الصوراني

Page 1

‫غازي الصوراني‬

‫مقاالت ودراسات وحماضرات‪...‬‬

‫يف الفكر والسياسة واالقتصاد واجملتمع‬ ‫المجلد السادس‬

‫من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مارس ‪3102‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اسم الكاتب ‪ :‬غازي الصوراني‬ ‫المجلد السادس‪3102 - 3102 :‬‬ ‫‪--------------------------‬‬‫إخــ ارج ‪ :‬نضال نبيل أبو مايلة‬

‫‪2‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫غازي الصوراني ‪ -‬مفكر يساري وماركسي ‪ -‬يف حوار مفتوح مع القارئات‬ ‫والقراء حول‪ :‬معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة ومستقبلية‬

‫غازي الصوراني‬

‫الحوار المتمدن ‪02 / 0 / 3102 -‬‬

‫من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية‬

‫واالجتماعية والثقافية األخرى من جهة‪ ,‬وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على االنترنت من‬

‫جهة أخرى‪ ,‬ومن أجل تعزيز التفاعل االيجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي‬ ‫والحضاري البناء‪ ,‬تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة‬ ‫والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق اإلنسان وحقوق المرأة والعدالة‬

‫االجتماعية والتقدم والسالم‪.‬‬

‫حوارنا ‪ - 69-‬سيكون مع األستاذ غازي الصوراني ‪ -‬مفكر يساري وماركسي ‪ -‬ومسئول الدائرة‬

‫الثقافية المركزية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حول‪ :‬معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة‬

‫ومستقبلية ؟‪.‬‬ ‫تقديم‪..‬‬

‫لن يكون الكفاح الثوري ‪ ,‬التحرري والديمقراطي العربي والفلسطيني مجدياً‪ ,‬إال إذا كان كفاح‬

‫مواطنين حررت إرادتهم وعقولهم‪ ,‬ولن يكون القائد الوطني الماركسي جدي ارً باسمه إال إذا كان واجبه‬ ‫التحريض على هذه اإلرادة وخلق أشكال سياسية بال مراتب وبال رعية وأعيان أو محاسيب أو شلل‬ ‫داخل أحزاب اليسار ‪ ,‬بما يؤدي إلى إنتاج قيادة انتهازية رخوة عاجزة ‪ ,‬مرتدة وغير متجانسة ستدفع‬

‫بهذا الفصيل أو الحزب إلى مزيد من التفكك والخراب ‪.‬‬

‫فعندما تهترئ األطر السياسية التي تتصدر قيادة الجماهير‪ ,‬يصبح رصد آفاق النضال الجماهيري‪,‬‬

‫وتلمس مشاكله ضرباً من الجهد الفردي القلق‪ ,‬ومهمة شائكة وصعبة‪ ,‬وخاصة في مرحلة مضطربة‬

‫وصاخبة ومعقدة كالتي نعيشها اليوم في ظل تجديد واعادة إنتاج التبعية والتخلف وفق أدوات الليبرالية‬

‫الرثة أو أدوات اإلسالم السياسي‪.‬‬

‫وبالتالي فإن وحشة الجهد الفردي وقلقه‪ -‬كما يقول المفكر الراحل ياسين الحافظ‪ -‬ال يمكن أن‬

‫يبددهما إال االلتزام بخط الجماهير ومواكبة تحركها‪ ...‬كما يصبح استلهام جوهر الماركسية وروحها‬

‫العامة وت ارثها الثوري – دونما قبلية‪ ,‬ودونما سجود للصيغ الجاهزة – وسيلة إلقالل احتماالت الخطأ‪,‬‬ ‫وتصحيحه‪ ,‬وتجنب السقوط في التجريبية أو الخضوع للعفوية‪.‬‬

‫‪3‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ففي ظل عزلته وغياب مصداقيته جف اليسار التقليدي واقترب من مرحلة االحتضار بعد أن نخره‬

‫التخلف الفكري‪ ,‬وجعل منه الجمود النظري صنماً فارغاً بال حياة ‪ ,‬واستنفدت ثوريته االنتهازية وضيق‬ ‫األفق‪ ,‬وخنقته العزلة الشديدة عن جماهير الفقراء ‪.‬‬

‫إن فصائل وأحزاب اليسار العربي بحاجة إلى كوادر قيادية ثورية ديمقراطية واعية بالماركسية‬

‫ومسارها التطوري المتجدد ومنهجها وواعية أكثر بمكونات واقع مجتمعاتها‪..‬قيادات كفؤة وقادرة على‬

‫اإلجابة على أسئلة الجماهير الفقيرة واالندماج في أوساطها والتعلم منها وتعليمها وتنظيمها وتثويرها‬

‫وفيه لكل شهداء الحرية والديمقراطية والعدالة واالشتراكية‪..‬‬ ‫‪..‬بحاجة إلى قيادات وكوادر متواضعة ّ‬ ‫ووفيه ألسر الشهداء والجرحى واألسرى‬ ‫ملتزمة بالمبادئ العظيمة التي ضحوا بأرواحهم من اجلها ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫ووفيه لجماهير الفقراء والكادحين وقود الثورة وهدفها ‪...‬أخي ارً فصائل وأحزاب‬ ‫المناضلين الصامدين ‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫اليسار بحاجة ماسة جداً لقيادات مبدئية صادقة ال تعرف النفاق واالنتهازية والفساد والشللية‪ ..‬إنها‬ ‫بحاجة ماسة إلى مثل هذه القيادات الثورية الوفية الواعية الصادقة ليرفعوها على أكتافهم ‪ ,‬وليست‬ ‫بحاجة إلى قيادات تأتي إليها ليرتفعوا على أكتافها ‪ ...‬ويتنكروا لمبادئها وجوهرها األخالقي‪ ...‬ذلك هو‬ ‫أول الطريق لخروج قوى وفصائل اليسار من أزماتها الخانقة شبه المستعصية التي تنذر ‪ -‬في حال‬

‫استمرار تراكماتها دون عالج جراحي ثوري ‪ -‬إلى تصدع أبنيتها وانهيارها واسدال الستار عليها‪.‬‬

‫لذا فإن حركة اليسار العربي المتجددة أو الجديدة ‪ ,‬لن تأتي عبر تجميع األطر الكمية الشكلية أو‬

‫عبر الجمود والتخلف‪ ,‬أو الجثث القديمة‪ ,‬بل ستأتي عبر عملية خلق جديدة‪ .‬إن والدة جديدة لليسار‬

‫العربي تحتاج إلى مخاض طويل وعسير عبر أحزاب بقيادات واعية وثورية تلتحم بالجماهير الشعبية‬

‫وتسير في مقدمتها في المسيرة الطويلة حتى تحقيق االنتصار‪.‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫عن المرأة العربية العاملة ‪ ...‬األم وشريكة العمر واالبنة واألُخت والرفيقة والصديقة ‪.‬‬

‫‪ -‬كل حديث عن التحرر والديمقراطية والمقاومة والتقدم ال يلتزم في الممارسة بالنضال من اجل‬

‫المساواة الكاملة للمرأة العربية مع الرجل وتحريرها من كافة القيود االجتماعية ومن كافة أشكال وأدوات‬

‫ومظاهر االستبداد التي تعاني منها المرأة في بالدنا ‪ ,‬هو حديث منافق أو زائف ال معنى وال قيمة له‬

‫أو تأثير‪.‬‬

‫‪ -‬أدرك أن مشوار تحرر المرأة ومساواتها مازال طويالً في مجتمعاتنا ‪,‬وعليها ان تتحمل العبء‬

‫األكبر مع الرجل ‪ ,‬حيث نالحظ استمرار العالقات األسرية القائمة على الخضوع أو مبدأ الطاعة‬

‫واالمتثال‪ ,‬وهو مبدأ منتشر في كل المجتمعات العربية بدرجات متفاوتة وليست متباعدة ‪ ,‬خاصة وأن‬

‫الصورة المشتركة للتراث الشعبي (القديم والحديث والمعاصر) على المستوى العربي تتعاطى مع المرأة‬ ‫كخادمة للرجل ولشهواته الجنسية ‪ ,‬أو كإنسان ناقص أو من الدرجة الثالثة ‪ ,‬فهي " ناقصة عقل‬

‫‪4‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ودين " أو هي مصد ارً للهموم حسب المثل الشائع "هم البنات للممات" أو "كيدهن عظيم" أو "أمن‬ ‫للشيطان وال تأمن للنسوان " وكذلك األمثال الشعبية المتداولة من قبيل "طاعة النساء تورث الندم " و‬

‫"البنت ال تأمنها من بيتها لبيت خالها " و "الفرس من خيالها والمرأة من رجالها " "ما خال رجل وامرأة‬

‫إال وكان الشيطان ثالثهما"‪ ,‬ويقال أيضا‪" :‬المرأة فتنة"‪" ,‬صوت المرأة عورة"‪ .‬و أخي ارً وليس أخ ارً "ظل‬ ‫راجل وال ظل حيط " و هو المثل الذي يتضمن صراحة على أن الرجل هو الذي يعطي المكانة‬

‫االجتماعية للمرأة وليس الدور المميز للمرأة في العمل أو في السياسة أو في المجتمع أو في اإلنتاج‬

‫األدبي ‪ ..‬إلخ‪ .‬فعندما يمتزج الديني باالجتماعي يبرز شكال واضحا للتمييز بين المرأة والرجل مثلما‬

‫ربة بيت ممتازة"‪" ,‬بنت عائلة"‪" ,‬مطيعة وال ترفع صوتها ولو‬ ‫يقال في بالدنا "المرأة مرأة والرجل رجل"‪ّ " ,‬‬ ‫بكلمة في وجه زوجها"‪ ,‬إن ك ّل هذه األقوال حول المرأة تتلفظ بها األ لسن يوميا هنا وهناك‪ .‬ويتف ّنن‬ ‫الرجال اليوم في التعبير عن صورة المرأة صاحبة األخالق العالية بإضفائهم "بعدا أخالقويا" آخر‬

‫البد لها من أن تخرج من البيت إلى ميدان العمل كي "تساعد" زوجها‬ ‫لصورة "المرأة العصرية" التي ّ‬ ‫على مجابهة تكاليف الحياة لتصبح في اآلن ذاته رّبة بيت ممتازة وعاملة ممتازة أيضا‪....‬وهذه الصورة‬ ‫األخيرة ال تنتمي للتقدم بل هي عندي إعادة تجديد و تكريس للتخلف ولكن بمنطلق انتهازي ‪.‬‬

‫‪ -‬إن صورة المرأة في الواقع االجتماعي العربي ‪ ,‬خضعت وتخضع لسياقات اجتماعية وتراثية‬

‫تاريخية بكل ما أنتجته من أعراف وعادات وتقاليد سلبية تراكمت على مدى التاريخ القديم والحديث‬

‫مكوناتها في‬ ‫والمعاصر‪ ,‬بواسطة جملة من األدوات التواصلية كاللغة والدين والقانون والثقافة بمختلف ّ‬ ‫إطار المجتمع التابع والمتخلف‪ ...‬وبالتالي فان هذه األدوات أدت وظائفها داخل هذا اإلطار بالتفاعل‬ ‫مع واقعه االقتصادي واالجتماعي الذي شكل أساس البناء الثقافي لهذه التركيبة ‪ /‬الصورة التي لم‬

‫تتطور مكوناتها بشكل جوهري أو متمايز عما كان عليه الحال قبل ‪ 21‬عاماً ‪ ,‬فمازالت المرأة عموماً‪,‬‬

‫والفقيرة خصوصاً في أطراف المدن واألرياف ‪ ,‬تأتمر بأوامر الرجل وتدخل عنوة وغصبا بيت الطاعة‬

‫والخضوع‪ ,‬بتأثير مباشر لهيمنة وسيطرة الرجل انسجاما مع الثقافة الذكورية المتخلفة السائدة‬

‫‪,‬وتساهم بالتالي –وفق ما أسميه عفوية الرضوخ‪ -‬في إعادة إنتاج مكانتها الدونية في المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬التحرر الحقيقي للمرأة ‪ ,‬يكمن في تحررها االقتصادي الذي يوفر لها الضمانات الفعلية‪,‬‬

‫القانونية والمجتمعية في اتخاذ القرار في كل الميادين و على كل المستويات ‪ ,‬و المشاركة في‬ ‫األنشطة السياسية و االقتصادية و الثقافية و االجتماعية و األسرية ‪ ,‬هذا هو التعبير عن حقيقة‬

‫االرتباط الوثيق بين قضايا المرأة العربية و قضايا مجتمعها في االستقالل الوطني و النهوض و التقدم‬ ‫االجتماعي و التنمية و العدالة االجتماعية و الديمقراطية‪ ,‬و هي قضية يتحمل مسؤوليتها كل مثقف‬

‫عربي ديمقراطي تقدميً ‪ ,‬فإذا كان العامل السياسي يلعب دو ارً هاماً في تعزيز الهيمنة السياسية‬ ‫الطبقية البيروقراطية الفردية ‪ ,‬فإن العامل االقتصادي يعزز و يكمل ذلك الدور في المجتمع عموماً ‪ ,‬و‬

‫‪5‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫في إخضاع المرأة بصورة خاصة باالستناد إلى التشريعات و القوانين من جهة أو باالستناد إلى‬

‫الهيمنة الذكورية االقتصادية والتاريخية من جهة أخرى ‪.‬‬

‫إذن وفي سياق حديثي عن قضية المرأة في بالدنا ‪ ,‬فإن التحرر االقتصادي شرط أولي لكل تحرر‬

‫مادي أو معنوي ‪ ,‬اجتماعي أو سياسي أو غير ذلك ‪ ,‬وهنا تتبدى أهمية العمل بالنسبة للمرأة المعزز‬

‫بالشهادة العلمية كشرط أساسي لعملية تحررها في سياق العمل ‪ ,‬إذ أن العمل المجرد الذي يتيح‬

‫دخول أعداد كبيرة من النساء – شبه االميات واالميات – من الطبقات الشعبية الكادحة إلى سوق‬

‫العمل المأجور ‪ ,‬ال يوفر سوى شكل من أشكال التحرر الجزئي االقتصادي ‪ ,‬وهي ظاهرة معروفة في‬ ‫بالدنا‪ ,‬بحيث تبقى المرأة خاضعة لشروط االضطهاد والخضوع االجتماعي داخل األسرة وخارجها ‪,‬‬

‫تقدمية بال شك تمهيدا لمشاركتها الفعالة‬ ‫وبالتالي فان عمل المرأة في المجتمعات العربية يمثل خطوة‬ ‫ّ‬ ‫في النشاط العام ‪ ,‬السياسي واالجتماعي ‪ ,‬عبر المؤسسات الثقافية والجمعيات واألحزاب في مسيرة‬ ‫النضال الديمقراطي المشترك لتحرير المجتمع من كل أشكال التبعية والتخلف واالستغالل وتجاوزها‬

‫صوب مجتمع الحرية والديمقراطية والمواطنة والمساواة بين الرجل والمرأة وفق أسس ومفاهيم قانونية‬ ‫وسياسية واجتماعية واقتصادية وأخالقية تمثل روح المجتمع والمستقبل المشترك للمرأة والرجل في‬

‫مجتمع عربي ديمقراطي‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫العرب وتحديات الديمقراطية والتنوير واالستنارة والعقالنية والثورة‪:‬‬

‫يبدو أن أنظمة االستبداد العربية الكومبرادورية عموما وأنظمة البترودوالر الرجعية العميلة‬

‫خصوصا‪ ,‬إلى جانب ضعف تأثير وهشاشة دور أحزاب وفصائل وحركات اليسار العربي ‪ ,‬عالوة على‬ ‫غياب التنسيق والعمل المشترك فيما بينها ‪..‬مهد الطريق إلى انتشار وفوز حركات اإلسالم السياسي‬

‫عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها الناجمة ‪ -‬بشكل رئيسي‪ -‬عن أوضاع التخلف‬ ‫االجتماعي في كل البلدان العربية وتبعيتها التي أدت إلى تزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية على‬

‫مقدرات شعوبنا‪ ,‬بحيث يمكن القول بأن هناك نوع من ردة الفعل في أوساط الجماهير العفوية تجاه‬

‫حركات اإلسالم السياسي‪ ,‬تتراوح بين القبول والترحيب واالندفاع في تأييدها دونما وعي حقيقي من‬ ‫الجماهير بطبيعة دور حركات اإلسالم السياسي ورؤاها وشعاراتها الديماغوجيه وبرامجها‪ ,‬األمر الذي‬ ‫يفسر تمسك الجماهير العفوية بنوع ساذج من الدين‪ ,‬هذا التمسك يريحها ويسوغ لها هذا انشدادها‬

‫للتيارات الدينية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نشير إلى أن النشاط الثوري العفوي للجماهير ‪,‬مستمر منذ أقدم العصور‪ ,‬لكن كل‬

‫هذه المعارك والثورات ‪,‬لم تحقق انتصارها ‪,‬ولهذا ظلت ُمستَ َغلَّة ُمضطهدة ‪,‬تثور مرة ‪,‬ثم تعود إلى‬

‫‪6‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫سباتها سنوات ‪ ,‬وربما عقود‪ ,‬والسبب الجوهري هو أن الجماهير لم يتطور وعيها ‪,‬من خالل نشاطها‬

‫الثوري ‪.‬إن هذه الواقعة ‪,‬فرضت على لينين ‪,‬أن يتحدث عن أن الوعي االشتراكي الديمقراطي ‪,‬لن يأتي‬

‫العمال "إال من خارجهم"‪ ...‬من الحزب الثوري أو الطليعة الثورية‪ ,‬وهذا هو دور قوى اليسار الذي‬

‫يتوجب على كل رفيق االلتزام به ووعيه بكل عمق‪ ,‬ذلك إن النشاط الثوري غير المنظم قد ُيكسب‬

‫الطبقات المضطهدة (وهو ُيكسبها بالضرورة)‪ ,‬خبرات في التخريب ‪ ,‬وفي التظاهر ‪ ,‬والقيام‬ ‫باإلضرابات‪ ...‬الخ ‪ ,‬لكنه ال يكسبها الوعي الثوري ومن ثم زخم وتواصل الحراك الجماهيري الثوري‬ ‫الجتثاث أنظمة التبعية واالستبداد والتخلف‪.‬‬

‫لذلك علينا أن نفسر هذه الحالة الهروبية من الواقع‪ ,‬بصورة موضوعية ارتباطاً بظروف التطور‬

‫االجتماعي االقتصادي الريعي المشوه ‪ ,‬الذي أسهم في تشكيل الوعي العفوي على هذه الصورة‬

‫السالبة في أوساط الجماهير الشعبية ‪ ,‬في ظل استمرار غياب القوى الثورية الديمقراطية ‪ ,‬مما أدى‬

‫إلى تكريس هيمنة الرجعية والكومبرادورية على ذهنية الجماهير ووعيها وصوالً إلى مشهد اإلسالم‬ ‫السياسي الراهن ‪ ,‬دون ان نتجاوز تأثير الحالة الثورية العربية الراهنة ‪ -‬بالمعنى النسبي ‪ -‬في قسم‬

‫هام من القطاعات الشعبية الفقيرة عموماً ‪ ,‬وفي المدن والعواصم العربية خصوصاً وهذا يعني بوضوح‬ ‫أن ضعف انتشار الحالة الثورية في أوساط جماهير الفالحين والمهمشين في المناطق الريفية‬ ‫والطرفية يعود بشكل رئيسي إلى غياب الدور الفعال ألحزاب اليسار في أوساط هذه الجماهير في‬ ‫ظروف الوضع العربي الراهن التي تحفز على الثورة المستمرة حتى إسقاط أنظمة االستبداد واالستغالل‬

‫والتخلف ‪ ,‬إذ أن الوضع الراهن‪ ,‬الذي تعيشه شعوبنا العربية ‪ ,‬لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل‬ ‫التفكك و الهبوط الناجمة عن تكريس وتعمق خضوع وارتهان الشرائح الحاكمة في النظام العربي‬

‫للنظام االمبريالي حفاظا على مصالحها الطبقية النقيضة لتطلعات ومصالح الجماهير ‪ ,‬لدرجة أن ربع‬

‫القرن األخير حمل معه صو ارً من التراجع لم تعرف جماهيرنا مثيالً لها في كل تاريخها الحديث‪ ,‬فبدالً‬ ‫مما كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر والنهوض الوطني‬

‫والقومي الديمقراطي ‪ ,‬تحول هذا الوطن بدوله العديدة وسكانه إلى رقم كبير ‪ ,‬يعج بالنزاعات الداخلية‬

‫والعداء بين دوله وطوائفه‪ ,‬ال يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادالت الدولية‪ ,‬وتحولت معظم‬

‫أنظمته وحكوماته إلى أدوات للقوى المعادية‪ ,‬فيما أصبح ما تبقى منها عاج ازً عن الحركة والفعل‬ ‫والمواجهة‪ ,‬في إطار عام من التبعية على تنوع درجاتها وأشكالها السياسية واالقتصادية والتكنولوجية‬

‫والثقافية والسيكولوجية‪ ,‬في ظروف فقدت فيها القوى واألحزاب اليسارية روحها وارادتها الثورية‬

‫وهويتها ‪ ,‬وفقدت قدرتها على الحركة والنشاط والنمو‪ ,‬وتراجع دورها في التأثير على الناس أو على‬

‫األحداث من حولها‪ ,‬األمر الذي أفسح المجال واسعا لتيار اإلسالم السياسي بمختلف تالوينه‬ ‫ومسمياته في بلداننا العربية بذريعة منطلقاته الدينية أو اإليمانية التي ال تشكل تناقضا جذريا مع‬

‫‪7‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫البرامج والسياسات اإلمبريالية عموما وبرامجها االقتصادية والمجتمعية خصوصا‪ , .‬ما يعني بوضوح‬

‫شديد أن بلدان الوطن العربي أمام خيارين ‪..‬إما البربرية أو الثورة االشتراكية ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫منظور للعالقة بين أحزاب وفصائل اليسار وحركات اإلسالم السياسي‬

‫في إطار حديثي عن عالقة اليسار العربي مع حركات اإلسالم السياسي ‪ ,‬فإنني أود التوضيح هنا‬

‫أنني لست في وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ‪ ,‬في إطار الصراع التاريخي بين‬

‫المثالية والمادية‪ ,‬فهذه المسألة ليست بجديدة‪ ,‬كما أنها ليست ملحة‪ ,‬كما أن عملية عدم الخلط بين‬

‫الدين كعقيدة يحملها الناس‪ ,‬وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ‪ ,‬فان يكون لنا‬

‫موقف فلسفي من الدين‪ ,‬ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ‪ ,‬بل على‬ ‫العكس‪ ,‬فان التحليل الموضوعي ‪ ,‬إلى جانب الوعي والشعور بالمسئولية والواجب‪ ,‬يفترض منا‬

‫االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية‪ ,‬والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال‬

‫من اجل الحرية والعدالة االجتماعية والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد‪,‬‬

‫انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم السياسي‬

‫والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ‪ ,‬فالماركسية تنظر إلى الدين‬

‫تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم‪ ,‬وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه‪ ,‬وأنه‬ ‫بوصفه جزءاً من ّ‬ ‫تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر‪ ,‬وانتظام البشر في الواقع‪.‬‬ ‫ش ّكل –في مراحل تاريخية معينة‪ّ -‬‬ ‫أما بالنسبة للعالقة الخالفية بين اليسار وحركات اإلسالم السياسي‪ ,‬فهي تستند – من وجهة نظري‬

‫‪ -‬إلى التحليل الموضوعي الذي يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة‬

‫القضايا المعاصرة‪ ,‬االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ ,...‬عبر منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة‬ ‫برنامج سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي ‪ ,‬يتناقض مع جوهر النظام المخلوع في تونس ومصر أو‬ ‫مع أي نظام استبدادي ‪ ,‬ما يعني إعادة إنتاج أنظمة ليبرالية رثة‪ ,‬وتابعة ومحتجزة التطور‪ ,‬مع‬

‫استمرار النظام االقتصادي االستغاللي على ما هو عليه أسي ارً وتابعاً لشروط الصندوق والبنك الدوليين‬ ‫وللسياسات األمريكية ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من كل ما تقدم ‪ ,‬علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً‪ ,‬إلى‬

‫أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي‪ -‬ظروفا وأوضاعاً معقدة‪ ,‬ما يفرض على قوى اليسار‬ ‫العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديمقراطية وقضايا الصراع الطبقي‬

‫والسياسي‪ ,‬ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها‪ ,‬كما عبر عنها جمال‬ ‫الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ‪ ..‬وغيرهم‪,‬‬

‫‪8‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ‪ ,‬إلى مستوى التناقض التناحري‪ ,‬وأن تظل الخالفات‬

‫محكومة للعالقات الديمقراطية‪.‬‬

‫االنفصام السياسي االقتصادي االجتماعي‪ ,‬سيظل سمة رئيسية من سمات المرحلة الحالية‪ ,‬أو‬

‫مرحلة "اإلسالم السياسي" وهي مرحلة قد تطول ‪ ,‬لكن الجماهير الشعبية ستتكشف تدريجياً حقيقة‬

‫التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف ‪-‬في جوهرها‪ -‬عن سياسات النظام المخلوع‪,‬‬ ‫ما يفرض على القوى الديمقراطية الوطنية والقومية‪ ,‬والقوى اليسارية أن تكرس كل جهودها من أجل‬

‫مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير‪ ,‬بما يمكنها من أن تتخطى حالة االنفصام المذكور ‪,‬‬

‫وذلك من خالل امتالكها لرؤية سياسية مجتمعية اقتصادية ‪ ,‬تنطلق من استمرار النضال الستكمال‬ ‫مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية‪ ,‬عبر التوسع في صفوف العمال والفالحين والشباب وكافة األطر‬

‫والجمعيات المهنية والنقابات ‪ ,‬لكي تدخل معترك االنتخابات القادمة واثقة من انتصارها‪ ,‬خاصة وأن‬

‫أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول‪ ,‬بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية‪ ,‬تقودها‬ ‫القوى الديمقراطية‪ ,‬المدنية ‪ ,‬العلمانية واليسارية لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات‬

‫الشعبية من أجلها‪.‬‬ ‫( ‪)2‬‬

‫عن أوهام الربيع العربي وضرورات التواصل الثوري ‪..‬‬

‫بعد حوالي عام من فوز جماعة اإلخوان المسلمين ووصولها إلى سدة الحكم في مصر وتونس ‪,‬‬

‫بات من الواضح أن حركات اإلسالم السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية الرثة والبيروقراطية‬

‫العسكرية والمدنية (المدعومة من االمبريالية األمريكية) يتحركون داخل حلقة دائرية تعيد إنتاج التبعية‬ ‫والتخلف السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي وتجدده بأساليب وشعارات ديماغوجية‪ ,‬في‬ ‫محاولة منهم التهرب من تحدي الحداثة والنهضة والديمقراطية والعدالة االجتماعية الثورية والتقدم‬

‫بالعودة إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية إعادة زراعته وانتاجه باسم وأوهام ما‬

‫يسمى بــ" الربيع العربي " عبر شكل " جديد "من أنظمة االستبداد واالستغالل الطبقي ‪ ,‬في قلب عفوية‬

‫الجماهير الشعبية‪ ,‬ما يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة القضايا‬ ‫المعاصرة‪ ,‬االجتماعية واالقتصادية والسياسية والثقافية ‪ ,‬عبر منطق تراجعي‪ ,‬من خالل الدعوة‬

‫للعودة‪ ,‬بحسب ادعاء هذه الحركات‪ ,‬إلى الماضي بذريعة العودة إلى أصول اإليمان واالعتقاد‪.‬‬

‫وبالتالي ‪ ,‬فإن ما يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من‬

‫االستبداد واالستغالل والتخلف‪ ,‬والمزيد من تأثير القوى اليمينية الليبرالية الرثة وقوى اإلسالم السياسي‬

‫والسلفيين خصوصاً‪ ,‬ما يعني عودة أدوات الظلم والظالم بلباس جديد إلعادة تشكيل بلدان النظام‬

‫‪9‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خالل‬

‫القوى السياسية واالجتماعية واالقتصادية المؤثرة ‪ ,‬الجيش ورجال األعمال والكومبرادور وبقية أشكال‬ ‫الرأسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات الشباب الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل‬ ‫المضطهدين‪ ,‬وهو أمر غير مستغرب عبر قراءتنا لدورها السياسي ومصالحها الطبقية ‪ ,‬إذ أن هذه‬

‫القوى الطبقية كانت وستظل حريصة على إعاقة ربيع الثورة وتعطيل و تبهيت الصراع الطبقي ‪ ,‬وهي‬

‫بالتالي تعمل دوماً على إرجاع مسيرة الثورة الشعبية إلى الوراء‪ ,‬فهي ضد التنوير وضد الحداثة وضد‬ ‫الديمقراطية وضد االشتراكية والصراع الطبقي الثوري ‪ ,‬ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية‬

‫والتعاطي معها ‪...‬لكن صيرورة الثورة الشعبية لن تنطفئ ‪ ,‬بل ستشتعل من جديد معلنة بداية ربيعها‬ ‫الثوري الديمقراطي القادم ال محالة ‪ ,‬خاصة في ظل تزايد أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة‬

‫تاريخياً‪,‬والتي تتعرض اليوم إلى مواجهة أوضاع ال تحتمل‪ ,‬ما يعني بوضوح شديد استنهاض الثورة‬

‫من جديد رغم التضحيات الجسام ‪ ...‬لكن اآلمال العظيمة في تحقيق الديمقراطية ودولة المواطنة‬ ‫والعدالة االجتماعية الثورية بآفاقها االشتراكية لن تتحقق إال من خالل التضحيات العظيمة‪.‬‬

‫وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في كل بلد‬

‫عربي‪ ,‬تركيز أهدافها ومهماتها الثورية الديمقراطية‪ ,‬السياسية والمجتمعية‪ ,‬عبر التواصل والتأثير في‬ ‫صيرورة الحراك الثوري المتجدد والراهن‪ ,‬وان تتحمل مسؤولياتها الكبرى‪ ,‬في كونها تشكل في هذه‬

‫المرحلة طليعة الحامل السياسي االجتماعي الديمقراطي لعملية التغيير الثوري ‪ ,‬من أجل تغيير الواقع‬

‫الراهن وتجاوزه وتحقيق تطلعات وأهداف جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل المظلومين‬ ‫والمضطهدين في إطار الثورة الشعبية الديمقراطية‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫المسألة اليهودية والصراع العربي الصهيوني ‪..‬‬

‫منذ نشوء الحركة الصهيونية أواخر القرن التاسع عشر‪ ,‬ثم تأسيس "دولة إسرائيل" في‬

‫‪ 0621/2/02‬تم استخدام األساطير الدينية والتوراتية ‪ ,‬لحساب األهداف السياسية التي تخدم الكذبة‬

‫الكبرى التي تقول بأن اليهود أمه‪ ,‬فاألساطير الدينية والتوراتية استخدمت تاريخياً – وال زالت‪ -‬لحساب‬ ‫األهداف السياسية‪ ,‬وذلك على قاعدة أن الصهيونية هي الجانب القومي في اليهودية ‪ ,‬واليهودية هي‬

‫الجانب الديني في الصهيونية ‪ ,‬وبالتالي فإن "إسرائيل" تحقيق سياسي وتجسيد عملي وسياسي‬

‫للظاهرتين معاً‪ ,‬في إطار العالقة العضوية بين الحركة الصهيونية من ناحية‪ ,‬ومصالح النظام‬ ‫االستعماري الرأسمالي من ناحية ثانية‪ ,‬وهذه العالقة تؤكد على أن "إسرائيل" انطالقاً من دورها‬ ‫ووظيفتها ‪ ,‬لم تنشأ إال كشكل من أشكال االستعمار االستيطاني العنصري في بالدنا‪ ,‬المستند إلى‬

‫‪01‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫دواعي القوة الغاشمة واالغتصاب‪ ,‬لحماية مصالح العولمة الرأسمالية في بلدان وطننا العربي‪ ,‬وهي‬

‫دولة ال يمكن أن ترقى عبر هذا الدور الوظيفي لتصبح جزءا من نسيج هذه المنطقة العربية‬

‫ومستقبلها بأي شكل من األشكال ‪.‬‬

‫وها نحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين‪ ,‬وما زال شعبنا الفلسطيني –الذي قدم‬

‫اآلالف من قوافل الشهداء‪ -‬مستم ارً في صموده ونضاله رغم كل التنازالت السياسية والمفاوضات‬ ‫العبثية ‪ ,‬ورغم االنقسام الناجم عن الصراع الدموي ‪ ,‬على المصالح والكوتات ‪ ,‬بين حركتي فتح‬

‫وحماس‪ ,‬األمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية العربية مزيداً من الوحدة والنضال‬

‫الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً بمنظور الثورة القومية التحررية‬

‫الديمقراطية في إطارها األممي اإلنساني‪ ,‬بمثل ما يفرض أيضاً على القوى اليسارية الفلسطينية‬ ‫مراجعة خطابها السياسي بما في ذلك خطاب حل الدولتين ‪ ,‬من أجل استعادة روح النضال الفلسطيني‬

‫وأدواته وفق قواعد النضال القومي الديمقراطي باعتبار أن الصراع مع هذا العدو هو صراع عربي‬

‫صهيوني من الدرجة األولى‪.‬‬

‫ففي ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف اإلمبريالي الصهيوني وموقفه‬

‫التصور الصهيوني يتمسك‬ ‫النقيض للحد األدنى من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية ‪ ,‬بات واضحاً ‪ ,‬أن‬ ‫ّ‬ ‫بالءات خمسة هي‪ :‬ال انسحاب من القدس‪ ,‬ال انسحاب من وادي األردن‪ ,‬ال إزالة للمستوطنات‪ ,‬ال‬ ‫عودة لالجئين‪ ,‬وال للدولة الفلسطينية المستقلة‪ ,‬األمر الذي يفرض على القوى الماركسية الثورية‬

‫أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي الطليعي على‬ ‫وجه الخصوص‪ ,‬وهذا يتطلب إسهام الجميع في مناقشة القضايا المطروحة بكل مسئولية ووعي – من‬

‫اجل بلورة األسس الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تكفل نهوضها ‪ ,‬بما يمكنها من تحديد رؤيتها‬

‫ومهامها ووحدتها الداخلية للمرحلة القادمة بدقة ‪.‬‬

‫ذلك إن صحة الوظائف السياسية والتنظيمية والفكرية واالجتماعية والجماهيرية لهذه القوى الثورية‬

‫تتحدد في ضوء مدى تأسيس تلك الوظائف على رؤية صائبة ‪ ,‬وأن تصاغ بدورها انطالقا من قراءة‬

‫واعية وموضوعية لكافة المتغيرات السياسية والمجتمعية والفكرية ‪ ,‬سواء على الصعيد الفلسطيني أو‬

‫العربي أو الدولي ‪ ,‬وهنا بالضبط يتجسد المعنى الحقيقي لألعباء والمسئولية الملقاة على عاتق كل‬

‫عضو من أعضائها‪ ,‬وصوالً إلى النتائج المأمولة التي ستمكنهم من تحقيق عملية النهوض صوب‬ ‫دورها الطليعي المنشود‪.‬‬

‫لذلك فإن المهمة العاجلة أمام حركات وفصائل اليسار العربي عموما والفلسطينية خصوصا ‪ ,‬أن‬

‫تعيد النظر في الرؤية اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ‪ ,‬الوطنية‪/‬القومية ببعديها السياسي‬

‫والمجتمعي‬

‫انطالقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية‪ ,‬ودورها ووظيفتها‬

‫‪00‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كمشروع إمبريالي ال يستهدف فلسطين فحسب‪ ,‬بل يستهدف –بنفس الدرجة‪ -‬ضمان السيطرة‬

‫اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره ‪.‬‬

‫وبالتالي يجب أن تتأسس الرؤية لدى كافة قوى اليسار القومي العربية‪ ,‬وفي المقدمة اليسار‬

‫الثوري الفلسطيني‪ ,‬انطالقاً من ذلك وليس من خارجه‪ ,‬فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود‬ ‫االمبريالي في الوطن العربي‪ ,‬ووجودها حاسم الستمرار السيطرة االمبريالية‪ ,‬وضمان استمرار التجزئة‬

‫والتخلف العربيين‪ .‬لهذا كان ضرورياً أن يعاد طرح الرؤية الوطنية من قلب الرؤية التقدمية القومية‬ ‫الديمقراطية األشمل‪ ,‬التي تنطلق من فهم عميق للمشروع االمبريالي الصهيوني وأدواته البيروقراطية‬

‫والكومبرادورية والرجعية‪ ,‬من أجل أن يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء هذه الرؤية‪.‬‬

‫وال شك في أن هذه المهمة هي أوالً مهمة الماركسيين في فلسطين والوطن العربي‪ ,‬وفي طليعتهم‬

‫اليسار الثوري الفلسطيني المناضل من اجل استرداد الحقوق التاريخية على ارض فلسطين…‬

‫والى أن تتوافر هذه الشروط تدريجيا سوف يستمر الصراع كما هو‪ ,‬مهما طال واستمر الحديث عن‬ ‫التفاوض من اجل ما يسمى حل الدولتين وفق الشروط اإلسرائيلية األمريكية‪ ,‬فلن يكون في ذلك سوى‬

‫تكريسا للهيمنة والسيطرة األمريكية اإلسرائيلية على مقدرات الشعوب العربية واستمرار احتجاز تطورها‬

‫واستتباعها وتخلفها‪.‬‬

‫وبالتالي فإن حديثي عن حل الدولة الديمقراطية العلمانية هو حديث يستدعي‪-‬على األقل نظرياً في‬

‫هذه المرحلة‪ -‬استنفار كل طاقات اليسار من أجل إعادة النظر في الخطاب السياسي وصوالً إلى‬

‫خطاب‪/‬برنامج يستجيب لمعطيات وضرورات المرحلة الراهنة والمستقبل‪ ,‬األمر الذي يستدعي حوا ارً‬ ‫جاداً ومعمقاً بين أطراف اليسار الماركسي العربي لتحقيق هذه الغاية‪ ,‬ليبدأ مرحلة جديدة في نضاله‬ ‫من اجل إعادة تأسيس المشروع القومي التحرري الديمقراطي النهضوي ‪ ,‬كفكرة مركزية توحيدية تلتف‬

‫حولها الجماهير الشعبية في فلسطين وبلدان الوطن العربي ‪ ,‬وفي الطليعة منها الطبقة العاملة وكل‬

‫المستَ َغلين العرب الذين سيمثلون روح هذه النهضة وقيادتها وأدواتها‪.‬‬ ‫الكادحين والفقراء والمضطهدين و ُ‬ ‫إن النضال من أجل تحقيق هدف إقامة دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها ‪ ,‬كفيل‬ ‫بحل المسألة اليهودية في إطار المجتمع العربي الديمقراطي الموحد‪ ,‬وهذه القضية قد يفترض البعض‬

‫محقا أو بدون وجه حق بأنه موقف طوباوي ‪ ,‬فإنني أقول بوضوح أن هذا ليس موقفاً طوباوياً بقدر‬

‫ما هو حلم ثوري تتوافر مقوماته وامكاناته في نسيج مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية عموما‪,‬‬ ‫وفي أوساط الشرائح المضطهدة من العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة التي تتطلع بشوق كبير‬ ‫إلى المشاركة في تحقيق هذا الحلم الثوري الذي يجسد األهداف الوطنية والديمقراطية المستقبلية‬

‫للشعوب العربية‪.‬‬

‫إن فكرة الدولة الفلسطينية الديمقراطية العلمانية تتبدى اليوم‪ ,‬باعتبارها التجسيد الثوري للحل‬

‫االستراتيجي األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية‪,‬‬ ‫‪02‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كحل استراتيجي‪ ,‬يكفل ويضمن استعادة شعبنا لحقوقه التاريخية والسياسية والسيادية في فلسطين‬ ‫وهو حل مرهون بتغيير موازين القوى‪ ,‬ما يعيدنا إلى تفعيل فكرة الصراع العربي الصهيوني‪ ,‬التي‬

‫تتطلب بالضرورة العمل على تجاوز وتغيير هذا النظام العربي ومن ثم تغيير ميزان القوى تمهيداً‬ ‫لفرض الحل النهائي في دولة فلسطين الديمقراطية لكل مواطنيها‪.‬‬

‫لذلك فإن التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي‬

‫جذري ديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة اإلسالم السياسي وكل أنظمة االستبداد‬

‫واالستغالل والفساد التي تحكمها‪ ,‬وذلك انطالقاً من وعينا بأن هذه األنظمة شكلت األساس الرئيسي‬ ‫في تزايد واتساع الهيمنة االمبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية‪ ,‬كما شكلت األساس الرئيسي‬

‫لتزايد واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو اإلسرائيلي‪.‬‬

‫إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها‪ ,‬في هذه اللحظة الثورية ‪ ,‬ال يعني أننا‬

‫نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دو ارً رئيسياً وأحادياً فيها‪ ,‬بل يعني – من خالل أحزاب‬ ‫وفصائل اليسار الماركسي الثوري ‪-‬تفعيل وانضاج عوامل وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة‬ ‫والمعاصرة ‪ ,‬والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة من قلب واقعنا الراهن‪.‬‬

‫لذلك كله‪" ,‬ينبغي علينا أن نحلم" بشرط أن ندرك سر قوة الحلم الثوري الذي يشكل منبع التغيير و‬

‫الثورة ‪ ,‬وأن القوة الثورية هي مالك هذا الحلم ودون أن تغادر أقدامه تعرجات الواقع‪ ,‬للوصول لهدف‬ ‫نبيل وغاية واضحة‪ ,‬وهل هناك أنبل من غاية تحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها‬

‫تلتزم سياسياً وقانونياً وأخالقيا بحل المسألة اليهودية في إطارها ‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫في وعي وممارسة العملية االستنهاضية ألحزاب اليسار العربي‪....‬‬

‫إنني أتحدث عن واقع مأزوم منتشر بضراوة داخل فصائل وأحزاب اليسار العربي ‪ ,‬وهو واقع يحتاج‬

‫لجرأة عالية ومتصلة من العمل لتخطي دوائر المراوحة واإلحباط ومحاوالت تبرير الفشل ‪ ,‬باتجاه‬

‫التأسيس لعمليات نهوض البد منها ‪ ,‬كوننا ال نزال ‪ ,‬على ما يبدو ‪ ,‬في المرحلة األولى من جوالت‬ ‫الصراع والتناقض الرئيسي التناحري مع أعدائنا ‪ ,‬االمبرياليين والصهاينة ‪ ,‬وفي جوالت صراعنا‬

‫وتناقضنا الرئيسي مع القوى الرجعية وكل أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد البورجوازية العائلية‬

‫والكومبرادورية الرثة ‪.‬لذا يجب أن تتم العملية االستنهاضية ‪ ,‬وعياً وممارسة ‪,‬عبر إعادة تجديد وبناء‬ ‫ودمقرطة كل احزاب وفصائل اليسار بوصفها صيرورة تقوم بوظيفتها عبر رؤيتها وبرامجها الثورية‬

‫ودورها المحدد ‪,‬من خالل مراكمة عوامل النهوض واإل زاحة المتتالية لكل العوامل المؤدية إلى التراجع‬

‫أو الفشل ‪ ,‬وذلك مرهون بتأمين شروط الفعالية السياسية والفكرية والتنظيمية والكفاحية والجماهيرية‬

‫‪03‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫القصوى في قلب الصراع الطبقي‪ ,‬عبر توفير معايير ونواظم وآليات عمل داخلية ‪ ,‬ديمقراطية وثورية ‪,‬‬

‫كعنصر قوة لالرتقاء بدور فصائل وأحزاب اليسار العربي ورؤيتها وممارستها وتوسعها وانتشارها في‬

‫أوساط جماهيرها ‪ ,‬إذ أن بقاء وضع هذه األحزاب ‪/‬الفصائل تحت رحمة البيروقراطية القيادية‬ ‫الالديمقراطية التي تتميز في معظمها بأنها ضعيفة الكفاءة والعاجزة أو المترهلة أو المرتدة فكريا‬

‫وهابطة سياسيا ‪,‬أودت بأحزابها وفصائلها إلى االبتعاد عن الممارسة الصحيحة والغرق في مستنقعات‬

‫الردة أو المناهج التقليدية والعقلية الجامدة او الهابطة واالنتهازية‪ ,‬وهذا يفتح الباب واسعا داخل‬

‫التنظيم "أمام توليد بيئة مالئمة للشللية وللنفاق وفقدان الجرأة والصراحة واللعب على التناقضات‬

‫وشخصنتها ‪ ,‬وفقدان القدرة لدى معظم األعضاء على المحاسبة والنقد الجريء ‪.‬وبالحصيلة ‪ ,‬مزيد‬

‫من التراجع والتهميش واغراق الحزب وما يواجهه من أسئلة ومعضالت ومهام كبرى فكريا وسياسيا‬ ‫وكفاحيا في مزيد من األزمات والمناورات والحسابات األنانية التافهة والعزلة عن الجماهير ‪ ,‬وفي مثل‬

‫هذه الحالة تكمن المأساة ‪ ,‬في أن الحزب هو الذي يدفع الثمن من رصيده السياسي والمعنوي‬

‫(والتنظيمي) ‪ ,‬على شكل فقدان الشروط الضرورية لتأدية دوره ووظيفته السياسية واالجتماعية على‬ ‫المستوى الوطني ‪ ,‬ويخل ببنيته كعقد اجتماعي"‪.‬‬

‫لذلك البد من وقفة مراجعة جدية الستنهاض أحزاب وفصائل اليسار العربي ‪ ,‬بالمعنيين الموضوعي‬

‫والذاتي ‪ ,‬خاصة وأن ما ينقص معظم كوادر وأعضاء قوى اليسار هو الدافعية الذاتية أو الشغف‬ ‫واإليمان العميق بمبادئه عبر امتالك الوعي العلمي الثوري في صفوف قواعده وكوادره ‪ ,‬فبينما تتوفر‬

‫الهمم في أوساط الجماهير الشعبية واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل إشكاله ضد العدو‬ ‫االمبريالي والصهيوني ‪ ,‬وضد العدو الطبقي المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد‬ ‫والقمع ‪ ,‬إال أن أحزاب وفصائل اليسار لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي وال في حدوده الدنيا ‪ ,‬ألنها‬

‫عجزت – بسبب أزماتها وتفككها ورخاوتها الفكرية والتنظيمية ‪ -‬عن إنجاز القضايا األهم في نضالها‬ ‫الثوري ‪ ,‬وهي على سبيل المثال وليس الحصر‪ :‬أوال – عجزت عن بلورة وتفعيل األفكار المركزية‬ ‫التوحيدية العضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد بذلك الفكر الماركسي وصيرورته المتطورة‬

‫المتجددة‪.‬ثانيا‪-‬عجزت بالتالي عن تشخيص واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي )‬ ‫ومن ثم عجزت عن إيجاد الحلول أو صياغة الرؤية الثورية الواضحة والبرامج المحددة ‪ ,‬كما عجزت‬

‫عن صياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو االمبريالي الصهيوني من ناحية وعن‬

‫صياغة البديل الديمقراطي االشتراكي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين من ناحية‬

‫ثانية ‪.‬ثالثا ‪ -‬عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف أعضاءها وكوادرها وقياداتها‬ ‫ليس بهويتهم الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب بل أيضا عجزت عن توعيتهم‬

‫بتفاصيل واقعهم الطبقي ( االقتصاد‪ ,‬الصناعة‪ ,‬الزراعة‪ ,‬المياه ‪ ,‬البترودوالر ‪ ,‬الفقر والبطالة والقوى‬

‫العاملة‪ ,‬الكومبرادور وبقية الشرائح الرأسمالية الرثة والطفيلية ‪ ,‬قضايا المرأة والشباب ‪ ,‬قضايا‬ ‫‪04‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومفاهيم الصراع الطبقي والتنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة ‪...‬الخ )‬

‫فالوعي واإليمان الثوري (العاطفي والعقالني معا ) لدى كل رفيقة ورفيق‪ ,‬بالهوية الفكرية وبضرورة‬

‫تغيير الواقع المهزوم والثورة عليه ‪ ,‬هما القوة الدافعة ألي حزب أو فصيل يساري‪ ,‬وهما أيضاً الشرط‬

‫الوحيد صوب خروج هذه األحزاب من أزماتها ‪,‬وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في أوساط جماهيرها‬

‫على طريق نضالها وانتصارها ‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫إلى رفاقي في األحزاب والفصائل اليسارية العربية‪ ..‬ماذا يعني ان تكون ماركسيا؟‬

‫ال خالف على ان الماركسية نشأت في أتون االستغالل الرأسمالي والصراع الطبقي‪ ,‬وتميزت‬

‫بنضوجها ووعيها لطبيعة النظام الرأسمالي‪ ,‬إال أن هذه النشأة لم تكن بمعزل عن التيارات السابقة‬

‫للفكر االجتماعي‪ ,‬وبالتالي لن تكون بمعزل عن التطورات والصراعات الطبقية االجتماعية والسياسية‬

‫الالحقة ‪.‬‬

‫فالماركسية ليست تصور أو مجموعة أفكار فقط‪ ,‬إنها فلسفة الشك التي تفترض إعادة تقييم‬

‫الظواهر بال توقف‪ ,‬وفق قوانينها العامة التي ال يمكن تطبيقها بصورة موضوعية صحيحة إذا لم تأخذ‬ ‫في االعتبار طبيعة التطور االجتماعي واالقتصادي والسياسي الخاص لهذا المجتمع أو ذاك ‪.‬‬

‫فالماركسية هي نظرية علمية قابلة للتطبيق على أي مجتمع وفق خصائصه االقتصادية‬

‫االجتماعية الثقافية في جميع مراحل تطوره ‪ ,‬وهي بهذه الصفة علم متجدد ومتطور ال يقل دقة عن‬

‫سائر العلوم الطبيعية‪ ,‬فهي علم تطبيق المنهج المادي الجدلي والتاريخي واالقتصاد السياسي على‬

‫تاريخ المجتمع البشري بجميع مراحله وأنماطه المختلفة عموماً‪ ,‬وعلى التاريخ الخاص لكل مجتمع من‬

‫المجتمعات البشرية خصوصاً‪.‬‬

‫أن تكون ماركسياً يعني أن تبدأ من ماركس‪ ,‬ولكن ال تتوقف عنده‪ ,‬أو عند أحد كبار خلفائه في‬

‫العصر الحديث‪ .‬وهناك فرق بين أن تكون ماركسياً‪ ,‬أو أن تكون ناطقاً بالماركسية‪ .‬أن تبدأ من‬ ‫ماركس‪ ,‬يعني أن تبدأ بوعي منطلقاته المادية الجدلية والتاريخية ورؤيته االشتراكية وتتواصل مع‬

‫مسيرتها وتطوراتها وتجددها ‪ .‬وبهذه الروح يجب في رأيي أن ننظر في قضية النظرية الثورية اليوم‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس فإن الحفاظ على الماركسية ومتابعة رسالتها اإلنسانية ال يكمن في الدفاع‬

‫الالهوتي أو الدوغمائي عن تعاليمها‪ ,‬وانما بالنقد الدائم ألفكارها وتجديدها ارتباطاً بأهدافنا العظيمة‬ ‫من أجل التحرر الوطني والقومي الديمقراطي التقدمي في إطاره اإلنساني واألممي ‪.‬‬

‫لهذا يجب أن يتحدد دورها في الصراع الراهن‪ ,‬في إطار التناقض الرئيسي التناحري مع اإلمبريالية‬

‫والحركة الصهيونية‪ ,‬وفي إطار التناقض الرئيسي الداخلي في الصراع السياسي والطبقي ضد أنظمة‬

‫‪05‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التبعية والتخلف واالستبداد في بالدنا ‪ ,‬وهذا هو واجب كل أحزاب وفصائل اليسار لمواجهة وازاحة قوى‬ ‫اليمين الوطني واليمين الديني عبر النضال الديمقراطي ‪.‬‬

‫في إطار هذه الضرورة‪ ,‬ووعينا لها‪ ,‬علينا تبني الماركسية كمنهج للتحليل وكنظرية في التغيير‬

‫الثوري‪ ,‬خاضعة للتطور واالغتناء ارتباطاً بالمتغيرات االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪.‬‬

‫وره عبر تحليل وفهم التطور‬ ‫أن تصبح ماركسياً معناه أن تقوم بزيارة التاريخ ال أن تَُزِّوره ‪ ,‬أن تَُز َ‬ ‫التاريخي االجتماعي واالقتصادي والسياسي لشعوبنا العربية منذ آالف السنين وفق قوانين الماركسية‬

‫ومقوالتها العلمية الموضوعية‪ ,‬ووفق مضمونها الطبقي الثوري الذي يرفع رايات الكادحين ضد رايات‬ ‫المستَِغلّة التي تنزف دماً من ك ّل مساماتها ‪....‬أن تكونوا ماركسيين معناها ان‬ ‫الرأسمالية وأدواتها ُ‬ ‫تقوموا بتوفير كل شروط ومقومات وأسس الحزب الثوري الذي يتقدم الجماهير معب ار عن همومها‬ ‫وتطلعاتها في إنهاء كل مظاهر االستغالل واإلفقار والقهر واالستبداد‪ ...‬حزبا ثوريا خاليا من كل‬

‫عناصر الهابطين واالنتهازيين والفاسدين والمرتدين ومن كل مظاهر وشخوص الشللية والتكتالت‬

‫وتطهير الحزب أو الفصيل منهم أوال بأول ليبقى ثوريا نقيا مناضال في كل األوقات والظروف‪.‬‬

‫أيها الرفاق ‪ ,‬أن تكونوا ماركسيين اليوم‪ ,‬معناها أن تراكموا كل عوامل الثورة الشعبية إل زالة وسحق‬

‫أنظمة التخلف والرجعية واالستبداد والتبعية واجتثاثها من بالدنا واقامة المجتمع االشتراكي الديمقراطي‬ ‫وهذا يفرض عليكم المبادرة إلى إقامة العالقات السياسية والفكرية والتنظيمية بما يمكنكم من صياغة‬ ‫أساليب العمل المشترك بين كافة قوى وأحزاب وفصائل اليسار عبر رؤية ثورية إستراتيجية مشتركة ال‬ ‫تلغي خصوصية أي حزب أو فصيل‪ ,‬بقدر ما تؤكد على أهمية التنسيق والعمل المشترك بما يؤدي إلى‬

‫تكريس وتقوية العالقات عبر اللقاءات الدورية (السياسية والفكرية والتنظيمية) بين جميع قوى‬

‫اليسار‪ ,‬تمهيداً لوحدة الحركة الماركسية العربية‪ ....‬وهذا يفرض أن تكونوا ماركسيين معناها أن‬

‫تقاوموا هذه الحركة الصهيونية‪ ,‬وليدة النظام الرأسمالي وربيبته‪ ,‬وان تناضلوا من اجل إزالة الصهيونية‬

‫وتحقيق الهدف االستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها‪ ,‬وأن تقاوموا نظام‬ ‫العولمة البشع ‪ ,‬ال أن تستهلكوا بضاعته الفكرية الرخيصة من الواقعية إلى الليبرالية إلى المهادنة‪....‬‬

‫أن تكونوا ماركسيين ‪ ,‬يعني أن تكونوا حاضنة دافئة للجماهير الشعبية العفوية‪ ,‬تحترمون كل تراثها‬

‫ومعتقداتها وتتعلموا منها ‪ ,‬فأن تكون ماركسياً‪ ,‬يعني أن تنظر إلى الدين على أنه وعي اجتماعي‬ ‫وجزء هام ورئيسي من الوعي اإلنساني‪ ,‬استطاع أن يلعب دو ارً في تحرير اإلنسان من االستغالل‬

‫عندما أحسن التعاطي مع أفكاره وجوهره عموما وفي بداياته األولى خصوصا ‪.‬‬

‫وأخي ارً أن تكون ماركسياً‪ ,‬هو أن يتكامل وعيك أيها الرفيق‪ ,‬فتنهل من النظرية وتدرك منهجها‬

‫إدراكا ذاتيا ‪ ,‬وتؤسس لك أرضية صلبة تنطلق منها للعمل النضالي والديمقراطي‪ ,‬الوطني والقومي‬

‫واإلنساني‪ ,‬ال أن تأخذ السياسة على حساب الفلسفة‪ ,‬فالجزء يكمل الكل‪ ,‬وال تنفصل النظرية‬

‫‪06‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الماركسية ومنهجها بالنسبة لنا وفي كل الظروف عن العمل السياسي‪ ,‬فإذا ضاع الجزء‪ ,‬ضاع الكل ‪,‬‬

‫وضاعت معه هوية حزبنا الفكرية ‪.‬‬

‫أن تكون ماركسياً هو أن تعمل على أن يكون وطننا العربي كله‪ ,‬وطن ألبناءه ‪ ,‬وطناً مستقالً ح ارً‬

‫موحداً تسوده االشتراكية والحرية والديمقراطية والمساواة ‪ ,‬يبنيه ويحميه أبناءه من العمال والفالحين‬ ‫الفقراء والكادحين بإرادتهم الجماعية الحرة‪ ,‬وبقيادة الحزب الماركسي الطليعي الجماهيري الثوري‬

‫والديمقراطي‪.‬‬

‫من هنا أتوجه إلى كل الرفاق عموماً والشباب والشابات خصوصاً بالقول‪ :‬إن البحث في الماركسية‬

‫يجب أن يبتدئ من التخلص من إرث األفكار البالية الرجعية والمتخلفة‪ ,‬وامتالك الوعي بالمنهج‬

‫الجدلي المادي وتطبيقاته على االقتصاد والمجتمع والثقافة ‪ ,‬كما على كل جوانب الواقع في الممارسة‬

‫التنظيمية والنضالية واليومية لهم ولرفاقهم‪ ,‬كما أتمنى عليهم بل أطالبهم بأن يمارسوا مراكمة وعيهم‬

‫ونضالهم الكفاحي والسياسي والديمقراطي انطالقاً من قناعتهم بأن أحزاب اليسار الماركسي العربي‬ ‫وحدها التي تملك الرؤية اإلستراتيجية النقيضة للوجود االمبريالي الصهيوني في بالدنا ‪ ,‬وهي وحدها‬

‫أيضاً التي تملك الرؤية اإلستراتيجية الكفيلة بإنهاء كل مظاهر التبعية واالستغالل والقهر الطبقي‬ ‫وتحقيق العدالة والمساواة ‪ ...‬وهي بالتالي وحدها التي تمثل المستقبل لشعوبنا العربية ‪.‬‬

‫المهم أن ننطلق من قناعتنا بأن "الناس هم الذين يصنعون التاريخ" ‪ ...‬هذه هي القيمة الثورية‬

‫التاريخية للماركسية‪ ,‬خاصة وأننا نعيش اليوم في ظروف االنتفاضات العربية و انتشار الروح الثورية‬

‫ضد أنظمة التبعية والتخلف من ناحية وفي ظروف انتشار اإلسالم السياسي والثورة المضادة والفتن‬

‫الطائفية ‪ ,‬وتفاقم مظاهر الفقر والصراع الطبقي‪ ,‬وغياب األفكار التوحيدية على الصعيدين الوطني‬

‫والقومي‪ ,‬وبالتالي فإن الحاجة إلى برنامج الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية بآفاقها االشتراكية‬

‫اكبر بما ال يقاس من أي مرحلة سابقة‪.‬‬

‫وفي كل األحوال فإن تساؤالتنا واجاباتنا – حول الواقع والنظرية – ستكون بالضرورة محدودة‬

‫بحدود معرفتنا أو طبيعة التزامنا‪ ...‬وكلنا ثقة بأن السواد األعظم من رفاقنا ورفيقاتنا في فلسطين‬ ‫والوطن العربي ‪ ,‬حريصون على توسيع معارفهم بالنظرية ومنهجها بمثل حرصهم على وعيهم‬

‫لمكونات واقعهم في مشهد االنتفاضات الشعبية المليء باالحتماالت والقلق المشروع – في اللحظة‬

‫الراهنة ‪ -‬من إمكانية استعادة قوى الثورة المضادة بدعم صريح ومباشر من القوى االمبريالية وحلف‬ ‫الناتو ودولة العدو اإلسرائيلي ‪ ,‬إلعادة إنتاج التبعية واالستبداد والتخلف بصور وأشكال جديدة ‪ ,‬األمر‬ ‫الذي يتطلب استنهاض كافة قوى اليسار العربي الديمقراطي الثوري من أجل توفير كل مقومات القوة‬

‫والوحدة السياسية والفكرية والتنظيمية بما يمكنهم من استعادة دورهم الطليعي في تحقيق أهداف‬ ‫الثورة الوطنية والقومية ‪ ,‬التحررية الديمقراطية التي تنتظرها الجماهير بشوق كبير‪.‬‬

‫‪07‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رفض التطبيق امليكانيكي ملفهوم ‪-‬املركزية الدميقراطية ‪-‬‬

‫‪01 / 0 / 3102‬‬

‫رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم "المركزية الديمقراطية "‬ ‫(‪)0‬‬

‫حول الجمود الناجم عن التطبيق الميكانيكي لمبدأ المركزية الديمقراطية لدى احزاب وفصائل اليسار‬

‫العربي ‪.‬‬

‫ان جمود احزاب وفصائل اليسار وتمترسهم الميكانيكي عند مفهوم المركزية الديمقراطية وغيره من‬

‫المفاهيم والمقوالت الماركسية واللينينية ثم الستالينية بدون مراجعتها ومقاربتها مع خصوصية هذا‬ ‫البلد او ذاك ‪ ,‬وبدون وعي المتغيرات النوعية في مجرى الحياة االنسانية وتطور العلوم والمفاهيم‬

‫واالفكار السياسية والفلسفية واالجتماعية وخاصة عدم وعيهم لمفهوم الديمقراطية بالمعنى االجتماعي‬

‫وبالمعنى التنظيمي واولويته جعل من هذه االحزاب هياكل محكومة لنظم وآليات بالية قديمة غير‬

‫مواكبة للتطور التنظيمي و للضرورات المعاصرة وظلت اسيرة لالدوات والمفاهيم القديمة وفي مقدمتها‬

‫شكالنية وجمود مفهوم المركزية كما سبق تطبيقه في التجربة الستالينية على الرغم من ان اطروحات‬ ‫لينين حرصت على التطبيق الخالق للديمقراطية داخل الحزب‪ ,‬وعلى الرغم من المتغيرات المجتمعية‬

‫والتنظيمية النوعية التي برزت منذ وفاة لينين الى يومنا هذا‪.‬‬

‫وبالتالي ظلت هذه المظاهر البيروقراطية الضاره ‪ ,‬مترسخة طوال العقود الماضية في جميع األحزاب‬

‫الشيوعية وفصائل اليسار ‪ ,‬ألسباب متعددة أهمها يكمن في الطبيعة البنيوية البيروقراطية المأزومة‬

‫في اإلطار القيادي‪ ,‬إلى جانب‪ -‬وهذا هو األهم ‪ -‬غياب الوعي العميق لدى كوادر وأعضاء هذه‬ ‫األحزاب‪ ,‬وضعف الدافعية الذاتية أو الشغف الحقيقي بالحزب ومبادئه وأفكاره ‪ ,‬األمر الذي راكم عوامل‬

‫تراجع مفهوم وآليات الديمقراطية في هذه الفصائل واألحزاب ‪ ,‬وراكم أيضاً استفحال ظاهرة البيروقراطية‬ ‫في معظم المراتب والهيئات الحزبية عموماً وفي الهيئات القيادية األولى خصوصاً عبر هيمنة المكاتب‬

‫السياسية واألمناء العامون على الحياة الحزبية‪ ,‬وتفردهم أحياناً‪ ,‬بما أدى –تاريخياً‪ -‬إلى إضعاف دور‬

‫وتأثير اللجان المركزية باعتبارها الهيئة التشريعية وصاحبة السلطة أو المرجعية األولى في الحزب ‪,‬‬ ‫وكان من الطبيعي في مثل هذه األوضاع البيروقراطية ‪ ,‬وفي ظل غياب الوعي لدى قواعد الحزب‪ ,‬أن‬

‫تتحول إلى هامش في‬ ‫تؤدي هذه الهيمنة إلى إضعاف دور الهيئات القاعدية والوسيطة إضعافاً يجعلها ّ‬ ‫الحياة التنظيمية الداخلية‪ ,‬وحصر مهماتها في تنفيذ األوامر والق اررات التي تصدرها الهيئات األعلى في‬

‫المناسبات واالحتفاالت الحزبية ‪ ,‬وفي مثل هذه االوضاع البيروقراطية الجامدة ‪ ,‬اصبح النص على‬

‫‪08‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تحول وثائق وانظمة ولوائح احزاب‬ ‫الديمقراطية دون التقيد بأسسها والوعي بمضامينها ‪ ,‬ال يعني سوى ّ‬ ‫وفصائل اليسار إلى شعارات مفرغة من جوهرها‪ ,‬والى نوع مبتذل من الممارسة البيروقراطية أو‬ ‫االستبدادية أو االنتهازية الذاتية والشللية في ظل غياب التطبيق الخالق للديمقراطية‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫كيف نفهم الديمقراطية في التفاعل مع مبدأ المركزية؟‪........‬‬

‫الديمقراطية في جوهرها تحوي مسألتين‪:‬‬

‫األولى ‪ :‬أنها تفترض وجود وتوفر عنصر الوعي أوالً‪ ,‬ومن ثم وجود اختالف اآلراء وتناقضها‬

‫وتصارعها‪ ,‬وبالتالي فأي نفي لهذا الجانب يسقطها‪.‬‬

‫الثانية ‪ :‬إن الديمقراطية تنظم اختالف اآلراء للوصول إلى آراء أكثر وضوحاً ودقة‪ ,‬وأكثر سداداً‪,‬‬

‫دون نفي االختالف من جديد‪ ,‬وهو اختالف ارتقائي للحزب إذا ما انطلق منه الوعي بقضايا الوطن‬

‫ومبادىء الحزب وهويته وأهدافه أوالً ‪ ,‬واذا ما اتخذ مسا ارً موضوعياً ثانياً‪ ,‬لكن مع استمرار غياب‬

‫الوعي ‪ ,‬تصبح عملية االختالف االرتقائي الديمقراطي للحزب مستحيلة‪.‬‬

‫إن الممارسة الواعية للديمقراطية واالختيار الحر الواعي داخل احزاب اليسار‪ ,‬هي أحد الضمانات‬

‫الكفيلة بتطبيق مبدأ المركزية تطبيقاً خالقاً ال يشكل قيدا على الديمقراطية‪ ,‬ويوفر التناسق واالنسجام‬

‫الرفاقي بين الهيئات القاعدية والوسطى والعليا في هذه االحزاب‪ ,‬بمثل ما يضمن صيرورة التجدد‬

‫النوعي في صفوفها بعيداً عن كافة المظاهر البيروقراطية والشللية والجمود‪ ,‬بما يحقق الحفاظ على‬ ‫مركزية وديمقراطية الحزب وتماسك هيئاته عبر التفاعل الرفاقي بينهما بعد طرد وازاحة مظاهر وأدوات‬

‫الخلل فيه‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫كيف نفهم ونمارس مبدأ المركزية الديمقراطية ؟‬

‫إذا كان لينين قد ّركز على المركزية ‪ ,‬وعلى خضوع األقلية لألغلبية‪ ,‬واألدنى لألعلى‪ ,‬فان فصائل‬ ‫واحزاب اليسار العربي بحاجة إلى وضعها في إطارها الحقيقي ضمن مفهوم أكثر شموالً للمركزية‬

‫الديمقراطية‪ ,‬اعتمادا بدرجة اساسية على الديمقراطية الواسعة ضمن تراتبية األطر التنظيمية ووفق‬ ‫االلتزام الخالق والمتجدد بهوية الحزب الفكرية وبرنامجه السياسي‪ ,‬ألن التركيز على المركزية وحدها‬

‫مرادفاً لالنضباط وااللتزام التنظيميين‪ ,‬وبتجاهل كامل للديمقراطية‪ ,‬سوف يقود إلى إختالل أساسي في‬ ‫مجمل العملية التنظيمية‪ ,‬خاصة في ظل ضعف الوعي وتراجع الدافعية الذاتية لدى االعضاء ‪ ,‬ومن ثم‬

‫ضعف تطبيق مفهومي االلتزام واالنتماء الحزبي‪ ,‬األمر الذي يؤدي إلى نشوء الظواهر السلبية‬

‫البيروقراطية واالنتهازية والشللية وبالتالي مزيد من فقدان الحزب لهيبته ومصداقيته ‪.‬‬ ‫‪09‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فالمركزية ‪ ,‬يجب أن تترافق مع الديمقراطية الواسعة‪ .‬كما أن االلتزام واالنضباط البد أن يالزمهما‬

‫االنتقاد والحوار الرفاقي الصريح والمباشر والمحترم داخل الهيئات ‪ ,‬واذا لم يتم تطبيق هذه اآللية أو‬ ‫لم يتم فهمها‪ ,‬فالبد من أن يحدث الشطط‪ ,‬فإذا اخذ جانب المركزية الصارمة فقط‪ ,‬فإن ذلك يعني تبني‬ ‫مفهوم جديد ال عالقة له بمفهوم المركزية الديمقراطية‪ ,‬خاصة وأن مبدأ المركزية الديمقراطية هو‬ ‫مفهوم غير قابل للفصل التعسفي‪ ,‬وال يجوز ان نتبناه كشعار لممارسة فوقية أو بيروقراطية أو أحادية‬

‫عند اتخاذ الق اررات من الهيئة القيادية األولى أو من رأسها القيادي أو مركز القرار فيها‪ ,‬ألن ذلك‬ ‫التبني يؤدي إلى المزيد من خراب العالقات التنظيمية والمزيد من تراجع الحزب او الفصيل اليساري‬

‫على المستوى التنظيمي والسياسي والجماهيري‪ ,‬وال نظن أن أي مخلص لهذه االحزاب والفصائل‬

‫وتاريخها يريد لها مثل هذا المصير‪.‬‬

‫إن مختلف التجارب قد أثبتت أن علينا إعادة النظر في كيفية تطبيق مفهوم المركزية الديمقراطية ‪,‬‬

‫بما يجعل منه أداة لتطور وتجدد الحزب بعيداً عن كل أشكال البيروقراطية والتفرد والجمود من ناحية‪,‬‬

‫وبعيداً عن كل الممارسات التوفيقية أو المجاملة أو الحلول الوسط من ناحية ثانية‪.‬‬

‫اخي ار ‪ ,‬البد من أن أشير إلى أن هذا التوجه المطلوب يقتضي من كل رفيق ‪ ,‬التركيز على الوعي‬

‫بهوية الحزب الفكرية‪ ,‬النظرية الماركسية ومنهجها‪ ,‬والوعي بمكونات واقعنا السياسي واالقتصادي‬

‫واالجتماعي‪ ,‬ألن الثورة أساسها الوعي‪ ,‬وحين ُيفتقد الوعي تخت ّل العملية كلها‪ ,‬وتفشل الثورات‪,‬‬ ‫وتتحول قيادة األحزاب الثورية إلى سلطة بيروقراطية أو رخوة أو هابطة أو قمعية أو توفيقية انتهازية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪)2‬‬

‫لكي ال تتحول المركزية الى قيد على الديمقراطية ‪.......‬‬

‫الوعي باالهداف الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية المنحازة كليا للجماهير الشعبية‪ ,‬الى‬

‫جانب الوعي النظري بالماركسية ومنهجها ‪ ,‬وقوة الدافعية الذاتية والشغف واألخالق الثورية ‪ -‬لدى‬

‫العضو ‪ -‬بمبادىء الحزب وأهدافه ‪ ,‬هي مجموعة اسس وضوابط تشكل في مجملها ووحدتها صمام‬

‫األمان الذي يحول دون الوصول إلى عزلة الحزب والنهايات المحزنة‪ ,‬وهي تسهم أيضا – إلى جانب‬

‫التصورات اإلستراتيجية‪ ,‬والخطوات التكتيكية‪ ,‬وتحديد الظرف المناسب‬ ‫قوة ووحدة التنظيم‪ -‬في تحديد‬ ‫ّ‬ ‫والزمان المناسب لتحقيق أو ممارسة أي شكل من أشكال النضال‪.‬‬

‫وتتحول إلى هوامش‪ ,‬وينتهي دورها التاريخي‪ ,‬ليبقى دورها‬ ‫بغير ذلك تفشل األحزاب الثورية‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫اللحظي‪ ,‬في المناسبات واالحتفاالت الشعبوية‪ ,‬الذي ال يعدو أن يكون دو ارً شكلياً أو كمياً‪ ,‬دون أي‬ ‫تأثير حقيقي في السياسة أو في المجتمع ‪ ,‬وقد يتحول –بفعل تهمشه‪ -‬إلى تنظيم تابع وانتهازي‬

‫يماليء قوى السلطة أو القوى البرجوازية بدل أن يحاربها‪ ,‬ويقبل قيادة البرجوازية التابعة والرثة‪ ,‬بدل‬

‫أن يقودها‪ ,‬ويهرب أو يعجز عن طرح قضايا الجماهير األساسية‪ ,‬إلى الحديث عن قضايا هامشية‪.‬‬ ‫‪21‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فالديمقراطية بقدر ما تتناقض كلياً مع روح الشللية أو المحاور‪ ,‬فهي ترتقي وتتكرس بالوعي وقوة‬

‫الدافعية واالنتماء وااللتزام ‪ ,‬ألنها تعني تأكيد االختيار الحر‪ ,‬والتعبير الحر‪ ,‬وفق أسس ونظم تؤطر‬ ‫التعبير عن اآلراء كما تؤطر االختيار الحر‪ ,‬وهي أسس ال تستقيم الديمقراطية الحزبية بدونها لضمان‬

‫سالمة المسيرة الحزبية‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مدخل اىل اخلطوط الكربى لتاريخ الفلسفة‬

‫‪21 / 0 / 3102‬‬

‫يمكن أن نقسم تاريخ الفلسفة إلى العصور اآلتية ‪:‬‬

‫(أ) العصر اإلغريقي ‪ :‬ويمتد من القرن السادس قبل الميالد وحتى وفاة أرسطو (ولد عام‬ ‫‪212‬ق‪.‬م – ‪ 233‬ق‪.‬م)‪.‬‬

‫(ب) العصر الهليني ‪ :‬الذي يمتد من وفاة أرسطو حتى نهاية األفلوطينية المحدثة ‪ 233‬ق‪.‬م –‬ ‫‪211‬م ‪ ,‬وفي هذا العصر سادت الفلسفة السكوالئية( المدرسية) الرجعية وفلسفة بيرون‬ ‫وأبيقور وزينون وأفلوطين‪ ,‬وقد انصب جل اهتمام الفلسفة في هذه الفترة على المسائل‬

‫األخالقية والعمليةالميتافيزيقية‪.‬‬

‫(ت) العصر الوسيط‪ :‬ويبدأ من القديس أوغسطين ‪ 221-222‬في القرن الخامس وحتى القرن‬

‫الخامس عشر‪ .‬وقد انشغلت الفلسفة في هذا العصر بالمسائل الدينية عبر السيطرة المطلقة‬ ‫للكنيسة في هذه المرحلة ‪ ,‬التي بدأت في التراجع ومن ثم اليقظة على يد روجر بيكون‬

‫(‪ )0363 - 0331‬الذي هاجم الهوتيي عصره‪ ,‬وحاول المزج بين الدين والعلم والعمل ‪,‬‬

‫ويعتبر رائد العلم التجريبي الحديث ‪ ,‬ثم تواصلت يقظة أوروبا على يد مارتن لوثر (‪-0212‬‬

‫‪ )0229‬وكوبرنيكس(‪ )0223-0272‬وجاليليو (‪ )0923 - 0292‬وميكافيللي (‪- 0296‬‬ ‫‪ )0237‬وجوردانو برونو( ‪...)0911-0221‬ويعتبر فالسفة اإلسالم ابتداء من الكندي‬

‫(‪ )176-111‬والفارابي (‪ )621-171‬وابن سينا (‪ )0127-611‬وانتهاء بابن رشد(‬

‫‪ )0061-0039‬رافداً من روافد هذا العصر‪.‬‬

‫(ث) عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن عشر والدة هذا‬ ‫العصر لم تكن عملية سهلة‪ ,‬قرون من المعاناة وتحوالت ثورية في االقتصاد والتجارة والزراعة‬

‫والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة واإلصالح الديني والتنوير‪...‬أبرز فالسفة هذا العصر‬

‫فرنسيس بيكون (‪)0939-0290‬ورينيه ديكارت (‪)0921-0269‬وتوماس هوبز(‪-0211‬‬

‫‪)0976‬واليبنتز‬

‫(‪)0709-0929‬وباروخ‬

‫سبينو از(‪)0977-0923‬وجون‬

‫لوك(‪-0923‬‬

‫‪)0712‬ثم فالسفة التنوير الفرنسي من أبرزهم ‪ :‬شارل مونتسكيو (‪ )0722-0916‬وفرانسوا‬

‫فولتير (‪0962‬م – ‪0771‬م) وجان جاك روسو (‪ )0771 – 0703‬وديني ديدرو ( ‪0702‬‬

‫‪ ..)0712 -‬واخي ار الفلسفة االلمانية وأبرز فالسفتها عمانويل كانط ( ‪)0112 - 0732‬‬

‫وجورج ويلهلم فريدريك هيجل (‪ ) 0120 - 0771‬ولودفيج فيورباخ(‪. )0173-0112‬‬

‫‪22‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إلى جانب هؤالء‪ ,‬برز العديد من الفالسفة في ألمانيا وأوروبا وأمريكا ‪ ,‬في القرن التاسع عشر ‪,‬‬

‫وهو القرن الذي تميز باالنصراف إلى الواقع المحسوس ذاته تحت تأثير العلم الطبيعي‪ ,‬وظهور‬

‫الفلسفة الماركسية (ماركس ‪ ) 0112 – 0101‬التي توصلت إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة‬ ‫االجتماعية وضرورة توحيد حركة الطبقة العاملة‪.‬‬

‫ومن أبرز فالسفة هذا القرن (‪ )06‬الفيلسوف شوبنهور (‪ )0191-0711‬العالم عنده ارادة القوة‬

‫‪ ,‬ثم أوجست كونت (‪ )0127-0761‬وهو مؤسس الفلسفة الوضعية ‪ ,‬ثم هربرت سبنسر (‪-0131‬‬

‫‪ )0612‬من مؤسسي المذهب الوضعي ‪ ,‬وموضوعه البرهنة على الطبيعة األبدية لل أرسمالية‪ ,‬ثم‬

‫الفيلسوف األكثر تشاؤماً فريدريك نيتشه ( ‪. )0611 – 0122‬‬

‫أما القرن العشرين‪ ,‬فهو ‪-‬حسب العديد من الفالسفة والمفكرين‪ -‬عصر التحليل المنطقي للغة‬

‫الفلسفة والعلم على األكثر‪ ,‬وانتشار الفلسفة البرجماتية‪ ,‬ومن أهم فالسفتها وليم جيمس (‪-0123‬‬

‫‪ , )0601‬ثم الفيلسوف جورج سنتيانا (‪ , )0623-0192‬ثم جون ديوي (‪ )0623-0126‬وهو‬ ‫مؤسس مدرسة شيكاغو الذرائعية ‪ ,‬ويعتبر من أهم المدافعين عن الليبرالية البرجوازية والفردية وحرية‬

‫السوق ‪.‬‬

‫وفي هذا القرن ‪ ,‬تكرست وانتشرت الفلسفة الوضعية المنطقية إلى جانب الفلسفتين الوجودية‬

‫والماركسية في إطار الصراع بين النظامين الرأسمالي واالشتراكي‪ ,‬والمعروف أن الفلسفة الوجودية‬

‫انقسمت إلى الوجودية المؤمنة التي عبر عنها الفيلسوف الدانمركي سورين كيركجورد (‪-0102‬‬

‫‪ ,)0122‬واأللماني كارل ياسبرز (‪ ,)0692-0112‬والوجودية اإللحادية التي عبر عنها األلماني‬ ‫مارتن هيدجر (‪ )0679-0116‬ويعتبره البعض من أهم فالسفة القرن العشرين ‪ ,‬فقد حاول هيدجر‬

‫في كتابه "الوجود والزمان" أن يحدد عالقة الوجود باإلنسان إنطالقاً من اإلنسان ‪ ,‬فهو لم يعترف أبداً‬ ‫إال بالوجود كمصدر وحيد لكل الحقائق عبر اإلنسان بالطبع ‪ ,‬شاركه في فلسفته هذه‪ ,‬الفرنسي جان‬

‫بول سارتر (‪ ,)0611-0612‬وقد ظهر في هذا القرن عدد من الفالسفة الماديين الذين اسهموا في‬ ‫تطوير وتجديد ونقد الفلسفة الماركسية والتجربة السوفياتية‪ ,‬من ابرزهم مدرسة فرنكفورت أصحاب‬

‫النظرية النقدية للماركسية (ماكس يوركهيمر "‪ "0672-0162‬وتيودور أدورنو "‪"0696-0612‬‬

‫وهربرت ماركيوزة "‪ "0671-0161‬وأريك فروم "‪ ..."0611-0611‬وغيرهم) ‪ .‬وجورج لوكاتش‬

‫(‪ )0670-0112‬وأنطونيو جرامشي (‪ )0627-0160‬وبول باران (‪ )3100 -0639‬ولوي‬ ‫ألتوسير (‪ )0661-0601‬ويورغن هابرماس (‪ ) -0636‬وظهور الفلسفات البنيوية والتفكيكية وما‬

‫يسمى بفلسفة ما بعد الحداثة والليبرالية الجديدة وصوالً إلى عصر العولمة ‪ ,‬ومن أبرزهم جيل دولوز‬

‫(‪ )0662-0639‬و ميشيل فوكو (‪ )0612-0639‬وجاك دريدا من مواليد الجزائر (‪ ) - 0621‬و‬ ‫فيليكس غاتاري (توفي بداية التسعينات) ‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حول طبيعة التطور االجتماعي العربي املشوه ودور املثقف‬ ‫‪2 / 3 / 3102‬‬

‫الثوري العضوي ‪..‬‬

‫ال جدال في ان المسار التاريخي والراهن لتطور مجتعاتنا العربية يختلف كليا عن المسار التطوري‬

‫االجتماعي االوروبي‪ /‬الغربي الذي ال يصلح كأساس معياري للحكم على حركة وقوانين التطور في‬

‫المجتمعات المتخلفة كما هو حال بلداننا العربية حيث نالحظ أن الصراع الطبقي في بالدنا ليس صراعا‬ ‫حصريا بين البروليتاريا والبورجوازية كما هو في البلدان الصناعية ‪ ,‬بل هو صراع تختلط فيه العوامل‬

‫االقتصادية مع العوامل الدينية في اطار التشوه واختالط االنماط الطبقية القديمة والحديثة والمعاصرة‬

‫(النمط القبائلي وشبه االقطاعي والرأسمالي التابع والكومبرادوري)‪.‬‬

‫‪ -‬فالمجتمعات العربية ‪ ,‬ليست محكومه في تحوالتها بالمسار التطوري الغربي ‪ ,‬لذلك نجد العديد‬

‫من الباحثين يتحدثون عن "االقطاع الشرقي" والنموذج اآلسيوي ‪ ,‬واالقطاع القبلي ‪ ,‬واالقطاع العسكري‬ ‫والمجتمع المحكوم بالعالقات الرأسمالية المشوهه ‪ ..‬والمجتمع المتعدد االنماط ‪...‬الخ‪.‬‬

‫‪ -‬ذلك ان "الطبقات الحديثة" في بالدنا ولدت من احضان التشكيالت والعالقات ما قبل الرأسمالية‬

‫دون ان تقطع مع القديم بل حملت في ثناياها مالمح القديم ومازالت‪ ...‬وبالتالي لم تصل بعد الى‬

‫مرحلة الفرز الطبقي النهائي ‪ ,‬فال تزال العديد من الطبقات والفئات االجتماعية متداخلة ومتشابكة ‪,‬‬ ‫وال تزال فئات واسعة من السكان في المجتمعات العربية ذات اوضاع اجتماعية انتقالية ولم يتحدد‬

‫انتماؤها الطبقي بصورة نهائية ‪.‬‬

‫وهكذا يظل الهم النظري والسياسي في مجال تحديد وتوصيف الطابع العام للبنى االجتماعية‬

‫هماً أساسياً ‪...‬بالنسبة لتبلور البديل الشعبي الديمقراطي اليساري‬ ‫العربية‪ ,‬وطبيعة العملية االنتقالية َّ‬

‫على المستوى األفقي لهذا المجتع العربي أو ذاك‪..‬األمر الذي يفسر ( في ظروف الحالة الثورية‬

‫العربية الراهنة) عزلة النخب اليسارية وعجزها الذاتي عن القراءة الموضوعية لهذا التشوه الطبقي‬

‫والتفاعل معه من منطلق وعي اليسار لدور المثقف الثوري الماركسي العضوى بالمعنيين الفردي‬

‫والجمعي( الحزب) وممارسة النضال الثوري "كبديل" للطبقة البروليتارية غير المتبلورة لمرحلة طويلة‬ ‫نسبيا من النضال السياسي واالجتماعي الديمقراطي‪..‬فهل تتعظ احزاب وفصائل اليسار وتنهض لكي‬

‫تتمكن من االندماج الحقيقي في اوساط الجماهير لمواصلة نضالها برؤية واضحة لتحقيق اهداف‬

‫الثورة الشعبية الديمقراطية بافاقها االشتراكية ؟؟؟‬

‫‪24‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪31 / 3 / 3102‬‬

‫طروحات يف الفلسفة‬

‫(‪)0‬‬

‫إن الوظيفة الجوهرية لكل فكر أو فلسفة هي الكشف عن معضلة الواقع عبر نقدها نقدا واعيا ينفذ‬

‫إلى مكنوناتها‪ ,‬لمعرفة قوانينها ‪..‬ومن ثم العمل على إزاحة المعضلة وتغيير الواقع‪ ..‬من هنا فالحديث‬ ‫عن نهاية الفلسفة‪ ,‬هو حديث عن نهاية الفكر ‪ ,‬ونهاية الوظيفة الجوهرية المرتبطة باستشراف‬ ‫المستقبل أو تحليل الواقع وتغييره‪ ,‬وفي هذا السياق ‪ ,‬نقول ‪ ,‬إن الحديث عن نهاية الفلسفة قد الزم‬

‫تاريخها منذ بدايتها ‪ ,‬ويتواجد جنبا الى ‪...‬جنب مع الحديث عن البدايات ‪ ,‬إذن فكل حديث عن‬ ‫النهاية هو بداية لشيء ما ‪ ,‬وكل حديث عن البداية هو نهاية ألمر آخر ‪....‬أليس المفكر هو من‬ ‫يهوى صناعة السؤال وحرفة االستفهام؟ كذلك فن صناعة السؤال يستلزم اإلحاطة بالكثير من‬

‫األجوبة‪ ...‬وهذه االحاطة آمل أن تكون متوفرة بالمعنى النسبي لدى رفاقي وأصدقائي من أجل تعميق‬

‫معارفهم في خدمة ممارساتهم من اجل التغيير ‪ ,‬فبقدر ما يتملك المرء من أجوبة‪ ,‬كذلك يكون " قدر "‬

‫األسئلة التي يطرحها‪.‬‬

‫وفي كل األحوال ‪ ,‬فإن الفلسفة ال يمكن وال يتسنى لها أن تحقق معانيها وترسم معالمها إال برسم‬

‫التصور العام الذي تتموضع داخله األج ازء وتنسجم ‪ ,‬إن الفلسفة هنا إذن‪ :‬تنظيم المعارف اإلنسانية‬

‫واكتشاف حركتها ونظامها ‪ ,‬بهذا فإن المعرفة العلمية نفسها هي موضوع للفلسفة وهكذا فإن أدوات‬ ‫العلم موضوع بحث بذاته من مواضيع الفلسفة وهذا يدخل في أقانيم البحث الفلسفي في إطار ما‬

‫يسمى علم القيم (‪ )AXIOLOGY‬وعلم المنهج (‪ )METHODOLOGY‬وعلم المعرفة‬

‫(‪ )EPISTIMOLOGY‬التي يفتقر إليها العلم‪.‬‬

‫إن كان بإمكان العلم أن يبحث في نتائج العمل فإن الفلسفة تبحث أيضا في غاياته وقيمه ‪ ,‬علم‬

‫المعرفة في ذاته يمثل فلسفة للعلوم ‪ ,‬فالعلوم مستقلة ‪-‬نسبياً‪-‬عن بعضها بل والمباحث المتفرعة‬

‫داخل العلم الواحد كذلك ‪ ,‬واتجاه العلم كله نحو المزيد من التفكك بين المباحث وهذا كله يجعل العلم‬ ‫ونتاجه معا يبدو مفككا وغير مفهوم ‪ ,‬كيف يتحرك وكيف يتداخل نتاجه وكيف يعمل معا لخدمة‬

‫وتطوير االنسان ؟ فلسفة العلوم ‪ -‬ومنهجها المادي الجدلي ‪-‬هنا هي المسؤولة عن تقييم هذا الكل‬

‫وانسجامه‪ ,‬إنها تجعل الباحث أكثر وعيا بطبيعة العمل الذي يؤديه ودوره ومكانته منسجما مع فلسفة‬

‫العلوم بعامة ‪ ,‬وهي التي ترسم حدود المنهج وتحدد نوع وتوجه البحث العلمي واهدافه النهائية‪.‬‬

‫‪25‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كما تهتم الفلسفة ببحث الميتافيزيقيا أو الماورائيات ‪ ,‬فتحاول اإلجابة عن األسئلة المتعلقة بطبيعة‬

‫المادة والحياة والفكر وعالقة الروح بالجسد والكائن والموجود ‪..‬الخ ‪ .‬إن اإلنسان موجود ‪ ,‬بالتالي‬

‫الفلسفة هي محاولة لفهم منظم لهذا الوجود‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الفلسفة ليست حب الحكمة فحسب ‪ ..‬إنها في المقام االول حب المعرفة ‪ ,‬وهي قبل كل شئ موقف‬

‫اإلنسان من الظواهر واألحداث السياسية واالجتماعية والطبيعية من حوله ‪ ..‬اإلنسان الحقيقي هو‬

‫الموقف ‪ ,‬اإلنسان الالمبالي ‪ ,‬إنسان ال يستحق االحترام ‪ ..‬من ناحية أخرى إن الموقف المقاوم للظلم‬ ‫الطبقي واالستبداد ومقاومة المحتل هو موقف واعي بشكل مسبق باألهداف التحررية والديمقراطية ‪..‬‬

‫وبدون ذلك الوعي ‪ ..‬في شكله العفوي أو الطليع‪...‬ي ال يتحقق رد الفعل المقاوم لالستبداد او‬

‫لالحتالل أو الظلم االجتماعي ‪ ..‬إن الوعي بالظلم االجتماعي وباالستغالل هو المقدمة الضرورية‬

‫لعملية التغيير االجتماعي ‪ ..‬إن كل أشكال هذا الوعي هي موقف فلسفي بشكل مباشر أو غير مباشر‬ ‫‪ ,‬إن االلتحاق الطوعي في العمل الحزبي هو شكل متطور للموقف الفلسفي وانتقاله من شكله البسيط‬

‫إلى شكله وجوهره الطليعي ‪ ,‬هنا يتحول الوعي – عبر المعرفة – إلى اراده واعية من أجل التغيير‬

‫الثوري والديمقراطي‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫التعريف الذي نتوخاه للفلسفة يقول بأن الفلسفة هي مجموعة من النظرات الشاملة إلى العالم‬

‫والطبيعة والمجتمع واإلنسان عبر التالزم الجدلي بين العام والخاص ‪.‬‬

‫• إنها مجمل اآلراء والتصورات عن القضايا العامة لتطور الوجود والوعي (عالقة الفكر بالوجود)‬

‫• هي شكل من أشكال الوعي االجتماعي (أشكال الوعي االجتماعي هي ‪:‬العلم ‪-‬الفلسفة ‪ -‬الفن‬ ‫‪ -‬األخالق ‪ -‬السياسة ‪ -‬الدين كلها مترابطة عضوياً )‪.‬‬

‫هناك مستويين من الوعي االجتماعي ‪:‬‬

‫‪ -0‬مستوى عفوي ‪ -‬اعتيادي ‪ -3 .‬مستوى عميق – طليعي (أيديولوجي)‬

‫األول ‪ :‬المستوى العفوي (االعتيادي )‪:‬‬

‫أو السيكولوجي االجتماعي وهو يمثل وعي الناس لألحداث والوقائع والظواهر السطحية واالنفعاالت‬

‫واألمزجة ويرسخ في العادات والتقاليد واألعراف لدى جميع الفئات االجتماعية والطبقات واألمم ‪,‬هذا‬

‫المستوى يعبر عن العالقات والمصالح اليومية والقريبة للناس بارتباطها بالبعد التاريخي أو التراثي‬

‫المتراكم بكل معطياته السالبة واإليجابية ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬المستوى الطليعي (الثقافي االيديولوجي)‪:‬‬ ‫‪26‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويعني تعمق الوعي بشكل نوعي في سبر أغوار الوجود االجتماعي ‪ ,‬فاأليديولوجيا تعكس الجوانب‬

‫الداخلية الهامة من الحياة االجتماعية ‪ -‬قوانينها وقواها االجتماعية المحركة ونزعات تطورها ‪,‬فالوعي‬

‫على المستوى األيدلوجي يعكس الوجود االجتماعي في النظريات واألفكار والمذاهب والمفاهيم وهو‬ ‫يصاغ بتفكير وترو عميقين من قبل ممثلين للطبقة المعنية ) إنهم إيديولوجيو الطبقة األكثر فعالية‬

‫وقدرة على " اإلبداع " بما يحقق نزوعهم نحو السيطرة أو األنعتاق)‪.‬‬

‫أخي ار ‪..‬الفلسفة في رأينا هي أهم شكل من أشكال الوعي االجتماعي (تنعكس فيه حصيلة التقدم‬

‫العلمي واالجتماعي وكافة التناقضات االجتماعية ) إنها كما يقول ماركس زبدة عصرها الروحية وهي‬ ‫روح الثقافة الحية ‪,‬وبهذا المعنى ال يمكننا عزل الفلسفة عن معطيات التحرر الوطني والديمقراطي‬

‫النهضوي العربي ‪ ,‬كما اليمكن عزلها عن الواقع السياسي االجتماعي االقتصادي الذي نعيشه اليوم ‪,‬‬

‫ألن الترابط بين الفلسفة والسياسة والتاريخ أصبح حالة موضوعية في عصرنا الراهن على وجه‬

‫الخصوص ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫نشأة الفلسفة ‪:‬‬

‫• نشأت الفلسفة القديمة وتطورت في ارتباط وثيق بالتصورات األسطورية والخيالية حول الوسط‬

‫المحيط باإلنسان ) أصل العالم نار ‪-‬ماء‪-‬فراغ ) هيراقليطس ‪ -‬طاليس وغيرهم‪.‬‬ ‫*وجها الفلسفة ‪:‬‬

‫الوجه المثالي ‪ ,‬والوجه المادي ‪:‬‬

‫كل منهما يحاول اإلجابة عن المسألة األساسية في الفلسفة ‪!!..‬‬

‫عالقة الفكر بالوجود أو عالقة الروح بالطبيعة … إنه السؤال الخالد أيهما أسبق إلى الوجود ؟‬ ‫عبر اإلجابة على هذا السؤال يتحدد‪ ...‬موقفنا مع المثالية أم مع المادية ومنهجها ‪.‬‬ ‫*المفكر المادي ‪:‬‬

‫هو الذي ينظر إلي العالم المحيط باإلنسان ) شمس ونجوم وأرض وبحار وكائنات حية ) على أنها‬

‫أشياء موجودة موضوعياً ‪,‬أي أنها غير مرهونة في وجودها بالوعي البشري ‪ ,‬من ناحية أخرى ترى‬

‫المادية أن العالم الموضوعي هو عالم سرمدي ‪ ,‬غير مخلوق وأنه هو علة وجود الوعي ‪,‬ال العكس )‬

‫أي أنه سبب الوعي)‪.‬‬

‫* المفكر المثالي ‪:‬‬

‫يقول بأن الوعي ) أو الفكر أو الروح أو اإلله الفرق ) هو األسبق على الوجود ‪ .‬إنه ينكر أن‬

‫يكون وعي الناس انعكاساً للواقع الموضوعي ‪ ).‬مثالية ذاتية ‪ ,‬وموضوعية ) ‪ .‬بالرغم من موضوعية‬ ‫‪27‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الرؤية المادية للعالم‪ ,‬إال أننا ال ندعو إلي الوقوف أمام هذه المسألة التي قد تثير كثي ارً من الجدل و‬ ‫التساؤالت والخالفات دون أي طائل في هذه المرحلة بالذات ‪,‬نحن مع المنهج العلمي الجدلي ومع‬ ‫الموقف الموضوعي تجاه كل ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية في كل جوانبها الحياتية من أجل‬

‫الوصول عبر هذا المنهج إلي المواقف والتطبيقات التي نتطلع إليها فيما يتعلق بالتحرر السياسي‬

‫واالقتصادي والعدالة االجتماعية والديمقراطية والنهوض بإعتبار هذه القضايا إطارنا العملي المباشر‬ ‫في مواجهة الواقع من حولنا وفي تطبيق وعينا الفلسفي أو المنهجي أو السياسي على هذا الواقع ‪,‬‬

‫هذا هو المقياس ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫الفلسفة القديمة‪...............‬‬

‫لم يكن عفوياً اختياري لتعبير " الفلسفة القديمة " بدالً من " الفلسفة االغريقية " ‪ ,‬ألن قبولنا بما‬

‫تطرحه العديد من المراجع والكتب الفلسفية الغربية بالنسبة للفلسفة االغريقية بإعتبارها االطار األول‬

‫والوحيد للمعارف الفلسفية في التاريخ القديم ‪,‬اليعني فقط شطب الدور الذي لعبته الفلسفة الشرقية في‬

‫بالدنا في تلك المرحلة وانما اسقاط هذا الموقف العنصري من أجل تثبيت مفهوم مركزية الحضارة‬

‫الغربية في الوضع الدولي المعولم الراهن على حساب الفلسفة والحضارة الشرقية القديمة عموماً‬ ‫وشطب كل مايمثله الشرق من دور معرفي وفلسفي في الماضي ‪ ,‬وتأثيره في الحضارة الغربية ‪,‬وتقييد‬

‫حركة تطوره وآفاقه المستقبلية بما يخدم فقط الحضارة الغربية واستمرار هيمنتها على مقدرات وطننا‬

‫العربي في القرن ‪ 30‬عبر كافة الوسائل المادية والمعرفية ‪.‬‬

‫وفي مواجهة مواقف وأساليب "الحضارة الغربية " المعاصرة ‪ ,‬تتبدى أهمية رؤيتنا الواعية‬

‫والموضوعية في آن واحد للفلسفة القديمة التي تقوم على تخطئة المزاعم القائلة ان الفلسفة الشرقية‬

‫ليس لها دور هام في تطور المعرفة البشرية من جهة ‪ ,‬والعمل على تفعيل دورنا في نفي مقولة "‬

‫العقلية الغربية والعقلية الشرقية " والتناقض الدائم بينهما من جهة اخرى ‪ ,‬وصوالً الى التصدي‬

‫للنزعات الفكرية العنصرية الراهنة التي تؤكد على مقولة " مركزية الحضارة الغربية في الفلسفة‬

‫العالمية المعاصرة " بإعتبار ان هذا العصر هو عصر "نهاية االيديولوجياً"‪.‬‬

‫كان البد لهذه المقدمة ‪ /‬المدخل لموضوعنا ‪ ,‬التي تتوافق ‪-‬في تقديرنا ‪-‬مع مقولة ماركس في ان‬

‫" الحاضر هو الذي يملك مفتاح الماضي وليس العكس " ‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫الفلسفة اليونانية (االغريقية) القديمة‪......‬‬

‫برزت الفلسفه اليونانيه في القرنين السادس والخامس ق‪.‬م و إستمرت حتى القرن الرابع ق‪.‬م ثم‬

‫برزت بعدها الفلسفه الرومانيه في أواخر القرن الثاني ق‪.‬م حتي القرن السادس الميالدي "‪.‬‬ ‫‪28‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن افضليه الفلسفه االغريقيه إنها كانت الرائده في تحرير الفكر عبر تساؤالتها عن طبيعه الوقع‬ ‫وحقيقه العقل و العديد من القضايا ذات الطابع المعرفي الشمولي ‪ ,‬و بقدر ماكانت عظم‪...‬ة االغريق‬

‫قائمه على ضوء الفكر ‪ ,‬إستندت روما‪ -‬التي وضعت فلسفه موازيه للفلسفه اليونانيه الى " عظمة‬

‫القوة "‪.‬‬

‫ف ي تعرضنا للفلسفه اليونانيه يبرز كل من افالطون و ارسطو كمحور اساسي لهذه الفلسفه ‪,‬‬

‫آخذين باالعتبار و التقدير دور العديد من الفالسفه االغريق الذين وضعوا االسس التي إنطلق منها‬

‫كل من افالطون و ارسطو ‪ ,‬من هؤالء " طاليس " الذي قال إن جميع الموجودات صدرت عن ماده‬

‫رطبه (الماء البارد )‪ ,‬وتلميذه " انا كسمندر " الذي كان ماديا إهتم بحقائق الكون وأصل الحياه ‪ ,‬ثم‬ ‫فيتاغورث ‪-‬المولود في إيطاليا (‪211-211‬ق‪.‬م ) الذي آمن بتناسخ االرواح ‪ ,‬و إشتغل بالحساب و‬ ‫الهندسه ‪ ,‬و هو القائل بان " هذا العالم كرة ناريه حيه " و هيراقليطس " ذلك الفيلسوف المادي الذي‬

‫اعلن ان " بداية هذا الكون من النار وان هذا العالم سيظل نا ارً حيه تنطفئ بمقدار و تشتعل بمقدار "‬ ‫و" انا كساغور" الذي قال "ان الشمس جسم مادي و أن العالم يتألف من عدد ال متناه من الدقائق‬ ‫الصغيره و ان الحياه عمليه دائمه و متصله و مستمره ‪" ,‬إتهمه" ديمقراطيو اثينا االرستقراطيين‬

‫بااللحاد و طردوه منها‪ ,‬بعد ذلك برزت"السفسطائيه" كظاهرة فلسفيه لعصر ديمقراطية العبيد في اثينا ‪,‬‬

‫حيث كان االنسان عند السفسطائيين" معيار األشياء جميعاً ‪ ,‬وشككوا في التصورات الدينية " ثم "‬

‫ديمقريطس " الفيلسوف المادي الذي قال " ليس في هذا العالم اال الخالء والذرات تتألف منها كل‬

‫الموجودات "‪ ,‬وارجع ظهور الكائنات الحية الى الظروف الطبيعية عبر توحد الذرات ‪ ,‬كان نصي ارً‬ ‫للديمقراطية العبودية ‪ ,‬بعكس " سقراط " رائد الفلسفة االرستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد‬

‫الديمقراطية في اثينا بإعتبار انها تؤدي ‪-‬كما يقول‪ -‬الى الفوضى عبر تحكيم الجماهير الدهماء في‬

‫هذه العملية ‪ ,‬ونتيجة موقفه حكم بالموت رافضاً طلب الرحمة من الجماهير ‪ ,‬من أهم اقواله " أي‬ ‫شيء اشد سخرية من هذه الديمقراطية التي تقودها الجماهير التي تسوقها العاطفة " اليس من الغرابة‬

‫ان يحل مجرد العدد محل الحكمة " ‪ ,‬وجاء افالطون ( ‪ 227-237‬ق‪.‬م ) من بعده كتلميذ نجيب‬ ‫ألستاذه ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطيه وفق اسس مغايره ‪ ,‬انه فيلسوف الفرديه االرستقراطيه‬

‫الذي نشأ في جو ارستقراطي مريح ‪.‬‬

‫" ان التغير عند افالطون معناه االضمحالل ‪ ,‬بينما الكمال معناه انعدام التطور " لقد اراد مجتمعاً‬

‫ثابتا (اسبرطيا ال يتحرك بالديمقراطيه كما في اثينا ) يتولى ادارته نخبه مختارة من االرستقراط الذين‬ ‫يمتلكون القدره على التفكير و التأمل لالشراف على ضبط "المجتمع الثابت " الذي يجب ان تقتلع منه‬

‫تلك القوى التى تعمل من اجل التغيير ‪ ,‬هذه االفكار طبقتها االرستقراطيه االوروبية فيما بعد طوال‬

‫اكثر من الف عام تحت راية الكنيسة او النخبة الالهوتيه ‪ ,‬وهذه االفكار موجودة نسبيا في تراثنا‬

‫العربي حيث نالحظ تعايش الوعي العفوي مع مفهوم "حالة الثبات " عبر امثلة كثيرة منها " الذي ينظر‬ ‫‪29‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الى اعلى تقطع رقبته " و " العين ال تعلو على الحاجب " و العديد من االمثال التي تدعو الى تكريس‬ ‫حالة الثبات ضد التغير ‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫فلسفة العصر االقطاعي ‪...............‬‬

‫• ظهرت هذه الفلسفة بعد استقرار وتفعيل دور الكنيسة في الغرب خالل القرنين الثاني والثالث‬

‫الميالديين ‪ ,‬وتعاظمت هيمنتها في القرن السادس بعد الغاء االفالطونية واعالن المسيحية دين الدولة‬

‫الرسمي عام ‪236‬م (يوستينيانوس)‪.‬‬

‫• هيمنت االيديولوجية الدينية على الحياة الفكرية في هذا العصر حيث تحولت الفلسفة الى خادمة‬

‫لالهوت عبر طابعها الرجعي التصوفي وكان مبررها ان الحكمة والمع‪...‬رفة تتم فقط عبر الوجد‬ ‫الصوفي ورفض التجربة او طريق العقل ‪ ,‬لقد انحطت الفلسفة في هذا العصر الى درك التصوف‬

‫والسحر واالساطير ‪ ,‬وارتدى صراع الطبقات فيه شكل خافت من الصراع الديني‪.‬‬

‫ابرز فالسفة هذا العصر ‪ :‬افلوطين )‪371-312‬م) الذي قال ان التطور يبدأ بااللهي الذي ال‬

‫يمكن االحاطة به ويجب االيمان به ‪.‬‬

‫اوغسطين(‪221-222‬م) الذي تأثر باالفالطونية الجديدة ( التي وضع اسسها افالطون) واعتنق‬

‫المسيحية فيما بعد ‪ ,‬من اقواله "االنسان يملك الحرية ولكن كل ما يفعله بارادة مسبقة من اهلل" الحياة‬

‫الدنيوية سقوط وانفصال عن اال زلي واتصال بالناقص الجزئي" " اننا نعرف اهلل ال بالتفكير بل‬

‫باالعراض عن التفكير" ‪ ,‬هذه المواقف تم تطبيقها عمليا في هذا العصر بما يخدم الكنيسة واالمراء ‪,‬‬

‫بحيث تحولت الفلسفة الى "علم" جنوني بالغيب وامتزاج االيمان بالسحر‪.‬‬

‫بعد ذلك ظهرت الفلسفة السكوالئية )المدرسية‪ )scholasticism‬خالل القرنين الثاني عشر‬

‫والثالث عشر المتأثرة باالفالطونية المحدثة ومثلت التيار الرئيسي في فلسفة المجتمع االقطاعي ‪ ,‬كان‬

‫السكوالئيون أعضاء مؤثرين في الرهبنة المسيحية وكانوا اعضاء في محاكم التفتيش ‪ ,‬من اهم‬

‫مفكري هذا التيار توما االكويني (‪0372-0332‬م( الذي خاض صراعا حادا ضد الرشدية حينما كان‬

‫أستاذا في جامعة باريس‪ ,‬قال ان االيمان والعقل يشكالن وحدة منسجمة وال يختلفان بعكس ابن رشد‪,‬‬

‫"الصورة عند توما األكويني توجد بدون المادة ‪ ,‬اما المادة فال يمكن ان توجد بدون الصورة (بدون‬

‫اهلل) ‪ ,‬وان الوحي اإللهي ال يتضمن أي خطأ وفي حالة وجود التناقض فان المخطىء هو العقل ال‬ ‫االيمان او الفلسفة ال الالهوت وان الحاكم يجب ان يخضع للسلطة الروحية التي يقف على رأسها‬

‫المسيح في السماء والكنيسة على األرض " لقد كانت "التوماوية" بمثابة المرتكز الفكري للكنيسة‬

‫الكاثوليكية المهيمنة على عقول الناس في ذلك العصر‪.‬‬

‫‪31‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)1‬‬

‫مجابهة الفلسفة االقطاعية‪...............‬‬

‫بدأت المجابهة عبر عدد من المفكرين كان من أبرزهم العالم الفيلسوف روجر بيكون ( ‪-0302‬‬

‫‪0362‬م‪) .‬؛ الذي طرح فك ارً نقدياً " للفلسفة االقطاعية عبر إعالنه أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب‬

‫إزالة العوائق التي تعترض المعرفة " وأهم هذه العوائق عند بيكون‪ :‬رواسب الجهل وقوة العادة والتبجيل‬ ‫المفرط لمفكري الماضي‪ ,‬وأن أفكارنا الصحيحة يجب أن تثبت بالتجربة " ‪.‬‬

‫لقد كانت هذه اآلراء الم‪...‬عول األول في هدم المعطيات الفكرية لهذا العصر بالرغم من أنها كانت‬

‫سبباً في سجنه‪ ,‬وكانت أيضاً أحد مقومات المذهب البروتستنطي الذي يرفض القديسين والعذراء‬ ‫والمالئكة الموجودة لدى الكاثوليك واألرثوذكس‪ ,‬حيث أكد أصحاب هذا المذهب أن " النعمة اإللهية‬

‫تصل إلى اإلنسان من عند اهلل دون وساطة الكنيسة " هذا الموقف جعل من الكنيسة والبابا – فيما‬

‫بعد ‪ -‬شيئاً شكلياً وساهم في تحرير اإلنسان من األغالل الفكرية للعصر اإلقطاعي ‪.‬‬

‫إن المغزى الذي ندعو إلى استخالصه من هذا االستعراض لبعض جوانب الفلسفة عموماً وفي‬

‫العصر اإلقطاعي على وجه الخصوص يكمن في امكانية توفير بعض المقومات الفكرية الالزمة لعقد‬

‫المقارنة الموضوعية لبعض أوجه السمات الفكرية والثقافية واالجتماعية المتردية في وطننا العربي‬ ‫التي تتقاطع أو تتشابه في جوهرها أو في نتائجها مع المقومات الفلسفية والفكرية واالجتماعية التي‬

‫عرفتها أوروبا في العصر اإلقطاعي ‪ ,‬الذي تميزت فلسفته بأنها‪:‬‬ ‫‪.0‬‬

‫انطلقت من فرضيات مذهبية جامدة ال يمكن إثباتها بالتجربة أو بالمالحظة ‪.‬‬

‫‪.2‬‬

‫لم تتطلع إلى البحث عن الحقيقة‪ ,‬فقد كان هم معظم المفكرين في هذه المرحلة إثبات‬

‫‪.3‬‬

‫لم تهتم بالعلوم أو الوقائع الحياتية ‪.‬‬

‫صحة العقائد الدينية لتثبيت مصالح ملوك أوروبا والكنيسة ورموز اإلقطاع ‪.‬‬

‫زج في إطار النتيجة المسلم بها‪ ,‬وكان‬ ‫إن الفكر اإلقطاعي لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بل َ‬ ‫البد للفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير في درب االنحطاط في ظروف بدأ فيها يتعزز‬

‫العلم ليتحول إلى ميدان بحث مستقل نسبياً‪ ,‬وهذا ما حدث عندما بدأ أسلوب اإلنتاج الجديد يتشكل في‬

‫أحشاء المجتمع اإلقطاعي مفسحاً الطريق لعصر النهضة وللديمقراطية البرجوازية بعد أن تم كسر‬ ‫هيمنة الكنيسة على عقول الناس‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫المذاهب والفلسفة اإلسالمية ‪..................‬‬

‫مارس المفكرون اإلسالميون نوعاً شجاعاً من االجتهاد على نطاق واسع خالل القرون األولى‬

‫للحضارة العربية اإلسالمية‪ ,‬وكان من نتيجة هذا االجتهاد بروز المذاهب التي يتوزع المسلمون بينها‬ ‫‪30‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إلى يومنا هذا‪ ,‬ومن المعروف أن االجتهاد قد توقف منذ القرن الرابع عشر الميالدي تقريباً‪ ,‬أو ما‬ ‫يمكن أن نطلق عليه حالة االنقطاع الفكري‪ ,‬حيث تجمد الفكر في مدارس المذاهب المذكورة وضاق‪...‬‬

‫هامش التفسير الحر للشريعة‪ ,‬فلم يعد من الممكن الخروج عن حدود المذاهب المعترف بها ‪ ,‬وفي‬

‫هذا السياق ‪ ,‬يقول د‪.‬الجابري في كتابه الهام " تكوين العقل العربي " ‪ ,‬إن " الثقافة العربية االسالمية‬

‫تنقسم إلى ثالث مجموعات ‪ .0 :‬علوم البيان من فقه ونحو وبالغة –‬

‫‪ .3‬علوم العرفان من‬

‫تصوف وفكر شيعي وفلسفة وطبابه وفلك وسحر وتنجيم –‪ .2‬علوم البرهان من منطق ورياضيات‬

‫وميتافيزيقيا ‪ .‬ويتوصل إلى أن الحضارة االسالمية هي حضارة فقه ‪ ,‬في مقابل الحضارة اليونانية التي‬ ‫كانت حضارة فلسفة ‪ ,‬لقد تجمدت الحضارة العربية عند الفلسفة اليونانية ‪ ,‬وغاب عنها العنصر‬

‫المحرك ‪ :‬التجربة ‪ ,‬بعد أن غلب عليها الالهوت أو علوم العرفان أو الالمعقول " ‪ .‬ثم يستطرد‬ ‫د‪.‬الجابري بالقول " إن العقل البياني العربي اليقبل بطبيعته التجربة ألنه يحتقر المعرفة الحسية ويترفع‬ ‫عن التجربة ويتعامل مع النصوص أكثر من تعامله مع الطبيعة وظواهرها ‪ ,‬ويعود السبب في ذلك كما‬ ‫يقول إلى "أن الفلسفة اليونانية التي أخذها العرب عن اإلغريق كانت فلسفة تؤكد على مجتمع السادة‬

‫والعبيد ‪ ,‬والتؤمن بالتجربة ألنها من أعمال العبيد ) وكذلك جميع الحرف ) ‪ ,‬أما السادة فهم من نوع "‬

‫أعلى "ومهامهم تنحصر في التفكير والنظر وانتاج الخطاب " وكانت المحصلة أن "إنجازات العرب في‬

‫اللغة والفقه والتشريع شكلت قيوداً للعقل الذي أصبح سجين هذا البناء من الركود والتخلف" وهي قيود‬ ‫يتم اآلن اعادة صياغتها في مشهد االسالم السياسي الراهن‪.‬‬ ‫( ‪) 01‬‬

‫المذاهب الفكرية اإلسالمية‪......‬‬

‫‪ -0‬كانت البداية في بروز "جماعة الخوارج" التي نشأت عام ( ‪ 27‬هجري ‪ 927‬م)‪.‬‬

‫وعرف عنها العداء الشديد لعثمان بن عفان في أواخر سنوات حكمه؛ إن البدايات األولى للخوارج تعود‬ ‫إلى جماعة " القُ ارَّء) " حفظة القرآن ) الذين تميزوا بالزهد والتنسك‪ ,‬وكانوا "علماء" األمة قبل أن‬ ‫تعرف الحياة الفكرية " الفقه " والفقهاء ‪ ,‬رفضوا التحكيم بين علي ومعاوية وطالبوا علي بقتال‬

‫معاوية‪.‬‬

‫لخص الخوارج موقفهم من نظام الحكم بأن " السلطة العليا للدولة هي اإلمامة والخالفة" وقرروا أن‬ ‫َ‬ ‫المسلم الذي تتوفر فيه شروط اإلمامة له الحق أن يتوالها بصرف النظر عن نسبه وجنسه ولونه ‪) ,‬‬

‫ليس شرطاً عندهم النسب القرشي أو العربي لمن يتولى منصب اإلمام )‪.‬‬

‫أجمعوا على أن الثورة تكون واجبة على أئمة الفسق والجور إذا بلغ عدد المنكرين على أئمة‬

‫الجور أربعين رجالً فأكثر‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫انقسم الخوارج إلى عدة جماعات هي ‪ :‬األ زارقة _ النجدات _ الصفرية _ األباضية وهذه األخيرة ال‬

‫تزال إلى يومنا هذا في ُعمان ومسقط وشرق أفريقيا وأجزاء من المغرب وتونس وهم أقرب إلى السنة‬ ‫وأكثر الفرق اعتداال‪.‬‬ ‫‪ -3‬جماعة المرجئة‪:‬‬

‫وهي من األرجاء‪ ,‬بمعنى التأجيل‪ ,‬وهذا المصطلح قد عنى في الفكر اإلسالمي‪ ,‬الفصل بين اإليمان‬

‫باعتباره تصديقاً قلبياً ويقينياً داخلياً غير منظور؛ وبين العمل باعتباره نشاطاً وممارسة ظاهرية قد‬ ‫تترجم أو ال تترجم عما بالقلب من إيمان‪ ,‬وخالصة قولهم أن اإليمان هو المعرفة باهلل ورسله وما جاء‬

‫من عنده‪ ,‬وما عدا ذلك ليس من اإليمان‪ ,‬وال يضر هذا اإليمان ما يعلن صاحبه حتى لو أعلن الكفر‬

‫وعبد األوثان؛ فما دام العمل ال يترجم بالضرورة عن مكنون العقيدة فال سبيل إذاً للحكم على‬ ‫المعتقدات‪ ,‬وما علينا إال أن نرجئ الحكم على اإليمان إلى يوم الحساب ‪ ,‬وتلك هي مهمة الخالق‬

‫وحده وليست مهمة أحد المخلوقين في الحياة الدنيا‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نشير إلى أن الدولة األموية ( ‪ 990‬م‪ 721 _ .‬م‪ ) .‬أشاعت في الحياة الفكرية‬

‫آنذاك عقيدتي " الجبر واألرجاء " تبرر باألولى مظالمها وما أحدثته من تحول بالسلطة السياسية ‪,‬‬ ‫خاصة استبدال الخالفة الشورية بالملك الوراثي‪ ,‬وتحاول أن تفلت بالثانية _ اإلرجاء _ من إدانة‬

‫المعارضة وحكمها على إيمان هذه الدولة وعقيدة حكامها بعد أن ارتكبت تلك المظالم‪.‬‬ ‫‪ -2‬المعتزلة‪:‬‬

‫جذورهم تعود إلى تيار أهل العدل والتوحيد الذي كان من أبرز قادته الحسن البصري المعروف‬

‫بعدائه للنظام األموي ‪ ,‬تصدى هذا التيار لعقيدة " الجبر‪ /‬التي أظهرها األمويون " وعارضها بإظهار‬

‫موقف اإلسالم المنحاز إلى حرية اإلنسان واختياره وقدرته ‪ ,‬ومن ثم مسئوليته عن أفعاله ‪ ,‬ثم جاء "‬

‫واصل بن عطاء " الذي حدد األصول الفكرية الخمسة للمعتزلة وهي‪ :‬العدل _ التوحيد_ الوعد‬

‫والوعيد_ المنزلة بين المنزلتين_ األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬

‫لقد كانت المعتزلة من أصدق الفرق في اإلسالم الذين جمعوا بين النص والممارسة في موضوع‬

‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكانوا ضد األشعري الذي قال ‪ " :‬إن السيف باطل ولو قتلت‬

‫الرجال وسبيت الذرية ‪ ,‬وأن اإلمام قد يكون عادالً أو غير عادل وليس لنا إزالته حتى وان كان فاسقاً؛‬ ‫كما كانوا نقيضاً أيضاً ألحمد بن حنبل الذي يقول‪ " :‬إن من غلب بالسيف حتى صار خليفة‪ ,‬وسمي‬

‫أمير المؤمنين فال يحل ألحد يؤمن باهلل أن يبيت وال يراه إماماً عليه ‪ ,‬ب ارً كان أو فاج ارً ‪ ,‬فهو أمير‬

‫المؤمنين )وهناك قول ألحد أئمة ذلك العصر يسندوه ظلماً ألبي حنيفه ينص على أن " ستون عاماً في‬ ‫ظل حاكم ظالم لهي أفضل من ليلة واحدة دون حاكم " ‪.‬‬ ‫‪33‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اختلف المعتزلة عن السنة في عرضهم لألدلة‪ ,‬فهي عند أهل السنة ثالثة‪ :‬الكتاب _ السنة _‬

‫اإلجماع ؛ بينما هي أربعة عند المعتزلة يضيفون العقل إلى هذه األدلة الثالثة ويقدمونه عليها جميعاً‪,‬‬

‫بل يرون أن العقل هو األصل فيها جميعاً ‪ ,‬وكان طبيعياً أن يقدموا العقل في أمور الدنيا كما قدموه‬ ‫في أمور الدين وجعلوه حاكماً تعرض عليه المأثورات كي يفصل في صحتها رواية وداللة ‪.‬‬

‫كان العصر الذهبي للمعتزلة هو عصر المأمون من( ‪ 102‬م‪ 122 _ .‬م‪ ) .‬والمعتصم (‪122‬م‪_.‬‬

‫‪ 123‬م‪ ).‬والواثق ( ‪ 123‬م‪ 127 _ .‬م‪ ( .‬وبموت هذا األخير انتهى عصر المعتزلة وحصل االنقالب‬ ‫ضدهم وضد نزعتهم العقالنية على يد المتوكل ( ‪ 127‬م‪ 190 _ .‬م‪ ( .‬حيث اقتلعوا من مناصبهم‬

‫وأبعدوا عن التأثير الفكري وزج بالكثير من أعالمهم في السجون ‪ ,‬وأبيدت آرائهم ‪ ,‬وتقلص سلطان‬

‫العقل على الحياة الفكرية والعامة وساد الظالم وتعطل التطور‪.‬‬ ‫( ‪) 00‬‬

‫الشيعة‪...................‬‬

‫وهي تعني لغوياً األنصار أو األعوان ‪ ,‬أما في إطار الفكر اإلسالمي فقد غلب هذا المصطلح "‬

‫الشيعة " على الذين شايعواً وناصروا علي بن أبي طالب ( ‪ 911‬م‪ 990 _ .‬م‪ ).‬واألئمة من بنيه ‪.‬‬

‫وأهم ما يميز الشيعة ‪ ,‬نظرية " النص والوصية " أي النص على أن اإلمام بعد الرسول هو علي‬

‫بن أبي طالب‪ ,‬الوصية من الرسول _ بأمر اهلل _ لعلي باإلمامة ‪ ,‬وكذلك تسلسل النص والوصية‬

‫باإلمامة لألئمة من بني علي ‪ ...,‬و صاحب هذه النظرية " النص والوصية " هو هشام بن الحكم _‬

‫توفي ( سنة ‪ 112‬م(؛ والشيعة تنقسم إلى عدة تيارات ‪ ,‬لكن التيارات الرئيسة ظلت هي ‪:‬‬ ‫أ‪.‬‬

‫اإلمامية اإلثني عشرية‬

‫ب‪ .‬الزيدية‬

‫ت‪ .‬اإلسماعيلية‬

‫وقد سميت اإلثنى عشرية ألن سلسلة األئمة عندهم توقفت عند اإلمام الثاني عشر ) أبو القاسم )‬

‫من أحفاد علي بن أبي طالب المولود ( عام ‪ 329‬هـ ‪ 171 ,‬م‪ ).‬والذي ما زال غائباً في اعتقاد‬

‫الشيعة اإلثنى عشرية ) اإلمام الغائب أو المهدي ) وهم في انتظار عودته‪ ,‬وفي هذا السياق نورد هنا‬

‫الموقف الديني السياسي الحالي للنظرية الشيعية في إيران بعد الثورة اإلسالمية والذي يستند على "‬ ‫أن الفكر الشيعي يجعل للرسول كل ما هلل في سياسة المجتمع وعقيدة أهله ‪ ,‬وبعد الرسول أصبح كل‬

‫ما له لإلمام ‪ ,‬وبعد غيبة اإلمام فإن كل ما لإلمام _ الذي هو كل ما هلل وللرسول _ هو للفقيه أو آية‬

‫اهلل الذي يقع عليه اإلجماع ‪ ,‬وهذا ما يسمى في الفكر الشيعي السياسي " والية الفقيه" ‪ .‬وهنا تتجلى‬ ‫نظرتهم الميتافيزيقية الغيبية النقيضة للرؤى العقالنية ‪.‬‬

‫‪34‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)03‬‬

‫اخوان الصفا‪:‬‬

‫في كتاب " تاريخ الفلسفة " يشار إلى إخوان الصفا على أنهم " جماعة سرية ظهرت في البصرة‬

‫في النصف الثاني من القرن العاشر الميالدي " ألف اإلخوان إحدى وخمسون رسالة جمعوا فيها‬

‫معلومات عصرهم في الرياضة والمنطق ‪ ,‬والعلوم الطبيعية ‪ ,‬وما وراء الطبيعة‪ ,‬والتصوف والسحر‬

‫وعلم النجوم ؛ يرى " إخوان الصفا " أن تحصيل المعرفة اإلنسانية يتم بثالث طرق هي ‪:‬‬ ‫‪.0‬‬

‫أعضاء الحواس‬

‫‪.2‬‬

‫الحدس‬

‫‪.3‬‬

‫العقل‬

‫كانوا من أنصار توحيد جميع األديان والمذاهب الفلسفية على أساس من المعارف العلمية‬

‫والفلسفية التي تُخلِّص الدين من األوهام والخرافات ‪ ,‬ومن أجل بلوغ الكمال يجب الجمع بين الفلسفة‬

‫اليونانية والشريعة اإلسالمية ‪.‬‬

‫اتخذوا البصرة مق ارً لهم ولم يعلنوا عن أسمائهم خوفاً من اتهامهم بالزندقة واإللحاد‪ ,‬ومن أقوالهم‬

‫كما يوردها مؤلفا كتاب " الفلسفة اإلسالمية " السابق ذكره أن ‪ :‬هذه الجماعة قد تآلفت بالعشرة‬

‫قربوا به الطريق‬ ‫وتصافت بالصداقة واجتمعت على القدس والطهارة والنصيحة بينهم مذهباً أروا أنهم َّ‬ ‫إلى الفوز برضى الخالق وقاموا بإنشاء " هيئة علمية وأخالقية " تتعاون على نشر الثقافة العالية من‬

‫اآللهيات والرياضيات والطبيعيات " ‪.‬‬

‫عملوا على أن " تتفوق العالقة بينهم لتكون أقوى من عالقة األب بابنه واألخ بأخيه ‪ ,‬مزجوا‬

‫اآليات القرآنية بمذهبهم ترغيباً للشباب في اإلقبال على هذه التعاليم ‪ ,‬القت تعاليمهم اهتماماً لدى‬

‫المعتزلة الذين تداولوها س ارً ‪ ,‬ترجمت رسائل إخوان الصفا إلى الالتينية واأللمانية وكان لها قيمة هامة‬ ‫في أوربا حسب ما يؤكد عدد من الكتاب والمفكرين‪.‬‬ ‫( ‪) 02‬‬

‫الفلسفة اإلسالمية ‪:‬‬

‫تميزت الفلسفة اإلسالمية عبر رموزها من الفالسفة المسلمين بغض النظر عن أصولهم عرباً أو‬

‫فرساً بآليات ذهنية أو عقلية مشتركة في الجوهر بالرغم من اختالفها في االجتهاد ‪ ,‬هذه اآلليات‬

‫يجملها لنا د‪.‬نصر حامد أبو زيد[‪ ]0‬فيما يلي‪:‬‬

‫‪ .0‬التوحيد بين " الفكر " و " الدين " ‪.‬‬

‫بردِّها جميعاً إلى مبدأ أول أو علة أولى ‪ ,‬تستوي في ذلك الظواهر‬ ‫‪ .3‬تفسير الظواهر كلها َ‬ ‫االجتماعية أو الطبيعية ‪.‬‬ ‫‪35‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .2‬االعتماد على سلطة " السلف أو التراث " وذلك بعد تحويل النصوص التراثية _ وهي‬ ‫نصوص ثانوية _ إلى نصوص أولية ‪ ,‬تتمتع بقدر هائل من القداسة ال تقل _ في كثير‬

‫من األحوال _ عن النصوص األصلية ‪.‬‬

‫‪ .2‬اليقين الذهني والحسم الفكري " القطعي " ورفض أي خالف فكري _ من ثم _ إالَ إذا كان‬ ‫في الفروع والتفاصيل دون األسس واألصول ‪.‬‬

‫‪ .2‬إهدار البعد التاريخي _ ( في شكله الحاضر ) _ وتجاهله ‪ ,‬ويتجلى هذا في البكاء على‬

‫الماضي يستوي في ذلك العصر الذهبي للخالفة الرشيدية وعصر الخالفة التركية‬

‫العثمانية‪.‬‬

‫من كل ما تقدم ‪ ,‬فانني اطمح االسهام في الجهد الفكري التنويري الثوري الهادف الى تجسيد‬

‫الرؤي والتفكير العقالني في تراثنا العربي ‪ ,‬وربطه باطار التفكير العقالني التنويري الحديث والمعاصر‬

‫بهدف إحياء الجوانب اإليجابية في هذا التراث‬

‫وتسخيرها في خدمة التطور الديمقراطي النهضوي‬

‫الثوري‪ ,‬الوطني والقومي العربي في مجابهة كل اشكال ومظاهر التخلف والتبعية واالستبداد التي‬

‫تغذيها القوى اليمينية الليبرالية الرثة وقوى االسالم السياسي ‪.‬‬

‫[‪ ]0‬قضايا فكرية‪-‬دراسة بعنوان الخطاب الدينى المعاصر‪-‬عدد خاص عن التيارات الدينية –ص‪.22‬‬

‫‪36‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حىت نهاية‬ ‫‪32 / 3 / 3102‬‬

‫القرن الثامن عشر‬

‫في سياق انتقال مجتمع أوروبا الغربية من النمط الزراعي اإلقطاعي محدود األفق إلى النمط الجديد‬

‫الصناعي الرأسمالي بآفاقه المفتوحة ‪ ,‬وعبر صراع وتناقض نوعي متعدد الجوانب االقتصادية‬

‫واالجتماعية والفكرية والسياسية ‪ ,‬بدأت تراكماته األولى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ‪.‬‬

‫في هذا السياق تولدت المفاهيم واألفكار والمدارس الفلسفية معلنة بداية عصر جديد للبشرية ‪,‬‬

‫عصر النهضة والتنوير‪ .‬لكن والدة هذا العصر لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو‬ ‫تظهر معالمها دفعة واحدة ‪ ,‬أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة األولى مع النظام أو الحامل‬

‫االجتماعي القديم ‪ ,‬إذ أن هذا االنقطاع لم يأخذ أبعاده في االنفصام التاريخي بين العصر اإلقطاعي‬

‫القديم وعصر النهضة والتنوير الجديد إالَ بعد أربع قرون من المعاناة شهدت تراكماً مادياً وفكرياً هائالً‬ ‫من جهة ‪ ,‬وتحوالت ثورية في االقتصاد والتجارة والزراعة والمدن كانت بمثابة التجسيد لفكر النهضة‬

‫واإلصالح الديني والتنوير من جهة والتالحم مع هذه المنظومة الفكرية الجديدة من جهة أخرى ‪,‬‬

‫تمهيداً للثورات السياسية البرجوازية التي أنجزت كثي ارً من المهمات الديمقراطية لمجتمعات أوروبا‬ ‫الغربية في هولندا في مطلع القرن السابع عشر ‪ ,‬وفي بريطانيا من ‪ , 0911_ 0920‬ثم الثورة‬

‫الفرنسية الكبرى ‪ ,0102 _ 0716‬والثورة األلمانية في منتصف القرن التاسع عشر ‪.‬‬

‫لقد كان نجاح هذه الثورات بمثابة اإلعالن الحقيقي لميالد عصر النهضة والتنوير أو عصر‬

‫الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكوم بنظرية الحق اإللهي إلى‬

‫المجتمع المدني ‪ ,‬مجتمع الديمقراطية والثورة العلمية الكبرى التي أحدثت زل از ًال في الفكر األوروبي‬

‫الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العالقة بين اهلل والعالم‪ ,‬إلى العالقة بين‬ ‫اإلنسان والعالم وبين العقل والمادة ‪ .‬والسؤال ‪ ..‬ما هي المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو‬ ‫والدة عصر النهضة ؟‬

‫المقدمات األولى أو المرحلة االنتقالية نحو أسلوب اإلنتاج الرأسمالي ‪_:‬‬

‫قلنا ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يهتم ببحث المسائل المطروحة بما‬

‫يدفع نحو االنتقال من حالة الجمود أو الثبات إلى حالة النهوض والحركة الصاعدة ‪ ,‬ولم تسفر تلك‬

‫المرحلة ( التي ما زلنا نعاني من رواسبها في وطننا العربي حتى اللحظة ) عن نتائج إيجابية تذكر‬ ‫سواء في الفلسفة أو في العلم ‪ ,‬ذلك أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عن الحقيقة بل عن وسائل‬

‫البرهان على صحة العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين ‪.‬‬ ‫‪37‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كان البد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير في درب االنحطاط في ظروف بدأ‬

‫فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط اإلنتاج الجديد في أحشاء المجتمع اإلقطاعي ما‬

‫بين القرنين الرابع والخامس عشر ‪.‬‬

‫كان بداية ذلك التشكل عبر إطارين كان البد من والدتهما مع اقتراب نهاية تلك المرحلة وهما ‪:‬‬

‫إطار التعاونيات ‪ ,‬واطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمهيدية نحو والدة المجتمع الرأسمالي‬ ‫حيث ظهرت المانيفاكتورات في المدن اإليطالية أوالً ثم انتقلت إلى باقي المدن األوروبية ‪.‬‬

‫في هذه المرحلة االنتقالية ‪ ,‬نالحظ تطو ارً ونمواً للمدن وظهور التجار والصناعيين وأصحاب‬

‫البنوك‪ ,‬واالكتشافات التكنيكية المغازل اآللية – دواليب المياه – األفران العالية ودورها في صناعة‬ ‫التعدين واختراع األسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامس عشر ‪.‬‬

‫فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عززت تطور أسلوب اإلنتاج ال أرسمالي الصاعد والمنتشر في‬

‫أوروبا‪ ,‬وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين ‪:‬‬

‫‪ .0‬الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر ‪ ,‬خصوصاً اكتشاف‬ ‫أميركا والطريق البحري إلى الهند ورحلة " ماجالن " حول األرض وبالتالي إرساء أسس التجارة‬

‫العالمية الالحقة‪.‬‬

‫‪ .3‬ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري الالهوتي السائد ‪ ,‬وأدت‬ ‫إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس " واخفاق وتراجع نفوذ الكنيسة االقتصادي‬ ‫والسياسي ‪ ,‬وظهور مجموعات من المثقفين البرجوازيين قطعوا كل صلة لهم بالكنيسة‬ ‫والالهوت الديني المذهبي ‪ ,‬وارتبطوا مباشرة بالعلم والفن ‪ ,‬وقد سمي هؤالء بأصحاب النزعة‬

‫اإلنسانية "‪ ( ," HUMANISM‬وهو مصطلح نورده هنا ألهميته إذ أنه دل آنذاك على الثقافة‬ ‫الزمنية في مواجهة الثقافة الالهوتية أو السكوالئية الرجعية ) وقد أخذ هؤالء المثقفون من‬ ‫أصحاب النزعة اإلنسانية على عاتقهم معارضة ونقض المفاهيم والعلوم الدينية الكنيسية عبر‬

‫نشر علومهم الدنيوية التي كانت بالفعل أقرب إلى التعبير عن مزاج البرجوازية الصاعدة‬

‫آنذاك‪.‬‬

‫إن المسألة المركزية هنا التي نلفت االنتباه إليها ‪ ,‬هي أن هذا العصر سمي عصر البعث‬ ‫َ‬ ‫‪ renaissance‬الذي تولت قيادته ووجهت مساره الطبقة البرجوازية الصاعدة آنذاك ‪.‬‬ ‫وفي ظل هذا الوضع _ كما يقول المفكر العربي سعيد بن سعيد العلوي _ كان من "الطبيعي" أن‬

‫تسعى البرجوازية الصاعدة بعد أن امتلكت مقومات الوجود االجتماعي والسياسي إلى نشر ما تؤمن به‬ ‫من قيم ومعتقدات وآراء وأفكار في كافة مجاالت العلوم والمعارف الجديدة ‪ ,‬حيث وجد الفكر الفلسفي‬

‫العقالني وفكر التنوير عموماً عند هذه الطبقة الرعاية والتشجيع ‪ ,‬ساعدها على العمل واإلنتاج من‬ ‫جهة ‪ ,‬وأوجد لها التبرير الكامل بالمطالب الكبرى لها ‪ -‬كطبقة صاعدة ‪ -‬في المساواة في الحقوق‬ ‫‪38‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والحرية في اعتناق اآلراء المختلفة مع الكنيسة وفي التفكير والعمل خارج إطار الكنيسة أو الدائرة‬

‫المقدسة ‪ ,‬حيث بدأت في التبلور ‪ ,‬المفاهيم والقيم الجديدة ‪ ,‬وبدأ الحديث عن المصلحة والمنفعة‬

‫والصا لح العام ‪ ,‬والرابطة االجتماعية التي تعني الرفض الضمني للنظام القائم على أساس التمايز‬

‫االجتماعي ؛ إنه االنقالب في التصورات اإليديولوجية ‪ ,‬فعوضاَ عن النظرة "العمودية" حيث يكون‬ ‫ترتيب الناس في أعلى وأدنى تبرز النظرة "األفقية" ألعضاء الوجود االجتماعي الواحد حيث يكون‬

‫المبدأ الوحيد المقبول للوجود وللعمل معاً هو شعار "المساواة" ‪.‬‬

‫ولكن ما هي المنطلقات األولية أو العناصر الجوهرية التي دفعت نحو هذا التشكل واالستمرارية في‬

‫سيرورة عصر النهضة ؟؟‬

‫أوالً ‪ :‬المرحلة التاريخية األولى لعصر النهضة‬

‫أعتقد أن كافة الدراسات التي تناولت المرحلة التاريخية األولى من عصر النهضة وما يطلق عليها‬

‫"المرحلة االنتقالية" تتفق على أن العنصر الرئيسي لهذا العصر بكل معطياته االقتصادية واالجتماعية‬

‫والثقافية هو‪" :‬الفردية أو اإلقرار باهتمامات الشخصية اإلنسانية وحقوقها ومصالحها كموقف نقيض‬

‫للكنيسة التي ألغت هذا الحق وصادرته طوال أكثر من ألف عام ‪ ,‬دون أن نغفل إطالقا دور التجارة‬ ‫التي شكلت العماد االقتصادي للطبقة البرجوازية" ؛ التي وجدت في التجارة "سندها المعنوي بما‬

‫تستدعيه من نظام في المعارف وفي القيم ‪ ,‬ألن عالم التجارة هو عالم االمتالك والبضاعة والتنقل‬

‫الحر في الزمان والمكان ‪ ,‬والتاجر كان يجد نفسه في ذلك العالم ممثالُ ‪ ,‬فاعالً و سيداً تام السيادة‬ ‫غايته الربح وال حاجة له للراهب أو لسلطان الكنيسة" ‪.‬‬

‫أما أبرز المفكرين األوائل الذين وضعوا اللبنات األولى لهذه المرحلة هم‪:‬‬ ‫‪ -‬نيقوال ميكافيللي ( ‪ 0296‬م‪ 0237 _ .‬م‪) .‬‬

‫‪ -‬هو من أوائل المنظرين السياسيين البرجوازيين ‪ ,‬حاول في مؤلفاته البرهنة على أن البواعث‬

‫المحركة لنشاط البشر هي األنانية و المصلحة المادية‪ ,‬وهو صاحب مقولة ‪ ":‬أن الناس ينسون موت‬

‫آبائهم أسرع من نسيانهم فقد ممتلكاتهم" ‪ ,‬إن السمة الفردية والمصلحة عنده هما أساس الطبيعة‬ ‫اإلنسانية؛ ومن جانب آخر فقد رأى أن القوة هي أساس الحق في سياق حديثه عن ضرورة قيام‬

‫الدولة الزمنية المضادة ( البديلة ) لدولة الكنيسة؛ ويؤكد على أن ازدهار الدولة القوية المتحررة من‬ ‫األخالق ‪ ,‬هو القانون األسمى للسياسة وأن جميع السبل المؤدية لهذا الهدف طبيعية ومشروعة بما‬

‫فيها السبل الالأخالقية ( كالرشوة واالغتيال ودس السم والخيانة والغدر )؛ والحاكم عنده يجب أن‬ ‫يتمتع بخصال األسد والثعلب ‪ ,‬وسياساته هي سياسة "السوط والكعكة"؛ هذه هي النزعة الميكافيلية‬

‫التي تبرر كل شيء للوصول إلى الهدف السياسي ‪ ,‬وهي توضح معنى الفردية واإلقرار باالهتمامات‬

‫الشخصية التي أشرنا إليها أعاله‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -‬نيقوال كوبرنيكس ( ‪ 0272‬م‪ 0223 _ .‬م‪) .‬‬

‫‪ -‬ساهم هذا المفكر في تحطيم اإليديولوجية الالهوتية القائمة على القول بمركزية األرض في‬

‫الكون وذلك عبر اكتشافه لنظرية مركزية الشمس‪ Helio Contricism‬التي قام على أساسها علم‬

‫الفلك الحديث؛ وهذه النظرية من أهم منجزات "كوبرنيكس" على اإلطالق وهي تستند إلى مبدأين‪_:‬‬

‫أوالً‪ :‬ليست األرض ثابتة في مركز الكون بل تدور حول محورها الخاص؛ وقد استطاع من خالل ذلك‬ ‫تفسير تعاقب الليل والنهار‪ .‬ثانياً‪ :‬األرض تدور حول الشمس مركز الكون‪.‬‬ ‫‪ -‬جوردانو برونو ( ‪ 0221‬م‪ 0911 _ .‬م‪) .‬‬

‫‪ -‬فيلسوفاً وعالماً فلكياُ‪ ,‬قام بتطوير وتصحيح نظرية كوبرنيكس‪ ,‬بدأ حياته راهباُ وبسبب أفكاره‬

‫المادية انفصل عن الكنيسة وتفرغ لنظرياته العلمية‪ ,‬آمن بـ "ال نهائية" المكان أو النهائية الطبيعة‪,‬‬

‫ورفض مركزية الشمس في الكون مؤكداُ على أن ال وجود لهذا المركز إال كمركز نسبي فقط "فشمسنا‬

‫ليست النجم الوحيد الذي له أقمار تدور حوله" فالنجوم البعيدة هي شموس أيضاً لها توابعها‪ ,‬كما‬ ‫افترض أن جميع العوالم في هذا الكون مأهولة ‪ ,‬يدفعه إلى ذلك إيمانه بأن كل ما في الطبيعة ذو‬

‫نفس استناداً إلى إيمانه بمذهب حيوية المادة "‪ " HYLOTOISM‬الذي اعتنقه كغيره من الفالسفة‬

‫الطبيعيون؛ وهو أول من قال بوجود التجانس الفيزيائي بين األرض والكواكب وهذه التنبؤات لم تؤكد‬ ‫علمياً إال في أواسط القرن العشرين‪.‬‬

‫‪ -‬لقد حطم برونو التصورات القديمة عن العالم المخلوق ليجعل الكون ممتداً إلى ما ال نهاية وهو‬

‫القائل بأن‪" :‬الكلمة األخيرة في كل مجال من مجاالت المعرفة تكمن في العقل وحده" ؛ ألقي القبض‬ ‫عليه من قبل محاكم التفتيش التي سجنته ثمانية سنوات أحرقوه بعدها على أحد أعمدة التعذيب بعدما‬

‫رفض إنكار فلسفته وتوجهاته العلمية‪.‬‬ ‫العلماء الطبيعيون‪:‬‬

‫ليوناردو دافنشي ( ‪ 0223‬م‪ 0206 _ .‬م‪).‬‬

‫كان فناناً وعالماً موسوعياً ومصمماً تكنيكياً قام بوضع عدد من التصاميم لبعض األجهزة أو‬

‫األجسام الطائرة والمظالت‪ ,‬وهو من أوائل المفكرين الذي استخدموا المنهج التجريبي الرياضي في‬

‫دراسة الطبيعة‪ ,‬كان ليوناردودافنشي من أوائل المفكرين الذين قَدَّروا عالياً افكار ابن رشد ‪ ,‬وهو الذي‬

‫اطلق عليه صفة " شارح أرسطو العظيم " ‪.‬‬

‫‪41‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫جاليليو ( ‪ 0292‬م‪ 0923 _ .‬م‪) .‬‬

‫وهو من الرموز الخالدة في علوم الفلك ‪ ..‬كان الكتشافاته الفلكية بواسطة تلسكوب صممه بنفسه‬

‫دو ارً كبي ارً في انتصار نظرية كوبرنيكس وبرونو وأطلق عليه اسم "كولومبس السماء" ‪.‬‬

‫يعتبر جاليلو من أبرز مفكري ذلك العصر الذين صاغوا النظرة الديئية ‪ deism‬إلى الطبيعة التي‬

‫إعتنقها عدد من فالسفة ومفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر؛ أسهمت هذه النظرة إلى جانب‬

‫أصحاب النزعة اإلنسانية والفلسفة البانتيئية ( وحدة الوجود ) في تعزيز وتطور الفلسفة العقالنية‬ ‫والمنهج المادي العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النهضة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة األوروبية في عصر الثورات البرجوازية‬

‫أواخر القرن السادس عشر ونهاية القرن الثامن عشر ‪-:‬‬

‫أدى تفسخ العالقات االجتماعية واالقتصادية في النظام اإلقطاعي األوروبي إلى تغيير كبير في‬

‫الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع ورغم ذلك فقد ظل الدين يحتل مواقع أساسية وهامة في ذهنية‬ ‫الناس ونفوسهم ‪ ,‬ولكن ال شك أن تفسخ العالقات االجتماعية االقتصادية وتراجع الهيمنة الثقافية‬

‫الفكرية الالهوتية أدى إلى خلق المناخ الالزم لقيام الثورات البرجوازية األولى في القرنين السادس‬

‫عشر والسابع عشر؛ بعد أن توفر الظرف الموضوعي الذي أدى إلى انتشار العالقات الرأسمالية‬

‫وتفشيها في مسامات المجتمع اإلقطاعي وبروز العامل الذاتي عبر التحالف بين قوى البرجوازية‬

‫المدينية الصاعدة‪ ,‬وشرائح من األرستقراطية المبرجزة التي تشابكت مصالحها مع مصالح البرجوازية‬

‫وتحولت ملكيتها لألرض كلياً أو جزئياً من حيث توجيه العملية اإلنتاجية لخدمة أغراض وتوجهات‬

‫النمط الرأسمالي الجديد ( الصاعد ) ‪.‬‬

‫بالطبع اتخذت هذه العملية في سياق حركتها الصاعدة مسا ارً تدريجياً بالنسبة للرؤى واألهداف‬

‫الفكرية والفلسفية العامة؛ فقد بدأت هذه الحركة خطواتها األولى تحت راية النزعة الدينية اإلصالحية‬

‫التي يتزعمها مارتن لوثر (‪ 0212‬م‪ 0229 _ .‬م‪ ) .‬الذي كان مؤيداً ومطالباً باإلصالح المعتدل إلى‬ ‫جانب أنه أنكر دور الكنيسة ورجال الدين كوسطاء بين اإلنسان واهلل‪ ,‬وأكد أن "خالص" اإلنسان ال‬

‫يتوقف على أداء األفعال الخيرة واألسرار الغامضة والطقوس وانما يتوقف على اإليمان المخلص الذي‬ ‫يستند إلى أن الحقيقة الدينية ال تقوم على "التقاليد المقدسة" والمراسم وانما على اإليمان دون أي‬

‫وساطة من الكنيسة‪ ,‬وقد عبرت هذ المطالب عن الصراع بين النظرة العامة البرجوازية المبكرة للعالم‬

‫من جهة‪ ,‬واأليديولوجية اإلقطاعية والكنيسة من جهة أخرى ‪ .‬ومما ال شك فيه أن هذه النزعة‬ ‫اإلصالحية الدينية ساهمت في فتح آفاق القطيعة بين الدين والدولة وتعميق تطور مفاهيم المجتمع‬

‫المدني والمثل السياسية البرجوازية ومؤسسات الدولة الديمقراطية من جهة؛ وتطور الفلسفة التجريبية‬ ‫‪40‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والمنهجية العلمية من جهة أخرى‪ ,‬مما أدى إلى فقدان الدين لسيطرته في ميداني العلم والفلسفة‪,‬‬

‫وهي خطوة هامة بالرغم من بقاء دوره بالنسبة لعامة الشعب في المجتمع الرأسمالي ‪.‬‬

‫وفي ضوء هذا التطور الذي أصاب كل مناحي الحياة في عصر النهضة‪ ,‬رفع فالسفة هذا العصر‬

‫رغم االختالفات بين مذاهبهم شعار "العلم" من أجل تدعيم سيطرة اإلنسان على الطبيعة ورفض شعار‬

‫العلم من أجل العلم‪ ..‬لقد أصبحت التجربة هي الصيغة األساسية لالختراعات واألبحاث العلمية‬ ‫التطبيقية في هذا العصر وأبرزها‪:‬‬

‫• صياغة القوانين األساسية للميكانيك الكالسيكي بما فيها قانون الجاذبية الذي وضعه‬ ‫نيوتن (‪. ) 0737 – 0922‬‬

‫• تطوير علوم الرياضيات والهندسة والفيزياء واألحياء_ ديكارت واليبنتز‬ ‫• اكتشاف الدورة الدموية‪ -‬هارفي ‪ " -‬تأكيد اكتشاف ابن النفيس"‬ ‫• قوانين الميكانيك وتعريف مفهوم العنصر الكيميائي_ بويل‪.‬‬

‫• ميزان الحرارة الزئبقي والضغط الجوي_ تورشيللي ( أحد تالمذة جاليليو)‬

‫لم يكن سهالً لهذه االكتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عموماً والمذهب‬

‫التجريبي على وجه الخصوص ‪ ,‬في سياق الحراك والتناقض والصراع االجتماعي الدائم والمستمر‬

‫بوتائر متفاوتة في تسارعها بين القديم والجديد ‪ ,‬إذ أنه بدون هذه الحركة والتناقض لم يكن ممكناً‬ ‫بروز الدعوة من أجل التغيير والتقدم التي عبر عنها فالسفة عصر النهضة في أوروبا أمثال فرنسيس‬

‫بيكون‪ ,‬ديكارت‪ ,‬هوبس‪ ,‬اليبنتز‪ ,‬سبينو از‪.‬‬

‫التنويـــر الفرنسي والفلسفة األلمانية في القرن الثامن عشر ‪-:‬‬

‫أ‪ -‬التنوير الفرنسي ‪:‬‬

‫في فرنسا وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ..‬تطور أسلوب اإلنتاج الجديد _الرأسمالي_‬

‫في أحشاء المجتمع القديم ‪-‬اإلقطاعي‪ ,-‬وقد شهدت فرنسا قبيل الثورة البورجوازية الفرنسية‬

‫(‪ )0716‬بأربعة عقود حركة فكرية واسعة وقوية عرفت "بحـركة التنوير" ‪ ,‬وضع رجالها نصب أعينهم‬

‫مهمة نقد ركائز اإليديولوجية اإلقطاعية‪ ,‬ونقد األوهام والمعتقدات الدينية والنضال من أجل إشاعة روح‬

‫التسامح الديني وحرية الفكر والبحث العلمي والفلسفي واعالء شأن العقل والعلم في مواجهة الغيبية‪,‬‬ ‫ومن اهمهم شارل مونتسكيو ( ‪0916‬م‪0722 – .‬م‪ ) .‬و فرانسوا فولتير ( ‪0962‬م‪0771 – .‬م‪) .‬‬

‫و جان جاك روسو ( ‪ ) 0771 – 0703‬و ديني ديدرو ( ‪. ) 0712 - 0702‬‬

‫بالطبع لم يكن تيار التنوير الفرنسي متجانساً فإلى جانب المادية كانت المثالية والى جانب اإللحاد‬

‫كان التيار الديني ‪ ,‬ولذلك فقد كان الفكر اإلنجليزي أحد أهم مصادر فكر التنوير الفرنسي ‪ ,‬وكالهما‬

‫‪42‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وجها نقداً جاداً للنظام اإلقطاعي والحكم المطلق ‪ ,‬ومهدا الطريق من أجل هدمه وتغيره انسجاماً مع‬ ‫وجهة نظر المصالح البرجوازية الجديدة ‪.‬‬ ‫الفلسفة األلمانية ‪:‬‬

‫عمانويل كانت ( ‪-:) 0112 - 0732‬‬

‫لم يكن فيلسوفاً فحسب‪ ..‬بل كان عالماً طبيعياً كبي ارً أيضاً في مجاالت األنثروبولوجيا ‪ ,‬والجغرافية‬

‫الفيزيائية والكسموجونيا كما كان يحاضر في عدد من العلوم والرياضيات والميكانيكا والفيزياء والتاريخ‬

‫الطبيعي العام‪.‬‬

‫يعتبر "كانت" رائد الفلسفة الكالسيكية األلمانية ومن األركان األساسية ألفكاره أنه "اعتبر التاريخ‬

‫تطو ارً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل بالرغم من أنه وقف نصي ارً لحق التملك لألشياء‬

‫وللناس أيضاً‪ ..‬هذه المفارقات المتناقضة حول الحرية ‪ ,‬هي سمة أساسية للتفكير الرأسمالي الذي‬

‫يتحدث عن الحرية أو الليبرالية والمساواة للمؤسسة الحاكمة دون أي تطبيق لهذه المفاهيم بين‬

‫المواطنين جميعاً ‪ ,‬وهذه القاعدة هي جوهر الممارسة الرأسمالية المشوهة ‪ ,‬المطبقة بصورة فجة‬ ‫ومتوحشة في العالم الثالث عموماً ‪ ,‬وفي بالدنا بوجه خاص ‪.‬‬ ‫جورج ويلهلم فريدريك هيجل (‪) 0120 - 0771‬‬

‫أوال ‪ :‬حياته وعصره ‪ :‬عاش في مجتمع إقطاعي تسوده رجعية النبالء وكذلك عاش مع رياح الثورة‬

‫الفرنسية التي طالبت بتحرير اإلنسان وتأثر بكليهما؛ كما تأثر بـ "كانت" وفلسفته العقلية بمثل ما تأثر‬

‫بالشاعر الرومانسي األلماني "هلدرلين" ‪.‬‬

‫ثانيــاً‪ ..‬فلسفتــه‪ :‬هو من أبرز ممثلي الفلسفة الكالسيكية األلمانية ‪ ,‬وقد كان أول مؤلف له‬

‫"فينومينولوجيا الروح" صدر في عام ‪ 0119‬والذي يشكل حسب تعبير ماركس "المعين الحقيقي"‬ ‫للفلسفة الهيغلية؛ ثم أصدر بعد ذلك مؤلفه الضخم الثاني "علم المنطق"‪.‬‬

‫حدد "انجلز" المكانة التاريخية لـ "هيغل" في تطور الفلسفة بقوله‪" :‬لقد بلغت هذه الفلسفة األلمانية‬

‫الجديدة ذروتها في مذهب "هيجل" والذي تكمن مأثرته التاريخية العظيمة في أنه كان أول من نظر إلى‬ ‫العالم الطبيعي والتاريخي والروحي بوصفه عملية؛ أي في حركة دائمة وفي تغير وتطور‪ ..‬وقام‬

‫بمحاولة للكشف عن العالقة الداخلية لهذه الحركة وهذا التطور؛ وال يهمنا هنا أن يكون "هيجل" لم‬

‫يجد الحل لهذا المسألة‪..‬فمأثرته التاريخية تقوم في طرحه لها…!!‬

‫لقد صاغت فلسفة "هيجل" بشكل منظم النظرة "الديالكيتكية" إلى العالم؛ وما يوافق ذلك من منهج‬

‫ديالكتيكي في البحث‪ ,‬ولقد صاغ "هيجل" الديالكتيك باعتباره علماً فلسفياً يعمم التاريخ لكامل المعرفة‬

‫وكذلك القوانين األكثر شموالً لتطور الواقع الموضوعي وانتقد بعمق وحزم المنهج الميتافيزيقي ليصوغ‬ ‫‪43‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وان كان بشكل مثالي _ قوانين ومقوالت الديالكتيك التي شكلت االساس المعرفي الفكار كارل ماركس‬

‫المادية الجدلية والتاريخية‪.‬‬

‫لقد قام كالسيكيو الماركسية بمعالجة مادية لألفكار اإليجابية في الديالكتيك الهيغلي المثالي‬

‫مستعيضين عن المبدأ المثالي في وحدة الوجود والفكر بالمبدأ المادي القائل بأن وعي اإلنسان هو‬

‫انعكاس للواقع الموضوعي الموجود خارج هذا الوعي وبشكل مستقل عنه‪ ..‬لقد وضعوا منهجاً جديداً‬ ‫في معرفة الواقع يتناقض جذرياً مع المنهج الهيغلي؛ لقد أوقفوه على قدميه بعد أن كان متكئاً على‬

‫رأسه‪ ..‬هذا ما فعله ماركس بعد هيجــل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرز تيارين رئيسيين انعكاساً‬

‫لها أو دفاعاً عنها؛ تيار يميني دعي ممثلوه بالهيغليين الشيوخ الذين تمسكوا باأليدلوجية اإلقطاعية‪/‬‬ ‫المسيحية ضد التيار اليساري أو الهيغليون الشباب ‪ ,‬ومن أبرز الشباب "شتراوس" الذي أصدر كتاب‬

‫"حيــاة يســوع" ودحض فيه المزاعم القائلة بعلة أولى خارقة "وحــي إلهي" واعتبر كل "المعجزات"‬ ‫المسيحية أساطير ناتجة عن موقف جماعي للشعب بأسره خصوصاً في فترة األزمة العميقة التي‬

‫عصفت بمجتمع الرق‪ ..‬لكن حركة الهيغليين الشباب التي لعبت دو ارً تقدمياً في الثالثينات من القرن‬ ‫التاسع عشر وكان ماركس أحدهم ‪ ,‬بدأت تفقد طابعها التقدمي مع ظهور مادية فيورباخ‪ ,‬وماركس‬

‫من بعده؛ حيث قدم هذا األخير بدالً من المطلق الذي يقرر التاريخ ‪ ,‬نظرية صراع الطبقات التي تؤدي‬ ‫حسب الضرورة الهيغلية إلى االشتراكية؛ وقــد عبر عن ذلك ديورانت بقوله‪" :‬لقد فقس هيجـل األستاذ‬

‫اإلمبراطوري بيض االشتراكية" ‪.‬‬

‫لودفيج فيورباخ (‪ -:) 0173 – 0112‬كان هدف فيورباخ تحرير اإلنسان من الوعي الديني؛‬

‫وفي مؤلفه "نقــد فلسفــة هيجـل" أعطى حالً مادياً للمسألة السياسية في الفلسفة وهذا الحل يرتكز على‬

‫اعتبار الطبيعة‪ ,‬أو الوجود‪ ,‬أوال ‪ ,‬تعتبر فلسفته استكماالً وتجاو ازً في الوقت ذاته لمذهب هيجل‪ ..‬فإذا‬

‫كان هيجل يعزل العقل أو الفكر عن اإلنسان ‪ ,‬فإن فلسفة فيورباخ ‪ -‬كما يسميها‪" -‬فلسفة المستقبل"‬ ‫تنطلق من اإلنسان؛ فاإلنسان وحده هو الذات الحقيقي للعقل ‪ ,‬واإلنسان بدوره نتاج للطبيعة‪.‬‬

‫وفي رأيه إذا كان الدين يعد اإلنسان بالنجاة بعد الموت فإن الفلسفة مدعوه لتحقق على األرض ما‬

‫يعد به الدين في عالم الغيب‪ ..‬أي أن على الفلسفة أن تلغي األوهام الدينية لتوفر وتعطي اإلنسان‬ ‫القدرة على معرفة إمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة‪ ..‬وهذا الهدف _السعادة_ هو ما سعى إليه أو‬

‫إلى تحقيقه طوال حياته‪ !..‬ادة واقعاً ينشأ عنه بالضرورة العقل المفكر‪.‬‬

‫اقترب في أواخر حياته من االشتراكية العلمية خصوصاً بعد أن ق أر رأس المال‪ ,‬وأصبح عضواً في‬

‫الحزب الديمقراطي االشتراكي في عام ‪ 0171‬م‪ .‬إالَ أنه لم يصل "بقناعاتــه" إلى مستوى المادية‬

‫الديالكتيكية والتاريخية‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ظهور الفلسفة الماركسية ومصادرها ومكوناتها‬

‫إن امتالك رفاقنا في أطر اليسار العربي لناصية الفلسفة الماركسية‪ ,‬ال يعني حفظ أحكامها‬

‫واستنتاجاتها عن ظهر قلب‪ ,‬بل فهم جوهرها‪ ,‬ومتابعة مساراتها المعرفية المتطورة والمتجددة ‪ ,‬ومعرفة‬

‫كيفية تطبيقها في الممارسة وفي حل المهمات الملموسة لنضالهم التحرري وصراعهم الطبقي‬

‫الديمقراطي الثوري بافاقه االشتراكية ‪ ,‬وبالتالي فان امتالكنا لناصية الفلسفة الماركسية هو أكثر من‬ ‫ضروري في هذه المرحلة البالغة التعقيد في مجتمعاتنا العربية التي تشهد حالة غير مسبوقة من‬

‫االنتفاضات الثورية الشعبية ضد انظمة االستبداد والتبعية والتخلف من جهة وضد ممارسات حركات‬ ‫االسالم السياسي التي تبين للجماهير انها ال تختلف في جوهرها الطبقي وتبعيتها وممارساتها القمعية‬

‫عن االنظمة المخلوعة ‪ ,‬فانطلقت من جديد لتواصل ثورتها حتى تحقيق اهداف الثورة الوطنية‬

‫الديمقراطية التي انطلقت من أجلها‪.‬‬

‫كارل ماركس ‪ ) 0112 – 0101 ( :‬مؤسس فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية واالقتصاد‬

‫السياسي ‪ " ,‬تأثر بأفكار هيجل وفيورباخ وآدم سميث ‪ ,‬نال درجة الدكتوراه في الفلسفة عن رسالته‬

‫بعنوان " االختالف بين فلسفة ديموقرطيس الطبيعية وفلسفة إبيقور " عام ‪ , 0120‬ومن خالل دراسته‬ ‫لالقتصاد السياسي ومشاركته في األحداث الثورية في المانيا وفرنسا ‪ ,‬اكتشف ألول مره الدور‬ ‫التاريخي للبروليتاريا وتوصل إلى النتيجة القائلة بحتمية الثورة االجتماعية وضرورة توحيد حركة‬ ‫الطبقة العاملة ‪ ,‬كما وضع نظرية فائض القيمة التي تمثل حجر الزاوية في االقتصاد السياسي‬

‫االشتراكي وتكشف بوضوح عملية االستغالل الرأسمالي ‪ ,‬أصدر العديد من األبحاث والكتب أهمها "‬

‫المخططات االقتصادية والفلسفية " (‪ )0122‬و " العائلة المقدسة " (‪ )0122‬و " االيديولوجيا‬

‫األلمانية " (‪ )0129‬و"بؤس الفلسفة " (‪ " )0127‬و"إطروحات حول فيورباخ " بالتعاون مع زميله "‬

‫إنجلز " ثم أصد ار معاً " البيان الشيوعي " (‪ " )0121‬الذي وضع الخطوط العريضة لتصور جديد للعالم‬

‫‪ ,‬وهو المادية المتماسكة ونظرية صراع الطبقات والدور الثوري للطبقة العاملة ‪ ,‬وبعد أن وضع عدداً‬ ‫من الكتب الهامة حول الثورة في فرنسا وأوروبا والصراع الطبقي ‪ ,‬أصدر في عام ‪ 0197‬المجلد‬

‫األول لكتابه الرئيسي البالغ األهمية " رأس المال " والذي تم استكماله فيما بعد على يد رفيقه "‬ ‫فريدريك انجلز" ‪ 0112‬و ‪. 0162‬‬

‫إلى جانب كل ذلك ‪ ,‬فقد كان ماركس فيلسوفاً مادياً جدلياً " رفض فهم الفلسفة على إنها علم‬

‫مطلق ‪ ,‬غريب عن الحياة العملية والنضال ‪ ,‬مؤكداً إن مهمة الفلسفة والفكر االجتماعي ليست بناء‬

‫ضع نظريات تصلح لجميع العصور والدهور ‪ ,‬بل إن‬ ‫أو إنشاء ‪ Construction‬المستقبل ‪ ,‬وال َو َ‬ ‫مهمتها " النقد الذي ال يرحم لكل ما هو قائم ‪ ,‬نقد ال يرحم بمعنيين ‪ ,‬ال يهاب استنتاجاته الذاتية ‪ ,‬وال‬

‫يتراجع أمام االصطدام بالسلطات القائمة ‪ ,‬هكذا طرح ماركس مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم ‪" ,‬‬ ‫‪45‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حب الحكمة " أو " علم العلوم " ‪ ,‬إنه ضد عزل الفلسفة عن النشاط العملي ‪ ,‬والسيما حركة الكادحين‬

‫والفقراء التحريرية ‪ ,‬فهو يقول " الشئ يمنعنا أن نربط ممارستنا بنقد السياسة ‪ ,‬بموقف حزبي معين‬

‫في السياسة ‪ ,‬أي أن نربط ونقرن نقدنا بالنضال الواقعي ‪ ..‬إن مأثرة فلسفة ماركس تكمن في كونها‬ ‫البرهان الفلسفي والعملي في آن واحد على حتمية التحويل الجذري لمجتمعاتنا نحو االنعتاق والتحرر‬

‫والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية‪ ,‬رغم كل ما يتبدى اليوم من مظاهر القوة والعدوان للتحالف‬ ‫االمبريالي الصهيوني في بالدنا من ناحية ورغم كل عوامل وأدوات ورموز الهبوط السياسي والتبعية‬

‫والقهر والتخلف السلفي الرجعي والليبرالي الهابط من ناحية ثانية ‪.‬‬ ‫مصادر الفلسفة الماركسية ‪:‬أوالً ‪ :‬الفلسفة األلمانية ‪:‬‬

‫• هيجل ‪ )0120 – 0771( :‬أبرز رجاالت الفلسفة الكالسيكية األلمانية ‪ ,‬وقد بلغت هذه الفلسفة‬

‫ذروتها في مذهبه الذي تكمن مأثرته التاريخية في أنه كان أول من نظر إلى العالم ‪ ,‬الطبيعي‬ ‫والتاريخي والروحي بوصفه عملية ‪ ,‬أي في حركة دائمة ‪ ,‬في تغير وتطور ‪ ,‬إنها عملية ديالكتيكية ‪,‬‬

‫وهو أول من أعطى صياغة دقيقة لقوانين الديالكتيك األساسية ‪ ,‬لكنه رغم ذلك وقف على أرضية‬

‫المثالية الفلسفية الخاطئة ‪.‬‬

‫• لودفيج فيورباخ ( ‪ ) 0173 – 0112‬لعبت فلسفته المادية دو ارً هاماً في وضع ماركس وانجلز‬

‫للرؤية المادية ‪ ,‬لقد وجه فيورباخ نقداً عنيفاً للمثالية الهيجلية ‪ ,‬لكنه عموماً ظل مادياً ميتافيزيقياً ‪,‬‬

‫بسبب أن ماديته لم تتفهم القيمة العلمية لديالكتيك هيجل ‪ ,‬كذلك لم يدرك حق اإلدراك ماهية اإلنسان‪,‬‬

‫فاعتبره كائناً بيولوجياً فقط ‪ ,‬ولم يتبين الجانب المادي من العالقات االجتماعية ‪.‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬االقتصاد السياسي االنجليزي ‪:‬‬

‫‪ -‬من المصادر أيضاً النظريات االقتصادية التي وضعها كل من آدم سميث (‪) 0761 – 0732‬‬

‫وديفيد ريكاردو (‪ ) 0132 – 0773‬وخاصة نظرية القيمة – العمل التي كان لها أهمية بالغة في‬

‫تكون المذهب الفلسفي الماركسي ‪ ,‬إن نظريتهما أوضحت وألول مرة أهمية األساس االقتصادي لنشاط‬

‫الناس ‪ ,‬كما بينا أن تطور المجتمع يرتكز إلى التفاعل االقتصادي بين الناس ‪ ,‬لكنهما ( سميث‬

‫وريكاردو ) كونهما من المدافعين عن الرأسمالية ‪ ,‬عمال على تبرير استغالل الرأسماليين للعمال ‪,‬‬ ‫وصو ار هذا االستغالل تفاعالً بين شريكين متكافئين في إطار عالقات السوق ‪ ,‬أما الربح فاعتبراه‬ ‫مكافأة للرأسمالي على تنظيم االنتاج وادارته ‪ ,‬المهم أن مذهبهما االقتصادي كان منطلقاً للبحث‬ ‫الالحق للعالقات االقتصادية وللكشف عن التناقض بين العمل والرأسمال من حيث هو التناقض‬

‫األساسي في المجتمع البرجوازي ‪.‬‬

‫‪46‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ثالثا ‪ :‬االشتراكية الطوباوية ‪:‬‬

‫من المصادر أيضاً ‪ :‬األفكار االشتراكية الطوباوية ‪ ,‬وأهم الرموز ‪ :‬سان سيمون (‪– 0791‬‬

‫‪ ) 0132‬وفورييه ( ‪ ) 0127 – 0773‬وروبرت اوين (‪ , ) 0121– 0770‬وقد لعبت هذه األفكار‬

‫دو ارً هاماً في التمهيد لظهور الفلسفة الماركسية ‪ ,‬وخاصة المادية التاريخية ‪ ,‬لقد ارتكزت أفكار هؤالء‬ ‫الرواد على مطالبتهم بضرورة انتشار الملكية العامة ( الجماعية ) والعمل الجماعي ‪ ,‬بما يسمح‬ ‫بالقضاء على بؤس الجماهير ‪ ,‬لكنهم لم يروا السبل المؤدية إلى التحول االشتراكي وأنكروا دور الثورة‬

‫والصراع الطبقي أو لم يفهموه ‪ ,‬واعتبروا أن الطريق إلى االشتراكية يمر عبر التنوير وتعاون الطبقات‪,‬‬

‫وهو أمر مستحيل ‪ ,‬تلك هي مثاليتهم ‪.‬‬

‫على ضوء االنجازات النظرية ألبرز رجاالت الفلسفة واالقتصاد السياسي ‪ ,‬واالشتراكية الطوباوية‪,‬‬

‫وضع ماركس وانجلز نظرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع ألول مرة في تاريخ العلم بين المادية‬

‫الفلسفية والمنهج الديالكتيكي ‪ ,‬وتعطي تفسي ارً علمياً لحياة المجتمع البشري ‪ ,‬وبفضلهما تحول العلم‬

‫الفلسفي ليصبح أداة بيد الطالئع المثقفة والقوى الكادحة والبروليتاريا في نضالها لتغيير العالم‪.‬‬

‫إن الفلسفة الماركسية هي علم عن قوانين عالقة الوعي بالعالم الموضوعي ‪ ,‬عن القوانين العامة‬

‫للحركة في الطبيعة والمجتمع والفكر البشري ‪.‬إن ظهور الماركسية في أربعينات القرن التاسع عشر‬

‫ترافق مع تطور الرأسمالية وتَ َك ُّ‬ ‫شف طبيعتها التناحرية وجوهرها القائم على االستغالل والقهر كما‬ ‫نشاهده ونلمسه ونعاني منه يومياً عبر همجية وتوحش العولمة االمريكية وحليفها الصهيوني في‬

‫بالدنا‪.‬‬

‫لذلك ‪...‬علينا التأكيد‪ ,‬على رفاقنا في احزاب وفصائل اليسار ‪ ,‬أننا أحوج ما نكون اليوم إلى توفر‬

‫الحد المقبول من اإلطالع على مؤلفات ماركس‪ ,‬والمؤلفات الماركسية الحديثة والمعاصرة‪ ,‬وقبل كل‬

‫شيء أن نكون مالكين للوعي بكل جوانب واقع مجتمعاتنا الراهن‪ ,‬السياسي واالجتماعي واالقتصادي‪,‬‬

‫بوضوح كبير‪ ,‬مدركين أن الماركسية ليست كل ما قاله ماركس‪ ,‬فهي لم تتشكل دفعة واحدة‪ ,‬بل تمت‬ ‫وتحددت عبر خبرة طويلة من المعرفة الفلسفية والعلمية والممارسات العملية‪ .‬ماركسية ماركس إذن‬

‫هي ثمرة أوضاع تاريخية واجتماعية وفكرية محددة‪ ,‬عبر تطورها في عصره والى يومنا هذا‪,‬‬

‫فالمعروف أن الذي يميز النظرية الماركسية عن غيرها من األنساق النظرية والفلسفية السابقة أمور‬

‫ثالثة‪:‬‬

‫األول‪ -:‬أنها تستمد عناصرها ومعطياتها وبالتالي قوانينها في الدراسة العلمية العينية الملموسة‬ ‫للواقع االقتصادي واالجتماعي الفكري والصراعي‪.‬‬

‫الثاني‪ -:‬هو أنها ليست مجرد نظرية معرفية علمية تستمد هدفها من الدراسة العلمية الموضوعية‬

‫وانما تتضمن كذلك موقفاً موضوعياً كنظرية لتغيير الواقع تغي ارً جذرياً إلقامة واقع مغاير‬

‫‪47‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يتخلص فيه اإلنسان من االضطهاد الوطني والقومي ومن الفقر والقهر واالستغالل‪,‬‬

‫وتتفجر فيه إنسانيته اإلبداعية وتتوفر له الحرية الحقيقية‪.‬‬

‫الثالث‪ -:‬الممارسة العملية تتم وفق هذه المعرفة‪ ,‬وهي شرط لها‪ ,‬فالممارسة هي مصدر أساسي‬ ‫في الوقت نفسه لهذه المعرفة‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم‪ ,‬فإن الماركسية تقف من حيث جوهرها ضد أمرين‪ :‬ضد التجريد المطلق من‬

‫ناحية‪ ,‬وضد التجريب البرغماتي من ناحية أخرى‪ ,‬وبالتالي ضد أي فكر عقائدي جامد غير نقدي وغير‬

‫علمي‪ ,‬وضد أي ممارسة تقوم على هذا الفكر‪.‬‬

‫من هنا فإن مادية ماركس الجدلية‪ ,‬تعني معرفة األشياء والوقائع كما هو في تحققها الفعلي ال في‬

‫تصوراتها الوهمية وال في جزئياتها المنعزلة‪ ,‬وانما في عالقاتها وتشابكاتها التي تتخذ أشكاالً مختلفة‪,‬‬ ‫فالماركسية بقدر ما هي نظرية متكاملة إال أنها في الوقت نفسه منهجاً علمياً متكامالً أيضاً‪.‬‬

‫كذلك األمر‪ ,‬فإن ماركس لم يقدم برنامج عملي للتحول االشتراكي‪ ,‬وانما قدم خطوط عامة‪ ,‬ولقد‬

‫استطاع لينين أن يقود عملية الثورة وأن يحققها باقتدار عبقري في مواجهة الضرورات العملية‬ ‫والفكرية والتنظيمية التي فرضتها األوضاع الخاصة والدولية آنذاك‪ ,‬وكانت له إبداعات فكرية وعملية‬

‫عديدة مثل‪ -:‬نظرية قيام االشتراكية في بلد واحد‪ ,‬ونظرية أضعف الحلقات‪ ,‬ونظرية الثورة الثقافية‪,‬‬ ‫ونظرية حق تقرير المصير‪...‬الخ‪.‬‬

‫أخي ارً‪ ,‬البد أن نؤكد‪ ,‬قبل كل شيء على أن الماركسية هي فلسفة تقوم على نظرة جديدة للواقع‬

‫المعاش‪ ,‬وهي فلسفة ديناميكية ترتكز أيضاً على رفض النسق المنغلق على نفسه‪ ,‬فقد قدمت لنا‬ ‫نتائج مختلفة ومتضادة في بعض األحيان جعلتنا نستطيع فهم المجتمعات الحالية‪.‬‬

‫تمتاز إذن الفلسفة الماركسية عن اإلنساق الفلسفية المألوفة (الديكارتية والهيغلية ‪...‬الخ) بأنها‬

‫غير نهائية ترفض االنغالق‪ ,‬وبأنها تستبطن داخل نظريتها ميادين تطبيقها فتخلق بذلك وحدة عضوية‬

‫بين النظرية والممارسة‪ .‬وال بد أن نالحظ هنا أن الماركسية ليست منهجاً فقط يستخدم لفهم‬

‫المجتمعات اإلنسانية وتطوراتها‪ ,‬بل هي أساساً نظرية عن قضايا اإلنسان تستخدم منهج المادية‬

‫الديالكتيكية‪ ,‬وال يمكننا أن نعتبرها قوالً جامداً ودغمائياً عن العالم والحياة يضاف إلى األقوال األخرى‬ ‫المتواجدة على الساحة الفكرية‪ .‬فالماركسية تقرير معمم لمبادئ المنهج ونظرية متطورة تتفاعل مع‬

‫التحليل العيني للواقع العيني‪ .‬لهذا نستطيع القول بأنها تهتم قبل كل شيء بتحديد سبل التفكير‬ ‫ومناهجه‪ ,‬وبمبادئ استنباط المفاهيم وتجميعها‪ ,‬وبالسيطرة على الحقائق االجتماعية والسياسية‬

‫والعلمية عامة‪ ,‬وذلك بتأسيس نظرية علمية ترتكز على قوانين الفكر الديالكتيكي الصحيح والمضاد‬

‫للمثالية‪.‬‬

‫فالمنهج الديالكتيكي المادي هو النظرة الجدلية التي تهدف إلى تفسير األشياء داخل العالم المادي‬

‫تفسي ارً نقدياً يدرك حركية األشياء ويلم بكل ظواهرها دون االلتجاء إلى التجريد الميتافيزيقي الذي يرى‬ ‫‪48‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أن وجود المادة يتوقف حتماً على العنصر المثالي أو الروحي أو العقلي‪ .‬فالنشاطات اإلنسانية عامة‬ ‫تنشأ‪ ,‬حسب الماركسية‪ ,‬نتيجة الظروف المادية للحياة اإلنسانية‪.‬‬

‫ومن هنا نستخلص أن الماركسية ليست فلسفة تضاف إلى الفلسفات األخرى كاألفالطونية أو‬

‫الديكارتية وليست معتقداً أو نسقاً من األفكار مطبوعة بطابع شعوري كاإلسالم أو المسيحية وليست‬

‫أيضاً نتاجاً ذهنياً وعقائدياً لتشكيلة اجتماعية تعبر عن مطامحها وتنبع من واقعها‪ .‬ورغم أنها حوت‬ ‫كل هذه المعطيات فتشابك فيها العنصر الفلسفي بالعنصر الشعوري وبالعنصر العقائدي‪ ,‬فهي قبل كل‬

‫شيء نظرة أصلية للواقع االجتماعي واإلنساني تحدد ال محالة سلوكاً معيناً ورؤية فكرية خاصة ولكنها‬

‫تفرض تفسي ارً علمياً للظواهر االقتصادية واالجتماعية والسياسية ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬نشير إلى تطور الفكر الماركسي ما بعد لينين عبر العديد من المفكرين والقادة‬

‫من أمثال جورج لوكاتش‪ ,‬وتروتسكي‪ ,‬ومدرسة فرنكفورت‪ ,‬وماوتسي تونج‪ ,‬وجرامشي‪ ,‬والتوسير‪,‬‬

‫وجورج البيكا‪ ,‬وهابرماس‪ ,‬وارنست ماندل وجون مولينو‪...‬إلخ‪ ,‬إلى جانب العديد من المفكرين‬

‫والمثقفين في أمريكا الالتينية وأسيا وفي بالدنا العربية من أمثال د‪.‬فؤاد مرسي‪ ,‬محمود أمين العالم‪,‬‬

‫مهدي عامل‪ ,‬سمير أمين‪ ,‬اسماعيل صبري عبداهلل‪ ,‬وصادق العظم ‪,‬حسين مروة ‪ ,‬إلياس مرقص‪,‬‬

‫فوزي منصور‪ ,‬هشام غصيب‪ ,‬وماهر الشريف‪ ,‬عبد الباسط عبد المعطي‪ ,‬عبد اهلل العروي‪ ,‬ياسين‬

‫الحافظ‪ ,‬هشام جعيط‪ ,‬وجيلبير األشقر‪ ,‬سالمة كيلة ‪..‬إلخ‪.‬‬

‫واليوم في عصرنا الراهن‪ ,‬عصر تراجع العولمة األحادية األمريكية لحساب تعددية قطبية (تضم‬

‫باإلضافة لإلتحاد األوروبي واليابان دوالً متطورة مثل‪ :‬الصين والبرازيل والهند إلى جانب الدور المركزي‬

‫لروسيا) بسبب تفاقم األزمة المالية واالقتصادية المالية والعالمية التي تفجرت في نهاية العام ‪3111‬‬ ‫ولم تتوقف تراكماتها حتى اللحظة سواء في بلدان المركز ‪ /‬النظام الرأسمالي العالمي عموماً أو في‬

‫بلدان األطراف خصوصاً حيث ستتعرض هذه البلدان الفقيرة لمزيد من االنعكاسات الخطيرة لألزمة‬

‫المالية تضاف إلى ما تعانيه شعوبها من إفقار وتخلف وتبعية بسبب االستغالل الرأسمالي البشع‬

‫لمواردها‪ ,‬كل هذه المتغيرات‪ ,‬إلى جانب استعادة قوى اليسار العالمي لدورها ووصولها إلى السلطة في‬

‫العديد من بلدان العالم في أمريكا الالتينية وأسيا‪ ,‬ستعزز حاجة شعوب األطراف عموماً وقواها وأحزاب‬

‫اليسار فيها إلى االشتراكية والى الفكر الماركسي أكثر بما ال يقاس من الحاجة إليها في عهد ماركس‪.‬‬ ‫ذلك أن الحكم على االشتراكية والفكر الماركسي ال يكون بما أصاب التجربة السوفييتية االشتراكية من‬

‫انهيار‪ ,‬وانما الحكم الصحيح على االشتراكية والماركسية يكون عبر ما تعانيه الرأسمالية العالمية اليوم‬ ‫من عجز عن تقديم حلول للمشكالت األساسية للواقع اإلنساني من ناحية‪ ,‬وبشراستها العدوانية‬

‫واالستغاللية إزاء شعوب العالم الثالث عموماً وشعوب أمتنا العربية خصوصاً من ناحية ثانية‪.‬‬

‫هكذا تبرز االشتراكية والماركسية كضرورة ما تزال تتطلع إليها هذه األوضاع التي تزداد تردياً في‬

‫حياة شعوب العالم وخاصة شعوب بالدنا العربية‪ .‬وهكذا نعود إلى البداية متسائلين‪ :‬هل ما تزال‬ ‫‪49‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الماركسية كما قال بها ماركس هي نفسها لم تتغير وعلينا أن نرفع أعالمها؟ ونجيب بوضوح إن‬ ‫الماركسية في تقديرنا ما تزال تحمل من المصادر النظرية والتوجهات المنهجية ما يجعلها أساسية في‬

‫مرجعيات الفكر االشتراكي والنضال االشتراكي وخاصة فيما يتعلق باستنادها إلى البحث العلمي إلى‬

‫جانب رؤيتها النظرية الفلسفية‪ ,‬المادية الجدلية‪ ,‬فضالً عن الطابع النضالي للماركسية من أجل‬ ‫االنتقال بالمجتمعات البشرية من مرحلة الرأسمالية المعولمة إلى مرحلة االشتراكية‪.‬‬

‫ولكن علينا أن نضيف عبر البحث واالجتهاد والوعي كل ما استجد منذ ظهور الماركسية وحتى‬

‫اليوم من تطورات علمية وتكنولوجية‪ ,‬وبخاصة متابعة ما يتحقق اليوم من ثورة كاملة في إجمالي‬

‫علوم االتصال والمعلومات إلى جانب امتالكنا للخبرات السياسية واالجتماعية واالقتصادية في سياق‬

‫حرصنا على بناء المقومات الالزمة الستنهاض حزبنا في الجبهة استنهاضاً حقيقياً ال يمكن تحققه إال‬

‫بتحقيق شرط بناء الحزب العصري الملتزم بصورة جدلية بالماركسية في حركتنا وتطورها الصاعد‬ ‫والمستمر وعبر التطبيق الخالق لقوانينها على واقعنا الفلسطيني والعربي لكي نسهم في صنع‬

‫المستقبل الواعد لجماهيرنا العربيةعبر تحقيق اهدافها وتطلعاتها في التحرر والديمقراطية والعدالة‬

‫االجتماعية واالشتراكية‪.‬‬

‫‪51‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ّ‬ ‫إىل رفيقي أمحد سعدات يف عيده الستني‬

‫‪32 / 3 / 3102‬‬

‫أسجل ورفاقي في الجبهة فخرنا واعتزازنا ب َك‬ ‫رفيقي أحمد "أبو غسان" ‪ ,‬في عيد ميالدك الستين ّ‬ ‫وبصمودك وبدورك الطليعي الثوري حفاظاً على سندياتنا ‪ ..‬جبهتنا الشعبية وهويتها الفكرية ومبادئها‬ ‫وأهدافها الوطنية والقومية واألممية ‪ُ .‬ك ّل ٍ‬ ‫أنت بألف خير أيها القائد الصامد في هذا الزمن العربي‬ ‫عام و َ‬

‫الرثة والهبوط السياسي‬ ‫الرسمي‬ ‫الصامت المحكوم بأفكار الظالم والتخلّف والخضوع باسم الواقعية َّ‬ ‫ْ‬ ‫االنتهازي وأوهام الربيع ‪ ..‬لكنك بصمودك وبسالتك في مجابهة السجان الصهيوني تظل نبراسا مضيئا‬ ‫‪-‬مع كل الرفاق أمثالك‪ -‬تتحدى ظالم المرحلة وهبوطها بمثل ما نتحدى بشاعة االنقسام والصراع على‬

‫السلطة و المصالح الفئوية بين فتح وحماس ‪.‬‬

‫غسان واألبناء من عائلتك‬ ‫أيها المناضل المثال لي ولكل رفاقنا في الجبهة ‪ ..‬وللرفيقة الغالية أم ّ‬ ‫بك وبانتمائك بمثل وفائها لكل قرية ومدينة ومخيم في فلسطين ‪ ..‬يا َم ْن‬ ‫الصغرى‬ ‫لك والفخورة َ‬ ‫الوفيه َ‬ ‫ّ‬

‫تُجيد مع رفاقك واخوانك األسرى الحياة رغم معاناة االعتقال وقسوة العدو وجغرافيا الزنزانة ‪ ..‬لقد‬ ‫وص ُغ َر الوطن ‪ ,‬لكن لم ولن تَص ُغر أحالم األحرار و أحالم الثّوار التي‬ ‫ص ُغ َر ْت كل األشياء يا رفيقي َ‬ ‫َ‬

‫ستظل كبيرة‪ ..‬تستلهم من صمودك مزيدا من القوة والنضال من أجل إنهاء االنقسام واستعادة روح‬

‫جنت‬ ‫وس َ‬ ‫شعبنا واستنهاض مسيرته الثورية حتى تحقيق األهداف التي استشهد من أجلها اآلالف ‪ُ ..‬‬ ‫ورفاقك واخوانك من أجلها ‪.‬‬

‫رت مع السجن وفيه ‪ ..‬لكن تحديك للسجان‬ ‫رفيقي أحمد ‪ ..‬في عيد ميالدك الستين أقول ‪َ ..‬ك ُب َ‬ ‫الصهيوني يعزز في كل رفيق من رفاقك اآلمال التي تكبر من رحم المعاناة و والتضحيات اآلالم ‪..‬‬

‫اك اليوم أنشودةً للنضال ‪ ,‬ومثاالً وقدوةً للرفاق ونغمة ٍ‬ ‫حب دافئة في سيمفونية جبهتنا الشعبية‪.‬‬ ‫إنني أر َ‬ ‫ال أبالغ إذا قلت أننا ورفاقك نتذكرك مع كل تضحية وفي كل مناسبة ومع كل معاناة أسير ‪ ,‬مع إضراب‬ ‫المي وملح" ومع كل إشراقة شمس صباح غير صباح ميالدك‬ ‫سامر وأيمن عن الطعام ‪ ,‬مع " ّ‬ ‫وحريتك‪ ...‬معاً وكل المناضلين من رفاقنا في فلسطين ورفاقنا في الوطن العربي والعالم كله نعاهدك‬ ‫أن يستمر نضالنا المشترك ليس فقط من أجل التضامن معكم ولكن من أجل حريتكم وكل رفاقنا‬

‫واخواننا األسرى لنفرح معاً ونواصل النضال من أجل الحرية والعودة واقامة دولة فلسطين الديمقراطية ‪.‬‬

‫كل عام وأنت بخير رفيقي أبو غسان ‪.‬‬

‫‪50‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االقتصاد الفلسطيني وسبل اخلروج من أزماته املستعصية‬ ‫‪3103/3/4‬‬ ‫حديثنا عن واقع ومكونات االقتصاد الفلسطيني وآفاقه ‪ ،‬هو حديث عن العالقة الداخلية في مجتمعنا‪،‬‬

‫يرتكززإ ىلززس ااسززر النالريززة لالقتصززاد السياسززي الماركسززي واالتشززتراكية والمززنما المززادي الجززدلي‪ ،‬ويسززخرها‬ ‫في تحليل الواقع ‪ ،‬بما يحقق التجسيد المأمول في وحدة النالرية والممارسة في مجرى النضال الديمقراطي‬ ‫والصراع الطبقي لمجابمة مالاهر االستغالل واإلفقار التي تنتشأ عن تإايد التراكم الرأسمالي واتسزاع الفجزوة‬

‫بين القلة من ااثرياء وااغلبية الساحقة من الجماهير‪ ،‬والعمل علس توفير عناصزر االسزتقرار االقتصزادي‬

‫الفلسزطيني علزس أسزار فزت التبعيزة مزع االقتصزاد اإلسزراليلي ووالغزاء بروتوكزول بزارير‪ ،‬وفزي ىطزار التزرابط‬ ‫والتكامززل مززع االقتصززاد العربززي ‪ ،‬وفززق أسززر التنميززة المسززتقلة والتخطززيط المادفززة ىلززس ىلغززاء آليززات اقتصززاد‬ ‫السوق وتحقيق العدالة االجتماعية بآفاقما االتشتراكية ‪.‬‬

‫ونالز الر لتززأثير العوامززل االقتصززادية علززس العالقززات السياسززية بززين النززار والززدول‪ ،‬ف ننززا مززع وجمززة النالززر‬

‫التي تعرف مبادئ علم االقتصاد السياسي بأنه االقتصاد الذي يدرر الجانز‬

‫االجتمزاعي مزن اإلنتزاو‪ ،‬أو‬

‫العالقززات االجتماعيززة المرتبطززة باإلنتززاو والتوإيززع‪ ،‬بمعنــى أن علــم االقتصــاد السياســي هــو علــم تطــور‬ ‫العالقــات االجتماعيــة لإلنتــاج ارتباط ـاً بتطــور العالقــات االقتصــادية بــين النــاس‪ ,‬ذلــك هــو فهمنــا ‪-‬فــي‬

‫الجبهــة‪ -‬للظــواهر والعمليــات االقتصــادية فــي إطــار عالقــات اإلنتــاج الرأســمالي‪ ,‬المحكومــة لمعادلـــة‬ ‫"جماعية اإلنتاج والملكية الفردية لوسائل اإلنتـاج" ‪ ,‬حيـث يتجلـى االسـتغالل أو االسـتيالء علـى فـائض‬ ‫القيمة من العامل لحساب الرأسمالي كمحدد رئيسي للعالقة بينهما ‪.‬‬

‫وفززي مرحلززة اإلمبرياليززة تطززور تشززكل ومضززمون االسززتغالل ىلززس االسززتيالء علززس فززال‬

‫القيمززة للتشززعو‬

‫المستعمرة والفقيرة‪ ،‬خاصة في الروف العولمة الراهنزة ‪ ،‬تحقيقزال للمبزدأ ااساسزي لل أرسزمالية‪ ،‬الزذي يزتلخ‬ ‫في التوسع والمنافسة بمدف ضمان أكبر نسبة من الربح (رأر المال ينإف دمال من كل مساماته)‪.‬‬ ‫ما يممنا التأكيد عليه فزي مرحلزة العولمزة الراهنزة ‪ ،‬يزتلخ‬

‫فزي بتشزاعة انتزإاع الفزال‬

‫وتعميزق انقسزام‬

‫العالم ىلس بلدان (مناطق) غنيزة تستحوذ علس ‪ %58‬من الناتا اإلجمالي للكرة اارضية ومناطق فقيرة ال‬ ‫يتجاوإ نصيبما ‪ ، %08‬وتنحصر هذه المناطق في بعز‬

‫الل قيود التبعية والتخلف والخضوع ‪.‬‬

‫بلزدان آسزيا وأفريقيزا وبلزدان الزوطن العربزي فزي‬

‫وضمن هذه المجموعزة ‪ ،‬تنزدرو فلسزطين فزي أدنزس السزلم االقتصزادي والتنمزوي عبزر خضزوعما لتشزروط‬

‫العولمة اإلمبريالية من جمة و تشروط دولة العدو الصميوني وقيودها من جمة ثانية ‪.‬‬

‫‪52‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المنطلقات األساسية لالقتصاد الفلسطيني كما تحددت في القانون األساسي ‪:‬‬

‫رغم وجود تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة‪ :‬البطالة‪ ,‬والفقر وفجوة الموارد المحلية‪ ,‬واختالالت‬

‫هيكلية جذرية وجوهرية في االقتصاد وسوق العمل المج أز والمفتت بين الضفة الغربية والقدس وقطاع‬

‫غزة وارث االحتالل الثقيل‪ ,‬إال أن المشرع الفلسطيني قد سارع إلى إقرار منهج اقتصاد السوق الحر ‪,‬‬ ‫ودون تقدير أو دراسة إلمكانيات التطبيق ‪.‬‬

‫فقد حدد القانون األساسي منهج االقتصاد الحر حسب المادة (‪ )30‬التي نصت على أن‪ :‬النظام‬

‫االقتصادي في فلسطين يقوم على أساس مبادئ وآليات االقتصاد الحر على الرغم من المعوقات‬ ‫الخارجية والداخلية التي تمنع هذه اآلليات من االنتتشار والتطور واستغالل الموارد واالستثمار وتحقيق‬ ‫الكفاءة االقتصادية‪ ،‬ومن بين هذه المعوقات‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬تقسيم الضفة الغربية بموج‬

‫اتفاق طابا عام ‪ 0998‬ىلس مناطق جغرافية ثالث هي ( ‪C, B‬‬

‫‪ ),A‬علس أساسما تم تحديد صالحيات ومسؤوليات السلطة الفلسطينية في كل منطقة ‪ .‬علمال‬ ‫بان المنطقة (‪ )C‬وهي تتشكل معالم مساحة الضفة الغربية الكلية لير للسلطة أي صالحيات‬

‫مدنية أو أمنية ‪ .‬مما يعني أن السيادة الوطنية الفلسطينية ليست كاملة على األرض‬

‫والموارد‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬حالة التجإلة واالنقسام والتفكت الجغرافي واالقتصادي الداخلي بين الضفة الغربية وقطاع غإة‪.‬‬ ‫وهو ما أدى ىلس تتشكل سوقين بل وحكومتين منفصلتين تماما‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬سيطرة سلطات االحتالل اإلسرائيلي على الحدود والمعابر الخارجية‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬تأثر قوى العرض والطلب وجهاز األسعار في األراضي الفلسطينية بقوى العرض والطلب‬ ‫واألسعار والسياسات االقتصادية السائدة في االقتصاد اإلسرائيلي بحكم التبعية (التجارية‬

‫والمالية والنقدية والعمل )‪.‬‬

‫فاالقتصاد الفلسطيني يتسم بكونه اقتصاد هش وضعيف ‪ ,‬تابع ومشوه ‪ ,‬ومج أز ‪,‬و مستورد بالدرجة‬

‫األولى‪ ,‬ويهيمن عليه الطابع االستهالكي‪ -‬الخدماتي‪ .‬كما أن القطاع الخاص الرأسمالي في األراضي‬ ‫الفلسطينية ال هم له سوى الربح على حساب األهداف الوطنية في معظم الحاالت ‪ ,‬حيث يتركز معظم‬ ‫نشاطه في قطاعات التجارة والخدمات والعقار والمصارف والمضاربات المالية واإلنشاءات ‪ ,‬ويبتعد‬ ‫كثي ار عن االستثمار في القطاعات اإلنتاجية خاصة الزراعية والصناعية‪ ,‬األمر الذي أدى ىلس تعري‬

‫الصناعة الفلسطينية الناتشلة للمنافسة التشديدة مع السلع المستوردة خاصة الصينية‪ ،‬ومن ثم تراجع دور‬ ‫الصناعات التحويلية‪ -‬السيما المالبر وااحذية وبع‬ ‫وقدرتما االستيعابية لأليدي العاملة وتوفير فر‬

‫المحلي اإلجمالي لحسا‬

‫الصناعات الغذالية‪ -‬في تتشغيل الطاقة اإلنتاجية‬

‫العمل‪ ،‬وتراجع مساهمة الصناعة ككل في الناتا‬

‫المصالح الكومبرادورية والطفيلية ‪.‬‬

‫‪53‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي مثل هذه األوضاع‪ ,‬من المستحيل أن يقوم اقتصاد السوق الحر‪ ,‬بالعمل على تحقيق أهداف‬

‫التنمية االقتصادية واالجتماعية المتوازنة في حالة األراضي الفلسطينية اليوم وغداً ‪.‬‬

‫ذلك إن تحقيق بعض أهداف التنمية ‪ ,‬تتطلب منا في الجبهة الشعبية المطالبة بتعديل المادة (‪)30‬‬

‫من القانون األساسي بحيث تصبح كما يلي‪ :‬يقوم النظام االقتصادي في فلسطين على أساس مبادئ‬ ‫االقتصاد المختلط والتخطيط الذي يضمن تدخل الدولة وملكيتها لوسائل اإلنتاج الرئيسية بما يضمن‬

‫تطبيق مبادئ العدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص والضمان االجتماعي والربط بين مبدأ االقتصاد الحر‬ ‫ومبدأ التوازن االجتماعي‪ ,‬أسوة بالبلدان الرأسمالية التي تخلت عن الهيمنة المطلقة لمبادئ االقتصاد‬

‫الحر وربطت بينها وبين مبادئ العدالة االجتماعية والضمانات االجتماعية والصحية‪.‬‬ ‫األوضاع االقتصادية يف األراضي الفلسطينية‬

‫نظرة على األوضاع االقتصادية في الضفة والقطاع ‪:‬‬

‫يتميز االقتصاد الفلسطيني بخصوصية‪ ,‬تميزه عن باقي اقتصاديات البلدان العربية‪ ,‬فهو محكوم‬

‫لشروط اتفاق أوسلو و بروتوكول باريس وسياسات وقوانين الدولة الصهيونية التي تتحكم في كافة‬

‫الموارد االقتصادية والقطاعات اإلنتاجية وغير اإلنتاجية‪ ,‬عبر سياسات وأوامر عسكرية‪ ,‬حالت دون‬ ‫تطور أو نمو البنية االقتصادية‪ ...‬وجاء االنقسام في حزيران ‪ 3117‬ليكرس المزيد من عوامل‬

‫التفكيك االقتصادي عالوة على التفكيك السياسي واالجتماعي ‪ ,‬إلى جانب توليد ومراكمة المزيد من‬

‫المصالح ال خاصة ذات الطابع الطفيلي من خالل الشرائح الرأسمالية الرثة التي تكاثرت في إطار تجارة‬ ‫الممنوعات والتهريب عبر االنفاق ‪.‬‬

‫وفي مثل هذه ااوضاع‪ ،‬كان من الطبيعي أن تتإايد عوامل الضعف في مكونات االقتصاد‬

‫الفلسطيني‪ ،‬عالوة علس حصار قطاع غإة وتدمير معالم المنتشآت الصناعية والإراعية‪.‬‬

‫نورد فيما يلي‪ ,‬تطورات األداء االقتصادي الفلسطيني قبل وأثناء سنوات الحصار واالنقسام‪ ,‬تعبر‬

‫عنها المؤشرات الرئيسية التالية ‪:‬‬

‫‪ -0‬إذا كانت الجدوى االقتصادية تُ َع َّرف بأنها قدرة االقتصاد على استخدام موارده البشرية والمالية‬ ‫وثرواته الطبيعية‪ ,‬كي ينمو ويديم نفسه‪ ,‬ويرتقي باألوضاع المعيشية للسكان المقيمين‬ ‫بمنطقته‪ ,‬فإنه من المستحيل في الظروف الحالية الحديث عن الجدوى في الضفة الغربية‬

‫وقطاع غزة‪ ,‬ألنهما ال يشكالن اقتصاداً واحداً موحداً‪ ,‬إلى جانب أن البروتوكول االقتصادي‬

‫‪54‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كرس التبعية االقتصادية‪ ,‬وظلت السياسة التجارية الفلسطينية مرتبطة بالسياسة التجارية‬ ‫َّ‬ ‫اإلسرائيلية‪.‬‬

‫وازداد الوضع سوءاً في ظل االنقسام حيث تعرض جزأي االقتصاد الفلسطيني‪ ,‬أي الضفة‬

‫والقطاع‪ ,‬إلى مزيد من التفكك بدالً من التكامل‪ ,‬األمر الذي يشكل تحدياً خط ارً لمستقبل الدولة‬

‫الفلسطينية وقابليتها للحياة اقتصادياً‪ ,‬أو توفر السيناريوهات التي تعزز خطط حركة حماس‬

‫وبعض القوى الخارجية في أن تصبح إقامة دولة فلسطينية أمر مسموح به في القطاع فقط‪,‬‬ ‫من دون الضفة‪ ,‬التي يتم دمجها أكثر فأكثر في االقتصاد اإلسرائيلي واألردني في إطار ما‬

‫يسمى بـ"الخيار األردني ‪ -‬الكونفدرالية أو الفدرالية أو الدولة العربية المتحدة بجوازي سفر‬ ‫فلسطيني وأردني" أو "التقاسم الوظيفي اإلسرائيلي األردني الفلسطيني"‬

‫‪ -3‬تسارع النمو الكمي في القطاع الحكومي ‪ ،‬حيث بلغ عدد العاملين في القطاع الحكومي عام‬ ‫‪ )058( ،3100‬ألف يتبعون لحكومة رام اهلل باإلضافة ىلس (‪ )43‬ألف في حكومة حمار ‪.‬‬

‫‪ -3‬التناق‬

‫المضطرد في قدرة االقتصاد المحلي الفلسطيني علس خلق فر‬

‫قدرته علس التتشغيل واستيعا‬

‫عمل جديدة وتراجع‬

‫العمالة الفلسطينية‪ ،‬اامر الذي أدى ىلس تنامي الاهرة البطالة‬

‫بتشكليما السافر والمقنع (يدخل ىلس سوق العمل الفلسطيني سنويال حوالي ‪ 41‬ألف تشا‬ ‫من الجامعيين ‪ ،‬وال تتجاوإ قدرة استيعا‬

‫السوق أو فر‬

‫!!)‪.‬‬

‫‪ -4‬استمرار الاهرة العجإ الكبير في الميإان التجاري‪،‬‬

‫معالممم‬

‫العمل الجديدة أكثر من ‪ 8‬أالف فقط‬

‫فقد بلغ ىجمالي قيمة الواردات السلعية‬

‫المرصودة خالل العام ‪ 3100‬حوالي ‪ 14.8‬مليار دوالر‪ ،‬بارتفاع مقداره نحو ‪ %04‬عن العام‬ ‫‪ . 3101‬أما الصادرات السلعية المرصودة خالل العام ‪ 3100‬فقد بلغت نحو ‪ 989‬مليون دوالر‬ ‫مقارنة مع ‪ 898‬مليون دوالر خالل العام ‪ .3101‬وعلس ذلت‪ ،‬وصل عجإ الميإان التجاري‬

‫السلعي ىلس ‪ 3.9‬مليار دوالر خالل العام ‪ 3100‬وهذا يإيد بنسبة ‪ %5‬مقارنة مع عجإ العام‬ ‫‪ 3.4( 3101‬مليار دوالر)‪.‬‬

‫‪ -8‬تنامي االتجاه لإيادة العون الدولي واإلسراليلي والعربي الرسمي للسلطة ‪ ،‬ما يعني المإيد من‬ ‫التبعية واالرتمان السياسي‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نشير إلى غياب دور المستثمرين الفلسطينيين في تطوير االقتصاد‬

‫الفلسطيني وحل مشكلة البطالة ‪ .‬علماً بأن حجم االستثمار الفلسطيني في الخارج وفقا‬

‫لتقرير الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني وسلطة النقد الفلسطينية قد بلغ العام ‪3101‬‬

‫نحو ‪ 2.2‬مليار دوالر ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر‪ :‬المراقب االقتصادي واالجتماعي ‪ -‬معهد ماس – العدد ‪ – 31‬حزيران ‪. 3103‬‬

‫‪55‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما حجم االستثمار الفلسطيني في االقتصاد اإلسرائيلي فيبلغ حوالي ‪ 3.2‬مليار دوالر‬

‫(صحيفة القدس ‪)3100\03\7‬‬

‫‪ -6‬ارتفاع حجم الدين العام الفلسطيني من ‪ 0112‬مليون دوالر عام ‪ 3101‬إلى ‪3302‬‬

‫‪1‬‬

‫مليون‬

‫دوالر عام ‪ ,3100‬بما يعني استمرار ارتمان اإلنفاق الحكومي التطوري لما يتوفر من عون‬

‫دولي‪ ،‬سواء كمنح أو قرو‬

‫‪.‬‬

‫‪ -9‬الناتج المحلي اإلجمالي‪ : 2‬ارتفع الناتج المحلي اإلجمالي عام ‪ 3100‬ليصل إلى ‪9232‬‬ ‫مليون دوالر حسب الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني ‪ ,‬يتوزع كما يلي ‪ :‬الضفة الغربية‬

‫‪ 2273.2‬مليون دوالر بنسبة ‪ %71.0‬من إجمالي الناتج المحلي ‪ ,‬وقطاع غزة ‪0121.9‬‬ ‫مليون دوالر بنسبة ‪ %36.6‬من اإلجمالي ‪ ,‬وبالتالي بلغ الدخل الحقيقي للفرد في األراضي‬

‫الفلسطينية المحتلة (عام ‪ 0916 )3100‬دوالر بمعدل ‪ 0603‬دوالر للفرد في الضفة‬ ‫الغربية‪ ,‬و‪ 0092‬دوالر للفرد في قطاع غزة ‪ ,‬مع العلم بان السوق الفلسطيني يسوده نفس‬ ‫مستوى األسعار السائدة في السوق اإلسرائيلي‪ ,‬الذي يبلغ متوسط نصيب الفرد فيه من الناتج‬

‫القومي اإلجمالي ‪ 22111‬دوالر‪ ,‬أي أن نسبة متوسط دخل الفرد في فلسطين تشكل ‪% 2.9‬‬ ‫فقط من متوسط دخل الفرد في "إسرائيل" عام ‪.3100‬‬

‫‪ -1‬بلغ خط الفقر المدقع لألسرة الفلسطينية (عام ‪ 0123 )3100‬شيكل شهرياً ‪ ,‬أي أن معدل‬ ‫الدخل السنوي لألسرة (ضمن خط الفقر المدقع) ‪ 2620‬دوالر ‪ ,‬ومعدل دخل الفرد من هذه‬

‫األسرة ‪ 661‬دوالر سنوياً ‪ ,‬وبالتالي معدل الدخل اليومي للفرد ‪ 3.7‬دوالر‪ ,‬في حين يقدر خط‬ ‫الفقر المتوسط لألسرة المرجعية (المكونة من ستة أفراد‪ ,‬بالغين اثنين وأربعة أطفال) في‬ ‫األراضي الفلسطينية خالل (عام ‪ )3100‬حوالي ‪ 3111‬شيكل‪ ,‬أي ان معدل الدخل السنوي‬

‫لألسرة (ضمن خط الفقر المتوسط) ‪ 6110‬دوالر ‪ ,‬ومعدل دخل الفرد السنوي ‪ 0202‬دوالر‪,‬‬ ‫ومعدل الدخل اليومي للفرد ‪ 2.0‬دوالر ‪.‬‬

‫‪ -9‬انخفاض حجم االستثمار خاصة في قطاع غزة بسب‬

‫التدمير اإلسراليلي لملات المصانع‬

‫والمنتشآت‪ .‬أما على صعيد االستثمار والتطوير في المنتشات االقتصادية واإلنتشاءات والصناعة‬ ‫في الضفة الغربية‪ ,‬يمكن مالحظة صعود رسمها البياني ضمن سياسات مرسومة ال تخرج عن‬ ‫شروط وقواعد ما يسمى بـ"السالم االقتصادي" كما طرحه رئيس حكومة العدو اإلسرائيلي‬ ‫بنيامين نتنياهو بداية عام ‪ , 3116‬وهي خطة ستؤدي لعزل االقتصاد في قطاع غزة عن‬

‫امتداده في الضفة الفلسطينية ضمن المتشمد الغإاوي أو ما يسمس بز "امارة غإة"‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫سلطة النقد الفلسطينية ‪ -‬تقرير االستقرار المالي ‪ - 3100‬تموز ‪. 3103‬‬

‫المصدر ‪ :‬الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني ‪ , 3103‬إحصاءات الحسابات القومية ‪ ,‬رام اهلل – فلسطين‬

‫‪56‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -01‬توزعت مساهمة القطاعات االقتصادية في الناتج اإلجمالي (عام ‪ 6333 - 3100‬مليون‬ ‫دوالر) كما يلي‪( :‬يسمم قطاع الخدمات والتجارة بنسبة ‪ %68‬وقطاع الصناعة يساهم بنسبة‬ ‫‪ ، %03.6‬قطاع الإراعة ‪ %8.8‬االنتشاءات ‪ %00.3‬وأخرى ‪.)%8.9‬‬

‫‪ -00‬بلغت القوى العاملة عام ‪ 0126111 : 3100‬عامل ‪ ,‬بنسبة ‪ %70‬في الضفة الغربية‬

‫ويبلغ عددهم ‪( 720161‬منهم ‪ %01‬يعملون في إسرائيل والمستوطنات)‪ ,‬وبنسبة ‪%36‬‬ ‫في قطاع غزة ‪ ,‬ويبلغ عددهم ‪ . 217001‬أما بالنسبة لعدد العاملين بالفعل فيبلغ ‪121‬‬

‫ألف (في الضفة وغزة) موزعين بنسبة ‪ %70.3‬في الضفة وعددهم ‪ , 269922‬وبنسبة‬

‫‪ %31.1‬في قطاع غزة وعددهم ‪ , 320222‬وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل (عام‬ ‫‪ 330 )3100‬ألف (في الضفة و غزة)‪ ,‬يتوزعون بنسبة ‪ %07.9‬من مجموع القوى العاملة‬

‫في الضفة الغربية وعددهم ‪ , 023223‬وبنسبة ‪ %31.6‬في القطاع وعددهم ‪11722‬‬

‫(من مجموع القوى العاملة في القطاع)‪ ...‬أي أن مجموع الفقراء تحت خط الفقر المدقع كما‬

‫يلي ‪ 330 :‬ألف عاطل عن العمل × معدل إعالة أربعة أفراد لكل منهم = ‪ 112‬ألف‬

‫شخص بنسبة ‪ %31.9‬من إجمالي السكان في الضفة والقطاع البالغ ‪ 2.36‬مليون نسمة‬

‫(‪ 0.92‬مليون في قطاع غزة ‪ 3.92‬مليون في الضفة الغربية) ‪ ,‬أما نسبة الفقر المدقع في‬

‫الضفة فتبلغ ‪( %31.1‬وعددهم ‪ 236231‬فرد) ‪ ,‬ترتفع هذه النسبة في قطاع غزة لتصل إلى‬

‫‪( %30.9‬وعددهم ‪ 222131‬فرد)‪.‬‬

‫‪ -03‬البطالة ‪ :‬بلغ معدل البطالة في العام ‪ 3100‬في ااراضي الفلسطينية ‪%09.3( %31.9‬‬ ‫في الضفة الغربية و ‪ %35.9‬في قطاع غإة)‪ .‬ومن أهم مواصفات البطالة في ااراضي‬

‫الفلسطينية في العام ‪ 3100‬ما يلي ‪:‬‬

‫‪ ‬أنما مرتفعة في أوساط التشبا ‪ :‬بلغ معدل البطالة بين التشبا‬

‫من الفلة العمرية ‪34-08‬‬

‫س ز ززنة ‪ %83( %38.9‬لإلن ز ززاث و ‪ %33‬لل ز ززذكور)‪ .‬ه ز ززذا ي ز ززوحي أن نس ز ززبة كبيز ز زرة م ز ززن‬ ‫العاطلين عن العمل في ااراضي الفلسطينية هم الداخلين الجدد لسوق العمل ‪.‬‬

‫‪ ‬أنما متمركزإة فزي أوسزاط ااقزل تعليمزال بالنسزبة للزذكور‪ .‬فمزي تبلزغ ‪ %33‬عنزد الزذكور ذوي‬ ‫تعلم ‪ 6-0‬سنوات ‪ ،‬بينما ‪ %04.9‬عند ذوي تعليم ‪ 03‬سنة فأكثر ‪.‬‬

‫ األجر وساعات العمل ‪:‬‬‫وعلززس الززرغم مززن ارتفززاع متوسززط أجززر عمززال غ زإة‪ ،‬ىال أن المززوة يززن متوسززط ااجززور فززي الضززفة‬ ‫والقطززاع مززا اإلززت واسززعة نسززبيال (ااجززر فززي القطززاع يمثززل ‪ %91‬فقززط مززن متوسززط ااجززر فززي‬

‫الضفة)‪.‬‬

‫‪57‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الحد األدنى لألجور‪:‬‬ ‫تم ىقرار الحد اادنس لألجور بز ‪ 05481‬تشيكل تشمريا‪ ،‬و ‪ 68‬تشيكل يوميا ‪ ،‬و ‪ 5.8‬تشيكل‬ ‫للساعة‪ ،‬لكن هنات رأيان متعارضان بالنسبة لمعيار تحديد الحد اادنس لألجور في ااراضي‬

‫الفلسطينية‪.1‬‬

‫األول (ممثلو العمال) يرى أن يتم تحديد ااجر علس ضوء تكاليف مستلإمات الحياة الضرورية‪،‬‬ ‫والثاني يرى أنه يج‬

‫تحديده علس ضوء المتغيرات االقتصادية‪.‬‬

‫ومــن الواضــح أن الـرأي األول أو ممثلــو العمــال يــرون ‪ ,‬أن حســاب الحــد األدنــى لألجــر يــرتبط‬ ‫بالعالقة مع المستوى الضروري ‪ /‬المقبول للحياة ‪ ,‬بحيـث يزتم تحديزد الحزد اادنزس علزس ضزوء‬ ‫الدخل اادنس الضروري لحياة الفرد أو علس ضوء مستويات خطوط الفقر الوطنية ‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق‪ ،‬نتشير ىلس أن خط الفقر التشمري للفزرد فزي "ىسزراليل" يبلزغ ‪ 35365‬تشزيكل‪ .‬وخزط‬ ‫الفقززر التشززمري اسزرة مززن ‪ 4‬أفزراد هززو ‪ 85519‬تشززيكل ‪ .‬كمززا تجززدر اإلتشززارة ىلززس أن الحززد اادنززس‬ ‫الفعلي لألجر في ىسراليل اآلن هو ‪ 45311‬تشيكل‪/‬تشمر‪.‬‬

‫أمــا ال ـرأي الثــاني (أربــاب العمــل) ‪ :‬يطــالبون بحســاب الحــد األدنــى لألجــر ارتباط ـاً بالعالقــة مــع‬ ‫المتغي ـرات االقتصــادية‪ ,‬ويززرون أيض زال ‪ ،‬أن الحززد اادنززس الضززروري للحيززاة يخلززط بززين السياسززة‬ ‫االجتماعيززة والسياسززة االقتصززادية‪ ،‬والبززديل مززن وجمززة نالززر أنصززار هززذه المدرسززة هززو االنطززالق‬

‫لززير مززن خززط الفقززر لألس زرة ولكززن مززن مسززتوى ااجززور الفعليززة فززي السززوق ‪ ،‬أي مززن ىنتاجيززة‬ ‫العمل‪.‬‬

‫‪ -‬هيكل النظام المالي الفلسطيني ‪:‬‬

‫يتكون القطاع المالي الفلسطيني من نوعين رئيسين من المؤسسات‪ ,‬المؤسسات الخاضعة‬

‫إلشراف سلطة النقد الفلسطينية‪ ,‬ممثلة بالمصارف‪ ,‬ومحال ومؤسسات الصرافة‪ ,‬ومؤسسات‬

‫اإلقراض المتخصصة‪ .‬والمؤسسات الخاضعة إلشراف هيئة سوق رأس المال الفلسطينية‪,‬‬ ‫ممثلة بقطاع األوراق المالية‪ ,‬وشركات التأمين‪ ,‬وشركات تمويل الرهن العقاري‪ ,‬وشركات‬

‫التأجير التمويلي‪.‬‬

‫‪ -‬القطاع المصرفي الفلسطيني‪:2‬‬

‫وصل عدد الفروع والمكاتب في نهاية العام ‪ 3100‬إلى ‪ 339‬فرعاً ومكتباً ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫سلطة النقد الفلسطينية ‪ -‬تقرير االستقرار المالي ‪ - 3100‬تموز ‪. 3103‬‬

‫المصدر السابق ‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫سجل صافي موجودات (مطلوبات) المصارف عام ‪ 3100‬نموال بنسبة ‪ %6.0‬مقارنة مع العام‬

‫‪ .3101‬وهذا يعني أن إيادة بنحو ‪ 838.5‬مليون دوالر قد تحققت في موجودات (مطلوبات)‬ ‫المصارف خالل فترة المقارنة‪ ,‬لتصل إلى حوالي ‪ 16002.7‬مليون دوالر مع نهاية العام‬

‫‪ ,3100‬موزعة كما يلي ‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ %39‬فيما موإعة لدى البنوت في الخارو ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ %0153‬أرصدة لدى سلطة النقد ‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫‪ %858‬نقدية ومعادن ثمينة ‪.‬‬

‫‬‫‬‫‪-‬‬

‫‪ %3553‬تسميالت التمانية مباتشرة (‪ %30‬فيا للقطاع العام و ‪ %69‬للقطاع الخا‬

‫)‪.‬‬

‫‪ % 359‬أرصدة لدى البنوت في فلسطين ‪.‬‬

‫‪ %950‬محفالة ااوراق المالية ‪.‬‬

‫‪ -‬محال وشركات الصرافة ‪:‬‬

‫في نهاية العام‪ 3100‬بلغ عدد شركات الصرافة المرخص لها مزاولة المهنة في األراضي‬ ‫الفلسطينية ‪ 363‬شركة‪ ,‬منها ‪ 321‬شركة في الضفة الغربية‪ ,‬و‪ 22‬شركة في قطاع غزة‪.‬‬

‫‪ -‬مؤسسات اإلقراض المتخصصة‪:‬‬

‫عدد المؤسسات التي تزاول نشاط تمويل المشاريع الصغيرة قد بلغ ‪ 01‬مؤسسات خالل العام‬ ‫‪ ,3100‬تعمل من خالل ‪ 91‬فرعاً‪ ,‬وتتولس ىدارة محفالة من القرو‬

‫بلغت حوالي ‪98.9‬‬

‫مليون دوالر ‪ ،‬مرتفعة بنسبة ‪ %09‬مقارنة مع العام ‪ ،3101‬كما بلغ عدد العمالء الناتشطين‬ ‫‪ 435419‬عميل‪ ،‬موإعين بنحو ‪ 395933‬عميل في الضفة الغربية و‪ 035315‬عميل في‬ ‫ال يتجاوإ ‪ 0931‬دوالر للقر‬

‫قطاع غإة‪ .‬يذكر أن متوسط حجم القرو‬

‫الواحد‪.‬‬

‫‪ -03‬تركيبة القطاعات االقتصادية حسب الملكية ‪ :‬القطاع العام والقطاع الخاص ‪:‬‬ ‫يتكون االقتصاد الفلسطيني من قطاعين رليسين حس‬

‫الخا‬

‫‪.‬‬

‫الملكية وهما القطاع العام (الحكومي) والقطاع‬

‫المساهمة النسبية للقطاعين العام والخاص في التوظيف ‪:2‬‬

‫القطاع العام (الحكومي) الفلسطيني أصبح قطاعاً رئيسياً من حيث توظيف (استخدام) قوة العمل‪,‬‬

‫حيث استوعب هذا القطاع ‪ % 37‬من العاملين في األراضي الفلسطينية عام ‪ ,3100‬وارتفع إلى‬

‫‪ 337‬ألف موظف عام ‪ 012( 3100‬ألف يتبعون حكومة رام اهلل ‪ 23 +‬ألف يتبعون حكومة‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر السابق ‪.‬‬

‫دراسة بعنوان ‪ :‬رؤية بديلة لالقتصاد الفلسطيني – دراسة بحثية – إعداد د‪.‬نصر عبدالكريم و د‪.‬ماجد صبيح – تشرين الثاني ‪.3101‬‬

‫‪59‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حماس) أي بزيادة إجمالية بلغت أكثر من ‪ %021‬بالنسبة إلى عدد العاملين في القطاع العام عام‬ ‫‪ 0667‬اللذين لم يتجاوز عددهم ‪ 11‬ألف موظف‪.‬‬

‫أما القطاع الخاص فإنه استوعب القسم الرئيسي من العاملين نحو (‪. )%71‬‬

‫علس مستوى المنطقة‪ ،‬ف ن القطاع العام بات موالفال رليسيال أو منافسال للقطاع الخا‬

‫اايدي العاملة في قطاع غإة‪ ،‬حيث استوع‬

‫القطاع العام ‪ %45.1‬بينما استوع‬

‫‪ %83.1‬من ىجمالي عدد العاملين في قطاع غإة ‪.‬‬ ‫يعود ذلت ىلس تراجع دور القطاع الخا‬

‫اإلسراليلي أمام العمالة الغإية بتشكل تام‪.‬‬

‫في استخدام‬ ‫القطاع الخا‬

‫في قطاع غإة نتيجة الحصار وواغالق سوق العمل‬

‫في الضفة الغربية ارتفعت نسبة العاملين في القطاع العام‪ ،‬من ‪ )0999( %04‬ىلس ‪( %09‬عام‬

‫‪.)3101‬‬

‫إن استعراضنا لهذه األوضاع وغيرها الكثير‪ ,‬ينطوي على أهمية قصوى من أجل تفعيل دور الجبهة‬

‫في مواصلة النضال الديمقراطي والضغط الجماهيري إلنهاء االنقسام والعودة إلى االحتكام للنظام‬

‫األساسي والتعددية الديمقراطية والسلطة التشريعية‪ ,‬بما يمكننا من بلورة رؤية وأسس وطنية تضمن‬ ‫تحقيق مبدأ العدالة االجتماعية كمحدد رئيسي لحركة ومسار االقتصاد الفلسطيني اآلن وفي المستقبل‪.‬‬

‫سنتناول فيما يلي أهم مكونات االقتصاد الفلسطيني‪ ,‬المتمثلة في كل من القطاع الزراعي والقطاع‬

‫الصناعي والقطاع التجاري والخدمات ‪ ,‬والوضع المالي للسلطة خالل عام ‪ , 3100‬وموازنة حكومة‬

‫حماس ‪ ,‬وتجارة األنفاق ‪.‬‬

‫أوالً ‪ /‬القطاع الزراعي‪:‬‬

‫علينا في الجبهة إيالء هذا القطاع اهتماماً خاصاً ‪ ,‬ألنه من أهم القطاعات اإلنتاجية في الضفة‬

‫الغربية وقطاع غزة‪ ,‬حيث يعتمد عليه أكثر من ‪ %31‬من السكان (الذي يعملون في الزراعة وتربية‬

‫المواشي ‪ /‬الثروة الحيوانية‪ ,‬وصيد األسماك)‪ ,‬لكن مساهمته في الناتج اإلجمالي ال تتجاوز ‪%9.2‬‬

‫‪1‬‬

‫في حين أنه يشغل ‪ %00.6‬من مجموع العاملين (‪ )16211‬عامل وعاملة ‪.‬‬ ‫التعداد الزراعي ‪:2 3101‬‬

‫الحيازات الزراعية ‪:‬‬

‫عدد الحيازات الزراعية في األراضي الفلسطينية بلغ ‪ 111,310‬حيازات‪ ,‬منها ‪ 90,908‬حيازات‬

‫فـي الضـفة الغربيـة وتشـكل مـا نسـبته ‪ ,% 81.7‬أمـا فـي قطـاع غـزة فبلـغ عـدد الحيـازات الزراعيـة‬ ‫‪20,402‬حيازة‪ ,‬تشكل ما نسبته ‪ % 18.3‬وذلك خالل العام الزراعي‪.2010 / 2009‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫المصدر‪ :‬المراقب االقتصادي واالجتماعي ‪ -‬معهد ماس ‪ -‬العدد ‪ - 21‬تشرين أول ‪. 3103‬‬

‫كراس التعداد الزراعي – ‪ – 3101‬الجهاز المركزي لالحصاء – كانون أول ‪ /‬ديسمبر ‪3100 ,‬‬

‫‪61‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما على مستوى فئات المساحة للحيازات الزراعية فنجد أن ‪ % 42.2‬مـن الحيـازات الزراعيـة فـي‬

‫األراضي الفلسطينية وبواقع ‪ 46,982‬حيازة تقع ضمن فئـة المسـاحة الصـغيرة) أقـل مـن ‪ 3‬دونـم(‪ ,‬و‬ ‫‪23,348‬حيازة تقع ضمن فئـة المسـاحة( ‪ 2.66 -2‬دونـم) بنسـبة ‪ , %21.0‬و ‪ 13,456‬حيـازة‬

‫بنسـبة ‪ %12.1‬تقـع ضـمن فئـة المسـاحة (‪ 6.66 – 9.1‬دونـم) و ‪ 37231‬حيـازة أكثـر مـن ‪01‬‬

‫دونمات‪.‬‬

‫استخدامات األراضي‪:‬‬ ‫دونمزا‪ ،‬منمزا‬ ‫بلزغ ىجمزالي مسزاحة الحيزاإات الإراعيزة فزي اا ارضزي الفلسزطينية ‪1,207,061‬‬ ‫ل‬ ‫دونمزا فزي قطزاع غزإة وذلزت خزالل العزام الإ ارعزي‬ ‫دونما في الضفة الغربيزة‪ ،‬و ‪ 101,915‬ل‬ ‫‪ 1,105,146‬ل‬ ‫‪. 3101/3119‬‬ ‫الثروة الحيوانية‪: 1‬‬

