bayt_alshier_9

Page 1

‫يوليواير ‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫شباط‪ - -‬فرب‬ ‫(‪ )2‬متوز‬ ‫العدد (‪)9‬‬

‫امرؤ القيس‪..‬الطريد الهالك‬ ‫أحمد العسم‪..‬حال في الشعر‬ ‫النظم الشفوي للشعر النبطي‬

‫‪FEB 2013‬‬

‫)‪I S S U E N O (9‬‬

‫شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي‬

‫نادي تراث اإلمارات‬

‫مهرجان الشارقة‬ ‫للشعر العربي‬ ‫القصيدة العمودية المغربية‬ ‫قرن من التجديد‬

‫ابن الفارض‬

‫الجمال المطلق‬

‫أنسي الحاج‬

‫قراءة فلكية‬

‫حسن طلب‬ ‫لن يبقى شيء‬ ‫من شعر الثورة‬

‫خلود المعال‬

‫تفاصيل بلون الثلج‬

‫القصيدة واألغنية‬ ‫تحوالت على هوى اللحن‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪1‬‬


‫الفنان جوان زونج‬ ‫‪2‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الشعر والمهرجانات‬ ‫كثرية هي املهرجانات التي تحتفي بالشعر لتنقله من سكون الحرف إىل صدى‬ ‫اإليقاع‪ ،‬ومن بني دفتي الكتاب إىل املنرب ليعيش حياة أخرى بني املتلقني والذواقة‪،‬‬ ‫الذين يتعاطون مع القصيدة بحساسية مختلفة عنها يف حال قراء الشعر‪،‬وعىل‬ ‫العموم فإن جامهري املهرجانات تتشكل من الذين يبحثون يف الشعر عن عنارص‬ ‫االحتفال‪،‬ولهذا جرت العادة أن يتزامن الكثري من مهرجانات الشعر العاملية مع‬ ‫مناسبات وطنية و دينية أو عىل صلة بالخصب‪ ،‬مثل حصاد القمح و قطاف‬ ‫العنب‪ ،‬وحتى الرياضة لها نصيب مثلام حصل خالل «أوملبياد» لندن األخري‪،‬حيث‬ ‫بادرت الحكومة الربيطانية إىل تنظيم «أوملبياد» شعري عاملي قبل انطالق‬ ‫الفعاليات الرياضية بأسبوع‪،‬شارك فيه قرابة مائة شاعر ميثلون غالبية الدول‬ ‫املتنافسة يف املسابقات الرياضية‪.‬ومنذ القدم كانت املهرجانات واحة لتالقي‬ ‫الشعراء والجمهور وساحة ملبارزة الشعر‪ ،‬فكم من مهرجان رفع شاعرا ً أصيال‬ ‫وأسقط آخر مزيفا‪ ،‬وكام لدى العرب فإنه كذلك لدى الشعوب األخرى‪ ،‬تعد‬ ‫مهرجانات الشعر مناسبات تبدأ من الشعر لتذهب نحو فضاءات أخرى للمعرفة‬ ‫والفن وللتالقي اإلنساين‪ ،‬وحتى العمل السيايس‪.‬‬ ‫ومنذ سوق عكاظ يف فرتة ما قبل اإلسالم فإن املهرجانات شكلت مساحة مفتوحة‬ ‫عىل املنافسة بني الشعراء قبل كل يشء‪ ،‬وأولت العرب املناظرات الشعرية أهمية‬ ‫خاصة ‪،‬وكانت لها أحكامها النقدية القاسية التي ال تعرف املجاملة حني يتعلق‬ ‫األمر بالشعر ‪،‬ولذلك فإن السوق شكل مبثابة محطة تحكيم‪ ،‬األمر الذي يفرس أن‬ ‫القسط األكرب من الشعر العريب الذي وصلنا هو الذي حظي بالتكريم والحفظ يف‬ ‫ذلك املهرجان السنوي‪،‬وخصوصا املعلقات‪.‬‬ ‫غني عن القول أن هناك من الشعراء من أغراه التمرين املنربي فذهب إىل حد‬ ‫الكتابة الشعرية التي تراعي خصوصيات لحظة اللقاء املبارش مع الجمهور‪،‬وكثريا‬ ‫ما جرى األخذ بتفاعل املتلقني مع الشاعر كمقياس للشعبية والرواج‪ ،‬وهذا أمر‬ ‫ينسحب عىل الشعر قدميه وحديثه‪،‬بل إن البعض صار يرى بأن تراجع املنربية‬ ‫سبب من بني أسباب تدين إقبال الجامهري عىل الشعر يف العقود الثالثة األخرية‪.‬‬ ‫ما نلحظه اليوم هو أن هذا النمط من املهرجانات يف طور االنقراض من حياتنا‬ ‫كليا‪ ،‬وما بقي منها يفتقد تدريجيا للربيق واالحرتافية‪ ،‬ومل يعد ميثل واقع وآفاق‬ ‫الحركة الشعرية‪ ،‬عدا عن أنه ال يقرتب من طرح همومها ومشاكلها‪ ،‬وهذا‬ ‫أمر ينطبق عىل املهرجانات العربية أكرث مام هو عليه الحال يف بقية بلدان‬ ‫العامل‪،‬سواء يف الغرب أو آسيا وأفريقيا‪ ،‬حيث تحاول املهرجانات اليوم تجسري‬ ‫الهوة بني الجمهور والشعر‪،‬من خالل الحفاظ عىل الجانب االحتفايل يف الشعر‪.‬‬ ‫وهناك العديد من املهرجانات العاملية السنوية يف اوروبا وآسيا وامريكا الالتينية‬ ‫وافريقيا تنتظم يف صورة دورية‪ ،‬لتشكل ملتقيات مفتوحة لشعر العامل‪ ،‬يف حني‬ ‫أننا كعرب‪ ،‬ونحن أمة شعر وبيان‪ ،‬مل نبادر حتى اآلن إىل إقامة مهرجان للشعر‬ ‫مبقاييس دولية‪ ،‬ننافس به املهرجانات العاملية‬

‫تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي‬ ‫نادي تراث اإلمارات‬

‫املرشف العام‬ ‫رئيس التحرير‬ ‫د‪.‬راشد أحمد المزروعي‬

‫مدير التحرير‬ ‫بشير البكر‬

‫سكرتري التحرير‬ ‫عبد اهلل أبو بكر‬

‫املدير الفني‬ ‫فواز ناظم‬

‫االخراج والتنفيذ‬ ‫سعاد حسنة‬

‫بشري البكر‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪3‬‬


‫مهرجان الشارقة للشعر العربي‬ ‫‪26 - 23‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪ 23‬حدث الشهر‪..‬مهرجان الشارقة للشعر العريب‬ ‫‪ 27‬نصوص‪ :‬مهدي منصور‪ ،‬راشد عيىس ‪ ،‬جامل الصليعي‬ ‫آمنة المعال‪ ..‬قصيدة الواقع والتفاصيل‬

‫من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس‬ ‫يوليواير ‪2012‬‬ ‫‪2013‬‬ ‫شباط‪ - -‬فرب‬ ‫(‪ )2‬متوز‬ ‫العدد (‪)9‬‬

‫‪ ،‬سعيد بن محمد املكتومي‬

‫‪36‬‬ ‫‪ 33‬تحقيق‪ :‬القصيدة العمودية يف املغرب‬ ‫‪ 59‬موقف الشاعر‪..‬عبدالله أبوبكر‬ ‫‪ 60‬شعر وتشكيل‪..‬أثر الفراشة‬ ‫‪ 64‬رحلة القصيدة إلى األغنية‬ ‫‪ 70‬حوار‪..‬حسن طلب‬

‫‪FEB 2013‬‬

‫نظري ًا ‪ ..‬صبحي حديدي‬

‫نادي تراث اإلمارات‬

‫ابن الفارض‬ ‫أنسي الحاج‬

‫قراءة فلكية‬ ‫العدد (‪- )9‬شباط‪/‬فبراير‬

‫حسن طلب‬ ‫لن يبقى شيء‬ ‫من شعر الثورة‬

‫‪2013‬‬

‫خلود المعال‬

‫تفاصيل بلون الثلج‬

‫‪www.poetryhouse-ad.ae‬‬

‫تفاصيل بلون الثلج‬ ‫املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة‬ ‫‪4‬‬

‫مهرجان الشارقة‬ ‫للشعر العربي‬ ‫القصيدة العمودية المغربية‬ ‫قرن من التجديد‬

‫الجمال المطلق‬

‫خلود المعال‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫)‪I S S U E N O (9‬‬

‫شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي‬

‫‪86‬‬

‫بيت الشعر‬

‫امرؤ القيس‪..‬الطريد الهالك‬ ‫أحمد العسم‪..‬حال في الشعر‬ ‫النظم الشفوي للشعر النبطي‬

‫القصيدة واألغنية‬ ‫تحوالت على هوى اللحن‬

‫الغالف‪:‬‬

‫ الفنان المغربي محمد البندوري‬‫‪ -‬لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان‬

‫عناوين املجلة‬ ‫االدارة والتحرير‪:‬‬ ‫االمارات العربية املتحدة‪-‬ابوظبي‬ ‫هاتف‪+97124916333 :‬‬ ‫امييل‪bashir@cmc.ae :‬‬

‫أبوظبي لإلعالم‪-‬توزيع‬ ‫الرقم املجاين ‪8002220 :‬‬ ‫لالتصال من الخارج‬ ‫‪+97124145000‬‬ ‫فاكس ‪+971 24145050 :‬‬

‫‏‪distribution@admedia.ae‬‬ ‫مسؤول التوزيع‪ :‬زياد النجار‬

‫حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة‬


‫المحتويات‬

‫‪136‬‬

‫‪126‬‬

‫‪76‬‬ ‫‪ 81‬تجارب إماراتية‪..‬أحمد املطرويش‬ ‫‪ 91‬الشعر والرواية‪..‬شاعرية الرسد‬ ‫‪ 96‬في الشعر‪ ..،‬دومينيك كومب‪ ،‬عالء الجابري ‪،‬‬

‫أحمد العسم ‪..‬ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر‬

‫محمد عيل شمس الدين‬

‫‪104‬‬ ‫‪ 107‬مختارات‪:‬‬

‫تنظير‪..‬يوسف عبد العزيز‬

‫‪114‬‬

‫ غابريلال ميسرتال‬‫‪ -‬شعر النساء األفغانيات‬

‫المشهد الثقافي الفلسطيني‬

‫‪76‬‬

‫‪81‬‬

‫‪116‬‬ ‫‪ 120‬مهرجان لوديف‪..‬عبد الرحيم الخصار‬ ‫‪125‬ديوان العرب‪..‬ابن الفارض‪،‬قريط بن أنيف‬ ‫شعر وفلك‪..‬أنيس الحاج‬

‫العنربي‪،‬امرؤ القيس‪،‬أحمد شوقي‪ ،‬ابن املعتز الحرصي القرياوين‪.‬‬ ‫‪ 148‬ديوان النبط‪ ..‬حمد الغداين السويدي‪،‬‬ ‫راشد بن مانع بن مرشد الحمريي‬

‫‪152‬‬ ‫‪ 157‬أدب البدو‬ ‫‪ 162‬كاميرا ‪..‬نور حميص‬

‫سعر النسخة‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪ 10 :‬دراهم ‪ -‬اململكة العربية السعودية ‪10‬‬ ‫رياالت ‪ -‬الكويت دينار واحد ‪ -‬سلطنة عامن ‪ 800‬بيسة ‪ -‬قطر ‪ 10‬رياالت‬ ‫ مملكة البحرين دينار واحد ‪ -‬اليمن ‪ 200‬ريال ‪ -‬مرص ‪ 5‬جنيهات ‪-‬‬‫السودان ‪ 250‬جنيهاً ‪ -‬لبنان ‪ 5000‬لرية ‪ -‬سورية ‪ 100‬لرية ‪ -‬اململكة‬ ‫األردنية الهاشمية ديناران ‪ -‬العراق ‪ 2500‬دينار ‪ -‬فلسطني ديناران ‪-‬‬ ‫اململكة املغربية ‪ 20‬دره ًام ‪ -‬ليبيا ‪ 4‬دنانري ‪ -‬الجمهورية التونسية ديناران‬ ‫ بريطانيا ‪ 3‬جنيهات ‪ -‬سويرسا ‪ 7‬فرنكات ‪ -‬دول االتحاد األورويب ‪ 4‬يورو‬‫ الواليات املتحدة األمريكية وكندا ‪ 5‬دوالرات‪.‬‬‫االشتراكات‬ ‫لألفراد داخل دولة اإلمارات‪ 100 :‬درهم‪ /‬لألفراد من خارج الدولة‪150 :‬‬ ‫دره ًام ‪ -‬للمؤسسات داخل الدولة‪ 150 :‬دره ًام‪ /‬للمؤسسات خارج الدولة‬

‫الشعر النبطي ‪..‬النظم الشفوي‬

‫حسن طلب‬

‫جيل السبعينات‬ ‫الشعري أصبح‬ ‫ذكرى‬

‫‪70‬‬

‫‪200‬درهم‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪5‬‬


‫ُكتاب العدد‬

‫‪13‬‬

‫‪16‬‬

‫‪19‬‬

‫‪22‬‬

‫تخطيطات ُ‬ ‫الكتاب‪ :‬نارص بخيت‬

‫‪6‬‬

‫‪8‬‬

‫‪10‬‬

‫‪12‬‬

‫‪ .1‬سعيد جاب الخري‪:‬‬

‫• كاتب وباحث جزائري ‪،‬صدر له‬ ‫«التصوف واالبداع»‬

‫‪.2‬عبد الغني املقرمي‪:‬‬

‫النسكافيه»‪.‬‬

‫‪ .9‬عامر األخرض‪:‬‬ ‫• ناقد عراقي‪.‬‬

‫‪ .10‬مفيد نجم‪:‬‬

‫• شاعر وناقد ميني‪،‬صدر له «عىل‬ ‫أطالل فكرة»‪.‬‬

‫• ناقد من سوريا يقيم يف‬ ‫ابوظبي‪،‬اصدر العديد من الكتب‬ ‫يف حقل النقد من بينها‪:‬‬ ‫األفق والصدى‪-‬دراسات يف الشعر‬ ‫السوري املعارص‪،‬الربيع االسود‪،‬‬

‫• شاعر وناقد مغريب ‪،‬من بني ما صدر‬ ‫له « ما يشبه ناياً عىل آثارها»‪.‬‬

‫أرض ابدية‪،‬وطائر بأكرث من جناح‪.‬‬

‫‪ .3‬عبد الحي ميفراين‪:‬‬ ‫ناقد مغريب‬

‫‪.4‬عبداللطيف الوراري‪:‬‬ ‫‪ .5‬محمد العامري‪:‬‬

‫• فنان تشكييل وناقد اردين‬

‫‪ .6‬رنا زيد‪:‬‬

‫‪ .11‬اّ‬ ‫عمر أحمد الشقريي‪:‬‬

‫• كاتب وقاص من االردن‪ :‬صدر له‬ ‫«القصاصون عىل سجيتهم»‪.‬‬

‫‪ .12‬يوسف عبد العزيز‪:‬‬

‫• شاعرة وصحافية فلسطينية‪،‬صدر‬ ‫لها «مالك مرتدد»‪.‬‬

‫• شاعر من فلسطني من دواوينه‪:‬‬ ‫حيفا تطري إىل الشقيف‪ ،‬نشيد الحجر‪،‬‬ ‫وطن يف املخيم‪ ،‬دفاتر الغيم‪ ،‬وذئب‬

‫شاعر وناقد مرصي‪،‬صدر له قصائد‬ ‫إىل أمان»‬

‫األربعني‪.‬‬

‫‪.7‬حمزة قناوي ‪:‬‬

‫‪ .8‬سامح كعوش‪:‬‬

‫• شاعر وناقد من فلسطني‪ ،‬يقيم‬ ‫يف االمارات‪ .‬أصدر ست مجموعات‬ ‫شعرية من بينها «صباحات‬

‫‪6‬‬

‫بيت الشعر‬

‫‪.13‬سمر دياب‪:‬‬

‫• شاعرة لبنانية‪،‬صدر لها «هناك‬ ‫عراك يف الخارج»‪.‬‬

‫‪ .14‬محمد حلمي الريشة‪:‬‬ ‫• شاعر ومرتجم فلسطيني‪،‬من‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫بني صدر له « أرى خريفك‬ ‫يف يدي»‬

‫‪ .15‬مراد السوداين‪:‬‬

‫• كاتب وشاعر‪ ،‬أمني عام االتحاد‬ ‫العام للكتاب واألدباء الفلسطينيني‬ ‫‪ ،‬رئيس بيت الشعر الفلسطيني من‬ ‫إصداراته «الرساج عالياً»‪.‬‬

‫‪.16‬ياسني الزبيدي‪:‬‬

‫• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف‬

‫أبوظبي‪.‬‬

‫‪.17‬عبد الرحيم الخصار‪:‬‬

‫• شاعر وكاتب من املغرب‪ ،‬صدرت‬ ‫له عدة دواوين من بينها ‪ :‬أخرياً‬ ‫وصل الشتاء‪ ،‬أنظر وأكتفي بالنظر‪،‬‬ ‫ونريان صديقة‪.‬‬

‫‪.18‬خالد بلقاسم‪:‬‬

‫• ناقد من املغرب‪ ،‬من بني ما صدر‬ ‫له يف حقل النقد‪ :‬أدونيس والخطاب‬ ‫الصويف‪ ،‬الكتابة والتصوف عند ابن‬ ‫عريب‪ ،‬والكتابة وإعادة الكتابة يف‬ ‫الشعر املغريب املعارص‪.‬‬

‫‪.19‬صالح بورسيف‪:‬‬

‫• شاعر وناقد من املغرب‪ ،‬من أعامله‬ ‫شجر النوم‪ ،‬نتوءات زرقاء‪ ،‬و الجزء‬

‫األول خبز العائلة‪.‬‬

‫‪.20‬يوسف ميك‪:‬‬ ‫•كاتب بحريني مقيم يف املنامة‬

‫‪.21‬ابراهيم أحمد ملحم‪:‬‬

‫• كاتب وناقد اردين‪،‬استاذ يف جامعة‬ ‫العني (االمارات)‪،‬صدر له العديد‬ ‫من الكتب النقدية من بينها‪ :‬بطولة‬ ‫الشاعر العريب القديم‪،‬العاذلة‬ ‫اطارا‪،‬وجامليات األنا يف الخطاب‪.‬‬

‫‪.22‬سعد العبدالله الصويان‪:‬‬ ‫• كاتب وباحث سعودي متخصص‬ ‫يف الرتاث يقيم يف الرياض‪،‬من بني‬ ‫اصداراته ذائقة الشعب وسلطة‬ ‫النص‪ ،‬فهرست الشعر النبطي وحداء‬ ‫الخيل‪.‬‬ ‫وفي الشعر‬

‫‪ .23‬مهدي منصور‬ ‫‪ .24‬راشد عيىس‬ ‫‪ .25‬جامل الصليعي‬ ‫‪ .26‬سعيد بن محمد املكتومي‬ ‫‪ .27‬مصطفى الشليح‬ ‫‪ .28‬عبد الجبار العلمي‬ ‫‪ .29‬الطاهر لكنيزي‬ ‫‪ .30‬أمينة املريني‬


‫شعر وشعراء‬

‫بدءا‬ ‫تبدأ سنة ‪ 2013‬بحدث ثقايف هام عىل املستوى‬ ‫املحيل هو الدورة الحادية عرشة ملهرجان الشارقة‬ ‫للشعر العريب‪ ،‬الذي ثابر عىل تنظيمه «بيت الشعر»‬ ‫يف الشارقة التابع لدائرة الثقافة واالعالم‪ .‬وكام يف كل‬ ‫سنة فإن هذا املهرجان يشكل مناسبة فعلية لالحتفاء‬ ‫بالشعر العريب‪ ،‬الذي توليه اإلمارات اهتامما خاصا‪،‬‬ ‫بوصفه ديوان العرب الحافظ ألخبارهم وتراثهم‬ ‫واملؤرخ لتطلعاتهم وأحالمهم وآمالهم‪.‬‬ ‫عىل مدى أسبوع ال حديث يعلو فوق حديث‬ ‫القصيدة‪ ،‬وبينام شهدت أروقة املهرجان أمسيات‬ ‫شعرية وندوات نقدية ولقاءات وحوارات‪ ،‬فإن وسائل‬ ‫االعالم كرست جل وقتها ملواكبة هذه التظاهرة‬ ‫الفريدة‪ ،‬بوصفها عيدا للشعر وللشعراء‪ .‬ونحن هنا يف‬ ‫«بيت الشعر» نفرد مساحة وافية لهذا الحدث الذي‬ ‫يذهب بالقصيدة إىل الناس‪.‬‬ ‫ومن االيجابيات اإلضافية‪ ،‬التي تسجل لهذا املهرجان‬ ‫انه امللتقى الوحيد عىل مستوى الوطن العريب‪ ،‬الذي‬ ‫يتيح لقاء سنويا لكوكبة كبرية من شعراء العربية‪ ،‬ومن‬ ‫كافة املدارس واالتجاهات واألجيال‪.‬‬ ‫باالضافة إىل هذا املهرجان الذي ميد الحركة الثقافية يف‬ ‫بداية العام بجرعات من الحيوية‪ ،‬فإن الحراك الثقايف‬ ‫متواصل عىل صعيد النرش ويف هذا العدد نقف امام‬ ‫جملة من االصدارات املحلية والعربية‪ ،‬والسيام ديوان‬ ‫الشاعرة اإلماراتية آمنة بنت عيل بن حمد املعال‪ .‬ومن‬ ‫بني االصدارات الهامة ايضا كتاب الناقد واملرتجم العراقي‬ ‫الدكتور عبد الواحد لؤلؤة حول تأثري الشعر العريب يف‬ ‫تطور الشعر األورويب‪ ،‬وهو كناية عن بحث جاد يف‬ ‫املصادر األوروبية‪ ،‬يقود اىل جملة من الحقائق يجهلها‬ ‫العرب وينكرها الغرب‬ ‫التحرير‬

‫جائزة الشيخ زايد‬

‫حضور قوي للشعر‬ ‫بدا الفتا حضور الشعر بقوة للمنافسة عىل جائزة الشيخ زايد للكتاب التي‬ ‫تعلن سنويا خالل معرض ابوظبي للكتاب يف آذار‪/‬مارس‪.‬وتضم القامئة‬ ‫ديوان «ينام عىل الشجر األخرض الطري» للشاعر محمد عيل شمس الدين‬ ‫(لبنان)‪ ،‬ديوان «التطريز بالكرز» للشاعر هاشم شفيق (العراق ‪ -‬بريطانيا)‪،‬‬ ‫ديوان «الرحيل إىل منبع النهر» للشاعر فاروق شوشة (مرص)‪ ،‬ديوان «عىل‬ ‫خيط نور‪ ..‬هنا بني ليلني» للشاعر إبراهيم نرص الله (أردين‪ /‬فلسطيني)‪،‬‬ ‫ديوان «ديوان الوهايبي» للشاعر منصف الوهايبي (تونس)‪ ،‬ديوان «غيم‬ ‫عىل العالوك» للشاعر الراحل حبيب الزيودي (األردن)‪ ،‬وديوان «كم نحن‬ ‫وحيدتان‪ ..‬يا سوزان» للشاعرة سعدية مفرح (الكويت)‪ .‬وتتنافس هذه‬ ‫االعامل الشعرية مع مجموعة أعامل روائية ضمن فرع الجائزة لآلداب‪ ،‬التي‬ ‫تبلغ قيمتها عن كل فرع ‪ 750‬ألف درهم إمارايت‪ ،‬باستثناء شخصية العام‬ ‫التي ترتفع ملليون درهم‪.‬‬

‫مهرجان الشارقة للشعر الشعبي في الرابع من فبراير‬ ‫الرابع من فرباير الحايل هو موعد الدورة التاسعة من مهرجان الشارقة للشعر الشعبي‪ ،‬الذي سيكون بحلة جديدة تستضيف شعراء من أنحاء الوطن‬ ‫العريب كافة‪ ،‬فيام تتنوع الفعاليات بني إحياء أمسيات شعرية طوال أيام املهرجان الستة‪ ،‬وتقديم دراسات نقدية يف الشعر الشعبي‪ ،‬وسيكرم املهرجان‬ ‫ثالثة من رواد الشعر الشعبي اإلمارايت هم‪ :‬عيىس بن قطامي‪ ،‬وحميد بن ذيبان‪ ،‬وآمنة املعال (السلوان) ‪،‬وسيكون ضيف املهرجان هذا العام الشاعر‬ ‫واإلعالمي األردين سامي الباسيل‪.‬‬ ‫ما مييز الدورة الجديدة من املهرجان‪ ،‬استضافتها لعدد مميز من شعراء العامل العريب ‪،‬وستكون هناك مشاركات لشعراء من الخليج واملغرب العريب‪،‬‬ ‫والصومال ومرص وسوريا‪.‬كام أن افتتاح املهرجان سيتم بطريقة مختلفة جديدة‪ ،‬ليست كسائر الدورات السابقة‪.‬‬ ‫يشار إىل أن مهرجان الشارقة للشعر الشعبي مر بثالث مراحل‪ ،‬حيث انطلقت دورته األوىل مع بدايات تأسيس الدائرة الثقافية يف اإلمارة عام ‪1983‬‬ ‫فيام كانت دورته الثانية عام ‪ 1984‬وبدأت املرحلة الثانية مع افتتاح بيت الشعر يف الشارقة عام ‪.1997‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪7‬‬


‫شعر وشعراء‬ ‫بدر شاكر السياب‬

‫أمسية شعرية خليجية‬ ‫تحتفي بكأس الخليج‬

‫احتفى مهرجان أهل القصيد‬ ‫الشعري الثامن بدورة كأس‬ ‫الخليج يف دورتها التي اقيمت يف‬ ‫البحرين يف الشهر املايض‪ ،‬واحيا‬ ‫مجموعة من الشعراء امسيتني‬ ‫تحت عنوان «ليلة خليجي ‪.»21‬‬ ‫وشارك يف االمسية الشاعر الكويتي‬ ‫ذيب الشمري‪ ،‬الشاعر الكويتي‬ ‫مشعل دهيم‪ ،‬الشاعر السعودي‬ ‫مانع بن شلحاط‪ ،‬الشاعر‬ ‫البحريني عبدالله الخالدي‪،‬‬ ‫وكانت االمسية عىل جولتني‪.‬‬ ‫الجولة األوىل شارك فيها الشاعر‬ ‫ذيب الشمري ومشعل دهيم‬ ‫اللذان تناوبا عىل القراءة‪ ،‬وقدم‬ ‫الشمري مجموعة من النصوص‬ ‫العمودية التي حازت عىل تجاوب‬ ‫الجامهري‪ ،‬وباملقابل قرأ دهيم‬ ‫مجموعة نصوص من التفعيلة‬ ‫وبعض قصائده العمودية‪.‬‬ ‫الجولة الثانية شارك فيها‬ ‫الشاعران مانع بن شلحاط‬ ‫وعبدالله الخالدي‪ ،‬وقد وتنوعت‬ ‫قصائدهم‪،‬كام اضفيا جوا‬ ‫من املرح‪ ،‬وخصوصا دعابات‬ ‫بن شلحاط مع الجمهور بطريقة‬ ‫إلقائه للقصيده وحكاياته‬ ‫املمتعة‪.‬‬

‫الشعر الفصيح والعامي‬ ‫في ندوة مصرية‬

‫اتحاد الكتاب العرب‬ ‫‪ 2014‬عام السياب‬ ‫تبنى االتحاد العام لألدباء والكتاب العرب مبادرة اتحاد‬ ‫كتاب وأدباء اإلمارات العتبار عام ‪ 2014‬عام السيَّاب‪،‬‬ ‫وذلك مبناسبة مرور نصف قرن عىل رحيل الشاعر بدر‬ ‫شاكر السياب‪ ،‬عىل أن تقام فعاليات ثقافية وأدبية‬ ‫بهذه املناسبة يف كل االتحادات األعضاء‪.‬‬ ‫وبالتعاون مع األمانة العامة‪ .‬التي اقرتحت تعميم هذا‬ ‫التقليد بحيث يصبح كل عام مخصصاً لعلم من أعالم‬ ‫األدب العريب‪.‬‬ ‫وكان اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات قد تقدم بهذه‬ ‫املبادرة‪ ،‬ودعا الروابط واالتحادات واألرس األعضاء‬ ‫يف االتحاد العام إىل االلتزام برتتيبات معينة تتناسب‬ ‫مع مكانة هذا الشاعر وأهمية تجربته‪ ،‬كأن تعمل‬ ‫عىل إعادة إصدار أعامله والدراسات التي كتبت حوله‪،‬‬ ‫وأن تسعى إىل إدخال تجربته ضمن مناهج التعليم‬ ‫املعتمدة يف بلدانها‪ ،‬وأن تنظم فعاليات كربى ترصد‬ ‫هذه التجربة‪ ،‬كام اقرتح وضع صورة الشاعر عىل‬ ‫منشورات املؤسسات الثقافية املعنية عىل مدار العام‪،‬‬ ‫إضافة إىل إصدار طوابع بريدية وبطاقات تذكارية‪.‬‬ ‫وذكر ان اتحاد كتاب االمارات حصل عىل حق استضافة‬ ‫املؤمتر العام السادس والعرشين لالتحاد العام لألدباء‬ ‫والكتاب العرب عام ‪ ،2015‬وذلك بإجامع االتحادات‬ ‫والروابط واألرس املشاركة يف املؤمتر العام الخامس‬ ‫والعرشين الذي أنهى أعامله مؤخرا ً يف البحرين‪.‬‬ ‫كام حصل عىل رئاسة مكتب امللكية الفكرية‪ ،‬ومكتب‬ ‫تنمية املوارد وهو مكتب مستحدث يف االتحاد‬

‫عدد كبري من شعراء الفصحى‬ ‫و العامية وشعر النرث والزجل‬ ‫املرصيني‪ ،‬شاركوا الشهر املايض‬ ‫يف ندوة‮‬أدارها الشاعر إسامعيل‬ ‫بخيت‪،‬‮‬دارت خاللها مناقشات‬ ‫جانبية حول الفرق بني شعر‬ ‫العامية والفصحى‪،‬‮‬وهموم رابطة‬ ‫الزجالني وكتاب األغاين إال أن‬ ‫الشاعر إسامعيل بخيت‮ ‬طأمنهم‬ ‫أن الزجل ابن الشعر وأحد الفنون‬ ‫املولدة منه‮ ‬أيضا املوشح واملوال‪،‬‮‬ ‫‬لذا عىل الزجال أن‮‬يتباهى بأن‬ ‫عميد الزجالني هو بريم التونيس‪.‬‬ ‫وقال سيد الوكيل إنه إذا كان‬ ‫الشعر هو املوزون املقفى لكانت‬ ‫ألفية ابن مالك شعرا‪،‬‮‬وأن هناك‬ ‫كالما عن شعرية السينام‬ ‫و شعرية النص‪،‬‮‬و‮«‬ال أستطيع أن‬ ‫أنفي عن نص نرثي شعريت ‮ه»‬‪،‬‮‬ ‫‬وأشار الدكتور مصطفى الضبع إىل‬ ‫أننا يف الثقافة العربية نعبد املايض‬ ‫ونطبقه عىل النصوص الجديدة‪،‬‮‬ ‫‬فالفن‮‬يختلف عن العلم الذي فيه‬ ‫الجديد‮‬يلغي القديم‪،‬‮‬وليس لدينا‬ ‫من‮‬يدرس الشعر ويرصد التطور‬ ‫الحاصل فيه‪.‬‬

‫إسامعيل بخيت‬ ‫‪8‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫أنطونيو غامونيدا‬

‫جائزة الصباح‬ ‫في يوبيلها الفضي‬

‫تحتفل جائزة الشاعرة الكويتية‬ ‫سعاد الصباح بيوبيلها الفيض‪ ،‬وقد‬ ‫انتهت لجنة التحكيم يف دار سعاد‬ ‫الصباح للنرش من اعاملها وذلك‬ ‫بحسم نتائج مسابقة الدكتورة‬ ‫سعاد الصباح لالبداع االديب للعام‬ ‫‪ 2012 – 2011‬يف مسابقات الشعر‬ ‫وأفضل عرش قصائد عربية معارصة‪.‬‬ ‫وشهدت لجان التحكيم لهذا‬ ‫العام قفزة نوعية بانضامم اسامء‬ ‫ادبية وأكادميية روعي فيها التنوع‬ ‫اإلبداعي والنقدي حيث ضمت‬ ‫كل من الدكتور عبدالله الغذامي‪،‬‬ ‫األديب اسامعيل فهد اسامعيل‪،‬‬ ‫الدكتورة نجمة ادريس‪ ،‬الدكتور‬ ‫مرسل العجمي‪ ،‬والشاعرة روضة‬ ‫الحاج من السودان‪ ،‬عىل أن تعلن‬ ‫النتائج خالل الفرتة القليلة املقبلة‪.‬‬ ‫وعربت الصباح عن سعادتها ملا‬ ‫شهدتة الجائزة من رواج وتطور‬ ‫عىل مستوى التحكيم واملشاركات‪،‬‬ ‫مؤكدة ان املرحلة املقبلة سوف‬ ‫تشهد تطورا عىل مستوى املسابقات‬ ‫وسبل توصيلها اىل مستحقيها يف‬ ‫الدول العربية‪ ،‬مؤكدة أن الهدف‬ ‫األساس من ذلك هو تحفيز العقل‬ ‫العريب وتشجيع املبدعني الشباب ‪.‬‬

‫صالح ستيتيه‬ ‫في معرض فرنسي‬

‫معرض الكتاب في المغرب‬ ‫يكرم الشاعر غامونيدا‬ ‫يكرم معرض الكتاب باملغرب الشاعر االسباىن أنطونيو‬ ‫غامونيدا الحائز عىل جائزة األركانة العاملية للشعر‪ ،‬ىف‬ ‫دورتها السابعة‪ ،‬والتى مينحها بيت الشعر ىف املغرب‪،‬‬ ‫كل عام‪ ،‬برشاكة مع مؤسسة الرعاية لصندوق اإليداع‬ ‫والتدبري‪ ،‬وبالتعاون مع وزارة الثقافة املغربية‪.‬‬ ‫وسيتم منح الجائزة للفائز ىف اليوم الثاىن من فعاليات‬ ‫املعرض الدوىل للكتاب املقرر إقامته ‪ 29‬مارس إىل ‪6‬‬ ‫أبريل ‪ 2013‬مبدينة الدار البيضاء‪ ،‬فضال عن أن القيمة‬ ‫املادية للجائزة سرتتفع إىل اثني عرش ألف دوالر‪ ،‬بدل‬ ‫عرشة آالف‪ .‬والجدير بالذكر أن الشاعر اإلسباىن أنطونيو‬ ‫غامونيدا ولد ىف مدينة أوبييدو بإقليم أستورياس سنة‬ ‫‪ ،1931‬وهو يعترب حاليا من الوجوه األدبية املؤثرة ىف‬ ‫املشهد الشعرى األوروىب والناطقني باإلسبانية‪ ،‬وخالل‬ ‫مساره الشعرى الطويل نال غامونيدا عدة جوائز أدبية‬ ‫أهمها‪ :‬جائزة قشتالة ليون لآلداب ‪ .1985‬الجائزة‬ ‫الوطنية للشعر ‪ .1988‬الجائزة األوروبية لآلداب ‪.1993‬‬ ‫جائزة الثقافة ملنطقة مدريد ىف اآلداب ‪ .2004‬جائزة‬ ‫امللكة صوفيا للشعر اإليبريو أمرييك ‪ .2006‬جائزة‬ ‫سريفانتس لآلداب ‪.2006‬‬ ‫وكان سبق أن حاز جائزة األركانة عدد من قامات‬ ‫الشعر العرىب وعىل رأسهم الشاعر محمود درويش‪،‬‬ ‫والعراقي سعدي يوسف واألمريكية مارلني هاكر‬ ‫والشاعر الصينى باي داو‪ ،‬كام آلت الجائزة إىل مغربيني‬ ‫هام محمد الرسغيني والشاعر الرواىئ الطاهر‬ ‫بن جلون‬

‫الشاعر اللبناين بالفرنسية صالح‬ ‫ستيتية يف معرض افتُتح حديثاً يف‬ ‫متحف «بول فالريي» يف مدينة‬ ‫سيت الفرنسية‪ .‬وهو عبارة عن‬ ‫نظرة شاملة عىل الروابط التي‬ ‫نسجها ستيتيه طوال حياته مع‬ ‫رسام غريب ورشقي مهم‪،‬‬ ‫نحو مئة ّ‬ ‫منهم بيار أليشينسيك وجورج‬ ‫ماتيو والديسالس كينو وزا وو‬ ‫يك وأنتوين تابييس‪ ...‬وأيضاً‬ ‫عبد الغني الغني العاين وصليبا‬ ‫الدويهي وفيليب عمروش وحسن‬ ‫مسعودي ومحمد سعيد الصكّار‬ ‫وفريد بلكاهية‪ .‬ولهذه الغاية‪ ،‬تم‬ ‫جمع الكتب الـ‪ 150‬التي أنجزها‬ ‫الرسامني إىل‬ ‫الشاعر مع هؤالء ّ‬ ‫لكل منهم تع ِّرف‬ ‫جانب أعام ٍل ٍّ‬ ‫خ َري تعريف بأسلوبه وطبيعة‬ ‫عمله‪.‬‬ ‫يحرتم املعرض الرتتيب الزمني‬ ‫لهذا التعاون‪ ،‬أي منذ انفتاح‬ ‫ستيتيه عىل فن الرسم يف لبنان‬ ‫خالل شبابه‪ ،‬مرورا ً بالصداقات‬ ‫الفنية التي ّأسس لها يف باريس‪،‬‬ ‫ثم يف بريوت مج ّددا ً‪ ،‬وصوالً إىل‬ ‫إنجازاته األخرية التي صدرت هذا‬ ‫العام‪.‬‬

‫سعاد الصباح‬

‫صالح ستيتيه‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪9‬‬


‫شعر وشعراء‬ ‫محمود درويش‬

‫قاسم حداد‬ ‫جهة الشعر جادة‬

‫أوضح الشاعر قاسم حداد‬ ‫مؤسس موقع «جهة الشعر» أن‬ ‫املوقع ينرش التجارب الجادة‪،‬‬ ‫وليس مقترصا عىل املتحققني أو‬ ‫عىل اتجاه محدد‪ ،‬وقال ‪:‬‬ ‫«من يعرف املوقع جيدا ً سيجد‬ ‫األفق أكرث رحابة واتساعاً بكل‬ ‫ما يتميز باملوهبة والجدية‪ ،‬نحن‬ ‫نحاول أن نحافظ عىل درجة‬ ‫الجامل والجدية ىف التجارب‪،‬‬ ‫دون أن نزعم أننا ال نخطئ»‪،‬‬ ‫وأكد ان «جهة الشعر» منذ‬ ‫لحظتها األوىل مع مستقبل‬ ‫الكتابة وشبابها وحريتها دون‬ ‫االعتبار باألسامء‪ ،‬بل أننا أحياناً‬ ‫مل ننرش نصوصاً ألسامء متحققة‬ ‫ومعروفة بسبب قلقنا من‬ ‫املستوى الشعري فيها‪ ،‬ولحسن‬ ‫الحظ أن أصدقاء «جهة الشعر»‬ ‫يثقون ىف موقفنا وال ييأسون‬ ‫من مواصلة الكتابة لنا بحب‬ ‫كبري مينحنا ثقة ىف موهبة‬ ‫الشاعر يوما بعد يوم ونصاً بعد‬ ‫اآلخر‪.‬‬ ‫ويذكر ان «جهة الشعر» اول‬ ‫موقع عريب عىل االنرتنت‬ ‫متخصص بالشعر‪.‬‬

‫شاعر كوبي‬ ‫في تنصيب أوباما‬

‫مشروع دوريش الشعري‬ ‫في مواجهة االتهام‬ ‫بدال من االحتفاء بتجربة الشاعر الراحل محمود‬ ‫درويش وتقفي أثرها وصداها يف بقاع الكون‪ ،‬تصاعدت‬ ‫أصوات تشكك يف هذه التجربة‪ ،‬وترمي باتهاماتها هنا‬ ‫وهناك‪ .‬مستغلة رحيل درويش الذي مل يعفه موته من‬ ‫هذه التهم واألقوال القارصة عن أن تصيب الحقيقة‬ ‫او تطال الصواب‪ .‬وكأن ما يحدث هو هجوم منظم‬ ‫وممنهج يستهدف شخص درويش ومرشوعه الشعري‬ ‫الذي أسس لثقافة مقاومة تصدح بحق شعب يف‬ ‫العيش عىل أرضه بكرامة وعزة‪.‬‬ ‫الغريب أن العديد من أصدقاء درويش والنقاد الذين‬ ‫تناولوا تجربته الذوا بالصمت ومل يسمع سوى صوت‬ ‫القليل منهم‪ .‬الشاعر الفلسطيني يوسف عبد العزيز يف‬ ‫تعليقه حول هذه القضية يف إحدى حواراته الصحفية‬ ‫قال ‪»:‬ال يوجد مربر للهجوم وما تم االستناد إليه هش‬ ‫وال يستدعي كل هذا الرصاخ والغبار»‪ .‬وأضاف ‪ :‬كان‬ ‫من املفرتض عىل املثقفني الفلسطينيني والعرب القيام‬ ‫بأعامل كثرية تجاه هذا الشاعر الكبري الذي يعد كنزا‬ ‫وذخرية لألمة العربية عىل غرار لوركا إلسبانيا وشكسبري‬ ‫لالنجليز»‪ .‬بدوره أكد الشاعر زهري أبوشايب أن ال‬ ‫حاجة ملرافعة أمام اتهامات صغرية ال تنطوي عىل‬ ‫قيمة ثقافية‪ ،‬فالصغار لن يطالوا الكبار وأمثالهم يجب‬ ‫ان يشتغلوا عىل أنفسهم»‪ .‬أما الشاعر طاهر رياض‬ ‫فرأى أن بحضور درويش مل يجرؤ أحدهم عىل قول‬ ‫يشء مام يزعمون‪ ،‬ومن الواضح انهم يحاولون إظهار‬ ‫وجودهم عربه‬

‫قاسم حداد‬ ‫‪10‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫اختار البيت األبيض الشاعر ريتشارد‬ ‫بالنكو (من أصول التينية) لكتابة‬ ‫قصيدة يلقيها خالل االحتفال بتنصيب‬ ‫الرئيس أوباما رئيسا للواليات املتحدة‬ ‫األمريكية للمرة الثانية‪ ،‬يف ‪ 21‬يناير‬ ‫املايض‪.‬‬ ‫الشاعر ريتشارد بالنكو (‪ 44‬عاما)‬ ‫هو ابن مهاجر من كوبا‪ ،‬وهو أصغر‬ ‫الشعراء سنا من الذين أوكلت إليهم‬ ‫هذه املهمة‪ ،‬ووصف نفسه قائال‪« :‬أنا‬ ‫من صناعة كوبية‪ ،‬وتجميع إسبانيا‪،‬‬ ‫واسترياد الواليات املتحدة»‪ ،‬وأكد‬ ‫الشاعر أنه يكن احرتاما بالغا للرئيس‬ ‫أوباما‪ ،‬وقال‪« :‬منذ البداية‪ ،‬وجدت‬ ‫نفيس متامهيا مع تاريخه الشخيص‪،‬‬ ‫ومع جذوره الثقافية املتعددة‬ ‫األصول»‪.‬وللشاعر ريتشارد ‪ 4‬دواوين‬ ‫يتحدث فيها عن جذوره وأرسته وعن‬ ‫ناجني من جزيرة صغرية مل يتعرف‬ ‫إليها أبدا‪ ،‬وعن بلد أصبح وطنه‪،‬‬ ‫وقد كتب قائال‪« :‬أنا أفكر بوالدي‪،‬‬ ‫وبأجدادي‪ ،‬وبكل الجهود التي بذلوها‪،‬‬ ‫بالنسبة إيل‪ ،‬إنه لرشف عظيم أن‬ ‫أكون أمريكيا ــ كوبيا من أبناء الجيل‬ ‫األول ‪...‬أكتب عن أمريكا التي تشكل‬ ‫موضوعا يراودين دامئا بسبب عظمتها‬ ‫الثقافية»‪.‬‬

‫ريتشارد بالنكو‬


‫عبدالوهاب البيايت‬

‫شعراء اليمن‬ ‫يعلنون وفاة المؤسسة‬

‫يف أول حادثه من نوعها عىل‬ ‫مستوى اليمن والعامل العريب‪،‬‬ ‫أعلن العرشات من الشعراء‬ ‫واألدباء واملثقفني والفنانيني‬ ‫اليمنيني وفاة املؤسسات الثقافية‬ ‫يف البالد‪ ،‬وتوجه الشهر املايض‬ ‫وفد من هؤالء إىل مقربة خُزمية‬ ‫بصنعاء ( اكرب مقابر اليمن)‪،‬‬ ‫بهدف اقامة فعالية ثقافية‬ ‫شعرية وأدبية‪ ،‬يعلنون من‬ ‫خاللها موت املؤسسات الثقافية‬ ‫الرسمية يف البالد‪ .‬وأوضح الشاعر‬ ‫زين العابدين الضبيبي‪ ،‬أن‬ ‫الخطوة جاءت تعبريا ً من الشعراء‬ ‫واملثقفني والكتاب‪ ،‬كإدانة للواقع‬ ‫الثقايف امليت الذي تعيشه البالد‬ ‫منذ فرتة‪ ،‬ومناسبة إلعالن وفاة‬ ‫املؤسسات الثقافية الرسمية يف‬ ‫اليمن‪ .‬مشريا ً إىل أن هذه الفعالية‬ ‫نظمت من دون أي رعاية من‬ ‫أي جه ومن دون جمهور‪ ،‬حيث‬ ‫حيث تم اإلكتفاء بجمهور املوىت‬ ‫فقط الذين تكتظ بهم املقربة‪.‬‬ ‫كام علق فنان الكاريكاتور محمد‬ ‫غبيس‪ ،‬والتشكييل خالد الجنيد‬ ‫لوحاتهم عىل جدران املقربة‪.‬‬

‫حامد البراق‬ ‫مهنة شاعر‬

‫البياتي في مهب النسيان‬ ‫ملاذا وقع عبد الوهاب البيايت يف النسيان؟‬ ‫سؤال طرحه الشاعر هاشم شفيق‪ ،‬وكتب‪« :‬أسس‬ ‫البيايت جائزة باسمه أطلقها أثناء حياته‪ ،‬ونالها بضعة‬ ‫من الشعراء الشبان الذين كانوا يتحلقون حول مائدته‬ ‫يف عامن ودمشق وبغداد‪ ،‬وطبع للفائزين مجموعات‬ ‫شعرية‪ ،‬وهي التفاتة ال يقوم بها اال شاعر من عيار‬ ‫البيايت‪.‬‬ ‫لكن الالفت يف األمر بعد كل هذا الضجيج والحياة‬ ‫الصاخبة‪ ،‬أنه حني رحل كأن كل يشء رحل معه‪،‬‬ ‫مجلسه يف املقاهي‪ ،‬مسامراته‪ ،‬شعره‪ ،‬مريدوه‪،‬‬ ‫ندماؤه الكرث ونقاده الدامئون‪ ...‬أين هؤالء اآلن؟ كل‬ ‫يشء هدأ وخلد اىل الصمت‪ ،‬وكأن البيايت كان كائناً‬ ‫عابرا ً‪ ،‬ومل يكن ذاك الشاع َر طَل َْق اللسان‪ ،‬الشاعر‬ ‫الذي أوكل لنفسه مهمة بروميثيوس سارق النار‪،‬‬ ‫الذي تلقّى الشعلة من وادي عبقر أو جبال األوملب‪،‬‬ ‫وبالذات من يد أبولو ليك يجرتح األساطري الجديدة»‪.‬‬ ‫وعىل العموم مل يكن أحد يتوقع أن يسود صمت‬ ‫غريب بعد رحيل البيايت‪ ،‬الشاعر الذي مأل حياته‬ ‫صخباً وإعالماً سخّرهام لشعره وشخصه‪ ،‬وكان يطوف‬ ‫البلدان العربية واألوروبية‪ ،‬مقيامً ومتنقالً‪ ،‬بصفته‬ ‫أحد اعمدة القصيدة الحديثة ورائدا ً من روادها‪،‬‬ ‫ومؤسساً من أقطاب التجديد والتحول من النمط‬ ‫الكالسييك للقصيدة اىل الثورة التغيريية التي حدثت‬ ‫يف صميم الحركة الشعرية العربية‬

‫أثار الشاعر الشعبي السعودي‬ ‫حامد الرباق نقاشا يف مواقع‬ ‫التواصل االجتامعي‪ ،‬بسبب‬ ‫دعوته اىل تسجيل الشعر يف باب‬ ‫املهن‪ ،‬وطالب مبساواة الشاعر‬ ‫بالصحايف من منطلق انهام مهنيان‪،‬‬ ‫وقال «أنا ممتهن الصحافة وهم‬ ‫ممتهنون للشعر‪ ،‬وباملناسبة‪ ،‬ال‬ ‫زلت أقول البد أن يكون بني املهن‬ ‫املسجلة يف األحوال املدنية «مهنة‬ ‫شاعر مجاورة» ويرى ان الشعر‬ ‫لدى البعض اصبح موضه ‪«:‬حتى‬ ‫انني وقفت عىل شعراء يعرفون‬ ‫رقم الصفحة التي سينرشون بها‬ ‫ومن سيقابلهم بها من الشعراء‪،‬‬ ‫ثم يتصور صورة تزيف كل مالمحه‬ ‫بعدها ينظم القصيدة‪ ،‬وهذا‬ ‫بالطبع ال يعني خلو الساحة من‬ ‫شعراء حقيقني» ‪.‬‬ ‫واعترب ان شعر املحاورة (القلطة)‬ ‫الشعبي خرج من رحم القصيدة‪،‬‬ ‫وخصوصاً القصيدة الرمزية‪،‬‬ ‫وذلك ‪،‬كون املحاورة ذات طابع‬ ‫يعتمد عىل الدالالت والرموز وتتم‬ ‫بال قيود‪.‬‬

‫زين العابدين الضبيبي‬

‫حامد الرباق‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪11‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫الفراشة ال تحترق‬ ‫الديوان ‪ :‬الفراشة‬ ‫الشاعرة ‪ :‬بروين حبيب (البحرين)‬ ‫النارش ‪ :‬ديب الثقافية‬ ‫عدد الصفحات ‪ 135 :‬من القطع املتوسط‬

‫يبدو‬

‫صوت األنثى شفافا ومرتفعا يف مجموعة‬ ‫الشاعرة البحرينية بروين حبيب‪،‬‬ ‫الصادرة مع مجلة ديب الثقافية‪ ،‬بدءا من عنوان املجموعة‬ ‫«الفراشة» حتى آخر ما خطته حبيب يف هذه املجموعة‪.‬‬ ‫فهي إذ تكتب تسعى لتأنيث األشياء من حولها بصور‬ ‫شعرية شفافة تظل تدور حول الضوء دون أن تحرتق‪.‬‬

‫«ها أنا عىل ضباب املقصب يف الهواء ‪ /‬أعدو يف فحولة‬

‫الزمة اإليقاع والدهشة‬

‫الديوان ‪ :‬حتى لو‬ ‫الشاعر ‪ :‬راشد عيىس (األردن)‬ ‫النارش ‪ :‬فضاءات للنرش والتوزيع‬ ‫عدد الصفحات ‪ 158 :‬من القطع املتوسط‬

‫يستعيد الشاعر راشد عيىس إيقاع الشعر‪ ،‬ويبنى عىل بحوره‬ ‫كالم الدمعة‪ ،‬متوجا عبارته الشعرية باملوسيقى واللحن‪،‬‬ ‫ويظل ف ّيا لقصيدة الوزن كام يف مجمل أعامله الشعرية‬ ‫وآخرها ديوان «حتى لو» الصادر مؤخرا عن دار فضاءات‬ ‫للنرش والتوزيع‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الضوء عىل األرض ‪ /‬أرى البحر ينضج واملاء يتشقق ‪/‬‬ ‫أفيض إىل البحر يشذب املدى ‪ /‬إىل النار تاركة أصول‬ ‫الليل ‪ /‬ويف النور أجتاز صخب الروح ‪ /‬هو النهار أخريا ‪/‬‬ ‫ليتني أندلع يف فوىض النهار»‬

‫بخفة فراشة تكتب الشاعرة آمالها‪ ،‬لتجتاز صخب روحها‪،‬‬ ‫تتكئ عىل جمل شعرية رشيقة كظل‪ ،‬وشاسعة كبساتني‪،‬‬ ‫لتعرب عن مكنوناتها‪ ،‬بدالالت ال تجتاز حدود الذات‪ ،‬ولكنها‬

‫«حتى لو» يختلف عن معظم ما يتم طرحه اليوم يف‬ ‫األسواق من دواوين شعرية تخلت عن قواعد الشعر‪،‬‬ ‫وتحررت من «أثقالها»‪ ،‬ويجمع يف مساحة واحدة بني الفكرة‬ ‫واملعنى واإليقاع‪ ،‬ليرتك امام القارئ لوحة شعرية كاملة‪،‬‬ ‫تضم يف إطارها عمال فنيا متقنا يربهن عىل أن الشعر ال‬ ‫ميكن ان تحارصه تعريفات أو مصطلحات محددة ‪.‬‬ ‫التنوع يف الشكل واملضمون أبرز ما مييز قصائد هذه‬ ‫املجموعة‪ ،‬التي تنقسم بني تفعيلة وعمود‪ ،‬وتتنوع يف‬ ‫أفكارها لتندرج تحت عناوين متعددة تعكس واقع التنوع‬ ‫فيها‪ .‬تبدأ املجموعة بقصيدة «عندئذ» التي يكتبها الشاعر‬ ‫بنفس حكايئ‪ ،‬ثم قصيدة «ماذا عليك» التي يحاور فيها‬ ‫اآلخر عرب طرح األسئلة يف قالب شعري ال يخلو من املفارقة‬ ‫واالدهاش ‪:‬‬

‫ْ‬ ‫ماذا َ‬ ‫إصبعك‬ ‫عليك إذا غضبت بأن تحاور‬


‫تلملم ما حولها لتك ّون عاملها الخاص بها‪ ،‬املمتلئ بتداعياتها‬ ‫وأفكارها وصعودها إىل هرم الكالم الذي تضفي عليه بروين‬ ‫نفسا تعبرييا يختلف عن سواه ‪.‬‬

‫«وئيدة كنت بينهام ‪ /‬طريدة مشتهاة ‪ /‬مأخوذة بإنهاكة‬ ‫البحر ‪ /‬وصالفة الفراش حول الرغبة ‪ /‬املامت ‪ /‬مناديل‬ ‫الحرير مكللة بالذنب»‪.‬‬

‫صاحبة االختيارات الحرة والذكية ‪..‬‬

‫الفراشة تختار جيئتها وذهابها ‪ /‬تختار جناحها ‪ /‬وتختار‬ ‫تخطفها ‪ /‬لكن الزهرة فتنة الفراشة والظل ريشتها ‪/‬‬ ‫ويف مساقط الضوء ‪ /‬يف املدى مخطوفا ‪ /‬والحركة‬ ‫راعشة ‪ /‬أتولد كام يفعل يوم يتيم يف عامل يتيم ‪ /‬أأنا‬ ‫الفراشة ‪ ..‬أم الشمس يف مصباح !‬

‫بهذه البساطة تكتب بروين عبارتها منحازة للشعرية ال‬ ‫لغريها‪ ،‬ولعل من أبرز ما مييز هذه املجموعة ان الشاعرة‬ ‫فيها ال ترسف يف التصوير وال تقرتب من أرض غري أرض‬ ‫الشعرية البعيدة عن القول اإليحايئ الذي تعتمده بعض‬ ‫الكاتبات لرتويج النص األنثوي‪ ،‬وهذا ما غلب عىل بعض‬ ‫املجموعات الشعرية التي استندت عىل جدار اإلثارة‬ ‫والغوص يف مناطق ال متت للشعرية بصلة ‪.‬‬ ‫بروين هنا تختار لها مسارا واضحا‪ ،‬يعكس رغبتها يف الولوج‬ ‫إىل عامل شعري صاف‪ ،‬يذوب يف الكالم بسهولة ويرس‪ ،‬ليرتك‬ ‫أثره فيه طعام ولونا وشكال‪ ،‬كل ذلك يف إناء طافح بصوت‬ ‫األنثى النقي‪ .‬يف قصيدة «الفراشة» تؤكد بروين أنها الكاتبة‬

‫تلك اللقطة الذكية التي تضع الشاعرة من خاللها الشمس‬ ‫يف مصباح‪ ،‬تدلل عىل اعتنائها وحرصها عىل التقاط‬ ‫لحظتها الشعرية بتك الحرارة والذكاء‪ ،‬فام من أحد ميكن‬ ‫أن مي ّر مرور الكرام عىل جملة شعرية كهذه التي تحمل‬ ‫الشمس يف مصباح صغري‪.‬‬ ‫إن هذه القصائد التي توزعت يف العديد من األبواب‬ ‫ومنها «يف فحولة الضوء‪ ،‬حرير الوصول‪ ،‬رسير يتيم‪،‬‬ ‫رفيف‪ ،‬يف غبش رسي‪ ،‬شمس أيامي» وغريها من األبواب‬ ‫التي متيزت أيضا بعناوينها تتجه لرتسم لوحة األنثى بألوان‬ ‫فاتحة تجسد صورة صافية والفة استطاعت بروين حبيب‬ ‫ان تتقن رسمها بأصابع الشاعرة‬

‫وتش ّم عط َر قرنفل ْة‬ ‫ْ‬ ‫ماذا َ‬ ‫واوجعك‬ ‫عليك إذا الصديق غدا العد ّو‬ ‫أن تلتقيه بسنبل ْة‬

‫مسارا جديدا لها‪ ،‬وخضعت للمتغريات من حولها‪ ،‬يبقى هناك‬ ‫من يستطيع اإلحاطة بكل تقنيات القصيدة العربية الكالسيكية‬ ‫ويضعها يف قالب حدايث يتغذى من الفكرة واملوضوع‪ ،‬فحداثة‬ ‫أيب متام عىل سبيل املثال ال الحرص كانت متعلقة مبوضوع‬ ‫القصيدة وخروجها عن األفكار النمطية‪ .‬ال بشكلها أو قالبها‬ ‫فقط‪ .‬كذلك هي قصيدة راشد عيىس تتمرد وتختلف دون أن‬ ‫تتخىل عن القواعد واملحددات‪ .‬متجاوزة النمطية واملألوف‬ ‫من الكالم واملعاين‪ .‬تبعث عىل األمل والتأمل من خالل دالالت‬ ‫تتزاحم داخل النص وال تكاد ترتك القارئ دون أن متنحه لحظة‬ ‫تف ّك ٍر يف ما يكتبه الشاعر بني سطر وآخر ال بل بني مفردة‬ ‫وأخرى‪ .‬حتى لو‪ ،‬ديوان شعري يلخص أجواء شعرية تبتعد عن‬ ‫التكلف‪ ،‬وتوغل بالبساطة املمتنعة التي تجسد قدرة الشاعر‬ ‫عىل نقل الكالم من محيط إىل آخر لتطرزه بذهب الشعر‬ ‫وفضة اللغة‬

‫هذا اإلدهاش يحققه الشاعر بذكاء عرب انتقاء مفردات‬ ‫يضعها يف مقابل بعضها لتجسد معنى مفارقا ال يصعب عىل‬ ‫القارئ اقتناصه‪ ،‬كأن يضع الشاعر الوردة يف مقابل القنبلة‬ ‫كام يف قوله ‪:‬‬

‫ماذا ستنفعك اإلجابات السعيدة عند موت األسئل ْة‬ ‫بني فراش ٌة يف ٍ‬ ‫هذي َ‬ ‫موقد‬ ‫حياتك يا ّ‬ ‫أو ورد ٌة يف قنبل ْة !‬

‫ووصوال إىل القصائد االخرى‪ ،‬ميسك راشد عيىس بيد الشعر‬ ‫ليصل معه إىل ضفاف كثرية يحيطها شجر القول‪ ،‬ولغة خصبة‬ ‫ال تبوح سوى بالجاميل واملعبرّ ‪ .‬واتكا ًء عىل عنوان املجموعة‬ ‫«حتى لو» ميكننا القول بأنه حتى لو اتخذت القصيدة العربية‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪13‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫قصائد إلى حب مستحيل‬ ‫الديوان ‪ :‬قصائد لها‬ ‫الشاعر ‪ :‬حمزة قناوي (مرص)‬ ‫النارش ‪ :‬دار املحروسة للنرش والتوزيع‬ ‫عدد الصفحات ‪ 62 :‬من القطع املتوسط‬

‫تجربة‬

‫الكلامت مباركة رجيمة‬ ‫إنها الثنائية الصوفية التي تعرب عن ثنائية التضاد داخل كل‬ ‫مفردة من مفردات الكون‪ .‬فال وجود لخري ال رش فيه‪ ،‬وال‬ ‫وجود لرش ال خري فيه‪ ،‬وال وجود لوجود ال عدم معه‪ ،‬وال‬ ‫وجود لحق ال باطل معه‪ .‬فالحق يأخذ معناه الوجودي من‬ ‫وجود الباطل والعكس‪ ،‬والنور يأخذ معناه الوجودي من‬ ‫وجود الظالم والعكس‪ .‬كام أن الحياة تأخذ معناها الوجودي‬ ‫من وجود املوت والعكس‪ ،‬والنظام يأخذ معناه الوجودي‬ ‫من الفوىض الظاهرة‪ ،‬وهكذا‪ ..‬إنها الثنائيات الوجودية‬ ‫املتضادة‪ ،‬والتي تضادها رضوري لوجود الطرفني يف كل‬ ‫ثنائية بحيث أن كليهام ميثل وجها من وجهي العملة‪ ،‬أو‬ ‫بالتعبري الشعبي «امللك والكتابة»‪.‬‬ ‫كلامت الشاعر «مباركة رجيمة» كام أن توجه إبليس يف‬ ‫عدم السجود آلدم فيام يرى ابن عريب‪ ،‬كان يف الوجه اآلخر‬ ‫للمسألة‪ ،‬نو ٌع من املبالغة أو «األصولية» أو «التطرف»‬ ‫يف التنزيه‪ ،‬فإبليس كان بشكل من األشكال ومبعنى من‬ ‫املعاين‪ ،‬خارجيا (من الخوارج) ولكن عىل طريقته الخاصة‪.‬‬ ‫وال يخفى أن الخوارج كانوا من أكرث الناس صال ًة وصياماً‪،‬‬ ‫لكن ذلك مل مينعهم من أن يستحلوا دماء الناس من‬ ‫منطلق الفهم الحريف واألحادي واإلقصايئ للنصوص الدينية‪.‬‬ ‫و»اإلميان» يف النهاية‪ ،‬عىل قاعدة الثنائيات املتضادة‬ ‫يف الكون‪ ،‬يأخذ قيمته ومعناه الوجودي من وجود «الكفر»‪.‬‬ ‫عىل افرتاض أن العالقة حقيقية‪ ،‬ومن املمكن أن تكون‬ ‫كذلك أو ال تكون‪ ،‬يبدو أن الشاعر مل يدرس طبيعة هذه‬ ‫العالقة غري العادية وغري املألوفة بشكل جيد‪ .‬شاب عرشيني‬ ‫يف عنفوان فحولته ويف قمة إقباله عىل شهوة الحياة‪،‬‬ ‫ما الذي ميكن أن يجمع بينه وبني امرأة خمسينية بلغت‬ ‫سن اليأس ومل يبق يف حدائقها سوى الرماد ودخان من تركوا‬ ‫آثار نريانهم وذهبوا ؟‬

‫عنيفة عاشها الشاعر حمزة قناوي وحاول‬ ‫تجسيدها من خالل مجموعته األخرية‬ ‫«قصائد إليها» التي كتبها خالل عبوره املكويك بني الشارقة‬ ‫والقاهرة والصعيد املرصي ودمشق والحدود السورية الرتكية‪،‬‬ ‫حيث رصح يف آخر «املجموعة» ‪« :‬اعتزل الشاعر الكتابة إثر‬ ‫انتهائه من هذا الديوان وقرر إنهاء رحلته مع الشعر»‪.‬‬ ‫عندما ندرس مفردات السرية الذاتية لهذا الشاعر الشاب‬ ‫الذي ما يزال يف مقتبل العمر‪ ،‬قد نشاطر الشاعر تصوره بأن‬ ‫حب‬ ‫األقدار وقفت دامئا ضده وخاص ًة حني يُبتىل بتجربة ٍّ‬ ‫يكون عنيفاً حد الجنون أو مجنوناً حد العنف‪ ،‬مثلام هو‬ ‫الحب الصويف الذي ال يكاد أحد يصدقه‪.‬‬ ‫إن هذه املقدمة تلخص املالبسات التي أفرزت نصوص‬ ‫مجموعة «قصائد إليها» التي تحاول أن تجسد ما تبقى أو ما‬ ‫ترسب من عالقة عاطفية مل يكتب لها أن تصل إىل منتهاها أو‬ ‫أن تنطلق يف مسارها الطبيعي‪.‬‬ ‫يف املدخل الذي كتبه للمجموعة بعنوان «كلمة أوىل»‪ ،‬يرى‬ ‫الشاعر نفسه واقفا وحده يف مهب الريح بل يف عني العاصفة‬ ‫لكنه ال يعترب أن ما حدث هو نهاية العامل‪ ،‬بل إنه مجرد‬ ‫مرحلة يف الحياة ‪« :‬وللشاعر أن مييض إىل قدر آخر‪ ،‬قدر‬ ‫حدوده سامء ومدى وانعتاق»‪.‬‬ ‫الحياة ليست خريا ً كلها وليست رشا ً كلها‪ .‬كام أن الخري ليس‬ ‫خريا يف املطلق وال يكون خريا أو ال تثبت خرييته إال إذا رافقه محاولة لقراءة نفسية الشاعر‬ ‫بعض الرش‪ .‬والرش أيضا ليس رشا ً يف املطلق وال بد أن يختزن تبدو شخصية الشاعر يف هذه املجموعة حدية وحادة إىل‬ ‫شيئا من الخري ولو يف بعض مفرداته ‪« :‬مسارات الحياة قد‬ ‫درجة ملفتة لالنتباه‪ .‬فعىل سبيل املثال نجده يقول وكأنه‬ ‫تتقاطع فيلتقي النور والظلمة»‪.‬‬ ‫خارج من حرب طويلة بينه وبني قلبه‪ ،‬من قصيدة بعنوان‬

‫‪14‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫انفتاح شعري‬

‫«بعض عاصفة وريح» ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ولعنت‬ ‫وعصيت إمياناً بروحي‪/‬‬ ‫قلبي فاسرتيحي‪/‬‬ ‫«هادنت َ‬ ‫ُ‬ ‫عاطف ًة يسلمها الجنون إىل الجنوح‪ /‬وخرجت من أرسي‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫وريح‪ /‬أخطو عىل أشالء عشق‪/‬مزقته‬ ‫ة‬ ‫عاصف‬ ‫بعض‬ ‫‪/‬‬ ‫أغالب‬ ‫ُ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫يدُ‬ ‫الجموح‪ /‬عاف الفؤاد هوى رآك‪ /‬ربيئة لدم وقيح‪ /‬ومىض‬ ‫ِ‬ ‫يغالب نفسه عنك‪ /‬ويوغل يف الجروح‪ /‬وألنت مفتتح الخطيئة‬ ‫والغواية والفحيح‪ /‬والشهوة العمياء يف جسد تزين بالقروح ِ»‬ ‫يف النصوص التالية‪ ،‬بإمكاننا أن نستشف حالة الشاعر بعد‬ ‫احرتاق ربيعه األخرض وتفحم حلمه الوردي وانكساره‪ ،‬وهو‬ ‫يعرتف مبا جنت يداه من الحصاد املر‪ ..‬حصاد الطفولة أو‬ ‫املراهقة أو اإلغراء الحوايئ‪ ..‬يقول من قصيدة «عاري» ‪:‬‬ ‫«أميض بدريب مثق ًال تعست خطاي‪ /‬وماد إرصاري‪ /‬أريث ألحالم‬ ‫مضت ومضت‪ /‬ألقت بها يف جذوة النا ِر‪ /‬ولوجهي الف ِر ِح‬ ‫رش ِه‪ ..‬و َك َبت ُه بالعا ِر‬ ‫القديم نأت به‪ /‬عن ِب ِ‬ ‫اآلن انتبه الشاعر من غفلته بعد أن بطل مفعول «السحر‬ ‫الحوايئ»‬ ‫«أي موت كنت أحياه بخمسينك‪ /‬أي قرب رحت أدفن يف‬ ‫بقاياه الشبابا»‬ ‫وخرج الشاعر من هذه التجربة يف النهاية منترصا رغم‬ ‫الجراح العميقة‪ ،‬لكن أليست الجراح أفضل معلم؟ خرج‬ ‫الشاعر لريسل رسالة إىل قلبه املتعب يقول فيها تحت عنوان‬ ‫«رسالة إىل قلب»‪:‬‬ ‫«يا قلبي األسيان ليس ألمنا امرأة مضت‪ /‬خانتك‪ /‬ينسحب‬ ‫اليقني إىل الظالل‪ /‬هي وحدها يف غيها‪ /‬والكون ماض ال يزال‬ ‫إىل قوله‪:‬‬ ‫حاشاك أن تبقى نهايتك الخطيئة والضالل‪ /‬هذا طريقك رس‬ ‫به حتى تحلق النعتاقك‪ /..‬وحدك الباقي عىل درب النجوم‪/‬‬ ‫ووحدها نحو الزوال»‪.‬‬ ‫إذا اعتزل الشاعر الكتابة‪ ،‬فمعنى ذلك أنه تخىل عن‬ ‫(الكلمة) التي قام عليها «اإلنسان الصغري» الذي هو العامل‪،‬‬ ‫وقام عليها «العامل الكبري» الذي هو اإلنسان‪ ،‬ويف هذه‬ ‫الحالة يكون غرماؤه القدماء والجدد الذين تجسدوا يف هذه‬ ‫املرأة هم الذين انترصوا ال هو‬ ‫سعيد جاب الخير‬

‫الديوان ‪ :‬أينا الدخيل أيها الضوء‬ ‫الشاعر ‪ :‬مهند السبتي (األردن)‬ ‫النارش ‪ :‬األهلية للنرش والتوزيع‬ ‫عدد الصفحات ‪ 216 :‬من القطع املتوسط‬

‫«أينا الدخيل أيها الضوء» هي املجموعة الشعرية الثانية‬ ‫للشاعر مهند السبتي‪ ،‬وتضم ‪ 55‬قصيدة متباينة الحجم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بشغف يف‬ ‫تشيع يف قصائد املجموعة أنوية خالصة‪ ،‬وتفيض‬ ‫تحطيم الزمن األفقي لصالح الزمن الشعري‪ ،‬محاكية هزمية‬ ‫الواقع أمام دفقات الحلم وإمالءات الرؤيا‪ ،‬بحيث تعقد‬ ‫القصيدة عالقات تلميحية ومنفصلة بني الحيا ّيت وتوأمه‬ ‫الشّ عري داخلها‪ ،‬قبل أن تتحول إىل ودا ٍع لألمس الذي يتمنى‬ ‫حاميس بإرشاقات‬ ‫الشاعر لو كان مبقدوره أن يبتكره‪ ،‬والتحاق‬ ‫ّ‬ ‫الغد‪ .‬صمم غالف املجموعة الشاعر زهري أبو شايب‪ ،‬ولوحة‬ ‫الغالف للفنانة التشكيلية وداد النارص‪ ،‬فيام جاء يف كلمة‬ ‫الشاعر خلدون عبد اللطيف عىل الغالف األخري‪« :‬أكرث ما‬ ‫يلفت اإلنتباه‪ ،‬يف نصوص هذه املجموعة الشعرية‪ ،‬انفتاحها‬ ‫عىل اشتباكات راهنية وبالغة الحساسية‪ ،‬وإشاعتها لغري قليل‬ ‫من األسئلة والدهشة التي تفور بها قصيدة النرث»‪ .‬ويضيف‬ ‫عبداللطيف ‪« :‬هنا احتفاء وشغف متعاظامن بكتابة الذات‬ ‫من دون تكلف‪ ،‬يف عدد غري قليل من قصائد املجموعة‪،‬‬ ‫يشبه إىل حد كبري العثور عىل تلك الذات ملتبسة مبواقف‬ ‫األمل العبثي‪ ،‬وإشباع رغبة صاحبها يف ارتكاب القصيدة بحثاً‬ ‫عن رؤى أخرى للعامل‪ ،‬أو رمبا التحاماً يف نبوءات ما‪ ،‬لكنه‬ ‫ال يدير ظهره لآلخر‪ ،‬ويفتح النص له وعليه انطالقا من‬ ‫الشخيض‪ ،‬حيث ينترص كل ما هو راقص ومتأصل وهارب‬ ‫بوحدته إىل األمام» ‪ .‬من أجواء املجموعة ‪:‬‬ ‫أتغافل ال أنىس‬ ‫وأبني حيثام يقع الهد ُم‬ ‫أمل أقل ل َيدي كوين معوالً‬ ‫أمل أقل للقلب حدّثني عن الحب‬ ‫مخلب الغربة‬ ‫حني يعربين‬ ‫ُ‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪15‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫مختارات سعدية مفرح‬

‫الديوان‪:‬قرب فنافذة واحدة‬ ‫الشاعرة‪:‬سعدية مفرح (الكويت)‬ ‫النارش‪ :‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ -‬القاهرة‬ ‫عدد الصفحات‪ 260 :‬صفحة من القطع‬ ‫املتوسط‬

‫‬‬تبدأ املختارات من نصوص ديوان الشاعرة األول‮ «‬آخر الحاملني‬ ‫كان‮»‪،‬الذي صدر يف العامل‮‮‪،‬وما مييز املختارات انها اعتمدت عىل‬ ‫النصوص القصرية ذات الكثافة الشعرية والخالية من الهوامش‬ ‫واالحاالت‬‪« :‬من كل هذه الريح‪ /‬اخرتت عاصفة هزمت‬ ‫ألسكنها‪ /‬من كل هذا الكون‪ /‬اخرتت عاطفة‪ /‬ما زلت أهزمها‬ ‫لتسكنني ‮»‪‬.‬وامليزة الثانية هي ان الشاعرة متزج يف نصوصها ما‬ ‫بني النص النرثي والنص التفعييل مشرية بهذا إىل أنها تجعل من‬ ‫النص سيدا‮ ً‬ميلك زمام أمره ويصطفي الحالة اإلبداعية‮‪‬/‬الكتابية‬ ‫التي يروق له أن يولد عليها‮ «‬ ‫أخونها يف كل ليلة‪ /‬أعارش الضياء‪ /‬لكنني أضبطها يف لحظة‬ ‫الخيانة ‪ /‬راسبة يف قاعي‪ /‬مثل بقايا قهوة املساء ‪ /‬متد يل‬ ‫لسانها‪ /‬تضحك من‮‬حضاريت العسكرية‬ ‫املهانة»‪ ‬.‬ويف ديوانها الثاين‮ «‬تغيب فأرسج خيل ظنوين‮»‬الصادر‬ ‫يف العام‮‬‪1994‬‮‬تزداد الشاعرة نضوجا‮ً‬ورسوخا‮ً‬بقدميها فوق‬ ‫أرض الشعر مثلام تزداد مهارتها يف استخدامها ألدواتها الفنية‬ ‫وتطويعها بالشكل الذي يخدم النص الشعري مام يجعله يبدو‬ ‫يف أبهي حلة متاحة له‮‪‬،‬وكذلك يزداد اهتامم الشاعرة بالصورة‬ ‫الشعرية ‪:‬‬ ‫«غابة من صديد‪ /‬تعارش قلبي كل مساء‪ /‬ولكنه‮‪‬..‬مثل ديك‬ ‫صبي‪ /‬ينفض أدرانه ويصيح‪ /‬يف كل فجر جديد»‪.‬‬ ‫أما يف ديوانها الثالث‮ «‬كتاب اآلثام‮»‬الصادر يف العام‮‪1997‬‮‬‬ ‫‬فتوجه فوهات عدساتها ناحية عامل القصيدة ذاتها وما يدور‬ ‫يف عواملها وفضاءاتها الشعرية‮‪‬.‬إنها تري القصيدة أما تعود من‬ ‫عملها متعبة آخر الليل لرتضع أطفالها الساهرين واحدا‮ ً‬واحد‮ا ً‬ ‫‬من ثديها اليابس ثم تبيك وهي تصيل عشاءها األخري‮‬وتنام‮‪.‬‬ ‫ويف ديوانها الخامس‮ «‬تواضعت أحالمي كثرياً‮» الصادر يف‬ ‫العام‮‬‪‬2006‬فتكتب مفرح النصوص التي تتكون من عدة‬ ‫مقاطع‮ (تجاوزت مقاطع أحد نصوصها الخمسة وعرشين‬ ‫مقطعاً‮)‪،‬و‬هذه املقاطع قد ال تتعدى سطرين شعريني‮‬ ‫‪16‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫كسر حــاجز الصمت‬ ‫في علم العـروض العربي‬

‫كان‬

‫علم العروض وال يز ُال منطق ًة مهجور ًة يف‬ ‫ساحة الدراسات اللغوية العربية‪ ،‬ال يؤ ّمها‬ ‫واملتخصصني الذين شاءت‬ ‫قليل من الباحثني‬ ‫إال نف ٌر ٌ‬ ‫ّ‬ ‫أقدارهم أن يتع ّرضوا لحرور هذا العلم إ ّما دارسني‪ ،‬وإما‬ ‫مد ّرسني‪ ،‬ويف كال الحالتني يصبح التعاطي مع هذا العلم‬ ‫مه ّم ًة دونها خرط القتاد‪ ،‬نظرا ً لقضايا كثرية تحول دون‬ ‫فهم هذا العلم وسرب أغواره‪ ،‬وإخراجه إىل دائرة ال ُّنور‬ ‫مثله مثل باقي علوم العربية‪.‬‬ ‫ولعل أهم القضايا املتعلقة بهذا العلم‪ ،‬ذلك اإلغراق‬ ‫ّ‬ ‫العميق يف غرابة املصطلح العرويض الذي استقى مفرداته‬ ‫من البادية العربية القدمية‪ ،‬وكذا جمود مباحثه‪ ،‬وبقاؤها‬ ‫منطق ًة عصيّ ًة عىل التجديد‪ ،‬وامتالء أواسط هذا العلم‬ ‫رضه وال تنفعه‪ ،‬وخضوعه لتفسري ٍ‬ ‫ات‬ ‫وحوافيه مبباحث ت ّ‬ ‫تنزع إىل تقديس الصوت الشعري القديم مبا داخله‬ ‫من مظاهر التحريف والتصحيف‪ ،‬واعتباره مثاالً فوق‬ ‫النقد‪ ،‬فاستصعبت بذلك مفاتيح هذا العلم عىل األفهام‪،‬‬ ‫وأصبحت هذه املفردات وتلك املباحث ُمج ّرد إشارات‬ ‫تعج بها املؤلفات العروضية يف متوالية مملّة‬ ‫مبهمة ُّ‬ ‫يستنسخ بعضها بعضاً‪ ،‬حتى أصبح من االستحالة أن تجد‬ ‫فرقاً بني ما خطّه إسامعيل بن حامد الجوهري (املتويف‬ ‫سنة ‪393‬هـ) وبني ما خطّه محمد بن عيل بن موىس‬ ‫املحيل (املتويف سنة ‪673‬هـ)‪ ،‬يف كتابه «شفاء الغليل يف‬ ‫علمي الخليل»‪ ،‬وبني ما جمعه أحمد الهاشمي املتويف‬ ‫بداية القرن الفائت يف كتابه «ميزان الذهب يف صناعة‬ ‫شعر العرب»‪ ،‬وبني ما نسخه الدكتور عبد العزيز عتيق‬ ‫الذي ال يزال عىل قيد الحياة يف كتابه «علم العروض»‪.‬‬ ‫عىل أ ّن هناك أصواتاً ارتفعت منادية بإعامل معول‬ ‫التجديد يف مداميك هذا العلم‪ ،‬ور ّد الظاهرة العروضية‬ ‫كل دخيل يف هذا‬ ‫إىل معايري الشعرية‪ ،‬محاولة الستبعاد ّ‬ ‫العلم عن ساحته‪ ،‬وسعياً صادقاً نحو تجديد مصطلحه‪،‬‬


‫وإخراج مباحثه من تلك الرتابة القاتلة التي ح ّولته إىل‬ ‫مادّة متحفية توضع ال يف طاولة الدرس‪ ،‬بل يف رفوف‬ ‫التاريخ املنسية‪.‬‬ ‫ولعل من أحدث هذه املحاوالت يف تجديد هذا العلم‬ ‫ّ‬ ‫كتاب «نقد اإليقاع‪ :‬يف مفهوم اإليقاع وتعبرياته الجاملية‬ ‫وآليات تلقّيه عند العرب» للشاعر والناقد املغريب‬ ‫عبد اللطيف الوراري الذي يحاول فيه تقيص مختلف‬ ‫التعبريات الجاملية التي ّ‬ ‫دل بها القدماء عليه‪ ،‬وذلك‬ ‫ارتباطاً بتلقّيهم له يف سياقات ف ّنية مختلفة‪ .‬فكان من‬ ‫هذه التعبريات ما هو أدخل يف حيّز املسموع‪ ،‬أو كان يف‬ ‫حيّز املفهوم‪ ،‬استنادا ً عىل مبدإ التناسب الذي استفادوه‬ ‫من لقائهم باآلخر‪ ،‬اإلغريقي تحديدا ً (فيثاغورس‪،‬‬ ‫أفلوطني‪ ،‬أرسطو)‪ ،‬ومث ّروه يف عقيدتهم التوحيديّة‬ ‫ورؤيتهم لإلنسان والعامل‪.‬‬ ‫ويعتمد الباحث عرب اسرتاتيجيّة الكتاب رهاناً نقديّاً‬ ‫ُمتع ّددا ً يتمثّل يف نقد أه ّم فرضيّات العروض العريب‪،‬‬ ‫بقدرما نقد تص ّورات الشعرية العربية عن مفهوم‬ ‫اإليقاع وعمله وظواهره‪ ،‬كام يعمل عىل بحث القضايا‬ ‫املعرفية ذات الصلة التي طرحتها األطر النظرية يف حقل‬ ‫الدراسات القرآنية‪ ،‬وعلمي املوسيقى والتجويد‪ ،‬وتأ ّمالت‬ ‫الفلسفة‪.‬‬ ‫يرتكّب الكتاب من سبعة فصو ٍل ومقدمة وخامتة‪،‬‬ ‫ويشتمل عىل ثبت بأه ّم مصطلحات اإليقاع (العرويض‪،‬‬ ‫البالغي‪ ،‬املوسيقي‪ ،‬التجويدي)‪ .‬يدرس الفصل األول‬ ‫علم العروض وقضايا النظرية يف الوزن والقافية‪،‬‬ ‫ويرتبط الفصل الثاين ببحث أوجه العالقة املفرتضة بني‬ ‫العروض واإليقاع يف ارتباطهام بهويّة القصيدة العربية‪،‬‬ ‫وبالتايل جهود علامء البالغة والنقد القدامى يف تلقّي‬ ‫اإليقاع وبلورة املعرفة به‪ ،‬من خالل آرائهم يف عنارص‬ ‫القصيدة ودوالّها‪ .‬وهو ما تواصل البحث فيه الفصول‬ ‫الثالثة املوالية‪ ،‬من منظور ُمتط ّور يرش ُط حدوث اإليقاع‬ ‫بالتناسب الصويت والداليل‪ ،‬بتعبرياته البالغية واملوسيقية‬ ‫والفلسفية واإلعجازية‪ .‬أما الفصل السادس فيناقش‬ ‫ثنائية الشعر والنرث‪ ،‬وتاريخ ّيتها‪ ،‬ويكشف كيف أ ّن‬ ‫املفاضلة بينهام حجبت اإليقاع لحساب أولويّة الوزن‪،‬‬

‫الكتاب ‪:‬نقد اإليقاع‬ ‫الكاتب ‪ :‬عبد اللطيف الوراري (املغرب)‬ ‫النارش‪ :‬دار أيب رقراق ‪.‬الرباط‬ ‫عدد الصفحات‪ 192 :‬صفحة من القطع الكبري‬

‫فيام يتط ّرق الفصل السابع إىل أشكال اإليقاع التوشيحي‬ ‫وتبلور بنائه املعامري يف املوشّ حات واألزجال‪ ،‬يف املغرب‬ ‫واملرشق‪ .‬وتنتهي الدراسة بخامتة ت ُركّب الحصيلة النقدية‪،‬‬ ‫بقدر ما تنفتح عىل اإلمكانات التي فتحتها اليوم دراسة‬ ‫اإليقاع‪ ،‬هذا املجهول والالنهايئ‪.‬‬ ‫ومماّ جاء يف كلمة ظهر الغالف الكتاب‪ ،‬نقرأ‪« :‬ال ننكر‬ ‫االهتامم املتّصل‪ ،‬يف الثقافة العربية‪ ،‬منذ فجرها حتّى‬ ‫اليوم‪ ،‬بعنرص اإليقاع يف الشعر‪ .‬وعرب تلك العصور كُلِّها‪،‬‬ ‫يبدو لنا اإليقاع‪ ،‬كمفهومٍ ٍّ‬ ‫أي‬ ‫ودال نصيٍّّ ‪ ،‬إشكاليّاً أكرث من ّ‬ ‫وق ٍْت مىض (‪ )...‬إنّنا نرى أ ّن إعادة بناء املوضوع املتعلّق‬ ‫بسؤال اإليقاع تدخل‪ ،‬بالرضورة‪ ،‬يف سياق إعادة قراءة‬ ‫نظريّة الشعر العريب مبرجع ّياتها املتن ّوعة وهوامشها‬ ‫املختلفة‪ ،‬النقدية والبالغية والفلسفيّة؛ وذلك بعد نقده‬ ‫يف إطار علم العروض العريب من مكانِ يجعل بحثنا‬ ‫متجاوباً مع هاجس بعض الدراسات الجديدة التي متّت‬ ‫يف املوضوع نفسه‪ ،‬بقدرما ينفتح عىل أوفاق األنواع‬ ‫األدبية وتحليل الخطاب ونقد اإليقاع‪ ،‬ويعمل عىل‬ ‫إدماجها يف سريورة القراءة والتأويل»‬ ‫عبد الغني المقرمي‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪17‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫آمنة بنت علي بن حمد المعال‬

‫قصيدة الواقع والتفاصيل‬

‫هناك‬

‫من يؤمن أن الشعر موهبة‪ ،‬ال تنتقل‬ ‫وال تو ّرث‪ ،‬وال يستطيع أحد أن‬ ‫يقرأ ويكتب معانيه لوال تلك املوهبة التي هي املنبع‬ ‫الحقيقي والوحيد الذي ميكن من خالله أن ننهل ماء‬ ‫الشعر من أعامقه ‪.‬‬ ‫لكن‪ ،‬هناك أيضا‪ ،‬من ورث الشعر عن أب أو أم‪ ،‬وظهرت‬ ‫موهبته وبرزت من خالل بيئته املحيطة به‪ .‬هذا ما ميكن‬ ‫أن نتلمسه يف تجربة الشاعرة خلود املعال‪ ،‬الشاعرة التي‬ ‫ت ُصدر مجموعة شعرية ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن‬ ‫حمد املعال‪ ،‬جمعتها لها وكتبت يف صفحاتها سرية الشعر‪،‬‬ ‫هذا الذي رسم أمامها خارطة طريق مطرزة مبوهبة مل‬ ‫تكن لتظهر لوال أنها تربّت يف بيت تقول األم فيه شعرا‬ ‫ميتد إىل اآلخر‪ ،‬وينجح يف ان يقيم فيه أبدا ‪.‬‬ ‫«إنها أمي‪ ،‬التي كانت ومازالت تبسط ساموات الشعر‬ ‫وتفتح بواباته يل بكل ما أوتيت من محبة وذاكرة‪ .‬أمي‬ ‫التي ما ان وعيت عىل الحياة أدركت أنها الحياة ذاتها‪،‬‬ ‫أدركت أنها الشعر‪ .‬إنها الشاعرة التي ما ان تقرتب منها‬ ‫وتدخل مدارها‪ ،‬ترفرف اجنحة الزمن الجميل يف لغتها‬ ‫وأصالتها‪ ،‬تلمح يف دفئها أطياف الذين غيبتهم الحياة‬ ‫عنها‪ ،‬تسمع حكاياتهم وتعيش ذاكرة ال تعرف إال ما هو‬ ‫نقي وأصيل»‪.‬‬ ‫هذه هي األنفاس التي منحت الشاعرة خلود املعال‬ ‫تلك الفراسة يف اقتناص الفكرة‪ ،‬فكرة النرش‪ ،‬والتوثيق‬ ‫ألمها الشاعرة آمنة بنت عيل بن حمد املعال‪ ،‬عرب إصدار‬ ‫مجموعة شعرية لها عن أكادميية الشعر التابعة لهيئة‬ ‫السياحة والثقافة يف أبوظبي بعنوان ِ‬ ‫«سوايب»‪ .‬لتحفط‬ ‫للكالم مساحة من فضائها الذي يحارصها بالشعر‪،‬‬ ‫ويستوعب كل ما هو الفت ومعبرّ وب ّراق‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الشاعرة األم‪ ،‬يف قصائدها‪ ،‬تعرف كيف تبني من مفردات‬ ‫بسيطة وسهلة‪ ،‬عبارة ذات معنى صعب‪ ،‬صعب عىل من‬ ‫يريد أن يح ّمل جملته معنى ذا فرادة ومقدرة عىل أن‬ ‫يذهب يف ذهنية القارئ إىل مناطق بعيدة‪ ،‬ولكنها أيضا‬ ‫سهلة الوصول‪ .‬هكذا عبرّ أحد النقاد العرب فأشار إىل ان‬ ‫الشاعر الحقيقي‪ ،‬هو الذي يكتب الجملة بلغة ومفردات‬ ‫ناعمة ولكن مبعنى خشن‪ .‬وهذا تحديدا ما مييز الشعر‬ ‫الشعبي «النبطي» عن سواه‪ ،‬ومينحة الحضور األبرز يف‬ ‫املجتمع‪ ،‬فهو قائم عىل مفردات سهلة‪ ،‬ولغة ال تكلّف‬ ‫فيها وال ثقل‪ ،‬تصل عىل طبق الكالم الخفيف لتخطف‬ ‫دهشة املتلقي او القارئ‪ ،‬الذي يلحق بهذا النوع من‬ ‫الشعر‪ ،‬وال يحتاج لبطاقة عبور أو إذن مسبق لسرب‬ ‫اغواره والدخول إليها بسالم ‪.‬‬ ‫تقول خلود املعال يف مقدمة عن أمها الشاعرة ‪»:‬هي ال‬ ‫تتغنى إال مبباهج زمنها الذي مر‪ ،‬ببدائيته وبساطته‪،‬‬ ‫باهله وامكنته‪ ،‬بصيفه وصباحاته‪ ،‬بأحداثه واحواله‪،‬‬ ‫فالشاعرة ما زالت تعيش تفاصيله بكل حواسها‪ ،‬مازالت‬ ‫تدور يف مداره وتطوف حوله‪ ،‬وكأنها تحاول أن تحفظ‬ ‫مشاهده‪ ،‬وتعيشها‪ ،‬لتبقى أطيافه حية وراسخة رغم‬ ‫رشاسة الغياب»‪.‬‬ ‫هذا بالفعل‪ ،‬ما يغلب عىل طابع القصيدة عند الشاعرة‪،‬‬ ‫يف معظم قصائد الديوان ِ‬ ‫«سوايب»‪ ،‬فهي تنقل ما‬ ‫تعايشه‪ ،‬من فرح وحزن‪ ،‬تبتسم للوطن‪ ،‬وتح ّيي قادته‬ ‫وشعبه‪ ،‬وترسم لوحته يف مساحة شعرية متقنة ال تبتعد‬ ‫كثريا عن واقعها‪ ،‬ومحيطها االجتامعي القريب منها‬ ‫كصوتها‪ .‬فالشاعر عموما‪ ،‬ال ميكن ان ينفصل عن جمهوره‬ ‫أو أن ال يحدد لنفسه مسارا موازيا ملسار من هم حوله‪.‬‬ ‫تقول يف قصيدة ‪:‬‬


‫الشاعرة ‪:‬آمنة بنت عيل‬ ‫بنت حمد املعال (االمارات)‬ ‫الديوان ‪ِ :‬سوايب‬ ‫النارش ‪ :‬اكادميية الشعر‬ ‫عدد الصفحات ‪ 125 :‬من القطع‬ ‫املتوسط‬

‫«اشتقت لك يا دا ْر لو كنت يف دار‬ ‫فيها النهر والشـجر تاــــيه ظليلــة»‪.‬‬ ‫كام قولها بعبارة أخرى تحمل ذات الهوية ‪:‬‬ ‫«يا شعبنا بدعي عساكم تعيشون‬ ‫طول العمر تحظون باسعد األوقات»‪.‬‬ ‫هنا‪ ،‬ميكن أن يكون التعليق عىل هذه املجموعة‪ ،‬غري‬ ‫واف‪ ،‬دون أن نش ّد يد الواقع‪ ،‬وننتقل معه بعفوية ميّزت‬ ‫هذه املجموعة‪ ،‬فالشاعرة يف قصيدتها‪ ،‬ال تريد سوى ان‬ ‫تصف ما تلتقطه عينها من حولها‪ ،‬وتنجح يف ان تجعل‬ ‫وتقرب‬ ‫من الحدث قصيدة شعرية وافية تصف وتحيك‬ ‫ّ‬ ‫األشياء من بعضها لتظهر مع بعضها يف مساحة واحدة‪،‬‬ ‫وقالب إيقاعي عذب ‪.‬‬ ‫هذه املجموعة الشعرية‪ ،‬تربهن عىل ان الشعر الشعبي‪،‬‬ ‫ليس بعيدا عن الشعر الفصيح‪ ،‬من حيث املوضوع‪،‬‬ ‫ودافع الشاعر للكتابة‪ ،‬فالوجع والحنني عىل سبيل املثال‬ ‫ال الحرص‪ ،‬ثيمتان حارضتان بكرثة يف قصائد الشاعرة‬ ‫آمنة‪ ،‬وهي تتقن تحويل الحنني أو الوجع‪ ،‬إىل جمل‬ ‫شعرية مؤثرة‪ .‬ميكنها ان تعكس حجمهام او تقيسهام‬ ‫عرب الكلمة‪ .‬شأنها شأن الكثري من شعراء الفصيح‬ ‫والشعبي‪ ،‬الذين عربوا ان اوجاعهم وحنينهم بوقوفهم‬ ‫عىل األطالل وشكوى الحال وغري ذلك‪ .‬وهو ما تؤكده‬ ‫خلود املعال من جديد يف تقدميها للمجموعة «الوجع‬

‫والحنني ثيمتان بارزتان يف قصائدها‪ ،‬وجع من الوقت‬ ‫الراهن الذي يحاول ان يعزز مخالبه بكرثة لتغيري كل ما‬ ‫هو أصيل‪ ،‬الحارض الذي يحاول ان يغري مالمح املايض‪..‬‬ ‫ويبعرث تفاصيله الجميلة‪ ..‬وجع من الحياة التي تحاول ان‬ ‫متج يدها لترسق من حول الشاعرة ارث املايض الثمني‪،‬‬ ‫وكنوزه التي تحاول جاهدة أن تحميها بكل ما اوتيت من‬ ‫محبة»‪.‬‬ ‫لعل خلود استطاعت ان تخترص الكثري من أجواء الديوان‬ ‫يف هذه العبارة‪ ،‬ألن الوجع حقا هو دليل الشاعرة إىل‬ ‫بيت القصيد‪ ،‬والجزالة‪ ،‬ونسج العبارة بتمكن واقتدار‪.‬‬ ‫تقول آمنة املعال يف قصيدة «النوح يف املجفيات»‪:‬‬ ‫بسك ال ت ْهلّني عرباتْ‬ ‫«يا عني ّ‬ ‫صربي عليه يا عني ال باس يايت‬ ‫ياقلب بسك ال تْلَ ّيع بونّات‬ ‫شقيتني يا قلب طيلة حيايت»‬ ‫من املدهش حقا ان نقف بني الشاعرة األم‪ ،‬وابنتها‪ ،‬وأن‬ ‫نتعرف عىل شعر ال يبذل الكثري يف سبيل دخوله إىل‬ ‫القلب‪ ،‬ولو عرب باب البساطة والتعبري الشفاف‪ .‬ومن‬ ‫املدهش أيضا أن نرى موهبة شعرية تعزز حضورها ببيئة‬ ‫حملت الشعر عاليا‪ ،‬وتوجته‪ ،‬وعرفت كيف تجعل منه‬ ‫طريقة معبدة لكتابة التفاصيل بجاملية اإليقاع واللهجة‬ ‫املحكية القريبة‬ ‫عبدهللا‪...‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪19‬‬


‫شعر وشعراء‬ ‫عبد الواحد لؤلؤة‬

‫أثر الشعر العربي‬ ‫الكتاب‪ :‬دور العرب يف تطور الشعر األورويب‬ ‫الكاتب‪ :‬الدكتور عبد الواحد لؤلؤة (العراق)‬ ‫النارش‪ :‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‬ ‫عدد الصفحات‪ 256 :‬صفحة من القطع الكبري‬

