيف نجحوا في انجاز مهمتهم‬ ‫التي نذروا أنفسهم لها‪ .‬محمد بدري أبوهدية‪ ،‬أحد هؤالء العظماء‬ ‫الذين ال يمكن لنا أن نفصلهم عن الواقع المجتمعي والوطني‬ ‫وتأثيره عليهم وعلى األجيال القادمة‪ .‬فهو أحد القالئل الذين يرون‬ ‫الصلة المتينة‪ ،‬بين التطور في مجمل تجلياته‪ ،‬وتحرر المرأة‪ .‬مع أن‬ ‫مجرد تصور األمر على هذا النحو في المجتمع البدوي الذي قدم منه‬ ‫أبوهدية‪ ،‬يعني بال شك الموت‪.‬‬

‫بيت األمانة‬

‫مع أن أبوهدية ولد يف عائلة مل تتلقى تعليام‬ ‫نظاميا‪ ،‬اال أنها كانت انعكاس لثقافة مؤسسة عىل‬ ‫مساعدة اآلخرين‪ .‬فوالده‪ ،‬عرف مبساعدة النساء‬ ‫الفقريات‪ ،‬كام أن والدته‪ ،‬كانت تتقن الحرف‬ ‫اليدوية مثل املصنوعات الجلدية‪ .‬كان منزلها أيضا‬ ‫يضم ورشتها الحرفية املتواضعة‪ ،‬والذي أصبح‬ ‫مبثابة بيت األمانة للمزارعني الذين كانوا يودعون‬ ‫محاصيلهم لديها‪ .‬يف هذه البيئة‪ ،‬نشأ محمد‬ ‫وأخوته يتلقون التعاليم الدينية ويقومون بالرعي‬ ‫والزراعة مع أقرانهم‪ .‬يف الشهور من يونيو اىل سبتمرب من كل سنة‪،‬‬ ‫ترحل أرسة أبوهدية اىل سواكن وسنكات ‪ -‬التي تلقى فيها بداية تعليمه‬ ‫النظامي الك ّتاب يف ‪ -1941‬هربا من العواصم الرملية التي ترضب‬ ‫املنطقة يف تلك الفرتة من كل عام‪.‬‬

‫فالبجة‪ ،‬مجموعة قبائل بدوية‪ ،‬تسكن املنطقة بني جبال البحر األحمر‬ ‫والنيل ونهر عطربة يف رشق السودان‪ .‬وميتد تاريخهم ملا يقارب الستة‬ ‫آالف سنة‪ ،١‬حيث عاشوا يف عزلة معظم تاريخ حياتهم‪ .‬مل يخضع البجة‬ ‫عرب تاريخهم‪ ،‬ألية سلطة مركزية‪ .‬لقد حصنوا استقاللهم وحريتهم من‬ ‫عيون العامل الخارجي‪ ،‬ومل يطلبوا أكرث من ان «يرتكهم اآلخرون وشأنهم»‪،٢‬‬ ‫عىل حد تعبري املؤرخ سليامن رضار‪ .‬وعدم ثقتهم يف الغرباء‪ ،‬ناتج اىل‬ ‫بدأ اهتامم أبوهدية بالتغيري االجتامعي‪ ،‬أثناء تواجده باملدرسة املهنية‬ ‫املعاملة السيئة التي خربوها مع قدوم الغزاة عرب البحر األحمر‪ ،‬مثل مبدينة عطربة‪ .‬انض ّم وقتها اىل نقابة عامل السكة الحديد باملدنية‪ ،‬وشارك‬ ‫الفراعنة‪ ،‬البطاملة‪ ،‬الحمرييني‪ ،‬الرومان‪ ،‬العرب‪ ،‬النصارى واألتراك‪ .‬كان يف مظاهرات عام ‪ 1948‬الشهرية ضد املستعمر‪ ،‬بسبب تشكيل املجلس‬ ‫هؤالء الغزاة يأتون لنهب الذهب وخريات اإلقليم واستغالل السكان‪.‬‬ ‫االستشاري‪ ،‬والذي أعترب غري دميقراطي‪ ،‬ومجرد أداه يف يد املستعمر‪.‬‬ ‫تخرج بعدها عامال فنيا‪ ،‬والتحق بورشة الحوض مبدينة بورتسودان‪،‬‬ ‫والتي ترقى فيها حقا اىل مهندس‪ ،‬وظل يف وظيفته حتى تقاعده يف‬ ‫أن انخراط األوالد في التعليم وتخرجهم وحصولهم على الوظائف‬ ‫مثانينات القرن املايض‪ .‬ساهم أبوهدية بشكل ف ّعال يف ميالد نقابة عامل‬ ‫ورشة الحوض‪ ،‬واتحاد عامل الشحن والتفريغ مبدينة بورتسودان‪ ،‬إضافة‬ ‫المتاحة ومن ثم زواجهم وتكوينهم أُسراً‪ ،‬لم يعمل عل تغيير‬ ‫اىل اتحاد نقابات العامل بعموم والية البحر األحمر‪.‬‬ ‫المجتمع أو تقدمه‪ .‬فاألُمية ما زالت متفشية في المجتمع‪ ،‬ألن‬ ‫ّ‬

‫النساء ذوات التأثير الكبيرة على األطفال ظللن أ ُ ّميات‪ .‬ولقد لخص‬ ‫األمر في عبارة بليغة‪ :‬أنه لمن المستحيل التحليق بجناح واحد‬

‫أيضا‪ ،‬نظر البجة اىل التعليم بعني الريبة‪ ،‬ألنه أىت عن طريق الغرباء‪،‬‬ ‫وبلغة غريبة عنهم‪ .‬كثرية هي القصص التي نسجت حول إفساد التعليم‬ ‫ألخالق التالميذ‪ ،‬مام جعل زعامء القبائل يقفلون أبواب مجتمعاتهم يف‬ ‫وجه التعليم‪ .‬شُ ح املوارد‪ ،‬والتجوال املستمر بحثا عن املاء واملرعى‪ ،‬أسهم‬ ‫أيضا يف عرقلة قيام تعليم حديث يف املنطقة‪ ،‬إضافة إلرصارهم الكبري‬ ‫عىل رفض تعلم اللغة العربية‪ ،‬والتي هي لغة التعليم النظامي‪ ،‬هذا‬ ‫فضال‪ ،‬عن بعد املسافة بني القرية واملدارس‪ .‬فالبجة فضلوا دوما التعليم‬ ‫الديني دون سواه‪.‬‬ ‫من رحم هذا الواقع‪ ،‬خرج اىل الدنيا محمد بدري أبوهدية‪ ،‬الذي‬ ‫ولد يف العام ‪1929‬م‪ ،‬يف الشامل الرشقي من مدنية طوكر‪ ،‬املكان الذي‬ ‫شهد أبهى أيام أبوهدية‪ ،‬بفضل الطفرة الزراعية وقتها‪ ،‬خصوصا يف‬ ‫انتاج القطن‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫استحالة التحليق بجناح واحد‬ ‫منذ خمسينات القرن املايض‪ ،‬جعل محمد بدري أبوهدية تشجيع‬ ‫ومتكني أطفال البجة عىل االلتحاق باملدارس الحديثة‪ ،‬مهمته الوجودية‬ ‫الكربى‪ ،‬ألنه كان يرى يف التعليم النظامي الوسيلة الوحيدة والف ّعالة‬ ‫يف تقدم املجتمع‪ .‬يف البدء عمل عىل تشجيع تعليم األوالد‪ ،‬ومراقبة‬ ‫حضورهم وغيابهم‪ ،‬كام راقب انجازاتهم‪ ،‬والعمل عىل التوسط لتيسري‬ ‫مصاريفهم‪ ،‬حتى يضمن استمرارهم‪ .‬وكمراقب حصيف‪ ،‬تبني له الحقا‪،‬‬ ‫أن انخراط األوالد يف التعليم وتخرجهم وحصولهم عىل الوظائف املتاحة‬ ‫ومن ثم زواجهم وتكوينهم أُرسا ً‪ ،‬مل يعمل عل تغيري املجتمع أو تقدمه‪.‬‬ ‫فاألُ ّمية ما زالت متفشية يف املجتمع‪ ،‬ألن النساء ذوات التأثري الكبرية عىل‬ ‫األطفال ظللن أُ ّميات‪ .‬ولقد لخص األمر يف عبارة بليغة‪ :‬أنه ملن املستحيل‬ ‫التحليق بجناح واحد‪ ،‬ومن هنا بدأ رحلته الصعبة محفوفة املخاطر‬ ‫بالعمل عىل متكني املرأة البجاوية عرب التعليم‪ .‬يف ذلك الوقت‪ ،‬كانت املرأة‬ ‫الب ّجاوية يف أمس الحاجة ملن يدافع عنها‪ .‬وتصف سيدة‪ ،‬ابنة أبو هدية‪،‬‬ ‫خريجة الجامعة‪ ،‬والناشطة من أجل التغيري االجتامعي يف رشق السودان‪،‬‬


‫وجوه‬

‫صعوبة املهمة‪ :‬التقاليد والعادات لهم سطوة ونفوذ أقوى من الدين‬ ‫نفسه بني البجة‪ .‬فهم يخلطون بينها وبني املتطلبات الدينية‪ .‬فالنساء‬ ‫عندهم محرومات من املرياث‪ ،‬ويتم تزويجه ّن من غري استشارته ّن‪ .‬ويف‬ ‫مسألة الختان‪ ،‬فاألمهات ال حق له ّن يف رفض املامرسة عىل بناته ّن‪ .‬فاملرأة‬

‫البجاوية‪ ،‬ال حق لها‪ ،‬وال صوت لها‪ ،‬وال متلك الخيارات فيام يتصل أو‬ ‫يتعلق بحياتها‪ .‬فهي محرومة من التعليم‪ ،‬ومعزولة من التواصل اإلنساين‪،‬‬ ‫الفتقادها ملهارة اللغة‪ ،‬كأبسط وسيلة لهذا النوع من التواصل‪ .‬فحاجز‬ ‫اللغة مينعها من نيل أبسط حقوقها‪ ،‬ويحرض عىل استسالمها‪.‬‬

‫رسم‪ :‬حسين مرغني‪ ،‬السودان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪15‬‬


‫العمل على التغيير االجتماعي‬ ‫دراسية‪ .‬كان حتى ذلك الوقت‪ ،‬مل يُسمع بفتاة من البجة ذهبت للدراسة‬ ‫خارج الوطن‪ ،‬وبهذا‪ ،‬جعل مني والدي نُ وذجا عمليا للرسالة التي يود‬ ‫لقد حارب البجة بال هوادة‪ ،‬للدفاع عن ثقافتهم‪ ،‬لذا كانت املهمة ايصالها ملجتمعه‪ ،‬ذو التقاليد الصارمة‪ ،‬فيام يتعلق بحرية حركة النساء‪.‬‬ ‫شاقة ألبوهدية‪ ،‬ليك يقنعهم برضورة التغيري‪ .‬لقد بلغ به الحال‪ ،‬أنه كان‬ ‫يتجول بني املدن والقرى املجاورة متحدثا لألفراد‪ ،‬واألُرس‪ ،‬وأمئة املساجد‪ ،‬نموذج يحتذى وتفان غير محدود‬ ‫والدعاة‪ ،‬ليك يقنعهم مبزايا وفوائد التعليم النظامي‪ .‬كانت هذه املهمة‬ ‫مع أنه عرف بقدراته عىل االقناع‪ ،‬اال أن أبوهدية اتصف بالعملية‬ ‫مدخال إلقحامه يف قضايا قبلية أخرى‪ ،‬مثل قضايا التحكيم يف النزاعات‬ ‫والواقعية‪ ،‬والبعد عن التنظري االجوف‪ .‬فهو مثال‪ ،‬كان يعي شُ ح املوارد‬ ‫القبلية‪ ،‬واكتسب معرفة عميقة لسكان املنطقة و طرقهم املعيشية‪.‬‬ ‫التي تعيق انشاء مدارس للبنات‪ ،‬ولذا مل يكن يرتك األمر للناس وحدهم‬ ‫أبوهدية كرجل ب ّجاوي‪ ،‬هو بنفسه من اثار مسألة تعليم املرأة ملعالجة هذا األمر بنفسهم‪ ،‬بل يقوم بتسهيل األمر وتوفري االحتياجات‬ ‫كرضورة حتمية لالستقالل االقتصادي‪ .‬إنه هو من دافع عن مشاركة األساسية إلمتام املرشوع‪ .‬يف عام ‪ ،1952‬ساهم يف انشاء مدرسة الرشيفة‬ ‫املرأة يف الحياة العامة‪ ،‬وحارب زواج القارصات‪ ،‬قاذفا بنفسه يف أتون مريم املريغنية االبتدائية بسنكات‪ ،‬وكذلك مدرسة محو األمية للنساء بـ‬ ‫قضايا شائكة‪ ،‬كل واحدة منها كفيلة بأن تجعل أية ب ّجاوي يخرج سيفه نادي البجة االجتامعي بديم عرب ببورتسودان‪ .‬يف عام ‪ ،1954‬أيضا كان‬ ‫ويغمده يف صدر أبو هدية‪ ،‬ألن مجرد التعرض لذكر نساء أية ارسة له دور يف انشاء ثالثة مدارس للبنات يف كل من سنكات وبورتسودان‪.‬‬ ‫ب ّجاوية‪ ،‬هو مبثابة العار الذي ال ميحوه اال الثأر‪ .‬مسلحا بالشجاعة‪ ،‬ومبساعدة الصاغ صالح سامل‪ ،‬عضو تنظيم الضابط االحرار املرصي‪،‬‬ ‫ال ُروية‪ ،‬والحكمة‪ ،‬والوعي العميق مبجتمعه‪ ،‬فقد عمل أبوهدية عىل ومسئول البعثة التعليمية املرصية يف السودان‪ ،‬تحصل أبوهدية عىل‬ ‫التصدي ملسألة ختان االناث‪ ،‬والتي تُ ارس عىل األطفال من الفتيات االيت املوافقة من حكومة الفريق عبود وقتها‪ ،‬إلنشاء هذه املدارس‪ .‬كان‬ ‫مل يبلغن من العمر سبع سنوات بعد‪ ،‬مام يعد سببا للكثري من الوفيات‪ .‬أبوهدية ضمن الوفد الذي التقى القائد األعىل للقوات املسلحة الحاكمة‬ ‫نجح أبوهدية يف اقناع رجال الدين وزعامء القبائل‪ ،‬بعد نقاشات وقتها حكومة عبود ملناقشة إمكانية قيام أول مدرسة ثانوية باإلقليم‬ ‫مستفيضة ومتواصلة‪ ،‬مستعرضا مخاطر ورضر املامرسة عىل الفتيات‪ ،‬الرشقي‪ ،‬واقرتح عىل القائد األعىل تحويل ثكنات الحامية املرصية اىل‬ ‫كارسا حاجز الصمت الذي يلُف حياة النساء يف املجتمعات املحافظة‪ ،‬املدرسة املقرتحة‪ .‬وهي املدرسة التي تحولت الحقا يف تسعينات القرن‬ ‫التي ال تويل أيّة عناية بقضاياه ّن‪ .‬أنشأ أبوهدية منظمة عملت كمنصة املايض اىل جامعة البحر األحمر‪.٤‬‬ ‫قانونية تدافع عن حقوق النساء‪.٣‬‬ ‫لقد عمل مبثابرة‪ ،‬عىل انشاء صندوق مايل لتعليم أبناء البجة‪ ،‬يخصص‬ ‫ملساعدة امل ُعرسين منهم‪ ،‬ومازال الصندوق يؤدي دوره اىل يومنا هذا‪ .‬يف‬ ‫كان أبوهدية يعي تمام ًا أهمية التعليم في الشرع اإلسالمي‪،‬‬ ‫مرة من املرات‪ ،‬وقفت الظروف املادية يف وجه احدى الفتيات من قرية‬ ‫مجاورة لاللتحاق باملدرسة الثانوية بسنكات‪ ،‬كأول فتاة يف القرية تحقق‬ ‫وأنه ال فرق في ذلك بين ذكر وأنثى‪ .‬لقد كان تقدمي ًا ومسلم ًا‬ ‫هذا اإلنجاز‪ ،‬فام كان من أبوهدية االّ أن اصطحبها لتقيم مبنزله حتى‬ ‫معتد ًال‪ ،‬قامت كل حياته وأفعاله على ُهدى الدين‪ .‬لقد وهب‬ ‫تكمل دراستها والتي استغرقت ثالثة سنوات‪ .‬الحقا‪ ،‬فعل نفس اليشء‬ ‫البجاوية لتتحرر من‬ ‫حياته من أجل التنوير‪ ،‬فتح الطريق للمرأة‬ ‫ّ‬ ‫مع خمسة فتيات‪ ،‬من ذات القرية‪.‬‬ ‫ربقة الجهل والتخلف‪ .‬كان مصدر ثقة للنساء‪ ،‬يستشرنه فيما‬ ‫يتعلق بحياتهن الخاصة مثل الزواج‪ .‬كان ال يفرق بين النساء‬ ‫والرجال‪ ،‬فهم عنده متساويين في اإلنسانية‪.‬‬

‫أصبحت سيدة ابنته‪ ،‬هي أول فتاة تنجو من مامرسة الختان يف‬ ‫مجتمع البجة‪ ،‬ضاربة املثل باتساقه فيام يدعو اليه‪ .‬وكام تقول سيدة‪:‬‬ ‫كان دميقراطيا حني يتعلق األمر بتنزيل أفكاره عىل مستوى املامرسة‬ ‫داخل االرسة‪ .‬وكان عادة ما يُق ّدمنا كنموذج ملا يود فعله‪ ،‬وذلك حني‬ ‫يرى املجتمع ميارس تعنتا يف تقبل أفكاره‪ .‬يف مرة من املرات‪ ،‬طلب مني‬ ‫التوقف ملدة ثالثة أشهر عن الدراسة بجامعة االحفاد التي كنت أدرس بها‪،‬‬ ‫حتى أمتكن من الذهاب اىل القاهرة للدراسة ُعقيب حصويل عىل منحة‬

‫‪16‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫تعرض أبوهدية للكثري من املضايقات‪ ،‬من قبل أصحاب النفوذ‬ ‫السيايس والديني باملنطقة‪ ،‬الذين باتوا يشعرون‪ ،‬أن ما يقوم به ميثل‬ ‫تهديدا لسلطتهم ونفوذهم‪ .‬ولكنه كام عرب البعض‪« ،‬أنه مثل شجرة‬ ‫النخيل‪ ،‬كُلّام تقذفه بالحجارة يتنزل ُرطبا»‪ .‬يتميز أبوهدية باإلرصار‪،‬‬ ‫واملهارة‪ ،‬وخفة الدم‪ .‬يف مناسبة ما‪ ،‬ذهب أبوهدية اىل احدى املؤسسات‬ ‫الحكومية‪ ،‬بغرض مقابلة أحد املسئولني يف موضوع يتعلق بتلميذة‪ .‬جلس‬ ‫أبوهدية بصرب شديد‪ ،‬ولعدة ساعات منتظرا مقابلة املسئول‪ ،‬للدرجة التي‬ ‫نسيه املسئول وخرج مغلقا املكتب خلف أبوهدية‪ .‬فطن املسئول الحقا‬ ‫لذلك الخطأ‪ ،‬وعاد يف أخريات الليل ليجد أبوهدية يف نفس مكانه منتظرا‪.‬‬ ‫أنه من النوع الذي ال يعرف االستسالم‪ ،‬ويحب أن يرى األمور تذهب اىل‬ ‫نهايتها املنطقية‪ .‬كان يجوب الشوارع يومياً‪ ،‬ومتى ما وجد فتاة يف سن‬ ‫التعليم هامئة يف الشوارع‪ ،‬كان يأخذها اىل منزلها‪ ،‬ويخوض يف نقاش مع‬


‫االرسة عن رضورة ذهاب الفتاة اىل املدرسة‪ ،‬ويعمل من جانبه عىل إزالة تحرري وكريم‬

‫كل املعوقات املانعة لألرسة من الحاق ابنتهم بالتعليم‪.‬‬

‫يف مناسبة أخرى تدل عىل تصميمه وارصاره‪ ،‬كان قد طلب التحدث‬ ‫اثناء زيارة للرئيس السوداين ملدينة سنكات و ُرفض طلبه بحجة أن برنامج‬ ‫الرئيس مزدحم‪ ،‬فام كان منه االّ أن خاطب طالبات املدراس املوجودات‬ ‫وقتها‪ ،‬طالبا منهم الوقوف أمام منصة الرئيس والهتاف‪ :‬نريد جامعة‪ ،‬نريد‬ ‫جامعة‪ .‬عمل هذا الفعل عىل التشويش عىل خطاب الرئيس‪ ،‬فام كان منه‬ ‫اال أن استمع لهتفاه ّن وأصدر قرارا ببناء جامعة قبل أن يكمل خطابه‪.‬‬ ‫من أكرث مساهامته عظيمة األثر‪ ،‬هي جلبه للكثري من املنح الدراسية‬ ‫لنساء رشق السودان‪ ،‬من دول مثل‪ :‬مرص‪ ،‬العراق‪ ،‬ليبيا‪ ،‬والسودان‪ ،‬ممثال‬ ‫يف جامعة االحفاد‪ .‬كام أ ّن العديد من الفتيات الاليت رعاه ّن‪ ،‬بلغن شأوناً‬ ‫عظيام يف حياته ّن‪ ،‬الدراسية والعملية‪ .‬تستدعي غادة النيل‪ ،‬واحدة من‬ ‫هؤالء الفتيات‪ ،‬ذاكرتها‪ :‬لقد ساعدين يف الحصول عىل املنحة الدراسية‬ ‫ألدرس بجامعة األحفاد‪ ،‬وملا علم بالظروف املادية الصعبة التي تحول‬ ‫دون دفعي للرسوم الدراسية‪ ،‬عمل عىل االتصال بإدارة الجامعة إلعفايئ‬ ‫من الرسوم‪ ،‬مع العلم أنني لست من البجة وامنا من شامل السودان‪ ،‬لقد‬ ‫فعل ذلك مع العديد من الفتيات‪ ،‬دون أية متييز عرقي أو قبيل‪ ،‬بل أنه‬ ‫ساعد الكثريات يف الحصول عىل عمل بعد التخرج‪.‬‬ ‫لقد عالّ أبوهدية من شأن التطور االجتامعي‪ ،‬وكان فوق االنقسام‬ ‫القبيل‪ .‬لقد عمل عىل مساعدة كل من سعوا ملساعدة أنفسهم‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن خلفيتهم االجتامعية‪ .‬لقد كان يعمل مع الجميع‪ ،‬اتحاد‬ ‫الرباطاب واتحاد الفالتة‪ ،‬والكثري من التنظيامت القبلية األخرى‪ .‬امثرت‬ ‫جهوده يف بناء العديد من املستشفيات‪ ،‬املراكز الصحية‪ ،‬ومحطات املياه‪.‬‬ ‫لقد عمل عىل حض البجة لتغيري منط انتاجهم االقتصادي‪ .‬لقد شجعهم‬ ‫عىل الهجرة‪ ،‬حيث املشاريع الزراعية التي خصصت للبجة‪ ،‬مثل مرشوع‬ ‫السويك الزراعي‪ ،‬ومرشوع الفشقة‪ .‬وعىل حد تعبري املؤرخ سليامن رضار‪:‬‬ ‫هذا الرجل النبيل كرس حياته لرفع شأن البجة‪ ،‬فام من مرشوع تعليمي‪،‬‬ ‫أو تسهيل لخدمات اجتامعية يف السودان االّ وتجد أبوهدية مشاركاً فيه‪.‬‬

‫كان أبوهدية يعي متاماً أهمية التعليم يف الرشع اإلسالمي‪ ،‬وأنه ال‬ ‫فرق يف ذلك بني ذكر وأنثى‪ .‬لقد كان تقدمياً ومسلامً معتدالً‪ ،‬قامت كل‬ ‫حياته وأفعاله عىل ُهدى الدين‪ .‬لقد وهب حياته من أجل التنوير‪ ،‬فتح‬ ‫الطريق للمرأة الب ّجاوية لتتحرر من ربقة الجهل والتخلف‪ .‬كان مصدر‬ ‫ثقة للنساء‪ ،‬يسترشنه فيام يتعلق بحياتهن الخاصة مثل الزواج‪ .‬كان ال‬ ‫يفرق بني النساء والرجال‪ ،‬فهم عنده متساويني يف اإلنسانية‪.‬‬ ‫لقد ظل كرميا ومتواضعا‪ .‬فام زال الناس يذكرون له كيف كان يخرج‬ ‫من منزله صباحاً ويف جيبه ماال‪ ،‬ويف آخر اليوم‪ ،‬يسأل من يعينه عىل‬ ‫رشاء تذكرة البص‪ ،‬ليك يعود اىل منزله‪ ،‬وهو اذ يفعل ذلك‪ ،‬فمرده‪ ،‬أنّه‬ ‫كان يوزع كل ما ميلك‪ ،‬عىل التالميذ الذي كانوا يتوافدون عليه لقضاء‬ ‫حوائجهم املدرسية‪ ،‬من رسوم وخالفه‪.‬‬ ‫ت ُو ّيف أبوهدية يف عام ‪ ،2004‬يف السابعة والسبعني من العمر‪ ،‬بعد‬ ‫حياة حافلة‪ ،‬كان فيها قائدا ً عظيامً‪ ،‬ترك سرية عطرة‪ ،‬وأثر ال ميحى يف‬ ‫مجتمعه والوطن‪ ،‬عىل السواء‪ .‬لقد نجح يف خلق تحول اجتامعي عظيم‪.‬‬ ‫أن سريته امللهمة تستحق أن تفرد لها مساحة يف التاريخ االجتامعي‪،‬‬ ‫لتكون نرباساً ييضء لألجيال‪ ،‬نساء ورجال عىل السواء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المطلب إبراهيم وسيدة‬ ‫مار‪ ،‬عبر حوار مع‬ ‫اعداد صالح ع ّ‬ ‫محمد بدري أبوهدية‪ .‬بتحرير‬

‫‪١‬الموسوعة البريطانية‬ ‫‪٢‬في كتابه البجا شعوب‬ ‫في شرق السودان‬ ‫‪٣‬جمعية أبوهدية للمرأة‬ ‫وتنمية المجتمع‪ ،‬في‬ ‫بور سودان‪ ،‬نشطة‬ ‫حتى هذا اليوم‬ ‫‪٤‬إنجازات أبوهدية‬ ‫التي جمعت من قبل‬ ‫الصحافي عالء الدين‬ ‫البشير عند توثيقه‬ ‫لسيرته الذاتية لجريدة‬ ‫الصحافة في العام‬ ‫‪2006‬‬

‫يعترب أبوهدية‪ ،‬أحد القادة املؤسسني ملؤمتر البجة يف عام ‪ ،1954‬مع‬ ‫الدكتور طه بليه وبعض الرفاق‪ .‬أيضا‪ ،‬تبوأ أبوهدية منصبا يف املجلس‬ ‫الوطني االنتقايل لعام ‪ ،1994‬إضافة اىل الكثري من املهام واملسئوليات‬ ‫التي اضطلع بها خالل مشوار حياته‪ .‬تقديرا ملساهامته العديدة وانجازاته‬ ‫التي ال حرص لها‪ ،‬فقد قامت جامعة كسال بتكرميه‪ ،‬ومنحه الدكتوراه‬ ‫الفخرية يف التعليم‪ ،‬وذلك يف علم ‪ .1994‬متتع أبوهدية بالكثري من‬ ‫الصفات الشخصية‪ ،‬االّ أن اكرثها «القا» كانت (كارزميته) التي تتيح له‬ ‫بالتدخل يف الشئون الخاصة لألرسة الب ّجاوية‪ .‬وكام وصف الرشيف أحمد‬ ‫طه‪ ،‬أحد القادة النافذين بني أعيان البجة‪ ،‬هذه الخصلة بالتعبري التايل‪:‬‬ ‫يكفي أبوهدية رشفاً‪ ،‬أنه الشخص الوحيد الذي كنا نسمح له بتفقد أرسنا‬ ‫ونساؤنا يف غيابنا‪.‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪17‬‬


‫المعاناة والوعي‬ ‫في رحلة كسب‬ ‫العيش اليومية‬ ‫عوضية عباس والكفاح من أجل حياة‬ ‫كريمة لنساء السودان‬

‫تقول عوضية عباس‪ ،‬وهي بائعة طعام من قدامى قاطني الخرطوم‪،‬‬ ‫لديها خربة عملية واسعة ونشاط فعال يف القطاع غري الرسمي‪،‬‬ ‫إن ما تقوم به «ليس بالعمل السهل»‪ُ .‬ولِدت يف أواخر‬ ‫الخمسينيات لوالد كان ميتهن تصفيف الشعر(كوافري)‪،‬‬ ‫وبيع املالبس يف خرطوم الستينيات‪ .‬كانت أمها هي‬ ‫التي غرست فيها القيمة األخالقية للعمل فضالً عن‬ ‫الشعور باملسؤولية واإلعتامد عىل الذات‪ ،‬وإحرتام‬ ‫ما يقوم به املرء من عمل‪ .‬يف وقت الحق‪ ،‬عملت‬ ‫عوضية يف مصنع للمالبس حتى تم إعتقالها‬ ‫وفصلت عن العمل لنشاطها النقايب الفاعل خالل‬ ‫أحداث يوليو عام ‪ .1971‬أصبحت ربة منزل‬ ‫لفرتة من الوقت‪ ،‬ولكن عندما تدهورت األوضاع‬ ‫اإلقتصادية يف السودان يف الثامنينيات‪ ،‬عادت إىل‬ ‫العمل كبائعة طعام يف السوق الشعبي ‪.‬‬ ‫كانت تبيع الطعام يف السوق‪ ،‬ومبعية نساء أخريات كو ّن جمعية‬ ‫تعاونية نسائية‪ ،‬حيث قامت ببناء قدراتها من خالل الدورات التدريبية‬ ‫وورش العمل بالداخل‪ ،‬ويف الخارج أيضاً‪ ،‬حيثُ سافرت إىل الهند وإثيوبيا‬ ‫ولبنان‪ ،‬فتعلمت تخطيط املشاريع التعاونية عرب نهج التدريب العميل‪.‬‬ ‫متركز عملها يف التوعية والدفاع عن حقوق املرأة اإلقتصادية يف القطاع غري‬ ‫الرسمي‪ ،‬وتيسري الدعم القانوين وتعزيز الدميقراطية‪ .‬وقد إنطوى ذلك أيضاً‬ ‫عىل إقامة الحمالت ضد القوانني القمعية‪ ،‬عىل سبيل املثال ترشيع بيت‬ ‫الطاعة يف قانون األرسة الذي يعطي األزواج يف حاالت الخالف‪ ،‬خيار وضع‬ ‫زوجاتهم تحت اإلقامة الجربية‪.‬‬ ‫تقول عوضية التي حاولت الرتشح ملقعد يف املجلس الترشيعي لوالية‬ ‫الخرطوم يف عام ‪ 2010‬باستخدام كافترية الشاي كرمز لها كمرشحة‪ :‬إذا‬ ‫متكنا من التأثري عىل النساء يف األسواق وحل مشاكلهن‪ ،‬فإننا سوف نحل‬ ‫العديد من املشاكل يف وطننا‪ .‬ميكن للنساء أن يصلن إىل مرحلة حيث‬ ‫يعملّن فيها بأنفسه ْن ويصلن إىل الربملان ومناصب سياسة وإقتصادية‬ ‫أخرى‪ ،‬وميكنهن أن يطالنب بحقوقنا أمام ص ّناع القرار‪.‬‬

‫عوضية واحدة من مؤسسيها‪ ،‬وكأمينة للامل يف اإلتحاد التعاوين للمرأة‪ ،‬وهو‬ ‫األول من نوعه يف السودان‪ ،‬تعمل عوضية عىل تأكيد كرامة املرأة ودعم‬ ‫تعليمها‪ .‬ومن أجل متكني وتعبئة النساء‪ ،‬تقوم بتنظيم دورات بناء القدرات‬ ‫يف إدارة املشاريع الصغرية واملحافظة عىل إستدامتها‪ .‬تعمل مع النساء عىل‬ ‫توفري املال بشكل جامعي وتقديم القروض الصغرية‪ .‬إنها تخطط حالياً‬ ‫لنظام الرعاية الصحية‪ ،‬وإنشاء املزيد من املؤسسات اإلقتصادية والتعليمية‬ ‫واإلجتامعية داخل هاتني الهيئتني‪ ،‬كام تعمل من خالل التضامن بني النساء‬ ‫ومساعدتهن عىل املطالبة بحقوقهم أمام السلطات‪.‬‬ ‫كانت عوضية تضحك وهي تحيك عن اليوم الذي قامت فيه هي‬ ‫وحوايل عرشين إمرأة عاملة يف بيع األطعمة واملرشوبات يف السوق‬ ‫الشعبي بالخرطوم بالتصدي ألمر محيل ببناء مراحيض عامة بالقرب من‬ ‫مكان عملهمن‪ .‬وعندما جاء املهندس ألخذ القياسات‪ ،‬وقفت النساء صفا‬ ‫واحدا ً وهن يرضب عىل األواين مبالعقه ْن الكبرية‪ ،‬وقمن بطرد املهندس من‬ ‫السوق‪ .‬ومل يعد مرة أخرى‪ .‬وقد جعلتها مثل هذه الحوادث تثابر عىل‬ ‫الكفاح يف بيئة تتخذ هذا املوقف املتناقض تجاه النساء العامالت‪.‬‬

‫وعن حنينها إىل النساء الاليت عملت من أجلهن‪ ،‬نجدها تشري إىل واحدة‬ ‫مل تعش لالستفادة من املرشوع‪ :‬كانت نادية صابون تحاول الهروب من‬ ‫العمل على تحسين حياة المرأة‬ ‫الكشة‪ ،‬وهي غارة يشنها رجال الرشطة ويصادرون أواين العمل ومنتجات‬ ‫بوصفها األمينة العامة للجمعية التعاونية لبائعات األطعمة واملرشوبات البائعات‪ ،‬عندما سقطت عىل مقعد حديدي فإنغرست قامئته املدببة يف‬ ‫يف السوق الشعبي‪ ،‬واحدة من أقدم التعاونيات يف السودان‪ ،‬والتي تعد بطنها مام سبب لها نزيف حاد وبقيت ملدة ساعة تنزف قبل أن يتم‬

‫‪18‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫وجوه‬ ‫إسعافها إىل املستشفى وأدى ذلك إىل وفاتها يف نهاية املطاف‪ .‬نادية هي النظام العام واألوامر املحلية التي ت ّدعي العمل وفق تعاليم اإلسالم‬ ‫شهيدة بيع الشاي‪ ،‬قالت عوضية بأسف‪.‬‬ ‫هي يف واقع األمر قوانني تخلو من الرحمة‪ ،‬ومصممة الستغالل النساء‬ ‫واستقطاع الغرامات من ربحهن الضئيل‪ ،‬مستغلة وضعه ْن اإلجتامعي‬ ‫واإلقتصادي الهش‪.‬‬

‫الواقع المتغير وحياة النساء‬

‫إن مثل هذه القوانني واملامرسات تعيق جهد النساء يف العيش الكريم‪،‬‬ ‫يف املايض‪ ،‬كانت النساء العامالت يف املناطق الحرضية يف السودان يف وت ُنكر أيضاً حقهن يف تحسني أحوالهن املعيشية مام يرض بكرامتهن وهذا‬ ‫الغالب من املطلقات واألرامل‪ .‬كن يعملن يف املجال العام وليس هناك من أمر ال يقره اإلسالم وال ترضاه القيم‪.‬‬ ‫يحميهن من رجال‪ ،‬ويف يومنا هذا‪ ،‬وبسبب التدهور اإلقتصادي والنزاع‪،‬‬ ‫تبيع النساء املتعلامت من حملة الشهادات الجامعية والطالبات أيضاً‬ ‫بعزمية جبارة ووعي مستمد من عنت الحياة اليومية‪ ،‬قامت عوضية‬ ‫األطعمة أو السلع األخرى لكسب لقمة العيش ألرسهن‪ ،‬أو للحصول عىل عباس‪ ،‬باملطالبة بإدخال تغيريات عىل اللوائح والترشيعات التي ال تدعم‬ ‫دخل إضايف من أجل تغطية نفقاتهن‪ .‬ال يقترص تنوع أولئك النساء عىل مصالح املرأة‪ .‬ويف عام ‪ 2000‬ساعدت يف إسقاط مرشوع القانون الذي‬ ‫املناطق املختلفة التي أتني منها‪ ،‬ولكنه يكمن أيضاً يف تباين الخلفيات طرحه الوايل‪ ،‬والذي كان من شأنه أن مينع النساء من العمل يف الشوارع‬ ‫اإلجتامعية والثقافية والدينية والزوجية والرتبوية وتجارب الحياة‪ .‬ان فكرة واألسواق‪ .‬كانت واحدة من ثالث نساء تط ّوعن نيابة عن النساء بتقديم‬ ‫عدم اإلحرتام تؤثر عليهن جميعاً بالتساوي‪ ،‬حيث يرتبط يف الذهن الجمعي شكوى إىل املحكمة الدستورية ضد مرشوع القانون‪ ،‬حيث ال تقبل املحكمة‬ ‫الدستورية الشكاوى إال من فرد مترضر وكانت تلك الشكوى بدورها تكلف‬ ‫بأن بائعة الشاي ما هي االّ عاهرة‪.‬‬ ‫مبلغ ال يستهان به من املال‪ ،‬تعاونت مئات النساء يف ملحمة إسطورية‬ ‫يف الوقت الحارض‪ ،‬وىف زمن اإلسالم السيايس والتفسري املضلل للدين‪ ،‬لجمعه‪ ،‬ورفعن الدعوى وقمن بحملة منارصة كبرية شاعت أصدائها يف‬ ‫نشأ وضع يكرس لخضوع النساء يف السودان‪ ،‬وحرمانهن من حقوقهن كثري من دول العامل‪.‬‬ ‫وتروي عوضية إنه يف مرة من املرات‪ ،‬عندما متت مصادرة إنتاجها من‬ ‫وحريتهن‪ ،‬وهذا هو السبب يف ترشيعات جلد النساء وإهانتهن والتحرش‬ ‫بهن أثناء مامرسة عملهن‪ .‬وبينام ي ّدعي سدنة اإلسالم السيايس دعمهم الشاى والطعام وأوانيها الخاصة يف غارة مسائية لبوليس النظام العام‪:‬‬ ‫سكبت الحليب عىل األرض‪ ،‬حتى ال يأخذوه مني وعندما قدموين ملحكمة‬ ‫لحقوق املرأة‪ ،‬نجد أن واقع النساء العامالت يف البيع يف الشوارع يقول‬ ‫ُ‬ ‫غري ذلك متاماً‪ .‬وتتساءل عوضية عن الكيفية التي يخالف بها عمل املرأة النظام العام بحجة إنني أعمل حتى وقت متأخر‪ ،‬سألني القايض قائالً‪:‬‬ ‫الرشيعة اإلسالمية‪ .‬أمل تكن خديجة‪ ،‬أول زوجات النبي وأقربهن إليه‪ ،‬سيدة عوضية ملاذا تبيعي الشاي يف الليل‪ ،‬فأجبته قائلة‪ :‬يا موالنا القايض‪ ،‬ملاذا‬ ‫أنت تعمل يف الليل؟‬ ‫أعامل وتاجرة ناجحة جدا ً؟‬ ‫وتواصل قائلة‪ ،‬إن األحكام املسبقة التي ظهرت مؤخرا ً تتناقض مع الدين‬ ‫والثقافة السودانية عىل حد سواء‪ .‬لقد ظلت املرأة الريفية يف السودان عىل‬ ‫عندما تحظر شخص ًا ما من فعل شيء‬ ‫الدوام تزاول األعامل حسبام جرت عليه التقاليد‪ .‬كان لدى النساء مزارعهن‬ ‫ما‪ ،‬ينبغي عليك تقديم البديل‪ ،‬تقول‬ ‫الخاصة داخل الجامعات اإلثنية املختلفة‪ ،‬وكان لديهن املال لينفقنه وفق‬ ‫عوضية باصرار‪.‬‬ ‫ما يناسبهن‪ .‬كام إنه يف فرتات تاريخية معينة مل تكن النساء العامالت‬ ‫تتعرضن إىل نظرات اإلزدراء يف السودان كام هو سائد اآلن‪ .‬ففي الستينيات‬ ‫والسبعينيات‪ ،‬عملت النساء يف املصانع والوزارات‪ ،‬وكانت الكثريات منهن‬ ‫معلامت‪ ،‬كان عدد قليل جدا ً منهن يعمل يف األسواق‪ ،‬ويف ذلك الوقت أيضاً‬ ‫تتعرض عوضية األم لخمسة أطفال‪ ،‬إلستجواب منتظم وإعاقة دامئة‬ ‫كانت املشاركة السياسية للمرأة جيدة‪ .‬نادت الناشطات بـ األجر املتساوي لعملها من قبل السلطات ولكنها ظلت تحظى بدعم عائلتها‪ .‬عندما‬ ‫للعمل املتساوي‪ ،‬وطالنب بساعة للمرأة العاملة ليك ترضع صغارها ومكافأة كنت أبيع الطعام‪ ،‬كان زوجي يقطع البصل ويحمل عني أغرايض حتى‬ ‫يوصلني إىل مكان عميل‪ .‬فقد وقف زوجي دامئاً يف وجه القوانني التي‬ ‫نهاية الخدمة للنساء أيضاً‪.‬‬ ‫تهني وتقمع النساء دون تردد‪.‬‬

‫جهد ال يفتر من أجل حياة أفضل‬ ‫تتحدث عوضية بشغف عن النساء يف القطاع الهاميش وتقول‪« :‬يشمل‬ ‫القطاع غري الرسمي يف السودان مجموعة واسعة من فرص العمل مثل‬ ‫العمل يف منازل األرس األكرث ثرا ًء وبيع األطعمة واملرشوبات أو تخمري‬ ‫الكحول املحلية ويف األعامل املؤقتة يف الشوارع واألسواق‪ .‬القطاع بشكل‬ ‫عام غري منظم و ال تحكمه أي قوانني عمل‪ .‬ليس لدى النساء تأمني صحي‬ ‫ويتحملن ساعات العمل الطويلة‪ ،‬والدخل املنخفض‪ ،‬والحرارة والغبار‪،‬‬ ‫وبيئة عمل صعبة للغاية يف فضاءات عامة يسيطر عليها الذكور حيث‬ ‫يك ْن ُعرضة لالستغالل والتحرش من قبل العامة والسلطات‪ .‬إن قوانني‬

‫عوضية عباس تتمتع بخاصية فريدة من نوعها اال وهي القدرة عىل‬ ‫القيادة والتفكري الخالّق وكسب احرتام اآلخرين رجاالً ونساء‪ .‬مؤخرا ً‬ ‫قامت عوضيه بتجميع أكرث من ثالمثائة إمراة من بائعات األطعمة‬ ‫والشاي وانشأت اإلتحاد التعاوين لبائعات األطعمة واملرشوبات الذي‬ ‫يسعى لتقوية أوضاع النساء البائعات ونرش الوعي بقضاياه ّن ومتتني‬ ‫روح التضامن بينه ّن‪ .‬ورغم قساوة الظروف تواصل عوضية أعاملها دون‬ ‫كلل ودون أن تفقد جديتها تجاه ما ترمي إليه‪ ،‬ما بني كسب العيش‬ ‫القايس ونرش الوعي‪.‬‬ ‫مياس سيف عبد العزيز‪ ،‬بتحرير‬

‫ترجمه من االنجليزية‪ :‬شمس الدين عثمان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪19‬‬


‫مساواة‬ ‫ما بين شراك التقاليد وفرضيات االيدلوجية‬

‫شهادة أم عازبة‬ ‫لإلقصاء االجتماعي في السودان تاريخ طويل وممتد‪ ،‬نتناوله كنساء‬ ‫في مختلف المراحل العمرية بالسرد غير المعلن في الغالب ونتبادل‬ ‫المقاومة‪ ،‬لكنني هنا بصدد سرد واعالن تجربتي الشخصية‬ ‫حكايات ُ‬ ‫والمعاناة‬ ‫والمقاومة‬ ‫والتي امتدت إلى حوالي نصف قرن من اإلقصاء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وجدت أن الفرص‬ ‫نظرت لتاريخي‬ ‫والخسارة والربح أيضًا‪ .‬حيث أنني كلما‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫التي ضاعت مني نتيجة لتحامل المجتمع‪ ،‬وسوء النظام القانوني‬ ‫شأن آخر ولخدمة وطني بشكل‬ ‫واالجتماعي والسياسي‪ ،‬لكان لي‬ ‫ٌ‬ ‫استرجعت‬ ‫ولشكلت إضافة حقيقية لمجتمعي‪ .‬أيضًا كلما‬ ‫ُمختلف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫وجدت أن قصتي هي قصة الكثيرات من األمهات العازبات‬ ‫تجربتي‬ ‫ُ‬ ‫في السودان‪ ،‬وهي المسكوت عنه في تواريخ قهر النساء الذى اليزال‬ ‫حاضرًا في واقعنا المعاش‪.‬‬ ‫عميت وأعاممي‪ ،‬حيث كان والدي‬ ‫نشأت يف بيت جدي وجديت‪ ،‬بني ّ‬ ‫مساعد طبي‪ ،‬وكان يتنقل بحكم عمله بني مدن السودان املختلفة‪ ،‬شأنه‬ ‫شأن الكثريين من العاملني يف الحكومة السودانية يف ذلك الوقت وقد كنت‬ ‫ظيت بقد ٍر كبريٍ من التم ُّيز والدالل‪ ،‬فقد كان‬ ‫أول حفيدة يف األرسة‪ ،‬ف ُح ُ‬ ‫جدي لوالدي رجل متعلم ومتقدم جدا ً‪ ،‬ومؤمن بأهمية التعليم الجيد‪ ،‬ومل‬ ‫يفرق يف الرتبية بني البنات واألوالد‪ .،‬كام كانت جديت سيدة استثنائية بكل‬ ‫تخرجت سنة‬ ‫ما تحمل الكلمة من معني‪ ،‬وأنا مدينة لها بكل ما أنا عليه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪1988‬من كلية الفلسفة يف جامعة شارلس جمهورية تشيكلوفاكيا سابقا‬ ‫وتزوجت نهاية عام ‪ 1988‬ورزقت بثالث بنات‪ ،‬ونتيجة لخالفات كثرية صار‬ ‫من املستحيل تجاوزها ‪،‬قررتُ الطالق بعد زوا ٍج دام مثانية سنوات‪ .‬أمام‬ ‫تصميمي مل يستغرق حصويل عىل الطالق زمناً طويال فتم الطالق يف سنة‬ ‫‪ 1996‬وحينها كانت كربى بنايت يف السادسة من العمر‪ ،‬وصغرا ُه َّن مل تكمل‬ ‫بعد عامها الثاين‪.‬‬ ‫ناقشت مع والدي ترتيبات حيايت إذ أنه من املعروف يف‬ ‫ُ‬ ‫بعد الطالق‬ ‫املجتمع السوداين أن النساء محكومات بالعيش إما يف منزل والديهنَّ‪،‬‬ ‫أو أزواجهنَّ‪ ،‬ويف حالة الطالق أو الرتمل‪ ،‬عىل املرأة العودة بأوالدها‬ ‫ملنزل والديها‪ ،‬فمن غري املعتاد أن تسكن األرملة أو املطلقة يف منزل‬ ‫مستقل واألهم من ذلك فإن املجتمع السوداين بشكلٍ عام‪ ،‬ال يثق يف‬ ‫كفاءة املرأة امل ُطلّقة وقدرتها عىل تربية أطفالها‪ .‬واملفارقة تكمن هنا‬ ‫يف أن غالبية السودانيني ينحدرون من أرس وجود الرجال فيها هاميش‪،‬‬ ‫بحكم أن الرجال ال يُعتربون‪ ،‬حسب التقاليد السودانية‪ ،‬مسؤولني بشكل‬ ‫مبارش عن تربية األطفال وذلك نسبة لغياب الرجال لدواعي العمل أو‬ ‫السفر‪ ،‬ويف أوقات أخرى بسبب تعدد الزوجات‪ .‬إال أن تناقض وانفصام‬ ‫القيم املجتمعية القامئة عىل اضطهاد النساء يف السودان إضافة إىل تبني‬ ‫املفاهيم املغلوطة حول الدين‪ ،‬كل هذه املنظومة من املفاهيم السالبة‬ ‫قررت أن املرأة امل ُطلّقة غري قادر ٍة عىل تربية أطفالها مبفردها لذا تنتقل‬ ‫السلطة ومهمة الرتبية لوالدها وإخوانها‪ ،‬يف حني تدخل هي سجن‬ ‫األحكام االجتامعية‪ ،‬وهو سجن أقىس بكثري من ذلك الذي تدخله األرمل‬

‫‪20‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫مثالً‪ ،‬إذ يعترب املجتمع املرأة املطلقة خارجة عيل‬ ‫السياق القيم املجتمعية السائدة لعدم بقائها يف‬ ‫ظل مؤسسة الزوجية‪ ،‬ويف الغالب ت ُعترب املطلقة‬ ‫كقنبلة موقوتة ميكن أن تنفجر يف أي لحظة‬ ‫مطيحه برشف العائلة وسمعتها‪ ،‬مام يستوجب‬ ‫إحكام الرقابة عليها‪.‬‬

‫ورغم إدرايك الجيد لرشوط الواقع الذي أعيش‬ ‫فيه‪ ،‬إال أن قرار أن أريب بنايت بعيداً عن أي‬ ‫تدخالت أرسية كان واضحاً يف ذهني‪ ،‬وقد أخربت‬ ‫السكنى مع بنايت يف‬ ‫والدي يف رغبتي أن استمر يف ُ‬ ‫ذات املنزل الذي كنت أدفع أجرته‪ ،‬وإنني سوف‬ ‫أريب بنايت وحدي دون وصاية من أحد‪ ،‬وأن بنايت‬ ‫سيذهنب لنفس املدرسة‪ ،‬وأن ال يشء سيتغري يف‬ ‫حياته َّن‪ .‬وافق والدي عىل ترتيبايت ونبهني إىل نقطة مهمة‪ ،‬وهي أن‬ ‫هذه الرتتيبات جيدة نظرياً‪ ،‬ولكنها محفوفة بالصعاب وقال يل‪ :‬سوف‬ ‫تواجهني حرباً اجتامعية ضارية‪ ،‬وهي فرصتك إلثبات حقك يف تربية‬ ‫بناتك وفق رؤاك‪ ،‬وحقك يف عيش حياتك كام تشائني؛ هي فرصتك ألن‬ ‫تكوين قوية وتقدمي منوذجاً للنساء أما إذا فشلت يف تربية بناتك وإدارة‬ ‫حياتك‪ ،‬برتتيبايت ملا بعد الطالق والتي عندها ستقدمني للمجتمع ألف‬ ‫عذر لفرض املزيد من الوصاية‪ ،‬عليك وعىل النساء ممن كن يف مثل‬ ‫وضعك‪ .‬وكان ُمحقاً ألن أوىل املعارك كانت مع طليقي‪/‬زوجي السابق‪،‬‬ ‫ألنه رفض أن أعيش مع بنايت بشكل مستقل وطلب من والدي أن يأخذين‬ ‫والدي ‪،‬لنبقى أنا وبنايت تحت‬ ‫معه إىل كسال املدينة التي يعيش فيها‬ ‫َّ‬ ‫وصاية أرسيت‪ ،‬فام كان من والدي إال أن قال له‪ :‬ليس لديك الحق أن‬ ‫تقرر البنتي كيف تعيش‪ ،‬وبالنسبة لبناتك بيننا القانون الذي قد مينحك‬ ‫الوصاية عىل بناتك‪ ،‬لكن ليس عىل ابنتي‪ ،‬وكانت تلك هي املعركة األوىل‬ ‫حيث انترص يل والدي فيها‪.‬‬

‫كنت أعمل حينها يف منظمة أمريكية مديرها سوداين الجنسية‪ ،‬ويف‬ ‫أعقاب طالقي وانتشار الخرب‪ ،‬بدأت مرحلة غريبة ال مثيل لها يف حيايت‪،‬‬ ‫أصبحت أتعرض للتحرش بشكل يومي من مديري يف العمل‪ ،‬الذي‬ ‫حيث‬ ‫ُ‬ ‫ظن أن الطالق حولني فجأة إىل امرأة بال حامية و سهلة املنال‪ ،‬خاصة‬ ‫أنني يف حاجة للوظيفة بعد الطالق إذ أنني أعول بنايت‪ ،‬وبدأ يساومني‬ ‫حتي اصمت عىل تحرشاته أو‪ ،‬أن أفقد وظيفتي‪ ...‬مل يستمر هذا الحال‬ ‫كثريا ً‪ ،‬ألين كنت صارمة جدا ً معه ومن يصدق أم‪ ،‬عازبة‪ ،‬أمام رجل ذو‬ ‫سلطة‪ ،‬ومدير ملنظمة دولية؟! فصلت أخريا ً عن العمل بعد أن استعداين‬ ‫املدير‪ ،‬ورصت وحيدة مع بنايت دون عمل‪ ،‬وبدأ فصل جديد من املعاناة‬ ‫اليومية‪ ،‬حيث إن الحصول عىل عمل دون تقديم تنازالت كان رضباً‬ ‫من الخيال املستحيل‪ .‬وكنت أمام أصعب الخيارات‪ ،‬حيث كان عيل‬ ‫توفري املأوى‪ ،‬ورسوم املدارس‪ ،‬الحامية‪ ،‬ولقمة العيش لبنايت‪ ،‬وىف نفس‬ ‫الوقت‪ ،‬التمسك مبباديئ ومواقفي‪ .‬تكرر هذا املشهد كثريا ً‪ ،‬فقد عملت‬ ‫يف وقت الحق يف العام ‪ 2007‬يف منظمة بريطانية‪ ،‬وكان مديرها سوداين‬


‫اللوحة‪ :‬امل بشير‪ ،‬السودان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪21‬‬


‫شادية عبد‬ ‫المنعم‬ ‫سودانية أم‬ ‫لثالثة بنات‪.‬‬ ‫خريجة كلية‬ ‫الفلسفة‬ ‫جامعة‬ ‫شارلس‪.‬‬ ‫حاصلة على‬ ‫ماجستير‬ ‫في علوم‬ ‫المعلومات‬ ‫والمكتبات‬ ‫من جامعة‬ ‫جوبا‪ .‬عملت‬ ‫في العديد‬ ‫من المنظمات‬ ‫المحلية‬ ‫والدولية ومع‬ ‫االمم المتحدة‪.‬‬ ‫أسهمت في‬ ‫تأسيس عدد‬ ‫من منظمات‬ ‫المجتمع‬ ‫المدني‬ ‫ومجموعات‬ ‫الضغط التي‬ ‫تعمل في مجال‬ ‫حقوق المرأة‬ ‫مثل طيبة‪ ،‬ال‬ ‫لقهر النساء‬ ‫وكرامتي وهي‬ ‫مدونة وناشطة‬ ‫سياسية‬ ‫ومدافعة عن‬ ‫حقوق اإلنسان‬ ‫و حقوق‬ ‫النساء‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫أيضاً‪ ،‬ورغم أنني أثبت جداريت يف العمل‪ ،‬ورغم تعاطف رئييس املبارش‪،‬‬ ‫إال أن مدير املنظمة ظل يالحقني باملضايقات‪ ،‬التي بدأت من التحرش‬ ‫الذي حسمته بتهديده بالفضح‪ ،‬وامتدت إىل تخفيض راتبي واستحقاقايت‪،‬‬ ‫وأخريا ً مبعايريت بالطالق علناً أمام زماليئ‪ ،‬والتقليل من شأين‪ .‬وكان ال يخجل‬ ‫من املجاهرة بأن السبب يف أين إمرأة مطلقة أنني لست حصيفة مبا فيه‬ ‫الكفاية للحفاظ عي زوجي‪ ،‬وكان يردد‪ :‬لو كانت شاطرة لكانت حافظت‬ ‫عىل زوجها! وكان ال يدخر حيلة يف مضايقتي وإحراجي أمام زماليئ وزوار‬ ‫لت كل هذه املضايقات لسببني‪:‬‬ ‫املنظمة‪ ،‬حتى أترك العمل‪ ،‬و قد تح ّم ُ‬ ‫األول إنني يف حاجة ماسة للراتب عىل قلّته‪ ،‬والثاين ألين كنت أنوي هزميته‬ ‫اجتامعياً‪ ،‬وبعد سنوات من التعذيب نجح يف فصيل من العمل‪.‬‬ ‫رجعت مرة أخرى اىل نقطة الصفر‬ ‫وذلك بالبحث عن عمل‪ ،‬وقد كانت أول‬ ‫الرشوط لتوسيع فريص يف إيجاد العمل‪،‬‬ ‫أن أقبل بارتداء الحجاب‪ ،‬حتى ميكنني‬ ‫البحث عن عمل يف الجامعات ومرافق‬ ‫الدولة والرشكات الخاصة‪ ،‬التي كانت‬ ‫يف الغالب‪ ،‬مملوكة ملحاسيب النظام‬ ‫من اإلسالميني األصوليني‪ .‬كام أن هناك‬ ‫أيضاً التنازالت األخالقية‪ ،‬مثل قبول‬ ‫التحرش‪ ،‬والقبول ان اتحول إىل جارية؛‬ ‫الجسد مقابل املال يف وظيفة صورية‪،‬‬ ‫وهو يشء ال ميكنني حتى تصوره‪ .‬وصار‬ ‫املشهد اليومي لحيايت يتلخص يف التقدم‬ ‫للوظائف‪ ،‬واملساومة املكشوفة‪ ،‬والعودة‬ ‫إىل بيت خايل من الطعام‪ ،‬وثالثة وجوه‬ ‫صغرية يف انتظار امهم لتأيت لهم مبا‬ ‫يحتاجون‪ .‬وقد شكل ذلك عبئ نفىس‬ ‫ضخم حملته عيل كاهيل لسنوات‪.‬‬ ‫وفوق كل ذلك كان هناك التحرش‬ ‫املستمر ممن كانوا أصدقاء يل أو‬ ‫لزوجي السابق‪ ،‬فقط ألين اخرتت‬ ‫بعد الطالق‪ ،‬العيش مع بنايت يف شقة‬ ‫منفصلة‪ ،‬وتحولت من تلك املرأة األم‬ ‫تعرضت‬ ‫العادية‪ ،‬إىل فريسة‪ ،‬حيث‬ ‫ُ‬ ‫للمضايقة من بعض الجريان‪ ،‬ومن بعض‬ ‫األقارب‪ ،‬وحتى من بعض األصدقاء‪ ،‬ففي مرة حرض صديق سابق لزوجي‬ ‫لزيارتنا‪ ،‬ظننت أنه حرض ملناقشتي يف مسألة الطالق أو رمبا عىل عادة‬ ‫السودانيني جاء للتوسط يف األمر‪ ،‬ولكن لدهشتي مل يتطرق للموضوع‬ ‫واستمر جالساً لساعات‪ ،‬فطلبت منه الرحيل ألين أود أن أساعد بنايت يف‬ ‫املذاكرة‪ ،‬وأحرضهم للنوم‪ ،‬فقال يل أنه غري ذاهب بل باقٍ للمبيت معي!‬ ‫ُصعقت‪ ،‬وطلبت منه الرحيل‪ ،‬فقال يل‪ :‬الفصاحة عليك شنو انتي بقيتي‬ ‫سبيل‪ ،‬الليلة أنا‪ ،‬وبكرة راجل تاين‪ ،‬إنتي موضوعك إنتهى! ففتحت الباب‬ ‫وطردته وهددته بإحضار الرشطة‪ ،‬قال يل‪ :‬بسيطة‪ ،‬جيبي الرشطة وأنا‬ ‫برفع عليك قضية دعارة ونشوف الحيكسب منو! أحسن ليك تصاحبيني‬ ‫وأقعد معاك وأساعدك يف البنات! كانت تلك اللحظات يف غاية الجنون‪،‬‬ ‫فكنت أعرف أين لو تركت األمر يصل إىل الرشطة‪ ،‬سوف أكون الخارسة‬ ‫الوحيدة‪ ،‬فتجاريب مع تواطؤ الرشطة ضد النساء حارضة! قلت له ببساطة‪:‬‬ ‫إذا مل تخرج وتنىس كل ما قلته‪ ،‬سوف أقتلك اليوم أو يف أي يوم آخر‪ ،‬ثم‬ ‫أخذت بنايت وخرجت من البيت‪ ،‬وأغلقت عليه الباب من الخارج‪ ،‬مل يكن‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫يف ذهني أي حل‪ ،‬فكرت يف الجريان‪ ،‬فكرت يف الرشطة‪ ،‬فكرت يف كثري من‬ ‫الحلول‪ ،‬وقد أخافته جرأيت‪ ،‬فطلب مني فتح الباب ألنه سوف يخرج‪ ،‬لكن‬ ‫مل أكن واثقة من ردة فعله‪ ،‬فذهبت إىل جاريت وهي أرملة كبرية يف السن‬ ‫تعيش مع بناتها األربع‪ ،‬قلت لها أن هناك رجل يف شقتي يرفض الخروج‪،‬‬ ‫تعايل معي حتى نخرجه‪ .‬حرضت معي السيدة وفتحت له الباب‪ ،‬فخرج‬ ‫دون أن ينبس بكلمة‪ ،‬ألنه مل يكن يعرف سبب حضور جاريت وبناتها‪ ،‬وبعد‬ ‫خروجه حكيت لها التفاصيل‪ ،‬فقالت يل‪ :‬لو حرض مرة أخرى‪ ،‬استدعيني‬ ‫وسوف نتجمع عليه ونلقنه درسا لن ينساه‪.‬‬ ‫عانيت أشكال كثرية من املضايقات واإلقصاء االجتامعي‪ ،‬فإىل جانب‬ ‫كوين ممنوعة من دخول أي مرفق حكومي أو أي جامعة بسبب رفيض‬ ‫الرتداء الحجاب! وبالتايل ممنوعة من‬ ‫الحصول عىل أي فرصة عمل‪ ،‬خرست‬ ‫الكثري من أصدقايئ الذكور نتيجة‬ ‫ملحاوالتهم استغالل ظرويف كمطلقة‬ ‫ووحيدة‪ ،‬وخرست عدد من صديقايت‬ ‫الاليت قطع َن عالقت ُه َّن يب كوين ُمطّلقة‬ ‫ومصدر إغراء ألزواجه َّن حسب تصور ُه َّن‪.‬‬ ‫ضاقت الدنيا من حويل‪ ،‬ووجدت نفيس‬ ‫بال خيارات‪ ،‬بال موارد مالية‪ ،‬وبال أي نوع‬ ‫من الدعم‪ .‬وأعدت التفكري يف وضعي‬ ‫ووجدت أين قد رستُ يف طريق ال رجعة‬ ‫يل أن أحارب يف معركتي‬ ‫فيه‪ ،‬فقط‪ ،‬ع َّ‬ ‫للنهاية‪ ،‬أكسبها بعزة‪ ،‬أو أخرسها برشف‪.‬‬ ‫فقررت أن أصم آذاين عن أي تحرشات أو‬ ‫مضايقات‪ ،‬وأن أركز فقط يف امليض بحيايت‬ ‫وتربية بنايت‪ .‬ولحسن الحظ‪ ،‬حصلت يف‬ ‫هذه الفرتة عىل استحقاقايت املالية من‬ ‫كنت أعمل فيها‪ ،‬فتمكنت‬ ‫املنظمة التي ُ‬ ‫من دفع متأخرات اإليجار‪ ،‬وتسديد‬ ‫دفعة مقدمة حتى أضمن عىل األقل‪،‬‬ ‫املأوى لطفاليت‪.‬‬ ‫حاولت أن استغل معرفتي يف‬ ‫الكمبيوتر والتدريب‪ ،‬إليجاد مصادر‬ ‫دخل واستعنت بصديق ألرسيت‪ ،‬قريب‬ ‫ملدير أحدى املحطات التلفزيونية‪،‬‬ ‫واقرتحت عليه تحديث مكتبة التلفزيون إلكرتونياً‪ .‬وافق عىل مساعديت‪،‬‬ ‫وحدد يل موعدا ً مع املدير‪ ،‬وكان غني عن القول أنه من قيادات اإلسالميني‪،‬‬ ‫وحدثت صديقي‬ ‫وكان املوعد يوم الجمعة بعد الصالة؛ تخوفت من املوعد‬ ‫ُ‬ ‫بهذه التخوفات قال يل سوف أذهب معك‪ .‬ذهبنا سوياً و ُمنع من مرافقتي‬ ‫للداخل حسب توجيهات املدير‪ ،‬فقابلت املدير الذي مل يسمع كلمة‬ ‫من مقرتحايت للعمل‪ ،‬بل راح ينظر إ ّيل يف شهوانية‪ ،‬ويسألني عن حالتي‬ ‫االجتامعية‪ ،‬وحولني إىل مدير الربامج بعد أن حدثه يف التلفون‪ ،‬قابلت‬ ‫مدير الربامج‪ ،‬الذي نظر إيل ذات النظرات وقال يل‪ :‬نحنا هنا ما بتهمنا‬ ‫املؤهالت ألننا ممكن نعلمك كل الشغل ونخليك تعميل العايزاهو كلو‬ ‫بس تتساهيل معانا! وأنهى املقابلة قائالً‪ :‬فكري يف الكالم ده وحنخليك‬ ‫تعريف قرار املدير‪ ،‬وخرجت بعدها‪.‬‬ ‫بعد انتظار دام شهور‪ ،‬سألت صديقي الذي سأل بدوره قريبه املدير‬ ‫الذي قال له‪ :‬يا زول تعال نديك شغل براك‪ ،‬الزولة دي ما من ناسنا‪.‬‬


‫مساواة‬ ‫فرصفت نظر عن هذا املوضوع وبدأت التفكري يف حلول أخرى‪ ،‬ففكرت‬ ‫يف التجارة‪ ،‬فرصت أشرتي احتياجات األطفال حديثي الوالدة وأحرضها يف‬ ‫مجموعة‪ ،‬وأضع هامش ربح‪ ،‬وأبيعها لبعض زماليئ القدامى‪ ،‬وقد حاولت‬ ‫التجارة يف أشياء متنوعة كالثياب وغريها‪ ،‬لكن هامش الربح كان قليل‪،‬‬ ‫وال يكفي االحتياجات اليومية‪ ،‬فجمعت ما تبقّى من مال لدي واقرتحت‬ ‫عىل ثالثة من أصدقايئ تكوين رشكة للعمل يف مجال تطوير التدريب‬ ‫وتقديم االستشارات‪ .‬وافق أصدقايئ لكن‪ ،‬لسبب ما تخوفوا من املساهمة‬ ‫املالية يف الرشكة‪ ،‬فدفعت مدخرايت كلها كرأسامل لتأسيس الرشكة‪ ،‬ففكرة‬ ‫العمل كانت واضحة بالنسبة يل‪ ،‬وفعالً سجلت الرشكة وبدأت العمل‬ ‫وازدهرت الرشكة والحت يل إمكانية والتطور‪ ،‬عندها بدأ أحد زماليئ‬ ‫بالتلميح العاطفي تجاهي‪ ،‬الحظت األمر‪ ،‬لكن تجاهلته ألين كنت واعية‬ ‫متاماً لظرويف ومسؤوليايت‪ ،‬فام كان من الزميل إال أن بدأ يف تحطيم اعاميل‬ ‫وتقدم بعريضة لفض الرشكة‪ ،‬فرفض مسجل الرشكات طلبه‪ ،‬فاتجه للقضاء‪،‬‬ ‫ورفض القايض طلبه‪ ،‬فرسق ختم الرشكة‪ ،‬وكتب خطابات لكل الجهات‬ ‫التي تتعامل معها الرشكة‪ ،‬فحواها أنني معارضة للنظام‪ ،‬وكاذبة‪ ،‬وال أملك‬ ‫القدرات عىل تسيري العمل‪ ،‬وأن الرشكة ُمفلسة‪ ،‬وليس هناك رشكة‪ ،‬بل‬ ‫سيدة مطلقة ومحتالة! بالنسبة يل وللزميلني اآلخرين‪ ،‬كان سلوك غريب‬ ‫وليس له ما يربره‪ ،‬واستجابت عدد من الجهات لهذه الخطابات‪ ،‬ورغم‬ ‫الخسارة‪ ،‬حاولت بإرصار امليض يف العمل‪ .‬فجأة تعرض مقر الرشكة للرسقة‪،‬‬ ‫حيث ُسقت كل أجهزة الكمبيوتر والفاكس والتلفون وكل محتويات‬ ‫املكتب؛ بعدها بأسبوع‪ ،‬تعرضت شقتي للرسقة‪ ،‬فقد ُسقت املكيفات‪،‬‬ ‫أصبحت‬ ‫أنابيب الغاز‪ ،‬وممتلكات أخرى قيمة ومهمة بالنسبة يل‪ .‬وفجأة‬ ‫ُ‬ ‫محارصة وعرضة للتهديد والتحرش‪.‬‬ ‫يف تلك اللحظات‪ ،‬شعرتُ بأن حياتنا أصبحت مهددة متاماً‪ ،‬فاستسلمت‬ ‫وتركت كل يشء‪ .‬اختفيت عن األنظار مبساعدة صديقة يل أقنعت زوجها‬ ‫بتأجري غرفة يف سطوح منزلهم لنا‪ ،‬فتقوقعت مع بنايت يف غرفة ضيقة‬ ‫كالزنزانة‪ ،‬تسع بالكاد رسيرين‪ ،‬وموقد كهربايئ صغري موضوع عىل األرض‬ ‫يف ركن الغرفة‪ ،‬وشنطة فيها مالبسنا‪ ،‬وكنت طوال هذه الفرتة حريصة عىل‬ ‫ذهابه َّن إىل املدرسة‪ ،‬حيث س ّجلت ُه َّن للدراسة يف مدرسة سان فرانسيس‪،‬‬ ‫وهي مدرسة كنسية ذات رصامة عالية‪ ،‬وتأمني شديد لسالمة التالميذ‪،‬‬ ‫ويف تلك الفرتة كنت عاجزة عن توفري رسوم املدرسة‪ ،‬فأخربت الراهبة‬ ‫األم‪ ،‬لها الرحمة‪ ،‬بحقيقة ظرويف‪ ،‬ووعدتها بأين سوف أسدد بأثر رجعي‪،‬‬ ‫حال متكُّني من إيجاد فرصة عمل‪ ،‬وقد وافقت الراهبة‪ ،‬واستمرت بنايت‬ ‫متكنت من العمل‪ ،‬ذهبت إىل املدرسة لتسديد‬ ‫يف الدراسة‪ .‬الحقاً‪ ،‬حني‬ ‫ُ‬ ‫ديوين‪ ،‬رفضت الراهبة‪ ،‬وقالت يل‪ :‬نحن لسنا مدرسة ربحية‪ ،‬فام نأخذه من‬ ‫رسوم من التالميذ املقتدرين‪ ،‬نُعلِّم به غري املقتدرين‪ ،‬ويف حالتك‪ ،‬مبا أنك‬ ‫كنت تسددين رسوم دراسة بناتك عندما كنت ُمستطيعة‪ ،‬نحن نعتربك‬ ‫من املساهمني يف تعليم األطفال الفقراء وليست للمدرسة ديون عليك‪.‬‬ ‫وبدأت العمل يف الجمعيات املحلية واملنظامت العاملية‪ ،‬وتكرر التحاقي‬ ‫بعمل وفصيل منه‪ ،‬نتيجة لرفيض املساومة والتحرش‪ ،‬حتى املنظامت التي‬ ‫عىل رأسها نساء مل تنج من سطوة التقاليد واألحكام الجائرة والنظرة‬ ‫عملت يف منظمة مديرتها سيدة‪ ،‬مل تتوا َن عن استغالل‬ ‫السالبة‪ .‬فقد‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ظرويف وحاجتي للوظيفة‪ ،‬لتحاكمني بأشكال شتى‪ ،‬بدأ من نقد طريقتي‬ ‫يف اللبس‪ ،‬وتحمييل مسؤولية فشل زواجي‪ ،‬إىل االستهانة بقدرايت‪ ،‬فكانت‬ ‫تعاقبني بشتى الصور‪ ،‬حيث ُحرمت من املشاركة يف األنشطة الخاصة‬ ‫يل ستار مينعني من تطوير قدرايت‪،‬‬ ‫باملنظمة كالتدريب وغريها‪ ،‬وفرضت ع ّ‬ ‫رغم أن هذه الفرص كانت تتاح لغريي حتى من خارج املنظمة‪ ،‬كام كان‬ ‫يتم استثنايئ من كافة أشكال الدعوات أو حضور املناسبات وغني عن‬ ‫القول إين كنت أحصل عىل أقل راتب رغم مؤهاليت‪.‬‬

‫وقف املجتمع يتفرج عيل معانايت‪ ،‬والقلة ممن أعتربهم صديقات‬ ‫وأصدقاء كانوا يساعدون حسب رشوطهم‪ ،‬ويف الغالب كانت هذه‬ ‫وتخسين املزيد من الناس‪ ،‬ألن الخضوع‬ ‫املساعدات تفاقم من أزمتي‬ ‫ِّ‬ ‫للرشوط امل ُهينة ليست من قيمي‪ ،‬والقبول يب وفق قيمي وكربيايئ يف‬ ‫يل أن أجد لنفيس ولبنايت مكانناً‬ ‫الغالب ال يتفق ورشوطهم‪ .‬لكن‪ ،‬كان ع ً‬ ‫تحت الشمس‪ ،‬فواصلت النضال ألجل هذه الغاية‪ ،‬فكنت أقوم بدور‬ ‫يل أن أدير حيايت بشكل يضمن لبنايت األمان والكرامة‪،‬‬ ‫األم واألب‪ ،‬وكان ع ّ‬ ‫بأي عملٍ أو وظيفة‪ ،‬يحول دون وجودي إىل‬ ‫ُ‬ ‫فكنت حريصة عىل أال أقوم ِّ‬ ‫جانبه َّن‪ ،‬مثل ضامن وصول ُه َّن للمدرسة‪ ،‬أو لحظة عودت ُه َّن منها‪ .‬كانت‬ ‫رحلة شاقة وقاسية بشكل ال يوصف‪ ،‬وأذكر عندما كنت أحمل ابنتي‬ ‫الصغرى لنعرب كربي املسلمية القديم يف الخرطوم مشياً تحت هجري‬ ‫كنت ضعيفة البنية‪ ،‬وال‬ ‫الشمس حيث مل اكن امتلك مثن املواصالت‪ ،‬و ُ‬ ‫أقوى عىل حملها طول املشوار‪ ،‬فكنت أحملها حيناً وأساعدها عىل امليش‬ ‫ممسكة بيدها حيناً آخر‪ ،‬وكانت حينام تتعب من امليش يف األسفلت‬ ‫الحار تقول يل‪ :‬ماما الشمس حارة‪ ...‬كان قلبي يتقطع‪ ،‬وأحس بأن‬ ‫مشواري بال نهاية‪.‬‬ ‫أنظر خلفي اآلن‪ ،‬وكربى بنايت قد تخرجت من جامعة الخرطوم كلية‬ ‫اآلداب وتعمل يف رشكة كربي‪ ،‬والوسطى توشك عىل التخرج من كلية‬ ‫القانون يف نفس الجامعة‪ ،‬وأصغر ُه َّن تد ُرس يف كلية التنمية الريفية يف‬ ‫جامعة األحفاد‪ ،‬فيغمرين الفخر واالرتياح‪ .‬رغم قسوة حيايت ومشاقها‪،‬‬ ‫إال أنني عربت ب ِه َّن اىل بر السالمة‪ ،‬فبنايت إضافة إىل ذكائ ِه َّن األكادميي‪،‬‬ ‫بقلوب من ذهب‪ ،‬وأخالق عالية‪ ،‬ومبادئ صلبة‪ ،‬وشخصيات‬ ‫يتمتع َن‬ ‫ٍ‬ ‫وربيت بنايت‬ ‫متامسكة‪ ،‬فقد أنجزتُ مرشوعي دون وصاية من أحد‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كام أريد‪ ،‬وعملت ما يف وسعي وما سمحت به ظرويف‪ ،‬ملنح ِه َّن حياة‬ ‫ّنت من أن أُعلّم ُه َّن االعتامد عىل الذات‪ ،‬والتعاطف مع‬ ‫جيدة‪ ،‬وقد متك ُ‬ ‫اآلخرين‪ ،‬علّمت ُه َّن املحبة‪ ،‬وال ُحرية‪ ،‬والكرامة وأسست بيتاً دميقراطياً‬ ‫تتم مناقشة كل القضايا فيه بحرية‪ ،‬تعلّمنا أن نستم ُع لبعضنا‪ ،‬ونحرت ُم‬ ‫وجهات نظر بعضنا‪ُ .‬ه َّن اآلن شابات ُمتفتِّحات وسعيدات‪ ،‬يُشارك َن يف‬ ‫الحياة العامة بنشاط وإرادة حرة‪ ،‬ومن طرائف حكايات طفولته َّن‪ ،‬أنه‬ ‫يف إحدى املرات‪ ،‬حكت لينا‪ ،‬ابنتي الصغرى‪ :‬أنا ما كنت قايلة األمهات‬ ‫بينوموا وال بيمرضوا وال بيعملوا الحاجات العادية البيعملوها الناس‪،‬‬ ‫ألين كل ما أصحى بالليل‪ ،‬وأتكلم مع ماما برتد عيل بإنتباه شديد‪ ،‬عشان‬ ‫كدة كنت مفتكراها ما بتنوم‪ .‬وقالت إبنتي الوسطى‪ :‬أنا ما تعودت‬ ‫أخاف بالليل ألين كنت قايلة أمي بتقعد تحرسنا طول الليل‪ .‬وأكرث يشء‬ ‫مضحك بالنسبة يل‪ ،‬هو فكرة أن ُه َّن طوال فرتة طفولته َّن كُ َّن متخيالت‬ ‫انني شخصية اسطورية ال تهزم‪ ،‬وأن ُه َّن بعد دخوله َّن الجامعات‪ ،‬اكتشفن‬ ‫أن األمهات مجرد كائنات ُمر َهقة ُمحملة بأعباء تنوء بها الجبال‪.‬‬ ‫اإلدانة االجتامعية‪ ،‬والتجريم‪ ،‬والحرب الصامتة‪ ،‬والتواطؤ الذي تعانيه‬ ‫النساء يف مجتمعاتنا بناء عىل منظومة القيم املختلة‪ ،‬والتي تدين النساء‬ ‫واألمهات املطلقات‪ ،‬يجب أن ت ُواجه عىل كل املستويات‪ ،‬فاإلسالم من‬ ‫األديان التي احرتمت حقوق النساء واالمهات يف الزواج والطالق والعيش‬ ‫بكرامة‪ ،‬إال أن ما أصاب مجتمعاتنا من تشوهات وسوء فهم لديننا‪،‬‬ ‫أصابنا بخلل عميق‪ ،‬انعكس يف القوانني الجائرة‪ ،‬والقيم امل ُلتبسة‪ ،‬التي ما‬ ‫فتئت تقتات عىل إدانة النساء ممن يرفُض َّن االستسالم للتقاليد البائدة‪.‬‬ ‫إن تجربتي هي إريث الذى اتركه لبنايت ولكل البنات يف السودان والعامل‬ ‫االسالمي‪ ،‬البد من الشجاعة وعدم املساومة يف الكرامة واحرتام الذات‬ ‫مهام عظمت التضحيات حتي منهد الطريق لتحرر النساء واملجتمع‪،‬‬ ‫األمر الذي ال مفر منه مهام تعاظم القهر‪.‬‬ ‫شادية عبد المنعم‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪23‬‬


‫على تخوم النسوية‬

‫حول التميز الطبقي واالجتماعي بين النساء فى السودان‬

‫سافرت مؤخرا اىل كل من السودان والسعودية لزيارة أهيل‪ ،‬ولقد كان‬ ‫نسرين مالك‬ ‫يف استقبايل أعاممي وأخوايل‪ ،‬حيث أن التقاليد يف عاملنا العرب إسالمي‬ ‫ولدت فى‬ ‫السودان وتلقت تعطيهم الحق يف أن يكونوا مبثابة أولياء األمور يف حالة غياب األب املتويف‪،‬‬ ‫تعليمها ما بين هذا مع العلم أنني أعيش يف لندن مبفردي منذ زمن طويل‪ .‬لقد كنت‬ ‫هيأت نفيس ملثل هذه اللحظات وما يتمخض عنها من أسئلة غري مريحة‬ ‫السودان مصر‬ ‫وكينيا والمملكة قد أواجه بها من شاكلة‪ :‬انه من غري املالئم ان تظيل يف تلك البالد كامرأة‬ ‫تعيشني لوحدك‪ ،‬أو أنه قد حان األوان ليك تعودي وتستقري بني أهليك‪...‬‬ ‫المتحدة‪.‬‬ ‫الخ‪.‬‬ ‫تعمل ككاتبة‬

‫اعمدة مع‬ ‫صحف القارديان‬ ‫االنجليزية‬ ‫والنيويورك‬ ‫تايمز وكمعلقة‬ ‫صحفية‬ ‫في العديد‬ ‫من وسائل‬ ‫االعالم المقرؤة‬ ‫والمرئية‬ ‫ومتخصصة‬ ‫فى شؤرون‬ ‫الشرق االوسط‬ ‫ومسائل‬ ‫االقليات في‬ ‫المملكة‬ ‫المتحدة‪.‬‬

‫حقوق الطبع والنشر‬ ‫صحيفة القارديان اخبار‬ ‫وصحافة المحدودة‬ ‫‪2009‬‬

‫‪24‬‬

‫فبينام يبدو سهال نسبيا عىل الفتيات الدخول يف مواجهات ذات طابع‬ ‫عاطفي مع اآلباء واالعامم والرجال املشكلون حيزا ً يف حياتهن‪ ،‬نجد أنه‬ ‫باملقابل من الصعوبة معارضة النساء الذين ميتّون لهن بصلة قرابة‪،‬‬ ‫خصوصا األمهات‪ ،‬الاليت ه ّن من حيث املبدأ يعتربن حليفات طبيعيات‪،‬‬ ‫ولكنه ّن يف واقع األمر دوما يقفن يف الطرف اآلخر من الرصاع‪ .‬أذكر عندما‬ ‫كنت طالبة باملدرسة‪ ،‬مل يكن أولياء أمورنا من الرجال هم مصدر خوفنا‬ ‫حال ارتكاب الخطأ‪ ،‬بل األمهات الذين لهم قدرة كبرية عىل استشفافه‬ ‫والتقاطه من خالل سلوكنا‪ .‬انهن ميتلكون تلك القوة الناعمة واملاكرة يف‬ ‫ذات الوقت‪ .‬فاذا كان الرجال يتميزون بالغلظة والشدة‪ ،‬فاألمهات ه ّن‬ ‫بوليس األفكار‪ ،‬الذي ال ميل من التجوال يف أذهان بناتهن‪ ،‬بينام تقوم بقية‬ ‫نساء العائلة بدور الرقيب الذي يتعقب كل ما فات عىل االم ومل تلحظه‪.‬‬