‫أسـا‪ ،‬منمزا ‪24,290‬‬ ‫األبقار‪ :‬بلغ عدد اابقار التي يتم تربيتما فـي األراضـي الفلسـطينية ‪ 33,925‬ر ً‬ ‫أسا في قطاع غإة‪.‬‬ ‫أسا في الضفة الغربية و ‪ 9,635‬ر ل‬ ‫رل‬ ‫الضأن‪ :‬عدد رؤور الضأن التي يتم تربيتها فـي األراضـي الفلسـطينية بلـغ ‪ 567,236‬رأسـا‪ ،‬منمزا‬

‫أسا في الضفة الغربية‪ ،‬و ‪ 61,403‬رؤور في قطاع غإة‪.‬‬ ‫‪ 505,833‬ر ل‬ ‫أسـا‪ ،‬منمزا‬ ‫المـاعز‪ :‬عزدد رؤور المزاعإ التزي يزتم تربيتمزا فـي األراضـي الفلسـطينية ‪ 219,364‬ر ً‬ ‫أسا في قطاع غإة‪.‬‬ ‫أسا في الضفة الغربية‪ ،‬و ‪ 12,150‬ر ل‬ ‫‪ 207,214‬ر ل‬

‫أسـا منمزا ‪746‬‬ ‫الجمال‪ :‬بلغ عدد رؤور الجمال التي يتم تربيتما في األراضي الفلسـطينية ‪ 1,521‬ر ً‬ ‫أسا في قطاع غإة‪.‬‬ ‫أسا في الضفة الغربية و ‪ 775‬ر ل‬ ‫رل‬ ‫مزارع الدواجن ‪ :‬بلغ عدد أممات الدجاو الالحم في األراضي الفلسطينية ‪ 399.4‬ألـف طيـر‪ ،‬وبلزغ‬

‫عدد الدجاو الالحم ‪ 31.1‬مليون طير‪ ،‬أما عدد الدجاو البيا‬

‫طيززور الحززب‬

‫فقد بلغ ‪ 1.5‬مليون طير‪ ،‬فيما بلغ عدد‬

‫‪ 521.1‬ألززف طيززر منمززا ‪ 274.7‬ألززف طيززر ذكززور‪ ،‬وذلززت خززالل العززام‬

‫الإراعي‪.2010/2009‬‬ ‫النحـل ‪ :‬بلزغ عزدد خاليزا النحزل فـي األراضـي الفلسـطينية ‪ 38,216‬خليـة‪ .‬بالنسزبة لتوإيزع الخاليزا‬ ‫حسز‬

‫النزوع فقزد بلغزت ‪ 35,494‬خليزة حديثزة بنسزبة ‪ ، %92.9‬مقابزل ‪ 2,722‬خليزة تقليديزة بنسزبة‬

‫‪ ،%7.1‬وذلت كما‪.2010/10/01‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ‪.‬‬

‫‪60‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أهم المشاكل والعقبات التي تواجه تنمية وتطوير القطاع الزراعي ‪:‬‬ ‫‪ .0‬مصادرة ااراضي‪ ،‬واالغالقات‪ ،‬والحصار‪ ،‬وتشق الطرق االلتفافية‪ ،‬والتجريف‪ ،‬وواعاقة التسويق‪.‬‬ ‫‪ .3‬غيا التخطيط التنموي للقطاع الإراعي وترابطه مع قطاع الصناعة ‪.‬‬ ‫‪ .3‬ضعف دور مؤسسات اإلق ار‬

‫الإراعي‪ ،‬والبنوت في تقديم الدعم والتسميالت للمإارعين الفقراء‪.‬‬

‫‪ .4‬تخلف قطاع التسويق الإراعي‪ ،‬وضعف بنيته التحتية التي تتشمل عدم توفر تشبكة مواصالت جيدة‬ ‫خاصة بالنسبة للطرق من القرى ىلس المدن‪.‬‬

‫‪ .8‬هنات متشاكل ذات طابع اقتصادي ‪ /‬اجتماعي ترتبط بتفتت الملكية الذي يؤدي ىلس ضعف اإلنتاو‬ ‫واإلنتاجية‪ ،‬بل وأحيانا اإلهمال‪ ،‬نال الر لقلة اإليراد وتدني العالد من الإراعة‪.‬‬

‫‪ .6‬ضعف االستثمار في القطاع الإراعي‪.‬‬

‫‪ .9‬عدم قيام متشاريع إراعية كبيرة نموذجية ذات تنوع ىنتاجي‪.‬‬

‫‪ .5‬يعاني القطاع الإراعي في قطاع غإة من متشكلة ارتفاع ملوحة مياه الري واستنإاف المياه الجوفية‪.‬‬ ‫وفــي ضــوء مــا تقــدم فإنن ـا نؤكــد علــى تطبيــق مجموعــة مــن اإلج ـراءات الهادفــة إلــى تطــور القطــاع‬

‫الزراعي نذكر منها ما يلي‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬

‫ضرورة تعديل اانماط اإلنتاجية بما يتناس‬

‫واحتياجات االستمالت المحلي‪.‬‬

‫‪ -‬ضرورة ىيالء القطاع الإراعي الفلسطيني اهتمامال أكبر من خالل توفير ااموال الالإمة‪.‬‬

‫و‪ -‬العمل علس ىدخال التقنيات الحديثة‪.‬‬ ‫د‪-‬‬

‫العمل علس توفير مصادر تمويل وواق ار‬

‫ضرورية إلقامة متشاريع إراعية نموذجية‪.‬‬

‫ه‪ -‬ترتشيد عملية الرعزي‪ ،‬بمزا يسزاهم فزي إيزادة أعزداد القطيزع واالرتفزاع بالقزدرات اإلنتاجيزة مزن اللحزوم‬ ‫و‪-‬‬

‫الحمراء والحلي‬

‫ومتشتقاته‪.‬‬

‫تنمية وتطوير الثروة السمكية‪.‬‬

‫إ‪ -‬تتشجيع المتشاريع الريفية الصغيرة المنتجة في مجاالت تربية الحيوانات والدواجن‪.‬‬ ‫الم ـوارد المائيــة ‪ :‬حس ز‬

‫العديززد مززن المصززادر الرسززمية ‪ ،‬فقززد تسززب‬

‫الجززدار العنصززري فززي مصززادرة‬

‫أكثر من ‪ %08‬من أراضي الضفة الفلسزطينية‪ ،‬وحجزإ فزي ذات الوقزت أهزم ااحزوا‬

‫الماليزة الفلسزطينية‬

‫في الضفة الغربيزة مزن الجمزة الغربيزة للجزدار لصزالح المحتلزين اإلسزراليليين واسزتخداماتمم المختلفزة‪ ،‬سزواء‬ ‫للإراعة أو للتشر أو للصناعة‪ ،‬اامر الذي سيؤدي ىلس تعطي‬

‫أرضمم الإراعية‪.‬‬

‫‪62‬‬

‫الفلسطينيين واتساع الاهرة التصحر فزي‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ،‬تتشير تقارير الجماإ المركإي لإلحصاء (‪ )3101‬ىلس أن نسبة حصة الفلسطينيين‬

‫من مياه ااحوا‬

‫المالية ‪ %08‬فقط‪ ،‬بينما حصة اإلسراليليين من هذه ااحوا‬

‫حالا والتي تقزدر بز‪.%58‬‬

‫تتشكل النسبة ااوفر‬

‫ىن مصززادر الميززاه الجوفيززة التززي يعتمززد عليمززا ‪ 0.9‬مليززون فلسززطيني فززي غ زإة تواجززه خطززر االنميززار‪،‬‬

‫ووايجاد مصادر مياه بديلة‪ ،‬بما في ذلت بناء محطات تحلية المياه‪.‬‬ ‫يصل نصي‬

‫للفلسطيني‪.‬‬

‫الفرد اإلسراليلي السنوي من المياه نحو ‪ 0611‬مت ار مكعبا مقابل ‪ 481‬مت ار مكعبا فقط‬

‫تم تقدير كمية المياه النقية (المتجددة) المتوفرة في اار‬

‫الفلسطينية بنحو ‪ 3.4‬مليار متر مكع‬

‫سنويا‪ ،‬حيث تقوم ىسراليل باستغالل نحو ‪ %91‬من هذه الكمية مقابل ‪ %08‬فقط للفلسطينيين‪( ،‬تحتاو‬ ‫ل‬ ‫الضفة سنويال ىلس ‪ 381‬مليون متر مكع ‪ ،‬أما قطاع غإة يحتاو ىلس ‪ 081‬مليون متر مكع ‪ ،‬يستملت‬ ‫القطاع الإراعي ‪ - %68‬واالستخدام المنإلي ‪ - %39‬وقطاع الصناعة ‪ )%5‬وبالتالي ىجبار‬ ‫الفلسطينيين علس تشراء المياه من تشركة المياه اإلسراليلية (ميكروت)‪ ،‬التي أصبحت المصدر الرليسي‬

‫للحصزول علس المياه لالستخدام المنإلي‪ ،‬حيث بلغت كمية المياه التي تم تشراؤها عام ‪ 3101‬من تشركة‬

‫'ميكروت' ‪ 83‬مليون متر مكع‬

‫في الضفة الغربية ‪ ،‬مقارنة مع ‪ 49‬مليون متر مكع‬

‫عام ‪.3119‬‬

‫وتتركز مصادر المياه في الضفة الغربية في الخزانات الجوفية الرئيسية التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬الخزان الغربي ‪ :‬ويمتد من جنو قلقيلية ىلس جنو جنين‪ ،‬وهي منطقة غنية بالمياه العذبة‪.‬‬

‫ الخزان الشمالي ‪ :‬ويتشمل منطقة جنين والمناطق المحيطة بما في التشمال والتشرق وهي غنية‬‫بالمياه أيضا‪.‬‬

‫ الخزان الجنوبي ‪ :‬ويمتد تحت القدر و بيت لحم حتس تشمال الخليل ‪.‬‬‫ الينابيع ‪ :‬يبلغ عددها حوالي ( ‪ ) 4111‬نبع ‪.‬‬‫‪ -‬اآلبار ‪.‬‬

‫أما في قطاع غإة ف ن أهم الخإانات الجوفية فيزه وأكبرهزا وأعزذبما‪ ،‬تقزع فزي منطقزة المواصزي لكزن تشزح‬

‫مياه االمطار وتإايد ضخ المياه الجوفية ارتباطال بإيزادة السزكان‪ ،‬فقزد بزدأت الملوحزة (الكلوريزد) تتسزر ىلزس‬

‫هذه الخإانات ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ /‬قطاع الصناعة ‪:‬‬

‫ىن تطور الصناعة يتشكل العمود الفقري أو جوهر العملية التنموية‪ ،‬لما للتصنيع من دور ريادي في‬

‫هذه العملية‪.‬‬

‫‪63‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لكن العقبة الكبرى في مواجمة قطاع الصناعة – في الضفة وقطاع غإة – ال تتوقف عند التخلف‬

‫والتبعية فحس ‪ ،‬كما هو حال البلدان النامية‪ ،‬بل ىنما تتجلس بالدرجة ااساسية في الوجود االحتاللي‬

‫ذلت يبدو أن االعتماد علس الدول المانحة‪ ،‬وما رافق ذلت من مالاهر‬

‫الصميوني لبالدنا ‪ ،‬ووالس جان‬ ‫المبوط والتراجع واالنقسام وعدم االستقرار وضعف الدور الفعال للقطاع الخا‬

‫‪ ،‬عمق تشدة الحاجة‬

‫لمصادر التمويل الخارجية من جمة‪ ،‬وأدى ىلس ىهمال تطوير القطاعات اإلنتاجية وخاصة الصناعة في‬

‫الضفة والقطاع مع تإايد االرتمان للسوق اإلسراليلي‪ ،‬ىلس جان‬

‫غإة‪.‬‬

‫التدمير تشبه الكلي للصناعات في قطاع‬

‫فعلس الرغم من تإايد عدد المؤسسات ذات الصفة الصناعية‪ ،‬ىال أن معدالت النمو اللت منخفضة في‬

‫القطاع الصناعي في الضفة والقطاع قياسا بقطاع الخدمات‪.‬‬

‫‪ -‬مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي اإلجمالي ‪1 %03.9‬عام ‪. 3100‬‬

‫ عـدد مؤسسـات القطاع الصناعي‪ :‬حوالي(‪ )02‬ألف عام ‪ 3100‬منها حوالي ‪ 2111‬منشأة في‬‫قطاع غزة ‪.‬‬

‫ التشغيل في القطاع الصناعي‪ :‬حوالي ‪ %0012‬من مجموع العاملين عام ‪19211 3100‬‬‫عامل‪.‬‬

‫آثار الحصار على الصناعة ‪:‬‬ ‫تراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتا اإلجمالي لقطاع غإة‪ ،‬منذ نوفمبر ‪ ،3119‬من حوالي‬

‫‪ %03‬ىلس أقل من ‪ %8‬حس‬

‫معالم التقديرات‪ ،‬بسب‬

‫القطاع الصناعي‪ ،‬حيث أدى ذلت ىلس انخفا‬

‫ىغالق حوالي ‪ %91‬من المنتشآت العاملة في‬

‫أعداد العاملين في القطاع الصناعي في قطاع غإة من‬

‫‪ 38.111‬عامل ىلس نحو ‪ 4.311‬عامل‪ ،‬ووالس حوالي ‪ 0811‬عامل في منتصف عام ‪.3119‬‬ ‫وفززي هززذا السززياق‪ ،‬ف ننززا نتشززير ىلززس أن أكثززر القطاعززات الصززناعية تضززر ار هززو قطززاع صززناعة ااثززاث‬

‫والمالبر والنسيا والصناعات الغذالية‪ ،‬ىذ انخفضت عدد المنتشآت العاملة في قطزاع صزناعة ااثزاث فزي‬

‫قطاع غزإة مزن ‪ 611‬مصزنع خزالل العزام ‪ 3118‬ىلزس نحزو‪ 031‬مصزنع فزي يوليزو‪ 3119‬ثزم تراجعزت ىلزي‬ ‫أقل من ‪ 81‬مصنع في يوليو ‪ 3119‬وانخف‬

‫عدد العاملين في صزناعة ااثزاث مزن ‪ 85811‬عامزل ىلزس‬

‫نحو ‪ 881‬عامل في يوليو ‪ 3119‬ثم تراجع ىلي أقل من ‪ 311‬عامل في يوليو ‪.3119‬‬

‫ثالثاً ‪ /‬قطاع الخدمات ‪:‬‬

‫يغطي قطاع الخدمات في األراضي الفلسطينية أنشطة تجارة الجملة والتجزئة وأنشطة الفنادق‬

‫والمطاعم‪ ,‬وأنشطة النقل واالتصاالت والتخزين واألنشطة العقارية وااليجارية‪ ,‬وأنشطة التعليم‪,‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر ‪ :‬المراقب االقتصادي واالجتماعي ‪ -‬معهد ماس ‪ -‬العدد ‪ - 31‬حزيران ‪3103‬‬

‫‪64‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والصحة‪ ,‬والعمل االجتماعي‪ ,‬وأنشطة الخدمة االجتماعية والشخصية األخرى ‪( .‬مساهمة في التشغيل‬

‫حوالي ‪ %91‬ما يعادل ‪ 220‬ألف عامل‪ ,‬أما مساهمة في الناتج اإلجمالي ‪ ,)%92‬وفي هذا الجانب‬

‫أشير إلى أن التجارة (وهي جزء من الخدمات) تستوعب ‪ %01‬من األيدي العاملة الفلسطينية (‪)022‬‬ ‫ألف عامل وتسهم في الناتج اإلجمالي بنسبة ‪. %02‬‬

‫نشير إلى أهمية قطاع الخدمات في تنشيط الحركة التجارية والسياحية والمعرفية والنقل‬

‫والمواصالت واالتصاالت‪ ,‬بما يعزز الفرص االستثمارية ‪ ,‬لكن في إطار الترابط مع قطاعي اإلنتاج‬

‫الرئيسيين ‪ :‬الزراعة والصناعة ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬نؤكد علس أن السياسة التجارية الفلسطينية واالتفاقيات االقتصادية المبرمة لم تساعد‬ ‫علس توسيع وتنويع قاعدة اإلنتاو المحلي‪ ،‬بل أدت لتراجع القدرة التنافسية للمنتجات الفلسطينية أمام‬

‫الواردات‪ ،‬التي ارتفعت عام ‪ 3100‬ىلس ‪ 3139‬مليون دوالر‪ ،‬والصادرات لم تتجاوإ ‪ 483‬مليون دوالر‪،‬‬ ‫وبالتالي ف ن العجإ في الميإان التجاري بلغ ‪ 3898‬مليون دوالر‪ ،‬والسب‬

‫عدم انتماو سياسية تجارية فلسطينية لضبط وتقييد الواردات ‪.‬‬

‫في تراكم هذا العجإ يعود ىلس‬

‫‪ -‬نســبة التجــارة الخارجيــة مــع "إس ـرائيل" وصــلت إلــى ح ـوالي ‪ % 11 - %77‬مــن حجــم التجــارة‬

‫الخارجية الفلسطينية خالل السنوات الماضية‪ ,‬تليها دول االتحاد األوروبي‪ ,‬ثم األردن‪ ,‬ثـم بـاقي الـدول‬

‫العربية‪.‬‬

‫ خالصة الوضع المالي للسلطة الفلسطينية خالل العام ‪:1 3100‬‬‫‪ .0‬الل ززت اإليز زرادات العام ززة للمواإن ززة عل ززس مس ززتواها تقريبز زال ب ززين الع ززامين ‪ 3.3( 3100/3101‬ملي ززار‬ ‫دوالر تقريبزال)‪ ،‬هززذا علززس الززرغم مززن انخفززا‬

‫المسززاعدات الخارجيززة بمقززدار ‪ .%33‬والسززب‬

‫فززي‬

‫ذلت يعود ىلس ارتفاع اإليرادات المحلية بمقدار ‪ %04.8‬بين العامين (ىلس ‪ 3.3‬مليار دوالر)‪.‬‬

‫‪ .3‬جاءت معالم الإيزادة فزي اإليزرادات المحليزة مزن االرتفزاع فزي ىيزرادات المقاصزة التزي بلغزت ‪0459‬‬ ‫مليون دوالر في حين أن اإليرادات المحلية (الضريبة والرسوم) بلغت ‪ 913‬مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ .3‬ارتفعت حصة الروات‬ ‫دوالر‪.‬‬

‫وااجور من ىجمالي اإلنفاق الجاري لتصل عام ‪ 3100‬ىلس ‪ 0699‬مليون‬

‫‪ .4‬ارتفع الدين العام (عام ‪ )3100‬ىلس ‪ 35303‬مليون دوالر (‪ %38.3‬من الناتا المحلي اإلجمالي)‬ ‫مقابل ‪ 05553‬مليون (‪ )%33.6‬في العام ‪.3101‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر‪ :‬المراقب االقتصادي واالجتماعي ‪ -‬معهد ماس ‪ -‬العدد ‪ - 21‬تشرين أول ‪. 3103‬‬

‫‪65‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫األزمة المالية للسلطة الفلسطينية ‪:1‬‬ ‫يمكن الحديث عن ااإمة المالية للسلطة ضمن خمسة مستويات‪ ،‬هي ‪:‬‬

‫‪ .0‬أإمة خسارة سنوية في الناتا المحلي ‪.‬‬ ‫‪ .3‬أإمة مديونية متراكمة مع فوالدها‬

‫‪ .3‬أإمة العجإ الجاري في مواإنة السلطة‪.‬‬

‫علس االقتصاد الفلسطيني‪.‬‬

‫‪" .4‬ااإمة بالعدوى"؛ فما يصي االقتصاد اإلسراليلي‪ ،‬ينسح‬ ‫‪" .8‬ااإمة االحتياط"‪ ،‬المتأتية عن َّ‬ ‫تحكم "ىسراليل" باالقتصاد الفلسطيني‪.‬‬

‫يقول الرفيق د‪.‬حسين أبو النمل‪" :‬حين يتم الحديث عن أإمة مالية غير مسزبوقة‪ ،‬ال نكزون أمزام أإمزة‬ ‫تخز‬

‫عززام ‪ 3103‬حصز الر‪ ،‬بززل أإمزات َّ‬ ‫مرحلززة تراكميزال منززذ ‪ 3115‬وصزوالل لسززنة ‪ ،3103‬التززي بززدأت مززع‬

‫ديززن يبلززغ ‪ 0.8‬مليززار دوالر‪ ،‬وفززق أرقززام رلززير الززوإراء‪ ،‬و‪ 3.3‬مليززار وفززق معطيززات المجلززر االقتصززادي‬ ‫الفلسطيني للتنمية واإلعمار "بكزدار"‪ .‬وبزذلت‪ ،‬يمكزن الحزديث (كمزا يؤكزد د‪.‬حسزين أبزو النمزل) عزن مديونيزة‬

‫في سنة ‪ 3103‬تتراوح من ‪ 3 - 3.8‬مليارات دوالر‪ ،‬باعتبار أن العجزإ المتوقزع يبلزغ حزوالي مليزار دوالر‬ ‫وفق تقديرات فيا‬

‫"‪.2‬‬

‫وفــي هــذا الجانــب‪ ,‬يوضــح د‪ .‬أبــو النمــل ‪ ,‬الكلفــة التــي يــدفعها االقتصــاد الفلســطيني ســنوياً ج ـراء‬ ‫االحززتالل‪ ،‬تبلززغ‬

‫االحــتالل‪ ,‬فيقــول ‪ :‬ثمززة رقززم متززداول يقززول أن خسززارة االقتصززاد الفلسززطيني سززنويال بسززب‬ ‫‪ 6.5‬مليارات دوالر‪ ،‬أي أكبر مزن النزاتا المحلزي سزنة ‪ ،3103‬المق َّزدر بحزوالي ‪ 6‬مليزارات‪ ،‬أي أنزه مقابزل‬ ‫كل قر ينتجه الفلسطيني يخسر ما يساويه جراء االحتالل‪.‬‬

‫وبالتززالي فز ن تززوفير النززاتا المحلززي الممززدور‪ ،‬يعنززي تززوفير دخززل وطنززي مسز ض‬ ‫زاو تقريبزال‪ ،‬ممززا يعنززي أيضزال‬

‫توفير ضريبة دخل للسلطة تبلغ حوالي مليار دوالر سنويال‪ ،‬تعادل المساعدات الخارجية الموعودة‪.‬‬

‫فبالمقارنززة مززع "ىسزراليل" التززي بلززغ عززدد سززكانما عززام ‪ 3100‬نحززو ‪ 9.5‬ماليززين نسززمة‪ ،‬مززع نززاتا محلززي‬

‫يتجززاوإ ‪ 344‬مليززار دوالر‪ ،‬يقززول د‪ .‬أبززو النمززل ‪ :‬لززو تعادلززت اإلنتاجيتززان الفلسززطينية واإلس زراليلية‪ ،‬ف ز ن‬ ‫‪ 4.09‬مليون فلسطيني‪ ،‬يساوون ‪ %83.3‬من سكان "ىسراليل"؛ يج‬

‫أن ينتجزوا ‪ 031‬مليزار دوالر‪ ،‬التزي‬

‫هي قيمة ‪ %83.3‬من ناتا "ىسراليل"‪ ،‬ان الضفة وغإة مدارة منذ ‪ 48‬سنة من قبلما‪ ،‬مما يفتر‬ ‫ىنتاجية كل منمما لو تعرضتا للتطور اإليجابي نفسه‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫تقار‬

‫المرض! ‪-‬‬ ‫العرض وابقاء َ‬ ‫د‪ .‬حسين أبو النمل ‪ -‬موقع الزيتونة ‪ -‬التقدير استراتيجي (‪ :)21‬أزمة المالية العامة الفلسطينية‪ :‬مداواة َ‬ ‫أيلول‪/‬سبتمبر ‪. 3103‬‬

‫المصدر السابق ‪ -‬د‪.‬حسين أبو النمل ‪.‬‬

‫‪66‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بنززاء عليززه‪- ،‬كمززا يضززيف د‪ .‬أبززو النمززل ‪ -‬يمكززن القززول ىن النززاتا المحلززي الفلسززطيني االفت ارضززي يبلززغ‬

‫‪ 031‬مليززار دوالر‪ ،‬أي ‪ 33‬ضززعف النززاتا المحلززي ال زواقعي البززالغ ح زوالي سززتة مليززارات‪ ،‬أي ‪ %4.6‬مززن‬

‫حجمه االفتراضي‪ .‬يعني ما تقدم أن خسارة الناتا المحلي الفلسطيني‪ ،‬نتيجة تدني اإلنتاجية‪ ،‬تعادل ‪034‬‬ ‫مليار دوالر سنويال‪.‬‬

‫ولك ز ززي يتالف ز ززس د‪ .‬أب ز ززو النم ز ززل اخ ز ززتالف تش ز ززروط اإلنت ز ززاو ف ز ززي "ىسز ز زراليل"‪ ،‬وافتز ز ز ار‬

‫ص ز ززعوبة توفره ز ززا‬

‫للفلسطينيين‪ ،‬يقدم مثالل ثانيال هو لبنان مع عدد سكان تشبيه بعدد سكان أراضي السلطة‪ ،‬وناتا محلي يبلغ‬

‫حوالي ‪ 48‬مليار دوالر‪ ،‬أي أكثر من سبعة أضعاف الناتا الفلسطيني‪.‬‬

‫وبززالنالر ىلززس أن دولززة العززدو اإلس زراليلي‪ ،‬تبززدي قلق زال تشززديدال مززن تطززور ااإمززة الماليززة للسززلطة ىلززس حززد‬

‫انمياره ززا أو لجولم ززا ىل ززس تحرك ززات أحادي ززة‪ ،‬أو ان ززدالع انتفاض ززة ثالث ززة‪ ،‬أو حص ززول فوض ززس‪ .‬بس ززب‬ ‫المخاوف‪ ،‬توجمت بطل‬

‫ه ززذه‬

‫عاجل ىلس اإلدارة اامريكيزة واالتحزاد ااوروبزي بتحويزل ملزات ماليزين الزدوالرات‬

‫ىلس السلطة إلنقاذها من االنميار‪ ،‬عالوة علس ما تقدمه من أحوال السلطة المحتجإة لديما‪.‬‬ ‫إذاً‪ ,‬تؤكــد الوقــائع ثانيــة أن لــدى "إس ـرائيل" ق ـرار فــتح واغــالق صــنابير المســاعدات الخارجيــة علــى‬

‫السلطة‪ ,‬لمنع االنفجار وليس لحل المشكلة‪ ,‬مما يقتضي من النخبة االقتصادية الفلسطينية اسـتثمارها‬

‫فكرياً باتجاه إنهاء االنقسام وتشكيل رؤية تحظـى بإجمـاع وطنـي يـدعو إلـى مسـار سياسـي جديـد‪ ,‬هـو‬

‫وضـــع إنهـــاء االحـــتالل عنوانـــاً وحيـــداً للحـــل‪ .‬غيـــر ذلـــك‪ ,‬لـــيس إال العـــيش المؤقـــت بانتظـــار االنهيـــار‬

‫واالنفجار‪.‬‬

‫ذلت يقتضي ىجماع القوى السياسية الفلسطينية وتوحدها هزو تشزرط أول لحمزل أعبزاء المرحلزة التاريخيزة‬ ‫المعقدة الراهنة بكل أبعادها االقتصادية والسياسية ‪.‬‬

‫وبالتززالي نحززن بحاجززة ىلززس تززوفير ىرادة سياسززية ووادرات عميززق يصززل حز َّزد اليقززين‪ ،‬بضززرورة مغززادرة موقززع‬ ‫المتلقي ىلس موقع المبادر‪ ،‬لير فيما يخ ااعداء بل ااصدقاء أيضال‪ ،‬الذين آن لمم أن يعطوا فلسطين‬ ‫حس ز حاجتمززا وكحززق لمززا‪ ،‬ال أن يأخززذوا منمززا بالسياسززة مززا يعطونززه لمززا بالمززال‪ ،‬الززذي يبززدو " ِمن زةل" مززنمم‬

‫عليما‪ .‬أي أن تقرر فلسطين ما تريده منمم ال أن يقرروا هم لما‪ ،‬وأن تكون واليفتمم خدمة فلسطين ال أن‬ ‫تكون في خدمتمم!‬

‫موازنة "حكومة" حماس ‪:‬‬

‫فززي ديسززمبر ‪ 3103‬أعلنززت حكومززة حمززار مواإنتمززا لعززام ‪ 3103‬بقيمززة ىجماليززة بلغززت ‪ 599‬مليززون‬ ‫دوالر‪ ،‬منمززا ‪ 343‬مليززون دوالر ىي زرادات محليززة أي بنسززبة ‪ %39‬والبززاقي قيمتززه ‪ 684‬مليززون دوالر‪ ،‬أي‬ ‫ما يقار ‪ %93‬عجإ يفتر‬

‫تغطيته من التبرعات الخارجية ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا الجانب‪ ,‬نشير إلى بعض مصادر التمويل األساسية لحكومة حماس كما يلي ‪:‬‬

‫األول‪ :‬ىيرادات الضرال‬

‫والرسوم الجمركية وغيرها من الرسوم ‪ ،‬والثاني‪ :‬استغالل أراضي المواصي (‬

‫المستوطنات المخالة ) فزي تنمية القطزاع الزإراعي والحيواني وتربية السمت‪ ،‬والثـالث‪ :‬التبرعات من حركزة‬ ‫اإلخوان المسلمين ‪ ،‬والرابع‪ :‬معونات من قطر والسعودية وغيرها من البلدان العربية واإلسالمية ‪.‬‬ ‫تتكون الموازنة العامة لحكومة حماس أربع بنود هي ‪:‬‬

‫‪ .0‬الروات ز‬

‫وااجززور وخص ز‬

‫لمززا مبلززغ ‪ 449‬مليززون دوالر " ‪ " %81‬مززن المواإنززة لتغطيززة روات ز‬

‫وأج ززور ‪ 435111‬موال ززف يمثل ززون ىجم ززالي الجم ززاإ البيروق ارط ززي لم ززا (الرواتز ز‬

‫‪ 3103‬من حكومة رام اهلل بلغت ‪ 0993‬مليون دوالر)‪.‬‬

‫وااج ززور لس ززنة‬

‫‪ .3‬النفقززات التتشززغيلية و هززي تغطززي مصززاريف تتشززغيل الززو اإرات وخززدمات الميززاه والكمربززاء ومممززات‬ ‫السفر والبريد وتبلغ قيمة ‪ 013‬مليون دوالر "‪ "%00.45‬من ىجمالي النفقات العامة ‪.‬‬

‫لمزا‬

‫‪ .3‬النفقات التحويلية‪ ،‬و يقصد بما معاتشات التقاعزد ومخصصزات الرعايزة االجتماعيزة و خصز‬ ‫‪ 001‬مليون دوالر أي نسبة ‪ % 03.36‬من ىجمالي النفقات العامة‪.‬‬

‫‪ .4‬النفقززات ال أرسززمالية و التطويريززة وتتشززمل تش زراء اصززول جديززدة وتنفيززذ متشززاريع تطويريززة مثززل تشززق‬ ‫الطرق وبناء المدارر وقد خص‬

‫تحليل الموازنة‪:‬‬

‫لما مبلغ ‪ 338‬مليون دوالر أي ما نسبته ‪.%36‬‬

‫ارتفاع الموازنة المخصصة لألمن مقابل القطاعات األخرى ‪.‬‬ ‫"خصصت المواإنزة مبلزغ ‪ 340‬مليزون دوالر ( ‪ )%31‬مزن المواإنزة لقطزاع اامزن و النالزام العزام فزي‬

‫حززين خص ز‬

‫مبلززغ ‪ 350‬مليززون دوالر " ‪ "%34‬لعززدد مززن الززو اإرات ااساسززية مجتمعززة و هززي الماليززة‪-‬‬

‫االوقززاف‪-‬سززلطة الميززاه‪-‬المتقاعززدون‪ -‬فززي حززين خص ز‬

‫مبلززغ ‪ 03‬مليززون دوالر اي مززا نسززبته ‪% 0.8‬‬

‫للتنميزة االقتصزادية‪ .‬هنززا ال يوجزد اخزتالف كبيززر مزع الحكومززة الفلسزطينية فزي رام اهلل التززي تخصز‬ ‫من ‪ %31‬منما لألمن‪ .‬بما يؤكد أن اامن هو االولوية االهم لكليمما"‪.1‬‬

‫تجارة األنفاق‬

‫‪2‬‬

‫أكثززر‬

‫‪:‬‬

‫الحديث عن التهريب واألنفاق في مدينة رفح هو حـديث عـن ظـاهرة تاريخيـة تراكمـت واتسـعت عبـر‬

‫خبرة التجارب القاسية ‪-‬مع الهجانـة وسـالح الحـدود المصـري فـي المرحلـة الممتـدة مـن عـام ‪-0626‬‬

‫‪ 0697‬ثم المرحلة التالية من االحتالل وما تالها منذ قيام السلطة عام ‪ 0662‬إلى اليـوم‪ -‬عبـر إطـار‬

‫‪1‬‬

‫عمر شعبان ‪ -‬مقال بعنوان‪ :‬حول موازنة حكومة حماس ‪ ...‬خطوة صغيرة في طريق الشفافية الطويل ‪ 32 -‬يناير ‪ - 3102‬االنترنت ‪-‬‬ ‫موقع ‪.. www.palthink.org‬‬

‫‪ 2‬غازي الصوراني ‪ -‬ورقة حول ‪ :‬أنفاق رفح وآثارها االقتصادية واالجتماعية والسياسية ‪ -‬االنترنت الحوار المتمدن ‪.www.ahewar.org‬‬

‫‪68‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫من العالقات االجتماعية التراتبية السرية والعلنية في مساحة جغرافية تخطت حدود رفح إلى سيناء فـي‬

‫إطــار العالقــات والمصــالح المشــتركة مــع قبائلهــا البدويــة ‪ ,‬بصــورة عملــت علــى ضــمان نجــاح عمليــة‬

‫التهريب عبر الشريط الحدودي الذي يبلغ طوله حوالي ‪ 03‬كم وعرضه حوال ‪ 711‬متر ‪.‬‬

‫وبسبب هذا الحصار واإلجراءات المرتبطة بـه ‪ ,‬لـم يكـن مسـتغربا فـي شـيء ‪ ,‬بـل كـان ‪ -‬ومـا زال‪-‬‬

‫أم ارً طبيعيا أن تتجدد وتتسع عملية بناء األنفاق التي كان يتوجب علـى كافـة فصـائل المقاومـة والقـوى‬ ‫الوطنيــة أن تبــادر إلــى اإلش ـراف عليهــا وتنظيمهــا كشــكل مــن أشــكال التحــدي للحصــار وتعزيــز صــمود‬ ‫المواطنين ‪ ,‬لكن لألسف سرعان ما تحولت األنفاق إلى تجارة مزدهرة تقدر قيمتها اإلجمالية نهاية عـام‬

‫‪ 3103‬بحـــوالي ‪ 111‬مليـــون دوالر‪ ,‬اســـتخدمت مئـــات العـــاطلين عـــن العمـــل ‪ ,‬المســـتعدين للمخـــاطرة‬ ‫بحيـاتهم لحسـاب جماعـات التهريـب فـي كـل مــن رفـح الفلسـطينية والمصـرية الـذين لـم تنقطـع عالقــتهم‬

‫بعمليات التهريـب ارتباطـا بصـالتهم االجتماعيـة والعائليـة‪/‬العشـائرية وجماعـاتهم المنظمـة منـذ انفصـال‬

‫رفح المصرية عن الفلسطينية عام ‪. 0613‬‬

‫ولذلك فإن تهريب البضائع وغيرها ‪-‬عبر أنفـاق رفـح‪ , -‬هـي عمليـة تخـتلط الـدوافع واألسـباب لـدى‬

‫العاملين فيها بصورة مملوءة بالتناقض والمفارقات ‪ ,‬بدءا من أسباب الفقر والحاجة بـالمعنى اإلنسـاني‬ ‫وصوال إلى جشع العصابات عبـر تهريـب كـل أنـواع السـموم والمخـدرات مـرو ار بمـا بينهمـا مـن متنفـذين‬

‫هـم لهـم سـوى تحقيـق‬ ‫وتجار كبار يتحكمون بالسوق ويحتكرون السلع ويفرضون الغـالء الفـاحش ‪ ,‬ال ً‬

‫الحد األقصى من األرباح دونما أي اعتبار ألي بعد إنساني أو وطني ‪.‬‬

‫المهم هنا هو انتعاش واتساع وتطوير الخبرات في عملية التهريب التي تحولت إلى صناعة منظمـة‬

‫عبر األنفاق التي باتت تخضـع لقـوانين أو أنظمـة خاصـة بهـا ‪ ,‬حيـث أصـبحت األنفـاق مهنـة أساسـية‬

‫ألصحابها ومصد ارً هاماً للحصول على الثروة ليس فقط من تهريب السلع والبضائع للسوق وانما أيضا‬ ‫من تهريب الممنوعات بكل أنواعها تحقيقا لمزيـد مـن الـربح والثـروة ‪ ,‬حيـث تشـكلت شـريحة اجتماعيـة‬ ‫من أثرياء األنفاق تمكنوا مـن مراكمـة ثـروات هائلـة فـي وقـت زمنـي قصـير وأصـبح الحـديث عـن وجـود‬

‫المليونيرات المحدثين من األنفاق والعقارات بما يزيد عن ألف مليونير في قطاع غزة ‪ .‬ليس لهم عالقة‬

‫بالمشــاريع االســتثمارية المنتجــة نظــ ارً لفقــدانهم الحــد األدنــى مــن الخبــرة أو القــيم الوطنيــة ‪ ,‬فــاتجهوا‬ ‫لالستثمار في األراضي وبناء الشاليهات الباذخة وشراء أحدث السيارات الفارهه ‪ ,‬األمـر الـذي أدى إلـى‬

‫انتشاء العديد من أنماط النشـاط االقتصـادي الطفيلـي ‪ ,‬الترفـي التفـاخري البـاذخ وأسـهم فـي تزايـد حالـة‬ ‫التراجع في منظومة القيم األخالقية والوطنية‪.‬‬

‫لكـن المثيــر للقلــق بــالمعنى االجتمــاعي والسياســي‪ ,‬إمكانيـة تزايــد انتشــار القــيم االجتماعيــة الســالبة‬

‫علــى حســاب منظومــة القــيم الوطنيــة واالجتماعيــة التكافليــة جنبــاً إلــى جنــب مــع اســتمرار االنقســام‪,‬‬

‫‪69‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبالتالي توفير المزيد من الـدوافع للشـرائح االجتماعيـة الرثـة مـن تجـار األنفـاق أو العصـابات المنظمـة‬

‫المتخصصــة فــي التهريــب رغــم كــل المخــاطر‪ 1‬المرافقــة لهــا طالمــا هــي وســيلة لضــمان تحقيــق الثــروات‬ ‫الطارئة وتراكمها الهائل في زمن قياسي قصير ‪ ,‬علـى الـرغم مـن انتشـار السـوق السـوداء واالحتكـارات‬

‫وتزايــد مظــاهر الغــالء الفــاحش ‪ ,‬وهــو أمــر طبيعــي ارتباط ـاً بالمصــالح الطبقيــة والخاصــة القائمــة علــى‬ ‫االســتغالل فــي كــل الظــروف طالمــا تــوفرت اإلمكانيــة لــذلك فــي ظــل فوضــى األنفــاق وفوضــى التهريــب‬

‫وفوضى االحتكارات دون أي شكل من أشكال الرقابة والتقنين بالنسبة ألنـواع البضـائع أو لنسـبة الـربح‬

‫وتحديد األسعار ‪.‬‬

‫ويبــدو أن إدامــة عمليــة التهريــب عبــر األنفــاق تنطــوي علــى مصــالح متنوعــة ومنفصــلة ‪ ,‬فهنــاك‬

‫مصـالح لســلطة حمــاس (وبعــض أجهزتهــا) ارتباطــا بالحصـار حيــث أن معظــم أصــحاب األنفــاق هــم مــن‬

‫المقربين من حركة حماس أو من المحسوبين عليها ‪ ,‬ومصالح مصـرية (اقتصـادية) ‪ ,‬ومصـالح أمنيـة‬ ‫إسرائيلية إلى جانب مصالح مجموعات التهريـب الفلسـطينية المتشـابكة مـع كافـة الجهـات ‪ ,‬ومـا يعنيـه‬

‫استمرار هذا الوضع من المزيد من األضرار واالنهيار للمصانع واإلنتاج المحلي الذي لم يعد قاد ارً علـى‬ ‫المنافسة بسبب االرتفاع الهائل في كلفة المواد األولية المهربة مـن ناحيـة ومنافسـة سـلع األنفـاق مـن‬

‫ناحية ثانية ‪.‬‬

‫إذن يمكن القول أن األنفاق لم تقدم إال حالً جزئياً في توفير السلع الضرورية ‪ ,‬لكنها لم تسـهم فـي‬

‫تخفيف األعباء عن المواطنين الفقراء بسبب جشع التجار و ارتفاع األسعار إلى عدة أضـعاف ‪ ,‬بحيـث‬

‫أصـــبحت األنفـــاق أداة رئيســـية لالســـتغالل و االحتكـــار و الثـــروات الســـوداء المتراكمـــة لـــدى الشـــرائح‬

‫المسـتفيدة‪ 2‬منهــا ( أصـحاب األنفــاق و المهـربين – و التجــار عمومـاً و تجــار الـنفط خصوصـاً ) األمــر‬ ‫الذي سيؤدي إلـى تزايـد تفسـخ النسـيج االجتمـاعي بعـد أن تفسـخ النسـيج الـوطني و السياسـي و غـاب‬ ‫تأثير األهداف أو األفكار الوطنية الكبرى التوحيدية بسبب اسـتمرار االنقسـام السياسـي و االجتمـاعي و‬

‫االقتصادي في المجتمع الفلسطيني ‪.‬‬

‫وفي ضوء ذلك يمكن القول "ان اقتصاد تجارة األنفاق يقـوض إمكانيـة بنـاء وتأسـيس اقتصـاد منـتج‬

‫سوي يؤسس لمعالجـة الخلـل القـائم‬ ‫يقوم على تعظيم الموارد الذاتية المتوفرة والممكنة‪ ,‬تمهيداً القتصاد ّ‬ ‫في الميزان التجاري‪ ,‬ويعزز إمكانات االقتصاد المجتمعـي المؤسـس علـى تحفيـز إنتـاج الخبـرات الماديـة‬ ‫من سلع وخدمات من شأنها توفير المقومات المادية لتنمية اقتصادية مستدامة تضع في المقـام األول‬

‫مكافحة ظاهرتي البطالة والفقـر ضـمن سياسـات اقتصـادية ماليـة وتجاريـة ونقديـة متوازنـة تنحـو نحـو‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫عدد القتلى منذ عام ‪ 3117‬وصل إلى ‪ 323‬شخص حتى تاريخ ‪/07‬يناير‪ - 3102/‬مركز الميزان ‪ -‬االنترنت ‪.‬‬

‫حسب ال تقديرات فقد تراجع عدد األنفاق إلى نحو ألف نفق بداية عام ‪. 3102‬‬

‫‪71‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العدالة االجتماعية‪ ,‬وتضع حداً للعمل غيـر المنـتج والثـراء الفـاحش والغيـر مشـروع‪ ,‬وتقضـي علـى قـيم‬ ‫تجار الموت ليحل محلها قيم التنوير والنهضة تمهيداً للحداثة واللحاق بركب التقدم"‪.1‬‬

‫المخاطر السياسية واالقتصادية واالجتماعية الناجمة عن استمرار االنقسام ‪:‬‬

‫بعد مرور أكثر من ستة أعوام على االنقسام ‪ ,‬بات من الواضح أن القوى الرأسـمالية بكـل شـرائحها‬

‫هي محل منافسة بين حكومتي رام اهلل وحماس غير الشرعيتين ‪ ,‬حيث تسعى كـل منهمـا إلـى استشـارة‬

‫المتنفـــذين فيهـــا مـــن كبـــار الرأســـماليين فـــي الضـــفة والقطـــاع‪ ,‬وارضـــائهم عبـــر تأكيـــد حـــرص كـــل مـــن‬

‫الحكومتين على مصالحهما‪ ,‬وهو أمر غير مستغرب انطالقاً من التزام الحكومتين بقواعد وأسس النظام‬ ‫الرأسمالي والسوق الحر‪ ,‬وعند هذه النقطة يمكن تفسير صـراعهما علـى السـلطة والمصـالح دون ايـالء‬

‫األهمية المطلوبة في معالجة الظواهر االجتماعية الداخلية المتفاقمة‪ ,‬التي تتجسد في اتساع الفجوة –‬

‫بصورة غير مسبوقة‪ -‬بـين ‪ %2‬مـن الشـرائح االجتماعيـة الرأسـمالية العليـا‪ ,‬وبـين ‪ %62‬مـن الشـرائح‬

‫االجتماعيــة الفقيــرة والمتوســطة فــي الضــفة وقطــاع غــزة ومخيمــات اللجــوء والمنــافي‪ ,‬بســبب الحصــار‬ ‫واالنقســام‪ ,‬بــل واســتمرار ذلــك الص ـراع بينهمــا عبــر تغذيــة داخليــة وخارجيــة‪ ,‬حيــث نالحــظ تغيــر شــكل‬ ‫وترتيب أنساق القيم المجتمعية‪ ,‬بحيث باتت قيم الثروة والثراء واألنانيـة واالنتهازيـة وثقافـة االسـتهالك‬

‫تحتل قمة هرم القيم‪ ,‬في حين تـأتي قـيم النضـال السياسـي والـديمقراطي والشـعبي والكفـاحي والنقـابي ‪,‬‬

‫وقيم الحق والخير والتكافل والدافعية الوطنية في أسفل سلم القيم‪.‬‬

‫إننا إذن ‪ ,‬أمام حركة متسارعة مـن تـراكم رأس المـال الطفيلـي القـائم علـى الـربح السـريع والعمـوالت‬

‫والتهريب وغسل األموال والصفقات ومظاهر البذخ الكمـالي التفـاخري –الداخليـة والخارجيـة‪ -‬البعيـدة ‪-‬‬

‫إلى حد كبير‪ -‬عن إطار تطور اقتصاد الصمود عبر التخطيط والتنمية والتقشف بعدا شاسعا ‪.‬‬

‫وبالتـــالي فـــان التشـــابك والتـــداخل العضـــوي فـــي المصـــالح بـــين كافـــة الشـــرائح العليـــا الطفيليـــة‪,‬‬

‫الكومبرادوريــة التجاريــة والصــناعية والزراعيــة والعقاريــة والمصــرفية… الــخ‪ ,‬هــو تــداخل فــي المصــالح‬ ‫االجتماعية االقتصادية والسياسية في الضفة وقطاع غزة ذات المنطلـق والمصـالح الجوهريـة المشـتركة‬

‫‪,‬التــي يمكــن أن تســهم بــدورها فــي تقريــب المســافات بــين القطبــين المتصــارعين‪ ,‬س ـواء عبــر أصــحاب‬ ‫رؤوس األموال وطموحاتهم السياسية الجديدة أو عبـر مـا يسـمى بالمسـتقلين الجـدد مـن أبنـاء الشـرائح‬

‫"البرجوازية" بكل أنواعها‪ ,‬الطامحين إلى دور سياسي تـوفيقي أو "معتـدل" بصـورة انتهازيـة فـي ظـروف‬ ‫وفـرت لهـم هـذه اإلمكانيـة رغـم ان أي مـنهم ال يملــك أي تجربـة أو لحظـة تاريخيـة فـي صـفوف الحركــة‬

‫الوطنية‪ ,‬مع مالحظة الدور الذي يحاول أن يلعبه عدد غير قليل ممـن تخلـوا عـن أحـزابهم ‪ -‬اليسـارية‬

‫‪1‬‬

‫وفيق االغا و سمير أبومدللة ‪ -‬اقتصاد االنفاق ضرورة وطنية أم كارثة اقتصادية واجتماعية ‪ -‬مجلة األزهر ‪ -‬غزة ‪ -‬العدد ‪.3100 - B0‬‬

‫‪70‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫خصوص ـاً‪ -‬لحســاب البرنــامج السياســي الهــابط للســلطة أو عبــر منظمــات ‪ NGO's‬فــي مقابــل تــأمين‬ ‫مصالحهم االنتهازية الخاصة‪.‬‬

‫إذن نحن في مواجهة خارطة سياسية جديدة‪ ,‬محكومة في مسـاحة كبيـرة منهـا‪ ,‬بالمصـالح الفئويـة‪,‬‬

‫إلى جانب الص ارع والمنافسة غير المبدئية بين القطبين‪ ,‬وهي كلها عوامل ستسهم في المدى المنظـور‬

‫في زيادة الفجوة علـى الصـعيد االجتمـاعي بـين المصـالح الطبقيـة للشـرائح العليـا – فـي الحكـومتين‪, -‬‬ ‫وبين الشرائح الشعبية الفقيرة من العمال والفالحين والبورجوازيـة الصـغيرة‪ ,‬مـع بقـاء الحصـار والعـدوان‬

‫ومظاهر الدمار والخراب فـي قطـاع غـزة ‪ ,‬إلـى جانـب تفتيـت الضـفة الغربيـة عبـر الجـدار والمسـتوطنات‬

‫والح ـواجز واالعتقــاالت‪ ,‬واســتمرار التفــاوض العبثــي ومضــامينه السياســية الهابطــة‪ ,‬كــل ذلــك أدى إلــى‬ ‫تراجع القاعـدة الجماهيريـة لكـل مـن حركتـي فـتح وحمـاس بنسـب متفاوتـة‪ ,‬بحيـث لـم تعـد هـذه القاعـدة‬

‫قائمة على أساس االقتناع وااللتزام الفعلي والموضوعي بالشـعارات أو البـرامج المطروحـة مـن الفـريقين‬

‫(رغم التباين بينهما) بسبب مظاهر القلق واإلحباط واليأس التي تزايدت تراكماتها منذ ما بعد االنقسام ‪,‬‬ ‫حيــث أن هــذه القاعــدة الجماهيريــة باتــت –فــي الظــروف الراهنــة‪ -‬محكومــة إلــى حــد كبيــر لالحتياجــات‬ ‫والمتطلبات الحياتية وسـبل العـيش المرتبطـة بكـال الحكـومتين فـي رام اهلل وغـزة‪ ,‬مـا يعنـي تراجـع الـوالء‬

‫للــوطن والنضــال الــوطني التحــرري‪ ,‬ومــن ثــم تراجــع األفكــار واألهــداف الوطنيــة التوحيديــة فــي الذهنيــة‬

‫الشعبية في أوساط فقراء شعبنا لحساب لقمة العيش‪ ,‬في حين تراجعت هـذه األفكـار واألهـداف الوطنيـة‬

‫فــي أوســاط الطبقــات "البرجوازيــة" والش ـرائح البيروقراطيــة العليــا لحســاب الهبــوط بتلــك األهــداف وفــق‬ ‫متطلبات وشروط التحالف اإلمبريالي الصهيوني والنظام العربي بما يضمن مصالحهم الطبقية األنانيـة‪,‬‬

‫على حساب مصالح فقراء شعبهم‪ ,‬عبر المزيد من مظاهر الجشع واالستغالل واالحتكارات البشعة ‪.‬‬

‫وفــي ضــوء هــذه االســتنتاجات ‪ ,‬فــإن مــن أولويــات وواجبــات الفصــائل الوطنيــة الديمقراطيــة عموم ـاً‬

‫والجبهة الشعبية خصوصاً ‪ ,‬أن تبادر إلى مجابهة هذا الواقع عبر صياغة األسس واألفكار االقتصادية‬

‫التنموية للخروج من هذه األحوال االقتصادية المتردية ‪.‬‬

‫أفكار أولية مقترحة حول اإلستراتيجية االقتصادية التنموية في نظام فلسطيني ديمقراطي موحد‪:‬‬

‫يفترض الحديث عن اإلستراتيجية التنمويـة‪ ,‬وضـوحا مؤكـدا فـي معـالم المسـتقبل االقتصـادي ألي‬

‫بلد من البلدان‪ ,‬وبالتـالي فـإن تنـاول موضـوع اإلسـتراتيجية التنمويـة فـي أرضـنا الفلسـطينية المحتلـة ال‬ ‫تعترضــه ضــبابية المســتقبل وتعقيــدات الحاضــر‪ ,‬لــيس بالنســبة لالقتصــاد فحســب‪ ,‬بــل تعترضــه أيضــا‬ ‫إشكالية عدم اليقين بالنسـبة للمسـتقبل السياسـي أيضـا ارتباطـا بـالموقف العـدواني اإلسـرائيلي المسـنود‬

‫بدعم أمريكي صريح ومباشر‪ ,‬وبنظام عربي وصل إلى حالة من التبعية والخضوع والتفكك بـات يتعامـل‬ ‫عبرها مع قضيتنا الفلسطينية وحقوقنا السياسية واالقتصـادية كعـبء ثقيـل علـى كاهلـه لـم يعـد قـاد ار أو‬

‫راغبا في التعاطي معه إال في حدود ما تسمح به السياسة األمريكية ‪.‬‬ ‫‪72‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لذلت ف ننا ال نبالغ في القول ىن اقتصادنا الفلسطيني – خاصة في الروف االنقسام والحصار والتدمير‬

‫اإلسراليلي بات أكثر ضعفا وانكماتشا مما كان عليه من قبل وخاصة في قطاع غإة‪ ،‬اامر الذي أدى ىلس‬ ‫تغيي‬

‫الوضوح أو التأكيد بالنسبة للمسزتقبل علزس الصزعيد االقتصزادي والسياسزي واالجتمزاعي معزا‪ ،‬نتيجزة‬

‫للززدور اإلسزراليلي – اامريكززي علززس وجززه التحديززد‪ ،‬ولكننززا علززس ثقززة مززن أن ىعززادة بنززاء العالقززات الداخليززة‬ ‫الفلسطينية واستعادة وحزدة النالزام السياسزي الفلسزطيني التعزددي‪ ،‬والتغلز‬

‫علزس افزة االنقسزام الخطيزر وفزق‬

‫ثوابتنا الوطنية والمجتمعية‪ ،‬وب رادة وطنية تقزوم علزس المتشزاركة والتعدديزة ف ننزا سزنملت بالتأكيزد القزدرة علزس‬

‫تحديد معالم مستقبلنا بوضوح‪ ،‬بدل تكرير انفصال قطاع غإة اقتصاديال وسياسيال عن جناحه الرليسزي فزي‬

‫الضززفة الفلسززطينية التززي يعمززل تحززالف العززدو اإلسزراليلي اامريكززي علززس تززرت مسززتقبلما غامضزال بمززا يعنززي‬ ‫تفك ززت وانمي ززار المتش ززروع ال ززوطني التح ززرري ال ززديمقراطي الفلس ززطيني‪ ،‬وه ززي الغاي ززة ااساس ززية لدول ززة الع ززدو‬ ‫الصززميوني التززي تسززتمدف التبديززد السياسززي للفلسززطينيين‪ ،‬بعززد أن بززات قيززام دولززة فلسززطينية مسززتقلة كاملززة‬

‫السيادة نوعال من الوهم‪.‬‬

‫صحيح أننا نقزر بمسزؤولية العزدو الصزميوني وحصزاره وعدوانزه المسزتمرين‪ ،‬كسزب‬

‫أساسزي مزن أسزبا‬

‫التراجع والتدهور االقتصزادي ىال أن ذلزت ال يعنزي ىغفالنزا لزدور االنقسزام والصزراع علزس المصزالح الطبقيزة‬ ‫والفلوية لحركتي فتح وحمار ‪ ،‬ولدور الممارسات والسياسات الداخلية من قبل حكومتي فتح وحمار غير‬

‫التشرعيتين طوال الستة أعوام العجاف الماضية ‪ ،‬التي عمقزت مالزاهر الخلزل والمبزوط واالنحطزاط والتفكزت‬ ‫السياسززي والمجتمعززي ‪ ،‬ىلززس جان ز‬ ‫الخا‬

‫الت ارجززع فززي كافززة القطاعززات اإلنتاجيززة وغيززر اإلنتاجيززة فززي القطززاعين‬

‫والعام علس حد سواء‪ ،‬بما يستدعي العمل الجزاد لخلزق ومواصزلة حالزة جماهيريزة تشزعبية ضزاغطة‬

‫إلنمززاء االنقسززام واسززتعادة مقومززات الوحززدة الوطنيززة ‪ ،‬بمززا يمكننززا مززن تفعيززل العمليززة التغييريززة الديمقراطيززة‬ ‫الداخلية التي يج‬

‫التنمويززة التززي يج ز‬

‫لتحقيق هدفين‪: 1‬‬

‫أن يرتكإ محورها أو جانبما االقتصادي‪ ،‬علس المفاهيم والخطزوط العامزة لإلسزتراتيجية‬ ‫العمززل علززس بلورتمززا وتبنيمززا للخززروو مززن هززذا المززأإق الحاضززر ىلززس المسززتقبل‪،‬وذلت‬

‫األول ‪ :‬ىيجاد ىطار مفمومي يوضح ااولويات االقتصادية الفلسطينية ‪.‬‬

‫الثــاني ‪ :‬تعريززف ماهيززة الم ارحززل المتعاقبززة التززي مززن خاللمززا يمكززن تحقيززق ااهززداف التنمويززة بأسززلو‬ ‫تدريجي ‪.‬‬

‫علــى ان نــدرك ان اإلطــار المطلــوب مــا بعــد إنهــاء االنقســام " يج ز‬

‫ان يقززوم علززس أسززار ااح زوال‬

‫الموضوعية لالقتصاد الفلسزطيني‪ ،‬وان يتجزه صزو تحقيزق الطموحزات الفلسزطينية الوطنيزة‪ ،‬آخزذين بعزين‬ ‫االعتبززار درور التنميززة المامززة فززي بلززدان أخززرى مززن جمززة‪ ،‬وبوضززوح ااهززداف ذات الصززلة بالموضززوع‪،‬‬ ‫لتطوير رؤية تنموية فلسطينية تسلط الضوء علس أهداف واحتياجزات الجمزاهير التشزعبية الفقيزرة‪ ،‬عبزر دور‬

‫‪1‬‬

‫دراسة حول انجازات المرحلة المؤقتة ومهمات المستقبل – سكرتارية االونكتاد و د‪ .‬فضل النقيب – ‪. 3111‬‬

‫‪73‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مركزإي للسزلطة مزن جمزة‪ ،‬وللقطززاعين الخزا‬

‫بعمليززة التحويززل البنيززوي‪ ،‬والتركيززإ علززس تخفززي‬

‫والعزام مزن جمزة ثانيززة‪ ،‬ومزن أهزم هزذه ااهزداف ‪ :‬االهتمززام‬ ‫المززوة فززي المي زإان التجززاري‪ ،‬ىلززس جان ز‬

‫متشززاركة كافززة‬

‫المؤسسززات والقززوى – فززي السززلطة وخارجمززا – بززدور فعززال مززن أجززل صززياغة ىسززتراتيجية وطنيززة للتطززور‬ ‫التكنولززوجي اهميتززه القصززوى فززي تطززوير االقتصززاد الفلسززطيني بكززل قطاعاتززه عمومززا وقطززاع الخززدمات‬ ‫خصوصا‪ ،‬وكل ذلت مرهون ب يجاد بيلة داخلية خالية من مالاهر الصراع وعدم الثقة ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق أقدم فيما يلي اقتراحاً لمجموعة من األسس المكونة لهذه اإلستراتيجية ‪-:‬‬

‫أوالً ‪ :‬حصززر كافززة البيانززات والمعلومززات الخاصززة بززالموارد الطبيعيززة والبتش زرية الفلسززطينية عبززر فريززق‬ ‫وطني اقتصادي متخص‬

‫‪ ،‬تمميدا للسيطرة المباتشزرة عليمزا ووادارتمزا‪ ،‬كمزدف وطنزي يسزتحيل‬

‫بدون تحققه تطبيق أي خطة تنموية فلسطينية‬

‫ثانيـاً ‪ :‬خلزق مقومزات اقتصزاد المقاومززة والصزمود انسزجامال مزع متطلبزات هززذه المرحلزة‪ ،‬ومزا يعنيزه ذلززت‬ ‫من العمل الجاد علس تطبيق سياسة اقتصاد التقتشف أو المخيمات أو المناطق الفقيرة‪ ،‬بكل ما‬

‫يعنيه من ىجراءات تلغي – بعد المحاسبة القانونيزة‪ -‬امزتالت أي مزواطن أو مسزلول اي تشزكل‬

‫مززن أتشززكال الثززروة الطفيليززة غيززر المتشززروعة ووالغززاء كافززة مالززاهر اإلنفززاق البززاذ بكززل أتشززكاله‬ ‫وأنواعه وأساليبه عموما وفي مؤسسات السلطة خصوصا ‪.‬‬

‫ثالثاً ‪ :‬فت االرتباط والتبعية والتكيف مع االقتصاد اإلسراليلي ووقزف هزذا التضزخم فزي حجزم الزواردات‪،‬‬ ‫وفر‬

‫الرسوم الجمركية العالية علس الكماليات المستوردة مقابل تخفيف الرسوم علس الواردات‬

‫ااساسية‪ ،‬ووقف عمليات االستي ارد المباتشر وغير المباتشر من السوق اإلسراليلي‪ ،‬اامر الذي‬ ‫يعني ىلغاء بروتوكول بارير ‪.‬‬

‫رابع ـاً ‪ :‬التخطززيط التأتشززيري والمركززإي لتفعيززل العمليززة اإلنتاجيززة فززي الصززناعة والإ ارعززة‪ ،‬والعمززل علززس‬ ‫تفعي ززل العالق ززة ب ززين ه ززذين القط ززاعين بم ززا يخ ززدم تط ززوير المنتج ززات الص ززناعية المعتم ززدة عل ززس‬

‫اإلنت ززاو الإ ارع ززي‪ ،‬وواقز زرار متش ززروع الق ززانون الإ ارع ززي بم ززدف تحدي ززد ووارس ززاء ىس ززتراتيجية إراعي ززة‬ ‫فلسطينية تتناس‬

‫مع أهمية القطاع الإراعي‪.‬‬

‫خامســـا‪ :‬وضززع سياسززة تنمويززة إراعيززة آنيززة ومسززتقبلية تقززوم علززس التخطززيط و تفعيززل دور مؤسسززات‬ ‫اإلق ار‬

‫الإراعي والبنوت لتقديم الزدعم للمزإارعين الفقزراء‪ ،‬وتطزوير وتوسزيع اا ارضزي الإراعيزة‬

‫وأراضي المراعي والثروة الحيوانية‪.‬‬

‫سادســا ‪ :‬م ارعززاة الحفززاال علززس ثبززات ااسززعار للسززلع ااساسززية الضززرورية للفق زراء ورفززع أجززور الفلززات‬ ‫والتشرالح االجتماعية من ذوي الدخل المحدود‪.‬‬

‫سابعا ‪ :‬تطوير دور القطاع العام والتعاوني والمختلط بعيدال عن أتشكال االحتكار‪ ،‬بما يدفع ىلس توسيع‬ ‫القاعدة اإلنتاجية الفلسطينية‪ ،‬والسوق الفلسطيني‪ ،‬علس نحو يؤدي ىلس ىيجاد المإيد من فر‬

‫التتشغيل المتواضعة‪ ،‬لليد العاملة‪ ،‬في اإلنتاو والسوق المحليين من ناحيزة‪ ،‬ويسزمم فزي ضزمان‬ ‫‪74‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫معززدالت عاليززة – نسززبيا‪ -‬مززن النمززو لقطززاعي اإلنتززاو الرليسززيين – الإ ارعززة والصززناعة‪ -‬مززن‬ ‫ناحيززة ثانيززة‪ .‬وفززي هززذا السززياق ف ز ن مززن الواج ز‬

‫والضززروري‪ ،‬ااخززذ بمقترحززات البرنززاما العززام‬

‫للتنميززة الززذي أتشززرف عليززه المفكززر االقتصززادي الفلسززطيني ال ارحززل د‪.‬يوسززف صززايغ‪ ،‬ىذ أن هززذه‬ ‫المرحلة وضروراتما االقتصادية‪-‬السياسية معا تقتضزي مزن كافزة المسزلولين فزي السزلطة ااخزذ‬ ‫بتلت المقترحات بعد ىهمال طويل وغير مبرر لما‪.‬‬

‫ثامنا ‪ :‬ىنتشاء وتفعيل المؤسسات االقتصادية الكبرى في قطاع الصناعة علس نمط التشركات الصناعية‬ ‫المسززاهمة العامززة والتشززركات القابضززة والمختلطززة بززين القطززاعين العززام والخززا‬

‫‪ ،‬لمواجمززة هززذا‬

‫الض ززعف ف ززي البني ززة الص ززناعية ونقلم ززا م ززن طابعم ززا الحرف ززي‪-‬الف ززردي‪ -‬الع ززاللي ىل ززس طابعم ززا‬ ‫اإلنتاجي العام الكفيل وحده بتطوير القطاعات اإلنتاجية في بالدنا‪.‬‬

‫تاســعا‪ :‬العمززل بكززل جديززه‪ ،‬وعبززر كافززة السززبل والضززغوط السياسززية الممكنززة‪ ،‬مززن اجززل تفعيززل وتوسززيع‬ ‫مجززال التبززادل التجززاري الفلسززطيني العربززي‪ ،‬ووقززف احتكززار السززوق اإلس زراليلي لمززذه العمليززة‪.‬‬ ‫وكذلت التركيإ علس فتح سزوق العمالزة العربزي‪ ،‬فزي مختلزف البلزدان‪ ،‬أمزام العمالزة الفلسزطينية‪،‬‬

‫الماهرة وغير الماهرة‪ ،‬وفقا لقوانين وأنالمة التتشغيل في تلت البلدان‪ ،‬دون أن يؤثر ذلت ىطالقزا‬

‫في هوية الفلسزطيني أو يتخزذ أي بعزد سياسزي يتنزاق‬

‫مزع حقزه فزي العزودة أو اإلقامزة الدالمزة‬

‫فززي وطنززه‪ ،‬علمززا بززأن السززوق العربززي فززي دول الخلززيا والسززعودية يسززتوع‬

‫أكثززر مززن خمسززة‬

‫ماليين عامل أجنبي سنويا‪.‬‬

‫عاشـــــ ار‪ :‬متابعز ززة تنفيز ززذ الب ز زراما والد ارسز ززات والتوصز ززيات المتعز ززددة الخاصز ززة بتفعيز ززل دور رأر الم ز ززال‬ ‫الفلسطيني في التشتات‪ ،‬رغم وعينا بارتباطه برأر المال العالمي المعولم ‪.‬‬ ‫ىن هززذه الرؤيززة‪ ،‬أو الخطززوط العامززة ااوليززة المقترحززة‪ ،‬ال بززد لمززا لكززي تملززت مقومززات التغييززر اإليجززابي‬

‫المطلززو ‪ ،‬أن تتبنززس منمجززا علميززا‪ ،‬وفلسززفة ذات مضززمون ديمق ارطززي‪ ،‬وطنززي وقززومي‪ ،‬تقززوم علززس اإليمززان‬ ‫العميق‪ ،‬بوجو تمتع تشعبنا الفلسطيني بحقوقه وحرياته ااساسية وممارسته لما‪ ،‬كمقدمة تزؤدي ىلزس وقزف‬ ‫تراكمزات ااإمززة الراهنززة‪ ،‬وتفززاقم تناقضزاتما المحكومززة بثناليززة غيززر منطقيزة أو منسززجمة‪ ،‬تتزراوح بززين فرديززة‬

‫القرار وأحادية الخطا‬

‫في السلطة وأجمإتما من جمة‪ ،‬وبين جماعية المعاناة والتضحيات واآلمزال الكبيزرة‬

‫من جمة ثانية‪ ،‬وبالتالي ف ن ىلغاء هذه الثنالية المتناقضة‪ ،‬هو سبيلنا الوحيد نحو نالزام الحكزم الزديمقراطي‬ ‫الززوطني‪ ،‬العززادل والقززوي‪ ،‬الممتلززت للفمززم السززليم والواضززح لواليفتززه الجوهريززة بتشززقيما‪ :‬الززوطني والززديمقراطي‬

‫الززداخلي بمززا يضززمن رسززم السياسززات اإلسززتراتيجية المعب زرة عززن مصززالح جمززاهير تشززعبنا‪ ،‬بمثززل م زا يضززمن‬ ‫أيضززا‪ ،‬توجيززه و اإرات ومؤسسززات وأجمزإة السززلطة نحززو تحقيززق تلززت السياسززات أو الززرؤى فززي االقتصززاد كمززا‬ ‫في السياسة‪ ،‬بكفاءة عالية تخدم أهزدافنا وثوابتنزا الوطنيزة العامزة‪ ،‬بمثزل مزا تخزدم وترتقزي بأهزدافنا المطلبيزة‬

‫الداخلية دون أي انفصام بينمما‪.‬‬ ‫‪75‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫علززس أن تطبيززق هززذه الخطززة اإلسززتراتيجية‪ ،‬مرهززون بعمليززة تغييززر جززدي وعميززق‪ ،‬بززدايتما ااولززس ىنمززاء‬

‫االنقسز ززام وااللت ز زإام بالثوابز ززت الوطنيزززة والسياسز ززية التوحيديزززة المسز ززتندة ىلزززس الديمقراطيز ززة ببع ززديما السياسز ززي‬ ‫واالجتماعي‪ ،‬بما يضمن تحقيق العدالة االجتماعية والتعددية والحرية‪ ،‬وتطبيق مبدأ تكافؤ الفزر‬

‫وسزيادة‬

‫القانون وقواعد المحاسبة ضد أي تشكل أو مالمر من مالاهر التفرد أو الصراعات غير المبدلية أو الخلل‬ ‫والفساد من جمة أخرى‪ ،‬ىذ أن تطبيق هذين التشرطين فزي ىطزار الرؤيزة اإلسزتراتيجية سزيمكننا مزن الحزديث‬

‫بثقة عن تحقيق أهم ركيإتين من ركالإ صمودنا علس الصعيد الداخلي همزا ‪-:‬‬

‫‪ -0‬ضمان وحدة وتعددية النالام السياسي واستمراه وفق مبادئ حرية الزرأي والمعتقزد وسزيادة القزانون‪،‬‬ ‫ووقف استخدام السلطة‪ ،‬من قبل الكثيزر مزن رموإهزا‪ ،‬كجسزر لجمزع وتزراكم الثزروات الطفيليزة غيزر‬

‫المتشزروعة علززس حسززا‬

‫قززوت وحيززاة الجمززاهير التشزعبية‪ ،‬حيززث أدى هززذا االسززتخدام اانززاني البتشززع‬

‫التززي ت زراكم العوامززل التززي دفعززت بززدورها ىلززس الص زراع الززدموي الززداخلي ومززن ثززم االنقسززام بززين فززتح‬ ‫وحمززار عبززر حكززومتين غيززر تشززرعيتن فززي كززل منممززا‪ ،‬كمززا أدى ىلززس فقززدان مسززاحات واسززعة مززن‬

‫جماهيرنا لدورها وحريتما‪.‬‬

‫‪ -3‬تقوية وتعإيإ الوحدة السياسية لمجتمعنا وتوفير قدراته علس الصمود والمقاومة حتس طرد االحتالل‬ ‫وتفكيت وواإالة مستوطناته علس طريق الحرية واالستقالل وتقير المصير والعودة والتنميزة والعدالزة‬ ‫االجتماعية والديمقراطية ‪.‬‬ ‫أخيـ ارً ‪ :‬إننـا نفتـرض أن هـذا الفهـم للتنميـة يجـب أن يشـكل أحـد المحـاور الرئيسـية لنشـاط و بـرامج‬

‫الحركة الوطنيـة الفلسـطينية ألنـه المحـور المكمـل عبـر عالقـة جدليـة ومتصـلة لعمليـة التحـرر الـوطني‬ ‫واالســتقالل والدولــة‪ ,‬فاالنهيــار االقتصــادي – االجتمــاعي النــاتج عــن اســتمرار تفكــك وانقســام النظــام‬

‫السياســي الــديمقراطي الفلســطيني‪ ,‬واســتفحال مظــاهر الفســاد واالســتبداد والهبــوط السياســي والتفــاوض‬

‫العبثي وغياب سيادة القانون العادل‪ ,‬يدفع أو يراكم بالضرورة نحـو خلــق المزيـد مـن مقومـات االنهيـار‬ ‫السياسـي واالجتماعي بما يجعل من الفوضى والعشوائية والفلتان األمني واالقتصادي مـن ناحيـة وتزايـد‬

‫تحكم القوى الخارجية (األمريكية اإلسرائيلية) في مستقبلنا من ناحية ثانيـة‪ ,‬عـامالً مقـر ارً فـي أوضـاعنا‬

‫السياسية االقتصادية المجتمعية‪ ,‬وفي كال الحالتين يصبح مسـتقبل شـعبنا معلقـاً بعوامـل ال دخـل إلرادة‬ ‫جماهيرنا في تشكيلها أو التأثير فيها‪ ,‬وهذا بالقطع وضع يائس‪ ,‬ما أتعس األمة التي تجد نفسها فيه‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مقارنة سريعة بني الرفيق هوجو شافيز ‪...‬وبني ما يسمى بزعماء‬ ‫الدول االسالمية والعربية‪!!!!....‬‬

‫‪7 / 2 / 3102‬‬ ‫مقارنة سريعة بين المناضل االشتراكي الراحل الرفيق هوجو شافيز ‪...‬وبين ما يسمى بزعماء الدول‬

‫االسالمية والعربية‪!!!!....‬‬

‫تأملوا رفاقي وأصدقائي الثنائية المتناقضة بين قيم ومبادىء ومصداقية الماركسيين االشتراكيين في‬

‫مواقفهم ضد االمبريالية االمريكية والدولة الصهيونية وضد كل اشكال الظلم والعدوان واالغتصاب‬

‫واالستغالل واالضطهاد واالستبداد‪ ,‬وبين حكام ومشايخ وأمراء ورؤساء الدول العربية ‪ ,‬ورؤساء دول‬

‫ما يسمى باألمة االسالمية الذين يعلنون ‪ -‬بال حياء ‪ -‬تأييدهم ووالئهم لالمبريالية االمريكية‬ ‫وتطبيعهم واعترافهم بالدولة الصهيونية عالوة على ممارستهم ألبشع اشكال االستبداد واالستغالل‬

‫والقهر لجماهير شعوبهم الفقيرة ‪..‬‬

‫أكتب هذه الخاطرة مستعيدا في ذهني رحلة حياة رفيقنا الثائر األممي الرئيس الراحل شافيز ضد‬

‫امريكا وضد الرأسمالية ليس دفاعا عن استقالل بلده فنزويال وتحقيق العدالة االشتراكية والتقدم‬ ‫والديمقراطية والتنمية لشعبها وجماهير عمالها وفالحيها فحسب ‪ ,‬بل ايضا مواقفه المبدأية في تأييد‬

‫الحركات الثورية والوطنية المنا ضلة من اجل استقالل بلدانها وتضامنه الصادق مع كل الشعوب‬ ‫المقهورة في هذا الكوكب وفي المقدمة منها شعبنا الفلسطيني في نضاله ضد العدوان واالغتصاب‬

‫الصهيوني ‪ ...‬فإبان العدوان اإلسرائيلي على غزة ( يناير ‪ )3116‬أعلن الثائر االشتراكي األممي‬ ‫هوغو تشافيز أن السفير اإلسرائيلي شخص غير مرغوب بوجوده على األراضي الفنزويلية‪ ,‬وقام‬ ‫بسحب السفير الفنزويلي من إسرائيل واثناء العدوان قال الراحل شافيز‪":‬ينبغي جر الرئيس اإلسرائيلي‬ ‫إلى محكمة دولية ومعه الرئيس األميركي‪ ,‬لو كان لهذا العالم ضمير حي‪ .‬يقولون إن الرئيس‬

‫اإلسرائيلي شخص نبيل يدافع عن شعبه! أي عالم عبثي هذا الذي نعيش فيه؟"‪.. .‬هذا هو شافيز‬ ‫االشتراكي األممي الذي احتضن ودافع عن اهداف شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية من اجل التحرر‬ ‫والعدالة االشتراكية والديمقراطية ‪,‬في حين ان دول االسالم السياسي في البالد العربية واالسالمية ما‬

‫زالت غارقة في عمالتها ألمريكا حريصة على سفاراتها في الدولة الصهيونية!!!‬

‫‪77‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رحلة حياتك رفيقنا فقيدنا شافيز كانت ‪ -‬وستبقى‪ -‬مليئة بالمحطات المضيئة ‪ ,‬للتأمل والتفكير‬

‫واعادة النظر ال زالة الضباب واألوهام المسيطرة على عقول المخدوعين بأصحاب اللحى والعباءات‬

‫السوداء ممن يطلق عليهم ملوكا وأمراء ومشايخ وأصحاب فخامة ومعالي ‪ ,‬وهم في حقيقتهم مجرد‬

‫عمالء ساقطين ومنحطين‪ ...‬يرتعدون من شافيز حيا وميتا‪...‬بمثل ارتعادهم من لهيب الثورة الذي‬

‫سينتشر في كل ارجاء الوطن العربي معلنا سقوطهم ونهاية انظمتهم‪...‬المجد والخلود للقائد الثوري‬

‫األممي شافيز ‪.‬‬

‫‪78‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفلسفة املاركسية موقف أخالقي قبل أن تكون علما‬ ‫‪03 / 2 / 3102‬‬ ‫سؤال ما هي الماركسية؟ ما زال متداوالً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية والوعي أو التراجع أو‬

‫االرتباك – بين معظم رفاقنا في كافة احزاب وفصائل اليسار العربي‪ ,‬وما زال النقاش حول هذا السؤال‬ ‫محموالً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد ‪-‬بمسافة نسبية بين هذا الرفيق او ذاك – عن امتالك‬ ‫الوعي العقالني العميق بالمنهجية الماركسية وقوانينها ومقوالتها وجوهرها المادي النقيض للفلسفة‬

‫المثالية ولكل األفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية‪ ,‬ما يعني ان هذه االحزاب والفصائل تعيش‬

‫عموماً حالة من االرتباك واالرتداد الفكري او فوضى األفكار‪ ,‬عززت وكرست – حتى اللحظة – نوعاً‬ ‫من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة ليبرالية او توفيقية انتهازية‬

‫وملتبسة أودينية شكالنية ‪ ,‬أودت بها الى حالة من الهبوط السياسي والمعرفي ارتباطاً بغياب التحليل‬ ‫الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة سواء على صعيد النضال الوطني التحرري او على صعيد‬

‫النضال والصراع الطبقي الداخلي في مجتمعاتنا العربية ‪ ,‬وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً‪ :‬ما‬ ‫هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح رغم كل ما يدور من نقاشات موضوعية او مقترحة حول‬

‫هذا الموضوع‪ ,‬ان الماركسية هي نظرية علمية‪ ,‬بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين‬

‫والمقوالت والفرضيات‪ ,‬وهي أيضا – وهذا هو المهم‪ -‬تنطوي على المنهج‪ :‬أي الطريقة او األسلوب‬

‫وهما األداة األساسية لكل علم من العلوم‪ ,‬لكن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة ‪ ,‬واال‬ ‫لكفى أي انسان أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما‬

‫يكون عن الماركسية الجوهرية‪ ,‬على غرار بعض خريجي الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل‬

‫اإلنهيار ‪.‬‬

‫فالماركسية قبل أن تكون علماً ‪ ,‬إنما هي موقف أخالقي بأعمق مفهوم األخالق‪ .‬فهي مبنية على‬

‫منطلقات أخالقية هي إعتبار اإلنسان ومحيطه الطبيعي أعلى الغايات والقيم‪ ,‬وبالتالي العمل ألجل‬

‫تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع اإلضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على إختالف اجناسهم‬

‫المضطهدين‪ :‬الطبقة‬ ‫وأعراقهم وألوانهم‪ .‬ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز تتبنى الماركسية وجهة كافة‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫هن الجنس المضطهد واألمم والشعوب‬ ‫العاملة بوصفها الطبقة‬ ‫المنتجة غير المالكة والنساء باعتبار ّ‬

‫جر‪ ...‬وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي‪ :‬قبل أن يتعلّم‬ ‫وهلم ّا‬ ‫المقهورة‪ّ ,‬‬ ‫المناضلون الماركسية كعلم ولكي يستوعبونها حقاً ال بد لهم بادىء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها‬

‫‪79‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫األخالقية ويجعلونها منطلقاتهم‪ ,‬واال فما قيمة "المناضل" الذي حفظ قرآن الماركسية عن ظهر قلب وال‬

‫تخيم على‬ ‫تزال عادات التعالي اإلجتماعي إزاء األتعس منه حظاً والذكورية والعنصرية والقومجية ّ‬ ‫أطباعه‪ .‬فما نفع "المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من‬ ‫رواسب تربيته اإلجتماعية؟ والمنطلقات األخالقية التي ذكرتها ال يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط‬

‫كمبادىء أخالقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق المسابقات الخطّية‪ ,‬بل في الممارسة‬ ‫الحياتية اليومية المحمولة بالروح واالرادة الثورية‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ُ َّ‬ ‫أمهات ‪!.‬‬

‫‪32 / 2 / 3102‬‬ ‫بقلم‪ :‬ولدي الغالي أكرم ‪...‬الى كل األمهات والى أمه وشريكة عمري الحبيبة عفاف أم أوالدي ملكة‬

‫الحنان والحب والعطاء والتربية واالخالق ‪..‬تلك هي أم جمال الوردة الدائمة االشراق مع الورود الزاهرة‬ ‫في بستان حياتي ‪ :‬رانيا ورنا وجمال وأكرم وروان واوالدهم وبناتهم أحفادي‪ ....‬اقرأوا معي كلمات‬

‫ولدي المبدع أكرم الى كل األمهات‪......‬‬

‫" ال تَحتَ ِفل بأمك ‪ .‬فَقَ ْط ِ‬ ‫حاف ْظ عليها !! "‬ ‫ّ‬ ‫أكرم الصوراني‬ ‫بأمي هذا العام ‪ .‬وعلى األكثر قد يمارس بعض األبناء ذات طقوس االحتفال ‪!.‬‬ ‫على األقل سأحتفظ ّ‬ ‫ربما ليست وحدها التي لن يتسنى لها االحتفال بوالدتها المتوفاة منذ ثالثين عام ‪ !.‬بعد قليل‬ ‫والدتي ّ‬

‫ويبكيني صوت فايزة أحمد‬ ‫سأجعلها تبكي عندما أُذكرها بجدَّتي ‪ ,‬وعندما أُهديها األغنية التي تُبكيها ُ‬ ‫بصمات األقدام حاضرة‬ ‫ست الحبايب" ‪ !.‬تَخيَّل حتى بعد ثالثين عام األمهات ال تُْنسـى ‪!.‬‬ ‫عند سماع " ّ‬ ‫ُ‬

‫شرفة المنزل ‪ ,‬ومع المالقط وس ّل الغسيل ‪ ,‬وأواني الطبخ ‪ ,‬ورائحة معجون الجلي‬ ‫في الذكريات وعلى ُ‬ ‫ورائحة الكلور واللحمة وعجين وصناعة الخبز ورضاع الكبير قبل الصغير ‪ ,‬رضاعة بالمعنى الحنيني‪,‬‬ ‫ال بالمعنى الحليبي للكلمة وتفسيرات شيوخ القرن العشرين ‪ .‬أقدام األمهات حاضرة عند الفرح ومع‬

‫الجوال ‪ ,‬حتى الج ّنة تجري فوقها األقدام ومن تحتها تجري األنهار ودموع فراق‬ ‫الحزن وفي نغمة ّ‬ ‫أن كل األمهات كما كل اآلباء استثنائيون من وجهة نظر األبناء ‪.‬‬ ‫فلذات األكباد قبل األوان ‪ !.‬أدرك َّ‬ ‫استثنائية ماما األم ‪ .‬ماما الثَّدي ‪ .‬ماما األخت ‪ .‬ماما الزوجة ‪ .‬ماما العائلة ‪ ,‬العاملة ‪ .‬ماما الزميلة‪.‬‬

‫ٍ‬ ‫نكهة خاصة متعددة الطعم ومذاقات األشقياء ‪ ..‬ماما‬ ‫ذات‬ ‫ماما المقتولة المغدورة استثنائي ٌة خاصة ُ‬ ‫وحجَّتُ َك عند اللزوم وعند الهروب وعند االنتكاس وعند الحاجة للحب‬ ‫بمعنى َي َّمـا ‪ ,‬بمعنى ‪َ ,‬حجَّتي ُ‬

‫وللحنين وللبكاء ‪ !.‬ال يعنيني الحادي والعشرين من مارس‪/‬آذار كثي ارً ‪ .‬وتعنيني معايدة َّ‬ ‫األمهات ‪,‬‬ ‫كل ّ‬ ‫المس ّنين ‪ .‬المناضالت ‪.‬‬ ‫الراحالت منهن والباقيات الصالحات ‪ ,‬والمريضات المنفيات في بيوت العجزة و ُ‬

‫الشاهدات الشهيدات ‪ .‬الجميالت ‪ ,‬العذ اروات ‪ ,‬العزباءات ‪ ,‬العذباوات والحامالت لألطفال وللهموم‬ ‫ِ‬ ‫ستصير‬ ‫وم ْن‬ ‫وشيء من القهر ‪ !.‬تعنيني معايدة ك ّل األرحام وفي كل األيام ‪َ ,‬م ْن َو َ‬ ‫ُ‬ ‫وم ْن تَْنتَظر ‪َ ,‬‬ ‫ض َع ْت َ‬ ‫األمهات ‪ .‬تعنيني معايدةُ بائعة الفراولة أمام المخبز وحيدة ‪ ,‬وصاحبة البسطة وتلك األخرى‬ ‫في قائمة ّ‬ ‫‪80‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المتسولة قس ارً على الطُ​ُرقات ‪ ,‬وبائعة الشاي والمناديل أمام إشارة المرور ‪ ,‬واشارة المستقبل ‪ ,‬تبحث‬ ‫ُماً ‪ .‬وكيف سيحتفل بها‬ ‫عمن يشتري المنديل‬ ‫وتبحث عن األمل وعن السؤال الحائر ‪ ..‬كيف ستصير أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬

‫المشـَ​َّردون ‪!!..‬‬ ‫ُ‬

‫ُّ ٍ‬ ‫أنتن بخير وعلى قيد األمل بالحياة ‪!!.‬‬ ‫وه َّن و َّ‬ ‫أمي ُ‬ ‫كل عام و ّ‬

‫‪82‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مداخلة حول ‪-‬احلملة اإلسرائيلية لنزع صفة الجئ عن ابناء‬ ‫وأحفاد الالجئني‪-‬‬

‫‪21 / 2 / 3102‬‬ ‫على الرغم من ادراكي لطبيعة الخلل والفجوة الهائلة في موازين القوى بين " اسرائيل " وبين الوضع‬

‫العربي والفلسطيني الذي يعيش حالة غير مسبوقة من التفكك والخضوع واالرتهان للسياسات االمريكية‬ ‫الصهيونية ‪ ,‬اال انني واثق من رفض شعبنا الفلسطيني وشعوبنا العربية للممارسات الصهيونية‬

‫العنصرية‪ ,‬عبر كل اشكال المقاومة الشعبية والمظاهرات واالعتصامات ‪ ,‬من خالل الحركات‬ ‫والتنظيمات السياسية واالجتماعية واألهلية ولجان الآلجئين في الوطن والشتات ‪ ,‬التي يجب ان تقوم‬ ‫بدورها ضد الحملة الصهيونية ودفاعا عن حق الالجئين واحفادهم بالعودة الى وطنهم التاريخي ‪,‬‬

‫ومطالبة الدول العربية بإغالق سفارات الدولة الصهيونية فيها‪ ,‬والغاء كافة العالقات السياسية‬

‫والتطبيعية معها‪.‬‬

‫وكذلك مطالبة كافة البلدان واالحزاب والحركات السياسية الصديقة في العالم‪ ,‬التداعي للتضامن مع‬

‫شعبنا ضد هذه الحملة الصهيونية العنصرية التي لن تكون األخيرة في المخطط الصهيوني ‪ ,‬وفي هذا‬

‫الجانب ال بد من التأكيد مجددا على ضرورة تمسكنا بكافة القوانين والق اررات الدولية المتعلقة بحق‬

‫العودة لالجئين خاصة القرار ‪ 062‬الذي يستمد أهميته من كونه "القرار الوحيد الذي ُي َعِّرف حقوق‬ ‫الالجئين الفلسطينيين بصورة جماعية ويطالب بحقهم بالعودة كمجموعة قومية‪ ,‬وهو حق ال يسقط‬ ‫بتقادم الزمن‪ ,‬ألنه حق فردي يعني كل الجيء تم طرده بمفرده‪ ,‬وحق جماعي يتعلق بشعب طرد من‬

‫أرضه‪ .‬كذلك ايضا التمسك بالق اررات التي تلت قرار ‪ 062‬وتقضي بوجوب عودة الالجئين الفلسطينيين‬

‫إلى ديارهم مثل ‪ :‬قرار ‪ 213‬تاريخ‪- 0626/03/1‬قرار ‪ 262‬تاريخ ‪- 0621/03/02‬قرار ‪731‬‬ ‫تاريخ ‪- 0622/00/07‬قرار ‪ 101‬تاريخ ‪- 0622/0/2‬قرار ‪ 609‬تاريخ ‪ - 0622/0/03‬قرار‬

‫‪ 0101‬تاريخ ‪- 0627/3/31‬قرار ‪ 0220‬تاريخ ‪ ..... 0621/03/03‬الخ‪ ,‬وقرار ‪ 221‬بتاريخ‬

‫‪ ,0672/01/30‬وكذلك القرار التاريخي لألمم المتحدة رقم ‪ 2329‬بتاريخ ‪ 0672/00/33‬الذي‬

‫"يؤكد على الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني ومن ضمنها ‪ :‬حق الفلسطينيين الثابت في العودة إلى‬

‫ديارهم واقرار االمم المتحدة واعترافها بحق الشعب الفلسطيني في إعادة حقوقه بجميع الوسائل طبقا‬ ‫ألهداف ومبادئ ميثاق األمم المتحدة"‪ .‬والقرار رقم ‪ 2279‬بتاريخ ‪ 0672/00/01‬الصادر عن‬

‫الجمعية العامة لألمم المتحدة‪" ,‬بإنشاء اللجنة الدولية المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه‬ ‫‪83‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫غير القابلة للتصرف" ‪ ,‬وقرار الجمعية العامة لألمم المتحدة رقم (‪( )2116‬د‪ )31-‬بتاريخ‬

‫‪ 0672/03/7‬الذي أكد على "الحق الثابت في العودة للالجئين العرب الفلسطينيين‪ ,‬وتمتعهم بحقهم‬

‫في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم" ‪ ,‬وفي هذا السياق أَُن ِّوه الى أن اإلشارة إلى حق الالجئين في العودة‬ ‫(حسب القرار ‪ ) 2116‬جاءت مطلقة لتشمل الوطن الفلسطيني بكامله‪ ,‬ما احتل منه قبل العام ‪0697‬‬ ‫وبعده‪ ,‬وتسري على جميع الالجئين الفلسطينيين بدون استثناء أو شروط مسبقة‪ ,‬كما أن القرار‬

‫المذكور اعتبر العودة "شرطا مسبقا ال بد من تحقيقه ليتمكن الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في‬

‫تقرير مصيره"‪ ,‬وهنا برزت ألول مرة اإلشارة الهامة –في وثائق األمم المتحدة‪" -‬إلى أن حق العودة هو‬ ‫حق للشعب الفلسطيني بمثل ما هو للفلسطينيين كأفراد" ‪.‬‬

‫وبالتوازي مع ق اررات الشرعية الدولية ‪ ,‬ال بد من التمسك بتطبيق نصوص األعراف واألحكام‬

‫والقواعد والمبادئ التي تشكل منظومة قانونية دولية شاملة ومترابطة لحماية وضمان جملة الحقوق‬

‫األساسية للفرد والشعوب‪,‬التي تسمى بـ"الشرعة الدولية لحقوق اإلنسان"‪ ,‬التي تقوم على "قاعدة الحق‬ ‫في استقرار اإلنسان في إطار حياته وحقه في البقاء في بلده ومغادرته والعودة إليه‪ ,‬وان حق العودة‬

‫إلى الوطن يعتبر حقا طبيعيا لصيقا ومطلقا ال يمكن تجاوزه أو وقفه أو انتهاكه أو نكرانه‪ ,‬حتى في‬ ‫حاالت الطوارئ واالحتالل" ‪ ,‬وكذلك نصوص منظومة القانون الدولي الذي أكدت المادة الثالثة عشر‬

‫منه ان‪" -:‬لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد ‪,‬بما في ذلك بلده ‪,‬وفي العودة إليه" ‪ ,‬كما أكدت في الفقرة‬

‫الرابعة (أ) من المادة(‪ )12‬على االنتهاكات الجسيمة‪ ,‬معتبرة ان األبعاد والترحيل وحرمان الشخص من‬ ‫العودة لدياره ووطنه‪ ,‬أحد تلك االنتهاكات ومعتب ار إياها بمثابة جرائم حرب" ‪.‬‬

‫على أي حال ‪ ,‬ال بد لي من التأكيد على أن سيادة الشعب الفلسطيني على ارض وطنه التاريخي‬

‫فلسطين‪ ,‬ال تنطفئ وال تزول بفعل االحتالل القسري للوطن أو بفعل الفتح واالغتصاب واالستيطان‪,‬‬

‫ومن ثم "يجب التفريق بين السيادة القانونية والسيادة السياسية الن االخيرة تعني السيطرة واإلشراف‬

‫الواقعي –بدوافع القوة واإلكراه‪ -‬بينما األولى تشير إلى الحق الشرعي ألي شعب على ارضه ‪ ,‬وهو‬

‫حق ال يجوز التفريط فيه من قبل حاكم او رئيس او ملك او سلطة مهما امتلك أي منهم للصالحيات‪.‬‬

‫فالسيادة القانونية مرتبطة بالحق الشرعي (التاريخي) المرتبط بالشعب الفلسطيني دون سواه ‪,‬‬

‫وبالتالي فان كل أشكال السيطرة أو السيادة السياسية الصهيونية االكراهية وكافة المتغيرات السياسية‬

‫التي عرفتها فلسطين طوال (‪ )92‬عاماً األخيرة ال تلغي إطالقا السيادة القانونية المرتبطة بالحق‬

‫التاريخي لشعبنا الفلسطيني على أرض فلسطين حاض ار ومستقبال‪ ,‬كجزء ال يتج أز من اإلطار السياسي‬

‫والنسيج االجتماعي القومي العربي‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم "فان الوضع القانوني "إلسرائيل" بالنسبة لجميع اراضي فلسطين التاريخية ‪ ,‬هو‬

‫وضع المحتل الغاصب‪ ,‬حيث ال تستطيع "إسرائيل" وال تملك الحق التاريخي والقانوني في كل األحوال‬ ‫‪84‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالسيادة على األراضي التي احتلتها" قبل عام ‪ 0621‬وبعده ‪ ,‬الن صاحب السيادة الشرعي هو الشعب‬

‫الفلسطيني الذي يحتفظ بالسيادة القانونية التي ال يمكن ان تلغيها أية اتفاقات تعقد باسمه من أي‬

‫جهة كانت‪ ,‬وفي حال وجود مثل هذه االتفاقات (أوسلو وما تالها) التي تتعأرض مع حقوق الشعب‬ ‫األساسية والتاريخية‪ ,‬فإنها تعطي العدو مؤقتا سيادة في الواقع‪ ,‬سيادة بالمعنى السياسي المرتبط‬

‫بالقوة واإلكراه واالغتصاب الصهيوني األمريكي‪ ,‬وليس سيادة بالمعنى القانوني بأي شكل من األشكال‪,‬‬

‫خاص ًة وأن شعبنا الفلسطيني لم ولن يوافق باختياره على تحويل حق سيادته على بالده إلى الغير ‪,‬كما‬ ‫أنه لم يعترف بأية سيادة للمحتل على أرض وطنه مهما طال الزمن‪ ,‬ألن "انقضاء الزمن عاجز عن ان‬

‫يجعل من اغتصاب الحركة الصهيونية لفلسطين عمال مشروعا‪ ,‬الن الحق التاريخي ال يسقط بالتقادم‪,‬‬

‫هذا ما تؤكده األعراف والقوانين الدولية بمثل ما تؤكده ذاكرة وارادة شعبنا‪.‬‬

‫اخي ار ‪ ,‬ان قضايا الالجئين بوجه خاص‪ ,‬بغض النظر عن وجودهم القانوني أو الجغرافي في هذا‬

‫البلد العربي أو األجنبي‪ ,‬وبغض النظر عن أية أوضاع قانونية أو سياسية تشكلت بعد النكبة األولى‬

‫عام ‪ , 0621‬او اية ق اررات الحقة حتى يومنا هذا بما في ذلك اطالق" إسرائيل" حملتها الحالية" لنزع‬ ‫صفة الجئ عن أبناء وأحفاد الالجئين الفلسطينيين " لن تؤثر في قوة مبدأ حق العودة بالمعنى‬

‫التاريخي او وفق الق اررات الدولية خاصة القرار ‪ , 062‬ذلك الن قضية الالجئين الفلسطينيين ليست‬

‫قضية أفراد ُي َع ِّب ُر كل منهم عن رؤيته أو موقفه الخاص بل هي أيضاً‪ ,‬وبالدرجة األولى قضية ُي َع ِّبر‬ ‫عنها الالجئين أنفسهم ككتلة مجتمعية وسياسية‪ ,‬وبما يؤكد بشكل دائم وفعال على دورهم‪ ,‬كعنصر‬ ‫واطار سياسي وأساسي ملموس‪ ,‬وذلك تثبيتا لقاعدة يدركها العدو اإلسرائيلي والقوى اإلمبريالية‬

‫المساندة له ‪ ,‬وتتلخص هذه القاعدة في انه ليس هناك أية إمكانية لحل عادل ومتوازن لقضية‬

‫الالجئين بدون حسم الصراع مع الدولة الصهيونية ‪ ,‬بما يؤدي إلى قيام دولة فلسطين الديمقراطية‬

‫العلمانية لكل سكانها‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫هنيئا للعمال والفالحني الفقراء وكل املضطهدين يف فنزويال بفوز‬ ‫الرفيق مادورو‬

‫‪09 / 2 / 3102‬‬ ‫االنجا ازت التي حققتها القيادة الثورية في فنزويال بقيادة المناضل الثوري الرحل شافيز كانت‬

‫وستظل البوصلة التي دفعت جماهير العمال والفالحين الفقراء والحرفيين والطالب وصغار الموظفين‬

‫الى انتخاب رفيقه المناضل الثوري المرشح االشتراكي نكوالس مادورو ‪ ...‬ذلك ان النهج السياسي‬

‫واالجتماعي واالقتصادي الذي تبنته حكومة شافيز‪ ,‬منذ وصلت ‪...‬السلطة في أواخر التسعينات حتى‬

‫لحظة رحيله‪ ,‬قام على جعل االقتصاد في خدمة الشعب‪ ,‬بدالً من جعل الشعب في خدمة االقتصاد‪.‬‬ ‫وهذه هي الفكرة الجوهرية إللغاء االستغالل الطبقي الرأسمالي‪ ...‬وهي المقدمة االولى لالشتراكية‪.‬‬

‫إن هذا النهج الثوري كفيل بتحطيم النموذج الرأسمالي الليبرالي ومعه المصالح اإلمبريالية‬

‫األمريكية‪ ...‬والرفيق مادورو وحكومته يدركون جيدا هذه الحقيقة‪ ,‬كما يدركون أن مصير البالد‬ ‫ومستقبلها يتوقف على ثباتهم تحت الشدة‪ ,‬على المبادىء التي ناضل القائد الراحل شافيز ورفاقه من‬

‫اجلها ‪...‬النهم رجال مبدئيون‪ ,‬والرجل المبدئي‪ ,‬كما قال كاسترو مرة‪ ,‬كالذهب الحقيقي‪ ,‬ولذلك لم يكن‬

‫مستغربا فوز مادورو معلنا انتصار رؤى وبرامج وتطلعات الجماهير الشعبية ومواصلة مسيرة الثورة‬

‫في فنزويال‪ ....‬وبدال من االنهيار انتصر رفيق درب شافيز ‪ ,‬المرشح االشتراكي‪ ,‬نكوالس مادورو‬ ‫وصمد البوليفار‪ ,‬وتماسك االقتصاد‪ ...‬وسيزداد التفاف الجماهير الشعبية حول الثورة‪.‬‬

‫إن مصداقية مادورو وحكومته الثورية القادمة في ممارساتها ضد المصالح اإلمبريالية‬

‫والصهيونية‪ ,‬وفي خدمة مصالح الجماهير الفقيرة من العمال والفالحين‪ ,‬سيكون عامال رئيسيا من‬

‫العوامل التي ستحقق احالم وتطلعات الجماهير الشعبية في فنزويال بقيادة الرفاق في الحزب االشتراكي‬ ‫الموحد ومواصلة النضال ضد اليمين الطبقي البورجوازي في الداخل وضد االمبريالية االمريكية في‬

‫الخارج ‪ ,‬وفي مقابل هذه الهجمة اليمينية و االمبريالية االمريكية‪ ,‬ها هي الجماهير الفقيرة تلتحم مع‬ ‫قيادتها الثورية الجديدة وتنتخب الرفيق ابن الطبقة الكادحة مادورو‪ ,‬ذلك إن الحلفاء الحقيقيين للشعب‬

‫الفنزويلي هم ‪ -‬في آخر المطاف‪ -‬عمال وفالحو أمريكا الالتينية المضطهدون‪ .‬هم من يمكن‬ ‫االعتماد عليهم دائما للدفاع عن الثورة الفنزويلية وعن أي ثورة في هذا العالم ‪ ,‬ونحن في فلسطين‬

‫نؤكد تحالفنا وتضامننا األممي مع مادورو والثورة في فنزويال‪ ,‬التي ستمتد وتتواصل معلنة انهيار‬

‫االمبريالية وانظمتها في كل امريكا الجنوبية لتشكل قاعدة وسنداً للثورة الفلسطينية والحركات الثورية‬

‫اليسارية في كل بلدان العالم الثالث ‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن الثورة الفنزويلية ثورة ديموقراطية شعبية‪ ,‬تسير على طريق الثورة االشتراكية‪ ,‬وفي هذا السياق‬

‫فإن ما يسمى بـ"الديموقراطية" البرجوازية‪ ,‬ليس سوى خدعة كبرى تختبئ ورائها دكتاتورية رأس المال‬ ‫بقيادة التحالف اليميني البيروقراطي الكومبرادوري الطفيلي من عمالء وتوابع االمبريالية…‪.‬‬

‫فقط الحركة الثورية للجماهير الشعبية هي التي منعت الثورة المضادة من االنتصار ‪ .‬لقد أظهرت‬

‫التجربة أن القاعدة الصلبة الوحيدة التي تدعم الثورة هي الجماهير الفقيرة‪ ,‬وفي مقدمتها الطبقة‬

‫العاملة والفالحين األجراء‪.‬‬

‫إن كلمتنا الصادقة نحن في الجشـ ‪ ,‬الى قيادة وعمال فنزويال هي‪ :‬ال تثقوا إال في أنفسكم وفي‬

‫قوتكم الخاصة! ال تثقوا إال في حركة الجماهير الثورية! هذه هي القوة الوحيدة التي بإمكانها كنس‬ ‫جميع العراقيل وهزم الثورة المضادة والبدء في أخذ السلطة بين أيديها‪ .‬هذه هي الضمانة الوحيدة‬

‫لالنتصار‪ ...‬وعلى هذا الطريق فان ما يتوجب امتالكه هو برنامج ثوري حازم‪ ,‬مبني على أسس‬ ‫علمية‪ ,‬وليس هناك من نظرية يمكنها تحقيق هذا إال الماركسية وحزبها ‪ ....‬حزب الفقراء والعمال‬

‫والفالحين‪...‬‬

‫فالنضال من أجل الديموقراطية الثورية‪ ,‬ال يمكنه أن ينتصر إال إذا تحول إلى نضال ضد ديكتاتورية‬

‫الرأسمال وتحالفه الطبقي‪ ,‬ومن ثم ‪ ,‬فإنه لكي ينتصر النضال من أجل الديموقراطية‪ ,‬يجب أن يقود‬ ‫مباشرة إلى نضال من أجل سلطة العمال والفالحين الفقراء ومن أجل االشتراكية‪ .‬ليس هنالك من‬

‫"طريق وسط"‪.‬‬

‫إن مستقبل الثورة البوليفارية سوف يتحدد‪ ,‬في آخر المطاف‪ ,‬بدرجة امتدادها إلى باقي بلدان‬

‫أمريكا الالتينية وخارجها‪ .‬لقد فهم "تشي غيفا ار" جيدا هذه الفكرة عندما قال أنه ال يمكن حماية الثورة‬

‫الكوبية إال بخلق "فيتنام فيتنامين أو ثالثة أو أكثر"‪ ...‬وها هي فنزويال وغيرها من بلدان امريكا‬ ‫الالتينية يحققون الحلم الجيفاري‪.‬‬

‫سوف تتواصل انتصارات الحركة البوليفارية الثورية بقيادة مادورو ورفاقه في الحزب االشتراكي‬

‫الموحد‪ ,‬وتتقدم إلى االمام لتتجاوز حدود الثورة البرجوازية الديموقراطية‪ ,‬وانجاز الثورة االشتراكية ‪,‬‬ ‫ونحن في الجشـ نؤكد ثقتنا بالقيادة الثورية والرئيس الرفيق مادورو صوب مزيد من التقدم على طريق‬ ‫الثورة االشتراكية في كل امريكا الجنوبية لتشكل منارة وقيادة تحتذى من رفاقنا في الجبهة الشعبية‬

‫ومن كل الثوريين اليساريين المناضلين العرب من اجل التحرر القومي والديمقراطية واالشتراكية في‬

‫بالدنا‪.‬‬

‫مدركين ان اي صفعة للثورة الفنزويلية هي صفعة لنا جميعاً ‪ ..‬كما أن صمود الثورة وانتصارها هو‬

‫انتصار لكل المضطهدين والمناضلين من اجل الحرية والتقدم واالشتراكية‪.‬‬

‫عاشت الثورة االشتراكية في بوليفيا التي تغزو اليوم كل أمريكا الالتينية وتهدد مصالح اإلمبريالية‬

‫والوجود الصهيوني في بالدنا‪.‬‬

‫‪87‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عاش التضامن األممي ضد التحالف اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ‪ ..‬وسترفرف رايات التحرر‬

‫واالشتراكية الحمراء في بالدنا كما ترفرف اليوم في فنزويال ‪ ..‬فجيفا ار لم يمت ‪ ..‬لقد عاد ‪ ..‬افتحوا‬

‫األبواب ‪ ..‬وأقيموا السواري لرايات اليسار التي ترتفع من جديد في فنزويال وأمريكا الالتينية وآسيا‬

‫وأفريقيا معلنة بداية الخطوات صوب هزيمة اإلمبريالية وحليفها الصهيوني وكل القوى الرجعية‬

‫والكومبرادور في بالدنا‪.‬‬

‫عاشت الثورة االشتراكية في أمريكا الالتينية طليعة األممية في هذا العصر‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫السريورات الثورية لالنتفاضات العربية وتأثريها على القضية‬ ‫الفلسطينية‬

‫‪03 / 2 / 3102‬‬ ‫منذ اندالع االنتفاضات الشعبية وسقوط أنظمة التبعية واالستبداد في تونس ومصر واشتعالها في‬

‫اليمن وليبيا والمغرب وسوريا واألردن والبحرين‪ ,‬توجهت أنظار وعقول وقلوب الشعب الفلسطيني‬ ‫صوب ثورة الجماهير الشعبية العربية تعبي ار عن فرحته وتأييده للمشهد العربي "الجديد" الذي تساقطت‬

‫فيه رؤوس بعض أنظمة التبعية والفساد واالستبداد عموماً ونظام كامب ديفيد في مصر خصوصاً ‪.‬‬

‫لكن سيرورة الحالة الثورية االنتفاضية ونتائجها المباشرة في تونس ومصر واليمن وغيرها من‬

‫البلدان‪ ,‬كشفت بوضوح ‪ ,‬الطابع االجتماعي والسياسي الديمقراطي لالنتفاضة وأهدافها وشعاراتها التي‬

‫تمحورت بسبب عفويتها ‪ ,‬وتأثير قوى اإلسالم السياسي والقوى الليبرالية فيها ضمن إطار هذا القطر‬

‫العربي أو ذاك ‪ ,‬دون أي ترابط قوي وواضح بين البعدين الوطني الداخلي والقومي العربي سواء فيما‬

‫يتعلق بالموقف من "إسرائيل" والصراع العربي الصهيوني أو الموقف من االمبريالية وانهاء سيطرتها‬

‫على مقدرات شعوبنا ‪.‬‬

‫ففي ظل ضعف وتراجع القوى والحركات اليسارية في كافة البلدان العربية‪ ,‬استطاعت حركات‬

‫اإلسالم السياسي أن تقطف ثمار االنتفاضات الشعبية العفوية ‪ ,‬وتحقق فو ازً ‪-‬ألول مرة في تاريخها‪-‬‬ ‫في االنتخابات البرلمانية ‪ ,‬والوصول إلى قمة السلطة الحاكمة في مصر وتونس ‪ ,‬عبر شعارات‬

‫وبرامج سياسية واقتصادية واجتماعية لم تحمل في طياتها أي شكل من أشكال التناقض مع السياسات‬

‫االمبريالية والنظام الرأسمالي واقتصاد السوق الحر من ناحية ‪ ,‬ولم تحمل أي موقف واضح ضد دولة‬

‫العدو الصهيوني أو رفض والغاء االتفاقات المعقودة معها من ناحية ثانية ‪ ,‬خاصة وأن حركات‬

‫اإلسالم السياسي (اإلخوان والنهضة وبقية الفروع في الوطن العربي والعالم اإلسالمي) تعمل على‬

‫التكيف مع السياسات األمريكية وتكريسها ‪ ,‬وهو أمر غير مستغرب بالنسبة لي‪ ,‬عبر قراءتنا لدور‬ ‫هذه الجماعة منذ نشأتها حتى اللحظة الراهنة والمستقبل ‪ ,‬وهو دور مرتبط بوظيفتها الخاصة‪,‬‬

‫وموقفها المناهض لمجمل الحركات التحررية الوطنية والديمقراطية عموماً ‪ ,‬والحركات القومية‬

‫واليسارية على وجه الخصوص ‪ ,‬ومن ثم إسهامها في تعميق هدف الواليات المتحدة واسرائيل‪ ,‬الذي‬ ‫ألخصه في تكريس احتجاز تطور الشعوب العربية ‪ ,‬اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً ‪ ,‬وابقاء حالة‬ ‫التخلف والتبعية للغرب الرأسمالي‪ ,‬حفاظاً على مصالحه في بالدنا ‪ ,‬إذ أن هذه الجماعات السياسية‬

‫الدينية‪ ,‬كانت وستظل حريصة على إعاقة الثورة وتعطيل أو تبهيت الصراع الطبقي بشعارات طوباوية‬ ‫‪89‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫غيبية ‪ ,‬انطالقاً من ارتباطاتها التاريخية باإلقطاع واألنظمة الملكية والبورجوازية الرثة بكل أنواعها ‪,‬‬ ‫ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية والتعاطي معها ‪.‬‬

‫كما رفضت هذه الجماعات ‪ -‬ومازالت ‪ -‬فكرة الوطنية والقومية والوحدة العربية ‪ ,‬لحساب فكرة ما‬

‫يسمى بـ"األمة اإلسالمية" و "الخالفة" وترويجها في أوساط الجماهير العفوية التي تعاني من شدة‬ ‫الفقر والبطالة والتخلف ‪ ,‬بحيث وجدت في ما تقدمه حركات اإلسالم السياسي من خدمات أو‬

‫مساعدات مالية واجتماعية واقتصادية ‪ ,‬مالذاً لجأت إليه الجماهير الفقيرة دون وعي منها لدور أنظمة‬ ‫النفط وغيرها في تقديم الدعم والتمويل لهذه الحركات من ناحية‪ ,‬وفي ظل غياب دور أحزاب وقوى‬

‫اليسار وانقطاعها عن التواصل واالندماج بالجماهير من ناحية ثانية‪.‬‬

‫وفي هذا المشهد ومتغيراته‪ ,‬ال أستطيع أن أطلق على ما جرى ويجري في بلدان العرب ‪ ,‬ثورة‪ ,‬بل‬

‫اسميها مجا ازً انتفاضة أو حالة ثورية‪ ,‬ال أنكر دورها في كسر حالة الخوف والتردد لدى الجماهير‬

‫الشعبية ‪ ,‬والتمهيد لخلق واشتقاق عملية تغييريه في النظام العربي‪ ,‬إال أنها حتى اللحظة ‪ ,‬لم تحقق‬

‫سوى تغيير طربوش النظام (مبارك ‪ ,‬قذافي ‪ ,‬زين العابدين ‪ ,‬علي صالح ‪ ,‬وغيرهم على الجدول)‬ ‫ومهدت الطريق لوصول حركات اإلسالم السياسي إلى الحكم ‪ ,‬دون أن تنجح في تحقيق الحد األدنى‬

‫من األهداف االجتماعية والسياسية واالقتصادية التي انطلقت االنتفاضات من أجلها‪.‬‬

‫واألدهى أن القوى السياسية واالجتماعية الرئيسية المؤثرة ‪-‬حتى اللحظة‪ -‬في هذه البلدان (وأقصد‬

‫بذلك الجيش ورجال األعمال واإلخوان المسلميـن والتيارات السلفية ورموز القبائل –التي أعيد إحياءها‬

‫من جديد‪ )-‬تسعى إلى إعادة تكريس وانتاج صور من التخلف والتبعية ‪ ,‬بأشكال أكثر بشاعة‬

‫وانحطاطاً مما كان عليه األمر في األنظمة المخلوعة ‪ ,‬وذلك ارتباطاً بمصالحها الطبقية األنانية‬ ‫ورؤيتها األيديولوجية الغيبية الرجعية ‪ ,‬يشجعها على ذلك طبيعة التطور االجتماعي المشوه في‬

‫مجتمعاتنا العربية‪ ,‬إلى جانب ضعف وضحالة انتشار وتوسع القوى الثورية اليسارية في أوساط‬

‫الجماهير ‪.‬‬

‫لكنني على ثقة بأن سيرورة الحالة الثورية لن تنطفئ ‪ ,‬وها هي تشتعل من جديد في مصر‬

‫وتونس‪ ,‬بعد أن تكشفت الجماهير زيف شعارات وبرامج اإلخوان المسلمين وحزب النهضة ‪ ,‬وبالتالي‬ ‫كان البد من خروج هذه الجماهير ‪ ,‬وانتفاضها الثوري من جديد ضد حكومتي اإلسالم السياسي ‪ ,‬من‬

‫وض ّحت من اجلها‪.‬‬ ‫اجل تحقيق األهداف التي انطلقت َ‬ ‫لذلك ‪ ,‬فإن الحديث عن االنتفاضات الشعبية العربية ‪ ,‬وسيروراتها الثورية‪ ,‬يفرض النظر إليها‬ ‫وتحليل متغيراتها وأهدافها عبر مشهدين‪.‬‬

‫المشهد األول ‪ :‬مشهد إسقاط الرؤساء وبداية تطبيق اإلجراءات الديمقراطية السياسية ذات الطابع‬

‫الليبرالي‪ ,‬ومن ثم االنتخابات التي حققت فيها حركات اإلسالم السياسي فو ازً غير مسبوق في كل‬

‫تاريخها‪.‬‬

‫‪91‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المشهد الثاني ‪ :‬مشهد ما بعد وصول اإلخوان المسلمين والنهضة إلى السلطة والحكم في مصر‬

‫وتونس ‪ ,‬أو ما أسميه قطف ثمار االنتفاضة‪.‬‬

‫ففي المشهد األول‪ ,‬توحدت كل الجماهير الشعبية في معظم البلدان العربية عموماً‪ ,‬وفي تونس‬

‫ومصر خصوصاً ‪ ,‬تحت شعارات الحرية والكرامة والخبز والديمقراطية واسقاط النظام وأجهزته الفاسدة‪,‬‬ ‫االستبدادية والقمعية ‪ ,‬وبالتالي فقد نجحت االنتفاضات في كسر حاجز الخوف ‪ ,‬وتحطيم استبداد‬

‫األ نظمة‪ ,‬واالنطالق في سيرورتها الثورية التي امتد تأثيرها في معظم البلدان العربية ‪ ,‬وفي أوساط‬

‫الشعب والشباب الفلسطيني في الوطن والمنافي ‪ ,‬الذي رفع شعار "الشعب يريد إنهاء االنقسام" وانهاء‬

‫كل أشكال االستبداد والفساد‪ ,‬إلى جانب الدعوة إلى رفض المفاوضات العبثية والعودة إلى النضال‬ ‫السياسي والكفاحي المسلح والشعبي ‪ ,‬عبر الوحدة الوطنية‪ ,‬الكفيلة بالتمسك بالثوابت الوطنية وتوفير‬

‫عوامل الصمود الوطني ‪ ,‬لكن هذا الحراك الشباب الفلسطيني ظل أسي ارً ألطره النخبوية بعيداً عن‬ ‫التواصل والتأثير في أوساط الجماهير الشعبية ‪.‬‬

‫وفي هذا المشهد ‪ ,‬نالحظ طغيان الشعارات الوطنية ‪ ,‬المحلية ‪ /‬القطرية‪ ,‬ذات الطابع المطلبي‬

‫المعيشي‪ ,‬والديمقراطي‪ ,‬كشعارات رئيسية لالنتفاضات العربية‪ ,‬في مقابل خفوت الشعارات السياسية‬

‫الوطنية والقومية المناهضة لالمبريالية والصهيونية‪ ,‬إلى جانب تراجع الشعارات المؤيدة للقضية‬

‫الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ‪ ,‬األمر الذي يدفعني إلى القول بأن المتغيرات العربية الراهنة ‪,‬‬ ‫في ظل االنتفاضة ‪ ,‬أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية ‪ ,‬والسبب في‬

‫ذلك ال يعود أبداً إلى رغبة الجماهير الشعبية العفوية الثائرة ‪ ,‬بقدر ما يعود إلى طبيعة سياسات‬ ‫األنظمة المخلوعة ‪ ,‬وطبيعتها الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الطفيلية ‪ ,‬واستبدادها وقهرها‬

‫لجماهير العمال والفالحين الفقراء ‪ ,‬إلى جانب خضوعها وتكيفها مع السياسات االمبريالية‬

‫والصهيونية‪ ,‬وتكيفها مع شروط الصندوق والبنك الدوليين التي أدت إلى المزيد من إفقار وامالق‬ ‫ومعاناة الجماهير الشعبية الفقيرة بصورة غير مسبوقة ‪ ,‬إلى جانب تراجع قيادة منظمة التحرير‬

‫الفلسطينية ومعظم فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية عن ثوابتها وأهدافها ورؤاها الوطنية الثورية‪,‬‬

‫لحساب القبول باتفاق أسلو وبق اررات ما يسمى بالشرعية الدولية‪ ,‬خاصة قراري ‪ 323‬و ‪ 221‬وصوالً‬ ‫إلى التراجع عن التمسك بحق العودة كما جرى في لقاء ياسر عبد ربه ‪ -‬بيلين‪ -‬في جينيف‪ ,‬وصوالً‬

‫إلى الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس على المصالح الفئوية وعلى اقتسام السلطة‪ ,‬ومن ثم‬ ‫تكريس االنقسام وانفصال حركة حماس وتمترسها في قطاع غزة بتاريخ ‪/02‬حزيران‪ ,3117/‬وكل هذه‬ ‫العوامل أسهمت بالتأكيد في تراجع وهج القضية الفلسطينية ووهج النضال القومي في أذهان الجماهير‬

‫العربية ‪.‬‬

‫‪90‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما المشهد الثاني من سيرورة االنتفاضة ‪ ,‬فهو مشهد اإلسالم السياسي الذي بدأ على أثر فوز‬

‫اإلخوان المسلمين والنهضة في مصر وتونس في االنتخابات التشريعية والرئاسية ‪ ,‬وحرص‬

‫حكومتيهما على إشاعة مظاهر االستقرار وامتصاص وانهاء الحالة الثورية الشعبية من خالل‬

‫الفضائيات ووسائل اإلعالم التابعة لها‪ ,‬إلى جانب الفضائيات العربية واألجنبية المساندة (الجزيرة ‪/‬‬

‫العربية‪ /‬الـ‪ ... BBC‬وغيرها) حيث سادت حالة أقرب إلى الهدوء والترقب في أوساط الجماهير‪ ,‬في‬ ‫انتظار مبادرة الحكومتين إلى تطبيق وتلبية المطالب الشعبية‪ ,‬عبر إصدار القوانين والق اررات الكفيلة‬

‫بالتطهير الشامل لكل مؤسسات وأجهزة النظامين المخلوعين‪ ,‬وعدم االكتفاء بالمحاكمات الشكلية‪,‬‬

‫وكذلك إصدار القوانين التي تتضمن صراحة مصادرة كل الثروات غير المشروعة في جميع المجاالت ‪,‬‬

‫واعادة إحياء مؤسسات القطاع العام اإلنتاجية وتجديدها ‪ ,‬وتحديد الحد األدنى والحد األعلى لألجور‪,‬‬ ‫والتطبيق الصارم لمبدأ تكافؤ الفرص‪ ,‬وتقديم الدعم للسلع الغذائية واألساسية للشرائح الفقيرة‪ ,‬واصدار‬

‫القوانين التي تجسد التزام حكومتي اإلخوان والنهضة‪ ,‬بالقضايا المطلبية ‪ ,‬في االقتصاد والتنمية‬ ‫المستقلة والتأمين الصحي والتعليم والثقافة‪ ,‬وأن يخطط النظام الجديد إلى إعادة بناء الذات الوطنية‬

‫الديمقراطية الموحدة بعيداً عن كافة أشكال التعصب الديني والطائفي واالثني في إطار االلتزام باألسس‬ ‫الدستورية الديمقراطية للدولة المدنية الحديثة ‪ ,‬وضد كل مظاهر وأدوات االستبداد في شتى صوره ‪.‬‬

‫ولكن‪ ,‬بعد أقل من ستة شهور على وصول اإلخوان المسلمين والنهضة إلى سدة الحكم‪ ,‬اكتشفت‬

‫الجماهير الشعبية زيف شعارات حكومتيهما وبهتان مصداقيتهما ‪ ,‬وعدم التزامهما بالحد األدنى من‬

‫مطالب الجماهير ‪ ,‬بل على العكس من ذلك‪ ,‬زادت األوضاع االقتصادية سوءاً على ما كانت عليه في‬ ‫عهد النظامين المخلوعين‪ ,‬فارتفعت أسعار المواد الغذائية واألساسية‪ ,‬وتزايدت نسبة البطالة إلى أكثر‬

‫من ‪ ,%31‬وارتفعت نسبة الفقر والفقر المدقع المحدد بدوالرين في اليوم إلى أكثر من ‪,%31‬‬

‫وتراجعت القطاعات اإلنتاجية والسياحة ‪ ,‬وتزايدت الفجوة في الميزان التجاري بعد ان تراجعت‬

‫الصادرات‪ ,‬وبقيت أجور العمال وصغار الموظفين والجنود والفالحين الفقراء كما كانت عليه قبل‬

‫االنتفاضة ال تلبي ‪ %21‬من احتياجات األسر الفقيرة في مصر خصوصاً ‪.‬‬

‫والى جانب ذلك كله ‪ ,‬اكتشفت الجماهير أيضاً حرص حكومتي اإلخوان والنهضة على تجديد‬

‫عالقات التبعية االقتصادية والسياسية مع االمبريالية األمريكية‪ ,‬واستجداء القروض من الصندوق‬

‫والبنك الدوليين والموافقة على شروطها الخاصة بإلغاء الدعم عن المواد األساسية للفقراء‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بالموقف السياسي لحكومتي تونس ومصر‪ ,‬فقد تماهى مع مواقف الدول الرجعية‬

‫في الخليج والسعودية ‪ ,‬ومع موقف حكومة اإلسالم السياسي في تركيا بقيادة أردوغان ‪ ,‬التي تقوم‬

‫بدورها المرسوم باعتبارها عضواً في حلف الناتو ‪ ,‬في تشجيع االعتراف والتطبيع مع دولة العدو‬

‫غزة ‪ ,‬إال بهدف تمرير سياسات‬ ‫الصهيوني ‪ ,‬ولم يكن تأييدها لحكومة حركة حماس غير الشرعية في ّ‬ ‫‪92‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االعتدال والمهادنة‪ ,‬ومن ثم المصالحة مع فتح وفق الرؤية السياسية الهابطة للسلطة وحكومتها غير‬

‫الشرعية في رام اهلل‪ ,‬وهنا بالضبط نلحظ الدور السياسي المباشر لحكومة مصر اإلخوانية ‪ ,‬صوب هذه‬

‫الوجهة السياسية الهابطة المنسجمة مع السياسات األمريكية اإلسرائيلية‪ ,‬كما نلحظ أيضاً الدور‬ ‫السياسي غير المباشر لحزب النهضة وحكومته في تونس في نفس الوجهة‪.‬‬

‫وبالتالي فإننا أمام مشهد ما بعد سقوط بن علي وحسني مبارك وعلي صالح وغيرهم على الجدول ‪,‬‬

‫يحمل في طياته إمكانيات ‪ -‬تملك العديد من المقومات‪ -‬إلعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار‬ ‫أوضاع جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي ‪ ,‬بما في ذلك استمرار‬

‫االعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني أو الدعوة لمهادنتها آلماد طويلة قادمة ‪ ,‬باسم االعتدال‬

‫السياسي وفي إطار الديمقراطية السياسية الشكلية أو الليبرالية الرثة ‪ ,‬بما يحقق مصالح القوى‬

‫الطبقية الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية العسكرية والمدنية‪ ,‬التي لم تتغير أحوالها ومصالحها‬

‫على الرغم من سقوط رأس النظام في هذا البلد أو ذاك‪.‬‬

‫ما يعني بوضوح أن الجوهر الطبقي لحركات اإلسالمي السياسي‪ ,‬ال يختلف أبداً عن الجوهر‬

‫الطبقي للنظام المخلوع ‪ ,‬بل أن حركات اإلسالم السياسي‪ -‬في حال استقرار حكمها ‪ -‬ستعمل وفق‬

‫منظورها األيديولوجي والسياسي واالجتماعي ‪ ,‬على رفض والغاء الشكل الليبرالي للديمقراطية السياسية‬

‫تكرس أوضاعاً سياسية ومجتمعية ‪ ,‬عبر أنظمة أو قوانين مستحدثة‪,‬‬ ‫وحرية األفراد وحرية الرأي‪ ,‬لكي ّ‬ ‫تستهدف وأد الحريات الديمقراطية واعادة إنتاج وتجديد التخلف االجتماعي‪ ,‬وايجاد السبل الكفيلة‬ ‫بصياغة أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية وخضوعها لشروط الصندوق والبنك الدوليين‪,‬‬

‫كما هو حال نظام اإلسالم السياسي في مصر حالياً وفي تونس واليمن وليبيا وغيرها‪ ,‬األمر الذي يثير‬ ‫كل دواعي القلق بالمعني الموضوعي من سيرورة مشهد اإلسالم السياسي في عالقاته السياسية‬

‫الراهنة والمستقبلية مع التحالف اإلمبريالي الصهيوني‪ ,‬وما سيؤدي إليه من تنازالت سياسية خطيرة‬ ‫على راهن ومستقبل النضال التحرري الوطني والديمقراطي الفلسطيني ‪ ,‬التي قد تكون أشد مرارة وقسوة‬

‫من أي مرحلة سابقة‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم ‪ ,‬فإن مجمل المستجدات والمتغيرات السلبية المتالحقة ‪ ,‬الناجمة عن ممارسات‬

‫أنظمة وحكومات اإلسالم السياسي ‪ -‬رغم قصر مدتها ‪ -‬تؤكد على مصداقية تحليلنا بالنسبة للجوهر‬ ‫الطبقي المشترك بين أنظمة حركات اإلسالم السياسي واألنظمة المخلوعة‪ ,‬من حيث طابعها‬

‫الكومبرادوري والرأسمالي الطفيلي بكل تالوينه‪ ,‬وتبعيتها وخضوعها للسياسات األمريكية ‪ ,‬عالوة على‬

‫المخاطر الناجمة عن تطبيق الرؤية األيديولوجية الدينية على الصعيد االجتماعي‪ ,‬وما تعنيه من إعادة‬ ‫إنتاج للتخلف‪ ,‬وممارسته على صعيد القضايا االجتماعية المتعلقة بأوضاع العمال والفالحين والشباب‬

‫وحرية المرأة واإلبداع الثقافي وكافة قضايا العدالة االجتماعية واالقتصادية بمختلف تحليالتها ‪.‬‬ ‫‪93‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي مثل هذه األوضاع ‪ ,‬لم يكن ُمستغرباً ‪ ,‬اشتعال االنتفاضات الثورية من جديد ضد أنظمة‬ ‫وحركات اإلسالم السياسي بعد أن تَ َك َّ‬ ‫شفَ ْت الجماهير زيف شعاراتها ‪.‬‬ ‫وها هي الجماهير الشعبية في تونس ومصر تجدد انتفاضتها ونضالها الديمقراطي ضد استبداد‬

‫أنظمة اإلسالم السياسي ‪ ,‬من أجل استبدالها بقيادة تحكمها معايير ومرجعية الوطن والوطنية‬ ‫والمواطنة والحرية والعدالة االجتماعية للفرد والجماعة ضمن عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يفصل‬

‫الدين عن السياسة ويفصل السياسة عن الدين‪ ,‬ويكون المصدر الوحيد لشرعية أي رئيس قادم‪.‬‬

‫تلك هي طموحات الجماهير في تونس ومصر والمغرب واليمن وليبيا والعراق وبقية األقطار العربية‪,‬‬

‫ليس ضد جماعة النهضة أو اإلخوان المسلمين فحسب ‪ ,‬بل أيضاً ضد كل مظهر من مظاهر إعادة‬ ‫الظلم واالستغالل الطبقي واالستفراد والتحكم في المجتمع والدولة ومستقبلها ‪.‬‬

‫ولذلك‪ ,‬أقول ‪-‬بكل حزن وألم‪ -‬أن الوضع الفلسطيني في هذه اللحظة‪ ,‬يبدو في أفق مسدود ‪,‬‬

‫ليس بسبب الالءات اإلسرائيلية فحسب (ال للقدس عاصمة‪ ,‬ال لعودة الالجئين ‪ ,‬ال لوقف االستيطان‪,‬‬

‫ال لالنسحاب الكامل من األراضي الفلسطينية المحتلة‪ ,‬ال للدولة المستقلة كاملة السيادة) بل أيضاً‬ ‫بسبب تردي األوضاع السياسية الفلسطينية الداخلية وهبوطها وانقسامها بين حكومتين غير شرعيتين‪,‬‬

‫ومن ثم فإن محاوالت مصر وتونس وتركيا باتجاه المصالحة وانهاء االنقسام ‪ ,‬ال تعدو كونها محاوالت‬ ‫لتكريس الهبوط السياسي في خدمة ما يسمى بعملية السالم ‪ ,‬بما يتوافق مع الرؤية األمريكية التي‬

‫عبر عنها الرئيس أوباما عند زيارته للدولة الصهيونية ولقاءه برئيس السلطة الفلسطينية في رام اهلل‬

‫بتاريخ ‪ , 3102/2/33‬وبالتالي استطيع القول‪ ,‬إن كل من حركتي فتح وحماس تقدم للشعب‬ ‫الفلسطيني ‪ ,‬أسوأ صورة ممكنة عن حاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني المحكوم‪ ,‬بصوره إكراهية‪,‬‬ ‫بأدوات ومفاهيم اليمين الليبرالي الرث في رام اهلل وأدوات ومفاهيم اليمين الديني أو اإلسالم السياسي‬

‫في غزة‪ ,‬في إطار من االستبداد والقمع‪ ,‬وهي مفاهيم لن تحقق تقدماً في سياق الحركة التحررية ‪ ,‬بل‬ ‫على النقيض ستعزز عوامل انهيارها واالنفضاض الجماهيري عنها‪ ,‬ذلك هو الوجه البشع لسلبيات‬ ‫نظامي حكم اإلسالم السياسي في مصر وتونس‪ ,‬التي توافقت إلى درجة التطابق مع سياسات المعسكر‬

‫الرجعي العربي في السعودية والخليج والمغرب واألردن ‪ ..‬الخ ‪.‬‬

‫ُعول أبداً على متغيرات ايجابية على‬ ‫في ضوء معطيات هذا المشهد ونتائجه وآثاره ‪ ,‬فإنني ال أ ِّ‬

‫القضية الفلسطينية‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬ستتراكم العوامل السلبية باتجاه المزيد من تكييف حركة حماس‬ ‫لكي تتوافق وتستجيب لسياسات اإلخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في تونس ‪ ,‬إلى جانب‬

‫استجابتها لحكومات قطر والسعودية والخليج واألردن ‪ ...‬الخ ‪ ,‬في إطار ارتباط النظام العربي الراهن‬

‫‪94‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫و"جامعته العربية" بالسياسات األمريكية ‪ ,‬وهي أنظمة باتت اليوم تَعتَِبر القضية الفلسطينية عبئاً ثقيالً‬ ‫على كاهلها ‪ ,‬ترغب وتسعى للخالص منه بأي ثمن‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق يبدو أن هناك توافقاً على مزيد من التطبيع واالعتراف بالدولة الصهيونية وانهاء‬

‫قضية الالجئين في هذه المرحلة ‪ ,‬عبر ما يسمى بـ"المبادرة العربية‪/‬السعودية"‪ ,‬المطروحة منذ عام‬

‫‪ , 3113‬ولكن ضمن الرؤية والشروط األمريكية اإلسرائيلية ‪ ,‬وبموافقة اإلخوان المسلمين والنهضة‪,‬‬ ‫في ظل استعداد وقبول اليمين الليبرالي الرث في حركة فتح واليمين الديني في حركة حماس‪ ,‬بعد ان‬ ‫باتت مصالحهما الطبقية والفئوية المحدد الرئيسي على حساب القضية الوطنية ومستقبلها‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ,‬ال بد لي من التأكيد على أن حديثي عن قتامة وسوداوية المشهد العربي الراهن في إطار‬

‫سيرورات االنتفاضات العربية ‪ ,‬ال يعني تشاؤماً في اإلرادة بالنسبة لمستقبل حركة الجماهير‬

‫وانتصارها‪ ,‬بقدر ما هو نوعاً من تشاؤم العقل الذي يحفز على المجابهة ومواصلة النضال بكل أشكاله‬ ‫في خضم الصراع الطبقي والسياسي ضد أنظمة التبعية والعمالة واالستبداد والتخلف ‪ ,‬وضد الوجود‬

‫اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا‪ ,‬وبالتالي فإنني على قناعة ‪-‬بالمعنى الموضوعي‪ -‬بأن المشهد‬ ‫العربي الراهن على قتامته ‪ ,‬سيعزز من جديد ‪ ,‬ويراكم كل عوامل السيرورة الثورية الوطنية‬ ‫والديمقراطية داخل كل قطر عربي ‪ ,‬والتي لن تنفصل عن السيرورة الثورية للنضال القومي النهضوي‬

‫التقدمي الوحدوي والديمقراطي‪ ,‬إذ ليس أمام الجماهير الشعبية الفقيرة وقياداتها الثورية ‪-‬في فلسطين‬

‫وبلدان الوطن العربي‪ -‬أي خيار سوى االستمرار بالثورة حتى تحقيق األهداف التي انطلقت الجماهير‬

‫وضحت من أجلها ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬فإن من واجب جميع قوى اليسار الماركسي العربي‪ ,‬أن يبادروا إلى التفاعل‬

‫والحوار وصوالً إلى رؤية توحيدية مشتركة ‪ ,‬تنطلق من حرص الجميع على تواصل السيرورة الثورية‬ ‫للجماهير العربية في كل قطر‪ ,‬عبر عالقة جدلية بين األهداف الوطنية ‪ /‬القطرية الداخلية‪ ,‬وبين‬

‫األهداف القومية التقدمية الديمقراطية التوحيدية‪ ,‬لكي يتواصل نضال االنتفاضات بما يضمن بلورة‬

‫وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الشعبية الديمقراطية وتفاعلها واندماجها مع مهمات الثورة القومية‬ ‫التحررية والديمقراطية العربية‪ ,‬وعند ذلك تتجلى اآلثار االيجابية للسيرورة الثورية العربية على مجمل‬

‫الحركات الثورية الفلسطينية بعيداً عن رؤى وبرامج الليبرالية الرثة وهبوطها من ناحية وبعيداً عن رؤى‬ ‫وبرامج اليمين الديني‪ /‬اإلسالم السياسي من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫لهذا البد من تفعيل القوى الديمقراطية واليسارية من أجل أن تتحمل مسئوليتها في التقاط اللحظة‬

‫التاريخية الراهنة والصعود بها وفق رؤية وبرامج واضحة تقوم على النضال من أجل استكمال مهام‬

‫الثورة الوطنية الديمقراطية على طريق صياغة البديل االشتراكي الديمقراطي الشعبي الذي يحمل‬ ‫‪95‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مشروع الطبقات الشعبية‪ ,‬ويعمل على تحقيق مصالحها‪ ,‬ومن واجب هذه القوى ‪ ,‬أو األحزاب والقوى‬

‫اليسارية القديمة والجديدة التي نشأت اليوم وستنشأ غداً ‪ ,‬أن تمارس عمليا عبر نضاالت طليعية حقاً‬ ‫في أوساط الجماهير الشعبية لزيادة وعيها وتنظيمها وتأطيرها السياسي والنقابي واالقتصادي تحت‬

‫شعارات توحيدية وطنية وقومية تقدمية وديمقراطية واضحة ومحددة‪ ,‬تجسد مصالح هذه الجماهير‬

‫وتدفعها مجدداً للنضال الكفاحي والديمقراطي الثوري في إطار الصراع الطبقي‪ ,‬ما يفرض على قوى‬

‫اليسار أن تعي ذلك وأن تسارع إلى الخروج من أزماتها ونهج بعضها اإلصالحي واليميني قبل أن‬

‫يسدل عليها الستار‪.‬‬

‫‪96‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫املقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والقيادية واملسلكية‬ ‫والعلميةاملطلوب تطبيقها ومتابعتها وتطويرها يف احزاب اليسار العربي‬

‫‪21 / 2 / 3102‬‬ ‫إن إعطاء االهتمام للجانب النظري في هذه المرحلة ال يعني وال يجوز أن يفهم إطالقاً انه انتقاص‬

‫من أهمية الصفات والمهام األخرى‪ ,‬وال يجوز أيضا أن تفهم المسالة بشكل ميكانيكي وكأنها عملية‬

‫حسابية‪ ,‬كالقول أن الجانب النظري يحوز على ‪ 71‬نقطة مثال وباقي الصفات األخرى مجموع نقاطها‬

‫‪ 21‬وال يجوز الفصل بين المقاييس‪ ,‬وانما نؤكد على الفهم الجدلي لهذه المقاييس وأولويتها‪ ,‬كونها‬ ‫مقاييس مترابطة فيما بينها أشد الترابط‪ ,‬فمثال الجانب النظري يجب أن ينعكس ايجابيا على كافة‬

‫الصفات األخرى‪ ,‬وغير ذلك يصبح ال قيمة فعلية له‪ ,‬وكذلك فان الجانب التنظيمي والتجربة النضالية‬ ‫من الضروري أن تنعكس على مستوى الوعي النظري‪ ,‬فالجانب النضالي مترابط بقوة مع الجانب‬

‫الفكري والتنظيمي والمسلكي‪ ,‬فال يمكن فصل التجربة النضالية عن المسلكية األخالقية ومسألة الوعي‬

‫والتنظيم الثوريين‪...‬إلخ‬

‫إننا نأخذ بأولوية الوعي النظري والسياسي إذا لم يكن هناك ثغرة كبيرة في المقاييس األخرى‪ ,‬ذلك‬

‫انه ليس بالضرورة عند المحاسبة أو التقييم أن نأخذ بكل المقاييس وفق عملية جمع وطرح‪ ,‬وانما من‬

‫المحت مل أن تكون هناك ثغرة كبيرة وبارزة في احد هذه المقاييس تعكس نفسها بشكل كبير جدا على‬ ‫مجمل التقييم‪ ,‬ولدى فصائل واحزاب اليسار العربي أمثلة من واقعها وتاريخها في هذا المجال‪.‬‬

‫اوال ‪:‬المقياس الفكري يتجلى كمقياس رئيسي بحيث يمكن معرفة درجة تمرس الرفاق عموماً والكادر‬ ‫خصوصاً من الناحية النظرية وانعكاس ذلك على مختلف مواقفهم وممارساتهم ‪ ,‬ومعرفة‬

‫مدى استيعابهم لسياسة الحزب واهدافه وبرامجه وتفانيهم من اجل تطبيق سياساته‪ .‬ف"ال‬

‫حركة ثورية بدون نظرية ثورية" هذا هو المحدد الرئيسي لهذا المقياس الذي يسعى إلى‬

‫تحديد درجة استيعاب الكادر الحزبي للنظرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي‪ ,‬وقدرته‬ ‫على تطبيقها التطبيق الخالق في الواقع المعطى‪ ,‬بما يتضمنه ذلك من القدرة على صياغة‬

‫المواقف السياسية السليمة التي تستجيب لمهمات النضال الوطني والديمقراطي‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬المقياس التنظيمي ‪ :‬هو مقياس يحدد درجة التزام الكادر واالعضاء باالنضباط التنظيمي‬ ‫والمحافظة على وحدة الحزب في الفكر والعمل‪ ,‬والتطبيق الصائب والمبدع لق اررات الحزب‬

‫وتوسيع التشكيالت المحيطة به‪ ,‬ويمكن االستدالل على هذا المقياس من خالل االسئلة‬

‫‪97‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التالية‪ :‬هل يمتلك – العضو‪ -‬قدرات تنظيمية ويعرف كيف ينظم عمله؟ هل لديه روح‬

‫المبادرة بهدف االرتقاء بالحزب بعيداً عن أي شكل من أشكال االنتهازية أو النفاق أو التكتل‬ ‫او الشللية؟ هل ينتقد ذاته ويكشف النواقص في الوقت المناسب ويتخذ التدابير لمعالجتها؟‬ ‫هل ينفذ المهمات بدقة وبشعور عال بالمسؤولية؟ هل يمارس مهماته بمبدأية عالية وال‬

‫يتسامح تجاه األخطاء عبر موقف أخالقي وروح رفاقية دافئة؟ هل يمارس بالفعل توجهات‬

‫الحزب في التوسع التنظيمي والجماهيري؟‬

‫ثالثا ‪:‬المقياس العملي‪ :‬وهي الصفات التي تحدد قدرات الكادر واالعضاء على التطبيق السليم لخط‬ ‫الحزب في المجاالت السياسية أو التنظيمية أو الفكرية أو الجماهيرية أو النضالية أو‬

‫اإلعالمية ‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬المقياس الطبقي‪ :‬إن التاريخ بالنسبة لنا – كماركسيين – ليس سلسلة من األحداث والوقائع‪,‬‬

‫وهو أيضاً ليس مرهوناً بإرادة الفرد أو األفراد – رغم إقرارنا بأهمية دور الفرد في التاريخ‪,-‬‬

‫ذلك إن للتاريخ قانوناً أساسياً ‪ ,‬يتلخص في أن الناس في سعيهم الحتمي من أجل بقائهم‬ ‫المادي كأفراد يدخلون في عالقات اجتماعية متبادلة تحددها العالقات اإلنتاجية في مواقع‬ ‫ِ‬ ‫المستغلّة (األقلية) التي تملك وسائل‬ ‫يواجهون بعضهم البعض عبر صراع طبقي بين الطبقة‬ ‫اإلنتاج والثروة من جهة وبين الطبقات المحرومة (األغلبية) التي يجري استغاللها‬

‫واضطهادها من جهة ثانية‪ ,‬وهنا يتجلى بوضوح دور الصراع الطبقي باعتباره أحد المقاييس‬

‫الهامة في صيرورة نضال احزاب اليسار‪ ,‬إذ أن الحزب الذي يتمكن (عبر قوة التنظيم وعمق‬

‫االقتناع بأيدلوجية الحزب وأهدافه الوطنية والقومية والتوسع الجماهيري) من تحويل األوضاع‬

‫والصراعات الطبقية إلى ضغط سياسي جماهيري‪ ,‬سيتمكن بالضرورة من تحقيق النجاح‬

‫لمبادئه وأهدافه الوطنية والديمقراطية واالجتماعية التي ترتبط عضوياً باألهداف القومية‬ ‫واألممية‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬المقياس النضالي‪ :‬استعداد الكادر للقيام بالمهمات النضالية التي يكلف بها والمرتبطة‬ ‫ببرنامج الحزب ‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬القدرة القيادية‪ :‬القيادة علم وفن‪ ,‬وهي من شروط اختيار الكوادر الحتالل مواقع قيادية ‪,‬إن‬

‫القدرة القيادية تعني المستوى الفكري والسياسي المتميز للكوادر‪ ,‬وأهليتهم ومبادرتهم‬

‫واتجاههم الهادف في العمل‪ ,‬والقدرة على تحمل المسؤولية ومواجهة األمور الملموسة‪,‬‬

‫القدرة على تنظيم وادارة العمل وضبطه انطالقا من توجهات الحزب ودستوره أو نظامه‬ ‫الداخلي‪ ,‬والقدرة على وضع البرامج والخطط ومراقبتها‪ ,‬القدرة على التطوير المستمر لقدراته‬

‫العملية ولوعيه الذاتي‪ ,‬ومن الصفات القيادية أيضا أن يكون مؤث ارً – بصورة ايجابية‪ -‬في‬ ‫رفاقه ومجال عمله وفي عالقاته االجتماعية العامة‪.‬‬ ‫‪98‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫سابعاً‪ :‬المقياس المسلكي‪ :‬إن التزامنا بأهداف ومصالح الطبقات الشعبية الكادحة ‪ ,‬تشترط التزامنا‬ ‫بأخالقها‪ ,‬لكن علينا في احزاب اليسار العربي أن نأخذ دوماً بعين االعتبار سجايا الطبع‬

‫"والسمات الذاتية الخاصة" ومراعاة أصول األخالق االشتراكية‪ ,‬التي تتمثل في الروح المبدأية‬ ‫العالية والوعي العميق للواجب االجتماعي‪ ,‬والروح الجماعية والعالقات الرفاقية القائمة على‬

‫التعاون‪ ,‬واالحترام والبساطة والصراحة والصدق والتواضع‪ ,‬والنزاهة واإليثار‪ ,‬والروح الرفاقية‬

‫التي تؤكد على المساواة الفعلية بين الجميع‪.‬‬

‫ثامناً‪ :‬المقياس العلمي واإلداري التخصصي ‪ :‬إن صواب الوجهات التي سيتحقق فيها نشاط احزاب‬ ‫وفصائل اليسار يحدده مدى أخذهم بالقوانين واألسس العلمية الحديثة في اإلدارة الداخلية‬

‫لمؤسساتهم أو هيئاتهم ‪ ,‬عالوة على تطبيق هذه القوانين واألسس على التطور االجتماعي‬ ‫العام والخاص من حولهم ‪ ,‬وهذا يشير إلى انه بموازاة إغناء المعرفة‪ ,‬ينبغي تطوير األساس‬

‫العلمي لنشاط كوادر واعضاء الحزب‪ ,‬بهدف االرتقاء المستمر بالمستوى العلمي للحزب‬

‫عموماً ولقيادته وكوادره خصوصاً‪ ,‬إلى جانب التوزيع الصائب والدقيق للعمل في الهيئات‬

‫القيادية واالختيار الموضوعي ألعضائها ووضع كل منهم في المكان المناسب التزاماً‬ ‫بتطبيقات مفاهيم وأسس اإلدارة الحديثة التي يتوجب تطبيقهاوتطويرها بما يضمن استمرار‬

‫تقدم وصعود وانتشار الحزب دون أية معوقات ذاتية مرتبطة بالعوامل الشخصية أو الشللية‬

‫أو العصبوية العشائرية أو أي مظهر من مظاهر التفرد أو التخلف الذاتي والمجتمعي ‪,‬‬

‫فالعلم – كما يقول ماركس – هو "القوة التاريخية الثورية المحركة" ولذلك من الضروري لنا‬ ‫وبكل ثمن – كما يقول لينين‪ -‬أن نتعلم‪ ,‬وثانياً أن نتعلم‪ ,‬وثالثاً أن نتعلم‪ ,‬وبعد ذلك أن‬

‫نتفحص أن ال يكون العلم عندنا حروفاً ميتة‪ ,‬بل أن يدخل العلم في اللحم والدم‪ ,‬وان يتحول‬ ‫بشكل كامل وحقيقي إلى عنصر مكون من عناصر أسلوب الحياة في احزابنا‪ ,‬بحيث تتمكن‬

‫هيئاتها المنتخبة أن تنصرف جيداً إلى الحياة الواقعية من حولنا بكل جوانبها‪ ,‬وان نتعلم‬

‫باستمرار‪ ,‬وان نستوعب فن القيادة‪ ,‬وان تظهر المبادرة والحمية والهمة والدأب على العمل‬ ‫في حل القضايا التي تواجهها‪ ,‬وهي أمور أو أهداف صغرى –داخلية‪ -‬قابلة للتطبيق‬ ‫والتحقق في حياة حزبنا‪ ,‬إذا ما أدركنا أهمية امتالكنا لمفاهيم وآليات اإلدارة الحديثة‪ ,‬ووعينا‬

‫بضرورات ممارستها في هيئاتنا ومؤسساتنا‪ .‬على ان ندرك ان الشرط األول لنجاحنا في‬

‫تطبيق المفاهيم العصرية لإلدارة‪ ,‬يكمن في استعدادنا الواعي‪ ,‬والتزامنا الحازم‪ ,‬لطرد وازاحة‬ ‫كل المظاهر الريفية أو مظاهر التخلف اإلداري في احزابنا‪ ,‬والتوجه الفعال صوب امتالكنا‬

‫للمعلومات والبيانات عبر تطبيق آلياتها ومنهجيتها العلمية ووسائلها التكنولوجية الحديثة‪.‬‬

‫‪99‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا الجانب علينا أن نعترف أن معرفتنا الحقيقية بالماركسية هي معرفة محدودة‪ ,‬سطحية‪ ,‬وال‬

‫شك أن هذه المعرفة المحدودة هي امتداد لمحدودية معرفتنا النظرية العامة التي ساهمت بدورها – مع‬

‫عوامل أخرى‪ -‬في حجب الماركسية وعدم إدخالها وتفاعلها في ثقافتنا الوطنية والقومية العامة‪ ,‬عالوة‬ ‫على اكتفائنا بتبني الماركسية على الورق والرايات‪ ,‬ولم نستطع –حتى اللحظة‪ -‬البدء بتفعيل الحوار‬ ‫الفكري المنهجي المعمق حولها‪ ,‬األمر الذي أغلق الباب على الحوار الموضوعي الداخلي في احزاب‬

‫وفصائل اليسار العربي حول قضاياها ومكوناتها المتنوعة المتجددة‪ ,‬واليوم ونحن نسعى الى إعادة‬ ‫قراءة الماركسية ومنهجها‪ ,‬فإننا نهدف من وراء ذلك إلى تعميق الوعي بها في هيئات ومراتب وكوادر‬

‫هذه االحزاب‪ ,‬بما يمكنها من التحليل الموضوعي وسبل التغيير الثوري الديمقراطي المطلوبة لواقعنا‬

‫العربي بكل مكوناته وجوانبه السياسية والمجتمعية‪ ,‬على ضوء امتالكنا للمنهج المادي الجدلي‬

‫والوضوح النظري المعرفي بالماركسية وحقائقها ومصيرها وأزمتها ودالالتها في مجتمعنا وفي عصرنا ‪.‬‬

‫وفي كل األحوال فإن تساؤالتنا واجاباتنا – حول الواقع والنظرية ‪ -‬ستكون بالضرورة محدودة‬

‫بحدود معرفتنا أو طبيعة التزامنا (الشكلي أو النوعي) بهذه النظرية ومنهجها‪ ,‬في هذه المرحلة بالذات‪,‬‬ ‫خاصة في مشهد االسالم السياسي الراهن ‪ ,‬الذي تتكرس فيه عوامل التخلف االجتماعي ‪ ,‬وتتجدد فيه‬

‫التبعية للنظام االمبريالي ‪ ,‬عالوة عن الحديث عن مهادنة دولة العدو الصهيوني او التطبيع معها‬

‫واالعتراف بها ‪,‬في ظل حالة غير مسبوقة من الخضوع للقوى الطبقية البيروقراطية والكومبرادورية‬

‫الحاكمة‪ -‬قبل وبعد االنتفاضات ‪ -‬في بالدنا‪ ,‬وهي أوضاع مؤقتة‪ ,‬لكن زوالها ومن ثم انتصار القوى‬ ‫اليسارية مرهون بوعي والتزام هذه القوى بمضمون الماركسية وتطبيقاتها على واقعنا‪ ,‬و من ثم تفعيل‬

‫دورها الطليعي في االلتحام بالجماهير و قيادتها صوب تحقيق أهداف و طموحات هذه الجماهير التي‬ ‫رغم طول انتظارها وعظيم تضحياتها تتحفز بشوق كبير لمواصلة النضال من اجل تحررها ومن اجل‬

‫الخالص من كل أشكال الظلم واالضطهاد الطبقي والوطني تحت رايات اليسار في فلسطين وكل أرجاء‬

‫الوطن العربي‪ ,‬ذلك هو دور الكادر الثوري ورسالته في خلق واثراء خصوبة الشرائح االجتماعية‬ ‫الكادحة والفقيرة‪ ,‬وتحريضها وتأطيرها ‪ ,‬فأنتم أيها الرفاق بمثابة الموج الهادر الذي يحرك المياه‬

‫ال اركدة شبه اآلسنة في بالدنا‪ ,‬أنتم أبناء فصائل واحزاب اليسار الثوري العربي ‪ ...‬التي تتنسم‬

‫الجماهير الشعبية من خاللكم‪ ,‬نسمات المستقبل القادم الذي تتحقق فيه أحالمها‪ ,‬عبر برنامج ورسالة‬

‫احزابكم وهويتها الفكرية ومنهجها المادي الجدلي‪ ,‬على تقديم البدائل الثورية إلخ ارج مجتمعاتنا العربية‬ ‫وجماهيرنا الشعبية من الواقع المهزوم والمأزوم الراهن صوب المستقبل القادم الذي ستعلو فيه رايات‬

‫التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية‪.‬‬

‫‪011‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ً‬ ‫الوضع العربي بعد ‪ 46‬عاما على هزمية حزيران ‪ ..0967‬مزيد من‬

‫تراجع اهلويتني القومية والوطنية حلساب مشهد االسالم السياسي‬ ‫‪2 / 9 / 3102‬‬

‫بمناسبة الحديث عن االنتماء القومي واشكالية الهوية تحضر إلى الوعي جملة متداخلة من‬

‫األسئلة‪ :‬ما هي العوامل التي صنعت إخفاق المشروع القومي النهضوي العربي الحديث؟ لماذا انتهى‬ ‫المشروع القومي من مشروع الدولة القومية الموحدة إلى مشروع دولة قطرية ال تحتفظ من القومية إال‬

‫بشعارات ال وظيفة لها‪ ,‬إال ترسيخ موقع الدولة القطرية إياها؟ وما هي طبيعة الدور الذي لعبته‬

‫الشرائح البيروقراطية والكومبرادورية المسيطرة على أنظمة الدولة القطرية منذ انهيار المشروع القومي‬ ‫في مصر ‪ 0671‬وبداية مرحلة جديدة من التبعية والخضوع للنظام الرأسمالي العالمي؟ وكيف كرست‬ ‫الدولة القطرية في ظل المرحلة الجديدة ما يسمى بعملية إعادة إنتاج التخلف في بالدها بالتحالف‬

‫المباشر وغير المباشر مع التيارات الدينية السلفية؟ وكيف استفادت الحركات اإلسالمية من هذه‬

‫التحوالت‪ ,‬خاصة بعد أن أدت دورها في أفغانستان بالتنسيق مع الواليات المتحدة األمريكية؟ وصوالً‬ ‫إلى استكمال الهيمنة األمريكية على معظم بلداننا العربية إلى جانب تفاقم عدوانية وصلف وعنصرية‬

‫دولة العدو الصهيوني و إصرارها على فرض شريعة المحتل الغاصب‪ ,‬ورفضها التعاطي مع ق اررات‬ ‫الشرعية الدولية أو اإلعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية واالستقالل وحق العودة‪ ,‬األمر الذي‬

‫أوصل فكرة "حل الدولتين" إلى أفق مسدود‪ ,‬وبالتالي تزايد إنتشار مظاهر القلق واإلحباط في أوساط‬

‫الشعوب العربية عموما‪ ,‬والشعب الفلسطيني خصوصاً‪ ,‬مع تزايد حاالت التفكك االجتماعي والطائفي‬ ‫والفقر والبطالة التي أدت بدورها إلى استفحال الصراعات واإلستقطابات الداخلية على المستوى‬

‫العربي‪ ,‬واستفحال الصراعات الدموية في الساحة الفلسطينية التي أدت إلى تكريس االنقسام‬ ‫واالنفصال بين الضفة وقطاع غزة الذي سيطرت عليه حركة حماس منذ منتصف العام ‪. 3117‬‬

‫إن كل هذه التحوالت التي أدت إلى تكريس األزمات السياسية واالجتماعية واالقتصادية في فلسطين‬

‫وبلدان الوطن العربي من ناحية‪ ,‬وتكريس الهيمنة األمريكية الصهيونية على مقدرات شعوبنا من‬

‫ناحية ثانية‪ ,‬ساهمت في خلق المناخات المالئمة إلنتشار وتوسع الحركات السلفية األصولية‪ ,‬في ظل‬ ‫تفكك أو تراجع أو انهيار الحركات والفصائل واألحزاب اليسارية الديمقراطية ‪ ,‬الذي أسهم بدوره في‬

‫تحفيز جماعة االخوان المسلمين والحركات الدينية السلفيه وتوسعها وانتشارها الكمي الهائل في‬

‫مجتمعاتنا باسم "اإلسالم السياسي" تحت شعار " اإلسالم هو الحل "‪.‬‬

‫‪010‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والسؤال هنا ‪ :‬هل تتوفر لهذا الشعار أي إمكانية واقعية للتحقق في بالدنا باسم الخالفة اإلسالمية‬

‫أو غير ذلك من األنظمة الدينية في اللحظة المعاصرة من القرن الحادي والعشرين ؟ إننا إذ نؤكد‬

‫احترامنا لتراث شعوبنا الديني ‪ ,‬وللمشاعر الدينية‪ ,‬إال أننا نرى أن هذه المنطلقات الدينية والتراثية ‪,‬‬

‫خاصة في إطار اإلسالم السياسي‪ ,‬لن تكون قادرة –وليست راغبة بالطبع ‪ -‬على مواجهة األزمات‬

‫السياسية االجتماعية االقتصادية والثقافية المستعصية في بالدنا‪ ,‬انطالقاً من ضرورة التمييز بين‬ ‫الدين والدولة ‪ ,‬أو من منطلق الهوية القومية العربية أو حتى الهوية الوطنية والياتها الديمقراطية ‪,‬‬

‫ألن تيار اإلسالم السياسي هو تيار نقيض للقومية العربية "لصالح هوية أكثر شموالً ال حدود جغرافية‬

‫لها ‪ ,‬هي الهوية اإلسالمية ‪ ,‬وقد بنى أصحاب هذا التيار موقفهم على أساس عقيدي مؤداه أن‬

‫القومية مقولة علمانية تناقض العقيدة والدين ‪ ,‬وأن أواصر الجنس واألرض واللغة والمصالح المشتركة‬

‫إنما هي عوائق حيوانية سخيفة ‪ ,‬وأن الحضارة لم تكن يوماً عربية وانما كانت إسالمية ‪ ,‬ولم تكن‬ ‫قومية وانما كانت عقيدية (سيد قطب ) ‪ ,‬بينما اعتبر البعض األخر موقفهم على أساس أن النزعة‬ ‫القومية مصدرها االستعمار الصليبي ‪ ,‬وأن نصارى الشام هم الذين روجوا لها (د‪.‬يوسف القرضاوي)‪.‬‬

‫وقد بلغ التطرف عند بعضهم إلى حد اتهام الدعوة إلى القومية العربية بالكفر الصريح ‪ ,‬وفي كل‬

‫االحول ‪ ,‬يبدو ان انظمة االستبداد العربية عموما وانظمة البترودوالر الرجعية العميلة خصوصا ‪ ,‬الى‬ ‫جانب ضعف تأثير وهشاشة القوى اليسارية ‪..‬مهد الطريق الى انتشار وفوز حركات االسالم السياسي‬ ‫عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها ‪...‬االمر الذي ادى الى تعزيز وتعميق اوضاع التخلف‬

‫االجتماعي في كل البلدان العربية ‪,‬وتزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية والكومبرادورية على مقدرات‬ ‫شعوبنا‪ ,‬بحيث يمكن القول بأن هناك نوع من الكسل والتعب الحضاري الذي يهيمن اليوم على اإلرادة‬

‫العربية ويجعلها تنام على أوساخها تهرب من تحديات الديمقراطية والتنوير واالستنارة والعقالنية والثورة‬ ‫وكل قيم ومفاهيم الحقبة الحديثة‪ ,‬وهذا يفسر تمسكها بنوع ساذج من الدين‪ ,‬هذا التمسك يريحها‬

‫ويسوغ لها هذا الكسل‪ .‬لذلك علينا أن نفسر هذا الكسل وهذه الهروبية من الواقع‪ .‬وبالتأكيد فهي‬

‫مرتبطة‪ ,‬بسيادة الدولة الريعية المسنودة نفطياً‪ ,‬لكن علينا أن نجري مزيداً من الدراسات التاريخية‬

‫واالجتماعية‪/‬الطبقية والسيكولوجية المتنا وشعوبنا‪.‬انطالقا من ادراكنا أن أكبر تجسيد لألفكار التي‬ ‫يرتعب العرب الرجعيين‪ ,‬وكل قوى وتيارات اليمين من مجابهتها هو فكر ماركس الثوري الديمقراطي‬

‫التغييري في اطار الصراع الطبقي وتحقيق الثورة االشتراكية‪.‬‬

‫‪012‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫موجز رحلة مل تنته بعد‬ ‫‪6 / 9 / 3102‬‬ ‫هنا لن أسرد الرحلة كاملة لكنني سأحاول حكاية وجع المسيرة وموجز السيرة ومسار المعاناة‬

‫واألمل‪ ..‬ولدت عام ‪ 0629‬في مدينة غزة ‪-‬حي الشجاعية ‪ ,‬ألسرة فلسطينية فقيرة لم يتجاوز دخلها‬

‫الشهري في الخمسينات أكثر من ‪ 2‬جنيهات مصرية ‪ ,‬أنهيت الدراسة الثانوية عام ‪ , 0693‬و قُبلت‬ ‫في كلية الحقوق في جامعة اإلسكندرية ‪ ,‬إال أنه وبسبب الفقر الشديد لم استطع االلتحاق بالجامعة ‪,‬‬

‫و تحولت فرحة القبول إلى حزن داخلى عميق ‪ ,‬ترافق وراكم في عقلي وروحي حقدا طبقيا وولَّ َد في‬ ‫اعماقي مشاعر غامرة بضرورة التمرد وتحدي كل اشكال الظلم واالستغالل والفقر والمعاناة ‪ ,‬كل ذلك‬

‫َّ‬ ‫شكل بالنسبة لي حاف ازً لخوض مسيرة التحدي للخروج على بؤس الواقع واالسهام في تغييره ‪ ,‬فكانت‬

‫البداية ق ار ار ذاتيا بالقراءة التي كانت – وما زالت – أحد أهم المحفزات التي صنعت مسيرتي النضالية‬ ‫في االلتحاق بالعمل السياسي ‪ ,‬و تقدمت بعدها إلى وظيفة حكومية و بدأت العمل كموظف منذ عام‬

‫‪ 0692‬و كان لذلك أث ار كبي ار على أوضاع األسرة التي باتت قادرة على تامين مستلزماتها األساسية ‪.‬‬

‫في هذه الفترة قمت بتأسيس حلقات سياسية عفوية مع بعض األصدقاء‪ ,‬و بعدها التحقت بصفوف‬

‫حركة القوميين العرب عام ‪0692‬م و كنت وال زلت متأث ار بالتجربة الناصرية و دورها‪ ,‬و كان إلطالعي‬

‫علي حيث شعرت حينها أنها تتحدث عن أوضاع البؤساء و الفقراء و‬ ‫على رواية األم تأثي ارً كبي ارً ّ‬ ‫المطحونين ‪ ,‬ليس في روسيا فحسب ‪ ,‬بل في الشجاعية أيضا حيث نعيش نفس األوضاع في‬ ‫جوهرها‪ ,‬و كانت تلك الرواية حاف ازً لي على البحث و االطالع على موضوعات االشتراكية في الكتب و‬

‫الدراسات على قلّتها في غزة ‪.‬‬

‫بعد هزيمة حزيران عام ‪0697‬م اعتقلت في‪ 03‬أغسطس ‪ , 0697‬وفي اول اكتوبر‪0697‬‬

‫التحقت في صفوف طالئع المقاومة الشعبية التي أسستها حركة القوميين العرب حيث قامت بتنفيذ‬

‫عدد من العمليات العسكرية النوعية آنذاك ‪ ,‬ثم بعد تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ديسمبر‬

‫‪,0697‬اصبحت الطالئع جزًء من الجبهة ‪ ,‬وعلى اثر انكشاف الجهاز العسكري واالعتقاالت و‬ ‫المطاردة نهاية ينايرعام ‪0691‬م نجح المحتل في اعتقال ‪ 97‬مناضال من اصل ‪ 70‬مجموع اعضاء‬ ‫الجهاز العسكري ‪ ,‬وكنت ضمن االربعة مناضلين( الرفيق د‪.‬ناصر ثابت والرفيق عبداللة الجبور وأنا‬ ‫ورفيق رابع من جباليا ال اذكر اسمه) الذين تمكنوا من الفرار واالختفاء بسبب المطاردة ‪ ,‬وفي منتصف‬

‫فبراير‪ 91‬طُلب منّي بقرار من القيادة مغادرة القطاع إلى عمان حيث بدأت مسيرة النضال والمعاناة في‬ ‫المنافي‪ ,‬فمن عمان الى القاهرة وترحيلي في تموز ‪ 0671‬الى سوريا‪ ,‬والقاهرة مرة اخرى واالعتقال‬

‫‪013‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫في سجن القلعة والترحيل من جديد الى سوريا ثم اال لتحاق مع رفاقي في جنوب لبنان طوال عام‬

‫مرة أخرى ‪ ,‬حيث اعتقلت وبعد االفراج عني ُمنعت من مغادرتها منذ عام‬ ‫‪ , 0670‬ثم الى عمان ّ‬ ‫ُخـر قد أكتب فيه‬ ‫ألي ٍام أ َ‬ ‫‪0673‬م و لمدة عشرين عاما تقريبا ‪ ..‬وسأختصر كثي ار من األعوام واألحداث ّ‬

‫بت أشعر بقلق وحزن شديد ونحن‪/‬جيلنا يرى حتى بقاياه الباقية‬ ‫مطوال مذكراتي عبر ذاكرة الوطن الذي ّ‬ ‫‪ ,‬بقي ٌة برام اهلل ‪ ,‬وبقي ٌة بغزة !! ماذا أقول بعد مرور ما يقرب من سبع وأربعين عام بدأتها ورفاقي‬ ‫بحلم الوحدة والعودة والتحرير ورفض الهزيمة وثورة الفقراء وانعتاقهم من كل أشكال االستغالل‬

‫واالستبداد‪..‬ماذا اقول والمشروع الوطني او الحلم الثوري في التحرير والعودة اصبح مقزما عبر صراع‬

‫على السلطة والمصالح بين فتح وحماس‪ ...‬ماذا نقول والضوء يخفت واالنقسام يتسع وقوى اليمين‬

‫الليبرالي واالسالم السياسي تنتشر وتتوسع‪ ..‬واليسار ينحسر وينعزل ‪ ..‬حزني وقلقي ان احزاب اليسار‬

‫ت عيش حالة تراجع فكري وتردي وهبوط ليبرالي وديني ‪ ,‬وتردي في الوضع التنظيمي وحالة من التفكك‬ ‫والترهل وتردي االوضاع القيادية وتراجع في السياسة والموقف وتردي في البعد النضالي والشعبي‬ ‫وانحسارهما وتردي في البعد المسلكي واالخالقي ‪,‬وهذا اخطر المظاهر التي تنذر بمزيد من تراكم‬

‫االزمة البنيوية الشاملة الى جانب عدم وضوح الفكرة التوحيدية لليسار خاصة في ظل االنقسام‬

‫والقوتين الرئيستين المهيمنتين فتح وحماس ‪ ..‬أنا هنا ال أتشائم لك ّني أدعو لألمل ‪ ,‬أدعو إلى‬ ‫االستنهاض و استعادة اليسار دوره بما يضمن توازن الماضي بالحاضر وتحقيق الخطى نحو‬

‫المستقبل واستعادة الدور ‪ ..‬واثقا أن الظروف الموضوعية والجماهير الشعبية تحمل في رحمها‬

‫السري ‪ ,‬لكن المسالة المركزية التي تشغل اهتمامي اآلن هي كيفية تفعيل‬ ‫المولود الذي لن يقطع حبله ّ‬ ‫واتساع دور التيار اليساري الماركسي القومي الديمقراطي في عملية النضال الوطني والديمقراطي‬ ‫الفلسطيني‪ ,‬وذلك انطالقاً من أن الصراع مع العدو هو بالدرجة األولى صراع عربي‪-‬إسرائيلي يقوم في‬

‫جوهره على النضال القومي التقدمي ضد نظام العولمة الرأسمالي كحليف رئيس ووحيد لدولة "إسرائيل"‬

‫‪ ,‬أما المحور الثاني في اهتمامي الراهن فهو مرتبط بقضايا الثورة الوطنية التحررية والديمقراطية‬

‫الفلسطينية‪ ,‬ارتباطاً بعالقتها العضوية بحركة التحرر القومي الديمقراطي العربية‪ ,‬وهو اهتمام بالبعد‬ ‫القومي في إطار وحدة اليسار العربي عبر العمل مع مجموعة من المثقفين والمفكرين العرب لتأسيس‬

‫مركز للحوار يضم الماركسيين العرب لعل هذا الحوار يدفع إلى نقلة عملية كما آمل‪ ,‬حيث لم اعد‬ ‫مؤمنا باستمرار تشرذم وحصر الحركات اليسارية في إطارها القطري في فلسطين أو غيرها بل يتوجب‬ ‫في ظل استشراء العدوانية والعنصرية الصهيونية وتوحش نظام العولمة الراهن أن نسعى إلى بلورة‬

‫اإلطار العربي االشتراكي الديمقراطي دون أن يعني ذلك إلغاء أو تجاوز خصوصية كل قطر‪ ,‬هذا هو‬ ‫الطريق لتجاوز الواقع العربي المأزوم والمهزوم في هذه المرحلة الصعبة ‪.‬‬

‫‪014‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مقتطفات من كتاب رأس املال ‪ -‬تأليف د‪ .‬فؤاد مرسي‬

‫‪03 / 9 / 3102‬‬

‫اعداد غازي الصوراني‬

‫مقتطفات من كتاب رأس المال‬

‫تأليف المفكر الماركسي الراحل د‪ .‬فؤاد مرسي‬

‫تمهيد‬

‫عن تكوين "رأس المال" يقول المفكر الماركسي الراحل د‪.‬فؤاد مرسي‪ :‬كرس كارل ماركس أربعين‬

‫عاماً من حياته لكتابة "رأس المال"‪ .‬فلقد بدأ فيه عام ‪ 0122‬وواصل العمل فيه حتى آخر يوم في‬ ‫حياته‪ .‬ويقع "رأس المال" في أربعة مجلدات وقد خصص ماركس المجلد األول لعملية إنتاج رأس‬

‫المال‪ .‬ويحتوي على تحليل لكيفية إنتاج فائض القيمة وانتاج رأس المال نفسه‪.‬أما المجلد الثاني‬ ‫فيتناول عملية تداول رأس المال‪ ,‬تداول عناصره المختلفة ومبادئ تصريف السلع وتكرار اإلنتاج الذي‬

‫يسمح به تداول رأس المال‪ .‬وينطوي المجلد الثالث على اإلنتاج الرأسمالي في جملته‪ ,‬أي ينطوي على‬ ‫وحدة كل من اإلنتاج والتداول لرأس المال‪ .‬فهو مخصص لتوزيع رأس المال الذي ينتج من اإلنتاج‬

‫والتداول‪ .‬أما توزيع فائض القيمة فيعود عند ماركس إلى الربح والفائدة والريع العقاري‪ .‬ثم يوزع الربح‬ ‫إلى ربح صناعي ومصرفي وتجاري‪ .‬ويدرس تطور هذا التوزيع‪ ,‬واالتجاه إلى انخفاض معدل الربح أي‬

‫عالقة الربح بالتطور الرأسمالي عامة‪ .‬وبعد وفاته في عام ‪ 0112‬عكف إنجلز على إنجاز المجلد‬

‫الثاني ونشره في عام ‪ ,0112‬ونشر المجلد الثالث في عام ‪ 0162‬أي قبل وفاته هو بعام‪ .‬ولذلك يعد‬

‫المجلدان من عمل ماركس وانجلز معاً‪.‬‬

‫والواقع أن المجلد األول هو بال نزاع أهم المجلدات جميعاً‪ .‬وينطوي على أهم ما لدى ماركس من‬

‫فكر اقتصادي‪ .‬وتأتي أهمية المجلد الثاني من دراسته التفصيلية لبعض نواحي المجلد األول‪ ,‬وبخاصة‬ ‫تناقضات الرأسمالية واألزمات‪ ,‬وكان ماركس قد أكمل المجلد الثاني قبل موته‪.‬‬

‫أما المجلد الثالث فإنه أضاف كثي ارً إلى المجلد األول‪....‬لم يجد إنجلز مزيداً من العمر ليصدر‬

‫المجلد الرابع واألخير من "رأس المال" والذي تناول تاريخ الفكر االقتصادي وبخاصة تطور نظريات‬

‫القيمة‪ .‬ولقد ظل مطوياً حتى نشره كاوتسكي في عام ‪ 0612‬تحت عنوان "نظريات فائض القيمة"‪.‬‬ ‫لذلك ارتأيت تلخيص كتاب رفيقنا الخالد د‪ .‬فؤاد مرسي لمزيد من االطالع والفائدة لكل رفاقنا في الوطن‬

‫العربي‪.‬‬

‫غازي الصوراني‬

‫‪015‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مـقدمـة‪:‬‬

‫في منتصف القرن التاسع عشر‪ ,‬كانت الرأسمالية قد بلغت قمة الرخاء المادي‪ .‬وكان علم االقتصاد‬

‫السياسي يبدو وهو التحليل النظري للمجتمع الرأسمالي وكأنه قد اكتمل على أيدي سميث وريكاردو‪.‬‬

‫عندئذ وفي هذا الوقت بالذات‪ ,‬كان كارل ماركس يتصدى ليمزق هذا االستقرار الظاهري‪ ,‬ويكشف أكثر‬

‫فأكثر عن األزمة االجتماعية الكامنة في المجتمع البرجوازي‪ .‬وفي عام ‪ ,0197‬أصدر الجزء األول من‬

‫"رأس المال"‪.‬‬

‫وابتداء من أزمة االقتصاد السياسي التقليدي‪ ,‬أخذ ماركس يشيد اقتصاده السياسي‪ .‬وابتداء من‬

‫أزمة المجتمع البرجوازي‪ ,‬أخذ ماركس يشيد اقتصاده السياسي‪ .‬وابتداء من أزمة المجتمع البورجوازي‪,‬‬

‫أخذ ماركس يشكل صورة المجتمع الجديد‪ .‬هنالك اتخذت االشتراكية العلمية التي اكتشفها كارل ماركس‬ ‫وفردريك انجلز أساسها العلمي الثابت بفضل التحليل الدقيق للمجتمع البورجوازي‪ .‬وكان اكتشاف‬

‫قانون حركة هذا المجتمع تحت اسم قانون فائض القيمة عمالً حاسماً في تشييد البناء الفكري‬

‫لالشتراكية العلمية‪.‬‬

‫لهذا احتل "رأس المال" أهميته التاريخية في الفكر االشتراكي‪ ,‬هذه األهمية التي كان يدركها ماركس‬

‫نفسه حين وصف "رأس المال" فقال "إنه النصب التذكاري لي"‪.‬‬

‫ومنذ أعلنها ماركس في "رأس المال"‪ ,‬ومصير العالم يتحدد تقدماً أو تراجعاً بالصراع بين رأس المال‬

‫والعمل‪.‬‬

‫ الفصل األول‪-‬‬‫أزمة االقتصاد السياسي‬

‫من االقتصاد التقليدي إلى االقتصاد المبتذل‬ ‫امتد الصراع بين الرأسمالية الناشئة واإلقطاع المتداعي زمناً طويالً‪ ,‬بحيث كان انتصار الرأسمالية‬

‫في النهاية عملية تاريخية كاملة استغرقت قرابة القرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ,‬وانتهت في‬

‫النصف األول من القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫ولقد ظهر علم االقتصاد السياسي تعبي ارً نظرياً عن هذا المجتمع البورجوازي الجديد‪ .‬أنجبته عقول‬

‫العباقرة من أمثل وليام بتى في انجلت ار وبواجيلبير في فرنسا في نهاية القرن السابع عشر‪ .‬لكنه‬

‫بصياغة الطبيعيين الفرنسيين وآدام سميث االسكتلندي‪ ,‬يعتبر في الواقع ابن القرن الثامن عشر‪ ,‬ابن‬

‫عصر التنوير‪.‬‬

‫‪016‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبهذه الصفة كان مكسباً من مكاسب هذا العصر‪ ,‬فقد كان يبدو على سبيل المثال وكأنه تعبير عن‬

‫حكمة العقل األبدي‪ ,‬ومن ثم فإنه كان يعكس أبدية النظام الرأسمالي نفسه‪.‬‬ ‫النظرية التقليدية‪:‬‬

‫وفي سنة ‪ 0107‬نشر دافيد ريكاردو كتابه "مبادئ االقتصاد السياسي والضرائب" فتتوفر به ما‬

‫اعتبر إنجيالً لعلم االقتصاد السياسي‪ .‬قال ريكاردو "إنني اعتبر العمل مصد ارً لكل قيمة واعتبر كميته‬ ‫النسبية المعيار الذي ينظم القيمة النسبية للسلعة"‪ .‬وتوصل إلى القول بأن قيمة السلعة إنما تتحدد‬

‫دائماً بالعمل‪ ,‬أوالً بالعمل الحي الذي يبذله العامل وثانياً بالعمل المتراكم في صورة رأس المال‪ ,‬مبيناً‬

‫أن "رأس المال هو عمل متراكم"‪.‬‬

‫هكذا تلخصت نظرية االقتصاد السياسي عندئذ في حقيقتين أساسيتين‪ ,‬األولى‪ :‬هي أن العمل هو‬

‫مصدر كل ثروة‪ ,‬ومقياس كل قيمة‪ .‬والثانية‪ :‬هي أن العمل المخزون يسمى رأس المال‪ ,‬ورأس المال‬

‫هذا بفضل الطاقة الكامنة فيه يزيد إنتاجية العمل الحي مئات وآالف المرات‪ ,‬وفي مقابل ذلك يطالب‬

‫بتعويض ما يسمى الربح‪.‬‬

‫بالتالي فإن االقتصاد السياسي يدرس‪ ,‬كما يقول ريكاردو‪" ,‬مجتمع السلع التي تستطيع الصناعة‬

‫زيادتها كما تشاء والتي تنظم إنتاجها المنافسة غير المقيدة"‪.‬‬

‫إن اإلنتاج يتم من أجل السوق‪ ,‬واذن فما الذي ينظم هذا اإلنتاج للغير‪ ,‬أي للمجهول؟ إنها‬

‫المنافسة الحرة‪ .‬فبفضل قوى السوق‪ ,‬بفضل المبادرة الفردية لكل من المنتج والمستهلك‪ ,‬وكل منهما‬ ‫يسعى وراء مصلحته الشخصية‪ ,‬يتحقق التوازن من تلقاء نفسه‪ .‬وال حاجة إلى أي تدخل إلحداثه‪ ,‬بل‬ ‫يكفي‬

‫أن‬

‫ندع‬

‫الحرية تسود‪ ,‬حرية اإلنتاج وحرية التجارة وحرية العمل‪ .‬وعندئذ فإن المصلحة الشخصية التي تقود‬

‫الجميع سوف تحقق التوازن المنشود للجميع‪.‬‬ ‫الرأسمالية نظام طبيعي‪:‬‬

‫وفيما وراء هذه النظرية التي عرفت باسم النظرية التقليدية والتي كان لريكاردو فضل إتمام‬

‫صياغتها‪ .‬أصبحت الرأسمالية عندئذ هي طبيعة األشياء‪ .‬فمع تصفية األوضاع اإلقطاعية‪ ,‬البد أن‬ ‫تسود األوضاع التي يقضي بها العقل‪ ,‬البد أن تسود األوضاع الطبيعية‪ .‬مع انهيار اإلقطاع البد من‬

‫العودة إلى الطبيعة‪ .‬ونظام الطبيعة هو أفضل النظم‪ .‬والمجتمع نفسه جزء من الطبيعة‪ .‬وفي المجتمع‬ ‫يتحرك كل فرد بوحى من مصلحته الشخصية‪ .‬ولما كانت الطبيعة البشرية ثابتة ال تتغير‪ ,‬انتهت‬

‫النظرية التقليدية في الواقع إلى نتيجة خطيرة هي ثبات الرأسمالية وأبديتها‪.‬‬

‫‪017‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبدت كل األوضاع البورجوازية كما لو كانت هي األوضاع الطبيعية‪ ,‬يسير عليها كل مجتمع‪ ,‬منذ‬

‫بداية البشرية إلى نهايتها‪ .‬وهكذا فلقد بدأت البورجوازية بالقول بأن الرأسمالية نظام طبيعي‪ ,‬وانتهت‬ ‫بالقول بأن الطبيعة نظام رأسمالي‪.‬‬

‫ويجب االعتراف بأن هذه الرؤية كانت بذلك – ومع ذلك – رؤية متفائلة‪ ,‬قادت البورجوازية‬

‫الصاعدة إلى بناء المجتمع الرأسمالي بالفعل‪ .‬لقد كانت هذه الرؤية تعبر عن بورجوازية تصفي بقايا‬ ‫المجتمع اإلقطاعي‪ ,‬وتعمل على تطهير العالقات االقتصادية من اإلقطاع‪ ,‬كي تزيد القوى اإلنتاجية‬

‫وتقود الصناعة والتجارة‪.‬‬

‫ففي "ثروة األمم" يكتب آدام سميث بكل الرضا يقول "بعد أن أقصيت كل األنظمة القائمة على‬

‫التفضيل أو التقييد‪ ,‬فإن النظام الواضح البسيط‪ ,‬نظام الحرية الطبيعية‪ ,‬هو الذي يتقرر من تلقاء‬

‫نفسه‪ .‬وينبغي أن يترك كل فرد ما دام ال يخالف قوانين العدالة في أتم الحرية للسعي وراء مصلحته‬

‫الخاصة على الوجه الذي يالئمه‪ ,‬وتقديم عمله ورأسماله بالتنافس مع عمل ورأس مال أي إنسان آخر‬ ‫وأية طبقة أخرى من الناس"‪.‬‬ ‫المذهب الفردي‪:‬‬

‫وفي ظل هذه النظرية التقليدية‪ ,‬كان يجب أن يعطى المكان األول للمنتج الذي أتاح للدنيا الجديدة‬

‫أن تولد‪ .‬إن رب العمل الفرد‪ ,‬الجسور‪ ,‬المقدام‪ ,‬المنقب عن مصادر اإلنتاج‪ ,‬الباحث المكتشف‬ ‫لألسواق‪ ,‬الساعي بال توقف لخفض النفقة وزيادة اإلنتاج‪ ,‬الحريص بال رحمة على تحقيق الربح‪ ,‬ذلك‬

‫هو اإلنسان النموذج‪.‬‬

‫ولهذا كانت النظرية التي صيغت تصطحب بمذهب أصبح معروفاً باسم الفردية‪ ,‬وهو مذهب مالمحه‬

‫تجسد الفكر االقتصادي واالجتماعي للبورجوازية الصاعدة التي يمثلها بالذات ربابنة الصناعة‬

‫وروادها‪.‬‬

‫فالفردية تعنى بالفرد‪ ,‬أي اإلنسان‪ .‬لكنها تعنى به كفرد ناجح‪ ,‬أي كرأسمالي‪ ,‬إنها تحلل الطبيعة‬

‫البشرية وتجد جوهرها في األنانية والمنفعة فتمتدحهما ثم تجسدهما معاً في عملية جمع المال‪.‬‬ ‫فكيف يمكن أن يتفق مسعى كل فرد مع مسعى األفراد اآلخرين؟ إنها ترى االنسجام متحققاً فيما بين‬ ‫الفرد والجماعة من خالل المنافسة الحرة‪.‬‬

‫كان مكيافيللي قد أرسى مبدأ الغاية تبرر الوسيلة‪ ,‬حتى لقد عرف إيثار الغير بأنه "أنانية مقنعة"‪.‬‬

‫فجاء بنتام وجعل من المنفعة مبدأ أسمى لإلنسان‪ .‬ثم جاء سميث وعرض مبدأ المصلحة الشخصية‬

‫قائالً "كل فرد يبذل جهوده بال انقطاع ليبحث لرأسماله عن أفضل استخدام‪ .‬صحيح أنه يبحث عن‬

‫كسبه الخاص وليس عن كسب المجتمع‪ ,‬بيد أن اشتغاله بمصلحته الشخصية يسوقه بالطبع أو‬

‫بالضرورة ليجعل هذا االستخدام هو األفضل بالنسبة للمجتمع‪ .‬إن هذا الفرد ال ينوي أن يخدم المصلحة‬ ‫‪018‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العامة‪ ,‬بينما ال يدري كم هو يخدمها فعالً‪ .‬إنه في هذا تقوده يد خفية ألداء غاية لم تدخل أبداً في‬ ‫حسبانه"‪.‬‬

‫وال شك أن ثمة سذاجة بالغة في تصوير مثل هذا الفرد‪ ,‬اإلنسان الذي يكون كل ما هو مفيد له مفيداً‬

‫لكل فرد وبشكل مطلق‪ ,‬في كل مجتمع بشري‪ ,‬في الماضي والحاضر والمستقبل‪ .‬إن هذا الفرد الذي‬ ‫ابتكره القرن الثامن عشر ليس في الواقع سوى ثمرة تحلل المجتمع اإلقطاعي من جهة وازدهار‬

‫المجتمع البورجوازي من جهة أخرى‪ .‬ولذلك فهو فرد في مجتمع معين‪ ,‬هو المجتمع البورجوازي في‬ ‫مرحلة المنافسة الحرة‪ .‬هو كائن تاريخي‪ ,‬له تطوره في الماضي وبالمثل في المستقبل‪ .‬وحتى في‬ ‫داخل المجتمع البورجوازي نفسه‪ ,‬فليس هو التعبير عن كل أفراد المجتمع‪ .‬فالمصالح متفاوتة فيما‬

‫بينهم‪ .‬وهناك بالضرورة صراع بين الطبقات‪.‬‬ ‫الصراع الطبقي‪:‬‬

‫ومن الحق أن نقول إن ريكاردو كان يعترف بوجود الصراع الطبقي‪ .‬ولقد كان يتخذ من الصراع بين‬

‫المصالح الطبقية المختلفة‪ ,‬بين األجور واألرباح‪ ,‬بين األرباح والريع‪ ,‬نقطة بدء ألبحاثه‪ .‬لقد اعترف‬

‫مثالً بالتناقض الضخم في المجتمع البورجوازي قائالً "ال يمكن أن يزيد األجر إال على حساب الربح‬

‫والعكس بالعكس"‪.‬‬

‫ولقد تعرض نتيجة لذلك لحمالت عنيفة‪ ,‬حتى في حياته‪ .‬واعتبره هنري جورج أبا للشيوعية‪ .‬وكتب‬

‫جيد وريست يعلقان فيما بعد على كتابه قائلين "لم يكن ريكاردو يعلم وهو يضع ذلك الكتاب أنه يهدم‬

‫أعمدة الهيكل الرأسمالي"‪.‬‬

‫ومع ذلك فقد كان ريكاردو ينظر إلى الصراع الطبقي بسذاجة‪ .‬على أنه قانون اجتماعي من قوانين‬

‫الطبيعة‪ ,‬ال دخل إلرادة اإلنسان فيه – أليس الرأسمالي يحتاج للعامل مثلما يحتاج العامل للرأسمالي؟‬

‫وكان القس باركلي قد اقترح من قبل القبض على كل متسول واسترقاقه لبضع سنين‪ .‬فجاء القس‬

‫مالتس وطالب بإلغاء قانون الفقراء الذي يمنحهم بعض العون‪ ,‬قائالً "ليس إلنسان حق في الحياة إذا‬

‫لم يستطع عمله أن يشتريها له"‪.‬‬

‫لقد كان المطلوب من الفرد أن يكون عامالً لدى الرأسماليين أو ال يكون إطالقاً‪.‬‬

‫ولكن ها هي األمور تتعقد‪ .‬فمنذ بداية القرن اصطحب االزدهار الرأسمالي ببؤس الكادحين بحيث‬

‫ارتفعت أسعار مواد المعيشة وتضاعف ثمن القمح عدة مرات‪ .‬كذلك فإن الثورة الصناعية كانت تعني‬

‫أيضاً‪ ,‬إحالل العمل اآللي محل العمل اليدوي‪ .‬وعرف العمال البطالة وتخفيض األجور وزيادة حدة‬

‫االستغالل من خالل عملية اإلنتاج‪ .‬وفيما بين عامي ‪ 0131‬و ‪ 0121‬اشتد تطور المجتمع‬

‫البورجوازي‪.‬‬

‫‪019‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومع ذلك كان الصراع الطبقي بين رأس المال والعمل مازال مدفوعاً إلى المؤخرة‪ .‬كانت البورجوازية‬

‫تلعب دورها الثوري إلى نهايته‪ :‬سياسياً بالصراع المتفاقم بين الحكومات اإلقطاعية المتجمعة حول‬

‫الحلف األوربي المقدس وبين الجماهير الشعبية تقودها البورجوازية‪.‬‬ ‫سيطرة البورجوازية‪:‬‬

‫وفي عام ‪ 0121‬حلت باالقتصاد الرأسمالي أزمة شاملة‪ .‬لقد استولت البورجوازية نهائياً على‬

‫السلطة السياسية في أكبر بلدين رأسماليين هما انجلت ار وفرنسا‪ ..‬في انجلت ار بصدور قانون اإلصالح‬

‫االنتخابي سنة ‪ 0123‬لمصلحة الطبقة الوسطى‪ ,‬وصدور قوانين الغالل ضد مالك األراضي‪ .‬وفي‬

‫فرنسا بسقوط الملكية سنة ‪ 0121‬وحكم لوى فيليب رجل الرأسمالية المصرفية‪ .‬هنالك بدأ الصراع‬

‫الطبقي بين رأس المال والعمل يتخذ واقعياً ونظرياً أشكاالً علنية‪ .‬برز هذا الصراع الطبقي واتخذ صورة‬ ‫تحركات عظيمة من جانب البروليتاريا ضد البورجوازية‪ .‬هب العمال الفرنسيون في ليون‪ ,‬والغزالون‬

‫األلمان في سيليسيا‪ ,‬وانطلقت حركة الميثاق في انجلت ار‪ .‬واشتد ساعد الحركة العمالية إلى الحد الذي‬ ‫أتاح فيما بعد للطبقة العاملة الفرنسية أن تشترك في ثورة فبراير ‪ 0121‬كطبقة مستقلة ألول مرة عن‬

‫البورجوازية‪ .‬تلعب دو ارً قيادياً في الثورة وتشارك في الحكم ألول مرة في التاريخ‪ .‬واقترن هذا الصراع‬ ‫كله بظهور االشتراكية الخيالية تعبي ارً نظرياً عن طموح الطبقة العاملة حينئذ‪.‬‬ ‫حركة البروليتاريا‪:‬‬

‫ولم تكن حركة الميثاق في انجلت ار حركة اشتراكية‪ ,‬لكنها كانت التعبير عن حركة نضج الطبقة‬

‫العاملة االنجليزية‪.‬‬

‫فالطبقة العاملة ال تصل بقواها الذاتي إال إلى الوعي النقابي أما الوعي السياسي فيتطلب تدخل‬

‫المثقفين من الطبقات األخرى‪.‬‬

‫تكونت في لندن في عام ‪ 0129‬جمعية العمال الذين صاغوا مطالبهم في صورة "ميثاق الشعب"‪,‬‬

‫وأقاموا حزباً مستقالً هو حزب الميثاقيين‪ .‬فكان أول حزب عمالي في العصر الحديث‪.‬‬ ‫أما في فرنسا‪ ,‬فقد اتخذ الصراع الطبقي أشكاالً أكثر سفو ارً وحسماً‪.‬‬

‫كانت هناك أفكار اشتراكية عرضها مابلي ومورللي‪ .‬وفي الثورة الفرنسية نفسها ظهرت حركة‬

‫"الغاضبين" ثم حركة "األنداد" بقيادة بابوف نظ ارً لمطالباتهم بمساواة لها صداها في الحياة المادية‪.‬‬ ‫طالبوا بإلغاء الملكية الفردية لألرض واالنتفاع على الشيوع بثمرات األرض قائلين "الثمار حق للجميع"‪.‬‬

‫ولقد أعدوا مؤامرة فيما بين عامي ‪ 0762‬و ‪ ,0767‬ونشروا لها بياناً يعرف ببيان األنداد قالوا فيه‪:‬‬

‫"إن الثورة الفرنسية ليست سوى البشير بثورة أخرى‪ ,‬ثورة أكبر بكثير وأخطر بكثير‪ ,‬ستكون الثورة‬

‫األخيرة‪ .‬نحن نسعى إلى شيء أسمى وأعدل هو المال الشائع أو مشايعة األموال"‪ .‬لكنها كانت‬ ‫‪001‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫شيوعية ال تهتم باإلنتاج قدر اهتمامها بالتوزيع‪ .‬وكانت بالدقة حركة للبورجوازية الصغيرة‪ ,‬التي‬

‫تعنيها األرض بالذات‪ .‬ومع ذلك يسميها ماركس "حركة أولى للبروليتاريا"‪.‬‬

‫ظهور االشتراكية الخيالية‪:‬‬

‫هكذا كان الصراع حاداً‪ .‬ومنذ بداية القرن التاسع عشر ظهرت االشتراكية الخيالية تعبي ارً عن مقدار‬

‫النضج الذي بلغته الطبقة العاملة حينئذ‪.‬‬

‫كتب سان سيمون عن فلسفة التاريخ‪ .‬فقال‪" :‬أحسب أني وجدت مفهوماً موسوعياً أفضل مما لدى‬

‫بيكون‪ ,‬ومفهوماً عن العالم أفضل مما لدى نيوتن‪ ,‬ومنهجاً أفضل من منهج لوك"‪ .‬هذا المفهوم هو‬

‫أن التاريخ مبني على مبدأ التطور بوصفه التغير المستمر في نظام الملكية‪ .‬وهو تغير يرمي إلى‬

‫تحسين أحوال المعيشة‪ .‬وأعلن بوضوح أن "السياسة تخضع لالقتصاد"‪ .‬وكان في الواقع يعلق آماله‬

‫على الصناعة "فكل شيء بالصناعة وكل شيء من أجل الصناعة"‪ .‬كما كان يؤمن بالطبقة الصناعية‪,‬‬ ‫فهي أهم الطبقات جميعاً‪.‬‬

‫وكتب فورييه نقداً اجتماعياً حاداً وساخ ارً للمنافسة وللتفتت الصناعي‪ .‬وقدم مفهومه عن تاريخ‬

‫المجتمعات وصراع الطبقات‪ .‬فالمنافسة تمهد لألزمة والفقر‪ ,‬وتعبد الطريق لنشأة أرستقراطية تجارية‪.‬‬ ‫وانتهى إلى أن الملكية المشتركة هي أنجع الوسائل للتوفيق بين الفقير والغني‪.‬‬

‫وتميز أوين بنظرته النافذة إلى أعماق المجتمع الرأسمالي‪ .‬لكنه ناشد أصحاب االمتيازات أن‬

‫يتنازلوا طواعية عن امتيازاتهم‪ .‬فلما صدمته إجابتهم وسبقه العمال نحو النضال‪ ,‬كما بدأ في حركة‬

‫الميثاقيين‪ ,‬ارتبط في النهاية بالشيوعية‪.‬‬

‫االشتراكية الخيالية هي تعبير في نهاية األمر عن المستوى المنخفض لتطور الرأسمالية والحركة‬

‫العمالية حتى منتصف القرن التاسع عشر‪.‬‬

‫كان االشتراكيون الخياليون يرفضون كل عمل سياسي‪ ,‬وبخاصة العمل الثوري‪ ,‬ويسعون لبلوغ‬

‫غايتهم بطرق سلمية‪ ,‬نشرت عشية ثورة فبراير ‪ 0121‬تحمل مثل هذه العناوين‪ :‬هل يهتمون بنا‪ ,‬هل‬ ‫يفكرون في تخفيض ثمن الخبز لنا أو صرخة استعطاف – عن الوسيلة إلعطاء الخبز بثمن في‬

‫متناول الفقير‪.‬‬

‫وكان عمال الطباعة أكثر العمال مبادرة‪ ,‬ومنهم خرج برودون الذي اشتهر بعبارته‪" :‬الملكية هي‬

‫السرقة" وقبل ثورة فبراير ‪ 0121‬ظهر البيان الشيوعي بقلم ماركس وانجليز‪.‬‬

‫‪000‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫في فبراير ‪ 0121‬دعا لوى بالن العمال الباريسيين للتمرد من أجل تنظيم العمل‪ .‬وانطلقت الثورة‪,‬‬

‫فعمت أوربا كلها حتى انجلت ار والنرويج والسويد وروسيا‪ .‬ووصلت البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة‬

‫إلى الحكم ألول مرة في فبراير ‪ .0121‬ولكن سرعان في يونيه ‪ 0121‬ما وقع الصدام الدامي بين‬

‫البروليتاريا والبورجوازية‪ .‬وبرز بالنكي قائداً للبروليتاريا وظهرت البالنكية وريثة للبابوفية‪.‬‬

‫وكان بالنكي هو الرأس والقلب للحزب البروليتاري‪ .‬تجرد من التفاؤل الذي تميز به جيله بوضع‬

‫ثقتهم في الحكام‪ .‬وأعلن بصراحة أنه لن يتاح للكادحين أن يشتروا حريتهم إال باستخدام الدولة‬ ‫وباالستحواذ على السلطة العامة‪ .‬وكان يعقد أمله على "أقلية منضبطة موثوق بها من قادتها‪,‬‬

‫مستعدة لكل شيء‪ ,‬قادرة على البطولة العظمى"‪ .‬لكن الثورة لم تكن تتطلب هذه األقلية الفعالية فقط‪,‬‬

‫بل الجماهير المنظمة خلف قيادتها‪.‬‬

‫لقد كان االقتصاد التقليدي يبحث منذ وليام بني عن العالقات الحقيقية لإلنتاج في المجتمع‬

‫البورجوازي ويحاول عن طريق التحليل أن يرد األشكال المختلفة للثروة إلى وحداتها الداخلية ويسعى‬

‫لفهم العالقة الوثيقة لتعدد الظواهر الخارجية‪.‬‬

‫أما االقتصاد المبتذل فيعالج الظاهر فحسب‪ ,‬ساعياً وراء التفسيرات الرخيصة للظواهر ومتخذاً من‬

‫العنصر المبتذل في الظواهر نظرية على حدة‪ .‬معتب ارً أن "البؤس الذي نراه في الظاهر ونحسبه‬

‫محتوماً في المجتمع إنما يخفى في حقيقة األمر انسجام المصالح‪ ,‬فإن الشر يلد الخير من نفسه‪ ,‬ما‬

‫في ذلك من شك"‪.‬‬

‫بدأت البورجوازية في مجموعها في التخلي عن كل من العقل والتاريخ‪ .‬أخذت البورجوازية تنقض‬

‫على ماضيها نفسه‪ .‬وتحول االقتصاد السياسي في أيدي مفكري البورجوازية من بحث العالقات‬

‫االقتصادية بين الناس في مجالها الحقيقي وهو اإلنتاج إلى بحثها في مجالها المجازي وهو التبادل‪.‬‬

‫هكذا‪ ,‬عندما تفجرت أزمة االقتصاد السياسي‪ ,‬لم تكن بريطانيا وهي مهد علم االقتصاد بقادرة على‬

‫إخراج االقتصاد السياسي من أزمته‪ .‬وانما انتقلت المهمة إلى ألمانيا‪ .‬فهناك عندما نما اإلنتاج‬ ‫الرأسمالي بسرعة وبلغ فيها حد االزدهار‪ ,‬حدث فيها ما حدث النجلت ار من قبل مع وعي أكبر لدى‬

‫البروليتاريا عنه لدى البورجوازية‪.‬‬

‫ويبدو أن هزيمة ثورة ‪ 0121‬في ألمانيا قد كان من جرائها أن ودع المثقفون األلمان مسائل‬

‫النظرية وانهمكوا كما يقول ماركس في التطبيق‪ ,‬أعني جني األرباح‪.‬‬

‫وبينما كانت هذه البورجوازية مشغولة باستيعاب المواد األولية لعلم االقتصاد البورجوازي‪ ,‬ظهر‬

‫الحزب البروليتاري في ألمانيا على مسرح األحداث‪ ,‬وظهر معه إمكان قيام علم االقتصاد األلماني‪.‬‬

‫لكنه في هذه المرة كان يجب أن يكون علم االقتصاد البروليتاري‪.‬‬

‫‪002‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهكذا لم تعد الظروف التاريخية في ألمانيا لتسمح بتطوير علم االقتصاد السياسي‪ ,‬بل تدعو‬

‫لتشييد علم اقتصاد جديد‪ .‬ففي اللحظة التي بدأ فيها أن من الممكن قيام علم بورجوازي لالقتصاد‬

‫السياسي في ألمانيا‪ ,‬كان هذا األمر قد غدا مرة أخرى مستحيالً في الواقع‪ .‬ولم يعد ممكناً أن يقوم علم‬ ‫اقتصاد جديد سوى علم البروليتاريا‪ .‬وكانت تلك هي مهمة "رأس المال"‪.‬‬

‫ الفصل الثاني‪-‬‬‫ظهور "رأس المال"‬ ‫النقد البروليتاري لالقتصاد السياسي‬ ‫كانت المهمة المطروحة بعد انفجار أزمة االقتصاد السياسي هي القيام ( بنقد) هذا االقتصاد‪,‬‬

‫ولكنها كانت مهمة ثورية ال تستطيعها إال طبقة ثورية‪ .‬يقول ماركس‪ ":‬بالقدر الذي يعبر النقد عن‬

‫طبقة ما‪ ,‬فإنه يمثل تلك الطبقة التي تكون رسالتها في التاريخ هي اإلطاحة بطريقة اإلنتاج الرأسمالية‬ ‫والغاء جميع الطبقات نهائياً‪ ,‬أال وهي البروليتاريا"‪.‬‬ ‫نقد االقتصاد السياسي‬

‫والقيام بنقد علم االقتصاد إنما كان يعني أن علم االقتصاد ما زال لم يكتمل‪ ,‬مازال واجب‬

‫التكوين‪.‬لقد اكتشفت البورجوازية االقتصاد السياسي‪ .‬لكن كل ما أنجزه هذا االقتصاد السياسي من علم‬ ‫اقتصادي حتى ذلك الحين كان يقتصر على دراسة تكوين وتطور أسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪ .‬ومن ثم‬

‫طور إيجابياً قوانين أسلوب اإلنتاج الرأسمالي وأشكال المبادلة المؤاتية له‪ .‬ولكن من أجل أن يكتمل‬ ‫االقتصاد السياسي‪ ,‬كان البد أن ينتهي بالنقد االشتراكي ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪ .‬ولهذا يسمى‬

‫ماركس كتابه تارة "نقداً لالقتصاد السياسي" وتارة أخرى "تحليالً نقدياً لإلنتاج الرأسمالي"‪.‬‬ ‫كلمة رأس المال‪:‬‬

‫يقال أن أول مرة استخدمت فيها الكلمة كانت في القرن السابع عشر‪ ,‬صفة للمخزون الرئيسي أو‬

‫للمال األصلي للتاجر‪ .‬ولقد تحدث بتي في كتابه "الحساب السياسي" الصادر سنة ‪ 0996‬عن "رؤوس‬ ‫األموال الهولندية في شركة الهند الشرقية"‪ .‬وعند التجاريين كان معنى الكلمة هو مبلغ النقود الذي‬

‫أقرض أو الذي يحتفظ به من أجل اإلقراض أي "أصل الدين"‪ .‬ثم استخدمت لتعنى الثورة التي تنتج‬

‫ربحاً معيناً‪ .‬واستخدمها الطبيعيون‪ ,‬فابتداء من تيرجو أصبحت تعني "القيم المتراكمة"‪ .‬واستخدمها آدم‬

‫سميث بمعنى "رصيد التاجر"‪.‬‬

‫‪003‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويتوصل سميث إلى تقسيم رأس المال إلى جار وثابت‪ .‬ثم تنتقل الكلمة إلى ريكاردو‪ ,‬فيقول في‬

‫تعريف رأس المال "رأس المال هو ذلك الجزء من الثروة المعد والمستخدم بغرض اإلنتاج والذي يتكون‬ ‫من الطعام والمالبس واألدوات والمواد األولية واآلالت وغيرها‪ ,‬الضرورية من أجل العمل"‪.‬‬

‫ثم استخدم ماركس كلمة رأس المال‪ ,‬فأصبح لها معنى جديد‪ .‬لم تعد كل أداة عمل أو وسيلة إنتاج‬

‫رأس مال‪ .‬األشياء كلها ال تعتبر رأس مال في حد ذاتها‪ .‬وانما النظام االجتماعي المعين هو الذي‬

‫يجعل من هذه األشياء رأس مال‪ .‬قد تكون النقود رأس مال‪ .‬وقد تكون اآلالت والمباني والمواد الخام‬

‫والمنتجات رأس مال‪ .‬فليس رأس المال شيئاً معيناً بل هو عالقة اجتماعية معينة‪ .‬إن المال ال يصبح‬ ‫رأس مال إال متى زاد من قيمته أي متى عاد بفائض قيمة‪ .‬فرأس المال هو قيمة تأتي بفائض‬

‫قيمة‪ .‬كيف؟ من خالل اتحاد رأس المال بالعمل‪ .‬كيف؟ عن طريق استغالل العمال األجراء‪ .‬ذلك فقط‬

‫هو رأس المال‪.‬‬

‫معرفة موسوعية‪:‬‬

‫ولسوف نجد في "رأس المال" أفكا ارً عبر عنها من قبل عشرات الكتاب من الفالسفة واالقتصاديين‬

‫واالشتراكيين‪ .‬سنجد هيجل وفويرباخ وديتزجن في الفلسفة‪ .‬وسنجد بتي وسميث وريكاردو في‬

‫االقتصاد‪ .‬وسنجد سان سيمون وفورييه وبازار وأوين وانفانتان وكونسيدران ولرو وبالن وبكير وكابيه‬ ‫وبالنكي في االشتراكية‪.‬‬

‫فالحق أن "رأس المال" ينطوي على معرفة موسوعية ألمت بكل أدبيات االقتصاد السياسي وفلسفة‬

‫العصر وثقافته السياسية‪.‬‬ ‫تكوين "رأس المال"‪:‬‬

‫كرس كارل ماركس أربعين عاماً من حياته لكتابة "رأس المال"‪ .‬فلقد بدأ فيه عام ‪ 0122‬وواصل‬

‫العمل فيه حتى آخر يوم في حياته‪.‬‬

‫كتاب عنوانه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" وهو دراسة نقدية لنظرية القيمة عند التقليديين‬

‫وعند االشتراكيين الخياليين‪ .‬وتضم ما يسميه االنجليز "مبادئ االقتصاد السياسي لكنها اقتصرت على‬

‫موضوعين فحسب هما السلعة والنقود‪ .‬ولم تذكر شيئاً عن رأس المال‪.‬‬

‫ويقع "رأس المال" في أربعة مجلدات وقد خصص ماركس المجلد األول لعملية إنتاج رأس المال‪.‬‬

‫ويحتوي على تحليل لكيفية إنتاج فائض القيمة وانتاج رأس المال نفسه‪.‬‬

‫أما المجلد الثاني فيتناول عملية تداول رأس المال‪ ,‬تداول عناصره المختلفة ومبادئ تصريف السلع‬

‫وتكرار اإلنتاج الذي يسمح به تداول رأس المال‪ .‬وينطوي المجلد الثالث على اإلنتاج الرأسمالي في‬

‫جملته‪ ,‬أي ينطوي على وحدة كل من اإلنتاج والتداول لرأس المال‪ .‬فهو مخصص لتوزيع رأس المال‬ ‫‪004‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الذي ينتج من اإلنتاج والتداول‪ .‬أما توزيع فائض القيمة فيتم عند ماركس إلى الربح والفائدة والريع‬

‫العقاري‪ .‬ثم يوزع الربح إلى ربح صناعي ومصرفي وتجاري‪ .‬ويدرس تطور هذا التوزيع‪ ,‬واالتجاه إلى‬ ‫انخفاض معدل الربح أي عالقة الربح بالتطور الرأسمالي عامة‪.‬‬

‫وبعد وفاته في عام ‪ 0112‬عكف إنجلز على إنجاز المجلد الثاني‪ .‬فنشر المجلد الثاني في عام‬

‫‪ ,0112‬ونشر المجلد الثالث في عام ‪ 0162‬أي قبل وفاته هو بعام‪ .‬ولذلك يعد المجلدان من عمل‬ ‫ماركس وانجليز معاً‪.‬‬

‫والواقع أن المجلد األول هو بال نزاع أهم المجلدات جميعاً‪ .‬وينطوي على أهم ما لدى ماركس من‬

‫فكر اقتصادي‪ .‬وتأتي أهمية المجلد الثاني من دراسته التفصيلية لبعض نواحي المجلد األول‪ ,‬وبخاصة‬ ‫تناقضات الرأسمالية واألزمات‪ ,‬وكان ماركس قد أكمل المجلد الثاني قبل موته‪ .‬أما المجلد الثالث فإنه‬

‫أضاف كثي ارً إلى المجلد األول‪.‬‬

‫فلم يجد إنجلز مزيداً من العمر ليصدر المجلد الرابع واألخير من "رأس المال" والذي تناول تاريخ‬

‫الفكر االقتصادي وبخاصة تطور نظريات القيمة‪ .‬ولقد ظل مطوياً حتى نشره كاوتسكي في عام ‪0612‬‬

‫تحت عنوان "نظريات فائض القيمة"‪.‬‬

‫"مساهمة في نقد االقتصاد السياسي"‪:‬‬

‫في الدراسة التمهيدية "لرأس المال" والمنشورة تحت عنوان "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي"‬

‫يلخص ماركس ما يعنيه باالقتصاد السياسي‪ .‬فالواقع أن علم االقتصاد إنما يبحث ظاهرتي اإلنتاج‬ ‫والمبادلة خالل تطور المجتمع البشري‪ .‬فاإلنسان ال يوجد إال في مجتمع‪ .‬اإلنسان حيوان سياسي‪ ,‬بل‬ ‫هو حيوان ال تتحدد شخصيته إال في أحضان المجتمع وفي هذا المجتمع يتم اإلنتاج والتبادل بين‬

‫الناس‪ .‬وبتطورهما يتطور المجتمع‪ .‬والمجتمع يتطور بال أنقطاع‪.‬‬

‫واإلنتاج هو عملية استحواذ اإلنسان بالعمل على موارد الطبيعة‪ ,‬هو تفاعل اإلنسان مع الطبيعة‪,‬‬

‫هو سيطرة اإلنسان على الطبيعة‪ ,‬هو الصراع التاريخي بين اإلنسان والطبيعة‪.‬‬

‫إن عمل اإلنسان هو الذي أخضع الطبيعة وحولها إلى ثروة‪ ,‬وهنا يتبنى ماركس قول بتي "إن‬

‫العمل أبو الثروة‪ ,‬والطبيعة أمها"‪.‬‬

‫لكن اإلنتاج عمل اجتماعي‪ .‬يتواله أفراد ينتجون بصورة مشتركة‪ .‬ولذلك ال يوجد منتج فردي‬

‫منعزل‪.‬‬

‫على هذا النحو أيضاً يكون اإلنتاج هو امتالك عمل اإلنسان للطبيعة‪ .‬وهكذا تكون الملكية نظاماً‬ ‫تاريخياً‪ .‬فقد وجدت الملكية دائماً‪ ,‬لكنها اتخذت على مر العصور أشكاالً مختلفة‪ ,‬من الملكية الشائعة‬

‫إلى الملكية الخاصة للعبيد‪ ,‬إلى الملكية اإلقطاعية لألرض‪ ,‬إلى الملكية الخاصة الفردية لرأس المال‪.‬‬

‫‪005‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما المبادلة فهي عملية نقل ملكية المنتجات‪ .‬هي عبارة عن العالقات االجتماعية بين المالكين أو‬

‫الحائزين للمنتجات‪ .‬إنها تفترض الملكية‪ ,‬كما تفترض نقل الملكية‪.‬‬

‫لكن المنتجات موضوع المبادلة غير مطلوبة في االستهالك المباشر‪ ,‬ومن ثم تدخل في نطاق‬

‫التبادل‪ .‬لذلك كانت المنتجات التي تتبادل تسمى سلعاً‪ .‬وكانت هذه السلع عند ظهورها نواة لظهور كل‬ ‫من السوق ورأس المال‪ .‬وكان رأس المال ظاهرة اقتصادية اجتماعية تاريخية وليس – كما رأى‬

‫التقليديون‪ -‬عنص ارً طبيعياً‪ ,‬عاماً‪ ,‬وأبدياً‪.‬‬

‫وبهذا بالتحديد يصبح االقتصاد السياسي علم الظروف واألشكال التي يتم في ظلها اإلنتاج‬

‫والمبادلة ويتم في ظلها أيضاً توزيع المنتجات على أفراد المجتمع‪ .‬إن أسلوب اإلنتاج والمبادلة في‬ ‫مجتمع معين والظروف التاريخية لهذا المجتمع هي التي تفرض أسلوب توزيع المنتجات‪ .‬ففي ظل‬

‫مشايعة القبيلة أو القرية حيث تسود الملكية الشائعة لألرض يكون التوزيع المتساوي للمنتجات أم ارً‬

‫طبيعياً‪ .‬وعندما بدأت عدم المساواة في التوزيع‪ ,‬كان ذلك يعني بداية تحلل الجماعات المشاعية‪.‬‬ ‫اإلنتاج المادي‪:‬‬

‫ولقد قامت كل المجتمعات البشرية باإلنتاج‪ ,‬أي بتوفير الوسائل المادية الضرورية لحياتها‪.‬‬

‫وماركس ال يعني باإلنتاج سوى تلك المنتجات المادية فقط‪ .‬إنه ال يعني إال باإلنتاج المادي‪ ,‬أما ما‬

‫يسمى باإلنتاج المعنوي من أدب وفن فال يعد إنتاجاً بل هو نوع من الخلق األدبي أو الفني يخرج من‬

‫نطاق البحث االقتصادي‪.‬‬

‫أما علم االقتصاد فهو علم إنتاج وتوزيع الوسائل المادية الضرورية للمعيشية‪.‬‬

‫هذه المنتجات المادية ليست كلها بالضرورة سلعاً‪ .‬في المجتمعات السابقة على الرأسمالية كان‬

‫يجري إنتاج الوسائل المادية للمعيشة‪ ,‬إنما لم يكن هناك إنتاج للسلع إال بقدر قيام المبادلة وانتشار‬

‫التجارة‪ .‬فالمنتجات التي تستهلك مباشرة من غير المرور بالمبادلة ليست سلعاً‪ .‬وانما السلعة هي‬ ‫المنتجات المعدة للمبادلة‪ .‬فلما ظهرت السلعة‪ ,‬كانت هي البذرة األولى للرأسمالية‪ .‬وظلت هذه التجارة‬

‫تنمو حتى أصبحت السلع هي النظام اإلنتاجي السائد‪ .‬ولهذا كانت الرأسمالية هي نظام إنتاج ومبادلة‬

‫السلع‪.‬‬

‫والواقع‪ ,‬كما يقول ماركس في "رأس المال" فإن ثروة المجتمع الرأسمالي إنما تتشكل من تراكم هائل من‬

‫السلع‪.‬‬

‫ويأخذ ماركس في تحليل السلعة في كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي"‪ .‬والسلعة هي ناتج‬

‫مادي‪ .‬لكنها أيضاً قيمة‪ .‬وبذلك تعبر عن التناقض والوحدة بداخلها‪ .‬فهي قيمة استعمال وقيمة‬ ‫مبادلة‪.‬‬

‫أما قيمة االستعمال فهي منفعة السلعة‪ .‬ومن هذه الناحية تختلف كل سلعة عن األخرى‪ .‬منفعة‬ ‫‪006‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التفاحة غير منفعة المقعد وغير منفعة الكتاب‪ .‬أما قيمة المبادلة فهي واحدة في كل السلع‪ .‬فهي قيمة‬

‫السلعة عند المبادلة‪ .‬مم تتكون هذه القيمة؟ وكيف تتفق أو تختلف؟ كل السلع هي منتجات للعمل‪.‬‬ ‫وال تختلف فيما بينها إال من حيث الكم فقط – في قوة العمل المجسد في كل منها‪.‬‬

‫منفعة السلعة تشكل محتواها المادي أي قدرتها على إشباع حاجة إنسانية‪ .‬وقيمة السلعة هي‬

‫شكلها االجتماعي كنتاج للعمل عندما تتبادل مع سلعة أخرى‪.‬‬

‫وفي مجرى التبادل تميزت سلعة معينة هي الذهب مثالً فأصبحت هي النقود‪ .‬أصبحت تجسيداً‬

‫للقيمة أو مقابالً للقيمة‪ .‬في التبادل إذن يتبادل المنتجون ما أنتجوا من سلع‪ .‬ومن السلعة يأخذ‬ ‫ماركس في تحليل العمل‪ .‬وهو يميز بالتالي بين نوعين من العمل‪ :‬العمل الخاص والعمل االجتماعي‪.‬‬ ‫بالعمل الخاص يخلق المنتج منفعة لنفسه –ينتج للمستهلك‪ .‬وبالعمل االجتماعي يخلق المنتج قيمة‬

‫للمجتمع‪ ,‬صالحة للتبادل‪.‬‬

‫ولهذا تتسم السلعة بطبيعة مزدوجة‪ .‬والعمل هو أيضاً له طبيعة مزدوجة‪ .‬فهناك عمل خاص يؤديه‬

‫المرء لنفسه‪ .‬وهناك عمل آخر يؤديه للمجتمع‪ .‬إنه يبادله بسلعة أخرى – أي بعمل آخر‪ .‬وتلك هي‬ ‫نظرية العمل كمصدر للقيمة‪.‬‬ ‫أسلوب اإلنتاج‪:‬‬

‫هذا األسلوب الذي يحصل به الناس على وسائل المعيشة يسمى أسلوب اإلنتاج‪ .‬أن اإلنتاج دائماً‬

‫عملية اجتماعية‪ ,‬ال يؤثر الناس فيها على الطبيعة فحسب بل يؤثر بعضهم على بعض أيضاً‪ .‬فهم ال‬

‫ينتجون إال متعاونين بأسلوب معين‪ .‬وهم يتبادلون فيما بينهم نشاطهم أو ثمرة هذا النشاط‪ .‬ولهذا‪,‬‬

‫فإنهم لكي ينتجوا يدخلون في عالقات بعضهم مع بعض‪.‬‬

‫هذا األسلوب الذي يحصل به الناس على وسائل المعيشة يسمى أسلوب اإلنتاج‪.‬‬

‫إن أسلوب اإلنتاج كما يعرضه ماركس إنما يتناول طائفتين من الظواهر االقتصادية‪ ,‬هما القوى‬

‫المنتجة وعالقات اإلنتاج‪.‬‬

‫أما القوى المنتجة فهي مجموع ما لدى المجتمع من قوى يستعين بها البشر من أجل إنتاج‬

‫المنتجات المادية‪ .‬ولذلك تشتمل على كل وسائل اإلنتاج‪ ,‬وكذلك على الناس الذين يستعملون هذه‬ ‫الوسائل بخبرتهم في اإلنتاج وبعادات العمل المكثفة لديهم‪.‬‬

‫ويقصد ماركس بوسائل اإلنتاج مجموع وسائل ومواد اإلنتاج الالزمة أو المساعدة على اإلنتاج‪,‬‬

‫ويقسم وسائل اإلنتاج إلى وسائل رئيسية وأدوات‪ .‬أما الرئيسية فهي ما ال يتم اإلنتاج بدونها مثل‬ ‫األرض في ظل اإلقطاع ورأس المال في ظل الرأسمالية‪ .‬أما األدوات فهي مجموعة وسائل اإلنتاج‬

‫الصغيرة المساعدة على اإلنتاج كالسماد والفحم‪.‬‬

‫‪007‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫واذن‪ ,‬فإن قوى اإلنتاج تتناول أوالً الخيرات الطبيعية‪ ,‬األرض‪ ,‬الغابات‪ ,‬المياه‪ ,‬األراضي الجديدة‪,‬‬

‫المواد األولية‪ ,‬كما تتناول أدوات اإلنتاج التي تسمح بتشكيل الخيرات الطبيعية والمنشآت الضرورية‬

‫لإلنتاج كالمباني ووسائل النقل والمواصالت ووسائل التبادل‪ .‬وتتناول قوى اإلنتاج كذلك الناس الذين‬

‫يستخدمون وسائل اإلنتاج بما لهم من خبرة في اإلنتاج من فنون وعلوم وعادات عمل‪.‬‬

‫إن القوى المنتجة للمجتمع هي القوى التي تسمح باإلنتاج من خالل التأثير على الطبيعة‪.‬‬

‫ويعلن ماركس أن وسائل اإلنتاج هي أهم عناصر القوى المنتجة‪ .‬ومن بين وسائل اإلنتاج تلعب‬

‫أدوات اإلنتاج بالذات الدور الحاسم في اإلنتاج‪ .‬لماذا؟ ألن تطور القوى المنتجة محكوم بتطور أدوات‬

‫اإلنتاج‪.‬‬

‫يقول ماركس‪ :‬ليس المهم هو معرفة ماذا ينتج البشر‪ ,‬ولكن بماذا ينتجون‪ .‬وفي عبارة مشهورة له‬

‫في "رأس المال" يقول‪" :‬إن استعمال أدوات العمل وصنعها هما من مميزات العمل البشري بصفة‬

‫خاصة"‪.‬‬

‫إن كل قوة منتجة هي قوة مكتسبة انتزعها البشر من الطبيعة‪ .‬ثم يزداد تأثير هذه القوى المنتجة التي‬

‫تلعب الدور الثوري في إنتاجهم وحياتهم‪ .‬كيف؟ ألن هذه القوى تتطور مستقلة عن إرادة البشر الذين‬

‫يستخدمونها‪.‬‬

‫البعض ينظرون إلى ماركس كما لو كان قد حصر االقتصاد السياسي في القوى المنتجة أي في‬

‫طاقات ووسائل وفنون اإلنتاج‪ .‬لكن ماركس كان منذ البداية حريصاً على نفي هذا التحريف‪ ,‬فكتب في‬

‫مقدمته لكتاب "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" يقول‪" :‬ليس االقتصاد السياسي هو التكنولوجيا"‪.‬‬

‫فأسلوب اإلنتاج ليس فقط التكنولوجيا أو فنون اإلنتاج وهي قوة من القوى المنتجة‪ ,‬لكنه يمثل‬

‫أيضاً عالقات اإلنتاج‪.‬‬

‫وعالقات اإلنتاج هي مجموعة العالقات االجتماعية التي ينتج األفراد في ظلها في مجتمع معين‪.‬‬

‫فعالقات اإلنتاج هي في النهاية عالقات الملكية في المجتمع‪ ,‬هي كل أشكال ملكية وسائل اإلنتاج‬

‫وأشكال توزيع المنتجات‪.‬‬

‫لكن عالقات اإلنتاج المعينة إنما تطابق درجة معينة من تطور القوى المنتجة‪ .‬فإن القوى المنتجة‬

‫هي التي تتحكم في عالقات اإلنتاج‪.‬‬

‫ولذلك فليس دقيقاً أن نعتبر االقتصاد السياسي علم اإلنتاج بل علم العالقات االجتماعية في‬

‫اإلنتاج‪ ,‬علم التنظيم االجتماعي لإلنتاج‪.‬‬

‫تطابق القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج‪:‬‬

‫هكذا تتضح العالقة الجدلية بين القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج‪.‬‬

‫‪008‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويعلن ماركس أن القوى المنتجة هي العامل األكثر حركة واألشد ثورية في اإلنتاج‪ .‬فتطورها أسرع‬

‫من تطور عالقات اإلنتاج‪ .‬فال تلبث هذه العالقات أن تصبح إطا ارً ضيقاً لها‪ .‬فال تتبين أمامها من‬ ‫سبيل كي تنطلق من عقالها سوى أن تحطم عالقات اإلنتاج المحافظة‪ .‬وهكذا يستطيع الناس باكتساب‬

‫قوى إنتاجية جديدة أن يغيروا أسلوب إنتاجهم وأسلوب كسب معيشتهم‪ ,‬أن يغيروا كل عالقاتهم‬

‫اإلجتماعية‪.‬‬

‫إن هذا القانون االجتماعي الذي اكتشفه ماركس هو الذي يسمى قانون التطابق الضروري بين‬

‫عالقات اإلنتاج وطبيعة القوى المنتجة‪.‬‬

‫واستناداً إلى هذا القانون يطرح ماركس قضية الثورة االجتماعية‪ .‬فإن عدم تطابق القوى المنتجة‬

‫الجديدة مع عالقات اإلنتاج القديمة هو أساس كل ثروة اجتماعية‪ .‬ويتخذ هذا التناقض شكل الصراع‬

‫بين الطبقات المرتبطة بعالقات اإلنتاج القديمة والطبقات المرتبطة بالقوى المنتجة الجديدة‪.‬‬

‫واستناداً إلى هذا القانون الثوري يرى ماركس حتمية انهيار الرأسمالية‪ ,‬ويعلن أن عالقات اإلنتاج‬

‫البورجوازية هي آخر شكل للتناقض في مجرى اإلنتاج بين عالقات اإلنتاج والقوى اإلنتاجية‪ .‬فإن‬