‫صدر‬

‫حديثا للناقد واألستاذ األكادميي عبد الواحد‬ ‫لؤلؤة كتاب بعنوان «دور العرب يف تطور‬ ‫الشعر األورويب»‪ ،‬وكتب لؤلؤة يف مقدمة كتابه ‪« :‬إذا‬ ‫كان الشعر اإلنجليزي قد تأثر يف مراحل شتى بشعر‬ ‫لغات أخرى‪ ،‬فهل يا ترى كان للشعر العريب من أثر يف‬ ‫تطور الشعر االنجليزي‪ ،‬وشعر تلك اللغات االخرى التي‬ ‫أثرت فيه؟ لقد تيرس يل قضاء سنة من التفرغ العلمي‬ ‫يف جامعة كمربدج‪ ،‬وجدت يف مكتباتها قدرا ً كبريا ً من‬ ‫الكتب والدوريات العلمية التي تعنى بالشعر األندليس‬ ‫وبشعر الرتوبادور وبالعالقة بني شعر الرتوبادور باللغة‬ ‫االوكسيتانية وبني الشعر األندليس‪ ،‬يف منط املوشح‬ ‫والزجل»‪ .‬ويضيف «كان عيل أن أدرس املوشح والزجل‬ ‫يف جذوره املرشقية التي تطور عنها‪ ،‬ومقارنة ذلك بشعر‬ ‫الرتوبادور الجديد عىل اوروبا القروسطية‪ ،‬ثم تابعت‬ ‫انتشار شعر الرتوبادور وفنونه يف عدد من اللغات‬ ‫االوروبية الوليدة‪ .‬وقد انتهى يب املطاف اىل الشعر‬ ‫االنجليزي يف ما كتب شكسبري من غنائيات الحب التي‬ ‫تردد أصداء غري بعيدة من غزليات الحب العربية‪.‬‬ ‫وبعد شكسبري‪ ،‬ال يشكل الشعر الغنايئ يف موضوعات‬ ‫الحب قضية يسهر الخلق جراها ويختصم»‬ ‫ويف حديث صحايف يعود إىل سنة ‪ 2009‬يرشح لؤلؤة‬ ‫ظروف والدة هذا املنجز الهام‪ ،‬ويقول ‪ « :‬لقد درست‬ ‫أغلب ما كتب عن أثر الشعر األندليس يف ظهور أول‬ ‫شعر غنايئ بأول لغة انقطعت عن التينية العصور‬ ‫الوسطى يف أوروبا‪ ،‬مل يكن له جذر يف الشعر اإلغريقي‬ ‫أو الالتيني‪ .‬كان ذلك شعر الرتوبادور (الجوالني)‪ ،‬أشباه‬ ‫الوشاحني والزجالني يف األندلس‪ ،‬ولغة «بروفنس» أي‬ ‫‪20‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫اإلقليم يف جنوب غرب فرنسا وشامل غرب إسبانيا يف‬ ‫الخريطة املعارصة»‪.‬‬ ‫استدعى األمر أن يتفرغ لؤلؤة للعلم بجامعة كمربدج‪,‬‬ ‫وبحث باللغات اإلنجليزية والفرنسية واإلسبانية ‪:‬‬ ‫«وهالني ما لقيت من حجج عىل كون املوشح هو‬ ‫األساس الذي قام عليه شعر الرتوبادور‪ .‬كان الباحثون‬ ‫من اإليطاليني والفرنسيني واإلسبان قد نرشوا دراسات‬ ‫يعود بعضها إىل العام ‪ .1571‬ليس بني من قرأت عريب‬ ‫واحد‪ ,‬بل إن معظمهم من رجال الكنيسة الكاثوليكية‬ ‫أو الكنائس األخرى يف فرنسا وكندا‪ ،‬بل إن من بينهم‬ ‫«ليفي بروفنسال» الفرنيس اليهودي الذي قىض سنة‬ ‫‪ 1950‬محارضا يف جامعة اإلسكندرية‪ .‬كان هؤالء جميعا‬ ‫يقدمون الرباهني والنصوص التي تثبت أن املوشح والزجل‬ ‫هام أساس أول شعر غري كنيس وغري التيني»‪ ,‬ظهر يف‬ ‫الجنوب الفرنيس «الوثني» حسب وصف مطران باريس‬ ‫«إنوسنت الثالث»‪ ،‬قاد حملة ضد الجنوب الفرنيس‬ ‫وقىض عىل حضارة ذلك اإلقليم املزدهر‪ ،‬ألسباب اقتصادية‬ ‫(غري بريئة) فتفرق الرتوبادور رشقا إىل إيطاليا وأملانيا و‬ ‫شامال إىل إقليم بريتاين شامل غرب فرنسا وزرعوا األغراس‬ ‫الجديدة لشعر دنيوي غنايئ غري كنيس‪ ،‬بينه وبني املوشح‬ ‫والزجل وشائج كثرية»‪.‬‬ ‫ويسوق لؤلؤة مربرا آخر الصدار كتابه يتمثل «يف العقود‬ ‫األخرية من القرن العرشين ظهرت تيارات معادية من‬ ‫جهات ال تخفى عىل القارئ اللبيب تنعق مبا ال تسمع‪،‬‬ ‫وتحاول إنكار األثر العريب وال تقدم من األدلة ما قدمه‬ ‫اإلسبان الكاثوليك ‪ -‬وال أحسبهم يف قرارة أنفسهم‬ ‫متعاطفني مع العرب واإلسالم»‬


‫نبيلة زباري‬

‫شعرية االنتماء‬ ‫الديوان‪:‬لغة السفر‬ ‫الشاعرة‪ :‬نبيلة زباري (البحرين)‬ ‫النارش‪:‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش‬ ‫عدد الصفحات‪ 144 :‬صفحة من القطع املتوسط‬

‫«لغة‬

‫السفر‪..‬صوت بلبل يف دفاتر األسفار» الديوان‬ ‫الخامس للشاعرة البحرينية نبيلة زباري بعد «حواجز‬ ‫رمادية»‪« ،1994/‬عىس أن يرجع البحر»‪« ،1998/‬همس‬ ‫أزرق»‪« ،2006/‬نبض عىل أوراقي»‪.2006/‬ويضم أربعة عناوين‬ ‫كربى‪ :‬أسفار يف دفرت الغربة‪ ،‬أسفار يف دفرت النزف‪ ،‬أسفار يف‬ ‫دفرت هناك‪ ،‬من دفرت السفر األخري‪ ،‬باالضافة إىل ‪ 32‬نص شعريا‪.‬‬ ‫تتوزع الديوان وحدات داللية مرتبة بعناية‪ ،‬مبا يعني أن األسفار‬ ‫األربعة خطط لها أن تكون عناوين كربى ال عتبات اعتباطية‬ ‫مرصوصة ومتسلسلة‪ .‬وقد تحكمت الوحدات الداللية يف النسق‬ ‫الداليل العام مبا يجعل النصوص الشعرية تجيب عىل أفق‬ ‫األسفار‪ .‬فسواء الغربة‪ ،‬النزيف‪ ،‬األمكنة‪ ،‬الغياب‪..‬جميعها متثل‬ ‫وحدات داللية تؤطر رؤى القصائد والتي وإن جاءت مسكونة‬ ‫بوجع االنكسار إال أنها اختارت أن تشكل صوره من خالل‬ ‫أقانيم محددة‪ .‬فالسفر يتحول لذريعة يك تعلن الذات وجعها‪،‬‬ ‫ولتعيد تشكيل الغربة عن الوطن يف دفرت اختارت أن يضم‬ ‫قصائد من ولع البعاد‪ .‬وطن ترسمه وتشكله من وجع املنفى‬ ‫ورغبة محمومة الستعادة صورته املقدسة‪ ،‬تلك الصورة التي‬ ‫ال ترى إال يف البعد عنه‪ .‬وتهمنا هذه الرؤية يف تلمس سامت‬ ‫هوية تحاول مللمة انكسارها من خالل اإلعالن عن «وحدة‬ ‫الوطن» الذي يتحول بدوره اىل صعود «نحو العطش»‪ .‬ينتهي‬ ‫سفر الغربة بقصيدة مهداة من الشاعرة اىل ابنها املغرتب‪،‬‬ ‫واالغرتاب هنا مزدوج بني وطن ينادي أبناءه‪ ،‬وأم تفقد ابنها‪.‬‬ ‫وهي استعارة مقصودة لالنتقال اىل السفر الثاين النزيف‪.‬‬ ‫يف السفر الثاين املوسوم ب «النزيف»‪ ،‬تحرض قصائد بحس‬ ‫األوطان (العراق‪ ،‬فلسطني‪ ،‬لبنان‪ ،‬البحرين) ويف اإلشارة ملذابح‬ ‫الهجمة الصهيونية تأكيد عىل الحس القومي لرؤى القصائد‬ ‫وربط مبارش بوحدة داللية كربى هي «حب الوطن» وهو‬ ‫الحب الذي يتوجهه هذا السفر باإلشارة اىل البحرين كوطن‬

‫يحتاج ملحبة الجميع‪ .‬هذا التدرج من السفر األول اىل الثاين‬ ‫يحول الذات الشاعرة من انكسارها الداخيل وغربتها الفردية‬ ‫اىل غربة أوسع وأكرث تعددا «غربة األوطان» بكل حموالتها‬ ‫االيديولوجية والنفسية‪ .‬ناهيك عن انخراط هذه الذات‪،‬‬ ‫الواعي يف معانقة هموم وقضايا شعوب تعرضت للظلم‬ ‫والطغيان‪.‬‬ ‫يف السفر الثالث جميع قصائده كتبت يف أمكنة محددة‬ ‫‪ ،‬ولهذا االعتبار يظهر انخراط هذه القصائد يف تشكيل‬ ‫بورتريهات أمكنة‪ ،‬أبعد عن املسح السياحي‪ ،‬بل يف عالقة‬ ‫وطيدة وحميمية بذات أبعد ما تكون عن عني السائحة العابرة‬ ‫والتي تكتفي بقشور الفضاء‪ .‬ذات شاعرة تعيد تشكيل املكان‬ ‫مبيسم خاص إذ ال ننىس انها أمكنة ارتبطت لدى الشاعرة‬ ‫مبشاركات إبداعية‪ ،‬وهو ما يعني أن النص الشعري ظل‬ ‫مفتوحا من لحظة القراءة اىل لحظة الكتابة‪ .‬إذ ال ننىس أن‬ ‫القصيدة سفر يف األمكنة القصية وهو ما جعل من قصائد هذا‬ ‫السفر الثالث ذات خصوصية يف مستويات تركيبها ودالالتها‪،‬‬ ‫بل متلك هذه القصائد خصوصية أعمق للنص الشعري إذ‬ ‫تتجرد الذات يف النص ومتيس األمكنة ذرائع لتلمس مجازات‬ ‫أمكنة قصية‪.‬‬ ‫يف السفر الرابع واألخري‪ ،‬تستدعي القصائد ولع الغياب‬ ‫وانجراحاته‪ ،‬شخوص افتقدتها الشاعرة وأعادت تشكيل‬ ‫حضورها لكن من بوابة «الوطن» إذ ال معنى له دون العائلة‪..‬‬ ‫هي من تعطي لألوطان حضورها وفعلها الوجودي وداللتها‬ ‫العميقة ‪ .‬فسواء «األم» أو «األب» يعمق هذا الحضور من‬ ‫كنه االرتباط باألرض والهوية ويرسم فسيفساء جديدة للوجود‬ ‫ذاته‬ ‫عبد الحي ميفراني‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪21‬‬


‫شعر وشعراء‬

‫محمد بنيس‬

‫الحداثة المعطوبة ‪..‬‬ ‫الكتاب‪:‬الحداثة املعطوبة‬ ‫الكاتب‪ :‬محمد بنيس (املغرب)‬ ‫النارش‪ :‬دار طوبقال للنرش‬ ‫عدد الصفحات‪ 187 :‬صفحة من القطع املتوسط‬

‫بعد‬

‫أن صدريف طبعته األوىل سنة ‪ ، 2005‬يعود‬ ‫الشاعر والناقد املغريب محمد بنيس ليصدر‬ ‫طبعة ثانية من كتابه «الحداثة املعطوبة « وقد أضاف‬ ‫له مقالة واحدة مل ُتنرش يف الطبعة األوىل وهي «املكتبة‬ ‫املفتقدة»‪.‬‬ ‫تنطلق اطروحة الكتاب االساسية من أن الحداثة العربية‬ ‫مل تستطع ألسباب كثرية أن تنجز أو تحقق ما خالج قلوب‬ ‫وعقول الحداثيني الذين ال يشك أحد يف صدق نواياهم‬ ‫تجاه منطقتهم وشعوبهم‪ ،‬لكن الحداثة مل تكن أمرا أدبيا‬ ‫فحسب‪ ،‬ولو كانت كذلك لقلنا ان الحداثة العربية نجحت‬ ‫كل النجاح حيث فشلت قطاعات أخرى كثرية يف مجال‬ ‫التحديث‪ .‬إن األمر أبعد من ذلك‪ ،‬وهذا ما يجعل االستفاقة‬ ‫عىل فجيعة الحلم الحدايث كارثية‪ ،‬ومخيفة‪ ،‬وعربت عن‬ ‫تراجيدياه بالنص الكئيب‪ ،‬نص الحداثة املنطوي عىل نفسه‪،‬‬ ‫والغريب عن اآلخر‪ ،‬النص الذي يعرب عن هذا السقوط‬ ‫املؤمل‪ ،‬والواقع املثري‪.‬‬ ‫ويرى بنيس انه‪ ،‬وألول مرة ستجد الحداثة العربية نفسها‬ ‫خاصة عىل مستوى األدب يف حالة نفي واغرتاب‪ ،‬فهي ال‬ ‫تريد أن تكون ال مع السلطة العربية املستبدة‪ ،‬وال مع‬ ‫الواقع املحتجز من طرف االسالميني‪ ،‬سيغرتب أغلب شعراء‬ ‫الحداثة العرب املهمني ومن الجيلني‪ ،‬بل سيحصد الجيل‬ ‫الثاين ارث الخيبة ذاك‪ ،‬وهم يكتشفون أن كل طموح لن‬ ‫يكون من اآلن فصاعدا ممكنا اال يف تحقق النص األديب‬ ‫الحديث‪.‬‬ ‫وتوصل الشاعر اىل استنتاج هام مفاده ان الحداثة انترصت‬ ‫يف بعض املواقع الهامشية‪ ،‬وفشلت يف مواقع أخري كثرية‪،‬‬

‫‪22‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫ولكن تسارع وترية األحداث العاملية وبداية تفكك النظام‬ ‫العاملي القائم عيل القطبية ونهاية املعسكر االشرتايك‪ ،‬وغزو‬ ‫الكويت من طرف العراق‪ ،‬وحرب الخليج األوىل‪ ،‬والثانية‪..‬‬ ‫الخ كانت عوامل كلها تثري تساؤالت حول الحداثة نفسها‪،‬‬ ‫ومل يكن من السهل فصل الحداثة عن الغرب‪ ،‬وها هو‬ ‫الغرب يعتدي علينا‪ ،‬ويساعد عدو العرب األول ارسائيل‬ ‫عىل التحكم يف املنطقة‪ .‬ان ازدواجية الغرب هي التي‬ ‫ستعيد التفكري يف الحداثة اىل نقطة البدء‪ ،‬وستطرح عىل‬ ‫وعينا أسئلة متعددة‪ ،‬حول عالقتنا به‪ ،‬وعالقتنا بذاتنا‪ ،‬وما‬ ‫الذي يجب فعله يف وضع حرج كهذا‪.‬‬ ‫ويشري بنيس يف املقالة الجديدة التي اضافها للكتاب إىل‬ ‫اختفاء املكتبة من املنزل العريب كديكور جاميل ومعني‬ ‫فكري‪ .‬اختفاء صداقة وتاريخ‪ ،‬مبا يعني محدودية وضيق‬ ‫مساحة العامل الروحي والبرصي لإلنسان‪« .‬تبينّ يل ّأن تص ّور‬ ‫املكتبة ال يدخل يف اهتامم الناس‪ ،‬أكان ُ‬ ‫البيت لفئة ميسورة‬ ‫أو فئة بسيطة الدخل‪ .‬بني الجميع ُم ٌ‬ ‫شرتك متداول دون‬ ‫اتفاق مكتوب‪ ،‬هو املكتبة املفت َقدة»‪.‬‬ ‫ال تدخل املكتبة يف البناء املعامري للمنزل مثل الشبابيك‬ ‫والغرف‪ ،‬إ ّنها غري ُمف ّكر بها ال جاملياً وال ثقافياً‪.‬‬ ‫املصممون العرب‪ ،‬بذلك التص ّور املعامري‬ ‫فال ينشغل ّ‬ ‫الرضوري‪ ،‬وال حتى الجاميل لوجود املكتبة يف املنزل‪.‬‬ ‫مجاورة املكتبة‪ ،‬تع ّلم فيام بعد عادة القراءة باالحتكاك‬ ‫اليومي‪ ،‬هذا اإلهامل يتساوى مع اهتامم املثقف بالكتاب‪،‬‬ ‫عىل أنه مقدّس يجب أن يسود يف ّ‬ ‫كل يشء‪ ،‬وهو بالتايل‪،‬‬ ‫أي الكتاب حكم ودليل معرفة ومفاضلة‪ ،‬لكن املثقف‬ ‫يهمل اعتبار الكتاب موجهاً إىل الحياة سلوكاً وتربية‬


‫صاحب السمو حاكم الشارقة‬ ‫وحضور افتتاح املهرجان‬

‫مهرجان الشارقة للشعر العربي‬

‫لقاء بين جيلين‬

‫جاء مهرجان الشارقة للشعر العربي في موعده السنوي ليجمع بين عدد كبير من الشعراء والنقاد‬ ‫ويحظى باهتمام رسمي‪ .‬ويتفاعل معه عدد كبير من الحضور والجمهور المقيم في الدولة‪.‬‬

‫الشارقة‪ -‬عبدهللا ابوبكر‬

‫غاب الشعر عن مرسح املشهد يف الوطن العريب يف السنوات‬ ‫األخرية‪ ،‬وتوقفت عدة مهرجانات شعرية‪ ،‬وبات كل ما يحيط‬ ‫بالشعر قليل الحيلة وخجول الحضور ‪.‬‬ ‫يغيب الشعر يف املجتمعات العربية املغلوبة عىل أمرها‪،‬‬ ‫والهامئة يف وا ٍد ال يسكنه الشعر‪ .‬ويغيب يف ظل حضور‬ ‫الجهل مبكانته‪ ،‬وسيادته الثقافية والجاملية‪ ،‬ولكن عزاءنا‬ ‫اليوم‪ ،‬هو هذا اإلرصار الذي يظهر يف كل تفاصيل الشارقة‬ ‫قوالً وفعالً‪ ،‬عىل أن يكون الشعر هو الحارض األبقى‪.‬‬ ‫غاب الشعر عربيا‪ ،‬وحرض يف الشارقة‪ ،‬واإلمارات‪ ،‬عرب‬ ‫مهرجان الشارقة للشعر العريب‪ ،‬يف دورته الحادية عرشة‪،‬‬ ‫التي أقيمت بني الفرتة ‪ 24_20‬يناير ‪ ،2013‬وجمعت كوكبة‬ ‫من شعراء العربية من مختلف الدول‪ ،‬إىل جانب عدد من‬ ‫األسامء النقدية املعروفة‪ .‬كام كرمت شاعرين هام اإلمارايت‬ ‫عبدالعزيز اسامعيل و الكويتي الدكتور خليفة الوقيان ‪.‬‬ ‫وشهد حفل االفتتاح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان‬ ‫بن محمد القاسمي‪ ،‬عضو املجلس األعىل وحاكم الشارقة‪.‬‬

‫وبدأ الحفل الذي أقيم يف قرص الثقافة يف الشارقة وسط‬ ‫حضور عدد كبري من الشخصيات واملسؤولني‪ ،‬واهتامم الفت‬ ‫من قبل وسائل اإلعالم املرئية واملسموعة واملكتوبة‪ .‬بكلمة‬ ‫لسعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة‬ ‫واإلعالم بالشارقة‪ .‬أكد خاللها عىل الدور الذي تؤديه إماراة‬ ‫الشارقة يف دعم الثقافة مشريا إىل رعاية صاحب السمو حاكم‬ ‫الشارقة لكل حدث ثقايف يف اإلماراة من شأنه أن يقدم إضافة‬ ‫للمشهد الشعري العريب‪ .‬وكرم صاحب السمو حاكم الشارقة‬ ‫خالل الحفل الشاعر اإلمارايت عبدالعزيز اسامعيل والشاعر‬ ‫الكويتي الدكتور خليفة الوقيان‪ .‬وقرأ املكرمان قصائد لهام‪،‬‬ ‫وتبعهام الشاعر اإلمارايت كريم معتوق الذي قدم قراءة‬ ‫شعرية إىل جانب الشاعر السعودي محمد زايد األملعي ‪.‬‬ ‫وتوزعت الفعاليات بني النقد والشعر‪ ،‬وتضمن برنامج الشعر‬ ‫خمس أمسيات شعرية أقيمت مساء كل يوم الساعة الثامنة‬ ‫يف قرص الثقافة بالشارقة‪ .‬قرأ يف األمسية الشعرية األوىل‬ ‫للمهرجان الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم (اإلمارات)‪ ،‬وعمر‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪23‬‬


‫حدث الشهر‬

‫عناز (العراق)‪ ،‬ود‪ .‬راشد عيىس (األردن)‪ ،‬وأحمد سويلم‬ ‫مساحة للظهور مع أسامء شعرية استطاعت قصائدها ان‬ ‫(مرص)‪ ،‬وقدم األمسية وسام شيا‪ .‬وشارك يف األمسية‬ ‫تنحت أسامء أصحابها يف أعىل صفحات الشعر عرب عقود‬ ‫الثانية يوم الثالثاء كل من مظفر الحامدي (اإلمارات)‪،‬‬ ‫من التجربة‪ .‬وهو ما يسقط بالرضورة عادة غري سليمة كثريا‬ ‫وعبدالعزيز الزراعي (اليمن)‪ ،‬ولينا أبوبكر (فلسطني)‪،‬‬ ‫ما نتابعها يف مهرجات شعرية عربية حيث يكون االحتفاء‬ ‫وعزالدين ميهويب (الجزائر)‪ ،‬وأدار األمسية عبدالله الهدية‪ .‬بالشاعر الواحد‪ ،‬عىل حساب الشعراء اآلخرين املشاركني‪.‬‬ ‫أما األمسية الثالثة يوم األربعاء فضمت الشعراء‪ :‬ومهدي الشارقة يف هذا املهرجان‪ ،‬تقف مع الجميع عىل مسافة‬ ‫منصور (لبنان)‪ ،‬وصالح الدين الغزال (ليبيا)‪ ،‬وسعيد‬ ‫واحدة‪ ،‬حيث يكون الضيف األبرز هو الشعر‪ ..‬الشعر بكل‬ ‫املكتومي (سلطنة عامن)‪ ،‬قدمهم عاطف الفراية‪ .‬ويف‬ ‫اتجاهاته وأسامئه‪ ،‬لتضع نقاط القصيدة عىل حروف القول‪.‬‬ ‫األمسية الختامية مساء يوم الخميس شارك د‪ .‬طالل‬ ‫مل ينعكس هذا التوجه يف اختيار اسامء الشعراء املشاركني‪،‬‬ ‫الجنيبي (اإلمارات)‪ ،‬وجامل الصليعي (تونس)‪ ،‬وإبراهيم بل انعكس أيضا يف عناوين الجلسات النقدية التي خصصت‬ ‫حامد الخالدي (الكويت)‪ ،‬ومنى حسن محمد (السودان)‪ ،‬يف الفرتة الصباحية من املهرجان‪ ،‬وقد دار الحوار يف الجلسة‬ ‫وقدمتهم الشاعرة اإلماراتية شيخة املطريي‪.‬‬ ‫النقدية الثانية يف برنامج املهرجان‪ ،‬حول موضوع «قراءات‬ ‫أما الندوات النقدية املصاحبة للمهرجان‪ ،‬فتمحورت حول املشهد الشعري العريب»‪ ،‬وبحثت الندوة يف قضية تواصل‬ ‫موضوع «القراءة الثقافية للنص الشعري»‪ ،‬وانطقت‬ ‫األجيال‪ ،‬والتمييز بني الشعراء‪ .‬وأضاءت ورقة الدكتور ضياء‬ ‫الندوة األوىل صباح يوم االثنني املوافق ‪،2013-1-21‬‬ ‫خضيرّ حول موضوع الشاعر الواحد‪ ،‬حني قال يف ورقته‪:‬‬ ‫وشارك فيها كل من د ‪ .‬حامدي صمود (تونس) بورقة‬ ‫«إنها جناية النقد يف زمن أيب متام واملتنبي يف املايض‪،‬‬ ‫عمل بعنوان «الشاعر واأليديولوجيا» ود‪ .‬الرشيد بن‬ ‫مثلام هي جناية عىل الشعراء اآلخرين لدى ظهور السياب‬ ‫حدو (املغرب) بورقة بعنوان «الشعر وعوامل االعتقاد»‪،‬‬ ‫وأدونيس ومحمود درويش يف الحارض‪ ..‬ت ْرك الشعراء دون‬ ‫وأدارها الكاتب نواف يونس‪ .‬ويف ندوة صباح الثالثاء التي عناية نقدية كافية تناسب إمكاناتهم»‪.‬‬ ‫خصصت إلعداد «قراءات يف املشهد الشعري العريب»‬ ‫هذا ما يعكس رضورة البحث يف موضوع لطاملا أرق‬ ‫شارك د‪ .‬محسن الكندي (سلطنة عامن)‪ ،‬ود ‪.‬أرشف عطية الكثريين‪ ،‬ومل ينصف الشعراء‪ ،‬حني أخذ بيد البعض منهم‪،‬‬ ‫(مرص)‬ ‫ومل يلتفت أبدا للبعض اآلخر‪.‬‬ ‫ود‪ .‬ضياء خضري (العراق)‪ ،‬وقدم الندوة د‪ .‬هيثم الخواجة‪ .‬مهرجان الشارقة‪ ،‬يف دورته الحادية عرشة‪ ،‬تجاوز الشعارات‬ ‫وعكست األمسيات الشعرية يف مهرجان الشارقة للشعر‬ ‫التي تنادي بالتمييز بني الشعراء‪ ،‬وتفضيل شاعر عىل حساب‬ ‫العريب لقاء شعريا نادرا بني جيلني‪ ،‬فقد شهدت جميع‬ ‫آخر‪ ،‬فهو يف دورته هذه‪ ،‬يقدم صورة بانورامية للمشهد‬ ‫األمسيات تواجد تجارب شعرية معروفة وأخرى صاعدة‬ ‫الشعري‪ ،‬ويواكب التجارب الجديدة التي سيخرج منها‬ ‫لهؤالء‬ ‫وغري مألوفة لجمهور الشعر‪ ،‬ما من شأنه أن يقدم‬ ‫مشاريع شعرية عربية واعدة يف السنوات القادمة‪.‬‬ ‫‪24‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫بيت الشعر في الشارقة‬

‫منبر القصيدة العربية‬ ‫الرابع من نوفمرب سنة ‪ ،1997‬تاريخ ال يغيب عن صفحات‬ ‫املشهد الثقا ّيف واألد ّيب العر ّيب‪ ،‬حيث شهد هذا اليوم مبباركة‬ ‫وحضور صاحب السم ّو الشيخ الدكتور سلطان بن مح ّمد‬ ‫القاسمي‪ ،‬عضو املجلس األعىل حاكم الشارقة‪ ،‬إيقاد شمعة‬ ‫ميالد بيت الشعر يف الشارقة‪ ،‬الذي ما لبث بدوره أن تح ّول إىل‬ ‫منرب مش ّع باإلبداع والعطاء الشعر ّي والثقا ّيف من خالل أبوابه‬ ‫لكل شاع ٍر عر ّيب من مرشق أرض العرب‬ ‫املرشعة وصدره املفتوح ّ‬ ‫إىل مغربها‪.‬‬ ‫وعىل خالف بعض املباين التي تعتليها الفتة كُتب عليها (بيت‬ ‫الشعر)‪ ،‬مل يكن بيت الشعر يف الشارقة مج ّرد بنا ٍء حجر ّي أو‬ ‫إسمنتي مج ّو ٍف فارغ‪ ،‬بل تخلّص من احتامل ّية أن يكون منزالً‬ ‫ّ‬ ‫أو قاع ًة تقليديّة تحتضن نشاطاً معيّناً ث ّم تنزوي أليّامٍ وأسابي َع‬ ‫أو ربمّ ا شهو ٍر دون أن يأيت أح ٌد عىل ذكر اسمها‪ ،‬وحمل معنى‬ ‫وداللة كلمة (بيت) بأبعادها الروح ّية والحميم ّية التي تتنفّس‬ ‫كل مكان‪،‬‬ ‫ملتقى للشعراء واملبدعني من ّ‬ ‫ألف ًة ومح ّبة‪ .‬ليكون‬ ‫ً‬ ‫ومنهالً يسقي الظامئني ملتابعة وقراءة أجيا ٍل مختلف ٍة من كنوز‬ ‫الشعر العر ّيب‪ ،‬حيث يض ّم يف أروقته مكتب ًة تتكاتف عىل رفوفها‬ ‫آالف الدواوين الشعريّة منذ بدء تأريخه وتوثيقه حتّى يومنا‬ ‫الذي نعيش‪.‬‬ ‫أسايس للثقافة‬ ‫ومن منطلق إميانه بأه ّم ّية الشعر كرافد‬ ‫ّ‬ ‫املجتمع ّية وف ٍّن له جامل ّيته وجذوره‪ ،‬فقد تفاعل بيت الشعر يف‬ ‫كل‬ ‫كل البلدان موفّرا ً ّ‬ ‫الشارقة مع الحركة الشعريّة العربيّة يف ّ‬ ‫كل ما يستطيع إلذكاء‬ ‫أسباب الدعم املا ّد ّي واملعنو ّي‪ ،‬وباذالً ّ‬ ‫روح املبادرة لدى املهت ّمني بالدراسات األدب ّية يك ينشطوا يف‬ ‫مجال التوثيق والتأليف عرب قيامه بإصدار العديد من الكتب‬

‫اإلبداع ّية والبحث ّية والنقديّة‪.‬‬ ‫مؤسسة تحظى بدعم وتشجيع مبارش من صاحب‬ ‫ولكونه ّ‬ ‫السم ّو الشيخ الدكتور سلطان بن مح ّمد القاسمي‪ ،‬الذي حرص‬ ‫دامئاً عىل ابراز الدور الثقا ّيف إلمارة الشارقة فكانت عىل م ّر‬ ‫السنني منربا ً ثقاف ّياً عرب ّياً بامتياز‪ .‬فقد دأب بيت الشعر منذ‬ ‫تأسيسه وال يزال‪ ،‬عىل إقامة الفعال ّيات املم ّيزة محلّ ّياً وعرب ّياً‪،‬‬ ‫وإتاحة املجال لجميع األصوات الشعريّة ومن أجيال وجنسيات‬ ‫مختلفة لتكون حارض ًة عرب أمسياته وملتقياته ومهرجاناته التي‬ ‫ولعل أبرز‬ ‫طاملا استضافت أبرز القامات الشعريّة العرب ّية‪ّ ،‬‬ ‫حدث يجمع األسامء الشعريّة الكبرية هو مهرجان الشعر العر ّيب‬ ‫الذي ط ّرز فيه الشعراء العرب عىل مدار عرش دور ٍ‬ ‫ات أجمل‬ ‫رص‬ ‫اللوحات اإلبداعيّة التي ال يزال ينبض بها بيت الشعر‪ ،‬وي ّ‬ ‫عىل العطاء أكرث فأكرث‪.‬‬ ‫منذ دورته األوىل‪ ،‬حرص مهرجان الشعر العر ّيب يف الشارقة عىل‬ ‫حضور شعراء كبار نشأت عىل كلامتهم أجيال من الدارسني‬ ‫واملبدعني‪ ،‬فكان من أبرز الوجوه التي حرضت وشاركت إمياناً‬ ‫بأه ّميّة الشارقة ثقافيّاً وفكريّاً‪:‬‬ ‫الشاعر شوقي بغدادي تح ّدث أيضاً عىل منرب املهرجان عن‬ ‫كل موجات التغري‬ ‫تاريخ القصيدة العرب ّية وصمودها أمام ّ‬ ‫والتب ّدل يف البنية‪ ،‬ملخّصاً نقاشاً عميقاً بنتيجة مفادها أ ّن‬ ‫القصيدة العرب ّية تعيش حالة من النم ّو الرسيع وغري املنظّم‪.‬‬ ‫وزير الثقافة التونيس األسبق الناقد الدكتور عبدالسالم املسدي‪،‬‬ ‫كان له رأ ٌي يف ما يق ّدمه بيت الشعر يف الشارقة قال فيه‪ :‬إ ّن‬ ‫بيت الشعر يف إمارة الشارقة لنئ تكاثر هنا وهناك يف أرجاء‬ ‫يظل بينها الرائد‬ ‫الوطن العريب أشقّاء له يف االسم واملبتغى‪ ،‬فإنّه ّ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪25‬‬


‫حدث الشهر‬

‫يف اإلنجاز‪ ،‬واألقدر عىل غرس قضايا‬ ‫للشعر دون أ ّي إطا ٍر يقيّده‪ ،‬أل ّن الشعر ف ّن‬ ‫لم يكن نشاط‬ ‫الشعر يف فضاء االنتامء‪.‬‬ ‫وإبداع‪ ،‬واإلبداع يتناىف مع القولبة والتأطري‪.‬‬ ‫بيت الشعر‬ ‫اقي‪ ،‬فقد قال يف‬ ‫أ ّما الشاعر كريم العر ّ‬ ‫وكان من بني هذا األسامء شعراء كبار‬ ‫في الشارقة مقتصر ًا‬ ‫حديثه عن هذا الرصح‪ :‬بيت الشعر يف‬ ‫وقامات إبداع ّية ها ّمة من‬ ‫واألمسيات‬ ‫الندوات‬ ‫على‬ ‫الشارقة‪ ..‬هو املبنى واملعنى‪ ،‬بشكله‬ ‫ومن بني من شهدوا بأه ّم ّية بيت الشعر‬ ‫الرتا ّيث الذي نستنشّ ق فيه عبق تاريخنا‬ ‫والدورات التي تعنى أيضاً كان الشاعر د‪.‬مح ّمد نجيب املراد‬ ‫العر ّيب‪ ،‬ومضمونه وما يق ّدمه فيه‬ ‫بالموهوبين‪ ،‬بل كان الذي قال يف معرض شهادة د ّونها بخ ّط يده‪:‬‬ ‫شعراء األ ّمة من إبداعات‪ ،‬تف ّرقت بيوتنا‬ ‫أنبت الحنطة عىل‬ ‫الشعبي بيت الشعر يف الشارقة َ‬ ‫أيض ًا للموروث‬ ‫ّ‬ ‫وتباعدت‪ ،‬لك ّننا التقينا يف بيت الشعر‪.‬‬ ‫شفاه الحروف‪ ،‬وجعل أبجديّة النعناع تثقب‬ ‫وأدب وشع ٍر‬ ‫تراث‬ ‫من‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫وقبل أعوام أيضاً كتب األديب ن ّواف‬ ‫احتكار أبجديّة اإلسمنت‪ ،‬فإذا بأحجار األبراج‬ ‫نبطي‬ ‫ّ‬ ‫يونس مقالة ورد فيها‪ :‬استطاع «بيت‬ ‫الشاهقة تتكلّم بلهج ٍة خرضاء‪.‬‬ ‫الشعر» خالل السنوات الفائتة التي‬ ‫ويف عام ‪ 2011‬كان الشاعر مح ّمد التهامي‬ ‫يجسد أهدافه‬ ‫م ّرت عىل تأسيسه‪ ،‬وعرب فعاليّاته املستم ّرة أن ّ‬ ‫أ ّول املك ّرمني بجائزة بيت الشعر يف الشارقة التي استحدثها‬ ‫واإلبداعي لقامات‬ ‫املتمثّلة يف تأصيل دور الشعر ودعم وتشجيع الشعراء لتفعيل يف السنة ذاتها لتكون تقديرا ً للعطاء األد ّيب‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعي ‪.‬‬ ‫دورهم يف الحراك‬ ‫ّ‬ ‫أسهمت يف نهوض املشهد الثقا ّيف والشعر ّي العر ّيب‪.‬‬ ‫وتحت عنوان مرحباً مهرجان الشعر‪ ،‬كتب وكيل وزارة الثقافة ومل يكن نشاط بيت الشعر يف الشارقة مقترصا ً عىل الندوات‬ ‫والشباب وتنمية املجتمع املساعد لشؤون الثقافة والفنون‪،‬‬ ‫واألمسيات والدورات التي تعنى باملوهوبني الناشئة والجلسات‬ ‫الباحث بالل البدور مقاالً يف عام ‪ 1998‬قال فيه‪ّ :‬‬ ‫كل يومٍ‬ ‫ٍ‬ ‫سنوات الشعر واإلبداع‬ ‫النقديّة والنقاش ّية التي تناولت عرب‬ ‫الشعبي‬ ‫تؤكّد الشارقة دورها الرياد ّي‪ ،‬وصدق اختيارها عاصمة للثقافة والبحث والتأليف والطباعة‪ ،‬بل كان أيضاً للموروث‬ ‫ّ‬ ‫العرب ّية لعام ‪ ،98‬هذا اللقب الذي أحرزته الشارقة عن جدارة من تر ٍ‬ ‫حص ٌة وقعت عىل عاتق بيت‬ ‫اث ٍ‬ ‫نبطي‪ّ ،‬‬ ‫وأدب وشع ٍر ّ‬ ‫الشعبي يف عام‬ ‫واستحقاق‪ ،‬نظرا ً للجهود املبذولة يف هذا الشأن‪ .‬وختم البدور الشعر وإدارته قبل تأسيس مركز الشارقة للشعر‬ ‫ّ‬ ‫ظل بيت الشعر‬ ‫ما كتبه قائالً‪ :‬أنا عىل يقني من أ ّن هذا املهرجان سيضع قدمه ‪ 2008‬وافتتاحه رسميّاً مطلع عام ‪ ،2009‬حيث ّ‬ ‫بثبات عىل خريطة املهرجانات الشعريّة العربيّة‪.،‬‬ ‫الشعبي‬ ‫ألكرث من خمس سنوات ينظّم مهرجان الشارقة للشعر‬ ‫ّ‬ ‫ولن يكون الشاعر عيل العامري آخر من كتب عن املهرجان‬ ‫محقّقاً خاللها نجاحات جعلت منه ِقبل ًة أله ّم شعراء الساحة‬ ‫ات‬ ‫ر‬ ‫وق ّدم شهاد ًة فيه‪ ،‬حيث نرش مؤ ّخرا ً مقاالً يف صحيفة «اإلما‬ ‫الشعب ّية يف منطقة الخليج والوطن العر ّيب عموماً‪ ،‬ليحمل بعدها‬ ‫اليوم»‪ ،‬يف األجواء التحضرييّة للدورة الحال ّية من املهرجان جاء هذا الرصيد العايل من النجاحات ويسلّم الراية ملركز الشعر‬ ‫فيه‪ :‬منذ تسلّم الشاعر محمد الربييك مسؤول ّية إدارة «بيت‬ ‫الشعبي بقواعد راسخ ٍة ومتين ٍة تضمن له االستمرار عىل الوترية‬ ‫ّ‬ ‫الشعر»‪ ،‬قبل نحو ستة أشهر‪ ،‬أكّد أنّه سيكون بيت الشعراء‬ ‫ذاتها التي تليق باسم الشارقة تلك املنارة التي تخطف أبصار‬ ‫جميعا‪ ،‬من مختلف االتّجاهات الشعريّة ومن مختلف األجيال‪ ،‬املبدعني وتستقطبهم من مختلف األصقاع‪.‬‬ ‫وسيعنى باكتشاف املواهب الجديدة ورعايتها وتقدميها إىل‬ ‫قد ال تفي السطور والصفحات إلحصاء ما قام بإنجازه بيت‬ ‫الساحة الثقافية‪.‬‬ ‫املؤسسة‬ ‫الشعر ‪ -‬وال يزال ‪ -‬وال يق ّدم جديدا ً من يقول إ ّن هذه ّ‬ ‫وكثرية هي األسامء التي شهدت بتألّق هذا البيت وأه ّم ّية ما‬ ‫منذ تأسيسها وإطالق مهرجانها الشعر ّي أصبحت من األه ّميّة‬ ‫ينجزه ويق ّدمه من فعاليّات وأفكار أسهمت يف نهوض املشهد مبكانٍ ‪ ،‬إال أ ّن الرجوع إىل سرية مهرجان الشارقة للشعر العر ّيب‬ ‫اإلبداعي والثقا ّيف ليس اإلمارايتّ منه وحسب‪ ،‬وإنمّ ا العر ّيب‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫سنوات خل َْت‪ ،‬يفيدنا أن نقرص القول ‪ -‬وإن ال ميكن ‪ -‬ا ّن‬ ‫لعرش‬ ‫له‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫يتس‬ ‫يك‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫اف‬ ‫ر‬ ‫الجغ‬ ‫األطر‬ ‫كل‬ ‫ّ‬ ‫ّي‬ ‫ط‬ ‫لتخ‬ ‫ويسعى‬ ‫بل‬ ‫بأرسه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يستظل بفيئها املشهد الثقا ّيف‬ ‫ّ‬ ‫هذا املهرجان بذر ٌة ومثر ٌة وخميل ٌة‬ ‫أن يربط االسم باملس ّمى ربطاً وثيقاً‪ ،‬فيبلغ العامل ّية ويكون بيتاً العر ّيب بأرسه‬ ‫‪26‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫نصوص‬

‫الفنانة سعاد العطار‬

‫مهدي منصور‬ ‫راشد عيسى‬

‫جمال الصليعي‬

‫سعيد بن محمد المكتومي‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪27‬‬


‫نصوص‬ ‫مهدي منصور‬

‫ُّ‬ ‫الظل فجرٌ داكن‬ ‫��ب امل��دي��ن�� ِة ص���ا ِح‪...‬‬ ‫عتبي ع�لى َع��تَ ِ‬ ‫ت��ح��ت وش��اح��ي‪..‬‬ ‫رغ��� َم اخ��ت�ما ِر ال��ك��رمِ‬ ‫َ‬

‫ُ‬ ‫ال��ن��خ��ل ل��ل��غ��رب��ا ِء يف‬ ‫ُ‬ ‫ي���ق���ول‬ ‫أن����ا م���ا‬ ‫ب�����غ�����دا َد‪..‬أنّ�����تُ����� ُه ام�����ت�����دا ُد ص���داح���ي‬

‫غ���ادرتُ���ه���ا يك أج���م��� َع األع���ي���ا َد للـ‬ ‫أط�����ف�����ا ِل يف م�������دنٍ ب��ل��ا أف������راح‬

‫ق��ل��ب��ي ي���ق���ي��� ُم ب���ك���رب�ل�ا َء‪..‬ون���ب���ض��� ُه‬ ‫ِ‬ ‫��ي�ن ال����س����ا ِح وال���س���فّ���ا ِح‬ ‫يف‬ ‫ال����ق����دس ب َ‬ ‫***‬ ‫«س���ل���واي» حتى ال��ب��ح�� ُر ي��رق�� ُد وال��ط��ي��و ُر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ت�����دث ِّ����� ُر ال�����ذك�����رى ب���������دفء ج���ن���ا ِح‬

‫«من أنت؟!» تسألني املدين ُة «من!؟» كأ ْن‬ ‫اق��ت��ب��اس غ�����دي‪..‬وأ َّن صباحي‪...‬‬ ‫وج��ه��ي‬ ‫ُ‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ف������داك‪ -‬أت�����و ُه ع���بّ���ادا ً‬‫لشمس‬ ‫وأن����ا‬ ‫���ي���ن رم����اح����ي‬ ‫�����ي����ر ب‬ ‫م����واج����ع����ي وأس‬ ‫َ‬ ‫ُ‬

‫َ‬ ‫ه��ن��ال��ك ف��ت�شي ع��ن��ي م���ع ال��ـ‬ ‫ث����ا ٍو‬ ‫ف����ق����راء إالّ م����ن إب�������ا ِء ال����س����ا ِح‪.‬‬

‫ُ��ط��اي ودهشتي‬ ‫ت��رع��ى ال��خ��ط��اي��ا‪..‬يف خ‬ ‫َ‬ ‫واس���ت���وط���ن���ت أق���داح���ي‬ ‫ه���ج���رتْ ف��م��ي‬ ‫ْ‬

‫ِ‬ ‫مل‬ ‫ت��ع��ب��ث األي����ا ُم ب��ال��وج�� ِه ال��ح��زي��نِ‬ ‫ف����ح����اويل أن ت����ذك����ري أت�����راح�����ي‪...‬‬ ‫***‬ ‫أن���ا وامل���دي���ن��� ُة ت��وأم��انِ ‪..‬م�لام��ح��ي‬ ‫‪..‬وب������ؤس ض����وا ِح‬ ‫وط����� ٌن ب�ل�ا وط������نٍ‬ ‫ُ‬

‫ق����اب ش����وقٍ م��ن غ��دي‬ ‫ي��ا م��ن ت�����راءتْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل����ن����زف ج���راح���ي‬ ‫امل�����ن�����ه�����ارِ‪..‬أو أدىن‬ ‫َ‬ ‫دميي‪.‬همس يومي‬ ‫غيمي‪»..‬دال»‬ ‫يا «مي َم»‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل����ل����غ����د ال�����غ�����ايف ب�����ل�����ونِ وش����اح����ي‬

‫ي�س�ري نُ���واح���ي يف نَ���واح���ي عزلتي‬ ‫وت���������ر ُّد آف�����اق�����ي إ َّيل نُ����واح����ي‬

‫ِ‬ ‫شفاهك‬ ‫أق����رب للحقيقة م��ن‬ ‫ك���أس‬ ‫ال‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ش�����ع�����رك ال������ف������ ّوا ِح‬ ‫م�����ن مت���������� ّو ِج‬

‫ُّ‬ ‫أن��ا َ‬ ‫ال��ش��ك امل��س��او ُر يف ص��دو ِر‬ ‫ذل���ك‬ ‫األول�������ي�������ا ِء س���ك���ي���ن��� َة‬

‫األروا ِح‬

‫ِ‬ ‫�ي�ر‪...‬ف���ه���يّ���ئ���ي‬ ‫ع���ي���ن���اك‬ ‫َ‬ ‫م���ن���ف���اي األخ ُ‬ ‫��ي�ن م����ن ح����ل����مٍ ‪..‬وم����ن إص�����ب�����ا ِح‪...‬‬ ‫ظ����لّ ِ‬

‫أن���ا م��ا ت��ب��قّ��ى م��ن ش��ع��ا ِع ال��ل�� ِه يف‬ ‫ال���وث���ن���ي‪ ..‬غ���ف���را ُن ال���س�م�ا ِء امل��اح��ي‪..‬‬ ‫ِّ‬

‫اع‪..‬وب���ع���ض ش��ط��آين تساف ُر‬ ‫أع��م��ى ال�ش�ر‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ي����دي����ك وب���ع���ضُ ���ه���ا يف ال����������� ّرا ِح‪...‬‬ ‫يف‬

‫ِ‬ ‫س�لاالت‬ ‫أن��ا آخ�� ُر ال��دم��عِ املصفّى من‬ ‫ِ‬ ‫ائ�������س األت�����������را ِح‬ ‫األىس وع�������ر‬

‫ي���ب���ق يل إالّ ش���ف���ا ُه ِ‬ ‫���ك واألىس‬ ‫مل‬ ‫َ‬ ‫أق����ب����ض راح����ي‬ ‫وع���ل���ي���ك�م�ا «س�����ل�����وي»‬ ‫ُ‬

‫ورجعت ‪»-‬سلوى»‪ -‬بعد ألف قصيد ٍة‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫�ش�ر أق�����ا ِح‪...‬‬ ‫ع��ن��ه�� ْم‬ ‫وع���ن���ك‪..‬وب���ع��� َد ع ِ‬

‫‪28‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫راشد عيىس‬ ‫ماذا عليك؟‬

‫ف���ال���ظ���ل ص������وتٌ داك����� ٌن‬ ‫ُّ‬ ‫ال ت���ي���أيس‬ ‫ِ‬ ‫ق���ص���ائ���د امل���ص���ب���ا ِح‪..‬‬ ‫ل���ل���ف���ج���رِ‪..‬رج��� ُع‬ ‫أن����ا رغ����� َم أرت�������ا ِل ال����� ّري�����ا ِح ت��� ُه��� ُّدين‬ ‫أم����ت����ص ع�������ز َم ج���ن���ونِ���ه���ا ل���ري���اح���ي‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫غ��م��د اإلب��ا‬ ‫ش��م��س ال��ف��ج�� ِر م��ن‬ ‫�����ل‬ ‫وأس ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ب������أس س�لاح��ي‬ ‫ر‬ ‫ال���ع���م���‬ ‫ل���ي���ل‬ ‫َ‬ ‫ألذي�������ق‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي��خ��ف��ض ه��ا َم�� ُه‬ ‫��ي�ن‬ ‫ُ‬ ‫وامل������وج ي��ق��ص�� ُد ح َ‬ ‫ُ‬ ‫أالّ دىن ت���ع���ل���و أم��������ا َم ُج��م��اح�����ي‪...‬‬ ‫ِ‬ ‫خ���طِّ���ي ب���غ�ي�رِ‬ ‫ال����وق����ت ل��ح��ظ�� َة ح�� ّب��ن��ا‬ ‫وت�����وس�����دي ور َد ال����ن����دى‪..‬وارت����اح����ي‬ ‫ّ‬ ‫ك�����ل ن��ج��وم�� ِه‬ ‫َّ‬ ‫مل ي���ن���ح��� ِر ال����ت����اري���� ُخ‬ ‫وم������ض ص����ا ِح‬ ‫م����ا زال يف ال���ع���ن���ق���و ِد‬ ‫ٌ‬

‫ماذا َ‬ ‫َ‬ ‫غضبت بأن تحاو َر إص َب َع ْك‪،‬‬ ‫عليك إذا‬ ‫و َت ُش َّم عط َر َق َر ْن ُف َل ْة ؟‬ ‫ماذا َ‬ ‫َقرت ومل تج ْد قرشاً ْ‬ ‫عليك إذا ا ْفت َ‬ ‫معك ‪،‬‬ ‫أن تكتفي بالخردل ْة ؟‬ ‫وبيت َ‬ ‫ماذا َ‬ ‫قلبك ل َّو ْ‬ ‫عشقت ُ‬ ‫َ‬ ‫عك ‪،‬‬ ‫عليك إذا‬ ‫تس َت ِكنَّ بدمع ٍة ُم َت َبتِّل ْة ؟‬ ‫أن ْ‬ ‫ماذا َ‬ ‫وأوج َع ْك ‪،‬‬ ‫عليك إذا الصديق غدا العد َّو َ‬ ‫بسنبلة ؟‬ ‫أن َت ْلتَقي ِه ُ‬ ‫ماذا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫فقدت هو َّيتها‬ ‫رصخت ُبأم ٍة‬ ‫عليك إذا‬ ‫ومل تنظ ْر َ‬ ‫تس َم َع ْك ‪،‬‬ ‫إليك لِ ْ‬ ‫أن تستْيض َء بنجم ٍة ْ‬ ‫مرت بل ْيلِ املرحل ْة ؟‬ ‫ماذا َ‬ ‫َ‬ ‫خطاك َ‬ ‫وض َّي َع ْك ‪،‬‬ ‫عليك إذا الطريقُ لوى‬ ‫أن تحتفي بالبوصلة ؟‬ ‫ماذا َ‬ ‫عليك إذا َنبا ِب َك طائ ُر الح ْل ِم الجميلِ‬ ‫ليخ َدع َْك ‪،‬‬ ‫أن تنتيش و ُت َد ِّ�ل َل ْه ؟‬ ‫ماذا َ‬ ‫َ‬ ‫رضبت جذو َر ح ِّب َك يف الحيا ِة ‪،‬‬ ‫عليك إذا‬ ‫وجاءك ُ‬ ‫املوت الو ُّيف لي ْق َل َع ْك ‪،‬‬ ‫أن َتتّقي ِه بضحك ٍة ُمتَمهل ْة ؟‬ ‫عليك ! ْاصبرِ ْ َ‬ ‫ماذا َ‬ ‫اضح ْك ْ‬ ‫عليك !‬ ‫عليك ! َ‬ ‫موت‬ ‫السعيد ُة عند ِ‬ ‫ماذا ستن َف ُع َك اإلجابات َّ‬ ‫األسئلة ؟!‬ ‫ْ‬ ‫بني فر ٌ‬ ‫اشة يف موق ٍد‬ ‫هذي ح َيا ُت َك يا َّ‬ ‫أو ورد ٌة يف قنبل ْة !!‬

‫الفنان جهاد العامري‬

‫ً‪..‬أت������اح مل��� ْن‬ ‫س���ج���ن���ي أىت ح������لُ���م��ا‬ ‫َ‬ ‫ك������واك������ب امل�����م�����را ِح‬ ‫ي����ت����وس����ل����و َن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫أن ي���وق���ظ���وا وط���ن���اً‬ ‫ب������أرض ذوات���ه���م‬ ‫وط����ن����اً أس��ي��ر ال���������ور ِد دو َن رسا ِح‪..‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪29‬‬


‫نصوص‬

‫الفنانة سعاد العطار‬

‫عند مدين‬ ‫وم ّر من ليله الحـــــــــــــــاين أوائـــله‬ ‫وألبست صحوات الطـــــــني غــفوتها‬ ‫وأسلمت جـيـــــــــدها أنثى لشاعـرها‬ ‫وأرس����ل ال��ف��ج��ر ق��ب��ل ال��ف��ج��ر نسمـته‬ ‫ك����ل ح��ب��ي��ب ض��ل��ع ك��ات��ـ��م��ه‬ ‫وض����� ّم ّ‬ ‫وك��ن��ت أس��م��ع يف روح���ي مـواجدهم‬ ‫ال أرض ل��ل�أرض إذ الخ��ط��و يف قـدم‬ ‫ت��ر ّج��ل ال��ط�ين ع��ن طيني لريفـعـني‬ ‫وأرسج���ت ن��ار م��ن ن��ه��وى ع�لى جـبـل‬ ‫ل��ع��ل ج��ان��ب ه���ذا ال��ط��ور ينفحـني‬ ‫م��ا ك��ن��ت أط��م��ع أن يلقى إىل جبـل‬ ‫أن��خ��ت مث ّ���ة رح�ل�ي ح��ي��ث م��ا رحلـت‬ ‫وض��ع��ت ع��ن ظهر روح���ي م��ا تـنوء به‬ ‫وأرب����ك ال��ع��ق��ل أن ن���ودي إل��ـ��ى أفـق‬ ‫ك ّنا نقيس مب��ا يف األرض م��ن حــسـب‬ ‫ل��ربمّ��ا ص��دق��ت‪ ،‬ب��ل إنّ��ه��ا صــدقـــت‬ ‫ف���األرض م��ذ دح��ي��ت ق��ال��ت مـعارفـها‬ ‫وال���ك���ون أج��م��ع��ه م���اض إىل هــدف‬ ‫يا كاتب الخطو هل دريب يشــاركـني‬ ‫اع����ذر غ��ي��ايب ت��رفّ��ق يب فراحـلــتي‬ ‫ال‪ ،‬ال ت��ق��ل إنّ��ن��ي ك��ن��ت ال��ـ�� ّدل��ي��ل لها‬ ‫ل��و كنت ق��ائ��ده��ا‪ ،‬ه��ل كنت مـوردها‬ ‫ك��ان��ت ت��س��اق ب��أم��ر ال��ج��ه��ل مغـمضة‬ ‫ب��ل ك��ن��ت أع��ل��م أنيّ ف���وق م��ا علـمت‬ ‫‪30‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫ِ‬ ‫م��ن��ت��ص��ف‬ ‫وم�����ال م��ن��ت��ص��ف��ا أوب��ـ��ـ��ع��د‬ ‫ِ‬ ‫كــــلف‬ ‫وأش��ع��ل��ت طلعة ال��ن��ج��وى حشا‬ ‫ِ‬ ‫خ��ـ��زف‬ ‫ك����ف خ����� ّزاف ع�ل�ى‬ ‫وم��س��ح��ت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫شـغـف‬ ‫ت��ح��ن��و ع�لى ك��ب��د م���� ّدت ع�لى‬ ‫ِ‬ ‫ملعـتـرف‬ ‫��ص��م��ت أن يصغي‬ ‫وط���اب ل��ل ّ‬ ‫ِ‬ ‫س��ـ��دف‬ ‫وك��ن��ت أب�ص�ر م���لء ال��لّ��ي��ل م��ن‬ ‫ِ‬ ‫عكـف‬ ‫وم��ط��ل��ق ال��وق��ت ي�س�ري يف دج���ى‬ ‫ِ‬ ‫كـتـف‬ ‫ب����راق ش���ك���واي م��ح��م��وال ع�ل�ى‬ ‫أو أرسج����ت ج��ب�لا‪ ،‬ي���ا ن���ار فانكشفي‬ ‫ِ‬ ‫وال��ـ��ـ��ك��ـ��ن��ف‬ ‫ب��ن��ف��ح��ة م���ن س�ل�ام ال��� ّن���ار‬ ‫ف��ق��د ن��س��ج��ت ب��أم��ن ال��� ّن���ار مـلتحفي‬ ‫ِ‬ ‫ال��ـ��وج��ـ��ف‬ ‫ه��ن��اك إالّ م��ط��اي��ا ال��خ��ائ��ف‬ ‫ِ‬ ‫س��ـ��رف‬ ‫م��ن ال��ح��م��ول ف��ل��م ت��أس��ف ع�لى‬ ‫ِ‬ ‫يـقـف‬ ‫م���ن امل����وازي����ن مل ي����درك ومل‬ ‫ِ‬ ‫بـمنحرف‬ ‫مل تخطئ األرض ب��ل قسنا‬ ‫ِ‬ ‫��ص��ف‬ ‫ن��ح��ن اخ��ت��ل��ف��ن��ا ع�لى م��ي��زان��ه��ا ال�� ّن‬ ‫ِ‬ ‫ك��ل��ف‬ ‫وم�����ا ق��وان��ي��ن��ه��ا إالّ ع��ل��ـ��ى‬ ‫ِ‬ ‫ه��ـ��دف‬ ‫وال��� ّن���اس أك�ث�ره���م س�����اروا ب�ل�ا‬ ‫م���زال���ق ال��خ��ط��و أم ح�� ّم��ل��ت��ن��ي صــديف‬ ‫ِ‬ ‫عــصف‬ ‫ظ��لّ��ت ت��س��اق إىل م��س��ت��وح��ش‬ ‫ِ‬ ‫نــشف‬ ‫أل��س��ت تشهد ك��م سيقت إىل‬ ‫م��ه��ال��ك ال���ورد‪،‬ق���ل ع���ذري ومــنتصفي‬ ‫ِ‬ ‫ال��ح��ش��ـ��ف‬ ‫وك��ن��ت أح��س��ب مت����را ك��ي��ل��ة‬ ‫م��ص��اع��د ال��ع��ل��م‪ ،‬ي��ا ج��ه�لي وي���ا خــريف‬


‫ل��ع��لّ��ن��ي ك��ن��ت م���ع���ذورا ويب سـبب‬ ‫ال تتّهم عنكبوت ال��ق��ول أن نــسـجت‬ ‫ك��ان ال ّنسيج بخيط ال�� ّن��اس مــنســجه‬ ‫ال تكتب اآلن‪،‬ي كفي م��ا كتبت غــدا‬ ‫أن��ا ال���ذي كنت أم�ل�ي‪ ،‬كيف م��ا فطنت‬ ‫وح���دي أن��ا كنت دون ال�� ّن��اس مرتـبـكا‬ ‫ي��ا ش��وك دريب لقد أدم��ي��ت م��ن حلـمي‬ ‫غ���ادرت (م��دي��ن) يستعيل ال��ط��غ��اة بـها‬ ‫ب��ال��ق��اب��ض�ين ع�ل�ى م���اء امل��ن��ى صـلـف‬ ‫ض��ع��اف م��دي��ن وال��ع��ط�شى وم��ن غـفـلوا‬ ‫ال ن��ار يف ي��ده��م‪ ،‬ال م��اء يف غــدهــم‬ ‫ي���ق���وده���م زم�����ن أع��ش��ى إىل زم��ـ��ن‬ ‫غ���ادرت���ه���م‪ ،‬وج������راري ن��ص��ف ف��ـ��ارغ��ة‬ ‫ّ‬ ‫وم���ح���ك ال��� ّري���ب علـمـني‬ ‫غ��ادرت��ه��م‬ ‫فاقبض م��ن اآلن يف مي��ن��اك م��ا بــعـثت‬ ‫وق���ل ب���ريء أن���ا م��ن أم���ر يــــوسفكم‬

‫ِ‬ ‫للـجـنف‬ ‫س����وي ال��خ��ط��و‬ ‫أم��ال��ن��ي ع��ن‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫وال��ـ��س��ج��ـ��ف‬ ‫م���ن امل��ع��اذي��ر واألس���ت���ار‬ ‫ِ‬ ‫ض��ع��ـ��ف‬ ‫اآلن ب��ّي�نّ م���ا ي��ح��ـ��وي��ه م���ن‬ ‫أخ�شى ك��ت��اب��ك‪ ،‬أخ�شى م��اح��وت صحـفي‬ ‫ج����وارح����ي أ ّن م���ا أم��ـ��ل��ي��ت��ه تلـفي‬ ‫ِ‬ ‫ه��ـ��دف‬ ‫ك��ح��اط��ب ال��لّ��ي��ل ح��ـ��ـ��طّ��اب��ا ب�لا‬ ‫ِ‬ ‫نــزف‬ ‫ال��ص�بره��ا أمـــيش ع�لى‬ ‫م��واط��ئ ّ‬ ‫ِ‬ ‫مل��غ��ـ�ترف‬ ‫ول���ي���س يف م��ـ��ائ��ه��م ف��ض��ل‬ ‫ِ‬ ‫ال��ع��زف‬ ‫وب��ال��ح��ي��ارى ارت���ب���اك ال��ـ��ع��اج��ز‬ ‫ِ‬ ‫أســـف‬ ‫وال��ق��اع��دون ع�لى ح��ال�ين م��ن‬ ‫ِ‬ ‫ك��ل��ـ��ف‬ ‫م��س��ت��ض��ع��ف��ون ب�ل�ا ج��ـ��ه��د وال‬ ‫ِ‬ ‫ج��ـ��رف‬ ‫أع���م���ى إىل زم����ن أغ���ب���ى إىل‬ ‫ِ‬ ‫ت��ل��ـ��ف‬ ‫ون��ص��ف��ه��ا ن��ص��ف��ه أوىف ع�ل�ى‬ ‫ِ‬ ‫صلـف‬ ‫أ ّن اليقـــــني ع�لى مرمى دج��ى‬ ‫ِ‬ ‫��ـ��ـ��زف‬ ‫مـطالع ال�� ّن��ور م��ن أوج��اع��ك ال�� ّن‬ ‫ِ‬ ‫مل��خ��ت��ط��ف‬ ‫ي���ا ت���ـ���اريك ي��وس��ف��ي ن��ه��ب��ا‬

‫سعيد بن محمد املكتومي‬ ‫صرخات الصمت‬

‫سلهــا أغ ّنته شوقــــا يف الهــوى العطــــر‬ ‫وأسكنـــــته مســـافــــــــات وأزمنـــــــة‬ ‫وسامــرت طيفـــه مــوجــــا وأرشعـــــة‬ ‫وألهمته انبعـــــاثــــات املــــدى صــــورا‬ ‫علـــى نهــــــايــــاته املمتـــدة انصهــــرت‬ ‫واستبدلت أوجه األيــام وانتحــــــــرت‬ ‫وام��ت��دت ال��رح�لات السمـــر وامتشقت‬ ‫نبوءة الرمل تغـــيل يف محـــاجـــرهــــــــا‬ ‫أخفت عن الزمــــــن اآليت عبـــــــاءتها‬ ‫واغتيلت األم��ن��ي��ات البكر وامتعضت‬ ‫وأم��ط��رت نزعات الصمت أرصفـــــــة‬ ‫هناك رائحــــة الحــــــلم الذي عـــــبثت‬ ‫هنـــــاك تخــــتمر الثــــورات ناظــــرة‬ ‫تســــري صباحاته عزمـــــا بــأوردة‬

‫وجـاذبته غرامــا فـــي الصبــا النضــ ِر‬ ‫ح�يرى تجوب ارتعاشات الغد الحـــذ ِر‬ ‫وشاطئـــا ب��دوي العشق والسمــــــ ِر‬ ‫مــــن الرتقب فــــي إطاللة القــــد ِر‬ ‫ك��ل البدايــــات فـي س��ادي��ة العمــ ِر‬ ‫أس��ط��ورة ال��ظ��ل ب�ين ال��ري��ح واملطـــ ِر‬ ‫مخــــاوف الجـــرح روحانية البصــ ِر‬ ‫عصــــارة الوجع اململـــوء بالسفـــ ِر‬ ‫فراودتـــــها خيوطا رعشة الخبـــ ِر‬ ‫حــرية ال��وم��ض��ات البيض يف الحف ِر‬ ‫ت�ئن مـــن أمسها امل��وع��ود بالظفــ ِر‬ ‫ب��ه ال����دروب ع�لى ال��ش��ط��آن والجــز ِر‬ ‫فجــــرا يطل ب�لا ح��زن وال ضجـــ ِر‬ ‫ممــــلوءة بـــــدم الحريــــة العطــــ ِر‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪31‬‬


‫ً‬ ‫نظريا‬

‫‪.‬‬

‫صبحي حديدي‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬

‫براءة إيهاب حسن‬

‫يف‬

‫تقديم كتابه األحدث‪ ،‬الذي حمل هذا العنوان املفاجئ‪« :‬يف البحث عن ال يشء‪ :‬مقاالت مختارة‪ 1998 ،‬ـ ‪ ،»2008‬يقول الناقد‬ ‫املرصي ـ األمرييك إيهاب حسن‪« :‬هذه مقاالت مختارة‪ ،‬حني يطمح العمر‪ ،‬وقد أعيته السنون‪ ،‬إىل براءة ثانية‪ ،‬فال يبحث عن يشء‪،‬‬ ‫ومع ذلك فإنه ّ‬ ‫يظل مدفوعاً بشباب ملحاح»‪ .‬وهذا إقرار جديد‪ ،‬من ذهن فائق التأمل وفريد االستخالص‪ّ ،‬‬ ‫بأن تع ّقب املفاهيم الشائكة ال‬ ‫يفيض بالرضورة إىل انكشاف «براءة» أصولها‪ ،‬بل قد ينتهي باملتأمل إىل النقيض‪ :‬فقدان الرباءة!‬ ‫إيهاب حبيب حسن‪ ،‬ملن ال يعرفه بعد‪ ،‬ولد يف القاهرة عام ‪ ،1925‬وهاجر إىل الواليات املتحدة عام ‪ ،1946‬حيث يقيم ويعمل يف تدريس‬ ‫األدب بعد أن تخىل عن الهندسة‪ ،‬اختصاصه الدرايس األصيل‪ .‬وهو ّ‬ ‫يحتل موقعاً متميزاً‪ ،‬سواء عىل الصعيد األكادميي األمرييك والعاملي‬ ‫(إ ْذ حارض ود ّرس يف قارات العامل الخمس)‪ ،‬أو عىل صعيد النظرية والدراسات النقدية‪ .‬ومنذ عام ‪ ،1961‬تاريخ صدور كتابه األول «الرباءة‬ ‫الراديكالية‪ :‬دراسات يف الرواية األمريكية املعارصة»‪ ،‬وحسن يجري سلسلة تنويعات عىل مبدأ نقدي متامثل‪ ،‬يساجل بأن السمة املركزية‬ ‫يف األدب الحديث و«ما بعد الحديث»‪ ،‬خاصة هي العدمية الراديكالية‪ ،‬يف مسائل الفنّ والشكل واللغة‪.‬‬ ‫هذا‪ ،‬يف عبارة حسن الشائعة‪ ،‬هو «أدب الصمت» الذي «يدور حول نفسه‪ ،‬وينقلب عىل نفسه‪ ،‬ليك يعلن الرفض التا ّم للتاريخ الغريب‪،‬‬ ‫ولصورة اإلنسان كمقياس لألشياء جمعاء»‪ .‬وبغية التعمق أكرث‪ ،‬أصدر حسن كتابه الثاين «أدب الصمت‪ :‬هرني ميللر وصموئيل بيكيت»‪،‬‬ ‫واألهم رمبا‪« :‬تقطيع أوصال أورفيوس‪ :‬نحو أدب ما بعد حدايث» (‪ .)1971‬وإجامالً كانت النتائج تنتهي بهذا‬ ‫ثم أعقبه بكتابه األشهر‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫األدب إىل االغرتاب عن العقل واملجتمع والتاريخ؛ واختزال جميع االلتزامات الطبيعية أو املختلقة املفروضة يف عامل البرش؛ واستثامر‬ ‫حاالت الذهن القصوى‪ ،‬مبا يف ذلك االنفصال عن الطبيعة‪ ،‬أو اللجوء إىل األمناط املنحرفة من امليول الحيوية واإليروسية؛ وسلخ اللغة‬ ‫عن الكالم اليومي‪ ،‬مبا يف ذلك تحريف األفكار التقليدية حول الشكل؛ مناهضة كل ما يتصل مببادىء مثل «السيطرة»‪ ،‬و»الحكمة»‪،‬‬ ‫و»الثبات»‪ ،‬و»النسق التاريخي»‪.‬‬ ‫ويف دراسة رائدة بعنوان «نحو مفهوم ملا بعد الحداثة»‪ ،‬اشتهرت ألنها منحته سلطة التنظري للمفهوم بأرسه‪ ،‬حاول حسن تقديم تخطيط‬ ‫مدريس توجيهي وتجريبي لظاهرة ما بعد الحداثة‪ ،‬وجهد يف توسيع نطاق هذا التخطيط املقارن مع الحداثة‪ ،‬فرسم موشوراً عريضاً من‬ ‫األسامء والتيارات واألساليب‪ ...‬ليك يتجنّب‪ ،‬أغلب الظنّ ‪ ،‬تلك املهمة العسرية‪ ،‬املتمثلة يف اعتصار تعريف ما‪ ،‬لحركة عجيبة غامئة املالمح‪.‬‬ ‫والنزاهة التاريخية تقتيض التذكري بأن الفرنيس جان ـ فرانسوا ليوتار‪ ،‬الذي يتفق الكثريون عىل اعتباره فيلسوف ما بعد الحداثة األ ّول‪،‬‬ ‫كان قد اعتمد عىل أعامل حسن يف إقامة معظم دليله الثقايف‪ .‬والكثريون‪ ،‬قبل حسن وبعده‪ ،‬بذلوا محاوالت مامثلة ال ّ‬ ‫تقل نزاهة ومشقة‬ ‫تعجب‪« :‬هل يف‬ ‫وحرية‪ ،‬ولكنها مل تخرج يف الجوهر عن املعيار الذي طرحه حسن يف صدر مقالته‪ ،‬عىل هيئة تساؤل أقرب إىل عالمة ّ‬ ‫تعم املجتمعات الغربية إجامالً وآدابها خصوصاً‪ ،‬فتحتاج إىل ما مي ّيزها عن الحداثة‪ ،‬وتحتاج إىل تسمية؟»‪.‬‬ ‫وسعنا حقاً أن نتص ّور ظاهرة‪ّ ،‬‬ ‫ويف عمل صدر سنة ‪ 1995‬بعنوان «إشاعات التغيري‪ :‬مقاالت خمسة عقود»‪ ،‬كان أقرب إىل السرية الفكرية ـ الذاتية‪ ،‬عالج حسن إشكالية‬ ‫التنظري النقدي‪ ،‬متكئاً عىل الروايئ األمرييك هرني جيمس‪ ،‬الذي اعترب أن النظرية األدبية ُتجا َبه أوالً بتهمة السخف‪ ،‬ثم ُتق َبل بعدئذ‬ ‫إما ألنها صحيحة أو ألنها باتت واضحة‪ ،‬وأخرياً تصبح شديدة األهمية إىل ح ّد أن خصومها القدماء ينسبون إىل أنفسهم فضل اكتشافها‬ ‫أ ّوالً‪ .‬ويع ّلق حسن‪« :‬ما البدائل عن النظرية املعارصة‪ ،‬واإليديولوجيا‪ ،‬وخطاب ما بعد الحداثة‪ّ ،‬‬ ‫بكل استفزازاتها وموارباتها؟ ال يشء‪ ،‬كام‬ ‫أعتقد‪ ،‬وليس يف املدى األعرض عىل األقل»‪.‬‬ ‫اعرتاف بالغ الداللة‪ ،‬يتجدد اليوم أيضاً مع كتاب حسن األخري‪ ،‬ويبقى جوهر داللته أنه يأيت من أحد اآلباء املؤسسني ملصطلح ّ‬ ‫شاق عسري‪،‬‬ ‫يواصل حضوره يف املشهد اإلبداعي كام يف النقد التنظريي والتطبيقي؛ ليس دون بحث‪ ،‬ال ّ‬ ‫يقل مشقة وعرساً‪ ،‬عن تلك الرباءة املفقودة‬

‫‪32‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫ملف‬

‫القصيدة العمودية في المغرب‬ ‫ّ‬ ‫ضفتي الماء‬ ‫ب بين‬ ‫التاريخ ووشائج ال ُ‬ ‫ح ّ‬

‫واجهت القصيدة العمودية الكثير من التحوالت‪ ،‬وفي الوقت الذي أخلص لكتابتها جمعٌ من الشعراء نجد‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫منتميا‬ ‫واضحا لذلك حيث ظل البعض‬ ‫انعكاسا‬ ‫أن هناك من تجاوز مرحلة كتابتها‪ .‬وفي المغرب نرى‬ ‫لقصيدة العمود العربية التي سميت ب «العمود» بعد ظهور العديد من أشكال وقوالب الكتابة الشعرية‪،‬‬ ‫التي فرضت هذه التسميات ‪،‬فيما انخرط البعض اآلخر بالكتابة الحديثة‪.‬‬ ‫غني بأسماء وأعمال شعرية كثيرة ومهمة‪ ،‬ولقد كانت قصيدة العمود المغربية محل اهتمام‬ ‫المغرب العربي‬ ‫ٌ‬

‫ومتابعة لما حققته من حضور وتطور‪ ،‬لذلك ظلت هذه القصيدة في دائرة الضوء‪ ،‬وإلى اآلن نقرأ قصائد‬ ‫كتابها بالرغم من تحديات عديدة أحاطت بها وتعلقت بمتغيرات العصر الحديث‪.‬‬

‫عبدال ّلطيف الوراري‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪33‬‬


‫ملف‬

‫وتعاقُدا ً ثقافيّاً واجتامعيّاً بني الشاعر وأفراد القبيلة‪ ،‬وهو‬ ‫من ّ‬ ‫ثقافات أخرى كان يصدح‬ ‫الشعر العربي إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ما جعل العالقة بينهام أكرث قرباً وفهامً مماّ ترتَّب عنه أن‬ ‫لسان حقيقتها‪ ،‬ومن شرط إلى‬ ‫في ْلي ِل القصيدة‬ ‫ُ‬ ‫السلّم االجتامعي‪ ،‬ويجعله‬ ‫يتب ّوأ الشاعر منزلة رفيعة يف ُ‬ ‫آخر كانت ال ّ‬ ‫تكف عن سياساتها داخل خطابها‬ ‫مصدر تفاخر وتناحر بني القبائل‪ ،‬ويجعل لشعره بالغ‬ ‫المفرد والنّوعي‪ .‬الخطاب باعتباره فعّ الية لغة ّ‬ ‫الذات‬ ‫ّ‬ ‫التأثري يف ال ّنفوس‪ ،‬ومع التحوالت التي طرأت عىل التشكيلة‬ ‫ّ‬ ‫إن الكتابة‪ ،‬وبخاصة كتابة‬ ‫اريخ‪.‬‬ ‫ت‬ ‫وال‬ ‫في المجتمع‬ ‫ّ‬ ‫االجتامعية‪ ،‬تراجع دور الشاعر قبليّاً لكن دوره مل ينت ِه‬ ‫ً‬ ‫نوعي ًة إلاّ في الرّ ؤية‬ ‫ممارسة‬ ‫القصيدة‪ ،‬ال تكون‬ ‫ّ‬ ‫اجتامعيّاً‪ .‬صار دوره يمُ ثّل املجتمع‪ ،‬ويعبرّ عن أعرافه وقيمه‬ ‫النوعية ّ‬ ‫للذات عبر ال ّتقعيدات‬ ‫االجتماعية وال ّث ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قافية‪ ،‬الّتي كانت تتململ بال ّنظر إىل البنى املتح ّولة‪ ،‬باعتبارها‬ ‫لاّ‬ ‫وهذا ال يتمّ إ عندما يم ّثل ّ‬ ‫الشعر الوجه الكاشف‬ ‫عامالً مح ّركاً ملنظومة املشاعر واألحاسيس الّتي تعتمل يف‬ ‫الشاعر كفرْ دٍ ‪ُّ ،‬‬ ‫للمجتمع ّالذي يرتهن به ّ‬ ‫وجدان املجتمع وكيانه ال ّناشئ‪ ،‬عالوة عىل أنّه صار يطمح‬ ‫وللغة ّالتي‬ ‫وتعبير‪ ،‬أكرث إىل نيل رضا اآلخرين وإعجابهم بعدما بدأت تظهر إىل‬ ‫كخطاب‬ ‫إن القصيدة‪،‬‬ ‫تأوي وجوده كإنسان‪ّ .‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫الوجود فئاتٌ جديدة من املثقّفني تُنا ِفسه‪.‬‬ ‫تاريخية‪ ،‬ليس ّ‬ ‫ألنها تحمل‬ ‫هي‪ ،‬في نهاية التحليل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ويف تلك األوقات من زمن الشّ عر‪ ،‬كانت القصيدة العربية‬ ‫تاريخها‪ ،‬بل أيْ ً‬ ‫ضا مكانها وعبورها في األزمنة‬ ‫تتل ّون بل ْون الثّقافة الّتي تحياها‪ ،‬وترتهن للقيمة املهيمنة‬ ‫وال ّثقافات‪ .‬داخل أوضاع الكتابة ومعايير الجنس‬ ‫التي ترشط العرص نفسه‪ ،‬مع ما يصري من ذلك من تأثري‬ ‫األدبي‪ ،‬أوخارجها‪.‬‬ ‫وتأث ُّر يفعل‪ ،‬سلباً أو إيجاباً‪ ،‬يف ال ِب ْنية الجامليّة للقصيدة‪.‬‬ ‫يف مطلع الشّ عر العريب القديم‪ ،‬كان الشاعر لسان القبيلة يف وعليه‪ ،‬مل يكن هناك منوذج واحد يق ّدمه الشّ اعر عن نفسه‪،‬‬ ‫الحرب والسلم‪ ،‬وراعي أيّامها وذاكرتها‪ ،‬وكانت القبيلة مهام بل رافقتْه مناذج كثرية بداي ًة من عرص صدر اإلسالم تحت‬ ‫بلغت من بأس تقف عاجزة أمام القبائل املنافسة لها إ ْن ملْ تأثري«ال ّدعوة»‪ ،‬وعرص بني أم ّية يف غمرة الصرّ اعات السياسية‬ ‫يظهر فيها نابِغ ٌة من شعراء وقتها يأمن لها صيتها ووجودها‪ .‬بني األحزاب واملذاهب‪ ،‬وهل ّم شعرا ً‪ .‬ومل مي ّر التّاريخ دون أن‬ ‫ويحىك أنّه «كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاع ٌر أتت يرسم لنا خُروجات القصيدة عن امل ُ ْجمع عليه ثقافيّاً‪ ،‬فيام‬ ‫القبائل فه ّنأتْها‪ ،‬وصنعت األطعمة‪ ،‬واجتمعت النساء نْ‬ ‫ليلعب هي تج ّدد آليّات عملها ورؤيتها إىل األشياء والعامل داخل‬ ‫ً‪،‬‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫باملزاهر»‪ .‬هذا ال ّدور كان ّ‬ ‫يجسد تجانُساً لغويّاً وسيكولوج ّ ما ُعرِف يف املد َّونة ال ّنقدية بـ «رصاع القدماء واملحدثني»‪.‬‬ ‫نذكر‪ ،‬هنا‪ ،‬مغامرة أيب نواس وأيب متام أساساً‪ .‬ولكن الشّ عراء‬ ‫يف مجملهم ظلّت قصائدهم تُشْ بع استجابات املتلقّي‪ ،‬وال‬ ‫أن مصطلح‬ ‫يبدو لي ّ‬ ‫والسؤال‪ ،‬إلاّ إذا استثنينا املتنبي‬ ‫تخلخل فيهم روح الكَشْ ف ّ‬ ‫(القصيدة العمودية) خادع‬ ‫بخطابه الحكمي‪ ،‬وأبا العالء املع ّري برؤيته املتفلسفة‪،‬‬ ‫وفضفاض‪ ،‬لكنّنا عندما‬ ‫ظل‬ ‫والصوفية الذين ّ‬ ‫واستثنينا لفيفاً من شعراء الصعاليك ُّ‬ ‫نستعمله اليوم فإنّنا لن نهجر‬ ‫تأثريهم معدماً‪ ،‬بحكم عزلهم أو اعتزالهم‪ .‬من اإليقاع إىل‬ ‫جهل القيمة‪.‬‬ ‫السلَــط الذي ترتّب‬ ‫ميدان ُّ‬ ‫يف عرص ال ّنهضة‪ ،‬فتح الشّ عر العريب عينيه عىل عا ٍمل‬ ‫عليه السجال النقدي‪ ،‬إذ ّ‬ ‫حل‬ ‫متح ّول‪ .‬وبال ّرغْم من وظيفته اإلحيائيّة‪ ،‬أو بسببها‪ ،‬ال‬ ‫ّ‬ ‫محل‬ ‫العرف الذي جرى به‬ ‫يستطيع أح ٌد أن ينكر ما كان يُستقبل به شعر البارودي‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫األصل في العلم الشعري‪.‬‬ ‫وشوقي‪ ،‬وحافظ‪ ،‬وال ّرصايف‪ ،‬وبدوي الجبل‪ ،‬والجواهري‪،‬‬ ‫والشابيّ ‪ ،‬وبشارة الخوري‪ ،‬والربدوين‪ ،‬ومفدي زكريا‪ ،‬ومحمد‬

‫‪34‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫بن ابراهيم وغريهم من حظوة القوم واحتفائهم‪ ،‬وما كان‬ ‫يشعله من الحامسة‪ ،‬ويلهبه من األحاسيس‪ ،‬ويستنهضه‬ ‫من الهمم‪ .‬ومل مينع ذلك من نشوب الخصومات الكثرية‬ ‫بني املحافظني واملجددين‪ ،‬إلاّ أ ّن الجميع ـ شعرا ًء ونقّادا ً ـ‬ ‫كان يق ّر يف أذهانهم وأسامعهم ما ثبت للشّ عر من طبيعته‬ ‫ووظيفته؛ ومن مث ّة يحظون باحرتام املتلقي وقناعته‪.‬‏وكانت‬ ‫قصيدة شوقي تتصدر الصفحة األوىل من جريدة األهرام‪،‬‬ ‫وقصيدة لحافظ إبراهيم تشعل حامس املتظاهرين ض ّد‬ ‫سياسة االستعامر الربيطاين‪ ،‬كام كان أهل م ّراكش يذكرون‬ ‫كل قصيدة جديدة ملحمد بن ابراهيم‪ ،‬وذلك‬ ‫يف مجالسهم ّ‬ ‫أيّام كان الشعر يتص ّدر كل أنواع الفنون‪ ،‬ويحتفظ بسلطته‬ ‫وكربيائه التّاريخي‪.‬‬

‫من عمود الشعر إىل الشعر العمودي‬

‫انطالقاً من جهود الجاحظ وقدامة وابن طباطبا تحديدا ً‪،‬‬ ‫سوف تلوح يف األفق نظرية أ ّولية للشكل الشعري‪ ،‬ميكن‬ ‫لنا أن نتمثّلها يف ما اصطلح عىل تسميته بـ(عمود الشّ عر)‪،‬‬ ‫كام أرىس قواعده القايض الجرجاين وأبو عيل املرزوقي‪ .‬ولقد‬

‫كشفت تلك القواعد الواضحة إواليّات الشكل الشعري من‬ ‫خالل وضع جملة من العنارص والعيارات التي يجب عىل‬ ‫الشاعر االلتزام بها‪ِ :‬صناعة الشِّ عر‪ .‬وهكذا ُح ِّدد تص ُّو ٌر‪،‬‬ ‫يرتسخ مع الوقت‪ ،‬يَ ْنظر إىل القصيدة كمبنى غري‬ ‫سوف ّ‬ ‫قابل للفصل عن املعنى‪ ،‬أو العكس‪ ،‬ووف َْق هذه الكيف ّية أو‬ ‫تلك‪ .‬بالنتيجة‪ ،‬ن ُِظر إىل املبنى بوصفه قالباً لفظيّاً ـ وزنيّاً‪،‬‬ ‫به ي ِت ُّم حسن ال ّنظْم واتّساقه الذي توافقه جملة ٍ‬ ‫رشوط‬ ‫عروضيّة وبالغيّة تحكم عليه بالتناسب أو التنافر‪ .‬هكذا‪ ،‬مل‬ ‫ي ُع ْد يُقْصـد بالشّ كل املبنى‪ ،‬بل عنارص القصيدة كلّها‪ ،‬مبا يف‬ ‫ذلك العنرص الداليل الناظم لألغراض والثِّيامت والتأثريات‬ ‫ٍ‬ ‫بتسميات مختلفة مخصوصة‪،‬‬ ‫النفسية‪ .‬وليس اإليقاع‪ ،‬وإن‬ ‫إلاّ نتاج تفاع ٍل بني الصوت والداللة‪ ،‬وهو غري الوزن الذي‬ ‫يتمتّع بوجود سابق للقصيدة‪ .‬سوف نكتشف ذلك يف‬ ‫التامعات علامء البالغة والنقد وحدوساتهم وآرائهم‪ ،‬ابتدا ًء‬ ‫حقيقي‬ ‫من هذه الفرتة التي أ ّرخت لبدايات نشوء ِعلْمٍ‬ ‫ٍّ‬ ‫بالشعر‪ ،‬وضع ن ُْصب عينيه معرفة القوانني العامة التي‬ ‫تُنظّم األعامل الشعرية وتتحكّم بصناعتها ورؤيتها الخاصة‬ ‫إىل الذّات والعامل واألشياء‪ .‬وميكن القول إ ّن هذا العلم‪،‬‬ ‫أو الشعرية كام تواضَ ْعنا عىل تسميتها حديثاً‪ ،‬مل يتوقّف‬ ‫عند الجانب الوزين ـ الشكيل واللغوي للنص الشعري‪،‬‬ ‫وإنمّ ا تجاوزه فيام بعد إىل كشف القواعد الرتكيبية‪ ،‬وإبراز‬ ‫آليّات إنتاج الداللة وقيمها وبحث الكلّيات الناظمة لها‪ ،‬يف‬ ‫تسا ُوقٍ مع حركة البديع التي أطلقها امل ُ ْحدثون‪ .‬إِنّه مجموع‬ ‫الخالصات التي انتهى إليها ن ْق ُدنا الشِّ عري‪ ،‬مستفيدا ً من تلك‬ ‫املسائل التي يتع ّرض لها علامء البيان يف القرآن‪ ،‬ويف الشعر‬ ‫واألدب عا ّمةً‪ ،‬فق ّر يف االعتقاد أن األصول التي بُ ِني عمو ُد‬ ‫الشِّ عر عليها بدت تُوحي بأ ّن َم ْنهجاً عربيّاً يف النقد بدأ‬ ‫يتشكّل‪ ،‬ال يخضع للبديع فحسب‪ ،‬وإمنا ينفتح عىل أصول‬ ‫ومصادر أخرى‪ ،‬قرآنية وبالغية وفلسفية ورياضية‪ .‬ومل يعد‬ ‫ه ّم النقد والتحليل البالغي يف الشعر إبراز وجوه البديع‬ ‫ومحسناته الصوتية‪ ،‬بل أيضاً كشف ما يرتبط به من سهولة‬ ‫ّ‬ ‫العبارة وترابط األجزاء‪ ،‬وحسن التخلص والخروج‪ ،‬واتّفاق‬ ‫األلفاظ واختالفها بني الجودة والرداءة‪ ،‬ثم ما يُراعي ذلك‬ ‫تناس ٍب مع املعاين والصور البيانية‪ .‬ومل يكن ذلك ليت ّم‬ ‫من ُ‬ ‫لوال ما ملسه العلامء بالشعر والبالغة يف الشكل الشعري‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪35‬‬


‫ملف‬

‫من تط ُّو ٍر يف عنارص مادّيته التي تُشكّل املستوى املحسوس‬ ‫للنص‪ ،‬وال يستم ُّد وجوده إلاّ بها‪ :‬كلامته‪ ،‬صوره‪ ،‬وصياغته‬ ‫ّ‬ ‫اللغوية‪ ،‬وإيقاعه بالتّايل‪.‬‬ ‫عمود الشعر‪ ،‬ال الشعر العمودي أو القصيدة العمودية‪.‬‬ ‫ال نجد أيّاً من املصطلحني يرد يف كتب النقد القديم‪ ،‬وال‬ ‫قال بذلك علامء الشعرية العربية‪ ،‬إلاّ أنَّهام تردّدا‪ ،‬بق ّوة‪ ،‬يف‬ ‫السجال النقدي الذي صاحب أو أعقب ظهور حركة الشعر‪،‬‬ ‫ثم قصيدة النرث تالياً‪ .‬حصل خلْ ٌط لدى كثريين يف استخدام‬ ‫واستغل البعض منهم ذلك لحرق املصطلح‬ ‫ّ‬ ‫مصطلح العمود‪،‬‬ ‫وشحنه بداللة قدح ّي ٍة ومضمون إيديولوجي مغرض‪ .‬فلم‬ ‫يكن املقصود بالقصيدة العمودية‪ ،‬وال الشعر العمودي‪،‬‬ ‫ما توافر فيها من عمود الشعر بخصائصه التي تُق ّر بقدرة‬ ‫الشاعر وامتالكه ناصية القول الشعري‪ ،‬بل هي باألحرى‬ ‫كل قصيدة تنهج منط الشكل القديم والبناء التناظري ذي‬ ‫ّ‬ ‫الشطرين املتقابلني‪ :‬أسبق ّية ال ّنظْم وخطاطاته املع ّدة سلفاً‬ ‫كل قصيدة موزونة ومقفّاة‬ ‫من حيث الوزن والقافية‪ّ .‬‬ ‫بغض النظر عن‬ ‫ومتناظرة الشطرين هي قصيدة عمودية‪ّ ،‬‬ ‫شعريّتها من عدمها‪ .‬وعىل هذا النحو بدأ السجال و ُو ِّجه‬ ‫مبق ّدماته ونتائجه املعروفة‪ .‬وبناء عىل ذلك‪ ،‬ت ّم تصنيف‬ ‫كل الشعر العريب الذي كُتب قبل ظهور تلك الحركة تحت‬

‫«لقد بات الكثير من ن ُ ّ‬ ‫قادنا‬ ‫اليوم ينأون بأنفسهم عن‬ ‫القصيدة العمودية‪ ،‬أو‬ ‫وكأن‬ ‫شعرائها المتميّزين‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫التعامل مع هذا النمط‬ ‫ٌ‬ ‫سلوك محر ٌج‪ ،‬أو تهمة‬ ‫الشعري‬ ‫جب أدواتهم المستخدمة‬ ‫يتو ّ‬ ‫ً‬ ‫عادة في تحليل الشعر‪ ،‬أو‬ ‫تأويله‪».‬‬ ‫علي جعفر العالق (هاهي الغابة‪ ،‬فأين‬ ‫األشجار؟‪ ،‬ص‪)42‬‬

‫تجميعي ال تاريخاين‪،‬‬ ‫يافطة الشعر العمودي عىل نحو‬ ‫ٍّ‬ ‫واعتباره نوعاً من الشعر يف مقابل الشعر الح ّر‪ ،‬والشعر‬ ‫املنثور الذي أخذ صفة قصيدة النرث وتلبّس بها‪.‬‬ ‫يبدو يل أ ّن مصطلح «القصيدة العمودية» خادع‬ ‫وفضفاض‪ ،‬لك ّننا عندما نستعمله اليوم فإنّنا لن نهجر ميدان‬ ‫حل العرف‬ ‫السلط الذي ترتّب عليه السجال النقدي‪ ،‬إذ ّ‬ ‫محل األصل يف العلم الشعري‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫الذي جرى به ّ‬ ‫بإمكاننا أن نراجع النظر فيه ونو ّجهه بداللته االصطالحية‬ ‫التي تأخذ باعتبار تاريخيّته ونجاعته يف التمييز والتقويم‪،‬‬ ‫دون أن نعمى عن مدى مرونته وانفتاحه عىل العرص‪،‬‬ ‫وتالقحه مع بقية أشكال الشعر استج ّدت إىل أيامنا‪ ،‬إذ ال‬ ‫كل األعامر والحساسيّات يتعاطونه ومل‬ ‫زال الشعراء من ّ‬ ‫يعدموا اإلبداع من خالله‪.‬‬ ‫نعني مبصطلح القصيدة العمودية تلك القصيدة التي توافر‬ ‫لها ما يأيت من خصائص الشكل ما ال يقعد عن تحديثها‬ ‫والتامس شعريّتها وتحقيقها بدرج ٍة وأخرى‪ ،‬ومن ضمنها‪:‬‬ ‫ـ أن تعتمد يف بنائها الشكيل نظام الشطرين املتناظرين؛‬ ‫ـ أن تُ ْنظم يف أحد البحور أو األوزان الشعرية املعروفة؛‬ ‫ـ أن تنتهي أبياتها بقافي ٍة ورو ٍّي مو َّحدين‪ ،‬وقد يحصل أن‬ ‫يجري تنوي ٌع فيهام بنسبة ما‪،‬‬ ‫ـ أن تنتظم يف مقاطع ألفبائية أو مرقَّمة‪ ،‬أو تكون معلومة‬ ‫بأيقونات وإشارات ورموز هندسية؛‬ ‫ـ أن تطول أبياتها أو تقرص بحسب املناخ النفيس والتدفّقات‬ ‫الشعورية لذات الكتابة‪،‬‬ ‫ـ أن تتّصل األبيات فيام بينها اتّصاالً عضويّاً ال اختالل فيه؛‬ ‫ـ أن تتح ّرك داخل موشو ٍر من املوضوعات والتيامت‬ ‫واألغراض التي تؤدّيها بطريقة جديدة لغ ًة ورؤية وتصويرا ً‪،‬‬ ‫ومن األساليب الحديثة التي تقف بها عند غنائيّتها (أسلوب‬ ‫رسدي‪ ،‬ملحمي‪ ،‬درامي‪ ،)..‬مع ما يستتبع ذلك من استخدام‬ ‫طرائق الرمز واالنزياح والتكثيف إسو ًة بباقي أشكال الشعر‬ ‫األخرى‪.‬‬

‫القصيدة العمودية باملغرب «من لعنة الصاحب‬ ‫بن عباد إىل ظلم ذوي القرىب»‬ ‫فرضت كتب تاريخ األدب العريب‪ ،‬مبا فيها الحديثة‪،‬‬

‫‪36‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫عبدالله كنون‬

‫محمد بن ابراهيم املراكيش‬

‫مركزا ً وهوامش؛ ففي الوقت الذي ُسلّط فيه الضوء عىل‬ ‫حركة اآلداب يف العراق وبالد الشام ومرص باعتبارها متثّل‬ ‫املركز واألثر‪ ،‬مل تُلْق هذه الكتب باالً بواقع اآلداب يف دول‬ ‫الخليج العريب واليمن والسودان والبالد املغاربية باعتبار‬ ‫أنّها متثّل الهامش والصدى‪ .‬وإذا كان لدينا اليوم تراثٌ من‬ ‫عرص النهضة يتح ّدث عن جالئل األعامل التي اضطلع بها‬ ‫الرعيل األول من ر ّوادها يف سبيل نهضة األمة والعودة بها‬ ‫إىل روح العرص‪ ،‬إلاّ أن أكرثنا ال يعرف ـ متثيالً ال حرصا ً ـ ما‬ ‫أسداه أهل املغرب من فضل أيّ ٍ‬ ‫امئذ‪ .‬وبسبب هذه الهامشية‬ ‫الجغرافية‪ ،‬وقبل ذلك لعنة الصاحب بن عباد التي ظلّت‬ ‫ترتدّد عرب العصور وتق ّدم نتاج املغاربة األديب كـ«بضاعتنا‬ ‫ُردّت إلينا»‪ ،‬ث ُ ّم حجاب العبقرية األندلسية بآثارها الباذخة‪،‬‬ ‫أدب مغر ٍّيب‬ ‫فقد تك ّرست لدى كثري من املشارقة صور َة ٍ‬ ‫هاميشٍّ ومجهول وغري متّضح الهوية يف أذهانهم‪.‬‬ ‫لقد كانت كتب التاريخ األديب ال تُدخل‪ ،‬عن ج ْه ٍل‬ ‫ونرجسية‪ ،‬يف حسابها ما كان يكتبه املغاربة من شعر‪،‬‬ ‫مرشقي أو صد ًى بعيد عنه‪ ،‬وهو ما‬ ‫معتقدة بأنّه نسخة ألث ٍر‬ ‫ٍّ‬ ‫مل يُقيِّض لها أن تتع ّرف عىل شخصيّتهم الشعرية الخالصة‪،‬‬ ‫الخاصة‪ ،‬ممهور ًة بسؤال املغرب ومكانه الحضاري‬ ‫وأشواقهم ّ‬ ‫والثقايف املتن ِّوع‪ .‬وبالتايل‪ ،‬مل يٌتح للدرس النقدي الحديث‬ ‫أن يتداول إنتاج املغاربة الشعري‪ ،‬إلاّ بداي ًة من املرافعة‬

‫التاريخيّة للعلاّ مة عبد الله كنون التي أثارها يف الثالثينيّات‬ ‫كتاب‬ ‫من القرن الفائت‪ ،‬وهو يصدع ب«النبوغ املغريب» يف ٍ‬ ‫يحمل العنوان نفسه‪ .‬لقرون طويلة ال تعدم روح الك ّد‬ ‫ومحاولة إثبات الذات‪ ،‬مل يتوا َن شعراء املغرب عن اإلبداع‬ ‫يف سبل الفكر واألدب‪ ،‬حتى أمكن للشعر املغريب الحديث‬ ‫أن يُ ْسمع صوته‪ ،‬ويفرض حضوره مبا وسعه اإلمكان‪ ،‬فلم‬ ‫يعد النبوغ ُمقيامً يف تفاصيل التاريخ وشوارده‪ ،‬بل الفتاً‬ ‫وجالباً لإلعجاب وامل ْك ُرمة‪ ،‬منذ بدايات القرن العرشين عىل‬ ‫األقل‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ق ْر ٌن من الحضور يف التاريخ وإثبات الذات‬

‫انتهى الشعر يف الربع األخري من القرن التاسع عرش إىل‬ ‫حالة جمود‪ ،‬إذ صار موضوعه مرتبطاً يف األغلب مبوضوعات‬ ‫العلوم واملعارف األخرى‪ ،‬حتى تح ّول إىل مج ّرد نطْمٍ به‬ ‫تُؤذّى العلوم الفقهية واللغوية‪ ،‬ووسيلة لحفظ الشواهد‬ ‫يف معرض علم النحو والبالغة ورواية املثل السائر‪ ،‬بعد أن‬ ‫صارت «معظم علوم األدب آل ًة لفقه»‪ .‬بل إنّه تح ّول إىل‬ ‫مجرد مطية يركبها الناس للوصول إىل تولية بعض املناصب‬ ‫القضائية واإلدارية‪ .‬وكان شعر املناسبات الدينية والرسمية‬ ‫هو السائد مع ما يغلب عليه من تقليد وإسفاف‪ .‬إلاّ أنَّه‬ ‫بداي ًة من القرن العرشين‪ ،‬وتحت تأثري الحركة السلفية‪،‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪37‬‬