‫يف الحقيقة مل يتطرق اعاممي اىل هذه األسئلة املتوقعة‪ ،‬بل عىل العكس‪،‬‬ ‫لقد كانوا يف غاية اللطف‪ ،‬حتى أنهم مل يظهروا اهتامما كبريا بطبيعة عميل‬ ‫هناك‪ .‬كان ذلك املوقف املفاجئ كافيا ليك أحس براحة كبرية واتنفس‬ ‫هنالك تلكم الشخصيات من النساء ذات الحضور الطاغي اجتامعياً‪،‬‬ ‫الصعداء‪،‬لوالالظهور املفاجيءإلحدى عاميت والتي قالت بحزم وشعور‬ ‫طاغي ممتلئاً بالحق‪ :‬أه حا ترجعي متني؟‪ .‬لقد ب ُوغت بالسؤال وخرجت املتشددات واالقتحاميات من الذين يقمن بدور الخاطبات‪ .‬ومع أنهن ليس‬ ‫اجابتي متعرسة مشفوعة بنظرات متسولة اىل والديت‪ ،‬والتي بدورها مل كنساء البنجاب الاليت عادة ما يحملن البومات صور أزواج املستقبل‪ ،‬اال أن‬ ‫هؤالء النسوة موجودات بكرثة يف االرس السودانية ‪ .‬أنهن ميثلن عنرصا ًأساسياً‬ ‫تحرك ساكنا‪ ،‬بل عززت سؤال العمة‪ :‬أي متني حا ترجعي يا نرسين؟‬ ‫يف ترسيخ العالئق االجتامعية التقليدية‪ ،‬كخاطبات براغامتيات‪( ،‬يكرثن من‬ ‫كفتاة من أصول أفريقية‪-‬عربية‪ ،‬نشأت يف كنف أرسة تقليدية ممتدة‪ ،‬ترداد القول الذي عادة ما يثري حفيظتي «إذا كنت ال متلك ما تحب فعليك‬ ‫كثريا ما يعرتيني إحساس بالشفقة نحو قريبايت النساء‪ ،‬والذين ال أملك أن تحب ما متلك»)‪ .‬إنهن متخصصات يف اغتيال الشخصية‪ ،‬وتبخيس‬ ‫االّ أن أراهم كضحايا‪ ،‬مثلهم مثل أمينة مهصورة الجناح يف ثالثية القاهرة اإلنجازات‪ ،‬واألكرث اثارة للغيظ‪ ،‬هو قدرته ّن عىل مامرسة الضغط عىل‬ ‫للروايئ املرصي الشهري نجيب محفوظ‪ ،‬والتي أرسلها زوجها اىل أهلها ألنها األمهات لتحريض اآلباء ضد بناتهن‪.‬‬ ‫تجرأت وذهبت اىل املسجد للصالة دون موافقته‪ .‬إذا ك ّن النساء قريبايت‬ ‫األمر هنا أبعد من إحساس بالخوف متفيش يشعر به شخص ما يف‬ ‫يوصفن بأنهن متهورات‪ ،‬حانقات‪ ،‬كثريات النميمة وباحثات عن الفضائح‪،‬‬ ‫مكان ما‪ ،‬خصوصا الفتيات صغار السن‪ .‬فمن خالل تجربتي الشخصية‪ ،‬عىل‬ ‫فأين دوما أعزي ذلك اىل تعاستهن وحياةالخواء التي يعشنها‪.‬‬ ‫األقل‪ ،‬أستطيع أن أقول إنه حتى النساء الاليت ميتلكن عقالً متحررا ً وسبق‬ ‫هناك تصورا ً يحمل قدرا ً من الرومانسية يف الثقافة العربية واالفريقية أن حققن نجاحاً يف حياتهن‪ ،‬قد يتخذن موقفا عدائيا من أي فتاة تهدد‬ ‫حيال النساء يف هذه املجتمعات‪ ،‬خصوصا األمهات‪ ،‬يقوم يف تقديري‪ ،‬عىل وضعهن االجتامعي‪ .‬أو بعبارة أكرث دقة‪ ،‬أي فتاة تسعى أن تتجاوز أكرث‬ ‫املفارقة الساخرة‪ .‬فعندما سئل الرسول محمد أين توجد الجنة؟ قال الجنة مام حققن‪ ،‬وبالقدر الذي يبدو معه أنها قد تصادر ذلك التميز والتفكري‬ ‫تحت أقدام األمهات‪ .‬ويف حديث آخر مشهور‪ ،‬كثريا ما يُستخدم لدحض املتقدم الذي يعتقدن أنه ملكية خاصة به ّن‪ .‬إحدى قريبايت والتي أصبحت‬ ‫اتهام اإلسالم بالعصبية الذكورية‪ ،‬سئل أحدهم الرسول‪ :‬من هو أحق الناس يف سبعينات القرن املايض من أوائل السودانيات الاليت درسن بالجامعة يف‬ ‫الواليات املتحدة االمريكية‪ ،‬كانت من أكرث املعارضات لدراستي بلندن‪،‬‬ ‫بصحبتي؟ قال أمك‪ .‬وقد رددها ثالث مرات قبل أن يقول أبوك‪.‬‬ ‫وحجتها يف ذلك‪ ،‬أنها عندما درست بالخارج كانت برفقة ُمحرم (زوجها)!‬ ‫مع تقدم العمر أصبحت أكرث املاما بعوامل النساء يف مجتمعاتنا‪ .‬وبدأت‬ ‫يبدو يل أن النقطة الجوهرية يف األمر كله هي الزواج‪ ،‬فاملرأة غري‬ ‫الحظ أن الرجال يف أرستنا‪ ،‬عىل عكس مام كنت أظن‪ ،‬اقل تهجساً بالسيطرة‬ ‫عىل النساء وإظهار السطوة كأولياء أمور بغية املحافظة عىل الوضع املتزوجة ينظر لها كخطر ماحق يهدد ويأيت باملصائب للعامل «املثايل» للنساء‬ ‫االجتامعي وفقا للتقاليد املرعية‪ .‬فمثالً عندما تزوجت احدى بنات عمي املتزوجات والذين اكتسنب بفضل الزواج بعض من السلطة االجتامعية‬ ‫من رجل كندي األصل‪ ،‬ظلت نساء االرسة يتهامسن بخبث عن كيف حطت واملصداقية التي كن يفتقدنها عندما كن غري متزوجات‪.‬‬ ‫هذه الزيجة من قيم االرسة‪ ،‬بينام ظل الرجال صامتني متقبلني الحدث كأمر‬ ‫مع أن هذا التمحور حول الذات له أثاره السالبة‪ ،‬االّ أنه ليس باملستغرب‬ ‫واقع‪ .‬مل يرض هذا الصمت األمهات والعامت والجدات‪ ،‬وطفقن يسخرن‬ ‫وينتقدن الرجال من وراء ظهورهم‪ ،‬وهن إذ يفعلن ذلك‪ ،‬فمرده احساسهن يف املجتمعات التقليدية‪ ،‬فهو يعمل عىل وضع الحواجز ويفرض املزيد من‬ ‫بأنهن ميثلن املؤسسة األخالقية لألرسة‪ ،‬بينام الرجال يف تقديرهن يقع املعوقات يف طريق تحرر املرأة‪ .‬أنها تلك الحواجز الغري محسوسة واألقل‬ ‫عليهم العبء املادي والبدين‪ .‬منذ ذلك الحني مل أعد أرى النساء بريئات تعرضا للتناول من قبل االعالم‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬فهي األكرث تحديا عىل املستوى‬ ‫من القهروالعنف الواقع عىل املرأة‪ ،‬كام كنت أظن يف السابق‪ .‬يف الحقيقة النفيس‪.‬‬ ‫بت أراه ّن السبب الرئييس يف القهر الواقع عىل النساء‪ ،‬خصوصا كبار السن‬ ‫نسرين مالك‬ ‫ُ‬ ‫والنافذات منهن‪.‬‬ ‫ترجمه من االنجليزية‪ :‬عبد الخالق السر‬

‫‪ 2014‬المرأة في اإلسالم‬ ‫‪201٥ 1‬‬ ‫العدد ‪٢‬‬


‫مساواة‬ ‫أمين البحاري ولد في العام ‪ 1980‬سوداني الجنسية‬ ‫يعمل في انتاج الرسوم المتحركة والفن الهزلي‪ ،‬درس‬ ‫الطب في السودان ويعمل حاليا كطبيب طوارئ في‬ ‫دبلن‪ ،‬أيرلندا‪ .‬أنشأ استدوديو ترتار في عام ‪ 2011‬وهو‬ ‫استدوديو غير ربحي يهدف للتعريف بالثقافة السودانية‪.‬‬ ‫في عمل مثل العرس العرس‪ ،‬يسلط أمين الضوء مدى‬ ‫الظلم النابع من التقاليد والمفاهيم المجتمعية التي‬ ‫تنظر للمرأة وانجازتها العملية نظرة الدونية مقارنة بدورها‬ ‫كزوجة وأم مربية‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪25‬‬


‫‪26‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫مساواة‬

‫نساء دارفور المسلمات‬ ‫وحاضر مأزوم‬ ‫ماض حافل‬ ‫ما بين‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫ان االستحقاقات التاريخية للنساء من دارفور والتي تمثلت‬ ‫في المشاركة الفاعلة في الحياة العامة واالدوار الخالقة التي‬ ‫لعبنها خالل حقب تاريخية متواترة‪ ،‬كلها تحكي عن تاريخ ثقافي‬ ‫واجتماعي غني البد من استحضاره باستمرار ليذكرنا ان النساء‬ ‫من دارفور ليس مجرد ضحايا للنزاع الدائر‪.‬‬ ‫بالد السودان القديم وأفريقيا‪ ،‬تتالقى عندها الطرق والدروب‪ ،‬وتتالقح‬ ‫فيها الثقافات‪ ،‬حيث إزدهرت و ُع ِّمرت حضارات وماملك لقرونٍ من‬ ‫الزمان‪ ،‬وتج َّمعت فيها مختلف الشعوب خالل هجر ٍ‬ ‫ات ُمتفرقة‪ ،‬ونزوح‬ ‫حروب أو فلول ٍ‬ ‫جيش‪ ،‬أو بقايا ماملك‪ ،‬أو إنشقاقات‬ ‫قبائل وافدة من‬ ‫ٍ‬ ‫عن حكمٍ أو مملك ٍة‪ ،‬ذابت فيها القبائل‪ ،‬وتباينت السحنات واأللسن‪.‬‬ ‫وقد كان يُطلق اسم بالد السودان‪ ،‬عىل الحزام الواقع جنوب الصحراء‬ ‫وشامل الغابات املطرية املمتدة رشقاً حتى ساحل البحر األحمر‪ ،‬وغرباً‬ ‫إىل نهر السنغال واملحيط األطليس‪ .‬السودان الغريب كان يضم ماملك مثل‬ ‫مايل وصنغاي وسوكوتو‪ ،‬أما السودان األوسط فكان يضم ماملك كانم‪،‬‬ ‫برنو‪ ،‬الباقرمي‪ ،‬ووداي‪ .‬والسودان الرشقي يضُ م ماملك دارفور (‪-1445‬‬ ‫‪ ،)1874‬امل ُسبعات‪ ،‬ومملكة سنار (‪ ،)1821-1504‬وهي ت ُشكِّل ُجزءا ً من‬ ‫جمهورية السودان الحالية‪ .‬لدارفور تاري ٌخ تليد ُمرتبط بالدين اإلسالمي‬ ‫تأثريا ً وتأثرا ً منذ العام الثالث عرش للهجرة وما تاله من قرون‪ .‬فقد إزدهر‬ ‫اإلسالم يف وديان وصحاري دارفور‪ ،‬وقامت املدارس والخالوى القرآنية‪،‬‬ ‫وصار حفظ القرآن عرب القرون‪ ،‬فريضة بني النساء والرجال‪ .‬وقد ُعرف‬ ‫أهل دارفور بني أهايل السودان‪ ،‬بحبهم لدينهم وإحتفائهم به‪ ،‬وماتزال‬ ‫الذاكرة السودانية الشعبية تحفظ سرية موكب السلطان عيل دينار يف‬ ‫بدايات القرن املايض‪ ،‬وهو يف طريقه إىل بالد الحجاز ُمحمالً بكسوة بيت‬ ‫الله الحرام‪ ،‬حيث ُعرف عن ملوك دارفور سخائهم وعظيم تقديرهم‬ ‫لعقيدتهم‪.‬‬ ‫منذ العام ‪ 2003‬وما بعدها‪ ،‬أُختُزل تاريخ وواقع إقليم دارفور السوداين‬ ‫يف سلسلة الحروب األهلية الطاحنة التي شهدتها املنطقة‪ ،‬ومبرور‬ ‫السنوات‪ ،‬هيهمنت ذاكرة الحروب والغبائن والرصاعات السياسية عىل‬ ‫سرية دارفور‪ ،‬وصارت املنطقة التي كانت يوماً ما ت ُعرف بسحرها وتنوعها‬ ‫الثقايف‪ ،‬وثرواتها وتاريخها وإرث الحضارة اإلسالمية العميق‪ ،‬ومدارس‬ ‫الصوفية العامرة‪ ،‬صارت ت ُعرف بالظلم والحرب والقتل وسرية نسائها‬ ‫الاليئ تع ّرض َن لصنوف من اإلعتداءت والعنف الجنيس املؤمل‪ ،‬وكأن دارفور‬ ‫القدمية مل تكن! وتك ُمن خطورة محو الذاكرة امل ُتع ّمد الذي يحدث اآلن‬ ‫تجاه دارفور‪ ،‬يف أن األجيال الجديدة منها ومن مناطق السودان األخرى‪،‬‬ ‫تفقد هويتها التاريخية بانتظام‪ ،‬فتلك الهوية التي ال ت ُق َّدر بثمن‪ ،‬والتي‬ ‫أُنتجت عرب تواريخ دارفور ّ‬ ‫الثة‪ ،‬والتي ثابر عىل حفظها أجيال من‬ ‫السودانيني والدارفوريني بالتحديد‪ ،‬تتحول ىف ظل الواقع الحايل‪ ،‬وبفعل‬ ‫الحروب‪ ،‬إىل ٍ‬ ‫إرث من الغضب واملرارت التي سيتم توريثها إىل األجيال‬

‫القادمة‪ ،‬ومبرور الوقت‪ ،‬سوف‬ ‫يغيب اإلرث التليد‪ ،‬ليحل‬ ‫محله إرث الغبائن‪.‬‬

‫إال أنه‪ ،‬ورغم املعاناة‬ ‫القاسية التي تعانيها النساء‬ ‫اليوم يف إقليم دارفور بني‬ ‫معسكرات النزوح واللجوء‪ ،‬وفقدان اإلستقرار وإستمرار اإلعتداء علي ِه َّن‬ ‫وعىل أرس ِه َّن‪ ،‬وما يلحق ب ِه َّن من ظلم‪ ،‬يصري أمل ُه َّن ُمضاعفاً‪ ،‬بتذكري‬ ‫السودانيني واألفارقة وامل ُهتمني بشأن دارفور يف مختلف بقاع العامل‪،‬‬ ‫أنه َّن لس َن ُمجرد ضحايا للحرب فقط‪ ،‬وما نريد التأكيد عليه‪ ،‬ومن خالل‬ ‫محور حديثنا هنا‪ ،‬أن أهل دارفور ونسائها بالتحديد‪ ،‬ال ميكن إختزال‬ ‫إنسانيت ُه َّن يف كون ِه َّن ضحايا‪.‬‬

‫تاريخ عامر وثقافات غنية‬ ‫تاريخياً متتعت عامة النساء يف دارفور بوضع إجتامعي وإقتصادي‬ ‫مميز‪ ،‬تحديدا ً ىف أوساط القبائل املستقرة التي مارست الزراعة مثل‬ ‫قبيلة الفور وقبائل الداجو والتنجور واملساليت‪ .‬حيث إقرتن إحرتام‬ ‫النساء بأهمية النسب األمومي املتمثل يف األخوال الذين نالوا إحرتام‬ ‫السالطني واألعيان‪ .‬أيضاً النساء من سالالت وأنساب السالطني متتعن‬ ‫مبكان ٍة رفيعة يف مجتمعات دارفور وصالحيات إلتخاذ القرار‪.‬‬ ‫ورغم العوز وافتقاد المرأة في دارفور اليوم ألبسط شروط الحياة‬ ‫الم ّ‬ ‫ن على اإلغاثات‬ ‫تمثلة في األمن والسالمة‪،‬‬ ‫وإعتماده َ‬ ‫ُ‬ ‫الكريمة ُ‬ ‫المستمر لإلنتهاكات الجسيمة‪ ،‬مثل‬ ‫ضه َ‬ ‫الضئيلة‪ ،‬وتعرُّ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫ُ‬ ‫بالقدرة على‬ ‫ن الالتي ُعرفن‬ ‫اإلغتصاب‪،‬‬ ‫وه َّ‬ ‫ُ‬ ‫والسخرة والتهجير‪ُ ،‬‬ ‫اإلنتاج‪ ،‬واإلعتماد على الذات‪ ،‬رغم ذلك الواقع المرير‪ ،‬فقد ث ّبت‬ ‫ن العامالت‪ ،‬والزارعات‪ ،‬وربَّات المنازل العامرة‪.‬‬ ‫تاريخهن‬ ‫أنهن ُك َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬

‫والنساء يف دارفور كُ َّن دوماً جزءا ً أصيالً من تاريخ وحضارة مناطق‬ ‫دارفور امل ُختلفة‪ ،‬فقد كان للنساء يف ماملك دارفور القدمية‪ ،‬صورة‬ ‫ُمرشقة وزاهية خالل أزمانٍ مضت‪ ،‬حيث لعبت النساء يف ماملك الفور‬ ‫القدمية‪ ،‬أدوارا ً جوهرية يف إدارة شؤون السلطنة بداي ًة من عملية إختيار‬ ‫وتنصيب السلطان‪ ،‬حيث أن ذلك ِ‬ ‫يوضح بجالء أن حضور املرأة يف الحياة‬ ‫العامة‪ ،‬بدأ منذ قرونٍ طويلة‪ ،‬وقد كان للنساء أدوارا ً سياسية قوية‪ ،‬فقد‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪27‬‬


‫مساواة‬ ‫عرفت دارفور عرص امليارم والحبوبات والشيخات‪ .‬وامليارم ُه َّن بنات‬ ‫السلطان وأخواته‪ ،‬أي‪ ،‬أمريات اململكة‪ .‬كام كان يُطلق أيضاً اسم اليمو‬ ‫عىل زوجة السلطان‪ ،‬والشيخات ُه َّن النساء املعروفات بالحكمة والرأي‬ ‫السديد والنصيحة‪ ،‬أما الحبوبات ف ُه َّن الاليئ كُ َّن يقُم َن بتتويج السلطان‪،‬‬ ‫وال يتم تتويج أي سلطان إذا مل تستشار امليارم والحبوبات الاليت يت ِّوجنه‬ ‫ٍ‬ ‫طقوس دينية وتراثية ث ّْرة‪ ،‬حتى لحظة وضع التاج عىل رأسه‪.‬‬ ‫عرب‬ ‫ويتك ّون التاج من طاقية ال ُجوخ والعاممة‪ ،‬وقبل أن يت َّوج السلطان‬ ‫من قبل الحبوبات يقُم َن بتقديم ال ُنصح له‪ ،‬برس ِد القصص والحكاوي عن‬ ‫السامت النبيلة‪ ،‬والصفات‬ ‫السالطني السابقني‪ ،‬ويتحدث َن عن ِّ‬ ‫الحميدة للسالطني السابقني‪ ،‬كام يَذكُر َن أيضاً الصفات غري‬ ‫الحميدة للسالطني الغابرين‪ ،‬فرتوي الحبوبات عن السلطان‬ ‫الكريم والتقي‪ ،‬والشجاع‪ ،‬والعادل‪ ،‬والذي كان يعمل بقيم‬ ‫التكافل اإلجتامعي‪ ،‬وعن السلطان الذي كان يوفِّق بني الناس‬ ‫داخل اململكة وخارجها‪ ،‬وعن السالطني الذين نجحوا يف إدارة‬ ‫األرض والحواكري‪ ،‬وعن الذي حافظ عىل العدالة واملساواة‪،‬‬ ‫وغريها من صفات ال ُنبل والشهامة‪ ،‬كام تروي النساء للسلطان‬ ‫الجديد‪ ،‬إخفاقات بعض السالطني يف إدارة شؤون اململكة‬ ‫ٍ‬ ‫بطقوس‬ ‫كيام يتجنبها؛ وبعد هذه النصائح‪ ،‬يت َّوج السلطان‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وتعاويذ دينية وتراثية وألحان‪ ،‬ثم يضع َن التاج عىل رأسه‪.‬‬

‫فاطمة سليمان‬ ‫غزالي محمد من‬ ‫مواليد مدينة االبيض‬ ‫اقليم كردفان في‬‫السودان‪ .‬حاصلة على‬ ‫بكالريوس الصحافة‬ ‫والنشر من حامعة‬ ‫القران الكريم والعلوم‬ ‫االسالمية ودبلوم‬ ‫عالي وماجستير في‬ ‫دراسات السالم وفض‬ ‫النزاعات من جامعة‬ ‫جوبا‪ .‬عملت في العديد‬ ‫من الصحف السودانية‬ ‫منها الدستور والوطن‬ ‫والجريدة لها عمود‬ ‫صحفي بعنوان بال‬ ‫إنحناء‪ .‬قامت بتغطية‬ ‫الحرب االهلية في‬ ‫دارفور وزارت معسكرات‬ ‫النزوح‪ ،‬التي كانت‬ ‫نقطة االنطالقة‬ ‫لالهتمام بقضايا حقوق‬ ‫االنسان‪ .‬كما لها‬ ‫إهتمام خاص بقضايا‬ ‫المرأة خاصة في‬ ‫مناطق النزاعات في‬ ‫السودان ومعسكرات‬ ‫النزوح‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫الفقراء وفقاً لقيم ُه َّن النابعة من تديُّن ِه َّن العميق‪ ،‬حيث‬ ‫يتص َّدق َن للمسافرين وعابري السبيل‪ ،‬ونذكُر من ُه َّن هنا‪،‬‬ ‫املريم كلتومة ت ُر ُجم‪ ،‬التي كانت متتلك حاكورة يف جنوب‬ ‫نياال‪ ،‬حيث قامت برشاء أشجار التمر يف مرص والعراق‬ ‫من عائدات حيكورتها‪ ،‬ليكون التمر وقفاً للمسافرين‬ ‫والسائلني‪ ،‬وبامتالكها ألشجار التمر يف مرص والعراق‪،‬‬ ‫خلقت املريم كلتومة عالقات دبلوماسية‪ ،‬وصارت معروفة‬ ‫يف تلك البلدان‪.‬‬ ‫كام ُعرفت املريم تاجة واملريم زمزم‪ ،‬بالفروسية ومعرفة‬ ‫مهارات الحروب‪ ،‬وكانت املريم زمزم ت ُعلِّم شباب اململكة‪،‬‬ ‫الفروسية وركوب الخيل والتدريب عىل فنون القتال‪.‬‬ ‫وحينام إختلفت املريم زمزم مع السلطان يف الرأي‪ ،‬غادرت‬ ‫مقر السلطنة‪ ،‬وهاجرت إىل حفرة النحاس بجنوب دارفور‪،‬‬ ‫وأسست فيها خالوى لتعليم‬ ‫وأقامت فيها ملدة عامني‪َّ ،‬‬ ‫القرآن‪ ،‬إىل أن ُردَّت إليها كرامتها‪ .‬وقد إعتمد سالطني‬ ‫دارفور عىل النساء يف معرفة األخبار وما يدور يف اململكة‪،‬‬ ‫حيث عكست النساء إتجاهات الرأي العام للسلطان‪ ،‬عرب‬ ‫رسائل مبارشة وغري مبارشة‪ ،‬فتستخدم الربتال أي الطبق‪،‬‬ ‫فتقوم الحبوبة أُ ّم املريم‪ ،‬برسم شكل معني يف الربتال الذي‬ ‫ت ُغطى به املندولة التي تحتوي عىل الطعام‪ ،‬وت ُرسل إىل‬ ‫السلطان‪ ،‬وعندما يرى الرسم‪ ،‬يفهم املقصود منه‪ ،‬أما‬ ‫أن القرار الذي إت ّخذه إيجايب وينبغي دعمه‪ ،‬أو سلبي‬ ‫يتطلب املعالجة‪ ،‬وعليه يتخذ السلطان قراراته‪ ،‬أي‪،‬‬ ‫ومبعنى آخر‪ ،‬إستغلت املرأة الدارفورية الرتاث والثقافة‪،‬‬ ‫يف صناعة القرارات امللوكية‪ .‬عند دخول الطوارق إىل‬ ‫دارفور‪ ،‬عاثوا فسادا ً يف بعض املناطق وقطعوا األشجار‪،‬‬ ‫وكان يطلق عليهم أهل دارفور إسم الكنني‪ ،‬حينها تغ َّنت‬ ‫النساء يف حفل الدينارية وقُل َن‪ :‬الله قادر‪ ،‬الكنني قتلوا‬ ‫مننا جنى أربعني‪ ،‬وعندما سمع السلطان هذا الغناء‪ ،‬قام‬ ‫وص َّد الطوارق وطردهم من دارفور‪.‬‬

‫تقول األستاذة فاطمة محمد الحسن‪ ،‬الكاتبة والباحثة يف‬ ‫الرتاث الدارفوري‪ :‬إن مفهوم إرشاك املرأة يف إختيار السلطان‪،‬‬ ‫هو تقدي ٌر حقيقي ملكانة املرأة‪ ،‬وبالتايل الحرص عىل إرشاكها‬ ‫يف ُصنع وإتخاذ القرار‪ ،‬وقد ذكرت فاطمة الحسن‪ ،‬يف كتابها‬ ‫عن تاريخ املرأة يف دارفور‪ ،‬أن النساء يف دارفور دوماً‪ ،‬كانت‬ ‫ل ُه َن أدوارا ً مركزية يف اإلنتاج اإلقتصادي‪ ،‬حيث إمتلكت‬ ‫نساء دارفور الحواكري مبا فيها من الرثوات وأ ِدر َن شؤون‬ ‫ُسكان الحواكري وقُم َن بزراعتها‪ ،‬وتوظيف عائدات منتجاتها‬ ‫الزراعية يف تقديم الخدمات اإلجتامعية للضعفاء عرب اله ِ‬ ‫ِبات‪،‬‬ ‫ورعاية الخالوى واملساجد‪ ،‬وبالتايل كانت امليارم مبثابة‬ ‫وزيرات الرعاية اإلجتامعية؛ كام متتعت نساء دارفور بقدرات‬ ‫وينح لقب األيابايس للمرأة العظيمة‪ ،‬وهي عادة ما تكون أخت‬ ‫ومهارات عالية يف الصناعات اليدوية وصناعة وتخزين‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫األغذية‪ ،‬وقد صنعت وأتقنت املرأة من دارفور‪ ،‬بروش الصالة السلطان‪ ،‬ودرجتها ال تق ُّل عن وظيفة الكاهن أو الشيخ‪ ،‬ويف بعض‬ ‫وعامرة الدواية للخالوي واملساجد‪ ،‬يف مختلف بقاع السودان‪ .‬األحيان‪ ،‬تتجاوز سلطاتها سلطة امللكة األُ ْم‪ .‬وتعترب األيابايس شاغلة لرتبة‬ ‫رسمية‪ ،‬ولها قُ ّوتها الخاصة‪ ،‬وتظهر يف اإلحتفاالت وهي متتطي جوادها‪،‬‬ ‫كانت الحاكورة التي تُ نح للمريم أو األمرية يف ماملك ويُسمح ألي شخص التح ُّدث اليها‪ ،‬ويُذكر أن األيابايس زمزم‪ ،‬لعبت دورا ً‬ ‫دارفور‪ ،‬يُطلق عليها اسم روا‪ ،‬والهدف من إدارة امليارم حاسامً يف تاريخ دارفور إبان عهد السلطان حسني‪ ،‬إذ كانت وقتها أقوى‬ ‫للحواكري‪ ،‬منح ُه َّن االستقالل االقتصادي للتعبري عن تقدير شخصية يف السلطنة‪ ،‬لدرجة أن السلطان نفسه كان يخىش بطشها وال‬ ‫إسهام ُه َّن يف الحياة السياسية للسلطنة‪ .‬وتقع حواكري امليارم يجرؤ عىل مراجعتها‪.‬‬ ‫عىل مقرب ٍة من الوادي يف األرض الطينية عالية الخصوبة‪،‬‬ ‫يف ماملك الفور‪ ،‬ت ُحظى إثنتان من زوجات السلطان مبكانة رفيعة‪،‬‬ ‫لتُحظى بإنتا ٍج عا ٍل من املحصول‪ .‬وقد كانت عامة الشعب‬ ‫من النساء الاليت ينجح َن يف إنتاج محصول كبري‪ ،‬يتم ترقيت ُه َّن إال أن ُه َّن ال يُرقّ َني إىل الدرجة التي يُحظى بها شاغلو الدرجات العليا يف‬ ‫إىل مقام امليارم‪ ،‬وفقاً لتقييم املكايش‪ ،‬وهو الشخص الذي الدولة‪ ،‬وتحمل إحداه َّن لقب األياكاري‪ ،‬وتعني زوجة السلطان‪ ،‬وهي‬ ‫يجمع الرضائب والزكاة‪ ،‬حيث أنه من خالل إنتاج حاكورة املسؤولة عن إدارة املسكن السلطاين‪ ،‬لكنها ال تتدخل يف شؤون الحكم‪،‬‬ ‫املرأة‪ ،‬يضع تقييمه‪ ،‬وبالتايل تصبح حاكورتها مصدر الغذاء ومع ذلك‪ ،‬فهي ال تخلو من بعض التأثري عىل السلطان‪ ،‬وهناك تنافس‬ ‫ُختصة‬ ‫للذين يخرجون يف الفزع والنفري‪ .‬وهناك نساء من دارفور شديد بينها واأليابايس‪ .‬وتليها يف الرتبة أم سومنق دقوال‪ ،‬وهي امل ّ‬ ‫ق ّدم َن مناذج ُمرشقة يف إدارة الحواكري الزارعية وإنتاج بوضع ال ِع ّمة واللثام عىل رأس السلطان‪ ،‬كام تضطلع مبهمة اإلرشاف عىل‬ ‫الغذاء‪ ،‬كام قامت نساء دارفور بالتص ُّدق واإلحسان عىل ُح ّراس الطبول أي السومنق دقوال‪ ،‬وتستمد اسمها منهم‪.‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫اللوحة‪ :‬نصرالدين الدومة‪ ،‬السودان‬

‫حاضر حزين و مستقبل غير مرئي‬ ‫ومع كل هذا‪ ،‬فنحن الن َّدعي هنا أن النساء ىف دارفور كانت أوضاعهن‬ ‫مثالية ىف ظل القوانني العرفية‪ ،‬أو أن نقع ىف فخاخ محاوالت إضفاء‬ ‫الصبغة الرومانسية عىل الثقفات املحلية‪ ،‬فعادات الزواج املبكر وتع ُّدد‬ ‫الزوجات‪ ،‬والعنف املنزيل‪ ،‬وتهميش النساء من العامة‪ ،‬كانت سائدة‬ ‫بالطبع يف أوساط سكان اإلقليم من القبائل املستقرة أو الظاعنة‪ ،‬فالنظام‬ ‫اإلجتامعي هو يف جوهره‪ ،‬نظام أبوي ُمتمركز حول سطوة الرجل‪ ،‬إال‬ ‫أن ك َّم العنف الذى حدث ىف أعقاب ‪ ،2003‬أجهض جهود تطور أوضاع‬ ‫النساء ىف دارفور‪ ،‬ودفع بهن إىل أعامق سحيقة من العنف الجائر‪ ،‬حيث‬ ‫ُتصل‪.‬‬ ‫الس ُري امل ُلهمة للتطور‪ ،‬وسادت روايات القهر والظلم امل َّ‬ ‫إختفت ِّ‬ ‫ورغم العوز وافتقاد املرأة يف دارفور اليوم ألبسط رشوط الحياة‬ ‫الكرمية امل ُتمثّلة يف األمن والسالمة‪ ،‬وإعتامد ُه َن عىل اإلغاثات الضئيلة‪،‬‬ ‫والسخرة‬ ‫وتع ُّرض ُه َن امل ُستمر لإلنتهاكات الجسيمة‪ ،‬مثل اإلغتصاب‪ُ ،‬‬ ‫والتهجري‪ ،‬و ُه َّن الاليت ُعرفن بالقُدرة عىل اإلنتاج‪ ،‬واإلعتامد عىل الذات‪،‬‬ ‫رغم ذلك الواقع املرير‪ ،‬فقد ثبّت تاريخه َّن أنه َّن كُ َّن العامالت‪،‬‬ ‫والزارعات‪ ،‬وربَّات املنازل العامرة‪.‬‬

‫والشاهد هنا أن النساء يف دارفور‪ ،‬سليالت تواريخ ُمرشقة‪ ،‬وقد‬ ‫حمل َن املؤهالت التي تُ ِكنه َّن من اإلسهام يف نهضة دارفور والسودان‬ ‫ككُل‪ ،‬إال أن الواقع امل ُزري الذي فُرض علي ُه َّن‪ ،‬ح َّوله َّن إىل ضحايا‬ ‫يف أنظار العامل‪ ،‬ويف أنظار الكثريين من حول ُه َّن! وغابت التواريخ‬ ‫املليئة بالكربياء‪ ،‬عن الكثري من األجيال الجديدة من السودانيني‪،‬‬ ‫وهو أم ٌر كام ذكرنا سابقاً‪ ،‬له تأثرياته السلبية‪ ،‬حيث أن من أسوأ‬ ‫الهزائم التي نعانيها ج ّراء الحروب العبثية التي فُرضت عىل بالد‬ ‫السودان‪ ،‬هي آفة اإلنبتات وانعدام الهوية ج ّراء الجهل بالتاريخ‬ ‫وإهامل اإلرث العامر‪ ،‬الذي نستمد ونبني منه وعليه هويتنا‪ ،‬األمر‬ ‫الذي يجب اإلنتباه إليه لتفادي الوقوع ضحايا لتصورات اآلخرين‬ ‫حولنا‪ ،‬حيث أن الكربياء والعراقة‪ ،‬ال ت ُع َّوض باملناصب أو املال‪ ،‬ومن‬ ‫دون تاريخنا وإرثنا‪ ،‬نفقد البوصلة والقدرة عىل امليض قُدماً‪ ،‬ونصري‬ ‫مجرد ظال ٍل تائهة كام يحدث لغرينا‪ ،‬فاستسلموا لكونهم فقط‪ ،‬مجرد‬ ‫ضحايا‪ .‬ما يجب أن يقوم به العارفون من السودانيني ومن أهل‬ ‫دارفور هو تكريس الجهود يف الحفاظ عىل صريورة الذاكرة‪ ،‬واملثابرة‬ ‫إلستعادة إرث املايض العامر‪ ،‬وإستثامره للخروج من النفق امل ُظلم‪،‬‬ ‫نحو مستقبل مضئ‪.‬‬ ‫فاطمة غزالي‪ ،‬بتحرير‬

‫المراجع‬ ‫فاطمة محمد‬ ‫‪ .1‬‬ ‫الحسن ‪:‬تاريخ المرأة‬ ‫في دارفور‬ ‫د‪ .‬يوسف تكنة‪:‬‬ ‫‪ .2‬‬ ‫‪Darfur Crisis, The‬‬ ‫‪Role of Traditional‬‬ ‫‪Leaders in Dealing‬‬ ‫‪with Violence against‬‬ ‫‪Women‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪29‬‬


‫مساواة‬ ‫نادية ولدو ولدت فى السودان واكملت تعليمها االبتدائي والثانوي في المدارس‬ ‫الكاثوليكية في الخرطوم وتخرجت من جامعة السودان‪ ،‬تعمل حاليا كمحاسبة فى‬ ‫مجموعة عاملة فى مجال التنمية االقتصادية‪.‬‬

‫رسالة الى بلدي‬ ‫أنا سودانية بامليالد‪ ،‬حيث ولد جد والدي يف‬ ‫مجالالسودان‪ ،‬وجد والديت أيضاً‪ .‬ولدت عام ‪ 1986‬يف الخرطوم ودرست من املرحلة اإلبتدائية إىل الجامعة ىف السودان‪.‬‬ ‫وأعمل اآلن يف إحدى الرشكات العاملة يف‬ ‫التنمية‪.‬‬ ‫نشأت يف الخرطوم يف أرسة مكونة من‬ ‫رصأيب وأمي وأخويت الثالثة وجدي وجديت أليب‪.‬مبا أنني كنت البنت الوحيدة‪،‬فقد نعمت ببعض التدليل واملعاملة الخاصة‪،‬‬ ‫رغم حرص والدي دوما عىل تربيتنا ب‬ ‫امة‪.‬بعد‬ ‫أن‬ ‫كربت‬ ‫ونضجت‬ ‫اتضح‬ ‫يل‬ ‫ال‬ ‫سبب‪،‬فنحن مسيحيني سودانيني ونعيش وسط العائالت املسلمة من الجريان‬ ‫وبعض األقارب‪ ،‬حيث لدينا أبناء‬ ‫عمومة‬ ‫وخاالت‬ ‫مسلامت‪.‬‬ ‫رص‬ ‫امة‬ ‫والدي‬ ‫علمتنا‬ ‫إح‬ ‫رت‬ ‫ام‬ ‫عقائد‬ ‫اآلخرين‪ ،‬إىل جانب متسكنا بحقنا يف االعتقاد‪ .‬أمي مسيحية‬ ‫ملتزمة‪ ،‬تواظب عىل الذهاب‬ ‫للكنيسة‬ ‫جزء من وقتي للعمل الخريي من خالل وتنذر جزء من وقتها للعمل الخريي يف الكنيسة‪.‬انا ايضا كنت ناشطة يف رابطة الشباب املسيحي‪ ،‬أعمل عىل تخصيص‬ ‫الكنيسة‪.‬‬ ‫عقيدتنا مل متنعنا من ان نتواصل مع‬ ‫محيطنا وجرياننا يف محبة والفة‪ ،‬فعالقتنا مع الجريان عالقات طبيعية‪ ،‬حيث نحرض جميع مناسباتهم ويحرضون جميع‬ ‫مناسباتنا‪ ،‬ونتقيد بالتقاليد السودانية يف كل‬ ‫املناسبات‪ ،‬وهذا ليس غريباً فنحن أوال وأخريا سودانيون‪ .‬لقد تعرضت يف فرتات مختلفة من عمري ملحاوالت العتناق‬ ‫اإلسالم‪ ،‬ولكن تلك املحاوالت مل تؤثر ّيف‬ ‫وبقيت‬ ‫مسيحية‬ ‫مؤمنة‪ .‬درست الدين اإلسالمي‪ ،‬وأفهم اىل حد كبري يف الفقه والعبادات‪ ،‬وأفكر يف املسائل الدينية كثريا ً‪،‬‬ ‫وأعتقد أن الشك هو طريق لليقني‪،‬‬ ‫لكن‬ ‫مل‬ ‫ت‬ ‫ر‬ ‫اودين‬ ‫فكرة‬ ‫تغيري‬ ‫ديني‬ ‫أو‬ ‫اعتناق‬ ‫اإلسالم‪ ،‬رغم أنني لو فعلت فلن تواجهني أي مشكلة مع أرسيت‪،‬‬ ‫فوالدي منفتحني‬ ‫ّ‬ ‫جدا ً ومتسامحني‪ ،‬وربونا عىل قدر كبري من الدميقراطية وحرية اإلختيار‪.‬‬ ‫بالنسبة يل‪ ،‬معظم صديقايت سودانيات‪،‬‬ ‫أزورهم يف املآتم وأشيل معاهم الفاتحة‪ ،‬وأرقص معهم يف األفراح كشابة سودانية عادية‪ .‬لكن ينتابني شعور غريب‬ ‫عند حضور مناسبات االرتريني‪ ،‬خاصة‬ ‫مناسبات‬ ‫الزواج‬ ‫حيث‬ ‫الطقوس‬ ‫مختلفة‬ ‫وجميلة‪،‬خصوصاً حني تقام حنة العروس « كربو» ويرتدي الجميع الزي األريرتي‬ ‫األبيض الجميل‪ ،‬ويتم الرقص عىل‬ ‫إيقاع‬ ‫الطبول‬ ‫واملوسيقى‬ ‫األريتريية‪،‬‬ ‫ف‬ ‫ري‬ ‫اودين‬ ‫حنني‬ ‫غريب‬ ‫وإحساس‬ ‫بأن جزء مني ينتمي لتلك التقاليد‪ .‬لكن الغريب يف االمر‬ ‫أين أحب املوسيقى والطقوس‬ ‫األريرتية‬ ‫كسودانية‪ ،‬اي هناك مسافة مرئية بالنسبة يل متاماً‪.‬‬ ‫أجمل ما يف أرستنا املمتدة هوالتنوع‬ ‫الديني‪ ،‬فبعض خااليت مسلامت‪،‬وإبنة خالتي مسلمة وإعتادت أن تصوم شهر رمضان معنا‪ ،‬مام يضفي عىل البيت جو‬ ‫من الروحانيات والبهجة املقدسة‪،‬‬ ‫حيث‬ ‫نحرص‬ ‫جميعاعىل‬ ‫العودة‬ ‫للبيت‬ ‫لحضور‬ ‫طقوس‬ ‫افطار‬ ‫رمضان الذي ّ‬ ‫تحضه أمي‪ ،‬وهي ماهرة جدا ً يف املطبخ‪ ،‬وتجيد‬ ‫طهي الوجبات السودانية‪،‬‬ ‫والحبشية‪،‬‬ ‫واللبنانية واإليطالية‪،‬ويرجع ذلك اىل أنها تربت مع الراهبات وتعلمت منهم مهارات كثرية‪ ،‬إضافة للمطبخ‪ ،‬مثل الخياطة‬ ‫والتطريز‪...‬وغريها‪ .‬من‬ ‫أمتع‬ ‫األمسيات‬ ‫الرم‬ ‫ضانية‪،‬تلك‬ ‫الوليمة الكبرية التي اعتاد والدي إقامتها ألصدقائهمن املسلمني مبناسبة رمضان‪ ،‬فكنا نلتقي بعدد كبري‬ ‫من أصدقاء امي وأيب‬ ‫منذ‬ ‫سنوات‬ ‫الد‬ ‫ر‬ ‫اسة‬ ‫ونستمتع‬ ‫بحكاياتهم‬ ‫وذكرياتهم‬ ‫املشرتكة‪ .‬ال شك أ ّن الطعام هو جزء من الهوية‪ ،‬والدليل عىل ذلك أن مائدتنا اليومية‬ ‫عبارة عن أكالت‬ ‫سودانية‪،‬‬ ‫وعندما‬ ‫تقدم‬ ‫لنا‬ ‫والديت‬ ‫طعام‬ ‫حبيش‬ ‫يكون‬ ‫ذلك‬ ‫عىل‬ ‫سبيل‬ ‫تجربة‬ ‫ثقافة‬ ‫غذائية مختلفة‪ .‬لذا يف الغالب وليمتنا الرمضانية عبارة عن‬ ‫أكالت سودانية رمضانية‪.‬‬ ‫ُرغم أننا نتكون من أرسة كبرية من‬ ‫املسيحيني واملسلمني املعتدلني‪،‬االّ أنه مل يكن هناك أي أي تعامل غريب تجاهنا من قبل املجتمع السوداين‪،‬الذي كان‬ ‫مجتمعا متسامحاً محباً مضيافاً‪ .‬فقد‬ ‫كان‬ ‫ألرسيت‬ ‫منذ‬ ‫قديم‬ ‫الزمان‬ ‫عالقات‬ ‫صداقة‬ ‫وأعامل‬ ‫مع‬ ‫أرس‬ ‫سودانية من أصول مختلفة‪ ،‬منهم اليونانيني واملسيحيني‬ ‫السوريني واللبنانيني‪ ،‬إضافة‪ ،‬لإليطاليني‪ .‬مل‬ ‫تكن عالقات أرسيت مقصورة عىل السودانيني املسلمني فقط‪،‬وامنا أيضا‪،‬مبسيحيني من طوائف مختلفة‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫من أننا مسيحيني بروتستانت‪.‬فمثال‪،‬كان‬ ‫هناك‬ ‫قس‬ ‫كاثولييك‬ ‫إريرتي يُعتقد يف قداسته وصالحه‪،‬أذكر أنه يف أول يوم يل يف امتحانات الجامعة‪،‬ذهبت أمي لهذا‬ ‫القسيس ومعها قلمي ليك يباركه‪ ،‬عىل الرغم من أنه ليس من طائفتنا‪.‬‬ ‫لكن الحال تبدل بشكل درامي يف‬ ‫مطلع التسعينات‪ ،‬وسأسوق هنا مثال لتبيان ذلك‪.‬كان جدي لوالدي رجالً مستنريا ً جدا ً ومثقفا‪،‬لذا كان من الطبيعي أن ينشأ‬ ‫أعاممي عىل نسقه‪ ،‬فكانوا مثقفني‬ ‫ولهم‬ ‫إهتاممات‬ ‫باألدب‬ ‫والصحافة والسياسة‪،‬مبا فيهم والدي‪،‬ومع أنهلم يكن ميارس اي نشاط سيايس‪ ،‬لكنه كان مهتام بالنرش‪،‬‬ ‫فنرش كتابا عن بابا الفاتيكان‪،‬‬ ‫وحصل‬ ‫عىل‬ ‫ميدالية‬ ‫نظري‬ ‫نرشه‬ ‫هذا‬ ‫الكتاب‪.‬‬ ‫أغضب هذا األمر السلطات‪ ،‬ومل يرق لها أن يقوم بهذا الجهد شخص سوداين‪ .‬مل أفهم‬ ‫حينها رس هذا الغضب‪،‬‬ ‫ولكن‬ ‫بتوايل‬ ‫األحداث‬ ‫أتضح‬ ‫يل‬ ‫أنها‬ ‫حملة‬ ‫يقوم‬ ‫بها‬ ‫النظام‬ ‫تسعى‬ ‫لطمس‬ ‫أي‬ ‫دين غري اإلسالم يف السودان‪ .‬ومن باب التأديب‪ ،‬فقد متت‬ ‫مصادرة جميع أمالك‬ ‫والدي‬ ‫مبا‬ ‫فيها‬ ‫دار‬ ‫النرش التي كانت مصدر رزقنا‪ ،‬وزج بوالدي وعمي يف السجن ملدة عامني‪،‬مام عرضنا لهزة إقتصادية كبرية جدا ً‪ ،‬وتبدل‬ ‫حالنا من أرسة كانت‬ ‫تنتمي‬ ‫للطبقة‬ ‫املتوسطة‬ ‫العليا‬ ‫يف‬ ‫الخرطوم إىل ارسة معدمة متاماً‪.‬‬ ‫رمبا لكل شخص لحظة حاسمة يف حياته أو‬ ‫ويف نقطة تحول‪ .‬بالنسبة يل هذه اللحظة بدأت مع الظلم الذي حاق بأرسيت‪ ،‬والذي عشته بشكل مبارش‪ ،‬حيث‬ ‫شهدت معاناة والديت يف توفري لقمة العيش‪،‬‬ ‫كانت تسديد رسوم الدراسة‪ ،‬والقيام برعاية جدي وجديت‪ .‬لقد آملتني محاوالتها اليائسة يف املحافظة عىل سالمة األرسة‬ ‫وإستقرارها يف فرتة سجن والدي‪ ،‬والتي‬ ‫فرتة‬ ‫عصيبة‬ ‫أفقدتني اإلحساس باألمان‪ .‬و منذ ذلك الوقت فقد اتخذت حياتنا منحى درامي‪ .‬مثال‪،‬عند حضوري‬ ‫للتسجيل يف الكلية‪ ،‬سألني املوظف‬ ‫بعد‬ ‫أن‬ ‫قرأ‬ ‫اسمي‬ ‫رباعي‪،‬‬ ‫أنت‬ ‫سودانية؟‬ ‫فأجبته بنعم‪ ،‬فقال يل كيف يعني؟ طيب أنتي مسلمة؟ فقلت له ال مسيحية‪.‬‬ ‫وشعرت به ساخرا ً ومستخفاً‪ .‬املهم‬ ‫كانت‬ ‫هذه‬ ‫بداية‬ ‫الصدمات‬ ‫حيث‬ ‫تفتحت‬ ‫عيني‬ ‫عىل‬ ‫نوع‬ ‫جديد‬ ‫من املعاملة مل مير بها‬ ‫ّ‬ ‫والدي وال أجدادي الذين عاشوا يف‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫لقد عانيت أيضا من بعض زماليئ وزمياليت‪،‬الذين مل يتقبلوا فكرة كوين مسيحية بسهولة‪ .‬فكثريا ما تتطوع‬ ‫ّ‬ ‫إحداهن مبسئولية إدخايل يف اإلسالم‪ ،‬وغالباً ما‬ ‫يكون ذلك بطريقة فجة وجارحة‬ ‫وغري مقبولة‪ .‬أيضا‪ ،‬كثريا ً ما تتم مساءلتي عن رأي يف الحجاب‪ ،‬أو الطرحة‪ ،‬وأحياناً أسمع تعليقات حول أين سوف أكون من‬ ‫وقود النار يوم القيامة! الحقيقة‪،‬‬ ‫ان‬ ‫غا‬ ‫لبيةالطلبة والطالبات مل يكونوا يولون كبري اهتامم بديانتي‪ ،‬لكن تلك القلة املتشددة‪ ،‬كانت لهم اصوات عالية‪ ،‬وقد سببوا‬ ‫يل كثريا من االمل والضيق‪.‬‬

‫‪30‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫لقد حدثت يل مرة حادثة تسببت يف حرماين من أداء أحد األمتحانات‪ ،‬حيث منعني الحرس الجامعي من دخول الجامعة‪ ،‬بسبب عدم ارتداء الطرحة‪،‬ويبدو‬ ‫أنني قد زدت الطني بلة عندما قلت له أنني مسيحية‪ ،‬ألنني رسعان ما اكتشفت أن تصورات السودانيني عن املسيحيني‪ ،‬إما أن يكونوا بيض البرشة من األقباط‬ ‫واألوروبيني‪ ،‬أو سود البرشة من جنوب السودان أو جبال النوبة‪ .‬هذا االعتقاد‪ ،‬جعل إحسايس باالضطهاد يتعاظم‪ .‬فكوين فتاة‪ ،‬هناك تصور وزي معني يجب أن أتقيد‬ ‫به‪ ،‬وإالّ سوف أكون عرضة للعقاب والقهر‪ ،‬وذلك من واقع كوين سمراء‪،‬وبالقدر الذي يجعل انتاميئ للمسيحية يبدو كنوع من الخداع يف نظرهم‪ .‬أيضا‪ ،‬اصبحت‬ ‫أصويل اإلريرتية تكرس لنوع غري مالوف من اإلضطهاد‪ .‬أصويل يجب أالتقلل من حقيقة كوين سودانية الهوى والهوية‪.‬لقد ولدت وتربيت يف السودان‪ ،‬وكل ذكريايت‬ ‫وسط أترايب السودانيني‪ ،‬وثقافتي سودانية‪،‬ومن ث ّم‪ ،‬أجد معاملتي كأجنبية تجعلني أحس بقهر شديد واحساس بالضياع‪ ،‬خاصة عندما يطلب مني أحدهم العودة‬ ‫إىل بلدي‪.‬أنا سودانية بامليالد‪ ،‬وال أعرف لنفيس بلد آخر غريه‪.‬‬ ‫يف عام ‪ ،2011‬قررناأنا وأمي وأخي السفر يف عطلة‪ ،‬وبدأنا البحث عن خيارات تتناسب مع إمكانياتنا املادية لقضاء االجازة‪ ،‬وأشار لنا البعضمن أصدقائنا‬ ‫السودانيني عن مزايا وجامل السياحة يف أسمرا العاصمة اإلريرتية‪،‬فكانت أسمرا أحد الخيارات الجميلة بالنسبة لنا خاصة وأننا مل نزرها من قبل‪،‬لذا كنا متحمسني‬ ‫جدا ً وسعيدين‪ .‬رشعنا يف ترتيبات السفر من حجز الفندق ورشاء التذاكر‪ ،‬وطبعاً كسودانيني يتوجب علينا الحصول عىل فيزا لدخول أريرتيا‪ .‬املفارقة أ ّن السلطات‬ ‫اإلريرتية رفضت منحنا فيزا‪ ،‬نسبة ألن جوازات سفرنا سودانية وأسامئنا أريتريية!‬ ‫من األسئلة التي تثري استغرايب‪ ،‬سؤال الهوية الذي بدأ يطرأ وسط السودانيني‪ .‬بالنسبة يل‪ ،‬فإين أجد السؤال خبيث ومتآمر‪ .‬السودانيون يظلوا سودانيني‪.‬‬ ‫صحيح هناك التنوع االثني والديني والثقايف‪ ،‬لكن يف تقديري‪،‬هذا التنوع الجميل هو ما مييز السودانيني‪،‬فمهام تباينت أصولهم‪،‬وتنوعت سحناتهم‪ ،‬وثقافاتهم‪،‬‬ ‫وأديانهم‪،‬سيظلوا سودانيني‪ ،‬وهي هوية رحبة‪ ،‬يجب إال تشرتط اإلسالم أو العروبة‪ .‬يف تقديري‪ ،‬أن فكرة بعث موضوع الهوية يف العرشين سنة األخرية‪ ،‬دليل عىل‬ ‫نوايا عنرصية بغيضة‪،‬ومرشوع للتمييز الديني بني املواطنني‪ .‬هل يعقل أن تستوطن أرسة ما السودان منذ ثالثة قرون‪ ،‬ومع ذلك يعتربوا غري سودانيني فقط ألنهم‬ ‫مسيحيني؟؟ السودان قبل دخول اإلسالم كان عبارة عن دويالت مسيحية‪ ،‬فلامذا يطرح اآلن مرشوع إسالمي مييز بني السودانيني عىل أساس العرق والدين؟‬ ‫عىل املستوى الشخيص‪ ،‬أعتقدأن هناك هجمة منظمة عىل املسيحيني بكل طوائفهم‪ ،‬وأن الدور السيايس واضح جدا ً يف هذا الصدد‪ ،‬حيث تشتد الضغوط وتخف‬ ‫حسب املهادنة التي تظهرها كل طائفة ما للنظام‪ .‬وأنصع مثال عىل ذلك‪،‬تلك االحداث التي حدثت مؤخرا ً‪ ،‬مثل حرق كنيسة الجريف‪ ،‬وبيع كنيسة بحري‪،‬وإعتقال‬ ‫رعايا الكنيسة أثناء أدائهم للصالة‪ ،‬واآلن إعتقال رشطة النظام العام لعدد من الشابات املسيحيات‪ .‬كل هذه االحداث تقوم كدليل عىل ا ّن الهجوم عىل الكنيسة‬ ‫األنجليكانية مقصود وممنهج‪ ،‬ألن كل رعاياها مع اختالف أصولهم العرقية فهم من السودانيني‪،‬وان كانوا يف غالبيتهم من النوبة‪ ،‬وهذا ما يعزز فكرة أن الهدف هو‬ ‫تجفيف منابر املسيحيني السودانيني‪ ،‬وهو عمل ذو أجندة سياسية يف املقام األول‪.‬‬ ‫اإلحساس بأين أصبحت فريسة‪ ،‬عرضة للقنص يف أي لحظة‪ ،‬صار يالزمني‪.‬فقد حدثت يل حادثة مخيفة‪ ،‬وذلك حني متت مساءلتي مرة بخصوص صديقتي‬ ‫املسلمة‪ ،‬والتي سبق أن دعوتها لحضور حفل زفاف بنت عمي‪ ،‬وتم تحذيري من اصطحابها معي إىل الكنيسة مرة أخرى‪ ،‬حيث قال يل أحدهم بشكل مبارش‪ ،‬انه‬ ‫سوف يبلغ عني السلطات بتهمة التنصري لو تكرر هذا األمر‪.‬‬ ‫اعزايئ السودانيني والسودانيات‪،‬‬ ‫استفتوا قلوبكم وضامئركم‪ ،‬وعودوا لسامحة عالقاتكم ببعضكم‪ ،‬واحتفوا بالتنوع الذي كان من أهم أسباب السالم واملحبة‪ .‬األديان نزلت للسمو باملجتمعات‪،‬‬ ‫بيناماالضطهاد الديني واضطهاد النساء‪ ،‬دليل عىل إنحاط املجتمع‪ ،‬لذا عليكم السمو بأرواحكم وأفكاركم حتى تعود العافية ملجتمعنا‪ .‬علينا أن نناضل من أجل‬ ‫حقوقنا وكرامتنا‪ ،‬وأن نتنارص لنقف سدا ً منيعاً يف وجه اإلضطهاد والقهر‪ ،‬ألن كل أنواع الظلم والقهر التي تحدث يف املجتمع‪ ،‬يكون نصيب املرأة منها الضعف‪.‬‬ ‫النساء نصف العامل الذي يريب النصف اآلخر‪ .‬نحن من نلد الرجال ونربيهم‪ ،‬فعلينا أن نجلس مع بعضنا ونناقش إخفاقاتنا‪.‬إ ّن تفىش قهر النساء يف مجتمعنا يجب‬ ‫أن يكون مدخل ملساءلة أنفسنا‪ :‬كيف عملنا لرتبية أبنائنا ليصريوا يف خامتة األمر رجاالً قاهرين للنساء؟وإذا تفىش االضطهادالديني علينامساءلة أنفسنا‪ ،‬ما هو دورنا‬ ‫يف نرش التسامح الديني‪ ،‬واحرتام الحريات‪ ،‬مبا يف ذلك الحرية الدينية‪ .‬وإذا طغت عقلية الوصاية‪ ،‬علينا أن نعيد النظر يف مدرستنا الرتبوية التي تفرخ أبناء وإخوان‬ ‫وأزواج متسلطني‪ .‬علينا أن نكون رحامء ببعضنا البعض‪ ،‬وأن نحرتم ديانات بعضنا البعض‪ ،‬فمهم أال ننظر للمختلفات دينيا عننا نظرة دونية‪ ،‬ألننا مدرسة األجيال‪،‬‬ ‫وسلوكنا هو الدروس التي نقدمها ألبنائنا‪ .‬علينا منارصة بعضنا البعض‪ ،‬فاملرأة التي ت ُجلد بسبب الزي هي احدانا‪ ،‬فقد تكون ابنة أو أخت‪ .‬يجب أن نعمل معاً إللغاء‬ ‫القوانني التي تحط من كرامة النساء‪ ،‬وعندما ت ُج ّرم إحدانا بالزنا أو الردة‪ ،‬يجب علينا أن نتذكر أن السوابق هي ما يقاس عليه‪ ،‬وما هو سابقة اليوم‪ ،‬يصبح غدا ً عرفا‪،‬‬ ‫ويكتسب سلطة أقوى من القانون‪ .‬لذا علينا محاربة القوانني التي تفتح الباب أمام السوابق‪ .‬دعونا نقف يف وجه محاكمة املسيحيات أمام محاكم النظام العام من‬ ‫منطلق ديني‪،‬ونعمل من أجل كرامة وحرية مجتمع تتساوى فيه النساء‪ ،‬مسلامت ومسحيات ومن كل الخلفيات الثقافية‪.‬‬

‫نادية ولدو‬ ‫الخرطوم ‪ 23‬يونيو ‪2015‬‬

‫تسجيل‪ :‬شادية عبدالمنعم‪ ،‬بتحرير‬

‫لمن توجه‪/‬ين رسالتك؟‬ ‫هل تريد‪/‬ي أن تساهم‪/‬ي يف النهوض باملساواة والعدالة يف املجتمع أو أن‬ ‫تروي لنا قصتك التي تتحدى التقاليد السالبة والتمييزية ضد النساء؟ هل‬ ‫أنت الكاتب‪/‬ة الذي يريد أن يساهم يف تزايد األصوات ضد القهر وعدم‬ ‫املساواة بني الجنسني يف املجتمعات املسلمة؟‬ ‫إذن أرسل لنا رسالتك املفتوحة‪ ،‬تعقيبك‪ ،‬موضوعك أو‬ ‫شارك‬ ‫مقالتك عىل العنوان التايل‪journal@sihanet.org :‬‬ ‫بأف‬

‫كارك‬ ‫!!!‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪31‬‬


‫مساواة‬

‫الستات‪ :‬تقاليد صومالية‬ ‫صوفية نسوية راسخة‬ ‫قدم الكاتب الصومالي أحمد إبراهيم أوالي دراسة ممتعة وفريدةعبر كتابه‬ ‫' 'الستا ت ' '‪ ،‬والذي ربما كان األول من نوعه باللغة الصومالية والذي يتطرق للممارسة‬ ‫الدينية الصوفية وسط النساء الصوماليات‪ ،‬والتي تعرف باسم ' 'الستا ت ' ' ‪ ،‬وهي‬ ‫ممارسة ثقافية تتبنىفيها النساء حق ممارسة وتعلم أمور دينهن‪.‬‬

‫بالنظر اىل التاريخ الضارب لثقافة الستات وموقعها الثقايف‬ ‫يف البنية الصومالية‪ ،‬سنكتشف أن هناك تحوالت حدثت خالل‬ ‫العقدين األخريين نتاج الحركات االسالموية املعارصة‪ ،‬أثرت بال‬ ‫شك يف منوها واستمراريتها‪ .‬فتاريخيا عملت نساء الستات‪ ١‬عىل‬ ‫نرش بعض التعاليم الدينية بني النساء وسط ضجيج وغضب‬ ‫الرجال الذين يرون أن النساء ال ميلكن حق تعليم ومامرسة‬ ‫التعاليم الدينية‪ .‬فالنساء يف هذا املعنى هن مجرد «خادمات»‬ ‫ألزواجهن يقمن بتكريس حياتهن لهم حتى يتمكنوا من تأدية‬ ‫واجبهم الروحي املفيض بهم اىل الجنة‪.‬‬ ‫يتضمن الكتاب العديد من املدائح الصوفية التي تتطرق‬ ‫للكثري من املواضيع املختلفة مثل‪ :‬الروحانيات‪ ،‬العفة‪ ،‬نرش‬ ‫السالم واملحبة‪ ،‬بذل االعامل الخريية باإلضافة اىل بعض املواضيع‬ ‫التي تعكس الجوانب االقتصادية‪-‬االجتامعية واملامرسات‬ ‫الروحانية املميزة واملمثلة يف العمل عىل تعبئة املوارد الالزمة‬ ‫الستمرار الطريقة وتوفري أماكن طقوس املامرسة الروحية‬ ‫والدينية ألفرادها‪.‬‬

‫المدائح النبوية واللهفة لالتصال‬ ‫الروحي بأمهات المؤمنين‬ ‫املامرسة الصوفية للستات هي مزيج من املدائح الدينية‬ ‫املتواشجة مع الشوق الروحي واللهفة للقاء أمهات املؤمنني‬ ‫خصوصا السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول‪ ،‬وأحيانا متتد‬ ‫هذه املناشدة لتشمل أمنا حواء نفسها‪ .‬واسم «حواء» يعني يف‬ ‫اللغة الصومالية حزب حواء‪ ،‬والذي مينح النساء هوية مشرتكة‬ ‫وجامعة متتد عرب الزمان واملكان‪.‬‬

‫بعض النصوص اإلسالمية تعلق على الحائط اثناء الجلسة وتعتبر العطور والروائح‬ ‫طقس مهم من طقوس الستات‬

‫‪32‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫فضال عن كونها تنظيم روحي متميز‪ ،‬فـ الستات تعمل أيضا‬ ‫كملجأ ووسيط يعمل عىل مساعدة النساء املحبطات بالعمل‬ ‫عىل مساعدتهن للتوافق مع الظروف الواقعية التي تحكم‬


‫أحمد إبراهيم‬ ‫أوالي كاتب‬ ‫صومالي‬ ‫وناشط فى‬ ‫مجاالت التنمية‬ ‫الجتماعية‬ ‫ٍ‬ ‫يعيش فى‬ ‫مدينة هرقيسيا‬ ‫فى شمال‬ ‫الصومال‪ .‬وهو‬ ‫مهتم بمجاالت‬ ‫حماية البيئة‬ ‫واالبحاث‬ ‫التاريخية حول‬ ‫الصومال‪.‬‬ ‫من اعماله‬ ‫المنشورة‬ ‫باللغة‬ ‫الصومالية‪:‬‬ ‫اوراق حول‬ ‫الكوارث البئية‬ ‫فى الصومال‬ ‫‪ 2010‬وكتاب‬ ‫ارض بونت وما‬ ‫تحويية من‬ ‫اسرار‪ ،‬صدر فى‬ ‫العام ‪.2013‬‬

‫جلسات وطقوس الستات تقدم دعما معنويا وترابط ما بين النساء‬

‫حياتهن وطبيعة العامل الذي يعشن فيه‪ .‬عادة ما تكون هذه األناشيد تاريخ الستات‬

‫الطقوسية مصحوبة بالتصفيق وايقاع الطبول‪ ،‬وعندما تبلغ النساء ذروة‬ ‫التهيج‪ ،‬كثري منهن يذهنب يف حالة جذب صويف‪ ،‬يزعمن بعده أنه ّن عد ّن‬ ‫أكرث قوة وتحررا‪ ،‬وأكرث تفاؤال وحيوية يف مواجهة التحديات التي تقف‬ ‫عقبة يف طريق حياتهن الراهنة واملستقبلية‪ .‬أما بالنسبة لألطفال وعابري‬ ‫السبيل‪ ،‬فأن الستات متثل مناسبة احتفالية تعمل عىل اخامد واشباع‬ ‫عطشهم وجوعهم‪ ،‬من خالل ما يقدم لهم من طعام ورشاب‪.‬‬ ‫عىل العكس من املنظامت النسوية املعارصة والتي تتبنى برامج تقوم من‬ ‫خاللها بتمكني املرأة‪ ،‬وهي برامج عادة ما ينظر اليها بريبة من قبل الرجال‪،‬‬ ‫فـ الستات مل يسبق لهن قط أن استخدمن تنظيمهن كمنرب ملقارعة سلطة‬ ‫الرجال أو تحدي هيمنتهم‪ .‬عىل العكس من ذلك‪ ،‬فاملنظمة تعمل كوسيط‬ ‫ملواساة الثكىل وتعساء الحظ واملحرومني واملرىض والفقراء من النساء‪ .‬كام‬ ‫أنها تحض عىل فعل الخري ومحاربة األفعال غري املحمودة اجتامعيا‪ .‬فكل‬ ‫امرأة من الستات حريصة عىل أن تكون من زمرة «الصالحات» وأن يطلق‬ ‫عليها امرأة صالحة‪ ،‬وليك تكون كذلك فيجب عليها أن تظهر الكثري من‬ ‫الخضوع والورع والفضيلة تشبها بسرية السلف الصالح من الصحابيات‬ ‫الجليالت «أمهات املؤمنني»‪ .‬باملقابل‪ ،‬فإن املرأة «املنبوذة»‪ ،‬يف عرفه ّن‪،‬‬ ‫هي املتمردة عىل سلطة زوجها‪ ،‬والتي ال تستأنس بإرشاداته فيام يخص‬ ‫قرارتها الحياتية‪.‬‬

‫الستات كمفردة تجد أصلها يف اللغة العربية يف املصطلح سيدات‪ ،‬وهي‬ ‫هنا إشارة اىل املسلامت األوائل يف فجر اإلسالم‪ .‬ال توجد معلومة دقيقة‬ ‫تدل عىل متى دخلت فيه املفردة شبة جزيرة الصومال واندغمت يف‬ ‫لغتها‪ .‬ولكن‪ ،‬بناء عىل ما رسخ يف االساطري الشعبية‪ ،‬فإن السيدة فاطمة‬ ‫بنت محمد هي اول من أنشأ الستات‪ ،‬وذلك حينام كانت حامل بابنيها‬ ‫التؤام الحسن والحسني‪ ،‬حيث اقامت وقتها وليمة كبرية للفقراء من النساء‬ ‫واألطفال‪ ،‬وهي بذلك الفعل النبيل كمن ترضعت اىل الله أن يؤمن لها‬ ‫والدة سهلة‪ ،‬وهو تقليد استمر اىل يومنا هذا وأصبح جزءا من طقوس‬ ‫الحمل يف الثقافة الصومالية‪ ،‬بحيث تؤديه املرأة الحامل من شهرها السابع‬ ‫وحتى التاسع موعد الوالدة‪.‬‬ ‫االّ أن هناك من الباحثني من يعتقد أن الستات مامرسة غري إسالمية‬ ‫تعود جذورها اىل أغاين األورمو التي متجد اآللهة اتيتي‪ .‬ويف هذا السياق‪،‬‬ ‫من املهم أيضا أن نوضح أن الصوماليني كانوا يف زمن ما عبده لإلله وعاك‪،‬‬ ‫إله الكوشيني قبل دخول اإلسالم القرن االفريقي‪ .‬ولكن بتتبع طقس الستات‬ ‫وتطوره نجد أن هناك صلة مبارشة تربط بينه والطرق الصوفية الصومالية‪.‬‬ ‫فالستات يف السياق الصومايل‪ ،‬ميكن اعتبارها جزء من عقائد الطرق‬ ‫الصوفية مثل القادرية‪ ،‬االحمدية والصالحية‪ .‬الطريقة القادرية يف هذا‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪33‬‬


‫مساواة‬

‫الصدد هي الطريقة االقدم ويعود تاريخ دخولها شبه الجزيرة‬ ‫الصومالية اىل القرن الخامس عرش امليالدي‪ .‬لذا من املرجح جدا ً‬ ‫أن الستات تطورت بالتوازي مع هذه الفرق الصوفية الرجالية‪،‬‬ ‫رافده النساء بحيز ملامرسة العبادة‪ .‬الستات أيضا تنطوي عىل‬ ‫شكل من نظم املامرسة االجتامعية القدمية السائدة واملعروفة يف‬ ‫التاريخ الصومايل‪ ،‬حيث تقوم فيها النساء بالتصدي لقضايا ذات‬ ‫صلة باحتياجاتهن الروحية واالجتامعية‪-‬االقتصادية‪.‬‬

‫صورة الغالف‪ :‬سوزان‬ ‫ليلوس‬ ‫ستات‪ :‬التعليم الذاتي‬ ‫للمرأة الصومالية في‬ ‫اإلسالم من خالل‬ ‫الستات ‪ ،2013،‬ل‬ ‫أحمد ابراهيم أوالي‪،‬‬ ‫كوبنهاغن‪ ،‬الناشريين‬ ‫لييبان‪ .‬الكتاب الذين‬ ‫درسوا الموضوع‪:‬‬ ‫ليدوين كابتيجنز مع‬ ‫مريم عمر علي‪،‬‬ ‫فرانسسكا دلكليتش‬ ‫و مارجا تييليكينين‪.‬‬

‫فعل الخير كمحور لنشاط الستات‬ ‫فعل الخري‪ ،‬الكرم‪ ،‬التضامن‪ ،‬مساعدة العجزة واملرىض‬ ‫واملحتاجني من أفراد املجتمع ميثل بعض من اهتاممات الستات‪.‬‬ ‫فعىل مثل هذه القاعدة من امل ُثل اإلنسانية الرفيعة‪ ،‬تتواثق عرى‬ ‫التضامن االجتامعي بني النساء كام تجسدها الستات‪ ،‬والتي‬ ‫تكافح الستدامتها ما أمكن ذلك‪.‬هذه املساهامت تعرب عنها‬ ‫ببالغة االغنية املبذولة أدناه‪:‬‬ ‫ابذيل كرمك ليطال عجزانا‬ ‫إتّبعي وصية من أوصوك‬ ‫جودي بالخري وأويص تعميمه‬ ‫إتّبعي وصية من أوصوك‬ ‫تسامحي مع خصومة املحتاجني‬ ‫إتّبعي وصية من أوصوك‬ ‫اخدمي املحرومات من النساء‬ ‫إتّبعي وصية من أوصوك‬ ‫ابذيل غطاء الرأس ملن ال تستطيع رشائه‬ ‫إتّبعي وصية من أوصوك‬

‫و»االت ّباع» املعني هنا يف االغنية والتقيد بالوصية يف تكرارها الراتب‪،‬‬ ‫يعني املرجعية اإلسالمية من القرآن والسنة والتعاليم اإلسالمية‪ ،‬ورضورة‬ ‫التقيد بهم‪ .‬هذا يعكس بدوره حقيقة هامة وهي أنه حتى هذه املعرفة‬ ‫الدينية البسيطة لهؤالء النساء مصدرها الرجال كوسيط كعريف‪ ،‬ومرد ذلك‬ ‫هو أن النساء يف السابق مل يكن لهن مدخل مبارش للتعاليم واملعرفة‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬

‫االبتهال لجلب المطر‬

‫خالل طقوسهن الدينية املسامة أوليباري ‪ .‬وهي جلسات تعقد لعدة أيام‬ ‫تقوم فيها النساء بالغناء واالبتهال لجلب املطر‪ ،‬وهو تقليد يختلف كليا عن‬ ‫صالة االستسقاء التي يقوم بها الرجال عادة يف سنوات الجفاف التي تقل‬ ‫فيها االمطار أو تنعدم‪ .‬يف هذا الطقس تجتمع النساء ويصطففن‪ ،‬حتى‬ ‫تأخذ كل واحدة منهن مكانها املخصص‪ ،‬حينئذ تنربي الشيخة صائحة‪:‬‬ ‫من منكم التي تتجسد فيها شخصية أمنا حواء‪ ،‬األمينة لزوجها والحافظة‬ ‫ألرساره والتي مل تخنه قط؟‪ .‬يفهم من هذه الصفات ضمنا‪ ،‬أن املرأة املعنية‬ ‫مل يسبق لها أن مارست الجنس قبل الزواج‪ .‬وألن كل شخص يف املحفل يف‬ ‫انتظار من تعلن عن نفسها‪ ،‬فكان الزما أن تنربي واحدة من بني الحارضات‬ ‫قائلة‪ :‬أنا التجسيد الحقيقي ألمنا حواء‪ ،‬االمينة لزوجي‪ ،‬الحافظة ألرساره‬ ‫والتي مل تخنه قط‪ .‬وبشكل مفاجئ تتجه النساء صوب الجهة القادم منها‬ ‫صوت املرأة املستجيبة للنداء‪ ،‬عندها يطلقن الزغاريد‪ ،‬ويتم وضع خاتم يف‬ ‫االصبع الصغري لليد اليرسى للمرأة‪ ،‬ثم يطلب منها االبتهال لله ليك يجلب‬ ‫املطر وتتنزل رحمته‪ .‬وقتها ينطلق صوت املرأة مبتهال اىل الله‪:‬‬ ‫يا الله‪ ،‬إصبعي الصغري مقيد‬ ‫يا الله‪ ،‬انه إصبع يدي اليرسى‬ ‫يا الله‪ ،‬لقد سبق يل أن رسقت ما ًء‬ ‫يا الله‪ ،‬ارجوك عوضني خريا عن هذا املاء الذي رسقته‬ ‫وليك يكتمل املشهد الطقويس لجلب املطر‪ ،‬فهنا البد أن ت ُسحب املرأة‬ ‫عىل األرض (عادة يتم ذلك بشكل طوعي)‪ ،‬ومن ثم تحمل بقية النساء‬ ‫بعض األدوات املنزلية يف مشهد متثييل يحاكني فيه غرف املاء من األرض‪.‬‬ ‫لقد أخربتني حواء جامع البالغة من العمر مثانية وستون عاما‪ ،‬أثناء قصها‬ ‫يل قصة جلب املطر‪ ،‬أنه ومبجرد أن يكتمل الطقس االبتهايل‪ ،‬تتجمع‬ ‫السحب ومتطر السامء‪ ،‬ناهية فصل من الجفاف الطويل‪.‬‬ ‫عادة ما يش ُجب شيوخ الدين املعارصينهذا العمل‪،‬حيث يصفونه‬ ‫بأنه منايف لتعاليم اإلسالم‪ ،‬ولكن هؤالء النسوة يرين فيه غري ذلك‪ .‬ففي‬ ‫اعتقادهن أن الترضع لله يجب أن يتم من خالل تجسيد األفعال الجيدة‬ ‫لإلنسان كوسيلة حتى يتقبل الله دعائه ّن‪ .‬وهذا النوع من الترضع يتسق‬ ‫مع حديث للرسول رواه البخاري‪ ،‬وفيه يذكر أن ثالث رجال كانوا بكهف‬ ‫واطبقت عىل مدخله صخرة منعتهم من الخروج‪ ،‬وفعلوا كل ما يف وسعهم‬ ‫إلزاحة الصخرة من فوهه الكهف‪ ،‬ولكن باءت جهودهم بالفشل‪ .‬عندها‬ ‫بدأوا يترضعوا اىل الله ذاكرين صالح أعاملهم وتقواهم وورعهم يف عبادته‪.‬‬ ‫وبالفعل حدثت معجزة أزاحت الصخرة من موقعها واستطاعوا النجاة‪.‬‬

‫العمل على نشر المحبة والسالم‬

‫مل يكن الجفاف يف السابق يتكرر بذات الوترية التي يحدث بها يف أيامنا‬ ‫هذي‪ .‬فقد أصبح ظاهرة متكررة تجلب الكثري من الكوارث واملاّيس‪ ،‬يروح‬ ‫يف بلد مثل الصومال حيث الرصاعات القبلية كانت وما زالت متثل‬ ‫ضحيتها البرش واالنعام‪ .‬هذا ما حدا بالستات ان يولني الجفاف عنايتهن من ملمحا أساسيا من وجوه الحياة‪ ،‬نجد أن النساء واألطفال هم الفئة األكرث‬

‫‪34‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫الستات تتيح مساحات للنساء للذكر والتعبد‬

‫ترضرا وتأملاً من آثارها مقارنة بالرجال‪ .‬وحتى أن حدث أن نجت املرأة من‬ ‫السيف (حيث أن التقاليد الراسخة متنع إيذاء النساء واألطفال والشيوخ)‬ ‫االّ أن األذى النفيس الواقع عليهن كبري‪ .‬هذا الوضع البائس جعل الستات‬ ‫يقمن الصلوات املنتظمة سائلني الله ان يتدخل ويوقف هذا التوتر املقيم‬ ‫بني العشائر املتناحرة‪.‬‬

‫الصور‪ :‬مارجا تيلكينين‪ ،‬فنلندا‬

‫ملحوظا ومل يرتاجع أمام الهجمة االرثوذكسية‪ .‬وحتى يف الحرض مل تختفي‬ ‫مامرسة الستات كلياً‪ ،‬ولكنها اتخذت شكال محايثا أتاح لها الظهور مبظهر‬ ‫مختلف يف املناسبات االجتامعية مثل‪ :‬طقوس الزواج‪ ،‬حفالت الوداع‪ ،‬أو‬ ‫الحفالت التي تقام للنساء العائدات للوطن من الغربة بعد غيبة طويلة‪.‬‬

‫هناك نزعة احياء ثقايف بدأت تأخذ طريقها وسط املجتمعات الصومالية‬ ‫مبختلف ألوان طيفها االجتامعي‪ .‬وهي نزعة تعرب عن نفسها بالرجوع‬ ‫للتقاليد الشعبية من رقص ومالبس فولكلورية‪ ،‬والتي يف اعتقادي‪ ،‬سوف‬ ‫واقع الستات في صومال اليوم‬ ‫تقوم باستعادة ذلك املايض الجميل الذي اندثر تحت ركام الحارض‪ .‬هذا‬ ‫تزامن صعود اإلسالم «األرثودوكيس» يف أواخر ستينات القرن املايض‪ ،‬االهتامم الحايل بالثقافة الشعبية مصحوبا مبا يقدمه هذا الكتاب مستعرضا‬ ‫بهجوم عىل كافة اشكال املامرسة الشعبية للدين ووصفه لها باملنافية لـ سرية الستات رمبا يعمل عىل انتشارها مجددا والتشجيع عىل استعادتها‬ ‫صحيح الدين‪ .‬أث ّر ذلك سلبا عىل مامرسة الستات وشهدت من وقتها تراجعا كواحدة من التقاليد الغنية للشعب الصومايل‪.‬‬ ‫أحمد إبراهيم أوالي‬ ‫ملحوظا‪ ،‬خصوصا يف مراكز الحرض‪ ،‬حيث يتسع ويقوى نفوذ االرثوذوكسية‬ ‫ترجمه من اإلنجليزية‪ :‬عبد الخالق السر‬ ‫الدينية‪ .‬ولكن يف األرياف‪ ،‬خصوصا يف أوساط الرعاة‪ ،‬ما زال نفوذ الستات‬

‫‪ ١‬حرص المترجم‬ ‫على استخدام‬ ‫مفردة الستات ً‬ ‫بدال‬ ‫عن السيدات كما‬ ‫هي األصل في اللغة‬ ‫العربية المعجمية‪،‬‬ ‫وذلك ألن الستات‬ ‫ً‬ ‫«فونولوجيا»‬ ‫تتطابق‬ ‫مع المفردة الصومالية‬ ‫الموجودة في النص‬ ‫األصلي‪ ،‬وألنها أكثر‬ ‫غنى وداللة في‬ ‫موضوعنا هذا‪ .‬فالست‬ ‫كمفردة عامية منتشرة‬ ‫في الكثير من الثقافات‬ ‫العربية‪ ،‬ومن بينها‬ ‫السودان‪ ،‬كصفة‬ ‫تبجيلية للمرأة‪ .‬فعلى‬ ‫سبيل المثال‪ ،‬فإن‬ ‫أشهر القاب سيدة‬ ‫الغناء العربي أم كلثوم‬ ‫هو لقب الست‪.‬‬ ‫‪ ٢‬طقس تعبدي‬ ‫لتقديس اهلل‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪35‬‬


‫الرجولة كمفهوم و«مأزق» في‬ ‫الثقافة الصومالية‬ ‫سوف تضربني والدتي إذا رأتك معي‪ ،‬هذا ما كانت تقوله كلما سألتها‬ ‫عن حالها ابنة الجيران التي لم تذهب إلى المدرسة أبدًا‪ ،‬في حين أن‬ ‫أشقائها الخمسة قد فعلوا‪ .‬كانت تستيقظ في الفجر للقيام باألعمال‬ ‫وقت متأخر ٍ من الليل‪ ،‬وهي في التاسعة‬ ‫المنزلية‪ ،‬وال تستريح حتى‬ ‫ٍ‬ ‫والعشرين من عمرها وال ُيسمح لها بامتالك هاتف محمول أو الحديث‬ ‫إلى الشباب‪ .‬كانت والدتها تضربها كثيرًا بسبب َّ‬ ‫ات بسيطة‪ .‬في‬ ‫هن ٍ‬ ‫مرة من المرات‪ ،‬أذكر أنها ُضر ِبت بالعصا ألنها َّأخرت عشاء أشقائها‬ ‫الذين عادوا من لعب كرة القدم‪.‬‬

‫ُولِد عبد الفتاح حسن‬ ‫علي في مقديشو عام‬ ‫‪ 1987‬باعتباره اإلبن الوحيد‬ ‫مكونة من‬ ‫في أسرة‬ ‫َّ‬ ‫أربعة أفراد‪ ،‬وحصل على‬ ‫درجة علمية في تقنية‬ ‫المعلومات من جامعة‬ ‫سماد‪ .‬عمل في السابق‬ ‫ُمدر ً‬ ‫سا في مدرسة‬ ‫ِّ‬ ‫للنازحين خارج مقديشو‬ ‫خالل الحرب‪ ،‬ويعمل‬ ‫ً‬ ‫حاليا بمركز تنمية المرأة‬ ‫الصومالية‪ ،‬إحدى منظمات‬ ‫المجتمع المدني العاملة‬ ‫في مجال تمكين المرأة‪،‬‬ ‫وكمنسق قُطري في‬ ‫ُ‬ ‫الصومال لشبكة صيحة‪،‬‬ ‫المبادرة اإلستراتيجية‬ ‫للمرأة في القرن األفريقي‪،‬‬ ‫وهو متزوج ولديه إبنة‬ ‫واحدة‪.‬‬

‫يف يوم من األيام‪ ،‬جاءت والدتها لتخرب أختي بأن‬ ‫متنع إبنتها من الدراسة‪ ،‬ألنها يف نهاية املطاف سوف‬ ‫تتزوج وترتك والدتها عىل أي حال‪ ،‬وقبل أن تتمكن‬ ‫قلت‪ :‬أتريدين أن تجعيل بنت أختي‬ ‫شقيقتي من الرد‪ُ ،‬‬ ‫مثل ابنتك؟ لن يحدث هذا أبدا ً‪.‬‬