‫القوى المنتجة النامية داخل شبكة المجتمع الرأسمالي تخلق باضطراد الظروف المادية لحل ذلك‬

‫التناقض‪.‬‬

‫وبعد دراسة فاحصة لنظام اإلنتاج الرأسمالي يكشف ماركس عن الحقائق التالية‪:‬‬ ‫أ‪ -‬أن الرأسمالية نظام تاريخي‪ ,‬لم يوجد دائماً ولن يوجد إلى األبد‪.‬‬

‫ب‪ -‬أن هذا النظام ليس سوى نظام استغاللي طبقي آخر‪ ,‬لمصلحة البورجوازية على حساب‬ ‫البروليتاريا‪.‬‬

‫ج‪ -‬أن هذا النظام ينمي الطبقة التي تستطيع وحدها أن تضع حداً له وأن تنهي معه كل‬ ‫استغالل طبقي وهي البروليتاريا‪.‬‬

‫وتلخص الفقرة األخيرة من الفصل األول في "البيان الشيوعي" حتمية هذا التطور كما يلي‪" :‬إن‬

‫الشرط الضروري لوجود البورجوازية وتسلطها هو أساساً تكوين رأس المال وزيادته‪ .‬والشرط الضروري‬ ‫لوجود رأس المال هو العمل األجير‪.‬‬

‫إن تطور الصناعة الحديثة يعمل إذن على تقويض األساس الذي تستند عليه البورجوازية في‬

‫اإلنتاج وتملك المنتجات‪.‬؟؟‬

‫وهكذا فإن الصلة وثيقة بين علم االقتصاد وعلم التاريخ‪ ,‬ولهذا يعرف لينين علم االقتصاد بأنه "‬

‫العلم الذي يتناول تطور النظم التاريخية لإلنتاج االجتماعي"‪.‬‬

‫إننا مدينون لكارل مركس بكشفه عن فائض القيمة‪ ,‬هذا الكشف الذي صارت بفضله االشتراكية‬

‫علماً‪.‬‬

‫‪009‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهذا معنى قول إنجلز‪":‬ليست االشتراكية العلمية سوى انعكاس في الفكر البشري للصراع القائم في‬

‫المجتمع الرأسمالي بين القوى المنتجة الجديدة وبين عالقات اإلنتاج الرأسمالية‪.‬ويحدث هذا االنعكاس‬

‫في ذهن الطبقة التي تقاسي مباشرة من هذا الصراع وهي الطبقة العاملة"‪ .‬وبذلك انتهى زمن‬

‫االشتراكية الخيالية‪.‬‬

‫ الفصل الثالث‪-‬‬‫جوهر "رأس المال"‬ ‫قانون فائض القيمة‬ ‫وقانون فائض القيمة هو قانون حركة النظام الرأسمالي‬

‫فانطالقًا من تحليل االقتصاد الرأسمالي في ظل المنافسة يكتشف ماركس قانون فائض القيمة‪ ,‬حتى‬

‫لقد عرف االقتصاد السياسي بأنه االقتصاد الذي يبحث في تكوين فائض القيمة‪ .‬وعندما يتكون فائض‬

‫القيمة فإنه يخلق رأس مال‪.‬‬

‫إن الكشف الكبير الذي توصل إليه سميث وريكارد هو أن اإلنتاج الرأسمالي يقوم على إنتاج السلع‬

‫بقصد المبادلة‪ .‬وهي تتبادل بقيمتها في المبادلة‪ .‬فما مصدر هذه القيمة؟ إنه العمل‪ .‬وهذا واضح لدى‬

‫ريكاردو‪ ,‬وان يكن لديه بعض الخلط بين العمل مصد ارً للقيمة والعمل مقياساً للقيمة‪ .‬ولكن األمر قلق‬

‫عند سميث‪ .‬فهو تارة "كمية العمل الموجودة في السلعة"وتارة" قيمة العمل الذي يكلفه الشئ أو يتبادل‬

‫في مقابله"‪ .‬واعتبر مالتس أن القيمة تتوقف على حجم األجور المدفوعة‪ .‬ومن ثم لم يعن‬

‫االقتصاديون وقتذاك بدراسة ما اعتبره ريكاردو "المشكلة الرئيسية في االقتصاد السياسي" وهي التوزيع‬ ‫وبخاصة الربح‪.‬‬

‫ولقد بدأ ماركس نظريته عن القيمة من النقطة التي بلغها سميث وريكاردو قائالً إنه ليس هناك ما‬

‫يخلق قيمة سوى العمل‪ ,‬العمل في صنع المنتجات أو في التعدين أو في نقل السلع‪ .‬ومنذ ذلك الحين‬

‫والفكر البورجوازي يحاول أن يطمس هذه الحقيقة منتحالً كافة المعاذير‪ :‬من نظرية العمل المبذول‬

‫فعالُ‪ ,‬إلى نظرية نفقة اإلنتاج‪ ,‬إلى نظرية المنفعة الحدية‪.‬‬

‫المهم أن ماركس قد تلقى النواة السليمة في نظرية التقليديين وبدأ منها أبحاثه‪ ,‬اتجه ماركس نحو‬

‫المبادلة أو القيمة بالمعنى الصحيح‪ .‬لكنه سرعان ما اكتشف وراء قانون القيمة قانوناً آخر أكثر‬

‫جوهرية هو قانون فائض القيمة‪ .‬اكتشف ماركس أن قانون فائض القيمة‪ -‬أكثر من قانون القيمة‪-‬‬

‫هو قانون حركة المجتمع الرأسمالي‪.‬‬

‫‪021‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حول فائض القيمة يدور "رأس المال" بحثاً عن المراحل الثالثة لفائض القيمة‪ :‬مرحلة تكوينه‪,‬‬

‫ومرحلة تداوله‪ ,‬ومرحلة تحوله إلى رأس مال‪ .‬وهي المراحل الثالثة للحياة االقتصادية في ظل‬

‫الرأسمالية‪ :‬سلعة فنقود فرأس مال‪.‬‬ ‫كيف يتكون فائض القيمة؟‬

‫يتكون فائض القيم في عملية إنتاج السلع‪ ,‬من خالل إنتاج ثروة المجتمع الرأسمالي الممثلة في‬

‫السلع‪.‬‬

‫يقول ماركس‪":‬إن فائض القيمة يجب أن يفهم على أساس افتراض أن السلع تتبادل بقيمتها واال فلن‬

‫يفهم أبداً‪.‬‬

‫لكن ماهي السلع؟ هي منتجات العمل التي تتبادل في األسواق‪ .‬هذه المنتجات نافعة‪ ,‬فهي ذات‬

‫قيمة استعمال‪ ,‬وهي قابلة للتداول‪,‬فهي ذات قيمة مبادلة‪.‬‬

‫ويضيف ماركس في "رأس المال" توضيحاً آخر‪ .‬فيقول‪" :‬قد يكون الشئ قيمة استعمال وال يكون‬

‫قيمة‪ .‬وتلك حالته عندما ال تكون منفعته لإلنسان نتيجة العمل مثل الهواء واألرض البكر والمراعي‬

‫الطبيعية والغابات‪ .‬ويمكن أن يكون الشئ نافعاً ونتيجة العمل البشري‪ ,‬ثم ال يكون سلعة‪ .‬فمن يشبع‬ ‫حاجاته الخاصة بإنتاجه هو يخلق قيمة استعمال ال سلعة‪ .‬فمن أجل إنتاج السلع يجب أال ينتج قيم‬

‫استعمال فقط وانما قيم استعمال للغير‪ ,‬أي قيم تبادل اجتماعية"‪.‬‬

‫هذه السلع تقبل في التداول إذن ألنها نافعة وذات قيمة‪ .‬وهذا هو الطابع المزدوج للسلع‪.‬‬

‫إن الناتج ال تكون له قيمة إال لكون عمل بشري مجرد يتجسد فيه‪ .‬فكيف نقيس أهمية هذه القيمة؟‬ ‫نقيسها بكمية "المادة الخالقة للقيمة" التي يحتوي عليها الناتج أي بكمية العمل‪ .‬وكمية العمل نفسها‬

‫كيف نقيسها؟ نقيسها بامتدادها في الزمن‪ .‬وزمن العمل نقيسه بوحدات الزمن من الساعة واليوم‬

‫واألسبوع‪.‬‬

‫ويبدأ اإلنتاج السلعي تاريخياً عندما يتوافر شرطان‪ :‬أن يصل تقسيم العمل االجتماعي إلى حد وجود‬

‫منتجات معدة للتبادل وليس لالستهالك مباشرة‪ ,‬وأن يوجد مالك منفردون بوسائل اإلنتاج‪.‬‬ ‫لكن اإلنتاج السلعي قد اتخذ في البداية صورة بسيطة هي صورة اإلنتاج الحرفي‪ ,‬عندما ينتج شخص‬

‫بنفسه أي بعمله الشخصي منتجات يبيعها‪ .‬ثم اتخذ بعد ذلك صورة معقدة هي صورة رأسمالية‪ ,‬حيث‬

‫يقوم مالك وسائل اإلنتاج باستئجار آخرين يتولون هم اإلنتاج‪ ,‬وتلك هي صورة الصناعية الرأسمالية‪.‬‬

‫نشأ اإلنتاج السلعي الرأسمالي تاريخياً من اإلنتاج السلعي البسيط‪ ,‬ليصبح اإلنتاج لسلع أي لمنتجات‬ ‫معدة للبيع في السوق‪ ,‬وليس لالستهالك الشخصي‪ .‬فرق أخر بين النوعين من اإلنتاج فأساس‬ ‫اإلنتاج السلعي البسيط هو العمل الشخصي للمنتج لوسائل اإلنتاج‪ ,‬بينما أساس اإلنتاج السلعي‬

‫الرأسمالي هو العمل المستأجر مقابل أجر‪.‬‬

‫‪020‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يفترض اإلنتاج الرأسمالي الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج والتقسيم االجتماعي للعمل‪ .‬وبقدر تطور‬

‫التقسيم االجتماعي للعمل سعة وعمقاً يتطور االقتصاد السلعي الرأسمالي‪.‬‬

‫إن قانون القيمة يوجد حيثما يوجد إنتاج سلعي‪ ,‬قبل الرأسمالية وبعدها‪ .‬هذا القانون هو الذي‬

‫يتولى تنظيم اإلنتاج السلعي في ظل الرأسمالية التي تتميز بفوضى اإلنتاج نتيجة نظام الملكية‬

‫الخاصة‪ ,‬حيث يتجه كل رأسمالي الوجهة التي تمنحه هو أكبر ربح ممكن‪ .‬فعلى الرغم من هذه‬

‫الفوضى‪ ,‬يتم تنظيم اإلنتاج في الواقع بفضل قانون القيمة‪ ,‬فمن خالل المنافسة يؤدي قانون القيمة‬ ‫ثالث وظائف هي‪:‬‬

‫‪ .0‬تنظيم توزيع العمل ووسائل اإلنتاج على فروع اإلنتاج المختلفة‪.‬‬ ‫‪ .3‬تنظيم وحشد القوى المنتجة بوصفها قوة دافعة للتقدم الفني‪.‬‬

‫‪ .2‬تنظيم وتطوير العالقات الرأسمالية‪ ,‬بازدهار كبار المنتجين وتصفية صغارهم‪.‬‬ ‫يفرق ماركس بين نوعين من تداول السلع‪ .‬ففي التداول البسيط يبيع صاحب السلعة سلعته‬

‫ليشتري بثمنها سلعة أخرى‪ ,‬غرضها إشباع حاجته‪ .‬الهدف هنا قيمة استعمال أخرى‪:‬‬ ‫سلعة‪ -‬نقود‪ -‬سلعة‬

‫أما في التداول الرأسمالي‪ ,‬فإن السلعة تشتري ال إلشباع الحاجة وانما ليعاد بيعها بثمن أكبر‪.‬‬

‫الهدف هنا قيمة مبادلة‪ ,‬بل فائض قيمة‪:‬‬ ‫نقود‪ -‬سلعة‪ -‬نقود‪.‬‬

‫بل تصبح الصيغة هكذا‪:‬‬

‫نقود‪ -‬سلعة‪ -‬نقود أكثر‪.‬‬

‫هنا في التداول الرأسمالي‪ ,‬يصبح تداول النقود غاية في ذاته‪ ,‬ولهذا ال تكون لتداول رأس المال‬

‫حدود‪.‬‬

‫تاريخياً‪ ,‬بدأ رأس المال من تداول السلع‪ ,‬وبخاصة في التجارة‪ ,‬حين أدى المستوى الرفيع لإلنتاج‬

‫السلعي إلى تراكم مبالغ نقدية في أيدي بعض األفراد‪ ,‬مثل التجار والمرابين‪ .‬ولذلك يبدأ التاريخ الحديث‬

‫ل أٍرس المال في القرن السادس عشر‪ ,‬مع قيام نظام تجاري عالمي وغزو السوق العالمية‪ .‬كان هذا‬ ‫ظرفاً أو مهد تاريخياً لنشأة رأس المال‪ .‬أم الظرف الثاني فهو ودود أفراد (أحرار) ال سادة لهم‪ ,‬لكنهم‬ ‫محرومون من وسائل اإلنتاج‪ ,‬وكان ذلك هو جوهر عملية ما يسمى التراكم البدائي لرأس المال‪.‬‬

‫ولكن كيف تتكون الثروات اليوم؟ من خالل أرباح اإلنتاج السلعي‪ ,‬بفضل فائض القيمة‪ .‬فإن القيمة‬

‫تخلق قيمة إضافية لل أٍرسمالي‪.‬كيف؟‬

‫‪022‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فكيف يتكون فائض القيمة؟‬

‫إن الرأسمالي يستخدم في اإلنتاج عدداً من السلع‪ :‬مواد أولية‪ ,‬آالت‪ ,‬قوة عمل العمال‪ ,‬ليعاد‬

‫تشكيلها من خالل عملية اإلنتاج بفضل العمل البشرى‪ .‬من بين هذه السلع ال بد أن توجد سلعة فريدة‬

‫لها خاصية فريدة هي القدرة على خلق فائض القيمة‪.‬‬

‫ولقد اكتشف ماركس أن هذه السلعة هي قوة العمل‪ .‬ففي ظل الرأسمالية يسود نظام العمل باألجر‪,‬‬

‫وتعتبر قوة العمل نفسها سلعة نموذجية تباع وتشتري في السوق‪.‬‬

‫فقوة العمل هي مجموع قدرات اإلنسان على العمل‪ ,‬مجموع قواه العقلية والبدنية التي يستخدمها‬

‫حين ينتج قيمة استعمال نفسه‪ .‬وهي سلعة خاصة تتميز بأنه يدخل في تحديد قيمتها‪ -‬على خالف‬

‫السلع األخرى‪ -‬عنصر تاريخي ومعنوي الرتباطها عضوياً باإلنسان العامل‪ .‬وثمن هذه السلعة هو‬ ‫األجر‪.‬‬

‫إن الحظ السعيد هو الذي أتاح للرأسماليين أن يكتشفوا في السوق سلعة قيمة استعمالها تتمتع‬

‫بميزة خاصة هي كونها مصد ارً للقيمة بحيث أن عملية استهالك هذه السلعة هي في نفس الوقت‬

‫عملية خلق للقيمة‪ .‬هذه السلعة هي قوة العمل‪ ,‬واستهالكها هو العمل نفسه‪ .‬والعمل يخلق القيمة‪.‬‬ ‫لكن كيف تخلق هذه القيمة إذن قيمة أكبر؟‬

‫هنا نالحظ أن التخلي عن قوة العمل واستخدامها فعالً ال يقعان في آن واحد‪ .‬فالعامل يتخلى مقدماً‬

‫عن قوة عمله في عقد العمل‪ .‬لكن استخدام هذه القوة يتم فيما بعد داخل المصنع يومياً‪ ,‬وهنا يجري‬

‫خلق القيمة األكبر‪.‬كيف؟‬

‫"إن استهالك قوة العمل هو في الوقت ذاته إنتاج للسلع ولفائض القيمة"‪.‬‬

‫يستعمل الرأسمالي سلعة قوة العمل استعماالً خاصاً‪ .‬إن هذه السلعة لها خاصية خلق قيمة أكبر‬

‫مما تستهلك من قيمة‪ ,‬وعندئذ يقع الحدث الخطير في اإلنتاج الرأسمالي‪ :‬إذ يتم خلق فائض القيمة‬

‫من خالل استخدام سلعة قوة العمل‪ ,‬من خالل استغاللها‪.‬‬

‫إن االستغالل الرأسمالي يتحقق من خالل حقيقة بسيطة هي كون العامل قاد ارً على خلق قوة‬

‫عمله‪ ,‬وعلى تجديدها‪ ,‬وعلى العمل مدة أطول مما تسمح قوته فعالً‪.‬وهكذا تعتبر قوة العمل سلعة‬ ‫ممتدة‪ ,‬تجعل الرأسمالي يطيل ساعات العمل أو يزيد من حدة وكثافة العمل ليحصل على إنتاج أكبر‬

‫بنفس األجر‪ .‬والفرق بين ما يحصل عليه العامل من أجر فعالً وما أنتجه من قيمة فعالً هو فائض‬

‫القيمة‪ ,‬يذهب إلى جيوب الرأسمالي وحده‪ .‬ولهذا الهدف ينتج كل رأسمالي‪ .‬يقول ماركس في المجلد‬

‫األول‪":‬إنتاج فائض القيمة هو القانون المطلق ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي"‪.‬‬

‫واذن فالعامل يقدم نوعين من العمل‪ :‬عمالً أصلياً يتلقى عنه أجره بالكامل وهذا هو العمل‬

‫الضروري‪ -‬وعمالً إضافياً ال يتلقى عنه أج ارً‪ ,‬وهذا هو العمل الفائض‪.‬‬ ‫‪023‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي الوقت ذاته‪ ,‬نتبين أن الرأسمالي يستخدم نوعين من رأس المال‪,‬لكل منهما أهمية خاص‪ .‬فهو‬

‫يستخدم جزءاً من رأسماله في شراء وسائل اإلنتاج من مواد وأدوات وهذا الجزء ينقل إلى السلعة‬

‫المنتجة كما هو خالل عملية العمل‪ .‬إنه ينقل قيمة ثابتة إلى السلعة‪ .‬ولذلك يسمى رأس المال الثابت‪.‬‬

‫وهو أيضاً يستخدم جزءاً من رأسماله في شراء قوة العمل‪ ,‬يدفعه أجو ارً للعمال‪ .‬أٍرس المال هذا يزيد‬ ‫خالل عملية العمل نتيجة تحقيق فائض القيمة‪ .‬فكأنه ينقل قيمة متغيرة‪ .‬ولذلك يسمي رأس المال‬

‫المتغير‪ .‬إن هذا التمييز كفيل بتوضيح دور رأس المال في االستغالل‪ .‬إن رأس المال الثابت‪ ,‬على هذا‬

‫النحو‪ ,‬ليس كمية من النقود فحسب‪ ,‬لكنه مقولة تاريخية‪ ,‬عالقة إنتاج‪ .‬إنه القيمة التي تخلق فائض‬ ‫القيمة من خالل استهالك قوة العمل األجير‪ ,‬أي مقابل رأس المال المتغير‪.‬‬

‫هكذا يتكون فائض القيمة‪ .‬وكل المبلغ الذي يتحقق هنا يسمي حجم فائض القيمة‪ .‬فإذا أردنا أن‬

‫نتبين معدل فائض القيمة‪ ,‬فيجب أن ننسب حجم فائض القيمة إلى حجم رأس المال المتغير الذي‬

‫أنتجها‪.‬‬

‫معدل فائض القيمة= حجم فائض القيمة‬

‫حجم رأس المال المتغير‬

‫هكذا يجري االستغالل الرأسمالي‪ .‬لم يخترع رأس المال فائض القيمة‪ .‬بل وجد االستغالل في كل‬

‫المجتمعات الطبقية‪ .‬من قبل وجد فائض العمل في شكله األقصى‪ ,‬حيث يعمل الناس حتى الموت في‬ ‫مناجم الذهب والفضة‪ .‬في ظل العبودية أو القنانة اإلقطاعية‪ .‬فكلما وجد العمل بال مقابل وجد‬

‫االستغالل‪ .‬كل ما هنالك أن االستغالل الرأسمالي يتخذ عملياً صورة فائض القيمة‪.‬‬

‫إن الصفقة التي يعقدها الرأسمالي مع العامل موضوعها ليس عمله وانما قدرته على العمل‪.‬‬

‫فالعامل ال يستطيع أن يبيع العمل ألن العمل هو عملية استهالك قدرة العمل‪ .‬كل ما يملكه هو قدرته‬

‫على العمل‪ .‬وهذه هي ما يبيعه‪ .‬فالسلعة التي يبيعها هي قوة العمل ال العمل‪ .‬فالعمل هو العامل‬ ‫نفسه‪ .‬وقوة العمل تباع بقيمتها‪ .‬وتتوقف قيمتها على قيمة وسائل المعيشة التي يعتاد العامل‬

‫استهالكاً ليعيش هو وعائلته‪.‬‬

‫جزء فقط من الوقت المبذول في إنتاج قيمة مساوية لقيمة قوة العمل هو ما يسمي العمل الضروري‬

‫وهو الضروري إلنتاج المقابل لألجر‪ .‬بقية الوقت يؤدي فيه العامل فائض العمل وينتج بالتالي فائض‬

‫القيمة‪.‬‬

‫وهكذا فإن العمل الضروري يخلق القيمة‪ .‬أما فائض العمل فإنه يخلق فائض القيمة‪.‬‬

‫‪024‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فكيف تقاس قيمة السلعة إذن؟‬

‫إن قيمة أي سلعة إنما تقاس عمالً بما يلي‪ :‬بقيمة المواد األولية التي تدخل في إنتاجها بالكامل‪,‬‬

‫باإلضافة إلى قدر معين من االستهالك والتلف في اآلالت والمعدات وقيمة قوة العمل (األجر) وتدخل‬ ‫في حساب القيمة بأكملها وفائض القيمة‪.‬‬

‫لقد كان ريكاردو يعتبر أن "األجور تحدد األثمان"‪ .‬غير أن الحقيقة هي أن السلعة تحدد بقيمة‬

‫العمل‪ .‬أم الثمن فأمره متروك لتقلبات السوق‪.‬‬

‫يقول ماركس تضخيم القيمة يتم فقط في حدود هذه الحركة المستمرة المتجددة‪ :‬نقود‬

‫–سلعة‪ -‬نقود أكثر‪ .‬ولهذا فدورة رأس المال ليس لها حدود‪ .‬ولذلك ال ينبغي أن ينظر إلى قيمة‬ ‫االستعمال على أنها الهدف الحقيقي للرأسمالي‪ ,‬بل وال إلى الريح الذي يعود عليه من أية صفقة‬

‫بمفردها‪ .‬إن ما يهدف إليه فقط هو السعي وراء الربح سعياً مطلقاً ال ينتهي أبداً‪.‬‬

‫إن تحويل فائض القيمة إلى رأس مال واستعماله ألجل الحصول على فائض قيمة جديد‪ -‬ذلك هو‬

‫هدف اإلنتاج الرأسمالي‪.‬‬

‫كيف يحول فائض القيمة إلى رأس مال جديد؟ كيف يتكون رأس المال؟‬

‫إن عملية اإلنتاج تتحول باطراد إلى عملية إعادة إنتاج‪ ,‬إلى عملية تجديد اإلنتاج‪ .‬الرأسمالي ينفق‬

‫جزءاً من فائض القيمة على نفسه‪ ,‬و يعيد الباقي إلى اإلنتاج‪ ,‬يوسع به اإلنتاج‪ .‬هنا يتجدد اإلنتاج‬

‫موسعاً‪ ,‬هنا فقط يتم تراكم رأس المال‪ .‬فالتراكم عبارة عن إضافة القطعة التي يقتطعها الرأسمالي من‬

‫فائض القيمة إلى رأسماله واستثمارهما معاً في توسيع اإلنتاج‪.‬‬

‫وزيادة إنتاجية العمل هي الوسيلة األساسية لدى الرأسمالي من أجل زيادة التراكم‪ .‬فما دام العمل‬

‫الحي وبخاصة فائض العمل هو مصدر فائض القيمة‪ ,‬فإن أٍرس المال المتغير هو أهم ما يعني‬

‫الرأسمالي في تركيب أٍرس ماله‪ .‬بعبارة أخرى فإن العالقة بين نوعي رأس المال الثابت والمتغير وهي‬

‫ما يسميه ماركس "التركيب العضوي لرأس المال" هي ما يتحكم في درجة االستغالل الرأسمالي‪.‬‬

‫بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي المطرد‪,‬هناك اطراد في ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال‪ ,‬بحيث‬

‫أن حصة رأس المال المتغير في هبوط مطرد‪ ,‬بمعنى هبوط معدل تشغيل العمال عن معدل تراكم رأس‬

‫المال‪ .‬إن هذا التركيب المرتفع يحقق معدالً للربح أقل‪ ,‬وان يكن حجم الربح الكلي أكبر من ذي قبل‬ ‫نتيجة الستخدام رؤوس أموال أكبر‪.‬‬

‫إن تركم رأس المال يحكم نمو الثروة من جانب ونمو البطالة والفقر من جانب آخر‪ .‬ويعرف‬

‫المجتمع الرأسمالي من ثم ظاهرة اإلفقار بشكلها المطلق والنسبي‪ .‬ويزداد اإلفقار المطلق بتزايد نصيب‬

‫الرأسماليين في الدخل القومي‪ .‬وبارتفاع التركيب العضوي لرأس المال ينتشر اإلنتاج الكبير‪ ,‬ويسود‬

‫االحتكار‪ .‬ويعلق ماركس بمرارة قائالً‪" :‬يكمن في أرس المال استعداد أو ميل ثابت لالرتفاع بإنتاجية‬

‫‪025‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العمل من أجل ترخيص السلع ومن أجل ترخيص العامل نفسه"‪ .‬ويستخلص ماركس من ذلك كله‬

‫قانواناً للتراكم‪ :‬فمع زيادة تراكم رأس المال تزداد درجة االستغالل‪.‬‬ ‫ثالثاً‪ -‬كيف يتداول فائض القيمة؟‬

‫بعبارة أخرى‪ ,‬كيف يتحول فائض القيمة إلى ربح وفائدة وريع؟ في عملية إنتاج واحدة‪ ,‬يتحول رأس‬

‫المال م ار ارً من رأس مال نقدي إلى أٍرس مال منتج للسلع‪ ,‬ثم إلى أٍرس مال سلعي‪ .‬ومع نمو‬ ‫الرأسمالية تتميز المراحل السابقة‪ ,‬فيصبح هناك رأس مال تجاري ورأس مال مصرفي ورأس مال‬

‫صناعي‪ ,‬بل ورأس مال عقاري‪.‬‬

‫رجال الصناعة يستولون على فائض القيمة‪ .‬والتجار يحولون السلع إلى رأس مال نقدي‪.‬‬

‫والمصرفيون يوزعون رأس المال النقدي على الجميع‪ .‬ولكل منهم نصيب في فائض القيمة‪ ,‬ويضاف‬

‫نصيب لمالك األرض‪ .‬ومعنى هذا أن فائض القيمة يوزع بين الربح الصناعي والربح التجاري والفائدة‬

‫المصرفية والريع العقاري‪.‬‬

‫فالذي يسترعي اهتمام الرأسمالي الفرد ليس رأسماله المتغير‪ ,‬ذلك الجزء المعين من رأسماله الكلي‬

‫الذي هو مسئول عن الزيادة التي يحصل عليها‪ .‬إنها مسئول عن توظيف كل من رأس المال الثابت‬

‫ورأس المال المتغير‪ .‬ولذلك فإن الذي يعنيه هو معدل الزيادة التي يضيفها إلى رأسماله الكلي‪ .‬وهذا‬

‫المعدل هو معدل الربح‪.‬‬ ‫أي فائض القيمة‬

‫رأس المال الثابت‪ +‬رأس المال المتغير‬

‫وليس فائض القيمة‬ ‫رأس المال المتغير‬

‫ولهذا فإن معدل الربح أقل دائماً من معدل فائض القيمة‪ .‬وهو يتفاوت تبعاً للنسبة التي يتحد بها‬

‫نوعاً رأس المال‪ .‬فكلما ارتفع التركيب العضوي لرأس المال (الثابت‪:‬المتغير) هبط معدل الربح‪ .‬أي أن‬ ‫التقدم التكنولوجي الذي يحل العمل المختزن محل العلم الحي يدفع إلى هبوط معدل الربح اللهم إال إذا‬

‫زاد معدل استغالل العمل الحي‪.‬‬

‫هكذا يقترب ماركس من األثمان في السوق‪ .‬إنه ينتقل من القيمة إلى ثمن اإلنتاج إلى الثمن‬

‫الجاري في السوق‪.‬‬

‫فالقيمة تقاس بمقدار العمل الالزم اجتماعياً والمتجسد في السلعة المعينة‪.‬‬

‫ثر ٍ‬ ‫أس مال ثابت ‪ +‬ت أٍرس مال متغير ‪ +‬ف ق فائض القيمة‪.‬‬

‫إن قيمة السلعة تنطوي على أٍرس مال ثابت ورأس مال متغير وفائض قيمة‪ ,‬لم يدفع منها‬

‫الرأسمالي سوى رأس المال الثابت المستثمر في اإلنتاج‪ .‬وعندئذ يبدو الربح الذي يحصل عليه كشئ‬ ‫‪026‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫خلقه رأس المال‪ .‬لكن الربح شئ وفائض القيمة شئ آخر‪ .‬ومعدل الربح غير معدل فائض القيمة‪ .‬إن‬ ‫معدل الربح دائماً أقل من معدل فائض القيمة‪ .‬إذ تباع السلع ال بقيمتها‪ ,‬ولكن بثمن يتضمن النفقة‬

‫ومعدل الربح أي ث ‪ +‬ت ‪ +‬ربح‪ .‬وهذا ما يمكن تسميته "ثمن اإلنتاج"‪ .‬وبالفعل فإن السلع في ظل‬

‫الرأسمالية تباع طبقاً ألثمان إنتاجها‪ ,‬وهي أثمان تكون أكبر أو أصغر من القيمة نفسها طبقاً للتركيب‬ ‫العضوي لرأس المال‪ .‬أما ثمن السوق فيمثل التقلبات القصيرة األمد ثمن اإلنتاج‪ .‬وهي تقلبات تحدث‬ ‫نتيجة للعرض والطلب في فرع اإلنتاج المعين‪.‬‬

‫ومن ثم يلعب قانون العرض والطلب دوره في تحديد معدل الربح نفسه‪ .‬غير أن المنافسة بين فروع‬

‫اإلنتاج ال تلبث أن تؤدي إلى توحيد معدل الربح في االقتصاد القومي‪.‬‬

‫لقد اكتشف ماركس أن آليات المنافسة الرأسمالية تنظم توزيع األرباح فيما بين الرأسماليين طبقاً‬

‫لنصيب كل رأسمالي في مجموع رأس المال‪.‬‬

‫ويتجه معدل الربح في المدى الطويل للهبوط‪ .‬ويعتبر ماركس هذا اتجاهاً ال قانوناً‪ ,‬ألن هناك‬

‫تأثيرات مضادة توقف نفاذ مفعوله بل تعطله أحياناً‪ .‬فالمنافسة بين رؤوس األموال وحرية انتقالها بين‬ ‫فروع اإلنتاج تؤدي كما قلنا إلى نقص معدل الربح‪ .‬كما تتضمن زيادة إنتاجية العمل استخداماً أكبر‬

‫لآلالت ووف ارً في العمل‪ .‬ومن ثم تنطوي على نمو أسرع لرأس المال الثابت‪ ,‬وارتفاع في التركيب‬ ‫العضوي لرأس المال‪ .‬ولهذا يتجه معدل الربح إلى الهبوط‪ .‬لكن يجب أن يطمئن الرأسماليون‪.‬فإن‬

‫الحجم الكلي لألرباح يطرد في الزيادة كما أن الرأسماليين يلجأون لكل الوسائل لمنع الهبوط وبخاصة‬

‫بزيادة درجة استغالل العمال‪ .‬وهذا يوضح مرة أخرى كيف أن القوانين االقتصادية تصطدم في الواقع‬

‫بقوانين اقتصادية أخرى‪.‬‬

‫ويقوم رجال الصناعة بتقديم السلع المنتجة إلى التجار ليتولوا عملية تداولها ولذلك يتخلون لهم‬

‫عما يسمي الربح التجاري‪ ,‬وذلك يبيع السلع لهم بثمن أقل من ثمن اإلنتاج على أن يقوم التجار‬

‫بالبيع بثمن اإلنتاج مثالً‪ .‬ويتم نفس الشئ مع البنوك إذ يتخلى رجال الصناعة أو التجار عن الفائدة‬

‫لها‪.‬‬

‫أما الريع العقاري فيحصل عليه مالك األرض من رأسمالي يزرع هذه األرض بعمال باألجر‪ .‬هنا يذهب‬

‫فائض القيمة العادي إلى المستأجر‪ ,‬فيقسمه إلى ربحه المساوي لمتوسط معدل الربح‪ ,‬والى فائض‬

‫عن متوسط الربح يعطيه لمالك األرض‪.‬‬

‫لماذا يعطيه هذا الربع؟ ألنه مالك األرض‪ ,‬ومن ثم يستعيد المالك ثمن األرض من هذا الربع‪ .‬وفي‬

‫الوقت نفسه فإن هذا الثمن هو عبارة عن الريع مجمداً‪ .‬ومع تطور الرأسمالية يرتفع ثمن األرض مع‬ ‫زيادة االئتمان وانخفاض سعر الفائدة‪.‬‬

‫ولقد أولى ماركس في "رأس المال" أهمية خاصة لتطور الرأسمالية في الزراعة‪ ,‬حيث يتحول الريع‬

‫العقاري من ريع إقطاعي إلى ريع رأسمالي‪ ,‬ومن ريع عيني إلى ريع نقدي _ من خالل تأجير األرض‬ ‫‪027‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التي تصبح سلعة لرأسمالي يستغلونها عن طريق شراء قوة عمل الفالحين باألجر إلنتاج محاصيل‬

‫تنزل إلى السوق‪.‬وذلك جوهر التطور الرأسمالي في الريف‪ .‬فإن تصفية الملكية اإلقطاعية لألرض‬

‫واقرار الملكية الرأسمالية فيها من أولى الظواهر التي تأتي بها الرأسمالية‪ .‬ويتخذ هذا التطور أشكاالً‬ ‫متفاوتة مثل نزع ملكية أراضي الفالحين وطردهم من الريف‪ ,‬ومثل تحويل األراضي إلى مراع لتربية‬

‫الماشية ذات الصوف الصالح للنسيج‪ .‬فعندما يحل محل الفالح في الزراعة رب عمل يزرع األرض‬

‫باالعتماد على العمل األجير‪ ,‬تتكون طبقة من عمال الزراعة ال يملكون أرضاً وانما يعملون باألجر‪.‬‬

‫وفي الوقت نفسه يكون الفالحون األغنياء قد أخذوا في استغالل بعض األجراء لحسابهم الخاص‪ .‬من‬

‫هنا تتوافر لهم إمكانية جمع الثروة شيئاً فشيئاً وتحويل أنفسهم إلى رأسماليين‪ .‬وتنشأ وسط مالك‬

‫األرض الذين يريدون مواصلة اإلنتاج الزراعي بيئة تنبت أيضاً مستأجري األرض الرأسماليين‪ .‬وبالمثل‬

‫فعندما يتم نزع ملكية بعض الفالحين ويتم طردهم من الريف بالمرة‪ ,‬فإن هذا العمل (يحرر) عماالً‬

‫ووسائل للمعيشة والعمل لهم من أجل ولمصلحة رأس المال الصناعي‪ .‬إنه يحشد جيشاً للعمل في‬

‫خدمة الرأسماليين‪.‬‬

‫ومع ذلك تبقى إلى جانب الزراعة الرأسمالية ملكية الفالح الصغير التي يزرعها بنفسه وتشكل‬

‫أٍساس اإلنتاج الصغير‪ .‬وهذا اإلنتاج الصغير ال ينسجم مع الرأسمالية‪ ,‬ويخضع بدوره لالستغالل‬

‫الرأسمالي‪ ,‬حيث ال يتميز استغالل الرأسمالية للفالحين عن استغاللهم للعمال إال من حيث الشكل‪.‬‬ ‫فاالستغالل الريفي يتخذ شكل الربا والرهن والضرائب وحتى األسعار‪ .‬فالسعر المنخفض لمحاصيل‬

‫الفالحين ناجم عن فقر المنتجين ال عن ارتفاع إنتاجية عملهم‪.‬وال شك أن استغالل العمال الزراعيين‬

‫من خالل العمل باألجر هو الشكل السائد لالستغالل الرأسمالي في الريف‪ .‬غير أن تبعثر العمال‬ ‫الزراعيين على مساحات كبيرة يحطم قوة مقاومتهم _ في حين أن التجمع يزيد من قوة مقاومة عمال‬

‫المدن‪.‬‬

‫وفي النهاية يالحظ ماركس أن كل تقدم للزراعة الرأسمالية هو تقدم ال في فن تهب العامل فحسب‪,‬‬

‫بل في فن تهب األرض أيضاً‪ ,‬فاإلنتاج الرأسمالي " ال يطور فنون اإلنتاج إال باستنزافه في الوقت‬

‫نفسه لينبوعي كل ثروة وهما األرض والعامل"‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬كيف يتجدد اإلنتاج االجتماعي سنوياً؟‬

‫من المنتج الرأسمالي الفرد يصل ماركس في النهاية إلى المجتمع الرأسمالي ككل‪ ,‬ليدرس اإلنتاج‬

‫االجتماعي‪ ,‬هذا اإلنتاج الذي يتم بفضل رأس المال االجتماعي والعمل االجتماعي‪ .‬ورأس المال‬ ‫االجتماعي هو مجموعة رؤوس األموال المتفرقة بين المشروعات الخاصة‪ ,‬ولكنها تمثل عالقات‬

‫متداخلة ومترابطة فيما بينها‪ .‬وفي كل سنة يمثل مجموع المنتجات ما يسمى الناتج االجتماعي‬

‫اإلجمالي‪ .‬هذا الناتج قيمة اجتماعية منتجة‪ .‬وبالتالي ينقسم ثالثة أقسام‪ :‬قسماً لتجديد رأس المال‬ ‫‪028‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الثابت‪ ,‬وقسماً لتجديد رأس المال المتغير‪ ,‬وقسماً يمثل فائض القيمة االجتماعي‪ .‬ومن ثم فإن كل قسم‬

‫من الناتج االجتماعي يلعب دو ارً خاصاً‪ .‬فالثابت يعود لإلنتاج‪ ,‬والمتغير يتحول ألجور‪ ,‬وفائض القيمة‬ ‫يتولى مهمة إعادة اإلنتاج الموسع‪ .‬هكذا يتكرر اإلنتاج بصفة دورية‪.‬‬

‫إن التكرار الدائم لإلنتاج هو القاعدة والشرط العام لالستهالك الدائم‪ .‬وبالتالي للوجود الثقافي‬

‫للمجتمع بجميع أشكاله التاريخية‪.‬‬

‫في كل مجتمع ال بد أن يتجدد اإلنتاج كشرط لوجود المجتمع نفسه‪,‬ال بد أن يتم إنتاج خيرات جديدة‬

‫يعيش بها المجتمع سنة بعد أخرى‪ .‬فإذا كانت كمية ما يتم إنتاجيه في كل عام ثابتة ال تتغير‪ ,‬أي يتم‬

‫إنتاج يساوي ما تم استهالكه‪ ,‬فإن المجتمع يستهلك كل ناتجه ويعيد أنتاج كل استهالكه‪.‬وهو لذلك‬

‫مجتمع راكد‪ ,‬متجمد‪ .‬وهذا هو حال المجتمعات قبل الرأسمالية وحين كان تطور القوى المنتجة بطيئا‪.‬‬ ‫هنا تتم إعادة إنتاج بسيطة‪.‬‬

‫أما في ظل الرأسمالية‪ ,‬وبفضل التطور السريع للقوى المنتجة‪ ,‬فقد أصبحت إعادة اإلنتاج تتسم‬

‫بأنها تتسع في كل عام عن سابقه‪ .‬فقد أصبح المجتمع ال يستهلك كل ناتجه‪ .‬بل يبقى جزء يخصص‬ ‫إلنتاج وسائل إنتاج إضافية تزيد الناتج في العام التالي بمعدل أكبر‪ ,‬وهكذا يجري النمو‪ .‬وهذه هي‬

‫إعادة اإلنتاج الموسع‪.‬‬

‫والناتج االجتماعي في صورته المادية كمنتجات ينقسم إلى وسائل إنتاج ومواد استهالك‪ ,‬أي أن‬

‫اإلنتاج االجتماعي ينقسم إلى قطاعين هما قطاع أول إلنتاج وسائل اإلنتاج وقطاع ثان إلنتاج مواد‬

‫االستهالك‪ .‬واذا خصمنا من الناتج االجتماعي استبداالت رأس المال الثابت‪ ,‬فإن الباقي من الناتج‬ ‫االجتماعي هو القيمة الجديدة التي تكونت خالل السنة‪ ,‬وتسمى الدخل القومي‪ .‬وهو الذي يوزع بين‬

‫قطاع المنتجين وقطاع غير المنتجين‪ ,‬ويستخدم إلشباع حاجاتهم جميعاً‪ ,‬مباشرة أو غير مباشرة‪.‬‬ ‫إذن فكيف يتجدد اإلنتاج؟ لكي يتجدد هذا اإلنتاج يجب أن يكون اإلنتاج الذي تم قد دار دورته‬

‫الحقيقية‪ ,‬لينتهي إلى نتيجته المقصودة ثم ليعيد اإلنتاج‪ .‬وهذا ما يسميه ماركس "تحقيق أو تصريف‬

‫المنتجات"‪ .‬إن كل ناتج يجب أن يبادل ليؤدي وظيفته في إعادة اإلنتاج‪ .‬لكن ما الضمان ألن يتحقق‬

‫الناتج القومي بأكمله؟ هناك ظروف تساعد على هذا التحقيق‪ .‬لكنها ال تلبث أن يعوقها عن سيرها ما‬

‫يؤدي إلى األزمات‪.‬‬

‫فال بد أن توجد كل سنة وسائل إنتاج جديدة‪ ,‬متزايدة سنة بعد أخرى‪ ,‬بحيث يكون الجزء من إنتاج‬

‫القطاع األول الذي يمثل القيمة الجديدة أكبر من رأس المال الثابت في القطاع الثاني‪.‬‬

‫وهذا أمر طبيعي ألن هناك عالقة ضرورية بين القطاعين‪ .‬ففي مجتمع بسيط‪ ,‬ال يستبقي مما أنتج‬

‫شيئاً يزيد عما بدأ به اإلنتاج‪ .‬فمن الضروري أن يكون على األقل حجم رأس المال المتغير وفائض‬ ‫القيمة في القطاع األول معاً مساوياً على األقل لحجم رأس المال الثابت في القطاع الثاني‪ ,‬وذلك ألن‬

‫عمال ورأسمالي القطاع األول يتلقون سلعاً استهالكية ورأسمالي القطاع الثاني يتلقون رأس مال ثابتاً‬ ‫‪029‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لإلنتاج الجديد‪ .‬ومن ثم فإن‪ ,‬القطاع األول يقدم وسائل اإلنتاج للقطاعين في حين يقدم القطاع الثاني‬ ‫سلع االستهالك لعمال ورأسمالي القطاعين‪.‬‬

‫وعندئذ تكون إعادة اإلنتاج بسيطة‪ .‬أما في إعادة اإلنتاج الموسعة فإن حجم رأس المال المتغير‬

‫وفائض القيمة في القطاع األول يجب أن يكونا أكبر من قيمة رأس المال الثابت في القطاع الثاني‪.‬‬

‫لماذا؟ أل ن الفرق بينهما هو الذي يشكل الفائض الذي يتجه للتراكم‪.‬‬

‫إن قانون إعادة اإلنتاج هو أن وسائل اإلنتاج تنمو بسرعة أكبر من إنتاج مواد االستهالك‪ .‬إن‬

‫القطاع األول ليس أكثر أهمية من الناحية االجتماعية فقط‪ ,‬لكنه كذلك من الناحية االقتصادية‪ .‬ويرجع‬

‫السبب في ذلك إلى أنه ينمو بسرعة أكبر‪.‬‬

‫ومن ثم فإن تخصيص نسبة أكبر لرأس المال الثابت هو الذي يدفع نحو زيادة مطردة في القوى‬

‫المنتجة‪.‬‬

‫لكن ذلك يفترض أن يتم تصريف اإلنتاج االجتماعي بدقة ال تخطئ‪ .‬يفترض عالقة محكمة بين‬

‫قطاعي إنتاج وسائل اإلنتاج وانتاج مواد االستهالك‪ .‬يفترض أن قيمة االستهالك المنتجة مساوية‬

‫للدخول الموزعة في المجتمع – والمعروف أن العمال يشترون بأجورهم بينما يشتري الرأسماليون بجزء‬ ‫من فائض القيمة الذي يحققونه‪.‬‬

‫لكن حركة اإلنتاج الرأسمالي تتم في سوق مفتوحة يحكمها قانون التراكم الرأسمالي وحده‪ ,‬وهو‬

‫قانون يطبقه كل رأسمالي على حدة طبقاً لما يقدر هو أنه مصلحته القصوى‪.‬‬

‫وتراكم رأس المال يعني في الوقت نفسه ازدياد البروليتاريا‪ .‬والتحول إلى البروليتاريا تطور يصيب‬

‫صغار المنتجين المستقلين ويعبر أيضاً عن خراب البورجوازية الصغيرة بسبب المنافسة _ خراب صغار‬

‫المالك أصحاب رأس المال الذين يستغلون العمال لكنهم إذ يعملون معهم جنباً إلى جنب يكونون عماالً‬ ‫أيضاً‪ .‬كما يصيب التطور الرأسماليين أنفسهم‪ ,‬الصغار والمتوسطين منهم‪ ,‬مع تمركز أٍرس المال الذي‬ ‫بدأ مع التراكم البدائي واستمر بال انقطاع بالتراكم والتركز وأخي ارً بالتمركز في أيد قليلة‪.‬‬

‫وهكذا يفتح قانون التراكم الرأسمالي الباب إلى األزمات‪ .‬وهي أزمات كامنة من قبل في التداول‬

‫النقدي للسلع‪ .‬فإذا كان كل بيع للسلعة هو شراء من آخر‪ ,‬فالبائع ليس ملزماً بأن يشتري بعد أن باع‪.‬‬ ‫وتلك الحقيقة تتحكم في دورة اإلنتاج الرأسمالي بحيث تؤكد حتمية األزمات‪ .‬إن دورة اإلنتاج ال تتم‬

‫بيسر‪ .‬كما أن المنتجات ال تصرف دائماً‪ .‬بل هناك تناقض ال يحل بين اإلنتاج واالستهالك‪.‬‬ ‫ولقد قام باحث أمريكي اسمه آيرز بدراسة حالة األعمال في االقتصاد الرأسمالي منذ سنة ‪ 0761‬حتى‬

‫الحرب العالمية األخيرة‪ ,‬فسجل نحو ‪ 21‬مرحلة ركدت فيها األعمال‪ ,‬ولقد أعلن أنه ال توجد خالل هذه‬

‫المدة الطويلة سنة واحدة يمكن أن تسمي سنة عادية‪ ,‬وانما كانت كلها سنوات تقلب يتعاقب فيها‬

‫االرتفاع واالنخفاض‪.‬‬

‫‪031‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والواقع أن قيام النظام الرأسمالي على اإلنتاج المعد للمبادلة في األسواق‪ ,‬يجعل اإلنتاج معداً مقدماً‬

‫لمشتر غير معروف مقدماً‪ .‬وبينما يكون اإلنتاج بحيث ال يهتدي إال بالربح‪ ,‬تلعب األسعار دورها‬ ‫كمنظم للسوق‪ .‬لكنه منظم ال يكفي‪ ,‬لذلك يقول ماركس في "تاريخ النظريات"‪ " :‬اإلنتاج بغض النظر‬

‫عن حدود السوق موجود في طبيعة اإلنتاج ال أٍرسمالي"‪.‬‬

‫إن القوى الفعالة في النظام الرأسمالي تخلق في الوقت نفسه الظروف المؤاتية لألزمة‪:‬‬

‫أ‪ -‬فهناك التناقض بين الطابع االجتماعي لإلنتاج وبين الملكية الخاصة الفردية لوسائل اإلنتاج‪.‬‬ ‫فاإلنتاج الرأسمالي قد غدا اجتماعياً بينما ظلت ثمار هذا اإلنتاج االجتماعي يتملكها مالك‬

‫فرديون ملكية خاصة بعيداً عن المجتمع‪.‬‬

‫ب‪ -‬وهناك التناقض بين القيمة وفائض القيمة‪ .‬فالقيمة ينتجها العمال بينما يحصل الرأسماليون‬

‫على فائض القيمة‪ .‬ومن ثم تكون األجور أقل من قيمة ما أنتجه العمال بمقدار فائض‬

‫القيمة‪ ,‬في حين يتحول فائض القيمة إلى رأس مال جديد‪ .‬ولهذا يقول ماركس في المجلد‬

‫الثالث‪ ":‬إن الحدود المطلقة لإلنتاج الرأسمالي هي رأس المال نفسه"‪.‬‬

‫ج‪ -‬وهناك أخي ار التناقض بين القوى اإلنتاجية وعالقات اإلنتاج ‪.‬فالقوى اإلنتاجية تسير في‬ ‫طريق النمو المستمر‪ ,‬أما عالقات اإلنتاج فتقيدها الملكية الخاصة الفردية وطريقة توزيع‬

‫‪.‬‬

‫الدخول‬

‫ويجري كل هذا بينما الرأسماليون مشغولون فيما بينهم بالسعي وراء الربح ‪ ,‬وتنشب بينهم‬ ‫منافسة حادة يحاول فيها كل منهم أن يستحق منافسيه‪ .‬ويتأكد بذلك ما يسميه ماركس‬

‫"فوضى اإلنتاج هي قانون الرأسمالية" ‪.‬‬

‫في هذا اإلطار الذي يحكم اإلنتاج واعادة اإلنتاج تتدخل عوامل اإلخالء بالتوازن المنشود ‪ .‬فهناك‬

‫مثالً‪:‬‬

‫أ‪ -‬فشل الرأسماليين الذين جمعوا فائض القيمة في إنفاقه بمعدل متوازن على تكوين رأس مال‬ ‫ثابت جديد‪.‬‬

‫ب‪ -‬نمو فرع من فروع اإلنتاج نمواً غير متوازن ‪ ,‬فقد ال يجد سوقاً لمنتجاته مما يمكن أن ينشر‬ ‫االنكماش إلى فروع أخرى‪.‬‬

‫ج‪ -‬تفاوت معدل االستهالك ومعدل التراكم لدى الرأسماليين والعمال‪ .‬وهنا شبهة تسليم ماركس بما‬ ‫يسمى بنظرية قصور االستهالك واإلفراط في إنتاج وسائل اإلنتاج كنظرية لتفسير األزمات‪ .‬وهي‬ ‫شبهة غير صحيحة‪,‬ألن المطلوب فقط هو المحافظة على عالقة سليمة بين االستهالك‬

‫والتراكم‪.‬‬

‫‪030‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫د‪ -‬اتجاه سعر الفائدة لالنخفاض‪ ,‬بتغير فنون اإلنتاج‪ ,‬وارتفاع نسبة رأس المال الثابت‪ ,‬مما يوقف‬ ‫تدفق االستثمار المقبل ويستبق األزمة‪.‬‬

‫وفجأة تنفجر األزمة‪ .‬ويعود المجتمع إلى حالة من البربرية‪ ,‬كما لو أن مجاعة أو حرب إبادة قد‬

‫قطعت عليه أسباب وجوده‪ .‬فالتجارة والصناعة تبدوان وقد تالشتا ‪ ,‬لماذا ؟ ألن بالمجتمع مزيداً من‬

‫الحضارة‪ ,‬ومزيداً من وسائل المعيشة‪ ,‬ومزيداً من الصناعة ‪ ,‬ومزيداً من التجارة! لذلك يقول ماركس‪:‬‬ ‫"إن السبب األخير لجميع األزمات يظل دائماً فقر الجماهير واستهالك المحدود المتعارضين مع اتجاه‬ ‫اإلنتاج الرأسمالي لتنمية قوى اإلنتاج كما لو كانت هذه القوى ال تعرف حدوداً أخرى سوى القدرة‬

‫المطلقة للمجتمع على االستهالك"‪.‬‬

‫بيد أن تناقضات االقتصاد الرأسمالي التي تدفع إلى األزمة ال تلبث أن تجد حالً لنفسها في األزمة‬

‫ذاتها ‪ .‬فاألزمة هي‪ -‬مع ذلك– حل مؤقت لتناقضات الرأسمالية‪ .‬فليست األزمة فقط تعبي ارً عن اختالل‬ ‫توازن االقتصاد الرأسمالي‪ ,‬وانما هي أيضاً ذلك السبيل الذي به يؤكد التوازن المختل وجوده‪ .‬فاألزمة‬

‫اختالل انتقالي‪ ,‬اعتبرها ماركس تلعب دو ارً ايجابياً في تشكيل االتجاه الطويل المدى للنظام الرأسمالي‪.‬‬ ‫إن األزمة ال تلبث أن تعيد التوازن المختل‪ .‬فإنها تحدث تدمي ارً في رأس المال وتدهو ارً في أثمان‬

‫السلع‪ ,‬كما تحدث تدمي ارً في قوة العمل وتدهو ارً في األجور‪ .‬إنها دليل على وجود فائض من رأس‬ ‫المال والعمل يلفظه السوق ويتخلص منه‪ .‬إن لألزمة أثرها المباشر في تدعيم جيش العمل االحتياطي‬

‫وتدهور قيمة قوة العمل‪ .‬ومن ثم يزيد فائض القيمة النسبي‪ .‬ومع هذه الزيادة تبدأ عوامل االنتعاش‬ ‫من جديد‪ ,‬نتيجة ارتفاع إنتاجية العمل ورخص اآلالت والمواد الخام‪ ,‬مما ينتقص من قيمة رأس المال‬

‫الثابت‪.‬‬

‫إن االقتصاد الرأسمالي تنظيم اجتماعي ما زالت عملية اإلنتاج فيه تسطير على البشر‪ ,‬وهذا الواقع‬

‫الذي يعتبره االقتصاديون البورجوازيون ضرورة طبيعية‪ ,‬فيحملون الطبيعة مغبة تناقضات الرأسمالية‪,‬‬ ‫يعتبره ماركس ضرورة تاريخية لمرحلة عابرة في حياة البشر ‪.‬‬

‫الفصل الرابع‬ ‫منهج "رأس المال"‬ ‫المادية الجدلية‬

‫يوضح "رأس المال" أسلوب عمل الرأسمالية‪ .‬وفي الوقت نفسه يكشف عن الطبقة العاملة التي‬

‫يلدها المجتمع الرأسمالي والتي ألقى عليها مهمة تغيير الرأسمالية‪.‬‬

‫‪032‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وعندما حدد ماركس مهمة "رأس المال" بأنها الدارسة النقدية لنظام اإلنتاج ال أٍرسمالي والبحث عن‬

‫قانون الحركة في المجتمع الرأسمالي‪ ,‬فإنه كان يفترض منهجياً حتمية زوال نظام اإلنتاج الرأسمالي‬

‫وحتمية قيام نظام إنتاج آخر‪ .‬وكانت تلك خطوة ثورية في منهج البحث في علم االقتصاد‪.‬‬ ‫كيف يكونه المنهج‬

‫وبالفعل كان " ٍرأس المال تجسيداً حياً لمنهج ماركس الذي عرف باسم المادية الجدلية‪ .‬ويدلنا‬

‫ماركس في مقدمة كتابه "مساهمة في نقد االقتصاد السياسي" الذي كان مقدمة إلصدار "رأس المال"‬

‫على المسار الذي سلكه في االهتداء إلى هذا المنهج‪ .‬فلقد بدأ من الفلسفة لينتهي إلى االقتصاد‪.‬‬

‫يقول ماركس‪ ":‬لقد كنت أتابع دراسة القانون‪ .‬ومع ذلك فلقد تابعت هذا الفرع كموضوع ثانوي‬

‫للفلسفة والتاريخ‪ .‬وفي عام ‪ 0122 – 23‬مارست ألول مرة‪ ,‬بوصفي رئيس تحرير الصحيفة الراينية‪,‬‬ ‫ذلك اإلحساس باالضطراب الضطراري إلى المشاركة في المناقشات حول ما يسمى (المصالح المادية)‪.‬‬ ‫وكانت أعمال مجلس مقاطعة الراين عن سرقات الغابات وتفتت ملكية األرض والحوار الرسمي الذي‬

‫شنه هرفون شابر الرئيس األعلى لمقاطعة الراين على الصحيفة الراينية حول أحوال فالحي الموزل‬

‫وأخي ارً الندوات عن حرية التجارة والتعريفة الحمائية هي التي أتاحت لي المناسبات األولى الشتغالي‬ ‫بالمسائل االقتصادية‪ .‬ومن ناحية أخرى ففي ذلك الوقت‪ ,‬عندما كانت النوايا الطيبة (لمواصلة‬

‫االستزادة) تفوق بكثير المعرفة بالموضوع‪ ,‬فإن صدى فلسفياً هزيالً لالشتراكية والشيوعية الفرنسية‬ ‫غداً مسموعاً على صفحات الصحيفة الراينية‪ .‬لقد وقفت ضد نزعة الهواة‪ .‬لكني اعترفت صراحة في‬ ‫الوقت نفسه في جدالي مع صحيفة أوجز بورج بأن دراساتي السابقة ال تسمح لي حتى بإبداء أي حكم‬

‫على مضمون االتجاهات الفرنسية‪ .‬وبدالً من ذلك‪ ,‬فلقد انتهزت بحماس ذلك الوهم الذي كان لدى‬ ‫مديري الصحيفة الراينية‪ ,‬أولئك الذين ظنوا أنهم بالتزام الصحيفة موقفاً أضعف يستطيعون أن يضمنوا‬ ‫تأجيل حكم اإلعدام الذي صدر عليها ولكي انسحب من خشبة الجمهور إلى الدراسة‪ .‬وكان أول عمل‬

‫قمت به من أجل أن أجد حالً للشكوك التي انتابتني هو أن أقدم عرضاً نقدياً للفلسفة الهيجلية عن‬

‫القانون‪ .‬وهو عمل ظهرت مقدمته في سنة ‪ 0122‬في الحوليات الفرنسية األلمانية التي نشرت في‬ ‫باريس‪ .‬لقد قادني البحث إلى التفكير بأن العالقات القانونية‪ ,‬مثلها مثل أشكال الدولة‪ ,‬ينبغي أن‬

‫تتناول ابتداء ال منها هي نفسها وال مما يسمى التطور العام للعقل البشري‪ ,‬فإنما توجد بذورها في‬

‫الظروف المادية للمعيشة‪ ,‬وهي الظروف التي تشكل مجموعها ما يسميه هيجل على عادة االنجليز‬

‫والفرنسيين في القرن الثامن عشر "المجتمع المدني"‪ .‬لقد أدى إصدار الصحيفة الراينية الجديدة في‬

‫عام ‪ 0121‬واألحداث التالية إلى قطع دراساتي في االقتصاد التي لم يتسن لي استئنافها إال في عام‬ ‫‪ 0121‬في لندن‪.‬‬

‫‪033‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن المادة الضخمة عن تاريخ االقتصاد السياسي والمتراكمة في المتحف البريطاني والموقع المؤاتي‬

‫الذي تحتله لندن لمالحظة المجتمع البورجوازي‪ ,‬وأخي ار المرحلة الجديدة من التطور التي أقبل عليها‬

‫هذا المجتمع باكتشاف الذهب في كاليفورنيا واستراليا‪ ,‬إنها جميعاً قد حسمت رأي بأن أبدأ من جديد‬ ‫من البدايات األولى وأن أعمل في المادة الجديدة بطريقة نقدية‪.‬‬

‫في سنة ‪ 0123‬وصف ماركس موقفه الفكري بأنه "النقد الذي ال يرحم لكل شئ‪ ,‬النقد الذي ال‬

‫يخجل من نتائجه"‪ .‬لم يكن قد أصبح ماركسياً بعد‪ .‬لكنه لم يكن ليصطنع العلم ليخدم وجهة نظر‬

‫مسبقة‪ .‬كان يبحث عن العلم بعد أن أهدره االقتصاد المبتذل‪ .‬ولهذا فإنه عندما تصدى لنقد ما ليس‬ ‫فيما بعد‪ ,‬استطاع أن يقول هذه الكلمة‪ ":‬إن الرجل الذي يسعى ليجعل العلم يتفق مع وجهة نظر نابعة‬ ‫ال من العلم نفسه‪ ,‬أي يتفق مع وجهة نظر أملتها مصالح دخيلة‪ ,‬خارجة عن العلم‪,‬مثل هذا الرجل‬

‫اعتبره جدي ارً باالحتقار"‪.‬‬

‫في هذه األثناء توصل إلى الشيوعية الفلسفة‪ ,‬وسرعان ما تحول إلى الشيوعية العلمية عندما‬

‫اكتشف البروليتاريا‪ .‬ومنذ ذلك الحين تكامل منهجه في البحث‪ ,‬قائالً في بحثه (نقد فلسفة الدولة عند‬ ‫هيجل)‪:‬‬

‫"مثلما تجد الفلسفة في البروليتاريا أسلحتها المادية‪ ,‬فإن البروليتاريا تجد في الفلسفة أسلحتها‬

‫الفكرية‪ ..‬إن الفلسفة ال يمكن أن تتحقق بدون إلغاء البروليتاريا‪ ,‬كما أن البروليتاريا اليمكن أن تلغي‬ ‫بغير تحقيق الفلسفة"‪ .‬بهذه الفلسفة وحدها اكتشف ماركس علم االقتصاد الجديد‪.‬‬

‫وفلسفة ماركس هي المادية الجدلية وتطبيقها على المجتمع في صورة المادية التاريخية‪ .‬هذه‬

‫الفلسفة هي إضافة تاريخية لتراث البشرية الفلسفي‪ .‬يتحدث سارتر في كتابه "نقد العقل الجدلي" عن‬ ‫ندرة حقب الخلق الفلسفي‪ .‬ففيما بين القرن السابع عشر والقرن العشرين لم ير العالم إال ثالث حقب‬

‫هي حقبة ديكارت ولوك وحقبة كانط وهيجل ثم حقبة ماركس‪ .‬كانت الديكارتية مرآة للبورجوازية‬

‫والتجار وأصحاب البنوك‪,‬وكانت الكانطية مرآة لبورجوازية الصناع والمهندسين والعلماء‪ ,‬أما المادية‬

‫التاريخية فليست مجرد مرآة لطبقة التي إذا انتصرت ستظل محتفظة بالسالح الذي جعلها تنتصر‪.‬‬ ‫ومن ثم فإنها كفلسفة تظل غير معرضة للتجاوز أو التفوق عليها‪.‬‬

‫اليد الخفية عند التقليديين‬

‫وعندما بني سميث وريكاردو علم االقتصاد التقليدي كانا شأن جميع العلماء يبحثان عن الضرورة‪,‬‬

‫عن الحقيقة الموضوعية‪ .‬ذكر سيسموندي عن آدم سميث أنه " كان يضني نفسه في اختيار كل واقعة‬ ‫في حدود البيئة االجتماعية التي تنتمي لها" وقال عن مالتس " إنه يدرس الوقائع بدقة‬

‫كبرى"‪ .‬أما جان باتيست سيه فقد لخص فهمه لعلم االقتصاد بقوله" إن دور االقتصادي كدور العالم‪,‬‬

‫ليس هو النصح وانما المالحظة والتحليل الوصفي وأن يبقى شاهداً غير متحيز"‪.‬‬ ‫‪034‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بمثل هذا المنهج اكتشفوا قوانين االقتصاد الرأسمالي‪ .‬كانوا يرون أن النظام الرأسمالي وان بدأ في‬

‫الظاهر غير محكوم بنظام فإنها محكوم في الواقع بقوانين ثابتة‪ ,‬هي تلك اليد الخفية التي تحكم‬

‫السوق‪ .‬وهي قوى عديدة كل قوة منها أعجز من أن تشكل السوق وال الثمن بمفردها‪.‬‬

‫هكذا أدرك االقتصاديون التقليديون أن االقتصاد علم له قوانينه الموضوعية‪ ,‬على الرغم من أن‬

‫جوهر المجتمع الرأسمالي يتمثل بالدقة في عدم وجود توجيه اجتماعي واع لإلنتاج‪ .‬إن اليد الخفية‬

‫التي تحرك اإلنتاج هي القوى العمياء الموضوعية المستقلة عن إرادة البشر‪ .‬إنها القوانين العلمية‬ ‫تكشف عن عالقات موضوعية بين الظواهر‪ ,‬عالقات ضرورية تنبثق من طبيعة األشياء‪ ,‬من سياق‬

‫عمليات التطور‪ ,‬وهي لذلك عالقات موضوعية مستقلة عن إرادة البشر الذين يعيشونها أو يكتشفونها‪,‬‬ ‫وليس على البشر بعد اكتشافها سوى أن يسلموا بها‪ ,‬محاولين االستفادة منها من أجل مزيد من‬

‫السيطرة على الظروف الخارجة قبالً عن إرادتهم‪.‬‬ ‫المادية المتسقة‬

‫ولم يكن التقليديون ليتوصلوا إلى تلك القوانين لوال المنهج المادي الذي قادهم إليها‪ .‬فقد كان‬

‫ظهور المدرسة المادية وثيق الصلة باحتياجات البورجوازية الثورية‪ .‬وكانت المادية الفرنسية أداة‬

‫لتحرير البورجوازية الفرنسية نفسها‪ .‬غير أن هذه المادية لم تعد عند البورجوازية فيما بعد مجرد‬

‫منهج لتحرير نفسها اجتماعياً‪ .‬لقد كان استمرار التسليم بها يعني التسليم للبروليتاريا‪ .‬فالمادة‬

‫المتسقة مع نفسها إنما كانت تعني بالضرورة أن تقبل البورجوازية فكرة الثورة المستمرة‪ .‬وهو أمر غير‬ ‫معقول‪ .‬لذلك انتقلت البورجوازية سريعاً إلى مواقع معادية للعقل‪ .‬وانقضى سريعاً عصر التنوير‪ ,‬ذلك‬

‫العصر الذي كان يحمل كل شئ على أن يقف أما محكمة العقل ليبرر وجوده أو يكف عن الوجود‪.‬‬

‫وعلى العكس كان على البروليتاريا أن تتبنى هي المادية وأن تسير بها قدماً نحو المادية الجدلية‪.‬‬

‫والواقع أن كل دراسة علمية جادة ال بد أن تسلك منهجاً مادياً‪ .‬فما دمنا نفكر‪ ,‬فال نستطيع أن‬

‫نخرج أبداً عن المادية‪ .‬لذلك لم يكن المنهج المادي مستغرباً على ماركس عندما كتب "رأس المال"‬ ‫فالمادية المتسقة مع نفسها كانت ال بد أن تفرض نفسها على البروليتاريا‪ .‬ويقول لينين إن ماركس‬

‫أصبح مادياً فيما بين عام ‪ 012210122‬وهي الفترة التي تكونت فيها أفكاره‪.‬‬

‫وال شك أن مادية ماركس قد تأكدت في مواجهة كل من مثالية هيجل ومادية القرن الثامن عشر‬

‫وخاصة في فرنسا‪ .‬من هنا يذكر ماركس حقيقة عالقته بهيجل‪ ,‬يقول في "رأس المال" " إن عالقتي‬ ‫بهيجل جد بسيطة‪ .‬إني اعتبر نفسي تلميذاً لهيجل‪ .‬غير أنني أخذت حرية تبني موقف نقدي بإزاء‬

‫معلمي‪ .‬وذلك بتخليص جدليته من صوفيتها وبإخضاعها لتغيير جذري"‪ .‬وكتب في "رأس المال" يقول‪":‬‬ ‫يرى هيجل أن حركة الفكر‪ ,‬هذه الحركة التي يشخصها ويطلق عليها اسم الفكرة هي اآللة‬

‫(الخالق‪,‬الصانع)‪ ..‬أما أنا فإني أرى العكس‪ :‬أن حركة الفكر ليست إال انعكاساً لحركة المادة‬ ‫‪035‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫منقولة إلى دماغ اإلنسان ومتحولة فيه"‪ .‬كذلك عنى ماركس بنقد مادية القرن الثامن عشر بوصفها‬

‫مادية ميكانيكية‪ ,‬لم تضع في اعتبارها عامل التاريخ‪ ,‬فهمت جوهر اإلنسان على نحو تجريدي‪ ,‬ولم‬ ‫تكن جدلية فلم تقم إال بتفسير العالم‪ ,‬بينما كان المطلوب هو تغييره‪.‬‬ ‫الجدلية نقدية‬

‫لماذا كانت الجدلية هي بالضرورة منهج "رأس المال"؟ في الواقع لم يكن " رأس المال" ليكتب إال‬

‫بمنهج جدلي‪ .‬أليست مهمة"رأس المال" هي نقد االقتصاد السياسي البورجوازي؟ إن مثل هذه الدراسة‬

‫النقدية‪ ,‬ومن ثم الثورية‪ ,‬ال يمكن أن تصدر إال عن الطبقة الثورية‪ .‬والجدلية هي بالدقة المنهج‬

‫النقدي‪ ,‬أي المنهج الذي يدرس الظاهرة المعينة في اكتمالها‪ ,‬في حركتها‪ ,‬في تناقضها‪ ,‬في تطورها‪,‬‬ ‫في صيرورتها‪ .‬واذا صح أن االقتصاد التقليدي قد اكتشف قوانين الرأسمالية في حال السكون‪ ,‬فإن‬

‫"رأس المال" يكتشف قوانين الرأسمالية في حال حركة‪ .‬وهو يدرس الحركة االجتماعية كعملية من‬ ‫عمليات التاريخ الطبيعي‪ ,‬محكومة بقوانين موضوعية‪ ,‬تاريخية وجدلية‪ .‬أليس أسلوب اإلنتاج‬

‫الرأسمالي هو نفسه الذي يضع البروليتاريا على رأس الظروف المادية التي تلغي الرأسمالية ذاتها؟ إن‬

‫الجدلية كامنة في المجتمع مثلما هي كامنة في الطبيعة نفسها‪ .‬ولقد كشفت العلوم الطبيعية في‬ ‫منتصف القرن الماضي عن حقيقة أن العالم يتطور كله وفق قوانينه الخاصة‪ .‬إن الطبيعة تعمل على‬

‫نحو جدلي‪ .‬وهي أيضاً محك االختبار لصحة الجدلية‪.‬وهذا ما عناه إنجلز في كتابه " ضد دوهرينج"‬ ‫حين قال إن مهمته " لم تكن أن أعمل على إدخال القوانين الجدلية إلى الطبيعة ولكن أن اكتشفها‬ ‫فيها وأن استخلصها منها"‪.‬‬

‫ومن اللحظة التي وضع ماركس لنفسه فيها مهمة تغيير العالم ال مجرد تفسيره كان ال مفر من أن‬

‫يكتشف الوحدة العضوية بين المادية والجدلية‪ ,‬منحا ازً بذلك إلى النشاط الثوري للبروليتاريا‪ .‬وجدلية‬

‫ماركس هي تطوير لجدلية هيجل‪ ,‬التي ال يكف ماركس هنا وهناك وبخاصة في فصله عن القيمة عن‬

‫مداعبة أسلوبها في التعبير‪ .‬ويعلن ماركس في مقدمته "لرأس المال" أن جدليته هي نقيض جدلية‬

‫هيجل‪ ,‬بمعنى أن جدلية هيجل مثالية‪ .‬ولذلك يكتفي ماركس بأن يستخلص نواتها العقلية السليمة‪,‬‬ ‫وينمي فيها ماديته المتسقة‪ .‬والواقع أن لهيجل فضالً حاسماً في هذه الخطوة‪ .‬فإن‪ ,‬ما يميز منهج‬

‫هيجل في التفكير هو اإلحساس الدافق بالتاريخ‪ ,‬فلقد كان أو من بحث عن الترابط الداخلي في حركة‬

‫التاريخ‪ .‬كان موضوع الفلسفة عنده هو تطور المعرفة‪ ,‬هذه المعرفة التي ال يوجد أمامها شئ نهائي‪,‬‬ ‫مطلق‪,‬أو مقدس‪ .‬إنها تكشف ماضي جميع األشياء‪ .‬وال يوجد شئ بالنسبة لها سوى تطور المصير‬

‫الوقتي واالرتقاء الالنهائي – الذي هي انعكاس له في المخ‪ .‬ومن ثم استخلص هيجل منهجاً جدلياً‬ ‫لتحليل ظواهر الطبيعة والمجتمع‪,‬ورفع الجدلية إلى مستوى القانون‪ .‬وكان على ماركس أن يتخلص‬ ‫الجوهر الذي تتضمنه اكتشافات هيجل وأن يعيد بالتالي بناء المنهج الجدلي‪ .‬ويفضل هذا المنهج‬ ‫‪036‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الجدلي استطاع ماركس أن يصل إلى الكشف الحاسم الذي انطوى عليه " رأس المال" وهو‬ ‫قانون فائض القيمة‪.‬ولهذا يقول لينين‪ ":‬ال يمكن فهم ( رأس المال) لكارل ماركس وال يمكن بصفة‬

‫خاصة فهم الفصل األول من (رأس المال) بدون دراسة وفهم كل منطق هيجل"‪.‬‬

‫لقد صارت الجدلية على أيدي ماركس نظرية للتطور في أكمل مظاهرها وأشدها عمقاً‪ .‬وانتهى طبقاً‬

‫لها إلى نفي ودود الرأسمالية من واقع الرأسمالية نفسها‪ .‬وهذا مثال من "رأس المال" داللته مباشرة‪.‬‬

‫يقول ماركس " أن أسلوب التملك الرأسمالي والناتج عن أسلوب اإلنتاج الرأسمالي ينتج الملكية الفردية‬

‫الرأسمالية‪ .‬وهذه الملكية هي النفي األول للملكية الفردية الخاصة الناتجة عن عمل المالك‪ .‬لكن‬

‫اإلنتاج الرأسمالي يولد – طبقاً لقانون الطبيعة الصارم – نقيضه هو نفسه‪ .‬وهذا هو نفي النفي‪ .‬وهو‬ ‫ال يؤدي إلى إعادة إقامة الملكية الخاصة للمنتج‪ ,‬وانما يخرج الملكية الفردية المؤسسة على ما توصل‬

‫إليه النظام الرأسمالي أي على التعاون والتملك الجماعي لألرض ولوسائل اإلنتاج"‪.‬‬ ‫المادية الجدلية‬

‫والواقع أنه لوال المادية الجدلية لم يكن ماركس ليصل إلى "رأس المال"‪ .‬فماذا تعني هذه المادية‬

‫الجدلية؟‬

‫إنها تعني مجموعة القوانين العامة لحركة الطبيعة والمجتمع والفكر‪ .‬إذ يجب البحث عن علة‬

‫الحركة في الظواهر‪ .‬فالعلم ال يتألف من ظواهر تامة الصنع بل هو مجموعة من العمليات‪ .‬الكون كله‬ ‫في حالة حركة دائبة‪ .‬إن العلة الجوهرية لهذه الحركة ال توجد من خارج الظواهر بل من داخلها‪ .‬إنها‬ ‫توجد في الطبيعة المتناقضة الكامنة في األشياء ذاتها‪ .‬ففي كل شئ تناقضاته الداخلية‪ .‬ومن ثم تكون‬

‫الحركة عبارة عن صراع المتناقضات‪ .‬أما العوامل التي تتصارع من خارج الظاهرة فهي تلعب الدور‬

‫الثاني بعد التناقضات الداخلية‪.‬‬

‫ومعنى هذا بالتطبيق على المجتمع‪ ,‬إن التطور االجتماعي إنما يرجع بشكل رئيسي إلى األسباب‬

‫الداخلية في المجتمع‪ ,‬إلى التناقضات بين القوى المنتجة وعالقات اإلنتاج‪ ,‬إلى التناقضات بين‬

‫الطبقات‪ .‬من صراع هذه التناقضات‪,‬يتطور المجتمع‪ .‬قد يبدو التاريخ وكأنه يكرر نفسه‪ .‬لكنه في‬ ‫الحقيقة يكرر نفسه بصورة أخرى‪ ,‬وعلى أساس أرقى‪ .‬فالتطور االجتماعي تطور حلزوني ال تطور‬

‫مستقيم‪.‬‬

‫بهذا المنهج ذهب ماركس في " رأس المال" يقتحم الصرح االجتماعي الذي يتجاوب مع عالقات‬

‫اإلنتاج الرأسمالية‪ ,‬هذا الصرح الذي يشكل الهيكل العظمي لها وحدها‪.‬‬

‫فال شك في أن "رأس المال" دراسة لمجتمع تاريخي معين هو المجتمع الرأسمالي‪ ,‬دراسة تكشف‬

‫عن قانون حركته كما يتمثل في فائض القيمة‪ ,‬كما إنها تبدى ضرورة زوال هذا المجتمع من واقع‬

‫‪037‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تناقضاته‪ .‬ولقد عبر ماركس عن هذا المجتمع كله بدراسة السلعة – هذه الظاهرة المادية الجدلية‪:‬‬

‫سلعة فنقود فرأس مال‪.‬‬

‫فالسلعة هي ثروة المجتمع الرأسمالي‪ ,‬هي خليته االقتصادية‪ ,‬لكنها وجدت قبل الرأسمالية‪ .‬لم تكن‬

‫سائدة عندئذ بوصفها نظام اإلنتاج‪ .‬وعندما صارت هي نظام اإلنتاج أصبح المجتمع رأسمالياً‪.‬‬

‫هذه السلعة تجسد حركة الرأسمالية‪ .‬فالسلعة ناتج اجتماعي‪ ,‬له طابع مزدوج‪ ,‬متناقض‪ .‬هي شيء‬

‫نافع‪ ,‬له قيمة استعمال‪ .‬وهي شيء يتبادل وله قيمة مبادلة‪ .‬والعمل المتجسد في السلعة له طابع‬ ‫مزدوج أيضاً‪ .‬هو عمل محدد‪ ,‬كصناعة‪ ,‬كزراعة‪ .‬وهو عمل مجرد‪ ,‬كعمل بشري‪ ,‬كطاقة بشرية بذلت‬

‫لتشكيل مادة من الطبيعة‪ .‬أن العمل المحدد هو الذي يجعل السلعة نافعة‪ ,‬أي يخلق قيمة االستعمال‪.‬‬

‫أما العمل المحدد هو الذي يجعل السلعة نافعة‪ ,‬أي يخلق قيمة االستعمال‪ .‬أما العمل المجرد فهو الذي‬

‫يخلق قيمة المبادلة‪ .‬هذه السلعة في ظل اإلنتاج البسيط تنتج الستخدام الشخص الذي أنتجها وهنا ال‬

‫يرتبط إنتاجها بالمجتمع‪ ,‬أو تنتج الستخدام شخص معين طلبها منه وهنا يكون عمله متجاوباً مع‬

‫احتياجات المجتمع‪ .‬لكن السلعة عندما تنتج في ظل اإلنتاج الرأسمالي‪ ,‬فإنها تنتج أصالً الستخدام‬

‫اآلخرين‪ ,‬للسوق‪ ,‬للمجتمع‪ .‬هنا يرتبط المنتج كله من خالل السلعة‪ .‬إن حياته تتوقف على نجاحه في‬ ‫إنتاج سلعة مطلوبة اجتماعياً ومقبولة اجتماعياً ‪ -‬من خالل السوق‪ .‬ومن ثم يجب أن يكون عمله‬

‫جزءاً من العمل على مستوى المجتمع كله‪ .‬يجب أن يكون العمل الخاص جزءاً من العمل االجتماعي‪.‬‬ ‫فالمجتمع هو الذي يمنح السلعة قيمتها في المبادلة‪ .‬ومن خالل المبادلة تتحول السلعة إلى نقود‪ ,‬هي‬

‫نقود أكبر مما استهلكت‪ ,‬ومن ثم تتحول النقود إلى رأس مال‪ .‬وفي النهاية فإن السلعة هي تجسيد‬

‫لكل تناقضات الرأسمالية‪ ,‬فالتناقض الرئيسي للرأسمالية يوجد في شكله الجنيني في السلعة‪ .‬إن‬ ‫التناقض بين العمل الخاص والعمل االجتماعي يتحول في ظل الرأسمالية إلى التناقض بين الطابع‬

‫االجتماعي لإلنتاج وشكل الملكية الرأسمالية الخاصة‪ .‬لكل هذا يحيط الغموض والتقديس بالسلعة‪.‬‬

‫ويقف أمامها أفراد المجتمع الرأسمالي مذهولين من قدراتها الخارقة‪ ,‬كما يقف البدائيون أمام قوى‬

‫الطبيعة المذهلة – ناسين أن هذه السلعة هي من إنتاجهم‪ ,‬وأنهم في النهاية لقادرون على فك‬

‫طالسمها وأبطال سحرها‪.‬‬

‫ويكفينا هذا المثل الذي تضربه السلعة‪ .‬فمنذ ظهور "رأس المال" تجسد المفهوم المادي الجدلي‪.‬‬

‫"رأس المال" تطبيق رائع للمادية الجدلية على االقتصاد الرأسمالي‪ .‬وهكذا اكتشف ماركس المادية‬

‫التاريخية كتطبيق للمادية الجدلية على تطور المجتمع‪ ,‬واستقرت منذ ذلك الحين منهجاً للبحث‬

‫االجتماعي‪ ,‬يستحوذ على المجتمع في كل تفاصيله ويحلل أشكال تطوره‪ ,‬ويكشف عن قوانينه‬

‫الداخلية‪.‬‬

‫‪038‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المادية التاريخية‬

‫عندما بدأ ماركس وانجلز مؤلفاتهما الكبرى كانت المادية تسود بين المثقفين وفي الدوائر العمالية‪.‬‬

‫لقد كان هيجل كما ذكرنا أول من حاول أن يكشف في التاريخ عن تطور داخلي‪ ,‬عن قانون داخلي‪,‬‬

‫وكان المفهوم المادي للتاريخ يتشكل على أيدي كتاب البورجوازية أنفسهم أمثال تييري‪ ,‬وتيير‪,‬‬

‫وجيزو‪ ,‬وكل المؤرخين االنجليز‪ .‬كما توصل إلى الفكرة ذاتها عالم الطبيعة مورجان‪ .‬غير أن ماركس‬ ‫قام بتطوير المادية وطبقها على التاريخ وصاغ ألول مرة قانونها العلمي‪ .‬فقد حان عندئذ أوان هذا‬

‫الكشف‪.‬‬

‫وكيما ندرك مغزاه البعيد المدى‪ ,‬يمكن أن نطرح سؤاالً هو‪ :‬ما الذي جعل سميث وريكاردو يكتشفان‬

‫ألول مرة قوانين االقتصاد الرأسمالي؟ هل السبب ذاتي‪ ,‬من عمق وأصالة فكرهما فحسب‪ ,‬أم‬

‫موضوعي‪ ,‬من تطور الواقع االقتصادي؟ على هذا النحو نتبين أيضاً السر في الكشف عن المادية‬

‫التاريخية‪ .‬لقد شيد ماركس منهجه واستخدمه في نقد االقتصاد السياسي‪ .‬هذا المنهج كان يجب أن‬ ‫يبدأ من أبسط العالقات الجوهرية التي نصادفها تاريخياً‪ ,‬أعني العالقات االقتصادية‪.‬‬

‫ففي ظل اإلقطاع كانت العالقات االقتصادية واضحة ألن االستغالل الطبقي كان واضحاً‪ .‬وعندئذ‬

‫كان شكل الدولة استبدادياً واضحاً أيضاً يعبر بدقة عن شكل االقتصاد‪ .‬ومن ثم كان مفكرو اإلقطاع‬

‫أقل ميالً للتجريد من مفكري البورجوازية‪ .‬أما في ظل الرأسمالية‪ ,‬فقد تعقدت األمور‪ .‬أصبح االستغالل‬ ‫الرأسمالي خافياً ومعقداً وأصبحت العالقة بين االقتصاد والدولة أكثر تعقيداً عن ذي قبل‪ .‬وكان مفكري‬

‫الرأسمالية على حد قول ماركس في " بؤس الفلسفة" أن يفلسفوا هذا التعقيد كله‪ ,‬يقول‪ ":‬في نظر‬

‫االقتصاديين‪ ,‬كانت مؤسسات اإلقطاع مؤسسات مصطنعة‪ ,‬ومؤسسات البورجوازية مؤسسات طبيعية‪.‬‬ ‫وبصفة خاصة‪ ,‬فإن العالقات االقتصادية الحالية قوانين أبدية يجب أن تحكم المجتمع دائماً‪ .‬وهكذا‬ ‫فلقد كان هناك تاريخ فيما مضى أما اآلن فلقد انتهى"‪.‬‬

‫الواقع أنه كان على مفكري الرأسمالية أن يواجهوا الظاهرة المعقدة بتفسير معقول‪ ,‬ظلوا يتلمسونه‬

‫حتى كشف عنه ماركس‪ :‬إن وجود الناس هو الذي يحدد فكرهم‪ ,‬إن االقتصاد هو الذي يحدد السياسة‪,‬‬

‫لكن فكر الناس يؤثر بدوره على وجودهم‪ ,‬كما أن السياسة تؤثر على االقتصاد‪ .‬وهنا يحذرنا ماركس‬ ‫من خطرين‪:‬‬

‫األول‪ ,‬هو خطر اعتبار االقتصاد في مستوى السياسة واعتبار الفكر في منزلة الوجود‪ .‬فالصحيح‬ ‫هو أن الوجود يسبق الفكر مثلما يسبق االقتصاد السياسة‪.‬‬

‫والثاني‪ ,‬هو خطر اعتبار االقتصاد كل شئ والسياسة ال شيء‪ .‬اعتبار أن الوجود هو العامل‬

‫الوحيد والفكر ال يعمل على اإلطالق‪ .‬كال‪ ,‬فإن االقتصاد هو العامل المحدد الحاسم فقط‪,‬‬

‫لكنه ليس العامل الوحيد‪ .‬بل إنه يتأثر بدوره بالسياسة‪ .‬إن ماركس بعيد عن الزعم بأن‬ ‫الحقيقة االقتصادية هي الحقيقة الوحيدة‪.‬‬

‫‪039‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فمن الخطأ أن نرى هنا سبباً أبدياً وهناك نتيجة أبدية وحسب‪ .‬إن ذلك تجريد فارغ يلغي ما حققه‬

‫الفكر من تقدم في دراسة المنهج وكأن هيجل لم يوجد أبداً‪ .‬ويطرح انجلز هذا الموضوع حين يتساءل‬ ‫في خطاب إلى شميت بتاريخ ‪ 37‬أكتوبر ‪ 0161‬قائالً‪:‬‬

‫"لماذا نناضل من أجل الدكتاتورية السياسية للبروليتاريا إذا كانت السلطة السياسية عاجزة‬

‫اقتصادياً؟ إن القوة ‪- -‬أعني سلطة الدولة – هي أيضاً السلطة لقد حارب ماركس ضد نظرية‬

‫العوامل‪ .‬صحيح أن كل شيء يؤثر على كل شيء‪ .‬لكن ما هو األساس؟ إن عالقات اإلنتاج تتوقف‬ ‫على القوى اإلنتاجية‪ ,‬والعكس صحيح أيضاً‪ .‬وأكثر من هذا فإن القوى اإلنتاجية تحدد تطور عالقات‬

‫اإلنتاج‪ ,‬بينما عالقات اإلنتاج هي القوة الرئيسية الحاسمة التي تحدد التطور المقبل للقوى اإلنتاجية‪.‬‬ ‫إذن فأين نقطة البدء؟ الوقع أنه يجب البحث عن أساس التأثير المتبادل‪ .‬إن األساس هو‬

‫القوى اإلنتاجية‪ ,‬نقطة البدء هي القوى المنتجة‪ .‬ولهذا‪ ,‬فإذا كان الوضع االقتصادي هو العامل‬ ‫الحاسم في التاريخ‪ ,‬فإن المقصود بالوضع االقتصادي هو إنتاج واعادة إنتاج الحياة المادية للبشر‪.‬‬

‫ويشرح إنجلز هذا المفهوم في رسالة إلى بلوخ بتاريخ ‪ 33/30‬سبتمبر ‪ 0161‬فيقول‪ ":‬طبقاً‬

‫للمفهوم المادي للتاريخ فإن‪ ,‬العامل الحاسم األخير هو إنتاج الحياة الواقعية‪ .‬إن الوضع االقتصادي‬ ‫هو األساس‪ .‬بيد أن العوامل المختلفة في البناء العلوي – أي األشكال السياسية للصراع الطبقي‬ ‫ونتائجه من دساتير وأشكال قضائية وانعكاسات هذه الصراعات الطبقية في أذهان معاصريها من‬

‫نظريات سياسية وقانونية وفلسفية وآراء دينية – إنما تمارس تأثيرها على مجرى الصراعات‬

‫التاريخية‪.‬وهي في عديد من الحاالت تتغلب في تحديد شكلها‪ .‬هناك فعل متبادل فيما بين هذه العوامل‬ ‫جميعاً‪ .‬وفيه تؤكد الحركة االقتصادية وجودها كضرورة"‪.‬‬

‫هكذا أصبح واضحاً أن التاريخ ال يتطور طبقاً لقاعدة توجد من خارجه‪ .‬إن الناس يصنعون‬

‫تاريخهم بأيديهم‪ ,‬لكنهم يصنعونه في المقام األول في ظل ظروف محددة تماماً‪ ,‬هي ظروف معطاة‪,‬‬ ‫مستقلة عنهم‪ ,‬والى حد كبير مفروضة عليهم‪ .‬وهم يصنعونه في المقام الثاني بكيفية معينة‪ ,‬بحيث‬ ‫أن النتيجة النهائية تظهر من محصلة الصراعات العديدة فيما بين اإلرادات الفردية التي تعبر كل منها‬

‫عن ظروفها االقتصادية‪ .‬ولذلك يمكن تلخيص المادية التاريخية في هذا الحقيقة‪ :‬إن االقتصاد يحدد‬

‫الطبقات‪ ,‬وصراع الطبقات يحدد التاريخ‪.‬‬

‫ولم يكن ماركس هو الذي اكتشف وجود الطبقات في المجتمع الحديث وال وجود الصراع بينها‪ .‬فقد‬

‫وصف المؤرخون البورجوازيون من قبله بفترة طويلة التطور التاريخي لهذا الصراع بين الطبقات‪.‬‬

‫وتولى االقتصاديون البورجوازيون وصف الوضع االقتصادي للطبقات‪ .‬لكن الجديد الذي أتى به ماركس‬

‫هو إثبات أن وجود الطبقات إنما يرتبط بمراحل تاريخية في تطور اإل نتاج‪ ,‬وأن صراع الطبقات يؤدي‬

‫إلى سلطة البروليتاريا التي تمثل وحدها االنتقال إلى إلغاء كل الطبقات‪ ,‬إلى المجتمع الالطبقي‪.‬‬

‫‪041‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهكذا فإن المادية التاريخية تعني أن أساس كل مجتمع هو نظامه االقتصادي‪ ,‬وأن لكل نظام‬

‫اقتصادي تركيبه الطبقي المحدد‪ ,‬وأن لكل طبقة من طبقاته مصالحها الخاصة ووجهة نظرها الخاصة‪,‬‬ ‫وأن التاريخ في جوهره هو تسجيل لصراع الطبقات وتطلعاتها‪.‬‬

‫إن القاعدة األساسية للمادية التاريخية هي أن أسلوب الناس في الحياة أي الظروف الموضوعية‬

‫إلنتاج واعادة إنتاج الحياة المادية‪ ,‬هو الذي يحدد أسلوب الناس في التفكير‪ .‬وغالباً ما تفسر هذه‬

‫القاعدة بمعنى أن النشاط الفكري يلعب دو ارً سلبياً في العملية التاريخية‪ .‬والواقع أن من الخطأ الشائع‬

‫ذلك الزعم القائل بأن المادية التاريخية تعتبر األفكار والثقافات أي الوعي بناء هشاً ال أهمية له‪ ,‬في‬ ‫حين أن األساس االقتصادي هو وحده الصلب‪ .‬فالواقع أن السياسة والقانون والفلسفة والدين واألدب‬

‫والفن تؤثر جميعاً على االقتصاد‪ .‬غير أنها جميعاً تؤثر بعضها على بعض‪ ,‬وعلى األساس االقتصادي‬

‫نفسه‪ .‬يضاف إلى ذلك أن الوضع االقتصادي ال يحدث تأثيره بطريقة أوتوماتيكية‪ ,‬بمعنى أنه ال يمكن‬

‫تقديم تفسيرات آلية للتاريخ‪ .‬ال يمكن تحويل المادية التاريخية إلى مجرد مادية اقتصادية‪ .‬إن الوضع‬

‫االقتصادي يمارس تأثيره الحاسم دائماً من خالل العديد من الظروف والمالبسات‪ .‬وأحياناً يدق هذا‬

‫التأثير حتى ليكاد أن يختفي تماماً‪.‬‬

‫ولهذا فإن تطبيق منهج المادية التاريخية ال يمكن أن يكون عمالً بسيطاً وال سهالً‪ .‬إنه يتطلب‬

‫معرفة حقيقية بتركيب النظم االجتماعية وطريقة قيامها بعملها‪.‬وهي معرفة ال تكتسب إال عن طريق‬

‫البحث النظري العميق و التطبيق الدقيق المضني‪ .‬وال مجال ال دعاء أن منهج المادية التاريخية قد‬

‫استقصى بحث تاريخ المجتمعات البشرية جميعاً‪ .‬فبالنسبة ألولئك الذين يعنيهم تغيير العالم مثلما‬

‫يعنيهم فهمه أيضاً‪ ,‬لم تكن هناك سوى نقطة واحدة للبدء وهي البدء بالنظام االجتماعي السائد وهو‬

‫الرأسمالية‪ .‬وذلك ما فعله ماركس‪ .‬ومن هنا يعتبر سويزي أن "رأس المال" هو الثمرة للتطبيق العميق‬ ‫المحكم لمنهج المادية التاريخية‪.‬‬

‫وال شك أن " رأس المال" بأكمله نموذج رائع للدراسة المادية التاريخية للرأسمالية‪ .‬وكثي ارً ما تعرض‬

‫جوانب عديدة من هذا التحليل بحيث غدت مألوفة‪ .‬لكنا نود هنا أن نضرب المثل بجوانب أخرى لم تنل‬

‫حظها من االنتباه‪.‬‬

‫فماركس‪,‬مثالً‪ ,‬في "رأس المال" كان من أوائل أولئك الذين لفتوا االنتباه إلى أهمية التكنولوجيا‬

‫والتكنيك‪ .‬وفي" رأس المال" يقول ماركس‪ " :‬إن التكنولوجيا تبرز أسلوب عمل اإلنسان تجاه الطبيعة‬

‫أي العملية المباشرة إلنتاج حياته"‪ .‬وهن يضع التكنيك بالتالي في خدمة المجتمع كحقيقة تاريخية‪,‬‬

‫فإن حاجة المجتمع إلى التكنيك تدفع بالعلم إلى األمام أكثر مما تفعل عشر جامعات‪.‬‬

‫وماركس‪ ,‬مثالُ‪ ,‬في " رأس المال" يلقى الضوء على تأثير الصناعة الكبيرة على األسرة‪ ,‬ويقول إن‬

‫الصناعة الكبيرة بإتاحتها دو ارً حاسماً في عملية اإلنتاج للنساء واألحداث من الجنسين‪ ,‬فإنها "تخلق‬

‫أساساً اقتصادياً جديداً لشكل أرقى من أشكال العائلة والعالقات بين الرجل والمرأة"‪.‬‬ ‫‪040‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وماركس‪ ,‬مثالً‪ ,‬في " رأس المال" يعالج نظام التعليم على ضوء الصناعة‪ .‬فنظام المصنع يوضح‬

‫لنا منذ اآلن بذور التربية في المستقبل‪" ,‬هذه التربية التي ستوحد العمل مع التعليم مع الرياضة" – ال‬

‫لزيادة اإلنتاج السلعي فقط بل إلنتاج أناس متطورين من كافة الوجوه‪.‬‬ ‫القوانين االقتصادية‬

‫في "رأس المال" إذن يخضع ماركس الرأسمالية المعاصرة لدراسة مادية تاريخية‪ ,‬مزودة بالنواة‬

‫السليمة في كتابات التقليديين حين اعتبروا اإلقطاع مرحلة عابرة‪ .‬وبفضل هذه المادية التاريخية‪ ,‬تأكد‬

‫الطابع العلمي لالقتصاد السياسي‪ ,‬لكن تأكد أيضاً الطابع العابر لقوانينه‪ .‬وبينما كان االقتصاديون‬ ‫التقليديون يصوغون القوانين االقتصادية بوصفها قوانين أبدية‪ ,‬طبيعية‪ ,‬بحيث يتحول نظام اإلنتاج‬

‫الرأسمالي إلى نظام إنتاج أبدي‪ ,‬كشفت المادية التاريخية عن الطابع العابر واالنتقالي في هذه‬

‫القوانين‪ ,‬وأكدته في قوانين االقتصاد السياسي أكثر مما هو في قوانين العلوم الطبيعية‪ ,‬وذلك الرتباط‬

‫االقتصاد بحياة البشر‪ ,‬بالعالقات االجتماعية‪ ,‬بالصراع الطبقي‪ .‬فبينما تعبر قوانين الطبيعة عن القوى‬ ‫العمياء التلقائية في الطبيعة‪ ,‬فإن القوانين االقتصادية تعمل من خالل البشر الذين يصنعون ألنفسهم‬

‫أهدافاً واعية يسعون لتحقيقها‪ .‬ونتيجة لذلك تتميز القوانين االقتصادية على خالف قوانين الطبيعة‬ ‫بأنها ليست باقية‪ ,‬وأنها تعمل في أغلبها خالل مرحلة تاريخية معينة‪ ,‬بعدها تخلى المكان لغيرها من‬

‫القوانين‪ .‬إنها ال تلغى‪ ,‬لكنها تفقد مفعولها نتيجة تغير الظروف االقتصادية‪ .‬إن لكل مجتمع قوايننه‬ ‫االقتصادية‪ ,‬وأن يستخدمها في صراعه مستفيداً من حقائقها‪ ,‬كما يستطيع أن يغيرها لكن بطريق غير‬

‫مباشر‪ .‬كيف؟ إن للقوانين االقتصادية وجودها الموضوعي كحقائق مستقلة عن إرادة البشر‪ .‬غير أن‬

‫لوعي هؤالء البشر تأثي ارً فعاالً على مجرى هذه القوانين‪ .‬إن الصراع الطبقي ال يغير هذه القوانين‬

‫ذاتها‪ ,‬لكنه يغير المجتمع الذي يمليها‪ .‬إن القوانين االقتصادية األساسية قوانين مرتبطة بنظام الملكية‬ ‫لوسائل اإلنتاج والمنتجات‪ .‬ومن ثم فهي قوانين تاريخية تظهر وتختفي مع نظام الملكية‪ .‬وتلك‬

‫الحقيقة هي أساس الصراع الطبقي‪ ,‬أساس تطوره وأساس السيطرة على مصائره‪.‬‬

‫إن المادية التاريخية هي التي أتاحت بناء االشتراكية العلمية‪ ,‬على أنقاض االشتراكية الخالية‪ .‬وفي‬

‫" رأس المال" يقدم ماركس األساس العلمي لالشتراكية حين يكشف عن القانون األساسي للرأسمالية‪,‬‬ ‫قانون فائض القيمة‪ .‬وبهذا األساس العلمي تمكن ماركس من دحض آراء برودون الفوضوية وتفنيد‬ ‫أفكار دوهرينج الذي أراد أن يضع اشتركية بديلة‪ ,‬بيد أنها لم تستطع أن تكشف عن طبيعة نظام‬

‫اإلنتاج الرأسمالي‪ .‬فقد اعتبر دوهرينج أن الملكية هي نتيجة للسرقة أو العنف‪ .‬ولكن الدراسة المادية‬ ‫التاريخية ال تدل على صحة هذا االعتبار بل إن العكس هو الصحيح‪ .‬فمن الواضح أن نظام الملكية‬

‫الخاصة يجب أن يوجد أوالً قبل السرقة‪ ,‬قبل أن يستطيع السارق أن يتملك مال الغير‪ .‬إن العنف يمكن‬ ‫أن ينقل الحيازة من المالك إلى السارق‪ ,‬لكنه ال يستطيع أن يخلق الملكية الخاصة‪.‬‬ ‫‪042‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن الدراسة التي تمت في " رأس المال" قد أرست األساس العلمي لالشتراكية‪ ,‬وذلك من خالل‬

‫اكتشاف قانون الصراع الطبقي وقانون فائض القيمة‪ .‬فهذان القانونان قد جعال من االشتراكية علماً‪.‬‬ ‫لقد كانت المشكلة عند ماركس تنحصر من جهة في وضع أسلوب اإلنتاج الرأسمالي في مساره‬

‫التاريخي وتوضيح ضرورته في مرحلة معينة من مراحل التاريخ‪ ,‬وكذلك وبالتالي ضرورة انهياره –‬ ‫ومن جهة أخرى في إظهار الطابع الداخلي ألسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪ .‬ذلك أن االنتقادات التي وجهت‬ ‫من قبل إليه كانت تتناول نتائجه السيئة أكثر مما تتناول طريقة سيره الداخلي‪ .‬ومن ثم فإن ما توصل‬

‫إليه ماركس من استنتاجات نظرية إنما تعبر عن عالقات حقيقية نابعة عن صراع طبقي قائم فعالً‪,‬‬ ‫نابعة عن حركة تاريخية‪ ,‬تسير وتتحرك فعالً‪ .‬ولهذا فلم يعد دور االشتراكية هو " دور البائع لبضاعة‬

‫االشتراكية باعتبارها صنفاً جديداً من المجتمع أكثر عدالُ وانسانية"‪ .‬إن المجتمع االشتراكي أكثر بالفعل‬

‫عدالً وانسانية‪ ,‬لكن المهمة صارت هي إثبات أن االشتراكية هي بالضرورة الخطوة التالية في التطور‬ ‫التاريخي للبشرية‪ .‬وكما يقول سويزي " كان االشتراكي قبل ماركس واعظاً ومبش ارً بالثورة‪ ,‬فأصبح بعد‬ ‫ماركس عالماً من علماء الثورة"‪.‬‬ ‫التجريد في " رأس المال"‬

‫يجب القول بأن ماركس لم يتقدم بعرض منظم لمنهجه في المادية الجدلية‪ ,‬مثلما فعل غيره من‬

‫الفالسفة‪ .‬غير أنه يجب القول أيضاً مع لينين بأنه إذا كان ماركس لم يترك بعده كتاباً في المنطق‪,‬‬

‫فلقد ترك لنا منطق " رأس المال"‪ ,‬حيث طبق ماركس على علم االقتصاد منطق المادية الجدلية‪ .‬وفي "‬

‫رأس المال" دراسات فلسفية بغيرها كانت الدراسة االقتصادية تكاد تغدو مستحيلة‪.‬‬

‫إن فهم الفصل األول لذي يتضمن تحليل السلعة أمر صعب حقاً‪ .‬وتحليل جوهر القيمة وحجم‬

‫القيمة وأشكال القيمة أمر صعب أيضاً‪ .‬إن القارئ مطالب هنا‪ ,‬على حد قول ماركس‪ ,‬بالقدرة على‬

‫التجريد‪ .‬فكيف يتفق منهج المادية الجدلية مع التجريد؟ بالطبع إن التجريد يشكل نوعاً من الصعوبة‬

‫للقارئ‪ ,‬لكن تجريد ماركس هو سبي إلى المزيد من التحديد‪.‬‬

‫فدراسة جسم اإلنسان كوحدة عضوية أسهل من دراسة خاليا هذا الجسم‪ .‬ويوسع عالم الطبيعة أن‬

‫يالحظ الظاهرة الطبيعية حيث تقع‪ ,‬أو أن يجري التجارب في ظروف مماثلة لظروف الظاهرة العادية‪.‬‬ ‫أما في الدراسة االقتصادية فال توجد ميكروسكوبات وال مفاعالت كيميائية لتشخيص دراسة المجتمع‪.‬‬

‫وعندئذ يصبح التجريد ضرورة ال مفر منها‪ ,‬ولقد أحرز العلم بالفعل تقدماً كبي ارً بفضل القدرة على‬

‫استخدام التجريد كأداة للتحليل‪.‬‬

‫‪043‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لكن ما هو التجريد؟‬

‫إن معرفة ما حولنا هي انعكاس لما حولنا على عقولنا‪.‬وال نستطيع أن نعرف ما حولنا في كليته‪,‬‬

‫ولكن كل ما نستطيعه هو أن نقترب منه باستمرار‪ ,‬عن طريق خلق تعريفات ومفاهيم وقوانين‪ ,‬نضع‬

‫بها جدوالً عن الكون نرتبه فيه‪ .‬ولهذا اعترف إنجلز في رسالته إلى شميت بأن "مفهوم الشيء‬ ‫وحقيقة هذا الشيء يجريان جنباً إلى جنب‪ ,‬يقتربان دائماً أحدهما من اآلخر‪ ,‬من غير أن يلتقيا أبداً"‪.‬‬

‫ومع ذلك تحاول البشرية أن تتوصل إلى معرفة حقيقة الشيء‪ .‬وتدخل من ثم في صراع بين‬

‫الحقيقة كما هي وبين المفهوم كما تتصوره‪ .‬وعندئذ‪ ,‬فإن‪ ,‬نقطة البدء في محاولة المعرفة الصحيحة‬ ‫هي التجريد‪.‬ونقطة البدء في هذا التجريد هي إدراك ما هو محدد‪ ,‬ما هو حسي‪ ,‬مجا ازً‪ .‬وغاية التجريد‬ ‫هي عزل واستخالص الجوهري‪ ,‬بغض النظر عما هو غير جوهري في الظاهرة‪ ,‬بمعنى تخليص الظاهرة‬

‫من السمات الذاتية والخاصة‪ ,‬وعدم االحتفاظ إال بما هو جوهري‪ ,‬أي ما هو موضوعي وهام‪ .‬وبعد‬

‫عزل واستخالص الجوهري‪ ,‬يمكن أن نعود من المجرد إلى المحدد فكرياً‪ ,‬أي بعد أن يعاد تصويره‬ ‫فكرياً‪ .‬وهكذا يكون التجريد هو عبارة عن االنتقال من المحدد مجازياً إلى المحدد فكرياً‪ .‬وعندئذ تتحقق‬ ‫معرفتنا بالظاهرة‪ .‬فبفضل هذا التجريد نصل إلى القانون العلمي‪ ,‬ألن هذا القانون ليس سوى شكل‬

‫العمومية في الظاهرة‪ ,‬إذ يعبر عن العالقة الضرورية والجوهرية والعامة والمتكررة في الظاهرة‪.‬‬ ‫فموضوع العلم أن يرتقي من الحركة المظهرية للظواهر إلى حركتها الواقعية ومن ثم يتولى القانون‬

‫العلمي رد الظواهر إلى مكوناتها البسيطة‪ ,‬منتقالً من المظهر إلى الجوهر بفضل التجريد‪.‬‬

‫ومن هذه الزاوية يختلف التجريد الماركسي عن تجريد هيجل أو ردبرتوس مثالُ‪ .‬ولقد كتب إنجلز‬

‫إلى كاوتسكي في ‪ 31‬سبتمبر ‪ 0112‬يقول" إن ماركس يلخص المضمون المشترك القائم في األشياء‬

‫والعالقات‪ ,‬ويرده إلى تعبيره المنطقي العام‪ .‬وبالتالي فإن تجريده إنما يعكس فقط في صورة فكرية ذلك‬

‫المضمون الجاثم من قبل في األشياء – على عكس ردبرتوس الذي يقيم لنفسه تعبي ارً منطقياً كامالً أو‬

‫ناقصاً‪ ,‬ثم يقيس األشياء بهذا المفهوم الذي يكون عليها أن تتخذه كخط مرشد لها‪ .‬إن تجريد ماركس‬ ‫هو تلخيص لما هو مشترك في األشياء والعالقات واختزاله إلى تعبير منطقي عام‪ ,‬موضوع في صيغة‬

‫فكرية‪.‬‬

‫إن التجريد أداة للتحليل العلمي‪ ,‬ال يمكن أن ترفض بزعم تناقضها مع المنهج المادي‪ .‬ففي العلوم‬

‫االجتماعية‪ ,‬ال بد من تشريح العالم الملموس إلى عناصره‪ ,‬وتبويب هذه العناصر في أبواب‪ ,‬مع إبراز‬

‫الفروق ودرجات االختالف‪ .‬وال بد أيضاً من مجموع العناصر التي يستخلصها الباحث أن يصنع صورة‬ ‫ذهنية للعالم يفترض دقتها ويعول عليها‪ .‬غير أن الخطوة الحاسمة في التجريد هي أنه يعيد تشريح‬

‫الظاهرة إلى عناصرها واستخالص وعزل الجوهري منها‪ ,‬يتم تحقيق الجوهر الذي عزل وذلك بالقياس‬ ‫خطوة فخطوة على الواقع نفسه‪ ,‬بالعودة مرة أخرى إلى الحركة التاريخية الواقعية‪.‬‬

‫‪044‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهذا ما فعله " رأس المال"عندما صاغ نموذجاً مبسطاً للمجتمع الرأسمالي‪ ,‬أو "مجتمعاً نقياً" ليس‬ ‫فيه سوى أٍرسماليين من جانب وعمال من جانب آخر‪ ,‬وجعلهم "يتبادلون كل السلع بما فيها قوة العمل‬ ‫بحيث تباع وتشتري بكامل قيمتها"‪ .‬وال يخفي ماركس أنه قد أقام هذا النموذج للمجتمع الرأسمالي‪ ,‬من‬

‫أجل "غض النظر عن كل الظواهر التي تخفي عمل آليته الداخلية"‪ .‬والواقع أنه ابتداء من معرفة‬ ‫موسوعية بالرأسمالية يبحث ماركس مادة المجتمع الرأسمالي في كل تفاصيلها ويحلل األشكال‬

‫المختلفة للتطور ويكتشف عالقتها الداخلية‪ ,‬وعندئذ يعرض الحركة الواقعية للمجتمع الرأسمالي في‬

‫جملتها‪ .‬إنه بذلك يصل إلى صياغة ما يسميه " انعكاس الحياة المادية في نموذجها المثالي"‪ .‬ويعترف‬ ‫من ثم بأن نجاحه في هذا التحليل التجريدي قد يحمل على الظن بوجود "بناء فكري مسبق" يراد إثباته‬

‫عن طريق التجريد‪.‬‬

‫ولذلك فإن التجريد لكي يكون علمياً يفترض حدوداً لنفسه‪ .‬فال بد أن يتم التجريد داخل حدود‬

‫معينة‪ ,‬مثالً في مجتمع معين‪ .‬إن أبسط فكرة اقتصادية ولتكن قيمة المبادلة تفترض المكان‪ ,‬أي مكاناً‬ ‫يتحدد في ظروف محددة‪ ,‬ويطابق نوعاً معيناً من العالقات االجتماعية‪ ,‬على الرغم من أن قيمة‬

‫المبادلة قد كان لها وجود قديم سابق على الطوفان‪.‬‬

‫ودراسة السلعة في " رأس المال" مثال لهذا التجريد العلمي‪ .‬وماركس يدرس السلعة باعتبارها بذرة‬

‫رأس المال‪ ,‬وباعتبار رأس المال هو التطور األخير للسلعة‪ .‬فلقد تطور ت السلعة تاريخياً إلى رأس‬

‫المال‪ .‬لكن هذا التطور عند ماركس تطور محدد‪ ,‬حسي‪ ,‬منبثق من الواقع‪ ,‬وليس بناء مجرداً من‬ ‫الفكر‪.‬‬

‫في رأس المال يعلن ماركس أن الشكل األول للعالقات الرأسمالية هو شكل مبادلة السلعة‪ .‬ثم يتابع‬

‫هذه الدراسة في ثالث مراحل‪ :‬السلعة‪ ,‬ثم ظروف مبادلتها ثم النقود وتحولها إلى رأس مال‪ .‬وفي‬

‫المجلد‬

‫الثاني من " رأس المال" يناقش رأس المال الفردي أوالً ثم رأس المال االجتماعي‪ .‬وفي االنتقال من‬ ‫إعادة إنتاج رأس المال الفردي إلى إعادة إنتاج ٍرأس المال االجتماعي‪ ,‬نمر من التحليل الوحدي إلى‬ ‫التحليل الجمعي ومن تحليل الجزء إلى تحليل الكل‪ .‬لذلك يحلل ماركس مجرى اإلنتاج في مجموعة‪,‬‬

‫بوصفة مركباً من عمليتي اإلنتاج والتداول‪ .‬ويبدأ يقدم مزيداً من الحقائق الواقعية‪.‬ومن ثم يدرس‬

‫تحويل فائض القيمة إلى ربح‪ ,‬والى ربح متوسط‪ ,‬والى فائدة والى ريع‪ .‬وتبدو الطبقات في التحليل‪.‬‬ ‫وفي تحليل معدل الربح في المدى الطويل‪ ,‬تصبح إعادة اإلنتاج الموسعة محكومة بميل معدل الربح‬

‫لالنخفاض‪ .‬وفي كل ذلك ينظر ماركس للمجتمع بوصفه منقسماً إلى طبقتين أساسيتين هما الطبقة‬ ‫العاملة والطبقة ال أرسمالية التي تملك وسائل اإلنتاج وتستحوذ على فائض القيمة‪ ,‬وبأيديها نقطة البدء‬ ‫في التداول إذ تملك رأس المال النقدي وتلعب الدور األساسي في التبادل‪.‬‬

‫‪045‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومن كل هذا نتبين أن ( تجريد) ماركس في " رأس المال" هو السبيل عنده إلى المزيد من‬

‫(التحديد)‪ .‬إن أكبر مساهمة للمجلد األول من " رأس المال" هي التمييز بين قوة العمل والعمل‪ ,‬التمييز‬

‫بين السلعة واستخدام السلعة‪ .‬فيكف توصل ماركس إلى هذه النتيجة؟ إنه يدرس السلعة‪ ,‬أي سلعة‪,‬‬

‫ويدرس قيمة مبادلتها‪ .‬لكنه يتبين في النهاية أن العمل ليست له قيمة‪ ,‬وال يمكن أن تكون له قيمة‪,‬‬

‫لسبب بسيط هو أن العمل هو مقياس القيمة‪ .‬واذن فما الذي يبيعه العامل للرأسمالي؟ إنه إنما يبيع‬ ‫قوة عمله ال عمله‪ .‬وباستهالك قوة العمل في المصنع تكون هذه السلعة الخاصة التي باعها العامل‬

‫مصد ارً للقيمة وفائض القيمة‪.‬‬

‫لقد كان التمييز بين العمل وقوة العمل‪ ,‬والتمييز بين العمل المحدد والمجسم في كل سلعة والعمل‬

‫المجرد كمعيار للقيمة‪ ,‬هو الذي هدى ماركس إلى فائض القيمة‪ .‬لهذا يعلن ماركس أنه بعد االرتقاء‬

‫من الظاهرة المحددة إلى الظاهرة المجردة‪ ,‬يجب العودة من المجرد إلى المحدد‪ ,‬ومن المبسط إلى‬

‫المعقد‪ ,‬ومن الجوهري إلى الظاهري‪ .‬يجب العودة إلى مزيد من السيطرة على الواقع‪ .‬فمن ظاهرة العمل‬ ‫األجير توصل إلى قانون فائض القيمة‪ .‬ومن هذا القانون استطاع أن يعيد تقسيم الربح والفائدة والريع‬ ‫باعتبارها أجزاء من ظاهرة فائض القيمة وليست ظواهر مستقلة‪.‬‬

‫إن هذه القدرة على التجريد هي التي جعلت ماركس أول اقتصادي يدرس الظواهر االقتصادية‬

‫(الجمعية) ويخرج أول تحليل (جمعي) لالقتصاد الرأسمالي ويعطي أحكاماً (جمعية) عليه‪ ,‬هي أحكام‬ ‫عملية عن وجوده وصيرورته‪.‬‬

‫ويقول أوسكار النج إن " رأس المال" مثل تقليدي لما يسمى التجسيد المتتالي أو التقريب المتتالي‪.‬‬

‫فالشرح الذي يقدمه المجلد األول يعتبر انتقاالً خطوة فخطوة من التجريد إلى مراحل من التجسيد أعال‬

‫باطراد‪ ,‬إلى أن يتكشف االتجاه التاريخي للتراكم الرأسمالي‪ .‬والمجلد األول كله يعطينا صورة‬

‫للرأسمالية‪ ,‬ألنه تحليل لعملية اإلنتاج الرأسمالية في صورتها الخالصة‪ ,‬أي تحليل لجوهر عالقات‬

‫اإلنتاج الرأسمالية‪ .‬في هذا التحليل‪ ,‬يغفل ماركس عمداً تداول رأس المال واألشكال التي يتخذها‬

‫المضمون الجوهري لعالقات اإلنتاج الرأسمالية‪ .‬أما ي المجلد الثاني‪ ,‬فيقدم ماركس تداول رأس المال‪.‬‬ ‫ثم يقدم لنا في المجلد الثالث تحليالً لعملية اإلنتاج الرأسمالية منظو ارً إليها ككل‪ ,‬تحليالً تندمج فيه‬ ‫علمية اإلنتاج وعملية التداول ومضمون العالقات الرأسمالية وأشكالها المحددة‪.‬‬

‫وبفضل هذا التجريد أمكن أن يقدم في " رأس المال" ليس فقط قوانين أسلوب اإلنتاج الرأسمالي‪,‬‬

‫وانما كذلك بيانات عن المالمح الجوهرية ألسلوب اإلنتاج االشتراكي‪ .‬ولقد دلت تجارب البناء في‬ ‫البلدان االشتراكية كلها على حقيقة جوهرية هي ضرورة االعتماد على تحليالت " رأس المال" من أجل‬

‫سالمة البناء االشتراكي‪.‬‬

‫ولقد طرح ماركس بالفعل في المجلد الثالث من " رأس المال" مبدأ المجتمع االشتراكي‪ ,‬حيث " يكف‬

‫اإلنسان عن العمل بحكم الضرورة أ والمناسبة المفروضة عليه من خارجه"‪ .‬ويقول " فكما أن على‬ ‫‪046‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلنسان البدائي أن يناضل ضد الطبيعة كيما يفي بحاجاته ويستمر في حياته ويتكاثر‪ ,‬فإن اإلنسان‬

‫المتحضر مجبر هو أيضاً على أن يفعل ذلك وأن يناضل أيا يكن بنيان المجتمع وأسلوب اإلنتاج"‪ .‬لكن‬ ‫مع تطور المجتمع‪ ,‬تتزايد الحاجات وتتسع القوى اإلنتاجية من أجل إشباعها‪ .‬وعندئذ فإن " المنتجين‬

‫المتجمعين يسوون بطريقة رشيدة مبادالتهم مع الطبيعة‪ .‬ويسيطرون معاً عليها بدل أن يكونوا‬

‫محكومين بقوتها العمياء‪ .‬وهم يتمون هذه المبادالت بإنفاق الحد األدنى من الجهد في أكثر الظروف‬ ‫مالئمة واحتراماً لطبيعتهم اإلنسانية‪( ..‬هكذا) يبدأ تطور القوى اإلنسانية كغاية في حد ذاتها"‪.‬‬ ‫خـــاتمـة‬

‫إنقاذ االقتصاد السياسي‬

‫تصدى ماركس في " رأس المال" لمهمة الكشف عن حركة المجتمع الرأسمالي‪ ,‬المجتمع الذي ولد‬

‫علم االقتصاد السياسي تعبي ارً بورجوازياً عنه‪ .‬و بذلك أتم ماركس صياغة هذا االقتصاد السياسي‪,‬‬ ‫عندئذ‪ ,‬من وجهة النظر النقدية للبروليتاريا‪.‬‬

‫ولعل أهم ما توصل إليه ماركس في "رأس المال" هو بيان الطبيعة االنتقالية للرأسمالية‪ ,‬فقد كان‬

‫ذلك جوهر ما قدمه ماركس إنقاذاً لعلم االقتصاد السياسي من محاولة ابتذاله منذ منتصف القرن‬

‫التاسع عشر‪ .‬وبذلك أثبت أن علم االقتصاد هو بالضرورة علم تاريخي‪ ,‬ألنه علم القوانين التي تحكم‬

‫إنتاج وتوزيع وسائل العيش المادية في المجتمع البشري‪.‬إنه علم يعالج مادة تاريخية بطبيعتها هي‬

‫اإلنتاج والتوزيع‪ ,‬وهي مادة تتغير باستمرار‪ .‬من مجتمع إلى مجتمع‪ .‬فال يمكن أن يكون االقتصاد‬

‫السياسي واحداً بالنسبة إلى جميع البلدان وجميع العصور‪.‬‬

‫لقد انصبت دراسة "رأس المال" على مجتمع معين هو المجتمع الرأسمالي‪ ,‬وبقي أن تتم صياغة‬

‫علم االقتصاد السياسي للمجتمعات السابقة على الرأسمالية‪ ,‬وللمجتمع االشتراكي الذي حل محل‬

‫الرأسمالية‪ .‬وعندما تتم مثل هذه الدراسة‪ ,‬فإنه يمكن عندئذ‪ ,‬وعندئذ فقط‪ ,‬استخالص القوانين العامة‬ ‫التي يمكن أن تصدق على كل من اإلنتاج والتوزيع بوجه عام‪.‬‬

‫وعلى أية حال‪ ,‬فإنه بالصياغة التي قدمها " رأس المال" تخطي ماركس كال من االقتصاد التقليدي‬

‫واالقتصاد المبتذل‪ .‬لقد استطاع ماركس أن يتفوق على سميث وريكاردو‪ ,‬وذلك بتقديم الحلول لكل ما‬

‫اختلفوا عليه‪ ,‬كما استطاع أن يضع حداً لمحاولة االقتصاديين المبتذلين تصفية علم االقتصاد‪ .‬إنه‬

‫بإحالل فكرة قوة العمل محل العمل قد كشف عن ظاهرة فائض القيمة‪ ,‬و حدد مصدرها‪ ,‬كما نخلص من‬ ‫كل الصعوبات التي تحطمت عليها من قبل تحليالت سميث وريكاردو‪ .‬ويتوصل ماركس إلى التمييز‬ ‫بين رأس المال الثابت ورأس المال المتغير‪ ,‬استطاع متابعة عملية تكوين فائض القيمة‪ ,‬ومن ثم‬

‫كشف الغطاء عن ظاهرة رأس المال في المجتمع الرأسمالي‪.‬‬

‫‪047‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومن الطبيعي أن يكون لكل بحث علمي أعداؤه‪ .‬بيد أن هناك أعداء آخرين ينضافون في البحث‬

‫العلمي االقتصادي‪ ,‬حيث يمكن أن يثور غضب المصلحة الخاصة على حقائق العلم نفسها‪ .‬إن هناك‬ ‫مثالً يقول إنه إذا اصطدمت البديهيات الهندسية بمصالح البشر فإنهم سيحاولون بالطبع تفنيدها‪ .‬ولقد‬ ‫كان نقد ماركس لالقتصاد السياسي محاولة إلخراجه من الوهدة التي ألقاه فيها االقتصاديون‬

‫المبتذلون‪ ,‬وهذه محاولة تصفية االقتصاد السياسي كعلم‪ .‬غير أن المحاولة ازدادت حدة بعد ظهور "‬ ‫رأس المال"‪.‬‬

‫لقد جرت ومازالت تجري محاوالت البورجوازية علم االقتصاد من علم يدرس العالقات االقتصادية‬

‫بين الناس إلى علم يدرس العالقة بين اإلنسان واألشياء‪ ,‬من علم الظواهر بين البشر إلى علم لظواهر‬

‫بين األشياء‪.‬‬

‫قامت البورجوازية بهذه المحاوالت منذ ثالثينيات القرن التاسع عشر حين استبعد االقتصاد المبتذل‬

‫عالقات اإلنتاج من دائرة االقتصاد السياسي‪ .‬وبعد ذلك في النصف الثاني من القرن نفسه استبعد‬

‫االتجاه الذاتي ( جفونز‪ ,‬سينيور) جميع العالقات االجتماعية‪ .‬واستبعد االتجاه التاريخي (روشر)‬ ‫القوانين االقتصادية باسم نسبية كل الحقائق االقتصادية وعدم انتظامها‪ ,‬ومن ثم تحول االقتصاد‬

‫السياسي إلى مجرد تاريخ اقتصادي‪ .‬وبدالً من الرؤية الرحبة للتقليديين‪ ,‬الذين أولوا اهتمامهم لمسائل‬

‫التوزيع فيما بين الطبقات‪ ,‬حل االهتمام بالمشاكل الجزئية لألسعار‪ .‬وأصبح تحليل السوق ال يوجد في‬ ‫ظروف اإلنتاج وانما في العالقة بين السلع والمواقف الذاتية االقتصاد السياسي – على حد قول‬ ‫موريس ضوب – إلى علم لألسعار‪ .‬بل نحا به كي يكون ( اقتصاداً بحتاً) موضوعه دراسة السلوك‬

‫اإلنساني طبقاً لمبدأ اللذة واأللم‪.‬‬

‫ومع ذلك ال تبدو المحاوالت ناجحة‪ .‬فالتصفية الكاملة لالقتصاد السياسي ال يمكن أن تتحقق حتى‬

‫من جانب الدوائر البورجوازية ذاتها‪ ,‬لسبب بسيط هو أن البورجوازية في النهاية محتاجة إلى معرفة‬

‫صحيحة بالقوانين االقتصادية‪ .‬ويوضح أوسكار النجه أن االحتياجات العملية للسياسة االقتصادية‬

‫التي تتبعها مؤسسات رأس المال الكبير‪,‬وازدياد تدخل الدولة في العالقات االقتصادية‪ ,‬والنقد الذي‬ ‫توجهه البورجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى االحتكارية‪ ,‬وتحول علم االقتصاد في الجامعات إلى مهنة‪,‬‬

‫والنقد الذي تلقاه االمبريالية من قبل البورجوازية الوطنية والمثقفين المرتبطين بها في البالد المستعمرة‬

‫وشبه المستعمرة وتلك التي تحررت حديثاُ – أن هذا كله باإلضافة إلى قيام المجتمع االشتراكي نظاماً‬ ‫ألكثر من ثلث البشرية قد جعل مشكالت العالقات االقتصادية بين الناس أم ارً ال يمكن إغفاله‪ .‬وبالتالي‬ ‫تصبح التصفية الكاملة لالقتصاد السياسي مستحيلة عن ذي قبل‪.‬‬

‫إن علم االقتصاد السياسي يكون موضوعياً‪ ,‬غير متحيز‪ ,‬ال يخشى الحق‪ ,‬بالقدر الذي يكون علماً‬

‫تأخذ به طبقة ال تهتم بإخفاء ما تنطوي عليه الرأسمالية من تناقضات‪ ,‬وال باإلبقاء على النظام‬

‫الرأسمالي‪ ,‬وتمكن مصالحها في تحرير المجتمع من العبودية الرأسمالية وفي التقدم المطرد للبشرية‪.‬‬ ‫‪048‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهذه الطبقة هي الطبقة العاملة‪ .‬من هنا التفهم الذي لقيه كتاب " رأس المال" بسرعة في دوائر الطبقة‬ ‫العاملة بحيث غدت النتائج التي توصل إليها هي المبادئ األساسية لحركة الطبقة العاملة‪ .‬لقد وجدت‬

‫فيها أكمل تعبير عن وضعها وعن تطلعاتها‪.‬‬

‫ولذلك نقول إنه بفضل " رأس المال" تحول علم االقتصاد السياسي من علم للبورجوازية إلى علم‬

‫للبروليتاريا أيضاً‪ .‬وبالمثل فإنه بفضل " رأس المال" تجري اليوم عملية وضع أساس االقتصاد‬

‫السياسي لالشتراكية‪.‬إن مستقبل االقتصاد السياسي مرتبط بحركة الطبقة العاملة‪ ,‬مرتبط بعملية بناء‬

‫وتطور المجتمع االشتراكي‪ .‬وهما ضرورتان تواجهان االقتصاد السياسي بمهام جديدة على الدوام‪.‬‬

‫ويزداد " رأس المال" حيوية بالصدق الذي تحمله له األيام‪.‬‬

‫‪049‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ً‬ ‫مخسة وستون عاما من النضال واللجوء ‪ ..‬أما آن أوان املراجعة‬

‫‪02 / 9 / 3102‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫منذ ما قبل النكبة ‪ 0621‬والى يومنا هذا‪ ,‬لم ينقطع أو يتوقف نضال شعبنا العربي الفلسطيني‬

‫عموماً وجماهيرنا من الفالحين والكادحين الفقراء خصوصاً‪ ,‬من أجل حريته واسترداد أرضه المغتصبة‪,‬‬

‫وطوال ما يزيد عن ثمانين عاماً مضت‪ ,‬قدم شعبنا في كل عام من هذه األعوام‪ ,‬قوافالً من الشهداء‬ ‫الذين تجاوزوا مئة ألف شهيد أو يزيد‪ ,‬وفي هذه المسيرة المتجددة من النضال والصمود واآلالم‬

‫والمعاناة‪ ,‬تطل علينا ذكرى النكبة األولى عام ‪ 21‬في الخامس عشر من أيار في كل عام‪ ,‬حيث يتجدد‬ ‫الجرح الفلسطيني‪ ,‬وتتجدد معه وحدة هذا الشعب‪ ,‬وتبدأ الذكريات تنبعث من جديد من داخل شوارع‬

‫المخيم ومن بين األزقة‪ ,‬ومن قلب المعاناة والفقر والحرمان‪ ,‬حيث يتوحد أبناء شعبنا الفلسطيني في‬

‫الشتات والوطن أمام الذكرى رغم التباعد في المكان‪ ,‬ذلك أنهم يتنسمون رائحة القرية‪ ,‬البلد‪ ,‬المدينة‪,‬‬ ‫من عطر الشهداء وجراح المناضلين ومعاناة األسرى والمعتقلين في المسيرة المتصلة‪ ,‬حيث تتجدد‬

‫اآلمال التي لطالما حملها األجداد واآلباء لكي تبقى الذكرى ويبقى األمل حاف ازً للصمود والمقاومة‪,‬‬ ‫فبالرغم من مرور خمسة وستون عاماً على النكبة ظلت –وستظل‪ -‬الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة‬

‫للوعي الوطني لكل محطات النضال منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا‪ ,‬وهي أيضاً ذاكرة التشرد والغربة‬ ‫تعرض لها أبناء شعبنا في الشتات‪ ,‬وعززت لديهم روح المقاومة والتمسك بالحقوق‬ ‫والمعاناة التي َّ‬

‫والثوابت‪ ,‬لذلك لم يكن غريباً أن تنصهر فينا‪ ,‬نحن الفلسطينيون‪ ,‬الذاكرتين معاً‪ ,‬ذاكرة الوطن المحتل‪,‬‬ ‫وذاكرة الغربة والشتات واللجوء‪ ,‬فلكل منها آالمها وآمالها الكبيرة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫الحديث عن الذاكرة ومسار النضال والمعاناة في الذكرى ‪ 92‬للنكبة‪ ,‬يستدعي منا إعادة التأكيد‬

‫على طروحات عدد من المفكرين في هذا الجانب ‪ ,‬وخاصة المفكر الراحل د‪ .‬قسطنطين زريق الذي‬

‫نظر للمعاني الكامنة في النكبة‪ ,‬عبر البحث عن الجانب االيجابي الكامن الستنهاض العقل واإلرادة‬

‫العربية الحرة‪ ,‬وتحويل النكبة إلى معنى ايجابي‪ ,‬وكانت وصيته للشباب العربي – ومنهم جورج حبش‪-‬‬ ‫أن يتحملوا مسئوليتهم في تشكيل الوعي العربي‪ ,‬واالستقالل الذاتي والتاريخي ‪ ,‬وتحويل الوعي القومي‬

‫إلى مشروع سياسي مؤهل للرد على النكبة وتجاوزها الفعلي‪.‬‬

‫وفي هذا اإلطار دعا الحقاً إلى قيام ما اسماه علم النكبة الذي يتناول هذه القضية كما يتناول أية‬

‫قضية أخرى بالدراسة المنتظمة‪ ,‬والتتبع المستمر‪ ,‬والبحث الدقيق‪ ,‬والنظرة الشاملة‪.‬‬

‫‪051‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويتساءل زريق‪ :‬من العجيب أن نوفر لشبابنا الوسائل العلمية للتخصص في الطب والعمارة‪ ,‬وال‬

‫نشعر بضرورة هذا االختصاص في قضية تمس جوهر وجودنا ومصيرنا‪ .‬وبعد حرب ‪ ,0697‬اصدر‬

‫زريق كتيبا آخر تحت عنوان معنى النكبة مجددا ‪ ,‬وركز في الكتاب الجديد على موضوعة التخلف‬

‫وبين الفرق الشاسع بين العلم والتقدم في إسرائيل‬ ‫العلمي العربي‪ ,‬واختزل أسباب النكبة بهذا التخلف‪ّ ,‬‬ ‫والبالد العربية‪ .‬وأصبح العلم في نظره أهم أدوات التغيير االجتماعي والسياسي‪ ,‬وتحويل الوطن العربي‬

‫الغارق بالميثولوجيا والتخلف والعواطف إلى مجتمع العلم والعقالنية‪.‬‬

‫أما المفكر العربي الراحل ياسين الحافظ ‪ ,‬ففي كتابه‪ :‬الهزيمة واإليديولوجيا المهزومة‪ ,‬الصادر في‬

‫عام ‪ ,0676‬طالب فيه المثقف العربي بهجر " الوعي االمتثالي " واالنتقال إلى " الوعي النقدي "‪,‬‬ ‫معتب ارً أن الثورية الحقة هي تلك التي " ترفض تغطية عورات الواقع العربي‪ ,‬في جميع حيزاته‬ ‫ومستوياته‪ .‬ترفض أن ترش على العفن العربي عط ارً‪ ,‬وعلى الموت العربي سك ارً‪ .‬تسمي األشياء‬ ‫بأسمائها‪ ,‬ترفض التهوين من حجم باليانا العربية‪ ,‬ترفض تبسيط وتسطيح مشكالتنا "‪ ,‬وهي مطالب‬

‫أو مفاهيم موضوعية وثورية حتى اللحظة‪ ,‬وهذا ما يتوجب على كوادرنا وكل رفاقنا في الجبهة‬ ‫الشعبية وكافة احزاب اليسار العربي تعميق الوعي بهذه المفاهيم ‪.‬‬

‫وخالفاً لمن رأى بأن معركة فلسطين قد حسمت خالل أيام في ربيع عام ‪ ,0621‬أكد ياسين الحافظ‬

‫أن فلسطين " لم تسقط في أيام‪ ,‬كما لم تسقط في شهور‪ ,‬بل إنها كانت تسقط كل يوم كسرة بعد كسرة‬ ‫وحج ارً بعد حجر‪ ,‬منذ صدور وعد بلفور وحتى إعالن دولة إسرائيل " وحتى اللحظة الراهنة ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫على الرغم من مرور ‪ 92‬عاماً على النكبة ‪ ,‬ورغم تراجع المشروع الوطني الفلسطيني عن هدف‬

‫تحرير كل فلسطين ليصبح هدفا ممسوخا انحصر فيما يسمى سلطة الحكم الذاتي المحدود وصوال الى‬

‫االصراع الدموي على السلطة وتقاسمها فئويا بين حركتي فتح وحماس وحكومتيهما غير الشرعيتين ‪,‬‬

‫ظلت –وستظل‪ -‬الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة للوعي الوطني ‪ ,‬ووفية للشهداء الذين رووا‬ ‫بدمائهم ارض فلسطين من اجل حريتها وعروبتها ‪ ...‬وستظل الذاكرة الشعبية وفية لكل محطات‬ ‫النضال منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا‪ ,‬دون ان ننسى انها ذاكرة التشرد والغربة والمعاناة التي‬

‫تعرض لها أبناء شعبنا في الشتات‪ ,‬وعززت لديهم روح اآلمال الكبيرة في المستقبل الذي ستتحقق فيه‬ ‫َّ‬

‫أهدافنا الكبرى في انهاء وازالة الكيان الصهيوني عبر الممارسة الثورية للنضال بكل وسائله الكفاحية‬ ‫والسياسية والجماهيرية الديمقراطية في إطار النضال التحرري الثوري والديمقراطي القومي ‪ ,‬لذلك لم‬

‫يكن غريباً أن تنصهر فينا‪ ,‬نحن الفلسطينيون‪ ,‬الذاكرتين معاً‪ ,‬ذاكرة الوطن المحتل‪ ,‬وذاكرة الغربة‬ ‫والشتات واللجوء‪ ,‬فلكل منها آالمها وآمالها الكبيرة ‪.‬‬

‫‪050‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)2‬‬

‫االنتفاضات العربية وتراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية‬

‫في مشهد االنتفاضات العربية ‪ ,‬نالحظ طغيان الشعارات الوطنية ‪ ,‬المحلية ‪ /‬القطرية‪ ,‬ذات الطابع‬

‫المطلبي المعيشي‪ ,‬والديمقراطي‪ ,‬كشعارات رئيسية ‪ ,‬في مقابل خفوت أو غياب الشعارات السياسية‬ ‫الوطنية والقومية المناهضة لالمبريالية والصهيونية‪ ,‬إلى جانب تراجع الشعارات المؤيدة للقضية‬ ‫الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ‪ ,‬األمر الذي يدفعني إلى القول بأن المتغيرات العربية الراهنة ‪,‬‬

‫في ظل اال نتفاضة ‪ ,‬أسهمت في تراجع القضية الفلسطينية في الذهنية الشعبية العربية ‪ ,‬والسبب في‬

‫ذلك ال يعود أبداً إلى رغبة الجماهير الشعبية العفوية الثائرة ‪ ,‬بقدر ما يعود إلى طبيعة سياسات‬ ‫األنظمة المخلوعة ‪ ,‬وطبيعتها الطبقية الكومبرادورية البيروقراطية الطفيلية ‪ ,‬واستبدادها وقهرها‬

‫لجماهير العمال والفالحين الفقراء ‪ ,‬إلى جانب خضوعها وتكيفها مع السياسات االمبريالية‬

‫والصهيونية‪ ,‬وتكيفها مع شروط الصندوق والبنك الدوليين التي أدت إلى المزيد من إفقار وامالق‬ ‫ومعاناة الجماهير الشعبية الفقيرة بصورة غير مسبوقة ‪ ,‬إلى جانب تراجع قيادة منظمة التحرير‬

‫الفلسطينية ومعظم فصائل وحركات المقاومة الفلسطينية عن ثوابتها وأهدافها ورؤاها الوطنية الثورية‪,‬‬

‫لحساب القبول باتفاق أسلو وبق اررات ما يسمى بالشرعية الدولية‪ ,‬خاصة قراري ‪ 323‬و ‪ 221‬وصوالً‬

‫إلى التراجع عن التمسك بحق العودة كما جرى في لقاء ياسر عبد ربه ‪ -‬بيلين‪ -‬في جينيف‪ ,‬وصوالً‬

‫إلى الصراع الدموي بين حركتي فتح وحماس على المصالح الفئوية وعلى اقتسام السلطة‪ ,‬ومن ثم‬ ‫تكريس االنقسام وانفصال حركة حماس وتمترسها في قطاع غزة بتاريخ ‪/02‬حزيران ‪ ,3117/‬وكل‬

‫هذه العوامل أسهمت بالتأكيد في تراجع وهج القضية الفلسطينية ووهج النضال القومي في أذهان‬

‫الجماهير العربية ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫مشهد االسالم السياسي وآثاره على القضية الفلسطينية‬

‫ُعول أبداً على‬ ‫في ضوء معطيات مشهد االسالم السياسي الراهن ونتائجه وآثاره ‪ ,‬فإنني ال أ ِّ‬

‫متغيرات ايجابية على القضية الفلسطينية‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬ستتراكم العوامل السلبية باتجاه المزيد من‬ ‫تكييف حركة حماس لكي تتوافق وتستجيب لسياسات اإلخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة في‬

‫تونس ‪ ,‬إلى جانب استجابتها لحكومات قطر والسعودية والخليج واألردن ‪ ...‬الخ ‪ ,‬في إطار ارتباط‬

‫النظام العربي الراهن و"جامعته العربية" بالسياسات األمريكية ‪ ,‬وهي أنظمة باتت اليوم تَعتَِبر القضية‬ ‫الفلسطينية عبئاً ثقيالً على كاهلها ‪ ,‬ترغب وتسعى للخالص منه بأي ثمن‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق يبدو أن هناك توافقاً على مزيد من التطبيع واالعتراف بالدولة الصهيونية وانهاء‬

‫قضية الالجئين في هذه المرحلة ‪ ,‬عبر ما يسمى بـ"المبادرة العربية‪/‬السعودية"‪ ,‬المطروحة منذ عام‬ ‫‪052‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ , 3113‬ولكن ضمن الرؤية والشروط األمريكية اإلسرائيلية ‪ ,‬وبموافقة اإلخوان المسلمين والنهضة‪,‬‬ ‫في ظل استعداد وقبول اليمين الليبرالي الرث في حركة فتح واليمين الديني في حركة حماس‪ ,‬بعد ان‬

‫باتت مصالحهما الطبقية والفئوية المحدد الرئيسي على حساب القضية الوطنية ومستقبلها‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ,‬ال بد لي من التأكيد على أن حديثي عن قتامة وسوداوية المشهد العربي الراهن في إطار‬ ‫سيرورات االنتفاضات العربية ‪ ,‬ال يعني تشاؤماً في اإلرادة بالنسبة لمستقبل حركة الجماهير‬ ‫وانتصارها‪ ,‬بقدر ما هو نوعاً من تشاؤم العقل الذي يحفز على المجابهة ومواصلة النضال بكل أشكاله‬

‫في خضم الصراع الطبقي والسياسي ضد أنظمة التبعية والعمالة واالستبداد والتخلف ‪ ,‬وضد الوجود‬

‫اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا‪ ,‬وبالتالي فإنني على قناعة ‪-‬بالمعنى الموضوعي‪ -‬بأن المشهد‬

‫العربي الراهن على قتامته ‪ ,‬سيعزز من جديد ‪ ,‬ويراكم كل عوامل السيرورة الثورية الوطنية‬ ‫والديمقراطية داخل كل قطر عربي ‪ ,‬والتي لن تنفصل عن السيرورة الثورية للنضال القومي النهضوي‬

‫التقدمي الوحدوي والديمقراطي‪ ,‬إذ ليس أمام الجماهير الشعبية الفقيرة وقياداتها الثورية ‪-‬في فلسطين‬

‫وبلدان الوطن العربي‪ -‬أي خيار سوى االستمرار بالثورة حتى تحقيق األهداف التي انطلقت الجماهير‬

‫وضحت من أجلها ‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫الوضع الفلسطيني بعد ‪ 92‬عاما على النكبة‬

‫شعبنا الفلسطيني اليوم في مواجهة خارطة سياسية جديدة‪ ,‬محكومة في مساحة كبيرة منها‪,‬‬

‫بالمصالح الفئوية ‪ ,‬إلى جانب الصراع و المنافسة غير المبدئية بين القطبين –حتى لو تم توقيع‬

‫المصالحة بينهما‪ -‬وهي كلها عوامل ستسهم في المدى المنظور في زيادة الفجوة على الصعيد‬ ‫االجتماعي بين المصالح الطبقية للشرائح العليا – في الحكومتين‪ , -‬وبين الشرائح الشعبية الفقيرة من‬

‫العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة‪ ,‬مع استمرار بقاء الحصار والعدوان ‪ ,‬دون أي أفق لما يسمى‬

‫بالحل المرحلي أو "حل الدولتين" إلى جانب تفتيت الضفة الغربية عبر الجدار والمستوطنات والحواجز‬ ‫واالعتقاالت ‪ ,‬واستمرار التفاوض العبثي ومضامينه السياسية الهابطة ‪.‬‬

‫هذا الوضع يفرض على فصائل وأحزاب اليسار مراجعة تجربتها وخطابها واعادة صياغة رؤيتها‬

‫وبرامجها ودورها المستقبلي ‪ ,‬بما يمكنها االنتقال من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي‬

‫يحقق قدرتها على االستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن‪ ,‬وأن تتعاطى مع ما يجري‬

‫من على أرضية المصالح واألهداف الوطنية والديمقراطية المطلبيه ‪ ,‬ارتباطاً وثيقاً بالرؤية القومية‬

‫للصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع عربي إسرائيلي ‪ ,‬جنباً إلى جنب مع تفعيل دورها في‬ ‫المقاومة المسلحة والشعبية ‪ ,‬بما يوفر لها امكانيات كسر االستقطاب الثنائي لحركتي فتح وحماس ‪,‬‬

‫واالنطالق إلى رحاب الجماهير الشعبية والتوسع في صفوفها لكي يستعيد شعبنا من جديد‪ ,‬أفكاره‬ ‫‪053‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وقيمه الوطنية والديمقراطية واالجتماعية التوحيدية‪ ,‬ويطرد قيم االنتهازية والتخاذل والواقعية‬

‫المستسلمة‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫الترابط بين البعدين الوطني والقومي بمنهجية ثورية ديمقراطية وانسانية أممية‬

‫أصبح الوضع العربي الرسمي –في معظمه‪ -‬في حالة ينظر فيها إلى القضية الفلسطينية باعتبارها‬

‫عبئاً ثقيالً على كاهله يسعى إلى الخالص منه طالما كان في ذلك ضمانة لمصالح النظام الحاكم‬ ‫وشرائحه الطبقية الطفيليةوالرأسمالية الرثة التابعة (البيروقراطية والكومبرادورية والعقارية والمالية)‪.‬‬

‫إن هذه الصورة ال تعكس في ذهني تشاؤماً في اإلرادة بقدر ما تفرض نوعاً من تشاؤم العقل واستخدام‬ ‫أدواته النقدية في تحليل هذا الواقع الذي تعيشه مجتمعاتنا في اللحظة الراهنة‪ ,‬حيث تُولِّد الهزيمة‬ ‫مزيداً من تراكم األزمات‪ ,‬وتختلط عوامل التغيير مع عوامل اليأس او االستسالم‪ ,‬واذا كان االمر كذلك‪,‬‬

‫فان من واجبنا ان نطرح مجدداً السؤال التقليدي‪ :‬ما العمل؟ واالجابة االولية السريعة والسهلة للعمل‬ ‫المطلوب‪ ,‬هي الدعوة الى توفير االرادة الوطنية والقومية‪ ,‬لكن االجابة الحقيقية هي التي تشير الى‬

‫الضرورات الرئيسية للنهوض الوطني والقومي‪:‬‬

‫الضرورة األولى‪ :‬أن تنتزع جماهيرنا الشعبية الفقيرة نفسها من فكرة الهزيمة وهو هدف يتحمل‬

‫المسؤولية الكبرى فيه‪ ,‬المثقف التقدمي العربي عبر التزامه العضوي الصريح بهذه الفكرة واشتراطاتها‬

‫وتضحياتها‪ ,‬الضرورة الثانية‪ :‬إن الحركات الثورية اليسارية قادرة عبر بلورة الرؤية القومية‬ ‫الديمقراطية التوحيدية الواضحة أن تحدد وتصنع مستقبل شعوبنا‪ ,‬الضرورة الثالثة‪ :‬أن نحرص –بكل‬

‫الوسائل‪ -‬على ان ال تنطفيء شعلة العمل الوطني الثوري التحرري والديمقراطي من منطلق الصراع‬

‫الطبقي داخل كل قطر عربي ارتباطا بالبعد القومي التقدمي بافقه االشتراكي الصريح ‪,‬كأساس وحيد‬ ‫للمستقبل‪ ,‬ذلك ان الصراع مع العدو الصهيوني‪ ,‬رغم أهمية وحجم النضال الفلسطيني وتضحياته‪ ,‬اال‬

‫انه صراع عربي –اسرائيلي‪ -‬باالساس‪ ,‬أما الضرورة الرابعة‪ :‬فهي تتجلى في ان خضوع الوطن العربي‬ ‫للهيمنة االمريكية في هذه المرحلة‪ ,‬يجعل من امبريالية العولمة والنظام الراسمالي هم الخصم‬ ‫االستراتيجي المتنا العربية والبد من مجابهته وقهره وازالة اثار عدوانه‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫حل الدولتين وفق الشروط االمريكية االسرائيلية نوع من الوهم ‪...‬في مناسبة ‪ 92‬عاما على النكبة‬ ‫في ضوء أوضاعنا الفلسطينية والعربيةالراهنة‪ ,‬الطافحة بالكثير من عوامل التأزم واالحباط‬

‫والتفكك واالنقسام والصراع على المصالح‪ ,‬يبدو ان الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن يحصل‬ ‫‪054‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفلسطينيون على دولة مستقلة‪ ,‬كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها‪ ,‬أي انقسام وتفكك الفكرة‬ ‫الوطنية التوحيدية الناظمة للنضال التحرري والديمقراطي لشعبنا‪ ,‬وتفكك النظام السياسي والمشروع‬

‫الوطني وتوسع السيطرة الصهيونية على األرض‪ ,‬وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية في‬

‫اطار الصراع بين هويتين‪ :‬هوية االسالم السياسي والهوية الوطنية الديمقراطية في اطارها القومي‬ ‫واالنساني‪.‬‬

‫لقد توضح خال ل العقود الماضية‪ ,‬الى جانب تطورات الوضع العربي الرسمي الراهن المنحط والخاضع‬

‫المستسلم للشروط االمبريالية‪ ,‬عالوة على استمرار الصراع على المصالح واالنقسام وتجدد الحديث‬ ‫عن تبادل االراضي ‪ ,‬والمفاوضات العبثية البائسة‪ ,‬بأن الدولة الصهيونية معنية بالسيطرة على كل‬

‫فلسطين‪ ,‬وأنها جزء من المشروع االمبريالي للسيطرة على الوطن العربي‪...‬لذلك يجب ان تتأسس‬

‫الرؤية لدى كافة قوى اليسار الثوري في فلسطين والبلدان العربية ‪ ,‬انطالقاً من ذلك وليس من خارجه‪,‬‬ ‫فالدولة الصهيونية هي مركز ثقل الوجود االمبريالي في الوطن العربي‪ ,‬وضمان استمرار التجزئة‬

‫والتخلف العربيين‪ ...‬لهذا بات ضروريا أن يعاد طرح الرؤية الوطنية التحررية من قلب الرؤية التقدمية‬ ‫القومية الديمقراطية األشمل‪ ,‬التي تنطلق من فهم عميق للمشروع االمبريالي الصهيوني وأدواته‬

‫البيروقراطية والكومبرادورية والرجعية‪ ,‬من أجل ان يعاد تأسيس نضالنا الوطني والديمقراطي على ضوء‬ ‫هذه الرؤية ‪ ,‬وال شك في ان هذه المهمة هي مهمة القوى والفصائل اليسارية الثورية في فلسطين‬

‫والوطن العربي ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫خمسة وستون عاما مضت على ارتكاب النظام اإلمبريالي الرأسمالي وصنيعته الحركة الصهيونية‪,‬‬

‫لجريمة‪ ,‬كانت وما زالت‪ ,‬من أبشع جرائم العصر الحديث‪ ,‬جريمة اقتالع معظم أبناء شعبنا العربي‬

‫الفلسطيني من أرض وطنه ودياره‪ ,‬واحالل المغتصبين الصهاينة مكانه بقوة السالح واإلرهاب وتزوير‬ ‫حقائق التاريخ‪ ,‬هكذا تم قيام دولة العدو اإلسرائيلي كدولة وظيفية تستهدف استمرار حالة التجزئة‬

‫والتفكيك بين بلدان وشعوب وطننا العربي من ناحية وحماية المصالح الرأسمالية االمبريالية التي تقوم‬ ‫على االستيالء والتحكم بمواردنا وثرواتنا من ناحية ثانية‪ ,‬وبهذا المعنى البد من مراجعة المسيرة‬

‫الماضية وأوهام الحل المرحلي‪ ,‬لكي يخرج الصراع مع العدو الصهيوني من أحادية الصراع الفلسطيني‬

‫– اإلسرائيلي ليتخذ مجراه الموضوعي كصراع عربي ‪ -‬صهيوني بين كل من الحركة التحررية العربية‬ ‫التقدمية وفي طليعتها الشعب الفلسطيني ‪ ,‬وبين التحالف االمبريالي – الصهيوني ‪ ,‬خاصة في هذه‬ ‫المرحلة التي تتفجر فيها العديد من االنتفاضات الشعبية ضد أنظمة االستبداد والتبعية والتخلف‬ ‫والفساد في معظم األنظمة العربية ‪ ,‬بحيث بات من الممكن الحديث عن تفعيل البعد القومي في‬

‫الصراع ضد دولة العدو الصهيوني بآفاقه التحررية والديمقراطية والوحدوية في مجابهة مشاريع‬ ‫‪055‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومخططات القوى الرجعية وحركات االسالم السياسي المتوافقة مع السياسات األمريكية‪ ,‬وفي هذا‬

‫اإلطار فإن من الطبيعي والحتمي أيضاً أن يكون لشعبنا الفلسطيني وحركته الوطنية الديمقراطية دو ارً‬ ‫طليعياً فيه من أجل تحقيق أهدافه في تقرير المصير والعودة في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية‬ ‫لكل سكانها‪ ,‬على أنقاض الدولة الصهيونية‪ ,‬وكجزء ال يتج أز من الدولة العربية الديمقراطية والمجتمع‬

‫االشتراكي العربي الموحد‪.‬‬ ‫( ‪) 01‬‬

‫معطيات وأرقام حول الشعب الفلسطيني والالجئين الفلسطينيين في الوطن والشتات كما في‬ ‫‪3102/0/0‬‬

‫‪ -0‬يقدر عدد أبناء الشعب الفلسطيني من المقيمين في فلسطين وفي الشتات (استناداً إلى‬

‫تقديرات الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني)‪ ,‬كما في ‪ 3102/0/0‬بحوالي (‪)00232071‬‬ ‫نسمة يتوزعون كما يلي‪ )2229611( -:‬نسمة في الضفة والقطاع بنسبة ‪, %27.2‬‬

‫(‪ )0222120‬نسمة داخل الخط األخضر ‪-‬األراضي المحتلة ‪0621‬بنسبة ‪( , %03.2‬وبنسبة‬ ‫‪ %01.‬من إجمالي عدد سكان اليهود في دولة العدو اإلسرائيلي الذين يبلغ عددهم في بداية‬

‫‪ 9127721 , 3102‬نسمة )‪ )2732337( ,‬نسمة في الشتات خارج الوطن بنسبة ‪%21.3‬‬

‫‪.‬‬

‫‪ -3‬بلغ مجموع الفلسطينيين في الشتات في ‪ 2732337( ,3102/0/0‬نسمة) بنسبة ‪ %21‬من‬ ‫مجموع الشعب الفلسطيني‪ ,‬في حين بلغ مجموع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة‬

‫واألرض المحتلة ‪ 2766620( ,21‬نسمة) بنسبة ‪ %21‬من مجموع الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫‪ -2‬يقدر عدد الالجئين الفلسطينيين المسجلين باالستناد إلى تقديرات األونروا كما في ‪/0/0‬‬ ‫‪ ,3102‬نحو (‪ )2370162‬نسمة‪ ,‬أي بنسبة ‪ %22.7‬من إجمالي الشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫‪ -2‬الفلسطينيون غير المسجلين في سجالت الالجئين لدى وكالة األمم المتحدة من فلسطيني‬

‫الشتات يبلغ تعدادهم (‪ )3900226‬نسمة أي بنسبة ‪ %33.9‬من مجموع أبناء الشعب‬ ‫الفلسطيني في الوطن والشتات موزعين كما يلي ‪( :‬االردن ‪( ) 0292106‬باقي الدول العربية‬

‫‪( )211021‬الدول األجنبية ‪. )926311‬‬

‫‪ -2‬تصل نسبة الالجئين الفلسطينيين في األردن إلى ‪ %21‬من مجموع الالجئين المسجلين لدى‬ ‫وكالة الغوث مقابل ‪ %32.6‬في قطاع غزة‪ ,‬و‪ %07‬في الضفة الغربية‪ %1.2 ,‬في لبنان‪,‬‬

‫و‪ %01‬في سوريا‪.‬‬

‫‪ -9‬يقدر عدد الالجئين (في ‪ )3102/0/0‬في قطاع غزة نحو (‪ 0392203‬الجئ)‪ ,‬أي بنسبة‬

‫‪%72.7‬من مجموع سكان القطاع‪ ,‬كما ويقدر عدد الالجئين في الضفة الغربية (‪162712‬‬ ‫‪056‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الجئ) أي بنسبة ‪ %22.2‬من مجموع سكان الضفة‪ ,‬أما نسبة الالجئين في الضفة والقطاع إلى‬ ‫مجموع السكان فيهما فتبلغ ‪. %26.2‬‬

‫‪ -7‬عدد الالجئين الفلسطينيين المقيمين في الشتات بلغ في ‪ 2003171( 3102/0/0‬الجئ)‬ ‫بنسبة تصل إلى ‪ %26‬من مجموع الالجئين المسجلين لدى وكالة الغوث التابعة لألمم المتحدة‬

‫(االونروا) البالغ عددهم في ‪ 2370162( 3102/0/0‬الجئ) ‪ ,‬أما الالجئين المقيمين في‬ ‫الضفة والقطاع فتبلغ نسبتهم ‪ %20‬من مجموع الالجئين المسجلين ‪.‬‬

‫‪ -1‬فيما يتعلق بعدد الفلسطينيين المقيمين حاليا في فلسطين التاريخية (ما بين النهر والبحر) فإن‬

‫البيانات تشير إلى أن عددهم قد بلغ في نهاية عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 2.1‬مليون نسمة‪ ,‬بنسبة‬

‫‪ %26‬من مجموع السكان اليهود العرب في فلسطين ‪ ,‬علماً بأن عدد السكان اليهود‬ ‫‪9127721‬نسمة‪.‬‬

‫‪ -6‬بناء على تقديرات الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني‪ ,‬فإن من المتوقع أن يتساوى عدد‬

‫السكان الفلسطينيين واليهود في فلسطين التاريخية مع نهاية عام ‪ , 3102‬في حين ستصبح‬

‫نسبة السكان اليهود حوالي ‪ 21.7%‬من السكان بحلول نهاية عام ‪ 3131‬حيث سيصل عددهم‬

‫إلى ‪ 9.1‬مليون مقابل ‪ 7.3‬مليون فلسطيني‪.‬‬

‫‪057‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪02 / 9 / 3102‬‬

‫مصر العربية يف خطر‬

‫الى كل الرفاق في كل احزاب اليسار العربي ‪...‬انها لحظة التضامن مع شعبنا العربي في مصرنا‬

‫الغالية‪........................‬‬

‫اثيوبيا – اداة االمبريالية والحركة الصهيونية ‪ -‬بدأت في انشاء ما يسمى "سد النهضة" بذريعة‬

‫حاجتها للمياه ‪ ,‬علما بأن كمية مياه األمطار التي تسقط على اراضي اثيوبيا سنويا تتراوح بين ‪-021‬‬

‫‪ 021‬مليار متر مكعب والمفارقة انها ال تستخدم ‪ %21‬من هذه المياه !؟ اما االداة الثانية لالمبريالية‬ ‫والصهاينة ‪ ,‬فهي دولة السودان الجنوبي التي تبلغ كمية مياه االمطار السنوية التي تسقط على‬

‫اراضيها ‪ 231-211‬مليار متر مكعب تستخدم أقل من ثلث هذه الكمية !؟‪ ,‬أي ان كل من اثيوبيا‬

‫والسودان الجنوبي لديهما فائض مياه سنوي هائل يعادل عشرة اضعاف حصة مصر السنوية من مياه‬

‫النيل التي ال تزيد عن ‪ 22‬مليار متر مكعب فقط ‪ ,‬وهي كمية لم تعد كافية الحتياجات مصر من المياه‬

‫حيث اصبحت تستهلك خالل العشر سنوات االخيرة حوالي ‪ 92‬مليار متر مكعب‪ ...‬وعلى الرغم من‬ ‫هذه االوضاع المائية الصعبة التي تتعرض لها مصر وشعبها‪ ,‬اال ان حكومتي اثيوبيا و السودان‬

‫الجنوبي قررتا تحويل مياه النيل واقامة "سد النهضة" لحجز وتخفيض حصة مصر من مياه نهر النيل‬

‫لتصبح ‪ 21‬مليار متر مكعب وبالتالي ارتفاع العجز المائي المصري الى ‪ 21‬مليار متر مكعب تنفيذا‬ ‫للمخطط االمريكي الصهيوني الذي يستهدف المزيد من اضعاف وافقار مصر واستمرار تخلفها وافقار‬

‫شعبها العظيم واحتجاز تطورها وابعادها عن محيطها العربي‪ .....‬لذلك فإن من الضرورى – كما يقول‬ ‫المفكر الماركسي المصري خليل كلفت ‪ -‬أن تدرك القوى الثورية مدى تعقيد قضايا اإلستراتيچيات‬ ‫والتاكتيكات فى مختلف المراحل وباألخص فى الحلقة المباشرة الحالية من نضاالتها‪ ...‬ففى هذا‬

‫الصراع الذى يشت ّد جانب حاسم من جوانبه بين دولة مبارك ودولة اإلخوان اال أن هذا ال ينفى أن‬ ‫يشتد اآلن بصورة خاصة ضد الحكم الدينى‬ ‫جانبا حاسما من جوانب النضال السياسى لقوى الثورة‬ ‫ّ‬

‫التحرر منه ( ديمقراطيا من خالل االجماع الشعبي)‬ ‫اإلخوانى السلفى بهدف إسقاطه واإلطاحة به و ُّ‬

‫‪...‬لقد بدأت وتطورت "حركة تمرد" كحركة شعبية شبابية خالصة‪ ,‬كما يعرف الجميع تفاصيل بداياتها‬ ‫وتطوراتها‪ ,‬غير أن هذا ‪ -‬كما يضيف المفكر المناضل خليل كلفت – "ال يمكن أن يمنع هذه الحركة‪,‬‬

‫كما لم يمنع ثورة ‪ 32‬يناير الشعبية كلها‪ ,‬من الوقوع فى إستراتيچيات خاطئة وتاكتيكات خاطئة‪ ,‬ومن‬ ‫ذلك على وجه الخصوص توظيف إسقاط الحكم اإلخوانى لحساب إعادتنا إلى نفس الدائرة الشريرة‬

‫المفرغة من االستفتاءات واالنتخابات والدساتير والشرعية الدستورية التى أسقطتها الثورة وأعاد بناءها‬

‫المجلس العسكرى واإلسالم اإلخوانى السلفى‪ ,‬بما فى ذلك شعار انتخابات رئاسية مبكرة؛ وهو فوق هذا‬

‫‪058‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫شعار مناقض للخلع ألنه يعنى إجراء انتخابات فى ظل حكم مرسى واإلخوان" ‪ .‬ويستطرد قائال " من‬ ‫المهم أن ندرك جيدا ماذا تعنى الدولة الدينية التى من شأنها إعادة مصر إلى ما قبل القرون الوسطى‬

‫وتحررها من التبعية‪ ,‬وبالتالى أن نرفضها قبل كل شيء‬ ‫ووقف نموها وتنميتها وكل احتمال الستقاللها‬ ‫ُّ‬ ‫كرفض للدولة الدينية من حيث المبدأ وليس على أساس سياسات بعينها ليست فى نهاية األمر سوى‬

‫أى إقامة سلطة شعبية ثورية فى‬ ‫أدوات للدولة الدينية‪ ".‬وصوال الى تحقيق واقامة " البديل الثورى ْ‬ ‫سياق مسيرة تاريخية ذات أهداف أعظم ‪...‬وال يمكن أن تُخيفنا تهديدات القوى اإلخوانية والسلفية‪ ,‬فقد‬ ‫تحرر الشعب من الخوف‪ ,‬وصار ال مناص من التحرر من حكم اإلخوان والدولة الدينية مهما كان‬

‫الثمن‪ ,‬كما ينبغى أن ندرك أن دخول قوى اإلسالم السياسى فى هذه المواجهة الشاملة يجعلها أضعف‬

‫من أن تنتصر على الشعب‪ .‬وبطبيعة الحال فإن الموجة القادمة من الثورة سلمية غير أن العنف‬ ‫ضدها يفتح الباب واسعا أمام العنف الدفاعى العادل المظفَّر‪ ,‬تماما كما كان األمر فى ثورة ‪ 32‬يناير‪".‬‬

‫اختم كلمتي بمقطع لشاعرنا الكبير احمد فؤاد نجم ‪:‬‬

‫بك التحية ‪....‬لم يعد يليق ِ‬ ‫إلى األمة العربية‪ ..‬بعد ” الطز ” لم يعد يليق ِ‬ ‫بك سوى النعيق والنهيق‬ ‫على أحالمك الوردية‪....‬لم يعد يليق ِ‬ ‫بك سوى أن تكوني سجادة تدوس عليها األقدام الغربية‪.....‬لم‬

‫بك شعارات الثورة حين صار ربيعك العربي مسرحية‪...‬لم يعد يليق ِ‬ ‫يعد يليق ِ‬ ‫بك الحرية حين صارت‬ ‫وتهمتك باألصل ِ‬ ‫ِ‬ ‫صرخاتك كلها في الساحة دموية‪...‬لم يعد يليق ِ‬ ‫أنك‬ ‫تصرخي باإلسالم‬ ‫بك أن‬ ‫ّ‬ ‫إرهابية‪...‬لم يعد يليق بك يا أمة مؤتمراتها مؤامرات وكالمها تفاهات وق ارراتها وهمية‪...‬لم يعد يليق ِ‬ ‫بك‬

‫التحي ّة‪ ..‬يا أمة دفنت كرامتها وعروبتها تحت التراب‪ ..‬وهي حية‪....‬‬ ‫ضوخ للفَر َع َنة‬ ‫المشتَِعلَة اليوم في مصر على مفترق طرق ‪ ...‬إما العودة إلى‬ ‫الر ْ‬ ‫ْ‬ ‫السكون و ّ‬ ‫ان الثورة ُ‬ ‫واعادة إنتاج التخلُّف واستبداد "القائد الفرد" أو مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها في الحرية‬ ‫والديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية من قلب الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية ‪ ...‬إنها‬

‫لحظة النهوض الثوري لمصر وللوطن العربي كلـه ‪.‬عاش نضال الشعب المصري من اجل الحرية‬ ‫والعدالة االجتماعية والديمقراطية ‪...‬عاشت مصرنا العربية‪.‬‬

‫‪059‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫قطاع غزة ‪ 0989 – 0945‬دراسة تارخيية سياسية اجتماعية‬ ‫‪06 / 9 / 3102‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫الهدف من إعداد هذه الدراسة استعراض األحوال االجتماعية والسياسية في قطاع غزة منذ عام النكبة‬

‫‪ 0621‬وحتى عام ‪ ,0627‬من منطلق أن القطاع هو جزء ال يتج أز من فلسطين‪ ,‬وأن الحديث عنه ‪-‬‬ ‫في هذا المجال أو غيره – هو تأكيد لهذه العالقة التاريخية والجغرافية والسياسية والتراثية بكل جذورها‬

‫وتفريعاتها‪.‬‬

‫لقد ظل قطاع غزة منذ عام ‪ 0621‬وحتى اليوم الجزء الوحيد الذي بقي يحمل (رسمياً) اسم‬

‫فلسطين‪ ,‬وقد كان حلم المخطط الصهيوني والقيادة اإلسرائيلية تصفية القطاع كمقدمة لتصفية القضية‬

‫الفلسطينية برمتها‪ ,‬إضافة إلى ذلك فإن مواطني القطاع الذين يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من ‪0.9‬‬ ‫مليون مواطن ينتمون إلى كل مدن وقرى فلسطين من صفد والجليل إلى يافا وعكا وحيفا على الساحل‬

‫إلى اللد والرملة وجنين وطولكرم ونابلس والقدس وبئر السبع ومعظم القرى الفلسطينية‪..‬‬

‫ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت‬

‫من جهة والصراعات على السلطة والمصالح التي كرسها االنقسام واستمرار الصراع بين حكومتي رام‬

‫اهلل وغزة غير الشرعيتين من جهة اخرى‪ ,‬اثبت في كل محطات الصراع‪ ,‬طوال الخمسة وستين عاماً‬ ‫الماضية‪ ,‬انه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت تفكيكه وتشريده وتحطيم‬ ‫شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية‪ ,‬وحرصه الدائم على حمايتها وامتدادها في كل األجيال‪ ,‬إذ أن‬

‫ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاوالت التصفية أو الطمس لهويته‬

‫وأهدافه الوطنية المشروعة‪ ,‬في العودة وتقرير المصير والحرية في فلسطين التاريخية‪ ,‬لم تنجح أبدا‬

‫في تحطيم اإلجماع الذاتي في أوساط شعبنا على االلتفاف الطوعي والعفوي حول الفكرة الوطنية‬

‫التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬فقد كان من أهم نتائج تلك‬

‫الممارسات العدوانية‪ ,‬انها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي في أذهان شعبنا ضد كل‬ ‫أشكال العدوان واالستبداد واالضطهاد والحرمان‪ ,‬التي تعرض لها من العدو اإلسرائيلي‪ ,‬و ضد قطبي‬ ‫االنقسام ‪ ,‬وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية‪ ,‬بالرغم من توزع أبناء شعبنا‪ ,‬في‬

‫الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية‪ ,‬عبر مجتمعات وعالقات اجتماعية تختلف باختالف الجغرافيا أو‬

‫أماكن اللجوء والشتات‪ ,‬ومن هذه الزاوية ال نستطيع القول ان هناك مجتمعاً موحداً ينضوي في إطاره‬ ‫كل أبناء شعبنا‪ ,‬بل هناك مجتمعات يتمايز كل منها على اآلخر بسمات تعود إلى طبيعة وظروف تطور‬ ‫‪061‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تلك المجتمعات والعالقات االجتماعية الخاصة بها‪ ,‬وهنا يمكن اإلشارة إلى هذا التمايز بين الواقع‬

‫االجتماعي‪ /‬االقتصادي للفلسطينيين في فلسطين ‪ ,0621‬وبين كل من الفلسطينيين في مجتمعي‬ ‫الضفة والقطاع والتجمعات الفلسطينية في البلدان العربية واألجنبية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نقول‪ ,‬ان التباين بين سمات وخصائص هذه التجمعات ومجتمعى الضفة والقطاع‬

‫(بحكم االنقسام) ال يلغي حقيقة الوحدة السياسية واالجتماعية ألبناء شعبنا الفلسطيني الذين يشكلون‬ ‫اطا ارً وطنياً توحده االهداف السياسية الكبرى ‪-‬رغم توزع وتشتت المكان – توحده عناصر واسباب‬

‫المعاناة والقهر واالستغالل واالستبداد التي تمثل عامالً توحيدياً معنويا وماديا مشتركاً لمعظم ابناء‬

‫شعبنا‪.‬‬

‫إذن فالحديث عن قطاع غزة الفلسطيني ال يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه‬

‫عن أي موقع آخر في اللد والرملة وحيفا أو النقب أوالخليل او نابلس أو القدس‪ ..‬بل هو امتداد لتلك‬

‫األهداف النضالية التي توحد شعبنا في الداخل وفي المنافي من أجل استمرار النضال التحرري‬ ‫والديمقراطي وتحقيق الهدف االستراتيجي في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية في إطار المجتمع العربي‬

‫االشتراكي الموحد ‪.‬‬

‫غازي الصوراني‬

‫‪3102/9/02‬‬

‫‪060‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لمحة تاريخية‪:‬‬

‫تحددت التقسيمات اإلدارية في فلسطين بستة ألوية[‪ ]0‬هي‪:‬‬

‫‪ -0‬لواء القدس ويتألف من أقضية الخليل‪/‬القدس وبيت لحم‪/‬ورام اهلل‪.‬‬ ‫‪ -3‬لواء نابلس ويتألف من أقضية طولكرم‪/‬جنين‪/‬نابلس‪.‬‬ ‫‪ -2‬لواء اللد (يافا) ويتألف من قضائي يافا والرملة‪.‬‬ ‫‪ -2‬لواء حيفا ويتألف من قضاء حيفا‪.‬‬

‫‪ -2‬لواء الجليل ويتألف من أقضية الناصرة ‪ /‬بيسان ‪ /‬طبريا ‪ /‬عكا ‪ /‬صفد‪.‬‬ ‫‪ -9‬لواء غزة ويتألف من قضائي غزة وبئر السبع‪.‬‬

‫وعلى الرغم من أن لواء غزة كان يشكل نسبة ‪ %20‬من مساحة فلسطين البالغة ‪ 37116‬كيلو‬

‫متر مربع‪ ,‬وسكانه يشكلون نسبة ‪ 060111( " %00‬نسمة) من مجموع سكان فلسطين البالغ‬

‫(‪0.792111‬مليون نسمة)[‪ ," ]3‬إال أن هذا اللواء كان من أفقر مناطق فلسطين ومن أقلها تطو ارً‪,‬‬ ‫فلم يكن لمنطقة لواء غزة (غزة والسبع) أي دور هام في إطار االقتصاد الفلسطيني نظ ارً لقلة مواردها‬

‫االقتصادية‬ ‫‪.0‬‬

‫والطبيعية‬

‫وافتقارها‬

‫إلى‬

‫أية‬

‫منشآت‬

‫صناعية‬

‫ومؤسسات‬

‫تجارية‬

‫هامة‪.‬‬

‫قضاء غزة وقراه‪:‬‬

‫يحده من الغرب البحر األبيض المتوسط‪ ,‬ومن الشمال قضاء الرملة ومن الشرق قضائي الخليل‬

‫وبئر السبع ومن الجنوب صحراء سيناء وجميعه يقع في منطقة السهل الساحلي لفلسطين الذي ينتهي‬

‫شماالً بجبل الكرمل‪.‬‬

‫وقد ضم قضاء غزة عام ‪70( 0169‬قرية) وفي عام ‪ 0601‬تم فصل ‪ 02‬قرية ألحقت إلى عدد‬

‫من األقضية المجاورة‪ ,‬وبقي القضاء يضم ‪ 27‬قرية حتى عام ‪ 0620‬حيث فصلت أربع قرى منها‬

‫المغار ويبنا وألحقت بقضاء الرملة الذي يحده من الشمال[‪ .]2‬وفي أواخر االنتداب كان قضاء غزة‬

‫يضم ثالث مدن رئيسية وهي المجدل وغزة وخانيونس باإلضافة إلى ‪22‬قرية وبمساحة تقدر‬

‫بـ‪0000.2‬كم مربع كان اليهود ال يملكون منها سوى ‪ 26‬كيلو متر مربع أو ما يعادل ‪ %2.2‬من‬ ‫مساحة القضاء‪.‬‬

‫وقرى قضاء غزة تتوزع بين شمالية ووسطى وجنوبية‪:‬‬

‫أ)‬

‫القرى الشمالية وعددها أربع عشرة قرية‪:‬‬

‫أسدود ‪ /‬برقة ‪ /‬المسمية الكبيرة ‪ /‬المسمية الصغيرة ‪ /‬البطاني الغربي ‪ /‬البطاني الشرقي ‪/‬‬

‫القسطنيه ‪/‬تل الترمس ‪ /‬بين دراس ‪ /‬ياصور ‪ /‬السوافير الشرقي ‪ /‬السوافير الغربي ‪ /‬السوافير‬

‫الشمالي ‪ /‬الجالدية‪.‬‬

‫‪062‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫القرى الوسطى وعددها سبع وعشرون قرية‪:‬‬

‫بعلين ‪ /‬صميل ‪ /‬جسير ‪ /‬الفالوجة ‪ /‬عراق المنشية ‪ /‬كراتيا ‪ /‬حته ‪ /‬عراق سويدان ‪ /‬بيت عفا ‪/‬‬

‫عبدس‪ /‬جولس ‪ /‬حمامه ‪ /‬حليقات ‪ /‬بيت طيمة ‪ /‬كوكبه ‪ /‬الجيه ‪ /‬بربره ‪ /‬نعليه ‪ /‬الخصاص ‪ /‬الجوره‬

‫‪ /‬هربيا ‪ /‬بيت جرجا ‪ /‬سمسم ‪ /‬نجد ‪ /‬برير ‪ /‬دير سنيد ‪ /‬دمره‪.‬‬ ‫ب) القرى الجنوبية وعددها اثنتا عشر قرية‪:‬‬

‫رفح ‪ /‬بني سهيال ‪ /‬عبسان ‪ /‬دير البلح ‪ /‬خزاعه ‪ /‬بيت الهيا ‪ /‬النزله ‪ /‬جباليا ‪ /‬بيت حانون ‪/‬‬

‫هوج ‪ /‬الكوفخه ‪ /‬المحرقة‪.‬‬

‫"أما أكبر قرى القضاء من حيث التعداد السكاني فهي حمامه ‪ /‬الفالوجة ‪ /‬اسدود ‪ /‬جباليا‪ /‬بني‬

‫سهيال‪ /‬بيت دراس وقد بلغ مجموع سكانها في عام ‪ 32761( 0627‬نسمة)‪ ,‬وأصغر القرى من حيث‬

‫التعداد هي الخصاص ‪ /‬بعلين ‪ /‬عراق سويدان ‪ /‬الجلديه ‪ /‬حليقات ‪ /‬دمره ومجموع سكانها (‪0121‬‬ ‫نسمة)[‪.]2‬‬

‫لمين بالقراءة‬ ‫الم ِّ‬ ‫وقد بلغ عدد سكان قرى قضاء غزة في بداية عام ‪ 12621( 0627‬نسمة) نسبة ُ‬ ‫والكتابة منهم ‪ %07.2‬أو (‪ 02120‬رجالً)[‪.]2‬‬

‫أما عدد المدارس الحكومية فقد كان في قرى قضاء غزة حتى أوائل عام ‪ 21( " 0621‬مدرسة)‬

‫ابتدائية للذكور‪ ,‬و(‪ )7‬مدارس ابتدائية للبنات وصف ثانوي واحد في مدرسة الفالوجة وبلغ عدد‬

‫الطالب المسجلين في نفس الفترة (‪ 9211‬طالباً) و (‪ 229‬طالبة)[‪ " ]9‬نسبتهم إلى عدد السكان‬

‫‪.%7.1‬‬ ‫‪.3‬‬

‫قضاء بئر السبع‪:‬‬

‫مساحة هذا القضاء تبلغ حوالي ‪ 03211‬كيلو متر مربع معظمها أرض صحراوية قاحلة‪ ,‬ومدينة‬

‫بئر السبع هي المدينة الوحيدة وعدد قراه سبع قرى هي جمامه ‪ /‬عبده ‪ /‬عوجا حفير ‪ /‬الخالصة ‪/‬‬

‫عسلوج ‪ /‬فوتيس ‪ /‬كرنب (أنشئ مفاعل ديمونة على أرض هذه القرية)‪.‬‬

‫بلغ عدد سكان مدينة بئر السبع عام ‪ 0621‬حوالي ستة آالف نسمة منهم أكثر من ‪ %71‬من‬

‫مواطني مدينة غزة الذي رحلوا إلى السبع في بداية القرن العشرين ‪ ,‬وأسهموا في تطورها وتولوا معظم‬

‫األعمال التجارية واألعمال الحرفية فيها‪.‬‬

‫أما األغلبية العظمى من سكان هذا القضاء ‪ ,‬فهم من البدو الذين كانوا يعيشون على تربية‬

‫الماشية والزراعة‪ ,‬وفي ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية بالغة السوء‪ ,‬فعلى صعيد الحياة اليومية لم‬ ‫يكن من السهل توفر الحد األدنى من متطلبات المعيشة‪ ,‬سواء فيما يتعلق بالغذاء أو المسكن أو‬

‫العالج‪.‬‬

‫‪063‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كما ازدادت أزمة البدو تفاقماً بعد أن توسعت المنظمات الصهيونية في شراء قطع محدودة من‬

‫األراضي من بعض شيوخ القبائل‪ ,‬مما دفع عدداً منهم إلى هجر البادية والنزوح إلى "شرق األردن‬ ‫وسوريا والجزيرة العربية"[‪ ]7‬وسيناء ومعظمهم اتجه إلى المدن للعمل فيها بأجور ال تكاد تسد حاجتهم‬

‫للغذاء فقط‪.‬‬

‫من ناحية أخرى فقد توفرت اإلمكانات المادية لعدد كبير من رؤساء القبائل والمشايخ المتنفذين‬

‫الذين سبق أن قاموا بتسجيل مساحات كبيرة من األراضي لحسابهم بعد أن كانت مشاعاً للجميع مما‬ ‫حرم األغلبية الساحقة من البدو من حقهم في المشاع المشترك‪ ,‬ورغم "التمايز الطبقي" بين القمم‬

‫القبلية والسواد األعظم من البدو الذي تحملوا شظف العيش وقسوته وكان ذلك أم ارً "طبيعياً" ال يجوز‬

‫االعتراض عليه‪ .‬ورغم ذلك فقد أدى سوء أحوال البدو إلى انخراطهم في المعارك الوطنية التي قادها‬

‫عدد من المشايخ ضمن قيادة الحركة الوطنية آنذاك‪ ,‬وبرز دورهم بشكل خاص في مساندة المعتقلين‬

‫الوطنيين في معتقل عوجا حفير‪ ,‬والمشاركة الفعلية في المقاومة مع بداية األربعينات وما تالها‪.‬‬

‫بلغ تعداد البدو في عام ‪ 0621‬حوالي ‪ 62111‬ألف نسمة موزعين على خمس قبائل رئيسية‬

‫وقبيلتين ثانويتين‪ ,‬ومجموع أفخاذ هذه القبائل حوالي (‪ )72‬فخذاً [‪: ]1‬‬ ‫‪-0‬‬

‫قبيلة الترابين وتتكون من عشرين عشيرة وتعدادها ‪ 23211‬نسمة ‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫قبيلة العزازمة وتتكون من ‪ 01‬عشائر وتعدادها حوالي ‪ 09211‬نسمة‪.‬‬

‫‪-3‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪-9‬‬ ‫‪-7‬‬

‫قبيلة التياها وتتكون من ‪ 39‬عشيرة وتعدادها حوالي ‪ 32111‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫قبيلة الجبارات وتتكون من ‪ 02‬عشيرة وتعدادها حوالي ‪ 1111‬نسمة‪.‬‬ ‫قبيلة الحناجرة وتتكون من ‪ 2‬عشائر وتعدادها حوالي ‪ 7211‬نسمة‪.‬‬

‫قبيلة السعيديون وتتكون من ‪ 2‬عشائر (حويطات األصل) ‪ 0711‬نسمة‪.‬‬ ‫قبيلة اللحيوات وتعدادها حوالي ‪ 0911‬نسمة‪.‬‬

‫األوضاع االجتماعية في قضاء غزة قبل عام ‪:0621‬‬

‫تميزت األوضاع االجتماعية في قضاء غزة قبل عام ‪ 0621‬بانقسام المجتمع إلى طبقتين رئيسيتين‬

‫هما كبار المالكين شبه اإلقطاعيين والفالحون بشكل عام‪ ,‬وفيما بينهما تواجد هامش ضئيل من‬

‫الحرفيين وصغار التجار وصغار الموظفين‪ ,‬أما العمال فلم يتجاوز عددهم الستمائة عامل توزعوا على‬

‫عدد من المنشآت الصناعية اليدوية ومعامل الصابون واألغذية والفخار والنسيج‪.‬‬

‫لقد كان التمايز الطبقي في فلسطين عموماً وفي قضاء غزة على وجه الخصوص بالغ القسوة إذ‬

‫أن العالقة بين اإلقطاعي والفالح في قرى غزة عموماً كانت أقرب إلى عالقة السيد بالعبد ولم تتأثر‬ ‫بمجمل التطور االجتماعي – االقتصادي في المدن الفلسطينية األخرى‪.‬‬

‫‪064‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كان أكثر من ‪ %21‬من الفالحين في قضاء غزة ال يملكون أرضاً‪ ,‬واضطروا للعمل في بيارات كبار‬

‫المالكين (األفندية) كأُجراء موسميين بأجرة يومية كانت تقل أحياناً عن خمسة قروش عدا ما كان‬ ‫يتعرض له هؤالء األُجراء من معاملة تميزت بالقسوة واإلزدراء‪ ,‬كذلك كان ما يقرب من ‪ %21‬من‬

‫فالحي القضاء يملكون قطعاً صغيرة من األرض (‪ 01‬دونمات فأقل) ال تقيم أود عائالتهم ولم تكن‬

‫عالقة هؤالء بالسيد اإلقطاعي تتميز كثي ارً عن إخوانهم األُجراء الزراعيين‪.‬‬

‫ومع ارتفاع أسعار األراضي في الثالثينات إلى ثالثة عشر ضعفاً عما كانت عليه قبل الحرب‬

‫العالمية األولى‪ ,‬اندفع كبار المالكين في فلسطين بشكل عام وفي قضاء غزة بشكل خاص إلى‬

‫التسابق من أجل تأسيس البيارات على حساب المزيد من استغالل فقراء الفالحين واجبارهم على بيع‬ ‫ما يملكون أو معظمه بوسائل متعددة لم تكن مشروعة في معظمها لكن بساطة الفالح في بالدنا‬

‫وعفويته وايمانه الشديد بالقدرية والغيبيات وخوفه من إرهاب السلطة وكبار المالكين وعدم قدرته على‬

‫سداد ديونه كل ذلك أسهم في زيادة استحواذ "األفندية" في قضاء غزة على معظم أراضي القضاء إلى‬

‫درجة أن بعض هذه القرى في معظمها كانت ملكاً خالصاً لإلقطاعي الذي استند دوماً إلى جبروت القوة‬

‫الظالمة والالمشروعة‪.‬‬

‫"وحتى عام ‪ 0621‬بلغت ملكية األراضي في لواء غزة العائدة إلى ‪ 31‬شخصاً من قضائي غزة‬

‫وبئر السبع مليونين من الدونمات‪ ,‬كانت ملكية (‪ )00‬شخصاً منهم (‪)011‬ألف دونم لكل فرد وتراوحت‬

‫ملكية (‪ )7‬أفراد منهم بين (‪ )21‬ألف و (‪ )011‬ألف دونم"(‪ ,)01‬إنهم لم يمتلكوا فقط قرى بحالها‪,‬‬ ‫وانما امتد نفوذهم وسلطتهم إلى قرى أخرى ال يملكونها" ‪.‬‬

‫ومن الثوابت الجديرة بالتسجيل والتأمل في تاريخ نضال شعبنا الفلسطيني أن الفالحين الفلسطينيين‬

‫كانوا وقود الثورة الفلسطينية قبل عام ‪ ,0621‬ولم يكن غريباً أن ينجب الريف الفلسطيني خيرة‬ ‫مقاتلي الثورة الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي للعمل الثوري ضد االنتداب والحركة‬

‫الصهيونية‪ ,‬في حين لم يكن كبار المالك (األفندية) سوى واجهة هشة تصدرت قيادة الحركة الوطنية‬

‫ضمن آفاق محددة لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات الجماهير الثورية وكان دورها – على األغلب –‬ ‫هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى فقراء بالدنا‪ ,‬وكان هذا الدور منسجماً مع وضعها الطبقي‬ ‫ومصالحها وعالقاتها مع القوى الرجعية العربية وغيرها‪.‬‬ ‫البورجوازية الصغيرة‪:‬‬

‫ونظ ارً للعالقات االجتماعية شبه اإلقطاعية السائدة في قضاء غزة في هذه المرحلة فإن حجم‬

‫الطبقة البرجوازية الصغيرة كان محدوداً وكانت في معظمها من صغار الحرفيين والموظفين والمهنيين‬ ‫المرتبطين بشكل أو بآخر بالقاعدة المادية اإلنتاجية لكبار المالكين‪ ,‬بكل متطلباتها السياسية‬

‫واألخالقية والعملية‪ ,‬والمعروف أن أبناء هذه "الطبقة" لم يمارسوا دو ارً ممي ازً في األحزاب السياسية‬ ‫‪065‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الوطنية الفلسطينية‪ ,‬والتحق بعضهم في غزة ضمن عدد من األحزاب التقليدية الوطنية والمعارضة‪,‬‬

‫كذلك اتجه قسم منهم إلى "االلتحاق ببعض المنظمات شبه العسكرية التي تشكلت في فلسطين مثل‬

‫(الفتوة) و(النجادة) في حين انجذبت أقلية من البورجوازية الصغيرة إلى المنظمة الماركسية (عصبة‬ ‫التحرر الوطني)"[‪.]6‬‬

‫البورجوازية الكبيرة‪] :‬الزراعية التجارية[‬

‫رغم التطور االجتماعي الذي أصاب بعض المدن الفلسطينية (يافا – حيفا – عكا – القدس –‬

‫الناصرة) وأسهم في تراجع العالقات اإلقطاعية بعد أن توفرت بعض مقومات العالقات الرأسمالية‬ ‫التبعية‪ ,‬التي اعتمدت في نشوئها على تصدير المنتجات الزراعية بحيث أسهم ذلك في تحول الزراعة‬

‫(خصوصاً الحمضيات) إلى زراعة مكثفة اعتمدت على رأس المال والسوق العالمي والبنوك والقروض‬ ‫واألساليب الحديثة مما أدى إلى تطوير العالقات االجتماعية في المجتمع الفلسطيني باتجاه التكيف مع‬ ‫العالقات الرأسمالية المشوهة الجديدة‪ ,‬وفي هذا المجال برزت البورجوازية الزراعية والتجارية وغيرها‬ ‫بصورة كبيرة في المدن المذكورة أعاله‪ ,‬وساهمت بدورها في العمل الوطني ضد عدد من األحزاب في‬

‫تلك المرحلة‪.‬‬

‫أما في قضاء غزة فنالحظ ضعف التركيبة الطبقية للبورجوازية التجارية والزراعية في هذه المنطقة‬

‫نظ ارً لهيمنة كبار المالكين التقليديين باعتبارهم الطبقة السائدة بال منازع‪ ,‬ولم تكن بدايات نمو هذه‬ ‫الطبقة البورجوازية فيما بعد سوى امتداد مباشر وميكانيكي لكبار المالكين بحيث أن العالقة العضوية‬

‫بينهما استمرت في القطاع حتى ما بعد منتصف الخمسينات‪.‬‬

‫ومن الدالالت الهامة أن نواة البورجوازية في بالدنا – وفي العالم الثالث عموماً – لم تتشكل في‬

‫داخل البنية االجتماعية التحتية‪ ,‬ولم تكن نقيضاً للطبقة السائدة (شبه اإلقطاعية) بل كانت امتداداً‬

‫"عصرياً" لها‪ ,‬وتابعاً مخلصاً للسوق الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية‪.‬‬ ‫اإلدارة المصرية والقطاع (‪)0622-0621‬‬

‫على أثر اتفاقية الهدنة الموقعة في ردوس بين الوفدين اإلسرائيلي والمصري بتاريخ‬

‫‪32‬شباط‪ ,0626/‬تحددت "خارطة" منطقة غزة‪ ,‬وبدأ فصل جديد من حياة شعبنا الفلسطيني‪ ,‬فبعد أن‬ ‫كانت هذه المنطقة تعرف بلواء غزة والتي ضمت أربع مدن وستين قرية وبمساحة تبلغ (‪ 02911‬كيلو‬

‫متر مربع) أصبحت تعرف باسم "المناطق الخاضعة لرقابة القوات المصرية في فلسطين" وتضمنت فقط‬

‫مدينتين هما غزة وخانيونس وتسع قرى هي جباليا ‪ /‬والنزلة ‪ /‬بيت الهيا ‪ /‬بيت حانون ‪ /‬دير البلح ‪/‬‬ ‫بني سهيلة ‪ /‬عبسان الكبيرة والصغيرة ‪ /‬خزاعة ‪ /‬رفح وعلى مساحة من األراضي ال تتجاوز ‪292‬‬

‫كيلو متر مربع تمثل نسبة ‪ %31.9‬من أراضي لواء غزة وبنسبة ‪ %0.22‬من أراضي فلسطين‪.‬‬ ‫‪066‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما اصطالح "قطاع غزة" فقد ظهر رسمياً منذ أوائل شهر كانون الثاني ‪ 0622‬في "قرار[‪]01‬‬

‫رئيس الجمهورية المصرية اللواء محمد نجيب‪ ,‬الذي يقضي بتعيين األميراالي عبد اهلل رفعت حاكماً‬

‫إدارياً لقطاع غزة" ضمن حدوده "الجديدة" التي تبدأ من قرية رفح جنوباً إلى بيت حانون شماالً بطول‬ ‫حوالي ‪ 21‬كيلو متر وعرض يتراوح بين ‪ 6-9‬كيلو متر‪.‬‬

‫وقد قدر عدد سكان القطاع في عام ‪ 0622‬بحوالي (‪ 92321‬نسمة) وفي عام ‪ 0621‬بحوالي‬

‫(‪61‬ألف نسمة)‪ ,‬تضاعف هذا العدد ثالث مرات بعد أن تدفق إلى القطاع أثناء الحرب وبعدها مباشرة‬

‫أكثر من ‪ 311‬ألف الجئ من مدن وقرى فلسطين المختلفة وفي عام ‪ 0623‬قدر عدد سكان القطاع‬ ‫بـ ‪ 362912‬ألف نسمة منهم ‪ ]00[310072‬ألف من الالجئين‪.‬‬

‫وقد توزع الالجئون الفلسطينيون في القطاع على ثمانية مخيمات [‪:]03‬‬

‫‪ -0‬مخيم جباليا‪ :‬ويقع شمال شرقي قرية جباليا وقد أنشئ عام ‪ 0622‬على أرض مساحتها ‪211‬‬ ‫دونم‪ ,‬وقد بلغت مساحته عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 0211‬دونم ‪.‬‬

‫‪ -3‬مخيم الشاطئ‪ :‬أنشئ عام ‪ 0622‬على أرض مساحتها ‪ 221‬دونماً على الشاطئ الشمالي‬ ‫‪-2‬‬

‫لمدينة غزة وقد تضاعفت مساحته فيما بعد‪ ,‬حيث بلغت عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 721‬دونم‪.‬‬

‫مخيم البريج‪ :‬مساحته ‪ 221‬دونماً‪ ,‬جنوب مدينة غزة بمسافة ثمانية كيلو مترات شرق‬

‫الطريق الرئيسي‪.‬‬

‫‪ -2‬مخيم النصيرات‪ :‬ويقع إلى الغرب من الطريق الرئيسي مقابل مخيم البريج‪ ,‬مساحته‬ ‫‪311‬دونم‪ .‬وقد بلغت مساحته عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 711‬دونم ‪.‬‬

‫‪ -2‬مخيم المغازي‪ :‬يقع إلى الجنوب من مخيم البريج بحوالي كيلو متر واحد ومساحته ‪ 011‬دونم‪.‬‬ ‫وقد بلغت مساحته عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 291‬دونم ‪.‬‬

‫‪ -9‬مخيم دير البلح‪ :‬يقع غربي قرية دير البلح ومساحته ‪ 021‬دونماً‪ .‬وقد بلغت مساحته عام‬ ‫‪ 3103‬حوالي ‪ 072‬دونم ‪.‬‬

‫‪ -7‬مخيم خانيونس‪ :‬ويقع إلى الغرب من مدينة خانيونس باتجاه شاطئ البحر مساحته في حدود‬ ‫‪ 211‬دونم‪ .‬وقد بلغت مساحته عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 0011‬دونم ‪.‬‬

‫‪ -1‬مخيم رفح‪ :‬مساحته ‪ 711‬دونم‪ .‬وقد بلغت مساحته عام ‪ 3103‬حوالي ‪ 0172‬دونم ‪.‬‬ ‫حول األوضاع االقتصادية‪/‬االجتماعية في القطاع بعد النكبة ‪:‬‬

‫عبر استقراء نتائج النكبة عام‪ ,0621‬يمكن التعرف بوضوح على األوضاع االقتصادية االجتماعية‬

‫في قطاع غزة ضمن األوضاع الطارئة الجديدة‪" ,‬لقد ترافق وجود "مجتمع الالجئين" مع انهيار شبه‬

‫كامل للقاعدة االقتصادية التي كان يقوم عليها المجتمع في مرحلة ما قبل ‪.]02["0621‬‬

‫‪067‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويمكن تلخيص أبرز مالمح "المجتمع الجديد"‪:‬‬

‫‪ -0‬تعرض القطاع لتغير بنيوي على الصعيدين االجتماعي والسكاني فقد ازداد سكانه بما يقرب‬ ‫من ‪ 211‬ألف خالل عام واحد‪ ,‬ومعظم هؤالء (الجئين ومواطنين) منحدرون من أصول ريفية‬

‫‪-3‬‬

‫فقيرة جداً "وال يتمتعون بخبرات فنية أو تقنية مميزة" ‪.‬‬ ‫فقد القطاع جزءاً كبي ارً من موارده االقتصادية‪:‬‬ ‫أ) ‪ %97‬من أراضيه ضمن قضاء غزة‪.‬‬

‫ب) انتشرت البطالة في صفوف العمال من أبناء القطاع الذين عملوا في السابق في‬ ‫معسكرات قوات االنتداب‪ ,‬أو في األسواق الفلسطينية المختلفة‪.‬‬

‫ج) فقد العدد الكبير من المقاولين والتجار جزءاً كبي ارً من أعمالهم‪.‬‬

‫د) فقد حوالي ‪ %11‬من مالك األراضي والمزارعين ملكياتهم داخل فلسطين ‪.‬‬

‫الغزية شبه اإلقطاعية‬ ‫‪ -2‬تقلصت ملكيات كبار المالكين إلى درجة كبيرة‪ ,‬فلم تعد العائالت ّ‬ ‫(األفندية) تستحوذ على عشرات األلوف من الدونمات‪ ,‬وفقد معظمها أكثر من ‪ %11‬من‬

‫أراضيه‪ ,‬ورغم ذلك فقد ظل عدد من هذه العائالت يمتلك قطعاً كبيرة من األراضي قياساً إلى‬ ‫مساحة األراضي الزراعية في القطاع ضمن األوضاع الجديدة‪ ,‬فعلى سبيل المثال فإن‬

‫عائالت كثيرة نذكر منها (الشوا ‪ /‬الصوراني ‪ /‬الريس ‪ /‬الحسيني ‪ /‬أبو رمضان ‪ /‬العلمي ‪/‬‬

‫خيال ‪ /‬الف ار ‪ /‬األسطل ‪ /‬أبو مدين ‪ /‬المصدَّر ‪ /‬أبو سليم ‪ /‬شراب ‪ ...‬الخ) ظلت تمتلك أكثر‬ ‫من ألف دونم للعائلة الواحدة ومن أجود األراضي الزراعية‪.‬‬

‫ومن الجدير بالتسجيل أن هذه العائالت بقيت هي األكثر سطوة ونفوذاً‪ ,‬وبقي الطابع‬

‫"األرستقراطي" اإلقطاعي وعقلية "السيادة" في التعامل مع الجماهير الفلسطينية في القطاع‬

‫أم ارً ممي ازً وملحوظاً بشكل حاد خاصة في أوساط الفقراء والفالحين واألًجراء الزراعيين ال‬ ‫فرق بين مواطن والجئ‪.‬‬

‫‪ -2‬من المالحظ أيضاً أن التغير البنيوي الذي تعرض له القطاع بعد ‪ 0621‬على الصعيد‬

‫يؤد إلى تغير ملموس في الوعي االجتماعي االعتيادي للجماهير الفقيرة في‬ ‫االجتماعي لم ِّ‬ ‫عالقتها بطبقة "األفندية" خاصة وأن رموز هذه الطبقة استطاعوا تكوين عالقات جديدة مع‬ ‫عدد من المخاتير ومشايخ البدو من الالجئين والمواطنين على حد سواء الذين كانت‬ ‫تربطهم بهؤالء عالقات تاريخية قديمة قامت على المصالح المشتركة بين الفريقين‪ ,‬وكان‬

‫غياب الوعي الطليعي‪ ,‬أو القوى السياسية الوطنية الفاعلة في هذه المرحلة سبباً من‬

‫أسباب تكريس هذه العالقة‪ ,‬وقبل كل شيء فإن النظام السياسي الجديد قدم لهذه الطبقة‬ ‫من كبار المالك صالحيات وأوضاع سياسية واجتماعية مميزة‪.‬‬

‫‪068‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -2‬إن المتغيرات الجديدة أدت إلى "انهيار األساس المادي للمجتمع الفلسطيني في القطاع الذي‬ ‫أدى إلى تفسخ العالقات االجتماعية التقليدية فيه"[‪ ,]02‬خاصة بين الالجئين الذين فرضت‬ ‫عليهم الظروف الجديدة ممارسة سلوكيات لم تستوعبها المفاهيم والقيم والعادات القديمة‬ ‫مثل اضطرار المرأة للعمل واالستقالل النسبي لألبناء‪ ,‬والبطالة‪ ,‬والعمل في مهن جديدة‪ ,‬وقد‬

‫أسهم كل ذلك في السنوات األولى فقط إلى خلق حالة من االغتراب[‪ ]02‬فالوضع البائس‬

‫في المخيم ولَّد انسحاقاً ثقيالً مادياً ومعنوياً‪ ,‬مثل الوقوف في طوابير الستالم اإلعانة‪ ,‬تفشي‬ ‫األمراض والشعور بالدونية‪ ,‬وقد عزز من بؤس هذا الواقع ضعف وخراب األوضاع‬

‫االقتصادية في القطاع‪ ,‬فتولد شعور باالغتراب الجماعي لدى الالجئين الذين لم يكن‬

‫الخالص بالنسبة لهم يعني تحسين األوضاع الحياتية بل التخلص من علَّة هذا الوجود‬ ‫الجديد‪ ,‬لذلك رفضوا – ومعهم جماهير المواطنين الفقراء – بإصرار كل مشاريع اإلسكان‬ ‫والتوطين حفاظاً على هويتهم الوطنية الفلسطينية‪.‬‬

‫هذه الصورة يعززها تقرير وكالة األمم المتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئين الفلسطينيين التي تأسست‬

‫بقرار من األمم المتحدة في كانون أول عام ‪ 0626‬وبدأت عملها الفعلي في حزيران عام ‪ 0621‬فقد‬

‫أشار التقرير إلى أن [‪:]09‬‬

‫ ‪ %31‬من الالجئين قادر على إعالة نفسه‪.‬‬‫‪ %21 -‬معدماً على اإلطالق‪.‬‬

‫‪ %21 -‬بحاجة جزئية للمعونة‪.‬‬

‫أي أن ما يقرب من ‪ 071‬ألفاً من السكان في القطاع (مواطنين والجئين) كانوا يعيشون في هذه‬

‫المرحلة ضمن أوضاع اجتماعية بالغة البؤس‪ ,‬وفي ضوء ذلك يكمن السبب الرئيسي للنهوض الثوري‬

‫الدائم في قطاع غزة‪.‬‬

‫اإلدارة المصرية والقضية الفلسطينية (‪)0622-0621‬‬

‫بعد نكبة ‪ ,0621‬لم يعد للفلسطينيين أي كيان سياسي قانوني‪ ,‬ولم تتوفر لحكومة عموم فلسطين‬

‫التي "وافق على إعالنها المجلس الوطني الفلسطيني المنعقد في مدينة غزة يوم ‪]07["0621/6/21‬‬ ‫أية مقومات على الصعيد السياسي المحلي الفلسطينية أو على المستوى العربي الرسمي بشكل عام‪,‬‬

‫ثم كانت عملية نفي الحاج أمين الحسيني من غزة إلى القاهرة يوم ‪ ]01[0621/01/07‬ومنعه بالقوة‬

‫من العودة إلى فلسطين بمثابة إعالن وفاة حكومة فلسطين‪ ,‬والهيئة العربية العليا وبداية الوصايا‬

‫العربية الرسمية على الفلسطينيين وقضيتهم إلى حين‪.‬‬

‫أُخضع القطاع رسمياً إلدارة الحكومة المصرية على أثر اتفاقية رودس في شباط – فبراير ‪/‬‬

‫‪ ,0626‬وبناء على "تكليف" من الجامعة العربية[‪ ]06‬تولت حكومة الملك فاروق التي يرأسها محمود‬ ‫‪069‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فهمي النقراشي إدارة "المناطق الفلسطينية الخاضعة لرقابة القوات المصرية" مستجيبة لتعليمات وزارة‬

‫الخارجية البريطانية والواليات المتحدة األمريكية من أجل "تصفية الجانب األكثر برو ازً في القضية‬ ‫الفلسطينية والمتمثل في الالجئين الفلسطينيين‪ ,‬األمر الذي كان أساساً لتصفية القضية‬

‫بمجملها[‪.]31‬‬

‫ورغم قيام ثورة يوليو ‪ 0623‬فقد ظلت السياسة المصرية الرسمية حتى عام ‪ 0622‬مشدودة للقضايا‬

‫المحلية المصرية بشكل عام‪ ,‬كما وأن قيادة الثورة خالل هذه الفترة لم تمتلك "وضوحاً كافياً باتجاه‬ ‫سياسة قومية واضحة[‪ ]30‬بدليل أنها وافقت على توقيع "مشروع شمالي غربي سيناء لتوطين الجئي‬

‫قطاع غزة" مع وكالة الغوث في حزيران ‪ ,0622‬الذي استهدف التآمر على الشعب الفلسطيني عبر‬

‫توطين الالجئين في سيناء بعد أن يجري استصالح مساحة ‪ 311‬ألف دونم شمال غرب سيناء‬

‫وتوصيل المياه إليها من نهر النيل‪.‬‬

‫وكان للشيوعيين الفلسطينيين في قطاع غزة دو ارً رئيساً في كشف مؤامرة التوطين وفضحها‬

‫وتحريض الجماهير على التصدي لها‪.‬‬

‫وفي مواجهة الخطر المحدق بالوطن يتحالف النقيضان معاً (الشيوعيون واإلخوان المسلمون) ألول‬

‫مرة ضد النظام المصري وضد سياسة التوطين‪ ,‬واستطاعوا معاً قيادة الجماهير الغفيرة من أبناء‬

‫القطاع (في المخيمات والقرى ومدينتي غزة وخانيونس) في مظاهرة عارمة لم يشهد لها القطاع مثيالً‬ ‫في تاريخه وذلك في اليوم األول من آذار سنة ‪ ,0622‬حيث كانت مشاعر الجماهير في حالة غليان‬

‫حقيقي بعد قيام القوات الصهيونية باإلغارة على غزة قبل ذلك بيوم واحد في ‪/31‬فبراير‪ 0622/‬وقتلت‬

‫وجرحت أكثر من (‪ )92‬من الجنود والمدنيين [‪ ,]33‬وقام المتظاهرون باحتالل كل المرافق الحكومية‬

‫في القطاع (عسكرية ومدنية)‪ ,‬ولعب الشيوعيون دو ارً بار ازً في قيادة الجماهير تحت شعار "ال توطين‬ ‫وال إسكان يا عمالء األمريكان" وانتخب المتظاهرون "اللجنة الوطنية العليا"‪ .‬التي ضمت عناصر من‬

‫الشيوعيين واإلخوان المسلمين والمستقلين[‪ ,]32‬ولم تهدأ الجماهير إال بعد حضور جمال عبد الناصر‬

‫س ارً يوم ‪ 0622/02/03‬إلى غزة حيث ألقى كلمة في مدرسة الزهراء أكد فيها أنه لن يسكت على‬ ‫العدوان اإلسرائيلي‪ ,‬كما تم اإلعالن عن سقوط مشروع التوطين وقبره إلى األبد‪.‬‬

‫لقد كانت انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عام ‪ 0622‬ضد مشروع التوطين بمثابة إعادة‬

‫الروح لشعبنا كله واحياء جذوة األمل والنضال فيه من جديد‪.‬‬

‫كما كان عدوان الثامن والعشرين من فبراير ‪ 0622‬نقطة تحول هامة في تاريخ العرب المعاصر‪,‬‬

‫فعلى المستوى العربي‪ ,‬تيقظت القيادة المصرية إلى األطماع اإلسرائيلية وضرورة مواجهتها‪ ,‬وسجل‬

‫القائد الخالد جمال عبد الناصر موقفه من هذا الحادث بقوله "إن غارة فبراير كانت نقطة تحول‪ ,‬وأن‬ ‫هذا العدوان كان جرس إنذار‪ ,‬وأن مصر يجب أن تعتمد على قوتها الذاتية ال على مجلس األمن‬

‫‪071‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وق ارراته"[‪ ]32‬وعلى أثر ذلك بدأ التحول الجديد في السياسة المصرية باالتجاه إلى االتحاد السوفيتي‬ ‫وعقد صفقة األسلحة الشهيرة عام ‪.0622‬‬

‫مصر عبد الناصر والكفاح الفلسطيني المسلح (‪ -0622‬نوفمبر ‪)0629‬‬

‫بعد الغارة الوحشية على غزة في ‪/31‬فبراير‪ 0622/‬والغارات التي تلتها من قبل الجيش اإلسرائيلي‬

‫على مدينة خانيونس وعلى مواقع الجيش المصري في منطقة العوجا والكونتال والتي قتل على أثرها ما‬

‫يزيد على مائة جندي من رجال الجيش المصري‪ ,‬باإلضافة إلى عدد مماثل من المدنيين الفلسطينيين‪,‬‬

‫أصبح الحديث عن السالم بين مصر واسرائيل ضرباً من الوهم‪ ,‬بعد أن تكشفت الحقائق والمعطيات‬

‫الجديدة حول العالقة األمريكية – البريطانية مع إسرائيل‪ ,‬ودخول العراق (نوري السعيد) إلى حلف‬

‫بغداد‪ ,‬ورفض الواليات المتحدة تزويد مصر بالسالح‪ ,‬في ضوء ذلك قرر عبد الناصر[‪:]32‬‬ ‫‪ -0‬ضرورة شراء األسلحة من أية دولة لمواجهة التهديد والعدوان اإلسرائيلي‪.‬‬

‫‪ -3‬السماح للفدائيين الفلسطينيين من قطاع غزة باالنطالق إلى داخل إسرائيل بتوجيه القيادة‬

‫المصرية‪ ,‬وكان جمال عبد الناصر حريصاً على منع ذلك خالل فترة األمل في الوصول إلى‬

‫اتفاق سلمي مع إسرائيل‪.‬‬

‫‪ -2‬البدء بالهجوم اإلعالمي على القوى العربية الرجعية التي وافقت على االنضمام إلى حلف‬ ‫بغداد‪ ,‬وذلك عبر وسائل اإلعالم المصرية المختلفة واذاعة صوت العرب بشكل خاص‪.‬‬

‫‪ -2‬عقد صفقة األسلحة التشيكية التي أعلن عنها يوم ‪/37‬أيلول‪ 0622/‬بالتنسيق مع االتحاد‬ ‫السوفييتي[‪.]39‬‬

‫لقد كان من أهم نتائج هذه العمليات العدوانية اإلسرائيلية المتغطرسة‪ ,‬أن وجهت ضربة قاصمة لكل‬

‫محاوالت "السالم" التي طغت على سطح األحداث بعد نكبة عام ‪ 0621‬وحتى فبراير ‪ 0622‬خاصة‬

‫تلك التي قامت بها الواليات المتحدة األمريكية وبريطانيا عبر "األصدقاء العرب" في المنطقة‪.‬‬

‫كما فشلت أيضاً كل محاوالت "السالم" التي قام بها عدد من األحزاب الشيوعية نذكر منها الحركة‬

‫الديمقراطية للتحرر الوطني[‪( ]37‬حدتّو) في مصر‪ ,‬التي أوكلت "مهمة السالم" لعدد من أعضائها‬ ‫المقيمين في باريس لالتصال بالمسؤولين اإلسرائيليين وغيرهم من اليهود‪ ,‬وفي مقدمة هؤالء األب‬ ‫الروحي ومؤسس الحركة هنري كورييل[‪ ,]31‬ومعه ثروت عكاشة – الملحق العسكري في السفارة‬

‫المصرية في باريس – ويوسف حلمي المحامي‪ ,‬ودكتور مراد خالف‪ ,‬كما شارك في هذه المهمة‬

‫أنطون ثابت من الحزب الشيوعي اللبناني‪ ,‬ورئيس مجلس السالم اللبناني‪ ,‬وتجدر اإلشارة هنا إلى أن‬ ‫نشاط الشيوعيين العرب باتجاه السعي من أجل السالم العربي – اإلسرائيلي لم يكن له خلفية بالنشاط‬

‫االستعماري – الرجعي في المنطقة‪ ,‬بقدر ما كان منطلقاً من الموقف األممي الرسمي‪ ,‬والرؤية الرسمية‬ ‫‪070‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لحل الصراع العربي اإلسرائيلي‪ ,‬دونما إدراك كامل لألبعاد السياسية الوطنية للمسألة الفلسطينية أو‬

‫حق الشعب الفلسطيني في وطنه فلسطين وتكريساً للطالق بين الرؤية التقدمية للمسألة القومية‬ ‫العربية من جهة وبين شكلية الحركة األممية الرسمية التي استند إليها الشيوعيين العرب وابتعدوا عن‬ ‫جوهرها الفكري الصحيح وتراثها الغني والواضح فيما يتعلق بالمسألة اليهودية والموقف منها‪ .‬إن‬

‫االبتعاد عن استيعاب وفهم الواقع الخاص بكل تفاصيله هو أحد أهم المآخذ على الحركة الشيوعية‬

‫العربية‪.‬‬

‫كما كان من أهم نتائج هذا العدوان‪ ,‬قرار القيادة الوطنية المصرية بإعالن تبنيها الرسمي للعمل‬

‫الفدائي المنطلق من غزة في شهر نيسان ‪ ,]36[0622‬واتخذت العالقة بين الزمر المناضلة المدربة‬

‫ذات الخبرة والمعرفة باألرض وبين القيادة المصرية طابعاً رسمياً ومنظماً[‪ ]21‬تحت إشراف المقدم‬

‫مصطفى حافظ الذي قام بمهمته ليس فقط كضابط مصري وانما كمناضل عربي آمن بقضيته وشعبه‪,‬‬ ‫وكان ذلك أحد أهم عوامل نجاحه في إعادة تدريب وتنظيم أكثر من ألف رجل من أبناء غزة وخانيونس‬

‫ومعظم قرى قضاء غزة الذي شكلت منهم كتيبة الفدائيين (ك ‪ ,)020‬بدأوا بتوجيه ضرباتهم و‬

‫إغاراتهم ضد العدو الصهيوني في الفترة من أيلول ‪ 0622‬وحتى أول نوفمبر ‪ ,0629‬لقد كانت هذه‬

‫المرحلة رغم قصرها الزمني‪" ,‬نقطة تألق في مسيرة النضال الفلسطيني"[‪ ]20‬قام الفدائيون‬ ‫الفلسطينيون خاللها بتنفيذ أكثر من مائتي عملية‪ ,‬وقد أوضح الكاتبان اإلسرائيليان "شيف‬

‫ورشين"[‪ ]23‬في كتابهما عن الفدائيين الفلسطينيين طبيعة هذه العمليات كما يلي‪:‬‬

‫ ‪ %21‬من الهجمات الفدائية كانت إلقاء قنابل يدوية واطالق نيران على المستوطنات واشتباكات‬‫مع دوريات إسرائيلية‪.‬‬

‫‪ %32 -‬عمليات كمائن للسيارات واآلليات‪.‬‬

‫ ‪ %31‬عمليات نسف الخزانات وأنابيب المياه وتدمير الطرق الرئيسية والكباري‪.‬‬‫‪ %02 -‬هجمات على السكان المدنيين في المستوطنات والمدن‪.‬‬

‫ ‪ %6‬عمليات تدمير المباني بعبوات ناسفة‪.‬‬‫‪ %2 -‬زرع ألغام‪.‬‬

‫ورداً على عمليات الفدائيين قام اإلسرائيليون بعدد من الهجمات على مدينتي غزة وخانيونس وقرى‬

‫القطاع وكان أكثر هذه الهجمات وحشية وغد ارً ذلك القصف المدفعي العشوائي على مدينة غزة تركزت‬ ‫على شارع عمر المختار وميدان فلسطين والشوارع المجاورة ومنطقة الشجاعية مساء يوم الخامس‬

‫من شهر أبريل ‪ 0629‬وأدى إلى استشهاد وجرح المئات من المدنيين رجاالً ونساء‪ ,‬وما يزال العديد‬ ‫من أبناء غزة يذكرون بشاعة ذلك اليوم الذي تناثرت فيه جثث القتلى والجرحى في شوارع غزة لقد‬

‫تميزت الحالة الجماهيرية في القطاع – إبان تلك الفترة بالغليان الشديد والحزن والحداد والحقد على‬ ‫العدو الصهيوني‪ ,‬ولم يكن يخفف من تلك األحزان إال انتقام الفدائيين الفلسطينيين الذي تميز بالعنف‬ ‫‪072‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والتوسع‪ ,‬ففي اليوم الثاني على الهجوم الصهيوني الغادر‪ ,‬وتحديداً ليلة السادس من نيسان‪0629/‬‬ ‫دخلت أكبر مجموعة فدائية من قطاع غزة في اتجاه األهداف التي حددت لها في األرض المحتلة‪,‬‬ ‫وكان عدد هذه المجموعة ال يقل عن ثالثمائة فدائي توغلوا في عمق إسرائيل حيث هاجموا مستعمرة‬

‫ريشون ليتسيون التي تبعد ‪27‬كيلو مت ارً عن خط الهدنة و‪ 02‬كيلو مت ارً فقط عن تل أبيب واستمرت‬ ‫هذه العملية البطولية بتواصل يومي حتى الثالث عشر من نيسان ‪ ]22[0629‬وقد استشهد من أبطال‬

‫هذه المجموعة أحد عشر بطالً ووقع ثالثة آخرون في األسر‪.‬‬

‫وفي يوم ‪ 0629/7/32‬تسلم المقدم مصطفى حافظ طرداً ملغوماً انفجر وأدى إلى استشهاده‬

‫وتقدي ارً من الشعب الفلسطيني في غزة فقد أُطلق اسم هذا البطل على عدد من ميادين ومدارس‬

‫وشوارع غزة وخانيونس‪.‬‬

‫إن أهم نتائج العمل الفدائي في قطاع غزة (‪ )0629-0622‬تكمن في أنه َّ‬ ‫شكل‪:‬‬

‫‪ -0‬بداية مرحلة جديدة من الصراع العربي اإلسرائيلي‪.‬‬

‫‪ -3‬منعطفاً جديداً وبداية تاريخ للمقاومة الفلسطينية المسلحة بعد نكبة ‪.0621‬‬

‫‪ -2‬أصبح الفلسطيني – في قطاع غزة – واثقاً من نفسه وبمستقبل الشعب الذي ينتمي إليه‬ ‫باعتبار أن القضية الفلسطينية هي قضية وطن وليست قضية الجئين‪.‬‬

‫‪ -2‬كانت خسائر الصهاينة نتيجة العمل الفدائي في عامي ‪ 0622‬و ‪ 0629‬أكبر بكثير من‬ ‫خسائرهم في العدوان الثالثي على مصر في ‪ 0629/01/36‬ثم على قطاع غزة في الثاني‬

‫من نوفمبر ‪.]22[0629‬‬

‫‪ -2‬استقطب العمل الفدائي الذي قامت به الكتيبة الفلسطينية المعروفة بـ (ك ‪ )020‬تعاطفاً‬ ‫جماهيرياً كبي ارً‪ ,‬أسهم في تعميق العالقة بين جماهير الشعب الفلسطيني في القطاع من جهة‬ ‫وبين القيادة الوطنية المصرية التي تزعمها القائد الخالد جمال عبد الناصر من جهة أخرى‪.‬‬

‫العدوان اإلسرائيلي واحتالل القطاع‬

‫(‪/3‬نوفمبر‪/7 – 0629/‬مارس‪)0627/‬‬

‫يقول (بن زوهار) مؤرخ حياة بن جوريون "كانت الحرب ضد مصر مقررة لدى بن جوريون فقد عاد‬

‫إلى وزارة الدفاع سنة ‪ ,0622‬كما كانت أزمة السويس طارئة‪ ,‬وهي لم تغير من خطط إسرائيل التي‬ ‫كانت ستهجم على أية حال‪ ,‬ولكنها سهلت لها أصعب األمور وهو السالم والحلفاء"[‪.]22‬‬

‫ورغم الذريعة اإلسرائيلية المعلنة كمبرر لمشاركتها في العدوان الثالثي مع فرنسا وبريطانيا على‬

‫مصر وقطاع غزة‪ ,‬وهي القضاء على قواعد الفدائيين‪ ,‬إال أن هذه الذريعة لم تكن سوى مدخالً لضم‬

‫قطاع غزة وتحقيق "األطماع اإلسرائيلية التوسعية التي ظهرت في إعالن بن غوريون قيام المملكة‬

‫اإلسرائيلية الثالثة"[‪.]29‬‬

‫‪073‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -‬قطاع غزة تحت االحتالل‪:‬‬

‫أدى قرار القيادة المصرية بسحب الجيش المصري من سيناء إلى عزل قطاع غزة وتسهيل مهمة‬

‫القوات اإلسرائيلية المهاجمة في احتالله‪.‬‬

‫ورغم ذلك فقد قاومت القوات العسكرية المتمركزة في رفح وغزة وخانيونس‪ ,‬مقاومة يائسة لصد‬

‫هجوم القوات اإلسرائيلية المتفوقة في حجمها ونوع تسليحها‪.‬‬

‫ففي غزة استبسلت القوات المصرية والفلسطينية في التصدي للهجوم اإلسرائيلي من موقعها في‬

‫"جبل المنطار" أهم موقع عسكري في المدينة‪ ,‬حتى اعالن االستسالم ظهر يوم ‪ 0629/00/3‬الذي‬

‫أصدره اللواء فؤاد الدجوي الحاكم العام لقطاع غزة بعد سقوط رفح صباح يوم ‪ 0629/00/0‬واكتمال‬

‫محاصرة القطاع‪.‬‬

‫ورغم ذلك‪ ,‬فقد رفضت مدينة خانيونس االستجابة إلى أمر االستسالم‪ ,‬كما رفض سكانها التحذيرات‬

‫الموجهة إليهم من القوات اإلسرائيلية بالتسليم دون قتال‪ ,‬تأييداً منهم للكتائب الفلسطينية والمصرية‬ ‫المدافعة عن المدينة‪ ,‬تلك الكتائب التي أعلنت رغم كل مبررات اليأس واالستسالم عن قرارها بالصمود‬

‫والقتال تحت قيادة اللواء يوسف العجرودي[‪ ,]27‬وأمام هذا الموقف لم يكن من السهل على القوات‬

‫اإلسرائيلية احتالل المدينة رغم اشتراك الطيران اإلسرائيلي في عملية القصف‪ ,‬طوال يوم ‪ 00/3‬مما‬

‫أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى في شوارعها[‪.]21‬‬

‫واستمرت المعركة حتى يوم ‪ 0629/00/2‬دونما انقطاع لقذائف المدفعية اإلسرائيلية على المدينة‬

‫والتي بلغت أكثر من (‪ 11‬ألف طلقة)[‪ .]26‬وسقطت مدينة خانيونس‪ ,‬وفور دخول القوات اإلسرائيلية‬

‫بدأت عملية االنتقام من الجماهير الفلسطينية فيها‪ ,‬حيث قام الجنود بدخول المنازل والبيوت عنوة‪,‬‬

‫وأطلقوا النيران على كل رجل أو فتى بالغ على مرأى من والديه واخوانه الصغار[‪ ]21‬دون أي سبب‬

‫سوى أنه ينتمي لهذه المدينة الباسلة التي بلغ عدد شهدائها في هذا اليوم األسود (‪372‬‬

‫شهيداً)[‪ ]20‬والجدول التالي[‪ ]23‬يوضح عدد شهداء قطاع غزة إبان االحتالل عام ‪:0629‬‬ ‫الشهداء المفقودين الجرحى‬

‫المنطقة‬ ‫‪ -0‬مدينة غزة‬

‫‪329‬‬

‫‪011‬‬

‫‪023‬‬

‫‪ -3‬مدينة خانيونس وجوارها‬

‫‪202‬‬

‫‪27‬‬

‫‪211‬‬

‫‪ -2‬دير البلح والبريج والمغازي والنصيرات‬

‫‪93‬‬

‫‪37‬‬

‫‪21‬‬

‫‪ -2‬مدينة رفح ومعسكر رفح لالجئين‬

‫‪067‬‬

‫‪32‬‬

‫‪029‬‬

‫‪621‬‬

‫‪302‬‬

‫‪709‬‬

‫المجموع‬

‫‪074‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الحركة الوطنية ومقاومة االحتالل‪:‬‬

‫لم يكن في القطاع إبان االحتالل (‪ )0629‬سوى حزبين رئيسيين هما الحزب الشيوعي الفلسطيني‬

‫وهو امتداد لعصبة التحرر الوطني التي تأسست في فلسطين سنة ‪ ,0622‬وحركة اإلخوان المسلمين‬

‫التي بدأت نشاطها بشكل ظاهر مع حرب ‪ ,0621‬ولم يكن لحزب البعث العربي دور مميز في القطاع‬

‫إذ أن فرع هذا الحزب تأسس في صيف ‪ ]22[ 0622‬من عدد من المدرسين العاملين في وكالة األمم‬ ‫المتحدة‪ ,‬وعدد من خريجي الجامعات المصرية‪ ,‬ولم يكن له خالل هذه الفترة القصيرة دور بارز في‬

‫األحداث السياسية التي سبقت احتالل القطاع‪ ,‬كما لم يتوفر لهذا الفرع عالقات واسعة في أوساط‬

‫القوى السياسية التقليدية في القطاع مثلما توفرت للشيوعيين واإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫وفور االحتالل بادر الشيوعيون بالدعوة إلى تشكيل جبهة وطنية لمقاومة االحتالل‪ ,‬وصاغوا‬

‫برنامجاً سياسياً لهذه الغاية‪ ,‬اعتمد في أساسه على الدعوة إلى المقاومة السلبية‪ ,‬وعودة اإلدارة‬ ‫المصرية ورفض التدويل‪ ,‬إال أن حركة اإلخوان المسلمين والبعثيين قر ار عدم المشاركة في الجبهة‬

‫الوطنية "وأعادوا رفضهم إلى جملة في برنامجها تنص على أن "يعتمد شعبنا الفلسطيني في كفاحه –‬ ‫ضمن مؤازريه – على الشرفاء داخل إسرائيل"[‪.]22‬‬

‫وعلى أثر ذلك شكل اإلخوان والبعثيون معاً "جبهة المقاومة الشعبية" وجاء تأسيسها متأخ ارً أكثر‬

‫من شهر بعد إعالن الجبهة الوطنية‪ ,‬ومن الجدير بالذكر أن التباعد السياسي[‪ ]22‬بين الشيوعيين‬

‫واإلخوان على أثر تأييد الحزب الشيوعي لمبادرة عبد الناصر في تأميم قناة السويس‪ ,‬أسهم في عدم‬