‫ملف‬

‫أقبل الشعراء املغاربة عىل النظم يف موضوعات ته ّم‬ ‫الدعوة إىل اإلصالح وتحرير الفكر؛ ث ُ ّم رسعان ما ظهر ثلّة‬ ‫من الشعراء أُطلق عليهم «شعراء الشباب» الذين تأث ّروا‬ ‫باملدرسة اإلحيائية يف الشعر عرب ما كان يصلهم‪ ،‬من املرشق‬ ‫العريب‪ ،‬من أعامل شعرائها‪ ،‬ومن كتابات نقدية مصاحبة‬ ‫لطه حسني والرافعي والزيات والعقاد‪.‬‬ ‫لقد خلق شعراء من أمثال القري‪ ،‬وعالل الفايس‪ ،‬ومحمد‬ ‫املختار السويس‪ ،‬ومحمد بن إبراهيم امللقب بشاعر الحمراء‪،‬‬ ‫وعبد املالك البلغيثي وسواهم‪ ،‬واقعاً جديدا ً كان إيذاناً‬ ‫مبيالد شعر النهضة يف املغرب‪ ،‬وهو شعر يلتقي يف صيغته‬ ‫بصيغة املدرسة اإلحيائية‪ .‬ومل يكن هذا الواقع يخلو من‬ ‫رصاع بني املج ّددين واملقلّدين‪ ،‬كان يرجح إىل كفّة أنصار‬ ‫التجديد بحكم نشاطهم النقدي ونجاعة تص ُّوراتهم يف‬ ‫ضوء املفاهيم الجديدة التي آمنوا بها ورشعوا يف نرشها‬ ‫وترسيخها‪ ،‬مؤكّدين عىل أهمية رسالة الشعر ورفضهم‬ ‫التقاليد الشعرية املتكلّسة‪ ،‬وذلك ما يظهر جليّاً من نقود‬ ‫محمد بن العباس القباج‪ ،‬وعبد الله كنون‪ ،‬وعبد الله‬ ‫إبراهيم‪ ،‬وعبدالسالم العلوي‪ ،‬وأحمد زياد وعبد العيل‬ ‫الوزاين‪ .‬وبعد أن ت َّم التع ُّرف عىل التيارات الذاتية املج ّددة‬ ‫جيل جدي ٌد‬ ‫من قبيل أبولو والديوان والرابطة القلمية‪ ،‬ولد ٌ‬ ‫من الشعراء رسعان ما عمل عىل خلق حركة شعرية‬ ‫جديدة يف موضوعاتها وأساليبها الفنية‪ ،‬وكان من أه ّم‬ ‫أفراده عبدالقادر حسن‪ ،‬وعبد الكريم بن ثابت‪ ،‬ومصطفى‬

‫‪38‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫املعداوي‪ ،‬وعبد املجيد بنجلون‪ ،‬وعالل بن الهاشمي‬ ‫الفياليل‪ ،‬واملدين الحمراوي‪ ،‬ومحمد الحلوي‪ ،‬عىل اختالف‬ ‫مستويات حضورهم ودرجة اقرتابهم من املذهب الرومانيس‬ ‫أو الواقعي‪ ،‬وإن أجمعوا عىل التخلص من تقاليد القدماء‬ ‫ومحاكاتهم‪ ،‬ورضورة التزام الصدق يف التجربة والتصوير‬ ‫الف ّني‪ ،‬من الذات إىل الواقع‪ .‬لكن الرصاع عىل ميدان الفكر‬ ‫الشعري كان دامئاً يتج ّدد بتأثري من تقلُّبات املجتمع وأحوال‬ ‫السياسة‪ ،‬مثلام الرصاع هذه امل ّرة بني تيار التجربة الذاتية‬ ‫وتيار االلتزام‪ .‬وإن كان املرشق العريب ال يزال يشكّل رافدا ً‬ ‫ال غنى عنه‪ ،‬إلاّ أنّنا وجدنا بعضهم من شعراء ونقّاد متأثّرا ً‬ ‫بالرافد األورويب‪ ،‬والفرنيس تحديدا ً‪ ،‬فيذكر مناذجه‪ ،‬ويعقد‬ ‫املقارنات واملوازنات بني األدب العريب واألدب األجنبي‪ ،‬وهو‬ ‫ما أغنى النقاش النقدي وساعد الشعراء عىل تل ّمس سبل‬ ‫جديدة يف اإلبداع الشعري‪.‬‬ ‫بعد استقالل املغرب‪ ،‬وابتدا ًء من ستين ّيات القرن العرشين‪،‬‬ ‫تو ّجهت القصيدة املغربية بضفافها خارج التيارين املحافظ‬ ‫والرومانيس الذين يتلقّفهام جمهور الشعر‪ ،‬متأثرة بحركة‬ ‫الشعر الحر التي انطلقت من أرض العراق مع الثالوث‬ ‫الريادي ‪ :‬السياب‪ ،‬نازك املالئكة والبيايت‪ ،‬وذاعت يف أكرث‬ ‫البالد العربية بفضل املجالت األدبية واملجاميع الشعرية‬ ‫التي كانت تنتظم يف الصدور‪ .‬كان معظم ممثّيل هذه‬ ‫القصيدة من الشباب املغريب الذي نال حظّاً من الثقافة‬ ‫والتعليم الجامعي‪ ،‬مبا فيه الذي تلقّنه حتى من جامعات‬ ‫بغداد ودمشق والقاهرة‪ ،‬وهو ما كان يعني صلتهم املبارشة‬ ‫مبناخ تلك الحركة وزخمها العاطفي والفكري‪ ،‬من أمثال‬ ‫أحمد املعداوي «املجاطي»‪ ،‬ومحمد الرسغيني‪ ،‬ومحمد‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫محمد بن عامرة‬

‫الخامر الكنوين‪ ،‬ومحمد امليموين‪ ،‬وعبد الكريم الطبال‪،‬‬ ‫وأحمد الجوماري‪ .‬وإذا كان أكرث هؤالء قد كتب يف أول‬ ‫مرتسامً خطى سالفيهم‪ ،‬أو زاوج‬ ‫عهده القصيدة العمودية ّ‬ ‫بينها وبني قصيدة التفعيلة‪ ،‬إلاّ أنّه رسعان ما اختار أسلوب‬ ‫القصيدة الحرة‪ ،‬لعقو ٍد تالية‪ .‬وبنا ًء عليه‪ ،‬ال نذهب مع‬ ‫آخرين يف رأيهم بأنّه كانت هناك قطيعة بني فرتيت تحديث‬ ‫الشعر املغريب‪ ،‬أي ما قبل االستقالل وما بعده‪ ،‬بل هي‬ ‫ٍ‬ ‫موجات من زخم التجديد والرغبة يف‬ ‫ُجسد‬ ‫باألحرى ت ّ‬ ‫مسايرته تبعاً لرؤى الشعراء وحساس ّيات ذواتهم وعرصهم‬ ‫الذي كانوا يعربونه‪.‬‬ ‫يف الوقت الذي كانت تحصد فيه قصيدة الشعر الحر‬ ‫النجاح وتتط ّور بشكل متنامٍ عىل يد شعراء ملكوا املوهبة‬ ‫والخربة بأدوات الشعر وعاركوا مضايقه‪ ،‬بقدر ما كانت‬ ‫ُوسع دائرة تلقّيها تباعاً‪ ،‬كانت قصيدة الشعر العمودي‬ ‫ت ّ‬ ‫تفقد تدريجيّاً حلبة القول الشعري األوىل‪ ،‬وتنحدر إىل‬ ‫طريق مسدود بعدما غلبت عليها النزعة «املناسباتية»‪،‬‬ ‫فبدت خلوا ً من التجويد الف ّني وصدق التعبري وحرارته‪.‬‬ ‫وابتدا ًء من سنوات السبعني‪ ،‬ظهر جيل من الشعراء‬ ‫قدموا تجارب جديدة تولّدت عن وعي فكري وأيديولوجي‬ ‫أكرث منه آ ّين وعابر‪ .‬من أولئك من بقي منترصا ً لنهجه‬ ‫التح ُّرري يف االلتزام بقضايا املجتمع املغريب الذي كان مي ّر‬ ‫بفرتة عصيبة بعد اشتداد سنوات الرصاص‪ ،‬مبن فيهم محمد‬ ‫الوديع األسفي ومحمد الحبيب الفرقاين وسواهام‪ .‬ومنهم‬ ‫من أخلص يف وعيه الشعري‪ ،‬تحت الدعوة إىل أدب إسالمي‪،‬‬ ‫لتيّا ٍر بدا نابعاً بطبيعته من نزوعات الفكر اإلمياين والصويف‪،‬‬ ‫إذ يهت ّم بهموم األمة ويستسلهم تراثها اإلسالمي امليضء‪.‬‬ ‫وكان أغلب شعراء هذه التجربة ينحدرون من مدينة‬ ‫وجدة رشق املغرب‪ ،‬وأه ّمهم‪ :‬حسن األمراين‪ ،‬ومحمد عيل‬ ‫الرباوي‪ ،‬ومحمد بنعامرة‪ ،‬ومحمد املنترص الريسوين وفريد‬

‫حسن األمراين‬

‫فريد األنصاري‬

‫ولعل من أه ّم خصائص قصائدهم‪ ،‬عدا التزامها‬ ‫األنصاري‪ّ .‬‬ ‫نظام الشطرين‪ ،‬أنّها تستند عىل تص ُّو ٍر قيمي وأخالقي شامل‬ ‫ينبع من ثقافة إسالمية‪ ،‬واعية ومتسامحة ومعتدلة ومتوازنة‬ ‫بني ما هو ذايت وجامعي‪ ،‬وما هو دنيوي وأخروي‪ .‬كام تتم ّيز‬ ‫ٍ‬ ‫بسامت فنية وجاملية تعتمد املشابهة والرتميز واإليحاء‬ ‫تسف إىل التهويم والضبابية والغموض‪.‬‬ ‫بدون أن ّ‬ ‫منذ سنوات الثامنني إىل بدايات األلفية الجديدة‪ ،‬عرفت‬ ‫القصيدة العمودية باملغرب فرتات انتعاش وركود تبعاً‬ ‫لحضورها يف املشهد الشعري‪ ،‬واهتامم املؤسسة األدبية‬ ‫وإعالمها بها‪ ،‬ومدى فاعليّة ممثّليها يف السجال النقدي‪،‬‬ ‫وتأث ُّرهم بشعراء العمود املشارقة الكبار الذين طبقت‬ ‫شهرتهم األفاق وأعادوا االعتبار للقصيدة‪ ،‬مبن فيهم‬ ‫محمد مهدي الجواهري‪ ،‬ونزار قباين‪ ،‬وسعيد عقل وعبد‬ ‫الله الربدوين‪ .‬وأه ّم من مثّلوها خالل هذه الفرتة‪ ،‬نذكر‪:‬‬ ‫محمد الطويب‪ ،‬ومحمد بلحاج آية وارهام‪ ،‬وأمينة املريني‪،‬‬ ‫ومصطفى الشليح‪ ،‬ومحمد لقاح‪ ،‬وإسمعاعيل زويريق‪،‬‬ ‫وعبد الجبار العلمي‪ ،‬وحبيبة الصويف‪ ،‬وعبد السالم بوحجر‪،‬‬ ‫والطاهر لكنيزي‪ ،‬وأحمد البقيدي‪ ،‬وبوعالم دخييس‪ ،‬عبد‬ ‫الرحيم كنوان‪ ،‬متثيالً ال حرصا ً‪ .‬ومن جيل الشباب الذي به‬ ‫تسرت ّذ عافيتها اليوم‪ ،‬نذكر‪ :‬الطيب هلو‪ ،‬وحليمة اإلسامعييل‪،‬‬ ‫ومصطفى ملح‪ ،‬وموالي رشيد العلوي‪ ،‬وصباح الديب‪ ،‬وموالي‬ ‫الحسن الحسيني‪ ،‬ومحمد العيايش‪ ،‬وعبد العايل كويش‪،‬‬ ‫وميلود لقاح‪ ،‬وأحمو الحسن األحمدي‪ ،‬وخالد بودريف‪،‬‬ ‫ومحمد عريج‪ ،‬متثيالً ال حرصا ً‪.‬‬ ‫واملتتبّع ملنجز القصيدة العمودية راهناً‪ ،‬يجد أنّها تواصل‬ ‫استثامر معطيات الرتاث الشعري بنا ًء وبالغ ًة وتصويرا ً‪،‬‬ ‫بدون أن تقعد بها العادة عن انفتاح عىل العرص والتجديد‬ ‫يف لغتها وموضوعاتها وطريقة نظرها للذّات والعامل‪ ،‬وربمّ ا‬ ‫استفادت ذلك من تقلُّب شعرائها بينها وبني قصيدة‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪39‬‬


‫ملف‬ ‫محمد لقاح‬

‫أمينة املريني‬

‫اسامعيل زويريق‬

‫التفعيلة يف الغالب‪ ،‬أو بينهام وبني قصيدة النرث لدى‬ ‫قالت‪ ‬حامة‪ ‬وقد‪ ‬ملست‪ ‬جرا َحها‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫بعضهم‪.‬‬ ‫م ّر‪ ‬الزمان‪ ‬وأنت‪ ‬عانٍ ‪ ‬موث َق‬ ‫فمن جهة‪ ،‬بدت اللغة الشعرية بسيطة ومتخفّفة من‬ ‫أو‪ ‬مل‪ ‬ي ْنئ‪ ‬لك‪ ‬أن‪ ‬تصاحب‪ ‬فتية‬ ‫صور املعجم والبالغة القدميني لدى كثريين‪ ،‬كام خفت‬ ‫هم‪ ‬من‪ ‬سيرْ ها‪ ‬تتشق ُّق؟‬ ‫أقدا ُم‬ ‫َ‬ ‫مواقفه‬ ‫الداعي املناسبايت إلاّ إذا كان ذريع ًة ليك يربز الشاعر‬ ‫بنت‪ ‬النواعري‪ ‬ارشيب‪ ،‬واستوثقي‬ ‫وهمومه من الواقع السيايس الوطني والقومي الضاغط‪،‬‬ ‫إين‪ ‬بذلت‪ ‬دمي‪ ،‬وعهدي‪ ‬موثِ ُق‬ ‫وخفتت معه النربة الخطابية التي كانت دامئاً ما تُصاحبه‬ ‫إنيّ‪ ‬أح ّبك‪ ،‬لست‪ ‬أكت ُم‪ ‬أمرها‬ ‫يف مثل هذه املوضوعات كام لدى مصطفى الشليح‪ ،‬وعبد‬ ‫ُ‪ ‬الرصيح‪ ‬امل ُعرقُ‬ ‫والحب‪ ‬أرشفه‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫السالم بوحجر‪ ،‬وحسن األمراين الذي يقول يف قصيدة عن‬ ‫وك ّرس شعراء آخرون جزءا ً مهماّ ً من شعرهم للمديح النبوي‬ ‫السورية‪:‬‬ ‫«حامة»‪ ،‬مدينة (النواعري) التي تف ّجرت منها الثورة‬ ‫الذي عرف به املغاربة منذ أيام القايض عياض؛ ومنهم‬ ‫بنت‪ ‬النواعري‪ ‬البه ّية‪ ‬أَ ْمطري‬ ‫الشاعر اسامعيل زويريق الذي عبرّ يف ديوانه «عىل النهج»‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫من‪ ‬نرجس‪ ‬منه‪ ‬الجنان‪ ‬تَفتَّ ُق‬ ‫بنفسه الشعري الطويل‪ ،‬عن هذا املنحى‪ ،‬منتهجاً فيه‬ ‫بنت‪ ‬النواعري‪ ‬امل ُنيفة‪ ‬أَبْرشي‬ ‫ومرتسامً خطى الشعراء القدامى من أمثال‬ ‫أسلوب املعارضة ّ‬ ‫ْنق‬ ‫ما‪ ‬بعد‪ ‬ليلك‪ ‬من‪ ‬ظالمٍ ‪ ‬يخ ُ‬ ‫كعب بن زهري‪ ،‬واإلمام البوصريي‪ ،‬والبحرتي‪ ،‬واملعري‪ ،‬وابن‬ ‫من‪ ‬خ ّبأ‪ ‬التاريخ‪ ‬بني‪ ‬جوانحي‬ ‫النحوي‪ .‬فقد عارض»بنات سعاد» لكعب بن زهري بقصيدة‬ ‫ْلق‬ ‫حتى‪ ‬تَغشّ‬ ‫باح‪ ‬املف ُ‬ ‫مطلعها‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫انا‪ ‬الص ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬أنيّ‪ ‬عاشق‬ ‫ومن‪ ‬الذي‪ ‬أنباك‬ ‫ٌ‬ ‫ْهيل‬ ‫بان َْت ُسعاد‪ ،‬فَام لل ُح ْزن تمَ ُ‬ ‫وبِك ِّف ِه‪ ‬اليمنى‪ ‬تألألَ‪ ‬بَيرْ قُ ؟‬ ‫منسجل والجسم َم ْه ُ‬ ‫زول‬ ‫ٌ‬ ‫ال ّد ْمع‬ ‫وعارض ميمية البوصريي بقصيدة مطلعها‪:‬‬ ‫يا شايكَ البانِ كَ ْم يف البَينْ ِم ْن َسقَمِ ؟‬ ‫دافق األ لَمِ‬ ‫ساب لَ ْحناً َ‬ ‫شَ كْواك تَ ْن ُ‬ ‫يتوان شعراء المغرب عن‬ ‫لم‬ ‫َ‬ ‫وعارض سينية البحرتي بقصيدة مطلعها‪:‬‬ ‫اإلبداع في سبل الفكر واألدب‪،‬‬ ‫يجه ُر ال َبينْ ما تخفّف نفيس‬ ‫حتى أمكن للشعر المغربي‬ ‫فَسقاين كأْ َس الشَّ جا بعد كَأْ ِس‬ ‫سمع صوته‪،‬‬ ‫الحديث أن ي ُ ْ‬ ‫وعارض «املنفرجة» املنسوبة أليب الفضل يوسف بن محمد‬ ‫املعروف بابن النحوي بقصيدته «املرتجية» التي مطلعها ‪:‬‬ ‫ويفرض حضوره بما وسعه‬ ‫إ ْن ضاقَ األ ْم ُر فَال تَ ِه ِج فَغدا ً قَ ْد يأيت بِالف َر ِج‬ ‫اإلمكان‬ ‫كام ارتقى املوضوع الشعري لدى بعضهم ليأخذ تَجل ٍ‬ ‫ّيات‬

‫‪40‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫مصطفى ملح‬

‫روحية وأبعادا ً إرشاقية وصوفية مثلام الحال عند محمد عيل‬ ‫الرباوي‪ ،‬إذ ترتقي الذات الشاعرة إىل ّ‬ ‫مصاف الرمز‪ ،‬وهي‬ ‫الحب بقدرما تتش ّوف لالنطالق واالنعتاق‬ ‫تبتهل يف محراب ّ‬ ‫من مهوى الجسد‪ .‬ففي أ ّول قصيدته «يا جارة الوادي» التي‬ ‫تت ّوزع أبياتها بني النمطني العمودي والتفعييل‪ ،‬يقول بلغة‬ ‫تتقطّر ُح ّباً وإرشاقاً‪:‬‬

‫ّاك‬ ‫َيا َجا َر َة ا ْلوادي‪ُ ..‬ف ِتن ُْت ِب ْلح ِظ ِك الفت ِ‬ ‫يحـــــ ٍة َفتَّــــا َن ٍة إِ ّال ِك‬ ‫َو َس َلــــ ْو ُت ُك َّل َم ِل َ‬ ‫حى َو ِمنْ َد ِم ِه الزَّكيِ ِّ َس َق ِاك‬ ‫َب ْع ِدي أَ َت ِاك ُض ً‬ ‫يت ُك َّل َت َعا ُت ٍب‪َ ..‬و َن ِس ُ‬ ‫َفن َِس ُ‬ ‫يت ُك َّل َت َشاك‬ ‫َحتَّى َطـــــ َوى ُج ْر ٌح َع ِميقٌ ُم ْه َج ِتي َو َط َواك‬ ‫َما ليِ ُأ َكت ُِّم فيِ ا ْل ُف َؤا ِد هَ وىً َسماَ ِب َسماَ ِك‬ ‫َو َنوا ِف ِذي ْاش َت َع ْ‬ ‫َاك‬ ‫لت َعنَا ِد َل َغــــ َّرد َْت لِ َفت ِ‬ ‫هَ َذا ا ْل َفتَى َع َر َف ا ْل ُهدَى ُم ْذ َصا َر ِمنْ َق ْت َال ِك‬

‫ومع الشاعر أحمد بلحاج آية وارهام والشاعرة أمينة املريني‬ ‫تبلغ اللغة درج ًة من الشفافية إذ تُعبرّ عن كنه الذات‬ ‫وتجوهرها يف عامل يُ َبنينه الخيال الصويف ومكاشفاته‪ ،‬بقدرما‬ ‫ترتفع يف معاناتها مع الوجود وعامء أسامئه إىل الرغبة يف‬ ‫من مفارقة الجسد واالنغامر مباء املطلق وتش ّهياته‪.‬‬ ‫وتحت تأثري الواقع الشعري الجديد‪ ،‬مال كث ٌري من شعراء‬ ‫العمود‪ ،‬وال سيام من الشباب‪ ،‬إىل االهتامم بالذات يف‬ ‫مستوياتها الوجدانية‪ ،‬إ ْن بأسلوب يقرتب من الغنائية أو‬ ‫يرتفي إىل التعبريية الرمزية‪ .‬فمثالً‪ ،‬يتّخذ الشاعر موالي‬ ‫رشيد العلوي من غرض الغزل سانح ًة ليُعبرّ عن تجربة‬ ‫بأسلوب غنا ٍّيئ يستلهم الطبيعة‪ ،‬فيام هو يجعل‬ ‫وجدانية‬ ‫ٍ‬ ‫يتحسسه بني دخائله امتدادا ً نق ّياً للوجود‬ ‫الذي‬ ‫الحب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأرساره‪ ،‬ث ُ ّم ال يتخذ املرأة التي يشغف قلبه بها امرأ ًة‬ ‫فحسب‪ ،‬بل أنثى املثال التي ت ّي َمتْهُ‪ .‬يقول يف قصيدة‬

‫خالد بودريف‬

‫حليمة االسامعييل‬

‫«احتفال» من ديوانه «عرائس»‪:‬‬ ‫أرشق املاء يف عيون الغوانـي‬ ‫يف جام ٍل‪ ،‬ورقّ ٍة‪ ،‬وافتتــانِ‬ ‫وتهادى كأنـ ّـ ُه يف احتفـا ٍل‬ ‫ُمورق ال ُع ْرس ساح َر اإلرنانِ‬ ‫ينفثُ ال َه ْمس من جفونٍ تدل ّْت‬ ‫ٍ‬ ‫ناعسات عىل نعيـم الجنان‬ ‫عن بها ٍء يفيض بلــ ْونٍ بهي ٍج‬ ‫وتدانٍ ‪ ،‬وليتهـا مل تـ ُـدانِ‬ ‫هي شمـس ودوحـة وظـالل‬ ‫ومع ٌني ينسـاب بني املعانـي‬ ‫وهي أشهى من وشوشات خميل‬ ‫يف هيام مع انسياب األغانـي‬ ‫وكنت أهـ ْـالً لِ َو ْجد ٍ‬ ‫ت َّيمت ْـني ُ‬ ‫وقلت‪ُ :‬روحي تَـراين‬ ‫فتدان َْت ُ‬ ‫مثل هذا األسلوب نجده يتك ّرر عند غري ٍ‬ ‫واحد م ّمن‬ ‫تأث ّروا باالتجاه الرومانيس‪ ،‬فوقفوا بالشكل الشعري عند‬ ‫جانبه الغنايئ‪ ،‬ومل يوفّقوا بعد يف استثامر الجانب الدرامي‬ ‫إال فيام ندر‪ .‬وقد وجدنا نزوعاً يف هذا االتجاه لدى شعراء‬ ‫قد استفادوا من تقنيات الكتابة الجديدة التي تعاطوها‬ ‫بإيجابية‪ ،‬وال س ّيام يف أبعادها التعبريية والرمزية التي تعيد‬ ‫بناء تص ُّورها للغة ودالالتها وتستثمر التناص التاريخي‬ ‫والديني‪ ،‬مبن فيهم عبد السالم بوحجر ومصطفى ملح‬ ‫«الحب يل َخبرَ ٌ‪ »..‬من‬ ‫والطيب هلو‪ .‬يقول األخري يف قصيدته‬ ‫ّ‬ ‫ديوانه (هبيني وردا ً للنسيان)‪:‬‬ ‫ْقيس ِ‬ ‫رص ُح الشِّ ْعر منتظ ٌر‬ ‫بَل ُ‬ ‫أنت و ْ‬ ‫ُمرو َر ِعطْ ٍر َسها عن َو ْرد ِه الظّمــأُ‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪41‬‬


‫ملف‬

‫خاص عرب‬ ‫الحلوي ّ‬ ‫ما نَكّس ال َقل ُْب ع ْرشاً‪ ..‬ما طَوى زَمنا‬ ‫يكف عن أن ميهر قصيدته بأسلوب ّ‬ ‫ناك أَ ْر ُض قصيدي‪ ..‬إنَّها َس َبأُ‬ ‫تنويع األوزان وعالقاتها اإليقاعية التي تأتّت من تذويت‬ ‫ً َع ْي ِ‬ ‫ملفوظاته خطابه إن ُمفردا ً أو جمعيّاً‪ ،‬ومن تطوير آليات‬ ‫يح أَ ْملكها‬ ‫أنا ُسلَ ْيامن؟ ال‪ ..‬ال ال ّر ُ‬ ‫النص‪ ،‬والتنقّل بني‬ ‫االشتغال اللغوي والبالغي يف فضاء ّ‬ ‫قَصائدي َس َندي والْ ِج ُّن قَ ْد خ َِسئُوا‬ ‫األساليب الشعرية بعذوبة وسالسة‪ .‬وأ ّما مضامني شعره فقد‬ ‫الطَ ْر ُف ُم ْنكسرِ ٌ ‪ ..‬ما ارت َّد ِم ْن َولَ ٍه‬ ‫تأرجحت بني أغراض معروفة من مدح ووصف ورثاء وغزل‪،‬‬ ‫وال ُع ْم ُر يَ ْرك ُ​ُض‪ ،‬واملِ ْنسا ُة تَ ْهرتِئُ‬ ‫وموضوعات حديثة‪ ،‬كان يستلهمها من حياته وتجربته‬ ‫وإذا بدا املشهد الشعري املغريب اليوم تهيمن عليه‬ ‫وأحداث عرصه‪ .‬يقول يف إحدى قصائده واصفاً الطبيعة يف‬ ‫قصيدتا النرث والتفعيلة عىل التوايل‪ ،‬وقد حظيتا بحظوة‬ ‫فصل الربيع‪:‬‬ ‫اإلعالم واملصاحبات النقدية واصطفاف املريدين وإقبالهم‬ ‫حق‪ ،‬فإ ّن قصيدة العمودية عرفت تراجعاً رشَ ـــــف الربيع مباسم األزهار ‪ ‬‬ ‫بحق ٍوغري ّ‬ ‫عليهام ّ‬ ‫فتفتحت عن طيبها املِ ْعطا ِر‬ ‫وانحسارا ً ألسباب متن ّوعة نجملها بعضها يف رحيل ر ّوادها‬ ‫قت أكاممها عن جــــــ ّن ٍة‪ ‬‬ ‫تباعاً‪ ،‬وتهميشها إعالم ّياً‪ ،‬وتج ّني النظّامني الذين أفقروها من وتفتّ ْ‬ ‫خرضاء بني نَــضارة ونُـــــضا ِر‬ ‫‪ ‬‬ ‫روح اإلبداع ومنعوها من أن تحيى حيا ًة جديدة‪ .‬مع ذلك‪،‬‬ ‫واألرض نَشْ وى يف مطارف َوشْ يِها‪ ‬‬ ‫وإىل أيّامنا هذه‪ ،‬ال يزال شعراء القصيدة العمودية‪ ،‬مبن‬ ‫فيهم من الجيل الجديد‪ ،‬مخلصني لها‪ ،‬ومنصتني لحضورهم‬ ‫تختال بني شقائق و َعـــــرا ِر‬ ‫يف التاريخ‪ ،‬وإن جرت بالفعل مياه كثرية تحت نهر الشعر‪،‬‬ ‫سحت يداها الثّل َْج عن ربواتها‬ ‫َم ْ‬ ‫فتأثروا بذلك أيمَّ ا تأثري‪.‬‬ ‫مت بـــعامئم األزهـــا ِر‬ ‫وتع ّم ْ‬ ‫ر ّوى الغام ُم سهولها ومروجها‬ ‫محمد الحلوي آخر شعراء العمود الكبار‬ ‫ِ‬ ‫وسقى ال ُّرىب بصبيبه امل ْدرا ِر‬ ‫يُجمع دارسو الشعر املغريب عىل اعتبار محمد الحلوي‬ ‫ويف حنينه إىل مسقط رأسه فاس وذكرياته بها وعهده بوادي‬ ‫(‪2004-1922‬م) آخر الشعراء النيوـكالسيكيني الكبار‪،‬‬ ‫الجواهر‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫كتابته‬ ‫ظل‪ ،‬لعقود طويلة‪ ،‬وف ّياً لالتجاه العمودي يف‬ ‫إذ ّ‬ ‫ذك ْرتُ به أيّا َم أُنْيس َو َص ْبويت‬ ‫الشعرية‪ ،‬ومل يتأث ّر بدعوات تجديد الشكل الشعري التي‬ ‫رض‬ ‫وغ ُْصن شبايب ناع ٌم ج ّد نا ِ‬ ‫عارصها‪ ،‬وإن كان مج ّددا ً يف موضوعاته‪ ،‬ومواكباً لقضايا‬ ‫وقَلْبي بأطياف الجامل ُمولّ ٌه‬ ‫وطنه وأ ّمته يتغ ّنى بها‪ ،‬ويقبل عليها بال هوادة‪ .‬وكان يرى‬ ‫وكل جام ٍل يف الطبيع ِة آسرِ ي‬ ‫ُّ‬ ‫أن القصيدة العمودية هي مبثابة الشكل الشعري األكرث‬ ‫كام ُعرف عن شعره انرصافُ ُه إىل «الع ْر ِش ّيات»‪ ،‬وهي مجموع‬ ‫أصالة‪ ،‬ويرفض القول بأنّها تعادي التطور والتجديد‪ .‬وبهذا‬ ‫القصائد التي قيلت ملناسبة االحتفال بجلوس امللك‪ ،‬محمد‬ ‫املعنى‪ ،‬وجد محمد بنيس‬ ‫الخامس ث ُّم الحسن الثاين من بعده‪ ،‬عىل عرش املغرب؛ وقد‬ ‫يف ما كان يكتبه محمد‬ ‫كان يُض ّمنها حبّه لوطنه‪ ،‬وافتخاره مبآثره وحضارته العريقة‪،‬‬ ‫الحلوي « ِجسرْ ا ً بني القديم‬ ‫ومنارصته ض ّد أعدائه‪ ،‬ودعوته أبناءه لالتحاد عرباً وأمازيغ‪.‬‬ ‫والحديث بصوره الشعرية‬ ‫وال أعرف شاعرا ً مغرب ّياً تعلّق قلبه باملرشق‪ ،‬وتفاعل مع‬ ‫الحديثة التي أبدع فيها»‪.‬‬ ‫قضايا أ ّمته من الجزائر وفلسطني إىل لبنان والعراق‪ ،‬مثلام‬ ‫من داخل التزامه‬ ‫صنع محمد الحلوي‪ .‬يقول يف قصيدته «رصخة الجزائر»‪:‬‬ ‫بالقصيدة العمودية‪،‬‬ ‫فسل ال ُحسامــا‬ ‫أطلق النار أو ّ‬ ‫مل يكن الشاعر محمد‬ ‫ُه ْم أرادوا أن ال يق ّروا السالما‬ ‫محمد الحلوي‬ ‫‪42‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫فاســـ‬ ‫وا ْمتَ ِط األده َم املط ّهم أو ْ‬ ‫ـــــ ِر بِل ْي ٍل وعــــــــــــانقِ اآلكامــــا‬ ‫الغاب من زئريك كاللّ ْيث‬ ‫وامأل َ‬ ‫الهضاب واآلجـامـا‬ ‫يهـــــــــــــ ُّز‬ ‫َ‬ ‫وكان خطابه الشعري املسكون بآالم أ ّمته العربية يتخلّله‬ ‫شعور بالسخط والتذمر إزاء ما آل إليه الوضع العريب‬ ‫املزري‪ ،‬ولك ّنه مل يكن يعدم روح التفاؤل‪:‬‬ ‫فتأ ّهبي يا أُ ّمتي ملسيــر ٍة‬ ‫أُخْرى مباركة الجهو ِد َوأَقْلِعي‪ ‬‬ ‫إنيّ آل ُم ُل بعد َع ْه ٍد ُمظْلمٍ‬ ‫يف فــــ ْج ِر يومٍ للــــعروبة ُم ْمتـِعِ‬ ‫عت‬ ‫فمتى يع ُّم األ ْم ُن ُدنْيا ُر ِّو ْ‬ ‫غيب عن َس ْمعي َهدي ُر امل َ ْدفَعِ؟‬ ‫َويَ ُ‬ ‫ويرى بَ ُنو الدنيا سالماً عا ِدالً‬ ‫من بعد َع ْه ٍد باملـــــآيس ُمترْ َ ِع‬ ‫ويف قصيدة إليه حينام زار املغرب يف يونيو ‪1958‬م‪ ،‬قال‬ ‫محمد الحلوي يُح ّيي عميد األدب العريب طه حسني ويرحب‬ ‫به أخاً كرمياً بني إخوانه عىل أرض فاس‪:‬‬ ‫حق عىل الشّ عر أن يُهدي عرائسه‬ ‫ٌّ‬ ‫واألدب‬ ‫تـــــــح ّي ًة لعميد الشعر‬ ‫ِ‬ ‫حق عىل الشّ عر أن يهدي قالئده‬ ‫ٌّ‬ ‫والعجب‬ ‫لصانع ال ُّد ِّر واإلبداع‬ ‫ِ‬ ‫مرحى بأكرمِ ض ْي ٍف زار إخوته‬ ‫بب‬ ‫الس ِ‬ ‫فوث َّق ال َر ِحم ال ُق ْدس ّية ّ‬ ‫إنّا بني ال ُع ْرب يف اآلالم يجمعنا‬ ‫ٍ‬ ‫ماض مجي ٌد وقرآ ٌن ودي ُن نَبي‬ ‫أبناء رابــــــطة ال يشء يفصلها‬ ‫ِفاس كم ْن يف مرص أو حل َِب‬ ‫فَ َم ْن ب َ‬ ‫جعلت أهدافنا هدفاً‬ ‫نوائب‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬ ‫وعلّمتْـــــنا انتزا َع ال ّنرص بالغل َِب‬ ‫وقد أعجب طه حسني بالقصيدة أيمّ ا إعجاب حتّى قال‪:‬‬ ‫«إنني مل أسمع مثل هذا الشعر يف الرشق العريب‪ ،‬وال بعد‬ ‫أن َو ِطئَ ْت قدماي أرض املغرب»‪ .‬إىل جانب ما يزخر به‬ ‫شعره من بعد وطني وقومي‪ ،‬كانت الوظيفة اإلصالحية ال‬

‫تغيب عنه‪ ،‬بحكم تشبُّعه بالفكر الديني اإلصالحي‪ ،‬فكان‬ ‫يف كثري من قصائده ينتقد علل املجتمع البرشي وسلوكيّاته‬ ‫وتخل عن واجب األخ ّوة والشعور باملسؤولية‪،‬‬ ‫من انحالل ٍّ‬ ‫مثلام يدافع عن املحرومني الذين رمت بهم الفاقة إىل‬ ‫الجادات‪ ،‬بقدر دفاعه عن املرأة وحقّها يف التعليم واملساواة‬ ‫مع الرجل‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫ال تغمطوا ب ْن َت ح ّواء مواهبَها‬ ‫فإنّها كالفتى ُروحـــاً َو ِو ْجدانا‬ ‫ّيت ت ِر ُد العلم الذي حرمت‬ ‫لو ُخل ْ‬ ‫ألغْدق َْت َغيْثها يف ال ّن ْشء َهتّانا‬ ‫ـــــب يُناوِئها‬ ‫َو ْ‬ ‫الستَنار بِها ش ْع ٌ‬ ‫وضاقَ عنها فضا ُء ال ِعلْم ميدانا‬ ‫وإن تَرك َْت رشو َر ال َج ْهل تركبها‬ ‫أعددتَ منها لهذا الشّ ْعب شيطانا‬ ‫ويف اعتقادي‪ ،‬لقد حقّق الشاعر محمد الحلوي‪ ،‬باقتدار‬ ‫شاعريّته وامتالكه ناصية اللغة والعروض وباعه فيهام‪ ،‬ما‬ ‫مل يُحقّق غريه من شعراء القصيدة العمودية باملغرب عرب‬ ‫عصورها الطويلة‪.‬‬ ‫ولد محمد الحلوي بفاس يف العام ‪1922‬م‪ ،‬ونشأ يف أرسة‬ ‫محافظة كان لها أكرب األثر يف توجيهه وتكوينه‪ .‬تلقى تعليمه‬ ‫االبتدايئ باملدارس الحرة التي أنشأتها الحركة الوطنية‪ ،‬وتابع‬ ‫دراسته بجامعتها «القرويني» حتى حصل منها عىل شهادة‬ ‫العالِم ّية‪ ،‬ليلج بعد ذلك سلك التدريس‪ ،‬حيث عمل أستاذا ً‬ ‫ٍ‬ ‫لسنوات ع ّدة إىل حني تقاعده وتف ُّرغه للتأليف‬ ‫للغة العربية‬ ‫وقرض الشعر‪ .‬وارتبط جزء مه ّم من نشاط الشاعر األديب‬ ‫والفكري والسيايس‪ ،‬إبّان األربعينيات والخمسينيات من‬ ‫القرن الفائت‪ ،‬بالحركة السلفية التي تح ّولت‪ ،‬بوازع وطني‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪43‬‬


‫ملف‬

‫وديني‪ ،‬إىل حرك ٍة ُمقاوِم ٍة لالستعامر الفرنيس‪ ،‬وقد تع ّرض‬ ‫للسجن بسبب هذا النشاط‪ .‬ومماّ تركه من شعر يكشف‬ ‫لنا عن قيمته وأصالته‪ ،‬ونجده مبثوثاً يف دواوينه «أنغام‬ ‫وأصداء» (‪ ،)1965‬و»شموع» (‪ ،)1988‬و»أوراق الخريف»‬ ‫(‪ .)1996‬عدا كتابه مرشح ّيته «أنوال»‪ ،‬و»معجم الفصحى يف‬ ‫العامية املغربية» (‪ ،)1988‬ومقاالت كثرية ته ّم املجال األديب‬ ‫مل تكن تخلو من سجال‪ ،‬نرش معظمها يف جريدة «العلم»‬ ‫املغربية‪ .‬ونال جوائز شعرية كثرية كان آخرها جائزة اإلبداع‬ ‫الشعري من مؤسسة عبد العزيز سعود البابطني لإلبداع‬ ‫الشعري عام ‪1990‬م‪ .‬انتقل الشاعر إىل جوار ربِّه صباح يوم‬ ‫الجمعة ‪ 24‬دجنرب ‪2004‬م بـ»مرتيل» أحد ضواحي تطوان‬ ‫(شامل املغرب)‪ ،‬وذلك عن عمر يناهز الثانية والثامنني‪ ،‬بعد‬ ‫ما ينيف عن خمسة عقود من اإلقامة يف محراب الشعر‬ ‫صادحاً وشاهدا ً‪ ،‬أي من أواخر عقد األربعين ّيات حتى آخر‬ ‫قصيدة بعنوان «الفاجعة»‪ ،‬كان ألقاها يف رثاء املغفور له‬ ‫الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان‪ ،‬بالعاصمة الرباط يوم‬ ‫األربعاء ‪ 22‬دجنرب ‪2004‬م‪ ،‬وذلك قبل يومني من رحيله‪.‬‬ ‫ومماّ قال يف رثاء الشيخ زايد عىل نحو يوحي بصدق‬ ‫العاطفة وشبوب املوقف النفيس وتلقائ ّيته‪:‬‬ ‫َدهى اإلمارات ر ْز ٌء َر َّوع العربا‬ ‫ور ّج ٌة َما َد منها الشرّ ْقُ واضْ طَـربا‬ ‫طَوى ال ّر َدى عرب ّياً يف شامئل ِه‬ ‫وح َصبا‬ ‫ٌ‬ ‫نبل ويف خلق ِه املحمو ِد ُر ُ‬ ‫كانت مالح ُم ُه‬ ‫وقائدا ً ُملْهامً ْ‬ ‫َم ْجدا ً بنا ُه عىل التوحيد فانْتَصبا‬ ‫وافىَ اإلمارات أشْ تاتاً فَو َّحدها‬ ‫غرقت يف خلقها ِحقَبا‬ ‫من بعدما ْ‬ ‫وواصل الجهد يف ع ْزمٍ ويف ثق ٍة‬ ‫َ‬ ‫يبني ويرف ُع يف أَ ْرجائها ال ُّن ُصبا‬ ‫حتى غدتْ يف بالد العرب شا َمتَها‬ ‫وكَوكباً يتح ّدى نو ُر ُه الشُّ ُهبا‬ ‫صاح ال ُّنعا ُة فَه َّد ال ُح ْز ُن َم ْن سمعوا‬ ‫َ‬ ‫ص ْوتَ ال ّنعاة وظ ُّنوا ن ْع َي ُهم ْك َِذبا‬ ‫أيُفْق ُد ال َب ْد ُر يف ليال َء ُمظْلم ٍة‬ ‫اصطَخبا‬ ‫وأ ّم ُة ال ُع ْرب يف بح ٍر ق َِد ْ‬ ‫‪44‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫من يبْ ِك زايد بَىك يف شخصه َر ُج ًال‬ ‫وح إِبا‬ ‫ال كال ِّرجال َصفا قَلْباً َو ُر َ‬ ‫يا حامل ال ّن ْعش ال تُسرْ ْع فإ ّن ب ِه‬ ‫قلوب ش ْع ٍب إذا ح ّركْتَها انْتَحبا‬ ‫َ‬

‫قصيدة الز َّجل‪ ..‬من امللحون إىل الكتايب‬ ‫‪.1‬‬

‫عىل إثر املوشَّ ح‪ ،‬ظهر ال ّز َجل الذي ُص ِّنف‪ ،‬إىل جانب‬ ‫املواليا والقوما والكان وكان‪ ،‬ضمن ماس َّموه علامؤنا‬ ‫القدماء الفنون الشعرية امللحونة أو غري امل ُ ْع َربة‪ ،‬وهي‬ ‫ٌ‬ ‫أشكال من النظم الشعري مل يلتزم أصحابُ ُه فيه ب ُنظُم‬ ‫اللغة الفصحى املعيارية وقواعدها الرتكيبيّة‪ ،‬وإن كانوا‬ ‫أدمجوها يف قوالب متن ّوعة من البناء من حيث كرثة عدد‬ ‫األقسام وأشطار وحداتها املنظومة‪ ،‬ومن حيث التن ّوع يف‬ ‫التقسيم املوسيقي لعنارصها املتوازية‪ .‬ومل يكن النظم‬ ‫يف الزجل دليل َع ْج ٍز من شعراء العا ّمية‪ ،‬بل نظموه عن‬ ‫موهبة واقتدار عىل القول فيه‪ ،‬حتى أ ّن منهم من كان‬ ‫ينظم القريض واملوشّ ح نفسه‪ .‬وكان أبو بكر بن قزمان‬ ‫(ت ‪554‬هـ) إمام الز ّجالني باألندلس‪ ،‬وهو الذي اخرتع‬ ‫الزجل‪ ،‬وجعل إعرابه لحنه‪ ،‬فامتَ ّدت إليه األيدي‪ ،‬وعقدت‬ ‫رص عليه‪ .‬وقد سبق البن خلدون أن ذكر أ ّن املغاربة‬ ‫الخنا ُ‬ ‫استحدثوا نوعاً جديدا ً مزدوجاً س ّموه «عروض البلد»‬ ‫ث ُ ّم جعلوا منه أنواعاً أخرى س ّموها املزدوج‪ ،‬والكازي‪،‬‬ ‫وامللعبة‪ ،‬والغزل‪ .‬إلاّ أ ّن املشهور عند املغاربة من هذه‬ ‫األنواع هو شعر امللحون الذي طبقت شهرته اآلفاق بأرض‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫لم يكن النظم في الزجل‬ ‫ع ْج ٍز من شعراء العا ّمية‪،‬‬ ‫دليل َ‬ ‫بل نظموه عن موهبة‬ ‫واقتدار على القول فيه‪ ،‬حتى‬ ‫أن منهم من كان ينظم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والموشح نفسه‬ ‫القريض‬ ‫املغارب‪ ،‬ومل يجد ما يوازيه يف عمل الرعيل األول من‬ ‫الدارسني‪.‬‬

‫‪.2‬‬

‫امللحون هو نَ ْو ٌع شعر ٌّي غري معرب‪ ،‬بعضهم يرى أنّه‬ ‫شتق من اللحن الذي يُفيد الخطأ اللغوي بوصفه من‬ ‫ُم ٌّ‬ ‫النظم غري املعرب‪ ،‬فكان املغاربة يستعملون امللحون يف‬ ‫مقابل املعرب‪ ،‬وبعضهم رأى يف اللحن إىل ما يُفيد التلحني‬ ‫كل يشء كام‬ ‫والتنغيم بوصفه يُ ْنظم ليك يُتغذّى به قبل ّ‬ ‫أشار إليه محمد الفايس يف مقاالته الرائدة عن امللحون‪،‬‬ ‫ويحتمل املعنى عند البعض اآلخر الوجهني معاً‪ ،‬فهو إ ّما‬ ‫سمي بذلك الرتكاب الشعراء الشعبيني أخطاء نحوية‪ ،‬أي‬ ‫أنهم ابتعدوا عن الفصيح للغة العربية وأصولها‪ ،‬وإما أنه‬ ‫سمي بذلك لتغني الشعراء الشعبيني به‪ .‬وتشري املصادر إىل‬ ‫أن أول بواكريه قد ظهرت يف عرص املوحدين‪ ،‬أي يف القرن‬ ‫السابع للهجرة‪ ،‬وتط ّور عن ف ّن الزجل يف إطار التح ُّرر من‬ ‫أعاريض النظام الخلييل ورصامة الفصحى وأصولها‪ُ ،‬موجدا ً‬ ‫لنفسه مقاييس إيقاعية تكون قادرة عىل تحقيق املالءمة‬ ‫بني الشعر واللحن‪.‬‬ ‫لقد كانت للمغاربة تفعيالت خاصة يزنون بها أشعارهم‬ ‫أساسها النغم واإليقاع يطلقون عليها «الرصوف» وهي‬ ‫نوعان «الدندنة» و»مايل مايل»‪ .‬ونظروا إىل العروض‬ ‫كل بحر من‬ ‫كمجموع ٍة من القياسات (=امليازين) داخل ِّ‬ ‫البحور (= ملر ّمات)‪ ،‬وأشهرها عندهم‪ :‬املبيت‪ ،‬ومكسور‬ ‫الجناح‪ ،‬واملشتب‪ ،‬والسويس أو املزلوك‪ ،‬فيام اكتشف محمد‬ ‫الفايس منطاً خامساً هو الذكر‪ .‬وتربز هذه األمناط من شعر‬

‫امللحون‪ ،‬الذي كان أغلبه شعرا ً شفويّاً عىل أفواه ال ُحفّاظ‪،‬‬ ‫إيقاعي ميتزج فيه ما هو جام ّيل ـ تصويري مبا هو‬ ‫عن ثرا ٍء‬ ‫ٍّ‬ ‫موسيقي عىل ن ْح ٍو خلاّ ق‪ ،‬بعد أن اكتملت الصورة الفنية‬ ‫لقصيدة امللحون‪ ،‬وهو ما مل يت َّم الكشف عنه إلاّ حديثاً عند‬ ‫بعض الدارسني الجدد لهذا الف ّن الشعري بالغ الرثاء وذائع‬ ‫الشبق‪ ،‬مبن فيهم الباحث والز ّجال محمد الراشق الذي‬ ‫قال إ ّن القصيدة قد سلكت «نفس النهج الذي ابتدأت‬ ‫به قصيدة الشعر املعرب القدمية‪ ،‬خصوصاً يف الجانب‬ ‫الشكيل املتعلّق بهندسة الفضاء وتشكيله»‪ .‬مل تعدم قصيدة‬ ‫بحب منشديها‪ ،‬آليات‬ ‫امللحون‪ ،‬عدا موسيقاها الغامرة ّ‬ ‫الحيك والحوار والتشخيص الرمزي والكنايئ الذي يكرس‬ ‫رتابة النظم وهو يرفد من خيا ٍل سمح ورقراق يز ِّوج رؤية‬ ‫القلب لصفاء التجربة الروحية‪ ،‬يف مثل نصوص املديح‬ ‫كل من عبد القادر‬ ‫والتوسل والغزل والتص ُّوف لدى ّ‬ ‫النبوي‬ ‫ُّ‬ ‫العلمي‪ ،‬وعبد العزيز املغراوي‪ ،‬ومحمد الحراق‪ ،‬وأحمد‬ ‫بن عبد القادر التستاويت‪ ،‬والشيخ الجياليل امثريد‪ ،‬والتهامي‬ ‫املدغري‪ ،‬والحاج أحمد الغرابيل‪ ،‬ومحمد بن سليامن‪،‬‬ ‫والفلوس‪ ،‬وابن عيل صاحب «الشمعة» ذائعة الصيت‪.‬‬ ‫كام احتفظت لنا كنانيش امللحون عرب قصائده ورساباته‬ ‫ورباعياته‪ ،‬ومن خالل ما نقلته ذاكرة «الحفَّاظ» من جيل‬ ‫الغني‬ ‫إىل جيل‪ ،‬بذلك الرصيد الهائل من موروثنا الشعبي ّ‬ ‫والجدير باملكرمة واإلعجاب‪ ،‬إىل ح ّد أن صارت قصيدة‬ ‫امللحون مصدرا ً أو رافدا ً فريدا ً للكتابة التاريخية‪ ،‬ييضء‬ ‫نزرا ً ال يستهان به من الوثائق واملراسالت املخزنية وآداب‬ ‫املناقب والنوازل والرحالت واملسكوكات والنقيشات‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪45‬‬


‫ملف‬

‫واللقى األثرية؛ ويكفي أن يطّلع املرء ـ متثيالً ال حرصا ً ـ‬ ‫عىل «معلمة امللحون» لصاحبها محمد الفايس‪ ،‬أو عىل‬ ‫«القصيدة» لعباس الجراري‪ ،‬أو «امللحون املغريب» ألحمد‬ ‫سهوم‪ ،‬أو «الزجل املغريب امللحون بني اإلنشاد والتدوين»‬ ‫لعبد الرحامن امللحوين‪ ،‬ليكتشف قوة انتشار ف ّن امللحون‪،‬‬ ‫وقيمة الفوائد املبثوثة فيه قلباً وقالباً‪ ،‬واتساعه يف الزمان‬ ‫واملكان‪ ،‬إذ لوال ذلك جميعاً ملا خرج من تافياللت لتع ّم‬ ‫روحه اآلرسة‪ ،‬فيام بعد‪ ،‬حوارض املغرب الكربى التي‬ ‫بخواص طابعها الثقايف والروحي‪ ،‬مبا يف ذلك‬ ‫استمزجته‬ ‫ّ‬ ‫حوارض تارودانت‪ ،‬ومراكش‪ ،‬والجديدة‪ ،‬وأسفي‪ ،‬وتطوان‪،‬‬ ‫ووجدة‪ ،‬وسال‪ ،‬ومكناس‪ ،‬وزرهون وفاس‪ .‬أي يف الحوارض‬ ‫التي تنشط فيها الصناعة التقليدية‪ ،‬حيث معظم شعراء‬ ‫امللحون ومشايخه هم من أهل الحرف والصناعات‪.‬‬ ‫ولكم كان ُمؤثِّرا ً ومتطلَّباً يف آن‪ ،‬أن تستلهم الفنون‬ ‫الحديثة‪ ،‬مثل املرسح والتشكيل والرسد والغناء‪ ،‬ف ّن‬ ‫امللحون وجامليّاته‪ ،‬وأن يتواصل االحتفاء الشعائري به‬ ‫يف أشكا ٍل حميمة تتّشح بأصوات املح ّبة التي تقدم إلينا‬ ‫من بعيد‪ .‬لقد كان امللحون‪ ،‬بتعبري محمد الفايس‪« ،‬ديوان‬ ‫بحق؛ فلم يرتاجع‪ ،‬يف أ ّي وقت‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املغرب‬ ‫وسجل حضارته» ّ‬ ‫الس ْمحة‪.‬‬ ‫عن إرضاء َذ ْوق املغاربة العا ّم وروحهم ّ‬

‫‪46‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫‪.3‬‬

‫مل يكن جارياً أن يد ّون شعراء امللحون قصائدهم‪ ،‬أو‬ ‫ظل ثقافة كانت تطبعها القيم‬ ‫يوصوا بتدوينها‪ ،‬وذلك يف ّ‬ ‫الشفاهية؛ بل إنّهم كانوا يستهجنون كتابة «القصايد»‪،‬‬ ‫ويُحبّذون تداولها الشفوي واملغنى عىل اعتبار أن التدوين‬ ‫يشوهها ويفقدها حالوتها وصدقها وغنائ ّيتها‪ ،‬ألنّه باختالف‬ ‫النساخ ما يُح ّرف املعاين عن‬ ‫الرسم الذي قد يقع فيها ّ‬ ‫أصولها ودالالتها املقصودة‪ ،‬وبالتايل يُع ّرض القصيدة لعدة‬ ‫تغيريات يف مضمونها أو بنيتها العامة‪ .‬إلاّ أنّه مع الوقت‪،‬‬ ‫َوبِداعي ضبط اإليقاع وأقيسته‪ ،‬تَولّد لدى املهت ّمني الحرص‬ ‫عىل تدوين القصائد مماّ قد يلزم املنشد بعدم الخروج عن‬ ‫األوزان التي وضعها شاعر امللحون لها‪ .‬وكانت تُد َّون إ ّما يف‬ ‫الكنانيش والكراسات أو عىل جلود مدبوغة أو أوراق من‬ ‫نوع خاص قريب إىل ورق الربدي‪ .‬ولقرونٍ طويلة‪ ،‬ظل ّْت‬ ‫قصائد امللحون تُ ْنشد ويُتغ ّنى بها يف مناسبات مخصوصة‪،‬‬ ‫ظل شعراء امللحون يقرضون‬ ‫عائلية ووطنية ودينية‪ .‬كام ّ‬ ‫الزجل ويل ّحون عىل بعده الغنايئ الذي يستنطقون به ذاكرة‬ ‫الثقافة الشفوية يف مختلف مصادرها ونزوعاتها‪ .‬ومل يصدر‬ ‫أ ّول ديوان من شعر الزجل‪ ،‬إسوة بنظريه الفصيح‪ ،‬إلاّ يف‬ ‫أواسط السبعينيات من القرن الفائت‪ ،‬بعنوان «رياح‪ ..‬التي‬ ‫ستأيت» للشاعر الز ّجال أحمد ملسيح‪ ،‬ث ُ ّم تلَتْ ُه دواوين أخرى‬ ‫لز ّجالني من أمثال حسني الوزاين‪ ،‬ومصطفى أرزوزي‪ ،‬وأحمد‬ ‫جاوي‪ ،‬والعريب باطام‪ ،‬وحسن املفتي‪ ،‬وفاطمة شبشوب‪،‬‬ ‫ومراد القادري‪ ،‬وإدريس املسناوي‪ ،‬محمد الراشق ونهاد‬ ‫بنعكيدا‪ ،‬ومحمد اجنياح وسواهم‪ ،‬إىل أن زاد عدد املجاميع‬ ‫الشعرية الزجلية عن الثالمثئة‪ .‬كان ذلك الطّ ْور إيذاناً‬ ‫بتدشني عهد جديد من تاريخ الزجل املغريب‪ ،‬إذ سيقطع‬ ‫مع شفاهيّته وغنائيّته‪ ،‬وينحو إىل استثامر تقنيّات الكتابة‬ ‫الشعرية الحديثة بنا ًء وتصويرا ً ورؤية‪ ،‬وهو ما قد أكسبه‬ ‫الغنى والتع ّدد يف املفاهيم والحساسيات والرؤى‪ ،‬عامالً عىل‬ ‫تفجري الطاقة التعبريية للعامية املغربية‪ ٬‬ومنخرطاً ـ بق ّوة‬ ‫مبدعيه وخيارهم الجاميل ـ يف األفق الشعري املشرتك الذي‬ ‫تصدح به ألسن الشعر املغريب املختلفة (الفصيح‪ ،‬األمازيغي‬ ‫والحساين)‪ .‬ولقد بدا للجميع أن الزجل ف ّن شعر ٌّي أصيل‪ ،‬وال‬ ‫يقل قيم ًة عن غريه يف اإلفصاح عن ُهويّته‪ ،‬وتسمية حداثته‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ووسم زمن ّيته الخاصة‪ ،‬هنا واآلن‪.‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬ ‫سؤال القديم والجديد‬ ‫تختلف اآلراء حول حضور القصيدة العمودية وفرص بقائها في عصر طغت فيه عوامل كثيرة‪ ،‬أدت إلى‬ ‫طرح مشاريع بعيدة عن التراث ومتخففة منه‪ .‬وفي المغرب العربي ظل السؤال عن النتاج الشعري الجديد‬ ‫وهويته‪ ،‬بعد أن بقيت فئة منه تخلص لتراثها وأخرى تواكب الحداثة‪.‬‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪47‬‬


‫ملف‬

‫حضور التاريخ فحسب‪ ‬‬ ‫ً‬ ‫لماما‪ ،‬وهذا شأنها ليس في المغرب وحده فحسب‪ ،‬ففي‬ ‫غياب شبه مطلق للقصيدة العمودية إال‬ ‫ٌ‬ ‫هناك‬

‫تاريخي ًا‪ ،‬تعاني القصيدة ما تعانيه عندنا‪ .‬فالقصيدة العمودية منذ‬ ‫الخليج العربي الذي يع ّد المعين لها‬ ‫ّ‬ ‫نشأتها ارتبطت بمناخ القبيلة‪ ،‬واستمرت مرتبطة بهذا المناخ حتى في تاريخ المدينة‪ ،‬إذ ظلت لغة‬ ‫السيف والخيل‪ ،‬ولغة المدح‪ ،‬ولغة الفخر في نسيجها ومخيالها إلى اآلن‪ .‬أعتقد أننا في تاريخنا الراهن‬

‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫كثيرا عن تاريخ القبيلة‪ ،‬والقصيدة العمودية بدورها ابتعدت عن مُ‬ ‫كثيرا؛ وبالتالي‬ ‫تطلباته‬ ‫قد ابتعدنا‬

‫ً‬ ‫وتاليا بعض اآلراء حول هذا الموضوع‪.‬‬ ‫فحضورها اآلن هو فقط حضور التاريخ‪ ،‬وليس حضور اللحظة‪،‬‬

‫أحمد بلحاج آية وارهام‬

‫أحمد بلحاج آية وارهام‬

‫تقنيات جديدة‪ ‬‬ ‫يف السنوات األخرية أعاد الشعراء القصيدة العمودية‬ ‫إىل املشهد الشعري بتقنيات جديدة يف اللغة واألسلوب‬ ‫والتخييل‪ ،‬ويف جامليات الصور وطرق اإلبداالت الوريفة‬ ‫ضفافها باملدهش الكثيف‪ ‬الذي يقرب عواملها من عوامل‬ ‫قصيدة النرث السبّاقة إىل هذه الفتوحات‪.‬‬

‫عبـد القادر وساط‬

‫ّ‬ ‫النظامون أفسدوا القصيدة‬ ‫إ ّن القصيدة العمودية يف املغرب قد ارتبطت لألسف‬ ‫بـ»الرسميات»‪ ،‬ومبا كان ينظمه النظامون خالل العقود‬ ‫املاضية من كالم موزون ومقفى ولكنه عديم الوزن من‬ ‫املنظور الشعري و الجاميل‪ ...‬ال تزال هناك « ُمخلّفات»‬ ‫لهذا الوضع‪ ،‬نجدها يف املقررات الدراسية التي متتلئ بهذه‬ ‫«القصائد» التي مي ُّجها الذوق‪ .‬وكم أشعر بالرثاء البنتي وهي‬ ‫تحفظ اضطرارا ً مثل هذه القصائد‪ ...‬إنّه أم ٌر يبعث عىل‬ ‫الحزن يا صديقي‪ ،‬حني ترى طفلتك تحفظ كالماً يبلد الحس‬ ‫ويقيض عىل الذوق الفني‪ ...‬ال أقول إن القصيدة العمودية‬ ‫مل تعد تتالءم مع العرص‪،‬كال‪ .‬أقول فقط إن النظّامني الذين‬ ‫ينتهكون حرمتها ال ميتلكون األداة الفنية الرضورية لذلك‪..‬‬

‫‪48‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫عبدالقادر وساط‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫أحمد بنميمون‬

‫أحمد بنميمون‬

‫اعرف القاعدة ثم ّ‬ ‫حطمها‬ ‫تراجعت القصيدة العمودية بالفعل‪ ،‬لكن ليس بسبب‬ ‫التجاوز والتخطي اإلبداعيني‪ ،‬وإمنا بسبب جهل كثريين‬ ‫بالعروض العريب‪ ،‬وانقطاع صلتهم بالرتاث‪ ،‬إذ بدأوا الكتابة‬ ‫مقتدين بنامذج ظهرت يف الخمسني سنة األخرية عىل األكرث‪،‬‬ ‫ومل يكن تجاوز هؤالء كتجاوز السياب وكل الشعراء الرواد‬ ‫منذ األربعينات لنظام البيت الشعري ذي الشطرين‪ ،‬والذين‬ ‫كان قد اجتمع يف شعرهم شكالن كانا بتعبري أدونيس‪:‬‬ ‫أحدهام ينتهي واآلخر يبدأ وينهض‪ ،‬والحقيقية أنه مل يكن يف‬ ‫ذلك خ ٌري للقصيدة املغربية‪ ،‬التي عرفت تزاحم كثري من غري‬ ‫املوهوبني شعرياً‪ ،‬وإن كانوا موهوبني يف ميادين أخرى‪.‬أنا مع‬ ‫مبدأ «اعرف القاعدة ثم حطمها»‪ ،‬والذين يعلنون الحرب‬ ‫عىل الشكل التقليدي ال يعرفونه ومل يخربوه‪ ،‬وللشاعر‬ ‫اللبناين امل ُجيد محمد عيل شمس الدين رأي وجيه يف مسألة‬ ‫طغيان قصيدة النرث يف لبنان‪ ،‬حيث ربط انتشار كتابة الشعر‬ ‫بالنرث ـ آنذاك ـ بإغالق املدارس يف لبنان يف فرتة الحرب‬ ‫األهلية بني (‪ 1975‬ـ‪ .)1989‬ويف املغرب ال يخفى ما يعانيه‬ ‫األساتذة يف تدريس مادة العروض‪ ،‬إذ أن معظمهم يعتربونها‬ ‫جداول غامضة‪ ،‬فمن ث ّم هم يهجرونها وال يدرسونها كام‬ ‫يجب‪ ،‬فال بأس إن رأينا يف سيادة الكتابة النرثية تجلّياً من‬ ‫تجليات هذه األزمة‪ ،‬يف انعكاسها عىل كتاباتنا الشعرية‪.‬‬ ‫إن يف نعي العروض العريب الكثري مام يثري األسف‪ ،‬إذ أ ّن‬ ‫هناك حرباً حقيقية عليه‪ ،‬تجلت يف ظهور جبهات تحارب‬ ‫من طرف واحد‪ ،‬وكأنها عندي تنعي الرتاث العريب‪ ،‬وتقرتح‬

‫أعالماً جددا ً وظواهر مستحدثة‪ ،‬وعالمات ينبغي عىل‬ ‫الشعراء االهتداء بها‪ ،‬بعد أن قطعوا مع تاريخنا العريب‪.‬‬ ‫وإال فكيف ميكن أن نفرس دعوات يف املرشق واملغرب‬ ‫إىل مؤمترات لقصيدة النرث!؟ كنت من األوائل الذين كتبوا‬ ‫قصيدة النرث يف املغرب‪ ،‬وجزء كبري من شعري يقع فيها‪،‬‬ ‫ومع ذلك فإن مثل هذه الدعوات تثري اشمئزازي‪ ،‬خاصة‬ ‫وأنني أعرف أن وراء األكمة ما وراءها‪ ،‬من محاوالت تصفية‬ ‫حساب مع الثقافة العربية‪ ،‬بحجة الحداثة وما بعد الحداثة‬ ‫وما يشبه ذلك من دعوات إن كان لها معنى يف الغرب ألنّها‬ ‫تعرب عن حارض ثقافته‪ ،‬فهي بالنسبة لنا غري ذات موضوع‪،‬‬ ‫إال أن يكون مؤامرة عىل الذات‪ ،‬تحاول هدماً بدون أن‬ ‫جديدة‪.‬أنت تعرف يا صديقي أن كثريين ممن‬ ‫تقرتح بنى‬ ‫َ‬ ‫يكتبون شعرا ً هذه األيام تنقصهم املعرفة الالزمة باللغة‬ ‫وعلومها‪ ،‬فكيف ميكن لرجل ال يعرف اللغة إال معرفة‬ ‫خفيفة سطحية أن يجدد فيها‪،‬‬ ‫أحرى أن يصل إىل مستوى‬ ‫إدراك عبقريتها‪ ،‬أو اقرتاح‬ ‫إن في نعي العروض‬ ‫جديد يف أساليبها‪ .‬وكيف تفهم‬ ‫العربي الكثير مما‬ ‫أن شعراء «النثرية» عندنا إمنا‬ ‫أن‬ ‫إذ‬ ‫األسف‪،‬‬ ‫يثير‬ ‫ّ‬ ‫ينطلقون من املاغوط وأنيس‬ ‫الحاج وما خلفته مجلة شعر‬ ‫هناك حرب ًا حقيقية‬ ‫اللبنانية من تراث يف هذا‬ ‫عليه‪ ،‬تجلت في‬ ‫الباب‪ ،‬يف أحسن األحوال‪ ،‬وإال‬ ‫ظهور جبهات تحارب‬ ‫فإن نصوصهم املؤسسة هي ما‬ ‫من طرف واحد‬ ‫اب قصيدة النرث يف‬ ‫وضعه كتَّ ُ‬ ‫ربع القرن األخري‪ .‬وإنيّ ألذكر‬ ‫مع هذا عنوان إحدى الروايات‬ ‫«حادثة ربع مرت» فأضحك ضحكا م ّرا ً شديد السواد‪ .‬ممن‬ ‫ضاقت ثقافته‪ ،‬فضاقت لذلك عطنه وآفاقه‪.‬‬ ‫ليكن مبدؤنا معرفة كل يشء‪ ،‬و»قتل القديم‪ ...‬فهامً»‪ ،‬وأال‬ ‫نقول بأن هناك شكالً عنده تنتهي كل األشكال‪ .‬وأحب‬ ‫أن انتهي مبقولة لصديقي الشاعر محمد بنيس جاءت‬ ‫يف جواب له عىل سؤالني وجهتهام إليه مع مجموعة‬ ‫من الشعراء مجلة «املعرفة السورية»‪ ،‬عدد نوفمرب سنة‬ ‫‪1979‬م‪ ،‬يف استجواب من إعداد عبد الله ألبو هيف‪« :‬إنني‬ ‫ال أبدأ القصيدة ألنتهي‪ ،‬ولكنني دامئاً أنتهي ألبدأ»‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪49‬‬


‫ملف‬

‫مصطفى الشليح‬

‫َو ْهم انتهاء القصيدة الكالسيكية‬ ‫شكل مح ّددا ً للشعر‪ .‬هي الكتابة‪ ،‬يف‬ ‫أعتقد‪ ،‬بدءا ً‪ ،‬أن ال َ‬ ‫عنفوان هيئتها‪ ،‬تأيت القتناص لحظة كونية‪ .‬لحظة الكتابة‬ ‫تأيت من خارج الضابط النوعي لتخيرُّ شكلٍ ُمعينّ ٍ سلفا‪.‬‬ ‫تق ُد ُم آليات استثامر شكل شعري ما من الكالم املستقل عن‬ ‫التقعيد إبان االنغامر الشعري‪.‬‬ ‫لكل شعر كالمه‪ ،‬ولكل كتابة شعرية نف ٌَس كالمي خاص‪.‬‬ ‫ال يتشابه شاعران‪ ،‬وال تتامثل قصيدتان لشاعر واحد‪.‬‬ ‫تلك اللحظة‪ ،‬لحظة نداء الشعر للشعر‪ ،‬تدفع عنها تخري‬ ‫االنخراط يف إجراء بالغي دون آخر‪.‬‬ ‫بالغة اللحظة‪ ،‬أو حدس اللحظة بلغة باشالر‪ ،‬ترصف عن‬ ‫الشاعر تدبر التخطيطات النقدية للفعل الشعري‪ ،‬فال تذكرة‬ ‫إال بها‪ ،‬وبانْوِجاد الذات واملعنى يف الذهاب إىل العامل‪ .‬‬ ‫بذلك هل يتأىت السؤال عن شكل للكتابة الشعرية؟ سبق‬ ‫يل ٌ‬ ‫قول‪ ،‬منذ عقدين يف كتايب «يف بالغة القصيدة املغربية»‬ ‫‪ :‬واه ٌم من ميتلكه سعي إىل انتهاء القصيدة الكالسيكية‪،‬‬ ‫وقلت إ َّن لها عنقاءها ورمادها الخاصني‪ ،‬وأن تاريخ الشعر‬ ‫العريب سلسلة من التحوالت الكتابية املتدافعة املتصارعة‬ ‫دومنا إلغاء بعض منها بعضا آخر‪.‬‬ ‫يتعذر زع ٌم بكون شكلٍ كتا ٍّيب خالصا إىل االنقراض‪ ،‬ألن‬ ‫للتاريخ دورته‪ ،‬وألن الثقايف من ذلك التاريخ‪ ،‬وألن الشعري‬ ‫‪50‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫كتابي‬ ‫شكل‬ ‫زعم بكون‬ ‫يتعذر‬ ‫ٌ‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫خالصا إلى االنقراض‪ ،‬ألن‬ ‫للتاريخ دورته‪ ،‬وألن الثقافي‬ ‫من ذلك التاريخ‪ ،‬وألن الشعري‬ ‫منتسب إلى الثقافي إفرادا‬ ‫بصيغة الجمع‪.‬‬

‫منتسب إىل الثقايف إفرادا بصيغة الجمع‪.‬‬ ‫تنفض القصيدة الكالسيكية عنها البىل التصوري للعبة‬ ‫الكتابة‪ ،‬فالشعراء الذين يقرتفونها قادمون من جغرافيات‬ ‫ثقافية تصل الرتايث بالحدايث‪ ،‬ولعلها أن تقرأ الحدايث يف ضوء‬ ‫الرتايث‪ ،‬والشعراء املاشون إليها‪ ،‬عىل ماء املطلق الثقايف الذي‬ ‫ال يكتفي باآلداب وحدها بل يسافر إىل لهب معريف ال متناه‬ ‫ليقبس منه جذواته‪ ،‬يصدرون عن سعة املقرتحات اإلبداعية‬ ‫األخرى‪ ،‬فيكون الورود إىل التشكيل البنايئ للقصيدة عىل‬ ‫غري مـا سبق‪ .‬ومن هنا شذرة من رسها الراهن ويشء من‬ ‫أسباب نزولها إىل املشهد الشعري املغريب‪ /‬العريب بانفالت‬ ‫إىل املدهش‪.‬‬


‫القصيدة العمودية في المغرب‬

‫مصطفى الشليح‬

‫الطيب هلو‬

‫الوضع الملتبس‬ ‫إ ّن الحديث عن القصيدة العمودية اآلن يفرض حديثاً عن‬ ‫وضع الشعر عموما‪ .‬فالشعر املغريب عىل مستوى اإلنتاج‬ ‫تهيمن عليه قصيدة النرث كام يتصورها مرتكبوها‪ ،‬وليس‬ ‫باملفهوم النقدي الحقيقي لها؛ ألن التصور السائد هو‬ ‫التصور العامي بأ ّن كل ما خال من الوزن فهو قصيدة نرث‪،‬‬ ‫تليها القصيدة التفعيلية التي ال يزال الشعراء يقرتفونها‬ ‫بجدية ورؤية‪ ،‬ثم القصيدة العمودية التي يبدعها إما‬ ‫شعراء متخصصون فيها ال يحيدون عنها إىل النمطني‬ ‫اآلخرين‪ ،‬أو يرشكون معها قصيدة التفعيلة أحياناً‪ ،‬وهم‬ ‫إما شعراء متمرسون بها من جيل السبعينيات كإسامعيل‬ ‫زويريق وأحمد بلحاج آيت وارهام ومحمد لقاح ومحمد‬ ‫عيل الرباوي‪ ...‬أو بعض من جاء بعدهم كمحمد العيايش‬ ‫وميلود لقاح وخالد بودريف ‪ ....‬أو جيل الشباب الذي‬ ‫يف الغالب «ينتجها» من باب التقليد وقصد إثبات‬ ‫جدارته الشعرية‪ ،‬وتأيت غالباً عىل شكل معارضات‪ .‬لكن‬ ‫ذلك ال مينع من وجود شعراء جدد يكتبونها ويجددون‬ ‫خاصاً يدفع عنها تهمة التقليدية‬ ‫فيها ومينحونها جامالً ّ‬ ‫والعقم‪ .‬وقد ترشفت هذه األيام بوضع تقديم لديوان‬ ‫«هديل السحر» للشاعر بوعالم دخييس وجله من الشعر‬ ‫العمودي الجميل‪.‬‬

‫الطيب هلو‬

‫هذا التشخيص يجعلني أقول إن القصيدة العمودية‬ ‫تعيش وضعاً ملتبساً‪ ،‬فأحياناً تتوارى وتنحرس حتى ننتظر‬ ‫إعالن وفاتها‪ ،‬وأحياناً نراها تنتعش عند شعراء جدد فنقول‬ ‫إنها تنتعش مجددا وتنهض من رمادها خاصة يف األحداث‬ ‫القومية‪ .‬ولعل أكرب عوامل انحسارها النظرة النقدية التي‬ ‫تتهمها بالعقم وتسخر من شعرائها والنظرة التبشريية‬ ‫املرافقة لقصيدة النرث باعتبارها قصيدة املستقبل والشكل‬ ‫األوحد للكتابة املعارصة‪.‬‬

‫إن القصيدة العمودية‬ ‫تعيش وضع ًا ملتبس ًا‪،‬‬ ‫فأحيان ًا تتوارى وتنحسر حتى‬ ‫ننتظر إعالن وفاتها‪،‬‬ ‫وأحيان ًا نراها تنتعش‬ ‫عند شعراء جدد‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪51‬‬


‫ملف‬

‫محمد عيل الرباوي‬

‫بعد برنامج «أمير الشعراء»‬ ‫ظهر شعراء مغاربة شباب‬ ‫يكتبون هذه القصيدة‬ ‫بجمالية تنافس جمالية‬ ‫النماذج الجيدة المنجزة في‬ ‫إطار القصيدة الحرة خاصة‪.‬‬

‫محمد عيل الرباوي‬

‫القصيدة العمودية تسترد مكانتها‬ ‫أرى أن الحديث عن هذه املسألة هو حديث مرتبط‬ ‫بالرصاع املفتعل بني أنصار هذا الشكل وذاك‪ .‬مل يحدث‬ ‫مثل هذا يف تراثنا‪ ،‬حيث تعايشت كل األشكال من قصيدة‬ ‫إىل مسمط إىل مزدوج إىل موشح يف مرحلة الحقة‪ .‬ومثل‬ ‫هذا التعايش كان يف الثقافة الشعرية الفرنسية‪ ،‬حيث‬ ‫عاشت ‪ Les Formes Fixes‬جنباً إىل جنب‪ .‬حني ظهرت‬ ‫القصيدة الحرة يف عاملنا العريب أراد أصحابها أن يعطوها‬ ‫املرشوعية عن طريق وصف القصيدة «ما يسمى بالشعر‬ ‫العمودي» بالتخلف معتمدين عىل ضعيف ما أنجز فيها‪.‬‬ ‫والحق أن الشعر يف كل أشكاله فيه الجيد وفيه الرديء‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫والجودة والرداءة ليستا مرتبطتني بالشكل بل بالشاعر‪.‬‬ ‫يف املغرب األقىص نهضة شعرية كبرية يحرض فيها ثالثة‬ ‫أشكال‪:‬‬ ‫قصيدة النرث وهي منط شعري مستحدث يكاد يحرض‬ ‫بقوة يف منجز الشباب‪ ،‬أغلب ما أنجز بهذا النمط ضعيف‬ ‫ألن هذا النمط أصعب األشكال الشعرية لكن هذا مل مينع‬ ‫من أن نقرأ نصوص منه جيدة لكنها قليلة‪.‬‬

‫‪52‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫القصيدة الحرة‪ ،‬التي خرجت من رحم القصيدة حيث إنها‬ ‫تعتمد العروض يف بنائها املوسيقي‪ .‬أعطت نَفَساً جديدا ً‬ ‫للتجربة الشعرية املغربية‪ ،‬فيها أيضا الجيد وفيها الرديء ‪.‬‬ ‫أما القصيدة فوصلت إىل طريق مسدود نظرا ً لكون‬ ‫من كان ميارسها كانوا متورطني يف صناعة قصائد‬ ‫«مناسباتية»‪.‬‬ ‫لكن منذ سنوات الثامنني إىل يومنا هذا عرفت القصيدة‬ ‫(أي الشعر العمودي ) ميالدها الثاين مستفيدة من لغة‬ ‫العرص الجديدة‪ ،‬أستحرض بهذه املناسبة املرحوم محمد‬ ‫الطويب‪ .‬وأضيف إىل الطويب حسن األمراين وآية وارهام‬ ‫وأمينة املريني ومصطفى الشليح‪..‬‬ ‫عندي أن لنزار قباين ولسعيد عقل وأرضابهام دورا يف هذا‪.‬‬ ‫وبعد برنامج «أمري الشعراء» ظهر شعراء مغاربة شباب‬ ‫يكتبون هذه القصيدة بجاملية تنافس جاملية النامذج‬ ‫الجيدة املنجزة يف إطار القصيدة الحرة خاصة‪ .‬لكن هؤالء‬ ‫الشعراء وقفوا بهذا الشكل عند جانبه الغنايئ‪ ،‬ومل يوفّقوا‬ ‫بعد يف استثامر الجانب الدرامي املستثمر بنجاح يف النامذج‬ ‫الجيدة من القصيدة الحرة‪ .‬ومع ذلك أحس من خالل‬ ‫ما أقرأ لبعض الشباب أن القصيدة ستسرتد مكانتها‬


‫نصوص مغربية‬

‫فون أعلى ‪َ ..‬‬ ‫الواق ُ‬ ‫م وثبُوا‪!! ‬‬ ‫ك ْ‬

‫مصطفى الشليح‬ ‫َ‬ ‫‪ .. ‬يقتـرب‬ ‫ً‪ ‬إىل‪ ‬معنـاك‬ ‫كأ نَّ‪َ ‬و قْتا‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫حتقب‬ ‫الليل‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬معطفك ‪ ‬ا لسرِّ ُّي ‪ُ .. ‬م ٌ‬ ‫والليل ‪ ‬كهف َُك ‪ .. ‬تنساه‪ .. ‬وتسلبُه‬ ‫ُ‬ ‫‪ .. ‬تهش ‪ ‬بهـا‬ ‫ُّ‬ ‫والليل ‪ ‬كف َُّك ‪ ‬بيضا ٌء‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ ‬رؤيـاك ‪ ‬أنج َمـه‬ ‫‪ ‬يقطف ‪ ‬م ْن‬ ‫الليل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫رؤياي ‪ ‬يل‪ ،‬وتآوييل‪ .. ‬سأحملهـا‬ ‫َ‬ ‫أنا‪ ‬املساف ُر ‪ ‬يف‪ ‬ذاتـي‪ .. ‬ألعرفنـي‬ ‫أنا‪ ‬املقام ُر ‪ ‬يب‪ .. ‬حرفا‪ ‬ألكشفنـي‬ ‫ال‪ ‬يش َء ‪ ‬يف‪ ‬لغتي‪ ‬إال‪ ‬أتـى‪ ‬زمنـي‬ ‫‪ ‬وهذي‪ ‬خيمتي‪ ‬وقفـت‬ ‫أنا‪ ‬العمو ُد‬ ‫ْ‬ ‫ـت ‪ ‬بناظرهـا‬ ‫ك ْم ‪ ‬خيم ٍة ‪ ‬يل‪ ‬إذا‪ ‬ه َّم ْ‬ ‫أشب ‪ ‬قافية‪ ‬جذلـى‪ .. ‬وخطو ت ُهـا‬ ‫ُّ‬ ‫‪ .‬أشيائـي ‪ ‬األولـى‪ ‬تحدثنـي‬ ‫أخب‬ ‫ُّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫هناك ‪ .. ‬كا َن ‪ ‬كال ٌم ‪ ‬للغمـام‪ ‬رأى‬ ‫أ َّما‪ ‬القصيد ُة ‪ ‬فاهتـزتْ ‪ ‬مناكبهـا‬ ‫قرأتُ ‪ ‬فيها ‪ ‬عكا ظـا ‪ ‬مـدَّ‪ ‬را حتَـه‬ ‫قرأتُ ‪ ‬ما‪ ‬وتـ ُر ‪ ‬املعنـى‪ ‬يُج ِّن ُحـه‬ ‫ـى‪ ‬أتيـت ‪ ‬رؤى‬ ‫ُ‬ ‫و ملْ ‪ ‬أك ْن ‪ ‬قارئا‪ ‬حتَّ‬ ‫أنا‪ ‬وال‪ ‬كنـت ‪ ‬مجروحـا‪ ‬بقافيـ ٍة‬ ‫ُ‬ ‫ى‪ ‬خلعت ‪ ‬بواديـه‪ ‬أنـا‪ ‬لغتـي‬ ‫ُ‬ ‫حتَّ‬ ‫أقيس ‪ ‬أزمنتـي‪ ‬تخلـو‪ ‬بأمكنتـي‬ ‫ُ‬ ‫والريح ‪ ‬سالبـة‪ ‬طفـال‪ ‬بنافذتـي‬ ‫ُ‬ ‫لوال‪ ‬القصيـد ُة ‪ ‬يرقاهـا‪ ‬بخابيـةٍ‬ ‫لـوال ‪ ‬ا لقصيـد ُة ‪ ‬إ ملـا ٌم ‪ ‬بنا صيـ ٍة‬ ‫ينهـل ‪ ‬إ يها مـا ‪ ‬بأ خبيـ ٍة‬ ‫ال ‪ ‬ا ملـا ُء ‪ُّ ‬‬

‫‪ ‬ترسي‪ ‬به‪ ‬الحقب‬ ‫يدب ‪ ‬م ْن ‪ ‬خشع ٍة‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ى‪ ‬يعرى‪ ‬وال‪ ‬يثب‬ ‫‪ ‬لوال‪ ‬الص َد‬ ‫يديك‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ه‪ .. ‬حينا‪ .. ‬فيغرتب‬ ‫ما‪ ‬أنت ‪ ‬ذاك ُر‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ى‪ ‬يختفي‪ ‬األرب‬ ‫عىل‪ ‬النها ِّيئ ‪ .. ‬حتَّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‪ .. ‬إىل‪ ‬تاريخها‪ .. ‬العـرب‬ ‫لتستد ل‬ ‫ُ‬ ‫يب‪ ‬حيثام‪ ‬جسدي‪ ‬أسامؤه‪ .. ‬تهـب‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ينتسـب‬ ‫وأعرف ‪ ‬ا لوت َر ‪ ‬ا ملا ئـيَّ‪ . . ‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬عىل‪ ‬أوراقها‪ .. ‬خبب‬ ‫ً‪ ‬يهب‬ ‫ُ‬ ‫روحا ُّ‬ ‫‪ ‬ينسحب‬ ‫حتَّى‪ ‬أكو َن ‪ ‬أنا‪ .. ‬ال‪ ‬يش َء‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬طنب‬ ‫ال‪ ‬ترتخي‪ ‬طنب ‪ .. ‬إال‪ ‬استوتْ‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫‪ .. ‬ك��أنيِّ‪ ‬ل��ل��م��دى‪ .. ‬س��ب��ب‬ ‫َّ‪ ‬ك��ن��ت‬ ‫إيل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .. ‬وتلتهـب‬ ‫تغذَّ‪ ‬سريا‪ .. ‬عىل‪ ‬ما ء‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬تنحجب‬ ‫عن‪ ‬سري ِة ‪ ‬الرمل‪ ‬واألشيا ُء‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫‪ .. ‬ينكتـب‬ ‫هنا‪ ‬يرف ‪ ‬حام ٌم ‪ .. ‬كا َد‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬العرب‬ ‫خرضا َء ‪ ‬مزه َّو ةً‪ .. ‬ما‪ ‬قالت‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬ومرتقـب‬ ‫سح ًرا‪ .. ‬ليقطفه‪ .. ‬را ٍء‬ ‫ُ‬ ‫ه‪ ‬العجـب‬ ‫بالضَّ و ِء ‪ ‬سف ًرا‪ ‬إىل‪ ‬ألوا ُح‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬أستسقي‪ ‬وبـي‪ ‬لغـب‬ ‫ما َء ‪ ‬البديه ِة‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬ينتقب‬ ‫حورا َء ‪ ‬حتَّى‪ ‬وردتُ ‪ ‬الشع َر‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫‪ .‬ما‪ ‬الطلب ‪ ‬؟‬ ‫فقال ‪ ‬يل‪ :‬لغتي‪ ‬شوسا ُء‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تثـب‬ ‫كا لر يح ‪ ‬أ ود ية ‪ ‬مسلو بـة ‪ُ . . ‬‬ ‫ِـب‬ ‫مساف ًة ‪ .. ‬ال‪ ‬يراها‪ ‬مثلمـا‪ ‬يج ُ‬ ‫ـب‬ ‫ملا ‪ ‬تعتَّ َق ‪ . . ‬فـي ‪ ‬تبيا نِـه ‪ ‬ا لع َن ُ‬ ‫َ‬ ‫ومحتجـب‬ ‫خطـوك ‪ ‬إ بهـا ٌم ‪ ‬‬ ‫لضمَّ‪ ‬‬ ‫ُ‬ ‫غـب‬ ‫وال‪ ‬الديا ُر ‪ ‬ديا ٌر ‪ ‬حيثمـا‪ ‬ال َّر ُ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪53‬‬


‫ملف‬

‫ح ِّد ثْ ‪ ‬فـإ نَّ‪ ‬مرا يا هـا ‪ ‬كأجنحـ ٍة‬ ‫حـ ِّد ثْ ‪ ‬وشـقَّ‪ ‬نها يـا ٍت ‪ ‬بأ لو يـ ٍة‬ ‫كنت ‪ُ ‬مختلفا ‪ ‬قـوال ‪ ‬إ لـى ‪ ‬شفـ ٍة‬ ‫أ َ‬ ‫ينسـل ‪ ‬منفلتـا‬ ‫ُّ‬ ‫كا لشعر ‪ ‬أ قبضُ ـه ‪ ‬‬ ‫أرض ‪ ‬أجاذ بُهـا‪ ‬تاريخَهـا‪ ‬بفتًـى‬ ‫ٌ‬ ‫تركت ‪ ‬عن َد ‪ ‬زوايـاه‪ُ .. ‬مفكـر ًة‬ ‫ُ‬ ‫أ وجز تُهـا ‪ ‬قا مـ ًة ‪ ‬عليـا َء ‪ ‬سا ئـر ًة‬ ‫حتَّى‪ ‬إذا‪ ‬بَ ِ‬ ‫دت ‪ ‬األشيـا ُء ‪ ‬حائـر ًة‬ ‫ـالج ‪ُ .. ‬مرتقبـًا‬ ‫كأنمَّ ا‪ ‬مرَّ‪ ‬يب‪ ‬ال َح ُ‬ ‫يَنضو‪ ‬عن‪ ‬الثَّوب‪ ‬أخبا ًرا‪ُ ‬مم َّوهـ ًة‬ ‫يقض ‪ ‬شوبا‪ ‬و يُلقي‪ ‬بالقذى‪ِ ‬غيَـ ًرا‬ ‫ُّ‬ ‫‪ ‬ما‪ ‬شمسـت ‪ ‬منـه‪ ‬منازلـه‬ ‫يروض‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫يفيض ‪ ‬حتَّى‪ ‬إذا‪ ‬جنَّ‪ ‬ال َّزمـا ُن ‪ ‬مبـا‬ ‫ُ‬ ‫ًا‪ ‬إىل‪ ‬قـوم‪ :‬أال‪ ‬عـرب‬ ‫ألقى‪ ‬حديث‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬ ‫ي‪ ‬شاخصا‪ .. ‬بيـد‬ ‫‪ ‬القلب ‪ ‬م ِّن‬ ‫َّت‬ ‫إتلف َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫امي‪ .. ‬عىل‪ ‬كمـد‬ ‫تناث َر ‪ ‬الكم ُد ‪ ‬ال َّد‬ ‫ٍ‬ ‫ا‪ .. ‬إلـى‪ ‬رمـد‬ ‫القدس ‪ ‬ناظرةٌ‪ ‬قو ًم‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫َّى‪ ‬بنا‪ ‬شيئا‪ ‬علـى‪ ‬جسـد‬ ‫ده ٌر ‪ ‬متط‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .. ‬ملفتقـد‬ ‫وغزةٌ‪ ‬وحدها‪ .. ‬در ٌع‬ ‫ال‪ ‬باب ‪ ‬أدخله‪ ‬لـوال‪ ‬صواهلهـا‬ ‫َ‬ ‫كل ‪ ‬را قيـ ٍة ‪ ‬برجـا ‪ ‬د الئلُهـا‬ ‫م ْن ‪ِّ ‬‬ ‫‪ ‬أسامئـي ‪ ‬األولـى‪ .‬معلَّقـ ًة‬ ‫أتيت‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫الواقفون‪ ‬هنا‪ ‬أهلـي‪ ‬قصيد تُهـم‬ ‫القاطفون‪ ‬يدي‪ ‬حتَّى‪ ‬أهـشَّ‪ ‬بهـا‬ ‫ـب‬ ‫القائلون‪ :‬فال‪ ‬ربـ ٌع ‪ ‬وال‪ ‬شُ َع ٌ‬ ‫ال‪ ‬الدا ُر ‪ ‬دا ٌر ‪ .‬رما ٌد ‪ ‬عنـد‪ ‬نافـذ ٍة ‪:‬‬ ‫الواصلون‪ ‬بآي‪ ‬الروح‪ ‬حكمتَهـم‪:‬‬ ‫عـي ‪ ‬خَتمتُـه‬ ‫ال ِّد ي ُن ‪ِ ‬عصمتُ‬ ‫َّ‬ ‫ه‪ ‬والس ُ‬ ‫ال َّد ه ُر ‪ ‬يعنو‪ ..‬فللتَّاريـخ‪ .. ‬أ َّمتُـه‬

‫‪54‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫ُضـب‬ ‫تلوح‪ ‬مهتاج ًة ‪ ‬إن‪ ‬سل َِّت ‪ ‬الق ُ‬ ‫طـب‬ ‫إىل‪ ‬البداي ِة ‪ .. ‬ال‪ ‬ينتا بُهـا‪ ‬ال َع ُ‬ ‫لوال‪ ‬القصيد ةُ‪ ‬أستا ٌر ‪ .. ‬والح ُج ُب‬ ‫ـب‬ ‫من‪ ‬العبار ِة ٌ‬ ‫‪ ‬ومض ‪ ‬كـا َد ‪ ‬يُقتضَ ُ‬ ‫‪ ‬التفايت‪ ‬إىل‪ ‬التاريخ‪ ‬ينجـذب‬ ‫كا َن‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬تنكتـب‬ ‫ألبستُها‪ ‬جس ًد ا‪ ‬ما‪ ‬الذاتُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬يحتقـب‬ ‫إىل‪ ‬السم ِّو ‪ ‬ذراها‪ ‬املجـ َد‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫نشعـب‬ ‫م‬ ‫‪ ‬‬ ‫ا‪ ‬فالحي‬ ‫ر‬ ‫‪ ‬يب‪ ‬شاع‬ ‫ألقيت‬ ‫ُ‬ ‫ُّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫دنـو‪ ‬ويغتـرب‬ ‫ي‬ ‫‪ .. ‬‬ ‫ة‬ ‫ً‪ ‬بقاصي‬ ‫شَ ْيئا‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ .. ‬وينتخـب‬ ‫‪ ‬منها‪ ‬ذؤابات‬ ‫يقص‬ ‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬ ‫‪ ‬األين‪ ‬تنتقـب‬ ‫‪ .. ‬بكل‬ ‫ِّ‬ ‫عىل‪ ‬جهات‬ ‫ُ‬ ‫ها‪ ‬تثـب‬ ‫حني‪ ‬النزول‪ ‬بأرض‪ ‬رو ُح‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬أرب‬ ‫كا َن ‪ ‬ال َّزما َن ‪ .. ‬وما‪ ‬يف‪ُ ‬ج َّبـ ٍة ُ‬ ‫نيا‪ .. ‬وال‪ ‬عرب ؟‬ ‫إىل‪ ‬الشَّ آم‪ ‬أم‪ ‬ال ُّد‬ ‫ُ‬ ‫‪ .. ‬أختلـب‬ ‫ها‪ ‬يل‪ ‬إذا‪ ‬ما‪ ‬قمت‬ ‫كأ نَّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬بهـا‪ ‬األرب‬ ‫أرض ‪ ‬العروب ِة ‪ ‬منـآ ٌد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ال‪ ‬يأبهون‪ ‬مبأتاهـا‪ .. ‬وإ ْن ‪ ‬ركبـوا‬ ‫يسعى‪ ‬عىل‪ ‬حذر‪ ‬ما‪ ‬انفكَّ‪ ‬يُستل َُب‬ ‫‪ ‬مهتاجا‪ ‬إذا‪ ‬الغضب‬ ‫سيف‪ ‬العروب ِة‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫كبري‪ ‬تنتصـب‬ ‫تغىش‪ ‬الرب يَّ َة ‪ .. ‬بالتَّ‬ ‫ُ‬ ‫‪ .. ‬تحتسـب‬ ‫ت ُه ُّب ‪ ‬بالصول ِة ‪ ‬العليا ِء‬ ‫ُ‬ ‫ى‪ ‬ذرب‬ ‫تأيت‪ ‬وتذهب ‪ .‬أشيا ٌء ‪ .‬مـ ًد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫‪ .. ‬فالواقفـون‪ ‬أب‬ ‫ة‬ ‫حي‪ ‬لغ‬ ‫يل‪ .‬أ َّم‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬أنتسـب‬ ‫ا‪ ‬إذا‪ ‬ما‪ ‬جئت‬ ‫عيلَّ‪ ‬ضو ًء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬بالحمى‪ .‬سماَّ ُرها‪ ‬ذه ُبـوا‬ ‫ال‪ ‬موق ٌد‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‪ ‬األقيال ‪ُ .‬منقل َُب‬ ‫كانوا‪ ‬هنا‪ ‬الساد ة‬ ‫ُطـب‬ ‫إ نَّ‪ ‬التَّو ُّح َد ‪ ‬ال‪ ‬تأيت‪ ‬بـه‪ ‬الخ ُ‬ ‫‪ ‬يغتـرب‬ ‫بينا‪ ،‬ليس‬ ‫أ َّما‪ ‬اللسا ُن ‪ُ ،‬م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬العـرب‬ ‫ا‪ ‬قامت‬ ‫إذا‪ ‬ارشأبَّ‪ ‬فخا ًر‬ ‫ُ‬


‫نصوص مغربية‬

‫تحيّـــــة‪ /‬إلى العالمة المختار السوسي‬

‫عبد الجبار العلمي‬

‫ِ‬ ‫ص���اح َ‬ ‫���ب «الْ��� َم��� ْع���س���ـ���و ِل» أَبْ��ِش��رِ ْ‬ ‫فَ�� ُج��يُ ُ‬ ‫��ـ��وش اْلِ��ع��لْ��مِ صــــــــا َرتْ‬ ‫َ‬ ‫��ت‬ ‫َو ِب ُنــــــــــو ِر الْ�� ِع��لْ��ـ��ـ��مِ أضْ �� َح ْ‬ ‫نَ�� ْه�� ِج خُطـَـــــــــــــاكُ ْم‬ ‫َو َع��َل�ىَ‬ ‫ِم ْن ُك ْم‬ ‫ِ��س‬ ‫َعلَّ َنـــــــــــــــــا‬ ‫نَ��قْ��ب ُ‬ ‫َع ِش ِقنا‬ ‫الضَّ ـــــــــــــــا ِد‬ ‫لُ��غَ�� َة‬ ‫نَ��� ْر ُس��� ُم الْـــــــــــ َح ْر َف بِ��� َز ْه��� ٍو‬ ‫َعـــــــــــــــــــا ٍد‬ ‫ُ���ل‬ ‫يَ��تَ�� َح�� َّدى ك َّ‬ ‫َ‬ ‫األ ْجــــ‬ ‫ِعــــ َّز ُة‬ ‫َعلَّ َمتْنـــــــــــا‬ ‫ْ‬ ‫نَ�� ْه��ـ��ـ��ـ�� ِز ُم الْ����يَ����أ َس َونَ ْحيــــــــا‬ ‫��ش كِــــــــــ َراماً‬ ‫��ق الْ�� َع��يْ َ‬ ‫نَ�� ْع��شَ ُ‬ ‫َون ِ‬ ‫ـــــــــــــاس طُ��� ًّرا ً‬ ‫���ب ال َّن‬ ‫َ‬ ‫ُ���ح ُّ‬ ‫َه����� ْد ِي رِجـــــــــــــا ٍل‬ ‫َو َع��َل��ىَ‬ ‫ج���ي���ل الْ�����يَ����� ْومِ ـ نمَ ْ��ِشِ‬ ‫َ‬ ‫نَ��� ْح��� ُن ـ‬ ‫َ‬ ‫قـَــ َّر َعيْنــــــاً أيُّــــها الْ ُمخْتـــــــ‬ ‫َس��تَ�� ْح��يَ��ـ��ى‬ ‫لُ���غَ��� ُة الضَّ ــــــــــا ِد‬ ‫ال َّد ْهـــــ‬ ‫أَبَــــ َد‬ ‫َو َستَبْقـَــــــــى‬

‫الْ َفخَــــــــــارا‬ ‫فَ��لَ��قَ�� ْد‬ ‫ُح����� ْزتَ‬ ‫��ص��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫تمَ ْ��ل��أُ ال��� ُّدنْ���ي���ا انْ�� ِت َ‬ ‫ظُ���لْ��� َم��� ُة الْ��� َج��� ْه���لِ ن َهـــــــــارا‬ ‫نَ���� ْح���� ُن نمَ ْ��ش��ي نَ��تَ��بَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارى‬ ‫ِق���يَّ��� َم الْ���� َخ��ْي�رْ ِ ِغ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� َزارا‬ ‫ُم��� ْن��� ُذ أَ ْن كُ���نَّ���ا ِصغَــــــــــارا‬ ‫بِ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ِه نَ������� ْزدا ُد انْ��بِ��ه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫�����ل َج��ه��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫����س سرِ ا ُ بَ ْ‬ ‫لَ����يْ َ‬ ‫َ‬ ‫ــدا ِد أ ْن نَبْقـــــــــى كِبَـــــــــــارا‬ ‫نمَ ْ���ـ�ل�أُ األَ ْر َض ِديَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫��س��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫َونَ������رى ال������ذ َُّّل انْ�� ِك َ‬ ‫َونَ������رى ال��َّش��رََّّ َد َم��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫نَ���َش��رَ ُ وا الْ��� ِف���كْ��� َر الْ�� ُم�� َن��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫َوق ِ‬ ‫َ������د اخْ��َت�رَ ْن����ا الْ�� َم��س��ـَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫ـــــــا ُر‪ ،‬نِ��لْ‬ ‫��ـ��ـ��ـ��ت الْ��خُ��ـ��ـ��لْ�� َد َدارا‬ ‫َ‬ ‫َو َس��تَ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ�� ْزدا ُد ا ْز ِد َه��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ـ��ارا‬ ‫ـ��ـ�� ِر رِب��ـَ��ـ��اط��اً َوم َنــــــــــــــارا‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪55‬‬