‫وبدأت من هناك‪ ،‬االجتهاد يف تعليم الفتيات‬ ‫وحقوق املرأة‪ ،‬ويف وقت الحق عندما أصبحت شاباً‪،‬‬ ‫وباعتباري االبن الوحيد‪ ،‬كانت هناك ُمناسبات تتع َّرض‬ ‫فيها شقيقايت األصغر سناً إلساءات لفظية وبطريقة‬ ‫صادمة من أوالد املدارس من صغار السن‪ ،‬ونظرا ً ألين‬ ‫األخ الوحيد‪ ،‬كان من واجبي الدفاع عنهن‪ ،‬غري أين‬ ‫شعرت أيضاً بالحاجة إىل متكينهن‪ ،‬والتأكد من أنهن‬ ‫يفهمن أنه ليس خطأهن‪ ،‬وأن تلك األفعال غري مقبولة‪.‬‬ ‫لوالدي فرصة الذهاب إىل املدرسة‪ ،‬حيث مل‬ ‫مل ت ُتح‬ ‫َّ‬ ‫يكن التعليم يحظى بأولوية كبرية يف األرس الصومالية‬ ‫التقليدية‪ ،‬لكنهام ض َّحيا كثريا ً من أجل تعليمنا‪ ،‬فكان‬ ‫عليهام أن يرتكا أطفالهام خلفهام لدى ذهابهام إىل‬ ‫اململكة العربية السعودية للعمل‪ ،‬حيث عانت والديت‬ ‫العنف واإلذالل خالل خمسة عرش عاماً من العمل‬ ‫كخادمة منازل ُمهاجرة‪ ،‬ويف ذات يوم‪ ،‬سقط والدي‬ ‫الذي كان يعمل يف البناء من أحد املباين‪ ،‬ومكث يف‬ ‫املستشفى مشلوالً ملدة عامني قبل أن توافيه املنية؛‬ ‫أصبحت والديت هي مدبرة األحوال والعائل الوحيد‪.‬‬ ‫لقد ألهمتني رؤيتها وهي تشقى لتحسني حياتنا‪ ،‬ومل أمتكن من فهم ملاذا‬ ‫ال يعامل املجتمع املرأة بشكل يليق بها‪ ،‬وأثار هذا التناقض إهتاممي‪،‬‬ ‫فبدأت يف البحث عن أسباب عدم املساواة بني الجنسني!‬ ‫أبوي‪ ،‬يسيطر الذكور فيه عىل املجتمع‪ ،‬حيث‬ ‫الصومال بل ٌد تقليدي ِّ‬ ‫النساء مواطنات من الدرجة الثانية‪ ،‬وال يعتربن كبالغات ناضجات‪ ،‬بل‬ ‫عالة عىل أولياء أمورهن الذكور‪ .‬كان من الشائع أن تكون األرسة غري‬ ‫سعيدة عندما تولد لها طفلة‪ ،‬ويت ُّم التعبري رصاحة عن تفضيل الصبي‪،‬‬ ‫ويف سن ُمبكِّرة تصبح الفتاة الصومالية عاملة منزل‪ ،‬فهي التي تتوىل‬

‫‪36‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫مهمة الغسيل وتنظيف املنزل‪ ،‬وهي من يقوم بالطبخ أيضاً‪ ،‬إال أنها‬ ‫تأكل بقايا طعام إخوتها‪ .‬ال تذهب إىل املدرسة‪ ،‬وإذا فعلت‪ ،‬رسعان ما‬ ‫تنقطع عن الدراسة يف سن البلوغ‪ ،‬حيث تتزوج من رجل مل تره من قبل‪.‬‬ ‫وإذا أساء الزوج معاملتها‪ ،‬فإن عودتها للمنزل ليس خيارا ً مقبوالً‪ ،‬ومن‬ ‫امل ُر َّجح أن تقوم األرسة بإعادتها إىل زوجها‪ .‬لقد علَّمني ع ّمْي أن أعمل‬ ‫ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫معروف ومحرتم يف‬ ‫رجل‬ ‫بجد يف كل جانب من جوانب حيايت‪ ،‬وهو أيضاً ٌ‬ ‫ُمجتمعنا‪ ،‬وكان يعمل عىل تعزيز املساواة بني الجنسني يف مجال التعليم؛‬ ‫متكَّن من تسجيل إثنتني من أخوايت يف املدرسة‪ ،‬يف ٍ‬ ‫وقت كان العديد‬ ‫من أفراد عائلتي يعارضونه‪ ،‬فقد كان لديهم اعتقاد بأنه من العار عىل‬ ‫الفتيات الذهاب للمدرسة‪ ،‬واتهموه مبحاولة تغيري تقاليدنا وثقافتنا‪.‬‬ ‫لقد ذهبت أخوايت الثالث إىل املدرسة‪ ،‬حيث حصلت إثنتان منهن يف‬ ‫نهاية املطاف عىل درجة البكالريوس‪ .‬ألهمتني مشاهدته وهو يقف يف‬ ‫وجه املعتقدات التقليدية الخاطئة التي ترفض أخذ مسألة التعليم عىل‬ ‫محمل الجد‪ ،‬وعلمتني أيضاً االستفادة من التعليم للقيام بأشياء إيجابية‬ ‫من حويل واملساعدة عىل بناء مجتمعٍ أفضل‪ ،‬وبفضل التعليم الذي نلته‬ ‫أمكنني أن أف ِّرق بني الثقافة والدين‪ ،‬وهو أمر أسايس يف مامرستي لعميل‬ ‫الحقاً‪ ،‬فأنا اآلن ناشط يف مجال حقوق املرأة‪.‬‬ ‫كان مركز تنمية املرأة الصومالية‪ ،‬وهو منظمة محلية تعمل عىل‬ ‫تعزيز حقوق اإلنسان للمرأة‪ ،‬والوصول إىل العدالة واملشاركة يف الحياة‬ ‫السياسية وصنع القرار‪ ،‬مدخيل للنشاط الفعيل من أجل املرأة‪ .‬إن العمل‬ ‫يف بيئة تسيطر عليها النساء هو يشء ليس غريب بالنسبة يل‪ ،‬فقد كنت‬ ‫دامئاً محاطاً بالنساء‪ ،‬والديت وعمتي اللتان بارشتا تربيتي لفرتة طويلة‪،‬‬ ‫لدي ثالث أخوات‪ ،‬وزوجتي‪ ،‬واآلن لدي طفلة‪ ،‬ويف اعتقادي‪ ،‬أن ذلك‬ ‫جعلني أدرك واقعهن‪ .‬إن املجتمع يخلط بني التقاليد‪ ،‬والثقافة‪ ،‬والدين‪.‬‬ ‫الناس يعتقدون خطأً بأن خضوع املرأة من صميم هوية اإلنسان املسلم‪،‬‬ ‫يبي بوضوح أن اإلسالم يسعى إىل رفع مكانة النساء‪ ،‬وهو‬ ‫ولكن القرآن ِّ‬ ‫ي ِك ُّن له َّن كل التقدير واإلحرتام؛ اإلسالم يدعم عميل لتعزيز حقوق املرأة‪،‬‬ ‫وبصفتي ُمسلم من الصومال‪ ،‬فإن وجودي كرجل يع ُّد ميزة‪ ،‬لقد أتاح يل‬ ‫الفرصة ملعرفة املزيد عن ديني ومامرسته دون أن تع ِّوقني التفسريات‬ ‫امل ُضلِّلة‪ ،‬يف حني أن املرأة ال تتمتَّع بهذا االمتياز‪ .‬نظرا ً لنشأيت وعييش‬ ‫يف مقديشو‪ ،‬فقد تأث َّرت حيايت بالحرب التي استمرت ألكرث من اثنني‬ ‫وخرجت من معسكرات النزوح‬ ‫دخلت‬ ‫وعرشين عاماً؛ أنا مثل الكثريين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬


‫هي وهو‬

‫منذ أن كنت يف الثالثة من العمر‪ .‬الحرب وانهيار الهياكل املجتمعية‬ ‫جعلت النساء مستضعفات عىل نح ٍو خاص‪ ،‬والنزوح الجامعي بسبب‬ ‫ٍ‬ ‫لظروف معيشي ٍة‬ ‫الرصاعات املسلحة امل ُستمرة‪ ،‬ع َّرض النساء واألطفال‬ ‫قاسية‪ ،‬وشكَّل تهديدات متعددة‪ ،‬مثل الفقر‪ ،‬وغياب التعليم‪ ،‬والعنف‬ ‫القائم عىل النوع االجتامعي‪ .‬لقد استرشى العنف الجنيس يف جسد‬ ‫امل ُجتمع الصومايل‪ ،‬وأسهم عدم الوصول إىل العدالة يف تسارعه‪ ،‬وتس َّبب‬ ‫النفوذ واملكانة الرفيعة التي تتمتَّع بها عشائر ال ُجناة يف إفالتهم من‬ ‫العقاب‪ ،‬بدعمٍ من املعتقدات التقليدية! يُحزنني أن أرى النساء وهن‬ ‫يعامل َن بهذا الشكل‪ ،‬ويجعلني أشعر بالخجل‪ .‬يف نهاية املطاف‪ ،‬فإن‬ ‫ذلك يعني تجريد شخص من حقوق اإلنسان األساسية‪ ،‬مام يشعرين‬ ‫باإلجحاف‪.‬‬

‫ومجتمعاتهن املحلية‪ ،‬وعىل مدى العقدين املاضيني‪ ،‬وبسبب الحرب‪ ،‬كُ َّن‬ ‫يوفر َن لقمة العيش ويرأس َن األُرس‪ ،‬ورمبا‪ ،‬وبسبب هذا التط ّور‪ ،‬فمن‬ ‫املتوقع أن ترفض املرأة يف الصومال اإلنسحاب من املساحات املكتسبة‬ ‫هذه يف مقبل األيام‪ .‬يف الواقع‪ ،‬إن الثورة السياسية والجندرية امل ُستم ِّرة‬ ‫يف الصومال‪ ،‬فتحت نوافذ جديدة من الفرص للمرأة‪ ،‬فألول مرة يف‬ ‫التاريخ‪ ،‬ت َّم ترشيح امرأة ملنصب وزيرة الشؤون الخارجية‪ ،‬فوزية يوسف‬ ‫حاجي عدن‪ ،‬التي شغلت أيضاً يف الفرتة ‪ 2014-2012‬منصب نائب‬ ‫رئيس وزراء الصومال‪ ،‬وهو منصب لن تقبل معظم البلدان األفريقية‬ ‫أن تشغله امرأة‪.‬‬

‫هناك املزيد من الفتيات يذهنب اآلن إىل املدارس‪ ،‬ويف جامعة واحدة‬ ‫مبقديشو‪ ،‬نجد أن أكرث من ‪ ٪90‬من الطالب من الفتيات‪ ،‬وتلعب‬ ‫هناك رجال ينتقدون العمل الذي أقوم به‪ ،‬إنهم ال يفهمون ملاذا منظامت املجتمع املدين دورا ً أكرث أهمية يف الدعوة للمشاركة السياسية‬ ‫أعمل لتحسني حياة النساء‪ ،‬ومعظمهم ال يعرفون حتى أن املرأة مقهورة‪ ،‬للمرأة‪ ،‬وتوفري دورات تدريبية للشابات‪ ،‬وإعدادهن ليصبحن ُمرشَّ حات‬ ‫فهم يشعرون أن مكان املرأة هو منزلها ورعاية البيت واألطفال‪ ،‬إنهم أساسيات يف انتخابات عام ‪.2016‬‬ ‫ال يدركون مفهوم النوع االجتامعي‪ ،‬وحتى املتعلمني من الرجال‪ ،‬ما‬ ‫زالوا يعتقدون يف املعايري التقليدية التي ت ُك ِّرس وضعية تبعية النساء‪،‬‬ ‫أبوي‪ ،‬يسيطر الذكور فيه على المجتمع‪،‬‬ ‫بلد تقليدي‬ ‫الصومال ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫وت ُقيِّد حريتهن يف التنقُّل‪ ،‬أولئك الذين يتقبلون خروج املرأة للعمل‪،‬‬ ‫حيث النساء مواطنات من الدرجة الثانية‪ ،‬وال يعتبرن كبالغات‬ ‫يؤمنون مبحدودية قدرة اإلناث التي تسمح بالحصول عىل وظائف‬ ‫الرعاية فقط مثل التدريس والتمريض‪ ،‬وهي ليست بعيدة عن أدوارهن‬ ‫ناضجات‪ ،‬بل عالة على أولياء أمورهن الذكور‪ .‬كان من الشائع‬ ‫كأُ َّمهات و ُمدبِّرات منازل‪ ،‬وعادة ما ينظر إىل املهن التقنية وتلك التي‬ ‫ويتم التعبير‬ ‫أن تكون األسرة غير سعيدة عندما تولد لها طفلة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تنطوي عىل إت ِّخاذ القرار مثل املهندسني وضباط الرشطة والجيش‪،‬‬ ‫صراحة عن تفضيل الصبي‪ ،‬وفي سن ُم ِّ‬ ‫كوظائف للذكور‪ .‬بعض أقراين من الرجال يستغربون من كوين مدافع‬ ‫بكرة‬ ‫عن حقوق املرأة‪ ،‬بدالً من القيام بعمل أكرث «رجولة»‪ .‬تعرضت يف كثري‬ ‫من املواقف لإلهانة واإلذالل من قبل زماليئ الرجال‪ .‬يف ذات مرة‪ ،‬لدى‬ ‫الرجولة بالنسبة يل هي‪ ،‬أن أكون أباً صالحاً‪ ،‬وزوجاً وإبناً محرتماً‬ ‫ذهايب إىل وسط املدينة‪ ،‬طلب مني ضباط األمن يف نقطة التفتيش القيام‬ ‫بتنظيف املالبس النسائية‪ ،‬ألن بطاقة هويتي تحمل اسم مركز تنمية و ُموقِّرا ً‪ ،‬وأخاً طيباً‪ ،‬وأن أشعر باملسؤولية نحو أرسيت وجميع من حويل‪.‬‬ ‫املرأة الصومالية! أن أكون من املدافعني عن حقوق املرأة فهذا أمر وأنا أحاول أن أجعل الرجال أكرث وعياً بحقوق املرأة واستخدم وسائل‬ ‫بالغ الصعوبة يف هذا السياق األبوي‪ ،‬ولكني عىل استعداد لقبول هذا اإلعالم االجتامعية مثل الفيسبوك وتويرت‪ ،‬لتسليط الضوء عىل القضايا‬ ‫التحدي‪ ،‬كام أعتقد بقوة‪ ،‬يف حتمية التغيري والوصول للمساواة‪.‬‬ ‫التي تؤثر عىل املرأة‪ .‬لقد تلقيت أيضاً العديد من التعليقات التشجيعية‪،‬‬ ‫وأفراد عائلتي يدعمون عميل‪ ،‬عىل الرغم من أنهم قلقون عىل سالمتي‪.‬‬ ‫تتغي ببطء‪ .‬فبعد الدعوة امل ُكثَّفة من جامعات‬ ‫إن املواقف التقليدية َّ‬ ‫الضغط املحلية والدولية‪ ،‬ت َّم اعتامد مبادئ غاروي لسنة ‪ ،2012‬وهي‬ ‫يف عام ‪ 2013‬ويف هجوم مدبر‪ ،‬لقي إثنان من زماليئ يف العمل‬ ‫إطار للحكم يف الصومال‪ ،‬والذي ينص عىل حصة ‪ ٪30‬للمشاركة حتفهام‪ ،‬يف إنفجار وقع يف مبنى املحكمة يف مقديشو‪ ،‬وهام محاميان‬ ‫السياسية للمرأة‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬مل ينعكس هذا امل ُع َّدل عىل خارطة الطريق شاركا يف قضايا املرأة‪ .‬إن العمل يف الصومال أمر محفوف باملخاطر‪ ،‬بل‬ ‫والقوانني املحلية للبلد‪ ،‬ونتيجة لذلك‪ ،‬يف انتخابات النواب عام ‪ ،2012‬هو أكرث خطورة بالنسبة للذين يعملون يف قضايا حقوق املرأة‪ ،‬ولكن‬ ‫يل أن أساعد شعبي حتى ولو كان املوت يقف عىل عتبة داري‪،‬‬ ‫حصلت النساء عىل ‪ ٪14‬فقط من األصوات‪ ،‬ويتوافق هذا مع تصورات يجب ع ّ‬ ‫شيوخ العشائر والتصورات املحلية التي تهدف إىل إبقاء النساء يف املنزل‪ .‬فأنا أحلم بصومال ت ُعطى فيه املرأة أولوية‪ ،‬وتتمكن من أن تعيش بعيدا ً‬ ‫يتوقع املجتمع من املرأة عدم املشاركة يف صنع القرار االجتامعي‪ ،‬حيث عن جميع أنواع االنتهاكات‪ ،‬وأن تصبح قائدة‪ ،‬وتتمتع بحقوق متساوية‬ ‫ال توجد أي مشيخة نسائية أو إناث يف زعامة العشائر!‬ ‫مع الرجال؛ صومال تكون املرأة فيه صانعة للتغيري‪ .‬أنني أؤمن بذلك‬ ‫املجتمع األفضل‪.‬‬ ‫إنني أضع أميل يف العمل من أجل التغيري‪ ،‬فعىل الرغم من وضعهن‬ ‫تسجيل‪ :‬كارول مغابى‬ ‫التبعي‪ ،‬فإن النساء يف الصومال يُعتربن من الجهات الفاعلة جدا ً يف أرسهن‬ ‫ترجمها من اإلنجليزية‪ :‬شمس الدين عثمان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪37‬‬


‫هي وهو‬

‫معنى أن تكون أخ ًا‬ ‫جتمع ذكوري‬ ‫الم‬ ‫حول التحوالت الفكرية في ُ‬ ‫ٍ‬

‫يف مسقط رأيس‪ ،‬يذهب‬ ‫نشأت في قرية صغيرة على‬ ‫ُ‬ ‫الرجال للعمل خارج القرية‬ ‫الضفاف الخصبة لنهر النيل األزرق‬ ‫خالل فصل الخريف‪ ،‬حيث‬ ‫في السودان‪ ،‬حيث كان يعيش‬ ‫كانوا يعملون بشكل رئييس يف‬ ‫هناك حوالي ألف نسمة‪ ،‬قبل أن‬ ‫املزارع الكبرية ومنهم والدي‪،‬‬ ‫يبدأ الناس في الهجرة إلى المدينة‪،‬‬ ‫الذي كان يف الغالب يغيب‬ ‫تاركين وراءهم زراعة الكفاف‬ ‫خالل أيام األسبوع لتوفري لقمة‬ ‫التقليدية‪ ،‬من الذرة والفاصوليا‬ ‫العيش لجميع أفراد األرسة‪ ،‬يف‬ ‫حني درجت النساء عىل البقاء‬ ‫والبامية‪ ،‬مع قطعان األغنام‬ ‫يف القرية وك َّن مسؤوالت عن‬ ‫والماعز واألبقار‪ ،‬بطريقة الحياة‬ ‫الحيوانات والزراعة مع والديت‪،‬‬ ‫الريفية حيث يعمل كل من الرجال‬ ‫وسبعة إخوة وأختني‪ ،‬تشاركنا‬ ‫والنساء في الحقول‪ .‬وبتزايد‬ ‫الحياة يف الحوش الواحد‪،‬‬ ‫الهجرات إلى المدن‪ ،‬امتزجت األسر‬ ‫مع أفراد األرسة املمتدة عىل‬ ‫والجماعات العرقية في المدارس‬ ‫الطريقة السودانية التقليدية‪،‬‬ ‫وفي أماكن العمل‪.‬‬ ‫والتي تتألف من أرسة عمي‬ ‫وجديت التي كانت تدير املنزل‬ ‫وأبناء عمومة يبلغ عددهم نحو دستتني من األطفال واليافعني‬ ‫والشباب وشيوخ‪.‬‬

‫ابتدا ًء من وجبات الطعام اليومية إىل التنشئة االجتامعية الرسمية مثل‬ ‫والئم األعراس‪ ،‬حيث يت ُّم الفصل بني الرجال والنساء يف سن العطاء‪،‬‬ ‫ويصبح املجتمع عيناً رقيبة خصوصاً تجاه الفتيات املراهقات والشابات‬ ‫غري املتزوجات‪ ،‬الاليت تت ُّم مراقبتهن وتقييدهن‪ ،‬وبالتايل منعهن عن‬ ‫العديد من األنشطة‪ .‬ولكن مراقبة االخوة املبالغة فيها لشقيقاتهم‬ ‫تكشف ليس فقط ازدواجية املعايري‪ ،‬ولكن أيضاً التناقضات الخفية‬ ‫والقهر العام الواقع عىل النساء بحجة حاميتهن‪.‬‬ ‫كنت يف حوايل التاسعة من عمري عندما كنا نلعب «الغميضة –دس‬ ‫دس» وهي لعبة اإلختفاء والبحث‪ ،‬وت ُلعب عادة يف الليايل امل ُقمرة حيث‬ ‫يبحث الفتى عن عروسته‪ ،‬تختبئ الفتاة – العروس – وسط صديقاتها‪،‬‬ ‫وعىل مجموعة الصبيان العثور عليها‪ ،‬الفتى الذي يعرث عليها يكون‬ ‫فخورا ً‪ ،‬ويسمح له أن يقودها من يدها ويعيدها إىل املجموعة ويكون‬ ‫فريقه الفائز؛ يف مثل هذه املباريات التي تحتاج أن تنضم إليها الفتيات‪،‬‬ ‫فإن كل فتى يرفض أن تكون أخته «العروس»‪ ،‬لكن عىل فتيات أخريات‬ ‫من القرية أن يلعنب هذا الدور يف نهاية املطاف‪ ،‬ما يُكشف يف مثل هذه‬ ‫الحاالت الربيئة تؤيده األمثال املحلية عىل شاكلة‪ :‬فخر الخيل لجام وفخر‬ ‫الحريم وليان‪.‬‬

‫منذ سن مبكرة‪ ،‬عندما نبدأ تعلُّم الكالم‪ ،‬يجري تعليمنا نحن الرجال يف‬ ‫يف مثل هذا النسيج االجتامعي التقليدي‪ ،‬الجميع يعرف مكانته‪ .‬مجتمعنا السوداين رعايتنا لشقيقاتنا‪ ،‬يقول لنا اآلباء‪ :‬عليك أن تكون رجالً‬ ‫مبا فيه‬ ‫نسب األقارب الذكور واألجداد‪ .‬يف مجتمع‪،‬‬ ‫وتقوم األرس املمتدة عىل َ‬ ‫يترصف األفراد مبا فيه مصلحة الجامعة‪ ،‬وحامية األرايض وتشكيل‬ ‫عالقات مهمة مع العائالت األخرى عن طريق الزواج‪ .‬عادة ما يكون‬ ‫زعيم العائلة هو الرجل األكرب سناً واألكرث احرتاماً‪ ،‬ويكون هو الشخص‬ ‫املتوقع منه الحامية وات ِّخاذ القرارات‪ ،‬والذي يُطلب منه اإلذن يف كثريٍ من‬ ‫قضايا الحياة اليومية‪ .‬بهذا املفهوم أيضاً يفرتض أن تطيع النساء الرجال‬ ‫من األرسة‪ ،‬حيث يُعترب عامل املرأة هو املنزل نوعاً ما‪ ،‬بينام عامل الرجال‬ ‫هو املجال العام‪ .‬تتمسك األرس القروية مبثل هذه القيم التقليدية بقوة‪،‬‬ ‫حتى يف عامل اليوم رسيع التغري‪.‬‬ ‫يف األرسة من الشائع أن ترعى الفتيات أشقائهن وشقيقاتهن الصغار‪،‬‬ ‫ويتوقع من األوالد من جهة أخرى‪ ،‬أن يكونوا مبثابة أرباب األرس من سن‬ ‫مبكرة‪ ،‬ويتم منحهم امتياز ومسؤولية الحراسة وتوجيه أخواتهم‪ ،‬حتى‬ ‫لو كانت شقيقاتهم أكرب منهم سناً‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬أيضاً‪ ،‬نشأتُ عىل حراسة‬ ‫شقيقتي األصغر واتخاذ القرارات نيابة عنها‪.‬‬

‫يف وقت الحق‪ ،‬أدركت أن ما ظننته أعرافاً وتقاليدا ً عتيقة بالريف‬ ‫والقرى‪ ،‬وجدته راسخا يف املناطق الحرضية ووسط الطبقات األكرث‬ ‫تعليامً‪ .‬فقانون األرسة السوداين‪ ،‬يقوم عىل الوصاية الرسمية عىل النساء‪.‬‬ ‫عقدة التفوق والسيطرة الذكورية يعرب عنها مبختلف أنواع السلوك‪:‬‬

‫‪38‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫الكفاية للسيطرة عليها‪ ،‬عليك أن تكون رجل مبا فيه الكفاية لرضبها‪،‬‬ ‫عليك أن تكون رجل مبا فيه الكفاية ملامرسة الهيمنة‪ ،‬واالحتفاظ بها يف‬ ‫املنزل‪ ،‬وإال لن تكون رجالً‪ .‬اآلباء واألعامم واإلخوة يجب أن يقرروا مبن‬ ‫سوف تتزوج البنات ويرتبون للزواج‪ ،‬بينام العرسان لديهم الخيار‪ ،‬يف‬ ‫الغالب العرائس ال يكون لديهن خيارا ً‪ .‬ووفقاً للطرق القدمية‪ ،‬اختيار‬ ‫الزوج ليس من بني واجبات الفتاة‪ ،‬حيث يعتربن عىل نطاق واسع‪،‬‬ ‫كونهن نساء وفتيات غري قادرات عىل إت ِّخاذ قرارات ذات أهمية كربى‪،‬‬ ‫إذ يُعترب أنهن يفتقرن إىل الحكمة املطلوبة ملثل هذا الخيار‪ ،‬وعىل‬ ‫نطاقٍ واسعٍ‪ ،‬ال يُعترب التعليم الزماً للفتيات‪ ،‬فتت ُّم تربيتهن وتدريبهن‬ ‫لي ُك َّن يف األساس‪ ،‬زوجات يخدم َن الزوج الذي سوف يقوم يف اآلخر مبا‬ ‫ال يستطعن ه َّن القيام به‪.‬‬

‫إحتفاالً عىل رشف الشخص املسافر الذي عاد إىل الوطن‪ ،‬اشتكتني‬ ‫أختي لوالدتنا التي أم َّنت عىل دوري قائلة‪ :‬إذا قال أخوك ذلك‪ ،‬فإنك‬ ‫لن تذهبي‪ ،‬فهو رجل‪ .‬األمر الذي إحت َّجت عليه أختي‪ .‬قالت إنها‬ ‫سوف تذهب رغامً عن ذلك‪ .‬وقالت رمبا كان عىل حق‪ ،‬لكنني يف نفس‬ ‫الوقت أستطيع تقييم األمور جيدا ً ألنها تخصني أنا وليس هو‪ .‬بالطبع‬ ‫ذهبت أنا نفيس إىل ذلك االحتفال‪ ،‬كنت أرغب يف التحدث مع الفتيات‬ ‫ُ‬ ‫وتسلية نفيس‪ ،‬فوجدتها يف ساحة الرقص‪ ،‬ويف اليوم التايل‪ ،‬عندما سألتها‪،‬‬ ‫يل الذهاب وتذهب أنت؟!‬ ‫أجابت‪ :‬كيف ميكنك أن تحظر ع َّ‬ ‫كانت أختي التي تصغرني بعامين‪ ،‬فتاة جميلة ذات شخصية‬ ‫قوية‪ ،‬في الواقع كانت أقوي مني‪ ،‬األمر الذي كان كثيراً ما يزعزع‬

‫كانت أختي التي تصغرين بعامني‪ ،‬فتاة جميلة ذات شخصية قوية‪ ،‬يف‬ ‫الواقع كانت أقوي مني‪ ،‬األمر الذي كان كثريا ً ما يزعزع نظريت للعامل؛‬ ‫وسط خوف مجتمعي من السمعة السيئة‪ ،‬التي تلعب فيها النساء‬ ‫َّمت الخوف من أن يكون لديها «عالقة‬ ‫والفتيات دورا ً محورياً‪ ،‬تعل ُ‬ ‫من أن يكون لديها «عالقة جنسية» بناءاً على قواعد صارمة‬ ‫جنسية ‪».‬بناءا ً عىل قواعد صارمة ولكن غامضة تحكم عفتها‪ ،‬معظم‬ ‫ولكن غامضة تحكم عفتها‪ ،‬معظم تعاملها البرٔي مع الرجال قد‬ ‫تعاملها الربئ مع الرجال قد يؤهلها لذلك‪ ،‬وقد ت ُرك تحديد مدى خطورة‬ ‫هذا التعامل يل‪ ،‬لذلك كنت أغضب إذا رأيتها تتعامل مع أي رجل‪ ،‬بغض‬ ‫يؤهلها لذلك‬ ‫يل أن أفعل‪ ،‬كام أنني‬ ‫النظر عن نوع عالقتها معه‪ ،‬اعتقدتُ أنه كان ع َّ‬ ‫رصف ملصلحتها‪ ،‬ولتج ُنب عار الحمل خارج إطار‬ ‫اعتقدتُ أين كنت أت َّ‬ ‫كنت خائفاً من منطقها البسيط‪ .‬بدالً من التف ُّهم‪ ،‬أتذكر أنني‬ ‫الزواج والذي كان يحدث يف القرية من وقت آلخر‪ ،‬والذي يف مجتمعنا‬ ‫عادة‪ ،‬ما يُلقى باللوم فيه عىل عاتق الفتاة‪ .‬إىل ٍ‬ ‫حد كبري كنت قلقاً عىل رضبتها لعصيانها يل‪ ،‬وقد اضطررت إىل التشاجر معها ألنها دافعت عن‬ ‫نفيس‪ ،‬لقد توغلت يف التفكري بأن وصمة العار من شأنها تعكري صفوي‪ ،‬نفسها‪ ،‬بدالً عن الجلوس مبسكنة وتلقِّي عقايب لها كام كان متوقعاً‪.‬‬ ‫وقد كان هذا تح ِّدياً لرجولتي أو عىل األقل ما كنت اعتقد أنه الرجولة‬ ‫فكام هو الحال يف مجتمعي‪ ،‬فإن مثل هذه األحداث ت ُعترب دعارة‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يل أن أكون أقوى لهزميتها‪ ،‬مل‬ ‫ع‬ ‫كان‬ ‫قوتها‪،‬‬ ‫من‬ ‫ا‬ ‫خوف‬ ‫الوقت‪.‬‬ ‫ذلك‬ ‫يف‬ ‫َّ‬ ‫بتحسن عندما أرضبها‪ ،‬فالرضب ال يشفي غلييل‪ ،‬كام أنه ال‬ ‫يف أحد األيام‪ ،‬عندما كانت يف حوايل الخامسة عرشة من عمرها‪ ،‬أكن أشعر ُّ‬ ‫يحل ُمشكلتي‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫منعتها من حضور وليمة يف القرية‪ ،‬مثة تقليد يف منطقتنا‪ ،‬أن يرتب‬ ‫نظرتي للعالم؛ وسط خوف مجتمعي من السمعة السيئة‪،‬‬ ‫مت الخوف‬ ‫التي تلعب فيها النساء والفتيات دوراً محوري ًا‪ ،‬تع َّل ُ‬

‫كرتون‪ :‬طالل ناير‪ ،‬السودان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪39‬‬


‫يف حادثة أخرى بينام كانت يف كام هي‪ ،‬وليس كام أردت أن أراها‪ ،‬كانت عملية تعلُّم مؤملة‪ ،‬تلك التي‬ ‫ولد حافظ إبراهيم‪ ،‬في والية النيل األزرق‬ ‫في عام ‪ ،1975‬وهو حاصل على ماجستير الصف الرابع‪ ،‬تطوعت باملشاركة تتطلب التفتيش الدقيق يف أعامق نفيس وسلويك و ُمجتمعي‪.‬‬ ‫يف عرض مرسحي يف املدرسة‪ ،‬عرب‬ ‫في اإلحصاء من جامعة الخرطوم وعمل‬ ‫كنت صبياً وشاباً‪ ،‬مبنية عىل التمييز ضد‬ ‫مشاركتها مع فرقة فنية ت ُق ِّدم األغاين‬ ‫اكتشفت أن معرفتي عندما ُ‬ ‫ُ‬ ‫في مجال البحوث النوعية بين الجنسين‪،‬‬ ‫مبصاحبة العزف عىل الطبول‪ ،‬عىل املرأة‪ ،‬وأن أساس رجولتي كان يفرتض الضعف والدونية والقهر للمرأة‬ ‫وحقوق اإلنسان نيابة عن جمعية البحوث‬ ‫الرغم من كون هذه الشخصيات ال وألي شئ أنثوي‪ ،‬وكشف هذا الظلم الهيكيل يف ُمجتمعي الذي يغرس‬ ‫الصحية‪ ,‬برنامج األمم المتحدة المشترك‬ ‫تتجزأ عن ثقافتنا‪ ،‬لكن ل ُه َّن سمعة التفوق يف األوالد‪ ،‬الذين هم يف نفس الوقت‪ ،‬ليسو ُمج َّهزين مببادئ‬ ‫في السودان ‪.‬يهتم في مجاالت أبحاثه‬ ‫سيئة ألنهن يتلقَّني أجرا ً‪ .‬يف املنزل الحق والعدل واإلنصاف واللطف‪ ،‬ومثقلني بتلك املسؤولية ويسيئون‬ ‫بفيروس نقص المناعة‪/‬اإليدز‪ ،‬والحياة‬ ‫الجنسية وحقوق األقليات‪ .‬وهو يعمل اآلن شكوت لوالديت التي مرة أخرى استخدام امتيازاتهم من خالل إيذاء أخواتهم وزوجاتهم وبناتهم‬ ‫دافعت عن قراري‪ ،‬مؤكدة أنه ال وبالنهاية أنفسهم‪.‬‬ ‫في صيحة كمنسق مشروع رجال في‬ ‫يسمح لها أن تؤدي هذا الدور‪،‬‬ ‫مناهضة العنف ضد المرأة‪.‬‬ ‫حساساً للغاية تجاه العنف ضد‬ ‫وأصبحت‬ ‫حيايت‪،‬‬ ‫تغريت‬ ‫بذلك‬ ‫علمتها‪،‬‬ ‫م‬ ‫َّمت‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫تستسلم‪،‬‬ ‫مل‬ ‫أختي‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫التي جاءت إىل منزلنا ملناقشة هذه القضية‪ ،‬أخريا ً ُسمح ألختي بامل ُشاركة املرأة‪ ،‬أساند النساء إذا تعرض َن للتح ُّرش الجنيس يف وسائل املواصالت‬ ‫يل مرة أخرى‪ ،‬أنها كانت العامة‪ ،‬األمر الذي مل أكن أفعله من قبل يف مثل هذه الحاالت يف‬ ‫يف الفرقة فشعرتُ باملهانة‪ ،‬فقد تغلَّبت أُختي ع َّ‬ ‫مجتمعي‪ ،‬حيث يت ُّم إلقاء اللوم عىل الضحية‪ .‬إت ِّخذتُ الوظيفة التي‬ ‫تشق طريقها‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫تساعدين عىل كشف أمناط وآليات الثقافة يف املساواة بني الجنسني‪،‬‬ ‫وعندما أصبحت أختي يف السابعة عرش من عمرها‪ ،‬تق َّدم رجل للزواج ويف سعيي لل ُمساهمة يف تطوير مجتمعي‪ ،‬ضمن النامذج التي هي‬ ‫التحقت بالجامعة‪ ،‬فاستشارين والدي يف أمر هذا مناسبة لعرصنا يف اإلطار اإلسالمي وحقوق اإلنسان‪ .‬كرجل سوداين‬ ‫وكنت حينها قد‬ ‫بها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فكذبت‪ ،‬فقد كنت أعلم أنه يحتيس الخمر مسلم‪ ،‬أعمل يف مجال تعزيز حقوق املرأة‪ ،‬وأش ِّجع الفتيات يف عائلتي‬ ‫الزوج وسألني عن سمعته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آمنت بأن املساواة بني‬ ‫وسمعت أن طباعه سيئة‪ ،‬ولكن من أجل معاقبة أختي وتحرير نفيس عىل التعليم‪ ،‬وأيضاً أناهض الزواج املبكر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رجل جيد وأنه يجب أن يزوجها له‪ .‬الرجل واملرأة أم ٌر ال مفر منه ملجتمعٍ عادل‪ ،‬ويجب استنهاض النساء‬ ‫من هذه املسؤولية قلت لوالدي أنه ٌ‬ ‫والفتيات ليك َّن مسؤوالت عن أنفسه ْن األمر الذي يتطلب بيئة ميكنه َّن‬ ‫بعد سنة واحدة فقط‪ ،‬حملت أختي بتوأم‪ ،‬فجاءت إىل املنزل‪ ،‬لتضع من خاللها ُمامرسة حقوقه َّن اإلنسانية‪ ،‬األمر الذي يجب أن يُرتجم‬ ‫مولوديها يف بيت والدتها كام هو ال ُعرف السوداين‪ ،‬ورفضت أن تعود؛ مل إىل تحسينات عىل العديد من املستويات التي من شأنها حاميته َّن‬ ‫يكن زوجها يعاملها بشكل ج ِّيد‪ ،‬فقد وصلت إىل املنزل يف حالة نفسية كالتمكني االقتصادي والتعليم والوعي الثقايف للرجال والنساء عىل‬ ‫ٍ‬ ‫حد سواء‪ .‬أخريا ً أعتقد أنه يجب أن يحدث تغيري هائل يف املفاهيم‬ ‫وعاطفية سيئة عاشت معها لسنوات قادمة حتى استطاعت تجاوزها‪ .‬مل‬ ‫يكن زوجها يقف إىل جانبها بأي حال بل هجرها‪ ،‬فقالت إنها لن تتزوج الخاطئة حول الرجولة‪ ،‬و ِمن َمن نحن نحمي الفتيات والنساء عىل أي‬ ‫حال‪ ،‬إن مل يكن منا‪ ،‬نحن الرجال؟‬ ‫مرة أخرى أبدا ً‪.‬‬ ‫مل ِ‬ ‫وقت طويل‪ ،‬حتى حكت يل صديقة عزيزة يف الجامعة تجربتها‬ ‫ميض ٌ‬ ‫الشخصية‪ ،‬والتي جعلت شيئاً ما يرتدَّد كالصدى يف ضمريي‪ ،‬مام أثار يف‬ ‫داخيل الوعي بأخطايئ وقادين إىل عملية التفكري التي غريت حيايت‪.‬‬

‫اليوم‪ ،‬أنا أعلم أن الرجولة تك ُمن يف احرتام اآلخرين بغض النظر عن‬ ‫النوع‪ ،‬فمامرسة السلطة والسيطرة ليس له عالقة مع الرجولة يف شئ‪،‬‬ ‫أكرث من ذلك‪ ،‬أنا مقتنع‪ ،‬بأن كوين إنساناً يعني االعرتاف باملسؤولية‪،‬‬ ‫بدالً عن إنكارها‪ ،‬وأنه كان يجب أن أتحدث مع أختي حول كل‬ ‫مخاويف‪ ،‬بدالً من اختيار طريقاً مخترصا ً بتزويجها ألشعر بالراحة؛ وأنا‬ ‫واثق‪ ،‬من أنها لو واصلت تعليمها لكانت ستكون امرأة رائعة تساهم‬ ‫يف مجتمعها‪ ،‬فقد كانت أكرث تألقاً وأكرث قوة مني‪.‬‬

‫حكت زميلتي أنه عندما كانت يف مرحلة املدرسة الثانوية‪ ،‬تق َّدم رجل‬ ‫للزواج منها‪ ،‬هي رفضت ووالدتها دعمتها‪ ،‬لكن والدها غضب وخجل‬ ‫ألن الخاطب كان قريبه‪ ،‬ويف سبيل حل الخالف وتحايش االضطرابات‪،‬‬ ‫عرض عمها أن يزوجه إبنته بدالً عنها‪ ،‬ومل يكن للشابة األخرى أي خيار‬ ‫أنا اآلن‪ ،‬أهتم بالتوائم بنتي أختي‪ ،‬وأنفق عليه َّن من راتبي بقدر‬ ‫سوى القبول وامليض يف حياة بدون عاطفة وال دفء أو ثقة يف زوجها‬ ‫الذي مل يكن يحرتم شخصيتها‪ ،‬ويف نهاية املطاف‪ ،‬أصبحت امرأة تعيسة استطاعتي‪ ،‬وهن اآلن‪ ،‬كرب َن وتحول َن إىل فتاتني جميلتني ومتعلمتني‪،‬‬ ‫رفعت له َّن‬ ‫تبيك طوال الوقت؛ شعرت صديقتي بالذنب‪ ،‬فهي محظوظة‪ ،‬لكن الثمن وقريباً سوف يلتحقن بالجامعة‪ .‬أنا فخور أن أقول إنني قد‬ ‫ُ‬ ‫وعيه َّن إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪ .‬نحن نتحدث كثريا ً عن حقوق اإلنسان وحقوق‬ ‫هو تعاسة إنسانة أخرى تتأمل مدى الحياة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫النساء‪ ،‬ونُلخص حواراتنا دامئاً‪ ،‬بأن من حق املرأة أن تصل إىل أي مكان‬ ‫كنت مسؤوالً عن زواجها التعيس وعن املعاناة التي تريده‪ ،‬وأن أي امرأة تستطيع تحقيق ذلك إذا كانت قوية مبا فيه‬ ‫بدأتُ أفهم أنني ُ‬ ‫سبَّبتها ألختي‪ ،‬بعقليتي الذكورية امل ُتخلفة‪ ،‬وانعدام املعرفة واملهارات الكفاية‪ .‬مل أمتكن أبدا ً أن أقول ألختي كم أنا آسف‪ ،‬ولكن أنا متأكد‬ ‫رصف بعكس ما فعلت؛ قررتُ االستفادة من املواد من أنها تعرف اآلن ومبرور السنني‪ ،‬أنني تحولت وأصبحت األخ أخريا ً‪.‬‬ ‫التي تخ ِّولني الت ُّ‬ ‫الوفرية امل ُتاحة يف الجامعة‪ ،‬وبدأتُ أقرأ عن الحركات النسائية‪ ،‬وغرقت‬ ‫حافظ ابراهيم‬ ‫تسجيل‪ :‬أميرة ناجي‬ ‫بني الكتب التي تتح َّدث عن حقوق املرأة‪ .‬حرضت مع أصدقايئ عروض‬ ‫األفالم وناقشنا وضع املرأة يف ال ُعمق؛ ساعدين هذا يف أن أرى األشياء‬ ‫ترجمه من اإلنجليزية‪ :‬ياسر عبيدى‬

‫‪40‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫هي وهو‬

‫نموذج فصام الشخصية‬ ‫الذكورية في الثقافة العرب‬ ‫إسالمية‬ ‫حول رواية قصر الشوق للكاتب نجيب محفوظ‬ ‫تسود الهيمنة الذكورية والتغول عىل الحقوق اإلنسانية للنساء‬ ‫مجتمعات الثقافة العرب‪-‬إسالمية بشكل واضح‪ .‬وترتكز وتربز تلك‬ ‫اإلشكالية يف فرتات مختلفة من التاريخ‪ ،‬وكثريا ً ما شغلت العالقات‬ ‫الجنسني “عالقات الجندر” أوساط املثقفني املستنريين يف بالد املسلمني‬ ‫عبوا عنها يف إنتاجهم األديب والفكري‪.‬‬ ‫يف مطلع القرن املنرصم‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ومن أبدع واصدق ما طُرح يف تلك الحقبة ثالثية األديب املرصي‬ ‫العاملي نجيب محفوظ حيث نسج بشجاعة وإبداع‪ ،‬تعقيدات العالقات‬ ‫الجندرية يف مرص يف بدايات القرن العرشين من خالل ثالثيته املعروفة‪،‬‬ ‫بني القرصين (‪ ، )1956‬قرص الشوق (‪ )1957‬والسكرية (‪ )1957‬والتي‬ ‫تم التنويه عنها حينام ُرشِّ ح لجائزة نوبل لآلداب يف العام‪ 1988 .‬وتعترب‬ ‫الثالثية من كالسيكيات األدب العريب كام أنها تعكس جوهر اعامل‬ ‫نجيب محفوظ بجسارته املعروفة وإخالصه إلبداعه الروايئ قبل كل‬ ‫يشء‪ .‬فمحفوظ معروف بكرسة لحاجز الصمت وإضاءة املسكوت عنة‬ ‫يف الثقافة العرب‪-‬إسالمية خالل أعامله والتي تدور يف معظمها يف دهاليز‬ ‫مجتمع القاهرة من بدايات إىل منتصف القرن العرشين‪.‬‬

‫سي السيد و تعقيدات دالالت الذكورية‬ ‫يعترب يس السيد او السيد أحمد عبد الجواد محور رواية بني القرصين‬ ‫يف الجزء األول من الثالثية املعروفة وقد تحولت شخصية يس السيد ايل‬ ‫منوذجا للشخصية النمطية للرجل يف الثقافة العرب‪-‬إسالمية‪ .‬ويف نفس‬ ‫السياق ابتدع محفوظ و بشكل موازي الشخصية النمطية األخرى و التي‬ ‫ال تقل أهمية عن يس السيد وهي الشخصية املالزمة لشخصيته‪ ،‬أمينة‬ ‫زوجته‪ .‬وبإلقاء الضوء عىل العالقة بني هاتني الشخصيتني‪ ،‬ميكن الكشف‬ ‫عن ديناميكية عالقات الجندر والبطريركية يف مرص‪ ،‬وبالتايل يف العامل العرب‬ ‫إسالمي يف تلك الفرتة‪ ،‬حيث أن مرص شكلت خالل تلك الحقبة مركز تأثري‬ ‫ثقايف واجتامعي وسيايس نافذ‪.‬‬ ‫رسم نجيب محفوظ بقلمه البارع‪ ،‬شبكة عالقات السيد أحمد عبد‬ ‫الجواد بزوجته وأوالده من الذكور واإلناث‪ ،‬وجريانه يف الحي‪ ،‬وأصدقائه كام‬ ‫رسم عالقته بزوجته والنساء الاليئ عرفهن يف حياته‪ ،‬و تقاطعاته مع الحركة‬ ‫الوطنية‪ .‬وخالل ذلك الرسم البديع يتجىل لشخصية يس السيد عدة وجوه‬ ‫عرب تقاطعاته املختلفة‪ .‬ففي داخل أرسته هو رمز لألب املتسلط املرهوب‬ ‫الجانب‪ ،‬الذي يعيش يف بيته متقمصا شخصية الحاكم املطلق‪ ،‬يفرض‬ ‫عىل زوجته وأبنائه وبناته قبضة حديدية من املحافظة والتز ُّمت‪ .‬وعندما‬ ‫يصري بني أصدقائه ورصفائه يكشف عن الوجه املحب للمرح و املتداع‪،‬‬ ‫مع أصدقائه وعشيقاته من “العوامل” الراقصات‪ .١‬وليس السيد كام ذكر‬

‫نجيب محفوظ غايتان متناقضتان هام‪ :‬أوالً حجب‬ ‫أرسته من الحياة العامة وإبقائهم تحت سيطرته‬ ‫الكاملة ب ُحجة حامية رشفه‪ ،‬حيث أن مفهوم الرشف‬ ‫عنده ُمختل وأناين ‪ ،‬فهو من ناحية يستبيح أعراض‬ ‫النساء األخريات‪ ،‬أما نساؤه فال يجب أن يرا ُه َّن أو‬ ‫يسمع بِه َّن أحد‪ .‬من ناحية أخرى يسعى السيد عبد‬ ‫الجواد سعياً حثيثاً وراء متعته الذاتية ويقتنصها أينام‬ ‫وجدها وهى متمثلة يف الخمر والغناء والعشيقات‪.‬‬ ‫فنجد ان كل نواحي حياته وجغرافية حركته مصممة‬ ‫بإتقان لالستجابة لخصائص شخصياته املتعددة‬ ‫واملليئة بالتناقض‪ .‬فمثال يقع بيت يس السيد عند‬ ‫التقاء شارعي النحاسني وبني القرصين‪ ،‬وهو مك ّون‬ ‫من دورين‪ ،‬وبه مرشبيات شبابيك مصممة عيل‬ ‫الطراز الرتيك تحدد مستوى الرؤية الذي يسمح‬ ‫ألمينة زوجته بأن تراه من خلف املرشبية فرتتعد‪،‬‬ ‫كام تسمح املرشبيات برؤية مئذنتي مساجد‬ ‫قالوون‪ ،‬ليضفي ذلك ملم ًحا من مالمح التدين‬ ‫والورع املطلوب ملثل لنلك الشخصية‪.‬‬ ‫وخالل ذلك الرسم البديع يتجلى لشخصية سي السيد عدة‬ ‫وجوه عبر تقاطعاته المختلفة‪ .‬ففي داخل أسرته هو رمز لألب‬ ‫المتسلط المرهوب الجانب‪ ،‬الذي يعيش في بيته متقمصا‬ ‫شخصية الحاكم المطلق‪ ،‬يفرض على زوجته وأبنائه وبناته‬ ‫قبضة حديدية من المحافظة والتز ُّمت‪ .‬وعندما يصير بين‬ ‫أصدقائه ورصفائه يكشف عن الوجه المحب للمرح و المتداع‪ ،‬مع‬ ‫أصدقائه وعشيقاته من «العوالم» الراقصات‪.‬‬

‫وكام يأيت يف الرواية‪ :‬فأن السيد عبد الجواد مل يكن مرهوباً مخيفاً‬ ‫إال بني أهله‪ ،‬أما بني سائر الناس من أصدقاء ومعارف وعمالء فهو شخص‬ ‫آخر‪ ،‬له حظّه املوفور من املهابة واالحرتام‪ ،‬ولكنه شخصية محبوبة قبل‬ ‫كل يشء لظرفها وطرافتها وانفتاحها‪ ،‬إال أن الفصل بني الشخصيتني عميق‬ ‫ومخفي‪ ،‬فال الناس يعرفون السيد الذي يقيم يف بيته‪ ،‬وال أهل البيت‬ ‫يعرفون السيد الذي يعيش بني الناس‪ 2‬حيث عكس نجيب محفوظ‬ ‫بإبداع‪ ،‬تعقيدات الشخصية الذكورية يف املجتمعات العرب‪-‬إسالمية‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪41‬‬


‫هي وهو‬

‫وتناقضاتها العميقة يف الفصل التام ما بني الخاص داخل املنزل وىف‬ ‫حضور النساء‪ ،‬والعام بني الرصفاء من الرجال والعشيقات‪ .‬حيث أن يس‬ ‫السيد يف انفعاالته العنيفة وغضبه غري املربر‪ ،‬إذ يفرغ شحنة انفعاالته‬ ‫العنيفة يف زوجته وأوالده وال يعتذر أو يندم‪ ،‬إن اكتشف أنه مل يكن‬ ‫ُمح ّقاً يف غضبه‪ ،‬فهو يعتقد أن غضبه مرشوع وال يعجز عن أن يجد له‬

‫نحو الحائط‪ ،‬وتظل واقفةً‪ ،‬خافضة البرص‪ ،‬عىل مسافة صغرية‪ ،‬منتظرة‬ ‫أي إشارة لتلبيتها‪ .‬وإذا نظرنا إىل هذه العالقة من حيث التكافؤ املعنوي‬ ‫واإلنساين‪ ،‬نجده مفقودا ً متاماً‪ ،‬فاالحرتام من طرف واحد فقط‪ ،‬والعالقة‬ ‫الزوجية بلغ بها االختالل إىل درجة انحطاطها إىل درك عالئق االستعباد‪.‬‬

‫من الواضح أن شخصية امرأة يس السيد ليست عاطلة من‬ ‫الذكاء أو قوة املالحظة‪ ،‬لكنها شخصية تم تدحينها وترويعها‬ ‫كما تتجلى شيزوفرنيا سي السيد بشكل سافر في صورة‬ ‫واستعبادها بشكل كامل‪ .‬و نالحظ أن أمينة قد تع ّجبت منذ أول‬ ‫عهدها بالزواج من سلوك زوجها املرح واملنبسط مع أصدقائه‪،‬‬ ‫الرقيب والحارس على نسائه‪ ،‬تلك الصورة التي تقمصها نتيجة‬ ‫فلم تكن تعهده يف البيت إال متجهامً عابساً و ُمتز ّمتاً‪ .‬وقد خطر‬ ‫ن‪ ،‬فخارج البيت هو‬ ‫له َّ‬ ‫للخلل في عالقاته بالنساء وعدم احترامه ُ‬ ‫لها مرة يف العام األول من معارشته أن تعلن نوعاً من االعرتاض‬ ‫العشيق الماجن المنفتح‪ ،‬وداخل البيت هو الشخص العابس‬ ‫املؤدب عىل سهره املتواصل‪ ،‬فام كان منه إال أن أمسك بأذنيها‪،‬‬ ‫وقال لها بصوته الجهوري يف لهجة حازمة‪ :‬أنا رجل‪ ،‬اآلمر الناهي‪،‬‬ ‫المتز ِّمت‪ ،‬الذي ال يضع للمرأة اعتبارا أو قيمة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ال أقبل عىل سلويك أية مالحظة‪ ،‬وما عليك إال الطاعة‪ ،‬فحاذري‬ ‫أن تدفعيني إىل تأديبك‪ .‬وبع ذلك املوقف تقبلت امينة أن ليس‬ ‫مربرا ً وليس بالنادر أن يتضح له أنه استسلم للغضب يف غري موجب‪ ،‬السيد الرأي األول واألخري‪ ،‬فقد منع بناته وحفيدته من إكامل دراستهن‬ ‫ولكنه حتى يف تلك الحال ال يندم عىل ما فرط منه‪ ،‬العتقاده بأن غضبته بعد أن حصل َن عىل الشهادة االبتدائية‪ .‬فهو ال يستشريها حتى يف األمور‬ ‫للتافه من األمر‪ ،‬كفيلة بأن متنع وقوع الخطري منه‪ ،‬ومادام مستبدا ً فإن التي تتعلق بزواج أبنتها‪ ،‬فال إرادة إال إرادته‪ ،‬وال مراجعة لرأي أعلنه‪ ،‬وحني‬ ‫الغضب أيضاً من حقه وحده‪ ،‬وليس ألحد غريه من أفراد األرسة‪ ،‬أن رفض أن يزوج أبنته‪ ،‬عرف الجميع مبن فيهم الفتاة أن رفضه كالقضاء‬ ‫عب عن هذا االنفعال بحضوره‪. ،3‬وهكذا نرى أن حتى حرية الغضب والقدر‪ ،‬قطعي وال رجعة فيه‪ ،‬وأن زوجته ال رأي لها وال تستشار يف مثل‬ ‫يُ ِّ‬ ‫واالنفعال حكرا عليه وحده‪ .‬كام تتجىل شيزوفرنيا يس السيد بشكل هذه األمور‪ ،‬إذ ال استبداد هنا إال لتلك اإلرادة العليا‪ ،‬ولذلك فعندما قال‬ ‫سافر يف صورة الرقيب والحارس عىل نسائه‪ ،‬تلك الصورة التي تقمصها األب ال‪ ،‬استقر قوله يف أعامق نفسها‪ ،‬وآمنت الفتاة إمياناً راسخاً أن كل‬ ‫نتيجة للخلل يف عالقاته بالنساء وعدم احرتامه ل ُه َّن‪ ،‬فخارج البيت هو يشء قد انتهي حقاً‪ ،‬ال مهرب وال مراجعة وال رجاء‪ ،‬كأن «ال» هذه حركة‬ ‫العشيق املاجن املنفتح‪ ،‬وداخل البيت هو الشخص العابس امل ُتز ِّمت‪ ،‬كونية كاختالف الليل والنهار‪ ،‬غري مجد أي إعرتاض عليها‪ .٤‬وغري ٍ‬ ‫خاف أن‬ ‫الذي ال يضع للمرأة اعتبارا أو قيمة‪ .‬وانعدام ثقته يف املرأة عموماً‪ ،‬العقلية الذكورية املتسلطة قد استعانت بكل ما يتيح لها التسلط والحرية‬ ‫يقوده إىل انعدام ثقته يف زوجته وبناته‪ ،‬فهو يرصح بذلك‪ ،‬سافهاً رأي املطلقة حتى أننا نجد أن يس السيد قد استعان بالدين ليربر خيانته لزوجته‬ ‫ومجونه وسفهه‪ ،‬ونجد أن أمينة د ّربت نفسها عىل قبول األمر والتعايش‬ ‫أمينة زوجته‪ :‬ما أنت إال امرأة‪ ،‬وكل امرأة ناقصة عقل‪.‬‬ ‫معه‪ ،‬فقد كان السيد ولوعاً بالنساء‪ ،‬يجري وراء العوامل و ُه َّن يف اللغة‬ ‫الدارجة املرصية املغنيات والراقصات يف املالهي‪ .‬وعندما يناقش السيد‬ ‫عبد الجواد رجل الدين الشيخ متويل الذي يحذره من ارتكاب املعايص‪،‬‬ ‫امينة وسى السيد‪ :‬ظالل الصورة‬ ‫يحاول يس السيد التسرت والتشبث بعبثه حيث يقول‪ ،‬وال تنس ياشيخ‬ ‫النمطية للزواج في المجتمعات‬ ‫متويل أن غواين اليوم ُه َّن جواري األمس‪ ،‬والاليت أحلهن الله بالبيع والرشاء‪،‬‬ ‫العرب‪-‬اإلسالمية‬ ‫والله من قبل ومن بعد غفور رحيم‪.‬‬ ‫يف تحليله االجتامعي والنفيس ورصده للحياة املرصية‪ ،‬وبالذات حياة‬ ‫ومبرور الوقت أصبحت أمينة قادرة عىل أن تتحكم يف عواطفها‬ ‫الطبقة الوسطى يف مرص بداية القرن الفائت‪ ،‬استطاع نجيب محفوظ‬ ‫أن يصور الواقع تصويرا ً قوياً وجاذباً يف نفس الوقت‪ ،‬وذلك يف وصفه ومشاعرها‪ ،‬حيث أنكرت عىل نفسها أحاسيس الغضب واملهانة‪ ،‬وتحولت‬ ‫لشخصية أمينة زوجة السيد عبد الجواد كشخصية بال كينونة أو إنسانة إىل كائن أصم يعاين يف صمت‪ ،‬فيام نجد أن شخصية يس السيد تجسد‬ ‫بال إرادة‪ ،‬وعندما تصبح زوجة تتحول إىل مصنع إلنتاج األطفال‪ ،‬وخادمة السلطة املطلقة للذكر‪ ،‬السلطة املحروسة بالتقاليد والنصوص الدينية غري‬ ‫من مذكرات نجيب‬ ‫يف البيت وأمة للزوج‪ُ ،‬منكرسة‪ ،‬تطيع زوجها طاعة عمياء‪ ،‬وتخاف منه الخاضعة ألي شكل من أشكال املحاسبة‪ ،‬وهي سلطة تضعه فوق كل‬ ‫محفوظ في جريدة‬ ‫صوت األحرار العدد ‪ 665‬وال تقوم بأي ترصف إال بعد طلب اإلذن منه‪ .‬ويتجىل ذلك يف أمينة يشء‪ ،‬فوق األخالق والعقيدة‪ ،‬ومهام كانت تجاوزات وانتهاكات الرجل‪،‬‬ ‫صبين‪15‬القصرين ص ‪ 42‬منوذج املرأة املقهورة واملستبطنة للقهر واملتقبلة له كقدر ال فرار منه فهي مغفورة‪ ،‬مسموح له بها‪ ،‬مبا يف ذلك االعتداء عىل حريات اآلخرين‬ ‫بين القصرين‬ ‫القصرين صص‪ 1412‬إال إىل القرب‪ .‬ويف رواية بني القرصين غري مسموح للزوجة والبنات اإلناث وامتالك النساء‪.‬‬ ‫بين‬ ‫ويجسد السيد عبد الجواد تلك السلطة املطلقة‪ ،‬والعالقات املختلة‪،‬‬ ‫بتناول الطعام مع يس السيد‪ ،‬حيث تُق ِّدم له أمينة الطعام‪ ،‬وتتقهقر‬ ‫ا‬

‫‪٢‬‬ ‫‪٣‬‬ ‫‪٤‬‬

‫‪42‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫واإلرث الظالمي الذي ال ُمي ٌّت لإلسالم وال للقيم اإلنسانية بصلة‪ .‬واملؤسف لالستسالم للعيش وفق رشوط مختلة‪ .‬وباملقابل‬ ‫أن هذا اإلرث أصبح هو السائد يف الثقافة العرب‪-‬إسالمية‪ .‬ويتمثل ذلك برزت تيارات األصولية واإلخالدة مليئة‪ ،‬التي‬ ‫استثمرت يف ذلك‬ ‫اإلرث الظالمي‪ ،‬حيث‬ ‫وبالمقابل برزت تيارات األصولية واإلخالدة مليئة‪ ،‬التي استثمرت‬ ‫ما زالت تثابر عىل جر‬ ‫في ذلك اإلرث الظالمي‪ ،‬حيث ما زالت تثابر على جر النساء‬ ‫النساء واملجتمعات‬ ‫إىل عصور ظالمية‪،‬‬ ‫والمجتمعات إلى عصور ظالمية‪ ،‬بإعادة إنتاج شخصية سي‬ ‫بإعادة إنتاج شخصية‬ ‫السيد في البيت والفضاء العام‪ ،‬متمثلة في القوانين الجائرة‬ ‫يس السيد يف البيت‬ ‫ومؤسسات الفتاوى الرسمية‪ ،‬مما جعل من معركة تحرر المرأة‬ ‫العام‪،‬‬ ‫والفضاء‬ ‫متمثلة يف القوانني‬ ‫واجتثاث العقلية المتناقضة و المتسلطة‪ ،‬معركة شرسة‬ ‫الجائرة ومؤسسات‬ ‫ن‪ ،‬الحتالل موقعهن الطبيعي‬ ‫تخوضها النساء قبل‬ ‫غيره َّ‬ ‫ُ‬ ‫الفتاوى الرسمية‪،‬‬ ‫مام جعل من معركة‬ ‫والعادل في المجتمعات اإلسالمية‬ ‫تحرر املرأة واجتثاث‬ ‫العقلية املتناقضة و‬ ‫اإلرث يف مامرسات وأشكال مختلفة‪ ،‬منها تعدد الزوجات أو تعدد املتسلطة‪ ،‬معركة رشسة تخوضها النساء قبل‬ ‫العالقات النسائية والعنف تجاه النساء وعدم احرتامهن‪ ،‬فقد يحدث غري ُه َّن‪ ،‬الحتالل موقعهن الطبيعي والعادل‬ ‫أن يطرد الزوج زوجته من بيت الزوجية نتيجة لخروجها من املنزل دون يف املجتمعات اإلسالمية‪ .‬لقد نسج نجيب‬ ‫إذن كام صور نجيب محفوظ يف رواية بني القرصين‪ ،‬إذ خرجت أمينة محفوظ شخصيات السيد أحمد عبد الجواد‬ ‫من املنزل بتشجيع من أوالدها لزيارة رضيح أحد األولياء‪ ،‬وعندما علم وزوجته أمينة بإبداع ودقة وقدمها للقارئ‬ ‫يس السيد باألمر طردها من املنزل عىل مشهد من أبنائها الذين أُسقط كشخصيات حياتية متكاملة‪ ،‬يف البيت والعمل‬ ‫يف يدهم ومل يستطيعوا الدفاع عن والدتهم أمام تسلط أبيهم‪ .‬وهنا والشارع وسهرات الليل‪ ،‬بكل تناقضاتهم‬ ‫تتبدى لنا جلياً سيكولوجية اإلنسان املقهور‪ ،‬فأمينة‪ ،‬األم املقهورة ص ّدرت ومكنونات شخصياتهم املتنازعة‪ ،‬والتي تتجىل‬ ‫تلقائياً القهر ألبنائها‪ ،‬فلم تستطع أن ت ُريب أبناء ذوي شخصيات مستقلة فيها تعقيدات وتنازع املجتمعات العرب‬ ‫قادرة عىل مواجهة القهر‪ ،‬بل واضح أنها ربّت أبناء مقهورين عاجزين إسالمية‪ .‬واستطاع محفوظ أن يُق ِّدم تحفة فنية‬ ‫عن االعرتاض عىل الظلم واإلذالل الذي تتعرض له والدتهم‪ ،‬ونجد هذه خالدة مليئة بالتفاصيل الحميمة‪ ،‬وتعقيدات‬ ‫النموذج يتجىل تحديدا ً يف شخصيات الرجال الذين ت ُخ َّو ُل لهم سلطات العالقات اإلنسانية‪.‬‬ ‫واسعة دون محاسبية مؤسسية أو اجتامعية‪.‬‬ ‫شادية عبد المنعم‬

‫سي السيد وامينة‪ ،‬جناة ام ضحايا؟‬ ‫وبالنظر إىل العديد من املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬نجد أن التقاليد‬ ‫والتفاسري األبوية الخاطئة للدين ك ّْرست إلنتاج هذه الشخصية امل ُختلة‬ ‫للرجل يف منوذج يس السيد‪ ،‬والشخصية املشوهة واملقهورة للمرأة يف‬ ‫منوذج أمينة‪ ،‬مام أنتج أجياالً من األرس املشوهة‪ ،‬نتيجة للعالقات امل ُختلّة‬ ‫بني الرجل واملرأة‪ ،‬ونتيجة للشيزوفرانيا والتسلط واالستبداد‪ ،‬الذي جعل‬ ‫من األرسة أشبه باملستعمرة أو اإلقطاعية التي يديرها سي ٌد واح ٌد‪ ،‬وفق‬ ‫ٍ‬ ‫وبرتخيص كامل‪ ،‬ومباركة من املجتمع يف مؤسساته املختلفة‪.‬‬ ‫أهوائه‪،‬‬ ‫وقد ترضر الرجال يف املجتمعات العرب‪-‬إسالمية من التعايش يف داخل‬ ‫هذه الشخصية بأشكال كثرية‪ ،‬حيث يدفعون األمثان الباهظة‪ ،‬ويعانون‬ ‫من العزلة وعدم القدرة عىل اإلبداع يف مجاالت الحياة املختلفة‪ ،‬نتيجة‬

‫نجيب محفوظ مؤلف ثالثية‬ ‫القاهرة‪ ،‬نشرت له ‪ 34‬رواية‪،‬‬ ‫واكثر من ‪ 350‬قصة قصيرة‪،‬‬ ‫والعشرات من نصوص األفالم‪،‬‬ ‫وخمس مسرحيات خالل‬ ‫مسيرة حياته المهنية‪ .‬حولت‬ ‫كثير من اعماله األدبية الى‬ ‫افالم مصرية واجنبية‪ .‬ولد‬ ‫محفوظ في عائلة مسلمة من‬ ‫الطبقى الوسطى‪ .‬كانت والدته‬ ‫تصطحبه في كثير من االحيان‬ ‫الى المتحاف‪ ،‬وفي وقت الحق‪،‬‬ ‫أصبح التاريخ المصري موضوعا‬ ‫رئيسيا في العديد من كتبه‪.‬‬ ‫كما تأثر محفوظ بالثورة المصرية‬ ‫عام ‪1919‬وخصوصا رؤية الجنود‬ ‫البريطانيين يطلقون النار على‬ ‫المتظاهرين من الذكور واإلناث‬ ‫وعلى المصري زميله سالمة‬ ‫موسى‪ .‬حيث كان لموسى األثر‬ ‫الواضح على افكاره في العلوم‬ ‫واالشتراكية عام ‪.1930‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪43‬‬


‫كيف تعايش النظام‬ ‫األمومي واإلسالم في‬ ‫غرب سومطرة‬ ‫معروف لدى علماء األجناس أن الـ ' 'مينغكابا و ' ' (‪ )Minangkabau‬هم أكبر‬ ‫ً‬ ‫فضال عن أنهم رابع أكبر مجموعة أثنية في‬ ‫مجتمع أمومي في العالم‪،‬‬ ‫إندونيسيا‪ ،‬إذ أن أربعة ماليين منهم يشكلون السكان األصليين لغرب‬ ‫سومطرة‪ .‬إنهم مسلمون ملتزمون وأيضًا َّيتبعون تقاليد إثنية ‪ -‬سابقة‬ ‫لإلسالم ‪ُ -‬تعرف بـالـ ' أدا ت ' (‪ ،)adat‬وهى قواعد سلوكية وقيم شفاهية‬ ‫ً‬ ‫جيال عن جيل‪ ،‬وهى تمثل‬ ‫لتقاليد مرجعيتها األمومة‪ ،‬تناقلتها األجيال‬ ‫جوهر ثقافة الـ ' 'مينغكابا و ' ' ‪.‬‬

‫بيقي ريفس‬ ‫ساندي‬ ‫ولدت في‬ ‫‪ ،1937‬هي‬ ‫بروفيسور في‬ ‫علم األجناس‬ ‫في جامعة‬ ‫بنسيلفانيا‬ ‫في فالديلفيا‬ ‫بالواليات‬ ‫المتحدة‬ ‫األمريكية‪ .‬منذ‬ ‫بداياتها بدأت‬ ‫البحث في‬ ‫نشأة األساطير‬ ‫وبنى المجتمع‪،‬‬ ‫وواصلت عملها‬ ‫البحثي عن‬ ‫نماذج الهيمنة‬ ‫الذكورية في‬ ‫مجتمعات‬ ‫ٍ‬ ‫مختلفة‪،‬‬ ‫من بينها الـ‬ ‫مينغكاباو في‬ ‫سومطرة‪.‬‬

‫‪44‬‬

‫كيف ُيكن لنا تخيّل ذلك؟ فعىل سبيل املثال‪،‬‬ ‫يُنادي املؤذن للصالة خمس م ّرات يف اليوم‬ ‫الواحد‪ ،‬يف ذات الوقت الذي ت ُطل فيه مداخل‬ ‫املنازل صوب جبل مريايب (‪ ،)Merapi‬البقعة‬ ‫املق ّدسة لدى الـ مينڠكاباو منذ ما قبل العرص‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬لتصون هذه اإلطاللة‪ ،‬يف مدلولها‬ ‫لألس يف ذلك املجتمع‪.‬‬ ‫الرمزي‪ ،‬البعد الروحي َ ْ‬ ‫ففي وسط هذه املنازل الحديثة والتقليدية‪،‬‬ ‫والتي وفق التقاليد األمومية‪ ،‬يتم توريثها من‬ ‫األمهات إىل بناتهن‪ ،‬سوف تجد موقع امل َُّصىل‬ ‫حيث يتلقى الناشئة مبادئ املعرفة بالقرآن‬ ‫بواسطة الكبار‪ ،‬وتعليمهم يف ذات الوقت تقاليد‬ ‫وعادات الـ أدات‪.‬‬

‫فطقوس الـ أدات تحمي ال ّرجال من إغراءات‬ ‫اإلسالم األصويل‪ ،‬حيث تعمل عىل تذكريهم‬ ‫بجذورهم الثقافية‪ ،‬وإرثهم القائم عىل مبادئ‬ ‫النظام االمومي‪ .‬باملقابل‪ ،‬نجد اإلسالم كمامرسة‬ ‫دينية‪ ،‬يعمل عىل حامية الـ أدات من تأثريات‬ ‫الحداثة والعلامنية اللتان تطبعان عرصنا هذا‪.‬‬ ‫فبينام يُشكِّل اإلسالم األساس الروحي يف ثقافة‬ ‫الـ مينڠكاباو‪ ،‬فإن عادات التوريث األمومي‪،‬‬ ‫والـ أدات يعمالن كجزء من طبائع االشياء؛ ذلك‬ ‫أن مبادئ التنشئة والرعاية يُعتربان األعمدة‬ ‫الرئيسية للدورة الرسمدية للطبيعة‪ ،‬حيث‬ ‫أن االرتباط بالطبيعة يعكس قصة أصل الـ‬ ‫مينڠكاباو‪.١‬‬

‫مثل قدي ٌم يُوضح لنا كيف اجتمع اإلسالم‬ ‫ٌ‬ ‫والـ أدات‪ :‬األدات هي املوروث بينام اإلسالم هو‬ ‫الحارض‪ ،‬ففي املعتقد الشعبي‪ ،‬نجد أن تعاليم‬ ‫الـ أدات نظام روحي سابق للمسيحية‪ ،‬حينها‬ ‫كان الـ مينڠكاباو اليزالون يعيشون يف أعايل‬ ‫وترسخ فيام بني‬ ‫جبالهم‪ .‬بعدها ظهر اإلسالم ّ‬ ‫القرنني الرابع عرش والسادس عرش‪ .‬جمعت الـ‬ ‫مينڠكاباو بني العقيدتني‪ ،‬وأعلنوا قدسية املرياث‬ ‫األمومي ووضعوه عىل درج ٍة متساوية مع‬ ‫اإلسالم‪ ،‬بحسبان أن كليهام عطية من الله وال‬ ‫للرجال والنساء الحق يف طلب الطالق‪ ،‬وإذا‬ ‫يجوز أن يتنافسا أو يتعارضا‪ ،‬بل يتعني عليهام أن أرادت امرأة االنفصال عن زوجها‪ ،‬فإنها تضع‬ ‫يتعايشان مع بعضهام البعض‪.‬‬ ‫حذائه املنزيل أمام باب املنزل‪ ،‬وإذا ما أراد‬ ‫الرجال ترك زوجاتهم‪ ،‬فإنهم إما يعودوا إىل‬ ‫تقوم ثقافة الـ مينغكاباو بدور الحصن املنيع أرسهم واالنتظار ريثام تصل أرسة الزوجة وأرسة‬ ‫للمجتمع يف وجه التحديات التي متثلها الحداثة‪ .‬الزوج إىل حلٍ للمشاكل بينهام‪ ،‬أو ينتقل الرجال‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫بذا نجد أ ّن ارتباط األطفال بأمهاتهم ارتباط‬ ‫عضوي يعمل عىل متتني أوارص العالقة االمومية‪٢‬؛‬ ‫يتعي تغذيتهم لينموا‬ ‫فهم كام البذور يف الرتبة‪ّ ،‬‬ ‫من ّوا ً قوياً‪ ،‬عليه‪ ،‬وبهذا التقليد‪ُ ،‬يكن فهم فكرة‬ ‫توريث النسق الثقايف األمومي‪ ،‬الذي يشرتط‬ ‫انتقال الرجال األزواج إىل منازل النساء الزوجات‬ ‫بعد عقد الزواج‪ ،‬وبهذه الطريقة فإن كال من‬ ‫األم والطفل يضمنان املأوى يف حالة وقوع طالق‪.‬‬


‫هي وهو‬

‫إىل مناطق أخرى من سومطرة ليبدؤوا حياة‬ ‫جديدة‪ .‬يف حالة الطالق النهايئ‪ ،‬فإنه مسموح‬ ‫لكلٍ من الرجال والنساء أن يتزوجوا أكرث من‬ ‫مرة‪ ،‬وكنت قد التقيت نسا ًء ُمسنات تزوجن‬ ‫قُرابة الخمس م ّرات‪.‬‬ ‫االمتياز الذي يسبغه هذا النظام األمومي‬ ‫عىل النساء‪ ،‬يتمثل يف وضع النساء الكبار يف‬ ‫مركز الحراك االجتامعي والعاطفي والجاميل‬ ‫واالقتصادي للحياة اليومية والطقوسية‪ .٣‬رمبا‬ ‫تبدو ثقافة الـ مينڠكاباو كنظام لحكم نسايئ‪،‬‬ ‫بيد أن عبارة نظام أمومي ال تنطبق عىل الـ‬ ‫مينڠكاباو إذا كانت تدل ضمناً عىل مجتمعٍ‬ ‫ت ُهيمن عليه النساء ىف مواجهة هيمنة الرجال‬ ‫يف املعنى املقصود يف عبارة «نظام أبوي»‪ ،‬ذلك‬ ‫ألن ثقافة الـ مينڠكاباو تقوم عىل أساس نظام‬ ‫متوازي يف مجتمعٍ يتشارك فيه الرجال والنساء‬ ‫أداء مهامهم‪ ،‬عدا القليل من االستثناءات‪ .‬فعىل‬ ‫سبيل املثال‪ ،‬إعداد الطعام عمل نسايئ محض‪،‬‬ ‫بينام الزراعة والحرث هو عمل يخص الرجال‬ ‫وحدهم‪ ،‬أما القرارات املهمة فيضطلع بها زعامء‬ ‫القبائل والرجال بعد استشارة النساء‪.‬‬ ‫بُنا ًء عليه‪ ،‬فإنني أدعو إلعادة التفكري يف‬ ‫مصطلح «النظام أمومي»‪ ،‬ذلك ألنه مل يحدث‬ ‫قط يف تاريخ الجنس البرشي‪ ،‬أن كان هنالك‬ ‫مجتمع َح َك َمت فيه النساء وفق أساليب‬ ‫مطابقة لهيمنة الرجال‪ .‬وكام توضِّ ح لنا ثقافة الـ‬ ‫مؤس َسة‬ ‫مينڠكاباو‪ ،‬فإن «النظام األمومي» ثقافة َّ‬ ‫عىل مبادئ وقيم األمومة ال الهيمنة والقوة‪.‬‬

‫بيقي ريفس ساندي‬

‫ترجمه من اإلنجليزية‪ :‬ياسر عبيد‬

‫ُنشرت الورقة‬ ‫مرة في‬ ‫ألول ّ‬ ‫‪،KULTURAUSTAUSCH‬‬ ‫عدد أبريل ‪2007‬‬ ‫‪١‬الـ مينغكاباو والنظام‬ ‫األمومي‪ :‬المرأة في‬ ‫مركز‪ ،‬د‪.‬بيغي ريفز‬ ‫ساندي في الندوة‬ ‫الصينية الكندية‬ ‫‪20-17‬اغسطس ‪2012‬‬ ‫‪2‬المرجع نفسه‬ ‫‪٣‬المرجع نفسه‬

‫اللوحة‪ :‬سالي يوسف‪ ،‬يوغندا‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪45‬‬


‫هي وهو‬

‫الــديـدان الضـعـيـفة‬ ‫العـقم ‪ -‬عبء النساء المزمن؟‬ ‫ُ‬

‫بالرغم من أن ُعقم الذكور مسالة‬ ‫معروفة طبيا‪ ،‬ولها مسببتها الصحية‬ ‫المعروفة‪ّ ،‬‬ ‫إال أن النساء وتحديدا في‬ ‫ـلن‬ ‫اإلسالمية‪،‬‬ ‫المجتمعات‬ ‫يتحم َ‬ ‫ّ‬ ‫بشكل رئيسي العبء االجتماعي‬ ‫ٍ‬ ‫لعدم اإلنجاب‪ ،‬حتى في حالة يثبت‬ ‫طبيا أن الرجل هو أس المشكلة‪.‬‬ ‫فيما يلي تلخيصا لورقة علمية‬ ‫باسم الديدان الضعيفة ‪ ،‬للباحثة‬ ‫ماريكا إنهورن ‪ ،‬التي قامت بإلقاء‬ ‫الضوء على ُعقم الذكور‪ ،‬وأثره‬ ‫على العالقات الجندرية بين الرجال‬ ‫والنساء في المجتمعات اإلسالمية‬ ‫المحافظة‪ ،‬وعلى االسر الممتدة‪،‬‬ ‫عالقات‬ ‫تقاطعات‬ ‫فيها‬ ‫تدرس‬ ‫النساء والرجال‪ ،‬ومسألة االنجاب‬ ‫في المجتمع المصري‪ ،‬وفى اوساط‬ ‫الطبقة الوسطى بشكل خاص‪.‬‬ ‫تتطرق الدراسة للفرضية االجتامعية‬ ‫والثقافية السائدة يف املجتمع املرصي‪ ،‬والتي‬ ‫ترى قدرة الرجال عىل االنجاب مسألة يف حكم‬ ‫اليقني ‪ ،‬ال يتطرق اليها الشك‪ ،‬بينام العقم تقع‬ ‫تبعاته عىل النساء وحده ّن‪ ،‬حسب التصور‬ ‫الثقايف السائد حول عدم اكتامل اهليته ّن‪،‬‬ ‫والن االنجاب هو علّة وجود النساء يف الحياة‬ ‫بحسب املفاهيم الراسخة للثقافة العرب‬ ‫إسالمية‪ .‬هذا التصور وتلك املفاهيم الراسخة‬ ‫جعلت من عدم القدرة عىل االنجاب مسئولية‬ ‫اجتامعية ‪ ،‬يدفع النساء مثنها حتى مع وجود‬ ‫االدلة الطبية والعلمية التي تدفع بتربئتهن يف‬ ‫كثري من االحوال‪.‬‬ ‫فمن بني ‪ 256‬حالة َد َرستها إنهورن يف مرص‪،‬‬ ‫نقدم يف هذا امللخص‪ ،‬ثالثة تجارب لنساء مع‬ ‫رشكائهن املصابني بال ُعقم‪ ،‬وكيفية ردة فعل كل‬ ‫واحد ٍة منهن‪ ،‬حيال قصتها التي ت ُـقدم ِمثاالً‬ ‫ح ّياً لهذا املوضوع‪ ،‬واضع ًة يف االعتبار الظروف‬ ‫املتف ّردة لكل زوجني وتجاربهام الشخصية‪.‬‬ ‫هؤالء النساء‪ ،‬الاليئ تزوج اثنان منهن نفس‬ ‫عبن عن إحباطهن من اإلجراءات‬ ‫ال َّرجل‪ّ ،‬‬

‫‪46‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫الطبية وغري الطبية املؤملة‪ ،‬والتي أُجرب َن عىل‬ ‫وعب َن كذلك عن‬ ‫الخضوع لها حتى يح َمل َن‪ّ ،‬‬ ‫شعو ٍر عميق بالذنب تجاه عدم االنجاب‪ ،‬ملج ّرد‬ ‫أنهن نساء‪.‬‬

‫قصة مديحة وأحمد‬ ‫ّ‬ ‫مديحة‪ ،‬امرأة جذّابة‪ ،‬يف الثالثة والعرشين‬ ‫من ال ُعمر‪ ،‬تز ّوجت أحمد البالغ من العمر‬ ‫‪ 28‬عاما‪ .‬كان أحمد يعمل ن ّجارا ً‪ ،‬وكان االثنان‬ ‫يعتمدان عىل راتبه البـالغ ‪ 40‬جنياً مرصياً‪ ،‬ألن‬ ‫مديحة كانت قد توقفت عن العمل‪ ،‬حيث‬ ‫مل يحتمل أحمد فكرة اختالطها بالغرباء‪ ،‬يف‬ ‫وسائل املواصالت العامة املزدحمة‪ ،‬كام أنه‬ ‫أيضاً تخ ّوف من أن يُـلهيها العمل عن القيام‬ ‫بواجباتها املنزلية‪.‬‬

‫عىل أن تستمر يف مقابلة االطباء‪ .‬برهنت‬ ‫املزيد من الفحوصات‪ ،‬بأنه ليس هنالك من‬ ‫خللٍ يعوق مديحة عن االنجاب؛ وإمنا العلّة‬ ‫األساسية تكمن يف ضعف الحيوانات املنوية‬ ‫ألحمد‪ ،‬وعدم ومقدرتها عىل الحركة‪ .‬أوىص‬ ‫الطبيب املختص بأن العالج ميكن أن يتم‬ ‫بواسطة اإلمناء االصطناعي بواسطة زوجها‪،‬‬ ‫ولكن مبا أن هذا النوع من العالج محرماً دينياً‪،‬‬ ‫فلذا مل تتم املحاولة‪.‬‬ ‫مع كل الحقائق املاثلة‪ ،‬فإن أحمد أنكر علناً‬ ‫صلته مبشكلة ال ُعقم‪ ،‬وذلك يف محاول ٍة منه‬ ‫للدفاع عن كرامته ورجولته‪ .‬شعرت مديحة‬ ‫بالوحدة؛ ليس فقط ألنها ليس لديها أطفال‪،‬‬ ‫عبت عن تعقيد‬ ‫وإمنا أيضاً لتوقها لألطفال‪ .‬لقد ّ‬ ‫وضعها بالتايل‪ :‬إذا قلت له أنها مشكلته‪ ،‬فهو‬ ‫ال يجيبني‪ .‬إنه ال يذهب ُمطلقاً إىل العالج‪،‬‬ ‫رغم أنه يعلم أنني أريده أن يفعل ذلك‪ .‬وكلام‬ ‫أخربت عائلته‪ ،‬بأن ذلك منه‪ ،‬فإنهم يتجاهلون‬ ‫رأي‪ ،‬ومع ذلك تجدهم يشجعونني يف كل م ّر ٍة‬ ‫أقول لهم فيها بأين ذاهبة إىل الطبيب‪ ،‬وكأن‬ ‫األمر هو مشكلتي وحدي‪ .‬شع َرتْ مديحة بأن‬ ‫زوجها تخىل عنها‪ ،‬وذلك بأن جعلها تتح ّمل‬ ‫اللوم نيابة عنه أمام أهله؛ بل وحتى أمام‬ ‫أرستها‪ ،‬والتي بالطبع لن تتدخّل طاملا ال يوجد‬ ‫تهديد بالطالق‪ .‬أما مديحة بالنسبة ملجتمعها‬ ‫فهي مج ّرد امرأة مسكينة وبائسة‪.‬‬