‫مشاركة اإلخوان المسلمين في الجبهة الوطنية‪.‬‬

‫تمحور النشاط السياسي لكل من الجبهتين ضمن عدد من الشعارات‪:‬‬

‫‪ -0‬عودة اإلدارة المصرية والتأكيد على عروبة القطاع‪.‬‬

‫‪ -3‬مقاطعة االحتالل (اإلضرابات ‪ /‬مقاطعة الوظائف المدنية وغيرها ‪ /‬مقاطعة المجلس االستشاري‬

‫الذي شكله الحاكم اإلسرائيلي ‪ /‬حض الطالب على عدم الذهاب إلى المدارس تحت شعار ال‬ ‫تعليم في ظل االحتالل)‪.‬‬

‫‪ -2‬الدفاع عن مخيمات الالجئين وحض الجماهير على الصمود‪.‬‬

‫‪ -2‬رفض التعامل بالعملة اإلسرائيلية رغم العقوبات الصارمة التي وضعتها سلطات االحتالل‪.‬‬ ‫‪ -2‬تشكيل اللجان الوطنية في مناطق القطاع‪.‬‬

‫ومما يذكر أن الجبهة الوطنية قد فكرت في طرح مشروع إعالن الدولة الفلسطينية[‪ ]29‬المستقلة‬

‫في قطاع غزة بعد خروج اإلسرائيليين إال أن هذا المشروع لم يجد قبوالً من عدد كبير من المستقلين‬ ‫الذين شاركوا في تأسيس الجبهة الوطنية والمعروفين بميولهم والتزامهم بالسياسة المصرية إضافة‬

‫‪075‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫على كون األغلبية منهم من كبار المالكين الذين لم تكن لهم مصلحة في استمرار التحالف مع‬

‫الشيوعيين بعد انهاء االحتالل‪.‬‬

‫وفي كانون الثاني‪/‬يناير ‪ 0627‬قام اإلسرائيليون باعتقال عدد كبير من قيادات وكوادر وأصدقاء‬

‫كل من "الجبهة الوطنية" و "جبهة المقاومة الشعبية"‪ ,‬واستمر نضال أبناء القطاع حتى انسحاب‬

‫المحتلين مساء اليوم السادس من آذار ‪ ,0627‬الذي ترافق مع وصول قوات الطوارئ الدولية بتوجيه‬ ‫بيان إلى سكان قطاع غزة أعلن فيه أن قوات الطوارئ الدولية ستتولى مسؤولية الشؤون المدنية في‬

‫القطاع‪.‬‬

‫تصدرت "الجبهة الوطنية" و"جبهة المقاومة الشعبية" تحريض الجماهير الفلسطينية في‬ ‫على أثر ذلك ّ‬ ‫قطاع غزة ضد مؤامرة تدويل القطاع‪ ,‬وكانت االنتفاضة الثانية (االنتفاضة األولى ضد توطين الالجئين‬

‫عام ‪ )0622‬ضد التدويل التي استمرت أسبوعاً كامالً لم تهدأ الجماهير فيه على اإلطالق‪ ,‬إال بعد‬ ‫إفشال مؤامرة التدويل وعودة اإلدارة المصرية إلى قطاع غزة في الرابع عشر من آذار ‪ 0627‬وبداية‬ ‫عهد جديد‪.‬‬

‫شهادات حول الشيوعيين واإلخوان المسلمين في القطاع‪:‬‬

‫خالل الفترة من (‪)0627 – 0623‬‬

‫ورغم أهمية الدور الذي قام به كل من الشيوعيين واإلخوان المسلمين في توجيه وقيادة المظاهرات‬

‫عمت كل أنحاء القطاع ضد مشروع التوطين سنة ‪ ,0622‬وضد االحتالل اإلسرائيلي‬ ‫الجماهيرية التي ّ‬ ‫سنة ‪ 0629‬ومن أجل عودة اإلدارة المصرية إلى القطاع سنة ‪ ,0627‬إال أن ذلك كله لم يسهم في‬ ‫تعميق العالقة وتطورها بين الجماهير من جهة وبين الشيوعيين واإلخوان من جهة أخرى‪ ,‬ويعود ذلك‬

‫إلى عدد من األسباب‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الحزب الشيوعي الفلسطيني في قطاع غزة‪:‬‬

‫‪ -0‬تنامي الدور الوطني والقومي للرئيس المصري جمال عبد الناصر واستحواذه على عواطف‬ ‫ومشاعر الجماهير العربية عموماً‪.‬‬

‫‪ -3‬لم تقترب الجماهير في قطاع غزة من الحزب الشيوعي إال بقدر بروز دور الحزب في المجال‬

‫الوطني‪ ,‬خاصة نضاله الطليعي ضد مشروع توطين الالجئين في سيناء وضد االحتالل‬

‫اإلسرائيلي عام ‪ ,0629‬وما عدا ذلك فقد ظلت الجماهير بعيدة عن طروحات الحزب الفكرية‬ ‫والنظرية على وجه الخصوص‪ ,‬وقد كان لهذا الموقف الجماهيري أسبابه الموضوعية منها‪:‬‬

‫أ) مجمل التطور والعالقات االجتماعية واالقتصادية التي تميزت بالتخلف الشديد في كثر‬ ‫من المناحي‪.‬‬

‫‪076‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ب) الحجم الضئيل "للطبقة العاملة" التي كانت أقرب من حيث التكوين على البروليتاريا‬ ‫الرثة المقهورة والمتخلفة في آن واحد‪.‬‬

‫ج)تربص أجهزة األمن والمخابرات وقمعها بكل قسوة للشيوعيين وأصدقائهم‪ ,‬في مقابل‬ ‫المساندة وتسليط الضوء على القوى التقليدية من كبار مالك وتعميق دورهم‬

‫السياسي واالجتماعي المعادي للشيوعيين‪.‬‬

‫‪ -2‬انتشار األفكار القومية بين أوساط الجماهير في القطاع‪ ,‬التي استقبلت هذه األفكار بحماس‬ ‫شديد باعتبارها مدخالً وحيداً للوحدة العربية وتحرير فلسطين‪ ,‬والدور البارز لوسائل اإلعالم‬

‫العربية عموماً والمصرية بشكل خاص في تعميق هذا التوجه‪.‬‬

‫‪ -2‬العالقات النخبوية بين الشيوعيين والجماهير في القطاع‪ ,‬تلك العالقات التي افتقدت القدرة‬ ‫على االمتداد والتوسع النسبي في أوساط الفقراء والكادحين (مواطنين والجئين) رافق ذلك‬

‫الموقف الخاطئ من القومية العربية‪ ,‬ومن التراث العربي – اإلسالمي عموماً باعتباره في‬

‫مجمله مرفوض "انطالقاً من فهم مغلوط وخاطئ" وأحادي الجانب للماركسية‪ ,‬وكان من‬

‫الطبيعي أن يؤدي "الوعي الخاطئ للماركسية إلى ممارسات خاطئة"[‪.]27‬‬

‫‪ -2‬جمود الفكر النظري والممارسات السياسية ضمن قالب أممي رسمي لدى الشيوعيين في‬ ‫القطاع – والشيوعيين العرب بشكل عام – والتزامهم بالنصوص الرسمية السوفيتية دون‬

‫اقتراب مباشر للواقع المحلي وقضاياه المطلبية الهامة‪ ,‬ونتيجة لذلك فقد تكرس وضع‬

‫أصبحت فيه الكثير من الممارسات ضارة ومعرقلة[‪.]21‬‬

‫‪ -9‬النزعات الذاتية واالنقسامات داخل الحزب نفسه وعدم اهتمام قيادة وكوادر الحزب "باالطالع‬

‫بشكل كاف على الفكر الماركسي واستيعابه‪ ,‬ولم يتمكنوا من تطوير برنامج سياسي يحدد‬

‫حقيقة مواقفهم من القضايا المختلفة التي كانت عرضة لحمالت التشويه"‪]26[.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬األسباب الخاصة بانحسار حركة اإلخوان المسلمين‪:‬‬

‫‪ -0‬موقفهم المناهض للحركة القومية العربية بشكل عام‪.‬‬

‫‪ -3‬عالقتهم اإليجابية باألسرة الحاكمة في السعودية "وعالقتهم الحميمة بالقوى االستعمارية‬ ‫واالمبريالية األمريكية[‪ ]21‬مما شكل تحدياً لمشاعر الجماهير الوطنية‪.‬‬

‫‪ -2‬موقفهم الخاطئ من القضية الفلسطينية إذ "يعتقدون أن المعركة من أجل فلسطين تبدأ بعد‬ ‫اكتمال عملية التحول اإلسالمي وبعد إتمام عملية االبتعاث اإلسالمي في المنطقة والعودة إلى‬

‫اإلسالم"[‪.]20‬‬

‫‪ -2‬تراجع الفكر السلفي الذي اتسم بالطابع الرجعي‪ ,‬أمام عنفوان المد القومي العربي الذي طغى‬ ‫على اهتمام الجماهير العربية في تلك الفترة في حين ركزت حركة اإلخوان المسلمين على البعد‬ ‫‪077‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلسالمي الشكلي دون اهتمام أو إبراز للجوهر الحقيقي لإلسالم الذي ال يمكن أن يكون نقيضاً‬ ‫للديمقراطية أو القومية والوحدة‪.‬‬

‫‪ -2‬قيامهم بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في مدينة اإلسكندرية‪ ,‬بواسطة عضو الحركة‬ ‫محمود عبد اللطيف[‪ ,]23‬مساء يوم ‪ 0622/01/39‬مما أدى إلى تصعيد العداء الجماهيري‬

‫ضدهم‪.‬‬

‫‪ -9‬حمالت المطاردة واالعتقاالت التي دفعت بعدد كبير من كوادر اإلخوان في القطاع إلى الهجرة‬ ‫[‪ ]22‬إلى السعودية ودول الخليج التي فتحت لهم أبوابها ورحبت بهم‪.‬‬ ‫هوامش‬ ‫[‪ ]0‬مصطفى الدباغ ‪ ,‬بالدنا فلسطين ج‪-0‬ص‪.023‬‬ ‫[‪ ]3‬عواد االسطل ‪ ,‬الوضع القانوني لقطاع غزة‪-‬شؤون فلسطينية عدد ‪-091‬ص‪.2‬‬ ‫[‪ ]2‬محمد خالد االزعر ‪ ,‬المقاومة في قطاع غزة‪-‬ص‪02‬‬

‫[‪ ]2‬مصطفى الدباغ ‪ ,‬بالدنا فلسطين‪-‬الديار الغزية‪-‬الجزء االول‪-‬قسم‪-3‬ص‪. 02/02‬‬

‫[‪ ]2‬المصدر السابق‪-‬ص‪-32‬الديار الغزية‬ ‫[‪ ]9‬المصدر السابق‪-‬ص‪32‬‬

‫[‪ ]7‬د‪.‬عادل غنيم‪-‬القوى االجتماعية في فلسطين‪-‬ص‪21‬‬ ‫[‪ ]1‬مصطفى الدباغ‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪.277/219‬‬

‫[‪ ]6‬عبد القادر ياسين‪-‬كفاح الشعب الفلسطيني حتى عام ‪-0621‬ص‪062‬‬ ‫[‪ ]01‬هارون الرشيد‪-‬قصة مدينة‪-‬ص‪92‬‬

‫[‪ ]00‬محمد خالد االزعر‪-‬المقاومة في قطاع غزة‪-‬ص‪09‬‬ ‫[‪ ]03‬مصطفى الدباغ‪-‬الديار الغزية‪-‬ص‪217‬‬

‫[‪ ]02‬حسين ابو النمل‪-‬قطاع غزة ‪-97/21‬ص‪201‬‬

‫[‪ ]02‬عواد االسطل ‪ ,‬الوضع القانوني لقطاع غزة‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪2‬‬ ‫[‪ ]02‬عواد االسطل‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪9‬‬

‫[‪ ]09‬ابراهيم سكيك‪-‬غزة عبر التاريخ الجزء الثاني‪-‬ص‪26‬‬

‫[‪ ]07‬سميح شبيب‪-‬حكومة عموم فلسطين‪-‬منشورات البيادر‪-‬القدس‪-‬ص‪23‬‬ ‫[‪ ]01‬المصدر السابق‪-‬ص‪21‬‬

‫[‪ ]06‬د‪.‬زياد ابو عمرو‪-‬اصول الحركات السياسية‪-‬ص‪21‬‬ ‫[‪ ]31‬المصدر السابق‪-‬ص‪02‬‬ ‫[‪ ]30‬المصدر السابق‪-‬ص‪09‬‬

‫[‪ ]33‬ابراهيم سكيك‪-‬غزة عبر التاريخ‪-‬جزء‪-7‬ص‪22‬‬ ‫[‪ ]32‬مصدر سابق‪-‬ص‪021‬‬

‫[‪ ]32‬محمد خالد االزعر‪-‬المقاومة في قطاع غزة‪-‬ص‪21‬‬

‫[‪ ]32‬احمد حمروش‪-‬قصة ثورة ‪ 32‬يوليو‪-‬الجزء الخامس ص‪32‬‬

‫‪078‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬ ‫[‪ ]39‬المصدر السابق‪-‬ص‪32‬‬

‫[‪ ]37‬المصدر السابق‪-‬ص‪06/01‬‬

‫[‪ ]31‬د‪.‬رفعت السعيد‪-‬منظمات اليسار المصري (‪-)0627-0621‬ص‪27‬‬ ‫[‪ ]36‬الموسوعة الفلسطينية‪-‬الجزء الثالث‪-‬ص‪262‬‬ ‫[‪ ]21‬المصدر السابق‪-‬ص‪262‬‬

‫[‪ ]20‬المصدر السابق‪-‬ص‪262/262‬‬

‫[‪ ]23‬ابراهيم سكيك‪-‬غزة عبر التاريخ‪-‬ج‪-7‬ص‪29‬‬ ‫[‪ ]22‬الموسوعة الفلسطينية‪-‬ج‪-2‬ص‪262‬‬ ‫[‪ ]22‬المصدر السابق‪-‬ص‪269‬‬

‫[‪ ]22‬احمد حمروش‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪27‬‬ ‫[‪ ]29‬اميل توما‪-‬يوميات شعب‪-‬ص‪067‬‬

‫[‪ ]27‬د‪.‬محمد علي الف ار‪-‬تراث فلسطيني‪-‬ص‪391‬‬ ‫[‪ ]21‬المصدر السابق‬

‫[‪ ]26‬هارون رشيد‪-‬قصة مدينة‪-‬ص‪72‬‬

‫[‪ ]21‬د‪.‬محمد علي الف ار‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪371‬‬ ‫[‪ ]20‬ابراهيم سكيك‪-‬مصدر سابق‪-‬ج‪-7‬ص‪69‬‬

‫[‪ ]23‬المقاومة في القطاع‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪27‬‬

‫[‪ ]22‬عبد القادر ياسين‪-‬شبهات حول القضية الفلسطينية‪-‬ص‪61‬‬ ‫[‪ ]22‬المصدر السابق‪-‬ص‪63‬‬

‫[‪ ]22‬المصدر السابق‪-‬نفس الصفحة‬ ‫[‪ ]29‬مقابلة شخصية مع سكرتير عصبة التحرر الوطني في قطاع غزة‪ ,‬فخري مكي الذي كان له دور بارز في قيادة الجبهة‬

‫الوطنية في القطاع ‪.‬‬

‫[‪ ]27‬من تقريراجتماع االحزاب الشيوعية في دمشق ‪ 6-9‬آب ‪0661‬‬ ‫[‪ ]21‬المصدر السابق‬

‫[‪ ]26‬د‪.‬زياد ابو عمر‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪27‬‬ ‫[‪ ]21‬د‪.‬زياد ابو عمر‪-‬الحركة االسالمية في الضفة وغزة‪-‬دار االسوار‪-‬عكا‪-‬ص‪39‬‬ ‫[‪ ]20‬مصدر سابق‪-‬ص‪26‬‬

‫[‪ ]23‬ريتشارد ميتشل‪-‬االخوان المسلمين‪-‬الترجمة العربية‪-‬بيروت‪-‬ص‪312‬‬ ‫[‪ ]22‬د‪.‬زياد ابو عمر‪-‬مصدر سابق‪-‬ص‪37‬‬

‫‪079‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫على موعد مع انتصار الثورة الشعبية الدميقراطية يف مصر‬

‫‪0 / 7 / 3102‬‬

‫على الرغم من التجربة القصيرة لحركات اإلسالم السياسي في مصر خصوصا ‪ ,‬إال أن الجماهير‬

‫الشعبية اكتشفت زيفها وحقيقتها الطبقية والسياسية التي ال تختلف في جوهرها عن نظام حسني‬

‫مبارك ‪ ,‬وبالتالي كان طبيعيا أن تشتعل ثورة الشباب وجماهير الفقراء والمثقفين بقيادة" حركة تمرد"‬ ‫من جديد معلنة إصرارها وعزيمتها على رفض أخونة مصر العربية وتحقيق أهداف ‪ 32‬يناير تحت‬ ‫شعار إسقاط نظام التخلف والتبعية واالستبداد والقمع واالستغالل ‪ ,‬وتأسيس النظام الديمقراطي الجديد‬

‫من خالل " هيئة تأسيسية" تجسد الشرعية الثورية‪ ,‬على أن يترافق جنباً إلى جنب مع هذه الق اررات ‪,‬‬ ‫إصدار القوانين المؤقتة التي تتضمن صراحة إلغاء كافة االمتيازات الطبقية ‪ ,‬ومصادرة كل الثروات‬

‫غير المشروعة في جميع المجاالت ‪ ,‬والتعويض الفوري ألسر شهداء االنتفاضة ‪ ,‬واعادة إحياء‬ ‫مؤسسات القطاع العام اإلنتاجية وتجديدها ودمقرطتها بعد تطهيرها من كل مظاهر الفساد واالستغالل‬

‫‪,‬وتحديد الحد األدنى والحد األعلى لألجور‪ ,‬والتطبيق الصارم لمبدأ تكافؤ الفرص ‪ ,‬ودعم السلع‬

‫الغذائية واألساسية للشرائح الفقيرة ‪ ,‬واصدار القوانين والق اررات المطلوبة التي تؤكد على اهتمام والتزام‬ ‫النظام الجديد بالقضايا المطلبية للشباب والمرأة وانهاء مظاهر االفقار والبطالة والنهوض باالقتصاد‬

‫والصحة والتعليم والثقافة والبحث العلمي ‪ ,‬في اطار مبدأ تحقيق العدالة االجتماعية و إحياء قيم‬

‫الديمقراطية والتنمية المستقلة ونشر وتكريس روح االنتفاضة والثورة الوطنية ضد كل أشكال التبعية ‪,‬‬

‫وضد الوجود الصهيوني والقواعد العسكرية األمريكية ‪ ,‬وضد كل أشكال االستغالل الرأسمالي والتبعية‬ ‫في شتى صورها‪ ,‬وأن يخطط النظام الديمقراطي الجديد إلى إعادة بناء الذات الوطنية والقومية على‬

‫أسس ديمقراطية و تنموية حديثة وفق قواعد االعتماد على الذات‪ .‬وفي هذا السياق نحذر من أن‬

‫االنتفاضة العربية عموماً ‪ ,‬وفي مصر خصوصاً ‪ ,‬تتعرض لمفترق طرق يهدد حاضرها ومستقبلها ‪,‬‬

‫ما يؤكد على أنه ليس أمام هذه االنتفاضات وقياداتها الوطنية الديمقراطية ‪ ,‬سوى االعتماد على‬

‫الجماهير وتأطير صفوفها وتحشيدها من أجل اثبات ارادتها وتحقيق أهدافها ‪ ,‬وذلك يتطلب اآلن اآلن‬ ‫مزيداً من التظاهر واالعتصامات السلمية الدائمة في مجابهة عناصر وقوى الثورة المضادة والبلطجية‬ ‫‪ ,‬ومن هنا أولوية المبادرة الفورية لتأسيس وبلورة االئتالف الديمقراطي في إطار جبهوي يضم جميع‬

‫القوى الثورية الديمقراطية إدراكا من الجميع أن مستقبل مصر يكمن في تكريس النظام الثوري‬ ‫الديمقراطي سياسيا واجتماعيا المعبر عن مصالح وطموحات الجماهير الشعبية الفقيرة ‪ ,‬فال مستقبل‬

‫للثورة الشعبية إذا ما تعارضت أو تناقضت مع هذه الرؤية ‪ ...‬انها لحظات االنتصار مع الثورة‬ ‫المتجددة والمستمرة عبر انتفاضة الجماهير الشعبية في مصر ‪/21‬يونيو من اجل تحقيق أهداف ثورة‬

‫‪081‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ 32‬يناير التي استشهد من اجلها المئات من مناضلي الشعب المصري العظيم وتتطلع الى تحقيقها‬ ‫وانتصارها جماهير الشعوب العربية التي ستبدأ حراكاً ثورياً من أجل اسقاط كل أنظمة االستبداد‬ ‫واالستغالل والتخلف ومواصلة النضال من أجل رفع راية الحرية واالستقالل والعدالة االجتماعية‬ ‫والديمقراطية الثورية على طريق وحدة المجتمع العربي االشتراكي الكفيل بإزالة الوجود االمبريالي‬

‫والصهيوني من بالدنا ‪.‬‬

‫‪080‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حلظة النهوض الثوري والدميقراطي ملصر وللوطن العربي كله‬ ‫‪3 / 7 / 3102‬‬ ‫ها هي مصر وشعبها العظيم يعيشون اوضاعا ثورية صوب تحوالت سياسية ومجتمعيه تطرد‬

‫"ذهنية العبيد" وتتمرد على االفكار والممارسات الرجعية المتخلفة لجماعة االخوان المسلمين معلنة‬ ‫والدة مشهد جديد ‪ُ -‬م َع َّمد بالتضحيات والدماء الغالية‪ -‬لم تعهده أو تعرفه مصر من قبل ‪ ..‬مشهد‬

‫المواطَ َنة والحرية وكسر الخوف ‪ ...‬هذه الروح تنتشر اليوم‬ ‫الكرامة والعدالة االجتماعية وحرية الرأي و ُ‬ ‫لتسكن عقول وقلوب جماهير الشعب المصري التي انطلقت من جديد لكي تنهي حكم جماعة االخوان‬ ‫المسلمين بعد تكشفت حقيقتهم وزيف شعاراتهم وانتهازيتهم واستبدادهم وتحالفاتهم المشبوهة مع‬

‫االمبريالية االمريكية وقوى االستغالل والفساد في مصر ‪..‬وها هم ماليين الشباب والفقراء وكل‬

‫المضطهدين ينطلقون عبر حركة " تمرد " بثورتهم العظيمة السقاط رئيس وحكومة االسالم السياسي‬ ‫وبداية عهد جديد بقيادة البديل الشعبي الديمقراطي الذي تحكمه معايير ومرجعية الوطن والوطنية‬

‫الحرية والعدالة االجتماعية للفرد والجماعة ضمن عقد اجتماعي مدني وديمقراطي يفصل‬ ‫والمواطنة و ّ‬ ‫الدين عن السياسة ويفصل السياسة عن الدين ويكون المصدر الوحيد لشرعية الرئيس‪-‬الموظف‬ ‫المدفوع األجر لمدة محددة ‪ ,‬يعود بعدها ذلك الرئيس مواطنا عاديا بين الناس الذين من حق أي منهم‬

‫أن ُيرشح نفسه لذلك المنصب أو تلك الوظيفة ‪ ...‬تلك هي طموحات الشعب المصري في لحظة ثورته‪,‬‬ ‫ليس ضد جماعة اإلخوان المسلمين فحسب ‪ ,‬بل أيضا ضد كل مظهر من مظاهر إعادة الفرعنة‬ ‫واالستفراد والتَ َح ُّكم في الدولة المصرية ومستقبلها ‪.‬‬

‫السكون‬ ‫المشتَِعلَة اليوم في مصر على مفترق طرق ‪ ...‬إما العودة إلى‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫بناء عليه ‪ ..‬فهذه الثورة ُ‬ ‫ضوخ للفَر َع َنة واعادة إنتاج التخلُّف واستبداد "القائد الفرد" أو مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها‬ ‫الر ْ‬ ‫وّ‬ ‫في الحرية والديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية من قلب الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها‬

‫االشتراكية ‪ ...‬إنها لحظة النهوض الثوري لمصر وللوطن العربي كلـه ‪.‬‬

‫‪082‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الثورة الوطنية الدميقراطية من منظور يساري‬ ‫‪3 / 7 / 3102‬‬ ‫الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي‬

‫استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ‪ ,‬انطالقا من العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية‬

‫الديمقراطية و الثورة االشتراكية ‪ ,‬فالثورة الوطنية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير‬ ‫يضم القوة الرئيسية للتحالف الثوري المكونة من العمال والفالحين الفقراء‪ ,‬الى جاتب الشرائح الفقيرة‬

‫من البورجوازية الصغيرة ‪( ,‬حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ‪ ,‬وان وجدت فهي مرتبطة‬ ‫بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية‬

‫والسير رأسا نحو"الثورة االشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في األفق‬

‫البرجوازي المسدود‪ .‬فهي تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان االقتصادي االجتماعي ‪ ,‬كما‬

‫وترمي إلى القيام بتحوالت طبقية ‪/‬اجتماعية ثورية تضمن انهاء كل اشكال التبعية لالمبريالية وانهاء‬ ‫هيمنة الكومبرادور والراسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي‬

‫والتعاوني والمختلط في اطار التنمية ‪ ,‬وهذا يعني أن مهامها ‪:‬‬

‫‪ .0‬تصفية البنية االقتصادية التابعة وتصفية البنية االقتصادية الكومبرادورية وكافة الشرائح‬

‫االجتماعية التي تجسد التخلف االقتصادي االجتماعي والتي لها مصلحة في االبقاء عليه ‪.‬‬ ‫والغاء سيطرة اقتصاد السوق في الميدان االقتصادي وتطبيق البرامج العملية النهاء األمية ‪,‬‬

‫وتطوير الصحة والعلم والثقافة الديمقراطية الوطنية والقومية على قاعدة فصل الدين عن‬

‫الدولة‪ ,‬وتوفير التأمينات االجتماعية والصحية ومجانية التعليم للفقراء والمتميزين‪ ,‬وبناء‬

‫الجيش الوطني وكافة المؤسسات األخرى التي تخدم اهداف ومصالح الجماهير الفقيرة‪.‬‬

‫‪ .3‬تصفية البنى اليمينية الليبرالية وبنى االسالم السياسي االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫وتقكيك وازاحة هيمنتها في البناء الفوقي ‪ ,‬وهذا يعني اعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة‬

‫قانونيا وسياسيا وثقافيا بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق‬

‫العمل الدؤوب اللغاء كافة مظاهر التخلف االقتصادي واالجتماعي والثقافي ‪ ,‬وعلى قاعدة‬ ‫العداء والنضال الجتثات الوجود االمبريالي الصهيوني من بالدنا في اطار التحالف‬

‫االستراتيجي مع كافة الدول والشعوب والحركات المناضلة ضد كل اشكال السيطرة االمبريالية‬

‫وحليفها الصهيوني وضد كافة انظمة التخلف واالستباداد والرجعية في بالدنا‪.‬‬

‫‪083‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .2‬اعتماد تطبيق مبادىء التنمية المستقلة المعمدة على الذات ‪ :‬إقامة التعاونيات ‪ ,‬وتنشيط‬ ‫الصناعة الوطنية والزراعة والتجارة الداخلية واشراف الدولة على التجارة الخارجية‪.‬‬

‫‪084‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫من وحي الثورة الشعبية يف مصر العربية ‪ ...‬القوى اليسارية‬

‫الثورية هي القوى الوحيدة املؤهلة لقيادة هذه املرحلة ومستقبلها‬ ‫‪2 / 7 / 3102‬‬ ‫الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري هي استمرار لثورة التحرر الوطني من جهة وهي‬

‫استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ‪ ,‬انطالقا من العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية‬ ‫الديمقراطية و الثورة االشتراكية ‪.‬‬

‫هذه الرؤية تفرض على كافة القوى اليسارية العربية أن تنطلق في نضالها السياسي الديمقراطي‬

‫والكفاحي من ان مهام التحرر الوطني واالستقالل الحقيقي وانهاء كل أشكال االرتهان لإلمبريالية‬

‫ال زالت مهمة رئيسية ال بد من تحقيقها عبر تحطيم وازالة الكتلة الطبقية الكومبرادورية‪ ,‬والبيروقراطية‬

‫التي تشكل رأس حربة الهيمنة اإلمبريالية في بالدنا‪.‬‬

‫لذلك فإن التحرر من الهيمنة اإلمبريالية وتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية يعني بناء االقتصاد‬

‫الوطني وتمكين الجماهير الشعبية من تقرير مصيرها ومستقبلها من خالل ضمان تفكيك الكتلة‬

‫الطبقية السائدة وتصفية وتأميم مصالحها وامتيازاتها الطبقية بما يؤدي إلى تفكيك بنيتها بصورة‬

‫نهائية على المستوى السياسي والمستوى االقتصادي والثقافي‪ ,‬وذلك من خالل صياغة واقرار دستور‬ ‫ديمقراطي علماني يجسد إرادة الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطة‪ ,‬إلى جانب صياغة‬

‫وتطبيق الخطط التنموية الكفيلة بالقضاء على كل مظاهر التبعية واالفقار واالقتصاد الريعي وتفعيل‬

‫وتطوير الصناعات الوطنية في إطار اقتصاد القطاع العام والتعاوني والمختلط ‪ ,‬إلى جانب القيام‬

‫باصالح زراعي تعاوني يمكن الفالحين الفقراء من االرتقاء بأوضاعهم الحياتية واسهامهم في تطوير‬

‫القطاع االنتاجي الزراعي ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق البد من العمل من أجل توفير الحاجيات األساسية من الخدمات االجتماعية‬

‫والصحية والتأمينات ومجانية التعليم للفقراء وكافة الخدمات األساسية للجماهير الفقيرة جنباً إلى جنب‬ ‫مع البرامج الهادفة إلى إنهاء مظاهر الفقر والبطالة وتحديد الحد األدنى واألعلى للدخل وتطبيق مبدأ‬

‫تكافؤ الفرص‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب البد من التأكيد على رفض المنهج اإلصالحي في مسيرة النضال الديمقراطي‬

‫وممارسة هذه العملية بمنهجية ثورية ديمقراطية جذرية تستهدف تغيير بنية أنظمة التبعية والتخلف‬

‫واالستبداد وتحطيم أسسها ومكوناتها الطبقية ‪ ,‬وهنا بالضبط يتجلى دور القوى اليسارية الثورية في‬ ‫قيادة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ‪ ,‬باعتبارها القوى الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه المرحلة‬ ‫‪085‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والتأسيس لمستقبل مجتمعاتنا وشعوبنا ‪ ,‬بعد ان فشلت القوى الليبرالية أو البورجوازية التابعة في‬ ‫تحقيق هذه المهمة من ناحية وبعد ان تأكد للجميع أن تيارات اإلسالم السياسي وجماعة اإلخوان‬

‫المسلمين تحاول إعادة انتاج وتجديد التخلف والتبعية واالستبداد والقهر في بالدنا‪.‬‬

‫‪086‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رؤية أولية حول موقف القوى اليسارية والدميقراطية العربية من‬ ‫حركات اإلسالم السياسي‪..‬‬

‫‪9 / 7 / 3102‬‬ ‫لعل أكثر ما يشغل أذهان القوى الديمقراطية واليسارية تجاه حركات "االسالم السياسي" ‪ ,‬هي‬

‫مرجعياتها السلفية المتزمتة ‪ ,‬وانعكاس ذلك على المسار التحرري والديمقراطي لمجتمعاتنا ‪ ,‬حيث أن‬

‫حركات اإلسالم السياسي يمكن أن تتعاطى مع قضية الديمقراطية‪ ,‬بطريقة استخدامية ‪ ,‬كآلية للوصول‬ ‫إلى السلطة السياسية ومن ثم االستفراد بها‪ ,‬وتحويلها من ٍ‬ ‫مهد للتغيير الديمقراطي ‪ ,‬والتطور‬ ‫السياسي والمجتمعي إلى لحد لهذه العملية كلها‪ ,‬وما قد يترتب على ذلك من إعادة إنتاج التبعية‬

‫واالستبداد بأشكال وصور مستحدثة ‪ ,‬وما سيؤدي إليه هذا المشهد من قيود و " تشريعات " يتم‬

‫فرضها على عملية النهوض والتطور الديمق ارطي لمجتمعاتنا‪ ,‬عبر تقييد وقمع حرية الرأي والتعبير‬

‫والمعتقد‪ ,‬تعزز الموقف الرجعي تجاه مفاهيم الحداثة والتطور المجتمعي عموماً ومن قضية تحرر‬

‫المرأة ومساواتها بالرجل خصوصاً ‪ ,‬ما يعني ضخامة ونوعية القضايا الخالفية بين القوى اليسارية‬

‫والديمقراطية العربية وبين حركات اإلسالم السياسي التي تستند في دعوتها إلى معالجة القضايا‬ ‫المعاصرة‪ ,‬االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ ,‬الى منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة برنامج‬

‫سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي من جهة وال تتناقض مع السياسات االمبريالية واالنظمة الرجعية‬

‫من جهة ثانية ‪ ,‬ما يعني في حال وصولها الى السلطة والحكم‪ ,‬ستعمل على إعادة إنتاج أنظمة‬ ‫استبدادية رجعية وتابعة ‪ ,‬مع استمرار النظام االقتصادي االستغاللي الرأسمالي الرث على ما هو‬

‫عليه‪.‬‬

‫لكن على الرغم من مخاطر وسلبيات هذا المشهد ‪ ,‬البد من االقرار بأن ما يعرف بـحركات "اإلسالم‬

‫السياسي" أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في مجتمعاتنا العربية ‪ ,‬وبالتالي ‪ ,‬فإننا ال نستطيع الحديث‬

‫عن رؤية برنامجية للمرحلة الجديدة‪- ,‬ما بعد إسقاط الجماهير لنظام االخوان المسلمين في مصر‪-‬‬ ‫يتم فيها تجاوز الحركات والجماعات اإلسالمية‪ ,‬دون معالجتها والتفاعل الحواري معها في نظام‬

‫سياسي ديمقراطي وتعددي يرفض كل مظاهر الصراع التناحري واالقتتال الدموي ‪ ,‬التزاما من الجميع‬

‫بتغليب التناقضات الرئيسية ضد العدو االمبريالي والصهيوني على التناقضات الثانوية الداخلية ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬البد لي من أن استحضر تلك اللحظة النهضوية الفارقة في تاريخنا الحديث ‪- ,‬‬

‫وأقصد بذلك المرحلة الممتدة بين عام ‪ 0611‬حتى عام ‪ -0621‬لكي نأخذ منها الدروس والعبر ‪,‬‬

‫‪087‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومن ثم استلهامها وتطبيقها في قلب الحالة الثورية الديمقراطية العربية الراهنة ‪ ,‬لكي نغلق األبواب‬

‫في وجه أدوات الثورة المضادة ‪ ,‬الداخلية والخارجية ‪.‬‬

‫ففي العقود األ ربعة األولى من القرن العشرين‪ ,‬التي تسمى بحق ‪ ,‬عصر النهضة‪ ,‬حيث ارتقى‬

‫الحوار الموضوعي بين األطياف والمذاهب السياسية والفكرية في ذلك العصر كافة ‪ ,‬إلى درجات عليا‬ ‫من حريات الرأي والتعبير والكتابة والمعتقد من خالل عالقات غلب عليها السمو واالستنارة واالحترام‬

‫المتبادل بين الرأي والرأي اآلخر ‪ ,‬حيث برز في تلك المرحلة علماء ومفكرين ‪ ,‬التقوا معاً على أرضية‬ ‫الحوار‪ ,‬رغم تباين منطلقاتهم الفكرية وتعدد محاورها وأهدافها وشعاراتها التي تفاعلت واختلفت في‬ ‫منطلقاتها و منهجيتها في رحاب حرية الرأي والمعتقد والبحث دون أي إرهاب فكري او جسدي أو‬

‫تكفيري ‪ ,‬وفي هذا المناخ الديمقراطي الحر ‪ ,‬تفتحت واينعت ازهار كثيرة نذكر منها عبد الرحمن‬ ‫الكواكبي وجمال الدين األفغاني ‪ ,‬ومحمد عبده وعلي عبد الرازق ‪ ,‬وشبلي شميل وسالمة موسى ‪,‬‬

‫وفرح أنطوان ‪ ,‬وطه حسين وبطرس البستاني وعلي مبارك وهدى شعراوي و إبراهيم اليازجي و جورجي‬

‫زيدان واسماعيل مظهر وأحمد لطفي السيد ‪ ,‬وقاسم أمين ‪ ,‬وأحمد أمين وساطع الحصري‪ ...‬إلخ‪ ,‬في‬

‫إطار ليبرالي واسع ومتنوع الرؤى واألفكار التي تراوحت بين االيديولوجيات الدينية السياسية االصولية‬

‫من ناحية وبين االستنارة والعلم والحداثة وفصل الدين عن الدولة وبين المادية والداروينية وحرية‬

‫المرأة واالستقالل والوحدة القومية واالشتراكية والشيوعية ‪.‬‬

‫غير أن ما يميز األصولية اإلسالمية ‪ ,‬في شكلها العربي عودتها الصارخة إلى مركز الفعل في‬

‫األوساط الشعبية العفوية الفقيرة التي افتقدت القوى الديمقراطية واليسارية المدافعة عن قضاياها ‪,‬‬

‫فاضطرت إلى أن تلجأ إلى السماء للخالص من قهر األنظمة واستغاللها الطبقي ‪ ,‬وكان طبيعياً في‬

‫مثل هذا الوضع أن تجد هذه الجماهير الشعبية الفقيرة في الحركات والجماعات االسالمية مالذاً لها‬ ‫للخالص من أشكال اضطهادها واستغاللها والخروج من فقرها ومعاناتها الناجمة عن فساد تلك‬

‫األنظمة واستبداد اجهزتها القمعية ‪ ,‬وأن تلتحق في صفوف الحركات االسالمية ‪ ,‬من منطلقات‬

‫سياسية ومجتمعية ودينية ‪ ,‬وبذلك استطاعت هذه الحركات –في ظروف الهزيمة السياسية والتراجع‬ ‫المجتمعي من جهة وفي ظروف االنتفاضة الثورية الحالية من جهة ثانية – أن تحقق حالة غير‬

‫مسبوقة تاريخياً من االنتشار ‪ ,‬بعد عقود من التهميش والعزلة والكمون الذي عاشته ‪ ,‬بتأثير المرحلة‬ ‫الناصرية والمد القومي التحرري وانتشار االفكار التنويرية والعقالنية واالشتراكية ‪ ,‬ثم بعد ذلك ‪ ,‬بتأثير‬

‫مرحلة الكفاح المسلح الفلسطيني منذ عام ‪ 0697‬حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي التي كانت‬

‫ايذاناً بوالدة مرحلة التراجع والهبوط السياسي واالنحطاط المجتمعي الذي انتشر في ربوع البلدان‬ ‫العربية منذ ذلك التاريخ‪ ,‬وشكل بدوره بداية االنتشار الفعلي للحركات اإلسالمية األصولية التي لم يكن‬

‫ممكناً أن تنتشر في غير هذه الظروف‪.‬‬

‫‪088‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومع هذا االنتشار غير المسبوق‪ ,‬انتقلت الحركات االسالمية األصولية من حالة التهميش ‪ ,‬إلى‬

‫حالة التأثير والفعل ‪ ,‬ليس لنشر منطلقاتها وآرائها فحسب ‪ ,‬بل أيضاً لتمارس – بصورة مباشرة وغير‬ ‫مباشرة‪ -‬نوعاً من االستنفار ألدواتها االيديولوجية أو الفكرية الغيبية المنغلقة ‪ ,‬في محاولة لمواجهة‬ ‫الفكر التنويري العقالني‪ ,‬الوطني والقومي‪ ,‬لتجعل من تهديم مفاهيم التنوير والعقالنية والحداثة‬

‫والليبرالية والعلمانية والمواطنة والدولة المدنية والوحدة العربية واالشتراكية غايتها األساسية األولى ‪,‬‬

‫ومن ثم استخدام الدين السياسي ‪ ,‬كأداة مصالحة مع الواقع المرير وأدواته الطبقية ‪ ,‬الرأسمالية‪,‬‬

‫الداخلية والخارجية ‪ ,‬خاصة وأن هذه الحركات ال تتناقض أبداً مع النظام الرأسمالي بل تعتبر نفسها‬ ‫جزء ال يتج أز منه ‪ ,‬ولكن بمنطلقات إسالمية عبر ما يسمى بـ"االقتصاد اإلسالمي"‪.‬‬

‫أما بالنسبة للعالقة بين اليسار العربي وحركات اإلسالم السياسي‪ ,‬أود التوضيح هنا أنني لست في‬

‫وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ‪ ,‬في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية‪,‬‬

‫فهذه المسألة ليست بجديدة‪ ,‬كما أنها ليست ملحة‪ ,‬كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة‬

‫يحملها الناس‪ ,‬وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ‪ ,‬فان يكون لنا موقف فلسفي من‬

‫الدين‪ ,‬ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬فان واجبنا‬ ‫النضالي يفترض منا االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية‪ ,‬والتفاعل مع قضاياه وهمومه‬

‫وجذبه إلي النضال من اجل الحرية واالستقالل والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر‬ ‫واالستبداد‪ ,‬انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم‬

‫السياسي والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ‪ ,‬فهي تنظر إلى‬

‫تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم‪ ,‬وصوغ الرؤية التي تكيفهم‬ ‫الدين بوصفه جزءاً من ّ‬ ‫تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر‪ ,‬وانتظام البشر في الواقع‪.‬‬ ‫معه‪ ,‬وأنه ش ّكل ّ‬ ‫وعلى الرغم من كل ما تقدم ‪ ,‬فإن المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً‪ ,‬تؤشر إلي أننا سنواجه‬

‫–مع حركات اإلسالم السياسي‪ -‬ظروفا وأوضاعاً مستجدة‪ ,‬ما يفرض على القوى اليسارية والديمقراطية‬ ‫العربية أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديموقراطية مع هذه الحركات‬

‫بمختلف مذاهبها ‪ ,‬بحيث تحرص على ان ال تصل االختالفات معها ‪ ,‬إلى مستوى التناقض التناحري‬

‫الذي يحكم عالقتنا بالعدو اإلمبريالي الصهيوني‪ ,‬انطالقاً من رؤيتنا تجاه هذه الحركات ‪ ,‬التي تؤكد‬

‫على "أن قوى اإلسالم السياسي هي مكون طبيعي من مكونات النسيج السياسي واالجتماعي العربي‬ ‫على الرغم من أية خصوصيات تمثلها‪ ,‬وعلى هذا الصعيد يهمنا أن نؤكد بأننا نرى في تلك القوى‬

‫إحدى دوائر الفعل والتفاعل ‪ ,‬وذلك وفق قواعد االختالف والديمقراطية والتعددية والحريات العامة‬

‫والخاصة التي يتوجب االحتكام إليها ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لعالقة اليسار الفلسطيني مع قوى اإلسالم السياسي فهي "عالقة متحركة وجدلية تبعاً‬

‫لتناقضات الواقع السياسية واالجتماعية‪ ,‬وتبعاً للتناقضات التناحرية مع العدو الصهيوني حيث يمكن‬ ‫‪089‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أن تتوفر حالة من التقاطع على الصعيد السياسي في اللحظة التي تقف فيها قوى اليسار والقوى‬

‫اإلسالمية على أرضية المعارضة والمواجهة لمشاريع التسوية األمريكية – اإلسرائيلية ‪ ,‬بينما على‬

‫الصعيد االجتماعي فإن التعارض والتناقض أكثر حضو ارً‪ ,‬سواء على صعيد فهم الديمقراطية كقيم‬ ‫وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا االجتماعية الرئيسية حرية المرأة‪ ,‬حرية‬

‫االعتقاد وحرية التعبير واالجتهاد وحرية اإلبداع الثقافي وقضايا العدالة االجتماعية واالقتصادية‬

‫بمختلف تجلياتها"‪.‬‬

‫إن وضوح هذه الرؤية‪ ,‬ومن ثم البناء عليها بالنسبة لعالقة القوى اليسارية مع القوى اإلسالمية‬

‫يتطلب من هذه األخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية‪:‬‬ ‫أوال‪ :‬النضال من أجل تحرير الوطن من االحتالل ‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رفض التبعية بأشكالها المختلفة السياسية واالقتصادية والثقافية ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬رفض التطبيع بكافة أشكاله ورفض الصهيونية كعقيدة معادية لشعبنا وللشعوب العربية‬ ‫وحضارتها وتراثها وقيمها‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية في هذه المرحلة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬النضال من اجل الديمقراطية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها‬ ‫وفي مقدمتها حرية المعتقد‪.‬‬

‫هذه هي ابرز مالمح وسمات المرحلة السياسية الجديدة كما نقرؤها في اللحظات السياسية الراهنة‪.‬‬

‫أخي ارً إن احترامنا لألديان عموماً والتراث الديني اإلسالمي خصوصاً‪ ,‬يتطلب منا –عبر الحوار‬

‫الديمقراطي‪ -‬رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر واإلبداع والبحث العلمي وحرية الرأي والرأي‬ ‫اآلخر‪ ,‬وكذلك رفض اختزال اإليمان الديني إلى تعصب حاقد ضد اآلراء واألفكار والعقائد األخرى‪.‬‬

‫‪091‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يف مفهوم االغرتاب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي‬ ‫‪03 / 7 / 3102‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫مفهوم االغتراب‬

‫االغتراب‪ ,‬كمفهوم ذي دالالت‪ ,‬يمثل نمطا من تجربة يشعر فيها اإلنسان بالغربة عن المجتمع من‬

‫حوله وليس غربة عن الذات (جنون)‪ .‬ومعاني االغتراب متعددة‪ ,‬اجتماعية ونفسية واقتصادية‪ ,‬ويمكن‬

‫إجمالها في انحالل الرابطة بين الفرد والمجتمع‪,‬فيصبح المرء مرهونا له‪ /‬لها‪ ,‬بل مستلَبا‪ .‬وهذا ما يولِّد‬ ‫التذري واالنفصال عن المحيط الذي يعيش فيه‪.‬‬ ‫شعو ار‬ ‫داخليا بفقدان الحرية واإلحباط والتشيؤ و ِّ‬ ‫ّ‬ ‫حول ماركس االغتراب من ظاهرة فلسفية ميتافيزيقية‪ ,‬كما كان عند هيغل‪ ,‬إلى ظاهرة تاريخية لها‬ ‫َّ‬ ‫أصولها التي تنسحب على المجتمع والعالقات االجتماعية واالقتصادية‪ .‬وبهذا استعمل ماركس مفهوم‬

‫االغتراب لوصف “الالأنسنة” التي تنجم عن تطور عالقات اإلنتاج في المجتمع الرأسمالي‪ ,‬أو لوصف‬ ‫"الال أنسنة" في مجتمع االستبداد والقمع للحريات والتخلف‪.‬‬

‫ان البداية الصحيحة لنقاش أي مسألة كانت‪ ,‬تكمن في االتفاق أوالً على ماهية المنهج السليم‬

‫للنقاش وإلدارة الحوار ‪ ,‬وهذا ليس اختصا ار للوقت ‪ ,‬بل الشرط الذي ال غنى عنه لكي يذهب البحث‬ ‫والنقاش صوب جوهر القضايا وال يغرق في التفاصيل بما يضمن‪ ,‬تحقيق هدف الحوار ووظيفته التي‬

‫تتحدد في استشراف الخطوط الرئيسية للمستقبل انطالقا من الحاضر والماضي ‪.‬‬

‫وفي كل االحوال فإن االغتراب من حيث المبدأ نتاج اإلنسان‪ ,‬ورغم أن البشر بهذا المعنى هم الذين‬

‫يصنعون العالم االجتماعي الذي يعيشون فيه‪ ,‬فان هذا العالم يصبح فيما بعد غريبا عنهم ال يملكونه‬

‫وانما تملكه وتملك اإلنسان معه أشياء أخرى صنعها اإلنسان بنفسه ثم استقلت عنه وسيطرت عليه‬ ‫كما هو الحال في ظل عالقات السيطرة واالستغالل والقهر في المجتمعات الرأسمالية والمجتمعات‬

‫التابعة والمتخلفة ‪ ,‬كما في بلداننا العربية ‪ ,‬حيث تسود هيمنة المؤسسات السلطوية وآلياتها السياسية‬ ‫واألمنية واالجتماعية بكل اجهزتها القمعية المتنوعة ‪ ,‬وهكذا يحدث االغتراب الذي ال سبيل لهزيمته إال‬

‫بمزيد من المعرفة المتحررة المبنية على اإلدراك الشامل لكل مظاهر وادوات االستبداد والتخلف والتبعية‬

‫واالستغالل الطبقي والنضال التحرري والديمقراطي من قلب الصراع الطبقي من اجل اجتثاث تلك‬

‫المظاهر بما يضمن تحقيق اهداف وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة في الحرية والمساواة وتكافؤ‬

‫الفرص والتنمية المستقلة الشاملةوالتعددية الديمقراطية والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية ‪.‬‬

‫‪090‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)3‬‬

‫مخاطر االغتراب على راهن ومستقبل احزاب وفصائل اليسار‬

‫االغتراب لدى فصائل واحزاب اليسار يصبح له معنى أشمل عندما يرتبط بالتراجع والتفكك والهبوط‬

‫السياسي واالنتهازية واالرتداد الفكري وفقدان المصداقية والتأثير في اوساط الجماهير‪ ,‬وحينما تشعر‬

‫‪ -‬هذه الفصائل ‪-‬أن ثقافتها وشعاراتها السياسية ورؤيتها الفكرية وبرامجها لم تعد من ممتلكاتها وأن‬

‫أسسها ومبادئها النظرية والفكرية والسياسية لم تعد تلهمها في شيء لفهم التحوالت الجارية أو لفهم‬ ‫مقتضيات النضال السياسي والكفاحي والديمقراطي والصراع الطبقي ‪ ,‬فتنكمش على ذاتها وتنسحب من‬

‫الواقع تدريجيا حتى تفقد تلك الصلة التي تربطها به‪ ,‬وذلك حينما تتكرس حالة االنفصام أو العزلة أو‬ ‫الفجوة بين الوثائق النظرية للحزب وبين ممارساته العملية ‪ ,‬بحيث تصبح هذه الممارسات بعيدة إلى‬

‫حد كبير عن مضمون وأهداف الرؤية او المحددات النظرية كما وردت في وثائق هذاالحزب أو الفصيل‬

‫او ذاك ‪ ,‬وفي مثل هذه االحوال من التراجع يصبح االغتراب مظه ار رئيسا لدى العديد من االعضاء‬

‫الثوريين المتميزين بوعيهم والتزامهم العملي والنضالي باالهداف والمبادىء ‪ ,‬ولذلك يمارسون كل‬ ‫اشكال التحدي ال زاحة االغتراب ‪ ,‬لكن تراكم مظاهر وشخوص التراجع االنتهازي والشللي التي تكرس‬

‫عوامل االنهيار الفكري والسياسي تجعل موازين القوى داخل الحزب او الفصيل لصالح قوى االرتداد‬ ‫والتراجع ‪ ,‬ومن ثم يصبح الحزب او الفصيل معرضا لمزيد من عوامل التفكك تمهيدا النهياره واسدال‬

‫الستار عليه ووالدة القوى الثورية الجديدة من داخله ومن خارجه ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ما هي مظاهر الضعف الفكرية والسياسية داخل فصائل واحزاب اليسار التي يمكن أن تؤدي إلى‬

‫سيطرة مناخ االغتراب فيها ؟‬

‫سأحاول على هذا السؤال من خالل إبداء بعض المالحظات ‪.‬‬

‫المالحظة األولى‪ :‬تتعلق بحالة الضعف التاريخي للوعي العميق بمفهومي القومية والماركسية ‪,‬‬

‫حيث جاء انهيار االتحاد السوفيتي وتحوالت العولمة الرأسمالية ليضفي مزيداً من االرباكات والحيرة‬ ‫والفوضى الفكرية على جميع فصائل وأحزاب اليسار العربي ‪ ,‬وفي هذا السياق أشير إلى أن معظم هذه‬ ‫االحزاب والفصائل ال ينطبق عليهم صفة اليسار الماركسي ‪ ,‬فمن يقبل بالمناهج االصالحية الليبرالية‬

‫او باتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو أو يقبل بالتفاوض مع دولة العدو اإلسرائيلي او‬ ‫االعتراف بها ‪ ,‬ومن يقبل المشاركة في حكومات انظمة االستبداد اوحكومة سلطة الحكم اإلداري‬

‫الذاتي‪ ,‬ومن وافق على الذهاب إلى ما يسمى بمؤتمر جنيف الذي استهدف شطب حق العودة وشطب‬

‫الحقوق التاريخية ‪ ,‬فال يجوز موضوعياً ان يندرج تحت مسمى اليسار‪ ,‬وبالتالي فإن هذه األحزاب‬ ‫تعيش داخلياً حالة شديد من االغتراب لدى عموم االعضاء عندما يصعب على هذا المكون األيدلوجي‬ ‫‪092‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إيجاد مكانه الطبيعي ويعيش نوعا من التيه والحيرة معا على مستوى الموقع أوال وقد يمتد إلى ذلك‬

‫ليشمل المرجعية أيضا‪.‬‬

‫المالحظة الثانية‪ :‬هي أن اليسار العربي عموما لم يعد قاد ار على إنتاج معرفة جديدة للواقع‬

‫السياسي ‪ ,‬االجتماعي ‪ ,‬االقتصادي ‪ ,‬الثقافي ‪ ,‬القانوني ‪ ,‬برؤية وطنية وقومية يسارية ثورية‬

‫وديمقراطية واضحة المعالم ‪ ,‬ويعود السبب في ذلك إلى أزمة القيادة المستفحلة تاريخياً ‪ ,‬والتي‬ ‫انتشرت في أوساط الهياكل والمراتب الحزبية االخرى ‪ ,‬إلى جانب غياب أو ضعف الوعي العميق‬ ‫باألفكار المركزية التوحيدية لهذه األحزاب والفصائل من جهة وتراجع حالة الشغف والدافعية الذاتية أو‬

‫القناعة لدى األعضاء بتلك األفكار من جهة ثانية ‪ ,‬ليس بسبب عدم صالحية الفكر أو المنهج‬

‫الماركسي ‪ ,‬بل بسبب الضعف الفكري والبنيوي للقيادة وعجزها أو قصورها في تطبيق البرامج الفكرية‬ ‫والسياسية والمجتمعية التثقيفية لدى أعضائها ؛ إذ أن أغلب تساؤالت اليسار اليوم ال تزال حبيسة‬

‫ماضيه دون أي ابداع أو تجديد يتناسب مع المستجدات والمتغيرات الراهنة ‪ ,‬بل إن اليسار الفلسطيني‬ ‫رهن عدد من القضايا واإلشكاالت السياسية والمقاومة على حساب االشكاالت المجتمعية ‪ ,‬وعلى الرغم‬

‫من أهمية ذلك فإنه ال يمكن من الناحية العلمية أن نرهن كل المشكالت بالقضايا التحررية أو‬

‫السياسية ‪ ,‬فال بد من مقاربات علمية لكافة الظواهر االجتماعية وايجاد عالقات سببية وروابط واضحة‬

‫بين التحرر الوطني وقضايا التطور االجتماعي الديمقراطي ‪ ,‬واعمال أدوات تحليل مناسبة قادرة على‬ ‫إظهار هذه العالقات ‪ ,‬بما يمكن الحزب أو الجبهة من االقتراب والتفاعل مع القضايا المطلبية واقناع‬

‫الجمهور المعني بالعالقة التفاعلية المتصلة بينه وبين الحزب‪.‬‬

‫المالحظة الثالثة‪ :‬عدم قدرة اليسار على بلورة الدور الطليعي مع متطلبات التغيير الجديدة في‬

‫المجتمعات العربية اثناء وبعد االنتفاضات الثورية ‪,‬األمر الذي عزز عوامل االغتراب لديه‪.‬‬

‫المالحظة الرابعة‪ :‬اليسار بحاجة ماسة اليوم إلى مراجعة التنظيم وأسلوب العمل‪ ,‬بما يسمح له‬

‫بإعادة ترتيب البيت الداخلي والفعل المباشر في المجتمع وااللتحام بقضاياه‪ ,‬مما يطرح السؤال‬

‫العريض أين اليسار من حلم تأطير الجماهير وتحريك الشارع‪...‬؟ إن احوال التراجع السياسي‬

‫والجماهيري لدى أحزاب وفصائل اليسار ترك –إلى جانب أسباب أخرى‪ -‬مجاال خصبا لإلسالميين‬ ‫لالشتغال دون مزاحمة عندما عجز عن االشتغال الطبيعي في أوساط الفقراء وتجمعاتهم السكنية في‬

‫المدن والمخيمات والقرى في الوطن والشتات ‪.‬‬

‫واالشكالية هنا أن أحزاب وقوى اليسار ‪ ,‬اعتبروا على الدوام أن المشكلة األساس تكمن في‬

‫القضايا السياسية أو التحررية الكبرى‪ ,‬وهذا صحيح من حيث المبدأ ‪,‬لكن الفقير الذي ال يملك قوت‬ ‫اسرته أو عالج اطفاله أو تأمين دخل الئق له وألسرته ‪ ,‬ال يمكن ‪ ,‬بل يستحيل أن يناضل من أجل‬

‫القضايا السياسية الكبرى ‪ ,‬ولذلك فإن الموضوعية في مسيرة النضال السياسي لليسار الماركسي ‪,‬‬

‫تقتضي ايالء القضايا المجتمعية واالقتصادية للجماهير الفقيرة اهتماماً فائقاً يتوازى ويندمج مع‬ ‫‪093‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫القضايا السياسية التحررية‪ ,‬ذلك إن الضعف الشديد في هذه الممارسة اتجاه الشرائح الفقيرة جعل‬

‫اليسار يفقد البوابة الرئيسية للنشاط السياسي والتوسع التنظيمي في أوساط الفئات الفقيرة وااللتحام‬ ‫بها تمهيداً لتأطيرها في خضم النضال الوطني التحرري ‪.‬‬

‫‪094‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫املفاهيم والقيم االخالقية واجملتمعية العربية وافاق املستقبل‪.....‬‬ ‫‪06 / 7 / 3102‬‬ ‫في تناولي لهذا العنوان ‪ ,‬أرى ان من المفيد االشارة إلى حالة االخالق العربية االسالمية الراهنة‬

‫كامتداد تاريخي مع المفاهيم والقيم االخالقية والمجتمعية التي سادت في التاريخ القديم وتواصلت مع‬

‫التاريخ الحديث والمعاصر ‪ ,‬وذلك يعود –من وجهة نظري‪ -‬إلى طبيعة التطور االجتماعي واالقتصادي‬

‫المشوه تاريخيا وراهنا من ناحية ‪ ,‬وبتأثير التراث الغيبي وضعف نمو وانتشار الرؤى التنويرية أو‬

‫العقالنية أو الحداثية بحكم قوة التخلف واحتجاز التطور من ناحية ثانية ‪ ,‬بحيث أدى كل ذلك إلى‬

‫انتاج وترسيخ عالقات اجتماعية وقيمية جاءت انعكاسا طبيعيا لبنية التخلف في الواقع االجتماعي‬ ‫العربي ‪ ,‬وبالتالي فإننا نالحظ استمرار سيادة أو هيمنة هذه العالقات أو االتجاهات القيمية في الثقافة‬

‫العربية حتى اليوم عبر مجموعة من االتجاهات القيمية المتناقضة بين الجديد الحداثي والقديم‬

‫الرجعي‪ .0 :‬قيم القضاء والقدر وقيم االختيار الحر ‪ .3 .‬الصراع بين القيم السلفية والقيم المستقبلية‬

‫(في تعاملنا مع الحاضر نعود إلى الماضي وال نتوجه إلى المستقبل ‪ - 2 . ) .‬الصراع بين القيم‬ ‫العقالنية الحديثة‪ ,‬وبين القيم العاطفية والتراثية من عفوية وبداهة وفطرة وايمان وارتجال ‪-2‬قيم‬

‫االمتثال والطاعة وصراعها مع قيم التمرد والتفرد والتحرر ‪ .9 .‬قيم الجمود واالنغالق على الذات ‪.‬‬ ‫‪.7‬قيم الوالء للسلطة مقابل قيم التمرد والثورة عليها ‪.‬‬

‫لكن عملية التغيير والتمرد والثورة على انظمة االستبداد والتخلف مشروط بتقدم وتطور وتوسع‬

‫االحزاب اليسارية والديمقراطية الثورية في اوساط الجماهير من اجل تحقيق االهداف العظيمة في‬ ‫الخالص نهائيا والى االبد من كل اشكال االستغالل الطبقي الكومبرادوري والطفيلي الذي تجسده قوى‬

‫الليبرالية الرثة وقوى الرجعية واالسالم السياسي وجماعاته ‪ ,‬وبدون ذلك فان ازمة مجتمعاتنا العربية‬

‫سيعاد انتاجها من جديد بصور اكثر تخلفا مما كان عليه الحال قبل االنتفاضات العربية ‪ ,‬ومن ثم‬ ‫استيعاب وتكريس ونشر قيم الحرية والديمقراطية السياسية والمجتمعية وقيم العدالة والمساواة‪ ,‬الى‬

‫جانب نشر وتكريس السمات األساسية للثقافة العقالنية أو ثقافة التنوير‪ ,‬بمنطلقاتها العلمية وروحها‬

‫النقدية التغييرية‪ ,‬وابداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من حرية الرأي والمعتقد والمواطنة وفصل‬ ‫الدين عن السياسة‪ ,‬ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود االجتماعي‬ ‫واالخالقي والدور التاريخي الموضوعي للنهوض الحداثي وللثورة الوطنية الديمقراطية وللمشروع‬

‫القومي التقدمي أو الذات العربية في وحدة شعوبها‪ ,‬ووحدة مسارها ومصيرها‪ ,‬إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي‬

‫‪095‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫احتياجات التطور السياسي واالجتماعي واالقتصادي العربي ‪ ,‬وهنا بالضبط تتجلى قيمة التأييد‬

‫والتضامن مع االنتفاضات الثورية العربية الحاملة للرؤى النهضوية العقالنية الديمقراطية بمثل ما‬ ‫تتجلى الحاجة الى مواصلة الثورة الشعبية التغييرية الشاملة بافاقها االشتراكيةالتي تقتلع الطبقات‬ ‫االستغاللية من جذورها و تطال كل جوانب البنية المادية والمجتمعية العربية وازاحة التبعية وكل‬

‫مفاهيم واليات وادوات االستبداد واالستغال ل والتخلف االجتماعي واالخالقي في بالدنا ‪.‬‬

‫‪096‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫احلالة الثورية يف مصر وتداعياتها على حركة محاس والوضع‬ ‫‪32 / 7 / 3102‬‬

‫الفلسطيني‬

‫منذ اندالع االنتفاضات الشعبية وسقوط رؤوس أنظمة االستبداد في تونس ومصر ‪ ,‬واشتعالها في‬

‫اليمن وسوريا والبحرين واألردن ‪ ,‬توجهت انظار الشعب الفلسطيني صوب هذه االنتفاضات تعبي ارً عن‬ ‫فرحته وتأييده للمشهد العربي الديمقراطي "الجديد" في انتظار نتائج "الصندوق" أو االنتخابات ‪.‬‬

‫لكن تداعيات األحداث في مصر‪ ,‬سرعان ما كشفت فشل االنتفاضات العفوية في قطف ثمار ثورتها‬ ‫وتحقيق األهداف التي انطلقت من أجلها في الحرية والكرامة والديمقراطية‪ ,‬بسبب افتقارها للتنظيم ولكل‬ ‫من الرؤية الثورية والقيادة الوطنية المعبرة عن طموحاتها ‪ ,‬فاالنتفاضة الشعبية مهما كان حجمها‬

‫وانتشارها‪ ,‬ال تعني أبداً قدرتها على فرض الحل الثوري الجذري ‪ ,‬طالما بقيت الجماهير أسيرة لعفويتها‬ ‫وفاقدة للوعي الثوري‪ ,‬األمر الذي دفع بقيادة الجيش إلى أن تتولى مقدرات السلطة والحكم بالمرحلة‬

‫االنتقالية في مصر بعد ‪/32‬يناير مفسحة المجال – ألول مرة في تاريخ مصر الحديث‪ -‬لجماعة‬

‫اإلخوان المسلمين بتشجيع أمريكي ‪ ,‬الوصول إلى سدة الحكم‪ ,‬حيث نجحت بسبب قوة انتشارها‬ ‫وتغلغلها في صفوف الجماهير الفقيرة‪ ,‬في قطف ثمار االنتفاضة وتحقيق الفوز في االنتخابات‬

‫والوصول إلى قمة السلطة الحاكمة في تونس ومصر‪ ,‬عبر شعارات وبرامج سياسية واقتصادية‬

‫واجتماعية لم تحمل في طياتها أي شكل من أشكال التناقض مع سياسات نظام الرئيس المخلوع من‬

‫ناحية‪ ,‬ومع سياسات الواليات المتحدة والنظام الرأسمالي التابع‪ ,‬إلى جانب استمرار اعترافها بالدولة‬

‫الصهيونية واالتفاقات المعقودة معها من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬أشير إلى أن الحالة الثورية الديمقراطية في مصر انطلقت من هموم الجماهير‬

‫الشعبية المصرية وقضاياها المطلبية في العدالة االجتماعية إلى جانب المطالبة بالحرية والديمقراطية‬

‫وحرية الرأي والمعتقد ضد االخونة‪ ,‬لكنها بالمقابل ابتعدت تماماً عن اية ارتباطات سياسية معادية‬

‫لالمبريالية واسرائيل ‪ .‬وفي هذا الجانب من المهم اإلشارة إلى أنه إذا كان النظام الديمقراطي في مصر‬

‫بعد ‪/21‬يونيو سيظل ملتزماً باتفاقات كامب ديفيد وباالعتراف بإسرائيل والتبعية لسياسات اإلمبريالية‬

‫األمريكية ‪ ,‬فإن جماعة اإلخوان المسلمين بدأت منذ سنوات –وفق العديد من المصادر الموثوقة‪-‬‬

‫اتصاالتها المباشرة وغير المباشرة مع اإلدارة األمريكية وصوالً إلى نوع من التوافق بينهما عشية‬

‫االنتفاضة في ‪ /32‬يناير ‪ ,‬ولم يكن فوز د‪.‬محمد مرسي في احد تجلياته سوى تجسيد لهذا التحالف‬ ‫على األهداف المشتركة وخاصة سياسات االقتصاد الحر والخصخصة ورفض تدخل الدولة في‬

‫االقتصاد بذريعة الدفاع عن "االقتصاد اإلسالمي" ضد كل قوى التقدم والحداثة والديمقراطية والتطور‬ ‫‪097‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الصناعي عموماً وضد قوى اليسار العربي خصوصاً ‪ ,‬األمر الذي أدى إلى تفاقم األوضاع االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والبطالة والفقر والغالء واالستبداد في أوساط الجماهير المصرية‪ ,‬عالوة على التزام‬

‫اإل خوان المسلمين باتفاقات كامب ديفيد ومواصلة العالقة مع الدولة الصهيونية ‪ ,‬والصمت المطبق‬ ‫على جرائم العدو الصهيوني ضد شعبنا الفلسطيني ‪.‬‬

‫ففي ظل مشهد اإلسالم السياسي برئاسة د‪.‬محمد مرسي‪ ,‬حرصت جماعة اإلخوان المسلمين على‬

‫تكريس األوضاع االقتصادية والطبقية على ما كانت عليه إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك ‪,‬‬ ‫إلى جانب حرصها على صياغة وتطبيق مجموعة من القوانين واألنظمة الهادفة إلى رفض جوهر‬ ‫الشكل الليبرالي للديمقراطية السياسية وحرية األفراد وحرية الرأي والمعتقد ‪ ,‬وتكييفه وفق منظورها‬

‫األيديلوجي الديني الكفيل بإعادة انتاج وتجديد التخلف االجتماعي ‪ ,‬وايجاد السبل الكفيلة بصياغة‬

‫أشكال جديدة من التبعية للسياسات األمريكية ارتباطاً بالمصالح الطبقية الكومبرادورية والطفيلية‬ ‫المحيطة بجماعة اإلخوان المسلمين دونما أي اهتمام بالشعارات واألهداف االجتماعية بالنسبة‬

‫لجماهير العمال والفالحين الفقراء وبالنسبة للشباب والمرأة وصغار الموظفين وكافة قضايا العدالة‬ ‫االجتماعية واالقتصادية (زيادة األجور ‪ /‬البطالة ‪ /‬الفقر ‪ /‬دعم السلع األساسية للفقراء ‪ /‬الغالء‬

‫والتضخم ‪ ...‬إلخ)‪.‬‬

‫وفي مثل هذه األوضاع ‪ ,‬لم يكن مستغرباً ‪ ,‬اشتعال االنتفاضة الثورية من جديد في مصر عبر‬

‫حــركة تــمرد في ‪ 9/21‬ضد اإلخوان المسلمين بعد أن تكشفت الجماهير زيف شعاراتها ‪ ,‬واستطاعـت‬ ‫‪-‬بدعم واضح من الجيش‪ -‬عزل الرئيس واسقاط نظام الجماعة والتحرر من الحكم اإلخواني واسدال‬

‫الستار على مشهد اإلسالم السياسي بعد عام واحد فقط من وصوله إلى الحكم‪.‬‬

‫لقد حسم الجيش موقفه لصالح القوى الديمقراطية الليبرالية ‪ ,‬بعد أن وصل الرفض الشعبي ألخونة‬

‫الدولة ولحكم الرئيس مرسي وجماعته حداً ال يمكن وقفه إال عبر الشرعية الثورية‪ ,‬التي استند إليها‬ ‫الجيش لعزل الرئيس وانهاء سيطرة جماعة اإلخوان المسلمين على الدولة ومؤسساتها ‪ ,‬على الرغم‬ ‫من إدراك الجيش والقوى الثورية في مصر حجم وقوة انتشار الجماعة وحركات اإلسالم السياسي‪ ,‬في‬

‫المجتمع المصري عموماً ‪ ,‬وفي أوساط الفالحين الفقراء في األرياف‪ ,‬وفي أوساط فقراء المدن‪ ,‬حيث‬ ‫سارعت جماعة االخوان المسلمين إلى رفض وادانة قرار الجيش المطالبة بعودة الرئيس المعزول‪ ,‬ومن‬ ‫ثم بدء أشكال جديدة من الصراع الدموي إلى جانب المظاهرات االعتصامات المؤيدة للجماعة في‬

‫معظم المدن‪.‬‬

‫وفي هذا المناخ‪ ,‬اندفعت حركة حماس باعتبارها أحد فروع االخوان المسلمين‪ ,‬إلى تأييد األصل أو‬

‫المركز القيادي األم لجماعة االخوان المسلمين في مطالبتهم بعودة الرئيس مرسي وحكومته ‪ ,‬ووضعت‬

‫فضائياتها ‪ :‬القدس واألقصى ‪ ,‬في خدمة الجهاز اإلعالمي لإلخوان المسلمين في مصر ‪ ,‬األمر الذي‬

‫خلق حالة من النقد واالستياء‪ ,‬سرعان ما تحولت إلى حالة من العداء لحركة حماس ‪ ,‬وامتدت‬ ‫‪098‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تداعياتها ضد الشعب الفلسطيني عموماً‪ ,‬وفي قطاع غزة خصوصاً عبر وسائل اإلعالم والصحف‬ ‫والفضائيات ومقاالت العديد من المثقفين الليبراليين المصريين ‪.‬‬

‫لذلك أقول – بكل حزن وألم‪ -‬ان موقف حركة حماس وتداعياته اإلعالمية والسياسية والمجتمعية‬

‫في الذهنية الشعبية العفوية المصرية‪ ,‬سيترك أث ارً بالغ السوء على مستقبل القضية الفلسطينية ‪ ,‬عبر‬ ‫مراكمته لمزيد من العزلة والتراجع في أوساط الشعب العربي في مصر الذي يعيش –في معظمه‪ -‬حالة‬

‫من الرفض لممارسات جماعة اإلخوان المسلمين‪ ,‬ترافقت مع حالة من العداء الشديد لحركة حماس‬

‫التي استطاعت وسائل اإلعالم وبعض القوى السياسية المصرية‪ ,‬تكريس االنطباع في أذهان قطاع‬ ‫واسع من الشعب المصري‪ ,‬وبأساليب ال تخلو من المبالغة‪ ,‬بان حركة حماس مسئولة عن تهديد‬

‫األمن القومي المصري‪ ,‬متناسين أن اتفاق كامب ديفيد كان ومازال السبب الرئيسي في تهديد األمن‬

‫القومي لمصر‪ ,‬كما اتهموا حماس بأنها المسئولة عن تهريب السالح إلى سيناء ومسئولة عن قتل‬

‫عدد من الجنود المصريين على حدود رفح‪ ,‬ومسئوليتها عن تهريب المساجين أثناء انتفاضة‬

‫‪/32‬يناير‪ ,‬إلى جانب حديث بعض اإلعالميين والمثقفين الليبراليين‪ ,‬بأن "كل تنظيم إسالمي متطرف‬ ‫في سيناء يوجد له نظير في قطاع غزة" وأن حماس تعرف جيداً التنظيمات االرهابية في سيناء‪,‬‬

‫وتأكيدهم على أن كل ما يحدث في سيناء هو "مشروع متفق عليه بين كل الجماعات اإلسالمية التي‬ ‫تحاول اإليقاع بين الناس في سيناء وبين الجيش"‪ ,‬وجاءت تصريحات كل من صفوت حجازي ومحمد‬

‫البلتاجي (عضوي قيادة االخوان المسلمين) التي أعلنا فيها على أن "وقف العمليات المسلحة في‬ ‫سيناء مرهون بإعادة الرئيس مرسي إلى الحكم" ‪ ,‬لتغذي تلك الشبهات ‪.‬‬

‫األمر الذي أدى إلى تصعيد الحمالت اإلعالمية المغرضة ضد الشعب الفلسطيني بذريعة تأييد حركة‬

‫حماس لممارسات االخوان المسلمين في مصر بعد انتفاضة الجماهير في ‪ /21‬يونيو ‪ ,‬على الرغم من‬

‫أن معظم أبناء الشعب الفلسطيني شاركوا اشقائهم في مصر ‪ ,‬فرحتهم بعزل الرئيس مرسي وحكومته‬

‫وجماعته ‪.‬‬

‫لكن حركة حماس لم تتفاعل او تستجيب لمشاعر األغلبية من الشعب الفلسطيني ‪ ,‬ولم تبادر إلى‬

‫بلورة موقف موضوعي ينطلق من المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني ‪ ,‬بل وقعت في خطيئة تكتيكية‬

‫كبرى حينما قررت االنحياز الصريح لرؤيتها األيديولوجية ولمصالحها الفئوية التنظيمية الضيقة عبر‬

‫تأييدها السياسي واإلعالمي المكشوف دفاعا عن الرئيس المعزول وجماعته ‪ ,‬على النقيض من أماني‬

‫ومواقف األغلبية الساحقة من الشعبين المصري والفلسطيني المتضامنة مع الشرعية الثورية للخالص‬

‫من تجربة االخوان المريرة في الحكم رغم قصرها الزمني ‪ ,‬بل إن حركة حماس لم تعرف كيف تخلق‬

‫حالة من التوازن بين تأييدها لإلخوان المسلمين ‪ ,‬وبين التزامها الوطني بقضايا الشعب الفلسطيني ‪,‬‬

‫حيث قامت بتخصيص معظم ساعات البث لقنواتها الفضائية التي أصبحت منب ارً رئيسياً لإلخوان‬

‫‪099‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المسلمين في مصر ‪ ,‬ينقل الصور الحية والمباشرة من ميدان "رابعة العدوية" ‪ ,‬األمر الذي أدى الى‬

‫زيادة االستياء والتحريض والعداء لحركة حماس وللشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫والملفت لالنتباه أن أحداً من قيادات حركة حماس لم يعلن أي موقف مؤيد صراحة لموقف الجماعة‬

‫االخوانية ضد الجيش والثورة الشعبية في مصر‪ ,‬لكنهم في نفس الوقت لم يعلنوا أي موقف يدين‬ ‫ممارسات اإلرهاب في سيناء وغيرها من المدن المصرية‪ ,‬واألخطر من ذلك أن حركة حماس لم تبادر‬

‫إلى نفي مشاركتها في اجتماع "التنظيم الدولي" في إسطنبول أو رفضها مخططاته المعلنة‪ ,‬على الرغم‬

‫من تأكيد حركة االخوان المسلمين في األردن خبر مشاركة حماس في االجتماع المذكور!! وهو خبر‬

‫ممكن أن يكون عارياً عن الصحة‪ ,‬وبالتالي فإن من واجب حركة حماس انطالقا من التزامها الوطني‬ ‫وحرصها على مصالح الشعب الفلسطيني ووقف تدهور العالقات الفلسطينية المصرية‪ ,‬بل وحرصها‬ ‫على وجودها ومستقبلها‪ ,‬لكي ال تتحول إلى قوة معادية للشعب المصري وما ينتج عن ذلك من نتائج‬

‫كارثية على أبناء قطاع غزة‪ ,‬أن تبادر إلى نفى مشاركتها ورفضها لمقررات ذلك المؤتمر‪.‬‬

‫وبالتالي فإن دعوتي لالخوة في حركة حماس تغليب المصالح واألهداف الوطنية على المصالح‬

‫الحزبية الضيقة‪ ,‬هي دعوة تستند إلى دورها وتاريخها الوطني والكفاحي‪ ,‬بمثل ما تستند إلى ضرورة‬

‫تاريخية خارجة عن إرادة حماس وتحالفاتها‪ ,‬تتطلب منها أو تفرض عليها اليوم قبل الغد‪ ,‬أن تعلن‬

‫موقفاً مؤيدا لطموحات الشعب المصري في الخالص من حكم اإلخوان المسلمين‪ ,‬وادانة ممارساتهم‬ ‫اإلرهابية‪ ,‬وأن تنتقد ممارساتها السابقة ومواقفها المؤيدة للجماعة بعد ‪/21‬يونيو‪ ,‬وذلك حرصاً منها‬

‫على احترام عمق الروابط الوطنية والقومية التاريخية والمستقبلية بين شعبينا‪ ,‬وحرصاً منها على وقف‬ ‫كافة أشكال التحريض اإلعالمي والمعاملة السيئة ألبناء شعبنا‪.‬‬

‫وفي هذا السياق فإن على حركة حماس أن تدرك دالالت ونتائج وتداعيات االنتفاضة الشعبية‬

‫العارمة في ‪ /21‬يونيو التي بددت أوهام الشعور بالقوة والسيطرة الطويلة األمد لجماعة االخوان‬ ‫المسلمين ليس في مصر فحسب‪ ,‬بل ستشتعل االنتفاضات الثورية الجماهيرية في تونس ومجمل‬ ‫أقطار الوطن العربي إلى جانب تركيا ‪ ,‬وذلك عبر تأثر هذه البلدان سياسيا واجتماعيا بدروس وعبر‬

‫السقوط المدوي لإلخوان المسلمين في مصر‪ ,‬عبر شرعية ثورية‪ ,‬لم يكن ممكناً التصدي لها بما‬ ‫يسمى بشرعية الصندوق أو الديمقراطية الشكلية الهشة‪ ,‬التي ال تستند إلى ميثاق أو عقد اجتماعي‬ ‫مدني وديمقراطي يلتزم بمصالح األغلبية الساحقة في تطلعها صوب التنمية المستقلة والعدالة‬

‫االجتماعية وتكافؤ الفرص وفصل الدين عن الدولة‪ ,‬بما يضمن تحقيق الوحدة العضوية لوجهي‬

‫الديمقراطية ‪ ,‬السياسي واالجتماعي معا‪ ,‬وتكريسها في خدمة الهوية والدولة الوطنية الديمقراطية‬

‫تمهيدا لبلورة الهوية القومية الديمقراطية العربية كهوية مستقبلية واطا ار سياسيا أو اجتماعيا موحداً‪.‬‬

‫لذلك‪ ,‬فقد آن األوان لكي تدرك جميع حركات اإلسالم السياسي في الوطن العربي‪ ,‬خطيئة منطلقاتها‬

‫االيدولوجية الدينية السلفية المنغلقة‪ ,‬وأوهام الحديث عن ما يسمى بـ"األمة اإلسالمية" أو "الخالفة‬ ‫‪211‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلسالمية" والنعرات المذهبية والطائفية المدمرة لتطلعات شعوبنا ومستقبلها‪ ,‬األمر الذي يفرض عليها‬ ‫مراجعة منطلقاتها الفكرية وخطابها وسياساتها بصورة نقدية جذرية‪ ,‬تنطلق من رحابة االستنارة‬

‫العقالنية والحداثة ‪ ,‬بعيدا عن كل اشكال ومظاهر التعصب الديني وشعاراته النقيضة لروح عصرنا‬ ‫ومستقبل شعوبنا ومجتمعاتنا‪.‬‬

‫وفي كل األحوال فإن المطلوب من حركة حماس مواجهة األمر الواقع الجديد في مصر بعد سقوط‬

‫جماعة االخوان المسلمين‪ ,‬وهذا يقتضي منها سؤاالً صريحاً لذاتها بعيداً عن أوهام القوة واالستعالء‬ ‫والتفرد‪ ,‬التي لم تعد قائمة أو مجدية لدى الفرع طالما سقط األصل‪ ,‬والسؤال هو ‪ :‬ماذا عن مستقبل‬

‫حركة حماس؟ هل ستبقى مصرة على االنقسام في "امارة غزة" ؟ أم أنها يجب أن تبادر إلى التقاط‬ ‫دروس وعبر اللحظة الراهنة‪ ,‬لكي تخطو خطوات جدية وعاجلة صوب انهاء االنقسام وفق وثائق‬

‫الوفاق الوطني الفلسطيني ‪ ,‬قبل أن ُيفرض عليها باالكراه شكال خارجيا من المصالحة يتعامل معها‬ ‫كفريق مهزوم‪ ,‬أو أن ُيفَ َرض عليها وعلي قيادتها وكوادرها حصا ارً سياسياً واقتصادياً وجغرافياً يؤدي‬ ‫إلى مراكمة العديد من العقبات والتعقيدات التي لن تستطيع حركة حماس تجاوزها بسهولة‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬اعتقد أن سياسة النظام المصري االنتقالي الحالي‪ ,‬ستأتي استم ار ارً لسياسة نظام‬

‫حسني مبارك ‪ ,‬على الرغم من االختالف في الشكل ال المضمون‪ ,‬حيث سيبقى ‪ ,‬محافظاً على دور‬ ‫مصر السياسي تجاه القضية الفلسطينية ‪ ,‬وحرصه على ابقائها على سكة التسوية‪ ,‬على قاعدة‬

‫االتفاقيات الموقعة بين المنظمة "واسرائيل"‪ ,‬وبذات الرعاية والمرجعية األمريكية ‪ ,‬وفي المقابل‪ ,‬بات‬ ‫من الواضح أن قيادة المنظمة والسلطة وحركة فتح والرئيس أبو مازن‪ ,‬رأت في التغيرات األخيرة التي‬

‫جرت في مصر بعد الحالة الثورية التي أسقطت حكم اإلخوان المسلمين‪ ,‬فرصة كبيرة تصب في‬

‫مصلحتها‪ ,‬وتزيد من رصيدها‪ ,‬وتشكل داعماً لها‪ ,‬في إطار المفاوضات العبثية المتجددة بإشراف وزير‬ ‫الخارجية األمريكي التي تم اإلعالن عنها صباح يوم السبت ‪/31‬يوليو‪ 3102/‬وفق الشروط األمريكية‬

‫ اإلسرائيلية وفق ما صاغته ما سمي "مبادرة السالم العربية"‪ ,‬أو أي صيغة أخرى تحفظ لها استمرار‬‫مصالحها الطبقية‪ ,‬واستمرار بقائها على رأس السلطة‪ ,‬ومن هنا "التقطت" القيادة ورئيسها أبو مازن‬ ‫مبادرة وزير الخارجية األمريكية جون كيري‪ ,‬حيث وجدت بها فرصة سانحة للخروج من مأزقها‪,‬‬

‫وتجديد ذاتها ومصالحها‪ ,‬متجاوزة في ذلك كل ما وضعته من "شروط" للعودة للمفاوضات‪.‬‬

‫أما عن حركة حماس التي ال زالت تعيش تحت تأثير صدمة سقوط حكم اإلخوان المسلمين‪ ,‬فهي‬

‫تعيش اآلن مأزقاً جدياً‪ ,‬يمس مرتكزات بنيتها ووجودها وسلطتها في قطاع غزة‪ ,‬فهي إما أن تستمر‬ ‫في رفض الوقائع التي أنتجتها الحالة الثورية المصرية‪ ,‬التي أدت لعزل مرسي‪ ,‬واسدال الستار على‬

‫حكم اإلخوان هناك‪ ,‬أو أن تُكيف نفسها مع هذا الواقع الجديد حفاظاً على مصالحها واستمرار حكمها‬ ‫وسيطرتها في قطاع غزة!! ‪ ,‬دون إلغاء سيناريو العودة إلى المقاومة ضد "إسرائيل" الذي قد تلجأ‬ ‫حركة حماس إليه لوحدها أو بالتنسيق السري مع بعض التنظيمات الدينية في سيناء‪ ,‬التي لها‬ ‫‪210‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫امتدادات وفروع في قطاع غزة‪ ,‬لكن هذه المقاومة قد ال تجد تأييداً شعبياً ملموساً في القطاع ان لم‬ ‫تترك آثا ارً سلبية ‪.‬‬

‫على أي حال ‪ ,‬أعتقد أن حماس‪ ,‬وبوضوح تام‪ ,‬ليس أمامها ترف االختيار‪ ,‬بل ستنظر لما جرى‬

‫من باب مصالحها السياسية والتنظيمية والطبقية التي تلتقي فيها مع حركة فتح‪ ,‬وبالتالي مع النظام‬

‫المصري‪ ,‬ما بعد الحالة الثورية‪ ,‬وستعمل مضطرة لتكييف نفسها مع هذا الواقع بعد خروجها من‬

‫سوريا ومن قطر ومن السعودية واألردن ‪...‬إلخ ‪ ,‬خاصة إذا ما عرفنا أن قطاع غزة الذي ال يزيد تعداد‬

‫سكانه كثي ارً عن ‪ 0.9‬مليون نسمة‪ ,‬فيه اليوم ما يزيد عن ألف مليونير بعضهم أعضاء في الحركة أو‬ ‫مريديها‪ ,‬إضافة إلى جهاز بيروقراطي ضخم يصل تعداده إلى أربعين ألف موظف يعتاشون من خالل‬

‫سلطة حماس في غزة من جهة‪ ,‬وحكومة ووزراء وأعضاء تشريعي ومرافقين‪..‬الخ من جهة أخرى‪,‬‬

‫وبالتالي ليس أمام الحركة سوى التكيف –وفق سياساتها البرجماتية التاريخية‪ -‬مع الواقع الجديد‪.‬‬

‫كل ما سبق‪ ,‬وانطالقاً من "براغماتية" حركة حماس المعروفة‪ ,‬في ضوء خيارها وقبولها عام ‪3119‬‬

‫الموافقة على أن تتولى قيادة حكومة السلطة الفلسطينية‪ ,‬وأن تكون طرفاً في سلطة الحكم اإلداري‬

‫الذاتي في حكومة غزة قبل وبعد االنقسام في ‪/02‬حزيران‪ ,3117/‬وارتباطاً بهذه التنازالت ‪ ,‬سنشهد‬

‫ما يمكن أن نسميه "انحنائة" أو "قبول" بما جرى في مصر مؤخ ارً ‪ ,‬ونتائجه من على قاعدة الحفاظ‬

‫على مصالحها وابقاء سيطرتها وحكمها في قطاع غزة‪ ,‬وحفاظاً على ماء وجهها‪ ,‬ومنفذها الوحيد‪ ,‬في‬ ‫ظروف يبدو فيها أن المصالحة الفلسطينية ليست قريبة أو على أولويات جدول الرئيس أبو مازن‪,‬‬

‫الذي سيعمل –مع حركة فتح وعدد من التنظيمات األخرى‪ -‬على اهمال حركة حماس في هذه المرحلة‪,‬‬ ‫إلى حين انضاج العالقة مع "إسرائيل" وفق أوهام أبو مازن‪ ,‬ثم يبدأ في اإلعالن عن االنتخابات‬ ‫للرئاسة والمجلس التشريعي والحكومة الجديدة ‪ ,‬حيث يبدو أن أبو مازن سيحرص –في ضوء‬

‫األوضاع المصرية الجديدة‪ -‬على أال يكون لحركة حماس أي أغلبية في المجلسين التشريعي‬ ‫والوطني‪ ,‬كما لن يوافق أن تتولى حماس رئاسة المجلس التشريعي ‪ ,‬ولن يكون لها أغلبية في أي‬

‫حكومة فلسطينية قادمة‪ ,‬وبالتالي فإن حركة حماس قد تكون مضطرة للموافقة على الشروط المصرية‬

‫الجديدة لرسم العالقة معها من أجل استعادة الحد األدنى من القنوات أو الجسور مع الحكم الجديد في‬

‫مصر‪ ,‬في ظل ما يشن عليها من حملة اتهامات تطال الحركة من باب تدخلها في الشأن الداخلي‬

‫المصري‪.‬‬

‫إن كل ذلك‪ ,‬سيفرض على حركة حماس مزيداً من االقتراب –والذي بدأ فعلياً منذ فترة سابقة‪ -‬من‬

‫برنامج حركة فتح وقيادة المنظمة والسلطة‪ ,‬بحيث نجد شكالً من التقاطع والتوافق بينهما‪ ,‬في الرؤية‬ ‫والطرح بالنسبة للقضية الفلسطينية التي لن تخرج عن الشروط واإلمالءات األمريكية – اإلسرائيلية‪,‬‬

‫حينها سيكون بقاء االنقسام من عدمه جزءاً من تلك الرؤية‪ ,‬آخذين بعين االعتبار أن حركة حماس –‬ ‫إذا ما تأكد سقوط اإلخوان المسلمين في مصر ‪ -‬لن تعود قوة رئيسية في المعادلة السياسية‬ ‫‪212‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفلسطينية والمصرية بعد ‪ / 21‬يونيو‪ ,‬وستبدأ عوامل التراجع والضعف في بنيتها ووجودها وتأثيرها ‪,‬‬ ‫في مقابل تزايد "قوة" أبو مازن وحركة فتح السياسية مع النظام المصري الجديد الذي سيبارك بدوره‬ ‫عملية التفاوض العبثي واالستجابة للشروط األمريكية واإلسرائيلية فيما يسمى بـ"عملية السالم"‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ,‬إننا أمام مشهد ما بعد ‪/21‬حزيران ‪ ,‬الذي يحمل في طياته إمكانيات إلعادة تشكيل بلدان‬

‫النظام العربي في إطار أوضاع جديدة من التبعية للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي‪ ,‬بما‬

‫في ذلك استمرار االعتراف والتطبيع مع دولة العدو الصهيوني أو الدعوة لمهادنتها آلماد طويلة قادمة‬

‫‪ ,‬باسم االعتدال السياسي وفي إطار الديمقراطية السياسية الشكلية أو الليبرالية الرثة ‪ ,‬بما يحقق‬

‫مصالح القوى الطبقية الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية العسكرية والمدنية‪ ,‬التي لم تتغير أحوالها‬

‫ومصالحها على الرغم من سقوط رأس النظام في هذا البلد أو ذاك‪.‬‬

‫وبالتالي أتوقع مزيداً من الهبوط والتراجع لكل من األهداف والثوابت الوطنية الفلسطينية ‪ ,‬وأهداف‬

‫الثورة الوطنية الديمقراطية في مصر وبلدان الوطن العربي ‪ ,‬طالما ظل البديل الشعبي الديمقراطي‬

‫اليساري ‪ ,‬الفلسطيني والعربي على هذه الحالة من الضعف والتفكك ‪.‬‬

‫‪213‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االنتفاضات الثورية ومشهد تفكك وسقوط انظمة االستبداد‬ ‫والتخلف واالستغالل يف جمتمعاتنا العربية‬

‫‪32 / 7 / 3102‬‬ ‫أزمة مجتمعاتنا العربية في تقديري ليست مشكلة "تخلف وتقدم" فحسب على نحو ما يذهب إليه‬

‫المثقف الليبرالي ‪ ,‬الن هذه الصيغة ‪ ,‬تخفي عالقة التحالف البيروقراطي – الكومبرادوري( الليبرالي‬

‫واالسالموي الرجعي) المهيمن على النظام العربي مع النظام االمبريالي وحليفه الصهيوني وتبعيته‬

‫البنيوية له ‪ ,‬كما تخفي دور الصراع الطبقي كمحدد رئيسي في صياغة مستقبل حركة التحرر العربية‪.‬‬ ‫والسؤال هنا‪ ,‬إذا كانت تلك هي القضية ‪ ,‬وهذه هي األزمة والطبقة المسؤولة عنها‪ ,‬وكان الحل‪ ,‬هو‬

‫انفجار االنتفاضات الثورية في مصر وغيرها بهدف السير على طريق التحرر الوطني والديمقراطي‬

‫والتنموي الذي ال يمكن أن يتحقق إال من خالل صراعات وتحوالت اجتماعية عميقة‪ ,‬تزيح عن السلطة‬ ‫تلك الطبقة أو الطبقات المسؤولة عن األزمة والعاجزة عن حلها‪ ,‬فلماذا إذن تعثر السيرعلى هذا‬

‫الطريق ؟ هنا يتضح بجالء عجز العامل الذاتي ( االحزايب الثورية )‪ ,‬وانتقال معظم االحزاب اليسارية‬

‫التقليدية إلى النهج البورجوازي واالصالحي ‪ .‬هذه الرؤية تفرض على كافة القوى اليسارية العربية أن‬

‫تنطلق في نضالها السياسي الديمقراطي والكفاحي من ان مهام التحرر الوطني واالستقالل الحقيقي‬

‫وانهاء كل أشكال االرتهان لإلمبريالية ال زالت مهمة رئيسية ال بد من تحقيقها عبر تحطيم وازالة الكتلة‬

‫الطبقية الكومبرادورية‪ ,‬والبيروقراطية التي تشكل رأس حربة الهيمنة اإلمبريالية في بالدنا‪ .‬لذلك فإن‬

‫التحرر من الهيمنة اإلمبريالية وتحقيق أهداف الثورة الديمقراطية في مصر وسوريا وغيرهما ‪ ,‬يعني‬

‫بناء االقتصاد الوطني وتمكين الجماهير الشعبية من تقرير مصيرها ومستقبلها من خالل بناء القاعدة‬

‫الديمقراطية الشعبية الثورية ( من تحت ) لضمان تفكيك الكتلة الطبقية السائدة وتصفية وتأميم‬ ‫مصالحها وامتيازاتها الطبقية بما يؤدي إلى تفكيك بنيتها بصورة نهائية على المستوى السياسي‬

‫والمستوى االقتصادي والثقافي‪ ,‬وذلك من خالل صياغة واقرار دستور ديمقراطي علماني يجسد إرادة‬

‫الشعب باعتباره صاحب السيادة ومصدر السلطة‪ ,‬إلى جانب صياغة وتطبيق الخطط التنموية الكفيلة‬ ‫بالقضاء على كل مظاهر التبعية واالفقار واالقتصاد الريعي وتفعيل وتطوير الصناعات الوطنية في‬

‫إطار اقتصاد القطاع العام والتعاوني والمختلط ‪ ,‬إلى جانب القيام باصالح زراعي تعاوني يمكن‬ ‫الفالحين الفقراء من االرتقاء بأوضاعهم الحياتية وتوفير الحاجيات األساسية من الخدمات االجتماعية‬

‫والصحية والتأمينات ومجانية التعليم للفقراء وكافة الخدمات األساسية للجماهير الفقيرة جنباً إلى جنب‬ ‫مع البرامج الهادفة إلى إنهاء مظاهر الفقر والبطالة وتحديد الحد األدنى واألعلى للدخل وتطبيق مبدأ‬ ‫‪214‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تكافؤ الفرص‪ .‬وفي هذا الجانب البد من التأكيد على رفض المنهج اإلصالحي في مسيرة االنتفاضات‬ ‫الثورية العربية الديمقراطية وممارسة هذه العملية بمنهجية ثورية ديمقراطية جذرية تستهدف تغيير‬

‫بنية أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد وتحطيم أسسها ومكوناتها الطبقية ‪ ,‬وهنا بالضبط يتجلى دور‬ ‫القوى اليسارية الثورية في قيادة مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية ‪ ,‬باعتبارها القوى الوحيدة المؤهلة‬

‫لقيادة هذه المرحلة والتأسيس لمستقبل مجتمعاتنا وشعوبنا ‪ ,‬بعد ان فشلت القوى الليبرالية أو‬

‫البورجوازية التابعة في تحقيق هذه المهمة من ناحية وبعد ان تأكد للجميع أن تيارات اإلسالم‬

‫السياسي وجماعة اإلخوان المسلمين تحاول إعادة انتاج وتجديد التخلف والتبعية واالستبداد والقهر في‬

‫ليس في مصر وسوريا فحسب بل في كل ارجاء الوطن العربي‪.‬‬

‫‪215‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ورقة اولية حول نشأة وتطور احلركة الشيوعية يف فلسطني وموقف‬ ‫‪32 / 7 / 3102‬‬

‫اجلبهة الشعبية‬

‫تعود البدايات األولى لنشأة الحركة الشيوعية في أوساط الطائفة اليهودية‪ ,‬في العالم عموماً‪ ,‬وفي‬

‫فلسطين خصوصاً‪ ,‬إلى تكوين "االتحاد العام للعمال اليهود في روسيا القيصرية في أكتوبر عام‬ ‫ف فيما بعد باسم "حزب‬ ‫‪0167‬م (بعد أقل من شهرين من عقد المؤتمر الصهيوني األول) ‪ ,‬الذي ُع ِر َ‬

‫البوند" ومن أهم أهدافه ‪ ,‬الدفاع عن مصالح اليهود والحركة العمالية اليهودية ‪ ,‬من منطلق االستقالل‬

‫الثقافي والذاتي دون رفض االندماج في الشعب الروسي والبولندي آنذاك‪ .‬إال أن تزايد قمع وعنصرية‬ ‫نظام القيصر ضد اليهود – باإلضافة إلى تعاطف قيادة "البوند" مع أهداف الحركة الصهيونية في‬

‫مؤتمر بازل ‪ /‬سويس ار ‪ -‬أدى إلى تقاطعهم مع أفكار ومنطلقات الحركة الصهيونية‪ ,‬حيث تجلى ذلك‬ ‫الموقف عبر إصرارهم على تأسيس حزب يهودي محض ومستقل عن الحزب االشتراكي الديمقراطي‬ ‫الروسي بقيادة لينين‪ ,‬ومن ثم تكريس صفة االنفصالية الشوفينية اليهودية‪ ,‬التي اتسم بها البونديين‬ ‫في ممارساتهم وشعاراتهم النقيضة لمفاهيم وشعارات األممية الشوعية وأحزابها‪ ,‬وأهمها أن اليهود‬

‫يشكلون أقلية إثنية وليسوا أقلية دينية ‪ ,‬وبالتالي فإن مصطلح أمة ينطبق عليهم !!‪ ,‬األمر الذي أدى‬

‫إلى رفض قبولهم في الحزب االشتراكي (البالشفة) ‪ ,‬وقام لينين بفضح انتهازيتهم ورجعيتهم ومواقفهم‬

‫العنصرية الصهيونية‪ ,‬كما تصدى لطروحات "البوند" والحركة الصهيونية ‪ ,‬وكشف التناقص الكبير بين‬

‫أهداف "البوند" واألهداف االشتراكية الثورية‪ .‬ويمكن القول ان سبب معارضة لينين لمطالب البوند‬ ‫وشعاره بتحقيق االستقالل الثقافي الذاتي يعود الى ‪ -0 :‬قناعات لينين واألممية الشيوعية ان الطبقة‬

‫العاملة ال يمكن تقسيمها الى احزاب متعددة وفق المعتقدات الدينية كما يريد البونديون ‪ -3 .‬إن دعوة‬

‫البوند اليهودي الى تقسيم التنظيم الحزبي حسب القوميات مطلب برجوازي يتعارض والمبادئ األممية‬ ‫للبروليتاريا من ناحية‪ ,‬ويتوافق مع طروحات الحركة الصهيونية من ناحية ثانية‪ .‬وفي هذا السياق‪,‬‬

‫أشير إلى أن لينين ‪ ,‬الذي التزم طوال حياته في الدفاع عن مبدأ حق االمم في تقرير مصيرها حتى في‬

‫االنفصال ‪ ,‬حارب بال هوادة النزعات الشوفينية البرجوازية الضيقة لدى "البوند" ‪ ,‬وعارض األهداف‬

‫الصهيونية معارضة شديدة‪ ,‬كاشفاً في دراسته "المسألة اليهودية" زيف ما سمي بالقومية اليهودية‪,‬‬

‫داعياً إلى اندماج اليهود في مجتمعاتهم وذوبانهم بها‪ .‬خاصة وان موقف لينين الموضوعي من‬

‫المسألة اليهودية ‪ ,‬يقوم على أن اليهود المقيمين في العالم المتمدن ال يشكلون شعباً أو امة ‪ ,‬وهذا‬ ‫الموقف ينطبق على اليهود القاطنون في روسيا ‪ ,‬لكن ما يسمى باليسار الصهيوني – في روسيا أو‬

‫غيرها من البلدان – رفض الموقف اللينيني والماركسي من المسألة اليهودية ‪ ,‬لتبرير عالقته‬ ‫‪216‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومستقبله بالحركة الصهيونية‪ .‬وهنا أعتقد أن إطالق اسم "الحزب الشيوعي الفلسطيني " وتأسيسه‬

‫عام ‪ , 0606‬كان موقفاً انتهازياً لتغطية عالقة "الحزب الشيوعي الفلسطيني" المباشرة أو غير‬ ‫المباشرة بالحركة الصهيونية ‪ ,‬من قبل مجموعة "يسارية" يهودية تعود في أصولها إلى حزب البوند أو‬

‫متعاطفة مع طروحاته ومن ثم تعاطفها مع طروحات الحركة الصهيونية ‪ .‬وتأكيداً على قناعتي‬

‫بانتهازية قيادة "الحزب الشيوعي الفلسطيني" (‪ )0606‬وميلها لمبادئ الحركة الصهيونية ‪ ,‬أورد هنا‬ ‫موقف األممية الشيوعية بقيادة لينين سنة ‪ 0633‬ضد قبول االتحاد العالمي للعمال اليهود (البوعالي‬

‫سيون) وهو‪ ,‬حزب يهودي عالمي صهيوني بعنصره الغالب مشترطة عليه القطيعة الكاملة مع‬ ‫الصهيونية‪ ,‬وذلك بالتخلي عن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين ‪ ,‬حيث اعتبرت األممية هذه‬

‫الفكرة وهماً برجوازياً صغي ارً مضاداً للثورة‪ ,‬وأصرت على موقف واضح‪ ,‬وهو أن يحل االتحاد العالمي‬ ‫للعمال اليهود نفسه وتنضم البروليتاريا اليهودية الشيوعية إلى األحزاب الشيوعية في أقطارها وان‬

‫تتخلى عن مطامعها في فلسطين‪ .‬بهذا الموقف ‪ ,‬جسدت األممية الشيوعية عام ‪ ,0633‬الموقف‬ ‫الموضوعي الثوري من المسألة اليهودية ‪ ,‬برفضها فكرة إنشاء الدولة اليهودية في فلسطين ‪ ,‬على‬

‫النقيض من المواقف والشعارات والمضامين الفكرية والسياسية االنتهازية لحزب البوند‪ ,‬والحزب‬

‫الشيوعي الفلسطيني‪ ,‬التي تقاطعت مع جوهر الحركة الصهيونية ‪ ,‬حيث أرى أن الكادر المؤسس من‬

‫الشيوعيين اليهود الذين جاءوا إلى فلسطين ‪ ,‬وأسسوا "الحزب الشيوعي الفلسطيني" كانت لهم جذور‬

‫في العالقة مع البوند والحركة الصهيونية معاً‪ ,‬خاص ًة أن قسماً هاماً من كوادر البوند استطاعوا‬ ‫بصورة انتهازية ‪ ,‬االنضواء –بعد ثورة أكتوبر‪ -‬في صفوف الحزب الشيوعي في االتحاد السوفياتي ‪,‬‬

‫وفي الكومنترن إلى جانب عضويتهم أو عالقتهم بما يسمى بـ"الجناح اليساري للحركة الصهيونية" ‪,‬‬ ‫األمر الذي مهد لهم الطريق لكي يتولوا تنفيذ قرار الكومنترن أوائل عام ‪ 0606‬بتأسيس فرع أممي‬

‫للحركة الشيوعية في فلسطين ‪ ,‬الذي جرى تأسيسه فعالً على يد مجموعة من اليهود الروس أبرزهم‬

‫أبو زيام (حيدر) وافيجدور وجوزيف بيرجر ‪ ,‬في تشرين أول ‪ 0606‬تحت اسم "حزب العمال‬

‫االشتراكي " الذي سرعان ما تغير عام ‪ 0632‬وأصبح يحمل اسم "الحزب الشيوعي الفلسطيني" الذي‬

‫اتسمت مواقفه بالتوافق مع شعارات وأهداف الحركة الصهيونية ‪ .‬وتأكيداً على الميول الصهيونية لدى‬ ‫الحزب‪ ,‬أورد هنا موقفه من االنتفاضة الوطنية األولى لشعبنا ضد االستعمار والصهيونية شهر آب‬

‫عام ‪ -0636‬انتفاضة البراق‪ -‬حيث كان رأي الحزب فيها أنها مذبحة من الغوغاء العرب ضد اليهود‬

‫‪ .‬ولكن عندما هدأت االنتفاضة قدم الحزب تحليالً متناقضاً وصفها بأنها مذبحة وانتفاضة عامة في آن‬ ‫واحد ‪ .‬والجدير بالذكر أن اللجنة التنفيذية للكومنتران انتقدت موقف الحزب‪ ,‬وأكدت أن انتفاضة‬

‫‪ ,0636‬هي انتفاضة الفالحين الفقراء الفلسطينيين‪ ,‬واعتبرتها جزءاً من حركة تحرر وطني ضد‬

‫االمبريالية‪ ,‬وشجبت وأدانت موقف الحزب الشيوعي الفلسطيني "المعزول عن الجماهير العربية" حسب‬ ‫وصف بيان "الكومنترن" ‪ ,‬كما اشارت اللجنة التنفيذية على الحزب الشيوعي الفلسطيني‪ ,‬ان يسارع‬ ‫‪217‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إلى تعريب نفسه "من القمة إلى القاعدة" حتى يصبح حزباً اقليمياً" ‪ ,‬وحسب بعض المصادر‪ ,‬أرسلت‬

‫قيادة الكومنترن دعوة إلى (‪ )91‬عضو من كوادر الحزب للحضور إلى موسكو‪ ,‬حيث تمت محاكمتهم‬

‫وارسالهم إلى سيبريا ‪ .‬على أثر موقف الكومنترن ‪ ,‬قبل الحزب – مرحلياً وبصورة انتهازية في‬

‫تقديري‪ -‬قرار اللجنة التنفيذية للكومنترن وتوجيهاتها ‪ ,‬ثم انه جدد في مؤتمره السادس في كانون‬

‫األول عام ‪ 0636‬تأييده للتعريب ووضع دستو ارً جديداً يعطي العرب أغلبية في لجنة الحزب المركزية‪,‬‬ ‫دون أن يعني ذلك موقفاً صريحاً في التضامن الفعلي مع النضال الوطني والثورة الفلسطينية ضد‬ ‫االستعمار و الصهيونية‪ ,‬حيث استمر الحزب على مواقفه االنتهازية‪ ,‬برفضه المشاركة في ثورة‬

‫‪ 0629‬ما عدا بعض المناضلين الشيوعيين العرب (فؤاد نصار وعبد الكريم ابو دف‪ ,‬عبد الكريم‬

‫القاضي وغيرهم)‪ .‬وفي عام ‪ 0623‬ثارت خالفات داخل الحزب وقادت إلى صدامات داخلية ‪ ,‬وكانت‬ ‫هنـاك ‪-‬كما يقول الصديق د‪.‬محمود محارب ‪ -‬أربع موضوعات رئيسية في دائرة الخالف‪ :‬األولى حول‬

‫ما إذا كان اليهود في فلسطين يشكلون أمة‪ .‬الثانية تتعلق بامكانية وجود عناصر تقدمية داخل الحركة‬

‫الصهوينية ‪ .‬الثالثة الموقف من الهجرة اليهودية ‪ .‬والرابعة الموقف من الشعب الفلسطيني وحركته‬ ‫القومية التحررية وتقويم ثورة ‪.0629‬‬

‫في أواخر عام ‪ 0622‬وأوائل عام ‪ 0622‬نجحت جماعة "ميكونس" (عضو المكتب السياسي‬

‫للحزب) في اجتذاب غالبية الشيوعيين اليهود‪ ,‬بينما اجتذبت جماعة (اميل توما‪ /‬فؤاد ناصر ‪ /‬اميل‬ ‫حبيبي ‪ /‬السلفيتي ‪ /‬فائق وراد) الشيوعيين الفلسطينيين العرب في عصبة التحرر الوطني ( تأسست‬ ‫في سبتمبر ‪ .)0622‬وكما يضيف د‪.‬محمود محارب‪ ,‬عقدت مجموعة "ميكونس" أول مؤتمر عام لها‬

‫في نيسان عام ‪ .0622‬وشكلت ق اررات ذلك المؤتمر العام أرضية مشتركة مع الصهيونية في‬ ‫معارضتها الشديدة للكتاب األبيض الصادر عام ‪ 0636‬والذي حدد الهجرة اليهودية‪ .‬كما أن الحزب‬

‫شارك في الدعاية الصهيونية التي كانت تدعو إلى هجرة مئة ألف يهودي نازح من أوروبا إلى‬

‫فلسطين‪ ,‬وهي كلها مواقف وشعارات صهيونية ‪ .‬ثم تبنى الحزب في العام التالي ‪ , 0622‬مواقف‬

‫وشعارات جديدة مثل " التطور الحر للوطن القومي اليهودي" و "الكفاح من أجل تطوير الوطن القومي‬

‫اليهودي " ‪ ,‬تلك المواقف والشعارات التي أشارت ضمناً إلى تناقض مع دعوته األصلية إلقامة دولة‬ ‫ديمقراطية مستقلة في فلسطين ‪ .‬في عام ‪ 0629‬نقل الحزب موقفه مرة أخرى‪ ,‬عندما اعلن أن الوطن‬

‫القومي اليهودي أصبح واقعاً وان "وجود األمتين في فلسطين لم يعد باالمكان تجاهله" ‪ .‬وخالصة‬ ‫القول ‪ ,‬أن الحزب الشيوعي الفلسطيني الجديد حرص منذ تأسيسه على استمرار العالقة –المباشرة‬

‫وغير المباشرة – مع الحركة الصهيونية ‪ .‬وأدت به التغيرات المتواصلة في مضمون سياساته في‬

‫النهاية‪ ,‬في أيار ‪ , 0627‬إلى تغيير اسمه من " الحزب الشيوعي الفلسطيني" إلى "الحزب الشيوعي‬

‫اإلسرائيلي" ‪ .‬وبدأ يذكر فلسطين باسم "أرض إسرائيل" ويذكر الشعب الفلسطيني باسم "عرب أرض‬

‫إسرائيل"‪ .‬وفي ضوء هذه المحطات والمنعطفات التاريخية للحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ,‬فإنني ال‬ ‫‪218‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أستطيع القول بانه كان صادقاً في انتمائه األيدلولوجي للماركسية اللينينية ‪ ,‬بل على العكس‬

‫استخدمها – بأشكال انتهازية – لمصلحة الحركة الصهيونية ‪ .‬بناء على ما تقدم‪ ,‬أعتقد بانه ال يمكن‬ ‫تقييم التطور األيديولوجي للحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ,‬إال في سياق الموقف االنتهازي التحريفي‪,‬‬

‫الذي لم يرفض هدف الحركة الصهيونية في اغتصاب فلسطين من جهة‪ ,‬بل قام بااللتحاق في صفوف‬

‫المنظمات الصهيونية العسكرية (الهاجاناه) عام ‪ ,0621/0627‬كما قام باستيراد عدد من الدبابات‬ ‫واألسلحة والذخائر للحركة الصهيونية من جهة ثانية‪ ,‬ولذلك فإن ماركسية الحزب ال تعدو كونها‪,‬‬

‫ماركسية شكلية انتهازية‪ ,‬تم استخدامها من قبل الحزب جس ارً في خدمة االغراض الصهيونية‪ ,‬وهي‬ ‫مواقف وممارسات تتناقض مع الجوهر الثوري الجدلي والطبقي لمواقف ورؤى ماركس ولينين وكافة‬ ‫الفالسفة والمفكرين الماركسيين في التاريخ الحديث والمعاصر‪ ,‬الذين رفضوا من حيث المبدأ وجود‬ ‫شعب يهودي أو أمة يهودية‪ ,‬إلى جانب رفض لينين وكافة المفكرين الماركسيين للحركة الصهيونية‬

‫باعتبارها حركة بورجوازية شوفينية في خدمة النظام االمبريالي ‪ .‬المسألة األخرى التي أود اإلشارة‬

‫إليها في هذا الجانب ‪ ,‬هي أنه خالفاً لألحزاب الشيوعية األخرى‪ ,‬لم ينبثق الحزب الشيوعي‬

‫الفلسطيني‪ ,‬منذ تأسيسه عام ‪ ,0606‬في خضم النضال التحرري الوطني أو عبر احتدام الصراع‬

‫الطبقي ‪ ,‬وبالتالي لم يكن لهذا الحزب أي دور ملموس في إطار الحركة الوطنية الفلسطينية في‬ ‫الكفاح ضد االحتالل االمبريالي ‪ ,‬والتوسع الصهيوني ‪ ,‬ما يؤكد على أن الحزب الشيوعي الفلسطيني‬ ‫ولد في أحشاء الحركة الصهيونية‪ ,‬بمعنى أوضح ‪ ,‬لوال بداية الهجمة الصهيونية والهجرة اليهودية إلى‬

‫فلسطين آنذاك‪ ,‬ال يمكن ألي من اليهود "اليساريين" ان يفكروا في الحضور واإلقامة في فلسطين‬

‫ناهيكم عن تشكيل الحزب‪ .‬نستنتج مما تقدم ‪ ,‬أن الحزب الشيوعي الفلسطيني‪ ,‬وكل ما يسمى باليسار‬ ‫الصهيوني‪ ,‬استهدفوا العمل في خدمة الهدف الصهيوني وهو "إقامة دولة إسرائيل" عن طريق الهجرة‬

‫اليهودية إلى فلسطين ‪ ,‬بينما كان استخدامهم للماركسية أو االشتراكية قاص ارً في أوساط اليهود‪ ,‬من‬ ‫خالل تأسيس مجتمع يهودي "اشتراكي" في فلسطين حسب زعمهم آنذك‪ ,‬وهنا مرة ثانية يمكن التأكد‬

‫من اختالط أفكارهم االشتراكية بصورة انتهازية واستخدامها لحساب أفكار وأهداف الحركة الصهيونية ‪.‬‬ ‫أما بالنسبة إلى جماهير الشعب الفلسطيني‪ ,‬فلقد أنكر عليها اليسار الصهيوني أي دور أو مكان في‬

‫ذلك المجتمع "االشتراكي"‪ .‬فلقد كانت االشتراكية تعني بالنسبة لليسار الصهيوني "اشتراكية" لليهود‬ ‫فقط‪ .‬وهكذا فعندما تحدثوا عن الطبقة العاملة والصراع الطبقي وعالقات اإلنتاج ونقابات العمال‬

‫ودكتاتورية البروليتاريا ‪ ..‬إلخ ‪ ,‬فقد فعلوا ذلك في اإلطار اليهودي فقط ‪ ,‬وهنا أيضاً نالحظ أنه تم‬ ‫استخدام مفهوم االشتراكية في تطبيقاته االقتصادية واالجتماعية والثقافية بصورة انتهازية وعنصرية‬

‫لحساب المخطط السياسي الصهيوني في إطار "الكيبوتزات" اليهودية دون أي اهتمام بالعمال والفقراء‬

‫العرب أصحاب البالد‪ .‬بناءاً على ما تقدم‪ ,‬فإنني أقول بثقة أن الحزب الشيوعي اإلسرائيلي كان طوال‬

‫تلك المرحلة حزباً صهيونياً بامتياز ولكن بلباس "ماركسي"‪ ..‬وفي هذا الجانب ‪ ,‬فإنني أرفض –‬ ‫‪219‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫موضوعياً‪ -‬االعتراف بجذرية المواقف السياسية المتضامنه مع الشعب الفلسطيني ألي حركة يهودية‬ ‫يسارية ماركسية مقيمة داخل الكيان الصهيوني‪ ,‬فالماركسي أو اليساري اليهودي الذي يمكن االقرار‬

‫بجذرية موقفه الماركسي الثوري‪ ,‬هو من يناضل ضد وجود الدولة الصهيونية ودورها ووظيفتها في‬

‫خدمة االمبريالية من جهة ومع قيام دولة فلسطين لكل سكانها‪ ,‬وبالتالي يعلن رفضه للوجود‬

‫الصهيوني ودولته صراحة ويتحمل تبعات ذلك الرفض ‪ ,‬او يخرج نهائياً من "دولة إسرائيل"‪ .‬وفي هذا‬ ‫السياق ‪ ,‬أود التأكيد هنا على كثير من المواقف اإليجابية للحزب الشيوعي اإلسرائيلي خال ل تفاقم‬

‫هيمنة الحكم العسكري الصهيوني ضد الفلسطينيين في إسرائيل‪ ,‬ورفضه الصريح لهذه السياسات‬

‫والممارسات في مقابل مطالبته باعطاء الفلسطينيين قسماً هاماً من الحقوق المدنية والقانونية‬ ‫والديمقراطية‪ ,‬عالوة على ذلك ‪ ,‬أود اإلشارة أيضاً إلى أن الشيوعيين اإلسرائيليين بعد انقسامهم إلى‬

‫فريقين عشية هزيمة حزيران ‪ , 0697‬الفريق األول عرف باسم فريق "ماير فلنر" والثاني عرف باسم‬

‫"ميكونيس‪ -‬سنية" ‪ ,‬فبينما عرف األول بمواقفه ضد االحتالل اإلسرائيلي لأل راضي العربية ومطالبته‬ ‫باالنسحاب منها‪ ,‬إلى جانب مواقفه المتعاطفة مع االماني المشروعة للفلسطينيين في تقرير مصيرهم‬ ‫واستقاللهم في دولة مستقلة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية التي أكد هذا الفريق اعترافه بها على‬

‫أثر اعالن المنظمة لبرنامج النقـاط العشرة أو البرنامج المرحلي عام ‪ 0672‬واستعدادها فيما بعد‪,‬‬

‫خاصة بعد عقد المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر في سبتمبر ‪ 0660‬وتأكيده على االعتراف‬ ‫بالتسوية السياسية وفق ق اررات الشرعية الدولية خاصة القرار رقم ‪ 323‬والقرار رقم ‪ , 221‬ثم تعمقت‬ ‫عالقة الحزب الشيوعي اإلسرائيلي فريق ماير فلنر ‪ ,‬مع المنظمة وقيادتها بعد توقيع اتفاق أسلو في‬

‫سبتمبر ‪ , 0662‬ومن ثم تزايد تضامنه مع الفلسطينيين من اجل اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة‬ ‫في األراضي المحتلة ‪ . 0697‬أما الفريق الثاني بقيادة "ميكونس سنيه" فقد عرف عنه مواقفه‬ ‫اليمينية األقرب إلى مواقف الحركة الصهيونية والحكومات اإلسرائيلية المتعاقبة ‪ ,‬إلى أن استدل الستار‬

‫عليه في ثمانينات القرن الماضي ‪ .‬أخي ارً ‪ ,‬بالنسبة لموقف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من‬

‫الحزب الشيوعي اإلسرائيلي فقد كان جزءاً من الموقف المناهض لموقف االتحاد السوفيتي واألحزاب‬ ‫الشيوعية العربية واعترافهم بالدولة الصهيونية وقرار التقسيم‪ ,‬عالوة على وضوح تحليل الجبهة (في‬

‫وثائقها الصادرة سنوات ‪ )91/97‬لمواقف الحزب الشيوعي اإلسرائيلي‪ ,‬االنتهازية ‪ ,‬التي تقاطعت في‬

‫البدايات األولى مع الحركة الصهيونية ‪ ,‬ثم تطابقت مع أهدافها وممارساتها ضد كفاح الشعب‬

‫الفلسطيني ‪ ,‬خاصة اشتراك الحزب الشيوعي اإلسرائيلي في المنظمات الصهيونية العسكرية ‪ .‬وفي‬

‫ضوء هذه الرؤية ‪ ,‬فإن الجبهة الشعبية طوال المرحلة الممتدة من عام ‪ 0697‬حتى اعالن قبولها ‪-‬‬

‫بعد عام ‪ – 0663‬بالحل المرحلي‪/‬الدولة المستقلة بدون االعتراف بالدولة الصهيونية واالستمرار في‬ ‫النضال الستعادة كامل حقوقنا التاريخية في فلسطين ‪ ,‬اتخذت موقفاً صريحاً ضد الحزب الشيوعي‬

‫اإلسرائيلي باعتباره جزءاً مما يسمى بيسار الحركة الصهيونية‪ ,‬وقد تغير هذا الموقف بعد عام ‪,0662‬‬ ‫‪201‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حيث ادرجت الجبهة ‪ ,‬الحزب الشيوعي االسرائيلي ضمن ما يسمى بقوى السالم التي توافق على دعم‬

‫وقيام الدولة الفلسطينية في األراضي المحتلة ‪ ,0697‬دون أن يعني هذا الموقف إقامة أي عالقة أو‬

‫لقاءات سياسية رسمية بين الحزب الشيوعي اإلسرائيلي والجبهة الشعبية حتى اللحظة ‪.‬‬

‫‪200‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪39 / 7 / 3102‬‬

‫كيف ترى تطور اهلوية لفلسطيني ‪45‬؟‬

‫سؤال من الرفيق خميس بكر ‪ :‬اليوم يعيش في "إسرائيل " قرابة مليون ونصف المليون لم تستطع‬

‫كل أساليب القمع من اقتالعهم من أرضهم وبقو محافظين على أرضهم وهويتهم كيف ترى تطور‬

‫الهوية لفلسطيني ‪ 21‬؟‬

‫أبدأ إجابتي على سؤالك بتعريف الهوية ‪ ,‬كما افهمها ‪ ,‬بأنها مجموعة القيم والعناصر والسمات‬

‫التي تجمعت عبر حياة تاريخية ‪ ,‬اجتماعية اقتصادية ثقافية تراثية‪ ,‬لشعب معين في مكان وزمان‬ ‫واحد‪ ,‬حيث تبلورت وترسخت وتفاعلت كل‪ ...‬عناصر وقيم الهوية فيما بينها ‪ ,‬فهي ليست احادية‬ ‫البنية ‪ ,‬بمعنى انها ال تتشكل من عنصر واحد ‪ ,‬العنصر الديني وحده أو اللغوي وحده ‪ ,‬أو االثني أو‬

‫القومي أو الثقافي والوجداني األخالقي أو التراثي أو من المعاناة والخبرة العملية في الصراع وحدها ‪,‬‬ ‫إذ غالباً هي حصيلة تفاعل هذه العناصر جميعاً ‪.‬‬

‫وهذا بالضبط ما يميز شعبنا العربي الفلسطيني‪ ,‬الذي ما زال يشعر بوجوده وهويته المتميزة بشرف‬

‫انتمائه ‪ ,‬رغم كل عوامل العدوان والتشرد واالضطهاد التي أدت إلى التباعد اإلكراهي بين أجزائه‬

‫المتناثرة داخل الوطن وخارجه ‪.‬‬

‫على أي حال‪ ,‬فبالرغم من كل محاوالت الدمج أو التوطين أو األسرله‪ ,‬التي ترافقت مع العديد من‬

‫صنوف القهر والقمع والتمييز العنصري‪ ,‬ظل شعبنا الفلسطيني سواء في األراضي المحتلة ‪ ,0621‬أو‬

‫في مخيمات المنافي‪ ,‬محافظاً على جوهر هويته الفلسطينية ‪ ,‬متمسكاً بعناصرها‪ ,‬رغم بشاعة‬

‫الممارسات الصهيونية واألنظمة العربية‪ ,‬وذلك ارتباطاً وانعكاساً لشعوره وايمانه العميق بهويته‬ ‫ش ّكل الهوية الوطنية الراسخة‬ ‫الوطنية‪ ,‬التي تجسد عمق انتمائه التاريخي لفلسطين بوعي عفوي َ‬ ‫والمتحركة في خزان الوعي الذاتي لشعبنا عموماً ‪ ,‬وفي أوساط شعبنا داخل "دولة" العدو الصهيوني‬

‫خصوصاً ‪.‬‬

‫بالطبع ال يمكن الحديث عن هوية وطنية أو ثقافية فلسطينية‪ ,‬إال كوجه متميز من وجوه الهوية‬

‫العربية ‪ ,‬السياسية والثقافية ‪ ,‬كما ال يمكن الحديث عن الهوية الثقافية العربية إال كجملة وجوه‬ ‫مختلفة ومتكاملة تحتضن في داخلها الهوية الفلسطينية بكل جوانبها وعناصرها الثابتة والمتطورة في‬

‫آن واحد ‪ ,‬والتي يمكن تلخيصها في قوة االنتماء لفلسطين والعروبة‪ ,‬إلى جانب عنصر التحدي الناجم‬

‫عن معاناتهم من الممارسات العنصرية الصهيونية ضدهم ‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ..‬أشير إلى أن تحقيق أحالم وتطلعات الفلسطينيين – في الداخل والمنافي‪ -‬في الحرية‬

‫والديمقراطية والحقوق المدنية والكرامة ‪ ,‬سيظل هاجساً وهدفاً غالياً من أهدافهم ‪ ,‬قاتلوا من أجله‬

‫‪202‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫طوال أكثر من مئة عام مضت ‪ ,‬وسيقاتلون –إذا اضطروا‪ -‬مئة عام أخرى ‪ ,‬وسيظل التاريخ شاهد‬

‫على ذلك ‪ ,‬فال يخدع نفسه سوى من ظن واهماً أن الفلسطيني قد مات شعوره بهويته الوطنية‬ ‫وأحالمه وأهدافه‪ ,‬وصار مخصياً أو حمالً وديعاً ‪ ,‬ولن يصدق شعبنا أولئك السياسيين الفلسطينيين‬

‫الذين استم أروا االستسالم باسم الواقعية واالنتهازية والمصالح الطبقية‪.‬‬

‫لذلك أقول ‪ ,‬إن كل من يتحدث أو يخاطب الفلسطينيين بلغة أو شعارات تتناقض مع هويتهم‬

‫الوطنية أو تتجاوز أحالمهم في التحرر والكرامة والحقوق المدنية والعدالة ‪ ,‬هو مجرد واهم او‬

‫انتهازي‪.‬‬

‫فالذاكرة التاريخية بالنسبة البناء شعبنا في الوطن المحتل ‪ ,21‬هي ممارسة حاضرة‪ ,‬فهي تقوم‬

‫بوظيفة تراثية وفولكلورية وأيديولوجية وسياسية ومجتمعية ‪ ,‬إنها تحاول تثبيت ذاتها في أتون الصراع‬

‫مع الدولة الصهيونية وممارساتها العنصرية ‪ ,‬وهو صراع مفتوح يعيد تجديد وتطوير وتعميق الهوية‬

‫الوطنية بكل ابعادها السياسية والمجتمعية ‪.‬‬

‫وال شك أن ذاكرة شعبنا تتجلى – في العديد من المنعطفات‪ -‬بصورة جماعية في الوطن المحتل‬

‫وفي كل مكان ‪ ,‬كذاكرة حية متمردة على االضطهاد واالستغالل الصهيوني العنصري‪ ,‬النها ذاكرة‬

‫حيوية لم تقطع مع ماضيها في فلسطين المدينة والقرية والريف والمزارع والبيوت ‪ ,‬لم تقطع مع نضال‬

‫الشعب ضد االستعمار والهجرة الصهيونية والنضال والشهداء الذين ضحوا بأرواحهم ضد الغزوة‬

‫الصهيونية ‪ ,‬لم تقطع رغم المعاناة واالضطهاد والتطهير العرقي والتشرد في مخيمات اللجوء وصوالً‬ ‫إلى اللحظة الراهنة ‪ ,‬النها بالفعل ذاكره متمرده‪ ,‬ليس فقط على تاريخ صراعها مع الصهيونية‬

‫واالمبريالية ‪ ,‬بل متمردة أيضاً على تاريخ خيانة النظام العربي منذ قبل النكبة وبعدها‪ ,‬بمثل ما هي‬ ‫حانقة ومتمردة على المصالح الفئوية واالنقسام والصراع على المصالح بين حكومتي فتح وحماس‬

‫غير الشرعيتين‪.‬‬

‫فبالرغم من مرور ‪ 92‬عاماً على النكبة ظلت –وستظل‪ -‬الذاكرة الفلسطينية الشعبية حافظة للهوية‬

‫الوطنية وللوعي الوطني في كل محطات النضال‪ ,‬منذ ما قبل النكبة إلى يومنا هذا‪ ,‬وهي أيضاً ذاكرة‬

‫تعرض لها أبناء شعبنا داخل الوطن المحتل كما في الشتات‪ ,‬وعززت‬ ‫التشرد والغربة والمعاناة التي َّ‬ ‫لديهم روح اآلمال الكبيرة في المستقبل الذي ستتحقق فيه الحرية والعدالة االجتماعية بآفاقها‬

‫االشتراكية عبر الممارسة الثورية لكافة أشكال النضال من أجل تحقيق أهدافنا في التحرر الوطني‬

‫والديمقراطي في إطار النضال التحرري القومي الديمقراطي ‪ ,‬لذلك لم يكن غريباً أن تنصهر فينا‪ ,‬نحن‬

‫الفلسطينيون‪ ,‬الذاكرتين معاً‪ ,‬ذاكرة الوطن المحتل‪ ,‬وذاكرة الغربة والشتات واللجوء‪ ,‬فلكل منها آالمها‬ ‫وآمالها الكبيرة‪.‬‬

‫‪203‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن ‪-‬ازمة املاركسية‪ -‬وأزمة احزاب وفصائل اليسار العربي وسبل‬

‫النهوض‬

‫‪31 / 7 / 3102‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫ان ما يوصف بأنه " أزمة الفكر" لدى أحزاب اليسار العربي هو في الحقيقة أزمة الممارسة بسفحيها‪:‬‬

‫النظري والعملي‪ ,‬فثمة بون شاسع بين الممارسة النظرية‪ ,‬مثالً‪ ,‬وبين انتقاء وجمع وتوليف مجموعة‬ ‫من األفكار والمبادئ والتصورات‪ ,‬قُطعت عن منظومتها الفكرية‪ ,‬وانتُزعت من سياقها التاريخي ‪ ,‬عبر‬ ‫مسميات خجولة أزاحت النص الصريح بااللتزام بالماركسية ‪ ,‬لحساب نصوص تلفيقية أو توفيقية أو‬ ‫تحريفية‪ ,‬أو عناوين استرشادية جاءت انسجاماً مع مواقف العديد من األحزاب الشيوعية التي تخلت‬ ‫عن اسمها أو بعض الفصائل والحركات األخرى التي اتجهت صوب الخلط الفكري بين الليبرالية‬

‫والماركسية ‪ ,‬أو حتى شطب الماركسية من أدبياتها‪ ,‬ذلك الخلط أو الشطب‪ ,‬سيعزز تراجعها المتصل‪,‬‬ ‫وتهميشها وسيعجل بنهايتها‪.‬‬

‫على أي حال‪ ,‬إن التخلي عن الماركسية أو االرتداد عنها والتنكر لها ‪ ,‬ليس موقفاً جديداً مرتبطاً‬

‫بانهيار االتحاد السوفياتي أو بالواقع العربي المهزوم ‪ ,‬بل هو ظاهرة نشأت منذ نشوء الماركسية‪ ,‬من‬

‫خالل العناصر والقوى اليمينية التي وجدت في الماركسية خط ارً شديداً على مصالحها ووجودها ‪ ,‬لكن‬

‫" الماركسية" بمضمونها السياسي واالجتماعي ودالالتها ومؤشراتها المستقبلية بالنسبة لتحرر وانعتاق‬ ‫العمال والفالحين وكل الفقراء والكادحين في هذا الكوكب ‪ ,‬خاصة في البلدان المستعمرة والتابعة ‪ ,‬كما‬ ‫هو حال بلداننا العربية‪ ,‬الذين لن يجدوا خالصهم إال من خاللها ‪ ,‬لذلك ‪ ,‬فإن البحث في "أزمة‬

‫الماركسية" –وال نقول فشلها‪ -‬هو بحث في الماركسية ذاتها‪- ,‬كما يقول " الصديق سالمة كيلة‪ -‬واذا‬ ‫كان من حق اي كان‪ ,‬ان يتخلى عن افكار ويعتنق أفكار أخرى نقيضة‪ ,‬فانه ليس من حق احد اصدار‬

‫حكم بالتجاوز او النفي على تيار فكري من اجل تبرير هذا التخلي‪ ,‬خصوصاً اذا كان الحكم بال حيثيات‬ ‫سوى البعد الذاتي ومبرراته االنتهازية األنانية الصريحة‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫إن جذور أزمة الماركسية في الوطن العربي تكمن في هذا التراجع الفكري والضعف النظري لدى‬

‫احزاب وفصائل اليسار‪ ,‬إلى جانب حالة االغتراب عن الواقع‪ ,‬ومن ثم فشل هذه االحزاب في وعي‬

‫الواقع واستيعاب جوانبه ومكوناته السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪...‬إلخ ‪ ,‬حيث استمرت‬ ‫‪204‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫طوال العقود الماضية في رفع شعارات او مبادئ ال تجسد الواقع أو تعكسه بصورة جدلية وموضوعية‬ ‫صحيحة‪ ,‬ما يعني بوضوح ان الحركات اليسارية لم تدرك أن المبادئ ال تصلح نقطة انطالق للبحث‬

‫تطبق على المجتمع والطبيعة والتاريخ بل‬ ‫والتحليل والتنقيب‪ ,‬بل هي نتيجتها الختامية‪ .‬فالمبادئ ال ّ‬ ‫ق منها‪ ,‬فليس على الواقع والتاريخ أن يتطابقا مع أفكارنا‪ ,‬بل على أفكارنا أن تتوافق وتتطابق مع‬ ‫تُ ْ‬ ‫شتَ ْ‬ ‫قوانين حركة الواقع ومنطق التاريخ‪ ,‬هذا هو الدرس الرئيسي الذي يتوجب على احزاب وفصائل اليسار‬

‫العربي أن تستوعبه في وعيها وممارستها‪ ,‬دون أن يعني ذلك تجاو ازً للتطور االجتماعي والطبقي‬ ‫المشوه ‪ ,‬لمجتمعاتنا العربية ‪ ,‬طوال التاريخ الحديث والمعاصر ‪ ,‬وبالتالي فإنني أرى أنه ليس من‬

‫المغاالة في شيء‪ ,‬إذا قلنا بأن ما يسمى بأزمة الماركسية في بالدنا ‪ ,‬هي انعكاس –بهذا القدر أو‬

‫ذاك‪ -‬ليس ألزمة وتخلف المجتمع والفكر السياسي العربي ارتباطاً بالمسار التطوري التاريخي المشوه‬ ‫فحسب ‪ ,‬بل ايضا – وبالدرجة االساسية – الى قصور وعجز احزاب وفصائل اليسار عن صياغة‬

‫وممارسة قضايا الصراع التناحري ضد العدو االمبريالي الصهيوني من جهة وقضايا الصراع االجتماعي‬

‫الطبقي الديمقراطي الداخلي من جهة ثانية ‪ ,‬االمر الذي كان – ومازال – من الطبيعي ان تكبر وتتسع‬

‫العزلة والفجوات بين قوى اليسار العربي وجماهيرها الشعبية الفقيرة ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ان ما ينقص قوى اليسار هو الدافعية الذاتية او الشغف وااليمان العميق بمبادئه عبر امتالك الوعي‬

‫العلمي الثوري في صفوف قواعده وكوادره ‪ ,‬فبينما تتوفر الهمم في أوساط الجماهير الشعبية‬ ‫واستعدادها دوما للمشاركة في النضال بكل اشكاله ضد العدو االمبريالي والصهيوني ‪ ,‬وضد العدو‬ ‫الطبقي المتمثل في انظمة التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد والقمع ‪ ,‬اال ان احزاب وفصائل‬

‫اليسار لم تستثمر كل ذلك كما ينبغي وال في حدوده الدنيا ‪ ,‬ألنها عجزت – بسبب ازماتها‬

‫وتفككهاورخاوتها الفكرية والتنظيمية ‪ -‬عن إنجاز القضايا األهم في نضالها الثوري ‪ ,‬وهي على سبيل‬

‫المثال وليس الحصر‪ :‬اوال – عجزت عن بلورة وتفعيل االفكار المركزية التوحيدية العضاءها وكوادرها‬ ‫وقياداتها واقصد بذلك الفكر الماركسي وصيرورته المتطورة المتجددة‪.‬ثانيا‪-‬عجزت بالتالي عن‬

‫تشخيص واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي ) ومن ثم عجزت عن ايجاد الحلول‬

‫اوصياغة البديل الوطني والقومي في الصراع مع العدو االمبريالي الصهيوني من ناحية وعن صياغة‬

‫البديل الديمقراطي االشتراكي التوحيدي الجامع لجماهير الفقراء وكل المضطهدين من ناحية ثانية ‪.‬ثالثا‬

‫ عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف اعضاءها وكوادرها وقياداتها ليس‬‫بهويتهم الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب بل ايضا عجزت عن توعيتهم بتفاصيل‬

‫واقعهم الطبقي ( االقتصاد‪ ,‬الصناعة ‪ ,‬الزراعة ‪ ,‬المياه ‪ ,‬البترودوالر ‪ ,‬الفقر والبطالة والقوى العاملة‪,‬‬ ‫الكومبرادور وبقية الشرائح الراسمالية الرثة والطفيلية ‪ ,‬قضايا المرأة والشباب ‪ ,‬قضايا ومفاهيم الصراع‬ ‫‪205‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الطبقي والتنوير والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة‪....‬الخ )فالوعي وااليمان‬

‫الثوري ( العاطفي والعقالني معا ) لدى كل رفيقة ورفيق‪ ,‬بالهوية الفكرية وبضرورة تغيير الواقع‬ ‫المهزوم والثورة عليه ‪ ,‬هما القوة الدافعة الي حزب او فصيل يساري ‪ ,‬وهما ايضا الشرط الوحيد‬

‫صوب خروج هذه االحزاب من ازماتها ‪,‬وصوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في اوساط جماهيرها على‬

‫طريق نضالها وانتصارها ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫أرى أن أزمة الماركسية عندنا‪ ,‬تتجلى في كونها تعيش حالة قطيعة أو إرباك مع تراثها‪ ,‬ارتباطاً‬

‫باألزمة الفكرية لدى أحزاب اليسار العربي‪ ,‬وهذه األزمة أسهمت في ضياع بوصلة تلك األحزاب‪,‬‬

‫الفكرية والسياسية‪ ,‬ليس بسبب التبعية الميكانيكية تاريخياً للمركز في موسكو‪ ,‬أو بسبب الوعي‬

‫المسطح أو البسيط على مستوى االعضاء فحسب‪ ,‬بل أيضاً بسبب هشاشة وضعف الوعي في معظم‬ ‫الهيئات القيادية ‪ ,‬التي عاشت نوعاً من غياب الوعي الماركسي أو الالمبااله – والرفض العلني أو‬

‫المبطن‪ -‬للفكر الماركسي‪ ,‬إلى جانب االغتراب أو العزلة عن قواعدها التنظيمية وجماهيرها‪ ,‬فضالً عن‬ ‫حالة الجمود الفكري والتنظيمي البيروقراطي و تراكم المصالح الطبقية االنتهازية بتأثير العالقة مع هذه‬

‫السلطة أو هذا النظام أو ذاك‪.‬‬

‫كما تجلت األزمة أيضاً ‪ ,‬في المنتسبين إلى هذه األحزاب وهيئاتها القيادية‪ ,‬ال سيما ضعف وعيهم‬

‫للدور الذي على الماركسية أن تقوم به في مجتمع متأخر تابع ومستباح‪ ,‬وبالتالي الضعف الشديد‬

‫لتأثيرهم أو غيابه في أوساط الجماهير ‪ ,‬بدليل اشتعال االنتفاضات العربية دونما أي دور ملموس‬

‫ألحزاب وقوى اليسار فيها ‪ ,‬التي غيبت نفسها بسبب تفاقم أزماتها ‪ ,‬وعجزها وقصورها الذاتي على‬

‫الرغم من نضج الظروف الموضوعية المتمثلة في االستالب الوطني الناجم عن وجود القواعد‬ ‫العسكرية واالحتالل الصهيوني من جهة وفي االستالب واالستبداد الطبقي الناجم عن شدة بشاعة‬ ‫استغالل الطبقة الحاكمة وحلفائها لجماهير الفقراء اللذين خرجوا بالماليين مشاركين في االنتفاضة‬ ‫بصورة عفوية ‪ ,‬سرعان ما احتضنتها قوى اإلسالم السياسي والقوى الليبرالية ‪ ,‬إلى جانب قوى الثورة‬

‫المضادة ‪ ,‬في ظل غياب محزن للطليعة اليسارية المدافعة عن أماني وأهداف الجماهير ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫صحيح أن الماركسية هي منهج أفكار ماركس ‪ ,‬و "مذهبه" ‪ ,‬لكن علينا أن ندرك أن كل من‬

‫األفكار‪ ,‬و"المذهب"‪ ,‬محدودان ومحددان بالزمان والمكان‪ ,‬ولذلك فإن أهم مظهر من مظاهر أزمة‬ ‫الماركسية في بالدنا ‪ ,‬هو جمودها على النص القديم او "المذهب"‪ ,‬وافتقارها أو عجزها عن التعامل‬

‫مع روح المنهج المادي الجدلي وجوهره التاريخي‪ ,‬وبالتالي عجزها عن اكتشاف جدل الواقع العربي‬ ‫‪206‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ذاته وميول تطوره‪ ,‬إذ ال يمكن موضوعياً الحديث عن المنهج المادي الجدلي بدون الماركسية‪,‬‬ ‫وبالتالي فإن الهروب من الماركسية ‪,‬واالكتفاء بالمنهج الجدلي فقط !!خطوة تؤشر على نزعة انتهازية‬

‫تسعى إلى الهروب من التراث الماركسي كله ‪ ,‬وهي أيضاً خطوة تؤكد على انتصار التيار الليبرالي‬ ‫االنتهازي الرث داخل هذه األحزاب من جهة‪ ,‬أو تجسيد للنزعة التحريفية او لعدم الوعي بأهمية اعتماد‬

‫الماركسية ( كنظرية علمية تاريخية وفلسفية اقتصاديية اجتماعية )كشرط للتعاطي مع المنهج المادي‬ ‫الجدلي من جهة ثانية‪ ,‬إذ أن معنى ذلك الشطب للماركسية‪ ,‬ليس استجابة للقوى الراسمالية والليبرالية‬

‫ولتيارات وحركات االسالم السياسي الرجعية وغيرهم من أعداء الماركسية في المشهد السياسي العربي‬

‫الراهن فحسب‪ ,‬بل هي أيضاً إزاحة مفاهيم الصراع الوطني والقومي الكفاحي باسم السالم المزعوم‬

‫‪,‬وازاحة مفاهيم وآليات الصراع الطبقي وفائض القيمة والتحليل االقتصادي والطبقي لكل مظاهر‬ ‫االستغالل من أجل تجاوزها ‪ .‬وفي هذا الجانب أشير إلى أن جمود الفصائل واألحزاب اليسارية لم يكن‬

‫متوقفاً عند نصوص ماركس ولينين فحسب‪ ,‬بل كان ممتداً ومنتش ارً بحيث أصاب روح التغيير‬ ‫الديمقراطي الثوري لدى قيادات هذه األحزاب‪ ,‬التي باتت قيادات متكلسة ضحلة الوعي وعاجزة عن‬

‫ممارسة اي شكل من اشكال التواصل والتجدد التنظيمي والمعرفي الجدلي بالمعنى الثوري االرتقائي ‪,‬‬

‫االمر الذي انعكس سلبا على عموم اعضاء الحزب ‪ ,‬من حيث غياب الوعي بالنظرية والواقع المعاش‪,‬‬ ‫ومن حيث غياب الدافعية الذاتية واالخالق الثورية لدى معظمهم ‪ ,‬ففي غياب الوعي واالخالق‬

‫والدافعية لدى االعضاء ال يكون مستغربا في مثل هذه االحوال أن تتراكم االزمات الداخلية – ذات‬

‫الطابع الشللي المشخصن ‪ -‬بكل مظاهرها الفكرية والسياسية والتنظيمية دون أي مخرج – امام‬

‫القيادات البيروقراطية المتكلسة والهابطة سياسيا وفكريا في قسم كبير منها‪ -‬سوى اللجوء إلى إدارة‬ ‫األزمة بأزمة أخرى أشد بشاعة‪ ,‬عبر مزيد من التكتالت والشلل‪ ,‬والمحاسيب ‪ ,‬مما ادى إلى تفاقم‬

‫األوضاع المأزومة‪ ,‬التي انتجت بدورها مزيداً من التراجع والعزلة وتراجع االفكار والمبادىء الثورية ‪,‬‬ ‫وانتشار حالة من التشكيك بالماركسية ومنهجها او االرتداد عنهما وظهور حالة مأزومة من االرباك‬

‫والفوضى الفكرية‪ ,‬ولجوء بعض هذه األحزاب إلى األفكار والسياسات الليبرالية ‪-‬والمظاهر الدينية‬

‫احيانا ‪ -‬لتبرر فشلها وانتهازيتها وهبوطها السياسي والفكري ورخاوتها التنظيمية ‪ ,‬األمر الذي ينذر‬ ‫باسدال الستار عليها ‪ ,‬ووالدة الجديد الثوري البديل ‪,‬إذا لم تبدأ عملية مراجعة نقدية – من كوادرها و‬

‫قواعدها الرافضة لهذا المآل – تطال كافة مظاهر وشخوص الهبوط والتراجع‪ ,‬فالحزب يقوى بتطهير‬

‫نفسه ‪ ,‬وتلك خطوة ال بد منها في احزاب وفصائل اليسار العربي ‪ ,‬باتجاه اجراء التغيير البنيوي فيها ‪,‬‬ ‫واحياء مبادىء ومنطلقات الحزب الثورية بالمعنى الماركسي العلمي المتجدد وفق المنهج المادي‬

‫الجدلي ومن ثم االندماج الحقيقي في مسامات ومكونات الواقع بكل جوانبه السياسية واالقتصادية‬

‫والمجتمعية من على ارضية الصراع الوطني ‪ /‬القومي التحرري وارضية الصراع الطبقي في آن واحد‪.‬‬

‫‪207‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)9‬‬

‫تبرز االشتراكية اليوم ‪ ,‬كضرورة ما تزال تتطلع إليها هذه األوضاع التي تزداد تردياً في حياة شعوب‬

‫بالدنا العربية‪.‬‬

‫في إطار هذه الضرورة‪ ,‬ووعينا لها‪ ,‬يتوجب على فصائل واحزاب اليسار تبني الماركسية كمنهج‬

‫للتحليل وكنظرية في التغيير الثوري‪ ,‬خاضعة للتطور واالغتناء ارتباطاً بالمتغيرات االجتماعية‬ ‫واالقتصادية والسياسية‪ ,‬وباالستفادة من التقدم الهائل في علوم التكنولوجيا واالتصال والفضاء‬

‫والهندسة الوراثية والفيزياء والطب وعلوم السياسة والمجتمع‪ ,‬وفي هذا السياق‪ ,‬أشير إلى المسار‬

‫التطوري للفكر الماركسي ما بعد لينين عبر العديد من المفكرين والقادة من أمثال تروتسكي و جورج‬ ‫لوكاتش‪ ,‬ومدرسة فرنكفورت‪ ,‬هوركهيمر ‪ ,‬ادورنو ‪ ,‬وهربرت ماركيوزه وماوتسي تونج‪,‬‬

‫وجرامشي‪,‬موريس توريز ‪ ,‬والتوسير‪ ,‬وهابرماس‪ ,‬ونعوم تشومسكي ‪ ,‬وجورج البيكا‪ ,‬ودانييل بن‬

‫سعيد‪ , ,‬وجون مولينو‪...‬إلخ‪ ,‬إلى جانب العديد من المفكرين والمثقفين في أمريكا الالتينية وأسيا وفي‬ ‫بالدنا العربية من أمثال شبلي شميل ‪ ,‬شهدي عطية ‪ ,‬د‪.‬فؤاد مرسي‪ ,‬امين عز الدين ‪,‬احمد صادق‬

‫سعد ‪,‬محمود أمين العالم‪,‬فؤاد نصار ‪,‬بشير البرغوثي‪ ,‬اميل توما ‪,‬عبد العظيم انيس ‪ ,‬مهدي عامل‪,‬‬ ‫سمير أمين‪ ,‬رمزي زكي ‪ ,‬ميشيل كامل ‪,‬اسماعيل صبري عبداهلل‪ ,‬اديب ديمتري ‪,‬ابو سيف يوسف‬

‫‪,‬وحسين مروه‪ ,‬إلياس مرقص ‪ ,‬جورج طرابيشي ‪ ,‬بو علي ياسين ‪ ,‬جورج حاوي ‪ ,‬توفيق سلوم ‪,‬‬

‫وصادق العظم ‪,‬هادي العلوي ‪ ,‬جلبير أشقر‪ ,‬فوزي منصور‪ ,‬هشام غصيب‪ ,‬وماهر الشريف‪ ,‬عبد‬

‫الباسط عبد المعطي‪ ,‬عبد اهلل العروي‪ ,‬ياسين الحافظ‪ ,‬بو علي ياسين ‪,‬هشام جعيط ‪ ,‬كمال عبد‬ ‫اللطيف ‪ ,‬عبداللة الحريف ‪,‬سالمة كيلة‪ ,‬سعيد بن سعيد العلوي وفيصل دراج ومحمد دكروب وفواز‬

‫طرابلسي وغيرهم‪ ,‬الذين قدموا اضافات اغنت الماركسية كنظرية في التغيير الثوري وكمنهج للتحليل‪.‬‬

‫من أجل ذلك‪ ,‬علينا أن نتواصل في الحوار‪,‬و أن نسعى إلى بلورة وتعميق وتطوير واغناء رؤية‬

‫احزابنا وفصائلنا للماركسية ومنهجها بهدف االسترشاد بها في تحليل وتغيير الواقع‪ ,‬وقراءة الظواهر‬

‫االجتماعية والسياسية واالقتصادية وفق معطيات المنهج المادي الجدلي وباالستناد إلى كل ما هو‬

‫تقدمي وديمقراطي وانساني في التراث الفكري والثقافي لشعوبنا ومجتمعاتنا العربية واإلنسانية جمعاء‬ ‫على طريق النهوض المأمول لليسار الماركسي العربي واسترداده لدوره الطليعي الثوري الديمقراطي في‬

‫مسيرة النضال من اجل اسقاط انظمة االستبداد والتبعية والتخلف وتحقيق اهداف الثورة الوطنية‬

‫الديمقراطية بافاقها االشتراكية طريقا وحيدا النهاء الوجود االمبريالي الصهيوني واجتثاثه من بالدنا‪.‬‬

‫‪208‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫املوقف الثوري املطلوب من فصائل واحزاب اليسار العربي جتاه قوى‬ ‫اليمني الليربايل واالسالم السياسي‪..‬‬

‫‪00 / 1 / 3102‬‬ ‫إن تراكم المخاطر الناجمة عن الصراعات واحتدام التناقضات الداخلية ‪ ,‬إلى جانب المخاطر‬

‫الناجمة عن خضوع وارتهان معظم النظام العربي الرسمي للمشاريع االمبريالية الصهيونية في بالدنا ‪,‬‬ ‫تفرض تفعيل وتطوير كل عناصر ومقومات النهوض بفصائل واحزاب اليسار من أجل استعادة دورها‬

‫المتميز ‪ ,‬كبديل ديمقراطي لكل من منهج وقيادة اليمين الوطني واليمين الديني ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نؤكد على أن العقل الثوري التغييري الذي تحمله قوى اليسار لن يتراجع بسبب‬

‫قوة وانتشار تيار اإلسالم السياسي في المرحلة الراهنة بما يمثله من رؤى سياسية ومجتمعية يمينية ‪,‬‬

‫أو بسبب الهيمنة الطبقية الرأسمالية الرثة والتابعة ألنظمة االستبداد والتخلف واالستسالم ومعها العديد‬ ‫من القوى الذيلية اليائسة أو المشككة أو االنتهازية أو الهروبية‪ ,‬بل سيستمر على شكل قوة‬ ‫موضوعية تكمن في صميم قوة وتبلور الهوية الفكرية الماركسية ومنهجها المادي الجدلي في عمق‬

‫وعي هذه االحزاب والفصائل‪ ,‬وكل إمكانيات النهوض فيها في موازاة صالبة الموقف الذي تحمله من‬

‫أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشت اركية بعيدا عن سفينة األصوليين المحكومة‬ ‫بقواعد التعصب والتخلف االجتماعي ‪ ,‬وبعيدا عن سفينة ركاب السلطة المحكومة برياح التبعية‬

‫والتسوية مع التحالف اإلمبريالي الصهيوني الرجعي‪.‬‬

‫فالتغيير الثوري بالنسبة لقوى اليسار العربي هو مبرر وجودها وهو أيضاً قمة النضال السياسي‬

‫الديمقراطي والكفاحي في تالحمهما معاً‪ ,‬إذ انه خالل مسيرة النضال‪ ,‬تترابط وتتوحد القضايا السياسية‬ ‫واالجتماعية واالقتصادية على أرضية صالبة االنتماء الوطني واالنحياز الطبقي الصريح والصادق‬

‫للعمال والفالحين وكل الكادحين والفقراء‪ ,‬كشرط أساسي لتوحد وتعاظم دور اليسار العربي الثوري في‬

‫القضايا التحررية والمطلبية الديمقراطية ‪ ,‬الوطنية والقومية واألممية‪ ,‬وذلك انطالقاً من اإلدراك بأن‬ ‫الثورة ال تنضج بمقدماتها فحسب‪ ,‬بل تكتمل بتوفير العناصر الموضوعية للوضع الثوري والعامل‬

‫الذاتي‪ ,‬وهي أيضاً ال يمكن أن تندلع –بالصدفة أو بحفنة من المناضلين المعزولين عن الشعب‪ ,‬بل‬

‫بالحزب المؤهل‪ ,‬الذي يتقدم صفوف الجماهير الشعبية الفقيرة‪ ,‬واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحامالً‬

‫لإلجابة على أسئلتها‪ ,‬ومستعداً للتضحية من أجل هذه الجماهير‪ ,‬واثقاً كل الثقة من االنتصار في‬ ‫مسيرته المظفرة‪.‬‬

‫‪209‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫قطاع غزة ‪0993 – 0989‬‬ ‫دراسة تاريخية سياسية اجتماعية‬ ‫القسم الثاني‬

‫غاإي الصوراني‬

‫‪ / 34‬أغسطر ‪3103 /‬‬

‫المرحلة الثانية (‪:)0697 – 0627‬‬ ‫المالمح العامة لهذه المرحلة‪:‬‬ ‫عمـت حالـة‬ ‫بعد انسحاب المحتلين اإلسرائيليين من قطاع غزة في السـابع مـن آذار‪/‬مـارس ‪َّ ,0627‬‬

‫من التفاؤل بالمستقبل فـي كافـة أوسـاط شـعبنا الفلسـطيني‪ ,‬تميـزت ببعـدها الـوطني الخـالص‪ ,‬وجوهرهـا‬ ‫االنفعـالي العـاطفي دون أي اسـتناد إلــى معطيـات ماديـة تســهم فـي تبيـان طبيعــة أو معـالم الصـراع مــع‬

‫العــدو الصــهيوني‪ ,‬عــالوة علــى ذلــك فــإن هــذه الحالــة مــن التفــاؤل لــم ترتكــز إلــى قاعــدة سياســية أو‬

‫هم الجماهير وشـاغلها األول الخـالص الـوطني والعـودة‪ ,‬وممـا‬ ‫اجتماعية أو اقتصادية محددة‪ .‬لقد كان ّ‬ ‫عزز هذا التوجه األحادي مؤشران‪:‬‬ ‫‪ -‬األول جاء انعكاساً للحالة الجماهيرية الوطنية المحلية‪.‬‬

‫‪ -‬والثاني جاء تعبي ارً عن ارتباط الحالة الجماهيرية المحلية بالحركـة القوميـة العربيـة الرسـمية التـي‬

‫عبر عنها عبد الناصر في هذه المرحلة‪.‬‬

‫ويتمثل المؤشر األول في ىلغاء متشروع التدويل لقطاع غإة الذي اقترحته كندا في تشباط ‪ 0989‬نتيجة‬

‫المبة الوطنية في القطاع‪ ،‬والتزي اسزتمرت أسزبوعال كزامالل عبزر مالزاهرات عنيفزة ضزد متشزروع التزدويل ومزن‬

‫ترجززع قيززادة الط زوارئ الدوليززة بتعليمززات مززن اامززين‬ ‫أجززل عززودة اإلدارة العربيززة (المص زرية)‪ ،‬ممززا أدى ىلززس ا‬ ‫العام لألمم المتحدة عن هذا المتشزروع‪ ،‬والسزماح لزإلدارة المصزرية بزالعودة ىلزس قطزاع غزإة فزي ال اربزع عتشزر‬

‫من آذار‪/‬مارر ‪.0989‬‬

‫المؤشر الثاني‪ :‬التفاف الجماهير العربية عمومال‪ ،‬والفلسطينيين خصوصال ضمن حركة تميإت بالعفوية‬

‫الصادقة حول مصر ورليسما الذي أصبح وبحق رم الإ للتحرر الوطني والوحدة العربية‪.‬‬

‫فززي هززذه ااج زواء اسززتقبلت الجمززاهير الحاتشززدة مززن أبنززاء قطززاع غ زإة الل زواء محمززد حسززن عبززد اللطيززف‪،‬‬

‫المعين من قبل رلاسة الجممورية في القاهرة‪ ،‬حاكمال عامال لقطاع غإة‪ ،‬وانطلق هتاف الجماهير معبز الر عزن‬

‫تشعارها الخالد "فلسطين عربية"‪.‬‬

‫‪221‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لقــد كــان التفــاؤل بالحركــة القوميــة العربيــة الصــاعدة فــي مصــر فــي هــذا الظــرف شــكالً مــن أشــكال‬

‫اإليمان "المطلق" في ذهنية وعواطف الجماهير‪ ,‬أعطاها أمالً كبيـ ارً فـي الخـالص الـوطني والعـودة بمثـل‬ ‫ما زودها بطاقة هائلة‪ ,‬في تحمل كل نتائج البؤس االجتمـاعي والفقـر المـدقع والمـرض البالغـة السـوء‪,‬‬

‫ويكفي هنا أن نورد مثالً حول انتشار مرض السل‪ ,‬الذي فتك بصـدور اآلالف مـن أبنـاء القطـاع نتيجـة‬

‫الحرمان وسوء التغذية‪.‬‬

‫تلك الحالة من البؤس االجتماعي بكل مقدماته ونتائجـه‪ ,‬لـم تكـن بعيـدة علـى اإلطـالق عـن التمـايز‬

‫الطبقي التاريخي والحاد في قطاع غزة‪ ,‬الذي تعمـق وتطـور فـي هـذه المرحلـة (‪ )0697-0627‬بفعـل‬

‫االمتيازات الجديـدة – االقتصـادية واالجتماعيـة – لطبقـة كبـار المـالك‪ ,‬والتـي مهـدت الطريـق أمـام نمـو‬

‫الطبقــة البورجوازيــة الكومبرادوريــة (الوســطاء التجــاريون) عبــر عــدد مــن األنظمــة والتعليمــات اإلداريــة‬

‫والقوانين الخاصة بحرية االستيراد‪ ,‬بحيث أصبح القطاع – مـع بدايـة السـتينيات‪ -‬سـوقاً حـرة لالسـتيراد‬ ‫والتصدير‪ ,‬وبؤرة من بؤر التخلف والفساد االجتماعي و االقتصادي‪.‬‬

‫وق ززد ت ارف ززق م ززع ه ززذا التط ززور المتش ززوه تن ززامي حج ززم البورجواإي ززة الص ززغيرة بك ززل تشز زرالحما‪ ،‬ونتيج ززة ان‬ ‫البورجواإية الصغيرة كطبقة ال تستطيع أن تخلق قاعدة اقتصادية خاصة بما اسبا‬

‫موضوعية‪ ،‬فقد كان‬

‫م ززن الطبيع ززي ارتب ززاط معال ززم فلاتم ززا م ززع الغ ززول الجدي ززد (الك ززومبرادور) أو م ززع الجم ززاإ الحك ززومي ال ززواليفي‬

‫واامنززي الززذي كززان فززي جززوهره وتشززكله معبز الر عززن مصززالح كبززار المززالت ومولززودهم الجديززد مززن الكززومبرادور‬

‫والتشرالح الرأسمالية الطفيلية والبيروقراطية الرثة‪ ،‬مما انعكر سلبال علس طبيعة تكوين البورجواإيزة الصزغيرة‬ ‫المادي والذهني في آن واحد‪ ،‬وانتشدادها الواضح تجاه قضاياها ومتشاكلما الحياتية الخاصة‪ ،‬وابتعاد معالم‬

‫أفرادها عن المتشاركة في العمل الوطني عمومال رغم النمزو‬

‫القزومي العزام الزذي أدى ىلزس نتشزوء ااحز اإ‬

‫القومية (البعث‪ ،‬والقوميين العر ) مع بداية هذه المرحلة‪ ،‬والتي قام بتأسيسما عدد مزن المثقفزين مزن أبنزاء‬ ‫هذه الطبقة‪.‬‬

‫ومن المفارقات الجديرة باالهتمـام فـي عالقـة (مصـر عبـد الناصـر) بقطـاع غـزة‪ ,‬أن القيـادة الوطنيـة‬

‫المصـرية التـي بـادرت إلــى إلغـاء امتيـازات كبــار المـالك "اإلقطـاعيين" والبورجوازيــة الكبيـرة فـي مصــر‪,‬‬

‫وتحجيمهمــا سياســياً واجتماعي ـاً واقتصــادياً‪ ,‬وأعطــت األولويــة فــي اهتماماتهــا لتطــوير البنيــة التحتيــة‬

‫االجتماعية واالقتصادية "لصالح الفالحين والعمال" وما سـمي "بالرأسـمالية الوطنيـة" ‪ ,‬فـي سـياق توجـه‬ ‫وطني ٍ‬ ‫معاد لالمبريالية واالستعمار والرجعيـة‪ ,‬إال أن هـذه القيـادة – بالمقابـل‪ -‬لـم تحـرص علـى تطبيـق‬ ‫االجراءات والتوجهات نفسها في قطاع غزة‪ ,‬بل أنها تعاملـت معـه ضـمن سياسـة داخليـة متناقضـة إلـى‬ ‫حد بعيد مع سياستها وتوجهاتها‪ ,‬ويؤكد ذلك طبيعة األوضاع االقتصادية واالجتماعية التـي سـادت فـي‬

‫قطاع غزة منذ عام ‪ 0627‬حتى هزيمة ‪.0697‬‬

‫فقد عمدت السلطات المصرية إلى تكريس األوضاع الطبقية السـائدة منـذ مـا قبـل عـام ‪ 0621‬بكـل‬

‫مــا تعنيــه مــن امتيــازات اجتماعيــة وسياســية واقتصــادية لصــالح القيــادات والوجاهــات التقليديــة العائليــة‬ ‫‪220‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المـ ّـال ك وغيـرهم‪ ,‬كمـا عمــدت إلــى تطبيــق سياسـة اقتصــادية قائمــة علــى االنفتــاح‬ ‫والعشـائرية مــن كبــار ُ‬ ‫(عبر نظام االستيراد بدون تحويل عملة) الـذي أفـرز كافـة المقومـات لـوالدة الوسـطاء التجـاريين الكبـار‬ ‫(الكومبرادور) الذين امتدت هيمنتهم في القطاع‪ ,‬بحيـث تـوازت وتـداخلت مـع هيمنـة ودور كبـار المـالك‬ ‫فــي جميــع المســتويات السياســية واالجتماعيــة‪ ,‬وأصــبح تحكــم ه ـؤالء فــي اقتصــاد القطــاع بكــل جوانبــه‬

‫الزراعيــة والتجاريــة والصــناعية‪ ,‬علــى ضــآلتها‪ ,‬مصــدر بــؤس وشــقاء جديــدين‪ ,‬انعكــس بكــل ثقلــه علــى‬ ‫السواد األعظم من الجمـاهير الكادحـة والمسـحوقة‪ ,‬مـواطنين والجئـين‪ ,‬وانتشـرت مظـاهر البـذخ والتـرف‬

‫والفساد والرشاوي لكبـار المـوظفين المصـريين والفلسـطينيين‪ ,‬وترافـق ذلـك مـع اتسـاع مسـاحات بيـارات‬ ‫الحمضيات وتطويرهـا‪ ,‬إلـى جانـب المئـات مـن المعـارض المتخصصـة فـي بيـع الكماليـات‪ ,‬بكـل أنواعهـا‬ ‫المستوردة من باريس ولندن وطوكيو وبيروت‪ ,‬التي غص بها شارع عمر المختار‪ ,‬أو كما أطلق عليه‬

‫آنذاك "شارع المئة مليون جنيه"‪.‬‬

‫وعلززس الززرغم مززن تززردي ااحزوال االجتماعيززة واالقتصززادية البالسززة التززي عززانس منمززا أبنززاء القطززاع تحززت‬ ‫اإلدارة المص زرية ‪ ،‬ىال أن ع زإاءهم تمثززل فززي بززروإ المويززة الوطنيززة الفلسززطينية ودور النالززام الناصززري فززي‬

‫تعميززق هززذه المويززة وبلورتمززا عبززر المززدارر والجامعززات وكافززة وس زالل اإلعززالم‪ ،‬بحيززث أصززبح القطززاع مززن‬ ‫أكثززر التجمعززات الفلسززطينية قززدرة علززس التعبيززر المززنالم عززن هززويتمم الوطنيززة‪ ،‬بكافززة مالاهرهززا السياس ززية‬ ‫والكفاحية‪ ،‬ىضافة ىلزس ذلزت فقزد التإمزت اإلدارة المصزرية ب بقزاء الجنسزية الفلسزطينية صزفة مالإمزة للتشزع‬

‫هام في الحفاال علس الكيان الفلسطيني‪ ،‬وتشكل حزاف الإ قويزال‬ ‫الفلسطيني في القطاع‪ ،‬وكان لمذا الموقف ل‬ ‫دور ل‬ ‫لكززل القززوى والحركززات الوطنيززة القوميززة واامميززة فززي نضززالما ضززد الوجززود الصززميوني‪ ،‬وممززد الطريززق نحززو‬

‫والدة منالمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬ ‫الوضع القانوني‪:‬‬

‫لقد حرصت القيادة الوطنية في مصر علس احتفاال قطاع غإة باسم فلسطين في كافزة المحافزل العربيزة‬

‫والدوليززة‪ ،‬وتززم تثبيتززه رسززميال فززي اامززم المتحززدة باعتبززاره "الجززإء البززاقي مززن فلسززطين"‪ ،‬كمززا التإمززت باالبقززاء‬ ‫علززس القزوانين الفلسززطينية الصززادرة بمرسززوم فلسززطين لسززنة ‪ 0933‬كمززا هززي‪ ،‬مززع اتشززتراط عززدم مخالفززة هززذا‬

‫المرسززوم لمززا جززاء فززي النالززام ااساسززي الصززادر بالقززانون رقززم ‪ 338‬سززنة ‪ ،0988‬وفززي تشززمر آ‬

‫‪0985‬‬

‫أصدر مجلر الدولة المصري فتواه‪ ،‬التي تؤكد علس "أن قطاع غإة ينفصل انفصاالل كليال عن دولزة مصزر‬ ‫من جميع النواحي التتشريعية والتنفيذية والقضالية"‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 0963‬صدر القانون الدستوري لقطزاع غزإة‪ ،‬وتقزرر العمزل بزه لحزين صزدور الدسزتور الزدالم‬

‫لفلسطين‪ ،‬وقد ورد في المادة ااولس منزه أن "منطقزة قطزاع غزإة جزإء مزن أر‬

‫فلسزطين‪ ،‬وتشزعبما جزإء ال‬

‫يضززم الفلسززطينيين أينمززا كززانوا‪ ،‬هدفززه ااسززمس العمززل المتشززترت السززترداد اار‬

‫المغتصززبة مززن فلسززطين"‪.‬‬

‫يتج أإ من اامة العربية"‪ ،‬أما المادة الثانية فقد أقرت "حق الفلسطينيين في قطاع غإة بتتشزكيل اتحزاد قزومي‬

‫‪222‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وباإلض ززافة ىل ززس المز زواد الت ززي تكف ززل تش ززكليال حري ززة التعبي ززر والز زرأي والمعتق ززد‪ ،‬فز ز ن الم ززادة (‪ )31‬م ززن النال ززام‬ ‫الدستوري أقرت اول مرة تتشكيل المجلر التتشريعي أو السلطة التتشريعية التي تتكون من‪:‬‬ ‫‪ -‬الحاكم العام رليسال‪.‬‬

‫ أعضاء المجلر التنفيذي (السلطة التنفيذية) وعددهم ثمانية ‪.‬‬‫ أعضاء بالتعيين ‪ ،‬عتشرة أعضاء‬‫‪ -‬أعضاء باالنتخا‬

‫اثنان وعتشرون عضوال‬

‫ىال أن صالحيات هذا المجلر تقيدت فيما يتعلق ب صدار القوانين بتشرط تصديق الحزاكم العزام عليمزا‪،‬‬

‫كذلت ف ن الحاكم العام وحده يملت الحق في الدعوة ىلس عقد المجلر أو فضه‪ ،‬وعلس الرغم من ذلت‪ ،‬فقزد‬ ‫تززوفر للمجلززر هززام‬

‫القانون الذي ين‬

‫مززن الحريززات الديمقراطيززة بحيززث تمكززن مززن ىصززدار العديززد مززن الق زوانين ‪ ،‬أهممززا‬

‫علس أن قطاع غإة باعتباره الجإء الباقي من فلسطين ‪ ،‬ف ن من حق كل فلسطيني في‬

‫التشتات القدوم ىليه واإلقامة فيه دون أية تشروط مسبقة ‪ ،‬ومما تجدر اإلتشارة ىليه دور د‪.‬حيدر عبد التشافي‬

‫البارإ في ىصدار هذا القانون وواق ارره ‪ ،‬علس الرغم من رف‬

‫اإلدارة المصرية ‪.‬‬

‫السلطة التنفيذية‪:‬‬

‫ويتوالها الحاكم العسكري العام الذي كان يملت حق ىعالن أو ىلغاء ااحكام العرفية‪ ،‬ويتشاركه في هذه‬

‫السلطة مجلر تنفيذي من رؤساء المديريات التسع (أو الو اإرات المصغرة) في القطاع وهي‪:‬‬ ‫‪ -‬مديرية التشؤون القانونية‪.‬‬

‫ مديرية الداخلية واامن العام‪.‬‬‫ مديرية التشؤون البلدية والقروية‪.‬‬‫‪ -‬مديرية التشؤون الصحية‪.‬‬

‫ مديرية التشؤون المدنية والمستخدمين‪.‬‬‫‪ -‬مديرية المالية واالقتصاد‪.‬‬

‫ مديرية التشؤون االجتماعية والالجلين‪.‬‬‫‪ -‬مديرية التربية والتعليم‪.‬‬

‫ مديرية ااتشغال العامة‪.‬‬‫وقد كان يعين لكزل مديريزة مستتشزا الر مصزريال‪ ،‬ىال أنزه فزي واقزع اامزر كزان المزدير اآلمزر لكزل مزا يتعلزق‬

‫بتشززؤون المديريززة‪ ،‬خاصززة مززع وجززود عززدد مززن المززديرين مززن أبنززاء القطززاع الززذين ال هززم لمززم سززوى تززأمين‬

‫مصالحمم الطبقية والتشخصية أو العاللية عبر ىرضاء المستتشار المصري بكل الوسالل‪.‬‬

‫‪223‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫السلطة القضالية‪:‬‬

‫‪ -‬المحكمة العليا‪ :‬وهي أعلس سزلطة قضزالية فزي القطزاع ويعزين رليسزما بقزرار مزن رلاسزة الجمموريزة‬

‫وأعضالما يتم تعيينمم بقرار من وإير الحربية‪.‬‬

‫‪ -‬المحاكم القضائية األخرى ‪ ،‬تتشكلت من أبناء القطاع‪ ،‬وبعالقة مباتشرة مع مديرية التشؤون القانونية‬

‫الت ززي ت ززولس رلاس ززتما بع ززد ع ززام ‪ 0963‬أح ززد أبن ززاء القط ززاع (ف ززاروق فمم ززي الحس ززيني)‪ ،‬وق ززد كان ززت الس ززلطة‬ ‫القضالية مقيدة في كثير من الحاالت رغم أن النالام الدستوري ين‬

‫علس حريتما واستقاللما‪.‬‬

‫‪ -‬المحاكم العسكرية ‪ :‬وكانت ب تشراف كبار الضباط المصريين ‪.‬‬

‫ااوضاع السياسية العامة‪:‬‬ ‫في هزذه المرحلزة توإعزت الخارطزة السياسزية للحركزة الوطنيزة فزي القطزاع علزس عصزبة التحزرر الزوطني‬

‫(التشززيوعية) التززي تأسسززت عززام ‪ ،0943‬وجماعززة اإلخ زوان المسززلمين التززي بززدأت نتشززاطما عززام ‪، 10943‬‬ ‫وحإ البعث العربي الذي تأسزر فزي ‪ ،0983‬وحركزة القزوميين العزر التزي تأسسزت فزي صزيف ‪،0989‬‬

‫ثم حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) التي بدأت نتشاطما الفعلي في القطاع منذ أواخر عام ‪.0964‬‬

‫أما بالنسبة لتناليم االتحاد القومي الذي أسسته اإلدارة المصرية فمو لم يكن جزإءال مزن الحركزة الوطنيزة‬

‫لالعتبارات التالية‪:‬‬

‫‪ -0‬ولد بقرار من الحكومة المصرية‪.‬‬ ‫‪ -3‬تززولس معالززم ااطززر القياديززة فيززه ممثلززو كبززار المززالت ورمززوإ الكززومبرادور التجززاري والبيروقراطيززة‬ ‫الحاكمة‪.‬‬

‫‪ -3‬لززم تتشززارت جمززاهير العمززال والفالحززين الفق زراء والبرجواإيززة الصززغيرة فززي قواعززد أو مؤسسززات هززذا‬ ‫التناليم‪.‬‬

‫وفيمززا يتعلززق بززأطراف الحركززة الوطنيززة وجماعززة اإلخزوان المسززلمين‪ ،‬فززنالحال ت ارجززع كززل مززن التشززيوعيين‬ ‫واإلخ زوان لدرجززة كبي زرة فززي عالقتممززا بالجمززاهير‪ ،‬فززي الززل حمززالت القمززع المسززتمرة ضززدهما‪ ،‬وفززي مقابززل‬ ‫تنامي الدور القومي بقيادة عبد الناصر بعد أن تكرست إعامته علس العالم العربي دون مناإع‪.‬‬ ‫وفززي الززل هززذا المنززا انتعتشززت حركززة القززوميين العززر فززي القطززاع علززس حسززا‬

‫حززإ البعززث العربززي‬

‫الذي لم يتمكن من االنتتشار أو ممارسة دور هام‪ ،‬خاصة بعد االنفصال الذي أيده الحزإ فزي سزوريا عزام‬

‫‪ ،0960‬ويمكن القول أن دوره السياسي قد غا‬

‫نماليال قبل وبعد حإيران ‪.0969‬‬

‫‪ 1‬عبد الغني سالمة – اإلسالم السياسي في فلسطين – الحوار المتمدن – ‪3102/2/32‬‬

‫‪224‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي أواسط الستينات شهد القطاع بـروز النشـاط السياسـي لحركـة فـتح التـي كانـت قـد تأسسـت فـي‬

‫الخارج عام ‪ 0693‬بعد توحد كل المجموعات الفلسطينية‪ 1‬التي تميز معظمها باالرتباط بعالقة تنظيمية‬

‫أو فكرية بحركة اإلخوان المسلمين‪ ,‬لدرجة أن عدداً من مؤسسي حركة فتح لم يقطعـوا عالقـتهم نهائيـاً‬ ‫بالحركة األم (نذكر منهم أسعد الصفطاوي ‪ /‬فتحي البلعاوي ‪ /‬رفيق النتشه)‪.‬‬

‫وفي الوقت الذي انتشرت فيه حركة القوميين العرب انتشا ارً واسعاً نسبياً في أوساط جماهير القطاع‬

‫بسبب توازن شعاراتها مع الشعار الرسمي للناصرية من جهة‪ ,‬وتداخلها العضوي مع جماهير الالجئين‬ ‫في المخيمات من جهة أخرى‪ ,‬فإنهـا لـم تتعـرض أليـة عمليـات قمعيـة بمثـل مـا تعرضـت لـه حركـة فـتح‬

‫التي تميزت بشعاراتها القطرية المعروفة والتي شكلت نقيضاً أو "توريطاً" للنظام العربـي الرسـمي برمتـه‬ ‫آنذاك‪.‬‬

‫أما عصبة التحرر الوطني التي تحولت في منتصـف الخمسـينيات إلـى الحـزب الشـيوعي الفلسـطيني‬

‫فــي قطــاع غــزة‪ ,‬فقــد تعــرض كوادرهــا للعديــد مــن حمــالت االعتقــال والنفــي إلــى الســجون المصــرية فــي‬ ‫السجن الحربي والواحات خاصة بعد دورهـم المميـز فـي إفشـال مشـروع التـوطين*‪ ,‬ثـم دورهـم فـي قيـادة‬

‫الجبهة الوطنية إبان االحتالل عام ‪.0629‬‬

‫وبعد عودة اإلدارة المصرية إلى القطاع في شهر مارس عام ‪ , 0627‬قامت كل من إدارة المباحث‬

‫العامة والمخابرات المصرية بمالحقة الشيوعيين واعتقال كوادرهم‪.‬‬

‫والمفارقة هنا أن الشيوعيين في قطاع غزة لم يواجهوا هـذا الموقـف بالمزيـد مـن التنظـيم‪ ,‬بـل ذهبـوا‬

‫بعيــداً إلــى حــد شــل منظمــاتهم الحزبيــة فــي القطــاع‪ ,‬خاصــة بعــد بــروز العديــد مــن الخالفــات السياســية‬

‫والتنظيمية والفكرية داخل الحـزب‪ ,‬واسـتمرار هـذا التشـتت قائمـاً حتـى عـام ‪ ,0697‬حيـث بـدأت مرحلـة‬ ‫جديدة في حياة الحزب عبر تأسيس الجبهة الوطنية في آب‪/‬أغسطس ‪.0697‬‬

‫أخي ارً فقد تميزت الحياة السياسية عموماً في قطاع غزة لهذه الفترة بعدد من السمات‪:‬‬

‫‪ -0‬االلتفزاف الجمزاهيري العفزوي الكثيزف‪ ،‬بعيزدال عزن العمزل المزنالم‪ ،‬خلزف التشزعارات الوطنيزة والقوميزة‬ ‫العفوية المنادية بتحرير فلسطين عبر اإلذاعات والصحف ووسزالل اإلعزالم ‪ ،‬وهزي تشزعارات كانزت‬

‫انعكاسز زال للقز ز اررات البيروقراطي ززة بتش ززكل ميك ززانيكي‪ ،‬دون أن تمتل ززت رؤي ززة تفص ززيلية للواق ززع الحقيق ززي‬

‫لمزواإين القززوى فززي عمليزة الصزراع العربززي اإلسزراليلي‪ ،‬هززذا االلتفززاف العفزوي الصززادق‪ ،‬عبززرت عنززه‬ ‫الجمزاهير الفقيزرة‪ ،‬مواطنزون والجلزون ال فزرق‪ ،‬بالتحاقمزا فزي جزي‬

‫قانون التجنيد اإلجباري في آذار مارر ‪.0968‬‬

‫التحريزر الفلسزطيني بعزد صززدور‬

‫‪ 1‬هيلينا كوبان‪-‬المنظمة تحت المجهر – ترجمة‪ :‬سليمان الفرزلي – دار النشر ‪ :‬هاي اليت ‪ /‬لندن – ‪.0612‬‬

‫*‬

‫كان للمناضل الشيوعي الراحل الشاعر معين بسيسو دوراً طليعياً في قيادة المظاهرات الشعبية ضد مشروع التوطين ‪.‬‬

‫‪225‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -3‬تطز ز ززور الز ز ززدور السياسز ز ززي الممز ز ززيمن للقز ز ززوى التقليديز ز ززة مز ز ززن كبز ز ززار المز ز ززالت أو التجز ز ززار الوسز ز ززطاء‬ ‫(الكومبرادوريززة) عبززر عالقززاتمم وصززالحياتمم الواسززعة فززي كافززة الززدوالر الحكوميززة وغيززر الحكوميززة‬ ‫(تززولي ممثلززيمم للززدوالر الحكوميززة المامززة ونجززاحمم فززي االنتخابززات التتش زريعية والبلديززة)‪ ،‬وقززد أدى‬ ‫التززداخل العضززوي لمصززالحمما المتشززتركة ىلززس تحولممززا للعمززل مع زال ضززمن ىطززار طبقززي واحززد‪ ،‬ه زو‬ ‫تح ززالف البورجواإي ززة الكومبرادوري ززة التجاري ززة م ززع س ززلفما الت ززاريخي "كب ززار المالك ززين م ززن اافندي ززة"‬ ‫القدامس‪ ،‬هذا التحالف الذي أغرق القطاع بالمسزتوردات الكماليزة الباذخزة‪ ،‬بكزل مزا رافقمزا مزن فسزاد‬ ‫ورتشوة لكبار وصغار المزوالفين‪ ،‬وبالتعزاي‬

‫ال اإلزف مزع التشزعارات القوميزة المخصصزة المتصزا‬

‫نقمة الالجلين في المخيمات والكادحين في مناطق القطاع الفقيرة‪ ،‬التشجاعية والإيتون وخان يونر‬

‫ورفح وعبسان وبيت حانون‪ ،‬الذين اكتتشفوا م اررة الحقالق العارية بعد هإيمة حإيران ‪.0969‬‬

‫‪ -3‬غيززا‬

‫دور الززوعي السياسززي الطليعززي المززنالم فززي أوسززاط الجمززاهير‪ ،‬نالز الر لضززعف القززوى الوطنيززة‬

‫بتشززكل عززام‪ ،‬فالتشززيوعيون رددوا طروحززات االتحززاد السززوفيتي بالنسززبة لالعت زراف بالدولززة الصززميونية‬

‫وق زرار التقسززيم ممززا أدى ىلززس ع زإلتمم ‪ ،‬عززالوة علززس أنمززم كززانوا فززي تلززت المرحلززة بززال تنالززيم موحززد‬

‫ومحززدد المعززالم‪ ،‬أمززا حركززة فززتح فقززد طرحززت تشززعارات وطنيززة‪ ،‬لززم يكززن المنززا مميل زال تمام زال لمززا ‪،‬‬

‫خاصة تشعارها بالنسبة لتوريط‪ 1‬عبد الناصر‪ ،‬أما البعثيون فلم يكن لمم أي نتشاط ملحوال‪.‬‬

‫أخي الر بالنسبة لحركة القوميين العر ‪ ،‬فقد كانت تعمل بتشكل تشبه علني بدعم من النالام القالم‪،‬‬

‫لكنمززا لززم تززتمكن مززن اسززتيعا‬

‫وتنالززيم الجمززاهير بسززب‬

‫اكتفالمززا بالتشززعارات العامززة دون االهتمززام‬

‫بالقضايا المطلبية اليومية للجماهير‪ ،‬لذلت تتشزكلت بنيتمزا التناليميزة مزن أبنزاء البورجواإيزة الصزغيرة‬

‫في مخيمات ومدن القطاع‪ ،‬دون أي اهتمام جدي بتناليم العمال والفالحين الفقراء ‪.‬‬ ‫‪ -4‬غيززا‬

‫المؤسسززات الثقافي ززة العامززة والنز زوادي والمؤسسززات‪ ،‬م ززا عززدا النز زوادي والجمعيززات الرياض ززية‬

‫المخصصززة للنخبززة الحاكم ززة وحلفالمززا‪ ،‬ىلززس جانز ز‬

‫المس ززرح المدرس ززي ف ززي بعز ز‬ ‫بعز‬

‫ضززعف النتشززاط المس ززرحي الززذي انحصززر ف ززي‬

‫الم ززدارر الثانوي ززة خ ززالل الفتز زرة ‪ ، 0969 – 0989‬باإلض ززافة ىل ززس‬

‫"المسززرحيات التززي كززان يقززدمما مجموعززة مززن الممتمززين بالمسززرح علززس مسززرح سززينما السززامر‬

‫بغإة‪ ،‬أو مسرح نادي العودة أو جمعية التشبان المسيحية"‪.2‬‬

‫‪ 1‬المعروف تاريخياً عند تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني ‪ /‬فتح ‪ ,‬وكان معظم أعضاء هيئتها القيادية األولى من كوادر حركة األخوان‬ ‫المسلمين سابقاً‪ ,‬حيث طرحت حركة فتح آنذاك شعار الكفاح المسلح والعمليات الفدائية ضد الدولة الصهيونية لتوريط مصر عبد الناصر‬

‫وسوريا واقحامهما في حرب لم تكن قد استعدتا لها آنذاك ‪ ,‬وقد كان ذلك الشعار التوريطي انعكاساً للعداء التاريخي بين حركة اإلخوان‬

‫المسلمين وحركة فتح إلسقاط النظام الناصري‪ ,‬على الرغم من إصرار قيادة حركة فتح آنذاك على أن الكفاح القطري هو الطريق إلى تحرير‬

‫فلسطين‪ ..‬وقد أثبتت وقائع التاريخ المعاصر للحركة الفدائية الفلسطينية منذ عام ‪ 0697‬حتى اليوم ُعقم ذلك الشعار ‪.‬‬ ‫‪ 2‬أحمد عمر شاهين – الحياة الثقافية في قطاع غزة – كتاب صامد – العدد ‪ – 12‬حزيران ‪ – 0660‬ص‪377‬‬

‫‪226‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -2‬الصــحافة فــي قطــاع غــزة ‪ :‬افتقززر قطززاع غ زإة خززالل تاريخززه للصززحافة التشززعبية المتداولززة اسززبا‬ ‫موضوعية ترتبط بأوضاع الفقزر والتخلزف االجتمزاعي والثقزافي والتعليمزي‪ ،‬حتزس بدايزة الخمسزينيات‬

‫مززن القززرن العتش زرين‪ ،‬ىلززس جان ز‬

‫العوامززل الذاتيززة التززي تجلززت فززي ض زعف انتتشززار التعلززيم الثززانوي‬

‫والجامعي وضعف العمل السياسي والثقافة العامة طوال مرحلة ما قبل نكبة ‪.0945‬‬

‫وعلس أثر الحزاق القطزاع بزاإلدارة المصزرية ‪ ،‬وقيزام ثزورة يوليزو ‪ ، 0983‬قزام النالزام الناصزري‬

‫بتطبيق سياسة التعليم المجاني‪ ،‬بما في ذلت التعليم الجامعي لجميع أبناء قطاع غإة ‪ ،‬االمر الذي‬ ‫أدى ىلززس ارتفززاع نسززبة المتعلمززين ىلززس مجمززوع السززكان فززي القطززاع ‪ ،‬أعلززس مززن مثيالتمززا فززي الززدول‬

‫العربية‪.‬‬

‫لكن علس الرغم من ارتفاع نسبة التعليم ‪ ،‬اللت الصحافة في القطاع علس حالة مزن الضزعف‬

‫الجرلزد طزوال الفتزرة ‪0983‬‬ ‫وقلة االنتتشار والتوإيع ‪ ،‬علس الزرغم مزن صزدور العديزد مزن الصزحف و ا‬

‫– ‪ 0969‬أهمما ‪:1‬‬

‫ "اللواء" ‪ :‬أسبوعية سياسية اجتماعية يحررها د‪ .‬صالح مطر أبو كميل وصدرت رخصتما في‬‫مارر ‪.0983‬‬

‫ "الصراحة"‪ :‬أسبوعية علمية سياسية أدبية مصورة يحررها د‪.‬سليم ياسين وصدرت رخصتما في‬‫نوفمبر سنة ‪.0983‬‬

‫ "المستقبل" ثقافية تشمرية صدرت باسم أحمد ىبراهيم الحمالوي بتاريخ يناير ‪ 0984‬ويديرها‬‫ويحررها محمد جالل عناية ‪.‬‬

‫ جريدة "الشرق" باسم علي كبه الحلبي وصدرت رخصتما في ديسمبر سنة ‪ 0949‬والغيت‬‫بأمر الحاكم العسكري في ‪.0988/3/39‬‬

‫ جريدة "الجهاد المقدس" ‪ :‬أصدرها منير الرير وداود صايغ في فبراير ‪ 0984‬والغيت‬‫رخصتما بأمر الحاكم العسكري في ‪.0988/4/9‬‬

‫ جريدة "الوطن العربي"‪ :‬باسم رتشاد التشوا بتاريخ ‪ ،0983/03/3‬والغيت رخصتما بأمر الحاكم‬‫العسكري في ‪.0988/4/35‬‬

‫ "العودة" ‪ :‬باسم سعد فرح فرح بالعربية واالنجليإية ويرلر تحريرها إكي سعد وصدرت‬‫رخصتما بتاريخ ‪ .0986/8/04‬وباالسم نفسه صدرت مجلة تشمرية مصورة عن االتحاد‬

‫القومي ‪ ، 0985‬وكانت تطبع في القاهرة ‪.‬‬

‫ جريدة "غزة"‪ :‬صدرت من ‪ .0963-8-4‬أسبوعية وكان يرلر تحريرها خمير أبو تشعبان‪.‬‬‫ جريدة "الرقيب"‪ :‬أسبوعية ويرلر تحريرها عبد اهلل العلمي‪.‬‬‫‪ 1‬المصدر السابق – أحمد عمر شاهين – ص‪371‬‬

‫‪227‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ "التحرير" ‪ :‬جريدة بدات تصدر سنة ‪ 0985‬برلاسة إهير الرير‪ ،‬ثم تحولت سنة ‪ 0963‬ىلس‬‫جريدة أسبوعية باسم "اخبار فلسطين" باالتشترات مع جريدة "اخبار اليوم" المصرية‪ ،‬وكانت‬

‫اخبار فلسطين مؤسسة صحفية كاملة‪ ،‬وقد ساهم فيما المصريون بنصف رأر المال‪ ،‬ثم‬

‫تولت منالمة التحرير الفلسطينية االتشراف عليما‪ ،‬ابتداء من ‪ 0968/01/4‬وواصلت‬ ‫الجريدة الصدور حتس يوم ‪ 0969/6/8‬حين صدر عددها ااخير في أول يوم للعدوان ‪.‬‬ ‫وقد أسممت "جريدة فلسطين" في ىبراإ بع‬

‫والكتا‬

‫االقالم والمواه‬

‫الفلسطينية من اادباء‬

‫الذين بدأوا حياتمم اادبية علس صفحات جريدة اخبار فلسطين ‪ :‬إهير بتشير‬

‫الرير (رلير التحرير)‪ ،‬محمد آل رضوان (مدير التحرير)‪ ،‬علي إين العابدين الحسيني‪،‬‬ ‫عبد النبي‪ ،‬عبد الكريم السبعاوي‪ ،‬أحمد عمر تشاهين‪،‬‬

‫محمد حسي‬

‫القاضي‪ ،‬دروي‬

‫توفيق المبي‬

‫‪ ،‬محمد جالل عناية‪ ..‬وغيرهم‪.‬‬

‫‪ -‬جريدة نداء التحرير‪ :‬صدرت في ربيع عام ‪ ،0968‬صاح‬

‫االمتياإ محمود الصردي‪،‬‬

‫وكانت بمثابة واجمة علنية للحإ التشيوعي في قطاع غإة‪ ،‬حيث تولس ىداراتما واالتشراف‬ ‫عليما عبد القادر ياسين‪ ،‬ومن كتابما عبد اللطيف عبيد‪ ،‬ودي‬

‫‪ -6‬غيززا‬

‫المربيطي‪ ،‬وقد توقفت بعد‬

‫ثالثة أعداد بقرار من أجمإة اامن في قطاع غإة صيف عام ‪.10968‬‬

‫الززدور الفاعززل للعمززل النقززابي‪ ،‬حيزث أن النقابززات العماليززة السززتة فززي القطززاع التإمززت بتشززكل‬

‫عززام بالبعززد الرسززمي بعيززدال عززن قضززايا جماهيرهززا‪ ،‬وهززي نقابززة الصززناعات المعدنيززة‪ ،‬نقابززة النجززارين‬ ‫وأعمال البنزاء‪ ،‬نقابزة سزالقي السزيارات‪ ،‬نقابزة عمزال الخياطزة‪ ،‬نقابزة عمزال الإ ارعزة‪ ،‬نقابزة ااعمزال‬

‫الكتابي ززة والخ ززدمات العام ززة‪ ،‬وك ززان معال ززم رؤس ززاء ه ززذه النقاب ززات متع ززاطفين م ززع النال ززام الناص ززري‬ ‫وأجمإته السياسية واامنية آنذات‬

‫‪ -9‬اسززتمرار النتشززاط السززري المززنالم لإلخزوان المسززلمين‪ ،‬دون أيززة نتشززاطات أو ممارسززات وطنيززة تززذكر‬ ‫فززي التشززارع الفلسززطيني بالقطززاع‪ ،‬عززالوة علززس أن قسززمال هام زال مززن جمززاهير القطززاع نالززروا لإلخ زوان‬ ‫المسلمين باعتبارهم ضمن القوى الرجعية بسب‬

‫عدالمم التشديد للناصرية ‪ ،‬ومزواقفمم االيجابيزة مزن‬

‫النالم الرجعية‪ ،‬في السعودية والخلزيا العربزي‪ .‬وقزد اسزتمر هزذا الموقزف السزلبي ىلزس مزا بعزد هإيمزة‬

‫حإي زران عززام ‪ 0969‬حتززس بدايززة عززام ‪ 0959‬واتشززتعال االنتفاضززة فززي الززداخل‪ ،‬حيززث بززدأ اإلخ زوان‬ ‫بالتعاطي مع العمل الوطني عبر حركة حمار‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫عبد القادر ياسين – مقابلة شخصية ‪.‬‬

‫‪228‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مالمح األوضاع االجتماعية – االقتصادية – السياسية في الفترة بين عامي ‪– 0627‬‬ ‫‪0697‬‬

‫طـوال التــاريخ المعاصــر وحتــى عــام ‪ , 0621‬لــم يكــن القطــاع منفصـالً مــن الناحيــة االقتصــادية أو‬

‫االجتماعيــة عــن المجتمــع الفلســطيني‪ ,‬ألن بنيتــه االقتصــادية واالجتماعيــة كانــت جــزءاً مكم ـالً ومكون ـاً‬

‫لالقتصــاد الفلســطيني بشــكل عــام‪ ,‬وكــان عــدد ســكانه قبــل النكبــة (‪ )61‬ألــف نســمة ‪ .‬وبقيــــام الدولــة‬

‫الصهيونية أصبح القطاع منعزالً عن الضفة الغربيـة ومحصـو ارً فـي مسـاحة ال تزيـد عـن ‪ 292‬كـم‪, 3‬‬ ‫وبالتالي عجز عن توفير المقومات االقتصادية الالزمـة لتـأمين الحـد األدنـى مـن شـروط الحيـاة لسـكانه‬

‫الــذين أصــبح تعــدادهم عــام ‪ )361( 0626‬ألــف نســمة‪ ,1‬حيــث بلغــت نســبة الالجئــين (‪ )%96‬كانــت‬ ‫األغلبية الساحقة منهم تنتمي إلى الشرائح الفقيرة جداً من فالحين القرى أو بادية بئر السبع‪.‬‬

‫وفــي ذلــك يكمــن التفســير الموضــوعي لتشــوه بنيــة االقتصــاد الفلســطيني فــي قطــاع غــزة‪ ,‬قبــل عــام‬

‫‪ ,0627‬ليستمر بعدها بوتائر وأشكال طبقية‪ 2‬مميزة حتى عام ‪ ,0697‬حيث بلـغ عـدد السـكان حـوالي‬

‫أشـكال نوعيـة مـن التشـوه والتبعيـة فـي آن واحـد‪,‬‬ ‫‪ 222‬ألف نسمة‪ ,‬ثم يأتي االحتالل الصهيوني لتبـدأ‬ ‫ً‬ ‫إلى جانب انخفاض عدد السكان –بسبب النزوح إلى الدول العربية والخارج‪ -‬ليصبح في شهر سـبتمبر‬ ‫‪ 0697‬حوالي ‪ 222‬ألف نسمة‪.‬‬ ‫ىن اسززتع ار‬

‫العالقززات االجتماعيززة االقتصززادية للمرحلززة الممتززدة بززين عززامي ‪ 0969 – 0989‬يبززرإ‬

‫عددال من الحقالق‪:‬‬

‫‪ .0‬تط ززور العالق ززات االقتص ززادية و االجتماعي ززة باتج ززاه تبل ززور مجتم ززع طبق ززي متش ززوه ف ززي س ززياق نس ززيا‬ ‫اجتماعي متنوع في سماته الطبقية‪ ،‬وموحدال في ىطاره الخا‬

‫أو الوطني العام‪.‬‬

‫‪ 1‬النكبة في أرقام – االنترنت – موسوعة النكبة الفلسطينية ‪.‬‬

‫‪2‬‬

‫تعريف الطبقة االجتماعية ‪ :‬الطبقة االجتماعية هي جماعة تشترك في موقع متشابه من ملكية وسائل اإلنتاج‪ ,‬أو من عالقات العمل وأنماطها‬ ‫‪ ,‬وتتبلور بتبلور وعيها بمصالحها المشتركة‪ ,‬وسعيها لتحقيق تلك المصالح من خالل تنظيم حركتها وتفعيل مشاركتها‪ ,‬ويستند هذا المفهوم‬ ‫على محددات أساسية للطبقة ترتبط بأنماط العالقات االجتماعية لإلنتاج‪ ,‬وتساعد في تصنيف الطبقات وفهم كل طبقة لذاتها‪ ,‬والتي تجعل‬

‫منها قوة في البنية الطبقية وعلى مستوى المجتمع‪ ,‬وتتمثل تلك المحددات فيما يلي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬الموقع من ملكية أو حيازة رأس المال النقدي أو رأس المال العيني‪.‬‬

‫ب‪ .‬الموقع من عالقات السلطة‪ ,‬وممارساتها داخل النطاق المباشر لإلنتاج (في المنشأة أو المشروع) والتي تتحدد بناء على أحد الموقعين‬ ‫السابقين أو كالهما (حيازة رأس المال النقدي أو العيني )‪.‬‬

‫ج‪ .‬الموقع من عالقات االستغالل ‪ ,‬أي ممارسة االستغالل ( بمعنى االستيالء على فائض القيمة) أو الخضوع له (من قبل العمال)‪.‬‬ ‫د‪ .‬يتحدد الوعي الطبقي أوالً بحد أدنى يبدأ بالوعي اليومي الفردي المباشر أو شبه الجماعي القائم على التعاطف ومشاعر االنتماء والوالء بين‬ ‫أعضاء الطبقة ‪ ,‬والذي يتبلور نحو وعي جماعي بالمصالح المشتركة وبدائل تحقيقها‪ ,‬وهو وعي ال يتوفر لدى كل أعضاء الطبقة بل لدى‬ ‫جماعة قيادية منها ‪ ,‬تسمى الجماعة اإلستراتيجية التي يمكن أن تؤسس حزب أو جمعية أو مؤسسة‪ ,‬للدفاع عن مصالح الطبقة في إطار ما‬ ‫يسمى بالفاعلية الطبقية التي يقصد بها قدرة الطبقة على تحقيق مصالحها في خضم الممارسات المختلفة ‪ ,‬وخاصة الممارسات السياسية‪.‬‬

‫‪229‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .3‬لم يعد التقسيم االجتماعي للقطاع قالمال علس أسار مجموعتين منقسزمتين ىلزس الجلزين ومزواطنين‪،‬‬ ‫وأصبح من الواضح أن عوامل التداخل الموضزوعية قزد فرضزت نفسزما فزي سزياق التطزور العزام‪،‬‬

‫ليصززبح الحززديث عزن تززوإع السززكان فززي السززلم الطبقززي أو الت ارت ز‬

‫االجتمززاعي (عمززال ‪ ،‬فالحززين‬

‫أجراء ‪ ،‬بورجواإية صغيرة ‪ ،‬بورجواإية الكومبرادور وكبار المالت ) عنوانال لمذه المرحلة‪.‬‬

‫‪ .3‬ىن بززروإ ااوضززاع الطبقيززة كحالززة موضززوعية جديززدة‪ ،‬لززم يتشززكل فززي حززد ذاتززه نقيضزال لألوضززاع أو‬ ‫االمتيززاإات التززي كانززت سززالدة فززي القطززاع قبززل هززذه المرحلززة‪ ،‬ىذ أن والدة الوضززع الجديززد جززاء‬ ‫بمب ززادرة م ززن الق ززوى التقليدي ززة القديم ززة (كب ززار المالك ززين‪/‬اافندي ززة)‪ ،‬الت ززي حرص ززت عل ززس مواكب ززة‬ ‫المتغيز زرات‪ ،‬وان ززدفعت لتط ززوير قاع ززدتما االقتص ززادية بتفريعاتم ززا المتع ززددة ف ززي التج ززارة والص ززناعة‬

‫والخززدمات جنبزال ىلززس جنز ‪ ،‬مززع اهتماممززا بتطززوير بياراتمززا وأ ارضززيما الإراعيززة‪ ،‬وقززد كززان لتعززاون‬

‫دور كبي ز لزر أس ززمم ف ززي نم ززو البورجواإي ززة الكومبرادوري ززة‬ ‫اإلدارة المصز زرية م ززع رم ززوإ ه ززذه الطبق ززة ل‬ ‫(الوسز ززطاء التجزززاريون) ودورهز ززا المتعز ززاالم بالتحزززالف الوثيز ززق مز ززع كبز ززار المالك ززين وعلزززس قاعزززدة‬ ‫اقتصادية واحدة ومتشتركة‪.‬‬

‫الصزناعات الصززغيرة‪ ،‬وكززان‬

‫اق منفتحزة علززس الخزارو وبعز‬ ‫وبزالرغم مززن أن قطزاع غزإة كزان لديززه أسزو ل‬ ‫يعتبززر مززن أهززم المنززاطق المنتجززة والمصززدرة ‪ ،‬عبززر مينززاء غ زإة ‪ ،‬للحمضززيات (ح زوالي ‪ 311‬ألززف‬

‫طن سنويال) ‪ ،‬ىال أن االقتصاد الصناعي والإراعي في معالمه كزان مملوكزال لمجموعزات قليلزة مزن‬ ‫كبززار التجززار والمززالت ‪ ،‬ممززا أدى ىلززس حصززر الثززروة والززدخل فززي ىطززار هززذه الفلززة‪ ،‬وبقززاء أغلبيززة‬ ‫الفالحيين والعمال يعيتشون ضمن الزروف اجتماعيزة و اقتصزادية مترديزة‪ ،‬بسزب‬

‫غيزا‬

‫أي تشزكل‬

‫من الدعم االقتصادي‪ ،‬ما عدا ما كانت تقدمه وكالة غوث الالجلين ومديرية التشلون االجتماعية‪،‬‬

‫وبع ز‬

‫المؤسسززات ااجنبيززة‪ ،‬مززن م زواد غذاليززة تشززمرية ‪ ،‬وقياممززا بتتشززغيل الملززات مززن المدرسززين‬

‫وااطباء والموالفين ‪ ،‬مما أسمم في تخفيف ااعباء االقتصادية علس الالجلين في القطاع ‪.‬‬

‫‪ .2‬تميــز هــذا التطــور المشــوه بشــكله وجــوهره الميكــانيكي‪ ,‬بحيــث لــم يســتطع أن يفــرز أيــة أطــر‬ ‫بورجوازية ليبرالية‪ ,‬فكرية أو ثقافية معاصرة‪ ,‬وبقيت القيم واألفكار القديمة السائدة لدى الوعي‬

‫االعتيــادي للجمــاهير علــى حالهــا مــن حيــث نظرتهــا إلــى "األســياد" القــدامى الــذين امتلك ـوا كــل‬ ‫وسائل القوة ومظاهرها‪ ,‬واستمرت هيمنتهم المباشرة وغير المباشرة على معظم المؤسسـات فـي‬

‫القطاع‪ ,‬بما في ذلك المؤسسات التشريعية والتنفيذية‪ ,‬ويكفينا للداللة على ذلك بلدية غزة التي‬ ‫تــولى رئاســـتها وعضــوية مجالســـها طـــوال الفتــرة مـــن عـــام ‪ 0623‬وحتــى عـــام ‪ 0697‬أبنـــاء‬

‫العــائالت التقليديــة فقــط‪ ,‬وهــم بالتحديــد (الش ـوا‪ ،‬الــريس‪ ،‬الصــوراني‪ ،‬أبــو شــعبان‪ ،‬الحســيني‪،‬‬

‫الترزي‪ ،‬أبو رمضان‪ ،‬خيال‪ ،‬العلمي‪ ،‬بسيسو‪ ،‬الصايغ‪ ،‬البورنو‪ ،‬سكيك‪ ،‬مرتجى‪ ،‬مطر)‪.‬‬

‫‪231‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما علس صعيد العمل الوطني الرسمي‪ ،‬فقد اللت رموإ هزذه العزالالت تسزتحوذ علزس كافزة مؤسسزاته‪،‬‬ ‫ولم تتمكن الجماهير الفقيرة والبورجواإية الصغيرة مزن تزولي أي منصز‬

‫الوطني لمذه المرحلة‪.‬‬

‫هزام فزي مؤسسزات العمزل‬

‫‪ .2‬استمرت العالقـات العشـائرية التقليديـة قائمـة فـي أوسـاط المـواطنين والالجئـين علـى حـد سـواء‪,‬‬ ‫ترافق ذلك مع استمرار توزع والءات العديـد مـن المنـاطق الفقيـرة فـي القطـاع لحسـاب العـائالت‬

‫المتنفذة من كبار المالكين‪.‬‬

‫‪ .9‬ظل القطاع محروماً من التنظيمات السياسية والنقابية ‪ ,‬بسبب الحظر الذي فرضه الحكم‬ ‫العسكري المصري على قيام مثل هذه التنظيمات ‪ .‬على أن االخوان المسلمين والشيوعيين‬

‫نجحوا‪ -‬متآزرين – في تخطي هذا الحظر واقامة أول نقابة للمعلمين في القطاع (‪,)0622‬‬ ‫وظل القطاع خالياً من التنظيمات النقابية‪ ,‬حتى عام (‪ ,)0692‬حين أقيمت في القطاع فروع‬

‫التحاد عمال فلسطين ‪ ,‬الذي تشكل بتشجيع من منظمة التحرير الفلسطينية والنظام الناصري‬

‫في مصر‪.1‬‬

‫مالمح الخارطة الطبقية لقطاع غزة في هذه المرحلة (‪)0697-0627‬‬

‫الحـديث عــن عمليــة الصـراع الطبقــي داخــل المجتمــع الفسيفســائي فــي القطــاع‪ ,‬ال يبتعــد عــن جــوهر‬

‫الرؤيــة الموضــوعية لتلــك العمليــة‪ ,‬ال باعتبارهــا شــكالً تطوري ـاً جديــداً‪ ,‬قــام بنفــي األشــكال أو األنمــاط‬ ‫االجتماعية القديمة‪ ,‬بل إنه جاء متداخالً بشكل عضوي معها‪ ,‬حامالً لكل موروثاتها الماديـة والمعنويـة‬ ‫المتخلفة والتابعة في آن واحد‪ ,‬يضاف إلى ذلك عـدم تـوفر اإلمكانيـات القتصـاد ومـوارد القطـاع لتغطيـة‬

‫عجزه الدائم‪ ,‬ومن هنا فإن الحديث عن تنوع الخارطة الطبقية فيه أمر قابل للمراجعة دوماً‪:‬‬

‫الفالحون الفلسطينيون ‪:‬‬

‫الحــديث عــن "طبقــة فالحــين" فــي قطــاع غــزة بعــد النكبــة هــو حــديث يطــال مجموعــة مــن الفالحــين‬

‫المــالكين لقطــع صــغيرة مــن األرض‪ ,‬ال تصــل إلــى خمســة دونمــات فــي مدينــة غــزة (منــاطق الشــجاعية‬

‫والزيتون والتفاح) وقرى عبسـان وبيـت الهيـا وجباليـا والنزلـة وبيـت حـانون وبنـي سـهيال وخزاعـة وديـر‬ ‫البلح وكذلك األمر في مدينتي رفح وخانيونس‪ ,‬ومجموعة أخرى فـي نفـس المنـاطق ال تتجـاوز ملكيتهـا‬ ‫عشرة دونمات يقومـون بزراعـة حيـازاتهم بأنفسـهم مـع أفـراد عـائالتهم‪ ,‬وفـي بعـض المواسـم يضـطرون‬

‫للعمـــل عمـــاالً عـــاديين فـــي أي مجـــال متـــوفر فـــي المدينـــة أو القريـــة‪ ,‬أو عمـــاالً زراعيـــين أُجـــراء أو‬

‫‪1‬‬

‫عبد القادر ياسين ‪ -‬الحركة السياسية في قطاع غزة ‪- 0617 – 0621‬صامد – العدد ‪ – 12‬نيسان ‪ /‬أيار ‪ /‬حزيران‪–0660‬ص‪.23‬‬

‫‪230‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالمحاصصة لـدى كبـار المالكـين‪ .‬هـذه المجموعـات عاشـت ضـمن اإلطـار الفالحـي‪ ,‬خاصـة فـي القـرى‬ ‫وأطـــراف المدينـــة‪ ,‬بأبعـــاده االجتماعيـــة والســـلوكية واالقتصـــادية‪ ,‬وعلـــى مســـتوى العالقـــات االجتماعيـــة‬

‫الدونية مع السادة (األفندية) والوجهاء والمخاتير‪.‬‬

‫واذا كنا نتفق على أنه ليس باإلمكان الحديث عن طبقات قائمة بذاتها أو متبلورة في المجتمع‬

‫الفلسطيني‪ ,‬بسبب استمرار هذا التداخل والتقاطع لألشكال الحديثة للتقسيم االجتماعي للعمل مع‬

‫األشكال القديمة المتوارثة ‪ ,‬فإن الحديث عن "طبقة الفالحين" في بالدنا ال يبتعد عن هذا التوصيف‪,‬‬

‫أي غياب وعي الفالحين الفلسطينيين لوجودهم كطبقة لذاتها‪ ,‬رغم انتشارهم الكمي عبر ما يقرب من‬

‫ألف قرية على األرض الفلسطينية‪ .‬إال أن هذا التحليل ال ينفي الدور النضالي التاريخي للفالحين‬

‫الفلسطينيين طليعة للعمل الثوري ووقودا له في ظل قيادة كبار المالك الرخوة ‪.‬‬

‫فمن المعروف ‪ ,‬تاريخياً ‪ ,‬أن عائالت كبار المالك‪ ,‬عبر هيمنتها على االقتصاد تمكنت من قيادة‬

‫الحركة الوطنية الفلسطينية‪ ,‬قبل ‪ ,0621‬وفق رؤى وبرامج وآليات سياسية مهادنة أو رخوة مع‬

‫االنتداب ‪ ,‬في حين أن الفالحين الفلسطينيين كانوا وقودا للثورة قبل عام ‪ , 0621‬ولم يكن غريبا أن‬ ‫ينجب الريف الفلسطيني خيرة المقاتلين والمناضلين‪ ,‬الذين كانوا بحق هم المحرك اليومي والفعلي‬

‫والمباشر للعمل الثوري ضد االنتداب والحركة الصهيونية‪ ,‬في حين لم يكن كبار المالك (األفندية)‬

‫سوى واجهة َّ‬ ‫هشه تصدرت قيادة الحركة الوطنية‪ ,‬ضمن آفاق محددة‪ ,‬لم تكن تلتقي مع آفاق وتطلعات‬ ‫الجماهير الثورية العفوية‪ ,‬وكان دورها – على األغلب – هو امتصاص وتهدئة الحالة الثورية لدى‬

‫فقراء بالدنا‪ ,‬وكان هذا الدور منسجما مع وضعها الطبقي ومصالحها وعالقاتها مع القوى الرجعية‬

‫العربية وغيرها‪.‬‬

‫يمكن االجتهاد في تحديد مكونات البنية الطبقية في الريف كما يلي ‪:‬‬

‫(أ) كبار المالكين والرأسمالية الزراعية (‪ 21‬دونم فأكثر) ‪:‬‬

‫ىنما طبقة تمثل حوالي (‪ )31‬عاللة متنفذة تاريخيال في القطزاع‪ ،‬ولمزذه العزالالت ارتباطاتمزا المصزلحية‬

‫الدالمزة منززذ عمززد ااتزرات واالسززتعمار البريطززاني‪ ،‬وأخيز الر اإلدارة المصزرية‪ .‬فقززد تميززإت هززذه الطبقززة بقززدرتما‬ ‫علس التكيف مع المتغيرات الجديدة‪ ،‬سواء كانت حليفزة للمسزتعمر أو معارضزة لزه‪ ،‬ومزن ناحيزة أخزرى فز ن‬ ‫كل الحر‬

‫علس ىقامة العالقات اإليجابية‬

‫لمذه الطبقة "أخالقياتما" وسلوكياتما الخاصة بما‪ ،‬فمي تحر‬

‫الطيبززة بزين أعضززالما القالمززة علززس االحتزرام المتبززادل وفززق مقززايير الحسز‬

‫المتعارفززة فيمززا بينممززا‬

‫لكل عاللة‪ ،‬باإلضافة ىلس حر‬

‫والنسز‬

‫هذه الطبقة علس التزإاوو مزن داخلمزا‪ ،‬وال يسزمح اي غريز‬

‫هززذه القاعززدة‪ ،‬مززن هنززا نسززتطيع تفسززير العالقززات الحميمززة علززس المسززتوى الخززا‬

‫عنمزا بخزرق‬

‫بززين "إعمززاء" العززالالت‬

‫(اافندية) رغم "تناقضاتمم" السياسية كفريقين‪ ،‬أحدهما مزع المعارضزة واآلخزر مزع الحركزة الوطنيزة خاصزة‬ ‫في الفترة بين (‪.)0945 – 0939‬‬

‫‪232‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومن السمات ااساسية في عالقات هذه الطبقة بكل عناصرها مع الجماهير الفقيرة والفالحين الفقراء‪،‬‬

‫االإدراء والتعززالي وعززدم االقت ز ار منمززا ىال عنززد الحاج ززة ىليمززا فززي مناسززبة انتخابيززة أو ن اإعززات محلي ززة ال‬ ‫يستطيعون مواجمتما بمفردهم‪.‬‬

‫ومززن المعززروف أن هززذه الطبقززة التززي فقززدت القسززم ااكبززر مززن أمالكمززا فززي فلسززطين علززس أثززر نكبززة‬

‫(‪ ،)0945‬لكنما اللت تمتلت حوالي (‪ 38‬ألف) دونم في قطاع غزإة مزن أصزل (‪ 098‬ألزف) دونزم مجمزوع‬ ‫ااراضي الإراعية خالل هذه المرحلة‪.‬‬ ‫( )‬

‫متوسطو الفالحين (أقل من ‪ 81‬دونم) ‪.‬‬

‫(ث)‬

‫صغار الحالإين (اقل من ‪ 31‬دونم )‪.‬‬

‫(ت)‬

‫التشرالح الوسطس من اإلداريين والفنيين‪.‬‬

‫(و) فقراء الفالحين (أقل من خمسة دنومات) ويتميإون بضعف وعدم كفاية انتاجمم الإراعي ‪ ،‬وقد‬ ‫اضطروا للعمل في السوق اإلسراليلية ‪.‬‬

‫(ح) العمال االجراء ‪ :‬ال يملكون سوى بيع قوة عملمم للغير ويخضعون لتشروط سوق العمل الإراعي‪،‬‬

‫ويعيتشون تحت خط الفقر ‪.‬‬

‫لقد أدى تطور العالقات الرأسمالية المشوهة – في سياق االرتباط باالقتصاد اإلسرائيلي‪ -‬إلى نمو‬

‫العالقات الرأسمالية ‪ ,‬أو العالقات السلعية والنقدي ‪ ،‬في الزراعة والريف الفلسطيني‪ ,‬والتي ترافقت مع‬

‫التراجع التدريجي – بحكم عوامل التوريث وعوامل أخرى – في حجم الملكيات الكبيرة‪ ,‬بحيث تراجع دور‬ ‫طبقة كبار المالك بوصفها الشكل الرئيسي لالستغالل في أوساط الفالحين‪ ,‬ليحل مكانها استغالل‬

‫العمل المأجور في إطار العالقات الرأسمالية المشوهة في الريف‪ ,‬التي تقوم على تخصيص القسم‬

‫األكبر من اإلنتاج الزراعي من أجل السوق‪ ,‬وفي هذه الظروف تزايدت نسبة التمايز الطبقي بين‬

‫الفالحين الذين يشكلون حتى اللحظة وجودا طبقيا موضوعيا وقاعدة اجتماعية – فالحية في الضفة‬

‫بشكل خاص‪ ,‬وتزايد تسارع نمو الفئات الفقيرة والمعدمة (" البروليتاريا " " والبروليتاريا الرثة " في‬ ‫القرية أو في أوساط العمال الزراعيين األجراء في المخيمات والمناطق الفقيرة األخرى)‪ ,‬دون أن يعني‬

‫ذلك تبلور حالة من التمايز الطبقي البورجوازي الكالسيكي‪ ,‬الذي يمكن أن يحقق تراكماً رأسمالياً‬ ‫ملموساً يؤثر في تطوير أو تنمية العالقات الرأسمالية في الريف الفلسطيني‪ ,‬إذ أن العالقات الرأسمالية‬ ‫القائمة على استغالل العمل المأجور‪ ,‬هي عالقة مشوهة وكومبرادورية في نفس الوقت‪ ,‬وبالتالي فقد‬

‫بقي المصدر األساسي للتراكم‪ ,‬هو ما تحصل عليه فئة الكومبرادور من أرباح‪ ,‬وهو أشبه‪ ,‬من حيث‬

‫طبيعته بعالقة‪ ,‬الريع أو الربح الذي كانت تستحوذ عليه طبقة أشباه اإلقطاعيين في مراحل سابقة‪.‬‬

‫أمـا األغلبيـة العظمـى مـن الفالحــين األُجـراء‪ ,‬فهـم مـن الالجئـين أبنــاء القـرى الـذين امتلكـوا الخبـرات‬

‫الواسعة في قراهم قبل النكبة‪ ,‬واضطروا إلى بيع قوة عملهم كأجراء في بيارات كبار المالك‪.‬‬

‫‪233‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫"الطبقة العاملة " الفلسطينية ‪:‬‬

‫من حيث التعريف الكالسيكي‪ ,‬الطبقة العاملة هي التي تنتج القيمة الزائدة‪ ,‬أو فائض القيمة‪,‬‬

‫وينطبق عليها بصورة مباشرة كافة معايير االستغالل‪ ,‬وهي في بالدنا تتكون من العمال في المنشآت‬

‫والورش الصناعية الصغيرة ‪ ,‬إلى جانب العمال االجراء في المحالت التجارية والشركات والفنادق‬ ‫والمطاعم‪ ,‬وعمال الزراعة االجراء‪ ,‬والعمال االجراء في مراكب الصيادين‪ ,‬والباعة المتجولين وجامعي‬

‫القمامة‪ ,‬والعاطلين عن العمل في المدينة أو الريف‪.‬‬

‫فالكدح والبؤس والشقاء والمعاناة والتشتت أو التبعثر في تجمعات أو ورش صغيرة وشبه عائلية‪,‬‬

‫وغياب حالة االستقرار أو الثبات في العمل‪ ,‬وعدم التحاق معظمهم في األطر النقابية‪ ,‬هي الصفات‬

‫التي اتسمت بها أوضاع عمالنا الفلسطينيين‪ ,‬إذ طالما عانوا من الفقر والبطالة ومن تدني األجور‬

‫وغياب التشريعات المنصفة لحقوقهم ‪ .‬األمر اآلخر الواجب اإلشارة إليه هو عدم تبلور طبقة عاملة‬ ‫فلسطينية بالمعنى الموضوعي الذي يحمل في طياته وعيها لمصالحها كطبقة‪ ,‬ومن ثم وعيها لدورها‬

‫الطليعي المحدد في سياق النضال الوطني الديمقراطي‪ ,‬رغم أنها كانت – ومازالت‪ -‬مع فقراء الفالحين‪,‬‬

‫الوقود الحقيقي للنضال الثوري التحرري الفلسطيني الحديث والمعاصر ‪.‬‬

‫وبالنالر ىلس هذه الحالة من عدم تبلور الطبقة العاملة الفلسطينية‪ ،‬ف ن أي باحث جاد سيواجه ىتشكالية‬

‫تتعلق بتطور بنية هذه الطبقة ‪ ،‬وما جرى لما من تفكت ىكراهي بفعل التتشرد والتطمير العرقي من المكان‬ ‫أو الوطن الفلسطيني‪ ،‬طوال الفترة ما بعد النكبة واالحتالل (عام ‪ )0969‬وصوال ىلس سلطة الحكم الذاتي‬

‫(‪ )0993‬واالنقسام (حإيران ‪ ،)3119‬الذي أدى ىلس وجود بنيه اقتصادية سياسية في الضفة وبنيه‬ ‫اقتصادية سياسية في قطاع غإة‪ ،‬وتكرير التمايإ االجتماعي بينمما‪ ،‬اامر الذي يجعل الحديث عن‬

‫الطبقة العاملة الفلسطينية في الل هذا الواقع‪ ،‬وكأننا نتحدث عن جسم طبقي مفكت وهالمي في آن واحد‪،‬‬

‫يفتقر للوحدة الداخلية أو ما يسمس بوحدة الطبقة العاملة في التكوين االجتماعي الفلسطيني‪ ،‬ويفتقر أيضا‬

‫ىلس التجانر‪ ،‬ما يجعل من الطبقة العاملة الفلسطينية الاهرة غير مكتملة النمو‪ ،‬وبالتالي يصعب الحديث‬

‫عنها كقوة اجتماعية مستقلة‪ ,‬يمكن أن تلعب دو ار مؤث ار في إطار الصراع الطبقي‪ ,‬وفي إطار الصراع‬

‫الوطني التحرري‪ ,‬طالما بقيت فصائل وأحزاب اليسار الفلسطيني على هذه الحالة من غياب التفاعل‬

‫واالندماج الحقيقي في أوساط العمال وتوعيتهم وتنظيمهم ‪.‬‬

‫أما عن اتجاهات وتغيرات" الطبقة العاملة" ف ننا نرى أن تتشابت الصعوبات النالرية مع الصعوبات‬

‫الواقعية (اإلجرالية) تجعل من دراسة أوضاع هذه " الطبقة" أو المواقع العمالية في الضفة والقطاع أم الر‬ ‫تكتنفه الكثير من العقبات ‪ ،‬ىلس جان‬

‫قصور وعجإ قوى اليسار الفلسطيني عن متابعة ورصد البيانات‬

‫والمعلومات الخاصة بمكونات الطبقة العاملة الفلسطينية وواقعما وهمومما ومعاناتما وسبل الخروو من‬

‫واقعما الراهن صو تحررها وانعتاقما‪.‬‬

‫‪234‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ،‬ف ن واقع الحال في قطاع غإة‪ ،‬خاصة‪ ،‬الوضع االقتصادي المتدني والمتشزوه‪ ،‬أفزرإ‬

‫أو قذف بالعديد من التشزبا‬

‫ىطار "الطبقة العاملة"‪.‬‬

‫الفقزراء البزاحثين عزن أيزة فرصزة متاحزة للعمزل بغز‬

‫النالزر عزن طبيعتزه ىلزس‬

‫وفززي ضززوء التخلززف الكبيززر للصززناعات المتقدمززة أو الحرفيززة (المتشززاغل) التززي لززم تسززتوع‬

‫سززوى جززإء‬

‫ضزليل مزن حجزم العمالزة لزم يتجزاوإ (‪ 1)6111‬عامزل فزي عزام ‪ 0966‬مزن أصزل (‪ )81‬ألزف عامزل مزنمم‬ ‫(‪ )06811‬عامل إراعي أجير‪ ،‬وهؤالء معالممم من الالجلين‪ ،‬ويتوإع الباقون علس أعمال البناء والنجزارة‬ ‫والخياطزة والخزدمات‪ ،‬وهزم ‪-‬فزي الغالز ‪ -‬أقزر ىلزس البروليتاريزا الرثزة حيزث نالحزال غيزا‬

‫أيزة أتشزكال مزن‬

‫الوعي االقتصزادي أو النقزابي‪ ،‬باإلضزافة ىلزس الجزذور الفالحيزة البسزيطة وهيمنزة الفكزر الغيبزي‪ ،‬الزذي وجزد‬

‫في قطاع غزإة مزالذال أو مسزتق الر نتيجزة غيزا‬ ‫والخ ار االقتصادي من جمة أخرى‪.‬‬

‫الزدور النتشزط والجزاد مزن القزوى الطليعيزة المنالمزة‪ ،‬مزن جمزة‬

‫كانززت أجزرة العامززل أو الفززالح ااجيززر –ىذا تززوفرت فززر العمززل‪ -‬ال تإيززد عززن ‪ 38‬قرتش زال بالكززاد تززؤمن‬ ‫لقمة الخبإ وبع الدهون والإعتر وقليل من الخضار والإيتون‪ ،‬وواذا ق َّدرنا أن كل عامزل مزن هزؤالء يعيزل‬ ‫أو يساهم في ىعالة أسرة تتكون ضمن الحد اادنس من أربعة أفراد‪ ،‬ف ن مجموع المعالين (‪ )311‬ألف من‬

‫الفقراء الجلين ومواطنين ال فرق‪.‬‬

‫ورغم بتشاعة الاللم االجتماعي واالستغالل الطبقي لجموع العمال‪ ،‬ىال أن حالزة الجمزل والتخلزف العزام‬

‫واالرتباط العتشالري القديم فرضت نفسما‪ ،‬وحالت دون وعي العامل باستغالله‪ ،‬والل أقر ىلزس االستسزالم‬

‫للواقززع كمززا يعيتشززه‪ ،‬مؤمن زال بززأن هززذا هززو قززدره الززذي ال بززد مززن القبززول بززه دون أي تززذمر‪ .‬ويبززدو أن صززمت‬