‫ملف‬

‫س ْفر اللّيل‬ ‫حاشي َ ٌة من ِ‬ ‫ِ‬

‫الطاهر لكنيزي‬ ‫وصيـف األمـانـي‬ ‫اللـيل‪ ،‬يـا‬ ‫أيّـها ُ‬ ‫َ‬ ‫كُ ْن َت فـ ّنـانا حـ َني ت َـقـْ ِص ُب فـيـنـا‬ ‫ْمـيــل ِ‬ ‫نـاح ِ‬ ‫َ‬ ‫ـت و َســفـ ٌني‬ ‫لـك إز ُ‬ ‫بِـتهـاويـلِ األوهــامِ تـَ ْر ُس ُم فَـجـرا‬ ‫فـأس و َرف ٍ‬ ‫ـب غَـ ْي ٍض دو َن ٍ‬ ‫ْـــش‬ ‫ِغ َّ‬ ‫يا ُمـريـدا ً فـي ُجـ ّبـ ِة الشّ ــ ْي ِخ لَـ ّمـا‬ ‫َ‬ ‫ْــمصائـب َمـحـْ ٌو‬ ‫فيـك َصـ ْحـ ُو و لِل‬ ‫ِ‬ ‫ــسـل‬ ‫كُ ْن َت لـلـمهـزوميـ َن خ ْيـ َر ُم ّ‬ ‫فيـَطيـ ُر األسـ ُري عـبـْ َر الــ ّديـاجــي‬ ‫َوتُدي ُر ال ُعـكّـا َز فـي يَ ِ‬ ‫ــد كَــهــْلٍ‬ ‫َ‬ ‫فـيــك لِــقــا ٌء‬ ‫غريـب الـمـَ ْنبو ِذ‬ ‫ِ‬ ‫لِلـْ‬ ‫ناي ال ّراعي ب ُِصـ ْهب الــمراعي‬ ‫ولِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫سافات طَـ ّيا‬ ‫بالتّـناجي ت َـطْـوي املـَ‬ ‫ـت ر ْجـ َع ْاســتنـا َح ٍة لـلثـّكالـى‬ ‫كُـ ْن َ‬ ‫و ُدعــا ًء لِــضا ِر ٍع فــي خُــشـو ٍع‬ ‫َ‬ ‫فيــك يـَلْـقى ال ُ‬ ‫ْعــليل بالـصـّبرْ ِ دا ًء‬ ‫ْـعـوانـس حـتّى‬ ‫أنْت مـن َهـ ْد َهـ َد ال‬ ‫َ‬ ‫فــتـسلّلْـ َن مـِـ ْن ِظـــالل الـــ َمرايا‬ ‫السـواقــي‬ ‫وتـهــاديْ َن فــي َدال ِل ّ‬ ‫رصن بــ ْوحا‬ ‫بأنـابيق الــو ْجد يـ ْعــ ْ‬ ‫لــيـس إالّ‬ ‫ـت يـا لَـيـْ ُل خَـ ْيمـ ُة‬ ‫كُـ ْن َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ـخـاسـ ِة سـوقا‬ ‫ك َ‬ ‫ـسـ ْي َ‬ ‫ـت لـل ّن َ‬ ‫َـيف أ ْم َ‬ ‫كَ ْي َـف تَـ ْرمي ال ِفـرا َخ يف َوكْ ِر نـسرْ ٍ‬ ‫ُـبـيت الـ َمهـا بــآجـامِ أُ ْس ٍ‬ ‫ـــد‬ ‫وت ُ‬ ‫و أنـا ســا ِد ٌر كــأن ِ‬ ‫ْــفـاس ِدفْـــلـى‬ ‫فـي بُحور ال َخــلـيلِ أبــْحثُ عــ ّني‬ ‫ـت قــطـر ًة ِمــ ْن َرذا ٍذ‬ ‫ربّـمـا كـنـْ ُ‬

‫‪56‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫يا ُمـنـي َم األ ْوجـاع واأل ْحـــــزان‬ ‫قَ ْهق ٍ‬ ‫َهـات من َصخـْ َر ِة األشْ ـجـان‬ ‫لِتـصـو َغ األ ْحــال َم بـاأللـــْوان‬ ‫بـا ِذ َخ الـطّ ْي ِ‬ ‫َــل األ ْردانِ‬ ‫ـف ُمثـْق َ‬ ‫تُـ ْنب ُِت الْحـُ َّب يف ذُرى األضْ غانِ‬ ‫ْس نَ ْز َغ ُة الشّ ْيطان‬ ‫ت َْستحثُّ ال ّنف َ‬ ‫فيـك تـُنـْـىس َم���را َر ُة الـ ُخسرْ ان‬ ‫إ ْذ ت َُس ّجي ال ِ‬ ‫ْـخــذال َن بالــ ّن ْسيـان‬ ‫خـارج الـقـُضبان‬ ‫بـ َجـنـا َحـ ْي َـك‬ ‫َ‬ ‫يـتَ َمطّـــــــى فـي َرقْـصـَة ال ِفتْـيان‬ ‫ٌ‬ ‫ــنـــــــاق بِــنكْـهـ ِة األقــــْران‬ ‫و ِع‬ ‫هَمساتٌ فـي َص ْمـ ِت َك الــ ّرنّــان‬ ‫فوس لألوطـان‬ ‫حيـ َن تـ ْهفـو النـّ ُ‬ ‫وحـسـرة ال ّنــ ْدمـان‬ ‫واليــَتامـى‬ ‫ْ‬ ‫بـاتَ يـتـْلـو آيـاً مـن الفــُرقـان‬ ‫ـستَـكـينـا لِـ ُحـقـْ َن ِة اإليـمـان‬ ‫ُم ْ‬ ‫ـج شَ ـ ْو ٌق فـي با َحة ال ِو ْجدانِ‬ ‫ضَ َّ‬ ‫اليـاسمني والـريـْحان‬ ‫يف شَ ـذا‬ ‫َ‬ ‫را ِف ٍ‬ ‫ـالت فـي الْـخـ ّز والـ ِعـقْـيـان‬ ‫ِ‬ ‫خـاطـر الش ّبان‬ ‫ـح وعـْدا ً فـي‬ ‫َس َّ‬ ‫فـيك نَـ ْنـضـو َعـبـاء َة ِ‬ ‫الحـ ْرمـان‬ ‫ـبيح اإلنْـســا َن لِإلنْـســان‬ ‫ت ْ‬ ‫َـسـتَ ُ‬ ‫للـسـ ْرحـان‬ ‫َحـوش الـ ُح ْمال َن‬ ‫وت ُ‬ ‫ّ‬ ‫ـب الـ ِغ ْزالنِ‬ ‫والـضَّ ـواري بِـجـانِ ِ‬ ‫ياح باألفـْـنـان‬ ‫حـني تـلْهـو الــ ّر ُ‬ ‫و ِدغــال الــهـَوى فـال ألْــقـانـي‬ ‫أ ْو لُـُغـا نَــ ْو ٍ‬ ‫رس عـىل الخلْجـان‬


‫نصوص مغربية‬

‫أتَــهجــّى الـغـرا َم فـي لَـ ْوح لييل‬ ‫ـت الـقــصيـ َد َة شَ ـطْـرا ً‬ ‫كُــلّام ألْـ َق ْم ُ‬ ‫ِ‬ ‫مـ ْزمـن جـُ ْرحي راع ٌـف و َحـرون‬ ‫الصحارى‬ ‫ُ‬ ‫لست يَـ ْنـبوعا فـي ضَ ـمريِ ّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أو َصـدى جـُ ْدجـُد بِـخـ ْدر الـ ّدوالـي‬ ‫إنّـمـا نـ ْجـ ٌم رغـْـم َر ْو ِق َـك ْأسـنـو‬ ‫أ ْرقـأُ الـ ّد ْمـ َع لـو يُـريـق يـراعـي‬ ‫الـصغـار وِســا ًدا‬ ‫فاتـّخـ ْذ أحـْـال َم ّ‬

‫أتـَعـاطـى الـ َح َ‬ ‫رف الذي أدماين‬ ‫َجــلّلَتْـها َســتـائـ ُر الْــكـتْـمـانِ‬ ‫طـا ِعــ ٌن فــي مـفـازَة اإل ْدمــان‬ ‫أو بَصريأ يف َجـ ْوقَ ِة الـ ِعـ ْمـيان‬ ‫ال‪ ،‬و ال فــ ّذا ً فـائِ َق الــ ِعـ ْرفـان‬ ‫بـيب الـخُـنوع و اإلذْعــان‬ ‫يـا َر َ‬ ‫قَـ ْهـو ًة تـُذْيك يَـقْـظـ َة األذْهـان‬ ‫لِ‬ ‫َ‬ ‫ـب الـذي أ ْعــامين‪..‬‬ ‫ـتـذوق ال ُح ّ‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪57‬‬


‫ملف‬

‫هو»‬ ‫قام «ال ُ‬ ‫تَــرَا ِنيم ِع ْن َد َم ِ‬

‫أمينة املريني‬ ‫الَ ُّنو ُر ُهو‪َ ،‬ويف األَنف ِ‬ ‫َاس َع ْس َج ُد ُه‬ ‫الص ِّب َم��و ِر ُد ُه‬ ‫وح َّ‬ ‫واملَ��ا ُء ُهو و ُر ُ‬ ‫شت ُس ُج ٌف‬ ‫نس ُهو‪ ،‬إذَا ما استَو َح ْ‬ ‫واألُ ُ‬ ‫جتاح أَو ِر َديت‬ ‫و ُه�� َو ُهو الّ��ذي يَ ُ‬ ‫وح ُمرتَ َه ٌن‬ ‫و ِم ْن ُه ُهو و ِفي ِه ال�� ُّر ُ‬ ‫روش ال َوصلِ ِم ْل َء َد ِمي‬ ‫يَشي ُد ُهو ُع َ‬ ‫َهل يَ ِ‬ ‫اب َس ًنا‬ ‫كش ُف الكُن َه إالّ َعن سرَ ِ‬ ‫��س�� ُد ُه‬ ‫كأنَّه ال َف ْي ُض لَكن ال أُ َج ِّ‬ ‫َجم ٌر علىَ َو َم��قٍ بَ��ر ٌد عىل َر َمقٍ‬ ‫َلب ُممتلِ ٌك‬ ‫ُم َمل ٌَّك م��الِ ٌ��ك لِلْق ِ‬ ‫ُمكل ٌَّف بِ�� َه��وى ُر ِ‬ ‫وح���ي يُ َقلِّ ُب ُه‬ ‫ُم َهي ِم ٌن ِ‬ ‫ب��اس�� ٌط َوضّ �����ا َء ٌة ي�� ُد ُه‬ ‫الَ ُهو إِالَّ ُهو امل َعلُو ُم يف َخل َِدي ال‬ ‫املُضْ ِم ُر ال�ّس�رَّّ يف خَ��ا ٍل ويف َحو ٍر‬ ‫عيض يف ُح ِّبي ِه ِمن زَمنٍ‬ ‫َّ‬ ‫رشدتُ بَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َاي يَ ِ‬ ‫ُ‬ ‫عص ُف يب‬ ‫ف‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫يف‬ ‫يني‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫ز‬ ‫زِل َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫أنَا ال َبعي ُد أنَا وهو َ امل َو َّح ُد ب‬ ‫َيف غابَ ُة َه ِذى ال ُّرو ِح تَطلُ ُع من‬ ‫وك َ‬ ‫وأَ ُّي طُوفانِ َهذا ال َو ْج ِد أُو ِق ُف ُه‬ ‫لَ َدى ِ‬ ‫الخ َيامِ يُ َرى يف امل َح ِو َرفْ َرفُها‬

‫وال�� ّن��ا ُر ُهو وكَ��م يُ��رضيِ ت َوقُّد ُه‬ ‫وال َّن ْس ُم ُهو ‪،‬و ِم ْن نَفسيِ تَ َن ُّه ُد ُه‬ ‫أل��قَ��ا ُه ُهو ويف األَع��ضَ ��ا ِء أَش َه ُد ُه‬ ‫َلب َم�� َّواالً يُ َهد ِه ُد ُه‬ ‫لِ ُينب َِت الق ُ‬ ‫أَه��� َوا ُه ُهو و َه��ذا الل َُّيل أُش ِه ُد ُه‬ ‫فأَدخ ُ​ُل ال�َّص�رَّ َح َو ّه��اج��اً ُم َم َّر ُد ُه‬ ‫يُدنِي ِه ُه��و إلىَ طَ��� ْرفيِ ويُب ِع ُد ُه‬ ‫لِيرَ فَ َع ال ُح ْج َب َعن َوج ٍه أُسا ِم ُر ُه‬ ‫ِعط ٌر علىَ أَلَ��قٍ إ ْذ َ‬ ‫س��ال فَرقَ ُد ُه‬ ‫ُم��خَ��لَّ�� ٌد ُه��و يف نَ�� ْب�ضي يُ���ر ِّد ُد ُه‬ ‫يف ِس�� ْد َر ِة ال ِعشْ قِ الَ يَأْلُو يُ َق ِّي ُد ُه‬ ‫ُم��تَ�� َّو ٌج آسرِ ٌ بِال ُحسنِ ُم��ف�� َر ُد ُه‬ ‫َمش ُهو ُد يف نَأْ َم ٍة لِلْ ُجر ِح يَضْ ِم ُد ُه‬ ‫ِ‬ ‫والكاش ُف ال�ّس�رَّّ يف خَ�� ٍّد ي�� َو ِّر ُد ُه‬ ‫لِ َيخلُ َد الك ُُّل إ ْذ يَف َنى ُم�َش�رَ​َّ ُد ُه‬ ‫َيف امل ُ َح َّج ُب َمفتُونًا َسريق ُد ُه‬ ‫ك َ‬ ‫َشُ وقُني ِمن ِج َهايت الخ ِ‬ ‫َمس سرَ َم ُد ُه‬ ‫اب الذُّهو ِل وك َُّف الشَّ وقِ ت ِ‬ ‫ُوص ُد ُه؟‬ ‫بَ ِ‬ ‫لِ َيستَوِي الف ُ‬ ‫ُلك وال َّري َحا ُن َمو ِع ُد ُه‬ ‫نَ ِث َري ُحلمٍ َويف عي َن َّي َم ْق َع ُد ُه‬

‫الرسومات‪ :‬فريد بلكاهية‬

‫‪58‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫‪.‬‬

‫عبدهللا أبو بكر‬ ‫‪.............................................................................................................‬‬

‫موقف الشاعر‬

‫يكرث‬

‫الحدي��ث اليوم عن مواقف وترصيحات لش��عراء عرب حول ما يدور من نزاعات وثورات ش��عبية‬ ‫عارمة استطاعت أن تغري وجه الخارطة السياسية واالجتامعية هنا وهناك‪ ،‬حيث بات من الصعب‬ ‫ك�ما يعتقد البعض أن يقف الش��اعر عىل خيط الحياد الذي ال ميكن أن يح ِم��ل الواقف عليه لوقت طويل‪ ،‬ألنه‬ ‫رسعان ما سيوقعه يف حفرة الشك من قبل اآلخر‪ ،‬ويرميه بحجارة االتهام والصمت ‪.‬‬ ‫ولكن‪ ،‬ما هو الحق هنا‪ ،‬وكيف ميكن أن ننحاز له إذا ما انقسم أصحاب الرأي إىل فريقني‪ ،‬كل واحد يج ّر الحقيقة‬ ‫يف اتجاه��ه نح��و ما ميكنه أن يوافق أفق تفك�يره ورؤيته الذاتية ملجريات األمور‪ .‬ه��ل ال»نعم» هي الحق‪ ،‬أم‬ ‫ال»ال»؟‬ ‫بعض الشعراء مل يصمت كثريا‪ ،‬فقال كلمته واصطف خلف موقف واحد ال يقبل القسمة عىل معنيني‪ .‬هنا ميكن‬ ‫التوقف‪ ،‬كثريا‪ ،‬عند رأي الش��اعر‪ ،‬برصف النظر عن اسمه وحجم منجزه‪ .‬ثم السؤال عن موقف الشاعر الذي هو‬ ‫ليس محلال سياسيا‪ ،‬وليس عليه أن يرتك قصيدته لكتابة مقالة اقتصادية أو سياسية أو غري ذلك‪.‬‬ ‫الشاعر مثله مثل أي فرد يعيش يف مجتمع ما‪ ،‬له رأيه‪ ،‬ولديه ما ميكن قوله يف هذه القضية أو تلك‪ ،‬وهو هنا ال‬ ‫يعرب عن فكرته أو رأيه من منطلق انه الش��اعر‪ ،‬بل من منطلق إنس��انيته وكونه الرشيك يف املجتمع وأحد أبنائه‪،‬‬ ‫حاله حال س��ائر الناس واألفراد‪ .‬لذلك ال ميكن أن يحاكم الشاعر عىل موقفه كشاعر‪ ،‬وال ميكن أن نقحم قصيدته‬ ‫أو نحارصها يف هذه املس��احة‪ ،‬فقد يكون الش��اعر متفوقا ككاتب ش��عر‪ ،‬وموقفه يف حدث ما ليس كذلك‪ ،‬وقد‬ ‫يكون العكس متاما‪.‬‬ ‫ال بد من الفصل بني الش��اعر واإلنس��ان العادي يف داخل كل كاتب ش��عر أو مبدع يف أي حقل كان‪ ،‬ألن الش��عر‬ ‫كقيم��ة فني��ة جاملية ال ميكن أن يكون موضع اتهام بناء عىل موقف صاحبه حول ما يدور يف محيطه‪ ،‬وما يقوله‬ ‫الشاعر داخل منت القصيدة ال عالقة له مبا يقوله خارج هذا املنت‪ ،‬وإن كان ال بد من محاكمة‪ ،‬فلتكن عادلة‪ ،‬عرب‬ ‫الفصل بني النص ومواقف كاتبه‪.‬‬ ‫هذا الحمل الثقيل الذي يلقي به اآلخر عىل كاهل الشاعر‪ ،‬مجبرِ ا إياه ان يصطف خلف رأي أو حزب أو أن يكون‬ ‫تابعا لفكر مجموعة من امليليش��يات أو املنظامت املش��بوهة‪ ،‬أنتج ما يشبه بأحزاب ش��عرية تؤدي دورا بعيدا‬ ‫عن اإلبداع والعمل األديب والثقايف‪ ،‬وهو ما ش��هدناه كثريا يف اآلون��ة األخرية‪ ،‬عندما تابعنا بعض األدباء واملثقفني‬ ‫يتهافتون عىل شاشات التلفزة ويتحدثون كمحللني سياسيني أو عسكريني‪.‬‬ ‫يف بعض البلدان التي شهدت التغيري‪ ،‬تم فيها مالحقة الشعراء‪ ،‬ورضبهم أحيانا‪ ،‬والشواهد هنا كثرية‪ ،‬حدث ذلك‬ ‫نتيجة وصول التطرف إىل السلطة‪ ،‬وهنا فقط‪ ،‬ميكن للشاعر أن يقول كلمته يف مواجهة هذا الخراب‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪59‬‬


‫شعر وتشكيل‬

‫«أثر الفراشة»‬

‫قراءة تشكيلية‬ ‫هنا لقاء مختلف بين الشعر والتشكيل‪ ،‬فكما يمكن قراءة اللوحة شعرا‪ ،‬يمكن أيضا أن ُتقرأ القصيدة‬ ‫تشكيليا‪ ،‬كما قام بذلك الفنان والشاعر محمد العامري الذي رسم ديوان «أثر الفراشة» لمحمود درويش‬ ‫بألوان التشكيل والمخيلة الفنية‬

‫محمد العامري‬

‫‪60‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫أثر الفراشة‬

‫كنت يف تلك اللحظة مشغوالً برسم من فضاءات‬ ‫كتاب «أثر الفراشة» للشاعر محمود درويش‪ .‬فعىل‬ ‫مدار أكرث من خمسة أشهر وأنا أحاور هذا الكتاب‬ ‫الذي شغلني بجامليات اللغة املقطرة وما وصلت إليه‬ ‫من تصوير شفيف لدى الصديق درويش‪ .‬فهاتفته‬ ‫يف لحظة انغامري بعمل فني ساد فيه اللون األبيض‬ ‫وتجلياته الشفافة‪ ،‬فرد عىل هاتفي درويش وتبادلنا‬ ‫حديثا ناعام وحنونا فيه من الحزن العميق والحرشجة‬ ‫املخنوقة‪ ،‬وأخربته لكرس ذلك املزاج عن مرشوعي يف‬ ‫رسم أثر الفراشة‪ .‬وقال «عظيم يا محمد» وأردف قائال‪:‬‬ ‫متى ستعرض تلك األعامل؟ قلت‪ :‬يف العام ‪ 2009‬يف‬ ‫شهر فرباير‪ /‬شباط يف غالريي املرشق‪ .‬فرد قائال‪ :‬بعيد!‬ ‫وانتهت املكاملة بعد ذلك بقليل وأخربت أخي الفنان‬ ‫جهاد بأن درويش راحل واندهش أخي من سوداويتي‬ ‫يف هذا الحدس ‪.‬‬ ‫وواصلت بحزن إكامل العمل كام لو أنني لن أرى‬ ‫درويش مرة أخرى‪ ،‬فكان األبيض الشفاف ينترش عىل‬ ‫سطح الورقة كام لو أنه شاشة طاهرة أقرب إىل الرحيل‪،‬‬ ‫بل أقرب إىل موت ما‪ ،‬ولكنه ذلك اللون‪ ،‬كان فرحا كأن‬ ‫رحيل األبيض ال يحتمل سوى الخفة والرشاقة‪.‬‬ ‫ذلك األثر الذي انترش عىل جسد الورقة مل يغادرين‬ ‫بعد كام حليب فائر يرضع من ريشة رسيعة تارة‪ ،‬وتارة‬ ‫أخرى متوقفة يف نقطة ما‪ ،‬تلك النقطة التي تكاثرت يف‬ ‫لحظات كانت تشبه رشقة ماء عىل تراب ناشف‪ ،‬نقاط‬ ‫متتالية تتبادل مواقعها يف اللوحة وتأخذ ألوانا تشبه‬ ‫بقعا عىل أجنحة فراشة برية‪.‬‬ ‫ملعانٌ تشكل من طريانها املرتبك يف حقل مهجور‪،‬‬ ‫فالفراشة جنة صغرية تذهب وتؤوب للحظات ثم تغادر‬ ‫وتؤوب كام لذة يف حني انتهائها نريدها مرات ومرات‪.‬‬ ‫هكذا كان كتاب أثر الفراشة ‪..‬‬

‫فوتوغراف من هواء‬

‫األصفر نص يف أثر الفراشة‪ ،‬كان ليمونيا ليسطو عىل‬ ‫باليتة األلوان ويذهب يب إىل ذهب نادر بجوار األخرض‬ ‫الجنزاري وخجل األحمر الوردي الذي بدا كنقطة‬

‫مضيئة يف غابة من األصفر الليموين‪ .‬ذلك األصفر يف‬ ‫الكتابة الذي يقودك إىل دالالت أبعد من فكرة اللغة‬ ‫يضعك يف حلم من الصور الطيفيـّة؛ صور ال ميكن‬ ‫القبض عليها لكنك تستطيع أن تراها واضحة‪ .‬متاما كام‬ ‫فوتوغراف من هواء وماء ينرسب من بني أصابع الذاكرة‬ ‫ليواجهك يف جهة القلب‪.‬‬ ‫وكام قال درويش عن ع ّباد شمسه فام بني الليموين‬ ‫وعباد الشمس مسافة من الحرية والعبودية‪ ،‬مسافة بني‬ ‫اليد املمسكة بالريشة وبني بياض الورقة‪ ،‬البياض الصفر‪،‬‬ ‫الواضح يف غموضه واملتمكّن منك يف قامط الطفولة‬ ‫وبياض الكفن‪.‬‬ ‫كأن املسافة بني القامط والكفن تشبه املسافة بني‬ ‫انحناءة عباد الشمس حني يغادرها الضوء وبني نهوضه‬ ‫يف تسلل الضوء إليه‪ ،‬يعني أننا يف قرص العمر الذي‬ ‫تطول به آنية اإلقامة بني ليل ونهار‪.‬‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪61‬‬


‫شعر وتشكيل‬

‫طحني الفضة‪ ..‬رشاقة املاء‬

‫متسكت بشكل غري اعتيادي باملاء‬ ‫يف هذه التجربة ّ‬ ‫رحت‬ ‫ودفَ ِقه عىل الورقة وسطح القامشة‪ ،‬حيث ُ‬ ‫أراقب انتشارات املاء ومعادالتها الغريبة بني كثافة‬ ‫نصب‬ ‫اللون ورشاقة املاء‪ .‬ذكّرين ذلك بزمن كنا ُّ‬ ‫الحليب يف كأس الشاي‪ ..‬تلك اإليقاعات عادت ثانية‪.‬‬ ‫بني األزرق الساموي وبني صفاء املاء عىل بياض‬ ‫الورقة أترك كل ذلك ملتعة املراقبة وتحريك املاء‬ ‫عىل سطح الورقة‪ .‬كان املاء قاربًا وأنا النهر‪ ،‬نهر واسع‬ ‫وأحالم تقودين نحو عبثية العمر ووهم الخلود‪ .‬إنها‬ ‫حقيقة ما تتمثل أمامك يف لحظة العشق ثم تغادرك‬ ‫وترتكك كحجر مهجور يف برية مل يطأها أحد‪ ،‬فمن‬ ‫ش ّدة الوحشة تغيّم عليك األشياء وكنت أشعر بارتباك‬ ‫الراحل إىل عوامل ال أدركها؛ هي مسافة بني التذكر‬ ‫والنسيان‪ ،‬مسافة بني حبل الغسيل واملالقط‪ ،‬مسافة‬ ‫بني الشهقة والبكاء‪ ،‬مسافة بني ضياع الشكل وحضوره‬ ‫بني الفوز واإلحباط‪ ،‬مسافة بني لوين الدم والحليب‪،‬‬ ‫مسافة بني الظل والضوء‪.‬‬ ‫‪62‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫مسافات ال ميكن القبض عليها بعبقرية السؤال الكبري‪.‬‬

‫اللون‪ ..‬لغة‪ ..‬لغة‬

‫كيف يل أنْ أقرأ شعر درويش دون قراءة لونه ولون‬ ‫دالالت الجمل التي تنطلق بني السطور كحصان جامح‪،‬‬ ‫حيوية ال ميكن اللحاق بها إال يف الحلم إنْ أمكن‪.‬‬ ‫كنت أذهب إىل املواربة بني بكائني؛ أحاول أنْ أجد‬

‫أن أقرأ شعر‬ ‫كيف لي ْ‬ ‫درويش دون قراءة لونه‬ ‫ولون دالالت الجمل‬ ‫التي تنطلق بين السطور‬ ‫كحصان جامح؟‬


‫أثر الفراشة‬

‫اللوحات‪ :‬محمد العامري‬

‫مخرجا لتحبري هذه اللحظة يف لغة الشكل واللون‬ ‫والفراغ واالكتظاظ واملبادلة بني لون وآخر بني نقطة‬ ‫ونقطة‪ ،‬بني خط متعرج ومستقيم‪ ،‬أعتقد أنَّ الشعر‬ ‫يكره الخط املستقيم وكذلك الرسم لذلك س ّموه بالخط‬ ‫اليابس‪ ،‬فالرسم يحب الرائحة الطيبة‪.‬‬ ‫كنت يف رائحة اللغة أتنق َُّل بني خزامى وجاردينيا‪،‬‬ ‫رض‬ ‫بني لهاث متعب واستكانة مطمئنة‪ ،‬بني نهر مخ ّ‬ ‫ظل قريب‪ ،‬بني جذل الليمون وتساقط‬ ‫وبني استطالة ّ‬ ‫الظل عن الورقة‪ ،‬بني فراشة سوداء وأخرى مبقّعة‬ ‫ّ‬ ‫بالضوء‪ ،‬بني لون رشيق وآخر يرسو يف القاع‪ ،‬كام لو‬ ‫أنني بني تناقضني؛ املمكن الحارض واملستحيل الغائب‬ ‫بأثر املسافة‪ ،‬واملتنقل بخفّة الذعر من معلوم قليل‬ ‫وغيب كرثته قاسية‪ ،‬كاملا ّر بني شعائر ال يعرفها‪ ،‬أمتتم‬ ‫وأنأى عن اإلصغاء ألدخل يف صحوة الشكل ولغات‬ ‫متفرعة تصطادين بني لون اللغة ولغة اللون‪ ،‬كقُمرة ال‬ ‫مي ُّر بها الحجل وفراغ أدرد ال زغب فيه‪ ،‬إنها املحاولة‬ ‫اليائسة الصطياد القصيدة يف اللوحة واصطياد اللوحة‬ ‫يف القصيدة‪.‬‬

‫خطان متوازيان يلتقيان يف لحظة ليفرتقا متاما كام فكرة‬ ‫العاشق واملوت‪ .‬أو كفكرة تنكرس وال تؤوب‪.‬‬

‫أغبط البلور يف الفراغ‬

‫شفيف وأكرث منه املوت الرشيق‪ ،‬كانت األلوان كزجاج‬ ‫مقرش يشف عن نورانية تحتشد بالنور‪ ،‬طريان من‬ ‫ويخف باتجاه الطريان إىل سقف اللوحة‬ ‫نوع آخر ينوء‬ ‫ّ‬ ‫املقلوبة‪ ،‬فالسامء يف األسفل واألرض أعىل وأعىل كمن‬ ‫يريد للثقل أن يخف عن هواء القصيدة ويرق إىل‬ ‫مصاف الرتاب املقدس‪ ،‬ذلك الرتاب الذي تكتحل به‬ ‫طراوة طفل جديد‪ ،‬كنت مقيماً بني حرضتني؛ القصيدة‬ ‫واللوحة‪ُ ،‬‬ ‫أجول يف عوامل لذاذات غموضها وجالل بهائها؛‬ ‫إنها ناقصة كمساحة الهواء يف كأس املاء‪ ،‬هكذا كنت يف‬ ‫اللوحة ناقصا وممتلئا بالهواجس وسؤال الفكرة‪.‬‬ ‫دون تراجع كنت أروم البهجة وأقبض عىل انفالت املاء‬ ‫يف الورقة كحرب طائش أود اللحاق به قبل أنْ ينأى‪،‬‬ ‫إنه الحلم بني سامءين‪ ،‬سامء من اللون وسامء من‬ ‫اللغة‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪63‬‬


‫شعر وموسيقى‬

‫رحلة القصيدة إلى األغنية‬

‫سيرة مغناة للشعر‬ ‫تتعرض القصائد إلى تعديالت مختلفة قبل أن تتحول إلى أغاني‪ ،‬وتخضع لعمليات جراحية لكي‬ ‫تستقيم مع مقاييس ومزاج الفنان والملحن‪ ،‬وبعض المعالجات الفنية تتم بموافقة الشاعر وتحت‬ ‫اشرافه‪ ،‬والبعض اآلخر يتولى أمره الملحن والفنان واحيانا الرقابة‪ .‬لكل قصيدة مغناة حكاية تروى‬

‫رنا زيد‬

‫‪64‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫حكايات األغاني‬

‫فارس يواكيم‬

‫املؤلف بها‪ ،‬املنتج السيناميئ روفائيل جبور‪ ،‬أو التي سمعها‬ ‫أعاد الشاعر السوداين الهادي آدم (‪ )2006 1927-‬صياغة‬ ‫منقولة‪ ،‬عىل لسان أحدهم‪ ،‬يقول ‪«:‬كام علمت أن أحمد‬ ‫قصيدته «الغد»‪ ،‬املنشورة يف ديوان «كوخ األشواق»‪ ،‬من‬ ‫شفيق كامل‪ ،‬كان كتب مطلع أغنية «إنت عمري»‪ ،‬يقول‬ ‫أجل مطرب ٍة‪ ،‬هي أم كلثوم؛ وحدث ذلك‪ ،‬بعدما تواجدت‬ ‫كوكب الرشق يف الخرطوم يف ديسمرب (كانون األول) يف عام ‪«:‬شوقوين عينيك أليامي اليل راحو»‪ ،‬فقالت كوكب الرشق ‪:‬‬ ‫«رجعوين عينيك»‪ ،‬واستعذب الشاعر التغيري»‪.‬‬ ‫‪ ،1968‬حيث اختارت القصيدة لغنائها‪ ،‬من بني دواويني‬ ‫شعراء سودانيني آخرين‪ ،‬وقد غري الشاعر موقع أبيات عدة‪ ،‬ويبني يواكيم كتابه بناء عىل مسريته الشخصية‪ ،‬ومعرفته‬ ‫من قصيدته املنشورة‪ ،‬عندما أصبحت أغنية ُملحنة‪ ،‬وأهمل بقصص األغنيات‪ ،‬وبحثه‪ ،‬ومراجعته أصول القصائد‪ ،‬يف كتبها‬ ‫األصلية‪ ،‬ويجمع يف الكتاب مقاالت مفصلة ومستفيضة‪ ،‬عن‬ ‫أبياتاً أخرى‪ ،‬كاألبيات التي تيل البيتني األول والثاين‪ ،‬وفيها‬ ‫أغان عربية مشهورة‪ ،‬كتبها شعراء مرموقون‪ ،‬واستهوت أهل‬ ‫يقول آدم‪ «:‬وأحييك ولكن بفؤادي أم يدي‪ /‬أم بطرف‬ ‫خاشع اللمح كليل مجهد‪ /‬لست أدري كيف ألقاك ولكني النغم‪ ،‬فلحنوها‪ ،‬وتجاهل املؤلف هنا األغنيات التي كتبها‬ ‫الشعراء بنا ًء عىل طلب من ملحن أو مغن‪ ،‬ومنها عىل سبيل‬ ‫صدي‪ /‬ظامئ أرهقه البني وطول األمد»‪.‬‬ ‫التعديل املذكور سابقاً هو واحد من تعديالت أخرى‪ ،‬طالت املثال كام يذكر‪ ،‬أغنية «يا رشاعاً وراء دجلة»‪ ،‬التي لحنها‬ ‫وأنشدها محمد عبد الوهاب‪ ،‬أمام ملك العراق فيصل األول‪،‬‬ ‫القصائد املكتوبة باللغة العربية الفصحى‪ ،‬والتي مل تكتب‬ ‫مبناسبة زيارته‪ ،‬إىل بغداد سنة ‪ ،1931‬والسبب هو أن الشاعر‬ ‫من أجل الغناء‪ ،‬وإمنا اختارها مطربون وملحنون‪ ،‬يك تكون‬ ‫أحمد شوقي نظمها من أجل تلك املناسبة‪ ،‬أو قصيدة «سوف‬ ‫أغنيات ملحنة‪ ،‬وقد أفرد الكاتب واملرتجم اللبناين فارس‬ ‫يواكيم‪ ‬يف كتابه «حكايات األغاين‪ :‬رحلة القصيدة من الديوان أحيا» التي كتبها مريس جميل عزيز‪ ،‬يك تغنيها املطربة فريوز‪،‬‬ ‫بشكل خاص‪ ،‬وقد سجلتها املطربة اللبنانية مع أغان أخرى‪،‬‬ ‫إىل األغنية» (دار رياض الريس)‪ ،‬وقتاً وجهدا ً إلعادة نقد‬ ‫وأنتجتها وقتذاك‪ ،‬إذاعة «صوت العرب» أثناء زيارة فريوز‬ ‫وجمع هذه الحاالت‪ ،‬التي تطرح تساؤالً عن مدى أحقية‬ ‫اللحن يف انتزاع القصيدة من مجدها النهايئ‪ ،‬وشكلها األخري‪ ،‬األوىل إىل القاهرة‪ ،‬يف سنة ‪ .1955‬ويضاف إىل ذلك االستثناء‬ ‫املكتمل مبعناه وشكل حروفه‪ .‬ويهمل يواكيم‪( ،‬كتب نصوصاً القصائد التي كتبها األخوان رحباين‪ ،‬ولحنها وغنتها فريوز‪،‬‬ ‫مرسحية للكوميدي الراحل حسن عالء الدين «شوشو»‪ ،‬منها ألنها كتبت من أجل الغناء‪ ،‬كام يربر يواكيم‪ ،‬وبالفعل‪ ،‬فإن‬ ‫الكتاب يأخذ شكالً ناضجاً وموسعاً يف نظرته إىل القصائد‪،‬‬ ‫مرسحية «آخ يا بلدنا»)‪ ،‬األغاين التي كتبت كلامتها باللغة‬ ‫العامية‪ ،‬من طرحه النقدي يف «حكايات األغاين»‪ ،‬معلالً ذلك وحكاياتها بعدما صارت أغان‪ ،‬وهنا‪ ،‬يرى واكيم أن القصائد‬ ‫التي مل تعدل أو تحور‪ ،‬ومل يصبها أي تغيري‪ ،‬ال حكاية لها‬ ‫بأن تلك القصائد‪ ،‬يف معظمها‪ ،‬قصائد كتبت خصيصاً من‬ ‫أجل الغناء‪ ،‬حتى وإ ْن خضعت لبعض التعديالت‪ ،‬وألم كلثوم فيعدل عن وضعها يف الكتاب‪ ،‬ومن األمثلة عىل ذلك‪ ،‬قصيدة‬ ‫يف هذا ملسات‪ ،‬كام يوضح‪ ،‬ويستطرد فيذكر بعض األحاديث «أَيظن» املنشورة يف ديوان «حبيبتي» للشاعر السوري نزار‬ ‫قباين‪ ،‬والتي لحنها محمد عبد الوهاب‪ ،‬كاملة من دون تغيري‬ ‫املنقولة عن تدخلها يف سياق القصائد‪ ،‬كالحادثة التي أعلم‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪65‬‬


‫شعر وموسيقى‬

‫جربان خليل جربان‬

‫كلمة‪ ،‬وغنتها نجاة الصغرية‪.‬‬ ‫وهناك أيضاً أغنيات مل يعرث املؤلف عىل كلامتها منشورةً‪،‬‬ ‫فلم يتمكن من املقارنة بني القصيدة األصلية‪ ،‬وقصيدة‬ ‫األغنية‪ ،‬ومنها أغنية «لقاء» التي غناها عبد الحليم حافظ‪،‬‬ ‫من ألحان كامل الطويل‪ ،‬عن قصيدة للشاعر صالح عبد‬ ‫الصبور‪ ،‬يقول يف مطلعها ‪»:‬بعد عامني التقيا ها هنا‪/‬‬ ‫والدجى يغمر وجه املغرب»‪.‬‬

‫إعادة بناء شعري‬

‫وال يزعم يواكيم‪ ،‬كام يقول يف مقدمة كتابه أنه يحيط‪،‬‬ ‫بكل القصائد العربية املغناة‪ ،‬بل يتناول أبرزها‪ ،‬ويعرضها‪،‬‬ ‫حسب أسامء الشعراء‪ ،‬من األقدم إىل األحدث؛ وقد استعان‬ ‫املؤلف يف رحلته النقدية‪ ،‬هذه‪ ،‬مبا متت أرشفته يف الكتب‪،‬‬ ‫والتسجيالت الصوتية‪ ،‬ومن اكتشافاته يف الكتاب‪ ،‬عثوره عىل‬ ‫أبيات ألحمد شوقي‪ ،‬غري مثبتة يف دواوينه‪ ،‬ومنها أغنيات‬ ‫عن قصائد لشعراء‪ ،‬من أمثال ‪ :‬عباس محمود العقاد‪ ،‬وخليل‬ ‫مطران‪ ،‬وعالل الفايس‪ ،‬ومن االكتشافات أيضاً‪ ،‬أن خمسة‬ ‫مطربني عرب غنوا قصيدة واحدة‪ ،‬للشاعر اللبناين إلياس‬ ‫فرحات‪ ،‬بألحان مختلفة‪ ،‬فيام مل يغنها أحد من مطريب بلده‪.‬‬ ‫إضافة إىل ندرة‪ ،‬ما لحن من قصائد الشاعر عمر أبو ريشة‪،‬‬ ‫رغم صعوبة تلحني شعره‪.‬‬ ‫ويف القرن التاسع عرش غنى يوسف املنيالوي (‪،)1911-1850‬‬ ‫قصيدة أيب نواس‪« ،‬حامل الهوى تَ ِع ُب ‪ ..‬يستخفّه الطرب»‪،‬‬ ‫ثم غنت فريوز القصيدة ذاتها‪ ،‬بلحن األخوين الرحباين يف‬

‫كتب أحمد شفيق كامل‪،‬‬ ‫مطلع أغنية «إنت عمري»‪،‬‬ ‫يقول ‪«:‬شوقوني عينيك أليامي‬ ‫اللي راحو»‪ ،‬فقالت كوكب‬ ‫الشرق ‪« :‬رجعوني عينيك»‪،‬‬ ‫واستعذب الشاعر التغيير‬

‫‪66‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫القرن العرشين‪ ،‬ومثة قصائد غناها أكرث من صوت‪ ،‬إذ غنى‬ ‫ناظم الغزايل وصباح فخري‪ ،‬قصيدة الشاعر مسيكن الدرامي‬ ‫«قل للمليحة يف الخامر األسود ‪ ..‬ماذا فعلت بناسك متعبد»‪،‬‬ ‫كام غنت فريوز وعبد الهادي بلخياط‪ ،‬موشح «ياليل الصب»‬ ‫للحرصي القريواين‪ ،‬أيضاً غنت فريوز‪ ،‬بيتني من شعر أيب‬ ‫العتاهية‪ ،‬ومن ألحان محمد محسن‪ ،‬هام ‪« :‬ويل فؤاد إذا‬ ‫طال العذاب به ‪ ..‬هام اشتياقاً إىل لُقيا معذّبه‪ /‬يفديك‬ ‫صب لو يكون له ‪ ..‬أع ّز من نفسه يشء فداك‬ ‫من نفس ّ‬ ‫به»‪.‬‬ ‫طبعاً هناك أمثلة عدة‪ ،‬يف «حكايات األغاين» عىل التلحني‪،‬‬ ‫من الرتاث (له باب يف الكتاب) أيضاً‪ .‬ولحن األخوين‬ ‫الرحباين‪ ،‬ثم غنت فريوز‪ ،‬مقطعة للشاعر العبايس أيب نواس‪،‬‬ ‫من أربعة أبيات‪«:‬يا غزاالً يف كثيب ‪ّ ..‬‬ ‫رق يف الحسن‬ ‫وطيب‪ /‬يا قريب الدار‪ ،‬ما وصلك مني بقريب‪ /‬يا حبيبي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫كل حبيب‪ /‬لشقايئ صاغك الله حبيباً‬ ‫بأيب‪ ،‬أنسيتني ّ‬ ‫للقلوب»‪ ،‬والبيت األول‪ ،‬الذي غنته فريوز مل يكن كذلك‬ ‫يف ديوان أيب نواس وقد اضطر األخوان الرحباين‪ ،‬إىل إعادة‬ ‫صياغته‪ .‬كام غنت فريوز‪ ،‬من شعر أيب نواس‪ ،‬القصيدة التي‬ ‫مطلعها ‪»:‬يا خلي َّيل ساعة ال ترميا ‪ ..‬وعىل ذي صباب ٍة فأقيام»‪.‬‬ ‫وقد اقترصت األغنية عىل البيتني األولني‪ ،‬والقصيدة مؤلفة‬ ‫من ستة أبيات‪ ،‬ومن األبيات التي مل تلحن‪ ،‬نذكر ‪«:‬ذكرتني‬ ‫الهوى وهن رميم ‪ ..‬كيف لو مل يك ّن رصن رميام»‪.‬‬ ‫يربط املؤلف األغاين بأسامء الشعراء‪ ،‬أي أنه يفتح أبواباً يف‬ ‫الكتاب‪ ،‬للشعراء‪ ،‬وما أخذ من قصائدهم ولحن‪ ،‬ليتم تناول‬ ‫كل شاعر من الشعراء‪ ،‬والحكايات عن قصائده‪ ،‬وما جرى لها‬


‫حكايات األغاني‬

‫أحمد شفيق كامل‬

‫من تعديل أو قص‪ ،‬وأحياناً إعادة بناء شعري من قبل شعراء‬ ‫آخرين‪ ،‬كام حصل مع قصائد جربان خليل جربان‪ ،‬املأخوذة‬ ‫من كتاب «النبي»(نرش ألول مرة يف عام ‪ ،)1923‬حيث اختار‬ ‫األخوان الرحباين بعض املقاطع من كتاب النبي‪ ،‬ولحناها‬ ‫يف لوحة غنائية أنشدتها فريوز‪ ،‬وحملت األسطوانة عنوان‬ ‫«املحبة»‪ ،‬وهو عنوان أحد فصول الكتاب‪ ،‬والرتجمة عن‬ ‫اإلنكليزية «‪ ،»love‬تحتمل املحبة كام تحتمل الحب‪ ،‬كام‬ ‫ترجمها يوسف الخال‪ ،‬وكام يوضح كتاب «حكايات األغاين»‪،‬‬ ‫اعتمد األخوان الرحباين‪ ،‬عىل ترجمة الخوري أنطونيوس‬ ‫بشري‪ ،‬وأعادا صياغة بعض العبارات‪ ،‬مبا يتوافق مع التلحني‪،‬‬ ‫من دون أي مساس باملعنى األصيل‪ .‬وبسبب الرتجمة النرثية‬ ‫لكتاب «النبي»‪ ،‬املعزولة عن أي لحن أو وزن‪ ،‬كان من‬ ‫الرضوري ابتكار ما يعوض النقص‪ ،‬وهذا ما فعله األخوان‬ ‫رحباين‪ ،‬كام يشري املؤلف‪ ،‬حيث أعادا أيضاً صياغة بعض‬ ‫التعابري‪ ،‬وأيضاً فعل الخوري أنطونيوس بشري‪ ،‬ويضع يواكيم‬ ‫خطوطاً عىل التعديالت الطارئة‪ ،‬ثم أقواساً من أجل اإلشارة‬ ‫إىل اختصارات الرحابنة‪ ،‬بحكم مقتضيات اللحن؛ فمثالً وضع‬ ‫املقطع‪«:‬إذا املحبة أومت إليكم‪ ،‬فاتبعوها»‪ ،‬بدالً من‪«:‬إذا‬ ‫أشارت املحبة إليكم‪ ،‬فاتبعوها»‪ ،‬طبعاً هذا تعديل طفيف‪،‬‬ ‫إذا ما قورن مع حذف جمل بأكملها‪ ،‬كام يف ‪»:‬صعد إىل‬ ‫إحدى التالل»‪ ،‬وكانت يف األصل‪ ،‬معادة الصياغة من بشري‪،‬‬ ‫عىل الشكل التايل ‪«:‬صعد إىل قنة‪ ،‬إحدى التالل‪ ،‬القامئة وراء‬ ‫جدران املدينة»‪.‬‬ ‫«حكايات األغاين» يحوي سرية القصائد الفصيحة املغناة‬ ‫لـ ‪ 37‬شاعرا ً‪ ،‬منهم ‪»:‬أبو فراس الحمداين‪ ،‬عمر الخيام‪ ،‬أبو‬

‫األخوين الرحباين‬

‫بسبب الترجمة النثرية لكتاب‬ ‫«النبي»‪ ،‬المعزولة عن أي لحن‬ ‫أو وزن‪ ،‬كان من الضروري‬ ‫ابتكار ما يعوض النقص‪،‬‬ ‫وهذا ما فعله األخوان رحباني‪،‬‬ ‫حيث أعادا أيض ًا صياغة بعض‬ ‫التعابير وحذف جمل بأكملها‬ ‫القاسم الشايب‪ ،‬خليل مطران‪ ،‬إيليا أبو مايض‪ ،‬عباس محمود‬ ‫العقاد‪ ،‬بدر شاكر السياب‪ ،‬عمر أبو ريشة‪ ،‬رياض املعلوف‪،‬‬ ‫فدوى طوقانن محمود درويش‪ ،‬منصور الرحباين‪ ،‬سميح‬ ‫القاسم‪ ،‬عز الدين املنارصة‪ ..‬وغريهم‪ .‬ويف إحدى الحكايات‬ ‫املقل‬ ‫نقع عىل قصيدة «الحرية» التي كتبها الشاعر املرصي ّ‬ ‫كامل الشناوي (‪ ،)1965-1908‬إبان عمليات املقاومة التي‬ ‫نشط فيها الفدائيون املرصيون ضد قوات االحتالل الربيطاين‪،‬‬ ‫قبل ‪ 23‬متوز (يوليو) ‪ ،1952‬وقد لحن القصيدة وغناها‬ ‫محمد عبد الوهاب‪ ،‬لك َّن‪ ،‬اإلذاعة املرصية منعت بثَّ األغنية‬ ‫بسبب اعرتاض الرقابة‪ ،‬ومل يسمح ببثها إال بعد رحيل امللك‬ ‫فاروق‪ ،‬فأصبحت النشيد الوطني املرصي من عام ‪ ،1952‬إىل‬ ‫عام ‪ ،1960‬واقتبست مقدمتها املوسيقية‪ ،‬شارة نرشة األخبار‪،‬‬ ‫يف اإلذاعة املرصية‪ ،‬وما زالت حتى اليوم تقتبس‪ ،‬وغناها‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪67‬‬


‫شعر وموسيقى‬

‫عبد الوهاب كاملة مع تعديل لفظة واحدة‪ ،‬يف البيت األول‪،‬‬ ‫‪«:‬كنت يف صمتك‬ ‫وهي ‪ (:‬حبك أصبحت صربك)‪ ،‬يقول البيت‬ ‫َ‬ ‫كنت يف صربك ُم ْك َره»‪.‬‬ ‫مرغم ‪َ ..‬‬

‫كامل الشناوي‬

‫سيطرة اللحن‬

‫ويف حكاية أخرىى‪ ،‬يورد يواكيم‪ ،‬أن الشاعر السوري عمر‬ ‫أبو ريشة (‪ )1990-1910‬ألقى قصيدته «عرس املجد» يف‬ ‫عام ‪ ،1947‬يف الحفلة التذكارية التي أقيمت ابتهاجاً بجالء‬ ‫الفرنسيني‪ ،‬والقصيدة طويلة نسبياً‪ ،‬يف نحو ستني بيتاً‪ ،‬غنت‬ ‫سلوى مدحت‪ ،‬تسعة أبيات‪ ،‬منها‪ ،‬من ألحان فيلمون وهبي‪،‬‬ ‫الذي مل يكن معتادا ً عىل تلحني القصائد الكالسيكية‪ ،‬إذ‬ ‫كان موهوباً يف التلحني املوسيقي الشعبي‪ ،‬الخمسة أبيات‬ ‫األوىل يف األغنية‪ ،‬هي ذاتها يف قصيدة الديوان‪ ،‬ومطلعها‪»:‬‬ ‫يا عروس املجد تيهي واسحبي ‪ ..‬يف مغانينا ذيول الشهبِ »‪،‬‬ ‫وبعد سبعة عرش بيتاً غري ملحن‪ ،‬تأيت يف األغنية أربعة أبيات‬ ‫متتالية‪ ،‬جاءت بعد ما حذف‪ ،‬ويتم تغيري لفظة واحدة يف‬ ‫إحدى البيوت الشعرية هي «أفراسنا»‪ ،‬لتصري «أجيادنا»‪،‬‬ ‫والتعديل أجراه الشاعر‪ ،‬كام يوضح املؤلف‪ ،‬والكلمتان‬ ‫«لعل‬ ‫تحمالن املعنى ذاته‪ ،‬ويبدي يواكيم رأيه قائالً‪َّ :‬‬ ‫أجيادنا أرق يف الغناء‪ ،‬وإذا انتهت األغنية عند ذاك الحد‪،‬‬ ‫فلقد اسرتسل عمر أبو ريشة يف نبضه الحار»‪ ،‬يقصد شعرياً‬ ‫وعروبياً‪ ،‬حيث كتبت القصيدة قبل نكبة فلسطني‪ ،‬يف عام‬ ‫‪ ،1948‬وفيها يقول أبو ريشة ‪«:‬أين يف القدس ضلوع غضة‬ ‫‪ ..‬مل تالمسها ذنايب عقرب؟‪ /‬يا روايب القدس يا مجىل السنا‬ ‫‪ ..‬يارؤى عيىس عىل جفن النبي»‪.‬‬ ‫يعرف الكتاب بأبيات ومقاطع شعرية غائبة عن الذهن‪،‬‬ ‫بسبب سيطرة اللحن عىل شكل القصيدة األصيل‪ ،‬بحيث‬ ‫يصعب استذكار األصل‪ ،‬أو تحديد الطول الحقيقي‪ ،‬وترتيب‬ ‫األبيات‪ ،‬فغالباً ما يعمد املطربون وامللحنون إىل اختيار‬ ‫األشطر واألبيات‪ ،‬التي يظنون أنها األكرث تأثريا ً‪ ،‬واألسهل يف‬ ‫توصيل املعنى‪ ،‬ويف حكاية قصيدة الشاعر الكويتي محمد‬ ‫الفايز (‪ ،)1991-1938‬نرى الجانب امللحمي كيف طوع‪،‬‬ ‫وبعرث ترتيب األبيات يف امللحمة الشعرية التي كتبها الشاعر‪،‬‬ ‫من مثاين عرشة لوحة‪ ،‬تحت عنوان «مذكرات بحار»وقد‬ ‫ل ّحن غنام الديكان‪ ،‬بعضاً من أبيات هذه امللحمة‪ ،‬وغناها‬ ‫شادي الخليج‪ ،‬وتقول امللحمة يف مطلعها‪ ،‬وتحيك عن رصاع‬ ‫‪68‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫بحار مع البحر‪ ،‬بعيدا ً عن الصحراء الجافة‪«:‬سأعيد للدنيا‬ ‫حديث السندباد‪ /‬ماذا يكون السندباد؟‪ /‬شتان ما بني‬ ‫خيال مجنون وعمالق تراه‪ /‬يطوي البحار عىل هواه‪/‬‬ ‫بحباله ‪ ..‬برشاعه ‪ ..‬بإرادة فوق النجوم‪ٍ /‬‬ ‫بيد تكاد عروقها‬ ‫الزرقاء ترتجل النجوم»‪ .‬ومن األبيات التي مل تغن‪ ،‬نورد‬ ‫‪«:‬مازلت أذكر كل يشء عن مدينتنا القدمية‪ /‬عن حاريت‬ ‫الرملية الصفراء واملقل الحزينة‪ /‬مل ّا نحدق يف السامء عىل‬ ‫السطوح‪ /‬نضبت جرار املاء والغدران مثل يد البخيل»‪.‬‬ ‫أما عن أغنيات الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش‬ ‫(‪ ،)2008-1941‬فقد كان أول لقاء بني الشاعر واملوسيقى‬ ‫عرب قصيدة «بطاقة هوية» التي حولها مغناة درامية‬ ‫املوسيقي‪ ،‬املقديس املولد‪ ،‬والبريويت النشأة سلفادور عرنيطة‪،‬‬ ‫وقدم املغناة للمرة األوىل يف قاعة سيد درويش يف القاهرة‪،‬‬ ‫يف صيف ‪ ،1970‬وقد شارك يف أدائها أوركسرت القاهرة‬ ‫السيمفوين‪ ،‬وكورال أوبرا القاهرة‪ ،‬ويف وقت الحق لحنها‪،‬‬ ‫غازي مكدايش‪ ،‬وغنتها فرقة الكورس الشعبي يف بريوت‪ ،‬وقد‬ ‫اشتهرت القصيدة مبطلعها‪« ،‬س ّجل أنا عريب»‪.‬‬ ‫ولحن شعر محمود درويش‪ ،‬ثم غني‪ ،‬من قبل أصوات عدة‪،‬‬ ‫من أمثال ‪« :‬بول مطر‪ ،‬وعابد عازارية‪ ،‬وأحمد قعبور‪ ،‬وخالد‬ ‫الهرب‪ ،‬وأسامة حالق‪ ،‬وصوالً بشار زرقان إىل كاميليا جربان‪.‬‬ ‫لك ْن‪ ،‬املوسيقي اللبناين مرسيل خليفة‪ ،‬لحن قصائد درويش‬ ‫من دون تغيري كلمة أو اختصار ملقطع شعري‪ ،‬سوى أغنية‬ ‫الكمنجات‪ ،‬التي أداها مع فرقة امليادين‪( ،‬وهي عن قصيدة‪،‬‬ ‫باالسم نفسه‪ ،‬من ديوان «أحد عرش كوكباً»)‪ ،‬فالتغيري اقترص‬


‫حكايات األغاني‬

‫محمود درويش‬ ‫نزار قباين‬

‫عىل اختصار بعض األبيات‪ ،‬ومنها‪« :‬الكمنجات شكوى‬ ‫الحرير املجعد يف ليلة العاشقة‪ /‬الكمنجات صوت‬ ‫النبيذ البعيد عىل رغبة سابقة‪ /‬الكمنجات تتبعني ههنا‬ ‫وهناك لتثأر م ّني‪ /‬الكمنجات تبحث عني لتقتلني‪ ،‬أينام‬ ‫رس موسيقى خليفة‪ ،‬التي طوعت‬ ‫وجدتني»‪ ،‬وهنا يكمن ّ‬ ‫أغلب القصائد‪ ،‬دومنا حاجة للخروج باكلامت القصيدة‬ ‫إىل سياق اللحن الجاف‪ ،‬لقد جعل خليفة‪ ،‬اللحن ملحقاً‬ ‫بالقصيدة‪ ،‬ومتنامياً معها‪ ،‬من دون تشويه يف تكوينها‬ ‫الروحي واملعنوي‪ ،‬كام اختار خليفة مقاطعاً من قصيدة‬ ‫«بريوت»(ديوان «حصار ملدائح البحر»)‪ ،‬وسميت األغنية‬ ‫«بريوت نجمتنا»‪.‬‬ ‫إن الكتاب يستدرك‪ ،‬هذه املعلومات الحكائية‪ ،‬بطريقة‬ ‫أرشيفية‪ ،‬تشكل فيام بعد مرجعاً ألي بحث‪ ،‬عن القصائد‬ ‫الفصيحة املغناة‪ ،‬ومع البحث والنقد‪ ،‬تربز يف الكتاب أغنيات‬ ‫وصلت مع ألحان معارصة رسيعة وشعبية يف الوقت ذاته‪،‬‬ ‫ومنها قصيدة «مع جريدة» التي غنتها ماجدة الرومي‪،‬‬ ‫من قصيدة الشاعر السوري نزار قباين (‪،)1998 1923-‬‬ ‫والقصيدة من ديوان «قصائد»‪ ،‬وهي يف األساس كانت قد‬ ‫أثارت‪ ،‬مع نرشها مقارنة مع قصيدة مامثلة للشاعر الفرنيس‬ ‫جاك بريفري‪ ،‬عنوانها «فطور الصباح»‪ ،‬وميكن القول (حسب‬ ‫يواكيم) إن قباين ترجم‪ ،‬قصيدة بريفري بترصف‪ ،‬أو أعاد‬ ‫صياغتها بلغته‪ ،‬والسياق العام للقصيدة يوحي‪ ،‬بأن أحداثها‬

‫إن كتاب «حكايات األغاني»‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫يطرح تساؤ ً‬ ‫ال ملح ًا‪ ،‬عن‬ ‫مدى أحقية المؤلفين‬ ‫الموسيقيين‪ ،‬والمغنين‪ ،‬في‬ ‫التالعب بكلمات‪ ،‬آمنة في‬ ‫صفحات ُ‬ ‫كتبها‪ ،‬إنها قصائد‬ ‫أخذت شكلها النهائي‪ ،‬فجاء‬ ‫من يبدل فيها‪ ،‬ويغير‬ ‫جرت يف مقهى بارييس‪ ،‬وقت فطور الصباح‪ ،‬وهي بلسان‬ ‫امرأة انفعلت من تجاهل الرجل لها‪ ،‬ويبني قباين قصيدته‪،‬‬ ‫عىل يشء مشابه‪ ،‬تقول قصيدة جاك بريفري‪«:‬سكب القهوة‬ ‫يف الفنجان‪ /‬وسكب الحليب يف فنجان القهوة‪ /‬وضع‬ ‫السكّر يف فنجان القهوة بالحليب‪ /‬وبامللعقة الصغرية‬ ‫ذوب السكّر‪ /‬رشب القهوة بالحليب‪ /‬وأرخى الفنجان من‬ ‫دون أن يكلمني»‪ ،‬وهنا يستطرد املؤلف ليرشح أن قباين‪،‬‬ ‫أضاف عىل قصيدته‪ ،‬بعدما أراد جامل سالمة أن يلحنها‪،‬‬ ‫للرومي‪ ،‬ويعتقد املؤلف الباحث‪ ،‬أنه فعل ذلك رمبا ليباعد‬ ‫بينها وبني قصيدة بريفري‪ ،‬من حيث الشكل الشعري‪ ،‬أو‬ ‫يك يطول القصيدة القصرية املنشورة‪ ،‬ومام أضيف ‪«:‬ويف‬ ‫فمي ذوب وردتني‪ /‬ذوبني ‪ ..‬مللمني ‪ ..‬بعرثين‪ /‬رشب‬ ‫من فنجانه‪ /‬سافرت يف دخانه‪ ،‬ما عرفت أين؟»‪ .‬وحذف‬ ‫مقطعا يتقدم األبيات هذه‪ ،‬هو ‪»:‬ذوبني‪ ،‬ذوب قطعتني»‪.‬‬ ‫يشكر يواكيم‪ ،‬ثالثة أصدقاء يف نهاية الكتاب قدموا له‬ ‫معلومات حول األغاين‪ ،‬هم ‪»:‬الناقد السوداين عالء الدين‬ ‫اآلغا‪ ،‬واملؤرخ اللبناين محمود الزيباوي‪ ،‬والشاعرة املغربية‬ ‫ريم نجمي»‪.‬‬ ‫إ َّن كتاب «حكايات األغاين»‪ ،‬يطرح تساؤالً ملحاً‪ ،‬عن مدى‬ ‫أحقية املؤلفني املوسيقيني‪ ،‬واملغنني‪ ،‬يف التالعب بكلامت‪،‬‬ ‫آمنة يف صفحات كُتبها‪ ،‬إنها قصائد أخذت شكلها النهايئ‪،‬‬ ‫فجاء من يبدل فيها‪ ،‬ويغري‪ ،‬وكام يوضح البحث‪ ،‬هناك‬ ‫من الشعراء من عدل‪ ،‬من أجل األغنيات كلامته السابقة‬ ‫املستقرة‪ ،‬وانقلب عليها‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪69‬‬


‫حوار‬

‫الشاعر حسن طلب‬

‫لن يبقى من شعر الثورة‬ ‫سوى القليل‬ ‫يظل اسم حسن طلب متفردا ً بني أبناء جيله من «السبعينيني»‪ ،‬لجهة إبداعه املختلف الذي «يلعب» عىل فكرة اللغة‬ ‫اوج بني اليومي والقديم‪،‬‬ ‫ويُقرنها بالفلسفة والتاريخ‪..‬مصطلحاتهام ومصادرهام‪ ،‬وينحت نحتاً يف اللغ ِة خالقاً ثنائي ًة تُز ُ‬ ‫تؤصل‬ ‫والرتايث والحدايث‪ ،‬وهو يف هذا كله يستمد من مع ٍني ال ينضب من األدب الصويف واإلسالمي‪ .‬تتالت دواوينه ِّ‬ ‫ِ‬ ‫لخط ِه الخاص منذ أول السبعينيات وآخرها ثالثيته الشعرية «إنجيل الثورة وقرآنها»‪ ،‬العمل الشعري األول املتبلور‬ ‫الذي يُكتب من ميدان التحرير إبَّان أحداث الثورة ويوث َّق لها بصور ٍة شعري ٍة انتهجت التوثيق ومل ت ُغفل الصياغة‬ ‫الفنية‪.‬‬ ‫حول ديوانه األخري عن الثورة‪ ،‬وموقفه من لجنة الشعر الجديدة باملجلس األعىل للثقافة يف مرص‪ ،‬ورأيه يف املشهد‬ ‫النقدي القائم‪ ،‬التقينا أستاذ الفلسفة وعلم الجامل بجامعة حلوان‪.‬‬ ‫القاهرة‪ -‬حمزة قناوي‬

‫النقاد حادوا عن أدوارهم‬ ‫في التعاطي مع الشعر‬ ‫والتفوا حول مكاسبهم‬ ‫الخاصة‬

‫‪70‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫حسن طلب‬

‫كنت من أوائل ُ‬ ‫الشعراء الذين‬ ‫كتبوا عن الثورة من مشهدها‬ ‫األفقي يف ميدان التحرير‪ ،‬يف‬ ‫ثالثيتك «إنجيل الثورة وقرآنها»‪،‬‬ ‫كيف ُتق ِّيم ما ُكتب عنها يف ظل‬ ‫سج ًال َح َّساساً‬ ‫ما وصلت إليه‪ ،‬هل كان الشعر مرآوياً و ُم ِّ‬ ‫للثورة يف عملك وفيام تاله من أعامل آخرين؟‬ ‫■ األم ُر ال يُقيَّم باألسبقية أو األولوية‪ ،‬إمنا املسأل ُة هي‬ ‫كيف تكون الكتابة عن «امليدان» حقيقي ًة تجم ُع بني‬ ‫الشعر وبني صورة امليدان‪ ،‬وهي صورة سياسية للثورة‬ ‫تعكس أيقونتها‪ ،‬وأرى أن كثريا ً مام كُ ِت َب من الشعر‬ ‫من قلب امليدان بالتزامن مع الثورة كان وف َّياً لجانب‬ ‫دون اآلخر‪ ،‬ويندر أن نجد شعرا ً‬ ‫كان وفيَّاً للجانبني َمعاً‪ ،‬فالشعر‬ ‫الذي نُ ِعت بأنَّ ُه «شعر الثورة»‬ ‫يعتمد الجانب الصاخب من الثورة‬ ‫وشعاراتها واستلهام أحداثها‪ ،‬دون‬ ‫أن نجد جوهر الشعر الحقيقي من‬ ‫ذلك كله‪ .‬يف مسألة الثورة الشِّ عر‬ ‫قليل والشعار الثوري طَغى‬ ‫الجيد ٌ‬ ‫عىل الشِّ عر‪ ،‬وقد علَّ َمنا التاريخ‬ ‫أن األحداث الكربى ت ُلهِم الشعراء‬ ‫ويصاحبها ِشع ٌر كَثري‪ ،‬ولكن ما يبقى‬ ‫هو القليل الجيد الذي يرت ِكز عىل‬ ‫الصورة الشعرية‪ ..‬فإبَّان ثورة يوليو كُ ِتب كَث ٌري من الشعر‬ ‫وال نتذكر منه إال الجيد باملنظور الفني‪ ،‬نتذكر من هذا‬ ‫العرص «الثوري» غزليات إبراهيم ناجي! أتصور أن ذلك‬ ‫سينسحب عىل ِشعر ثورة يناير أيضاً الذي لن نتذكر منه‬ ‫إال الجيد الذي ُع ِن َي بالصورة والقيمة الفنية والخيال وهو‬ ‫قليل‪ ،‬أما الباقي فسيكون مصريه ال ِّنسيان ألنه تخىل عن‬ ‫ِ‬ ‫الشعر يف سبيل الشِّ عار‪.‬‬ ‫أما عن تجربتي الشعرية فهي للتاريخ ومازلت أكتب‪،‬‬ ‫ومرشوعي الذي ذكرته عن الثورة ثالثية شعرية بعنوان‬ ‫«إنجيل الثورة وقرآنها» تضُ ُّم الجزء األول «آية امليدان»‬

‫وال ُجزء الثاين «إصحاح الثورة» والثالث ِ‬ ‫«سفر الشهداء»‪.‬‬ ‫وقت بعي ٍد ُت َتدَاول مقولة أن هذا الزمن «زمن‬ ‫منذ ٍ‬ ‫الرواية» فهل تتوقع استمرار غلبة هذا النوع من األدب‬ ‫تفجر هذا الحدث القومي الهائل؟ هل‬ ‫عىل ِ‬ ‫الشعر بعد ُّ‬ ‫ً‬ ‫تكون الرواية هي األكرث قدرة عىل التعبري عن الثورة؟‬ ‫■ سأختلِف معك‪ ،‬فهناك روايات كثرية عن الثورة وهي‬ ‫ممتازة‪ ،‬مثل روايات إبراهيم عبداملجيد التي ال تقل‬ ‫عن ديوان الراحل حلمي سامل الذي أنجزه عن الثورة‬ ‫«ارفع رأسك عاليةً»‪ ،‬وهناك أيضاً ٌ‬ ‫أعامل أُخرى مل تصدر‬ ‫يف شكل دواوين بعد كقصائد محمد سليامن‪ ،‬وت ُع ُّد من‬ ‫أهم أعامل ما بعد الثورة‪ ،‬هل يعقل بعد هذا كله أن‬ ‫نتغافل عن الشعر ودوره؟ إن اإلبداع يف الفن واألدب‬ ‫ال ينحاز لنوع دون اآلخر‪ ،‬فكل أنواع‬ ‫األدب قامئة‪ ،‬ولكن لن يبقى منها إال‬ ‫الفن الحقيقي‪ ،‬وكل أنواع اآلداب‬ ‫تستعني ببعضها بعضاً وتنفتح آفاقها‬ ‫كل عىل اآلخر‪ ،‬فالرواية تستعني بالشعر‬ ‫ٌّ‬ ‫وتستخدم لغة اإليحاء‪ ،‬والشِّ عر يستفيد‬ ‫من الرواية ويلجأ إىل الرسد‪ ،‬وبالتايل‬ ‫فإن كل أطياف الفن الثوري‪ -‬الذي يعد‬ ‫محصلة كل هذه الفنون من األدب‬ ‫ِّ‬ ‫والتشكيل واملوسيقى والسينام‪ -‬من‬ ‫املمكن أن تتشارك يف رسم لوحة كبرية‬ ‫متعددة األلوان اسمها لوحة الثورة‪.‬‬

‫ديكتاتورية الفن‬

‫كنت من بني األعضاء املستقيلني من لجنة الشعر‬ ‫باملجلس األعىل للثقافة‪ ،‬وهي املمثل الرسمي للشعر يف‬ ‫مرص‪ ،‬يف االستقالة الجامعية التي ُقدِّمت بقيادة أحمد‬ ‫ضج ًة يف الوسط الثقايف‬ ‫عبد املعطي حجازي وأثارت َّ‬ ‫املرصي‪ .‬ما الذي دفعك لتبنِّي وجهة نظر الشعراء‬ ‫املستقيلني‪ ،‬عل ًام أنك تؤكد دوماً بأن أفكارك مع التجديد؟‬ ‫ويف تص ُّو ِرك كيف سيتغري عمل اللجنة اآلن وتوجهاتها‬ ‫بعد استقالة ُقدامى األعضاء منها؟‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪71‬‬


‫حوار‬

‫■ يف حقيقة األمر أنا مل أنسحب مع حجازي مثل محمد‬ ‫ِ‬ ‫أبوسنة‪ ،‬وإمنا انسحبت اعرتاضاً عىل الطريقة التي تم‬ ‫بها تشكيل اللجنة ليك يتملقوا من خاللها الشباب‬ ‫وشعراء األقاليم الذين أتوا إىل اللجنة يف عهد د‪ .‬عامد‬ ‫أبوغازي وزير الثقافة السابق واألمني العام للمجلس‬

‫الديمقراطية ال تتسق وطبيعة‬ ‫اإلبداع‪ ..‬ولجنة الشعر الحالية‬ ‫تملُّق محض للشباب! قوامها‬ ‫مجموعة من شعراء األقاليم‬ ‫والمغمورين‪ ..‬كيف سيخدمون‬ ‫الثقافة المصرية؟!‬

‫‪72‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫األعىل للثقافة‪ ،‬هذه سياسة أق َّر َها فأتوا مبجموعة من‬ ‫الشعراء الذين مل نسمع بهم من قبل‪ ،‬وبجانب هؤالء‬ ‫أتوا مبجموعة تتخيل أن لجنة الشعر مكا ٌن لتحقيق‬ ‫املكاسب واملصالح‪ ،‬كيف للج َن ٍة من هذا النوع أن تخدم‬ ‫الثقافة املرصية؟! كان ال بد أن أستقيل منها‪ ،‬ال أن أكون‬ ‫صوتاً يف هذه الجوقة‪ ،‬وال أعتقد أن هذه اللجنة صنعت‬ ‫شيئاً هذا العام من أجل القَضيَّة الشعرية‪ ،‬إن الفن عام ًة‬ ‫والشعر خاص ًة ال بد أن تكون بهام ديكتاتورية‪ ،‬والتشكيل‬ ‫القديم تم العصف به تحت شعار الدميقراطية‪ ،‬فجاؤوا‬ ‫بشعراء من األقاليم واملغمورين! والدميقراطية عندما‬ ‫ت ُرفَع ال تكون لها كلمة حق يف مجال الفن والشعر‪ ،‬هناك‬ ‫موا ِهب كُربى وقامات شعرية رفيعة وشعراء مهمون‪،‬‬ ‫فكيف نس ِّوي بني هذا وذاك؟ لذلك فإن الدول املتقدمة‬ ‫أقامت «مجمع الخالدين» ليضم القمم واملبدعني ال َن َد َرة‬ ‫يف الفنون والفكر‪ ،‬وتستغل خرباتهم ومواهبهم وقدراتهم‬ ‫عىل قيادة الحركة الفكرية واإلبداعية بدالً من أن‬ ‫تُعا ِملهم بتهميش‪ ،‬ولذلك فإن الدميقراطية غري ُمستحبَّة‬ ‫يف مثل هذه األمور‪ ،‬ألنها أتت بأناس عىل غري هذه‬


‫حسن طلب‬

‫املعايري‪ ،‬فنحن لسنا يف انتخابات «مجلس شعب» إمنا أمام‬ ‫مواهب وفكر وتاريخ‪.‬‬ ‫قريب لك قلت إن جيل السبعينيات أصبح‬ ‫يف‬ ‫ترصيح ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫جانب تقصد ذلك؟ هل‬ ‫«مجرد ذكرى وتاريخ»‪ .‬فمن أي ٍ‬ ‫وحراكه عىل الساحة الشعرية؟‬ ‫انتهت فاعلية هذا الجيل ِ‬ ‫أم أن األجيال الالحقة عليه مبا أتت به من أساليب تجديد‬ ‫وتطوير ورؤي ٍة مغايرة جعلت صورة هذا الجيل تتالىش؟‬ ‫■ أقصد هذا كله‪ ،‬أقصد عدة معانٍ ‪ ،‬أولها ما تم أخذه‬ ‫عىل هذا الجيل بجملته‪ ،‬والحكم عليه بشكلٍ عام‪،‬‬ ‫وهذا مل يعد ممكناً‪ ،‬ألن هذا الجيل أفرز يف نهايته قل ًة‬ ‫من الشعراء‪ ،‬فكان يجب الحكم عىل كل شاعر مبفرده‬ ‫مبا قام بإنجازه وحده وليس من خالل انتامئِه إىل جيلٍ‬ ‫يختص مبنجزه‬ ‫فردي يف النهاية‪ ،‬وكل مبد ٌع ُّ‬ ‫ُمعينَّ ‪ ،‬فاإلبداع ٌّ‬ ‫اإلبداعي الذايت ويُساءل عن ُه بعيدا ً عن جيله‪ ،‬والذكرى‬ ‫ليست دامئاً سيئة‪.‬‬ ‫من ناحية أخرى علينا أن ننىس الطريقة التي نشأ بها‬ ‫هذا الجيل‪ ،‬ألنه نشأ يف جامعات مل تعد موجودة فعلياً‬ ‫اآلن‪ ،‬ولكن يف النهاية نحن أمام قامات شعرية ظهرت يف‬ ‫هذا الجيل مثل حلمي سامل ومحمد سليامن وعبداملنعم‬ ‫رمضان‪.‬‬ ‫الكثريون يح ِّملون قصيدة النرث ما وصل إليه الشعر‬ ‫عموماً من تراجع وانفضاض للمتلقني عنه‪ ،‬فهل أنت مع‬ ‫هذا الرأي أم أنه يفتئت عىل شكل من أشكال التجديد‬ ‫والتجريب األديب؟‬

‫هذا التص ُّور يحمل قدرا ً من الظلم لقصيدة النرث‪ ،‬ألن‬ ‫انرصاف األمور نسبياً عن الشعر له أسباب أخرى‪ ،‬من‬ ‫هذه األسباب انتشار الصورة واإلعالم املريئ وأجهزة‬ ‫االتصال الحديثة‪ ،‬فالفنون املرئية أحد العوامل الهامة‬ ‫يف االنرصاف عن الشعر‪ ،‬ويف هذا االعتبار فإن فكرة‬ ‫الكتاب والقراءة ترتاجع إجامالً بغض النظر عن األنواع‬ ‫األدبية وتباينها‪ ،‬إذا ً فقصيدة النرث ليست املسؤولة‬ ‫وحدها‪ ،‬ألن دواوين شعر التفعيلة تراجعت يف مبيعاتها‬ ‫أيضاً‪ -‬وهو معيار للتلقي‪.‬‬ ‫وأعتقد أن أحمد شوقي اآلن ال يجد اإلقبال نفسه مثلام‬ ‫كان اإلقبال عليه منذ عقود‪ .‬أرى أن قصيدة النرث حركة‬ ‫طليعية وابتكارية‪ ،‬مبعنى أنها تجريبية قد تنجح وقد‬ ‫تفشل‪ ،‬وعلينا أن نعطيها حق الوجود ثم نرتك الحكم‬ ‫وتحديد التو ُّجه والذائقة لل ُمتلقي‪ ،‬فإذا استطاعت‬ ‫قصيدة النرث أن ت ُلبِّي حاجة الجمهور ويجد فيها القراء‬ ‫يف املقابل ما يبحثون عن ُه من حساسي ٍة مختلفة وتعبري‬ ‫عن ذواتهم فال بأس‪ ،‬وإن مل ِ‬ ‫تستطع أن تشبع رغبة‬ ‫املتلقي وطموحه الفني فلن تكمل‪ ،‬ولكن من خالل‬ ‫وجودها الحقيقي منذ السبعينيات فإن املؤرشات‬ ‫بشأنها سلبية‪ ،‬وتقول إن هذه التجربة «الطليعية» مل‬ ‫تنجح عىل الرغم من وجودها منذ أربعة عقود‪.‬‬

‫سقوط النقاد‬

‫ذكرت من قبل أن ِكبار النقاد حادوا عن مهمتهم‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪73‬‬


‫حوار‬

‫األساسية ومل يعودوا يقومون بنرش الوعي واإلضاءة عىل‬ ‫النصوص واألخذ بيد الجيد من الشعراء‪ ..‬إلخ‪ ،‬وذهبوا إىل‬ ‫مكتسباتهم الخاصة والبحث عن مصالحهم‪ ..‬يف رأيك هل‬ ‫هذا مسئول عن تراجع دور األدب يف املجتمع وضعف‬ ‫االهتامم به أم أن هذه ( جرمية فردية) كام أن للشعراء‬ ‫أخطاء مشابه ًة موازية؟‬ ‫■ نعم صحيح‪ ،‬فغياب الدور املسؤول للنقد األديب بشكل‬ ‫عام والنقد الشعري بشكل خاص جعل الجمهور ال يقبل‬ ‫عىل الشعر‪.‬هناك دائرة تتكون من ثالث حلقات‪ ،‬هي‬ ‫الشاعر الذي ينظم الشعر وامل ُتلقي امل ُتذ ِّوق‪ ،‬ويف املنتصف‬ ‫هناك الناقد الذي يحاول أن يقدم لل ُق َّراء خريطة للواقع‬ ‫الشعري‪ ،‬ويأخذ بيد القارئ ويقدم له ما هو جيد من‬ ‫الشعر وكيف ميكن للقارئ أن يتذوقه‪ ،‬وهذه أسئلة‬ ‫يجيب عليها الناقد‪ ،‬فإذا تخىل الناقد عن دوره انفتحت‬ ‫هذه الدائرة بسقوط حلقة مهمة منها‪ ،‬وكان هناك نُقَّاد‬ ‫مثل لويس عوض‪ ،‬وشكري عياد‪ ،‬وعزالدين إسامعيل كان‬ ‫الشعر يف أيامهم مزدهرا ً‪ ،‬ألنهم كانوا يقيمون ندوات و‬ ‫ينشئون دراسات لتعريف القارئ أن هناك ديواناً جيدا ً‬ ‫أو أن هناك حدثاً ما مهامً يستحق املتابعة‪ ،‬ألن القارئ‬ ‫يحتاج إىل من ييضء له ويشري إىل القيمة وما يستحق‪،‬‬ ‫ولهذا نعم أحملهم املسؤولية كاملة عن املشهد املفكك‬ ‫القائم حالياً‪.‬‬

‫أعتقد أن أحمد شوقي اآلن‬ ‫ال يجد اإلقبال نفسه مثلما كان‬ ‫اإلقبال عليه منذ عقود‪ ،‬أرى أن‬ ‫قصيدة النثر حركة طليعية‬ ‫وابتكارية‪ ،‬بمعنى أنها تجريبية‬ ‫قد تنجح وقد تفشل‬

‫هل تتوقع أن ُتفرز املرحلة الحالية يف الواقع العريب‬ ‫أشكاالً مستحدثة من اإلبداع األديب‪ ،‬أو اإلبداع الشعري‬ ‫عىل وجه الخصوص‪ ،‬أم أن جدلي َة التأثري والتأ ُّثر بني‬ ‫الحدث والفن تفرض أن يكون األدب تابعاً و ُمنتظراً‬ ‫النتيجة التي تستقر عليها البنى السياسية واالجتامعية؟‬ ‫■ سؤال من الصعب أن نجيب عنه‪ ،‬فعلينا ان نسأل‬ ‫أنفسنا‪ :‬هل الشعر والفن عموماً يقودان إىل التغيري أم‬ ‫أنه يتجه إليهام؟‪،‬إذا اعتقدنا أن الشعر والفن يقودان‬

‫الفنان محمد جايب‬

‫‪74‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫حسن طلب‬

‫الوعي السيايس واالجتامعي للشعوب فمن الصعب‬ ‫أن نقول إن الثورة ستفرز أشكاالً جديد ًة لألدب‪ ،‬أما‬ ‫إذا قلنا إن الفن والشعر هام انعكاس لألحداث فإنه‬ ‫علينا أن نتوقع من الثورة أن تنتج أفكارا ً واتجاهات‬ ‫جديد ٍة يف الفن‪ ،‬وأنا لست ِم َّمن يعتقدون ذلك‪ .‬تطور‬ ‫الفن نفسه ال يحتاج إىل ُمح ِّرك خارجي‪ ،‬أنا أعتقد‬ ‫أن هناك مساف ًة بني الشعر والواقع االجتامعي‪ ،‬وأن‬ ‫التغري يف الذوق الفني واملدارس الفنية واألشكال‬ ‫ناب ٌع من الفن والقامئني عليه‪ ،‬كام يخضع للرضورة‬ ‫الفنية‪ ،‬فعندما تظهر مدرسة فنية جديدة يف الفن‬ ‫التشكييل متمرد ًة عىل التقاليد الكالسيكية‪ ،‬كاملدرسة‬ ‫املستقبلية‪ ،‬فإننا نُع ُّد ذلك مت ُّردا ً عىل األشكال التقليدية‬ ‫والكالسيكية‪ ،‬وظهورها ليس نتيج ًة لثورات سياسية أو‬ ‫اجتامعية بقدر ما كان تجديدا ً نابعاً من داخل الفن‬ ‫نفسه‪ ،‬ولهذا يسعى الفنان للتجديد والبحث عن نوع‬ ‫جديد عندما تتج َّمد األشكال الفنية واملدارس الفنية‪،‬‬ ‫عند هذه اللحظة ينشأ التجديد وليس نتيجة ثورات‬ ‫سياسية‪ ،‬كذلك شعر التفعيلة عندما ظهرت بداياته‬ ‫يف األربعينيات‪ ،‬كان الشعراء قد ضجروا من الشعر‬ ‫العمودي الذي أصبح قالباً ال تجديد فيه‪ ،‬ما أوجد‬ ‫رضورة استحداث وخلق شكلٍ جديد ال يتقاطع مع‬ ‫قواعد القديم‪.‬‬ ‫ً‬ ‫دامئاً ما كان الشعر‪ ،‬واألشكال الفنية عامة‪ ،‬توثق‬ ‫لِ َّل َحظات الهامة واألحداث الفارقة يف تاريخ الشعوب‪،‬‬

‫وهذا عىل مسار ومنوال ما فعلته يف «إنجيل الثورة‬ ‫وقرآنها» هل هذا التوثيق‪ ،‬عام ًة‪ ،‬يستمد أهميته من‬ ‫الحدث أم من القيمة الفنية األصيلة للعمل الفني؟‬ ‫■ إن الدور الذي يلعبه الشعر واألدب يف توثيق‬ ‫األحداث الكربى موجو ٌد عرب التاريخ‪ ،‬وال ميكن أن ننكره‪،‬‬ ‫وسنجد أن ظهور اإلسالم صا َح َب ُه وجود شعراء ملدح‬ ‫الرسول أو للكتابة عن اإلسالم‪ ،‬وأيضاً يف عرص الفتوحات‬ ‫اإلسالمية ظهر ِشعر الفتوحات‪ ،‬ولكن هذا الدور الذي‬ ‫يقوم به الشعر له رضورة تاريخية وليس أهمية فنية‪،‬‬ ‫«السيف أص َد ُق إنبا ًء من‬ ‫مثل قصيدة أبو متام عندما قال‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫ال ُكتُ ِب ‪ ....‬يف ح ِّده ال َح ُّد ب َني ال َج ِّد واللَّ ِع ِب» فهو َس َّج َل‬ ‫واقعة تاريخية بعينها‪ ،‬رآها بعني الشاعر‪ ،‬فقام بصياغتها‬ ‫مبا ميلك من أدوات بشكل فني محكم فبقيت‪ ،‬والشعر‬ ‫الذي يوث ِّق لألحداث ما يجعله فناً ليس للرصد فقط‪ ،‬ألن‬ ‫الشاعر ليس عبارة عن كامريا ترصد وتنقل بعني مجردة‬ ‫فحسب‪ ،‬بل يجب االرتكاز عىل الصياغة الفنية‬ ‫يف تسجيل الحدث‪ ،‬كأن تكون الكامريا هي عني الشاعر‬ ‫التي تضيف وتحذف‪ ،‬والتي تصبح بعدها القصيدة عمالً‬ ‫فنياً فريدا ً إذا تحققت فيه رشوط وعنارص اإلبداع‬ ‫ال التسجيل املحض‪.‬وهذا ينطبق عىل الشعر الذي‬ ‫ُح ِسب عىل الثورة كأنه نتج عن كامريا محايدة ترصد‬ ‫يبق منه يشء‬ ‫وتروي الثورة كام هي‪ ،‬هذا الشعر مل َ‬ ‫وسوف ننساه كام نسينا الشعر الذي كُ ِتب عن حريب ‪73‬‬ ‫و‪56‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪75‬‬


‫نقد‬

‫أحمد العسم‬

‫ما يخفي الحال ويفضحه بالشعر‬ ‫أحمد العسم صاحب تجربة شعرية الفتة استطاعت ان تفرض حضورها في الساحة الثقافية‬ ‫اإلماراتية‪.‬شاعر ذو توجه حداثي واكب تحوالت وتطورات القصيدة العربية في العقود الثالثة‬ ‫األخيرة‬

‫سامح كعوش‬

‫إن شاعر قصيدة النرث العربية واإلماراتية‬ ‫بخاصة‪ ،‬يتعمد تفعيل شبكة عالقات‬ ‫محورية ال أنوية تقوم عىل فنيات الغياب‬ ‫الكيل لذات شاعرة تتقن التخفي وتعتمد‬ ‫تقنية تعدد األصوات الشعرية داخل‬ ‫النص الشعري الواحد‪ ،‬سبيالً إىل إعالء‬ ‫صوتها الخاص وإبراز النداء الجامعي‬ ‫والكيل للحياة‪ ،‬وهنا نكون إزاء مجموعة‬ ‫من األصوات تتداخل يف ما بينها مشكّل ًة‬ ‫صوتاً جامعياً بدالً من الصوت الفردي‪ ،‬ألن‬ ‫قصيدة النرث هي صوت الجامعة الرافضة‬ ‫أو املتمردة‪ ،‬أو هي التخييل يف أقىص رؤاه‬ ‫باإلمياء الحريك واإليحاء اللفظي ‪.‬‬ ‫وقد كانت قصيدة النرث العربية وبخاصة‬ ‫يف صورتها اإلماراتية‪ ،‬هاجسا فنيا مبعايري‬ ‫جديدة لعالقات لغوية أكرث اتساعاً وانفالتاً‬ ‫من محوريتها ومركزيتها‪ ،‬وحالة جاملية‬ ‫مبقاييس جديدة للجامل‪ ،‬ال مكان فيها‬ ‫للخيل والليل والبكاء عىل األطالل‪ ،‬وال‬ ‫حتى للفظة كام هي يف إطار مدلولها‬ ‫الشكيل الرتكيبي يف الجملة الواحدة‪.‬‬ ‫أحمد العسم‪ ،‬يكتب قصيدة الظأم إىل املاء‪ ،‬ماء األطراف‬ ‫نصه‪ ،‬الذي يتسلل عرب شقوق التفاصيل‪،‬‬ ‫السبعة يف ّ‬ ‫‪76‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫وتترشبه دقائق حياة الشاعر‪ ،‬لريتاح من‬ ‫أرساره‪ ،‬يف كفاحه الطويل ض ّد ما خبّأته‬ ‫الكلامت من يباس الشهقة الشعرية يف‬ ‫االندهاش‪.‬وبالتساؤل يرتقي الشاعر مقام‬ ‫الحكمة‪ ،‬أو هي الفلسفة الوجودية التي‬ ‫نظّر لها «كريكغارد»‪ ،‬لكن أثبتها شعرا ً‬ ‫«سارتر»‪ ،‬وبالكتابة «املشوشة» يحيل اليقني‬ ‫الشعري إىل مرجعية الشك‪ ،‬التي تطرح‬ ‫سؤاالً وجودياً يردده الشاعر يف النص‪:‬‬ ‫« َم ْن دل َّك عىل البيت؟‬ ‫رص ِة املفاتيح؟‬ ‫َم ْن أوع َز َلك ب ّ‬ ‫أيها املش ّوش ملا عدتَ ؟»‪.‬‬ ‫كل‬ ‫كل اإلجابات‪ ،‬والشعر ٌّ‬ ‫السؤال مفتاح ّ‬ ‫مسكون بالشّ ِّك‪ ،‬حاف ٌز عىل األسئلة‪ ،‬مح ّر ٌض‬ ‫عىل اإلجابة عنها‪.‬‬

‫نفي الذات‬

‫أحمد العسم يرسم األسئلة مدخالً إىل‬ ‫النفي‪ ،‬ويبدأ بذاته الشاعرة لينتهي إىل‬ ‫لحظة العدم‪ ،‬وارثاً قصيد ًة مل يكتبها للموت‬ ‫الشعرا ُء إال مبوتهم‪ ،‬يف لحظة انكشاف املوت أمام أعينهم‪،‬‬ ‫كأنه الوميض الشهبي يف العتمة‪ ،‬أو لحظة ما قبل الكتابة‪.‬‬ ‫بالنفي يلغي مربر كتابته الشعرية ليؤكدها‪ ،‬يف لعبة‬


‫أحمد العسم‬

‫جدل الثابت واملتح ّول عنده‪ ،‬كام يف اعتبار أدونيس أن‬ ‫الطفل املشاكس‪ ،‬بالكالم يلثغ به كام يريد‪ ،‬بيد النفي‬ ‫معجزة قصيدة النرث قامت عىل إيقاع الجملة وعالقات‬ ‫الحاسمة الحازمة‪ ،‬وأشياء نصه الشعري يف ذلك «حذاؤه‬ ‫البشع‪ ،‬وعيون املارة املشنقة‪ ،‬ال رغبة حميمة‪ ،‬مل يعد َ‬ ‫فيك األصوات واملعاين والصور‪ ،‬وطاقة الكالم اإليحائية‪ ،‬والذيول‬ ‫التي تجرها اإليحاءات وراءها من األصداء املتلونة‬ ‫أمل أو رجاء‪ ،‬فال يع ّول عىل صالحك املهدور نصفه يف‬ ‫ٌ‬ ‫املتعددة‪.‬‬ ‫املشاغبة»‪.‬‬ ‫وأحمد العسم هو املشاغب هدرا ً للعمر يف ال جدوى‬ ‫نفي الذات بالغياب صفة الحضور عند أحمد العسم‪،‬‬ ‫الشعر عند عيون املارة التي تشنق الشاعر باألسئلة‬ ‫رس الغياب‪ ،‬املاء الشفافية‪ ،‬التي يختبئ‬ ‫واملاء يفيش ّ‬ ‫املستحيلة واإلجابات املريرة‪ ،‬أو ضعف شياطينه عن رغبة‬ ‫الشاعر خلف أصابعها فتكشفه أكرث‪ ،‬والنفي إثبات يف‬ ‫رسي إىل القصيدة‪ ،‬يقول أحمد‬ ‫حميمة‪ ،‬ألن الريبة‬ ‫مفتاح ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫العسم يف نص «ماء األطراف السبعة»‪:‬‬ ‫يكتب أحمد العسم‪ ،‬قصيدة‬ ‫«ال ترتك وشم األمكنة عىل جسدك‪ /‬وتجلس يف الال لزوم‬ ‫الظمأ إلى الماء‪ ،‬ماء األطراف‬ ‫‪ /‬يش ٌء من فائض كآبتك ينزل من السلّم‪ /‬يدخل الهواء إىل‬ ‫نصه‪ ،‬الذي يتسلل أملك الكسول»‪.‬‬ ‫السبعة في ّ‬ ‫عبر شقوق التفاصيل‪ ،‬وتتشربه وألنه يحكم بنائية اللغة يف النص بقيم النفي‪ ،‬يبدأ النص‬ ‫بالتحطيم‪ ،‬لقيم الذاتية أوالً‪ ،‬فهو املش ّوش واملش ّوه‬ ‫دقائق حياة الشاعر‬ ‫واملريض وفاقد الذاكرة والواقع يف ال وعي الحقيقة حتى‬ ‫يغرق يف متاهيه مع الصورة يف املرآة‪ ،‬ويأكل من مثرة آالمه‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪77‬‬


‫نقد‬

‫رسي‪ ،‬وأن السمك‬ ‫معلناً أن الريبة‬ ‫ٌ‬ ‫مفتاح ّ‬ ‫يُشوى يف الحرسات‪ ،‬حتى يصل إىل خامتة‬ ‫أحزانه باملوت الذي يؤكد له أنه مل يعد فيه‬ ‫أمل أو رجاء‪ ،‬وأنه ال يع ّول عىل صالحه‪ ،‬يقول‬ ‫ٌ‬ ‫يف نصه «ماء األطراف السبعة» من مجموعة‬ ‫«باب النظرة»‪:‬‬ ‫«مل أكن جيدا ً ‪ /‬كام يقول أصدقايئ يف املقهى‬ ‫كنت‬ ‫‪ /‬يك أدخل إىل نومي وأرصخ ‪ /‬كام لو ُ‬ ‫أستكني‪ /‬يف املاء تجلس إعاقتي‪ /‬بع َد أن‬ ‫أفلت أصابعه‪ /‬أراين أخطايئ»‪.‬‬ ‫بني التوظيف الديني واألبعاد األسطورية تقع‬ ‫مقاربة أحمد العسم الداللية‪ ،‬ما بني ح ّدة الضوضاء ورقة‬ ‫تفتيت ذات‬ ‫فعل الهمس‪ ،‬وللضوضاء‬ ‫املاء‪ ،‬حيث للامء ُ‬ ‫ُ‬ ‫ظل نومه‪.‬‬ ‫الشاعر‪ ،‬يف وحدتها وكآبتها كأنه ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات‬ ‫وبني البنية اللغوية والبنية الداللة‪ ،‬متتد شبكة‬ ‫ِ‬ ‫النص «العنرصية» ذات الصلة بعنارص‬ ‫مائي ٍة يف‬ ‫سامت ّ‬ ‫املاء والهواء والرتاب والنار‪ ،‬وهو شاعر يجبل هذه‬ ‫العنارص مبفردات دالة عىل موقف وآراء فلسفية‪ ،‬فاملاء‬ ‫تعض‬ ‫عنرص القصيدة األول واألخري‪ ،‬يف مفردات «السبخة‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫شفتيك‪ ،‬عيون املارة‪ ،‬السمك األبيض‪ ،‬املاء املندلق‬ ‫عىل‬ ‫من الحنفية‪ ،‬لسانك‪ ،‬املاء وحده يقف بنا عىل أطرافه‪،‬‬ ‫يف املاء تجلس إعاقتي‪ ،‬تدخل املدينة فمي‪ ،‬البحر»‪.‬‬ ‫بينام تقع تحوالت العنارص األخرى خادم ًة لهذا التحول‬

‫يشتغل أحمد العسم‬ ‫على بنائية اللغة ليُعلي‬ ‫شأن المعنى الداللة‪ ،‬فالماء‬ ‫أسطوري الفعل‪ ،‬بالطوفان‬ ‫والعمادة‪ ،‬والغسل‪ .‬والماء‬ ‫رؤيوي وشفاف‪ ،‬وهو قصيدة‬ ‫المدينة التي تنام بين‬ ‫ذراعي الشاعر‬

‫‪78‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫نحو ثبات العنرص الرابع‪ ،‬املاء‪ .‬فالفراغ‬ ‫الهواء متحول يف مفردات «يدخل الهواء‪،‬‬ ‫غريب كعادته يف رئتك‪ ،‬النفخ»‪،‬‬ ‫الحب‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫متحول أيضاً نحو غاية‬ ‫والصلب الرتاب‬ ‫التحول إىل املائية بالذوبان‪ ،‬يف مفردات‬ ‫«البيت‪ ،‬حذاؤك‪ ،‬األمكنة‪ ،‬الرحى‪ ،‬الردم‪،‬‬ ‫الشارع‪ ،‬املمىش‪ ،‬تدخل املدينة فمي»‪،‬‬ ‫والضوء النار متحول لالنطفاء يف مفردات‬ ‫«تشوى‪ ،‬رغبة حميمة‪ ،‬أحلم بشمس‪،‬‬ ‫الصباح»‪.‬‬