‫بعد ثالث ِة أشهر من الزواج‪ ،‬مل ت ُثمر عن‬ ‫أعراض للحمل‪ ،‬بدأت حامة مديحة وابنتها‪،‬‬ ‫بالضغط عليها للرشوع يف تعاطي عالج لل ُعقم‪.‬‬ ‫كان عليها أن تخضع لتجارب عديدة‪ ،‬مط ّولة‬ ‫ومؤملة‪ .‬يف واحد ٍة من هذه املحاوالت‪ ،‬قامت‬ ‫الحامه‪ ،‬باستخدام فتايل الجليرسين األسود‬ ‫للتخلّص من أي التهاب محتمل يف ِمهبلها‪.‬‬ ‫أسلوب تقليدي آخر قامت الحامه بتجريبه‪،‬‬ ‫وهو‪( ،‬الحجامة) عىل ظهرها‪ ،‬كعالج لشفط‬ ‫الرطوبة من الرحم‪ ،‬وكذلك‪ ،‬التب ّول فوق‬ ‫باذنجانة لـ «ف ْ‬ ‫َــك» عارض ال ُعـقم‪ُ ،‬مفضياً ذلك‬ ‫لحالة تُع َرف بـ «كبسة» أو «مشاهرا»‪ ،‬يتبع هالة‪ ،‬شهيرة ومحمد‬ ‫ذلك‬ ‫طقوس مختلفة من التطواف يف أماكن وتوأمهم «داخل‬ ‫ٌ‬ ‫دينية‪.‬‬ ‫بروتوبالزما الخلية»‬ ‫انتهى األمر مبديحة ألن تخضع لرغبة‬ ‫نسابتها للقيام بإجراء عملية جراحية إلصالح‬ ‫«عيب خُلقي» ُمف َرتض يف ال َّرحم‪ .‬أحال الطبيب‬ ‫زوجها أحمد إىل اختصايص‪ ،‬أخربه بأن لديه‬ ‫قيح وضُ ـعف يف «ديدانه»‪ ،‬وهي إشارة إىل‬ ‫ضعف الحيوانات املنوية لديه‪ .‬ففي مرص‬ ‫عب عن ُعقم الذكور بـ «ضعف الديدان»‪.‬‬ ‫يُ َّ‬ ‫وبدالً من القبول بتشخيص الطبيب االخصايئ‬ ‫والتصالح معه‪ ،‬ظلّت عائلته ُمقتنعة بأن‬ ‫رصت‬ ‫مديحة هي السبب يف عدم اإلنجاب‪ ،‬وأ ّ‬

‫تزوجت شهرية ذات الـ ‪ 25‬ربيعا‪ ،‬من محمد‬ ‫البالغ من العمر ‪ 43‬عاماً‪ .‬وهو محامي‪ ،‬ونجل‬ ‫لسيايس سابق‪ ،‬ذو نـفوذ‪ ،‬ميتلك فيال‪ ،‬يقوم‬ ‫بتأجريها للسفارات‪ ،‬ومركز أعامل ت ُديره شهرية‪.‬‬ ‫قبل زواجه من شهرية‪ ،‬كان محمد متزوجاً ملدة‬ ‫سبعة عرشة عاماً من هالة‪ ،‬والتي هي اآلن يف‬ ‫األربعينات من عمرها‪ .‬عندما أفاد التـشخيص‬ ‫الطبي أن محمد يعاين من حالة ُعقم ذكوري‬ ‫حاد‪ ،‬يسببه نقص السائل املنوي‪ ،‬خضع لعالج‬ ‫حسن ذلك من‬ ‫هورموين مكثف‪ ،‬ولكن مل يُ ّ‬


‫حالته‪ .‬كذلك خضع هو وهالة لعـ ّدة جلسات‬ ‫إمناء اصطناعي‪ ،‬ا ُستخدمت فيها كميات مركّزة‬ ‫من حيواناته املنوية‪ ،‬وكذلك خمس جلسات‪،‬‬ ‫ثالث يف أملانيا واثنتان يف القاهرة‪ ،‬بغية إنجاب‬ ‫طفل بواسطة عملية األنابيب‪ ،‬أي ما يعرف‬ ‫بعملية «طفل األنابيب»‪.‬‬ ‫لسوء الحظ‪ ،‬مل تنجح كل هذه املحاوالت‪.‬‬ ‫إن إحساس محمد بأنه ال يستطيع االنجاب من‬ ‫امرأة ِخصبة‪ ،‬جعل منه شخصاً غاضباً ومتوترا ً‬ ‫ودامئاً يف حالة دفاع عن نفسه‪ ،‬حتى يتج ّنب‬ ‫اإلدانة االجتامعية‪ .‬هذا الوضع املتوتر أدَّى إىل‬ ‫انهيار عالقتهام وأفىض الحقا اىل الطالق‪ .‬بينام‬ ‫ظلّت هالة عزباء‪ ،‬تز ّوج محمد بعد عام من‬ ‫طالقه‪ ،‬آمالً أن متنحه زوجته الجديدة األطفال‬ ‫الذين يرغب‪ .‬وكام وصفت زوجته الثانية‬ ‫شهرية‪ :‬يف مرص‪ ،‬إذا كان ال َّرجل يعلم بأنه ال‬ ‫يستطيع أن يجعل زوجته تحمل‪ ،‬يظل منزعجاً‬ ‫عىل الدوام‪ ،‬حتى وان ظلت زوجته تحثه عىل‬ ‫ذلك طوال الوقت‪ ،‬ألنه يعلم أنه السبب يف‬ ‫هذه املشكلة‪ ،‬ويبدو كمن يئس من الزواج‪،‬‬ ‫ألنه ال يوجد أطفال يشدونه اىل املنزل‪.‬‬

‫املختربية الواحدة حوايل ‪ 3000‬دوالر أمرييك‪.‬‬ ‫بشّ ـ َرت وسيلة حقن النطفة الح ّية يف داخل‬ ‫بروتوبالزما الخلية (‪ ،)ICSI‬عن ثور ٍة لعالج كل‬ ‫أنواع ُعـقم الذكور بالنسبة لهؤالء الذين لهم‬ ‫القدرة عىل تح ّمل التكلفة‪.‬‬ ‫إن العالج الذي أُستُ ِ‬ ‫خد َم لتحفيز بويضات‬ ‫شهرية‪ ،‬خل َّف آثارا ً جانبي ٍة ُمز ِع َجة‪ ،‬وفاقم‬ ‫مم تس ّب َب‬ ‫من أعراض قرحة املعدة لديها‪ّ ،‬‬ ‫يف شعورها بتش ّن ٍ‬ ‫جات معويِّة وأ ٍمل طوال فرتة‬ ‫العالج‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬عندما اكتملت إجراءات‬ ‫العالج‪ ،‬وبعد أن بدأت تفقد األمل يف نجاحها‪،‬‬ ‫أكّـ َدت العديد من فحوصات ال َح ْمـل‪،‬‬ ‫واختبارات املوجات الصوتية‪ ،‬أن شهرية بالفعل‬ ‫حامالً بتوأم‪ .‬خـ ّيـ َم عىل فرحتها مخاوف من‬ ‫املخاطر امل ُحتملة امل ُرتبطة عادة ب َح ْمـل التوأم‪،‬‬ ‫وكذلك الوالدة عن طريق العملية القيرصية‪،‬‬ ‫و ُمتطلّبات رعاية طفلني يف آن واحد‪ .‬مل تراودها‬ ‫أدىن رغبة يف ُمعاودة هذه اإلجراءات م ّر ًة‬ ‫أخرى‪ ،‬وقالت‪ :‬تكفي عملية واحدة‪ ،‬ووالدة‬ ‫خيف جدا ً‪.‬‬ ‫واحدة‪ .‬إنه أمر عس ٌري و ُم ٌ‬

‫العـقم يقع دوما‬ ‫يف عيادة إخصاب مختربي مرصية؛ كان عبء ُ‬ ‫محمد قد اصطحب اليه فيام مىض زوجته على النساء‬

‫السابقة هالة‪ ،‬أكد األطباء بأن فرص شهرية‬ ‫(الزوجة الحالية) يف ال َح ْمـل بواسطة حقن‬ ‫حيوان منوي يف «داخل بروتوبالزما الخلية»‬ ‫أكرب؛ ألنها كانت أصغر من هالة‪ .‬هذا التط ّور‬ ‫الجديد يف اإلخصاب املختربي‪ ،‬يُس ِّهـل العملية‬ ‫اإلخصابية من خالل حقن نُطفة ح ّية واحدة‪،‬‬ ‫ت ُستخلص من عينة سائل منوي أو مبارش ًة من‬ ‫الخصيتني‪ ،‬اىل داخل ال َّرحم‪ .‬يبلغ مثن املحاولة‬

‫حسب إنهورن‪ ،‬فإن ُعقم الذكور يف مرص‬ ‫يجسد أربعة مفارقات بطرياركية‪ ،‬تتمثّـل يف‪:‬‬ ‫(‪َ )1‬م ْن الذي يُالم عىل ال ُعقم يف الزواج؛ (‪)2‬‬ ‫من الذي يرمى عليه اللوم؛ (‪َ )3‬م ْن هو الطرف‬ ‫الذي يجب أن يُعاىن يف حالة وجود عقم‪)4( ،‬‬ ‫و َم ْن الذي يجب أن يدفع الثمن يف معالجة‬ ‫ال ُعـقم؟ هذه املفارقات لها عالقة وطيدة‬

‫بالكيفية التي يقوم عليها التص ّور الوجودي‬ ‫للمرصيني‪ .‬فالناس األقل تعليامً يف ِمرص‪ ،‬وىف‬ ‫أجزاء أخرى من الرشق الوسط ‪ ،‬ينسبـون‬ ‫لل ّرجال املسؤولية الرئيسية يف اإلنجاب‪ .‬وعىل‬ ‫وجه الخصوص‪ ،‬فإن معظم فقراء املدن‬ ‫املرصية‪ ،‬يعتقدون بأن ال ِّرجال يصنعون األج ّنة‬ ‫املك ّونة ُمسبقاً‪ ،‬ومن ثـ َّم يقذفونها يف أرحام‬ ‫النساء حتى تحدث الوالدة امل ُنتظرة‪ .‬وطاملا‬ ‫كان ال ّرجل يستطيع قذف سائله املنوي يف رحم‬ ‫املرأة‪ ،‬فإنه يُعترب ُمكتمل ال َّرجولة وقاد ٌر عىل‬ ‫اإلخصاب يف ذات الوقت‪.‬‬ ‫ومبا أ ّن النساء يَ ْحـتويـ َن عىل ثالث أنواع من‬ ‫األعضاء التناسلية‪ ،‬هي‪ :‬الرحم‪ ،‬قناة فالوب‪،‬‬ ‫واملبايض‪ ،‬فإن ذلك يدحض الرأي الشائع‬ ‫بأنهن األكرث عرضة للمشاكل الجنسية املسببة‬ ‫لل ُعقم‪ .‬هذا االعتقاد الراسخ‪ ،‬يعني آلياً أنهن‬ ‫مركز اللوم‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يتوجب عليه ّن البحث‬ ‫عن طُرقٍ ملعالجة املشكلة‪ ،‬سواء عن طريق‬ ‫األساليب التقليدية أو عرب املراكز الطبية‪.‬‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فحتى حني تثبت الجهات الطبية‬ ‫املختصة سالمتهن‪ ،‬وأن ال ُعقم سببه الزوج‪ ،‬فإن‬ ‫إدانة النساء تستمر من ِقـبَـل أقارب أزواجهن‪،‬‬ ‫والجريان‪ ،‬وىف بعض األحيان‪ ،‬من األزواج‬ ‫أنفسهم‪ .‬ازاء هذا الظرف املجحف‪ ،‬والضغط‬ ‫االجتامعي الظامل‪ ،‬فإنه من غري امل ُستغرب أن‬ ‫نجد كثريا ً من النساء يستسلِم َن لجلد الذات‪،‬‬ ‫القائم عىل افرتاض أن هناك مث ّة عيباً فيه َن‬ ‫يجب أن يتحملن تبعاته‪ .‬كام أن العمل عىل‬ ‫تجنيب الزوج الحرج االجتامعي‪ ،‬يف محاولة‬ ‫لحفظ كرامته‪ ،‬وذكورته؛ فإن النساء يضفن عىل‬ ‫أنفسهن عبئا نفسياً آخر‪ ،‬حتى ولو كُ َن يعلم َن‬ ‫أنهن غري عقيامت‪.‬‬

‫رجينا أكوك‬ ‫ولدت فى‬ ‫السودان‬ ‫ونشأت بين‬ ‫السودان‬ ‫وجنوب‬ ‫السودان‪.‬‬ ‫تعيش حاليا‬ ‫فى كندا‬ ‫منذ العام‬ ‫‪ .2000‬حاصلة‬ ‫على درجة‬ ‫البكالريوس‬ ‫فى اللغة‬ ‫االنجليزية من‬ ‫جامعة القاهرة‬ ‫وبكاليورس‬ ‫االعالم‬ ‫والدراسات‬ ‫النسوية من‬ ‫جامعة رجاينا‬ ‫فى كندا وفى‬ ‫طريقها للحصول‬ ‫على درجة‬ ‫الماجستير‬ ‫فى الدراسات‬ ‫النسوية‪ .‬تعمل‬ ‫حاليا كمعلمة‬ ‫فى المدارس‬ ‫الثانوية بكندا‪.‬‬ ‫تتعاون مع‬ ‫العديد من‬ ‫المجالت فى‬ ‫كندا ومهتمة‬ ‫بقضايا العدالة‬ ‫االجتماعية‬ ‫وشؤون‬ ‫االقليات‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪47‬‬


‫إن البحث عن ال َح ْمـلٍ بكل الوسائل‪ ،‬يخلق‬ ‫معاناة مضنية وطرق عالج معقّدة‪ ،‬وأعبا ًء‬ ‫مالية مرهقة‪ ،‬خصوصاً يف حال األُرس ذات‬ ‫الدخل املحدود أو الدخول املتدنية‪ ،‬والتي ال‬ ‫تستطيع تح ّمل تكلفة هذه النوعية من العالج‬ ‫مارثا كلير إنهورن أنثروبولوجية‪،‬‬ ‫وبرفيسور في األنثروبولوجي‬ ‫والشؤون الدولية بجامعة ييل‬ ‫و مركز ويتنى وبتى ماكميالن‬ ‫للدراسات الحقلية الدولية‪.‬‬ ‫تخصصة فى قضايا الجندر‬ ‫ُم ّ‬ ‫والصحة فى الشرق الوسط‪.‬‬ ‫تناولت إنهورن بالبحث التأثير‬ ‫للعقم ومساعدة‬ ‫اإلجتماعى ُ‬ ‫التكنولوجيا اإلنجابية فى مصر‪ ،‬ولبنان‪ ،‬واألمارات‬ ‫المتحدة‪ ،‬وعرب أميريكا طوال العشرين سنة‬ ‫العقم فى‬ ‫الماضية‪ .‬إنها أول أنثروبولوجية تدرس ُ‬ ‫الدول غير الغربية‪ُ .‬نشرت ورقة مارثا كلير إنهورن‪:‬‬ ‫الديدات ضعيفة‪ ،‬فى كتاب الهوسين أوزقين‪ :‬الذكورة‬ ‫اإلسالمية‪ .‬الرجال في أفريقيا من أواخر القرن ال‪19‬‬ ‫وحتى الوقت الحاضر (بالجريف‪.)2005 ،‬‬

‫والرعاية‪ ،‬وغالباً ما يُحدث هذا التلهف املريض‬ ‫لإلنجاب‪ ،‬مشاكل عقم مل تكن موجودة أصال‪.‬‬ ‫كام أنه يشجع عىل امتهان املرأة‪ ،‬وتفيش‬ ‫مفاهيم «وصمة العار» يف اللغة اليومية‬ ‫املستخدمة يف حق املرأة التي ال تنجب‪ ،‬من‬ ‫شاكلة أنها «ال فائدة منها»‪ ،‬و «ال قيمة لها»‪،‬‬ ‫و»عاقر»‪ ،‬و»ناقصة»‪ ،‬و»شجرة غري مثمرة»‪،‬‬ ‫و»فاقدة لألنوثة»‪...‬الخ‪ ،‬من االوصاف املهينة‪.‬‬

‫الفشل في إنجاب الذكور‬

‫‪ ١‬الرعاية اإلجتماعية‬ ‫للعقم المصرى ‪.1995‬‬ ‫ُ‬ ‫‪« ٢‬إنهورن» ‪ 1994‬أ‪،‬‬ ‫‪.1996‬‬ ‫‪ ٣‬كرابانزانو ‪1973‬؛‬ ‫ديالنى ‪1991‬؛ جود‬ ‫‪1980‬؛ جرينوود ‪.1981‬‬ ‫‪ ٤‬أووزجين‪ ،‬اإلتصاالت‬ ‫الشخصية‪.‬‬ ‫‪ ٥‬جوفمان ‪.1963‬‬ ‫‪ ٦‬ماكليود ‪.1991‬‬

‫‪48‬‬

‫العالقة بني ُعقم الذكور والنظام األبوي‪ ،‬هو‬ ‫انعكاس لعالقات النفوذ وسلطة الذكور عىل‬ ‫النساء‪ ،‬وهي عالقات تعمل عىل ع ّدة مستويات‪،‬‬ ‫وتشق طريقها عرب الطبقات االجتامعية‪،‬‬ ‫والتامسات الدينية‪ ،‬وأنواع األُرس‪ .‬نجد هذا أكرث‬ ‫وضوحاً يف أوساط الطبقات األدىن‪ ،‬التي تتأسس‬ ‫عىل نظام األُرس املمتدة يف األرياف واملدن‪.‬‬ ‫إ ّن ُعقم ال َّرجل مسألة ذكورية معقدة‬ ‫وعص ّية‪ ،‬وتحتمل قراءتني مختلفتني‪ :‬األوىل‪ ،‬تربط‬ ‫ال ُعقم والذكورة بالقدرة الجنسية‪ ،‬والثانية‪ ،‬تحيل‬ ‫الذكورة اىل مرادف لل َّرجولة‪ ،‬حيث نجد املعنيان‬ ‫يرتبطان بشكلٍ لصيق يف شامل أفريقيا ‪ .‬يف هذه‬ ‫الحالة‪ ،‬ميثل ال ُعقم حالة ال يستطيع ال ِّرجال‬ ‫السيطرة عليها‪ ،‬تعمل مبثابة مهدد لـ «قوانني‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫البقاء» فتلك الصفات الطبيعية التي يفرتض‬ ‫أنها توجد يف كل إنسانٍ عادىٍ ‪ ،‬يؤدى الفشل يف‬ ‫تحقُقها إىل شعو ٍر بالعار‪ ،‬والنقص‪ ،‬وكره الذات‪،‬‬ ‫والشعور باالنحطاط‪ .‬والحال كذلك‪ ،‬فإن تهديد‬ ‫ال ُعقم للذكورة هو نتيجة طبيعية‪ ،‬لذا ليس من‬ ‫املستغرب أن نجد الحالة تسبب ندوباً نفسية‬ ‫عميقة لل ِّرجال املرصيني‪ ،‬الذين تتأكد حالة‬ ‫ُعقمهم‪ ،‬ومصدرا ً ملعاناتهم النفسية العميقة‪.‬‬ ‫ومرد ذلك هو‪ ،‬أن ال ُعقم ال ّرجاىل يف الثقافة‬ ‫الشعبية املرصية‪ ،‬يُعترب مرادفا للضعف الجنيس‪،‬‬ ‫مام يضاعف من اإلحساس باملعاناة للكثري من‬ ‫الرجال الذي يعانون من ال ُعقم‪ ،‬ألنهم يثقون‬ ‫يف مثل هذه املقوالت‪ ،‬ويستبطنونها كحقائق‬ ‫مسلمة‪ ،‬بأنه ضعفاء جنسيا‪ ،‬ومعيبني‪ ،‬ومن ثم‪،‬‬ ‫ليسوا جديرين بأن يكونوا آباء‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى؛ نجد أ ّن ال ُعقم دامئاً ما‬ ‫يُـفسد حياة املرأة بالكامل‪ ،‬بغض النظر‪ ،‬أيا‬ ‫من الزوجني كان سبب املشكلة‪ ،‬ف ُعقم الرجل‬ ‫ال تقترص اشكالياته عىل الرجل فقط‪ .‬فهناك‬ ‫مقولة سائدة يردّدها املرصيون من كل الطبقات‬ ‫االجتامعية‪ ،‬تقول‪ :‬ال َّراجل دامياً َّراجل‪ ،‬عقيامً كان‬ ‫أم مل يكن‪ ،‬ألن الحصول عىل طفلٍ «ال يُـكّمل‬ ‫ال َّرجل كام يفعل للمرأة»‪ .‬يعزز من هذه املقولة‪،‬‬ ‫التصور االجتامعي للمرأة‪ ،‬الذي ال يرى لها‬ ‫تحققاً للذات خارج األُمومة‪ .‬بينام تتحقق رجولة‬ ‫الرجل يف أشكال أخرى؛ مثل‪ ،‬الوظيفة والتعليم‪،‬‬ ‫واالهتاممات الدينية‪-‬الروحية‪ ،‬والرياضة‪،‬‬ ‫والرفاهية‪ ،‬وعالقاته باألصدقاء‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات عديدة‪،‬‬ ‫فتأجيل مسائل الزواج واألب َّوة‬ ‫والسعي وراء التعليم‪ ،‬والبحث عن عمل‪ ،‬حتى‬ ‫وإن كان يف الخارج‪ ،‬وجمع املال من أجل إنشاء‬ ‫أرسة‪ ،‬كلها أشياء تجد قبوالً تا َّمـاً من املجتمع‪.‬‬ ‫باملقابل‪ ،‬وعىل الرغم من تزايد أعداد النساء‬ ‫وسط القوى العاملة مبرص ‪ ،‬فإن فكرة أن تظل‬ ‫املرأة العاملة دون أطفال‪ ،‬أم ٌر غري ُمـتَ َصـ َّور‪.‬‬ ‫وعليه؛ بينام ال ِّرجال والنساء يف ِمرص‪،‬‬ ‫جميعهم تقريباً‪ ،‬يف النهاية يتزوجون‪ ،‬ويتوقعون‬ ‫أن يصبحوا آباء وأمهات‪ ،‬فإن هاجس االنجاب‬ ‫يقع عىل عاتق النساء‪ ،‬ألنه‪ ،‬من جهة‪ ،‬يعمل‬ ‫عىل تحقيق الذات للمرأة نظرا ً للفرص الحياتية‬ ‫األخرى بالغة املحدودية‪ ،‬كام أنها بذلك تعمل‬ ‫عىل تفادي اإلدانة االجتامعية القاسية عندما‬ ‫تتأخر مسألة االنجاب وتفشل يف تحقيق أمومتها‬ ‫مب ّكرا ً‪ .‬إضافة لذلك‪ ،‬تقول إنهورن‪ :‬أنه من النادر‪،‬‬ ‫أن تقوم زوجة بتطليق زوجها الذي ثبت عقمه‪،‬‬ ‫ألنه يف االعتقاد السائد أن ذلك رمبا يعمل عىل‬ ‫تقوية روابط الزواج‪ .‬باملقابل‪ ،‬فإن الزوج‪ ،‬غالبا‬ ‫ما يقوم بطالق زوجته العاقر‪ ،‬ورمبا تز ّوج امرأ ًة‬ ‫أخرى‪.‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬فعندما يثبُت ُعـقم املرأة؛‬ ‫فإن ال ِّرجال يلجئون اىل الحلول الدينية‪ ،‬املتمثلة‬ ‫يف إمكانية الزواج مرة أخرى‪ ،‬بحكم الرشع‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬الذي يجيز تع ّدد الزوجات والطالق‪.‬‬ ‫فاألزواج يف مرص يقعون بصور ٍة حادة تحت‬ ‫ٍ‬ ‫الضغط األُرسىٍ الذي يحرضهم عىل استبدال‬ ‫زوجاتهم املصابات بال ُعقم‪ ،‬وذلك‪ ،‬من أجل‬ ‫استمرار نسل األب‪ .‬من هنا‪ ،‬ميثل خيار الزواج‬ ‫من امرأة ثانية حال اجتامعيا عندما يفضل‬ ‫ال ِّرجال َّأل يطلّقوا زوجاتهم العقيامت‪ ،‬وبالتايل‬ ‫يتجنبون مصادمة التعاليم األبوية الراسخة‬ ‫يف حياة األرسة املرصية‪ .‬لهذا‪ ،‬يظل ُعقم املرأة‬ ‫سبباً يف مت ّز ٍقها داخليا إلحساسها بعدم األمانٍ‬ ‫يف زواجها‪ .‬فالكث ٌري من النساء الاليت يعانني من‬ ‫ال ُعقم‪ ،‬يعش َن يف ٍ‬ ‫خوف دائم من انهيار العالقة‬ ‫الزوجية‪ ،‬ألن قوانني األحوال الشخصية تعترب‬ ‫ُعـقر الزوجة ُمس ِّوغاً رشعيا إليقاع الطالق‪.‬‬

‫الخاتمة‬ ‫ميثل موضوع ُعقم الذكور أزمة ذكوريّة‬ ‫حساسة‬ ‫بالنسبة للرجال املرصيني‪ ،‬وهي قضية ّ‬ ‫وجزء من املسكوت عنه اجتامعيا‪ ،‬ألنها يف‬ ‫األساس تع ّرض رجولتهم المتحان جوهري‪ .‬البد‬ ‫أن تتاح الفرصة للكثري من القصص عن ُعقم‬ ‫الذكور ألن ت ُروى‪ ،‬خصوصا تلك القصص التي‬ ‫تعرب عن رؤى ال ِّرجال املصابني بال ُعقم‪ ،‬وعام آلت‬ ‫اليه زيجاتهم‪ ،‬وعن تجاربهم كأعضاء يف مجتمعٍ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫لضغوط شديدة من‬ ‫حيث الرجال فيه ُعرضة‬ ‫ِقـ َبـل الهيمنة الذكورية األبويّة‪ .‬الشاهد أن‬ ‫مشكلة العقم عند الرجال ال تقف عند حد‬ ‫أزمتهم بل أنها متتد لتشمل الزوجة‪ ،‬التي بحكم‬ ‫العرف االجتامعي‪ ،‬يُـتـ َوقَع منها صون «رجولة»‬ ‫ال ّرجل مهام كل َُف األمر‪ ،‬حتى وان تطلب األمر‬ ‫أن يكون ذلك مكان الكتامن‪.‬‬ ‫تلخيص‪ :‬ريجينا أكوك‪ ،‬بتحرير‬

‫ترجمه من االنجليزية‪ :‬ياسير عبيدي‬

‫المراجع‬ ‫كرابانزانو‪ ،‬ف‪ )1973( .‬الحمادشا‪ :‬دراسة فى‬ ‫االثنوسايكلوجيا المغربية‪ .‬بيركرلى‪ :‬مطبعة جامعة‬ ‫كاليفورنيا‪.‬‬ ‫ديالنى‪ ،‬س‪ )1971( .‬البذور والتربة‪ :‬الجندر وعلم‬ ‫الكونيات فى مجتمع قرية تركية‪ .‬بيركرلى‪ :‬مطبعة‬ ‫جامعة كاليفورنيا‪.‬‬ ‫جود‪ ،‬م‪– .‬ج‪ .‬د‪ )1980( .‬عن الدم واألطفال‪ :‬عالقة‬ ‫بالعقم‪،‬‬ ‫علم وظائف األعضاء اإلسالمى الشعبى ُ‬ ‫علم اإلجتماع والطب‪ 14 ،‬ب‪.56-147 ،‬‬ ‫دركة‪ :‬بارد أم‬ ‫جرينوود‪ ،‬ب‪ )1981( .‬ال ُن ُظم ُ‬ ‫الم َ‬ ‫األرواح ؟‪ :‬اإلختيار واإللتباس فى النظام الطبى‬ ‫التع ّددى المغربى‪ ،‬علم اإلجتماع والطب‪ 15 ،‬ب‪:‬‬ ‫‪.35-219‬‬


‫هي وهو‬

‫العداء للنساء فى السودان‪:‬‬ ‫بين اإلسالم والنظام العام‬ ‫ً‬ ‫«عادال » بمعيار القيم والمبادئ‬ ‫هل يمكن اعتبار هذا القانون‬ ‫ِّ‬ ‫بغض‬ ‫«الحريات» و»المساواة» بين المواطنين‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وقواعد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الجنس «ذكور‪/‬إناث»؟ وهل هو متسق‪ ،‬عمومًا‪ ،‬مع‬ ‫النظر عن ِّ‬ ‫طبق عليهم‪ ،‬والنابعة من صميم‬ ‫ثقافات‬ ‫ُّ‬ ‫وتصو رات الناس الذين ُي ّ‬ ‫وجدانهم‪ ،‬بالمستوى الذي يؤهله للقبول لديهم؟ كمال الجزولي‬ ‫يكشف األقنعة عن قانون فشل في اثبات مشروعيته‪.‬‬ ‫لسلوكيات ال ِّرجال والنساء‪ ،‬واملطلوب التعبري عنها‪ ،‬دستوريَّاً وقانون َّياً‪،‬‬ ‫المقدمة‬ ‫السلطوية‬ ‫ينبغي أال تستند إىل «رشعيَّة الق َّوة» القامئة يف محض التقديرات ُّ‬ ‫ولنئ كانت «ال َّدولة» هي ِ‬ ‫الشع َّية» التي تتشكل يف الذِّهن املسلم‪ ،‬متاماً كام‬ ‫السائدة الضَّ ِّيقة‪ ،‬وإمنا إىل «ق َّوة َّ‬ ‫السيايس لسلطة الطبقة َّ‬ ‫املنظم ِّ‬ ‫السليمة»‪.‬‬ ‫اقتصاديَّاً‪ ،‬فإن «القانون» ميثل األداة ال َّرئيسة التي تضبط بها هذه ويف الوجدان ال َّجمعي اإلنساين‪ ،‬بجامع مقايسات تلك «الفطرة َّ‬ ‫«ال َّدولة» سلوك األغلب َّية عىل مقاس تلك الطبقة‪ ،‬مستخدمة فيالق من‬ ‫مؤسسة‬ ‫أجهزة القمع‪ ،‬وترسانات من تدابري اإلكراه‪ .‬ذلك أن القانون َّ‬ ‫أما اإلسالم فقد اتخذ‪ ،‬على النقيض من ذلك‪ ،‬ومنذ فجره الباكر‪،‬‬ ‫اجتامع َّية‪ ،‬أي شكل تاريخي لضبط حياة الناس‪ ،‬يتح ّدد بأسلوب اإلنتاج‬ ‫املعي‪ ،‬فال يعقل تصوره خارج «ال َّدولة»‪ ،‬أو بدونها‪ .‬إنهام‬ ‫موقف ًا إيجاب َّي ًا من المرأة‪ ،‬إذ نَزَل القرآن الكريم من ِّزه ًا لها من‬ ‫يف املجتمع َّ‬ ‫تعني‬ ‫إمنا‬ ‫بينهام‬ ‫للفصل‬ ‫محاولة‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫وأ‬ ‫أس‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫من‬ ‫ملتصقان‬ ‫توأم سياميان‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫صفات َّ‬ ‫الشيطان ال َّرجيم‪ ،‬جالب الش ِّر‪ ،‬التي كانت قد ألصقت‬ ‫القضاء عىل كليهام معاً!‬ ‫ض ْيعُ َع َم َ‬ ‫ل ِّم ُ‬ ‫ن‬ ‫نك ْ‬ ‫م رَبُّ ُه ْ‬ ‫اب لَ ُه ْ‬ ‫م ِّم ْ‬ ‫م أَنِّ ْ‬ ‫بها‪َ { :‬ف ْ‬ ‫اس َت َج َ‬ ‫ي ال َ أ ُ ِ‬ ‫ل َعا ِم ٍ‬ ‫وبالتبع َّية فإن مفهوم «النظام العام» نفسه ال يقل التباساً عن مفهوم‬ ‫َذ َكرٍ أ َ ْو أ ُ َ‬ ‫نثى بَ ْع ُ‬ ‫ض} ـ‬ ‫ض ُكم ِّمن بَ ْع ٍ‬ ‫«القانون»‪ ،‬حني يتبعه يف مدار التعبري‪ ،‬ليس عن منظومة قيم ي َّدعي‬ ‫أنها مشرتك ًة بني الطبقات كافة‪ ،‬وإمنا عن منظومة تص ُّورات سلطويَّة‬ ‫فإذا كانت الحكمة من خلق اإلنسان‪ ،‬كإنسان ال كرجل‪ ،‬هي استخالفه‬ ‫السائدة اقتصاديَّاً وسياسيَّاً واجتامعيَّاً وثقافيَّاً‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫قمعيَّة للطبقة َّ‬ ‫‪1‬‬ ‫ومبا أن االستقرار‪ ،‬يف نهاية املطاف‪ ،‬هو مطلب أيَّة سلطة‪ ،‬فيلزمها‪ ،‬إىل يف األرض إلعامرها‪َ { :‬وإِ ْذ ق َ​َال َربُّ َك لِلْ َمالئِ َك ِة إِنِّ َجا ِع ٌل ِف الْ َ ْر ِض َخلِي َفةً}‬ ‫ح ٍّد معقول‪ ،‬أن تتفادي االصطدام الفاجع لـ «القانون»‪ ،‬عىل طبقيَّتها فإنه مل يرتك هذا اإلنسان يتخبّط سدى كاألنعام‪ ،‬وهو الذي تح َّمل األمانة‬ ‫وطبق َّيته‪ ،‬بآمال الناس يف الحياة األفضل والوجود املغاير‪ ،‬وأن تسعى التي أبت الساموات واألرض والجبال أن يحملنها وأشفقن منها‪ ،‬بل ك َّرمه‪،‬‬ ‫لتقدميه مبا يقنعهم بجدواه كآل َّية «عدالة» ألمنهم وطأمنينتهم‪ .‬وألن ال من حيث هو رجل‪ ،‬وإنَّ ا من حيث هو إنسان { َولَ َق ْد كَ َّر ْمنا بَ ِني آ َد َم‬ ‫تحقيق ذلك رهني بالقدر املعقول من االستجابة لتص ُّورات «العدالة» َو َح َملْنا ُه ْم ِف ال َ ِّْب َوالْبَ ْح ِر َو َر َزقْنا ُه ْم ِم َن الطَّيِّ ِ‬ ‫بات َوفَضَّ لْنا ُه ْم َعىل كَ ِثريٍ‬ ‫املحفورة يف الوجدان ال َّجمعي‪ِ ،‬م َّم تنضبط به معادلة‬ ‫«الحق والواجب» ِم َّم ْن َخلَقْنا تَف ِْض ًيل}‪ 2‬؛ وجعله يف مرتب ٍة أعىل حتى من مرتبة املالئكة‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫‪3‬‬ ‫يف هذا الوجدان‪ ،‬فيلزم التمييز بني مفهومي «القانون» و»العدالة»‪ ،‬إذ { َوإِ ْذ قُلْ َنا لِلْ َمالئِ َك ِة ْاس ُج ُدوا آل َد َم} ؛ وز ّوده بتلك «البوصلة» اإللهية التي‬ ‫األ َّول‪ ،‬كام سبقت اإلشارة‪ ،‬أداة ٍ‬ ‫السليمة» التي جعلها‬ ‫ضبط سلطان َّية تفرضها «ال َّدولة» عىل يهتدي بها إىل الحق والخري والجامل‪ ،‬وهي «الفطرة َّ‬ ‫‪4‬‬ ‫ِ‬ ‫اس َعلَيْ َها} ؛ ووهبه «العقل» الذي‬ ‫الناس دون اعتبار إلرادتهم‪ ،‬يف حني أن اآلخر نزوع ذايت تلقايئ إىل قرينة لخلقه {فطْ َر َة اللَّ ِه الَّ ِتي فَطَ َر ال َّن َ‬ ‫السليمة»*‪ .‬لذا فمن الخطأ اعتبار «العدالة» مجموعة «نصوص هو مناط التكليف؛ وقد ورد يف األثر عن النبي (ص) أنه قال‪« :‬أول ما‬ ‫«الفطرة َّ‬ ‫قانونيَّة» يتو َّهم صائغها أن الحــياة كلهـا سـوف تدور حيثام دارت‪ ،‬خلق الله العقل فقال له اقبِل فأقبَل‪ ،‬ثم قال له أدبِر فأدبر‪ ،‬ثم قال الله‬ ‫يل منك‪ ،‬بك آخذ‪ ،‬وبك‬ ‫فيجيء ُّ‬ ‫الحق بقانون‪ ،‬ويُزهق الباطل بقانون‪ ،‬وتسود الفضيلة بقانون‪ ،‬ع ّز وجل‪ :‬وعزيت وجاليل ما خلقت خلقاً أكرم ع ّ‬ ‫‪5‬‬ ‫وترتاجع الرذيلة بقانون‪ ...‬الخ!‬ ‫أعطي‪ ،‬وبك أثيب‪ ،‬وبك أعاقب» ؛ كام وهبه‪ ،‬إضافة لنعمة «العقل»‪،‬‬ ‫نعمة «الحرية»‪ ،‬فلم يقرسه حتى عىل اإلميان‪َ { :‬ولَ ْو شا َء َربُّ َك َل َم َن َم ْن‬ ‫اس َحتَّى يَكُونُوا ُم ْؤ ِم ِن َني}‪ 6‬ـ { َولَ ْو‬ ‫ومبا أن «قانون النظام العام» مطروح عىل خلف ّية شعارات إسالم َّية‪ِ ،‬ف الْ َ ْر ِض ُكلُّ ُه ْم َج ِمي ًعا أَفَأَن َْت ت ُ ْك ِر ُه ال َّن َ‬ ‫‪7‬‬ ‫َ‬ ‫شكُوا َوما َج َعل َ‬ ‫ْناك َعلَيْ ِه ْم َح ِفيظًا َوما أن َْت َعلَيْ ِه ْم ِب َوكِيلٍ} ـ‬ ‫وأن الغلبة التأثرييَّة يف بالدنا هي‪ ،‬بفعل ع َّدة عوامل تاريخيَّة‪ ،‬لل َّجامعة شا َء اللَّ ُه ما أَ ْ َ‬ ‫‪8‬‬ ‫املسلمة وثقافتها‪ ،‬فيلزم‪ ،‬أيضاً‪ ،‬التشديد عىل أن القيم الثقاف َّية الضَّ ابطة { َوقُلِ الْ َح ُّق ِمن َّربِّ ُك ْم فَ َمن شَ ا َء فَلْ ُي ْؤ ِمن َو َمن شَ ا َء فَلْ َي ْك ُف ْر} ـ {ال إِكْ َرا َه ِف‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪49‬‬


‫الدِّينِ }‪ 9‬ـ {ل َْس َت َعلَيْ ِه ْم بِ ُ َسيْ ِطرٍ}‪ .10‬وبقدر كسب اإلنسان بحريّ ٍة كاملة‬ ‫يكون حسـابه‪َ { :‬وأَ ْن لَ ْي َس لِ ْ ِلنْسانِ إِالَّ ما َسعى‪َ .‬وأَ َّن َس ْع َي ُه َس ْو َف يُرى‪ .‬ث ُ َّم‬ ‫يُ ْجزا ُه الْ َجزا َء الْ َ ْوىف}‪ .11‬فمدار هذا «العدل» املتناهي هو كسب اإلنسان‬ ‫مبحض إرادته الح َّرة‪ ،‬وعقله املختار‪.‬‬ ‫أي قانون‪ ،‬إمنا يكتسب رشع َّيته بحسب املدى‬ ‫وهكذا فإن القانون‪َّ ،‬‬ ‫الذي يحظى فيه باحرتام الناس‪ ،‬واستشعارهم الذَّايت لواجبهم يف االلتزام‬ ‫السليمة»‪ ،‬أن يف ذلك االلتزام‬ ‫به‪ ،‬لكونهم يستشعرون‪ ،‬مبحض «الفطرة َّ‬ ‫تعبريا ً‪ ،‬بالح ّد املعقول‪ ،‬عن ثقافتهم‪ ،‬أي عن أع ِّم القيم واملثل األخالقية‬ ‫ألوسع الطبقات الشعبيَّة‪ ،‬وعن جامع القيم التي متثل‪ ،‬يف الغالب‪،‬‬ ‫أفضل عنارص القيمة يف تص ُّورات املايض األخالق َّية‪ ،‬وتبلور قناعات الناس‬ ‫الداخليَّة‪ ،‬وتنعكس بثقل مؤثر عىل مجمل العمليَّة التاريخيَّة االجتامعيَّة‪،‬‬ ‫باعتبارها الشَّ كل املح َّدد للوعي االجتامعي الذي ال يُفرض من خارج‬ ‫املجتمع‪ ،‬وإمنا ينبع من واقع عالقات الوجود االجتامعي‪ ،‬وظروف نشاط‬ ‫الناس االقتصادي العميل‪.‬‬ ‫ومع ذلك ال يجوز الخلط بني‬ ‫«األخالق» املرتكزة عىل محض نفوذ‬ ‫الرأي العام‪ ،‬و»القانون» الذي ال ميكن‬ ‫إنفاذه بدون القمع املادي‪ .‬لذا فإن أقىص‬ ‫رشع أليَّة‬ ‫ما يُفرتض أن يصبو إليه ُّ‬ ‫أي م ِّ‬ ‫قاعدة «قانون َّية»‪ ،‬ولو بالح ِّد األدىن‪ ،‬هو‬ ‫عدم اصطدامها مع املفاهيم «األخالقيَّة»‬ ‫الصدام باهظة‪،‬‬ ‫يف املجتمع‪ ،‬فكلفة هذا ِّ‬ ‫وللسلطة فيه عىل السواء‪ .‬ولنئ‬ ‫للمجتمع ُّ‬ ‫نحتج بـ «القيم الثقاف َّية الشَّ عب َّية»‪،‬‬ ‫كنا‬ ‫ّ‬ ‫فيلزمنا أن نح ّدد‪ ،‬ابتدا ًء‪ ،‬مفهوم هذه‬ ‫«الثقافة» باملعنى الواسع‪ ،‬ال «ثقافة‬ ‫الطبقات املتس ِّيدة» باملعنى الض ِّيق‪،‬‬ ‫الكل التاريخي املح َّدد واملركب من‬ ‫يف ِّ‬ ‫أشكال الوعي االجتامعي الناتجة عن‬ ‫النشاط الخالق ألوسع الطبقات الشَّ عبيَّة‪،‬‬ ‫ُعب عنها يف الفلسفة والعلم والحقوق‬ ‫وامل َّ‬ ‫واآلداب والفنون واملثيولوجيا‪ ،‬ويف القيم‬ ‫الدين َّية واألخالق َّية املائزة لألبنية الذِّهن َّية‬ ‫والعاطفيَّة حول مختلف الرؤى واملفاهيم‪ ،‬خصوصاً حول مفهومي‬ ‫الحياة واملوت‪ ،‬ويف التصورات واالنطباعات األكرث رسوخاً لدى أي شعب‪،‬‬ ‫والتي تتمظهر من خالل أسلوبه يف االنتاج‪ ،‬وسبله لكسب العيش‪ ،‬ونهجه‬ ‫يف تغيري الوسط الطبيعي‪ ،‬وطرائقه يف املأكل‪ ،‬وامللبس‪ ،‬والزينة‪ ،‬والعامرة‪،‬‬ ‫والعالقات بني الرجال والنساء‪ ،‬والكبار والصغار‪ ،‬ومناهجه املتبعة يف‬ ‫الرتبية والتعليم‪ ،‬وطقوسه املرعية يف احتفاالت الزواج‪ ،‬وامليالد‪ ،‬ومراسم‬ ‫دفن املوىت‪ ،‬وإقامة املآتم‪ ،‬وما إىل ذلك‪.‬‬ ‫تكاد العني ال تخطئ‪ ،‬حتى بالنظر العابر‪ ،‬املواد التي تشكل مه ِّددا ً‬ ‫أساسيَّاً لحياة النساء ووجوده َّن االجتامعي يف «قانون النظام العام لسنة‬ ‫‪1996‬م»؛ ويف ما ييل نستعرض أه َّم أحكام هذه املواد‪ ،‬وما ميكن أن يرد‬ ‫عليها من نقد‪:‬‬ ‫أي حفل‪ ،‬خاص أو‬ ‫املادّة‪/7/1/‬أ‪ :/‬تحظر‪ ،‬كرشط من رشوط قانون َّية ِّ‬ ‫عام‪ ،‬رقص النساء مع ال ِّرجال‪ ،‬ورقص النساء أمام ال ِّرجال!‬

‫‪50‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫عم يشتمل عليه من مفارقات صارخة‪ ،‬ينطوي عىل‬ ‫هذا النص‪ ،‬فضالً َّ‬ ‫قدر كبري من العدوان عىل قيم اجتامع َّية وإنسان ّية معتربة‪ ،‬وذلك عىل‬ ‫النحو اآليت‪:‬‬ ‫رشع أطراف‬ ‫امل‬ ‫يصنف‬ ‫و»نساء»‬ ‫«رجال»‬ ‫للفظي‬ ‫املطلق‬ ‫باستخدامه‬ ‫أوالً‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫العالقة االحتفاليَّة‪ ،‬مبا فيها العالقة االحتفاليَّة األرسيَّة‪ ،‬تصنيفاً جنسيَّاً‬ ‫ألي تصنيف آخر‪ ،‬كثنائ َّية (األم ـ اإلبن)‪( ،‬األب‬ ‫بحتاً‪ ،‬فيهدر َّ‬ ‫كل قيمة ِّ‬ ‫ـ اإلبنة)‪( ،‬األخ ـ األخت)‪( ،‬ال َّزوج ـ ال َّزوجة)‪ ،‬دع عالقات (ال ِّجرية) يف‬ ‫السكن‪ ،‬أو (ال َّزمالة) يف ال ِّدراسة أو العمل‪ ،‬أو حتى (الخطوبة)‪ِ ،‬م َّم‬ ‫ال تق ّره‪ ،‬قطعاً‪ ،‬ذهن َّية التحريم التي أنتجت النص! ثانياً‪ :‬بحظره رقص‬ ‫النساء مع ال ِّرجال‪ ،‬والنساء أمام ال ِّرجال‪ ،‬يحظر النص‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬مشهد‬ ‫أي حفل يحرضه رجال من حيث هم‪ ،‬أو‬ ‫النساء‪ ،‬من حيث ُه َّن‪ ،‬يف ِّ‬ ‫يسمح ل ُه َّن بالحضور‪ ،‬لكن برشط أن يجلسن ساكنات «يتف َّرجن» عىل‬ ‫رجال يراقصون رجاالً ‪ ..‬ويا له من رشط! ثالثاً‪ :‬وباعتبار‪:‬‬

‫أ‪ /‬أن النطاق ال ُّجغرايف لرسيان هذا القانون هو العاصمة القوميَّة؛‬ ‫ب‪ /‬وأن هذه العاصمة القوم َّية شهدت‪ ،‬أوان صدور هذا القانون خالل‬ ‫النصف الثاين من تسعينات القرن املايض‪ ،‬وما تزال تشهد‪ ،‬حركة نزوح‬ ‫كثيف إليها من األقاليم املختلفة التي يعاين مواطنوها من الفقر وتردِّي‬ ‫الظروف املعيش ّية‪ ،‬حيث «أن ‪ %83‬من سكان الريف فقراء غذائ ّياً‪ ،‬أي‬ ‫تقل دخولهم عن خ ّط الفقر الغذا ّيئ و يعيش ‪ %45‬منهم يف فق ٍر مدقع‬ ‫ّ‬ ‫مام يتسق متاماً مع دعاوي التنمية غري املتوازنة‪ ،‬وتهميش الريف‪،‬‬ ‫والتحيز لصالح الحرض»‪ ،‬عىل حد شهادة التقرير االسرتاتيجي الرسـمي‬ ‫أوان ذاك‪12‬؛‬ ‫رشع ليس جاهالً بالواقع الثقايف يف تلك األقاليم‪ ،‬حيث تشيع‬ ‫ج‪ /‬وأن امل ِّ‬ ‫طقوس االحتفال َّيات املختلطة؛‬ ‫إذن‪ ،‬فإن االستنتاج الوحيد الغالب من تلك االعتبارات الثالثة هو أن‬ ‫رشع إمنا يفرتض يف العاصمة القوم َّية دولة أخرى يقوم منطق القانون‬ ‫امل ّ‬ ‫املطبق فيها عىل نفس املنطق الذي يفرتض خضوع زوار ال َّدولة األجنب َّية‬ ‫لقانونها!‬


‫هي وهو‬ ‫املادة‪/9/1/‬أ‪ :‬توجـب تخصـيــص بـاب و‪ 10‬مقـاعــد للنـسـاء فـي‬ ‫البـصـات‪ ،‬وتـقـرأ مـع املادة‪/9/1/‬ب التي تحظر جلوس ال ِّرجال مكان‬ ‫َّ‬ ‫النساء‪ ،‬والعكس‪.‬‬ ‫النصني الزعم الغليظ بأن الغرض‬ ‫وعادة ما يُساق يف تربير هذين َّ‬ ‫منهام هو «تكريم النسـاء»! لكن مث َّة ملحظني يثريان ّ‬ ‫الشك‪ ،‬جدياً‪ ،‬يف‬ ‫صدقيّة هذا التربير عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫يقل‬ ‫يخصصه نص املادة‪/9/1/‬أ للنساء ُّ‬ ‫أوالً‪ :‬هذا العدد من املقاعد الذي ِّ‬ ‫كثريا ً عن عدد النساء الاليت يستخدمن املركبات العا ّمة يف العاصمة خالل‬ ‫اليوم! وإذن‪ ،‬فالنص يقرص‪ ،‬كثريا ً‪ ،‬عن قامة التكريم املزعوم للنساء‪َ ،‬د ْع‬ ‫ما ينطوي عليه‪ ،‬يف حقيقة األمر‪ ،‬من ميزات إضافيَّة للرجال!‬ ‫ثانياً‪ :‬منطق هذا التربير نفسه يدفع للتفكري يف ما إذا مل يكن مث َّة من‬ ‫الخاصة‬ ‫يتوجب تكرميه يف املجتمع غري النساء‪ ،‬كذوي االحتياجات‬ ‫َّ‬ ‫أواملسنني‪ ،‬مثالً‪ ،‬فلامذا النساء وحده ّن؟!‬ ‫الشاهد أن «تكريم النساء» يف هذا النص فرية مفضوحة‪ ،‬الهدف‬ ‫الحقيقي من ورائها تحجيم دوره َّن يف الحياة العا ّمة‪ ،‬بالح ِّد من حركته َّن‬ ‫اليوم َّية!‬ ‫رشع هذا الفصل بأكمله لضوابط محالت‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬أفرد امل ُ ّ‬ ‫أزيائهن‬ ‫تصفيف شعر النساء‪ ،‬وتفصيل‬ ‫ّ‬

‫للشطة سلطة تقدير َّية يف مداهمة هذه املحالت‬ ‫املادة‪ :17/‬تخ ِّول ُّ‬ ‫وتفتيشها يف أي وقت!‬ ‫املادة‪ :18/‬ال تق ِّيد مزاولة مهنة تفصيل أزياء النساء بغري الحصول عىل‬ ‫الرتخيص الالزم‬

‫بذات العقليَّة الثيوقراطيَّة املسرتيبة يف جنس النساء‪ ،‬من حيث ه َّن‪،‬‬ ‫لكل الرشور يف الحياة‪ُّ ،‬‬ ‫وتدل عىل ذلك املواد اآلتية من هذا‬ ‫كمصدر ِّ‬ ‫لكنها‪ ،‬دومنا منطق واضح‪ ،‬ال تق ِّيدها بذات القيود التي فرضتها عىل‬ ‫للسلطات املحليَّة!‬ ‫الفصل‪.‬‬ ‫مهنة تصفيف الشَّ عر‪ ،‬تاركة ذلك ُّ‬ ‫تنص عىل ضوابط العمل يف محالت التصفيف‪ ،‬بحيث‬ ‫املادّة‪ّ :14/‬‬ ‫يطل مدخلها الوحيد عىل الشَّ ارع!‬ ‫ُيحظر دخول ال ِّرجال إليها‪ ،‬وبحيث ُّ‬ ‫يقل‬ ‫تنص عىل وجوب إدارة املحل بوساطة امرأة ال ّ‬ ‫املادّة‪ُّ :15/2/‬‬ ‫عمرها عن خمس ٍة وثالثني عاماً (!)‬ ‫حتى لو كان املحل مملوكاً لرجل!‬ ‫املادة‪ :16/‬تحظر استخدام أ َّية عاملة يف املحل إال بعد التأكد من‬ ‫استقامتها‪ ،‬وحسن سريتها‪ ،‬وحصولها عىل شهاد ٍة تثبت تأهيلها الفني‬ ‫من جهة االختصاص!‬

‫مهام يكن من أمر‪ ،‬فثمة جملة من املالحظات ترد هنا عىل املواد‬ ‫املشار إليها من هذا الفصل‪ ،‬كاآليت‪ :‬أوالً‪ :‬يثري حظر دخول ال ِّرجال محالت‬ ‫عم إذا كانت تلك هي املهنة‬ ‫تصفيف شعر النساء التساؤل املرشوع َّ‬ ‫الوحيدة التي يالمس فيها ال ِّرجال أجساد النساء؛ فثمة مهن محرتمة‬ ‫أخرى‪ ،‬كالطب مثالً‪ ،‬يحدث فيها ذلك‪ ،‬رمبا بأكرث ِم َّم يحدث يف هذه‬ ‫رشع ال يفرض عليها فضيلته بقانون! ثانياً‪ :‬الرصامة التي‬ ‫املهنة‪ ،‬غري أن امل ِّ‬ ‫تقص مداخل ومخارج هذه املحالت‪ ،‬والشَّ وارع التي‬ ‫رشع يف ِّ‬ ‫اتبعها امل ِّ‬ ‫تفيض إليها‪ ،‬وتحديد أعامر النساء الاليت يُدرنها بخمس وثالثني سنة (دون‬ ‫الشطة سلطة مداهمتها‬ ‫أن يوضِّ ح الحكمة يف ذلك!)‪ ،‬عالوة عىل منح ُّ‬

‫كرتون‪ :‬الرايح‬ ‫امبدي‪ ،‬السودان‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪51‬‬


‫أي وقت‪ ،‬ال بد تستدعي إىل األذهان رشوط‬ ‫كمال الدين الجزولي وتفتيشها يف ِّ‬ ‫عمل املباغي سيئة الذِّكر منذ أيَّام اإلدارة الربيطان َّية‪ ،‬كام‬ ‫ولد في أم درمان‬ ‫وأنها‪ ،‬ال بد‪ ،‬تخلف انطباعاً مشوباً بالشُّ كوك وال ِّريب‪ ،‬حول‬ ‫‪15‬أبريل‪1947‬م‪ .‬وهو‬ ‫مدى نظافة ورشف هذه املهنة‪ ،‬أصالً‪ ،‬وبالتايل أخالق من‬ ‫محامي سوداني‬ ‫ميتهنونها ويتعيَّشون منها‪ ،‬مالكاً أو عامالت‪ ،‬وكذلك أخالق‬ ‫بارز ومعروف على‬ ‫من يرتدن محالتها‪ ،‬ومن يتلقني الخدمة فيها‪ ،‬بل وأخالق‬ ‫المستوى اإلقليمي‬ ‫رشع‬ ‫ذويه َّن من آباء وأشقاء وأزواج‪ ...‬إلخ! ثالثاً‪ :‬يشرتط امل ِّ‬ ‫والمحلي بتصدية‬ ‫يف من تزاول هذه املهنة الحصول عىل شهادة تأهيل من‬ ‫فى قضايا الراى‬ ‫مختصة‪ ،‬علامً بأن هذه الجهة‪ ...‬غري موجودة يف‬ ‫جهة‬ ‫َّ‬ ‫العام وحقوق االنسان‬ ‫رشع‪ ،‬للغرابة‪ ،‬إذ ال يحظر‬ ‫ُّ‬ ‫السودان أصالً! رابعاً‪ :‬يتناقض امل ِّ‬ ‫ومن ابرز قضاياه فى‬ ‫عىل الرجال منافسة النساء يف «متلك» مثل هذه املحالت‪،‬‬ ‫منتصف الثمانينيات‬ ‫و»التكسب» منها‪ ،‬يف الوقت الذي يبدي فيه أكرب الحرص‬ ‫ُّ‬ ‫عندما قاد فريق اإلدعاء‬ ‫رشع‬ ‫عىل عدم اختالطهم به َّن فيها! بعبارة أخرى‪ ،‬فإن امل ِّ‬ ‫ضد قادة نظام نميري‬ ‫يتش َّدد يف «الحظر» عند تناول املسألة من زاوية «االسرتابة‬ ‫الذي حكم البالد بين‬ ‫يف جنس النساء»‪ ،‬لكنه يرتخَّص يف «اإلباحة» عند تناولها من‬ ‫‪ 1969‬ـ ‪1985‬م‪ .‬عبر‬ ‫زاوية «االستثامر ال َّرأساميل»! ومع ذلك ال يوضِّ ح كيف لرجل‬ ‫السنوات تولى عدد من‬ ‫أن ميتلك مثل هذا «املحل‪/‬االستثامر» دون أن يتمكن من‬ ‫القضايا الهامة وقضايا‬ ‫رشع بأن ذلك ميكن‬ ‫«إدارته» بنفسه! وحتى لو سلمنا مع امل ِّ‬ ‫الرأي العام وآخرها‬ ‫أن يتم عن طريق مديرة «يف الخامسة والثالثني من العمر!»‪،‬‬ ‫قضية المهندسة أميرة‬ ‫رشع ال يوضِّ ح أين ميكن لـ «املالك = الرجل» أن‬ ‫فإن امل ِّ‬ ‫عثمان التي ُحوكمت‬ ‫يجتمع بهذه «املديرة = املرأة» ألغراض الوقوف عىل أحوال‬ ‫بموجب قانون النظام‬ ‫استثامره‪ ،‬طاملا حظر عليه دخول املحل‪ ،‬مع كون القاعدة‬ ‫العام في قضية الزي‬ ‫هي أن عالقات العمل متارس يف مكان العمل!‬ ‫وتمكن من الطعن‬ ‫في النظام القانوني‬ ‫وأسقطت القضية‪.‬‬ ‫وأيضا هو شاعر وكاتب‬ ‫مشارك في عدد من‬ ‫الصحف المطبوعة‬ ‫والمواقع اإلليكترونية‬ ‫السودانية والعربية‪.‬‬ ‫شغل منصب السكرتير‬ ‫العام إلتحاد الكتاب‬ ‫السودانيين مرتين وهو‬ ‫عضو مؤسس‬ ‫للمنظمة السودانية‬ ‫لحقوق االنسان‪،‬جامعة‬ ‫أم درمان األهلية‬ ‫والمرصد السوداني‬ ‫لحقوق االنسان‪،‬وعضو‬ ‫شرف بـمنظمة القلم‬ ‫العالمية للدفاع عن‬ ‫الكتاب المضطهدين‪،‬‬ ‫متزوج وأب لبنت وولد‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫االقتصادي واالجتامعي والثقايف‪ ،‬باإلضاف ِة إىل الرتكيز الواضح عىل ظلم‬ ‫جنس النساء‪ ،‬وزعم االستناد‪ ،‬يف ذلك‪ ،‬إىل التعاليم والقيم اإلسالم َّية‪ ،‬فث ّمة‬ ‫سؤاالن أساسيّان ينطرحان بشكلٍ‬ ‫منطقي عىل النحو اآليت‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫أ‪ /‬هل ميكن اعتبار هذا القانون «عادالً» مبعيار القيم واملبادئ‬ ‫بغض النظر‬ ‫اإلسالميَّة‪ ،‬وقواعد «الحريَّات» و»املساواة» بني املواطنني ِّ‬ ‫عن ال ِّجنس «ذكور‪/‬إناث»؟‬ ‫ب‪ /‬هل هو متسق‪ ،‬عموماً‪ ،‬مع ثقافات وتص ُّورات الناس الذين يُطبّق‬ ‫عليهم‪ ،‬والنابعة من صميم وجدانهم‪ ،‬باملستوى الذي يؤهله للقبول‬ ‫لديهم؟‬

‫بالنسبة للسؤال األول‪ ،‬من غري املمكن‪ ،‬حتى ألعجل نظرة‪ ،‬أن تنكر‪،‬‬ ‫إال من رمد‪ ،‬القدر الهائل من التحيُّز ض ّد املرأة يف هذا القانون‪ ،‬وهو‬ ‫ناشئ عن نظر ٍة ذكوريّ ٍة مرتتبة عىل أوضا ٍع اقتصاديَّة اجتامعية‬ ‫تح ّيز ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متوارث‪ ،‬تاريخيّاً‪ ،‬يف‬ ‫فكري‬ ‫موقف‬ ‫ظامل ٍة للمرأة‪ ،‬بشكلٍ عام‪ ،‬وعن‬ ‫ٍّ‬ ‫السودان‪َ ،‬م ْدخُوالً‬ ‫ويف‬ ‫املنطقة‬ ‫يف‬ ‫املسلمة‪،‬‬ ‫إطار ال َّجامعة العرب َّية‬ ‫ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫و ُملتبساً‬ ‫كل البعد عن‬ ‫بتأثريات إغريقيّ ٍة ورومانيّ ٍة وفارسيَّة بعيدة َّ‬ ‫جوهر التعاليم والتوجيهات واملقاصد الكل َّية لإلسالم بشأن املرأة‪.‬‬ ‫فوضع املرأة يف إطار الحضارتني اإلغريقيَّة والرومانيَّة كان وضع‬ ‫الكائن امله َّمش‪ ،‬أو هو باألحرى وضع «املتاع املصون»‪ ،‬حتى أن أفكار‬ ‫أرسطو حول تعليم املرأة اعتربت‪ ،‬يف مرحلة الحقة من التط ُّور‪ ،‬أفكارا ً‬ ‫رشيرا ً قادرا ً عىل جلب‬ ‫ثوريَّة‪ .‬وكان الفرس أيضاً يعتربون املرأة كائناً ِّ‬ ‫النحس وتخريب الدنيا‪ ،‬فكانت تعامل عىل هذا األساس! وقد اجتمع‬ ‫استضعاف املرأة مع تهميشها يف مجتمعات القرون الوسطى الرببريَّة‪،‬‬ ‫والصب َّية‪ ،‬واآلريَّة‪ ،‬حيث سادت العقل َّية الثيوقراط َّية‪،‬‬ ‫وال ِّجريمان َّية‪ِّ ،‬‬ ‫املطاطيَّة التي صيغت بها املواد آنفة الذكر من هذا باجتهاداتها الفقهيَّة الكنسيَّة‪ ،‬التي ت ِّربر ذلك االستضعاف والتهميش‪.‬‬ ‫والسلطات التقديريَّة غري املحدودة التي منحت فيه‬ ‫القانون‪ُّ ،‬‬ ‫أما اإلسالم فقد اتخذ‪ ،‬عىل النقيض من ذلك‪ ،‬ومنذ فجره الباكر‪،‬‬ ‫ألفراد ما يُعرف بـ «رشطة النظام العام»‪ ،‬فتحت األبواب عىل‬ ‫مصاريعها‪ ،‬عند املامرسة التطبيق ّية‪ ،‬إلضافة كل ما ميكن أن موقفاً إيجاب َّياً من املرأة‪ ،‬إذ نَ َزل القرآن الكريم من ِّزهاً لها من صفات‬ ‫اب‬ ‫يخطر‪ ،‬أو ال يخطر‪ ،‬عىل بال هذه ُّ‬ ‫رش‪ ،‬التي كانت قد ألصقت بها‪{ :‬ف َْاستَ َج َ‬ ‫الشطة‪ِ ،‬م َّم مل ترد بشأنه الشَّ يطان ال َّرجيم‪ ،‬جالب ال ِّ‬ ‫نصوص رصيحة ومنضبطة يف هذا القانون**‪ ،‬من تدخل فظ لَ ُه ْم َربُّ ُه ْم أَ ِّ ْن الَ أُ ِض ْي ُع َع َم َل َعا ِملٍ ِّمن ُك ْم ِّم ْن َذكَ ٍر أَ ْو أُنثَى بَ ْعضُ كُم ِّمن‬ ‫يف ما ترتدي النساء‪ ،‬ومن فرض للحجاب عليهن‪ ،‬وإىل ذلك بَ ْع ٍض}‪١٣‬ـ‬ ‫ات َوالْقَانِ ِت َني َوالْقَانِتَ ِ‬ ‫{إِ َّن الْ ُم ْسلِ ِم َني َوالْ ُم ْسلِ َم ِت َوالْ ُم ْؤ ِم ِن َني َوالْ ُم ْؤ ِم َن ِ‬ ‫مطاردتهن يف الشَّ وارع واألسواق‪ ،‬خصوصاً الفقريات منه َّن‬ ‫ات‬ ‫ِ‬ ‫َاش ِع َني َوالْخ ِ‬ ‫ات َوالْخ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َاش َع ِ‬ ‫الصا ِب َر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫هاتيك‬ ‫الاليت ميته َّن صنع وبيع الشاي واألطعمة البلديَّة‪ ،‬وغري‬ ‫ات‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫ِي‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫الص‬ ‫و‬ ‫َات‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫الص‬ ‫و‬ ‫ني‬ ‫ق‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫الص‬ ‫و‬ ‫َ َّ َ َ َّ‬ ‫َ َّ َ َ َّ‬ ‫الص ِائ ِ‬ ‫ِم َّمن مل يجدن ما يكسنب به قوتهن سوى األنشطة االقتصاديّة َوالْ ُمتَ َص ِّد ِق َني َوالْ ُمتَ َص ِّدق ِ‬ ‫َات َوالْ َحا ِف ِظ َني فُ ُرو َج ُه ْم‬ ‫الص ِائِ َني َو َّ‬ ‫َات َو َّ‬ ‫َات َوالذَّاكِرِي َن اللَّ َه كَ ِث ًريا َوالذَّاكِ َر ِ‬ ‫الهامش ّية‪ .. .‬إلخ‪ .‬فال يكون صحيحاً‪ ،‬إذن‪ ،‬االعوجاج بالنقد َوالْ َحا ِفظ ِ‬ ‫ات أَ َع َّد اللَّ ُه لَ ُه ْم َم ْغ ِف َر ًة َوأَ ْج ًرا‬ ‫تنص بوضو ٍح «عىل أن‬ ‫يم}‪ .١٤‬وهذه اآلية‪ ،‬عىل وجه التخصيص‪ُّ ،‬‬ ‫ليطال فقط آليَّة إنفاذ أحكام هذا القانون من رشطة ونيابات َع ِظ ً‬ ‫ومحاكم‪ ،‬دون القانون ذاته‪ ،‬ففي ذلك كثري من االنرصاف ال ِّجنسني متساويان‪ ،‬وبدقة‪ ،‬بصفتهام أعضا ًء يف ال َّجامعة‪ ،‬فالله يُفاضل‬ ‫(الظل)!‬ ‫املعيب عن (العود) إىل ّ‬ ‫الحق يف ثوابه‬ ‫بني هؤالء الذين هم جزء من أ َّمته‪ ،‬هؤالء الذين لهم ُّ‬ ‫بدون ح ٍّد‪ .‬وليس ال ِّجنس هو ما يح ِّدد فضله‪ .‬إنه اإلخالص وال َّرغبة يف‬ ‫خدمته وطاعته»‪ .١٥‬وميكن التامس أدلة كثرية يف هذا املجال من سرية‬ ‫الصالح‪.‬‬ ‫الخاتمة‬ ‫والسلف َّ‬ ‫النبي (ص)‪ ،‬ومن سلوك صحابته األجالء‪َّ ،‬‬ ‫وبإزاء ما يالحظ من غلبة‪ ،‬يف هذه النصوص‪ ،‬ملالمح الظلم‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫السؤال املرشوع التايل‪ :‬من أين‪ ،‬إذن‪ ،‬تسلل مفهوم‬ ‫ويثور‪ ،‬فورا ً‪ُّ ،‬‬


‫هي وهو‬

‫والسودانيني‬ ‫رش» إىل تديُّن وثقافة املسلمني العرب‪ُّ ،‬‬ ‫«الحريم ـ مصدر ال ِّ‬ ‫السودان‪،‬‬ ‫يف‬ ‫املفهوم‬ ‫هذا‬ ‫جاءنا‬ ‫لقد‬ ‫تركيا‪.‬‬ ‫من‬ ‫بخاصة؟! واإلجابة‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫الشق التي أخضُ عت وألحقت برتكيا‪ ،‬ليس من‬ ‫مثلنا مثل كل بلدان َّ‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وإمنا من هذا البلد الذي تأثرت ثقافته‪ ،‬إىل ح ٍّد بعيد‪ ،‬بثقافة‬ ‫القبائل اآلريَّة التي نَ َز َحت من منطقة البلقان‪ ،‬حاملة معها الفكرة‬ ‫رش» لتتالقح مع الفكرة الرومان َّية عن «املرأة‬ ‫الفارس َّية عن «املرأة ـ ال ِّ‬ ‫السلبية التي ما زالت تؤثر‪،‬‬ ‫ـ املتاع»‪ ،‬لتنتج‪ ،‬منذ ذلك الحني‪ ،‬النظرة َّ‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬عىل معاملة ال َّرجل األوريب العادي للمرأة‪ .‬وقد لعب انتهاء‬ ‫الخالفة ال َّراشدة‪ ،‬وتح ُّولها إىل ُم ٍ‬ ‫لك عضود‪ ،‬بانتقالها إىل الشَّ ام وبغداد‪،‬‬ ‫أي إىل مركز الثقل لتأثري الحضارتني الرومان َّية والفارس َّية‪ ،‬ال َّدور األكرب‬ ‫يف تعطيل اإلسالم املستنري‪ ،‬بشأن املرأة خصوصاً‪ ،‬واالبتعاد عن أصوله‬ ‫والسنة‪ .‬وبعد أيلولة الخالفة إىل الباب العايل كان ال ب َّد‬ ‫يف القرآن ُّ‬ ‫السالب للثقافة الرتك َّية لتطال األصقاع التي‬ ‫األثر‬ ‫دوائر‬ ‫أن تنداح‬ ‫َّ‬ ‫السودان‪ .‬ورغم أن تلك الثقافة فشلت‬ ‫انبسطت سلطتها عليها‪ ،‬ومنها ُّ‬ ‫يف التغلغل العميق املبارش يف األوساط الشَّ عب َّية‪ ،‬إال أنها «اكتسبت‬ ‫التف حولها صفو ٌة‬ ‫أرضها الخصيبة يف القطاع املثقف‪ ،‬إذ رسعان ما َّ‬ ‫من املتن ِّورين أصبحوا حملتها‪ ،‬والناطقني باسمها‪ ،‬واملتكفِّلني ببثها بني‬ ‫الناس»‪.١٦‬‬ ‫عم إذا كان من املمكن اعتبار هذا‬ ‫أما يف ما يتعلق بالسؤال الثاين ّ‬ ‫القانون متسقاً مع ثقافات الناس الذين يفرتض أن يُطَ ّبق عليهم يف نطاق‬ ‫والية الخرطوم‪ ،‬والتي تشهد‪ ،‬كام سبق وأرشنا‪ ،‬نزوحاً كثيفاً من الريف‪،‬‬ ‫فيكفي أن نشري إىل ما قال مدير رشطة النظام العام يف ورشة عمل‬ ‫«مركز التدريب القانوين بالخرطوم»‪« :‬من كان ال يرغب يف الخضـوع‬ ‫لهذا القانون فإن عليه أال يجيء إىل هذه الوالية!»*** فإذا وضعنا‬ ‫السودانيني كشعب واحد‪ ،‬أو كمجتمعٍ‬ ‫يف االعتبار استحالة النظر إىل ُّ‬ ‫واحد‪ ،‬مام يجعل من املستحيل‪ ،‬أيضاً‪ ،‬الحديث عن ثقاف ٍة واحدةٍ‬ ‫تجمعهم‪ ،‬إال مجازا ً‪ ،‬بفعل واقع بالدنا التي تض ُّم مئات القوم َّيات‪،‬‬ ‫والعنارص‪ ،‬واملجموعات القبليَّة واإلثنيَّة‪ ،‬وكذلك األديان‪ ،‬والثقافات‪،‬‬ ‫واللغات‪ ،‬إضافة إىل مختلف العوامل التي عطلت تشكلنا ال ُهويوي‬ ‫كأ َّمة‪ ،‬ويتمثل أبرزها يف هشاشة البنيات التحت َّية للوحدة املتجانسة‪،‬‬ ‫بفعل االستعالء البغيض الذي ميارسه أغلب املستعربني املسلمني عىل‬ ‫من سواهم‪ ،‬وكذلك بفعل النهب والتخريب االستعامريني‪ ،‬فضالً عن‬ ‫فشل النخب املستعربة املسلمة التي تعاقبت عىل حكم البالد منذ‬ ‫االستقالل‪ ،‬فإن عبارة مدير رشطة النظام العام تختزل‪ ،‬وبدقّ ٍة متناهي ٍة‪،‬‬ ‫ورصام ٍة عسكريّ ٍة مشهودة‪ ،‬تلك الفكرة املستعلية القامئة عىل االنحياز‬ ‫السلطوي إىل ثقافة مثلث الوسط الذهبي «الخرطوم‬ ‫العربوإسالموي ُّ‬ ‫السودانيَّة التي اضطر‬ ‫ـ كوستي ـ سنار»‪ ،‬دون بقية ثقافات «الهامش» ُّ‬ ‫أهلها‪ ،‬بسبب الفقر وال َّجفاف والتص ُّحر‪ ،‬خالل فرتات تاريخ َّية مختلفة‪،‬‬ ‫وما زالوا يضطرون لهجر بواديهم وقراهم‪ ،‬والنزوح إىل الخرطوم‪ ،‬حيث‬ ‫يلتف حولها‪ ،‬اآلن‪ ،‬حزام عشوايئ غاية يف الضَّ خامة‪ .‬عىل أن املفارقة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫تطل برأسها من بني ثن َّيات هذه العبارة‪ ،‬لتخلخل‬ ‫مع ذلك‪ ،‬ال تلبث أن َّ‬ ‫الفكرة بر َّمتها‪ ،‬إذ أن القانون يتصادم‪ ،‬أيضاً‪ ،‬مع الكثري من الثقافات‬

‫ال َّراسخة حتى يف هذا النطاق ال ُّجغرايف املح َّدد (املثلث الذَّهبي)‪،‬‬ ‫رش ع انتامء هذا‬ ‫ويدين غالب أهله‪ ،‬للمفارقة‪ ،‬باإلسالم الذي يزعم امل ِّ‬ ‫القانون إليه! وبالتايل تتصاغر الخلفيَّة العقديَّة‪ ،‬واالجتامعيَّة‪ ،‬والفكريَّة‬ ‫لهذا القانون‪ ،‬لتنحرص يف ح ِّيز بالغ الضِّ يق‪ ،‬يكاد ال يتجاوز تص ُّورات‬ ‫النخبة الحاكمة فحسب!‬ ‫كمال الدين الجزولي‬

‫وقدم‪ ،‬أول أمره‪ ،‬في ورشة العمل التي نظمها (معهد‬ ‫اعد أصل هذه الورقة‪ِّ ،‬‬ ‫التدريب واإلصالح القانوني بالخرطوم ـ أركويت) حول (تجربة النظام العام ومدى‬ ‫مساسه بالحقوق والحريات)‪ ،‬في الفترة من ‪ 8‬إلى ‪ 10‬فبراير ‪2000‬م؛ ثم في‬ ‫النسائية)‪ ،‬بالتعاون مع (مؤسسة‬ ‫الورشة التي نظمتها (مجموعة المبادرات‬ ‫ّ‬ ‫فريدريش آيبرت) األلمانية‪ ،‬تحت عنوان (المرأة والقانون)‪ ،‬بقاعة الشارقة‬ ‫بالخرطوم‪ ،‬في الفترة من ‪ 11‬إلى ‪ 18‬أبريل ‪2000‬م؛ كما نشرت على حلقات‬ ‫بجريدة (الصحافة) خالل شهر يونيو ‪2000‬م؛ وقدمت‪ ،‬منذ ذلك الحين‪ ،‬بإضافة‬ ‫بعض التعديالت‪ ،‬أمام العديد من السمنارات‪ ،‬والندوات‪ ،‬وورش العمل التي‬ ‫نظمتها مختلف منظمات المجتمع المدني السودانية‪.‬‬

‫* ولعل هذا هو المغزى الذي رمى إليه كبير أساقفة كنتربري‪ ،‬عند زيارته‬ ‫ّ‬ ‫مستهل كتابه (طريق‬ ‫لبعض المحاكم في انجلترا‪ ،‬فيما روى اللورد ديننج في‬ ‫إلى العدالة)‪ ،‬حين خاطب قضاتها بقوله‪( :‬ال أزعم أنني افهم كثيراً في القانون‪،‬‬ ‫ولكنني أستطيع أن أزعم أنني أفهم كثيراً في العدالة)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما يقع الخلط بين «النظام العام» و»أمن المجتمع»؛ إذ أنه‪ ،‬وبعد‬ ‫**‬ ‫قرابة العشر سنوات من تأسيس الشرطة والنيابات والمحاكم الخاصة بتطبيق‬ ‫«قانون النظام العام لسنة ‪1996‬م»‪ ،‬جرى تأسيس شرطة ونيابات ومحاكم‬ ‫«أمن المجتمع» التي عهد إليها‪ ،‬إضافة إلى هذا القانون‪ ،‬بتطبيق نصوص أخرى‬ ‫من «القانون الجنائي لسنة ‪1991‬م»‪ ،‬كنص المادة‪ 152/1/‬التي تقرأ‪« :‬من‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مخال باآلداب العامة‪ ،‬أو يتزيَّا بزي‬ ‫فاضحا أو‬ ‫سلوكا‬ ‫فعال أو‬ ‫يأتي‪ ،‬في مكان عام‪،‬‬ ‫فاضح أو مخل باآلداب العامة‪ ،‬أو يسبب مضايقة للشعور العام‪ ،‬يعاقب بالجلد‬ ‫ً‬ ‫بما ال يجاوز أربعين جلدة‪ ،‬أو بالغرامة‪ ،‬أو بالعقوبتين معا»‪ .‬وتنص الفقرة‪ 2/‬من‬ ‫ً‬ ‫مخال باآلداب العامة إذا كان كذلك في معيار‬ ‫هذه المادة على اعتبار «الفعل‬ ‫ً‬ ‫علما بأن‬ ‫الدين الذي يعتنقه الفاعل‪ ،‬أو عرف البلد الذي يقع فيه الفعل»؛‬ ‫هذه «المعايير» و»األعراف» خاضعة بدورها لنوع ومستوى «تديُّن» و»ثقافة»‬ ‫الشرطي أو وكيل النيابة أو القاضي الذي يعهد إليه بتقييم الفعل من زاوية‬ ‫«الدين» أو «األخالق”!‬ ‫*** لقد «أصاب!» السيد مدير شرطة النظام العام بوالية الخرطوم‪ ،‬أيَّما‬ ‫«صواب!»‪ ،‬في فهمه «الدقيق!» لمنطق االقتصاد السياسي الكامن في خلفية‬ ‫عبر عنه بوضوح تام في تعليقه على رأينا هذا‪ ،‬حين‬ ‫عالقات هذا النص‪ِ ،‬م َّما َّ‬ ‫طرحناه من خالل مساهمتنا في ورشة العمل التي سلف ذكرها‪ ،‬والتي كان‬ ‫نظمها مركز التدريب القانوني بالخرطوم‪ ،‬حيث قال بالحرف الواحد‪« :‬من كان ال‬ ‫يرغب في الخضوع لهذا القانون‪ ،‬فإن عليه أال يأتي إلى هذه الوالية»!‬

‫‪١‬سورة البقرة اآلية (‪)30‬‬ ‫‪٢‬سورة اإلسراء اآلية‬ ‫(‪)70‬‬ ‫‪٣‬سورة البقرة اآلية (‪)34‬‬ ‫‪٤‬سورة الروم اآلية (‪)30‬‬ ‫‪٥‬أخرجه الطبراني في‬ ‫األوسط‬ ‫‪٦‬سورة يونس اآلية (‪)99‬‬ ‫‪٧‬سورة األنعام اآلية‬ ‫(‪)107‬‬ ‫‪٨‬سورة الكهف اآلية‬ ‫(‪)29‬‬ ‫‪٩‬سورة البقرة اآلية‬ ‫(‪)256‬‬ ‫‪١٠‬سورة الغاشية اآلية‬ ‫(‪)22‬‬ ‫‪١١‬سورة النجم اآليات‬ ‫(‪)40،41 ،39‬‬ ‫‪١٢‬التقرير االستراتيجي‬ ‫السوداني ‪1998‬م‪،‬‬ ‫مركز الدراسات‬ ‫االستراتيجية‪ ،‬الخرطوم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫السودان‪ ،‬ص ‪،359‬‬ ‫‪361‬‬ ‫‪١٣‬سورة األحزاب اآلية‬ ‫(‪)35‬‬ ‫‪١٤‬المرنيسي؛ الحريم‬ ‫السياسي ـ النبي‬ ‫والنساء‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار‬ ‫الحصاد‪ ،‬دمشق‬ ‫‪1993‬م‪ ،‬ص ‪150‬‬ ‫‪١٥‬محمد المكي‬ ‫إبراهيم؛ الفكر‬ ‫السوداني‪ :‬أصوله‬ ‫ّ‬ ‫وتطوره‪ ،‬ط ‪ ،2‬مطبعة‬ ‫ّ‬ ‫أرو‪ ،‬الخرطوم ‪1989‬م‪،‬‬ ‫ص ‪.11‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪53‬‬


‫الجمع بين االجتهاد‬ ‫والعقالنية‬ ‫مقابلة مع د‪ .‬زاهية بنت سالم جويرو‬

‫يف نظري ديناً حرصت طيلة حيايت عىل اإليفاء‬ ‫به بالعمل الجدي واالجتهاد‪ ،‬فحالفني النجاح‬ ‫بتفوق ولله الحمد وامل ّنة‪ .‬ومدينة أيضاً عىل‬ ‫الصعيد الفكري للمدرسة التونسية اإلسالمية‬ ‫التي جمعت بني اإلجتهاد والعقالنية‪ .‬تعلمت‬ ‫منها أن التفكري العقالين الحر هو سبيلنا يف‬ ‫هذا العرص إىل جعل ديننا ُمعارصا ً‪ ،‬وجعلنا‬ ‫منسجمني مع عرصنا ومقتضياته دون انفصال‬ ‫عن ذواتنا الحضارية وعن مقومات هويتنا‬ ‫بإعتدال وتوازن بني األصالة واملعارصة‪ ،‬كام‬ ‫تعلمت من املدرسة التونسية أن اإلسالم يف‬ ‫جوهره‪ ،‬عقيدة ورشيعة‪ ،‬دين مت َّجه دامئا نحو‬ ‫املستقبل‪ ،‬ولكن املسلمني هم الذين خلقوا‬ ‫بإغالقهم باب االجتهاد‪ ،‬رشخاً بني اإلسالم‬ ‫والعرص ومكتسباته يف مجال املعارف والنظم‬ ‫والقوانني وغري ذلك‪.‬‬

‫الدكتورة زاهية بنت سالم جويرو‪ ،‬تونسية‪ ،‬أستاذة الدراسات اإلسالمية‬ ‫بالجامعة التونسية‪ ،‬حاصلة على الدكتوراه بأطروحة نشرت سنة ‪2014‬‬ ‫عن دار الطليعة ببيروت عنوانها اإلفتاء بين ساج المذهب وإكراهات‬ ‫التاريخ ولها كتب منشورة منها القصاص في النصوص المقدسة‪ ،‬دراسة‬ ‫تاريخية صادر بتونس و اإلسالم الشعبي صادر ببيروت و الوأد الجديد‪،‬‬ ‫مقاالت في الفتوى وفقه النساء صادر بتونس إضافة إلى عدد مهم من‬ ‫المقاالت المنشورة في الدوريات العلمية وفي منشورات مشتركة مع‬ ‫كتاب وأكاديميين‪ .‬الدكتورة زاهية أم لشابة وشاب هما دجلة والفرات‬ ‫يدرسان بالجامعة التونسية‪.‬‬