‫ااغلبيززة العالمززس مززن فقزراء القطززاع‪ ،‬خاصززة الالجلززين مززنمم ‪،‬علززس اسززتغالل كبززار المالكززين والتجززار لمززم‪،‬‬ ‫يعود في أحد أسبابه ىلس ىيمانمم العفوي العميق بصدق وقدرة نالام عبد الناصر عبر تشعاراته القومية مزن‬

‫أجززل تحريززر فلسززطين‪ ،‬ولززذلت كززان صززبرهم مكبوت زال ومرهون زال بانتمززاء هززذه المرحلززة (عززام ‪ )0969‬بمإيمززة‬

‫حإيزران التززي فجززرت فززي العامززل والفززالح الفقيززر فززي القطززاع وعيزال وطنيزال متميز الإ بقسززوة المعانززاة جعلززه يتقززدم‬ ‫الصفوف ااولس في مقاومة االحتالل‪.‬‬

‫الطبقات البورجوازية‪:‬‬

‫قلنــا أن نمــو البورجوازيــة فــي بالدنــا –وفــي العــالم الثالــث عمومــاً‪ -‬لــم يتشــكل فــي داخــل البنيــة‬

‫االجتماعية التحتية‪ ,‬عبر عملية تطور تاريخي موضوعي‪ ,‬كما لـم يكـن وجـود هـذه البورجوازيـة نقيضـاً‬

‫للطبقة السائدة (شبه اإلقطاعية)‪ ,‬بـل جـاءت امتـداداً "عصـرياً" لكبـار المالكـين‪ ,‬وتابعـاً مخلصـاً للسـوق‬ ‫‪1‬‬

‫استناداً إلى إحصاءات من إعداد الكاتب غسان الشهابي – الطبقة العاملة وحركتها النقابية في قطاع غزة – صامد ‪ – 12‬حزيران ‪– 0660‬‬

‫ص ‪96‬‬

‫‪235‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الرأسمالي العالمي عبر تطورها إلى بورجوازية كومبرادورية‪ ,‬باإلضافة إلى ذلك فـإن األنمـاط الرأسـمالية‬

‫في بلدان العالم الثالث "تنبثق وبقدر كبير من األشكال االقتصادية لما قبل الرأسمالية"‪.1‬‬

‫كمـــا أن "المجتمـــع المتعـــدد األنمـــاط ُي َولِّـــد قـــوانين أخـــرى لتطـــور الـــنمط الســـلعي الصـــغير أو الـــنمط‬ ‫الرأســمالي الصــغير‪ ,‬فبســبب تــأثير االقتصــاد الرأســمالي العــالمي تجــري داخــل بلــدان العــالم الثالــث دون‬

‫انقطاع عملية إعادة طحن للعالقات اإلنتاجية ما قبل الرأسمالية"‪.2‬‬

‫إن استخدامنا لمصطلح "طبقة" سواء في الحديث عن العمال أو البرجوازية بأنواعها‪ ,‬هو استخدام‬

‫مجازي‪ ,‬حيث ال وجود لطبقات محددة بالمعنى الوجودي الذاتي في بالدنا‪ ,‬الذي يعبر عن مصالح‬

‫ورؤى ومواقف أيديولوجية محددة‪ ,‬بحيث ينطبق عليها تعبير ماركس بأنها طبقة في ذاتها ال طبقة‬ ‫لذاتها‪ ,‬فطالما تعيش آالف العائالت عند خط الفقر أو دونه في ظروف اقتصادية واجتماعية تسودها‬

‫كل أشكال المعاناة والحرمان‪ ,‬وطالما بقي التخلف أو النمط القديم مسيطرا‪ ,‬وال تتوفر لهم األطر‬

‫السياسية والنقابية المعبرة عن حقوقهم‪ ,‬أو مقومات التجانس الفكري والسياسي أو الوعي المشترك‬

‫بالظلم الواقع عليهم‪ ,‬فهم ال يشكلون طبقة بأي حال من األحوال‪.‬‬

‫والواقع أنه يجب أن ال نستنتج من الدور الرئيسي للموقع االقتصادي‪ ,‬أن هذا الموقع يكفي لتحديد‬

‫الطبقات االجتماعية‪ .‬صحيح أن للعامل االقتصادي الدور الحاسم في نمط معين من اإلنتاج‪ ,‬وفي‬

‫التشكل االجتماعي‪ ,‬ولكن العامل السياسي والوعي بالمعاناة المشتركة‪ ,‬كشعور جماعي‪ ,‬إلى جانب‬ ‫عوامل ثقافية واجتماعية أخرى في إطار البنية الفوقية لها دور بالغ األهمية‪ ,‬إذ أن الطبقات‬

‫االجتما عية تنطوي على ممارسات طبقية أو صراع طبقي‪ ,‬وال تتبدى إال في هذا الصراع والتناقض‪,‬‬ ‫وهو مضمون ما زال خافتا في مجتمعنا بحكم عوامل التناقض الرئيسي مع العدو‪ ,‬وعوامل التخلف‬

‫االجتماعي واالقتصادي‪ ,‬في سياق استمرار عالقة التبعية والحصار‪ ,‬عالوة على الصراع واالنقسام‬

‫الد اخلي‪ ,‬وهي كلها عوامل ساهمت في عدم إنضاج الظرف الذاتي للتبلور الطبقي في بالدنا‪ ,‬وفي هذا‬ ‫السياق يمكننا االجتهاد في تحديد مكونات البنية الطبقية للمجتمع الفلسطيني في المدينة أو الحضر‬

‫كما يلي‪:‬‬

‫(أ) الرأسمالية المحلية في القطاع الخا‬

‫بكل تفريعاته وأنتشطته االقتصادية ‪.‬‬

‫( ) البيروقراطية المبرجإة ‪ ،‬التي تقوم باستغالل عالقاتما وتحالفاتما مع المواقع الطبقية ااخرى من‬ ‫رأسمالية المدن أو أثرياء الريف ( في الصناعة والإراعة والتجارة والمقاوالت ‪ ...‬الخ )‪.‬‬

‫(ت) "الطبقة" أو الفلات الوسطس أو البورجواإية الصغيرة في المدينة والريف في القطاعين العام‬ ‫والخا‬

‫‪1‬‬

‫والحرف والور والمحالت الصغيرة‪.‬‬

‫إلكس ليفكوفسكي‪-‬البورجوازية الصغيرة وخصائصها‪-‬دار التقدم‪-0676-‬ص‪69‬‬

‫‪ 2‬المصدر السابق‪-‬ص‪66‬‬

‫‪236‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(ث) العمال االجراء‪ ،‬والعاطلين عن العمل‪.‬‬

‫بورجوازية الكومبرادور‪:1‬‬

‫هذه التشريحة من البورجواإيزة الكبيزرة بزدأت بالتواجزد واالنتعزا‬

‫فزي بدايزة الخمسزينيات بتشزكل هجزين أو‬

‫مصطنع‪ ،‬ىنما بورجواإية بال تاريخ وبزال مقزدمات‪ ،‬ذات طزابع تجزاري كزومبرادوري محز‬

‫‪ ،‬نتشزأت بموجز‬

‫عززدد مززن التتش زريعات والق زوانين الصززادرة عززن اإلدارة المص زرية التززي جعلززت مززن القطززاع مرك ز الإ تجاري زال ح ز الر‬

‫مفتوح زال علززس مص زراعيه السززتيراد كافززة السززلع والمنسززوجات ااوروبيززة واامريكيززة واليابانيززة‪ ،‬ذات الط ززابع‬ ‫الكمالي الباذ ‪ ،‬ويبدو أن المدف من ذلت تزروي‬

‫كافزة العناصزر الوطنيزة السزابقة مزن كبزار المالكزين أو‬

‫البورجواإيين الجدد الذين كانوا في السابق واجمة هتشة قادت الحركزة الوطنيزة ىبزان نكبزة عزام ‪ 0945‬وفزق‬

‫منالورها ومصالحما الطبقية‪ ،‬وجاء هذا االنفتاح االقتصادي ليلغي نماليال أي تطلزع مزن رمزوإ هزذه الطبقزة‬ ‫نحو ممارسة أي دور وطني ال ينسجم مع ما تخطط له اإلدارة المصرية‪.‬‬

‫لقززد جززاءت الن زواة ااولززس لمززذه البورجواإيززة التجاريززة مززن رحززم الززنمط القززديم التشززبه ىقطززاعي‪ ،‬ودون أي‬

‫مسار بامتياإاته أو ارستقراطيته الإالفة بل لحسا‬

‫تطوير تلت االمتياإات والمالاهر اارستقراطية‪.‬‬

‫ومززع الكززم المالززل مززن ال زربح المتحقززق لمززذه الطبقززة‪ ،‬كززان البززد مززن توالززد كززم هالززل مززن الفسززاد والرتشززوة‬

‫وتخري‬

‫نفزور كبزار وصزغار المزوالفين وتحزويلمم ىلزس أدوات طيعزة ال هزم لمزم سزوى ىطاعزة أوامزر السزيد‬

‫الجديد‪.‬‬

‫"البورجوازية الصناعية"‪:‬‬

‫هذه التشريحة ولدت أيضال من رحم كبار المالكين ومع تطور حجم االستيراد والتصدير في القطزاع فزي‬

‫بداية الستينيات‪ ،‬حيث بدأت بع‬

‫عناصر بورجواإية الكومبرادور ب نتشاء عزدد مزن المصزانع إلنتزاو سزلع‬

‫قاموا باسزتيراد كزل مقوماتمزا‪ ،‬مزن العلبزة المطبوعزة أو العبزوات الإجاجيزة أو المزواد ااساسزية‪ ،‬مزن الخزارو‪،‬‬

‫وبالتالي ف ن هذه التشريحة من البورجواإية هي امتداد عضوي للكومبرادور ال أكثر‪.‬‬

‫‪ 1‬األصل التاريخي لتعبير البورجوازية الكومبرادورية يعود ‪ -‬حسب المفكر الراحل اسماعيل صبري عبداهلل ‪ -‬إلى كلمة ‪ , comprador‬و‬ ‫كانت تعني في األصل المواطن الصيني الذي يعمل وسيطا او وكيال في خدمة أالوروبي‪/‬المستعمر ‪ ,‬ثم أصبحت هذه الكلمة تطلق – في بلدان‬

‫العالم الثالث ‪ -‬على المديرين المحليين والوكالء التجاريين للشركات األوروبية ‪ ,‬و كلمة كومبرادور هي أصال كلمة برتغالية ‪ .‬وقد استخدم‬ ‫الحزب الشيوعي الصيني (اثناء الثورة وبعدها بقيادة ماوتسي تونج) مفهوم الكومبرادوري لفضح العمالء والوسطاء الصينيين المتعاونين مع‬ ‫االستعمار ‪ ,‬و انتشر بعد ذلك في بعض أدبيات الماركسية ‪ ,‬ويقصد بالوكيل التجاري كل شخص يقوم باستيراد البضائع االجنبية وتسويقها في‬ ‫بالده او بتقديم العطاءات أو الشراء أو التأجير أو تقديم الخدمات باسمه لحساب المنتجين أو الموزعين األجانب ونيابة عنهم ‪,‬وذلك بهدف‬

‫الربح وعلى حساب االنتاج الصناعي ال وطني المحلى وكذلك على حساب القضايا الوطنية الكبرى ‪ ,‬فالكومبرادوري يستوي اليوم في بالدنا مع‬ ‫مرتبة العميل ‪ .‬وفي هذا السياق البد من اإلشارة إلى أن تأخر وتخلف الصناعة والزراعة في بالدنا أفسح المجال البراز دور الكومبرادور ‪ ,‬أما‬ ‫مصطلح " بورجوازية " هو مصطلح له د اللة اجتماعية و سياسية ثقافية ‪ ,‬إذ أن كلمة بورجوازية تعني التمدن ‪ ,‬بمعنى وجود نوعي متمدن‬ ‫في نمط و أسلوب الحياة و األفكار‪.‬‬

‫‪237‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫البورجوازية الصغيرة ‪:‬‬

‫قضية البرجوازية الصغيرة هي قضية تتناسب أو ترتبط بالملكية الصغيرة ‪ ,‬فالبرجوازي الصغير‬

‫صاحب ملكية (حرفة أو ورشة أو منشأة مزرعة صغيرة) لكنه يعمل بنفسه‪ ,‬وهو موجود في بالدنا‬

‫بشكل رئيسي في مجال الخدمات والتجارة والزراعة‪ ,‬وبالتالي فهو مالك وشغيل ‪ ,‬رب عمل وعامل ‪,‬‬ ‫مهني صغير ‪ ,‬موظف أو ضابط أو طبيب أو محامي أو مهندس ‪ ,‬طالب جامعي أو مثقف… الخ‪,‬‬

‫ولذلك فإن التردد ‪ ,‬أو الموقف التوفيقي والحلول الوسط والتقلب وعدم االستقرار والتذبذب واالنتهازية‬

‫والتطرف أو االندفاع السريع ‪ ,‬والهبوط أو التراجع السريع أيضا‪ ,‬والتسويات والمواقف الالمبدئية من‬

‫اهم مواصفات البرجوازي الصغير ‪ ,‬حسب الظرف الزماني وحسب المكان والعالقات المحيطة به ‪ ,‬فهو‬ ‫مسلم متعصب في ظروف معينة ‪ ,‬وهو يساري متطرف في ظرف آخر ‪ ,‬أو هو توفيقي وسطي انتهازي‬

‫أو سريع االستسالم والهروب من الواقع‪ ,‬حيث أن عدداً كبي ارً من هؤالء لم يتحمل قسوة أو مرارة هذه‬

‫الظروف وانسداد اآلفاق السياسية وتفاقم األوضاع االجتماعية‪ ,‬مما جعلهم يشعرون بحالة من‬

‫اإلغتراب‪ .‬ظهرت بصورة واضحة في تلك المرحلة – وما زالت ‪ -‬قيم الالمباالة واليأس أو النفاق‬

‫وتمجيد المصالح الشخصية والبحث عن أي مصدر للكسب السريع‪ ,‬أو مغادرة بعضهم إلى الهجرة‬

‫للخارج هروباً من الواقع الذي لم يعد قاد ارً على احتماله!‬

‫إن قضية البرجوازية الصغيرة هي قضية الحرفيين وصغار المنتجين وصغار الموظفين والفالحين‬

‫والمهنيين بمختلف أنواعهم ‪ ,‬والطالب الجامعيين والمثقفين عموما ‪ ,‬وكل هذا الكم الواسع من الناس‬

‫يشكلون هذه الطبقة ‪ ,‬أكثر الطبقات عددا في بالدنا وأوسعها نفوذا وأثرا‪ ,‬فمنها –على األغلب األعم‬

‫‪-‬تتشكل بنية جميع األحزاب اليمينية الدينية السلفية الرجعية ‪ ,‬والمستنيرة ‪ ,‬واألحزاب الوطنية‬

‫الوسطية المهادنة للسلطة أو النظام‪ ,‬واألحزاب الوطنية والقومية الديمقراطية‪ ,‬واألحزاب والحركات‬

‫اليسارية‪.‬‬

‫في هذا الجانب أشير إلى أن هذا الوجود واالنتشار الواسع لهذا الحزب اليميني الديني أو الوسطي‬

‫السلطوي‪ ,‬ال يعود إلى وعي البورجوازية الصغيرة وقرارها االلتحاق بهذا التيار الديني أو ذاك‪ ,‬المسألة‬

‫ليست كذلك ‪ ,‬إذ أن الظروف الموضوعية ‪ ,‬ظروف الهزيمة‬

‫وتفاقم أوضاع التطور االجتماعي‬

‫الداخلي المشوه بكل مظاهره التراثية الغيبية وتخلف العالقات االقتصادية واالجتماعية ‪ ,‬والتراجع‬

‫الملحوظ في بنية ودور فصائل وأحزاب اليسار والحركات الوطنية ‪ ,‬في مناخات تزايدت فيها الهيمنة‬

‫والسيطرة غير المسبوقتين للتحالف الصهيوني اإلمبريالي‪ ,‬وكل هذه العوامل عززت من تراجع الدور‬

‫الوطني والثوري في أوساط البورجوازية الصغيرة لحساب االنكفاء وعدم المباالة أو االلتحاق في‬

‫صفوف بعض الحركات الدينية والقومية واليسارية بدرجات أقل‪.‬‬

‫‪238‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن البورجواإيززة الصززغيرة فززي قطززاع غ زإة تضززم مززا ال يقززل عززن ‪ %91‬مززن ىجمززالي عززدد السززكان‪ ،‬فمززي‬

‫تمثل كافة العاملين في الزدوالر الحكوميزة والتشزرطة ووكالزة غزوث الالجلزين والمعلمزين وااطبزاء والمحزامين‬

‫وصززغار التجززار والح زرفيين وص ززغار الفالحززين الززذين يملك ززون أقززل مززن ‪ 31‬دونمز زال باإلضززافة ىلززس ط ززال‬

‫الجامعات‪.‬‬

‫ونس ززتطيع التأكي ززد هن ززا ب ززأن ه ززذه الطبق ززة كان ززت – وم ززا اإل ززت – بمثاب ززة اام لكاف ززة ااحز ز اإ والفص ززالل‬

‫الوطنيززة والقيززادات الدينيززة‪ ،‬مززن أقصززس اليسززار ىلززس أقصززس اليمززين ومززن االعتززدال التشززديد ىلززس التعص ز‬

‫ااعمس‪.‬‬

‫يعززود ذلززت ىلززس كونمززا ال تسززتند كطبقززة ىلززس أي تشززكل مززن أتشززكال التجزانر‪ ،‬انمززا ال تملززت فززي ااصززل‬

‫قززدرة ذاتيززة علززس خلززق قاعززدة ماديززة موحززدة لإلنتززاو‪ ،‬فززالموالفون فززي الززدوالر الحكوميززة يقفززون علززس أرضززية‬ ‫القاعززدة االقتصززادية للدولززة أو النالززام الحززاكم‪ ،‬وموالفززو وكالززة الغززوث لمززم قاعززدتمم االقتصززادية وعالقززاتمم‬

‫المختلف ززة ع ززن إماللم ززم ف ززي جم ززاإ الحكوم ززة‪ ،‬وأصز زحا‬

‫الملكي ززات الص ززغيرة م ززن الفالح ززين لم ززم قاع ززدتمم‬

‫االقتصادية الذاتية الخاصة بمم‪ ،‬يتطلعون دومال ىلس تطزوير ملكيزتمم وتوسزيعما وفزي نفزر الوقزت يتشزعرون‬

‫دومزال بززالخوف مززن المسززتقبل‪ ،‬وبالتززالي فز نمم يتززأرجحون فززي ممارسززاتمم بززين عقليززة المالززت والفززالح ااجيززر‬ ‫حس‬

‫الالروف‪ ،‬وينطبق ذلت علس أصحا‬

‫الحرف الصغيرة في القطاع الذين يتطلعون بعزين واحزدة ىلزس‬

‫ااعلس أو الطمزوح بينمزا تنالزر العزين الثانيزة ىلزس واقزع الكزادحين والعمزال‪ ،‬خوفزال مزن االنتشزداد أو االنجزرار‬ ‫نحزوهم‪ ،‬ىن هزذه الطبقزة تتميزإ بوعيمزا العفزوي لزذاتما وسزعيما ىلزس فزر‬

‫وجودهزا بزأي تشزكل مزن ااتشززكال‪،‬‬

‫مززن هنززا يمكززن تفسززير نتشززوء كافززة ااح ز اإ الوطنيززة والتقدميززة والجمعيززات والتيززارات الدينيززة مززن أصززول‬

‫بورجواإية صزغيرة لزير فقزط فزي قطزاع غزإة‪ ،‬ووانمزا قزد ينطبزق هزذا اامزر علزس كافزة بلزداننا العربيزة وغيرهزا‬ ‫من بلدان العالم الثالث‪.‬‬ ‫وفي هذا السياق أتشير ىلس أن "تماإو العوامل المتناقضة الداخلية والخارجيزة‪ ،‬يزؤدي ىلزس التعزدد الفلزوي‬

‫غير المألوف للبورجواإية الصغيرة ووالس تعدد طوابقه"‪ 1‬ىضافة ىلس ذلت ف نه "يكاد من المسزتحيل فصزل أو‬ ‫عززإل أيديولوجيززة البورجواإيززة الصززغيرة عززن الززدين و التززدين‪ .‬وبمززا أن أتشززكال ومسززوحات الززدين كثي زرة‪ ،‬لززذا‬

‫فزالبورجواإي الصززغير فزي كزل بلزد هززو‪ ،‬ىمزا مسززلم أو بززوذي أو مسزيحي‪ ،‬كمززا أنزه لززير مسزيحيال فحسز‬

‫بززل‬

‫كاثوليكي أو أرثوذكسي‪ ،‬وهو ىضافة ىلس ذلت العمود الفقري ااساسي للمرطقات وااتشزياع الدينيزة التزي ال‬

‫تحصس‪ ،‬وكل هذه الفوضس الدينية الاهريال تتفق تمامال مزع جزوهر البورجواإيزة الصزغيرة الموجزودة والمتشزتتة‬

‫في أوجه متعددة"‪.2‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫إلكس ليفكوفسكي‪-‬البورجوازية الصغيرة وخصائصها ‪ -‬مرجع سبق ذكره – ص ‪30‬‬ ‫المرجع السابق – ص‪39‬‬

‫‪239‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وأجواء ما قبل حزيران ‪97‬‬ ‫ط زوال الفت زرة الممتززدة بززين عززامي ‪ 0964-0989‬كززان الركززود النسززبي مخيم زال علززس ااح زوال السياسززية‬

‫للقطاع ‪ ،‬بسب‬

‫ممارسات اإلدارة المصرية العسزكرية وأنالمتمزا التزي لزم تسزمح بزالترخي‬

‫رسزميال لألحز اإ‬

‫والحركات السياسزية فزي قطزاع غزإة ‪ ،‬مزا عزدا حركزة القزوميين العزر ‪ ،‬التزي اسزتطاعت العمزل بصزورة تشزبه‬ ‫علنية‪ ،‬بحكم توافق تشعاراتما ومواالتما للنالام الناصري آنذات ‪ ،‬أما بالنسبة للتشيوعيين واإلخوان المسزلمين‬

‫والبعثيين‪ ،‬فقد فرضت عليمم اإلدارة المصرية أتشكاالل عديدة من الحالر والمالحقة واالعتقزاالت طزوال هزذه‬

‫المرحلة ‪.‬‬

‫وفي هذا الجان‬

‫‪ ،‬أتشير أيضال ىلس أن اإلدارة المصرية فرضت حال الر علس العمل النقزابي ‪ ،‬حيزث الزل‬

‫قطززاع غزإة محرومزال مززن التناليمززات النقابيززة‪ ،‬العماليززة والممنيززة والفالحززين والمزرأة والتشززبا ‪..‬ىلززخ حتززس عززام‬ ‫‪( 0968‬ماعدا نقابة المعلمزين فزي وكالزة الغزوث التزي تأسسزت عزام ‪ )0984‬عنزد تأسزير منالمزة التحريزر‬ ‫الفلسطينية ‪ ،‬وبداية تأسير بع‬

‫النقابات في ىطار اتحاد عمال فلسطين ‪.‬‬

‫وقد عملت اإلدارة المصرية آنذات ‪ ،‬علس كسر حالة الركود السياسي ‪ ،‬استجابة للمتشاعر الوطنية لدى‬

‫أبنززاء قطززاع غ زإة ‪ ،‬حيززث قامززت بتتشززكيل المجلززر التتش زريعي بتززاريخ ‪ ، 0985/3/04‬ثززم أعلنززت تأسززير‬

‫االتحاد القومي‪ 1‬في ديسمبر ‪ 0961‬عبر انتخابات تشكلية جرت في يناير ‪ 0960‬فاإ فيما عدد من أبنزاء‬ ‫العززالالت ‪ ،‬وعززدد مززن التشخصززيات الوطنيززة المحسززوبة علززس النالززام المصززري ‪ ،‬وتززم تعيززين أعضززاء اللجنززة‬

‫التنفيذيززة لالتحززاد القززومي برلاسززة المرح ززوم منيززر ال زرير ‪ ،‬وفززي نفززر الفتززرة تززم تأسززير "االتحززاد الق ززومي‬ ‫الفلسطيني" في سوريا‪ ،‬لكن حكومة الجممورية العربية المتحدة "رفضت ىقامة وحدة بين االتحاديين ‪ ،‬ومزع‬ ‫ذلت طال‬

‫االتحاد القومي الفلسطيني في سوريا – الزذي سزيطر عليزه القوميزون العزر ‪ -‬فزي مزذكره رفعمزا‬

‫ىلززس الجامعززة العربيززة ‪ ،‬بتعبلززة جميززع الفلسززطينيين فززي جززي‬ ‫رلززير الجمموريززة عززار‬

‫موحززد ‪ ،‬ىال أن عبززد الحميززد الس زراو ‪ ،‬نال ز‬

‫الفك زرة ‪ ،‬وفززي تتش زرين أول ‪ 0960‬وجززه مززاإن النقي ز‬

‫‪-‬رلززير االتحززاد القززومي‬

‫‪2‬‬

‫زداء ىلززس الززدول العربيززة كزي تقززيم كيانزال فلسززطينيال تنفيززذال لقز اررات الجامعززة العربيززة‬ ‫الفلسزطيني فززي سززوريا – نز ل‬ ‫ولم تتم االستجابة لكل هذه المطال ‪ ،‬حيث بات كل من االتحزاد القزومي الفلسزطيني فزي سزوريا وفزي غزإة‬

‫تشكليال دون أي نتشاط سياسي أو وطني‪ ،‬وسرعان ما تم حل االتحاد القومي بقرار من الحزاكم العزام لقطزاع‬

‫غإة رقم (‪ )8‬بتاريخ ‪ / 9‬فبراير ‪.3 0968 /‬‬

‫‪ 1‬الوقائع الفلسطينية – الجريدة الرسمية لقطاع غزة – عدد غير اعتيادي رقم ‪0690/03/21 – 0066‬‬ ‫‪ 2‬عبد القادر ياسين – الحركة السياسية في قطاع غزة ‪ - 0617 – 0621‬كتاب صامد – العدد ‪ – 12‬حزيران ‪ – 0660‬ص ‪. 23‬‬ ‫‪ 3‬الوقائع الفلسطينية – الجريدة الرسمية لقطاع غزة – عدد خاص بتاريخ ‪ / 1‬فبراير ‪. 0692 /‬‬

‫‪241‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبالتالي ‪ ،‬اللت حالة الركود السياسي هزي المالمزر الرليسزي السزالد فزي قطزاع غزإة فزي تلزت المرحلزة ‪،‬‬

‫ما عدا االحتفاالت الرسمية السنوية بمناسبة خروو المحتلين اإلسراليليين في ‪ 9‬مزارر‪/‬آذار وعزودة اإلدارة‬

‫المصرية للقطاع في ‪ 04‬مارر‪/‬آذار‪ ،‬والثورة المصزرية فزي ‪ 33‬يوليزو‪ ،‬وذكزرى وعزد بلفزور فزي ‪ 3‬نزوفمبر‪،‬‬ ‫باإلض ززافة ىل ززس وس ززالل اإلع ززالم خاص ززة‪ ،‬ىذاع ززة ص ززوت الع ززر ‪ ،‬الت ززي كان ززت تنق ززل باس ززتمرار الخطاب ززات‬

‫السياس ززية لل ززإعيم ال ارح ززل جم ززال عب ززد الناص ززر‪ ،‬ف ززي ه ززذه المناس ززبات وااجز زواء السياس ززية كان ززت متش ززاركة‬ ‫الجماهير العفوية الفقيرة قوية ومتميإة ‪ ،‬وقد تعإإت هذه الروح العفوية الصادقة بصدور قانون التجنيد في‬

‫مارر (‪ )0968‬وواقبال جموع الفقراء لاللتحاق بالجي‬ ‫والعودة ىلس الوطن‪.‬‬

‫الفلسطيني من أجل الخال‬

‫االجتماعي والتحرير‬

‫هززذه الحالززة الجماهيريززة تصززاعدت ىلززس أعلززس مسززتوياتما مززع والدة منالمززة التحريززر الفلسززطينية‪ ،‬التززي‬

‫وجدت في القطاع متنفسما ومكانما الطبيعي في الوقزت الزذي أغلقزت فزي وجممزا كزل اابزوا‬ ‫الفلسطينيين في أماكن تواجدهم في البالد العربية‪.‬‬

‫واول مرة جرت االنتخابات التشزعبية عزام ‪ 0966‬فزي القطزاع النتخزا‬

‫المؤديزة ىلزس‬

‫قيزادة وأعضزاء التنالزيم التشزعبي‬

‫الفلس ززطيني الت ززابع لمنالم ززة التحري ززر الفلس ززطينية‪ ،‬واختف ززس الرك ززود السياس ززي ف ززي جمي ززع ااوس ززاط‪ ،‬وقام ززت‬ ‫ااح اإ السياسية الوطنية بدور بارإ في هزذا المجزال خاصزة حركزة القزوميين العزر التزي فزاإت‪ 1‬بحزوالي‬

‫‪ %38‬مزن المقاعزد فزي لجزان ااحيزاء المنتخبزة لعضزوية التنالزيم التشزعبي‪ ،‬و كزذلت التشزيوعيين الزذين دبزت‬ ‫فززيمم الززروح مززن جديززد وتناسزوا خالفززاتمم وتشززاركوا بززإخم واضززح فززي هزذه االنتخابززات‪ ،‬رغززم قلززة عززددهم مززن‬ ‫جمزة ورغزم الحملزة المعاديزة الموجمزة ضزدهم مزن أجمزإة اامزن مزن جمزة ثانيزة ‪ ،‬واسزتطاعوا الفزوإ بحزوالي‬

‫‪ %01‬من المقاعد في لجان ااحياء التشعبية‪ ،‬أما حركة اإلخوان المسلمين ‪ ،‬فلم يتشارت أو ينجح في هذه‬ ‫االنتخاب ززات أي م ززن عناص ززر اإلخز زوان المس ززلمين ال ززذين ل ززم يك ززن لم ززم أي دور سياس ززي ملح ززوال ف ززي ه ززذه‬

‫المرحلة‪.‬‬

‫ومزن الجزدير بالزذكر هنزا أن عناصزر حركزة التحريزر الزوطني الفلسزطيني (فزتح) بزدءوا نتشزاطمم السززري‬

‫المعززروف اط زراف الحركززة الوطنيززة منززذ نمايززة عززام ‪ 0964‬فززي القطززاع‪ ،‬وتشززاركوا فززي انتخابززات التنالززيم‬ ‫التشعبي الفلسطيني واستطاعوا الحصزول علزس حزوالي ‪ %31‬مزن المقاعزد‪ ،‬فزي حزين حصزل المسزتقلين مزن‬ ‫الموالين للنالام المصري ىلس جان‬

‫من المقاعد ‪.‬‬

‫المرتشحين من أبناء العالالت والعتشزالر والمخزاتير علزس حزوالي ‪%38‬‬

‫هذا وقد تم عقد المؤتمر العام للتناليم التشعبي المنتخ‬

‫‪ ،‬حيث قزام بانتخزا‬

‫القطززر" وعززدد أعضززاله أحززد عتشززر عض زوال‪ ،‬وتنافسززت علززس عضززوية هززذا المكت ز‬

‫هيلزة التنفيذيزة أو "مكتز‬

‫قالمتززان ‪ :‬قالمززة حركززة‬

‫الق ززوميين الع ززر وحلف ززالمم ‪ ،‬وقالم ززة د‪.‬حي ززدر عب ززد التش ززافي المدعوم ززة م ززن الح ززإ التش ززيوعي الفلس ززطيني‬

‫‪1‬‬

‫أذكر منهم صباح ثابت ‪ ,‬محمد شعبان أيوب ‪ ,‬يونس الجرو ‪ ,‬غازي الصوراني ‪.‬‬

‫‪240‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وحصلت كل قالمة علس (‪ )8‬مقاعد وكان الحادي عتشر (د‪.‬ياسين ااسطل) مستقالل‪ ،‬وتنافر د‪.‬حيدر مزع‬

‫محمززد تشززعبان أيززو مززن حركززة القززوميين العززر علززس أمانززة سززر ‪ /‬رلاسززة المكتز ‪ ،‬فحصززل د‪.‬حيززدر علززس‬

‫ستة أصوات ومحمد أيو علس خمسة‪.1‬‬

‫ظل هذا النشاط السياسي سائداً بقوة حتـى إعـالن عبـد الناصـر لحالـة الطـوارئ فـي اليـوم األول مـن‬

‫مـــايو‪/‬أيـــار عـــام ‪ , 0697‬وصـــدور أوامـــر بتوزيـــع الســـالح علـــى كـــل قـــادر مـــن المـــدنيين فـــي القـــرى‬ ‫والمخيمــات والمــدن‪ ,‬وفــتح بــاب التطــوع فــي الجــيش‪ ,‬وكانــت المفاجــأة أن عش ـرات اآلالف مــن العمــال‬ ‫والفالحين والفقراء والطالب وبعـض المـوظفين والمعلمـين تقـدموا الصـفوف للتطـوع والقتـال فـي المعركـة‬

‫ــاء علـــى قناعـــة لـــدى النـــاس بأنهـــا ســـتكون معركـــة فاصـــلة ســـيكون "النصـــر" نتيجتهـــا‬ ‫المقبلـــة ‪ ,‬بنـ ً‬ ‫الحاسمة!!‪.‬‬ ‫تلك هي أجواء الوضع السياسي للجماهير في قطاع غزة التي آمنت بعبـد الناصـر وبجيشـه الـوطني‬

‫بكل عفويتها وصدقها‪ ,‬وقدمت كل ما لديها مـن إمكانيـات فـي هـذه المعركـة‪ ,‬مـن معـدات وسـيارات نقـل‬

‫ومواد بناء‪ ,‬وحفرت بسواعدها كل الخنادق على طول "الحدود اإلسرائيلية الفلسـطينية"‪ ,‬عـالوة علـى مـا‬ ‫قدمته من أبنائها لهذه المعركة‪ ,‬لكن الواقع الحقيقي للبنية البيروقراطية العفنة المدنية والعسكرية‪ ,‬فـي‬

‫مصر كانت نقيضاً لعبد الناصر نفسـه‪ ,‬بقـدر مـا كانـت نقيضـاً لعفويـة جماهيرنـا وتوجـه وسـائل اإلعـالم‬

‫واذاعــة صــوت العــرب‪ ,‬وبــدأت المعركــة فــي صــباح يــوم االثنــين الخــامس مــن حزيـران (‪ )0697‬وكانــت‬

‫الهزيمة التي نعيشها إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫األوضاع السياسية واالجتماعية في ظل االحتالل ‪:‬‬

‫فــي الوقــت الــذي خــيم الظــالم فيــه علــى عالمنــا العربــي‪ ,‬قــام أبنــاء شــعبنا الفلســطيني مــن الفق ـراء‬

‫والكادحين في قطاع غزة بإضاءة أول شموع المقاومة المسلحة فوق أرضنا الفلسطينية‪ ,‬ومنذ األسـبوع‬ ‫األول للهزيمة‪ ,‬وخالل فترة السماح للمواطنين بالتجول‪ ,‬بدأت عناصر حركة القوميين العـرب باالتصـال‬

‫ببعضــهم الــبعض لتنظــيم الصــفوف تحضــي ارً للمرحلــة الجديــدة‪ ,‬رغــم انســحاب وتراجــع العديــد مــن شــباب‬

‫الحركة عن االلتحاق في صفوفها‪ ,‬بعد أن أصابهم اليأس واستسلموا للهزيمة‪.‬‬

‫ومــع نهايـــة شـــهر حزيــران (‪ , )0697‬بـــدأت قيـــادة الحركــة فـــي القطـــاع بإعــادة تشـــكيل المراتـــب‬

‫والهيئات التنظيمية في كل المناطق‪ ,‬من رفح إلى جباليا وبيت الهيا مرو ارً بالمخيمات الوسطى ومدينة‬ ‫غزة ومخيم الشاطئ ‪ ,‬حيث وافق حوالي ثالثمائة عضو‪ ,‬العـودة إلـى التنظـيم فـي ظـروف االحـتالل مـن‬

‫أصل ما يقارب(‪ 2)111‬عضو‪ ,‬مجمـوع أعضـاء الحركـة حتـى ‪ 2‬حزيـران‪ . 0697/‬وفـي أول شـهر آب‬

‫‪ 1‬عبد الرحمن عوض اهلل – من فيض الذاكرة – الكتاب األول – الطبعة الثانية ‪ – 3103‬رام اهلل ‪ -‬ص ‪.303‬‬ ‫‪ 2‬مقابلة مع أ‪ .‬صباح ثابت – مسئول حركة القوميين العرب في تلك المرحلة – بتاريخ ‪.3102/7/21‬‬

‫‪242‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪/‬أغسطس (‪ )0697‬قامت قيـادة الحركـة بتشـكيل طالئـع المقاومـة الشـعبية‪ ,‬وأصـدرت العـدد األول مـن‬ ‫جريدة "الجماهير" ناطقة بإسم الطال ئع ‪ ,‬وظلت تصدر كل أسبوعين حتى نهاية أكتوبر** (‪. )0691‬‬

‫أمززا بالنس ززبة لمح ززاوالت تأس ززير الجبم ززة الوطني ززة‪ 1‬ف ززي قط ززاع غززإة ‪ ،‬فمن ززذ نماي ززة حإيززران وأوال ززل تم ززوإ‬

‫(‪ )0969‬لززم تززنجح محززاوالت قيززادة الحركززة فززي تأسززير الجبمززة الوطنيززة‪ ،‬رغززم الحزوارات التززي أجرتمززا مززع‬

‫الرفززاق التشززيوعيين فززي قطززاع غزإة ‪ ،‬حيززث الززل كززل منممززا متتشززبثال برؤيتززه ومواقفززه‪ ،‬اامززر الززذي دفززع قيززادة‬

‫الحركزة ىلزس تتشززكيل "طاللزع المقاومزة التشززعبية"‪ ،‬ك طزار جبمزوي بقيززادة حركزة القزوميين العززر فزي القطززاع‪،‬‬ ‫ضززم فززي صززفوفه عززدد مززن الززوطنيين المسززتقلين ومززن أبززرإهم المرحومززان منيززر ال زرير و فززاروق الحسززيني‬

‫وبع‬

‫ضباط جي‬

‫التحرير الفلسطيني من أبرإهم فزايإ التزرت‪ ،‬كمزا تقزرر ىعزادة ترتيز‬

‫التنالزيم ‪ ،‬والبزدء‬

‫بتأسير الجماإ العسكري ‪ ،‬والعمل علس ضم عناصر جديدة ‪ ،‬وجمع أكبزر كميزة مزن ااسزلحة‪ ،‬ووقزع فزي‬ ‫***‬

‫أيزديمم خززتم حززاكم غزإة‪ ،‬فبززدأوا فززي أول تمزوإ (‪ )0969‬ب صززدار بطاقززات هويزة مززإورة‬

‫للضززباط والجنزود‬

‫المصزريين وللفززداليين الفلسززطينيين‪ ،‬مززن أبنززاء قطززاع غزإة الززذين عمل زوا ضززمن "الكتيبززة ‪ "040‬التززي أسسززما‬

‫ضابط المخابرات المصرية التشميد مصطفس حافال عام ‪ ،0988‬ومارست ملزات العمليزات الفداليزة المميزإة‬ ‫في ااراضي الفلسطينية المحتلة عام ‪. 0945‬‬

‫وفي بداية تشرين األول ‪ /‬أكتوبر (‪ 0697‬م) قامت حركة القوميين العرب فـي قطـاع غـزة بتشـكيل‬

‫الجهــاز العســـكري ‪ 2‬لطالئــع المقاومـــة الشــعبية ‪ ,‬معلنـــة بدايـــة العمــل الكفـــاحي المســلح ‪ ,‬وقـــد تـــولى‬

‫**‬

‫حسب تأكيد الرفيق يونس الجرو الذي استمر في ممارسة دوره النضالي بعد ضربة ‪ /32‬يناير مسئو ًال عن الجهاز السياسي للحركة في‬

‫‪1‬‬

‫في أول آب ‪ /‬أغسطس ‪ 0697‬بدأت االتصاالت بين حركة القوميين العرب والشيوعيين بشكل رئيسي ‪ ,‬إلى جانب مندوبي جيش التحرير‬

‫القطاع حتى تاريخ اعتقاله في أكتوبر ‪.0691‬‬

‫وحزب البعث وجبهة تحرير فلسطين ‪ ,‬وتم االتفاق المبدئي على تشكيل إطار جبهوي لمقاومة االحتالل‪ ,‬وقد رفضت حركة فتح المشاركة في‬ ‫هذا الحوار بذريعة شعارها آنذاك‪" ..‬السياسية تنبع من فوهة البندقية " أما اإلخوان المسلمين فقد رفضوا المشاركة في النشاط الجبهوي‪ ,‬بل‬ ‫كان بعضهم لم يخفي سعادته بهزيمة عبد الناصر‪ ,‬وظلوا بمنأى عن العمل الوطني أو مقاومة االحتالل –بذريعة الدعوة إلى الدين ‪ -‬لمدة‬

‫عشرين عاماً حتى بداية االنتفاضة نهاية ‪ , 0617‬وعلى أثر فشل الحوار بين القوميين والشيوعيين ‪ ,‬قام الشيوعيين بالتعاون مع د‪.‬حيدر‬ ‫عبد الشافي وحمدي الحسيني وبعض العناصر البعثيه وجيش التحرير بتأسيس "الجبهة الوطنية" واصدرت جريدة "المقاومة" في حين قامت‬

‫حركة القوميين العرب بتأسيس اطارها الجبهوي باسم "طالئع المقاومة الشعبية"‪.‬‬

‫***‬ ‫بناء على تفاعل مسئولي التنظيمي آنذاك الرفيق يونس الجرو حول إشكالية الضباط والجنود والفدائيين وضرورة توفير هويات شخصية‬ ‫ً‬ ‫وبناء عليه كلفني بتنفيذ المهمة‪ ,‬وبالفعل قمت باالتصال باألخ‬ ‫مزورة لهم‪ ,‬أبلغته بمعرفتي وثقتي باألخ مصباح جراح صاحب مطبعة في غزة‪,‬‬ ‫ً‬

‫مصباح الذي وافق على الفور‪ ,‬وأنجزنا طباعة حوالي خمسة آالف بطاقة هوية ‪ ,‬وبعد حوالي أسبوعيين من توزيع الهويات ‪ ,‬وبسبب وشاية‬ ‫من أحد الذين حصلوا على بطاقة هوية ‪ ,‬قامت قوات االحتالل باعتقال غازي الصوراني بتاريخ ‪ , 0697/1/03‬وكان أول معتقل للحركة‬ ‫الوطنية في قطاع غزة‪ ,‬ونتيجة لعدم اعترافه بالتهمة وصموده ‪ ,‬خرج من السجن ‪ ,‬حيث كلف في أول أكتوبر ‪ 0697‬بمسئولية الجهاز‬

‫العسكري لطالئع المقاومة الشعبية في منطقة الشجاعية ‪ /‬مدينة غزة ‪.‬‬

‫‪ 2‬مقابالت وحوارات شخصية مباشرة مع كل من ‪ :‬أ‪.‬صباح ثابت ‪ ,‬اللواء رمضان داود ‪ ,‬أ‪.‬عمر خليل عمر ‪ ,‬د‪.‬محمد أيوب أبو هدروس ‪,‬‬ ‫أ‪.‬يونس الجرو ‪ ,‬باإلضافة إلى التجربة الميدان ية المباشرة للكاتب ‪ ,‬حيث تشكل الجهاز العسكري لطالئع المقاومة الشعبية في قطاع غزة‬ ‫بتاريخ ‪ 0697/01/0‬من (‪ )72‬مناضالً ‪ ..‬ممن وافقوا على االلتحاق بالجهاز العسكري من كوادر حركة القوميين العرب آنذاك ‪ ,‬وأكدوا‬ ‫استعدادهم لممارسة الكفاح المسلح بإسم طالئع المقاومة الش عبية التي تشكلت قيادتها من المالزم أول عمر خليل عمر (مسئوالً للجهاز)‬

‫‪243‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مسئوليته العضو القيادي في الحركة المالزم أول عمر خليـل عمـر والمـالزم أول رمضـان سـليمان داود‬

‫وناصر ثابت ‪ ,‬وتشكلت نواته آنذاك من (‪ )72‬عضواً ‪ ,‬وقد برز نشاط الطالئع في قطاع غـزة فـي تلـك‬ ‫المرحلة ‪ ,‬على أكثر مـن صـعيد‪ ,‬سـواء فـي النضـال عبـر العمـل السياسـي والجمـاهيري‪ ,‬أو عبـر العمـل‬

‫العسكري ‪ ,‬فقد التحق في صفوفها مئات من العمال والطـالب وصـغار المـوظفين والمهنيـين والمدرسـين‬

‫واألطبــاء‪ ,‬إلــى جانــب عـدد غيــر قليــل مــن جنــود وضــباط جــيش التحريــر الفلســطيني‪ ,‬الــذين لــم يغــادروا‬ ‫القطــاع علــى أثــر هزيمــة حزي ـران ‪ ,‬بحيــث ارتفعــت العضــوية التنظيميــة فــي حركــة القــوميين العــرب‬

‫والطالئــع فــي تلــك المرحلــة إلــى مــا يقــرب مــن ‪ 311‬عضــو اســتطاعوا تكــريس وجــود الحركــة والطالئــع‬

‫ودورهمـا النضــالي وشــرح أهـدافهما عبــر البيانــات والمنشـورات الســرية وجريــدة "الجمــاهير"‪ ,‬جنبـاً إلــى‬ ‫جنب مع العمل العسـكري لشـباب الحركـة ‪ ,‬الـذين قـاموا بالعديـد مـن العمليـات النوعيـة مـن زرع األلغـام‬

‫ونصـب الكمــائن للــدوريات العســكرية والهجــوم علــى مقــر الحــاكم العســكري ‪ ,‬األمــر الــذي أعطــى لحركــة‬

‫القوميين العرب تماي ازً خاصاً عبر اتساع عملياتها وكثافتها وبنوعية األهـداف المختـارة ببسـالة منقطعـة‬ ‫النظير في رقعة جغرافية ضيقة‪.‬‬

‫والمالزم أول رمضان داود سليمان (نائب المسئول ومسئوالً عن مدينة غزة وشمالها) و ناصر ثابت (نائب المسئول ومسئوالً عن جنوب قطاع‬

‫غزة) ‪ ..‬أما بقية الرفاق أعضاء الجهاز أذكر منهم حسب المناطق الجغرافية للقطاع ما يلي ‪ :‬أوالً ‪ :‬منطقة الشمال ‪ :‬جودت عبد خميس‬

‫سلمان (بيت الهيا) ‪ ,‬محمود درويش حمدونة (بيت الهيا) ‪ ,‬مصطفى عبدالحميد قشقش (بيت الهيا) ‪ ,‬علي عبداهلل غبن (جباليا) ‪ /‬عبد‬ ‫الرحمن عساف (جباليا) ‪ ,‬عطا قاسم (جباليا) ‪ ,‬جمعة رجب طنطيش (جباليا) ‪ ,‬حسن أبو حميده (جباليا) ‪ ,‬محمود كيالني (جباليا) ‪ ,‬صابر‬

‫الشرافي (مخيم جباليا) ‪ ,‬جبر عبداهلل سالم (بيت الهيا)‪ ,‬عبد المجيد ديب المسلمي (بيت الهيا) ‪ ,‬إبراهيم أبو جراد (بيت الهيا) ‪ ,‬يوسف محمد‬

‫دواس (بيت الهيا) ‪ ,‬شحدة صقر حمدونة (بيت الهيا) ‪ ,‬جابر عبد اهلل سالم (بيت الهيا) ‪ ,‬خضر أحمد زايد (بيت الهيا) ‪ ,‬عطايا عبد الخالق‬ ‫كيالني (بيت الهيا) ‪ ,‬أحمد صقر حمدونة (بيت الهيا) ‪ ,‬شعبان سالم المصري (بيت الهيا) ‪ ,‬أحمد محيسن (بيت الهيا) ‪ ,‬محمود دواس (بيت‬

‫الهيا) ‪ ,‬خميس صبري عليان (بيت الهيا) ‪ ,‬أحمد الزعانين (بيت حانون)‪ ,‬أحمد فكري أبو وردة (النزلة) ‪ ,‬محمود فرح (جباليا) ‪ ,‬عبداهلل أبو‬ ‫رفيع (مخيم جباليا) ‪ ,‬عبد القادر أبو سمرة (مخيم جباليا)‪ ..‬ثانياً ‪ :‬مدينة غزة ‪ :‬محمد حسن األسود – جيفا ار غزة – مسئول منطقة الشاطئ‬

‫(مخيم الشاطئ) ‪ ,‬عبد الكريم الغول (مخيم الشاطئ) ‪ ,‬عبد الرحيم الغول (مخيم الشاطئ) ‪ ,‬كايد الغول (مخيم الشاطئ) ‪ ,‬أبو خالد علي جبر‬ ‫(مخيم الشاطئ) ‪ ,‬يــوسف غبـن (الشاطئ) ‪ ,‬غازي الصوراني – مسئول منطقة الشجاعية (غزة) ‪ ,‬حسن خليل السكافي (غزة ‪ -‬الشجاعية)‬ ‫‪ ,‬حسن محمد السكافي (غزة – الشجاعية) ‪ ,‬حمدي حرودة (غزة ‪ -‬الشجاعية) ‪ ,‬عبد العزيز أبو الق اريا (غزة ‪ -‬الشجاعية) فاروق المصري‬

‫(غزة ‪ -‬الزيتون) ‪ ,‬حمدي القدرة (غزة ‪ -‬الشجاعية) ‪ ,‬عارف عاشور (غزة ‪ -‬الزيتون) ‪ ,‬موسى عاشور (غزة ‪ -‬الزيتون) ‪ .. ,‬ثالثاً ‪:‬‬

‫خانيونس والوسطى ‪ :‬محمد أيوب أبو هدروس – نائب مسئول الجنوب ‪ ,‬نايف الغلبان (خانيونس) ‪ ,‬رأفت عثمان النجار (خانيونس) ‪ ,‬محمد‬

‫الفقي – الملقب أبو الطيارة (خانيونس) ‪ ,‬محمود أبو شحادة (خانيونس) ‪ ,‬عمران األسطل (خانيونس) ‪ ,‬طالل األسطل (خانيونس) ‪ ,‬محمد‬ ‫العديني (خانيونس) ‪ ,‬عمران العديني (خانيونس) ‪ ,‬عبداهلل الجبور (الوسطى) ‪ ,‬محمود أبو دامو (بني سهيلة) ‪ ,‬عبد العزيز فنونة‬

‫(النصيرات) ‪ ,‬أبو إبراهيم دافو (النصيرات) ‪ ,‬جميل فنونة (النصيرات) ‪ ,‬إسماعيل أبو ابطيحان (النصيرات) ‪ ..‬وقد نفذ الرفاق من مناضلي‬ ‫الطالئع حوالي ‪ 21‬عملية ضد قوات االحتالل ‪ ,‬وعلى أثر تأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بتاريخ ‪ 0697/03/00‬التحقت الطالئع‬ ‫للجهاز الع سكري للجبهة الشعبية‪ ,‬هذا وقد استطاعت اجهزة االحتالل الصهيوني اكتشاف الجهاز العسكري للطالئع وقامت باعتقال ‪ 97‬رفيقاً‬

‫(من أصل ‪ )72‬فجر يوم ‪/32‬يناير‪ , 0691/‬لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من مراحل النضال المسلح في قطاع غزة بإسم الجبهة الشعبية‬ ‫لتحرير فلسطين‪.‬‬

‫‪244‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفـــي ‪ 32‬كـــانون الثـــاني ‪ /‬ينـــاير (‪ 0691‬م) اعتقـــل مســـئول الجهـــاز العســـكري لطالئـــع المقاومـــة‬

‫الشعبية في القطاع‪ ,‬الذي كان بحوزته قوائم بأسماء األعضاء‪ ,‬مما أدى إلى اعتقال (‪ )97‬عضـواً مـن‬

‫أصل (‪ )72‬عضو مجموع أعضاء الجهاز العسكري آنذاك‪.‬‬

‫وعلى أثر ضرب الجهـاز العسـكري‪ ,‬فـإن "طالئـع المقاومـة الشـعبية" سـرعان مـا أعلنـت عـن نفسـها‪,‬‬

‫باعتبارها فرعاً للجبهة الشعبية‪ ,‬التي تشكلت في ديسمبر ‪ 0697‬مـن حركـة القـوميين العـرب ‪ -‬شـباب‬

‫الثأر‪" ,‬أبطال العودة" و "جبهة التحرير الفلسطينية – أحمد جبريل"‪.‬‬

‫وفي نفر الوقت قام التشيوعيون الفلسطينيون بتوحيد صفوفمم من جديد وتأجيل كافة خالفاتمم الداخلية‬ ‫حيززث أسسز زوا فززي آ‬

‫(‪" )0969‬الجبم ززة الوطنيززة المتح ززدة" بالتحززالف م ززع مجموعززة ص ززغيرة مززن البعثي ززين‬

‫ومجموع ززة أخ ززرى متش ززابمة م ززن جبم ززة تحري ززر فلس ززطين (و‪.‬ت‪.‬ف) وأص ززدرت الجبم ززة جري ززدتما ااس ززبوعية‬

‫"المقاومة"‪.‬‬ ‫جي‬

‫أما بالنسبة لجي‬

‫التحرير الفلسزطيني وقيزادة م‪.‬ت‪.‬ف ‪ ،‬فقزد قزاموا عبزر عزدد مزن ضزباط صزف وجنزود‬

‫التحرير الفلسطيني بتأسير خالياهم السرية العسكرية تحت اسم "قوات التحرير التشعبية"‪.‬‬

‫كما بدأت حركة فتح نتشاطما العسكري منذ أوالل أكتزوبر (‪ ، )0969‬وفزي هزذا الجانز‬

‫أتشزير ىلزس روح‬

‫التعاون في المجال العسكري بين حركة فتح وطاللع المقاومة التشعبية وقوات التحرير التشعبية ‪.‬‬

‫ورغم أن كافة القوى والفصالل الوطنية لم تتفق علس تأسير جبمة وطنية تضزممم جميعزال‪ ،‬ىال أن ذلزت‬

‫لم يتشكل عالقال أمام العالقات ااخوية بين الجميع عبر التعاون الكامل‪ ،‬في كثير من المجاالت العسزكرية‬ ‫والسياسززية واالجتماعيززة‪ ،‬ىنمززا الززروح الفلسززطينية الواحززدة التززي لززم تعززرف االنقسززام أو الفلويززة طزوال ااعزوام‬

‫الثالثززة ااولززس لالحززتالل‪ ،‬ان مقاومززة المحتززل كانززت المززدف الوحيززد وال مصززلحة احززد سززوى هززذا المززدف‪،‬‬ ‫ولألسززف ف ز ن تطززور أوضززاع الفصززالل فيمززا بعززد وبززروإ المصززالح التشخصززية واالمتيززاإات ومالززاهر البززذ‬

‫والفساد البيروقراطي‪ ،‬علس حسا‬

‫المدف الكبير دفع بنا جميعال نحو الخ ار الذي نعيتشه اليوم‪.‬‬

‫ومن الجدير بالتسجيل هنـا أن المقاومـة الوطنيـة المسـلحة فـي قطـاع غـزة طـوال الفتـرة مـن حزيـران‬

‫(‪ )0697‬وحتـــى عـــام (‪ , )0673‬اســـتطاعت أن تفـــرض نفســـها عبـــر المناضـــلين مـــن أبنـــاء العمـــال‬

‫والفالحين وصغار الموظفين الفقراء والكادحين‪ ,‬كإطار َعبَّر بكل صدق عن مشاعر الجماهير‪ ,‬واستحوذ‬ ‫على احترامها ومساندتها إلى أبعد الحدود‪ ,‬فـي الوقـت الـذي لـم تسـتطع القـوى التقليديـة –التـي هادنـت‬

‫االحتالل‪ -‬من أشباه اإلقطاعيين وكبار التجار الوسطاء ووجهاء العشائر أن تعلن عـن نفسـها أو تطـل‬ ‫برأســها فــي شـوارع القطــاع‪ ,‬وفقــدت نفوذهــا واحترامهــا لحســاب فصــائل المقاومــة والشـرائح االجتماعيــة‬

‫الفقيــرة التــي تقــدمت الصــفوف فــي مواجهــة االحــتالل‪ ,‬فيمــا ظلــت القــوى الكومبرادوريــة وكبــار المــالك‬

‫والقــوى التقليديــة صــامتة مترقبــة حتــى كانــت أحــداث أيلــول (‪ )0671‬الســوداء‪ ,‬التــي أدت إلــى خــروج‬

‫المقاومة مـن األردن فـي تمـوز (‪ )0670‬وهبـوط وتيـرة المقاومـة فـي الضـفة والقطـاع هبوطـاً ملحوظـاً‪,‬‬ ‫فبعــد أن بلــغ مجمــوع العمليــات الفدائيــة فــي األراضــي المحتلــة (‪ )0697‬خــالل العــام (‪ )0671‬نحــو‬ ‫‪245‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪ )3221‬عملية هبطت إلى (‪ )722‬عملية عام (‪ , )0671‬والى (‪ )222‬عام (‪ ,1 )0673‬وقد حظي‬ ‫قطاع غزة بـأعلى نسـبة مـن العمليـات الفدائيـة فـي األراضـي المحتلـة‪ ,‬طـوال الفتـرة منـذ بدايـة االحـتالل‬

‫حتـى نهايــة العـام ‪ , 0673‬يؤكــد علـى ذلــك أن المحـاكم اإلسـرائيلية فـي القطــاع "أصـدرت أحكامهــا فــي‬ ‫نحو سبعة أالف قضية مقاومة‪ ,‬اتهم فيها زهاء عشرين ألف من سكان قطاع غزة" ‪. 2‬‬

‫وفي هذا الجانب ‪ ,‬أشير إلى الدور النضالي المتميز للجبهة الشـعبية فـي قطـاع غـزة بقيـادة الرفيـق‬

‫محمــد األســود (جيفــا ار) الــذي خــرج مــن الســجن فــي شــهر تمــوز ‪ , 0671‬وبــدأ بتشــكيل المجموعــات‬

‫المقاتلــة التــي قامــت بالعديــد مــن العمليــات الفدائيــة الجريئــة بحيــث باتــت الجبهــة الشــعبية آنــذاك رم ـ ازً‬ ‫رئيسياً مـن رمـوز المقاومـة المسـلحة‪ ,‬وحـازت علـى ثقـة واحتـرام والتفـاف الجمـاهير حولهـا‪ ,‬فـي مقابـل‬ ‫محاوالت جيش االحتالل المتواصلة للقضاء على هذه الظاهرة الكفاحيـة ‪ ,‬التـي قـال عنهـا موشـي ديـان‬

‫وزير الدفاع اإلسرائيلي‪:‬‬

‫"إن الفــدائين يحكمــون غــزة فــي الليــل ونحــن نحكمهــا فــي النهــار" وفــي يــوم ‪ 0672/2/6‬اســتطاع‬

‫العدو الصهيوني اكتشاف مقر الرفيق محمد األسود ورفيقه كامل العمصي وعبد الهادي الحايك ‪ ,‬وبعـد‬

‫مواجهة مسلحة شرسة ضرب فيها الرفاق أروع األمثلة في القتـال والتحـدي والمواجهـة استشـهدوا علـى‬

‫أثرها لتبدأ بعد ذلك مرحلة أخرى من الهبوط في العمليات الفدائية داخل القطاع ‪.‬‬

‫وبخروو المقاومة من ااردن تداعت القوى التقليدية (من العالالت المتنفذة والكومبرادور والمخاتير) في‬ ‫القطززاع ىلزس تأسززير أول ىطززار "اجتمززاعي" لمززا فززي الززل االحززتالل تحززت اسززم "الميلززة الخيريززة لقطززاع غزإة"‬ ‫برلاس ززة رتش ززاد التشز زوا‪ ،‬وب ززدأت تعاونم ززا م ززع ااردن من ززذ تأسيس ززما‪ ،‬وك ززان لم ززذا التع ززاون بعز ز‬

‫االيجابي ززات‬

‫االجراليززة خاصززة فيمززا يتعلززق بتسززميل سززفر أبنززاء القطززاع ىلززس ااردن‪ ،‬إلنمززاء العديززد مززن معززامالتمم‪ ،‬لكززن‬ ‫هزدفما السياسزي ممادنزة االحزتالل وتتشزجيع وتعإيزإ العالقزة مزع النالزام الملكزي الرجعزي فزي ااردن لزم يكزن‬

‫خافيال عن الجميع‪.‬‬

‫ومع هبوط عمليات المقاومة التي "وصلت عام (‪ )0993‬ىلس (‪ ، )491‬ثم عام (‪ )0994‬هبطزت ىلزس‬

‫(‪ )398‬عمليززة ‪ ،‬واسززتمرت فززي المبززوط عززام (‪ )0998‬حيززث بلغززت (‪ )391‬عمليززة‪ ،‬والززل الت ارجززع مسززتم الر‬ ‫طوال عام (‪ )0998‬وما بعده بسب‬ ‫جان‬

‫الحر ااهلية في لبنان"‪ 3‬من جمة وانتشغال قيادة م‪.‬ت‪.‬ف بما‪ ،‬ىلس‬

‫حالة المبوط السياسي الذي أصزابما بعزد ىعزالن اتفزاق كامز‬

‫ديفيزد‪ ،‬حيزث "تزدنت العمليزات الفداليزة‬

‫فززي الضززفة الغربيززة والقطززاع ىلززس (‪ )064‬عمليززة ع زام (‪ ، )0999‬وبقيززت حالززة المبززوط فززي العمززل المسززلح‬

‫‪1‬‬

‫محمد خالد االزعر‪-‬المقاومة في قطاع غزة ‪ – 0612 – 0697‬القاهرة – دار المستقل العربي ‪-0617 -‬ص‪.022‬‬

‫‪ 2‬مجموعة باحثين – الفلسطينيون في الوطن العربي – معهد الدراسات العربية – ‪ – 0677‬ص ‪. 290‬‬ ‫‪ 3‬عبد القادر ياسين – الحركة السياسية في قطاع غزة – صامد – حزيران ‪ – 0660‬ص ‪.22‬‬

‫‪246‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫طوال عام (‪ )051( ،)0995‬عملية‪ ،‬ووصلت عزام (‪ )0950‬ىلزس (‪ )041‬عمليزة"‪ ، 1‬ثزم بعزد حزر لبنزان‬

‫(‪ )0953‬تراجع العمل المسلح حتس بداية االنتفاضة في الضفة والقطاع نماية عام (‪.)0959‬‬

‫بزدأت ىسزراليل فززي التعامززل مززع رمززوإ كبززار التجزار الوسززطاء الززذين حصززلوا علززس العديززد مززن الوكززاالت‬

‫التجارية اإلسراليلية لتسويقما داخزل القطزاع‪ ،‬كمزا أدى انفتزاح سزوق العمالزة اإلسزراليلي ىلزس تصزاعد دخزول‬

‫العمززال الفلسززطينيين مززن أبنززاء غزإة والضززفة ىلززس السززوق اإلسزراليلية وارتفززاع عززدد العززاملين داخززل "ىسزراليل"‬ ‫م ززن (‪ )8911‬فز ززي بداي ززة ع ز زام (‪ )0990‬ليص ززل ىلز ززس (‪ )43111‬عام ززل فزززي نماي ززة عز ززام (‪ )0954‬ووالز ززس‬ ‫(‪ )83011‬عامل‪ 2‬عام (‪ .)0955‬ورغم ذلت فقد كانت البطالة منتتشرة في عام (‪ )0958‬بنسزبة تإيزد عزن‬ ‫(‪ )%38‬خاصززة بززين الجززامعيين الززذين وصززل عززدد العززاطلين مززنمم ىلززس (‪ )3396‬خ زريا بسززب‬

‫السياسززة‬

‫اإلسراليلية التي استمدفت تدمير البنية التحتية لالقتصاد الفلسطيني عمومال في الضزفة والقطزاع مزن جمزة‪،‬‬ ‫ونتيجززة عززدم اهتمززام (م‪.‬ت‪.‬ف) بتطززوير الصززناعات أو التجمعززات اإلنتاجيززة االقتصززادية الفاعلززة‪ ،‬واكتفززت‬ ‫بتقززديم الززدعم ىلززس عززدد مززن رمززوإ العتشززالر أو القززوى التقليديززة الرجعيززة لضززمان تأييززدها أو تحييززدها‪ ،‬دون‬

‫تطلع ىلس تطور أوضاع جماهير المخيمات والمدن‪ ،‬التي كانت وستالل الوقود الحقيقي لكزل نضزال ثزوري‬ ‫فلسطيني‪ ،‬هذه الجماهير التي فجعت بما جرى في لبنان عام (‪ ،)0953‬وما جرى من تتشتت ابنالما مزن‬

‫ك زوادر (م‪.‬ت‪.‬ف) فززي المنززافي العربيززة‪ ،‬وعنززدها عززاودت مززن جديززد نتشززاطما الثززوري عبززر عمليززات فداليززة‬ ‫منالمة وعفوية في قطزاع غزإة ليرتفزع الرسزم البيزاني ىلزس نسزبة (‪ )%34‬مزن ىجمزالي العمليزات فزي اار‬

‫المحتلززة ويسززتمر التصززاعد فززي عززامي (‪ 0956‬و ‪ ،)0959‬لتبززدأ انتفاضززة التشززع‬

‫كلززه فززي ‪0959/03/5‬‬

‫من جباليا البطلة لتنتتشر كالنار في المتشيم في كل أنحزاء القطزاع والضزفة الفلسزطينية‪ ،‬معلنزة ىدرات تشزعبنا‬ ‫الفلسطيني لوجوده الممدد بالإوال ووقفته الواحدة للتصدي ولمساندة المتشروع الوطني‪ ،‬الذي جسزدته آنزذات‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف في آن واحد‪.‬‬

‫هذه االنتفاضة التي أعطت عم الر جديدال لمنالمة التحرير الفلسطينية بعزد أن كزاد اإلحبزاط أن يفتزت بمزا‬

‫من جراء المؤامرات الصميونية واامريكية والعربية في آن واحد‪.‬‬

‫وبفضل االنتفاضة‪ ,‬وصلت العالقة بين األرض والشعب والمنظمة فـي ترابطهـا التـاريخي إلـى الـذروة‬

‫عام (‪ )0611‬بإعالن االستقالل‪ ,‬الذي جاء منسـجماً تمامـاً مـع تطلعـات شـعبنا وانتفاضـته فـي الـداخل‬ ‫مـــن جهـــة‪ ,‬ومتوازنـــاً بكـــل وضـــوح مـــع متطلبـــات الشـــرعية الدوليـــة مـــن جهـــة ثانيـــة‪ ,‬إال أن الترتيبـــات‬ ‫والخطوات السياسية الالحقة التي جرت على الصعيد العملي بعـد ذلـك‪ ,‬أسـهمت فـي اخـتالل التـوازن أو‬ ‫االنسجام بين قرار الشرعية الفلسـطينية الواضـح فـي جـوهره وبـين تلـك الممارسـات السياسـية التوفيقيـة‬

‫‪ 1‬المصدر السابق – ص ‪. 22‬‬

‫‪ 2‬غسان الشهابي‪ -‬صامد عدد ‪-12‬حزيران ‪ - 0660‬ص‪72‬‬

‫‪247‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التـــي لجـــأت إليهـــا قيـــادة (م‪.‬ت‪.‬ف) فـــي محاولـــة منهـــا للتكيـــف مـــع الضـــغوط األمريكيـــة واإلســـرائيلية‬ ‫واألوروبية والعربية الرسمية‪.‬‬

‫وجـــاءت مرحلـــة مدريـــد التـــي تميـــزت بإصـــرار دولـــة العـــدو اإلســـرائيلي فـــي المطلـــق علـــى الثوابـــت‬

‫األيديولوجية الصهيونية في مقابـل حالـة تقتـرب مـن اإلحبـاط والتمـزق فـي الصـفوف الفلسـطينية‪ ,‬بـدءاً‬ ‫مــن الرمــوز القياديــة فــي كافــة الفصــائل القابلــة والمعارضــة وص ـوالً إلــى جماهيرنــا العفويــة فــي الــداخل‬ ‫والشتات‪ ,‬لدرجة بات من الضروري إشعال الضوء األحمر في وجه الجميع ‪.‬‬

‫ومززع بدايززة المفاوضززات العبثيززة ف ززي واتشززنطن أصززر رلززير الوف ززد الفلسززطيني ‪ ،‬ال ارحززل د‪ .‬حيززدر عب ززد‬ ‫التشافي ‪ ،‬علس طرح وجمة نالر سياسية التإمت عمومال بالتوجيمات والثوابت الوطنية مثل‪:‬‬ ‫‪ -0‬عودة كافة المبعدين الفلسطينيين‪ ،‬والتإام اإلسراليليين بالتوقف عن هذه السياسية‪.‬‬ ‫‪ -3‬االلتإام اإلسراليلي باالنسحا وفق قراري (‪ )335( )343‬ووانماء االستيطان‪.‬‬ ‫‪ -3‬حق العودة للفلسطينيين وفق قراري (‪.)339/094‬‬ ‫‪ -4‬حززق السززيادة الفلسززطينية علززس اار‬

‫والميززاه والم زوارد الفلسززطينية عبززر سززلطة تتش زريعية وتنفيذيززة‬

‫خالل الفترة االنتقالية وما بعدها‪.‬‬

‫‪ -8‬القدر التشريف عاصمتنا‪.‬‬

‫‪ -6‬تطبيق ميثاق جنيف لسنة (‪ )0949‬واإلفراو عن كافة المعتقلين الفلسطينيين‪.‬‬

‫‪ -9‬االلتزإام بتززوفير الضززمانات والحمايزة الدوليززة الواضززحة التزي تكفززل أن تكززون المرحلزة االنتقاليززة حالززة‬ ‫مؤقتززة تخض ززع لإلتشز زراف الززدولي والحماي ززة الدولي ززة والتنسززيق م ززع القي ززادة الوطنيززة الفلس ززطينية ف ززي‬

‫الداخل‪.‬‬

‫‪ -5‬أن تت ززولس (م‪.‬ت‪.‬ف) رس ززميال وفعليز زال التف ززاو‬ ‫تستجي‬

‫باس ززم تش ززعبنا الفلس ززطيني وف ززق التش ززروط أع ززاله وأال‬

‫اية ضغوط تسعس ىلس ىتشراكما فزي حلزول وسزطية أو أوهزام كاذبزة لزن تزؤدي ىال لتزدمير‬

‫كيان (م‪.‬ت‪.‬ف) نفسما‪.‬‬

‫ىال أن القيادة المتنفزذة فزي م‪.‬ت‪.‬ف لزم تلتزإم تمامزال بمزذه التشزروط ‪ ،‬بزل ىنمزا اسزتاءت مزن اصزرار رلزير‬

‫الوفز ززد الفلسز ززطيني فز ززي مفاوضز ززات واتشز ززنطن‪ ،‬ال ارحز ززل د‪.‬حيز ززدر‪ ،‬عبز ززد التشز ززافي وتمسز ززكه بثوابز ززت االجمز ززاع‬ ‫الفلسززطيني ‪ ،‬ومززن ثززم قززررت هززذه القيززادة برلاسززة ال ارحززل ياسززر عرفززات‪ ،‬البززدء بعمليززة تفاوضززية س زرية مززع‬ ‫منززدوبي العززدو اإلس زراليلي فززي مدينززة اسززتوكمولم فززي السززويد ‪ ،‬حيززث تززم التوصززل ىلززس مززا يسززمس بز ز"ىعززالن‬

‫المبادئ في أوسلو" بتاريخ (‪ 03‬أيلول‪ )0993/‬الذي تشكل من الناحية الموضوعية كارثزة سياسزية ووطنيزة‬

‫‪ ،‬ليبززدأ تشززعبنا الفلسززطيني مرحلززة جديززدة مززن المعانززاة والنضززال السياسززي واالجتمززاعي فززي مجابمززة حالززة‬ ‫المبوط والتراجع التي ترافقت مع انتشاء "سلطة الحكم اإلداري الذاتي الفلسطيني المحدود" ‪.‬‬

‫‪248‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫األوضاع االقتصادية واالجتماعية في مرحلة االنتفاضة وحتى بداية ‪0662‬‬ ‫التركيبة السكانية في قطاع غزة ‪:‬‬

‫لعل أبرز التغيرات التي طرأت على الضفة الغربية وقطاع غزة ‪ ,‬هي تلك التغيرات المرتبطة بتركيبتها‬

‫السكانية واالجتماعية ‪ ,‬نتيجة اخضاعها لسلسة من اإلجراءات والقوانين والممارسات‪ ,‬التي فرضها‬

‫المحتل‪ ,‬والتي تحكمت في مسارها العملية االقتصادية واالجتماعية والسياسية فيهما‪ ,‬وضمن معطيات‬ ‫الشروط اإلسرائيلية‪ ,‬وعليه‪ ,‬فإن خضوع المنطقتين لالحتالل اإلسرائيلي‪ ,‬كان له انعكاساته‪ ,‬الفورية‬

‫منها والالحقة ‪ ,‬وعلى مختلف المجاالت ‪ ,‬والمتعلقة بالتركيبة السكانية‪ ,‬وسوق العمل‪ ,‬وأنماط التشغيل‬

‫‪ ,‬واألوضاع الصحية ‪ ,‬والخدمات التعليمية ‪ ,‬وبشكل أكثر تحديداً ‪ ,‬انعكست على مستوى توزيع الدخل‬

‫في الضفة والقطاع ‪ ,‬نظ ارً لما أحدثه االحتالل من انهيار في البنى االقتصادية واالجتماعية‬

‫الفلسطينية‪. 1‬‬

‫يقــول مــاركس ‪" :‬عنــدما نــتفحص بلــداً معين ـاً مــن زاويــة االقتصــاد السياســي‪ ,‬نبــدأ بدراســة ســكانه‪,‬‬

‫وانقسام هؤالء السكان إلى طبقـات‪ ,‬وتـوزعهم فـي المـدن والريـف ‪ ,‬فالسـكان هـم األسـاس ومـادة العمـل‬ ‫االجتماعي اإلنتاجي برمته‪ ,‬مع ذلك‪ ,‬إذا تفحصنا هذه الطريقة عن كثب‪ ,‬فالسـكان هـم فكـرة مجـردة إذا‬

‫أهملنا مثالً الطبقات التي يتكونون منها‪ ,‬وهذه الطبقـات هـي بـدورها كلمـة جوفـاء إذا تجاهلنـا العناصـر‬

‫التي ترتكز إليها‪ ,‬مثل العمل المأجور والرأسمال‪...‬الخ" ‪.‬‬

‫إن المـدخل الطبيعـي لدراسـة أي مجتمـع مـن المجتمعـات هـو النظـر فـي مـرآة " الحالـة السـكانية " ‪,‬‬

‫"فالبعــد الســكاني يخــتص بكــل مــا يــؤثر فــي قــدرة أف ـراد المجتمــع علــى التطــور االقتصــادي واالجتمــاعي‬ ‫والثقــافي‪ ,‬مــن زاويــة البشــر أنفســهم‪ ,‬مــن الن ـواحي الكميــة والنوعيــة والتركيــب الســكاني‪ ,‬الــذي يشــمل‬ ‫التكوين الداخلي أو العالقات النسبية فيما بينهم من زوايا التقسيم النوعي‪ ,‬والتوزيع العمـري‪ ,‬والتوزيـع‬

‫المكاني أو الجغرافي" ‪ ,‬وهي عناصر أو أبعاد تشكل في مجموعها " الدائرة السـكانية" التـي تتـداخل مـع‬ ‫بقية الدوائر االجتماعية وتصب جميعها في بوتقـة واحـدة هـي ذاك المجتمـع نفسـه‪ ,‬لكـن أهميـة الحالـة‬ ‫الســـكانية تكمـــن فـــي أنهـــا أحـــد أهـــم المؤشـــرات التـــي تكشـــف بوضـــوح المشـــاكل الرئيســـية‪ ,‬السياســـية‬

‫واالجتماعية واالقتصادية في مجتمعنا ‪.2‬‬

‫‪ 1‬د‪ .‬عبد الفتاح أبو شكر ‪ -‬التركيبة االجتماعية ونمط توزيع الدخل في الضفة الغربية وقطاع غزة ‪ -‬صامد – العدد ‪ – 69‬نيسان ‪ /‬أيار‬ ‫‪2‬‬

‫‪ – 0662‬ص ‪211-362‬‬

‫المصدر‪ :‬غازي الصوراني – كتاب "المشهد الفلسطيني الراهن" ‪ -‬الطبعة الثانية ‪ –3100‬فلسطين ‪ /‬غزة – ص‪. 73‬‬

‫‪249‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بلغ مجموع أبناء تشعبنا الفلسطيني في قطزاع غزإة عتشزية االنتفاضزة ااولزس ‪ 0959/03/9‬وبدايزة عزام‬

‫‪ 0955‬حزوالي (‪ 1)633‬ألززف نسززمة مززوإعين علززس أربعززة عتشززر تجمعزال سززكنيال مززابين مدينززة وقريززة‪ ،‬ىضززافة‬

‫ىلس ‪ 5‬مخيمات لالجلين‪ ،‬الذين يمثلون حوالي (‪ )%91‬من مجموع سكان القطاع‪.‬‬ ‫وق ززد طز زرأت تحز زوالت عل ززس الخارط ززة الديمغرافي ززة للقط ززاع تنط ززوي عل ززس خص ززال‬

‫الفلسطيني من الناحيتين القانونية والوطنية‪ ،‬وحس‬

‫تب ززرإ ذل ززت التم ززايإ‬

‫التقديرات ف ن (‪ )331‬ألفال من هؤالء الالجلين يقيمون‬

‫خززارو مخيمززات القط ززاع الثمانيززة ‪ ،‬ولمززذه اارق ززام دالالت عميقززة المغززإى‪ ،‬فم ززي تعنززي أن عززدد الالجل ززين‬

‫المقيمين في هذه المخيمات حوالي (‪ )311‬ألف نسمة بينما يتوإع العدد ااكبر من الالجلين علس مختلف‬ ‫أنحززاء القطززاع‪ ،‬ىلززس جان ز‬

‫أبنالززه ااصززليين ىذا جززاإ التعبيززر‪ ،‬أي أن هنالززت حجم زال هززالالل مززن التوحززد فززي‬

‫العالقززات االجتماعيززة بززين السززكان ‪ ،‬يصززع‬

‫معززه فززرإ الالجززي عززن الم زواطن‪ ،‬بززل ويمكززن ىيجززاد ملززات‬

‫اامثلة التي توضح التتشابه في ااحوال االجتماعية المتدنية بين المواطنين والالجلين‪ ،‬دون أية فروق‪ ،‬ىذ‬

‫ان التوحززد فززي البززؤر والفقززر والمعانززاة هززو أمززر متشززترت بززين الالجلززين فززي المخيمززات وبززين المزواطنين فززي‬ ‫ااحياء التشعبية مثل‪ ،‬التشجاعية والإيتون والتفاح وفي رفح وخانيونر ناهيت عن الفقزر المزدقع فزي أوسزاط‬

‫سززكان القززرى ( بيززت حززانون وبيززت الهيززا والنإلززة وجباليززا وخ اإعززة وعبسززان وبنززي سززميال)‪ ،‬هززذا التتشززابه فززي‬ ‫المعانززاة لززم يعززد يتززيح ىمكانيززة الفززرإ بززين المزواطن والالجززي‪ ،‬رغززم صززحة الحززديث عززن تمززايإ المخززيم علززس‬

‫صعيد بروإ دوره الوطني وخصوصيته النضالية‪.‬‬

‫وفززي عززام ‪ 0993‬بلززغ عززدد سززكان قطززاع غ زإة (‪ 2)945‬ألززف نسززمة ‪ ،‬وبلززغ حجززم القززوى العاملززة آنززذات‬

‫(‪ )045111‬عامززل مززوإعين علززس مختلززف الممززن مززنمم أكثززر مززن (‪ )65‬ألززف عامززل كززانوا يعملززون ف ززي‬ ‫"ىسراليل" عتشية اندالع االنتفاضة‪ ،‬أي ان حجم القوى العاملزة يعتبزر كبيز الر بالنسزبة ىلزس عزدد السزكان‪ ،‬كمزا‬ ‫تتميإ القوى العاملة بارتفاع نسبة الفلات العمرية التشابة‪ ،‬وفي هذا السياق‪ ،‬فز ن توإيزع السزكان فزي القطزاع‬

‫(‪ )0993‬حس‬

‫السن كما يلي‪:‬‬

‫ من صفر – ‪ 04‬سنة = ‪%49.5‬‬‫‪ -‬من ‪%34.3 = 34 – 08‬‬

‫ من ‪ – 38‬فما فوق = ‪%09.9‬‬‫ىن الوضززع العززام للقززوى العاملززة فززي القطززاع ‪ ،‬فززي تلززت المرحلززة‪ ،‬كززان متمي ز الإ مززن حيززث ت ارجززع نسززبة‬

‫البطالة بتشكل ملحوال خالل ااعوام ‪ ، 0953‬حيث وصلت ىلس أقل مزن واحزد بالملزة ووالزس حزوالي (‪)%0‬‬

‫‪1‬‬

‫فايز ساره – االنتفاضة بعد ثالث سنوات‪ -‬كتاب صامد – العدد ‪ – 12‬إصدار م‪.‬ت‪.‬ف – عمان – حزيران ‪ – 0660‬ص ‪( 91‬عدد سكان‬ ‫القطاع عام ‪ )902( 0617‬ألف نسمة ) وقد قام الباحث بإضافة ‪ % 2‬ليصبح العدد عام ‪ )922( 0611‬ألف نسمة ‪.‬‬

‫‪ 2‬د‪.‬يوسف كامل ابراهيم – البطالة وتحديات المستقبل في قطاع غزة – االنترنت – موقع نافذة الخير ‪.‬‬

‫‪251‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عز ز ززام (‪ ، )0954‬و (‪ )%053‬عز ز ززام (‪ ،)0958‬و (‪ )%058‬عز ز ززام (‪ ،)0956‬و(‪ )%056‬عز ز ززام (‪،)0959‬‬ ‫و(‪ )%353‬عام (‪ )0955‬حس‬

‫الجدول التالي ‪:‬‬

‫نسب العاملين في المجاالت االقتصادية المختلفة‬ ‫سنوات ‪ 0671‬و ‪ 0611‬و ‪0617‬‬

‫مجموع‬

‫عام‬

‫زراعة‬

‫صناعة‬

‫‪1‬‬

‫بناء‬

‫تجارة‬

‫نقل‬

‫خدمات‬

‫قطاعات‬

‫وتشييد‬

‫ومطاعم‬

‫ومواصالت‬

‫اجتماعية‬

‫أخرى‬

‫‪0671‬‬

‫‪211711‬‬

‫‪2317‬‬

‫‪%0011‬‬

‫‪%0312‬‬

‫‪%0913‬‬

‫‪%9‬‬

‫‪%0212‬‬

‫‪%219‬‬

‫‪0611‬‬

‫‪111611‬‬

‫‪0112‬‬

‫‪%0612‬‬

‫‪%3210‬‬

‫‪%02‬‬

‫‪%919‬‬

‫‪%02‬‬

‫‪%212‬‬

‫‪0617‬‬

‫‪011131‬‬

‫‪0112‬‬

‫‪%0110‬‬

‫‪%3211‬‬

‫‪%02‬‬

‫‪%212‬‬

‫‪%0317‬‬

‫‪%919‬‬

‫العاملين‬

‫من القطاع‬

‫‪1‬‬

‫وفنادق‬

‫نسبة العاطلين عن العمل في قطاع غزة من عام ‪0611 – 0611‬‬ ‫العام‬

‫مجموع السكان‬ ‫‪ 02‬سنة‬

‫القوة العاملة‬

‫منهم باآلالف‬

‫الذكور من‬

‫القوة العاملة‬

‫العاطلين عن‬

‫العمل باآلالف‬

‫فأكثر باآلالف‬

‫نسبة العاطلين‬ ‫من القوى‬

‫العاملة بالمئة‬

‫‪0611‬‬

‫‪32317‬‬

‫‪1012‬‬

‫‪7211‬‬

‫‪112‬‬

‫‪112‬‬

‫‪0612‬‬

‫‪39019‬‬

‫‪1211‬‬

‫‪1117‬‬

‫‪112‬‬

‫‪119‬‬

‫‪0612‬‬

‫‪39216‬‬

‫‪11‬‬

‫‪1212‬‬

‫‪111‬‬

‫‪116‬‬

‫‪0612‬‬

‫‪37111‬‬

‫‪63‬‬

‫‪71‬‬

‫‪010‬‬

‫‪%013‬‬

‫‪0619‬‬

‫‪31919‬‬

‫‪6219‬‬

‫‪6012‬‬

‫‪012‬‬

‫‪%012‬‬

‫‪0617‬‬

‫‪31319‬‬

‫‪01017‬‬

‫‪6712‬‬

‫‪019‬‬

‫‪%019‬‬

‫‪0611‬‬

‫‪36016‬‬

‫‪01013‬‬

‫‪6719‬‬

‫‪312‬‬

‫‪%312‬‬

‫والجدير بالذكر أن ما يقارب من (‪ )%21 - %29‬من مجموع العمال في قطاع غزة‪ ,‬قد عملوا في‬

‫السوق اإلسرائيلي خالل تلك السنوات وما تالها حتى عام (‪ ,)0662‬حيث بلغت مساهمة دخل هؤالء‬

‫العمال في الناتج اإلجمالي لقطاع غزة نسبة (‪.2 )%22‬‬

‫وفي هذا السياق‪" ,‬نالحظ أن حوالي (‪ )%67‬من العاملين في "إسرائيل" لم يكن لديهم بديل أو‬

‫اقتصاد مساعد‪ ,‬زراعي مثالً ‪ ,‬أو صناعي أو خدماتي‪ ,‬عالوة على ارتفاع األجور في السوق‬

‫اإلسرائيلي ‪ ,‬األمر الذي خلق نوعاً من االزدهار االقتصادي الشكلي للطبقة العاملة‪ ,‬بعيداً عن أي‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫غسان الشهابي – الطبقة العاملة وحركتها النقابية في قطاع غزة – صامد ‪ – 12‬حزيران ‪ – 0660‬ص ‪70‬‬ ‫غسان الشهابي – المصدر السابق– ص ‪73‬‬

‫‪250‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ارتباط تنموي حقيقي في االقتصاد الفلسطيني ‪ ,‬وهذا ما كان يهدف إليه االحتالل اإلسرائيلي من حيث‬

‫ضرب التطور االقتصادي عموماً ‪ ,‬وقطاعي الصناعة والزراعة خصوصاً‪.‬‬ ‫وفززي هززذا الجان ز‬

‫نتشززير ىلززس أن قيززادة (م‪.‬ت‪.‬ف) لززم تمززتم بتحسززين وتطززوير القطاعززات اإلنتاجيززة‪،‬‬

‫خاص ززة قط ززاعي الص ززناعة والإ ارع ززة ‪ ،‬ىل ززس جانز ز‬

‫ض ززعف ااج ززور وت ارج ززع ف ززر‬

‫العم ززل ‪ ،‬وت اإي ززد تف ززاقم‬

‫ااوضاع الحياتية لفقراء القطاع ‪ ،‬اامر الذي دفعمم ىلس العمل في السوق اإلسراليلية ‪ ،‬وبزالرغم مزن ذلزت‬ ‫الزل عمالنزا فززي الضزفة والقطزاع – كمززا كزانوا دومزال‪ -‬الوقززود الحقيقزي لحركزة المقاومززة الفلسزطينية بعزد عززام‬

‫(‪ ،)0969‬ىذ قدموا أثناء االنتفاضة (‪ )335( )0991-0959‬تشميدال وتشميدة وأكثر من (‪ )33‬ألف جريح‬ ‫بلغ عدد المعتقلين في نفر الفترة (‪ )36‬ألف معتقل‪.1‬‬ ‫توإيع ااراضي كما في عام ‪: 0993‬‬ ‫ىن أراضي قطاع غإة تنقسم ىلس ااراضي التي يملكما الفلسطينيون وااراضي التي اغتصبتما سلطات‬ ‫االحتالل باإلكراه والمصادرة‪ ،‬ااولس تنقسم ىلس نوعين‪:‬‬

‫‪ .0‬مناطق البناء أو السكن ومساحتما (‪ )81‬ألف دونم‪.‬‬

‫‪ .3‬المنززاطق الإراعيززة والطززرق ومسززاحتما (‪ )311‬ألززف دونززم‪ ،‬منمززا (‪ )81‬ألززف دونززم تقريب زال تسززتحوذ‬ ‫عليمززا العززالالت التشززبه ىقطاعيززة أو التقليديززة والتززي ال يتجززاوإ عززددها (‪ )31‬عاللززة‪ ،‬بينمززا مسززاحة‬

‫المخيم ززات الثماني ززة ال يتج ززاوإ (‪ )8811‬دون ززم‪ .‬وال تش ززت أن ه ززذا الوض ززع يفتق ززر ىل ززس الكثي ززر م ززن‬ ‫التواإن‪ ،‬والبد من السعي إليجاد حل وطني عادل لمذه اإلتشكالية المعقدة في المستقبل‪.‬‬ ‫أما المساحة المتبقية والتي تبلغ (‪ )008‬ألف دونم‪ ،‬فمزي أ ارضزي كانزت تحزت سزيطرة االحزتالل وتتزوإع‬ ‫علززس النحززو التززالي‪ :‬أ ارضززي تتبززع المسززتوطنات الصززميونية العتش زرين وتبلززغ مسززاحتما (‪ )33.8‬ألززف دونززم‪،‬‬

‫(‪ 0911‬دونززم) منمززا لمعسززكرات الجززي‬

‫اإلس زراليلي‪ ،‬و(‪ )00.6‬ألززف دونززم طززرق للجززي‬

‫و(‪ )85‬ألززف دونززم مززؤجرة لمززا يسززمس بززالمجلر اإلقليمززي‪ ،‬و(‪ )01‬آلززف دونززم أحز ار‬ ‫بنفنستي)‪.‬‬

‫والمسززتوطنات‪،‬‬

‫( المصززدر هنززا تقريززر‬

‫مززن ناحيززة أخززرى البززد مززن اإلتشززارة فززي هززذا المجززال ىلززس ممارسززات االحززتالل الصززميوني‪ ،‬فيمززا يتعلززق‬

‫بمسألة توإيزع الميزاه فزي القطزاع‪ ،‬وهزي مرتبطزة بزاار‬

‫يخص ز‬ ‫نصي‬

‫وبالكثافزة السزكانية فزي آن واحزد‪ ،‬فزاالحتالل كزان‬

‫للمسززتوطنات فززي القطززاع ح زوالي (‪ )81‬مليززون متززر مكع ز‬

‫مززن المززاء سززنويال‪ ،‬بينمززا ال يتجززاوإ‬

‫أبناء البلزد الفلسزطينيين (‪ )001‬مليزون متزر مكعز ‪ ،‬مزع العلزم أن عزدد المسزتوطنين ال يتجزاوإ(‪)4‬‬

‫آالف نسمة‪ ،‬وهذا يعني بوضوح أن كل مستوطن صميوني في القطاع كزان يحصزل يوميزال علزس ‪ 39‬متزر‬ ‫‪ 1‬فايز ساره – االنتفاضة بعد ثالث سنوات‪ -‬كتاب صامد – العدد ‪ – 12‬إصدار م‪.‬ت‪.‬ف – عمان – حزيران ‪ – 0660‬ص ‪90‬‬

‫‪252‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مكعز‬

‫مززن ميززاه غ زإة‪ ،‬بينمززا تمززبط حصززة الم زواطن الفلسززطيني مززن مياهززه ىلززس نصززف متززر مكعز‬

‫للإراعة واالستعمال المنإلي وغير ذلت‪.‬‬

‫يومي زال‪،‬‬

‫حول الوضع الطبقي (‪: )0662 - 0697‬‬

‫اســتناداً إلــى التحليــل الطبقــي أو العلمــي فــإن أي مجتمــع مــن المجتمعــات البــد أن يتكــون مــن عــدة‬

‫طبقات‪ ,‬لكن ظروف القطاع وأوضاعه االجتماعية و االقتصادية فـي ظـل االحـتالل البغـيض جعلـت منـه‬

‫حالة اجتماعية متميزة (دون أن تنفي كما قلنا في السابق مالمـح الوضـع أو التقسـيم الطبقـي داخلـه)‪,‬‬

‫فمثالً كان لتـدهور األوضـاع الزراعيـة بفعـل األوامـر العسـكرية اإلسـرائيلية‪ ,‬التـي تحـول دون أي تطـور‬

‫حقيقي في هذا الجانـب‪ ,‬وكـذلك بقـاء مسـاحة األراضـي الزراعيـة ثابتـة تقريبـاً منـذ عـام (‪ )0697‬حتـى‬

‫بداية عام (‪ )0662‬حوالي (‪ 311‬ألـف دونـم) ‪ ,‬فـي مقابـل النسـبة العاليـة جـداً مـن الزيـادة السـكانية‪,‬‬ ‫هذا الوضع ال نستطيع معه التأكيد علـى وجـود طبقـة مـن الفالحـين بـالمعنى الكالسـيكي للطبقـة‪ ,‬إذ أن‬

‫هناك تداخالً إلى حد كبير بين الفالحين األجراء والعمال‪ ,‬وليس من السهل الفصل بينهمـا‪ ,‬هـذا بـالطبع‬ ‫ال ينفي الحـديث عـن عـدد قليـل مـن كبـار المالكـين القـدامى والجـدد‪ ,‬يتمتعـون بامتيـازات طبقيـة ضـمن‬

‫تحــالفهم وتــداخلهم فــي شــبكة مــن العالقــات االجتماعيــة واالقتصــادية مــع كبــار التجــار (الوســطاء أو‬

‫السماسرة أو الكومبرادور) كما أسلفنا من قبل‪ ,‬بحيث يشكلون معاً "طبقة" متجانسـة المصـالح نسـتطيع‬

‫أن نطلـــق عليهـــا "التحـــالف الطبقـــي للبورجوازيـــة العليـــا الزراعيـــة والتجاريـــة" الـــذي يتطلـــع دومـــاً إلـــى‬ ‫المحافظة على مصالحه وأوضاعه المتميزة‪ .‬ومن المعروف ان الزعامات التقليدية أو التاريخية في هذا‬

‫التحالف قد ضعف دورها السياسي بعد إحتالل الضفة الغربية وقطاع غزة عام (‪. )0697‬‬

‫أم ززا التشز زرالح الفقيز زرة م ززن العم ززال والفالح ززين والك ززادحين ‪ ،‬فق ززد تعرضز زوا –وم ززا اإلز زوا ‪ -‬اقس ززس أنز زواع‬ ‫االضزطماد الطبقززي االجتمززاعي والززوطني‪ ،‬ال فززرق هنززا بزين الجززي أو مزواطن‪ .‬ثززم تززأتي الطبقززة البورجواإيززة‬

‫الصززغيرة لتتشززكل فززي معالززم تش زرالحما (الميسززورة أو العليززا ‪ ،‬الوسززطس ‪ ،‬الفقي زرة ) نسززيجال اجتماعي زال متنوع زال‬ ‫ومتعددال لير علس المستوى االجتماعي فحس ‪ ،‬ووانما أيضال علس المستوى السياسي‪ ،‬حيث توإعت تشزرالح‬ ‫البرجواإيززة الصززغيرة علززس كافززة ااحز اإ والتيززارات اليمينيززة والوطنيززة والقوميززة واامميززة والدينيززة فززي غمززار‬

‫العم ززل ال ززوطني عمومز زال‪ ،‬واالنتفاض ززة الت ززي عاتش ززما أبن ززاء تش ززعبنا الفلس ززطيني ف ززي الضز زفة والقط ززاع ديس ززمبر‬ ‫‪.0959‬‬

‫الخصائص التي ميزت قطاع غزة حتى عام ‪: 0662‬‬ ‫‪ .0‬ب ززروإ الموي ززة الوطني ززة الفلس ززطينية ابن ززاء القط ززاع‪ ،‬ل ززير ب ززالمعنس ال ززوطني أو الجغ ارف ززي فق ززط‪ ،‬ب ززل‬ ‫وكززذلت بززالمعنس القززانوني تاريخي زال‪ ،‬ىذ أن القطززاع يعتبززر فززي المحافززل العربيززة الرسززمية والدوليززة‬

‫"الجإء الباقي من فلسزطين"‪ ،‬وهزو كزذلت ىلزس يومنزا هزذا فزي كافزة وثزالق الجامعزة العربيزة واامزم‬ ‫‪253‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المتحدة‪ ،‬ولمذا العامل ايجابيات كثيرة‪ ،‬لكنه من جان‬

‫آخر ساهم في إيادة التعقيدات فزي وجزه‬

‫أبن ززاء القط ززاع‪ ،‬م ززن قب ززل النال ززام العرب ززي الرس ززمي عمومز زال‪ ،‬فالتش ززعور ب ززاالغت ار ‪ ،‬والحرم ززان م ززن‬ ‫اإلقامة والعمل‪ ،‬ورف‬

‫القبزول بالجامعزات والتضزييق السياسزي واالجتمزاعي بكزل صزوره‪ ...‬ىلزخ‬

‫العراقيل التي تالحق ابن غإة أينما ذه ‪.‬‬

‫‪ .3‬المسز ززاحة الضز ززيقة التز ززي تبلز ززغ (‪ )368‬كيلز ززو متز ززر مربز ززع أو مز ززا يعز ززادل (‪ )%0.38‬مز ززن المسز ززاحة‬ ‫اإلجمالية لفلسطين‪.‬‬

‫‪ .3‬الكثافة السكانية العالية في الل تدني المزوارد االقتصزادية‪ ،‬ومزا ينزتا عزن ذلزت مزن متشزكالت‪ ،‬وفزي‬ ‫المقابززل ف ز ن هززذه الكثافززة تعنززي وجززود قززوة بتش زرية‪ ،‬يمكززن تواليفمززا بتشززكل جيززد‪ ،‬فززي حالززة وضززع‬

‫خط ززط للتنمي ززة تعم ززل لص ززالح ارتب ززاط الن ززار بالمتش ززروع ال ززوطني الفلس ززطيني‪ ،‬عب ززر (م‪.‬ت‪.‬ف)‪،‬‬ ‫وب ززالترابط م ززع المتش ززاريع المماثل ززة ف ززي الض ززفة م ززن أج ززل توحي ززد العالق ززات االقتص ززادية والثقافي ززة‬

‫بينمما‪.‬‬

‫‪ .4‬عإلززة القطززاع الثقافيززة‪ ،‬حيززث ال توجززد مؤسسززات ثقافيززة فيززه بالمقارنززة مززع عتش زرات المؤسسززات فززي‬ ‫الضفة الفلسطينية‪ ،‬وغيا‬

‫المؤسسات الجماهيرية الفاعلة‪ ،‬وأتشير في هذا الصزدد ىلزس مسزؤولية‬

‫كافة الفصالل الوطنية الفلسطينية التي ركإت اهتمامما منزذ البزدء علزس البعزد العسزكري – علزس‬

‫أهميته وضرورته – في النضال مما أدى ىلس تممي‬

‫البعد الجمزاهيري والنقزابي طزوال المرحلزة‬

‫(‪ ،)0993-0969‬اامر الذي أسمم – مع عوامل عديدة أخرى – في تطور ونمزو‬ ‫اإلسالم السياسي واستمرار الصراع بينما وبين القوى الوطنية والديمقراطية ‪.‬‬

‫‪254‬‬

‫حركزات‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حول الدميقراطية الليربالية والصراع الطبقي واجملتمع املدني‬ ‫‪39 / 1 / 3102‬‬

‫والثورة االشرتاكية‬

‫الديمقراطية الليبرالية البرجوازية (أو ديمقراطية المجتمع المدني الرأسمالي) تتسم بالطابع الشكلي‬

‫واألحادي ‪ ,‬الذي يقتصر ويتوقف عند الجانب السياسي وتعدديته المحكومة بسقف النظام الرأسمالي‬ ‫وقوانينه‪ .‬وهي حالة تطورية من االنعتاق السياسي الذي حققته الثورة البرجوازية في عصر النهضة ‪,‬‬

‫لم يغفلها ماركس بل نظر اليها "كنقطة انعطاف مذهلة في التطور التاريخي "‪ ,‬وتقدما عظيما في إطار‬

‫النظام االجتماعي القائم ‪,‬وهو منعطف البد لنا – في اطار اليسار العربي‪ ,-‬من أن نعمل على مراكمة‬ ‫عوامله الموضوعية والذاتية بما سيضمن – بوسائل ديموقراطية‪ -‬تجاوز الرؤى االحادية للقوى‬ ‫الليبرالية الرثةو لحركات االسالم السياسي المستندة على المفاهيم األصولية القديمة‪ ,‬لحساب مفاهيم‬ ‫النهضة والتنوير والحداثة‪ ,‬صوب آفاق مجتمع مدني ديمقراطي‪ ,‬يزيح أشكال االستبداد والسيطرة‬ ‫واالستغالل ‪ ,‬دون أن يعني ذلك اغفالنا لعملية الصراع الطبقي والنضال ضد االستغالل الرأسمالي وكل‬

‫مظاهر التبعية والتخلف بصورة ديمقراطية ‪ ,‬ذلك إن انعدام المساواة‪ ,‬ظاهرة موضوعية ‪ ,‬وسمة‬

‫أساسية من سمات المجتمع المدني الليبرالي البرجوازي ‪ ,‬فهو ‪-‬في جوهره‪ -‬مجتمع الصراع الطبقي‬

‫والصراع السياسي في آن معا‪.‬‬

‫وهذا ما تنبه إليه الفيلسوف والمناضل األممي "أنطونيو غرامشي" (‪)0627-0160‬الذي عالج‬

‫موضوعات البنية الفوقية بوصفها تعبي ار عن إرادة جماعية وطبقية ‪ ,‬فالسيادة الطبقية التي تمارسها‬ ‫الطبقات الحاكمة في الغرب الرأسمالي ال تقوم على قمع األجساد فقط ‪ ,‬بل على أسر العقول أيضا‪,‬‬

‫من خالل إشاعة أنماط معينة من الثقافة والقيم ‪ ,‬وعلى هذا األساس ‪ ,‬يمكن فهم اهتمام "جرامشي"‬

‫بقضايا الثقافة والمثقفين ودور الحزب (الذي يطلق عليه صفة المثقف الجمعي) ‪ ,‬حيث يقول ‪ ,‬أن‬ ‫هدف العمل السياسي هو إخراج الجماهير من حالة الركود واالستنقاع التي تعيشها ‪ ,‬ولن يكون ذلك‬

‫ممكنا ما لم يتم رفع هذه الكتلة الجماهيرية الى مستوى البنية الفوقية كميدان للفعل الجماعي واإلدارة‬

‫الخالقة ‪ ,‬والطريق الى ذلك هو تفعيل البعد المعرفي‪-‬الثقافي داخل الحزب‪ ,‬بهدف إيجاد وبلورة العالقة‬ ‫العضوية بين شعارات الحزب السياسية وأيديولوجيته الماركسية من ناحية‪ ,‬وبين قواعد وكوادر الحزب‬ ‫وجماهيره من ناحية ثانية‪ ,‬لتكوين مثقفين عضويين ‪ ,‬للوصول الى الوحدة بين القوى المادية‬

‫واأليديولوجيا الكفيلة وحدها لخلق ما يسميه "جرامشي" بـ"الكتلة التاريخية" ‪ ,‬وهنا تكمن األهمية‬

‫القصوى لعملية التثقيف وأدواتها "لالنتقال بوعي العمال (والكادحين) من حالة الوعي بالبنية التحتية‬

‫(الوعي االقتصادي العفوي) الى حالة وعي البنية الفوقية (الوعي السياسي والمعرفي واألخالقي ‪.‬‬ ‫‪255‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبالتالي فإن قوى اليسار‪ ,‬تتحمل المسئولية األولى في وعي مقوالت هذا المفهوم‪ ,‬المرتبطة‬ ‫بالديمقراطية وحرية الرأي والحريات العامة‪ ,‬في إطار الصراع التناحري مع العدو الصهيوني االمبريالي‬

‫من ناحية‪ ,‬وفي إطار الصراع الطبقي والسياسي الديمق ارطي الداخلي من ناحية ثانية‪ ,‬إذ أن عملية‬ ‫النضال التحرري والديمقراطي هي في حد ذاتها في مواجهة االحتالل والقوى اإلمبريالي وأتباعها‪,‬‬

‫تجسيد حقيقي لمفهوم المجتمع المدني في إطار الصراع الطبقي والثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها‬

‫االشتراكية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نستذكر بعضا من ابداعات المفكر الماركسي الشهيد مهدي عامل‪ ...‬حول‬

‫مفهومه لحركة التحرر الوطني ‪..‬يقول " ان حركة التحرر الوطني بما هي حركة عداء لالمبريالية هي‬ ‫بالضرورة حركة عداء للرأسمالية‪ ,‬وتتحدد كجزء من الثورة االشتراكية‪ ...‬اذن‪ ,‬يمكن القول ان العداء‬

‫لالمبريالية ال يكون بالفعل متسقاً اال بما هو عداء للرأسمالية‪ ,‬ومن حيث هو هذا العداء بالذات‪ .‬ففي‬

‫حقل عالقتها العضوية بأزمة االمبريالية‪ ,‬من حيث هي‪ ,‬بالدرجة االولى‪ ,‬ازمة نمط االنتاج الرأسمالي‬

‫نفسه‪ ,‬تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءاً من العملية الثورية‬

‫العالمية‪ .....‬فال سبيل الى تحرر وطني فعلي من االمبريالية اال بقطع لعالقة التبعية البنيوية بها هو‬ ‫بالضرورة تحويل لعالقات االنتاج الرأسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام االنتاج الرأسمالي‬

‫العالمي‪ .‬بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات الكولونيالية‪ ,‬هي هي‬ ‫سيرورة االنتقال الثوري الى االشتراكية‪ ... ,‬هذا هو‪ ,‬بكل دقة‪ ,‬معنى ان تكون حركة التحرر الوطني‬

‫جزءاً من الثورة االشتراكية‪ ,‬وال معنى آخر لمثل هذا القول‪ .‬اال اذا قبلنا بذلك الفهم البرجوازي‬ ‫المتناقض الذي يضع هذه الحركة في افق انتقالها التاريخي الى النظام الرأسمالي العالمي‪ ,‬بفصله‬

‫فيها ممارسة العداء لالمبريالية عن ممارسة العداء للرأسمالية فصالً مصطنعاً يقلب العداء لالمبريالية‬

‫تساوماً معها على قاعدة تأبيد عالقات االنتاج الرأسمالية وتأبيد عالقة ارتباطها التبعي باالمبريالي"‪.‬‬

‫ان هذه الحركة في ازمة‪ ,‬ألن الحركة الثورية (فصائل واحزاب اليسار العربي) فيها هي في ازمة‪.‬‬ ‫فمأساة الثورة ان تكون اداة الثورة عائقاً لها‪.‬‬

‫فهل ستكون الطبقة العاملة قادرة على تكوين حركة ثورية جديدة تقود السيرورة الثورية في الحركة‬

‫التحررية الوطنية العربية؟‬

‫انها قادرة على ذلك‪ ,‬اما بقيادة احزابها الراهنة اذا استجابت هذه االحزاب لضرورات هذه السيرورة‬

‫الثورية؛ واما بقيادة اخرى‪ ,‬اذا استمرت قابعة في قصورها السياسي‪ .‬فوجود تلك الحركة الثورية‬

‫الجديدة بات ضرورة ملحة هي جديد المرحلة في كل بلد عربي‪.‬‬

‫باألمس البعيد هللت الرأسمالية العالمية يوم سحقت كوميونة باريس‪ ,‬غير أن ماركس رد على‬

‫زعمهم بمقولة صادقة‪ ,‬قال ماركس " أن مبادئ كوميونة باريس خالدة‪ ,‬فال يمكن القضاء عليها‪ .‬إنها‬

‫سوف تعلن عن نفسها من جديد‪ ,‬ومن جديد ما دامت الطبقة العاملة لم تتوصل بعد إلى تحررها"‪.‬‬ ‫‪256‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ولكن بفعل قسوة الصدمة‪ ,‬أو بدافع من اال نتهازية والوصولية‪ ,‬هناك من غرق في اإلحباط وهناك من‬

‫فقد االتجاه‪ ,‬وهناك من تنصل من ماضيه‪ ,‬وهناك من هجر الماركسية‪ ,‬وهناك من هرول إلى الخندق‬

‫الليبرالي المضاد‪.‬‬

‫لكن يخطئ كل الخطأ من يعتبر الماركسية قد اندثرت‪ ,‬كما يخطئ كل الخطأ من يحكم على مستقبل‬

‫االشتراكية على ضوء حاضرها المأزوم‪ ,‬وسوف تثبت األيام أن عاجالً أو آجالً‪ ,‬أن أزمة الماركسية‬ ‫مجرد لحظة عابرة في تاريخ البشرية‪.‬‬

‫‪257‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حول شعار ‪ -‬االسالم هو احلل‪-‬‬ ‫‪2 / 6 / 3102‬‬

‫سؤال وجواب للنقاش الهادىء من االصدقاء والرفاق حول شعار " االسالم هو الحل"‬

‫والسؤال هنا ‪ :‬هل تتوفر لهذا الشعار أي إمكانية واقعية للتحقق في بالدنا باسم الخالفة اإلسالمية أو‬

‫غير ذلك من األنظمة الدينية في اللحظة المعاصرة من القرن الحادي والعشرين ؟ وجوابي كما يلي ‪:‬‬

‫إننا إذ نؤكد احترامنا لتراث شعوبنا الديني ‪ ,‬وللمشاعر الدينية‪ ,‬إال أننا نرى أن هذه المنطلقات الدينية‬ ‫والتراثية ‪ ,‬خاصة في إطار اإلسالم السياسي‪ ,‬لن تكون قادرة –وليست راغبة بالطبع ‪ -‬على مواجهة‬

‫األزمات السياسية االجتماعية االقتصادية والثقافية المستعصية في بالدنا‪ ,‬انطالقاً من ضرورة التمييز‬ ‫ب ين الدين والدولة ‪ ,‬أو من منطلق الهوية القومية العربية أو حتى الهوية الوطنية والياتها الديمقراطية‬

‫‪ ,‬ألن تيار اإلسالم السياسي ( سياسيا وطبقيا)هو تيار نقيض للقومية العربية "لصالح هوية أكثر‬

‫شموالً ال حدود جغرافية لها ‪ ,‬هي الهوية اإلسالمية ‪ ,‬وقد بنى أصحاب هذا التيار موقفهم على أساس‬

‫عقيدي مؤداه أن القومية مقولة علمانية تناقض العقيدة والدين ‪ ,‬وأن أواصر الجنس واألرض واللغة‬

‫والمصالح المشتركة إنما هي عوائق حيوانية سخيفة ‪ ,‬وأن الحضارة لم تكن يوماً عربية وانما كانت‬

‫إسالمية ‪ ,‬ولم تكن قومية وانما كانت عقيدية (سيد قطب ) ‪ ,‬بينما اعتبر البعض األخر موقفهم على‬

‫أساس أن النزعة القومية مصدرها االستعمار الصليبي ‪ ,‬وأن نصارى الشام هم الذين روجوا لها (‬

‫يوسف القرضاوي)‪ .‬وقد بلغ التطرف عند بعضهم إلى حد اتهام الدعوة إلى القومية العربية بالكفر‬ ‫الصريح ‪ ,‬وفي كل االحول ‪ ,‬يبدو ان انظمة االستبداد العربية عموما وانظمة البترودوالر الرجعية‬ ‫العميلة خصوصا ‪ ,‬الى جانب ضعف تأثير وهشاشة القوى اليسارية ‪..‬مهد الطريق الى انتشار وفوز‬ ‫حركات االسالم السياسي عبر استغالل بساطة وعي الجماهير وعفويتها ‪...‬االمر الذي ادى الى تعزيز‬

‫وتعميق اوضاع التخلف االجتماعي في كل البلدان العربية ‪,‬وتزايد الهيمنة االمبريالية والصهيونية‬ ‫والكومبرادورية على مقدرات شعوبنا التي سرعان ما اكتشفت طبيعة حركات االسالم السياسي ودورها‬

‫النقيض للمصالح والتطلعات واالهداف الوطنية والقومية الديمقراطية للجماهير الشعبية التي بدأت‬

‫انتفاضاتها ضد الجماعات االسالمية بعد ان اكتشفت زيف برامجها وعدم تناقضها مع السياسات‬

‫الرجعية واالمريكية‪.‬‬

‫‪258‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حديث عن إخفاقات منظمة التحرير الفلسطينية ‪ ...‬بعد ‪ 31‬عام‬ ‫على توقيع اتفاق اوسلو‬

‫‪02 / 6 / 3102‬‬ ‫إن الرؤية الموضوعية للعالقة بين (م‪.‬ت‪.‬ف) من جهة‪ ,‬وبين الجماهير الفلسطينية في الداخل‬

‫والشتات من جهة أخرى ‪ ,‬تفرض علينا جميعا الوقوف أمام احد أهم مظاهر تلك العالقة التي تتطور‬

‫في هذه المرحلة باتجاه الهبوط أو االستجابة للشروط األمريكية – اإلسرائيلية الهادفة إلى إفراغ‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف من محتواها الوطني ومن ثم تحطيم الجسر الممتد بين الشعب واألرض والمنظمة‪.‬‬ ‫إخفاقات منظمة التحرير الفلسطينية ‪:‬‬

‫‪ -0‬بسبب بنيتها الطبقية عموماً وبنية وسياسات حركة فتح خصوصاً لم تستطع م‪.‬ت‪.‬ف التمسك‬

‫بمنطلقاتها واهدافها السياسية في تحرير كل فلسطين‪ ,‬وفق نصوص ميثاقها (هذه االهداف‬ ‫سرعان ما تالشت لمصلحة سياسة‪ ,‬قيل أنها تكتيكية‪ ,‬تهدف إلى اإلفادة من الوضع الدولي‬

‫الحد األعلى" الذي يقبل به‬ ‫الذي نشأ عن وجود المقاومة‪ ,‬من أجل القبول بما يمكن أن يسمى " ّ‬ ‫الحد األدنى" للفلسطينيين‪ .‬وهي السياسة التي قامت على قبول دولة فلسطينية‬ ‫العالم‪ ,‬و" ّ‬ ‫مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة) ‪ ...‬الواضح هنا أن طبيعة البنية الطبقية القيادية‬ ‫المتفردة لحركة فتح هي التي أدت إلى مسار الهبوط والتراجع في م‪.‬ت‪.‬ف بصورة تدرجية‬

‫وبذرائع مختلفة عبر المحطات التالية ‪:‬‬

‫أ‪ -‬المحطة االولى بدأت مع عقد الدورة (‪ )03‬للمجلس الوطني الفلسطيني – القاهرة‬ ‫‪ ,0672/9/0‬حيث نالحظ التراجع عن بعض نقاط برنامج النقاط العشر التي أقرها‬

‫المجلس الوطني في تلك الدورة‪ ,‬حيث وافق المجلس على مضمون رسالة ياسر عرفات‬

‫إلى المستشار النمساوي كرايسكي التي تتضمن " إن منظمة التحرير الفلسطينية على‬

‫استعداد لعقد معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل"‪ .‬وهنا أصبح الكالم صريحاً ومكشوفاً عن‬ ‫ضرورة السير بحثاً عن (حل سياسي) مع إسرائيل‪.‬‬

‫ب‪ -‬استمر الهبوط في الدورة (‪ )07‬للمجلس– عمان ‪ /33‬تشرين الثاني ‪ ,0612‬وكانت أهم‬ ‫قررات األمم المتحدة‬ ‫ق ارراته‪ :‬السير سياسياً ودبلوماسياً على إستراتيجية تعتمد على جميع ا‬ ‫المتعلقة بالقضية الفلسطينية‪ ,‬ومن ثم بداية نهج التسوية‪.‬‬

‫‪259‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ج‪ -‬في شهر تشرين األول ‪ 0613 /‬أرسلت قيادة م‪.‬ت‪.‬ف وفداً لزيارة القاهرة بعد خمسة‬ ‫أعوام من انقطاع العالقات العربية بسبب اتفاقات كامب ديفيد‪ .‬وفي ‪ 0612/0/01‬دعا‬

‫عرفات إلجراء محادثات مع دولة العدو الصهيوني ‪ ,‬وأعاد محاولته في ‪0612/2/32‬‬ ‫بالتأكيد عالنية على رغبته في "التفاوض مع إسرائيل وجها لوجه‪.‬‬

‫د‪ -‬في الدورة (‪ )01‬للمجلس – الجزائر ‪ ,0617/2/31‬أصدر المجلس بيانان "يؤيد عقد‬

‫المؤتمر الدولي في إطار األمم المتحدة وتحت إشرافها"‪ .‬وفي هذه الفترة كانت قيادة عرفات‬ ‫قد فتحت عدة قنوات اتصال بالعدو الصهيوني منها قنوات كل من محمود عباس (أبو‬

‫مازن) وسعيد كمال‪ ,‬وبسام أبو شريف‪ ,‬ونبيل الرمالوي‪ ,‬ومجموعة من رجال األعمال‬

‫الفلسطينيين‪.‬‬

‫ه‪ -‬الدورة (‪ )06‬للمجلس– الجزائر ‪( 0611/00/02‬دورة االنتفاضة)‪ :‬كان قرار إعالن قيام‬

‫الدولة ابرز الق اررات‪ ,‬وتضمن الفقرة الهامة التالية ‪" :‬كما تعلن (دولة فلسطين) في هذا‬

‫المجال أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية واإلقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق األمم‬ ‫المتحدة وق ارراتها وانها ترفض التهديد بالقوة او العنف أو اإلرهاب أو باستعمالها ضد‬

‫سالمة أراضيها واستقاللها السياسي وسالمة أراضي أي دولة أخرى"‪ .‬وفي ضوء ذلك أكد‬ ‫الرئيس عرفات استعداده للقبول بالشروط األمريكية‪ ,‬بما في ذلك االستعداد للتفاوض مع‬

‫(إسرائيل) على أساس قراري مجلس األمن ‪ 323‬و ‪ 221‬والتعهد بالعيش بسالم مع‬ ‫(إسرائيل) في حدود األرض المحتلة عام ‪ , 0697‬وادانة العنف واإلرهاب وعدم ممارسته‪.‬‬

‫و‪ -‬أما الدورة (‪ )31‬للمجلس– الجزائر ‪ 0660/6/32‬فقد تضمنت ق اررات المجلس الوطني‬

‫الموافقة على إجراء تسوية سياسية مع دولة العدو الصهيوني‪ ,‬تحت غطاء مؤتمر السالم‪,‬‬

‫ثم استمرت عملية التفاوض العبثية منذ مدريد ثم واشنطن وصوالً إلى اتفاق أوسلو التي‬ ‫جسدت مخالفة القيادة المتنفذة في م‪.‬ت‪.‬ف لجميع األسس المتفق عليها بين كافة فصائل‬ ‫المقاومة في مقابل قبولها بالشروط األمريكية اإلسرائيلية وانتهاج سياسية االستسالم‬

‫المستمرة حتى اللحظة ‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلخفاق الثاني لمنظمة التحرير الفلسطينية بدأ مع مغادرة بيروت ‪ ,‬والذي توضح خالل فترة‬ ‫تونس‪ ,‬من العام ‪ 0613‬إلى ‪ , 0662‬وتفاقم خالل مفاوضات أوسلو‪ ,‬وتجذر مع تأسيس‬ ‫السلطة الفلسطينية‪ ,‬حيث رضخت قيادة م‪.‬ت‪.‬ف – للخروج من أزمتها ‪ -‬بقبولها الصيغة‬ ‫التفاوضية التي فرضها عليها جيمس بيكر في مدريد عام ‪ 0660‬بطلب من اإلسرائيليين‪ ,‬وهي‬

‫صيغة خططت ألن يجري تناول قضية الالجئين (وجميع القضايا المهمة) في وقت الحق‪ ,‬عند‬ ‫التفاوض على الترتيبات المؤقتة للضفة الغربية وقطاع غزة ‪ ,‬عبر ما يسمى بمفاوضات الوضع‬

‫النهائي ‪ ,‬التي تأجلت لما يقارب العقد ‪ ,‬لحين انعقاد مؤتمر "كامب ديفيد" االجهاضي عام‬ ‫‪261‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ , 3111‬وتأجل اآلن إلى أيلول ‪ /‬سبتمبر ‪ 3101‬لتبدأ جولة جديدة من المفاوضات المباشرة‬

‫بالشروط اإلسرائيلية االمريكية (وفق رسالة أوباما أواخر تموز الماضي ) التي يبدو ان قيادة م‪.‬‬

‫ت‪ .‬ف يمكن أن توافق عليها مقابل االعتراف بدولة شكلية أو قابلة للحياة بدون حق العودة ‪,‬‬ ‫وبدون سيادة حقيقية على أرضها ومواردها من ناحية وتكريس االعتراف بيهودية دولة العدو‬ ‫االسرائيلي من ناحية ثانية ‪ .‬من الواضح إذن‪ ,‬أن هذه السياسات ليست جديدة علينا ‪ ,‬سوى‬

‫أنها في تقديرنا ‪ ,‬أسوأ وأكثر هبوطاً من تلك السياسات التي مارسها الراحل أبو عمار طيلة‬

‫العقود الثالث الماضية‪.‬‬

‫‪ -2‬الفشل في تطوير دوائر منظمة التحرير إلى مؤسسات ديمقراطية حديثة تمهد لترسيخ مشروع دولة‬ ‫فلسطين‪.‬‬

‫‪ -2‬المحاباة ‪ ,‬واالستخدام التعسفي للسلطة ‪ ,‬والفساد‪ ,‬وعدم ضبط مختلف فئات منظمة التحرير أفسد‬ ‫أدائها بشكل خطير‪ ,‬وكل ذلك في إطار قيادة فردية مطلقة ‪ ,‬جعلت الحديث عن مسار حركة‬ ‫التحرر الوطني الفلسطينية بكل فصائلها غير ممكن دون تتبع دور وهيمنة القائد الفرد الراحل‬

‫ياسر عرفات ‪.‬‬

‫ورغم رفض أو معارضة بعض الفصائل الفلسطينية وخاصة الجبهة الشعبية ‪ ,‬إال أن هذه‬

‫السياسات جعلت المنظمة في وضعية يرثى لها‪ ,‬حيث جرى تغيير برنامجها بعد أوسلو لكي يتوافق مع‬ ‫االتفاقات الموقعة‪ ,‬وبالتالي بات برنامجها هو برنامج أوسلو ال غير‪ .‬بمعنى أن المنظمة لم تعد‬

‫منظمة للتحرير‪ ,‬بل باتت "خيال مآتا" ال دور سياسي‪ ,‬وال دور نضالي‪ ,‬وال دور تمثيلي‪ .‬وهي محتكرة‬

‫تهمشت كذلك‪ ,‬لهذا لم يبق سوى االسم‪ :‬منظمة التحرير‬ ‫من قبل قيادة السلطة‪ ,‬وليس فتح‪ ,‬ألن فتح ّ‬ ‫الفلسطينية‪ .‬هل يفيد؟ الجواب متروك لكم !‪.‬‬ ‫إنني ال استهدف من هذا االستنتاج إلى الدعوة إلى شطب وتجاوز م‪.‬ت‪.‬ف أو إيجاد مرجعية‬

‫بديلة على طريقة حركة حماس و اإلسالم السياسي‪ ,‬فهي مازالت –رغم كل شيء ‪ -‬تمثل كإطار‬

‫وبرنامج سياسي وصيغة تنظيمية جامعة وليس كقيادة ومؤسسات راهنا ‪ ,‬هي "أهم منجز حققته الثورة‬

‫الفلسطينية المعاصرة" كرد على محاوالت طمس وتبديد هوية ووحدة الشعب وحقوقه الوطنية‪ ,‬وهو‬ ‫منجز تبلور وتطور عبر عملية صراعية تاريخية‪ ,‬جعلت من م‪.‬ت‪.‬ف اإلطار الوطني الفلسطيني‬

‫الجامع الذي استطاع من خالل نضاالت شعبنا وقواه المنظمة من فرض ذاته َك ُم َع ِّبر سياسي قانوني‬ ‫وتنظيمي عن وحدة الشعب وهويته وشخصيته الوطنية وكيانه الوطني‪ .‬استنادا إلى ذلك فان خيارنا‬

‫كفلسطين يقوم على أساس أن المنظمة‪ ,‬وبالرغم من كل ما لحق بها‪ ,‬ال تزال تمثل شعبياً وقانونياً‬

‫وم َع ِّب ارً معنوياً وكيانياً عن وحدة الشعب الفلسطيني‪ ,‬الن شعبنا لم يحقق استقالله‬ ‫ووطنياً إطا ارً جمعياً‪ُ ,‬‬ ‫وسيادته بعد‪ ,‬فان الحفاظ على المنظمة يعتبر ضرورة ومصلحة وطنية عليا تستدعي ايالئها األهمية‬

‫التي تستحق االرتقاء إلى ما تفرضه من مهام ومسؤوليات‪ ,‬وجعل هذه المسألة قضية وطنية عامة أو‬ ‫‪260‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فكرة توحيدية مركزية يجري التحشيد والتأطير على نطاق شعبي واسع من اجل االلتفاف حولها‬

‫وتطويرها وشطب كافة االتفاقات المعقودة مع دولة العدو اإلسرائيلي باسمها ‪ ,‬حيث بات اليوم أضر‬

‫مما في أي وقت ماضي تأييد الصيغة المكرسة‪" :‬م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,.‬الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني‬

‫ارتباطاً بتلك االتفاقات وخاصة اعترافها بالدولة الصهيونية‪ ,‬إذ إن هذه الصيغة ال عالقة لها بنضاالت‬ ‫وتضحيات شعبنا طوال المئة عام المنصرمة من ناحية ‪ ,‬وال تعبر بالمطلق عن أماني ومصالح شعبنا‬

‫من ناحية ثانية ‪ ,‬بل هي بكل وضوح شيك على بياض تم تقديمه للعدو اإلسرائيلي دون أي مقابل‬

‫يمكن أن تدافع عنه قيادة منظمة التحرير ‪.‬‬

‫وبالتالي فإن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره يتضمن أيضاً حقه في تعيين ممثليه‬

‫بشكل حر وديمقراطي‪ ,‬من دون أن يمنح أحد نفسه‪ ,‬بالتعيين أو بحكم المصالح والمحسوبيات ‪ ,‬حق‬

‫تقرير من هو الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا‪ ...‬وفي هذا السياق فإنه من حق الثوريين‪ ,‬بل من‬

‫واجبهم‪,‬أن يقولوا لها أنها تخطئ وأن يكافحوا أوهامها ‪ ,‬انطالقاً من أن تأييد نضال شعب مضطهد ضد‬

‫مضطهديه تأييداً غير مشروط‪ ,‬يعني تأييد هذا النضال بمعزل عن طبيعة قيادته‪ ,‬إنه ال يعني بتاتاً‬

‫تأييد قيادة م‪.‬ت‪.‬ف بدون شروط ‪.‬‬

‫إن موقف الثوريين إزاء قيادة النضال يجب أن يستند إلي التمييز بين الخطوات التي ينبغي‬

‫دعمها والخطوات التي ينبغي فضحها‪.‬‬

‫وهنا البد لي من أن أوجه نقداً موضوعياً قاسياً إلى أبعد الحدود إلى كافة القوى الثورية‬

‫اليسارية ‪ ,‬ألن االقرار بهذا الواقع الهابط والمرير ‪ ,‬شبه المستسلم ‪ ,‬الذي وصلته قيادة م‪.‬ت‪.‬ف ‪,‬‬ ‫يحيلنا إلى سبب آخر ‪ ,‬ربما كان األهم بالنسبة الستمرار هيمنة القيادة اليمينية عليها ‪ ,‬او بالنسبة‬

‫لما جرى من انقسام خطير في منتصف حزيران ‪ 3117‬أدى إلى هيمنة اليمين الديني في قطاع غزة‪,‬‬

‫وهذا السبب تحديداً هو تقاعس اليسار الفلسطيني عن أداء دوره وفق ما كان وما زال يتمناه القطاع‬ ‫األوسع من جماهير شعبنا الفلسطيني في الوطن والشتات ‪.‬‬

‫فقد كان دور بعض أطراف هذا اليسار ‪ ,‬وبالرغم من إنكار بعض قادته ‪ ,‬ال يتعدى دور شاهد‬

‫الزور‪ ,‬كما حصل عشية اتفاق أوسلو ‪ ,‬أو دور ذريعة يسارية للسياسة الغارقة في يمينيتها التي‬

‫تنتهجها قيادة "فتح" البورجوازية‪ ,‬وهذا يشير إلى أي حد اإلجماع الوطني الذي يدعي هؤالء أنهم‬ ‫يستندون إليه في مشاركتهم في هيئات م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬هو إجماع وهمي‪ ,‬في مقابل مشاركتهم الحقيقية في‬

‫حكومة رام اهلل وو ازراتها‪.‬‬

‫وفي هذا السياق نستذكر القائد الراحل جورج حبش الذي اعترف بطيبة خلق‪ ,‬في مقابلة مع‬

‫مجلة الهدف‪ " :‬كنا نربح المعركة نظرياً على الورق‪ ,‬إال أن الجناح المهمين على قيادة المنظمة‪,‬‬ ‫وبحكم طبيعته البورجوازية‪ ,‬لم يكن يلتزم بما يجري االتفاق عليه في ممارسته السياسية الالحقة‪ .‬وهذا‬

‫السلوك السياسي هو الذي يفسر في الواقع معارضة هذا الجناح اليميني إلجراء إصالحات تنظيمية‬ ‫‪262‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ديمقراطية جذرية في أطر ومؤسسات المنظمة‪ ,‬ألنها ستحد من حركته السياسية باتجاه طرق بوابات‬

‫الحل االستسالمي في بعض العواصم العربية الرجعية"‪.‬‬

‫وعند هذه المالحظة أود أن أشير إلى أن هيمنة "فتح" داخل م‪.‬ت‪.‬ف منذ عام ‪ 0696‬إلى يومنا‬

‫هذا‪ ,‬غير قابلة للزحزحة بأي شكل من األشكال ‪ ,‬طالما بقيت أنظمة م‪.‬ت‪.‬ف وآلياتها على ما هي‬

‫عليه‪ ,‬إذ أن هذه األنظمة واآلليات اعتمدت دوماً ‪ -‬عبر احتكار قرار التعيين ‪ -‬على حلقة مفرغة ‪:‬‬ ‫مجلس وطني – لجنة تنفيذية – مجلس مركزي ‪ ,‬حيث تضمن هذه الهيئات كل واحدة لألخرى‬

‫بالتوالي‪ ,‬إعادة اإلنتاج البسيطة أو الموسعة‪ ,‬لهيمنة القيادة الفردية في حركة فتح ‪ ,‬وبالتالي فإن‬

‫استمرار تمسك الفصائل والقوى بالمنظمة ‪ ,‬ال بد من أن يترافق مع مطلب أساسي يقوم على ضرورة‬

‫تغيير هذه األنظمة واآلليات بما يضمن تحقيق التطبيق األمثل للتعددية الديمقراطية في م‪.‬ت‪.‬ف ‪.‬‬

‫من كل ما سبق‪ ,‬هل ينبغي استخالص أنه كان يتوجب على اليسار الفلسطيني أن يمتنع‪ ,‬من‬

‫حيث المبدأ‪ ,‬عن االنتساب إلى م‪.‬ت‪.‬ف؟ ليس بالضرورة‪ .‬ولكن مفهومه بالذات لعضوية م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬هو‬

‫الذي كان يجب أن يكون مختلفاً جذرياً‪ .‬بمعنى ان تكون عضويته في المنظمة ألغراض تكتيكية ‪,‬‬ ‫براية مشرعة وبدون مهادنة القيادة اليمينية‪ ,‬وهي السياسة التي اتبعتها ‪-‬ومازالت‪ -‬الجبهة الشعبية ‪,‬‬

‫على النقيض من ممارسات بعض أطراف اليسار‪ ,‬إذ أن بوسع هذه األطراف أن تستخدم المجلس‬

‫الوطني كمنبر للتحريض السياسي‪ ,‬مع فضح نمط تركيبه الالديموقراطي بصوت عال‪ ,‬ومع المطالبة‬

‫بأن يكون الجسم الرئيسي ألعضاء المجلس منتخباً من قبل الجماهير الفلسطينية‪ ,‬وفي حال استمرار‬ ‫تعذر االنتخابات فال بد من االتفاق على تشكيل هيئة فلسطينية من جميع األطراف والقوى السياسية‬

‫والمجتمعية دونما أي تمييز فيها لفصيل أو أخر بحيث نضمن اختيار أعضاء مجلس وطني جديد‬

‫بصورة تمثيلية وموضوعية إلى أبعد الحدود ‪.‬‬

‫وبالتالي فإن نقطة االنطالق الصحيحة صوب االتفاق على برنامج سياسي مشترك في إطار‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف ‪ ,‬تفترض من وجهة نظرنا‪ ,‬التمييز بين م‪.‬ت‪.‬ف باعتبارها كيانا معنويا‪ ,‬وتعبي ار سياسيا عن‬

‫الشخصية الفلسطينية‪ ,‬التي يجب أن ترتكز سياستنا لحمايتها كمنجز وطني‪ ,‬وبين كونها إطا ارً جبهوياً‬ ‫نتصارع فيه وحوله ومن خارجه‪.‬‬

‫وحتى ال أكون واهماً ‪ ,‬أو داعياً لزراعة األوهام ‪ ,‬فإنني أقول بصراحة إن معركة الصراع على‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف ودورها وبرنامجها ومشروعها‪ ,‬لن تحسم بين ليلة وضحاها‪ ,‬فهي تحتاج لجهد ودأب وتحشيد‬

‫ش َّداً لهدف الحفاظ عليها كضرورة وطنية راهنا وفي المدى المنظور‬ ‫وطني وجماهيري شامل يبقى ُم ْن َ‬ ‫باالستناد إلى ميثاقها وثوابتها ‪.‬‬ ‫وفي هذا الجانب ال يجوز تجاوز أو إغفال المتغيرات الحادة التي أصابت "النظام السياسي‬

‫الفلسطيني" والقيادة المتنفذة في م‪.‬ت‪.‬ف التي يبدو أنها لم تعد قادرة بعد غياب الراحل ياسر عرفات‬ ‫على التفاوض مع العدو بشروطها ولو ضمن الحد األدنى ‪ ,‬حيث يبدو أن المقرر الخارجي وأقصد‬ ‫‪263‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫محدداً رئيسياً لما يسمى بعملية السالم ‪ ,‬ومن ناحية ثانية فإن‬ ‫بذلك العدو األمريكي اإلسرائيلي بات ّ‬ ‫تحليل جوهر الصراع بيننا وبين العدو اإلسرائيلي كصراع عربي إسرائيلي إلى جانب الوضعية الرئيسية‬ ‫لدولة العدو اإلسرائيلي التي تحولت اليوم إلى حالة امبريالية صغرى عززت دورها ووظيفتها في‬

‫تكريس أدوات ومظاهر التبعية والتخلف واستمرار احتجاز التطور في بلدان الوطن العربي بما يضمن‬

‫حماية وتكريس مصالح نظام العولمة االمبريالي في بالدنا‪ ,‬وبالتالي لم يكن مستغرباً في مثل هذه‬ ‫األوضاع تمسك التصور الصهيوني بالءاته الخمسة ‪ :‬ال انسحاب من القدس‪ ,‬ال انسحاب من وادي‬

‫األردن ‪ ,‬ال إزالة للمستوطنات ‪ ,‬ال عودة لالجئين‪ ,‬ال للدولة الفلسطينية كاملة السيادة على األراضي‬

‫المحتلة ‪.‬‬

‫من هنا‪ ,‬وفي سياق الدعوة للحوار الوطني و لـ "الوحدة" الوطنية‪ ,‬والمصالحة‪ ,‬وهي دعوة نعتقد‬

‫أن القسم األكبر من جماهير شعبنا ‪ ,‬إلى جانب بعض القوى اليسارية من أصدق الحريصين عليها‬

‫من أجل وحدة الصف الفلسطيني على ثوابت الحد األدنى‪ ,‬لكننا البد من أن نطرح هذا السؤال‪ :‬هل‬

‫هذه القوى معنية ألن تصبح طرفاً في حوار يستهدف التوصل إلى وثيقة تتضمن استجابتها للشروط‬ ‫األمريكية اإلسرائيلية ‪ ,‬خاصة شروط نتنياهو وأوباما للدخول فيما يسمى بالمفاوضات المباشرة ؟ أم‬

‫أنها معنية بالنضال من أجل إنهاء االنقسام والتمسك بالثوابت الوطنية والوحدة الداخلية التي تضمن‬

‫حق االختالف والتعدد –كأولوية راهنة وعاجلة‪ -‬خاصة وأنها تمتلك رؤية وبرنامجاً سياسياً يختلف‬

‫جوهرياً عما تطرحه كل من حركتي فتح وحماس؟‬

‫لقد قامت صيغة م‪.‬ت‪.‬ف على أساس تحالف قوى مختلفة بهدف تحرير فلسطين‪ .‬واذا كانت‬

‫قيادة حركة فتح تعتبر أنها القائدة ألنها "فجرت المقاومة"‪" ,‬أطلقت الرصاصة األولى"‪ ,‬فقد انبنى‬

‫نمر بمرحلة تحرر وطني تتعايش مؤقتاً مع قيادة‬ ‫القبول بقيادتها وبهيمنتها على فكرة أننا ّ‬ ‫"البرجوازية"‪ .‬وبالتالي فقد قبلت قوى اليسار التعامل مع هذه القيادة‪ ,‬رغم أنها لم تستطع وقف آلياتها‬ ‫للسيطرة على القرار السياسي‪ .‬لكن ظل هدف التحرير هو الموحد والمبرر لهذه العالقة التي تكونت في‬

‫إطار م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬رغم أن القيادة المهيمنة انتقلت من السعي لتحرير فلسطين إلى الحل المرحلي وفق‬

‫أوسلو ثم إلى القبول باتفاقات وآي ريفر وشرم الشيخ وتفاهمات "ميتشيل" و"تينيت" وصوالً إلى‬ ‫الشروط االسرائيلية األمريكية الراهنة‪ ,‬دون أي أفق للتقدم صوب الحل العادل‪ ,‬بل المزيد من التكيف‬ ‫مع بناء المستوطنات والجدار ومصادرة األراضي والتوسع الصهيوني في الضفة الغربية ‪ ,‬وكل هذه‬

‫الخطوات أو التراجعات الخطيرة تمت بالتوافق والتكيف بين قيادة م‪.‬ت‪.‬ف والبلدان العربية الرجعية‬

‫والتابعة ‪.‬‬

‫في ضوء ذلك نسأل مجدداً ‪ ,‬هل ظل مفهوم مرحلة التحرر في ظل القيادة الحالية لـ م‪.‬ت‪.‬ف‬

‫واألطراف النافذة فيها صحيحاً ؟ وهل ظلت التقاطعات مع هذه الفئة هي ذاتها؟ إن الوضع الراهن‬

‫يفرض إعادة نظر جذرية فيه من جهة‪ ,‬وفي القوى التي قادته من جهة أخرى‪ .‬فهل ظلت قيادة‬ ‫‪264‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫السلطة معنية بالتحرير؟ لقد أصبحت سلطة وتمارس على هذا األساس‪ ,‬ألن مصالحها الخاصة هي‬

‫التي باتت تحركها وليس القضية الوطنية‪ .‬واعترفت بالدولة الصهيونية متنازلة عن ‪ %11‬من‬

‫فلسطين وأكثر‪ ..‬وهي خاضعة للواليات المتحدة والدول المانحة ومربوطة مالياً بها ‪ ,‬وهي أيضاً على‬ ‫استعداد للتنازل عن مبدأ العودة كجوهر قضية الالجئين‪ ,‬وهي مستمرة في سياسة التفاوض التي‬

‫أعطت الدولة الصهيونية كل الوقت من أجل إكمال السيطرة على األرض واكمال الجدار والتحكم‬ ‫بالضفة الغربية‪ ,‬وسمحت –بوعي مع سبق اإلصرار‪ -‬بتشكيل األجهزة األمنية في خدمة سياسة‬

‫الواليات المتحدة والدولة الصهيونية‪.‬‬

‫أما بالنسبة لحركة حماس‪ ,‬ويمكن أن نتحدث طويالً عن حماس‪ ,‬لكن يمكن القول بأنها تحمل‬

‫مشروعاً آخر‪ ,‬يرى األمور من زاوية أصولية دينية تفرض عليها موضوعياً ‪ ,‬أن تخضع لمنطق‬

‫أيديولوجي ُي َغلّب العقيدة على ما عداه‪ ,‬بحيث تسعى إلى إحالل هوية اإلسالم السياسي محل الهويتين‬ ‫الوطنية والقومية ‪ ,‬وكل ذلك في سياق ترابطها العضوي المباشر وغير المباشر مع شرائح وفئات‬ ‫كمبرادورية ومالية وعقارية وطفيلية ‪ ,‬فهي إذن ‪ ,‬في الجوهر ال تختلف عن الطبيعة الطبقية لقيادة‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,‬وان اختلف الشكل السياسي الظاهري بينهما ‪ ,‬بهدف استمرار الصراع والتفاوض علناً وبشكل‬

‫مباشر‪ ,‬كما هو الحال مع قيادة فتح و م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,‬أو س ارً أو بشكل غير مباشر ‪ ,‬كما هو حال حركة‬

‫حماس‪ ,‬التي يبدو أن الفرصة باتت مهيـأة لها ‪-‬إذا ما أقدمت على تلك التنازالت‪ -‬تحت غطاء‬

‫اإلسالم السياسي المعتدل‪ ,‬وعلى قاعدة فقهية تقول إن الضرورات تبيح المحظورات بما يحقق هدف‬

‫الواليات المتحدة واسرائيل في إسدال الستار على م‪.‬ت‪.‬ف لحساب ما يسمى بـ "مشهد اإلسالم‬

‫السياسي المعتدل" إذا ما بقيت أوضاع القوى الديمقراطية واليسارية والقومية على ما هي عليه من‬

‫جهة واذا ما توفرت مقوماته وعناصره الخارجية وفق مقتضيات ومصالح النظام اإلمبريالي من جهة‬ ‫ثانية‪.‬‬

‫واذا كانت حماس قد لعبت دو ارً بار ازً في المقاومة‪ ,‬فقد أصبحت معنية اليوم بتعزيز سلطتها بعد أن‬ ‫أصبحت في الحكومة‪ ,‬وأن تجلب االعتراف العربي والدولي واألمريكي واإلسرائيلي بها كقوة سياسية‬ ‫مشروعة قادرة على فرض االستقرار واألمن بعد أن قدمت البرهان في قطاع غزة ‪.‬‬

‫نستنتج من كل ذلك ‪ ,‬أن التجربة السياسية الفلسطينية منذ مدريد وواشنطن وأوسلو إلى‬

‫االنقسام الراهن ‪ ,‬أوضحت فشل تلك السياسة‪ ,‬بسبب استنادها إلى وعود أو أوهام الواليات المتحدة‬ ‫األمريكية إلى جانب أوهام عملية التفاوض العبثي مع دولة العدو اإلسرائيلي في ظل نظام عربي‬

‫ودولي شبه مرتهن لسياسة العولمة والتحالف اإلمبريالي الصهيوني‪ ,‬حيث بات واضحاً أن الحل‬

‫المرحلي ‪-‬في ضوء هذا االرتهان‪ -‬أو ما يسمى بالدولة القابلة للحياة‪ ,‬لن يحقق سوى "دولة" فاقدة‬

‫لمقومات السيادة الفعلية ‪ ,‬ارتباطاً بقبولها بما تقرره الدولة الصهيونية مدعومة من قبل اإلمبريالية‬ ‫األمريكية ‪ ,‬ما يعني بوضوح تخلي هذه "الدولة" عن حق العودة وتقرير المصير واالستقالل الكامل ‪.‬‬ ‫‪265‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لقد أصبح واضحاً اليوم بأن جملة الوقائع التي حققتها الدولة الصهيونية في الضفة الغربية‬

‫تحديداً لم تعد تسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلة‪ ,‬وهو يسمح فقط بأن تبقى السلطة الفلسطينية‬

‫سلطة إدارة ذاتية مدنية للسكان الذين تقلصت أرضهم إلى النصف تقريباً‪ ,‬على ضوء التوسع المستمر‬

‫لالستيطان ‪ ,‬إضافة إلى السيطرة على المعابر والتحكم في األجواء‪.‬‬

‫أين ستقام "الدولة المستقلة" إذن؟ هذه الواقعة فرضت إعادة التفكير في الوضع‪ .‬حيث ال دولة‬

‫مستقلة ممكنة على األرض‪ ,‬نتيجة السياسات التي اتبعتها وال زال تتبعها الدولة الصهيونية الحريصة‬

‫على أن تبقى يهودية الطابع‪ ,‬وبالتالي كان هدف السيطرة على األرض وتوسيع االستيطان هو حصر‬

‫السكان الفلسطينيين في غيتوات (كانتونات) صغيرة‪ ,‬تدار ذاتياً‪ ,‬لكي تكون في داخل الدولة‬ ‫الصهيونية‪ ,‬وفي خارجها في الوقت ذاته‪ .‬ولكي يؤدي الحصار المستمر‪ ,‬والضغط االقتصادي‪ ,‬إلى‬

‫هجرة "طبيعية"‪ ,‬ترانسفير "طبيعي"‪ .‬هنا كان اتفاق أوسلو مدخلهم لذلك‪.‬‬

‫يشير هذا السياق التحديدي إلى أن القيادة الفلسطينية كانت تؤسس على وهم‪ ,‬وهم الحصول‬

‫على دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬بينما كانت الدولة الصهيونية تسرق الزمن من أجل إكمال‬

‫السيطرة على األرض وتوسيع االستيطان‪.‬‬

‫المسألة المحورية هنا هي أن الدولة الصهيونية تنطلق من أن قوتها‪ ,‬االقتصادية والسياسية‬

‫والعسكرية‪ ,‬ال تتثبت إال عبر التوسع‪ ,‬وأنها ال تكتمل إال عبر الهيمنة‪ ,‬ليس على كل فلسطين فقط بل‬

‫على المحيط العربي كذلك‪ ,‬ألنها تعي (أكثر من كثير من السياسيين الفلسطينيين و العرب) عمق‬

‫العالقة بين فلسطين والوطن العربي‪.‬‬

‫إذن‪ ,‬يمكن أن نقول بأن "عملية السالم" ال تهدف إلى الوصول إلى دولة مستقلة للفلسطينيين‪,‬‬

‫بل أن هدفها الذي باتت يتوضح أكثر فأكثر هو دمج فئة فلسطينية بالمنظومة األمنية الصهيونية ‪.‬‬

‫تحول فئة فلسطينية إلى كومبرادور في‬ ‫ولهذا نلمس التشابك االقتصادي الذي يتحقق‪ ,‬والشراكات التي ّ‬ ‫المنظومة االقتصادية الصهيونية‪.‬‬ ‫لهذا بات السؤال هو‪ :‬أية قضية هي قضية الفلسطينيين؟ الدولة المستقلة أو "سلطة اإلدارة‬

‫الذاتية؟ على فلسطين أو على حدود سنة ‪ 0697‬أو على بضع كانتونات مغلقة بإحكام؟ وما هو‬ ‫وضع الالجئين؟ وهل قضيتهم هي قضية حقوقية تتعلق بتطبيق القرار ‪ 062‬الصادر عن األمم‬

‫المتحدة؟ وفلسطينيي األرض المحتلة سنة ‪ 0621‬ما هو وضعهم ومصيرهم؟ هل هم فلسطينيون؟‬

‫وبالتالي لقد طغت التفاصيل وضاعت القضية‪ .‬حيث يجري تناول فروع لقضية أساسية انطالقاً من أنها‬

‫قضايا مستقلة‪ .‬وباتت تخضع لشرعية هي الداعم األساس للدولة الصهيونية منذ أن قررت إعطائها‬ ‫شرعية الوجود‪.‬‬

‫‪266‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لقد أوضحت تجربة التفاوض التي بدأتها م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,.‬والتي توجت بقيام سلطة اإلدارة الذاتية‪ ,‬أن‬

‫ليس من حل جزئي للفلسطينيين‪ ,‬وأنه ليس من الممكن التعايش مع الدولة الصهيونية إال بالقبول‬

‫بكونها قوة مسيطرة‪ ,‬كما اإلمبريالية‪ ,‬أو بالترافق معها‪.‬‬

‫وهو األمر الذي يفرض التأكيد على أن الصراع مستمر حتى يتحقق التغيير في ميزان القوى‬

‫الذي يسمح بإنهاء الدولة الصهيونية‪ ,‬وقيام دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية‪ ,‬في إطار التغيير‬

‫العميق في الوطن العربي‪.‬‬

‫أمام كل ذلك لم يعد مفهوماً ‪ -‬من وجهة نظري ‪ -‬الحديث عن حلول مرحلية‪ ,‬يعزز هذا‬

‫االستنتاج‪ ,‬الفشل الذريع لكافة االتفاقيات التي عقدتها م‪.‬ت‪.‬ف ألسباب تعود إلى طبيعة اتفاق أوسلو‬ ‫ومحدداته من ناحية وألسباب سياسية وطبقية حكمت معظم هيئاتها القيادية ‪ ,‬وبذريعة شعارها الزائف‬

‫حول ما يسمى "القرار الفلسطيني المستقل" من منطلقها البائس في كون الصراع فلسطيني إسرائيلي‬ ‫وليس عربياً إسرائيلياً ‪.‬‬

‫هنا تتبدى الضرورة إلعادة النظر –بمنهجية موضوعية وعميقة‪ -‬في كافة المنطلقات السياسية‬

‫التي ارتبطت بشعار الحل المرحلي ‪ ,‬وصوالً إلى النضال من أجل تحقيق هدف دولة فلسطين‬

‫الديمقراطية العلمانية‪ ,‬الذي يتوجب اليوم أن يكون هدفاً استراتيجياً لكافة قوى التحرر العربية عموماً‬ ‫وللقوى اليسارية الديمقراطية في فلسطين بشكل خاص ‪ ,‬دون أن يعني ذلك تقويضاً أو تأجيالً لعملية‬ ‫النضال والمقاومة بكل أشكالها ضد العدو ‪ ,‬آخذين بعين االعتبار مسألة جوهرية وموضوعية يتوجب‬ ‫على كافة قوى اليسار الفلسطيني والعربي أن تتبناها للخروج من هذا المأزق الذي وصلنا إليه‪ ,‬والذي‬

‫يتمثل في محددين رئيسيين يتصارعان لتحقيق هدفهما‪ ,‬األول‪ :‬يتمثل في قوى اليمين الكمبرادوري‬

‫البيروقراطي ممثالً في السلطة الفلسطينية وفي معظم األنظمة العربية وأحزابها الحاكمة‪ ,‬والمحدد‬

‫الثاني‪ :‬هو التيار الديني أو على وجه الدقة اإلسالم السياسي الذي ال يختلف من حيث جوهره الطبقي‬ ‫عن المحدد األول‪ ,‬إلى جانب ما يمثله من تكريس للتخلف والتبعية ‪ ,‬وما يزعمه من تحقيق الهوية‬

‫اإلسالمية باسم "الخالفة أو األمة اإلسالمية"‪.‬‬

‫أما خط السير البديل الذي يتوجب أن تتقدم من خالله القوى الوطنية والسياسية بمختلف‬

‫أطيافها في فلسطين ‪ ,‬فهو يجمع –من منطلقه القومي‪ -‬بين الخط التحرري المقاوم في المكان‬ ‫المناسب والظرف المناسب‪ ,‬الذي يحافظ على االشتباك مع العدو بوتائر تتناسب مع إمكانيات الشعب‬

‫ومتطلبات النضال الطويل األمد‪ ,‬وفي ذات الوقت ينطلق من برنامج ديمقراطي تعددي يعزز الصمود‬

‫والمقاومة ‪ ,‬انطالقاً من محددات سياسية وثقافية واقتصادية وتنموية واجتماعية تلتزم ببناء أسس‬ ‫مجتمع مدني تلتحم فيه األهداف التحررية والديمقراطية عبر آليات تهدف إلى تطوير البنية الفلسطينية‬ ‫في الوطن والمنافي‪ ,‬لكي تصبح هذه البنية عصية على االنقسام أو االختراق أو الصراع الدموي‪,‬‬

‫‪267‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وعلى كل مظاهر اإلحباط واليأس التي تتجلى اليوم بصورة غير مسبوقة في أوساط شعبنا ‪ ,‬وأخي ارً‬

‫لكي تصبح هذه البنية عصية على فرض الحلول االستسالمية ‪.‬‬

‫لذلك كله تتبدى فكرة دولة فلسطين الديمقراطية هي الحل األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة‬

‫وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة ثانية‪ ,‬كحل استراتيجي دون الضياع في تفاصيل حلول‬

‫وهمية تحت شعار الحل المرحلي ‪ ,‬ودون أن يعني ذلك موقفاً عدمياً يرفض اقامة دولة فلسطينية‬

‫كاملة السيادة وعاصمتها القدس‪ ,‬إذا ما توفرت الظروف الذاتية والموضوعية بالمعنى النضالي المقاوم‬ ‫لطرد المحتل الصهيوني ‪.‬‬

‫إن استعادة هدف الصراع والحل التاريخي ‪ ,‬في إقامة دولة فلسطين الديمقراطية على كامل‬

‫األرض الفلسطينية وادماجها في المجتمع العربي االشتراكي الموحد ‪ ,‬هي عملية استعادة ألصل‬ ‫الصراع ‪ ,‬لكن ال ينبغي علينا استسهال األمر ‪ ,‬فهي ليست عملية ارتجالية وال ميدانا للمزايدات ‪ ,‬انه‬

‫تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ‪ ,‬وثورة في االلتحام بالجماهير ‪ ,‬وثورة في التوسع‬

‫التنظيمي وأساليب النضال الكفاحية والديمقراطية ‪ ,‬حيث ستفرض هذه األهداف نفسها علينا كتحدي‬

‫تاريخي ‪ ,‬كي نكون بمستوى التحدي واإلدراك العميق آلليات التاريخ ونطابق بنانا الفكرية والعملية‬ ‫والعلمية معها‪ ,‬ونصبح بمستوى الغاية الحقيقية المحركة للطاقات والخبرات والضمائر ‪ ,‬وبأننا بمستوى‬

‫وطن ننتمي إليه ونستحقه ونحن واعون لما نفعل ‪ ,‬بوعي وارادة ‪.‬‬

‫إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ‪ ,‬وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية‪ ,‬واعادة‬

‫إنتاجها في الواقع الفلسطيني ‪ ,‬بكل مرتكزاته القومية والوطنية في الداخل والمنافي ‪ ,‬إنما يستهدف‬

‫استعادة روح القضية من براثن الهبوط واالنقسام الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن‬ ‫الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫إننا نطرح هذه الرؤية لكي نطلق من جديد حوا ارً شامالً بمستويات فكرية وسياسية وتنظيمية‬

‫إستراتيجية بين كافة قوى اليسار الماركسي العربي والفلسطيني‪ ,‬من أجل بلورة بديل تحرري‬

‫وديمقراطي على المستويين الوطني والقومي ‪ ,‬يقطع مع النهج السائد وأدواته ومصالحه الطبقية ورؤاه‬

‫السياسية الهابطـة‪.‬‬

‫‪268‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪32 / 6 / 3102‬‬

‫‪ 31‬عام على توقيع اتفاق اوسلو‬

‫رفاقي اصدقائي ‪...‬اعتقد أنه آن األوان لكي نتجاوز كل حديث عن حل مرحلي بوسائل تسووية بعد‬

‫أن توضح بأنه وهم قاد إلى انحدار نشهد اليوم نتائجه المدمرة ‪.‬‬

‫ألم يكن أوسلو نفسه هو مرحلة المرحلية ‪..‬؟ والمناقصات السياسية التي تلته باعتباره انتقالي‬

‫صار دائما وانتقائيا‪ ,‬وال يستخدمه العدو إال لمزيد من خلق الوقائع وتقادم األمر الواقع ‪ ,‬كي تتحول‬ ‫المرحلية إلى نهائية في األذهان‪ ,‬وتصبح األجزاء المرحلية هي انجازات موهومه لدى أصحاب هذا‬

‫الخيار‪ .‬واالهم من كل هذا ان العدو بات في موقع إعادة رسم معالم الصراع ‪ ,‬بإيجاد الحل النهائي له‬ ‫وفق رؤيته ‪ ..‬بانتوستانات ومعازل وجدار ومستوطنات على كل األرض الفلسطينية التاريخية ‪.‬‬

‫الحل الصهيوني إذن ‪ ,‬هو الدولة الصهيونية على كامل األرض الفلسطينية ‪ ,‬وليواجه مستقبل‬

‫تجنيب "دولته" خطر ديموغرافي يضرب نقاوتها اليهودية ‪ ,‬تكون الكانتونات الفلسطينية في التجمعات‬

‫الكبرى عبارة عن حكم محلي معزول أو حكم ذاتي شكالني موسع يمكن أن يطلق عليه صفة "دولة" ‪,‬‬ ‫ولكن ال حق وطني جامع له ‪ ,‬بل كانتونات يتم تغذيتها بمخدر اغاثي تحت مسمى الرفاه والنماء وما‬

‫أطلق عليه "نتانياهو" مؤخ ارً بالسالم االقتصادي‪ ,‬حيث يتحول البحث عن الغذاء كغاية‪ ,‬وعن غاية‬ ‫البقاء اإلنساني عند الالجئين في مخيمات المنافي وبإعادة تأهيلها وليس عودتهم ‪.‬‬

‫نستنتج من كل ما تقدم ‪ ,‬أن اللهاث وراء أوهام أوسلو قاد شعبنا إلى النتائج الكارثية التي يعيشها‬

‫اليوم‪ ,‬فهناك شرائح ونخب فلسطينية تجد مصالحها الضيقة باسترضاء التحالف األمريكي‪-‬الصهيوني‪,‬‬

‫عبر المزيد من الهبوط والتنازالت واالستسالم للوعود التخديرية لرؤساء الواليات المتحدة وصوالً إلى‬ ‫بوش و أوباما ‪ ,‬التي تراكمت وتشابكت وتكررت بصور ممسوخة دون جدوى في مسار المفاوضات‬

‫العبثية المبتذلة ‪ ,‬التي أوصلت معظم أبناء شعبنا إلى حالة من االقتناع بان شعار الدولتين وفق‬

‫أوسلو والرؤية اإلسرائيلية األمريكية مدخل كاذب لحل كاذب ‪ ,‬خاصة لحق العودة والسيادة على‬ ‫األرض والموارد‪.‬‬

‫أما خط السير البديل الذي يتوجب أن تتقدم من خالله القوى الوطنية والسياسية بمختلف أطيافها‬

‫في فلسطين ‪ ,‬فهو يجمع –من منطلقه القومي‪ -‬بين الخط التحرري المقاوم ‪ ,‬الذي يحافظ على‬ ‫االشتباك مع العدو بوتائر تتناسب مع إمكانيات الشعب ومتطلبات النضال الطويل األمد‪ ,‬وفي ذات‬

‫الوقت ينطلق من برنامج ديمقراطي تعددي يعزز الصمود والمقاومة ‪ ,‬انطالقاً من محددات سياسية‬ ‫وثقافية واقتصادية وتنموية واجتماعية تلتزم بآليات تهدف إلى تطوير البنية الفلسطينية في الوطن‬

‫والمنافي‪ ,‬لكي تصبح هذه البنية عصية على االنقسام أو االختراق أو الصراع الدموي‪ ,‬وعلى كل‬

‫‪269‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مظاهر اإلحباط واليأس التي تتجلى اليوم بصورة غير مسبوقة في أوساط شعبنا ‪ ,‬وأخي ارً لكي تصبح‬ ‫هذه البنية عصية على فرض الحلول االستسالمية ‪.‬‬

‫لذلك كله تتبدى فكرة مواصلة النضال حتى ازالة الكيان الصهيوني واقامة دولة فلسطين الديمقراطية‬

‫باعتبارها الحل األمثل بالنسبة لحقوق شعبنا من جهة وبالنسبة للمسألة اليهودية برمتها من جهة‬

‫ثانية‪ ,‬كحل استراتيجي دون الضياع في تفاصيل حلول وهمية تحت شعار الحل المرحلي ‪.‬‬

‫‪271‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟‬

‫‪32 / 6 / 3102‬‬

‫إن اإلجابة على هذا السؤال تفرض الحديث عن إشكاليتين‪:‬‬

‫‪ -0‬اإلشكالية األولى‪ :‬تتمثّل في تغييب اإلستراتيجية الصهيونية‪ ,‬وتقزيمها إلى إستراتيجية تسعى‬ ‫للسيطرة على فلسطين فقط‪ .‬وهذه قضية خطيرة ألنها تخفي اإلستراتيجية الصهيونية‬

‫الحقيقية‪ ,‬ووظيفتها المركزية من أجل السيطرة على بلدان الوطن العربي كله‪ ,‬واعادة‬ ‫تجزئتها وتفكيكها بهدف حماية مصالح النظام الرأسمالي العالمي‪.‬‬

‫‪ -3‬واإلشكالية الثانية‪ :‬هي في فصل النضال الفلسطيني عن النضال العربي‪ ,‬وفصل نشاط‬

‫الجماهير الفلسطينية عن نشاط الجماهير العربية‪ .‬وبالتالي تصبح قضية فلسطين هي قضية‬

‫الفلسطينيين‪ .‬وهي بهذه الصورة مهزومة مسبقاً‪ ,‬ولعل ما جرى خالل السنوات الماضية‬ ‫والنتائج الكارثية التي وصلنا إليها اليوم تؤكد هذه الحقيقة‪.‬‬

‫إن المشكلة الحقيقية هنا‪ ,‬ليست في دور الجماهير الفلسطينية والمناضلين الفلسطينيين‪ ,‬من أجل‬

‫تحرير فلسطين‪ ,‬واختيارهم النضال بكل أشكاله لتحقيق ذلك‪ ,‬بل في اإلطار الذي ُوضع فيه النضال‬ ‫الفلسطيني والرؤية األيديولوجية الرثة – كما عبرت عنها حركة فتح ثم لحقت بها كامل حركات وأحزاب‬

‫القوى الفلسطينية‪ -‬التي أوجدت تجمعاً متعصباً‪ ,‬مغلقاً‪ ,‬يعتبر نفسه متماي ازً عن محيطه العربي‪ ,‬ليس‬ ‫هذا فحسب‪ ,‬بل ومتفوقاً عليه ‪.‬‬

‫لقد سقط المنطق القومي المجرد الذي طرحته القوى القومية في المرحلة الماضية‪ ,‬على ضوء‬ ‫اإلشكاالت التي عاشتها هذه القوى وتعثُّر مسارها‪ ,‬ثم تفتتها واستئثار أقسام منها بكل إمتيازات‬

‫وتحول هذه األقسام إلى فئات كومبرادورية‪ ,‬وبالتالي عجزها عن تحقيق أهداف النضال‬ ‫السلطة‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪.‬‬ ‫وسقط معه المنطق القطري المتعصب على ضوء اإلشكاالت التي عاشتها المقاومة الفلسطينية‪,‬‬

‫والهزائم المتتالية التي لحقت بها إرتباطاً بأوسلو وما تالها من ناحية وبما يسمى بالقرار الفلسطيني‬

‫المستقل من ناحية ثانية‪.‬‬

‫نوحد بين األهداف القومية العامة واألهداف العملية (التي تسمى عادة قطرية‪ ,‬أو‬ ‫إذن كيف ِّ‬

‫المجرد والمنطق اإلقليمي المتعصب؟‬ ‫وطنية‪)...‬؟ ‪ ,‬وكيف نسقط المنطق القومي‬ ‫ّ‬ ‫إن حل مشكلة النضال القومي والقطري يقوم على أساس ربط هذه بتلك‪ ,‬بمعنى آخر‪ ,‬ربط النضال‬

‫القومي بالنضال الطبقي عبر االلتحام السياسي والتنظيمي بالجماهير الفقيرة وكل الكادحين الذين‬ ‫يشكلون السواد األعظم من شعوبنا العربية‪ ,‬وفي هذا الجانب نشير بوضوح إلى أهمية إبراز دور‬ ‫‪270‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫النضال التحرري والسياسي والديمقراطي في اإلطار القطري وانتشاره وتوسعه في أوساط الجماهير‬ ‫كشرط أولي لتقدم المشروع القومي على مستوى األمة‪ ,‬األمر الذي يتطلب تعميق الوعي بالضرورة‬

‫الموضوعية للخيار القومي الديمقراطي التقدمي كفكرة توحيدية ناظمة لكافة قوى اليسار العربي‪.‬‬

‫وفي هذا السياق علينا ان ندرك أن النضال القومي‪ ,‬بحاجة ألن يقف على أرجل حقيقية‪ .‬ولكي‬

‫يحقق ذلك يجب أن يرتبط بقضايا الجماهير‪ ,‬ولهذا فإن البرنامج القومي – المرتبط بوعي الفكرة‬

‫وااللتزام بها‪ -‬من الضروري أن يترجم في الواقع من خالل مهام محلية محددة‪ ,‬يسهم تحقيقها في‬

‫تحقيق البرنامج القومي (وهو ما يطلق عليه عادة بالمهام القطرية‪ ,‬أو البرنامج القطري)‪ .‬وبخصوص‬

‫توحد الجماهير الفلسطينية‪,‬‬ ‫قضية فلسطين‪ ,‬يكون شعار تحرير فلسطين هو القضية األساسية‪ ,‬التي ِّ‬

‫توحد كل المناضلين التقدميين العرب الذين يعملون من أجل تغيير وتجاوز واقعهم القطري كهدف‬ ‫كما ِّ‬ ‫ال ينفصل مطلقاً عن نضالهم من أجل تحرير فلسطين‪.‬‬

‫وعليه‪ ,‬فال خيار سوى خيار النضال القومي الديمقراطي‪ ,‬الذي يسعى لتحرير األرض المحتلة‪,‬‬

‫وأساسها فلسطين‪ ,‬وتحقيق الوحدة القومية‪ ,‬وتأسيس نظام عربي ديمقراطي بآفاقه االشتراكية يساهم‬

‫يحسن الظروف االقتصادية العامة‪,‬‬ ‫في تجاوز التخلف االقتصادي االجتماعي‪ ,‬ويلغي التبعية بما‬ ‫ِّ‬ ‫ويسهم في تجاوز حالة الفقر لدى الجماهير الشعبية‪ ,‬ويوفر لها الحاجات األساسية الضرورية‪.‬وحيث‬

‫تلعب الجماهير العربية دو ارً أساسياً في تحقيق هذا الخيار‪.‬‬

‫وهنا ال يكون مطلوباً من الجماهير الفلسطينية االنتظار‪ ,‬بل العمل من أجل تحرير فلسطين‪ ,‬وال‬

‫يكون َّ‬ ‫مقد ارً لها أن تكون معزولة عن النضال القومي‪ ,‬بل تصبح جزءاً أساسياً منه‪ .‬مما يسقط المنطق‬ ‫القومي المجرد والمنطلق القطري المتعصب‪ ,‬ويتوحد النضال العربي من خالل تنوع أهدافه‪.‬‬

‫وهنا يجب أن نعرف أن النضال العربي‪ ,‬بكل تعقيدات الوضع العربي المهزوم الراهن‪ ,‬يفرض‬

‫النضال على أكثر من جبهة‪ ,‬جبهة النضال السياسي والجماهيري والعسكري ضد االحتالل الصهيوني‪,‬‬ ‫وجبهة النضال الديمقراطي االقتصادي المطلبي واالجتماعي ضد كل أدوات ومظاهر االستغالل وكذلك‬

‫جبهة النضال السياسي من اجل التغيير الديمقراطي‪ ,‬كما أن كل ذلك يفرض تنوع أساليب النضال‬

‫ذاتها‪.‬‬

‫وبالتالي فإن آفاق نضال قطري فلسطيني معزول عن مسار النضال العربي وغير مرتبط به‪ ,‬لن‬

‫يكون قاد ارً على تحقيق أهدافه االستراتيجية‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم فإن الدعوة إلى الحوار بهدف ايجاد آلية حوار فكري‪ ,‬حول كل القضايا السياسية‬

‫واالقتصادية والمجتمعية القومية واإلنسانية‪ ,‬إنما تهدف إلى بلورة البرنامج العام لقوى اليسار القومي‬

‫العربي بكثير من الهدوء والتدرج والعمق‪ -‬الهادفة إلى توفير العوامل المؤدية إلى والدة واعالن حركة‬ ‫اليسار القومي العربي الموحد‪ ,‬في الزمان والمكان المناسبين‪ ,‬سواء في المرحلة الراهنة‪ ,‬أو في‬ ‫‪272‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المستقبل‪ ,‬رغم كل الصعوبات والتعقيدات التي تفرضها الهجمة العدوانية الصهيونية اإلمبريالية على‬ ‫امتنا من جهة‪ ,‬ورغم ما يعتري هذه المرحلة من ادعاءات القوى الليبرالية الهابطة تجاه ضرورات‬

‫المنهج الجدلي والنظرية الماركسية وراهنيتها من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪273‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫انسداد أفق النضال الفلسطيني الراهن ومستقبل اليسار‬

‫‪32 / 6 / 3102‬‬

‫في ظل موازين القوى الدولية والعربية المختلة لصالح التحالف اإلمبريالي الصهيوني وموقفه‬

‫التصور الصهيوني يتمسك بالءات‬ ‫النقيض من ثوابت وأهداف شعبنا الوطنية‪ ,‬فقد بات واضحاً‪ ,‬ان‬ ‫ّ‬ ‫خمسة هي‪ :‬ال انسحاب من القدس‪ ,‬ال انسحاب من وادي األردن‪ ,‬ال إزالة للمستوطنات‪ ,‬ال عودة‬ ‫لالجئين‪ ,‬وال للدولة الفلسطينية المستقلة‪ ,‬األمر الذي يفرض على قوى اليسار الفلسطيني ‪ ,‬بمثل ما‬

‫يفرض أيضاً على كافة القوى الثورية الديمقراطية العربية أعباء ومسئوليات كبرى ارتباطاً بدورها في‬

‫المرحلة الراهنة عموماً ودورها المستقبلي على وجه الخصوص‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬البد من التنبيه إلى أن خطوة االعتراف بحقوق السيادة السياسية لكل من‬

‫اإلسرائيليين والفلسطينيين‪ ,‬عبر حل الدولتين‪ ,‬هو حل أقرب إلى الوهم في ظل ميزان القوى المختل‬

‫راهناً‪ ,‬وال يشكل حالً أو هدفاً مرحلياً‪ ,‬وانما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة – تطبيقاً للرؤية‬

‫اإلسرائيلية األمريكية‪ ,‬التي تسعى إلى مسخ وتقزيم هذا المفهوم واخراجه على صورة "حكم ذاتي‬

‫موسع" أو "دويلة مؤقتة‪ ,‬مفتتة‪ ,‬ناقصة السيادة" أو تقاسم وظيفي أو أي مسمى آخر ال يرقى أيداً إلى‬ ‫مستوى الدولة ذات السيادة‪ .‬ما يعني بالنسبة للقوى الرافضة ألوسلو مراجعة رؤيتها للحل المرحلي في‬

‫ضوء نتائج العملية السياسية طوال السبعة عشر عاماً الماضية‪ ,‬واآلثار السياسية والمجتمعية الضارة‬

‫المترتبة عليها في أوساط شعبنا في الوطن والشتات‪ ,‬وذلك انطالقاً من الرؤية الوطنية والقومية‬ ‫للصراع العربي اإلسرائيلي‪ ,‬بعد أن تبين بوضوح صارخ االنحياز اإلمبريالي الصريح والمباشر لحساب‬

‫الشروط اإلسرائيلية‪ ,‬إلى جانب الرضوخ واالرتهان العربي الرسمي للشروط األمريكية‪ ,‬في موازاة‬

‫هشاشة طروحات سلطة الحكم اإلداري الذاتي وقيادة م‪.‬ت‪.‬ف التي دأبت على تقديم مسلسل التنازالت‬

‫منذ عام ‪ 0662‬إلى اليوم‪ ,‬عبر مصيدة تفاهمات جديدة لن تخدم سوى المصالح الطبقية الخاصة‬

‫للطغمة القيادية المتنفذة‪ ,‬ناهيكم عن استمرار االنقسام الوطني والمجتمعي الراهن بين حركتي فتح‬ ‫وحماس‪ ,‬الذي يعني استمرار غياب اإلستراتيجية الوطنية التوحيدية ‪.‬‬

‫إن المرحلة الراهنة بكل محدداتها ومتغيراتها العربية واإلقليمية والدولية تشير بوضوح إلى أن آفاق‬

‫النضال القطري الفلسطيني مسدودة‪ ,‬بعد أن بات واضحاً أن الخيار الذي قام على أساس أنه يمكن أن‬

‫يحصل الفلسطينيون على دولة مستقلة‪ ,‬كان وهماً قاد إلى النهاية التي نعيشها‪ ,‬أي دمار المقاومة‬

‫وتوسع السيطرة الصهيونية على األرض‪ ,‬وأيضاً انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية‪ ,‬وتفكك النظام‬ ‫السياسي الفلسطيني ومعه تفككت أوصال المجتمع الفلسطيني الذي يبدو أنه ينقسم إلى مجتمعين‪,‬‬ ‫أحدهما في الضفة واآلخر في غزة‪ ,‬في ظل أوضاع تشير إلى أن البنية والنهج – المتحكمان‪ -‬بدرجة‬

‫‪274‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫واسعة في صيرورة الحركة التحررية الفلسطينية‪ ,‬يعانيان من أزمات مستعصية مرتبطة إما باليمين‬

‫السياسي ‪ /‬فتح أو اليمين الديني ‪ /‬حماس أو بكالهما معاً في حال "المصالحة" بين طرفيهما‪ ,‬وهنا‬

‫بالضبط تتجلى مهمة اليسار الماركسي ‪ ,‬في إدراك طبيعة المرحلة والقوى المؤثرة فيها‪ ,‬ومن ثم –‬

‫وهذا هو األهم– العمل على استنهاض وبناء أوضاعنا الذاتية بحيث يصبح التطابق والتفاعل بين‬ ‫الهوية الفكرية لفصائل وأحزاب اليسار وسياساتها ‪-‬الوطنية والقومية واألممية‪ -‬ودورها النضالي‪,‬‬

‫التحرري والديمقراطي قائماً ومنسجماً‪ ,‬بما يضمن تمايزها في الفكر والسياسة والمجتمع‪ ,‬بعيداً عن‬ ‫كافة المواقف التوفيقية أو االنفعالية من ناحية‪ ,‬ونقيضاً سياسياً وديمقراطياً لقوى اليمين في كل من‬

‫السلطة الفلسطينية والتيارات الدينية من ناحية ثانية‪ ,‬واألهم هو التعبير عن جوهر القضية الفلسطينية‬ ‫في اطار التناقض التناحري مع المشروع االمبريالي الصهيوني‪.‬‬

‫إن الوضع الفلسطيني اآلن يفرض علينا المراجعة الجدية الهادئة والمعمقة لكافة األفكار التي‬

‫طُرحت خالل العقود الثالث الماضية‪ ,‬بعد أن بات الحل المطروح مذاك والقائم على أساس الدولة‬

‫المستقلة‪ ,‬أسي ارً للشروط األمريكية اإلسرائيلية‪ ,‬في ظل ما وصلت إليه أوضاعنا الداخلية‪ ,‬وفي ظل‬ ‫االعتراف العربي الرسمي المتزايد بالوجود اإلسرائيلي‪.‬‬

‫فبالرغم من تأكيد بعض فصائل اليسار ‪ ,‬وخاصة الجبهة الشعبية ‪ ,‬في سياق رؤيتها وقبولها للحل‬

‫المرحلي‪ ,‬التي تقوم على أن هذا الحل لن يلغي الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني في أرض وطنه‬

‫فلسطين ‪.‬‬

‫إال أن ما وصلت إليه قضيتنا في المرحلة الراهنة من تراجع خطير‪ ,‬ليس فقط بسبب الوضع العربي‬

‫الرسمي التابع والخاضع للسياسات األمريكية‪ ,‬وليس بسبب احتدام الصراع الداخلي بين فتح وحماس‬

‫وآثاره الضارة على قضيتنا ومستقبلها فحسب‪ ,‬بل أيضاً‪ ,‬وهذا هو األساس بسبب الموقف الدولي‬

‫عموماً والموقف األمريكي خصوصاً‪ ,‬الداعم بال حدود للدولة الصهيونية باعتبارها الحليف االستراتيجي‬

‫له في المنطقة العربية واإلقليم الشرق أوسطي‪.‬‬

‫ونتيجة لكل هذه المعطيات يمكن القول بأن شعبنا الفلسطيني لمس بـ "المحسوس" في هذه المرحلة‬

‫البالغة الخطورة‪ ,‬أن ال حل وسط مع الدولة الصهيونية‪ ,‬فهي لن توافق على قيام دولة فلسطينية كاملة‬

‫السيادة على األرض المحتلة عام ‪ , 0697‬خاصة وأن قيادة م‪.‬ت‪.‬ف استمرأت – انطالقاً من‬ ‫مصالحها الطبقية – السير في المفاوضات العبثية مع العدو طوال ‪ 07‬عاماً مضت‪ ,‬انتقلنا عبرها من‬

‫قاع إلى قاع أشد عمقاً وانسداداً‪ ,‬وهنا بات شعبنا –في ظل حالة تراكمية من القلق واإلحباط‪ -‬في‬

‫تناقض مع جوهر سياسات م‪.‬ت‪.‬ف بعد ان اعترفت رسمياً بإسرائيل دون أي مقابل‪ ,‬وهو أيضاً في‬ ‫تناقض مع السلطة وحكومتها غير الشرعية في رام اهلل‪ ,‬بمثل ما هو في تناقض باتت تراكماته‬

‫التدرجية واضحة للعيان مع حكومة حماس غير الشرعية في غزة‪ ,‬كما أن الالجئين من أبناء شعبنا‬

‫في الوطن والشتات‪ ,‬باتوا يشعرون –في ظل حالة شبه يائسة تسود في أوساطهم‪ -‬بأن االنقسام‬ ‫‪275‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والصراع الفئوي الراهن بين فتح وحماس قد تركهم بعد أن استغل دورهم النضالي وشهداؤهم‪ ,‬وبالطبع‬

‫فإن األمر بالنسبة ألبناء شعبنا في األراضي الفلسطينية عام ‪ 21‬بات أكثر سوءاً بصورة غير‬

‫مسبوقة‪.‬‬

‫لقد قامت صيغة م‪.‬ت‪.‬ف على أساس تحالف قوى مختلفة بهدف تحرير فلسطين‪ .‬واذا كانت قيادة‬

‫حركة فتح تعتبر أنها القائدة ألنها "فجرت المقاومة"‪" ,‬أطلقت الرصاصة األولى"‪ ,‬فقد إنبنى القبول‬

‫نمر بمرحلة تحرر وطني تقتضي قيادة "البرجوازية"‪ .‬وبالتالي فقد‬ ‫بقيادتها وبهيمنتها على فكرة أننا ّ‬ ‫قبلنا التعامل مع هذه القيادة‪ ,‬لكننا فشلنا في وقف آلياتها للسيطرة على القرار السياسي‪ .‬لكن ظل‬

‫هدف التحرير هو الموحد والمبرر لهذه العالقة التي تكونت في إطار م‪.‬ت‪.‬ف‪ .‬وهذا ما أوصلنا إلى ما‬ ‫نحن فيه‪ ,‬ألن هذه القيادة المهيمنة انتقلت من السعي لتحرير فلسطين إلى الحل المرحلي وفق أوسلو‬

‫ثم إلى القبول باتفاقات وآي ريفر وشرم الشيخ وتفاهمات "ميتشيل" و"تينيت" وصوالً إلى " خارطة‬

‫الطريق " و "رؤية بوش " و"باراك أوباما" دون أي أفق للتقدم صوب الحل العادل‪ ,‬بل المزيد من بناء‬ ‫المستوطنات والجدار ومصادرة األراضي والتوسع الصهيوني في الضفة الغربية‪ ,‬وكل هذه الخطوات أو‬

‫التراجعات الخطيرة تمت بالتوافق والتكيف بين قيادة م‪.‬ت‪.‬ف والبلدان العربية الرجعية والتابعة ‪.‬‬

‫في ضوء ذلك نسأل مجدداً‪ ,‬هل ظل مفهوم مرحلة التحرر في ظل قيادة م‪.‬ت‪.‬ف صحيحاً؟ وهل‬

‫ظلت التقاطعات مع هذه الفئة هي ذاتها؟ إذا كان فهم مرحلة التحرر الوطني خاطئ من األساس ألنه‬

‫كان ينطلق من "ضرورة قيادة البرجوازية"‪ ,‬فإن الوضع الراهن يفرض –عبر النقاش والحوار الداخلي‪-‬‬ ‫إعادة نظر جذرية فيه من جهة‪ ,‬وفي القوى التي قادته من جهة أخرى‪ .‬فهل ظلت قيادة فتح‪ /‬السلطة‬ ‫معنية بالتحرير؟ لقد أصبحت سلطة وتمارس على هذا األساس‪ ,‬ومصالحها الخاصة هي التي باتت‬

‫تحركها وليس القضية الوطنية‪ .‬واعترفت بالدولة الصهيونية متنازلة عن ‪ %11‬من فلسطين وأكثر‪..‬‬ ‫وهي خاضعة للواليات المتحدة والدول المانحة ومربوطة مالياً بها ‪.‬‬

‫وهي أيضاً‪ ,‬على استعداد للتنازل عن قضية الالجئين‪ ,‬وهي مستمرة في سياسة التفاوض العبثي‬

‫التي أعطت الدولة الصهيونية كل الوقت من أجل إكمال السيطرة على األرض واكمال الجدار والتحكم‬ ‫بالضفة الغربية‪ ,‬وسمحت –بوعي مع سبق اإلصرار‪ -‬بتشكيل أجهزة أمنية هي في خدمة الواليات‬ ‫المتحدة والدولة الصهيونية‪ ,‬عالوة على قبول سلطة رام اهلل في سبتمر‪ 3101‬على الدخول في‬

‫مفاوضات مباشرة مع حكومة نتنياهو األكثر يمينية وعنصرية في تاريخ دولة العدو اإلسرائيلي ‪ ,‬دون‬ ‫أي مرجعيات تحفظ للشعب الفلسطيني الحد األدنى من حقوقه ‪ ,‬بل على النقيض من ذلك ‪ ,‬وافقت‬

‫السلطة الفلسطينية على مبدأ يهودية الدولة ‪ ,‬إلى جانب استعدادها القبول بحق اليهود التاريخي في‬

‫فلسطين إذا ما تم االعتراف بدولة فلسطينية على ما تبقى من أراضي الضفة والقطاع ‪.‬‬

‫أما بالنسبة لحركة حماس‪ ,‬ويمكن أن نتحدث طويالً عن حماس‪ ,‬لكن يمكن القول بأنها تحمل‬

‫مشروعاً آخر‪ ,‬يرى األمور من زاوية أصولية دينية تفرض عليها موضوعياً‪ ,‬ان تخضع لمنطق‬ ‫‪276‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أيديولوجي ُي َغلّب العقيدة على ما عداه‪ ,‬بحيث تسعى إلى إحالل هوية اإلسالم السياسي محل الهويتين‬ ‫الوطنية والقومية‪ ,‬وكل ذلك في سياق ترابطها العضوي المباشر وغير المباشر مع شرائح وفئات‬ ‫كمبرادورية ومالية وعقارية وطفيلية‪ ,‬فهي إذن‪ ,‬في الجوهر ال تختلف عن الطبيعة الطبقية لقيادة‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,‬وان اختلف الشكل السياسي الظاهري بينهما‪ ,‬بهدف استمرار الصراع والتفاوض علناً‪ ,‬كما‬ ‫هو الحال مع قيادة فتح و م‪.‬ت‪.‬ف‪ ,‬أو س ارً كما هو حال حركة حماس‪ ,‬التي يبدو أن الفرصة باتت‬

‫مهيأة لها –بعد لي عنقها أو تقديم التنازالت المطلوبة منها‪ -‬للتمدد في الضفة الغربية إذا ما أقدمت‬

‫على تلك التنازالت تحت غطاء اإلسالم السياسي المعتدل‪ ,‬وعلى قاعدة فقهية تقول إن الضرورات تبيح‬

‫المحظورات (حسب الشيخ القرضاوي) بما يحقق هدف الواليات المتحدة واسرائيل في إسدال الستار‬

‫على م‪.‬ت‪.‬ف لحساب مشهد اإلسالم السياسي المعتدل الجديد‪.‬‬

‫بارزً في المقاومة‪ ,‬فقد أصبحت معنية اليوم بتعزيز سلطتها بعد أن‬ ‫واذا كانت حماس قد لعبت دو ارً ا‬

‫أصبحت في الحكومة‪ ,‬وأن تجلب االعتراف العربي والدولي واألمريكي واإلسرائيلي بها كقوة سياسية‬

‫مشروعة قادرة على فرض اإلستقرار واألمن بعد أن قدمت البرهان في قطاع غزة‪ ,‬ولقد هيأت لذلك‬

‫بالقبول في دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة‪.‬‬

‫نستنتج من كل ذلك‪ ,‬أن التجربة السياسية الفلسطينية منذ مدريد وواشنطن وأوسلو إلى االنقسام‬

‫الراهن‪ ,‬أوضحت فشل السياسة التي قامت على شعار العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة‬

‫وعاصمتها القدس‪ ,‬والقائمة على ق اررات الشرعية الدولية‪ ,‬إضافة إلى أن قيام هذه "الدولة" مرتبط‬ ‫بالتخلي عن حق العودة وتقرير المصير بالقبول بما تقرره الدولة الصهيونية مدعومة من قبل‬

‫اإلمبريالية األميركية‪.‬‬

‫وبالتالي فإن موقف اليسار الماركسي‪ ,‬يجب أن ينطلق من الحقوق التاريخية في فلسطين التي‬

‫تفترض استعادة فلسطين بإنهاء الدولة الصهيونية‪ .‬هذه هي المسألة الجوهرية رغم ضخامتها‪ ,‬أو رغم‬ ‫التشكيك الذي يطالها ألن ميزان القوى اآلن ال يساعد على تحقيقها‪ .‬فنحن من يجب أن يعمل على‬

‫تعديل ميزان القوى لكي تصبح ممكنة‪ .‬وميزان القوى ليس مرتبطاً بالوضع الدولي‪ ,‬فهذا عنصر ثانوي‪,‬‬

‫بل مرتبط بقوى الشعب‪ .‬وعبر الترابط مع نضاالت الشعوب‪.‬‬

‫هذه هي النقطة التي يجب أن ننطلق منها‪ ,‬وهو األمر الذي يفرض الربط بكلية الوضع العربي‪ ,‬أي‬

‫بالنضال العربي ككل‪ ,‬شرط أن يكون النضال الفلسطيني في طليعته ‪ ,‬انطالقاً من أن الصراع هو‬ ‫صراع الطبقات الشعبية في الوطن العربي ضد السيطرة اإلمبريالية بما فيها الدولة الصهيونية كونها‬

‫أداة في مصلحة الشركات االحتكارية اإلمبريالية‪.‬‬

‫وبالتالي فإن المهمة الملحة هي إعادة بناء قوى اليسار‪ ,‬القوى الماركسية‪ ,‬الماركسية حقيقة‬

‫وليست تلك التي ال تعرف من الماركسية سوى بعض الشعارات التي يتم استخدامها بصورة انتهازية‬

‫‪277‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لحساب رام اهلل أو غزة‪ ,‬وهنا تتجلى أهمية وضوح الرؤية وفرضياتها األساسية التي تقوم –من وجهة‬ ‫نظرنا ‪ -‬على ما يلي‪:‬‬

‫‪ )0‬أن الصراع هو صراع الطبقات الشعبية العربية ضد السيطرة اإلمبريالية الصهيونية‪ ,‬والنظم‬

‫الكومبرادورية التابعة‪ .‬وهنا يجب أن يتحدد دور الطبقات الشعبية الفلسطينية في إطار هذه‬

‫الرؤية‪ /‬اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪ )3‬أن ال حل في فلسطين إال عبر إنهاء الدولة الصهيونية في إطار الصراع العربي العام‪ .‬وأن‬ ‫البديل هو دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية في اإلطار العربي‪.‬‬

‫‪ )2‬إعادة بناء العالقة مع الطبقات الشعبية الفلسطينية في كل مناطق تواجدها انطالقاً من هذه‬ ‫األسس‪ ,‬وتوحيد نشاطها من أجل النهوض بالنضال من جديد‪ ,‬وتفعيل نشاطها ضد االحتالل‬

‫بمختلف الوسائل الممكنة‪.‬‬

‫ذلك أن الضياع في تفاصيل الوضع اليومي لن تقود سوى إلى التأخر عن البدء من البداية‬

‫الصحيحة‪ ,‬وربما الفشل النهائي الذي سيفرز بدوره مزيداً من الفرص لقوى اليمين في فتح وحماس أو‬ ‫كليهما صوب مزيد من التمدد واالنتشار‪ ,‬ما يعني إمكانية توفير المزيد من عوامل التراجع التنظيمي‬

‫والجماهيري‪ ,‬وهو أمر نرفضه بصورة كلية واثقين من إمكانية تجدد دور اليسار الطليعي في هذه‬

‫المرحلة وفي المستقبل إرتباطاً بإلتزامنا باألسس السياسية والفكرية والتنظيمية التي نؤمن بها ونناضل‬ ‫من أجل تحقيقها ‪.‬‬

‫‪278‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪1 / 01 / 3102‬‬

‫املاركسية والدين والعلمانية والدميقراطية‬

‫تقديم ‪:‬‬

‫رغم إن الفصائل واألحزاب الشيوعية والماركسية العربية‪ ,‬بحكم رؤيتها الفكرية وبرامجها السياسية‬

‫ودورها النضالي التاريخي منذ تأسيسها وحتى اللحظة الراهنة‪ ,‬إال أن سؤال الفلسفة عموما وسؤال ما‬

‫هي الفلسفة الماركسية وعالقتها بالدين خصوصا؟ ما زال متداوالً – بهذه الدرجة او تلك من الجدية‬ ‫والوعي أو التراجع أو االرتباك – بين معظم الرفاق أعضاء هذه الفصائل واألحزاب العربية‪ ,‬وما زال‬

‫النقاش حول هذا السؤال محموالً بالشكوك او اليقين العاطفي البعيد ‪-‬بمسافة نسبية بين هذا الرفيق‬ ‫او ذاك – عن امتالك الوعي بالفلسفة‪ ,‬وبالنظرية الماركسية وقوانينها ومقوالتها وجوهرها المادي‬

‫النقيض للفلسفة المثالية‪ ,‬ولكل األفكار والمفاهيم الغيبية او الميتافيزيقية‪ ,‬ما يعني ان هذه األحزاب‬

‫والفصائل تعيش عموماً حالة من االرتباك الفكري او فوضى األفكار‪ ,‬عززت وكرست – حتى اللحظة –‬

‫نوعاً من التفكك او التراجع في هويتها الفكرية لحساب "هويات" أو أفكار طارئة توفيقية وملتبسة أو‬

‫شكالنية ذات طابع وطني او قومي مبسط او مبتذل او ديني او ليبرالي مشوه ‪ ,‬على الرغم من ان‬

‫الماركسية – هوية أحزابنا الفكرية – نظرية علمية ال تحتمل أي شكل من أشكال التوفيق مع "الهويات"‬

‫األخرى المشار إليها‪ ,‬ألننا سنقع في هذه الحالة في مستنقع التلفيق الذي سيؤدي بنا صوب حالة من‬

‫التوهان والضياع الفكري‪ ,‬الذي سيؤدي بدوره إلى حالة من الهبوط السياسي ارتباطاً بغياب التحليل‬ ‫الطبقي الماركسي لمجريات الصراع والحركة‪ ,‬سواء على صعيد النضال الوطني التحرري ضد الوجود‬

‫اإلمبريالي‪/‬الصهيوني من ناحية‪ ,‬أو على صعيد النضال السياسي والصراع الطبقي الديمقراطي‬ ‫الداخلي في مجتمعاتنا العربية من ناحية ثانية‪.‬‬

‫وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجدداً‪ :‬ما هي الماركسية؟ وجوابنا الصريح والواضح ‪ ,‬ان‬

‫الماركسية هي نظرية علمية‪ ,‬بمعنى انها تتكون من مجموعة من القوانين والمقوالت والفرضيات‪ ,‬وهي‬

‫أيضا – وهذا هو المهم‪ -‬تنطوي على المنهج‪ :‬أي الطريقة او األسلوب‪ ,‬وهما األداة األساسية لكل‬

‫علم من العلوم‪ ,‬وفي هذا الجانب نؤكد على "أن الماركسية ليست "علماً" بالمعنى المعتاد للكلمة‪ ,‬واال‬

‫لكفى أي انسان –كما يقول الصديق جيلبير أشقر‪ -‬أن يدرسها في مدرسة أو جامعة ما ويتخرج‬ ‫بشهادة في "الماركسية" وهو أبعد ما يكون عن الماركسية الجوهرية‪ ,‬على غرار بعض خريجي‬ ‫الجامعات السوفياتية في زمن ما قبل اإلنهيار"‪.‬‬

‫فالماركسية قبل أن تكون علماً ‪ ,‬ولكي يكون جانبها العلمي في خدمة غاياتها األساسية إنما هي‬

‫موقف أخالقي بأعمق مفهوم األخالق ‪ ,‬فهي مبنية على منطلقات أخالقية تعتبر اإلنسان ومحيطه‬

‫‪279‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الطبيعي أعلى الغايات والقيم‪ ,‬وبالتالي العمل ألجل تحرير البشر الجماعي والفردي من كل أنواع‬

‫اإلضطهاد وتحقيق المساواة بينهم على اختالف اجناسهم وأعراقهم وألوانهم‪.‬‬

‫وهنا ال بد من التأكيد على الكيفية التي نتعاطى بها مع المنهج[‪ ]0‬الجدلي (الماركسي) في‬

‫الممارسة الحياتية‪ ,‬ليس من أجل التخلص من الرواسب االجتماعية الرجعية السائدة‪ ,‬بل أيضاً من‬ ‫أجل مراكمة ووعي منطلقات أخالقية تتفاعل بصورة جدلية خالقة مع إستراتيجية أحزابنا الثورية‬

‫ورؤيتها من أجل التحرر الوطني والديمقراطي والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية ‪ ,‬كاستراتيجية‬ ‫صوب التوحيد القومي العربي التقدمي الديمقراطي‪.‬‬

‫فالمنهج الماركسي أو الجدل المادي شأنه شأن منهج العلم‪ ,‬يهدف لتطوير النظرية لكي توجه‬

‫الممارسة الحياتية التي بدورها تطور وتغني النظرية‪ ,‬وهذا بالضبط ما قصده "كارل ماركس" بقوله‬

‫"إنني لم أضع إال حجر الزاوية في هذا العلم " ما يؤكد على أن نظرية المعرفة الماركسية هي جزء من‬ ‫صيرورة حركة الحياة ومتغيراتها التي ال تعرف الجمود او التوقف‪ ,‬وال تعرف الحقيقة النهائية‪ ,‬ما يعني‬

‫بوضوح شديد رفضنا التعاطي مع الماركسية في إطار منهج أو بنية فكرية مغلقة أو نهائية التكوين‬

‫والمحتوى‪ ,‬بل يتوجب علينا ان نتعاطى معها كمنهج او بنية فكرية تتطور دوماً مع تطور المجتمعات‬ ‫واالنجازات واالكتشافات العلمية في جميع مجاالت الحياة وحقائقها الجديدة‪ ,‬إذ أن الماركسية تكف عن‬

‫ان تكون نظرية جدلية‪ ,‬إذا ما تم حصرها في إطار منهجي منغلق أو في ظروف تاريخية محددة‪,‬‬ ‫وبالتالي علينا أن ندرك أن االنغالق أو الجمود هو نقيض لجدل الماركسية التطوري كما هو نقيض‬

‫لمنهجها وثقافتها ومشروعها اإلنساني الهادف إلى بلوغ الحرية الحقيقية التي تتجسد في العدالة‬

‫االجتماعية واالشتراكية والتحرر الشامل لإلنسان‪ ,‬من كل مظاهر القهر واالستغالل واالضطهاد‬

‫والتبعية‪.‬‬

‫أما بالنسبة للحديث عن الموقف المادي الفلسفي للماركسية‪ ,‬فهذا يعني أن المادية الماركسية‬

‫تعني أن العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي اإلنساني أو غيره؛ وأن معرفة العالم الواقعي‬

‫ممكنة وان لم تكن مطلقة؛ وأن الفكر البشري هو الذي ينشأ من العالم المادي‪ ,‬وليس العكس‪.‬‬

‫ووفقا لفريدريك انغلز في كتابه “لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكالسيكية األلمانية”‪:‬‬

‫“إن المسألة الكبرى األساسية لكل فلسفة‪ ,‬وخاصة الفلسفة الحديثة‪ ,‬هي العالقة بين الفكر والوجود‪,‬‬

‫وقد انقسم الفالسفة حسب تبنيهم لهذه اإلجابة أو تلك إلى معسكرين كبيرين‪ .‬أولئك الذين يؤكدون‬

‫أولوية الفكر على الطبيعة‪ ,‬ويعترفون بالتالي في نهاية المطاف‪ ,‬بحدوث العالم… وهؤالء يشكلون‬ ‫معسكر المثالية‪ ,‬واآلخرين الذين يعتبرون الطبيعة القوة األصلية‪ ,‬وهم ينتمون إلى مختلف مدارس‬

‫المادية” [‪. ]3‬‬

‫فالمادية الماركسية‪ ,‬مختزلة في عناصرها األساسية‪ ,‬تعني قبول القضايا التالية ‪:‬‬

‫‪ .0‬العالم المادي موجود بشكل مستقل عن الوعي اإلنساني ‪.‬‬ ‫‪281‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .3‬معرفة العالم الواقعي‪ ,‬حتى لو لم تكن كاملة أو مطلقة‪ ,‬ممكنة‪ ,‬وبالتالي فإن كل شيء يمكن‬ ‫معرفته‪.‬‬

‫‪ .2‬البشر جزء من الطبيعة‪ ,‬لكنهم يشكلون جزءاً متمي ازً‪.‬‬

‫‪ .2‬العالم المادي ال ينشأ‪ ,‬في المقام األول‪ ,‬من الفكر البشري؛ بل إن الفكر البشري هو الذي ينشأ‬ ‫من العالم المادي‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب يقول ماركس وأنجلز في كتاب “الفلسفة األلمانية” إن “الناس هم منتجو‬

‫تصوراتهم وأفكارهم وهم أناس حقيقيون فاعلون ومشروطون بحد تطور قواهم اإلنتاجية‪ ,‬وال يمكن‬

‫للوعي أن يكون أي شيء أبدا‪ ,‬سوى الوجود الواعي‪ ,‬وخالفا للفلسفة المثالية األلمانية التي تنزل من‬

‫السماء إلى األرض فإننا نصعد هنا من األرض إلى السماء”[‪.]2‬‬ ‫الماركسية والدين ‪:‬‬

‫الماركسية كنظرية علمية‪ ,‬فلسفية ‪ ,‬تاريخية‪ ,‬اجتماعية واقتصادية‪ ,‬تسعى إلى تفسير كافة‬

‫الظواهر الطبيعية والمجتمعية‪ ,‬بمنهجية علمية وموضوعية من أجل تغييرها‪ ,‬وهنا يندرج الدين ضمن‬

‫هذه الظواهر‪ ,‬فالماركسية تدعو إلى التفسير العلمي الموضوعي للدين‪ ,‬فال يكفي النظر إلى الدين‬

‫ككل‪ ,‬أو إلى أي دين‪ ,‬على أنه مجرد وهم أو إيمان بالقضاء والقدر أو موقف غيبي استحوذ على‬ ‫عقول الماليين من الناس لعدة قرون‪ .‬فهي تتطلب تحليال للجذور االجتماعية للدين في العموم‪,‬‬

‫ولمعتقدات دينية محددة بذاتها‪ ,‬وفهم االحتياجات اإلنسانية الحقيقية‪ ,‬االجتماعية منها والنفسية‪,‬‬

‫والظروف التاريخية الفعلية التي تطابق تلك المعتقدات والمذاهب‪.‬‬

‫فعلى الماركسي أن يكون قاد ار على فهم كيف كان االيمان واالعتقاد الديني –وما زال في‬

‫مجتمعاتنا العربية وفي البلدان المتخلفة‪ -‬ملهماً للناس عموماً وللفقراء خصوصاً‪ ,‬في تمردهم على‬

‫استعبادهم واضطهادهم أو في صبرهم على ظلمهم ومعاناتهم في انتظار اآلخرة !!‬

‫انطالقاً من فهمنا للماركسية ‪ ,‬فإننا نرى أنها طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته عموماً وبكل‬

‫خصوصياته المرتبطة بالصراع الطبقي االجتماعي من أجل انعتاق العمال والكادحين وكل الفقراء‬

‫والمضطهدين في إطار العدالة االجتماعية القائمة على المساواة بين البشر ‪ ,‬إلى جانب انها ال تسعى‬

‫–وليست معنية‪ -‬باإلساءة إلى المشاعر الدينية الكامنة في أوساط الجماهير الشعبية‪ ,‬بل على العكس‬ ‫تؤكد على ضرورة احترام تلك المشاعر ‪ -‬على النقيض مما يروج له دعاة اإلسالم السياسي والقوى‬

‫تطور وعي البشر في‬ ‫الرأسمالية والرجعية واالمبريالية – فالماركسية تنظر إلى الدين بوصفه جزءاً من ّ‬ ‫تطو ارً‬ ‫محاولتهم فهم واقعهم‪ ,‬وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه‪ ,‬وأنه ش ّكل –في مراحل تاريخية معينة‪ّ -‬‬ ‫كبي ارً في مسار الفكر‪ ,‬وانتظام البشر في الواقع‪ ,‬وهي بهذا الموقف تتقاطع مع جوهر األفكار التي‬

‫أسست النتشار المبادئ والقيم الناظمة لجميع الديانات التي ظهرت بعد مرور أكثر من مليون سنة‬ ‫‪280‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫على وجود اإلنسان في هذا الكوكب‪ ,‬انعكاساً لشعوره بالخوف‪ ,‬أو العجز‪ ,‬عن تفسير الظواهر الطبيعية‬ ‫وغيرها المحيطة به‪ ,‬ومن ثم قام بعبادتها ‪ ,‬فقد عبد النار أو الشمس أو القمر أو النهر أو بعض‬

‫الحيوانات ‪ ,‬وصنع لها التماثيل أو قام برسمها ونحتها على الصخور التي أصبحت جزءاً من التراث‬ ‫الديني القديم‪ ,‬عبر آثارها الموجودة اليوم في مصر واليونان والصين والهند والمكسيك والعديد من‬

‫البلدان في أفريقيا وأمريكا الالتينية ‪ ,‬حيث تميزت تلك المرحلة بما عرفته البشرية من تعدد اآللهة أو‬

‫تعدد العبادات‪ ,‬جنباً إلى جنب مع االيمان باألساطير التي سادت وانتشرت طوال أكثر من خمسة آالف‬ ‫عام ‪ ,‬حتى ظهور فكرة اإلله الواحد عند "اخناتون" في الحضارة الفرعونية في مصر‪ ,‬قبل ظهور‬

‫الديانات التوحيدية‪ ,‬أو ما يعرف بالديانات السماوية‪ ,‬التي تتحدث عن إله واحد لهذا الكون‪ ,‬وكان‬ ‫أولها الديانة اليهودية التي ظهرت قبل حوالي ‪ 2361‬عام‪ ,‬ثم المسيحية قبل ‪ 3102‬عام ثم اإلسالم‬

‫قبل ‪ 0222‬عام ‪ ,‬وهي أديان ظهرت كامتداد وتقاطع مع ما سبقها من خلفيات أسطورية وتراثية ‪,‬‬

‫ولعبت دو ارً مهماً في توضيح المعتقد الديني لهذا الدين أو ذاك‪ ,‬فهي دوماً جزء من الدين مرتبطة به‪,‬‬ ‫مكونة من فلسفة أفالطونية حديثة‪ ,‬من أفكار وثنية يونانية‪ ,‬كذلك‬ ‫فالمسيحية نشأت على أرضية َّ‬ ‫اإلسالم‪ ,‬ظهر في بيئة ثقافية كانت تضج بالمعتقدات واألفكار (الحنفاء والدهريون واليهود والنصارى‬

‫والوثنية أو عبادة األصنام) ؛ وكان ظهوره في فترة من أخصب فترات الفكر اإلنساني‪ :‬كانت الحضارات‬

‫تتمازج‪ ,‬تتالقح‪ ,‬تتفاعل‪ ,‬وتتحاور‪" .‬فلوال المسيحية واليهودية ووثنية الجزيرة العربية‪ ,‬مثالً‪ ,‬وكذلك‬ ‫تأثير الزرادشتية والمانوية‪ ,‬لما ظهرت تعاليم اإلسالم على الشكل الذي ظهرت عليه‪ ,‬فلو أخذنا مثال‬

‫قصة هابيل وقابيل في التوراة وفي القرآن‪ ,‬نجد لها أصالً‪ ,‬أو ما يشابهها‪ ,‬في األسطورة السومرية‪ ,‬ما‬ ‫يعني أن هذه الكتب السماوية استلهمت بعض القصص من األساطير"[‪.]2‬‬

‫ومما ال شك فيه أن لألسطورة أيضاً‪ ,‬قيمة تاريخية ومعنوية‪ ,‬من ناحية تأثيرها في تشكل الوعي‬

‫اإلنساني في مراحله األولى‪ ,‬وفي تأثيرها واسهامها في صياغة نصوص الديانات التوحيدية التي‬

‫ظهرت بعد أكثر من مليون عام على ظهور المجتمعات البشرية‪ ,‬حيث وجدت قبل حوالي خمسة‬ ‫آالف عام في مصر الفرعونية (اخناتون)‪ ,‬ثم في بالد الشام (اليهودية)‪ ,‬ثم اليونان والحضارة‬

‫االغريقية‪ ,‬ثم االمبراطورية الرومانية التي تخلت عام ‪ 222‬عن دياناتها المرتبطة بالفلسفة‬ ‫األفالطونية المحدثة لحساب الديانة المسيحية الجديدة التي عززت بدورها مصالح النخب الطبقية‬

‫الحاكمة في االمبراطورية‪.‬‬

‫أما عن تاريخ الديانة المسيحية ‪ ,‬فهو سابق على تاريخ اإلسالم‪ ,‬إال أن مسيرته لم تختلف عن‬

‫مسيرة التاريخ اإلسالمي من حيث انتشاره –في البداية‪ -‬في أوساط الفقراء والعبيد ‪ ,‬فقد كانت‬

‫المعتَقين والفقراء‬ ‫المسيحية في األصل حركة‬ ‫َ‬ ‫مضطهدين‪ ,‬ظهرت للمرة األولى على أنها دين للعبيد و ُ‬ ‫والناس المحرومين من جميع الحقوق‪ ,‬وكذلك كل الشعوب التي قهرتها أو استبدت بها روما‪ ,‬وكان ال‬ ‫بد النتفاضات الفالحين والعبيد والمسحوقين‪ ,‬ولجميع الحركات الثورية في العصور الوسطى‪ ,‬أن‬ ‫‪282‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ترتدى قناع الدين بالضرورة‪ ,‬وقد بدت وكأنها استعادة للمسيحية األولى إثر ما أصابها من انحطاط‬

‫متزايد‪ ,‬ولكن التمجيد الديني كان يخفي بانتظام مصالح دنيوية ملموسة “[‪.]2‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬تؤكد جميع المراجع التي تناولت تاريخ نشوء ما يعرف بـ"األديان السماوية" أن‬

‫نشأة وظهور األديان ارتبطت أساساً بالجماهير المسحوقة أو جماهير العبيد والفقراء لتحريضهم على‬ ‫واقعهم والثورة عليه وتغييره ‪ ,‬ولنا في ثورة العبيد بقيادة " سبارتاكوس" وثورات فقراء المسلمين في‬

‫عهد عثمان ثم ثورة الزنج والقرامطة وغيرها تأكيداً لهذا التحليل‪ ,‬عالوة على أن الدعوة المحمدية‬ ‫اإلسالمية‪ ,‬انطلقت في بداياتها وسنواتها األولى في أوساط فقراء العرب في شبه الجزيرة العربية ‪,‬‬

‫وكانوا بمثابة العنصر الرئيسي في حماية الدعوة والدفاع عن مضامينها ضد أثرياء وسادة قريش‪ ,‬لكن‬

‫طهرانية الدعوة اإلسالمية ومثاليتها‪ ,‬لم تستطع الصمود والديمومة سوى لفترة قصيرة‪ ,‬انتهت بوفاة‬

‫الخليفة العادل عمر بن الخطاب‪ ,‬ومن ثم والية عثمان بن عفان الذي شارك في قيادة عملية التحول‬

‫بالدعوة اإلسالمية وتوجيهها لحساب مصالح أثرياء القبائل العربية عموماً وأثرياء قريش وبني أُمية‬ ‫على وجه الخصوص‪ ,‬وبعد وفاته تكرست هذه المصالح الطبقية والسياسية بصورة بشعة –في الدولة‬

‫األموية‪ -‬عندما قرر معاوية ابن أبي سفيان –بعد انتصاره على علي بن أبي طالب‪ -‬توريث الحكم‬

‫إلى ولده يزيد‪ ,‬األمر الذي يتناقض كلياً مع جوهر وشكل الدين اإلسالمي‪ ,‬بحيث باتت عملية التوريث‬ ‫سمة أساسية لجميع الحكام أو "الخلفاء" في الدولة األموية والعباسية والى يومنا هذا‪ ,‬ال لشئ سوى‬ ‫تأكيد المصالح العليا للطبقات والشرائح الثرية وضمان بقاءها واستمرار سيطرتها على حساب االغلبية‬

‫ض عليهم الصبر على مظالمهم‪ ,‬انتظا ارً لآلخرة‪ ,‬وفق ما كان‬ ‫الساحقة من فقراء المسلمين الذين فُ ِر َ‬ ‫يروجه "مشايخ وفقهاء" السلطان أو الخليفة‪ ,‬الذين مازالوا في أيامنا هذه يروجون نفس الخطابات‬ ‫لحساب هذا األمير أو الملك أو الرئيس أو الحاكم دفاعاً عن مصالح األغنياء وضد مصالح ومستقبل‬

‫الفقراء والمقهورين‪.‬‬

‫ولنا في مشهد اإلسالم السياسي المنتشر اليوم في بالدنا عبر حركة اإلخوان المسلمين والحركات‬

‫األصولية والسلفية الرجعية خير مثال على هذه الممارسات والمواقف التي ال تتناقض أبداً مع‬ ‫السياسات اإلمبريالية في موازاة الدعوة إلى مهادنة دولة العدو الصهيوني من ناحية‪ ,‬والصمت الكامل‬ ‫على السياسات االقتصادية االستغاللية الرأسمالية التابعة التي أدت إلى تزايد الفجوات بين األغنياء‬

‫والفقراء دونما أي حديث أو مخرج للمحرومين وللمظلومين سوى اللجوء إلى السماء ووعد اآلخرة!!‬

‫وهنا بالضبط علينا –كأحزاب وفصائل ماركسية وشيوعية‪ -‬أن نبحث بوعي وعمق كبيرين عن‬

‫الجذور العميقة للدين في بالدنا العربية‪ ,‬التي تتمثل في الظروف االجتماعية المتردية للجماهير‬

‫الكادحة‪ ,‬وعجزها عن مواجهة أنظمة االستغالل والقمع واالستبداد والتخلف ‪ ,‬األمر الذي يفرض علينا‬

‫مزيداً من االندماج والتوسع في أوساط هذه الجماهير ‪ ,‬ونشر مبادئنا وأفكارنا وبرامجنا السياسية‬

‫‪283‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫واالجتماعية عبر وسائل الدعاية واالقناع الديمقراطية لالرتقاء بوعي الجماهير الشعبية الفقيرة وتطوير‬

‫كفاحها ونضالها ضد كل أشكال االستغالل واالضطهاد والتخلف‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب ‪ ,‬نقول ‪ :‬إن اإل نسان الفقير ‪ ,‬البسيط ‪ ,‬العفوي ‪ ,‬الذي يعيش في مجتمع متخلف‬

‫(كما هو حال مجتمعاتنا العربية)‪ ,‬يتأثر سلبا بمعطيات وموروثات قيم التخلف االجتماعي والغيبي‬ ‫تحديدا‪ ,‬وينشأ او يصبح أسي ار – بدون وعي – لهذه البنية االجتماعية المتخلفة ‪ ,‬بل ويصبح (بتأثير‬ ‫الخطاب الديني‪ ,‬والثقافي والسياسي واالجتماعي لألنظمة الحاكمة )‪ ,‬قوة فاعلة ومؤثرة في بنية‬

‫المجتمع المتخلفة‪ ,‬فهو يعزز هذه البنية ويدعم استقرارها بمقاومة تغييرها بصورة عفوية‪ ,‬نظ ار‬ ‫الرتباطها ببنيته النفسية المرتبطة بالبنية االجتماعية‪ ,‬المحكومة بدورها لألعراف والعادات والتقاليد‬

‫والغيبيات الموروثة ‪ ,‬العالقة إذن جدلية بين السبب والمسبب (البنية والنمط اإلنساني الذي ينتج‬

‫عنها) مما يحتم على المثقف الوطني المستنير عموما واليساري خصوصا ان يتحمل مسئوليته تجاه‬ ‫االنسان الفقير ومعايشته واالهتمام الشديد بقضاياه وهمومه ومعاناته وتوعيته وتحريضه ضد البنية‬

‫المتخلفة ورموزها الطبقية ليقوم بدوره في صنع مستقبله ‪.‬‬ ‫التنوير وتطور العلم وأثرهما على الدين ‪:‬‬

‫لقد لعب الوعي الديني‪ ,‬حسب كارل ماركس‪ ,‬أدوا ارً متناقضة‪ ,‬سلباً أو إيجاباً‪ ,‬فهو من جهة "زفرة‬

‫المضطهدين" في التعبير عن احتجاج الجماهير على الواقع‪ ,‬ومن جهة أخرى يساهم في "صياغة‬

‫الوهم"‪ ,‬بتوظيفه من جانب القوى االستغاللية إلدامة استغاللها‪ ,‬ولع ّل هذا الجانب الثاني هو المفهوم‬ ‫أن الوعي الديني كان هو السائد على أشكال الوعي‬ ‫سيما ّ‬ ‫الذي شاع عن رؤية ماركس للدين‪ ,‬ال ّ‬ ‫األخرى من فلسفة وعلوم وأخالق‪ ,‬وش ّكل الدين آنذاك الشكل الخارجي للصراعات االجتماعية‪.‬‬

‫انين الفيزياء الحركية والميكانيك‪ ,‬صدمة مؤثرة لعالم الغيب الذي‬ ‫وكان اكتشاف إسحاق نيوتن قو َ‬ ‫أن مثل‬ ‫ظ ّل الدين‬ ‫متمسكاً به‪ ,‬األمر الذي وضع هذه القوانين في إطار الدراسة والفهم والتطوير‪ ,‬ومع ّ‬ ‫ّ‬

‫هذه القوانين ال تلغي الحاجة إلى الدين والى الروحانيات لدى الجماهير العفوية‪ ,‬فقد أخذ نجم العلم‬ ‫يرتفع عالياً‪ ,‬وقد ترافق هذا األمر مع نظرية داروين واكتشافاته‪ ,‬في النصف الثاني من القرن التاسع‬

‫تطورت من أصل واحد بسبب طفرات جينية‬ ‫عشر‪ ,‬التي دعا فيها إلى اعتبار ّ‬ ‫أن الكائنات البشرية قد ّ‬ ‫ووراثية‪ ,‬األمر الذي يتعارض مع األطروحات الدينية التي تقول "كلّنا من آدم‪ ,‬وآدم من تراب"‪ ,‬وهكذا‬ ‫ارتفع رصيد العلم على حساب الدين في سياق تطور وتقدم المجتمعات األوروبية ‪ ,‬حيث نظر أوغست‬

‫كونت‪ ,‬مؤسس الفلسفة الوضعية‪ ,‬إلى الدين باعتباره استالباً فكرياً أما فيورباخ‪ ,‬الذي تأثر به ماركس‬ ‫في موقفه من الدين‪ ,‬فاعتبره استالباً أنثروبولوجياً (إنسانياً)‪ ,‬وذهب عالم النفس سيغموند فرويد إلى‬

‫اعتباره استالباً نفسياً‪ ,‬بل وهماً ُيصنع في العقل الباطن مثل بقية األوهام‪.‬‬

‫‪284‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبعد عصر التنوير والنهضة‪ ,‬حولت أوروبا الدين إلى مجرد تقليد ومحاكاة‪ ,‬وتم إضعاف دوره‬

‫لحساب دور الدولة التي حاولت التأثير على المؤسسات الدينية لتتساوق مع مؤسسة الدولة العليا‬

‫وانحسر الدين في إطار الخاص أو العالقة الفردية للمواطن مع الدين أو الكنيسة ‪.‬‬

‫شرت بعض األطروحات‪ ,‬وعاد‬ ‫لكن على الرغم من كل ذلك‪ ,‬فالدين لم ينقرض في الغرب‪ ,‬مثلما ب ّ‬

‫بقوة –للدفاع وتبرير المصالح الطبقية الرأسمالية الجديدة‪ -‬بعد انهيار االتحاد السوفييتي وبلدان‬

‫أوروبا الشرقية‪ ,‬مثلما لعبت الكنيسة في بعض بلدان أمريكا الالتينية دو ارً ايجابياً وديمقراطياً منحا ازً‬ ‫للفقراء في إطار ما عرف بـ"الهوت التحرير"‪ ,‬لكنه لعب دو ارً سلبياً في الشرق ‪ ,‬خصوصاً في بالدنا‬

‫العربية‪ ,‬نظ ارً لقوة انتشار وهيمنة التراث القديم والعادات والعرف والتقاليد المحكومة لمفاهيم القضاء‬ ‫والقدر وغير ذلك من المفاهيم القديمة في ظل تكريس التخلف االجتماعي واالقتصادي‪ ,‬حيث‬

‫المجتمعات ما زالت بعيدة‪ ,‬في الكثير من األحيان‪ ,‬عن شروط التطور االقتصادي االجتماعي‬

‫السيما حين تعجز الجماهير الفقيرة المضطهدة‪ ,‬عن إيجاد حلول لمشكالت‬ ‫الديمقراطي النهضوي‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫بد ان تبحث عن معالجات لها في السماء‪,‬‬ ‫الفقر والمرض والبطالة والعيش اإلنساني والحرية‪ ,‬فال ّ‬ ‫وبالوعد باليوم اآلخر‪.‬‬

‫التفسير المغلوط لعبارة ماركس " الدين أفيون الشعوب" ‪:‬‬

‫منذ "كتابة ماركس كتاب "أصول فلسفة الحق لهيغل"‪ ,‬فإنه يعترف بالمحتوى اآليديولوجي للدين‬

‫وبدوره في الصراع الطبقي‪ ,‬وفي الوقت نفسه يعترف بمحتواه التحرري حين وصفه "روحاً لعالم بال‬

‫روح"‪ .‬كما ق أر ماركس وانجلز المنجز الثوري للتقليد المسيحي‪ ,‬حيث تمثل المسيحية نتاجاً وهمياً لعالم‬ ‫لوعي ُمستلب‪ ,‬ما يتطلّب إخضاعها للنقد ال التهجم عليها"[‪ ,]9‬وهذا هو المنهج‬ ‫مع ّذب واسقاطاً ذهنياً‬ ‫ٍّ‬ ‫الذي يجب أن نستخدمه في تعاطينا مع الدين اإلسالمي في صراعنا السياسي الديمقراطي مع حركات‬

‫اإلسالم السياسي الرجعية ‪ ,‬لفضح إهدافها ومصالحها التي تخدم بصورة مباشرة أو غير مباشرة النظام‬ ‫الرأسمالي والمصالح الطبقية ألنظمة االستبداد واالستغالل في بالدنا ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬فإن من المفيد اإلشارة إلى المفكر الماركسي اإليطالي "جرامشي" الذي أكد في‬

‫كتابه "دفاتر السجن" أن الدين هو أحد أركان البنيان الفوقي اآليديولوجي للتشكيلة االجتماعية‬ ‫الملموسة‪ ,‬وهو متداخل مع بنيتها السوسيو‪-‬اقتصادية‪ ,‬وهنا يمكن التفريق في وظيفته من خالل‬

‫مستويين أساسيين‪ :‬األول يتعلق بالمجتمع المدني‪ ,‬والثاني له عالقة بالمجتمع السياسي‪ -‬الدولة التي‬ ‫تعتمد على وظيفة الهيمنة‪.‬‬

‫لكن نهجه ظ ّل بعيداً عن‬ ‫وقد حاول غرامشي‪ ,‬بعد ماركس وانجلز‪ ,‬إعادة النظر في المسألة الدينية‪ّ ,‬‬ ‫يستمده‬ ‫استمد غرامشي نهجه من الممارسة الكفاحية العملية‪ ,‬ولم‬ ‫توجهات الماركسيين العرب‪ ,‬وقد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬

‫من الكتب والتعليمات‪.‬‬

‫‪285‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أن "الدين أفيون الشعوب" ‪ ,‬فإن هذه‬ ‫واذا كان ماركس قد قال في كتابه نقد فلسفة الحق لدى هيغل ّ‬ ‫العبارة لم تُفهم في سياقها ‪ ,‬إذ أنه كان يقصد العالقة بين الدولة البروسية والكنيسة البروتستانينه‬

‫وموقفها من الدين باعتباره ضرورة المتصاص ظلم ومعاناة العمال والفالحين الفقراء‪ ,‬وضمان‬

‫رضوخهم واستسالمهم تطبيقاً لمقولة "شيشرون" أن الدين شيء البد منه للفقراء والعبيد لكي يقوموا‬

‫حمل عذابات الدنيا في مقابل أجرهم في السماء‪ ,‬وهنا بالتحديد‬ ‫بتنفيذ االعمال الشاقة الموكولة إليهم وتَ ُّ‬ ‫يتجلى رفض ماركس للظلم الواقع على الفقراء باسم الدين‪ ,‬وتشبيهه باألفيون الذي كان يستخدم‬

‫عالجاً لتهدئة آالم المرض في زمانه ‪.‬‬

‫فاألفيون في القرن التاسع عشر كان عالجاً طبياً وقانونياً يستعمل في الطب‪ ,‬وتتعامل به‬

‫مدم ارً لجسم اإلنسان‪ ,‬وانما هو مس ّكن‬ ‫المستشفيات والمراكز الصحية‪ ,‬ال باعتباره ّ‬ ‫مخد ارً ساماً أو ّ‬ ‫مؤقت من اآلالم واألوجاع‪ ,‬ولم يكن النظر إليه كعمل إجرامي أو فعل مخالف للقانون‪ ,‬كما هو الحال‬ ‫في الوقت الحاضر‪ ,‬بل كان أم ارً مرخصاً له ومسموحاً به ومفيداً ‪.‬‬

‫أن ماركس قد اقتبس عبارة "الدين أفيون الشعوب" من الفيلسوف‬ ‫وفي هذا الجانب‪ ,‬نشير إلى ّ‬ ‫األلماني عمانوئيل كانط‪ ,‬حيث وردت هذه العبارة في كتابه "الدين في حدود الفعل البسيط"‪ ,‬لكن‬

‫ماركس أضاف قائالً ‪" :‬الدين هو روح عالم بال روح" ويقصد بذلك تحديداً الطبقات االرستقراطية‬

‫والبورجوازية الحاكمة التي تعيش عالماً بال روح‪ ,‬وبال أخالق وبال ضمير‪ ,‬انه عالم االستغالل البشع‬

‫لكن إسهام ماركس بالذات كان في البحث في وظيفة الدين وأسباب حاجة البشر‬ ‫للعمال والفقراء ‪ّ " ,‬‬ ‫إليه باعتباره "الزهرة الوهمية على قيد العبد" أو "زفرة المقهور"‪ .‬وقد استفاد ماركس من رؤية فيورباخ‬ ‫إزاء الدين‪ ,‬ولم يكن له موقف عدائي مسبق"[‪.]7‬‬

‫إن عبارة "الدين هو روح عالم بال روح" هي ٌّ‬ ‫رد على الفكرة المادية المبتذلة‪ ,‬من أنصارها أو من‬

‫تجسد القيم األخالقية‬ ‫خصومها‪ ,‬التي تعتبر الماركسية تهتم بالماديات فقط‪ ,‬وهي نقيض الروح التي‬ ‫ّ‬ ‫أن الحضارة الرأسمالية هي التي سلبت البشر‬ ‫واإلنسانية والمثل العليا‪ ,‬ففي استخدام ماركس يرى ّ‬

‫روحهم‪ ,‬أي قضت على دينهم الحقيقي‪ ,‬وألنه يريد القضاء على االستغالل فإ ّنه يريد تحرير الروح من‬ ‫الهيمنة الرأسمالية من جهة‪ ,‬ومن جهة أخرى منع استغالل تلك الروح من ِقبل المؤسسات الدينية التي‬ ‫التدين تحديداً بسبب‬ ‫توظفها‬ ‫بالضد منها‪ .‬وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الردة الحالية نحو ّ‬ ‫خواء رأسمالية عصر العولمة القيمي وفسادها األخالقي وفقرها الروحي"[‪.]1‬‬ ‫وبالتالي فإن ماركس بهذه العبارة‪" ,‬الدين هو روح عالم بال روح" أراد أن يبين فيها ان اإلنسان‬

‫البسيط الفقير المظلوم المضطهد ‪ ,‬يلجأ إلى السماء ويتمسك بالدين لكي ُي َه ِّون على نفسه معاناته‬ ‫ومآسيه الحياتية‪ ,‬فالدين هنا ليس عزاء وسلوى لما هو فيه من فقر وبؤس وحرمان ‪ ,‬بل أيضاً ‪ ,‬يرى‬ ‫فيه المظلوم عزاءه وتعويضه عن انتفاء آدميته الناجمة عن الظلم الطبقي ‪ ,‬وهنا تتجلى عبقرية‬

‫أن الحضارة الرأسمالية هي التي‬ ‫ماركس المعرفية الثورية في استخدامه لهذه العبارة‪ ,‬لكي يوضح ّ‬ ‫‪286‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫سلبت البشر روحهم‪ ,‬أي قضت على دينهم الحقيقي‪ ,‬وألنه يريد القضاء على االستغالل‪ ,‬فإ ّنه يريد‬

‫تحرير الروح من الهيمنة الرأسمالية وكل أشكال الظلم والقهر من جهة‪ ,‬ومنع استغالل تلك الروح من‬ ‫بالضد منها من‬ ‫ِقبل الطبقات الرجعية والبورجوازية الحاكمة‪ ,‬ومن المؤسسات الدينية التي توظفها‬ ‫ّ‬