‫رس املاء‬

‫هي تحوالت بنيوية يف اللغة والداللة معاً‪ ،‬فهو يسخّر‬ ‫بنائية نصه لخدمة هذه التحوالت يف النداء والنفي‪ ،‬ث ّم‬ ‫الجزم واألمر‪ ،‬كأنه صوت الشاعر يف استقراره عىل ثابت‬ ‫متح ّول أخري‪ ،‬ينادي «أيها املش ّوش»‪ ،‬يف بداية النص‪،‬‬ ‫ويخاطبه‪َ « :‬م ْن دل َّك ؟‪َ /‬م ْن أوعز َلك؟‪ /‬يف يدك‪ /‬حذاؤك‬ ‫بشع‪ /‬تفرد لها عضالتك»‪ ،‬ث ّم ينتقل إىل الجزم واألمر معاً‬ ‫‪«:‬ال تظهر غ َري ما أنت عليه‪ /‬ال ترتك وشم األمكنة عىل‬ ‫جسدك‪ /‬إذهب ال تشري وال ته ّز املاء‪ /‬ال ترفع إبطك مثة‬ ‫بالد منكوبة تحت ضلوعك»‪ ،‬والنداء املش ّوش يتحول‬ ‫أمرا ً متيقناً من فعله‪ ،‬بعدما يصري املخاطب املش ّوش أنا‬ ‫الشاعر املشاغب‪ ،‬الصارخ‪ ،‬السابح يف ماء الرؤى كأنه باملاء‬ ‫وضوح األسئلة ويقني اإلجابة عنها‪،‬‬ ‫وامللح يقطر يف عينيه‬ ‫َ‬ ‫يل جديد‪،‬‬ ‫تشكي‬ ‫إبداع‬ ‫يف‬ ‫األربعة‬ ‫العنارص‬ ‫ويلمح اجتامع‬ ‫ّ‬ ‫يرتقي بالشعر إىل مصاف الفلسفات األوىل التي بحثت‬ ‫طويالً يف ماهية الوجود‪ ،‬ويتقمص دور «هرياقليطس»‬ ‫اليوناين يف قصة الحىص واملاء‪ ،‬أو «نرسيس» الذي باملاء‬ ‫رأى‪ ،‬فانكشف عىل ه ّمه اإلنساين‪.‬‬ ‫هو الشاعر أحمد العسم يف خضم تحوالت املاء التي‬ ‫نصه الشعري‪ ،‬مفتاحاً لصندوق فرجته‪،‬‬ ‫يفرضها يف بنية ّ‬ ‫و مساقاً شعرياً إىل تحقق «البحر» يف قصيدته‪ ،‬ألن نص‬ ‫«ماء األطراف السبعة» يرسم لعنارص الهواء والرتاب والنار‬ ‫انطفا ًء و امنحاء واغتساالً بعنرص املاء‪ ،‬ويفتح للشاعر باب‬ ‫التوحد بأشياء الكون يذيبها يف ماء قصيدته ليستمع إىل‬


‫أحمد العسم‬

‫همسها األزيل كأنه املاء «وحده يقف بنا عىل أطرافه»‪،‬‬ ‫كام يقول‪.‬‬ ‫وألن قصيدة النرث تتضمن مبدأ مزدوجاً‪ :‬الهدم ألنها وليدة‬ ‫التمرد‪ ،‬والبناء‪ ،‬ألن كل مترد عىل القوانني القامئة مجرب‬ ‫إذا أراد أن يبدع أثرا ً يبقى أن يعوض عن تلك القوانني‬ ‫بقوانني أخرى يك ال يصل إىل العفوية والال شكل‪ ،‬وهذا‬ ‫ما يربز جلياً يف تجربة الشاعر أحمد العسم بني شعراء‬ ‫قصيدة النرث يف اإلمارات‪ ،‬فالتجربة عنده ذات حركة‬ ‫تصعيدية تتجه نحو تصعيد للذات سعياً إلبراز الخطاب‬ ‫الشعري بلسان اآلخر‪ /‬هو أو هي الغائب والغائبة‪.‬‬ ‫أحمد العسم يكتب خروجاً للمختلف عىل املألوف يف‬ ‫عالقة الشاعر بأناه وأنثاه‪ ،‬بتصيّده الشعري للحظة املوت‬ ‫االحتامل لتصري حيا ًة تتسع ملغايرة الشاعر يف مرضه‪ ،‬بأن‬ ‫يرتسم ظالً قريباً إىل أجمل ما يف صورة أنثاه من دفء‬ ‫األمومة وحنانها الجارف‪ ،‬ظالً وال يتشكّل كجسد‪ ،‬كأنه‬ ‫تلمح خوف الشاعر‪،‬‬ ‫يف لحظة شعرية وشعورية معاً‪ُ ،‬‬ ‫وضعف اإلنسان أمام جربوت املوت كاحتامل‪ ،‬واملرض‬ ‫كحتمية‪ ،‬يخشع قليالً فيجد قلبه‪ ،‬ويكتب ألنثاه «مريم»‬ ‫هذا الوجد املتشكل يف نص شعري ملحمي وإن مل يتجاوز‬ ‫األسطر القليلة كجسد‪ ،‬إال أنه منفتح عىل امللحمة ك َنف ٍَس‬ ‫شعري يسأل يف الوجود وقيم املوت والحياة‪.‬‬ ‫الشاعر أحمد العسم يف قصيدته «مريم» يتشكّل كائناً‬ ‫من ذاكرة طفلة ال تقوى عىل النظر يف املرآة‪ ،‬ألن املرآة‬ ‫انكسار وجه الشاعر وشظايا وجده‪ ،‬وهو الكائن األكرث‬ ‫شفافي ًة يف هذا العامل‪ ،‬يكتب للحب بحب‪ ،‬ويعيش الفرح‬ ‫بفرحة األطفال‪ ،‬ودهشة أعينهم‪ ،‬مراقباً طائر سنونو‬ ‫الحب الذي يأيت ليغادر‪ ،‬كام الشاعر يف قيمة الحياة‬ ‫نفسها‪ ،‬ملحة الوجود الخاطفة مهام طالت‪ ،‬فعني الشاعر‬ ‫ال تتسع ألكرث من دمعتني ودهشة واحدة فقط‪ ،‬هي‬ ‫دهشة االكتشاف للحظات الحياة التي يكتبها الشاعر‬ ‫العسم بوعي متقد‪ ،‬وذاكرة مشتعلة‪ ،‬يقول‪:‬‬ ‫«الحب طائر سنونو‪ /‬ما إن ِ‬ ‫يأت ‪ /‬حتى يغادر‪ /‬جئت‬ ‫بعقد فل‪ /‬فرصت له أما‪ /‬ورصت شجرة صرب»‪.‬‬ ‫العسم موفق يف اختيار ألفاظ الداللة العجيبة‪ ،‬بني صرب‬ ‫وفل‪ ،‬األول يتسع كحب والثاين يضيق كشوكة ال تنكرس‪،‬‬

‫واقفة يف مساحة االرتقاء بالشاعر إىل أعىل املعاناة كقضية‬ ‫شعرية بامتياز‪ ،‬فيها اختالف قوانني الربح والخسارة‪،‬‬ ‫فاملجروح يبيك فرحاً‪ ،‬والجارح ينكرس حباً‪ ،‬وكالهام‬ ‫عالمتان الرتياح إىل اآلخر‪ ،‬وانزياح لغوي عن اللغة‪.‬‬ ‫بني مفردات الربيع والخصب األريض‪ ،‬ومفردات القيم‬ ‫والصفات الساموية يتسع عامل الشاعر ليبقيه قيد حياة‬ ‫أمام مرض الفقد والبرت‪ ،‬بالصرب والصبّار واألمومة املجازية‬ ‫لعضو من أعضاء الجسد‪ ،‬وهو الفقيد املاثل أمام العني‬ ‫كشوكة يف خارصة ذاكرة الشاعر‪ ،‬يقول العسم يف نصه‬ ‫مريم من مجموعة «باب النظرة»‪:‬‬ ‫أختبئ عند أول نظرة‪ /‬وأصافح‬ ‫« ألنني هكذا خلقت‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ضحكتك‪ /‬التي‬ ‫ضيوفاً ال أعرفهم يف الظلمة‪ /‬وحني أتذكر‬ ‫ُ‬ ‫أضحك لقلة حيلتي‪ /‬وأدرك كم هو‬ ‫خرجت من صدري‪/‬‬ ‫هائل ‪ /‬هذا البرت»‪.‬‬ ‫الحكاية الشعرية يف نص «مريم» محورها املرض كحدث‪،‬‬ ‫ورسديتها ال ميكن أن تقوم إال عىل البرت كعقدة لحبكة‬ ‫حياة الشاعر التي اخترصها ح ّد اللمحة الشعرية يف‬ ‫الصورة الرسيعة الواقفة‪« ،‬فالش» دومنا عودة واسرتجاع‬ ‫«فالش» اللحظة امل ُشاهدة بعني الكامريا لدى العسم‪،‬‬ ‫«سناب شوت»‪ ،‬يخرج العسم من جسد ممدد عىل‬ ‫الفراش يف رسير مستشفى ما‪ ،‬ويطري حوله‪ ،‬فوقه‪،‬‬ ‫كعصفور حب‪ ،‬كفراشة احرتاق‪ ،‬تسهر يف الليل توتاً‪ ،‬ككل‬ ‫الليايل التي تحرسه بأنفاسها»‪ ،‬وال يليق بالحب إال النرث‪،‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪79‬‬


‫نقد‬

‫كأنه التشظي‪ ،‬وعالمة االعرتاف بقلة حيلة الجسد‪.‬‬ ‫البرت إذا ً يف خطاب العسم الشعري حالة مجازية ال متكن‬ ‫مقاربتها باللغة التوصيفية بل باملفردة التوظيفية الداللية‪،‬‬ ‫فالبرت هنا امنحاء ذاكرة الشاعر واستبدالها بذاكرة أخرى‬ ‫تكتبها مريم بحضورها االسمي املصادف‪ ،‬كأن تتمثل‬ ‫«مريم» األنثى امليثلوجية يف امرأة تحتمل كل تجليات‬ ‫الفقد والوجد والتحدي والصرب‪ ،‬يف حالة من أحوال‬ ‫املخاض النفيس الشبيه بوالدة طفل وإن كان مرشوع‬ ‫نبوءة شعرية‪ ،‬يف إحالة الفقد املعنوي املالزم للبرت إىل‬ ‫وجود نفيس مالزم لحضور األنثى املحركة لتفاعل الشعر‬ ‫والحياة‪ ،‬كأن «ترمي حجرا ً صغريا ً يف بركة األيام»‪ ،‬لتحرك‬ ‫أسئلة الوجود يف جدليات الحياة واملوت‪ ،‬وتبث يف الشاعر‬ ‫ولغته الرغبة امللحة بالحياة‪ ،‬يقول العسم‪:‬‬ ‫«يريد أن يبقى حياً‪ /‬يرصخ يك تأيت‪ /‬تهدئني من روعه‪/‬‬ ‫وتنفضني فراشه»‪.‬‬ ‫«مريم» صورة قلق الشاعر وألقه‪ ،‬قنديل فراشات لغته‬ ‫املحمومة لحظة الهذيان‪ ،‬بركان الرغبة املتقدة يف الحياة‪،‬‬ ‫الرافضة للموت‪ ،‬تعيل شأن أعضائها املفقودة‪ ،‬تتحسس‬ ‫أطرافها لتتالىف انكسار مرآة النفس‪ ،‬املعرتفة بخسارتها‬ ‫ض ّد الحياة‪ ،‬يف موقف اعرتاف فلسفي يق ّر بشعرية الضد‪،‬‬ ‫اليأس التفاؤل‪ ،‬الفرح الحزن‪ ،‬وما بينهام ترتبع لغة الشاعر‬ ‫عالي ًة كأنها مرآة النعكاس وجه الشمس‪ ،‬وجه الشاعر‬ ‫حامالً كيساً من الندم‪ ،‬وكيساً من وقته املتأخر‪ ،‬وهو الظل‬

‫العسم موفق في اختيار‬ ‫ألفاظ الداللة العجيبة‪ ،‬بين‬ ‫صبر وفل‪ ،‬األول يتسع كحب‬ ‫والثاني يضيق كشوكة‬ ‫ال تنكسر‪ ،‬واقفة في مساحة‬ ‫االرتقاء بالشاعر إلى أعلى‬ ‫المعاناة كقضية شعرية‬ ‫بامتياز‬

‫‪80‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫للجسد املبتور كلغ ٍة ال تقول ولكن تومئ‪.‬‬ ‫يتمسك الشاعر باألمل ض ّد األمل‪ ،‬كأن يطلب من «مريم»‬ ‫أن ترسم وجهاً ضاحكاً عىل الجدار‪ ،‬لتتسع الغرفة مبليون‬ ‫وجه‪ ،‬وابتسامات فراشات ترقص ملوسيقى لغة العسم‬ ‫الليلية بوحاً صامتاً بحزنه العميق‪ ،‬كأنه الشاعر نفسه‬ ‫تخ ّط مساره النفيس يف املرض مفردات الفراق (يغادر)‪،‬‬ ‫االنكسار (يكرس رغباته‪ ،‬خلع أسنانه‪ ،‬بىك طويالً أمام‬ ‫صورة أمه‪ ،‬هي شقايئ وكانت تحرمني ِ‬ ‫منك‪ ،‬أحمل كيساً‬ ‫من الندم‪ ،‬وكيساً من وقتي املتأخر‪ ،‬اليأس (النحس‪،‬‬ ‫الظلمة)‪ ،‬الجامد الجسد سبيالً إىل انكساره بالبرت (عظمة‪،‬‬ ‫صخرة‪ ،‬املشبك‪ ،‬الجدار‪ ،‬األدراج‪ ،‬حجرا ً‪ ،‬املروحة‪ ،‬البرت)‪.‬‬ ‫ويبالغ العسم قليال يف ذهابه إىل أقىص غايات املوت‪ ،‬ال‬ ‫ألن املوت هاجسه‪ ،‬بل ألن قدرته عىل الحياة أكرب‪ ،‬ينتمي‬ ‫إىل البرت كحالة إحالة عىل اآليت يف فراغ هذه الفسحة‬ ‫الغياب‪ ،‬يقرر متى تشاء الحياة أن ترحل عن حياتها‪،‬‬ ‫ومتى يبدأ الجسد خطواته إىل التخلص من عبء أطرافه‪،‬‬ ‫مجازياً يف الشعر‪ ،‬وواقعاً يف البرت‪ ،‬كحالة نرث عاقلة واعية‪،‬‬ ‫ال متيل إىل اإلقرار بتفسري املايئ باملايئ‪ ،‬وإبدال الحقيقي‬ ‫بالحلمي‪ ،‬فال متخ ّيل يف النرث‪ ،‬وال استعادة يف البرت‪ ،‬كأن‬ ‫العسم ميد يده إىل ما تخفيه النفس اإلنسانية ألنها‬ ‫تخافه‪ ،‬أما هو فيواجهها بشجاعة املوقف الشعري‪ ،‬ونبل‬ ‫املوقف الشعوري‪ ،‬املدافع عن أنا سقطت ألفها‪ ،‬لكنها‬ ‫تبدأ اآلن رحلتها إىل اكتامل اللغة‬


‫تجارب‬

‫أحمد المطروشي‬

‫في بوصلة‬ ‫الشعر واللحظة‬ ‫وعدنا قراء «بيت الشعر» في العدد الماضي بأننا سنقدم التجارب الشعرية اإلماراتية الجديدة‪،‬‬ ‫وفتحنا الباب لتلقي النصوص من اجل نشرها وتسليط الضوء عليها من ناحية نقدية‪ .‬ولكن األمر‬ ‫لن يقتصر فقط على النصوص التي ستردنا‪ ،‬بل سوف نتابع بعض الجديد الذي تنشره الصحافة‬ ‫المحلية كما هو الحال في هذا العدد‪ ،‬حيث نتناول تجربة الشاعر أحمد المطروشي‬

‫عامراألخضر‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪81‬‬


‫بني الجدار ورسب الحامم‬ ‫أحاول أن أفرس قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور‬ ‫إنها وأد جسد‬ ‫إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من هنا‬ ‫تالوة الوقت‬ ‫مقاهي البارحة‬ ‫صخب الغياب‬ ‫تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب‬ ‫كنت متحمساً جداً لهذا الغياب‬ ‫كيف ألغي ذاكريت وأفر غريبا‬ ‫يف بوصله ثانية تسري يف جسدي‬ ‫وساللتي تراقبني‬ ‫من قطار يضحك يف موسم واحد فقط‬ ‫التاريخ ‪ ،‬ملاذا التاريخ ‪ ،‬ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل‬ ‫أحدثك عن حب فاشل‬ ‫جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام‬ ‫كربت‬ ‫ً‬ ‫كان اللقاء قرنا ثم اتجهنا لرصاف‬ ‫لكن دون مأزق‬ ‫سوف يجربوننا عىل الرحيل‬ ‫الذكرى هي الطريق اللييل‪ ،‬هي الحب‪ ،‬الريح‪ ،‬مالبسنا‪،‬‬ ‫أشكالنا‬ ‫سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها‬ ‫عىل الجدار نفسه‬ ‫ً‬ ‫هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء‬ ‫حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح‬ ‫بجانب املوج الذي يز ّيف إنسانيتي‬ ‫العامل منجم كبري‬ ‫كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز‪ ،‬وقشور البيض‬ ‫طالء يعرب عن البكاء‪ ،‬كوارث تعزف املوسيقا‬ ‫بعد رشاسة السهر‬ ‫اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم‬ ‫السيجارة الطويلة‬ ‫أشعلت بها زقاقا ميتص كل قلقي‬ ‫املدينة بسحرها بغوايتها‬ ‫متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس‬ ‫لن أعود ‪ . .‬لن أعود‬ ‫‪82‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫بعيدا ً عن التجربة اإلبداعية لدى الشاعر أحمد املطرويش‪،‬‬ ‫وهو أحد األسامء الشعرية الجديدة‪ ،‬إماراتياً‪ ،‬إذ يعد‬ ‫واحدا ً من شعراء العقد األول من األلفية الثانية‪ ،‬هذا‬ ‫العقد الذي يعترب برأي عديدين‪ ،‬بداية النحسار الشعرية‬ ‫عىل نحو عام‪ ،‬لصالح أجناس أدبية أخرى‪ ،‬منطلقني بذلك‬ ‫من بعض املؤرشات التي تتعلق بعدم وجود أسامء الفتة‬ ‫حسب تقديرها‪ -‬عىل امتداد عقد ونيف من الزمان‪،‬‬‫إضافة إىل اعتبار بعضهم النصوص التي كتبت خالل الفرتة‬ ‫املشار إليها‪ ،‬مجرد تكرار لنصوص سابقة عليها‪ ،‬إىل غري‬ ‫ذلك من املآخذ التي يسوقها هؤالء‪ .‬ولعل سبب إشارتنا‪-‬‬ ‫هنا‪ -‬إىل تلك املزاعم من قبل أبعاض النقاد الذين راحوا‬ ‫يشي ّعون جنازة الشعرالجديد‪ ،‬هوأن هناك التباساً كبريا ً‬ ‫بات يظهريف املشهد الثقايف‪ ،‬حيث أن مثل هذا الرأي بات‬ ‫يجد آذاناً صاغية‪ ،‬بل وألسنة راحت تلوكه‪ ،‬وتردده‪ ،‬عىل‬ ‫مرأى ومسمع منا جميعاً‪ ،‬وقد ترتفع أصوات هؤالء‪ ،‬عالياً‪،‬‬ ‫إىل الدرجة التي تكاد تهيمن عىل تلك األصوات الهادئة‬ ‫التي ترافع عن حضور الشعر‪ ،‬انطالقاً من نصوص شعرية‪،‬‬ ‫ذات قيمة عالية‪.‬‬ ‫ومثة مسألة مهمة‪ ،‬تفوت هؤالء الذين راحوا يتحدثون عن‬ ‫تقهقر الشعر‪ ،‬بل غيابه األخري‪ ،‬ومواته‪ ،‬وهي أن الشاعر‬ ‫الجديد‪ ،‬مل يعد يتواصل مع جمهرات متلقيه‪،‬‬ ‫عرب قنوات االتصال التقليدية املعروفة‪ ،‬بل أن ثورة‬ ‫االتصاالت التي باتت تنترش‪ ،‬عاملياً‪ ،‬عىل نطاق واسع‪ ،‬هي‬ ‫يف متناول املبدع واملتلقي‪ ،‬يف آن واحد‪ ،‬وباتت هناك أمناط‬ ‫كتابية‪ ،‬ومعلوماتية‪ ،‬ومعرفية كثرية‪ ،‬تفرض حضورها‪ ،‬بيد‬ ‫أن هذه الوسائل نفسها‪ ،‬يف متناول الشاعر ذاته‪ ،‬وهو ملا‬ ‫يواصل رسالته‪ ،‬بل ستظل هذه الرسالة‪ ،‬مادامت هناك‬ ‫كلمة‪ ،‬وإبداع إنساين‪ ،‬بل وإنسان يتذوق الجامل‪..‬‬


‫أحمد المطروشي‬

‫هناك البوصلة هناك الوقت‬

‫نص الشاعر أحمد املطرويش‪ ،‬والذي نعيد نرشه إىل جانب‬ ‫هذه القراءة‪ ،‬سبق له أن نرش يف الصفحة الثقافية لجريدة‬ ‫الخليج*‪ ،‬كأحد النصوص األوىل التي تم نرشها‪ ،‬يف صفحة‬ ‫ثقافية يومية‪ ،‬بعد أن اغرتبت الصحافة إىل حني‪ ،‬عن نرش‬ ‫النصوص الشعرية‪ ،‬تاركة تلك املهمة للمالحق الثقافية‪،‬‬ ‫املختصة‪ ،‬وبعض املجالت الثقافية التي تهتم باإلبداع‪ ،‬إىل‬ ‫جوار موضوعات وأبواب كثرية‪ ،‬تدخل يف مجال اهتاممها‪،‬‬ ‫يف إطار جذب القارئ والتجسري معه‪ ،‬مادامت تلك املجالت‬ ‫املعنية بالشعر‪-‬تحديدا ً‪ -‬باتت جد قليلة‪ ،‬عربياً‪ ،‬وهذا النص‪،‬‬ ‫تم اختياره‪ ،‬ألسباب عديدة‪ ،‬يف مطلعها أنه نص شاعر جديد‪،‬‬ ‫يواصل تجربته اإلبداعية‪ ،‬من خالل كتابة النصوص الجديدة‬ ‫التي تفوح منها رائحة اللحظة‪ ،‬وحرائق الذات‪.‬‬ ‫عنون املطرويش نصه ب «هناك البوصلة هناك الوقت»‪،‬‬ ‫حيث نجد هنا تكرارا ً السم اإلشارة«هناك» مرتني‪ ،‬يف عنوان‬ ‫مؤلف يف األصل من أربع مفردات‪ ،‬ال أكرث‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الداللة اإلشارية تختلف‪ ،‬يف كل مرة‪ ،‬فهي متيض‪-‬تارة‪ -‬إىل‬ ‫البوصلة‪ ،‬ومتيض تارة أخرى إىل الوقت‪ ،‬وبدهي‪ ،‬أن من شأن‬ ‫البوصلة‪-‬عادة‪-‬أن تدل عىل املكان‪ ،‬أما الداللة‬ ‫إىل الوقت فهي ليست من دائرة اختصاص‬ ‫البوصلة‪ ،‬بل هي من وظيفة آلة أخرى‬ ‫لقياس الوقت‪ ،‬حيث كانت اآللتان وال‬ ‫تزاالن مدار اهتامم اإلنسان‪ ،‬حيث لكل‬ ‫منها شكل الحاجة إليها‪ ،‬وإن كان هناك بارومرت‬ ‫يشريإىل صنفني من الحاجات‪ ،‬أحدهام ملّح‪ ،‬واآلخر‬ ‫أكرث إلحاحاً‪ ،‬ولرمبا كان امللّح‪ ،‬يف لحظة ما‪ ،‬األكرث‬ ‫إلحاحاً‪ ،‬السيام وأن الحاجة إىل البوصلة‪ ،‬من قبل‬ ‫املرء وهو يف متاهته‪ ،‬قد يكون األكرث أهمية‪،‬‬ ‫يف لحظة حرجة من حياته‪ ،‬وإن كانت‬ ‫الحاجة إىل آلة قياس الزمن‪ ،‬أكرث‬ ‫التصاقاً بلحظته‪.!....‬‬ ‫إن اإلحساس لدى الناص‪،‬‬ ‫بالزمان‪ ،‬وعىل ضوء عتبة‬ ‫العنوان‪ ،‬يبدو يف حاجة جد‬ ‫حرجة إىل االستعانة‪ ،‬حيث أن‬

‫اللجوء إىل البوصلة‪ ،‬يف التعامل مع مفردات الزمان‪ ،‬إمنا تدل‬ ‫عن أزمة حقيقية‪ ،‬قد ال تكون أزمة الشاعروحده‪ ،‬السيام وأن‬ ‫غوايات انفالت الوقت من بني يدي املرء‪ ،‬يف ظل هذه النقلة‬ ‫الحياتية العظمى‪ ،‬يف مسريته الحياتية‪ ،‬باتت كثرية‪ ،‬وهوما‬ ‫يستشفه الناص‪ ،‬ليكون عبارة عن عتبة‪ ،‬إىل عامله الشعري‪.‬‬ ‫إن الزمن‪ ،‬يف الحالة العادية‪ ،‬يكون مبذوالً بني يدي اإلنسان‪،‬‬ ‫وهو يقود عنان لحظته جيدا ً‪ ،‬بحكمة‪ ،‬ومهارة‪ ،‬بيد أن اإلشارة‬ ‫إىل الوقت‪ -‬وهو مفردة زمانية يف حدود القياس‪ -‬عىل أنه‬ ‫«هناك»‪ ،‬وليس «هنا» كام هو متوقع‪ ،‬دليل عىل وجود هوة‬ ‫بني الشاهد‪/‬الناص‪ ،‬ومدى سطوته‪،‬ألن املرء يف الحالة العادية‪،‬‬ ‫قادرعىل اإلمساك بدفة وقته‪ ،‬توجيهها كيفام يشاء‪ ،‬إال أننا‬ ‫هنا أمام وقت زئبقي‪ ،‬عيص‪ ،‬عىل أصابع الكائن البرشي‪،‬‬ ‫وهوامتداد لحالة عامة‪ ،‬تولدت نتيجة النقلة النوعية الكربى يف‬ ‫حياته‪،‬غريبعيد عن االستهاللة التي أرشنا إليها‪ ،‬من قبل‪!..‬‬ ‫ومنذ مطلع النص‪ ،‬تبدومالمح األزمة الوجودية التي ميكن‬ ‫استشفافها‪ ،‬من العتبة النصية‪ ،‬حيث مسافة مكانية‪ ،‬تبدو‬ ‫بني ماهوثابت‪ ،‬وماهوالمتناه‪ ،‬بني الواقع والحلم‪ ،‬حيث اليفتأ‬ ‫الناص يعلن عن هذا القلق الوجودي‪ ،‬يك تنوس بوصلة روحه‪،‬‬ ‫بني هذين امللمحني‪ :‬املحدود والالمحدود يقول‪:‬‬

‫بني الجدار ورسب الحامم ‪ /‬أحاول أن أفرس‬ ‫قصيدة مكتوبة عىل طبق مكسور‪ /‬إنها وأد‬ ‫جسد ‪ /‬إنها خرافة من الرغبات ملهذبني مروا من‬ ‫هنا ‪ /‬تالوة الوقت‬

‫والثابت هنا‪ ،‬يف ضوء هذه القراءة‪ ،‬هو«الجدار» الذي‬ ‫يرتفع يف وجه الناص أىن فتح عينيه‪ ،‬بيد أن هذا الجدار ال‬ ‫ميكن أن مينع رسب الحامم يك يحلق عالياً‪ ،‬وإن كان الناص‬ ‫يدرك أن املهمة املوكلة إليه صعبة هي األخرى‪ ،‬وكيف‬ ‫ال؟‪ ،‬ما دام أنه منرصف إىل تقسري قصيدة مدونة‬ ‫عىل طبق مكسور‪!..‬؟‪ ،‬فاملهمة عىل أي حال‬ ‫مضنية‪ ،‬بل خطرية‪ ،‬حيث هناك«جسد»‬ ‫يف دائرة التهديد بالوأد‪ ،‬والمانع من‬ ‫أن يستمر‪-‬هو اآلخر‪ -‬مواصالً خرافة‬ ‫من سبقوه‪ ،‬يف الكتابة‪ ،‬يك يضيف أثر‬ ‫أصابعه‪ ،‬بال هوادة‪ ،‬يتلو الوقت عىل‬ ‫طريقته الخاصة‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪83‬‬


‫تجارب‬

‫وإذاكان املكان غري باد‪ ،‬يف فضاء العتبة‪ ،‬بيد أنه أمام‬ ‫التفسريات التي يتحدث عنها الناص‪-‬وهي هنا القراءة‬ ‫الناقدة‪ -‬تضعنا أمام حضور مكاين‪ ،‬ولو يف إطار غري عابر‬ ‫«الطبق» كمكان يحضن النص‪ ،‬ومن ثم تنفتح بوابة‬ ‫املكان‪ ،‬عىل مرصاعيها‪ ،‬لنجد أكرث من ملمح له‪:‬‬

‫مقاهي البارحة‬ ‫صخب الغياب‬ ‫تذكار ألصدقاء غيبتهم أبجدية الحروب‬ ‫كنت متحمساً جداً لهذا الغياب‬ ‫كيف ألغي ذاكريت وأفر غريباً‬ ‫يف بوصله ثانية تسري يف جسدي‬ ‫وساللتي تراقبني‬ ‫من قطار يضحك يف موسم واحد فقط‬

‫التي استوقفتنا من قبل‪ ،‬لنكتشف أن الناص ليس مجرد‬ ‫شاهد عىل إحاالت غابرة‪ ،‬بل أن هناك من هو شاهد يتابع‬ ‫مايجري له‪ ،‬وهو يف كرنفاله مع املكان والزمان واألصدقاء‪!..‬‬ ‫ومادام أن الناص‪ ،‬عىل موعد مع تفسريالنص‪ ،‬فهو ال يتورع‬ ‫عن إطالق أسئلته‪ ،‬واليرتك أي كائن يف كرنفاله‪ ،‬من دون أن‬ ‫يستوقفه‪ ،‬يعلق أشكاله عىل مشجب الترشيح‪ ،‬ليس ليك‬ ‫يطلق أحكاماً نهائية‪ ،‬ألن هذه الخصيصة المتت إىل الشاعر‬ ‫بيشء‪ ،‬وإمنا من أجل أن يرشك متلقيه‪ ،‬يف لعبة التفسري‪ ،‬وهو‬ ‫تفسري مختلف عن املألوف‪ ،‬إنه التفسري الذي يقارب كائنات‬ ‫النص‪ ،‬ويبث الروح يف أسئلة أخرى أكرث‪ ،‬تتناسل‪ ،‬إىل درجة‬ ‫الفجاءة‪:‬‬

‫التاريخ ‪ ،‬ملاذا التاريخ ‪ ،‬ملاذا وجبة رسيعة عىل طريق لييل‬ ‫أحدثك عن حب فاشل‬ ‫جاء يف ليل ماطر شعرت فيه بطفولة تنحني يل كلام كربت‬ ‫حيث املقاهي يف صيغة املايض‪ ،‬بل مرسح حروب غيبت‬ ‫األصدقاء‪ ،‬من دون أن نكتشف مالمحهم ـ أو مالمح تلكم كان اللقاء قرناً ثم اتجهنا لرصاف‬ ‫األبجدية التي غيبتهم‪ ،‬ناهيك عن أن هؤالء املهذبني الذين لكن دون مأزق‬ ‫مروا من هنا‪ ،‬وال أثر تركه لنا الشاعر لنستدل عليهم‪ ،‬ماخال سوف يجربوننا عىل الرحيل‬ ‫الذكرى هي الطريق اللييل‪ ،‬هي الحب‪ ،‬الريح‪ ،‬مالبسنا‪،‬‬ ‫صفتي التهذيب واملرور‪ ،‬بل لئال نعلم أي مكان هو الذي‬ ‫أشكالنا‬ ‫تلتقط له عدسة الناص هذه الصور الوامضة كلها‪ ،‬بينام‬

‫واضح‪ ،‬أن النص ميور هنا بالحياة‪ ،‬ومثة مالمح موغلة يف‬ ‫هو اآلخر يفكر بإلغاء ذاكرته‪ ،‬يك ينضم إىل هؤالء املارة‪،‬‬ ‫شاعريتها‪ ،‬وإن كان االستسالم ملا سيشبه حالة الالوعي‪،‬‬ ‫وإن يف صيغة الفرار‪ ،‬حيث غواية الغياب‪ ،‬تشعل يف ذاته‬ ‫الحامس يك ينض َّم إىل رتل األصدقاء الذين رسعان ما تالشوا‪ ،‬يجعلنا ننقب عامل النص يف حديثه عن «حب فاشل» قد يبدو‬ ‫يف قطارات تسري من الحارضإىل املايض‪ ،‬دون أي فائض من نابياً يف السياق‪ ،‬أو هو مكمل كام يراه‪ ،‬إذ يتشابك ذلك مع‬ ‫ترهالت كان من املمكن تناولها‪ ،‬عىل نحو محكم‪ ،‬يك يوجزها‬ ‫التفسري‪.‬‬ ‫وتنزاح مفردة البوصلة‪ ،‬لنكون أمام بوصلة أخرى‪ ،‬غري تلك بالشكل الذي اليتطلب فائضاً من التقسري» الذكرى هي‬ ‫الطريق اللييل‪ ،‬هي الحب‪ ،‬الريح‪ ،‬مالبسنا‪ ،‬أشكالنا» يك يظل‬ ‫التي هناك‪ ،‬إنها البوصلة التي هنا‪ ،‬يف ذات الناص‪ ،‬بوصلة‬ ‫الرحيل‪ -‬كمرشوع رهن اإلنجاز‪ -‬مدار أسئلة النص‪ ،‬السيام‬ ‫لها صفات أخرى‪ ،‬غري صفات البوصلة العادية‪ ،‬وإن كانت‬ ‫وأننا أمام أشكال وجودية كثرية للرحيل‪/‬الغياب‪!..‬؟‬ ‫كلمة أخرى‪ ،‬تحيل إىل حالة توأمية مع البوصلة العتبية‪،‬‬ ‫يقول املطرويش‪:‬‬

‫نص المطروشي أحد‬ ‫النصوص الشعرية الجديدة‬ ‫التي تترك أثرها في نفس‬ ‫المتلقي‬

‫‪84‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫سوف أتطاول عىل الذاكرة وأعلقها‬ ‫عىل الجدار نفسه‬ ‫ً‬ ‫هذا ما أرعبني رست خاويا من كل يشء‬ ‫حتى من أرسار تساقطت وأنا أترنح‬ ‫بجانب املوج الذي يز ّيف إنسانيتي‬ ‫العامل منجم كبري‬


‫أحمد المطروشي‬

‫رسومات خالد البنا‬

‫هؤالء‪ .‬وهاهو الناص‪ ،‬يقفل نصه بصور متتالية‪ ،‬متحركة‪،‬‬ ‫تشكل ذروة الدهشة‪ ،‬حيث يصل إىل قراره الذي ظل يومىء‬ ‫به‪ ،‬من قبل‪:‬‬

‫املدينة بسحرها بغوايتها‬ ‫متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس‬ ‫لن أعود ‪ . .‬لن أعود‬

‫سرب الذاكرة الناص‪ ،‬ببسالة املغامر‪ ،‬تكشف النقاب عن‬ ‫دالالت كثرية‪ ،‬تقدم جوانب من إشاراتها‪ ،‬وغواياتها‪ ،‬السيام‬ ‫وأن مفردة» الجدار» وهو يف تحليقه‪ ،‬عالياً‪ ،‬مع بوصلته‪،‬‬ ‫يف فضايئ الذات‪ ،‬والكون‪ ،‬يجذبه إىل منجم العامل‪ ،‬يديل‬ ‫باالعرتافات‪ ،‬ويوايل باالكتشافات‪ ،‬وإن كانت مقاربة املوج‬ ‫تزييفاً إلنسانية اإلنسان‪:‬‬

‫كل يشء يتطاير مثل فتات الخبز‪ ،‬وقشور البيض‬ ‫طالء يعرب عن البكاء‪ ،‬كوارث تعزف املوسيقا‬ ‫بعد رشاسة السهر‬ ‫اعربين أرجوك يك أنىس مواعيد عودتهم‬ ‫السيجارة الطويلة‬ ‫أشعلت بها زقاقاً ميتص كل قلقي‬ ‫املدينة بسحرها بغوايتها‬ ‫متسح عناء الوجوه يف غمرة اليأس‬ ‫لن أعود ‪ . .‬لن أعود‬

‫وبالرغم من التحوالت الهائلة‪ ،‬يف رحلة الناص‪ ،‬حيث‬ ‫كل يشء بات يتطاير‪ ،‬وهو أسري قلق بات يتخلص منه‪،‬‬ ‫تدريجياً‪ ،‬بعد أن أشعل سيجارة طويلة‪ ،‬إال أن ال مشكلة‬ ‫له مع املدينة‪ ،‬هذه التي كان لها إيقاع آخريف روح‬ ‫وذاكرة جييل الثامنينيات والتسعينيات اللذين شهدوا‬ ‫تحوالت مكانية‪ ،‬مدينية‪ ،‬أرضمت يف أنفسهم نوستالجيا‬ ‫إىل بعض دهشات املايض‪ ،‬ناهيك عن تخوفهم املرشوع‬ ‫من الكونكريت كام جاء ذلك‪-‬علناً‪ -‬يف نصوص كثريين من‬

‫أمام هذا الرشيط اللغوي‪ ،‬الذي يستمرع ىل امتداد حوايل‬ ‫مئة وتسعني مفردة‪ ،‬ال أكرث‪ ،‬يجد املتلقي مستويني للغة‪:‬‬ ‫أحدهام يحافظ عىل شعرنته‪ ،‬بينام نجد يف الثاين متاهياً مع‬ ‫الرسد‪ ،‬يف الوقت نفسه‪ ،‬وإن كان هذا النص املفتوح عىل‬ ‫الحركة‪ ،‬والعديد من الصوراملوارة‪ ،‬النابضة بالحياة‪ ،‬حيث‬ ‫حضور للمشهد السيناميئ‪ ،‬بل إن مالمح القص تبدو جلية‬ ‫يف النص‪ ،‬باإلضافة إىل استمرار حضور أكرث من بطل‪ :‬الزمان‪-‬‬ ‫املكان‪-‬العابرون‪/‬األصدقاء‪ ،‬بل إن الراوي هو الذي يشبك‬ ‫خيوط كل هؤالء‪ ،‬يحركها أىن شاء‪ ،‬وكيفام شاء‪ ،‬يك تصعد‬ ‫الدراما عالياً‪ ،‬ونكون يف مواجهة نص موعود بكم هائل من‬ ‫االستفزاز‪ ،‬واإلثارة‪ ،‬وإن كان ذلك يأيت متبايناً‪ ،‬بني مقطع‬ ‫وآخر‪.‬‬ ‫وإذا كان اإليقاع‪ ،‬وهو ينمو وفقاً لحركة النص‪ ،‬بكال مستوييه‬ ‫املذكورين‪ ،‬فإن ذلك يتأثر بجملة دواع تؤدي إىل استيالده‪،‬‬ ‫نتيجة تفاعل الصورة يف مخترب الشاعر‪ ،‬وعالقة هذه الصورة‬ ‫بإحداثيات املفردات التي تشكله‪ ،‬ناهيك عن مكونات‬ ‫أخرى‪ ،‬تظهرعىل نحوواضح‪ ،‬السيام حني تتحرك ظالل الراوي‪/‬‬ ‫الناص‪ ،‬وهو يلتقط ما يريد من خطوط رسيعة من املشهد‬ ‫الذي يرصده‪ ،‬بعد أن يعيد خلقه‪ ،‬يف ذاته‪ ،‬لتكون تجليات‬ ‫حضوره عن طريق اإلمساك بهارموين الضمري املتكلم‪ ،‬متصالً‪،‬‬ ‫أوحتى مسترتا‪ ،‬الفرق‪.‬‬ ‫إن نص املطرويش أحد النصوص الشعرية الجديدة‪ ،‬التي‬ ‫ترتك أثرها‪ ،‬يف نفس املتلقي‪ ،‬ألن الكثري من األدوات الالزمة‬ ‫للمعادلة الجاملية‪ ،‬إمنا يسجل حضوره‪ ،‬السيام أدوات صناعة‬ ‫القصيدة‪ ،‬ومعامرها اللغوي‪ ،‬بل وقبل كل يشء رؤية الناص‪،‬‬ ‫وقدرته عىل خلق الجامل‪ ،‬ولويف ذلك اإلطار االستفزازي‬ ‫الذي قد يكون نتيجة ردة فعل ما من العامل‪ ،‬حيث لدى‬ ‫النص مايقدمه‪ ،‬يف مايتعلق بكل ذلك‪ ،‬وإن كان ضمن أفق‬ ‫ما‪ ،‬محكوم بحضور تجربة الشاعر وعالقته بأدوات صناعة‬ ‫نصه‪!...‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪85‬‬


‫نقد‬

‫خلود المعال‬

‫الخروج من نافذة الذات‬ ‫الى الكون‬ ‫تعد خلود المعال واحدة من الشاعرات اإلماراتيات المتميزات‪ ،‬حافظت على حضورها‬ ‫في المشهد الشعري اإلماراتي‪ ،‬وتطورت تجربتها حتى فرضت نفسها بقوة‪ ،‬بعد ان‬ ‫استطاعت تقديم ما يليق بالمكتبة الشعرية‪.‬‬

‫مفيد نجم‬

‫‪86‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫خلود المعال‬

‫املتابع‬

‫لتاريخ التجربة الشعرية الحديثة يف‬ ‫اإلمارات‪ ،‬ال بد أن يلحظ تنوع التجارب‪،‬‬ ‫وتطورها بني مرحلة وأخرى‪ ،‬ما يكسب هذا املشهد‬ ‫حيويته وقدرته عىل اإلضافة والتطور والتحفيز النابع‬ ‫من تراكم الخربة والتجارب‪ .‬ولعل تجربة الشاعرة خلود‬ ‫املعال عرب أعاملها األربعة التي صدرت حتى اآلن واحدة‬ ‫من تلك التجارب التي استطاعت أن تلفت األنظار إليها‬ ‫منذ قصائدها األوىل‪ ،‬نظرا ملا متتلكه تلك القصائد من‬ ‫قيمة جاملية وإحساس شعري متطور ورؤية حداثية‬ ‫ظلت تتطور من عمل إىل آخر بشكل يعكس مدى‬ ‫التقدم والحيوية‪ ،‬التي متتلكها عىل مستوى بالغة الحضور‬ ‫والعالقة مع األشياء والعامل والذات‪ ،‬باعتبار أن الشعر هو‬ ‫أرض املخيلة املنطلقة‪ ،‬ومغامرة الخيال التي تستولد لغتها‬ ‫داخل اللغة‪ ،‬وهي تؤثث فضاءاتها بالدهشة والحب‬ ‫وألفة الغائب وخفق الروح‪.‬‬ ‫بني قصيدة وأخرى تذهب خلود بالشعر نحو تخوم‬ ‫جديدة يف جدل الذات والعامل وهي تحاول أت تستنطق‬ ‫صمت األشياء والعامل‪ ،‬وأن توسع بأجنحة الضوء فضاء‬ ‫الذات وحدود العامل واللغة‪ ،‬مسكونة بهاجس الكشف‬ ‫واالكتشاف وأسئلة الذات والوجود والعدم‪ ،‬وكأنها‬

‫بذلك تواصل مغامرة الدهشة األوىل يف اكتشاف ما وراء‬ ‫جغرافية الحواس والزمن‪ ،‬ما يجعل تلك العالقة القامئة‬ ‫عىل التوحد‪ ،‬والتي تستمد نسغها من دراما الحياة متيض‬ ‫نحو ينابيعها األوىل‪ ،‬وهي تحاول يف لعبة املرايا أن تجعل‬ ‫من الشعر معادال جامليا يطري بأكرث من جناح‪ ،‬وقد غدا‬ ‫مسكونا بالحلم ونشيد الحب الذي تنترص به عىل عدمية‬ ‫الحياة‪ ،‬لكنها مع هذا وبه تبقى تنوس بني ح ّدي البحث‬ ‫واملغامرة من جهة‪ ،‬والشعور بالوحشة والفقد وانتظار‬ ‫الحب الذي ال يأيت من جهة أخرى‪.‬‬ ‫صدرت للشاعرة أربع مجموعات هي «هنا ض ّيعت‬ ‫الزمن» عام ‪ ،1997‬وديوان «وحدك» ‪ ،1999‬وديوان «هاء‬ ‫الغائب» ‪ ،2002‬وديوان «رمبا هنا» ‪،2008‬‬ ‫وفيها نجد ذلك الخيط الناظم ملسار تجربتها واملتمثل يف‬ ‫جدل الحضور والغياب‪ ،‬الذات والعامل‪ ،‬واألنا يف تعددها‪،‬‬ ‫بينام تبقى القصيدة خاضعة لرشط تدفقها كام متليها‬ ‫لحظة الدفق الشعوري والتوهج الشعري‪ ،‬فنجدها أشبه‬ ‫بقصيدة الومضة أوالفكرة ذات البناء املحكم واللغة‬ ‫املكثفة جدا والقامئة يف الغالب عىل عنرص املفارقة وما‬ ‫يولده من شعور بالدهشة والغرابة‪ ،‬أو هي تطول يف‬ ‫بوحها ومكاشافاتها ودفقها الشعوري ‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪87‬‬


‫نقد‬

‫من العنوان إىل املنت‬

‫تتجىل الوظيفة الشعرية يف تلك العالقة الجدلية التي‬ ‫تقوم بني العنوان والقصيدة‪ ،‬سواء أكان عنوانا رئيسا أو‬ ‫عنوانا فرعيا للقصائد‪ ،‬وتتميز تلك العالقة عىل املستوى‬ ‫اللغوي باالقتصاد الشديد والتكثيف يف اللغة‪ ،‬كام نالحظ‬ ‫ذلك يف العناوين الخارجية ألعامل الشاعرة األربعة‪ ،‬أو‬ ‫يف العناوين الداخلية للقصائد‪ .‬إن تلك العناوين تتألف‬ ‫يف الغالب من كلمة واحدة أو كلمتني «رمبا هنا‪ -‬هاء‬ ‫الغائب‪ -‬هنا ضيعت الزمن‪ -‬وحدك»‪ .‬أما عىل املستوى‬ ‫النحوي‪ ،‬فالعنوان يتألف من جملة اسمية أو شبه‬ ‫جملة‪ ،‬ويف أغلب األحيان تتضمن بنيته حذفا يتولّد عنه‬ ‫الغموض‪ ،‬بينام تتميز القصائد بشكل يتساوق مع بنية‬ ‫العنوان باقتصادها اللغوي امللحوظ‪ ،‬بل هي يف قصائد‬

‫الديوان األخري تتألف من ثالثة أو أربعة أسطر فقط‪،‬‬ ‫وتتميز ببنيتها املحكمة عرب ما يعرف بقصيدة الومضة‬ ‫أو الفكرة‪ ،‬لكن تلك العناوين يجري انتخابها يف الغالب‬ ‫من داخل النص‪ ،‬ما يدل عىل جزئية متثيلها للنص عىل‬ ‫مستوى املعنى‪.‬‬ ‫تستكمل الشاعرة تلك العالقة الجدلية بني العنوان والنص‬ ‫عىل صعيد البنية الداللية ذات البعد اإليحايئ الذي يقوم‬ ‫عليه العنوان‪ ،‬إذ هو ينطوي غالبا عىل معنى الشك‬ ‫وعدم اليقني والتمني أوالنفي أو الوصف‪ ،‬فهو يشكل‬ ‫املحور الذي تدور حوله أو تستغرقه القصيدة‪ ،‬ويقوم‬ ‫عىل التكثيف واختزال مضمونها‪ ،‬ما يجعله يؤدي وظيفة‬ ‫التعيني والوصف واإليحاء واإلغراء‪ ،‬كام هو الحال يف‬ ‫العناوين التي اختارتها ألعاملها الشعرية‪ ،‬والتي تحاول‬ ‫من خالل ما تتميز به من تكيف واختزال أن يوحي‬ ‫مبضمون التجربة يف كل عمل من أعاملها‪ .‬إن الحذف‬ ‫الظاهر يف بنية العنوان يجعل املعنى املقصود ملتبسا‬ ‫وغامضا‪ ،‬األمر الذي يجعل وظيفته الداللية مفتوحة عىل‬ ‫تأويالت املتلقي املختلفة‪ ،‬وما ميكن أن يستدعيه لديه من‬ ‫معاين ودالالت مختلفة‪.‬‬

‫املكان ودالالته‬

‫قصائد الديوان األخير تتألف‬ ‫من ثالثة أو أربعة أسطر فقط‪،‬‬ ‫وتتميز ببنيتها المحكمة عبر‬ ‫ما يعرف بقصيدة الومضة‬ ‫أو الفكرة‬ ‫‪88‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫تنبني الصورة الشعرية يف املكان لتعرب عن حركة الشعور‪،‬‬ ‫وبالتايل عن العالقة مع العامل واألشياء املحيطة أو الرؤية‬ ‫إليهام‪ ،‬ومام يالحظه القارئ لقصائد الشاعرة أن الحركة يف‬ ‫املكان تتخذ مسار محددا‪ ،‬تكون من املكان الضيق السيام‬ ‫املكان املتمثل بالبيوت والغرف باتجاه املكان الواسع‬ ‫والرحب‪ ،‬الذي تنفتح معه رؤية الشاعرة عىل العامل‪،‬‬ ‫حيث تستحوذ تلك العالقة عىل حالة من الرثاء والغنى‪،‬‬ ‫سواء عىل املستوى الشعوري للذات املتجسد باإلحساس‬ ‫بالحرية وبالتحرر التام‪ ،‬أو عىل مستوى اخرتاق حدود‬ ‫املعطى الحيس لألشياء واستجالء أرسارها‪ ،‬ما يجعل تلك‬ ‫العالقة مع املكان تنعكس عىل طرف املعادلة الوجودي‬ ‫لها عرب عالقتها بالزمن‪ ،‬وما تحمله من شعور باللذة التي‬ ‫تنتيش بها وهي تدخل يف عمق كينونة األشياء التي تحيط‬ ‫بها يف هذا العامل‪« :‬هكذا ح ّرة متاما ‪ /‬أنظر من نافذيت‬


‫خلود المعال‬

‫تتباين مستويات اللغة بين‬ ‫قصائد أعمالها‪ ،‬كما تتباين‬ ‫مناخاتها وصورها وبوحها‬ ‫الشفيف‪ ،‬لكنها في جميعها‬ ‫ترسم مسارا صاعدا لتجربة‬ ‫تنحت لغتها المتوهجة‬ ‫الضيقة ‪ /‬فأرى الكون كامال ‪ /‬تتجىل أرساره الكربى‪ /‬هكذا‬ ‫متاما ‪ /‬أل ّون تفاصييل الصغرية بلون الثلج‪ ،‬أتصالح مع‬ ‫اللحظة التي تدخلني لذّة األشياء»‪.‬‬ ‫يتكرر ظهور جدلية هذه العالقة القامئة بني املكان الضيق‬ ‫واملكان املفتوح الواسع يف عدد من قصائد الشاعرة حاملة‬ ‫معنى االنفتاح والتوحد وكأنها كناية عن الخروج من‬ ‫عامل الذات الضيق عرب نافذة حاسة الرؤية باتجاه العامل‬ ‫الخارجي بكل ما يحتشد به من صور ومظاهر وأرسار‬ ‫تروم أغوارها بصرية الشاعرة لتبني عالقة من الحب‬ ‫والفرح ونشوة اإليغال يف دفء أعامقها السحرية‪ .‬وإذا‬ ‫كانت هذه العالقة مع املكان تحمل يف مضمونها ذلك‬ ‫الشعور بلذة الكشف واالندماج‪ ،‬فإن مثة بعد درامي‬ ‫تقوم عليه تلك العالقة أيضا مبا تحمله من شعور آخر‬ ‫بالفقد والوحدة والوحشة وحصار الزمن‪ ،‬ومحاولة اخرتاق‬ ‫حدود املكان بجناح واحد‪:‬‬ ‫استلقي وحيدة ‪ /‬عطىش ينابيعي ‪ /‬متنيت لو أن وابال‬ ‫من محبة ينهمر عىل أريض ‪ /‬ترى ‪ /‬كم قصيدة ما زلت‬ ‫أنتظر؟ ‪ /‬أم أنني رفرفة خافتة ‪ /‬لعصفور بجناح واحد‪.‬‬ ‫وإذا كان من غري املمكن الحديث عن املكان مبعزل‬ ‫عن الزمان‪ ،‬طاملا أن الحديث عن أحدهام هو استدعاء‬ ‫لآلخر حكام‪ ،‬إذ ال مكان بال زمان‪ ،‬وال زمان بال مكان‪ ،‬فإن‬ ‫جدلية تلك العالقة تظهر يف أغلب نصوص الشاعرة التي‬ ‫تستخدم فيها غالبا صيغة التشبيه يف مسعى لتجسيد‬ ‫صورة التجربة التي تحاول أن ترسمها يف تلك النصوص‪:‬‬ ‫بدأ الخريف مبكرا ‪ /‬هذه السنة ‪ /‬ال تشبه غريها ‪/‬‬

‫األوراق املتساقطة تنترش حويل كالهواجس ‪ /‬لن أمتكن من‬ ‫التخلص من ذبول فصويل ‪ /‬ستسقط أشجاري يوما ‪ /‬لكن‬ ‫قلبي سيظل دوما‪.‬‬

‫الذات واللغة‬

‫تفصح الرغبة العارمة بالكشف واخرتاق حدود املكان‬ ‫يف التعبري عن روح متمردة‪ ،‬تعلن خروجها عىل املألوف‬ ‫والتسليم مبا هو موروث‪ ،‬ألنها بذلك تحقق الوالدة‬ ‫الجديدة للحياة‪ ،‬وتحرر ذاتها من االستسالم واإلذعان‬ ‫لرشطها املنجز الذي يصادر حريتها ورغبتها يف التعرف إىل‬ ‫العامل واألشياء بحواسها ويقينها وشعورها املمتلئ بنعمة‬ ‫الحب والتوهج‪ :‬لن أمتدد عىل فراش الاليشء ‪ /‬لن أبقى‬ ‫عالقة مبا يرثه اآلخرون ‪ /‬لن أبايل بأطباق يق ّدمها الحظ‪/‬‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪89‬‬


‫نقد‬

‫الحب عند الشاعرة هو فعل‬ ‫تحرير وانطالق وليس فعل‬ ‫امتالك وتقييد وشعور باألنانية‪،‬‬ ‫ما يحرّره من قيوده التي طالما‬ ‫ارتبطت به‬ ‫‪90‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الفنان عبدالرحيم سامل‬

‫لن أصدق طالعي أبدأ‪ .‬تقوم بنية النص عىل تكرار حرف‬ ‫النصب لن الذي يتضمن معنى النفي‪ ،‬حيث يهدف هذا‬ ‫االستخدام للتكرار إىل تأكيد فكرة التمرد والثورة عىل‬ ‫معطى الواقع عند الشاعرة‪.‬‬ ‫إن امليزة التي تنفرد بها بنية هذه النصوص يف الغالب‪،‬‬ ‫هي عنرص املفارقة الذي تتولد عنه الدهشة والتوتر‬ ‫والغرابة الناجم عن الصدمة التي تتولد عن ذلك‪ ،‬إذ‬ ‫نجد نهاية القصيدة تذهب باتجاه مفارق لحركة الرسد‬ ‫أو ملسار القول‪ ،‬أو الحالة الشعورية التي يريد النص‬ ‫التعبريعنها‪ :‬يف ليلة أخرى ‪ /‬ملع ‪ /‬مل يكن نورا ‪ /‬كان‬ ‫انطفاء محضا‪.‬‬ ‫إن الحب عند الشاعرة هو فعل تحرير وانطالق وليس‬ ‫فعل امتالك وتقييد وشعور باألنانية‪ ،‬ما يح ّرره من‬ ‫قيوده التي طاملا ارتبطت به‪ ،‬بحيث يصبح الحب مصدرا‬ ‫للتوهج والحرية والتضحية من أجل سعادة اآلخر وفرحه‪:‬‬ ‫“ما زلت أحبه‪ /‬وألنني كذلك‪ /‬أطلقت طيوره للفضاء‪/‬‬ ‫واكتفيت بالفراغ الذي خلفته”‪.‬‬ ‫تتميز لغة نصوص الشاعرة بالبساطة والسالسة والتكثيف‬ ‫الدال واملوحي‪ ،‬لكن تلك امليزة تختلف بني نصوص‬ ‫أعاملها املختلفة‪ ،‬يف حني تظل تجربتها تدور يف حدود‬ ‫عامل الذات واألشياء الحميمة التي تحيط بتلك الذات‪.‬‬ ‫إن هذه امليزة التي ارتبطت بتجربة قصيدة النرث يربز‬ ‫فيها طغيان الجانب الحيس السيام منه البرصي دون أن‬ ‫يستغرقها كاملة نظرا ملحاولة الشاعرة تعميق أبعاد تلك‬ ‫التجربة عرب انفتاحها عىل جوانية النفس وعىل عالقتها‬ ‫باألشياء والعامل‪ ،‬ومحاولة إدراك ما يختزنه من أرسار‬ ‫دون أن تغيب عنها مكابدة الروح التي تنوء تحت ثقل‬ ‫أوجاعها ولوعتها يف وحشة شعورها بالوحدة املغلفة‬

‫بالصمت والخوف‪« :‬كلام سقطت دمعة يف الذاكرة‪ /‬توجع‬ ‫القلب‪ /‬توجسا‪ /‬مام سيسقط غدا»‪.‬‬ ‫تتباين مستويات اللغة بني قصائد أعاملها‪ ،‬كام تتباين‬ ‫مناخاتها وصورها وانشغاالتها وبوحها الشفيف‪ ،‬لكنها‬ ‫يف جميعها ترسم مسارا صاعدا لتجربة تنحت لغتها‬ ‫املتوهجة‪ ،‬وتوسع حدود فضائها بأجنحة الشوق والضوء‬ ‫والحلم‪ ،‬وكأنها متارس غواياتها مع اللغة وبها وهي تقف‬ ‫عىل تخوم البوح وقد أيقظت حواسها املرهفة لنشيد‬ ‫انعتاقها‪ ،‬وأشواق قصيدتها وهي تذهب بها بعيدا يف‬ ‫أرض الشعر‪ ،‬وعميقا يف الذات عرب عالقة استعارية تغدو‬ ‫القصيدة معها مراة لوجودها وما يعتمل داخل هذا‬ ‫الوجود من أشواق ووميض عابر للروح ‪.‬‬


‫شعر ورواية‬

‫اللغة الشعرية‬

‫في مرمى السرد‬ ‫يحضر الشعر في الكتابة اإلبداعية وإن كانت خارج متن القصيدة‪ ،‬فاللغة كثيرا ما تتكئ على جدار‬ ‫الشعرية وتنهل منها‪ .‬وقد انعكس ذلك في الكثير من األعمال األدبية العربية والعالمية‪،‬األمر الذي بات‬ ‫معه مصطلح شعرية الرواية متداوال في القاموس النقدي‬

‫ّ‬ ‫عمار أحمد الشقيري‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪91‬‬


‫شعر ورواية‬

‫وذلك «لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي‬ ‫غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط‬ ‫يف ً‬ ‫بأكمله»‪.‬‬ ‫هذا ما جاء يف شهادة لجنة التحكيم لألكادميية السويدية‬ ‫«نوبل» املمنوحة يف ‪ 1982‬للروايئ الكولومبي غابرييل‬ ‫غارسيا ماركيز‪.‬‬ ‫وبعد ُه إذ ينقل جربا إبراهيم جربا رواية «الصخب‬ ‫والعنف» للكاتب وليم فولكرن إىل ملكوت العربية فإنه‬ ‫يضع يف تقدمي ِه لها هذه العبارة «فنرثه – ويقصد فولكرن‪-‬‬ ‫مشحون بالصور الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة‪ ,‬مذكرا ً‬ ‫أحياناً بثورة شكسبري اللغوية ‪.»1‬‬ ‫ورشقاً حيث اللغة العربية نقرأ يف كتاب ذاكرة للنسيان‬ ‫«محمود درويش» يف ِ‬ ‫وصف صديق ِه الشاعر الكردي‬ ‫سليم بركات» ال يقول إلاّ للورق املوضوع عىل وسادة‬ ‫ما فيه من عامل عجائبي‪ ،‬فنتازي‪ ،‬ومرتع بالفصاحة‪ ،‬وال‬ ‫أعرف حتى اآلن متى يبدأ فيه الروايئ السارد ومتى ينتهي‬ ‫الشاعر‪.»2‬‬ ‫بهذه الشواهد الثالث التي من ثالث لغات (اإلنجليزية‬ ‫أي أث ٍر ترك ُه‬ ‫– اإلسبانية – العربية)‪ ،‬سنحاول أن نتتبع َّ‬ ‫الشعر يف الرواية – ولنكن أكرث دق َة يف الرواية املكتوبة‬ ‫مبرحلة نهاية القرن التاسع عرش وبداية القرن العرشين ‪-‬‬ ‫ُمرتكزين عىل آراء أشخاص مشهو ٌد لهم بالحرفية ترجم ًة‬ ‫وابداعاً ونقصد بهم «جربا ابراهيم جربا‪ ,‬صبحي حديدي‪,‬‬ ‫ونفتتح من منصة‬ ‫وكاتب سرية ماركيز داسو سالديبار»‬ ‫ُ‬ ‫الرشق ‪.‬‬

‫بركات البهلوان الكردي‬ ‫سنواته األخيرة‬ ‫يمسك في‬ ‫ِ‬ ‫بتوازن‬ ‫عصا السيرك ويمشي‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ورواية ناشر ًا في‬ ‫دقيق شعر ًا‬ ‫ً‬ ‫رواية و ُملحق ًا إياها‬ ‫كل عام‬ ‫بديوان شع ٍر‬

‫‪92‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الروايئ سليم بركات‬

‫ارتسمت الصورة – عموماً – عن سليم بركات عىل أنه‬ ‫شاع ٌر ج َّر اللغة من حي ٍز مهجو ٍر ونائمٍ يف املعاجم إىل ح ّيز‬ ‫القصيدة‪ ،‬وكا َن َ‬ ‫ذلك يف منتصف سبعينيات القرن املايض‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف بريوت َ‬ ‫ونال وبجدارة ومبكرا ً ثقة كثري من الذين يُشهد‬ ‫لهم‪ ،‬ليس بداي ًة بأدونيس وال نهاي ًة بدرويش‪ ،‬هذا عىل‬ ‫صعيد الشعر‪ ،‬أما الرواية فاألمر يكاد يكو ُن محصورا ً وغري‬ ‫رش كثريا ً‪ ،‬فربكات البهلوان الكردي ميسك يف سنوات ِه‬ ‫ُمنت ٍ‬ ‫األخرية عصا السريك ومييش بتوازنٍ دقيق شعرا ً ورواي ًة نارشا ً‬ ‫يف كل عام رواي ًة و ُملحقاً إياها بديوان شع ٍر كان آخرها‬ ‫ديوان «آلهه» وقبله رواية «السامء شاغرة فوق أورشليم»‬ ‫الفتح إىل‬ ‫وكام فتح دهاليز اللغة يف لغة الشعر‪ُ ،‬‬ ‫ينقل هذا َ‬ ‫لغة الرسد‪ ،‬وسيكون ما نكتب ُه اآلن رضباً من الرأي العاطفي‬ ‫نقبض إذا ً قبض ًة من أث ِر الكردي‬ ‫يل‪ُ .‬‬ ‫إن مل نُلحق ُه مبثا ٍل عم ّ‬ ‫ومن رواية قصري ٍة بعنوان «ثادرمييس» ‪:‬‬ ‫«امتألت العراءات حول الهضاب الثامين يف ِ‬ ‫أرض ثاروس‬ ‫بالجثث‪ ،‬وتخاطفت العقبان اللحوم املمزقة‪ ،‬وتهارشت‬ ‫الكالب فوق األجساد‪ ،‬ال صوت غري صوت الحيوان يف‬ ‫استجابة قلب ِه لنداء الدم حتى املطر هو اآلخر كان ذا‬ ‫هطول أخرس‪.»3‬‬ ‫بهذا الوصف الدقيق للمعركة التي انتهت للتو بني‬ ‫شعبي «هيكو» و»ثاروس» والتي مل تُبقِ غري الشخصيتني‬ ‫الرئيسيتني يف الرواية يفتتح الكردي سليم بركات روايت ُه‬ ‫«ثادرمييس» ‪.‬‬ ‫األمر عادي لآلن وال ييش املشه ُد بجديد‪ ،‬لنوغل أكرث يف‬ ‫لغة الوصف عن َد هذا البهلوان‪ .‬لو أرا َد سارد عادي أن‬ ‫لكتب‪:‬‬ ‫يصف مشهد تزاحم الكالب هذا حول الجثث رمبا َ‬ ‫ٍ‬ ‫وبقنص‬ ‫تقاتلت‪ ,‬تنافست‪ ,‬هجمت‪ ،‬لكن بركات هنا يأيت‬ ‫ذيك للفعل املناسب ليضع ُه يف حيز الوصف املناسب للحالة‬ ‫«تهارشت» ويف لسان العرب تحت «املهارشة» نرى أنها‬ ‫مفردة تستخدم يف وصف تقاتل الكالب ‪.‬‬ ‫الفعل الثاين‪« :‬تخاطفت العقبان اللحوم املمزقة» ويف لسان‬ ‫العرب أيضاً‬ ‫وتحت جذر «خطف» نقرأ ‪:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الب‪ ،‬وقيل‪ :‬ال َخط ُْف األ ْخ ُذ يف سرُ ْع ٍة‬ ‫ ال َخط ُْف‪ْ :‬‬‫االس ِت ُ‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫الب‪ ،‬وهو الفعل األكرث دقة لوصف هجوم العقبان‬ ‫واس ِت ٍ‬ ‫ْ‬


‫لغة السرد‬

‫سليم بركات‬

‫عىل بقايا الجثث‪.‬‬ ‫وكام هو الحال يف األسطر الثالثة هذه مييض سليم‬ ‫بركات يف روايت ِه بهذا النوع الفريد من سبك اللغة داخل‬ ‫شح يف لغة السرُ ّاد بشكل عام بل‬ ‫العمل الرسدي والذي يَ ُ‬ ‫ميكن القول أيضاً أن جل أعامل سليم بركات متتاز بهذه‬ ‫الخصيصة املميزة والفريدة ‪.‬‬ ‫من هنا نستطيع أن نرى أي عمل يُنجزه الشاعر سليم‬ ‫بركات يف اعامل ِه الروائية يف دائرة اللغة‪ ،‬وما أضاف ُه‬ ‫للحكاي ِة وسيكون الشك مالزماً لذهنية القارىء بعد هذا‬ ‫املثال ليقول ‪ :‬بركات يفتح املعجم ويختار مفردت ُه بعناية‪.‬‬ ‫لكن ماذا لو عرضنا الكم الكبري الذي يكتبه بركات سنوياً‪،‬‬ ‫تحد أشبه مبا يكون ٍ‬ ‫ففي ٍ‬ ‫بتحد يف ساح وغى‪ ،‬يكتب بركات‬ ‫يف السنة رواية «ضمن هذه اللغة الحادة» ومعها يف‬ ‫كثري من األحيان ديوان شعر‪ ،‬فهل سيسعف الوقت هذا‬ ‫الشاعر لينبش يف املعاجم يف كل جملة عن الفعل املناسب‬ ‫والوصف املناسب‪.‬‬ ‫وقبل أن نغلق هذا القسم ال بد من اإلشار ِة – تاريخياً –‬ ‫للرثثرات واستخدام اللغة بشكلٍ ركيك ومجاين‪ ،‬والذي كان‬ ‫يطبع أعامل املشتغلني بالرسد يف لغة من يكتبون الرواية‬ ‫العربية– هذا عموماً‪.‬‬ ‫فتح‬ ‫ما أضاف ُه الشاعر سليم بركات للغة الرواية بحق هو ٌ‬ ‫عظيم ونختتم اآلن بقطعة شعرية لهذا البلهوان وردت‬

‫وليم فولكرن‬

‫يف املجموعات الخمس وقبل أن يكتب أوىل روايات ِه‬ ‫«والتنتظرين‪ ،‬أيضاً‪ ،‬ألين ـ كر ٍ‬ ‫اكض يف األقاصيص ـ يختطفني‬ ‫الذي ال يُرى‪ ،‬وأكو ُن النهاية حني ال يختت ُم الحادثُ سرَ ْ َد‬ ‫نهايته» ‪.‬‬

‫شام ًال حيث أيائل فولكرن‬

‫ما أكرث املعرتفني بأن الروايئ األمرييك وليم فولكرن هو ُمله ٌم‬ ‫ومعلم لهم‪ ،‬كان آخرهم الروايئ الحاصل عىل نوبل ‪2012‬‬ ‫الصيني مو يان‪ ،‬والكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز الذي‬ ‫قال‪« :‬إذا كانت روايايت جيدة فذلك لسبب واحد هو أنني‬ ‫حاولت أن أتجاوز فولكرن يف كتابة ما هو مستحيل وتقديم‬ ‫عوامل وانفعاالت‪ ،‬يستحيل أن تقدمها الكتابة والكلامت‬ ‫مثل فولكرن‪ ،‬ولكن مل أستطع أن أتجاوز فولكرن أبدا ً إال أنني‬ ‫اقرتبت منه»‪ .‬والبريويف ماريو بارغاس يوسا القائل‪« :‬تأثري‬ ‫فولكرن يف أعاميل كبري جدا ً‪ ،‬وضعه الكثري من كتاب العامل‬ ‫يف مصاف كبار القرن العرشين‪ ،‬فهو اخرتع نظاماً عاملياً‬ ‫للرواية»‪.‬‬ ‫ فام الذي كان يضيف ُه فولكرن يف الرواية ؟‬‫ كث ٌري ومن بين ِه « اللغة الشعرية» ‪.‬‬‫الشهادة األكرث دالل ًة عىل ما كان يضيف ُه هذا الروايئ يف‬ ‫لغة الرواية أورد ُه مرتجم ُه إىل العربية جربا إبراهيم جربا‬ ‫يف مقدمة الصخب والعنف ‪« :‬فنرثه مشحون بالصور‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪93‬‬


‫شعر ورواية‬

‫صبحي حديدي‬

‫جربا ابراهيم جربا‬

‫وبدور ِه أيضاً ينقل فولكرن «اللغة الشعرية» من الشعر إىل‬ ‫حيز الرواية «اإلنجلو أمريكية» ويُو ّرثها فيام بعد إىل كثريٍ‬ ‫من تالمذت ِه املوزعني عىل جميع أرجاء العامل ‪.‬‬ ‫هنا ميكن قراءة رأي جربا يف لغة فولكرن بوضوح «إن أكرث‬ ‫القراء كانوا يجدون بادئ األمر يف أسلوب فولكرن الطويل‬ ‫الجمل‪ ,‬املركب الصور‪ ،‬املعقد املبنى املمتلئ بالكلامت‬ ‫املزدوجة الصياغة إشارات إىل رضب من الفوىض‪ ،‬رمبا لهذا‬ ‫النوع من اللغة – لغة الشعر املهاجرة إىل النرث – يرجع‬ ‫السبب يف صعوبة تلقي أعامل فولكرن وتحديدا ً «الصخب‬ ‫والعنف» يف البدايات» ‪.‬‬

‫الشعرية واأللفاظ غري املتوقعة‪ ،‬مذكرا ً أحياناً بثورة‬ ‫شكسبري اللغوي»‪ .‬وإذ ما أخذنا الشهادة التاريخية التالية‬ ‫وهي أن وليم فولكرن بدا حيات ُه كشاع ٍر ال كناث ٍر وكاتب‬ ‫للرواية‪ ،‬والبداية تؤكد أن عمل ُه األول ديوان ذو طابع‬ ‫رومانيس مل يُكتب له االنتشار حينها وهو بعنوان «اآليل‬ ‫املرمري» ولنذهب أبعد من ذلك أيضاً ونتتبع أهم ينابيع‬ ‫هذا الروايئ االستثنايئ وهي عىل كلٍ تأيت أيضاً من الشعر‬ ‫فال يختلف مؤرخو األدب الغريب‪ -‬عىل حد تعبري صبحي‬ ‫حديدي يف مقال له يف أخبار األدب ‪ -‬كام يجمع معظم‬ ‫نقٌاده‪ ،‬أ ٌن الشاعر األمرييك إزرا باوند (‪ )1972 1885-‬هو‬ ‫أحد أبرز آباء الحداثة الشعرية‬ ‫األنجلو أمريكية‪ ،‬والشخصية األش ٌد‬ ‫تأثريا يف ممثٌيل وتيٌارات وأساليب‬ ‫ينقل فولكنر‬ ‫تلك الحداثة عىل امتداد القرن‬ ‫العرشين بأرسه ‪ .»1‬ومع ُه بال شك «اللغة الشعرية» من‬ ‫ويف توا ٍز الشاعر جون ميلتون‬ ‫الشعر إلى حيز الرواية‬ ‫وعىل حد تعبري جربا ‪«:‬كانا يجمعان‬ ‫«اإلنجلو أمريكية»‬ ‫بني الشعر والنقد وكالهام واسع‬ ‫العلم عقالين وكالهام أثر يف تغيري ويُورّثها فيما بعد إلى‬ ‫أشكال األدب ال يف الشعر فقط بل‬ ‫تالمذته‬ ‫كثي ٍر من‬ ‫ِ‬ ‫يف النرث أيضاً» ‪.‬‬

‫‪94‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫موسيقى غابو *‬

‫«وهكذا كانت الجدة ترانكلينا تغني‬ ‫طوال اليوم وتهذي بينام الحفيد مل‬ ‫يتوقف عن األسئلة واالستفسارات‪:‬‬ ‫حرب‬ ‫ جديت‪ :‬من هو مامبريو وإىل أي ٍ‬‫ذهب؟ ومل يكن لدى الجدة أي فكرة‬ ‫عن ذلك‪.‬‬ ‫ومن املعروف أن مامبريو هي األغنية‬ ‫الشعبية القدمية التي تحيك قصة أحد‬ ‫أبطال حرب «األلف يوم» شعرا ً ُمغنى ‪.‬‬


‫لغة السرد‬

‫غابرييل ماركيز‬

‫نستعرض ما كتبته‬ ‫صحيفة التايمز البريطانية‬ ‫عن مائة عام من العزلة‪.‬‬ ‫تقول‪ «:‬هي أقرب إلى‬ ‫الشعر منها إلى النثر بل‬ ‫هي ملحمة موسيقية‬ ‫ال متناهية»‬ ‫هذ ِه هي أول األشعار التي طرقت سمع الروايئ الكولومبي‬ ‫غابرييل غارسيا ماركيز يف بيت جد ِه العقيد ريكاردو‬ ‫ماركيز ميخيا من فم جدته الخرفة‪ ،‬وسيواصل الروايئ بع َد‬ ‫ذلك يف املدرسة الثانوية عىل أطراف العاصمة «بوغوتا»‬ ‫كتابة الشعر ال الحكايا‪ ،‬مع الجامعة االدبية «حجر وسامء»‬ ‫التي كانت تضم الشاعر ألفارو موتيس وماركيز وغريهم‪،‬‬ ‫وهناك يف املدرسة الثانوية سينرش ماركيز أوىل قصائده‬ ‫تحت االسم املستعار «خابيري جارثيس» ‪ /‬قصيدة السنبلة‪،‬‬ ‫ال اسبيجا ‪ ,‬ودراما يف ثالث فصول‪ ,‬وموت الوردة‪ ,‬وأغنية‪،‬‬ ‫وإذا طرق بابك أحد‪ ،‬وقصيدة لتلميذة منعدمة الوزن‪.‬‬ ‫وكانت قصيدة «أغنية» أول نرش أديب لجارسيا ماركيز حيث‬ ‫نرشت يف ‪ 31‬ديسمرب ‪ 1944‬يف امللحق األديب لصحيفة‬ ‫الزمن التي كان يديرها الشاعر إدواردو كارنثيا ‪. 4‬‬ ‫لنقفز بالزمن إىل عقدين ونيف من هذه القصائد‬ ‫ولنستعرض ما كتبته صحيفة التاميز الربيطانية عن مائة‬

‫عام من العزلة‪ .‬تقول الصحيفة ‪«:‬هي أقرب إىل الشعر منها‬ ‫إىل النرث بل هي ملحمة موسيقية ال متناهية»‪ .‬وبعد فرتة‬ ‫جاءت شهادة األكادميية السويدية نوبل لتؤكد‬ ‫«متنح له لرواياته وقصصه حيث يتدفق الواقعي والغرائبي‬ ‫غنى معقد لعامل شعري يعكس حياة ونزاعات محيط‬ ‫يف ً‬ ‫بأكمله» ‪.‬‬ ‫فتح أعني‬ ‫هكذا نرى أن رائد الواقعية السحرية والذي َ‬ ‫العامل عىل أدب أمريكا الجنوبية ما هو بالفعل إلاّ شاعر‬ ‫مبسوح روا ّيئ وسيكون أثر ُه واضحاً أيضاً يف أعامل كثري من‬ ‫الروائيني حول العامل ومنهم أيضاً الصيني مو يان وكثري من‬ ‫روائيي أمريكا الجنوبية ‪.‬‬ ‫هذه ثالث أمثلة لروائئني أحدثوا فارقاً يف لغة الرسد حول‬ ‫العامل من خالل «اللغة الشعرية « التي يسحبوها إىل حيز‬ ‫الحكاية‪ ,‬ناقشني بذلك عىل ُجدر الرواية معاملاً ال تزال‬ ‫باقية إىل اآلن ‪.‬‬

‫* غابو ‪ :‬اللقب املحبب يف أمريكا الالتينية ملاركيز‬ ‫‪ 1‬من مقدمة جربا ابراهيم جربا لرواية الصخب والعنف ص ‪ , 7‬املؤسسة العربية للدراسات والنرش ط ‪1983 3‬‬‫‪ 2‬محمود درويش \ ذاكرة للنسيان ص ‪46‬‬‫‪ 3‬رواية ثادرمييس – سليم بركات ص‪ 1‬املؤسسة العربية‬‫‪ 4‬سرية حياة ماركيز « رحلة إىل الجذور « داسو سالديبار‬‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪95‬‬


‫في الشعر‬

‫الشعر الخالص‬ ‫دومينيك كومب‬

‫االستثناء‬

‫والشعر الخالص‪ :‬ال«اللغة الجوهرية» هي الشعر نفسه‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬كام يؤكد‬ ‫«بينيديتو كروس»‪ ،‬الشعر هو جوهر اللغة‪ «:‬الشعر هو اللغة داخل جوهرها الخالص‪.1»...‬‬ ‫لكن‪ ،‬فيام يتعلق بالصفاء‪ ،‬فهذه األطروحة ليست مرشوعة إال عندما يبلغ الشعر جوهره‪« ،‬صفاءه»‪.‬‬ ‫إن استثناء الرسد ينبغي إذن أن يعاد إىل إجراء أكرث عمومية من التقليص النسقي‪ ،‬الذي يشرتط يف الحقيقة بالغة لألجناس‬ ‫األدبية‪ .‬وبعيدا عن تشكيل معيار متفرد لتحديد الشعر‪ ،‬فإن استثناء الرسد يساهم مبوقف عام من الرفض والعزل املغلقني‬ ‫من طرف أسطورة « الشعر الصايف»‪:‬‬ ‫« كل قصيدة هي مدينة بطابعها الشعري الخالص إىل الحضور‪ ،‬إىل اللمعان‪ ،‬إىل الحركة املحولة واملوحدة للحقيقة الغامضة‬ ‫التي نسميها الشعر الخالص»‪.2‬‬ ‫ألن األمر يتعلق يف النهاية ب«الشعر الصايف» عندما نطق «فالريي»‪ ،‬وبكل تأكيد أيضا بروتون‪ ،‬ريفريدي وسارتر‪ ،‬باتهام الرسد‬ ‫والخيال يف الشعر‪ .‬من هنا يظهر الرسد كعنرص من بني عنارص أخرى – حاسمة بكل تأكيد‪ -‬وجب طرده من أجل الحفاظ‬ ‫عىل كامل الشعري‪ .‬فهو يجاور إذن أمناط أخرى من الخطاب‪ ،‬مثل الوصف أو التعليق‪ ،‬ومضامني موضوعاتية أو مرجعية‪.‬‬ ‫ال«حقيقة»‪ ،‬املفهومة باعتبارها صورة عن املجتمع‪ ،‬واإليديولوجيا‪ ،‬والرسالة ليست أقل حظرا‪« :‬املقوالت االجتامعية والذهنية‬ ‫غريبة عن الشعر الخالص‪ .‬إنها احتامالت يتجاهلها الشاعر‪ ( »...‬بوين‪،‬ص‪ .)165.‬كل هذه املكونات ترجع دون متييز إىل النرث‪:‬‬ ‫«نقصد بالعنارص النرثية كل ما ميكن أن يقال نرثا‪ ،‬بدون خسارة‪ .‬كل يشء‪ :‬تاريخ‪ ،‬أسطورة‪ ،‬نادرة‪ ،‬أخالق وحتى فلسفة‪ ،‬يوجد‬ ‫بذاته دون اختبار رضوري من الغناء»‪ (.‬ف‪ .‬لوفيفر‪ ،‬حوارات مع بول فالريي‪،‬ص‪.)67.‬‬ ‫لنتذكر أن ماالرمي‪ ،‬عندما وضع الحالة «األساسية» للغة التي ميثلها الشعر‪ ،‬يف مقابل الوضع « الخام»‪ ،‬واللغة اليومية ل‬ ‫«الروبورتاج العام»‪ ،‬أقىص أفعال اللغة الجوهرية التي هي«رسد»‪«،‬علم» و «وصف»‪ .‬و «هرني برميون»‪ ،‬وهو يقرتح نظريته‬ ‫حول «الشعر الخالص» بعد فالريي‪ ،‬مل يقم سوى برفع شعرية ماالرمي إىل مرتبة النظام‪ ،‬حيث ذكر تلك الرضورات كلمة بعد‬ ‫كلمة‪:‬‬ ‫«تعليم‪ ،‬رسد‪،‬رسم‪ ،‬إحداث الرعشة أو استدرار الدموع‪ ،‬لكل ذلك يكفي النرث‪ ،‬الذي هو أيضا موضوع طبيعي‪ )...(.‬ولعزل‬ ‫التهييء الشعري عن الوضع الخالص‪ ،‬ينبغي فصل وإبعاد العنارص التي هي أيضا عنارص النرث‪ :‬الرسد‪ ،‬الدراما‪ ،‬التعليمية‪،‬‬ ‫البالغة‪ ،‬الصور‪ ،‬التفكري‪ ،‬إلخ‪ .‬إن طاقة الشعر‪ ،‬الشعر الخالص‪ ،‬سيكون هو كل ما تبقى بعد هذه العملية»‪.3‬‬ ‫ريفريدي وبروتون هام أيضا كانا يربطان دامئا بني الوصف والرسد يف اتهامهام لل«الواقعية»‪ ،‬حسب النموذج الضمني‬ ‫ل«الشعر الخالص»‪ ،‬يف حني أن شعريتهام تبدو عىل النقيض من شعرية «برميون»‪:‬‬ ‫«والوصف‪ .‬ال يشء يقارن بعدمية الوصف‪ .‬إنه ليس سوى تراكم الصور يف كاتالوغ‪ ،‬والكاتب يستعملها بحرية‪ ،‬فينتهز فرصة‬ ‫مترير بطاقاته‪ ،‬ويبحث عن إسقاطي يف االتفاق معه حول مواضع مشرتكة‪.»...‬‬ ‫لكنه أمر صحيح أنه يتم أيضا الشعور بتأثري ماالرمي‪ .‬ينبغي مالحظة أنه‪ ،‬إضافة إىل الرسد و الوصف‪ ،‬فإن «التعليمية» هي‬ ‫إحدى الفوبيات األكرث بوحا من طرف املدافعني عن «الصفاء»‪:‬‬ ‫‪96‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫«‪ ...‬شعر خالص‪ ،‬يعني خلق عالقات بني عنارص ملموسة خارج أي انشغاالت عاطفية أو تعليمية‪ ،‬تكوين « معادالت األفعال»‬ ‫هذه التي تحدث عنها «روبري دي مونتسكيو»‪ ،‬والتي ميكن أن نسميها «كوكبة نجوم»‪.4‬‬ ‫بحيث حتى عندما مننح ال«تأصيل» النرثي يف الشعر‪ ،‬فإلبراز بطريقة أفضل كم هو مختلف عن الرسد وعن الخطاب‬ ‫التعليمي‪:‬‬ ‫« تحديد القصيدة‪ ،‬هو تحديد الشعر الخالص‪ :‬تناغم التحليل مرشوط بذلك‪ .‬ومع ذلك ينبغي تسجيل ما ييل‪ :‬مهام استطعنا‬ ‫إيجاد بعض التامثالت بني وضعية الشعر يف مجال اآلداب وبني وضعية الرياضيات يف مجال العلوم‪ ،‬فإنه ليس من املمكن‬ ‫الحديث عن الشعر الخالص باملعنى الذي ميكن أن نتحدث به عن الرياضيات الخالصة (‪ )...‬يف القصيدة‪ ،‬ميكن للكلمة أن‬ ‫تحتاج إىل تثبيت لدعم قوتها‪ :‬فالجرس الشعري ينبغي أن يتجذر يف أرض النرث‪ .‬وبذلك نصادف‪ ،‬يف تفاصيل القصيدة‪ ،‬مجموعة‬ ‫من «الدعامات» و «الركائز» النرثية‪ :‬شذرات رسدية‪ ،‬وصفية‪ ،‬محكية‪ ،‬تحليلية‪ .‬لكن هذه الشذرات لن ترتبط فيام بينها‬ ‫بطريقة تكون بها رسدا‪ ،‬و وصفا‪ ،‬وحوارا داخليا او خارجيا‪ ،‬و تحليال»‪.5‬‬ ‫‪ 2‬الشعر الخالص والسلبي‪:‬‬‫إن موضوعة «الشعر الخالص»‪ ،‬التي درست يف العرشينيات انطالقا من عبارة ل«إدغار أالن بو»‪ ،‬فأعادها بودلري‪ ،‬ماالرمي‬ ‫ثم فالريي‪ ،‬وانترشت بفضل «برميون»‪ ،‬و أصبحت بكثري من‬ ‫النجاح عقيدة حقيقية لشعريات ما بعد الحرب‪ ،‬مرتكزة‬ ‫عىل إشكالية سلبية مرة أخرى بشكل كيل‪ .6‬مل يكن «الشعر‬ ‫مهما استطعنا إيجاد بعض التماثالت‬ ‫الخالص» أبدا معطى إيجابيا‪ ،‬فقد تم تلقيه بعد سريورة من‬ ‫بين وضعية الشعر في مجال اآلداب وبين‬ ‫اإلقصاءات واالختصارات املتتابعة‪ :‬شعر «مطهر» بقدر ما‬ ‫وضعية الرياضيات في مجال العلوم‪،‬‬ ‫هو «صاف»‪ « ،‬ذلك ما يبقى بعد هذه العملية» يستخلص‬ ‫فإنه ليس من الممكن الحديث عن الشعر‬ ‫برميون»‪ ،‬كام تدل عىل ذلك املجاالت التصورية‪« :‬عزل تحضري‬ ‫الخالص بالمعنى الذي يمكن أن نتحدث‬ ‫الشعر يف الوضعية الخالصة‪(»...‬برميون)؛ «إقصاء العنارص التي‬ ‫به عن الرياضيات الخالصة‬ ‫تنتمي إىل النرث‪( »...‬برميون)؛ «التخلص من الشعر الخالص‬ ‫باعتباره مقوما فقط‪ ( »...‬فالريي)؛ «حلمت يف املايض ببعض‬ ‫األعامل الفنية‪ -‬املكتوبة‪ ،-‬حيث كل املفاهيم التي ستدخل‬ ‫فيها‪ ،‬تكون مطهرة‪( »...‬فالريي)‪ .‬كل هذه الكلامت تنتمي إىل‬ ‫قاموس الكيمياء‪ ،‬والفيزياء أو إىل البيولوجيا‪« :‬تحضري شعر خالص‪»...‬؛ «أقول خالص باملعنى الذي قصده الفيزياء حني يتحدث‬ ‫عن املاء الصايف» (فالريي)؛ « النبتة ال تتكون سوى من خاليا نباتية‪ .‬كتلة بلورية ال تتكون إال من البلور» (فالريي)‪.‬‬ ‫يبدو أنه يف غاية الداللة بأن هذا املفهوم‪ -‬وهل حقا هو مفهوم؟‪« -‬الشعر الخالص» ميتد إىل أجناس أخرى‪ ،‬بنفس املصطلحية‬ ‫االستعارية املتولدة عن خيال نقدي‪ .‬هكذا يطبق «أندري جيد» معيار «الصفاء» عىل الرواية‪ ،‬محوال «الرواية الخالصة» إىل‬ ‫درجة األولوية يف الجاملية العامة‪ «:‬إن سلب الرواية من كل العنارص ال ينتمي حرصيا إىل الرواية؛ أي تطهري الرواية من كل‬ ‫العنارص التي ال تنتمي تخصيصا إىل الرواية»‪.7‬‬ ‫لقد أبدى «فالريي» تذمره من أن نفرس نعت«خالص» مبعنى أخالقي‪ ،‬خالفا ملا يقصده‪ « :‬سلبية مفهوم الشعر الخالص‪ ،‬هذا‬ ‫هو ما يدفع إىل التفكري إىل صفاء أخالقي ال مجال له هنا‪ ،‬إن فكرة الشعر الخالص هي بالعكس من ذلك‪ ،‬فبالنسبة يل هي‬ ‫فكرة تحليلية أساسا»‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬و رغم الهيمنة غري املعقولة للسجل الكيميايئ والفيزيايئ‪ ،‬يبدو أن مبدأ اإلجراء اإلقصايئ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪97‬‬


‫في الشعر‬

‫نفسه‪ ،‬ينبع عن «أخالق» معينة‪ .‬ألن التقشف عرب الكتابة يجيب عن حنني إىل الصفاء األصيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬جوهرية أفالطونية‪:‬‬ ‫إن إجراء االستثناء الذي تصدّر تحديد الشعر الخالص ساهم يف أعىل درجة يف وضع منطق جوهري‪ ،‬أفالطوين بشكل تام‪.‬‬ ‫إننا نعرف تحليل الديالكتيك السقراطي الذي اقرتحه «جيل دولوز»‪ ،8‬الذي اعترب أن الخطاب األفالطوين أسس لنظرية‬ ‫لألفكار عىل «فرز» «مجموعة من «النامذج» التي تساعد عىل إقصاء «النسخ» الخداعة‪ .‬إن التوليد‪ ،‬الذي يجب أن يقود‪،‬‬ ‫عن طريق الحوار‪ ،‬إىل تحديد جوهر اليشء‪ ،‬يقلص من اختالط املعتقدات‪ ،‬ويصفي روح األفكار املستقبلة‪ .‬وبفضله‪ ،‬يتم‬ ‫تجاوز املظهر الحساس للواقع لحساب الواضح والجيل؛ للفكرة الالزمنية نفسها‪ .‬والحال أن داخل تراتبية األفكار تهيمن فكرة‬ ‫«الخري األعظم»‪ ،‬التي تتمظهر يف الحقيقة‪ ،‬بحيث أن األخالق و الوجود يشرتكان كليا يف الجوهر‪ .‬تلك هي بالتحديد آلية‬ ‫ال»تقليص» الذي تخضع له اللغة للوصول إىل النقاء املطلق‪ .‬وعىل غرار الجدلية األفالطونية‪ ،‬يجرد كل من ماالرمي‪ ،‬وفالريي‪،‬‬ ‫وبرميون وغريهم‪ ،‬الشعر بشكل تدريجي من مظهره الحساس والعارض‪ ،‬بشكل يحجب جوهره الغامض‪ ،‬وفكرة الشعر نفسها‪،‬‬ ‫التي هي ليست شيئا آخر غري ال«شعر الخالص»‪ ،‬أو أيضا «املطلق»‪« :‬يجب من األفضل قول‪ ،‬رمبا‪ ،‬الشعر املطلق‪ ،‬عوض‬ ‫الشعر الخالص‪( »...‬فالريي)‪ .‬ألنه ينبغي افرتاض بشكل بدهي وجود فكرة الشعر‪ ،‬شعرية كونية‪ ،‬الزمنية‪ ،‬من أجل تخصيص‬ ‫للكتابة إلحاحها عىل هذا «التجريد» و «التصفية»‪ ،‬كام لو أنه‬ ‫يكفي فصل الحبة الجيدة عن الشيلم‪« :‬إن ما نسميه قصيدة‬ ‫بشكل عام تتكون فعليا من شذرات شعرية خالصة موضوعة‬ ‫يبدو أنه في غاية الداللة بأن مفهوم‬ ‫داخل مادة الخطاب‪ .‬فبيت شعري جميل هو عنرص شعري‬ ‫«الشعر الخالص» يمتد إلى أجناس أخرى‪،‬‬ ‫خالص‪(»...‬فالريي)‪ .‬إن عبارة «مادة من خطاب» تؤكد‪ ،‬إذا ما‬ ‫بنفس المصطلحية االستعارية المتولدة‬ ‫كانت الحاجة إىل ذلك‪ ،‬املفرتضات األفالطونية التي يتكون‬ ‫عن خيال نقدي‪ .‬هكذا يطبق «أندري جيد»‬ ‫منها هذا الفكر‪ :‬عىل الشعر أن يربز من العنرص الحساس‬ ‫الذي يلوث ال«خطاب»‪ ،‬و املكلف هنا بتوليد دالالت منحطة‬ ‫معيار «الصفاء» على الرواية‪ ،‬محوال‬ ‫«الرواية الخالصة» إلى درجة األولوية في غري مبارشة‪ .‬إىل هنا يعود‪ ،‬بدون شك‪ ،‬املثول املوسيقي للشعر‪.‬‬ ‫ال يشء غريب يف كون الشعر ملحق بالفن الذي‪ ،‬حسب‬ ‫الجمالية العامة‬ ‫هيغل‪ 9‬الذي يتبع هنا التقليد األفالطوين‪ ،‬يدفع إىل مدى‬ ‫بعيد بتصفية األدوات الحساسة‪ ،‬و هنا نقرتب من املثال‪ ،‬من‬ ‫صورة املوسيقى الساموية التي تحدد‪ ،‬عند أفالطون‪ ،‬التناغم‬ ‫الحسايب والهنديس للكون‪ .‬كام أن بول فالريي يتهم الرواية بسبب ماديتها تحديدا‪:‬‬ ‫«مقارنة مع القصيدة‪ ،‬تحتوي الرواية (باملعنى الحديث) عىل العديد من الخصائص االعتباطية‪ ،‬والقليل من الدقة الوظيفية‪،‬‬ ‫القليل من القوانني الجوهرية‪ ،‬الكثري من «املادة»؛ الكثري من الحقيقة والقليل من الواقع‪ )...(.‬وبينام تسعى الرواية إىل أن‬ ‫تحل مكان صورة األشياء و الناس‪ ،‬مكان حياة مزيفة‪ ،‬تسعى القصيدة نحو الجوهر(سواء كان موجودا أم ال)‪ ،‬أي نحو أن يحل‬ ‫مكان النشاط الخالص للنظام العصبي‪-‬العقيل‪ .‬فاالختالف مع الرواية هو اختالف يف ال«صفاء»‪.».‬‬ ‫هنا يجمع «فالريي» القضايا األساسية لألفالطونية‪ :‬رفض ال«صور»‪ ،‬السوموالكر امللتصق بال«نسخ» املؤذية‪ -‬هنا التهمة‬ ‫موجهة ليس للشعر‪ ،‬كام يف «الجمهورية‪ ،‬لكن للرواية‪ -‬ل«الجوهر» و ال«صفاء»‪ .‬إن إشكالية مثل هذه تربط مبارشة وجود‬ ‫الحقيقة بأخالق مبنية عىل مبادئ كونية‪ .‬إن متثل الشعر‪-‬مثل باقي األجناس األدبية‪ ،‬وتحديدا الرواية‪ -‬له جوهر بديهي يعود‬ ‫‪98‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫إىل إرجاعه إىل الطبيعة‪ ،‬حسب املنهج األفالطوين مرة أخرى‪ :‬إن النزعة الجوهرية هي أيضا أصلية‪ ،‬فجوهر الشعر مينحه قيمة‬ ‫عليا مثلام هو الجوهر( األوسيا) مرسوم يف الطبيعة‪ ،‬أي نظام الكون‪ .‬كام أن «هرني بوين»‪ ،‬يف بالغته الثنائية للشعر والرواية‪،‬‬ ‫أمكنه متييز تناقض ال«طبيعة»‪ »:‬جنسان‪ ،‬لكنهام جنسان ال يرتكزان فقط عىل التاميزات الشكلية‪ ،‬جنسان يختلفان يف‬ ‫الطبيعة وبدوافع عميقة»( فالريي)‪« .‬إذا أردنا أن نربهن عىل أن الرواية جنس طبيعي‪ ،‬فإن األمر يقتيض‪ ،‬يف الواقع‪ ،‬النظر إليه‬ ‫داخل جوهره‪ .‬وينبغي أن نحرتس من الترصف مثل بعض املنظرين الذين يحددونه شكليا‪ ،‬خارجيا‪ ،‬ولكنهم يفاجؤون جميعا‬ ‫فيام بعد بعدم قدرتهم عىل إيجاد خصائص محددة‪( »...‬نفسه)‪ .‬هاهو فكر «عميق» يعمل ضد ال«سطح»‪ ،‬داخيل ضد‬ ‫الخارجي‪ ،‬من أجل دعم «صور» الفيلسوف األفالطوين و الفيلسوف الرواقي اللذان وصفهام «جيل دولوز» يف «منطق املعنى»‪.‬‬ ‫ال«شعر الخالص» هو ‪ ،‬بطريقة عامة‪ ،‬كل األجناس الخالصة‪ ،‬باعتبارها أفكارا‪ ،‬الالمرشوطة‪ ،‬وجودها هو قصدية أكرث منه‬ ‫فعل‪ .‬إن الشعرية ليست وصفية‪ ،‬بل معيارية‪ .‬فالبنسبة للفيلسوف‪ ،‬إدراك نور الحقيقة هي رضورة من غري املمكن تحقيقه‬ ‫ألن الجوهر ينبع من الوضوح‪ .‬هكذا‪ ،‬فاألجناس الخالصة‪ ،‬ال تستطيع أبدا إال أن تكون مطلوبة ألنها توجد دامئا وراء األعامل‬ ‫الواقعية‪« :‬الشعر الخالص‪ ،‬يف العموم‪ ،‬هو تخييل املالحظة املقلص‪ ،‬الذي يجب أن يساعدنا عىل تحديد فكرتنا عن الشعر‬ ‫عموما‪ ،‬ويقودنا إىل دراسة جد صعبة و جد هامة للعالقات املتنوعة و املتعددة األشكال للغة مع التأثريات التي تحدثها عىل‬ ‫اإلنسان» (فالريي)‪.‬‬ ‫إن مصطلح «تخييل» ال يدل عىل أننا نعرتف بوجود الشعر الخالص‪ ،‬بل نحن نستعمله باعتباره «منوذجا»‪ ،‬دوره هو توجيه‬ ‫عملية اإلبداع‪ .‬و بواسطة طابعه املطلق‪ ،‬ييضء الشعر الخالص األشكال الطارئة للشعر‪ ،‬التي يربز أمامها صوته املتكامل‪ .‬ألن‬ ‫فكرة الشعر الخالص ليست فقط نظرية؛ ألنها تحدد قبل ذلك «شعرية» معينة‪ ،‬مبعنى مجموعة من القواعد التكوينية‪:‬‬ ‫«الحد األقىص للشعر ممكن واقعيا‪ ،‬يف ذروة الرغبة الشعرية‪ ،‬و إذن فالنمط املثايل أو تقنية و تحليل موضوع‪-‬قارئ يتسع‬ ‫دامئا» (نفسه)‪ .‬يعرتف أندري جيد بطيبة خاطر من جانبه أن الرواية الخالصة أمر مثايل‪« :‬وهذه الرواية الخالصة‪ ،‬لن يكتبها‬ ‫أي أحد فيام بعد؛ وال حتى الرائع «ستاندال»‪ ،‬الذي هو رمبا‪ ،‬من بني كل الروائيني‪ ،‬الوحيد الذي يقرتب منها أكرث»‪ .10‬األمر‬ ‫يتعلق هنا ب «فكرة تحليلية»‪ ،‬كام حددها «فالريي»‪،‬مادام « الشعر والرواية‪ ،‬مثل كل الكائنات الكياموية‪ ،‬ال تقدم نفسها‬ ‫أبدا يف وضعها الخالص؛ ومن أجل متييزها ينبغي تجريدها» (بوين‪،‬م‪.‬س‪،‬ص‪.)98.‬‬ ‫ترجمة‪ :‬محمود عبدالغني‬ ‫* ملحوظة‪ :‬هذه ترجمة كاملة للفصل األول من كتاب‪.Dominique Combe. Poésie et récit, une rhétorique des genres, Jose Corti,1989-:‬‬