‫كيف أبصرت طريقي‬

‫وانا فخورة بأن نجاحي من العوامل التي‬ ‫ساهمت يف تغيري العقلية املحلية والنظرة‬ ‫الدونية إىل الفتيات‪ ،‬مام فتح املجال أمام‬ ‫السامح لفتيات قريتي مبواصلة تعليمهن‬ ‫خارج القرية‪ .‬كان التحدي بالنسبة يل هو‬ ‫أن أنجح يف الدراسة وأستطيع إدارة نفيس‬ ‫بنفيس‪ ،‬فقد كنت دامئاً أحصل عىل أعىل‬ ‫درجة وكنت األوىل يف أي إمتحان وهكذا‬ ‫رفعت رأس والدي‪ .‬وقد واصلت يف إجتهادي‬ ‫حتى يومنا هذا‪ ،‬ويف آخر مناظرة شاركت فيها‬ ‫يف وزارة التعليم العايل للرتقي إىل رتبة أستاذ‬ ‫نلت املركز األول دون منازع‪.‬‬ ‫ُ‬

‫حر هو سبيلنا في‬ ‫التفكير العقالني ال ُ‬ ‫هذا العصر‬

‫لوالدي رحمهام الله‪ ،‬فقد تح َّديا البيئة‬ ‫أنا مدينة عىل الصعيد الشخيص‬ ‫ّ‬ ‫فكنت يف قريتي الفتاة األوىل منذ طفولتي وأنا أنظر إىل نساء أرسيت وأحاول أن أجد طريقة‬ ‫املحافظة وشج َّعاين عىل مواصلة دراستي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫التي تغادر القرية لتواصل دراساتها العليا مبفردها يف العاصمة‪ ،‬ورغم ملساعدته َّن‪ ،‬وكنت أطرح سؤال‪ :‬هل ميكن أن يكون االسالم ظاملاً للمرأة؟‬ ‫كل الضغوط االجتامعية التي تع َّرض لها والدي فإنه ساندين وكان ذلك وعندما زاد وعيي‪ ،‬عرفت أن هذا الظلم ناتج عن مزيج من العادات‬

‫‪54‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫مراجعات معرفية‬

‫والتقاليد‪ ،‬وعن سوء استخدام للدين ولوظيفته‪ ،‬وهذا الفهم يهيمن الدين‪ ،‬وهذا ما يؤدي إىل مناصبة العداء لكل ُم ِ‬ ‫خالف ورميه بشتى‬ ‫عليه اإلنغالق واألصولية من جهة‪ ،‬والتعامل السيايس املرتبط باملصالح النعوت والوصول إىل ح ِّد تكفريه‪ .‬إن استسهال تكفري امل ُخالف يف فهم‬ ‫املادية واإليديولوجية من جهة أخرى؛ مثل هذا التعامل مع الدين كاد اإلسالم أصبح ُمعضلة حقيقية يعاين منها الباحثني وأنا واحدة منهم‪.‬‬ ‫أن يلغي طبيعته الروحية ودوره األسايس يف إضفاء معنى لوجود املؤمن‪،‬‬ ‫وح َّوله إىل وسيلة يدار بها الرصاع الدنيوي من أجل السلطة والنفوذ‪،‬‬ ‫والحقيقة إن قدرة اإلسالم على أن يجاري العصور تظل رهينة‬ ‫هذا الرصاع الذي ما َّ‬ ‫انفك يتَّخذ نهجاً عنيفاً جدا ً‪ ،‬أدَّى إىل وسم اإلسالم‬ ‫من‬ ‫الكثري‬ ‫َّت‬ ‫ك‬ ‫انف‬ ‫ما‬ ‫هذا‪،‬‬ ‫عن‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫فض‬ ‫باإلرهاب‪،‬‬ ‫بالتط ُّرف ووسم املسلمني‬ ‫بقدرة المسلمين على فهمه والتعامل معه بما يكتسبونه‬ ‫األنظمة يف بلداننا العربية ويف العامل اإلسالمي‪ ،‬تستخدم اإلسالم لتربير‬ ‫متنام ومتطور‪ ،‬ال أن يتوقفوا عند‬ ‫من معارف متجددة ومن وعي‬ ‫ٍ‬ ‫استبدادها بالسلطة‪ ،‬ولرشعنة أنظمة فاقدة يف الواقع للرشعية الشعبية‪.‬‬ ‫وتأويالت كأنها ُمقدسة هي األخرى‬ ‫فهم‬ ‫من‬ ‫السلف‬ ‫أنتجه‬ ‫ما‬ ‫ٍ‬ ‫كل هذه العوامل وغريها أقنعتني بأن تطوير العامل اإلسالمي مرشوع‬ ‫ٍ‬ ‫يحتاج إىل إعادة النظر يف تلك القضايا وخاصة يف مسألة توظيف الدين‬ ‫قداسة الدين‪.‬‬ ‫سياسياً واجتامعياً‪ ،‬وإىل العمل عىل تحويله من أداة لرشعنة االستبداد‬ ‫السيايس والظلم االجتامعي‪ ،‬خاصة ذاك املسلّط عىل النساء‪ ،‬إىل أداة‬ ‫أبي فيه أننا ال نتمثل‬ ‫تحرر للعقول وللضامئر أوالً وإلصالح الواقع وإشكالياته كام كان يف أصل كتبت كتاباً عنوانه اإلسالم الشعبي وحاولت أن ِّ‬ ‫وضعه كرسالة ساموية‪ ،‬جاءت لتحرير اإلنسان من كل أشكال السطوة اإلسالم جميعاً بنفس الطريقة‪ ،‬فالعلامء متثَّلوا اإلسالم وعاشوه بطريقة‪،‬‬ ‫قمت بعمل‬ ‫والظلم األرضيني وجعل اإلميان قوة تحرير وتق ُّدم‪.‬‬ ‫ولكن الناس يعيشون إسالمهم وتدينهم بطريقة مختلفة‪ُ .‬‬ ‫درست ظاهرة األولياء ‪.‬‬ ‫علمي وموضوعي ال يحمل أى أشكال شخصية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كان إلستاذى الذي أصبح مؤطري يف البحوث الجامعية األستاذ عبد كتايب ُمنع من النرش يف تونس ونُرش يف بريوت‪ ،‬كام ُمنع من الدخول لفرتة‬ ‫املجيد الرشيف وهو عل ٌم من أعالم الفكر اإلسالمي الحديث‪ ،‬كان له دورا ً طويلة‪ ،‬وبسببه ت َّم تكفريي وهذا جعلني أتسأل واستغرب بني التناقض‬ ‫كبريا ً يف صياغة معاريف حول الفكر اإلسالمي‪ ،‬حيث رأيت فيه الصورة الداخيل‪ ،‬من أنا؟ وكيف أعيش أمياين وما يو َّجه ا َّىل من ت ُهم؟ كل ذلك‬ ‫الجديدة للمسلم الذي يحرتم املرأة وكيانها‪ ،‬وهو كذلك مرشف عىل دفعني إىل أن ازداد إرصارا ً عىل ُمامرسة إمياين الداخيل كام أقتنعت به‬ ‫تخصصت يف املذهب املاليك‪ ،‬وكام أريد أن أعيش وال أريد أن أثبت أمياين ألحد‪.‬‬ ‫أغلب بحوث النساء يف جامعتي‪ ،‬وقد‬ ‫ُ‬ ‫وعرفت كيف تك َّون هذا النظام وعنارصه الجزئية‪ ،‬ورصتُ أعرف تفاصيل‬ ‫التفاصيل‪ .‬واجهتني العديد من اإلشكاالت أولها‪ :‬إشكاليات معرفية‬ ‫ناتجة عن الوعي بالحاجة إىل توظيف املعارف الحديثة يف فهم الدين ال يُفتى ومالك في المدينة‬ ‫ووظائفه ويف قراءة تاريخه‪ ،‬وكيفيات فهم الناس‪ ،‬ومتثُّلهم له من جهة‬ ‫ومبا تفرضه املعارف التقليدية من جهة أخرى‪ .‬اإلشكالية الثانية والتى هناك أشياء اكتشفتها بحكم دراستي منها ما يتعلق بفقه اإلسالميات‬ ‫التمسك بالقديم وكأنه بشكلٍ عام‪ ،‬ومنها ما يتعلق بالنساء وأحكام النساء‪ .‬من النتائج التي‬ ‫متثلت ىف الضغوط التى تدعو عددا ً من الناس إىل ُّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫اف‬ ‫ر‬ ‫وانح‬ ‫ا‬ ‫خلط‬ ‫غريها‪،‬‬ ‫املعرفة املطلقة والنهائية‪ ،‬التي تع ُّد كل معرف ٍة‬ ‫لت اليها والتي تتعلق باملنظومة الفقهية‪ ،‬أننا تعلَّمنا بشكل أسايس‬ ‫توص ُ‬ ‫َّ‬ ‫عن الدين القويم وعن نهج السلف يف فهمه والعمل به‪ .‬والحقيقة إن أن مصادر الترشيع اإلسالمي هي القرآن والسنة ثم اإلجامع والقياس‬ ‫قدرة اإلسالم عىل أن يجاري العصور تظل رهينة بقدرة املسلمني عىل واملصادر األخرى‪ ،‬وكان فهمنا وتص ُّورنا أن القرآن هو املصدر األسايس‪،‬‬ ‫فهمه والتعامل معه مبا يكتسبونه من معارف متجددة ومن وعي متنامٍ واملصادر األخرى هي عالة عليه وليس لديها نفس القيمة‪ .‬دراسايت‬ ‫ٍ‬ ‫وتأويالت كأنها أوصلتني إىل حقيقة أن القرآن ال يُستعمل إال يف قضايا قليلة مع األسف‪،‬‬ ‫ومتطور‪ ،‬ال أن يتوقفوا عند ما أنتجه السلف من فهمٍ‬ ‫ُمقدسة هي األخرى قداسة الدين‪.‬‬ ‫بينام املصادر األخرى صار وضعها يف الترشيع أقوى من القرآن‪ ،‬مثالً‪ ،‬نجد‬ ‫أن األحكام التي بُنيت من اإلجامع أو العادة والعرف‪ ،‬أكرث بكثري من‬ ‫وهذا النوع الثاىن من اإلشكاليات هو أم ٌر ناتج عن اإلنغالق والتط ُّرف التي مصدرها القرآن‪ .‬هذه جعلتني أم ِّيز بني املعرفة املبنية عىل اإلميان‬ ‫يف فهم الدين واإلفراط يف‬ ‫التمسك بفهم السلف وبنهجهم يف توظيف بالقرآن‪ ،‬وبني املعرفة اإلجرائية التي تضع القرآن يف املرتبة األخرية‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪55‬‬


‫ريم عباس من من أهم ما توصلت إليه من نتائج فيام أنجزت من بحوث أن ما‬ ‫مدينة امدرمان‪ ،‬يع َّرف بالترشيع اإلسالمي‪ ،‬والذي هو أكرث مجاالت الدراسات اإلسالمية‬ ‫إستقطاباً إلهتاممي‪ ،‬فإكتشفت أن الترشيعات اإلسالمية الحالية تقوم‬ ‫السودان‬ ‫عىل نواة محدودة جدا ً وضيقة من األحكام ذات املصدر اإلسالمي فعالً‪،‬‬ ‫درست علم‬ ‫حيث أن الغالبية العظمى من تلك الترشيعات سواء يف مستوى األحكام‬ ‫االجتماع فى‬ ‫الجامعةاألمريكية الفرعية أو يف مستوى وسائل ومنهجيات بناء األحكام وإستنباطها إمنا‬ ‫بالقاهرة ودرجة هي ترشيعات برشية تاريخية‪ ،‬معنى ذلك أن البرش هم الذين وضعوها‬ ‫الماجيستير في بإجتهاداتهم وتحت ضغط أوضاعهم التاريخية وحاجات مجتمعاتهم‪،‬‬ ‫لكن ما حصل هو أن الفقهاء حرصوا عىل إخراج تلك األحكام البرشية‬ ‫دراسات النوع‬ ‫أصالً يف صورة أحكام «رشعية» أو «إسالمية» حتى يسهل قبولها واألخذ‬ ‫والهجرة من‬ ‫بها يف سياق مجتمعات كان الغالب عىل وعيها الطبيعة الدينية‪ ،‬وبطول‬ ‫جامعة األحفاد‬ ‫الوقت تم إدماج تلك األحكام عىل اختالفها يف دائرة واحدة‪ ،‬وأٌضفيت‬ ‫للبنات‪.‬‬ ‫عليها القداسة وت َّم تنايس أن الطبيعة أكرثها برشية تاريخية‪.‬‬ ‫ريم صحفية‬ ‫ومدونة لديها‬ ‫اعمال منشورة‬ ‫في العديد من‬ ‫الصحف العالمية‬ ‫والسودانية‬ ‫وعلي صفحات‬ ‫اإلنترنت‪.‬‬

‫توصلت إليها كذلك‪ ،‬أن املسلمون يف العصور‬ ‫أيضاً من النتائج التي‬ ‫ُ‬ ‫أي حر ٍج يف إعادة النظر يف ُمجمل أحكام امل ُعامالت‬ ‫الحديثة مل يجدوا ِّ‬ ‫وأحكام الجنايات وحتى ما يُعرف «باألحكام السلطانية» امل ُِنظمة‬ ‫للدولة‪ ،‬وال يف األخذ بقوانني من مرجعيات متنوعة مبا فيها املرجعية‬ ‫الغربية والعمل بها يف تنظيم الدولة‪ ،‬بينام ظلَّت قوانني األحوال‬ ‫الشخصية داخل سياج من املحافظة واإلنغالق‪ ،‬مام يدفع إىل البحث‬ ‫عن األسباب العميقة لهذه الظاهرة‪ ،‬يف إطار فكر النساء؛ فاجأتني صورة‬ ‫(سورة النساء) كام بناها الفكر اإلسالمي وحاولت أن أتفهم بأن هذه‬ ‫الصورة هي صناعة ظروف تاريخية معينة‪ ،‬وبالتايل فهي منسجمة مع‬ ‫هذه الظروف التاريخية التي أوجدتها‪ ،‬ولكن ليس من املقبول منطقا‬ ‫أن تظل نفس الصورة ت ُر َّوج اىل اليوم‪ ،‬يف الوقت الذي اختلفت فيه‬ ‫أدوار النساء داخل األرسة واملجتمع‪ ،‬حيث خرجت املرأة من الفضاء‬ ‫الخاص إىل الفضاء العام‪ ،‬وأصبحت تعمل وت ُساهم يف ثروة األرسة‪ .‬لقد‬ ‫ظلت الصورة التي تروجها جامعات اإلسالم السيايس عن املرأة تعمل‬ ‫عىل الحط من قدرها وتك ِّرس الضطهادها‪ .‬إذن كيف نجعل صورة املرأة‬ ‫منسجمة مع واقعها؟ هذا تحديدا ً ما دفعني إىل إعادة النظر يف األحكام‬ ‫أبي أن األحكام التي صنعت هذه الصورة‪،‬‬ ‫الفقهية الخاصة بالنساء يك ِّ‬ ‫هي وليدة عصور وأوضاع اجتامعية سابقة تتضاد مع أوضاع النساء اآلن‪.‬‬

‫إسهام الرجال في نشأة الحركة‬ ‫النسوية في الدول اإلسالمية‬

‫واقع موضوعي كانت فيه النساء مقصيات عن الفضاء العام ومحرومات‬ ‫من التعليم‪ ،‬مام جعل وعيهن متأخرا ً عن وعي النخبة امل ُثقَّفة وامل ُتعلِّمة‬ ‫من الرجال‪ .‬من هؤالء الرجال من أدرك أن هناك تالزما بني تطوير‬ ‫امل ُجتمع وتحرير النساء من واقع اإلقصاء والتهميش الذي فُرض عليهن‬ ‫لزمن طويل‪ ،‬ومنهم من أدرك أن هناك تالزما من نوع آخر بني تحرير‬ ‫العقل اإلسالمي من اإلنغالق املفروض عليه باسم الدين‪ ،‬وتخليص النساء‬ ‫من واقع الدونية التي فرضها نظام أبوي ذكوري بغطاء ديني‪ ،‬وقد مثَّل‬ ‫امل ُصلح التونيس الطاهر الحداد يف كتابه «امرأتنا يف الرشيعة وامل ُجتمع»‬ ‫هذا املوقف أحسن متثيل‪ ،‬فتالزم يف كتابه سعيه إلعادة بناء الرشيعة‬ ‫اإلسالمية عىل قواعد جديدة من القيم األصلية امل ُمثلة ملقاصد الترشيع‪،‬‬ ‫كالحرية والعدالة واملساواة والكرامة واحرتام الذات اإلنسانية للمرأة‪،‬‬ ‫وسعيه إىل تحرير النساء من واقع الظُلم والدونية والتهميش الذي عانني‬ ‫منه طويالً‪ .‬بعد هذه املرحلة األوىل‪ ،‬بدأت النساء يصنعن شيئاً فشيئاً‬ ‫مصريه َّن بأيديهن‪ ،‬فظهرت العديد من الجمعيات واملنظامت النسائية‬ ‫والحركات النسوية ومن بينها «النسوية اإلسالمية» التي ينطلق مرشوعها‬ ‫التحرري من داخل املرجعية اإلسالمية وعرب عمل تأوييل جديد ملصادر‬ ‫اإلسالم ولترشيعاته‪ ،‬يسعى إىل استعادة الروح التح ُّررية يف رسالة اإلسالم‬ ‫وإىل تحقيق االنسجام بني واقع النساء والقيم اإلسالمية الجوهرية‬ ‫ومقاصد الله الكُربى يف رسالته‪.‬‬

‫الدولة العلمانية ضرورة تاريخية‬ ‫‪...‬ولكن‬ ‫بقدر ما أؤمن بأن الدولة العلامنية رضورة تاريخية يقتضيها سعي‬ ‫الشعوب الدائب نحو العدالة والحرية واملساواة‪ ،‬ويقتضيها واقعنا الذي‬ ‫عاىن طويالً ومازال يعاين من االستبداد امل ُتسرت بالدين‪ ،‬فإن يل تصورا ً‬ ‫خاصاً للعلامنية‪ ،‬يأخذ بعني االعتبار خصوصية اإلسالم بصفته ديانة‬ ‫ذات طابع تح ُّرري يف األصل‪ ،‬وخصوصية التجربة اإلسالمية التاريخية‪،‬‬ ‫وعليه فهي علامنية ُمتصالحة مع الدين تستثمر قيمه وطاقاته اإلميانية‬ ‫وتحسن االستفادة من وظائف الدين االجتامعية بصفته رابطاً يُحقِّق‬ ‫التضا ُمن بني أفراد امل ُجتمع‪ ،‬بقدر ما هي علامنية تحرتم الحقوق‬ ‫والحريات الفردية وخاصة يف البلدان التي يوجد فيها تن ُّوع ديني‪ ،‬حيث‬ ‫تصبح الدولة العلامنية ضامنة لحقوق كل املواطنني عىل قاعدة املواطنة‬ ‫ال عىل أساس اإلنتامء الديني‪.‬‬

‫الصداق القيرواني‬ ‫النسوية اإلسالمية حقيقة قامئة‪ ،‬رمبا خصوصيتها أنها «رجالية « النشأة‪،‬‬ ‫ّ‬

‫وهذه قد تبدو ُمفارقة يف الظاهر‪ ،‬لكن يف الواقع أول من دافع عن حقوق‬ ‫النساء يف العامل اإلسالمي وباسم اإلسالم ويف بيئتي التونسية عموماً كانوا يتصور العديد من الناس ان مسألة منع تعدد الزوجات ىف تونس هى‬ ‫رجاالً وكانوا نسويني باملفهوم الدقيق للكلمة‪ ،‬وهذا راجع يف رأيي إىل مسألة متصلة بالتقاليد العلامنية ولكن ما هو غري معروف هو ما كان‬

‫‪56‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫مراجعات معرفية‬

‫َسائِ ٌد ىف تونس منذ بدايات الدولة االسالمية ىف شامل افريقية حول ما عد ٍد كبري من الجمعيات ذات الثقل اإلنتخايب من جهة‪ ،‬وبفضل التنسيق‬ ‫بالصداق القريواين‪ .‬وهو امر موثق ىف التاريخ الكامل بني هذه الجمعيات واملجتمع املدين‪.‬‬ ‫أصبح يُعرف يف املصادر ّ‬ ‫التونيس وقد قنن له و تبناة العديد من علامء املالكية ىف تونس واهايل‬ ‫القريوان‪ .‬وهو ذلك الرشط املنصوص عليه يف عقد القران والذي يقيض بأن‬ ‫بقدر ما أؤمن بأن الدولة العلمانية ضرورة تاريخية يقتضيها‬ ‫رسى إال برضاها‪.،‬‬ ‫ال يتزوج الرجل عىل املرأة التي يدخل عليها وأن ال يت ّ‬ ‫حيث‬ ‫الرشط‪،‬‬ ‫بهذا‬ ‫وقد التزم املجتمع القريواين يف القديم إىل عهد قريب‬ ‫سعي الشعوب الدائب نحو العدالة والحرية والمساواة‪،‬‬ ‫نجد أقدم أثر له فيام ذكره اإلخباريّون من أ ّن الخليفة املنصور قد لجأ‪،‬‬ ‫ويقتضيها واقعنا الذي عانى طوي ً‬ ‫ال ومازال يعاني من االستبداد‬ ‫قبل نجاح ال ّدولة العباس ّية واعتالئه عرش الخالفة إىل إفريقية متسرتا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ونزل ضيفا بالقريوان عىل املنصور بن يزيد الحمريي‪ ،‬فأعجب بابنته‬ ‫المتستر بالدين‪ ،‬فإن لي تصورا خاصا للعلمانية‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أروى وبهر بجاملها فخطبها إىل أبيها وتز ّوجها وقد اشرتط لها أبوها‬ ‫يف عقد زواجها أالّ يتزوج أبو جعفر املنصور غريها وال يتّخذ الرساري‬ ‫رسى عليها كان طالقها بيدها‪ .‬وقد أنجبت أروى للمنصور أخريا ً ال يسعني إال أن أشكرك وأشكر مجلة صيحة عىل الفرصة التي‬ ‫معها‪ ،‬فإن ت ّ‬ ‫ألعب عن يشء من آرايئ ومواقفي‪ ،‬وحتى أتو َّجه إىل كل‬ ‫يل‬ ‫أتحتامها‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫وف‬ ‫املنصور‬ ‫وظل‬ ‫ّ‬ ‫املهدي‪.‬‬ ‫بلقب‬ ‫بعده‬ ‫الخالفة‬ ‫تول‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬ ‫ابنه محمد‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫لها طيلة حياتها‪ .‬و نجد يف رسوم صداق أهل القريوان عبارة تؤكّد هذا النساء يف العامل اإلسالمي برسالة‪ :‬إن الله الحق العادل ال يرىض بأن‬ ‫الرشط وهي «وبعد متام العقد وانربامه طاع الزوج لزوجته بالجعل يسلِّط الظلم عىل أحد من خلقه باسمه‪ ،‬وإن سعيك َن من أجل العدالة‬ ‫التحرميي عىل عادة نساء القريوان طوعا تا ّما» و»ال يتز ّوج عليها امرأة واملساواة‪ُ ،‬منسج ٌم مع اإلرادة اإللهية ومع املقصد األسمى لرسالة‬ ‫سواها االّ بإذنها ورضاها‪ ،‬واالّ فأمر ال ّداخلة عليها بيدها تطلّقها عليه بأي اإلسالم‪ ،‬بل هو ُمقتبس من روح التح ُّرر التي تُ ثِّل جوهر هذه الرسالة‪.‬‬ ‫أنواع الطّالق شاءت من الواحدة اىل الثالثة»‪ .‬ويبقى هذا الرشط معلّقا‬ ‫ريم عباس تتحدث مع د‪ .‬زاهية‬ ‫بإذن الزوجة ورضاها ونحو ذلك‪ ،‬وإالّ فهي طالق وأمر نفسها بيدها‬ ‫بنت سالم جويرو‪ ،‬بتحرير‬ ‫أولياء اهلل الصالحين‬ ‫أو التي يتز ّوج عليها طالق أوأمر التي يتز ّوج بيد األوىل‪ .‬ورشط الترسي‬ ‫مثل رشط الزواج باطل مع زواج ال ّنكاح ‪.‬ومل يتوقّف الزواج حسب هذه‬ ‫العادة اال مع صدور مدونة األحوال الشخصية التونسية التى منعت‬ ‫تعدد الزوجات وفق قوانني الدولة الحديثة يف سنة ‪.1956‬‬ ‫‪١‬‬

‫وحدة نسائية ضد اإلسالم السياسي‬ ‫من املعروف أن مكاسب املرأة يف تونس ُمتق ِّدمة عىل سائر النساء يف‬ ‫العامل اإلسالمي عامة وذلك منذ ما يناهز الستني عاما‪ ،‬وهي مكاسب‬ ‫ض َّمنتها مدونة األحوال الشخصية الصادرة يف ‪ 13‬أغسطس ‪ -1956‬سنة‬ ‫استقالل تونس‪ ،‬وحتى قبل صدور الدستور التونيس‪ ،‬كام ض َّمنها الدستور‬ ‫نفسه بنصه عىل مبدأ املساواة بني جميع املواطنني‪ ،‬ولنئ تعرضت‬ ‫هذه املكاسب إىل بعض التهديدات بعد الثورة‪ ،‬ونتيجة وصول حزب‬ ‫حركة النهضة اإلسالمي للحكم‪ ،‬فإن النساء رسيعاً ما انترصن عىل هذه‬ ‫التهديدات وفرضن مكاسبه َّن التي ت َّم تدعيمها يف الدستور الجديد بإعادة‬ ‫تأكيده عىل مبدأ املساواة القانونية‪ ،‬كام كان للنساء دور كبري يف تحييد‬ ‫ذلك الخطر بإزاحة حزب حركة النهضة عن الحكم بواسطة صناديق‬ ‫االقرتاع‪ ،‬يف تجربة تع ُّد من أكرث التجارب العربية دميوقراطية؛ ومن‬ ‫مكاسب النساء بعد الثورة‪ ،‬فرضه َّن مبدأ التناصف يف القانون اإلنتخايب‪،‬‬ ‫حيث ت ُل َزم األحزاب املشاركة يف اإلنتخابات بالتق ُّدم بقوائم يتساوى فيها‬ ‫عدد املرتشحني نساءا ً ورجاالً‪ ،‬وكل هذا بفضل العمل النسايئ امل ُنظَّم يف‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪57‬‬


‫مراجعات معرفية‬

‫نظرة أعمق لمفهوم االختطاف‬ ‫في المجتمعات االسالمية‪-‬‬ ‫حول حادثة بوكو حرام‬ ‫حول ضخامة حجم االنتهاكات التي ترتكب بحق النساء والبنات في الدول اإلسالمية و‬ ‫االستجابة الدولية لتلك االنتهاكات‪ ،‬يكتب عبدالخالق السر عن لماذا اثارت حادثة بوكو‬ ‫حرام هذا اللغط علي مستوى العالم‪ ،‬بينما من ناحية اخري يتم سلب واختطاف حياة‬ ‫النساء المسلمات بصورة منهجية في مختلف بقاع العالم اإلسالمي تحت سمع وبصر‬ ‫المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫عبد الخالق السر‪،‬‬ ‫كاتب سوداني ومترجم‬ ‫يعيش فى استراليا‪.‬‬ ‫وهو صحفي وباحث‬ ‫مستقل متخصص‬ ‫فى مسائل االسالم‬ ‫السياسيى والفكر‬ ‫السلفي‪ .‬كما انه‬ ‫يكتب لعدد من المواقع‬ ‫الصحفية االلكترونية‬ ‫حول السودان والشرق‬ ‫االوسط ولبعض الصحف‬ ‫في استراليا‪.‬‬

‫تصدرت الجامعة السلفية النيجريية‬ ‫املسامة بوكو حرام وسائل االعالم العاملية‬ ‫بعد اختطافها لـ ‪ 270‬فتاة صغرية من املدارس‬ ‫ليخرج بعدها قائد الجامعة محذرا بأنه سوف‬ ‫يتم بيعهن بناء لألوامر االلهية!‬ ‫وكام هو معروف فإن األمر شد انتباه‬ ‫املجتمع الدويل هذه املرة‪ .‬وتلقت نيجرييا‬ ‫الكثري من الدعم املعنوي واللوجستي من‬ ‫دول العامل املختلفة‪ .‬فالواليات املتحدة‬ ‫االمريكية‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬قامت عىل‬ ‫الفور بارسال خرباء يف مكافحة االرهاب‬ ‫وبعض املستشارين‪ .‬الحدث يف تقديري‪ ،‬هو‬ ‫فصل آخر لعذابات ومعناة املرأة املسلمة‪.‬‬ ‫فام فعلته جامعة بوكو حرام أو باالحرى ما‬ ‫ظلت تفعله هو مجرد اضاءة ملا ظل يحدث‬

‫‪58‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫للمرأة يف املجتمعات املسلمة يف عامل أدمن‬ ‫اشاحة وجهه‪.‬‬ ‫التعاون الذي يحدث هذه االيام بني نيجرييا‬ ‫واملجتمع الدويل رمبا ينجح يف اعادة الفتيات‬ ‫املختطفات اىل ذويهم ولكن بالتأكيد له قليل‬ ‫الحظ يف قطع دابر املفهوم الذي تستند عليه‬ ‫مثل هذه الفظائع‪ .‬فإن كان املجتمع الدويل جاد‬ ‫حقا يف التصدي ملثل هذه الفظائع الالنسانية‪،‬‬ ‫عليه ان يعمل عىل معالجة االشكال من جذوره‪،‬‬ ‫وهذا ال يتأىت االّ بإآلء العناية الالزمة بالتقاليد‬ ‫الفقهية االسالمية الكالسيكية ومخرجاتها‬ ‫التفسريية العقيمة التي أكل عليها الدهر‬ ‫ورشب والتي مع ذلك ما زالت متارس نفوذها‬ ‫عىل تفكري الغالبية العظمى من املسلمني‪.‬‬ ‫فكراهية النساء ثقافة غالبة يف املجتمعات‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬مع الوضع يف االعتبار فوارق املقدار‬ ‫عىل املستوى التطبيقي لهذه الكراهية‪ .‬ال شك‬ ‫ان الفعل الهمجي لبوكو حرام كان صادماً ولكنه‬ ‫من ناحية أخرى ميثل أمنوذجا حيا لكل من يريد‬ ‫التعرف عىل حقيقة وضع النساء يف املجتمعات‬ ‫االسالمية‪ .‬ومقصدي أنه يجب أن ال ننخدع‬ ‫مبثل هذه الوحشية التي أبدتها بوكو حرام‪،‬‬ ‫فمبعثه يف املقام االول ذلك الظلم الفادح الذي‬ ‫يحكم الواقع السيايس‪ ،‬االقتصادي واالجتامعي‬ ‫لنيجرييا‪ .‬وما بوكو حرام اال انعكاس غاضب‬ ‫لهذه املظامل‪ ،‬وجدت يف التعاليم السلفية قدرة‬ ‫عىل التجييش وسط ركام التخلف والجهل‬ ‫املتفيش‪ .‬فالفساد الراسخ والتفاوت االجتامعي‬ ‫االقتصادي بني أقلية فاحشة الرثاء وأغلبية‬

‫مدقعة الفقر يصعب تصديقه أو التعايش معه‪.‬‬ ‫والتهميش واالقصاء الذي يتعرض له املسلمني‬ ‫هناك لهو اسرتاتيجية ثابتة‪ .‬فالغالبية املسلمة‬ ‫هناك تركت نهبا للجهل والتخلف واملرض‪ .‬ليس‬ ‫من املستغرب اذا ً أن تخرج بوكو حرام من هذا‬ ‫الواقع الظامل‪ .‬والجدير بالذكر أن الغرب يعلم‬ ‫أن مثل هذا الواقع هو ما أنتج طالبان من قبل‪،‬‬ ‫ولكن يبدو أن الغرب يف مثل هذه الظروف ال‬ ‫يتمتع بذاكرة جيدة‪.‬‬ ‫ولكن ماذا عن الكراهية «الرشعية» للنساء‪،‬‬ ‫والتي تجد مستقر لها يف كافة الدول االسالمية‬ ‫بغض النظر أن كانت الدولة علامنية متثل‬ ‫الرشيعة مصدر من مصادر ترشيعها أو كانت‬ ‫دولة اسالمية كاملة الدسم؟ فالشاهد أنه يف كل‬ ‫هذه الدول املتباينة االيدولوجيات االسالموية‬ ‫نجد أن السيطرة عىل النساء وقمعهن ميثل‬ ‫جوهر الترشيعات والخطابات والتقاليد‬ ‫السائدة‪ .‬رمبا تأخذ السيطرة عدة أشكال‬ ‫مختلفة ولكنها يف نهاية األمر تعمل عىل قهر‬ ‫النساء وتخفيضهن اىل مواطنني من الدرجة‬ ‫الثانية‪.‬‬ ‫فتحت ضغط الحداثة وجدت النساء‬ ‫املسلامت طريقهن للتعليم والعمل‪ ،‬ولكن ذلك‬ ‫نوع من التحديث ال جذور له كام تخربنا حقائق‬ ‫الواقع‪ .‬فتحت قرشة هذا االنجاز تكمن قوانني‬ ‫زواج القارصات‪ ،‬قوانني االحوال الشخصية‬ ‫املتحيزة ضد النساء‪ ،‬التمييز املؤسيس‪ ،‬وعدم‬ ‫املساواة الجندرية‪ .‬فخلف التناقض بني دستور‬ ‫الدولة القائم عىل املواطنة وبني قانون االحوال‬


‫الشخصية الذي يسلب النساء هذا الحق‪،‬‬ ‫تكمن االعتباطية ومأزق املجتمعات االسالمية‬ ‫يف العرص الحديث‪ .‬يجب أن ال يلهينا العويل‬ ‫والغضب الذي اجتاح العامل الغريب نتاج‬ ‫اختطاف الفتيات النجرييات‪ ،‬مع أنه مقدر‪،‬‬ ‫عن سؤال مستحق عن تعامي الغرب عن كثري‬ ‫من املظامل التي تقع عىل النساء‪ ،‬مثل‪ ،‬مترير‬ ‫مسودة قانون لتخفيض زواج الفتيات القارصات‬ ‫بالعراق من سن السابعة عرش اىل سن الثانية‬ ‫عرش؟ فاملسودة التي قدمت للربملان الجازتها‬ ‫تجد الدعم والتأييد الكامل من علامء وساسة‬ ‫الشيعة القابضون عىل زمام األمر هناك‪ .‬اال ميثل‬ ‫هذا اختطاف لحياة هؤالء الفتيات القارصات؟‬ ‫بالطبع هو كذلك‪ ،‬ولكن ذلك ال يهم طاملا‬ ‫أن العراق دولة «دميقراطية» ومنتج للنفط‬ ‫الرخيص‪.‬‬ ‫الكل يعلم أن النساء يف اململكة العربية‬ ‫السعودية محرومات من أبسط الحقوق‪ .‬إنهن‬ ‫عرضة لكل أنواع الزواج الشاذة والغريبة‪ :‬فهناك‬ ‫زواج البدل‪ ،‬والذي مبوجبه يتبادل الشيوخ‬ ‫والكهول من الرجال بناتهن خصوصا االرامل‬ ‫واملطلقات‪ .‬هناك أيضا زواج قائم عىل مقايضة‬ ‫الديّن بإبنة املدين‪ ،‬كام أن هناك زواج املسيار‬ ‫املعروف‪ .‬قبل شهرين أو أكرث خرجت الزوجة‬ ‫السابقة للملك عبد الله وأثنني من بناتهام عىل‬ ‫املأل‪ ،‬ليوضحا طبيعة ونوع املاساة التي يرزحون‬ ‫تحتها كنساء‪ .‬لقد قاموا برسد تفاصيل قصص‬ ‫سجنهم بني حيطان القصور مثل كل النساء‬ ‫السعوديات لالعالم الغريب‪ ،‬وكيف أن النساء‬ ‫يف اململكة يدفنون أحيا ًء خلف أبواب املنازل‪.‬‬ ‫خامتني روايتهم بأنه ملن الخزي والعار عىل‬

‫العامل املتحرض أن يتعامل مع مثل هذا النظام‪ .‬من املجال العام‪ .‬ولتحقيق مثل هذا الغرض فقد‬ ‫ولكن كالعادة‪ ،‬فالخرب مر مثله مثل غريه حني اصدرت ما يعرف بـ قانون النظام العام‪.‬‬ ‫يتعلق األمر مبا يحدث داخل اململكة العربية‬ ‫فالقانون يسء السمعة قد أعطى الرشطة‬ ‫السعودية أكرب منتج للبرتول يف العامل‪.‬‬ ‫والنيابة العامة الكثري من الصالحيات القانونية‬ ‫يف اليمن زواج القارصات يعترب من املسلامت‪ .‬لتحديد ما هو الزي املناسب للمرأة يف الشارع‬ ‫واثاره املدمرة عىل املجتمع ال تخفى عىل أحد‪ .‬العام وما هو أخالقي أو غري أخالقي يف سلوكها‬ ‫ومع ذلك الحكومة اليمينة عاجزة متاماً عىل العام‪ .‬بحثا عن الرتويع والحط من الكرامة‪ ،‬فقد‬ ‫القيام بأي عمل من شأنه القضاء عىل هذه أنتهج النظام الجلد‪ ،‬السجن والتشهري كعقوبات‬ ‫املامرسة املدمرة‪ .‬ففي عام ‪2009‬م مل يوفق مادية‪ .‬وعىل الرغم من العسف الذي مارسه‬ ‫الربملان يف مترير مسودة تعمل عىل رفع معدل النظام ضدهن‪ ،‬اال أن ذلك مل يضعف مقاومتهن‬ ‫سن الزواج اىل ‪ 17‬سنة‪ .‬والفضل يف ذلك يرجع يف الحفاظ عىل هذه املكاسب التاريخية‪ ،‬ولكن‬ ‫اىل كتلة زعامء العشائر‪ ،‬رجال الدين ولجنة مع ذلك نجده قد حد كثريا من حريتهن‪.‬‬ ‫الرشيعة‪ .‬حسبام ذكرت صحيفة الدييل تلغراف فالتحيز ضد املرأة يف الحصول عىل وظيفة‬ ‫وجهاً أخر من وجوه العمل عىل السيطرة عىل‬ ‫الربيطانية يف تقرير لها‪.‬‬ ‫املرأة‪ .‬فاملرأة التي ال تلتزم بلبس الحجاب‪ ،‬عىل‬ ‫يف السودان األمر ال يخلو من بعض التعقيد‪ .‬سبيل املثال‪ ،‬تقل حظوظها جدا يف الحصول عىل‬ ‫فالشاهد أن املرأة السودانية قد وجدت حظها وظيفة اياً كانت درجة كفاءتها‪ .‬الحجاب ايضا‬ ‫من التحرر والتعليم والعمل واملشاركة يف الحياة تم فرضه يف الجامعات واملدارس‪.‬‬ ‫العامة منذ عهد االستعامر الربيطاين‪ .‬وعرب تاريخ‬ ‫املفارقة الساخرة متكن يف أن الدكتور‬ ‫الدولة السودانية املعارصة نجد أنهن قد طورن‬ ‫حساسية عالية ضد كافة اشكال القهر املنظم حسن الرتايب ع ّراب الحركة االسالمية الحديثة‬ ‫أو محاولة مصادرة هذه الحقوق املكتسبة‪ ،‬ومؤسسها كان قد سبق أن برش مبيالد فقه‬ ‫والفضل يف ذلك يرجع اىل الحزب الشيوعي اسالمي متجدد يعمل عىل التوفيق بني االسالم‬ ‫السوداين حامل لواء قيم الحداثة يف حقبة ما والحداثة‪ ،‬وذلك قبل استيالء حركته عىل مقاليد‬ ‫بعد االستعامر‪ .‬ولكن مع كل ذلك‪ ،‬فالجهود االمور السياسية وتطبيق هذه النسخة الجافة‬ ‫الحثيثة لتعويق مسرية تحرر املرأة مل تتوقف قط من االسالم القروسطي‪ .‬فالرتايب الذي يطلق عىل‬ ‫من قبل القوى املحافظة يف املجتمع‪ .‬ففي عام نفسه صفة املجدد االسالمي ‪ ،‬كان يعتقد عىل‬ ‫‪1989‬م نجح املحافظون يف االستيالء عىل السلطة ‪،‬املستوى النظري بالطبع‪ ،‬أن الحداثة مهمة‬ ‫السياسية يف البالد‪ ،‬وهذه املرة عرب الحركة جدا بالنسبة لالسالم من واقع كونها «ابتالء»‬ ‫االسالمية‪ .‬ومنذ البداية أظهرت الحركة هوسها يف يحث عىل التجديد الفقهي ملجابهة التحديات‬ ‫كبح حركة املرأة السودانية والعمل عىل اقصائها التي تبعث بها‪ .‬التصدي لهذه التحديات – من‬

‫كرتون‪ :‬خالد البيه‪،‬‬ ‫السودان‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪59‬‬


‫وجهة نظره – ال ميكن ان يتم اال من خالل ميالد‬ ‫فقه إسالمي يتقاطع كلية مع الفقه التقليدي‬ ‫السائد‪ .‬مضيفا‪ ،‬أن قضايا شائكة مثل حقوق‬ ‫املرأة أو الفن ال ميكن حلها عن طريق الفقه‬ ‫الكالسييك الذي يرفض مساواة املرأة أو جواز‬ ‫الفن‪.‬‬ ‫يف الغرب حيث أن التعددية الثقافية‬ ‫أصبحت هي السياسة السائدة يف معظم‬ ‫الدول الغربية‪ ،‬نجد أن البطريارك االسالمويون‬ ‫نجحوا يف التسلل من أكرث نقاطها ضعفا‪.‬‬ ‫وكام أوضح املفكر الفرنيس أويلفر روي‪ ،‬أن‬ ‫التعددية الثقافية كسياسة رمبا تبدو أكرث عدال‬ ‫وحسنة النية يف التعامل مع االقليات‪ ،‬ولكنها‬ ‫يف الحقيقة تعمل عىل تثبيت الوضع السائد‬ ‫للتفرقة املنظمة التي يتأسس عليها مجتمع‬ ‫ما‪ .‬فهي تعمل عىل رشعنة تهميش االقليات‬ ‫بذريعة الخصوصية الثقافية‪ .‬إنها تعمل عىل‬ ‫وضع الحدود الفاصلة ملن له الحق يف االنتامء‬ ‫للثقافة السائدة ومن ليس له هذا الحق‪ .‬إنها‬ ‫تعمل عىل أن تستبطن االقليات عزلتها وتتقبل‬ ‫وضعها ك أخر‪.‬‬ ‫من هذا أخلص الى أن بوكو حرام لم تنشأ من‬ ‫فراغ‪ .‬فعلى العكس‪ ،‬فهي تستمد وجودها‬ ‫ومشروعيتها من الفقة الكالسيكي الموروث‪.‬‬ ‫وكل الفرق أنها تبنت أكثر نسخه تطرفا‪ ،‬اال وهو‬ ‫النسخة االرثوذكسية‪ .‬وهذا عائد الى اصولهم‬ ‫الريفية ودعاواهم السياسية‪.‬‬

‫بهذا الفهم ميكن القول أن كارهي النساء هم‬ ‫اكرث املستفيدون من سياسة التعددية الثقافية‪.‬‬ ‫فبحجة الحفاظ عىل الهوية والخصوصية‬ ‫الثقافية نجدهم قد حولوا املجتمعات االسالمية‬ ‫يف البالد الغربية اىل «جيتوهات» معزولة‪.‬‬ ‫هذا الوضع جعل مؤسسات الدولة يف غفلة‬ ‫من أمرها حيال ما يجري يف هذه املجتمعات‪.‬‬ ‫فذريعة املحافظة عىل الخصوصية الثقافية‬ ‫أعطت هؤالء املحافظون الحق يف فرض‬ ‫ترجمتهم الذكورية للدين االسالمي كعنرص‬ ‫جوهري ملفهوم الخصوصية الثقافية‪ ،‬وذلك‪،‬‬ ‫عىل أرسهم ومجمل املجتمع الذي ينتمون‬ ‫اليه‪ .‬النساء املسلامت يف هذه الجيتوهات‬ ‫هن الخارسات الكبريات‪ .‬فالعزلة التي تسببت‬ ‫فيها سياسة التعددية الثقافية جعلت النساء‬ ‫يواجهون اكراهات مستمرة تؤثر سلبا عىل كل‬

‫‪60‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫أبعاد حياتهن‪ .‬ففي أسرتاليا‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬يشاركون السواد االعظم للمسلمني غضبهم‬ ‫نجدهن يف قاع السلم االجتامعي من حيث املتنامي ضد الحداثة‪ ،‬والتي يف تصورهم أنها‬ ‫التعليم‪ ،‬فرص العمل‪ ،‬الحرية واالستقاللية مسئولة عن متكني املرأة املسلمة اقتصاديا‬ ‫وتحريرها اجتامعيا‪ ،‬مام يضعف بالرضورة‬ ‫مقارنة بنظرائهن من بقية املهاجرين‪.‬‬ ‫القبضة التقليدية للرجال عليهم‪.‬‬ ‫يف مثل هذه الظروف مل يتبقى للنساء سوى‬ ‫من هنا‪ ،‬ويف تقديري‪ ،‬أ ّن اقتصار مفهوم‬ ‫قبول الدور املرسوم واملالبس املختارة لهن من‬ ‫قبل البطرياركة االسالموية التي تدير هذه «الخطف» عىل الفعل املادي كام هو حادث‬ ‫املجتمعات‪ ،‬وهن يف هذه الحالة يدفعن الثمن يف حادثة بوكو حرام يبعث عىل التضليل يف‬ ‫مضاعف‪ :‬فمن جهة فهن يظهرن استسالماً لهذه أفضل االحوال‪ .‬وكام أبنت هنا‪ ،‬فقد رأينا‬ ‫البطرياركية‪ ،‬ومن جهة أخرى أصبحن عرضة حاالت متعددة للجرائم املرتكبة ضد النساء‬ ‫لالسالموفوبيا التي باتت متفشية يف املجتمعات تندرج تحت املفهوم الواسع ملعنى االختطاف‪،‬‬ ‫الغربية‪ .‬وللتدليل عىل ذلك نعرض هنا الجابة ومع ذلك مل نرى ذات رد الفعل والتبايك الذي‬ ‫أحد هؤالء الكارهني لالسالم واملسلمني حني أظهره الغرب حيال هذه الحادثة‪ .‬فزواج‬ ‫سألته آفا فيدال الصحفية بصحيفة التلغراف االطفال والقارصات هو اختطاف للحياة عىل‬ ‫الربيطانية ملاذا يرتبص بالنساء املسلامت؟ فكان املدى الطويل مثله مثل الزواج القرسي‪ .‬جرائم‬ ‫رده كالتايل‪ :‬إنه من جنس املعاملة التي يلقونها الرشف التي تتم تحت سمع وبرص السلطة‬ ‫من رجالهم املسلمني! وعلقت آفا‪ :‬اظنه يقصد القانونية يف بعض املجتمعات االسالمية هي‬ ‫أن مالحظته للمعاملة السيئة التي تجدها املرأة اختطاف لحق الحياة نفسه‪ .‬فرض الحجاب‬ ‫املسلمة يف االسالم التي أدت الستهدافها من قبل والنقاب قرسيا هو اختطاف جسدي ونفيس‬ ‫للمرأة وتعدي عىل حريتها الشخصية‪ .‬التحيز‬ ‫كارهي االسالم واملسلمني يجدد مربره نظرياً‪.‬‬ ‫ضد النساء غري املحجبات والتمييز ضدهن يف‬ ‫الكثري من علامء املسلمني يرددون أن االسالم التعليم وفرص الحياة هو اختطاف ملستقبلهن‬ ‫ال يفرق بني الجنسني ومن ثم فليس هناك وكرامتهن كبرش متساويني يف الحقوق‬ ‫متييزا ً واقعا ضد املرأة‪ ،‬مشددين أن كالهام والواجبات‪.‬‬ ‫مسئول عن ترصفاته أمام الله يف يوم الحساب‪.‬‬ ‫السؤال الذي أود ان اختم به هذه املقالة‪:‬‬ ‫ولكن املشكلة أن مثل هذه الدعاوى ال تصمد‬ ‫أمام سوء املعاملة واالجحاف الذي يسم حياة هل هناك من أمل يف أن يحتضن املسلمني‬ ‫املرأة املسلمة يف املجتمعات االسالمية‪ .‬واالكرث الحداثة ويعملون عىل دمجها يف منظومتهم‬ ‫من ذلك‪ ،‬فإن مثل هذا الخطاب االعتذاري ال القيمية؟ بالطبع ليس هناك من إجابة واضحة‬ ‫يرشح ملاذا أذن هذا االضطهاد املستدام الذي ومبارشة‪ ،‬فاملسألة أعقد من نعم وال‪ .‬ففي‬ ‫تعيشه املرأة املسلمة‪ .‬ال شك عندي أن العملية تقديري أن الصعوبة تكمن فيام استبطن وعي‬ ‫الطويلة من التأديب الذايت وغسيل الدماغ املسلمني من أ ّن الحداثة ماهي االّ الحضارة‬ ‫املستمر عمل عىل تطبيع خضوع املرأة وغبش الغربية‪ ،‬وليست مراكمة لجهد تاريخي‬ ‫مفهوم االضطهاد نفسه للحد الذي أعطى أسهمت فيه البرشية جمعاء مبا فيه املسلمني‬ ‫صبغة موضوعية للنسخة السائدة ملفهوم أنفسهم‪ .‬ال غرابة أذن أن نجد هذا النزوع‬ ‫الخصوصية الثقافية يف املجتمعات االسالمية للتحول عن الحداثة باستدارة كاملة صوب‬ ‫بالغرب أو التطبيع السائد لالمتهان الذي املايض «املجيد» يف محاولة لخلق قطيعة كاملة‬ ‫معها باعتبارها االبن الرشعي للغرب‪ .‬يف هذا‬ ‫تعيشه يف العامل االسالمي‪.‬‬ ‫الوضع نجد أن الوهابية كأنعكاس لطبيعتها‬ ‫من هذا أخلص اىل أن بوكو حرام مل تنشأ البدوية متثل منوذجا ف ّعاالً آلداء هذه املهمة‬ ‫من فراغ‪ .‬فعىل العكس‪ ،‬فهي تستمد وجودها االنكفائية‪ .‬فبمساعدة الرثوة البرتودوالرية‬ ‫ومرشوعيتها من الفقة الكالسييك املوروث‪ .‬متدد الفكر الوهايب وعم تأثريه املجتمعات‬ ‫وكل الفرق أنها تبنت أكرث نسخه تطرفا‪ ،‬االسالمية يف أركان الدينا األربعة‪ ،‬مناسالً عدة‬ ‫اال وهو النسخة االرثوذكسية‪ .‬وهذا عائد أيدولوجيات فرعية‪ :‬فبوكو حرام‪ ،‬طالبان‪،‬‬ ‫اىل اصولهم الريفية ودعاواهم السياسية‪ .‬القاعدة وكل تلك التنظيامت املتطرفة املتفرخة‬ ‫فاالختطاف الوحيش لهؤالء الفتيات دوافعه يف من هذه االيدولوجية الطهرانية ال تعمل فقط‬ ‫األساس سياسية‪ ،‬ولذلك يجب أن ال يزيغنا عن عىل ترويع املسلمني والعامل‪ ،‬بل عىل اختطاف‬ ‫النقطة الجوهرية اال وهي‪ :‬كراهيتهم للحداثة االسالم نفسه‪.‬‬ ‫الغربية «التعليم الغريب حرام»‪ .‬وهم بهذا‬ ‫عبد الخالق السر‬


‫مراجعات معرفية‬

‫مريم‪/‬أبرار في غرف الكبار‬ ‫الر َّدة بين جراب الفقه والقانون والسياسة‬ ‫ِ‬

‫حكاية مريم أو أبرار السيدة السودانية التي حكمت عليها إحدى‬ ‫املحاكم السودانية بالردة بناء عىل املادة ‪ 126‬من القانون الجنايئ‬ ‫السوداين‪ ،1‬يف العام ‪ 2014‬حكاية تجد جذرها يف تاريخ حرية املعتقد‬ ‫وحرية الضمري وحرية الفكر ليس عىل صعيد السودان فقط‪ ،‬وإمنا عىل‬ ‫الصعيد العاملي‪ ،‬وتجد جذرها ليس يف الدين االسالمي فحسب‪ ،‬وإمنا‬ ‫يف بقية األديان خاصة الساموية منها‪ ،‬فقد شهد تاريخ اإلنسان وتاريخ‬ ‫األديان مثل هذه املحاكم‪ ،‬كام شهد تاريخ اإلسالم الكثري من التجارب‬ ‫يف الحكم بال ِردَّة‪ ،‬وتنفيذ قتل امل ُرتد‪ ،‬ولألسف‪ ،‬مل يكن السودان بعيدا ً‬ ‫عن هذا التاريخ‪ ،‬خاصة بعد صعود وتنامي الحركة اإلسالمية الحديثة‬ ‫بشقيها الرئيسني «األخوان املسلمون والوهابية»‪ ،‬فقد صدرت العديد‬ ‫من الفتاوى التي تقرر ارتداد عددا ً من الناشطني السودانيني يف العمل‬ ‫العام‪ ،‬أمثال الشيخ الرتايب‪ ،2‬والسيد الصادق املهدي‪ ،3‬وال َن َّيل أبو قرون‪،4‬‬ ‫واألستاذ محمود محمد طه‪ 5‬الذي نفذ فيه حكم الردِّة يف ظل الحكم‬ ‫املايوي‪ ،‬وأُعدم يف ‪ 18‬يناير ‪.1985‬‬ ‫أما حكاية أبرار أو مريم‪ ،‬كآخر الذين صدر الحكم ب ِردِّتهم‪ ،‬فهي‬ ‫حكاية امرأة مسلمة بامليالد كام يقول البعض‪ ،‬أو مسيحية ال عالقة لها‬ ‫باإلسالم أصالً كام تقول هي‪ ،‬ويف النهاية‪ ،‬هي امرأة كتبت حكايتها‬ ‫والتي هي حكاية مواطنة سودانية‪ ،‬أ ٌم و ُحبىل يف شهرها السادس‪ ،‬ليست‬ ‫من نجوم املجتمع ومل يعرف لها نشاطاً سياسياً أو عطا ًء فكرياً‪ ،‬استطاعت‬ ‫وببسالة شديدة‪ ،‬أن تدافع عن اختيارها‪ُ ،‬مض ِّحية بكل غا ٍل ونفيس‪ ،‬بدأً‬ ‫من طفليها‪ ،‬مرورا ً بأرستها‪ ،‬وانتها ًء بحياتها‪ ،‬فقد رفضت اإلسالم واختارت‬ ‫راضية املوت شنقاً‪ ،‬امتثاالً لحكم القايض‪ ،‬بنا ًء عىل املادة ‪ 126‬من القانون‬ ‫الجنايئ‪ُ ،‬متحمل ًة بهذا نتيجة الفرضيتني اللتني تنهض عليهام حكايتها؛‬ ‫فرضية أنها مرتدة كام ي ّدعي الذين شكوها‪ ،‬وفرضية أنها مل تكن مسلمة‬ ‫أصالً كام تدعي هي‪ .‬ومبوقفها هذا الذي يؤكد انحيازها لضمريها وملا‬ ‫تؤمن به‪ ،‬استطاعت أن تثري الرعب ليس يف املجتمع فحسب‪ ،‬وإمنا يف‬ ‫مؤسسات الدولة ومؤسسات الدعوة اإلسالمية‪ ،‬الرسمية منها واألهلية‪،‬‬ ‫وجعلتهم جميعاً يتحسسون مصالحهم ومخاوفهم الدفينة‪ ،‬وكيف ال وقد‬ ‫خ َّيبت توقعات معظمهم عندما رفضت االستتابة‪.‬‬ ‫هذه الحالة‪ ،‬حالة مريم أو أبرار بضمريها املُتَّقد‪ ،‬وبسالتها واتساقها مع‬ ‫ذاتها‪ ،‬وحالة املؤسسات الدينية الرسمية واألهلية وارتباكها‪ ،‬ومراوحتها‬ ‫بني الهاوية والهاوية‪ ،‬وحالة املؤسسات املدنية للدولة كاملؤسسة‬ ‫القانونية التي وجدت نفسها أمام سؤال كبري‪ ،‬فرضه عليها القايض الذي‬ ‫أصدر الحكم‪ ،‬وكوزارة الخارجية التي وجدت نفسها ُمضط َّر ًة أن تجيب‬ ‫عىل أسئلة العامل‪ ،‬كل العامل‪ ،‬من رشقه إىل غربه‪ ،‬ومن شامله إىل جنوبه‪،‬‬

‫تغرف تارة من جراب القانون‪ ،‬وتارة من جراب الفقه‪ ،‬وأخرى من جراب‬ ‫الدبلوماسية؛ إنه ضمري مريم أو أبرار‪ ،‬الذي شاء له القدر أن يشع يف‬ ‫غري زمان الحالج‪ ،6‬أو الجعد ابن درهم‪ ،7‬أو األستاذ محمود محمد طه‪،‬‬ ‫شاء له القدر أن يشع يف زمن تصاعد ثقافة حقوق اإلنسان‪ ،‬ويف زمن‬ ‫انهيار الحدود مبستوياتها كافة‪ ،‬ويف زمنٍ تص َّدعت فيه جبهة الشمولية‬ ‫والوثوقية‪ ،‬وانكرست شوكة االنغالق‪ ،‬فمع ثورة االتصاالت‪ ،‬مل يعد يف‬ ‫مقدور أي فر ٍد أو نظام‪ ،‬أن يفعل شيئاً دون أن يكون للعامل فيه رأي‪ ،‬إن‬ ‫مل يكن له فيه تدخُّل‪.‬‬ ‫بالنسبة يل كمسلمٍ كان يرى‬ ‫وال يزال يف اإلسالم دين للرحمة‬ ‫وللعدالة والكرامة اإلنسانية‬ ‫واالنفتاح‪ ،‬بحسبانه ديناً عاملياً‪،‬‬ ‫فالقرآن الكريم ‪ ،‬يخاطب كل‬ ‫الناس بقدر ما يخاطب املؤمنني‬ ‫به‪ ،‬داعياً لهم بوجوب تنشيط‬ ‫العقل وفضيلة التفكُّر والتأ ُّمل‪،‬‬ ‫وحاضَّ اً لهم عىل تفعيل قيم‬ ‫التضامن والرحمة ومواجهة الظلم‬ ‫والظاملني‪ ،‬فهو عىل سبيل املثال‬ ‫يدعو إىل منارصة املستضعفني من‬ ‫النساء والرجال والولدان‪ ،‬دون‬ ‫ٍ‬ ‫تحديد لهويتهم الدينية‪ ،‬كام أنه‪،‬‬ ‫أي اإلسالم كدين وثقافة وحضارة‪،‬‬ ‫قد شكَّل إنجازا ً إنسانياً يف حقبه‬ ‫املختلفة‪ ،‬يف العلوم والعرفان‬ ‫والفلسفة والفنون‪ُ ،‬مش ِّكالً بذلك‪،‬‬ ‫رافدا ً أساسياً من روافد الحضارة‬ ‫اإلنسانية يف حقبها املختلفة‪،‬‬ ‫يل‬ ‫لذلك‪ ،‬وبصفتي ُمسلامً يفرض ع َّ‬ ‫ديني أن أومن بكل الكتب امل ُقدسة‪ ،‬وأن أومن بكل األنبياء‪ ،‬كام يفرض‬ ‫يل أن أحرتم معتقدات اآلخرين‪ ،‬وفوق كل هذا علَّمني أن اختيار‬ ‫ع َّ‬ ‫اإلسالم واإلميان به‪ ،‬ال يكتمل إال عىل أساس من االختيار الحر‪ُ ،‬مراهناً‬ ‫عىل ضمري الفرد وحريته‪ ،‬دون إكرا ٍه أو قهر‪ ،‬فالرِهان عىل هذا االختيار‬ ‫الحر‪ ،‬بقدر ما يُع ُد القاعدة األساسية للدخول من بوابة اإلسالم‪ ،‬يُشكِّل‬ ‫القاعدة األساسية للخروج منه لكل من أراد الخروج‪ ،‬حيث ال قيمة عند‬ ‫الله سبحانه وتعاىل إلميانٍ يقوم عىل الخوف أو النفاق أو اإلكراه‪ ،‬وبنظرة‬

‫السر السيد‬ ‫من مدينة عطبرة‬ ‫السودانية‪ ،‬ناقد‬ ‫مسرحي‪ ،‬مقدم‬ ‫برامج إذاعية‬ ‫وكاتب متخصص‬ ‫في مجاالت‬ ‫المسرح التعليمي‬ ‫والمسرح من أجل‬ ‫التنمية‪ ،‬وقد قام‬ ‫بنشر كتابين في هذا المجال كما يكتب‬ ‫السر السيد للعديد من الصحف اليومية‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حاليا كمدير لقسم البرامج الخاصة‬ ‫يعمل‬ ‫بالهيئة القومية لإلذاعة والتلفزيون‪ .‬وهو‬ ‫عضو اتحاد الكتاب السودانيين‪ ،‬وعضو‬ ‫الشبكة العربية لرصد صورة المرأة والرجل‬ ‫في االعالم العربي ومساهم راتب في‬ ‫مجال الفنون التعليمية للعديد من‬ ‫المشاريع التنموية‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪61‬‬


‫التجمعات العامة خالل محاكمة مريم‪ ،‬محكمة الحاج يوسف ببحري‪ ،‬الخرطوم‪2014 ،‬‬ ‫الصورة‪ :‬مروان‬ ‫الكنزي‪ ،‬السودان‬

‫رسيعة إىل الكثري من اآليات القرآنية نقف عىل هذه الحقيقة‪ ،‬فقد جاء‬ ‫يف القرآن الكريم قوله تعاىل ﴿ َو َم ْن يَ ْرت َِد ْد ِم ْن ُك ْم َع ْن ِدي ِن ِه فَيَ ُم ْت َو ُه َو‬ ‫كَا ِف ٌر فَأُولَ ِئ َك َح ِبط َْت أَ ْع َملُ ُه ْم ِف ال ُّدنْ َيا َو ِ‬ ‫اب ال َّنا ِر ُه ْم‬ ‫اآلخ َر ِة َوأُولَ ِئ َك أَ ْص َح ُ‬ ‫ِفي َها خَالِ ُدونَ﴾‪.8‬‬ ‫وكام يف قوله تعاىل ﴿ َو َمن يَبْتَغِ غ ْ َ​َي اإل ِْسالمِ ِدي ًنا فَلَن يُ ْقبَ َل ِم ْن ُه‬ ‫َو ُه َو ِف ِ‬ ‫اآلخ َر ِة ِم َن الْخ ِ‬ ‫َاسِي َن﴾ (‪﴿ )85‬كَ ْي َف يَ ْه ِدي اللَّ ُه قَ ْو ًما كَ َف ُروا ْ‬ ‫بَ ْع َد إِ َميانِ ِه ْم َوشَ ِه ُدوا ْ أَ َّن ال َّر ُس َ‬ ‫ول َح ٌّق َو َجا َء ُه ُم الْ َب ِّي َناتُ َواللَّ ُه الَ يَ ْه ِدي‬ ‫الْ َق ْو َم الظَّالِ ِم َني﴾ (‪﴿ )86‬أُ ْولَ ِئ َك َج َزا ُؤ ُه ْم أَ َّن َعلَيْ ِه ْم لَ ْع َن َة اللَّ ِه َوالْ َمالئِ َك ِة‬ ‫َوال َّن ِ‬ ‫َاب َوالَ ُه ْم‬ ‫اس أَ ْج َم ِع َني﴾ (‪﴿ )87‬خَالِ ِدي َن ِفي َها الَ يُ َخف َُّف َع ْن ُه ُم الْ َعذ ُ‬ ‫َ‬ ‫يُنظَ ُرو َن﴾ (‪﴿ )88‬إِالَّ ال َِّذي َن ت َابُوا ْ ِمن بَ ْع ِد َذلِ َك َوأ ْصلَ ُحوا ْ فَ ِإ َّن اللَّه َغفُو ٌر‬ ‫َّر ِحي ٌم﴾ (‪﴿ )89‬إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ بَ ْع َد إِ َميانِ ِه ْم ث ُ َّم ا ْزدَادُوا ْ كُ ْف ًرا لَّن ت ُ ْق َب َل‬ ‫ت َ ْوبَتُ ُه ْم َوأُولَ ِئ َك ُه ُم الضَّ الُّو َن﴾ (‪﴿ )90‬إِ َّن ال َِّذي َن كَ َف ُروا ْ َو َمات ُوا ْ َو ُه ْم‬ ‫كُفَّا ٌر فَلَن يُ ْق َب َل ِم ْن أَ َح ِد ِهم ِّم ْل ُء األَ ْر ِض َذ َه ًبا َولَ ِو افْتَ َدى ِب ِه أُ ْولَ ِئ َك لَ ُه ْم‬ ‫َّاصي َن﴾ (‪ .9)91‬أو كام يف قوله تعاىل ﴿فَ َذكِّ ْر‬ ‫َاب أَلِي ٌم َو َما لَ ُهم ِّمن ن ِ ِ‬ ‫َعذ ٌ‬ ‫نت ُم َذكِّ ٌر‪ ،‬ل َّْس َت َعلَ ْيهِم بِ ُ َص ْي ِطرٍ‪ ،‬إِالَّ َمن ت َ َو َّل َوكَ َف َر‪ ،‬فَ ُي َع ِّذبُ ُه اللَّ ُه‬ ‫إِنَّ َا أَ َ‬ ‫َاب الْ َك َ َْب‪ ،‬إِ َّن إِلَيْ َنا إِ يَابَ ُه ْم‪ ،‬ث ُ َّم إِ َّن َعلَيْ َنا ِح َسابَ ُه ْم﴾‪ 10‬أو كام يف قوله‬ ‫الْ َعذ َ‬ ‫تعاىل ﴿إِ َّن ال َِّذي َن آ َم ُنوا ث ُ َّم كَ َف ُروا ث ُ َّم آ َم ُنوا ث ُ َّم كَ َف ُروا ث ُ َّم ازْدادُوا كُ ْف ًرا لَ ْم‬ ‫ش الْ ُمنا ِف ِق َني ِبأَ َّن‬ ‫يَكُنِ اللَّ ُه لِ َي ْغ ِف َر لَ ُه ْم َوال لِ َي ْه ِديَ ُه ْم َسب ًِيل﴾ (‪﴿ )137‬بَ ِّ ِ‬ ‫يم﴾‪.)138( 11‬‬ ‫لَ ُه ْم َعذابًا أَلِ ً‬

‫‪62‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫وهكذا نالحظ يف هذه اآليات الكرمية ٍ‬ ‫وآيات أخرى مل نوردها‪ ،‬نالحظ‬ ‫‪12‬‬ ‫كام يذهب املفكر اإلسالمي السوداين دكتور محمد مجذوب يف دراسة‬ ‫له منشورة بعنوان هل حد الردة من اإلسالم؟‪ ،‬يذهب إىل أن ليس مث َّة‬ ‫أوام ٍر يف القرآن الكريم تدعو لقتل املرتدين‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فإن يف‬ ‫االنرصاف عنهم وتركهم أحيا ًء‪ ،‬فرصة لهم من الله ليتوبوا‪ ،‬إىل أن يقول‪:‬‬ ‫وهكذا نجد اجتامع داللة السياقات القرآنية عىل تأجيل عقاب الذي‬ ‫يكفر بعد اإلميان إىل يوم القيامة‪ ،‬وليس ألحد أن يقتله بحد ال ِردَّة كام‬ ‫يزعمون‪ ،‬كون اآليات القرآنية التي تحدثت عن امل ُرتد مل تذكر له أي‬ ‫عقوبة قضائية يف الدنيا‪ ،‬بل قرصت ذلك عىل العقوبة عند الله يوم‬ ‫القيامة‪.‬‬ ‫أما ما يرد من أحاديث نبوية يف وجوب قتل امل ُرتد بالنظر إليها عىل‬ ‫ضوء اآليات السابقة‪ ،‬فإنها تفيد قتل امل ُرتد الذي يضيف إىل ال ِردَّة العمل‬ ‫املسلح‪ ،‬أي الحرابة وفقاً للمصطلح الكالسييك كام يف حالة «مقيس بن‬ ‫حبابة» يوم الفتح‪ ،‬الذي ض َّم إىل ِردَّته قتل مسلم وفقاً إلشارة دكتور‬ ‫محمد مجذوب‪ ،‬أما تجارب قتل امل ُرتد يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬فهي ال تحتاج‬ ‫إىل دليل يف أنها كانت سياسية باألساس‪ ،‬أُلبست ثياب الفكر والعقيدة‪،‬‬ ‫مبا يف ذلك ما يعرف يف تاريخ اإلسالم بحروب ال ِردَّة‪ ،‬فقد قاتلت السلطة‬ ‫هؤالء لتم ُّردهم عليها‪ ،‬فمن الثابت تاريخياً أنهم مل يرتكوا اإلسالم‪ .‬أخلُص‬ ‫إىل أن التباس اإلسالم بالسياسة منذ عصوره األوىل وإىل اآلن‪ ،‬كثريا ً ما‬


‫مراجعات معرفية‬

‫كمسلم كان يرى وال يزال في اإلسالم دين للرحمة وللعدالة والكرامة اإلنسانية‬ ‫بالنسبة لي‬ ‫ٍ‬ ‫واالنفتاح‪ ،‬بحسبانه دين ًا عالمي ًا‪ ،‬فالقرآن الكريم ‪ ،‬يخاطب كل الناس بقدر ما يخاطب المؤمنين به‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫التفكر والتأ ُّمل‪،‬‬ ‫داعي ًا لهم بوجوب تنشيط العقل وفضيلة‬

‫أدى إىل إشهار سالح التكفري والزندقة وال ِردَّة يف وجه املعارضني‪ ،‬حتى األمر ببعضهم إىل أن يل ِّمح إىل أنها رمبا تعاىن اضطراباً نفسياً‪ ،‬أو أن ما‬ ‫أن أسامء وفرق إسالمية كبرية يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬مل تسلم من هذه التهم‪ ،‬جرى لها‪ ،‬ال يعدو أن يكون متثيلية قُبض مثنها ‪.‬وحقاً كام قالت فاطمة‬ ‫كام أخلُص ويف سياق حكاية أبرار أو مريم‪ ،‬إىل أن تضمني حكم ال ِردَّة يف املرنييس‪ :‬الشخيص هو السيايس‪.‬‬ ‫القانون الجنايئ السوداين‪ ،‬ال يعدو أن يكون أداة سياسية‪ ،‬ترفع يف وجه‬ ‫بقي أن أقول‪ ،‬وبصفتي مسلامً‪ ،‬إن أبواب اإلسالم وفقاً لتعاليمه‪،‬‬ ‫املعارضني متى ما أرادت السلطة هذا‪ ،‬كام يتم الرتا ُجع عنها متى ما كان‬ ‫إشهارها أو تنفيذها ُمه ِّددا ً لوجود السلطة‪ ،‬أو ُمحرجاً لها‪ ،‬مع إشارتنا إىل ووفقاً إلعالئه لكرامة اإلنسان‪ُ ،‬مرشع ًة ملن أراد الدخول فيه‪ ،‬وسالك ًة‬ ‫أن التيار الفكري والفقهي العام يف الحركة اإلسالمية السودانية الحاكمة ملن أراد الخروج منه عرب دروب الحوار واملوعظة الحسنة واحرتام العقل‬ ‫وتفعيله‪ ،‬ال عرب اإلكراه أيا كانت وسيلته‪.‬‬ ‫ال يؤمن بحد ال ِردَّة ؟ فتدبر!‬ ‫السر السيد‬

‫ال ينتهي سيناريو حكاية مريم أو أبرار إال بعد أن نراها وهي تدخل‬ ‫غرفة كبار الذين أُتهموا بال ِردَّة يف السودان‪ ،‬ونخ ُُّص هنا تحديدا ً الشيخ‬ ‫الرتايب‪ ،‬واإلمام الصادق املهدي‪ ،‬ونضع من يف الغرفة جميعاً‪ ،‬مبن فيهم‬ ‫مريم‪/‬أبرار‪ ،‬أمام ميزان الضمري‪ ،‬وتحديدا ً ضمري بعض من يُس َمون‬ ‫ولعل أول ما‬ ‫أنفسهم علامء اإلسالم ودعاته‪ ،‬لرنى ما يُرى وما ال يُرى‪َّ ،‬‬ ‫سرناه‪ ،‬إنها املرأة الوحيدة من بينهم‪ ،‬وأنها الوحيدة التي ال تتوفر عىل‬ ‫ٍ‬ ‫سند سيايس أو فكري ُمعترب‪ ،‬وأنها الوحيدة التي جاءت ِردَّتها صافية‬ ‫ُمجردة من أي شبهة تأويلٍ سيايس‪ ،‬أو مذهبي‪ ،‬أو اجتهادي‪ ،‬وحيث‬ ‫هنا تكمن عقدة حكايتها ويتب َّدى ما ال يُرى‪ ،‬فكونها امرأة‪ ،‬زاد من‬ ‫إفرازات غُدد عنف البداوة السودانية الكامنة‪ ،‬وكونها فاقدة لكل ٍ‬ ‫سند‬ ‫ُمعترب‪ ،‬قلَّل من إفرازات غُدد السياسة يف مستواها العميل‪ ،‬فكان أن‬ ‫تحرك اإلسالم الذي تعيد إنتاجه التقاليد السودانية‪ ،‬ومن ثم يُعاد‬ ‫توظيفه سياسيا‪ ً،‬إذ مل تتحرك يف مواجهتها تعاليم اإلسالم القرآنية الحرة‬ ‫الطليقة‪ ،‬وكان أن تح َّرك القانون صافياً ُمستقالً من أي غرض أو موازنة‬ ‫سياسية‪ ،‬وهو ما مل يحدث مع املفك َرين‪ ،‬الشيخ واإلمام‪ ،‬رغم الفتاوى‬ ‫الكثرية بشأن ِردَّتهام التي أصدرها بعض علامء السودان‪ ،‬خاصة أولئك‬ ‫الذين يؤمنون بوجوب قتل امل ُرتد‪ ،‬فال العلامء استطاعوا أن مينعوا‬ ‫اجتهاداتهم‪ ،‬وال القانون استطاع أن يطالهم‪ ،‬وكيف له ذلك وما من‬ ‫عا ٍمل من هؤالء‪ ،‬تج َّرأ أن يفتح بالغاً ضدهام‪ ،‬بالرغم من أنهام مروجان‬ ‫من الطراز األول ألفكارهام‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬جديران مبا ال يقارن‪ ،‬بالوقوع‬ ‫تحت نص املادة ‪ ،126‬ولكن كيف إلسالم أبوي تصنعه التقاليد أن‬ ‫يشكو األب‪ ،‬خاصة إذا كان هذا األب‪ ،‬يتوفر عىل قو ٍة قوامها العلم‬ ‫والحزب والجامهري‪ ،‬قوة يف استطاعتها إن ُهبشت أن ته َّز عرش األب‬ ‫األكرب‪ ،‬والذي هنا هو «ويل األمر‪/‬السلطان»؛ أغرب ما يف هذا املوضوع‪،‬‬ ‫أن بطلة الحكاية حسمت األمر واختارت املسيحية‪ ،‬اختارت املوت‬ ‫راضية‪ ،‬بينام دُعاة قتل امل ُرتد وأخ ُ​ُص هنا منسويب املركز اإلسالمي‬ ‫للدعوة‪ ،‬تعلو حواجبهم الدهشة‪ ،‬وميأل قلوبهم الرعب‪ ،‬لذلك ما فتئوا‬ ‫وسيظلون يبحثون عن كل ما يخفف من وطأة موقفها الصادم‪ ،‬ليصل‬

‫‪١‬القانون الجنائي السوداني لسنة ‪1991‬‬ ‫‪٢‬حسن عبد اهلل الترابي ولد عام ‪ 1932‬في كسال هو زعيم سياسي و ديني سوداني‪ .‬له العديد من الرؤى‬ ‫الفقهيه المثيرة للجدل من آخر هذه الفتاوي امامة المراة للرجل في الصالة‪ ،‬كما أصدر فتوي تبيح زواج‬ ‫المرأة المسلمة من أهل الكتاب‪.‬‬ ‫‪٣‬الصادق المهدي رئيس جمهورية السودان األسبق سياسي ومفكر سوداني وإمام األنصار ورئيس حزب‬ ‫األمة‪ .‬ولد بالعباسية بأم درمان‪.‬سنة ‪ 1935‬كتب‪ :‬العقوبات الشرعية وموقعها من النظام االجتماعي‬ ‫اإلسالمي في الرد على قوانين سبتمبر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫قضائيا برئاسة الجمهورية ‪ 1985-1983‬وهو أحد‬ ‫لحقا‬ ‫‪٤‬النيل عبد القادر ابو قرون‪ .‬قاضي سوداني ُعِّين ُم‬ ‫القضاة الذين وضعوا عام ‪ 1983‬ما يسمى بقوانين سبتمبر في السودان‪.‬‬ ‫‪٥‬محمود محمد طه مفكر ومؤلف سوداني ‪ 1985-1909‬أعلن مجموعة من األفكار الدينية و السياسية‬ ‫سمى مجموعها بالفكرة الجمهورية ُحوكم بتهمة الردة وأعدم في يناير ‪ 1985‬في أواخر عهد الرئيس جعفر‬ ‫نميري‪.‬‬ ‫‪٦‬أبو عبد اهلل حسين بن منصور الحالج ‪ 922 - 858‬من أعالم التصوف من أهل البيضاء وهي بلدة بفارس‪،‬‬ ‫نشأ في مدينة واسط جنوب بغداد في العراق‪.‬‬ ‫‪٧‬الجعد بن درهم‪ ،‬أصله من خراسان‪ ،‬أسلم أبوه وصار من موالي بني مروان‪ .‬وقد ولد في خراسان ‪-715‬‬ ‫‪724‬م وهاجر بعد ذلك إلى دمشق حيث أقام هناك‪ .‬كان الجعد يعيش في حي للنصارى‪ ،‬حيث تأثر هناك‬ ‫بجو اآلراء الفلسفية المسيحية التي كانت تثار حول طبيعة اإلله‪ .‬من المعتزلة‪.‬‬ ‫‪٨‬سورة البقرة اآلية ‪217‬‬ ‫‪٩‬سورة آل عمران اآلية ‪91-85‬‬ ‫‪١٠‬سورة الغاشية ‪21-26‬‬ ‫‪١١‬سورة النساء اآلية ‪138-137‬‬ ‫‪١٢‬الدكتور محمد مجذوب محمد صالح‪ ،‬مفكر السوداني‪ ،‬أستاذ مساعد في مادة الفكر السياسي في‬ ‫جامعة النيلين‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬السودان‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪63‬‬


‫مراجعات معرفية‬

‫ختان النساء في منطقة‬ ‫القرن االفريقي‬ ‫ما هي عالقته باإلسالم؟‬

‫تعتبر دول القرن االفريقي من أكثر مناطق العالم التي تتفشى فيها ظاهرة ختان‬ ‫النساء‪ ،‬بما في ذلك أكثره تطرفا‪ :‬الختان الفرعوني‪ .‬عادة ما تستخدم النصوص‬ ‫اإلسالمية كمبرر إلضفاء شرعية على الختان في اإلقليم‪ ،‬مع أن الغالبية العظمى‬ ‫من شعوب العالم المسلمة ال تتبناه‪ .‬على الرغم من وجود الشواهد الدالة من‬ ‫السنة التي تدعم ممارسة ختان الذكور‪ ،‬اال أنه بالمقابل ليس هناك ما يوازيها‬ ‫من أدلة تدعم ختان االناث‪ .‬انه لخطل ّبين‪ ،‬يرقى لمستوى التعسف‪ ،‬أن ينسحب‬ ‫الرأي الفقهي لممارسة ختان الرجال على النساء‪ .‬فليس هناك آية واحدة في‬ ‫القرآن تعزز فرضية ختان االناث‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فإن هناك العديد من اآليات التي‬ ‫تندد بالممارسة‪ .‬الشاهد أن اإلسالم يحض على قدسية جسد االنسان وبالتالي‬ ‫أن أية اذى يصيب جسده دون مبرر شرعي فهو محرم شرعًا‪ .‬فى هذا المقال تبحث‬ ‫الكاتبة النروجية المتخصصة فى شؤون السودان والقرن االفريقي ليف تونيسون‬ ‫فى مسألة عالقة الدين االسالمى وعادة خفاض االناث فى المنطقة وتستعرض‬ ‫مواقف المدافعين والمناهضين لقضية ختان االناث وارتباطها بالعقيدة وتستند‬ ‫فى ذلك على مجموعة من االبحاث والدراسات فى مقدمتها الورقة التى قدمها‬ ‫االمام الكيني‪ ،‬ابراهيم التوم السماني ومريم شيخ عبدي والتى تدعو بوضوح‬ ‫لفك االرتباط مابين الدين االسالمى وخفاض االناث‪.‬‬

‫الختان كمصطلح‪ ،‬ومدى تفشيه في‬ ‫منطقة القرن االفريقي‬

‫الختان من منظور القانون الوطني‬ ‫واإلقليمي والدولي‬

‫خنت أو قطع األعضاء التناسلية للمرأة يف تعريف منظمة الصحة‬ ‫العاملية‪ ،‬هو االجراء الذي مبوجبه تتم عملية برت جزء أوكل العضو‬ ‫التناسيل للمرأة «البظر»‪ ،‬أو كل جرح يتعرض له العضو التناسيل للمرأة‬ ‫من غري أسباب طبية‪ .‬هناك حوايل مائة وثالثون مليون فتاة وامرأة‬ ‫مختونة يف تسعة وعرشون دولة ما بني أفريقيا والرشق األوسط‪ ،‬حيث‬ ‫تسود املامرسة‪.‬‬

‫ميثل الختان انتهاكاً للحق اإلنساين للنساء والفتيات‪ ،‬لذلك فقد‬ ‫متت ادانته وفق الكثري من املعاهدات واالتفاقيات الدولية واإلقليمية‬ ‫وكذلك الترشيعات الوطنية‪ .‬فهو مبثابة انتهاك لصحة وسالمة الجسد‬ ‫حسبام هو منصوص يف املادة ‪ 25‬لإلعالن العاملي لحقوق االنسان‪.‬‬ ‫بل إنه يف بعض املعاهدات الدولية يصنف كعنف ضد املرأة‪ ،٢‬وشكل‬ ‫من أشكال التعذيب‪ ٣‬ومامرسة متخلفة تعمل عىل إيذاء األطفال من‬ ‫النساء‪.٤‬‬

‫يعترب الختان واحدا من أكرث التحديات املاثلة واملؤثرة عىل الحياة‬ ‫الجنسية والصحة اإلنجابية للنساء والفتيات يف القرن االفريقي‪ ،‬حيث‬ ‫يعترب املامرسة أكرث تفشياً‪ .‬ففي الصومال‪ ،‬تبلغ نسبة الختان حوايل‬ ‫‪ %98‬وسط االعامر السنية للنساء ما بني ‪ .49-15‬يف جيبويت تبلغ نسبة‬ ‫الختان حوايل ‪ ،%93‬السودان حوايل ‪ ،%88‬أرترييا ‪ %89‬واثيوبيا ‪ .١%74‬يعترب‬ ‫الختان الفرعوين (قطع البظر والشفرات) والذي هو أكرث أنواع الختان‬ ‫تطرفاً‪ ،‬األكرث انتشارا ومامرسة يف الصومال‪ ،‬جيبويت والسودان‪ ،‬وهي أكرث‬ ‫املناطق يف العامل التي تتفىش فيها مامرسة الختان‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫إقليمياً‪ ،‬ووفقاً للميثاق االفريقي لحقوق االنسان والشعوب‪،‬‬ ‫واملعروف بـ ميثاق بنجول‪ ،‬ويف الربوتكول الخاص بحقوق املرأة‬ ‫مابوتو بروتوكول‪ ،‬إضافة للميثاق الخاص بحقوق ورفاهية األطفال‪،‬‬ ‫نجد أن الربوتوكول يشدد عىل مظاهرة وحامية حقوق النساء‪ .‬ففي‬ ‫لغة واضحة ورصيحة‪ ،‬تنص الفقرة الخاصة من مابوتو بروتوكول عىل‬ ‫منع كافة أشكال الختان‪ ،‬وذلك من خالل الترشيعات القانونية وما‬ ‫يستتبعها من عقوبات‪.‬‬