‫جهة أخرى‪ .‬وكم هي صحيحة هذه اللفتة للتأمل في الرّدة الحالية التي تتعرض لها مجتمعاتنا وشعوبنا‬ ‫العربية من خالل حركات اإلسالم السياسي صوب مزيد من التبعية والتخلف واالستغالل‪ ,‬لخدمة‬ ‫مصالح الطبقات والشرائح الكومبرادورية والبيروقراطية والعشائرية ‪ ,‬تحت ستار ديني‪ ,‬يهدف إلى‬

‫تكريس العالقات الرأسمالية الرثة في سياق الخضوع للنظام االمبريالي المعولم وفساده األخالقي‬

‫والسياسي وفقره الروحي والمعنوي‪.‬‬

‫وكان المؤرخ الفرنسي مكسيم رودنسون قد أحسن التعبير عن هذه الظاهرة قبل أكثر من ربع قرن‪.‬‬

‫بقوله "ال أعرف إلى متى ستستمر الحركة األصولية‪ ,‬فقد يصل ذلك إلى ثالثة أو حتى خمسة عقود‬

‫من اآلن‪ .‬لكنها في جوهرها حركة عابرة‪ .‬وهي ستبقى‪ ,‬طالما كانت خارج الحكم‪ ,‬نموذجاً مثالياً تغذيه‬ ‫اإلحباطات والمظالم االجتماعية الدافعة إلى التطرف"[‪ .]6‬أما نبذ الحكم الديني‪ ,‬فلن يحصل اال بعد‬ ‫تجربة طويلة من المعاناة في ظله‪ .‬باختصار‪ :‬األصولية اإلسالمية ستواصل سيطرتها على المرحلة‬

‫الحالية لفترة زمنية مرهونة بنهايتها لتوفر البديل الشعبي الديمقراطي وقدرته على استقطاب الجماهير‬

‫الشعبية من ناحية‪ ,‬وعندما يفشل النظام األصولي بشكل ال يقبل الشك ويقود الى طغيان واضح‬

‫ومجتمع تراتبي خانع‪ ,‬أو يعانى نكسات من المنظور الوطني من ناحية ثانية‪" ,‬سيقود ذلك الكثيرين‬

‫إلى السعي نحو البديل‪ .‬لكن هذا يتطلب وجود بديل يتمتع بالمصداقية ويثير الهمم ويعبىء الشعب‪.‬‬

‫إنه بالتأكيد ليس باألمر السهل"[‪. ]01‬‬

‫وهاهم تجار الدين الذين يجعلوه أفيوناً للشعوب ‪ ,‬أو حركات اإلسالم السياسي قد وصلوا إلى‬

‫المنوم لوعودهم‪ ,‬كما هو الحال في مصر وتونس‬ ‫السلطة‪" .‬ومن شأن ذلك حتماً أن ُيضعف المفعول‬ ‫ِّ‬ ‫اليوم‪ ,‬خصوصاً حينما ال يتوفَّر لهم – بخالف زمالئهم اإليرانيين – ريعٌ نفطي كبير يتيح لهم شراء‬ ‫رضا قطاع عريض من السكان أو رضوخهم"[‪ ,]00‬لذلك فإن قوى اإلسالم السياسي بقيادة اإلخوان‬

‫المسلمين التي تتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة‪ ,‬تحاول إفراغ االنتفاضة الثورية في مصر‬ ‫وتونس وليبيا واليمن وسوريا من مضمونها الطبقي –االقتصادي واالجتماعي‪ -‬الذي كان السبب األول‬

‫النفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة ‪ ,‬حيث نالحظ أن حركات‬ ‫اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت االلتحاق باالنتفاضة ‪ ,‬على إزاحة شعارات الشباب الثوري‬

‫والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين التي تؤكد على مطالبهم في الخالص من كل أشكال‬ ‫االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي‪ ,‬إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى‬

‫الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ‪ ,‬وبين اإلسالم الذي تدعي تمثيله‪ ,‬وتقدمه على أنه "الحل‬

‫المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها الطبقية التي ال تختلف في طبيعتها وجوهرها االستبدادي‬ ‫‪287‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن طبيعة األنظمة المخلوعة‪ ,‬من اجل تكريس تخلف وتبعية بلدانها واحتجاز تطورها‪ ....‬لذلك كان‬ ‫من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية من جديد‪ ,‬معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد‬

‫واالستغالل بعد أن اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف ‪-‬‬

‫في جوهرها‪ -‬عن سياسات النظام المخلوع‪ ,‬ما يعني أن ـنظمة االسالم السياسي بقيادة جماعة االخوان‬

‫المسلمين تعمل على تحويل الديمقراطية من مهد للتغيير والتقدم الى لحد تدفن فيه كل طموحات‬

‫الجماهير الشعبية‪.‬‬

‫حول الدين والدولة والموقف من التدين الشعبي‪:‬‬

‫في هذا الجانب يقول عالم االجتماع التقدمي العراقي علي الوردي ‪" :‬إن الدين والدولة أمران‬

‫متنافران بالطبيعة فإذا اتحدا في فترة من الزمان‪ ,‬كان اتحادهما مؤقتاً‪ ,‬وال مناص أن يأتي عليهما يوم‬

‫ويفترقان‪ ,‬واذا رأينا الدين ملتصقاً بالدولة‪ ,‬علمنا أنه دين كهان ال دين انبياء ‪ ,‬فالناس لم يثوروا على‬

‫ألن الناس قد اعتادوا ذلك وألفوه‬ ‫وجوعوهم وضربوا ظهورهم بالسياط‪ ,‬ذلك ّ‬ ‫الطغاة الذين سفكوا دماءهم ّ‬ ‫جيالً بعد جيل‪ ,‬لك ّنهم يثورون ثورة عارمة عندما تنتشر مبادئ اجتماعية جديدة فتبعث فيهم الحماس‬ ‫وقوة النقد"‪.‬‬ ‫وتمنحهم ذالقة البيان ّ‬ ‫وفي هذا السياق ‪ ,‬نشير إلى المفكر الديني الشيخ عبد الرحمن الكواكبي الذي أكد في معظم‬

‫كتاباته وخطبه على رفض كل أشكال االستبداد ‪ ,‬وطالب بفصل الدين واستقالله عن الدولة والحكم‬

‫واستبعاد السلطة عن التدخل في أمور الشريعة ‪.‬‬

‫تطور العرب‪ ,‬لكن طابعه‬ ‫إننا إذ نؤكد على أن االسالم قد لعب دو ارً تاريخياً مهماً في صيرورة ّ‬ ‫مبسطة ساذجة وأسطورية‪ ,‬خاصة في مراحل االنحطاط التي بدأت مع‬ ‫تحول إلى‬ ‫تصورات ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدنيوي ّ‬ ‫الدولة األموية وتكرست في الدولة العباسية وما تالها حتى المرحلة الراهنة ‪ ,‬وأصبحت الرؤى التي‬

‫التصور المثالي الغيبي الذي طرحه "أبوحامد الغزالي" ضد عقالنية " ابن رشد" مجرد‬ ‫سادت في ضوء‬ ‫ّ‬ ‫جملة طقوس بسيطة‪ ,‬من دون عقل أو معادية للعقل‪ ,‬فقد رفض الغزالي ك ّل مجاالت العلم والعقل‬ ‫صر «العلم» في «علوم الدين» األمر الذي لم يقره‬ ‫والفلسفة‪ ,‬كما عبر عنها الفيلسوف ابن رشد‪َ ,‬‬ ‫وح َ‬ ‫ولم يوافق عليه علماء الدين المستنيرين – في العصر الحديث والمعاصر‪ -‬من أمثال جمال الدين‬

‫االفغاني ‪ ,‬ومحمد عبده وأحمد أمين والشيخ علي عبد الرازق ثم الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد‬

‫أبو زهره وجمال البنا ومحمد سعيد عشماوي وغيرهم ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬تتجلى أهمية كتاب الشيخ األزهري علي عبد الرازق "اإلسالم وأصول الحكم"‪,‬‬

‫"الذي يناقش فيه مجموع اآل ارء والمواقف من مسألة الخالفة في اإلسالم‪ ,‬انطالقا من السؤال الرئيسي‬ ‫حول دينية أو عدم دينية منصب الخالفة[‪ ,]03‬فإذا كان البعض يعتبرها منصبا دينيا‪ ,‬وضرورة دينية‪,‬‬

‫فإن علي عبد الرازق في رده على هذا القول ومن أجل تفنيده‪ ,‬يعود إلى المصادر األساسية لإلسالم‪:‬‬ ‫‪288‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الكتاب والسنة واإلجماع‪ ,‬يبحث عن شرعية أو عدم شرعية هذا القول‪ .‬ليخرج بنتيجة مفادها أن ال‬ ‫الكتاب وال السنة وال اإلجماع يعطيه الشرعية‪.‬‬

‫واذا كانت الخالفة بالنسبة لعبد الرازق ال تستند ال على الكتاب وال على السنة وال على اإلجماع‪.‬‬

‫فإنها ال تستند في رأيه إال على القوة والقهر والعنف بحد السيف من أجل فرض نفسها على‬ ‫المسلمين‪ ,‬وفي هذا اإلطار يستعين المؤلف بالتاريخ اإلسالمي من خالل بعض اللحظات التاريخية‪,‬‬

‫ومن بعض الذين مارسوا الحكم لالستدالل على القوة والقهر‪.‬‬

‫"لقد طالب الشيخ علي عبد الرازق في كتابه "اإلسالم وأصول الحكم" بإلغاء نظام الخالفة‪ ,‬حيث‬

‫رأى "أن مؤسسة الخالفة ليس لها أي سند أو أساس فقهي من األصول والمصادر المعتمدة للدين‬

‫عند المسلمين‪ ,‬ومن ثم يجب نزع واسقاط أية صفة قداسة كانت تنسب للخالفة‪ ,‬وبالتالي يصبح لكل‬

‫أمة إسالمية الحق والحرية في اختيار نوع الحكم المالئم لها‪ ,‬وفي اختيار من تريده حاكماً عليها‪,‬‬ ‫وفي خلعه‪ ,‬ما يؤكد على أن مضمون دعوة الشيخ علي عبد الرازق هو أن اإلسالم دين ال دولة‪ ,‬ومن‬

‫ثم يجب الفصل بينهما‪ ,‬واعتماد العقد االجتماعي والديمقراطية أساس للحكم"[‪.]02‬‬

‫لكن تزايد عمق التخلف والتبعية في بالدنا العربية‪ ,‬في هذه المرحلة بالذات من القرن الحادي‬

‫والعشرين‪ ,‬مع تزايد حالة االنحطاط االجتماعي واالقتصادي والهبوط السياسي ‪ ,‬أدى كل ذلك إلى بروز‬

‫الظاهرة األكثر خطورة المتمثلة في بعض الشعارات التي تستغل "الوعي الديني" لدى البسطاء من‬

‫الناس ‪ ,‬وتجعل منه نقيضاً للعقل والفكر والتقدم العلمي والديمقراطية من ناحية ونقيضاً لمفهومي‬ ‫الوطنية والقومية بذريعة انهما مفهومان علمانيان من ناحية ثانية ! ! ؟ ولألسف فإن ما يدعو إلى‬

‫مزيد من الحزن واألسى واأللم ان "المؤسسات الدينية" أصبحت تعيد انتاج "الثقافة" والطقوس الدينية‬

‫الشكالنية المعادية للعلم والعقل عبر ماليين "الكتب" التي تقوم دول الخليج والسعودية خصوصاً‪ ,‬بدفع‬

‫تكاليف طباعتها وتوزيعها لترويج األفكار التي تعزز عوامل التخلف بما يخدم مصالح أولئك الحكام‬

‫وغيرهم من امراء وأصحاب المال والثروة من الشرائح الرأسمالية الرثة‪ ,‬الكومبرادورية والطفيلية‬

‫‪.‬‬

‫والبيروقراطية‬

‫والمفارقة هنا تتبدى في أن هذه األنظمة و "المؤسسات الدينية" تميل إلى تكريس الوعي العامي‬

‫التطور الحداثي‪ ,‬بما في ذلك الحرب على كل منطق عقالني أو‬ ‫كل‬ ‫العفوي الموروث عبر الحرب على ّ‬ ‫ّ‬ ‫نضال وطني أو قومي وتقدمي‪ ,‬لتكريس هيمنة األنظمة الرجعية على عقول الجماهير‪ ,‬لكنها كذلك‬ ‫تكرس الليبرالية على الصعيد االقتصادي‪ ,‬وما يستدعيه ذلك من غياب أي شكل من التناقض مع‬ ‫ّ‬ ‫اإلمبريالية األمريكية والنظام الرأسمالي المعولم ‪.‬‬

‫هنا سنجد أن الماركسية –من خالل احزابها‪ -‬في صراع مع هذه التيارات من هذه الزوايا‪ ,‬وهو –‬

‫في حقيقته‪ -‬صراع ضد اإلمبريالية والصهيونية ‪ ,‬كما هو صراع ضد كل اشكال االستغالل والتخلف‬ ‫واالستبداد والفقر من أجل حرية شعوبنا واستنهاضها‪.‬‬ ‫‪289‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبناء على ذلك ‪ ,‬فإننا نرى أن الخطوة الضرورية األولى على هذا الطريق النضالي والديمقراطي‬

‫الدين والدولة‪ ,‬وهذا يعني التركيز على تعميم الفكر الحديث‬ ‫النهضوي‪ ,‬هي في تحقيق الفصل بين ّ‬ ‫الديمقراطي العقالني العلماني‪ ,‬إذ أن هذه العملية هي التي سوف تقود إلى تحقيق ذاك الفصل‪ ,‬انطالقاً‬ ‫األصولية ال ينبع‬ ‫الشعبية إلى الحركات‬ ‫ميل الطبقات‬ ‫من إدراكنا ‪-‬بصورة موضوعية خالصة – إلى أن ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسي‪ ,‬وفي هذا يجب أن يكون دور‬ ‫من الوعي ّ‬ ‫الديني‪ ,‬وفق ما ّ‬ ‫يظن البعض ‪ ,‬بل نابع من دورها ّ‬ ‫الماركسيين‪ ,‬أي دورهم في تقديم وممارسة تطبيق برنامج نضالي سواء ضد اإلمبريالية والحركة‬

‫الصهيونية ودولتها‪ ,‬أو في مواجهة النظم الكومبرادورية التابعة والمتخلفة‪ ,‬وأن يطرحوا بديالً ثورياً‬ ‫واقعياً ‪ ,‬قاد ارً على تغيير الوضع الراهن وتوليد مقومات المستقبل‪.‬‬

‫إن أسلمة الدولة عند الحركات والجماعات اإلسالموية تستهدف هيمنة هذه الجماعات على‬

‫المجتمع من خالل سيطرتها على الدولة‪ ,‬والغاء الفرد والمواطن‪ ,‬وتعطيل أو إسقاط مشروع الدولة‬ ‫الوطنية الديمقراطية الحديثة‪ ,‬واالنتقال إلى النشأة المستأنفة للقهر الدموي العنصري الطائفي كما‬ ‫يجري اآلن في سوريا والعراق ومصر وغيرها‪ ,‬إنها تحاول أن تمارس دو ار قريبا مما سماه مهدي‬

‫عامل‪ ,‬االستبدال الطبقي ارتباطاً بمصالح الشرائح الكومبرادورية والطفيلية والبيروقراطية ‪ ,‬حيث تحاول‬ ‫جماعة اإلخوان المسلمين بناء دولتها بمنهج تفكيكي يقوم على "نظام طائفي هو‪ ,‬بالضبط‪ ,‬نظام‬

‫سيطرتها الطبقية الذي فيه‪ ,‬وبإعادة إنتاجه‪ ,‬يعاد‪ ,‬باستمرار‪ ,‬إنتاج تفكك المجتمع"[‪ ,]02‬ألن الدولة‬ ‫الطائفية هي العائق األساسي أمام توحيد المجتمع‪ ,‬ألن الجماعات الدينية أو حركات اإلسالم السياسي‬

‫حدا أدنى من المصداقية التاريخية والسياسية والثقافية واالقتصادية واالجتماعية من مفهوم‬ ‫ال تملك ّ‬ ‫الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة‪ ,‬بل هي ضدها وذلك ألنها ليست معنية بتطلعات الشعوب في‬

‫النهوض والتقدم والثورة‪ ,‬بقدر ما هي معنية بترسيخ سطوتها وسيطرتها نحو الدولة اإلسالمية الواسعة‬

‫التي تدعو لها وهو ما يعني إجهاض الثورات وعدم الوصول بها إلى أهدافها في الحرية والعدالة‬

‫االجتماعية ‪ ,‬ووقف المد الثوري الذي فجرته الشعوب ضد االستبداد القهري‪ .‬لهذا هي ليست معادية‬

‫لإلمبريالية ‪ ,‬بل إنها تتحالف ذاتيا وموضوعيا‪ ,‬ماديا وسياسيا واعالميا‪ ,‬مع البلدان األكثر رجعية‬

‫وعمالة في بالدنا مثل قطر والسعودية وغيرها‪ ,‬ويعود السبب في ذلك‪ ,‬إلى "أن جماعة اإلخوان‬

‫الحر ولكن التابع والرث‪ ,‬يمثلون الكومبرادور النقي‪,‬‬ ‫المسلمين وعقيدتهم االقتصادية القائلة باالقتصاد ّ‬ ‫المقيد بتدخل الدولة‪ ,‬وهي أكثر‬ ‫إذا صح التعبير‪ ,‬في إطار من اقتصاد المحاسيب أو "اإلخوان" غير‬ ‫َّ‬ ‫ويعبر عن تلك العقيدة‬ ‫انسجاماً مع المذهب النيوليبرالي من واقع الرأسمالية السائدة في ظل مبارك‪ِّ .‬‬ ‫خير تعبير خيرت الشاطر[‪ ,]02‬الرأسمالي الكبير والرجل الثاني في اإلخوان بعد المرشد وممثل أكثر‬

‫أجنحة الجماعة محافظ ًة‪ ,‬وكذلك حسن مالك‪ ,‬العظيم الثروة والعضو البارز في اإلخوان"[‪.]09‬‬

‫لكن موقفنا النقيض والمعادي لموقف القوى البورجوازية والرجعية من الدين واستخدامه كسالح‬

‫فكري أساسي لتكريس سطلتها‪ ,‬ال يعني أبداً موقفاً مضاداً لمشاعر الجماهير الشعبية من الدين‪ ,‬إذ ال‬ ‫‪291‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ألي حركة يسارية ثورية أن تتجاهل الظاهرة الدينية‪ ,‬ال‬ ‫يمكن‪ ,‬في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية‪ِّ ,‬‬

‫سيما أنها ظاهرة مجتمعية‪ ,‬واالّ فإنها‪ ,‬هي ذاتها‪ ,‬سوف ال تكون ثورية‪ ,‬واذا ما فعلت ذلك فلن يعود‬ ‫ّ‬ ‫بإمكانها القيام بالتغيير االجتماعي الحقيقي للمجتمع‪.‬‬ ‫لذا علينا أن نتعلم من دروس وتجارب الحركات الثورية اليسارية في أمريكا الالتينية‪ ,‬التي‬

‫تفاعلت ايجابياً مع الهوت التحرير المسيحي واستخدمته في مقاومة الظلم الطبقي والنضال التحرري‬ ‫آخذين بعين االعتبار الفارق بين الهوت التحرر المسيحي وطابعه الديمقراطي وبين المذاهب والحركات‬

‫اإلسالمية الرجعية‪ ,‬في العالقة مع مظاهر التدين الشعبي‪.‬‬

‫فإن من‬ ‫فالتدين الشعبي هو أحد معطيات الواقع االجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر االعتبار‪ ,‬ولذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫بد وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات تاريخية‬ ‫يعتبر نفسه طليعة الشعب‪ ,‬ال ّ‬

‫سيما القيم‬ ‫وتراثية سلبية وايجابية‪ ,‬األمر الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه‪ ,‬ال ّ‬ ‫اإلنسانية المشتركة التي تمثل‪ ,‬إلى حد كبير‪ ,‬قيماً للماركسية" كالدعوة للمساواة والعدالة والحرية‬ ‫وانهاء كافة مظاهر االستغالل واالستبداد ‪.‬‬

‫لع ّل ذلك يجعلنا نؤكد على أن الظاهرة الدينية ظاهرة ترتبط بالوعي والثقافة الشعبية‪ ,‬وهي تعبير‬ ‫عن اإلحساس المشترك الذي كان علينا – كفصائل واحزاب ماركسية عربية‪ -‬إدراكه والتعامل معه من‬

‫التصدي‬ ‫موقع نقدي‪ ,‬وليس من موقف نفي سلبي‪ ,‬وكان علينا االستفادة منها بدالً من صدمها أو‬ ‫ّ‬ ‫لها‪ ,‬أو ممارسة بعض المظاهر الضارة التي ال تحترم المشاعر الدينية للجماهير الشعبية الفقيرة ‪ ,‬مثل‬ ‫المواقف العدائية للدين أو االستهزاء بتدين الجماهير واتهامها بالرجعية والتخلف ‪ ,‬واالستهزاء بالتقاليد‬ ‫التراثية الدينية أو التفاخر باإلفطار في شهر رمضان‪ ,‬وغير ذلك من الممارسات التي تؤكد على‬

‫ضحالة الوعي من جهة‪ ,‬وتؤدي إلى انفضاض الجماهير من حولنا‪ ,‬بل واستجابتها للدعاية الرجعية‬

‫واالمبريالية المغرضة ضد احزابنا ومبادئها من جهة ثانية‪ ,‬األمر الذي يكرس عزلتنا وخسارتنا للقطاع‬

‫الواسع من جماهير الفقراء الذين يمكننا كسبهم لصالح قضية النضال التحرري الثوري والنضال‬

‫الديمقراطي والصراع الطبقي االجتماعي في آن واحد ‪ ,‬انطالقاً من ضرورة وعي كل رفيق من رفاقنا –‬ ‫في جميع األحزاب والفصائل العربية ‪ -‬بأن اآليديولوجيا الدينية‪ ,‬بذاتها ولذاتها‪ ,‬ليست رجعية أو‬

‫ثورية‪ ,‬وانما هي حمالة أوجه‪ ,‬تتلون باللون الذي تعطيه إياه القوى االجتماعية الحاملة لذلك الوعي‬ ‫يوجه إلى العقيدة الدينية واإليمان الديني‬ ‫وتكييفها لمضامينها لمصالحها‪ .‬ولع ّل النقد ال ينبغي أن ّ‬ ‫والرؤية الوجدانية والروحية‪ ,‬وهذه جزء من منظومة متكاملة‪ ,‬وخاصة للكون والطبيعة والمجتمع‪ ,‬ولهذا‬

‫بشدة ضد المواقف السياسية الليبرالية الهابطة واالستسالمية ‪ ,‬وضد الرؤى‬ ‫ينبغي أن َي ْن َّ‬ ‫صب النقد ّ‬ ‫سيما أولئك الذين‬ ‫الفكرية واالقتصادية واالجتماعية اليمينية والرجعية‪,‬‬ ‫ّ‬ ‫وضد دور بعض رجال الدين‪ ,‬ال ّ‬ ‫يستغلون المشاعر الوجدانية واإليمانية الروحانية لتخدير الناس والتأثير في وعيهم وتوظيفه بالوجهة‬

‫التي تريدها السلطة واألنظمة الرجعية ‪.‬‬

‫‪290‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫"واذا كانت المسألة الدينية في العالم العربي من أعقد المشكالت‪ ,‬بل وأخطرها‪ ,‬وقد ازدادت اشتباكاً‬

‫والتباساً منذ أواسط السبعينيات‪ ,‬فقد ارتبطت هذه المسألة‪ ,‬أوالً‪ ,‬بصعود التيار الديني‪ ,‬وبشكل خاص‬

‫اإلسالمي أو اإلسالموي‪ ,‬وثانياً‪ ,‬األمر له عالقة بالمواقف االنتهازية للغالبية الساحقة من السلطات‬

‫وقدم الحكام‬ ‫الحاكمة التي حاولت مداهنة اإلسالميين‪ ,‬بل وحتى تملّقهم‪ ,‬عسى أن يرضوا عنها‪ّ ,‬‬ ‫التنازل تلو اآلخر لها على الصعيد الدستوري أو القانوني أو على الصعيد العملي‪ ,‬أما ثالثاً فيتعلّق‬ ‫سيما الماركسي‪ ,‬في برنامجه الفكري والسياسي‪ ,‬وتراجعه عن مواقعه‪ ,‬إضاف ًة إلى‬ ‫بفشل اليسار‪ ,‬ال ّ‬ ‫بقائه على هامش وعي الجماهير ومعتقداتها اليومية"[‪.]07‬‬ ‫فإن بحث المسألة الدينية من منظور ماركسي يستهدف فهم العالقة بين الدين كخطاب‬ ‫وبالتالي ّ‬ ‫وتراث ومحطات تاريخية ‪ ,‬من جهة‪ ,‬وبينه وبين الممارسة االجتماعية عبر تداخل الدين وتأثيره في‬

‫عملية الصراع الطبقي الجارية في بالدنا من جهة أخرى‪.‬‬

‫لذلك "فإن تناولنا لموضوع اإلسالم و الماركسية‪ ,‬و معالجتنا لعالقة االلتقاء و االختالف‪ ,‬إنما‬

‫يهدف إلى تجديد التفكير فيهما سعيا إلى زحزحة ما اصبح أو ما أريد له أن يكون من الثوابت‪ ,‬وهو‬

‫العداء القائم بين الماركسية واإلسالم الذي ال يعبر عن العداء المطلق بقدر ما يعبر عن عداء مؤدلجي‬ ‫الدين اإلسالمي للماركسية باعتبارها منهجا علميا يسعى إلى تحليل الواقع‪ ,‬و الكشف عن التناقضات‬ ‫القائمة فيه‪ ,‬ومجابهتها‪ ,‬والتسريع بتجاوزها في أفق تحقيق المجتمع االشتراكي‪ ,‬و هو ما لم يسع إليه‬

‫اإلقطاعيون و أشباههم البورجوازيون و كل من يتطلع إلى أن يكون كذلك" [‪.]01‬‬

‫وفي هذا الجانب‪ ,‬نقول‪ ,‬إن مهمة الكشف عن خلفيات تكريس عداء "اإلسالم السياسي" لمفاهيم‬

‫العقل والتنوير والديمقراطية واالشتراكية والماركسية‪ ,‬تقع بالدرجة األساسية على عاتق األحزاب‬

‫الطليعية الثورية اليسارية والديمقراطية‪ ,‬وهي أيضاً مهمة المثقفين الثوريين الذين تقتضي األمانة‬ ‫العلمية أن يكونوا على معرفة عميقة باإلسالم و بالماركسية معا‪ ,‬من اجل البحث العميق في العالقة‬ ‫بينهما‪ ,‬فاإلسالم إسالم‪ ,‬و الماركسية ماركسية‪ ,‬و شروط ظهور كل منهما مختلفة‪ ,‬و أهدافهما‬

‫مختلفة‪ ,‬مع إمكانية التقاطع بينهما‪ ,‬ما يدفعنا إلى القول بأن العداء بين جوهر "اإلسالم" و الماركسية‬

‫عداء مفتعل‪ ,‬و هو ما يستلزم التصدي لهذا االفتعال‪ ,‬إلرجاع الصراع إلى وضعه الحقيقي كصراع بين‬

‫الطبقات الموجودة على ارض الواقع‪ ,‬ال بين السماء و األرض‪ ,‬ألن صراعا من هذا النوع هو تحريف‬

‫للحقيقة‪ ,‬و ظلم للواقع‪ ,‬وفقدان للعلم‪ ,‬و ابتئاس للمنهج‪ .‬ولذلك فإن من واجبنا تناول الموضوع بصورة‬ ‫تاريخية وموضوعية ‪ ,‬لكي يساهم في النقاش الذي يجب استرجاعه إلى الساحة النظرية بصفة عامة‬

‫و الفكرية بصفة خاصة حتى تتم إعادة النظر في المقوالت الجاهزة عند مؤدلجي الدين اإلسالمي من‬

‫جهة وعند كل من يسعى إلى تحويل الماركسية إلى عقيدة من جهة أخرى ‪.‬‬

‫توجهه لمخاطبة فئات واسعة من السكان‪ ,‬ال‬ ‫وبما ّ‬ ‫أن الدين أوسع من اآليديولوجيا‪ ,‬فضالً عن ّ‬ ‫سيما الفئات الشعبية‪ ,‬فإنه يصبح سالحاً ذي حدين بيد الحاكم والطبقات الرجعية والبورجوازية ‪ ,‬من‬ ‫ّ‬ ‫‪292‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أجل تكريس االستغالل‪ ,‬وكذلك بيد الجماهير الفقيرة للثورة على أنظمة االستغالل واسقاطها‪ ,‬وفي هذه‬

‫الحالة ‪ ,‬هل يصبح هدف محاربة الدين في حد ذاته هدفاً ثورياً ؟ الجواب ال بالقطع‪ ,‬الن الدين والتراث‬

‫الديني "حَّمال أوجه" وملئ بالمقوالت التي تُ َح ّرض على المساواة بين البشر‪ ,‬بمثل ما نجد فيه أيضاً‬ ‫فأي ماركسية إذن‪ ,‬تلك التي تتوجه‬ ‫مقوالت تستخدمها القوى الطبقية ضد مصالح الجماهير الشعبية ‪ّ ,‬‬ ‫ضرب‬ ‫سيما الفئات الشعبية؟ إن في ذلك‬ ‫إلى معارضة دين ومعتقدات الغالبية الساحقة من السكان‪ ,‬ال ّ‬ ‫ٌ‬ ‫من الصبيانية وعدم الشعور بالمسؤولية‪ ,‬ناهيكم عن الجهل‪ ,‬إالّ إذا كان ناجماً عن وعي وسبق‬

‫إصرار‪ ,‬فإنه ‪-‬في هذه الحالة‪ -‬يبقى يدور في نخبوية نظرية خارج الماركسية وليس مهمة نضالية‬ ‫تغييرية كما هي الماركسية" ‪.‬‬

‫وبالتالي فإن موقفنا الواضح من هذه المسألة ‪ ,‬يقوم على أننا في صراعنا مع حركات اإلسالم‬

‫السياسي ‪ ,‬وفي عالقتنا مع الجماهير الشعبية‪ ,‬لسنا في وارد تناول موضوعة الدين من زاوية فلسفية‪,‬‬ ‫في إطار الصراع التاريخي بين المثالية والمادية ‪ ,‬فهذه المسألة ليست بجديدة‪ ,‬كما أنها ليست ملحة‪,‬‬

‫كما أن عملية عدم الخلط بين الدين كعقيدة يحملها الناس‪ ,‬وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة هامة‬

‫وحساسة ‪ ,‬فأن يكون لنا موقف فلسفي من الدين‪ ,‬ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على‬

‫الجمهور المتدين ‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬فان واجبنا النضالي يفترض منا االقتراب من ذلك الجمهور‬ ‫واحترام مشاعره الدينية‪ ,‬والتفاعل مع قضاياه وهمومه‪ ,‬وجذبه إلي النضال من اجل الحرية واالستقالل‬

‫والديمقراطية‪ ,‬وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد‪ ,‬انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها‬ ‫ليست نظرية مضادة للدين كما يروج دعاة االسالم السياسي والقوى الرجعية واالمبريالية‪.‬‬

‫تكونت خارج الواقع ال يمكنه أن يكون ماركسياً؛ فالماركسية‬ ‫فالماركسي الذي ينظر إلى الفكرة التي ّ‬ ‫نظرية لفهم الواقع والصراع الطبقي وفضح كل مظاهر االستغالل واالضطهاد ‪ ,‬وبالتالي العمل على‬

‫تغييره‪" ,‬ولع ّل الكثير من الماركسيين‪ ,‬بمن فيهم العرب والعالمثالثيين‪ ,‬عند بحثهم المسألة الدينية لم‬ ‫يخضعونها للمنهج الجدلي‪ ,‬وهو موقف غريب‪ ,‬ولذلك كانت استنتاجاتهم غريبة أيضاً‪ ,‬ألنها نقيض‬

‫سيما عدم إدراك طبيعة التناقضات في الظاهرة الدينية"[‪.]06‬‬ ‫للماركسية‪ ,‬ال ّ‬ ‫ألي جماعة ثورية أن تتجاهل الظاهرة‬ ‫إذ ال يمكن‪ ,‬في مجتمع مثل مجتمعاتنا العربية واإلسالمية ‪ِّ ,‬‬

‫سيما أنها ظاهرة مجتمعية‪ ,‬واالّ فإنها‪ ,‬هي ذاتها‪ ,‬سوف ال تكون ثورية‪ .‬واذا ما فعلت ذلك‬ ‫الدينية‪ ,‬ال ّ‬ ‫فلن يعود بإمكانها التوسع في أوساط الجماهير الفقيرة والقيام بالتغيير االجتماعي الحقيقي للمجتمع‪.‬‬ ‫فإن من‬ ‫فالتدين الشعبي هو أحد معطيات الواقع االجتماعي الذي ينبغي أخذه بنظر االعتبار‪ ,‬ولذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫بد وأن يعمل على كسب هذا السند الشعبي بما فيه من معطيات‪ ,‬األمر‬ ‫يعتبر نفسه طليعة الشعب ال ّ‬

‫سيما القيم اإلنسانية المشتركة التي تمثل‪,‬‬ ‫الذي يستوجب احترام الدين واتخاذ موقف إيجابي منه‪ ,‬ال ّ‬ ‫في الوقت نفسه‪ ,‬قيماً للماركسية‪.‬‬

‫‪293‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ولع ّل انتشار حركات اإلسالم السياسي في بالدنا اليوم‪ ,‬بحاجة إلى دراسة سوسيوثقافية بعد هزيمة‬ ‫مشروع اليسار‪ ,‬بشقيه الماركسي والعروبي (القومي)‪ ,‬خاصة وان غالبية المناقشات حول المسألة‬

‫الدينية اكتسبت طابعاً عاطفياً وراهنياً‪ ,‬دون النظر إليها كبعد إستراتيجي‪ ,‬فضالً عن غياب الرؤية‬ ‫الموضوعية لدى قوى اليسار في التعاطي مع الظاهرة الدينية ‪ ,‬األمر الذي راكم في تعقيد المسألة‪,‬‬

‫ناهيكم عن استخدامها من جانب القوى الرجعية واإلمبريالية‪.‬‬

‫فبدالً من أن توجه بعض قوى اليسار (في كل البلدان العربية) النقد إلى األنظمة المستبدة‪,‬‬

‫واجراءاتها القمعية ضد الجماهير الفقيرة المؤمنة بعفويتها‪ ,‬والى بعض رجال الدين الفاسدين‪ ,‬قامت‬

‫بتوجيه نقدها أحياناً – بطرق مباشرة أو غير مباشرة ‪ -‬إلى الدين واإليمان الديني والجماهير المؤمنة‬ ‫واتهامها بالرجعية‪ ,‬بل وسخرت من بعض الممارسات الدينية‪ ,‬أو أهملت التعاطي معها‪ ,‬من موقع‬

‫ٍ‬ ‫متعال ومترفّع‪ ,‬وهو ما عملت على استثماره جماعة اإلخوان المسلمين والحركات الدينية األصولية‪,‬‬

‫ووظفته الحقاً ضدنا على نحو مسيء‪.‬‬

‫ومع اقرارنا بهذا القصور من جانب الحركات الماركسية والشيوعية العربية‪ ,‬إال اننا نؤكد بالمقابل‬

‫ان أحزاب وقوى اليسار الفلسطيني‪ ,‬لم ترفض التعاون في إطار النضال التحرري مع الحركات الدينية ‪,‬‬

‫خاصة في ظروف االنتفاضة الفلسطينية ‪ ,0663-0617‬لكن الحركات الدينية‪ ,‬وحركة حماس‬

‫تحديداً‪ ,‬رفضت أي شكل من التحالف مع قوى اليسار ارتباطاً برؤيتها الدينية والطبقية من ناحية ‪,‬‬

‫وانعكاساً لشعورها بكثير من التعالي والغرور والتفرد في قيادة الجماهير من ناحية ثانية (حزب اهلل‬

‫وحركة أمل وحماس والجهاد وبعض حركات المقاومة في العراق) ‪ ,‬وهي اليوم مازالت مصره على هذا‬

‫الرفض بعد وصولها إلى الحكم في تونس وليبيا واليمن والعراق ‪ ,‬ما يعني بوضوح حرص حركات‬ ‫اإلسالم السياسي على التفرد بالسلطة والحكم لحساب رؤيتهم السياسية االجتماعية التي تعكس‬ ‫بوضوح المصالح الطبقية للكومبرادور والعالقات الرأسمالية التابعة في ظل انفتاحها وقبولها بالسياسات‬

‫األمريكية ومهادنتها للدولة الصهيونية ‪.‬‬

‫وهنا بالضبط‪ ,‬نؤكد على أن حركات اإلسالم السياسي الرجعية والمهادنة‪ ,‬ال تعارض أبداً السياسات‬

‫االقتصادية الرأسمالية المرتبطة بحرية المنافسه واالقتصاد الحر والملكية الخاصة والتفاوت في الدخل‬

‫والثروة وكل أشكال االستغالل في إطار اقرارها بالطبقات والتمايز الطبقي ‪ ,‬وبالتالي يتخذون موقفاً‬ ‫متطابقاً مع النظام االمبريالي العالمي ليس في سياسته االقتصادية فحسب‪ ,‬بل أيضاً في العديد من‬

‫القضايا السياسية والمجتمعية‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب ‪ ,‬نشير إلى ادعاءات الحركات السياسية اإلسالمية بدورها في "تخفيف " معاناة‬

‫الجماهير الفقيرة من خالل المؤسسات و"الجمعيات الخيرية" الدينية‪ ,‬لتقديم المساعدات المالية أو‬

‫العينية باسم اإلحسان إلى الفقراء !‪ ,‬وهذا ال يعدو ان يكون "أفيوناً" أو وهماً مثالياً غيبياً وديماغوجياً‬ ‫يستهدف امتصاص غضب الفقراء ونقمتهم وانتفاضهم ضد مظاهر استغاللهم ومعاناتهم وبؤسهم من‬ ‫‪294‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫جهة‪ ,‬وللحفاظ على أوضاع التفاوت واالستغالل الطبقي الرأسمالي وكافة السياسات والممارسات‬

‫الرأسمالية البشعة من جهة ثانية ‪.‬‬

‫وهنا يتجلى الفرق الجوهري بين طروحات اليسار الماركسي الثوري‪ ,‬التي تلتزم بالنضال ضد اتظمة‬

‫التبعية واالستبداد وكل أشكال االستغالل والتفاوت الطبقي من أجل مجتمع قائم على العدالة‬

‫االجتماعية والمساواة ‪ ,‬وبين حركات اإلسالم السياسي والقوى الطبقية الرجعية التي تستخدم مفهوم‬

‫"اإلحسان والصدقات" بالمعنى الديني‪ ,‬لتضليل الجماهير الشعبية واستغالل بساطتها وعفويتها حفاظاً‬ ‫على المصالح الطبقية للسلطة الحاكمة والطبقات المتحالفة معها‪ ,‬كما هو الحال اآلن في كل بلدان‬

‫النظام العربي ‪.‬‬

‫الموقف المطلوب من األحزاب والفصائل الشيوعية والماركسية تجاه الجماهير الشعبية المتدنية ‪:‬‬

‫في هذا السياق علينا ان ندرك جيداً ‪ ,‬حرص أحزابنا والتزامها – في كل الظروف‪ -‬باحترام المشاعر‬ ‫الدينية لدى الجماهير الفقيرة‪ ,‬وأن العالقة بينها وبين العمال وجموع الفقراء المتدينين في مجتمعاتنا‪,‬‬

‫باعتبارهم مادة وهدف النضال الثوري ببعديه التحرري الوطني‪ ,‬واالجتماعي الديمقراطي ‪ ,‬هي عالقة‬ ‫تستند باألساس على تحريضهم وتوعيتهم ضد كل أشكال االستغالل واالضطهاد والظلم التي يعيشونها‪,‬‬ ‫دون أي تدخل في معتقداتهم اإليمانية‪ ,‬فإذا كان لهذه الجماهير أن تتخلص من أوهامها الدينية‪ ,‬فإن‬

‫ذلك لن يكون من خالل البراهين والكتب والكراسات فحسب‪ ,‬ولكن أيضاً ‪ ,‬بالدرجة األساسية من خالل‬ ‫المشاركة في النضال الثوري التحرري والديمقراطي االجتماعي في إطار الصراع الطبقي‪ ,‬وفي مثل هذه‬

‫الحالة‪ ,‬يجب على رفاقنا في جميع هذه االحزاب ‪ ,‬ضمان أال تكون االختالفات الدينية‪ ,‬أو االختالفات‬

‫بين المتدينين وغير المتدينين‪ ,‬عقبة في طريق وحدة نضال جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل‬

‫الكادحين والمضطهدين ‪ ,‬فبقدر ما يصبح كل حزب أو فصيل من أحزاب اليسار العربي حزباً جماهيريا‬

‫حقيقياً ‪ ,‬يقود العمال وجماهير الفقراء في أماكن العمل وفي المجتمع‪ ,‬بقدر ما سيكون في صفوفه فئة‬ ‫من العمال والفقراء الذين ال يزالون متدينيين‪ ,‬أو شبه متدينين‪ .‬وسيكون رفض هؤالء العمال بسبب‬

‫أوهامهم الدينية موقفاً مرفوضاً ومضادا للماركسية‪.‬‬

‫لكننا في نفس الوقت‪ ,‬نحذر من سقوط بعض أحزابنا في مستنقع الغيبيات أو تبنى المنطلقات‬

‫الديني ة أو أن يقوم توجه الحزب السياسي واستراتيجيته وتكتيكاته على اعتبارات دينية‪ ,‬ذلك ان‬ ‫مستقبل أحزابنا الماركسية العربية وانتصارها يعني أن يسترشد كل رفاقنا بالنظرية الماركسية ومنهجها‬

‫المادي الجدلي‪ ,‬بما يضمن التجسيد الثوري في التعبير عن المصالح الجماعية‪ ,‬وعن نضال الطبقة‬

‫العاملة وجماهير الفقراء‪.‬‬

‫ولذلك يجب على كل كادر من هذه األحزاب والفصائل في هذا المجال أن يكون واثقا من أنه هو‬

‫من يثقف أعضاءه المتدينيين ويؤثر عليهم‪ ,‬وليس العكس‪ ,‬انطالقاً من موقف واضح وصريح ‪ ,‬يتجلى‬ ‫في أن تعاملنا مع المسألة الدينية بصورة موضوعية وعلمية ‪ ,‬يجب أن ال يقتصر على مجرد إبداء‬ ‫‪295‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رأي أو تعامل مرحلي معها‪ ,‬أو حتى مسألة انتهازية انتخابية مثالً‪ ,‬بل يتجاوز ذلك عبر الوعي العميق‬ ‫لبعض جوانب التراث الديني الثوري المنحاز للفقراء من ناحية‪ ,‬وعبر فهم األفكار األساسية واألهداف‬

‫االجتماعية والسياسية للماركسية في تطبيقها على واقعنا من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫وبالتالي‪ ,‬فإن أحزابنا وفصائلنا اليسارية العربية‪ ,‬إذ تعتمد الماركسية‪ ,‬كنظرية علمية لدراسة‬

‫التطورات االجتماعية من منظور ثوري نقيض للمنظور الرأسمالي الطبقي‪ ,‬فال بد لنا من استخدام‬

‫طريقة الماركسية ومنهجها الجدلي الذي يجسد شكل ومضمون المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية‬ ‫واالقتصاد السياسي واالشتراكية من أجل تحليل وتغيير الواقع االجتماعي والسياسي المتخلف والتابع‬

‫السائد اليوم في مجتمعاتنا العربية‪ ,‬وان هذا المنهج بما هو اداة لكشف وتحليل الظواهر االجتماعية‬

‫والطبيعية‪ ,‬يفرض على كل رفاقنا عموماً ‪ ,‬والكوادر الحزبية خصوصاً‪ ,‬أن يتابعوا بروح نقدية‬ ‫استكشافية عقالنية كافة التطورات والصراعات االجتماعية‪ ,‬لتقديم الرؤى والبرامج واليات العمل‬

‫الهادفة الى تغيير وتجاوز الواقع المحكوم من قبل الطبقات المستغلّة في مجتمعنا لحساب تحقيق‬

‫أهداف المضطهدين وكل الكادحين والفقراء في االنعتاق والتحرر والعدالة االجتماعية بآفاقها‬

‫االشتراكية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬فإننا نشير إلى أن أياً من فصائل وأحزاب وحركات اليسار العربي‪ ,‬لم تنجح‬

‫تاريخياً –وبدرجات متفاوتة‪ -‬بتعميم وتكريس منهاجها األيديولوجي ومنطلقاتها التربوية األخالقية‪,‬‬ ‫وثقافتها العقالنية على قواعدها التنظيمية من الناحية الجوهرية‪ ,‬وبالتالي ظلت االيديولوجيا بوجه‬

‫عام‪ ,‬غير ممأسسة تنظيمياً ومتناثرة ومحصورة أو محاصرة او هامشية مهملة ‪ ,‬ولم ترتق بأفضل‬

‫أحوالها لتشكل منهجاً رئيسياً ناظماً للحياة التنظيمية او حالة فكرية جماعية أو قاعدة واسعة لوعي‬

‫نظري منظم‪ ,‬االمر الذي يستدعي من هذه القوى واألحزاب الماركسية العربية‪ ,‬أن تبدأ جدياً بتفعيل‬ ‫البعد األيديولوجي باعتباره أحد أهم مرتكزات حزبها وصيرورته الراهنة والمستقبلية‪ ,‬عبر االلتزام‬

‫بمأسسة النشاط الفكري في اذهان رفاقها بما يضمن إحياء وتجديد إطار التفاعل الجاري بشأن إعادة‬ ‫االعتبار للنشاط التثقيفي لمنظمات حزبها القيادية والكادرية والقاعدية‪ ,‬كبوصلة ومرجعية اولى لمسيرة‬ ‫نضالنا وتحقيق اهداف شعوبنا وجماهيرنا الفقيرة في التحرر الوطني والديمقراطي على طريق الثورة‬

‫الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية ‪.‬‬

‫ووفق هذه الرؤية ‪ ,‬فإننا نرى في طروحات ومفاهيم وبرامج حركات اإلسالم السياسي الرجعية‬

‫طروحات نقيضه للحداثة والتطور والديمقراطية والتحرر والنهوض‪ ,‬وهي أيضاً تكريس للتخلف والتبعية‬ ‫واالستغالل الطبقي ولكل مظاهر االستبداد والقهر ‪ ,‬وبالتالي فإن نضال فصائلنا وأحزابنا الثورية‪ ,‬ضد‬

‫القوى الرجعية والظالمية هو نضال سياسي ديمقراطي مجتمعي في إطار التناقضات الداخلية‪ ,‬جنباً إلى‬ ‫جنب مع نضالها وتناقضها الرئيسي التناحري ضد التحالف اإلمبريالي الصهيوني في بالدنا ‪...‬‬

‫وفي هذا الجانب‪ ,‬نؤكد على أن قناعتنا بأهداف التحرر الوطني والديمقراطي‪ ,‬يعني في أحد جوانبه‪,‬‬ ‫‪296‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫النضال من أجل تطبيق الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي في بالدنا ‪ ,‬لكن هذه العملية ال‬ ‫يمكن تحققها بدون الرؤية الموضوعية لمفهوم العلمانية‪ ,‬الذي نفهمه ونتعاطى معه كشرط من شروط‬

‫الديمقراطية‪ ,‬وباعتباره مفهوماً ال يتناقض مع الدين‪ ,‬وليس منافساً له ‪ ,‬فالعلمانية‪ ,‬ليست مذهباً أو‬ ‫تيا ارً فلسفياً وليست نظرية معرفية‪ ,‬وال هي نظرية في علم من العلوم‪ ,‬كما ان العلمانية بالنسبة لنا ‪,‬‬ ‫ال تعني عقيدة ال دينية ‪ ,‬وال استبعاد الدين من الحياة العامة‪ ,‬وال تقييد الحريات الدينية ‪ ,‬انها تعني‬

‫حياد الدولة ومؤسساتها تجاه االديان والعقائد حتى تضمن المساواة الكاملة بين مواطنيها بصرف‬ ‫النظر عن اعتقاداتهم‪.‬‬

‫ومن ذلك المنطلق الثوري بإمتياز ‪ ,‬تتبنى الماركسية مصالح وتطلعات كافة‬ ‫المضطهدين عموماً‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫هن الجنس‬ ‫والطبقة العاملة خصوصاً‪ ,‬بوصفها الطبقة‬ ‫المنتجة غير المالكة‪ ,‬وكذلك النساء باعتبار ّ‬ ‫المضطهد‪ ,‬إلى جانب دفاعها عن قضايا ومستقبل تحرر األمم والشعوب المقهورة‪ ,‬وهذه نقطة أساسية‬

‫في التثقيف الثوري لسبب بديهي هو التالي‪ :‬قبل أن يتعلّم المناضلون الماركسية كعلم‪ ,‬ولكي‬

‫يستوعبونها حقاً‪ ,‬ال بد لهم باديء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتها األخالقية ويجعلونها منطلقاتهم‪ ,‬واال‬ ‫فما قيمة "المناضل" الذي حفظ "قرآن" الماركسية عن ظهر قلب وال تزال عادات التعالي االجتماعي إزاء‬

‫تخيم على أطباعه‪ .‬فما نفع‬ ‫األتعس منه حظاً‪ ,‬والذكورية والعنصرية والقومجية العنصرية والشوفينيه ّ‬ ‫"المادية الديالكتيكية والتاريخية" إذا درسها ذاك "المناضل" وهو لم يتخلص من رواسب سلبيات تربيته‬ ‫االجتماعية التي تتناقض مع مبادئ ومفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة االجتماعية بآفاقها‬

‫االشتراكية ‪.‬‬

‫إن المنطلقات والمفاهيم التربوية واألخالقية الماركسية ال يمكن دراستها كأي"علم" بل فقط كمبادىء‬

‫أخالقية يجب التحقق من فهمها ليس عن طريق التثقيف فحسب‪ ,‬بل في الممارسة داخل الحزب‪,‬‬

‫وعلى مستوى الحياة اليومية ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬فإننا نجدد تأكيد التزامنا باحترام المشاعر الدينية السائدة في أوساط الجماهير‪,‬‬

‫بمختلف مذاهبها وطوائفها ‪ ,‬وذلك انطالقاً من اعتبارنا للدين أحد أهم مكونات الثقافة العربية‬ ‫اإلسالمية‪ ,‬عالوة على أنه مسألة خاصة ‪ ,‬شخصية وضميرية بين اإلنسان والسماء‪ ,‬وبالتالي ال بد‬

‫من فصله –بالمعنى الموضوعي‪ -‬عن الدولة‪ ,‬وفق ما أكد عليه العديد من علماء وشيوخ المسلمين‬ ‫أمثال عبد الرحمن الكواكبي وعلي عبد الرازق ومحمد عبده وطه حسين وأحمد لطفي السيد وغيرهم‬ ‫ممن رفعوا شعارات التنوير والديمقراطية وحرية الرأي والمعتقد في إطار رؤيتهم العلمانية الهادفة إلى‬

‫اثراء الجدل للعالقة بين الدين والدولة‪ ,‬بما يتجاوز الفهم السطحي لمقوالت ماركس حول الدين من‬

‫جهة ولمفهوم العلمانية من جهة ثانية‪.‬‬

‫‪297‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العلمانية والديمقراطية ‪:‬‬

‫الع ْلمانية هي ‪ :‬مفهوم يقتضي الفصل بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي‪ ,‬الدولة ال تمارس‬ ‫َ‬ ‫فيه أية سلطة دينية‪ ,‬كما أن المراجع الدينية ال تمارس أية سلطة سياسية‪ ,‬بمعنى الفصل بين الزمني‬

‫والروحي‪ ,‬بين الدولة والدين ‪ ,‬أي بين االختصاصات الدنيوية واالختصاصات الدينية‪ ,‬كما أن الدولة‬ ‫العلمانية ليست دولة ال دينية ‪ ,‬بل هي دولة ال طائفية ‪ ,‬فالدولة العلمانية الديمقراطية ليست هي‬ ‫الدولة التي تنكر الدين ‪ ,‬بل هي الدولة التي ال تميز دينا على دين ‪ ,‬وال تقدم أبناء طائفة على أبناء‬

‫طائفة أخرى‪ ,‬وال تخص بعض وظائف الدولة بأبناء طبقة بعينها دون سائر الوظائف ‪.‬‬

‫هذا من الناحية القانونية ‪ ,‬أما من الناحية الفلسفية و المعرفية ‪ ,‬فإن أقصى ما تعنيه العلمانية‬

‫ليس اإللحاد أو نفى وجود اهلل بل " تأسيس حقل معرفي مستقل عن الغيبيات و االفتراضات اإليمانية‬

‫المسبقة"‪.‬‬

‫و بكلمة واحدة ‪ ,‬إن العلمانية ليست نفيا لالعتقاد ‪ ,‬بل هي تحرير له من القيود و اإلكراهات‬

‫الخارجية‪ .‬وال غرو بالتالي أن يكون الفكر الديني الحديث قد عرف في ظل العلمانية تطو ار في العمق‬ ‫ما أتيح له أن يعرفه في ظل األنظمة الثيوقراطية ‪.‬‬

‫ووفق هذه الرؤية‪ ,‬فإن موقفنا الموضوعي تجاه مفهوم العلمانية يقوم على األسس التالية‪:‬‬ ‫‪ -0‬تامين الحرية الدينية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬

‫فصل الدين عن الدولة‪.‬‬

‫‪-2‬‬

‫تعزيز المحاكم المدنية العامة لضمان المساواة التامة في الحقوق والواجبات‪.‬‬

‫‪-2‬‬ ‫‪-2‬‬

‫اعتبار الشعب أو المجتمع مصدر التشريع و القوانين ‪.‬‬

‫عقلنة الدولة والمجتمع وتعزيز الثقافة العلمية العقالنية وفق آالليات الديمقراطية‬

‫والتعددية الفكرية والسياسية‪.‬‬

‫‪-9‬‬

‫تحرير الدين من سيطرة الدولة واساءة استعماله ألغراض سياسية‪ ,‬وكذلك تحرير‬

‫الدولة من هيمنة المؤسسات الدينية‪.‬‬

‫فالعلمانية بالنسبة لنا كماركسيين تعني أيضاً‪ ,‬على الصعيد المعرفي تحرير العقل من المسبقات‪,‬‬

‫والمطلقات‪ ,‬او تحرير الفكر من االوهام والخرافات وتحرير االنسان من العبودية التي تمتد جذورها الى‬

‫تقسيم العمل وظهور الملكية الخاصة وتركز الثروة وظهور الطبقات (تحريره من نظام االستغالل) ‪...‬‬

‫العلمانية ليست ضد الدين‪ ,‬لكنها ضد الوثنية الدينية وضد سلطة رجال الدين وتدخلهم في حياة‬

‫االنسان‪ ,‬فالعلمانية عملية تاريخية او سيرورة تقدم في التاريخ والمعرفة‪ ,‬وهي لغوياً مشتقة من العالم‬

‫الدنيوي او عالم البشر الذين يصنعون تاريخهم بأنفسهم‪ ,‬وهي بذلك تقيم سلطة العقل والمنطق‪ ,‬وتعلن‬ ‫نسبية الحقيقة وتاريخيتها وتغيرها‪ ,‬وذلك هو جوهر الحداثة التي ندعو رفاقنا إلى وعي جوهر حركتها‬ ‫‪298‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الالنهائية من ناحية‪ ,‬ووعي سماتها الرئيسية المرتبطة ‪-‬كما يقول الصديق د‪.‬هشام غصيب ‪-‬‬

‫باكتشافين جوهريين هما‪:‬‬ ‫‬‫‪-‬‬

‫اكتشاف الطبيعة بوصفها كياناً مادياً مستقالً‪.‬‬

‫واكتشاف اإلنسان بوصفه فرداً خالّقاً وتاريخاً ومجتمعاً‪.‬‬

‫السياسي‪ ,‬ال عالقة‬ ‫الدولة‬ ‫هكذا نفهم أن مفهوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلسالمية الذي ترفع شعاره قوى اإلسالم الطّائفي ّ‬ ‫الدينية‪ ,‬بل هي ممارسة‬ ‫شعب المقهور المسلم‪ ,‬أي ال عالقة لهذه القوى‬ ‫لها بمعتقد ال ّ‬ ‫باإليديولوجية ّ‬ ‫ّ‬

‫شريعة والخوف من اهلل‪ ,‬على‬ ‫دينية‪,‬‬ ‫كالحاكمية وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسي بأقنعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫سياسية تستهدف فرض التّمثيل ّ‬ ‫االقتصادية المزرية‪ ,‬والغاء‬ ‫الصعبة‪ ,‬وأوضاعها‬ ‫عبية التي دفعتها ظروفها‬ ‫الفئات ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ش ّ‬ ‫االجتماعية ّ‬

‫السياسي وتطلعها إلى الثّورة والتّغيير‪ .‬وكما يقول المفكر الراحل مهدي عامل " إن ما تهدف‬ ‫وجودها ّ‬ ‫سياسية‪ ,‬من غير أن تعي ذلك‪ ,‬أي من‬ ‫قوة‬ ‫ّ‬ ‫إليه الطّبقة البرجو ّ‬ ‫ازية‪ :‬أن تظ ّل هذه الطّبقات الكادحة بال ّ‬ ‫لد عند تلك الطّبقات الكادحة الوهم الطّبقي‬ ‫السياسي الذي ُي َو ِّ‬ ‫غير أن تكتشف بوعيها انعدام وجودها ّ‬ ‫سياسية"[‪.]31‬‬ ‫قوة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بأن لها ّ‬ ‫وعلى الرغم من كل ما تقدم ‪ ,‬علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً‪ ,‬إلى‬

‫أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي‪ -‬ظروفا وأوضاعاً معقدة‪ ,‬ما يفرض على قوى اليسار‬

‫العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديموقراطية وقضايا الصراع‬

‫الطبقي والسياسي‪ ,‬ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها‪ ,‬كما عبر عنها‬ ‫جمال الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ‪ ..‬وغيرهم‪,‬‬ ‫بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ‪ ,‬إلى مستوى التناقض التناحري‪ ,‬وأن تظل الخالفات‬

‫محكومة للعالقات الديمقراطية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬نؤكد على أن احترامنا لألديان عموماً والتراث الديني اإلسالمي خصوصاً‪ ,‬يتطلب‬

‫منا –عبر الحوار الديمقراطي‪ -‬رفض استخدام الدين كأداة لقمع حرية الفكر واإلبداع والبحث العلمي‬ ‫وحرية الرأي والرأي اآلخر‪ ,‬وكذلك رفض اختزال اإليمان الديني إلى تعصب حاقد ضد اآلراء واألفكار‬

‫والعقائد األخرى‪.‬‬

‫وفي كل األحوال ‪ ,‬يجب أن تظل عالقة اليسار العربي مع قوى اإلسالم السياسي ‪ ,‬عالقة متحركة‬

‫وجدلية تبعاً لتناقضات الواقع والصراعات الطبقية االجتماعية والسياسات الداخلية‪ ,‬وطبقاً للموقف من‬

‫العدو ا المبريالي الصهيوني ‪ ,‬دون أن نتجاوز مخاطر تطبيق الرؤية األيديولوجية الدينية على الصعيد‬ ‫االجتماعي‪ ,‬حيث يتجلى التعارض والتناقض بصور أكثر حضو ارً‪ ,‬سواء على صعيد فهم الديمقراطية‬

‫كقيم وآليات وممارسة لبناء المجتمع ومؤسساته أو تجاه القضايا االجتماعية الرئيسية للعمال‬ ‫والفالحين ‪ ,‬والشباب‪ ,‬والمرأة‪ ,‬وحرية االعتقاد والرأي والتعبير واالجتهاد واإلبداع الثقافي وقضايا‬

‫العدالة االجتماعية واالقتصادية بمختلف تجلياتها ‪.‬إن وضوح هذه الرؤية‪ ,‬ومن ثم البناء عليها‬ ‫‪299‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالنسبة لعالقة القوى اليسارية مع القوى اإلسالمية (بدون شرط التحالف معها) يتطلب من هذه‬

‫األخيرة أن تتخذ موقفاً واضحاً من التوجهات التالية‪:‬‬

‫أوال‪ :‬تكريس أسس الدولة المدنية الديمقراطية ‪ ,‬وااللتزام بمفاهيم وآليات الديمقراطية السياسية‬ ‫واالجتماعية وترسيخها كنهج حياة مجتمعي يضمن الحرية بكافة أنواعها وفي مقدمتها حرية‬

‫المعتقد‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬رفض التبعية للقوى االمبريالية بأشكالها المختلفة السياسية واالقتصادية والثقافية ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬رفض االعتراف أو التطبيع مع دولة العدو الصهيوني ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬تغليب التناقضات الرئيسية على الثانوية‪ ,‬وااللتزام بقواعد الحوار الديمقراطي ‪ ,‬واالحتكام‬ ‫للجماهير‪ ,‬مع نبذ استخدام العنف وكل وسائل وآليات الجبر واإلكراه في إدارتها ‪.‬‬

‫ففي مشهد اإلسالم السياسي الراهن‪ ,‬نالحظ بوضوح كيف استطاعت جماعة اإلخوان المسلمين‪,‬‬

‫بعد أن نجحت في قطف ثمار االنتفاضات الثورية في تونس وليبيا واليمن ومصر ( قبل وبعد‬

‫سقوطها في ‪ 3102/9/21‬على يد الجماهير)‪ ,‬تعمل إلثارة النزعات الطائفية ‪ ,‬وتعمل أيضاً على‬

‫السياسي‬ ‫الصراع بعدا‬ ‫نمطيا ّ‬ ‫ّ‬ ‫دينيا‪ ,‬من خالل التن ّكر للوجود ّ‬ ‫تغييب االقتصادي االجتماعي بإعطاء ّ‬ ‫ائفية‬ ‫كقوة‬ ‫لل ّ‬ ‫ازية بك ّل أقنعتها الطّ ّ‬ ‫ياسية للطبقة البرجو ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫سياسية مستقلّة ونقيضة في ممارستها ّ‬ ‫شعب ّ‬

‫اإلسالمية في‬ ‫ائفية‬ ‫اثنية‬ ‫ياسية‪ ,‬مهما أخذت من أشكال‬ ‫ّ‬ ‫ومذهبية‪ .‬هذه القوى الطّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫دينية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ّ‬ ‫االجتماعية‬ ‫دينيا ‪-‬كما تريد أن توهم‪ -‬بتضليل إيديولوجي‪ ,‬الفئات‬ ‫ّ‬ ‫ياسية ليست مسلمة ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫ممارستها ّ‬ ‫سياسية طبقيّة‬ ‫تبعية‬ ‫ّ‬ ‫السياسي المستقل‪ ,‬وتأسرها في ّ‬ ‫المسلمة الكادحة لتسلب منها حقّها في التّنظيم ّ‬ ‫ازية الكولونيالية‪.‬‬ ‫للبرجو ّ‬ ‫صحيح بأن الممارسة االجتماعية اإلنسانية تجعلنا نقول بنوع من الحس التاريخي بأن الحل‬

‫الوطني الديمقراطي العلماني الحديث‪ ,‬يحتاج إلى مسيرة معقدة ومركبة من التضحيات الجسام‪ ,‬في‬

‫وجه حل التفتيت و التجزيء الطائفي الفاشي الدموي الذي ينتصب في أفق التناقض المأزقي الطائفي‬

‫السياسي‪ ,‬المدعوم من قبل القوى والطبقات الرجعية وسيدها اإلمبريالي‪.‬‬

‫إن الحديث من قبل حركات اإلسالم السياسي عن أسلمة الدولة والمجتمع‪ ,‬وسقوط الدولة وتفكك‬

‫المجتمع‪ ,‬ال يمكن أن يخفي عداء هذه الحركات وقوى اإلسالم الطائفي الصريح لشعوبها حتى للفئات‬

‫المسلمة منها‪ ,‬ألنها في نظرها مدانة كافرة ‪ ,‬أو ما تطلق عليه "جاهلية القرن العشرين" ‪ ,‬كما ال‬

‫الوطنية الديمقراطية الحديثة التي تتفاعل فيها كل المكونات السوسيو‪-‬‬ ‫تخفي عداءها لمفهوم الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ثقافية‪ ,‬واالنقسامات العمودية اللغوية والدينية واال ثنية والمذهبية‪ .‬فمشروعها ماضوي نكوصي يعود‬

‫إلى ما قبل الدولة‪.‬‬

‫والمفارقة هنا أنها تمارس الضحك على الذقون‪ ,‬إذ تحلم بالخالفة من خالل سياسة القروض‬

‫األجنبية‪ ,‬أي الخضوع للمؤسسات المالية التي تفرض اختياراتها وتوجهاتها التي تتناقض وأهداف‬ ‫‪311‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وتوجهات واختيارات الطموحات الشعبية من ثوراتها‪ ,‬والغنيمة واضحة هنا هي شعوبها وأوطانها‪ ,‬ألنها‬ ‫بذلك تتنازل مجانا عن حقها في امتالك سيادة ق ارراتها السياسية واالقتصادية واالجتماعية‪ .‬وهي بذلك‬

‫االستعمارية التي تهدد وجود الدولة والكيانات الوطنية‪ ,‬من خالل إعالن فتوحات‬ ‫تتكامل مع المشاريع‬ ‫ّ‬ ‫في شكل حروب أهلية عنصرية طائفية داخلية‪ ,‬و تدمير لحمة التنوع والتعدد واختالف النسيج‬ ‫المجتمعي‪ ,‬وتفتيت الوحدة الوطنية‪ ,‬كما جرى في العراق والسودان وكما يجري اآلن في سوريا‪,‬‬

‫ويزحف تدريجياً في مصر ‪.‬‬ ‫الخاتمة‪:‬‬

‫تتجلى أهمية استخدام مفاهيم الحداثة و التنوير والعلمانية والثورة الديمقراطية ‪ ,‬من كل رفاقنا في‬

‫كافة الفصائل واالحزاب الشيوعية والماركسية العربية ‪ ,‬في مجابهة استقطاب القوى اليمينية بشقيها‪,‬‬

‫الليبرالي الرث والتابع المتمثل في أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد وشرائحها البيروقراطية‬

‫الكومبرادورية الحاكمة ‪ ,‬واليميني الديني السلفي المتمثل في قوى وحركات اإلسالم السياسي‪ ,‬إلى‬ ‫جانب المجابهة الثقافية والفكرية والسياسية ‪ ,‬لكافة الجوانب السلبية والرجعية في تراثنا‪ ,‬إذ ال يمكن‬

‫انضاج وتوليد مفاهيم العقالنية والعلمانية والديمقراطية من أوضاع تابعة ومستبدة من ناحية‪ ,‬ومن‬

‫هيمنة قوى ماضوية سلفية جامدة ‪ ,‬بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معها من جهة ‪ ,‬ومع كل‬ ‫مظاهر التبعية والتخلف السائدة في بالدنا من جهة ثانية ‪.‬‬

‫جسد في السلوك‪ ,‬إال إذا انطلقنا من الفعل والتفاعل مع‬ ‫بمعنى آخر‪ ,‬ال يكون العقل ثورياً‪ ,‬وال ُي َّ‬

‫احتياجات وتطلعات الجماهير الشعبية واالندماج في مساماتها‪ ,‬وخضوعنا لمنطقها ومستقبلها‪ ,‬من‬

‫خالل عملية التجريد والتوضيح والتعقيل‪ ,‬لكي نتمكن من استبدال وتجاوز أوضاع االستبداد واالستغالل‬

‫الطبقي‪ ,‬واستبدال المنطق الموروث أو سلبياته المعرفية تحديداً التي تتمظهر وتتجلى منذ القرن الرابع‬ ‫عشر‪ ,‬حيث تعيش المجتمعات العربية حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن‬ ‫القيم الجوزية والتواصل المعرفي مع هذه المحطات السالبة في التراث القديم (خاصة بعد إزاحة ابن‬

‫رشد وابن خلدون والفارابي والكندي والمعتزلة فرسان العقل في اإلسالم) من جهة‪ ,‬ومع األنماط‬

‫اال قتصادية واالجتماعية القديمة والحديثة او الرأسمالية الرثة التابعة من جهة ثانية‪ ,‬وهو تواصل‬

‫صت عليه الطبقات الحاكمة في مجتمعاتنا العربية بمختلف أشكالها وأنماطها التاريخية والحديثة‬ ‫َح ِر َ‬ ‫والمعاصرة حتى يومنا هذا‪ ,‬وهو حرص استهدف دوماً إبقاء الوعي العفوي لألغلبية الساحقة من‬ ‫الناس في حالة من الجهل والتخلف بما يضمن استمرار مصالح الشرائح البيروقراطية الكومبرادورية‬

‫والطفيلية الحاكمة‪ ,‬عبر دور متميز لحركات اإلسالم السياسي ‪-‬كما هو الحال في مساحة كبيرة من‬

‫االنتفاضات العربية راهناً ‪.‬‬

‫‪310‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين‪ ,‬إال أن مجتمعاتنا العربية مازالت في زمان القرن‬

‫الخامس عشر قبل عصر النهضة‪ ,‬أو في زمان ما قبل الرأسمالية‪ ,‬وبالتالي غربة مفاهيم الديمقراطية‬ ‫والعلمانية والمواطنة عن هذه المجتمعات ‪ ,‬وذلك يعود إلى رثاثة العالقات الرأسمالية في بالدنا‬

‫وتبعيتها وطابعها التجاري الوسيط – الكومبرادوري والخدمي غير المنتج ‪ ,‬عالوة على أن معظم شرائح‬

‫"البورجوازية" في بالدنا هي وليدة الطبقة شبه اإلقطاعية وامتداد لمصالحها‪ ,‬وهي بحكم تبعيتها‬ ‫وطابعها التجاري‪ ,‬حرصت على تكريس مظاهر التخلف االجتماعي عبر تكيفها مع األنظمة‬

‫االوتوقراطية والثيوقراطية الحاكمة ‪ ,‬والشواهد على ذلك كثيرة‪ ,‬فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات‬

‫األساسية للثقافة العقالنية أو ثقافة التنوير‪ ,‬بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية‪ ,‬وابداعها‬ ‫واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية‪ ,‬ففي غياب هذه السمات‪ ,‬يصعب إدراك‬

‫الوجود المادي والوجود االجتماعي والدور التاريخي الموضوعي للتطور أو التبلور الطبقي‪ ,‬اآلمر الذي‬ ‫أدى إلى إضعاف الوعي بالظلم الطبقي لدى جماهير العمال والفالحين الفقراء واستمرار هيمنة أوضاع‬

‫التخلف االجتماعي في أوساطهم ‪ ,‬وتعطيل إدراكهم بوجودهم الطبقي المتميز‪ ,‬إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي‬ ‫احتياجات التطور السياسي واالجتماعي واالقتصادي على المستوى القطري أو على المستوى العربي‬

‫العام‪ ,‬ولعلنا نتفق أن السبب الرئيس لهذه اإلشكالية الكبرى‪ ,‬يكمن في طبيعة العالقات االقتصادية‬ ‫واالجتماعية التاريخية والمعاصرة‪ ,‬باعتبارها نتاج وامتداد ألنماط اقتصادية ‪/‬اجتماعية من رواسب‬

‫قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية‪ ,‬وشبه رأسمالية‪ ,‬تداخلت عضوياً وتشابكت بصورة غير طبيعية‪,‬‬

‫وأنتجت هذه الحالة االجتماعية‪/‬االقتصادية المعاصرة‪ ,‬المشوهة‪ ,‬والمتخلفة‪ ,‬والتابعة ‪.‬‬

‫أمام هذا الواقع المعقد والمشوه‪ ,‬وفي مجابهته‪ ,‬ندرك أهمية الحديث عن مفاهيم العلمانية‬

‫والديمقراطية والمجتمع المدني ‪ ,‬والنضال من أجل تطبيقها وتوعية الجماهير بها ‪ ,‬ولكن بعيداً عن‬ ‫المحددات والعوامل الخارجية والداخلية‪ ,‬المستندة إلى حرية السوق والليبرالية‪ ,‬ألننا نرى أن تعاطينا‬

‫مع هذه المفاهيم وفق النمط الليبرالي‪ ,‬فرضية ال يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية‪ ,‬ألنها‬

‫تتعاطى وتنسجم مع التركيبة االجتماعية‪-‬االقتصادية التابعة والمشوهة من جهة‪ ,‬ويتم استخدام‬

‫مضامين هذه المفاهيم في اإلطار السياسي االجتماعي الضيق للنخبة الطبقية ومصالحها المشتركة‬

‫في إطار الحكم أو خارجه من جهة ثانية‪.‬‬

‫وهنا بالضبط تتبدى الضرورة التاريخية التي تستدعي من القوى اليسارية الثورية في كل بلد‬

‫عربي‪ ,‬تركيز أهدافها ومهماتها النضالية‪ ,‬السياسية والمجتمعية‪ ,‬باتجاه تغيير وتجاوز هذا الواقع ‪,‬‬

‫وان تتحمل مسؤلياتها الكبرى‪ ,‬في كونها تشكل في هذه المرحلة طليعة الحامل االجتماعي الديمقراطي‬ ‫الثوري على طريق النهوض والتقدم الديمقراطي والعدالة االجتماعية وتحقيق أهداف الثورة الوطنية‬

‫الديمقراطية بآفاقها االشتراكية‪ ,‬شرط أن تبادر أوالً إلى نشر وتعميق الوعي داخل تنظيماتها‪ ,‬بمفاهيم‬

‫‪312‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التنوير والعلمانية والديمقراطية والحداثة‪ ,‬والثورة والفكر الماركسي المتجدد واستخدامه من أجل تغيير‬

‫الواقع الراهن وتجاوزه‪.‬‬ ‫هوامش‬

‫[‪ ]0‬تعريف المنهج ‪ :‬المنهج هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف‪ ,‬والمرتكز على مجموع القواعد الثابتة المنبثقة من التجربة الحياتية‬ ‫والمعارف العلمية ‪ ,‬فالمنهج الجدلي للمعرفة يتطلب تناول كل الظواهر في العالم المحيط بنا في ترابطها وتفاعلها وتطورها الدائم ‪ ,‬أما‬ ‫المنهج الميتافيزيقي فيتناول كل ظاهرة بصورة منفردة وبمعزل عن ترابط وتفاعل الظواهر فيما بينها‪ ,‬وعند تناول التغير والحركة يغفل‬

‫المنهج الميتافيزيقي أبعاد التطور الحقيقي الموضوعية‪ ,‬ويفسر العمليات أو الحركة في الطبيعة والمجتمع تفسي ارً غيبياً‪ ".‬الدائرة‬

‫الثقافية"‬

‫[‪ ]3‬جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – ‪. 3102/0/2‬‬ ‫[‪ ]2‬جون مولينو – عن الماركسية والدين ‪ -‬ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – ‪. 3102/0/2‬‬ ‫[‪ ]2‬حوار مع فراس سواح – األسطورة مكون أساسي من مكونات الدين – االنترنت‬

‫[‪ ]2‬جون مولينو – عن الماركسية والدين– ترجمة محمد الحاج سالم – الحوار المتمدن – االنترنت – ‪. 3102/0/2‬‬

‫[‪ ]9‬عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد ‪ – 216‬مارس‬ ‫‪ – -3102‬ص ‪901‬‬ ‫[‪ ]7‬عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد ‪ – 216‬مارس‬

‫‪ -3102‬ص ‪309‬‬

‫[‪ ]1‬عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد ‪ – 216‬مارس‬ ‫‪ – -3102‬ص ‪901‬‬ ‫[‪ ]6‬جلبير األشقر‪" ,‬المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون اإلسالم السياسي واألصولية"‪ ,‬الحياة‪ 2 ,‬سبتمبر‪/‬أيلول‬ ‫‪.3112‬‬

‫[‪ ]01‬جلبير األشقر‪ ,‬المصدر السابق ‪.‬‬

‫[‪ ]00‬جلبير األشقر – الرأسمالية المتطرفة – لإلخوان المسلمين –الحوار المتمدن االنترنت ‪. 3102/3/1 -‬‬ ‫[‪ ]03‬الحداثة السياسية في فكر النهضة ‪( -‬عالقة الدين بالدولة) ‪ -‬مراد زوين‬

‫[‪ ]02‬ملخص كتاب "الدين والصراع االجتماعي في مصر" ‪ - 0612 -0671‬د‪ .‬عبد اهلل شلبي ‪ -‬كتاب األهالي رقم ‪ - 97‬القاهرة –‬ ‫أغسطس ‪3111 -‬‬ ‫[‪ ]02‬مهدي عامل في الدولة الطائفية ‪ -‬دار الفارابي ط‪ - 3112 - 2‬ص ‪.62‬‬

‫شح األول لإلخوان المسلمين في االنتخابات الرئاسية‪ .‬وبعد رفض ترشيحه استُبدل بالسيد مرسي‪.‬‬ ‫[‪ ]02‬كان السيد الشاطر هو المر ّ‬ ‫[‪ ]09‬جلبير األشقر – الرأسمالية المتطرفة – لإلخوان المسلمين –الحوار المتمدن االنترنت ‪. 3102/3/1 -‬‬

‫[‪ ]07‬عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد ‪– 216‬‬ ‫مارس ‪ –3102‬ص ‪306‬‬

‫[‪ ]01‬اإلسالم‪/‬الماركسية عالقة االلتقاء واالختالف – محمد الحنفي ‪ -‬االنترنت‬ ‫[‪ ]06‬عبد الحسين شعبان – الماركسية والدين – مجلة المستقبل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – العدد ‪– 216‬‬

‫مارس ‪3102‬‬

‫[‪ ]31‬مهدي عامل مدخل إلى نقض الفكر الطائفي دار الفارابي ط‪ 2‬س ‪ 0616‬ص ‪027‬‬

‫‪313‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مدخل إىل الفلسفة املاركسية ‪ ..‬املادية اجلدلية والتارخيية‬

‫‪3102/01/02‬‬ ‫المحتويات‬

‫تقديم‪211 .......................................................................................‬‬

‫الفصل ااول ‪300 ...............................................................................‬‬ ‫الفلسفة وتطورها التاريخي ‪300 ...................................................................‬‬ ‫تعريف الفلسفة‪200 .............................................................................‬‬

‫ما هي الفلسفة‪200 .............................................................................‬‬

‫نشأة الفلسفة ‪203 ..............................................................................‬‬

‫الفلسفة اليونانية( االغريقية) القديمة‪202 .......................................................‬‬ ‫فلسفة العصر االقطاعي ‪202 ....................................................................‬‬

‫مجابهة الفلسفة االقطاعية ‪202 .................................................................‬‬ ‫المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو والدة عصر النهضة ‪209 .............................‬‬

‫الفلسفة األوروبية الحديثة ‪ :‬عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن‬

‫الثامن عشر‪207 ...................................................................................‬‬ ‫المسار الفكري التاريخي لعصر النهضة‪201 .....................................................‬‬ ‫التنويـــر الفرنسي والفلسفة األلمانية في القرن الثامن عشر ‪230 .................................‬‬

‫أوالً ‪ :‬التنوير الفرنسي‪230 ......................................................................‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬الفلسفة األلمانية‪233 ....................................................................‬‬ ‫المقدمات األيديولوجية لظهور الماركسية ‪232 ...................................................‬‬ ‫مصادر الفلسفة الماركسية‪232 ..................................................................‬‬

‫أوالً ‪ :‬الفلسفة األلمانية‪232 .....................................................................‬‬ ‫ثانياً ‪ :‬االقتصاد السياسي االنجليزي ‪232 ........................................................‬‬ ‫ثالثا ‪ :‬االشتراكية الطوباوية‪232 .................................................................‬‬

‫الفصل الثاني‪336 ...............................................................................‬‬ ‫المور الفلسفة الماركسية ومصادرها ومكوناتما ‪336 ...............................................‬‬

‫تمهيد ‪239 ......................................................................................‬‬

‫المادية الجدلية‪237 .............................................................................‬‬

‫‪314‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المنهج الديالكتيكي الماركسي‪237 ...............................................................‬‬

‫أيهما أسبق الوعي أم المادة؟‪231 ...............................................................‬‬ ‫أهمية القول بأولوية المادة ‪236 .................................................................‬‬

‫المادة وأشكال وجودها‪221 ......................................................................‬‬ ‫ المادة ‪221 ...................................................................................‬‬‫ الحركة شكل لوجود المادة ‪223 ...............................................................‬‬‫‪ -‬الحركة مطلقة والسكون نسبي ‪223 ...........................................................‬‬

‫مقوالت المادية الجدلية‪222 .....................................................................‬‬

‫الخاص والعام‪222 ..............................................................................‬‬ ‫ ما هو الخاص والعام ‪222 ....................................................................‬‬‫‪ -‬جدلية الخاص والعام‪229 .....................................................................‬‬

‫المضمون والشكل ‪229 ..........................................................................‬‬ ‫ ما هو المضمون والشكل ‪229 ................................................................‬‬‫‪-‬التناقض بين الشكل والمضمون‪229 ...........................................................‬‬

‫الجوهر والظاهرة‪227 ............................................................................‬‬ ‫ ما هو الجوهر والظاهرة‪227 ..................................................................‬‬‫ جدلية الجوهر والظاهرة ‪221 ..................................................................‬‬‫‪ -‬أهمية مقولتي الجوهر والظاهرة ‪221 ..........................................................‬‬

‫السبب والنتيجة ‪221 ............................................................................‬‬ ‫‪ -‬ما هو السبب والنتيجة‪221 ...................................................................‬‬

‫الضرورة والصدفة ‪226 ..........................................................................‬‬ ‫ ما هي الضرورة والصدفة ؟‪226 ..............................................................‬‬‫ جدلية الضرورة والصدفة‪221 .................................................................‬‬‫‪ -‬أهمية مقولتى الضرورة والصدفة‪221 .........................................................‬‬

‫االمكانية والواقع‪221 ............................................................................‬‬ ‫‪ -‬ما هي االمكانية والواقع ‪221 .................................................................‬‬

‫الفصل الثالث ‪343 ..............................................................................‬‬ ‫نالرية المعرفة في المادية الجدلية ‪343 ...........................................................‬‬

‫تمهيد ‪223 ....................................................................................:‬‬ ‫ ما هي المعرفة ؟ ‪222 ........................................................................‬‬‫‪315‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ الممارسة نقطة انطالق عملية المعرفة وأساسها‪222 ..........................................‬‬‫ وحدة النظرية والممارسة‪222 .................................................................‬‬‫ من التفرج (أو التأمل) الحي إلى التفكير المجرد‪222 ..........................................‬‬‫ المعرفة الحسية ‪222 .........................................................................‬‬‫‪ -‬المعرفة المنطقية ‪229 ........................................................................‬‬

‫المذهب الماركسي عن الحقيقة ‪229 .............................................................‬‬ ‫ موضوعية الحقيقة‪229 .......................................................................‬‬‫ من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة ‪227 ................................................‬‬‫ الحقيقة الموضوعية ‪ :‬ديالكتيك الحقيقة المطلقة والنسبية ‪227 ................................‬‬‫‪ -‬الممارسة محك الحقيقة‪221 .................................................................‬‬

‫الممارسة كأساس للمعرفة ومقياس للحقيقة‪226 .................................................‬‬

‫المكان والزمان ‪221 .............................................................................‬‬ ‫‪ -‬المفهوم الفلسفي عن المكان والزمان ‪221 ....................................................‬‬

‫الدور الحاسم للعمل في ظهور الوعي‪220 .......................................................‬‬ ‫اللغة والتفكير ‪223 ..............................................................................‬‬ ‫نظرية التطور الديالكتيكية ‪222 ..................................................................‬‬

‫الفصل الرابع ‪384 ...............................................................................‬‬ ‫قوانين الديالكتيت‪384 ............................................................................‬‬ ‫تمهيد ‪222 ......................................................................................‬‬ ‫ قانون االنتقال من التبدالت الكمية إلى التبدالت النوعية‪222 ..................................‬‬‫ وحدة شكلي التطور‪ :‬الشكل االرتقائي والشكل الثوري ‪ -‬القفزات ‪227 ..........................‬‬‫ قانون وحدة وصراع المتناقضات ‪221 .........................................................‬‬‫‪ -‬الخطوط الرئيسية للديالكتيك الماركسي عن قانون وحدة وصراع المتناقضات ‪226 ..............‬‬

‫قانون نفي النفي ‪292 ...........................................................................‬‬ ‫‪ -‬األحكام األساسية لهذا القانون‪292 ...........................................................‬‬

‫الديالكتيك كنظرية للمعرفة ‪291 ..................................................................‬‬ ‫‪ -‬المنطق الديالكتيكي والمنطق الشكلي‪291 .....................................................‬‬

‫الفصل الخامر‪369 .............................................................................‬‬ ‫المادية التاريخية ‪369 ............................................................................‬‬ ‫موضوع بحث المادية التاريخية ‪296 .............................................................‬‬ ‫‪316‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -‬مقدمات ظهور المادية التاريخية‪270 .........................................................‬‬

‫‪ -0‬المقدمات االجتماعية – االقتصادية ‪270 ....................................................‬‬ ‫‪ -3‬المقدمات الفكرية النظرية‪270 ..............................................................‬‬ ‫‪ -‬المقوالت األساسية للمادية التاريخية ‪273 .....................................................‬‬

‫التشكيل االجتماعي – االقتصادي‪273 ...........................................................‬‬ ‫اإلنتاج المادي كأساس لوجود المجتمع وتطوره ‪272 .............................................‬‬

‫‪ )0‬مفهوم اإلنتاج‪272 ..........................................................................‬‬ ‫‪ )3‬قوى اإلنتاج في المجتمع ‪279 ...............................................................‬‬ ‫‪ )2‬عالقات اإلنتاج‪277 .........................................................................‬‬ ‫ديالكيتك تطور قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج‪271 ................................................‬‬ ‫قانون توافق عالقات اإلنتاج ومستوى تطور القوى اإلنتاجية‪276 ............................... :‬‬

‫أثر عالقات اإلنتاج على تطور قوى اإلنتاج‪211 .................................................‬‬

‫القاعدة االقتصادية والبناء الفوقي ‪210 ..........................................................‬‬

‫‪317‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تقديم‪...‬‬

‫لم يكن انميار االتحاد السوفيتي وبلدان المنالومة االتشتراكية حدثال طارلزال فزي تزاريخ البتشزرية المعاصزر‪،‬‬

‫بل حمل في طياته مقدمات وعوامل انمياره عبر تراكمات بدأت مفاعيلما طوال عقود طويلزة سزبقت لحالزة‬

‫االنميار‪.‬‬

‫لقززد جززاء ذلززت االنميززار فززي لحالززة تطوريززة علميززة واقتصززادية واجتماعيززة وثقافيززة هاللززة مززن لحالززات‬

‫التطور المعاصر لكوكبنا تم تتويجما في نالام العولمة الذي جاء بدوره انعكاسزال لوصزول النالزام ال أرسزمالي‬ ‫اإلمبريالي مرحلة الذروة في تطوره ومحاوالته الميمنزة علزس مقزدرات تشزعو العزالم عمومزال والتشزعو الفقيزرة‬ ‫في بلدان العالم الثالث ومن بينما بلدان وطننا العربي خصوصال‪.‬‬

‫وفززي مثززل هززذه الالززروف والمتغيزرات خززالل العقززدين الماضززيين ‪ ،‬كززان مززن الطبيعززي أن تتعززر‬

‫القززوى‬

‫وااح اإ التشزيوعية واليسزارية العالميزة ىلزس حالزة مزن الت ارجزع واالرتبزات الزذي وصزل ىلزس تشزكل مزن أتشزكال‬ ‫الفوضززس الفكريززة ‪ ،‬خاصززة تجززاه الموقززف مززن الماركسززية ‪ ،‬لكززن بتشززاعة االسززتغالل ال أرس زمالي فززي مرحلززة‬

‫العولمززة الراهنززة‪ ،‬أكززدت مززن جديززد علززس عززودة الماركسززية لززير فقززط كنالريززة ثوريززة تلبززي تطلعززات ومصززالح‬ ‫العمززال والفالحززين الفق زراء وكززل الكززادحين والمضززطمدين ‪ ،‬بززل أيض زال عودتمززا كنالريززة علميززة متجززددة قابلززة‬ ‫للتطور وفق الروف عصرنا الراهن ومتغيراته بما يخدم خصوصية هذا الواقع االجتماعي االقتصزادي فزي‬

‫هزذا البلزد أو ذات ‪ ،‬مزن هنززا يبزرإ أمامنزا سزؤال مززا هزي الفلسزفة الماركسزية الززذي مزا إال متزداوالل – بمززذه‬ ‫الدرجة أو تلت من الجدية والزوعي أو الت ارجزع أو االرتبزات – بزين معالزم رفاقنزا فزي جميزع أحز اإ وفصزالل‬

‫اليسزار العربزي ‪ ،‬ومزا إال النقززا‬

‫حزول هزذا السزؤال محمزوالل بالتشزكوت او اليقززين العزاطفي البعيزد ‪ -‬بمسززافة‬

‫نسززبية بززين هززذا الرفيززق او ذات– عززن امززتالت الززوعي بالفلسززفة وبالنالريززة الماركسززية وقوانينمززا ومقوالتمززا‬ ‫وجوهرهززا المززادي النقززي‬

‫للفلسززفة المثاليززة ولكززل اافكززار والمفززاهيم الغيبيززة أو الميتافيإيقيززة‪ ،‬مززا يعنززي ان‬

‫أح ز اإ وفصززالل اليسززار العربززي تعززي‬

‫عموم زال حالززة مززن االرتبززات الفكززري أو فوضززس اافكززار‪ ،‬عززإإت‬

‫وكرسززت – حتززس اللحالززة – نوع زال مززن التفكززت أو الت ارجززع فززي هويتمززا الفكريززة‪ ،‬لحسززا‬

‫"هويززات" أو أفكززار‬

‫طارلة توفيقية وملتبسة أو تشكالنية ذات طابع وطني أو قزومي مبسزط أو مبتزذل أو دينزي أو ليب ارلزي متشزوه‬

‫‪ ،‬علززس الززرغم مززن ان الماركسززية ‪ ،‬نالريززة علميززة ال تحتمززل أي تشززكل مززن أتشززكال التوفيززق مززع "المويززات"‬

‫ااخرى المتشار ىليما‪.‬‬

‫ولذلت ف ن درور وعبر االلتإام الخالق بالماركسية ‪ ،‬كموية فكرية ناالمة احإابنا وفصاللنا‪ ،‬تتجلس‬

‫في ضرورة الوعي بالنالرية والتفاعل معما من خالل وعي مكونات الواقع االقتصادي االجتماعي‬ ‫والسياسي والثقافي في هذا البلد العربي أو ذات ‪ ،‬كعملية جدلية في ىطار المنالومة الفكرية والسياسية‬ ‫والتناليمية المتكاملة‪ ،‬بحيث ال يجوإ للكادر أن يكتفي فقط بقراءة العديد من الكت‬

‫الماركسية دون أن‬

‫يتعاطس مع القضايا ااخرى ‪ ،‬السياسية والتناليمية ‪ ،‬والمجتمعية ‪ ،‬والجماهيرية برؤية تشمولية مترابطة ‪،‬‬

‫‪318‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فالقراءة أو التثقيف الحإبي ‪ ،‬علس أهميته وضرورته وأولويته القصوى ‪ ،‬ىال أنه يالل طريقال أو بعدال أحاديال‬ ‫ال يمكن ان يحقق تأثيره أو نتالجه المأمولة بدون التفاعل مع كافة القضايا ااخرى بصورة تشاملة‬

‫ومترابطة ‪ ،‬بحيث يمكن عندلذ الحديث عن تحول النالرية الماركسية ىلس منما عمل ‪ ،‬ووالس سياسات‬ ‫وأوضاع وهياكل تناليمية متاللمة ومتطلبات وأهداف هذا الحإ أو الفصيل أو ذات‪ ،‬وبدون ذلت تالل‬

‫الماركسية مجرد الفتة حمراء أو تشعا الر مرفوعال محكومال للتشكل أو المالاهر بعيدال عن الجوهر الحقيقي‬ ‫الذي توخته أو استمدفته‪.‬‬

‫وهنا تتبدى أهمية طرح السؤال مجددال‪ :‬ما هي الماركسية وجوابنا الصريح والواضح رغم كزل مزا يزدور‬

‫مززن نقاتشززات موضززوعية او مقترحززة حززول هززذا الموضززوع‪ ،‬ان الماركسززية هززي نالريززة علميززة‪ ،‬بمعنززس انمززا‬ ‫تتكززون مززن مجموعززة مززن الق زوانين والمقززوالت والفرضززيات‪ ،‬وهززي أيضززا – وهززذا هززو الممززم‪ -‬تنطززوي علززس‬

‫المنما‪ :‬أي الطريقة أو ااسلو ‪ ،‬وهما ااداة ااساسية لكل علم من العلوم‪ ،‬وفي هذا الجان‬

‫نؤكد علس‬

‫"أن الماركسية ليست "علمال" بالمعنس المعتاد للكلمة‪ ،‬وواال لكفس أي انسان –كما يقول الصزديق البروفيسزور‬ ‫جيلبير ااتشقر‪ -‬أن يدرسما في مدرسزة أو جامعزة مزا ويتخزرو بتشزمادة فزي "الماركسزية" وهزو أبعزد مزا يكزون‬ ‫عن الماركسية الجوهرية"‪.‬‬

‫ومن ذلت المنطلق الثزوري بامتيزاإ تتبنزس الماركسزية وجمزة كافزة المضزطمدين‪ :‬الطبقزة العاملزة بوصزفما‬ ‫زر‪...‬‬ ‫الطبقة المنتِجة غير المالكة‪ ،‬والنساء باعتبارهن الجنر المضطمد واامم والتشعو المقمورة‪ ،‬وهلزم ج ا‬ ‫وهذه نقطة أساسية في التثقيف الثوري لسب‬

‫بديمي هو التالي‪ :‬قبل أن يتعلم المناضلون الماركسية كعلم‪،‬‬

‫ولكي يستوعبونما حقال‪ ،‬ال بد لمم بادىء ذي بدء أن يتلقنوا منطلقاتما ااخالقية ويجعلونما منطلقاتمم‪ ،‬وواال‬

‫فما قيمة "المناضل" الذي يدعي الثورية وحفال التشعارات الماركسية عن المر قل‬

‫وال تإال عادات التعالي‬

‫اإلجتماعي ىإاء ااتعر منه حالال‪ ،‬والذكوريزة والعنصزرية والتشزوفينيه تخزيم علزس أطباعزه‪ .‬فمزا نفزع "الماديزة‬

‫الديالكتيكية والتاريخية" ىذا درسما ذات "المناضل" وهو لم يزتخل‬

‫مزن رواسز‬

‫سزلبيات تربيتزه اإلجتماعيزة‬

‫التي تتناق‬

‫مع مبادئ ومفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة‬

‫أخالقية يجز‬

‫التحقزق مزن فمممزا لزير عزن طريزق المسزابقات الخطيزة‪ ،‬بزل فزي الممارسزة داخزل الحزإ أو‬

‫ىن المنطلقززات والمفززاهيم التربويززة وااخالقيززة الماركسززية ال يمكززن د ارسززتما كززأي"علززم" بززل فقززط كمبززادىء‬

‫الفصيل‪ ،‬وعلس مستوى الحياة اليومية ‪.‬‬

‫وهنززا ال بززد مززن التأكيززد علززس الكيفيززة التززي نتعززاطس بمززا مززع المززنما‪ 1‬الجززدلي الماركسززي فززي الممارسززة‬

‫الحياتيززة‪ ،‬لززير مززن أجززل الززتخل‬ ‫‪1‬‬

‫مززن الرواسز‬

‫االجتماعيززة الرجعيززة السززالدة‪ ،‬بززل أيضزال مززن أجززل مراكمززة‬

‫تعريف المنهج ‪ :‬المنهج هو الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف‪ ,‬والمرتكز على مجموع القواعد المنبثقة من التجربة الحياتية والمعارف‬ ‫العلمية ‪ ,‬فالمنهج الجدلي للمعرفة يتطلب تن اول كل الظواهر في العالم المحيط بنا في ترابطها وتفاعلها وتطورها الدائم ‪ ,‬أما المنهج‬ ‫الميتافيزيقي فيتناول كل ظاهرة بصورة منفردة وبمعزل عن ترابط وتفاعل الظواهر فيما بينها‪ ,‬وعند تناول التغير والحركة يغفل المنهج‬

‫الميتافيزيقي أبعاد التطور الحقيقي الموضوعية‪ ,‬ويفسر العمليات أو الحركة في الطبيعة والمجتمع تفسيراً غيبياً‪ ".‬الدائرة الثقافية"‬

‫‪319‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ووعي منطلقات أخالقية تتفاعل بصورة جدلية خالقة مع ىستراتيجية أحإابنا وفصزاللنا اليسزارية فزي الزوطن‬ ‫العرب ززي‪ ،‬ورؤيتم ززا الثوري ززة التغييري ززة م ززن أج ززل التح ززرر ال ززوطني وال ززديمقراطي والعدال ززة االجتماعي ززة بآفاقم ززا‬ ‫االتشتراكية الوطنية والقومية وااممية ‪ ،‬مزا يسزتدعي بالضزرورة تعميزق الزوعي فزي صزفوف الرفزاق بالنالريزة‬

‫الماركسية وأدبياتما ومسارها التطوري المعرفي والسياسي منذ منتصف القرن التاسع عتشر ىلس يومنا هذا ‪.‬‬

‫فالمنما الجدلي المادي تشانه تشأن مزنما العلزم‪ ،‬يمزدف لتطزوير النالريزة لكزي توجزه الممارسزة الحياتيزة‬

‫التي بدورها تطور وتغني النالرية‪ ،‬وهذا بالضبط ما قصده "كزارل مزاركر" بقولزه "ىننزي لزم أضزع ىال حجزر‬

‫الإاويززة فززي هززذا العلززم " مززا يؤكززد علززس أن نالريززة المعرفززة الماركسززية هززي جززإء مززن صززيرورة حركززة الحيززاة‬ ‫ومتغيراتما التي ال تعرف الجمود او التوقف‪ ،‬وهزو مزا يعنزي بوضزوح تشزديد رفضزنا التعزاطي مزع الماركسزية‬

‫فززي ىطززار مززنما أو بنيززة فكريززة مغلقززة أو نماليززة التكززوين والمحتززوى‪ ،‬بززل يتوج ز‬

‫علينززا ان نتعززاطس معمززا‬

‫كمززنما او بنيززة فكريززة تتطززور دوم زال مززع تطززور االنجززاإات واالكتتشززافات العلميززة فززي جميززع مجززاالت الحيززاة‬ ‫وحقالقما الجديدة‪ ،‬ىذ أن الماركسية تكف عن ان تكون نالريزة جدليزة ىذا مزا تزم حصزرها فزي ىطزار منمجزي‬

‫منغلق أو في الروف تاريخية محددة‪.‬‬

‫ىذن الماركسززية لمززا منمجمززا ‪ ،‬الززذي هززو اداة لكتشززف وتحليززل الال زواهر االجتماعيززة والطبيعيززة‪ ،‬يفززر‬

‫علس كل ماركسي ان يتابع بروح نقدية استكتشافية عقالنية كافة التطورات والصراعات االجتماعيزة‪ ،‬لتقزديم‬

‫الرؤى والبراما وآليات العمل المادفة الس تغيير وتجاوإ الواقع المحكوم من قبل الطبقات المستغلة في هذا‬ ‫البلززد او ذات لحسززا‬

‫تحقيززق أهززداف المضززطمدين وكززل الكززادحين والفق زراء فززي االنعتززاق والتحززرر والعدالززة‬

‫االجتماعية بآفاقما االتشتراكية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ،‬ف ننا نتشير ىلس أن أيال من قزوى اليسزار العربزي‪ ،‬لزم تزنجح تاريخيزال بتعمزيم وتكزرير‬

‫منماجما اايديولوجي ومنطلقاتما التربوية ااخالقية‪ ،‬وثقافتما العقالنية علس قواعدها التناليمية من الناحية‬

‫الجوهرية‪ ،‬وبالتالي اللت االيديولوجيا بوجه عام غير ممأسسة تناليميال ومتناثرة ومحصزورة أو محاصزرة او‬ ‫هامتشززية ممملززة ‪ ،‬ولززم ترتززق بأفضززل أحوالمززا لتتشززكل ناالم زال للحيززاة التناليميززة او حالززة فكريززة جماعيززة أو‬

‫قاعززدة واس ززعة ل ززوعي نال ززري م ززنالم‪ ،‬االم ززر ال ززذي يسززتدعي م ززن ه ززذه الق ززوى ‪ ،‬أن تب ززدأ ج ززديال بتفعي ززل البع ززد‬ ‫اايززديولوجي باعتب ززاره أح ززد أه ززم مرتك زإات الح ززإ وص ززيرورته الراهن ززة والمسززتقبلية‪ ،‬عب ززر االلتززإام بمأسس ززة‬

‫النتشاط الفكري في االذهان بما يضمن ىحياء وتجديد ىطار التفاعل الجاري بتشأن ىعزادة االعتبزار للنتشزاط‬ ‫التثقيفززي لمنالمززات الحززإ القياديززة والكادريززة والقاعديززة‪ ،‬كبوصززلة ومرجعيززة اولززس ومترافقززة ضززمن مسززيرة‬ ‫النضززال التشززاملة ولتحقيززق أهززداف الثززورة الوطنيززة التشززعبية التحرريززة الديمقراطيززة بآفاقمززا االتشززتراكية فززي كززل‬

‫بلدان وطننا العربي‪.‬‬

‫غازي الصوراني‬ ‫اكتوبر ‪3103‬‬ ‫‪301‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفصل األول‬

‫الفلسفة وتطورها التارخيي‬ ‫تعريف الفلسفة ‪:‬‬

‫الفلسفة ليست ح‬

‫الحكمة فحس‬

‫‪ ..‬ىنما في المقام االول ح‬

‫المعرفة ‪ ،‬وهي قبل كل تشيء موقف‬

‫اإلنسزان مزن الالزواهر وااحزداث السياسزية واالجتماعيزة والطبيعيزة مزن حولزه ‪ ..‬اإلنسزان الحقيقزي هزو‬

‫الموقف ‪ ،‬اإلنسزان الالمبزالي ‪ ،‬ىنسزان ال يسزتحق االحتزرام ‪ ..‬مزن ناحيزة أخزرى ىن الموقزف المقزاوم للاللزم‬ ‫الطبقزي واالسزتبداد ومقاومزة المحتزل هزو موقزف واعزي بتشزكل مسزبق بااهزداف التحرريزة والديمقراطيزة ‪..‬‬ ‫وبزدون ذلزت الزوعي فزي تشزكله العفزوي أو الطليعزي ال يتحقزق رد الفعزل المقزاوم لالسزتبداد او لالحزتالل أو‬

‫الاللزم االجتمزاعي ‪ ..‬ىن الزوعي بزالاللم االجتمزاعي وباالسزتغالل هزو المقدمزة الضزرورية لعمليزة التغييزر‬

‫االجتماعي ‪ ..‬ىن كل أتشكال هذا الوعي هي موقف فلسزفي بتشزكل مباتشزر أو غيزر مباتشزر ‪ ،‬ىن االلتحزاق‬

‫الطوعي في العمل الحإبي هو تشكل متطور للموقف الفلسفي وانتقاله من تشكله البسيط ىلس تشكله وجوهره‬ ‫الطليعي ‪ ،‬هنا يتحول الوعي – عبر المعرفة – ىلس اراده واعية من أجل التغيير الثوري والديمقراطي‪.‬‬

‫ىن الواليفة الجوهرية لكل فكر أو فلسفة هي الكتشف عن معضلة الواقع عبر نقدها نقدا واعيا ينفذ ىلس‬

‫مكنوناتما‪ ،‬لمعرفة قوانينما‪ ..‬ومن ثم العمل علس ىإاحة المعضلة وتغيير الواقع ‪..‬من هنا فالحديث عن‬ ‫نماية الفلسفة‪ ،‬هو حديث عن نماية الفكر ‪ ،‬ونماية الواليفة الجوهرية المرتبطة باستتشراف المستقبل أو‬

‫تحليل الواقع وتغييره‪ ،‬وفي هذا السياق ‪ ،‬نقول ‪ ،‬ىن الحديث عن نماية الفلسفة قد الإم تاريخما منذ بدايتما‬

‫‪ ،‬ويتواجد جنبا الس‪ ...‬جن‬

‫مع الحديث عن البدايات ‪ ،‬ىذن فكل حديث عن النماية هو بداية لتشيء ما ‪،‬‬

‫وكل حديث عن البداية هو نماية امر آخر‪ ....‬ألير المفكر هو من يموى صناعة السؤال وحرفة‬

‫االستفمام كذلت فن صناعة السؤال يستلإم اإلحاطة بالكثير من ااجوبة ‪...‬وهذه االحاطة آمل أن تكون‬

‫متوفرة بالمعنس النسبي لدى رفاقي وأصدقالي من أجل تعميق معارفمم في خدمة ممارساتمم من اجل‬ ‫التغيير ‪ ،‬فبقدر ما يتملت المرء من أجوبة‪ ،‬كذلت يكون " قدر " ااسللة التي يطرحما‪.‬‬

‫ما هي الفلسفة‬

‫ىن التعريززف الززذي نتوخززاه للفلسززفة يقززول بززأن الفلسززفة هززي مجموعززة مززن النال زرات التشززاملة ىلززس العززالم‬

‫والطبيعة والمجتمع واإلنسان عبر التالإم الجدلي بين العام والخا‬

‫‪.‬‬

‫• ىنما مجمل اآلراء والتصورات عن القضايا العامة لتطور الوجود والوعي(عالقة الفكر بالوجود)‪.‬‬

‫‪300‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫• هي تشكل من أتشزكال الزوعي االجتمزاعي (أتشزكال الزوعي االجتمزاعي هزي ‪:‬العلزم ‪-‬الفلسزفة ‪ -‬الفزن ‪-‬‬

‫ااخالق ‪ -‬السياسة ‪ -‬الدين كلما مترابطة عضويال )‪.‬‬

‫هنات مستويين من الوعي االجتماعي ‪ - 0 :‬مستوى عفوي ‪ -‬اعتيادي ‪ -3‬مستوى عميق – طليعي‬

‫(أيديولوجي)‪.‬‬

‫األول ‪ :‬المستوى العفوي( االعتيادي )‪:‬‬ ‫أو السيكولوجي االجتماعي وهزو يمثزل وعزي النزار لألحزداث والوقزالع والالزواهر السزطحية واالنفعزاالت‬

‫واامإجززة ويرسززخ فززي العززادات والتقاليززد وااع زراف لززدى جميززع الفلززات االجتماعيززة والطبقززات واامززم ‪،‬هززذا‬

‫المس ززتوى يعب ززر ع ززن العالق ززات والمص ززالح اليومي ززة والقريب ززة للن ززار بارتباطم ززا بالبع ززد الت ززاريخي أو الت ارث ززي‬

‫المتراكم بكل معطياته السالبة واإليجابية ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬المستوى الطليعي (الثقافي االيديولوجي)‪:‬‬ ‫ويعني تعمزق الزوعي بتشزكل نزوعي فزي سزبر أغزوار الوجزود االجتمزاعي ‪ ،‬فاايزديولوجيا تعكزر الجوانز‬

‫الداخليززة المامززة مززن الحيززاة االجتماعيززة ‪ -‬قوانينمززا وقواهززا االجتماعيززة المحركززة ونإعززات تطورهززا ‪،‬فززالوعي‬ ‫علززس المسززتوى اايززديولوجي يعكززر الوجززود االجتمززاعي فززي النالريززات واافكززار والمززذاه‬

‫والمفززاهيم وهززو‬

‫يصاغ بتفكير وترو عميقين من قبل ممثلين للطبقة المعنية ( ىنمم ىيزديولوجيو الطبقزة ااكثزر فعاليزة وقزدرة‬

‫علس " اإلبداع " بما يحقق نإوعمم نحو السيطرة أو اانعتاق )‪.‬‬

‫أخي ـ ار ‪..‬الفلسززفة فززي رأينززا هززي أهززم تشززكل مززن أتشززكال الززوعي االجتمززاعي (تززنعكر فيززه حصززيلة التقززدم‬

‫العلمززي واالجتمززاعي وكافززة التناقضززات االجتماعيززة ) ىنمززا كمززا يقززول مززاركر إبززدة عصززرها الروحيززة وهززي‬ ‫روح الثقاف ززة الحي ززة ‪،‬وبم ززذا المعن ززس ال يمكنن ززا ع ززإل الفلس ززفة ع ززن معطي ززات التح ززرر ال ززوطني وال ززديمقراطي‬

‫النمضززوي العربززي ‪ ،‬كمزا اليمكززن عإلمززا عززن الواقززع السياسززي االجتمززاعي االقتصززادي الززذي نعيتشززه اليززوم ‪،‬‬ ‫ان الت ز زرابط بز ززين الفلسز ززفة والسياسز ززة والتز ززاريخ أصز ززبح حالز ززة موضز ززوعية فز ززي عص ز زرنا ال ز زراهن علز ززس وجز ززه‬

‫الخصو‬

‫‪.‬‬

‫نتشأة الفلسفة ‪:‬‬

‫• نتشززأت الفلسززفة القديمززة وتطززورت فززي ارتبززاط وثيززق بالتصززورات ااسززطورية والخياليززة حززول الوسززط‬

‫المحيط باإلنسان ( أصل العالم نار ‪-‬ماء‪-‬فراغ ) هيراقليطر ‪ -‬طالير وغيرهم ‪.‬‬ ‫* وجها الفلسفة‪:‬‬

‫الوجه المثالي ‪ ,‬والوجه المادي‪:‬‬ ‫كل منمما يحاول اإلجابة عن المسألة ااساسية في الفلسفة!!‪..‬‬

‫عالقة الفكر بالوجود أو عالقة الروح بالطبيعة … ىنه السؤال الخالد أيمما أسبق ىلس الوجود‬ ‫عبر اإلجابة علس هذا السؤال يتحدد موقفنا مع المثالية أم مع المادية ومنمجما‪.‬‬

‫‪302‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫* المفكر المادي‪:‬‬ ‫هو الذي ينالر ىلزي العزالم المحزيط باإلنسزان ( تشزمر ونجزوم وأر‬

‫وبحزار وكالنزات حيزة ) علزس أنمزا‬

‫أتشززياء موجززودة موضززوعيال ‪،‬أي أنمززا غيززر مرهونززة فززي وجودهززا بززالوعي البتشززري ‪ ،‬مززن ناحيززة أخززرى تززرى‬ ‫المادية أن العالم الموضوعي هو عالم سرمدي ‪ ،‬غير مخلوق وأنه هو علة وجود الوعي ‪،‬ال العكر ( أي‬

‫أنه سب‬

‫الوعي)‪.‬‬

‫* المفكر المثالي‪:‬‬ ‫يقول بأن الوعي ( أو الفكر أو الروح أو اإللزه الفزرق ) هزو ااسزبق علزس الوجزود ‪ .‬ىنزه ينكزر أن يكزون‬

‫وعززي النززار انعكاس زال للواقززع الموضززوعي ‪ (.‬مثاليززة ذاتيززة ‪ ،‬وموضززوعية ) ‪ .‬بززالرغم مززن موضززوعية الرؤيززة‬

‫المادية للعالم‪ ،‬ىال أننا ال ندعو ىلي الوقوف أمزام هزذه المسزألة التزي قزد تثيزر كثيز الر مزن الجزدل و التسزاؤالت‬ ‫والخالف ززات دون أي طال ززل ف ززي ه ززذه المرحل ززة بال ززذات ‪،‬نح ززن م ززع الم ززنما العلم ززي الج ززدلي وم ززع الموق ززف‬

‫الموضزوعي تجززاه كزل مززا تتعزر‬

‫لززه مجتمعاتنزا العربيززة فززي كزل جوانبمززا الحياتيزة مززن أجزل الوصززول عبززر‬

‫االجتماعيززة والديمقراطيززة والنمززو‬

‫ب عتبززار هززذه القضززايا ىطارنززا العملززي المباتشززر فززي مواجمززة الواقززع مززن‬

‫هذا المنما ىلي المواقف والتطبيقات التي نتطلزع ىليمزا فيمزا يتعلزق بزالتحرر السياسزي واالقتصزادي والعدالزة‬

‫حولنا وفي تطبيق وعينا الفلسفي أو المنمجي أو السياسي علس هذا الواقع ‪ ،‬هذا هو المقيار‪.‬‬

‫الفلسفة اليونانية( االغريقية) القديمة‬

‫برإت الفلسفة اليونانية في القرنين السادر والخامر ق‪.‬م و ىستمرت حتس القرن ال اربزع ق‪.‬م ثزم بزرإت‬

‫بعدها الفلسفة الرومانية في أواخر القرن الثاني ق‪.‬م حتي القرن السادر الميالدي ‪.‬‬

‫ىن افضليه الفلسفة اإلغريقية ىنما كانت الرالده في تحرير الفكر عبر تساؤالتما عن طبيعة الوقع‬

‫وحقيقة العقل و العديد من القضايا ذات الطابع المعرفي التشمولي ‪ ،‬و بقدر ما كانت عالمة االغريق‬

‫قالمه علس ضوء الفكر ‪ ،‬ىستندت روما‪ -‬التي وضعت فلسفه مواإيه للفلسفه اليونانيه الس " عالمة القوة‬ ‫‪".‬‬

‫في تعرضنا للفلسفة اليونانية يبرإ كل من افالطون و ارسطو كمحور اساسي لمذه الفلسفة ‪ ،‬آخذين‬

‫باالعتبار و التقدير دور العديد من الفالسفة االغريق الذين وضعوا االسر التي ىنطلق منما كل من‬ ‫افالطون و ارسطو ‪ ،‬من هؤالء " طالير " الذي قال ىن جميع الموجودات صدرت عن مادة رطبة (الماء‬

‫البارد ) ‪ ،‬وتلميذه " انا كسمندر " الذي كان ماديا ىهتم بحقالق الكون وأصل الحياه ‪ ،‬ثم فيتاغورث ‪-‬‬ ‫المولود في ىيطاليا ( ‪811-851‬ق‪.‬م ) الذي آمن بتناسخ االرواح ‪ ،‬و ىتشتغل بالحسا‬

‫و المندسة ‪ ،‬و‬

‫هو القالل بان " هذا العالم كرة ناريه حية " و هيراقليطر " ذلت الفيلسوف المادي الذي اعلن ان " بداية‬

‫هذا الكون من النار وان هذا العالم سيالل نا الر حية تنطفي بمقدار و تتشتعل بمقدار " و" انا كساغور"‬

‫الذي قال "ان التشمر جس م مادي و أن العالم يتألف من عدد ال متناه من الدقالق الصغيره و ان الحياه‬ ‫‪303‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عمليه دالمه و متصلة و مستمرة ‪" ،‬ىتممه" ديمقراطيو اثينا االرستقراطيين باإللحاد و طردوه منما‪ ،‬بعد‬

‫ذلت برإت "السفسطاليه" كالاهرة فلسفيه لعصر ديمقراطية العبيد في اثينا ‪ ،‬حيث كان االنسان عند‬

‫السفسطاليين" معيار ااتشياء جميعال ‪ ،‬وتشككوا في التصورات الدينية " ثم " ديمقريطر " الفيلسوف المادي‬ ‫الذي قال " لير في هذا العالم اال الخالء والذرات تتألف منما كل الموجودات "‪ ،‬وارجع المور الكالنات‬ ‫الحية الس الالروف الطبيعية عبر توحد الذرات ‪ ،‬كان نصي الر للديمق ارطية العبودية ‪ ،‬بعكر " سقراط " رالد‬

‫الفلسفة االرستقراطية النخبوية الذي وقف بعناد ضد الديمقراطية في اثينا ب عتبار انما تؤدي ‪-‬كما يقول‪-‬‬

‫الس الفوضس عبر تحكيم الجماهير الدهماء في هذه العملية ‪ ،‬ونتيجة موقفه حكم بالموت رافضال طل‬

‫الرحمة من الجماهير ‪ ،‬من أهم اقواله " أي تشيء اتشد سخرية من هذه الديمقراطية التي تقودها الجماهير‬

‫التي تسوقما العاطفة " ألير من الغرابة ان يحل مجرد العدد محل الحكمة " ‪ ،‬وجاء افالطون ( ‪-439‬‬ ‫‪349‬ق‪.‬م) من بعده كتلميذ نجي‬

‫استاذه ليستكمل الرسالة في العداء للديمقراطية وفق اسر مغايره ‪ ،‬انه‬

‫فيلسوف الفردية اارستقراطية الذي نتشأ في جو ارستقراطي مريح‪.‬‬

‫" ان التغير عند افالطون معناه االضمحالل ‪ ،‬بينما الكمال معناه انعدام التطور " لقد اراد مجتمعال‬

‫ثابتا (اسبرطيا ال يتحرت بالديمقراطية كما في اثينا ) يتولس ادارته نخبة مختارة من االرستقراط الذين‬ ‫يمتلكون القدره علس التفكير و التأمل لإلتشراف علس ضبط "المجتمع الثابت " الذي يج‬

‫ان تقتلع منه‬

‫تلت القوى التس تعمل من اجل التغيير ‪ ،‬هذه االفكار طبقتما اارستقراطية االوروبية فيما بعد طوال اكثر‬

‫من الف عام تحت راية الكنيسة او النخبة الالهوتيه ‪ ،‬وهذه االفكار موجودة نسبيا في تراثنا العربي حيث‬

‫نالحال تعاي‬

‫الوعي العفوي مع مفموم "حالة الثبات " عبر امثلة كثيرة منما " الذي ينالر الس اعلس‬

‫تقطع رقبته " و " العين ال تعلو علس الحاج‬

‫" و العديد من االمثال التي تدعو الس تكرير حالة الثبات‬

‫ضد التغير‪.‬‬

‫فلسفة العصر االقطاعي‬

‫• المززرت هززذه الفلسززفة بعززد اسززتقرار وتفعيززل دور الكنيسززة فززي الغززر خززالل الق زرنين الثززاني والثالززث‬ ‫الميالديززين ‪ ،‬وتعاالمززت هيمنتمززا فززي القززرن السززادر بعززد الغززاء االفالطونيززة واعززالن المسززيحية ديززن الدولززة‬

‫الرسمي عام ‪839‬م(يوستينيانور)‪.‬‬

‫• هيمنت االيديولوجيزة الدينيزة علزس الحيزاة الفكريزة فزي هزذا العصزر حيزث تحولزت الفلسزفة الزس خادمزة‬

‫لالهزوت عبزر طابعمزا الرجعزي التصزوفي وكزان مبررهزا ان الحكمزة والمعرفزة تزتم فقزط عبزر الوجزد الصززوفي‬ ‫ورفز ز‬

‫التجرب ززة او طري ززق العق ززل ‪ ،‬لق ززد انحط ززت الفلس ززفة ف ززي ه ززذا العص ززر ال ززس درت التص ززوف والس ززحر‬

‫واالساطير ‪ ،‬وارتدى صراع الطبقات فيه تشكل خافت من الصراع الديني ‪.‬‬

‫ابرإ فالسفة هذا العصر ‪ :‬افلوطين (‪391-318‬م) الذي قزال ان التطزور يبزدأ بزااللمي الزذي ال يمكزن‬

‫االحاطة به ويج‬

‫االيمان به‪.‬‬ ‫‪304‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اوغسززطين (‪431-384‬م) ال ززذي ت ززأثر باالفالطوني ززة الجدي ززدة (الت ززي وض ززع اسس ززما افالط ززون) واعتن ززق‬

‫المسزيحية فيمزا بعززد ‪ ،‬مزن اقوالزه "االنسززان يملزت الحريززة ولكزن كزل مززا يفعلزه بز رادة مسززبقة مزن اهلل"‪" ،‬الحيززاة‬ ‫الجإلي"‪ " ،‬اننا نعرف اهلل ال بالتفكير بل باإلع ار‬

‫الدنيوية سقوط وانفصال عن االإلي واتصال بالناق‬

‫عن التفكير" ‪ ،‬هذه المواقف تم تطبيقما عمليا في هذا العصر بما يخدم الكنيسزة واالمزراء ‪ ،‬بحيزث تحولزت‬

‫الفلسفة الس "علم" جنوني بالغي‬

‫وامتإاو االيمان بالسحر‪.‬‬

‫بعزد ذلزت المزرت الفلسزفة السزكواللية (المدرسزية )‪ scholasticism‬خزالل القزرنين الثزاني عتشزر والثالزث‬

‫عتشز ززر المتز ززأثرة باالفالطونيز ززة المحدثز ززة ومثلز ززت التيز ززار الرليسز ززي فز ززي فلسز ززفة المجتمز ززع االقطز ززاعي ‪ ،‬كز ززان‬

‫السززكوالليون أعضززاء مززؤثرين فززي الرهبنززة المسزيحية وكززانوا اعضززاء فززي محززاكم التفتززي‬ ‫هذا التيار توما االكويني (‪0394-0338‬م) الذي خا‬

‫‪ ،‬مززن اهززم مفكززري‬

‫صراعا حادا ضد الرتشدية حينما كان أستاذا في‬

‫جامعة بارير‪ ،‬قال ان االيمان والعقل يتشكالن وحدة منسجمة وال يختلفان بعكر ابن رتشد ‪" ،‬الصورة عنزد‬

‫توما ااكويني توجزد بزدون المزادة ‪ ،‬امزا المزادة فزال يمكزن ان توجزد بزدون الصزورة (بزدون اهلل) ‪ ،‬وان الزوحي‬ ‫اإللمي ال يتضمن أي خطزأ وفزي حالزة وجزود التنزاق‬

‫الالهوت وان الحاكم يج‬ ‫علس اار‬

‫فزان المخطزسء هزو العقزل ال االيمزان او الفلسزفة ال‬

‫ان يخضع للسلطة الروحية التي يقف علس رأسما المسيح فزي السزماء والكنيسزة‬

‫" لقد كانت "التوماوية" بمثابة المرتكإ الفكري للكنيسة الكاثوليكية المميمنة علس عقول النار‬

‫في ذلت العصر‪.‬‬

‫مجابهة الفلسفة االقطاعية‬

‫بززدأت المجابمززة عبززر عززدد مززن المفك زرين كززان مززن أبززرإهم العززالم الفيلسززوف روجززر بيكززون (‪-0304‬‬

‫‪0394‬م‪).‬؛ الذي طرح فك الر نقديال " للفلسزفة االقطاعيزة عبزر ىعالنزه أن الوصزول ىلزس الحقيقزة يتطلز‬ ‫العوالق التي تعتر‬

‫المعرفة " وأهم هذه العوالق عند بيكون‪" :‬رواس‬

‫لمفكري الماضي‪ ،‬وأن أفكارنا الصحيحة يج‬

‫ى اإلزة‬

‫الجمل وقوة العادة والتبجيل المفرط‬

‫أن تثبت بالتجربة"‪.‬‬

‫لقد كانت هذه اآلراء المعول ااول في هدم المعطيات الفكرية لمذا العصر بالرغم مزن أنمزا كانزت سزببال‬

‫فززي سززجنه‪ ،‬وكانززت أيض زال أحززد مقومززات المززذه‬

‫البروتسززتنطي الززذي ي زرف‬

‫الموجززودة لززدى الكاثوليززت واارثززوذكر‪ ،‬حيززث أكززد أصززحا‬

‫هززذا المززذه‬

‫القديسززين والعززذراء والماللكززة‬

‫أن " النعمززة اإللميززة تصززل ىلززس‬

‫اإلنسززان مززن عنززد اهلل دون وس زاطة الكنيسززة " هززذا الموقززف جعززل مززن الكنيسززة والبابززا – فيمززا بعززد ‪ -‬تشززيلال‬

‫تشكليال وساهم في تحرير اإلنسان من ااغالل الفكرية للعصر اإلقطاعي‪.‬‬ ‫ىن المغ ززإى ال ززذي ن ززدعو ىل ززس استخالص ززه م ززن ه ززذا االس ززتع ار‬

‫العصززر اإلقطززاعي علززس وجززه الخصززو‬ ‫المقارنزة الموضزوعية لزبع‬

‫ل ززبع‬

‫يكمززن فززي امكانيززة تززوفير بعز‬

‫جوانز ز‬

‫الفلس ززفة عمومز زال وف ززي‬

‫المقومززات الفكريززة الالإمززة لعقززد‬

‫أوجزه السززمات الفكريزة والثقافيزة واالجتماعيزة المترديززة فزي وطننزا العربزي التززي‬

‫‪305‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تتقززاطع أو تتتشززابه فززي جوهرهززا أو فززي نتالجمززا مززع المقومززات الفلسززفية والفكريززة واالجتماعيززة التززي عرفتمززا‬

‫أوروبا في العصر اإلقطاعي ‪ ،‬الذي تميإت فلسفته بأنما‪:‬‬

‫‪ .0‬انطلقت من فرضيات مذهبية جامدة ال يمكن ىثباتما بالتجربة أو بالمالحالة ‪.‬‬ ‫‪ .3‬لم تمتم بالعلوم أو الوقالع الحياتية ‪.‬‬

‫‪ .3‬لززم تتطلززع ىلززس البحززث عززن الحقيقززة‪ ،‬فقززد كززان هززم معالززم المفك زرين فززي هززذه المرحلززة ىثبززات صززحة‬ ‫العقالد الدينية لتثبيت مصالح ملوت أوروبا والكنيسة ورموإ اإلقطاع ‪.‬‬

‫ىن الفكر اإلقطاعي لم يمتم ببحث المسالل المطروحة بل إو في ىطار النتيجة المسلم بما‪ ،‬وكزان البزد‬

‫للفلسززفة القالمززة علززس مثززل هززذه ااسززر أن تسززير فززي در االنحطززاط فززي الززروف بززدأ فيمززا يتعززإإ العلززم‬

‫ليتحززول ىلززس ميززدان بحززث مسززتقل نسززبيال‪ ،‬وهززذا مززا حززدث عنززدما بــدأ أســلوب اإلنتــاج الجديــد يتشــكل فــي‬

‫أحشــاء المجتمــع اإلقطــاعي مفســحاً الطريــق لعصــر النهضــة وللديمقراطيــة البرجوازيــة بعــد أن تــم كســر‬ ‫هيمنة الكنيسة على عقول الناس‪.‬‬

‫المقدمات المادية والفكرية التي دفعت نحو والدة عصر النهضة‬

‫قلنا ان الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يمتم ببحث المسالل المطروحة بمزا يزدفع‬ ‫نحو االنتقال مزن حالزة الجمزود أو الثبزات ىلزس حالزة النمزو‬

‫والحركزة الصزاعدة ‪ ،‬ولزم تسزفر تلزت المرحلزة‬

‫(التززي مززا إلنززا نعززاني مززن رواسززبما فززي وطننززا العربززي حتززس اللحالززة) عززن نتززالا ىيجابيززة تززذكر س زواء فززي‬ ‫الفلسفة أو في العلم ‪ ،‬ذلت أن "المفكرين" لم يتطلعوا ىلس البحث عن الحقيقة بزل عزن وسزالل البرهزان علزس‬ ‫صحة العقالد الدينية خدمة لمصالح الملوت والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين ‪.‬‬

‫كان بداية ذلت التتشكل عبر ىطارين كان البد من والدتمما مع اقت ار نماية تلت المرحلزة وهمزا ‪ :‬ىطزار‬

‫التعاونيات ‪ ،‬وواطار المانيفاكتوره التي كانت البدايات التمميدية نحو والدة المجتمع الرأسمالي حيث المرت‬ ‫المانيفاكتورات في المدن اإليطالية أوالل ثم انتقلت ىلس باقي المدن ااوروبية ‪.‬‬ ‫في هذه المرحلة االنتقالية ‪ ،‬نالحال تطو الر ونموال للمدن والمور التجار والصناعيين وأصزحا‬

‫واالكتتش ززافات التكنيكي ززة المغ ززاإل اآللي ززة – دواليز ز‬

‫البنزوت ‪،‬‬

‫المي ززاه – اافز زران العالي ززة ودوره ززا ف ززي ص ززناعة التع ززدين‬

‫واختراع ااسلحة النارية والبارود والطباعة في أواسط القرن الخامر عتشر ‪.‬‬

‫فيمززا بعززد تززم ىح زراإ نجاحززات أخززرى عززإإت تطززور أسززلو اإلنتززاو ال أرسززمالي الصززاعد والمنتتشززر فززي‬

‫أوروبا‪ ،‬وارتبطت هذه النجاحات بعناوين كثيرة ضمن محورين أساسيين‪:‬‬

‫‪ .0‬الكتشززوفات الجغرافيززة مززع نمايززة القززرن الخززامر عتشززر وبدايززة السززادر عتشززر ‪ ،‬خصوصزال اكتتشززاف‬ ‫أميركا والطريزق البحزري ىلزس المنزد ورحلزة " مزاجالن " حزول اار‬

‫العالمية الالحقة ‪.‬‬

‫‪306‬‬

‫وبالتزالي ىرسزاء أسزر التجزارة‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪.3‬‬

‫ت ارفزق كزل ذلززت مزع تغيزرات ثقافيززة وفكريزة رحبززة كسزرت الجمزود الفكززري الالهزوتي السززالد ‪ ،‬وأدت‬

‫ىل ززس " تم ززاوي اس ززتبداد الكنيس ززة ف ززي عق ززول الن ززار " وواخف ززاق وت ارج ززع نف ززوذ الكنيس ززة االقتص ززادي‬ ‫والسياسي ‪ ،‬والمور مجموعات من المثقفين البرجواإيين قطعوا كزل صزلة لمزم بالكنيسزة والالهزوت‬

‫الززديني المززذهبي ‪ ،‬وارتبطزوا مباتشزرة بززالعلم والفززن ‪ ،‬وقززد سززمي هزؤالء بأصززحا‬

‫النإعززة اإلنسززانية‬

‫" ‪ ( ،"HUMANISM‬وهو مصطلح نورده هنا اهميته ىذ أنه دل آنذات علس الثقافة الإمنيزة فزي‬ ‫مواجمززة الثقافززة الالهوتيززة أو السززكواللية الرجعيززة ) وقززد أخززذ ه زؤالء المثقفززون مززن أصززحا‬

‫اإلنس ززانية علز زس ع ززاتقمم معارض ززة ونقز ز‬

‫النإعززة‬

‫المف ززاهيم والعل ززوم الديني ززة الكنيس ززية عب ززر نتش ززر عل ززوممم‬

‫الدنيوية التي كانت بالفعل أقر ىلس التعبير عن مإاو البرجواإية الصاعدة آنذات‪.... .‬‬

‫الفلسفة األوروبية الحديثة ‪ :‬عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية‬ ‫القرن الثامن عشر‬ ‫والدة هذا العصر لم تكن عملية سهلة في المكان أو الزمان ولم تتم أو تظهر معالمها دفعـة واحـدة‪,‬‬

‫أو اتخذت شكل القطع منذ اللحظة األولى‪ .‬إذ أن هذا االنقطاع لـم يأخـذ أبعـاده فـي االنفصـام التـاريخي‬

‫إالَ بعد أربـع قـرون مـن المعانـاة وتحـوالت ثوريـة فـي االقتصـاد والتجـارة والزراعـة والمـدن كانـت بمثابـة‬ ‫التجسيد لفكر النهضة واإلصالح الديني والتنوير من جهة والتالحم مع هذه المنظومـة الفكريـة الجديـدة‬

‫من جهة أخرى ‪ ,‬تمهيداً للثورات السياسـية البرجوازيـة التـي أنجـزت كثيـ ارً فـي هولنـدا فـي مطلـع القـرن‬

‫الســابع عشــر‪ ,‬وفــي بريطانيــا مــن ‪ , 0911_ 0920‬ثــم الثــورة الفرنســية الكبــرى ‪, 0102 _ 0716‬‬ ‫والثورة األلمانية في منتصف القرن التاسع عشر ‪.‬‬

‫لقــد كــان نجــاح هــذه الثــورات بمثابــة اإلعــالن الحقيقــي لمــيالد عصــر النهضــة والتنــوير أو عصــر‬

‫الحداثة ففي هذا العصر انتقلت أوروبا الغربية من مجتمع الطبيعة المحكـوم بنظريـة الحـق اإللهـي إلـى‬

‫المجتمع المـدني ‪ ,‬مجتمـع الديمقراطيـة والثـورة العلميـة الكبـرى التـي أحـدثت زلـ ازالً فـي الفكـر األوروبـي‬ ‫الحديث كان من نتائجه الرئيسية " انتقال موضوع الفلسفة من العالقة بين اهلل والعالم‪ ,‬إلى العالقة بين‬

‫اإلنسان والعالم وبين العقل والمادة‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب ‪ ,‬نشير الى أن الفكر الذي ساد في المرحلة السابقة ( اإلقطاعية ) لم يهـتم ببحـث‬

‫المســـائل المطروحـــة بم ززا يززدفع نحززو االنتق ززال مززن حالززة الجم ززود أو الثبززات ىلززس حال ززة النمززو‬

‫والحرك ززة‬

‫الصاعدة ‪ ،‬ذلزت أن "المفكرين" لم يتطلعوا إلى البحث عـن الحقيقـة بـل عـن وسـائل البرهـان علـى صـحة‬

‫العقائد الدينية خدمة لمصالح الملوك والنبالء اإلقطاعيين ورجال الدين‪.‬‬

‫‪307‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كان البد لهذه الفلسفة القائمة على مثل هذه األسس أن تسير فـي درب االنحطـاط فـي ظـروف‬

‫بدأ فيها يتعزز العلم مع بدايات تشكل أسلوب أو نمط اإلنتاج الجديد في أحشاء المجتمع اإلقطاعي مـا‬

‫بــين القــرنين الرابــع والخــامس عشــر‪ ,‬وقـد كانــت بدايــة ذلــك التشــكل عبــر إطــارين ‪ :‬إطــار التعاونيــات ‪,‬‬ ‫واطار المانيفاكتوره‪. 1‬‬

‫ففي هذه المرحلة االنتقاليـة ‪ ,‬نالحـظ تطـو ارً ونمـواً للمـدن وظهـور التجـار والصـناعيين وأصـحاب‬

‫البنوك‪ ,‬واالكتشافات التكنيكية المغازل اآللية – دواليب المياه – األفـران العاليـة والبـارود والطباعـة فـي‬

‫أواسط القرن الخامس عشر ‪.‬‬

‫فيما بعد تم إحراز نجاحات أخرى عإإت تطور أسلو اإلنتاو الرأسمالي ضمن محورين أساسيين ‪:‬‬

‫‪0.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫الكشوفات الجغرافية مع نهاية القرن الخامس عشر وبداية السادس عشر‪.‬‬

‫ترافق كل ذلك مع تغيرات ثقافية وفكرية رحبة كسرت الجمود الفكري الالهوتي السائد ‪ ,‬وأدت‬

‫إلى " تهاوي استبداد الكنيسة في عقول الناس " ‪.‬‬

‫وظهــور مجموعــات مــن المثقفــين البرج ـوازيين قطع ـوا كــل صــلة لهــم بالكنيســة والالهــوت الــديني‬

‫المـــــذهبي‪ ,‬وارتبطـــــوا مباشـــــرة بـــــالعلم والفـــــن ‪ ,‬وقـــــد ســـــمي هـــــؤالء بأصـــــحاب النزعـــــة اإلنســـــانية‬

‫"‪."HUMANISM‬‬

‫المسار الفكري التاريخي لعصر النمضة ‪:‬‬

‫‪ 1‬المانيفاكتورة هي الشكل الكالسيكي للتعاون القائم على أساس تقسيم العمل‪ ,‬وقد كانت سائدة من سنة ‪ 0221‬وحتى ‪ ,0771‬وهي تنشأ‪:‬‬ ‫‪.0‬‬

‫إما بتجميع حرف مختلفة يؤدي كل منها جزءا تفصيليا من العمل (مثال صنع العربات) حيث يفقد الحرفي المنفرد قدرته‪ ,‬شيئا‬

‫فشيئا‪ ,‬على ممارسة حرفته برمتها‪ ,‬ويكتسب من جهة ثانية مهارة أفضل في عمله الجزئي‪ .‬وهكذا تنقسم كامل العملية إلى مكوناتها‬ ‫الجزئية‪.‬‬

‫‪.3‬‬

‫أو بأن يقوم العديد من الحرفيين بأداء أعمال متشابهة‪ ,‬أو القيام بنفس العمل على شكل جماعة موحدة في المعمل نفسه‪ ,‬ولكن‬ ‫عوضا عن إنجاز األعمال الفردية واحدة بعد أخرى من قبل شغيل واحد‪ ,‬يتم تجزئتها بشكل تدريجي إلى أن يجري تنفيذها من قبل‬ ‫عمال متعددين في وقت واحد (صناعة اإلبر‪..‬الخ) وبدال من أن يكون المنتوج نتاج حرفي واحد‪ ,‬يصبح اآلن نتاج عمل مجموعة من‬ ‫الحرفيين الذين ال يؤدي أحد منهم سوى جزء تفصيلي من العملية‪.‬‬

‫إن كل مجموعة من العمال‪ ,‬في المانيفاكتورة‪ ,‬تجهز المجموعة األخرى بالمادة األولية‪ ,‬وينجم عن هذا شرط أساسي‪ ,‬إذ يتوجب على كل‬ ‫مجموعة أن تنتج كمية معينة في وقت معين‪ ,‬فنحصل بذلك على استمرارية وانتظام وتناسق وشدة عمل من نوع مختلف تماما عما يخلقه‬

‫التعاون في الحرفة المستقلة‪ .‬وهكذا نحصل على القانون التكنيكي لعملية اإلنتاج‪ :‬أن يكون العمل هو العمل الضروري اجتماعيا‪.‬‬

‫ظهرت اآلالت بشكل مبكر في مانيفاكتورة متفرقة –مطاحن الحبوب ومصانع الورق‪..‬الخ‪ ..‬ولكن اآللة كانت شيئا ثانويا‪ .‬إن اآللة الرئيسية في‬ ‫المانيفاكتورة هي العامل الجماعي المندمج الذي يمتلك درجة من الكمال أعلى من العامل الحرفي المنفرد القديم‪ .‬إن كل نواقص الحرفي التي‬ ‫تزداد وتتطور بالضرورة عند تقسيم العمل‪ ,‬تصبح في المانيفاكتورة الكمال بعينه‪.‬‬ ‫وتخلق المانيفاكتورة فروقات بين العمال الجزئيين وتقسمهم إلى عمال ماهرين وعمال غير ماهرين‪ ,‬بل إنها تؤسس نظاما للمراتب وسلما متدرجا‬ ‫لألجور‪.‬‬

‫‪308‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫البــدايات األولــى مــع ميكــافيلي (‪ )0237-0296‬وهززو مززن أوالززل المنالزرين السياسززيين البرجزواإيين ‪،‬‬ ‫حاول في مؤلفاته البرهنة علس أن البواعث المحركزة لنتشزاط البتشزر هزي اانانيزة و المصزلحة الماديزة‪ ،‬وهزو‬

‫صززاح‬

‫مقولززة‪" :‬أن النززار ينسززون مززوت آبززالمم أسززرع مززن نسززيانمم فق زد ممتلكززاتمم" ‪ ،‬ىن السززمة الفرديززة‬

‫والمصلحة عنده هما أسار الطبيعة اإلنسانية؛ ومن جان‬

‫آخر فقد رأى أن القوة هي أسار الحق‪.‬‬

‫نيقوال كوبرنيكس ( ‪ 0272‬م‪ 0223 _ .‬م‪ :) .‬سزاهم هزذا المفكزر فزي تحطزيم اايديولوجيزة الالهوتيزة‬ ‫فززي الكززون وذلززت عبززر اكتتشززافه لنالريززة مركإيززة التشززمر‬

‫القالمززة علززس القززول بمركإيززة اار‬

‫‪Helio‬‬

‫‪ Contricism‬التي قام علس أساسما علم الفلت الحديث؛ وهذه النالرية من أهم منجإات "كزوبرنيكر" علزس‬ ‫اإلطالق وهي تستند ىلس مبدأين‪_:‬‬ ‫أوالً‪ :‬ليست اار‬

‫تفسير تعاق‬

‫ثابتة في مركإ الكون بل تدور حول محورها الخا‬

‫الليل والنمار‪ .‬ثانياً‪ :‬اار‬

‫؛ وقد استطاع من خالل ذلت‬

‫تدور حول التشمر مركإ الكون‪.‬‬

‫‪-‬جوردانــو برونــو ( ‪ 0221‬م‪ 0911 _ .‬م‪ :) .‬فيلسززوفال وعالمزال فلكيزال‪ ،‬قززام بتطززوير وتصززحيح نالريززة‬

‫كوبرنيكر‪ ،‬بدأ حياته راهبا وبسب‬

‫أفكاره المادية انفصل عن الكنيسزة وتفزرغ لنالرياتزه العلميزة‪ ،‬آمزن ب ز "ال‬

‫نماليززة" المكززان أو النماليززة الطبيعززة‪ ،‬ورف ز‬

‫مركإيززة التش ززمر فززي الكززون مؤكززدال علززس أن ال وجززود لم ززذا‬

‫المركزإ ىال كمركزإ نسزبي فقززط "فتشمسزنا ليسزت الزنجم الوحيززد الزذي لزه أقمزار تززدور حولزه"‪ .‬لقزد حطزم برونززو‬ ‫التصززورات القديمززة عززن العززالم المخلززوق ليجعززل الكززون ممتززدال ىلززس مززا ال نمايززة وهززو القالززل بززأن‪" :‬الكلمززة‬ ‫ااخيزرة فززي كززل مجزال مززن مجززاالت المعرفزة تكمززن فززي العقززل وحزده" ؛ ألقززي القززب‬ ‫التفتززي‬

‫التززي سززجنته ثمانيززة سززنوات أحرقززوه بعززدها علززس أحززد أعمززدة التعززذي‬

‫عليزه مززن قبززل محززاكم‬

‫بعززدما رف ز‬

‫ىنكززار فلسززفته‬

‫وتوجماته العلمية‪.‬‬

‫ليوناردو دافنشي (‪ ,)0206-0223‬وضع العديد من التصاميم لألجسام الطائرة ‪.‬‬

‫جــاليليو (‪ , )0923-0292‬صــمم تلســكوب بنفســه كــان الكتشــافاته فــي علــوم الفلــك دو ارً كبي ـ ارً‪.‬‬

‫يعتبر جاليلو من أبرإ مفكري ذلت العصر الذين صاغوا النالرة الديلية ‪ deism‬ىلس الطبيعة التي ىعتنقما‬ ‫عززدد مززن فالسززفة ومفكززري القزرنين السززابع عتشززر والثززامن عتشززر؛ أسززممت هززذه النال زرة ىلززس جانز‬

‫أصززحا‬

‫النإعة اإلنسزانية والفلسزفة البانتيليزة ( وحزدة الوجزود ) فزي تعإيزإ وتطزور الفلسزفة العقالنيزة والمزنما المزادي‬

‫العلمي كمنطلقات أساسية لعصر النمضة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬المرحلة التاريخية الثانية أو تطور الفلسفة ااوروبية في عصر الثزورات البرجواإيزة أواخزر القزرن‬

‫السززادر عتشززر ونمايززة القززرن الثززامن عتشززر ‪ -:‬أدى تفسززخ العالقززات االجتماعيززة واالقتصززادية فززي النالززام‬ ‫اإلقطاعي ااوروبي ىلس تغيير كبير في الدور الذي يلعبه الدين في المجتمع‪.‬‬ ‫وفي ضوء هذا التطزور الزذي أصزا‬

‫كزل منزاحي الحيزاة فزي عصزر النمضزة‪ ،‬رفزع فالسزفة هزذا العصزر‬

‫رغزم االختالفزات بززين مزذاهبمم تشززعار "العلزم" مزن أجززل تزدعيم سززيطرة اإلنسزان علزس الطبيعززة ورفز‬

‫‪309‬‬

‫تشززعار‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العلم من أجل العلم‪ ..‬لقد أصبحت التجربة هي الصيغة ااساسية لالختراعات واابحاث العلمية التطبيقيزة‬

‫في هذا العصر وأبرإها‪:‬‬

‫• صياغة القوانين ااساسية للميكانيت الكالسيكي بما فيما قانون الجاذبية الذي وضعه نيوتن (‪0643‬‬ ‫– ‪. )0939‬‬

‫• تطوير علوم الرياضيات والمندسة والفيإياء وااحياء_ ديكارت واليبنتإ‪.‬‬ ‫• اكتتشاف الدورة الدموية‪ -‬هارفي ‪ " -‬تأكيد اكتتشاف ابن النفير"‪.‬‬ ‫• قوانين الميكانيت وتعريف مفموم العنصر الكيميالي_ بويل‪.‬‬

‫• ميإان الح اررة الإلبقي والضغط الجوي_ تورتشيللي ( أحد تالمذة جاليليو)‪.‬‬ ‫لم يكن سمالل لمذه االكتتشافات العلمية وغيرها أن تكون بدون تطور الفلسفة عمومال والمزذه‬

‫علس وجه الخصو‬

‫‪ ،‬في سياق الحزرات والتنزاق‬

‫التجريبزي‬

‫والصزراع االجتمزاعي الزدالم والمسزتمر بوتزالر متفاوتزة‬

‫في تسارعما بين القديم والجديد ‪ ،‬ىذ أنه بدون هذه الحركة والتناق‬

‫لم يكزن ممكنزال بزروإ الزدعوة مزن أجزل‬

‫التغيير والتقدم التي عبر عنما فالسفة عصر النمضة في أوروبا أمثال فرنسير بيكون‪ ،‬ديكارت‪ ،‬هزوبر‪،‬‬

‫اليبنتإ‪ ،‬سبينو اإ‪.‬‬

‫‪ -‬فرنسيس بيكون ( ‪ 0290‬م _ ‪ 0939‬م ) ‪ :‬فيلسوف انجليإي "أول من حاول ىقامة مزنما علمزي‬

‫جديد يرتكإ ىلس الفمم المادي للطبيعزة والواهرهزا" ؛ وهزو مؤسزر الماديزة الجديزدة والعلزم التجريبزي وواضزع‬ ‫أسززر االسززتقراء العلمززي؛ فززالغر‬

‫مززن الززتعلم عنززده إيززادة سززيطرة اإلنسززان علززس الطبيعززة وهززذا ال يمكززن‬

‫تحقيقه ىال عن طريق التعليم الذي يكتشف العلل الخفية لألتشياء‪.‬‬

‫لقد تشت بيكون في كل ما كان يالن "أنه يقين حق" غير أن التشزت عنزده لزم يكزن هزدفال بذاتزه بزل وسزيلة‬

‫لمعرفة الحقيقة؛ وأول خطوة علس هذا الطريق تناليف العقل من ااوهام ااربعة "أوهام بيكون"‬

‫‪ -‬رينيــه ديكــارت ( ‪ 0269‬م _ ‪ 0921‬م )‪ :‬وهززو فيلسززوف فرنسززي وعززالم رياضززيات وفيإيززالي وعززالم‬

‫فسيولوجيا‪ ،‬كان "ديكارت" في مبحث المعرفزة مؤسزر المزذه‬

‫العقالنزي ‪ ،‬هزذا المزذه‬

‫الزذي يرتكزإ عنزده‬

‫علززس مبززدأ التشززت المنمجززي أو التشززت العقلززي "التشززت الززذي يرمززي ىلززس تحريززر العقززل مززن المسززبقات وسززالر‬

‫الس ززلطات المرجعي ززة" وم ززن س ززلطة الس ززلف ‪ ،‬التش ززت ال ززذي ي ززؤدي ىل ززس الحقيق ززة ع ززن طري ززق البداه ززة العقلي ززة‬

‫كالحدر_ التحليل_ التركي ‪.‬‬

‫لقززد أقززام "ديكززارت" وفززق أسززر التشززت المنمجززي والبداهززة العقليززة؛ يقينززه ااول مززن مبززدأه البسززيط الززذي‬

‫عرفنزاه مززن خاللززه "أنززا أفكززر‪ ..‬أنززا موجززود" ‪ ،‬هززذا المبززدأ ااول هززو بدايززة كززل فكززر عقالنززي وهززو مززا سززنجده‬

‫مضم الر وصريحال في الفلسفة العقالنية من ديكارت ىلس ماركر‪.‬‬

‫‪ -‬توماس هوبز ( ‪ 0211‬م _ ‪ 0976‬م )‪ :‬أحد فالسفة القرن السابع عتشزر ‪ ،‬تزأثرت فلسزفته الماديزة‬

‫بززالثورة البرجواإيززة اإلنجليإيززة ضززد اارسززتقراطية اإلقطاعيززة فززي تلززت المرحلززة؛ رفز‬

‫القانون والدولة نالريات ااصل اإللمي للمجتمع‪.‬‬

‫‪321‬‬

‫هززوبإ فززي مذهبززه فززي‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ جوتفريـد فـيلهلم اليبنتـز ( ‪0929‬م – ‪0709‬م ) ‪ :‬وصزل مزن خزالل الالهزوت "‪ "Theology‬ىلزس‬‫مبدأ الترابط المحكم (التشامل والمطلق) بين المادة والحركة"بعكر "ديكارت" الذي يقول‪ :‬بجوهرين مستقلين‬

‫مادي وغير مادي؛ ىلتإم بمبدأ التجريبية في المعرفة التي تعتبر ااحاسير تشيلال ال غنس عنه للمعرفة‪.‬‬

‫في مؤلفه "العدالة اإللمية"‪ ..‬حاول أن يبرهن فيه علس أن عالمنا الذي خلقه اهلل هو بالرغم مما فيه من‬

‫تشرور‪ ،‬أحسن العوالم الممكنة‪ ،‬فما نزراه مزن تشزرور هزو تشزرط ضزروري فزي أريزه للتناسزق فزي العزالم ككزل ‪،‬‬ ‫في رأينا ىن جزوهر هزذه الفلسزفة هزو االستسزالم لألمزر الواقزع ‪ ،‬وهزو يقتزر مزن فلسزفة " لزير فزي اإلمكزان‬

‫أبدع مما كان"‪ ،‬وهذه المقولة ال تختلف في جوهرها عن المقولة التراثية اإلسالمية " لو اطلعزتم فزي الغيز‬ ‫الخترتم الواقع"‪.‬‬

‫‪ -‬بــاروخ ســبينو از (‪0923‬م – ‪0977‬م ) ‪ :‬وهززو يمززودي هولنززدي‪ ..‬تتشززكل فلسززفته أحززد االتجاهززات‬

‫الرليسززية فززي ماديززة القززرن السززابع عتشززر؛ وقززد أكززد علززس أن الفلسززفة يج ز‬ ‫الطبيعززة‪ ..‬دح ز‬

‫أن تعززإإ سززيطرة اإلنسززان علززس‬

‫سززبينو اإ افت زراءات رجززال الززدين اليمززود عززن "قززدم التززوراة" وأصززلما اإللمززي‪ ..‬فمززي ‪ ،‬أي‬

‫"التوراة" كما يقول ليست وحيال ىلميال بل مجموعة من الكتز‬

‫وضزعما أنزار مثلنزا وهزي تزتالءم مزع المسزتوى‬

‫ااخالقززي للعصززر الززذي وض زعت فيززه‪ ..‬وأنمززا "سززمة لكززل ااديززان" حززول الحكززم يعتبززر "سززبينو اإ" أن الحكززم‬ ‫الديمقراطي هو أرفع أتشكال الحكم بتشرط أن يكون تناليم الدولة موجمال لخدمة مصالح كل النار‪.‬‬

‫‪ -‬جــون لــــوك ( ‪0923‬م‪0712 – .‬م‪ : ) .‬مززن كبززار فالسززفة الماديززة اإلنجليإيززة‪ ،‬وقززد بززرهن علززس‬

‫صحة المذه‬ ‫رف‬

‫الحسي المادي الذي يرجع جميع الروف المعرفة ىلس اإلدرات الحسي للعالم الخارجي‪.‬‬

‫وجزود أيزة أفكزار نالريزة فزي الزذهن‪ ..‬فالتجربزة بالنسزبة لزه هزي المصزدر الوحيزد لكافزة اافكزار‪!..‬‬

‫وحززول فلسززفته يقز ززول مززاركر ‪":‬لقززد أقززام لززوت فلسززفة العقززل اإلنسززاني السززليم‪ ..‬أي أنززه أتشززار بطريقززة غيززر‬

‫مباتشرة ىلس أنه ال وجود لفلسفة ىال فلسفة البصيرة المستندة ىلس الحوار السليمة"‪.‬‬

‫‪ -‬جون ستيوارت مل (‪ :)0712-0923‬قـال بـأن جميـع أشـكال المعرفـة تعـود إلـى اإلدراك الحسـي‬

‫المادي للعالم الخارجي ‪.‬‬

‫التنوي ززر الفرنسي والفلسفة االمانية في القرن الثامن عتشر‪-:‬‬

‫أوالً ‪ :‬التنوير الفرنسي ‪ :‬تشزمدت فرنسزا قبيزل الثزورة البورجواإيزة الفرنسزية (‪ )0959‬بأربعزة عقزود حركزة‬

‫فكريزة واسززعة وقويززة عرفززت "بحززركة التنززوير" ‪ ،‬وضززع رجالمززا نصز‬

‫أعيززنمم مممززة نقززد ركززالإ اايديولوجيززة‬

‫اإلقطاعيزة‪ ،‬ونقززد ااوهززام والمعتقززدات الدينيززة والنضززال مززن أجززل ىتشززاعة روح التسززامح الززديني وحريزة الفكززر‬

‫والبحث العلمي والفلسفي وواعالء تشأن العقل والعلم في مواجمة الغيبية‪.‬‬ ‫ شارل مونتسكيو (‪ : )0722-0916‬صاحب كتاب "روح القوانين"‪ ..‬يرى أن الضمانة ااساسية‬‫للحريززة فززي المؤسسززات الدسززتورية التززي تحززد مززن العسززف وتكبحززه ‪ ،‬يززرى فززي التفززاني وواخززال‬ ‫وتضحيته من أجل المصلحة العامة ‪ ،‬القوة المحركة في النالام الديمقراطي وأسار اإدهاره ‪.‬‬ ‫‪320‬‬

‫كززل فززرد‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ومن أهم آراله ‪ ،‬رأيه في الحكم المطلق الذي يعتبره تشكالل مناقضال للطبيعة اإلنسانية ومناقضزال للحقزوق‬

‫التشخصية وحصانتما وأمنما‪.‬‬

‫‪ -‬فرانس ـوا فــولتير ( ‪0962‬م‪0771 – .‬م‪ : ) .‬عززا‬

‫الديني وضد اانالمة الملكية وطغيانما؛ رفز‬

‫لكونما تفتقر ىلس البرهان‪.‬‬

‫كززل حياتززه مناض زالل ضززد الكنيسززة والتعص ز‬

‫فزولتير جميزع تعزاليم الزديانات _اإليجابيزة_ فزي صزفات اهلل‬

‫‪ -‬جان جاك روسو ( ‪ : ) 0771 – 0703‬من الذين نادوا بالمصالح البرجواإية ضد اإلقطاع ‪ ،‬فقد‬

‫ناضل روسزو لزير فقزط ضزد السزلطة اإلقطاعيزة بزل كزان مسزتوعبال لتناقضزات المجتمزع الفرنسزي أكثزر مزن‬ ‫غيره؛ فقد وقف مع وجمزة نالزر البرجواإيزة الصزغيرة "الراديكاليزة" والفالحزين والحزرفيين‪ ..‬وكزان موقفزه أكثزر‬

‫ديمقراطية من معاصريه‪.‬‬

‫فف ززي كتاب ززه "العق ززد االجتم ززاعي" يح ززاول روس ززو البرهن ززة عل ززس أن الوس ززيلة الوحي ززدة لتص ززحيح التف ززاوت‬

‫االجتماعي هي في ضمان الحرية والمساواة المطلقة أمام القانون‪.‬‬

‫‪ -‬ديني ديدرو ( ‪ :) 0712 - 0702‬من أبرإ وجوه الماديين الفرنسيين علس اإلطالق‪ ..‬ينطلق في‬

‫أفكاره مزن القزول بأإليزة الطبيعزة وخلودهزا فليسزت الطبيعزة مخلوقزة احزد وال يوجزد سزواها أو خارجمزا تشزيء‬ ‫مطلززق؛ وقززف ضززد التفسززير المثززالي الالهززوتي للتززاريخ اإلنسززاني ليؤكززد مززع إماللززه المززاديين الفرنسززيين أن‬ ‫العقل اإلنساني وتقدم العلم والثقافة هي القوة المحركة لتاريخ البتشرية‪.‬‬ ‫يرى أن الطريق ىلس الخال‬

‫من عيو أتشكال الحكم القالم ال يمزر عبزر الثزورة بزل مزن خزالل ىتشزاعة‬

‫التنوير في المجتمع‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬الفلسفة األلمانية ‪:‬‬

‫‪ -‬عمانويــل كانــت ( ‪ :) 0112 - 0732‬مززن مؤلفاتززه انطلززق مززن نالريتززه عززن "ااتشززياء فززي ذاتمززا"‬

‫والال زواهر؛ ىلززس القززول‪ :‬أن هنززات عززالم مسززتقل عززن الززوعي (الح زوار ‪ ،‬الفكززر) ‪ ،‬وهززو عززالم ااتشززياء التززي‬

‫يسميما "ااتشياء في ذاتما" والعالم المستقل عن الوعي هو العالم الموضوعي‪.‬‬ ‫عزار‬

‫مزإاعم اإلقطززاع االمززاني فزي "أن التشززع‬

‫المبدأ يعني أن الحرية لن تأتي في يوم من اايام"‪.‬‬

‫لززم ينضززا بعززد للحريزة؛ مبينزال أن التسززليم بصززحة هززذا‬

‫ىن "كززانط" يفمززم الحريززة المدنيززة علززس أنمززا حززق الفززرد فززي عززدم االمتثززال ىال للق زوانين التززي وافززق عليمززا‬

‫مسبقال واعترف بمساواة جميع المواطنين أمام القانون‪.‬‬

‫‪ -‬جورج ويلهلم فريدريك هيجل (‪ : ) 0530 - 0991‬تكمزن مأثرتزه التاريخيزة العاليمزة فزي أنزه كزان‬

‫أول مززن نالززر ىلززس العززالم الطبيعززي والتززاريخي والروحززي بوصززفه عمليززة؛ أي فززي حركززة دالمززة وفززي تغيززر‬ ‫وتطور‪ .‬لقد صاغت فلسفة "هيجل" بتشكل منالم النالرة "الديالكيتكية" ىلس العالم‪.‬‬

‫‪ -‬نقطة االنطالق في فلسفة "هيجــل" ‪ :‬ىن الوحزدة ااوليزة التزي تتشزكل ااسزار الجزوهري للعزالم هزي‪:‬‬

‫"وحدة الوجود والفكر" ‪ ,‬يرى "هيجززل" أن الفكر "يغي ز ززر" وجزوده ىلزس تشزكل مزادة‪ ،‬طبيعزة‪ ..‬وهزي وجزود آخزر‬ ‫‪322‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لمززذا الفكززر القززالم موضززوعيال والززذي يسززميه هيج ز زل "بززالفكرة المطلقززة"؛ وهكززذا ىن العقززل لززير ملكززة خاصززة‬ ‫ااولي للعالم‪ ،‬ولذا فان العالم يتطور وينمو وفقال لقوانين الفكزر أو العقزل‪ ..‬وبمزذا‬ ‫باإلنسان بل هو ااسار َّ‬

‫يك ززون الفك ززر أو العق ززل عن ززد هيج ز ززل ه ززو الج ززوهر المطل ززق _المس ززتقل ع ززن اإلنس ززان واإلنس ززانية_ للطبيع ززة‬ ‫واإلنسززان والتززاريخ العززالمي؛ وأن هززذا الفكززر كماهيززة جوهريززة موجززودة ال خززارو العززالم بززل فززي العززالم ذاتززه‬ ‫بوصفه المستوى الداخلي لمذا العالم‪.‬‬

‫إن المساهمات الرئيسية للديالكتيك الهيغلي يمكن تلخيصها في‪:‬‬ ‫‪ .0‬ترابط ااتشياء فال يمكن قبول أي حدث بمعإل عن ااحداث ااخرى‪.‬‬ ‫‪ .3‬رف‬

‫المنما الميتافيإيقي الذي ينالر ىلس ااتشياء بعإلما عن بعضما البع‬

‫‪ ،‬فعلس سبيل المثزال‬

‫لزير هنززات تشزيء اسززمه "الطبيعزة اإلنسززانية" فززي حزد ذاتمززا _أي موجزودة فززي خزارو اإلنسززان_ بززل‬ ‫هنات طبيعة ىنسانية في هذا الموقف أو ذات‪.‬‬

‫‪ .3‬يدعونا ىلس النالر ىلس ااتشياء كافة ال كأتشياء جامدة ال تتحرت ولكن أن ننالر ىليما كأتشياء سزبق‬ ‫أن كانت أتشياء أخرى وستكون في المستقبل تشيلال جديدال مختلفال فلزير هنزات مزن تشزيء دالزم؛ كزل‬ ‫تشيء في مرحلة انتقال وفي تطور دالم ‪ ..‬هذه هي عالمة المنما الجدلي عند هيجل‪.‬‬

‫بعد هيجززل اختلف الكثيرون حول فلسفته وبرإ تيارين رليسيين انعكاسال لما أو دفاعال عنما؛ تيار يميني‬

‫دعي ممثلزوه بزالميغليين التشزيو الزذين تمسزكوا باايديولوجيزة اإلقطاعيزة‪ /‬المسزيحية ضزد التيزار اليسزاري أو‬

‫الميغليون التشبا ‪.‬‬

‫حركة الميغليزين التشزبا‬

‫أحدهم‪.‬‬

‫التزي لعبزت دو الر تقزدميال فزي الثالثينيزات مزن القزرن التاسزع عتشزر وكزان مزاركر‬

‫‪ -‬لودفيج فيورباخ (‪ :) 0173 – 0112‬كان هدف فيوربا تحرير اإلنسان من الوعي الديني؛ وفي‬

‫مؤلفه "نقززد فلسفززة هيجززل" أعطزس حزالل ماديزال للمسزألة السياسزية فزي الفلسزفة وهزذا الحزل يرتكزإ علزس اعتبزار‬ ‫الطبيعززة‪ ،‬أو الوجززود‪ ،‬أو المززادة واقع زال ينتشززأ عنززه بالضززرورة العقززل المفكززر‪ .‬اقتززر فززي أواخززر حياتززه مززن‬ ‫االتشتراكية العلمية خصوصال بعد أن ق أر رأر المال‪.‬‬

‫وفي رأيه ىذا كان الدين يعد اإلنسان بالنجاة بعد الموت ف ن الفلسفة مدعوه لتحقق علس اار‬

‫ما يعد‬

‫به الدين في عالم الغي ‪ ..‬أي أن علس الفلسفة أن تلغي ااوهام الدينية لتوفر وتعطي اإلنسان القدرة علس‬ ‫معرفة ىمكانياته الحقيقية في بلوغ السعادة‪.‬‬

‫المقدمات اايديولوجية لالمور الماركسية ‪:‬‬

‫كززان ديكززارت وبززابيف وديززدرو وفززولتير مززن أبززرإ أسززالف الفلسززفة الماركسززية‪ ،‬باعتبززارهم مززن أهززم رمززوإ‬

‫عصر النمضة الزذين ممزدوا أيزديولوجيال للثزورات البرجواإيزة فزي أوروبزا فزي القزرنين ‪ 09‬و ‪ ، 05‬كزذلت فز ن‬

‫المفكرين االجتماعيين مثل هوبإ ‪ /‬لوت ‪ /‬مونتسكيو ‪ /‬وروسو ‪ ،‬كانوا جميعال من هؤالء ااسالف العالام‪،‬‬ ‫‪323‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فقززد كززانوا رمززوإ عصززر التنززوير وأنصززار العقالنيززة الززذين وجم زوا نقززدال عنيف زال لألنالمززة اإلقطاعيززة ‪ ،‬وأعلن زوا‬ ‫ضرورة ىتشاعة الحريات المدنية والمساواة بين النار ‪ ..‬لقد إرعوا بذور التغيير وساهموا في ىنضاجما‪.‬‬ ‫مصادر الفلسفة الماركسية ‪:‬‬ ‫أوالً ‪ :‬الفلسفة األلمانية‪:‬‬

‫• هيجزل ‪ )0530 – 0991( :‬أبزرإ رجزاالت الفلسزفة الكالسزيكية االمانيزة ‪ ،‬وقزد بلغزت هزذه الفلسزفة‬

‫ذروتما في مذهبه الذي تكمن مأثرته التاريخية في أنه كان أول من نالر ىلزس العزالم ‪ ،‬الطبيعزي والتزاريخي‬ ‫والروحي بوصفه عملية ‪ ،‬أي في حركة دالمة ‪ ،‬في تغير وتطور ‪ ،‬ىنما عمليزة ديالكتيكيزة ‪ ،‬وهزو أول مزن‬

‫أعطززس صززياغة دقيقززة لق زوانين الززديالكتيت ااساسززية ‪ ،‬لكنززه رغززم ذلززت وقززف علززس أرضززية المثاليززة الفلسززفية‬

‫الخاطلة ‪.‬‬

‫• لززودفيا فيوربززا ( ‪ ) 0593 – 0514‬لعبززت فلسززفته الماديززة دو الر هامزال فززي وضززع مززاركر وانجلززإ‬

‫للرؤية المادية ‪ ،‬لقد وجه فيوربا نقدال عنيفال للمثالية الميجلية ‪ ،‬لكنه عمومال الل ماديزال ميتافيإيقيزال ‪ ،‬بسزب‬

‫أن ماديته لم تتفمم القيمة العلمية لديالكتيت هيجل ‪ ،‬كذلت لزم يزدرت حزق اإلدرات ماهيزة اإلنسزان ‪ ،‬فزاعتبره‬

‫كالنال بيولوجيال فقط ‪ ،‬ولم يتبين الجان‬

‫المادي من العالقات االجتماعية ‪.‬‬

‫ثانياً ‪ :‬االقتصاد السياسي االنجليزي ‪:‬‬

‫م ززن المص ززادر أيضز زال النالري ززات االقتص ززادية الت ززي وض ززعما ك ززل م ززن آدم س ززميث (‪) 0991 – 0933‬‬

‫وديفيد ريكاردو (‪ ) 0533 – 0993‬وخاصة نالرية القيمة – العمل التزي كزان لمزا أهميزة بالغزة فزي تكزون‬ ‫المذه‬

‫الفلسفي الماركسي ‪ ،‬ىن نالريتمما أوضحت واول مرة أهمية ااسار االقتصادي لنتشزاط النزار ‪،‬‬

‫كما بينا أن تطور المجتمع يرتكإ ىلس التفاعل االقتصادي بين النار‪ ،‬لكنمما (سزميث وريكزاردو ) كونممزا‬

‫مززن المززدافعين عززن ال أرسززمالية ‪ ،‬عمززال علززس تبريززر اسززتغالل ال أرسززماليين للعمززال ‪ ،‬وصززو ار هززذا االسززتغالل‬ ‫تفاعالل بين تشريكين متكافلين في ىطار عالقات السوق ‪ ،‬أمزا الزربح فزاعتبراه مكافزأة لل أرسزمالي علزس تنالزيم‬

‫االنتاو ووادارته ‪ ،‬الممم أن مذهبمما االقتصادي كان منطلقال للبحث الالحق للعالقات االقتصادية وللكتشزف‬ ‫عن التناق‬

‫بين العمل والرأسمال من حيث هو التناق‬

‫ثالثا ‪ :‬االشتراكية الطوباوية ‪:‬‬

‫ااساسي في المجتمع البرجواإي ‪.‬‬

‫من المصادر أيضال ‪ ،‬اافكار االتشتراكية الطوباوية ‪ ،‬وأهم الرموإ ‪ :‬سان سيمون (‪) 0538 – 0961‬‬

‫دور هامزال فزي‬ ‫وفورييه ( ‪ ) 0539 – 0993‬وروبرت اوين (‪ ، ) 0585– 0990‬وقد لعبزت هزذه اافكزار ال‬ ‫التمميززد لالمززور الفلسززفة الماركسززية ‪ ،‬وخاصززة الماديززة التاريخيززة ‪ ،‬لقززد ارتكززإت أفكززار ه زؤالء الززرواد علززس‬

‫مطالبتمم بضرورة انتتشار الملكية العامة ( الجماعية ) والعمل الجمزاعي ‪ ،‬بمزا يسزمح بالقضزاء علزس بزؤر‬ ‫الجماهير ‪ ،‬لكنمم لم يروا السبل المؤدية ىلس التحول االتشت اركي وأنكروا دور الثزورة والصزراع الطبقزي أو لزم‬ ‫يفممززوه ‪ ،‬واعتبززروا أن الطريززق ىلززس االتشززتراكية يمززر عبززر التنززوير وتعززاون الطبقززات ‪ ،‬وهززو أمززر مسززتحيل ‪،‬‬

‫تلت هي مثاليتمم‪.‬‬

‫‪324‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫علززس ضززوء االنجززاإات النالريززة ابززرإ رجززاالت الفلسززفة واالقتصززاد السياسززي ‪ ،‬واالتشززتراكية الطوباويززة‪،‬‬

‫وضع ماركر وانجلإ نالرية فلسفية جديدة كل الجدة تجمع اول مرة في تاريخ العلزم بزين الماديزة الفلسزفية‬

‫والمززنما الززديالكتيكي ‪ ،‬وتعط ززي تفسززي الر علميز زال لحيززاة المجتمززع البتش ززري ‪ ،‬وبفضززلمما تح ززول العلززم الفلس ززفي‬ ‫ليصبح أداة بيد الطاللع المثقفة والقوى الكادحة والبروليتاريا في نضالما لتغيير العالم‪.‬‬

‫‪325‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفصل الثاني‬ ‫ظهور الفلسفة املاركسية ومصادرها ومكوناتها‬ ‫تمهيد‬

‫ىن الفلسززفة الماركسززية هززي علززم عززن ق زوانين عالقززة الززوعي بالعززالم الموضززوعي ‪ ،‬وعززن الق زوانين العامززة‬

‫للحركززة فززي الطبيعززة والمجتمززع والفكززر البتشززري ‪.‬ىن المززور الماركسززية فززي أربعينيززات القززرن التاسززع عتشززر‬

‫ترافق مع تطور الرأسمالية وتكتشف طبيعتما التناحرية وجوهرهزا القزالم علزس االسزتغالل والقمزر كمزا نتشزاهده‬ ‫ونلمسه ونعاني منه يوميال عبر همجية وتوح‬

‫االستبداد والتخلف في بالدنا‪.‬‬

‫العولمة االمريكيزة وحليفمزا الصزميوني وتوابعمزا مزن انالمزة‬

‫كــارل مــاركس ‪ ) 0112 – 0101 ( :‬مؤسززر فلسززفة الماديززة الجدليززة والماديززة التاريخيززة واالقتصززاد‬

‫السياسي ‪ " ،‬ولد في ترييف – بألمانيا ‪ ،‬حيث أنمس الثانوية عام ‪ ، 0538‬والتحزق بجامعزة بزون ‪ ،‬وبزرلين‬ ‫" ت ززأثر بأفك ززار هيج ززل وفيورب ززا وآدم س ززميث ‪ ،‬ن ززال درج ززة ال ززدكتوراه ف ززي الفلس ززفة ع ززن رس ززالته بعنز زوان "‬ ‫االخزتالف بزين فلسزفة ديمزوقرطير الطبيعيزة وفلسزفة ىبيقزور " عزام ‪ ، 0540‬ومزن خزالل د ارسزته لالقتصزاد‬ ‫السياسي ومتشاركته في ااحداث الثورية في المانيا وفرنسا ‪ ،‬اكتتشف اول مره الزدور التزاريخي للبروليتاريزا‬ ‫وتوصزل ىلزس النتيجزة القاللزة بحتميزة الثزورة االجتماعيززة وضزرورة توحيزد حركزة الطبقزة العاملزة ‪ ،‬كمزا وضززع‬

‫نالريززة فززال‬

‫القيمززة التززي تمثززل حجززر الإاويززة فززي االقتصززاد السياسززي االتشززتراكي وتكتشززف بوضززوح عمليززة‬

‫االسززتغالل ال أرسززمالي ‪ ،‬أصززدر العديززد مززن اابحززاث والكت ز‬

‫أهممززا " المخططززات االقتصززادية والفلسززفية "‬

‫(‪ )0544‬و " العالل ز ززة المقدس ز ززة " (‪ )0548‬و " االي ز ززديولوجيا االماني ز ززة " (‪ )0546‬و"ب ز ززؤر الفلس ز ززفة " (‬

‫‪ " )0549‬و"ىطروحززات حززول فيوربززا " بالتعززاون مززع إميلززه " ىنجلززإ " ثززم أصززد ار معزال " البيززان التشززيوعي "‬

‫(‪ " )0545‬الززذي وضززع الخطززوط العريضززة لتصززور جديززد للعززالم ‪ ،‬وهززو الماديززة المتماسززكة ونالريززة صزراع‬ ‫الطبقززات والززدور الثززوري للطبقززة العاملززة ‪ ،‬وبعززد أن وضززع عززددال مززن الكت ز‬

‫المامززة حززول الثززورة فززي فرنسززا‬

‫وأوروبززا والص زراع الطبقززي ‪ ،‬أصززدر فززي عززام ‪ 0569‬المجلززد ااول لكتابززه الرليسززي البززالغ ااهميززة " رأر‬

‫المال " والذي تم استكماله فيما بعد علس يد رفيقه " فريدريت انجلإ" ‪ 0558‬و ‪. 0594‬‬ ‫ىلس جان‬

‫غريز‬

‫كل ذلت ‪ ،‬فقد كان ماركر فيلسوفال ماديال جدليال " رف‬

‫فمم الفلسفة علس ىنما علزم مطلزق ‪،‬‬

‫عززن الحيززاة العمليزة والنضززال ‪ ،‬مؤكززدال ىن مممزة الفلسززفة والفكززر االجتمزاعي ليسززت بنززاء أو ىنتشزاء‬

‫‪Construction‬المسزتقبل ‪ ،‬وال وضزع نالريزات تصزلح لجميزع العصزور والزدهور ‪ ،‬بزل ىن مممتمزا " النقزد‬

‫الززذي ال يززرحم لكززل مززا هززو قززالم ‪ ،‬نقززد ال يززرحم بمعنيززين ‪ ،‬ال يمززا‬

‫‪326‬‬

‫اسززتنتاجاته الذاتيززة ‪ ،‬وال يت ارجززع أمززام‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االصطدام بالسلطات القالمة ‪ ،‬هكذا طرح ماركر مسألة نفي الفلسفة بمعناها القديم ‪ " ،‬ح‬

‫الحكمزة " أو‬

‫" علززم العلززوم"‪ ،‬ىنززه ضززد عززإل الفلسززفة عززن النتشززاط العملززي ‪ ،‬والسززيما حركززة الكززادحين والفقزراء التحريريززة ‪،‬‬

‫فمززو يقززول " التشززي يمنعنززا أن ن زربط ممارسززتنا بنقززد السياسززة ‪ ،‬بموقززف حإبززي معززين فززي السياسززة ‪ ،‬أي أن‬ ‫نربط ونقزرن نقزدنا بالنضزال الزواقعي ‪ ..‬ىن مزأثرة فلسزفة مزاركر تكمزن فزي كونمزا البرهزان الفلسزفي والعملزي‬ ‫في آن واحد علزس حتميزة التحويزل الجزذري لمجتمعاتنزا نحزو االنعتزاق والتحزرر والعدالزة االجتماعيزة بآفاقمزا‬ ‫االتشتراكية‪ ،‬رغم كل ما يتبزدى اليزوم مزن مالزاهر القزوة والعزدوان للتحزالف االمبريزالي الصزميوني فزي بالدنزا‬

‫مززن ناحيززة ورغززم كززل عوامززل وأدوات ورمززوإ المبززوط السياسززي والتبعيززة والقمززر والتخلززف السززلفي الرجعززي‬

‫والليبرالي المابط من ناحية ثانية‪.‬‬ ‫المادية الجدلية‪:‬‬

‫ال تشززت أن االكتتشززافات العلميززة المذهلززة فززي أواخززر القززرن العتشزرين وبدايززة القززرن الحززادي والعتشزرين‪ ،‬قززد‬

‫أكززدت علززس انتصززار وتغل ز‬

‫المفززاهيم العلميززة الماديززة الجدليززة علززس كافززة المفززاهيم الغيبيززة ‪ ،‬ىذ أن العلززم‬

‫الحزديث (فزي علزوم المندسزة الوراثيزة واالستنسززا والجينزات والفيإيزاء والليزإر‪ ،‬والمندسزة (النزانو) والفززامتو‬

‫‪ Famto Second‬والكومبيوتر وعلوم الفضاء واالتصال‪...‬ىلخ) أكد علس استبدال مفموم المزادة الضزيق‬

‫بمفمومما الديالكتيكي الواسع‪ ،‬بما يكرر مصداقية الفلسفة الماديزة الجدليزة التزي تعزرف المزادة بأنمزا " واقزع‬ ‫موضوعي قالم بغ‬

‫النالر عن الوعي البتشري الذي يعكسه" ‪ .‬ان التعريزف العلمزي للمزادة يتضزمن ثالثزة‬ ‫النالر عنه‪ )3 .‬المادة هي ما يولد ااحاسير لزدينا؛‬

‫جوان ‪ )0 :‬المادة هي ما يوجد خارو الوعي وبغ‬

‫وهي ما تعتبر أحاسيسنال ووعينال علس العموم انعكاسال لما‪.‬‬

‫وهــذا يفــتح علــى مســألة هامــة هــي أن الفكــر جــزء مــن الواقــع المــادي أيض ـاً‪ .‬فهــو نتــاج اإلنســان‬

‫الواعي‪ ,‬أي اإلنسان الساعي إلـى صـوغ واقعـه فـي تصـورات وأفكـار‪ .‬والفـارق بـين الواقـع والمـادة هـو‬ ‫هنا‪ ,‬حيث تخضع المادة لفعل اإلنسان ولكن لـ "عقله " أيضاً‪ .‬هذا الفعل وذاك العقل يسهمان فـي وعـي‬

‫المادة‪ ,‬وبالتالي‪ ,‬في السيطرة عليها وتطويرها كذلك‪.‬‬

‫المنهج الديالكتيكي الماركسي ‪:‬‬

‫يتميز هذا المنهج عن المنهج الميتافيزيقي بميزات أربع هي تباعاً‪:‬‬

‫أ‪ .‬النظــر إلــى الطبيعــة بوصــفها ك ـالً موحــداً ومتماســكاً تــرتبط فيــه الموضــوعات والظــاهرات ارتباط ـاً‬ ‫عضوياً فيما بينها ويشترط بعضها بعضاً‪.‬‬

‫ب‪ .‬النظر إلى الطبيعة بوصفها فـي حالـة حركـة وتبـدل مسـتمرين‪ ,‬وتجـدد ونمـو ال ينقطعـان إذ ثمـة‬ ‫دائماً شيء ما يولد وينموا وآخر ينحل ويزول‪.‬‬

‫‪327‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ج‪ .‬النظر إلى سيرورة النمو بوصـفها إنتقـاالً مـن التبـدل الكمـي الخفـي إلـى التبـدل الجـذري الكيفـي‪,‬‬ ‫والنظر إلى التبدل الكيفي بوصفه تبدالً ضرورياً يحصل بقفزات ويسير أبداً إلى أمام مـن القـديم‬

‫إلى الجديد ومن البسيط إلى المركب ومن األدنى إلى األعلى‪.‬‬

‫د‪ .‬النظــر إلــى موضــوعات الطبيعــة وظاهراتهــا مــن زاويــة تناقضــها الــداخلي‪ ,‬أي النظــر إلــى جانبهــا‬ ‫السالب وجانبها الموجب‪ ,‬إلى ماضيها ومستقبلها‪ ,‬إلى مـا يختفـي فيهـا ويظهـر‪ ,‬ألن مضـمون‬

‫النمو الداخلي هو صراع األضداد وألن كل شيء يخضع للظروف والزمان والمكان‪.‬‬

‫أمــا الماديــة الفلســفية الماركســية فتنطلــق مــن مبــادئ ثالثــة يعــارض كــل منهــا مبــدأ فــي المثاليــة‬

‫الفلسفية‪:‬‬

‫أ‪ .‬المبدأ القائل أن العالم مادي بطبيعته‪ ,‬وأن مختلف ظاهراته ليست سوى أوجـه مختلفـة مـن أوجـه‬ ‫المادة المتحركة وذلك على عكـس المثاليـة – التـي يختصـرها هيغـل هنـا علـى مـا يبـدو – التـي‬ ‫تنظر إلى العالم بوصفه تجسـيداً للفكـرة المطلقـة أو الـروح الكلـي – لكـن إثبـات ماديـة العـالم ال‬ ‫يتوقف هنا‪ ,‬بل يقترن بالقول إن حركـة المـادة والعـالم تحصـل بموجـب قـوانين ضـرورية‪ ,‬وهـي‬

‫القوانين التي يثبتها المنهج الديالكتيكي في عالقات الظاهرات وتشارطها‪.‬‬

‫ب‪ .‬المبدأ القائل أن العالم المادي هو واقع موضوعي قائم خارج وعينا به وبمعزل عنه‪ .‬وأن المـادة‬ ‫او الكــون أو الطبيعــة‪ ,‬هــي المعطــى األولــي فــي حــين ان الــوعي أو الفكــر هــو المعطــى الثــاني‬ ‫المشتق النه نتاج للمادة ولدرجة عليا من درجات تطورها وكمالها‪.‬‬

‫ج‪ .‬المبدأ القائل إن العالم‪ ,‬وقوانينه‪ ,‬قابل ألن يعرف معرفة كاملة‪ .‬وان معرفتنا بقوانينه هي معرفـة‬ ‫مقبولة عندما تؤكدها التجربة والممارسة‪.1‬‬

‫أيهما أسبق الوعي أم المادة؟‬

‫يتضح مما تقدم أن جوهر المسألة الفلسفية يتجلس في السؤال التالي‪ :‬أيمما أسبق الوعي أم المادة‬

‫يعتبززر السزؤال عززن أولويززة الززوعي أو المززادة س زؤاال مركإيززا فززي الفلسززفة ‪ ،‬ولززو أردنززا ان نصززوغه بطريقززة‬

‫سلسة ومبسطة لقلنا ‪ :‬أيمما يسبق اآلخر هل يسبق الوعي المزادة أم تسزبق المزادة الزوعي فزي واقزع االمزر‬ ‫أهمية هذا السؤال تنبع من التركي‬

‫وهل توجد مادة خارو الوعي وبدونه‬

‫االكثزر وضزوحا وأهميزة وهزو ‪ :‬هزل يوجزد تفكيزر أو وعزي خزارو المزادة‬

‫للوهلزة االولززس قززد نتسزرع بوضززع ىجابززات اعتباطيزة تنززإع ىلززس طبيعزة التكززوين الززذاتي الثقزافي لكززل منززا ‪،‬‬

‫ولذا فنحن نحتاو لتشيء من الصبر للحكم علس الموضوعة أو اختيار ىجابة‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫الموسوعة الفلسفية العربية ‪ -‬معهد اإلنماء العربي ‪ -‬المجلد الثاني– الطبعة األولى –ص‪.0062-0062‬‬

‫‪328‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫قبل أن نتعرف علس الخالف في جذوره حول أولوية المادة أو الوعي علينا أوال أن نعي مقصود المزادة‬

‫ومقصود الوعي في ضوء دراستنا ونقاتشنا وفممنا للماركسية وفلسفتما‪ ،‬فبالنسبة للمادة هي الموجود المادي‬

‫بكل ابعاده مستقال عن الروح ومستغن عنما ‪ ،‬أو المادة هي الوجود الموضوعي القالم بذاتزه خزارو وعينزا‪.‬‬

‫أما كيف هي المادة فمذا سؤال يجيبنا عليه العلم عن طبيعة المادة وخواصما‪....‬الخ‪ .‬ىذن ما هزو الزوعي‬ ‫اآلن يززتلخ‬

‫الززوعي فمم زال بكونززه اإلدرات‪ ،‬واإلدرات الموضززوعي تحديززدال ‪ ،‬ان اإلدرات الحسززي المباتشززر‬

‫الززاهرة توجززد لززدى اإلنسززان والحي زوان علززس الس زواء بينمززا يتميززإ اإلنسززان ب ز درات موضززوعي يؤهلززه للتفكيززر‬ ‫المنطقي أي القدرة علس ربط ااسبا‬

‫اللغة‪.‬‬

‫بالمسببات ‪ ،‬أو التفكير المنتالم بلغزة مممزا بلغزت درجزة بداليزة هزذه‬

‫اتخذت المادية إذن كفلسفة موقفا مبدئيا علميا من مسألة أولويـة المـادة ؛ ذلـك أن عمليـات اإلدراك‬

‫والتفكير وتكوين الوعي ال يمكن أن تتحقق إال في بيئة مادية ‪ ,‬وبالتالي فوجود المادة شرط أساسـي ال‬

‫غنى عنـه فـي عمليـة الـوعي ‪ ،‬تزدلنا القزوانين العلميزة الناالمزة للوجزود المزادي علزس اسزتحالة تكزوين وعزي‬ ‫بدون مادة ‪ ،‬أي أن الفر‬

‫القالل ب مكانية تحقق وعزي بزدون إمزان أو مكزان أو حركزة فزر‬

‫التحقق‪ ،‬فالوعي ىذن مالمر من مالاهر وجود المادة‪.‬‬

‫أهمية القول بأولوية المادة‪:‬‬

‫أن القول بأولوية المادة معناه رفز‬

‫غيزر ممكزن‬

‫كزل أطروحزات الفلسزفة المثاليزة التزي تحزاول تفسزير العزالم‬

‫والوجود االنساني انطالقا من ما وراليات أو أي وعي سبق المادة‪ ،‬وبالتالي فمي دعزوة لفمزم واقزع االنسزان‬ ‫ووجوده ىنطالقا مزن وعزي مزا هزو مزادي ‪ ،‬ووعزي مزا هزو مزادي ىنمزا يسزتند للعلزم ‪ ،‬فزالعلم هزو الزذي يجيبنزا‬ ‫عن ماهية المادة ‪ ،‬وبالتالي ف ن الفلسزفة الماديزة ىنمزا تبنزي مقوالتمزا كلمزا منطلقزة مزن الزوعي العلمزي الزذي‬

‫يكزون موضزوعه ااساسزي الوجززود المزادي للكزون واإلنسززان والمجتمزع‪ ،‬وقزد ىتخزذ مززاركر موقفزا أبعزد مززن‬ ‫ذلززت عنززدما طال ز‬

‫ب نتقززال الفلسززفة مززن تفسززير العززالم ىلززس تغيي زره ‪ ،‬جززوهر هززذا الكززالم المطالبززة بتواليززف‬

‫القوانين المادية التي تحكم الوجود في تغيير الوجود نفسه ‪ ،‬وبالتالي ىخضاع الوجود الموضوعي لإلنسزان‬

‫وتمكينه من خالل فممه المادي للوجود من تغيير هذا الوجود في مصلحته نحو واقع أكثر تطو ار‪.‬‬

‫تعرف المادية الجدلية في معالم المراجع علس النحو التالي‪ :‬انما قوانين ومبادئ ومقوالت تعمل فزي‬

‫جززانبين ‪ ،‬جان ز‬

‫المعرفززة العلميززة ( العلززوم المختلفززة ) ‪ ،‬والجان ز‬

‫اآلخززر هززو الحركززة المجتمعيززة وتطززور‬

‫المجتمع تبعا لمذه القوانين ‪ .‬أي أنما تطبق في العلوم المعرفية وعلم االجتماع علس حد سواء‪ ،‬ىذن يمكننا‬ ‫القول‪ ،‬ىن الماديزة الجدليزة هزي ذلزت العلزم الفلسزفي الزذي ينطلزق مزن أولويزة المزادة مسزتخدما قزوانين الجزدل‬

‫المادي لفمم الوجود وتطوره‪.‬طبعا لير بمقدورنا أن نقف علس المعنس المراد في التعريف المتقدم ىال عندما‬

‫نقززف علززس قززوانين الجززدل المززادي ونفمممززا جيززدا ‪ ،‬ىال أن االنطززالق مززن دقززة التعريززف الززذي سززنعود لفممززه‬

‫‪329‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بدقززة أكبززر مززع فممنززا لقزوانين الجززدل يززوفر لنززا مسززاحة التفاعززل الجززدلي أيضززا مززع التعريززف نفسززه وبالتأكيززد‬ ‫سنجد أنفسنا ونحن نعود ىليه نعيد صياغته أو فممه بتشكل أكثر نضجا ‪.‬‬ ‫المادة وأشكال وجودها‪:1‬‬ ‫ىن نقطززة انطززالق الماديززة الديالكتيكيززة هززي اإلعتزراف بززالوجود الموضززوعي للمززادة‪ ،‬للطبيعززة‪ ،‬المتطززورة‪،‬‬

‫المتحركة‪ ،‬بتشكل خالد‪ .‬لمذا البد‪ ،‬في البداءة‪ ،‬من دراسة المادة وأتشكال وجودها‪.‬‬ ‫‪ -‬المادة‪:‬‬

‫يحيط بنا عدد ال حصر له من الكالنات المتباينة أعالم تباين في خصالصما بعضما يحتشر في عزداد‬

‫الكالنززات الحيززة‪ .‬وبعضززما ال يتززوفر فيززه أي دليززل علززس الحيززاة‪ .‬بعضززما قززار وبعضززما طززري أو سززالل‪.‬‬ ‫بعض ززما متن ززاه ف ززي الص ززغر وخفي ززف‪ ،‬وبعض ززما ذو أجس ززام هالل ززة وثقيل ززة ج ززدال‪ .‬بعز ز‬

‫ااجس ززام متش ززحونة‬

‫بالكمرباء‪ ،‬وبعضما غير متشحون بما‪ ....‬ىلخ‪ .‬كل هذا بمجموعه يتشكل ما يدعس بالطبيعة‪.‬‬

‫وممما تباينت أجسام الطبيعزة وتمزايإت عزن بعضزما‪ ،‬فالخاصزة الجامعزة بينمزا هزي ىنمزا موجزودة خزارو‬

‫وعي اإلنسان‪ ،‬واحساسه ونفسه وبتشكل مستقل عنه‪.‬‬

‫ولززم ينتش ززأ اإلنسززان ووعيززه اال فززي درجززة معينززة مززن تطززور الطبيعززة كنتززاو رفيززع لمززا‪ ،‬فززي حززين وجززدت‬

‫الطبيعززة ذاتمززا بتشززكل خالززد‪ ،‬ولززم يوجززد وال يمكززن أن يوجززد أي "وعززي مززا فززوق اإلنسززان" أو "وعززي مطلززق"‪،‬‬ ‫وعلس هذا فالفلسفة المادية تعلزم أن الطبيعزة‪ ،‬أن المزادة‪ ،‬هزي السزابقة؛ وأن الزروح‪ ،‬أن الزوعي هزو الالحزق‪،‬‬

‫وعل ززس الص ززعيد االجتم ززاعي‪ ،‬فز ز ن الوج ززود االجتم ززاعي ه ززو ال ززذي يح ززدد ال ززوعي االجتم ززاعي بالنس ززبة للف ززرد‬ ‫وبالنسبة للمجتمع‪.‬‬

‫ىن الفلسززفة الماديززة‪ ،‬ىذ تعمززم حصززيلة التطززور التززاريخي الطويززل تصززوغ ‪ ،‬تشززيلال فتشززيلال‪ ،‬مفمززوم المززادة‬

‫العلمي‪.‬‬

‫يقول لينين‪" :‬ىن المادة هي مقولة فلسفية للداللة علس الواقع الموضوعي الذي تعرفنزا عليزه ىحساسزاتنا‪،‬‬

‫الواقع الذي تنسخه هذه اإلحساسات وتصوره وتعكسه‪ ،‬ويوجد بتشكل مستقل عنما"‪.‬‬ ‫في هذا التعريف ينعكر جوهر النالرة المادية عن العالم‪ ،‬وانتصا‬

‫استحالة المعرفة‪.‬‬

‫الماديزة ضزد المثاليزة وضزد نالريزة‬

‫ىن آفاق زال ال تحززد تتكتشززف أمززام العلززم فززي استقصززاله اعمززاق المززادة‪ ،‬مممززا صززغرت ومممززا تعقززدت‪ ،‬ىن‬

‫العقززل البتشززري ال يتوقززف عززن الحززدود التززي عرفمززا بززل يحززاول أن يتعززداها ليتعمززق فززي معرفززة جززوهر المززادة‬

‫‪1‬‬

‫المصدر ‪ :‬المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي‪ /‬عدنان جاموس‪ /‬بدر الدين السباعي ‪...‬دار‬

‫الجماهير –دمشق – ‪ – 0672‬ط‪ – 2‬ص‪.72‬‬

‫‪331‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وجإلياتما‪ ،‬ذلت أن الحقالق التي عرفناها‪ ،‬يستقر خلفما حقالق أخرى لم نعرفما بعد‪ ،‬وهزذه تممزد الكتتشزاف‬

‫حقالق ثالثة وهكذا ىلس ما ال نماية‪.‬‬

‫ثم أنه ال ينبغي الخلط بين سؤالين اثنين‪ :‬أولمما هو هل لألجسام الطبيعية كيزان خزارو وعينزا ومسزتقل‬

‫عنه وثانيمما‪ :‬ما هي بنية هذه ااجسام‪ ،‬وما هي العناصر الفيإيالية التي تتكون منما وما هي الصفات‬ ‫الفيإياليززة لمززذه العناصززر الس زؤال ااول فلسززفي ويتعلززق بنالريززة المعرفززة‪ ،‬أمززا اإلجابززة علززس الثززاني فمززن‬

‫مممززات العلززوم الطبيعيززة‪ ،‬وال سززيما الفيإيززاء‪ .‬بيززد أننززا حززين نؤك زد علززس الفززارق بززين الس زؤالين‪ ،‬ال نسززتطيع‬

‫الفصل بينمما‪ .‬ىن العلوم الطبيعية تدرر العالم الواقعي وااجسام المختلفة في هذا العالم‪ ،‬كما تدرر بنيزة‬ ‫هززذه االجسززام وخواصززما‪ ،‬وارتبززاط بعضززما بززبع‬

‫‪ ،‬والقانونيززات المالإمززة لمززا‪ .‬بيززد أن هززذه العلززوم ال يمكززن‬

‫وجودها من غير االعتراف بالواقع الموضوعي للعالم المحزيط بنزا‪ .‬ومفمزوم المزادة هزو انعكزار لمزذا الواقزع‬

‫الموضززوعي‪ .‬ولمززذا فمفمززوم المززادة‪ ،‬بززالمعنس الفلسززفي الماركسززي‪ ،‬يتمتززع بأهميززة كبززرى بالنسززبة ىلززس العلززوم‬ ‫الطبيعية‪.‬‬

‫ىن المفززاهيم ااساسززية التززي أوجززدتما العلززوم الطبيعيززة‪ ،‬للداللززة علززس مواضززيع هززذه العلززوم‪ :‬كالصززغيرة‬

‫ااولية‪ ،‬والذرة‪ ،‬والجإيء والعنصر الكيماوي والتتشكيلة الجيولوجيزة‪ ،‬والمنالومزة الفضزالية ‪....‬ىلزخ‪ ،‬ىن هزذه‬ ‫المفاهيم ترتبط حتمال بمفموم المادة الفلسفي‪ ،‬ويعبر عنما من خالله‪.‬‬

‫لقززد القززس مفمززوم المززادة هجومزال أعنززف مززن أي هجززوم تعرضززت لززه الفلسززفة الماديززة‪ .‬وال عجز‬

‫فززي ذلزت‬

‫ان هذا المفموم هو حجر الإاوية في المفموم المادي عن العالم‪ ،‬لذا يماجمه أعداء المادية باسزتمرار‪ .‬لقزد‬

‫أكد المثاليون مز ار الر وتكز ار الر أن مفمزوم المزادة الزذي يعنزي الواقزع الموضزوعي ىنمزا دحز‬ ‫تطور العلم‪ ،‬ومعطيات ممارسة النتشاط العملي أثبتا‪ ،‬بتشكل ال يدح‬

‫أو تشزا ؛ غيزر أن‬

‫‪ ،‬عكر ما ذهبوا ىليه‪.‬‬

‫كل تشيء في تبدل وتغير وذو نماية‪ .‬ولكن ىذا ما اختفزس تشزيء بزرإ مكانزه تشزيء آخزر‪ ،‬بحيزث أن أيزة‬

‫صزغيرة ماديزة ال تختفززي مزن غيززر أثزر‪ ،‬وال تتحززول ىلزس ال تشززيء‪ ،‬وبالمقابزل فلززير هنزات مززن صزغيرة مممززا‬ ‫كان تشأنما‪ ،‬تخلق مزن ال تشزيء‪ .‬وحيزث تنتمزي حزدود أحزد ااتشزياء الماديزة تبزدأ حزدود أتشزياء ماديزة أخزرى‪.‬‬ ‫وال نماية لمذا التعاق‬

‫ال نماية لما وال حدود‪.‬‬

‫الذي ال حد له‪ ،‬وال للتأثير المتبادل بين ااجسام الماديزة‪ .‬فالمزادة‪ ،‬فالطبيعزة خالزدة‪،‬‬

‫ليسززت المززادة تشززيلال وحيززد الصززورة ومززن نوعيززة واحززدة‪ .‬ىنمززا تبززرإ فززي أجسززام متباينززة ال حصززر لتباينمززا‪،‬‬

‫متميزإة نوعزال وكم زال‪ ،‬وهززي تتشززكل جماعززات مززن ااتشززياء ااقززار ‪ ،‬مززن حيززث خصالصززما‪ ،‬وهززي مززا نسززميما‬ ‫باانواع المتباينة للمادة‪.‬‬

‫وهذه اانواع المتباينة للمادة تتميإ بالتعقيد ىلس هزذا الحزد أو ذات‪ ،‬وهزي مواضزيع بحزث مختلزف العلزوم‬

‫مززن الفيإيززاء ىلززس الكيميززاء‪ ،‬والبيولوجيززا‪....‬ىلززخ‪ .‬أمززا اانزواع البسززيطة نسززبيال منمززا فمززي الصززغيريات ااوليززة‬ ‫ك ز ز ززالفوتون‪ ،‬وااللكت ز ز ززرون‪ ،‬والب ز ز ززوإيترون‪ ،‬والبروت ز ز ززون‪ ،‬والمي ز ز ززإون‪ ،‬واانت ز ز ززي بروت ز ز ززون والنت ز ز ززرون واالنت ز ز ززي‬

‫نترون‪....‬ىلخ‪.‬‬

‫‪330‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أما التعقيزد الواسزع فمزو مزن نصزي‬

‫الزذرات والجإيلزات ثزم تليمزا فزي التعقيزد الغزاإات والسزوالل وااجسزام‬

‫الصز ززلبة التز ززي نحتز ززت بمز ززا فز ززي حياتنز ززا اليوميز ززة‪ .‬وكز ززذلت ااج ز زرام السز ززماوية المختلفز ززة كالكواك ز ز‬ ‫والمجموعات النجمية‪.‬‬

‫والنجز ززوم‬

‫وتتميز أجسام الطبيعة العضوية‪ ,‬وخاصة اإلنسان‪ ,‬ثمرتها العليا‪ ,‬بدرجة عالية من التعقيـد‪ .‬ويعتبـر‬

‫المجتمع اإلنساني موضوعاً مادياً خاصاً تدرس علوم كثيرة جوانبه ومظـاهره المختلفـة‪ :‬مـن هـذه العلـوم‬ ‫المادية التاريخية‪ ,‬والتاريخ واالقتصاد السياسي‪ ,‬واالحصاء االقتصادي‪....‬إلخ‪.‬‬ ‫‪ -‬الحركة شكل لوجود المادة‬

‫‪1‬‬

‫المادية الجدلية ال تحصر تعدد أتشكال الحركة في تشكل واحد منما‪ ،‬ميكانيكي‪ ،‬مثالل أو أي تشكل واحد‬

‫آخر‪ ،‬بل تربط الحركة بالتغير‪ ،‬بتطور االجسام‪ ،‬بمولد الجديد واندثار القديم ‪ ،‬ال توجد المادة ىال في‬ ‫حركة وهكذا ف ن الحركة تشكل من أتشكال وجود المادة وهي خاصية مالإمة لما‪" .‬ىن الحركة هي أسلو‬

‫لوجود المادة ‪ .‬ولم توجد في أي مكان مادة دون حركة وال يمكن أن توجد"‪.‬‬ ‫ الحركة مطلقة والسكون نسبي‬‫حركة المادة مطلقة وابدية ‪ ،‬وخالفال لكون الحركة مطلقة ف ن السكون نسبي‪ .‬ولكنه ال يجوإ تصوره‬

‫حالة جامدة متحجرة‪ .‬فالجسم ال يمكن أن يكون ساكنال ىال بالنسبة لجسم آخر‪ ،‬لكنه بالضرورة يتشترت في‬

‫الحركة العامة للمادة‪ .‬وفوق ذلت فحتس حين يكون الجسم في حالة سكون ف ن عمليات فيإيالية أو‬ ‫كيميالية أو عمليات أخرى تجري فيه طيلة الوقت‪.‬‬

‫ف ن حركة المادة ابدية مطلقة ‪ ،‬في حين أن السكون وقتي نسبي‪ ،‬أنه مجرد لحالة من لحالات‬

‫الحركة‪.‬‬

‫ذلززت ىن كززل مززا يولززد ااحاسززير لززدينا مززادي‪ ،‬ولكززن لززير كززل الال زواهر الماديززة تولززد لززدينا أحاسززير‪:‬‬

‫فااتشعة مزا فزوق البنفسزجية والعمليزات الجاريزة وسزط التشزمر وعزدد ال يحصزس مزن الالزواهر ااخزرى لزير‬ ‫بمقدورنا أن نحر بمزا‪ .‬وبزالرغم مزن كزل أهميزة السزمتين الثانيزة والثالثزة للمزادة فزاامر الرليسزي الزذي يميزإ‬

‫المادي عن غير المادي هو وجوده خارو الوعي‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪23‬‬

‫‪332‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن هززذا الفمززم للمززادة يتسززم بأهميززة كبززرى فززي الوقززت الحاضززر وتؤكززده كليزال االكتتشززافات العلميززة الحديثززة‬

‫والمعاصرة‪ .‬وعلس ضوء التصورات العلمية الحديثة يمكن أن نتشير ىلزس المجموعزات التاليزة اتشزكال حركزة‬

‫المادة‪: 1‬‬

‫‪ -0‬ااتشكال الميكانيكية‪ :‬وهي تنقل ااجسام مكانيال بالنسبة ىلس بعضما البع‬

‫‪.‬‬

‫‪ -3‬ااتشكال الفيإيالية‪ :‬وهي التغيرات في الواقع المكاني والسزرعة والكتلزة والطاقزة والتشزحنة الكمرباليزة‬ ‫ودرجة الح اررة والحجم وغير ذلت من صفات ااتشياء المادية‪ ،‬وهي أيضال مجموعة أتشكال الحركة‬ ‫الت ززي تدرس ززما الفيإي ززاء كالعملي ززات الح ارري ززة والكمرطيس ززية بم ززا فيم ززا الالز زواهر الض ززولية والتج ززاذ‬

‫المتبادل وكافة العمليات التي تجري داخل الذرة وداخل النواة‪.‬‬ ‫‪ -3‬ااتشكال الكيميالية‪ :‬وهي تحول بع‬ ‫تكوينما (اتحادها وانفصالما)‪.‬‬

‫الزذرات وواعزادة‬

‫المزواد ىلزس بعضزما اآلخزر‪ ،‬وتكزوين تراكيز‬

‫‪ -4‬ااتشكال البيولوجية‪ :‬وهي كافة التغيرات أو الحركة في الحياة العضوية‪.‬‬

‫‪ -8‬ااتشزكال االجتماعيززة‪ :‬وهززي التغيزرات الجاريززة موضززوعيال فزي المجتمززع البتشززري وحززده والمالإمززة لززه‬ ‫دون غي ز زره‪ ،‬أو هز ززي العمليز ززات االجتماعيز ززة (التناقضز ززات والص ز زراعات الطبقيز ززة ‪...‬ىلز ززخ) وتز ززاريخ‬

‫المجتمع اإلنساني‪.‬‬

‫ىن أي تشززكل مززن أتشززكال الحركززة المززذكورة أعززاله ىنمززا هززو موجززود موضززوعيال بع ز‬

‫النالززر عززن وعززي‬

‫البتشر‪ ،‬وهو يمثل عملية مادية‪ .‬أما حركة أحاسيسنا وأمإجتنا وأفكارنا فمي موجودة في أذهان البتشر فقزط‪.‬‬ ‫وبديمي أن ااحاسير واافكار ال يمكن أن توجد بدون حاملما المادي‪ ،‬نعني الدماغ‪.‬‬ ‫مقوالت المادية الجدلية ‪:‬‬ ‫يعتبر البحث في مسألة المقوالت جإءال من البحث في متشكلة المعرفة‪ .‬وتشرط المعرفة اليقينية سالمة‬

‫اال ستنتاو أو سالمة التسلسل المبني علس قيار صحيح‪ ،‬أي من يفيد البرهان وكانت مقدماته صحيحة‪.‬‬ ‫والقسم الذي يتولس هذا النمط من التفكير هو المنطق بالتشكل الذي وضع فيه أرسطو أول مبادله ‪ .‬ىذ ان‬

‫معيار الحقيقة قبل أرسطو لم يكن بالضرورة صحة القيار المبني علس المقدمات اليقينية‪.2‬‬

‫و المقوالت بتحديد أرسطو لما هي اعم المحموالت التي يمكن ىسنادها ىلس الموجود‪ .‬لذا تدعس أحيانال‬

‫بالمسندات‪ ،‬كما دعيت أيضال بااجنار العامة‪ .‬والمقوالت كما حددها أرسطو عتشرة‪ .‬وهي ‪ :‬الجوهر‪،‬‬ ‫الكم‪ ،‬الكيف ‪ ،‬النسبة ‪ ،‬المكان ‪ ،‬الإمان ‪ ،‬الوضع ‪ ،‬الحال ‪ ،‬الفعل واالنفعال‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – ‪ -0672‬ص‪.13‬‬

‫‪ 2‬الموسوعة الفلسفية العربية ‪ -‬معهد اإلنماء العربي ‪ -‬المجلد األول ‪ -‬الطبعة األولى – ص ‪777 - 779‬‬

‫‪333‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والجوهر بتحديد أرسطو هو الموجود الذي تضاف ىليه جميع المحموالت ااخرى‪ .‬وبتحديد آخر له‬

‫يقول‪ :‬هو ما يقوم بنفسه وال يحتاو في قوامه ىلس تشيء آخر خارو عنه‪ .‬وفي "ما بعد الطبيعة" ميإ‬ ‫أرسطو بين الجوهر المادي والصوري وبذلت قد يكون الجوهر عبارة عن التشكل او عن ماهية التشيء‪ .‬أو‬

‫قد يكون الجسم المرك‬

‫محالل لألع ار‬

‫من مادة وصورة‪ .‬ومن ميإات الجوهر ااخرى أنه قد يكون حامالل لألضداد‪ .‬أي‬

‫دون أن يلحقه من جراء ذلت أي تغير‪.‬‬

‫والكم هي المقولة التي تعبر عن كل ما يمكن قياسه أو عده‪ .‬وقد ميإ أرسطو وكذلت الفالسفة العر‬

‫بين الكم المتصل كالسطح مثالل والكم المنفصل كااعداد‪.‬‬

‫والكيف‪ .‬هي المقولة التي تبحث في هيلة التشيء كما تبحث أيضال في ما يحدث للجسم من عوار‬

‫كالصالبة أو الليونة مثالل أو من عوار‬

‫نفسية تدخل علس الجسم االنساني كاالنفعال والخجل‪ .‬أما‬

‫مقولة النسبة أو اإلضافة والمضاف كما يقول الفارابي فمدار بحثما الطريقة التي ترتبط بما ااتشياء‬

‫ببعضما بعضال‪ .‬كالكثير ب ضافته ىلس القليل‪.‬‬

‫والمكان والإمان مقولتان تبحثان في الموضع وفي الوقت الذي يحدث فيه الفعل‪.‬‬

‫المقوالت في فلسفة كانط ‪:1‬‬ ‫ربما تشكل رأي كانط في المقوالت تشيلال ممي الإ عما هي عليه في الفلسفة المتشالية‪ .‬جعل كانط همه‬

‫البحث عن طريق المعرفة‪ .‬وهذه الطريق يج‬ ‫بواسطة المفاهيم‪ ،‬أداة االتصال والتواصل‪.‬‬

‫أن تبحث أوالل في تشروط المعرفة‪ .‬والمعرفة ال تتم ىال‬

‫فعلس الذهن ىذن‪ ،‬ليتحقق من سالمة المعرفة‪ ،‬أن يضبط التشكل الذي تصاغ فيه هذه المفاهيم بوضع‬

‫المقوالت‪.‬‬

‫والمقوالت هي المعاني الذاتية التي تربط بين ااحكام أي بين ما يصادف في الإمان والمكان من‬

‫الواهر‪.‬‬

‫ىن كل علم – ممما كان مجال الواقع المادي الذي يدرسه‪ -‬لير عبارة عن نالام من القوانين فحس‬

‫بل عبارة أيضال عن مقوالت محددة‪ ،‬أي أعم المفاهيم التي تصاغ خالل تطور كل علم ‪ ،‬وتتشكل أساسه‪.‬‬

‫فمذه المقوالت في الميكانيكا ‪ ،‬مثالل ‪ ،‬هي الكتلة والطاقة والقوة‪ ،‬وفي االقتصاد السياسي – السلعة والقيمة‬ ‫والنقود وما اليما‪.2‬‬

‫وواذ لخصت الفلسفة ىنجاإات العلم ونتشاط النار العملي ‪ ،‬فقد كونت نالامما الخا‬

‫‪ 1‬الموسوعة الفلسفية العربية ‪ -‬معهد اإلنماء العربي ‪ -‬المجلد األول ‪ -‬الطبعة األولى – ص ‪777 - 779‬‬

‫‪2‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪030‬‬

‫‪334‬‬

‫من المقوالت ‪.‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫"ىن المقوالت الفلسفية "مفاهيم تعكر ما هو عام لدى الواقع من سمات وارتباطات وجوان‬

‫وخصال‬

‫‪ ،‬فقد عرفنا عددا من أهم المقوالت عند دراستنا للمادية الفلسفية ‪،‬ونعني بما أوالل مقوالت المادة‬

‫والوعي ثم الحركة والمكان والإمان ‪ ،‬وسندرر خصيصال في هذا الفصل مجموعة أخرى من المقوالت‬

‫هي‪ :‬الخا‬

‫والعام‪ ،‬والمضمون والتشكل‪ ،‬والجوهر والالاهر‪ ،‬والسب‬

‫واالمكانية والواقع"‪.1‬‬

‫‪ -‬ما هو الخاص والعام‬

‫والنتيجة ‪ ،‬والضرورة والصدفة‬

‫الخاص والعام‬

‫‪2‬‬

‫لكل تشيء عدد من السمات الخاصة التي تالإمه وحده‪ ،‬فلنأخذ‪ ،‬مثالل‪ ،‬تشجرة الحور‪ ،‬ان لما حجمما‬

‫وعدد فروعما المنالمة بطريقة خاصة‪ ،‬والتكوين الخا‬ ‫ولكل انسان تكوينه الخا‬

‫لجذورها وغير ذلت من السمات‪.‬‬

‫وقدراته واهتماماته وميوله وطريقة سيره وحديثه‪ ،‬وهذا ما يميإه من ملات‬

‫الماليين من النار‪.‬‬

‫وتشجرة الحور المعنية واالنسان المعني والتشيء أو الالاهرة المفردان في العالم المادي هي بالذات‬ ‫‪.‬‬

‫الفردي أو الخا‬

‫غير انه ال يوجد تشيء خا‬

‫المعني يعي‬

‫علس اار‬

‫‪ ،‬فردي بذاته‪ ،‬بدون االرتباط بغيره من ااتشياء والالواهر‪ ،‬فاالنسان‬

‫حيث يعي‬

‫الكثيرون حوله‪ ،‬ولديه الكثير مما هو متشترت معمم ىذ أنه يرتبط‬

‫بمم بآالف الوتشالا‪ ،‬ان لديه ممنة وهذا يعني أن لديه سمات تالإم كل ممثلي هذه الممنة‪ ،‬وهو ينتمي‬

‫ىلس طبقة محددة وأمة محددة‪ ،‬ومن هنا فتالإمه سمات قومية وطبقية معينة‪.‬‬ ‫أما فيما يخ‬

‫التركي‬

‫الفسيولوجي التتشريحي‪ ،‬والقدرة علس التشعور والتفكير وعلس العمل والكالم‬

‫ىلخ‪ .‬ف ن هذه السمات مالإمة لجميع النار‪ ،‬وبالمثل ف ن لكل تشيء‪ ،‬ىلس جان‬ ‫سمات متشتركة مع غيره من ااتشياء‪.‬‬

‫سماته الخاصة الفردية‪،‬‬

‫والعام هو ما يالإم الكثير من ااتشياء المفردة الخاصة‪ ،‬وللن كانت السمات الفردية تميإ التشيء‬

‫المعنس عن غيره ف ن العام كأنما يقر بينه وبين ااتشياء ااخرى ويجعلما مترابطة فيما بينما ومنتمية ىلس‬ ‫صنف معين من ااتشياء المتجانسة ‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪032‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪032‬‬

‫‪335‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ جدلية الخاص والعام‬‫لير الخا‬

‫‪1‬‬

‫والعام مترابطين فحس ‪ ،‬بل هما يتغيران علس الدوام‪ ،‬فالحدود بينمما متحركة‪ ،‬ويحدث‬

‫عامال والعكر‬

‫خالل التطور في الروف معينة أن ينتقل الواحد منمما ىلس اآلخر فيصبح الخا‬ ‫بالعكر‪.‬‬

‫‪ -‬ما هو المضمون والشكل‬

‫المضمون والشكل‬

‫‪2‬‬

‫المضمون هو مجمل العناصر والعمليات التي تتشكل التشيء أو الالاهرة المعنية ‪ ،‬والتشكل هو تركي‬

‫وتناليم المضمون ‪ ،‬وهو لير تشيلال خارجيال تجاه المضمون ‪ ،‬بل هو كامن فيه ‪.‬‬

‫المضمون والتشكل يالإمان الالواهر االجتماعية‪ ،‬ف ن القوى المنتجة (وفي المقام ااول أدوات االنتاو‬

‫والنار الذين يستخدمونما) تمثل مضمون أسلو انتاو محدد تاريخيال‪ ،‬أما عالقات االنتاو (ترابط النار‬

‫خالل عملية االنتاو والذي يقوم علس عالقاتمم بمذه اادوات) فتمثل تشكل أسلو االنتاو‪.‬‬

‫وتنطلق المادية الجدلية من وحدة المضمون والتشكل‪ ،‬من كونمما ال ينفصمان‪ ،‬فكال من التشكل‬

‫والمضمون كامن في التشيء المعني‪ ،‬ومن هنا ال يمكن فصل الواحد عن اآلخر‪ .‬فال مضمون بوجه عام‬ ‫وانما يوجد مضمون متتشكل أي مضمون له تشكل محدد‪ ،‬وبالمثل ال تشكل خال‬

‫فللتشكل دالمال مضمون‪ ،‬وهو يفتر‬

‫دون أي مضمون‪،‬‬

‫مسبقال مضمونال محددال يمثل هذا التشكل بنيته أو تناليمه‪.‬‬

‫المضمون تشديد النتشاط‪ ،‬وهو بفضل تناقضاته الداخلية يتطور ويتحرت باستمرار‪ .‬ثم مع تغير‬

‫المضمون يتغير التشكل أيضال‪ ،‬فالمضمون يحدد التشكل‪.‬‬

‫ال يجوإ استصغار دور التشكل وأهميته في التطور ‪ .‬ىننا نعلم أن اعداء الماركسية‪ ،‬االنتماإيين ‪،‬‬

‫سعيا منمم لمنع تأسير حإ ثوري جديد الطراإ انكروا دور ااتشكال التناليمية للحإ إاعمين أن التشكل‬

‫سلبي ساكن وال يؤثر في مضمون النضال الثوري اطالقال‪.‬‬ ‫ويج‬

‫أن ال يغي‬

‫عن بالنا كذلت‪ ،‬عند تحليل التفاعل بين التشكل والمضمون ‪ ،‬انه تبعال للالروف‬

‫يمكن أن يتطور نفر المضمون في أتشكال مختلفة ‪.‬‬ ‫‪-‬التناقض بين الشكل والمضمون ‪:3‬‬

‫وبغية تكوين فكرة اكمل عن العالقة بين التشكل والمضمون من الممم ىدرات الطابع المتناق‬ ‫العالقة‪ .‬لقد سبق واوضحنا ان التشكل أكثر ثباتال واقل تحركال من المضمون‪ .‬وهذا هو السب‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪032‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪021‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪022‬‬

‫‪336‬‬

‫لمذه‬ ‫في أنه‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يتخلف عن تطور المضمون‪ ،‬ويصبح عتيقال ويدخل في تناق‬

‫معه‪ .‬وعادة ما ينتمي التناق‬

‫بين‬

‫التشكل القديم والمضمون الجديد ىلس طرح التشكل القديم واالستعاضة عنه بتشكل جديد‪ ،‬اامر الذي يكس‬

‫المضمون مجاالل رحبا من أجل التطور الحقال‪.‬‬

‫ ما هو الجوهر والظاهرة ‪:1‬‬‫مفموم الجوهر قري‬

‫الجوهر والظاهرة‬

‫من مفموم المضمون ولكنه ال يتطابق معه‪ .‬وللن كان المضمون مجمل جميع‬

‫العناصر والعمليات التي تتشكل التشيء المعني فان الجوهر هو الجان‬

‫الرليسي الداخلي الثابت نسبيال من‬

‫التشيء (أو مجموع جوانبه وعالقاته) ‪ .‬ويحدد الجوهر طبيعة التشيء‪ ،‬وتنبع منه كل جوانبه ااخرى‬ ‫وسماته ‪.‬‬

‫ويعبر الجوهر في الالواهر االجتماعية كذلت عن الجان‬

‫الداخلي‪ ،‬الرليسي للعمليات‪ .‬فعندما وصف‬

‫لينين االمبريالية – أعلس مراحل الرأسمالية‪ -‬عرفما بأنما رأسمالية احتكارية ‪ .‬ف ن سيطرة االحتكارات التي‬

‫حلت محل المإاحمة هي جوهر االمبريالية‪ .‬ومن سيطرة االحتكارات تنبع كل السمات ااخرى لالمبريالية‪،‬‬ ‫وفي المقام ااول حصول الرأسماليين المنضمين ىلس االتحادات االحتكارية علس الربح الفاح‬

‫االحتكاري‪.‬‬

‫ولثورات التحرر الوطني وجوهرها الخا‬

‫أيضال‪ .‬وهو يتلخ‬

‫في احراإ االستقالل الوطني والتخل‬

‫من التبعية االقتصادية للرأسمالية العالمية وتطوير االقتصاد والثقافة الوطنيين وبناء الدولة الديمقراطية‬

‫التشعبية ‪.‬‬

‫أما جوهر المجتمع االتشتراكي فمو سيادة الملكية االتشتراكية وتخطيط االقتصاد وعدم وجود االستغالل‬

‫وتحقيق التعاون والمساعدة المتبادلة بين أفراد المجتمع وتلبية احتياجات النار علس أكمل وجه علس‬

‫طريق تطوير االنتاو وتحسينه علس أسار التكنيت المتقدم‪.‬‬

‫فما هو الظاهرة ؟ ان الظاهرة هي التعبير الخارجي المباشر عن الجوهر وشكل تجليه‬ ‫ويتجلس جوهر االمبريالية في تشنما الحرو‬

‫العدوانية (العالمية والمحلية) وفي سباق التسلح وفي‬

‫الجماهير الكادحة وفي اإدياد البطالة وانخفا‬

‫وفي تإايد االجرام وفي تتشديد‬

‫االإمة العامة (االقتصادية والسياسية واالخالقية) للرأسمالية التي تتفاقم باطراد وفي تتشديد استغالل‬ ‫استغالل الدول الضعيفة والتابعة ‪.‬‬

‫مستوى حياة التشع‬

‫أما جوهر االتشتراكية فيتجلس في والمساواة ووالغاء كل مالاهر االستغالل واالستبداد وامتالت الدولة‬ ‫للثروة وبناء المصانع الجديدة والتقدم التكنيكي في مختلف فروع االقتصاد الوطني والوتالر الرفيعة لبناء‬ ‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪022‬‬

‫‪337‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المساكن والمؤسسات الثقافية‪ ،‬وتخفي‬

‫ساعات عمل التشغيلة‪ ،‬وإيادة ااجور وتحسين الضمان‬

‫االجتماعي والخدمات المعيتشية وما ىلس ذلت ‪.‬‬ ‫ جدلية الجوهر والظاهرة ‪:1‬‬‫لير ثمة جوهر "خا‬

‫" أي جوهر ال يتجلس في تشيء فكل جوهر يعبر عن ذاته في عدد كبير من‬

‫الالواهر‪ .‬فجوهر االتشتراكية يعبر عن ذاته من خالل كثير من أحداث ووقالع نمط الحياة االتشتراكي ‪.‬‬ ‫ولير الجوهر والالاهرة وحدة فحس ‪ ،‬لكنمما أيضال ضدان‪ ،‬فمما ال يتوافقان كليال أبدال ‪ ،‬والتناق‬

‫بينمما مالمر لكون أتشياء الواقع ذاتما متناقضة داخليال‪ ،‬فالجوهر غير مرلي علس السطح‪ ،‬بل هو مخفي‬ ‫وغير قابل للمراقبة المباتشرة‪ ،‬وال يمكن كتشفه اال في مجرى الدراسة التشاملة الطويلة للتشيء ‪.‬‬ ‫ أهمية مقولتي الجوهر والظاهرة ‪:2‬‬‫ان معرفة جدلية الجوهر والالاهرة بالغة ااهمية في الحياة االجتماعية والعلم والنتشاط العملي‪ ،‬فمذه‬ ‫المعرفة تعطي العلماء ثقة في أنه ممما كان تعقد عملية معرفة الالواهر التي يدرسونما‪ ،‬وممما كان عمق‬

‫اختفاء الجوهر خلف هذه الالواهر ف ن هذا الجوهر سيعرف في آخر المطاف‪.‬‬

‫وان معرفة الجوهر ضرورية بخاصة ان الالاهرة غالبال ما تعطي فكرة إالفة عن طبيعة عملية ما‪،‬‬

‫فيبدو لنا ‪ ،‬مثالل ‪ ،‬ان التشمر تدور حول اار ‪ ،‬في حين اننا نعرف أن اار‬

‫في الواقع هي التي‬

‫تدور حول التشمر‪ .‬وقد يبدو انه ثمة ديمقراطية واسعة في العالم االمبريالي‪ :‬ففيه يعلن عن الحق‬ ‫االنتخابي العام وحرية الكالم والصحافة وحرية تكوين االح اإ‬

‫والجماعات السياسية والخ‪ ،‬لكن الواقع ان‬

‫الديمقراطية في الل االمبريالية ليست سوى خدعة‪ ،‬فمي ديمقراطية محدودة ‪ ،‬ديمقراطية لالغنياء وحدهم‪.‬‬

‫ان المعرفة القالمة علس الالاهري فقط ‪ ،‬علس مالاهر الجوهر ‪ ،‬عاجإة عن ان تقدم صورة صحيحة‬

‫للعالم‪ ،‬وال يمكن أن تكون مرتشدال للعمل‪ ،‬ويؤدي العجإ عن تميإ الالاهرة عن الجوهر ىلس اخطاء خطيرة‬

‫في النالرية والممارسة ‪.‬‬

‫‪ -‬ما هو السبب والنتيجة‬

‫‪3‬‬

‫السبب والنتيجة‬

‫والالاهرة أو مجموعة الالواهر المتفاعلة التي تسبق الواهر أخرى وتولدها تسمس السب ‪ ،‬أما الالاهرة‬ ‫التي يولدها فعل السب‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫فتسمس النتيجة ‪.‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪029‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪027‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪021‬‬

‫‪338‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والسب‬

‫يسبق النتيجة دالمال ‪ ،‬لكن التتابع الإمني لير عالمة كافية للسب ‪ ،‬فالنمار ‪ ،‬مثالل ‪ ،‬يتلو‬

‫الليل‪ ،‬لكن الليل لير سب‬

‫النمار‪ ،‬ويتم تتابع الليل والنمار نتيجة دوران اار‬

‫السببية بين الاهرتين توجد فقط حين ال تسبق أحداهما ااخرى فحس‬ ‫وال يجوإ الخلط بين السب‬

‫حول محورها‪ ،‬فالعالقة‬

‫بل تولدها بالضرورة‪.‬‬

‫وبين الدافع‪ ،‬فالدافع حدث يسبق النتيجة مباتشرة‪ ،‬لكنه لير بحد ذاته سببال‬

‫لما ‪ ،‬وانما يحفإ مفعول السب ‪.‬‬ ‫"ىن السب‬

‫السب‬

‫والنتيجة مترابطان ترابطال ال ينفصم‪ ،‬فال نتيجة دون سب‬

‫والعكر بالعكر‪ ،‬وللترابط بين‬

‫والنتيجة طابع داخلي حتمي‪ ،‬وهو ترابط تنبع في الله النتيجة من السب‬

‫أن النتيجة بعد أن يولدها السب‬

‫وتكون نتاجال لفعله‪ ،‬غير‬

‫ال تالل غير مبالية بسببما بل تمارر تأثي الر عكسيال عليه‪ ،‬وهكذا ف ن‬

‫العالقات االقتصادية بين النار في مجرى االنتاو هي سب ‪ ،‬مصدر االفكار السياسية والفلسفية وغيرها‬

‫من اافكار‪ ،‬لكن هذه اافكار بدورها تؤثر علس تطور العالقات االقتصادية ‪.‬‬ ‫ويتجلس الترابط بين السب‬

‫والنتيجة كذلت في ان الاهرة عينما يمكن ان تكون سببا في حالة ما‬

‫ونتيجة في حالة أخرى‪ ،‬فاحتراق الفحم في موقد الغاليات في المحطات الكمربالية هو سب‬

‫ىلس بخار ‪ ،‬أما البخار كنتيجة الحتراق الفحم فمو نفسه سب‬ ‫التي هي مصدر‪ ،‬سب‬

‫تحول الماء‬

‫دوران المولد‪ ،‬فبنتيجة دورانه يولد الكمرباء‬

‫حركة الكثير من اآلالت واالجمإة‪ ،‬وتعطي النار الح اررة والضوء الخ‪.‬‬

‫ويمكن أن توسع هذه السلسلة من التدليالت ‪ ،‬ف ن السببية بالذات تفسر هذه السلسلة الالمتناهية من‬