‫‪1-B.Croce, La poésie,p.17‬‬ ‫‪.2-H. Bremond, La poesie pure, p.16‬‬ ‫‪3-Ibid.,pp.61‬‬ ‫‪4-M.Leiris,op.cit.,p.60‬‬ ‫‪5-R.Campigny, Le Genre poétique ,p.19‬‬ ‫كام ال حظ ذلك «هوغو فريدريك‪6-.‬‬ ‫‪7-les Faux-monnayeurs, p.990 ; Journal des Faux-monnayeurs, pp.40‬‬ ‫‪8-Logiques du sens,op.cit‬‬ ‫‪9-Dans l Esthétique de Hegel‬‬ ‫‪10-Journal des Faux-monnayeurs, pp.40‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪99‬‬


‫في الشعر‬

‫النثر والشعر‪ "...‬إيد واحدة "‬ ‫د‪ .‬عالء الجابري‬

‫في‬

‫غص الكثريون منه‪ .‬اختالفات طبيعية لدى غرينا‪ ،‬ال تستدعي‬ ‫البدء كان النرث‪ .‬يسعد البعض لهذا القول بينام َي ُّ‬ ‫اتهامات باإلغارة عىل الرتاث‪ ،‬أو عدم الوعي بخصوصية كل ثقافة‪ .‬إن وجهات النظر تتالقح وتتفاتح كام يقول‬ ‫«أبوحيان التوحيدي» ‪« :‬إن خري الكالم ما قامت صورته بني نظم‪ ،‬يطمع مشهوده بالسمع‪ ،‬وميتنع مقصوده بالطبع»‪.‬‬ ‫نتحسس مسدَّساتنا‪ ،‬أو نستعد لشد صندوق الطرد املركزي ل ُيبعد النرث عن ساحتنا إذا‬ ‫لقد رصنا إذا سمعنا كلمة «نرث» َّ‬ ‫سمعنا الكلمة النجسة‪ ،‬وليست الصدور متسعة لتق ُّبله وذلك يف غمرة ما ندَّعيه من تعدُّ دية ثقافية‪ ،‬بينام ينطبق علينا ‪ -‬يف‬ ‫الحقيقة ‪ -‬ما اشتىك منه وليم جيمس‪« :‬تخمة الواحدية»‪ ،‬مبا ينبئ عن دوغامتية وجمود؛ تلك التي ُيهدِّدها «أدىن شك يف‬ ‫التعدُّ دية‪ ،‬وأقل تذبذب نحو االستقالل» ‪.‬‬

‫طريق امرؤ القيس‬

‫لست من نشطاء النرث‪ ،‬بل إن سطوري فيه قليلة‪ .‬ال أعتذر له؛ فأنا واحد من ساللة كانت ترى الشعر َّ‬ ‫ُ‬ ‫كل يشء‪ ،‬ليس األمر‬ ‫إمياناً ب َقدَر الشعر قدر ما هو يف حقيقته تو ُّرط يف مجاراة العادي واملمنوح ‪.‬‬ ‫وال ريب يف أن للنرث أفضاالً عىل الشعر‪ ،‬وقد ُيفاجأ البعض بهذا القول الذي نراه بديهياً؛ «ذلك أن النرث أصل الكالم والنظم‬ ‫فرعه» ‪ ،‬كام يقول « أبو عابد الكرخي»‪ ،‬واألصل أرشف من الفرع‪ ،‬وبالنرث ُكتبت الكتب الساموية‪ ،‬والوحدة فيه أظهر‪ ،‬وهو‬ ‫طبيعي يف البدأة؛ ألن الناس يتكلمون به ابتداء‪ ،‬وهو غري محتاج إىل الرضورات كالشعر ‪ .‬ونؤكد أننا ال نقصد النرث الفني؛ فذلك‬ ‫موضوع آخر ‪ -‬رمبا نعرض فيه للعالقة بني الشعر واألمثال عىل سبيل املثال ‪ -‬ولكن النرث العادي‪.‬‬ ‫هل يرجع األمر إىل عهد نصح فيه «ابن طباطبا» شعراء عرصه بأن «الشعر رسالة منظومة بينام الرسائل شعر منثور»‪ ،‬وكذا‬ ‫إلحاحه عىل أن للشعر فصوالً كفصول الرسائل‪ ،‬أو حديثه عن املعاين الجارية يف عادات الناس واملعروفة لديهم يهتدي إليها‬ ‫البحرتي مثلام يهتدي أبو متام‪ ،‬ويرضب مثال بقول الناس‪« :‬والعري إذا رأى السبع أقبل إليه من شدَّة خوفه منه»‪ ،‬فقال أبو متام‪:‬‬ ‫«قد ُيقدم العري من ذعر عىل األسد»‪ ،‬وقال البحرتي‪:‬‬ ‫«فجاء مجيء العري قادته حرية‬ ‫َ‬ ‫الشدقني تدمى أظافره»‪.‬‬ ‫إىل أهرت‬ ‫وذهب بعضهم ‪ -‬بحق ‪ -‬إىل تو ُّرط العقاد يف يشء من ذلك يف قوله‪:‬‬ ‫مقتبس‬ ‫«والشعر من نفس الرحمن‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫رحامن»‬ ‫والشاعر الحق بني الناس‬ ‫والذي يكاد يكون ترجمة شعرية لعبارة شكري‪« :‬كل يشء يف الوجود قصيدة من قصائد الله والشاعر أبلغ قصائده»‪.‬‬ ‫ولعل مقولة ابن طباطبا ال تبتعد عام قاله الجاحظ‪« :‬ودقيق املعاين موجود يف كل أمة وكل لغة‪ ،‬وليس الشعر عند أهل العلم‬ ‫به إال حسن التأيت وقرب املأخذ واختيار الكالم ووضع األلفاظ يف مواضعها وأن يورد املعنى باللفظ املعتاد»‪.‬‬ ‫الجاحظ ذاته يقول كلمة نابهة رمبا تحتاج فه ًام جديداً وذائقة متعاطفة؛ إذ يقول يف كتابه «الحيوان»‪« :‬أما الشعر فحديث‬ ‫امليالد‪ ،‬صغري السن أول من نهج سبيله وسهَّل الطريق إليه امرؤ القيس بن حجر ومهلهل بن ربيعة وكتب أرسطوطاليس‪،‬‬ ‫‪100‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫ومعلمه أفالطون‪ ،‬ثم بطليموس ودميقراطيس‪ ،‬وفالن‪ ،‬وفالن قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور واألحقاب قبل األحقاب»‪.‬‬ ‫عىل النهج ذاته يكتب ابن سالم يف طبقاته‪« :‬ومل يكن ألوائل العرب من الشعر إال األبيات يقولها الرجل يف حادثة‪ ،‬وإمنا ُق ِّصدت‬ ‫القصائد‪ُ ،‬‬ ‫وط ِّول الشعر عىل عهد عبد املطلب وهاشم بن عبد مناف‪ ،‬وذلك يدل عىل إسقاط (شعر) عاد ومثود وحمري و ُت َبع»‪.‬‬ ‫عىل النهج ذاته مييض أتباع املنهج الشكالين‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬وقد يبدو ذلك واضحا من كلمة »رومان ياكبسون» التي‬ ‫وضعناها عتبة للسطور‪ ،‬ويف الوعي الكامن عند «يوري لومتان» الذي ال يخفي تحيزه للنرث عىل حساب الشعر‪ ،‬بحسب فهمنا‬ ‫ملوقفه من أسبقية الشعر عىل النرث‪ ،‬عىل خالف العادة؛ حيث يفرس األمر من منظور اجتامعي بامتياز؛ إذ يرى أسبقية الشعر‬ ‫مبا هو ظاهرة مجتمعية تحمل أعرافا وتقاليد أكرث حزما‪ ،‬ثم ما يلبث العرف االجتامعي أن يتسع للجديد‪ ،‬فيدخل النرث إىل‬ ‫الرحاب املبتغى‪.‬‬

‫مكانة الشاعر‬

‫إننا نجد ابتهاجاً مفرطاً ملكانة الشاعر يف القديم برغم أنه قد قيل اليشء نفسه عن الخطيب‪ ،‬فقد كانت القبيلة تحتفل به‬ ‫رسخت‬ ‫أيضاً حتى تضاربت األقوال حول األجدر بالتفضيل يف نطاق القبيلة‪ :‬أهو الشاعر أم الخطيب؟ ولكن األيام التالية ّ‬ ‫لهزمية داخلية للنرث أمام الشعر‪ ،‬بينام يفرتض أن يكون مثة‬ ‫استعالء شعوري عىل أسبقية الشعر تاريخاً ومكاناً‪ ،‬حتى يقول‬ ‫أحد الشعراء الكبار‪« :‬ما من شاعر يستطيع أن يكتب قصيدة‬ ‫إننا نجد ابتهاج ًا مفرط ًا لمكانة الشاعر‬ ‫تأخذ مداها ما مل يكن أستاذاً يف النرث» (القول إلليوت والعهدة‬ ‫في القديم برغم أنه قد قيل الشيء‬ ‫عىل أحمد عبد املعطي حجازي يف كتابه «قصيدة النرث أو‬ ‫نفسه عن الخطيب‪ ،‬فقد كانت القبيلة‬ ‫القصيدة الخرساء»)‪.‬دع عنك أولئك الذين يقولون إن النرث‬ ‫ً‬ ‫تحتفل به أيضا حتى تضاربت األقوال حول‬ ‫الحس‪ ،‬وكأن الشعر ال عقل له‪ ،‬وكأن‬ ‫من العقل والنظم من ّ‬ ‫النرث يحوي العقل البادي‪ .‬إنهم ‪ -‬بالتأكيد ‪ -‬مل يسمعوا خطب‬ ‫األجدر بالتفضيل في نطاق القبيلة‪:‬‬ ‫هذه األيام! وبخاصة خطب الزعامء التي وضعت عروشهم يف‬ ‫أهو الشاعر أم الخطيب؟‬ ‫«زنقة زنقة»‪.‬‬ ‫تبدو مقارنة أي منتج يف ظالل الشعر واحدة من أبرز آليات‬ ‫َ‬ ‫وبادل يف األدوار ال يلبث أن‬ ‫النقد العريب‪ ،‬ومن تجرأ منهم‬ ‫يرتاجع عن موقفه‪ ،‬وحتى مجاالت الوعي العريب يف التعامل مع الظواهر األدبية الجديدة ‪ -‬يف ما يتصل بعملية التجنيس ‪-‬‬ ‫تبدو مج ّرد محاوالت لتمديد البنية النوعية التي يسعى إىل تطبيقها لتشمل تحت مظلتها األنواع األدبية التي تحاول طرح‬ ‫رصون عىل محاوالت إيجاد عنارص‬ ‫جامليات مغايرة‪ ،‬فنجد النقاد و«املنظرين» الذين يبدو أنهم منحازون إىل قصيدة النرث‪ُ ،‬ي ُّ‬ ‫َّ‬ ‫شعرية فيها كام تطرحها البنية الضمنية للشعر‪ ،‬والحق أن مرشوعيتها داخلية‪ ،‬متاماً كإيقاعها‪ ،‬وإال لظلت تستجدي االعرتاف‬ ‫بعد زمن طويل كام فعل أصحاب الشعر الحر‪ ،‬أو البديل املطابق لها عىل األقل‪ .‬ناهيك عام يقرتفه بعضهم من تصنيف‬ ‫الكتَّاب يف «طبقات»‪ ،‬وهو ما ينعاه«ريفاتري» من اهتامم مؤرخي األدب اهتامماً كبرياً مبحاولة التث ُّبت من نوعية املؤلفني‬ ‫نصه‪ ،‬وإىل أي جنس أديب ينتمي النص؟‪ ...‬وهم يعتمدون‬ ‫الذين ُيحاكيهم كاتب معينّ ‪ ،‬وأيّ املؤثرات تلعب دوراً يف تكوين ّ‬ ‫نصني أو‬ ‫أيضاً عىل الشاهد الخارجي ولكنهم يعرثون عىل برهانهم النهايئ للنسب بني عمل وآخر يف التامثالت املعجمية بني َّ‬ ‫بني نصوص عديدة‪ ،‬أو يف التنظيم املتطابق ملك ّوناتها الخاصة‪ .‬وكربهان عىل الصالت النوعية ُير ِّكزون عىل أشكال الربوز املتك ّررة‬ ‫يف النص ملالمح ُتعدُّ بني الخصائص املم ّيزة للنوع‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪101‬‬


‫في الشعر‬

‫إرادة حفظ النوع في الشعر‬ ‫ّ‬ ‫محمد علي شمس الدين‬

‫‏‪I‬‬ ‫بالنسبة لنا خطرية‪ ،‬ألنها تتعلق بتطبيق افرتاضات فلسفية حديثة عىل الشعر‪ ،‬والسؤال هو‪:‬‬ ‫هل يأكل الشعر نفسه أو بعضه؟ كام تأكل الكائنات بعضها البعض بغاية حفظ النوع؟ والنوع‬ ‫املقصود هنا هو الذي يحدده الرصاع يف القصيدة‪.‬‬ ‫وال يخفى ّأن املسألة جديدة‪ ،‬أي تطبيق أفكار فلسفية (تعود لنيتشه بشكل أسايس) يف مسألة الرصاع‪ ،‬عىل حقول شعر ّية‬ ‫غرب ّية ( مايا كوفسيك والرومانسية – اوجني يونسكو وفيكتور هوغو‪ )...‬وعىل حقول شعر ّية عرب ّية (قصيدة ّ‬ ‫الظل العايل‬ ‫ملحمود درويش وقصيدة هجاء الظل الواطي لسمر دياب ) منوذجاً‪.‬‬ ‫ال يخفى أن نيتشه مل يكن قد َغ َر َب عنه عقله متاماً حني كتب كتابه الخطري «أفول األصنام» يف العام ‪ .1888‬رضب نيتشه‬ ‫سقراط عىل عقله بالذات وأفسد معادلته القدمية‪ :‬عقل = فضيلة = سعادة وسامها حامقة‪ ،‬واعترب صاحبها مثال اله ّليني‬ ‫اإلغريقي األحمق واعترب فلسفته قبيحة وضفدعية كهيئته‪ ...‬أسوأ ما فيه أنه منتقم من الغرائز األ ّولية الجميلة‪ ،‬بعضالت‬ ‫رسب سقراط (برأي نيتشه) فلسفته األخالقية إىل املسبح لذا فقد اعترب نفسه من أل ّد أعداء املسيح‪ ،‬يف‬ ‫املنطق واألخالق‪ .‬وقد ّ‬ ‫تصدّيه للغرائز باعتبارها وحش ّية ورشيرة وال بد من إخصائها‪ ،‬يقول‪ّ « :‬ن مهاجمة النزوات من الجذر معناها مهاجمة الحياة‬ ‫بعينها من الجذر» ‪.‬وتبعاً لذلك أورد " نيتشه" الئحة بأسامء أشخاص تاريخيني تحت عنوان «ال ُيطاقون» من بينهم‪ :‬الخطيب‬ ‫اليوناين سينيك‪« ،‬الشاعر األملاين شيلر (بوق االخالق)‪ ،‬دانتي ( ضبع تنظم الشعر عىل األرضحة)‪ ،‬إميل زوال ( لذة اإلنتان)‪،‬‬ ‫سانت بوف (مسودّة بودلري)‪ ،‬هوغو (بارد كجورج صاند) وروس ّو (فارغ متك ّلف)‪ .‬وهكذا انهال نتيشه مبعوله املجنون عىل‬ ‫هؤالء وأمثالهم‪ ،‬خدم ًة لفلسفته يف الرصاع وحفظ النوع‪ .‬فالعامل يف نظره ال يفسرّ بالعقل ويخضع له‪ ،‬بل يفسرّ بإرادة حفظ‬ ‫النوع التي ليست سوى غريزة واندفاع أعمى نحو الحياة‪ .‬يقول‪« :‬لنالحظ مث ًال‪ ،‬يف الرصاع لحفظ النوع‪ ،‬اإلفراط الشديد‬ ‫لدى بعض النباتات يف إنتاج البذور‪ ،‬العنف والقلق يف الغريزة الجنس ّية‪ ،‬أية غاية معقولة هي التي تدفع بالسالحف لتقطع‬ ‫سهول (جا َوة) يف طريقها إىل البحر لوضع بيوضها؟ فتهاجمها كالب متوحشة بغية قتلها‪ ،‬فتقلبها عىل ظهورها لتفرغ بطونها‬ ‫وتأكلها ح ّية‪ ،‬وغالباً ما ّ‬ ‫ينقض منر عىل هذه الكالب فيفرتسها»‪.‬‬

‫ستكون‬

‫‏‪II‬‬ ‫الرصاعات حول القصيدة التي نشأت واحتدمت يف أوروبا وامريكا‪ ،‬تل ّون بعضها مبثل هذه النظر ّية‪ ،‬هناك مدارس للحداثة‪،‬‬ ‫من الدادائية للمستقبلية فالرسيالية كانت تستند إىل حدّة الرصاع بني القديم والحديث‪ ،‬وكان التط ّرف يطبعها فهو رصاع‬ ‫إلغايئ ال توفيقي‪ ،‬فكأنه ال ميكن «للحديث» أن يولد من دون موت «القديم» أو قتله‪ ،‬واألمر س ّيان‪ .‬والقديم ّ‬ ‫متثل بوجوه‬ ‫عديدة‪ ،‬منها الرتاث‪ ،‬ومنها الكالسيك ّية‪ ...‬يقول الشاعر الرويس «فالدميري ما يا كوفسيك» وهو أحد مؤسيس املستقبل ّية‪ ،‬جواباً‬ ‫حي بساق ميتة؟» أما املرسحي‬ ‫عن سؤال حول الرومانسية‪ ،‬والسبب يف إقصائها كلياً من شعره «ما الحاجة لتطعيم جسد ّ‬ ‫الفرنيس الرسيايل «أوجني يونسكو» فقد كتب هجائيات ُم ّرة يف رمز الشعر الكالسييك األعظم يف فرنسا‪ ..‬فيكتور هوغو‬ ‫‪102‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫«سماّ ها»‪« ،‬هوغوليات»‪.‬‬ ‫الدادائية يف فرنسا ( ‪ )DADA‬من خالل مؤسسها "تزارا" نادت بالعودة إىل األ ّوليات‪ ،‬وهي ليست بعيدة عن الغرائز األول ّية‬ ‫التي قال بها «نيشته» لينبني عليها عامل جديد وبديل عن العامل القديم‪ .‬الرسيالية كانت أش ّد قسو ًة وانقالبية يف هذه‬ ‫املسألة من مؤسسها أندريه بروتون إىل سائر اعضائها‪ ،‬يف الشعر‪ :‬ايليوار وميشو وبريفري ودوغي‪ ...‬ويف الرسم دايل وبيكاسو‬ ‫بخاصة‪ ...‬وجميعهم فعلوا يف القصيدة واللوحة فعل نيتشه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف الفلسفة‪ ..‬حطموا األصنام‪.‬‬ ‫عما‬ ‫في العربيّة‪ ،‬وصلتنا الحداثة متأخرّة ّ‬

‫‏‪III‬‬ ‫ماّ‬ ‫يف العرب ّية‪ ،‬وصلتنا الحداثة متأخ ّرة ع هي يف الغرب‪ ،‬لكنها‬ ‫بعض فعلها في الكشف والقطع‪.‬‬ ‫وصلت وفعلت بعض فعلها يف الكشف والقطع‪ .‬والقصيدة‬ ‫كانت أهم مخترب للرصاع وأشده خطورة لكونها (أي القصيدة)‬ ‫والقصيدة كانت أهم مختبر للصراع‬ ‫قلب العريب وعمقه وفلسفته‪ُ .‬يس ّمي محمد املاعوظ الشعر‬ ‫وأشده خطورة لكونها (أي القصيدة) قلب‬ ‫«بالجيفة الخالدة» (يف قصيدة حريق الكلامت)‪ ،‬ويقول أنيس‬ ‫العربي وعمقه وفلسفته‪.‬‬ ‫السد»‪ ،‬أي‬ ‫الحاج يف مقدمته لديوان «لن» إنه يريد ّ‬ ‫«بج ّ‬ ‫تفجري السدّ‪ .‬والس ّد هنا هو الشعر العريب بصفته عالمة مه ّمة‬ ‫من الرتاث العريب‪ ...‬أو اإلرث‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أمس‪ ،‬قرأت قصيدة لفتت انتباهي بق ّوة‪ ..‬وهي للشاعرة سمر دياب‪ ،‬نرشتها لها مجلة «الغاوون» واملجلة تحمل اليوم بذوراً‬ ‫األهم بعد مج ّلة «الرغبة اإلباحية» لعبد القادر الجنايب ( التي سكتت عن الكالم املباح) من مدّة‪...‬‬ ‫تغيري ّية خطرية‪ ،‬لع ّلها ّ‬ ‫عنوان القصيدة هو «هجاء ّ‬ ‫الظل الواطي» وهو العنوان النقيض ميكانيكياً لعنوان إحدى قصائد محمود درويش املعروفة‬ ‫«مديح الظل العايل»‪ ..‬وتنطوي عىل عنوان ضدّي آخر هو ‪ :‬إىل جحا‪ :‬ملاذا تركت الحامر وحيداً؟ وال تخفى معارضة هذا‬ ‫العنوان لعنوان ديوان آخر لدرويش هو «ملاذا تركت الحصان وحيداً؟«‪....‬وتختم سمر دياب بقولها‪ " :‬أيتها األسامء الكبرية‪...‬‬ ‫ملاذا نصوصك تافهة هكذا؟»‪ ...‬إنه رصاع ال هوادة فيه‪ ...‬وأنا لست فيه عىل الحياد‪.‬‬ ‫هي في الغرب‪ ،‬لكنها وصلت وفعلت‬

‫َو ِص َّي ُة أَبيِ تمَ َّ ٍام ِل ْل ُب ْح رُتيِّ‬

‫نت يف َحدا َثتي أ ُرو ُم ِّ‬ ‫الش ْع َر‪ُ ،‬‬ ‫قال الوليد بن عبيد البحرتيُّ ‪ُ :‬ك ُ‬ ‫وكنت أَ ْر ِج ُع في ِه إلىَ َط ْب ٍع‪ ،‬ولَ ْم أَ ُكنْ أَ ِق ُف علىَ َت ْسهيلِ َم ْأ َخ ِذ ِه‪،‬‬ ‫وانقطعت فيه إليه‪ ،‬وا َّتك ْل ُت يف َتعري ِفه عليه؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫فكان أ َّول ما قال يل‪:‬‬ ‫قصدت أبا تمَ​َّ ٍام‪،‬‬ ‫ووجو ِه ا ْق ِتضا ِبه‪ ،‬حتى‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫لتأليف‬ ‫اإلنسان‬ ‫األوقات أن يقص َد‬ ‫موم‪ .‬وا ْع َل ْم َّأن العاد َة َج َر ْت يف‬ ‫الغ‬ ‫من‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ص‬ ‫‪،‬‬ ‫ُموم‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫قليل‬ ‫وأنت‬ ‫األوقات‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫بادة؛‬ ‫أبا‬ ‫يا‬ ‫عُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يرَّ‬ ‫ِ ِ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫الس َح ِر؛ َ‬ ‫وذلك َّأن ال َّن ْف َس َق ْد أ َخ َذ ْت َح َّظهَا ِمنَ ال َّراح ِة‪ ،‬و ِق ْس َطهَا ِمنَ ال َّن ْو ِم‪ْ .‬‬ ‫وإن َّ‬ ‫فاجعَلِ‬ ‫أردت الت َّْش َ‬ ‫بيب؛ ْ‬ ‫شيَ ْ ٍء أو ِح ْف ِظه يف َو ْق ِت َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ديح‬ ‫ال َّل ْف َظ َرشي ًقا‪ ،‬واملعنَى َرقي ًقا‪ ،‬وأ ْكثرِ ْ فيه ِمن بَيانِ َّ‬ ‫الصباب ِة‪ُّ ،‬‬ ‫وتوج ِع الكآ َب ِة‪ ،‬و َق َل ِق األ ْش َواقِ ‪ ،‬ولَ ْو َع ِة ال ِفراقِ ‪ .‬فإذا أ َخ ْذ َت يف َم ِ‬ ‫فأش ِه ْر َمنا ِق َبهُ‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫املجهول ِمنْها‪ .‬وإ َّي َ‬ ‫مناس َبه‪ ،‬وأَ ِبنْ َمعالِ َمهُ‪ ،‬و ِّ‬ ‫س ِّي ٍد ذي أيا ٍد؛ ْ‬ ‫اك أن َتش َني‬ ‫واح َذ ِر‬ ‫وأظ ِه ْر ِ‬ ‫رش ْف مقا َمهُ‪ .‬و َن ِّض ِد املعا َين‪ْ ،‬‬ ‫َ‬ ‫ِش ْع َر َك باأللفاظِ ال َّر ِديئ ِة‪ ،‬و ْلت َُكنْ كأ َّن َك خ َّي ٌ‬ ‫الض َج ُر؛ فأ ِر ْح َن ْف َس َك‪ ،‬وال ْ‬ ‫ياب علىَ َمقادي ِر األجسا ِد‪ .‬وإذا عا َر َض َك َّ‬ ‫تعمل‬ ‫يقطع ال ِّث َ‬ ‫اط ُ‬ ‫وج ْم َل ُة الحالِ أنَ‬ ‫وأنت ُ‬ ‫الش ْع ِر ال َّذريع َة إلىَ ُح ْس ِن َن ْظ ِم ِه؛ َّ‬ ‫فإن َّ‬ ‫واج َع ْل َش ْه َو َت َك لقولِ ِّ‬ ‫ِش ْع َر َك إ َّال َ‬ ‫الش ْه َو َة ِن ْع َم ا ُمل ِعنيُ‪ُ .‬‬ ‫فارغ ال َق ْل ِب‪ْ ،‬‬ ‫فاج َت ِن ْبهُ؛ ترشد إن شا َء اللهُ‪.‬‬ ‫تعت َرب ِش ْع َر َك بمِ ا َس َل َف ِمن ِش ْع ِر املاضنيَ‪ ،‬فام ْاست َْح َسنَ ُ‬ ‫الع َلام ُء فا ْق ِصدْهُ ‪ ،‬وما َت َر ُكو ُه ْ‬ ‫فأعملت َن ْفيس فيام َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فوقفت علىَ السياس ِة‪.‬‬ ‫قال؛‬ ‫قال‪:‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪103‬‬


‫تنظير‬

‫عن ّ‬ ‫الطفولة‬

‫ّ‬ ‫حارسة ّ‬ ‫والشعراء‬ ‫الشعر‬

‫ّ‬ ‫ثمّ ة وشائج كثيرة تربط بين ّ‬ ‫ّ‬ ‫فالطفل يرى األشياء بتلك العين‬ ‫والشاعر‪ ،‬وأكثر من عالمة َش َبه‪،‬‬ ‫الطفل‬ ‫ً‬ ‫أن ّ‬ ‫الساحرة المختلفة‪ ،‬التي يرى بها ّ‬ ‫الطفل دائم االغتباط بالعالم الذي يراه ويكتشفه‪،‬‬ ‫الشاعر‬ ‫ّ‬ ‫عادة‪ ،‬كما ّ‬

‫كما لو كان يراه للمرّ ة األولى‪ ،‬ومثل هذه الرّ ؤية هي نفسها لدى الشاعر‪ ،‬والتي يسعى من ورائها إلى إعادة‬ ‫البكارة إلى العالم‪.‬‬

‫يوسف عبد العزيز‬

‫‪104‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫يوسف عبدالعزيز‬

‫أدونيس‬

‫يولد الطّفل شاعرا ً‪ ،‬ويفاجئنا منذ سنواته األوىل بتلك‬ ‫اللغة املقتضبة املوحية والقامئة عىل اإلشارة‪ .‬سنوات‬ ‫قليلة وينخرط الطّفل يف شؤون الحياة وشجونها‪ ،‬وشيئاً‬ ‫فشيئاً يكرب فتغادره ال ّدهشة‪ ،‬وتتح ّول اللغة عنده لتصبح‬ ‫لغة جافّة قامئة عىل التّقرير‪ .‬ال ينجو من هذه التّح ّوالت‬ ‫الخطرية سوى أشخاص قليلني‪ ،‬هم أولئك ال ّنفر من الناس‬ ‫خاصة تقي‬ ‫الذين ق ّرروا أن يحتفظوا بالطّفولة‪ ،‬كتميمة ّ‬ ‫كل ذلك الضّ جر الذي‬ ‫أرواحهم من الوحشة‪ ،‬وتنقذهم من ّ‬ ‫ميأل الحياة‪ ،‬وهؤالء هم الشّ عراء‪.‬‬ ‫بهذا الفهم ميكن القول إ ّن الشّ اعر هو ذلك الطّفل الكبري‬ ‫ظل يلعب بالكالم‪ ،‬ويشكّل من طينته تلك املشاهد‬ ‫الذي ّ‬ ‫الخرافية الساحرة‪.‬‬ ‫عىل أ ّن هناك مث ّة افرتاقات أساسية بني الطّفولتني‪ :‬طفولة‬ ‫الطّفل وطفولة الشّ اعر‪ ،‬فالطّفولة األوىل هي طفولة أ ّولية‬ ‫هشّ ة تنقصها الخربة‪ ،‬بينام الطّفولة الثانية هي طفولة‬ ‫ناضجة‪ ،‬أو بتعبري أكرث دقّة هي طفولة ماكرة! من جهة‬ ‫ثانية نحن نجد أ ّن طفولة الطفل قامئة يف األساس عىل‬ ‫محاولة معرفة العامل‪ ،‬واستقصاء أرساره‪ ،‬ولذلك فنحن‬ ‫نجد الطّفل منكبّاً باستمرار عىل إطالق األسئلة وتلقّي‬ ‫اإلجابات‪ ،‬وذلك من أجل أن متتلئ يداه يف نهاية املطاف‬ ‫بتلك الثرّ وة املعرفية التي متكّنه من التواصل مع اآلخرين‪.‬‬ ‫عىل مستوى طفولة الشاعر يحدث العكس‪ ،‬حيث يلجأ‬ ‫الشاعر إىل التّخلّص من ركام املعرفة الفاسدة التي تجتاح‬ ‫كيانه بني الحني واآلخر‪ ،‬وتعكّر ماء كتابته‪ .‬إنّه يكتب كام‬ ‫ظل يف سنوات عمره األوىل‪ .‬يتّضح هذا األسلوب يف‬ ‫لو ّ‬ ‫وخاص ًة يف الف ّن التشكييل‪،‬‬ ‫الفنون‪،‬‬ ‫سائر‬ ‫يف‬ ‫هو‬ ‫كام‬ ‫عر‬ ‫الشّ‬ ‫ّ‬ ‫وخري مثال عىل ما نذهب إليه هي أعامل الف ّنان‬ ‫كل طاقته يف‬ ‫السويرسي املعروف «بول كيل»‪ ،‬الذي ك ّرس ّ‬

‫آرثر رامبو‬

‫رسم لوحات تستم ّد جاملياتها من روح الطفولة‪.‬‬ ‫يف الشّ عر العريب الحديث يعترب الشاعر «أدونيس» هو‬ ‫الشاعر األكرث إخالصاً لطفولته‪ ،‬أو األكرث قدر ًة عىل تطويع‬ ‫يده لتكتب متّكئة عىل إرث الطفولة‪ ،‬أ ّما القارئ فيندهش‬ ‫كيف أ ّن شاعرا ً ومف ّكرا ً بحجم أدونيس ين ّحي تجربته‬ ‫جانباً ليكتب بروح الطفل الذي فيه‪ .‬يقول يف قصيدته‬ ‫«احتفا ًء بالطفولة»‪ ،‬وهذه القصيدة هي من مجموعة له‬ ‫تحمل عنوان «احتفا ًء باألشياء الغامضة الواضحة»‪:‬‬ ‫«تتم ّنى ال ّريح‬ ‫أن تتح ّول إىل عربة‬ ‫تج ّرها الفراشات»‪.‬‬ ‫ويقول يف القصيدة نفسها‪:‬‬ ‫«قري ٌة صغري ٌة هي طفولتُك‬ ‫مع ذلك‬ ‫لن تقط َع تخو َمها‬ ‫بالسفر»‪.‬‬ ‫مهام‬ ‫َ‬ ‫أوغلت ّ‬ ‫السابق‪ ،‬ولنتأ ّمله جيّدا ً‪ .‬هنا سوف‬ ‫لننظر إىل املقطع ّ‬ ‫كل ما‬ ‫نرى أ ّن الطفولة قد احتلّت حياة الشاعر كاملةً‪ّ .‬‬ ‫وكل ما يكتبه‪،‬‬ ‫يشاهده‪ ،‬كل ما يتح ّرك فيه أو يالمسه‪ّ ،‬‬ ‫الصغرية (الطّفولة)‪ ،‬ولكن عىل‬ ‫هو مأخوذ من تلك القرية ّ‬ ‫ال ّرغم من صغر هذه القرية فإ ّن الشاعر سيقيض حياته‬ ‫متن ّقالً فيها‪ ،‬دون أن يسرب أغوارها!‬ ‫مثل هذا التّشبّث الكبري بالطّفولة‪ ،‬والتّامهي معها إىل هذا‬ ‫الح ّد‪ ،‬هو ذروة اإلخالص للشّ عر‪ ،‬ذلك أ ّن الطّفولة هنا هي‬ ‫مبثابة نبع الشعرية املتدفّق‪ ،‬الذي يز ّود الشاعر بالخياالت‬ ‫العذبة املج ّنحة والحدوس‪.‬‬ ‫يف شعاب الطفولة يلتقي الشاعر الطفل بالشعر مصادفةً‪،‬‬ ‫وتقدح بني يديه رشارة القصيدة‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪105‬‬


‫تنظير‬

‫يف تلك اللحظة الفارقة‪ ،‬يبدأ الشّ اعر مشواره مع الكتابة‪،‬‬ ‫ث ّم يسريان معاً‪ :‬الشّ اعر والطّفل الذي فيه‪.‬‬ ‫ترافق الطّفولة الشّ اعر‪ ،‬كحالة قدرية‪ ،‬أو كمصري محتوم‪،‬‬ ‫وتحرسه كام تحرس شعره‪ .‬كام أنّها تض ّخ فيه باستمرار‬ ‫طاقة الحلم‪ ،‬وال ّرغبة يف التّم ّرد واالنعتاق من العامل البائس‬ ‫كل ما وجد‬ ‫كل ما حاول الشاعر أن يكتب شيئاً‪ّ ،‬‬ ‫املرت ّمد‪ّ .‬‬ ‫السابق‪،‬‬ ‫نفسه أنّه نيس ما تعلّمه‪ .‬إنّه ال يركن إىل منجزه ّ‬ ‫وال يتوقّف عند منوذج مق ّدس‪ ،‬سواء أكان له أو لآلخرين‪.‬‬ ‫ولذلك فنحن غالباً ما نراه يف لحظات الكتابة مش ّوشاً‪،‬‬ ‫نصه للم ّرة األوىل‪.‬‬ ‫وغائم ال ّنظرات‪ ،‬كأنّه يكتب ّ‬ ‫نص أ ّول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫نص جديد يلجه هو مبثابة ّ‬ ‫كل ّ‬ ‫نص أخري‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نص ينهي كتابته هو مبثابة ّ‬ ‫وكل ّ‬ ‫ظل مخلصاً لطفولته هو نفوره‬ ‫أكرث ما مييّز الشاعر الذي ّ‬ ‫من الحياة الرتيبة‪ ،‬واملشهد الواحد املتك ّرر‪ .‬مث ّة سأم حاد‬ ‫كل ما هو متدا َول ومنت َهك‪ .‬لديه رغبة‬ ‫يجتاح كيانه من ّ‬ ‫والسفر واالكتشاف‪ ،‬أ ّما اللغة فيذهب‬ ‫عارمة يف التغيري‪ّ ،‬‬ ‫بها باستمرار نحو مغامرة جديدة‪ .‬يف الكتابة تروق له‬

‫الرسومات خوان مريو‬ ‫‪106‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫فكرة اللعب الح ّر‪ ،‬تلك الفكرة التي تس ّبب له قدرا ً هائالً‬ ‫من اللذة‪.‬‬ ‫ترى ما الذي ميكن أن يحدث للشاعر‪ ،‬إذا ما غادرته‬ ‫الطفولة؟‬ ‫الطفولة هي أرض الشعرية الواسعة وفضاؤها املمت ّد‪،‬‬ ‫ويف اللحظة التي يفرتق فيها الشاعر عن طفولته‪ ،‬يفقد‬ ‫وتجف عصارة الشعر يف قلبه‪.‬‬ ‫البوصلة‪ّ ،‬‬ ‫هذا ما حدث مع الشاعر الفرنيس «آرثر رامبو»‪ ،‬الذي هو‬ ‫أحد رواد الحداثة الشعرية يف العامل‪ ،‬فبعد مرور خمس‬ ‫سنوات عىل مشواره الشعري‪ ،‬ويف س ّن العرشين من عمره‪،‬‬ ‫توقّف عن كتابة الشّ عر بشكل نهايئ‪ .‬لقد هدأت روح‬ ‫ذلك «الهائل العابر» الذي كان قد أعلن جنونه وفوضاه‬ ‫الصلبة‪،‬‬ ‫العارمة‪ ،‬وذلك بعد أن اصطدم بصخرة الواقع ّ‬ ‫حدث ذلك يف العام ‪ 1873‬حني أطلق صديقه الشاعر‬ ‫فرلني ال ّنار عليه‪ .‬ومنذ تلك الواقعة مل يعد رامبو ذلك‬ ‫الطفل املشاكس‪ .‬لقد استيقظت فيه حياة أخرى هي‬ ‫أقرب إىل الرعونة والفتك‪ ،‬يقول يف أحد نصوص ديوانه‬ ‫«فصل يف الجحيم»‪« :‬أنا الذي اعتقدتُ بأنني ساحر أو‬ ‫كل التزام أخالقي‪ ،‬عدتُ اآلن إىل األرض‬ ‫معفي من ّ‬ ‫مالك‪،‬‬ ‫ٌّ‬ ‫الصلبة‪ ،‬مع واجب ينبغي أن أبحث عنه‪ ،‬وواقع ُم ّر ينبغي‬ ‫ّ‬ ‫عت؟‬ ‫أن أعانقه‪ ،‬يا يل من فالح! آه من سذاجتي! هل خ ُِد ُ‬ ‫أخت املوت بال ّنسبة يل؟ أخريا ً فإنيّ أطلب‬ ‫وهل الرحم ُة ُ‬ ‫كل يشء‪ .‬ولكن‬ ‫ولننس ّ‬ ‫ّيت من الكذب‪.‬‬ ‫املغفرة‪ ،‬ألنيّ تغذ ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ي ٌد صديقة متت ّد نحوي»‪.‬‬ ‫وصل رامبو إىل عدن عام ‪ ،1880‬حيث سيستق ّر هناك‬ ‫بعد سلسلة طويلة من الرحالت‪ ،‬شملت كالً من إيطاليا‪،‬‬ ‫هوالندا‪،‬السويد‪ ،‬ال ّدامنارك‪ ،‬وقربص‪ .‬يف عدن سيتّضح لديه‬ ‫ّ‬ ‫الجانب الفوضوي والبوهيمي من حياته بشكل كبري‪،‬‬ ‫وسيقوم بالعمل ‪-‬حسب بعض الروايات املتداولة‪ -‬يف‬ ‫الصومال‪.‬‬ ‫تجارة األسلحة وال ّرقيق ما بني ميناء عدن وميناء ّ‬ ‫ذلك التّح ّول الذي نقله من كتابة الشعر إىل هذا ال ّنوع‬ ‫السبب املبارش الذي‬ ‫القايس من التّجارة‪ ،‬ربمّ ا سيكون ّ‬ ‫سيضع نهاي ًة محتومة ملرشوعه الشّ عري‪ .‬يف هذا التّح ّول‬ ‫الصارمة‬ ‫غادرت الطفولة الشاعر‪ ،‬وحلّت مكانها تلك املهنة ّ‬ ‫التي تتعامل بال شفقة مع سلعتني خطريتني هام األسلحة‬ ‫وال ّرقيق!‬


‫مختارات‬

‫غابرييلال ميسترال‬

‫شاعرة الخسارات المتّقدة‬ ‫يغص باملوت والزهور‪ ،‬كالداخل أيضاً إىل حياتها‬ ‫الداخل اىل عامل غابرييلال ميسرتال الشعري‪ ،‬كالداخل إىل قرب مفتوح ّ‬ ‫التي مل تفارقها املأساة بدءا ً بانتحار حبيبيها وحتى انتحار ابن لها ربّته وهو يف السابعة عرش من عمره‪ ،‬مرورا ً برتاجيديا‬ ‫أحداث الحرب العاملية الثانية وماج ّرته عىل النفوس من ويالت وخوف وقلق من اآليت‪.‬‬ ‫الشاعرة التشيلية التي كانت أول من يفوز بجائزة نوبل لآلداب يف العام ‪ 1945‬يف امريكا الالتينية‪ ،‬تركت وراءها إرثاً‬ ‫بحق اإلنسان يف نيل حريته والعمل من أجل‬ ‫كبريا ً من املقاالت والنصوص والقصائد التي مل متنعها مآسيها من االحتفاء ّ‬ ‫اسرتداد كرامته املهدورة بفعل الحروب ونزعات العنرصية‪.‬‬ ‫تبوأت ميسرتال – اسمها الحقيقي لوسيال غودوي الكاياغا – مناصب رفيعة عدة داخل وخارج وطنها‪ ،‬وكانت تحظى‬ ‫تكف عن بثّ روحانياتها وشغفها لكامل االنسانية يف‬ ‫باحرتام وتقدير كبريين من دولتها وجمهورها‪ .‬إنها املرأة التي مل ّ‬ ‫شعرها‪ .‬الشاعرة التي ارتقت باألمل حني آمنت بأن الفنان بالنسبة للناس كام هي الروح بالنسبة للجسد‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫العبارة التي رددها اآلالف من ورائها ما استحقت أن تنقش عىل شاهدة قربها‪ ,‬شاهدة بدورها عىل إميانها بالشعر‬ ‫كمخلص وإميان الجميع بها كشاعرة‪.‬‬ ‫ولدت غابرييال عام ‪ 1889‬وتوفيت بعد حياة حافلة بالخسارات العاطفية والنجاحات املهنية مبرض الرسطان يف‬ ‫‪ 10‬يناير‪ ،1957 ،‬وكان عمرها آنذاك سبعة وستني عاماً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ترجمة ‪ :‬سمر دياب‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪107‬‬


‫مختارات‬

‫األم الحزينة‬

‫نم ‪ ..‬نم ياحبيبي‬ ‫دون قلق‪ ،‬دون خوف‬ ‫ولو أن روحي التنام‬ ‫ولو أين ال أعرف راحة‬ ‫نم ‪ ..‬نم‬ ‫عىس أنفاسك يف الليل تصبح أرق من ورقة‬ ‫عشب‬ ‫أو صوف الخراف الحريري‬ ‫عىس جسدي ينام فيك‬ ‫قلقي‪ ،‬رجفتي‬ ‫عيني‪ ،‬وينام قلبي فيك ‪.‬‬ ‫عساين أغلق ّ‬

‫غابة الصنوبر‬

‫فلنذهب للغابة اآلن‬ ‫ستم ّر األشجار قرب وجهك‬ ‫وسأقف‪ ،‬وأقدّمك لها‬ ‫لكنها ال تستطيع االنحناء لك‬ ‫الليل يراقب مخلوقاته‬ ‫عدا شجر الصنوبر الذي ال يتغري‬ ‫الينابيع الجريحة التي تنبت‬ ‫صمغاً مباركاً‪ ،‬وظهريات أبدية‬ ‫لو استطاعت‪ ,‬تلك األشجار لرفعتك وحملتك‬ ‫من واد لواد‬ ‫وستعرب من ذراع لذراع‬ ‫كطفل يركض من أب ألب‬

‫‪108‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫لست وحيدة‬

‫ ‬

‫املساء ‪ ..‬مهجور من الجبال حتى‬ ‫البحر‬ ‫لكني أنا التي تهدهدك‬ ‫لست وحيدة ‪..‬‬ ‫السامء ‪ ..‬مهجورة حني القمر يسقط‬ ‫يف البحر‬ ‫لكني‪ ،‬أنا التي أمسك بك‬ ‫لست وحيدة‬ ‫العامل ‪ ..‬مهجور‬ ‫كام ترى ‪ ..‬كل األجساد حزينة‬ ‫لكني‪ ،‬أنا التي أعانقك‬ ‫لست وحيدة ‪..‬‬


‫غابرييلال ميسترال‬

‫أغنية املوت‬

‫أيها الحاصد أرواح العجائز‬ ‫أيها املوت املاكر‬ ‫وأنت يف طريقك‬ ‫التحاول أن تلتقي طفيل‬ ‫أيها املتعقب رائحة املواليد الجدد‬ ‫باحثاً عن الحليب‬ ‫فلتجد ملحاً‪ ،‬فلتجد طحيناً‬ ‫لكن ال تحاول أن تجد حليبي‬ ‫ياعد ّو أمهات العامل‬ ‫حاصد أرواح الناس عىل الشطآن والطرقات‬ ‫ال تلتقي ذاك الطفل‬ ‫االسم الذي ع ّمد به‬ ‫وتلك الزهرة التي كرب معها‬ ‫فلتنسها‪ ،‬أنت الذي يذكر كل يشء‬ ‫أسقطها من حسبانك‬ ‫أيها املوت‬ ‫دع الريح وامللح والرمل‬ ‫يفقدونك صوابك‬ ‫يبعرثونك‬ ‫حتى التعرف الرشق من الغرب‬ ‫أو األم من الطفل‬ ‫كسمكة يف البحر‬ ‫و يف النهار‪ ,‬حني يحني الوقت‬ ‫فلتجدين أنا فقط‬

‫املرأة الغريبة‬

‫تتحدث بنربة بحارها الوحشية‬ ‫مع طحالب ورمال مجهولة‬ ‫يف حديقتنا اآلن‪ ،‬بكل غرابة‬ ‫زرعت صباراً وعشباً غريباً‬ ‫نسيم الصحراء ميأل أنفاسها‬ ‫هي التي أحبت بكل رشاسة‬ ‫بكل شغف أبيض‬ ‫الحب الذي مل تتكلم عنه يوماً‬ ‫ّ‬ ‫ولو تكلمت لصارت خريطة لنجمة أخرى‬ ‫بيننا‪ ،‬قد تعيش لثامنني عاماً‬ ‫لكنها‪ ،‬وكأنها قد وصلت للتو‬ ‫هي التي تتحدث بلسان يلهث وي ّنئ‬ ‫اليفهمها سوى الوحوش‬ ‫ستموت هنا بيننا‬ ‫يف ليلة عذاب كبري‬ ‫قدرها مخدتها‬ ‫وموت صامت‪ ،‬وغريب‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪109‬‬


‫مختارات‬

‫هؤالء الذين ال يرقصون‬

‫طفل كسيح يسألنا‬ ‫كيف سأرقص ؟‬ ‫دع قلبك يرقص ‪ ..‬أجبناه‬ ‫ثم سألنا الباطل‬ ‫كيف أغني ؟‬ ‫دع قلبك يغني ‪ ..‬أجبناه‬ ‫ثم تكلم الشوك امليت املسكني‬ ‫ماذا عني ؟‬ ‫كيف أرقص ؟‬ ‫دع قلبك يطري اىل الريح‬ ‫أجبناه‬ ‫كل الوادي يرقص اآلن‬ ‫معاً تحت الشمس‬ ‫وقلب هذا الذي مل ينضم إلينا‬ ‫تحول إىل غبار ‪..‬إىل غبار‬

‫‪110‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الببغاء‬

‫الببغاء األخرض واألصفر‬ ‫الببغاء األخرض والزعفراين‬ ‫ينعتني بالبشعة‪ ،‬بصوته األخن‬ ‫الخارج من منقاره الشيطاين‬ ‫‪ ..‬لست بشعة ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫فلو كنت كذلك‪ ،‬لكانت أمي أيضا بشعة‬ ‫أمي التي تشبه الشمس‬ ‫ولكان الضوء الذي تحدق به ‪ ..‬بشع‬ ‫كذا الريح التي تحمل صوتها‬ ‫واملاء الذي يحمل جسدها‬ ‫وكذا‪ ،‬كان ليكون العامل‬ ‫الببغاء األخرض واألصفر‬ ‫الببغاء األخرض والذي يغري لونه‬ ‫ينعتني بالبشعة ألن أحداً مل يطعمه‬ ‫سآيت له بالخبز بنفيس‬ ‫ألين سئمت من النظر إليه‬ ‫دامئاً جامثاً‪ ،‬دامئاً يغري لونه ‪..‬‬


‫غابرييلال ميسترال‬

‫ثروة‬

‫أملك ثروة من السعادة الحقة‬ ‫وثروة من الخسارات‬ ‫األوىل تشبه وردة‬ ‫األخرى كأنها شوكة‬ ‫مانهبوه مني ‪ ..‬مل أخرسه بعد‬ ‫أملك ثروة من النعيم‬ ‫وثروة من الخسارات‬ ‫أنا الرثية باألرجوان واألحزان‬ ‫آه ‪ ..‬كم أحببت تلك الوردة‬ ‫وكم أحبتني تلك الشوكة‬ ‫كح ّد مزدوج لتوأم فاكهة‬ ‫أملك ثروة من النعيم‬ ‫وثروة من الخسارات‬

‫قدما الطفل الصغرية‬

‫قدما الطفل الصغرية‬ ‫زرقاوتان ‪ ..‬زرقاوتان من الربد‬ ‫كيف يرونك وال يحموك ‪..‬‬ ‫يا الهي !‬ ‫قدمان صغريتان جريحتان‬ ‫مألهام الحىص بالرضوض‬ ‫الثلج والرتبة أساؤوا لهام‬ ‫أعمى هذا االنسان‬ ‫الذي يجهل أنك أينام تخطو‪ ,‬ترتك برع ًام من ضوء‬ ‫وأنك أينام تضع باطن قدمك الصغرية النازفة‬ ‫ينمو مسك ف ّواح‬ ‫ومع ذلك‬ ‫تعرب الشوارع مستقيام‪ ،‬شجاعاً‬ ‫دون وجل‬ ‫أقدام الطفل الصغرية‬

‫جحران كرميان يعانيان‬ ‫كيف مي ّر الناس وال يرون ؟‬

‫هات تلك اليد‬

‫هات يدك ولرنقص‬ ‫هات يدك وأح ّبيني‬ ‫سنصبح كزهرة واحدة‬ ‫زهرة واحدة ‪ ..‬واليشء أكرث‬ ‫سنغني نفس القصيدة‬ ‫سرنقص نفس الخطوة‬ ‫سنموج كسنبلة واحدة‬ ‫كسنبلة واحدة ‪ ..‬واليشء أكرث‬ ‫اسمك زهرة‪ ،‬وأنا اسمي األمل‬ ‫لكن‪ ،‬فلننىس أسامءنا‬ ‫نحن رقصة عىل التلة‬ ‫رقصة واحدة ‪ ..‬واليشء أكرث‬ ‫الرسومات‪ :‬روبريتو ماتا‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪111‬‬


‫مختارات‬

‫مختارات ِمن شع ِر النساء األفغانيات‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫محمد حلمي ِّ‬ ‫َّ‬ ‫الريشة‬ ‫ترجمة عن االنكليزية‪:‬‬

‫ناديا أَنجمن (‪)2005-1980‬‬

‫ُ‬ ‫الخطوات الخرضا ِء ه َو املط ُر‬ ‫صوت‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ني منَ َّ‬ ‫ريق‪َ ،‬‬ ‫إِ َّنهنَّ يأت َ‬ ‫اآلن‬ ‫الط ِ‬ ‫رواحهنَّ ال َعطىش و َتنان ُريهنَّ املرتب ُة ُج ْ‬ ‫الصحرا ِء‬ ‫لبت منَ َّ‬ ‫أَ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫اب‬ ‫ملتهبة‪،‬‬ ‫نفاسهنَّ‬ ‫أَ ُ‬ ‫ومختلطة بالسرَّ ِ‬ ‫أَفواههنَّ جا َّف ٌة‪ ،‬ومحش َّو ٌة بالغبا ِر‬ ‫ني منَ َّ‬ ‫ريق‪َ ،‬‬ ‫إِ َّنهنَّ ْيأت َ‬ ‫اآلن‬ ‫الط ِ‬ ‫ني علىَ َ‬ ‫ُ‬ ‫الفتيات ال َّلوايت تر َّب َ‬ ‫األملِ‪ ،‬أَجسادُهنَّ مع َّذ ٌبة‪،‬‬ ‫الفرح وجوهَ هنَّ‬ ‫غاد َر ُ‬ ‫َّ‬ ‫ٌ‬ ‫قات‬ ‫قدمية‬ ‫قلو ُبهنَّ‬ ‫ومسطر ٌة بالتَّش ُّق ِ‬ ‫ٌ‬ ‫ابتسامة تظه ُر علىَ‬ ‫الَ‬ ‫فاههنَّ‬ ‫ِ‬ ‫لش ِ‬ ‫املحيطات الكئيب ِة ِ‬ ‫تنبع منَ املجا ِري الجا َّف ِة ُلعيو ِنهنَّ‬ ‫و َما منْ دمع ٍة ُ‬ ‫َيا الله!‬ ‫َ‬ ‫ربمَّ ا الَ أ ُ‬ ‫الصامت ُة ُ‬ ‫عرف َما إِذا ْ‬ ‫تصل إِىل‬ ‫كانت صرَ خا ُتهنَّ َّ‬ ‫الغيوم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫اموات ا ُملق َّبب ِة؟‬ ‫والس ِ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫الخطوات الخرضا ِء ه َو املط ُر‪.‬‬ ‫صوت‬ ‫ِ‬

‫َبروين َبزواك (مواليد ‪)1966‬‬

‫فيِ أَحال ِمي‬ ‫أَط ُري وأَنظ ُر إِىل َن ْفيس‬ ‫عدم ال ِّثق ِة‪َ -‬‬ ‫مثل طائ ٍر‬ ‫يف ِ‬ ‫يح ِّلقُ َ‬ ‫فوق بحري ٍة‬ ‫هلِ ُّ‬ ‫الطيو ُر الح ِبيس ُة‬ ‫َ‬ ‫حلمها َ‬ ‫مثل أحال ِمي؟‬ ‫ُ‬ ‫***‬ ‫الزَّهر ُة ا َّلتي تح َّو ْ‬ ‫لت‬ ‫‪112‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫إِىل حج ٍر‬ ‫َ‬ ‫كان ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ذات م َّر ٍة أك َرث ر َّق ًة‬ ‫منَ الزَّهر ِة‪،‬‬ ‫صبح‬ ‫وأَخشىَ أَن ُت َ‬ ‫قاسي ًة أَك َرث منَ‬ ‫الحج ِر‪.‬‬

‫َبروين فايز زاده مالل (مواليد ‪)1957‬‬

‫َ‬ ‫مثل زهر ِة صحرا ٍء تنتظ ُر املط َر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مثل ض َّف ِة نه ٍر عَطىش للمس ِة ِجرا ٍر‪،‬‬ ‫َ‬ ‫مثل الفج ِر‬ ‫يتش َّو ُق َّ‬ ‫للضو ِء؛‬ ‫َ‬ ‫بيت‪،‬‬ ‫ومثل ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫بيت فيِ األطاللِ يريدُ امرأ ًة ‪-‬‬ ‫مثل ٍ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫تلك ا َّلتي استن ِفد َْت منْ أوقا ِتنا‬ ‫تحتاج لحظ ًة للتَّن ُّف ِس‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َّوم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وتحتاج لحظ ًة للن ِ‬ ‫سالم‪ ،‬ب َ‬ ‫ب َ‬ ‫سالم‪.‬‬ ‫ني ذر ِّ‬ ‫ني ذر ِّ‬ ‫اعي ٍ‬ ‫اعي ٍ‬

‫فتانا جهانجري أَهراري (مواليد ‪)1962‬‬

‫َ‬ ‫واهن‬ ‫مثل رجلٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يلهث‬ ‫َ‬ ‫جريح‬ ‫مثل طائ ٍر ٍ‬ ‫ُ‬ ‫عالج‬ ‫يبحث عنْ ٍ‬ ‫َ‬ ‫ذنب‬ ‫مثل ضم ٍري ُم ٍ‬


‫الفنانة نجيا هاشمي‬

‫ُ‬ ‫بعض فضيل ٍة‬ ‫يبحث عنْ ِ‬ ‫َ‬ ‫جائع‬ ‫مثل طفلٍ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫وت‬ ‫بعض ال ُق ِ‬ ‫يتوق إِىل ِ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫متعط ٍش‬ ‫مثل مخلوقٍ‬ ‫بعض املا ِء‬ ‫يتل َّه ُف إِىل ِ‬ ‫ُأريدُ َ‬ ‫الصفا ِء‬ ‫بعض َّ‬ ‫حتاج َ‬ ‫االنسجام‬ ‫بعض‬ ‫أَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫بعض ُّ‬ ‫أَنا أَنتظ ُر َ‬ ‫الط ْأمنين ِة‬ ‫رجوك َ‬ ‫َ‬ ‫تعال أَ َ‬ ‫تعال‬ ‫السال ُم‪.‬‬ ‫السال ُم‪َّ ..‬‬ ‫السال ُم‪َّ ..‬‬ ‫أَ ُّيها َّ‬

‫شاكيال نصري (مواليد ‪)1949‬‬

‫لوب الَ ُ‬ ‫تهدأ‬ ‫ُأ ِ‬ ‫قس ُم علىَ ُق ٍ‬ ‫ناس تائهنيَ‪،‬‬ ‫ُأل ٍ‬ ‫وعلىَ حرسات ومآيس َمن الَ ْ‬ ‫مأوى لَهم‪،‬‬ ‫وآالم الفقرا ِء‪،‬‬ ‫وعلىَ مرار ِة ِ‬ ‫يائس ُأل ٍّم حزين ٍة‪،‬‬ ‫قلب ٍ‬ ‫وعلىَ ٍ‬ ‫شجاع َ‬ ‫سقط من أَجلِ وطن ِه‪،‬‬ ‫قس ُم علىَ ج َّث ِة جنديٍّ‬ ‫ُأ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫قس ُم علىَ وديا ِنكم الخرضاء‬ ‫ُوأ ِ‬ ‫وارتفاع جبالِكم وسام ِئكم الزَّرقاء دا ًمئا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫لىَ‬ ‫قس ُم ع أبنا ِئكم وبنا ِتكم ُّ‬ ‫الشجعان‬ ‫ُوأ ِ‬ ‫فون َم ُ‬ ‫ا َّلذينَ ي ِق َ‬ ‫عكم‪،‬‬

‫قس ُم علىَ‬ ‫الكتب املقدَّس ِة‪،‬‬ ‫ُوأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الخالق‪،‬‬ ‫قس ُم بالل ِه سبحان ُه و َتعاىل‪،‬‬ ‫ُوأ ِ‬ ‫ِ‬ ‫منح‬ ‫أَ َّنني لنْ أَ َ‬ ‫سالم منْ ترا ِب َك‪،‬‬ ‫والَ حتَّى ذ َّر َة ٍ‬ ‫ُأوه‪َ ،‬يا َ‬ ‫الحبيب!‬ ‫وطني‬ ‫ُ‬ ‫بالنِّسب ِة إِىل العاملِ ك ِّل ِه‪.‬‬

‫ِمينا كيشوار كامل (‪)1987-1956‬‬

‫أَنا امرأَ ٌة‬ ‫أَ‬ ‫ُ‬ ‫ستيقظ َ‬ ‫اآلن‬ ‫أَ ُ‬ ‫نهض منْ رما ِد محرق ِة أَجسا ِد‬ ‫صبح عاصف ًة‬ ‫أَطفايل‪ُ ،‬وأ ُ‬ ‫أَ ُ‬ ‫دم إِخويت‬ ‫نهض منْ ت َّيار ِ‬ ‫ات ِ‬ ‫غضب َشعبي‬ ‫و ُمتم ِّكن ًة منْ ِق َبلِ‬ ‫ِ‬ ‫قت فيِ َ‬ ‫ُّ‬ ‫كل قري ٍة ُأح ِر ْ‬ ‫وطني‬ ‫ً‬ ‫لىَ‬ ‫مت َلؤين غيظا ع العد ِّو‬ ‫ُمواطنتي َ‬ ‫اآلن‬ ‫ْمل َتع ْد تف ِّك ُر يب َ‬ ‫مثل ضح َّي ٍة عاجز ٍة‬ ‫أَنا امرأَ ٌة‬ ‫أَ‬ ‫ُ‬ ‫ستيقظ َ‬ ‫اآلن‬ ‫ُ‬ ‫وجدت َطريقي‬ ‫لق ْد‬ ‫َ‬ ‫ولنْ أعودَ‪.‬‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪113‬‬


‫جدل‬

‫تغييب فلسطين عن‬ ‫المشاركات الشعرية‬ ‫العربية ‪..‬‬

‫لماذا؟‬

‫مراد السوداني‬

‫خليل زقطان‪ ،‬برهان الدين العبويش‪ ،‬حسن البحريي‪ ،‬عبد‬ ‫األرض املحتلّة كانت ومازالت معاندة مكابرة تنازل‬ ‫الرحيم محمود‪ ،‬كامل نارص‪ ،‬عيل فودة‪ ،‬معني بسيسو‪،‬‬ ‫النقيض االحتاليل وتؤكّد قدرتها واقتدارها عىل االحتامل‬ ‫توفيق زيّاد‪ ،‬راشد حسني‪ ،‬يوسف الخطيب‪ ،‬أبو الصادق‬ ‫واملناجزة ‪ ..‬وهي هي غ ّرة الكون فعالً وصمودا ً وقولة‬ ‫ظل طغيان الحسيني‪ ،‬محمد القييس‪ ،‬حسني الربغويث‪ ،‬فيصل قرقطي‪،‬‬ ‫تليق بالحريّة واملعنى ‪ ..‬إذ هي ُج ُّل املعنى يف ّ‬ ‫الشكل والشكليات ‪،‬وظلّت املقولة الثقافية تحرس الروح والقامئة تطول‪ ،‬وقد أوردت بعض هذه األسامء الشاعرة‬ ‫الجامعية من اإلنكسار والخلخلة واالرتباك بتعزيز الثبات لإلشارة وبوضوح أنه ال يوجد يف املكتبة الفلسطينية‬ ‫الغائبة أصالً ‪ -‬إذ ال وجود ملكتبة وطنية فلسطينية ‪-‬‬ ‫والحق والحقيقة الفلسطينية املحمولة عىل رواية البالد‬ ‫ّ‬ ‫إصدارات هؤالء الكبار ‪ ..‬ألج ّدد القول بسياق الحذف‬ ‫وحكاية الرتاب الح ّر ‪.‬‬ ‫وفلسطني إذ متت ُّد يف عمقها العر ّيب واإلنسا ّين نشيدا ً‬ ‫واإللغاء الذي طال هذه القامات الوارفة وغريها‪ ،‬نزوالً‬ ‫عند رغبة الشاعر األوحد‪ ،‬واملثقف األوحد‪ ،‬والواحدية‬ ‫صادحاً ومعاناة ووعياً‪ ،‬فإ ّن متثليها يحتاج إىل وقفة‪ ،‬أل ّن‬ ‫من ميثّل هذه الفلسطني تقع عىل كاهله مسؤولية ليست التي انتهت منذ أمد بعيد‪.‬‬ ‫جوهر القول أ ّن متثيل فلسطني يف الخارج يحتاج إىل‬ ‫بالسهلة والعادية‪ ،‬وهنا أتح ّدث عن التمثيل الثقايف‬ ‫توقّف ج ّدي‪ ،‬فالثقافة الفلسطينية يف األرض املحتلّة‬ ‫تحديدا ً وحرصا ً‪.‬‬ ‫تتعرض ملحو واستهداف يومي وكذلك املثقفون الذين‬ ‫بعد رحيل الشاعر الكوين محمود درويش‪ ،‬مث ّة من أراد‬ ‫تحارصهم العزلة واملعازل ويحال بينهم وبني عمقهم‬ ‫فلسطينياً أن يتوقّف الفعل الثقايف عند هذه املحطّة ‪..‬‬ ‫العريب واإلنساين‪ .‬فاالحتالل يحول دون إيصال الكتب إىل‬ ‫ويف ذلك انتقاص من الثقافة الفلسطينية التي منذ مائة‬ ‫عام وهي تج ّدد إنجازاتها وعطاءها عىل كافة السياقات‪ ،‬فلسطني وبالتايل ال إضاءة عىل املشهد الثقايف العريب يف‬ ‫فلسطني‪ ،‬وال كتب تخرج من فلسطني‪ ،‬فال إضاءة عىل‬ ‫وللتاريخ فقد نال الظلم العديد من األسامء الوازنة يف‬ ‫املشهد الثقايف الفلسطيني لدى عمقه العريب‪ ،‬النتيجة‬ ‫الثقافة الفلسطينية التي ألقي الرتاب والنسيان عىل‬ ‫انعدام التواصل الحيلولة دون تحقيق إطاللة عىل معاناة‬ ‫إرثها اإلبداعي‪ ،‬عىل الرغم من تو ّهجه وبقائه عالياً مثل‬ ‫املثقفني الفلسطينيني وما يتع ّرضون له من تعتيم‪ .‬وعليه‪،‬‬ ‫شجرنا املحارب‪ ،‬إذ مل تنل هذه األسامء اإلضاءة الوافرة‬ ‫فإن إرشاك املثقفني من األرض املحتلّة يف الفعاليات‬ ‫التي تليق بها وبدورها ومنها‪ :‬نوح إبراهيم‪ ،‬إبراهيم‬ ‫تعج بها األقطار العربية بات أمرا ً واجباً‬ ‫طوقان‪ ،‬فدوى طوقان‪ ،‬عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى)‪ ،‬والنشاطات التي ّ‬ ‫‪114‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫تغييب فلسطين‬

‫الفنان سليامن منصور‬

‫ّ‬ ‫لفك الحصار عن الثقافة الفلسطينية ومجرتحيها‪.‬‬ ‫كام أن طباعة الكتاب الفلسطيني يف العواصم العربية‬ ‫يساهم بشكل فاعل يف التعريف بالسياق الثقايف‬ ‫الفلسطيني‪ ،‬ويرفع الحصار بفاعلية عن الكتاب‬ ‫الفلسطيني امللقى يف غيابة اإلقصاء والتهميش املدان‪.‬‬ ‫ففي معارض الكتب املتوالية مث ّة غياب واضح وافضح‬ ‫لفلسطني ثقافة ووعياً‪ ،‬وال يكلف املنظ ّمون أنفسهم‬ ‫عناء إرشاك املثقف الفلسطيني إالّ بنزر يسري وفق‬ ‫معايري أبعد ما تكون عن الثقافة الفلسطينية واتساعها‪.‬‬ ‫والتغييب يطال جمهرة األرواح الشاعرة يف األرض‬ ‫املحتلة يف مجمل النشاطات الشعرية التي تنظمها‬ ‫املؤسسات ذات العالقة ‪.‬‬ ‫إشكالية أخرى نالحظها أن شعراء فلسطينيني من‬ ‫الشتات يتقنعون باسم فلسطني ويق ّدمون أنفسهم باسم‬ ‫الدول التي يقيمون فيها‪ ،‬ويشاركون كشعراء فلسطينيني‬ ‫وهذا يلحق ظلامً واضحاً بالشعرية الفلسطينية التي لها‬

‫من يصدح باسمها ورسمها‪ .‬منوهاً أن هناك يف الشتات‬ ‫من يع ّرف نفسه كشاعر فلسطيني وهؤالء يع ّدون عىل‬ ‫األصابع‪ .‬وعليه ال ب ّد من وضع الشعرية الفلسطينية يف‬ ‫سياقها‪.‬‬ ‫كام أن بعض الشعراء ومثقفي العالقات العامة الذين‬ ‫يريدون إيقاف الشعرية والثقافة الفلسطينية عىل‬ ‫حضورهم الذي منحهم إياه تطبيل هنا وإضاءة هناك‪،‬‬ ‫يرغبون يف أن تبقى عجلة املشاركة الخارجية تدور يف‬ ‫فلكهم‪.‬‬ ‫إ ّن الشعرية الفلسطينية تحتشد بأسامء عالية وتجارب‬ ‫تستحق االنتباه والتعميم واالنتشار‪،‬‬ ‫شعرية جديدة‬ ‫ّ‬ ‫وعليه‪ ،‬فإن املشاركة الشعرية الفلسطينية ال ب ّد لها أن‬ ‫تراعي فلسطني املحتلة مبا فيها فلسطني املحتلة العام‬ ‫‪ ،1948‬والشعرية الفلسطينية يف الشتات‪ ،‬حتى تكتمل‬ ‫املقولة ويرتفع النشيد مبا هو جدير بهذه الفلسطيني‬ ‫ودورها الثقايف العارم‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪115‬‬


‫شعر وفلك‬

‫أنسي الحاج‬

‫قـراءة فلكية‬ ‫تشير خارطة ميالد أنسي الحاج الى أن شخصيته تمحورت بين عنصري الجرأة والخيال‪ ،‬في حين‬

‫ً‬ ‫متحررا من طين‬ ‫كانت تفتقر الى العنصر الترابي‪ ،‬عنصر الواقعية وحب التملك‪ ،‬ولهذا نشأ أنسي‬

‫ً‬ ‫ً‬ ‫عصفورا نحو السماء‪.‬‬ ‫ومنعتقا من قيود المادة‪ ،‬تهفو روحه الى الملكوت ويرف قلبه‬ ‫األرض‬

‫ياسين الزبيدي‬

‫كانت‬

‫الشمس قد دخلت برج االسد يف‬ ‫سامء بلدة قيتويل اللبنانية عندما‬ ‫اطلق انيس رصخة الوالدة االوىل‪ ،‬يف حني توزعت بقية‬ ‫الكواكب يف ابرا ٍج مائية وهوائية يف يوم السابع والعرشين‬ ‫من متوز عام ‪ ،1937‬ذلك ما اخربتنا به احدى برمجيات‬ ‫الحاسوب التي تعيد رسم مواقع كواكب املجموعة‬ ‫الشمسية وفقاً ملا زودناها به من معطيات‪ .‬إن لرسمة‬ ‫الكواكب هذه أو ما يطلق عليه اصطالحا بخارطة امليالد‬ ‫أهمية كبرية يف تحليل النفس البرشية‪ ،‬وتفسري الدوافع‬ ‫والرغبات التي تدفع االنسان اىل اتخاذ موقف معني تجاه‬ ‫قضايا مجتمعه وعرصه‪.‬‬ ‫املواقف الحازمة التي تبناها الحاج يف رحلته الحياتية‬ ‫صا َحبها إميان مشبوب وطبع ناري تأىت إليه من برج‬ ‫االسد‪ ،‬برج النبالء والخيالء واالعتداد بالنفس‪ .‬وقبل ان‬ ‫نتحدث عن النقاط الفارقة يف مسرية حياته‪ ،‬ال بد لنا من‬ ‫أن نع ّرج اىل دور الشمس يف تركيبته الشخصية‪.‬‬

‫دَور الشمس‬

‫متثل الشمس إرادة االنسان الحرة وتوجهاته األساسية يف‬ ‫الحياة‪ ,‬كام متثل مظهر االنسان الخارجي‪ ,‬وكيف ي ُـنظر‬ ‫إليه من قبل اآلخرين‪ .‬وملا كانت يف الشمس يف العرشية‬

‫‪116‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫االوىل من برج االسد لدى أنيس‪ ،‬أدى هذا اىل امتالكه‬ ‫كريزما خاطفة لألنظار‪ ،‬تجعله إذا تحدث لفت انتباه‬ ‫اآلخر‪ ،‬فهو ميتلك عنرص القيادة والتوجيه‪ ،‬يخطو الخطوة‬ ‫االوىل فتتبعه الجموع‪ ،‬ال يرىض بالواقع كام هو‪ ،‬ولديه‬ ‫القدرة عىل أن يكون هو التغيري الذي يطلبه يف املجتمع‪.‬‬ ‫وقبل كل هذا له من االنفة والكربياء ما يجعله شامخاً‪،‬‬ ‫ويف ذلك يصفه الشاعر السوري حسني حبش «هو الشاعر‬ ‫العيص الشامخ‪ ،‬الذي ال يتنازل عن عرش الشعر الشاهق‬ ‫لصالح أنانيات طارئة وآنية‪ ،‬ال متت لكربياء الشعر بصلة‪.‬‬


‫أنسي الحاج‬

‫هو الشاعر الذي ال يتوسل أحدا ً‪ ،‬وال يسعى اىل أي كان‪.‬‬ ‫مسعاه الحقيقي والفاتن هو الشعر ثم الشعر»‪.‬‬

‫جرأة األسد‬

‫الشمس تصف املظهر‪ ،‬وعطارد يصف الفكر وأسلوب‬ ‫التعامل مع االخرين‪ ،‬وهو أول كواكب املجموعة‬ ‫الشمسية وأقربها اىل الشمس‪ .‬نلجأ إليه عندما نتطلع اىل‬ ‫تحليل شخصية واحد من رجاالت الثقافة والفكر‪ ،‬وقد‬ ‫تواجد يف خارطة ميالد انيس يف برج االسد الناري مجاورا ً‬ ‫ملوقع الشمس‪ ،‬مام جعل أنيس ميتلك ثقة عالية وإميانا‬ ‫عميقا بقدرته عىل حل أية مشكلة تعرتضه‪ ،‬وإذا ما اقتنع‬ ‫بيش فإنه مييض نحوه بكل جرأة وإقدام‪.‬‬ ‫يف مطلع الستينيات من القرن املايض كانت دكتاتورية‬ ‫التفعلية والشعر املوزن طاغية يف ساحة القصيدة واألدب‪،‬‬ ‫وكانت كل محاولة للخروج عن قيود القافية تجعل‬ ‫صاحبها عرضة لالتهام بالخروج عن السائد وتضعه يف‬ ‫قامئة املندسني واملارقني‪ .‬وكان هناك فتي ٌة راحوا يحاولون‬ ‫بصمت ان يكتبوا قصيدة النرث‪ ،‬ولكن احدا ً منهم مل يجرأ‬ ‫رصح بها علنا خوفا من رشط التفعيلة وسطوة‬ ‫عىل أن ي ّ‬ ‫الوزن والقافية‪ ،‬ولهذا كانت محاوالتهم متواضعة وكانوا‬

‫ال يجرؤون حتى عىل تسميتها بقصيدة نرث‪ ،‬وليك يفلت‬ ‫البعض منهم من املحاسبة راح يطلق عىل محاوالته‬ ‫خواطر او تجليات صوفية دون ان يفكر مجرد فكرة بأن‬ ‫يصف هذه املحاوالت عىل انها يش من حداثة الشعر‪.‬‬ ‫وهكذا كانت قصيدة النرث كطفلة لقيطة‪ ،‬ومن بني هذا‬ ‫الجو املشحون بالخوف أطلت جرأة االسد يف «لن»‬ ‫الديوان األول ألنيس الحاج‪ ،‬ليرصخ يف مقدمة الديوان‬ ‫بوجه التقليد األعمى وسد الرجعية االصم‪« :‬ألف عام من‬ ‫الضغط‪ ،‬الف عام ونحن عبيد وجهالء وسطحيون‪ .‬ليك‬ ‫يتم لنا الخالص علينا ان نقف امام هذا السد‪ ،‬ونبجه»‪.‬‬ ‫لقد وقف ابن الثالثة والعرشين متسائالً بكل بسالة‬ ‫«هل ميكن ان نخرج من النرث قصيدة؟ أجل فالنظم ليس‬ ‫هو الفرق الحقيقي بني النرث والشعر‪ .‬لقد ق ّدمت جميع‬ ‫الرتاثات الحية شعرا ً عظيامً يف النرث‪ ،‬وال تزال»‪ .‬ثم التف‬ ‫اىل قصيدة النرث وأشار إليها ‪ ..‬نعم انها ابنتي وانا أبوها‬ ‫الرشعي وافعلوا يا متعصبي الثقافة والشعر ما بوسعكم‬ ‫أن تفعلوا‪ .‬واليوم بعد ان كربت هذه الطفلة وغدت‬ ‫رمبا أكرث شهرة من أبيها فإنها قد تنىس كل شيئ إال‬ ‫جرأة االسد يف أبيها الذي قال «لن» اغري الشعر ولكنني‬ ‫سأضيف اليه ما يجب ان يضاف‪:‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪117‬‬


‫شعر وفلك‬

‫وكام أين عىل يديَّ أحمل غريي‬ ‫وانتهى األم ُر‬ ‫وكام أين قبل هذا ُ‬ ‫قلت هذا وغريه وانتهى األم ُر‬ ‫ميكن ّأن ما أحلم به لن‬ ‫ُأح ّق َقه‬ ‫ألن يدي‬ ‫خاص ًة‬ ‫من حني إىل حني يف الشتاء ّ‬ ‫ترتك أحاملها وتصبح رشيق ًة‬ ‫تصبح ولدي‬ ‫وتأخذ عطل ًة‬ ‫وتعطيني من وقتها فتحمل‬ ‫منّي‬ ‫ورق ًة أو دفرتاً‬ ‫دو ُّيه املاحي نظري‬ ‫يختنق جهراً !‬

‫الهروب من الواقع‬

‫تكمن املفارقة يف التحليل الفليك عند وصف ظاهر‬ ‫الشخصية وباطنها‪ ،‬او اشكالية موقع الشمس وموقع‬ ‫القمر‪ ،‬فالشمس تصف العقل واالرادة ومظهرنا الخارجي‪،‬‬ ‫يف حني يصف القمر عاطفتنا وتفكرينا الالواعي واسلوب‬ ‫تعاملنا مع ذواتنا‪ ،‬وكام تحدثنا مسبقاً فقد كانت الشمس‬ ‫عامالً مهام يف كريزما انيس الحاج وعامالً فعاالً يف انـَفـَ ِت ِه‬ ‫وكربيائه‪ ،‬ولكن كيف يتعامل انيس مع ذاته عندما يكون‬ ‫مختليا بنفسه بعيدا ً عن صخب الحياة والناس‪.‬‬

‫أطلت جرأة االسد في «لن»‬ ‫الديوان األول ألنسي الحاج‪،‬‬ ‫ليصرخ في مقدمة الديوان‬ ‫بوجه التقليد األعمى وسد‬ ‫الرجعية االصم‬

‫‪118‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫كان القمر يف زاوية سلبية من برج الحوت املايئ‪ ،‬برج‬ ‫االحالم واملزاجية والسوداوية‪ ،‬وهذ ما جعل أنيس رغم‬ ‫انه لبناين الوالدة يختلف كثريا عن اللبنانيني‪ ،‬وهو يف‬ ‫احد حواراته مع اسكندر حبش يشري اىل طبعه املختلف‬ ‫« اللبنانيون أذىك مني وأشطر ومنسجمون مع انفسهم‬ ‫اكرثمني‪ .‬أشعر احياناً انني لست لبنانياً‪ ،‬ألنه ليس لدي‬ ‫الصفات اللبنانية الوطنية‪ ،‬أي الحذاقة والشطارة واللباقة‬ ‫والذكاء التجاري والتفاؤل‪ .‬اللبناين كائن نهاري مشمس‪،‬‬ ‫أما انا فكائن لييل‪ ،‬ظيل»‪.‬‬ ‫يف اواسط السبعينيات اشتعل فتيل الحرب االهلية‬ ‫اللبنانية يف حمى القتل والرصاعات والتناحر عىل السلطة‪.‬‬ ‫وكان الحاج يلوذ يف تلك الفرتة بـ «الرسولة بشعرها‬ ‫الطويل حتى الينابيع» ديوانه الشعري الذي كان ميثل‬ ‫نقاء امللكوت وسلطة السامء ضد قوى الرش املتنازعة‪ .‬بيد‬ ‫ان رائحة البارود وحرشجة املوىت واتون الرصاع املحتدم‬ ‫كان يدفع أنيس اىل خيارين احدهام اصعب من اآلخر‪،‬‬ ‫كان عليه إما ان يبيع قلمه لحزب من االحزاب وهذا‬ ‫االمر ينايف حرية واباء الشاعر‪ ،‬أو أن يحول فوهة قلمه اىل‬ ‫بندقية يطلق بها الرصاص عىل كل قوى التعصب والعنف‬ ‫دون استنثاء وهذا يعني انتحار عىل كافة الصعد‪ .‬وبينام‬ ‫كان يف خضم هذا الرصاع النفيس‪ ،‬رصاع الالوعي والعقل‬ ‫الباطن‪ ،‬تدخلت زاوية القمر السلبية لتدفعه بعيدا عن‬ ‫هذين القرارين‪ ،‬فعندما يكون القمر سلبياً يف الحوت فإنه‬ ‫يدفع بصاحبه للهروب من الواقع اىل عامل الوهم‪ ،‬عامل‬ ‫يرسمه بفرشاة إلهامه وخياله الخصب‪ ،‬عامل من الرؤى‬ ‫يستطيع أن يستغني به عن الواقع ومرارته‪ ،‬لذا فقد اتخذ‬ ‫قراره الخطري بالهروب من كل شيئ حتى من الشعر‬ ‫وهو رورحه ووجدانه ودخل يف معتكفه صامتا ألكرث من‬ ‫خمسة عرشة عاماً‪ .‬لقد اتخذ أنيس هذا القرار ألنه شعر‬ ‫أنه لن يستطيع أن يرب بقسمه تجاه «الرسولة»‪ ،‬وراحت‬ ‫ابتهاالته وصدى كلامته تتالىش مع تعايل اصوات الرصاص‬ ‫ووحشية الحرب‪:‬‬

‫قس ُم ْأن أحمل بالديَ يف ُح ّب ِك ْ‬ ‫وأن أحمل العامل يف‬ ‫ُأ ِ‬ ‫بالدي‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫قس ُم أن أح ّب ِك دون أن أعرف كم أح ّب ِك‬ ‫ُأ ِ‬


‫أنسي الحاج‬

‫املاغوط جالساً عىل األرض (اىل اليمني) واىل جانبه يوسف الخال‪ ،‬ادونيس‪ ،‬أنيس الحاج‪ ،‬ادفيك شيبوب وجميل جرب‬

‫قاسمك هذا الصديقَ‬ ‫قس ُم أن أميش اىل جانبي ُوأ‬ ‫ِ‬ ‫ُأ ِ‬ ‫الوحيد‬ ‫ْ‬ ‫صوتك‬ ‫قس ُم أن يطري عمري كالنّحل من قفري‬ ‫ِ‬ ‫ُأ ِ‬ ‫قس ُم أن أنزل من برقِ َش ْع ِر ِك مطراً عىل السهول‬ ‫ُأ ِ‬ ‫قس ُم ُك ّلام ُ‬ ‫السطور أن أهتف‪:‬‬ ‫ُأ ِ‬ ‫عرثت عىل قلبي بني ّ‬ ‫َو َج ْد ُت ِك! َو َج ْد ُت ِك!‬

‫سيد االضداد وااللفاظ‬

‫برج الجوزاء هو برج االزدواجية واالضداد‪ ،‬وقد تخيله‬ ‫االغريق يف السامء بهيئة التوأمني كاستور وبولوكس‪ .‬ويف‬ ‫علم الفلك الحديث عندما يتواجد كوكب الزهرة يف برج‬ ‫الجوزاء كام هو الحال يف خريطة ميالد أنيس فإن ذلك‬ ‫يعني أنه رجل يستمتع بالحديث مع االشخاص االذكياء‬ ‫الذين يستطيعون ان يستوعبوا عمق أفكاره وأسلوبه‬ ‫الحاد يف التعبري عنها‪ .‬رجل يجد سعادته يف صديق صدوق‬ ‫أو جار مقرب يفتح له بوابات قلبه بكل طأمنينة‪ ،‬أما يف‬ ‫الحب فإنه متغري ومتقلب اليعرف االستقرار العاطفي ‪.‬‬

‫مل أقل يوماً متاماً ما هو الحب يل‬ ‫وما هي الحياة‬ ‫أنا السطحي باطني جداً‬

‫أنسي الحاج‬ ‫المبشر بعصر‬ ‫القصيدة الجديد‬ ‫رغم كل ما كـُتب‬ ‫عنه وكل ما‬ ‫سيكتب‪ ،‬سيبقى‬ ‫ظاهرة يصعب‬ ‫اإلحاطة بها تحلي ً‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫ودراسة‬

‫أنا املحب كاره عميق‬ ‫أنا الشاعر لست شاعراً‬

‫كام ان موقع كوكب الزهرة يضيف اىل شخصيته تفوقاً‬ ‫لغوياً عالياً فهو ميتلك ناصية اللغة وهي بيده عجينة‬ ‫طيعة يترصف بها كيف يشاء‪ ،‬فهو يعرب عن ما يختلج‬ ‫بصدره وروحه باسلوب أخّاذ‪ ،‬لكأن عفريت األلفاظ قد‬ ‫تل ّبسه فهو مييل إليه ما يريد أن ميليه‪.‬‬ ‫ان أنيس الحاج املبرش بعرص القصيدة الجديد رغم كل‬ ‫ما كـُتب عنه وكل ما سيكتب‪ ،‬سيبقى ظاهرة يصعب‬ ‫اإلحاطة بها تحليالً ودراسةً‪ .‬فأنيس شاعر يشابه القصيدة‬ ‫ولكنه يختلف عن الشعراء‪ ،‬يحب الحداثة والتجديد‬ ‫بقدر ما يحب االنطواء عىل نفسه واالبتعاد عن األضواء‬ ‫والشهرة‪ ،‬فقد رفض مقابلة العديد من الصحفيني‬ ‫البارزين ألنه مل من اسئلتهم التقليدية املكررة فهو يريد‬ ‫منهم ان ال يقفوا عىل األبواب بل يريد منهم أن يلجوا‬ ‫اىل عمق التجربة‪ .‬إنه الشاعر الذي كانت كلمة صغرية‬ ‫منه تكفي إلبكاء عيون الشاعر الكبري املاغوط‪ ،‬وهو‬ ‫الشاعر الوحيد الذي راهن عليه نزار قباين بروعة ما كتبه‬ ‫وما سيكتبه‪ ،‬هو ليس فقط «االب الرشعي الوحيد»‬ ‫لقصيدة النرث بل هو اكرثمن ذلك بكثري‪ ،‬هو قصيدة النرث‬ ‫ذاتها‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪119‬‬


‫مهرجانات‬

‫أيام في لوديف‬ ‫عبد الرحيم الخصار‬

‫(‪)1‬‬

‫أحس بجدوى األطراف كلام مشيت‪ ،‬و أصغي لرنني اللذة‬ ‫يف داخيل كلام وضعت قدمي عىل أرض بعيدة‪ ،‬جسدي‬ ‫أيضا يصري أكرث خفة و حياة يف السفر‪ .‬و األهم أنني أتخىل‬ ‫و لو لبضعة أيام عن تلك النظرة الفاترة و الزمن الرخو‬ ‫الذي يتمدد عىل الطريق بني بيتي و املقهى الذي صار بيتا‬ ‫آخر يل يف بلديت الصغرية و الخمولة‪.‬‬ ‫وصلت متأخرا بعد يوم طويل يف مطار الدار البيضاء‬ ‫صادف إرضابا للربابنة‪ ،‬و يف السيارة التي كانت تقطع‬ ‫بنا الطريق امللتوية يف الريف الفرنيس تحدثنا أنا و‬ ‫سائقها املارسييل عن الطقس و الشعر و التاريخ و‬ ‫السياسية و لكنة الجنوب‪ .‬أخربين أنني سأقيم لدى عائلة‬ ‫تقيم هي األخرى و سط بيت كبري من املشاعر العالية‪،‬‬ ‫كانت الساعة حوايل الواحدة بعد منتصف الليل حني‬ ‫كنت أخطو بهدوء داخل إقامة أوليفيي و إلني املحاطة‬ ‫باألشجار‪ ،‬و بالحب أيضا‪.‬‬ ‫أوليفيي عاشق كبري‪ ،‬ترك حياته األوىل مبا فيها‬ ‫من ضجيج‪ ،‬ترك أيضا عمله يف السينام‪ ،‬باع منزله يف‬

‫‪120‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫مونبيليي‪ ،‬أمسك بيد إلني و جاء ليعيش يف لوديف‪،‬‬ ‫حيث تتيح له حياة الريف أن يحيا وفق مزاجه‪ .‬مزاجه‬ ‫طفويل و حركاته و ابتسامته مشحونة بالرباءة‪ ،‬له ابنتان‬ ‫شقراوان‪ :‬لوو و جولييت‪ ،‬و إلني لها أيضا ابنتان مبالمح‬ ‫آسيوية‪ :‬ساشا و لويز‪.‬‬ ‫يصعب أن أنىس ذلك الصباح الرومانيس حني خرجت‬ ‫من االستوديو ألتجه إىل مقهى الهاوس وسط املدينة‪،‬‬ ‫هناك حيث يجلس أحمد راشد طوال النهار يكتب‪،‬‬ ‫وحيدا و هادئا مثل معلم يوغا‪ ،‬غري أن أوليفيي ناداين‬ ‫فوصلت إىل رشفته عرب ال ّدرج عابرا حديقته الربية‪ ،‬أحرض‬ ‫يل إبريق شاي مغربيا‪ ،‬و حدثني عن ولعه باألشياء‬ ‫الصغرية التي ال ينتبه لها اآلخرون‪ ،‬هو الذي تعود عىل‬ ‫صنع ديكورات و مجسامت من أشياء مهملة‪ ،‬التحقت‬ ‫بنا زوجته و صديقة لها ووصلت بناته الواحدة تلو‬ ‫األخرى مثل قطط تنفض عن فروها بقايا النوم‪ ،‬غري‬ ‫أن اللحظة املبهرة ستبدأ حني أمسكت لويز القيثارة و‬ ‫رشعت يف العزف‪ ،‬لويز ابنة السابعة عرش بعيونها الضيقة‬


‫لوديف للشعر‬

‫جعلتني وأنا أرشب الشاي و أصغي إىل عزفها أحس بأن‬ ‫العامل أرحب مام يبدو يل‪.‬‬ ‫ح ّول أوليفيي الطابق السفيل من املنزل إىل ورشة كبرية‬ ‫للنحت و الرسم‪ ،‬اكتشفت هناك منحوتات رائعة من‬ ‫الخشب ال حرص لها‪ ،‬ال تشغل حيز الورشة فحسب‪ ،‬بل‬ ‫متأل الردهات و زوايا املطبخ‪.‬‬ ‫كنت أقرأ شعرا يف «كور كازبالنكا» (درس الدار‬ ‫عيني‬ ‫البيضاء)‪ ،‬كان الصف الخلفي فارغا‪ ،‬و حني رفعت ّ‬ ‫إليه بعد جملة شعر رأيت هيلني ولو و ساشا عىل‬ ‫كراسيه‪ ،‬كانوا قد طلبوا من األطفال أن يرسموا عىل ورق‬ ‫أبيض ما يشعرون به و هم يسمعون قصائدي‪ ،‬الصغار‬ ‫رسموا أشياء كثرية‪ ،‬لكن يف كل ورقة كانت هناك أشجار‪،‬‬ ‫رمبا حدسوا أين منذ طفولتي كنت صديقا قدميا للغابة‪.‬‬ ‫يف الخارج كان أوليفيي يحمل إعالنا كبريا عىل ظهره‪،‬‬ ‫كَتبه عىل لوحة دقيقة من الخشب‪ ،‬يخرب فيه املارة و‬ ‫الحارضين أن ورشته ترحب بهم يوميا عىل الرابعة بعد‬ ‫الزوال من أجل تجاذب أطراف الفن‪.‬‬

‫عرب املمرات امللتوية التي تعلو بك شيئا فشيئا نحو‬ ‫معبد بوذا عىل رأس الجبال املتاخمة للمدينة كانت‬ ‫السيارة تتقدم بنا يف صباح صيفي هادئ‪ ،‬و كانت‬ ‫الصغرية لو تشري بيديها إىل القرى التي تتكاثف منازلها‬ ‫فوق املرتفعات‪ ،‬توقف أوليفيي أمام بيت كبري كان بابه‬ ‫مفتوحا عىل مسبح‪ ،‬و كانت شابة رشيقة تتمىش عىل‬ ‫جنباته بقطعتي سباحة زرقاوين‪ ،‬أعرب يل عن رغبته‬ ‫يف أن يرتكنا يف السيارة أنا و ابنتيه و ثيابه أيضا لريكض‬ ‫مخرتقا الباب و يرمتي يف املاء‪ ،‬شغل محرك السيارة و‬ ‫قال يل ‪»:‬بوذا أفضل»‪ .‬يف منتصف الطريق اكتشفنا أنها‬ ‫مقطوعة‪ ،‬و أنه يتعذر علينا أن نضع أقدامنا يف معبد‬ ‫بوذا‪ ،‬لذلك غرينا الوجهة باتجاه متثال العذراء الذي‬ ‫ينتصب عىل أعىل مرتفع يف املدينة‪ ،‬متثال أبيض منحوت‬ ‫بعناية‪ ،‬و حني ينعكس عليه الضوء يف الليل تراه فوق‬ ‫ظلمة الجبال فاردا جناحيه مثل مالك نازل من السامء‪.‬‬ ‫شامل املتوسط يسهل أن تنتقل يف يوم واحد بني بوذا‬ ‫و مريم أو أي اسم آخر‪.‬‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪121‬‬


‫مهرجانات‬

‫(‪)2‬‬ ‫يف شقة محمد حمودان كانت صور بوذا متأل كل مكان‪ ،‬صاحبة الشقة تركت كل يشء رهن رغبته‪ ،‬لكنه مل يكن‬ ‫يدخل املطبخ أو يشغل التلفاز‪ ،‬كان يفضل أن ينام عىل رسير ابنها‪ ،‬وحني يستيقظ يروقه أن يجلس عىل أريكة يف البهو‬ ‫ويعيد قراءة كلامته بصوت مسموع‪.‬‬ ‫ميلك حمودان من الجنون القدر نفسه من العقل والرزانة‪ ،‬يحب الحياة ويكتب بلغة صادمة ال تراعي عىل اإلطالق‬ ‫املشاعر الهادئة و املرهفة لآلخرين‪ .‬مرة قالت له سيدة فرنسية و هو يقرأ شعرا عنيفا يف حديقة نوتردام ‪ «:‬ما بك‬ ‫سيدي؟ هل ميكنني ان أقدم لك مساعدة ما؟ إذا كنت مريضا فأنا أستطيع أن أعالجك» ضحك و أخربها بأنه يف كامل‬ ‫وعيه‪ ،‬وأنه ال يعاين من مشاكل عقلية مضيفا‪« :‬إنه الشعر سيديت‪ ،‬إنه الشعر»‪.‬‬ ‫كنت أدرك أن العنف يف نصوص حمودان هو رد فعل عىل عنف آخر يوجد يف الحياة‪ ،‬القوي يبتلع الضعيف واآلخر‬ ‫دامئا مرفوض أو عىل األقل مشتبه فيه‪ ،‬ليس هذا ما يعانيه املهاجرون يف فرنسا فحسب‪ ،‬بل هذا ما يعانيه اإلنسان الذي‬ ‫يعيش عىل هذا الكوكب من إنسان آخر يعيش معه عىل نفس الكوكب‪.‬‬ ‫قرأت شعرا عىل ضوء الشموع و آخر تحت األشجار أو يف النهر حيث يجلس الشعراء عىل منصة فوق جرس واطئ‬ ‫بينام يتكئ اآلخرون عىل أرائك عامئة تتحرك و تتهادى فوق مياه النهر‪ .‬ويف حديقة الميجيرسي كان اإلسباين كارلوس‬ ‫باترينا يعزف عىل العود بإيقاع يعلو و ينخفض متفاعال مع نيص «املحارب»‪ .‬كارلوس هو الوحيد الذي كان ينطق اسمي‬ ‫كام هو‪ ،‬بعينه و حائه اللذين يتعذر عىل األوربيني نطقهام‪ ،‬عبد الرحيم أو عبد الرحمن من أكرث األسامء تداوال يف عهد‬ ‫األندلس‪ .‬يعزف كارلوس عىل العود بخشوع متعبد يف محراب‪ ،‬وبفرح طفل يصحو عىل هدايا العيد‪ ،‬يف مقهى أوليزار‬ ‫كان يحيك يل عن طفولته و حرمانه و عن تسكعه و تطوافه بسبب هوسه باملوسيقى‪.‬‬