‫‪ %٨8‬من السودانيات و ‪ %89‬من الصوماليات خضعن لعملية الختان‪ .‬هذه الممارسة الضارة ترتكب باسم الدين في المسيحية واإلسالم‪.‬‬

‫الكثري من بلدان القرن االفريقي عملت عىل تجريم الختان‪ :‬حدث‬ ‫ذلك يف جيبويت عام ‪ ،1995‬وعدل يف العام ‪ ،2009‬اثيوبيا العام ‪2004‬‬ ‫وأرترييا العام ‪ 2007‬وأخريا الصومال ‪ ،2012‬هناك العديد من املحاوالت‬ ‫الجادة نحو تجريم الختان‪ .‬هناك الكثري من الجهود املستمرة لتجرميه‬ ‫عىل املستوى الوطني‪ ،‬ولكن االرثوذكسية الدينية والسياسيون‪ ،‬يقفون‬ ‫يف وجه هذه الترشيعات‪ ،‬بحجة أنها مخالفة لقوانني الرشيعة‪.٥‬‬

‫صلة الختان باإلسالم‬ ‫كثرية هي األسباب التي اعطيت لتربير مامرسة الختان‪ ،‬أقربها تلك‬ ‫التي تعزيه اىل سيادة الثقافة البطريركية التي تعمل عىل التحكم يف‬ ‫النشاط الجنيس للمرأة‪ .‬من هنا يعترب الختان طقس عبور تطهري‬ ‫للفتاة‪،‬يعمل عىل التأكد من عذريتها‪ ،‬وبالتايل صالحيتها للزواج‪ ٦.‬لذلك‬ ‫نجد أن املتحدثني بالعربية يُع ّرفون املرأة املختونة ب «املطهرة» وغري‬ ‫املختونة ب «الغلفاء» أي الدنسة‪.‬‬ ‫الجدير بالذكر‪ ،‬أن هناك العديد من املسلمني واملسيحيني يف القرن‬ ‫االفريقي ميارسون الختان بحجة أنه واجب ديني‪ ،‬ولكن يف الواقع‪،‬‬ ‫نجد أن الكثري من مجتمعات الرشق األوسط وشبه الصحراء االفريقية‬ ‫ال متارس الختان‪ .‬ربط املسلمني للختان بالدين‪ ،‬أعطاه هوية إسالمية‪،‬‬ ‫وعزز من االعتقاد بأنه واجب ديني‪ .‬وهنا يتم التعويل عىل السنة‬ ‫للترشيع والتربير ملامرسة الختان‪ ،‬خصوصا ما يعرف بـ ختان السنة‪،‬‬ ‫مع أنه يف الحقيقة ال يوجد اجامع وسط املذاهب السنية األربع‪ ،‬والتي‬ ‫متثل املصدر الترشيعي للقوانني االسالمية‪ .‬فقط‪ ،‬هو املذهب الشافعي‬ ‫الذي ينص عىل أن ختان السنة التزام ديني يقع عىل الرجال والنساء‬ ‫كليهام‪ .٧‬وباستثناء السودان‪ ،‬فإن كل دول القرن االفريقي تلتزم املذهب‬ ‫الشافعي‪.٨‬‬

‫من املعروف أن مامرسة الختان سابقة عىل ظهور اإلسالم‪ ،‬مام يجعل‬ ‫من الصعوبة التفريق بني الثقافة السائدة والتقاليد اإلسالمية‪ ،‬خصوصا‬ ‫عندما يتعلق األمر بالتحكم يف النشاط الجنيس للمرأة‪ ،‬والذي عادة ما‬ ‫يتداخل بني العادات والتقاليد الدينية‪ .٩‬ولكن من الواضح‪ ،‬أن املثاليات‬ ‫البطريركية والتي تعمل دوما عىل حبس املرأة داخل اإلطار األخالقي‬ ‫ملفهوم «العار‪-‬الرشف»‪ ،‬تلعب دورا اساسيا يف فرض مامرسة الختان‪.‬‬ ‫لذا نجد أن االجتهادات الفقهية ت ُستخدم لترشيع مامرسة هي يف األصل‬ ‫شائعة يف هذه املجتمعات قبل ظهور اإلسالم‪ .‬هذا ما يجعل التخلص‬ ‫من هذه العادة يبدو أكرث صعوبة‪ ،‬حتى مع الجهود املبذولة لتجرميها‬ ‫قانونيا‪ ،‬ألن رسوخ التأثري الديني والثقايف يعمل باستمرار عىل استدامتها‪.‬‬ ‫واألكرث ايالما يف األمر هو‪ ،‬أن أية جهود تبذل للتخلص من املامرسة‬ ‫وتكون مصحوبة بتمويل دويل‪ ،‬عادة ما توصف بأنها مؤامرة غربية‬ ‫أو أجنبية من قبل أصحاب النفوذ الديني والسيايس من املحافظني‪.‬‬ ‫ففي السودان عىل سبيل املثال‪ ،‬كل الجهود املبذولة من قبل منظامت‬ ‫املجتمع املدين والحكومة‪ ،‬أحيانا‪ ،‬للقضاء عىل الختان‪ ،‬تقابل مبقاومة‬ ‫عنيفة من قبل الحركات السلفية ذات املرجعية الوهابية‪ .‬حجتهم يف‬ ‫ذلك‪ ،‬أن تجريم الختان هو عمل مناهض لتعاليم الرشيعة‪ ،‬وبالتايل فهو‬ ‫محاولة لفرض الثقافة اإلمربيالية الغربية‪.١٠‬‬

‫الصورة‪ :‬أيمن‬ ‫حسين‪ ،‬السودان‬

‫مل يتطرق القرآن ملسألة الختان‪ ،‬بينام نجد مرجعه يف السنة‪ ،‬حيث‬ ‫هناك العديد من األحاديث التي تستخدم كحجة لتربير مامرسته‪،‬‬ ‫مثل الحديث الذي روته أم عطية أو الحديث الذي رواه الحجاج بن‬ ‫عرضة أو ذاك الذي رواه عبد الله بن عمر‪ ،‬ولكن الحديث الذي يُكرث‬ ‫االستشهاد به‪ ،‬هو حديث السيدة عائشة‪ ،‬والذي فحواه أنهاسمعت‬ ‫الرسول يقول‪( :‬أنه متى ما اتصل مختونان فعليهام االغتسال)‪ .‬وهو ما‬ ‫يعتمده رجال الدين كإعالن رصيح بوجوب الغُسل بغية التطهر عند‬ ‫االنتهاء من املامرسة الجنسية‪ .‬من الواضح أن كلمة «اتصال» يف هذا‬ ‫السياق تعني االتصال الجنيس بني الـ»مختونني» والتي تشري اىل األعضاء‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪65‬‬


‫التناسلية‪ ،‬ومع أن الحديث قد يؤخذ كدليل لوجود مامرسة الختان يف‬ ‫د‪ .‬ليف‬ ‫زمن النبي‪ ،‬االّ أنه ال يشري من قريب أو بعيد برضورة ختان املرأة كفرض‬ ‫تونيسون‬ ‫باحثة فى معهد ديني‪ .‬عىل النقيض من ذلك‪ ،‬فإننا نجد هناك تعاليم واضحة ومفصلة‬ ‫فيام يتعلق بختان الرجال‪ .‬ولكن املروجون يجادلون بأن ختان النساء‬ ‫ميشليسون‬ ‫جزء من تعاليم اإلسالم بقرينة فرضه عىل الرجال‪ .‬وهم يف ذلك يبنون‬ ‫فى بيرقن‪-‬‬ ‫فرضيتهم عىل مبدأ القياس كأحد األدوات الفقهية التقليدية‪ ،‬مع أن‬ ‫النرويج ‪CMI‬‬ ‫علامء الدين املعارصين والناشطني يف حقوق االنسان‪ ،‬يرون أن املقارنة الخالصة‬ ‫وتتركز ابحاثها‬ ‫ال تجوز الختالف العلة والغرض‪.‬‬ ‫فى مجاالت‬ ‫بينام هناك الكثري من األدلة الفقهية التي تدعم ختان الرجال‪ ،‬فإننا‬ ‫دراسات الجندر‪،‬‬ ‫باملقابل نجد أن األدلة من السنة التي تحض عىل ختان االناث‪ ،‬يف أحسن‬ ‫السياسة‬ ‫التعاليم اإلسالمية ومناهضة الختان‬ ‫األحوال ضعيفة‪ ،‬كام أنه ال يوجد يف القرآن ما يشجع عىل هذه املامرسة‪.‬‬ ‫والدين‪ .‬لها‬ ‫حتى املذاهب الفقهية املعروفة‪ :‬الحنبيل‪ ،‬املاليك‪ ،‬الحنفي والشافعي مل‬ ‫خبرة واسعة‬ ‫بينام يقراملذهب الشافعي أن ختان السنة واجب ديني عىل الرجال تجد بالتأكيد اية دليل فقهي عىل مامرسة الختان الفرعوين‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫في العمل‬ ‫والنساء‪ ،‬نجد أن املذاهب األخرى تعتربه خيارا شخصيا يرقى اىل درجة وحتى اليوم‪ ،‬نجد أن الختان الفرعوين ميثل مامرسة فاشية تقوم عىل‬ ‫الميداني في‬ ‫«املندوب»‪ .‬هناك الكثري من علامء الدين املعارصين والناشطات املربر الديني‪ ،‬هذا عىل الرغم من أن علامء الدين املعارصين والناشطني‬ ‫السودان‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك عملها االسالميات ممن لهم موقف مناهض للختان بكافة أشكاله‪ .‬ومن وجهة يرجعونها اىل العادات الجاهلية السابقة لإلسالم والتي مبعثها القيم‬ ‫نظرهم أنه ليس بواجب أو حتى مندوب‪ .‬وهم يجادلون بأن األحاديث البطريركية التي تعمل عىل التحكم يف النشاط الجنيس للمرأة‪ ،‬والذي‬ ‫كمحاضرة في‬ ‫التي تستخدم كدليل لفرضه هي يف الواقع أحاديث ضعيفة ال يعتد بها‪ ،‬أُدمج تعسفا يف النصوص الفقهية اإلسالمية من قبل الرجال‪ .‬فالتعاليم‬ ‫جامعة األحفاد‬ ‫للبنات‪.‬تونيسون ألن األحاديث التي عادة ما يؤخذ بها يف املسائل الفقهية هي األحاديث القامئة عىل هدى الرشيعة تحذر أن كل فعل مسبب للرضر‪ ،‬فهو منايف‬ ‫ذات السند املتصل‪ .‬كام أنها عادة جاهلية سابقة لإلسالم أريد لها بالخطأ لقوانني الرشيعة‪ ،‬وهذا عني ما يفعله ختان االناث‪ ،‬فرضره عىل الصحة‬ ‫نشرت مقاالت‬ ‫أن تكون ذات مرجعيةدينية يف بعض املجتمعات اإلسالمية‪ ،‬كام هو النفسية والجنسية واالنجابية للمرأة‪ ،‬كبري مبا ال يقاس‪.‬‬ ‫مجازة وموثقة‬ ‫د‪ .‬ليف تونيسون‬ ‫الحال يف مجتمعات القرن االفريقي‪ .‬كثري من الباحثات‪ ،‬مثل اإليرانية‬ ‫علميا مع‬ ‫ترجمه من االنجليزية‪ :‬عبد الخالق السر‬ ‫زيبا مري حسني عملن عىل مساءلة ونقد الفقه الكالسييك اإلسالمي‪،‬‬ ‫الناشرين‬ ‫وقمن مبساءلة مواضعاته وتصنيفاته االنطباعية ووضعها عىل محك‬ ‫مثل صحيفة‬ ‫التفكيك الجندري‪ .‬فـ زيبا ترى أن الفقه الكالسييك تأسس عىل تجربة‬ ‫جامعة ديوك‪،‬‬ ‫روتليدج‪ ،‬بريل‪ ،‬الرجال وحدهم معتمدين عىل مركزية تساؤالتهم‪ ،‬والتي هي نتاج تأثري‬ ‫صحيفة جامعة قيم املجتمعات البطريركية التي كانوا يعيشون فيها ويترشبون قيمها‪.‬‬ ‫فاملجتمعات البطريركية التي تسود فيها مامرسة الختان قبل ظهور‬ ‫تقرير اليونسيف حول ختان االناث ‪http://data.unicef.org/corecode/‬‬ ‫أكسفورد‪.‬‬ ‫‪uploaded_pdfs/corecode/FGM_Report_Summary_/uploads/document6‬‬ ‫اإلسالم اعتادت عىل التحكم يف النشاط الجنيس للنساء دون الرجال‪.‬‬ ‫وتايلور‬ ‫‪pdf.94_23August_hi-res__English‬‬ ‫يف هذا الصدد‪ ،‬فإن أكرث الحجج استخداما من قبل املناهضني للختان‬ ‫اتفاقية انهاء كافة اشكال التمييز ضد النساء‬ ‫فرانسيس‪.‬‬ ‫‪http://www.ohchr.org/Documents/ProfessionalInterest/cedaw.pdf‬‬ ‫هي‪ ،‬أنه ميثل عادة ضارة‪ ،‬وإ ّن اإلسالم ال يقر العادات الضارة املناقضة‬ ‫االتفاقية الدوية ضد التعذيب والمعاملة المهينة‬ ‫‪Punishment - http://www.ohchr.org/EN/ProfessionalInterest/Pages/‬‬ ‫لتعاليمه‪ .‬فالختان بكل أشكاله مناهض لتعاليم اإلسالم‪ ،‬شأنه يف ذلك‬ ‫‪CAT.aspx‬‬ ‫اتفاقية حقوق الطفل‬ ‫شأن «وأد البنات»‪ ،‬املامرسة الجاهلية التي كانت سائدة يف شبه الجزيرة‬ ‫‪http://www.ohchr.org/en/professionalinterest/pages/crc.aspx‬‬ ‫ً‬ ‫العربية قبل ظهور اإلسالم‪ .‬فمن املسلامت يف اإلسالم‪ ،‬أنه متى ما‬ ‫عالقا‬ ‫تجريم ختان فى السودان امر ال يزال‬ ‫‪Criminalizing FGM in Sudan: A Never Ending Story? - http://www.cmi.‬‬ ‫تعارضت القيم الثقافية مع القيم الدينية‪ ،‬فإن القيم اإلسالمية هي التي‬ ‫‪c-1509?/no/news‬‬ ‫ابراهيم التوم السماني ومريم شيخ عبدي تحت عنوان‪ :‬الفصل مابين‬ ‫يجب أن تسود‪ ،‬وكام قال الكاتب محمد لطفي الصباغ‪ :‬مبا أن ختان‬ ‫االسالم وخفض االناث فى عام ‪Delinking Female Genital ,)2008( .2008‬‬ ‫النساء شيئاً غري مرغوب فيه‪ ،‬وال يجد له سندا يف النصوص الدينية‪،‬‬ ‫‪2.Mutilation/Cutting from Islam, Population Council Frontiers, pp‬‬ ‫انظر الختان فى سكولبيديا االسالم‬ ‫أو تعاليم السنة‪،‬ومبا أن رضره يف حكم املؤكد‪ ،‬اذا ً‪،‬فليس هناك منفعة‬ ‫(‪2nd edition) edited by P. Bearman, Th. Bianquis, C.E Bosworth, E.‬‬ ‫‪Van Danzel and W.P Heinichs‬‬ ‫ترجى منه‪.١١‬‬ ‫الن جرونبوم ‪ :‬جدلية ختان االناث ‪– 2001‬دراسة انثروبولجية –جامعة‬ ‫يف تخفيض مخاطر رسطان القضيب وااليدز‪ .‬أما يف حالة ختان االناث‪،‬‬ ‫فإننا نرى العكس متاماً‪،‬هذا عىل الرغم من أن القرآن يحضنا عىل أن نرتك‬ ‫الجسد عىل الحالة التي خلق بها‪،‬ما مل تكن هناك حاجة ملحة ورضورية‬ ‫للتدخل‪ ،‬ألن رس جامله يكمن يف طبيعته‪.‬‬

‫‪١‬‬

‫‪٢‬‬

‫‪٣‬‬

‫‪٤‬‬

‫‪٥‬‬

‫‪٦‬‬

‫‪٧‬‬

‫‪٨‬‬

‫هذا المقال كتب بناء‬ ‫على ورقة مفاهمية‬ ‫كتبها االمام الكينى‬ ‫الجنسية‪ ،‬ابراهيم التوم‬ ‫السماني ومريم شيخ‬ ‫عبدي تحت عنوان‪:‬‬ ‫الفصل مابين االسالم‬ ‫وخفض االناث فى عام‬ ‫‪.2008‬‬

‫‪66‬‬

‫تسبيب األذى فعل ال يقره اإلسالم‪ ،‬ويجد سنده يف الحديث املعروف‬ ‫«ال رضر وال رضار»‪ .‬تلكم واحدة من الحجج الفقهية املستخدمة من‬ ‫قبل املناهضني للختان‪ .‬والحقيقة أن الختان مامرسة ضارة تؤثر عىل‬ ‫الصحة الجنسية واالنجابية للنساء والفتيات عىل السواء‪ .‬فاذا اتفق‪،‬‬ ‫أن هناك فعال يحتوي عىل النفع والرضر‪ ،‬فمن املنظور الفقهي يكون‬ ‫الفعل مباحاً متى ما ثبت أ ّن نفعه أكرث من رضره‪ .‬قد يرى البعض أن‬ ‫ختان الرجال نفسه مرضا ً‪ ،‬ولكن عىل مستوى الدليل املادي فهو يعترب‬ ‫مامرسة دينية مطلوبة‪ ،‬هذا فضال عن منافعه الطبية امل ُثبتة واملتمثلة‪،‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫بنسلفانيا‬ ‫‪The Female Circumcision Controversy: An ,)2001( Ellen Gruenbaum‬‬ ‫‪50.Anthropological Perspective, University of Pennsylvania Press, pp‬‬ ‫‪٩‬انى سوفى روالد‪ :‬النساء فى االسالم‪ :‬تجربة الغرب‬ ‫‪Women in Islam: The Western Experience, ,)2001( Anne Sofie Roald‬‬ ‫‪.244.Routledge, pp‬‬ ‫‪١٠‬ليف تنوسيون وسامية النقر ‪ : 2013‬نظام الكوتة االنتخابى في مناطق‬ ‫النزاعات‬ ‫‪The Women›s Quota in“ ,)2013( Liv Tønnessen and Samia Al Nagar‬‬ ‫‪Conflict Ridden Sudan: Ideological Battles for and against Gender‬‬ ‫‪131-122.pp ,41,Equality”, Women’s Studies International Forum‬‬ ‫‪١١‬محمد لطفى الصباغ ‪ :1996‬احكام االسالم فى مواضيع ختان االناث والذكور‬ ‫‪Islamic Ruling on Male and Female ,)1996( Mohamed Lutfi Al Sabbagh‬‬ ‫‪Circumcision, World Health Organisation - http://applications.emro.‬‬ ‫‪40.pdf, pp.who.int/dsaf/dsa54‬‬


‫مراجعات معرفية‬

‫االحتفال بيوم المرأة‬ ‫العالمي في الجامع‬ ‫ردم الهوه ما بين الديني والثقافي‬ ‫في مارس ‪ ،2014‬تلقيت دعوة من المركز اإلسالمي للقانون‬ ‫والعدالة في يوغندا لحضور احتفالهم باليوم العالمي للمرأة‪.‬‬ ‫أن االحتفال سوف يكون بجامع‬ ‫وقد ورد في بطاقة الدعوة‪ّ ،‬‬ ‫ناماسوبا‪ ،‬وهي قرية صغيرة تقع على الطريق ما بين العاصمة‬ ‫كمباال ومدينة عنتبى‪ .‬اصابتنى عفوية الدعوة ببعض من‬ ‫الدهشة والحيرة‪ ،‬وعجز عقلى عن الربط ما بين يوم المرأة‬ ‫العالمي والجامع‪.‬‬ ‫ظلت االفكار تتناوشني طوال ما تبقى من أيام للموعد املرضوب‬ ‫لالحتفال حول ما ميكن ان يعنيه االحتفال باليوم العاملي للمرأة داخل‬ ‫مسجد‪ .‬فقد تشكل وعي حول املساجد ودورها يف ظل قسوة اإلسالم‬ ‫السيايس الذي سلب الجامع كمؤسسة‪ ،‬دوره االجتامعي والثقايف‪ ،‬اضافة‬

‫اىل رمزيته الروحية‪ ،‬مام‬ ‫أحدث رشخاً عميقاً وانقساماً‬ ‫بني عقيدة املرأة وحقوقها‬ ‫االنسانية‪.‬‬

‫يف هذه البيئة‪ ،‬تم تحويل‬ ‫إىل مؤسسات‬ ‫الجوامع‬ ‫تسعى القصاء النساء وتكرس‬ ‫لدونيتهن ىف الغالب االعم‪.‬‬ ‫فغالبية خطب األمئة الصاخبة املبثوثة عرب مكربات الصوت العالية ال‬ ‫تخرج عن صب اللعنات عىل النساء‪ ،‬مؤسسة لكراهيتهن‪ ،‬وتحديدا ً‬ ‫النساء املتواجدات يف املجاالت العامة‪ .‬وتجدهم يستدعون صور خيالية‬ ‫مفارقة للواقع‪ ،‬تعمل عىل اشانة سمعة النساء ومروجة يف ذات الوقت‬

‫الرسم الرقمي‪ :‬ارنولد‬ ‫ببرونغي‪ ،‬يوغندا‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪67‬‬


‫مراجعات معرفية‬

‫ملرشوعية الخوف منهن‪ ،‬وأهمية اخضاعهن للرقابة والردع‪ .‬لذا كان من‬ ‫املستحيل تقريبا‪ ،‬تخيل أي عالقة إيجابية بني ما ميثله املسجد اآلن يف‬ ‫ظل أيدولوجية االسالم السيايس‪ ،‬وبني االعرتاف بإنسانية املرأة ومساواتها‪.‬‬

‫فاخر‪ ،‬ومولّد كهرباء وأضواء ساطعة‪ ،‬وقد جذب افتتاحه كبار املسئولني‬ ‫والناس من كل حدب وصوب‪ .‬قامت نساء القرية بطبخ الكثري من‬ ‫الطعام‪ ،‬وأكل الضيوف ورشبوا حد التخمة ثم انرصفوا مع املغيب‪.‬‬ ‫بعدها ساد الصمت القرية ‪ ،‬وانتابت الحرية االهايل أمام ذلك الرصح‬ ‫وأحسوا‬ ‫العظيم الجاثم يف قريتهم‪ ،‬والذي ال ميت لبيوتهم الفقرية بصلة‪ّ ،‬‬ ‫بأنه ال يليق بهم‪ ،‬فتفاكروا فيام بينهم لربهة‪ ،‬وبعد ذلك قرروا إغالقه‬ ‫وإخفاء املفاتيح يف مكان أمني! استمر بعدها سكان القرية يف أداء الصالة‬ ‫بجامعهم القديم تحت شجرة النيم الكبرية‪ .‬دارت بخلدي هذه القصة‬ ‫عندما رأيت مدى تواضع جامع ناماسوبا والوقار الذي ينضح به‪.‬‬

‫يف اليوم املزمع لزيارة جامع ناماسوبا‪ ،‬استيقظت متحمسة‪ ،‬وكنت‬ ‫أفكر فيام سوف أرتديه‪ .‬كامرأة مسلمة‪ ،‬قبل أن تطأ قدماي شوارع‬ ‫الخرطوم‪ ،‬أو مقديشو أو هرجيسا‪ ،‬أو حتى يف بلد مثل جيبويت التي‬ ‫تزعم أن حقوق املرأة فيها مصانة‪ ،‬تجدين استهلك قدرا ً كبريا من الوقت‬ ‫يف هندسة هندامي‪ ،‬وهذا مرده إىل أن املرأة يف نهاية املطاف ت ُع َرف عىل‬ ‫أساس مظهرها قبل أي يشء آخر‪ .‬ومع التباين يف املواقف الفقهية حيال‬ ‫كان يف إستقبايل موىس‪ ،‬وهو محام من املركز اإلسالمي للقانون‬ ‫«الزي اإلسالمي املناسب»‪ ،‬اال أنه من الواضح‪ ،‬ستظل أجساد النساء‪،‬‬ ‫والعدالة‪ ،‬وإمام املسجد الذي ح ّياين بلطف مطبوع‪ ،‬فأدركت أنني مل‬ ‫ساحة معرتك بني سدنة االسالم السيايس‪ ،‬حتى أشعار آخر‪.‬‬ ‫أخضع لحكم قيمة مسبق‪ ،‬ومل أسبب استيا ًء‪ ،‬بل كانوا متصالحني مع‬ ‫يف ذلك اليوم‪ ،‬قررت ّأل أتقيد بزي بعينه وسلكت الطريق صوب الهيئة التي كنت عليها‪ .‬خلعت حذايئ ودخلت الجامع ألجد الجميع‬ ‫القرية املزدحمة‪ ،‬والتي تبعد حوايل خمسة كيلوميرتات من مركز مدينة جلوساً‪ .‬جلست النساء يف الوسط والرجال عىل الجانبني يستمعون إىل‬ ‫كمباال عىل الطريق الرسيع املؤدي إىل عنتيبي‪ .‬الجامع املتواضع يقع ممرضة تقد ًم ندوة توعية حول مرض نقص املناعة البرشية (اإليدز)‪.‬‬ ‫يف قرية ناماسوبا الجبلية بطرقها الضيقة واملزدحمة‪ .‬يف البداية‪ ،‬ضللت أعقب الندوة سلسلة من األسئلة والنقاشات‪ .‬بعد ذلك كانت هناك‬ ‫الطريق وأنا أبحث عن املئذنة بشكلها التقليدي العايل والظاهر للعيان‪ .‬ندوة قدمتها مستشارة نفسية حول العنف املنزيل وكيف ينبغي لكل من‬ ‫ولدهشتي ورسوري عرثت عىل املسجد الذي كان تواضعه متسق مع النساء والرجال يف املجتمعات اإلسالمية الوقوف ضده من أجل إصالح‬ ‫محيطه‪ ،‬وكانت ميزته الرئيسية تكمن يف املئذنة املستديرة املتواضعة مجتمعاتهم والنهوض بها‪.‬‬ ‫واالليفة‪ .‬لقد أسعدين مشهد الجامع الذي ال مياثل الصورة النمطية‬ ‫ثم تحدث موىس‪ ،‬من املركز اإلسالمي للقانون والعدالة‪ ،‬عن األهمية‬ ‫للجوامع التى الفتها‪ ،‬والتى يف بعض األحيان‪ ،‬تضاهى يف فخامتها القصور‬ ‫دمت والرضورة امللحة لتعليم الفتيات يف املجتمعات اإلسالمية‪ .‬بعدها متت‬ ‫امللكية‪ ،‬وتناقض الفقر املدقع عىل بعد خطوات من أبوابها‪ .‬لقد ُص ُ‬ ‫ذات مرة لرؤية مسجد يخلب األبصار يف قرية بالسودان ألنه ال يتسق دعوىت للحديث‪ ،‬فتحدثت عن مفاهيم املساواة يف االسالم‪ ،‬وقد كان‬ ‫وواقع فقرها املدقع‪ ،‬وعندما سألت عن قصة ذلك املسجد‪ ،‬أخربوين أقرب منوذج إىل ذهني‪ ،‬إرث السيدة خديجة الذي يعكس فجر اإلسالم‬ ‫أ ّن مسئوالً حكومياً هاماً كان قد زار القرية قبل عدة سنوات‪ ،‬وبينام كثورة اجتامعية قوامها املساواة‪ .‬فعىل الرغم من ثروتها‪ ،‬تغلبت السيدة‬ ‫كان يشق طريقه متفقدا ً‪ ،‬أخربه السكان عن حوجتهم إىل مستشفيات خديجة عىل الجشع البرشي وساندت الرسول (ص) ورسالته مبالها‬ ‫ومدارس‪ ،‬االّ أنّه وحسب وجهة نظره‪ ،‬فقد قرر أن تلك القرية يف حاجة وفكرها فيام كان يدعو إليه من وضع حد للفقر والعبودية ووأد البنات‪.‬‬ ‫إىل مسجد‪.‬‬ ‫تحول مسجد مناسومبا اىل جامعاً مبعنى الكلمة‪ ،‬يلتقي فيه الناس‬ ‫وصلت مواد البناء خالل أيام‪ ،‬ولصدقهم‪ ،‬وإميانهم ومحبتهم لله نساء ورجاال‪ ،‬ويتفاكرون بحرية ودميقراطية‪ .‬تم تقديم وجبة الغداء‬ ‫ورسوله‪ ،‬قىض القرويون شهورا ً طوال يف تشييد املسجد‪ .‬بعدها امتلكت تحت ظل شجرة كبرية‪ ،‬وكان اإلمام يقوم بخدمتنا بتواضع ولطف‪ ،‬فنحن‬ ‫القرية الفقرية مسجدا ً يخلب األبصار‪ ،‬به مكيف الهواء البارد‪،‬وسجاد ضيوفه وىف منزله‪ ،‬متأكدا ً من أن الجميع تناولوا الطعام‪ .‬استمر حضور‬

‫‪68‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫الناس اىل املسجد من كافة ألوان الطيف‪ ،‬طالباً وشباباً ونساء مرتديات‬ ‫الحجاب أو أزيائه ّن العادية‪ .‬توقفت الفعالية ألداء صاليت الظهر والعرص‪،‬‬ ‫وكانت هناك املزيد من الكلامت وجلسة إللتقاط الصور‪ ،‬ومن ثم التربع‬ ‫لجمعية املرأة يف املجتمع املحيل‪ ،‬بينام استمرت األحاديث والضحكات‪.‬‬ ‫مع غياب الشمس بدانا ننفض ونتبادل املعلومات حول كيفية‬ ‫التواصل‪ .‬كان ذلك اليوم من أجمل أيام املراة التي شاركت فيها‪ ،‬فليس‬ ‫هناك ما هو أفضل من أن نعيش االتساق بني عقيدتنا وثقافتنا وقناعتنا‬ ‫الوجودية‪.‬‬ ‫يسكن يوغندا عدد ال يستهان به من املسلمني‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فهم‬ ‫يعيشون يف سالم واتساق مع الذات واألخر‪ .‬ومام يدعو لإلهتامم بشأن‬ ‫اإلسالم يف أفريقيا‪ ،‬هو ما تضفيه ‪١‬الثقافة األفريقية املتسامحة عىل الدين‬ ‫فتربز سامحة االسالم وقدرته عىل التعايش سلميا‪ ،‬ويتجىل ذلك يف كثري‬ ‫من األرس األفريقية التي يعيش تحت سقفها مسيحيون ومسلمون‬ ‫معاً ويكنون التقدير لبعضهم البعض‪ ،‬االّ إنه ملن املحزن أن نقر بأن‬ ‫إشارات اإلقصاء قد بدأت تظهر يف اآلونة األخرية من قبل مسلمي‬ ‫أفريقيا تجاه مواطنيهم‪ ،‬وباملقابل‪ ،‬فإن بوادر العداء بدأت تجد طريقها‬ ‫تجاه املسلمني‪ .‬إن «اإلسالم السلفي» املستورد ببنيته الثقافية املغرتبة‬ ‫واملستعلية عىل الواقع األفريقي‪ ،‬وموقفه األيديولوجي الرافض للتنوع‬ ‫الثقايف مسؤول بشكل مبارش عن ظهور التعصب والعنف الديني يف‬ ‫أفريقيا جنوب الصحراء‪.‬‬

‫ويجري تطبيقها اآلن يف غالبية دول افريقيا جنوب الصحراء‪ ،‬ال متت‬ ‫لواقع هذه املجتمعات املحلية بصلة‪ ،‬بقدر ما أنها تسهم يف تعميق‬ ‫الخالفات بني هذه املجتمعات‪ ،‬كام أنها يف أحايني كثرية تعمل عىل‬ ‫اشعال الحروب‪ .‬فخطل هذه السياسات ما زال ماثل يف دول ما تزال‬ ‫تعاين من أزمات مابعد االستعامر‪ ،‬وال تزال قضايا مركزية مثل‪ :‬الفقر‬ ‫والبطالة وعدم املساواة وضعف البنيات األساسية بعيدة عن الحلول‪.‬‬ ‫أ ّن قيم التسامح الديني التي وسمت أفريقيا‪ ،‬هي التي عملت باملقابل‬ ‫عىل االحتفاء باإلسالم وعملت عىل توغله عرب القارة‪ ،‬وهذه قيمة عظيمة‬ ‫يجب أن يدركها املسلمون‪ .‬كام يجب ان يعوا إ ّن االستسالم اىل االسالم‬ ‫السلفي مبفاهيمه االقصائية‪ ،‬سيؤدى حتامً اىل مزيد من العزلة واالغرتاب‬ ‫والعنف بني مسلمي أفريقيا من جهة‪ ،‬وبني من ال يشاركونهم العقيدة‪،‬‬ ‫من جهة أخرى‪ ،‬وهو أمر ال ميكن تداركه االّ بنرش الوعي والتنوير فيام‬ ‫بينهم‪ ،‬والعمل عىل احرتام وقبول اآلخر املختلف‪ ،‬ونبذ االقصاء والكراهية‬ ‫التي تؤدى يف خامتة األمر اىل الدمار الكامل‪.‬‬ ‫هالة الكارب‬

‫‪١‬الثقافة بشكل عام‬ ‫وعبر التاريخ كانت‬ ‫متسامحة مع الدين‬ ‫لقدرتها على تضمينه‬ ‫ضمن عناصرها‪ ،‬ولكن‬ ‫الدين عادة هو الذي‬ ‫يحدد أن يتسامح أو‬ ‫ال يتسامح مع الثقافة‬ ‫باندغامه أو عدم‬ ‫اندغامه فيها‪ ،‬ألن الدين‬ ‫مفهوميا‪ ،‬يقوم على‬ ‫فكرة النقاء والمثالية‬ ‫األخالقية‪ ،‬وبالتالي‬ ‫يرفض الكثير من عناصر‬ ‫الثقافة المجتمعية‪،‬‬ ‫ومن هنا ينشأ عادة‬ ‫التوتر بين قيم الدين‬ ‫والثقافة كما هو حادث‬ ‫اآلن في المجتمعات‬ ‫اإلسالمية المعاصرة‬ ‫بعد أن أصبحت النسخة‬ ‫االرثوذكسية السائدة‬ ‫تجرم قيم الثقافة‬ ‫السائدة في بحثها‬ ‫الدؤوب والعدمي على‬ ‫النقاء االخالقي‪.‬‬

‫يف يونيو ‪ ،2010‬شهدت مدينة كمباال هجوماً دموياً أودى بحياة أكرث‬ ‫من ‪ 60‬شخصاً خالل املباراة النهائية لكأس العامل يف إثنني من املطاعم‬ ‫املحلية‪ .‬وعىل الرغم من أن أغلب الضحايا كانوا من اليوغنديني‪ ،‬فقد‬ ‫كان هناك ضمن القتىل‪ ،‬أيضاً‪ ،‬بعض اإلريرتيني وجنسيات أجنبية أخرى‪.‬‬ ‫أعلنت حركة الشباب الصومالية التي مقرها الصومال مسؤوليتها عن‬ ‫هذا العمل الشنيع‪ ،‬وقالوا إنه كان انتقاما ملشاركة يوغندا يف بعثة حفظ‬ ‫السالم األفريقية يف الصومال‪.‬‬ ‫إنها املرة األوىل التي تعرف فيها يوغندا محنة التطرف الدينى‪ ،‬ومنذ‬ ‫ذلك الحني إتخذت األمور إتجاهاً مغايرا ً‪ .‬لكن يف تقديري‪ ،‬أ ّن ما يسمى‬ ‫بالسياسات والترشيعات املناهضة لإلرهاب‪ ،‬والتي صممت يف الغرب‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪69‬‬


‫اللوحة‪ :‬حسين مرغني‪ ،‬السودان‬

‫الهجرة والحداثة واإلسالم في‬ ‫الريف السوداني‬ ‫ً‬ ‫جيال جديدًا من السودانيين‬ ‫أنتجت الهجرة عبر الحدود الوطنية خالل حقبة السبعينيات والثمانينيات‪،‬‬ ‫المتأثرين بالثقافات األخرى‪ ،‬وقد كان لألزمة االقتصادية والسياسية في السودان عقب قوانين‬ ‫ّ‬ ‫شكل منفذًا جديدًا لثقافات جديدة خصوصًا‬ ‫سبتمبر ‪ ،1983‬أثرًا كبيرًا في ازدياد هذه الهجرات مما‬ ‫ً‬ ‫من البلدان القريبة جغرافيا‪ .‬لقد كان للمملكة السعودية مثال ‪ ،‬تأثيرًا كبيرًا على السودان‪ ،‬وذلك‬ ‫من خالل ضغطها على «النميري» رئيس الدولة وقتذاك‪ ،‬ل ِ َس ِّن قوانين الشريعة‪ ،‬كما قامت بتمويل‬ ‫مجموعات ُمعار ِضة‪ ،‬كاألخوان المسلمين وغيرهم‪ ،‬وفي نفس الوقت‪ ،‬جذبها لعدد كبير من‬ ‫ٍ‬ ‫السودانيين العاديين‪ ،‬وبمختلف مشاربهم لإلقامة فيها كعمالة مهاجرة‪.‬‬ ‫ومع هجرة العمال القرويين من السودان إلى المملكة السعودية نتجت مفاهيم جديدة عن اإلسالم‬ ‫ضفاف النيل األزرق بالسودان الشمالي‪،‬‬ ‫ومعنى أن تكون ُمسلمًا‪ ،‬وقرية َو َّد‬ ‫ّ‬ ‫العباس الواقعة على ِ‬ ‫ً‬ ‫ُت ّ‬ ‫للتغير الذي طرأ على هذه المفاهيم‪ ،‬فمنذ أواسط السبعينات وحتى الثمانينات‪،‬‬ ‫مثاال بارزًا‬ ‫شكل‬ ‫ُّ‬ ‫العباس في االقتصاد العالمي من خالل الهجرات إلى المملكة العربية‬ ‫انخرطت هذه القرية َو َّد‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫القرويون‪ ،‬أعماال هنالك‪ ،‬كسائقي شاحنات‪ ،‬وفنيي كهرباء‪ ،‬وعمال‬ ‫السعودية‪ ،‬وقد وجد هؤالء‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫المسا عِ َد ة على‬ ‫العوامل‬ ‫من‬ ‫العديد‬ ‫هناك‬ ‫كان‬ ‫فقد‬ ‫كر‪،‬‬ ‫ذ‬ ‫لما‬ ‫باإلضافة‬ ‫مصانع‪ ،‬ومناديب مبيعات؛‬ ‫ُ‬ ‫‪١‬‬ ‫إحداث تغيير كان من شأنه تحفيز ظهور ثقافات جديدة في السودان ومنها اإلسالم «األصولي» ؛‬ ‫تبني مفاهيم متطرفة حول الدين‪َّ ،‬‬ ‫العباس‪ ،‬فإن ِّ‬ ‫مثل ابتعادًا عن هويتهم‬ ‫وبالنسبة لقرويي َو َّد‬ ‫َّ‬ ‫المحلية‪ ،‬نحو مجموعة من المعتقدات والممارسات التي تتنكر للقديم‪.‬‬

‫‪70‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫بين الخاص والعام‬

‫صعود العصبية الجديدة‬

‫االغتراب واإلسالم‬

‫َّأس َس قرية َو َّد الع َّباس فقيه صويف‪ ،‬وهي واقعة جغرافياً‪ ،‬عىل‬ ‫ضفاف النيل األزرق يف مديرية النيل األزرق بالسودان الشاميل‪،‬‬ ‫وغالبية سكانها مسلمون‪ ،‬يتح ّدثون اللغة العربية كلغ ٍة أم‪ ،‬وينتمي‬ ‫معظم ُسكانها للمجموعات السكانية للشامل النييل‪ ،‬والتي ظلت‬ ‫ُمهيمنة عىل مقاليد األمور يف السودان منذ االستقالل‪ ،‬وكان أهاليها‬ ‫ميارسون عىل الدوام‪ ،‬الشعائر اإلسالمية‪ ،‬ولكن نهج حياتهم الدينية‬ ‫مل يكن أمرا ً ثابتاً‪ .‬أحد القرويني‪ ،‬بعد أن وصف بالتفصيل‪ ،‬املامرسات‬ ‫التي يقوم بها أهايل َو َّد الع َّباس يف منازل العزاء بيت البــكاء‪ ،‬أنهى‬ ‫حديثه ُمحذرا ً‪ :‬ولكن يف الرشيعة واإلسالم ال يوجد بـكاء!‬

‫ظل ألهايل َو َّد الع َّباس ارتباطاً متصالً باالقتصاد العاملي منذ‬ ‫َّ‬ ‫خمسينيات القرن املايض وذلك كمستهلكني للمواد املستوردة‪،‬‬ ‫وكمنتجني للقطن‪ ،‬لكن تطور وسائل املواصالت واإلتصاالت خالل‬ ‫العقود الثالثة املاضية أحدث تغيريا ً جذرياً يف شكل تفاعل القرويني‬ ‫مع العامل خارج القرية‪ .‬حوايل العام ‪ 1980‬أصبحت هجرة العاملة‬ ‫عاملياً‪ ،‬أسلوباً من أساليب كسب العيش‪ ،‬فاملعلومات عن فرص‬ ‫العمل يف اململكة السعودية وأماكن أخرى‪ ،‬أضحت متوافرة يف القرية‬ ‫باستمرار‪ ،‬فضالً عن توافرها عرب األقارب واألصدقاء الذين يعملون يف‬ ‫الخارج‪.‬‬

‫يعب بها القرويون عن مفاهيمهم الجديدة‬ ‫أحد األساليب التى ّ‬ ‫لإلسالم‪ ،‬هو فرض االحتشام عىل اإلناث‪ ،‬ويف خالل الثامنينيات تزايد‬ ‫ال َحجر عىل النساء‪ ،‬عندما تب َّنى القرويُّون أشكاالً جديدة من هندسة‬ ‫املعامر واألزياء‪ .‬كان حتى أوائل الثامنينيات‪ ،‬القليل جدا ً من منازل‬ ‫القرويني ُمحاطاً بجدران‪ ،‬فاملجمعات السكنية كانت ت ُـفصل عن‬ ‫بعضها البعض‪ -‬إن وجد فاصل أصالً‪ -‬بجدران طينية منخفضة‬ ‫االرتفاع أو بسو ٍر من شجريات شوكية‪ ،‬بينام يف نهاية الثامنينيات‪،‬‬ ‫قام األغنياء من أهل القرية‪ ،‬ببناء حوائط عالية من الطوب أو‬ ‫األسمنت حول منازلهم‪ ،‬األمر الذى أدَّى إىل فصلٍ تام بني حرم البيت‬ ‫السكان فقد س َعوا باجتها ٍد‪،‬‬ ‫والفضاءات العامة؛ أما األقل حظاً من ُ‬ ‫ملحاكاة رصفائهم األغنياء‪ ،‬وذلك بوضع قطع من الخيش املشدود‬ ‫فوق حوائط املنازل الطينية‪ .‬بعض النساء بدأ َن إرتداء عباءات‬ ‫تغطي حتى الكاحل من تحت التياب التي يلتحفنها (التوب هو‬ ‫الزى‬ ‫الذي يغطي من أعىل الرأس إىل أسفل القدم)‪ ،‬وذلك بدالً عن َّ‬ ‫القصري عديم األكامم وامل ُس َّمى ش َّوال‪ ،‬والذى كان سائدا ً يف أوائل‬ ‫الثامنينيات‪.‬‬

‫بحوايل العام ‪1980‬م كان كل ٍ‬ ‫واحد من أهايل القرية‪ ،‬عىل معرفة‬ ‫بأحد أبناءها الذين يعملون يف اململكة السعودية‪ ،‬وألن قوانني‬ ‫الهجرة يف اململكة ال تسمح للعاملة املهاجرة باصطحاب األرس لإلقامة‬ ‫معهم‪ ،‬أصبح من األمور العادية أن يرتك املهاجرون أرسهم وراءهم‬ ‫يف السودان‪ .‬هذا الوضع أدّى إىل وجود حركة ُمنتظمة بني القرية‬ ‫عب أحد القرويني‪ :‬يف السابق كان الناس‬ ‫واململكة السعودية‪ ،‬وكام ّ‬ ‫يذهبون إىل السعودية ملج ّرد الحج‪ ،‬وبالتايل ال يرون سوى تلك األماكن‬ ‫التى يقتضيها الحج‪ ،‬ولكنهم اآلن يذهبون إىل أى أماكن أخرى‪ .‬خالل‬ ‫الثامنينيات كان القرويُّون يسافرون إىل الحج عاد ًة يف مجموعة‪،‬‬ ‫ويحملون معظم املؤن التي يتوقعون احتياجهم لها يف الحج‪ ،‬خبز‬ ‫ُمجفَّف‪َ ،‬س ْمن جامد‪ ،‬بهارات‪ ،‬ومختلف مك ِّونات األكل واملرشوبات‪.‬‬ ‫وعىل العكس من ذلك‪ ،‬فإن العامل املهاجرين‪ ،‬الذين عاد ًة ما‬ ‫يستقرون يف اململكة لعامٍ أو عامني وتكون مواقع عملهم بصور ٍة‬ ‫عامة يف املدن يكونون قد خربوا الحياة يف السعودية بصور ٍة أكمل‪،‬‬ ‫فهم يتس ّوقون‪ ،‬ويستقلون املواصالت العامة‪ ،‬ويحتكَّون بامل ُخ ِّدمني‬ ‫السعوديني‪ ،‬وجمهور العامة‪ .‬لقد جذبت الهجرة العاملية أهايل ود‬ ‫العباس إىل دوائر عاملية ال عهد لهم بها من قبل‪ ،‬وأكرث من ذلك‪ ،‬فإن‬ ‫مس‬ ‫انتقال الناس واألشياء واألفكار بني السودان واململكة السعودية َّ‬ ‫حياة كل القرية‪ ،‬سوا ًء كانوا قد سافروا إليها أو مل يسافروا‪.‬‬

‫َّ‬ ‫مثلت طقوس الزواج وجه ًا آخر من وجوه‬ ‫ُّ‬ ‫تركز الخطاب األصولي في القرية‪ ،‬فقد‬ ‫كانت العروس في أعراس ( َو َّد الع َّباس)‪،‬‬ ‫تر ُقص أمام جمهور ٍ مختلط من المشاهدين‬ ‫وبال ثوب‪ ،‬وتتح ّرك على إيقاعات (الدلوكة)‪،‬‬ ‫مصحوبة بغناء الفتيات غير المتزوجات‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫بإضطرابات‬ ‫ارتبطت عملية التغيري للمفاهيم الدينية بشكلٍ وثيق‪،‬‬ ‫أخرى حدثت يف حياة أهل قرية َو َّد الع ّباس‪ ،‬فقد كان سكان القرية‬ ‫ومنذ منتصف السبعينيات عرضة لتح ّو ٍ‬ ‫الت اقتصادية عملت عىل‬ ‫زيادة اعتامدهم عىل السوق لحاجتهم للسلع االستهالكية والبحث‬ ‫عن العمل يف األسواق الوطنية والعاملية‪ ،‬كام أن العالقات االجتامعية‬ ‫العشائرية واملجتمعية التي كانت ت ُشكّل دوماً ملمحا اساسيا يف‬ ‫حياة القرويني‪ ،‬تراجعت أمام عالقات السوق العاملية والدولة‪.‬‬

‫ينظر القرويُّون إىل الهجرة خارج الوطن‪ ،‬كتجربة لها خصوصيتها‪،‬‬ ‫ويُشار إىل الذين يعملون بالخارج بلفظة خاصة هي املغرتبون‬ ‫ومفردها مغرتب‪ ،‬وألن ال ّرواتب هنالك أعىل بكثري‪ ،‬نجد أن هنالك‬ ‫رابطاً بني فئة املغرتبني وبني الرثوة واالستهالك البذخي‪ .‬إن املغرتب‬ ‫العائد من الخارج يُستقبل كام امللك‪ ،‬والنموذج املثايل لهذا االستقبال‪،‬‬ ‫يكون بذبح ك ٍ‬ ‫َبش قبل أن تطأ قدماه عتبة منزله‪ ،‬ويتم تجهيز وليم ٍة‪،‬‬ ‫هي الكرامة‪ ،‬يُدعى لها الناس لتقديم آيات الشكر والثناء لله‪ ،‬لعودته‬ ‫معنى دينياً‬ ‫من السفر بالسالمة‪ .‬طقس الكرامة هذا مينح املناسبة‬ ‫ً‬ ‫واجتامعياً عىل حد السواء‪ ،‬وتنتـبه كل القرية لهذا الحدث امل ُهم‪،‬‬ ‫بإطالق الرجال للرصاص من بنادقهم يف الهواء‪ ،‬بينام النساء يُزغ ِردَن‪.‬‬ ‫يعود املغرتبون بحقائب ُمح َّملة بهدايا يتم توزيعها عىل األقارب‬ ‫والجريان‪ ،‬وبفضل تحويالت املغرتبني املالية‪ ،‬والرثوة‪ ،‬والبضائع التى‬ ‫يعودون بها من الخارج‪ ،‬أصبحت اململكة السعودية تحتل موقعاً‬ ‫مهامً يف ُمخ ِّيالت أهل القرية‪.‬‬

‫فيكتوريا‬ ‫بيرنال‬ ‫أبحاث‬ ‫البروفيسيرة‬ ‫(بيرنال) تخاطب‬ ‫عدداً من‬ ‫القضايا ذات‬ ‫العالقة بالجندر‪،‬‬ ‫الهجرة الوطنية‬ ‫وعبر الوطنية‬ ‫والتنمية والفضاء‬ ‫السايبيري‬ ‫واإلسالم‪ .‬لقد‬ ‫أنجزت بحوث‬ ‫إثنوغرافية في‬ ‫أرتريا وتنزانيا‬ ‫والسودان‪ .‬لقد‬ ‫ظهرت مقاالت‬ ‫«بيرنال» وفصول‬ ‫من كتبها في‬ ‫كبير من‬ ‫عد ٍد‬ ‫ٍ‬ ‫المطبوعات‬ ‫كما في العلوم‬ ‫األنثروبولوجية‬ ‫والدراسات‬ ‫األفريقية‬ ‫والمجالت‬ ‫المتع ّددة‬ ‫التخصصات‪،‬‬ ‫يدخل‬ ‫ضمن ذلك‬ ‫األنثروبولوجيا‬ ‫الثقافية‬ ‫واإلثنولوجيا‬ ‫واألنثروبولوجيا‬ ‫األميريكية‬ ‫والدراسات‬ ‫المقارنة في‬ ‫المجتمع‬ ‫والتاريخ ودورية‬ ‫الدراسات‬ ‫األفريقية ودورية‬ ‫األنثروبولوجيا‬ ‫القانونية‬ ‫‪٢‬‬ ‫والسياسية‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪71‬‬


‫بين الخاص والعام‬ ‫باملامرسات اإلسالمية «األرثوذوكسية»‪ ،‬ميثل السبب املبارش لرثاء‬ ‫السلع ووسائل ال ّراحة الحديثة‪.‬‬ ‫مواطنيها وما يتمتعون به من وفر ٍة يف ِّ‬ ‫ففي هذه الحالة ينظر إىل الحداثة و اإلسالم األورثوذوكيس ليس‬ ‫كنقيضني (كام يبدو الحال يف ذهنية الغرب)‪ ،‬وإمنا كوجهني لعمل ٍة‬ ‫واحدة‪ .‬يربط القرويُّون منط الحياة االستهالكية املُرتَفَة التي يتمتع‬ ‫بها السعوديون‪ ،‬باملزيد من التفقُّه والفهم امل ُتم ِّدن لإلسالم‪ ،‬بينام‬ ‫بالتضاد ينظرون إىل فقر القرية والتقاليد املحلية اإلسالمية‪ ،‬كعنرصين‬ ‫متطابقني‪.‬‬

‫يأيت املهاجرون إىل السودان باملالبس والشامبو واملسجالت‬ ‫والتلفزيونات والفيديوهات‪ ،‬بل وحتى الثالجات جيء بها قبل توفر‬ ‫خدمات الكهرباء يف القرية بسنوات‪ .‬يعود املهاجرون مبُ َّدخر ٍ‬ ‫ات راكموها‬ ‫ٍ‬ ‫وبإحساس‬ ‫من رواتبهم الشهرية‪ ،‬وبسلع استهالكية جلبوها من الخارج‪،‬‬ ‫وتغي‬ ‫جديد نحو العامل ومبوقعهم فيه‪ .‬أصبحت مصادر الرثوة الجديدة‪ُّ ،‬‬ ‫النمط االستهاليك‪ ،‬وتب ُّدل املفاهيم‪ ،‬حول معنى أن تكون مسلامً‪ ،‬أمورا ً‬ ‫متداخلة ومتشابكة‪ .‬زعزعت العاملة املهاجرة قناعات القرويني بالنسبة‬ ‫لألسلوب «األمثل» للعيش والتفكُّر‪ .‬وعندما عاد القرويُّون من مهاجرهم‬ ‫عم رأوه يف أماكن مختلفة‪ ،‬وأحياناً تكون سلوكياتهم قد‬ ‫رووا ألهاليهم ّ‬ ‫إن ارتباط االستهالك الرتيف بالتقوى واألخالق‪ ،‬لهو أم ٌر مهم عىل‬ ‫تغيت‪ .‬يعود الحجـيـج والعاملة املهاجرة املتزايدة من اململكة العربية‬ ‫ّ‬ ‫السعودية مبفاهيمٍ جديدة عن الثقافة اإلسالمية والهوية العربية‪ ،‬بجانب ضوء عالقة القرويني بالسلطة الدينية الوطنية والعاملية‪ ،‬وعالقاتهم‬ ‫ٍ‬ ‫مع بعضهم البعض‪ ،‬فالتفاوت يف الدخل بني القرويني يف تزايد‪ ،‬وهذا‬ ‫ورغبات جديدة‪.‬‬ ‫سلع مادية‬ ‫التفاوت بينهم م َر ّد ُه املبارش‪ ،‬إسهام القرويني يف العمل بني امل ُدن‬ ‫التغيات السودانية والخليج‪ .‬إن أمناط االستهالك الجديدة يف تشييد املساكن‬ ‫عب بها املهاجرون والقرويُّون اآلخرون عن ُّ‬ ‫إحدى الطُرق التى ِّ‬ ‫التي طرأت عىل حياتهم‪ ،‬كانت عرب الخطاب الذي يتناول اإلسالم واألزياء أصبحت ُمتاحة بالدرجة األوىل من خالل التحويالت النقدية‬ ‫واملفاهيم الجديدة بشأنه‪ ،‬وما هو صحيح أو غري صحيح‪ .‬ففي بواكري من اململكة السعودية‪ ،‬فاألفراد الذين يبنون جدراناً عالية ويتزيّأون‬ ‫الثامنينيات‪ ،‬كان معظم أهايل ود العباس يفهمون معنى أن تكون ُمسلامً باألزياء ذات الشكل الجديد‪ ،‬هم بذلك‪ ،‬إمنا يُعلنون عن ثروتهم‪ ،‬وعام‬ ‫والسمو األخالقي‬ ‫هو أن تكون مثلهم وتعيش مثلهم‪ .‬فقبل مجيء املفاهيم الجديدة عن بلغوه من تديُّن‪ ،‬وبالتايل أصبح النجاح االقتصادي ُّ‬ ‫ال ّزى اإلسالمي‪ ،‬قالت ىل إحدى القرويات تصف التوب بأنه َعطـيَّة من يف مجتمع القرية مياثالن يف ارتباطهام ذات الفهم الرتباط الرثوة‬ ‫الله‪ .‬ولكن الحقا‪ ،‬يف أواخر الثامنينات‪ ،‬نجد أن مركز السلطة األخالقية باألرثوذوكسية السعودية‪.‬‬ ‫يف مجتمع القرية قد تح َّول ‪ ،‬حيث باتَ من الواضح أن اإلسالم أصبح‬ ‫املحل‪،‬‬ ‫له مركزا ً خارج إطار مجتمع القرية‪ ،‬وأصبحت الثقافة والسلوك ّ‬ ‫يُقاسا بالنظر إىل املفاهيم الجديدة امل ُستـقاة من مصاد ٍر خارجية‪ ،‬وعىل اإلسالم والهوية‬ ‫وجه التحديد اململكة السعودية‪.‬‬ ‫بينام املهيمنون عىل سلطة الدولة ي ّدعون وفقا ألسباب اسرتاتيجية‬ ‫وسياسي ٍة واقتصادية‪ ،‬بأن هوية السودان إسالمية عربية‪ ،‬نجد أن أهايل‬ ‫إعجاب القرويين بالمفاهيم الجديدة لإلسالم واألنماط‬ ‫ود العباس ينزعون للتامهي بشكل شخيص وعميق مع عالقات السلطة‬ ‫الجديدة للزّي اإلسالمي‪ ،‬يُعزى جزئي ًا الرتباطهما بمصادر خارجية يف املجال العاملي‪ .‬إن الهجرة تواجه القرويني ليس فقط باحتياجاتهم‬ ‫ورغباتهم املادية الجديدة‪ ،‬بل باألسئلة حول الثقافة والهوية‪ .‬فالقرويُّون‬ ‫للسلطة والنفوذ‪ ،‬وليس لكونهما متجذرتان في التكوينات‬ ‫السودانيون كعامل مهاجرين‪ ،‬وكأصحاب برش ٍة سوداء‪ ،‬وكمزارعني‪،‬‬ ‫خـ َذ تب ِّني األصولية‪ ،‬وسيلة لتأكيد المرء‬ ‫االجتماعية المحلية‪ .‬أُتّـ ِ‬ ‫وكمسلمني من دول ٍة فقرية‪ ،‬فإن وضعهم االجتامعي يف اململكة السعودية‬ ‫غالباً ما يكون ُمـتـ َدنياً‪ .‬مل يُـ ْد َع مطلقاً‪ ،‬أيّاً من العامل املهاجرين الذين‬ ‫وتمدنه ونجاحه المادي‪،‬‬ ‫أمام اآلخرين على حنكته‬ ‫ُّ‬ ‫ثت إليهم‪ ،‬إىل زيارة منز ٍل سعودي‪ ،‬بينام األمر املألوف يف قراهم‬ ‫تح ّد ُ‬ ‫والذي يعرفونه جيدا ً‪ ،‬هو أن يفتح املرء بيته يف كرمٍ ُمرحباً بالناس‪،‬‬ ‫عب عن ذلك أحد املغرتبني‪:‬‬ ‫العصبية كنوع من الحداثة‬ ‫والسودانيون عن حق‪ ،‬مشهورون بذلك‪ .‬وقد ّ‬ ‫عملت مع أحدهم ٍ‬ ‫لوقت طويل‪ ،‬فإنهم ال يدعونك لزيارة‬ ‫لو‬ ‫حتى‬ ‫إنه‬ ‫َ‬ ‫طرقت عىل أحد أبوابهم‪ ،‬فإنهم ال يردون عليك «مبرحباً‬ ‫منازلهم‪ ،‬وإذا‬ ‫كام أن مناذج املساكن‪ ،‬ونوع األزياء الجديدة يف َو َّد العبَّاس ليسا‬ ‫َ‬ ‫تفضل»‪ ،‬بل يرتدون مالبسهم ويقابلونك أمام الباب‪ ،‬ثم يسمعون منك‬ ‫فقط‬ ‫مرتبطني بالتفسريات الجديدة لالستقامة يف اإلسالم‪ ،‬وإمنا أيضاً بالنمط ما تود قوله ويقفلون عائدين إىل داخل املنزلؤ‬ ‫االستهاليك الجديد اآلن حيث أصبحت املهارات‪ ،‬ومواد البناء وتشييد‬ ‫قالت إحدى القرويات ضمن مجموعة من النساء كن يتحدثن عن‬ ‫املساكن متاحة للجميع‪ ،‬وصارت سلعاً ت ُشرتى وت ُباع‪ ،‬وأصبحت األزياء‬ ‫الجديدة التى ترتديها بعض النساء‪ ،‬ت ُجلب من الخرطوم واململكة اململكة السعودية‪ ،‬وهي تضحك عىل هذه األفكار غري املريحة‪ :‬إنهم ال‬ ‫السعودية‪ ،‬ا ٔو يتم تحديثها بعد استريادها بواسطة الحائكني املحليني‪ ،‬يسمحون بتزويج بناتهم للسودانيني‪ ،‬فهم ال يقبلون بنا‪ .‬إنهم يطلقون‬ ‫لذلك أصبح اإلسالم األصويل يرتبط بالتق ُّدم والرخاء االقتصادي‪ ،‬علينا «عبيد العرب»‪ .‬وهناك واحدة من التجارب األكرث إذالالً م َّر بها‬ ‫ويُـقـ َّدم كمثا ٍل لحياة الرتَف‪ ،‬والتق ُّدم التكنلوجي‪ ،‬وال َّراحة املادية‪ ،‬أحد العامل املهاجرين من َو َّد العبَّاس حني أدىل بأن عرب الخليج كانوا‬ ‫ينادونه بـ «العبد»‪ .‬إن السودانيون أنفسهم يطلقون هذه اللفظة‬ ‫التي أصبحت اململكة السعودية تُ ثّلها‪.‬‬ ‫عىل املجموعات املنحدرة من األصول غري العربية يف السودان‪ ،‬وهذه‬ ‫نجد يف القصص التي يرويها أهايل ود العباس عن السعودية‪ ،‬أن املجموعات موصومة بهذه الصفة‪ ،‬وال يتزاوج معها السودانيون اآلخرون‪.‬‬ ‫التمسك السعودي بصف ٍة عامة‪ ،‬فإن املهاجرون العائدون‪ ،‬ال يتوقفون عند هذه النظرة‬ ‫مفهوم الرثوة والتقوى متداخالن‪ ،‬فهم يرون أن‬ ‫ُّ‬

‫‪72‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫املتغية لإلسالم يف قرية َو َّد الع َّباس‪ُ ،‬مرتبطة‬ ‫الدونية التى خربوها أثناء إقامتهم يف الخليج‪ ،‬رمبا كان ذلك بسبب أنها لـ»التقليدية»‪ .‬إن األمناط‬ ‫ّ‬ ‫بشكل ُمعقّد‪ ،‬بالهجرة‪ ،‬العوملة‪ ،‬ومحاوالت الـ ُّنخب لتعريف الثقافة‬ ‫ستش ِّوه الوضع االجتامعي امل ُتميِّز الذي منحه لهم مجتمع القرية‪.‬‬ ‫القومية السودانية‪ ،‬وبالتايل‪ ،‬فإن الهويِّات املحلية‪ ،‬يجري إعادة بنائها‬ ‫يطلق عرب الخليج عىل السودانيني صفة «عبيد»‪ ،‬بسبب لون وفقاً للهويات العابرة للوطن مثل «عريب» و «مسلم»‪.‬‬ ‫برشتهم السوداء وأصولهم األفريقية‪ ،‬وهذه امل ُفردَة مبا أنها تنطوي‬ ‫ٍ‬ ‫ميكن النظر إىل صعود األصولية اإلسالمية يف السودان ك ُمعادل‬ ‫إنتقاص عرقي‪ ،‬لكنها كذلك ويف نفس الوقت‪ ،‬تنطوي عىل‬ ‫عىل‬ ‫انتقاص ديني‪ ،‬ذلك أن اإلسالم مينع اسرتقاق امل ُسلم لل ُمسلم‪ ،‬ولذلك‪ ،‬إلنحدار دور املجتمع املحيل باعتباره مركزا ً للقوة األخالقية‬ ‫فإن أحد األساليب التي يستطيع السودانيون تأكيد هويتهم العربية واالجتامعية‪ .‬وحالة قرية َو َّد العبَّاس قد تساعد عىل تفسري‪ :‬ملاذا‬ ‫جذب لكثريٍ جدا ً‬ ‫من خاللها الهوية العربية بالطبع ُمرادفة للهوية اإلسالمية هى تبني أصبح التوجه نحو اإلسالم «األورثوذوكيس» مصدر‬ ‫ٍ‬ ‫أشكال للثقافة العربية‪ ،‬كمثل اإلسالم األورثوذوكيس كام هو ُمامرس يف من املسلمني يف مرحلة ما بعد الحداثة؟‬ ‫فكتوريا بيرنال‬ ‫الخليج؛ وهكذا فإن اإلسالم «األصويل» ينشأ من ظروف الحداثة (مبا‬ ‫ترجمها من اإلنجليزية‪ :‬ياسر عبيدى‬ ‫ُـسـ َر كنو ٍع من العودة‬ ‫يف ذلك العاملة امل ُهاجرة) ويُساء فهمه إذا ما ف ِّ‬

‫نشرت من قبل في‪:‬‬ ‫‪www.merip.org‬‬ ‫‪١‬لقد إخترت استخدام‬ ‫مفردة «األصولي»‬ ‫ِع َو ً‬ ‫ضا عن «اإلسالمي»‬ ‫ألن «األصولية»‬ ‫ً‬ ‫ضمنيا‬ ‫تستدعي‬ ‫المقارنة بالديانات‬ ‫األخرى‪ .‬أكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬أن «األسالمية»‬ ‫تبدو غير كافية في‬ ‫اإلحاطة بالمفاهيم»‬ ‫األورثوذكسية»‬ ‫المتع ّددة والمتنازعة‬ ‫في إطار اإلسالم‪.‬‬ ‫‪٢‬من‪http://www. :‬‬ ‫‪anthropology.uci.‬‬ ‫‪edu/anthr_bios/‬‬ ‫‪vbernal‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪73‬‬


‫نقاش صريح حول الهوية‬ ‫واإلسالم‬

‫مؤلف سوداني شاب يستكشف عالقته المشحونة حول الدين والهوية‬ ‫رغم فقر الواقع السوداني وتحدياته المعرفية برزت في اآلونة األخيرة‬ ‫أصوات لجيل جديد امتلك القدرة واألدوات على مناقشة قضايا محورية‬ ‫هامة تتعلق بوجودهم‪ ،‬تلك القضايا التي طالما ظلت رهينة لدى‬ ‫ُ‬ ‫النخب الحاكمة‪ ،‬وأجيال ما بعد االستقالل‪ ،‬وعدد قليل من األكاديميين‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ولم تطرح من قبل مطلقًا للنقاش على نطاق واسع‪ .‬فأخيرًا نستطيع‬ ‫نقاش حول قضي ٍة طالما كانت حبيسة بين‬ ‫اآلن على األقل الخوض في‬ ‫ٍ‬ ‫أروقة السياسيين والحكام استخدموها متى ما شاؤا وتاجروا بها وفق‬ ‫مصالحهم المباشرة‪ ،‬أال وهي العالقة بين اإلسالم وتعقيدات الهوية‬ ‫الثقافية واالثنية في السودان‪ .‬وال توجد لحظة أنسب من اليوم كي‬ ‫لحة على‬ ‫نفتح باب هذا النقاش‪ ،‬حيث أن تلك القضية ذات أهمية ُم ِّ‬ ‫المستويين العالمي والمحلي على حد السواء‪.‬‬ ‫في دولة مثل السودان حيث سيطرت أيدلوجية‬ ‫األصوليين اإلسالميين على البالد ما يزيد على ربع‬ ‫قرن من الزمان وقاد ذلك الوضع السودان إلى حافة‬ ‫التفكك الوشيك وانهيار الدولة‪ .‬إن السودان هو‬ ‫مكان ُأ عيد فيه تشكيل اإلسالم والهوية القومية من‬ ‫خالل العدسة الضيقة للعروبة واإلسالم األصولي‪/‬‬ ‫السياسي‪ .‬وقد عمل ذلك على تهميش أغلبية‬ ‫السودانيين والذين يعدوا من أكثر الشعوب تنوعا‬ ‫من حيث الثقافة واألعراق في أفريقيا‪.‬‬ ‫صفعها في وجهها صفعة عنيفة مدوية وكنت‬ ‫قد دخلت الى الغرفة بدون دعوة فصادفت‬ ‫المشهد امامي وسألت لماذا ضربها؟ اسكتتني‬ ‫والدتي واضعة اصبعها علي فمها‪ :‬اششش‪،‬‬ ‫تحدقان في شاشة التلفزيون‪.‬‬ ‫الحقا‪ ،‬وعيناها‬ ‫لطالما كرهت أن يتم تجاهلي بهذه الطريقة‪ .‬ماذا‬ ‫جرى؟ ماذا فعلت هي؟ تابعت وانا مصر على تلقي‬ ‫الجواب‪ .‬التفتت الي والدتي والضيق باد عليها وفي تلك‬ ‫اللحظة انهارت المرأة على األرض‪ ،‬واجهشت بالبكاء و‬ ‫الرجل الذي ضربها‪ ،‬ما زال غاضبا وهو واقفاٌ امامها و‬ ‫يصرخ في وجهها انت طالق‪ ...‬طالق‪ ...‬طالق‪ .‬خرجت‬ ‫هذه الكلمات من فمه‪ ،‬بصورة حاسمة ومليئة بالغضب‪.‬‬ ‫لم ارغب في نيل ردة فعل مشابهة من والدتي‪ .‬اال‬ ‫انه و رغم ذلك لم استطع ان انسي لماذا قال لها‬ ‫كلمة طالق ثالثة مرات؟ كم مرة يجب أن اقول لك ليس‬ ‫األن ردت علي والدتي متجاهلة لوجودي‪ .‬استمريت‬ ‫في الحاحي‪ ،‬ستخبرينني الحقا اليس كذلك؟ سألتها‬ ‫وكلي رغبة في حل اللغز‪ .‬خالص‪ ،‬حسنا‪ ،‬أكدت والدتي‪.‬‬

‫ويف كتابه األول بعنوان إسالمي‪:‬‬ ‫كيف رسقت األصولية عقيل وحرر الشك‬ ‫روحي‪ ،1‬يطرح املدون السوداين الشاب‬ ‫أمري أحمد نرص‪ ،‬املعروف بلقب «درميا»‬ ‫يف فضاء املدونات‪ ،‬والبالغ من العمر‬ ‫‪ 92‬عاماً‪ ،‬كافة األسئلة الصعبة بشجاعة‬ ‫وببالغة وبدون تقديم اعتذارات‪.‬‬ ‫ففي سياق سريته الذاتية ذات العمق‬ ‫القصيص الفلسفي‪ ،‬يرسم أمري مسار‬ ‫رحلة مؤملة يف الكثي من األحيان بصدد‬ ‫بحثه عن ذاته وما يصبو إليه‪.‬‬ ‫ُولد أمري ألبوين سودانيني غادرا‬ ‫السودان بعد والدته بفرتة وجيزة عام‬ ‫‪ ،1986‬حيث كانت قطر أوىل محطاته‪.‬‬ ‫حيث تلقَّى هناك تعليمه االبتدايئ الذي‬ ‫تضمن النسخة املحافظة واملتشددة‬ ‫واملرتبطة بثقافة الجزيرة العربية‪ ،‬وعىل‬ ‫الرغم من أن والديه كانا من املسلمني‬ ‫املعتدلني‪ ،‬إال أن بيئته املدرسية كانت‬ ‫تفتقر للتسامح ومل ت ُش ِّجع تقصيه‬ ‫امل ُستمر‪ ،‬والذي عزاه املعلمون إىل‬

‫كانت والدتي منغمسة في مشاهدة المسلسل‬ ‫المصري والذي ادت أحداثه العنيفة الى اصابة عقلي‬ ‫البالغ من العمر ست سنوات باالرتباك والملل‪ .‬خرجت‬ ‫من الغرفة و فعلت ما بوسعي ألرفه عن نفسي‪ ،‬فال‬ ‫شريط اخي االكبر لمايكل جاكسون وال العاب سالحف‬ ‫مغامرات‬ ‫النينجا وال حتى استغراقي في تخيل‬ ‫االبطال الخارقين قد نجحت في الهائي عن المشهد‬ ‫العنيف الذى شاهدته في التلفزيون مع والدتي‪.‬‬ ‫بعد وقت ليس طويال شعرت بحركة والدتي خارج‬ ‫الغرفة‪ ،‬كانت قد انتهت من مشاهدة المسلسل‬ ‫المصري‪ .‬هرعت اليها مسرعا لمعرفة الجواب‪،‬‬ ‫وبلهفة سألت هل ستخبرينني االن لماذا ضربها؟‬ ‫وما هي تلك الكلمة التي رددها الرجل ثالثة مرات؟‬ ‫ردت والدتي اخيرا علي باقتضاب قائلة‪ :‬الرجل غضب‬ ‫من زوجته وطلقها‪ .‬لم ترضيني اجابة والدتي لماذا‬ ‫غضب؟ ماذا فعلت المرأة؟ واصلت في طرح األسئلة‪.‬‬ ‫انقضت سنوات طويلة بعدها توصلت إلجابة مفهومة‬ ‫لجزء من ما حدث في ذلك المشهد الذي ال ينسى‪.‬‬

‫افتتاحية كتاب‪ ،‬إسالمي‬

‫‪74‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫بين الخاص والعام‬

‫«ضعف اإلميان» و»عمل الشيطان»! وعندما انتقل والداه ملاليزيا‪ ،‬التحق‬ ‫أمري مبدرسة غربية دولية‪ ،‬حيث أصبحت كل افرتاضاته التي تعلَّمها حتى‬ ‫ذلك الوقت عن نفسه وعن اإلسالم عىل املحك؛ ويشري يف هذا اإلطار‬ ‫إىل عالقته باإلسالم عىل أنها «زواج صالونات» أي زواج متفق عليه‪ ،‬ت َّم‬ ‫دون موافقته‪.‬‬ ‫وهو زواج مثله مثل غريه من هذا النوع‪ ،‬يتّْجه تدريجياً نحو الطالق‬ ‫ثم يف نهاية املطاف‪ ،‬او ان يقبل الطرفان باملساومة عىل التعايش دون‬ ‫رغبة حقيقية وعميقة‪ .‬ويُركِّز امري يف كتابه عىل أهمية املذهب التجريبي‬ ‫وتبنى املنطق املوضوعي العاقل‪ ،‬ويطرح أمري واحدا ً من أصعب وأعقد‬ ‫األسئلة وهو‪ :‬كيف أضاع املسلمون فضائلهم وخصالهم الحميدة؟ ويف‬ ‫محاولته للعثور عىل إجابة‪ ،‬ساقه بحثه إىل القرن التاسع وحرب األفكار‬ ‫بني مدرستني للفلسفة اإلسالمية‪ :‬األوىل كانت املعتزلة التي نارصت‬ ‫املنطق واإلرادة ال ُح َّرة والقراءة املجازية للنصوص امل ُق َّدسة‪ ،‬واألخرى‬ ‫األشعرية التي أيَّدت التقاليد والقضاء والقدر‪ ،‬وكذلك دعت لقراءة أكرث‬ ‫َحر ِفية للقرآن‪ .‬ويف نهاية املطاف سادت املدرسة الفكرية األشعرية ألنها‬ ‫كانت مدعومة من قبل املؤسسة السياسية األقوى آنذاك‪ ،‬وأخريا ً أصبح‬ ‫فكر تلك املدرسة الطريقة السائدة للتفكري يف اإلسالم وتأويله‪ .‬وطبقاً‬ ‫لوجهة نظر أمري يف هذا الصدد‪ ،‬كان من شأن هذا أن يُثبت الحقاً جدواه‬ ‫من الناحية السياسية يف الحصول عىل قبول الجامهري ل ُحكَّامهم سواء‬ ‫كانوا عادلني أو ظاملني‪ ،‬وكذلك طاعتهم دون مسائلتهم‪ ،‬وهذا هو اإلسالم‬ ‫الذي ورثناه نحن اليوم‪.‬‬ ‫بيد أ ّن امري قد اخترب تحديات عديدة إضافة إىل عالقته بإسالمه‬ ‫وعقيدته‪ ،‬فقد كان لزاماً عليه أن يوازن ويتأقلم بني ثقافات ُمتع ِّددة‪،‬‬ ‫ويستوعب قيم والديه لخلق ما يُطلق عليه «ثقافة متعددة وملونة»‪ .‬وقد‬ ‫كان للتحول الكبري يف تعليمه ومحيطاته الثقافية أثرا بالغاً يف أن يشعر‬ ‫أمري يف نهاية املطاف بأنه منقسم بني عاملني‪ ،‬بني كوكبني وجوديني‪ :‬املسلم‬ ‫ُتأصل يف داخله‪ ،‬مقابل كينونته الليربالية «الغربية»‪.‬‬ ‫األفريقي املستعرب امل ِّ‬ ‫ومع شعوره بالوحدة التامة‪ ،‬مىض أمري قُدماً يف بحثه الذي مل يفرت عن‬ ‫إجابات يف مكان طاملا كان مبثابة مال ٍذ طبيعي آمنٍ للبحث عن إجابات‬ ‫والتواصل مع العديد من أبناء جيله أال وهو‪ :‬شبكة اإلنرتنت‪ .‬فقد عرث هناك‬ ‫بالصدفة عىل عامل متنوع من امل ُدونات‪ ،‬وجد فيه مناخاً مواتياً للتعبري‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫و ُمجتمعاً ُمالمئاً له‪ .‬ويقوم أمري بالتدوين بصفة مجهولة منذ ست سنوات‪،‬‬ ‫ويواصل رحلة بحثه وتطوره وتعلمه‪ .‬بدأ أمري يشعر بأنه ليس وحيدا ً يف هذا‬ ‫العامل االفرتايض‪ ،‬حيث تعرف عىل العديد من الباحثني الشباب من أمثاله‬ ‫من جميع املشارب‪ ،‬كانوا يكتشفون بعضهم البعض عىل شبكة اإلنرتنت‪،‬‬ ‫وشكلَّوا ببطء‪ ،‬شبكة ذاتية التنظيم واسعة النطاق‪ .‬فعىل سبيل املثال كانت‬ ‫هناك أصوات بارزة لتيارات متعددة يف مجتمع التدوين املرصي‪ ،‬والتي‬ ‫أضحت معروفة لبقية العامل يف ذروة الثورة املرصية‪ ،‬مثل املد ِّون والناشط‬ ‫عالء عبد الفتاح ومحمود سامل‪ .‬كام كانت ُمجتمعات التدوين األمرييك‪-‬‬ ‫املسلم أو يف العامل اإلسالمي تشكل فضا ًء آخرا ً‪ ،‬يتَّسم بالتنوع‪ ،‬بل‪ ،‬وأيضاً‬ ‫بالقُدرة عىل استيعاب االختالف العقائدي‪.‬‬

‫عمر‬ ‫داليا حاج ُ‬ ‫هي ناشطة حقوقية ومدونة من‬ ‫السودان‪ ،‬تعمل كاستشارية‬ ‫مستقلة لمختلف منظمات‬ ‫المجتمع المدني‪ .‬وقد تركز عملها‬ ‫منذ عام ‪ 2006‬على السودان‬ ‫وتعزيز المشاركة المدنية السلمية‬ ‫في البالد‪ .‬درست حاج ُعمر في‬ ‫الجامعة األميركية في بيروت‪،‬‬ ‫وتحمل درجتي ماجستير في‬ ‫العالقات الدولية واقتصاديات التنمية من جامعة نوتردام وجامعة‬ ‫ً‬ ‫حاليا‬ ‫جون هوبكينز‪ .‬تَعتبر داليا نفسها مواطنة عالمية‪ ،‬وتعيش‬ ‫في فرنسا‪.‬‬

‫وبالنسبة للغرب‪ ،‬الذي يُحظى غالباً بعالقة جدلية مع اإلسالم‪ ،‬يُق ِّدم‬ ‫كتاب‪ُ ، My Isl@m‬مصالحة ُمحتملة بني الرشق والغرب من خالل القبول‬ ‫بأن التقاليد الفلسفية الرثية لوجهتي النظر العامليتني عىل ٍ‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫قد تؤدي إىل «إسالم ُمتكامل» يزاوج بني الجوانب التجريبية والعقالنية‬ ‫والعقيدة‪ .‬إن كتاب إسالمي مبثابة هدية لجيل نشأ يف كنف نظام‬ ‫ايديولجى مغلق‪ .‬يأيت هذا الكتاب كمحفز لحرية التعبري وحرية الفكر‬ ‫والبحث النقدي والدعوة إىل التفكري العقالين يف أوساط الشباب من‬ ‫السودان والعامل االسالمى حيث دامئاً ما يتم عرقلة أي حوار حول الدين‬ ‫والدولة العلامنية والهوية‪ .‬وعىل الرغم من أن كتاب إسالمي سيظهر أوالً‬ ‫باللغة اإلنجليزية‪ ،‬إال أن هناك بالفعل اهتامم من ال ُق َّراء يف العامل العريب‬ ‫لرتجمته اىل اللغة العربية‪ .‬ميثل الكتاب‪ ،‬يف تقديري‪ ،‬محاولة نقدية جادة‬ ‫ملتواضعات الفكر اإلسالمي السائد‪ ،‬وتحديا مفاهيميا للخطاب الدوغاميئ‬ ‫القابض عىل مفاصل املؤسسات الدينية الرسمية وخطوة جريئة ضمن‬ ‫تلكم الخطوات التي تعمل منذ زمن لتفكيك ومساءلة املسكوت عنه‪.‬‬ ‫ينادي أمري يف كتابه ‪ My Isl@m‬بالثورة ضد سدنة اإلسالم السيايس‪،‬‬ ‫كام يناقش مسألة إحداث نقلة نوعية يف طريقة تعليم وفهم اإلسالم‪.‬‬ ‫واألهم من ذلك أنه يرشح بطريقة ُميرسة للغاية‪ ،‬عىل غرار الباحث‬ ‫السوداين عبد الله أحمد النعيم‪ ،‬كيف أن الفقه اإلسالمي ليس ُمبق َّدس‪،‬‬ ‫لكنه يف الواقع من ُصنع اإلنسان وقد تطور مبرور الزمان بطرق معينة‪،‬‬ ‫نظرا ً لعوامل اجتامعية وسياسية وغريها‪.‬‬ ‫وبالنسبة للغرب‪ ،‬الذي يُحظى غالباً بعالقة جدلية مع اإلسالم‪ ،‬يُق ِّدم‬ ‫كتاب إسالمي‪ُ ،‬مصالحة ُمحتملة بني الرشق والغرب من خالل القبول‬ ‫بأن التقاليد الفلسفية الرثية لوجهتي النظر العامليتني عىل ٍ‬ ‫حد سواء‪،‬‬ ‫قد تؤدي إىل «إسالم ُمتكامل» يزاوج بني الجوانب التجريبية والعقالنية‬ ‫والعقيدة‪.‬‬

‫داليا حاج عمر‬

‫ترجمته من اإلنجليزية‪ :‬شيماء علي أبوالحاج‬

‫ُنشر المقال في مجلة‬ ‫‪:‬‬ ‫فورين بوليسي‬ ‫‪http://www.foreign‬‬‫‪policy.com/arti‬‬‫_‪cles/2013/07/30/a‬‬ ‫_‪frank_debate_about‬‬ ‫‪identity_and_is‬‬‫‪lam?page=0,1‬‬ ‫‪:My Isl@m ١‬‬ ‫‪How Fundamental‬‬‫‪ism Stole My Mind‬‬ ‫‪– And Doubt Freed‬‬ ‫‪My Soul‬‬ ‫امير أحمد ناصر‪،‬‬ ‫مطبعة سانت مارتن‪،‬‬ ‫‪2013‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪75‬‬


‫ن كان منكم بال خطيئة‪،‬‬ ‫َم ْ‬ ‫فلـ َير ِمها بحجر‬ ‫ً‬ ‫كامال من جديد‬ ‫يتبدى‬ ‫الرجم‪ :‬وجه العهود المظلمة َّ‬ ‫َّ‬

‫بعد إنـدثـــار دام مئات السنوات تعود عقوبة الرجم للظهور دون مساءلة‬ ‫أو إدانة في العديد من اقاليم ودول العالم اإلسالمي‪ .‬ومن المعروف‬ ‫ان الرجم هو من اكثر العقوبات الحدية إثارة للجدل‪ ،‬حيث عمل ائمة‬ ‫الفقه اإلسالمي منذ القرن الثامن على اإلحتراز من عقوبة الرجم وتجنبها‬ ‫قدر اإلمكان‪ ،‬فما الذي حدث حتي تتبدى من جديد‪.‬‬