‫الترابطات ‪ ،‬أي التفاعل التشامل بين أتشياء والواهر العالم حيث كل حلقة هي سب‬

‫نفسه"‪.1‬‬

‫‪ -‬ما هي الضرورة والصدفة ؟‬

‫‪2‬‬

‫ونتيجة في الوقت‬

‫الضرورة والصدفة‬

‫بغية تسميل فمم ما هي الضرورة والصدفة لنج‬

‫ااحداث من كل بد في الالروف المعنية وهل يج‬

‫أوالل علس السؤالين التاليين‪ :‬هل يج‬

‫بالذات ولير بنحو آخر‬

‫أن تقع جميع‬

‫أن تجري جميعال في تلت الالروف بمذا النحو‬

‫اننا جميعال نعرف جيدال انه ىذا إرعت بذرة فستنبت ىذا ما توفرت الرطوبة والح اررة‪ .‬لكن النبتة الصغيرة‬

‫قد تملت نتيجة لمطول أمطار غإيرة ‪ ،‬فمل يج‬

‫أن يقع هذان الحدثان (استنبات البذرة وهالت النبات)‬

‫من كل بد‬

‫" لير الحدثان معا واجبي الوقوع‪ ،‬فخبرتنا اليومية تدلنا علس ان استنبات البذرة في الروف معينة‪ ،‬أي‬

‫عند توافر الح اررة والرطوبة الماللمتين‪ ،‬ضروري ‪ .‬فتلت هي طبيعة النبات ذاتما‪ ،‬لكن هطول اامطار‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪022‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪022‬‬

‫‪339‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الغإيرة تشيء قد يحدث أو ال يحدث‪ ،‬وهو قد يدمر النبات أو يلحق الضرر به فقط‪ ،‬وهو ال ينبع اطالقال‬

‫من طبيعة النبات‪ ،‬فمو لير ضروريال البتة في الالروف المعنية ‪.‬‬

‫والالاهرة أو الحدث الذي يقع من كل بد ىذا ما توفرت الروف معينة يسمس ضرورة (وفي مثلنا كان‬

‫استنبات البذرة ضرورة)‪ ،‬فالنمار يتبع الليل بالضرورة ‪ ،‬والفصول تتابع بالضرورة ‪ ،‬ومولد ونمو الحركة‬

‫التشيوعية للطبقة العاملة في الل الرأسمالية ضرورة‪ ،‬ىذ ان هذه الحركة وليدة الروف حياة هذه الطبقة‬

‫ومكانتما في المجتمع‪ ،‬والممام التي طرحما التاريخ أمامما"‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ -‬جدلية الضرورة والصدفة‬

‫الضرورة والصدفة مترابطتان ترابطال جدليال‪ ،‬فالحدث ذاته يمكن أن يكون ضروريال وصدفيال في نفر‬

‫الوقت – ضروري من ناحية وصدفي من ناحية أخرى‪ ،‬ف ن االمطار بصفتما صدفة بالنسبة لمالت‬ ‫النبات هي نتيجة ضرورية لألحوال الجوية في المنطقة التي تمطل فيما‪.‬‬ ‫‪ -‬أهمية مقولتى الضرورة والصدفة‬

‫‪3‬‬

‫من الممم جدال في النتشاط العلمي والعملي مراعاة الجدلية الموضوعية للضرورة والصدفة ‪.‬‬

‫ىن معرفة القوانين والضرورة الموضوعية تساعد اإلنسان علس ان يخضع العديد من الواهر الطبيعة‬

‫والحياة االجتماعية لمصالحه‪ ،‬ويج‬

‫علس كل علم ان يستمدف بالدرجة ااولس معرفة الضرورة‪ ،‬ف ن‬

‫مممة علم االجتماع‪ ،‬مثالل‪ ،‬هي معرفة الضرورة الموضوعية لتطور المجتمع ومن ثم ‪ ،‬علس أسار هذه‬ ‫الضرورة المدركة‪ ،‬تغيير النالم االجتماعية لصالح االنسان الكادح‪.‬‬

‫وطالما أن الصدفة تشكل لالمور الضرورة ف ن علس العلم اال يتجاهل الصدف‪ .‬وبما أن الصدف توجد‬

‫وتمارر تأثي ار ع لس الحياة ف ن علس العلم أن يضع في اعتباره دورها في التطور وأن يحمي االنسان من‬

‫الصدف غير المؤاتية‪.‬‬

‫‪ -‬ما هي االمكانية والواقع‬

‫‪4‬‬

‫االمكانية والواقع‬

‫ان الجديد ‪ ،‬أي الذي يتطور هو ضروري‪ ،‬لكنه ال يالمر دفعة واحدة‪ .‬ففي البدء تنتشأ مقدمات‪،‬‬ ‫عوامل محددة لالموره‪ ،‬ثم تنضا هذه المقدمات وتتطور ‪،‬ويالمر ‪ ،‬بفعل القوانين الموضوعية‪ ،‬التشيء‬

‫الجديد أو الالاهرة الجديدة‪ ،‬وهذه المقدمات الالإمة لالمور الجديد والكامنة في الموجود تسمس امكانيات‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪029‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪029‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪021-027‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪021‬‬

‫‪341‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وهكذا ف ن كل جنين لديه امكانية التطور‪ ،‬التحول ىلس كالن بالغ‪ ،‬والكالن البالغ الذي نمس عن هذا‬

‫الجنين هو الواقع‪ ،‬فالواقع هو االمكانية المتحققة ‪.‬‬

‫"ولما كانت أتشياء العالم والواهره متناقضة ف ن االمكانيات بدورها متناقضة أيضال‪ ،‬ويج‬

‫أن نفرق‬

‫بين االمكانية التقدمية (االيجابية) والرجعية (السلبية)‪ ،‬فكل ثورة اجتماعية ‪ ،‬مثالل ‪ ،‬تحوى امكانية ايجابية‬

‫هي انتصار القوى التقدمية ووامكانية سلبية هي انتصار القوى الرجعية‪ ،‬ولكن بحكم مفعول قوانين التاريخ‬ ‫الموضوعية تنتصر االمكانيات التقدمية في آخر المطاف في حين أن انتصار االمكانيات الرجعية‪ ،‬وان‬

‫كان يحدث في بع‬

‫‪1‬‬

‫الحاالت‪ ،‬لير سوى انتصار مؤقت عار " ‪.1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪020‬‬

‫‪340‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفصل الثالث‬

‫نظرية املعرفة يف املادية اجلدلية‬ ‫تمهيد ‪:‬‬

‫إن المعرفة بالنسبة لنا ال تتوقف عند المعرفة األولية التي تتشكل فـي األذهـان عـن طريـق الحـواس‬

‫فحسب‪ ,‬بل علينا أن نحاول دوماً إدراك األشياء‪ ,‬وكل الموجودات من حولنا ‪ ,‬إدراكاً عقالنياً يمكننا مـن‬ ‫فهم األسباب التي تحول دون تحقيق مهام الثورة التحررية الوطنية والقومية الديمقراطيـة فـي مجتمعنـا‬

‫الفلســطيني ومجتمعاتنــا العربيــة‪ ,‬وص ـوالً إلــى معرفــة الســبل الكفيلــة بتجــاوز واقــع الهزيمــة والتبعيــة‬

‫والتخلف واالسـتبداد ‪ ,‬وهنـا تتجلـى "األيـديولوجيا" أو الرؤيـة الماركسـية ‪ -‬المتطـورة والمتجـددة ابـدا ‪-‬‬

‫كمفهــوم جراحـــي تســتطيع فصـــائل وأحــزاب اليســـار الماركســـي فــي فلســـطين والــوطن العربـــي أن تـــوفر‬ ‫ألعضــائها وكوادرهــا ‪ ,‬ثــم لجمهورهــا مــن خاللهــا‪ ,‬وعيــا بحقيقــة الص ـراع الوجــودي ضــد دولــة العــدو‬ ‫الصهيوني من جهة وبحقيقة الصـراع الطبقـي (السياسـي واالجتمـاعي واالقتصـادي) الـداخلي مـن جهـة‬

‫ثانية ‪ ,‬لكي يشتركوا في مباشرته‪ ,‬وبالتالي فإن المعرفة التي ندعو إلى امتالكها ووعيها‪ ,‬هـي المعرفـة‬ ‫المشغولة بالثورة التحررية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية على الصعيدين الوطني والقـومي ‪ ,‬والملتزمـة‬

‫– سلوكا وتطبيقا ‪ -‬بمفاهيم الديمقراطيـة والمواطنـة والنهـوض واالرتقـاء والتطـور‪ ,‬والمتسـلحة بـالعلم‬ ‫واالستكشاف المرتكز إلى العقل والتجربة‪ ,‬وتخليص البحث المعرفي من سـلطة السـلف وقدسـية وجمـود‬ ‫األفكار‪ ,‬كمدخل البد منـه لتحريـر الواقـع العربـي وتخليصـه مـن كـل رمـوز وأنظمـة الدكتاتوريـة والعمالـة‬

‫"ملوكاً " و "رؤساء" و "أمراء" كشرط للقضاء على مظاهر التخلـف والتبعيـة والخضـوع واالسـتبداد وقمـع‬ ‫الحريــات‪ ,‬وتحريــر فكرنــا العربــي مــن حالــة الجمــود واالنحطــاط‪ ,‬مــدركين أن اعتمــاد العقــل كــأداة وحيــدة‬ ‫للتحليل‪ ,‬والعقالنية كمفهوم‪ ,‬يستند على المنهج العلمي الجدلي‪ ,‬سـيدفع بفكرنـا العربـي صـوب الـدخول‬

‫في منظومة المفاهيم النهضوية الحديثة والمعاصرة التي تقوم على أن للعقـل الثـوري الجمعـي (الحـزب)‬

‫دو ارً أولي ـاً ومركزي ـاً فــي تحليــل وتغييــر الواقــع والــتحكم فــي صــيرورة حركتــه لحســاب مصــالح الجمــاهير‬

‫الشعبية‪.‬‬

‫إن المعرفـة اإلنســانية مطلقـة‪ ,‬مســتقلة‪ ,‬ذلـك ألنهــا قـادرة علــى إعطـاء الحقيقــة الموضـوعية‪ ,‬وعلــى‬

‫عكس األشياء عكساً صحيحاً‪ .‬وليس هناك من حدود لمعرفتنا وليس هنا من أشـياء ال تمكـن معرفتهـا‪,‬‬ ‫بل توجد أشياء لم تعرف بعد ولكنها يمكن أن تعرف خالل تطور العلم‪ ,‬إن بنية الذرة والطاقـة التـي فـي‬

‫‪342‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫داخلهــا ظلتــا مــدة طويلــة "شــيئاً فــي ذاتــه" غيــر معــروف‪ ,‬ولكنهمــا أصــبحتا اآلن بفضــل جهــود العلمــاء‬ ‫والمهندسين "شيئاً من أجلنا"‪.‬‬

‫ىن المعرفززة محززدودة ونسززبية (ليسززت مطلقززة) فززي كززل مرحلززة مززن م ارحززل تطورهززا لززدى جيززل معززين مززن‬

‫النار‪ .‬ىن الحقيقة الموضوعية في تشكلما التزام والكامزل تسزمس الحقيقزة المطلقزة‪ ،‬ونعنزي بمزذه ااخيزرة تلزت‬ ‫المعرفة التي ال يمكن أن تدح‬

‫خالل التطور التالي للعلم والتطبيق‪.‬‬

‫فمل هنات وجود للحقيقة المطلقة ىن الماركسية تجي‬

‫عن هذا السؤال باإليجزا‬

‫دون أي تزردد‪ ،‬يقزول‬

‫لين ززين‪" :‬ىن االعتز زراف بالحقيق ززة الموض ززوعية أي بالحقيق ززة المس ززتقلة ع ززن اإلنس ززان وع ززن اإلنس ززانية يعن ززي‬ ‫االعتراف بالحقيقة المطلقة علس هذا التشكل أو ذات"‪.‬‬

‫إن المعرفة مطلقة عندما تتحرك في طريق الحقيقة الموضوعية‪ ,‬وال يمكنها أن تكون مطلقة إال فـي‬

‫حركتها هذه‪ ,‬فالحقيقة المطلقة ال وجود لها خارج حركة المعرفة‪ ,‬والحقيقـة ليسـت مطلقـة إال مـن حيـث‬

‫مصدرها ومن حيث نزعة الحركة‪ .‬ولذا فإن جميع فروع المعرفة العلميـة تحتـوي علـى نظريـات صـحيحة‬

‫بشكل مطلق‪ ,‬ال يمكن أن تدحض خالل التطـور التـالي للعلـم‪ ,‬وفـي كـل حقيقـة موضـوعية توجـد بعـض‬

‫عناصر وجوانب المطلق‪ .‬وهكزذا نجزد أن مجمزل مزا نعرفزه عزن البنيزة الفيإياليزة للمزادة لزير كزامالل ومطلقزال‬ ‫ولكن توجد فيه عناصر كثيرة من المطلق (كقولنا مثالل أن الذرة قابلة للتقسيم وأن اإللكترونات والبروتونات‬

‫والنيترونات هي عناصر الذرة‪ ،‬ىن هذا القول صحيح بتشكل مطلق)‪.‬‬ ‫‪ -‬ما هي المعرفة ؟‬

‫‪1‬‬

‫المعرفة هي االنعكار الفعال المادف للعالم الموضوعي وقوانينه في مخ االنسان‪ ،‬ومصدر المعرفة‬

‫هو العالم الخارجي المحيط باالنسان‪ ،‬فمو يؤثر علس االنسان ويثير لديه االحاسير والتصورات والمفاهيم‬ ‫المعنية‪ .‬فاالنسان يرى الغابات والحقول والجبال‪ ،‬ويتشعر بالح اررة ويدرت ضوء التشمر‪ ،‬ويسمع تغريد‬ ‫الطيور ويتشم عبير الإهور‪ ،‬ولو لم تؤثر عليه هذه ااتشياء الموجودة خارو وعي االنسان لما كان لديه‬

‫أقل تصور عنما‪.‬‬

‫االعتراف بالعالم الموضوعي واتشياله والواهره باعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة االنسانية هو المسلمة‬

‫ااساسية لنالرية المعرفة الماركسية المادية الجدلية‪.‬‬

‫" ىن السمة المميإة ااساسية لنالرية المعرفة الماركسية هي انما وضعت عملية المعرفة علس أسار‬

‫من الممارسة ومن نتشاط النار المادي االنتاجي‪ ،‬ففي مجرى هذا النتشاط بالذات يعرف االنسان االتشياء‬ ‫والالواهر‪ ،‬والممارسة في الفلسفة الماركسية هي نقطة انطالق‪ ،‬أسار عملية المعرفة ومعيار صحة‬

‫المعارف علس حد سواء‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪022‬‬

‫‪343‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ففي النتشاط العملي للنار واالنتاو المادي بالذات تالمر الفعالية والتوجه للمعرفة االنسانية‪ .‬فاالنسان‬

‫ال يمارر تأثي ار فعاال علس العالم المحيط به وحيدا ‪ ،‬بل بالتعاون مع غيره من النار ‪ ،‬مع المجتمع‬

‫ككل‪ .‬وهذا يعني أنه ىذا كان العالم المادي هو موضوع المعرفة ومصدرها ف ن المجتمع االنساني هو‬ ‫الذات بالنسبة للمعرفة وحاملما‪ ،‬واالعتراف بالطبيعة االجتماعية للمعرفة سمة مميإة هامة لنالرية المعرفة‬

‫الماركسية‪.‬‬

‫فالمعرفة من وجمة نالر المادية الجدلية هي العملية الالمتناهية القت ار التفكير من الموضوع الجارية‬

‫معرفته ‪ ،‬وهي حركة الفكر من الجمل ىلس المعرفة‪ ،‬ومن المعرفة غير الكاملة وغير الدقيقة ىلس معرفة‬

‫أكثر كماالل ودقة‪ ،‬وتسير المعرفة ىلس اامام كاتشفة عن جوان‬

‫جديدة متإايدة للواقع ومستبدلة النالريات‬

‫البالدة بنالريات أخرى جديدة‪ ،‬ومضيفة مإيدال من الدقة علس النالريات القديمة" ‪. 1‬‬ ‫‪ -‬الممارسة نقطة انطالق عملية المعرفة وأساسها‬

‫‪2‬‬

‫الممارسة هي النتشاط الفعال للنار في تحويل الطبيعة والمجتمع‪ ،‬وأسار الممارسة هو العمل‪ ،‬االنتاو‬ ‫المادي‪ ،‬كما تتشمل الممارسة كذلت النضال السياسي‪ ،‬الطبقي وحركة التحرر الوطني والتجار العلمية‪.‬‬ ‫والممارسة اجتماعية من حيث طابعما‪ ،‬فمي ليست نتشاط افراد معإولين بل نتشاط جماعات كبيرة من‬

‫النار‪ ،‬نتشاط جميع التشغيله‪ ،‬أي أوللت الذين ينتجون الخيرات المادية‪ ،‬ىلس جان‬

‫نتشاط ااح اإ‬

‫والحركات الثورية‪.‬‬

‫والممارسة هي نقطة انطالق المعرفة وأساسها‬

‫" ىن الممارسة ليست فحس‬

‫أساسا للمعرفة بل هي كذلت هدف للمعرفة‪ ،‬ف ن االنسان ال ينك‬

‫علس‬

‫معرفة العالم المحيط به وكتشف قوانين تطوره اال بغية استخدام نتالا المعرفة هذه في نتشاطه العملي " ‪.3‬‬ ‫‪ -‬وحدة النظرية والممارسة‬

‫‪4‬‬

‫المعرفة أحد أتشكال نتشاط النار‪ ،‬انما نتشاطمم النالري‪ ،‬غير ان النالرية بذاتما عاجإة عن تغيير‬

‫الواقع‪ ،‬هذا ما يميإها عن الممارسة‪ .‬فالنالرية انما تعكر العالم فحس ‪ ،‬تعمم خبرة البتشرية العملية‪،‬‬ ‫ولكنما ىذ تعمم الممارسة تترت تأثي الر معاكسال عليما وتسمم في تطورها‪ ،‬فالنالرية دون الممارسة عديمة‬ ‫المعنس‪ ،‬والممارسة دون النالرية عمياء‪ ،‬فالنالرية تمدى الممارسة ىلس الطريق وتتشير ىلس اكفأ وسالل‬

‫تحقيق ااهداف العملية ‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬ ‫‪4‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪027 - 029‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪027‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪021‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪026‬‬

‫‪344‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فالوحدة بين النالرية والممارسة هي المبدأ ااعلس للماركسية ‪.‬‬ ‫‪ -‬من التفرج (أو التأمل) الحي إلى التفكير المجرد‬

‫‪1‬‬

‫المعرفة ال تقف ساكنة‪ ،‬بل تتحرت وتتطور علس الدوام‪ ،‬وبحد تطور المعرفة تعبي الر عنه في حركتما‬

‫من التفرو الحي المباتشر ىلس التفكير المجرد‪ .‬يقول لينين‪" :‬من التفرو الحي ىلس التفكير المجرد ومنه ىلس‬ ‫الممارسة – هذا هو الطريق الجدلي لمعرفة الحقيقة‪ ،‬لمعرفة الواقع الموضوعي"‪.‬‬ ‫‪ -‬المعرفة الحسية‬

‫‪2‬‬

‫تبدأ المعرفة دالمال باإلطالع علس أتشياء العالم الخارجي عن طريق الحوار ‪ ،‬فالحوار أتشبه بنافذة‬

‫"ينفذ" منما العالم الخارجي ىلس ذهن اإلنسان‪ ،‬وتمكن الحوار اإلنسان من معرفة ألوان وروالح وأصوات‬ ‫الطبيعة ومذاق مختلف ثمارها ووالخ‪.‬‬

‫واإلحسار هو التشكل الرليسي للمعرفة الحسية‪ ،‬واإلحسار ‪ ،‬هو انعكار لمختلف الخصال‬

‫والسمات والجوان‬

‫هذه الخصال‬

‫للتشيء‪ ،‬فاالتشياء قد تكون ساخنة أو باردة‪ ،‬معتمة أو فاتحة‪ ،‬ناعمة أو ختشنة – وكل‬

‫وغيرها تولد احاسير معينة بتأثيرها علس حواسنا‪.‬‬

‫واامر الذي يجعل االحاسير ذات أهمية هاللة في عملية المعرفة هو انما تعطينا المواد التي تمكننا‬

‫من الحكم علس التشيء‪ ،‬وتقوم كل عملية المعرفة الالحقة علس المعلومات التي تقدمما لنا احاسيسنا عن‬

‫التشيء‪.‬‬

‫" ان خبرة االنسان اليومية ومعطيات العلم تبين أن الحوار ال تخدعنا ‪ ،‬ف ذا ثار لدينا تشت في بيانات‬

‫احد هذه الحوار ف ننا نلجأ ىلس غيرها من الحوار‪ ،‬ف ذا لم يصدق االنسان عينيه ف نه يلجأ ىلس استخدام‬

‫اصابعه‪ ،‬وواذا لم تكن هذه كافية ف ن في خدمته اعين واصابع االخرين‪ ،‬وواذا لم يكن هذا كله كافيال ف ن‬ ‫االنسان يلجأ ىلس اادوات والتجار والخبرة العملية‪.‬‬ ‫وهكذا ف ن الحوار ىذ تتم مراجعتما ببعضما البع‬

‫وباحاسير اآلخرين وبالخبرة والتجربة والممارسة‬

‫تقدم لنا بتشكل عام فكرة صحيحة عن ااتشياء المتاحة لنا‪.‬‬ ‫ومن أتشكال المعرفة الحسية‪ ،‬ىلس جان‬

‫اإلحاسير ‪ ،‬المدركات والتصورات‪ ،‬فاالدرات تشكل أرقس من‬

‫أتشكال المعرفة الحسية‪ ،‬وهو يعكر التشيء في كليته الحسية المباتشرة وفي مجموع جوانبه الخارجية‬ ‫وسماته المميإة‪.‬‬

‫أما التصور فمو استرجاع في ذهن االنسان لما تم ىدراكه سابقال‪ ،‬فنحن نستطيع ‪ ،‬مثالل‪ ،‬أن نسترجع‬

‫في ذهننا‪ ،‬ان نتصور‪ ،‬هيلة معلمنا القديم رغم اننا لم نتشاهده منذ سنوات طويلة" ‪.3‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪091‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪090-091‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪093‬‬

‫‪345‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -‬المعرفة المنطقية‬

‫‪1‬‬

‫ان الصورة التي تقدمما حواسنا غنية متنوعة للغاية ورغم ذلت ف نما محدودة بعيدة عن الكمال‪.‬‬

‫فالمعرفة الحسية ال تعطينا اال فكرة عن الجوان‬

‫الخارجية لالتشياء‪ ،‬فمن الممكن بواسطة الحوار ان نرى‬

‫مصباحال كمرباليال مثالل ‪ ،‬ولكن ال يمكن أن نتصور ان الكمرباء تيار من االليكترونات التي تتحرت بسرعة‬

‫معينة‪ .‬كما انه من غير الممكن ان ندرت عن طريق حواسنا سرعة الضوء الماللة وحركة الدقالق ااولية‬ ‫في الذرة وكثي الر غيرها من الواهر الطبيعة والحياة االجتماعية المعقدة‪.‬‬

‫"وباختصار ف ن المعرفة الحسية ال تستطيع ان تكتشف عن الطبيعة الداخلية لألتشياء ‪ ،‬عن جوهرها‪،‬‬

‫عن قوانين تطورها‪ ،‬في حين أن هذا هو المدف الرليسي للمعرفة‪.‬‬

‫ومن المعلوم جيدال أن معرفة القوانين وجوهر ااتشياء هي وحدها التي تصلح كمرتشد لالنسان في‬

‫نتشاطه العملي‪ ،‬وهنا يم‬

‫لنجدته التفكير المجرد أو ‪ ،‬كما يسمس أيضال‪ ،‬التفكير المنطقي‪.‬‬

‫ان التفكير المنطقي هو مرحلة جديدة كيفيال وأرقس في تطور المعرفة‪ ،‬ودوره ان يكتشف عن خوا‬

‫التشيء وسماته الرليسية‪ ،‬ففي مرحلة التفكير المنطقي تتحقق معرفة قوانين تطور الواقع الضرورية جدال‬

‫لالنسان في نتشاطه العملي" ‪.2‬‬

‫‪ -‬موضوعية الحقيقة‬

‫‪3‬‬

‫المذهب الماركسي عن الحقيقة‬

‫تقصد المادية الجدلية بالحقيقة تلت المعارف عن التشيء التي تعكر هذا التشيء بتشكل صال ‪ ،‬أي‬ ‫تتفق معه‪ ،‬علس سبيل المثال ف ن التأكيدات العلمية بان "االجسام تتكون من ذرات" وأن "اار‬

‫قبل أن يوجد االنسان" وان "التشع‬

‫علس أي تشيء تتوقف الحقيقة‬

‫هو خالق التاريخ" ىلخ‪ .‬هي تأكيدات صحيحة‪.‬‬

‫وجدت‬

‫هل تتوقف علس االنسان الذي تنتشأ في عقله هذه الحقيقة أو علس‬

‫الموضوع الذي تعكسه ‪.‬‬

‫يرى المثاليون ان الحقيقة ذاتية‪ ،‬أي انما تتوقف علس االنسان الذي يحدد بنفسه صحة معرفته بغ‬

‫النالر عن الحالة الواقعية لألمور ‪.‬‬

‫وعلس عكر المثالية ‪ ،‬ف ن المادية الجدلية التي تعتمد علس منجإات العلم وخبرة االنسان طوال قرون‪،‬‬

‫تؤكد ان الحقيقة موضوعية‪ ،‬وبما ان الحقيقة تعكر العالم الموجود موضوعيا‪ ،‬ف ن مضمونما ال يتوقف‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪093‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪092-093‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪096‬‬

‫‪346‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫علس وعي االنسان‪ .‬ان الحقيقة الموضوعية‪ ،‬كما كت‬

‫لينين ‪ ،‬هي مضمون معرفتنا الذي ال يتوقف علس‬

‫االنسان وال علس البتشرية‪ .‬ان مضمون الحقيقة تحدده تلت العمليات الموضوعية التي تعكسما‪.‬‬ ‫‪ -‬من الحقيقة النسبية إلى الحقيقة المطلقة‬

‫‪1‬‬

‫ان المادية الجدلية باعترافما بموضوعية الحقيقة تحل كذلت مسألة أخرى هامة في المعرفة‪ ،‬وهي كيف‬

‫يعرف االنسان الحقيقة الموضوعية‪ :‬في الحال وبتشكل كامل‪ ،‬وبال تشروط‪ ،‬وبتشكل مطلق أو علس وجه‬ ‫التقري‬

‫وبتشكل نسبي ان هذه المسألة‪ ،‬هي مسألة التناس‬

‫بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية‪.‬‬

‫ان الفروق بين الحقيقة المطلقة والنسبية تعود ىلس أن درجة تطابق المعرفة مع الواقع ودرجة نفاذ عقل‬

‫االنسان ىلس هذا الواقع غير متماثلتين‪ ،‬وتتطابق بع‬

‫المعارف تمامال مع الواقع ‪ ،‬بدقة مطلقة‪ ،‬بينما‬

‫تتطابق معارف أخرى جإليال‪ .‬ف ن الحقيقة المطلقة هي الحقيقة الموضوعية بكاملما‪ ،‬وهي انعكار دقيق‬

‫اطالقال للواقع‪.‬‬

‫فمل يمكن معرفة الحقيقة المطلقة بكاملما‬

‫من حيث المبدأ ‪ ،‬نعم ‪ ،‬ىذ أنه ال يوجد تشيء ال يمكن‬

‫معرفته ‪ ،‬كما لير هنات حدود لقدرة العقل االنساني علس المعرفة ‪.‬‬ ‫ولمذا السب‬

‫كانت معرفة االنسان نسبية في كل مرحلة من مراحل التاريخ‪ ،‬وتتخذ بالضرورة طابع‬

‫الحقيقة النسبية‪ ،‬والحقيقة النسبية هي التطابق غير الكامل بين المعرفة والواقع‪.‬‬

‫"ىن الحقيقة النسبية تحتوي من كل بد بعضال من الحقيقة المطلقة‪ ،‬ان معرفة االنسان مطلقة ونسبية‬

‫سواء بسواء‪ ،‬فمي نسبية النما ليست معرفة مكتملة‪ ،‬بل معرفة تتطور وتتعمق علس الدوام كاتشفة عن‬

‫جوان‬

‫جديدة وجديدة من الواقع‪ ،‬وهي مطلقة النما تحتوي عناصر من المعرفة اابدية والدقيقة اطالقال"‪.2‬‬

‫ الحقيقة الموضوعية ‪ :‬ديالكتيك الحقيقة المطلقة والنسبية ‪:‬‬‫ىن المسألة الرليسزية فزي الزديالكتيت ‪ ،‬بصزفته نالريزة للمعرفزة ‪ ،‬هزي مسزألة ‪ :‬الحقيقزة‪ ،‬فمزا هزي الحقيقزة‬ ‫ومم تتألف وهل يمكن الوصول ىلس المعرفزة الحقيقيزة وكيزف تحزدث حركزة المعرفزة نحزو الحقيقزة ومزا هزو‬

‫مقيار صحة معارفنا هذه هي المسالل ااساسية في نالرية المعرفة‪.‬‬

‫ىن االعتزراف بالحقيقززة الموضززوعية‪ 3‬يعنززي أن العززالم وقنوناتززه متاحززة للمعرفززة كمززا هززي موجززودة بنفسززما‬

‫وباستقالل عن الوعي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪071‬‬ ‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪070‬‬ ‫يسمى شكل مضمون معارفنا وتصوراتنا هذا‪ ,‬الذي ال يرتهن ال بإنسان بعينيه وال بالبشرية عموماً بالحقيقة الموضعية ‪.‬‬

‫يسمى شكل‬

‫التعبير عن الحقيقة الموضوعية‪ ,‬الذي يتوقف على الظروف التاريخية الملموسة‪ ,‬والذي يميز مستوى دقتها وصرامتها واكتمالها المحقق على‬

‫‪347‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن جز ززوهر الحقيقز ززة‪ ،‬ىن المعرفز ززة ال تكز ززون حقيقيز ززة موضز ززوعيال ىال ىذا عكسز ززت بأمانز ززة مز ززا هز ززو موجز ززود‬

‫باستقالل عن الوعي العاكر‪ .‬ولذا ف ن النالرية تالل‪ ،‬موضوعيال‪ ،‬حقيقة بغ‬

‫بما من النار (كثيرون أم قليلون) وعن تشخصياتمم‪.‬‬

‫النالزر عزن عزدد مزن يأخزذ‬

‫ونحن‪ ,‬من ناحية أخرى‪ ,‬نعلـم أن النظريـات الخاطئـة والعقائـد الباليـة يمكـن أن تسـيطر علـى عقـول‬

‫جمــاهير واســعة مــن الكــادحين لمــدة طويل ـة‪ ,‬كالعقائــد الدينيــة وبعــض األفكــار التــي تروجهــا الدعايــة‬

‫البرجوازية‪ ,‬ولكن الزيف يبقى زيفاً بغض النظر عن عدد الناس الذين يأخذون به‪.‬‬

‫كيف نصل ىلزس الحقيقزة‪ :‬أنحزيط بمزا بتماممزا دفعزة واحزدة أم بالتزدريا ىن هزذا السزؤال يتطلز‬

‫عليه تبيان العالقة المتبادلة بين الحقيقة الموضوعية والنسبية‪.‬‬

‫لإلجابزة‬

‫إن االعتراف بوجود الحقيقة المطلقة غير كاف بالنسـبة لإلنسـان المـادي ‪ -‬الـديالكتيكي‪ ,‬إذ ان مـن‬

‫الضـروري اكتشــاف الطريـق الموصــل إليهـا‪ ,‬والوصــول إليهـا ال يتــأتى لإلنسـان دفعــة واحـدة‪ ,‬وذلــك ألن‬ ‫هذه الحقيقة تتألف من حقائق نسبية‪.‬‬

‫ىن الحقيقة النسبية هي المعرفة التي تعكر الواقع بتشكل صحيح من حيث ااسار‪ ،‬ولكن لير بتشزكل‬ ‫تام‪ ،‬بل ضمن حدود معينة‪ ،‬وفي الروف وعالقات معينة‪ ،‬وخالل التطزور التزالي للعلزم تزإداد هزذه المعرفزة‬

‫دقة وكماالل وعمقال وحسية‪.‬‬

‫إن الحقيقتــين المطلقـــة والنســـبية همـــا عنصـــ ار الحقيقـــة الموضـــوعية‪ ,‬وهمـــا تتباينـــان ال مـــن حيـــث‬

‫المصدر بل مـن حيـث درجـة الدقـة ومـن حيـث تطابقهمـا مـع الواقـع ودرجـة الكمـال التـي يعكسـانه بهـا‪.‬‬

‫فالحقيقة المطلقة تتألف من حقائق نسبية‪ ,‬وكل درجة في سلم تطور العلم تضيف عنص ارً إلى الحقيقـة‬

‫المطلقة‪.‬‬

‫‪ -‬الممارسة محك الحقيقة ‪:‬‬

‫"إن الممارسة هي ذلك المحك الوحيد للحقيقة"‬

‫‪1‬‬

‫‪ ,‬حيث يمكننا أن نناقش بال نهاية عن صحة هذه‬

‫الفكرة أو النظرية العلمية أو تلك ‪ ,‬لكنها هذه المناقشة يمكن حسمها فقط عن طريق الممارسة‬

‫النضالية أو التنظيمية أو السياسية أو التجربة العملية والعلمية ‪ ..‬إلخ‪.‬‬

‫الممارسة كأساس للمعرفة ومقياس للحقيقة‪:‬‬

‫تنتشزأ المعرفززة علززس أسزار حاجززات الممارسززة العمليززة لإلنسزان ومززن أجززل سززد هزذه الحاجززات فززي خضززم‬ ‫النتشزاط الثزوري او االجتمزاعي فززي اوسزاط الجمزاهير‪ ،‬وبالتززالي فز ن للممارسزة دو الر هامزال وأساسزيال فزي ىنتززاو‬

‫مستوى المعرفة المعنى بالحقيقية النسبية‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المطلقة‪ " .‬الدائرة الثقافية"‪.‬‬

‫وتسمى المعرفة الدقيقة‪ ,‬الشاملة‪ ,‬الوافية‪ ,‬والكاملة تماماً لظاهرة ما من الظواهر بالحقيقة‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص ‪072‬‬

‫‪348‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المعرفة‪ ،‬ىذ أن أهم نوع من انواع النتشاط البتشري هو الممارسة‪ ،‬وهي عبارة عن نتشاط حسزي مزادي يرمزي‬

‫ىلس تغيير واقع التخلف والقمر واالستغالل المحيط بنا ‪ ،‬ويتدرو في أسار كل اانواع ااخرى من النتشاط‬

‫االجتمزاعي والروحززي بمزا فيززه عمليزة المعرفززة‪ .‬ىذن فالممارسزة تنطززوي لزير علززس عمليزة العمززل فحسز‬

‫بززل‬

‫علس كل نتشاط البتشر االجتماعي والتحويلي والثوري فالممارسة هي التي تدل علس الوعي بالنالرية‪.‬‬

‫ىن أهم أسمام ثوري للمادية الجدلية في نالرية المعرفة هو ىدرات الدور ااساسي للممارسزة فزي النتشزاط‬

‫المعرفززي واكتتشززاف أن الممارسززة هززي التززي تجعززل هززذا النتشززاط ممكن زال وتتززيح تمييززإ المعرفززة الحقيقيززة عززن‬

‫المعرفة الكاذبة‪.‬‬

‫وبالتالي من المستحيل عمليال ونالريال أن نفمم واقعنا االجتماعي وأن نحوله ثوريزال ىذا لزم نعتمزد فزي هزذه‬

‫العمليززة الواحززدة المإدوجززة علززس الفكززر الماركسززي ‪ ،‬فمززذا الفكززر هززو تشززرط ىمكانيززة فمززم مجتمعنززا وبالتززالي‬

‫تحويله ثوريال‪ ،‬فال حركة ثورية بزدون نالريزة ثوريزة‪ ،‬وانطالقزال مزن هزذه العالقزة البنيويزة بزين النتشزاط النالزري‬

‫والنضززال العملززي ‪ -‬كمززا يقززول ممززدي عامززل ‪ -‬يمكززن أن نفمززم كززذلت تشززكل الممارسززة الفلسززفية او الص زراع‬

‫االيديولوجي ‪ ،‬ففي كل فلسفة أيديولوجية وكل أيديولوجية تعكزر واقعزال طبقيزال معينزال وصزراعال طبقيزال معينزال‪،‬‬ ‫وذروة التضليل في الفكر الفلسفي أن يالمر وكأنه بعيد غري‬

‫عن اايديولوجية‪ ،‬بعيد غري‬

‫عن الصزراع‬

‫الطبقي الواقعي‪.‬‬

‫ىن الممارسززة الفعليززة الفلسززفية هززي ص زراع أيززديولوجي‪ ،‬ضززد اايززديولوجيات الرجعيززة والبرجواإيززة التززي‬

‫تختفي وراء قناع الفلسفة المجردة‪ ،‬ان الصراع اايديولوجي كما فممه لينين علس حقيقته تشكل من أتشكال‬

‫الصز زراع الطبق ززي‪ ،‬والصز زراع الطبق ززي ف ززي أساس ززه‪ ،‬صز زراع سياس ززي‪ ،‬ىال أن ززه يتخ ززذ أتش ززكاالل متع ززددة كصز زراع‬ ‫أيديولوجي مثالل‪ ،‬وهنا بالضبط يتجلس دور الممارسة فزي اكتسزا‬

‫المعرفزة وتطويرهزا وتجديزدها وفزق حركزة‬

‫الواقع والصراع الطبقي والوطني والفكري ضد اعدالنا‪ .‬فالممارسة هي أهم نوع من انواع النتشاط البتشري ‪،‬‬ ‫بززل علززس كززل نتشززاط البتشززر االجتمززاعي التغييززري التحززرري‬

‫وهززي تنطززوي لززير علززس عمليززة العمززل فحسز‬

‫والديمقراطي والثوري‪.‬‬

‫المكان والزمان ‪:‬‬

‫‪ -‬المفهوم الفلسفي عن المكان والزمان‬

‫‪1‬‬

‫حين ننالر باهتمام ىلس ااتشياء التي تحيط بنا نجد أن كال منما ليست فحس‬

‫متحركال لكنه كذلت يمتد‬

‫في المكان‪ ،‬وقد تكون ااتشياء كبيرة أو صغيرة لكن لما جميعال طولما وعرضما وارتفاعما‪ ،‬وهي تتشغل‬

‫مكانال محددال ولما حجم‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪26‬‬

‫‪349‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لكنما موضوعة بطريقة ما بالنسبة لبعضما البع‬

‫وااتشياء في الطبيعة ال تمتلت حجمال فحس‬

‫فبعضما يقع أبعد أو أقر لنا من بعضما اآلخر أو أعلس أو أدنس أو علس اليسار أو اليمين‪.‬‬

‫‪،‬‬

‫ويعكر المفموم الفلسفي عن المكان خاصية تشاملة لألجسام المادية هي االمتداد في المكان‪ ،‬أي انما‬

‫تتشغل مكانال محددال وتقع علس نحو خا‬

‫وسط غيرها من أتشياء العالم‪.‬‬

‫وال توجد ااتشياء في المكان فحس ‪ ،‬لكنما تتتابع في تسلسل إمني محدد‪ ،‬وتحتل بع‬

‫ااتشياء مكان‬

‫بعضما اآلخر‪ ،‬ثم تحل أخرى مكان هذه ااخيرة وهلمجرا‪ ،‬فلكل تشيء مدة وجود معينة‪ ،‬أي ان له بداية‬

‫ونماية ‪.‬‬

‫ويعكر المفموم الفلسفي عن الإمان خاصية تشاملة للعمليات المادية بحيث تتبع بعضما البع‬

‫تسلسل محدد وتمتلت االستمرار‪ ،‬وتتطور علس مراحل وأطوار ‪.‬‬

‫والإمان والمكان تشكالن تشامالن لوجود المادة‪ ،‬ومن أهم خوا‬

‫في‬

‫المكان والإمان موضوعيتمما‪ ،‬أي‬

‫كونمما مستقلين عن وعي اإلنسان‪ ،‬وهذا طبيعي النمما هما التشكالن ااساسيان للوجود ‪ ،‬للمادة‬

‫الموجودة موضوعيال‪.‬‬

‫ىن الخاصية المالإمة للمكان كتشكل لوجود المادة هي ثالثية ابعاده‪ ،‬وهذا يعني أن كل جسم مادي له‬

‫ابعاد ثالثة‪ :‬الطول والعر‬

‫واالرتفاع ‪ ،‬وبالتالي ف ن الجسم يستطيع أن يتحرت في ىطار االتجاهات‬

‫الثالثة التي هي عمودية بالنسبة لبعضما البع‬

‫‪.‬‬

‫وعلس عكر المكان لير للإمان سوى بعد واحد‪ ،‬وهذا هو السب‬

‫في أن كل االجسام تتطور في‬

‫الإمان باتجاه واحد فحس ‪ ،‬أي من الماضي ىلس المستقبل‪ ،‬وان الإمان ال يعود ىلس الخلف وانما هو‬ ‫يتحرت ىلس اامام فحس‬

‫ومن المستحيل ىعادة حركته واستعادة الماضي‪.‬‬

‫وهذه الحقيقة الطبيعية ال يريد الموافقة عليما الساسة الرجعيون الذين يسعون ىلس ىعادة عجلة التاريخ‬

‫ىلس الوراء تلت السيطرة التي ولس إمانما ولن تعود مطلقال ‪ .‬ووان عالم القرن الحادي والعتشرين يستحيل‬ ‫عودته ىلس القرن التاسع عتشر‪ ،‬فالإمن تغير اآلن ‪.‬‬

‫أو‬

‫مممززا كززان التشززيء المززادي الززذي نتناولززه فمززو دالم زال ذو امتززداد مززا‪ :‬ىنززه طويززل أو قصززير‪ ،‬ع زري‬ ‫خال من امتداد علس تشكل طول أو عر أو ارتفاع‪ ،‬ض‬ ‫عال أو منخف ‪ ،‬وال وجود لتشيء ض‬ ‫ضيق‪ ،‬ض‬ ‫خال من‬

‫أي حجم كان‪ .‬ىن كل تشيء في هذا العالم المحيط بنا قالم في مكان ما بين أتشياء أخرى‪.‬‬

‫ىن كززل تشززيء مززن أتشززكال حركززة المززادة م زرتبط‪ ،‬بالضززرورة‪ ،‬بالتنقززل المكززاني الززذي نقززوم بززه‪ ،‬اجسززام‬

‫صغيرة أو كبيرة‪ ،‬أي أن المكان هو التشرط ااساسي لحركة المادة‪ ،‬وعلس هذا فالمكان هو التشكل الحقيقي‬

‫موضوعيال لوجود المادة المتحركة‪.‬‬

‫ثم ىن العمليات المادية ال تتم فقزط فزي أمزاكن مختلفزة وفزي أإمزان متباينزة‪ ،‬ووان كزون الم ارحزل المتباينزة‬ ‫للعمليات ذات أإمان متباينة‪ ،‬أي أنما مفصولة عن بعضما بفترات ما‪ ،‬يعتبر التشرط ااساسي لوجزود هزذه‬ ‫‪351‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العمليززات‪ ،‬فل زوال هززذا االمتززداد الإمنززي‪ ،‬ل زوال هززذا التبززاين الإمنززي بززين الم ارحززل المختلفززة لعمليززة واحززدة‪ ،‬لمززا‬ ‫وجدت هذه المراحل ذاتما‪ ،‬وبالتالي لما حدثت أية تبدالت تنقل الالواهر من مرحلة ىلس أخرى‪ ،‬ولما أمكن‬

‫تطززور الالزواهر والعمليززات‪ ،‬وانتقالمززا مززن ااتشززكال الزدنيا ىلززس ااتشززكال العليززا‪ ،‬وهززذا يعنززي أن حركززة المززادة‬ ‫غير ممكنة خارو الإمن وبتشكل مستقل منه ‪.‬‬

‫وعل ززس ه ززذا ف ززالإمن ه ززو التش ززكل الحقيق ززي موض ززوعيال لوج ززود الم ززادة المتحرك ززة‪ ،‬وال تس ززتطيع ه ززذه الم ززادة‬

‫المتحركة أن تتحرت من غير ىطار من الإمان والمكان ‪".‬‬

‫ىن أي تشززيء مززادي ال يمكززن أن يوج زد فززي المكززان فقززط دون أن يكززون فززي الإمززان‪ ،‬أو أن يوجززد فززي‬

‫الإمززان دون أن يوجززد فززي المكززان‪ ،‬وأي جسززم كززان هززو دالم زال وفززي كززل مكززان موجززود فززي المكززان كمززا فززي‬

‫الإمان‪ .‬ورغم أن الإمان والمكان هما تشكالن لوجود المادة علس حد سواء ىال أنمما تشكالن متباينان لوجود‬

‫متشزتركة متعزددة‪ ،‬ىال أنممزا يتباينزان عزن بعضزمما كثيز الر‪ ،‬ىن‬

‫المادة‪ ،‬فبالرغم مزن أنممزا يتمتعزان بخصزال‬

‫ما يجمع بينمما هو أنممزا‪ :‬موضزوعيان‪ ،‬موجزودان بتشزكل مسزتقل عزن وعينزا‪ ،‬خالزدان بسزب‬

‫خلزود المزادة‪،‬‬

‫لقد كانا موجودين‪ ،‬وهما موجودان‪ ،‬وسيالالن موجودين‪ ،‬ان المزادة ال يمكزن أن توجزد مزن دونممزا‪ ،‬انممزا‬ ‫غير محددين وغير نماليين‪ ،‬ىن الال محدودية والال نمالية هما ميإتان متباينتان للمكان والإمان‪.‬‬

‫ىن مكان الكون لير غير محدد فحس ‪ ،‬بل هو غيزر متنزاه أيضزال‪ ،‬وليسزت هنزات أيزة معطيزات تثبزت‪،‬‬

‫بتشكل ال يقبل الجدل‪ ،‬أنه مكان مغلق‪.‬‬

‫لنقززل علززس سززبيل المجززاإ أنززه لززو قززدر لنززا السززير فززي الكززون فززي اتجززاه واحززد لمززا رجعنززا أبززدال ىلززس نقطززة‬

‫انطالقنا‪ ،‬وسنستمر في سيرنا‪ ،‬دالمال علس أماكن كونية جديدة‪.‬‬ ‫الدور الحاسم للعمل في ظهور الوعي‬

‫‪1‬‬

‫يختلف وعي االنسان كيفيال عن نفسية الحيوانات‪ ،‬فما هو مبعث هذا الفارق يرجع هذا الفارق ىلس ان‬

‫نفسية الحيوانات هي نتاو للتطور البيولوجي وحده في حين أن وعي اإلنسان نتاو للتطور التاريخي‪،‬‬ ‫االجتماعي‪.‬‬

‫ويقول ماركر ان حوار االنسان الخمر هي نتاو لكل تاريخ العالم‪ ،‬فأذن االنسان الموسيقية وعينه‬

‫التي تتأمل جمال الطبيعة‪ ،‬وتذوقه الرفيع‪ ،‬وغيرها من الحوار قد تطورت علس أسار الخبرة االجتماعية‬ ‫التاريخية‪.‬‬

‫والعمل أي انتاو القيم المادية هو العامل الحاسم في المور االنسان‪ ،‬وفي تطور وعيه‪ .‬ويؤكد انجلر‬

‫ان "العمل خلق االنسان نفسه"‪ ،‬فبفضل العمل تحول سلفنا القديم‪ ،‬التشبيه بالقرد‪ ،‬ىلس االنسان المعاصر‪-‬‬

‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪92‬‬

‫‪350‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ ،Homo Sapiens‬ووفر العمل لالنسان الطعام والملبر والمأوى‪ ،‬ولم يحمه فحس‬ ‫العاتية‪ ،‬بل مكنه من اخضاعما ووضعما في خدمته‪.‬‬

‫من القوى الطبيعية‬

‫وخالل العمل تغير االنسان نفسه ىلس حد يفوق التصور‪ ،‬كما غير كذلت معالم كوكبنا‪ ،‬فالعمل هو‬

‫اثمن ما يمتلكه االنسان‪ ،‬وهو تشرط ال غنس عنه لحياته وتطوره‪.‬‬

‫وقد توفرت لدى القرد التشبيه باالنسان مقدمات للعمل ‪ ،‬فكانت القردة تستخدم العصس واالحجار‬

‫وغيرها من ااتشياء البسيطة للحصول علس الطعام‪ ،‬لكنما كانت تفعل ذلت بطريقة عرضية غير واعية‪،‬‬

‫فليست القردة وال أي حيوانات أخرى بقادرة علس صنع ابسط أدوات العمل‪ ،‬أما اإلنسان فيصنع أدوات‬

‫االنتاو ويستخدمما بصورة واعية‪ ،‬اامر الذي يتشكل الخاصية الكيفية لعمله‪.‬‬

‫ولكن تعلم االنسان فعل ذلت استغرق ملات اآلالف من السنين التي جرت طوالما عملية معقدة للغاية‬

‫هي عملية تكون االنسان وتتشكل وتطور وعيه ‪.‬‬

‫اللغة والتفكير‬

‫‪1‬‬

‫كانت للغة والكالم المنطوق أهمية كبيرة في تكون وعي االنسان‪ ،‬فقد كانت اللغة التي المرت مع‬

‫الوعي علس أسار العمل قوة جبارة مكنت اإلنسان من الخروو من ملكوت الحيوان وتطوير تفكيره وتناليم‬ ‫االنتاو المادي‪.‬‬

‫وقد سمس ماركر اللغة الواقع المباتشر للفكر‪ ،‬وقد فعل ذلت ان الفكر ال يمكن ان يوجد اال في‬

‫الغالف المادي للكلمة أو االتشارة والرمإ اللذين يحالن محلما‪ ،‬فسواء فكر االنسان في نفسه أو عبر عن‬ ‫أفكاره بصوت مسموع‪ ،‬أو كت‬

‫هذه اافكار ‪ ،‬ان اافكار تتجلس وتتجسد ويتم نقلما ووادراكما عبر‬

‫الكلمات المنطوقة‪ ،‬ولوال اللغة المنطوقة والكتابة لكانت الخبرة القيمة لالجيال العديدة ستضيع‪ ،‬والجبر كل‬

‫جيل جديد علس ان يبدأ من جديد عملية تشاقة للغاية لدراسة العالم ‪.‬‬ ‫نالرية التطور الديالكتيكية‪:‬‬ ‫ىن قوانين العالم الموضوعي ‪ -‬وفق الرؤية الفلسفية الماركسية‪ -‬هي قوانين الحركزة والتطزور وال يمكزن‬

‫فمززم ااتشززياء والال زواهر فمم زال صززحيحال‪ ،‬وال تفسززيرها تفسززي الر صززالبال ىال ىذا درسززت فززي سززير عمليززة نتشززولما‬ ‫وتطورها‪.‬‬

‫ىن الماديززة الديالكتيكيززة تفمززم التطززور فممزال متاللمزال مززع الواقززع القززالم موضززوعيال‪ ،‬تفممززه علززس أنززه حلززول‬

‫الجديد محل القديم‪ ،‬علس أنه موت القديم ونتشوء الجديد‪ ،‬وهي تكتشف التناقضات الداخلية التي تحزدث فزي‬ ‫ااتشياء المتبدلة‪ ،‬وترى في حل هذه التناقضات وتطورها القوة الرليسية المحركة للتطور‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫افاناسييف ‪ -‬كتاب‪ :‬أسس المعارف الفلسفية – دار التقدم – موسكو – ‪ – 0676‬ص‪99‬‬

‫‪352‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫نالري ززة التط ززور الديالكتيكي ززة ت ززدلنا عل ززس الطري ززق الص ززحيح للمعرف ززة‪ ،‬وبالت ززالي‪ ،‬عل ززس الطري ززق الموث ززوق‬

‫للسيطرة علس قوانين وقوى الطبيعة والمجتمع‪.‬‬

‫‪353‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفصل الرابع‬

‫قوانني الديالكتيك‬ ‫تمهيد‬

‫إن قوانين الديالكتيك األساسية هي ‪:‬‬ ‫‪ -‬قانون تحول التبدالت الكمية ىلس تبدالت كيفية ‪.‬‬

‫ قانون وحدة المتناقضات وصراعما ( صراع االضداد)‪.‬‬‫‪ -‬قانون نفي النفي ‪.‬‬

‫وكل قانون من هذه القوانين يعكر ناحية جوهريزة مزا مزن نزواحي التطزور الموضزوعي‪ ،‬وحزده‪ ،‬وتشزكله‪،‬‬ ‫وعاملززه‪ .‬والززس جانز‬

‫هززذه القزوانين يوجززد عززدد وافززر مزن المقزوالت أمثززال العالقززة العامززة للالزواهر‪ ،‬والسززب‬

‫والنتيجة‪ ،‬والمحتوى والتشكل‪ ،‬والعرضية والضرورة‪ ،‬والجوهر والالاهر ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫ىن قوانين الديالكتيت ومقوالته هذه لم تخترع اختراعال‪ ،‬بل استخلصت مزن الطبيعزة والحيزاة االجتماعيزة‪،‬‬

‫ىنما تعكر القوانين الموضوعية القالمة بتشكل مستقل عن وعي اإلنسان‪.‬‬

‫ىن الززديالكتيت لززير مجززرد أداة إلثبززات الحقززالق الجززاهإة‪ ،‬بززل هززو مرتشززد للبحززث فززي الالزواهر والعمليززات‬

‫الحقيقية‪ ،‬هو طريقة معرفة الحقيقة الموضوعية‪.‬‬

‫ىن قزوانين الززديالكتيت تعمززل فززي جميززع الميززادين‪ :‬فززي الطبيعززة العضززوية وغيززر العضززوية‪ ،‬ففززي الطبيعززة‬

‫العضوية تعمل في عالمي النبات والحيوان‪ ،‬كما تعمزل فزي المجتمزع فزي مختلزف الم ارحزل التاريخيزة‪ ،‬وهزي‬ ‫عبززارة عززن ق زوانين التفكيززر فززي جميززع مجززاالت المعرفززة‪ ،‬كالرياضززيات‪ ،‬والفيإيززاء‪ ،‬والكيميززاء‪ ،‬والبيولوجيززا‪،‬‬

‫واالقتصاد السياسي‪ ،‬وعلم االجتماع ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫ىن التطبيق الحسي للديالكتيت كطريقة علس الالواهر الحسية‪ ،‬هو وحده الذي يؤمن النجاح في المعرفة‬

‫والنتشززاط العمل ززي‪ ،‬لم ززذا ك ززان مطلز ز‬

‫التحلي ززل الحس ززي للواق ززع ىح ززدى أه ززم خص ززال‬

‫ال ززديالكتيت الماركس ززي‬

‫وأكثرها تأثي الر ولمذا بالذات نجد أن أهم مبدأ للديالكتيت يقول‪ :‬ال وجود للحقيقة المجردة والمطلقة‪ ،‬والحقيقزة‬

‫هي دالمال حسية ونسبية‪.. .‬‬

‫‪354‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ قانون االنتقال من التبدالت الكمية إلى التبدالت النوعية ‪:1‬‬‫يصاغ هذا القانون وفق ااسر التالية‪:‬‬

‫‪ -0‬ىن كل الاهرة أو عملية هزي عبزارة عزن وحزدة كميزة وكيفيزة‪ ،‬بعبزارة أخزرى‪ ،‬ىنمزا تتسزم بتعزين كيفزي‬ ‫وكمي يميإها هي وحدها‪.‬‬

‫‪ -3‬ىن التغيرات الكمية تجري بصورة تدريجية‪ ،‬رتيبة متواصلة ىلس حد معين‪ ،‬وفي نطزاق هزذا الحزد ال‬ ‫تسب‬

‫تغيرات في الكيفية المعنية‪ ،‬كما أن التغيرات الكمية تتسم بالحجم والدرجة والكثافة ويمكن‬

‫قياسما والتعبير عنما برقم معين بواسطة وحدات قيار مناسبة‪.‬‬

‫‪ -3‬عند وصول التغيرات الكمية الس حدها ااقصس ( ويسمس حد القطع ) ‪ ،‬فانما تؤدي الزس تغيزرات‬ ‫وتحوالت كيفية‪ /‬نوعية جذرية تفضي ىلس تتشكل كيفية جديدة‪.‬‬

‫‪ -4‬تجززري التغيزرات الكيفيززة بتشززكل قفزإه‪ ،‬أي انقطززاع فززي التززدرو‪ ،‬ولززير ل اإمزال أن تجززري القفزإات بتشززكل‬ ‫انقطاع خاطف‪ ،‬بل يمكن أن تستغرق فترة إمنية طويلة أو قصيرة (حس‬

‫الطبيعة أو اإلنسان)‪.‬‬

‫‪ -8‬تتسم الكيفية الجديدة الناتشزلة نتيجزة القفزإة بخزوا‬ ‫وحدة الكمية والكيفية‪.‬‬

‫الحالة في المجتمع أو‬

‫أو ثوابزت كميزة جديزدة‪ ،‬وكزذلت بحزد جديزد مزن‬

‫‪ -6‬ىن مصززدر تحززول التغي زرات الكميززة ىلززس كيفيززة والكيفيززة ىلززس كميززة هززو وحززدة وص زراع المتناقضززات‬ ‫اوااضداد وتنامي التناقضات وحلما‪.‬‬

‫ويسززري مفع زول قززانون الجدليززة (حززول التغي زرات الكميززة ىلززس الكيفيززة والكيفيززة ىلززس كميززة) علززس الطبيعززة‬

‫والمجتمع والفكر‪ ،‬وهو يتجلس تجليال خاصال في كل حالة بعينما‪ ،‬ولمذا يتطل‬

‫استخدامه فيمزا يتعلزق بتنفيزذ‬

‫الممم ززات التطبيقي ززة المتس ززمة بتف ززرد كبي ززر الق ززدرة عل ززس اس ززتخدام الموض ززوعات العام ززة للجدلي ززة م ززع م ارع ززاة‬

‫المواصفات الفردية لكل حالة بعينما وكل مممة بعينما‪.‬‬

‫ىن الجدلية تؤكد باالستناد ىلس تجربزة التطزور التزاريخي ‪ ،‬وبالتطزابق التزام مزع معطيزات العلزم الحزديث‪،‬‬

‫أن التغيزرات الكميززة التدريجيززة ايززة الززاهرة أو عمليززة تززؤدي بالضززرورة وبحكززم قزوانين التطززور‪ ،‬ىلززس المززرور‬

‫عبر حد معين ىلس تغيرات كيفية جذرية تنتشأ في نتيجتما كيفية جديدة والاهرة أو عملية جديدة‪.‬‬

‫ولذلت ‪ ،‬البد لفمم قانون انتقال التغيرات أو التبدالت الكمية ىلس تبدالت نوعية ‪ ،‬من معالجة مفمومي‬

‫الكززم والنوعيززة‪ ،‬فعنززدما نززدرر تشززيلال مززا يتبززدى لنززا‪ ،‬قبززل كززل تشززيء كيانززه المحززدد الززذي يمي زإه عززن ااتشززياء‬

‫ااخرى‪ ،‬وهذا بالذات ما يكون نوعيته‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر ‪ :‬المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي‪ /‬عدنان جاموس‪ /‬بدر الدين السباعي ‪...‬دار‬

‫الجماهير –دمشق – ‪ – 0672‬ط‪ –– 2‬ص‪.321‬‬

‫‪355‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن التحديد النوعي أمر مالإم لجميع الالواهر االجتماعية‪ ،‬فالرأسمالية‪ ،‬مثالل‪ ،‬عبارة عن نوعية معينزة‪،‬‬

‫عززن مجمززوع عززدد مززن السززمات والصززفات والن زواحي الجوهريززة بالنسززبة لمززذا النالززام‪ :‬كوجززود طبقززة مالكززي‬

‫وسالل اإلنتاو‪ ،‬وطبقة العمال المأجورين‪ ،‬واستثمار العمزال مزن قبزل ال أرسزماليين ‪ ...‬الزخ‪ ،‬أمزا االتشزتراكية‪،‬‬ ‫باعتبارهززا تتشززكيلة اجتماعيززة جديززدة نوعي زال‪ ،‬فتتمتززع بصززفات أخززرى‪ ،‬مززن ملكيززة جماعيززة لوسززالل اإلنتززاو‪،‬‬ ‫وانعدام العمل المأجور‪ ،‬والقضاء علس استثمار اإلنسان لإلنسان‪.‬‬

‫هذان المثالن يتيحان لنا فمم أن النوعية هي‪ ،‬قبل كل تشزيء‪ ،‬مزا يحزدد ااتشزياء والالزواهر‪ ،‬وبينمزا هزي‬

‫وحدة سماتما ونواحيما ااساسية التي تجعل منما هذه ااتشياء والالواهر بالذات‪ ،‬ال غيرها‪.‬‬

‫وليست هنالك أية ظواهر أو أشياء مجردة مـن التحديـد النـوعي‪ ,‬فالكـائن المجـرد مـن كيانـه النـوعي‬

‫غير ممكن الوجود‪.‬‬

‫ىن النوعية تالمر من خالل الخوا‬

‫‪ ،‬ورغم أن مفمومي النوعية والخاصية غالبال ما يستعمالن بمعنزس‬

‫واحززد‪ ،‬ىال أن بينممززا اختالف زال‪ .‬وال يمكننززا أن نعززرف تشززيلال عززن كيفيززة موجززود مززا (أي عززن الكيززان المحززدد‬

‫الداخلي لمذا التشيء) ىال من الصفات المالإمة لمذا التشيء التي تتجلس فيما تركيبته‪.‬‬ ‫فخوا‬

‫بع‬

‫التشيء يمكن أن تتغير تبعال لتغير عالقاته مع العالم المحيط‪ ،‬كمزا يمكزن أن تختفزي أو تالمزر‬

‫خصال‬

‫التشيء بدون أن يتغير هو نفسه أو نوعيته ااساسية‪.‬‬

‫مثززال ذلززت أن بعز‬

‫خصززال‬

‫ال أرسززمالية تتبززدل فززي مرحلززة ال أرسززمالية العليززا‪ ،‬اإلمبرياليززة (االحتكززار)‪،‬‬

‫فتتحول المإاحمة الحرة ىلس نقيضما‪ ،‬وبدون أخذ هذا التحول المام بعين االعتبار ال يمكن فمزم االمبرياليزة‬ ‫المعاصرة وتحولما الس مرحلة العولمة‪.‬‬

‫ىن مفمززوم الكميززة هززو أيضزال مقولززة عامززة تعكززر ناحيززة مززن النزواحي المامززة اي تشززيء أو الززاهرة أو‬

‫عملية‪ ،‬وتبرإ الكمية أيضال كتحديد لألتشياء‪ ،‬ىال أنما‪ ،‬خالفال للنوعية‪ ،‬تميإ التشيء من ناحيزة درجزة تطزور‬

‫خصالصه‪ :‬كمقداره‪ ،‬وحجمه وعدده‪ ،‬وسرعة حركته‪ ،‬وبمر لونه ‪ ...‬الخ‪ ،‬فالطاولزة‪ ،‬مزثالل‪ ،‬يمكزن أن تكزون‬

‫كبيرة أو صغيرة‪ ،‬والصوت يمكن أن يكون طويالل أو قصي الر‪ ،‬تشديدال أو خافتال ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫ىن التحديد الكمي للالزواهر االجتماعيزة ال يعبزر عنزه دالمزال‪ ،‬بمثزل المقزادير الدقيقزة التزي يعبزر بمزا عزن‬

‫الزواهر الطبيعززة الالعضززوية‪ ،‬ولكززن لكززل الززاهرة‪ ،‬وكززل عمليززة تتمتززع هنززا أيضزال ال بناحيززة نوعيززة فقززط‪ ،‬بززل‬ ‫وبناحية كمية أيضال‪ ،‬مثال ذلت مستوى تطور ىنتاجية العمل‪ ،‬والقزوى المنتجزة‪ ،‬ووتيزرات تطزور اإلنتزاو فزي‬

‫البلززدان ال أرسززمالية ومقارنتمززا مززع البلززدان التابعززة ‪ ،‬وغيززر ذلززت مززن نزواحي الحيززاة االجتماعيززة‪ ،‬وعززدد النززار‬ ‫العاملين عمالل منتجال ودرجة استثمار العمال من قبل الرأسماليين ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫فالكميــة يمكــن أن تــنقص أو تزيــد‪ ,‬دون أن يفقــد الشــيء حالتــه النوعيــة‪ ,‬فالكميــة هــي صــفة تحــدد‬

‫الشيء من الخارج أكثر مما تحدده من الداخل‪ ,‬وتبدو للوهلة األولى وكأنها منفصلة عن النوعية‪ ,‬فـإذا‬ ‫تبدل الشيء كمياً فإنه ال يتحول إلى شيء آخر ما دام التبدل لم يتجاوز حداً معيناً‪.‬‬ ‫‪356‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىال أن تززأثير التبززدالت الكميززة علززس التشززيء يتبززدى‪ ،‬بوضززوح‪ ،‬عنززد إيززادة هززذه التبززدالت‪ ،‬فخززالل سززير‬

‫التب زدالت الكميززة تبززرإ بززرو الإ واضززحال‪ ،‬اللحالززة التززي يززؤدي فيمززا أصززغر تبززدل فززي الكميززة ىلززس تبززدل نززوعي‬ ‫جذري‪ ،‬يؤدي ىلس نتشوء نوعية جديدة ( لحالة الغليان ‪...‬او الثورة )‪.‬‬

‫‪ -‬وحدة شكلي التطور‪ :‬الشكل االرتقائي والشكل الثوري ‪ -‬القفزات‬

‫‪1‬‬

‫ىن تحليل التبزدالت الكميزة والتبزدالت الكيفيزة لألتشزياء يزدل علزس أن هزذين التشزكلين مزن التبزدالت عبزارة‬

‫عن تشكلين مختلفين للحركة رغم أنمما مرتبطان ببعضمما‪ ،‬ولكل منمما خصالصه‪.‬‬

‫فالتبدالت الكمية عبارة عن شكل ارتقـائي للتطـور‪ ,2‬أمـا التبـدالت النوعيـة فهـي علـى العكـس‪ ,‬شـكل‬

‫ثوري له‪.‬‬

‫وبما أن التبدالت الكمية والكيفية مرتبط بعضها ببعض‪ ,‬لـذا نسـتنتج أن التطـور هـو وحـدة التبـدالت‬

‫الثوريــة واالرتقائيــة‪ ,‬وهــو أمــر لــه أهميتــه المبدئيــة الكبيــرة‪ ,‬ويشــكل إحــدى النـواحي الهامــة فــي نظريــة‬

‫التطور الديالكتيكية‪.‬‬

‫التطور االرتقائي هو التبدل الذي يطرأ‪ ,‬بسببه على الكائن تبـدل كمـي تـدريجي‪ ,‬أمـا التطـور الثـوري‬

‫فهو تبدل الكائن تبدالً نوعياً جـذرياً ‪ ,‬بمعنـى وصـوله الـى حـد القطـع ‪ .‬التبـدل الثـوري عبـارة عـن قفـزة‪,‬‬ ‫عن توقف التبدالت الكمية التدريجية عن انتقال من نوعية إلى أخرى‪ ,‬وكل تبدل نوعي يتم بشكل قفزة‪.‬‬

‫ورغززم جميززع الف زوارق القالمززة بززين الحركززة االرتقاليززة والحركززة الثوريززة‪ ،‬بززين الحركززة المتواصززلة والحركززة‬ ‫القززافإة‪ ،‬ف ز ن كلتيممززا تتشززترط ااخززرى‪ ،‬وتتشززكل طرف زال فززي عمليززة تطززور واحززدة‪ :‬فالتبززدالت الكميززة تحضززر‬ ‫القفإات‪ ،‬تحضر انقطاع تدرو التبدالت الكمية‪ ،‬والقفإة تخلق تشروط التبدالت الكمية التالية‪.‬‬

‫لمذا كان تطور الطبيعة‪ ،‬والمجتمع‪ ،‬والفكر اإلنساني يحزدث ال وفزق خزط متواصزل ال انقطزاع فيزه‪ ،‬بزل‬

‫وفق خط تنقطع فيه التبدالت الكمية التدريجية بقفإات‪ ،‬وباالنتقال من القديم ىلس الجديد‪ ،‬وبنتشوء تتشكيالت‬

‫جديدة نوعيال‪.‬‬

‫إن أهمية هذا القانون الطرائقية تكمن فـي أنـه أوالً‪ ,‬يشـير إلـى طريـق التطـور العـام الشـامل لجميـع‬

‫ظـواهر العـالم الموضـوعي‪ ,‬كمـا تكمـن ثانيـاً‪ ,‬فــي أن هـذا العـام يتطلـب للقيـام بالعمـل بنجـاح أعظــم‪ ,‬أن‬ ‫نجـد‪ ,‬ونلـتقط‪ ,‬ونفهـم‪ ,‬بشـكل محســوس‪ ,‬أشـكال االنتقـال النوعيـة الخاصـة التــي تعـود لكـل حادثـة علــى‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫المصدر ‪ :‬المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي‪ /‬عدنان جاموس‪ /‬بدر الدين السباعي ‪...‬دار‬ ‫الجماهير –دمشق – ‪ – 0672‬ط‪ –– 2‬ص‪.320‬‬

‫غالباً ما تستعمل كلمة ارتقاء في معنيين‪ .‬يراد بالمعنى األول مفهوم االرتقاء الذي يرادف مفهوم "التطور"‪ .‬إن نظرية "دارون" عن نشوء‬

‫االجناس تسمى‪ ,‬مثالً‪ ,‬نظرية االرتقاء‪ ,‬وذلك النها تنطلق من أن األجناس العضوية ليست ثابتة بل هي في تطور‪ .‬واإلرتقاء بهذا المعنى‬ ‫يشمل التبدالت الكمية والتبدالت النوعية معاً‪ .‬ويراد بالمعنى الثاني‪ ,‬االرتقاء الذي هو أحد أشكال التطور‪ ,‬وهو على وجه التحديد‪ ,‬التبدالت‬

‫الكمية التدرجية لألشياء‪ ,‬تميزاً لها عن التبدل النوعي الثوري الذي يحدث على شكل قفزة‪ .‬وكلمة "االرتقاء" هنا تستعمل دائماً بمعناها الثاني‬

‫(المادية الديالكتيكية –ص‪.)320‬‬

‫‪357‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫انفراد (وهنا يتجلـى دور العامـل الـذاتي‪/‬الحـزب فـي زيـادة التراكمـات الكميـة (التوسـع التنظيمـي) بصـورة‬ ‫واعية وثورية من أجل توفير ظروف التحول النوعي)‪.‬‬

‫ىن قانون انتقال التبدالت الكمية ىلس كيفية‪ ،‬يعكر ناحية من نواحي التطور المامة‪ ،‬ويكتشف عن سير‬

‫التحوالت النوعية لألتشياء‪.‬‬

‫ىال أن نالريززة انتقززال التبززدالت الكميززة ال تجيز‬

‫علززس سزؤال مززا هززو مصززدر كززل تطززور‪ ،‬بمززا فيززه انتقززال‬

‫التبدالت الكمية ىلس كيفية‪.‬‬ ‫يجي ز ز‬

‫علز ززس هز ززذا الس ز زؤال قز ززانون ديز ززالكتيكي آخز ززر‪ ،‬هز ززو قز ززانون وحز ززدة وص ز زراع المتناقضز ززات‪ ،‬قز ززانون‬

‫التناقضات كمصدر للتطور‪.‬‬

‫‪ -‬قانون وحدة وصراع المتناقضات ‪:1‬‬

‫قززانون وحززدة وص زراع المتناقضززات‪ ،‬هززو قززانون التناقضززات كمصززدر للتطززور‪ .‬فالتناقضــات هــي ن ـواة‬

‫الديالكتيك الماركسي التي هي مفتاح فهم جميع نواحي وعوامل التطور‪.‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬يمكن أن نضع صيغة لهذا القانون على النحو اآلتي‪:‬‬

‫‪ -0‬أن كــل ظــاهرة أساســية (جوهريــة) فــي الطبيعــة والمجتمــع والفكــر تنطــوي علــى جوانــب وصــفات‬

‫ومميزات ومنظومات ثانوية (عناصر) متضادة تتفاعـل أو تتـرابط فيمـا بينهـا ترابطـاً ضـرورياً‪,‬‬

‫أي أنها تندرج في وحدة‪.‬‬

‫‪ -3‬هناك عالقة تناقض جدلي بين االضداد المندرجة في وحدة‪.‬‬

‫‪ -2‬إن مصدر الحركة‪ ,‬أياً كانت‪ ,‬والسيما مصـدر التطـور هـو نشـوء التناقضـات الداخليـة األساسـية‬ ‫واستفحالها وحلها‪ ,‬ويعتبر حل التناقضات العامل الحاسم والسبب الرئيسي للتطور‪.‬‬

‫‪ -2‬يجري في سياق التطور انتقال بعض األضداد إلـى بعضـها اآلخـر انتقـاالً جـدلياً‪ .‬ويجـري تصـادم‬ ‫األضداد وتفاعلها وتداخلها‪.‬‬

‫‪ -2‬في نتيجة صراع األضداد وتحولهـا المتبـادل وتناقالتهـا المتبادلـة‪ ,‬وفـي حصـيلة حـل التناقضـات‬ ‫تنشأ ظواهر أو عمليات أو مميزات جديدة ال ارتدادية‪ ,‬لم يكن لها وجود من قبل‪.‬‬

‫ويرتدي قانون وحدة وصراع ااضداد طابعال عامال متعدد ااغز ار‬

‫‪ ،‬ولفمزم هزذا القزانون أهميزة فالقزة ‪،‬‬

‫منمجيززة وأيديولوجيززة كبيزرة‪ .‬فالتناقضززات هززي "نزواة" الززديالكتيت الماركسززي و هززي مفتززاح فمززم جميززع نزواحي‬ ‫وعوامل التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي في مجتمعنا الفلسطيني ومجتمعاتنا العربية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر ‪ :‬المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي‪ /‬عدنان جاموس‪ /‬بدر الدين السباعي ‪...‬دار‬

‫الجماهير –دمشق – ‪ – 0672‬ط‪ –– 2‬ص‪.327‬‬

‫‪358‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لهذا فقانون وحدة وصراع المتناقضات‪ 1‬يحتـل مثـل هـذا المكـان الرئيسـي فـي الـديالكتيك الماركسـي‪,‬‬

‫وليتحدد دوره وأهميته في أنه يكشف عن الـدوافع والمصـادر الداخليـة للتطـور لهـذا يعتبـر هـذا القـانون‬

‫المحك الذي يكشف مدى علمية وحيوية هذه النظرية أو تلك من نظريات التطور‪.‬‬

‫‪ -‬الخطوط الرئيسية للديالكتيك الماركسي عن قانون وحدة وصراع المتناقضات‪:‬‬

‫‪ .0‬األشياء والظواهر لوحدة المتناقضات ‪....‬صراع المتناقضات هو مصدر التطور ‪:2‬‬ ‫ىن كثيز ز الر م ززن الفالس ززفة البرجز زواإيين‪ ،‬ف ززي إمانن ززا ه ززذا‪ ،‬يض ززطرون ىل ززس االعتز زراف بحقيق ززة التناقض ززات‪،‬‬

‫ولكززنمم يحززاولون القززول بززأن التنززاق‬

‫والتنززاحر القززالمين مززثالل فززي الحيززاة االجتماعيززة للمجتمززع ال أرسززمالي‪،‬‬

‫همززا خالززدان‪ ،‬وال حززل لممززا‪ ،‬وبززأن جززوهر العالقززات المتبادلززة بززين الطبقززات كأنززه مسززتقر فززي عززدم ىمكانيززة‬

‫التغل‬

‫علس التناقضات االجتماعية‪.‬‬

‫وهنات آخرون‪ ،‬يرون المتناقضات‪ ،‬بل ويتشزيرون ىلزس أهميتمزا أيضزال‪ ،‬ولكزنمم يعتبزرون أن حلمزا ممكزن‬

‫فقط في ميدان الدين‪( ،‬كما هو الحال عندنا بالنسبة لحركات االسالم السياسي) ‪.‬‬

‫الزديالكتيت الماركسزي ينطلزق مزن المعطيزات العلميزة الموضزوعية‪ ،‬والتجربزة التاريخيزة لإلنسزانية‪ ،‬ويؤكززد‬

‫علززس أن جميززع ااتشززياء والال زواهر ذات تناقضززات داخلي زة‪ ،‬وأن كززل تشززيء هززو وحززدة متناقضززات‪ ،‬ووان كززل‬ ‫أتشززياء العززالم المحززيط بنززا‪ ،‬وال زواهره تتمتززع بناحيززة ىيجابيززة‪ ،‬وأخززرى سززلبية‪ ،‬لمززا ماضززيما ولمززا مسززتقبلما‪،‬‬ ‫وصراع هذه االتجاهات المتناقضة التي تحتويما ااتشياء والواهر العالم الموضوعي‪ ،‬هو مصدر التطزور‪،‬‬

‫وهو القوة المحركة له‪.‬‬

‫لو أنه لم يكن هنات تناقضات داخلية في ااتشزياء والالزواهر‪ ،‬لزو أنزه لزم يكزن صزراع بزين االتجاهزات‬

‫المتناقضة‪ ،‬لبقيت ااتشياء والالواهر غير متبدلزة‪ ،‬ولمزا أمكزن حزدوث التطزور‪ ،‬والتبزدل النزوعي‪ ،‬ولبقزي كزل‬

‫تشززيء فززي حالززة الجمززود‪ .‬لززو لززم تقززم‪ ،‬مززثالل‪ ،‬الطبقززات البورجواإيززة فززي المجتمعززات االوروبيززة بنضززال ضززد‬ ‫الطبقات االقطاعية االرسزتقراطية التزي انقضزس إمانمزا‪ ،‬لمزا انحلزت التناقضزات القالمزة بزين الطزرفين‪ ،‬ولمزا‬

‫المر عصر النمضزة ‪ ،‬لهذا فالماركسـية تبقـى غريبـة عـن األفكـار االنتهازيـة القائلـة بانسـجام الطبقـات‬

‫المتعادية‪.‬‬

‫ىن صز زراع المتناقض ززات ه ززو عملي ززة معق ززدة لنتش ززوء وتط ززور وح ززل التناقض ززات‪ ،‬ولم ززذه العملي ززة درجاتم ززا‬

‫ومراحلما‪ ،‬وطابعمزا الخزا‬

‫فزي كزل درجزة مزن هزذه الزدرجات‪ ،‬وبتعبيزر آخزر‪ ،‬ىن التناقضزات الحسزية ذات‬

‫امتداد يطول أو يقصر‪ ،‬فيه بداية واسزتمرار ونمايزة‪ .‬لكزن التنزاق‬

‫ال يكزون مصزحوبال دالمزال بحزدة مباتشزرة‪،‬‬

‫‪ 1‬للمزيد من اإلطالع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض ‪ -‬ماوتسي تونغ‪ -‬اصدار الدائرة الثقافية المركزية –‬ ‫‪2‬‬

‫أيار ‪3119‬‬ ‫للمزيد من اإلطالع على مفهوم التناقض انظر كراس في الممارسة العملية والتناقض ‪ -‬ماوتسي تونغ‪ -‬اصدار الدائرة الثقافية المركزية –‬

‫أيار ‪ –3119‬ص‪.391‬‬

‫‪359‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فمو عادة‪ ،‬يتمتع فزي الم ارحزل ااولزس‪ ،‬بطزابع فزارق فقزط‪ ،‬وهزو التشزكل ااولزي للتنزاق‬

‫في سير التطور‪ ،‬ىلزس تضزاد‪ ،‬أي تنزاق‬ ‫ىلس نفي الناحية ااخرى بحدة‪.‬‬

‫‪ ،‬ثزم يتحزول الفزارق‬

‫أكثزر تطزو الر‪ ،‬وذلزت عنزدما تعمزد كزل ناحيزة مزن نزواحي التنزاق‬

‫إن نمو التناقض على أساس صراع المتضادات يؤدي‪ ,‬بالنتيجة‪ ,‬إلى االزدواجيـة المتعاظمـة للوحـدة‬

‫(الشــيء) وهــو‪ ,‬فــي النهايــة يبلــغ درجــة فــي تطــور التنــاقض‪ ,‬ال تســتطيع معهــا المتضــادات البقــاء فــي‬

‫الوحدة‪ ,‬عندئذ يحين زمن حل التناقض‪ .‬ليس من حل للتناقضات إال في الصراع‪ ,‬وعن طريق الصـراع‪.‬‬ ‫إن التناقضات ال تتهادن او تعيش حالة من السلم والهدوء‪ ,‬لكنها تتصارع‪ ,‬وعملية التطور‪ ,‬هي عبـارة‬

‫عــن عمليــة تعــاظم المتناقضــات والص ـراعات الطبقيــة والسياســية والفكريــة التــي تســتمر فــي تراكماتهــا‬

‫الكمية حتى تصل الى لحظة التحول النوعي لحل هذه التناقضات وبداية مرحلة جديدة من التطور‪.‬‬

‫ىن حل التناقضات ااساسية‪ ،‬الجذرية ىنما يعني القضاء علس القديم‪ ،‬ونتشوء الجديد‪ ،‬ثم أن مرحلة حل‬

‫التناقضات هامة جدال في التطور‪ ،‬فعندما يستنفذ القديم ذاته‪ ،‬ويصبح لجامال‪ ،‬عالقال في طريق الجديد‪ ،‬فز ن‬ ‫التناق‬

‫بين القديم والجديد ينبغي أن يحل عن طريق انعدام القديم والفر الجديد‪.‬‬

‫ىن نسززبية وحززدة المتضززادات هززي التعبيززر عززن أن تواصززل التشززيء أمززر مؤقززت‪ ،‬وأن التشززيء لززه بدايززة‬

‫ونماية‪ ،‬وبمذا تفسر الصيغة الديالكتيكية التشميرة القاللة بأن التناق‬ ‫نسززتخل‬

‫يدفع ىلس اامام‪.‬‬

‫مززن كززل مززا تقززدم ‪ ،‬صززياغة جززوهر قززانون وحززدة وصزراع المتضززادات كمززا يلززي ‪ :‬إن وحــدة‬

‫وصراع المتضادات هي القانون الذي بموجبـه تصـبح االتجاهـات والنـواحي المتناقضـة داخليـاً‪ ,‬والكائنـة‬

‫في حالة الصراع‪ ,‬مالزمة لجميع العمليات‪ ,‬والظواهر‪ ,‬واألشياء‪.‬‬

‫إن صراع المتضادات يعطي الدافع الداخلي للتطور‪ ,‬ويؤدي إلى نمو التناقضات‪ ,‬التي تجد حلها في‬

‫فترة معينة‪ ,‬عن طريق القضاء على القديم‪ ,‬ونشوء الجديد‪.‬‬ ‫‪ .3‬التناقضات الداخلية والخارجية‪:1‬‬

‫ىن ما قيل عن التطور عن طريق نتشوء التناقضات الداخلية في ااتشياء‪ ،‬والتغل‬

‫عليما يعطينا صزورة‬

‫عن طابع الحركة‪ ،‬أو التطور‪ .‬فالحركة أو التطور‪ ،‬هو حركة ذاتيزة للمزادة‪ ،‬أو تطورهزا الزذاتي‪ ،‬والكزالم ال‬ ‫يجري هنا عن أن التطور في الحياة االجتماعية‪ ،‬يتم بنفسه‪ ،‬وبدون تدخل النار‪ ،‬وبدون نتشاطمم الفعال‪،‬‬

‫أو أن الطبيعة تستطيع أن تتحول لصالح النار بدون تأثيرهم عليما‪.‬‬ ‫ىن الطبيعة نفسما تتطور حس‬

‫قوانينما الخاصة من ااتشكال الدنيا ىلس العليا‪ ،‬ىن الطبيعة غير الحية‬

‫خلقززت‪ ،‬عززن طريززق الحركززة الذاتيززة‪ ،‬التشززيء المغززاير لمززا‪ ،‬نقيضززما‪ ،‬أي الطبيعززة الحيززة‪ ،‬واامززر كززذلت فززي‬ ‫المجتمع أيضال ليست القوى الخارجية‪ ،‬بل القوانين الخاصة بتطور التتشكيالت االجتماعية هزي التزي تزؤدي‬ ‫‪1‬‬

‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – ‪ -0672‬ص‪.373‬‬

‫‪361‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىلس نتشوء قوى داخل المجتمزع المعزين‪ ،‬تدفعزه ىلزس حتفزه وتحولزه ىلزس نقيضزه‪ .‬أمزا أسزبا‬

‫أو مصزادر هزذه‬

‫الحركة الذاتية والتحول‪ ،‬فمي التناقضات الداخليزة‪ ،‬وتطورهزا‪ ،‬وحلمزا‪ ،‬والقضزاء عليمزا‪ ،‬علزس أسزار صزراع‬

‫المتناقضات‪ ،‬إال أن الديالكتيك ال ينفي الدور الهام‪ ,‬للتناقضات الخارجية‪ ,‬في سير عملية التطور‪.‬‬

‫فعلززس النززار‪ ،‬لتززأمين حيززاتمم أن يعمل زوا‪ ،‬والعمززل هززو تززأثير النززار علززس الطبيعززة بمززدف ىنتززاو وسززالل‬ ‫المعيتشة الضرورية‪ ،‬ىن عملية حل التناقضات بين المجتمع والطبيعزة‪ ،‬هزي‪ ،‬مزن حيزث الجزوهر‪ ،‬عمليزة ال‬ ‫نماليززة‪ ،‬وتتشززكل أحززد المصززادر المامززة لتطززور المجتمززع‪ ،‬ولكززن بززين التناقضززات الداخليززة والخارجيززة يوجززد‬

‫اخززتالف موضززوعي‪ ،‬ال يمكززن عززدم أخززذه بعززين االعتبززار‪ .‬ىن التنززاق‬

‫التشيء بالذات‪ ،‬بحيث أن التشيء ال يمكن أن يوجد بدون هذين الضدين‪.‬‬ ‫التنززاق‬

‫الخززارجي هززو تنززاق‬

‫الززداخلي هززو تنززاق‬

‫فززي جززوهر‬

‫بززين ااتشززياء المختلفززة‪ ،‬أو الج زواهر المختلفززة‪ ،‬فالنبززات والتشززمر التززي‬

‫تعطيه الدفء‪ ،‬هما جوهران مختلفان‪ ،‬لكل منمما تناقضاته الداخلية‪ ،‬كما أن المجتمع والطبيعة هما عبارة‬

‫عززن تنززاق‬

‫جزواهر مختلفززة‪ .‬ىن ااضززداد الخارجيزة‪ ،‬كالداخليززة‪ ،‬مرتبطززة فيمززا بينمززا‪ ،‬ولكززن ال يوجززد بينمززا‬

‫متشروطية متبادلزة وثيقزة كمزا فزي التناقضزات الداخليزة‪ ،‬ىن الطبيعزة‪ ،‬أحزد طرفزي التنزاق‬

‫من دون المجتمع‪ ،‬كذلت التشمر يمكن أن توجد من دون النبات ‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪ ،‬يمكزن أن توجزد‬

‫إن التمييز بين التناقضات الداخلية والخارجية أمر هام‪ ,‬ألن دور كل منهما في التطور ليس واحداً‪,‬‬

‫ومن الطبيعي أن هذا التمييز غير مطلق بل نسبي‪ ,‬إن التناقض الخارجي هو‪ ,‬على الغالب‪ ,‬تعبير عن‬

‫وجــود التناقضــات الداخليــة وشــكل هــذا الوجــود وهكــذا فالتنــاقض بــين الســلعة والنقــد يســميه مــاركس‬

‫"تناقضاً خارجياً‪ ,‬وتعبـر السـلعة فيـه عـن التنـاقض الكـامن فيهـا (أي الـداخلي) بـين القيمـة االسـتعمالية‬ ‫والقيمة"‪.‬‬

‫بـــين التنـــاقض الـــداخلي والخـــارجي توجـــد عالقـــة‪ ,‬التناقضـــات الداخليـــة ال توجـــد‪ ,‬وال تعمـــل‪ ,‬خـــارج‬

‫عالقتها مع التناقضات الخارجية‪ ,‬أمـا تـأثير التناقضـات الخارجيـة علـى تطـور الشـيء فـال يمكـن فهمـه‬

‫بدون اعتبار تناقضاته الداخلية‪.‬‬

‫ىن الماديززة الجدليززة عنززدما ال تتجاهززل قززط أهميززة التناقضززات الخارجيززة تؤكززد أن التناقضززات الداخليززة‬ ‫تلع ز ز‬

‫دو الر رليسز ززيال أولي ز زال فز ززي التطز ززور‪ .‬أمز ززا التناقضز ززات الخارجيز ززة فتلع ز ز‬

‫دو الر ثانوي ز زال غيز ززر رليسز ززي‪ .‬ىن‬

‫التناقضززات الداخليززة والخارجيززة توجززد فززي عمليززة التطززور فززي وحززدة‪ ،‬فززي عالقززة‪ ،‬ولكززن مززن الخطززأ الفززادح‬ ‫تبديل ااولس‪ ،‬القالدة‪ ،‬بالثانية‪.‬‬

‫لــذلك يناضــل الــديالكتيك ضــد النظريــة المنتشــرة فــي الفلســفة البرجوازيــة واإلصــالحية أو مــا يعــرف‬

‫بالمواقف التوفيقية الليبرالية ‪ .‬إن جوهر هذه النظرية يكمن فـي نفـي التناقضـات الداخليـة للتطـور وفـي‬

‫االعتراف باألهمية الحاسمة للتناقضـات الخارجيـة ‪ ,‬وان أنصـار نظريـة التـوازن‪ ,‬عنـدما يطبقونهـا علـى‬ ‫المجتمع يعتبرون أن المصدر الرئيسي للتطور االجتماعي ال تناقضات المجتمع الداخلية بل التناقضات‬

‫‪360‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بين المجتمع وعوامل خارجية ‪ ,‬وهذا الفهم للقضية غير صحيح نظرياً‪ ,‬ويؤدي سياسياً إلى اسـتنتاجات‬

‫رجعية او هابطة ‪.‬‬

‫‪ .3‬خصائص التناقضات المختلفة‪:‬‬ ‫ىن تناقضات أسلو اإلنتزاو فزي المجتمزع الطبقزي تزنعكر فزي صزراع الطبقزات‪ ،‬ولصزراع المتناقضزات‬

‫في هذا المجتمع تشكل صراع اقتصادي وسياسي وأيديولوجي‪.‬‬

‫كم ززا أن الصز زراع ااي ززديولوجي ي ززنعكر ف ززي تش ززكل صز زراع النالري ززات الفلس ززفية واالقتص ززادية والسياس ززية‬

‫والحقوقيززة والدينيززة وااخالقيززة ‪ ...‬الززخ كمززا هززو الحززال فززي الص زراعات بززين قززوى اليسززار مززن جمززة والقززوى‬ ‫الليبرالية واالسالم السياسي من جمة ثانية ‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب يجب تمييز نوعين من التناقضات‪ :‬التناحرية والالتناحرية‪.‬‬

‫ىن قضززية التناقضززات التناحريززة والالتناحريززة قضززية لمززا ابعززاد سياسززية واجتماعيززة واقتصززادية خاصززة‪،‬‬

‫فالصراع مع العدو الصميوني االمبريالي يندرو تحت مفمزوم التناقضزات التناحريزة التزي ال يمكزن حلمزا اال‬ ‫بالغاء وانماء الوجود الصميوني واالمبريالي‪.‬‬

‫فالتناقضززات التناحريززة هززي عبززارة عززن تناقضززات القززوى السياسززية واالجتماعيززة المتعاديززة‪ ،‬والمصززالح‬

‫وااهداف والميول المتضاربة‪ ،‬التي تنتا عن تناق‬

‫مصالحما الجذريزة‪ .‬ووان التغلز‬

‫عليمزا يزتم‪ ،‬كقاعزدة‪،‬‬

‫في النضال الثوري السياسي والكفاحي والطبقي الضاري‪.‬‬

‫ومثالنزا الصزار علزس التناقضزات التناحريزة يتجلزس فزي الصزراع بزين تشزعبنا الفلسزطيني‪ /‬العربزي وبززين‬

‫دولة العدو الصميوني والتحالف اإلمبريالي‪ ،‬كما يتجلس ايضا ‪ ،‬بين البرجواإية الكومبرادورية والطفيلية في‬ ‫البلدان العربية وبين التشرالح الفقيرة من العمال والفالحين والمضطمدين ‪ ،‬بين تشعو المستعمرات والدول‬

‫االستعمارية‪ .‬وكذلت فز ن التناقضزات بزين النالزام االمبريزالي وبلزدان المحزيط مزن أجزل مإيزد مزن السزيطرة ‪،‬‬ ‫ومناطق النفوذ والمواد الخام (النفط) ‪ ،‬وأسواق البيع‪ ،‬هي تناقضات تناحريزة‪ ،‬مزن هنزا نزرى أن التناقضزات‬

‫التناحرية متعددة ااتشكال ونتيجة ذلت‪ ،‬فدرجة حدتما مختلفة‪.‬‬

‫ونالز الر لوجززود طبقززات تززدافع بجميززع الوسززالل عززن القززديم الممتزرئ‪ ،‬وتقززاوم ىقامززة نالززم اجتماعيززة جديززدة‬

‫تسودها العدالة االجتماعية والديمقراطية ‪ ،‬ف ن النضال الطبقي الحاد والثورات االجتماعية‪ ،‬هي وسيلة حل‬

‫هذه التناقضات المتناحرة‪.‬‬

‫أما التناقضات الزال متنزاحرة فمزي خالفزال للمتنزاحرة‪ ،‬تعبزر عزن تناقضزات أضزداد سياسزية غيزر تناحريزة‪،‬‬

‫تعبر عن تناقضات تلت القوى االجتماعية والسياسية والميول التي يجمع بينما جذريال‪ ،‬كما يج‬

‫أن تكزون‬

‫عليه العالقة في بالدنا بين الجبمة التشعبية وحركتي فتح وحمار وبقية القوى السياسية اليمينية‪.‬‬

‫علس أي حال ال بد أن نتشير ىلس أنه ممما ىختلفزت التناقضزات التناحريزة والزال تناحريزة ف نمزا تحزل فزي‬

‫النضززال‪ ،‬وعززن طريززق نضززال الجديززد ضززد القززديم‪ ،‬عززن طريززق النضززال التقززدمي ضززد الرجعززي‪ ،‬المحززافال‪،‬‬ ‫‪362‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الجامززد‪ ،‬البيروق ارطززي‪ ،‬البززالي‪ ،‬انززه مززن الخطززأ اتخززاذ خصززال‬

‫حززل التناقضززات الززال تناحريززة علززس أنمززا‬

‫خصززال مسززالمة‪ ،‬وانسززجام‪ .‬فلحززل هززذه التناقضززات البززد مززن تشززن نضززال مسززتمر للتغلز‬ ‫علس كل ما هو ممترئ‪ ،‬ض‬ ‫بال‪ ،‬وجامد‪ ،‬وكل ما يعيق تطور الجديد والتقدمي‪.‬‬

‫عليمززا‪ ،‬للتغلز‬

‫ىن الفززارق بززين أتش ززكال ونمززاذو التناقضززات ال يكم ززن فقززط ف ززي كززون التناقضززات المختلف ززة لمززا طبيع ززة‬

‫مختلفززة‪ ،‬وبالتززالي أسززالي‬

‫وطززرق مختلفززة لحلمززا‪ ،‬بززل الممززم هززو أن نميززإ بززين التناقضززات الرليسززية وغيززر‬

‫الرليسية‪ ،‬بين ااساسية وغير ااساسية في التشبكة المعقدة للتناقضات‪.1‬‬

‫لذلت فمن الممم جدال ‪ -‬وخاصة في الحياة االجتماعية‪ ،‬واستراتيجية وتكتيت نضزال الطبقزات وااحز اإ‬

‫االجتماعيزة ‪ -‬عززدم الخلززط بززين التناقضززات الرليسززية وغيززر الرليسززية‪ ،‬ااساسززية وغيززر ااساسززية‪ ،‬بززل رؤيزة‬ ‫الفززارق بينمززا‪ ،‬وفززرإ تلززت التناقضززات التززي تلعز ‪ ،‬فززي المرحلززة التاريخيززة المعينززة‪ ،‬دو الر حاسززمال‪ ،‬ثززم تخطززيط‬

‫النتشاط العملي حس‬

‫ذلت‪.‬‬

‫التناقضــات األساســية‪ ،‬هززي التناقضززات التززي تحززدد التناقضززات النوعيززة وتنتشززأ عنمززا‪ ،‬مثززال التنززاق‬

‫الرليسززي اسززلو اإلنت ززاو ال أرسززمالي ه ززو التنززاق‬

‫ب ززين الطززابع االجتم ززاعي لإلنتززاو وب ززين طززابع الحي ززاإة‬

‫ال أرسزمالية الخاصزة‪ ،‬أنزه يحزدد جميزع التناقضزات ااخززرى التزي هزي متشزتقة مزن التنزاق‬ ‫فالتنززاق‬

‫ااساسزي‪ .‬وهكززذا‬

‫بززين تعززاالم اإلنتززاو فززي المجتمززع البرجزواإي وبززين قززدرة الجمززاهير التشزرالية المختلفززة هززو تنززاق‬

‫متشتق من التناق‬ ‫ىن التن ززاق‬

‫الرليسي‪ ،‬ويبرإ كمالمر وتعبير عن التناق‬

‫الرليسي للرأسمالية‪.‬‬

‫ااساس ززي للتط ززور االجتم ززاعي الع ززالمي الح ززديث ه ززو التن ززاق‬

‫ب ززين االمبريالي ززة المعولم ززة‬

‫والتشعو التابعة والمضطمدة‪.‬‬

‫ىن تمييإ التناقضات الرليسية وغير الرليسية‪ ،‬والمقدرة علس رؤية سير تعاالم تناقضات جديدة‪ ،‬وتحول‬

‫التناقضات الرليسية ىلس غير رليسية والعكر بالعكر‪ ،‬كل ذلزت يمكزن مزن السزيطرة علزس الحلقزة الحاسزمة‬ ‫في التشروط الحسية المعينة‪.‬‬ ‫اخي ار نود االشارة الى التناقض بين المحتوى الجديد والشكل القديم الذي يسـتدعي صـراعاً بينهمـا‪,‬‬

‫هذا الصراع هو من أهم مظاهر مفعول قانون صراع المتضادات في الطبيعة والمجتمـع والتفكيـر‪ .‬وهـذا‬

‫الصراع ال يتوقف ما لم يستبدل الشكل القديم بآخر جديد‪ ,‬يتالءم والمحتوى المتبدل‪.‬‬

‫مززثالل فززي المجتمززع التنززاحري (كمززا هززو حززال االنالمززة العربيززة فززي مرحلززة االنتفاضززات الثوريززة) تززدافع‬

‫الطبق ززات وااحز ز اإ الحاكم ززة ع ززن ااتش ززكال المرم ززة الت ززي يممم ززا المحافال ززة عليم ززا وال ززدفاع عنم ززا‪ .‬وممم ززا‬ ‫استمرت مقاومة التشكل القديم الليبرالي او الديني‪ /‬االسالم السياسي‪ ،‬البد له‪ ،‬مع تطور المحتوى الثوري ‪،‬‬

‫‪1‬‬

‫لمزيد من االطالع ‪ ,‬انظر كراس "في التناقض" ماوتسي تونغ‪-‬اعداد الدائرة الثقافية ‪.‬‬

‫‪363‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مززن التخلززي عززن مكانززه للتشززكل الجديززد‪ ،‬لززذلت كززان الص زراع بززين التشززكل القززديم والمحتززوى الجديززد‪ ،‬مصززد الر‬

‫للتطور‪.‬‬

‫قانون نفي النفي‬

‫‪1‬‬

‫إنه قانون تطور الطبيعة والتاريخ والفكر" إنجلز"‬ ‫بفلسزفة‪ ،‬ف نزه يمكزن العثزور عليمزا‬

‫مقولة النفي ليست مقولة حديثة‪ ،‬وواذا كانت قد ارتبطت بتشكل خا‬ ‫في الفلسفات القديمة‪ ،‬واذا كان هيغل أقام مقولتي النفي ونفي النفي في إطار المنطـق‪ ,‬فـإن مـاركس قـد‬

‫أعـــاد بناءهمـــا وربطهمـــا بـــالوعي االجتمـــاعي وبـــالتحوالت االجتماعيـــة‪ ,‬حيـــث تنتقـــل المقـــوالت مـــن‬

‫"المضمون المجرد" إلى "المضمون المـادي" ألن النفـي ال يحيـل الشـيء إلـى مجـرد ‪ ,‬بـل إلـى شـيء لـه‬ ‫مضمون محدد‪ ,‬أي أن النفي له مضمون محدد ومشخص ومميز ونمطه يعتمد على طبيعة كل ظاهرة‪,‬‬

‫فكــل شــيء لــه شــكل نفيــه الخــاص بــه‪ .‬ولقززد عممززت الماركسززية مقولززة نفززي النفززي علززس جميززع الال زواهر‬ ‫الطبيعيززة واالجتماعيززة‪ .‬فقززانون نفززي النفززي يجززد تحققززه فززي المملكززة الحيوانيززة وفززي عززالم النبززات وفززي حقززل‬ ‫الجيولوجي ززا‪ ،‬مث ززل م ززا يج ززد تحقق ززه ب ززين البتش ززر وتط ززور المجتمع ززات عموم ززا ‪ ،‬وف ززي الم ززور نم ززط اإلنت ززاو‬

‫الرأسمالي خصوصزا‪ ،‬حيزث تت اإيزد بتشزاعة االسزتغالل الطبقزي وتت اإيزد معمزا تراكمزات الزوعي بزالاللم الطبقزي‬ ‫واالضطماد بما يممد للثورات تشرط توفر ونضوو العامل الذاتي ‪ /‬الحإ الماركسي الثوري ‪.‬‬ ‫‪ -‬األحكام األساسية لهذا القانون‪:‬‬

‫‪ -0‬في عملية التطور‪ ,‬ينشـأ باسـتمرار شـيء جديـد لـم يكـن لـه وجـود فـي الماضـي‪ ,‬وهـذه العمليـة‬ ‫تسمى النفي الجدلي للقديم‪.‬‬

‫‪ -3‬فـي عمليـة النفـي يبقـى كــل مـا هـو قـيم وحيـوي وينــدرج فـي الجديـد بشـكل محـول‪ ,‬وال يتعــرض‬ ‫للفناء إال جزء معين من القديم هو الجزء الذي بات يعرقل التطور‪.‬‬

‫‪ -3‬ينطوي التطور على ما يشبه العـودة إلـى المراحـل المقطوعـة وتكرارهـا (نفـي إثبـات نفـي) ولكـن‬ ‫على مستوى جديد أكثر رقياً‪ ,‬ولهذا يتسم التطور بطابع لولبي وليس دائري أو مستقيم‪.‬‬

‫‪ -4‬في عملية التطور يوجد دائماً‪ ,‬وبصورة موضوعية‪ ,‬نزعات تقدمية وأخرى تقهقرية عند االنتقال‬ ‫مــن القــديم إلــى الجديــد‪ ,‬ويتحــدد الــنمط التقــدمي أو التقهقــري بحســب التغي ـرات الجاريــة فــي‬

‫الظاهرة المعنية عموماً تبعاً للنزعة التي تكون لها الغلبة في هذه العملية التطورية المترابطـة‬ ‫جدلياً‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر ‪ :‬المادية الديالكتيكية – مجموعة من المفكرين السوفييت – ترجمة فؤاد مرعي‪ /‬عدنان جاموس‪ /‬بدر الدين السباعي ‪...‬دار‬

‫الجماهير –دمشق – ‪ – 0672‬ط‪369 –– 2‬‬

‫‪364‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن تحليل قانون انتقال التبدالت الكمية إلى تبـدالت كيفيـة‪ ,‬وقـانون وحـدة وصـراع المتضـادات يبـين‬

‫لنا أنه نتيجة لعمل هذين القانونين تتم عمليـة ال نهايـة لهـا‪ ,‬عمليـة اسـتبدال بعـض الظـواهر واألشـياء‬

‫بأخرى‪ ,‬في هذا الصراع المتواصل بين الجديد والقديم‪ ,‬بين المولود والفاني ‪ ,‬هذه الناحية مـن التطـور‪,‬‬

‫الناشئة إلى حد كبير عن قوانين الديالكتيك المذكورة أعاله‪ ,‬تجد تعبيرها األعمق في قانون نفي النفي‪.‬‬

‫إن مكان وأهمية هذا القـانون فـي منظومـة قـوانين ومقـوالت الـديالكتيك المـادي‪ ,‬يتحـدد فـي اعطائـه‬

‫أعم وأشمل مفهوم عن طابع التطور‪.‬‬

‫‪ .0‬جوهر ودور النفي الديالكتيكي في عملية التطور‪:1‬‬ ‫ىن التطززور يتضززمن فززي نفسززه عززامالل قانونيزال‪ ،‬ىلإاميزال‪ ،‬هززو النفززي فالتبززدالت النوعيززة تعنززي نفززي النوعيززة‬

‫القديمة‪ ،‬ثم ىن صراع المتضادات يتم بالفر متضاد علس آخر ‪ ،‬فالنفي بالتزالي لزير عزامالل ثانويزال مرتبطزال‬ ‫بعملية التطور من الخارو‪ ،‬بل هو متشروط قانونيال بجوهر التطور ذاته‪.‬‬

‫وللنفززي دور ه ززام ف ززي جمي ززع عملي ززات الطبيع ززة والمجتم ززع والتفكي ززر‪ ،‬وه ززو يتب ززدى بأتش ززكال مختلف ززة تبعز زال‬

‫الختالف العمليات‪ ،‬فتحول ااورانيوم ىتشعاعيال ىلس راديوم هو مالمر "نفي" أحد العوامل الكيماوية‪ ،‬وتتشكل‬ ‫عامززل كيميززاوي آخززر منززه‪ ،‬كمززا أن نفززي البززرعم بززالإهرة‪ ،‬والإه زرة بززالثمرة همززا العززامالن الضززروريان لنمززو‬

‫النبات‪.‬‬

‫وتاريخ المجتمع ال معنى له من دون نفي األنظمة االجتماعية القديمة من قبل الجديـدة‪ ,‬المجتمـع‪,‬‬

‫من دون عامل النفي‪ ,‬يتحول إلى مستنقع راكد‪.‬‬

‫إال أن االعت ـراف بعامــل النفــي‪ ,‬فــي التطــور‪ ,‬غيــر كـ ٍ‬ ‫ـاف‪ ,‬البــد مــن الفهــم الصــحيح لطبيعــة النفــي‪,‬‬

‫لطابعه الديالكتيكي‪.‬‬

‫ال ينبغي فهم أحد عوامل التطور‪ ,‬وهي النفي‪ ,‬كنفي مطلق‪ ,‬أي كنفي ال يحتوي في ذاتـه أي شـيء‬

‫إيجابي‪ ,‬فلو أن األمر كذلك لما أمكن التطور‪ ,‬لو أن نفي البرعم‪ ,‬في دورة نمو النبتـة‪ ,‬كـان نفيـاً فقـط‪,‬‬

‫لما حدث انتقال من البرعم إلى الزهـرة‪ .‬فهـذا أيضـاً نفـي‪ ,‬ولكنـه نفـي تهـديمي‪ ,‬وال يخلـق الشـروط لنمـو‬ ‫النبتة الطبيعي‪ ,‬مثل هذا النفي ال يشكل شرط التطور‪.‬‬

‫إن قانون نفي النفي الديالكتيكي هو قـانون التطـور‪ ,‬فهـو ال يقصـد أي نفـي كـان‪ ,‬بـل يقصـد النفـي‬

‫الذي يستخدم كمقدمة‪ ,‬كشرط للتطور‪ ,‬يقول إنجلز "النفي في الديالكتيك ال يعنـي قـول "ال" ببسـاطة‪ ,‬أو‬

‫التصريح عن شيء بأنه غير موجود أو القضاء عليه بأية وسيلة كانـت‪ ,‬إن النفـي المفهـوم ديالكتيكيـاً‬ ‫والمعبــر عنــه تعبيـ ارً صــائباً هــو هــذه الـــ "ال" التــي تحتــوي فــي الوقــت ذاتــه علــى "نعــم" أي وحــدة النفــي‬

‫واإلثبات‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – ‪ –0672‬ص‪.367‬‬

‫‪365‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وباإلضافة إلى أن النفي شرط التطور‪ ,‬فهو أيضاً تعبير عن مواصلة التطور وتواليه‪ ,‬بين ما ُينفي‪,‬‬

‫وبين ما ينفي‪ ,‬هذه أهم ناحيـة فـي النفـي‪ .‬إن النفـي الـدياكتيكي ال ينبغـي فهمـه كانقطـاع فـي التطـور‪,‬‬

‫كنفي للصالت بين القديم والجديد‪ ,‬إن الصالت بينهما قائمة بفعل أن الجديـد ال يولـد مـن ال شـيء‪ ,‬بـل‬ ‫من القديم فقط‪ ,‬والصلة تجد تعبيرها في أن الجديد يتمسك بكل ما هو إيجابي في القديم‪.‬‬

‫لقد نتشأت الفلسفة الماركسية كنفزي للفلسزفة السزابقة‪ ،‬ولكنمزا بعزد تغلبمزا علزس الخزاطي الزذي لزم يتحمزل‬ ‫وطأة تجربة الإمن‪ ،‬احتفالت بكل ما تضمنته هذه الفلسفة السابقة من حقالق‪.‬‬ ‫‪ .3‬الطابع التصاعدي للتطور وأشكاله‪:1‬‬

‫ىن تحليل الدور الذي يلعبه النفي يؤدي ىلس استنتاو التطور التقدمي للواقع‪ ،‬تطو الر تصاعديال‪ .‬فزالتطور‬

‫التصاعدي هو نتيجة حتمية لقضية ىن كل جديزد يمزت‬

‫منه أساسال للحركة المقبلة‪.‬‬

‫فزي نفسزه كزل مزا تزم التوصزل ىليزه سزابقال ويجعزل‬

‫وفي هذا السياق من الممكن طرح السؤال التالي‪ :‬لماذا يسمى هذا القانون الذي ندرسه بقانون نفي‬

‫النفي؟ أو ال يمكن االكتفـاء بمفهـوم النفـي وحـده ‪..‬؟ جوابنـا هـو ان التطـور الموضـوعي ذاتـه‪ ,‬يحتـوي‬

‫على هذا النفي المزدوج‪ ,‬ومفهوم "نفي النفي" يعكس فقط العمليات التي تتم بشكل مستقل عن وعينا‪.‬‬

‫ولتوضززيح ذلززت نتصززور ن اإعزال بززين ط زرفين حززول قضززية علميززة مززا‪ ،‬ىن الطززرف ااول يقززدم فك زرة معينززة‬

‫(نالرية) والطرف الثاني يقدم نفي هزذه الفكزرة (ضزد النالريزة)‪ .‬ىن كزال مزن الطزرفين المتعارضزين يمكزن أن‬ ‫يصي‬

‫بع‬

‫نافيال له‪ .‬وتنتش‬

‫فيما بينمما‪.‬‬

‫الحقيقة‪ ،‬ولكنمما يعار‬

‫أحدهما اآلخر من جانز‬

‫واحزد ويقزف أحزدهما مزن اآلخزر بصزفته‬

‫بين الطرفين معركة فكر تنتمي بالمور فكرة جديدة تنفي الفكرتين السابقتين المتصارعتين‬

‫تاريخ العلم ملي بأمثلة من هذا النوع‪ ،‬تبين حركة المعارف اإلنسانية نحو الحقيقة المتصارعة‪.‬‬

‫ففززي القززرن السززابع عتشززر سززادت نالريززة تؤكززد ان الضززوء يتكززون مززن جإيلززات صززغيرة جززدال تنتتشززر وفززق‬

‫قوانين حركة الجإيلات‪ ،‬وفي هذه الفترة نفسما المرت نالرية تقول بزأن للضزوء طبيعزة تموجيزة وهزو ينتتشزر‬ ‫وفززق التمززوو‪ ،‬وبززدا آنززذات أن النالريززة الثانيززة قززد انتصززرت علززس ااولززس فززي هززذا الص زراع‪ ،‬ولكززن العلززم فززي‬

‫القززرن العتش زرين اكتتشززف الطبيعززة الكوانتيززة للضززوء وبززرهن عليمززا‪ ،‬وقززد المززر أن انكسززار الضززوء وحركاتززه‬ ‫االهت اإإيزة تتشززمد علززس طبيعتززه التموجيزة‪ ،‬أمززا تززأثيره فززي التصززوير الكمربزالي ومفعولززه الكيميززالي وغيززر هززذا‬

‫مززن الصززفات فتززدل علززس أن الضززوء يتصززف فززي الوقززت نفسززه بصززفة الجإيلززات‪ .‬وهكززذا عمززدت النالريززة‬

‫الحديث ززة للض ززوء بص ززفتما نفيز زال للنف ززي‪ ،‬ىل ززس جم ززع وتركيز ز‬

‫العناص ززر اإليجابي ززة ف ززي النالز زريتين الس ززابقتين‬

‫وحررتمما من وحدة الجان ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – ‪ –0672‬ص‪.212‬‬

‫‪366‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن التطور في كل مكان يحدث علس النحو التالي‪ :‬كل درجة عليا من دورة التطور هذه أو تلزت‪ ،‬تبزرإ‬

‫كتركي‬

‫للحركة السابقة كلما‪.‬‬

‫وهكزذا فزالتطور يمزر فزي درجزة تثبزت وجزود الالزاهرة‪ ،‬ثزم فزي درجزة نفيمزا‪ ،‬وأخيز الر فزي درجزة نفزي النفزي‪.‬‬

‫وبفضززل ذلززت ف ز ن التطززور بمجموعززه يسززير فززي خززط صززاعد‪ ،‬مززن البسززيط ىلززس المعقززد‪ ،‬مززن اادنززس ىلززس‬

‫ااعلس‪ ،‬لمذا يتمتع قانون نفي النفي بأهمية عالمس في توضيح االتجاه ااساسي في التطور‪.‬‬

‫ونززرى فززي المجتمززع أن كززل تتشززكيلة اجتماعيززة اقتصززادية جديززدة هززي عبززارة عززن درجززة تطززور أعلززس‪،‬‬

‫وعملية الصعود من اادنس ىلس ااعلس ال تتشمل البنيان االجتماعي بمجموعه فقط‪ ،‬بل وتتشمل كل ناحية‬

‫منفصلة من نواحي المجتمع‪ :‬مثل التكنيت‪ ،‬االنتاو‪ ،‬العلم‪ ،‬الفن‪ ،‬حياة النار‪.‬‬

‫ىن طريززق تطززور المعرفززة هززو االنتقززال مززن التصززورات ااوليززة البسززيطة المحتشززوة كثي ز الر بااوهززام‪ ،‬عززن‬

‫العالم‪ ،‬ىلس الذري المتشرقة التي توصلنا ىليما بفضل العلم الحديث‪.‬‬

‫في كل مكان‪ ،‬وفي أي ميدان طرقناه‪ ،‬نرى االتجاه ااسار ذاته‪ ،‬نرى التطور وفق خط صاعد‪.‬‬

‫ىن الحركة الصاعدة هي عملية معقدة ال يمكن فممما ببساطة فالتطور الصاعد في الطبيعزة والمجتمزع‬

‫يتحقق‪ ،‬علس أرضنا‪ ،‬في كتلة من ااتشزكال والالزواهر التزي يسزتبدل بعضزما بعضزال‪ ،‬وكزل منمزا عزابر غيزر‬

‫ثابت‪.‬‬

‫وال ينبغي أن نفمم أمر التطور علس أن كل تشكل من أتشكال النبات أو الحيوان يتطور دالمال وفزق خزط‬

‫صاعد‪.‬‬

‫إن بعض أجزاء خط التطور‪ ,‬في اتجاه الحركة التقدمي العام‪ ,‬يمكن أن تتوجه ال إلى األمام‪ ,‬بل إلى‬

‫الــوراء‪ ,‬يمكــن أن تعبــر عــن فت ـرات الحركــة الراجعــة‪ ,‬عــن التــأخر‪ ,‬ففــي المجتمــع مــثالً ال تظفــر القــوى‬

‫الطليعيــة الجديــدة دفعــة واحــدة‪ ,‬فكثي ـ ارً مــا تفشــل أمــام قــوى القــديم التــي تكــون اكثــر قــوة مــن الجديــد‬

‫الناشيء‪ .‬ففي المجتمع يدور صراع بين الطبقات واألحزاب المتناحرة‪ ,‬وسير هذا الصراع متعلـق بنسـبة‬

‫القوى‪.‬‬

‫ىن قانون نفي النفي‪ ،‬كأي قانون دياليكتيكي آخر‪ ،‬يتشير فقط ىلس االتجاه االعم في التطور وهو‪ ،‬كأي‬

‫قانون‪ ،‬يتبدل‪ ،‬ويغير تشكله عند التنفيزذ‪ ،‬حسز‬ ‫وقد نبه انجلإ بتشكل خا‬

‫طبيعزة التشزيء والتشزروط التزي يزتم فيمزا تطزور هزذا التشزيء‪.‬‬

‫قالالل بأن طريقة النفي "تتعلق بالطبيعة الخاصة بكل الرف علس حدة"‪.‬‬

‫لقزد سزخر انجلززإ ولينزين مزن أوللززت الزذين يتممزون الماركسززية وكأنمزا تتشزير ىلززس حتميزة مزوت ال أرسززمالية‬

‫والفززر االتشززتراكية باالعتمززاد علززس نفززي النفززي‪ ،‬و"الم ارحززل الززثالث"‪ .‬ىن مززاركر محز‬

‫فززي جبززال الوقززالع‪،‬‬

‫واكتتشززف قزوانين تطززور ال أرسززمالية‪ ،‬والفززر االتشززتراكية‪ ،‬ولززم يتوصززل ىلززس النتيجززة القاضززية فززي حتميززة مززوت‬

‫الرأسمالية‪ ،‬والفر االتشتراكية‪ ،‬ىلس علس أسار العمليات الموضوعية(دون ىغفزال العامزل الزذاتي‪ /‬الحزإ )‪.‬‬ ‫ولم يكن الديالكتيت‪ ،‬بما فيه قانون نفي النفي‪ ،‬اال طريقة تمحي‬

‫‪367‬‬

‫تلت الوقالع‪.‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ىن النتشاط العملي يبرإ كبدء‪ ،‬كنقطة انطالق للنالرية‪ ،‬والنالريزة تجيز‬

‫علزس أسزللة ومتطلبزات النتشزاط‬

‫العملزي‪ .‬وهزذا النتشزاط وحزده هزو القزادر علزس تبيزان حقيقزة النالريزة وفزي نتشزاط النزار العملزي وحزده تتحقززق‬ ‫منجإات النالرية‪.‬‬

‫الديالكتيت كنالرية للمعرفة‬

‫‪1‬‬

‫ المنطق الديالكتيكي والمنطق الشكلي‪:‬‬‫ىن المعرفززة انعكززار للواقززع وهززي عمليززة ديالكتيكيززة معقززدة ينفززذ فيمززا العقززل ىلززس جززوهر ااتشززياء‪ .‬وتززتم‬

‫المعرفة من خالل نتشوء التناقضات وحلما وتحمل طابعال فعاالل خالقال‪.‬‬ ‫كت ز‬

‫لينززين يقززول "فــي نظريــة المعرفــة‪ ,‬كمــا فــي كــل مجــاالت العلــم األخــرى يجــب أن نفكــر تفكي ـ ارً‬

‫ديالكتيكيـاً‪ ,‬أي يجـب أن ال نفتـرض أن معرفتنـا جـاهزة وال تتبــدل بـل أن نـدرس الطـرق التـي نشـأت بهــا‬

‫المعرفة من الال معرفة‪ ,‬وبأي شكل تصبح المعرفـة غيـر التامـة وغيـر الدقيقـة معرفـة أكثـر كمـاالً وأكثـر‬ ‫دقة"‪.‬‬

‫وتنطلق الفلسفة الماركسية من أن ما يسمس بالديالكتيت الذاتي (تطزور تفكيرنزا) هزو انعكزار للزديالكتيت‬

‫الموضوعي (تطور الواهر العالم المادي) ‪.‬‬

‫ىن وحدة قوانين التفكيزر وقزوانين الواقزع ال تعنزي عزدم وجزود فزارق بينممزا‪ ،‬أنمزا قزوانين واحزدة مزن حيزث‬

‫المحتزوى فحسز ‪ ،‬ولكنمززا مختلفززة مزن حيززث أتشززكال وجودهززا‪ ،‬فقزوانين الواقزع موجززودة وجززودال موضززوعيال أمززا‬ ‫القوانين ااخرى فموجودة في وعي اإلنسان كانعكار لألولس ذلت "ان قوانين المنطـق هـي نتـاج انعكـاس‬

‫ما هو موضوعي في وعي اإلنسان الذاتي" ‪.‬‬

‫ىن مضمون المنطق الديالكتيكي هي دراسة العالقات بين المفاهيم والتحوالت والتناقضات فيما ‪.‬‬ ‫ىن المسألة الرليسزية التزي يمزتم بمزا المنطزق الزديالكتيكي هزي مسزألة ‪ :‬الحقيقزة ‪ ،‬فمزو ينالزر فزي أتشزكال‬

‫التفكير علس أنما أتشكال ذات مضزمون ويبزين لنزا كيزف نتوصزل ىلزس المعرفزة الحقيقيزة عزن العزالم فزي هزذه‬ ‫ااتشكال ‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية – مجموعة من المؤلفين – دار التقدم – موسكو – ‪ –0672‬ص‪.207‬‬

‫‪368‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفصل اخلامس‬

‫املادية التارخيية‬ ‫موضوع بحث المادية التاريخية‬

‫تدرر المادية التاريخية القزوانين التزي تحكزم تفاعزل المزادة والزوعي والقزوانين الكونيزة للوجزود فيمزا يتعلزق‬

‫بالحياة في المجتمع‪.1‬‬

‫لكن هذا ال يعني بطبيعة الحال أن المادية الديالكتيكية ال تدرر مالاهر القوانين الكونية لحركزة المزادة‬ ‫وتطورهززا فززي المجتمززع‪ ،‬فالماديززة الديالكتيكيززة التززي تواجززه مممززة د ارسززة الق زوانين الكامنززة فززي كززل مجززاالت‬ ‫الوجود ال يمكنما أن تتفادى تقصي كيف تزؤدي هزذه القزوانين واليفتمزا فزي الحيزاة االجتماعيزة‪ ،‬لكنمزا وهزي‬

‫تدرر تعبيرات هذه القوانين في المجتمع فمي تركإ اهتمامما فقط علس تلت العناصر والجوانز‬

‫المتشتركة في كل مجاالت الوجود ااخرى‪.‬‬

‫والعالقزات‬

‫ت ززدرر المادي ززة التاريخي ززة واليف ززة القز زوانين الكوني ززة ف ززي الحي ززاة االجتماعي ززة م ززن اج ززل ان تكتش ززف ع ززن‬

‫مضمونما الخا‬

‫المحدد‪ ،‬المتشروط بخصوصيات التشكل االجتماعي من حركة المادة‪.‬‬

‫وعن طريق اثبات الطبيعة الخاصة للقوانين (التي درستما المادية الديالكتيكية) في الحيزاة االجتماعيزة‪،‬‬

‫تكتتشف المادية التاريخية القوانين العامة التي تحكم واليفة وتطور المجتمع االنساني‪.‬‬

‫هكذا‪ ...‬فعلى حين تثبت المادية الديالكتيكية قوانين الترابط الداخلي بين المادة والوعي على العمـوم‬

‫بتقديم الحل للمشكلة األساسية في الفلسفة‪ ,‬فإن الماديـة التاريخيـة‪ ,‬وهـي تتعامـل مـع المشـكلة نفسـها‬ ‫في تطبيقها على المجتمع‪ ,‬تكشف قوانين الترابط الـداخلي بـين الكـائن االجتمـاعي والـوعي االجتمـاعي‪,‬‬

‫بين الحياة المادية والحياة الروحية في المجتمع‪ .‬هذه االنماط التي تحكمهـا القـوانين‪ -‬رغـم انهـا تعبيـر‬

‫عــن الق ـوانين العامــة التــي تنطبــق علــى الواقــع كلــه – لهــا مضــمونها الخــاص‪ ,‬ومــن ثــم فهــي ق ـوانين‬ ‫مستقلة تحكم عمل الكائن االجتماعي‪.‬‬

‫وفــي ســياق الماديــة التاريخيــة‪ ,‬فــإن قانونـاً عامـاً مثــل وحــدة و"صـراع" االضــداد يأخــذ شــكل الصـراع‬

‫الطبقــي فــي مجتمــع معــاد‪ ,‬والتــرابط الــداخلي بــين االنتــاج واالســتهالك وغيرهمــا مــن قــوانين التطــور‬

‫االجتمــاعي‪ .‬وقــانون تحــول التغي ـرات الكميــة إلــى كيفيــة حــين يطبــق علــى المجتمــع يأخــذ شــكل الثــورة‬ ‫االجتماعية وشكل قوانين أخرى للتغير الكيفي في مختلف جوانب الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ا‪.‬ب‪ .‬شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – ‪ – 0610‬ص‪.026‬‬

‫‪369‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وقانون نفي النفي يأخذ شكل إبدال التكوينات االجتماعية – االقتصادية في عملية التطور التاريخي‬

‫وتكرار االحداث الماضية في مرحلة أرقى‪ ,‬وهو ما يحدث في كل مجاالت الحياة االجتماعية‪ ,‬وهكذا‪.‬‬

‫إذن فالمادية التاريخية تدرس قوانين العالقة الداخلية بين المـادة والـوعي‪ ,‬والقـوانين العامـة للوجـود‬

‫في تعبيراتها الخاصة بالحياة االجتماعية‪ .‬وتكشف – على هـذا األسـاس – القـوانين العامـة التـي تحكـم‬

‫وظيفــة وتطــور المجتمــع كشــكل خــاص مــن حركــة المــادة‪ .‬إذن فموضــوع بحــث الماديــة التاريخيــة هــو‬

‫القوانين العامة التي تحكم وظيفة المجتمع وتطوره‪.‬‬

‫وواذا كانت المادية الديالكتيكية هي الفلسفة الماركسية بالمعنس العام للكلمة‪ ،‬هي العلزم الزذي يزدرر اعزم‬ ‫قزوانين حركززة الطبيعززة والمجتمززع والفكززر اإلنسززاني‪ ،‬فز ن الماديززة التاريخيززة هززي نالريززة المجتمززع الماركسززية‪،‬‬ ‫هززي العلززم الززذي يبحززث فززي القزوانين العامززة والقززوى المحركززة لتطززور المجتمززع البتشززري‪ .‬وال يقتصززر موضززوع‬ ‫المادي ززة التاريخي ززة عل ززس د ارس ززة ت ززاريخ المجتمع ززات‪ ،‬ت ززاريخ الم ززور وتط ززور وتغي ززر التتش ززكيالت االجتماعي ززة‬

‫االقتصززادية‪ ،‬بززل يتشززمل أيضزال د ارسززة قانونيززات الحيززاة المعاص زرة لمختلززف البلززدان (ال أرسززمالية‪ ،‬االتشززتراكية‪،‬‬

‫المتخلفة) وقانونيات الحياة االجتماعية لإلنسانية بوجه عام‪.‬‬

‫إن المادية التاريخيـة بوصـفها علمـاً عـن قـوانين التطـور االجتمـاعي هـي نظريـة فلسـفية‪ ,‬منهجيـة‪,‬‬

‫سسيولوجية في الوقت نفسه‪.‬‬ ‫فمي تجي‬

‫عن المسألة ااساسية في الفلسفة‪ ،‬مطبقة علس المجتمع‪ ،‬ىجابزة ماديزة‪ ،‬بتأكيزدها‪ ،‬أن حيزاة‬

‫المجتمززع الماديززة‪ ،‬وبخاصززة عمليززة اإلنتززاو المززادي‪ ،‬تتشززكل أسززار تفاعززل جميززع الالززاهرات االجتماعيززة‪،‬‬ ‫وتحززدد فززي نمايززة المطززاف الميززدان الروحززي مززن حيززاة المجتمزع وكززذلت جميززع الاهراتمززا ااخززرى‪ .‬وهززذا هززو‬

‫مبدأ المادية‪.‬‬

‫لكن هذه النظرية االجتماعية العامة هي مرشد لدراسة المجتمع‪ ,‬وليس وسيلة لرسم مجرى التاريخ‪,‬‬

‫وليست مفتاحاً سحرياً يعفـي مـن دراسـة السـير الـواقعي الملمـوس لحركـة التـاريخ فـي كـل زمـان ومكـان‬

‫عموماً وفي تاريخ التطور االجتماعي االقتصادي الفلسطيني والعربي على وجه الخصوص‪.‬‬

‫وفي هذا السياق يؤكد انجلس على " أن المنهج المادي ينقلب إلى نقيضه كل مـرة يسـتعمل فيهـا ال‬

‫كدليل موجه للبحث التاريخي بل كنموذج جاهز لنحـت واعـادة نحـت الوقـائع التاريخيـة" ونصـح "بإعـادة‬ ‫دراسة كامل مراحل التاريخ ‪ ...‬وبإخضاع شروط عيش مختلف التشكيالت االجتماعية إلى بحث مفصل‬ ‫قبـل أن يحـاول أن يسـتخلص منهــا التصـورات السياسـية والقانونيـة والفلســفية والدينيـة التـي تطابقهــا"‪.‬‬

‫كما دقق انجلس بقوة‪ ,‬في "إن العامل المحدد حسب التصور المادي للتاريخ هو في آخر التحليل إنتاج‬

‫الحياة الواقعية وتجديد إنتاجها‪ ,‬ولم يقل ماركس أبداً وال أنا أكثر من ذلـك‪ .‬فـإن شـوه أحـدهم هـذا الـرأي‬ ‫بأن جعله يدل على أن العامل االقتصادي هو المحدد الوحيـد فقـد حولـه إلـى كـالم أجـوف ومجـرد وغيـر‬

‫معقــول"‪ .‬أبــرز إنجلــس فــي هــذا الــنص االســتقاللية النســبية التــي تتمتــع بهــا مكونــات البنــاء الفــوقي‪:‬‬

‫فأشكال الصراع الطبقي السياسي ونتائجـه والدسـاتير والصـيغ القانونيـة والنظريـات القانونيـة والفلسـفية‬ ‫‪371‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والتصورات الدينية وتطورها إلى انظمـة دوغمائيـة فـي كثيـر مـن الحـاالت‪ ,‬كـل ذلـك يحـدده بصـفة كبيـرة‬

‫جداً شكل التطور التاريخي‪" :‬فكل هذه العوامل تتفاعل فيما بينها وتتوصل الحركة االقتصـادية فـي آخـر‬ ‫األمر إلى شق طريق لها في صلب هذا التفاعل‪ ,‬من خالل عدد ال متنـاه مـن األحـداث الجـائزة‪ ,‬ويكـون‬

‫ذلك بمثابة الضرورة"‪.1‬‬

‫‪ -‬مقدمات ظهور المادية التاريخية‪:2‬‬

‫‪ -0‬المقدمات االجتماعية – االقتصادية‪:‬‬ ‫لز ززم يكز ززن ممكن ز زال أن تالمز ززر الماركسز ززية‪ ،‬والماديز ززة التاريخيز ززة كجز ززإء مكز ززون لمز ززا‪ ،‬قبز ززل نضز ززا الالز ززروف‬

‫االجتماعية الموضوعية الالإمة لالمورها‪.‬‬

‫فمع تطور الرأسمالية إالت العإلة التي كانت قالمة بين مختلف البلدان والتشعو ‪ ،‬ويتبزين أكثزر فزأكثر‪،‬‬

‫أن تاريخ البتشرية بأسرها واحد‪ ،‬وأن كل تشع‬

‫يمر خاللما بمراحل تحكمما قوانين تاريخية حتمية‪.‬‬

‫ولم يكتشف تطور الرأسمالية ىمكانيات جديدة للمعرفة االجتماعية فحس ‪ ،‬بل خلق الحاجزة االجتماعيزة‬

‫ىلس بناء علم عن المجتمع‪.‬‬

‫وكان العامل الحاسم في المور المادية التاريخية هو اكتمال تكون الطبقة االجتماعيزة‪ ،‬التزي يعبزر هزذا‬

‫العلم عن مصالحما‪ .‬لقد كانت الطبقة العاملة (البروليتاريا) وحدها‪ ،‬هي الطبقة االجتماعية التي ال يعنيما‬ ‫اسزتمرار النالززام االجتمززاعي القزالم علززس اسززتغالل اإلنسززان لإلنسزان‪ ،‬بززل تززتلخ‬

‫مصزلحتما فززي ىنمززاء هززذا‬

‫النالام‪ ،‬وواقامة المجتمزع الالطبقزي‪ .‬ىن هزذه الطبقزة لزم تالمزر وتتكزون‪ ،‬فزي البلزدان ال أرسزمالية المتقدمزة‪ ،‬ىال‬

‫فززي الق زرنين السززابع عتشززر والثززامن عتشززر‪ ،‬وال تصززل ىلززس درجززة كافيززة مززن الززوعي السياسززي‪ ،‬بحيززث تتشززكل‬ ‫طبقة اجتماعية جديدة‪ ،‬تلع‬

‫دو الر ممي الإ في التاريخ ىال في أواسط القرن التاسع عتشر‪.‬‬

‫لقززد كززان المززور الماركسززية تعبي ز الر عززن النضززا السياسززي والفكززري لطاللززع الطبقززة العاملززة‪ ،‬وواتشززارة ىلززس‬

‫حلول دورها التاريخي في النضال ضد الرأسمالية‪ ،‬وضد جميع أتشكال االستغالل االقتصادي واالجتمزاعي‬ ‫والسياسي والروحي‪ ،‬وفي بناء المجتمع الخالي من الطبقات‪.‬‬ ‫‪ -3‬المقدمات الفكرية النظرية‪:‬‬

‫لززم يكززن المززور الماديززة التاريخيززة خارج زال عززن ىطززار تطززور الفكززر العلمززي بوجززه عززام‪ ،‬ذلززت "ىن تززاريخ‬

‫الفلسززفة‪ ،‬وتززاريخ العلززم االجتمززاعي‪ ،‬يبينززان بكززل وضززوح أن الماركسززية ال تتشززبه البدعززة فززي تشززيء‪ ،‬بمعنززس‬ ‫المذه‬

‫المتحجر المنطزوي علزس نفسزه‪ ،‬الزذي قزام بمعزإل عزن الطريزق الرليسزي لتطزور الحضزارة العالميزة‪.‬‬

‫علس العكر من ذلت‪ ،‬ف ن عبقرية ماركر كلما تتجلس بالضبط في كونه أجزا‬

‫الفكر اإلنساني التقدمي‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫عزن ااسزللة التزي طرحمزا‬

‫معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج البيكا – دار الفارابي – بيروت – ‪ – 3112‬ص‪.0023‬‬ ‫معجم الماركسية النقدي – مجموعة مؤلفين بإشراف الفيلسوف جورج البيكا – دار الفارابي – بيروت – ‪ – 3112‬ص‪.0092‬‬

‫‪370‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وتجدر اإلتشارة ىلس العيو الرليسية للنالرات السسيولوجية التي كانت سالدة قبل ماركر وانغلإ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬كززان المفكززرون السسززيولوجيون قبززل مززاركر يعززالجون ااحززداث التاريخيززة مززن وجمززة نالززر الززدوافع‬

‫المثالية لنتشاط النار بالدرجة ااولس‪ ،‬دون النالر في ااسبا‬

‫العميقة التي تحدد تلت الدوافع‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬كانت النالرات السسيولوجية المثاليزة قزد حفزرت هزوة عميقزة بزين المجتمزع والطبيعزة المحيطزة بزه‪.‬‬

‫أما ماركر فقد بين أن اإلنسان‪ ،‬والمجتمع اإلنساني‪ ،‬هو جإء من العالم المادي المحيط به‪ ،‬ووان كانت له‬

‫خصالصه المميإة‪.‬‬

‫ثالث ـاً‪ :‬تتجاهززل السس زيولوجيا المثاليززة الززدور الحاسززم الززذي تلعبززه الجمززاهير التشززعبية فززي صززنع التززاريخ‪،‬‬

‫وترجع تاريخ المجتمع البتشري ىلس تاريخ نتشاط التشخصيات العاليمة‪.‬‬

‫وأخي ـ ارً‪ :‬اعتبززر المؤرخززون وعلمززاء االجتمززاع وعلمززاء االقتصززاد قبززل مززاركر أن ال أرسززمالية هززي النالززام‬

‫الطبيعي اابدي غير القابل للتجاوإ‪.‬‬

‫ المقوالت األساسية للمادية التاريخية‪:1‬‬‫نستطيع أن نستخل‬

‫المقوالت ااساسية التاليزة‪ ،‬التزي صزارت تتشزكل أحجزار الإاويزة فزي الفمزم المزادي‬

‫للتاريخ‪ ،‬وفي المنما المادي التاريخي لدراسة الالواهر االجتماعية‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫الوجود االجتماعي (الواقع االجتماعي)‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫الوعي االجتماعي‪.‬‬

‫‪-‬‬

‫البناء الفوقي‪.‬‬

‫‬‫‪-‬‬

‫التتشكيل (التتشكيلة) االجتماعي – االقتصادي‪.‬‬ ‫قوى اإلنتاو (القوى اإلنتاجية‪ ،‬القوى المنتجة)‪.‬‬

‫التشكيل االجتماعي – االقتصادي‪:‬‬

‫التتشززكيل االجتمززاعي – االقتصززادي أحززد المقزوالت ااساسززية‪ ،‬التززي تسززتخدمما الماديززة التاريخيززة لتحديززد‬

‫المرحلة التي يعيتشما المجتمع في تطوره التاريخي‪ ،‬وللتأكيد علس الوحدة والترابط الديالكتيكيين بين مختلف‬ ‫الاهرات الحياة االجتماعية في كل مرحلة من التاريخ‪.‬‬

‫‪ 1‬الموسوعة الفلسفية العربية ‪ -‬معهد اإلنماء العربي ‪ -‬المجلد الثاني– الطبعة األولى – ص‪.0096‬‬

‫‪372‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ويمكن تعريف التشكيل االجتماعي على النحو التالي‪:‬‬

‫"هــو عضــوية اجتماعيــة – إنتاجيــة فــي حالــة تطــور دائــم‪ ,‬لهــا ق ـوانين خاصــة بظهورهــا‪ ,‬وقيامهــا‬

‫بوظائفها‪ ,‬وتطورها ثم تحولها إلى عضوية اجتماعيـة – إنتاجيـة أخـرى أكثـر تعقيـداً‪ .‬وفـي كـل عضـوية‬ ‫من هذه العضـويات نمـط خـاص لإلنتـاج‪ ,‬وشـكل معـين مـن العالقـات اإلنتاجيـة‪ ,‬وطـابع خـاص للتنظـيم‬

‫االجتمــاعي للعمــل‪ ,‬وطبقــات خاصــة‪ ,‬وأشــكال خاصــة لالســتغالل الطبقــي (فــي التشــكيالت الطبقيــة)‪,‬‬

‫وأشــكال خاصــة‪ ,‬محــددة تاريخيـــاً‪ ,‬مــن تجمعــات النــاس والعالقـــات بيــنهم‪ ,‬وطرائــق معينــة فـــي اإلدارة‬ ‫والتنظيم السياسي‪ ,‬وأشكال متميزة في تنظيم األسرة والعالقات األسرية‪ ,‬وأفكار اجتماعية خاصة"‪.‬‬

‫هذا التعريف يعني أن التشكيل االجتماعي هو المجتمع كله في مرحلة معينة مـن تاريخـه‪ ,‬وأن هـذا‬

‫المفهوم يشمل كل الظواهر االجتماعية في وحـدتها العضـوية‪ ,‬وتأثيرهـا المتبـادل فـي مرحلـة معينـة مـن‬ ‫تاريخ مجتمع ما‪.‬‬

‫في مقدمة كتابزه مسزاهمة فزي نقزد االقتصزاد السياسزي‪ ،‬يعزر‬

‫مزاركر مزا يعتبزر الصزياغة الكالسزيكية‬

‫لألسزر الماديززة التاريخيزة‪ ،‬ويضززم أهزم مقوالتمززا‪ ،‬فمزو يقززول‪ :‬ىن النتيجزة العامززة التزي توصززلت ىليمزا‪ ،‬والتززي‬ ‫أصبحت بمثابة خيط هام في أبحاثي الالحقة‪ ،‬ىنما يمكن صياغتما ب يجاإ علس النحو التالي‪:‬‬

‫"ىن النار‪ ،‬أثناء اإلنتاو االجتماعي لحياتمم‪ ،‬يقيمون فيما بينمم عالقات معينة ضرورية‪ ،‬مسزتقلة عزن‬

‫ىرادتمم‪ .‬هي عالقات اإلنتاو التي تاللم درجة معينة من تطور قواهم اإلنتاجية المادية‪ ،‬ومجمزوع عالقزات‬ ‫اإلنتززاو هززذه يؤلززف البنيززة االقتصززادية للمجمززوع‪ ،‬أي القاعززدة الفعليززة التززي يقززوم عليمززا بنززاء فززوقي حقززوقي‬

‫سياسي‪ ،‬تاللمه أتشكال معينة من الوعي االجتماعي"‪ .‬ثم يضزيف مزاركر بقولزه " ىن أسزلو ىنتزاو الحيزاة‬

‫المادية يتشترط سيرورات الحياة االجتماعية السياسية والفكرية بصورة عامزة‪ ،‬فلزير وعزي النزار هزو الزذي‬ ‫يحدد وجزودهم‪ ،‬بزل علزس العكزر مزن ذلزت وجزودهم االجتمزاعي هزو الزذي يحزدد وعزيمم"‪ .‬وعنزدما تبلزغ قزوى‬ ‫المجتمع اإلنتاجية المادية درجة معينة مزن تطورهزا‪ ،‬تزدخل فزي تنزاق‬

‫مزع عالقزات اإلنتزاو الموجزودة‪ ،‬أو‬

‫مززع عالقززات الملكيززة ‪ -‬وليسززت هززذه سززوى التعبيززر الحقززوقي لتلززت‪ -‬التززي كانززت حتززس ذلززت الحززين تتطززور‬ ‫ضمنما‪ .‬وتصبح هذه العالقات قيودال لقوى اإلنتاو بعد أن كانت أتشكاالل لتطورها‪ ،‬وعندلزذ يحزل عمزد الثزورة‬ ‫االجتماعية‪ ،‬ومزع تغيزر القاعزدة االقتصزادية يحزدث انقزال‬

‫تلت‪.‬‬

‫فزي كزل البنزاء الفزوقي المالزل‪ ،‬بمزذه السزرعة أو‬

‫إن أي تشكيل اجتماعي ال يموت قبل أن يكتمل تطور جميع القوى االنتاجية –في التشكيل الجديد‪-‬‬

‫التي تفسح لها ما يكفي من المجال‪ ,‬وال تظهر أبداً عالقات إنتـاج جديـدة أرقـى‪ ,‬قبـل أن تنضـج شـروط‬ ‫وجودهــا الماديــة فــي قلــب المجتمــع القــديم بالــذات‪ ,‬ولمززذا ال تض زع اإلنسززانية أماممززا ىال المسززالل التززي‬

‫تس ززتطيع حلم ززا‪ .‬ىذ يتض ززح دالمز زال‪ ،‬عن ززد البح ززث ع ززن كثز ز ‪ ،‬أن المس ززألة نفس ززما ال تالم ززر ىال عن ززدما تك ززون‬ ‫التشروط المادية لحلما موجودة‪ ،‬أو علزس ااقزل‪ ،‬آخزذة فزي التكزون وبوجزه عزام يمكزن اعتبزار أنمزاط اإلنتزاو‬

‫ااسززيوي‪ ،‬والقززديم‪ ،‬اإلقطززاعي والبرج زواإي الحززديث‪ ،‬بمثابززة عمززود متصززاعدة مززن التتشززكيالت االجتماعيززة‬ ‫‪373‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االقتص ززادية‪ .‬ووان عالق ززات اإلنت ززاو البرجواإي ززة ه ززي التش ززكل التن ززاحري ااخي ززر لعملي ززة اإلنت ززاو االجتماعي ززة‬ ‫التناحري ال بالمعنس الفردي‪ ،‬بزل بمعنزس التنزاحر الزذي ينمزو مزن التشزروط االجتماعيزة لحيزاة اافزراد‪ ،‬ولكزن‬ ‫قوى اإلنتاو المتنامية في قل‬

‫المجتمع البرجزواإي تخلزق فزي الوقزت نفسزه التشزروط الماديزة اجزل حزل هزذا‬

‫التناحر‪.‬‬

‫فززي ضززوء مززا تقززدم ‪ ،‬نسززتطيع أن نسززتخل‬

‫المق زوالت ااساسززية التاليززة‪ ،‬التززي صززارت تتشززكل أحجززار‬

‫الإاوية في الفمم المادي للتاريخ‪ ،‬وفي المنما التاريخي لدراسة الالواهر االجتماعية‪.‬‬

‫الوجززود االجتمززاعي (الواقززع االجتمززاعي) – الززوعي االجتمززاعي – التتشززكيل (التتشززكيلية) االجتمززاعي –‬

‫االقتصززادي القاعززدة االقتصززادية البنززاء التحتززي – البنززاء الفززوقي ‪ -‬نمززط اإلنتززاو (أسززلو اإلنتززاو) – قززوى‬ ‫اإلنتاو (القوى اإلنتاجية‪ ،‬القوى المنتجة) – عالقات اإلنتاو (العالقات اإلنتاجية)‪.‬‬

‫اإلنتاج المادي كأساس لوجود المجتمع وتطوره‪:‬‬

‫‪ )0‬مفهوم اإلنتاج‪:1‬‬

‫كما سبق أن أتشرنا ف ن المجتمع علس عكر القطيع الحيواني ال يوجد فقط بالتوافق مع البيلة الطبيعية‬

‫واسززتخدام الوسززالل الماديززة التززي يخلقمززا‪ ،‬لكنززه أيضزال يطززوع الوسززالل الطبيعيززة لتلبيززة احتياجاتززه عززن طريززق‬

‫تغييزر خصزال‬

‫ااجسزام الماديزة التزي خلقتمزا الطبيعزة وتحويلمزا ىلزس ادوات ماديزة تحقزق مطلز‬

‫اإلنسززان‬

‫في البقاء‪ .‬وتحويزل المزواد الطبيعيزة ىلزس وسزالل يحقزق بمزا النزار الزوفرة الماديزة يزتم عزن طريزق العمزل فزي‬ ‫الطبيعززة بززأدوات مصززممة لمززذا خصيصزال هززي أدوات العمززل أو وسززالله‪ ،‬هززذا التززأثير المززادف علززس الطبيعززة‬

‫وتحويزل خصالصزما لصزالح المجتمزع هزو اإلنتزاو‪ ،‬وأهزم عناصزر اإلنتزاو هزي‪ )0( :‬النتشزاط المززادف‪)3( ،‬‬

‫مواد العمل‪ )3( ،‬وسالل العمل‪.‬‬

‫وفي عمليزة العمزل يزتم الزتحكم فزي النتشزاط اإلنسزاني بزوعي ويخضزع لمزدف بدقزة‪ ،‬ولتوضزيح االخزتالف‬

‫بزين النتشزاط اإلنتززاجي واافعزال الغريإيززة للحيزوان أتشززار مزاركر ىلزس هززذه الصزفة نفسززما أي الطزابع الزواعي‬ ‫والمادف لعمليات العمل‪ ،‬كت‬

‫ماركر‪" :‬ىن اإلنسان ال يؤثر فقط في تشكل المادة التي يعمل عليمزا‪ ،‬لكنزه‬

‫أيضال يحقق هدفال خاصال به هو يحدد قانون أسلو عمله‪ ،‬وعليه أن يخضع ىرادته له‪."...‬‬

‫ومززادة العمززل هززي ذلززت الجززإء مززن الطبيعززة الززذي يززؤثر عليززه اإلنسززان فززي عمليززة اإلنتززاو ويحولززه ىلززس‬

‫موضززوع قززادر علززس تلبيززة بعز‬

‫احتياجززات المجتمززع‪ ،‬فالحديززد والفحززم والبتززرول التززي تسززتخرو مززن اار‬

‫وتمر بعمليات معينة هي مواد العمل‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫ا‪.‬ب‪ .‬شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – ‪ – 0610‬ص‪.097‬‬

‫‪374‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والم زواد س زواء كان ززت موجززودة ف ززي صززورتما الطبيعيززة (المع ززادن فززي اار‬

‫وااس ززمات فززي المس ززاحات‬

‫المالية الطبيعية والغابات وااراضي العذراء‪...‬ىلخ) أو مرت بعمليات تصنيع أولية بتطبيزق العمزل (الحديزد‬

‫في المسزبت‪ ،‬القطزن فزي المغزاإل‪ ،‬القمزح فزي المطزاحن‪ ،‬الزدقيق فزي المخزابإ‪...‬ىلزخ) يمكزن اعتبارهزا جميعزال‬ ‫مواد العمل‪ ،‬ومزواد العمزل التزي مزرت بزبع‬

‫عمليزات المعالجزة وتتضزمن قزد الر مزن العمزل اإلنسزاني تعزرف‬

‫بززالمواد الخززام‪ ،‬أي مززادة خززام ىذن هززي "مززادة للعمززل‪ ،‬ولكززن لززير كززل تشززيء للعمززل هززو مززادة خززام‪ ،‬ىنمززا هززو‬ ‫يصبح كذلت ىذا مر ببع‬ ‫والتشيء أو مرك‬

‫التغيرات عن طريق العمل‪."...‬‬

‫ااتشياء الذي يضعه اإلنسان بين نفسه وبين مادة العمل والذي يقزوم بزدور الموصزل‬

‫لتأثير اإلنسان علس هذا التشيء هو أدوات العمل أو وسالل العمل‪.‬‬

‫ف ز ززاالدوات اآللي ز ززة والماكين ز ززات ومختل ز ززف المع ز ززدات وأبني ز ززة اإلنت ز ززاو ووس ز ززالل النق ز ززل الض ز ززرورية لخدم ز ززة‬

‫المتشززروعات الصززناعية ومززا ىلززس ذلززت‪ ،‬هززي جميع زال ادوات العمززل فززي الصززناعة‪ ،‬وبالنسززبة للإ ارعززة فمنززات‬

‫اآلالت الإ ارعيززة وكافززة اادوات التززي تسززتخدم فززي إ ارعززة اار‬

‫وفززي الحصززاد وفززي ىعززداد اار‬

‫قبززل‬

‫الإ ارعززة‪ ،‬مززن حيززث هززي جميع زال جززإء مززن كززل التشززروط الضززرورية للبززذور كززي تنبززت وللنبززات كززي ينمززو‬ ‫وينضا‪ ،‬كذلت أيضال وسالل النقزل التزي تسزتخدم لنقزل البزذور والمحاصزيل ومخزاإن الحبزو والمسزتودعات‬

‫لحفززال المحاصززيل ومززا ىلززس ذلززت‪ .‬وفززي تربيززة المواتشززي تتشززمل أدوات العمززل الحيوانززات التززي تربززي مززن أجززل‬ ‫الصزوف واللززبن والإبززد وغيرهززا مززن المنتجززات والحالززالر التززي توضززع فيمززا هززذه الحيوانززات‪ ،‬وآالت صززيانتما‬

‫واستغاللما‪ ...‬ىلخ‪.‬‬

‫وأدوات العمل (‪ )instrunments‬فلة مستقلة من وسالل العمل‪ ،‬فأدوات العمل هي وسالل العمل التي‬

‫تستخدم كموصالت مباتشرة لتأثير اإلنسان علس موضوع العمل والتي تحدث فيه تغيرات مماثلة عن طريق‬ ‫خصالص ززما (اآللي ززة أو الفيإيقي ززة أو الكيميالي ززة)‪ ،‬فك ززل أنز زواع اآلالت والع ززدد مث ززل المخ ززارط وآالت تص ززنيع‬ ‫المعادن وآالت الغإل والنسيا وما ىليما‪ ،‬كذلت المحراث ومسجاة التربزة وماكينزة الخياطزة وآلزة الحصزاد‪...‬‬ ‫ه ززذه كلم ززا أمثل ززة ادوات العم ززل‪ ،‬وأبس ززط أدوات خلقم ززا اإلنس ززان ف ززي الم ارح ززل ااول ززس م ززن تط ززور المجتم ززع‬

‫اإلنساني هي المدية والفأر والمطرقة والجرافة ‪ ...‬الخ ‪.‬‬

‫موضوعات العمل ووسائل العمل هي معاً وسائل اإلنتاج ‪:‬‬

‫تلع‬

‫وسالل العمل دو الر هامال في ىنتاو الوفرة المادية‪ ،‬ومستوى تطورها يجدد طابع النالزام االقتصزادي‬

‫للمجتمززع ودرجززة سززيطرة اإلنسززان علززس الطبيعززة‪ ،‬كتز‬

‫مززاركر‪" :‬ىنمززا ليسززت اادوات التززي صززنعت‪ ،‬ولكززن‬

‫كيف صنعت وبأي أدوات أخرى هو ما يمكننا أن نميإ بين الحقول االقتصادية المختلفة‪."...‬‬

‫‪375‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ )3‬قوى اإلنتاج في المجتمع‪:1‬‬

‫(أ) جوهر قوى اإلنتاج هي عبارة عن‪:‬‬

‫وســائل العمــل والنــاس الــذين يضــعونها فــي التطبيــق وينتجــون الــوفرة الماديــة بفضــل خبــرة اإلنتــاج‬

‫المحددة ومهارات العمل تمثل قوى اإلنتاج في المجتمع‪.‬‬

‫ووانتززاو الززوفرة الماديززة يززتم عززن طريززق النززار‪ ،‬فالكالنززات اإلنسززانية هززي التززي تززؤثر فززي الطبيعززة وتحززول‬

‫الم زواد ىلززس وسززالل إلنتززاو ضززرورات الحيززاة‪ ،‬وواضززح بالتززالي أن النززار الززذين يسززممون فززي اإلنتززاو يج ز‬

‫ىدراجمم ضمن قوى اإلنتاو‪ ،‬فضزالل عزن ذلزت فالنزار هزم قزوة اإلنتزاو ااساسزية فزي المجتمزع‪ ،‬فمزم مصزدر‬ ‫اإلبداع والجان‬

‫الحي من النتشاط اإلنتاجي‪.‬‬

‫ويززؤثر النززار فززي الطبيعززة ال بأيززديمم العاريززة بصززورة غيززر مباتش زرة‪ ،‬ولكززن عززن طريززق وسززالل العمززل‪،‬‬

‫وتعتمد الدرجة التي تتغير بما الطبيعة وكمية الوفرة الماديزة التزي يزتم ىنتاجمزا اعتمزادال أساسزيال علزس وسزالل‬ ‫وأدوات العمل المستخدمة‪ ،‬ىذن فوسالل العمل أيضال تمثل جانبال من قوى اإلنتاو في المجتمع‪.‬‬ ‫وفي حين أن وسالل العمل عنصر أساسي بين قوى اإلنتاو فيج‬

‫ولكن فقط عن طريق اتحادها العضوي مع اإلنسان ‪.‬‬

‫واسززتخدام حتززس أبسززط وسززالل العمززل فززي العمليززة الخالقززة يفتززر‬

‫أن نؤكد أنما قزوى ىنتزاو ال بزذاتما‪،‬‬

‫معرفززة كيفيززة اسززتخدام هززذه الوسززالل‬

‫وممززارة وخب زرة خاصززة فززي اسززتخدام وسززالل العمززل المحززددة‪ ،‬وكلمززا إادت الخب زرة فززي اسززتخدام أي وسززالل‬ ‫للعمل كلما أصبحت أفعال النار أفضل وأكثر كفاءة‪ ،‬وتعاالمت قواهم اإلنتاجية‪.‬‬

‫ىذن فقززوى اإلنتززاو فززي المجتمززع تعتمززد لززير فقززط علززس النززار الززذين يتشززاركون فززي ىنتززاو الززوفرة الماديززة‬

‫ووسالل العمل التي يستخدمونما ولكن أيضال علس الخبرة في استخدامما وممارة العاملين‪.‬‬

‫والتناليم التكنيكي أو التقني للعمل‪ ،‬أي وضع النار أثناء عملية اإلنتاو وتقسيم الوالالف بينمم عوامل‬

‫تؤثر في قوى المجتمع اإلنتاجيزة وكلمزا تقزدم تنالزيم العمزل واسزتخدامه اسزتخدامال عقالنيزال واالنتفزاع بوسزالل‬

‫العمل وقوة العمل كلما تعاالمت قوى اإلنتاو في المجتمع ‪.‬‬ ‫(ب)‬

‫القوى اإلنتاجية في المجتمع والعلم‪:2‬‬

‫في المراحل المبكرة مزن تطزور المجتمزع حزين كزان العلزم ال يزإال فزي ممزده وأدوات العمزل علزس مسزتوى‬

‫بسززيط بززدالي ومصززمم مززن أجززل العمززل اليززدوي كززان النززار قززانعين –فيمززا يتعلززق ب نتززاو الززوفرة الماديززة‪-‬‬ ‫بالمعرفززة التجريبيززة التززي جمعتمززا ااجيززال السززابقة فززي صزراعمم ضززد الطبيعززة وراكموهززا فززي وسززالل العمززل‬ ‫التي انتجوها وفي خبرات اإلنتاو التي نقلوها من جيل لجيل‪ ،‬ومع التحول التدريجي مع العمل اليدوي ىلس‬

‫‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫ا‪.‬ب‪ .‬شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – ‪.096 – 0610‬‬ ‫ا‪.‬ب‪ .‬شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – ‪.071 – 0610‬‬

‫‪376‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلنت ززاو اآلل ززي فليس ززت المعرف ززة الت ززي اكتس ززبما المنتج ززون مباتشز زرة م ززن عملي ززات العم ززل والت ززدري‬

‫فق ززط ب ززل‬

‫واالكتتشافات العمليزة أيضزال بزدأت تنزدما فزي وسزالل العمزل التزي تنزتا وفزي وسزالل اسزتخدامما‪ .‬ىن تصزميم‬ ‫وتتشززغيل اآلالت قززام علززس أسززار االسززتخدام المززنالم لق زوانين الطبيعززة التززي اكتتشززفما العلززم‪ ،‬وقززد أتززاح هززذا‬

‫وضع عناصر الطبيعة في خدمة اإلنتاو ووابدالما بالعمل اإلنساني‪.‬‬ ‫وفززي الم ارحززل ااوليززة كززان اسززتخدام العلززم فززي اإلنتززاو محززدودال بعز‬

‫التشززيء‪ ،‬والقزوانين العلميززة كانززت‬

‫توضع في االعتبار فقط في خلق الوسالل الميكانيكيزة للعمزل فزي حزين كانزت تكنيكزات اإلنتزاو غالبزة عزن‬

‫اهتمام العلم‪ ،‬وعلس أي حزال فزالثورة الصزناعية التزي بزدأت مزع بدايزة القزرن التاسزع عتشزر سزرعان مزا أثزرت‬

‫فززي تطززور الصززناعات ااخززرى‪ ،‬وبززدأ العلززم يلع ز‬

‫دو الر مت اإيززدال فززي اإلنتززاو‪ ،‬ف ز لس جان ز‬

‫تحسززين تكنيكززات‬

‫اإلنتززاو فقززد بززدأ يفسززح الطريززق أمززام نتشززوء صززناعات جديززدة‪ ،‬وعلززس حززين كانززت الميكانيكززا النالريززة فززي‬

‫الماضي هي التي ترتبط أساسيال باإلنتاو‪ ،‬اآلن جزاء دور علزوم الفيإيزاء والكيميزاء لتنفزذ بفعاليزة ىلزس مجزال‬

‫اإلنت ز ز ززاو‪ ،‬فاالكتتش ز ز ززافات ف ز ز ززي الكمرب ز ز ززاء م ز ز ززثالل كالت ز ز ززأثير الكمرومغناطيس ز ز ززي وأتش ز ز ززعة الك ز ز ززاثود والنالري ز ز ززة‬ ‫الكمرومغناطيسزية فزي الضزوء قزد أدت ىلزس ىعزادة البنززاء التكنيكزي لإلنتزاو‪ ،‬واعزدت االكتتشزافات الكبيزرة فززي‬

‫الكيمياء ىلس قيام الصناعة الكيميالية والس التراكي‬

‫الصناعية للعديد من المواد الالإمة لعملية اإلنتاو‪.‬‬

‫وفززي مرحلززة العولمززة الراهنززة تطززور العلززم بصززورة غيززر مسززبوقة خززالل العقززود الثالثززة الماضززية وأصززبح‬

‫بالفعل قوة ىنتاجية هاللة ىلزس جانز‬

‫وسزالل اإلنتزاو ورأر المزال‪ ،‬تتجسزد هزذه القزوة مزن خزالل االكتتشزافات‬

‫العلمية المعاصرة في علوم الذرة والفيإياء والمندسة الوراثية واالستنسا والفضاء ‪...‬ىلخ‪.‬‬ ‫‪ )2‬عالقات اإلنتاج ‪:‬‬ ‫تعبر القوى اإلنتاجية للنار عن عالقتمم بالطبيعة‪ ،‬ومستوى تطورهم يتضح في الدرجزة التزي تسزتجي‬ ‫بمززا الطبيعززة لمصززالح المجتمززع‪ ،‬أي المززدى الززذي يحققززه اإلنسززان فززي السززيطرة علززس عناصززرها‪ ،‬وعلززس أي‬

‫حززال ففززي عمليززة اإلنتززاو يززدخل النززار فززي عالقززات محززددة ال بالطبيعززة فقززط ولكززن كززل بززاآلخر‪ .‬ىن هززذه‬ ‫العالقززات والت زرابط الززداخلي المحززدد بينمززا هززي التشززرط الرليسززي لواليفززة اإلنتززاو وتطززوره‪ ،‬وتحززول الطبيعززة‬

‫لخدمة مصالح المجتمع ال يبدأ ىال من داخل هذه العالقات بفضل الروابط االجتماعية القالمة بين النار‪،‬‬ ‫هذه الروابط والعالقات هي التشكل االجتماعي الذي في الله يمارر اإلنسان تأثيره علزس الطبيعزة ويحولمزا‬

‫ويطوعما أو ياللمما‪.‬‬

‫وبالتالي ف ن العالقات التي تتتشكل بين النار في عملية ىنتاو وتوإيع واسزتمالت البضزالع الماديزة هزي‬

‫عالقات اإلنتاو‪.‬‬

‫كما أن العالقات التي تتتشكل في عملية تبادل أنتشطة معينة بين أعضزاء المجتمزع هزي كزذلت عالقزات‬

‫ىنتاو‪ ،‬وهي علس وجه الخصو‬

‫العالقات بالنقود او بالسلع في مقابل النقود‪.‬‬

‫‪377‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وحس ز‬

‫مززا ىذا كانززت وسززالل اإلنتززاو ملكيززة عامززة أو خاصززة تقززوم العالقززات ىمززا علززس أسززار التعززاون‬

‫ه ززذين النمطززين ااساس ززيين م ززن‬

‫والمسززاعدة المتبادل ززة ووامززا عل ززس أسززار الس ززيطرة والخضززوع‪ .‬ووال ززس جان ز‬ ‫عالقززات اإلنتززاو‪ ،‬فثمززة عالقززات ىنتززاو انتقاليززة تالمززر فززي م ارحززل معينززة مززن التطززور التززاريخي تقززوم علززس‬ ‫الملكية الخاصة والعامة معال‪ ،‬وتمتإو فيما عناصر من التعاون والمسزاعدة المتبادلزة بعناصزر مزن السزيطرة‬ ‫والخضوع‪.‬‬

‫وثمة أنمـاط ثالثـة مـن عالقـات اإلنتـاج تمثـل السـيطرة والخضـوع ‪ ,‬وتتفـق مـع أشـكال مـن الملكيـة‬

‫الخاصة ظهرت وسادت في فترات محددة من تطور المجتمع‪ ,‬تلـك هـي عالقـات إنتـاج ملكيـة العبيـد ثـم‬

‫اإلقطاعية فالرأسمالية‪.‬‬

‫وحيززث أن عالقززات اإلنتززاو هززي التشززكل االجتمززاعي الززذي يززؤدي فيززه اإلنتززاو والالفززه ويتطززور فمززي ال‬

‫توجززد معإولززة عززن قززوى اإلنتززاو وال خززارو أدوات العمززل والبتشززر الززذين يقومززون علززس تتشززغيلما أو مسززتقلة‬ ‫عنمم‪ ،‬قوى اإلنتاو وعالقات اإلنتاو همزا جانبزان مختلفزان – ووان كزان بينممزا تزرابط عضزوي‪ -‬مزن عمليزة‬

‫اإلنتاو‪ ،‬هما معال يمثال نمط اإلنتاو‪.‬‬

‫ونمززط اإلنتززاو لززير سززوى نمززط نتشززاط النززار الززذي يحززول مختلززف المزواد الطبيعيززة ىلززس وسززالل للحيززاة‪،‬‬

‫ويعيد بالتالي ىنتاو الوجود الفيإيقي للنار‪ ،‬لكن تأثير نمط النتشاط علس حياة النار ال يقتصر علس ذلت‪،‬‬ ‫بل هو يحدد طريقتمم في الحياة ذاتما‪ ،‬وقد أتشار ماركر وأنجلر ىلزس أنزه "حزين يعبزر النزار عزن حيزاتمم‬

‫ف نمم يحددون من هم‪ ،"...‬ومن هم هذه تعتمد علس ما ينتجه النار وكيف ينتجونه‪.‬‬

‫ونم ززط ىنت ززاو البض ززالع المادي ززة ه ززو أس ززار ك ززل الحي ززاة االجتماعي ززة م ززن حي ززث أن ززه يح ززدد بن ززاء الكي ززان‬

‫االجتم ززاعي وعملي ززات الحي ززاة االجتماعي ززة والسياس ززية والروحي ززة‪ ،‬ك ززذلت العالق ززات االجتماعي ززة والعالق ززات‬

‫الدوليززة‪ ،‬فانقسززام المجتمززع ىلززس طبقززات والعالقززات بززين الطبقززات وتشززكل العاللززة وااخالقيززات السززالدة فززي‬ ‫المجتمع والعالقات القانونية والرؤى الدينية والجمالية – ىنما تعتمد جميعال علس نمط اإلنتزاو‪ ،‬وحزين يتغيزر‬

‫هذا النمط يتبعه تغير كل العالقات االجتماعية وبناء كل الكيان االجتماعي‪.‬‬

‫وتبدأ التغيرات في نمط اإلنتاو بالتغيرات في قوى اإلنتاو في المجتمع "فحين يكتس‬

‫النار قوى ىنتاو‬

‫جديدة يغيرون من نمط اإلنتاو‪ ،‬وحزين يغيزرون طريقزة كسزبمم مزا يقزيم حيزاتمم فز نمم يغزرون كزل عالقزاتمم‬

‫االجتماعية‪."...‬‬

‫ديالكيتت تطور قوى اإلنتاو وعالقات اإلنتاو ‪:1‬‬

‫اعتماد عالقات اإلنتاج على مستوى تطور قوى اإلنتاج‪:‬‬ ‫تمثل قوى اإلنتاو مضمون اإلنتاو‪ ،‬وتمثل عالقات اإلنتزاو تشزكله االجتمزاعي‪ ،‬وحيزث أن قزوى اإلنتزاو‬

‫هي مضمون اإلنتاو فمي في حركة مستمرة دالمة‪ ،‬في حالة من التغير والتطور‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ا‪.‬ب‪ .‬شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – ‪ – 0610‬ص‪.072‬‬

‫‪378‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وحين تبلغ القوى اإلنتاجية مستوى معينال من التطزور ف نمزا تحزدث تغييز الر فزي عالقزات اإلنتزاو‪ ،‬وواحزالل‬

‫تشكل معين من عالقات اإلنتاو محل تشكل آخر يعني االنتقال ىلس مرحلة أرقس من التقزدم التزاريخي‪ ،‬ىلزس‬

‫تكززوين اجتمززاعي – اقتصززادي جديززد‪ .‬علززس هززذا النحززو حززل نالززام ملكيززة العبيززد محززل المتشززاعية البدالي زة‪،‬‬ ‫واإلقطززاع محززل ملكيززة العبيززد‪ ،‬وال أرسززمالية محززل العالقززات اإلقطاعيززة‪ ،‬وتحززل العالقززات االتشززتراكية محززل‬

‫العالقات الرأسمالية‪.‬‬ ‫كتز‬

‫مززاركر‪" :‬ىن النززار ليسزوا أحز ار الر فززي اختيززار قزواهم اإلنتاجيززة – التززي هززي اسززار تززاريخمم كلززه‪-‬‬

‫ان كل قوة ىنتاجية هي قوة مكتسبة نتيجة نتشاط سابق‪ ،‬القزوى اإلنتاجيزة هزي بالتزالي نتيجزة طاقزة ىنسزانية‬

‫مطبقة تطبيقال عمليال‪ ،‬لكن هذه الطاقة نفسما متضمنة في التشروط التي وجد النار أنفسمم فيما‪ ،‬في القوى‬ ‫اإلنتاجيززة المكتسززبة بالفعززل فززي الجيززل السززابق والتززي يسززتخدمونما كمززادة خززام إلنتززاو جديززد‪ ،‬هكززذا يحززدث‬

‫التماست في التاريخ اإلنساني ويتتشكل تاريخ اإلنسانية‪ ...‬وينتا عن هذا بالضرورة أن التزاريخ االجتمزاعي‬ ‫للنززار هززو تززاريخ تطززورهم الفززردي‪ ،‬س زواء كززانوا واعززين بمززذا أو لززم يكون زوا‪ ،‬فعالقززتمم الماديززة أسززار كززل‬ ‫عالقاتمم‪ ،‬والعالقات المادية هي فقط ااتشكال الضرورية التي يتحقق فيما نتشاطمم المادي والفردي‪...".‬‬

‫قانون توافق عالقات اإلنتاج ومستوى تطور القوى اإلنتاجية‪:‬‬ ‫جززوهر هززذا القززانون أن القززوى اإلنتاجيززة المحززددة تتطل ز‬

‫علززس التحديززد عالقززات ىنتززاو خاصززة تتوافززق‬

‫ومستوى تطورها‪ ،‬وأن التغير في القوى اإلنتاجية يحدث في النماية تغي الر مناسبال له في عالقات اإلنتاو‪،‬‬ ‫ذلت أن توافق عالقات اإلنتاو والقوى اإلنتاجية تشرط أساسي لواليفة اإلنتاو االجتماعي وتطوره‪.‬‬

‫وقد الحالنزا فيمزا سزبق أن كزل عالقزات اإلنتزاو الخاصزة تتتشزكل علزس أسزار مسزتوى محزدد مزن تطزور‬ ‫القززوى المنتجززة وتحززت تأثيرهززا المباتشززر‪ ،‬وواذا كززان اامززر هكززذا فكيززف يحززدث أال تتوافززق عالقززات اإلنتززاو‬ ‫أحيانال والقوى المنتجة ‪.‬‬ ‫حيث أن القوى اإلنتاجية التي تمثل مضزمون اإلنتزاو فزي حالزة مزن التغيزر الزدالم‪ ،‬وعالقزات اإلنتزاو –‬

‫من حيث هي التشكل االجتماعي لإلنتاو‪ -‬تمثل نالامال علس درجة نسبية من الثبات للعالقات بين النزار‪،‬‬ ‫يتم داخله تبادل المواد بين المجتمع والطبيعة وتبزادل اانتشزطة بزين النزار (الزذين يكونزون المجتمزع)‪ ،‬ففزي‬ ‫مرحلة محددة من تطورها‪ ،‬ورغم أن عالقات اإلنتاو كانت تشكل وتشرط تطور القوى اإلنتاجية في المرحلة‬ ‫ااولس حين كانت متوافقة وهذه ااخيرة‪ ،‬فمي في المرحلة الثانية حين يالمر التباعد بزين عالقزات اإلنتزاو‬

‫والق ززوى اإلنتاجي ززة ويح ززدث الصز زراع بينمم ززا فز ز ن عالق ززات اإلنت ززاو تص ززبح عالقز زال أو كابحز زال لتط ززور الق ززوى‬

‫اإلنتاجية ‪.‬‬

‫‪379‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وخززالل التطززور التززالي لإلنتززاو يززإداد هززذا التنززاق‬

‫حززدة ويصززبح صزراعال يحززتم الضززرورة التاريخيززة فززي‬

‫ىبززدال ااتشززكال القديمززة مززن عالقززات اإلنتززاو ونتشززاط النززار بأتشززكال أخززرى جديززدة تتوافززق ومسززتوى القززوى‬

‫اإلنتاجية‪.‬‬

‫وأنمززاط عالق ززات اإلنت ززاو الت ززي يح ززل اح ززدها ت ززدريجيال مح ززل اآلخ ززر "تتش ززكل ف ززي مجملم ززا تط ززور الت ززاريخ‬

‫كسالسل متماسكة من أتشكال التفاعل‪ ،‬ويتمثل تماسكما في أن مكان تشكل قديم من التفاعزل أصزبح عالقزال‬ ‫يقزوم تشززكل جديززد يتفززق والقززوى اإلنتاجيززة ااكثززر تطززو الر‪ ،‬ويتوافززق مززن ثززم والززنمط المتقززدم مززن النتشززاط الززذاتي‬

‫لألفراد‪ ،‬وهو تشكل سيصبح عالقال بدوره فيستبدل بتشكل جديد‪...".‬‬

‫وديالكتيت التحول من توافق عالقزات اإلنتزاو والقزوى اإلنتاجيزة ىلزس االخزتالف بينمزا فزي مسزار التطزور‬

‫التاريخي‪ ،‬والذي يصحبه تحول عالقات اإلنتاو في تشكل يدفع القوى اإلنتاجية ىلس قيد علس هذا التطزور‪،‬‬ ‫يمكن مالحالته بيسر خالل استع ار‬

‫تاريخ المجتمزع اإلنسزاني‪ ،‬ولنحزاول أن ننالزر باختصزار فزي عمليزة‬

‫ىحالل تشكل من عالقات اإلنتاو محل تشكل آخر في عملية التطور التاريخي‪.‬‬

‫أثر عالقات اإلنتاج على تطور قوى اإلنتاج‪:‬‬

‫اذا كانت عالقات اإلنتاو تعتمد علس قوى اإلنتاو ‪ ،‬ىال أن عالقات اإلنتاو – وهي تتغيزر بتزأثير قزوى‬

‫اإلنتاو ‪ -‬ال تبقس سلبية‪ ،‬بل هي تستجي‬

‫بفاعلية وتؤثر علس قوى اإلنتاو التي خلقت وجودها‪.‬‬

‫فقززد خلقززت عالقززات اإلنتززاو ال أرسززمالية دافع زال أكثززر قززوة لتطززور اإلنتززاو عنززد المسززتغلين( بكسززر الغززين)‬

‫والمسززتغلين (بفززتح الغززين) جميع زال‪ ،‬فالمززدف الرليسززي لإلنتززاو ال أرسززمالي هززو أن يززوفر للبرجواإيززة قززد الر كبي ز الر‬

‫متإايدال من فال‬

‫اإلنتاو‪ ،‬ومن ثم فمنات رغبة غير محدودة في مراكمة الثروة والتوسع في اإلنتاو‪ ،‬وتلزت‬

‫سمة لم تكن موجودة ال فزي المجتمزع اإلقطزاعي وال فزي مجتمزع مزالت العبيزد‪ ،‬فالمزدف الرليسزي عنزد سزادة‬ ‫اإلقطاع ومالت العبيد هو اسزتمالت النزاتا‪ ،‬ولزير مصزادفة ان كانزت نسزبة التوسزع فزي اإلنتزاو فزي هزذين‬

‫المجتمعين نسبة ال تكاد تذكر‪.‬‬

‫وال تشت في أن للعامل مصلحة أكبر في رفع ىنتاجية العمل أكثر ما كان للقن‪ ،‬فعمل العامل لمصلحته‬

‫الخاصززة ال ينفصززل عززن عملززه لمصززلحة ال أرسززمالي‪ ،‬وكززل عمززل يعملززه وكززل دقيقززة عمززل تحمززل الفالززدة لززه‬

‫وللرأسمالية معال‪ ،‬وحين يعمل العامل بنالام القطعة تصبح مصلحته أكبر في رفزع اإلنتزاو‪ ،‬وربمزا ال تكزون‬ ‫هذه المصلحة ذات نسبة مرتفعة‪ ،‬فالعامل يوقن أنه يعمل لصالح الرأسمالي ومن أجل ثراله‪.‬‬

‫ىن عالقات اإلنتاو اإلتشتراكية هي فقط التي تخلزق –للمزرة ااولزس‪ -‬مصزلحة تشزاملة مزن جانز‬

‫العمزال‬

‫فزززي تطزززوير اإلنتز ززاو‪ ،‬ففز ززي الزززل االتشز ززتراكية يعز ززي العمز ززال أنمزززم يعمل ززون لمصز ززلحتمم الخاصزززة ومصز ززلحة‬ ‫مجززتمعمم‪ ،‬ويثيززر هززذا الززوعي لززديمم الرغبززة فززي رفززع ىنتاجيززة العمززل وتحسززين التكنولوجيززا وتطززوير اإلنتززاو‬

‫تشززرط تززوفر العالقززات الديمقراطيززة بززين العمززال واجمزإة الدولززة االتشززتراكية بعيززدا عززن العالقززات القالمززة علززس‬ ‫االستبداد البيروقراطي كما كانت تجربة االتحاد السوفياتي التي ادت الس انميار وفتشل التجربة االتشتراكية‪.‬‬ ‫‪381‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫القاعدة االقتصادية والبناء الفوقي‪:1‬‬

‫تنطل ززق المادي ززة التاريخي ززة م ززن أن عالق ززات اإلنت ززاو الس ززالدة ه ززي الت ززي تتش ززكل البن ززاء التحت ززي للتتش ززكيل‬

‫االقتصززادي واالجتمززاعي ‪ ،‬بينمززا تتشززكل اايززديولوجيا والدولززة والمنالمززات السياسززية والدينيززة وغيرهززا بنززاءه‬ ‫الفوقي‪.‬‬

‫ىن العالقززات فززي القاعززدة (عالقززات اإلنتززاو) هززي عالقززات ماديززة‪ ،‬موضززوعية يززدخل فيمززا النززار بغز‬

‫النال ززر ع ززن ى اردتم ززم ووع ززيمم‪ ،‬أم ززا العالق ززات ف ززي البن ززاء الف ززوقي في ززدخل فيم ززا الن ززار ع ززن معرف ززة ووع ززي‪،‬‬ ‫فالعالقززات االقتصززادية فززي كززل مجتمززع معنززي تتجلززس كمصززالح‪ ،‬كمززا يقززول انغلززإ‪ .‬وفززي سززياق نتشززوء هززذه‬ ‫المصالح‪ ،‬وفزي غمزرة النضزال الطبقزي‪ ،‬يتتشزكل وعزي المصزالح الطبقيزة المتشزتركة‪ ،‬وتعارضزما مزع مصزالح‬

‫الطبقززات المعاديززة‪ ،‬هززذا الززوعي يززدفع ويحززر‬

‫علززس ىنتشززاء أح ز اإ وحركززات ثوريززة ومنالمززات تعبززر عززن‬

‫مصالح الجماهير التشعبية الفقيرة ‪ ،‬وتحميما‪ ،‬وتدافع عنما‪.‬‬

‫ىن اايديولوجية السالدة ليست دالمال اايديولوجيزة الوحيزدة التزي توجزد فزي التتشزكيل‪ ،‬ففزي سزياق التطزور‬

‫التززاريخي‪ ،‬ومززع تززأإم التناقضززات االجتماعيززة‪ ،‬تنبثززق أيديولوجيززة جديززدة تعكززر مصززالح الطبقززات الثوريززة‪،‬‬ ‫وتعزار‬

‫اايديولوجيزة السزالدة‪ ،‬وتكسز‬

‫تززدريجيال ىلزس جانبمزا جمزاهير أكبززر فزأكبر مزن النزار‪ .‬وبتجسززيدها‬

‫في الجماهير تتحول اايديولوجية ىلس قوة مادية تعمل علس هدم النالام القالم‪ ،‬وهنا تتجلس فعالية ااح اإ‬

‫والنقابززات والمؤسسززات السياسززية والثقافيززة ااخززرى التززي تعتبززر جززإءال مززن البنززاء الفززوقي‪ ،‬مززن أجززل مواصززلة‬

‫النض ززال لتحقي ززق الميمن ززة السياس ززية والثقافي ززة ف ززي اوس ززاط الجم ززاهير التش ززعبية تممي ززدال للث ززورة عل ززس أنالم ززة‬ ‫االستبداد واالستغالل الطبقي وتحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقما االتشتراكية‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ..‬لقد استهدفنا عبر كل ما قدمناه من نصوص مكونة لهذه الدراسة‪ ,‬ليس فقط للفهم والتأمـل‬

‫العقالنــي والمعرفــي فــي اوســاط رفاقنــا فحســب‪ ,‬بقــدر مــا هــي أيض ـاً دعــوة لمزيــد مــن الحركــة النضــالية‬ ‫والمجتمعية على جميع المستويات‪ ,‬ومزيد من التوسع التنظيمي لحزبنـا فـي أوسـاط الجمـاهير الشـعبية‬

‫التي يتوجب علينا االلتحام في صفوفها بكل ما فينا من مصداقية الثوري وتواضعه‪ ,‬انطالقاً من حرصنا‬ ‫الشديد على استيعاب هويتنا الفكرية ‪ ..‬النظرية الماركسية في صيرورتها وتطورها الدائمين بعيـداً عـن‬

‫كــل أشــكال ومظــاهر الثبــات أو الجمــود أو العقائديــة مــن ناحيــة‪ ,‬والــوعي العميــق بكــل مكونــات واقعنــا‬ ‫الفلسطيني والعربي بما يمكننا من اإلسهام بصورة واضحة في تطبيـق شـعاراتنا وسياسـاتنا علـى طريـق‬

‫النضال من أجل تغيير هذا المشهد السوداوي الذي نعيشه اليوم‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫الموسوعة الفلسفية العربية ‪ -‬معهد اإلنماء العربي ‪ -‬المجلد الثاني– الطبعة األولى – ص‪0071‬‬

‫‪380‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫على هامش املوقف االجيابي املتضمن يف خطاب األخ امساعيل هنية‬

‫‪06 / 01 / 3102‬‬

‫بكل موضوعية أقول ‪ :‬ال بد من تداعي كافة الفصائل الوطنية لحوار جدي وقراءة موضوعية‬

‫لموقف االخوة في حركة حماس من المصالحة كما قدمها األخ اسماعيل هنية ‪ ,‬بالرغم من تحفظنا‬

‫على اتفاقات مكة والقاهرة ‪ ,‬وبهدف البناء على المنطلقات االيجابية النهاء هذه الحالة االنقسامية‬

‫التي باتت عقبة كأداء تحول دون تحقيق أي من أهداف شعبنا التحررية او الديمقراطية ‪.‬‬

‫ففي ظل استمرار االنقسام والصراع بين األخوة األعداء ‪ ,‬تتواصل الممارسات العدوانية العنصرية‬

‫للكيان الصهيوني ‪ ,‬والسؤال هو‪ :‬ما هي تلك الغنيمة الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين‬ ‫عليها؟ ال شيء سوى مزيد من التفكك واالنهيارات والهزائم ‪ ..‬فالحرب بين الفلسطيني والفلسطيني لن‬

‫تحقق نص ار ألي منهما ‪ ,‬وانما هزيمة جديدة لمن يزعم انه انتصر ‪ ,‬يؤكد على هذا االستنتاج الواقع‬

‫الراهن الذي يعيشه أبناء شعبنا في الوطن والشتات ‪.‬‬

‫ِ‬ ‫أبناء شع ِبنا وقواه السياسية‬ ‫نوح الفلسطينية الى كل‬ ‫أتوجه من هنا من‬ ‫قطاع غزةَ ‪..‬سفينة ٍ‬ ‫ِ‬ ‫والمجتمعية في كل مدن ومخيمات الضفة والقطاع وكل مخيمات المنافي واللجوء ان يتوقفوا عن‬

‫ٍ‬ ‫بشعار‬ ‫صمتهم وأن يبادروا إلى ممارسة الضغط الشعبي الجماهيري عبر االعتصامات والمظاهرات‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫االنقسام" والعودة الى االحتكام للشعب واالنتخابات الديمقراطية من اجل تكريس‬ ‫انهاء‬ ‫موحد هو " ُ‬ ‫الوحدة الوطنية التعددية أساسا وحيدا لصمود شعبنا واالرتقاء بنضاله السياسي والكفاحي من اجل‬

‫معنى وال قيم ًة أو مصداقية ألي‬ ‫اهدافه وثوابته الوطنية في التحرر والعودة وتقرير المصير‪ ,‬اذ ال‬ ‫ً‬ ‫نضال وطني سياسي أو كفاحي في ظل االنقسام والصراع على السلطة والمصالح الفئوية بين حركتي‬ ‫ٍ‬ ‫هدف وطني فلسطيني دون الخالص‬ ‫فتح وحماس ‪ ,‬أيضا ال معنى او مصداقية أو امكانية لتحقيق أي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫من هذه الحالة االنقسامية التي كرست عوامل القل ِ‬ ‫أبناء شعبنا في كل‬ ‫االحباط واليأس في صفوف‬ ‫قو‬ ‫أماكن تو ِ‬ ‫اجده مع تزايد عدوانية العدو الصهيوني ‪ ,‬حيث يعيش شعبنا الفلسطيني اليوم في مواجهة‬

‫خارطة سياسية جديدة‪ ,‬محكومة في مساحة كبيرة منها‪ ,‬بالمصالح الفئوية ‪ ,‬إلى جانب الصراع و‬

‫المنافسة غير المبدئية بين القطبين فتح وحماس–حتى لو تم توقيع المصالحة بينهما‪ -‬وفي مثل هذه‬

‫الظروف ‪ ,‬فإن من واجب فصائل وأحزاب اليسار أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل‬

‫الذي يحقق قدرتها على االستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن‪ ,‬وأن تتعاطى مع ما‬

‫يجري من على أرضية المصالح واألهداف الوطنية والديمقراطية المطلبيه ‪ ,‬ارتباطاً وثيقاً بالرؤية‬

‫القومية للصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع عربي إسرائيلي‪ ,‬جنباً إلى جنب مع تفعيل دورها‬

‫‪382‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫في المقاومة المسلحة والشعبية ‪ ,‬في المكان المناسب والزمان المناسب ‪ ,‬بما يوفر لها امكانيات كسر‬ ‫االستقطاب الثنائي لحركتي فتح وحماس ‪ ,‬واالنطالق إلى رحاب الجماهير الشعبية والتوسع في‬ ‫صفوفها لكي يستعيد شعبنا من جديد‪,‬فعالياته النضالية وأفكاره وقيمه الوطنية والديمقراطية‬

‫واالجتماعية التوحيدية‪ ,‬ويطرد قيم االنتهازية والتخاذل والواقعية المستسلمة وشروطه المذلة عبر‬

‫مفاوضات عبثية لن تحقق سوى المزيد من التفكك وانسداد اآلفاق‪.‬‬

‫‪383‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪30 / 01 / 3102‬‬

‫عن مسلسل هبوط قيادة م‪.‬ت‪.‬ف‬

‫يمكن متابعة البدايات العلنية األولى لعملية الهبوط السياسي لقيادة م‪.‬ت‪.‬ف بعد الدورة (‪)03‬‬

‫للمجلس الوطني الفلسطيني – القاهرة ‪ ,0672/9/0‬حيث نالحظ التراجع عن بعض نقاط برنامج‬ ‫النقاط العشر التي أقرها المجلس الوطني في تلك الدورة‪ ,‬حيث وافق المجلس على مضمون رسالة‬

‫الراحل ياسر عرفات إلى المستشار النمساوي كرايسكي التي تتضمن " إن منظمة التحرير الفلسطينية‬

‫على استعداد لعقد معاهدة عدم اعتداء مع إسرائيل"‪ .‬وهنا أصبح الكالم صريحاً ومكشوفاً عن ضرورة‬

‫السير بحثاً عن (حل سياسي) مع إسرائيل‪ ,‬ثم استمر الهبوط في الدورة (‪ )07‬للمجلس– عمان ‪/33‬‬ ‫تشرين الثاني ‪ ,0612‬وكانت أهم ق ارراته ‪ :‬السير سياسياً ودبلوماسياً على إستراتيجية تعتمد على‬ ‫جميع ق اررات األمم المتحدة المتعلقة بالقضية الفلسطينية‪ ,‬ومن ثم بداية نهج التسوية‪ ,‬ففي ‪ ,‬شهر‬

‫تشرين األول ‪ 0613 /‬أرسلت قيادة م‪.‬ت‪.‬ف وفداً لزيارة القاهرة بعد خمسة أعوام من انقطاع العالقات‬

‫العربية بسبب اتفاقات كامب ديفيد‪ .‬وفي ‪ 0612/0/01‬دعا عرفات إلجراء محادثات مع دولة العدو‬

‫الصهيوني ‪ ,‬وأعاد محاولته في ‪ 0612/2/32‬بالتأكيد عالنية على رغبته في "التفاوض مع إسرائيل‬

‫وجها لوجه‪ .‬الدورة (‪ )01‬للمجلس – الجزائر ‪ ,0617/2/31‬أصدر المجلس بيانان "يؤيد عقد‬

‫المؤتمر الدولي في إطار األمم المتحدة وتحت إشرافها"‪ .‬وفي هذه الفترة كانت قيادة عرفات قد فتحت‬ ‫عدة قنوات اتصال بالعدو الصهيوني منها قنوات كل من محمود عباس (أبو مازن) وسعيد كمال‪,‬‬

‫وبسام أبو شريف‪ ,‬ونبيل الرمالوي‪ ,‬ومجموعة من رجال األعمال الفلسطينيين‪ .‬الدورة (‪ )06‬للمجلس–‬

‫الجزائر ‪( 0611/00/02‬دورة االنتفاضة)‪ :‬كان قرار إعالن قيام الدولة ابرز الق اررات‪ ,‬وتضمن الفقرة‬ ‫الهامة التالية ‪" :‬كما تعلن (دولة فلسطين) في هذا المجال أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية‬ ‫واإلقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق األمم المتحدة وق ارراتها وانها ترفض التهديد بالقوة او العنف أو‬ ‫اإلرهاب أو باستعمالها ضد سالمة أراضيها واستقاللها السياسي وسالمة أراضي أي دولة أخرى"‪ .‬وفي‬

‫ضوء ذلك قام ياسر عرفات بتوظيف كل التطورات في اتجاه التسوية‪ ,‬وراح يسابق الزمن ليسرع في‬

‫عقد تسوية مع دولة العدو خشية بروز قيادة فلسطينية بديلة‪ ,‬مستفيداً من قرار فك االرتباط الذي‬

‫أعلنه الملك حسين‪ .‬راح يجري اتصاالت سرية باإلدارة األمريكية عن طريق (وليام كوانت) و (استيفن‬

‫كوهن)‪ ,‬معلناً استعداده للقبول بالشروط األمريكية‪ ,‬بما في ذلك االستعداد للتفاوض مع (إسرائيل) على‬

‫أساس قراري مجلس األمن ‪ 323‬و ‪ 221‬والتعهد بالعيش بسالم مع (إسرائيل) في حدود األرض‬

‫المحتلة عام ‪ , 0697‬وادانة العنف واإلرهاب وعدم ممارسته‪ .‬وفي ‪ 02‬كانون األول ‪ /‬ديسمبر‬ ‫‪ 0611‬وهو اليوم التالي إلعالن ياسر عرفات قبول الشروط األمريكية كما ورد في خطابه أمام‬

‫‪384‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الجمعية العامة لألمم المتحدة ‪ /‬جنيف‪ ,‬أعلن الرئيس األمريكي (ريغان) انتهاء الحظر األمريكي‬ ‫الرسمي على التعامل مع المنظمة‪ .‬أما الدورة (‪ )31‬للمجلس– الجزائر ‪ 0660/6/32‬فقد تضمنت‬ ‫ق اررات المجلس الوطني في هذه الدورة الموافقة على إجراء تسوية سياسية مع دولة العدو الصهيوني‪,‬‬

‫تحت غطاء مؤتمر السالم‪ ,‬ثم استمرت عملية التفاوض العبثية منذ مدريد ثم واشنطن وصوالً إلى‬ ‫اتفاق أوسلو التي جسدت مخالفة القيادة المتنفذة في م‪.‬ت‪.‬ف لجميع األسس المتفق عليها بين كافة‬ ‫فصائل المقاومة في مقابل قبولها بالشروط األمريكية اإلسرائيلية وانتهاج سياسية االستسالم المستمرة‬

‫حتى اللحظة عبر مفاوضات عبثية محكومة للواقعية الرثة التي ميزت – وما زالت تميز – قيادة‬

‫م‪.‬ت‪.‬ف ورئيسها ابو مازن‪.‬‬

‫‪385‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫خواطر من وحي االنتفاضات العربية والصراع مع قوى التخلف‬ ‫‪37 / 01 / 3102‬‬

‫والرجعية واالسالم السياسي‬

‫(‪)0‬‬

‫منظور للعالقة بين أحزاب وفصائل اليسار وحركات اإلسالم السياسي‬

‫في إطار حديثي عن عالقة اليسار العربي مع حركات اإلسالم السياسي ‪ ,‬فإنني أود التوضيح هنا‬

‫أنني لست في وارد تناول موضوعة " الدين" من زاوية فلسفية ‪ ,‬في إطار الصراع التاريخي بين‬

‫المثالية والمادية‪ ,‬فهذه المسألة ليست بجديدة‪ ,‬كما أنها ليست ملحة‪ ,‬كما أن عملية عدم الخلط بين‬

‫الدين كعقيدة يحملها الناس‪ ,‬وبين الجمهور المتدين تعتبر مسألة مهمة وحساسة ‪ ,‬فان يكون لنا‬ ‫موقف فلسفي من الدين‪ ,‬ال يعني على اإلطالق سحب ذلك الموقف على الجمهور المتدين ‪ ,‬بل على‬

‫العكس‪ ,‬فان التحليل الموضوعي ‪ ,‬إلى جانب الوعي والشعور بالمسئولية والواجب‪ ,‬يفترض منا‬ ‫االقتراب من ذلك الجمهور واحترام مشاعره الدينية‪ ,‬والتفاعل مع قضاياه وهمومه وجذبه إلي النضال‬

‫من اجل الحرية والعدالة االجتماعية والديمقراطية وانهاء كافة أشكال االستغالل والقهر واالستبداد‪,‬‬

‫انطالقاً من فهمنا للماركسية بأنها ليست نظرية مضادة للدين – كما يروج دعاة اإلسالم السياسي‬

‫والقوى الرجعية واالمبريالية – بل هي طريقة تفكير لفهم الوجود بكليته ‪ ,‬فالماركسية تنظر إلى الدين‬

‫تطور الوعي البشري في محاولتهم فهم واقعهم‪ ,‬وصوغ الرؤية التي تكيفهم معه‪ ,‬وأنه‬ ‫بوصفه جزءاً من ّ‬ ‫تطو ارً كبي ارً في مسار الفكر‪ ,‬وانتظام البشر في الواقع‪.‬‬ ‫ش ّكل –في مراحل تاريخية معينة‪ّ -‬‬ ‫أما بالنسبة للعالقة الخالفية بين اليسار وحركات اإلسالم السياسي‪ ,‬فهي تستند – من وجهة نظري‬

‫‪ -‬إلى التحليل الموضوعي الذي يؤكد على أن األساس في هذه الحركات هو دعوتها إلى معالجة‬

‫القضايا المعاصرة‪ ,‬االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ ,...‬عبر منطق غيبي تراجعي عاجز عن بلورة‬ ‫برنامج سياسي ديمقراطي اجتماعي تنموي ‪ ,‬يتناقض مع جوهر النظام المخلوع في تونس ومصر أو‬

‫مع أي نظام استبدادي ‪ ,‬ما يعني إعادة إنتاج أنظمة ليبرالية رثة‪ ,‬وتابعة ومحتجزة التطور‪ ,‬مع‬

‫استمرار النظام االقتصادي االستغاللي على ما هو عليه أسي ارً وتابعاً لشروط الصندوق والبنك الدوليين‬ ‫وللسياسات األمريكية ‪.‬‬

‫وعلى الرغم من كل ما تقدم ‪ ,‬علينا أن ندرك في ضوء المستجدات والمتغيرات المتالحقة راهناً‪ ,‬إلى‬

‫أننا سنواجه –مع حركات اإلسالم السياسي‪ -‬ظروفا وأوضاعاً معقدة‪ ,‬ما يفرض على قوى اليسار‬ ‫العربي أن تتمسك برؤيتها الموضوعية إلى أبعد الحدود في العالقة الديمقراطية وقضايا الصراع الطبقي‬

‫والسياسي‪ ,‬ومفاهيم االستنارة والعقالنية مع هذه الحركات بمختلف مذاهبها‪ ,‬كما عبر عنها جمال‬ ‫‪386‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الدين األفغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق وطه حسين ولطفي السيد وأحمد أمين ‪ ..‬وغيرهم‪,‬‬ ‫بحيث نحرص على أن ال تصل االختالفات معها ‪ ,‬إلى مستوى التناقض التناحري‪ ,‬وأن تظل الخالفات‬

‫محكومة للعالقات الديمقراطية‪.‬‬

‫االنفصام السياسي االقتصادي االجتماعي‪ ,‬سيظل سمة رئيسية من سمات المرحلة الحالية‪ ,‬أو‬

‫مرحلة "اإلسالم السياسي" وهي مرحلة قد تطول ‪ ,‬لكن الجماهير الشعبية ستتكشف تدريجياً حقيقة‬

‫التيارات الدينية وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف ‪-‬في جوهرها‪ -‬عن سياسات النظام المخلوع‪,‬‬ ‫ما يفرض على القوى الديمقراطية الوطنية والقومية‪ ,‬والقوى اليسارية أن تكرس كل جهودها من أجل‬ ‫مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير‪ ,‬بما يمكنها من أن تتخطى حالة االنفصام المذكور ‪,‬‬

‫وذلك من خالل امتالكها لرؤية سياسية مجتمعية اقتصادية ‪ ,‬تنطلق من استمرار النضال الستكمال‬

‫مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية‪ ,‬عبر التوسع في صفوف العمال والفالحين والشباب وكافة األطر‬ ‫والجمعيات المهنية والنقابات ‪ ,‬لكي تدخل معترك االنتخابات القادمة واثقة من انتصارها‪ ,‬خاصة وأن‬

‫أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول‪ ,‬بل ستتراكم مجدداً لتنتج حالة ثورية نوعية‪ ,‬تقودها‬ ‫القوى الديمقراطية‪ ,‬المدنية ‪ ,‬العلمانية واليسارية لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات‬

‫الشعبية من أجلها‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫بالرغم من نضالنا من أجل تكريس الحريات الفردية والحريات العامة والديمقراطية السياسية ‪ ,‬إلى‬

‫جانب إيماننا العميق بأولوية العلمانية في سياق التطور االجتماعي واالقتصادي والثقافي في‬

‫مجتمعاتنا العربية‪ ,‬إال أننا نرفض الوقوف عند حدود الديمقراطية السياسية ‪ ,‬بمثل ما نرفض استخدام‬

‫العلمانية بدون الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي معاً‪ , ,‬فهما مفهومان مترابطان ال يجوز‬ ‫فصل أحدهما عن اآلخر‪ ,‬الن استخدام العلمانية وحدها يفتح األبواب مشرعة أمام االستبداد والتفرد‬

‫بالحكم‪ ,‬وبالتالي فإن التطبيق اإلكراهي للعلمانية ‪ ,‬ال يعدو كونه مظه ارً بشعاً من مظاهر االستبداد‬ ‫الدكتاتوري الفردي والشمولي ‪ ,‬كما أن استخدام الديمقراطية بدون ربطها بالعلمانية والقضايا‬

‫االجتماعية‪ ,‬يعني إتاحة كل الفرص أمام قوى الثورة المضادة‪ ,‬وقوى التبعية والتخلف واإلسالم‬

‫السياسي والطوائف‪ ,‬الستغالل عفوية الجماهير الشعبية الفقيرة وتوجيهها لحساب الرؤى والسياسات‬

‫االقتصادية الرأسمالية التابعة بصورة ديماغوجية‪ ,‬كما حصل في تونس ومصر وليبيا والعراق واليمن‬

‫وسوريا ‪.‬األمر الذي يؤكد على أن النضال التحرري الثوري والديمقراطي ‪ ,‬في إطار الصراع الوطني‬ ‫والطبقي ‪ ,‬من أجل نشر وتعميم فكرتي العلمانية والديمقراطية في أوساط الجماهير ‪ ,‬يحتاج بالضرورة‬

‫إلى أحزاب ثورية توفر األسس السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية في قلب البنية التحتية‬

‫للجماهير الشعبية‪.‬‬

‫‪387‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)2‬‬

‫عن أوهام الربيع العربي وضرورات التواصل الثوري ‪..‬بمناسبة مرور عامين على االنتفاضات‬

‫العربية في تونس ومصر‪.....‬‬

‫بعد حوالي عام من فوز جماعة اإلخوان المسلمين ووصولها إلى سدة الحكم في مصر وتونس ‪,‬‬

‫بات من الواضح أن حركات اإلسالم السياسي وكافة القوى الرجعية والبورجوازية الرثة والبيروقراطية‬

‫العسكرية والمدنية (المدعومة من االمبريالية األمريكية) يتحركون داخل حلقة دائرية تعيد إنتاج التبعية‬ ‫والتخلف السياسي واالقتصادي واالجتماعي والثقافي وتجدده بأساليب وشعارات ديماغوجية‪ ,‬والعودة‬

‫إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية إعادة زراعته وانتاجه باسم وأوهام ما يسمى بــ"‬

‫الربيع العربي " عبر شكل " جديد "من أنظمة االستبداد واالستغالل الطبقي ‪ ,‬في قلب عفوية الجماهير‬ ‫الشعبية‪ ,‬وبالتالي ‪ ,‬فإن ما يسمى بالربيع العربي لم يجلب للجماهير الشعبية العربية سوى مزيد من‬

‫االستبداد واالستغالل والتخلف ‪ ,‬إلعادة تشكيل بلدان النظام العربي في إطار أشكال جديدة من التبعية‬ ‫للسياسات األمريكية والنظام الرأسمالي العالمي من خالل القوى السياسية واالجتماعية واالقتصادية‬ ‫المؤثرة ‪ ,‬رجال األعمال والكومبرادور وبقية أشكال الرأسمالية الطفيلية المعادية لتطلعات الشباب‬

‫الثوري و جماهير الفقراء من العمال والفالحين وكل المضطهدين‪ ,‬وهو أمر غير مستغرب عبر قراءتنا‬ ‫لدورها السياسي ومصالحها الطبقية ‪ ,‬إذ أن هذه القوى الطبقية كانت وستظل حريصة على إعاقة‬

‫ربيع الثورة وتعطيل و تبهيت الصراع الطبقي ‪ ,‬وهي بالتالي تعمل دوماً على إرجاع مسيرة الثورة‬ ‫الشعبية إلى الوراء‪ ,‬فهي ضد التنوير وضد الحداثة وضد الديمقراطية وضد االشتراكية والصراع الطبقي‬

‫الثوري‪ ,‬ما يؤكد استعداداها لمهادنة االمبريالية والتعاطي معها ‪...‬لكن صيرورة الثورة الشعبية لن‬ ‫تنطفئ ‪ ,‬بل ستشتعل من جديد معلنة بداية ربيعها الثوري الديمقراطي القادم ال محالة ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫انظمة االسالم السياسي بقيادة جماعة االخوان المسلمين تعمل في مصر وتونس وغيرهما من‬

‫بلدان الوطن العربي على تحويل الديمقراطية من مهد للتغيير والتقدم الى لحد تدفن فيه كل طموحات‬

‫الجماهير الشعبية‪....‬‬

‫ان قوى اإلسالم السياسي التي تتصدر المشهد السياسي في اللحظة الراهنة‪ ,‬تحاول إفراغ‬

‫االنتفاضة الثورية في مصر وتونس من مضمونها الطبقي –االقتصادي واالجتماعي‪ -‬الذي كان‬

‫السبب األول النفجارها جنباً إلى جنب مع مطلب الديمقراطية والحريات الفردية والكرامة والعدالة‬ ‫وتحديد الحد األدنى واالقصى لالجور ‪ ,‬حيث نالحظ أن حركات اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت‬ ‫‪388‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االلتحاق باالنتفاضة ‪ ,‬على إزاحة شعارات الشباب الثوري والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين‬

‫التي تؤكد على مطالبهم في الخالص من كل أشكال االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي‪,‬‬

‫إلى شعارات تؤكد على أن المعركة هي بين القوى الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ‪ ,‬وبين‬

‫اإلسالم الذي تدعي تمثيله‪ ,‬وتقدمه على أنه "الحل المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها‬

‫الطبقية التي ال تختلف في طبيعتها وجوهرها االستبدادي عن طبيعة النظام المخلوع… من اجل تكريس‬

‫تخلف وتبعيةمصر وتونس واحتجاز تطورهما ‪ ....‬لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية‬ ‫معلنة رفضها للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد بعد اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية‬

‫وسياساتها وممارساتها التي لن تختلف ‪-‬في جوهرها‪ -‬عن سياسات النظام المخلوع‪ ,‬وبالتالي فان‬

‫القوى الديمقراطية اليسارية والوطنية والقومية‪ ,‬يجب أن تتوحد في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها‬

‫من أجل مراكمة توسعها في أوساط الجماهير لكي تستمر في النضال الديمقراطي الستكمال مهمات‬

‫واهداف الثورة الوطنية الديمقراطية التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫المجتمعات العربية بين هيمنة التخلف وآفاق عصر التنوير ‪...‬‬

‫المجتمعات العربية حتى هذه اللحظة من القرن الحادي والعشرين لم تدخل بعد الى عصر‬

‫التنوير‪..‬بسبب استمرار سيطرة وهيمنة االنظمة الرجعية التي تجسد أبشع المصالح الطبقية وتفرز‬ ‫يوميا أبشع االفكار الغيبية المتخلفه في اطار من القهر واالستبداد واالستغالل للجماهير الشعبية‬ ‫الفقيرة التي بدأت في االنتفاضة والتمرد ومواصلة الثورة من اجل الحريه واالنعتاق والعد‪...‬الة وسيادة‬

‫مفاهيم التنوير والعقالنية والديمقراطية بعد ان تكشفت زيف مشهد االسالم السياسي ومحاوالته في‬

‫اعادة انتاج التخلف والتبعية واالستبداد والقهر‪ ,‬النقيضة لمفاهيم الحرية والديمقراطية والعدالة التي‬ ‫يستحيل انتشارها وتكريسها طالما بقيت مفاهيم وأدوات التخلف وثقافته الرجعية سائدة مهيمنة على‬

‫مجتمعاتنا ‪ ....‬وهنا تتبدى الحاجة الى وعي مفاهيم التنوير ودمجها مع مفاهيم الثورة التحررية‬

‫الديمقراطية ‪...‬تلك المفاهيم التي انتشرت في القرن الثامن عشر في اوروبا فيما عرف بعصر التنوير‬ ‫الذي لم يكن مجرد حقبة متميزة أو تغير حاسم في التاريخ اإلنساني فحسب ‪ ,‬بل كان حركة سياسية‬

‫وعلمية ‪ ,‬وأخالقية هائلة ‪...‬قادها صفوة رواد عصر النهضة من الفالسفة والمفكرين ‪ :‬فولتير ‪,‬‬ ‫وموننتسكيو ‪ ,‬وديدرو ‪ ,‬وروسو ‪ ,‬وهولباخ‪ ,‬ودالمبير‪ ,‬وديفيد هيوم ‪ ....‬جون لوك ‪ ,‬وفرانسس‬

‫بيكون‪ ,‬وتوماس هوبز ‪ ,‬وقبل هؤالء جميعا اسحاق نيوتن ‪.‬‬

‫كان التنوير‪ -‬كما يقول ليود سبنسر وزميله كروز في كتابهما " عصر التنوير" ‪ -‬تيا ارً عقلياً حرك‬

‫أوروبا كلها إبان القرن الثامن عشر ‪ ,‬وتركز في باريس ‪ ,‬ثم انتشر منها في كل أرجاء أوروبا ومنها‬

‫‪389‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إلى المستعمرات األمريكية فكانت هناك شبكة من الكتاب والمفكرين ‪ ,‬أعطيت للقرن الثامن عشر‬

‫تماسكاً عقلياً ملحوظاً مهد النتشار الثورات الديمقراطية واالجتماعية االشتراكية ‪.‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫المذاهب والفلسفة اإلسالمية‬

‫مارس المفكرون اإلسالميون نوعاً شجاعاً من االجتهاد على نطاق واسع خالل القرون األولى‬

‫للحضارة العربية اإلسالمية‪ ,‬وكان من نتيجة هذا االجتهاد بروز المذاهب التي يتوزع المسلمون بينها‬

‫إلى يومنا هذا‪ ,‬ومن المعروف أن االجتهاد قد توقف منذ القرن الرابع عشر الميالدي تقريباً‪ ,‬أو ما‬ ‫يمكن أن نطلق عليه حالة االنقطاع الفكري‪ ,‬حيث تجمد الفكر في مدارس المذاهب المذكورة وضاق‬

‫هامش التفسير الحر للشريعة‪ ,‬فلم يعد من الممكن الخروج عن حدود المذاهب المعترف بها ‪ ,‬وفي‬

‫هذا السياق ‪ ,‬يقول د‪.‬الجابري في كتابه الهام " تكوين العقل العربي " ‪ ,‬إن " الثقافة العربية االسالمية‬

‫تنقسم إلى ثالث مجموعات ‪ .0 :‬علوم البيان من فقه ونحو وبالغة – ‪ .3‬علوم العرفان من تصوف‬ ‫وفكر شيعي وفلسفة وطبابه وفلك وسحر وتنجيم –‪ .2‬علوم البرهان من منطق ورياضيات‬

‫وميتافيزيقيا‪ .‬ويتوصل إلى أن الحضارة االسالمية هي حضارة فقه ‪ ,‬في مقابل الحضارة اليونانية التي‬ ‫كانت حضارة فلسفة ‪ ,‬لقد تجمدت الحضارة العربية عند الفلسفة اليونانية ‪ ,‬وغاب عنها العنصر‬

‫المحرك ‪ :‬التجربة ‪ ,‬بعد أن غلب عليها الالهوت أو علوم العرفان أو الالمعقول " ‪ .‬ثم يستطرد‬ ‫د‪.‬الجابري بالقول " إن العقل البياني العربي اليقبل بطبيعته التجربة ألنه يحتقر المعرفة الحسية ويترفع‬ ‫عن التجربة ويتعامل مع النصوص أكثر من تعامله مع الطبيعة وظواهرها ‪ ,‬ويعود السبب في ذلك كما‬

‫يقول إلى "أن الفلسفة اليونانية التي أخذها العرب عن اإلغريق كانت فلسفة تؤكد على مجتمع السادة‬

‫والعبيد ‪ ,‬والتؤمن بالتجربة ألنها من أعمال العبيد ( وكذلك جميع الحرف ) ‪ ,‬أما السادة فهم من نوع "‬

‫أعلى "ومهامهم تنحصر في التفكير والنظر وانتاج الخطاب " وكانت المحصلة أن "إنجازات العرب في‬

‫اللغة والفقه والتشريع شكلت قيوداً للعقل الذي أصبح سجين هذا البناء من الركود والتخلف" وهي قيود‬ ‫يتم اآلن اعادة صياغتها في مشهد االسالم السياسي الراهن‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫عن تخلف المجتمعات العربية وتقييم حركات االسالم السياسي‪...‬‬

‫منذ القرن الرابع عشر ‪ " :‬دخل الفكر اإلسالمي ‪ -‬كما يقول المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد ‪-‬‬

‫في مرحلة الركود بحكم الظروف الداخلية والخارجية التي أدت الى الجمود االجتماعي والسياسي "‬

‫وتقلصت المساحة النقدية منذ ذلك القرن ‪ " ,‬عندما راح اإلعالن الرسمي للمذاهب يفرض بالتدريج‬

‫ممارسة " أرثوذكسية " للفكر الديني بعيداً عن العلوم الدنيوية ‪ ,‬واستمر هذا الحال حتى نهاية القرن‬ ‫‪391‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التاسع عشر ‪ ,‬وظهور ما عرف بحركة اإلصالح الديني الحديث‪ ,‬التي أطلقها جمال الدين األفغاني‬ ‫ومحمد عبده ‪ ,‬ولم تفلح ‪-‬كما يقول الجابري‪ -‬في " بلورة مشروع نهضوي تتجاوز به اإلشكالية التي‬ ‫تطرحها في التجربة الحضارية العربية منذ اندالع النزاع بين علي ومعاوية أو العالقة بين الدين‬

‫والسياسة " ‪ ,‬كما لم تفلح االتجاهات العلمانية ‪ ,‬المادية والعقالنية التي ظهرت في تلك المرحلة وبداية‬ ‫القرن الماضي ‪ ,‬في بلورة مشروعها النهضوي عبر اتجاهاتها الفكرية المتعددة ‪ ,‬المادية والتنويرية‬

‫التي عبر عنها أبرز مثقفي هذا التيار شبلي شميل ‪ ,‬وفرح أنطون وسالمة موسى وعلي عبد الرازق‬

‫وطه حسين ولطفي السيد ‪.‬‬

‫والسؤال اآلن ‪ :‬كيف وصل العرب في العصر الحديث الى هذه الحال ‪ ,‬وأين يكمن الخلل ؟ يرى‬

‫المفكر جورج طرابيشي‪ ,‬أن الخطر في هذا الزمن القطري ‪ ,‬ليس تراجع فكرة الوحدة العربية بحد ذاته ‪,‬‬

‫حيث أن مثل هذا التراجع قد يكون مؤقتاً ‪ ,‬وانما تراجع فكرة القومية بالذات " ‪ ,‬أماالمفكر الراحل د‪.‬‬ ‫هشام شرابي ‪ ,‬فيرى أن " ما جرى في المائة سنة األخيرة من الحياة العربية التي سادتها " األبوية "‬

‫أفضى الى تحديث القديم دون تغييره جذرياً " ‪ ,‬ويضيف د‪ .‬هشام شرابي "أن األصولية اإلسالمية لن‬

‫تقوى على توفير عالج ناجح للفوضى التي تتحكم بالمجتمعات العربية ‪ ,‬وذلك ألنها " مثالية " ستكون‬ ‫حلولها بالضرورة سلطوية ومرتكزة الى عقيدة وسبل جبرية مطلقة ‪ ,‬وستلجأ الى فرض نظام أبوي‬

‫سلطوي يقوم على أيدلوجية غيبية دينية ‪ .‬أما وجهة نظر المفكر الماركسي د‪.‬سمير أمين فتتلخص‬

‫في أن حركات اإلسالم السياسي ‪" ,‬تجسد اليوم اتجاه رفضي سلبي ال يقدم بديالً إيجابياً على مستوى‬

‫التحديات العالمية ‪ ,‬حيث يقوم المشروع الذي تتبناه على ثالثة أعمدة هي أوالً ‪ :‬إلغاء الديمقراطية‬

‫وثانياً ‪ :‬إحالل خطاب أيدلوجي شمولي محلها ( ينتهي الى ) خضوع شكلي لطقوس دينية ال غير‬ ‫وثالثاً ‪ :‬قبول االنفتاح الكومبرادوري الشامل على الصعيد االقتصادي ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫نالحظ أن حركات اإلسالم السياسي حرصت منذ أن قررت االلتحاق باالنتفاضة ‪ ,‬على إزاحة‬

‫شعارات الشباب الثوري والعمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين التي تؤكد على مطالبهم في‬

‫الخالص من كل أشكال االستبداد واالستغالل الطبقي واإلذالل االجتماعي‪ ,‬إلى شعارات تؤكد على أن‬ ‫المعركة هي بين القوى الديمقراطية العلمانية واليسارية والقومية ‪ ,‬وبين اإلسالم الذي تدعي تمثيله‪,‬‬

‫وتقدمه على أنه "الحل المنشود" وذلك تعبي ارً عن رؤيتها ومصالحها الطبقية التي ال تختلف في‬

‫طبيعتها وجوهرها االستبدادي عن طبيعة النظام المخلوع… من اجل تكريس تخلف وتبعيةمصر وتونس‬ ‫واحتجاز تطورهما ‪ ....‬لذلك كان من الطبيعي ان تنفجر الثورة الشعبية من جديد معلنة رفضها‬ ‫للديكتاتورية والتفرد والقمع واالستبداد بعد اكتشفت الجماهير حقيقة التيارات الدينية وسياساتها‬

‫وممارساتها التي لن تختلف ‪-‬في جوهرها‪ -‬عن سياسات النظام المخلوع‪ ,‬وبالتالي فان القوى‬ ‫‪390‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الديمقراطية اليسارية والوطنية والقومية‪ ,‬يجب ان تتوحد في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل‬

‫مراكمة توسعها ونضالها في أوساط الجماهير معلنة استمرار النضال الستكمال مهمات واهداف الثورة‬

‫الوطنية الديمقراطية التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫رفاقي واصدقائي ‪......‬ان رفضنا لمنطق ما يسمى بأطر المعارضة وقياداتها من امثال ما يسمى‬

‫الجيش الحر والمجلس والشيخ معاذ الخطيب رئيس ما يسمى االئتالف الوطني وغيرهم من العمالء‬

‫امثال غسان هيتو او رموز الليبرالية الرثة أواالخوان المسلمين واالسالم السياسي هو في جوهره رفض‬ ‫للقوى اليمينية التي لجأت الى الواليات المتحدة االمريكية واالتحاد االوروبي وحلف الناتو وركيزته‬

‫تركيا في بالدنامن اجل تفكيك الدولة السورية بذريعة البحث عن الديمقراطية ‪ ..‬وارتمت في احضان‬

‫ابشع رموز االستبداد والتخلف والعمالة ملوك وامراء السعودية وقطر والخليج ‪ , ..‬انه رفض ينبع من‬

‫قناعتنا وادراكنا بصورة موضوعية ‪ ,‬بأن ذلك المنطق بكل تحالفاته الطبقية ‪ ,‬لن يؤدي في بالدنا سوى‬ ‫الى مزيد من الخضوع للتحالف االمبريالي الصهيوني ‪ ,‬والى اعادة تهميش الجماهير الشعبية وفقدانها‬ ‫لتحررها الذاتي والسياسي على المستويين الوطني والقومي ‪ ,‬والى مزيد من اعادة انتاج التبعية‬ ‫واالستبدادواالستغالل والمعاناة والحرمان في صفوفهم بما يدفع الى االعتراف االكراهي بمشروعية‬

‫الالمساواة ‪ ,‬وغياب مفاهيم وآليات الديمقراطية والمواطنة والعدالة االجتماعية وتكافؤ الفرص والحريات‬

‫الحقيقية‪ .‬وبالتالي فان الموقف ضد انظمة االستبداد واالستغالل والتخلف والقمع في أي نظام عربي‬ ‫تابع ومستبد‪ ,‬يجب أن يتوحد مع الموقف ضد القوى االمبريالية وركيزته الحركة الصهيونية ‪ ,‬وضد أي‬

‫تدخل خارجي مهما كانت ذرائعه ‪ ,‬وضد العمالء العرب مما يسمى بملوك وامراء ومشايخ ‪,‬وهذا هو‬

‫المقياس االول ‪-‬من وجهة نظري – لمصداقية قوى المعارضة الوطنيةالديمقراطية الثورية في قلب‬ ‫نضال جماهير االنتفاضات العربية من اجل اسقاط انظمة العمالة واالستغالل واالستبداد‪....‬‬ ‫(‪)01‬‬

‫الوضع الراهن‪ ,‬الذي تعيشه شعوبنا العربية ‪ ,‬لم يكن ممكناً تحققه بعيداً عن عوامل التفكك و‬

‫الهبوط الناجمة عن تكريس وتعمق خضوع وارتهان الشرائح الحاكمة في النظام العربي للنظام‬

‫االمبريالي حفاظا على مصالحها الطبقية النقيضة لتطلعات ومصالح الجماهير ‪ ,‬لدرجة أن ربع القرن‬

‫األخير حمل معه صو ارً من التراجع لم تعرف جماهيرنا مثيالً لها في كل تاريخها الحديث‪ ,‬فبدالً مما‬ ‫كان يتمتع به العديد من بلدان الوطن العربي في الستينات من إمكانات للتحرر والنهوض الوطني‬ ‫والقومي الديمقراطي ‪ ,‬تحول هذا الوطن بدوله العديدة وسكانه إلى رقم كبير ‪ ,‬يعج بالنزاعات الداخلية‬

‫والعداء بين دوله وطوائفه‪ ,‬ال يحسب له حساب أو دور يذكر في المعادالت الدولية‪ ,‬وتحولت معظم‬ ‫‪392‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أنظمته وحكوماته إلى أدوات للقوى المعادية‪ ,‬فيما أصبح ما تبقى منها عاج ازً عن الحركة والفعل‬ ‫والمواجهة‪ ,‬في إطار عام من التبعية على تنوع درجاتها وأشكالها السياسية واالقتصادية والتكنولوجية‬

‫والثقافية والسيكولوجية‪ ,‬في ظروف فقدت فيها القوى واألحزاب اليسارية روحها وارادتها الثورية‬

‫وهويتها ‪ ,‬وفقدت قدرتها على الحركة والنشاط والنمو‪ ,‬وتراجع دورها في التأثير على الناس أو على‬

‫األحداث من حولها‪ ,‬األمر الذي أفسح المجال واسعا لتيار اإلسالم السياسي بمختلف تالوينه‬ ‫ومسمياته في بلداننا العربية بذريعة منطلقاته الدينية أو اإليمانية التي ال تشكل تناقضا جذريا مع‬

‫البرامج والسياسات اإلمبريالية عموما وبرامجها االقتصادية والمجتمعية خصوصا‪ , .‬ما يعني بوضوح‬

‫شديد أن بلدان الوطن العربي أمام خيارين ‪..‬إما البربرية أو الثورة االشتراكية ‪.‬‬ ‫(‪)00‬‬

‫السمات الرئيسية للمرحلة على الصعيد الفلسطيني‪.....‬‬

‫أوال ‪ :‬السمة االولى على الصعيد الوطني تتمثل باستسالم الجناح القيادي البيروقراطي المتنفذ في‬ ‫م‪.‬ت‪.‬ف والشريحة الكمبرادورية المتحالفة معه والداعمة له في داخل الوطن وخارجه‪ ,‬الى‬

‫جانب تراجع حركة حماس عن جوهر ثوابتها الوطنية وتقاطعها بمساحة واسعة مع برنامج ابو‬ ‫مازن والسلطة بعد فوز االخوان المسلمين في مصر وبروز مشهد االسالم السياسي ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬على ضوء الواقع الجديد وعلى ضوء صيرورة المخطط المعادي‪ ,‬سيشهد المجتمع‬ ‫الفلسطيني وقواه السياسية جملة من التغيرات والتفاعالت السياسية والمجتمعية والثقافية التي‬ ‫سيكون لها دو ار مباش ار في صياغة اتجاهات الصراع ( مع استمرار االنقسام جوهريا رغم‬

‫المصالحات الشكلية في القاهرة او الدوحة !!) ‪ ,‬ويمكن تلمس هذه التحوالت من خالل‪:‬‬

‫أ‪ -‬دفع المشروع التصفوي باتجاه تشويه وتفكيك بنية المجتمع الفلسطيني في الضفة والقطاع‬

‫والشتات اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا الى مجتمعين او عدة مجتمعات‪ ,‬ونشر ثقافة قيم الهبوط‬ ‫والتطبيع والخضوع او االستسالم لالمر الواقع ‪ ,‬جنبا الى جنب مع ثقافة ‪ NGO,s‬وقيم‬

‫االستهالك الباذخ ‪ ,‬الطفيلي ‪ ,‬من ناحية واستمرار مظاهر االفقار والبطالة من ناحية ثانية ‪,‬‬

‫في اطار تكريس ربط االقتصاد الوطني باالحتالل ‪.‬‬

‫ب‪ -‬تنامي الميل لنقد تجربة المقاومة ومواثيق م‪.‬ت‪.‬ف بأكثر من اتجاه‪ ,‬فجزء سيتجه الستخالص‬ ‫الدروس والعبر واالمساك بمقدمات النهوض ‪ ,‬وجزء سيعتبر ان هذا هو نهاية المطاف ويندفع‬

‫للقبول بما هو قائم والرضوخ له ‪.‬‬

‫ت‪ -‬الميل إلنشاء ووالدة أحزاب وحركات سياسية‪ ,‬ذات طابع طبقي يميني انتهازي تابع ومشوه ‪,‬‬ ‫تمثل المعادلة السياسية الجديدة كتعبير عن حالة التراجع الحاصل وكاستجابة لمحاوالت‬

‫‪393‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫التدجين للحركة السياسية ولتطبيع العالقة مع االحتالل والقوى الرجعية العربية العميلة في‬

‫الخليج وقطر والجزيرة العربية " السعودية "‪.‬‬

‫إن صيرورة هذه العملية سترتبط بمسألة االتجاه الذي ستنتهي إليه عملية الحراك االجتماعي _‬

‫الطبقي في المجتمع الفلسطيني‪ ,‬والى إعادة صياغة لوحة التناقضات واالصطفافات السياسية‪...‬اخي ار‪,‬‬

‫إن هذا الواقع الذي يتشكل يفرض علينا التمسك مجددا بثوابتنا في الصراع والتناقض التناحري ضد‬ ‫العدو الصهيوني من جهة والتوقف أمام عنوان هام وهو ما بات يعرف باإلسالم السياسي‪ -‬في اطار‬

‫التناقض الديمقراطي ‪ -‬الفكري واالجتماعي والسياسي ‪ -‬لتحديد رؤية واضحة موضوعية وعلمية منه‬

‫من جهة ثانية‪.‬‬ ‫(‪)03‬‬

‫رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية ‪2/0‬‬

‫ال شك أن الحديث عن دولة مدنية ديمقراطية أو مجتمع مدني‪ ,‬في أي بلد عربي في ظل استمرار‬

‫بقاء أنظمة االستبداد والتبعية والتخلف أو في ظل مشهد االسالم السياسي من جهة ‪ ,‬وفي إطار هذا‬

‫المزيج أو الشكل المرقع من "الجماعات" ما قبل الحداثة أو المدنية في المجتمعات العربية من جهة‬ ‫ثانية‪ ,‬مسألة تحتاج إلى المراجعة الهادئة التي تستهدف تشخيص الواقع االجتماعي العربي‪ ,‬وأزمته‬

‫المستعصية الراهنة‪ ,‬تشخيصاً يسعى إلى صياغة البديل الديمقراطي القومي وآلياته وصوالً إلى تفعيل‬ ‫مفاهيم وأدوات الدولة المدنية الديمقراطية العلمانية ومؤسسات المجتمع المدني في إطار النضال‬

‫الوطني والقومي التحرري والديمقراطي من ارضية الصراع الطبقي وفق رؤية وبرامج ماركسية واضحة‪,‬‬

‫ونقيضة لمفهوم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية الذي تروج له بعض القوى السياسية‬

‫والمنظمات غير الحكومية‪ ,‬عبر " نخب" تخلى رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة‪ ,‬ولم تنجح في‬