‫(‪)3‬‬ ‫تبدو لوديف من مرتفع العذراء مثل لوحة من القرن التاسع عرش‪ :‬األبنية الخفيضة بالقرميد واألزقة الضيقة والنوافذ‬ ‫الكبرية املرشعة عىل بعضها‪ ،‬و الفوانيس املعلقة عىل واجهات املنازل‪ ،‬و النهر الذي يقطع املدينة‪ ،‬والجسور التي كان‬ ‫يحلو يل الوقوف عندها يف الصباحات الهادئه‪ ،‬تذكرت يوما ما وأنا واقف عىل الجرس فوق النهر كل الشعراء الفرنسيني‬ ‫الذين أحببتهم‪ :‬أراغون‪ ،‬رامبو‪ ،‬إيلوار‪ ،‬بريس‪ ،‬كروفيل‪ ...‬لكن الشاعر الذي حرض أمامي بقوة يف تلك اللحظة ومتاست مع‬ ‫كياين هالته هو جريار دونريفال العاشق الكبري الذي قتله عشقه‪.‬‬ ‫مل أر يف حيايت امرأة وفية لرجل مثل وفاء جانني بورين ملوريس كاريم‪ ،‬هذه العجوز جعلت من هذا الشاعر البلجييك‬ ‫أسطورة‪ ،‬هو الذي عاش منشغال بالكتابة لألطفال والشباب‪ ،‬تذكر اسمه يف كل حديث أكرث من ذكرها لضمري املتكلم يف‬ ‫الفرنسية‪ ،‬متحو ذاتها هي الحية لتفسح املجال لطيفه هو الراحل منذ سنني‪ ،‬سمعت منها اسم موريس مع كل وجبة كنا‬ ‫نلتقي فيها عىل نفس املائدة‪ ،‬ومع كل تحية‪ ،‬وحتى وهي متر دون أن تتكلم كنت أعرف أنها مسكونة بأشباحه‪ ،‬وحني‬ ‫تجلس وحيدة و هادئة يف خيمتها مبعرض الكتاب كنت أحس أنها ليست وحيدة عىل اإلطالق‪ ،‬فثمة دامئا هواء تتنسمه‬ ‫من حني آلخر‪ ،‬هواء رطب و خفيف اسمه موريس كاريم‬

‫‪122‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫لوديف للشعر‬

‫(‪)4‬‬

‫النظر إىل النادل الذي يشبه هنديا أحمر يف مقهى الهاوس هو ما يجعلني أرشب ليبتون امل ّربد أكرث من مرة يف اليوم‪.‬‬ ‫أتذكر النادالت القرويات اللوايت يقدمن يل ليبتون بالحليب يف املقاهي التي أجلس بها حيث أقيم‪ ،‬أكرههن ألنهن‬ ‫يترصفن يف املقهى بابتذال‪.‬‬ ‫أحب النادلة التي ال تقتحم حيايت‪ ،‬تضع الطلب وتنرصف‪ ،‬يكفي أن نتبادل التحية‪ .‬الهدوء هو كل ما أبحث عنه يف‬ ‫أي مقهى أينام كانت‪ ،‬هناك أمكنة أخرى للصخب واإلزعاج ‪ .‬أن تكون نادال معناه أن تحمل ثقافة‪ ،‬معناه أيضا أن تهب‬ ‫كنسيم وال تزعج أحدا‪.‬‬ ‫سألت شابة جميلة عن كوليج سيزار‪ ،‬كانت تجلس يف مقهى أوليزار عىل الطريق‪ ،‬مل أنتبه إىل الشاب الوسيم الذي‬ ‫عرفت من «البادج» الذي أحمله أنني شاعر‪ ،‬رمبا لذلك قالت يل‪« :‬يسعدين أن أرافقك إىل هذا‬ ‫كان يجلس بجانبها‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫املكان»‪ ،‬خربتها و انا أومئ إىل صديقها بأنني أشك يف هذه السعادة‪ ،‬ابتسمت وقالت يل‪« :‬ال تهتم‪ ،‬إنه زمييل يف العمل‪،‬‬ ‫و لدينا مقهى صيفية أمام الكوليج»‪ .‬يف ليلة الغد التقيت بها هناك‪ ،‬و كانت أجمل بكثري مام رأت عيناي يف النهار‪،‬‬ ‫هناك التقيت صالح دياب الشاعر السوري الذي يهيم يف الدروب الفرنسية باحثا عن الدفء و الجامل‪ ،‬هو الذي دعاين‬ ‫إىل حفلة الكلامت يف هذا الجنوب الذي ال يشبه جنوبنا‪.‬‬ ‫أمام الكاتدرائية ينصب سمري جاوي خيمة تابعة ملقهى الهاوس‪ ،‬حيث ميرح الشباب بالليل‪ ،‬يتحدث سمري بأكرث من‬ ‫لغة ويشغل كل أنواع املوسيقى لضيوفه‪ :‬روك‪ ،‬سلو‪ ،‬أندليس‪ ،‬جاز‪...‬ورغم الصخب الذي ميأل حياته كان يستبد به حنني‬ ‫دائم إىل مدينته‪ :‬مكناس‪ ،‬رواد املقهى ينادونه «الجرنال» فيام كان يبدو يل مبالمحه ومبالبسه الغريبة طفال مل يكرب بعد‪،‬‬ ‫أو بتشبيه أدق‪ :‬طفال مل يصدق أنه كرب‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪123‬‬


‫مهرجانات‬

‫الفنانة هيلني كوبر‬

‫(‪)5‬‬

‫مرة تحدثت الكاتبة أندريا ماتوراين عن نوع من الحب يربطك بأشخاص قبل أن تراهم‪ ،‬هذا بالتحديد ما وقع يل مع‬ ‫تلك الشاعرة‪ ،‬أحببتها قبل أن أقرأ لها‪ ،‬أعتقد أنه يف الغالب رنني االسم أو تلك الهالة التي تتامس مع حواسك حني تطيل‬ ‫النظر يف صورة امرأة بوجه طفويل رغم أنها تجاوزت عتبة الثامنني‪ .‬بعينيها الواثقتني و بشعرها األبيض القصري كانت‬ ‫تجلس أمامي يف منصة الحديقة لتقرأ نصوصها الجديدة بفرنسية هادئة وجذابة‪ ،‬كنت أستمع إليها كام لو أين ضال أمام‬ ‫راهبة يف كنيسة‪ ،‬مثة الكثري من الحنان والدفء الذي ينساب مع كلامت هذه املرأة‪.‬‬ ‫بعد دقائق قليلة وجدت نفيس مكانها أقرأ مقاطع من نص طويل‪ ،‬وحني نزلت وهممت بالجلوس أمسكت بيدي‬ ‫و همست‪« :‬ب ّدي أتكلم معك»‪ .‬ماذا ستقول امرأة طاعنة يف الشعر لطفل يف الكتابة؟ تحلّق حولها الكثريون بعد نهاية‬ ‫القراءات‪ ،‬ووقفت أنتظر‪ .‬قالت يل ونحن نتمىش باتجاه باب الحديقة‪« :‬عبد الرحيم‪ ،‬أنا كثري حبيت شعرك»‪ ،‬أحسست‬ ‫كام يحس تلميذ بيد املعلمة حني تربت عىل شعره منوهة بذكائه‪ .‬رمبا صار سيان عندي أن يقول يل أحدهم أنت‬ ‫تكتب بشكل جيد أو رديء‪ ،‬لكن شعور الطفل الذي متلكني حينها ما كان ليكون لو مل تخرج تلك الكلامت من بني‬ ‫شفتي سيدة عظيمة اسمها إتيل عدنان‪.‬‬ ‫قبل عرشين سنة كنت يف حاجة إىل أن أسمع كلمة حب تجعلني أتشبث بالكتابة‪ ،‬و أنا هنا أستعيد صباحا خريفيا‬ ‫أيقظني فيه أحد األساتذة من النوم حني طرق تلميذه باب البيت وطلب مني أن ألتحق بالقسم يف أرسع وقت‪ ،‬وصلت‬ ‫ألفطر يف ذلك الصباح بجمل طويلة من اللوم و التوبيخ ألنني تجرأت ونرشت يف مجلة املؤسسة قصيدة عىل البحر‬ ‫البسيط تتخللها بعض أخطاء العروض‪ ،‬كنت يف عامي الرابع عرش‪ ،‬و مل يكن بوسعي أن أرد عىل هذا الغبي الذي انتبه‬ ‫للزحافات والعلل ومل ينتبه إىل هذه املوهبة الصغرية التي تحتاج للرعاية و للحب بدل الشتائم‪ ،‬تأملت كثريا وأنا‬ ‫أرى قصيديت ممزقة بني يديه‪ ،‬لكنني عىل كل حال مدين له‪ ،‬فرمبا كان سببا ولو من بعيد يف مييل الحقا إىل قصيدة‬ ‫النرث‬ ‫‪124‬‬

‫بيت الشعر‬

‫‪.‬‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫ك َ‬ ‫َس ُت ْب ِدي َل َ‬ ‫اهال‬ ‫األ َّي ُ‬ ‫ام َما ُك ْن َت َج ِ‬ ‫يك ِب َ‬ ‫َو َي ْأ ِت َ‬ ‫م ُت َز ِّو ِد‬ ‫ار َم ْن َل ْ‬ ‫األ ْخ َب ِ‬

‫ديوان‬ ‫العرب‬

‫الفنان عبدالرحمن السعدي‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪125‬‬


‫ديوان العرب‬

‫ّ‬ ‫طل َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ْ‬ ‫بالظهور لدى‬ ‫جاب‬ ‫االح ِت‬ ‫ال َ‬ ‫ق أو ْ‬ ‫ُ‬ ‫مال ال ُ‬

‫ابن الفارض‬ ‫خالد بلقاسم‬

‫َ‬ ‫قال ابنُ الفارض يف تائي ِت ِه َّ‬ ‫الشه َرية‪:‬‬ ‫وَصرَ ِّ ْح ْ‬ ‫الجماَ لِ وال َت ُق ْل‬ ‫بإطالقِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫يـــح ُح ْسنُـ ُه ِمـنْ َج َمـالِهــا‬ ‫فك ُّل َم ِل ٍ‬ ‫بل ُّ‬ ‫بهَا ق ْي ُس ُل ْبنَى هَ ا َم ْ‬ ‫ـق‬ ‫كل ِ‬ ‫عاش ٍ‬ ‫َ‬ ‫ٌّ‬ ‫فكل َص َبا ِم ْنهُم إىل َو ْص ِف ل ْب ِسها‬ ‫َو َما َ‬ ‫ظــاهــ ٍر‬ ‫ذاك إ ّال ْأن َبــد َْت مبَ ِ‬ ‫جاب ْ‬ ‫واخت ْ‬ ‫َفت مبَ َظ ِاهـ ٍر‬ ‫َبد َْت ْ‬ ‫باح ِت ٍ‬

‫‪126‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫ــرف زينَـــــــــــ ِة‬ ‫بتَقييــ ِد ِه َم ْيــ ًال لِز ُْخ ِ‬ ‫ُم َعا ٌر لَ ُه أ ْو ُح ْســنُ ُك ِّ‬ ‫ليــحــــــــ ِة‬ ‫ــل َم َ‬ ‫ك َم ْجنــون ل ْيــىل أو ُكث ِّيـــــر عَــــــ ّز ِة‬ ‫الح يف ُح ْس ِن ُصو َر ِة‬ ‫ُ‬ ‫بصو َر ِة َم ْعنَى َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ــت‬ ‫ــي في ِه ْم َت َجل ِ‬ ‫فظنُّــوا ِســ َواها‪ ،‬وَهْ َ‬ ‫ِّ‬ ‫ــغ ال َّت ْلويــن يف كــل َب ْر َز ِة‬ ‫علــى ِص َب ِ‬


‫ابن الفارض‬

‫الصو ِّيف ِّ‬ ‫والش ْعريِّ‬ ‫‪َ .1‬بينْ َ ُّ‬

‫ابق عىل ال َو ْعي‬ ‫ري َس ٌ‬ ‫ال َو ْع ُي ُّ‬ ‫الصو ُّيف بامل ُ ْم ِكنِ الشِّ ْع ِّ‬ ‫َت‬ ‫َاس ال َو ْع َيينْ ‪ ،‬ت َكشَّ ف ْ‬ ‫ري بامل ُ ْم ِكن ُّ‬ ‫الشِّ ْع ِّ‬ ‫الصو ّيف‪َ .‬ع ْن تمَ ِّ‬ ‫َّلت بَعيدا ً مبَف ُهومِ الكتابة‪ .‬لك َّن هذا التَّماَ َّس‬ ‫ْأس ِئلة تَ َوغ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫انْطَ َوى‪ ،‬يف اآلن ذاته‪ ،‬عىل فُ ُروقٍ دَقيقة بَيْ َن ُهام‪ .‬فق ْد كا َن‬ ‫ال ِفتاً ِم َن الو ْج َهتَينْ ؛ امل ُنطَلِق ِة ِم َن التّص ّوف إىل الشِّ ْعر أ ْو‬ ‫ْيس‪ ،‬ا ْح ِتفا ُظ رهانِهِام با ْخ ِت ٍ‬ ‫الف َمك ٍني‬ ‫ِم ْن َم ْن َحاها ال َعك ّ‬ ‫ِم ْن ِ‬ ‫داخلِ التَّقا ُرب ذاتِ ِه‪ ،‬الذي ت َ َّم بَينْ َ طَ َر ْيف الو ْج َهة‪ .‬إنَّ ُه‬ ‫وح عىل ْاس ِتشْ كا ٍل ذي ُو ُجو ٍه َع ِدي َد ٍة‪ ،‬ماز َ​َال‬ ‫َم ْوضُ و ٌع َمفتُ ٌ‬ ‫يَنتَ ِظ ُر ال َّد ْر َس وإ َعا َد َة التَّأويل‪.‬‬ ‫الصوفية يف الشِّ ْعر‪ُ ،‬منذ َز َمنٍ بَ ٍ‬ ‫عيد‪ ،‬عىل ُو ُعو ِد‬ ‫َعثرَ َ ُّ‬ ‫امل َ ْع َنى وعىل ما ق َّوى ت َ َو ُّغلَ ُهم يف ال ُّن ُزو ِل إىل أ ْغ َوار ِ‬ ‫الذات‪،‬‬ ‫ِم ْن ج َهة‪ ،‬ويف ُمال َم َس ِة يِ‬ ‫أقاص اللغَة‪ِ ،‬م ْن ج َه ٍة أ ْخ َرى‪ .‬وق ْد‬ ‫كا َن ت َث ِمي ُن ُهم العايل للشِّ ْعر ُمخ َِّصباً ال لِ َم ْج ُهو ِل الطَّريقِ‬ ‫الصويف و َح ْسب‪ ،‬بل أيْضاً للكتاب ِة الشِّ ْعريَّة؛ ت َ​َص ُّورا ً وت َ َحقّقاً‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الصو ّيف بالشِّ ْعر الجاهيل وغيرْ الجاهيل ضَ خَّ‪،‬‬ ‫ء‬ ‫فا‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫فاال‬ ‫ْ ُ ُّ‬ ‫الخاص امل ُ َو ِّج ِه لِ َهذا اال ْح ِتفاء‪َ ،‬ج َد َ‬ ‫اول يف نَ ْهر‬ ‫عبرْ َ التَّأويل‬ ‫ِّ‬ ‫امل َعنى‪َ ،‬وفتَ َح لِلمُماَ َر َس ِة التَّأويل َّية َم ْسلكاً ُمتَ َح ِّررا ً‪ُ ،‬منذ‬ ‫قص ِديَّ ِة الشا ِعر‪.‬‬ ‫ال ِق َدم‪ِ ،‬م ْن َم َ‬ ‫ِ‬ ‫الصوفية نَ ْح َو الشِّ ْعر ت َ ْرسي َخ‬ ‫إىل َجانِب ذلك‪َ ،‬هيَّأ‬ ‫ذهاب ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ثالث ِة َعناصرِ ‪ .‬أ َّولها‪ ،‬ات ِّسا ُع َمف ُهوم الشِّ ْعر ومُماَ َر َس ِته‪ .‬ثانيها‪،‬‬ ‫َو ْصلُ ُه بال ُو ُجود‪ ،‬عىل نَ ْح ٍو َج َع َل من ُه ن َِشيدا ً‪ ،‬فيه ت َبدَّتْ‬ ‫الصوفية‬ ‫قضَ ايَا ال ُو ُجود ا ْع ِتامدا ً عىل ال َخ َيال الباين لِ َعالق ِة ُّ‬ ‫باملُطْلَق‪ .‬ثالِث العناصرِ ‪ ،‬إ ْرجا ُع الشِّ ْعر إىل التَّ ْنظيمِ امل ُ ْحكَمِ‬ ‫أصالً والنَّثرْ ف ْرعاً‪،‬‬ ‫لِلك ْون‪ِ ،‬مماّ َحذا بابن َع َريب إىل َع ِّد الشِّ ْع ِر ْ‬ ‫و َع ِّد ال َعالَمِ بكا ِمل ِه ِش ْعرا ً ُم ْحك َم التَّ ْنظيمِ واإليقاع‪.‬‬ ‫الصوفية لِتَ َص ُّور‬ ‫ملْ يَك ْن هذا التَّشَ ُّع ُب الذي أ ْر َسا ُه ُّ‬ ‫الشِّ ْعر َولِي َد‪ ،‬فقط‪ُ ،‬رؤيَ ٍة ُو ُجو ِديَّ ٍة و َم ْعر ِف َّي ٍة ولغويَّ ٍة‪ ،‬بل‬ ‫اس‬ ‫كا َن أيْضاً ُمتَ َح ِّصالً ِم ْن ت َ ْجرب ٍة َحيَويّ ٍة تتطل َُّب‪َ ،‬د ْوماً‪َ ،‬ح َو َّ‬ ‫ُمتَ َم ِّر َسة بتَ ْج ِ‬ ‫ديد ذاتِها‪ ،‬وتَأ ِمني ان ِفصالِها عن العا ّم‪ .‬وَيمُ ْ ِك ُن‪،‬‬ ‫ِم ْن زاوي ِة تأويلٍ بَ ٍ‬ ‫الصويف لِقي َم ِة الشِّ ْعر‬ ‫عيد‪ ،‬ا ْع ِتبار التَّقدير ّ‬ ‫امل َ ْعرف ّية‪ ،‬أ َح َد ُم َو ِّج ِ‬ ‫الصوفية لِل َّنرث ذاتِ ِه نَ ْحو‬ ‫هات ا ْج ِتذاب ُّ‬ ‫اصل َّية و ُح ُدو ِدها‪.‬‬ ‫لغ ٍة راقي ٍة ال ت َ ْرضىَ بضَ ْيق ال َوظيفة التَّ َو ُ‬ ‫وهو ما يُفسرِّ ُ إنتا َج ُهم لِنرثٍ ال يُشْ ب ُه ال َّنرث‪.‬‬ ‫يف ت َشَ ُّعب ُد ُروب هذا االن ِفتاح عىل الشِّ ْعر‪ ،‬تَبَ َّدى‬

‫الصوفي في‬ ‫عثر َ‬ ‫الشاعر ُ ّ‬ ‫ِ‬ ‫الص َّور‪ ،‬التي بها‬ ‫ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب وفي ُّ‬ ‫يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طلَق وبها ي َ ْختَفي‪،‬‬ ‫ظ َ‬ ‫هر ُ ال ُ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫ن‬ ‫غذي ال َ‬ ‫ح ْير َ َة ويُؤ ِّم ُ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫خب ُ ّو‬ ‫ويمنَعها ِم َ‬ ‫ت َ َوق َدها ْ‬ ‫الصوفية عىل بنا ِء امل َ ْعنى ِم ْن داخل ال َغ َزل‪ .‬وهو‬ ‫ِح ْر ُص ُّ‬ ‫ما ت َ َولَّ َد من ُه ُس ٌ‬ ‫ؤال َع ْن عالق ِة امل ُقيَّ ِد باملُطْلَق يف ال ُح ّب‬ ‫ِ‬ ‫الصويف‪ ،‬ت َ َرتّبَ ْت عن ُه ُمقا َرباتٌ ُمتَبَاينة‪ ،‬م ْن غيرْ أ ْن تَك َُّف‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫هذ ِه ال َعالقة َع ْن إنْتَاج الحَيرْ َة‪ .‬و ِم ْن ث ّم‪ ،‬فهي ت َ ْن ِ‬ ‫تظ ُر‬ ‫ْري يَتَ َو َّجهُ‪ ،‬يف ال َب ْدء‪،‬‬ ‫ت َ ْرهيناً ِقرائ ّياً‪ْ ،‬اس ِتنادا ً إىل تأويلٍ ِفك ٍّ‬ ‫إىل خَل ِف َّي ِ‬ ‫ات التَّ َو ُّسل بال َغ َزل يف ب َنا ِء امل َ ْع َنى‪ ،‬ق ْب َل االن ِتقال‬ ‫ِ‬ ‫الصويف‬ ‫إىل ْاس ِت ْجالء الف ُروق ال ّدقيقة بَينْ ال َغ َزل يف الشِّ ْعر ُّ‬ ‫الصويف‪ .‬ال يمُ ْ ِك ُن‪ِ ،‬م َن ِ‬ ‫الناحي ِة‬ ‫وبَيْ َن ُه يف الشِّ ْعر غيرْ ّ‬ ‫االس ِت ْجالء إالّ بإ ْرسا ِء َع َملٍ يتق َّد ُم ُه‬ ‫اإلجرائ َّية‪ ،‬بُلوغ هذا ْ‬ ‫ويَ ْس ُن ُدهُ‪ .‬ن ِ‬ ‫َقص ُد‪َ ،‬أساساً‪ ،‬ت َ ْح ِدي َد ال َع َناصرِ البانِي ِة لِ ُمتَ َخ َّيلِ‬ ‫الصويف‪.‬‬ ‫امل َ َح َّبة يف الشِّ ْعر ُّ‬ ‫يَكا ُد ديوا ُن ابن الفارض‪ ،‬يف ُم ْج َملِ ِه‪ ،‬يَكو ُن َمتْناً ِم َن‬ ‫السابق‪ ،‬وال ِسيام قصي َدت ُه‬ ‫السؤال َّ‬ ‫املُتُون امل ُْس ِعفة يف بَل َو َر ِة ُّ‬ ‫السلوك»‪ .‬اِ ْس ٌم يَ ْنتَ ِس ُب إىل‬ ‫باسم «نَظم ّ‬ ‫الشّ ه َرية‪ ،‬امل َ ْع ُروفة ْ‬ ‫الصوف ّية‬ ‫َخ َيال ال ُّرؤيا‪ ،‬إذ تَ َح َّص َل َمناماً‪ ،‬ان ِْسجاماً َم َع الكتابَة ُّ‬ ‫كت يَ َد الغ ْيب يف بنائِها‪.‬‬ ‫التي أشرْ َ ْ‬ ‫ت َ ْنبُ ُع قي َمة التَّائِيَّة ِم ْن طاق ِتها عىل إنْتاج التّأويل‪ .‬وهي‬ ‫يصة ت ُ َح ِّد ُد َم ْف ُهو َم ال ّن ِّصيَّة‪ ،‬عىل نَ ْحو ما أضْ َم َرهُ ‪ِ ،‬‬ ‫قدمياً‪،‬‬ ‫خ َِص َ‬ ‫َناس ُل شرُ ُ و ِح ال َّن ِّص ِ‬ ‫الواحد‪ ،‬أو كام نَظَّ َر ل ُه ِعل ُم ال ّن ِّص‬ ‫ت ُ‬ ‫َح ِديثاً‪ .‬كُلّام كا َن الق ْو ُل قا ِدرا ً عىل أ ْن يمَ ْتَ َّد يف ق ْو ٍل آخَر إالّ‬ ‫جف‪ُ ،‬منطوياً‪ِ ،‬م ْن غيرْ ان ِقطاع‪ ،‬عىل ما‬ ‫وت َ َح َّو َل نَ ْبعاً ال يَ ّ‬ ‫فق اإلملا َع ِة الشَّ ه َري ِة لهلدرلني‪ ،‬التي ش َّد َد فيها عىل‬ ‫يَبْقى‪َ ،‬و َ‬ ‫الصوفية‬ ‫ؤس ُس ُه الشُّ َعراء‪ .‬ويمُ ْك ُن أ ْن ن َ‬ ‫ُضيف ُّ‬ ‫أ َّن ما يَ ُدو ُم يُ ِّ‬ ‫أيْضاً‪.‬‬ ‫ت َائِ َّية ابنِ الفارض قصي َد ٌة َولودٌ‪ ،‬مبا أتا َحتْ ُه للتَّأويل‬ ‫ِم ْن دينا ِم َّية‪ ،‬إذ ملْ تَكُف‪ ،‬عىل ا ْم ِتدا ِد َخ ْم َس ِة ق ُرون ِم ْن‬ ‫كِتابَ ِتها‪َ ،‬ع ْن تَ ْوسيعِ أفق القرا َءة وال ّن َدا ِء عىل امل َ ْعنى ِم ْن‬ ‫َم َوا ِق َع ُمتَشَ ِّعبَ ٍة‪ُ .‬منذ أ ْن أ ْرسىَ سعد الدين محمد بن أحمد‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪127‬‬


‫ديوان العرب‬

‫ري‪ ،‬ت َ َوال َِت‬ ‫السابعِ اله ْج ّ‬ ‫ال ُف ْرغاين شرَ ْ َحها األ َّول يف الق ْرن َّ‬ ‫ات القصي َدة و ُمغَذية ا ْح ِت ِ‬ ‫وح‪ُ ،‬م َو ِّس َعة بَيَاضَ ِ‬ ‫امالت‬ ‫الشرُّ ُ ُ‬ ‫امل َ ْعنى فيها‪ .‬وإذا كا َن عبد الغني النابُليس‪ ،‬يف الق ْرن‬ ‫آخ َر شرَُّ ِ‬ ‫ري‪ِ ،‬‬ ‫فت‪ ،‬فيام‬ ‫احها‪ ،‬فإ َّن أبْيات َها َع َر ْ‬ ‫الثاين عرش اله ْج ّ‬ ‫قف عن‬ ‫بَ ْعد‪ ،‬ك ْي َف تَتَ َب َّد ُد يف التّآويلِ ال َحديثة‪ ،‬التي ملْ تَتَ َو ْ‬ ‫كانت قضَ ايا التَّائِيَّة ِم َن التّشَ ُّعب‪ ،‬الذي‬ ‫ْاس ِت ْدعائِها‪ .‬ومل ّا ْ‬ ‫ِ‬ ‫تشْ َه ُد عليْ ِه َوف َر ُة شرُ ُ وحها‪ ،‬فإ َّن امل ُقا َربَة َس ْو َف ت َقتَصرِ ُ‬ ‫عىل أ َح ِد امل َ َد ِ‬ ‫ِيسة إىل امل ُتخيَّل الذي انبَنت عليْه‬ ‫اخل ال َّرئ َ‬ ‫القصي َدة‪.‬‬

‫‪ .2‬ا ُملت َ​َخ َّيل الباين لل َم ْعنى‬

‫ِم َن الجَماَ ِل امل ُقيَّ ِد إىل الجَماَ ِل املُطْلَق‪ ،‬يُ ْرسيِ امل َقطَ ُع‬ ‫ري‪ ،‬امل ُ ْعتَ َم ُد يف التَّ ْصدير‪َ ،‬عناصرِ َ ُمتَ َخيَّلٍ ُصوفيِ ّ‪ ،‬ب ِه‬ ‫الشِّ ْع ُّ‬ ‫يَ ْن ُمو امل َ ْع َنى ويَتَشَ َّعب‪ .‬يَغتَذي هذا املُتَ َخيَّ ُل ِم ْن ُرؤيَةٍ‬ ‫ُو ُجو ِديَّ ٍة َو َم ْعر ِف َّي ٍة‪ ،‬و ِم ْن ت َ ْجربَ ٍة ذات َّي ٍة ال ت ُ َف ِّر ُط يف َم َد ِدها‪.‬‬ ‫الخاص و َح ْسب‪ ،‬بل‬ ‫بهام يَ ْبني اب ُن الفارض ال ِخطابَ ُه‬ ‫َّ‬ ‫ابق عليْه‪ ،‬ويُعي ُد كِتابَتَ ُه‬ ‫الس َ‬ ‫يُ َحاو ُر أيْضاً الشِّ ْع َر ال َع َر َّيب َّ‬ ‫ِ‬ ‫فق تأويلٍ يَ ْعبرُ ُ ِم َن ال َغ َزل نَ ْح َو ال َحقائقِ ال ُعليا لل َم َحبَّة‪.‬‬ ‫َو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫قصائد ال َغ َزل‪ ،‬التي أ ْغ َنت الشِّ ْع َر ال َع َر َّيب القديم‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫كل َ‬ ‫النص ّية البْن الفارض ويف تآويلِ‬ ‫ة‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ُام‬ ‫مل‬ ‫ا‬ ‫يف‬ ‫ُذ‪،‬‬ ‫تأخ‬ ‫ّ‬ ‫َ​َ‬ ‫حى ِ‬ ‫يكش ُف عن املُطْلَق الخَبي ِء يف‬ ‫ُمتص ّوفة ق ْبله‪َ ،‬م ْن ً‬ ‫ِ‬ ‫القصائِد‪ ،‬و َعن امل َ ْح ُجوب َورا َء ظا ِه ٍر ُمتَ َح ِّصلٍ ِم ْن‬ ‫هذ ِه َ‬ ‫«كل»‪ ،‬ال ّد ّال عىل الشُّ ُمول وامل ُك َّرر‬ ‫ودي‪ .‬فلف ُظ ّ‬ ‫فَيْ ٍض ُو ُج ٍّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ما يف‬ ‫بقصد‪ ،‬ال يَ ْستَثني‪ ،‬يف الك ْون‪ُ ،‬ح ْسناً وال عاشقاً‪ُّ .‬‬ ‫ْ‬

‫ابن الفارض قصي َد ٌة‬ ‫تَا ِئيَّة ِ‬ ‫ح ْت ُه للتَّأويل‬ ‫َولو ٌد‪ ،‬بما أتا َ‬ ‫لم ت َ ُ‬ ‫كف‪،‬‬ ‫ن‬ ‫ديناميَّة‪ ،‬إذ ْ‬ ‫ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫ام ِتدا ِد َ‬ ‫س ِة قرُون‬ ‫على ْ‬ ‫خ ْم َ‬ ‫سيع أفق‬ ‫ن ت َ ْو‬ ‫كتاب َ ِتها‪َ ،‬‬ ‫ع ْ‬ ‫ِم ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ِ‬ ‫م ْعنى‬ ‫اء على ال َ‬ ‫ءة والنّ َد ِ‬ ‫القرا َ‬ ‫ع ُمت َ َ‬ ‫ن َم َوا ِق َ‬ ‫عب َ ٍة‬ ‫ش ِّ‬ ‫ِم ْ‬

‫‪128‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫الك ْون يَقتَضيِ انجذاباً إىل املُطْلَق فيه‪ ،‬مبا يتطلَّبُ ُه كشْ ُف ُه‬ ‫الصوفية ْاس ِتغوا َر ذ َواتِهم‪ ،‬وال ُعثو َر‬ ‫ِم ْن ُمكابَ َد ٍة َعلّ َم ِت ُّ‬ ‫عىل الحَيرْ َ ِة التي يَ ْنشُ ُدون‪ ،‬ال خَار َج ُهم ْبل يف د ِ‬ ‫َواخلِهم‪ ،‬مبا‬ ‫واس‪ ،‬كام َس َيأيت بيانُه‪.‬‬ ‫َه َّيأ ُهم إلثرا ِء ال َح ّ‬ ‫يف الو ْج َه ِة‪ ،‬التي يَ ْر ُس ُمها اب ُن الفارض لالن ِتقال ِم َن امل ُق َّي ِد‬ ‫إىل املُطْلَق‪ ،‬تَتَ َع َّد ُد َعناصرِ ُ ُمتخيَّلٍ خ َِصيب‪َ ،‬ع َر َف الشَّ اع ُر‬ ‫الصويف كيْ َف يُبَ ِّد ُد َها ب َنف ٍَس َم ٍ‬ ‫تيح‬ ‫ُّ‬ ‫ديد يف تائِيَّ ِت ِه الطَّويلة‪ .‬يُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َمقط ُع االفتتاح ال ُوقوف عىل ُعنْصرُ َ يْن م ْن هذا املتَ َخيَّل‬ ‫الباين لل َم ْعنى؛ ُهام‪:‬‬ ‫أ‪ -‬تَكثرّ ُ ال َو ِ‬ ‫قف انْ ِك ُ‬ ‫شاف ما تُخْفي ِه الو ْج َهة‬ ‫احد‪ .‬يَتَ َو ُ‬ ‫ِم َن امل ُقيَّ ِد إىل املُطْلَق‪ ،‬عىل ال َّنفا ِذ إىل ال َو ْح َد ِة الثاوي ِة يف‬ ‫الصوفية أ َح َد العناصرِ‬ ‫ئيس‪ ،‬عليْ ِه أ ْرسىَ ُّ‬ ‫الكرثَة‪ .‬نفاذ َر ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّريق‪ ،‬يف هذه الو ْج َهة‪ ،‬ت َقو ُم‬ ‫امل َ ْركزيَّ ِة يف ُمتَ َخيَّلهم‪ .‬فالط ُ‬ ‫ِمماّ تَقو ُم عل ْيه‪ ،‬عىل ُع ُبور التَّق ُّي ِ‬ ‫دات نَ ْح َو الف ْيض الذي ِمن ُه‬ ‫ت َ َح َّصلت‪ ،‬مبا يمُ َ ِّك ُن َّ‬ ‫السالِ َك يف الطَّريق ‪ -‬عل ْينا أالّ نَ ْنسىَ‬ ‫أ َّن ابْ َن الفارض َس ّمى‪ ،‬مببا َرك ٍة م َن ال ُّرؤيا‪ ،‬قصي َدت َ ُه «نَظْ َم‬ ‫السلوك»‪ِ -‬م ْن بنا ِء ذ ْوق ُمتَ َم ِّر ٍس بال ُعبُور‪ ،‬و ِمن ا ْم ِت ِ‬ ‫الك‬ ‫ُّ‬ ‫ُرؤيَ ٍة ثا ِقبَة‪ ،‬تَخْترَ ُق الجَماَ َل امل ُتكثرّ َ يف الك ْون إىل َحقيقةٍ‬ ‫ُو ُجوديَّة‪ .‬تِ َلك التي يَتطل َُّب بلوغُها ُسلوكاً‪ ،‬أي ُمكابَ َد ًة‬ ‫َعني َدة‪ ،‬بها تَتَ َس ّنى ُرؤيَة ما ال يُ َرى‪.‬‬ ‫يف ِسياق بنا ِء امل َ ْع َنى القائِمِ عىل تَكثرّ ال َو ِ‬ ‫احد‪ْ ،‬استَ ْد َعى‬ ‫اب ُن الفارض‪ ،‬عىل نَ ْحو ما هو بَينِّ ٌ ِم َن البَيْ ِت الثاين‪َّ ،‬‬ ‫دال‬ ‫اإل َعا َرة‪ .‬وهو ٌّ‬ ‫الصو ّيف‪ .‬به كَث َّف‬ ‫كزي يف املُتَ َخيَّلِ ُّ‬ ‫دال َم ْر ٌّ‬ ‫اب ُن الفارض اإلشار َة إىل َعالق ِة الحقيق ِة بأ ْو َصا ِفها‪ ،‬وامل ُطلق‬ ‫بامل ُق َّيد‪ ،‬وال ُوجو ِد بامل َ ْو ُجود‪َ .‬ولنا أ ْن نَنتَب َه إىل ضَ مري‬ ‫الغائب امل ُؤنَّث‪ ،‬الذي ا ْعتَ َمدَهُ الشاع ُر يف اإل َحالة عىل‬ ‫ْثوي يف الك ْون َرا ِفدا ً ِم ْن َر َو ِ‬ ‫افد ُمت َخيَّلِ‬ ‫امل ُ ِعري‪ ،‬مبا يَ ْج َع ُل األن َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القصي َدة‪ .‬فامل ُ َو ِّج ُه يف ا ْختيَار الضَّ مري ال يَ ُعو ُد إىل سياق‬ ‫ال ِعشْ ق و َح ْسب‪ْ ،‬بل أيْضاً إىل ُمتَ َخ َّيلٍ بَعيد‪ ،‬ت َ​َسل َ​َّل أث ُرهُ إىل‬ ‫الصويف‪.‬‬ ‫الضَّ امئِر يف الخطاب ُّ‬ ‫الصوفية إىل أبْ َعد ِمن امل ُ ْمكن‬ ‫اإل َعا َرةُ‪ ،‬التي بها ت َ َوغ َ​َّل ُّ‬ ‫البالغي‪ ،‬ان َْس َج َم ْت َم َع امل ُت َخيَّل الذي ْاستَ َن ُدوا إليْه يف ف ْهمِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫العالقة بَينْ َ ال ُو ُجود وامل ْو ُجود‪ .‬م َن البَالغَة إىل ال ُو ُجود‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وهي‪،‬‬ ‫كانت اإل َعا َر ُة ت ُ َو ِّس ُع َمف ُهو َمها ِض ْم َن هذا املُتَ َخ َّيل‪َ .‬‬ ‫يف بَ ْي ِت ابن الفارض‪ِ ،‬‬ ‫كاشفة َع ْن ت َ ْن ِص ِ‬ ‫يص ِه عىل َز َوال‬


‫ابن الفارض‬

‫ال ُح ْسنِ امل ُق َّيد‪ِ ،‬خالفاً للجَماَ ل املُطْلَق‪ .‬فك ُُّل َعارية‪ُ ،‬‬ ‫يقول‬ ‫سعد ال ّدين محمد بن أحمد ال ُف ْرغاين يف كتابه « ُمنتهى‬ ‫امل َدارك»‪« :‬البُ َّد َم ْردُودَة زائِلة ِم ْن يَ ِد امل ُْستَعري‪َ ،‬و َراج َعة‬ ‫فق هذا امل ُ َو ِّج ِه يف بنا ِء‬ ‫إىل امل ُ ِعري»‪ .‬وهو ما يَترَ َت َُّب َعنهُ‪َ ،‬و َ‬ ‫امل َ ْع َنى‪ ،‬أ َّن ك َُّل َم ْيلٍ إىل امل َ ْح ُبوب‪ ،‬يف ِش ْعر ال َغ َزل بكا ِملِه‪،‬‬ ‫فق ُمتَ َخ َّيل التَّائِ َّية‪ ،‬إالَّ َم ْيالً نَ ْح َو ِ‬ ‫واح ٍد تَكثرّ َ يف‬ ‫ل ْي َس‪َ ،‬و َ‬ ‫الص َّور‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫ُهيا ُم قيْس بنِ ذريح بلُبْنى‪ ،‬وقيْس بن امل ُل ّوح بليْىل‪،‬‬ ‫وكُثيرّ ب َع َّزة‪ ،‬هو‪ ،‬يف ُمتَ َخ َّيل ِ‬ ‫ٌ‬ ‫اشتياق إىل كام ٍل‬ ‫القصي َدة‪،‬‬ ‫أصالً» كام يَقول ال ُف ْرغاين‪ .‬غيرْ َ أ َّن هؤال ِء‬ ‫«ال يُقابل ُه ق ْب ٌح ْ‬ ‫الشُّ َعرا َء‪ ،‬وغيرْ َ ُهم ِم َّمن تَ َو َّسلوا بال َغ َزل‪َ ،‬ح َج َبتْ ُه ُم املَظَا ِه ُر‪،‬‬ ‫فبَقوا يف « ُحكْمِ الخلقيّة والغيرْ يّة ِم ْن ِ‬ ‫هذ ِه امل َظا ِهر‬ ‫ٍ‬ ‫الس ُ‬ ‫لوك‪ ،‬أو التَّ ْجربَة بل َغة حديثة‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫والص َّور»‪ ،‬فيام يتطل ُّب ُّ‬ ‫ِ‬ ‫الس َوى‪.‬‬ ‫عىل‬ ‫قي‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫شْ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫غ‬ ‫ال‬ ‫آثار‬ ‫ميع‬ ‫ج‬ ‫ء‬ ‫قٍ‬ ‫يرْ َّ‬ ‫ِّ‬ ‫إفنا َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫الصوفية‪.‬‬ ‫ِعشْ ٌق يُ َع ُّد َم ْرت َبة َعالِ َية يف امل َ َح َّبة ُّ‬ ‫لَ ْي َس ِت الو ْج َهة التي اعتَ َم َدها اب ُن الفارض وغيرْ ُهُ ِم َن‬ ‫أساس‬ ‫ُّ‬ ‫الصوفية يف ُعبُورهم ِم َن امل ُقيَّ ِد إىل املُطْلَق هي ُ‬ ‫وخصوبَته‪ ،‬بل امل ُتخيَّل الذي أ ْر َس ْوهُ يف ِ‬ ‫هذهِ‬ ‫التّأويل ُ‬ ‫الو ْج َهة َو ُه ْم يَ ْستث ِم ُرو َن ا ْح ِت ِ‬ ‫امالت ال َخ َيال التي ت ُتي ُحها‬ ‫امل َح َّبة‪.‬‬ ‫ب‪ -‬ال ُب ُد ُّو باال ْح ِتجاب أو اال ْخ ِتفا ُء بالظُّ ُهور‪ .‬ما ب ِه يَظْ َه ُر‬ ‫وب هو َعينْ ُ ما ب ِه يَ ْختَفي‪ .‬إنَّ ُه ال ُعنْصرُ ُ الثاين الذي‬ ‫امل َ ْحبُ ُ‬ ‫السابق‪ ،‬القائمِ‬ ‫يَتَشَ ابَ ُك‪ ،‬يف ُمتَ َخيَّلِ القصي َدة‪َ ،‬م َع ال ُعنْصرُ َّ‬ ‫عىل تَكثرّ ال َو ِ‬ ‫حس َب أبْ َي ِ‬ ‫ات‬ ‫احد‪ .‬لق ْد ت َ َجل َِّت امل َ ْح ُبوبَة‪َ ،‬‬ ‫هي‬ ‫ابن الفارض‪ ،‬يف ُّ‬ ‫الص َّور‪ ،‬فظَ َّن ال ُعشّ ُاق ِس َواها‪ .‬وما َ‬ ‫الصوفية‪ .‬ول َع َّل قي َمة هذا ال ُعنْصرُ الثاين‬ ‫ِس َواها‪ ،‬يف ال ُّرؤية ُّ‬

‫يف بنا ِء امل َ ْع َنى ت َ ُعو ُد إىل الحَيرْ َ ِة التي يَ ْنطَوي عل ْيها ال ُب ُد ُّو‬ ‫باال ْح ِتجاب أو اال ْخ ِتفا ُء بالظُّهور‪ ،‬عىل نَ ْح ٍو يُغَذي املُتَ َخيَّل‪.‬‬ ‫اح التَّائِيَّة‪ ،‬يف ت َقريب هذا اال ْح ِت َجاب بالظُّهور‬ ‫اِ ْعتَ َم َد شرُ ّ ُ‬ ‫املُتَلَ ِّون‪ ،‬عىل تشبي ِه ِه ب ُنور الشَّ ْمس عن َد َما يَ ْصطَب ُغ بلَ ْون‬ ‫ُز َجا َج ٍ‬ ‫ات يَظْ َه ُر فيها‪ ،‬وإ ْن كانَ‪ ،‬يف حقيق ِت ِه‪ ،‬بال لَ ْون‪ .‬ذلك‬ ‫ما أ ْر َسا ُه عبد ال َّرزاق القاشاين يف «كشف ال ُو ُجوه ال ُغ ّر‬ ‫جاب‬ ‫لِ َمعاين نَظْم ال ُّدر»‪َ ،‬و َ‬ ‫واصل ُه القيْصرَ ي ُم ْستَ ْجلياً ا ْح ِت َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫امل َ ْحبُوبَة مبَا تَظْ َه ُر فيه‪ ،‬عبرْ َ ت َشْ بيه هذا اال ْحتجاب‬ ‫بالشَّ ْمس «امل ُ ْن َصبغ نو ُرها بصبغ أل َوان ال ُّز َجا َجات ويف‬ ‫قف َم َع ال ُّز َجا َج ِ‬ ‫ات وألوانِها‬ ‫نَف ِْسه ال ل ْو َن لهُ‪ ،‬ف َم ْن ت َ َو َ‬ ‫وا ْحتَ َج َب بها َعن ال ُّنور ا ْختَفَى ال ُّنو ُر َع ْنه‪ ،‬و َم ْن شا َه َد‬ ‫أل َوا َن ال ُّنور و َع َر َف أنَّها ِم َن ال ُّز َجا َجات وال لَ ْو َن لل ُّنور يف‬ ‫ن ِ‬ ‫َفسه ظَ َه َر ل ُه ال ُّنور»‪.‬‬ ‫املُحَيرِّ ُ يف هذا ال ُعنصرُ الثاين ِم ْن ُمتَ َخ َّيل القصي َدة‪ ،‬أ َّن‬ ‫الصوف ّية إىل الطّاق ِة‬ ‫جب ب ُنوره‪ .‬وق ْد تن َّب َه ُّ‬ ‫املُطْل َ​َق يَ ْحتَ ُ‬ ‫امل َ ْعر ِف َّية التي ت ُ َخ ِّولُها الحَيرْ َة لِ َم ْن اخْتا ُروها طَريقاً‪ .‬لذلك‬ ‫َس ِه ُروا‪ ،‬يف تآويلهم وأشْ َعار ِهم‪ ،‬عىل ِح َر َاس ِتها َوت َغذيَّ ِتها‪ِ .‬م ْن‬ ‫جب مبا ب ِه‬ ‫َمال ِم ِح هذه الحيرْ ة‪ ،‬نُو ٌر يَتَ َجلىّ ُم ْحتَجباً أ ْو يَ ْحتَ ُ‬ ‫نفسهُ‪ ،‬أل َّن املُطْل َ​َق ال يُ ْد َر ُك إالّ يف‬ ‫يَتَ َجلىّ ‪ِ .‬ح َجابُه الظّهو ُر ُ‬ ‫امل ُق َّي ِد وبه‪َ ،‬مبا ي َرتت َُّب َع ْن هذا اإل ْد َر ِ‬ ‫اك ِم ْن َد َه ٍش َولَ ْب ٍس‪،‬‬ ‫ب َو ْص ِفهام َوقو َد ك ُِّل َخ َيا ٍل َخالّق‪ِ .‬‬ ‫اب امل ُق ِّي ُد هو َع ْي ُن ُه‬ ‫الح َج ُ‬ ‫الكاش ُف‪ .‬غيرْ َ أنَّ ُه ال يَ ْغ ُدو ِ‬ ‫ِ‬ ‫كاشفاً إالّ إذا ت َ َّم ال َو ْع ُي ب ُح ُدو ِد‬ ‫ِ‬ ‫التّقييد فيه‪ ،‬والتَّصرْ يح‪ ،‬عىل ح ِّد تعبري ابنِ الفارض‪،‬‬ ‫بإطْالقِ ال َجامل‪.‬‬ ‫تَلَ ُّو ُن ال ُّنور ِ‬ ‫األسس‬ ‫بص َبغٍ تَتَ َب َّد ُل َم َع «ك ُِّل بَ ْرزَة» هو أ َح ُد ُ‬ ‫بالصو َرة‪ ،‬ويُ َخ ِّولو َن لها‬ ‫الصوف ّية يَتَ َو َّسلو َن ُّ‬ ‫التي َج َعلت ُّ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪129‬‬


‫ديوان العرب‬

‫َص ِ‬ ‫الصو َر َة‬ ‫الحيَّة َم ْعرفيَّة َم ِكينة يف فَ ْهمِ التَّ َجليّ ‪ .‬ذلك أ َّن ُّ‬ ‫للصوفية ال َح ِديث َع ْن‬ ‫ت ُ َؤ ِّم ُن للحَيرْ َ ِة َديمْ ُو َمتَها‪ .‬هكذا ت َ َه َّيأ ُّ‬ ‫الصو َر ِة‪،‬‬ ‫ِمرآ ٍة تُظْ ِه ُر وتَ ْح ُج ُب يف آن‪ .‬كام ْأس َع َفتْ ُه ْم َح ِقيقة ُّ‬ ‫ببرَ ْز َِخ َّي ِتها ِ‬ ‫وض ّديّ ِتها‪ ،‬يف ت َقويّ ِة الحَيرْ َة‪ .‬وق ْد عرثَ الشا ِع ُر‬ ‫الص َّور‪ ،‬التي بها يَظْ َه ُر املُطْلَق وبها‬ ‫الصويف يف ال ُح ّب ويف ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫يَ ْختَفي‪ ،‬ما يُغَذي الحَيرْ َ َة ويُؤ ِّم ُن ت َ َوق َدها وميْ َنعها م َن‬ ‫ال ُخ ُب ّو‪ .‬يف ِسياق هذا امل َ ْع َنى‪َ ،‬‬ ‫قال اب ُن الفارض‪ ،‬يف قصيد ٍة‬ ‫أ ْخ َرى‪ُ ،‬م ِ‬ ‫خاطباً َم ْح ُبوبَه‪:‬‬ ‫ز ْدنيِ بف ْر ِط ال ُح ّب َ‬ ‫فيك تَحَيرُّ َا‬ ‫وا ْر َح ْم َحشىَ بلَظَى َه َو َاك ت َ​َس َّع َرا‬ ‫تأويل ِش ْعر ال َغ َزل َوفق‬ ‫وهي ت ُعي ُد َ‬ ‫ملْ تَكُنِ التَّائِ َّية‪َ ،‬‬ ‫الصويف ِم ْن ُمقا َربَة‬ ‫ُمت َخيَّلٍ يَ ْستَ ْحضرِ ُ املُطْلَق‪ ،‬تمُ َ ّك ُن الشِّ ْع َر ُّ‬ ‫الصويف والتَّصرْ يح ب َه ِذ ِه امل ُقا َربَة و َح ْسب‪ ،‬بل‬ ‫الشِّ ْعر َغيرْ ُّ‬ ‫فتَ َحت أيْضاً إ ْمكا َن قرا َء ِة َحتّى شَ كْلِ امل َقامة‪ِ ،‬م ْن َم ْو ِق ٍع‬ ‫يَ ْن َه ُل ِم ْن َع َناصرِ هذا املُتَ َخ َّيل‪ .‬فق ْد ت َضَ ّم َن ِت التَّائِ َّية بَ ْيتاً ذا‬ ‫َو ْع ٍد ِق َرا ّيئ بَ ٍ‬ ‫عيد‪ ،‬جا َء فيه‪:‬‬ ‫تَأ َّم ْل َم ِ‬ ‫قامات السرَّ ُ وجي وا ْعتَ ْرب‬ ‫بتَلْوي ِن ِه تَ ْح َمد ق ُب َول َمشُ و َريت‬ ‫ِم َن الال ِف ِت أ ْن يَ ْس َم َع اب ُن الفارض يف ِّ‬ ‫دال «امل َقا َمات»‪،‬‬ ‫الذي ب ِه َس َّمى بديع ال َّز َمان ال َه َمداين وبَ ْعدَهُ ال َحريري‬ ‫الشَّ ك َْل ال ِكتَا َّيب املُقترَ َن بهِام‪ ،‬ال َح ُمولة ال ّدالل َّية التي ي ْنطَوي‬ ‫عل ْيها ُّ‬ ‫السامع‪ ،‬ت َ​َس َّنى‬ ‫دال «املقامات» عند ُّ‬ ‫الصوفية‪ .‬بهذا َّ‬ ‫بت إ ْمكا َن ِقرا َء ِة ك ُِّل مقام ٍة ِم ْن‬ ‫البن الفارض أ ْن يَ ْستَ ْن َ‬ ‫َمقا َم ِ‬ ‫ات ال َحريري ب َو ْص ِفها َمقاماً صوفيّاً‪ .‬هكذا فتَ َح‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السابق‪ ،‬ا ْحت َ‬ ‫امل‬ ‫بإشا َرتِ ِه شَ دي َدة التَّكثيف يف البَيْت َّ‬

‫ُّ‬ ‫قصائ ِد ال َ‬ ‫غزَل‪ ،‬التي ْ‬ ‫ت‬ ‫كل َ‬ ‫أغن َ ِ‬ ‫ِّ‬ ‫بي القديم‪ ،‬تأ ُ‬ ‫خذ‪،‬‬ ‫الش ْعر َ ال َ‬ ‫عر َ َّ‬ ‫النصيّة ال ْبن‬ ‫سة‬ ‫ممار َ َ‬ ‫ّ‬ ‫في ال ُ‬ ‫تآويل ُمتص ّوفة‬ ‫الفارض وفي‬ ‫ِ‬ ‫يكش ُ‬ ‫ف عن‬ ‫حى‬ ‫ق ْبله‪َ ،‬م ْن ً‬ ‫ِ‬ ‫طلَق ال َ‬ ‫م ْ‬ ‫بيء‬ ‫خ‬ ‫ال ُ‬ ‫ِ‬

‫‪130‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫ت َأويلِ أيب زيْد السرّ ُ وجي ب َع ِّد ِه حارساً لِالنهائيَّ ِة التَّجليّ ‪،‬‬ ‫مبا يَ ْج َع ُل تلْويناتِه ت َ َكرثا ً لِل َو ِ‬ ‫احد‪ .‬يَتل َّو ُن السرَّ ُ وجي َح َسب‬ ‫الصو َر ِة التي يَأخذها يف ك ُِّل مقامة‪ .‬وبهذا التَّلوين يُ َؤ ِّم ُن‬ ‫ُّ‬ ‫فق هذا امل َ ْعنى‪ ،‬ت َ ْجسي ٌد‬ ‫للتَّ َجليّ تَ َب ُّدلَ ُه ال َّدائم‪ .‬السرَّ ُ وجي‪َ ،‬و َ‬ ‫لِ ُمتَ َخيَّلٍ ُصو ّيف‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫إ َّن بَيْ َت ابن الفارض َع ْن مقا َمات ال َحريري إشا َر ٌة يَتي َمة‬ ‫يف التَّائ َّية‪ ،‬لك َّنها تمَ ْتَلِ ُك ق ّو ًة اقترِ ِ‬ ‫اح َّية خ َِصي َبة‪ .‬إنَّها ت َ ْنطَوي‬ ‫عىل َو ْع ٍد ب ِقرا َء ٍة َج ِدي َد ٍة لِل َمقا َمات‪ِ ،‬‬ ‫انطالقاً ِم َن امل َْسل َِك‬ ‫الذي فتَ َحتْ ُه يف هذا ال َّن ّص الذي ال يَك ُُّف‪ ،‬مبا بَث ُه فيه‬ ‫ال َحريري‪ ،‬عن انْ ِت َساب ِه إىل ُحقو ٍل َم ْعر ِفيَّ ٍة ُمتَشَّ عبَ ٍة‪ ،‬و َعن‬ ‫تآويل ِم ْن خَارج َز َم ِنه‪.‬‬ ‫ْاس ِت ْد َعا ِء َ‬ ‫فق ُمتَ َخ َّيلٍ‬ ‫وبال ُج ْملة‪ ،‬فإ َّن التَّائ َّية كُ ِت َب ْت وهي ت ُ َؤ ِّو ُل َو َ‬ ‫صو ٍّيف ال فقط ِش ْع َر ال َغ َزل ال َعر ّيب‪ ،‬بل أيْضاً أد َ​َب املقامة‪،‬‬ ‫مبا هي شك ٌْل كِتا ّيب‪ .‬وهو ما يَ ْج َع ُل التَّائِ َّية َرا ِفدا ً للتّأويل‬ ‫ِم ْن زَاويتينْ ؛ زاوية الشرُّ ُ وح التي تطلَّبَتْها هذه القصي َدة‪،‬‬ ‫وزاوية امل َ َنا ِفذ التي فتَ َحتْها إلعا َد ِة قرا َء ِة ن ُ​ُص ٍ‬ ‫وص سابقة‬ ‫عل ْيها‪.‬‬

‫الجامل ا ُملطلق‬ ‫اك َ‬ ‫‪ .3‬تحرير الح َو ّ‬ ‫اس إل ْدر ِ‬

‫ُع ُبو ُر الجَماَ ل امل ُق َّي ِد نَ ْح َو الجَماَ ل املُطْلَق يَتَطَل ُّب إ ْدراكاً‬ ‫اس لِتَ ْمرينٍ شَ ٍّاق‪ ،‬بُغيَة إفرا ِغها‬ ‫ّ‬ ‫خاصاً‪ .‬فيه تَخْضَ ُع ال َح َو ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْن ُمسبَّقاتها وتَ ْحريرها م ْن ُح ُدودها وقيُودها‪ .‬يَقو ُم‬ ‫هذا اإلف َراغ امل ُ َح ِّر ُر‪ ،‬مبا هو ت َ ْجربَة َج َس ِديَّة‪ ،‬عىل ُعنْصرُ َ يْن‬ ‫حاس ٍة ِم ْن ذاكِ َرتِها الضَّ ِّيق ِة‬ ‫ئيسينْ ‪ .‬أ َّول ُهام‪ ،‬تَخ ُ‬ ‫ْليص ك ُِّل َّ‬ ‫َر َ‬ ‫امل ُق َّي َد ِة ِ‬ ‫الص ْوتُ‬ ‫بسياج ما َر َس َمتْ ُه ل َها العا َدةُ‪َ ،‬و َما ب ِه َح َّد َّ‬ ‫العا ُّم أفُقَها‪ ،‬أي تَخْليصها ِمماّ ألِفتْ ُه فغ َدا ُملْ ِجامً و َحاجباً‪.‬‬ ‫اس يك تَتَباد َ​َل األدْوا َر عىل‬ ‫ثانِيهام‪َ ،‬ر ْد ُم ال ُح ُدود بَينْ َ ال َح َو ّ‬ ‫نَ ْح ِو ال يُ َح ُّد‪ .‬البُ ّد ِم ْن هذيْن ال ُعنْصرُ َ يْن يف َم َسار إ ْدر ِ‬ ‫اك‬ ‫الجَماَ ل املُطْلَق‪ .‬عن ذلك ُ‬ ‫يقول اب ُن الفارض يف ت َائِ َّي ِته‪:‬‬ ‫فَ ُكلّــي لِ َسا ٌن ِ‬ ‫ناظـ ٌر‪ِ ،‬م ْس َمــ ٌع‪ ،‬يَـــ ٌد‬ ‫لِ ُنطْقٍ ‪ ،‬وإ ْدر ٍاك‪َ ،‬و َس ْمعٍ‪َ ،‬وبَطْشَ ــ ِة‬ ‫ــت‪ ،‬والل َِّسا ُن ُمشَ ا ِهــ ٌد‬ ‫ف َع ْي ِنــي نَا َج ْ‬ ‫أصغ ِ‬ ‫َـت‬ ‫الس ْم ُع‪ ،‬وال َي ُد ْ‬ ‫َويَ ْن ِط ُق ِم ّني َّ‬ ‫ُــل ما بَـ َدا‬ ‫َو َس ْم ِعي َعينْ ٌ تَ ْجتَلِــي ك َّ‬ ‫َو َع ْيني َس ْم ٌع إ ْن شَ َدا الق ْو ُم تُ ْن ِص ِ‬ ‫ـت‬


‫ابن الفارض‬

‫َو ِم ّنــي َع ْن أيْ ٍ‬ ‫ــد لِ َساين يَـ ٌد‪ ،‬كمــا‬ ‫يَ ِدي ليِ لِسا ٌن يف ِخطايب َو ُخطْ َبتي‬ ‫كذاك يَدي َعينْ ٌ تَــ َرى ك َُّل ما بَدا‬ ‫َو َع ْي ِني يَــ ٌد َم ْب ُسوطَــة ِع ْن َد َسطْ َوت‬ ‫َو َس ْم ِعي لِ َسا ٌن يف ُمخَاطَ َب ِتي‪ ،‬كذا‬ ‫إصغَائِــ ِه َس ْم ُع ُم ْن ِص ِ‬ ‫ـت‬ ‫لِسانــي يف ْ‬ ‫اس ِم َن القيُود‪ ،‬ت َ ْرت َ ِف ُع «املُغَايَ َرة والغيرْ يَّة‬ ‫يف ت َ َح ُّرر ال َح َو ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫السابق‪.‬‬ ‫بَيْ َنها»‪ ،‬عىل َح ِّد ت َ ْعبري ال ُف ْرغاين يف شرَ ْحه لل َمقطعِ َّ‬ ‫اس عىل بَ ْع ِضها‪َ ،‬ويَتَ َس َّنى لِك ُِّل َو ِ‬ ‫اح َد ٍة‬ ‫هكذا ت َ ْنف ِت ُح ال َح َو ُّ‬ ‫اس‪ ،‬مبا يُ َه ِّي ُئ ال فقط لِتَ ْوسي ِعها‪،‬‬ ‫أ ْن ت َْستَ ْو ِع َب باقي ال َح َو ّ‬ ‫ْبل أساساً لِقلْب َم َه ّم ِتها األوىل وتمَ ْكي ِنها ِمن ُع ُبور امل ُق َّي ِد‬ ‫اس َع ْن قيُو ِدها‪ ،‬ال يَ ْستقي ُم‬ ‫نَ ْح َو املُطْلَق‪ .‬ما ملْ ت َ ْنف َِصلِ ال َح َو ُّ‬ ‫بح كُالًّ بَ ْع َد‬ ‫لها هذا ال ُعبُو ُر الذي يُل ِز ُم ال َح َّاسة بأ ْن ت ُْص َ‬ ‫كانت ُج ْزءا ً‪ .‬فال َعينْ ُ ‪ُ ،‬‬ ‫يقول ال ُف ْرغاين ُم ِضيئاً أبْ َياتَ ابن‬ ‫أ ْن ْ‬ ‫الفارض‪« :‬ت ُ َناجي وت ِ‬ ‫والس ْم ُع ي ْبطش‪،‬‬ ‫َنطق واللِّسان يُشا ِهد‪َّ ،‬‬ ‫والس ْم ُع يَ َرى وال َعينْ ُ ت َْس َمع»‪ُ .‬ح ُج ٌب‬ ‫وال َي ُد ت ُْصغي وت َْس َمع‪َّ ،‬‬ ‫ال َح َّد لها ت َ ْرت َف ُع‪ ،‬انطالقاً ِم ْن تاليش املُغَايَ َرة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫اِ ْرتِفا ُع امل ُغايَ َرة‪ ،‬مبا هو َر ْد ٌم لل ُح ُدود‪ ،‬ت َ ْجربَة ذاتيّة شَ اقة‪.‬‬ ‫ال يتَعل َُّق األ ْم ُر بإ ْدر ِ‬ ‫َارجي‪ ،‬بل بإخْضَ ا ِع ِ‬ ‫الذات‬ ‫اك َم ْوضو ٍع خ ّ‬

‫اس َج ِمي َعها‪ .‬إ َّن هذا‬ ‫امل ُ ْدرِكة لِتَ ْحري ٍر شَ ا ِملٍ ‪ ،‬يمَ َ ُّس ال َح َو َّ‬ ‫ال َّر ْد َم يَغ ُدو َرفْعاً لل ُح ُدو ِد بَينْ َ ال َّد ِ‬ ‫اخل والخَارج‪ ،‬أل ّن الشَّ اع َرِ‬ ‫الصويف يَ ْع ُرث عىل امل َ​َسالِ ِك التي ت َقو ُد إىل الجَماَ ِل املُطْلَقِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ِم َن اال ْح ِت َجاب املُتَ َحقّق‬ ‫رت‬ ‫فاالق‬ ‫ها‪.‬‬ ‫ج‬ ‫َار‬ ‫خ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫ذا‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫داخ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِب بظُ ُهور ِه‬ ‫اس‪ .‬ال ّنفاذ إىل امل ُ ْحتَج ِ‬ ‫بالظُّهور يَغ ُدو ت َ ْجربة َح َو ّ‬ ‫اس َج ِمي ِعها‪.‬‬ ‫ال يَ ْنف َِص ُل َع ْن خَلخَل ِة ال َح َو ِّ‬ ‫وهكذا‪ ،‬فإ َّن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس‬ ‫الح َج َ‬ ‫اب‪ ،‬يف حقيقته‪ ،‬ذايتٌّ‪ .‬إنَّ ُه يف ال َح َو ِّ‬ ‫الصوفية َد ْوماً عىل ُس ْم ِك هذا‬ ‫نَف ِْسها‪ .‬لذلك شَ َّد َد ّ‬ ‫ِ‬ ‫الح َجاب‪َ ،‬وعىل َما يتَطلّ ُب ُه ِم ْن ت َ َوغُّلٍ يف ال َّنفْس‪ .‬ما أفق َر‬ ‫اس ما ملْ تَتَ َح َّر ْر ِم ْن ق ْبلياتِها‪ ،‬وما ملْ ت ُ ْردَمِ ال ُح ُدو ُد‬ ‫ال َح َو َّ‬ ‫بح ك ُُّل‬ ‫اح َوت َ ْو ِسي ٌع‪ ،‬ت ُْص ُ‬ ‫بَيْ َنها‪ .‬يف هذا التَّ َح ُّرر‪ ،‬مبَا هو انْ ِفتَ ٌ‬ ‫حاس ٍة إ ْدراكاً ال باآللة‪ ،‬التي ت َ ْرت َب ُط بها‪ ،‬وال لِ َم ْوضو ِع ِ‬ ‫هذهِ‬ ‫َّ‬ ‫اآللة‪ ،‬بل ت َغ ُدو إ ْدراكاً ُمطْلَقاً؛ إ ْدراكاً بك ُِّل شيَ ْ ء‪ ،‬و ِم ْن ك ُِّل‬ ‫الصوفية أنف ُ​ُس ُهم‪.‬‬ ‫شيَ ْ ء‪ ،‬ويف ك ُِّل شيَ ْ ء‪ ،‬كام يُ َعبرِّ ُ ُّ‬ ‫اس ت َ ْجربة ُصوف ّية فقط‪ْ ،‬بل أيْضاً‬ ‫ل ْي َس ت َ ْحري ُر ال َح َو ّ‬ ‫ت ْجربَة ِش ْعريَّة‪ .‬غيرْ َ أ َّن هذا التَّ ْحري َر يَ ْحتَفظُ‪ ،‬يف التَّ ْجربَتَينْ ‪،‬‬ ‫بالف ُروق ال َّر ِاس َمة ال ْخ ِت ِ‬ ‫الف ُم َو ِّجهاتِهام َوتَبَايُنِ أفُقهام‪.‬‬ ‫فامل َ ْج ُه ُ‬ ‫اس‪ ،‬مثلام يَقتَ ِضي ِه‬ ‫ول الشِّ ْع ُّ‬ ‫ري يتطل َُّب إفراغاً لل َح َو ّ‬ ‫الصويف‪ .‬لك َّن هذ ِه املُماَ ثلة‬ ‫املُطْلَق الذي يَنشدُهُ‬ ‫ُ‬ ‫الطريق ُّ‬ ‫َ‬ ‫االختالف الذي يَخْترَ قها‪ .‬يف ضَ ْو ِء هذا اللقا ِء ِم ْن‬ ‫ال تمَ ْ ُحو‬ ‫د ِ‬ ‫تنصيص الشّ اعر را ْمبو يف‬ ‫َاخل االخ ِتالف‪ ،‬يمُ ْ ِك ُن أ ْن نَتَذكّ َر‬ ‫َ‬ ‫ري مبا‬ ‫رسالَتَ ْي ال ّرايئ الشَّ ه َريتَينْ عىل عالق ِة امل َ ْج ُهو ِل الشِّ ْع ِّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫اس‪ .‬يف األوىل‪ ،‬ملْ يَف ِْص ْل رامبو َر ْغ َبتَ ُه‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ال‬ ‫ويش‬ ‫شْ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ه‬ ‫َسماّ َ‬ ‫َ​َ ّ‬ ‫فق ما تَتَطَلّ ُب ُه هذه ال َّرغ َبة مبا‬ ‫بح شا ِعرا ً و َرائِياً َو َ‬ ‫يف أ ْن يُ ْص َ‬ ‫هي بُلو ُغ امل َ ْج ُهول‪َ ،‬ع ْن تشْ ِ‬ ‫ويش يَ ُ‬ ‫اس‪.‬‬ ‫طول َج ِمي َع ال َح َو ّ‬ ‫هائل‪ ،‬عىل َح ِّد ت َ ْعبريه‪ .‬ويف ال ِّر َسال ِة الثانية‪،‬‬ ‫ذاب ٌ‬ ‫وهو َع ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بح‬ ‫الس ُ‬ ‫شَ َّد َد َم َّر ًة أ ْخ َرى عىل ما يَقتضيه َّ‬ ‫بيل إىل أ ْن يُ ْص َ‬ ‫الشَّ ا ِع ُر َرائِياً ِم ْن ت َشْ ويش طويلٍ ‪َ ،‬و ِاسعٍ و َم ْد ُروس لِ َجمي ِع‬ ‫اس‪.‬‬ ‫ال َح َو ّ‬ ‫وبال ُج ْملة‪ ،‬فإ َّن املُتَ َخ َّيل الذي ب ِه بَ َنى اب ُن الفارض‬ ‫ذب الغ َزل نَ ْح َو ال ُو ُجود‪ ،‬أي‬ ‫َم ْع َنى الجَماَ ل امل ُطلق‪ ،‬اجتَ َ‬ ‫ُ‬ ‫وب ُم ْحتَجباً بظ ُهوره‪.‬‬ ‫نَ ْح َو منطق ٍة بَ ْرز َِخيَّ ٍة تُبْدي امل َ ْحبُ َ‬ ‫ِب يف ظُ ُهور ِه ْاس ِتحقاقاً إل ْدر ٍ‬ ‫اك‬ ‫فكا َن ال ُهيام بهذا امل ُ ْحتَج ِ‬ ‫واس‪ .‬ت َ ْحري ٌر يَتقاطَ ُع فيه‬ ‫ّ‬ ‫خاص‪ ،‬لِام يَتَطلَّ ُب ُه ِمن تَ ْحري ٍر لل َح ّ‬ ‫َّريق إىل امل َ ْج ُهول َم َع الطَّريقِ إىل املُطْلَق‪ِ ،‬م ْن غيرْ أ ْن‬ ‫الط ُ‬ ‫ِ‬ ‫تمَ​َّحي اال ْخ ِتالفاتُ امل َكينة بينْ َ الطَّريقينْ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪131‬‬


‫ديوان العرب‬

‫‪‎‬امرُؤ ال َ‬ ‫ق ْيس‬

‫‪‎‬الطــ ِري ُد ال َهــا ِل ُ‬ ‫َّ‬ ‫ك‬

‫َ‬ ‫ِب َع ْس َع َسـا‬ ‫يم‬ ‫‪‎‬أملَّا عىل ال َّر ْب ِع ال َق ِد ِ‬ ‫َ‬ ‫َك َع ْه ِدنـا‬ ‫‪َ ‎‬ف َلـ ْو َّأن أهْ َل الدَّا ِر فيها‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َذاك ُـم‬ ‫إ َّن ِني أنا‬ ‫‪َ ‎‬فال‬ ‫ُت ْن ِكـ ُرونيِ‬ ‫ُ‬ ‫َسا َعةً‬ ‫ال أ َغ ِّم ُ‬ ‫ـض‬ ‫َت َر ْي ِنـي‬ ‫‪َ ‎‬فإِ َّما‬ ‫َف َغ َّل َسـا‬ ‫يـم‬ ‫‪َ ‎‬تأَ َّو َب ِنـي دَا ِئـي‬ ‫ال َق ِد ُ‬ ‫َكــ َر ْر ُت‬ ‫وب‬ ‫‪َ ‎‬ف َيـا ُر َّب‬ ‫َو َرا َءهُ‬ ‫َم ْكـ ُر ٍ‬ ‫ُم َر َّجـ ًال‬ ‫وح‬ ‫‪َ ‎‬و َيـا ُر َّب َيـ ْو ٍم َقــ ْد أ ُر ُ‬ ‫‪َ ‎‬ي ُرعْنَ إلىَ‬ ‫َص ْوتيِ إ َذا ما َس ِم ْع َن ُه‬ ‫ال ُي ْح ِب نْ َ‬ ‫َمنْ َق َّل َما ُلــ ُه‬ ‫ـب‬ ‫‪‎‬أَ َراهُ ـنَّ‬ ‫الح َيا ِة كَماَ أَ َرى‬ ‫يح‬ ‫َ‬ ‫‪َ ‎‬و َما ِخ ْف ُت َتبرْ ِ َ‬ ‫تمَ ُ ُ‬ ‫ـوت َج ِمي َعـ ًة‬ ‫ـس‬ ‫‪َ ‎‬ف َلـ ْو‬ ‫أَ َّنها َن ْف ٌ‬ ‫َق ْرحاً‬ ‫دَا ِمياً َب ْعـ َد ِص َّح ٍة‬ ‫‪َ ‎‬و ُب ِّد ْل ُت‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّماّ‬ ‫‪‎‬لَ َق ْد ط َمح الط ُح َمنْ ُب َع ِد أ ْر ِض ِه‬ ‫ِقنْــو ًة‬ ‫العـدْم لِ ْل َمـ ْر ِء‬ ‫‪‎‬أَالَ َّإن َب ْعـ َد ُ‬

‫ُأ َك ِّل ُم أَ ْخ َر َسـا‬ ‫ُأ َنـا ِدي أَ ْو‬ ‫َكأَ ِّنـي‬ ‫َو ُم َع َّر َسـا‬ ‫َو َجـد ُْت َم ِقي ًال ِع ْندَهُ ْم‬ ‫َ‬ ‫َح َّ‬ ‫ال َغــ ْو ُل َفأ ْل َع َســـا‬ ‫ــل‬ ‫ـي‬ ‫لَ َيـالِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َفأ ْن َع َسـا‬ ‫ــب‬ ‫ِمنَ ال َّل ْيـلِ إ َّال‬ ‫ْأن أ ِك َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫فأ ْنك َسـا‬ ‫ْأن َي ْر َتـ َّد دَا ِئـي‬ ‫ُأ َحـا ِذ ُر‬ ‫َ‬ ‫الخ ْي َل َحتَّى َت َن َّف َسا‬ ‫َعنْـ ُه‬ ‫َو َطا َعن ُْت‬ ‫َ‬ ‫أ ْم َل َسـا‬ ‫يض ال َك َوا ِع ِب‬ ‫َح ِبيباً إلىَ ال ِب ِ‬ ‫َ‬ ‫كَماَ َت ْر َع ِوي ِع ٌ‬ ‫يط إِلىَ‬ ‫َص ْو ِت أ ْع َي َسا‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ـب ِفي ِه َوق َّو َسـا‬ ‫َرأَ ْيـنَ‬ ‫َوال َمنْ‬ ‫الش ْي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َت ِضيـقُ‬ ‫أن أقـو َم فأل َبـسا‬ ‫ِذ َرا ِعـي‬ ‫َت َسا َق ُ‬ ‫ـط أَ ْن ُف َســـا‬ ‫ـــس‬ ‫َولَ ِّكنَهـا‬ ‫َن ْف ٌ‬ ‫َ‬ ‫أ ْب ُؤ َســا‬ ‫ُن ْع َمـى َت َح َّو ْلـنَ‬ ‫َف َيـالَ ِك ِمنْ‬ ‫َما َت َل َّب َســا‬ ‫َمنْ دَا ِئــ ِه‬ ‫لِ ُي ْل ِب َس ِنـي‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َمل َب َســا‬ ‫يب طول عُ م ٍر‬ ‫َو َب ْع َد امل ِش ِ‬

‫‪‎‬صالح بوسريف‬

‫‪132‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫امرؤ القيس‬

‫‪َ ‎‬ل ْو َث ُة ِّ‬ ‫الش ْعر‬

‫وص َلنا ِش ْع ُرهُ م‪ .‬مل يكن ُم ْكثرِ اً‪ ،‬فهو كان‪ ،‬كام‬ ‫‪ِ ‎‬منْ أ َوا ِئل َمنْ َ‬ ‫يقول السيوطي يف «ا ُملز ِْهر»‪ ،‬من ُّ‬ ‫الشعراء ا ُمل ِق ِّلنيَ‪ ،‬مثل طرفة‬ ‫بن العبد‪ ،‬وعبيد بن األبرص‪ ،‬وعلقمة الفحل‪ ،‬وعدي بن زيد‬ ‫«وال َي ِص ُّح له إ َّال َن ِّي ٌف وعرشون ِش ْعراً بني طويل و ِق ْط َعة‪».‬‬ ‫والشا ِع ِر ُيون ال ُقدامى‪َّ ،‬أن ا ْم َرأ القيس‪َ ،‬‬ ‫‪‎‬ا َّت َفقَ ال ُّن َّقاد‪َّ ،‬‬ ‫كان‬ ‫ُم ْست َْح ِدثاً‪ ،‬و كان فا ِتحاً‪ .‬يقول أبو عبيدة‪ ،‬إن امرأ القيس‪ ،‬هو‬ ‫ْ‬ ‫«أش َعر ُشعراء الجاهلية‪ ،‬أل َّنه أ َّول من استوقف الرفيق‪ ،‬وبىك‬ ‫ال ِّد َمنَ ‪ ،‬ووصف ما فيها‪ ،‬وأ َّول من َش َّبه الخيل بالعصا‪ ،‬وال ِّل ْق َو َة‬ ‫ِّ‬ ‫والسباعَ والطَّيرْ َ‪ ،‬ف َت ِب َعه ُّ‬ ‫الشعراء عىل تشبيهه لها بهذه‬ ‫والظبا َء ِّ‬ ‫األصناف »‪‎.‬وهو نفس ما ذهب إليه عمر بن الخطاب‪ ،‬يف ما‬ ‫ُي ْر َوى عنه‪ ،‬حني سأله العباس بن عبد املطلب‪ ،‬عن ُّ‬ ‫الشعراء‬ ‫وأمريهم‪ ،‬قال «امرؤ القيس سا ِب ُقهُم‪َ ،‬خ َس َف لَهُم عني ِّ‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫أص َّح بَصرَ »‪.‬‬ ‫فا ْف َت َق َر عَنْ مَعانٍ عُ و ٍر َ‬ ‫‪‎‬ثمَ​َّة من يرى َّأن ا ْم َرأ ال َق ْيس‪ ،‬ليس أ َّول شاع ٍر َع َر َفتْه العربية‪،‬‬ ‫فهو ضمن الطبقة األوىل‪ ،‬وفق التقسيامت النقدية القدمية‪،‬‬ ‫لكنه‪ ،‬هو واحد من َع َد ٍد من ُّ‬ ‫الش َعراء الذين ال ُي ْع َرف لهم‬ ‫ٌ‬ ‫أ َّول‪ ،‬أو كام جاء يف رواية عن ابن َش َّبة «ل ِل ِّش ْعر أ َّول ال ُيو َق ُف‬ ‫عليه»‪ .‬ما يعني‪ ،‬أن ا ْم َرئ القيس‪ ،‬له ْأس َال ٌف‪ ،‬وهو ما كان‬ ‫ذكره عنرت َة‪ُ ،‬م َجا ِيل امرؤ القيس‪ ،‬يف سؤاله َّ‬ ‫الشهري‪« ،‬هل غادَر‬ ‫ُّ‬ ‫الحطيئة‪ ،‬يف تأكيد هذا‬ ‫الش َع َراء ِمن ُمترَ َدِّم… »‪ ‎.‬وسيذهب ُ‬ ‫ُ‬ ‫املعنى‪ ،‬إىل َّأن امرأ القيس كان « َي َت َو َّكأ» عىل شعر أيب دُؤاد‬ ‫األيادي‪ ،‬ويروي شعره‪‎.‬وحني َن ْع َل ُم‪ِ ،‬مماَّ َر َوا ُه صاحب األغاين‪،‬‬ ‫من سرية امرئ القيس‪ ،‬أنه كان من َن َس ٍب‪ ،‬فيه كثري من‬ ‫ُّ‬ ‫الشعراء‪ ،‬من أخواله‪َ ،‬ي َض ُعنا هذا يف سياق هذه ال َّل ْو َثة التي‬ ‫لَ ِح َق ْت به‪ ،‬مام سيجعل َوالِدَه‪ ،‬كام يف بعض الروايات‪ ،‬يطرده‬ ‫يم َم َع ُه أ َن َف ًة من قوله ِّ‬ ‫وكانت الم ُ ُلوك‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫« َوآلىَ أَ َّال ُي ِق َ‬ ‫ْتأ َن ُف من ذلك»‪ ،‬كام جاء يف األغاين‪.‬‬

‫َض َال َل ُة َّ‬ ‫الشا ِعر‬

‫الص ْي ِد‬ ‫«الهياً عا ِبثاً‪ ،‬غا ِرقاً ُر ْف َق َة ِص َحا ِبه يف َّ‬ ‫‪‎‬كان ا ْمر ُؤ القيس ِ‬ ‫أتاح ْت له‬ ‫وال َّل ْه ِو‪ ،‬وال َّل َذ ِة وا ُمل ُجونِ »‪ ،‬وقد اختار حيا ًة َّ‬ ‫خاصة‪َ ،‬‬

‫أن َي ْب َقى َطليقَ ال َي ِد‪َ ،‬ط ِليقَ ال ِّلسانِ ‪ ،‬يعيش عىل ِغوايا ِت ِه‪ ،‬وما‬ ‫كان اختاره من نمَ َط َع ْي ٍش‪ ،‬رمبا لِام كان ْاست َْش َع َرهُ ِمنْ إها َنة‬ ‫والشعر‪ ،‬فاختا َر ِّ‬ ‫والِ ِده لَهُ‪ ،‬حني َخيرَّ َه بني اإلمارة ِّ‬ ‫الشعر‪،‬‬ ‫الذي كان َق َد َر َّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬فهو وضع ِّ‬ ‫الشعر يف مواجهة ال ّوجود‪،‬‬ ‫أو كان ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬عنده‪ ،‬هو معنى ُوجو ِد ِه‪.‬‬ ‫‪‎‬فهو «املَ ِلك ِّ‬ ‫الض ِّليل»‪ ،‬الخارج عن طاعة والده‪ ،‬وعن إمارته‬ ‫التي ستكون َح ْرباً عىل َّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬وس َت ْق ِلب حيا َته كامل ًة‪ ،‬من‬ ‫شاع ٍر َيت َ​َص َّيد «األَوا ِبد» إىل ُمحا ِر ٍب‪ ،‬يبحث عن َقا ِتليِ والِ ِده‪،‬‬ ‫و َي َت َوعَّدُ هُ م‪ ،‬يف شعره‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ِ ‎‬مماَّ قاله يف هذا الصدد‪ُ ،‬م َو ِّجها كال َمه لِ َب ِني َأس ٍد‪:‬‬ ‫الح ْر َب ال َن ْق ُع ِد‬ ‫‪َ ‎‬ف ْإن َت ْد ِفنُوا الدَّا َء الَ ُن ْخ ِف ِه‬ ‫َو ْإن َت ْب َع ُثوا َ‬ ‫َو ْإن َت ْق ِصدُ وا لِد ٍَم َن ْق ِصدُ‬ ‫‪َ ‎‬و ْإن َت ْق ُت ُلــو َنا ُن َقتِّـ ُل ُكــم‬ ‫‪‎‬فهو كان‪ ،‬يف َس ْع ِي ِه لِلأْ َ ْخ ِذ ْ‬ ‫«ج ْر َح ال ِّلسان‬ ‫بثأر َوالِ ِده‪ُ ،‬ي ْد ِر ُك‪َّ ،‬أن ُ‬ ‫َك ُج ْر ِح ال َي ِد»‪َّ ،‬‬ ‫بالسالح‪ِّ ،‬‬ ‫والش ْع ُر‪،‬‬ ‫وأن ا ُمل َو َاجهَة‪ ،‬هي ُم َو َاجهَة ِّ‬ ‫سيكون هو ال ِّل َس ُان الذي ّي ْفضيِ بمِ ا يف ال َّن ْف ِس من َش ًجى‪ ،‬ومن‬ ‫جات ال َغدْر‪ ،‬التي لَ ْم َي ْست َِس ْغها َّ‬ ‫الشاع ُر‪ ،‬من َب ِني َأس ٍد‪،‬‬ ‫َحشرْ َ ِ‬ ‫رغم ما كان بينَه وبني والده من َج َفا ٍء‪ ،‬و ُب ْعد َمسا َف ٍة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‪‎‬ح ْر َق ُة ال َغدْر وال َفت ِْك بوالده‪ ،‬من ِق َبل بني َأس ٍد‪ ،‬هي ما أ َغا َر‬ ‫َن ْف َس االبن َّ‬ ‫خرج به من ضالله‪ ،‬إىل ضرَ َا َو ِته‪ ،‬كام‬ ‫الض ِّال‪ ،‬وما َ‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪133‬‬


‫ديوان العرب‬

‫كالج َذرِيّ ‪،‬‬ ‫اليمن»‪َّ ،‬أن ا ْم َرأ القيس تويف سنة ‪٥٦٥‬م‪ ،‬أصا َبه مرض ُ‬ ‫كان سبباً يف موته‪َّ ،‬‬ ‫وأن ملك قسطنطينية‪ ،‬كام جاء يف كتاب‬ ‫قديم مخطوط‪ ،‬لَماَّ بلغه وفاة امرئ القيس‪ ،‬أمر بنحت متثال‬ ‫له‪ ،‬ل ُين َْص َب عىل رضيحه‪ ،‬ففعلوا‪ ،‬وكان متثال امرئ القيس‬ ‫هناك إىل أيام املأمون‪ ،‬وقد شاهده هذا الخليفة‪ ،‬عند مروره‪،‬‬ ‫لَماَّ دَخل بالد الروم ليغزو الصائفة‪.‬‬

‫وب له من ِش ْع ٍر‪.‬‬ ‫َب َاح بها يف أكرث من قصيدة‪ ،‬مام هو َمن ُْس ٌ‬ ‫ُ‬ ‫‪‎‬تعبري ُ‬ ‫الح ْر َقة‪ ،‬تبدو يف َق َس ِم ِه أ َّال َي ْأك َل لَ ْح ًام‪ ،‬وال َيشرْ َ َب‬ ‫ات هذه ُ‬ ‫ْ‬ ‫يب امرأ ًة‪ ،‬وال َي ْغ ِس َل َرأ َس ُه‬ ‫َخ ْمراً‪ ،‬و الَ َيد َِّهنَ ِبدُ هْ ٍن‪ ،‬و ال ُي ِص َ‬ ‫من َجنَا َب ٍة‪َ ،‬حتَّى ُي ْد ِر َك ِبت َْأ ِره‪ .‬وهو هنا ال ُي ْق ِسم ِبترَ ِْك ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬أو‬ ‫ْتأ ِجي ِله‪ ،‬مثلام ف َعل مع الخمرة والنِّساء‪ ،‬رغم أن ِّ‬ ‫الش ْع َر‪ ،‬حتَّى‬ ‫يف حالة ُصدُ ورنا عن الرواية التي تقول إِ َّنه َش َّب َب بزوجة والده‪،‬‬ ‫لِ َجاملها‪ ،‬كان هو مصدر ما سيعيش فيه من َص ْع َل َكة‪َ ،‬و َت َهت ٍُّك‪،‬‬ ‫الخطاب‪ ،‬وهو ُيشري لبعض ما جاء َ‬ ‫وضاللٍ ‪ .‬ألَ ْم َي ُقل عنه عمر بن َّ‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬شا ِع ٌر ُم ْش ِك ٌل‬ ‫َّ‬ ‫يف شعره بهذا املعنى‪« ،‬هو حا ِمل لِ َواء ُّ‬ ‫‪‎‬مثة الكثري مام قيل يف شأن الروايات واألشعار املنسوبة المرئ‬ ‫الشعراء إىل النَّار»؟!‬ ‫َش َغل ا ْم ُرؤ القيس َن ْف َسه‪ْ ،‬‬ ‫ُّ‬ ‫القيس‪َّ .‬‬ ‫الشك‪ ،‬يف هذه الروايات‪ ،‬أو يف بعضها‪ ،‬قديم‪ ،‬وليس‬ ‫نفس ُه‬ ‫بثأ ِر َوالِدَه‪ ،‬بقدر ما َش َغل َ‬ ‫خرج عنها‪ ،‬وليد العرص الحديث‪ .‬وحني ذهب طه حسني إىل َّ‬ ‫الشك يف‬ ‫نفسه َ‬ ‫ْ‬ ‫باس ِتعادَة َن ْخ َو ِة َق ِبي َل ِته‪ ،‬وشرَ َ ِفها الذي‪ ،‬كان هو ُ‬ ‫ورفض أن يلتزم ِب ِق َي ِمها‪ ،‬و َن ْخ َو ِتها‪ ،‬و ِب ُس ْلط ِتها التي كان والده هو وجود هذا َّ‬ ‫الشاعر نفسه‪ ،‬فهو ْاس َتنَد لِام يف شعره من أساليب‪،‬‬ ‫ُم َم ِّثلها‪ .‬أن يرفض َّ‬ ‫رأى أ َّنها تعود لِام بعد زمن امريء القيس‪ ،‬وال ُتعَبرِّ ‪ ،‬متاماً‪ ،‬عن‬ ‫الشا ِعر اال ْن ِص َياع لِشرَ َف القبيلة‪َ ،‬و َن ْخ َو ِتها‪ ،‬ال‬ ‫يعني يف نظر َّ‬ ‫الواقع اللغوي‪ ،‬الذي كان عليه زمنه‪ ،‬وال ما كان يصدر عن زمنه‬ ‫الشا ِعر‪ِ ،‬خيا َنتَها‪ ،‬أو إها َنتَها‪ ،‬لكن أن يمُ َ َّس رشف‬ ‫القبيلة من «الغريب»‪ ،‬أو الغريم‪ ،‬فهذا ما مل َي ْقب ْله‪ ،‬وما أ ْي َق َظ يف من تعبريات‪ ،‬هي غري ما َو َص َلنا عن هذا َّ‬ ‫الشاعر ا ُمل ْش ِكل‪.‬‬ ‫‪‎‬يف تراثنا الشعري القديم‪َ ،‬ت ُعو ُد هذه املشكلة لطبيعة الرواية‬ ‫نفسها َن ْخ َوة الشاعر‪ ،‬التي‬ ‫نفسه‪َ ،‬ح ِم َّي َة «الجاهلية»‪ ،‬التي هي ُ‬ ‫الشفاهية التي كانت بني ما ساعد عىل حدوث اضطرابات يف‬ ‫نفسه‪ ،‬إذا َص َّح َّأن الذي َح َّر َض َق ْيصرَ‬ ‫ستكون َسبباً يف هالكه هو ُ‬ ‫عليه‪ ،‬هو َّ‬ ‫الشعر‪ ،‬ويف ما كان ُين َْسب لهذا َّ‬ ‫كثري من هذا ِّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬أو ذاك‪.‬‬ ‫الطامح‪ ،‬الذي كان امرؤ القيس َقت َ​َل أخاً له من بني‬ ‫لكن َت َوهُّ م شخصي َة شاعر كامل ًة‪ ،‬هذا أمر بعيد االحتامل‪،‬‬ ‫أسد‪.‬‬ ‫وفق ما ذهب إليه طه حسني‪ ،‬ليس بالنسبة المرئ‬ ‫القيس‪ ،‬بل ُملعاصرِ ِه عنرت َة‪ ،‬ولِ ِشعراء الَ ِح ِق َ‬ ‫ني عليه‪ .‬أن‬ ‫‪‎‬الس ُّم يف ال َع َسل‬ ‫ُّ‬ ‫َندُ َّس أكرث من شاعر يف َط َّيات تراث كاملٍ ‪ ،‬سيكون‬ ‫‪‎‬من ال ِّر َوا َيات التي َذهَ َب إليها أغلب‬ ‫الس َخف‪ ،‬مهام كانت ا ُملبرَ ِّرات التي ميكن‬ ‫الدارسني وال ُّن َّقاد‪ ،‬ممن كتبوا يف سرية امرئ‬ ‫رضباً من َّ‬ ‫أن نسو َقها‪َ ،‬ك ُح َّجة‪ ،‬لتربير فرضيتنا هذه‪ .‬لكن‬ ‫القيس‪ ،‬أو يف شعره‪ ،‬أن الطَّماَّ ح‪ ،‬هذا‪ ،‬هو‬ ‫وجود اضطرابات يف هذا ِّ‬ ‫الشعر‪ ،‬وروايات‪ ،‬مختلفة‪،‬‬ ‫من ح َّر َض القيرص عىل امرئ القيس‪ ،‬بدعوى‬ ‫ً‬ ‫ُمتنا ِق َضة‪ ،‬و ُمتضا ِر َبة‪ ،‬أيضا‪ ،‬فهذا أمر قائم‪،‬‬ ‫أ َّنه « َغ ِويٍّ »‪ ،‬وأ َّن ُه « ُي َر ِاس ُل» ِبن َْت ال َق ْيصرَ ‪،‬‬ ‫نظراً لكون ال َّت ْقييد الذي َح َصل‪ ،‬يف زمن الجمع‬ ‫واص ُلها»‪ ،‬وقال «يف ذلك ْأش َعاراً ُي َش ِّه ُر بها يف‬ ‫«و ُي ِ‬ ‫والتدوين‪ ،‬كان ال ِّل َسان والذاكرة‪ ،‬أو الحفظ‪،‬‬ ‫العرب َف َي ْف َض ُحها و َي ْف َض ُح َك»‪ .‬ما ج َعل القيرص‬ ‫هام أدا ُته وقاعدته التي من خاللها وصلتنا هذه‬ ‫يبعث له ِب ُح َّلة مسمومة‪ ،‬كانت سبباً يف ما أصابه‬ ‫النصوص‪‎.‬لكن‪ ،‬حني يكون إجامع‪ ،‬أو شبه إجامع‬ ‫من َت َف ُّس ِخ جلده‪ ،‬وما َح َّل به من ألَ ٍم‪ ،‬هو ما‬ ‫الدَّارسني‪ ،‬والباحثني‪ ،‬مبنياً عىل رواي ٍة ما‪ ،‬فهذا‬ ‫َي ْف َضح النص معناه‪.‬‬ ‫سيكون‪ ،‬يف أقل تقدير‪ ،‬قاعد ًة لقبول هذه الرواية‪،‬‬ ‫‪‎‬يذهب األب لويس شيخو‪ ،‬يف الجزء األول من‬ ‫كتابه ُ‬ ‫والتعا ُمل معها‪ ،‬إىل حني اكتشاف وثائق‪ ،‬ومعطيات‬ ‫«شعراء النرصانية»‪ ،‬يف باب «شعراء‬ ‫‪134‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫امرؤ القيس‬

‫أخرى‪ُ ،‬تعيد تغيري هذا الواقع‪ ،‬بواقع آخر‪ ،‬وهذه هي طبيعة‬ ‫البحث‪ ،‬وما تقتضيه املعرفة من تأسيس للفرضيات‪ ،‬و بناء‬ ‫األفكار‪.‬هذا ما ُي َس ِّوغ‪ ،‬هنا‪ْ ،‬اس ِتنادَنا للرواية األوىل‪ ،‬رواية ُح َّلة‬ ‫القيرص‪ ،‬والقصيدة التي هي تعبري عن هذا الحدث املأساوي‪،‬‬ ‫الذي بدا فيه الشاعر هَ ّشاً‪ُ ،‬م َت َو ِّتراً‪ُ ،‬منْهاراً‪ ،‬يفقد َن َضا َر َته‪،‬‬ ‫وحيويته‪ ،‬بال َّت ْدريج‪ ،‬أو بنوع من املوت البطيء‪ ،‬الذي جعل‬ ‫واجهَة هذا الحارض ا ُملن َْح ِّل‪،‬‬ ‫الشاعر َي ْس َتن ِْجدُ باملايض‪ ،‬يف ُم َ‬ ‫ا ُمل َت َف ِّسخ‪.‬‬

‫‪َ ‎‬ن ْف ٌس َت َسا َقط أَ ْن ُف َسا‬

‫غ ْدر وال َ‬ ‫ح ْر َق ُة ال َ‬ ‫ك بوالده‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ف ْت ِ‬ ‫أس ٍد‪ ،‬هي ما أ َ َ‬ ‫غار َ‬ ‫من ِقبَل بني َ‬

‫س االبن َّ‬ ‫الض ِّ‬ ‫ج به‬ ‫ال‪ ،‬وما خر َ‬ ‫ن َ ْف َ‬ ‫من ضالله‪ ،‬إلى َ‬ ‫ضرَا َو ِته‪ ،‬كما‬ ‫ح بها في أكثر من قصيدة‪،‬‬ ‫بَا َ‬ ‫ش ْع ٍر‪.‬‬ ‫مما هو َم ْن ُ‬ ‫س ٌ‬ ‫وب له من ِ‬