‫اللوحة‪ :‬حسين‬ ‫مرغني‪ ،‬السودان‬

‫‪76‬‬

‫من الغريب إعراض العامل عن ظاهرة‬ ‫ال ّرجم التي عاودت الظهور من جديد يف‬ ‫كثريٍ من األقاليم اإلسالمية أواخر القرن‬ ‫العرشين‪ .‬كأحد أقدم أنواع عقوبة اإلعدام يف‬ ‫العامل‪ ،‬كان ال ّرجم ُمطـبَّـقاً سلفاً يف اليهودية‬ ‫والحقاً يف املسيحية‪ .‬ولكونه أحد أكرث أنواع‬ ‫حض‬ ‫عقوبة اإلعدام فقد ورد يف اإلنجيل‪ ،‬إذ َّ‬ ‫ذلك عيىس املسيح إلطالق مقولته الشهرية‬ ‫املناهضة لعقوبة اإلعدام‪َ « :‬م ْن كان ِمنكم‬ ‫فلـيمها بحجر»‪[،‬إنجيل يوحنا –‬ ‫بال خطيئة‪ْ َ ،‬‬ ‫األصحاح ‪.]7:8‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫إن معاودة ظهور ال َّرجم يف نُظم القوانني‬ ‫اإلسالمية املعارصة له عالقة وثيقة بانتشار‬ ‫اإلسالم السيايس عقب الحرب العاملية الثانية‬ ‫وىف النصف الثاين من القرن العرشين‪ ،‬كرد فعلٍ‬ ‫لنمو األيديولوجيات الشيوعية واالشرتاكية يف‬ ‫وحول الرشق األوسط وأفريقيا‪ ،‬والذي ه َّدد‬ ‫ليس فقط وجود االسالم السياىس‪ ،‬ولكن‬ ‫أيضً ا العديد من الدول الغربية التى قاومت‬ ‫إنتشار األيدولوجية الشيوعية‪ ،‬إضافة اىل ذلك‬ ‫فإن املصادر البرتولية الضخمة امل ُتوفرة يف‬ ‫الرشق األوسط دفعت باألنظمة املسيطرة يف‬

‫اإلقليم إىل البحث عن مرشوعية أيديولوجية‬ ‫للسيطرة عىل ثروات النفط امل ُرتاكمة حيث‬ ‫يقدم اإلسالم السلفي والسيايس أدوات ط َّيعة‬ ‫لتلك األنظمة للمناورة والتخويف بالسلطة‬ ‫الدينية وتنميط وعي الشعوب‪.‬‬ ‫ت َّم تضمني ال َّرجم حالياً يف ال ُنظم القانونية‬ ‫لعد ٍد من الدول ذات الغالبية املسلمة‪ :‬إيران‬ ‫وباكستان‪ ،‬السودان‪ ،‬اإلمارات العربية املتحدة‪،‬‬ ‫اململكة العربية السعودية ‪ ،‬موريتانيا واليمن ‪ .‬يف‬ ‫أفغانستان كان ال َّرجم ُمامرساً أثناء حكم طالبان‬ ‫إالّ أنه أوقف فيام بعد‪ ،‬وعندما قُـ ِّد َم مرشوع‬ ‫قانون إىل الربملان إلعادة تضمني ال َّرجم يف النظام‬ ‫القانوين األفغاين ىف العام ‪ ،2013‬ت َّم الرتاجع عن‬ ‫ذلك القانون بعد أن أثار ترسيب مرشوع القانون‬ ‫إدانة قوية من املجتمع الدويل ومجموعات‬ ‫النساء والحقوقيني ‪ .‬وأخريا ً يف نيجرييا فإن عقوبة‬ ‫ال َّرجم ُمض َّمنة يف حوايل ثلث مقاطعات الدولة‬ ‫الـ ‪ 36‬وتحديدا ً يف األجزاء الشاملية من البالد‪.‬‬


‫بين الخاص والعام‬

‫وعىل الرغم من أن ال َّرجم ليس جز ًء من‬ ‫اإلطار القانوين للصومال‪ ،‬فقد ت َّم رجم ع ّدة‬ ‫نساء ورجل يف املناطق التي تسيطر عليها‬ ‫مليشيات الشباب املجاهدين منذ عام ‪.2008‬‬ ‫وآخر هؤالء كانت صافية أحمد جيميل‪ ،‬والتي‬ ‫ُر ِج َمت حتى املوت يف أكتوبر من العام ‪،2014‬‬ ‫وهي أُ ٌم تبلغ من العمر ‪ 33‬عاماً من إقليم‬ ‫شابيل السفيل الصومايل‪ ،‬وكانت تعاين من‬ ‫ٍ‬ ‫مرض عقيل حيث قال الرجل الذي قـ َّدم‬ ‫نفسه باعتباره القايض املمثل مللشيات الشباب‬ ‫التي كانت تسيطر عىل املنطقة أن صافية‬ ‫إعرتفت بأن لديها ثالثة أزواج‪ ،‬ال أحد منهم‬ ‫كان يعلم بأنه ُمتز ِّوج من نفس املرأة ‪ ،‬والرجال‬ ‫الثالثة جميعهم شهدوا ض َّدها‪ .‬وحسب هذا‬ ‫القايض‪ ،‬فإن جيميل أق ّرت بذنبها أمام املحكمة‬ ‫وأعلنت عن استعدادها لعقوبة ال َّرجم حتى‬ ‫تنال مغفرة الله !‬

‫الفقهاء التقليديون‬ ‫وعقوبة الرَّجم‬ ‫تعترب عقوبة ال َّرجم واحد ًة من‬ ‫أكرث أنواع العقوبة الجسدية إثار ًة‬ ‫للجدل وفقاً للتعاليم اإلسالمية‪،‬‬ ‫وعىل الرغم من أن القرآن الكريم‬ ‫مل ينص عىل هذه العقوبة‪ ،‬إال أن‬ ‫السنة وتأويالت‬ ‫مصدرها أىت من ُ‬ ‫الفقه التقليدي كـ ٍ‬ ‫حد إضايف‬ ‫للحدود املنصوص عليها يف‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬وعقوبة الرجم‬ ‫تو َّجه إىل امل ُحصنني من الرجال‬ ‫والنساء‪ ،‬وهو لف ٌظ يُقصد به‬ ‫الرجال والنساء املسلمني الذين‬ ‫يُس َمح لهم‪ ،‬بحكم ارتباطهم‬ ‫بعقد زواج‪ ،‬مامرسة الجنس‬ ‫ب ُحريِّة بامل ُقارنة مع غري‬ ‫امل ُحصن الذي ال يستويف هذه‬ ‫الرشوط‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬وحتى‬

‫السـنة وإجامع آراء‬ ‫عندما نتف َّحص وندرس ُ‬ ‫الفقهاء التقليديني ما بني القرن الثامن والقرن‬ ‫الثاين عرش يظل ال َّرجم عقوبة ُمحاطة بالجدل‬ ‫واإلشكاالت الفقهية وفق مناظري الفقه‬ ‫اإلسالمي التقليدي‪.‬‬ ‫مثالً يعتمد إثبات جرمية ال ّزنا‪ ،‬بإتفاق فُقهاء‬ ‫اإلسالم التقليديني‪ ،‬عىل االعرتاف والعديد من‬ ‫إثباتات وقرائن اإلعرتاف‪ ،‬أو بنا ًء عىل شهادات‬ ‫أربعة شهو ٍد رأوا ِفعل الزنا أثناء وقوعه‪.‬‬ ‫بي َد أن هناك خالف كبري حول كيفية إعتامد‬ ‫االعرتاف يف املذاهب الفقهية وما يتطلبه من‬ ‫أنواع مختلفة من الب ّينات ونوعية الشهادات‬ ‫للتوصل إىل حكمٍ قضايئ نهايئ بالرجم عىل‬ ‫ُّ‬ ‫امل ُحصن أو امل ُحصنة ‪ .‬عىل سبيل املثال يتطلَّب‬ ‫االعرتاف بال ّزنا يف املذهب الحنفي والحنبيل‬ ‫النطق به أربع م ّرات‪ ،‬بينام يَعترب املذهب‬ ‫املاليك أن النطق باعرتاف ٍ‬ ‫واحد ٍ‬ ‫كاف‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫تأصل يف مامرسة ال ّرجم‪ ،‬وهو‬ ‫تحد رئييس ُم ِّ‬ ‫أن النساء يُت َهم َن بال ِّزنا عىل نح ٍو ال يتناسب‬ ‫وإتهام الرجال‪ ،‬األمر الذي يُثري أسئل ًة سياسية‬ ‫وتجاهل واضح‬ ‫ٌ‬ ‫وشبهات متيزية واضحة‬ ‫لتعرض النساء لجرائم االغتصاب بحكم‬ ‫أوضاعه َّن االجتامعية امل ُتدنية‪ .‬ويُالحظ هذا‬ ‫بوضوح أكرب يف املذهب املاليك حيث ُيكن أن‬ ‫يُتبنى ال َح ْمـل كب ّين ًة عىل ال َّزنا‪ .‬ويف محاولة من‬ ‫جمهور املالكية لتفادي ال َّرجم‪ ،‬فإن أغلبيتهم‬ ‫يتَّفقون عىل «تطويل» فرتة ال َح ْمـل يف حاالت‬ ‫جرائم ال ِّزنا‪ ،‬وبالتايل فقد يُعلَّق فعل ال ّرجم‬ ‫لفرت ٍة قد متتد إىل سبع سنوات قبل أن يُعاد‬ ‫فتح ملف القضية من جديد‪ ،‬وذلك عىل‬ ‫أمل أنه عند انتهاء تلك الفرتة أن تتضاءل‬ ‫الرغبة يف مواصلة القضية‪ .‬ومن املهم جدا ً‬ ‫عند إعادة النظر يف هذا املوضوع أن يتم‬ ‫وضع آراء ومعارف الفقهاء الكالسيكيني حول‬ ‫عقوبة الرجم يف إطارها التاريخي واالجتامعي‬ ‫والسيايس ما بني القرن الثامن والقرن الثاين‬ ‫عرش والبد من تج ُّنب إخضاع تلك اآلراء‬

‫للمزايدات السياسية‪ ،‬لذا وما أن ننظر إىل‬ ‫تلك اآلراء يف ذلك السياق حتى تتضح لنا جلياً‬ ‫املحاوالت الجادة من جانب الفقهاء حتى ىف‬ ‫ذلك الوقت لتج ُّنب عقوبة الرجم ومابذلوه‬ ‫من ٍ‬ ‫جهد كان من األجدى تطويره بصدد إنهاء‬ ‫تلك العقوبة‪.‬‬

‫حكمة الكبار في‬ ‫السترة‬ ‫أفريقيا‪ :‬مفاهيم‬ ‫ُ‬ ‫والتعويض‬ ‫ط ّو َرت املجتمعات امل ُسلمة عرب أفريقيا‬ ‫إسرتاتيجيات ذكيّة لرتويض قواعد السلوك‬ ‫والتقاليد والعمل عىل تكييفهام مع اإلسالم‪،‬‬ ‫وعىل وجه الخصوص القضايا املتعلقة‬ ‫بالجنسانية والقضايا األخالقية‪ .‬من املعروف أن‬ ‫التقاليد األفريقية ت ُركِّز عىل الحقوق الجامعية‬ ‫ومصالح املجموعات‪ ،‬فعىل سبيل املثال كبار‬ ‫السن يف الصومال‪ ،‬رغم إرث املجتمع األبوي‬ ‫ِّ‬ ‫وتقاليد امليل إلخضاع النساء‪ ،‬مل ميارسوا ال ّرجم‬ ‫إطالقاً‪ ،‬واستخدموا يف املقابل التعويضات أو‬ ‫وسائل أخرى ُمضمنة يف القانون العريف وذلك‬ ‫لتسوية إنتهاكات قواعد أخالقية متفق عليها‪،‬‬ ‫وبخاصة تلك التي لها عالقة بالسلوك الجنيس‬ ‫مثل دفع التعويضات أو تزويج املتورطني ىف‬ ‫الخلقة التى ابتدعها‬ ‫الزنا وغريها من الوسائل َّ‬ ‫قادة املجتمعات املحلية‪ .‬غري أنه‪ ،‬ومع سقوط‬ ‫هياكل الدولة يف الصومال‪ ،‬فإن األنظمة‬ ‫التقليدية انهارت بصور ٍة كبرية وأضحت تفتقر‬ ‫إىل الرشعية وأصبحت إىل ٍ‬ ‫حد كبري محل ُمزايدة‬ ‫لكلِ َم ْن ميتلك القوة‪ .‬إن مقتل صافية أحمد‬ ‫جيميل‪ ،‬التي ُر ِج َمت حتى املوت يف نوفمرب من‬ ‫العام ‪ ،2014‬رغم أن أرستها أبلغت مرارا ً وتكرارا ً‬ ‫ميلشيا الشباب عن مرضها العقيل قبل الحكم‬ ‫عليها باإلعدام وقبل تنفيذه‪ ،‬ال يعكس فقط‬ ‫ُسخف وال إنسانية اإلسالم السيايس‪ ،‬ولكن أيضاً‬ ‫ُيثِّـل إهانة لرواد الفقه اإلسالمي التقليدي‬ ‫مبُختلف مدارسهم الفقهية والذين حرصوا عىل‬

‫هالة ياسين‬ ‫الكارب ناشطة‬ ‫في مجال‬ ‫حقوق المرأة‬ ‫وباحثة سودانية‬ ‫تعمل في‬ ‫منصب المديرة‬ ‫االقليمية‬ ‫لشبكة المبادرة‬ ‫اإلستراتيجية‬ ‫لنساء القرن‬ ‫األفريقي‬ ‫(صيحة)‪.‬‬ ‫بخلفيتها في‬ ‫علم النفس‬ ‫ودراسات‬ ‫المرأة والتنمية‪،‬‬ ‫عملت‬ ‫كمستشارة‬ ‫لالجئين في‬ ‫كندا وفى‬ ‫مجاالت حقوق‬ ‫االنسان‬ ‫والنساء مع‬ ‫العديد من‬ ‫المجموعات‬ ‫الدولية‬ ‫واإلقليمية في‬ ‫شرق افريقيا‪.‬‬ ‫وقد ُنشرت لها‬ ‫عدة مقاالت‬ ‫وتقارير في‬ ‫مجال إهتمامها‬ ‫وعلى خلفية‬ ‫تاريخها الطويل‬ ‫في حقل التغير‬ ‫اإلجتماعى‬ ‫وتعزيز حقوق‬ ‫النساء والفتيات‬ ‫في مناطق‬ ‫القرن االفريقي‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪77‬‬


‫استخدام املنطق واملوضوعية وفق ظروفهم‬ ‫التاريخية والرشوط االجتامعية امل ُحيطة بهم‪.‬‬ ‫هؤالء الفقهاء إت َّفقوا باإلجامع عىل أن األفراد‬ ‫الذين يعانون من أمر ٍ‬ ‫اض عقلية يعتربون غري‬ ‫مؤهلني للخضوع ألي محاكم ٍة أو عقوبة‪.‬‬ ‫قضية ليىل إبراهيم عيىس جمول‪ ،‬سيدة‬ ‫عمرها ‪ 23‬سنة من السودان‪ ،‬ت ُسلِّط مزيدا ً من‬ ‫الضوء عىل ال معقولية ممثيل اإلسالم السيايس‬ ‫واألصويل‪ .‬هذه الفتاة‪ ،‬التي هى أصالً من‬ ‫إقليم شامل كردفان‪ ،‬أقامت يف منطقة مايو‬ ‫مع أرستها‪ ،‬وهو حي سكني جنوب الخرطوم‪،‬‬ ‫ُحوكِمت ليىل باإلعدام رجامً يف يوليو من‬ ‫العام ‪ 2012‬وفقاً إلدنتها بجرمية ال ِّزنا مبوجب‬ ‫املادة ‪ 146‬من قانون عقوبات السودان لسنة‬ ‫‪1991‬م‪ .‬لقد ت َّم اإلبالغ عنها بواسطة زوجها‬ ‫السابق لدى البوليس الرتكابها ال ّزنا‪ ،‬بعد أن‬ ‫خاض الزوجان رصاعاً للطالق أمام املحكمة‬ ‫ألكرث من ‪ 12‬شهر‪ ،‬م َّرده ُمطالبة الزوج باسرتداد‬ ‫املهر الذى دفعه ىف الزواج مقابل منح ليىل‬ ‫حريتها‪ ،‬وكانت ليىل وأرستها ال ميتلكون املوارد‬ ‫لر ِّد مال املهر‪ .‬وىف تلك الفرتة‪ ،‬وبعد انفصالها‬ ‫عن زوجها‪ ،‬إلتقت ليىل برجلٍ آخر ومعاً أنجبا‬ ‫طفالً‪ .‬ليىل التي مل يكن لديها محامٍ للدفاع عنها‬ ‫ومل ت ُ ِّعني املحكمة محامي للدفاع عنها‪ ،‬أفادت‬ ‫القايض بأنها ت ُخطِّط لإلرتباط برفيقها مبارش ًة‬ ‫بعد انتهاء إجراءات الطالق‪ ،‬حينذاك تح ّول‬ ‫هذا النزاع العائيل والعادي يف مجتمعاتنا إىل‬ ‫ٍ‬ ‫جلسات فقط‪،‬‬ ‫قضية إعدام ورجم‪ .‬بعد ثالث‬ ‫وس ِج َنت‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ام‬ ‫رج‬ ‫ت َّم ال ُحكم عىل ليىل باإلعدام‬ ‫ُ‬ ‫ومعها طفلها ذو الستة أشهر وكُـبِّلت باألغالل‬ ‫كحال محكومي اإلعدام!‬ ‫ليىل مل ت ُرجم حتى املوت مثل صافية فقد‬ ‫ت َّم إطالق رساحها بعد أن لفتت قضيتها انتباه‬ ‫مجموعات حقوق اإلنسان املحلية والدولية‬ ‫فقادوا حمل ًة ألجلها‪ ،‬وعىل الرغم من ذلك إال‬ ‫أن عقوبة ال ّرجم ما تزال أمرا ً قامئاً يف النظام‬ ‫القانوين السوداين بإنتظار الضحية القادمة‪.‬‬ ‫وأكرث ما يُثري اإلنتباه يف قصة ليىل‪ ،‬هو‬ ‫املوقف الذي إت َّخذته أرستها ومجتمعها املحيل‬ ‫من قضيتها‪ .‬لقد ُص ِدموا كلهم بش ّدة من ال‬ ‫معقولية العقوبة ومل يجدوا لها مس ِّوغاً منطقياً‬ ‫من خالل فهمهم لإلسالم‪ .‬هذه األمور كانت‬ ‫ت ُعالج ألجيال عرب التقاليد املحلية وت ُ َحل عرب‬ ‫«السـرتة» التي‬ ‫التعويضات‪ ،‬وتطبيق قيم ُ‬

‫‪78‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫استهدفت بصف ٍة رئيسية النساء‪ ،‬حيث أن‬ ‫إثبات الزنا كام ذُكر يتطلب تقديم أربعة شهود‬ ‫إثبات وهو أم ٌر ينطوي عىل استحالة عملية‪،‬‬ ‫لذا أُستُ ِ‬ ‫خد َم ال َح ْمـل كوسيل ًة إلت ِّهام وتجريم‬ ‫النساء يف غالبية جرائم الزنا وبالتايل بِنت األكرث‬ ‫تع ُّرضاً لعقوبة الرجم‪.‬‬

‫تسمح بالكتامن وتحرتم الخصوصية الفردية‪.‬‬ ‫ظل ُمستخدماً ٍ‬ ‫ألمد‬ ‫هذا النوع من التوفيق َّ‬ ‫طويل لدعم القيم اإلسالمية عند تعامله مع‬ ‫أمور ُمتعلِّقة باألرسة واألطفال‪ .‬إن اإلجراءات‬ ‫الحالية القاسية والعشوائية املُتَّبعة من ِقـبل‬ ‫قوى اإلسالم السيايس‪ ،‬أفضت إىل ٍ‬ ‫خلط كبريٍ‬ ‫يف القيم االجتامعية للجامعات املحلية وإىل‬ ‫ٍ‬ ‫إرتباك عظيمٍ يف أخالقيات املجتمعات ىف القرن‬ ‫وبالنظر إىل الظرف السيايس واالجتامعي‬ ‫األفريقى والتي وجدت نفسها بني قطبي َرحى الحايل‪ ،‬فإنه يتكشَّ ف لنا أن عودة تلك العقوبة‬ ‫التك ُّيف مع اإلسالم األصويل أو أن ت ُصبح أهدافاً إمنا هو جز ٌء من إسرتاتجية استغالل الدين‬ ‫لسلطته القمعية‪.‬‬ ‫بواسطة قوى اإلسالم السيايس والسلفي الحالية‬ ‫وضحايا ُ‬ ‫السـلطة‬ ‫إىل‬ ‫والوصول‬ ‫الشعوب‬ ‫تخويف‬ ‫بهدف‬ ‫ُ‬ ‫واالحتفاظ بها‪ .‬ومن ناحية أخرى عند العمل‬ ‫عىل التص ِّدي لعقوبة الرجم قانونياً وثقافياً‬ ‫نتائج ُمخيفة لعودة‬ ‫وقبل النظر إىل مواثيق حقوق اإلنسان‪ ،‬يجب‬ ‫الرَّجم في التشريعات‬ ‫االستفادة من الجهد الكبري يف أعامل الفقهاء‬ ‫معاصرة‬ ‫ال ُ‬ ‫التقليديني املسلمني عرب التاريخ حيث أنهم مل‬ ‫إن عودة ال َّرجم كعقوبة أدِّى إىل ٍ‬ ‫مآس أخرى ي َّدخروا جهدا ً للنأي بأنفسهم عن وسيلة الرجم‬ ‫عديدة برصف النظر عن الذُعر اليومي الذى كعقوبة ومحاولة تج ُّنبها‪ .‬كام أنه من املهم أيضاً‬ ‫يُه ِّدد حياة النساء والرجال‪ .‬مئات األطفال اصطحاب تقاليد وإرث املجتمعات امل ُسلمة‬ ‫الذين يُولدون خارج إطار مؤسسة الزواج يف أفريقيا والتي كانت بعيدة النظر عند‬ ‫الرسمية يف السودان‪ ،‬يُرتَكو َن بواسطة أمهاتهم استخدامها إلرثها التاريخي يف تناول مسائل‬ ‫يف مقالب القاممة وعىل جوانب الطُرقات‪ ،‬السلوك الشخيص غري الالئق‪ .‬إال أنه وحتى ذلك‬ ‫لتأكلهم غالباً الكالب والفرئان‪ .‬األمهات غري الحني تظل املأساة جامثة عىل صدورنا وهي أن‬ ‫املتزوجات يف َز ْع َن من اللجوء إىل مؤسسات يفلح فاعلو اإلسالم السيايس يف القرن الحادي‬ ‫الرعاية االجتامعية لتسليم أطفالهن كام كان والعرشين عىل فرض أجندتهم الدوغامئية‬ ‫يحدث عاد ًة قبل عقو ٍد خلت حيث كانت دون أن يواجهوا ت َح ٍـد أو أن يُساءلوا بواسطة‬ ‫ت ُحفظ املعلومات الشخصية لألمهات وت ُحرتم املسلمني ىف مختلف بقاع العامل‪.‬‬ ‫هالة الكارب‬ ‫خصوصيتهن‪ .‬ولكن يف ظل القوانني الحالية‬ ‫فإن مفهوم الخصوصية غري وارد‪ ،‬حيث ترتكز‬ ‫تلك القوانني عىل كشف الحال والحاق العار‬ ‫أنظر‪http://www.violenceisnotourculture.org/ :‬‬ ‫‪faq_stoning‬‬ ‫بكل من يقع بني براثنها‪ ،‬فالنساء امل ُتزوجات‬ ‫أنظر‪Cornell Law school http://www. :‬‬ ‫الاليت يح َمل َن من رجا ٍل غري أزواجهن‪ ،‬يُستخ َدم‬ ‫‪deathpenaltyworldwide.org/country-search‬‬‫‪post.cfm?country=Oman‬‬ ‫حمل ُهن هذا كب ِّين ٍة ضد ُهن عىل ال ّزنا‪ ،‬ويتع َّرض َن‬ ‫أنظر‪http://www.theguardian.com/ :‬‬ ‫‪stoning-not-brought-/28/nov/2013/world‬‬ ‫ملخاطر عقوبات قاسية كالسجن‪ ،‬والجلد‪،‬‬ ‫‪back-afghan-president-karzai: accessed on‬‬ ‫واملوت رجامً‪ .‬إن القيم التقليدية واملفاهيم‬ ‫‪2015 ,4 June‬‬ ‫أنظر‪http://www.reuters.com/ :‬‬ ‫التي راكمها السودانيون لعقو ٍد من الزمان‬ ‫‪us-somalia-stoning-/27/09/2014/article‬‬ ‫‪accessed on :idUSKCN0HM08K20140927‬‬ ‫كـالسـرتة والتعويض‪ ،‬والتي كان ميكن أن‬ ‫ُ‬ ‫‪2015 ,4 June‬‬ ‫أنظر‪http://www.somalilandpress.com/ :‬‬ ‫ت ُساعد يف فض النزاعات العائلية واستقرار‬ ‫‪stoning-in-lower-shebelle-recent-incidents‬‬‫العالقات الشخصية‪ ،‬تم تقويضها بواسطة‬ ‫‪highlight-continued-brutality/: accessed on‬‬ ‫‪2015 ,4 June‬‬ ‫النظام القانوين الذي ينتهِك ُحرمة خصوصية‬ ‫مفردها يعنى نهاية الحظر أو نهاية المطاف‬ ‫متن القانون اإلسالمي التقليدي المقبول عند‬ ‫الفرد ويُش ِّجع عىل اضطهاد األفراد بنا ًء عىل‬ ‫معظم المسلمين يقوم على أقوال وأفعال النبى‬ ‫محمد‪.‬‬ ‫سلوكهم الشخيص‪ .‬إن تضمني ال ّرجم يف ال ُنظم‬ ‫أنظر‪ :‬تجريم الجنس‪ :‬قوانين الزنا كعنف ضد المرأة‬ ‫القانونية املعارصة لكثريٍ من أقاليم الساحل‬ ‫فى البيئات المسلمة ‪ /‬مير ُحسينى‪ ،‬ز‪.)2010( .‬‬ ‫الضبط والجنس‪ :‬عودة الحياة لقوانين ال ّزنا فى‬ ‫والقرن األفريقي‪ ،‬ت َّم تحريكه سياسياً وتوجيهه‬ ‫البيئات المسلمة‪ .‬حياة النساء فى ظل القوانين‬ ‫اإلسالمية‪.‬‬ ‫للسيطرة عىل امل ُجتمعات عرب التهديد‪ .‬أكرث‬ ‫«سـترة» فى اللغة العربية‪ :‬اإلخفاء‬ ‫تعنى كلمة ُ‬ ‫من ذلك‪ ،‬يوجد بُع ٌد متييزي للعقوبة التي‬ ‫واحترام خصوصية الفرد‪.‬‬ ‫‪١‬‬

‫‪٢‬‬

‫‪٣‬‬

‫‪٤‬‬

‫‪٥‬‬

‫‪٦‬‬ ‫‪٧‬‬

‫‪٨‬‬

‫‪٩‬‬


‫كيف يمكن أن يكون الرداء الذي يلتف حول جسد المرأة هو المحدد إليمانها وإسالمها؟ كيف يمكن لرداء أن يعبر عن أخالقيات‬ ‫النساء وقيمهن؟ أكثر من ذلك ان يعكس قيم وأخالقيات اسرهن ومجتمعاتهن‪ .‬كيف يمكن أن نختصر إنسانية المرأة في‬ ‫المساحات المغطاة والغير مغطاة من جسدها؟‬ ‫جسد المرأة هو محل الحكم والسطوة في عرف اإلسالم السياسي‪ ،‬وباجتياح أجساد النساء يعبرون عن مدي تمسكهم‬ ‫المزعوم بالعقيدة‪ .‬فتلك األنظمة مثال ال تلتفت لالستثمار في محاربة الفساد‪ ،‬التنمية والعدالة‪ ،‬كل ذلك يصير قضايا هامشية‬ ‫أمام االستثمار في حجب النساء و تشيئ وجودهن فيصرن مجرد كتل من الثياب المتحركة ليس لها اثر في الحياة العامة‪.‬‬ ‫أجساد النساء هي األرض المتنازع عليها وهي محل الصراع‪ .‬ويتمثل ذلك في االنتهاكات التي تستهدف أجسادهن من‬ ‫خفاض فرعوني إلى حجاب وحجب وتقنين لكافة االنتهاكات التي تحدث لهن‪.‬‬

‫ملف العدد‪:‬‬

‫جسد المرأة ‪-‬‬ ‫األرض محل النزاع‬ ‫‪79‬‬ ‫اللوحة‪ :‬صفية اسحاق‪ ،‬السودان‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫صوت الموسيقى‬

‫لمحات من تاريخ المرأة السودانية ‪1980-1900‬‬

‫والتي اتَّسمت بصعود الحركة اإلسالمية‪ ،‬والتي ما زالت عىل سدة‬ ‫الحكم‪ ،‬واآلثار املرتتبة عىل ذلك بالنسبة لواقع النساء‪ ،‬وان كانت هناك‬ ‫عرض سارة النقر‬ ‫إشارات طفيفة تشري إىل تصاعد امل ُنظامت النسوية االسالموية يف نهاية‬ ‫السبعينيات ومطلع الثامنينيات‪ ،‬وأنشطتهم امل ُتمثلة يف معارض الحجاب‬ ‫صوت املوسيقى‪ ،‬يستعرض تاريخ املرأة السودانية من خالل دراسة التي كانت ت ُقام مبدارس البنات‪.‬‬ ‫أزيائها عىل مدى فرتة ‪ 80‬عاماً من بداية القرن العرشين‪ .‬عنوان الكتاب‬ ‫حتى عام ‪ ،1983‬عندما أعلن الرئيس األسبق جعفر منريي «قوانني‬ ‫مستوحى من تصميم معني من الستينات لـ التوب‪ ،‬الزي التقليدي‬ ‫وسمي الكتاب بهذا االسم تيمناً بـ صوت املوسيقى‪ ،‬الرشيعة» واملعروفة بـ «قوانني سبتمرب»‪ ،‬كانت مالبس النساء إىل حد‬ ‫للمرأة السودانية‪ُ ،‬‬ ‫إحدى روائع املوسيقى العاملية الشهرية لسنة ‪ ،1959‬وصوت املوسيقى‪ ،‬كبري مسألة اختيار شخيص تتجاذبها املعايري االجتامعية أو الدينية أو‬ ‫أيضا‪ ،‬اسم لفلم سيناميئ أُنتج يف عام ‪ .1965‬الغالف عبارة عن خلفية الثقافية‪ .‬أما يف الفرتة التي سادت فيها قوانني سبتمرب وما تالها‪ ،‬باتت‬ ‫حمراء اللون عليها خطوط بيضاء بها أحرف موسيقية تظهرها عىل هيئة أزياء النساء تخضع للمعايري االيدولوجية للدولة الدينية والتي تتوسل‬ ‫نوتة موسيقية‪ُ ،‬مط َّرزة يف الجزء االسفل من التوب املعروف بصوت االكراه املادي واملعنوي لفرضها‪ .‬الفرتة األوىل‪ ،‬شملت تقريباً األعوام من‬ ‫‪ 1900‬حتى ‪ .1950‬وقتها كان املجتمع السوداين يخطو نحو قبول مشاركة‬ ‫صوت املوسيقى‪.‬‬ ‫املرأة عىل جميع املستويات‪ .‬ففي خالل هذه الفرتة كان يجري إنشاء‬ ‫يُغطي الكتاب هذا التاريخ الغني‪ ،‬وغري املوثق إىل ٍ‬ ‫حد كبري‪ ،‬من خالل اإلتحادات والحركات والجمعيات النسائية‪ .‬ومع أ ّن اإلفادات املبارشة‬ ‫مجموعة من البحوث األكادميية واإلفادات التاريخية لنساء سودانيات‪ ،‬قليلة جدا ً‪ ،‬االّ أن ذلك ليس باملستغرب‪ ،‬خصوصاً إذا علمنا أن عددا ً قليالً‬ ‫قسم إىل ثالث من شهود تلك الفرتة ممن بقني عىل قيد الحياة‪ .‬بدالً عن ذلك‪ ،‬اعتمد‬ ‫إضافة إىل نُس ٍخ من الصور الفوتوغرافية القدمية‪ .‬الكتاب ُم َّ‬ ‫فرتات زمنية‪ :‬مطلع القرن الكتاب عىل إفادات الجيل الثاين والثالث‪ ،‬كام استفاد أيضاً بشكلٍ ف ّعال‬ ‫العرشين حتى االستقالل‪ ،‬من عد ٍد من األوراق واألبحاث األكادميية غري املنشورة‪ ،‬مام جعل أقساماً‬ ‫صوت الموسيقى‬ ‫سنوات ما بعد االستقالل‪ ،‬من الكتاب تو ِفر مصدرا ً ممتازا ً للدراسات املستقبلية يف مجال قضايا‬ ‫كتبه أكرم‬ ‫وأخريا ً السبعينيات‪ .‬ال املرأة يف السودان‪.‬‬ ‫عبدالقيوم‬ ‫تنحرص أهمية هذه‬ ‫عباس‪ .‬احدى‬ ‫كان لزخم ستينيات لندن أصداء عىل الخرطوم‪ ،‬وهذا يعود لتشابك‬ ‫الفرتات فقط يف دراسة‬ ‫المنشورات‬ ‫وضع النساء‪ ،‬بل هي أيضاً‪ ،‬العالقة بني السودان امل ُستعمرة السابقة وبريطانيا القوة االستعامرية‪،‬‬ ‫العربية لمركز‬ ‫التغيات هذا باإلضافة للتأثري الثقايف لعدد من الجاليات األجنبية التي بقيت‬ ‫مرآة تعكس‬ ‫سالمة‬ ‫ُّ‬ ‫العظيمة التي طرأت عىل يف البالد بعد االستقالل يف عام ‪ .1956‬مل يقترص هذا التأثري عىل أزياء‬ ‫لدراسات‬ ‫املجتمع يف كل جوانبه‪ ،‬النساء فقط‪ ،‬بل أشاع روح التفاؤل يف سودان ما بعد االستقالل‪ ،‬حتى أن‬ ‫المرأة‪ ،‬الخرطوم‬ ‫االقتصادية والسياسية إحدى النساء الاليت تم استطالعهن‪ ،‬وصفت تلك الفرتة بأنها كانت أوان‬ ‫والثقافية واالجتامعية‪ ،‬مبا يف ذلك التأثريات الخارجية‪ .‬عىل الرغم من أن التغيري الكبري والشجاع‪ .‬واحدة من صور املوضة املعروضة يف الكتاب‬ ‫املوضوع الرئييس هو املالبس النسائية يف الخرطوم العاصمة‪ ،‬فالكتاب توضح عارضات أزياء عىل منصة العرض وهن يرتدين الفساتني القصرية‪،‬‬ ‫يق ِّدم صورة درامية تعكس التناقضات الكبرية بني الحياة يف العاصمة رافعات شعورهن يف شكل شينيون أعىل الرأس عىل موضة ذلك الزمن‪ .‬يف‬ ‫آنذاك واآلن‪ ،‬والدينامية التي تعمل عىل تشكيل املجتمع السوداين ككل‪ .‬ذلك الوقت أصبح حضور النساء طاغياً عىل كافة األصعدة‪ ،‬فقد انضممن‬ ‫إىل األحزاب السياسية والنقابات واألندية الرياضية‪ ،‬وأصبح لهن الحق يف‬ ‫بخالف ما تم توثيقه حتى اآلن من تاريخ األزياء النسائية السودانية‪ ،‬الرتشُّ ح لالنتخابات‪ ،‬مام أ ّهل السيدة فاطمة أحمد إبراهيم ألن تكون أول‬ ‫فأهمية الكتاب تنبع من كونه ق َّدم نسخة من التاريخ تتعارض مع امرأة عضوا ً يف الربملان‪.‬‬ ‫ذلك امل ُس َّيس واملؤدلج بشكل كبري‪ ،‬والذي تم فرضه من ِقبل األنظمة‬ ‫يف السبعينيات‪ ،‬بدأت النساء يف املشاركة عىل مستوى أجهزة الدولة‬ ‫املتعاقبة‪ .‬فام بني العروس التي ترقص عارية الصدر يف األماكن العامة‬ ‫يف النصف األول من القرن العرشين‪ ،‬إىل الفتاة التي ت ُجلد الرتدائها التنفيذية‪ ،‬ويف املحافل اإلقليمية والدولية‪ .‬وعىل صعيد املوضة‪ ،‬فقد‬ ‫مالبس «غري محتشمة»‪ ،‬يف الجزء األخري من القرن العرشين‪ ،‬ميثل هذا سادت الفساتني املبهرجة‪ ،‬واتسعت مساحة الحرية الشخصية‪ ،‬حيث‬ ‫الكتاب دعوة للسودانيني إلعادة قراءة التاريخ يف محاولة جادة للبحث بات الجميع يرتدون األلوان واملوديالت التي تناسب أذواقهم‪ .‬كذلك‬ ‫عن الذات‪ ،‬والعمل عىل فهم تناقضاتها‪ ،‬كخطوة حتمية يف اتجاه بناء متيزت الفرتة بزيادة الهجرة إىل العاصمة من املناطق الريفية‪ ،‬مام عمق‬ ‫الفارق الحرضي بني بنات الخرطوم وبنات األقاليم بأزيائهن التقليدية‪.‬‬ ‫الذات وتجاوز أزمة الهوية املاثلة‪.‬‬ ‫لكن عدم االستقرار السيايس الذي صاحب نظام مايو يف ُمنتصف ذلك‬ ‫يغطي كتاب صوت املوسيقى الفرتة حتى مطلع الثامنينيات‪ ،‬عليه‪ ،‬العقد‪ ،‬قد صب يف مصلحة قوى اإلسالم السيايس التي كانت تسعى‬ ‫فهو ال يشتمل عىل الخمسة وعرشون سنة املاضية من تاريخ السودان‪ ،‬حثيثاً للسلطة‪ .‬بنهاية السبعينيات‪ ،‬نشطت الحركة اإلسالمية يف الدعوة‬

‫‪80‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫ملا أسمته «الزي اإلسالمي» وذلك عرب الندوات التي تروج للحجاب‪ .‬يف‬ ‫عام ‪ ،1983‬وتحت تأثري اإلسالميني ويف محاولة للحفاظ عىل السلطة‪،‬‬ ‫أعلن منريي ما عرف بـ «قوانني سبتمرب اإلسالمية»‪ .‬وكانت قبلها سياسة‬ ‫التأميم يف بواكري نظام «مايو االشرتاكية»‪ ،‬قد جادت بآثارها السالبة‪،‬‬ ‫حيث دفعت العديد من األرس األجنبية‪ ،‬والتي أصبحت بتعاقب‬ ‫األجيال جزءا من النسيج السوداين‪ ،‬إىل الرحيل‪ .‬تزامن ذلك مع تدهور‬ ‫الظروف االقتصادية والتي أدت لظاهرة الهجرة الجامعية اىل اململكة‬ ‫العربية السعودية ودول الخليج بحثاً عن العمل‪ .‬عملت هذه الظاهرة‬ ‫الحقا‪ ،‬عىل متدد اإلسالم األرثوذكيس بتياراته العديدة‪ ،‬املحيل والوافد‬ ‫منها‪ ،‬كالوهابية‪ .‬مهد ذلك‪ ،‬كام هو معروف‪ ،‬لربوز أمناط مغايرة للتدين‬ ‫السائد‪ ،‬أثر بدوره عىل كثري من العادات والتقاليد الراسخة‪ .‬فقد رأينا‬ ‫كيف ب ّزت العباءة السوداء الوافدة من الخليج‪ ،‬الزي السوداين التقليدي‪،‬‬ ‫وتم فرضها عىل أنها الزي األمثل للمرأة املسلمة!‬ ‫أما يف اعتقادي‪ ،‬فإن األجزاء األكرث اثارة‪ ،‬هي الفقرات التي تحدثت‬ ‫النساء فيها عن تجاربهن الخاصة‪ ،‬أو عن أمهاته ّن أو جداته ّن‪ .‬تلك‬ ‫الفقرات‪ ،‬التي ُد ِّونت بالعامية السودانية‪ ،‬قامت عىل متعة الرسد‬ ‫الذي يجعل ال ُق َّراء يتخيلون أنفسهم يجلسون ُمنصتني إىل هؤالء‬ ‫النساء‪ ،‬املشاكسات‪ ،‬قويات اإلرادة‪ ،‬والاليت ك ّن يتمتع ّن بإحساس عايل‬ ‫بالخصوصية واالعتداد بالنفس‪ .‬حتامً‪ ،‬إن أي امرأة سودانية يف وقت من‬ ‫األوقات‪ ،‬قد تكون قد سمعت إحدى قريباتها‪ ،‬أو سيدة ُم ِّسنة تتحدث‬ ‫عن جامليات الثوب بثقة‪ ،‬منتقدة تدخل السلطة فيام ترتديه النساء‪.‬‬ ‫من خالل حكاياتهن‪ ،‬تربز ملحات من الخرطوم ُمختلفة متاماً عن تلك‬ ‫التي نراها اآلن‪ .‬هنا‪ ،‬كان يوجد املكان الذي كانت ت َُّصمم فيه مالبس‬ ‫النساء من أقمشة مستوردة لهن خصيصاً من لندن والدول األوروبية‪.‬‬ ‫التام الذي كان يربط بني الخرطوم وأمدرمان‪ ،‬املدينة التي‬ ‫هنا‪ ،‬كان موقع ُ‬ ‫تذهب للفراش عند التاسعة مساء‪ ،‬عندما ينهي الرتام رحلته الليلية يف‬ ‫تلكم املحطة‪ .‬تلك كانت الخرطوم العاملية‪ ،‬حيث عاش األجانب من أُرس‬ ‫سورية‪ ،‬يونانية‪ ،‬أرمنية ولبنانية‪ .‬الكل‪ ،‬يهود ومسيحيني ومسلمني كانوا يف‬ ‫تعايش جميل‪ .‬هنا‪ ،‬فُتحت الرشكات‪ ،‬وازدهرت األعامل التجارية‪ ،‬حيث‬ ‫مخازن قرنفيل‪ ،‬مقهى وبار أتنيه‪ ،‬صيدلية شاشايت‪ .‬قالت إحدى النساء‬ ‫الذين استطلعهم الكتاب‪ :‬اعتقد أن عقد الستينيات كان أفضل األوقات‬ ‫يف تاريخ السودان‪ .‬هناك سمة سودانية صميمة سلط الكتاب عليها‬ ‫الضوء‪ ،‬أال وهي‪ ،‬تسمية تصاميم املوضة امل ُختلفة بأسامء الشخصيات‬ ‫الشهرية والنزعات السائدة واألحداث السياسية واألفالم الرائجة‪ ،‬كام هو‬ ‫الحال يف عنوان الكتاب الذي نستعرضه هنا‪ .‬ولقد استمر هذا التوجه إىل‬ ‫اليوم‪ ،‬وبالرغم من أنه ت َّم استخدامه كحيلة ترويجية من تجار التجزئة‪،‬‬ ‫إالّ أنه مع ذلك‪ ،‬يجسد الخصوصية الثقافية‪ ،‬ممثلة يف الحس الفكاهي‬ ‫ومواكبة التطورات‪.‬‬ ‫حتى الخمسينيات‪ ،‬ارتدت املرأة السودانية التوب االبيض فقط‪،‬‬ ‫وهو تقليد ُمكتسب من زهد اإلسالم الصويف الذي يعتنقه معظم أهل‬ ‫السودان‪ .‬وعىل الرغم من املرأة السودانية مازالت ترتدي هذا الزي يف‬ ‫املدرسة والعمل‪ ،‬إال أنه كموضة فقد تالىش وأفل أمام سطوة التياب‬ ‫امل ُلونة التي تنتجها املصانع األوروبية‪ ،‬والتي انترشت وراجت بني النساء‪.‬‬ ‫قبل االستقالل‪ ،‬ت َّم تصميم توب ُس ِّمي بت الباشا املدير‪ ،‬ويف وقت الحق‬ ‫ظهر عيون زروق‪ ،‬تي ُّمناً بالسيد مبارك زروق‪ ،‬أول وزير خارجية سوداين‪،‬‬ ‫والذي اشتهر بوسامته‪ .‬وقد متيَّز هذا التوب بتصميمه ذو الدوائر الصغرية‬

‫سارة النقر‪ ،‬صحفية مستقلة‬ ‫ومترجمة تعيش بالخرطوم‪ .‬درست‬ ‫علم اللغويات بجامعة الخرطوم‬ ‫وبريطانيا‪ .‬وهي اآلن تحضر‬ ‫للماجستير في الصحافة الدولية‪.‬‬ ‫عملت سابقا‪ ،‬كصحفية ومترجمة‪،‬‬ ‫وكاتبة بإحدى وكاالت االخبار‪،‬‬ ‫ومنظمة كير العالمية‪ .‬عملت أيضا‬ ‫مساعد إداري باألمم المتحدة‪،‬‬ ‫وبعدد من المشاريع التعاونية‪ ،‬مثل‪:‬‬ ‫معرض الملكة فكتوريا‪ ،‬والذي أقيم‬ ‫في العام ‪ 1965‬أثناء زيارتها للسفارة‬ ‫البريطانية‪ .‬كذلك شاركت في‬ ‫مؤتمرات ‪ TEDx‬ومع نساء الخرطوم‪،‬‬ ‫وكذلك نساء سوبا‪ ،‬باإلضافة للعمل كمستشارة لفلم شكرا‬ ‫توني والذي أُنتج في الخرطوم‪ .‬سارة مهتمة بالبحث والتوثيق‬ ‫للتراث السوداني والقضايا الثقافية‪.‬‬

‫الالمعة عىل خلفية سوداء‪ .‬أيضاً كان توب نهرو والذي تزامن ظهوره مع‬ ‫زيارة الرئيس الهندي ذائع الصيت‪ ،‬للخرطوم‪ .‬عىل ذات النسق‪ ،‬أُطلقت‬ ‫األسامء أيضاً عىل تصاميم الفساتني‪ ،‬فمثالً‪ ،‬هناك فستان قصري أطلق‬ ‫عليه جكسا يف خط ‪ ،6‬يف إشارة إىل نجم الكرة الشهري يف الستينيات‪.‬‬ ‫سارة النقر‬

‫عن التياب في الستينيات والسبعينيات‬

‫ازهري في باندونغ‪ ،‬كان هذا الموديل من التياب‬ ‫رائجا بعد مشاركة رئيس الوزراء السوداني في قمة‬ ‫دول عدم االنحياز في باندونغ ‪ -‬إندونيسيا عام ‪1955‬‬ ‫ابان حقبة ما بعد االستعمار وبروز التيارات المعادية‬ ‫لالستعمار الجديد‪.‬‬ ‫توب آخر‪ ،‬لقاء السيدين كان ظهوره بعد االجتماع‬ ‫التاريخي المهم الذي شهد المصالحة بين اثنين من‬ ‫قادة االحزاب السياسية المبنية على الطائفة الدينية‬ ‫في السودان‪ :‬السيد عبدالرحمن المهدي والسيد علي‬ ‫الميرغني‪.‬‬ ‫كيبيدة المظلوم‪ ،‬تعاطفا مع احد قادة االنقالبات‬ ‫العسكرية التي فشلت‪.‬هنالك ايضا توب الحاسوب‬ ‫«الكومبيوتر» والحرية‪ .‬الرملة البيضه تصميمه كان‬ ‫مهداة للرمل األبيض احد األلوان الكثيرة لرمال الصحراء‪.‬‬ ‫رموش شادية و الخرطوم باليل‪ ،‬وهو توب ذو الوان‬ ‫غامقة من الشيفون الشفاف يتخلله نسيج براق‬ ‫احتفاء بجمال الخرطوم كما تبدو من الطائرة مضيئة‬ ‫وجميلة‪.‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪81‬‬


‫الماعندو قديم‪...‬‬ ‫صور و حكايات‬

‫“اعتدت على إرتداء هذا الفستان في الجامعة‪ ،‬وللزيارات العائلية‬ ‫عندما كنت طالبة علم نفس شابة في عام ‪ ،1980‬وأيضاً عندما أخرج‬ ‫مع أصدقائي وصديقاتي أو لقضاء مشاويري الخاصة‪ .‬وكانت النساء‬ ‫لكنهن أيضاً لم َّ‬ ‫َّ‬ ‫يكن يرتدين الفساتين‬ ‫ال ترتدي البناطلين حينها كثيراً‪،‬‬ ‫الطويلة “الماكسي”‪ .‬كنت أحب الفساتين والتنانير في األيام العادية‪.‬‬ ‫المرة األولى التي غطيت فيها شعري بالطرحة في عام ‪ 1995‬عندما‬ ‫كنت أعمل في شركة مملوكة لوهابيين فطلبوا مني أن أغطي شعري‬ ‫أثناء ساعات العمل‪ .‬اآلن َّ‬ ‫لدي نوعين من الثياب‪ :‬واحد للسودان‪-‬‬ ‫في الغالب الثوب التقليدي ‪ -‬وآخر عندما أكون خارج السودان‪،‬‬ ‫وأيضاً أرتدي التنانير الطويلة والقمصان طويلة األكمام وأضع طرحة‬ ‫كبيرة على رأسي‪ .‬اعتدت أن أحذر ابنتي‪ :‬بمجرد أن تبدأي في إرتداء‬ ‫الوشاح‪ ،‬سوف تعتادين عليه”‪.‬‬ ‫أميرة محمد‪ ،‬أم وزوجة‪ ،‬الخرطوم‬

‫الهوية المستعارة‬ ‫أصدقايئ وخطيبي وبعض زماليئ من الجامعة يف رحلة‬ ‫إىل سوبا ‪1981‬‬

‫هل الحجاب والعباءة يف السودان ظواهر‬ ‫اجتامعية وسياسية وليست دينية؟‬ ‫ظهر الحجاب يف السودان يف أواخر‬ ‫السبعينيات‪ .‬يف ذلك الحني‪ ،‬حتى قياديات‬ ‫الحركة اإلسالمية السودانية ك َن يرتدي َن الثوب‬ ‫التقليدي‪ .‬بعد الثورة اإليرانية بدأت عضوات‬ ‫االتجاه االسالمي من طالبات الجامعة بشكل‬ ‫مو َّحد يف ارتداء الحجاب‪ ،‬وك َن يُقلِّد َن مظهر‬ ‫املرأة اإليرانية‪ .‬مع تزايد نشاط الجامعات‬ ‫اإلسالمية يف السودان أصبحت املرأة وما‬ ‫ترتديه أحد املوضوعات األساسية للمزايدة‬ ‫ولرتويج ايدلوجيا االسالم السيايس‪ .‬فاستهدفوا‬ ‫املدارس وبدأوا يف تنظيم الدروس الدينية‬ ‫للنساء يف األحياء‪ ،‬وانترشت ظاهرة الحجاب‬ ‫وبالنظر ايل كل هذه األحداث صارت املوضة‬ ‫من خالل الربامج التلفزيونية‪ .‬ومبرور الوقت‪،‬‬ ‫بدأت بعض املؤسسات التعليمية والرشكات يف يف السودان املقام األول مرتبطة بالتصورات‬ ‫فرض الحجاب عىل موظفاتها‪ .‬تزامن ذلك مع السياسية واالوضاع االقتصادية‪.‬‬

‫التغيات االجتامعية واالقتصادية والسياسية‬ ‫ُّ‬ ‫التي كان لها تأثري عىل ملبس النساء ومظهرهن‬ ‫بشكل عام‪ .‬عىل سبيل املثال تدهور االقتصاد‬ ‫السوداين تسبَّب يف ارتفاع أسعار التوب‬ ‫السوداين‪ .‬يف نفس الوقت تأثري دول الخليج‬ ‫واململكة العربية السعودية عيل أجيال من‬ ‫العامل املهاجرين الذين جلبوا معهم ظواهر‬ ‫الحجاب والعباءة واسهموا يف نرشها بني‬ ‫قطاعات واسعة من املجتمع السوداين‪ .‬ورمبا‬ ‫بعض النساء فضل َن ارتداء العباءة ألسباب‬ ‫اقتصادية‪ ،‬إذ أنها تخفي املالبس البسيطة‬ ‫تحتها‪ ،‬وهي بالتأكيد أث َّرت عىل ثقافة املالبس‬ ‫يف السودان‪.‬‬

‫د‪ .‬سامية الهادي النقر ناشطة في حقوق المرأة واألنثروبولوجيا االجتماعية‪،‬‬ ‫عملت كباحثة في مجال حقوق المرأة لعدة منظمات وطنية ودولية‪ ،‬تقوم‬ ‫بتدريس دورات حول النوع االجتماعي والحوكمة في المعهد اإلقليمي لدراسات‬ ‫النوع االجتماعي‪ ،‬الحقوق والسالم والتنوع بجامعة األحفاد للبنات‪.‬‬

‫‪82‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫عروس يف ال ‪24‬‬ ‫من العمر ترقص‬ ‫يف الصبحية‪ ،‬رقيص‬ ‫العروس ت َّم يف خيمة‬ ‫الزفاف وسط املدعوين‬ ‫من النساء والرجال يف‬ ‫مدينة النيل يف أمدرمان‬ ‫‪ .1982‬اآلن العروسات‬ ‫يرقصن وسط النساء‬ ‫فقط ويف مكان مغلق‪.‬‬

‫فهيمة‪ ،‬ممرضة وزوجة‬ ‫أحد أوائل السفراء‬ ‫السودانيني مع إبنها‬ ‫الصغري‪ ،‬الخرطوم يف‬ ‫الخمسينات‬

‫نفيسة وصالح عروسان‪ ،‬أم درمان‪ ،‬يف أواخر‬ ‫الستينيات‬

‫“هذه صور جميلة كجمال العصر الذي عش َن فيه تلكم النساء‬ ‫وتوثق ألوقات حياة طبيعية شهدها السودان‪ .‬والصورة ال تعبر عن‬ ‫النساء فقط ولكن أيضاً تعكس كيف كان ودوداً ومتسامحاً المجتمع‬ ‫عالي من‬ ‫السوداني في ذلك الحين‪ .‬حيث تعبر الصور عن مستوى ٍ‬ ‫السالم النفسي واالجتماعي‪ .‬فمن الواضح ان النساء لم يكن في‬ ‫حالة خوف مزمن ولم يكن هناك تحرش وانتهاكات مثلما يحدث‬ ‫اليوم‪ .‬فال شرطي يعطي نفسة الحق في تحديد طول وعرض التنانير‪،‬‬ ‫وال قاضي متفرغ لتوجيه االتهامات للنساء واهانتهن لمجرد َّ‬ ‫أنهن لم‬ ‫َّ‬ ‫رؤوسهن وال آثار لسياط الجالد محفورة على ظهور النساء‬ ‫يغطي َن‬ ‫َّ‬ ‫ألنهن تجرأ َن على كسب لقمة العيش الكريمة في مكان عام‪.‬‬ ‫يمكننا أن نستنتج من خالل نظرات الرجال المُحبة في هذه‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لرفضهن‬ ‫ويقدرونهن‪،‬‬ ‫الصور إلى أي مدى يحترم الرجال النساء‬ ‫َّ‬ ‫أجسامهن وجعلها موضعاً للشكوك‪.‬‬ ‫تجريم‬ ‫َّ‬ ‫حمايتكن من سياط‬ ‫نطلب الصفح يا نساء السودان فقد فشلنا في‬ ‫الجالد”‪.‬‬ ‫عثمان مبارك‪ ،‬محامي‪ ،‬والية النيل األبيض‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪83‬‬


‫صور و حكايات‬ ‫الصورة‪www.facebook.com/groups/sudanzaman :‬‬

‫بروفيسور عبد الرحمن شداد مع الطالبات يف املهرجان الثقايف‬ ‫الريايض األكادمييي ملدرسة أمدرمان الثانوية العليا‪1967 ،‬‬

‫أكرم عبد القيوم‪ ،‬لغوي السوداني‪ ،‬باحث في‬ ‫معهد الدراسات األفرو ‪ -‬آسيوية في الخرطوم‬ ‫ومستشار في قضايا الدعم المؤسسي وبناء‬ ‫القدرات‪ .‬إهتماماته البحثية الرئيسية هي الدراسات‬ ‫اإلسالمية‪ .‬له إثنين من المنشورات السابقة في‬ ‫الحركة االجتماعية في السودان وفيلم وثائقي عن‬ ‫حملة إلصالح المادة ‪ 149‬فقرة االغتصاب‪ -‬واعد كتاب‬ ‫صوت الموسيقى بالتعاون مع مركز سالمة‪ ،‬مع‬ ‫فهيمة هاشم وإيمان محمد سعيد والبراق الوراق‪.‬‬

‫حديث «التوب»‬ ‫مع أكرم عبدالقيوم‬

‫متثل تطلُّعات الفتيات يف وقتنا الحايل‪ ،‬حيث‬ ‫أن نساء السودان يف يومنا هذ خياراتهن ضئيلة‬ ‫فيام يتعلق بانتقاء ما يالمئهن من املالبس‪.‬‬ ‫هل لديك توب مفضل؟‬ ‫نعم‪ ،‬عيون زروق‪ ،‬لقد كان توب عربت عن‬ ‫طريقة النساء عن عجابهن برجل معروف ذو‬ ‫شخصية سياسية واجتامعية‪ .‬و يدل ذلك عىل‬ ‫انفتاح املجتمع وحق النساء يف التعبري املعلن‬ ‫والرصيح عن اعجابهن بالجنس االخر حيث‬ ‫مل تكن العالقة بني الرجل واملرأة مش ّوشة‬ ‫أو معتمة كام هو الحال اآلن‪ ،‬كانت رصيحة‬ ‫و اعتيادية‪ .‬إن العالقة بني الرجل واملرأة يف‬ ‫السودان يف الوقت الراهن مش َّوهة وغري صحية‪.‬‬

‫زي املرأة السودانية‬ ‫يف قلب النقاش حول َّ‬ ‫التوب حدثنا عن التوب؟‬ ‫التوب السوداين ليس فقط موضة‪ ،‬بل هو‬ ‫نوع من التعبري الثقايف واالجتامعي يعكس متاماً‬ ‫الوعي السيايس ومشاركة املرأة يف الخطاب‬ ‫الوطني‪ .‬منذ الثامنينيات انخفضت القوة‬ ‫التعبريية األصيلة للتوب‪ ،‬فاألزياء املستورة‬ ‫مثل العباية كأداة سياسية إجتامعية والتي‬ ‫تستخدم للح ِّد من حركة املرأة ليس لديها تلك‬ ‫القوة املوازية للتوب‪ ،‬فهي خالية من العنارص‬ ‫الجاملية‪ .‬وهناك أيضا الـ كارينا التي ظهرت‬ ‫كيف ميكن للنساء السودانيات استعادة‬ ‫مؤخرا ً ‪ -‬وهي قطعة مالبس علوية بلوزة‬ ‫ذات أكامم طويلة ت ُصنع يف الصني من قامش هوياته َّن الثقافية بالنظر ايل الظروف التي‬ ‫البوليسرت ترتديها الفتيات فوق ت ّنْورة طويلة نعيشها يف الوقت الحايل؟‬ ‫اعتقد أن املرأة تحتاج إىل إعادة تأسيس‬ ‫ومعها غطاء للرأس‪ -‬وهي ليست صحية أو‬ ‫جميلة وتفتقر ايل االناقة‪ ،‬و لكنها مع االسف العالقة مع تاريخ الحركة النسوية يف السودان‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫يف سبيل العمل من أجل التغيري‪ ،‬تحتاجني إىل‬ ‫تقييم تاريخك نظرا ً لقلَّة التوثيق يف تاريخ‬ ‫الحركة النسوية يف السودان‪ ،‬إذ هناك قطيعة‬ ‫بني تاريخ تطور الحركة النسوية وبني الشابات‬ ‫يف الوقت الراهن‪ .‬ال أزعم أن العودة إىل التوب‬ ‫هي الحل‪ ،‬إال أنه يف إطار الجهود املبذولة‬ ‫للعثور عىل الهوية والحصول عىل الحقوق‪ ،‬من‬ ‫امل ُهم إيجاد أرضية مشرتكة بني األجيال؛ عندما‬ ‫درجت النساء عىل ارتداء التوب عىل النحو‬ ‫الذي ت َّم وصفه‪ ،‬فقد ك َّن ُيثل َن ثقافة املرأة يف‬ ‫زمانهن‪ .‬اعتقد أن األجيال الجديدة بحاجة إىل‬ ‫التم ُّعن يف التاريخ بع ٍني ثاقبة‪ ،‬وتحفيز حركتهن‬ ‫تعب‬ ‫الرامية إلحداث التغيري بالطريقة التي ِّ‬ ‫عن واقع حياتهن‪ .‬ولكن اعتقد انه من املهم‬ ‫للحفاظ عيل الهوية السودانية عدم االستغناء‬ ‫عن التوب‪ ،‬بل ميكن إعادة اكتشافه وإرجاعه‬ ‫إىل ما كان عليه‪ .‬فقد واكب التوب التطورات‬ ‫االجتامعية والثقافية والسياسية يف السودان‪.‬‬ ‫مثال التوب كان أبيضاً يف بداياته‪ ،‬ميكن أن تقام‬ ‫حملة اعالمية للرتويج للتوب السوداين الذي‬


‫كان السودان بلدٌ مفتوح‪ ،‬ونحن كُنا مُنفتحين على مختلف‬ ‫الثقافات‪ ،‬عندما كُنا في المدرسة كانت تدرس معنا فتيات من‬ ‫اليونان َّ‬ ‫وكن يرتدي َن الفساتين الصيفية القصيرة‪ ،‬أما نحن فقد‬ ‫كُنا مفتونات بالسينما ومجالت الموضة التي تُباع بشكل مُنتظم‬ ‫في المكتبات‪ .‬وفي عام ‪َّ 1960‬‬ ‫نظمت مدرسة الخرطوم الثانوية‬ ‫َّ‬ ‫مسابقة ألفضل فستان تُصمِّمه طالبة‪ ،‬وأتذكر أن أّمْونة حسن‬ ‫عثمان قد فازت في تلك المنافسة‪.‬‬ ‫عشة موسى‪ ،‬محاضرة مُتقاعدة ومُترجمة‪ ،‬الخرطوم‬

‫المُجتمع السوداني متنوٌع جداً‪ ،‬لذلك يمكنك أن ترى أنواع‬ ‫مختلفة من األزياء‪ ،‬مثالً أنا «زغاوية»‪ ،‬جدتي تلبس «الَّالوي‪/‬‬ ‫كتف واحدة وتترك اآلخر؛‬ ‫القرقاب» وهو قطعة قماش تُعقد في ٍ‬ ‫بينما نحن طالبات بالمدارس كُنا نرتدي الفساتين القصيرة‪،‬‬ ‫كانت هناك أيضاً موضة الفساتين األفريقية الملوَّنة التي جلبتها‬ ‫الفتيات الجنوبيات‪ ،‬وراجت أيضاً موضة البنطلون «الشارلستون»‬ ‫حيث ارتدته غالبية الشابات‪ .‬ما زلت أذكر نشأة جمعيات االتجاه‬ ‫اإلسالمي في أواخر السبعينيات‪ ،‬فقد بدأت في المدارس‬ ‫وشرعوا في تنظيم المعارض لما أسموه بالزَّي اإلسالمي‬ ‫في بداية السبعينيات وقد أطلقوا عليه اسم الحجاب أو الزَّي‬ ‫اإلسالمي‪ .‬تمظهُر اإلسالم السياسي كان أكبر تهديد للمرأة‬ ‫العاملة ألن رسالة اإلسالم السياسي الرئيسية هو عودة المرأة‬ ‫للبيت وكانوا يروِّجون لمفاهيم أن أفضل مكان للمرأة هو البيت‬ ‫حيث تجد الحماية والوقت الكافي لرعاية أطفالها‪.‬‬

‫تصفيفة شعر‪ ،‬كوافري مدام سوسو‪ ،‬عيد ميالد نعامت‬ ‫ال ‪ ،18‬ود مدين ‪1971‬‬

‫لو أتيحت لك فرصة إهداء منوذجاً أو اثنني‬ ‫من مناذج التوب لجيل اليوم من الشابات ماذا‬ ‫ستكون تسميتها؟‬ ‫إذا كان هناك توب اتيح يل فرصة تسميته‬ ‫تسميته يف الوقت الحارض يف السودان‪ ،‬فسوف‬ ‫أطلق عليه الوحدة الوطنية نسبة للمشاكل‬ ‫املوجودة يف هذا الجانب؛ لدينا قضايا كبرية يف‬ ‫هذا الصدد‪ ،‬بعيدا ً عن انفصال جنوب السودان‬ ‫فالسودان اآلن عىل شفة هاوية‪ .‬و ميكن ايضا‬ ‫الرتويج للتوب االبيض و التياب املصنوعة من‬ ‫واملواد املحلية للتعبري عن الظروف االجتامعية‬ ‫واالقتصادية‪ ،‬وكنظري ملا كان يُس َّمى بصوت‬ ‫املرأة‪ ،‬ميكن أن يكون هناك توب ُمعارص يسمى‬ ‫عبا ً عن أنه بعد كل ما‬ ‫«املرأة السودانية» ُم ِّ‬ ‫مرر َن به كالعباءة والـ كارينا وما إىل ذلك‪،‬‬ ‫فإن التوب هو ايل حد كبري يُع ِّرف هوية املرأة‬ ‫السودانية‪.‬‬

‫الصورة‪www.facebook.com/Old.sudan.photos :‬‬

‫يُع ُّد تعبريا ً سودانياً فريدا ً عن الهوية عىل عكس‬ ‫العباية‪.‬‬

‫ريم عباس واميرة ناجي تحدثن مع أكرم عبد القيوم‬

‫سامية نهار‪ ،‬أستاذة جامعية‪ ،‬أمدرمان‬

‫صيحات مختلفة من املوضة يف اعراس عطربة‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪85‬‬


‫الصورة‪www.facebook.com/Old.sudan.photos :‬‬

‫صور و حكايات‬

‫موظفة يف‬ ‫تلفزيون السودان‬ ‫موظفي بنك باركليز‪ ،‬الخرطوم‪ ،‬الحصاحيصا‪ ،‬عطربة‬ ‫وبورت سودان‬

‫الصورة‪www.facebook.com/Old.sudan.photos :‬‬

‫اشتاق لفترة مابعد الظهيرة‪ ،‬وإن كانت جافة وشديدة الحرارة‪ ،‬كنا «نسافر» بكل ماتعنيه‬ ‫الكلمة بالدراجات والحافلة من امدرمان الى مراكز الرياضة في الخرطوم لنشجع الفريق‬ ‫النسائي لكرة السلة‪ ،‬مريم النجومي و كابتن عوضية وفريقها وهن يلعبن ضد المكتبة‬ ‫القبطية وغيرهن كن يرتيدن الزي الرياضي المتعارف عليه بالطبع‪ .‬الصور من تلك األزمنة‬ ‫تتحدث عن كيف توصلت استراتيجية اإلسالميين ل «الهندسة االجتماعية» منذ بدايتها في‬ ‫سبتمبر ‪ .1983‬من خالل حملة التمكيين‪ ،‬الجبهة اإلسالمية استولت على السلطة منذ ‪،1989‬‬ ‫وحتى يومنا هذا‪.‬‬ ‫فيصل مصطفى‪ ،‬ضباط متقاعد‪ ،‬امدرمان‬

‫الصورة بكل لطف من‪ Old Sudanese Photos Facebook :‬سهام عباس‬

‫فريق الهالل النسايئ لكرة السلة مع‬ ‫املدرب يف السبعينات‬

‫بالمايوه ‬ ‫كلمة مع سارة جاداهلل‬ ‫سارة‪ ،‬عندما خ ِ‬ ‫ُضت منافسات السباحة عىل‬ ‫امليداليات‪ ،‬ماذا كنت ترتدين؟‬ ‫كنت ارتدي املايوه وكان شعوري طبيعياً‬ ‫متاماً‪ .‬كل الرتكيز كان يف السباحة والفوز‬ ‫فالجميع كان يعلم أنه ال َّزي الرسمي للسباحة‪.‬‬ ‫فتاة تسبح يف العلن! كيف كان يبدو هذا يف‬ ‫الستينيات والسبعينيات؟‬ ‫درج عد ٌد كبري من جمهور املشجعني عىل‬ ‫حضور املنافسات لتشجيعي‪ ،‬فعىل سبيل املثال‬ ‫يف سباق املسافات الطويلة ‪ 45‬كيلومرت يف النيل‬ ‫األزرق‪ ،‬كنا عدد كبري من السبَّاحني من مختلف‬ ‫املناطق‪ ،‬كان املارة يتجمهرون مل ُشاهدة السباق‬ ‫ويصفِّرون ويهلِّلون ُمشجعني‪ ،‬وبعض الرجال‬ ‫يصيحون بأعىل أصواتهم يخربوين باسم السباح‬ ‫الذي يسبقني ألكثِّف جهدي حتى أسبقه‪.‬‬ ‫كانوا يحفظون أسامء السبَّاحني وكانوا فخورين‬

‫‪86‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫سارة جادالله يف اعقاب سباق ال ‪ 35‬كيلومرت يف نهر‬ ‫النيل االزرق‪ .‬احتلت سارة الصدارة يف هذا السباق‬ ‫بني النساء املشاركات وكان ترتيبها الثالثة بني جموع‬ ‫املتسابقني من الرجال والنساء‪.‬‬

‫جبارة‪ ،‬ولدت في الخرطوم سنة ‪ُ ،1958‬مخرجة‬ ‫سارة جادهللا ُ‬ ‫سينمائية‪ ،‬وبطلة سباحة عالمية‪ ،‬تعلمت السباحة كجزء من‬ ‫ثم بدأت في المشاركة في‬ ‫العالج بعد إصابتها بشلل األطفال َّ‬ ‫المنافسات إلى أن أحرزت بطولة السودان لعشر سنوات متتالية‪.‬‬ ‫دربة سباحة لمجموعات مختلفة‬ ‫اليوم هي جدة ألربعة أطفال ُ‬ ‫وم ِّ‬ ‫منهم فريق السباحة في المدرسة العالمية في الخرطوم‪.‬‬

‫ِ‬ ‫نافست يف‬ ‫كالس َّباحة األكرث نجاحاً‪،‬‬ ‫البطوالت العاملية يف نريويب سنة ‪ ،1967‬بكني‬ ‫‪ ،1975‬وإيطاليا ‪ 1978 ،1977 ،1975‬وكنت‬ ‫منوذجاً يُحتذى‪ ،‬ما هي أكرب التحديات التي‬ ‫واجهتك؟‬ ‫تخطي التقليد ليس باألمر السهل‪ ،‬وأن تكوين‬ ‫امرأة ومع َّوقة‪ ،‬لكن كل هذا مل يقف أمامي عائقاً‬ ‫دون متثيل السودان بل زادين إرصارا ً‪ .‬كان والدي‬ ‫رجالً ُمتح ِّررا ً وقد ش َّجعني وكان يحرض معي‬ ‫املنافسات وأحياناً يسافر معي وهو طبعاً إعالمي‬ ‫فتمكَّن أن يعكس إنجازي وأهمية الرياضة‬ ‫النسائية بصفة عامة بشكل جعل امل ُجتمع يحرتم‬ ‫اإلنجاز أكرث مام ينتقد مالبس النساء‪.‬‬

‫ما عدا السباحة‪ ،‬أنت كنت أول فتاة‬ ‫سودانية تركب الدراجة النارية‪ ،‬كيف حدث‬ ‫هذا وهل عامة الناس ينظرون لهذا األمر‬ ‫بشكل مختلف اليوم؟‬ ‫بسبب إعاقتي أحرض يل والدي دراجة‬ ‫لتعينني عىل الذهاب للمدرسة‪ ،‬وعندما أصبح‬ ‫عمري ‪ 17‬سنة‪ ،‬وأثناء مشاركتي يف بطولة كابري‬ ‫نابويل يف إيطاليا‪ ،‬رأيت دراجة نارية جميلة جدا ً‬ ‫تعلَّقت بها يف الحال‪ ،‬وصممت عىل امتالكها‪،‬‬ ‫فساعدين والدي يف رشائها وشحنها للسودان‪.‬‬ ‫عندما قدتها أول مرة سقطت وكرست ساقي‬ ‫ألنها كانت رسيعة جدا ً إضافة إىل أين مل أكن‬ ‫أعرف قواعد املرور يف الشارع العام‪ .‬لكن‬

‫شادية عبد المنعم تتحدث مع سارة جادهللا‬

‫بكوين أتفوق عىل الس َّباحني الرجال‪ .‬يف ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬كان هناك عد ٌد ُمق َّدر من السبَّاحات‬ ‫يف مختلف األندية الرياضية وكانت املنافسات‬ ‫ُمختلطة وكُنا نتد َّرب معاً بناتاً وأوالدا ً‪ .‬كان‬ ‫جميع امل ُد ِّربني من الرجال ومل يكن األوالد‬ ‫يروين كسارة الفتاة‪ ،‬بل ك ُمنافسة رشسة ميكن‬ ‫يل‬ ‫أن تتف َّوق عليهم‪ ،‬فكانوا يتد َّربون ليتف َّوقوا ع َّ‬ ‫كام كنت أفعل‪.‬‬

‫يف السبعينات كان لدينا أقوى فريق كرة‬ ‫سلة يف اإلقليم العريب‪ ،‬وك َّن يرتدين الشورت‬ ‫مثله َّن مثل بطالت الركض السودانيات وأيضاً‬ ‫كان لدينا فريق التنس وك َّن يرتدي َن التنانري‬ ‫القصرية‪ .‬كل الرياضات النسائية كان لديها‬ ‫جمهور عريض من امل ُشجعني والجهات الراعية‪،‬‬ ‫ووسائط اإلعالم امل ُختلفة كانت تذيع املنافسات‬ ‫ومل يكن لدى امل ُجتمع أي تحفُّظات‪.‬‬

‫رؤية شابة تقود الدراجة النارية مل يكن أبدا ً‬ ‫فيه نوع من التحفُّظ أو الرقابة‪ ،‬فمثال عندما‬ ‫يصفر أحدهم بشفتيه فهو نوع من اإلعجاب‬ ‫والتشجيع‪ .‬تع َّودت عىل قيادة دراجتي النارية‬ ‫يومياً ذهاباً وعودة إىل كلية املوسيقى والدراما‬ ‫يف جامعة السودان حالياً حيث كنت أدرس‪ ،‬كل‬ ‫الناس عرفوين والفوا هذا املشهد‪ .‬يف مرة من‬ ‫املرات‪ ،‬استلف أخي دراجتي النارية‪ ،‬فأوقفه‬ ‫ُشطي املرور ظاناً أنه قد رسقها‪ ،‬وعندما‬ ‫الشطي أخي أخربه أنها ملكه‪ ،‬فقال له‬ ‫سأل ُ‬ ‫الشطي «ال‪ ،‬إنها ملك سارة جادالله»‬ ‫ُ‬ ‫كان املجتمع مختلفاً‪ ،‬أكرث تسامحاً‪ ،‬اآلن‬ ‫هناك قوانني تخويف‪ ،‬قوانني سيئة تؤدي إىل‬ ‫الظلم االجتامعي‪ .‬يف الواقع‪ ،‬إذا استقلَّت فتاة‬ ‫دراجة نارية اليوم من امل ُحتمل أن ت ُعاقب‪.‬‬ ‫أصبحت الفتيات خجوالت‪ ،‬رمبا يفتقر َن إىل‬ ‫القناعة للدفاع عن مواقفه َّن وحقوقه َّن‪ .‬اعتقد‬ ‫أنه إذا كنت مقتنعاً بأن ما تفعله صحيح‪ ،‬فقط‬ ‫أفعله وبالتأكيد سيكون لديك حجة ومنطق‬ ‫للدفاع عنه‪ .‬الحالل ِّبي والحرام بني وأسلوب‬ ‫اللبس خيار وذوق شخيص‪.‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪87‬‬


‫القاهرة ‪678‬‬ ‫الدعوة إلى إستجابة‬ ‫سريعة ومباشرة بشأن‬ ‫العنف الجنسي ضد‬ ‫النساء‬

‫محمد دياب‬ ‫مخرج الفيلم ولد في َّ‬ ‫كرمة‪ ،‬في‬ ‫مكة ُ‬ ‫الم َّ‬ ‫ثم عاد إلى مصر‪ ،‬وحصل على‬ ‫عام ‪َّ ،1977‬‬ ‫شهادة البكالوريوس في التجارة من جامعة‬ ‫قناة السويس باإلسماعيلية شرق القاهرة‪،‬‬ ‫قبل أن يتابع ولعه بدراسة السينما في‬ ‫أكاديمية نيويورك لألفالم‪ .‬قبل القيام بتجربته‬ ‫اإلخراجية األولى‪ ،‬كتب أربعة نصوص درامية‬ ‫تحولت كلها إلى افالم‪ ،‬لكن «القاهرة ‪»678‬‬ ‫َّ‬ ‫هو أول فيلم روائي طويل له‪.‬‬

‫يف أعقاب عملية اعتداء جنيس علنية حدثت عىل امرأة بواسطة‬ ‫جامعة من الدهامء أثناء احتفاالت تنصيب الرئيس املرصي عبد الفتاح‬ ‫السييس يف عام ‪ ،2014‬إنترش بشكل فريويس عىل اإلنرتنت فيديو يعرض‬ ‫للعامل طبيعة التح ُّرش واإلعتداء الجنيس اليومي يف الشارع املرصي‪ .‬بعد‬ ‫هذه األحداث ت َّم سن ترشيع يف يونيو عام ‪2014‬م‪ ،‬يجعل من التح ُّرش‬ ‫الجنيس يف مرص جرمية يُعاقب عليها بغرامات ترتاوح بني ‪ 400‬و‪7.000‬‬ ‫دوالر والسجن ملدة تصل إىل خمس سنوات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬مازالت الحوادث‬ ‫ُمسترشية يف مرص‪ ،‬حيث ذهبت دراسة أجرتها هيئة األمم املتحدة‬ ‫للمرأة يف عام ‪2014‬م حول سبل ومناهج القضاء عىل التح ُّرش الجنيس يف‬ ‫مرص‪ ،‬إىل أن ‪ ٪99.3‬من املرصيات قد تعرض َن للتح ُّرش الجنيس‪.‬‬

‫صدر فيلم القاهرة ‪ 678‬عام ‪2010‬م وهو من إخراج املخرج املرصي‬ ‫تحرش جنسي في مصر‬ ‫يقول دياب بأنه قبل ظهور القضية األولى ضد ُم ِّ‬ ‫دراية بهذا الموضوع ليعمل عليه‪ ،‬وعندما محمد دياب‪ ،‬ويحيك الفيلم قصة ثالث نساء وتجاربهن مع التح ُّرش‬ ‫في عام ‪ ،2008‬لم يكن على‬ ‫ٍ‬ ‫الجنيس يف مدينة القاهرة العاصمة املرصية‪ .‬وقد تزامن تاريخ عرض‬ ‫ً‬ ‫تبين له أن هذا الموضوع هو الجحيم بعينه‪ ،‬حيث تعيش‬ ‫أجرى بحثا‪َّ ،‬‬ ‫ال‪ :‬شعرت بالذنب ال نني الفيلم مع إنتفاضة ‪2011‬م والتي أطاحت بنظام الرئيس املرصي السابق‬ ‫النساء في عالم مختلف عن الرجال‪ .‬ويردد قائ ٌ‬ ‫حسني مبارك‪ .‬وقد ارتبط فيلم القاهرة ‪ 678‬بالربيع العريب وما صاحبة‬ ‫ً‬ ‫لرجل‬ ‫شيئا عن هذه القضية من قبل؛ إن هذا الوضع بحاجة‬ ‫لم أعرف‬ ‫ٍ‬ ‫مجتمعنا‪ .‬من دعاوي للتغري ُمظ ِهرا ً أن التح ُّرش الجنيس ميكن أن يقع عىل أي‬ ‫يقر بما يحدث‪ ،‬وهذا اعتراف مني كرجل‪ ،‬بأن هذا يحدث في‬ ‫ُّ‬ ‫و من خالل عمله في الفيلم يقول دياب‪ ،‬انه صادف عدد ال يستهان به شخص‪ ،‬من أي طبقة‪ ،‬ومن أي انتامء سيايس أو ديني‪.‬‬ ‫من النساء المتورطات في االدانة المجتمعية للفتيات والنساء الالتي‬ ‫يحاولن ايجاد العدالة عند تعرضهن للعنف الجنسي ونفس الوقت‬ ‫يمسكن عن ادانة الرجال المتورطون في مثل تلك الجرائم‪ .‬يبين ذلك‬ ‫المجتمع ككل وليس‬ ‫جليا ان قضية العنف الجنسي انما هي قضية ُ‬ ‫اشكالية تقتصر علي الرجال فقط‪ .‬ومثل هذا الفيلم يسهم الي حد‬ ‫كبير في كسر حاجز الصمت الذي يحيط بهذه القضية بتحويلها الي‬ ‫قضية اجتماعية وقضية رأي عام ذات اولوية قصوي‪.‬‬