‫‪‎‬يف الن َِّّص‪َ ،‬ت ْظ َه ُر ُمعانا ُة َّ‬ ‫‪‎‬يف ِش ْعر امرئ‪ ،‬كانت هذه الثنائية‪ ،‬حارضة باستمرار‪ ،‬وهي‬ ‫الشا ِعر ِمماَّ َحاق به‪ .‬فهو َي ْس َت ِعيدُ‬ ‫وج ْسم َي َتالشىَ ‪ ،‬ثنائية‪ ،‬نجدها يف ِّ‬ ‫ُ‬ ‫الشعر الجاهيل‪ ،‬عند أكرث ُشعراء هذه‬ ‫ماضيه‪ ،‬يف ُم َو َاجهَة حارضه‪ ،‬وهو‬ ‫حارض ُج ْر ٍح‪ِ ،‬‬ ‫املرحلة‪ ،‬باعتبارها بني ًة داللي ًة‪ ،‬كانت نوعاً من الرغبة‬ ‫ويذوب‪ ،‬إرباً إربا‪ .‬ليس استحضاره لل َّر ْبع‪ ،‬سوى تعب ٍري عن‬ ‫ُ‬ ‫بالج نْب‬ ‫ُغ ْر َبة الشاعر‪ ،‬وعُ ْزلَ ِته‪ ،‬التي جعلت األشياء َت ْن َف ِر ُط من حوله‪ ،‬يف الخلود والبقاء‪ ،‬أو يف مقارعة الزمن‪ ،‬وا ِّتهامه ُ‬ ‫ُ‬ ‫وتتساقط‪ ،‬كام تتساقط َن ْف ُسه‪ .‬فهو تمَ َنَّى َ‬ ‫ْ‬ ‫ليست يف مستوى ُم َع َّل َقة الشاعر‪.‬‬ ‫األبيات‪،‬‬ ‫واحد ًة‪ ،‬والخديعة‪ ‎.‬هذه‬ ‫املوت ُد ْف َع ًة ِ‬ ‫أو ُم ْج َم ًال‪ ،‬لكنه‪ ،‬وهذه هي مأسا ُة ما ُيعانيه‪ ،‬يف ما هو ُ‬ ‫ميوت‪ ،‬مثة ما َي ُشدُّ هذا النص لِسا ِب ِقي ِه‪ ،‬من حيث املعنى‪ ،‬أو بعض‬ ‫اإليحاءات الداللية‪ ،‬التي هي جزء من رؤية ّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬ومن‬ ‫نفسه تتهاوى‪َ ،‬ك ُب ْن َيانٍ ‪ ،‬فقد َت َوا ُز َنهُ‪.‬‬ ‫يت َف َّر ُج عىل َم ْو ِت ِه‪ ،‬ويرى َ‬ ‫‪‎‬نفس ما كان عا َنا ُه َّ‬ ‫فلسفته يف ال ُوجود‪ ،‬خصوصاً ما َت َع َّلق منها برؤيته للزمن‪ .‬لكنَّ‬ ‫الشاعر‪ ،‬من أرَقٍ ‪ ،‬يف قصائد سابق ٍة‪،‬‬ ‫طبيعة هذه القصيدة‪ ،‬وما فيها من ُب ْعد تراجيدي‪ ،‬مأساوي‪،‬‬ ‫بح ْر َق ٍة ُمضا َع َف ٍة‪ ،‬هي ُح ْر َقة‬ ‫يستعيدُ ه يف هذه األبيات‪ ،‬لكن ُ‬ ‫يجعلها تكون شبه مبارشة يف التعبري‪ ،‬ويف َف ْضح ُمعاناة‬ ‫الت َ​َّسا ُقط‪ ،‬التاليش‪ ،‬وال َّذ َوبان‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫الشاعر‪َ ،‬و َق ْس َوة ال َق ْرح عليه‪.‬‬ ‫وطعانٍ ‪ ،‬وال زمنَ‬ ‫روس َي ٍة‪ ،‬أو شكيمة‪ِ ،‬‬ ‫‪‎‬مل يعد الحارض‪ ،‬زمنَ ُف ِ‬ ‫َ‬ ‫‪‎‬يف ُل َغة النص َن ْست َْش ِع ُر َتأوُّهَ َّ‬ ‫الشاعر‪َ ،‬و َت َو ُّج َعه‪ ،‬أو تعب َريه‬ ‫وص ْع َل َك ٍة‪ ،‬و َت َهتِّك‪ .‬ا ْن َق َل َبت‬ ‫يض َكوا ِعب‪ ،‬أي زمنَ َخ ْمرضة‪َ ،‬‬ ‫ِب ٍ‬ ‫وصارت َح ْرباً عىل َّ‬ ‫ْ‬ ‫عن فجيع ِة َن ْف ِسه املريضة‪ ،‬ا ُملصا َبة‪ ،‬وا ُمل ْهترَ ِ َئة‪ ،‬ا ُملتالشي ِة‪ ،‬كام‬ ‫الشاعر نفسه‪ ،‬يف جسده‪ ،‬ويف‬ ‫األمور‪،‬‬ ‫الصاعد من أعامق نفسه‪ ،‬مبا ُيشري‬ ‫تس ِلم‬ ‫َن ْست َْش ِعر‪ ،‬هذا «ال َت َمنِّي» َّ‬ ‫حياته‪ ،‬ونفسه التي مل يعد قادراً عىل ُمغالبتها‪ ،‬فهو ُم ْس ْ‬ ‫لِدَائه القديم‪ ،‬ال يرغب يف أن يعود إليه‪ ،‬أو أن ُي ْب ِط َل حركتَه‪ ،‬إىل اإلحساس بـ «ألَ ِم ال َّز َوال» واالنقضاء‪ ،‬وال َّت َلف‪.‬‬ ‫‪‎‬يف مثل هذه النصوص‪ ،‬التي هي ُم َ‬ ‫كاش َفة و ُمعاناة‪ّ ،‬‬ ‫الشا ِعر‪،‬‬ ‫و َي ْج َع َله عاجزاً عن تدبري أمر نفسه‪:‬‬ ‫للم َ‬ ‫كاش َفة واألمل مكاناً‪ ،‬يكون هو غري ما ميكن‬ ‫الحيا ِة كَماَ أ َرى َت ِضيقُ ِذ َرا ِعي ْأن أَ ُقو َم َفأ ْل َب َسا عاد ًة ما ُيتيح ُ‬ ‫يح َ‬ ‫‪َ ‎‬و َما ِخ ْف ُت َتبرْ ِ َ‬ ‫يحه لجاملية ال َّت ْعب ِري ِّ‬ ‫‪َ ‎‬ت ّب َّخ َر ْت حياة ال َّل ْه ِو والنِّساء و ُمعا َق َرة َ‬ ‫الشع ِريِّ ‪ ،‬وللمجازات‪ ،‬والصور‬ ‫الخ ْم َرة‪ ،‬وصا َر‪ ،‬أن َي ْن َعم أن ُي ِت َ‬ ‫َ‬ ‫البالغية ذات املنحى ِّ‬ ‫الشعري العايل‪ .‬الدَّاللة‪ ،‬هنا‪ ،‬مبا هي‬ ‫نفسه ِبتَأ ٍّن‪،‬‬ ‫الشاعر ٍ‬ ‫مبوت كاملٍ ‪ ،‬بدل هذا املوت الذي يأكل َ‬ ‫وج ْرح‪ ،‬هي ما يذهب إليه َّ‬ ‫الشا ِعر‪ ،‬ويرتك الباقي‬ ‫وعَىل َمهل‪ ،‬دون أن يجد له عالجاً‪.‬‬ ‫معاناة ُ‬ ‫لشاعريته‪ ،‬وبديهته ِّ‬ ‫‪َ ‎‬ز َمنَان َيتَصارَعانِ يف نفس َّ‬ ‫الشعرية‪ ،‬أن تقوله‪ ،‬لكن ليس بنفس‬ ‫نعيم‪ ،‬وهو املايض‪،‬‬ ‫الشا ِعر‪ ،‬ز َمنُ ٍ‬ ‫الحرص الذي تكون فيه النفس يف أ ْوج َف َر ِحها‪ ،‬أو لَ ْه ِوها‪ ،‬كام‬ ‫وزمن بؤس‪ ،‬وهو زمن هذا ال َق ْرح الدَّامي‪ ،‬الذي َح َّول حيا َته‬ ‫يف وضع امرئ القيس‪ ،‬هذه النفس التي َت َسا َق ُط أ ْن ُفسا‬ ‫إىل جحيم‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪135‬‬


‫ديوان العرب‬

‫أحمد شوقي‬ ‫بعد ثمانية عقود‬ ‫أحمد شوقي واحد من الشعراء الذين استطاعوا نقش اسمائهم في جدار الشعرية العربية وقد حقق‬

‫حضورا مختلفا عن مجايليه حتى ّ‬ ‫لقب أميرا للشعراء‬

‫يوسف احمد مكي‬

‫مىض مثانون عاما عىل رحيل الشاعر احمد شوقي‪ ،‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬فإن هذا الشاعر ظل منارة شعرية يف سامء الشعر‬ ‫العريب الحديث‪ ،‬ومل تستطع األيام والسنون التقليل‬ ‫من قيمة وأهمية الشاعر وشعره‪ .‬ال بل زاده تقادم‬ ‫الزمن حضورا وألقاً واتساعاً‪ ،‬كام شكل معينا ال ينضب‬ ‫للدراسات واألبحاث االكادميية‪.‬‬ ‫ميكن القول إن شعر شوقي يعترب من أكرث األشعار‬ ‫حضورا يف الثقافة العربية من بني الشعراء يف مختلف‬ ‫العصور‪ ،‬ومن بني أكرث األشعار التي يرتدد صداها‬ ‫لدى األجيال املتعاقبة‪ ،‬وال يوجد فرد من هذه األجيال‬ ‫إال ويعرف شوقي وشعره بشكل أو بآخر‪ ،‬ولو من خالل‬ ‫بيت من الشعر أو حتى شطر‪ ،‬أو قد يكون سمع عن‬ ‫شوقي أو قرأ بعض أشعاره يف سنوات الدراسة‪.‬‬ ‫هو الشاعر االرستقراطي‪ ،‬ولكن األكرث شعبية من بني‬ ‫شعراء العربية قاطبة‪ ،‬وهذا بطبيعة الحال يعود إىل‬ ‫عدة أسباب‪ ،‬رمبا من أهمها سهولة شعر شوقي ورسعة‬ ‫متثله من قبل املتلقني‪ ،‬وقربه من املزاج والذائقة‬ ‫العربية يف الشعر وخاصة مخاطبته للجانب النفيس‬ ‫واالجتامعي‪ ،‬وأيضا تناوله ملختلف جوانب الحياة‪،‬‬

‫‪136‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫هناك شعراء ال يقلون‬ ‫عن شوقي من حيث العطاء‬ ‫الشعري‪ ،‬لكن شوقي يظل‬ ‫حائزا لقصب السبق في الشعر‬


‫أحمد شوقي‬

‫وأخريا متيزه بالبعد األخالقي ِ‬ ‫والحكمي واملناقبي ‪.‬‬ ‫الشك ان هناك شعراء ال يقلون عن شوقي من حيث‬ ‫العطاء الشعري‪ ،‬لكن شوقي يظل حائزا لقصب السبق‬ ‫يف الشعر‪ ،‬وقد توج امريا لشعراء العربية يف العرص‬ ‫الحديث‪ ،‬وال يزال يف القمة حتى بعد مرور اكرث من‬ ‫مثانية عقود عىل رحيله‪.‬‬ ‫فهو امري الشعر العريب الحديث يف ثالثينيات القرن‬ ‫املايض وهو كذلك يف العقد الثاين من القرن الواحد‬ ‫والعرشين ‪.‬‬ ‫ومام هو جدير بالذكر يف هذا الشأن أن املرء سواء كان‬ ‫مهتام بشعر شوقي أو خالف ذلك‪ ،‬فهو كلام قرأ شوقي‬ ‫ازداد ولعا به‪ ،‬وعاد إليه مرات ومرات وكأنه يقرأه للمرة‬ ‫األوىل‪ .‬إن يف شعر شوقي جاذبية قل نظريها‪ ،‬وإن فيه‬ ‫لطالوة قلام توجد يف أشعار غريه من الشعراء القدماء‬ ‫واملحدثني عىل حد سواء‪ .‬مأثرة شوقي يف شعره هو‬ ‫قرب هذا الشعر من اإلحساس العريب اإلنساين عامة‪،‬‬ ‫بحيث يشعر املتلقي وكأن هذا الشعر يشء من ذاته‬ ‫او من ميوله واهتامماته او لسان حاله‪ ،‬إن ميزة شعر‬ ‫شوقي وعىل الرغم من مرور الوقت هي قدرته عىل‬ ‫اخرتاق الزمن والتجديد الدائم‪ ،‬والتعبري عن النبض‬ ‫العريب‪ .‬لذلك سيظل شوقي الشاعر حارضا ابدا يف املشهد‬ ‫الشعري العريب والذاكرة الشعبية عموما‪ .‬وال غرابة ان‬ ‫يستمر شوقي الشاعر األمري من خالل شعره املنبسط‬ ‫عىل امتداد ساحة الشعر العريب من املحيط اىل‬ ‫الخليج‪ ،‬نقول ال غرابة ان يستمر امريا‪ ،‬وال غرابة‬ ‫أن يبقى شعره يف الطليعة‪ ،‬وميثل مفخرة من‬ ‫مفاخر العرب املعارصين‪.‬‬ ‫إذا كان الشعر العريب من السعة مبكان يف‬ ‫القديم كام يف الحديث‪ ،‬فإن شعر شوقي ويف‬ ‫مثانينية رحيله‪ ،‬هو األكرث بروزا‪ ،‬ال بل األكرث‬ ‫إقباال عليه من قبل املتلقني‪ ،‬مختصني وغري‬ ‫مختصني‪ .‬وهذا يف حد ذاته فخر للشاعر وشعره‬ ‫وهو دليل عىل مقام شوقي حتى بعد رحيله‬

‫المرء سواء كان مهتما‬ ‫بشعر شوقي أو خالف ذلك‪،‬‬ ‫فهو كلما قرأ شوقي ازداد‬ ‫ولعا به‪ ،‬وعاد إليه‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪137‬‬


‫ديوان العرب‬

‫ديوان الحماسة‬

‫قريط بن أنيف العنبري التميمي‬ ‫وردت هذه القصيدة في «ديوان الحماسة»‪ ،‬الذي‬ ‫اختاره أبو تمام الطائي من أشعار العرب ‪ ،‬ورتبه‬

‫كنت من مازن لم تستَبح إبلي‬ ‫لو ُ‬ ‫بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا‬

‫على أبواب عشرة‪ ،‬أولها باب الحماسة‪ ،‬فكان ذلك‬

‫َ‬ ‫معش ٌر خُ ُ‬ ‫شن‬ ‫إذا ً لقام بنصري‬ ‫عند احلفيظة إن ذو لوثة النا‬

‫قبيلة «ذهل بن شيبان» أغارت على الشاعر ُقريط‬ ‫ُ‬ ‫بن أنيف وهو من بني العنبر‪ ،‬وسلبوه ثالثين‬

‫قوم إذا الش ُّر أبدى ناجذيه لهم‬ ‫زرافات ووحدانا‬ ‫طاروا إليه‬ ‫ٍ‬

‫انه من قبيلة أخرى اسمها «مازن تميم»‪ ،‬ألن إبله‬

‫ال يسألون أخا ُهم حني ين ُدبُهم‬ ‫في النائبات على ما قال برهانا‬

‫سبب شهرة الكتاب ب«ديوان الحماسة»‪.‬‬ ‫أما حكاية القصيدة فهي كما تروى أن جماعة من‬

‫ً‬ ‫بعيرا‪ .‬فاستنجد قومه فلم ينجدوه‪ ،‬فتمنى لو‬ ‫عندئذ ما كانت لتؤخذ عنوة أو كانت سترد ‪.‬وقد‬ ‫لبت قبيلة «مازن» نداء االستغاثة وانتصرت‬ ‫للشاعر‪.‬‬

‫ّ‬ ‫لكن قومي وإن كانوا ذوي عددٍ‬ ‫شيء وإن هانا‬ ‫ليسوا من الشرِّ في‬ ‫ٍ‬ ‫يجزون من ظلم أهل الظلم مغفر ًة‬ ‫ومن إساءة أهل السوء إحسانا‬ ‫فليت لي بهم قوما ً إذا ركبوا‬ ‫شدوا اإلغارة فرسانا وركبانا‬ ‫ّ‬

‫‪138‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫ابن المعتز‬

‫ابن المعتز‬

‫الخليفة الشاعر‬ ‫تجربة شعرية تعد مميزة من تجارب الشعر العريب اجامالً والعبايس تحديدا‪ ً،‬وهي تجربة الشاعر الخليفة العبايس‬ ‫(مكث يف الخالفة يوما وليلة) عبدالله بن املعتز بن املتوكل (‪296-247‬هـ‪908-861/‬م) مبا فيها من ثراء واشتغال خالق‬ ‫إلحكام أهم مكون من مكونات الشعر وهو الصورة الفنية‪.‬‬ ‫ديوانه طبع عدة مرات يف طبعات تجارية شوهت شعره‪ ،‬بل حتى النامذج القليلة التي استشهد بها أدونيس يف مختاراته‬ ‫للشعر العريب يشوبها الكثري من التشويش العتامدها عىل تلك الطبعات التجارية‪ .‬ومل يظهر جهد حقيقي يف إخراج‬ ‫ديوانه سوى ما قام به الحقاً الدكتور يونس أحمد السامرايئ‪.‬‬ ‫لقد تعرضّ ت صورة الشاعر ابن املعتز للتنميط يف إطار «األمري األرستقراطي املرف ّــه»‪ ،‬وبالتايل فإن إنتاجه عامة الشعري‬ ‫وغري الشعري قد وسم بأنه ال يحمل مت ّيزا ً يذكر‪ ،‬غري أن القراءة املتأنية تكشف عن تجربة مختلفة لحمتها الشقاء‬ ‫وسداها األمل‪ ،‬بل تتجىل شعرية لها طابع خاص يف تلك الفرتة املليئة بالتجارب الشعرية املتنوعة من العرص العبايس‪ .‬كام‬ ‫تكشف عن وهج نقدي أثرى املرحلة بنظرات لها طابع املوضوعية والسبق يف الحكم املعتدل عىل ذلكم الجديد‪.‬‬ ‫كتب ابن املعتز شعرا ً يف معظم األغراض املطروقة‪ ،‬ومن أبرزها املديح والرثاء والفخر والهجاء والغزل والحكمة‪ .‬ويف تلك‬ ‫األغراض ومع اختالف املوضوعات الجزئية التي يتناولها نجد قاسامً مشرتكاً وهو حضور ملفت عىل مستوى املشبه به‬ ‫لصوره الفنية‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪139‬‬


‫ديوان العرب‬

‫مختارات من شعره‬ ‫َعتَبَت َعل َ​َيك َملي َح ُة ال َعتب‬ ‫قالَت أَما تَنف َُّك ذا أَ َملٍ‬ ‫دا ِميَ ٌة‬ ‫َوأَيدي ِه َّن‬ ‫كَلاّ‬ ‫ِ‬ ‫ما كا َن يف زَع��مٍ َه��واك َوال‬ ‫قالَت َعىس ق ٌ‬ ‫َ��ول يمُ َ ِّرضُ ُه‬ ‫ِ‬ ‫َحوادث َه‬ ‫إِ َّن ال َزما َن َر َمت‬ ‫ضنى يف َم َحبَّتهاِ‬ ‫فَبَ ُ‬ ‫قيت ُم ً‬ ‫فَ ِإذا َرأَتني َع ُني غانِيَة ٍُ‬ ‫َصيرَّ َين‬ ‫يا صا ِح إِ َّن ال َده َر‬ ‫ِ‬ ‫ما ز َال يُغري يب َحوادث َه‬ ‫َحتّى لأَ َبقاين كَ�ما تَ َرين‬ ‫إِنيّ ِم َن القَومِ الَّذي َن ِبهِم‬ ‫َص ٌرب إِذا ما ال َده ُر َعضَّ ُه ُم‬ ‫َمك ُر َم ٍة‬ ‫َولَ ُهم ِوراث َ ُة ك ُِّل‬ ‫ِ‬ ‫َوإِذا ال َوغى كانَت ضرَ اغ َم ًة‬ ‫لَبِسوا ُحصوناً ِمن َح ِ‬ ‫ديد ِه ُم‬ ‫ِشفائَ ُه ُم‬ ‫َحتّى تُبَلِّ َغ ُهم‬ ‫َتى‬ ‫َو َع َدت جِيا ُد ُه ُم ِبك ُِّل ف ً‬ ‫َحفيظَتَ ُه‬ ‫َم ٍّر إِذا بَلَغَت‬

‫‪140‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫َذن َِب‬ ‫غَضبى ُمها ِج َر ًة بِال‬ ‫ُمتَ َن ِّقالً شرَ ِهاً َعىل ال ُح ِّب‬ ‫كب‬ ‫يف ُعقلِها بمِ َوا ِق ِف ال َر ِ‬ ‫أَض َمرتُ َغ َري َه ِ‬ ‫��واك يف قَلبي‬ ‫ما َص َّح ِ‬ ‫تب‬ ‫باط ُن ُه ِم َن ال َع ِ‬ ‫َ‬ ‫هب‬ ‫باب ِبأس ُهمٍ شُ ِ‬ ‫َه َد َف الشَ ِ‬ ‫ُرب‬ ‫ُم َّر الوِصا ِل ُم َك َّر َه الق ِ‬ ‫قالَت لِرائِ ِد ل ِ‬ ‫َحظها َحسبي‬ ‫ضب‬ ‫ما قَد ت َرى ِق�شرا ً َعىل َع ِ‬ ‫َكب‬ ‫َويَزي ُدين نَكباً َعىل ن ِ‬ ‫َرب‬ ‫َصمصا َم ًة َمفلولَ َة الغ ِ‬ ‫َعب‬ ‫فَ َخ َرت قُ َر ُ‬ ‫يش َعىل بَني ك ِ‬ ‫دب‬ ‫َوأَكُ ُّف ُهم خُضرُ ٌ لَدى ال َج ِ‬ ‫َرب‬ ‫َو ِبهِم ت ُ َعل ُِّق َدع َو ُة الك ِ‬ ‫عب‬ ‫َو َعلَت َعجا َج ُة َمو ِق ٍف َص ِ‬ ‫َوال�َض�رَ ِب‬ ‫َصبّا َر ًة لِلطَعنِ‬ ‫رب‬ ‫ِمن ثا ِر ِهم يف َمو ِق ِف ال َح ِ‬ ‫ضب‬ ‫نصلٍ َع ِ‬ ‫يَعىص بِقائِمِ ُم ُ‬ ‫ذب‬ ‫َحل ِو الرِضا يف ِسل ِم ِه َع ِ‬


‫ابن المعتز‬

‫قصائد قصرية‬ ‫ُمخضرَ​َّ ًة َواِكتَىس بِالنو ِر‬ ‫َولِلر ِ‬ ‫ِياض اِب ِتسا ٌم يف‬

‫رض قَ��د أَع��ط َ‬ ‫َ��ت��ك َزه�� َرتَ��ه��ا‬ ‫أَم��ا تَ��رى األَ َ‬ ‫َحدائِ ِقها‬ ‫لسام ِء بُ��ك��ا ٌء يف‬ ‫فَلِ َ‬

‫***‬

‫قُ��ل لِغُصنِ ال��ب��انِ الَّ���ذي يَ��تَ��ثَ�� ّن��ى‬ ‫م���ت كِ��ت�ما َن م��ا بِ��قَ��ل��ب��ي فَ��� َن���مَّ���ت‬ ‫ُر ُ‬ ‫َو ُدم����و ٌع ت ُ‬ ‫َ��ق��ول يف ال��خَ�� ِّد ي���ا َم������ن‬ ‫��ل��ن��اس َم ِ‬ ‫َ��ي��س لِ‬ ‫ِ‬ ‫��وض�� ٌع يف فُ��������ؤادي‬ ‫ل َ‬

‫عاريها‬ ‫نَواحيها‬

‫َحت بَ��د ِر ال�� ُدج��ى َوف َ‬ ‫َ����وق ال َنقاء‬ ‫ت َ‬ ‫َزفَ����راتٌ تَ��غ�شى َح���دي���ثَ ال�� َه��واء‬ ‫يَ��تَ��ب��اىك كَ���ذا يَ���ك���و ُن البُكاء‬ ‫زا َد في ِه َه َ‬ ‫����واك َج��ف��ن��ي اِم�� ِت�لاء‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪141‬‬


‫ديوان العرب‬

‫أَشكو إِىل اللَ ِه أَ َّن ال َدم َع قَد نَ ِفدا‬ ‫َوأَ َّن َعي ِن َي يف لَيلٍ‬ ‫ُم َس َّه َد ٌة‬ ‫ُلت لَ ُهم‬ ‫قالوا ال ِفر ُاق غَدا ً ال شَ َّك ق ُ‬ ‫َوقَد‬ ‫قيت‬ ‫إِنيّ إِذا ً ل َ​َصبو ٌر إِن بَ ُ‬

‫َوأَنَّني هالِ ٌك ِمن ُح ِّبكُم كَ َمدا‬ ‫َرقَدا‬ ‫َست أَرقُ ُد في ِه ِم َثل َمن‬ ‫فَل ُ‬ ‫بَل َموتُ نَفسيِ َ ِمن قَبلِ ال ِفراقِ غَدا‬ ‫حيل َوإِن لَم يَر َحلوا أَبَدا‬ ‫قالوا ال َر َ‬

‫***‬

‫‪142‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫ابن المعتز‬

‫��ي��ب ال��كَ�� َرى و ُم َنغِّص‬ ‫ي��ا ُمثْ ِكيل ِط َ‬ ‫وأ َرى ح��ـ��رار َة نـارِهـا لـم ت َنقُص‬ ‫ُمـتَ َسـلِّ ٌخ بَـ َهـقاً ك��ل��ون األب��رص‬

‫َ‬ ‫سارق األن��وار من شمس الضُّ َحى‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫فـيـك فَنا ِق ٌص‬ ‫أ ّمـا ضـيـا ُء الـشمـس‬ ‫لَ ْم يـظـفَـر الـتـشـبـيـ ُه َ‬ ‫مـنك بطائل‬ ‫ط���اب طعام واكتىس‬ ‫أن��ع��م ب��ت�ين‬ ‫َ‬ ‫فـي ب��ـ��ـ��ر ِد ثـلـج يف نقا ت�بر ويف‬ ‫ال��ن��ارن��ـ��ج يف أغصانِـه‬ ‫وكـأنّـمـا‬ ‫ُ‬ ‫ك���ر ٌة رم��اه��ا ال��ص��ول��ج��ا ُن إىل الهوا‬

‫***‬

‫وق��ارب مخرجاَ ِم�� ْن منــظـر‬ ‫ُح ْسنا‬ ‫َ‬ ‫ري��ح العبري وط��ي��ب طعم السكّر‬ ‫ِم ْن خالص الذهب الذي مل يُخــلـط‬ ‫فـتـعـلـقـت فـي جــ ّوه لــ ْم ت َْسقُط‬ ‫ْ‬

‫الرسومات‪ :‬الواسطي‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪143‬‬


‫ديوان العرب‬

‫محاكاة شعرية‬

‫قصيدة «يا ليل الصب»‬

‫الفنان حسني زياين‬

‫املحاكاة أو املعارضة الشعرية فن دارج يف الشعر العريب‪ ،‬وعرفت يف كافة األزمنة‪ ،‬كام شملت جميع األغراض‪ .‬وحاىك‬ ‫الشعراء بعض شعراء زمانهم‪ ،‬وتبارزوا معهم شعرا سواء يف املديح او الهجاء او السري عىل نفس املنوال‪.‬‬ ‫ومن القصائد التي حظيت بقدر ملحوظ من مساجالت الشعراء قصيدة «يا ليل الصب» للحرصي القرياوين‪ ،‬حيث‬ ‫حاكاها شعراء من عصور مختلفة‪.‬‬

‫‪144‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫محاكاة شعرية‬

‫الحرصي القريواين‬ ‫عيل بن عبد الغني الفهري الحرصي الرضير أبو الحسن (‪ 420‬هـ ‪ 488 -‬هـ ‪ 1095 - 1029 /‬م) شاعر تونيس قريواين‬ ‫مشهور‪ ،‬كان رضيرا ً ولد وعاش بالقريوان ومات يف طنجة‪ .‬حفظ القرآن بالروايات وتعلم العربية‪ .‬اتصل ببعض امللوك‬ ‫ومدح املعتمد بن عباد (ملك أشبيلية يف عرص ملوك الطوائف‪ ،‬وهو من بني عباد) بقصائد‪ ،‬وألف له كتاب «املستحسن‬ ‫من األشعار»‪ ،‬وهو ابن خالة إبراهيم الحرصي صاحب «زهر اآلداب»‪.‬‬ ‫ذاعت شهرته كشاعر فحل‪ ،‬وشغل الناس بشعره‪ ،‬ولفت أنظار طالب العلم فتجمعوا حوله‪ ،‬وتتلمذوا عليه ونرشوا أدبه‪.‬‬ ‫له ديوان شعر بقي بعضه مخطوطاً «اقرتاح القريح واجرتاح الجريح» مرتب عىل حروف املعجم يف رثاء ولده يحي‬ ‫‪،‬و«معرشات الحرصي يف الغزل والنسيب عىل الحروف» و«القصيدة الحرصية» ‪ 212‬بيتاً‪ .‬من أشهر أعامله قصيدة يا ليل‬ ‫الصب‪ ،‬وهي التي ظل العرب يحاولون النسج عىل منوالها حتى اليوم‪ ،‬فيام يسمى باملعارضات أو املحاكاة الشعرية ‪.‬‬

‫ال��ص��ب متى غ�� ُده‬ ‫ل��ي��ل‬ ‫ي��ا ُ‬ ‫ُّ‬ ‫رق�����د ال����س��م�ار ف���أرق���ه‬ ‫ف��ب��ك��ا ُه ال��ن��ج�� ُم َّ‬ ‫ورق له‬ ‫��ف ب��غ��زا ٍل ِذي َه�� َي��ف‬ ‫ك��لِ ٌ‬ ‫رشك���اً‬ ‫��ب��ت‬ ‫ن��ص ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع��ي��ن��اي ل��ه َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ق��ن��ص‬ ‫نيِّ‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫ع��ج��ب��‬ ‫وك��ف��ى‬ ‫ٌ‬ ‫ي��ن��ضُ ��و ِم��� ْن ُم��قْ��ل�� ِت��ه س ْيفا‬ ‫ي���ق د َم ال��ع��شّ ��اقِ به‬ ‫ف�ُي�رُ ُ‬ ‫ْ����ب مل��ن قَ��تَ��لَ��ت‬ ‫ك�ّل�اّ ال ذن َ‬ ‫يا من َج�� َح��دتْ عيناه د ِمي‬ ‫خ���� ّد َاك ق��د اِعْ�َت�رَ َف���ا بد ِمي‬ ‫إنيّ ألُع���ي���ذ َُك م��ن قَ��تْ�ِلِ‬ ‫���ب املشتاق كَ�� َرى‬ ‫باللّه َه ِ‬ ‫����ت ضَ َنى‬ ‫م��ا ضرَ​َّك ل��و دا َويْ َ‬ ‫مل يُ��� ْب���قِ ه���واك ل��ه َر َم��ق��ا‬ ‫وغ���دا ً يَ�� ْق�ِض�يِ أو بَ�� ْع�� َد غَد‬ ‫���ل ال��ش��وقِ لنا شرَ َ ٌق‬ ‫ي��ا أ ْه َ‬ ‫ي�� ْه��وى امل ُ��شْ ُ‬ ‫��ت��اق ل��ق��ا َءكُ�� ُم‬ ‫��ل وأَ ْع��ذَب��ه‬ ‫م��ا أح�لى ال�� َو ْص َ‬ ‫�ين وب��ال��ه��ج��رانِ فيا‬ ‫ب��ال�� َب ِ‬ ‫واِق���ب���ل غَ���� ْي����دا َء م��ح�َّب�رَّ َة‬ ‫ل��و أَ ّن ج��م��ي�لاً أَن��شَ �� َده��ا‬ ‫ل����والك ت���س���ا َوى بَ�� ْه�� َر ُج�� ُه‬ ‫فَ�� َع��ل��ي��ك س�ل�ا ُم ال��لَّ�� ِه َمتى‬

‫أق��ي��ا ُم ال��سَّ��اع�� ِة َم��� ْو ِع��� ُد ُه‬ ‫أس������ف ل���ل���ب�ي�ن ي������ردده‬ ‫م��ّم�اّ ي���رع���اه وي���� ْر ُص����د ُه‬ ‫ُ‬ ‫��ش�رد ُه‬ ‫خ����وف ال���واش�ي�ن ي ّ‬ ‫يف ال��� ّن���ومِ ف��ع�� َّز ت��ص�� ُّي��د ُه‬ ‫ل���ل�ِّس�رِّ ب س���ب���انيِ أغْ��� َي���د ُه‬ ‫وك�����أَ َّن نُ��ع��اس��اً يُ��غْ��م�� ُد ُه‬ ‫وال����وي����ل مل���ن ي��ت��ق��لّ��د ُه‬ ‫ُ‬ ‫��ل ي���د ُه‬ ‫ع��ي��ن��اه ومل ت َ��ق��تُ ْ‬ ‫وع��ل�ى خ���� َّديْ����ه ت������� َو ُّرد ُه‬ ‫ف��ع�لا َم ج��ف��ونُ��ك ت�� ْج�� َح��د ُه‬ ‫وأظُ���� ُّن����ك ال ت َ��تَ��ع��مَّ��د ُه‬ ‫ف��ل�� َع َّ��ل خ��ي��ال َ‬ ‫ِ��س�� ِع��د ُه‬ ‫َ��ك ي ْ‬ ‫����ب يُ�� ْد َ‬ ‫ن��ي��ك وتُ�� ْب�� ِع��د ُه‬ ‫َص ّ‬ ‫ف��لْ�� َي�� ْب ِ‬ ‫��ك ع��ل��ي��ه ُع������ َّو ُد ُه‬ ‫ه��ل ِم��� ْن نَ���ظَ��� ٍر ي���تَ��� َز َّود ُه‬ ‫��ف��ي��ض َم����� ْو ِر ُد ُه‬ ‫ُ‬ ‫ب��ال�� ّدم��عِ يَ‬ ‫ُ‬ ‫وظ����روف ال��� َّد ْه��� ِر تُ�� َب�� ِّع��د ُه‬ ‫ل����وال األيّ��������ا ُم ت ُ��� َن���كِّ���د ُه‬ ‫لِ���فُ��� َؤا ِدي ك��ي��ف ت َ�� َج��لُّ��د ُه‬ ‫ل��ف��ظ��اً ك���ال��� ُّد ِّر ُم�� َن��ضّ �� ُد ُه‬ ‫ل��ذاب��ت خُ���� َّر ُد ُه‬ ‫ال��ح��ي‬ ‫يف‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫وعس َجد ُه‬ ‫يف ُس��وقِ ال�َّص�رَّ ْ ِف ْ‬ ‫غ���نَّ���ى ب���األي���ك ُم����غَ���� ِّرد ُه‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪145‬‬


‫ديوان العرب‬

‫محاكاة ناصح الدين األرجاين‬ ‫ناصح الدين أبو بكر أحمد بن محمد بن الحسني األرجاين القايض ( ‪ 544 - 460‬هـ ‪ 1149 - 1068 /‬م )‪ .‬شاعر ولد‬ ‫يف أرجان (بالد فارس)‪ ،‬ولكنه عريب من األنصار‪ .‬طلب العلم بأصبهان‪ ،‬ويكرمان‪ ،‬وقد توىل منصب نائب قايض قضاة‬ ‫خوزستان‪ ،‬ثم ويل القضاء بأرجان مولده‪ .‬وكان ي ّدرس يف املدرسة النظامية يف بغداد‪.‬‬ ‫عارص األرجاين خمسة من الخلفاء‪ ،‬وتويف يف عهد الخليفة املقتيض ألمر الله عن أربع ومثانني سنة‪ .‬وجل شعره حول‬ ‫املديح والوصف والشكوى والحكم واألمثال والفخر‪ .‬له ديوان مطبوع‪ ،‬وهنا معارضتة لقصيدة « ياليل الصب»‪.‬‬

‫ه��ل أن��ت بطولك مسعده‬ ‫ال ك���ان ق��ص�يرا ً ل��ي��ل فتى‬ ‫يف ص���دري م��ن ك��ل��ف بكم‬ ‫ع��ي��ن��اك بسفك دم���ي جنتا‬

‫ي��ا ل��ي��ل فصبحك م��وع��د ُه‬ ‫م���ي���ع���اد م��ن��ي��ت��ه غ����د ُه‬ ‫ج��ن��د ل��ل��ش��وق ت��ج��ن��د ُه‬ ‫ف��ال��ص��دغ ع��ل�ام ت��ج��ع��د ُه‬

‫محاكاة مصطفى الغالييني‬ ‫مصطفى بن محمد بن سليم بن محي الدين بن مصطفى الغالييني‪ ،‬ولد يف بريوت سنة ‪1302‬هـ ‪1885‬م‪ ،‬وتعلم‬ ‫يف بريوت والقاهرة‪ ،‬كان صحافيا وأستاذا للعربية ومارس أيضا القضاء ورئاسة املجلس اإلسالمي يف بريوت‪ ،‬تويف سنة‬ ‫‪1944‬م‪ ،‬ومن مؤلفاته‪«:‬ديوان الغالييني»‪« ،‬جامع الدروس العربية»‪« ،‬عظة الناشئني»‪ .‬اعتربه العديد من شعراء‬ ‫الكالسيكية الكبار رائدهم‪ ،‬ومن هؤالء بدوي الجبل‪.‬‬

‫����ب اضْ ���ن���ا ُه تَ��� َج���لُّ��� ُد ُه‬ ‫َص ٌّ‬ ‫َ‬ ‫َه���� َد َل ال���قُ��� ْم���ر ُِّي ف���أ َّرقَ��� ُه‬ ‫ل��ل��ه ُد ُم�������و ٌع أَ ْس�� ِف��كُ��ه��ا‬ ‫وال���نَّ��� ْج��� ُم يُ��را ِع��ي��ن��ي وان��ا‬ ‫ِ‬ ‫ت����اح لِ‬ ‫��ص��اح��بِ�� ِه‬ ‫ٌّ‬ ‫ك����ل يَ���� ْر ُ‬ ‫يا نَ�� ْج�� ُم بِ��طَ�� ْر ِف َ��ك يُ ْؤنِ ُس ِني‬ ‫أَيَ��ضُ �� ُّم ُس��لَ��يْ�� َم��ى َم�� ْرقَ�� ُده��ا‬ ‫َ��س�� َه�� ُر ِم��ثْ�لي والِ�� َه�� ًة‬ ‫أَ ْم ت ْ‬ ‫يا َسلْ َم َه َ‬ ‫��واك بَ�� َرى َج َس ِدي‬ ‫ه��ذي كَ��بِ��دي قَ��� ْد قَ�� َّر َح��ه��ا‬ ‫ال يُ�� ْن�� ِك�� ْر قَ��لْ��بُ ِ‬ ‫��ك م��ا يَلْقَى‬ ‫أَل��صَّ�ْب�رْ ُ قَ�َض�ىَ َو َوه��ى َجل َِدي‬ ‫إِ ْن يَ���� ْد ُن َم����را ٌم أَنْ���شُ ��� ُد ُه‬ ‫أَ ْو أَ ْر ُج بَ��رِي��ق��اً م�� ْن أَ َم���لٍ‬ ‫��ب أَالَ َس��لْ�� َوى‬ ‫ي��ا آيس ال�� ُح ِّ‬ ‫قَ�� ْد َ‬ ‫نى‬ ‫ط��ال اللَّيْ ُل َع�َل�ىَ ُمضْ ً‬ ‫��ل ف�ما يَ���� ْدرِي غَ�� َد ُه‬ ‫قَ�� ْد ضَ َّ‬ ‫‪146‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫��س��هَّ�� ُد ُه‬ ‫َس��� ْه���را ُن ال��لَّ��يْ��لِ ُم َ‬ ‫َو ْج����� ٌد م��ا ز َال يُ�� ْع��بِّ�� ُد ُه‬ ‫��ل ت َ���ط���ا َو َل أَ ْس����� َو ُد ُه‬ ‫وال��لَّ��يْ ُ‬ ‫أ ْرع�����ا ُه وطَ����� ْريف يَ��� ْر ُص��� ُد ُه‬ ‫فَ��يَ��بُ��ثُّ غَ���رام���اً يَ��كْ��بِ�� ُد ُه‬ ‫َه ْ‬ ‫���ل ِم��� ْن َخ��َب�رَ ٍ أَتَ������ َز َّو ُد ُه‬ ‫وان���ا َم��� ْن شُ ���� ِّو َك َم��� ْرقَ��� ُد ُه‬ ‫ع���اك ولَ��يَ��ل َ‬ ‫تَ��� ْر َ‬ ‫َ��س�� َه�� ُد ُه‬ ‫َ��ك ت ْ‬ ‫فَ�� َع�لاَ َم ُص���� ُدو ُد ِك يَ�� ْج�� َح�� ُد ُه‬ ‫شَ ����� ْو ٌق يَ������ ْزدا ُد تَ��� َوقُّ��� ُد ُه‬ ‫قلبي ف��ال�� ُح�� ْرقَ�� ُة تَ��شْ �� َه�� ُد ُه‬ ‫وال���صَّ��� ُّد يَ�����راين سرَ ْ َم������ ُد ُه‬ ‫ق����ا َم ال���هِ��� ْج���را ُن يُ��بَ�� ِّع�� ُد ُه‬ ‫فَ���ظَ�ل�ا ُم ال���نَّ���أْ ِي يُ���بَ��� ِّد ُد ُه‬ ‫ْ��ب بِ��� َربِّ َ‬ ‫ُ��س�� ِع�� ُد ُه‬ ‫لِ��لْ��قَ��ل ِ‬ ‫���ك ت ْ‬ ‫َ‬ ‫ط���ال تَ�� َه�� ُّج�� ُد ُه‬ ‫َم�� ْع�� ُم��و ٍد‬ ‫َّ��ب متى غَ�� ُد ُه‬ ‫ي��ا لَ��يْ ُ��ل ال��ص ِّ‬


‫محاكاة شعرية‬

‫محاكاة ابن دانيال املوصيل‬ ‫شمس الدين محمد بن دانيال بن يوسف بن معتوق الخزاعي املوصيل ‪ ،‬ولد يف املوصل سنة ‪1249‬م ‪ ،‬وهاجر اىل‬ ‫القاهرة يف سن العرشين وتويف فيها سنة ‪.1311‬شاعر وفنان عاش يف العرص اململويك وبرع يف تأليف متثليات خيال الظل‬ ‫وتصوير حياة الصناع والعامل واللهجات الخاصة بهم‪ ،‬وحاىك بطريقة مضحكة لهجات الجاليات التي كانت تعيش يف‬ ‫مرص يف زمنه‪ .‬من أشهر متثلياته التي ال تزال مخطوطاتها موجودة « طيف الخيال «‪ ،‬و» عجيب غريب « و» املتيم‬ ‫وضائع اليتيم «‪ .‬تعترب أعامله تصوير حي لعرصه‪ .‬وصفه املؤرخ املقريزى بأنه كان كثري املجون والشعر البديع‪ ،‬وأن‬ ‫كتابه طيف الخيال مل يصنف مثله يف معناه ‪.‬‬

‫����ب ل��و أن َ‬ ‫ّ����ك ت ُ��س�� ِع�� ُد ُه‬ ‫َص ٌّ‬ ‫أىس‬ ‫قَ��د أَن�� َح��لَ�� ُه ال��ه��ج��را ُن ً‬ ‫ك��م أن���شَ ��� َد ل��ي�لاً ط���ال ب�� ِه‬ ‫ُ‬ ‫ال���ع���ذل فَ��ع��ا ِذل�� ُه‬ ‫يُ��غ��ري�� ِه‬ ‫م����والي ُم ِ‬ ‫��ح�� ُّب َ‬ ‫��ك ك��م يدنو‬ ‫َ‬ ‫ت���ب���وح م��دا ِم�� ُع�� ُه‬ ‫م‬ ‫ع��ل��ا‬ ‫َو‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ول��ي��س ل��� ُه َس��كَ�� ٌن‬ ‫ح��اش��اك‬ ‫َ‬ ‫َ��ح��س��ب الئمِ َ������ ُه أب���دا ً‬ ‫ال ت‬ ‫ْ‬

‫��س�� َه�� ْر ل��ي�لاً ت َ��� ْرقُ���د ُه‬ ‫مل يَ ْ‬ ‫ّ��رف لِ َ‬ ‫ف��ال��ط ُ‬ ‫��س�� ّه��د ُه‬ ‫����ذاك ُم َ‬ ‫��ب متى غَ��� ُد ُه‬ ‫ي��ا ُ‬ ‫ل��ي��ل ّ‬ ‫ال��ص ُّ‬ ‫ال يُ��ص��لِ��ح�� ُه ب��ل يُ ِ‬ ‫��ف��س�� ُد ُه‬ ‫َ‬ ‫إل��ي��ك وتُ��ب��ع�� ُد ُه‬ ‫ال��ح��ب‬ ‫يف‬ ‫ِّ‬ ‫َوج����دا ُ بِ��� َه َ‬ ‫���واك وتَ�� ْج�� َح�� ُد ُه‬ ‫ع��ن ب��اب َ‬ ‫ِ��ك يَ��وم��اً ت َ���ط��� ُر ُد ُه‬ ‫َ‬ ‫ف���ي���ك يُ���فَ���ن���د ُه‬ ‫ِمب���ل���امٍ‬

‫محاكاة أحمد شوقي‬ ‫َ‬ ‫��ض��ن��اك َج���ف���ا ُه َم���رقَ��� ُد ُه‬ ‫ُم‬ ‫َ��ل��ب ُم�� َع�� َّذبُ�� ُه‬ ‫َح��ي�را ُن ال��ق ِ‬ ‫أَودى َح��� َرف���اً إِلاّ َر َم��ق��اً‬ ‫يَ��س��تَ��ه��وي ال���� ُو َ‬ ‫رق تَ���أَ ُّو ُه��� ُه‬ ‫ُ����ل ُم��طَ�� َّوقَ�� ٍة‬ ‫َويُ��� َع���لِّ��� ُم ك َّ‬ ‫كَ��م َم�� َّد لِطَي ِف َك ِم��ن شرَ َ ٍك‬ ‫��س��اك بِ��غ ٍ‬ ‫فَ�� َع َ‬ ‫ُ��م��ض ُمس ِع ُف ُه‬ ‫قَ��د َو َّد َج�مال َ‬ ‫َ��ك أَو قَ َبساً‬ ‫��ب َوبَ��ي�� َن َ��ك ما‬ ‫بَيني يف ال�� ُح ِّ‬ ‫م��ا ُ‬ ‫��ح يل‬ ‫ب���ال ال���ع���ا ِذ ِل يَ��ف��تَ ُ‬ ‫ُنت َه َ‬ ‫��واك َوال َخطَ َرت‬ ‫ما خ ُ‬

‫َوبَ���ك���ا ُه َو َرحَّ������ َم ُع����� َّو ُد ُه‬ ‫��س��هَّ�� ُد ُه‬ ‫َم‬ ‫��ق��روح ال�� َج��ف��نِ ُم َ‬ ‫ُ‬ ‫يُ��ب��ق��ي�� ِه َع��ل َ‬ ‫َ��ي��ك َوتُ��ن�� ِف�� ُد ُه‬ ‫ال��ص��خ�� َر تَ�� َن�� ُّه�� ُد ُه‬ ‫���ذي���ب َ‬ ‫َويُ‬ ‫ُ‬ ‫شَ �� َج��ن��اً يف ال���� َدو ِح تُ���� َر ِّد ُد ُه‬ ‫��ص��يَّ�� ُد ُه‬ ‫َوت َ��������أَ َّد َب ال يَ��تَ َ‬ ‫���ل خَ��ي��ال َ‬ ‫َ��ك ُم��س�� ِع�� ُد ُه‬ ‫َولَ��� َع َّ‬ ‫َح�����ورا ُء ال��خ ِ‬ ‫ُ��ل��د َوأَم������ َر ُد ُه‬ ‫ال يَ ِ‬ ‫واش يُ ِ‬ ‫���ق���د ُر ٍ‬ ‫��ف��س�� ُد ُه‬ ‫ال��س��ل��وانِ َو ِ‬ ‫أوص����� ُد ُه‬ ‫ب���اب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ��ل��ب تُ��َب��رَ ِّ ُد ُه‬ ‫ق‬ ‫ِ��ال��‬ ‫ب‬ ‫��ل��وى‬ ‫َس‬ ‫ِ‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪147‬‬


‫ديوان النبط‬

‫لوعة الفراق‬ ‫الشاعر حمد الغداين السويدي‪ ،‬أحد شعراء ديب‪ ،‬وقد عاش‬ ‫خالل بدايات العقد األخري من القرن املنرصم‬ ‫آص����ي����ح وا خ������ايل خ��ل��ي�لي‬ ‫م���ا ع��اض��ن��ي ف��ي��ه ال��ب��دي�لي‬ ‫أرب�������اه وال���ن���اظ���ر ه��م��ي�لي‬ ‫م���ن ه����وه ب��� ْي���س��� ّوي ميييل‬ ‫ي���ا ل��ي��ت ه��ال��ل��ي��ل ال��ط��وي�لي‬ ‫ال����زي����ن يل م����ا ل����ه م��ث��ي�لي‬ ‫ع������ ّدي ب���ه���م ي�����وم امل��ج��ي�لي‬ ‫امل��ط��ل��ع��ي ي���ا م���ن «ل��س��ي�لي»‬ ‫وي��ل��ي ع��ل�ى ل����فْ����راق وي�ل�ي‬ ‫���ص��ر ن��ح��ي�لي‬ ‫ع���ل���ي���ه ب����و خ‬ ‫ٍ‬ ‫ي����ايض ك�م�ا ال��ب��رق ال��ش��ع��ي�لي‬ ‫ل���وال ال��ح��ي��ا م��ن خ���وف جييل‬

‫ب��ال��ل��ه م���ا يب ع����وق ح��� ّدي‬ ‫ل����و ي��ب��ت��ع��د ه�����وه امل������ر ّدي‬ ‫ودم�����وع ع��ي��ن��ي ف����وق خ��� ّدي‬ ‫س���ل��ام م���� ّن����ي ل����ه ي������و ّدي‬ ‫راج�����د وراس������ه ف����وق زن���دي‬ ‫يف ال��ح��س��ن ال ل��ي�لى وه��ن��دي‬ ‫ي����وم ال��ض��ع��ن ن���� ّوخ وش���� ّدي‬ ‫وال��ف��ى ب��ري��ح ْم���ن الحمندي‬ ‫ك���ل س���اع��� ٍة ي������زداد وج���دي‬ ‫ب��وج��ي��د ب���و خ�����ا ٍل ْوخ����� ّدي‬ ‫ع��� ّن���ي ن��ي��ا وب��� ْج���ي���ت ف���ردي‬ ‫التْ��ب��ع ه���وى س��ي��د ال��خ��ون��دي‬

‫مصدر القصيدة ‪:‬تراثنا من الشعر الشعبي ‪ -‬حمد خليفة أبوشهاب ج‪ ، 2‬نادي تراث اإلمارات ‪2003،‬‬ ‫‪148‬‬

‫بيت الشعر‬

‫األول‪/‬ديسمبر‪2012/‬‬ ‫شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬ ‫العدد (‪ - )79‬كانون‬


‫نصوص‬

‫«بني ياس بن عامر»‬ ‫الشاعر راشد بن مانع بن مرشد الحمريي‪ ،‬من إمارة أبوظبي‪ ،‬متويف يف أواخر القرن التاسع عرش‬ ‫واملشهور بـ «راعي الو ْر َيه»‪ ،‬والورية اسم لناقة مشهورة كان ميتلكها‬ ‫جفني اس��ت��ارق واب��ع��د ال��ن��وم هاجيس‬ ‫ٍ‬ ‫ح��ادث يلفى وم��ن عظم ما مىض‬ ‫من‬ ‫ع�لى ال��خ��ل��ق ك��ن ب��ه��ا دي����ونٍ غ���وادر‬ ‫ويب ه��� ّم ق����ومٍ ف���� ّرق ال��ل��ه شملهم‬ ‫دا ٍر خ��ل��ت م ال��ع��ام واخ��ت��ل ن�� ْزلَ��ه��ا‬ ‫ك��ل�ما رج��ي��ن��ا ش����� ّد ٍة ع��ق��ب��ه��ا رخ��ا‬ ‫وع�� ّم البال م��ن ه��و ص��دي��قٍ وصاحب‬ ‫ف�ل�ا راج�����عٍ ه���ذا وال ذاك ينتهي‬ ‫إىل م��ا غ�شى دخ��ان��ه��ا ح���اذق ال���دوأ‬ ‫وا عيبتي يب م��ن أم����و ٍر تشابهت‬ ‫يبغون جمع الشمل عقب اق�تراف��ه‬ ‫ومن حاط بها من حامش الضو حاميل‬ ‫ب��ه��ا ت��دف��ع ال�ل�ي س���ار وت��دف��ع البال‬

‫ع��ن ال��ع�ين م��ا ل���ذّة االش��ي��ا بكارها‬ ‫م��ن ال��وق��ت واي�����امٍ ث��ق��ي��لٍ م��داره��ا‬ ‫ب�����االرشار ت��ص��ب��ح ك��ل ي����ومٍ م��غ��اره��ا‬ ‫ق��ب��ي��ل�� ٍة ج��اه��ا ال��ج��ف��ا م��ن كْ��ب��اره��ا‬ ‫ٍ‬ ‫دم�����اث م���وارده���ا ت��ع��فّ��ت آث��اره��ا‬ ‫دار ال��ب�لا م���ن ال ي�����د ّور ع�ماره��ا‬ ‫وق����ل اع��ت��ب��اره��ا‬ ‫ّ‬ ‫م��ن ق��لّ��ة األروى‬ ‫ع��ن ال��ش�ين ش��بّ��وا ن��اره��ا يف حضارها‬ ‫ث���ار ال����دوأ ب��ال�ّل�يّ غ���دى يف غبارها‬ ‫ع�لى ج��اه��لٍ أ ّول طبيب اعتبارها‬ ‫ب��س�يرات ح���رب ش��اي��ع��ات أخ��ب��اره��ا‬ ‫ٍ‬ ‫ش��خ��ص م��ا ي��ق��ارب رشاره���ا‬ ‫ب��ط��اي��ح‬ ‫ع��ظ��اي��م أش��ي��ا داره�����ا ب��اع��ت��س��اره��ا‬

‫)‪issue (7‬‬ ‫‪(9)- December‬‬ ‫‪February --2013‬‬ ‫‪2012‬‬

‫‪149‬‬


‫ديوان النبط‬

‫إىل ع��اد خ�� ّرج القوم من كيس واحد‬ ‫ل��و م��ال حمل ال���دار عقب اعتداله‬ ‫خيار ال��رض��ا وال��زي��ن يف دف��ن م��ا مىض‬ ‫ل��ع�ين م���رض���اة ال��ص��دي��ج لصديجه‬ ‫ٍ‬ ‫خ��وف م��ن ال��ب��اري وم��ن شمتة العدا‬ ‫ص��ب��و ٍر ع�لى ال����زلاّ ت م��ن ك��ان ع��ارف‬ ‫ول��ك��ن م��ا ت��ن��ف��ع م��واع��ي��ظ صاحب‬ ‫وك��� ٍّم حليمٍ يكظم الغيظ ل��و جرى‬ ‫رشوى طبيب ال��ع�ين ع��اي��ا ب��ه ال��دوا‬ ‫دع ع��ن��ك ه���ذا ود ّن م ال��ه�ين ب��ازل‬ ‫ع�لى فطر أ ّول م��ا جنى ال��ب��دو مثلها‬ ‫رع��ت خطر مختلف الربيعني حايل‬ ‫يل م��� ّرح���ت ت��ن��ف��ر ث�ل�اث�ي�ن م���� ّر ٍة‬ ‫عليها شميمي امل���ط���ارش م��ج�� ّرب‬ ‫سرَ َت م��ن ب��ل��د (ال��ظ��واه��ر) م��غ�� ّرب‬ ‫ت��ب��ا دار م��ن ي��وص��ل وال يوصلونه‬ ‫رضب���وه���ن م��ت��ام��ه‬ ‫ت��ب��ا دار ب����د ٍو ّ‬ ‫ل��ه��م يف زم����ان ال��ب�رد ت��ب��ع��د م��ن��ازل‬ ‫إىل خ���ذت س��ب��عٍ ف���وق س��ب��عٍ ك��وام��ل‬ ‫م��ل��ف��اك الم����ا ال���ب���دو ت����ايل ع��ش��يّ��ه‬ ‫إذا جيت خلف السري يف ال��ن�� ّد نوخ‬ ‫وس��لّ��م ع�لى ب���د ٍو ت��ن��اي��وا جميعهم‬ ‫س��ل�امٍ ت�����ر ّده ق��ب��ل ال ي��رج��ع امل��س��ا‬ ‫هل الجود وامل��اج��ود والحرب والجسا‬ ‫ت��ج��اوروا ع�لى ع��ريب وش��ف��ي وذخ��ريت‬ ‫ع�لى ق��فّ��لٍ ح��ف��يّ��ات االي���دي ون ّحف‬ ‫غ�����ازي م��ن��ه��م وه�����ذاك منكف‬ ‫ذا‬ ‫ٍ‬

‫‪150‬‬

‫بيت الشعر‬

‫األول‪/‬ديسمبر‪2012/‬‬ ‫شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬ ‫العدد (‪ - )79‬كانون‬

‫أه���ل ب��رش��ة س��ن��ي��ده��ا ع���ق ب��اره��ا‬ ‫وخ���فّ���ت م��ي��ازي��نٍ ث��ج��ي��لٍ ع��ي��اره��ا‬ ‫وه���ا ال��ح��ف��رة ال��ق�شرا ي��خ�لا حفارها‬ ‫وت��رج��ع بها ن��اس خلت م��ن دي��اره��ا‬ ‫عظيامت االش��ي��ا داره���ا باصطبارها‬ ‫بالطيب ي��اخ��ذه��ا إىل خ��ب��ث ي��اره��ا‬ ‫ي��دي��ر األم����ور ال�ّل�يّ م��ع��ه معتبارها‬ ‫ع��ل��ي��ه م���ن خ��ب��ث ال��ل��ي��ايل م��داره��ا‬ ‫غ���دا ب��ا ي��داوي��ه��ا س��ع��ى يف دم��اره��ا‬ ‫خ��ي��ار النضا م��ا ح��يّ��ل��وا م��ن ابكارها‬ ‫ٍ‬ ‫ب��ع��ي��د م���زاره���ا‬ ‫زم���ال���ة امل��ش��ت��اق‬ ‫وق��ل��ال ج���ت ل���و غ�ل�ا م��س��ت��ع��اره��ا‬ ‫ت��ن��ف��ر وي��ه��ت�� ّز ال��ش��ع��ر م��ن ف��ق��اره��ا‬ ‫دل��ي��لٍ بظلام ال��ل��ي��ل رشوى نهارها‬ ‫ت��ب��ا دار خْ��ي��ار ال��ن��ض��ا غ�ير داره���ا‬ ‫وم��ن��ه��م ت��ح��اىت ك��ل ق����ومٍ أع�ماره��ا‬ ‫س��ك��ن��ات��ه��م يف م���ا ع�ل�ا م���ن زب��اره��ا‬ ‫وب��ال��ق��ي��ظ ي��دن��ون امل��ن��اي��ي��ع داره���ا‬ ‫ح��ثّ ال�س�رى واألرض عفْية آث��اره��ا‬ ‫ع�سى الله م��ن ت��وح��ات االرشار يارها‬ ‫وارشح وخ�ّب�رّ ع��ن (ع�م�ان) واخبارها‬ ‫ع�سى الله يرحم م��ا غ��دا م��ن كْبارها‬ ‫ع�لى ذخ��ريت وداري وش��فّ��ى حضارها‬ ‫مي���ان���يّ��� ٍة ن����ذرى ب��ه��ا ع���ن ن��زاره��ا‬ ‫م��ن��اع�ير ق���وم م���ا ي���وقّ���ف م��ث��اره��ا‬ ‫ت��خ��ال��ف ع�لى دار امل��ع��ادي ي��واره��ا‬ ‫غ��� ّزاي��� ٍة م���ا وقّ���ف���ت م���ن م��غ��اره��ا‬


‫نصوص‬

‫تخاطف بها ع��يْ�لات االن��ض��ا زوال��ف‬ ‫ٍ‬ ‫وثلث من الليل قد هدا‬ ‫تغ ّم العدا‬ ‫ٍ‬ ‫خ��ف��اف إىل غ���ز ْوا‬ ‫ث��ق��ال إىل الق���� ْوا‬ ‫ما هي بحرض تسكن السيف والقرى‬ ‫ل���ك���ن ح���ل���ف الزم ث�����م الزم‬ ‫ي��وم اشتعال السيف ومعاطس ال��دوا‬ ‫ثيبة (ب��ن��ي ي��اس ب��ن ع��ام��ر) لكنهم‬ ‫وإن ج��ات منهم ثيب ٍة نحتمي بْها‬ ‫يل ع����اد م���ا ه����ذا ل���ه���ذاك ن��اف��ع‬ ‫م���ا ي��ج��ري ال�����وادي س���وى ث��يّ��ب��ات��ه‬ ‫ل��ل��ن��اس ع������ادات ول��ل��س��ي��ل ع���ادة‬ ‫يْ��ج��ي م��ن ال��ري��ح امل����وازي س��واي��ب‬ ‫وص���ل���وا ع�ل�ى خ�ي�ر ال�ب�راي���ا محمد‬

‫م��ا ي��ن��ع��رف ش�� ّواب��ه��ا م��ن ص��غ��اره��ا‬ ‫وت��ط��ن��ف ل��ش��ذّان ال��ع��دا يف مغارها‬ ‫واش��ت��ل النقا من غبارها‬ ‫ّ‬ ‫عىل الهجن‬ ‫ك��ب��ار الخطايا م��ا س��ع�� ْوا يف ع��ذاره��ا‬ ‫عليهم وص��ول (ع�مان) ي��وم احتكارها‬ ‫وف��زع��ة ظ��وي��ل ال��ب��ادي��ه وان��ت��ص��اره��ا‬ ‫م��ن��اع�ير ق����ومٍ م��ا ق�ضى ال��ل��ه ك��اره��ا‬ ‫وق���ل الحم ّيه م��ن ع��ذاري��ب عارها‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬ ‫م�مال��ي��ك ق��ل��ا ٍل ْح���راره���ا‬ ‫م���خ��� ّوة‬ ‫وال ت��ص��ف��ح اليمنى ب��ل�� ّي��ا يسارها‬ ‫ب��رس��م وال تْ��ع��اف��ت م��غ��اين آث��اره��ا‬ ‫وم���ن ال��ب��ح��ر م��اي��ات ت��غ�� ّب��ي عبارها‬ ‫ع��دد م��ا يغطّي الليل واض��ح نهارها‬

‫الفنان حسني رشيف‬

‫مصدر القصيدة ‪:‬حامد الخاطري ‪« -‬أعذب األلفاظ من ذاكرة الحفاظ» ‪ -‬ج‪2002 ،1‬‬ ‫)‪issue (7‬‬ ‫‪(9)- December‬‬ ‫‪February --2013‬‬ ‫‪2012‬‬

‫‪151‬‬


‫ديوان النبط‬

‫الشعر النبطي‬ ‫النظم الشفوي‬

‫يعد النظم الشفوي للشعر النبطي على درجة من الصعوبة على الرغم من االستعانة بالوسيط «الورق»‬ ‫للتدوين؛ ألن القوالب الغنائية يُ فترض حضورها بقوة داخل الشاعر‪ .‬كما إن القيمة العالية لهذه القوالب‬ ‫الغنائية‪ ،‬جعلت «اليونسكو» تدرج «التغرودة» في اإلمارات ضمن التراث الثقافي غير المادي‬

‫د‪ .‬إبراهيم أحمد ملحم‬

‫‪152‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫النظم الشفوي‬

‫كانت القصيدة العربية الفصيحة تنحو للصعوبة‬ ‫الناجمة عن محاولة الشاعر لالرتداد إىل الذات أكرث‬ ‫من التعبري عن الهم الجمعي‪ ،‬وتوظيف الثقافة‪،‬‬ ‫واإليغال يف الخيال‪ ..‬ما شكَّل حوافز كافية إلضعاف‬ ‫جامهرييتها‪ .‬ومن هنا‪ ،‬بدأ الشعر مييض يف أربعة‬ ‫اتجاهات‪ ،‬األول‪ :‬اتجاه استمر يف السري بركب الشعر‬ ‫العريب الفصيح‪ ،‬فنسب الشعر إىل اسم قائله‪ ،‬والتزم‬ ‫لغته الفصيحة‪ ،‬وهو ما يُسمى «الشعر اإلحيايئ» أو‬ ‫«الكالسيكية الجديدة»‪ ،‬والثاين‪ :‬اتجاه تخىل عن نسبة‬ ‫النص إىل قائله‪ ،‬والتزم اللهجة املحلية السائدة‪ ،‬فخضع‬ ‫إىل تغيريات من شخص إىل آخر‪ ،‬لكن هذه التغيريات‬ ‫ال تخرج عن القوالب املوسيقية التي تصب فيها‪ ،‬وهو‬ ‫ما يُسمى «األغنية الشعبية»‪ .‬والثالث‪ :‬اتجاه التزم‬ ‫اللهجة املحلية السائدة يف املنطقة التي نشأ فيها‪ ،‬ومل‬ ‫يتنازل عن نسبة النص إىل قائله‪ ،‬ويستعني يف النظم‬ ‫واإللقاء بالوسيط وهو «الكتابة»‪ ،‬هو ما يُسمى «الشعر‬ ‫الدارج»‪ .‬والرابع‪ :‬اتجاه التزم اللهجة املحلية السائدة‬ ‫يف مناطق مختلفة من شبه الجزيرة العربية منذ القرن‬ ‫السادس عرش‪ ،‬ميازج الهم الجمعي بالهم الذايت‪ ،‬ويأخذ‬ ‫من القوالب الغنائية الشعبية‪ ،‬إضافة إىل بعض بحور‬ ‫الشعر العريب الفصيح‪ ،‬ومحاولة تطويرها‪ ،‬واإلبقاء عىل‬ ‫نسبة النص إىل صاحبه‪ ،‬باستثناء القصائد التي ال يُعرف‬ ‫قائلها‪ ،‬وهو ما يُسمى «الشعر النبطي»‪.‬‬

‫أوزان النبطي‬

‫نشأ الشعر النبطي يف كنف مجتمعات أمية أو كانت‬ ‫نسبة الذين يجيدون الكتابة به شحيحة‪ .‬ولكن النظم‬ ‫الشفوي فيه يختلف عن االتجاهني السابقني‪ ،‬وإن كان‬ ‫القاسم املشرتك األعظم بني االتجاهات الثالثة هو البدء‬ ‫من نقطة الغناء‪ .‬وميكن القول‪ :‬إن االلتزام بالعروض‬ ‫الخلييل‪ ،‬مل يكن مبن ًّيـا عىل التقطيع العرويض؛ فهذا‬ ‫األمر يحتاج إىل معرفة بالكتابة‪ ،‬وال يفيد الشاعر يف‬ ‫مرحلة النشأة يف يشء‪ .‬إن البحر بتفعيالته املختلفة‪،‬‬ ‫كان ميثل للشاعر النبطي قالبًا موسيقيًّـا تصب الكلامت‬ ‫فيه ص ًّبـا‪ ،‬وقد خضعت هذه القوالب لحريته الذاتية يف‬

‫الثورة الحقيقية على رتابة‬ ‫العروض العربي يُفترض‬ ‫أن تكون منوطة بالشاعر‬ ‫النبطي‪ ،‬ولكن غياب الناقد‬ ‫المتابع للشعر النبطي‬ ‫في زمن مبكر جعل الضوء‬ ‫المسلط على هذه الثورة‬ ‫اإلبداع‪ ،‬فخرجت عن رصامتها إىل تطويرها‪ ،‬أو ابتكار‬ ‫قوالب أخرى مل تكن موجودة أصالً‪.‬‬ ‫هناك قوالب أسست عىل بحور عروضية تتميز بالخفة‪،‬‬ ‫مثل‪ :‬املجتث الذي يتميز بالخفة بحيث نشعر أن‬ ‫كلامته ميكن أن ت ُغنى حني ت ُقرأ‪ ،‬وهناك ما ابتكره‬ ‫الشاعر النبطي‪ ،‬مثل‪« :‬مستفعلن فاعالتن فاعْ»‪،‬‬ ‫وأسس عليه ما يُسمى «الردح»‪ ،‬إضافة إىل التزام‬ ‫قافيتني‪ ،‬األوىل يف الشطر األول‪ ،‬وت ُسمى «الناعشة»‪،‬‬ ‫والثانية يف الشطر الثاين‪ ،‬وت ُسمى «القارعة»‪ .‬ويكرث‬ ‫يف هذا الشعر «التذييل» أو إضافة الحرف الساكن‬ ‫املفرد حيث تساعد طبعة اللهجة يف وجوده‪ ،‬وكذلك‬ ‫الحرف املتحرك مع الساكن‪ ،‬فتصري عىل سبيل املثال‪:‬‬ ‫«مستفعلن» «مستفعلن فا»‪ ،‬أو زيادة تفعيلة كاملة يف‬ ‫القصيدة كلها أو يف بيت واحد أو حتى شطر واحد‪ .‬ويف‬ ‫املقابل‪ ،‬هناك النقص يف املقطع الطويل‪ ،‬وهو ما يسمى‬ ‫«الخرم»‪ ،‬أو نقص تفعيلة كاملة يف أحد األشطر أو‬ ‫جميعها‪ .‬وهذا يعني أن الخروج عىل العروض ال يعني‬ ‫االنسالخ عنه بل تطويره‪ .‬وقد استعرض الناقد غسان‬ ‫الحسن األوزان النبطية‪ ،‬واستخدم تعبري «وهو وزن‬ ‫نبطي مستحدث ال نظري له يف الشعر الفصيح»(‪ )1‬كث ًريا‬ ‫‪ .‬ولعل هذا ما يؤكد أن نظم القصيدة النبطية‬ ‫مل يكن منصا ًعا للعروض الخلييل‪ ،‬إال بالقدر الذي‬ ‫يجعله موف ًرا للشاعر النبطي التعبري بحرية‪ ،‬وما‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪153‬‬


‫ديوان النبط‬

‫يتعارض مع تلك الحرية‪ ،‬يتجاوزه معتم ًدا عىل وعيه‬ ‫الكبري يف التعبري عن التجربة‪ .‬إن التغيري يف العروض‬ ‫العريب يعني إحداث ثورة عىل الجوانب التقليدية‬ ‫امللزمة للشاعر‪ ،‬والتي كانت تحول دون حريته‬ ‫الكاملة يف اإلبداع‪ ،‬وهو ما أدى إىل ظهور «الشعر‬ ‫الحر» يف ‪ .1947‬والحقيقة‪ ،‬أن الثورة الحقيقية عىل‬ ‫رتابة العروض العريب يُفرتض أن تكون منوطة بالشاعر‬ ‫النبطي‪ ،‬ولكن غياب الناقد املتابع للشعر النبطي يف‬ ‫زمن مبكر جعل الضوء املسلط عىل هذه الثورة املبكرة‬ ‫باهتًا‪.‬‬ ‫ولتوفري املناخ الدرامي للشعر النبطي‪ ،‬ابتكر الشاع ُر‬ ‫ِ‬ ‫الحيَل التي متكن املستمع من املتابعة حتى النهاية‪،‬‬ ‫فأحدث ما يُسمى «القلطة»‪ ،‬وهو فن شعري قائم عىل‬ ‫املحاورة بني شخصني أو أكرث‪ ،‬وما يُسمى «املشاكاة»‪،‬‬ ‫وهو فن يو ِّجه فيه الشاعر خطابًا لآلخر يشكو فيه ما‬ ‫أصابه من مكروه أو معاناة‪ ،‬فريد اآلخر بانيًا خطابه عىل‬ ‫القالب نفسه‪ ،‬ويحاول يف رده املواساة‪.‬‬ ‫لقد بات الوقت‪ ،‬اآلن‪ ،‬مناس ًبا الستعراض أهم تلك‬ ‫القوالب التي تصب فيها الكلامت‪ ،‬وميكن تقسيمها‬ ‫إىل خمسة أقسام‪ ،‬األول‪ :‬ما يؤدى مبصاحبة اآللة‬ ‫املوسيقية (الربابة)‪ :‬الهاليل‪ ،‬واملسحوب‪ ،‬والزهريي‪،‬‬ ‫واللويحاين‪ .‬الثاين‪ :‬ما يؤدى مبصاحبة الفنون الحركية‪:‬‬ ‫وحده‪:‬‬ ‫الصخَري‪ .‬الثالث‪ :‬ما يؤدى غنا ًء بصوت املنشد‬ ‫ْ‬ ‫يؤدى مبشاركة آخرين يف الرتجيع‪ :‬ال َّردح‪ .‬أما البحور‬ ‫مبصاحبة‬ ‫يؤدى‬ ‫ما‬ ‫ابع‪:‬‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫واألبوذية‪.‬‬ ‫اقي‪،‬‬ ‫ر‬ ‫الف‬ ‫الهجيني‪،‬‬ ‫العروضية الخليلية‪ ،‬مثل‪ :‬الطويل‪ ،‬واملديد‪ ،‬والبسيط‪،‬‬ ‫مرددين‪ :‬ال َونَّة‪ ،‬التغرودة‪ ،‬السامر‪ ،‬الحداء‪ .‬الخامس‪ :‬ما والوافر‪ ،‬والكامل‪ ..‬فقد تعامل الشاعر النبطي معها‬ ‫بوصفها قوالب‪ ،‬وذلك برصف النظر عن مسامها أو‬ ‫مسمى تفعيالتها‪ .‬هذه القوالب جميعها لها عالقة‬ ‫لعل أحد أهداف إنشاء‬ ‫وثيقة باملعنى والجو النفيس املحيط بها‪ ،‬وليست‬ ‫«أكاديمية الشعر»‬ ‫قوالب جامدة؛ فقالب «ال َونَّة» يستخدم للداللة عىل‬ ‫في أبوظبي هو الحفاظ‬ ‫الحزن والتوجع‪ ،‬وقالب «الردح» يستخدم للداللة‬ ‫عىل األنس بوجود األحبة‪ ،‬وكذلك قالب «السامر»‪،‬‬ ‫على الشعر النبطي بمستوى‬ ‫وقالب «التغرودة» يستخدم للداللة عىل التصميم يف‬ ‫القوة؛ لتذليل العقبات التي‬ ‫امليض نحو الهدف املخطط مهام بلغت املشقة‪ ،‬وقالب‬ ‫أوجدها التباعد الزمني‬ ‫«األبوذية» يستخدم للداللة عىل الضيم الذي‬ ‫أمل بالشاعر‪.‬‬ ‫‪154‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫النظم الشفوي‬

‫ومن املالحظ‪ ،‬أن القوالب انتُزعت تسميتها من طبيعة‬ ‫الحياة اليومية؛ لجعلها أكرث قدرة يف التعبري عنه؛ فمنها‬ ‫ما يتعلق باإلنسان‪ ،‬مثل‪« :‬الصخري» نسبة إىل بني‬ ‫صخر‪ ،‬ويرتد إليهم؛ ألنه طُبع باألصل بنربة حزينة‪.‬‬ ‫و»الشيباين» نسبة إىل مبتكره الذي جعل النظم فيه‬ ‫مطوالً حتى يستويف الشاعر ما يريد قوله‪« .‬الهاليل»‬ ‫نسبة إىل بني هالل‪ ،‬واشتُ َّق منه «املروبع»‪ .‬ومنها ما‬ ‫يتعلق بحركة اإلنسان التي أملتها البيئة الصحراوية‪،‬‬ ‫مثل‪« :‬الحداء» الذي يخص الفرسان وهم ميتطون‬ ‫خيولهم‪ ،‬فيبث الحامسة يف النفس استعدادًا للحرب‬ ‫أو شحذ العزمية بصورة عامة‪ .‬كانت تسمية القوالب‬ ‫خرو ًجا عىل التسميات العروضية القدمية؛ فتسمياتها‬ ‫نظرية‪ ،‬ال تعلق يف الذهن أو تتصل بطبيعة الحياة‬ ‫اليومية‪ ،‬كام نجد يف تسميات‪ :‬الطويل‪ ،‬والبسيط‪،‬‬ ‫والوافر‪ ..‬إنها جميعها تولد شعو ًرا بأنها غري مرتبطة‬ ‫مبعنى‪.‬‬ ‫وحتى يكون الشعر النبطي هو شعر األمة‪ ،‬عىل الرغم‬ ‫من كونه منطلقًا من الشاعر ويُنسب إليه‪ ،‬فإن النظم‬ ‫الشفوي ارتجاالً ينفتح عىل معنى «الرجولة» أو‬ ‫البطولة(‪ ،)2‬وبالتايل‪ ،‬فإن الشاعر يتقمص دور البطل‬ ‫الذي تلتف حوله األمة مؤيدة ملا يقول‪ ،‬وذلك من‬ ‫خالل الرتجيع الصويت الدال عىل التعاطف أو الشعور‬ ‫باآلخر‪ ،‬أو الفنون الحركية الدالة عىل االنخراط يف‬ ‫الهدف السامي الذي يروم البطل تحقيقه‪ ،‬ومن هذه‬ ‫الفنون الحركية‪ :‬الحربية حيث يقف املشاركون يف‬ ‫صفني متقابلني يرددون ما يقوله الشاعر بأصواتهم‬ ‫وحدها‪ .‬عىل الطرف املقابل‪ ،‬تتخذ «الوهابية»‬ ‫اآللية نفسها يف الوقوف‪ ،‬ولكن مبشاركة دق الطبول‪،‬‬ ‫واالستعراض الحريب بحركة البنادق‪ ،‬واالستعراض الدال‬ ‫عىل التيقظ بحركة الرأس‪ .‬لقد نقلت الفنون الحركية لنا‬ ‫مناخ الحرب لتؤجج الحامسة يف املشاركة‪،‬‬ ‫وهو ما يؤدي إىل إطالة زمن القصيدة‪ ،‬وتعمد الشاعر‬ ‫التنويع يف اإليقاعات إلحداث املزيد من الصخب حوله‪.‬‬ ‫وإذا كانت النشأة قد واكبها الغناء بهدف الحفاظ‬

‫الفنان زياد بقوري‬

‫شعر األمة‬

‫ما أمكن عىل القالب املوسيقي الذي تصب فيه كلامت‬ ‫الشعر‪ ،‬فإن االبتعاد عن زمن تلك النشأة كان كفيالً‬ ‫باالستعاضة عن الغناء باإلنشاد أو اإللقاء مبارشة‪،‬‬ ‫وبات التزامن بني النظم والغناء‪ ،‬إضافة للفنون‬ ‫الحركية جز ًءا من الرتاث‪ .‬وهذا ما جعل النظم الشفوي‬ ‫للشعر النبطي عىل درجة من الصعوبة عىل الرغم‬ ‫من االستعانة بالوسيط (الورق) للتدوين؛ ألن القوالب‬ ‫الغنائية يُفرتض حضورها بقوة داخل الشاعر‪ .‬إن القيمة‬ ‫العالية لهذه القوالب الغنائية‪ ،‬جعلت «اليونسكو»‬ ‫تدرج «التغرودة» يف اإلمارات ضمن الرتاث الثقايف غري‬ ‫املادي‪ ،‬وذلك يف مؤمترها املنعقد بباريس يف ‪ 6‬ديسمرب‬ ‫‪ ،2012‬وإن كرثة الشعراء الذين ينظمون عىل هذا‬ ‫القالب تحدي ًدا‪ ،‬جعلت هيئة السياحة والثقافة تقوم‬ ‫مؤخ ًرا بإجراء إحصاء للتوصل إىل عدد الشعراء الذين‬ ‫ينظمون عىل قالب «التغرودة» فتبني أن أعدادهم تزيد‬ ‫عىل ‪ 300‬شاعر يف إمارة أبوظبي وحدها‪.‬‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪155‬‬


‫ديوان النبط‬

‫وإن مسابقة «شاعر املليون» املخصصة للشعر‬ ‫النبطي‪ ،‬ليس هدفها الرتويج للكسب املادي‪ ،‬بل دفع‬ ‫الذين ينظمون الشعر النبطي إىل امليدان‪ ،‬وهو بذلك‬ ‫يستعيد املكان الذي كان يقف فيه الشاعر النبطي‬ ‫قدميًا‪ ،‬وكأنه يف ساحة حرب‪ ،‬تلتف الناس حوله‬ ‫ملؤازرته وإثبات جدارته يف االرتجال‪ ،‬أو بتعبري آخر‬ ‫جدارته يف تص ُّدر موقع البطولة‪ .‬هذا يعني أننا لسنا‬ ‫أمام تراث ينبغي الحفاظ عليه فحسب‪ ،‬بل إننا أمام‬ ‫شعر ينبض بالحياة بقوة‪ ،‬وأمام ذائقة اجتامعية ما‬ ‫زالت ترى الشعر جز ًءا من خبزها اليومي‪.‬‬ ‫ولعل أحد أهداف إنشاء «أكادميية الشعر» يف أبوظبي‬ ‫هو الحفاظ عىل الشعر النبطي مبستوى القوة؛ لتذليل‬ ‫العقبات التي أوجدها ذلك التباعد الزمني‪ ،‬ولعله أيضً ا‬ ‫أحد أهداف إنشاء مواقع إلكرتونية(‪ )3‬تسهل عىل‬ ‫الشاعر نظم القصيدة عىل أساس أن نقطة البدء هي‬ ‫املفتاح الذي يعني تحريكه الولوج إىل عامل القصيدة‪،‬‬ ‫إضافة إىل مواقع أخرى تهتم بإدراج نبذة عن الشعراء‬ ‫مبسط لألبيات(‪ . )4‬إن‬ ‫النبطيني‪ ،‬وقصائدهم‪ ،‬ورشح َّ‬

‫إنشاء كل ما من شأنه تذليل العقبات‪ ،‬ال يُنشئ‬ ‫شاع ًرا ما مل تكن الخامة األساسية موجودة أال وهي‬ ‫«املوهبة» بحيث يصري ما يُنشئ من مؤسسات‬ ‫تعليمية أو مواقع إلكرتونية هدفها‪ :‬صقل املوهبة‪،‬‬ ‫أو تغذيتها بالثقافة التي توجد نقادًا للشعر النبطي‪،‬‬ ‫كام أوجدت شعراء يستمرون بحمل راية الشعر التي‬ ‫رفعها األجداد يف الزمن الصعب‬

‫‪ .1‬انظر‪ :‬الشعر النبطي يف منطقة الخليج والجزيرة العربية‪ ،‬املجمع الثقايف‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫أبوظبي ‪ ،1990‬ج‪ ،1‬ص‪ ،275‬ص‪ ،274‬ص‪ ،281‬ص‪324‬‬ ‫‪ .2‬هذا األمر نجده أيضً ا يف نظم األغنية الشعبية‪ ،‬انظر مقايل‪ :‬النظم الشفوي لألغنية‬ ‫الشعبية العربية‪ ،‬مجلة الثقافة الشعبية‪ ،‬ع‪ ،8‬البحرين ‪.2011‬‬ ‫‪ .3‬انظر‪ :‬موقع قصيديت (‪ ،)alqased.net‬وقد كُتب تحت عنوان «تعليامت»‪« :‬يف هذا‬ ‫الربنامج نحاول مساعدة املبتدئني واملحرتفني كذلك يف كتابة القصيدة‪ ،‬وحيث إن من أبرز‬ ‫معوقات بناء القصيدة هو الوزن والقافية‪ ،‬فإن هذا الربنامج سوف يساعدك يف اختيار‬ ‫البحر ومعرفة وزن قصيدتك من خالل االستامع للحن املرفق‪ ،‬وكذلك من خالل التقطيع‪،‬‬ ‫باالضافة إىل مساعدتك يف الحصول عىل أكرب قدر من الكلامت التي تتناسب مع قافية‬ ‫قصيدتك‪ .‬أوالً‪ :‬قم باختيار البحر الذي تريده‪ ،‬وتذكر مل تعدِّل مضط ًّرا للكتابة عىل بحر‬ ‫واحد فقط كام كنت يف السابق‪ .‬ثان ًيا‪ :‬قم باالستامع إىل اللحن أو الشيلة املرفقة‪ ،‬ثم قم‬ ‫بتلحني قصيدتك وأبياتك وفقا لهذا اللحن‪ .‬ثالثًا‪ :‬أكتب آخر حرف من الكلمة التي يف‬ ‫الشطر والقافية‪ .‬يف املربعات املخصصة لذلك‪ ،‬يك يتم عرض أكرب قدر ممكن من الكلامت‬ ‫التي تساعدك» ‪.‬‬ ‫‪ .4‬انظر‪ :‬موقع حوايا (‪.)7awaya.com‬‬ ‫‪156‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫أدب البدو‬

‫أدب البدو في كتابات الرحالة والمستشرقين‬

‫األقدام اإلنجليزية‬

‫تجوس الرمال العربية‬

‫‪4‬‬

‫في الحلقة الرابعة واألخيرة من دراسته يتقصى الباحث السعودي الدكتور سعد العبدهللا الصويان‬

‫المصادر الثانوية للبحث في أدب البدو‪،‬تلك التي حفلت بها كتابات الرحالة األجانب الذين انشغلوا‬

‫بدراسة المجتمع البدوي ككل‬

‫سعد العبدهللا الصويان‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪157‬‬


‫ديوان النبط‬

‫هناك مصادر ثانوية ال تتناول أدب البادية بشكل مبارش‬ ‫لكنها تشكل أدوات مهمة من أدوات البحث التي ال‬ ‫غنى عنها للباحث املدقق يف هذا األدب‪ .‬ومن أهم هذه‬ ‫املصادر كتب الرحالة األجانب ممن جابوا أرجاء الجزيرة‬ ‫العربية وبعض من عملوا يف املجال الدبلومايس والتي‬ ‫متثل كتاباتهم أهم املصادر األثنوغرافية التي تساعدنا‬ ‫عىل متثل البيئة التقليدية التي نشأ فيها الشعر النبطي‪.‬‬ ‫وإضافة إىل أعامل جورج أوغست والني وأالويس موزيل‬ ‫وغريهم ممن سبقت اإلشارة إليها هناك أعامل أخرى عىل‬ ‫غاية األهمية‪ .‬ويعد يوهان لودفيج بوركهارت ‪Johann‬‬ ‫‪ ،Ludwig Burckhardt‬وهو سويرسي األصل‪ ،‬من أوائل‬ ‫املهتمني بدراسة املجتمعات البدوية‪ .‬أتقن بوركهارت‬ ‫اللغة العربية وأجادها إجادة تامة وتفقه يف علوم اإلسالم‬ ‫الرشعية وتعمق فيها واعتنق اإلسالم وأدى فريضة‬ ‫الحج وزار املدينة ودون مالحظاته خالل زيارته لألماكن‬ ‫املقدسة يف كتابه ‪ .Travels in Arabia‬وقدم للقارىء‬ ‫الغريب من خالل كتابه هذا أول وصف مفصل وحقيقي‬ ‫للكعبة املرشفة والحرمني امليك واملدين كام وصف املظاهر‬ ‫العمرانية واالجتامعية والسياسية يف جدة ومكة واملدينة‬ ‫وينبع‪ .‬وتويف يف القاهرة بعد عودته من األماكن املقدسة‬ ‫بفرتة وجيزة ودفن يف مقابر املسلمني‪ .‬وقبل زيارته ملرص‬ ‫والحجاز‪ ،‬والتي تزامنت مع بداية حملة محمد عيل ضد‬ ‫جزيرة العرب‪ ،‬كان بوركهارت قد أقام لفرتة عامني يف حلب‬ ‫مام أتاح له فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة وبعض القبائل‬ ‫الرحل التي تقطن الصحراء السورية وشامل الجزيرة‬ ‫العربية وتجول بني هذه القبائل ودرس أحوالهم ودون‬ ‫الكثري من املالحظات عنهم‪ .‬ويعد كتابه ‪Notes on the‬‬ ‫‪ Bedouins and Wahabys‬من الكتابات املتميزة والغنية‬ ‫باملعلومات عن املجتمع البدوي وحياة الصحراء وال يزال‬ ‫من املراجع التي يعتمد عليها يف هذا املجال‪ .‬وقد وصف‬ ‫الدكتور عبدالله العثيمني بوركهارت بأنه من أبرز الرحالة‬ ‫األوربيني إىل البالد العربية وأكرثهم دقة وإنصافا‪ .‬وكتابات‬ ‫بوركهارت السويرسي تشبه كتابات والني الفنلندي يف‬ ‫موضوعيتها وتعاطفها مع عرب الصحراء وخلوها من‬ ‫التحيز الديني والعنرصية العرقية‪ ،‬بل إن القارىء يجد‬

‫‪158‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬

‫كان بوركهارت قد أقام لفترة‬ ‫عامين في حلب مما أتاح له‬ ‫فرصة االحتكاك بقبيلة عنزة‬ ‫وبعض القبائل الرحل التي‬ ‫تقطن الصحراء السورية وشمال‬ ‫الجزيرة العربية وتجول بين هذه‬ ‫القبائل ودرس أحوالهم ودون‬ ‫الكثير من المالحظات عنهم‬ ‫فيها تذمرا من األوربيني وطريقة حياتهم ومتجيدا لحياة‬ ‫البادية وشغفا بالصحراء‪.‬‬

‫أخطاء وتناقضات‬

‫وممن ادعوا اإلسالم وتظاهروا به وتزيا بزي الدراويش من‬ ‫أجل دخول مكة واملدينة وزيارة األماكن املقدسة الرحالة‬ ‫اإلنجليزي املغامر ريتشارد بريتون ‪Richard Burton‬‬ ‫الذي اشتهر برتجمته ألف ليلة وليلة وبتدوينه لرحلته إىل‬ ‫الحجاز عام ‪١٨٥٣‬م يف كتابه ‪Personal Narrative of a‬‬ ‫‪ Pilgrimage to al-Madinah & Meccah‬الذي يقع يف‬ ‫جزئني‪ .‬وباإلضافة إىل وصف األماكن املقدسة وما يحف‬ ‫الرحلة إىل هناك من مخاطر ومصاعب يعطي بريتون‬ ‫معلومات إثنوغرافية جمة عن قبائل الحجاز وحياة البدو‬ ‫يف الصحراء‪ ،‬وإن كان منهج بريتون يف الكتابة أقرب إىل‬ ‫طابع اإلثارة منه إىل التوثيق الدقيق واملالحظة املوضوعية‪.‬‬ ‫وملا تويف يف سنة ‪١٨٩٠‬م بنت له زوجته رضيحا كبريا عىل‬ ‫هيئة بيت من بيوت الشعر البدوية‪.‬‬ ‫ومل متض عرش سنوات عىل رحلة بريتون حتى شد الرحال‬ ‫يف أثره رحالة إنجليزي اخر ال يقل عنه إثارة للجدل هو‬ ‫ويليام بالغريف ‪ William Gifford Palgrave‬الذي بدأ‬ ‫رحلته عام ‪١٨٦٢‬م‪ .‬سافر بالغريف مدعيا الطب تحت‬ ‫إسم مستعار هو سليم أبو محمود العيص يرافقه مدرس‬ ‫إغريقي مقيم يف زحلة يف لبنان ويجيد العربية انتحل اسم‬ ‫بركات بدال من إسمه اإلغريقي‪ .‬ومن معان سافر اإلثنان‬


‫أدب البدو‬

‫جون فيلبي‬

‫لورنس‬

‫إىل الجوف ثم إىل حايل‪ .‬وهناك تقابل بالغريف مع األمري الرحالة املتأخرين مثل فيلبي إىل الشك يف أنه فعال قام‬ ‫برحلة إىل نجد‪ .‬ومع ذلك يحتوي كتابه عىل معلومات‬ ‫طالل بن رشيد الذي قال عنه «من بني جميع الحكام‬ ‫واألمراء الذين سنحت يل فرصة الترشف بالتعرف عليهم‪ ،‬دقيقة عن املنطقة وأهلها وتفاصيل ذات خصوصية‬ ‫سواء يف أوربا أو يف آسيا‪ ،‬مل أجد إال القليل من بينهم من شديدة ال ميكن أن يعرفها إال من أمىض بعض الوقت‬ ‫يداين طالل يف حذقه لفن الحكم‪ ».‬ويف الرياض قابل اإلمام هناك‪.‬‬ ‫ومن األعامل الكالسيكية الخالدة التي ال نظري لها بني‬ ‫فيصل وابنه عبدالله بن فيصل الذي قال عنه إنه قريب‬ ‫كتب الرحالت كتاب تشارلز داويت ‪Charles Montagu‬‬ ‫الشبه بهرني الثامن يف طلعته ويف شجاعته‬ ‫‪ Doughty‬وعنوانه رحالت يف صحراء العرب‬ ‫واعتزازه بنفسه ومهارته السياسية‪ .‬ومن‬ ‫‪ .Travels in Arabia Deserta‬يف عام ‪١٨٧٦‬م‬ ‫نجد ذهب بالغريف إىل البحرين‬ ‫اصطحب داويت قافلة الحج املنطلقة من‬ ‫وقطر وعامن‪ .‬ويدعي أن السفينة التي‬ ‫دمشق وعند مدائن صالح علم قائد الحملة‬ ‫استقلها من هناك تحطمت يف عرض‬ ‫أن داويت مسيحيا فأرغمه عىل عدم مرافقة‬ ‫البحر وفقد كل مذكراته‪ .‬ويف عام‬ ‫القافلة والبقاء يف مدائن صالح‪.‬‬ ‫‪١٨٦٥‬م نرش كتابه ‪Narrative of a‬‬ ‫وأمىض داويت ما يقرب من واحد‬ ‫‪Year’s Journey Through‬‬ ‫ويلفريد ثيسيجر‬ ‫وعرشين شهرا يتجول بني قبيلة‬ ‫‪Central and Eastern‬‬ ‫ال ْفقَره من عنزة وبني مناطق‬ ‫‪ Arabia‬ويختلف بالغريف‬ ‫الحرة وخيرب وتيامء وحائل‬ ‫عن الرحالة اآلخرين يف‬ ‫وعنيزة وبريدة واتصل‬ ‫تفضيله للحرض عىل‬ ‫باألمري محمد بن رشيد‬ ‫البدو وكرهه الشديد‬ ‫وزامل بن سليم‬ ‫ألهل البادية‪ .‬ويحتوي‬ ‫وحسن بن مهنا‬ ‫عمله عىل أخطاء كثرية‬ ‫وتصادف وجوده‬ ‫وتناقضات حملت بعض‬ ‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪159‬‬


‫ديوان النبط‬

‫يوهان لودفيج بوركهارت‬

‫جورج أوغست‬

‫ومن األعمال الكالسيكية الخالدة‬ ‫التي ال نظير لها بين كتب الرحالت‬ ‫كتاب تشارلز داوتي‬ ‫‪Charles Montagu Doughty‬‬ ‫وعنوانه رحالت في صحراء العرب‬ ‫‪Travels in Arabia Deserta‬‬ ‫يف حائل مع عودة راكان بن حثلني من حبس األتراك‪.‬‬ ‫اإليطايل ويوليوس يوتنج ‪Julius Euting‬األملاين وتشارلز‬ ‫عايش داويت البدو وعارشهم يف حلهم وترحالهم‪ ،‬يف الشدة هيوبر ‪ Charles Huber‬الفرنيس والليدي آن بلنت‬ ‫والرخاء‪ ،‬ويف السلم والحرب وشاهد بعينه عمليات الغزو ‪ Lady Anne Blunt‬التي جاءت من انجلرتا بصحبة‬ ‫وتعرض هو نفسه للسلب‪ .‬ويصف داويت كل مشاهداته‬ ‫زوجها ولفريد سكاوين بلنت ‪.Wilfrid Scawen Blunt‬‬ ‫وانطباعاته وصفا دقيقا شيقا‪ ،‬ال تفوته شاردة وال واردة‪.‬‬ ‫وال تخفي الليدي بلنت يف كتابها ‪Pilgrimage to Nejd‬‬ ‫والقى داويت عنتا شديدا يف رحلته ألنه كان يرص عىل‬ ‫عشقها وزوجها لحياة الصحراء وتعاطفها الشديد مع البدو‬ ‫املجاهرة بدينه املسيحي دون احرتام ملشاعر الناس‬ ‫وتعطي معلومات شيقة عن بالط محمد بن رشيد وخيله‬ ‫البسطاء وكان شديد التعصب ضد اإلسالم‪ .‬وعىل الرغم من وقصوره ونسائه‪ .‬ونظرا لكونها امرأة‪ ،‬أتيحت لليدي بلنت‬ ‫طوله املفرط وصعوبة لغته وغرابة أسلوبه‪ ،‬وعىل الرغم‬ ‫فرصة مل تتح لغريها من املستكشفني فولجت إىل داخل‬ ‫من رؤيته املتحيزة أحيانا يبقى كتاب داويت عمال عمالقا‬ ‫قصور الرشيد وخالطت نساءهم واطلعت عىل خصوصيات‬ ‫ومثريا تتجدد قيمته مع مرور الوقت نظرا ملا يحتويه من حياتهم العائلية وكتبت عن ذلك بشكل مفصل‪ .‬وتقول‬ ‫معلومات تفصيلية عن حياة البادية والحارضة يف شامل‬ ‫إنها رأت يف بالط ابن رشيد وألول مرة جهاز التلفون الذي‬ ‫نجد‪.‬‬ ‫كان آنذاك اخرتاعا حديثا مل تكن قد رأته قبل وصولها إىل‬ ‫حائل‪ .‬أما هيوبر فإن من أطرف ما يورده يف مذكراته ذكره‬ ‫للدعوة التي أقامها يف املنزل الذي يقيم فيه عىل رشف‬ ‫رومانسية وانطباعية‬ ‫يف النصف الثاين من القرن التاسع عرش امليالدي توافد عىل حسن بن مهنا وراكان بن حثلني حيث قدم لهام أنواعا من‬ ‫املرشوبات والحلويات اللذيذة التي مل يألفاها ومل يسبق‬ ‫حائل وشامل نجد عدد من الرحالة واملستكشفني منهم‪،‬‬ ‫لهام تذوقها‪.‬‬ ‫باإلضافة إىل داويت‪ ،‬كارلو جوارماين ‪Carlo Guarmani‬‬ ‫‪160‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫أدب البدو‬

‫ديكسون‬

‫وال نريد أن نبخس هؤالء الرحالة واملستكشفني حقهم‬ ‫وال أن نقلل من شأن أعاملهم إال أن املتتبع لكتاباتهم‬ ‫يالحظ أنها ترتاوح بني الرومانسية املفرطة والتحيز‬ ‫الشديد وتغلب عليها روح املغامرة واإلثارة وأنها أقرب‬ ‫إىل األسلوب الروايئ األديب منها إىل األسلوب العلمي‬ ‫التوثيقي‪ .‬غالبا ما يحتل الكاتب املغامر يف هذه‬ ‫األعامل املركز البطويل الذي تتسلط عليه األضواء‬ ‫وتتمحور حوله األحداث وتطغى عىل عمله‬ ‫السمة االنطباعية والصبغة الذاتية فيحكم عىل‬ ‫األمور من منطلق قناعاته الشخصية وخلفيته‬ ‫االجتامعية والثقافية ويقيم الناس واألحداث‬ ‫وكل األشياء كمجرد وسائل وأدوات تعينه أو‬ ‫تقف دونه ودون الوصول إىل أهدافه وتحقيق‬ ‫طموحاته‪ .‬ويصل هذا املنهج ذروته عند‬ ‫لورنس ‪ T. E. Lawrence‬يف كتابه‬ ‫أعمدة الحكمة السبعة‬ ‫‪ .Seven Pillars of Wisdom‬ومن بني‬ ‫هذا النوع من الكتب يحتل كتاب الرمال‬ ‫العربية ‪ Arabian Sands‬الذي كتبه‬ ‫ويلفريد ثيسيجر ‪،Wilfred Thesiger‬‬ ‫مسجال فيه رحلته املثرية عرب الربع الخايل‬ ‫عىل اإلبل‪ ،‬مكانا متميزا نظرا ملا يحسه‬ ‫القارىء من صدق الكاتب يف تواضعه‬ ‫مع البدو ويف تعاطفه مع طرق معاشهم‬ ‫ويف تقديره لهم وتعبريه عن إعجابه‬

‫ويليام بالغريف‬

‫جلوب باشا‬

‫بنسيجهم األخالقي وقدرتهم عىل الصرب والتحمل‪ .‬وكان‬ ‫الربع الخايل بالنسبة للرحالة الغربيني يشكل آخر املعامل‬ ‫املجهولة‬ ‫يف الجزيرة العربية‪ .‬ومن الذين شاركوا ويلفريد ثيسيجر‬ ‫املجد يف عبور هذه املفازة املوحشة برترام توماس‬ ‫‪ Bertram Thomas‬وجون فيلبي ‪،St. John Philby‬‬ ‫وهؤالء ميثلون الجيل األخري من الرحالة الكالسيكني‬ ‫الذين استكشفوا الجزيرة عىل ظهور اإلبل وبهم‬ ‫طويت آخر صفحة من صفحات املغامرة‬ ‫واالستكشاف يف جزيرة العرب‪.‬‬ ‫وخالل فرتة خدمته يف الجيش الربيطاين‬ ‫يف العراق واألردن اتصل الضابط الربيطاين‬ ‫جلوب باشا ‪John Baggot Glubb‬‬ ‫بأبناء البادية وتعرف عىل حياتهم وكتب‬ ‫عنهم عددا من الكتب واملقاالت‪.‬‬ ‫ويقدم جلوب باشا يف كتاباته معلومات‬ ‫قيمة عن حركة اإلخوان وزعامئهم وطرقهم‬ ‫يف الغزو والغارات التي كانوا يشنونها عىل‬ ‫مناطق الحدود العراقية‪ .‬ومن الكتب‬ ‫املهمة عن حركة اإلخوان وعن حياة‬ ‫البدو عموما كتاب‬ ‫‪ The Arab of the Desert‬الذي كتبه‬ ‫ديكسون ‪ H. R. P. Dickson‬والذي‬ ‫أمىض سنني طويلة يف العراق والبحرين‬ ‫ليدي آن بلنت‬ ‫والكويت‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪161‬‬


‫كاميرا‬

‫عدسة املصور نور حميص‬ ‫‪162‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


‫مقطع من حروفية محمد شمس الدين‬

‫‪issue (9)- February - 2013‬‬

‫‪163‬‬


‫من أعامل الفنان اإلمارايت عبدالقادر الريس‬

‫‪164‬‬

‫بيت الشعر‬

‫العدد (‪ - )9‬شباط‪/‬فبراير‪2013/‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.