‫‪88‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫نال الفيلم جائزة كربي يف مهرجان ديب السيناميئ الدويل للعام ‪2010‬‬ ‫إال أنه أثار الكثري من الجدل‪ ،‬فقد ُز ِعم أن املحامي املرصي عبد الحميد‬ ‫شعبان قد حاول الحيلولة دون عرض الفيلم يف ديب‪ ،‬حسب دعواه ان‬ ‫وإحتج املطرب املرصي تامر حسني عىل‬ ‫الفلم يظهر مرص بشكل سلبي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫استخدام مخرج الفيلم محمد دياب‪ ،‬واحدة من أغنياته يف مشهد أدَّى‬ ‫رجل يستمع إىل أغنية حسني التي‬ ‫إىل حادثة عنف جنيس‪ ،‬ففي املشهد‪ٌ ،‬‬ ‫ُفس عىل أنها معادية للنساء‪ ،‬ثم يقوم بهاجمة امرأة‪.‬‬ ‫ميكن أن ت َّ‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫تتع َّرض الشخصيات الرئيسية الثالث يف فيلم القاهرة ‪ ،678‬للتح ُّرش‬ ‫والعنف الجنيس يف الحياة اليومية؛ فايزة موظفة حكومية فقرية‪ ،‬تتعرض‬ ‫للتحرش بانتظام يف حافالت املواصالت العامة يف القاهرة‪ ،‬األمر الذي‬ ‫تسبب يف توتر عالقتها مع زوجها‪ .‬سيبا ُمص ِّممة املجوهرات‪ ،‬املنحدرة‬ ‫من الطبقة الراقية‪ ،‬عانت من االغتصاب الجامعي العنيف‪ ،‬ويف حالتها‪،‬‬ ‫يفشل زوجها يف تقبل االستمرار يف الزواج عقب حادثة االغتصاب‬ ‫ويحدث االنفصال بينهام‪ .‬نيليل‪ ،‬شابة طموحة وموظفة مبركز لالتصاالت‪،‬‬ ‫ت َّم اإلمساك بها يف الشارع و تع َّرضت للتح ُّرش اللفظي من قبل عميل‬ ‫التقاها يف مكان عملها‪.‬‬ ‫تختلف اساليب النساء الثالثة من الفيلم يف التعامل مع االنتهاكات‬ ‫والتحرش املتكرر‪ .‬فايزة تقرر ان تدافع عن نفسها بشكل مبارش وتقوم‬ ‫بطعن امل ُتحرشني يف الفخذ قبل أن يتمكنوا من أذيتها‪ .‬وتجيب عىل‬ ‫التعليقات املحزرة من اصدقائها حول خطورة افعالها قائلة‪ :‬تتوقعون‬ ‫مني أن أكون عاقلة؟ إنهم يستحقون ما يحدث لهم‪ .‬سيبا تتعلّم وت ُعلِّم‬ ‫النساء‪ ،‬كيفية الدفاع عن النفس‪ ،‬وتدعم إثنتني من النساء الاليت عانني‬ ‫أيضاً من العنف‪ .‬نيليل تنتهج الطرق القانونية برفع دعوى ضد الرجل‬ ‫الذى اعتدى عليها‪ .‬ومن املعروف ان املخرج محمد دياب قد استلهم‬ ‫شخصية نيليل احد بطالت الفيلم بناء عىل التجربة الواقعية لسيدة‬ ‫مرصية رفعت دعوى قضائية يف عام ‪ ،2008‬ضد رجلٍ اعتدى عليها‬ ‫جنسياً وقد كسبت القضية‪ ،‬مام أدَّى لسجن املعتدى‪ .‬كام ادي ذلك‬ ‫الحقا ايل تبني الحكومة املرصية لترشيعٍ اكرث رصامة يف محاكمة جرائم‬ ‫ال ُعنف الجنيس‪ .‬والن الفيلم يعرض شخصيات من بيئات اجتامعية‬ ‫واقتصادية متنوعة‪ ،‬يُق ِّدم دياب إفادة ُمهمة‪ ،‬وهي أن التح ُّرش الجنيس‬ ‫ال يعرف طبقة او وظيفة فالنساء مبختلف خلفياتهن‪ ،‬جميعهن عرضة‬ ‫للخطر عىل نحو متساو‪.‬‬ ‫وقد اثار الفيلم ردود افعال متفاوتة‪ .‬حيث انتقد البعض طعن فايزة‬ ‫ملهاجميها امل ُحتملني‪ ،‬وجادلوا بأن يف ذلك مغاالة وتشجيع عيل العنف‪،‬‬ ‫إال أنهم أغفلوا املغزى من رسالة دياب وهي ان التغايض عن جرائم‬ ‫العنف الجنيس البد وان يولد عنف مضاد‪ ،‬فمن املؤكد أن الفيلم يقدم‬ ‫دعوة لالستجابة الرسيعة واملبارشة ضد جرائم العنف الجنيس‪.‬‬ ‫وعىل الرغم من ان آراء املشاهدين للفيلم تفاوتت بني االعجاب‬ ‫واإلدانة‪ ،‬فقد ظل دياب متمسكاً مبوقفه من وراء صناعة الفيلم‪،‬‬ ‫حيث علق قائالً‪ :‬كرجل‪ ،‬شعرت أننا يجب أن نعتذر للنساء‪ ،‬حيث ان‬ ‫الغالبية العظمى من الرجال يف مرص ال يعرفون شيئاً عن عمق اشكاالت‬ ‫جرائم العنف الجنيس وتفشيها يف املجتمع‪ ،‬وذلك ألن النساء اللوايت‬ ‫يتعرضن لتلك الجرائم ال يتحدثن عن ما ارتكب ضدهن خوفا من االدانة‬ ‫املجتمعية والتجريم‪ .‬و يُق ِّدم الفيلم شخصية امل ُحقق او رجل القانون‬ ‫باعتباره شخص غري ُملمٍ وغري مهتم باألمر‪ ،‬وال يعلم عن جسامة جرائم‬ ‫العنف الجنيس حتى تطرق الجرمية بابه‪.‬‬ ‫ويع ُّد عدم االعرتاف بجرائم العنف الجنيس‪ ،‬من الصعوبات‬ ‫األساسية يف مقاومتها والحد منها‪ .‬حيث علقت مريم كريلوس‪،‬‬

‫الناشطة يف مجال حقوق املرأة يف القاهرة‪ ،‬بقولها إن كلمة «تح ُّرش»‪،‬‬ ‫قد اعتمدت للتعبري عن جرمية العنف الجنيس فقط خالل العقد‬ ‫املايض‪ ،‬بدالً عن ذلك‪ ،‬كان الناس يستخدمون كلمة «معاكسة» كانوا‬ ‫يج ِّملون املشكلة! إن التحول الذي يحدث لرجل البوليس خالل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫متحمس للعدالة من أجل الشخصيات‬ ‫مؤيد‬ ‫الفيلم‪ ،‬من خصمٍ إىل‬ ‫يبي امكانية التغيري‪ ،‬عىل الرغم من نكران ورفض‬ ‫الرئيسية الثالث‪ِّ ،‬‬ ‫مناقشة قضية العنف الجنيس بشكل مفتوح يف املجتمعات املسلمة‪.‬‬ ‫شعرت بالذنب ال نني لم أعرف شيئ ًا عن هذه القضية من قبل؛‬ ‫لرجل يقرُّ بما يحدث‪ ،‬وهذا اعتراف مني‬ ‫إن هذا الوضع بحاجة‬ ‫ٍ‬ ‫كرجل‪ ،‬بأن هذا يحدث في مجتمعنا‪.‬‬

‫واحد من أكرث املشاهد املؤثرة يف الفيلم‪ ،‬موقف نيليل احد‬ ‫بطالت الفيلم وهي ملونة وجهها بألوان العلم املرصي أثناء‬ ‫حضورها إحتفاالً جامهريياً بالفوز يف مباراة لكرة القدم ويف خضم‬ ‫الحدث النبيل ميتصها الحشد ويتم االعتداء عليها وهو مشهد يصور‬ ‫قمة االقصاء وكأن النساء ليس لهن الحق يف االحتفاء ببالدهن وان‬ ‫فعلن يدفعن الثمن غاليا‪ .‬وقد وصفت العازفة املوسيقية املرصية‬ ‫ياسمني الربماوي‪ ،‬التي تعرضت لإلعتداء يف ميدان التحرير خالل‬ ‫االنتفاضة املرصية‪ ،‬هذا األسلوب‪ ،‬بقولها‪ :‬يحيط الرجال باملرأة‪،‬‬ ‫ومي ِّزقون مالبسها‪ ،‬ثم يقومون باغتصابها‪ ،‬بينام تقوم دائرة خارجية‬ ‫بردع أي شخص من الذين قد يحاولون مساعدتها‪ ،‬بالعيص واملديات‬ ‫واألحزمة‪.‬‬ ‫عرض‪ :‬نيد ميردينك‬

‫ترجمه من اإلنجليزية‪ :‬شمس الدين عثمان‬

‫شاهد اللقطات‬ ‫الرسمية أدناه‪:‬‬ ‫‪https://www.‬‬ ‫‪youtube.com/‬‬ ‫‪watch?v=nMc7YD‬‬‫‪CIORQ‬‬ ‫‪1‬مقابلة مع استديو‬ ‫داركين‪:‬‬ ‫‪WWW.YOUTUBE‬‬ ‫‪.COM/WATCHHP16F‬‬‫‪MELUX‬‬ ‫‪2‬مقابلة مع المخرج‬ ‫محمد دياب قناة‬ ‫الجزيرة ‪82013/ 4‬‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪89‬‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫السجينة‬

‫أنواع مهددة باإلنقراض‬

‫بين الشخصي والسياسي‬ ‫كيف استحوذت جدلية المرأة والحجاب على أعمال‬ ‫التشكيلية ليلى الشوا‬

‫ليلى الشوا عاشت طفولة مستقرة مابين غزة والقاهرة حتى نشوب‬ ‫الحرب في عام ‪ .1948‬نشأت ليلي في عائلة منخرطة في النشاط‬ ‫السياسي و في بلد محتل يعيش في حالة حرب مستمرة‪ .‬وفي سردها‬ ‫لتجربتها‪ ،‬تقول‪ :‬انها ظلت تتعايش مع شعور مستمر من عدم االمان‬ ‫واحساس مزمن بالخطر‪ ،‬هذا اإلحساس ظل مصاحبًا لها حتى تاريخة‪ .‬اال‬ ‫ان احساس الخطر الذى الزمها حسب قولها اسهم فى سعيها المتصل‬ ‫للمعرفة‪ ،‬ودفعها إلحالة تجارب الظلم والقهر التي يعيشها شعبها‬ ‫الى اعمال فنية فريدة وقوية وغاية فى االبداع‪.‬‬ ‫متى كانت اللحظة التي ِ‬ ‫قررت فيها أن تصبحي فيها فنانة‪ ،‬وكيف‬ ‫كان املجتمع يف ذلك الوقت ينظر للنساء العامالت يف مجال الفن؟‬ ‫بعد تخرجي من الثانوي العايل التحقت بالجامعة األمريكية‬ ‫بالقاهرة لدراسة السياسة‪ .‬يف األسبوع الثالث يل هناك تصادف أن‬ ‫عم إذا‬ ‫تناولت وجبة الغداء مع والدي وصديقٍ له معامري‪،‬فسأالين ّ‬

‫‪90‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫كانت الجامعة قد راقت يل‪ ،‬فأجبتهام بالنفي‪.‬‬ ‫سألني صديق الوالد عن سبب اختياري‬ ‫دراسة السياسة دون الفن‪ ،‬وكان ملامً سلفاً‬ ‫ىل االلتحاق بكلية الفنون‪،‬‬ ‫مبوهبتي‪ ،‬وعرض ع ّ‬ ‫فيها‪.‬التفت‬ ‫بالتدريس‬ ‫حيث كان يقوم‬ ‫ُ‬ ‫إىل والدي ُمتسائلة‪ ،‬هل باإلمكان؟فأجاب‪:‬‬ ‫بالتأكيد‪.‬و ُمـن ُّذ تلك اللحظة قد تح ّول مسار‬ ‫حيايت‪.‬‬

‫كان هنالك قلّة قليلة من النساء الف ّنانات‬ ‫املعروفات يف ُمحيطنا يف ذلك الوقت‪ .‬لحسن‬ ‫الحظ كان والداي يؤمنان بالتعليم‪ ،‬وكان مساق دراسة الفنون لديهام‬ ‫أم ٌر ج ّيد شأنه شأن أي مساق دراسة آخر‪.‬ولثقتهام بقدرايت كف ّنانة‪،‬فقد‬ ‫عم إذا كانا يعتقدان بأين‬ ‫دعامين عىل طول الطريق‪ .‬أنا لست متأكدة ّ‬ ‫سوف أصبح مايكل أنجلو التايل أم ال‪،‬ومل ُيك ذلك يبدو ُمه ِّمً إىل تلك‬ ‫الدرجة‪.‬وبالطبع بينام كان والداي يشجعان َس ْعيي الجاد يف دروب‬


‫عائشة‬

‫الفن‪ ،‬فإن هناك من كانوا ينظرون إىل اهتاممي بالفنون عىل أنه نزوة‬ ‫عابرة ستنقيض مبج ّرد أن أتز ّوج!‬ ‫لقد تط ّو ِ‬ ‫رت بالتدريج لتصبحي واحد ًة من أشهر الف ّنانات يف العامل‬ ‫العريب والرشق األوسط؛ فام هى التحدّ يات الرئيسية التي واجهتك‬ ‫كفنانة محليا وعاملياً؟ وهل تعتقدين أن هناك مثَّة فرق كَـ ْونك امرأة؟‬ ‫لقد واجهت؛ بل الزلت أواجه العديد من العراقيل كوين امرأة‪،‬‬ ‫ـنة‪.‬تجل ذلك يف العديد‬ ‫ّ‬ ‫فلسطينية‪ ،‬عربية‪،‬و ُمسلمة‪،‬وأنتمي لطبق ٍة ُمعـ َّي‬ ‫لست م َّمـ ْن‬ ‫من املواقع واملواقف‪ .‬يُعزى تجاوزي لكل ذلك إىل كوين ُ‬ ‫يخافون؛ فضالً عن أنني جادة جـ ِّدا ً يف عميل‪،‬بيد أن ذلك مل يكن سهالً‬ ‫أبدا ً‪ .‬أحد أسوأ التح ّديات لعميل كان زوجي‪ .‬فقد بدأ يف أول األمر فخورا ً‬ ‫به‪ ،‬إالّ أنه الحقاً أصبح غيورا ً بشكلٍ مفرط من نجاحي‪ ،‬وسعى بشتَّى‬ ‫الطرق إلثنايئ عن املواصلة‪.‬أن تكوين امرأة فنانة يف عامل يُسيطر عليه‬ ‫يتعـي عليها يف املقام‬ ‫ال ّرجل؛فإن ذلك يعنى عبئا إضافيا لكـي كامرأة َّ‬ ‫األول أن تكون زوجة‪،‬وابنة‪ ،‬وأم‪...‬الخ‪ .‬أطلق «جري مني جرير» عىل‬ ‫ذلك عبارة «سباق الحواجز»‪ ،‬يف كتاب له عن حظوظ النساء ال َّرسامات‬ ‫وأعاملهم‪.‬‬

‫حلم مستحيل‬

‫ومسلمة‪ ،‬أنا ُمستاءة من الوضع‬ ‫كامرأة في المقام األول‪ُ ،‬‬ ‫قرن‬ ‫المزري للنساء في العالم اإلسالمي اليوم‪ .‬اإلسالم‪ ،‬منذ ‪ٍ 15‬‬ ‫ـن حقوق ًا‬ ‫مضت‪،‬حرّر المرأة من ظلم ضارب في التاريخ‪،‬‬ ‫ومنحه َ‬ ‫ُ‬ ‫قرن فقط‪.‬‬ ‫حصلت عليها النساء في الغرب قبل حوالي ٍ‬

‫اهتامم بعريض للوحة عروس الجليل‪ ،‬بسبب ِعـرىٍ المرأة يف اللوحة‪.‬‬ ‫ففي أثناء االنتقادات التي تـو َّجه قبل افتتاح املعرض‪ ،‬هاجمتني امرأة‬ ‫تح َّجبت مؤ ّخرا ً‪،‬قائلةً‪ :‬إننا كنساء أُ ِصبنا بخيبة أمل كبرية فيك‪ ،‬فكيف‬ ‫ميكنك أن تقدمينا بهذا املستوى من البذاء ِة؟ ومل تكن قد شاهدت‬ ‫املعرض بَـ ْعد‪ ،‬لذلك دعوتها للحضور وطلبت منها أن نتناقش بدالً عن‬ ‫ىل أن أخضع لحراسة نسبة العتبارات أمنية‪،‬الس ّيام‬ ‫اإلدانة املسبقة‪.‬كان ع ّ‬ ‫وأن نحوا ً من ‪ 40‬امرأة من املح ّجبات أت َني لتلقيني محارضة عن آراء‬ ‫معروفة سلفاً‪ .‬حارضتهن عن كيف جاء ذكر الحجاب يف القرآن وأين‬ ‫عىل وجه التحديد‪،‬وبذا انتهى النقاش‪.‬مل يتوقّع َن أن األفكار العميقة وراء‬ ‫العمل الفني هي مفاهيم من ُصـنع اإلنسان‪ ،‬وبالتايل تحتاج إىل تحليل‪.‬‬ ‫لقد كانت تجربة مزعجة أن تجد نسا ًء يتوجه َن ضد مصالح جنسهن‪ .‬إن‬ ‫كذلك فعل فنانون رجال حاولوا التقليل من أهم ّيـتي بالنسبة لفنون النساء رشيكات يف جرمية إبقاء األجيال الناشئة ُمستكينة‪.‬‬ ‫العرب‪ .‬شعرت بذلك يف كتاب عن الفنون تم فيه تهمييش وتجاهيل؛‬ ‫رسوماتك متيل إىل املبارشة وتحمل رسائل اجتامعية – سياسية‪،‬وأن‬ ‫بينام امل ُذعنني «غري املؤذيني» والذين ال يثريون جداالً‪،‬تم الثناء عليهم‪ .‬أن‬ ‫تكوين ُمجا ِدلة‪ ،‬تتح ِّدى الناس وتشعيل النقاش‪،‬فذلك يف ح ِّد ذاته خصام الحجم الضخم ألعاملك يعكس مرشوعاً فكرياً رفيع املستوى عن النساء‬ ‫عليك‪ .‬ولكن األمر ال يتعلق فقط بال ِّرجال‪،‬ففي إحدى امل ّرات‪ ،‬يف معرض املُسلامت ُمسلّطاً الضوء عىل مواضيع متش ّعبة عن وا ِقع ِهنَ‪ .‬ما هي‬ ‫فردى من سلسلة معاريض عن املرأة والحجاب يف َع ّـمن‪ ،‬كان هناك بوا ِعث َِك وراء ذلك؟‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪91‬‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫كامرأة يف املقام األول‪ ،‬و ُمسلمة‪ ،‬أنا ُمستاءة من الوضع املزري للنساء‬ ‫يف العامل اإلسالمي اليوم‪ .‬اإلسالم‪ ،‬منذ ‪ 15‬قرنٍ مضت‪،‬ح ّرر املرأة من‬ ‫ظلم ضارب يف التاريخ‪ ،‬ومنح ُهـ َن حقوقاً حصلت عليها النساء يف الغرب‬ ‫قبل حوايل قرنٍ فقط‪ .‬يف رأيي يُعزى ذلك للعديد من العوامل‪ ،‬أحدها‬ ‫عدم قدرة الفكر امل ُسلم عىل التقدم مع م ِّر الزمن‪ .‬انقطع تفسري القرآن‬ ‫«االجتهاد» عن املامرسة منذ القرن العارش‪ ،‬عازالً اإلسالم عن أي عملية‬ ‫فك ٍر ُمرتبطة باملنطق‪ ،‬وبالتايل ووفقاً لهذا املسار‪ ،‬أدى ذلك إىل تدهو ٍر ىف‬ ‫وضع كلٍ من ال ِّرجال والنساء تحت قوانني جامدة ُمطـبّـقة‪.‬ومع انبعاث‬ ‫التعصب‪ ،‬وبسبب تفيش الجهل واألم ّية يف العامل‬ ‫اإلسالم املتط ّرف وانتشار ّ‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬أضحت النساء أهدافاً سهلة‪ .‬وإذا قُدر يل أنا الفنانة أن أجهر‬ ‫بالقول وأنتقد وأصل إىل عقول وأفئدة املسلمني‪ ،‬رمبا أستطيع أن أُساهم‬ ‫بطرقٍ بسيطة يف نرش بعض ال َوعي الذي رمبا يؤدى إىل التغيري‪.‬‬ ‫ترجمة لذلك النداء إىل التغيري‪ ،‬فإن لوحتك «السجينة» تستكشف‬ ‫هوية املرأة واآلراء النمطية حولها‪ ،‬نرى فيها امرأة شابة كمن وقعت‬ ‫يف مصيدة بفعل نساء ُمح ّجبات ُمم ّوهات يف الخلفية‪ُ ،‬ي َحملِق َن فينا من‬ ‫عىل سطح اللوحة مع طائ ٍر تحمله الشابة كام لو كان عزاءها الوحيد‪.‬‬ ‫ميكن أن يكون الطائر رمزاً لشخص ّيـتها‪ ،‬أنقول حر ّيـتها؟ فـنظرتها‬ ‫الحزينة‪ ،‬كمن يساءل وعينا واستسالمنا‪ .‬ماذا ِ‬ ‫كنت تهدفني إىل التعبري‬ ‫عنه من خالل هذه اللوحة؟‬ ‫يف الحقيقة أن عنوان السجينة ميكن أن ينطبق إماّ‪ ،‬عىل الفتاة يف‬ ‫ُمنتصف اللوحة‪ ،‬ذات العينني املفتوحتني يف ٍ‬ ‫تناقض مع العيون املشدوهة‬ ‫للنساء الاليئ يُحطن بها‪ ،‬وإما عىل الطائر الذي تحمله يف يديها‪ .‬إنني‬ ‫مم أُق ِّدم إجابةً‪َ :‬م ْن هو السجني حقيقةً؟ الفتاة أم‬ ‫أطرح سؤاالً أكرث ّ‬ ‫الطائر؟ يعمل الفن بالرموز وبالالوعي غالباً‪ .‬إن الطائر ظهر فقط هكذا‬ ‫أمام عيني الداخلية ليتم وضعه هناك‪ .‬قد يرمز إىل شئٍ ُمختلف يف خاطر‬ ‫أُناس ُمختلفني‪ .‬املهم هي لوحة خارجة عن دائرة التحكّم‪.‬‬

‫يبدو أنه األسلوب الوحيد لـ»احتواء» املرأة‪ ،‬والذي أجده أمرا ً مهيناً‪.‬‬ ‫النساء والفتيات يبدون ك ِعب ٍء ثقيل ومسؤولية يجب التخلّص منها‪ ،‬ويتم‬ ‫االتجار بهن تحت الفـتة كسب االحرتام‪ ،‬دون أي اعتبار ملا يرغـبْـ َنه بالفعل‪.‬‬ ‫لدى والـ َديْن ُمستنريين حرصا عىل تعليمي‪،‬‬ ‫كنت محظوظة جدا ألن ّ‬ ‫ورفضا كلياً فكرة أن املرأة يجب أن تبقى معتمدة عىل زوجها‪ .‬والديت‬ ‫كانت من األتباع املتح ّمسني لـ سيمون دى بوفوار الكاتبة النسائية‬ ‫الوجودية والفيلسوفة‪ ،‬وكانت تؤمن متاماً بأن املرأة يجب أن تنال‬ ‫التعليم الذي ميكنها من أن تصبح مستقلّة يف حالة حدوث أو عدم‬ ‫حدوث الزواج‪ .‬يجب أال يكون الزواج هو الهدف النهايئ‪ ،‬كام ال يجب أن‬ ‫ميثل البعد األوحد والنهايئ لشخصية املرأة‪ .‬فرمبا قد يكون أحد درجات‬ ‫منو اإلنسان ورمبا ال يكون‪.‬‬ ‫يف لوحة عروس الجليل كنت أُحاول التأكيد عىل براءة العروس‪ ،‬الشكل‬ ‫البرشى املركزي‪ ،‬والتي تم تجهيزها لليلة زفافها‪ .‬إنها عارية متاماً بعينني‬ ‫مفتوحتني‪ .‬واألمر الذي ال يُخامرها ٌ‬ ‫شك فيه أنها ستفقد براءتها «يف‬ ‫حقيقة األمر‪ ،‬حريتها كامرأة»‪ ،‬وسينتهي بها األمر كجز ٍء من قطيعٍ أعمى‬ ‫لنسا ٍء ُمح ّجبات مجهوالت يُ ِحط َن بها‪.‬لقد أُ ِعـ َد جسدها ليتم استهالكه‬ ‫بواسطة الزوج امل ُرتقب الذي سيتزوجها‪ ،‬نفس هذا الجسد الذي سيحتاج‬ ‫فيام بَـ ْعد إىل أن يُـغَطى بغرض وقايتها من أعني ال ِّرجال اآلخرين‪ ،‬ولكن‬ ‫ىف األساس بغرض انتزاع قوة عزميتها وقدرتها عىل إتخاذ قرارها بنفسها‪.‬‬

‫ضمن هذه السلسلة الالنهائية من الرسومات منذ عام ‪1987‬م والتي‬ ‫تُـشكل نقداً للحجاب‪ ،‬أسميتي إحدى اللوحات نوع ُمهدّ د‪ ،‬تظهر فيها‬ ‫نساء مح ّجبات بحجاب ُمص ّمم بشكلٍ فريد‪ ،‬ولكنها مشابه ٌة ألقنع ٍة‬ ‫فارغة‪،‬وفيها تبدو الشخصيات ُمـفتقدة لتاميز مالمحها‪:‬فام الذي دفعك‬ ‫إىل إنتاج هذه اللوحة؟‬ ‫كانت هذه اللوحة رد فعل مبارش ملكاملة هاتفية تلقيتها يف إحدى‬ ‫الليايل من أختي غري الشقيقة يف غ ّزة‪ ،‬كانت تزودين فيها بآخر‬ ‫أحاديث النميمة األُرسية‪ .‬ذكرت خالل حديثها‪ ،‬أن بعض‬ ‫أن الناس ال يدركون ميكانيزمات ُ‬ ‫الظـلم الذي يرغبون في التخلص‬ ‫الشباب ه َّددوا يف الشارع أحد األخوان الذي أخربها بأنه‬ ‫من األفضل لها أن ت ُغطى وجهها‪ ،‬وإالّ فإنهم سوف يرشونها‬ ‫ُ‬ ‫بالظـلم السياسي كمجموعة وليس‬ ‫منه‪ ،‬فمن الواضح أنهم معنيون‬ ‫بالحامض عىل وجهها ووجه بنتها‪ .‬كان هذا يف العام ‪1988‬م‪،‬‬ ‫التخلص من ُ‬ ‫هـيمن عليها‬ ‫الم‬ ‫َ‬ ‫ظلم النساء في نفس المجتمعات ُ‬ ‫بالضبط عند بداية فوران االنتفاضة األوىل‪ .‬لعبت النساء أثناء‬ ‫ذكوري ًا!‬

‫كف ّنانة شابة وامرأة من الرشق األوسط‪ ،‬فإنك للمواضيع ُمـضادة‬ ‫و ُمغايرة متاما للسائد واملألوف يف مجتمعات العرب‪.‬لقد ِ‬ ‫بدأت بإثارة‬ ‫شكوك حول موضوع الزواج‪ ،‬وقدَّ مت أعامالً عن البغاء كمفهوم شمل‬ ‫حتى فكرة الزيجات التقليدية التي تقوم برتتيبها األرسة‪ .‬ملاذا كان‬ ‫انتقادك لهذا النوع من الزواج؟‬ ‫أنا أنظر للزواج كنوع من االسرتقاق‪ ،‬وإذا ذهبت أبعد‪ ،‬فهو يف‬ ‫تقديري‪،‬نوع من البغاء‪ .‬ففي عائلتي الكثري من قريبايت النساء الذكيات‬ ‫ٍ‬ ‫طموحات أكادميي ٍة كبرية‪،‬‬ ‫األكرب سناً‪ ،‬والاليئ يك ّن‪ ،‬يف تقديري‪ ،‬ميتلكن‬ ‫انتهى بهن األمر زوجات قبل أن يتمك َن من تحقيق طموحاتهن‬ ‫ٍ‬ ‫أوقات ما‬ ‫الحقيقي ِة‪،‬ألن ذلك ببساطة هو األمر املحتوم وامل ُتوقّع‪.‬وىف‬ ‫الحظت أن الزواج يعتمد بشكلٍ كبري عىل الوضع املايل للزوج‪ .‬كذلك‬

‫‪92‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫سنوات االنتفاضة‪ ،‬دورا ً متم ّيزا ً بوقوفهن أمام قوات الدفاع‬ ‫ٍ‬ ‫مدافعات عن أطفالهن املطاردين من ِقبَل الجنود‬ ‫اإلرسائيلية‬ ‫ألنهم كانوا يقذفونهم بالحجارة‪ .‬فيام كان ال ِّرجال وقتها‬ ‫يختبئون خوفاً من فقدان وظائفهم يف املصانع اإلرسائيلية‪،‬حيث يُوظَف‬ ‫الفلسطينيني كعاملة رخيصة‪ ،‬وبأج ٍر هو الوحيد الذي يستطيعون به‬ ‫إعالة أُرسهم‪ .‬وعليه فقد األطفال احرتام آبائهم‪ ،‬واألمهات أصبح َن ُهن‬ ‫املدافعات‪.‬‬

‫أنا أعتقد أنه بإزاء هذا التمكُّن غري امل ُـت َوقع‪ ،‬فإن نساءنا الفالحات‬ ‫امل ُعتـ ّدات بش ّدة‪،‬الاليئ مل يُغطني وجوههن إطالقاً‪ ،‬وإمنا ارتدين ال َّزى‬ ‫الفلسطيني التقليدي مع غطاء رأس يُوضع كيفام إتفق‪ ،‬فجأ ًة وج ّدن‬ ‫أنفسهن ُمرغامت من ِقـ َبـل رجالِـهن إلرتداء الحجاب‪ ،‬ىف محاول ٍة‬ ‫السـلطة املفقودة واالحرتام لألزواج‪ .‬هذا النوع من السيطرة‬ ‫إلستعادة ُ‬ ‫عىل النساء‪ ،‬بدأ يف الظهور مانحاً انبعاثا تدريجياً لإلسالم السلفي يف‬


‫اإلقليم‪ .‬فبمج َّرد متكنك من تغطيتَ ُه َن‪ ،‬فإنهن لن يتمك َن من تشكيل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تهديد لقبيلة ال ِّرجال واألزواج‪.‬‬ ‫تحد‪ ،‬أو‬ ‫إن الصورة التي َو َمضت يف ذهني كانت آلالف القطعان من النساء‬ ‫بال هوية‪ ،‬ومن ث َّم جاءت سلسلة األعامل التي أعقبت ذلك واضع ًة يف‬ ‫اإلعتبار إعادة تحجيب النساء‪.‬‬

‫ليلى الشوا‬ ‫تخرجت بامتياز في الفنون الجميلة من‬ ‫ّ‬ ‫األكاديمية اإليطالية دي بل في عام ‪،1964‬‬ ‫وحصلت على دبلوم في الفنون البالستيكية‬ ‫من أكاديمية سان جياكومو في روما‪ .‬من‪،‬‬ ‫عادت إلى غ ّزة فى الحقبة من عام ‪-1965‬‬ ‫‪ 1967‬لتعليم الفنون واألعمال اليدوية لألطفال‬ ‫الفقراء‪ .‬وهي االن مستقرة في لندن‪ .‬اعمالها‬ ‫إحساس رفيع بالواقع وتستهدف‬ ‫تعكس‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫الظـلم واالضطهاد أينما كانت جذوره‪ .‬معظم اعمالها مستلهمة من‬ ‫تصاويرها ومن تفاصيل األحداث التي تكون فيها شاهدة عيان‪.‬‬ ‫تم عرض لوحاتها فى العديد من األقطار العربية مثل العراق وصالة‬ ‫المعارض الوطنية في األردن‪ ،‬وفى أمريكا الشمالية‪ ،‬واسياء‪ .‬بما في‬ ‫ذلك‪ :‬روسيا‪ ،‬الصين‪ ،‬اليابان‪ ،‬ماليزيا‪ .‬كما عرضت اعمالها في متحف‬ ‫آشمولين في أكسفورد‪ ،‬والمتحف البريطاني في لندن والمتحف‬ ‫الوطني للنساء في العاصمة االمريكية فى واشنطون‪ .‬وهي فنانة‬ ‫عالمية بكل المقايس‪.‬‬

‫إذا كان هدفك هو اإلشارة إىل أن الحجاب والدوافع التي تقف من‬ ‫وراء تحجيب النساء هي ثقافية أكرث من كونها إسالمية‪ ،‬وإمنا هي‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث اجتامعية سياسية‪،‬هل هذا ياترى‪ ،‬رمبا كان حاضاً لكل‬ ‫ناتجة عن‬ ‫استلهام فكرة لوحة عائشة؟‬ ‫رمبا كانت هنالك إشارة طفيفة فيها إىل زوجة النبي األخرية والتي‬ ‫كانت ذات جسارة وإرادة قوية‪ .‬وكام هو معروف‪ ،‬فبسبب حادثة‬ ‫وقعت لها‪ ،‬فقد ثار سؤال حامية زوجات النبي‪ ،‬وهو الذي تم تفسريه‬ ‫الحقاً بشكل خطاء وأدى إىل تحجيب النساء‪ .‬ففي القرآن معنى حجاب‬ ‫كان مجازياً؛ ومل يُـفرض مطلقاً يف معنا ُه ال َح ْريف‪ .‬إنه كان يؤكد عىل فصل‬ ‫زوجات النبي فقط‪ .‬نقل العرب الحجاب عن البيزنطيني يف القرن السابع‬ ‫بعد غزوهم لسوريا؛ حيث كانت نساء البيزنطيني من الطبقة العليا‬ ‫يُـغطـيـْـن وجو ِههِن‪ ،‬ومل يكن إطالقاً جزءا ً من التعاليم اإلسالمية التي‬ ‫أىت بها النبي‪ ،‬ولهذا السبب فهو بدعة‪ ،‬بل يالئم متاماً ال َّرجال ليحتفظوا السياسية قد تأىت بتغيري‪ ،‬وإن كنت أرتاب بش َّدة ىف ما يخص الربيع‬ ‫رضب َن ويُن َعـ َنت بالعاهرات من‬ ‫بالسيطرة!‬ ‫العرىب؛حيث كان النساء يُساء إليهن ويُ َ‬ ‫ِقـ َبل امل ُعتدين‪ .‬أخىش أن أقول أنني ُ‬ ‫أشك كثريا ً يف رؤية مثل هذا التغيري‬ ‫لم ُمستحيل تُـظهر نساء مع أكواب آيسكريم مخروطية يتحقق كنتيجة للربيع العريب‪ .‬أنا أشعر بأن املجتمعات املسلمة يف العامل‬ ‫ل ْو َحـ ُتـك ُح ٌ‬ ‫أمام وجوهه َن املُح ّجبة‪.‬ما الذي كنت تودين اإلفصاح عنه من خالل العريب قد قُذفت قرونٍ إىل الوراء تحت شعار التغيري‪ ،‬بالذات االنتشار‬ ‫املخيف لإلسالم املتط ّرف الذي نجم عن ذلك‪.‬فعندما يُـسفر مثل هذا‬ ‫هذه اللوحة؟‬ ‫يف عميل غالباً ما أحاول إخفاء رسالتي باستخدام ال ُدعابة‪ .‬ولكن «التغيري» عن وجه عدد من الفتا َوى غري املسبوقة مو ّجهة كلي ًة إىل‬ ‫هذا العمل يف األساس عن الرصاع الذي يواجه النساء املسلامت نتاج االنتقاص من النساء‪ ،‬واالنحدار يهن إىل مج ّرد موضوعات جنسية‪ ،‬فهناك‬ ‫احتكاكهن بالحداثة‪ ،‬حتى يف شكلها الظاهر‪ ،‬وفشلهن يف ذلك! ويا مث َة خطا ٍء كبري يف محتوى ومقاصد تلكم الثورة‪.‬إن ذلك يكشف كيف أن‬ ‫للسخرية‪ ،‬أنه وبعد ‪ 26‬عاماً من عميل هذا‪ ،‬الزلت أُ ُ‬ ‫صادف نساء من الناس ال يدركون ميكانيزمات الظُـلم الذي يرغبون يف التخلص منه‪ ،‬فمن‬ ‫ٍ‬ ‫الخليج ُمح ّجبات بكثافة يجلسن يف مطاعم إيطالية بلندن‪ ،‬يحاولن بجهد الواضح أنهم معنيون بالظُـلم السيايس كمجموعة وليس التخلص من‬ ‫كبري تناول أطباق اإلسباغتى! ومع ذلك فالرصاع أعمق بكثري من مج ّرد ظُلم النساء يف نفس املجتمعات امل ُهـي َمن عليها ذكورياً!‬ ‫تناول اآليسكريم أو اإلسباغتى‪.‬‬ ‫مع استخدامك الفن كوسيلة يف مخاطبة الظلم وفضح االضطهاد أينام‬ ‫مع مناذج أجنبية قابلة للتطبيق فقط بطرق محدودة‪ ،‬كيف املخرج؟ وجد‪،‬وعدم خشيتك ُمطلق اًمن الخوض يف مجادلة ناقدة لوضع النساء‬ ‫أعتقد أن النساء يجب أن يُدركْ َن مثن حصولهن عىل حقوقهن يف العامل العريب‪ ،‬واألصولية‪ ،‬والحرب والسياسة؛ هل تش ّجعني املشاركة‬ ‫ومساواتهن بال ِّرجال‪ .‬النساء ىف الغرب ناضلن من أجل هذه الحقوق السياسية للنساء يف املجتمعات العربية؟‬ ‫وكثري ٍ‬ ‫نعم بالتأكيد‪ .‬السيايس هو شخيص‪ ،‬والنساء ُهـن نصف العامل‪ .‬ليس‬ ‫ات منهن ض ّحني بالكثري من أجل تحقيقها‪ .‬لن يأت شيئاً من اإلذعان‬ ‫والعبودية‪ .‬إ ّن تعليم ال َّرجال والنساء يف مجتمعاتنا سيكون هو السبيل هناك من وسيل ٍة تستطيع إخفاء هذا النصف ل ُيصبح ُمنعدماً وليس له‬ ‫شخص ما بأنني غري مرئية‪ ،‬وأنه ال يجب‬ ‫الوحيد لتحقيق التغيري‪ .‬إن معرفتهن وفه َم ُهن الحقيقي لدينهن يحتل تأثري‪ .‬غري مقبول البتَّة‪ ،‬أن يُـقرِر ٌ‬ ‫لدى صوتاً وأال أقول ىشئ – فال سبيل لحدوث ذلك‪.‬وعندما‬ ‫موقع الصدارة يف تغيري إدراكهن وفهمهن لديانتهن‪.‬‬ ‫أن يكون ّ‬ ‫ننظر إىل زمن نساء النبي وأنه كان لهن حضورا ً مختلفاً‪ ،‬مل يُطلب منهن‬ ‫يف الحاجة إىل تحرير النساء من أجل تنويرهن ىف املجتمع املسلم‪ ،‬الذهاب بعيدا ً والبقاء خارج األحداث‪.‬ما يحدث اليوم يناقض جوهر‬ ‫هل تعتقدين أن الثورات السياسية‪ ،‬مثل الربيع العريب‪ ،‬مبقدورها أن اإلسالم؛ ولذا فهو غري مقبول‪.‬النساء يجب أن يُـشاركن‪ ،‬بل أين أذهب‬ ‫ت َ‬ ‫ابعد من ذلك وأقول‪،‬إنهن َم ْن سوف يكرس تلك القيود ويَـقـ َبـل َن مبا‬ ‫ُحدث تقدّ ماً يف متكني النساء؟‬ ‫أعتقد أن متكني النساء ميكن أن يأت فقط كنتيجة لتعليم وتوعية سيدفَـ ْعـن ُه مثناً لذلك‪.‬‬ ‫حقيقـيَـني لل ِّرجال والنساء معاً‪ .‬إن أمناط السلوك القديم ضارب ًة جذّورها‬ ‫أميرة ناجي تتحدث مع ليلى الشوا‬ ‫بعمق‪ ،‬والحاجة إىل تح ّو ٍل اجتامعي مطلوبة وهو عملية طويلة‪ .‬الثورات‬ ‫ترجمته من اإلنجليزية‪ :‬شادية عبد المنعم‬

‫الصورة‪:‬‬ ‫اينزاجنينو لطيف‬

‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪93‬‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫البعد السياسي والثقافي‬ ‫لظاهرة تفتيح بشرة النساء‬ ‫في السودان‬ ‫تعكس هالة الكارب صورة المرأة التي‬ ‫هي مرآة واقعنا اإلجتماعي‪ .‬فهي مسرح‬ ‫أزماتنا وبؤرة إستقطاباتنا السياسية‪-‬‬ ‫ا لثقا فية و صر ا عا تنا ا لو جو د ية ‪ .‬و ذ لك‬ ‫من واقع أن كل عناصر هذه األزمات تترك‬ ‫بصماتها عليها‪.‬‬ ‫تقدمت فتاة يف العرشينات من عمرها‬ ‫واثقة النفس للعمل كمقدمة برامج بإحدى‬ ‫الفضائيات السودانية‪ .‬أدت املعاينة املطلوبة‪،‬‬ ‫ومن ثم تلقت إتصاالً يف فرتة الحقة يفيد‬ ‫بنتيجة املعاينة‪ .‬وكان اإلتصال عىل النحو‬ ‫التايل‪ :‬لقد كان أداؤك يف املعاينة رائعاً‪ ،‬ولكن‬ ‫هناك مشكلة واحدة رمبا تقف عائقاً أمام‬ ‫حصولك عىل الوظيفة‪ ،‬وهي أن لونك غامق‬ ‫أكرث من الالزم! ولكن عموماً دي مشكلة‬ ‫بسيطة ميكن حلها‪ .‬فقد درجنا يف إدارة‬ ‫التلفزيون أن نقوم بتغطية تكاليف تفتيح‬ ‫لون البرشة لكل مقدمات الربامج واملذيعات‬ ‫العامالت لدينا‪.‬‬

‫إن إخضاع النساء للمامثلة يف الزي والشكل‬ ‫بات من املسائل املألوفة يف كل أنحاء السودان‬ ‫غربه ورشقه شامله ووسطه‪ .‬فاإليسكريتات‬ ‫الطويلة املفارقة لجامليات التفصيل والبلوزات‬ ‫ذات األكامم الطويلة القابضة والحجاب الذي‬ ‫يلتف حول الرأس كاشفاً عن وجه فاتح‪/‬‬ ‫شاحب يناقض لون البرشة فيه‪ ،‬لون الشفايف‬ ‫والجفون الغامقة قد صار هو املشهد املألوف‬ ‫لبنات السودان اليوم‪.‬‬

‫للخلطة‪ ،‬ولكن حسب معرفتي التي إكتسبتها‬ ‫من الحوارات مع بعض أصحاب دكاكني‬ ‫الخلطة ومن يوردوا إليهم املواد املكونة لها‬ ‫فإن خلطات التفتيح قد تحتوي عىل قدر من‬ ‫الكيامويات واألدوية مثل املراهم املعالجة‬ ‫لألكزميا‪ ،‬ومراهم عالج البكرتيا الجلدية التي‬ ‫تحتوى عىل نسب متفاوتة من الكروتيزون‬ ‫وسائل األنسولني املعالج ملرض السكر الخ من‬ ‫الكيامويات التي ال ميكن أن تخطر عىل البال!‬ ‫يف قسم األمراض الجلدية مبستشفى‬ ‫الخرطوم‪ ،‬هناك قسم معروف ملعالجة اآلثار‬ ‫الجانبية الناتجة عن إستخدام خلطة تفتيح‬ ‫البرشة‪ .‬وقد تم إفتتاح هذا القسم يف عام‬ ‫‪ 2000‬وميكنه أن يستوعب حوايل ‪ 15‬حالة يف‬ ‫وقت واحد‪ُ .‬جل هذه اإلصابات هي حروق‬ ‫والتهابات يف الوجه نتاج هذه الخلطة محلية‬ ‫الصنع‪.‬‬

‫العنرص األكرث حرية يف مسألة تفتيح البرشة‬ ‫هي ما يعرف بالخلطة‪ .‬وهذه الخلطة موجودة‬ ‫يف كل املحالت عرب مدن السودان املختلفة‪.‬‬ ‫تاريخياً كانت هذه املحالت التي تبيع الخلطة‬ ‫تعرف بدكاكني العطارة وهي متخصصة يف‬ ‫تجارة العطور والبهارات‪ .‬ولكنها يف خالل‬ ‫الخمسة وعرشين سنة املاضية تحولت إىل‬ ‫دكاكني خلطة مختصة متاماً يف تفتيح لون برشة‬ ‫النساء‪ .‬ويف الغالب ميلك هذه‬ ‫املحالت رجال‪ ،‬ولسبب ما غري‬ ‫تقدمت فتاة في العشرينات من عمرها‬ ‫مدعوم بأي حقائق علمية‬ ‫واثقة النفس للعمل كمقدمة برامج بإحدى‬ ‫أو موضوعية‪ ،‬يسود إعتقاد‬ ‫راسخ بأن هؤالء الرجال هم‬ ‫الفضائيات السودانية‪ .‬أدت المعاينة‬ ‫متخصصون يف كل ما يتعلق‬ ‫المطلوبة‪ ،‬ومن ثم تلقت إتصا ًال في فترة‬ ‫بجامليات النساء‪ .‬فعىل‬ ‫الحقة يفيد بنتيجة المعاينة‪ .‬وكان اإلتصال‬ ‫العكس من تجار العطارة‬ ‫التقليدين والذين إكتسبوا‬ ‫على النحو التالي‪ :‬لقد كان أداؤك في‬ ‫معارفهم عن طريق املهنة‬ ‫المعاينة رائع ًا‪ ،‬ولكن هناك مشكلة واحدة‬ ‫املتوارثة واملعرفة املكتسبة‬

‫يف حادثة أخرى مشابهة‪ ،‬وإن كان املجال‬ ‫مختلفاً‪ ،‬تقدمت فتاة لإللتحاق بكلية‬ ‫الرشطة‪ .‬وأثناء املعاينة الروتينية والتي متت‬ ‫بواسطة لواء رشطة إمرأة‪ ،‬حيث تطلعت إىل‬ ‫وجه الفتاة ملياً ثم قالت لونك غامق جدا ً‪،‬‬ ‫ممكن تفيك الحجاب حتى أرى طبيعة شعرك‬ ‫يف األعشاب الطبيعية‬ ‫أو إذا كان يف درجة سواد برشتك!‬ ‫ربما تقف عائق ًا أمام حصولك على الوظيفة‪،‬‬ ‫الخلطة‬ ‫تجار‬ ‫فإن‬ ‫ووظائفها‪،‬‬ ‫وهي أن لونك غامق أكثر من الالزم! ولكن‬ ‫املفارقة الساخرة أن كل ذلك يحدث يف اليوم كل بضاعتهم هي من‬ ‫عموم ًا دي مشكلة بسيطة يمكن حلها‪.‬‬ ‫السودان والذي ميثل األفارقة السود غالبية الكيامويات ولذا ميكن تخيل‬ ‫سكانه‪ .‬إن مثل هذا اإلرتباك يف تعريف الرضر الذي تحدثه يف أجساد‬ ‫الذات‪ ،‬كام هو واضح يف تعريف السودانيني من يستعملونها‪ .‬و متشياً‬ ‫املرتبك لذواتهم والذي يتجىل يف التعامل مع مع الظروف اإلقتصادية القاهرة‪ ،‬فإن تجار طمس التنوع الثقافي‬ ‫النساء بإخضاعهن ملزاج األيدولوجية املهيمنة الخلطة يبيعونها إىل النساء مبقدار املعلقة‬ ‫والتي قررت أن السودانيات يجب أن تكون «قدر ظروفك»‪ ،‬كام هو اإلصطالح الشعبي‬ ‫يف الخمس وعرشين عاماً املاضية شهد‬ ‫برشتهن شاحبة أو فاتحة أو مفسوخة لهي السائد ملثل هذا النوع من التجارة‪ .‬وال يعرف السودان تحوالت إجتامعية‪ ،‬سياسية وثقافية‬ ‫مسألة محرية يصعب عقلنتها‪.‬‬ ‫حتى اآلن عىل وجه الدقة املكونات الكاملة كبرية‪ .‬فالقُطر الذي كان يوماً ما يحمل ِسامت‬

‫‪94‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫التنوع والتعدد الثقايف الغني أصبح أسري لعقلية‬ ‫رافضة لهذا التعدد‪ .‬وما إنفصال الجنوب إال‬ ‫شاهدا ً عىل فشل النخبة الحاكمة يف اإلحتفاء‬ ‫بهذا التنوع الذي يزخر به نسيج السودان‬ ‫اإلجتامعي وفشلها يف إدراك كيفية إدارته‪.‬‬ ‫فتأثري ونفوذ دول الخليج بسطوتها اإلقتصادية‬ ‫عىل السودان والسودانيني الفقراء لهو أمر‬ ‫كبري وخطري‪ ،‬خصوصاً منذ أن عرف السودانيني‬ ‫طريق الهجرة اإلقتصادية لهذه الدول‪.‬‬ ‫فالسودان قُطر متعدد األعراق والثقافات‬ ‫واألديان‪ ،‬ولكن يف إرصار األيدلوجية املهيمنة‬ ‫عىل التعامي عن هذه الحقيقة التاريخية‬ ‫بفرضها نسخة متعسفة من اإلسالم السيايس‪،‬‬ ‫املستوردة من الجزيرة العربية واملحملة‬ ‫بثقافة اهله التميزية املعزولة‪ ،‬فقد جعلت‬ ‫من الشقاق اإلجتامعي هو الديدن وإنتهى‬ ‫بالتنوع إىل لعنة‪ .‬حيث إشرتطت عىل‬

‫السودانيني من قلب أفريقيا أن يجافوا من خالل ثقافتنا الغنية ومقايضة كل ذلك‬ ‫ثقافتهم املحلية وأن ينبتوا ويتغربوا عن مبزيد من الخضوع واإلنسالخ من جلوده ْن‪.‬‬ ‫ذواتهم وصار عىل النساء الغامقات البرشة‬ ‫إن سياسة اإلستيعاب القرسي التي ميارسها‬ ‫خلقة الله أن يتحولن إىل نساء فاتحات البرشة‬ ‫حتى لو أدى األمر ألن يدفع ْن أرواحهن نظام اإلسالم السيايس واإليدولوجيات املتحالفة‬ ‫الغالية فدا ًء للبياض‪ .‬النساء مرآة مجتمعنا‪ .‬معه‪ ،‬قد بدأت متارس فعلها يف الحقيقة منذ‬ ‫فأزمة املجتمعات تتجىل بوضوح يف وضعه ْن ثالثة عقود من الزمان‪ .‬حيث مل تجد املقاومة‬ ‫اإلجتامعي املريع‪ .‬فإضافة للخضوع واإلحتقار الكافية من املجتمع ألنه قد تم تسويقها عىل‬ ‫الذي ينقص عليه ْن حياته ْن فهن مطالبات أنها «االسالم الصحيح»‪ .‬وهي سياسة يف مجملها‬ ‫باإلستجابة للتصورات الشائهة لإلسالم مجافية للواقع التاريخي للمسلمني السودانيني‪.‬‬ ‫وشيزوفرنيا الذات املتشظية‪ ،‬واملفروضة فالثقافة السودانية ثرة بطقوسها وجاملياتها إال‬ ‫بواسطة الطغمة اإلسالموية الحاكمة‪ ،‬والتي أننا كسودانيني يبدو أننا عىل وشك أن نفقد‬ ‫تجرم إنخراطهن يف الحياة العامة وتتحكم خصوصيتنا الثقافية‪ ،‬تارة من خالل التشكك يف‬ ‫يف تفاعله ْن اإلجتامعي وتعرضهن للتعذيب جدواها «أخالقيا» أو من خالل اإلكراه املتعمد‬ ‫والجلد‪ .‬األدهى من ذلك‪ ،‬كام هو ماثل اليوم‪ ،‬والعنف املرسوم من قبل السلطة السياسية‬ ‫هو تعريض صحته ْن للخطر ودفعهن ملسائلة وهذا هو الضياع بعينه والتشظي الحتمي‬ ‫مفهوم األنوثة والجامليات لديهن‪ ،‬ذلك واإلنبتات املدمر‪.‬‬ ‫املفهوم الذي توارثته نساء السودان عرب قرون‬ ‫هالة الكارب‬

‫الصورة‪ :‬أيمن حسين‪ ،‬السودان‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪95‬‬


‫ملف العدد‪ :‬جسد المرأة األرض محل النزاع‬

‫موالدي‬

‫فيلم سينمائي حول امرأة تحارب من أجل التغيير‬ ‫في مجتمعها‬

‫‪http://en.wiki� 1‬‬ ‫‪pedia.org/wiki/‬‬ ‫‪Moolaad%C3%A9‬‬ ‫‪ ٢‬صورة سيمبين من‪:‬‬ ‫‪www.filmreference.‬‬ ‫‪com‬‬ ‫‪http://www.latimes. ٣‬‬ ‫‪com/news/obituar‬‬‫‪ies/la-me-sembene‬‬‫‪14jun14,1,4130153.‬‬ ‫‪story?track=rss‬‬

‫‪96‬‬

‫موالدي‪ ،‬فيلم للكاتب واملخرج حاولوا أخذ بناتهن عنوة من حامية كويل‪.‬‬ ‫السنغايل عثامين سيمبني يتناول‬ ‫وأخربت الفتيات كويل أنهن طل ْنب حاميتها لعلمهن بأنها قد رفضت‬ ‫فنياً وبعمق قسوة تشويه وبرت‬ ‫األعضاء التناسلية لإلناث (الخفاض أن ت ُخفض إبنتها‪ .‬ما فعلته كويل أثار غضب قادة القرية‪ ،‬وقد حولت‬ ‫الفرعوين) والتداخل املربك ما بني كويل بفعلها الجرئ قضية خفاض البنات إىل قضية رأي عام تتعلق‬ ‫سطوة التقاليد القدمية واإلسالم يف بواقع النساء يف القرية حيث أنها وقفت ضد زوجها ورجال القرية يف‬ ‫املجتمعات األفريقية‪ .‬برت وازالة ُمجملهم فانقسمت القرية بني أولئك الذين يرغبون يف حامية الفتيات‬ ‫األعضاء التناسلية لإلناث يعد من من الخفاض‪ ،‬وأولئك الذين ينظرون إليه كتقليد عتيد البد منه‪.‬‬ ‫املوروثات الراسخة يف إقليم الساحل‬ ‫ويعكس الفيلم تجربة كويل وحيلتها كأمراة تعرضت للخافض‬ ‫والقرن األفريقي مبا يف ذلك جنوب‬ ‫مرص الحالية‪ .‬وقد إمتدت جذور تلك يف طفولتها وعاشت يف ظل مؤسسة زوجية متعددة تتشارك زوجها‬ ‫الظاهرة قروناً عدة قبل ظهور اإلسالم مع زوجتني أخرتني يعش ْن يف نفس فناء الدار‪ .‬ويستدعي الفيلم من‬ ‫وارتبطت بشكل أسايس بالحضارات خالل كويل اآلم النساء الاليت عانيني من الخفاض يف حياتهن الجنسية‬ ‫التي سادت يف جنوب مرص وما تالها ونتائج ذلك عىل صحتهن ومشاعرهن‪ .‬وإذا كانت كويل متثل املرأة‬ ‫من إقليم الساحل والقرن األفريقي‪ .‬األفريقية التي تصدت لسطوة التقاليد‪ ،‬فإن خطيب ابنتها إبراهيم‬ ‫إال أنه وتحت سطوة التواطؤ املستمر إبن أحد زعامء القرية‪ ،‬وهو شاب غني‪ ،‬يعيش يف فرنسا‪ ،‬وهي‬ ‫ما بني التقاليد والترشيعات الدينية إحدى مستعمري أفريقيا السابقني‪ ،‬ميثل هو وابنة كويل اماساتو‬ ‫التي تسعى إىل تقنني ظلم النساء الجيل الجديد‪ .‬عاد إبراهيم إىل أرض الوطن وشهد جنازة إثنني من‬ ‫صدر إىل وعي العديد من املجتمعات االفريقية املسلمة أن مسألة الفتيات الصغريات‪ ،‬الاليت فقدن حياتهن نتيجة للخفاض ويشعره‬ ‫األمر بالتنازع ما بني إرثه الثقايف وحقيقة الواقع املزرى الذي تعيشه‬ ‫خفاض اإلناث هي من متطلبات اإلسالم‪.‬‬ ‫النساء‪ .‬وقد الحظ إبراهيم أنه رغم فجاعة الحادثة إال أنها مل تؤثر يف‬ ‫يجادل فيلم سيمبني بقوة ضد خفاض اإلناث من خالل إمرأة قروية‪ ،‬قادة املجتمع املحيل من مؤيدي الخفاض‪ ،‬بل أن والده طلب منه أن‬ ‫كويل التي تستخدم أيام موالدي وهى أيام مقدسة حسب التقاليد يفسخ خطوبته من أماساتو إبنة كويل «النجسة» وأن يتزوج بدالً عنها‬ ‫الغرب افريقية ال يجوز فيها إقتحام بيوت اآلخرين عنوة‪ ،‬لحامية من إبنة عمه البالغة من العمر أحد عرش عاماً واملخفوضة‪ .‬وتتصاعد‬ ‫أحداث الفيلم عندما تحدث املواجهة ما بني النساء وشيوخ وقادة‬ ‫مجموعة من الفتيات من قريتها ضد خطر الخفاض‪.‬‬ ‫املجتمع املحيل وتجاهر النساء بأن الخفاض ال وجود له يف اإلسالم‬ ‫ُصور الفيلم يف قرية يف دولة بوركينا فاسو تدعى جرييسو‪ 1‬وهو وأن الربط بني الخفاض واإلسالم هو يف مجمله محاولة لتزييف وعي‬ ‫إنتاج مشرتك بني رشكات من عدة دول أفريقية ناطقة بالفرنسية مبا النساء وإخضاعهن لسطوة التقاليد‪.‬‬ ‫فيها‪ :‬السنغال‪ ،‬فرنسا‪ ،‬بوركينا فاسو‪ ،‬الكامريون‪ ،‬املغرب‪ ،‬وتونس‪ .‬وقد‬ ‫ويف واحد من أكرث املشاهد قوة‪ ،‬التي صورها فيلم عثامين سيمبني‪،‬‬ ‫ُعرِض يف عام ‪ 2005‬وحصل عىل العديد من الجوائز العاملية‪.‬‬ ‫عندما دمر قادة املجتمع جميع أجهزة الراديو التي متتلكها النساء‪،‬‬ ‫كويل‪ ،‬الشخصية الرئيسية يف الفيلم‪ ،‬التي توصف بأنها الوحيدة يف يف الفضاء ما بني املسجد ورضيح االجداد العتيق باعتبار أن الراديو‬ ‫القرية التي قاومت سطوة التقاليد حيث أنها رفضت السامح بختان مصدر للرش ألنه يزود النساء مبعلومات ال يجب أن يعرفنها‪ .‬ثم يأيت‬ ‫إبنتها اماساتو‪ .‬وعندما لجأت اليها أربع فتيات يف فرتة الحقة ألنهن املشهد األكرث حزناً والذي‪ ،‬ت ُ ْجلد فيه كويل علناً من قبل قادة املجتمع‬ ‫ال يرغنب يف أن يُخفضن وافقت عىل حاميتهن ووبخت قابالت القرية املحيل ومعهم زوجها إلجبارها عىل تسليم الفتيات الاليت تحميه ْن‬ ‫الاليت يُقمن بعملية الخفاض وتصدت لهن وألرس الفتيات عندما وإلذاللها علناً‪ .‬الفيلم يف مجمله ممتع وملئ بالجامليات واملوسيقى‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫الغرب أفريقية البديعة ورغم طوله ثالث ساعات إال أن املشاهد ال ميِل‬ ‫اللقطات الغنية والتفاصيل السينامئية الرائعة التي يذخر بها الفيلم‪.‬‬ ‫قبل وفاته يف عام ‪ 2007‬وهب عثامىن سيمبني فليم موالدي لنضاالت‬ ‫املرأة األفريقية‪.‬‬ ‫تحرير‪ :‬لورا والوسيمبي‪ ،‬هالة الكارب‬

‫ترجمته من اإلنجليزية‪ :‬هالة الكارب‬

‫عثماني سيمبين‬ ‫(‪ 2)2007-1923‬هو واحد من‬ ‫أهم الشخصيات األدبية في‬ ‫جنوب الصحراء األفريقية الكبرى‬ ‫وعلى الرغم من أنه تلقى القليل‬ ‫من التعليم الرسمي في بداية‬ ‫حياته‪ .‬إال أنه وبعصاميته ومثابرته‬ ‫صار من أوائل مخرجي ومنتجي‬ ‫ً‬ ‫الحقا درس‬ ‫السينما األفريقية‪.‬‬ ‫سيمبين السينما في موسكو‬ ‫في عام ‪ 1961‬حتى يتمكن من‬ ‫إنتاج أفالم للوصول إلى مواطنيه‬ ‫الذين كانوا إلى حد كبير أميين‪.‬‬ ‫وإعتبرته صحيفة لوس أنجلوس تايمز واحداً من أعظم الكتاب في‬ ‫‪3‬‬ ‫أفريقيا‪ ،‬ويلقب عثماني سيمبين بلقب أب السينما األفريقية‪.‬‬ ‫في كل أعماله األدبية والسينمائية‪ ،‬سيمبين يعبرعن الحاجة لإلنخراط‬ ‫في النضال من أجل التحرر الوطني للشعوب األفريقية وتحقيق العدالة‬ ‫اإلجتماعية‪ ،‬ضد كل أنواع التمييز‪ ،‬على أساس النوع أو الدين أو العرق‬ ‫أو الثقافة‪ .‬وقد كرس سيمبين أغلب أعماله من أجل تحرير المرأة‬ ‫األفريقية من تعدد الزوجات‪ ،‬وختان اإلناث‪ ،‬وجميع أشكال االضطهاد‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مشاركا‬ ‫عميقا بافريقيته التقدمية وظل‬ ‫إيمانا‬ ‫مؤمنا‬ ‫أيضا‬ ‫كان سيمبين‬ ‫راسخاٌ في النضال من أجل تعزيز اللغات الوطنية األفريقية‪ .‬شارك‬ ‫سيمبين في تأسيس مجلة «كاد» للرسوم المتحركة وقد قاده التزامه‬ ‫الوثيق باألفريقية ‪ Pan Africanism‬للمشاركة في تأسيس فيسباكو‬ ‫«مهرجان أفريقيا للسينما والتلفزيون» في دولة بوركينا فاسو‪ .‬وقد ظل‬ ‫ً‬ ‫مخلصا ومثابراً على مبادئه التقدمية حتى آخر يوم‬ ‫عثماني سيمبين‬ ‫ً‬ ‫عاما‪.‬‬ ‫في حياته حيث توفى في عام ‪ 2007‬عن عمر يناهز ال ‪84‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪97‬‬


‫آالم أنثوية‬

‫للشاعرة دهبو علي موسى‬ ‫إن جاز يل الحديث‬ ‫عن ليلة العرس التي بها حلمت‬ ‫مليئة بالحب والغرام‬ ‫ومعسول ال ُق ًبل‬ ‫وكان يف انتظاري األىس‬ ‫وكابوس األمل‬ ‫وها أنا فوق فراش عريس الوثري‬ ‫رس جريح‬ ‫أئن‪ ،‬ككا ٍ‬ ‫أعاين آالم التي‪...‬‬ ‫تحلم أن تكون أم!‬ ‫وياللسخرية!‬ ‫تقبع خلف الباب يف الفجر البكري‪...‬‬ ‫أمي‪ ،‬لتشهر اإلعالن‪:‬‬ ‫مرحى! البنت عذراء‪،‬‬ ‫تغوص يف بركة من دم!‬ ‫موجات من ٍ‬ ‫خوف و ُرعب‬ ‫ٌ‬ ‫وعندما تنتابني‬ ‫يرتج جسدي من شدة الغضب‬ ‫وعندما ُ‬ ‫وعندما يصري ال ُبغض هو األقرب األ َحب‪،‬‬ ‫تلوح يل نصيحة الغباء‪:‬‬ ‫األمر ال يزيد عن كونه «آالم النساء»‪.‬‬ ‫وقالوا يل إنها تزول مثل كافة األمور‬ ‫تحدث للنساء!‬ ‫تتواصل الرحلة من العذاب‪...‬‬ ‫يتواصل العناء‪...‬‬ ‫كام يوثٍق املؤرخ الحكَاء‬ ‫يقول‪ :‬ينضج الرابط القديس بالزواج‬ ‫أما أنا‪ ،‬فبالصرب وبالخنوع‪ ،‬يربد اإلناء‪.‬‬

‫نشر مسبقا في‪:‬‬ ‫‪www sistersomalia.‬‬ ‫‪org‬‬

‫ثم ينتفخ البطن كمنطا ٍد صغري‬ ‫يبعث يف وجهي مالمح الرسور‬ ‫طفل جديد – نبع الحياة‬ ‫حلو األمل – ً‬

‫هذه القصيدة ‪ Feminine Pains‬للشاعرة الصومالية دهبو علي موسى عن االالم التي تالزم النساء‬ ‫االتي يتعرضن للخفاض منذ ميالدهن ومرورا بمختلف محطات حياتهن‪.‬‬ ‫وتعبر القصيدة عن مشاعر الحزن لفقدان المقدرة على االستمتاع بمراحل الحياة بصورة طبعيه وانسانية‬ ‫بما في ذلك تجارب الزواج واالنجاب والتي يظل يشوبها االلم الجسماني الذى يالزم النساء المخفوضات‬ ‫طوال سنوات شبابهن حيث تتحول تلك السنوات بفعل الخفاض الي سلسلة من المعاناة الجسدية‪.‬‬


‫ياللقدَ ر‪ ،‬الطفل الجديد يجلب الخطر‬ ‫ميالد طفيل‪ ...‬يدق يف نعيش مسامري املامت!‬ ‫مآس لإلناث»‬ ‫قالت جديت «ثالث ٍ‬ ‫مأساة يوم ختانها‬ ‫مأساة ليلة عرسها‬ ‫ومأساة مولد طفلها‪،‬‬ ‫«مآس لإلناث»!‬ ‫ثالث ٍ‬ ‫وعندما يندفع املولود للحياة‬ ‫مهتكاً لحمي الجريح‬ ‫يرصخون دون رحمة‪:‬‬ ‫هيا ادفعي‪ ...‬هيا ادفعي‪،‬‬ ‫هذي فقط‪ ،‬آالم النساء!‬ ‫اآلن‪ ...‬أناشد اإلنسان فيكم‬ ‫باسم الواحد الصمد‬ ‫باسم الحب الذي من األىس خمد‬ ‫باسم الحلم الذي تالىش‪...‬‬ ‫وباسم حق امرأة مقهورة الجسد‬ ‫أناشد اإلنسان فيكم‪...‬‬ ‫أن ترتكوا النساء كامالت مثلام الله خلق‪.‬‬ ‫أناشد كل من يدعو اىل السالم‬ ‫أن يرتك الصغريات آمنات‪...‬‬ ‫ال يعرفن غري االبتسام‬ ‫وال يشوه الجامل فيهن بالقطع وباألمل‬ ‫حتى يجدن الحب يف الحياة‬ ‫وال يسمعن جديت تحيك لهن فداحة املأساة‪.‬‬ ‫ترجمته من اإلنجليزية‪:‬‬ ‫عائشة موسى السعيد‬

‫اللوحة‪ :‬صالح ابراهيم‪ ،‬السودان‬


‫كأب ملولدة صغرية وكرجل مسلم امتنى أن تنال املرأة حقوقها كافة‪،‬‬ ‫فقد كنت شاهدا ً يف بلدي الحبيب مرص عىل العديد من املتغريات‬ ‫السياسية ‪،‬وقد كنت أمل ان تقود تلك املتغريات اىل تغري الكثري من‬ ‫املفاهيم ولكن الواقع يقول إن أصحاب الفكر اإلسالمي املتشدد والذي‬ ‫يعتمد النظرة الدونية للمرأة قد كسبوا كثري من الزخم عىل مستوى‬ ‫العامل وليس فقط عىل نطاق القارة األفريقية‪ .‬لذا أود أن أنضم لقراء‬ ‫مجلتكم والتي عىل الرغم من انها تركز عىل القرن االقريقى اال أن ما‬ ‫تطرحونه خالل صفحاتها يعكس واقع حال املجتمعات اإلسالمية ىف‬ ‫كل انحاء العامل‪ .‬طارق شوقي‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مرص‬

‫العدد االول من مجلة صيحة‪:‬‬ ‫المرأة في االسالم ‪2014‬‬

‫أشعر بالفخر ان اعامىل الفنية نرشت ىف مجلتكم الجميلة‪ .‬روين أوجنيج‪،‬‬ ‫كينيا‪ ،‬نريويب‬

‫من اجمل ماقرات ىف مجلتك مرسالة أمرية عثامن التى خاطبت بها النساء من السودان و يف البلدان املسلمة‪ .‬لقد‬ ‫عرفت من رسالتها املنشورة ىف مجلتكم كيف أن املرأة السودانية تعاين من القوانيني التميزية التى تقنن لظلم‬ ‫وإذالل النساء ‪ .‬وبالشك سوف تساهم مجلتكم يف توعية النساء الشابات مبعرفة حقوقهن اإلجتامعية‪ .‬كام انني‬ ‫تعلمت عن أمينة ودود املفكرة املسلمة و التي تحث النساء املسلامت أن يتحدن وأن يصبحن أكرث تصميامً عىل‬ ‫نيل حقوقهن ومعرفة االسالم الحق وعدم االستسالم ملقوالت خاطئة حول دونية النساء‪ .‬عيل عبدي نور‪ ،‬الصومال‪،‬‬ ‫مقديشو‬ ‫شكرا ً بسبب جعل هذا ممكن وهو الحصول‬ ‫عىل مادة جيدة للقراءة باللغة اإلنجليزية‬ ‫بالنسبة للقراء يف السودان أو مختلف األنحاء‬ ‫‪.‬اشكركم كثريا عىل اتاحة الفرصة ىل لقراءة‬ ‫مثل هذة املجلة املحرتمة والتى تطرح قضايا‬ ‫حارضة ومعارصة وباللغة االنجليزية حول‬ ‫القرن االفريقى والسودان‪ .‬واخري اود ان اقدم‬ ‫اعجاىب باالعامل الفنية الجميلة التى حوتها‬ ‫املجلة‪ .‬مارجا ماروفيل‪ ،‬كينيا‪ ،‬نريويب‬

‫لقد إنتابني الحزن وجعلتني أبيك تلكم القصص املروعة عن‬ ‫النساء يف مجتامعتنا ‪ ،‬شكرا ً ألنكم جمعتم كل هذه القصص يف‬ ‫مجلتكم لقد تأثرت بالفعل ‪ ،‬وأشرتيت العديد من النسخ وأرسلتها‬ ‫ألصدقاىئ وصديقاىت من املسلمني ىف امريكا‪ .‬لقد اسهمت مجلتكم‬ ‫ىف الهامى وتشجيعى للكتابة نحو تغري احوالنا كمسلميني‪ .‬نادية‬ ‫حسني‪ ،‬الواليات املتحدة‪ ،‬نيوجرييس‬ ‫أو فقط أن أعلمكم انني قد استمتعت بقراءة العدد االول من‬ ‫مجلتكم‪ .‬ياله من انجاز‪ .‬االفكار املطروحة واملثرية للفضول والتي‬ ‫تطرح التساؤالت‪ .‬إيفا سناجيز‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬لندن‬

‫وال منلك اال أن نتحىل بالصرب يف مسألة التي‬ ‫كتبتها فهيمة فرسايفي‪.2014/ 01،‬‬ ‫لقد اطلعت عىل سرية الحياة الخاصة‬ ‫بالناشطة اإليرانية رشين عبادى الحاصلة عىل‬ ‫جائزة نوبل عرب هذا املقال حيث تتحدى‬ ‫رشين عبادى مفهوم النسوية اإلسالمية وتنفى‬ ‫موضوعية وجود النسوية اإلسالمية وتقول ان‬ ‫ما لدينا هو حقوق اإلنسان وفق املفاهيم‬ ‫الدولية والتي يجب االتفاق عليها باختالف‬ ‫خلفيتنا الثقافية‪ .‬ويظل السؤال قامئا هل من‬ ‫املمكن ان يكون هناك مفهوم مقبول عامليا عرب‬ ‫الثقافات املتعددة ومتفق علية دون النزوع اىل‬ ‫مبداء االقوى هو الذي يفرض سيطرته وقيمه‪.‬‬ ‫ورغم ان هذه الفكرة تبدو مغرية بالقبول‬ ‫االانها ايضا وبنفس املستوى قد تكون مبترسة‬ ‫فنحن كلنا مرتبطني بثقافاتنا ونتاج لصيغاتنا‬ ‫التاريخية‪ .‬و أعتقد انه البد من وجود مدارس‬ ‫نسوية مرتبطة بالخصوصيات الثقافية للشعوب‬ ‫سوا ان كانت نسوية اسالمية ‪ ،‬نسوية مسيحية‪،‬‬ ‫او نسوية افريقية او بربرية وهكذا‪ ...‬حيث ان‬ ‫مثل هذة املدارس التى تعرب عن الخصوصية‬ ‫الثقافية والتطلعات الخاصة بالشعوب تبدو‬ ‫اكرث اتساقا وامانة من االدعاء باننا متامثليني‬ ‫ولكن وفقا لرشوط االقوى‪ .‬ورمبا عندها وما‬ ‫ان اسهمنا ىف تطوير مدارسنا الفكرية الخاصة‪،‬‬ ‫ميكن ان تلتقى معا فكريا عىل اسس دميقراطية‬ ‫حقيقية ىف االتفاق واالختالف و حيث يكون‬ ‫حينها االختالف مقبول‪ .‬م‪ .‬لينكس كوايل‪،‬‬ ‫الواليات املتحدة‪ ،‬شامل كارولينا‬ ‫وأخريا ً‪ ,‬انا امتلك األن نسخة من مجلة املرأة‬ ‫واإلسالم سوف اطلع االخريني عليها‪ .‬د‪.‬عبدي‬ ‫سيد اسامعيل‪ ،‬كينيا‪ ،‬نريويب‬

‫انا مقدرة متاما للمساحة الرحبة التى اتحاتها مجلة املرأة واالسالم للنقاش وتبادل االفكار حول الدين االسالمى ووضعية النساء مثل ما طرح عن امينة ودود واسامء‬ ‫طه التى تحدثت عن افكار والدها محمود محمد طه والذى طرح افكار املساواة بني الجنسني وحارب التطرف ببسالة وقد اوضحت ىل مجلتكم اىل اي مدى تاثرت‬ ‫اوضاع النساء ىف القرن االفريقى بسبب النزاعات االهلية بينام ىف نفس الوقت اكسبت تلك التجارب القاسية النساء القدرة عىل املقاومة والسعى للتغيري‪ .‬اعجبنى ايضا‬ ‫اهتاممكم بالشعر والفنون من االقليم واملقاالت القوية التى رسدت بشجاعة العديد من التجارب الشخصية‪ .‬جوانا أويدريا‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬لندن‬

‫‪100‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬


‫كالم عقل‬ ‫ ‬

‫واني ألعجب من هذا الغلو في التستر علي المرأة و الذي لم‬

‫تأمر به الشريعة اإلسالمية التي أتاحت للمرأة المتوفى عنها‬ ‫زوجها أن تقضي حاجتها بالسوق أن لم يكن لديها من يقوم‬ ‫بذلك عنها‪ .‬هذا الغلو المخالف لعادات أهل السودان أظنه‬ ‫مكتسب من األتراك الذين حكموا السودان‬

‫بين‬

‫‪ .1821-1885‬والناس مولعون بما يوافق ملكيهم‪.‬‬ ‫الشيخ بابكر بدري عام ‪ 1930‬من كتاب حياتي الجزء الثاني‬

‫هذه مجلة جميلة ومقروؤة وبها‬ ‫العديد من املقاالت الهامة واملتنوعة‪.‬‬ ‫د‪ .‬مارك مسعود‪ ،‬الواليات املتحدة‪،‬‬ ‫كالفورنيا‪ ،‬سانت كروز‬

‫وأخريا ً‪ ,‬انا امتلك األن نسخة من مجلة‬ ‫املرأة واإلسالم سوف اطلع االخريني‬ ‫عليها‪ .‬د‪.‬عبدي سيد اسامعيل‪ ،‬كينيا‪،‬‬ ‫نريويب‬

‫لقد كنت يف أشد االنبهار واإلعجاب باملادة التحريرية‪ ،‬أمتنى لكم التوفيق يف استمرارية‬ ‫هذا العمل العظيم‪ .‬د‪.‬سوندراء هيل‪ ،‬الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬لوس انجلوس‬ ‫كوننا نعيش يف مجتمع مسلم‪ ،‬يجب علينا أن نكون مدركني أننا نعيش وفق التعاليم‬ ‫اإلسالمية مام يحتم علينا فهمها بشكل صحيح وإنساين‪ .‬ما يحدث اآلن من اإلستغالل‬ ‫السئ للدين يف كافة مناحي الحياة والفهم الرجعي للتعاليم الدينية يفتح الباب عىل‬ ‫مرصاعيه للذكورية لتستغل هذا الفهم لتشويه الحياة اإلجتامعية وإستهداف النساء‬ ‫بترشيع قوانني ومجاراة أعراف إجتامعية مجحفة للنساء‪ ..‬حسناً فعلت صيحة بكرس‬ ‫الحصار عن الفكر التجديدي الديني لصالح النساء وإرشاك عاملات نسويات جليلالت‬ ‫ومفكرات مستنريات‪ ..‬مهام عظمت الجهود لتحرير املرأة ستكون ذات أثر ضعيف‬ ‫لو مل تفهم النساء أسباب إقصائهن وقهرهن‪ .‬لذا إذا إستغلت أنظمة اإلسالم السيايس‬ ‫التفاسري الذكورية للدين لقهر النساء فعىل النساء اإلجتهاد يف تفاسري لصالحهن وهذا‬ ‫يف نظري عادل جدا ً وممكن‪.‬شكرا ً لشبكة صيحة كونها جعلت هذا ممكناً وكل التقدير‬ ‫لهيئة التحرير‪ .‬عصام عبد املنعم‪ ،‬كسال‪ ،‬السودان‬ ‫حول موضوع املساواة بني النساء‬ ‫والرجال عىل مستوى القيادة واملشاركة‬ ‫السياسية حول االمام شمس الدين‪،‬‬ ‫المغردين‬ ‫انضموا لقائمة‬ ‫‪.2014/01‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪@Sihanet‬‬ ‫إن قرأيت لهذا املوضوع أكدت يل مبا‬ ‫ال يدع مجاال للشك كيف أن قياداتنا‬ ‫او عبر البريد اإللكتروني‪:‬‬ ‫السياسية يف بلداننا مجموعات قبلية‬ ‫‪journal@sihanet.org‬‬ ‫التعرب عن فكر سوا التمسك بالسلطة‬ ‫مع التفسري الخاطي لإلسالم وعدم‬ ‫إتاحة الفرص أمام النساء للمشاركة السياسية وهذا هو التحدي الكبري الذي يواجه املرأة‬ ‫الصومالية اليوم‪.‬ان هذا املوضوع اوضح امكانية املشاركة السياسية للنساء من منظور‬ ‫اسالمى االمر الذى نغفله ىف مجتمعاتنا‪ .‬ان مجلتكم تعترب اسهام هام ىف منطقة القرن‬ ‫األفريقي والتى تخلو من مثل هذة االسهامات الجادة حول وضعية النساء املسلامت ىف‬ ‫املنطقة‪.‬وهى تعطى الكثري من الثقة واالمل لكل سكان االقليم من مسلميني ومسحيني‬ ‫نساء ورجال‪ .‬عبد الله محمد عمر‪ ،‬الصومال‪ ،‬مقديشو‬ ‫شاركوا بآرائكم عبر مواقع‬ ‫التواصل االجتماعي‬

‫إصدارات صيحة‬ ‫دليل الناشطات في‬ ‫العمل النسوي القاعدي‬

‫سلسلة اوراق صادرة باللغة‬ ‫االنجليزية حول تفعيل ودعم‬ ‫االنخراط في العمل الطوعي‬ ‫في قضايا تحرر النساء‬

‫اإلصدارة عبارة عن مجموعة‬ ‫أوراق مفاهمية تناقش االختالفات‬ ‫ما بين الحركات النسوية الطوعية‬ ‫والعمل من خالل المنظمات غير‬ ‫الحكومية في قضايا مساواة وتحرر النساء‪ .‬تنظر‬ ‫األوراق إلى تجارب الحراك النسوي في أربعة بلدان‬ ‫من إقليم القرن األفريقي وهي‪ :‬السودان‪ ،‬اثيوبيا‪،‬‬ ‫جنوب السودان وارض الصومال‪ .‬األوراق تقدم للقارئ‬ ‫تحليل عميق إلشكاالت الحراك النسوي في البلدان‬ ‫المذكورة وتحديات تواصله مع المجتمعات المحلية‪.‬‬

‫ما بين الحداثة واإلرث‬

‫ورقة بحثية حول تطبيقات‬ ‫القانون في اثيوبيا وأثرة في‬ ‫الحد من إشكاالت العنف ضد‬ ‫النساء في مجتمعات االرومو‬ ‫شعب االرومو هو شعب ذو تقاليد‬ ‫وأعراف قديمة ومتعددة كما انه‬ ‫يحوي اعلي نسبة مسلمين‬ ‫في اثيوبيا‪ .‬ومن المعروف أن‬ ‫اإلطار القانوني في أثيوبيا مكون‬ ‫من عدة اطر قانونية موازية‪ ،‬وهى القانون المدني‬ ‫القومي والمحاكم المبنية على األعراف واإلرث‬ ‫ومحاكم الشريعة اإلسالمية‪ .‬والورقة تنظر بالتحديد‬ ‫إلى تحديات تطبيقات األطر القانونية المختلفة‬ ‫والموازية علي النساء‪ ،‬والي أي مدي يؤثر تطبيق‬ ‫مثل هذا االطار القانوني الموازي والمتناقض في‬ ‫وضعية النساء والعنف الممارس ضدهن‪ .‬الورقة صادرة‬ ‫باللغة االنجليزية‪.‬‬

‫الخبز لصانعات الخبز‬

‫مرشد ودليل مخصص للنساء‬ ‫العامالت في القطاع غير‬ ‫الرسمي‬ ‫يتوجه هذا المرشد بصفة‬ ‫أساسية إلى النساء كأفراد‬ ‫وإلى المجموعات القاعدية‪ ،‬كما‬ ‫يستهدف التنظيمات الحكومية‬ ‫وغير الحكومية التي تسعى‬ ‫لتطبيق استراتيجيات تدعم المجموعات القاعدية‪.‬‬ ‫كما انه يمكن أن يكون ذو قيمة معتبره للمنظمات‬ ‫الكبيرة التي تملك قدرات أكبر على فحص ودراسة‬ ‫السياسات الحكومية وعلى تقييم الميزانيات‬ ‫الرسمية المخصصة لدعم النساء العامالت في‬ ‫القطاع غير الرسمي‪ .‬ويقدم الدليل إرشادات عملية‬ ‫في ادارة االعمال الصغيرة والمناصرة وأهمية تكوين‬ ‫التعاونيات واالتحادات‪ .‬المرشد موجود باللغتين‬ ‫االنجليزية والعربية‪.‬‬

‫للمزيد من المعلومات حول إصدارات صيحة‬ ‫زوروا صفحتنا في االنترنت‪:‬‬

‫‪www.sihanet.org‬‬ ‫المرأة في اإلسالم العدد ‪201٥ ٢‬‬

‫‪101‬‬


‫صيحة‬

‫شبكة إقليمية‬ ‫تعمل في منطقة القرن‬ ‫األفريقي منذ أوائل‬ ‫تسعينات القرن العشرين‪،‬‬ ‫وتضم في عضويتها‬ ‫أكثر من ‪ 80‬من منظمات‬ ‫المجتمع المدني النسائية‬ ‫في دول المنطقة‪ ،‬بما‬ ‫في ذلك جيبوتي وإريتريا‬ ‫وإثيوبيا والصومال وأرض‬ ‫الصومال وجنوب السودان‬ ‫والسودان ويوغندا‪ .‬رؤيتنا‬ ‫هي حق جميع النساء‬ ‫والفتيات في القرن‬ ‫األفريقي في العيش في‬ ‫بيئة سلمية وعادلة وفي‬ ‫ممارسة حقوقهن كبشر‬ ‫على قدم المساواة‪.‬‬

‫صيحة‬

‫في سبيل‬ ‫تعمل‬ ‫تحقيق هذه الرؤية من‬ ‫خالل شبكة راسخة داخل‬ ‫المجتمع فى ترابط وثيق‬ ‫بين المعرفة االكاديمية‬ ‫والمناصرة‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫العدد ‪ 201٥ ٢‬المرأة في اإلسالم‬

‫تقوم شبكة صيحة‬

‫بتنفيذ برامج بناء قدرات‬ ‫المجتمع المدني على‬ ‫مستوى القاعدة الشعبية‪،‬‬ ‫وبتوفير الدعم المباشر‬ ‫للنساء في ظروف الفقر‬ ‫النزاعات ومراحل ما بعد‬ ‫النزاع وبتعزيز حقوق النساء‬ ‫من خالل نشاطات حمالت‬ ‫المناصرة والتأييد‪.‬‬ ‫فى ترابط وثيق بين‬ ‫المعرفة االكاديمية‬ ‫والمناصرة‪ ،‬تشكل‬ ‫من‬ ‫منشورات‬ ‫كتيبات إرشاد وتدريب‬ ‫ونشرات وبحوث ومجالت‪،‬‬ ‫مصادر للمعرفة واألفكار‬ ‫العملية واألدوات التي‬ ‫يستخدمها المهنيون‬ ‫والناشطون والمدافعون‬ ‫عن حقوق اإلنسان‬ ‫والجهات المانحة وصناع‬ ‫القرار في وضع البرامج‬ ‫والمشاريع‪.‬‬

‫صيحة‬

‫نحن نؤمن في شبكة‬ ‫بأن قوة‬ ‫الناشطين‪ ،‬في مجال‬ ‫حقوق المرأة والمدافعين‬ ‫عنها في منطقة القرن‬ ‫األفريقي‪ ،‬تقف صامدة‬ ‫في وجه القمع واالنغالق‬ ‫السياسي والتقاليد‬ ‫التي تفرض قيودها على‬ ‫النساء‪ .‬ونحن ندعوكم‬ ‫للتضامن معنا‪.‬‬

‫صيحة‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.