‫الوصول أو التغلغل بأي شكل من األشكال إلى األوساط الجماهيرية الشعبية‪ ,‬وان دل ذلك على شيء‪,‬‬ ‫فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة‪ ,‬وغرابة صيغها‬

‫وعناوينها الفرعية المتعددة‪ ,‬مثل ‪" :‬التمكين في المشاركة" "الشراكة الجديدة بين الدولة واألسواق"‪,‬‬

‫"تنمية قدرات اإلنسان"‪" ,‬تقدير الفقر بمشاركة الفقراء في وضع استراتيجيات تخفيف فقرهم!" "تنمية‬ ‫المبادرات المحلية"‪ " ,‬والتنمية المستدامة"‪" ,‬دور المنظمات األهلية مع القطاع الخاص"‪" ,‬التنمية‬ ‫البشرية من منطلق األطفال"‪" ,‬الجندر"‪" ,‬عمليات التشبيك"‪" ,‬الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق"‪..‬‬

‫الخ حلت محل المفاهيم المعادية لإلمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة واالشتراكية‪,‬‬

‫وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط‪ ,‬الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد‪,‬‬

‫أسسه ومنطلقاته الليبرالية‪ ,‬الفكرية والسياسية العامة ‪ ,‬بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين‬

‫لهذه المنظمات بقوله "إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية‪ ,‬تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية‬ ‫‪394‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العولمة‪ ,‬الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم‪ ,‬وهي انسجام أو إعادة تنظيم إلدارة المجتمع من قبل‬

‫القوى المسيطرة"‪.‬‬

‫تابع ‪/‬رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية ‪2/3‬‬

‫إذا كنا نتفق على أن رفيقنا المفكر الماركسي الثوري الشهيد مهدي عامل ‪ ,‬قد قدم نظرية للثورة ‪,‬‬

‫فإن من واجبنا –كأحزاب وفصائل يسارية عربية‪ -‬في هذه المرحلة التفاعل والتواصل المعرفي مع‬

‫أفكاره ومقوالت نظريته الثورية ‪ ,‬واغنائها واإلضافة عليها عبر دراسة وتحليل وتفكيك واقعنا‬ ‫االجتماعي والسياسي في إطار الصراع الطبقي الداخلي ‪ ,‬والصراع ضد الوجود االمبريالي الصهيوني‬ ‫في بالدنا‪ ,‬عبر انطالقنا من الفكرة المركزية التي أكد عليها المفكر الراحل مهدي في الترابط بين‬ ‫التحرر الوطني والصراع الطبقي من جهة ‪ ,‬وعبر انطالقنا من الوحدة الجدلية بين الماركسية والرؤية‬

‫القومية التحررية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية من جهة ثانية ‪ ,‬األمر الذي يستوجب تداعي جميع‬ ‫أحزاب وفصائل اليسار الماركسي ‪ ,‬إلى البحث الجاد على قاعدة الحوار‪ ,‬من أجل مراجعة ونقد تجاربها‬

‫السابقة وتجديد وتطوير أحزابها واالتفاق على الرؤى السياسية والمجتمعية ‪ ,‬وعلى األهداف واألسس‬

‫الفكرية والتنظيمية التوحيدية المشتركة فيما بينها لكي تستعيد مصداقيتها ودورها الطليعي ‪ ,‬بما يسمح‬

‫قوة قادرة عبر بناء وتفعيل البديل الشعبي الديمقراطي التقدمي‪ -‬في كل قطر عربي‪-‬‬ ‫تتحول إلى ّ‬ ‫بأن ّ‬ ‫على مجابهة االستقطاب اليميني ‪ ,‬وتأسيس مقدرتها على تفعيل االنتفاضات أو الحالة الثورية العربية‬ ‫وصيرورتها الراهنة‪ ,‬وتحقيق أهدافها للخالص من كل أشكال ومظاهر وأدوات االستغالل الطبقي‬ ‫واالستبداد‪ ,‬واثقين من انتصارها‪ ,‬خاصة وأن أسباب االنتفاضة الثورية لن تتالشى أو تزول‪ ,‬بل‬

‫ستتراكم مجدداً‪ -‬بعد أن تكتشف زيف الليبراليين وقوى اإلسالم السياسي لتنتج حالة ثورية نوعية‪,‬‬ ‫تقودها جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل الكادحين والمضطهدين وفي طليعتهم أحزاب وقوى‬ ‫اليسار الماركسي الثوري جنبا إلى جنب مع القوى الديمقراطية المدنية ‪ ,‬العلمانية الوطنية والقومية‬

‫لكي تحقق األهداف التي انطلقت االنتفاضات الشعبية من أجلها ‪.‬‬

‫تابع ‪/‬رؤية يسارية حول مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية الديمقراطية ‪2/2‬‬

‫في هذا المشهد الملتبس داخلياً‪ ,‬في إطار النظام العربي المأزوم والمهزوم‪ ,‬وخارجياً على الصعيد‬

‫العالمي‪ ,‬وخاصة في ظل مشهد االسالم السياسي الراهن وما يعنيه من تكريس التبعية واعادة انتاج‬

‫التخلف واالستبداد واالستغالل الطبقي في مجتمعاتنا العربية يصبح الحديث عن الدولة المدنية‬ ‫الديمقراطية العلمانية عنوانا رئيسيا وأولويا في برامج قوى واحزاب اليسار العربي في هذه المرحلة ‪,‬‬ ‫انطالقا من ادراكنا أن الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع المدني العربي‪ ,‬هو حديث عن مرحلة‬

‫ط مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقالنية التي تحل محل‬ ‫تطورية لم ندخل أعماقها بعد‪ ,‬ولم نتعا َ‬ ‫‪395‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫األدوات والمعطيات المتخلفة الموروثة ‪ ,‬وبالتالي فان مجتمعنا العربي اليوم‪ ,‬هو "مجتمع بال مجتمع‬

‫بالدنا في ٍ‬ ‫ي وال تنتسب له‪ ,‬بالمعنى الجوهري‪ ,‬فإن‬ ‫زمن غير‬ ‫حداثي ‪ /‬حضار ٍّ‬ ‫ٍّ‬ ‫مدني"‪ ,‬فطالما كانت ُ‬ ‫العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج التخلف سيظل أم ارً طبيعياً فيها‪,‬خاصة في ظل مشهد‬

‫االسالم السياسي‪.‬‬

‫أمام هذا الواقع المعقد والمشوه‪ ,‬وفي مجابهته‪ ,‬ندرك أهمية الحديث عن الدولة المدنية والمجتمع‬

‫المدني وضروراتهما في سياق النضال من اجل استكمال مهمات الثورة الوطنية الديقراطية الشعبية‬

‫بافاقها االشتراكية ‪ ,‬بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية‪ ,‬المستندة إلى حرية السوق‬ ‫والليبرالية‪ ,‬ألننا نرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي‪ ,‬فرضية ال يمكن أن تحقق‬

‫مصالح جماهيرنا الشعبية‪ ,‬ألنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة االجتماعية‪-‬االقتصادية الكومبرادورية‬ ‫التابعة والمشوهة من جهة‪ ,‬وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في اإلطار السياسي‬

‫االجتماعي الضيق للنخبة ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه‪.‬‬

‫ِ‬ ‫المجتمع المدني وتطبيقاته في بالدنا‪ ,‬تتجاوز التجزئة‬ ‫لمفهوم‬ ‫وفي هذا السياق‪ ,‬فإن رؤيتنا‬ ‫ِ‬

‫القطرية ألي بلد عربي‪ ,‬تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها (مع إدراكنا لتجذر هذه الحالة القطرية‬

‫ورسوخها)‪ ,‬نحو رؤية اشتراكية ديمقراطية قومية ‪-‬تدرجية‪ -‬تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة‬

‫األمة ‪-‬المجتمع العربي‪ ,‬وتتعاطى مع اإلطار القومي كوحدة تحليلية واحدة‪ ,‬ثقافياً واجتماعياً وسياسياً‪,‬‬ ‫في بنيتها التحتية ومستوياتها الجماهيرية الشعبية على وجه الخصوص‪ .....‬من هنا أهمية التركيز‬

‫على حقل المعرفة كحقل مميز من حقول الصراع الطبقي" ذلك إن وحدة المفاهيم أو اإلطار المعرفي‬

‫السياسي‪ ,‬ووضوحها لدى احزاب اليسار الماركسي‪ ,‬ارتباطاً بوضوح تفاصيل مكونات الواقع االجتماعي‬ ‫‪-‬االقتصادي‪-‬الثقافي العربي‪ ,‬ستدفع نحو توليد الوعي بضرورة وحدة العمل المنظم المشترك‪ ,‬وخلق‬

‫"المثقف الجمعي العربي" عبر اإلطار التنظيمي الديمقراطي االشتراكي الموحد من ناحية وبما يعزز‬ ‫ويوسع إمكانيات الفعل الموجه نحو تحقيق شروط "الهيمنة الثقافية" في أوساط الجماهير الشعبية من‬

‫ناحية ثانية ‪.‬‬

‫بهذا التصور‪ ,‬يصبح تعاملنا مع مفهوم المجتمع المدني‪ ,‬مرحلياً‪ ,‬وبعيداً عن المشروع الرأسمالي‬

‫وحرية السوق والليبرالية الجديدة‪ ,‬وبالقطيعة معها‪ ,‬دون أن نتخطى أو نقطع مع دالالت النهضة‬ ‫والحداثة في الحضارة الغربية من الناحية المعرفية والعقالنية والعلمية والديمقراطية وجميع المفاهيم‬

‫الحداثية األخرى‪ ,‬وتسخيرها في خدمة أهدافنا في التحرر القومي والبناء االجتماعي التقدمي بآفاقه‬

‫االشتراكية كمخرج وحيد لتجاوز أزمة مجتمعاتنا العربية المستعصية ‪ ,‬ومن أجل اإلسهام في بناء‬

‫النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال االحتكاري‪ .‬لقد حانت اللحظة للعمل الجاد‬

‫المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر عبر أممية جديدة‪ ,‬ثورية وعصرية وانسانية‪.‬‬

‫‪396‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)02‬‬

‫عن التنوير وموقف حركات االسالم السياسي‪.......‬‬

‫يقول الفيلسوف العربي صادق جالل العظم ‪"...‬بعد فشل المشروع القومي الشعبوي واليساري‬

‫سنحت الفرصة لحركات االسالم السياسي السترجاع الخسارة التاريخية التي لحقت بهم و استعادة‬ ‫المواقع التي ما زالوا يظنون انها من حقهم وحق أمرائهم ومشايخهم‪ .‬من هنا رفضهم أعظم شعار‬

‫رفعه التاريخ العربي الحديث‪":‬الدين هلل والوطن للجميع"‪ .‬ويضيف قائال في تفسيره للهجوم الذي ال‬ ‫يهدأ‪ ,‬في هذه األيام على أفكار التنوير وعلى المفكرين التنويريين " أعتقد أن مصدر المشكلة ليس‬

‫األفكار التنويرية نفسها بالضرورة‪ .‬يكمن مصدر المشكلة في ارتباط أفكار التنوير بمشروع سياسي‬ ‫اجتماعي تحرري كبير الذي نسميه بالمشروع القومي أو النهضوي أو حركة التحرر العربي أو الثورة‬

‫العربية وما شابه‪ ,‬وانتهاء هذا المشروع إلى أزمة وانهيار وانسداد واخفاق‪ .‬أعتقد أن هذه الواقعة هي‬

‫التي تجعل حركات االسالم السياسي تتج أر على مهاجمة المشروع كله أحياناً‪ ,‬واألفكار التي رافقته أو‬ ‫أتت معه أو ارتبطت به بشكل من األشكال في أحيان أخرى‪.‬‬

‫كنا في الستينات‪ ,‬كتيار يساري‪ ,‬ال ننتقد أفكار التنوير ذاتها وانما أوجه القصور في عصر‬

‫النهضة‪ .‬وذلك من مواقع بدت لنا يومها أكثر راديكالية وتقدماً وتقدمية‪ .‬أي أننا كنا نرى أن عصر‬ ‫النهضة لم يكن جذرياً كفاية‪ ,‬ولم يكن ثورياً تماماً‪ ,‬وننتقد التعلق المرضي به‪ .‬كنا نضيق بهذا الترداد‬

‫الدائم ألسماء محمد عبده والكواكبي واألفغاني وغيرهم وكأن شيئاً مهماً لم يط أر على حياتنا منذ أيامهم‬ ‫‪ ,‬وكنا نطالب بانتاج فكر مالئم ومطابق وأكثر تقدماً من فكر عصر النهضة‪ .‬تبين أننا كنا ضحية‬

‫تفاؤل كاذب إذ دمرت هزيمة حزيران ‪ 0697‬الفرضية التي أوهمتنا بأننا تجاوزنا‪ ,‬أو تمكنا من تجاوز‪,‬‬

‫عصر النهضة ومشكالته وأفكاره‪ .‬اآلن‪ ,‬يبدو لي أن هناك تراجعاً إلى خط الدفاع الثاني أمام الهجوم‬

‫اآلتي من اليمين‪ ,‬وخصوصاً اليمين الديني‪ .‬علماً بأن هجوم أعضائه ال يتركز على التنوير وقيمه فقط‬

‫وانما على عصر النهضة برمته‪ .‬وهم صريحون في التعبير عن هذا النقد ويعتبرون أن مصائبنا كلها‬ ‫أتت بسبب عصر النهضة ومعه ومنه‪ ,‬وكان يجب أال يكون هناك نهضة وال من ينهضون‪ .‬والغالة‬

‫منهم يمجدون الحقبة العثمانية " ويضيف قائال " أنا أجد نفسي اآلن‪ ,‬مع آخرين كثيرين‪ ,‬في موقع‬

‫الدفاع عن عصر النهضة وانجازات عصر النهضة وأفكار التنوير‪ .‬كما أعتقد أن قيم التنوير جديرة بأن‬ ‫يدافع عنها‪ ,‬ويدافع عنها بقوة‪ ,‬وال سيما أن هناك خطأ آخر ارتكبه اليسار يتمثل في إهماله القيم‬

‫المرتبطة كالسيكياً بالتنوير‪ .‬أعني استخفاف الخطاب اليساري والممارسات اليسارية بأمور مثل‬

‫المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق اإلنسان والمواطن والحريات العاملة والعلمانية ‪ ...‬إلخ‪ .‬وكلها‬

‫أصبحت موجودة اآلن على جدول أعمالنا بقوة‪ .‬لم يدرك المشروع اليساري (وأصحابه) بأنه كان عليه‬

‫أن يستوعب هذه األفكار والقيم والممارسات بحيث تصبح جزءاً من حياتنا الفكرية والعملية إذا كان‬

‫جاداً حقاً في تجاوزها إلى ما هو أرقى‪ .‬وهنا أقول أن ياسين الحافظ كان المفكر اليساري األبرز الذي‬ ‫‪397‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫سبق الجميع وأشار إلى هذه المسألة ووعي أهميتها ونبه إلى خطورتها‪ ,‬في الوقت الذي كان اليسار‬ ‫يعتبرها إما مسائل جانبية أو إنها ستأتي بشكل عفوي مع انتصار الثورة‪.‬‬ ‫(‪)02‬‬

‫من اقوال المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد ‪:‬حول االستخدام النفعي لالسالم‬

‫من أهم التحديات التي تواجهها مجتمعاتنا العربية اآلن‪ ,‬ذلك االستخدام اإليديولوجي النفعي لإلسالم‬

‫لتحقيق مصالح وغايات ذات طبيعة فئوية محلية عاجلة‪ .‬وسواء تم هذا االستخدام من جانب جماعات‬

‫سياسية بعينها‪ ,‬أو من جانب أنظمة وسلطات سياسية فاقدة للمشروعية االجتماعية والسياسية‬ ‫والقانونية‪ ,‬فالنتيجة واحدة‪ ,‬هي تحويل اإلسالم إلي أداة من األدوات واختزاله في وظائف وغايات ذات‬

‫طبيعة دنيوية متدنية‪ .‬ولننظر مثال في مقولة أن اإلسالم دين شمولي‪ ,‬من أهم أهدافه ووظائفه تنظيم‬ ‫شئون الحياة اإلنسانية االجتماعية والفردية في كل صغيرة وكبيرة‪ ,‬بدءا من النظام السياسي ونزوال‬

‫إلي كيفية ممارسة الفرد لنظافته الذاتية في الحمام‪ .‬هذه المقولة تفترض أن دخول الفرد في اإلسالم‬ ‫بالميالد والوراثة أو باالختيار الواعي يعني تخلي اإلنسان طواعية أو قس ار عن طبيعته اإلنسانية‬

‫الفردية التي تسمح له باتخاذ القرار بشأن كثير من التفاصيل الحياتية التي من شأنها أن تتضمن‬

‫اختيارات عديدة ‪ ,‬وهذا يتناقض كليا مع حديث نبي هذا الدين ‪ -‬الذي لم يجد غضاضة‪ ,‬حين لم ينجح‬

‫اقتراحه في تأبير النخل ‪ -‬أن يعلن موقفه الصريح والصحيح قائال أنتم أدري بشئون دنياكم ‪...‬وهو‬ ‫حديث يتوافق مع مفاهيم وشعارات التطور والتقدم بما فيها شعار " فصل الدين عن الدولة وليس عن‬

‫المجتمع‪ .‬وبالتالي فان خطر مقولة " االسالم دين شمولي" يكمن في ذلك الفهم السقيم لإلسالم‪ ,‬الذي‬ ‫من شأنه أن يرسخ سلطة رجل الدين والمؤسسات الدينية‪ ,‬لتصبح سلطة شاملة ومهيمنة في كل‬

‫المجاالت‪ .‬ومن شأن هذا االستفحال واالمتداد السلطوي أن يخلق وضعا نعاني منه اآلن أشد المعاناة‬ ‫اجتماعيا وسياسيا وفكريا‪ .‬فبرغم كل االدعاءات والدعاوي العريضة‪ ,‬والفارغة من المضمون‪ ,‬عن عدم‬ ‫وجود سلطة دينيه في اإلسالم تشبه سلطة الكنيسة في المسيحية‪ ,‬فالواقع الفعلي يؤكد وجود هذه‬

‫السلطة‪ ,‬بل وجود محاكم التفتيش في حياتنا‪ .‬والسلطة هذه تجمع السياسي والديني في قبضة واحدة‪,‬‬ ‫فيصبح المخالف السياسي مارقا خارجا عن اإلجماع ومهددا لوحدة األمة‪ ,‬وبالمثل يقول رجل الدين إن‬

‫من يغير دينه يجب التعامل معه بوصفه خائنا للوطن‪ .‬إن اتحاد الدين والوطن يجد تعبيره في كل‬

‫الدساتير السياسية التي تحصر الوطن في دين‪ ,‬وتختزل الدين في الوطن‪ .‬وهنا يختزل الوطن في‬

‫الدولة‪ ,‬وتختزل الدولة في نظامها السياسي‪ ,‬ويجد المواطن نفسه حبيس أكثر من سجن‪ .‬إن مقولة‬

‫الشمولية تبدأ من الفكر الديني لتخترق مجال السياسة والمجتمع‪ ,‬أو تبدأ من الفكر السياسي لتأسر‬

‫الدين في إيديولوجيتها‪ ,‬والنتيجة واحدة‪ .‬فأي خطر أشد من هذا وأي بالء!‬

‫‪398‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)02‬‬

‫التحدي الكبير الذي يواجه شعوب امتنا العربية اليوم يجب أن يبدأ بعملية تغيير سياسي جذري‬

‫وديمقراطي من منطلق الصراع الطبقي ضد أنظمة اإلسالم السياسي وكل أنظمة االستبداد واالستغالل‬

‫والفساد التي تحكمها‪ ,‬وذلك انطالقاً من وعينا بأن هذه األنظمة شكلت األساس الرئيسي في تزايد‬ ‫واتساع الهيمنة االمبريالية على مقدرات وثروات شعوبنا العربية‪ ,‬كما شكلت األساس الرئيسي لتزايد‬

‫واتساع عنصرية وصلف وهمجية "دولة" العدو اإلسرائيلي‪.‬‬

‫إن إيماننا بآفاق المستقبل الواعد لشعوبنا العربية كلها‪ ,‬في هذه اللحظة الثورية ‪ ,‬ال يعني أننا‬

‫نؤمن بحتمية تاريخية يكون للزمان والمكان دو ارً رئيسياً وأحادياً فيها‪ ,‬بل يعني تفعيل وانضاج عوامل‬ ‫وأدوات التغيير الديمقراطية الحديثة والمعاصرة ‪ ,‬والبحث عن مبرراتها وأسانيدها الموضوعية الملحة‬

‫من قلب واقعنا الراهن‪.‬‬ ‫(‪)09‬‬

‫المشهد الراهن والصراع ضد قطبي اليمين الليبرالي واإلسالم السياسي‬

‫في فلسطين كما في بلدان وطننا العربي‪ ,‬في هذه المرحلة‪ ,‬يبدو أننا أمام مشهد معقد‪ ,‬ومأزوم‪,‬‬

‫يكاد يصل بنا إلى أفق مسدود‪ ,‬بسبب تعمق وتكريس مظاهر التبعية والتخلف والخضوع لشروط آليات‬

‫العدو األمريكي‪/‬الصهيوني عبر النظام العربي الرسمي –بدرجاته المتفاوتة‪ ,‬وبسبب االنحسار الشديد‬ ‫في بنيان الحركات الوطنية والقومية واليسارية وتراجع دورها السياسي في الشارع العربي‪ ,‬بصورة غير‬

‫مسبوقة في كل تاريخنا الحديث‪ ,‬وفي مقابل هذه الصورة‪ ,‬تتجلى حركات التيار الديني عبر تنوعها‬

‫عبر ما يسمى ب "اإلسالم السياسي" لتشكل العنوان األبرز في الشارع السياسي العربي كما في‬ ‫الذهنية الشعبية العربية‪ ,‬إلى جانب العنوان الرئيسي اآلخر‪ ,‬المتمثل في األنظمة العربية بمختلف‬

‫درجات استبدادها وتبعيتها وتخلفها سواء فيما يسمى ببلدان الصحراء المحكومة حتى اللحظة ألكثر‬

‫مظاهر التخلف واالنحطاط المجتمعي عبر العشيرة أو القبلية أو المشيخات ‪.‬‬

‫وفي ظالل هذا المشهد المأساوي المهين‪ ,‬عبر قطبيه المتصارعين‪ ,‬اللذان ال يمكن ألي منهما أن‬

‫يحمل أو يشتق برنامجاً مستقبلياً لمجابهة هذا الوضع المأزوم والخروج منه صوب التحرر والنهوض‬ ‫والعدالة االجتماعية والديمقراطية‪ ,‬لذلك فان وعينا في كل حركات اليسار العربي –بدورنا‪ ,‬ورؤيتنا‬

‫صوب إعادة بناء الحركة الماركسية القومية العربية‪ ,‬كمخرج وحيد لكل أزماتنا‪ ,‬يجعلنا نؤكد على‬

‫أهمية إعادة عملية البناء التنظيمي والفكري والسياسي الحزابنا كأولوية تعلو على ما عداها‪ ,‬انطالقا‬ ‫‪399‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫من أن هذه المرحلة السوداء‪ ,‬المحكومة لقطبي الصراع في فلسطين والبلدان العربية‪ ,‬ليست مرحلتنا‬ ‫من حيث المشاركة أو التحالف مع أي منهما‪ ,‬دون أن يعني ذلك تغييب حضورنا وفعالياتنا في‬

‫النضال الوطني والديمقراطي في اوساط الجماهيرمن جهة ودون أن تغيب عبر أذهاننا رؤيتنا وبرنامجنا‬

‫المستقبلي من ناحية ثانية‪.‬‬

‫‪411‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رفاقي وأصدقائي يف احزاب وفصائل اليسار املاركسي العربي‪...‬‬ ‫‪1 / 03 / 3102‬‬ ‫ان األخالق الثورية تبرز في الحزب كقوة تتجسد في سلوك الجماهير‪ ,‬ولكن اذا ما تعرض الحزب‬

‫الثوري أو اليساري الماركسي إلى عوامل وتراكمات االزمة الداخلية في صفوفه ‪ ,‬فإن األزمة األخالقية‬ ‫الفعلية ‪ ,‬تبلغ ذروتها بسبب استمرار مفاعيل و تراكمات هذه االزمة(عبر رموزها) طالما بقي الحزب‬

‫عاج از عن الخروج منها ‪ ,‬حيث تتراجع المبادئ وتختل أسس الحوار الديمقراطي الداخلي مما يؤدي‬ ‫الى اختالل قواعد التنظيم وتراجع الوعي ومن ثم تراجع االهداف والمبادىء وكل معاني االلتزام‬ ‫واالنتماء والمصداقية واالحترام والعالقات الرفاقية الدافئة‪ ,‬ويسود منطق الشللية و التكتل والنفاق‬

‫وانزالق بعض الرفاق إلى مستنقع االنتهازية التي تتجلى في كسب األنصار بأية طريقة كانت ‪,‬‬ ‫فتتراجع النظرة الموضوعية‪ ,‬كما تتراجع الثقافة النظرية‪ ,‬والهوية الفكرية للحزب ‪ ,‬ويصبح االنجرار‬

‫وراء األشخاص‪ ,‬ال التمسك بالمبادئ‪ ,‬هو السائد‪ ,‬ويغيب النقد والنقد الذاتي‪ .‬ولذلك فان المهمة األكبر‬

‫التي تواجه الحزب المأزوم هي الكيفية التي يواجه بها هذه النزعة ال ُخلُقية الشائنة المتفشيه في‬ ‫صفوفه ‪ .‬وفي مثل هذا الوضع ‪ ,‬يصبح المطلوب من هذا الحزب أو الفصيل أن يكون أكثر قدرة وأكثر‬

‫حزماً في التصدي لمظاهر االزمة وادواتها رغم الظروف الصعبة التي يمكن مالحظتها ليس فقط فيما‬ ‫يتعلق بقضايا االختالف السياسي والفكري فحسب بل في تلك الممارسات الشللية والتكتالت االنتهازية‬ ‫والالأخالقية التي تعزز دوما بقاء ازمة الحزب بكل تراكماتها ورموزها التي تسد الطريق على خروجه‬

‫من االزمة صوب النهوض ‪ .‬وبالتالي فإن كل هذه المؤشرات والمظاهر والممارسات السيئة تفرض‬

‫على كافة اعضاء وكوادر وقيادة الحزب أن يعملوا على إعادة ترسيخ القيم الثورية المبدئية واالخالقية‬

‫(السياسية والفكرية والتنظيمية) التي بني الفصيل او الحزب على اساسها ودرج عليها بما يتوافق مع‬ ‫روحه الكفاحية العالية ومع مواقفه المبدئية الثابتة ‪ ,‬وبدون ذلك العالج تشتد مفاعيل المرض وتتفاقم‬

‫األزمة المشخصنة تمهيدا للسقوط واسدال الستار ‪.‬‬

‫‪410‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن االستبداد واملصاحل لدى حكومتي فتح ومحاس غري الشرعيتني ‪.....‬‬ ‫‪09 / 03 / 3102‬‬ ‫ان منطق االستبداد والهيمنة في ظل النظام األبوي‪ ,‬الفردي شبه المطلق في السلطة الفلسطينية‬

‫منذ قيامها‪ ,‬أدى بدوره إلى تشجيع بروز أشكال مماثلة من التفرد والهيمنة والفساد في مؤسسات‬

‫وأجهزة السلطة‪ ,‬وذلك باالستناد إلى مجموعات الوالء الشخصي أو االستزالم التي تضخمت تراكماتها‬

‫حتى لحظة انفضاض اغلبية الجماهير الفلسطينية عنها وصوال الى فوز حركة حماس يناير ‪3119‬‬

‫تحت شعار " التغيير واالصالح" ( في ظل عجز او ضعف وتراجع تأثير القوى اليسارية ) ‪,‬آخذين بعين‬

‫االعتبار أن الترجمة الدينية للتناقضات االجتماعية والسياسية التي تعيشها‪ -‬بصورة عفوية بسيطة‪-‬‬

‫قطاعات واسعة من الشرائح االجتماعية الفلسطينية‪ ,‬توافقت مع المنطلقات الدينية لحركة حماس‪-‬‬ ‫وهي منطلقات سياسية في جوهرها‪ ,‬حيث عمدت "حماس" إلى استغالل هذا االلتفاف الشعبي –‬

‫الوطني في جوهره و الديني في مظهره ‪ -‬وتعبئته معنوياً فقط‪ ,‬دون أن تملك _ولن تملك_ القدرة على‬

‫بلورته كحركة اجتماعية سياسية اقتصادية وفق مشروع أو برنامج محدد‪.‬‬

‫إن هذا االحتكار من قبل حركة حماس للتدين الشعبي العفوي‪ ,‬تطور ‪-‬كما يقول د‪.‬علي الكنز ‪-‬‬

‫"كرد فعل باألساس حول نسيج اجتماعي متفكك بسبب األزمة االقتصادية والعنف المتعدد األشكال‪,‬‬ ‫وكذلك بسبب نظام فكري يستند إلى تصور ماضي تاريخي مجيد‪ ,‬قد يكون ناضجاً على المستوى‬

‫المعنوي‪ ,‬ولكنه ال يتمتع بأدنى فعالية أمام المشاكل الراهنة" ‪.‬‬

‫لكن حركة حماس فشلت في تطبيق شعارها عبر تعزيز االنقسام والصراع الفئوي على السلطة ‪,‬‬

‫األمر الذي ادى الى اعادة انتاج االستبداد الذي اصبح برأسين وبمسميات مختلفة عبر حكومتي رام‬

‫اهلل وغزة غير الشرعيتين دون أي اعتبار أو التزام حقيقي من "الحكومتين" بتفعيل عملية التحرر‬

‫الوطني ‪ ,‬و بمبادىء الديمقراطية والتعددية وجوهر القوانين والنظام األساسي‪ ,‬وفي مثل هذه األوضاع‪,‬‬

‫كان طبيعياً انتشار وسيادة منطق االستبداد والوالء ألمصلحي أو الديني الشكلي إلى جانب انتشار‬ ‫مظاهر القلق واإلحباط والخوف‪ ,‬األمر الذي مهد إلثارة المزيد من األزمات الداخلية ذات الطابع الديني‬

‫ألعدمي المتطرف أو االنتهازي‪ ,‬وبدرجات متفاوتة‪ ,‬وهي أزمات بدأت باالنتقال من الحيز التنظيمي‬ ‫الضيق إلى الحيز االجتماعي والسياسي العام‪ ,‬وما يمكن أن ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة على‬

‫مجمل نسيج الحركة الوطنية‪ ,‬ومجمل الوحدة الوطنية واألمن االجتماعي‪ ,‬خاصة في ظل تراخي او‬

‫عجز جميع القوى وانتهازية بعضهاعن اإلسهام بدورها في انهاء االنقسام واطفاء الصراع الداخلي‬

‫‪412‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ووقف أسباب األزمة على قاعدة وضوح الرؤية واإلستراتيجية الوطنية أو العقد االجتماعي الناظم‬

‫للجميع‪.‬‬

‫إن استعراضنا لهذه المظاهر والتداعيات االجتماعية يظهر مجموعة من الحقائق و المفاهيم و‬

‫المؤشرات الدالة على الظروف والعوامل الموضوعية والذاتية ( الداخلية والخارجية) التي أدت إلى‬

‫انتشار هذه المظاهر‪ ,‬وأبرزها طبيعة الخارطة أو التركيبة الطبقية الفلسطينية ‪ ,‬التي لم تتبلور بصورة‬

‫نهائية بعد ‪ ,‬و التي ما زالت تملك دو ارً و تأثي ارً ملموسا في عملية توزيع الدخل و الثروة و السلطة ‪,‬‬ ‫و لنا في تجربة األعوام الماضية أن نستنبط العديد من األمثلة على هذه العالقة التي ينجم عنها ما‬

‫نسميه بإعادة إنتاج العالقات المتخلفة بما فيها ظاهرة الوالء الشخصي واالستزالم‪ ,‬خصوصاً في‬ ‫أوساط الجماهير الفقيرة‪ ,‬حيث يتم استغالل هذه العالقة ضمن أبعادها الخاصة أو الحياتية بعيداً عن‬

‫الرؤى الوطنية والمجتمعية التوحيدية‪ ,‬بحيث يمكن توصيف العالقات السائدة عندنا اليوم‪ ,‬على أنها‬ ‫تأكيد لمجتمع ما قبل الحداثة أو الرأسمالية ‪ ,‬حيث تمتزج و تنصهر فيها عالقات اإلنتاج االقتصادية‬ ‫من ناحية و عالقات التبعية و الوالءات ذات الطابع الفردي أو الجهوي من ناحية أخرى ‪ ,‬و كما هي‬

‫الحال عندنا في الضفة و القطاع‪ ,‬فإن هذه العالقات االستزالمية –لهذا المسئول أو القيادي أو ذاك‪-‬‬ ‫تأخذ شكل العالقات الشخصية القائمة على المصالح االقتصادية اآلنية والمباشرة‪ ,‬عبر "النخب"‬

‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية التي أفرزها االنقسام الراهن في حكومتي فتح وحماس غير‬

‫الشرعيتين‪ ,‬والذين تتجلى قوتهم األساسية – كما هو الحال لدى كل من قيادة م‪.‬ت‪.‬ف وحركة فتح ‪-‬‬ ‫لحماية مصالحهم الفئوية بوسائل االستبداد والقهر عبر الجهاز البيروقراطي المدني والعسكري واألمني‬

‫من ناحية أخرى‪ ,‬نستنتج من كل ما تقدم على أن الجوهر والمصالح الطبقية لكل من حماس وفتح هي‬

‫واحدة على الرغم من اختالف الشكل بينهما ‪ ,‬األمر الذي يفرض على كافة القوى اليسارية الديمقراطية‬

‫العربية مزيداً من الوحدة والنضال الديمقراطي لتثبيت أسس وبرامج الثورة الوطنية الديمقراطية ارتباطاً‬ ‫بمنظور الثورة القومية التحررية والديمقراطية‪.‬‬

‫‪413‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بروباجندات احلكام الدينية والسياسية‬ ‫‪09 / 2 / 3102‬‬

‫فاطمة الفالحي في حوار مع غازي الصوراني‬

‫بعنوان ‪:‬‬

‫بروباجندات الحكام الدينية والسياسية‬

‫‪.0‬هل تختلف أدوار األوجراء بين الشعوب لتمرير بروباجندات الحكام الدينية والسياسية باختالف‬

‫األزمنة ؟‬

‫نعم تختلف أدوار األوجراء بين الشعوب لتمرير برامج الحكام باختالف األزمنة من جهة وباختالف‬

‫خصوصية تطور المجتمعات من جهة ثانية‪ ,‬إذ أنني ال استطيع االقرار بصحة قوانين عامة تتحدث‬

‫عن مسار موحد وسمات مشتركة لشعوب العالم في سياق تطورها التاريخي‪.‬‬

‫وعلى الرغم من انحيازي المعرفي –بالمعنى الموضوعي‪ -‬لتحليل الفيلسوف كارل ماركس لألنماط‬

‫أو التشكيالت االقتصادية االجتماعية للبشرية في كوكبنا ‪ ,‬بدءاً من النمط المشاعي ثم العبودي‬ ‫واالقطاعي وصوالً إلى النمط الرأسمالي ثم االشتراكي‪ ,‬إال أنني أرى أن هذه السلسلة من انماط التطور‬

‫التي تنطبق على المجتمعات األوروبية بحكم طبيعة تطورها االجتماعي واالقتصادي والثقافي‬

‫والخصوصيات المشتركة فيما بينها‪ ,‬إال أنها بالتأكيد ال تنطبق على مجتمعات آسيا وأفريقيا وأمريكا‬

‫الالتينية عموماً ‪ ,‬ومجتمعاتنا العربية خصوصاً‪.‬‬

‫فالتطور االجتماعي االقتصادي في المجتمعات العربية يختلف في شكله وجوهره عن تلك‬

‫التشكيالت التي تناولها كارل ماركس في إطار المادية التاريخية‪ ,‬حيث لم تشهد مجتمعاتنا نمطاً‬ ‫عبودياً‪ ,‬بمعنى استخدام العبيد في العملية االنتاجية ‪ ,‬وكذلك األمر لم تشهد نمطاً اقطاعياً على شاكلة‬ ‫النمط االقطاعي الذي عرفته أوروبا‪ ,‬بل كان أقرب إلى النمط الريعي أو النمط األسيوي لإلنتاج ‪ ,‬حيث‬ ‫انحصرت العالقات االنتاجية واالجتماعية في كال النمطين لنوع من المركزية الشديدة التي سادت في‬

‫التاريخ القديم (ق‪.‬م‪ ).‬في مصر والعراق‪ ,‬ثم امتدت وتواصلت في الدولة والدويالت اإلسالمية عبر‬ ‫تكريس مظاهر التفرد واالستبداد التي نالحظ آثارها ومفاعليها المتراكمة في كافة األنظمة العربية في‬ ‫التاريخ الحديث والمعاصر مع اختالف اشكال االستبداد والقهر‪ ,‬حيث نالحظ أن الصراع الطبقي في‬ ‫بالدنا ليس صراعا حصريا بين البروليتاريا والبورجوازية كما هو في البلدان الصناعية ‪ ,‬بل هو صراع‬

‫تختلط في ه العوامل االقتصادية مع العوامل الدينية ضمن تطور اجتماعي مشوه تختلط فيه االنماط‬

‫الطبقية القديمة والحديثة والمعاصرة (النمط القبائلي وشبه االقطاعي والرأسمالي التابع والكومبرادوري)‪.‬‬

‫‪414‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لذلك نجد العديد من الباحثين يتحدثون عن "االقطاع الشرقي" والنموذج اآلسيوي ‪ ,‬واالقطاع‬

‫القبلي‪ ,‬واالقطاع العسكري والمجتمع المحكوم بالعالقات الرأسمالية المشوهه ‪ ..‬والمجتمع المتعدد‬ ‫االنماط‪...‬الخ‪ .‬وهنا أستلهم تحليل المفكر العربي عالم االجتماع العراقي علي الوردي‪.‬‬

‫واليوم ونحن في مطلع األلفية الثالثة‪ ,‬تتعرض مجتمعاتنا العربية‪ ,‬من جديد‪ ,‬لمرحلة انتقالية لم‬

‫تتحدد أهدافها النهائية بعد‪ ,‬على الرغم من مظاهر الهيمنة الواسعة للشرائح والفئات الرأسمالية العليا‪,‬‬

‫(أو األوجراء حسب السؤال) بكل أشكالها التقليدية والحديثة‪ ,‬التجارية والصناعية والزراعية‪,‬‬ ‫والكومبرادورية والبيروقراطية الطفيلية‪ ,‬التي باتت تستحوذ على النظام السياسي‪ ,‬وتكيفه حسب‬

‫أي تحول ديمقراطي حقيقي في‬ ‫مصالحها ومصالح الحكام في البلدان العربية ‪ ,‬بما ادى إلى إعاقة َّ‬ ‫مجتمعاتنا التي اندمجت أو تم إلحاقها بصورة ذيلية تابعة للنظام الرأسمالي المعولم من جهة‪ ,‬من ثم‬

‫تكريس مظاهر التبعية والتخلف واالستبداد األبوي والطائفي على الصعيد المجتمعي بأشكاله المتنوعة‬ ‫من جهة أخرى‪ ,‬من خالل التكيف والتفاعل بين النمط شبه الرأسمالي الذي تطور عبر عملية االنفتاح‬

‫والخصخصة خالل العقود الثالثة الماضية‪ ,‬وبين النمط القبلي ‪/‬العائلي‪ ,‬شبه اإلقطاعي‪ ,‬الريعي‪ ,‬الذي‬

‫ما زال سائداً برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه االجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث‪ ,‬ما‬

‫يعني بكل وضوح أن كافة الرموز والشرائح الطبقية السائدة في مجتمعاتنا العربية‪ ,‬تختلف جذرياً عن‬ ‫الشرائح الطبقية السائدة في المجتمعات الرأسمالية‪ ,‬لكنها بالمقابل تتفق أو تتقاطع مع مثيالتها في‬

‫أوساط الشعوب المتخلفة والتابعة في البلدان الفقيرة في آسيا وأفريقيا من حيث تبريرها وتمريرها‬

‫لبروباجندات الحكام الدينية والسياسية والثقافية انعكاساً للمصالح االقتصادية المشتركة بين الشرائح‬

‫البورجوازية العليا عموماً والشرائح الكومبرادورية والطفيلية خصوصاً‪.‬‬

‫ففي هذا الزمن الذي يعيش فيه العالم‪ ,‬زمن الحداثة والعولمة وثورة العلم والمعلومات واالتصال‪,‬‬

‫يشهد مجتمعنا العربي من خالل أولئك األوجراء أو الشرائح الطبقية السائدة‪ ,‬عودة الى الماضي عبر‬

‫تجديد عوامل التخلف فيه‪ ,‬لم يعرف مثيالً لها في تاريخه الحديث منذ مائة عام أو يزيد‪ ,‬فهو الى‬

‫جانب ترعرع األنماط القديمة القبلية والحمائلية والطائفية‪ ,‬واألصولية والتعصب الديني‪ ,‬يوصف اليوم‬ ‫بحق على أنه مجتمع مرحلي‪ ,‬انتقالي‪ ,‬تراثي‪ ,‬شديد التخلف وعميق التبعية ‪ ,‬مع استمرار تزايد انتشار‬

‫مظاهر الفقر والبطالة والجهل واألميه‪ ,‬األمر الذي عزز دور األوجراء في ركوب موجة السلفية الرجعية‬ ‫التي قامت بدورها المرسوم في تمرير بروباجندات الطبقة الحاكمة ومصالحها الطبقية عبر خطاب‬ ‫ديني شكالني نجح في تفكيك وحدة المجتمع وتفتيته وانقسامه إلى مذهبيات وطوائف دينية وعشائرية‬

‫محكومة للصراعات الدموية واالرهاب البشع كما هو الحال في معظم الدول العربية بدرجات متفاوتة ‪,‬‬

‫عبر شرائح طبقية أو أوجراء ال َه َّم لهم سوى الحفاظ على مصالحهم الطبقية األنانية‪ ,‬واستمرار مراكمة‬

‫ثرواتهم غير المشروعة في إطار تحالفهم واندماجهم وحرصهم في الدفاع عن النظام أو الطاغية (ملكاً‬

‫‪415‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أو رئيساً أو أمي ارً أو شيخاً)‪ ,‬وتمرير بروباجنداته بأشكال ديماغوجية مزيفة ومخادعة تخاطب عفوية‬ ‫الجماهير الشعبية وبساطتها وايمانها الشديد بالغيب والقضاء والقدر‪.‬‬

‫من هنا ليس من المبالغة القول‪ ,‬إن هناك تحالفا موضوعيا بين احتكار السلطة عبر األوجراء‬

‫واحتكار الحقيقة عبر النظام المستبد‪ .‬فهما يكمالن بعضهما البعض ‪ ,‬ال يعيشان إال معا وال يتواجدان‬

‫إال متجاورين ومتضامنين‪ ,‬ويتغذيان من نتائج عملهما المتبادل‪.‬‬

‫فبقدر ما يجرد الطغيان السياسي الفرد من وعيه وضميره وحسه النقدي‪ ,‬أي من إرادته واستقالله‪,‬‬

‫يحوله إلى لقمة سائغة ألصحاب المشاريع الدينية أو المشاريع السياسية الهابطة بصورة إكراهية‬

‫وبدواعي الحرص على تأمين لقمة العيش‪.‬‬

‫وبالطبع فإن هؤالء األوجراء أو الشرائح الطبقية العليا‪ ,‬بحكم تبعيتهم للخارج‪ ,‬ليسوا معنيين أبداً‬

‫البحث عن قاعدة اجتماعية حاملة للمشروع الديمقراطي الليبرالي من داخل مجتمعاتهم ‪ ,‬بل توقفوا فقط‬ ‫عند الجانب االقتصادي الرث منه بما يخدم مصالحهم االنانية ‪ ,‬ومن ثم أصبح التحالف مع النظام‬

‫االمبريالي في موازاة تدعيم السلطة االستبدادية ‪ ,‬شرطان الزمان لبقاء الرأسمالية التابعة نفسها في‬

‫وجه االحتجاج والتذمر االجتماعي الشعبي المستمر ‪ ,‬الذي مازال عاج ازً عن تحقيق أهداف الثورة‬

‫الوطنية الديمقراطية بسبب غياب القوى الديمقراطية اليسارية وبديلها الشعبي‪ ,‬األمر الذي يفتح‬ ‫األبواب مشرعة أمام قوى الثورة المضادة والصراعات الطائفية الدموية والمزيد من تفكك الدولة‬

‫الوطنية‪ ,‬ومن ثم بروز أوجراء أو قوى طبقية "جديدة" في خدمة بروباجندات الحكام "الجدد" لحساب‬

‫المزيد من التخلف والتبعية واالستبداد‪.‬‬

‫وهذا يدفعني إلى الحديث عن القوى الطبقية المهيمنة في الوضع العربي الراهن‪ ,‬حيث تتصدر‬

‫الساحة السياسية العربية مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد ‪ :‬مجموعة الرأسماليين‬

‫(كومبرادور وطفيليين وبيروقراطية عسكرية ومدنية) المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم‪,‬‬ ‫ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة حركة اإلخوان المسلمين (رغم القاعدة‬

‫س ْيطَر عليها‬ ‫الشعبية الفقيرة والبرجوازية الصغيرة لهذه الحركة)‪ .‬أي أن الساحة السياسية العربية ُم َ‬ ‫عملياً من جانب قوة واحدة (عبر برنامجين‪ :‬اليمين "العلماني"‪ ,‬واليمين الديني) وهى الرأسمالية‬ ‫الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية العسكرية والمدنية الحاكمة ‪ ,‬وكالهما ال يتناقض‬

‫في الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي مع اختالف زاوية ومرجعية كل فريق عن االخر‪.‬‬

‫إن هذه القوى الرأسمالية بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او االسالم السياسي "‬

‫– في كل بلدان الوطن العربي ‪ -‬ال تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقال‬

‫نقيضاً للنظام االمبريالي الرأسمالي‪ ,‬كما أنها ال تملك أيضاً مشروعاً تنموياً ينهي التبعية ويتجاوزها‬ ‫صوب مبدأ االعتماد العربي على الذات‪ ,‬فالتنمية عندها هي ما تأتي به قوى السوق المفتوح‬

‫والمبادرات العشوائية للقطاع الخاص المحلي الكومبرادوري الذي ال يستهدف سوى تحقيق الربح‪ ,‬حتى‬ ‫‪416‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫لو كان على حساب دماء الكادحين والفقراء من ابناء الطبقات الشعبية‪ ,‬إلى جانب حرصهما على‬

‫تشجيع نشاط المستثمرين األجانب‪ ,‬الذي ال يتفق ومتطلبات االقتصاد الوطني والقومي ‪ ,‬بقدر ما يتفق‬

‫واستراتيجيات الشركات المتعدية الجنسية الكبرى في تحقيق أكبر ربح على الصعيد العالمي‪ ,‬في إطار‬

‫تطبيق مقولة االستيالء على فائض القيمة لشعوبنا من ناحية‪ ,‬وابقاء شعوبنا أسيرة آلليات التخلف‬ ‫والتبعية واالستغالل واحتجاز التطور من ناحية ثانية‪ ,‬في مقابل حرص القوى اإلمبريالية على تقديم‬

‫كل مقومات القوه لدولة العدو اإلسرائيلي تكريساً لدورها ووظيفتها في خدمة األهداف اإلمبريالية‬

‫والنظام الرأسمالي العالمي‪.‬‬

‫‪ .3‬إن التاريخ هو سيرورة اضعاف أو مسيرة علمنة وخيبة أمل بحسب الفيلسوف اإليطالي‬

‫جيانتيريزو‪ ,‬وما التاريخ بحسب المفكر السياسي غازي الصوراني ؟‬

‫اعتقد أن وصف التاريخ على أنه "سيرورة اضعاف أو مسيرة علمنة وخيبة أمل" يندرج تحت ما‬

‫أسميه نزوة رغبوية ذاتية في تفسير التاريخ‪ ,‬وكأنه العنصر الرئيسي المباشر في إدارة العملية‬

‫سسة أو الصانعه‬ ‫الم َؤ ِّ‬ ‫التطورية للبشر في كوكبنا األرضي‪ ,‬وهي نزوه ارادوية تلغي او تتجاوز المفاهم ُ‬ ‫للتاريخ ‪ ,‬وأقصد بذلك ‪ ,‬القوى المنتجة وانماط وعالقات االنتاج ‪ ,‬وقبل كل شيء الصراع الطبقي‬ ‫والتناقضات التناحرية وغيرها ‪ ,‬الكامنة في اطاره ضمن البنى التحتية (المادية واالنتاجية) والبنى‬ ‫الفوقية الفكرية والقانونية المنعكسة عنها‪.‬‬

‫واذا كان السياق التطوري للمجتمعات البشرية في المنظور العام على هذه الشاكلة‪ ,‬فإن خصوصية‬

‫التطور في كل مجتمع من المجتمعات عموماً ‪ ,‬وبين المجتمعات الرأسمالية المتقدمة والمجتمعات‬

‫التابعة والمتخلفة خصوصاً‪ ,‬تفرض مسا ارً وسيرورة للتاريخ تختلف باختالف تطور المجتمعات ‪ ,‬بحيث‬ ‫يمكن القول‪ ,‬إن إبراز حركة التاريخ وسيرورته رهن بطبيعة تطور المجتمع ‪ ,‬أو هي باألحرى مرتبطة‬

‫ارتباطاً وثيقاً مع تقدم أو تخلف األوضاع االقتصادية االجتماعية والفكرية التي تحدد أو تصنع معالم‬ ‫التاريخ وسيرورته في هذا المجتمع أو ذاك‪.‬‬

‫وهنا أشير إلى ان الفيلسوف االيطالي جيانتيريزو (المعروف بـ "فاتيمو") ُي َعِّرف التاريخ (حسب‬ ‫السؤال المطروح أعاله) من منظور أيديولوجي بحيث يصبح التاريخ ملحقاً لأليديولوجيا ‪ ,‬على النقيض‬ ‫من رؤية كارل ماركس التي أنهت الحاق التاريخ باأليديولوجيا ‪ ,‬عندما انطلق من األسس المادية‬

‫العلمية (االقتصادية االجتماعية) لتطور التاريخ‪ ,‬وبذلك صاغ ماركس القواعد األساسية لميدان كان قد‬ ‫بقي حتى ذلك الوقت موضع حلم أو تفسير ذاتي او ارادوي‪ ,‬بدل أن يكون موضع استكشاف فعلي من‬

‫قلب العالقات االجتماعية السائدة في المجتمعات في مرحلة زمانية محددة‪ ,‬وهذا ما حصل بالفعل على‬

‫أثر تراجع ثم اضمحالل قوى االنتاج والعالقات االنتاجية ومن ثم العالقات االجتماعية في المرحلة‬

‫االقطاعية في أوروبا التي امتدت تقريباً منذ القرن الرابع الميالدي حتى نهاية القرن السابع عشر‪,‬‬ ‫‪417‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وبزوغ عصر النهضة أو ما يعرف اليوم بالحداثة من قلب العالقات الرأسمالية الجديدة انعكاساً قوياً‬ ‫لمصالح البورجوازية الناهضة منذ نهاية القرن السابع عشر‪.‬‬

‫فعلى الصعيد التاريخي في عصر النهضة ‪ ,‬بدأت الحداثة بادراك مادية الطبيعة ومحورية اإلنسان‪,‬‬

‫بعد أن فقدت الكنيسة تأثيرها على عقول الناس في أوروبا‪ ,‬ذلك إن عنص ارً أساسياً من عناصر‬

‫الحداثة هو اكتشاف قيمة الفرد بوصفه ذاتاً خالقة‪ ,‬فالفرد وفق الحداثة تنبع قيمته من ذاته المن ملّته‬ ‫وال من قبيلته‪ ,‬وهذه الفكرة الحداثوية الجوهرية بما تحمله من مفاهيم الديمقراطية والمواطنة والمجتمع‬ ‫المدني لم تتبلور بعد في مجتمعاتنا العربية‪ ,‬بسبب استمرار فواتها وتخلفها ورفض الشرائح أو القبائل‬

‫والعائالت واألنظمة الحاكمة في بالدنا العربية لتلك األفكار‪ ,‬حفاظاً على مصالحها الطبقية األنانية‬ ‫الخاصة عبر تكريس كل مظاهر االستتباع والتخلف واالستبداد والقمع وفق مقتضيات تحالفها‬ ‫االستراتيجي مع النظام االمبريالي ضد مصالح وتطور شعوبها‪ ,‬كما نالحظ بوضوح لدى أنظمة الخليج‬

‫والسعودية من ناحية ولدى أنظمة االستبداد من ناحية ثانية‪ ,‬التي ترفض كلياً مفاهيم وأفكار الحداثة‬

‫والديمقراطية والعلمانية ‪ ,‬مما أدى إلى تكريس ما أسميه مجا ازً تعطيل واعاقة حركة التاريخ في بالدنا‪,‬‬

‫من خالل هيمنة عقلية الصحراء المتخلفة (وأقصد بذلك ملوك وأمراء السعودية والخليج الى جانب‬

‫حركات االسالم السياسي التي ترفع شعار الخالفة!) بحيث يصح القول أن الصحراء تحكم المدينة أو‬ ‫تتحكم في التطور الحديث أو كما يقول ماركس "الميت يحكم الحي" ‪ ,‬إذ أن "هذا الميت" الصحراوي‬ ‫مازال أصحابه من ملوك وأمراء وشيوخ القبائل العربية ‪ ,‬حتى اللحظة يتحركون في حلقة دائرية تعيد‬

‫انتاج التخلف االقتصادي واالجتماعي وتجدده‪ ,‬في محاولة منهم التهرب من تحدي الحداثة‪ ,‬بالعودة‬

‫إلى تراث انتقائي موهوم استطاعت التيارات األصولية اعادة زراعته وانتاجه بالتنسيق مع تلك األنظمة‬ ‫في قلب عفوية الجماهير الشعبية‪ ,‬باستحضار التاريخ الماضي بصورة رثة‪ ,‬بذريعة العودة إلى اصول‬

‫االيمان واالعتقاد‪.‬‬

‫وال آخال نفسي مختلفاً في المضمون أو الدالالت عن جوهر أفكار الفيلسوف االيطالي فاتيمو التي‬

‫تنتمي – في قسم منها‪ -‬إلى الفكر الحداثي عموماً والفلسفة الماركسية خصوصاً‪ ,‬لكنني اختلف‬ ‫بالتأكيد مع طروحاته الفكرية التي تنتمي إلى ما يسمى بفلسفة ما بعد الحداثة ‪ .‬خاصة وأنه يربط بين‬

‫العدمية وحقيقة التاريخ‪ ,‬معتب ارً أن التاريخ هو مسيرة علمنة وخيبة أمل‪ ,‬لكنه يرى "أنها مسيرة تفترض‬ ‫ق ار ارً بنبذ العنف"‪ ,‬وهو قرار ينطلق من دعوة ارادوية ذاتية ومثالية في آن واحد ‪ ,‬على الرغم من أنها‬ ‫تحمل ابعاداً ومضامين انسانية الطابع‪ ,‬لكنها تتجاوز طبيعة الصراعات السياسية والطبقية المتفاقمة‬

‫انعكاساً لمصالح الرأسمالية العالمية في الظروف الراهنة‪ ,‬والدور االمبريالي المتحكم في موازين القوى‬ ‫العالمية حتى اللحظة ‪ ,‬وتأثيره الفعال – المباشر وغير المباشر‪ -‬في التخطيط والتنفيذ لعمليات‬

‫عدوانية عنيفة تكريساً لضمان "ديمومة" مصالحه في بالدنا ‪ ,‬إلى جانب دوره المعروف في إثارة‬

‫واشعال أبشع مظاهر العنف الدموي‪ ,‬الطائفي واالثني والمذهبي‪ ,‬التي باتت اليوم عنواناً بار ازً في‬ ‫‪418‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫العديد من البلدان العربية بديالً عن الصراع الطبقي ‪ ,‬وبديالً عن الصراع العربي ضد االمبريالية‬ ‫والصهيونية‪.‬‬

‫وهنا بالضبط يتجلى العنف كظاهرة مرتبطة بنزوع النظام االمبريالي الدائم صوب التوسع والسيطرة‬

‫على ثروات ومقدرات شعوب العالم الفقيرة‪ ,‬ما يعني ان الدعوة إلى نبذه‪ ,‬مسألة تندرج ضمن رؤية‬ ‫انسانية مثالية نبيلة على المستوى الذاتي‪ ,‬لكنها مستحيلة التحقيق بحكم تناقضها مع الطبيعة‬

‫العدوانية للنظام االمبريالي ‪ ,‬وهي طبيعة تستدعي ممارسة العنف الثوري المضاد من قبل الشعوب‬ ‫المضطهدة في مجابهة هذه العدوانية وفك االرتباط وكل اشكال التبعية مع ذلك النظام وذلك هو‬

‫الطريق الوحيد صوب تحويل مجرى تاريخنا العربي المعاصر من سيرورة االضعاف واالستسالم إلى‬

‫سيرورة التحدي المعتمدة على الذات وتحديد مصيرنا الراهن المستقبلي برؤية نهضوية وديمقراطية‬

‫وانسانية‪ ,‬وعند ذلك فقط يمكن الحديث عن نبذ العنف وفق رؤية وممارسة واقعية ثورية بعيداً عن‬ ‫األوهام المثالية أو العدمية المنسجمة مع أفكار "ما بعد الحداثة"‪ ,‬وهي عندي ليست سوى نوع من‬

‫االنحراف عن مجرى فلسفة الحداثة ومسارها التطوري الالنهائي ‪.‬‬

‫وهنا بالضبط يتحدد الدور الطليعي ‪-‬الراهن و المستقبلي‪ -‬للمثقف العربي الماركسي الثوري‬

‫الديمقراطي –بالمعنى الجمعي‪ ,‬العضوي‪ ,‬الحزب‪ -‬لمجابهة هذا الواقع المأزوم والثورة عليه وتغييره‬

‫انطالقاً من رؤية واضحة ومحددة تقوم على القطيعة المعرفية والسياسية مع مفاهيم التاريخ الماضي‬ ‫من خالل القطيعة الثورية مع كل األنظمة الرجعية وأنظمة االستبداد والتبعية والتخلف والتوريث من‬ ‫جهة ‪ ,‬والقطيعة الكلية والشاملة مع كل أشكال ومظاهر التبعية أو التحالف (مهما كانت المبررات) مع‬ ‫مجمل نظام العولمة اإلمبريالي ‪ ,‬و النظام الرأسمالي أو ما يسمى باالقتصاد الحر والليبرالية الجديدة‬

‫من جهة ثانية ‪ ,‬ما يعني أن هذه الرؤية الثورية الديمقراطية هي في ذات الوقت رؤية تاريخية حداثية‬

‫تقدمية راهنة يتوجب أن تنطلق بداية من الغاء النظام الرأسمالي باعتباره نظاماً لالستغالل والقهر‬ ‫والقمع واالستبداد واالفقار ‪ ,‬وبالتالي فإن النضال السياسي والديمقراطي والمجتمعي والكفاحي ضد‬

‫الوجود االمبريالي‪ ,‬هو شرط أول يتوازى ويندمج تماماً مع هدف التغيير الديمقراطي صوب تحقيق‬

‫أهداف الثورة الوطنية والقومية التحررية والديمقراطية العربية في بالدنا‪ ,‬وذلك انطالقاً من وعينا‬ ‫بضرورة العمل على مراكمة العوامل الموضوعية والذاتية لتحقيق هذه الرؤية الثورية الهادفة إلى تغيير‬

‫مجمل العالقات االجتماعية القديمة وتحطيمها على طريق بلورة عالقات وقوى انتاجيه وبنى فوقية‬

‫تكون قادرة على اشتقاق مسار وسيرورة تاريخنا المعاصر بعيداً عن كل خيبات األمل أو سيرورات‬

‫التراجع واالضعاف ‪.‬‬

‫‪419‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .2‬هل هناك في ُعرف دول العالم المتقدمة من عقد قران بين النظامين الرأسمالي والديموقراطي؟‬ ‫الشك أن انتصار الثورات السياسية البورجوازية الديمقراطية في أوروبا نهاية القرن الثامن عشر‬

‫شن ميالد عصر جديد في هذا الكوكب‪ ,‬هو عصر النهضة والتنوير والديمقراطية والمواطنة ‪ ,‬حيث‬ ‫دّ‬ ‫انتقلت أوروبا من مجتمع الطبيعة المحكوم لنظرية الحق االلهي إلى المجتمع المدني أو مجتمع‬

‫الديمقراطية‪.‬‬

‫كرست لدى‬ ‫ويبدو أن هذه النشأة التاريخية المتفاوتة لكل من الديمقراطية الحديثة والبورجوازية ّ‬ ‫العديد من المفكرين تلك الثنائية أو عقد القران بين النظام الرأسمالي والديمقراطية‪ ,‬وهذا صحيح جزئياً‬ ‫‪ ,‬ألن الديمقراطية الليبرالية في النظام الرأسمالي ‪ ,‬منذ والدته إلى يومنا هذا ‪ ,‬كانت –وال تزال‪ -‬شرطاً‬

‫من شروط السوق الحر والمنافسة بين األقوياء لضمان عملية التوسع الرأسمالي كما عبر عنها "آدم‬

‫سميث" في مقولته "دعه يعمل ‪ ..‬دعه يمر"‪ ,‬إال أن هذه العملية الديمقراطية لم يكن ممكناً تطبيقها‬ ‫بصورة كليه على كافة الشرائح والطبقات االجتماعية بوتائر متساوية ‪ ,‬ألن جذر الديمقراطية‬

‫الرأسمالية ينمو ويكبر من خالل المنافسة بين الرأسماليين‪ ,‬او المنافسة بين األقوياء ‪ ,‬في إطار‬ ‫قانوني أو دستوري يغلق األبواب في وجه أي برنامج نقيض للمصالح الرأسمالية‪ ,‬ما يجعل من امكانية‬ ‫تطبيق الديمقراطية على جميع أفراد المجتمع مسألة نسبية بالغة التعقيد‪ ,‬مثالي على ذلك تجربة‬

‫الديمقراطية الليبرالية الغربية عبر المجالس أو البرلمانات المنتخبة التي جاءت دوماً تجسيداً لمراكز‬ ‫القوى الرأسمالية عبر المنافسة بين األقوياء عبر حزبين رئيسيين –غالباً‪ -‬كما هو حال المجتمعات‬

‫الغربية الرأسمالية عموماً والواليات المتحدة األمريكية خصوصاً‪ ,‬انها إذن برلمانات القوى الرأسمالية ‪,‬‬ ‫التي ال تتيح المجال ألي سلطة في هذه البلدان بعيداً عن سلطة وقوة رأس المال‪.‬‬

‫وهنا بالضبط نالحظ ان عقد القران بين النظام الرأسمالي والديمقراطية هو في حقيقته عقد قران بين‬

‫شرائح الرأسمالية العليا المتنفذة أو نسبة ‪ %01‬من مجموع السكان على األكثر‪ ,‬وبين الديمقراطية‬

‫الم َع ِّبر عن مصالح الشريحة الرأسمالية العليا‪ ,‬ليس ضمانة في حد‬ ‫الليبرالية‪ ,‬إذ أن وجود البرلمان ُ‬ ‫ذاته على وجود وانتشار الديمقراطية ببعديها السياسي واالجتماعي في المجتمع‪ ,‬حيث يمكن –‬ ‫واألمثلة كثيرة على ذلك‪ -‬ان يستخدم البرلمان أداة لطمس جوهر الديمقراطية االجتماعية والحفاظ على‬

‫شكلها السياسي فقط ‪.‬‬

‫لكن على الرغم مما تقدم ‪ ,‬ال أستطيع انكار أو تجاوز تطور انتشار وتكريس الديمقراطية الليبرالية‬

‫في المجتمعات األوروبية المعاصرة‪ ,‬كما ال أستطيع – وهذا هو األهم‪ -‬انكار إقراري واقتناعي –‬

‫بالمعنى الموضوعي‪ -‬بمعاني ومضامين العقالنية والحرية الفردية والتعددية السياسية والفكرية وحق‬ ‫االقتراع واالنتخابات التي تجلت وتفتحت في التجربة الديمقراطية الغربية‪ ,‬في موازاة الهيمنة‬ ‫البورجوازية الرأسمالية والملكية الخاصة واالستالب في إطار المجتمع المدني البورجوازي والصراع‬

‫ال طبقي والتفاوت الهائل بين الثروات والدخل أو بين الطبقات الرأسمالية والطبقات الفقيرة ‪ ,‬بما يكرس‬ ‫‪401‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫شكالنية الديمقراطية الليبرالية‪ ,‬ويعري التناقض بين المساواه المواطنية وبين الصراعات والتناقضات‬

‫الطبقية التي ال يمكن حلها إال بإلغاء تلك التناقضات وتحقيق االنعتاق االجتماعي عبر الثورات‬

‫الشعبية الديمقراطية‪.‬‬

‫وفي هذا السياق البد من اقرارنا بأن النظام الرأسمالي الذي استطاع الخروج – حتى اللحظة‪ -‬من‬

‫كل أزماته التي تعرض لها في التاريخ الحديث والمعاصر‪ ,‬ونجح في إعادة مراكمة شروط الرأسمالية‬

‫من جديد عبر توفير الفرص الجديدة من خال ل استغالل فائض القيمة للشعوب الفقيرة ‪ ,‬ومن خالل‬ ‫التطور العلمي الهائل‪ ,‬إال أن هذا النظام بعد أن تعرض ألزمته الكبرى عام ‪ 0636‬بدأ في تطبيق‬

‫العديد من القوانين واألنظمة التي تحد من بشاعة االستغالل وفق مقترحات وأفكار عالم االقتصاد‬

‫االنجليزي "جون مينارد كينز"‪ ,‬الذي دعا إلى ضرورة تدخل الدولة في االقتصاد ‪ ,‬والبدء بتطبيق العديد‬

‫من االمتيازات والضمانات التي تكفل حداً معيناً من العدالة االجتماعية للعمال والعاطلين عن العمل ‪,‬‬ ‫مما أدى إلى خلق ما يسميه الفيلسوف األمريكي "هربرت ماركيوزه" االنسان ذو البعد الواحد عبر‬

‫التطور النوعي لقوى االنتاج وارتفاع الدخل في أوساط العمال ‪ ,‬واآلثار الناجمة عن ذلك في التغيير‬ ‫التدريجي التراكمي الذي عزز استقرار البنية التحتية االقتصادية والعالقات االجتماعية التي انتجت‬

‫بدورها بنية فوقية موازية على صعيد الثقافة النخبوية والشعبية في المجتمعات ال أرسمالية استطاعت –‬

‫بتأثير وسائل اإلعالم وضعف أحزاب اليسار‪ -‬واضعاف التناقضات الطبقية الحادة والصراع الطبقي ‪,‬‬

‫وخاصة في الدول االسكندنافية (النرويج والسويد والدنمرك) ‪ ,‬األمر الذي أدى – لدى البعض‪-‬‬ ‫بتكريس عقد القران بين النظامين الرأسمالي والديمقراطي بصورة شموليه بكل مكونات المجتمع ‪ ,‬وهو‬

‫استنتاج خاطئ‪ ,‬يقفز ويتجاوز عن الحقيقة الموضوعية التي تؤكد –عبر الوقائع‪ -‬على أنه عقد قران‬

‫بين الطبقة السائدة والنظام ضمن سقف محدد ال يسمح أبداً بتطوير الديمقراطية والحريات ‪ -‬في‬

‫أوساط العمال والفالحين والبورجوازية الصغيرة‪ -‬من شكلها السياسي إلى مضمونها االجتماعي‬

‫والطبقي‪.‬‬

‫وفي هذا السياق علينا أن نتوقف ونتأمل بوعي نتائج المتغيرات النوعية في بنية النظام الرأسمالي‬

‫العالمي خالل العقود الثالثة األخيرة‪ ,‬وآثارها ليس على قوى االنتاج المادي والسلعي فحسب‪ ,‬بل آثارها‬

‫العميقة على تحويل العلم والمعرفة والتكنولوجيا إلى قوه انتاجية هائلة‪ ,‬حيث لم تعد األصول الرأسمالية‬

‫التقليدية عامالً رئيسياً وحيداً في البنية الرأسمالية في ظل بروز دور تكنولوجيا العلم والمعلومات كقوة‬ ‫انتاجية استطاعت أن تفرض نفسها على مجمل األوضاع االجتماعية والطبقات والمفاهيم في‬

‫المجتمعات الرأسمالية بما يزيد من تعزيز "عقد القران" بين الديمقراطية والرأسمالية بعد أن بدأت‬

‫التغيرات في بنية الطبقة العاملة‪ ,‬الصناعية التقليدية (البروليتاريا) لصالح أنواع جديدة من األعمال‬ ‫والتخصصات لدى ذوي الياقات البيضاء من المهندسين والعاملين في قطاعات االنتاج اإللكتروني ‪,‬‬

‫والمعلومات واالتصاالت‪.‬‬

‫‪400‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أخي ارً ‪ ..‬إن الديمقراطية تفترض إلغاء جميع المطلقات ‪ ,‬وفي المقدمة منها عقود "عقد القران"‪,‬‬

‫واحالل محلها مطلق وحيد هو حرية الفكر والرأي في جميع الميادين‪ ,‬فالديمقراطية ليست سوى تحرير‬ ‫الذهن من أحكام مسبقة مهما كانت‪ ,‬وبالتالي فإن العلمانية شرط ال مفر منه والبد من أن يترافق‬

‫معها‪ ,‬هذه العلمانية تفترض فصل شؤون الدين كعقيدة فردية عن شؤون الدولة‪ ,‬واقامة نظام سياسي‬ ‫ديمقراطي تعددي ذي طابع اجتماعي‪ ...‬مدني بحت ‪ ,‬مع التأكيد على ان الديمقراطية بدون تأمين‬

‫وتطبيق مضمونها االجتماعي لمصلحة الفقراء ‪ ,‬فانها تتحول الى ديمقراطية ليبرالية تسخدم جس ار‬ ‫لتكريس التبعية‪ ,‬وال تتجاوز الحرية فيها حرية قبول قواعد الرأسمالية المعولمة وشروطها‪ ,‬وفي هذه‬

‫الحالة ستؤدي هذه الديمقراطية الليبرالية الى مأزق اجتماعي حاد تخطى "عقد القران" المؤقت بينها‬

‫وبين النظام الرأسمالي ‪.‬‬

‫على أي حال ‪ ,‬إن كل ديمقراطية كشكل من أشكال التنظيم السياسي للمجتمع تخدم االنتاج في‬

‫النهاية‪ ,‬وتتحدد في النهاية بالعالقات االنتاجية في مجتمع معين ‪ ,‬ومن ثم فمن الجوهري تقدير‬

‫حدته‪.‬‬ ‫التطور التاريخي للديمقراطية االجتماعية وعلى طابع الصراع الطبقي ومدى ّ‬

‫واأل هم من ذلك أن الديمقراطية في األنظمة الرأسمالية ال يكون لها وجود في الحقيقة إال بالنسبة‬

‫ألعضاء الطبقة المسيطرة‪ ,‬القادرين على الدخول إلى ملعب المنافسة الرأسمالي ‪ .‬فالديمقراطية في‬

‫المجتمع البورجوازي – مثال – شكل من أشكال السيطرة الطبقية (وليس عقد قران) من جانب‬

‫البورجوازية‪ .‬وتريد البورجوازية أن تكون الديمقراطية – حتى حد معين – أداة لحكمها السياسي‪ .‬فهي‬ ‫تضع دستورا‪ ,‬وتشكل برلمانا وغير ذلك من األجهزة النيابية‪ ,‬والحريات السياسية الشكلية‪ .‬ولكن‬

‫ص بشتى‬ ‫مكاسب الجماهير الشعبية لالستفادة من كل هذه الحقوق والمؤسسات الديمقراطية تُْنتَقَ ْ‬ ‫الطرق‪ ,‬حيث يمارس الجهاز البيروقراطي – األمني‪" -‬الديمقراطي" لجمهورية بورجوازية أسلوباً معينا‬ ‫يشل النشاط السياسي للعمال وجماهير الفقراء والكادحين‪ ,‬ويقصيه عن الشؤون السياسية‪ .‬وليست‬

‫هناك ضمانات للحقوق السياسية المعلنة رسميا‪ .‬ومما يميز الديمقراطية البورجوازية النظام البرلماني‬

‫– أي فصل السلطتين التشريعية والتنفذية – مقرونا بنمو متميز نسبيا لألخيرة منهما‪ ,‬من هنا حرصنا‬ ‫–كمثقفين وقوى يسارية عربية‪ -‬على تطوير مفهوم الديمقراطية ونقله من طابعه السياسي البرجوازي‬

‫الشكلي ‪ ,‬إلى جوهره الحقيقي الذي تتوحد فيه الحريات السياسية جنباً إلى جنب مع قضايا التوزيع‬ ‫العادل للثروة والدخل وتكافئ الفرص والمساواة وكافة اوجه العدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية‪.‬‬ ‫‪ .2‬لماذا العمل السلعي ينشأ اإلستالب ؟ وهل هو من ضروريات استمرار الرأسمال وتوسعه؟‬

‫سأتعاطى في اجابتي على هذا السؤال من تشابك وتداخل مفهوم االستالب (وكذلك مفهومي‬

‫االغتراب والتشيؤ) مع مفهوم االستغالل حيث يؤدي كل منهما إلى نفس المعنى والمضمون‪ ,‬وبالتالي‬

‫‪402‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فإن تعريف االستالب أو االستغالل هو ‪ :‬االستيالء على فائض القيمة‪ ,‬وهي عملية تتم ضمن وسائل‬

‫متنوعة من أهمها عملية االنتاج (العمل) السلعي ‪.‬‬

‫يقول ماركس‪":‬إن فائض القيمة يجب أن يفهم على أساس افتراض أن السلع تتبادل بقيمتها واال‬

‫فلن يفهم أبداً‪ .‬لكن ماهي السلع؟ هي منتجات العمل التي تتبادل في األسواق‪ .‬هذه المنتجات نافعة‪,‬‬ ‫فهي ذات قيمة استعمال‪ ,‬وهي قابلة للتداول‪,‬فهي ذات قيمة مبادلة‪.‬‬

‫نشأ اإل نتاج السلعي الرأسمالي تاريخياً من اإلنتاج السلعي البسيط‪ ,‬ليصبح اإلنتاج لسلع أي‬

‫لمنتجات معدة للبيع في السوق‪ ,‬وليس لالستهالك الشخصي‪ ,‬وبالتالي فإن أساس اإلنتاج السلعي‬

‫الرأسمالي هو العمل المستأجر مقابل أجر‪ ,‬كما يفترض اإلنتاج الرأسمالي الملكية الخاصة لوسائل‬

‫اإل نتاج والتقسيم االجتماعي للعمل‪ .‬وبقدر تطور التقسيم االجتماعي للعمل سعة وعمقاً يتطور‬ ‫االقتصاد السلعي الرأسمالي وفق الصيغة التالية ‪ :‬نقود‪ -‬سلعة‪ -‬نقود أكثر‪ ,‬من خالل تراكم االستيالء‬ ‫على فائض القيمة‪ ,‬أو االستغالل أو االستالب الناشئ عن االنتاج السلعي‪.‬‬

‫إن االستغال ل أو االستالب الرأسمالي يتحقق من خالل حقيقة بسيطة‪ ,‬هي كون العامل قاد ارً على‬

‫خلق قوة عمله‪ ,‬وعلى تجديدها‪ ,‬وعلى العمل مدة أطول مما تسمح قوته فعالً‪.‬وهكذا تعتبر قوة العمل‬

‫سلعة ممتدة‪ ,‬تجعل الرأسمالي (خاصة في مجتمعاتنا الفقيرة) ‪ ,‬يطيل ساعات العمل أو يزيد من حدة‬

‫وكثافة العمل ليحصل على إنتاج أكبر بنفس األجر‪ .‬والفرق بين ما يحصل عليه العامل من أجر فعالً‬

‫وما أنتجه من قيمة فعالً هو فائض القيمة‪ ,‬يذهب إلى جيوب الرأسمالي وحده‪.‬‬

‫واذن فالعامل يقدم نوعين من العمل‪ :‬عمالً أصلياً يتلقى عنه أجره بالكامل وهذا هو العمل‬

‫الضروري‪ -‬وعمالً إضافياً ال يتلقى عنه أج ارً‪ ,‬وهذا هو العمل الفائض الناجم عن االستالب‪.‬‬

‫بهذا أتوصل إلى البديهية التي تقول ‪ :‬إن الطابع الفردي للملكية‪ ,‬والطابع االجتماعي لالنتاج ‪,‬‬

‫سمة رئيسه من سمات المجتمع الرأسمالي‪ ,‬وهي تستند بدرجة أساسية إلى االنتاج أو العمل السلعي‬

‫وملكية وسائل االنتاج‪ ,‬التي تحدد بدورها مجمل العالقات االجتماعية في إطار ثنائية تناقض رئيسي‬ ‫بين الملكية الخاصة من جهة‪ ,‬وبين كل العاملين المنتجين للسلعة من جهة ثانية‪ ,‬وهذه الثنائية‬

‫المتناقضة في المجتمعات الرأسمالية بما تفرزه من شعور لدى العامل بالظلم واالضطهاد وتحول دون‬ ‫تملكه النتاج عمله‪ ,‬ودون تملكه لحريته واستقالله الذاتي‪ ,‬أدت إلى توليد وخلق الظروف التي يترعرع‬

‫وينشأ فيها الشعور باالستالب‪ ,‬وطالما استمرت هذه العالقة بين مالك وسائل االنتاج والعمال‬

‫المنتجين‪ ,‬ستظل ظاهرة االستالب قائمة في جوهرها‪ ,‬على الرغم من تباين اشكالها الخارجية‬ ‫وممارستها المختلفة في ظروف القرن التاسع عشر عن القرن العشرين عن القرن الحادي والعشرين‬

‫في إطار تطور الرأسمالية بتأثير التطور الهائل في العلوم والتكنولوجيا واالتصاالت أو ما يعرف بثورة‬

‫المعلومات‪ ,‬التي أفرزت بدورها (في البلدان الرأسمالية المتقدمة) مجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الزراعة ‪,‬‬ ‫ومجتمعاً مختلفاً عن مجتمع الصناعة‪ ,‬تمثله الثالثية التاليه ‪ :‬مجتمع المعلومات‪ ,‬ومجتمع المعرفة‬ ‫‪403‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كأهم مورد للتنمية االقتصادية ‪ ,‬ومجتمع التعلم والذكاء البشري‪ ,‬ومازالت هذه "المجتمعات" محصورة‬

‫ضمن ما يعرف بالدول الصناعة الثمانية (‪.)G 8‬‬

‫لكن على الرغم من تقدم دور التكنولوجيا واالختراعات العلمية والمعرفة في تراكم وتوسع رأس المال‬

‫المالي العالمي ‪ ,‬إال أن االنتاج السلعي يظل أحد أهم سمات النظام الرأسمالي عموماً‪ ,‬وفي البلدان‬

‫الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأمريكا الالتينية وبالدنا العربية خصوصاً‪ ,‬ويظل بالتالي مصد ارً رئيساً‬

‫لالستالب واالستغالل ليس على صعيد االستغالل أو االستيالء على القيمة الزائدة من‬

‫العامل‪/‬البروليتاري من قبل صاحب العمل فحسب‪ ,‬بل انتشار ظاهرة االستيالء على فائض القيمة‬ ‫للشعوب الفقيرة واالستيالء على ثرواتها ومقدراتها كما هو حال األ وضاع االقتصادية لهذه الشعوب في‬ ‫مرحلة العولمة الراهنة‪.‬‬

‫فطبقاً لبيانات البنك الدولي عن التنمية في العالم (أو ما اسميه ظاهرة االستالب المعولم)‪ ,‬فإن‬

‫مجموعة الدول منخفضة الدخل بلغ العدد اإلجمالي لسكانها عام ‪ 3103‬نحو ‪ 3211‬مليون نسمة‪,‬‬

‫من إجمالي سكان العالم البالغ عددهم ‪ 7‬مليار نسمة ‪ ,‬وفى المقابل ‪ ,‬بلغت القيمة الكلية للناتج‬

‫اإلجمالي للمجموعة حوالي ‪ 3.7‬تريليون دوالر فقط‪ ,‬من الناتج العالمي المقدر(عام ‪ )3103‬بنحو‬

‫‪ 92‬تريليونا ‪.‬‬

‫وهنا‪ ,‬من المهم التوقف أمام مظاهر الرأسمالية المتوحشة باألرقام لكي نجسد ابشع معاني‬

‫االستالب‪:‬‬

‫‪ -0‬الفقراء يزدادون فق ارً‪ 0.3 :‬مليار نسمة هو عدد الجوعى في العالم‪ ,‬ينضم إليهم ‪ 72‬مليون‬ ‫سنويا بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود ‪ ,‬وهذه الزيادة في اعداد الجوعى تقابلها‬

‫زيادة هائلة في ثروات‪ ,‬األثرياء الذين ازداد عددهم ليصل عام ‪ 3103‬الى ‪ 00.2‬مليون‬

‫شخص مجموع أموالهم تقدر بحوالي‪ 22‬تريليون دوالر ‪.‬‬

‫‪ -3‬وعلى صعيد المناطق الجغرافية ال تزال أميركا الشمالية تحتكر القسم األعظم من الثروات وعدد‬

‫المليونيرات‪ ,‬حيث يوجد فيها ‪ 2‬مليون شخص مليونير يملكون نحو ‪ 02.2‬تريليون دوالر‪.‬‬ ‫تليها في المركز الثاني أوروبا بعدد مليونيرات بلغ ‪ 2.2‬مليون شخص تقدر ثرواتهم بنحو ‪02‬‬

‫تريليون دوالر‪.‬‬

‫‪ -2‬تنامي الناتج المحلي اإلجمالي العالمي من ‪ 26.2‬تريليون دوالر عام ‪ 0662‬إلى ‪21.9‬‬ ‫تريليون دوالر عام ‪ 3119‬الى ‪ 93‬تريليون دوالر عام‪ 3100‬يتوزعون على خمسة شرائح‬

‫كما يلي ‪:‬‬

‫الشريحة األولى ‪ :‬أغنى ‪ 0.2( %31‬مليار نسمة) يمتلكون ‪ %13.7‬من دخل العالم‪ ,‬ما يعادل‬ ‫‪ 20.372‬تريليون ‪ $‬بمعدل ‪ $ 29932‬للفرد سنوياً‪ ,‬تضم هذه الشريحة‬

‫الواليات المتحدة واالتحاد االوروبي واليابان‪.‬‬ ‫‪404‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الشريحة الثانية ‪ :‬أل ‪ 0.2( %31‬مليار نسمة) التالية يمتلكون ‪ %00.7‬من دخل العالم‪ ,‬ما‬ ‫يعادل ‪ 7.322‬تريليون ‪ $‬بمعدل ‪ $ 2010‬للفرد سنوياً‪.‬‬

‫الشريحة الثالثة‪ :‬أل ‪ 0.2( %31‬مليار نسمة) التالية يمتلكون ‪ %3.2‬من دخل العالم‪ ,‬ما يعادل‬ ‫‪ 0.239‬تريليون‪ $‬أو ‪ $0101‬للفرد سنوياً‪.‬‬

‫الشريحة الرابعة‪ :‬أل ‪ 0.2( %31‬مليار نسمة) التالية يمتلكون ‪ %0.6‬من دخل العالم ‪ ,‬ما‬ ‫يعادل ‪ 0.071‬تريليون‪ $‬أو ‪ $120‬للفرد سنوياً‪.‬‬

‫الشريحة الخامسة ‪ :‬أفقر ‪ 0.2( %31‬مليار نسمة) التالية يمتلكون ‪ %0.2‬من دخل العالم ‪ ,‬ما‬ ‫يعادل ‪ 1.191‬تريليون‪ $‬أو ‪ $931‬للفرد سنوياً !!!!‪.‬‬

‫‪ 001 -2‬دولة فقيرة هو عدد الدول التي يضمها "نادي الفقراء" إذ ارتفع عددها من ‪ 32‬دولة في‬ ‫عام ‪ 0670‬إلى ‪ 21‬دولة في عام ‪ 0666‬وصوالً إلى ‪ 001‬دولة عام ‪ .3101‬فقد تزامن‬ ‫انتصار الليبرالية االقتصادية وسياسات الخصخصة وبيع القطاع العام في الدول الفقيرة مع‬

‫ارتفاع مطرد في عدد الفقراء والجوعى‪.‬‬

‫‪ -2‬هناك مليار شخص دخلوا في القرن الواحد والعشرين وهم غير قادرين على الق ارءة أو توقيع‬ ‫أسمائهم ‪.‬ويعيش اليوم ‪ 0.2‬مليار شخص بأقل من دوالر في اليوم و‪ 2‬مليارات شخص بأقل‬ ‫من دوالرين‪ .‬وهناك ‪ 0.2‬مليار شخص ال يصل إليهم الماء النظيف و ‪2‬مليارات ال تصل‬

‫إليهم خدمات المجاري وملياران ال تصل إليهم الكهرباء‪ ,‬ويوجد في المجتمعات النامة ‪111‬‬

‫مليون شخص ال يحصلون على الطعام الذي يكفيهم‪ ,‬بينما هناك ‪ 211‬مليون يعانون‪,‬‬

‫بصورة مزمنة‪ ,‬سوء التغذية و ‪ 07‬مليوناً يموتون كل عام من أمراض ال شفاء‬

‫منها‪...‬باالضافة الى(‪ )37‬مليون شخص يعانون العبودية على الرغم من نبذها قبل ‪311‬‬

‫عام‪.‬‬

‫في ضوء هذه الوقائع ‪ ,‬أصبح من غير الممكن التعاطي مع هذه المتغيرات أو فهمها أو االقتراب‬

‫منها دون فهم واستيعاب ظاهرة التخلف والتبعية من جهة‪ ,‬وظاهرة العولمة الرأسمالية باعتبارها اإلطار‬

‫المرجعي لكل هذا االستغالل واالستالب والهيمنة من جهة ثانية‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ,‬إن رأس المال ال يعرف السكون‪ ,‬واذا ما تعرض ألي شكل من أشكال التوقف أو السكون‪,‬‬

‫فإنه يكف عن كونه رأسماالً‪ ,‬إذ أن الحركة والنشاط الدائمين من خالل عملية االنتاج المادي السلعي‪,‬‬ ‫يشكالن المصدر األساسي الوحيد لتراكم رأس المال عبر مراكمة القيمة الزائدة أو فائض القيمة‬

‫ق عملية االستغالل (أو االستالب) الذي يتلخص تعريفه في كافة‬ ‫واالستيالء عليها‪ ,‬ومن ثم تبلور وتحقُ ْ‬ ‫الموسوعات العلمية كما يلي‪ :‬االستغالل هو االستيالء على فائض القيمة‪.‬‬

‫‪405‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بناء على ذلك‪ ,‬فإن االستالب أو االستغالل يمكن تحديده علمياً حسب كارل ماركس في أنه يتيح‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫المستغلّين الذين ينهبون فضل القيمة (القيمة الزائدة) ‪ ,‬والمست َغلَين (بفتح‬ ‫بيناً‪:‬‬ ‫فصل معسكرين فصالً ّ‬ ‫الغين) الذين ليس لديهم ما يبيعونه سوى قوة عملهم‪.‬‬ ‫ولكن بالرغم من الدور المباشر لالقتصاد في نشوء االستالب أو االستغالل الطبقي‪ ,‬إال أن‬

‫الماركسية تتحدث عن أشكال متعددة من االستالب االجتماعي والديني والسياسي ‪ ,‬وهي أشكال فرعية‬ ‫من األصل االقتصادي أو االستالب األساسي الذي تتعرض له الطبقة العاملة في سياق نمط االنتاج‬

‫ررة لإلنسان إلى نشاط‬ ‫السلعي أو الرأسمالي‪ ,‬حيث يرى ماركس بحق أن العمل يتحول من قوة ُم َح ِّ‬ ‫مستلب أو ُمشتَ َغ ْل في ظروف االنتاج الرأسمالي ‪.‬‬

‫إن مفهوم االستالب – عند ماركس‪ -‬يرتبط ويتحدد بالتشويه الذي يصيب فكرة حرية العمل التي‬

‫تتحول إلى عملية بيع إجباري من العامل إلى صاحب العمل‪ ,‬حيث يتحول العمل هنا إلى وسيلة للعيش‬ ‫ويفقد مفهوم الحرية الفردية معناه الحقيقي بعد أن أصبح االستالب أو االستغالل هو سيد الموقف‪ ,‬بعد‬

‫ان يتجرد العامل من نتاج عمله‪ ,‬بل على العكس يصبح نتاج عمل العامل بمثابة قوة معادية تسيطر‬ ‫تماماً عليه‪ ,‬ألن منتوجه السلعي بات ملكاً لصاحب العمل – الرأسمالي الذي قام بشراء قوة عمل العامل‪,‬‬

‫وفي هذه المعادلة يتضح فقدان العامل حريته وسلوكه ونشاطه اثناء العمل لحساب تلبية احتياجاته‬

‫وأسرته لكي يستمروا أحياء‪.‬‬

‫إذن االستالب ضرورة من ضرورات استمرار الرأسمال وتوسعه‪ ,‬ففي النظام الرأسمالي ال يمكن أن‬

‫يتحقق التراكم أو الحصول على فائض القيمة‪ ,‬إال من خالل عمل العامل‪ ,‬وهذا في حد ذاته ابشع‬

‫مظاهر االستالب‪ ,‬حيث يصبح العمل أ‪ ,‬الشغل وسيلة وأداة الستالب الذات وقهرها واذاللها في ظل‬ ‫شروط االنتاج الرأسمالي التي تقوم على شراء قوة عمل العامل‪ ,‬وهنا تجلت عبقرية كارل ماركس حين‬

‫أكد أن مملكة الحرية ال يمكن أن تبدأ في الواقع إال حين تنتهي تلك العالقة االستغاللية أو االستالبية‬

‫بين العامل ورأس المال‪ ,‬من خال ل الثورة االشتراكية والقضاء على الملكية الفردية لوسائل االنتاج‬

‫وتحويلها إلى ملكية جماعية ديمقراطية ومؤنسنة ‪ ,‬تضمن أن يكون العمل واالنتاج ‪ ,‬خاضعاً للحاجات‬

‫اإلنسانية ومعب ارً عنها وعن كرامة االنسان‪.‬‬

‫‪ .2‬ما الوسائل الناجعة للتمرد الثوري في مقاومة الحكومات المستبدة واسقاطها؟‬

‫الثورة هي نتاج تراكمات بطيئة ومتسارعة وصلت إلى حد القطع أو لحظة الثورة ‪ ,‬أو التغيير‬

‫السريع بعيد االثر في هذا الكيان االجتماعي أو ذاك‪ ,‬بهدف تحطيم أسس وبنية نظام االستبداد‬

‫بناء جذرياً وفق األسس الثورية الديمقراطية‬ ‫واالستغالل‪ ,‬واعادة تنظيم وبناء النظام االجتماعي‬ ‫ً‬ ‫الجديدة‪.‬‬ ‫وقد ذهب كارل ماركس (‪ )0112-0101‬الى ابعد من ذلك‪ ,‬فاعتبر الثورة هي القانون العام لسير‬ ‫‪406‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الطبيعة والمجتمع‪ ,‬وهي الوسيلة الوحيدة لحل مشكالته والسيما الجانب االقتصادي الذي يستند عليه‪,‬‬

‫وينبثق عنه نظام المجتمع في الوجوه االخرى‪ ,‬السياسية واالجتماعية والثقافية والقانونية واألخالقية‬

‫والفلسفية وغيرها‪ ,‬وذلك انطالقاً من وعي ماركس للدولة الرأسمالية باعتبارها مؤسسة ظالمة اوجدتها‬ ‫ِ‬ ‫المستغلة (بكسر الغين) وهي الطبقة التي تمثل األقلية المهيمنة (عبر المؤسسات الحكومية‬ ‫الطبقة‬ ‫البيروقراطية واألمنية والجيش) لحماية مصالحها االقتصادية على حساب اكثرية الشعب عموماً والشرائح‬ ‫والطبقات الفقيرة خصوصاً ‪ ,‬حفاظاً على الوضع القائم المبني على االستغالل واالستبداد ‪ ,‬ومنع‬

‫مطالبتها بحقوقها المشروعة اقتصادياً وسياسياً‪ ,‬وما ينتج عن ذلك من اتساع الشعور بالظلم‬

‫واالستغالل في أوساط األغلبية الساحقة‪.‬‬

‫من ناحية ثانية ‪ ,‬فإن الثورة ال تنضج بمقدماتها فحسب‪ ,‬بل تكتمل بتوفير العناصر الموضوعية‬

‫للوضع الثوري والعامل الذاتي ووحدتهما معاً‪ ,‬وهي أيضاً ال يمكن أن تندلع –بالصدفة أو بحفنة من‬ ‫المناضلين المعزولين عن الشعب‪ ,‬بل بالحزب الثوري الديمق ارطي المؤهل‪ ,‬الذي يتقدم صفوف الجماهير‬

‫الشعبية الفقيرة‪ ,‬واعياً لمصالحها وتطلعاتها وحامالً لإلجابة على أسئلتها‪ ,‬ومستعداً للتضحية من أجلها‬ ‫‪ ,‬واثقاً كل الثقة من االنتصار في مسيرته وتحقيق االهداف التي تأسس من أجلها ‪.‬‬

‫وفي هذا الجانب ‪ ,‬أشير إلى أنه بدون توفر اإلرادة الشعبية وااللتفاف الجماهيري‪ ,‬يصبح خوض‬

‫التمرد الثوري بالعنف الشعبي والمسلح أو بوسائل الضغط الجماهير الديمقراطي ألي حزب أو فصيل‬

‫نوعاً من المغامرة‪ ,‬الن الجماهير منفضة من حوله‪ ,‬خاصة وان الطليعة ال تناضل نيابة عن جماهيرها‪,‬‬ ‫بل بها‪ ,‬وفي مقدمتها‪ ,‬فهي من يرعى المناضلين‪ ,‬ويمدهم بالعون والدعم المادي والمعنوي‪ ,‬ويخفيهم‬ ‫ويحميهم عند الضرورة‪ ,‬كما يمدهم بالدماء الجديدة‪ ,‬ما يجعل انفصال األحزاب الثورية الديمقراطية عن‬

‫الجماهير الشعبية – كما هو حالها في مجتمعاتنا‪ -‬سمة من سمات هبوط وتفكك هذه األحزاب وتراجعها‬

‫السياسي والفكري والتنظيمي والجماهيري ‪ ,‬لذلك فان التأييد الجماهيري مسألة أساسية‪ ,‬إذ إننا – على‬

‫سبيل المثال‪ -‬لن نستطيع تنظيم وانجاح إضراب أو اعتصام أو مظاهرة شعبية ال يقتنع الجمهور‬ ‫بأهدافها أو باألسباب الداعية لتنظيمها‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬أشير إلى أسباب عجز أحزاب وفصائل اليسار العربي عن إنجاز القضايا األهم‬

‫في نضالها الثوري ‪ ,‬وهي على سبيل المثال وليس الحصر‪:‬‬

‫اوال‪ :‬عجزت عن بلورة وتفعيل االفكار المركزية التوحيدية العضاءها وكوادرها وقياداتها واقصد‬

‫بذلك ‪ ,‬األفكار الوطنية الديمقراطية ‪ ,‬الحداثية العقالنية المستنيرة ‪ ,‬استرشاداً بالفكر‬

‫الماركسي ومنهجه الجدلي وصيرورته المتطورة المتجددة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬عجزت عن تشخيص ووعي مكونات واقع بلدانها ( االقتصادي السياسي االجتماعي الثقافي)‬

‫ومن ثم عجزت عن ايجاد الحلول او صياغة البديل الديمقراطي الشعبي التوحيدي الجامع‬

‫لجماهير الفقراء وكل المضطهدين‪.‬‬

‫‪407‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ثالثا‪ :‬عجزت عن بناء ومراكمة عملية الوعي الثوري في صفوف اعضاءها وكوادرها وقياداتها‪,‬‬ ‫ليس بهوية حزبهم الفكرية‪ ,‬الماركسية ومنهجها المادي الجدلي فحسب‪ ,‬بل ايضا عجزت‬

‫عن توعيتهم بتفاصيل واقعهم الطبقي (االقتصاد‪ ,‬الصناعة ‪ ,‬الزراعة ‪ ,‬المياه ‪ ,‬البترودوالر ‪,‬‬

‫الفقر والبطالة والقوى العاملة‪ ,‬الكومبرادور وبقية الشرائح الراسمالية الرثة والطفيلية ‪ ,‬قضايا‬ ‫المرأة والشباب ‪ ,‬قضايا ومفاهيم الصراع الطبقي والصراع الطائفي والمذهي‪ ,‬وقضايا التنوير‬

‫والحداثة والديمقراطية والتخلف والتبعية والتقدم والثورة‪....‬الخ) فالوعي وااليمان الثوري‬

‫(العاطفي والعقال ني معاً ) لدى كل رفيقة ورفيق‪ ,‬بالهوية الفكرية‪ ,‬وبضرورة تغيير الواقع‬

‫المهزوم والثورة عليه ‪ ,‬هما القوة الدافعة الي حزب او فصيل يساري ‪ ,‬وهما ايضا الشرط‬

‫الوحيد صوب خروج هذه االحزاب من ازماتها صوب تقدمها وتوسعها وانتشارها في اوساط‬

‫جماهيرها على طريق نضالها وانتصارها ‪.‬‬

‫وفي هذا السياق ‪ ,‬البد أن تنطلق الثورة الوطنية الديمقراطية في بالدنا العربية‪ ,‬من منظور يساري‬

‫يضمن تفعيل العالقة الجدلية بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة االشتراكية ‪ ,‬وذلك على أساس أن‬

‫الثورة الوطنية الديمقراطية هي ثورة معادية ومقاومة للوجود االمبريالي الصهيوني ولكل مظاهر التبعية‬ ‫والتخلف‪ ,‬وكافة قوى اليمين الليبرالي او االسالم السياسي ‪ ,‬انها ثورة تستهدف تحقيق االستقالل‬

‫الوطني والسيادة الكاملة على االرض والموارد والتوزيع العادل للثروة والدخل‪ ,‬وهي ايضا ثورة ضد القوى‬

‫البورجوازية وكل مظاهر االستبداد واالفقار واالستغالل الرأسمالي ‪ ,‬وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان‬

‫تتوالها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال والفالحين الفقراء ضمن احزاب يسارية ثورية‪ ,‬بما يضمن‬

‫تطبيق أسس ومفاهيم الحداثة والديمقراطية والتقدم‪ ,‬وفتح سبل التطور الصناعي واالقتصادي وفق‬

‫قواعد التخطيط والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد االدنى للدخل الذي يضمن تأمين‬ ‫احتياجات اسرة العامل‪ ,‬وتحديد الحد االعلى للدخل بما ال يزيد عن ثالثة اضعاف دخل العامل المنتج‪,‬‬ ‫الى جانب تطوير االوضاع الصحية والتأمينات االجتماعية والثقافية للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء‬

‫واليات العدالة االجتماعية الثورية‪...‬وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي مرحلة انتقالية في‬

‫الطريق إلى االشتراكية‪.‬‬

‫‪.9‬يقول يوسف القعيد ‪ ":‬المثقف اآلن‪ ,‬وردة حمراء في عروة بدلة النظام"‪.‬‬

‫هل أن ارتجاليات المتحذلق المثقف والمتثاقف السياسي ‪ ,‬التي وصلت حد اإلعياء في المنظومات‬

‫اإلعالمية‪ ,‬هي من أجل الترويج لمنابرية الساسة ‪ ,‬مدفوعة الثمن؟‬

‫أود في البداية أن اتوقف أمام مفهوم المثقف المتعدد المضامين أو التعريفات‪ ,‬فالمثقف –وفق‬

‫منظوري الفكري والسياسي‪ -‬هو الحامل لرؤية نظرية ثورية وديمقراطية تلتزم بمصالح وتطلعات‬ ‫الجماهير الشعبية الفقيرة ومستقبلها ‪ ,‬بما يمكنه من صياغة رسالته وبرنامجه في إطار الحزب المنظم‬ ‫‪408‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫من ناحية وهو أيضاً المثقف العضوي بالمعنى الجرامشي‪ ,‬الذي يعمل على إنجاح المشروع السياسي‬

‫ش ّكلة من العمال والفالحين الفقراء ‪ ,‬وهو "الداعية"‬ ‫الم َ‬ ‫والمجتمعي الخاص بالكتلة التاريخية ٌ‬ ‫الم َحِّرض" "صاحب االيدولوجيا" أو حاملها‪ ,‬المدافع عن قضايا الحقوق والحريات‪,‬‬ ‫"االختصاصي" " ٌ‬ ‫الملتزم بالدفاع عن قضية سياسية‪ ,‬او قيم ثقافية ومجتمعية أو كونية‪ ,‬بأفكاره أو بكتاباته ومواقفه تجاه‬

‫الرأي العام‪ ,‬هذه صفته ومنهجيته‪ ,‬بل هذه مشروعيته ومسئوليته تجاه عملية التغيير التي يدعو إليها‪.‬‬

‫ولعلنا نتفق على ان هذا المفهوم (كما ورد أعاله) ليس مفهوماً مجرداً‪,‬وليس عنواناً او فرضية‪ ,‬بل‬

‫هو ملخص منظومة فكرية مكتملة‪ ,‬تحققت تاريخياً عبر الممارسة في مجتمع معين في مراحل تطوره‬ ‫المختلفة‪ ,‬وأدت او أسهمت في تغيير العديد من األنماط واألنظمة السياسية عبر دور فعال على مدار‬ ‫التاريخ البشري ‪ ,‬خاصة في عصر النهضة االوروبية حيث الحظنا الدور االول والرئيسي للفالسفة‬

‫والمفكرين في نشر مبادئ العقالنية والتنوير والحداثة والثورة ‪ ...‬الخ‪ ,‬وهذا ما يتوجب أن يمارسه –‬

‫وبوعي‪ -‬المثقف العربي الملتزم بقضايا العقالنية والتقدم والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية في‬

‫بالدنا‪.‬‬

‫أما بالنسبة النحيازي لشمولية مفهوم المثقف‪ ,‬فإن الشمولية التي أقصدها هنا ال تتناقض مع‬

‫عبر عنها مجموعة من المفكرين في تعريفهم للمثقف بأنه " هو اإلنسان الذي يضع‬ ‫التعريفات التي ّ‬ ‫نظرة شاملة لتغيير المجتمع" أو هو المفكر المتميز المسلح بالبصيرة كما يقول ماكس فيبر‪ ,‬أو هو‬ ‫الذي يمتلك القدرة على النقد االجتماعي والعلمي والسياسي‪ ,‬أو هو المفكر المتخصص المنتج للمعرفة‪,‬‬ ‫وهي تعريفات عامة ال تحرص على تحديد الزاوية أو الموقع الذي ينطلق منه ذلك المثقف في ممارسة‬

‫النقد االجتماعي أو السياسي أو في صياغته للنظرة الشاملة للتغيير‪.‬‬

‫أما الزاوية التي أقصدها‪ ,‬فهي تتمحور عند الموقع الطبقي بالتحديد ‪ ,‬فهو الغاية والقاعدة المنتجة‬

‫والمحددة لكل رؤية فكرية ثقافية أو لكل ممارسة نقدية‪ ,‬وفي ضوء ذلك تتجلى أهمية استخدام مفاهيم‬ ‫الحداثة و التنوير والعقالنية والثورة الديمقراطية‪ ,‬في مجابهة أنظمة التبعية والتخلف واالستبداد‬ ‫وشرائحها البيروقراطية الكومبرادورية الحاكمة ‪ ,‬وفي مجابهة الجوانب السلبية لتراثنا‪ ,‬إذ ال يتولد مفهوم‬

‫العقل من ماضوية أو جمود التراث بل من القطيعة المنهجية والمعرفية معه‪ ,‬وذلك شرط للعقل كعقالنية‪,‬‬

‫فالعقل هنا‪ ,‬حسب هذا المفهوم‪ ,‬هو العقالنية التي تمثل مؤشر ورمز المجتمع الحديث وليس غير ذلك‪.‬‬

‫جسد في السلوك‪ ,‬إال إذا انطلقنا من الفعل وخضعنا لمنطقه‪,‬‬ ‫بمعنى آخر‪ ,‬ال يكون العقل عقالنية‪ ,‬وال ُي َّ‬ ‫من خالل عملية التجريد والتوضيح والتعقيل‪ ,‬لكي نتمكن من استبدال المنطق الموروث أو سلبياته‬

‫المعرفية التراثية الرجعية تحديداً التي تمظهرت وترسخت في مجتمعاتنا منذ القرن الرابع عشر الميالدي‪,‬‬ ‫حيث تعيش المجتمعات العربية حالة من المراوحة الفكرية على تراث الغزالي وابن تيمية وابن القيم‬

‫الجوزية او ما اسميه التواصل المعرفي مع هذه المحطات السالبة في التراث القديم (خاصة بعد إزاحة‬ ‫ابن رشد وابن خلدون والفارابي والكندي والمعتزلة فرسان العقل في اإلسالم) من جهة والتواصل الحياتي‬ ‫‪409‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ص ْت عليه‬ ‫مع األنماط والعالقات االقتصادية واالجتماعية القديمة من جهة ثانية‪ ,‬وهو تواصل َح ِر َ‬ ‫الطبقات الحاكمة في بالدنا بمختلف أشكالها وأنماطها االقتصادية الريعيه المتخلفة حتى يومنا هذا‪ ,‬وهو‬

‫حرص استهدف دوماً إبقاء الوعي العفوي لألغلبية الساحقة من الناس في حالة من الجهل والتخلف‬ ‫المرتبط بالعشيرة أو الشيخ أو األمير أو الطائفة أو الرئيس الفرد القائد‪ ,‬بما يضمن استمرار مصالح‬

‫الطبقات الحاكمة‪- ,‬كما هو الحال في مساحة كبيرة من االنتفاضات العربية راهنا‪.‬‬

‫وهنا تتبدى أهمية تفعيل واستنهاض دور المثقف في بالدنا لمجابهة وتغيير هذا الواقع‪ ,‬وهي‬

‫عملية مشروطة باستيعاب مفهوم المثقف ودوره في هذه المرحلة الصعبة والمعقدة ‪.‬‬

‫لذلك أرى ضرورة الجمع بين المثقف حامل الرسالة‪ ,‬وبين المثقف العضوي الملتزم تنظيمياً‪ ,‬بحكم‬

‫تقاطع أو توحد الرؤيتين في نقطة التقاء هامة‪ ,‬وهي الوظيفة النقدية للمثقف‪ ,‬والوظيفة النقدية هنا‬

‫تتخطى التبشير أو الرسالة إلى التغيير وتجاوز الواقع‪ ...‬المهم الزاوية الطبقية التي ينطلق منها‬ ‫المثقف‪,‬وبهذا المعنى البد من أن أشير إلى انحسار دور هذا المثقف العضوي الماركسي في بالدنا‬

‫بصورة مريعة ومقلقة‪ ,‬في هذه المرحلة التي تغيرت فيها مراتب القيم‪ ,‬بحيث باتت القيم السياسية‬

‫الهابطة‪ ,‬والقيم االنتهازية المصلحية‪ ,‬وقيم النفاق واالستسالم‪ ,‬والقيم الفردية االنانية‪ ,‬والقيم‬ ‫االستهالكية التي أصبح لها منظروها من المثقفين االنتهازيين الذين استم أروا كونهم مجرد وردة صفراء‬

‫في عروة بدلة النظام‪/‬األنظمة‪.‬‬

‫إن حالة التردي والهبوط الراهنة‪ ,‬وصلت إلى أكثر من حد االعياء والمرض في المنظومات‬

‫اإلعالمية من أجل الترويج لمنابريه الساسة‪ ,‬مدفوعة الثمن ‪ ,‬والشاهد على ذلك ‪ ,‬انحسار دور المثقف‬ ‫الديمقراطي الثوري في مجتمعاتنا‪ ,‬على الرغم من االنتفاضات الشعبية العفوية ضد االستبداد والتخلف‬ ‫واالستغالل ‪ ,‬وهو انحسار مريع ومقلق في هذه المرحلة التي –على ما يبدو‪ -‬تغيرت فيها مراتب القيم‬

‫‪ ,‬بحيث باتت األفكار الليبرالية والقيم السياسية الهابطة والقيم االنتهازية المصلحية وقيم النفاق‬

‫والقيم االستهالكية ‪ ,‬هي البضاعة الرائجة بتأثير واضح لمنظمات ‪ NGO.s‬التي نجحت في إغواء‬ ‫واغراء ومن ثم خراب وارتداد اآلالف – من المثقفين واليساريين العرب – عن بداياتهم الفكرية‪,‬‬ ‫وأحالمهم الثورية التي يبدو انها كانت مجرد احالم"البورجوازي الصغير" في لحظه من لحظات االنفعال‬ ‫والقلق والخوف من تردي وضعه الطبقي ‪ ,‬ولما حانت فرصة اإلغراء المادي على طبق ‪ NGO.s‬أو‬

‫المحتل األجنبي‪ ,‬سرعان ما تخلى عن االحالم والمبادىء الثورية ومخاطرها بذريعة االعتدال والواقعية ‪,‬‬ ‫وذهب راكضا او زاحفا صوب االلتحاق بقافلة الليبرالية الجديدة ومقتضياتها في تبرير احتالل بالده‬

‫بذريعة الديمقراطية والسالم‪ ,‬ومن ثم تمهيد الطريق لالعتراف بمشروعية الدولة الصهيونية وتوسعها‬

‫وتزايد عدوانيتها في مقابل تفكيك الدولة الوطنية العربية‪.‬‬

‫على أي حال ‪ ,‬لقد باتت هذه الظواهر المرتدة او االنتهازية جزءا من الحياة السياسية االجتماعية‬

‫الفلسطينية والعربية ‪ ,‬وهي ظواهر قديمة‪ ,‬لكنها تزايدت بصورة غير اعتيادية خالل العقود االربعة‬ ‫‪421‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الرث‪ ,‬و التراجع والهبوط السياسي ما بعد اتفاقات كامب ديفيد‬ ‫الماضية مع تزايد وتائر االنفتاح الليبرالي َّ‬ ‫واوسلو ووادي عربه‪ ,‬وانهيار االتحاد السوفياتي وهيمنة العولمة االمريكية وغير ذلك من العوامل‬

‫الموضوعية‪ ,‬لكن يظل العامل الذاتي لدى المثقف البورجوازي هو المسألة الحاسمة ‪ ,‬اذ غالباً ما يحدث‬

‫أن يبدأ بعضا من المثقفين البورجوازيين عندنا بواكير حياتهم ثوريين أو حالمين وينتهون في أواخر‬

‫حياتهم إما مرتدين او خداما للسلطة أو انتهازيين لمن يدفع أكثر أو يائسين من واقعهم ناعين له‪,‬‬

‫وكأن حركة التاريخ في مجالنا العربي تسير نحو مزيد من الهبوط والتراجع ‪ ,‬بحيث تجعل من االنتهازية‬

‫أو النعي خطاباً مفضالً عند هذا البعض‪.‬‬

‫وهنا أود التأكيد – بال كلل او يأس ‪ -‬على أهمية انحياز المثقف الماركسي لمصالح وأهداف‬

‫الطبقات الشعبية الفقيرة‪ ,‬فاما االشتراكية او البربرية ‪ ,‬إذ أن هذا االنحياز الواعي لالشتراكية ‪ ,‬هو‬

‫األساس األول في تحديد جوهر دور المثقف و ماهية موقفه السياسي‪ ,‬ورؤيته الفكرية أو األيدلوجية‬ ‫وفق ما يتطابق مع تطلعات الطبقات الشعبية وأهدافها المستقبلية ‪ ,‬األمر الذي يفرض –كضرورة‬

‫تاريخية راهنة ومستقبلية – أن تبادر قوى وأحزاب اليسار إلعادة بناء أحزابها او بناء احزاب ماركسية‬ ‫ثورية جديدة ‪ ,‬كمدخل وحيد الستعادة دورها وقيادتها لحركة التحرر الوطني الديمقراطي في بلدانها‪ ,‬من‬ ‫أجل تجاوز وتغيير هذا الواقع المهزوم صوب مستقبل النهوض القومي الديمقراطي‪ ,‬النقيض –بصورة‬

‫كلية‪ -‬ألفكار ومصالح البورجوازية الشوفينية من ناحية‪ ,‬والمحمول بتطلعات وأماني الجماهير الشعبية‬

‫العربية الفقيرة صوب الحرية والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية‪.‬‬

‫‪420‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يف الذكرى الثامنة والثالثني ليوم األرض‬ ‫‪36 / 2 / 3102‬‬ ‫الثالثون من آذار‪ ,‬ذكرى لها داللتها في تاريخ الحركة الوطنية للشعب الفلسطيني‪ ,‬في ذلك‬

‫اليوم من عام ‪ ,0679‬هبت الجماهير الفلسطينية في الجليل والنقب ومناطق االحتالل‪0621‬‬ ‫وشاركتها الجماهير الفلسطينية في باقي األراضي المحتلة عام ‪ 0697‬ضد عملية وسياسة المصادرة‬

‫لأل راضي التي تقوم بها السلطات اإلسرائيلية ‪ ,‬ووقف الشعب الفلسطيني يدافع عن األرض التي أنجبته‬ ‫واحتضنته عبر آالف السنين ‪ ,‬أعطاها دمه وعرقه وعقله وأودعها أحالمه‪ ,‬وأعطته مأواه وخبزه‬

‫ووطنه وهويته اإلنسانية‪...‬‬

‫في هذه المناسبة الخالدة ‪ ,‬أدرك كما يدرك معظم ابناء شعبنا ‪ ,‬أن قضيتنا اليوم باتت محكومة‬

‫لقيادات سياسية استبدلت المصلحة الوطنية العليا برؤاها وبمصالحها الخاصة ‪ ,‬ففي ظل االنقسام‬

‫والصراع بين األخوة األعداء في فلسطين ‪ ,‬وفي ظل الصراع الدموي الهادف الى تفكيك وتجديد تخلف‬

‫وتفتيت سوريا وليبيا ومصر والعراق وغيرها‪ ,‬يتحول "الربيع " العربي الى ربيع امريكي اسرائيلي ‪,‬‬

‫ويرقص عدونا اإلسرائيلي طربا بهذا المصير الذي لم يستطع تحقيقه في كل حروبه ضدنا ؟؟!!!‪ ,‬ومرة‬ ‫أخرى نستعيد نحن الفلسطينيون في الذكرى الثامنة والثالثين ليوم األرض ‪ ,‬أطياف ذكريات ماضية ‪,‬‬

‫ولكن في وضع مؤسف عنوانه "تزايد الصراع بين قطبي الصراع فتح وحماس على السلطة والمصالح "‬ ‫وانسداد األفق السياسي بالنسبة للدولة أو المشروع الوطني ال فرق ‪ ,‬والسؤال هو‪ :‬ما هي تلك الغنيمة‬ ‫الهائلة التي يتنازع قطبي الصراع المتصادمين عليها؟ ال شيء سوى مزيد من التفكك واالنهيارات‬

‫والهزائم ‪ ..‬فالحرب بين الفلسطيني والفلسطيني لن تحقق نص ار ألي منهما ‪ ,‬وانما هزيمة جديدة لمن‬ ‫يزعم انه انتصر ‪ ,‬يؤكد على هذا االستنتاج الواقع الراهن الذي يعيشه أبناء شعبنا في الوطن والشتات‪.‬‬

‫لكن على الرغم من كل محطات التراجع والهبوط بالثوابت واألهداف الوطنية التحررية والديمقراطية‬

‫لشعبنا الفلسطيني ‪ ,‬إال أن قضية األرض وعودة أصحابها من الالجئين الفلسطينيين إليها‪ ,‬تشكل‬ ‫جوهر القضية الفلسطينية‪ ,‬كما أنها تمثل التجسيد الكثيف لمأساة الشعب الفلسطيني‪ .‬إنها تجسيد‬

‫سياسي ‪ ,‬ثوري وانساني وأخالقي باعتبارها جوهر الصراع الفلسطيني في إطار الصراع العربي‬ ‫الصهيوني ‪ .‬وبهذا المعنى أضحى الموقف من حق العودة خطاًّ معيارياً على أساسه يمكن قياس‬

‫عدالة وجدية أي مشروع مطروح للح ّل السياسي‪ ,‬وأيضاً قياس مصداقية مواقف القوى السياسية كما‬ ‫األفراد‪.‬‬ ‫لذلك فإن المهمة العاجلة أمام الحركة الوطنية الفلسطينية ‪ ,‬أن تعيد النظر في الرؤية‬

‫‪422‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ‪ ,‬الوطنية‪/‬القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ‪ ,‬انطالقاً من إعادة‬ ‫إحياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية‪ ,‬ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف‬

‫فلسطين فحسب‪ ,‬بل يستهدف –بنفس الدرجة‪ -‬ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي‬

‫واحتجاز تطوره ‪.‬‬

‫وبالتالي ‪ ,‬إذا كان صراعنا نحن الفلسطينيون ضد الدولة الصهيونية هو صراع وجودي‪ ,‬فهو‬

‫أيضاً من أجل فتح أفق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل قطر عربي على طريق التوحيد القومي و‬

‫التطور و الحداثة و الدمقرطة والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية‪ .‬األمر الذي يجعل معالجة‬ ‫ّ‬ ‫متضمنة في المشروع القومي الديمقراطي العربي‪ ,‬و يؤسس في سياق النهوض‬ ‫المسألة الفلسطينية‬ ‫ّ‬ ‫الشعبي العربي إلى تغيير موازين القوى لحساب مصالح ومستقبل الجماهير الشعبية العربية‪.‬‬

‫وضمن ذلك ليس من الممكن التفكير بفلسطين ككيان قطري‪ ,‬و هذا يعني تأكيد الطابع العربي‬

‫لفلسطين مقابل " تهويدها" ما يؤكد على أن النضال الفلسطيني ال يمكن أن ينعزل عن عمقه العربي‬ ‫وأن ال آفاق له سوى أن يكون رأس حربة النضال التحرري والديمقراطي العربي كله‪.‬‬

‫وهذا يعني أن الصراع مع المشروع الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي اإلمبريالي من أجل‬

‫تغيي ر وتجاوز النظام العربي الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل‬

‫تحقيق أهداف الثورة الوطنية الديمقراطية وتواصله ضد الوجود األمريكي ‪ ,‬وضد الدولة الصهيونية‬

‫وازالتها واقامة فلسطين الديمقراطية لكل سكانها وحل المسألة اليهودية ضمن هذا المنظور ‪.‬‬

‫انطالقاً من ذلك يمكن أن يصاغ الحل‪ ,‬على أساس أن فلسطين جزءاً من دولة عربية ديمقراطية‬

‫شِّردوا منها بالرغم من كل الصعاب أو "المستحيالت" التي‬ ‫موحدة وأن تتحقق عودة الالجئين الذين ُ‬ ‫يزعمها البعض أن الجماهير الشعبية الفلسطينية التي رسمت بالدم – آالف المرات – خارطة الوطن‬

‫عبر نضالها وتضحياتها من أجل حق العودة هي جماهير قادرة ‪ -‬من خالل طليعة ثورية ‪ -‬على‬

‫تحقيق حلم االنتصار ‪....‬‬

‫‪423‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ً‬

‫مراحل تطور الرأمسالية اىل االمربيالية وصوال إىل مرحلة العوملة‬ ‫املتوحشة الراهنة‬

‫‪32 / 2 / 3102‬‬ ‫مراحل تطور الرأسمالية الى االمبريالية وصوالً إلى مرحلة العولمة المتوحشة الراهنة‬ ‫(بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة االمبريالية )‬

‫تمهيد‬

‫منذ اجتياز النظام الرأسمالي العالمي – في العقد التاسع من القرن العشرين‪ -‬لمرحلة تمركز االنتاج‬

‫واالستقطاب والصراع من أجل التوسع في اطار الثنائية القطبية‪ ,‬وانتقاله الى مرحلة سيادة العولمه‬ ‫وتعمقها لتصبح السمة المركزية للمنظومة الرأسمالية العالمية التي قادتها وحددت مسارها الواليات‬

‫المتحدة االمريكية‪ ,‬عبر هيمنتها االحاديه على نظام العولمة الرأسمالي طوال العقود األربعة الماضية‬

‫حيث برز النظام االنتاجي المعولم ساعياً الى مزيد من الهيمنة لكي يفرض نفسه بديالً للنظم‬

‫االنتاجية‪ ,‬الوطنية‪ ,‬القومية في دول العالم الثالث التي بدأت ‪ -‬وألسباب داخلية وخارجية‪ -‬تفقد القدرة‬

‫على توفير احتياجات شعوبها‪ ,‬اضافة الى عجزها في مواجهة متطلبات او شروط االقتصاد الراسمالي‬

‫المعولم‪ ,‬وقد ترافق مع هذا التحول االقتصادي‪ ,‬تغيرات نوعية‪ ,‬سياسية واجتماعية وايديولوجية في‬

‫بلدان األطراف او العالم الثالث بوجه خاص‪ ,‬عززت انقسامها ‪-‬كما يقول د‪ .‬سمير أمين‪ -‬الى بلدان‬

‫توفرت لديها امكانات التصنيع في حدود معينه‪ ,‬بما يسمح بادخالها الى السوق العالمي وفق شروطه‬

‫الجديدة مع بقاءها ضمن دائرة العالم الثالث مثل بعض دول امريكا الالتينية وآسيا‪ ,‬وبلدان عجزت عن‬

‫توفير هذه االمكانيات‪ ,‬خرجت من اطار العالم الثالث وأصبحت تندرج فيما يسمى ببلدان العالم الرابع‬

‫(أو أكثر)‪ ,‬تتوزع على قارتي افريقيا وآسيا عموماً‪ ,‬ومعظم بلدان الوطن العربي خصوصاً‪.‬‬

‫كما شهدت العقود األربعة الماضية‪ ,‬إنتشا ارً واسعاً الفكار الليبرالية الجديدة ‪ ,‬وقد كشفت األزمة‬

‫المالية الراهنة ‪ ,‬أن هناك وجه آخر للحقائق أو الوقائع األمريكية التي تنمو وتتراكم بصورة سلبية‪,‬‬

‫ستجعل وجه الواليات المتحدة األمريكية في نظر شعوب العالم في بلدان األطراف خصوصاً‪ ,‬أكثر‬

‫بشاعة من وجه النازية في أحط درجاتها وممارستها‪ ,‬وذلك عبر سياسة "عولمة السالح" وارادة القوة‬

‫الباغية التي تمارسها الواليات المتحدة ضد شعوب العالم في أمريكا الالتينية وأفريقيا واسيا وفي‬ ‫بلداننا العربية‪ ,‬عبر وكيلها االمبريالي الصغير دولة العدو الصهيوني التي تقوم في هذه المرحلة‬

‫بممارسة أبشع أدوارها الوظيفية في خدمة المصالح والسياسات االمبريالية األمريكية في بالدنا‪.‬‬ ‫‪424‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫فإذا كانت السياسة هي تكثيف لالقتصاد ‪ ,‬فإن االضطراب العام الذي يعرفه النظام الرأسمالي هو‬

‫تأكيد على صحة مقولة ماركس حول فوضى اإلنتاج باعتبارها قانونا مالزما للرأسمالية من ناحية وهو‬

‫أيضا تعبير عما يجري في أسواق المال العالمية من ناحية ثانية ‪ ,‬إذ أن هذا االضطراب (األزمة)‬

‫سيوفر بالضرورة مناخاً جديداً لمتغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية هامة على الصعيد العالمي‬

‫‪,‬كما هو حال التطور التاريخي للبشرية ‪ ,‬فالمتغيرات التي رافقت النمط اإلقطاعي في أوروبا في‬

‫القرنين السادس عشر والسابع عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر أدت إلى نمو البورجوازية ومن ثم‬

‫والدة النمط الرأسمالي باالنسجام مع أفكار وأسس ليبرالية السوق كما صاغها " آدم سميث "‬

‫(‪ )0761-0732‬وفق شعار "دعه يعمل دعه يمر" أو سياسة حرية السوق دون أية قيود‪ ,‬وقد‬ ‫استمر تطبيق هذه السياسة حتى عام ‪ 0636‬عندما انفجرت األزمة االقتصادية العالمية ‪ ,‬وأدت إلى‬ ‫متغيرات جديدة دفعت إلى االستعانة بآراء "جون ماينارد كينز" (‪ )0629-0112‬التي دعت إلى‬

‫ضرورة تدخل الدولة في إدارة االقتصاد وتحمل مسئولية التخلص من حاالت الركود االقتصادي خالفاً‬

‫للنظرية الليبرالية‪/‬الكالسيكية التي تقوم على مبدأ حرية السوق وعدم التدخل‪,‬والغاء كافة الرسوم‬ ‫ومفهوم اليد الخفية‪.‬‬

‫من هنا فإن الدعوة إلى مقاومة عولمة االستسالم ‪ ,‬تمثل أحد أبرز عناوين الصراع العربي الراهن‬

‫من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية بآفاقها االشتراكية ‪ , -‬مدركين أن أحد أهم شروط‬ ‫هذا التحدي العربي لهذه الظاهرة هو امتالك تقنيات العصر ومعلوماته وفق مفاهيم العقل والعلم‬

‫والحداثة ‪ ,‬في إطار أيدلوجي تقدمي ينتمي إلى الواقع العربي ويتفاعل معه ويعبر عنه في الممارسة‬

‫العملية من جهة ‪ ,‬والى االشتراكية والفكر الماركسي كضرورة تاريخية للخالص والتحرر الوطني‬

‫والقومي و االجتماعي من جهة أخرى ‪ ,‬إنها مهمة ال تقبل التأجيل ‪ ,‬يتحمل تبعاتها – بشكل مباشر –‬ ‫المثقف التقدمي الملتزم في كل أقطار الوطن العربي ‪ ,‬إذ أنه في ظل استفحال التخلف وعدم تبلور‬

‫الحامل االجتماعي الطبقي النقيض للعولمة وتأثيرها المدمر ‪ ,‬ال خيار أمام المثقف العربي سوى أن‬

‫يتحمل مسئوليته – في المراحل األولى – منفرداً ‪ ,‬وهذا يستلزم – كخطوة أولى – من كافة األحزاب‬

‫والقوى واألطر اليسارية الثورية ‪ ,‬أن تتخطى شروط أزمتها الذاتية ‪ ,‬وأن تخرج من حالة الفوضى‬ ‫والتشتت الفكري والسياسي والتنظيمي الذي يكاد يصل إلى درجة الغربة عن الواقع عبر التوجهات‬

‫الليبرالية الهابطة أو العدمية التائهة ‪.‬‬

‫لقد آن األوان الستخدام النظرية والمنهج العلمي استخداماً جدلياً مع الواقع العربي بكل تفاصيله‬

‫وخصوصياته ‪ ,‬وذلك على قاعدة االلتزام األيدلوجي من جهة وااللتزام بالديمقراطية كوسيلة ال بد من‬

‫نشرها وتعميقها ومأسستها على الصعيد المجتمعي ‪ ,‬وتطويرها من شكلها السياسي أو التعددي الفوقي‬

‫إلى جوهرها الشعبي االجتماعي االقتصادي الذي يمثل نقيضاً ألوهام الليبرالية الغربية وشروطها‬ ‫المعولمة من جهة أخرى ‪.‬‬

‫‪425‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫إن الدعوة لاللتزام بهذه الرؤية وآلياتها ‪ ,‬تستهدف في أحد أهم جوانبها ‪ ,‬وقف حالة اإلحباط‬

‫واليأس التي تستشري اآلن في أوساط الطبقات االجتماعية الكادحة والفقيرة ‪ ,‬ومن ثم إعادة تفعيل‬ ‫مشروع النهضة القومي الوحدوي كفكرة مركزية توحيدية في الواقع الشعبي العربي ‪ ,‬ونقله من حالة‬

‫السكون أو الجمود الراهنة إلى حالة الحركة والحياة والتجدد ‪ ,‬بما يمكن من تغيير وتجاوز الواقع‬

‫الراهن ‪.‬‬

‫والدة الرأسمالية من احشاء النظام االقطاعي في مرحلة تفككه التاريخي ‪:‬‬

‫بدأ تفسخ النظام االقطاعي في أوروبا منذ القرن السادس عشر مع تطور االنتاج السلعي ونمو‬

‫السوق الداخلي والخارجي ‪ ..‬الخ ‪ ,‬وكان من أوائل أيدلوجيي البرجوازية ميكافيلي (‪)0237 – 0296‬‬

‫الذي ذهب إلى أن المجتمع اليتطور تبعاً الرادة خارجية وميتافيزيقية ‪ ,‬وانما وفقاً السباب طبيعية ‪,‬‬ ‫تضرب جذورها في التاريخ وفي النفسية البشرية والوقائع الملموسة ‪.‬‬

‫وفي مرحلة تشكل العالقات الرأسمالية تأثر الفكر االجتماعي بحركة اإلصالح المناوئة للكنيسة‬

‫اإلقطاعية الكاثوليكية ‪ ,‬ومن زعماء هذه الحركة مارثن لوثر ( ‪ ) 0229 – 0212‬وتوماس مونزو‬

‫(‪ ) 0232 – 0222‬اللذان أكدا على فكرة اإلتصال المباشر باهلل دون واسطة الكنيسة ‪ ..‬أيضاً ظهرت‬

‫في هذه المرحلة بعض األفكار االشتراكية الطوباوية ‪ ,‬ومن مفكريها توماس مور (‪) 0222 – 0271‬‬

‫الذي أكد في كتابه ( األوتوبيا – أو الكتاب الذهبي ) إلى أن أصل ويالت الشعب هو الملكية الخاصة‬

‫التي البد من القضاء عليها في رأيه ‪ ,‬وجاء بعده المفكر اإليطالي ( توماسوكمبانيال ‪)0926-0291‬‬

‫ليؤكد ويطور نفس األفكار الطوباوية في كتابه " مدينة الشمس " ولكن هذه األفكار لم يقدر لها أن‬

‫تنتشر بسبب الظروف الموضوعية السائدة في القرن السادس عشر ‪.‬‬

‫ومع تطور انتاج البضاعة والسلع الرأسمالية شرعت البرجوازية في التصدي لسلطة االقطاعيين ‪,‬‬

‫وطالبت بإلغاء االمتيازات والتقسيمات المراتبية ‪ ,‬وبرز في هذا السياق عدد من المفكرين من أبرزهم‬

‫سبينو از(‪ )0977-0923‬الذي طالب بتأسيس الدولة كتنظيم يخدم مصالح كل الناس ‪ ,‬وجون لوك‬

‫(‪ )0712-0923‬الذي قال بأن الحالة الطبيعية للبشر تتأكد عند سيطرة الحرية والمساواة كمفاهيم‬ ‫أساسية تحكم المجتمع ‪.‬‬

‫وفي القرن ‪ 01‬تطورالفكر االجتماعي في اوروبا تحت راية التنوير في فرنسا ‪ ,‬وكان فولتير‬

‫(‪ ) 0771 – 0962‬من أبرز مفكري التنوير ‪ ,‬أكد على الحق الطبيعي في نقده للنظام اإلقطاعي ‪,‬‬ ‫وعنده أن القوانين الطبيعية هي قوانين العقل ‪ ,‬فاإلنسان يولد ح ارً واليجب أن يخضع إال لقوانين‬

‫الطبيعة‪.‬‬

‫ومن بين المفكرين أصحاب النزعة الديمقراطية الثورية كان جان جاك روسو (‪)0771-0703‬‬

‫الذي رأى أن أصل الشرور والتفاوت بين البشر يعود إلى الملكية الخاصة كسبب أولي وحيد فهو‬ ‫‪426‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫القائل " إن العداء والكراهية واألنانية بين البشر‪ ,‬بدأت حينما وضع أول إنسان سياجاً حول قطعة من‬ ‫األرض معلناً أنها ملكيته الخاصة " ‪.‬‬

‫أما الفيلسوف المادي الفرنسي هولباخ (‪ ) 0716 -0732‬فنادى بتأسيس دولة أو عقد اجتماعي‬

‫قائم على الحرية والملكية واألمن ‪ ,‬وجاء رائد الفلسفة الكالسيكية األلمانية ( كانط ‪)0112 -0732‬‬

‫الذي اعتبر التاريخ تطو ارً للحرية البشرية وبلوغاً لحالة قائمة على العقل ‪ ,‬واعترف بمساواة المواطنين‬

‫أمام القانون ‪ ,‬ثم ساهم هيجل (‪ )0120– 0771‬بقسط كبير في معالجة المشكالت الفلسفية لتاريخ‬ ‫المجتمع وافترض أن في صلب الكون تقوم " الفكرة المطلقة " الدائمة التطور ‪ ,‬والتي خلقت العالم كله‬ ‫– الطبيعة واإلنسان ‪ ,‬والمجتمع ‪.‬‬

‫ان أهمية الفلسفة السابقة ودورها ‪ ,‬يكمن في توفير المرجعية المعرفية العقالنية والليبرالية‬

‫النقيضة للمرجعية المعرفية االرستقراطية ومجمل افكار المجتمع االقطاعي ‪ ,‬ومن ثم شق الطريق‬ ‫للبورجوازية الصاعدة آنذاك وبداية تكون المالمح األولى للطبقة البرجوازية ‪ ,‬كطبقة مالكه لوسائل‬ ‫وأدوات االنتاج ‪ ,‬وقد كان مستوى التطور النسبي لإلنتاج البضاعي ( السلعي ) في أواخر التشكيلة‬

‫االقطاعية ‪ ,‬السبب الرئيسي ( عبر االنتاج والتجارة والمرابين والتراكم النقدي ) في نشوء العالقات‬

‫‪.‬‬

‫الرأسمالية‬

‫ومع تطور الرأسمالية ‪ ,‬تتطور قوى االنتاج باستمرار ‪ ,‬وما ينتج عن ذلك من تعارض حاد أحياناً بينها‬ ‫وبين عالقات االنتاج القديمة ‪ ,‬وهذا اليعني أن الرأسمالية تستطيع دائماً أن تحل أزماتها الداخلية بما‬

‫يضمن استمرار صعودها ‪ ,‬فبالرغم من كل مانالحظه اليوم من تطور هائل وانتشار " واسع " ‪ ,‬إال أن‬

‫ذلك اليلغي إطالقاً طبيعة األزمة والتناقضات الداخلية للنظام الرأسمالي منذ وصوله إلى مرحلة‬

‫االمبريالية ‪ ,‬في نهاية القرن التاسع عشر ‪ ,‬وامتداده إلى عصرنا الراهن حيث اصبحت العولمة‬ ‫الرأسمالية هي السمة االساسية لإلمبريالية في طورها الجديد ‪ ,‬إن العولمة " صيغة تهدف إلى إعادة‬ ‫صياغة النظم السياسية واالقتصادية السائدة في العالم ‪ ,‬بهدف إخضاع العالم إلرادة كونية واحدة ‪,‬‬

‫إ نها انفتاح عالمي بال حدود ‪ ,‬وهيمنة بال حدود ‪ ,‬تقوم على حرية حركة رؤوس األموال والمنتجات‬

‫والتسليم بسيادة السوق ‪ ,‬وفي العولمة ستصبح دول العالم الثالث ‪ ,‬والوطن العربي تحديداً ( في ظل‬ ‫انظمة الكومبرادور الديني االسالم السياسي أو الليبرالي الرث) ‪ ,‬مجرد مشروعات يتم بواسطتها تدمير‬ ‫السوق الوطني أو القومي ‪ ,‬ولكن كما أن للعولمة مخططاتها ومقوماتها‪ ,‬فإن لبديل العولمة أو‬ ‫نقيضها مقوماته ‪ ,‬المسألة إذن مرتبطة باللحظة التاريخية الراهنة ‪ ,‬وتطور تراكمات النقيض ‪,‬العامل‬

‫الذاتي ‪ ,‬الحزب الماركسي الثوري ( في مجتمعاتنا العربية ودول العالم الثالث ) وماستحمله هذه‬ ‫التراكمات من متغيرات نوعية لن تقتصر على الصراع االقتصادي فحسب ‪ ,‬بل ستمتد للصراع السياسي‬

‫وااليديولوجي " بشكل متجدد ومستمر سيدفع بالضرورة إلى كسر اندفاعة العولمة الرأسمالية‬

‫ومقوماتها ‪ ,‬وهذا يستدعي بالضرورة رؤية واطا ارً جديدين ‪ ,‬على الصعيد الوطني أوالً والقومي ثانياً‬ ‫‪427‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫واألممي ثالثاً دون أي انفصام بين هذه العناصر‪ ,‬لمواجهة هذه الهيمنة المتوحشة‪ ,‬وتجاوز رموزها‬ ‫وأدواتها الطبقية في كل أرجاء الوطن العربي ‪.‬‬

‫المراحل التاريخية ( األساسية) لتطور الرأسمالية‪:‬‬

‫من هنا تأتي أهمية الوعي بالمراحل التاريخية لتطور الرأسمالية‪ .‬وسوف نميز هنا بين خمسة‬

‫مراحل أساسية‪ ,‬جرى فيها ضغط ال هوادة فيه من جانب الرأسمالية العالمية على البالد المتخلفة‬

‫لتطويع هذه البالد واخضاعها لشروط نمو الرأسمالية وحركة تراكم رأس المال بالمراكز الصناعية‪ .‬وهذه‬

‫المراحل هي‪:‬‬

‫‪ -0‬مرحلة الكشوف الجغرافية ‪.‬‬

‫‪ -3‬المرحلة المركنتيلية (الرأسمالية التجارية)‪.‬‬ ‫‪ -2‬مرحلة الثروة الصناعية‪.‬‬ ‫‪ -2‬مرحلة االستعمار‪.‬‬

‫‪ -2‬مرحلة اإلمبريالية‪.‬‬

‫‪ -9‬مرحلة العولمة األحادية الرأسمالية ‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬مرحلة الكشوف الجغرافية‪ :‬وهي مرحلة التمهيد لنشأة الرأسمالية ‪ ,‬أي فترة‬

‫الكشوف الجغرافية التي امتدت من نهاية القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر‪,‬‬

‫وهي الفترة التي مهدت لتكوين السوق العالمية فيما بعد‪ .‬عبر اندفاع جحافل من التجار والبحارة‬

‫المغامرين في أوروبا (أسبانيا‪ ,‬البرتغال‪ )..‬إلى البحار والمحيطات الواسعة لكسر حدة السيطرة التجارية‬ ‫التي كانت تفرضها اإلمبراطورية العثمانية على مبادالت أوروبا مع المناطق الشرقية األفريقية‪.‬‬

‫ومن هنا‪ ,‬استهدفت حركة الكشوف الجغرافية التي تمت في هذه المرحلة هدفين رئيسيين‪-:‬‬

‫‬‫‪-‬‬

‫األول‪ ,‬هو كسر الحصار التجاري الذي فرضته اإلمبراطورية العثمانية‪.‬‬

‫الثاني‪ ,‬هو البحث عن الذهب ومصادره‪.‬‬

‫وبالفعل تمكن عدد كبير من البحارة المعروفين‪( ,‬فاسكودي جاما‪ ,‬وكريستوفر كولومبس‪ )...‬بمؤازرة‬

‫تمويل ضخم من األمراء وكبار التجار‪ ,‬من الوصول إلى الهند والعالم الجديد (أمريكا الجنوبية‬

‫والشمالية)‪ ,‬حيث تمكن األوروبيون من نهب موارد هائلة من الذهب والفضة من البالد المكتشفة‪,‬‬

‫وتكوين مستعمرات للمستوطنين البيض على المناطق الساحلية‪ ,‬واقامة محطات تجارية فيها‪.‬‬ ‫وهكذا استطاعوا من تحويل اتجاهات التجارة الدولية وطرقها لصالحهم‪ .‬وخالل هذه المرحلة التي مثلت‬

‫فجر الرأسمالية المبكر بدأت أولى محاوالت تكييف الهيكل االقتصادي لتلك البالد والمناطق من خالل‬ ‫فرض نمط إنتاج كولونيالي عبودي‪ ,‬يقوم على إجبار السكان المحليين إلنتاج بعض المنتجات‬ ‫‪428‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الزراعية التي كان الطلب عليها قد تزايد في أوروبا‪ ,‬مثل الدخان والشاي والبن والسكر والقطن‬

‫واألصباغ‪.‬‬

‫ومن المهم هنا‪ ,‬أن نعي أن وسيلة تكييف هذه المناطق لمتطلبات القارة األوروبية‪ ,‬كانت هي الغزو‬ ‫الحربي واستخدام القوة والقهر واالبادة الجماعية للسكان وعمليات القرصنة واراقة الدماء‪.‬‬

‫المرحلة الثانية ‪ :‬المرحلة المركنتيلية (الرأسمالية التجارية)‪ :‬وهي المرحلة التي تمتد من منتصف‬

‫القرن السابع عشر وحتى النصف الثاني من القرن الثامن عشر‪ ,‬والتي سيطر فيها رأس المال‬

‫التجاري األوروبي على أسواق العالم وظهر فيها ما يسمى بالدول القومية‪ .‬فقد استطاعت الرأسمالية‬ ‫التجارية من خالل جماعات التجار المغامرين والشركات االحتكارية الكبرى (مثل شركة الهند الشرقية‪,‬‬

‫وشركة الهند الغربية‪ )...‬أن تُخضع البالد المفتوحة لعمليات نهب ال رحمة فيها‪ ,‬وأن تتاجر في أحقر‬ ‫تجارة عرفتها البشرية‪ ,‬وهي تجارة العبيد الذين كانوا يقتنصون من أفريقيا‪ ,‬بأبشع وسائل القنص‪,‬‬ ‫ويرسلون إلى مزارع السكر والدخان في أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا‪.‬‬

‫وقد استطاعت الرأسمالية التجارية بشركاتها العمالقة ومن خالل ما كونته من إمبراطوريات واسعة‪,‬‬

‫أن تكدس أرباحا ضخمة عن طريق العمل على ترسيخ نمط اإلنتاج الكولونيالي الذي أرسى دعائمه‬

‫المستوطنون البيض في فترة الكشوف الجغرافية‪ .‬وكان من شأن ذلك تحقيق موازين تجارية مواتية‬

‫(ذات فائض) لدول القارة األوروبية‪ .‬وبذلك تمكنت الرأسمالية التجارية أن "تشفط" ذهب وفضة‬ ‫المناطق الشرقية واألفريقية واألمريكية‪.‬‬

‫والحقيقة ان تلك األرباح والثروات الهائلة التي كونها التجار‪ ,‬وفرت أحد المصادر الهامة للتراكم‬

‫البدائي لرأس المال في مرحلة الثورة الصناعية‪ .‬وهكذا تمكنت الرأسمالية التجارية من تكييف وتطويع‬ ‫مناطق عبر البحار من خالل رأس المال التجاري‪ ,‬الذي كان قد نما وتطور في هذه الفترة وهو يقطر‬

‫دماً وتفوح منه رائحة السرقة والنخاسة والغش والخداع‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة ‪ :‬مرحلة الثورة الصناعية ‪ :‬بدأت هذه المرحلة مع ظهور رأس المال الصناعي‪,‬‬

‫وتحققت الثورة الصناعية خالل الفترة الممتدة بين النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى‬

‫سبعينيات القرن التاسع عشر‪ ,‬مع استمرار المراكز الرأسمالية في تطويع وتكييف المناطق المسيطر‬

‫عليها‪.‬‬

‫فلم تعد حاجة الرأسمالية قاصرة على السكر والدخان والبهارات والتوابل والرق والمعادن النفيسة ‪,‬‬

‫بل اتسعت لتشمل المواد الخام التي تلزم الستمرار دوران عجالت الصناعة‪ ,‬والمواد الغذائية (القمح‬

‫واللحوم والزبد‪ )...‬التي تلزم إلطعام سكان المدن والعمال الصناعيين‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى‪ ,‬سرعان ما أدى النمو الهائل الذي حدث في المنتجات الصناعية بفضل ثورة‬

‫الماكينات إلى ظهور الحاجة للبحث عن منافذ إضافية لهذه المنتجات خارج الحدود القومية للرأسمالية‬

‫الصناعية المحلية‪.‬‬

‫‪429‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وقد لعبت "ثورة المواصالت" –النقل البحري والسكك الحديدية‪ -‬وما أتاحته من اتصال بأبعد مناطق‬

‫العالم‪ ,‬دو ار خطي ار في فتح هذه المناطق وغزوها بالمنتجات الصناعية الجديدة‪ .‬وتشير بعض‬ ‫المصادر‪ ,‬إلى أن التجارة توسعت خالل الفترة ‪ 0611-0131‬بمعدل أسرع بكثير من معدل نمو‬ ‫اإلنتاج الصناعي‪ ,‬إذ تضاعفت واحدا وثالثين مرة في تلك الفترة‪.‬‬

‫وعند هذه المرحلة أُرسيت دعائم تقسيم العمل الدولي غير المتكافئ بين البالد الرأسمالية‬

‫الصناعية والمستعمرات وأشباه المستعمرات‪ .‬ففي ضوء التفاوت الحاد الذي برز بين درجة التطور في‬ ‫قوى اإلنتاج في البالد األوروبية التي دخلت مرحلة الثورة الصناعية‪ ,‬وبين البالد األخرى عبر البحار‪,‬‬

‫في افريقيا واسيا وأمريكا الجنوبية والتي ظلت تراوح مكانها وما زالت تعيش في حالة سابقة على‬ ‫الرأسمالية‪ ,‬وفي ضوء التنافس الضاري على التصدير الخارجي وفتح األسواق الخارجية بالقوة‪ ,‬وجدت‬ ‫مجموعة البالد األخيرة نفسها أمام جحافل ضخمة من المنتجات المصنعة الرخيصة نسبيا التي تنافس‬

‫بشدة اإلنتاج المحلي‪ .‬وقد أدى ذلك إلى دمار اإلنتاج الحرفي الداخلي‪ .‬ومن اآلن فصاعدا ‪ ,‬سيفرض‬ ‫على هذه البالد نمط جديد للتخصص‪ ,‬تقوم بمقتضاه بإنتاج المواد الخام ‪ ,‬الزراعية والمنجمية‪ ,‬على‬

‫أن تستورد في مقابل ذلك المنتجات المصنعة في الغرب الرأسمالي‪ ,‬وأن تتبع في ذلك سياسة الباب‬

‫المفتوح‪ ,‬أو التجارة الحرة‪.‬‬

‫وبذلك أدمجت مناطق وراء البحار‪ ,‬والتي كانت مكتفية ذاتيا وذات بنيان إنتاجي متنوع‪ ,‬أدمجت في‬

‫االقتصاد الرأسمالي العالمي لكي تكون منبعا إلنتاج وتوريد المواد الخام والمواد الغذائية وسوقا واسعة‬

‫لتصريف فائض اإلنتاج السلعي الذي كانت تضيق عن استيعابه األسواق المحلية للرأسماليات‬

‫الصناعية الغربية‪.‬‬

‫ومنذ تلك اللحظة التاريخية‪ ,‬سيتحدد مركز وقوة كل بلد في النظام الرأسمالي العالمي بدرجة نموه‬

‫وتفوقه على اآلخرين في التجارة العالمية‪ ,‬وبموقعه في نظام التخصص وتقسيم العمل الدوليين‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة االستعمار ‪ :‬بدات هذه المرحلة مع دخول الرأسمالية مرحلة االحتكار في‬ ‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ,‬حيث زادت درجة تركز اإلنتاج ورأس المال‪ ,‬وأخذت المؤسسات‬

‫الصناعية الكبيرة تزيح من أمامها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة‪ ,‬منهية بذلك عصر رأسمالية‬

‫المنافسة‪ ,‬وبرزت قوة رأس المال المالي‪ ,‬وهو رأسمال يستخدم في الصناعة بصورة أساسية‪ ,‬وتسيطر‬ ‫عليه البنوك والشركات الصناعية‪.‬‬

‫فلم تعد مهمة البنوك مجرد التوسط لجمع المدخرات واعادة إقراضها لمن يريد بل "غدت احتكارات‬

‫قوية" تجمع تحت أيديها الجزء األكبر من رأس المال النقدي للجماعة‪ ,‬وتتحكم في جانب من وسائل‬

‫اإلنتاج ومصادر المواد األولية‪.‬‬

‫وبذلك دخلت البنوك في عملية اإلنتاج ‪ ,‬ونفذت إلى الصناعة‪ ,‬وامتزج رأسمال البنوك برأسمال‬

‫الصناعة‪ ,‬مكونا أقلية مالية هائلة القوة االقتصادية‪.‬‬

‫‪431‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وعند هذه المرحلة تحتدم مشكلة فائض رأس المال داخل البالد الرأسمالية الصناعية‪ ,‬وتنشأ الحاجة‬

‫الموضوعية لتصديره‪ .‬والفائض هنا نسبي وليس مطلقا‪ ,‬بمعنى أنه ال يعني بأي حال من األحوال ‪ ,‬أن‬ ‫هذه البالد أصبحت تعج بوفرة كبيرة من رؤوس األموال‪ ,‬ومن ثم ال تحتاج الستثمارها بالداخل في‬

‫الصناعة والزراعة والخدمات‪ ,‬وانما الفائض يعني هنا‪ ,‬أنه إذا استثمر في الداخل‪ ,‬فإنه سيؤدي إلى‬

‫تدهور معدل الربح‪ .‬وهنا يسعى الرأسماليون للبحث عن مجاالت خارجية لالستثمار يكون فيها متوسط‬

‫معدل الربح أعلى من نظيره في الداخل‪ (.‬وهذه هي السمة الرئيسية لرأس المال الذي يسعى دوماً‬ ‫للتوسع لمزيد من الربح عبر ممارسة أبشع وسائل االستغالل واالضطهاد لكل الفقراء والكادحين في‬

‫بلدانه عموماً وفي بلدان األطراف خصوصاً)‬

‫ولهذا فقد شهدت الفترة ‪ 0172‬وحتى عشية اندالع الحرب العالمية األولى‪ ,‬سباقا محموما‪ ,‬ولكن‬

‫غير متكافئ‪ ,‬بين الدول الرأسمالية الصناعية في مجال تصدير رؤوس األموال‪ ,‬ولم تعد بريطانيا‬

‫وحدها تستأثر بهذا التصدير وانما سرعان ما شاركها في ذلك فرنسا وألمانيا والواليات المتحدة‪.‬‬ ‫فقد أصبح البحث ‪ -‬في هذه المرحلة‪ -‬عن مغانم جديدة في افريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية من خالل‬ ‫تصدير رأس المال إليها لالستثمار في مجال إنتاج المواد الخام‪ ,‬أصبح حقالً للتنافس الضاري بين‬

‫الدول الرأسمالية الصناعية‪.‬‬

‫ولهذا فقد تميزت الفترة الممتدة من العقد الثامن من القرن التاسع عشر حتى الحرب العالمية‬

‫األولى بصراع محموم بين المراكز الرأسمالية االحتكارية القتسام مناطق العالم وضمان احتوائها للوفاء‬

‫بمتطلبات استمرار عمليات تراكم رأس المال في تلك المراكز‪ .‬يشهد على ذلك أنه في عام ‪ 0611‬كان‬

‫‪ %61.2‬من مساحة افريقيا و ‪ %72‬من مساحة آسيا قد تم اقتسامها بين القوى االستعمارية‪ ,‬لكن‬ ‫هذا التقسيم لم يكن متكافئا بين هذه القوى‪ ,‬وهو األمر الذي أجج صراعا محموما فيما بينها‪ ,‬انتهى‬

‫بإشعال الحرب العالمية األولى‪.‬‬

‫على أن تكييف وتطويع المستعمرات والبالد التابعة على النحو الذي يلبي حاجات تراكم رأس المال‬

‫بالمراكز الرأسمالية االستعمارية‪ ,‬كان يتطلب تحقيق مجموعة هامة من التغيرات الجذرية الداخلية‪.‬‬

‫وقد تمثلت أهم هذه التغيرات في إدخال نظام الملكية الخاصة لأل راضي الزراعية‪ ,‬والغاء نظام المقايضة‬

‫والتوسع في استخدام النقود‪ ,‬وانشاء نظام نقدي ومصرفي يخضع آلليات نظام النقد الدولي آنذاك‬

‫(قاعدة الذهب)‪ ,‬والقضاء على نظام الطوائف الحرفية‪ ,‬وخلق طبقة عاملة أجيرة للعمل في المناجم‬ ‫والمزارع والمشروعات األجنبية بأجور زهيدة ال عالقة لها بمستوى اإلنتاجية‪.‬‬

‫وفوق هذا وذاك‪ ,‬العمل على تكوين شرائح وفئات اجتماعية موالية‪ ,‬ترتبط مصالحها مع المستعمر‪.‬‬

‫كما استخدمت سياسة إغراق هذه البالد في الديون الخارجية (حالة مصر وتونس والجزائر‪ ,)...‬إلحكام‬

‫السيطرة عليها والتدخل المباشر في شئونها الداخلية ‪ ,‬وفرض االحتالل العسكري عليها فيما بعد‪.‬‬ ‫ومن المؤكد ان تلك التغيرات الجذرية وما تمخض عنها من تنظيمات وقوانين وعالقات اقتصادية‬ ‫‪430‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫واجتماعية وسياسية ‪ ,‬أصبحت تتكفل فيما بعد بإعادة إنتاج واستمرار تقسيم العمل الدولي الالمتكافئ‬

‫بين الرأسمالية المسيطرة والبالد المتخلفة المسيطر عليها‪.‬‬

‫كان لهذه التغيرات نتائج مدمرة على مستقبل تطور المستعمرات وأشباه المستعمرات والبالد التابعة‪,‬‬

‫فقد تم تشويه بنيانها اإلنتاجي من خالل نمط التخصص الذي فرض عليها وتم "شفط" فائضها‬

‫االقتصادي وحرمانها ‪ ,‬ومن ثم من مصادرها الذاتية للتراكم‪ ,‬عبر آليات االستثمار األجنبي وحرية‬

‫التجارة‪.‬‬

‫ثم اندلعت الحرب العالمية الثانية‪ ,‬وكان اندالعها تجسيما ألزمة كبرى تمر بها منظومة النظام‬

‫الرأسمالي‪ ,‬وانعكاسا للتناقض الشديد الذي تفجر بين القوى االحتكارية في الدول الرأسمالية‬

‫الصناعية‪(.‬على أثر بروز ألمانيا النازية وسعيها إلى مزيد من السيطرة على األسواق العالمية بقوة‬ ‫السالح)‬

‫وما يعنينا هنا أنه في خضم هذه الحرب وما بعدها‪ ,‬نشأت وتطورت حركات التحرر الوطني في‬

‫آسيا وافريقيا وأمريكا الالتينية ‪ ,‬لتؤدي في النهاية إلى الحصول على االستقالل السياسي وخروج‬

‫المستعمر‪ ,‬أو بعبارة اخرى الى إزاحة نظام السيطرة العسكرية والسياسية واإلدارية المباشرة في‬

‫المستعمرات وشبه المستعمرات‪.‬‬

‫المرحلة الخامسة‪ :‬مرحلة اإلمبريالية‪ :‬لقد أدركت الرأسمالية العالمية التي تولت قيادتها الواليات‬

‫المتحدة األمريكية بعد الحرب العالمية الثانية‪ ,‬أدركت ان إعادة إنتاج عالقات السيطرة واالستغالل تجاه‬

‫الدول المتخلفة سوف يتطلب أشكاال جديدة‪ ,‬تأخذ بعين االعتبار التغيرات المختلفة التي طرأت على‬

‫عالقات القوى النسبية الفاعلة في العالم‪ .‬وكان الوصول إلى هذه األشكال هو أهم ما عبرت عنه‬ ‫مرحلة اإلمبريالية‪.‬‬

‫إن السند الرئيسي الذي استندت عليه الرأسمالية العالمية في سعيها الدءوب لتجديد عالقات‬

‫التبعية والسيطرة على البالد المتخلفة حديثة االستقالل‪ ,‬كان يتمثل في استمرارية بقاء الهيكل‬ ‫االقتصادي التابع والمشوه الذي ورثته هذه البالد من الفترة الكولونياليه واالستعمارية ‪ ,‬وما يرتبط بهذا‬

‫الهيكل من شرائح وقوى اجتماعية اعتمدت مصالحها وقوتها في المجتمع على دوام هذا الهيكل‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر‪ ,‬فإننا لو ألقينا إطاللة سريعة على جوانب الخبرة التاريخية التي تراكمت في‬

‫العقود األربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية‪ ,‬لنستخلص منها أهم أدوات اإلمبريالية الجديدة التي‬

‫استخدمتها المراكز الرأسمالية الصناعية الستمرار "تكييف" البالد المتخلفة بعد حصولها على استقاللها‬ ‫السياسي‪ ,‬ألمكننا رصد األدوات التالية‪:‬‬ ‫‪.0‬‬

‫سعت الدول الرأسمالية االستعمارية إلى إيجاد نوع من العالقات الخاصة الثنائية مع‬

‫مستعمراتها السابقة‪.‬‬

‫‪432‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ .3‬استخدام سالح ما سمي "بالمعونة االقتصادية" ‪ :‬المعونات الغذائية والهبات والقروض‬ ‫والتسهيالت االئتمانية‪.‬‬

‫‪ .2‬خلق روابط متينة مع بعض الفئات والشرائح االجتماعية (من االقطاعين من كبار المالك‬ ‫والتجار ما يسمى بالوجهاء من أبناء العائالت والمخاتير ‪ ..‬الخ) ورجال الحكم من كبار‬

‫الموظفين المدنيين والعسكريين (البيروقراطية العيا) حتى يمكن المحافظة على الوضع القائم‪.‬‬

‫‪ .2‬استخدام أسلوب المعونات العسكرية التي قدمت لكثير من األنظمة الديكتاتورية والرجعية‬ ‫لحماية وتأمين األمن الداخلي لهذه النظم وقمع أي حركات ثورية بالداخل‪ ,‬ودمجها ضمن‬

‫االستراتيجية العسكرية للرأسمالية العالمية‪ ,‬من خالل إقامة القواعد العسكرية والدخول في‬

‫األحالف واتفاقيات األمن المتبادل‪.‬‬

‫كانت محصلة هذه األدوات الهامة‪ ,‬استمرار هذه البالد مجاال مفتوحا أمام الصادرات الصناعية‬

‫من البالد الرأسمالية‪ ,‬ومجاالً مربحا لالستثمارات األجنبية‪ ,‬ومصد ار غنيا ورخيصا للمواد الخام ولم‬ ‫تتحقق فيها تنمية ذات بال في مجال قواها اإلنتاجية وتنويع بنيانها اإلنتاجي في سياق تكريس مظاهر‬

‫وأدوات التخلف والتبعية كما هو حال بلدان النظام العربي الرسمي في هذه المرحلة من تحول الرأسمالية‬

‫إلى طور العولمة‪ ,‬حيث تعمقت تبعية وخضوع الشرائح الطبقية الحاكمة في بالدنا العربية للهيمنة‬

‫والشروط األمريكية – اإلسرائيلية‪ ,‬ما يؤكد على فقدان هذه األنظمة لوعيها الوطني بعد أن فقدت وعيها‬

‫القومي ولم يعد لها من هم سوى المزيد من استغالل ونهب ثروات شعوبها التي باتت من شدة‬ ‫معاناتها وحرمانها تتطلع بشوق للمشاركة في تغيير وتجاوز هذا الواقع المهزوم‪.‬‬ ‫سادساً‪ :‬مرحلة العولمة الرأسمالية االحاديه‪:‬‬

‫لم يعد ثمة خالف على أن المتغيرات العالمية ‪ ,‬النوعية المتدفقة ‪ ,‬التي ميزت العقدين األخيرين‬

‫من القرن العشرين‪ ,‬في السياسة و االقتصاد و التطور العلمي ‪ ,‬شكلت في مجملها واقعاً تاريخياً‬

‫معاص ارً و رئيسياً وضع كوكبنا األرضي على عتبة مرحلة جديدة ‪ ,‬في القرن الحادي و العشرين ‪ ,‬لم‬ ‫يعهدها من قبل ‪ ,‬و لم يتنبأ بمعطياتها ووتائرها المتسـارعة أشد الساسة و المفكرين استشرافا أو‬

‫تشاؤماً و أقربهم إلى صناع القرار ‪ ,‬خاصة ذلك االنهيار المريع في كل من المنظومة االشتراكية‬

‫العالمية و منظومة التحرر القومي من جهة ‪ ,‬و االنحسار أو التراجع المريع أيضاً ‪ ,‬و لكن المؤقت‬ ‫للبنية األيديولوجية أو الفكرية لقوى االشتراكية و التحرر القومي من جهة أخرى ‪ ,‬األمر الذي أخل بكل‬ ‫توازنات القوة و المصالح وفق مفاهيم و أسس الثنائية القطبية التي سادت طوال حقبة الحرب الباردة‬ ‫السابقة ‪ ,‬ووفر معظم مقومات بروز مرحلة األحادية القطبية أو العولمة منذ ثمانينات القرن الماضي‪,‬‬

‫التي اقترنت باإلمبريالية األمريكية التي استطاعت ‪-‬حتى تفجر األزمة العالمية المالية في سبتمبر‬

‫‪ -3111‬استكمال فرض هيمنتها على مقدرات هذا الكوكب ‪ ,‬بحكم ادعائها أنها المنتصر الوحيد ‪ ,‬و‬ ‫‪433‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالتالي صاحبة الحق الرئيسي في رسم و تحديد طبيعة و مسار العالقات الدولية في المرحلة الجديدة‬

‫وفق آليات ومفاهيم الليبرالية الجديدة ‪.‬‬

‫تطور مفهوم العولمة وآثاره الضارة ‪:‬‬

‫في سياق هذا التحول المادي الهائل الذي انتشر تأثيره في كافة أرجاء كوكبنا األرضي بعد أن‬

‫تحررت الرأسمالية العالمية من كل قيود التوسع الالمحدود ‪ ,‬بتأثير هذا التطور النوعي الهائل في‬

‫مجال االتصاالت وثورة المعلومات والتكنولوجيا ‪ ,‬وقيام التكتالت االقتصادية العالمية العمالقة ‪ ,‬كان‬

‫البد من تطوير وانتاج النظم المعرفية ‪ ,‬السياسية واالقتصادية التي تبرر وتعزز هذا النظام العالمي‬

‫األحادي في ظل حالة من القبول أو التكييف السلبي ‪ ,‬بل والمشاركة أحيانا من البلدان األوروبية‬

‫واليابان وروسيا االتحادية ‪ ,‬شجعت على تطبيق شروط العولمة ‪ ,‬إضافة الى هذا المناخ العام‬

‫المهزوم أو المنكسر في بلدان العالم الثالث أو األطراف ‪ ,‬الذي أصبح جاه ازً لالستقبال واالمتثال‬ ‫للمعطيات السياسية واالقتصادية ‪ ,‬الفكرية والمادية الجديدة عبر أوضاع مأزومة ألنظمة فقدت في‬

‫غالبيتها الساحقة وعيها الوطني أو كادت ‪ ,‬وقامت بتمهيد تربة بالدها للبذور التي استنبتها النظام‬

‫العالمي " الجديد " تحت عناوين تحرير التجارة العالمية ‪ ,‬إعادة الهيكلة ‪ ,‬والتكيف ‪ ,‬والخصخصة‪,‬‬

‫باعتبارها أحد الركائز الضرورية الالزمة لتوليد وتفعيل آليات النظام العالمي " الجديد " أو العولمة ‪,‬‬

‫كظاهرة نشأت في ظروف موضوعية وذاتية –دولية واقليمية‪ -‬مواتية ‪ ,‬وليس كحتمية تاريخية كما‬ ‫يدعي أو يتذرع أصحابها أو المدافعين عنها الخاضعين لشروطها المذلة ‪ ,‬فالعولمة ليست في حد‬

‫ذاتها شكال طارئا من أشكال التطور البشري ‪ ,‬وانما هي امتداد بالمعنى التاريخي والسياسي والمعرفي‬ ‫واالقتصادي لعملية التطور الرأسمالي التي لم تعرف التوقف عن الحركة والصراع والتوسع والنمو ‪,‬‬

‫المتسارع والبطيء ‪ ,‬منذ مرحلتها الجنينية األولى في القرن الخامس عشر ‪ ,‬الى مرحلة نشوئها في‬ ‫القرن الثامن عشر ‪ ,‬ومن ثم تطورها الى شكلها اإلمبريالي في نهاية القرن التاسع عشر ‪ ,‬هذه‬

‫المرحلة التي وصل فيها النظام الرأسمالي طوره اإلمبريالي المعولم الذي يسعى –استنادا الى منطق‬

‫إرادة القوة المتوحشة‪ -‬الى العودة بشعوب العالم الى جوهر وقواعد مرحلة النشوء األولى للرأسمالية‬

‫وآلياتها التدميرية القائمة على قواعد المنافسة األنانية التي تضمن هيمنة األقوى لالستيالء على‬

‫فائض القيمة المحلي في بالدنا كما في بلدان األطراف جميعا ‪ ,‬باسم الشعار القديم "دعه يعمل دعه‬

‫يمر" كدعوة صريحة تستجيب لفكرة الهيمنة التي تشكل اليوم هدف ومحور نشاط المراكز الرأسمالية‬

‫المعولمة الراهنة ‪ ,‬ولضمان عملية التوسع االكراهي ‪-‬بالقوة العسكرية واالحتالل المباشر أو عبر‬

‫أنظمة التبعية والخضوع أو كالهما معا‪ -‬ضد مقدرات شعوب العالم الفقيرة باسم الخصخصة واالنفتاح‬ ‫والليبرالية الجديدة ‪ ,‬ومشهد اإلسالم السياسي في المرحلة الراهنة تحت ستار زائف من الشكل األحـادي‬

‫"الديمقراطي" الليبرالي وحقوق اإلنسان ‪ ,‬هدفه الضغط على دول العالم عموما ‪ ,‬والعالم الثالث على‬ ‫وجه الخصوص ‪ ,‬لألخذ بالشروط الجديدة تحت شعار "برامج التصحيح والتكيف" التي تمثل كما يقول‬ ‫‪434‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫د‪.‬رمزي زكي "أول مشروع أممي ‪ ,‬تقوم به الرأسمالية العالمية في تاريخها إلعادة دمج بلدان العالم‬ ‫الثالث في االقتصاد الرأسمالي من موقع ضعيف‪ ,‬بما يحقق مزيدا من إضعاف جهاز الدولة ‪,‬‬

‫وحرمانها من الفائض االقتصادي ‪ ,‬وهما الدعامتان الرئيسيتان اللتان تعتمد عليهما الليبرالية الجديدة"‪.‬‬

‫هذا هو جوهر اإلمبريالية في طورها المعولم في القرن الحادي والعشرين ‪ ,‬وبالتالي فإننا نرى أنه‬

‫ليس نظاما دوليا جديدا ‪ ,‬وانما هو امتداد لجوهر العملية الرأسمالية القائم على التوسع واالمتداد ‪,‬‬

‫وهو أيضا استمرار للصراع في ظروف دولية لم يعد لتوازن القوى فيها أي دور أو مكانة ‪ ,‬ولذلك كان‬

‫من الطبيعي أن تقوم الواليات المتحدة األمريكية ومعها االتحاد األوروبي واليابان (الثالثون المعولم‬

‫حسب د‪.‬سمير أمين) ‪ ,‬بملء الفراغ الناجم عن انهيار التوازنات الدولية السابقة بهذه الصورة‬ ‫االستبدادية المتوحشة‪.‬‬

‫وبنشوء هذا الفراغ ‪ ,‬السياسي ‪ ,‬االقتصادي ‪ ,‬األيديولوجي ‪ ,‬أصبحت الطريق ممهدة أمام‬

‫المخططات التوسعية للرأسمالية صوب المزيـد من السيطرة ‪ ,‬ففي ضـوء وضوح هذه المخططات خالل‬

‫الع قود األربعة الماضية تتكشف الطبيعة المتوحشة للرأسمالية المعولمة اليوم على حقيقتها عبر‬ ‫ممارساتها البشعة القائمة على استغالل فائض القيمة لشعوب العالم الفقيرة ‪ ,‬ضد كافة القيم‬

‫اإلنسانية الكبرى في العدالة االجتماعية والمساواة ‪ ,‬كما في الثقافة والفكر والحضارة ‪ ,‬وذلك باالستناد‬

‫إلى المؤسسات الدولية التي تكرست لخدمة نظام العولمة الرأسمالي الراهن ‪ ,‬وهي ‪:‬‬

‫‪ .0‬صندوق النقد الدولي الذي يشرف على إدارة النظام النقدي العالمي ويقوم بوضع سياساته‬ ‫وقواعده األساسية ‪ ,‬وذلك بالتنسيق الكامل مع البنك الدولي ‪ ,‬سواء في تطبيق برامج‬

‫الخصخصة والتكيف الهيكلي أو في إدارة القروض والفوائد واإلشراف على فتح أسواق البلدان‬ ‫النامية أمام حركة بضائع ورؤوس أموال بلدان المراكز الصناعية ‪.‬‬

‫‪ .3‬منظمة التجارة العالمية ‪ WTO‬وهي أهم وأخطر مؤسسة من مؤسسات العولمة االقتصادية ‪,‬‬

‫تقوم اآلن باإلشراف على إدارة النظام التجاري العالمي الهادف الى تحرير التجارة الدولية وازالة‬ ‫العوائق الجمركية‪ ,‬وتأمين حرية السوق وتنقل البضائع ‪ ,‬بالتنسيق المباشر وعبر دور مركزي‬

‫للشركات المتعددة الجنسية ‪.‬‬

‫وفي ضوء هذه السياسات والشروط المحددة من قبل الصندوق والبنك الدوليان من جهة ‪ ,‬ومنظمة‬

‫التجارة الدولية من جهة ثانية ‪ ,‬أصبحت السياسة التجارية للدول المستقلة ‪ ,‬وألول مرة في التاريخ‬

‫االقتصادي لألمم ‪ ,‬شأنا دوليا ‪ ,‬أو معولما ‪ ,‬وليس عمال من أعمال السيادة الوطنية أو القومية‬

‫الخالصة … فعلى النقيض من كل ما كتبه مفكرو العولمة ‪ ,‬المدافعين عن إجراءات الخصخصة‬

‫والليبرالية وتحرير التجارة العالمية ‪ ,‬وآثارها اإليجابية على الدول النامية ‪ ,‬فإن النتائج الناجمة عن‬

‫اندماج بلدان العالم الثالث في هذه اإلجراءات ‪ ,‬تشير الى تكريس مظاهر التبعية السياسية والمالية‬

‫‪435‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والتجارية والتكنولوجية‪ ,‬مع تزايد مظاهر اإلفقار والبطالة وتراجع النمو واعاقة عمليات التنمية في‬ ‫هذه البلدان وفقدانها لجوهر استقاللها السياسي واالقتصادي‪.‬‬

‫لكن تطور التناقضات الناجمة عن سياسات إقتصاد السوق والمنافسة الحرة واالنفتاح بال قيود أمام‬

‫حركة رأس المال المالي والسلعي‪ ,‬ادى إلى نشوء وتراكم عوامل األزمة المالية واالقتصادية التي‬

‫تفجرت في سبتمبر‪ /‬أيلول ‪ , 3111‬األمر الذي يؤذن ببداية مرحلة جديدة _ في إطار النمط‬

‫الرأسمالي _ تقوم على حساب أحاديه الهيمنة األمريكية على كوكبنا‪ ,‬وازاحتها صوب نظام قطبي‬ ‫تعددي في االقتصاد والسياسة العالمية عبرة ادوار جديدة ونسبية لالتحاد األوروبي وروسيا والصين‬

‫واليابان والهند والبرازيل في إطار كتل سياسية اقتصادية وقواعد جديدة للعالقات الرأسمالية العالمية‬

‫في مرحلة ما بعد األزمة‪.‬‬

‫أخي ارً‪ ,‬لقد أقامت الماركسية البرهان العلمي على أن الحل المادي لكافة مشكالت الحياة االجتماعية‬

‫إنما ينبع من الحل المادي لمسألة عالقة الوجود االجتماعي ‪ ,‬بالوعي االجتماعي الذي بدوره يمارس‬

‫تأثي ارً عكسياً على الوجود االجتماعي ‪ ,‬شرط كشف بشاعة االستغالل الرأسمالي وممارسة عملية‬ ‫التحريض الثوري في أوساط الجماهير الشعبية الفقيرة والكادحة من العمال والفالحين وكافة‬

‫المضطهدين والمظلومين ‪ ,‬وذلك عبر المسارعة إلى التقاط لحظة نضوج الظروف الموضوعية للثورة‬ ‫على كل مظاهر وأدوات االستغالل الطبقي وكل أشكال االستبداد والتبعية والتخلف ‪ ,‬وذلك كله مرهون‬

‫بتوفير عناصر ومقومات الحزب الماركسي الثوري في كافة أقطار العالم عموماً ‪ ,‬وفي أقطار‬

‫ومجتمعات العالم الثالث وبلدان الوطن العربي خصوصاً ‪ ,‬إذ أنه بدون توفر العامل الذاتي ‪ /‬الحزب‬ ‫الماركسي الثوري الممتلك للرؤية السياسية والطبقية الواضحة إلى جانب التحامه واندماجه في أوساط‬

‫جماهير الكادحين ‪ ,‬لن يكون هناك أي امكانية النتصار االنتفاضات الشعبية ضد أنظمة االستغالل‬ ‫واالستبداد ‪ ,‬بل ستنجح قوى الثورة المضادة والقوى اللبرالية الرثة وقوى اإلسالم السياسي في قطف‬

‫ثمار االنتفاضات العفوية والوصول إلى السلطة وتغيير شكل النظام المستبد بشكل آخر ال يختلف في‬

‫جوهره ومضامينه ومصالحه الطبقية عن النظام المخلوع كما جرى في مصر وتونس واليمن وليبيا في‬

‫المشهد الراهن ‪.‬‬

‫‪436‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يوميات صمود غزة ومقاومتها حلرب االبادة الصهيونية‬ ‫‪09 / 7 / 3102‬‬ ‫(‪)0‬‬

‫رسالة من قطاع غزة‪3102/7/09 ..............‬‬

‫فيما يستمر العدوان الصهيوني على غزة لليوم العاشر‪ ,‬ويتزايد عدد الشهداء ليصل الى اكثر من‬

‫‪ 311‬شهيد و‪ 0211‬جريح ومئات البيوت والمؤسسات المدمرةوينتشر الدمار والرعب ورائحة الموت‬

‫والدم في شوارعها ‪ ,‬يستمر قطاع غزة ( بمخيماته ومدنه وقراه) عنيداً في اصراره على رفع راية هويته‬

‫الوطنية بيد ‪ ,‬وسالح الصمود والمجابهة والتحدي باليد االخرى ‪ ..‬ثم يلتقط انفاسه فقط لكي يدفن‬

‫مملوء بروح الحقد على الصهاينة واالمريكان وحكام العرب ‪ ..‬وال غرابة في‬ ‫شهدائه وينهض من جديد‬ ‫ً‬ ‫ذلك فغزة سفينة نوح الفلسطينية ‪ ,‬لكنها عاتبه وحزينه من وعلى الفصائل واالحزاب والمثقفين وما‬

‫يسمى بالمستقلين وعلى كافة الحركات السياسية الفلسطينية والعربية بمختلف اطيافها من اليمين‬ ‫والوسط واليسار ‪ ..‬وتسألهم جميعا ‪ ..‬ايها الفصائل واالحزاب ‪ :‬يا من تصدحون بشعار "المقاومة‬

‫الشعبية"او شعار " التضامن " ‪ ..‬ما الذي تنتظرونه لكي تطبقوا شعاركم هذا في مخيمات ومدن وقرى‬ ‫الضفة الغربية وفي مخيمات سوريا وفي مخيمات لبنان واالردن ؟ اين هي المظاهرات الشعبية في‬

‫العواصم العربية ؟ واين هذه المظاهرات للتضامن مع اخوتكم في غزة الجريحة ‪ ...‬اين هي احتجاجاتكم‬

‫واعتصاماتكم وتنديداتكم ‪..‬؟ ام انكم تنتظرون الجمعة لكي تؤدوا صالة الغائب على غزة ؟ يبدو واضحا‬

‫ان عزلتكم عن جماهيركم في الضفة ومخيمات الشتات باتت فجوتها على درجة من االتساع تحول‬

‫دون دوركم النضالي ‪ ,‬ودون ممارسة شعار "المقاومة الشعبية" او كما اسميه اضعف االيمان إن لم‬

‫يكن –هذا الشعار‪ -‬مؤش ار على مزيد من هبوطكم وتراجعكم وفقدانكم لمصداقيتكم‪....‬في كل االحوال‬

‫اقول عاش كفاح ونضال شعبنا الفلسطيني من اجل حريته وعودته ودولته الوطنية المستقلة كاملة‬

‫السيادة‪.....‬ويا غزة ‪...‬كوني مرآة للنور وكوني أبدية‪..............‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪3102/7/09.‬‬

‫إن استعادة هدف الصراع ومواصلته ضد الوجود الصهيوني بكل اشكال ووسائل النضال وصوال الى‬

‫تحقيق اهداف شعبنا في الحرية والعودة وتقرير المصير والدولة المستقلة كاملة السيادة ‪ ,‬هي عملية‬

‫استعادة ألصل الصراع ‪ ,‬لكن ال ينبغي علينا استسهال األمر ‪ ,‬فهي ليست عملية ارتجالية وال ميدانا‬

‫‪437‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫للمزايدات ‪ ,‬انه تحدي المستقبل الذي يفرض علينا ثورة في الوعي ‪ ,‬وثورة في االلتحام بالجماهير ‪,‬‬

‫وثورة في التوسع التنظيمي وأساليب النضال الكفاحية والديمقراطية ‪ ,‬حيث ستفرض هذه األهداف‬ ‫نفسها علينا كتحدي تاريخي ‪ ,‬كي نكون بمستوى التحدي واإلدراك العميق آلليات التاريخ ونطابق بنانا‬

‫الفكرية والكفاحية والعلمية معها‪ ,‬ونصبح بمستوى الغاية الحقيقية المحركة للطاقات والخبرات‬ ‫والضمائر ‪ ,‬وبأننا بمستوى وطن ننتمي إليه ونستحقه ونحن واعون لما نفعل ‪ ,‬بوعي وارادة ‪.. .‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫الحديث عن صمود قطاع غزة الفلسطيني بكل مخيماته ومدنه وقراه في مجابهة العدوان الصهيوني ال‬

‫يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في مخيمات الدهيشة‬ ‫واليرموك وخان الشيح والنيرب ومار الياس وعين الحلوة وصب ار وشاتيال وبرج البراجنة ونهر البارد‬

‫والبداوي ونور شمس واالمعري وشعفاط وقلنديا والثوري والوحدات والبقعة ‪ ,‬وال يختلف عن اي موقع‬

‫آخر من المدن الفلسطينية اللد والرملة وحيفا أو النقب أو الخليل او نابلس أو القدس وبيت لحم‪ ..‬بل‬

‫هو امتداد تاريخي عضوي ومعنوي لتلك التجمعات واألهداف النضالية التي توحد شعبنا في الوطن كما‬

‫في المنافي مدركا ان االمال واالهداف العظيمة تولد من االالم العظيمة ‪ ,‬وها هو قطاع غزة في اليوم‬

‫التاسع لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء كل المناضلين من ابناءه الذين‬

‫توحدوا في أتون المعركة ضد العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في‬

‫الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى‬

‫تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة‪ ..‬ففلسطين ليست يهودية‪ ..‬ولن تكن إال وطناً ح ارً‬

‫مستقالً ‪ ,‬وبدون ذلك سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫من أقوال القائد الراحل المؤسس جورج حبش حول رؤيته للصراع مع العدو الصهيوني‪...‬‬

‫‪ -‬إننا في حالة صراع مفتوح‪ ,‬ونضال مستمر‪ ,‬وصيرورة تاريخية في مواجهة المعتدي‪ ..‬وليس‬

‫مستغرباً أن يظهر على هامش هذه الصيرورة النضالية من يعبث بالحق الفلسطيني بصرف النظر عن‬ ‫األسماء والمسميات‪ ,‬وكل محاولة للعبث بهذه الحقوق الوطنية عن وعي أو بدون وعي هي بمثابة‬ ‫كوابح سياسية وعملية لمسيرة النضال الوطني الفلسطيني‪ ,‬وعليه فإن كل المؤتمرات والالءات والوثائق‬

‫التي تنتقص من الحق الفلسطيني لن يكتب لها النجاح بفعل تمسك الشعب الفلسطيني بكافة حقوقه‬

‫وثوابته‪ .‬هل استطاعت أوسلو ووثائقها أن تنهي الحق الفلسطيني‪ ,‬أو تعيد جزءاً من الحق‬ ‫‪438‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الفلسطيني؟ إن «إسرائيل» تستطيع أن تقول الءاتها‪ .‬ولكن كل واحدة من هذه الالءات سيواجهها‬

‫شعبنا بضراوة كفاحياً وسياسياً واستراتيجياً‪ ..‬ويجب أن يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية ال تنحصر‬ ‫في عناوين هذه الالءات األربع‪ ..‬إنما هي األرض والشعب معاً‪ ,‬أي فلسطين التاريخية ‪.‬‬

‫‪ -‬أن الصراع مع عدو‪ ,‬كالصهيونية – واسرائيل – واالمبريالية‪ ,‬هو صراع تاريخي مفتوح لن‬

‫تختزله لحظات انكفاء عابرة‪ ,‬هذا الفهم يدفع عملياً نحو ضرورة إدارة الصراع بطريقة شمولية‪,‬‬ ‫وبصورة يتساند ويتشابك فيها النضال التحرري القومي مع النضال االجتماعي الديمقراطي‪ ,‬وهذا يعني‬ ‫وعي الديمقراطية كأداة للنهوض وقيم للسلوك والفكر والممارسة لتحرير المجتمع‪ ,‬فالديمقراطية‪ ,‬هي‬

‫في حد ذاتها‪ ,‬ليست هي الحل وانما بوابة للحل‪ ,‬أما الحل فهو قوى المجتمع وحريته القادرة على‬

‫تحديد األهداف والطموحات والنضال من أجل تحقيقها‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫القوى الطبقية المهيمنة في الوضع العربي الراهن‪..............‬‬

‫تتصدر الساحة السياسية العربية مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد ‪ :‬مجموعة‬

‫الرأسماليين ( كومبرادور وطفيليين وبيروقراطية عسكرية ومدنية )المنضوين تحت لواء السلطة أو‬

‫أنظمة الحكم‪ ,‬ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة حركة اإلخوان المسلمين (رغم‬

‫القاعدة الشعبية الفقيرة والبرجوازية الصغيرة لهذه الحركة)‪.‬وكالهما ال يتناقض مع التحالف االمبريالي‬

‫الصهيوني‪ ,‬أي أن الساحة السياسية العربية مسيطر عليها عملياً من جانب قوة واحدة (عبر‬

‫برنامجين‪ :‬اليمين "العلماني"‪ ,‬واليمين الديني) وهى الرأسمالية الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع‬ ‫البيروقراطية الحاكمة ‪ ,‬وكالهما ال يتناقض في الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي مع اختالف‬

‫زاوية ومرجعية كل فريق عن االخر‪.‬‬

‫إن هذه القوى الرأسمالية بجناحيها " اليميني العلماني " و" اليميني الديني او االسالم السياسي " –‬

‫في كل بلدان الوطن العربي ‪ -‬ال تملك في الواقع مشروعاً حضاريا او ديمقراطيا وطنياً مستقال نقيضاً‬

‫للنظام االمبريالي الرأسمالي‪ ,‬كما أنها ال تملك أيضاً مشروعاً تنموياً ينهي التبعية ويتجاوزها صوب‬ ‫مبدأ االعتماد العربي على الذات‪ ,‬فالتنمية عندها هي ما تأتي به قوى السوق المفتوح والمبادرات‬

‫العشوائية للقطاع الخاص المحلي الكومبرادوري الذي ال يستهدف سوى تحقيق الربح حتى لو كان على‬ ‫حساب دماء الكادحين والفقراء من ابناء الطبقات الشعبية‪ ,‬إلى جانب حرصهما على تشجيع نشاط‬

‫المستثمرين األجانب ‪ ,‬الذي ال يتفق ومتطلبات االقتصاد الوطني والقومي ‪ ,‬بقدر ما يتفق‬ ‫واستراتيجيات الشركات المتعدية الجنسية الكبرى في تحقيق أكبر ربح على الصعيد العالمي في إطار‬

‫تطبيق مقولة االستيالء على فائض القيمة لشعوبنا من ناحية وابقاء شعوبنا أسيرة آلليات التخلف‬ ‫‪439‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫والتبعية واالستغالل واحتجاز التطور من ناحية ثانية‪ ,‬في مقابل حرص القوى اإلمبريالية على تقديم‬

‫كل مقومات القوه لدولة العدو اإلسرائيلي تكريساً لدورها ووظيفتها في خدمة األهداف اإلمبريالية‬ ‫والنظام الرأسمالي العالمي‪ .‬وهنا بالضبط يتجلى دور اليسار الثوري عبر المبادرة الى تشكيل البديل‬ ‫الديمقراطي الشعبي القادر على اثبات وجوده وفعاليته في مجابهة مخاطر هذا االستقطاب الثنائي‬

‫وازاحته ‪...‬‬ ‫(‪)9‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫المهمة العاجلة أمام الحركة الوطنية الفلسطينية ‪ ,‬أن تعيد النظر في الرؤية اإلستراتيجية التحررية‬

‫الديمقراطية ‪ ,‬الوطنية‪/‬القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ‪ ,‬انطالقاً من إعادة إحياء وتجدد الوعي‬ ‫بطبيعة الدولة الصهيونية‪ ,‬ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف فلسطين فحسب‪ ,‬بل‬

‫يستهدف –بنفس الدرجة‪ -‬ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي واحتجاز تطوره ‪.‬‬ ‫وبالتالي ‪ ,‬إذا كان صراعنا نحن الفلسطينيون ضد الدولة الصهيونية هو صراع وجودي‪ ,‬فهو أيضاً من‬

‫التطور و‬ ‫أجل فتح أفق الثورة الوطنية الديمقراطية في كل قطر عربي على طريق التوحيد القومي و‬ ‫ّ‬ ‫الحداثة و الدمقرطة والعدالة االجتماعية بافاقها االشتراكية‪ .‬األمر الذي يجعل معالجة المسألة‬ ‫متضمنة في المشروع القومي الديمقراطي العربي‪ ,‬و يؤسس في سياق النهوض الشعبي‬ ‫الفلسطينية‬ ‫ّ‬ ‫العربي إلى تغيير موازين القوى لحساب مصالح ومستقبل الجماهير الشعبية العربية‪ .‬وضمن ذلك ليس‬

‫من الممكن التفكير بفلسطين ككيان قطري‪ ,‬و هذا يعني تأكيد الطابع العربي لفلسطين مقابل "‬ ‫تهويدها" ما يؤكد على أن النضال الفلسطيني ال يمكن أن ينعزل عن عمقه العربي وأن ال آفاق له‬ ‫سوى أن يكون رأس حربة النضال التحرري والديمقراطي العربي كله‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫هل يمكن لليهودي ان يكون يساريا وصهيونيا في آن واحد ؟‬

‫ان اإلنسان اليساري الملتزم بمبادئه‪ ,‬ال يمكن ان يدافع عن الظاهرة ونقيضها في آن واحد‪ ,‬بمعنى‬

‫أنه ال يمكن أن يكون صهيونياً ويسارياً في آن‪ ,‬اال اذا كان انتهازياً كما هو حال األغلبية الساحقة من‬ ‫لوحة اليسار اليهودي في إسرائيل ‪ ,‬اذ ان اليهودي اليساري (من مختلف االصول والجنسيات) هو فقط‬

‫من يرفض المساهمة في اغتصاب فلسطين واضطهاد شعبها من ناحية ويرفض الدور الوظيفي لدولة‬ ‫إسرائيل في خدمة النظام االمبريالي الرأسمالي من ناحية ثانية‪ ,‬وهو أيضا من يرفض اإلقرار بوجود‬ ‫قومية يهودية او شعب يهودي‪ ,‬ما يعني بوضوح ان دولة "إسرائيل" نشأت وتأسست وفق مشروع‬ ‫‪441‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫أرسمالي امبريالي توسعي حدد لها وظيفتها منذ البدايات األولى للفكرة الصهيونية التي تلفحت او‬ ‫تذرعت – كما تذرع النظام الرأسمالي أيضاً‪ -‬بالفكرة الدينية او "التوراتية" لتضم في إطارها فسيفساء‬

‫واسعة من أجناس بشرية‪ ,‬من أصول غربية وشرقية‪ ,‬من أوروبا وأمريكا وروسيا واسيا وافريقيا‪ ,‬ال‬ ‫وجود ألي رابط اجتماعي او تاريخي بينهم‪ ,‬ويستحيل انصهارهم في مجتمع متجانس او قومية واحدة‪,‬‬

‫لكنهم التقوا جميعاً بدوافع ومنطلقات وأهداف تعددت فيها الدرجات والوسائل والغايات‪ ,‬لخدمة المشروع‬ ‫الرأسمالي العالمي الذي حدد هدفه االستراتيجي من إقامة هذه الدولة‪" :‬إسرائيل" تحقيقاً لوظيفة‬

‫استهدفت وما زالت‪ ,‬اغتصاب بالدنا فلسطين أوالً‪ ,‬ثم اإلسهام في إبقاء تطور شعوبنا العربية محتج ازً‬ ‫في اطار من التبعية والتخلف والخضوع كما هو حالنا اليوم‪ ,‬حفاظاً على المصالح االمبريالية في‬ ‫وطننا العربي بما يضمن استمرار الهيمنة على مقدراتنا وثروات شعوبنا ويحول دون تطورها او‬

‫استنهاضها‪ ,‬ذلك هو الدور الوظيفي لدولة العدو اإلسرائيلي التي تحولت اليوم الى دولة امبريالية‬

‫صغرى تغذيها وتدعمها االمبريالية األم ‪ ...‬الواليات المتحدة األمريكية ‪ ...‬ذلك هو هدف عملية‬

‫التطهير العرقي الذي مارسته الحركة الصهيونية على أبناء شعبنا الفلسطيني عشية ‪/02‬ايار‪0621/‬‬

‫او النكبة األولى‪ ,‬التي تؤكد مقدماتها ونتائجها ان الصراع منذ اللحظة األولى كان صراعاً عربياً‬

‫صهيونياً‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫غزة ‪ -‬سفينة نوح الفلسطينية ‪-‬الصامدة المقاومة تتلقى ضربات العدو الصهيوني وتكتم احزانها‬

‫وتودع شهداؤها وتحنو على جرحاها وتحتضنهم وحدها لكن كبرياؤها يمنعها من الصراخ ‪..‬يا وحدي‬

‫‪...‬وتسأل ‪ -‬واأللم يعتصر فؤادها ‪ -‬ما الذي جرى النتماؤكم ولثقافتكم الوطنية يا اهلي ‪..‬يا اخوتي‬

‫‪..‬فلسطينيين وعرب ‪...‬أما آن لكم ‪...‬لبعضكم ‪...‬لفصائلكم ‪...‬الحزابكم ‪...‬لجامعاتكم وجمعياتكم‬ ‫ونواديكم ان تخرجوا عن صمتكم ‪..‬تضامنا مع غزة وشهدائها وجرحاها واهلها الصامدين في وجه االلة‬

‫العسكرية الصهيونية ‪...‬‬ ‫(‪)6‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫قطاع غزة يتعرض االن ‪ -‬ومجددا ‪ -‬لقصف صواريخ وطيران العدو الصهيوني الذي يحاول يائسا‬

‫ان ينال من صموده ‪ ..‬خسئتم ايها الصهاينة فالقطاع هو سفينة نوح الفلسطينية التي تحتضن ابناء‬ ‫شعبنا من كل قرى ومدن وبادية فلسطين ‪ ,‬وهو األم الوالدة للهوية الوطنية المتجددة ابدا ‪..‬المصقولة‬

‫بنار الصمود والتضحيات والشهداء والمقاومة‪ ..‬غزة الصامدة المقاومة تتلقى ضربات العدو الصهيوني‬ ‫‪440‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وتكتم احزانها وتودع شهداؤها وتحنو على جرحاها وتحتضنهم وحدها لكن كبرياؤها يمنعها من الصراخ‬

‫‪..‬يا وحدي‪....‬عاشت فلسطين حرة عربية‪...‬‬ ‫(‪)01‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫من هو اإلرهابي؟‬

‫هل هو الفلسطيني الذي يناضل من أجل حريته واستقالله وعودته وحياته الكريمة اآلمنة ؟ أم ذلك‬

‫العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي مصالح الرأسمالية العالمية دون أي مسوغ أو حق‬ ‫تاريخي فيها على االطالق ‪ ,‬ويمعن في تكريس هذا االغتصاب برفضه القبول بق اررات الشرعية الدولية‬ ‫رغم أن الضحية قد أكرهت على قبول تلك الق اررات في ظل متغيرات واوضاع دولية وعربية عززت‬

‫النزعة التوسعية الصهيونية ‪ ,‬وادت إلى هذا االختالل العميق في ميزان القوى لصالح العدو‬

‫اإلسرائيلي‪ ,‬الذي استمر في ضم األراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات تحاصر الشعب‬

‫الفلسطيني من كل جانب رافضا ق اررات الجمعية العامة ومجلس االمن وقرار محكمة الهاي االخير‬

‫بخصوص الجدار التوسعي ‪ ,‬من اجل تحقيق هدفه في اذالل شعبنا وفرض االستسالم عليه عبر صور‬

‫من اإلرهاب الصهيوني – أكثر انحطاطاً من كل أشكال اإلرهاب النازي والعنصري في التاريخ الحديث‪,‬‬ ‫األمر الذي فرض على شعبنا أن يتصدى لهذا اإلرهاب الصهيوني بكل أشكال المقاومة كحق وواجب‬

‫وطني أقرته مواثيق الشرعية الدولية‪ ,‬ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من أجل الحرية والعودة هي‬ ‫النقيض الحقيقي لإلرهاب الصهيوني‪.‬‬ ‫(‪)00‬‬

‫‪3102/7/02‬‬

‫عن النظام العربي‪....‬‬

‫ان تحول النظام العربي إلى حالة –غير مسبوقة‪ -‬من العجز والتخاذل والخضوع عززت ضعف‬

‫السلطة الفلسطينية وهبوطها وتخاذلها ومن ثم انقسامها‪ ,‬الذي أدى إلى انقسام الغاية والهدف ‪ ,‬ففي‬ ‫ظل تجزئة الغاية جرى تفكيك أداوت النضال نفسها ‪ ,‬والتخلي عن عناصر القوة والمقاومة والبعد‬

‫العربي وتكريس االنقسام المؤسساتي والجغرافي بين الضفة والقطاع ‪ ,‬وما جرى من حصيلة أفقدت‬

‫وع َّرته بضمور الغاية وغيابها ‪.‬‬ ‫الواقع الفلسطيني أسلحته المعنوية َ‬ ‫إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ‪ ,‬وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية‪ ,‬واعادة‬ ‫إنتاجها في الواقع الفلسطيني ‪ ,‬بكل مرتكزاته الثورية ‪,‬القومية والوطنية في الداخل والمنافي ‪ ,‬إنما‬

‫‪442‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫يستهدف استعادة روح القضية من براثن الهبوط الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن‬ ‫الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية ‪.‬‬

‫(‪)03‬‬

‫‪3102/7/03‬‬

‫طوال ما يقرب من مائة عام مضت‪ ,‬قدم شعبنا في كل عام من هذه األعوام‪ ,‬قوافالً من الشهداء‬

‫الذين تجاو از مئة ألف شهيد أو يزيد‪ ,‬وفي هذه المسيرة المتجددة من النضال والصمود واآلالم‬

‫والمعاناة‪ ,‬يواجه شعبنا في قطاع غزة في هذه االيام العدوان الصهيوني ‪ ,‬بروح عالية من التحدي لن‬

‫تعرف االستسالم او االذعان على الرغم من تزايد عدد الشهداء الى اكثر من ‪ 022‬شهيد واكثر من‬

‫الف جريح واكثر من ‪ 311‬منزل مدمر‪ ,‬فمع كل هذه التضحيات الغالية يتجدد الجرح الفلسطيني‪ ,‬لكن‬

‫تتجدد معه وحدة هذا الشعب‪ ,‬وتبدأ الذكريات تنبعث من جديد من داخل شوراع المخيمات في‬

‫النصيرات والبريج ورفح وخانيونس وجباليا ومن بين أزقة الشجاعية والزيتون والتفاح‪ ,‬ومن قلب‬

‫المعاناة والفقر والحرمان‪ ,‬حيث يتوحد أبناء شعبنا الفلسطيني في الشتات والوطن أمام همجية العدو‬ ‫رغم التباعد في المكان‪ ,‬ذلك أنهم يتنسمون رائحة القرية‪,‬البلد‪ ,‬المدينة‪ ,‬من عطر الشهداء وجراح‬

‫المناضلين ومعاناة شعبنا في المسيرة المتصلة‪ ,‬حيث تتجدد اآلمال التي لطالما حملها األجداد واآلباء‬

‫لكي تبقى الذكرى ويبقى األمل حاف ازً للصمود والمقاومة حتى تحقيق االهداف التي ضحى شهداء شعبنا‬ ‫من اجلها ‪.‬‬ ‫(‪)02‬‬

‫‪310/7/03‬‬

‫واهم كل من يعتقد ان ارادة شعبنا الفلسطيني ستنكسر ‪....‬‬

‫ها هو قطاع غزة في اليوم السادس لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء‬

‫كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس وابو على مصطفى وشهداء االقصى‬ ‫والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون معركة الصمود والمقاومة ضد العدوان الصهيوني‬ ‫مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار‬

‫النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة‪..‬‬

‫ففلسطين ليست يهودية‪ ..‬ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً‪ ,‬وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني‬ ‫الثوري من كبوته وهبوطه‪ ,‬وبدون ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة‬

‫واالستسالم‪.‬‬

‫‪443‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫(‪)02‬‬

‫‪3102/7/03‬‬

‫إن الوضع الفلسطيني اآلن يفرض علينا المراجعة الجدية الهادئة والمعمقة لكافة األفكار التي‬

‫طرحت خالل العقود الثالث الماضية‪ ,‬بعد أن بات الحل المطروح مذاك والقائم على أساس حل‬

‫الدولتين‪ ,‬أسي ارً للشروط األمريكية اإلسرائيلية ‪ ,‬وبعد ان تحول النظام العربي إلى حالة –غير‬

‫مسبوقة‪ -‬من العجز والتخاذل والخضوع عززت ضعف السلطة الفلسطينية وهبوطها وتخاذلها ومن ثم‬ ‫انقسامها‪ ,‬الذي أدى إلى انقسام الغاية والهدف ‪ ,‬ففي ظل تجزئة الغاية جرى تفكيك أداوت النضال‬

‫نفسها ‪ ,‬والتخلي عن عناصر القوة والمقاومة والبعد العربي وتكريس االنقسام المؤسساتي والجغرافي‬

‫وع َّرته بضمور‬ ‫بين الضفة والقطاع ‪ ,‬وما جرى من حصيلة أفقدت الواقع الفلسطيني أسلحته المعنوية َ‬ ‫الغاية وغيابها ‪.‬‬

‫إن إعادة تأسيس رؤيتنا للصراع ‪ ,‬وما يشبه إعادة التصميم لركائز قضيتا الفلسطينية‪ ,‬واعادة‬

‫إنتاجها في الواقع الفلسطيني ‪ ,‬بكل مرتكزاته الثورية ‪,‬القومية والوطنية في الداخل والمنافي ‪ ,‬إنما‬ ‫يستهدف استعادة روح القضية من براثن الهبوط الفلسطيني الداخلي من ناحية واستعادتها من براثن‬

‫الهزيمة والخضوع العربي الرسمي من ناحية ثانية ‪.‬‬ ‫(‪)02‬‬

‫‪3102/7/03‬‬

‫الفلسطيني وهو يقاوم يسعى إلى الحرية واالنعتاق لكي يشعر باالطمئنان ولكي تنتهي إلى األبد‬

‫صفة الضحية التي الزمته حتى اللحظة بسبب المغتصب والقاتل الصهيوني الذي يحاول القضاء على‬

‫كل آماله في الحرية والحياة‪ ...‬فمن هو إذن اإلرهابي؟ الذي يناضل من أجل حريته واستقالله وحياته‬

‫الكريمة اآلمنة ؟ أم ذلك العدو الصهيوني الذي اغتصب فلسطين بدواعي مصالح الرأسمالية العالمية‬ ‫دون أي مسوغ أو حق تاريخي فيها على االطالق ‪ ,‬ويمعن في تكريس هذا االغتصاب برفضه القبول‬ ‫بق اررات الشرعية الدولية رغم أن الضحية قد أكرهت على قبول تلك الق اررات في ظل متغيرات واوضاع‬

‫دولية وعربية عززت النزعة التوسعية الصهيونية ‪ ,‬وادت إلى هذا االختالل العميق في ميزان القوى‬ ‫لصالح العدو اإلسرائيلي ‪ ,‬الذي استمر في ضم األراضي الفلسطينية وتجزئتها وتحويلها إلى كانتونات‬

‫تحاصر الشعب الفلسطيني من كل جانب رافضا ق اررات الجمعية العامة ومجلس االمن وقرار محكمة‬

‫الهاي االخير بخصوص الجدار التوسعي ‪ ,‬من اجل تحقيق هدفه في اذالل شعبنا وفرض االستسالم‬

‫عليه عبر صور من اإلرهاب الصهيوني – أكثر انحطاطاً من كل أشكال اإلرهاب النازي والعنصري في‬

‫التاريخ الحديث‪ ,‬األمر الذي فرض على شعبنا أن يتصدى لهذا اإلرهاب الصهيوني بكل أشكال‬ ‫‪444‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫المقاومة كحق وواجب وطني أقرته مواثيق الشرعية الدولية‪ ,‬ما يجعل من المقاومة الفلسطينية من‬ ‫أجل الحرية والعودة هي النقيض الحقيقي لإلرهاب الصهيوني‪.‬‬ ‫(‪)09‬‬

‫‪3102/7/00‬‬

‫رؤية استراتيجية‪...........‬‬

‫يمكن فهم اصرار العدو اإلسرائيلي على مواصلة حصاره وعدوانه ‪ ,‬ورفضه لمرجعيات الشرعية‬

‫الدولية‪ ,‬واستفراده بشكل ومضمون ما يسمى بالحل المرحلي وفق رؤيته السياسية واألمنية‪ ,‬التي‬

‫تستند إلى خمسة الءات كانت – وما زالت – محسومة صهيونياً‪ ,‬وهي ال انسحاب من القدس‪ ,‬ال‬ ‫انسحاب من وادي األردن‪ ,‬ال إزالة للمستوطنات‪ ,‬ال عودة لالجئين‪ ,‬وال للدولة الفلسطينية المستقلة‪,‬‬

‫التصرف بها انطالقا من ذلك‪,‬‬ ‫فالمسألة بحسب‬ ‫ّ‬ ‫التصور الصهيوني أن األرض هي أرض يهودية و ّ‬ ‫األمر الذي يجعل الحكم الذاتي هو الشكل األقصى للسلطة الفلسطينية في إطار دولة يهودية تسيطر‬

‫على كل فلسطين (طالما بقيت موازين القوى على ما هي عليه)‪ ,‬ما يعني بوضوح أن كل حديث عن‬

‫إمكانية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة في ضوء موازين القوى الراهنة ليس إال نوعاً‬ ‫من الوهم‪.‬‬

‫لذلك فإن المهمة العاجلة أمام قوى وأحزاب اليسار العربي والفلسطيني ‪ ,‬أن تعيد النظر في الرؤية‬

‫اإلستراتيجية التحررية الديمقراطية ‪ ,‬الوطنية‪/‬القومية ببعديها السياسي والمجتمعي ‪ ,‬انطالقاً من إعادة‬ ‫احياء وتجدد الوعي بطبيعة الدولة الصهيونية‪ ,‬ودورها ووظيفتها كمشروع إمبريالي ال يستهدف‬

‫فلسطين فحسب‪ ,‬بل يستهدف –بنفس الدرجة‪ -‬ضمان السيطرة اإلمبريالية على مقدرات الوطن العربي‬

‫واحتجاز تطوره ‪ ,‬وتكريس تبعية وتخلف وافقار بلدانه وشعوبه‪ ,‬وهذا يعني أن الصراع مع المشروع‬ ‫الصهيوني هو صراع مع النظام الرأسمالي اإلمبريالي من أجل تغيير وتجاوز النظام العربي‬

‫الكومبرادوري الراهن كمهمة إستراتيجية على طريق النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة الوطنية‬

‫الديمقراطية وتواصله ضد الوجود االمريكي ‪ ,‬وضد الدولة الصهيونية وازالتها واقامة فلسطين‬

‫الديمقراطية لكل سكانها وحل المسألة اليهودية ضمن هذا المنظور ‪.‬‬ ‫(‪)07‬‬

‫‪3102/7/00‬‬

‫ستة وستون عاما مضت على إرتكاب النظام اإلمبريالي الرأسمالي وصنيعته الحركة الصهيونية‪,‬‬

‫لجريمة‪ ,‬كانت وما زالت‪ ,‬من أبشع جرائم العصر الحديث‪ ,‬جريمة اقتالع معظم أبناء شعبنا العربي‬

‫الفلسطيني من أرض وطنه ودياره‪ ,‬واحالل المغتصبين الصهاينة مكانه بقوة السالح واإلرهاب وتزوير‬ ‫‪445‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫حقائق التاريخ‪ ,‬هكذا تم قيام دولة العدو اإلسرائيلي كدولة وظيفية تستهدف استمرار حالة التجزئة‬

‫والتفكيك بين بلدان وشعوب وطننا العربي من ناحية وحماية المصالح الرأسمالية اإلمبريالية التي تقوم‬ ‫على االستيالء والتحكم بمواردنا وثرواتنا من ناحية ثانية‪ ,‬وبهذا المعنى فإن الصراع يجب أن يخرج‬

‫من أحادية الصراع الفلسطيني – اإلسرائيلي ليتخذ مجراه الموضوعي بين كل من الحركة التحررية‬

‫العربية التقدمية‪ ,‬وبين التحالف االمبريالي – الصهيوني‪ ,‬وفي هذا اإلطار فإن من الطبيعي والحتمي‬

‫أيضاً أن يكون لشعبنا الفلسطيني وحركته الوطنية دو ارً طليعياً فيه من أجل تحقيق أهدافه في تقرير‬ ‫المصير والعودة في دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية لكل سكانها‪.‬‬ ‫(‪)01‬‬

‫‪3102/7/00‬‬

‫واهم كل من يعتقد ان ارادة شعبنا الفلسطيني ستنكسر ‪....‬‬

‫ها هو قطاع غزة في اليوم الخامس لصموده ومقاومته الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء‬

‫كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس وابو على مصطفى وشهداء االقصى‬

‫والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون معركة الصمود والمقاومة ضد العدوان الصهيوني‬ ‫مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار أمامنا سوى استمرار‬

‫النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية وتقرير المصير والعودة‪..‬‬

‫ففلسطين ليست يهودية‪ ..‬ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً‪ ,‬في مجتمع عربي حر وديمقراطي موحد‪..‬‬ ‫وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني الثوري من كبوته وهبوطه‪ ,‬وبدون ذلك النهوض سيبقى‬

‫الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم‪.‬‬ ‫(‪)06‬‬

‫‪3102/7/00‬‬

‫من الخطاب الوداعي للقائد المؤسس الراحل جورج حبش في المؤتمر السادس للجبهة( تموز‬

‫‪/‬يوليو ‪........)3111‬‬

‫في هذا الخطاب الوداعي قال الحكيم حول الوضع السياسي الفلسطيني والعربي ‪" :‬إن الساحة‬

‫الفلسطينية والعربية فيها خندقان واضحان لمن يريد أن يرى ذلك‪ :‬خندق أمريكا‪ ,‬أي خندق اإلمبريالية‬

‫انضمت لهذا الخندق‬ ‫والصهيونية و(إسرائيل)‪ ,‬ويؤسفني هنا القول أن القيادة الرسمية لـ م‪.‬ت‪.‬ف قد‬ ‫ّ‬ ‫بعد اتفاق أوسلو‪ ,‬مع إدراكي ووعيي للتناقضات القائمة بين تلك القيادة الرسمية و(إسرائيل)‪ ,‬ولكنها‬ ‫تناقضات أخذت شكل التعارضات الثانوية‪ ,‬التي يمكن حلها والتعامل معها تحت السقف والرعاية‬

‫األمريكية‪ .‬يقابل ذلك الخندق الذي يعبر عن مصالح أهداف الجماهير الفلسطينية والعربية‪ ,‬خندق‬ ‫‪446‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫الصمود والمقاومة‪ ,‬خندق قوى الثورة التي تواصل طريق الحرية واالستقالل لتحقيق أهدافنا العادلة‪.‬‬ ‫الخندق الذي يسعى لتحقيق مصلحة كل طبقات الشعب الفلسطيني‪ ,‬الخندق الذي يعرف حقيقة‬

‫(إس ارئيل) والصهيونية وحقه في النضال المستمر حتى دحر الصهيونية بالكامل الخندق الذي يؤمن‬ ‫بأن الدولة وتقرير المصير والعودة أهداف مرحلية وليس نهاية المطاف أو الصراع‪ ,‬وبالتالي فإنه‬ ‫يواصل النضال لتحقيق دولة فلسطين الديمقراطية العلمانية‪,‬التي ستكون جزء من مشروع إقامة‬

‫المجتمع العربي الديمقراطي الجديد‪ ,‬لكي نقدم حالً إنسانياً وديمقراطياً للمسألة اليهودية"‪.‬‬ ‫(‪)31‬‬

‫‪3102/7/00‬‬

‫الحديث عن صمودقطاع غزة الفلسطيني بكل مخيماته ومدنه وقراه في مجابهة العدوان الصهيوني‬

‫ال يعني على اإلطالق اختالف طبيعة األهداف أو النضال فيه عن أي موقع آخر في مخيمات‬

‫والدهيشة واليرموك وخان الشيح والنيرب ومار الياس وعين الحلوة وصب ار وشاتيال وبرج البراجنة ونهر‬

‫البارد والبداوي ونور شمس واالمعري وشعفاط وقلنديا والثوري والوحدات والبقعة ‪ ,‬وال يختلف عن اي‬ ‫موقع آخر من المدن الفلسطينية اللد والرملة وحيفا أو النقب أو الخليل او نابلس أو القدس وبيت‬

‫لحم‪ ..‬بل هو امتداد تاريخي عضوي ومعنوي لتلك التجمعات واألهداف النضالية التي توحد شعبنا في‬ ‫الوطن كما في المنافي مدركا ان االمال واالهداف العظيمة تولد من االالم العظيمة‪.‬‬ ‫(‪)30‬‬

‫‪3102/7/01‬‬

‫شعبنا الفلسطيني على العهد‪...............‬‬

‫ان شعبنا الفلسطيني رغم كل ما لحق به من أشكال التشرد والمعاناة والحرمان واللجوء والتشتت‬

‫من جهة وممارسات دولة العدو الصهيوني العنصرية النازية العدوانية الهمجية المتواصلة من جهة‬

‫أخرى أثبت في كل محطات الصراع‪ ,‬أنه أقوى من كل المخططات والممارسات العدوانية التي استهدفت‬ ‫تفكيكه وتشريده وتحطيم شعوره العميق بهويته الوطنية والقومية‪ ,‬وحرصه الدائم على حمايتها‬

‫وامتدادها في كل األجيال‪ ,‬إذ أن ما جرى لشعبنا وحركته الوطنية طوال التاريخ المعاصر من محاوالت‬

‫التصفية أو الطمس لهويته وأهدافه الوطنية المشروعة‪ ,‬في العودة وتقرير المصير والحرية في‬ ‫فلسطين التاريخية‪ ,‬لم تنجح أبدا في تحطيم اإلجماع الذاتي في أوساط شعبنا على االلتفاف الطوعي‬

‫والعفوي حول الفكرة الوطنية التوحيدية المركزية في ذهنيته وممارساته السياسية‪ ,‬بل على العكس‪,‬‬

‫فقد كان من أهم نتائج تلك الممارسات العدوانية‪ ,‬أنها راكمت وبعمق مشاعر الحقد الوطني والطبقي‬

‫في أذهان شعبنا ضد كل أشكال العدوان واالستبداد واالضطهاد والحرمان‪ ,‬التي تعرض لها من العدو‬ ‫‪447‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلسرائيلي‪ ,‬و ضد قطبي االنقسام ‪ ,‬وضد مختلف المصادر والقوى العربية والدولية المعادية‪ ,‬بالرغم‬

‫من توزع أبناء شعبنا‪ ,‬في الجغرافيا الفلسطينية والعربية والدولية‪ ,‬عبر مجتمعات وعالقات اجتماعية‬

‫تختلف باختالف الجغرافيا أو أماكن اللجوء والشتات‪.‬‬ ‫(‪)33‬‬

‫‪3102/7/6‬‬

‫في اليوم الخامس للعدوان الصهيوني ‪....‬غـــــــــزة رغم جراحها وشهدائها تنتصر للمســــــــــتقبل‬

‫‪........‬‬

‫إن مشاعل الحرية والعودة التي أضاءها شهداء شعبنا ومناضليه من أبناء الفقراء والكادحين‪ ,‬لن‬

‫تنطفئ ولن تتوقف مهما تزايدت عدوانية الدولة الصهيونية وحليفها اإلمبريالي‪ ,‬ومهما تزايدت عمالة‬

‫ما يسمى بامراء وملوك العرب الخونة واسيادهم االمريكان والصهاينة الذين يتوهمون انهاء القضية‬

‫الفلسطينية وتوطين الالجئين الفلسطينيين او فصل غزة عن الوطن الفلسطيني وشطب هويتنا الوطنية‬ ‫أو وقف نضال شعبنا الوطني التحرري ‪...‬وها هو قطاع غزة في اليوم الخامس لصموده ومقاومته‬ ‫الباسله للعدوان يضم في حضنه الدافىء كل المناضلين من ابناءه في كتائب القسام وسرايا القدس‬

‫وابو على مصطفى وشهداء االقصى والمقاومة الوطنية وغيرهم الذين توحدوا في أتون المعركة ضد‬ ‫العدوان الصهيوني مؤكدين بعزائم ال تقهر شعار شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي أنه ال خيار‬

‫أمامنا سوى استمرار النضال الوطني التحرري المقاوم والديمقراطي حتى تحقيق أهدافنا في الحرية‬

‫وتقرير المصير والعودة‪ ..‬ففلسطين ليست يهودية‪ ..‬ولن تكن إال وطناً ح ارً مستقالً‪ ,‬في مجتمع عربي‬

‫حر وديمقراطي موحد‪ ..‬وكل ذلك يحتم النهوض بالمشروع الوطني الثوري من كبوته وهبوطه‪ ,‬وبدون‬

‫ذلك النهوض سيبقى الخيار المحتوم هو الخيار بين النكبة واالستسالم‪.‬‬ ‫(‪)32‬‬

‫‪3102/7/1‬‬

‫قطاع غزة يتعرض االن ‪ -‬ومجددا ‪ -‬لقصف صواريخ وطيران العدو الصهيوني الذي يحاول يائسا‬

‫ان ينال من صمود ه ‪ ..‬خسئتم ايها الصهاينة فالقطاع هو سفينة نوح الفلسطينية التي تحتضن‬ ‫ابناء شعبنا من كل قرى ومدن وبادية فلسطين ‪ ,‬وهو األم الوالدة للهوية الوطنية المتجددة ابدا‬

‫‪..‬المصقولة بنار الصمود والتضحيات والشهداء والمقاومة‪..‬عاشت فلسطين حرة عربية‪.‬‬

‫‪448‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪30 / 7 / 3102‬‬

‫دروس وعرب نضال وصمود قطاع غزة ‪...‬‬

‫دروس وعبر نضال وصمود قطاع غزة ‪...‬بلدان الوطن العربي أمام خيارين ‪..‬إما البربرية أو الثورة‬

‫االشتراكية‪......‬‬

‫بعد أسبوعين على العدوان الصهيوني وقصفه الهمجي من البر والبحر والجو ‪ ,‬قطاع غزة يجسد‬

‫بصموده ومقاومته ارادة وتطلعات شعبنا الفلسطيني في الوطن والمنافي رغم تزايد التضحيات ودماء‬

‫الشهداء الذين وصل عددهم الى ‪ 221‬بينهم ‪ 71‬مواطنا من حي الشجاعية في هذا اليوم ( االحد‬

‫الدامي) األكثر دموية وبشاعة منذ بدء العدوان اإلسرائيلي ورغم تزايد عدد الجرحى الى اكثر من‬

‫‪ 2211‬جريح‪...‬لكن قطاع غزة سرعان ما يحتضن جرحاه ويحنو عليهم ‪ ,‬وسرعان ما يودع الشهداء‬ ‫بفخر واعتزازوكبرياء حاقد على العدو‪ ,‬ويدفنهم ليبدأ من جديد في مواصلة صموده ومقاومته واضاءة‬

‫شموع الثورة لينير الطريق لكل الثوار والمناضلين الفلسطينيين والعرب المؤمنين بأن ال مستقبل‬

‫لشعوبنا العربية عموما وجماهيرنا الشعبية الفقيرة خصوصا سوى مواصلة النضال والصراع الثوري‬ ‫والطبقي ضد الوجود االمبريالي الصهيوني ‪ ,‬وضد انظمة التبعية والتخلف واالستبداد واجتثاثها عبر‬

‫تفعيل واشعال الثورات الشعبية الديمقراطية بافاقها االشتراكية ‪,‬ما يعني بوضوح شديد أن بلدان الوطن‬

‫العربي أمام خيارين ‪..‬إما البربرية أو الثورة االشتراكية‪.‬‬

‫الموت لعمالء األمريكان والصهاينة‪ ...‬عاشت فلسطين حرة عربية‪ ...‬المجد والخلود لشهداء‬

‫فلسطين واألمة العربية ‪ ...‬نعم لمقاومة ودحر الوجود االمريكي الصهيوني ‪ ...‬نعم للثورات الشعبية‬ ‫العربية من أجل اجتثاث أنظمة التخلف والتبعية واالستبداد على طريق تحقيق أهداف الثورة الشعبية‬

‫الديمقراطية بآفاقها االشتراكية‪...‬‬

‫‪449‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وجهة نظر حول مفهوم الثورة الوطنية‪/‬الشعبية الدميقراطية‬

‫‪20 / 1 / 3102‬‬

‫في مجابهة اوضاع الخضوع والتبعية والتخلف واالستبداد واالستغالل واالفقار السائدة في كافة‬

‫االنظمة ‪/‬المجتمعات العربية المحكومة سياسيا وطبقيا من قبل التحالف الكومبرادوري والرأسمالي الرث‬

‫والبيروقراطي المدني والعسكري في المرحلة الراهنة ‪ ,‬تتجلى الضرورتين الموضوعية والذاتية‬ ‫الستنهاض فصائل وأحزاب اليسار العربي ‪ ,‬وخروجها من أزماتها وصراعاتها الداخلية لتلبية حاجة‬

‫الجماهير الشعبية من أجل التحرر والديمقراطية والعدالة االجتماعية والمواطنة على طريق انجاز مهام‬

‫الثورة الوطنية الديمقراطية بآفاقها االشتراكية‪ ,‬في إطار الرؤية القومية التحررية الديمقراطية والتقدمية‬

‫األشمل ‪ ,‬واالنتشار والتوسع في اوساط جماهير العمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين والكادحين‬

‫لمراكمة عوامل الثورة السقاط هذه االنظمة وادواتها الطبقية ‪.‬‬

‫فمنذ اكثر من ثالثة عقود ‪ ,‬تتصدر الساحة السياسية العربية حالة استقطاب غير مسبوقة في‬

‫التاريخ العربي المعاصر عبر مجموعتان تختلفان شكالً رغم جوهرهما الواحد ‪ :‬مجموعة الرأسماليين‬

‫المنضوين تحت لواء السلطة أو أنظمة الحكم‪ ,‬ومجموعة الرأسماليين المنضوين أو المتنفذين في قيادة‬

‫الحركات االسالموية ‪ .‬أي أن المجتمعات العربية وساحاتها السياسية مسيطر عليها عملياً من جانب‬ ‫قوة واحدة ‪ ,‬وهى الرأسمالية التابعة ‪ ,‬الطفيلية والكومبرادورية بالتحالف مع البيروقراطية الحاكمة (عبر‬

‫برنامجين‪ :‬اليمين "العلماني"‪ ,‬واليمين الديني) وكالهما محكومان –بهذه الدرجة أو تلك‪ -‬لقاعدة‬ ‫التبعية والتخلف‪ ,‬كما أن كل منهما ال يتناقض في الشكل أو الجوهر مع اإلمبريالية والنظام الرأسمالي‬

‫‪ ,‬األمر الذي يفرض على كافة قوى اليسار الثوري في بالدنا تفعيل جوانب النضال الوطني والصراع‬

‫الطبقي وصوال الى مرحلة نضوج عوامل البديل الشعبي ارتباطا بمفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية من‬

‫منظورنا اليساري الماركسي لهذا المفهوم ‪ ,‬ووفقا لذلك فان هذه الثورة هي استمرار لثورة التحرر‬

‫الوطني من جهة وهي استمرار لسيرورة الثورة االشتراكية من جهة ثانية ‪ ,‬انطالقا من العالقة الجدلية‬ ‫بين الثورة الوطنية الديمقراطية و الثورة االشتراكية ‪.‬‬

‫فالثورة الوطنية الديمقراطية ترتكز إلى تحالف واسع من الجماهير يضم القوة الرئيسية للتحالف‬

‫الثوري المكونة من العمال والفالحين الفقراء‪ ,‬الى جاتب الشرائح الفقيرة من البورجوازية الصغيرة ‪,‬‬

‫(حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ‪ ,‬وان وجدت فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية‬

‫الكبيرة) ويخطئ كل من يحاول القفز على المهام الوطنية الديمقراطية والسير رأسا نحو"الثورة‬ ‫االشتراكية" أو كل من يحاول حصر المرحلة الوطنية الديمقراطية في األفق البرجوازي المسدود‪ .‬فهي‬ ‫تهدف إلى استكمال التحرر الوطني في الميدان االقتصادي االجتماعي ‪ ,‬كما وترمي إلى القيام‬

‫‪451‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بتحوالت طبقية ‪/‬اجتماعية ثورية تضمن انهاء كل اشكال التبعية لالمبريالية وانهاء هيمنة الكومبرادور‬ ‫والراسمالية الطفيلية واقتصاد السوق في المجتمع لحساب اقتصاد التسيير الذاتي والتعاوني والقطاع‬

‫العام والمختلط ‪ ,‬وهذا يعني أن مهامها ‪:‬‬

‫‪ .0‬تصفية البنية االقتصادية التابعة وتصفية البنية االقتصادية الكومبرادورية ‪ ,‬والغاء سيطرة‬ ‫اقتصاد السوق في الميدان االقتصادي ‪.‬‬

‫‪ .3‬تصفية البنى اليمينية الليبرالية وبنى االسالم السياسي االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬ ‫وتقكيك وازاحة هيمنتها في البناء الفوقي ‪ ,‬وهذا يعني اعادة هيكلة وبناء مؤسسات الدولة‬

‫قانونيا وسياسيا وثقافيا بما يتطابق مع المصالح الطبقية لجماهير الفقراء والكادحين في سياق‬

‫العمل الدؤوب اللغاء كافة مظاهر التخلف االقتصادي واالجتماعي والثقافي ‪.‬‬

‫‪ .2‬اعتماد تطبيق مبادىء التنمية المستقلة المعتمدة على الذات في كل قطر عربي ارتباطا بمبدأ‬ ‫االعتماد الجماعي العربي‪.‬‬

‫وانطالقا من وعينا بان مفهوم الثورة الوطنية الديمقراطية هو مفهوم علمي يرتبط ‪ -‬ارتباطا وثيقا ‪-‬‬

‫بتناقضات الصراع الطبقي والصراع الوطني ‪ ,‬فهي ثورة تحرر وطني مناضلة ومقاومة للوجود‬ ‫االمبريالي الصهيوني من اجل اجتثاثه من بالدنا‪ ..‬وهي في نفس الزمان والمكان ثورة ديمقراطية ضد‬ ‫أنظمة االستبداد واالستغالل والتبعية تستهدف اسقاطها ومواصلة النضال من اجل استكمال التحرر‬

‫والسيادة الوطنية في االقتصاد والسياسة والثقافة وكافة قضايا المجتمع برؤية طبقية تستهدف اساسا‬ ‫مصالح الشرائح الفقيرة وكل الكادحين المضطهدين ‪ ,‬وبرؤية تنموية تقوم على مبدأ التنمية المستقلة‬

‫واالعتماد على الذات ‪ ,‬فالثورة الوطنية او الشعبية الديمقرااطية ‪ -‬في اوضاعنا العربية الراهنة ‪-‬هي‬ ‫الثورة التي تلتزم برؤية وبرامج تجسد مصالح واهداف العمال والفالحين الفقراء وكافة الشرائح‬ ‫الجماهيرية الفقيرة والمضطهدة ‪ ,‬بقيادة الحزب الماركسي الثوري لضمان انجاز المهام الديمقراطية‬

‫السياسية واالجتماعية والتنموية االقتصادية وتكريس اسسها وبنيتها التحتية وقاعدتها االنتاجية ‪,‬‬

‫وفي هذه المرحلة سيتمتع المجتمع بالمعاني الحقيقية للمساواة وتطبيق مفهوم المواطنة والديمقراطية‬

‫ببعديها السياسي واالجتماعي طالما أن الجماهيرالشعبية تشارك بشكل ديمقراطي ثوري ملموس من‬

‫خالل مندوبيها في هذه العملية ‪ ,‬بما يمكنها أن تتولى بشكل مباشر – عبر الدور الطليعي للحزب‬

‫الماركسي الثوري في اطار االئتالف الجبهاوي التقدمي االشتراكي‪ -‬إدارة شئون المجتمع عموما وبما‬ ‫يؤكد على مراكمة عوامل التطور النهضوي للبنية المادية التحتية في جميع القطاعات االنتاجية‬

‫(خاصة قطاعات الصناعة والزراعة واالقتصاد والتقدم التكنولوجي وقطاع الخدمات ) بما يعزز تنمية‬ ‫وتوافق البنية الفوقية مع البنية التحتية ‪ ,‬حيث سيكون التوسع المستمر في اإلنتاج وتحقيق العدالة‬

‫‪450‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫في التوزيع كفيلين بالقضاء على القاعدة المادية للراسمالية واالقتصاد الحر ولكل اشكال المنافسة‬

‫والخوف والعوز تمهيدا لالنتقال الى المجتمع االشتراكي‪.‬‬

‫ووفق هذه الرؤية فان الثورة الوطنية الديمقراطية هي باختصار ثورة وطنية وطبقية مناضلة ضد‬

‫كل اشكال التبعية والتخلف واالستغالل واالستبداد ‪ ,‬وضد كافة قوى اليمين الليبرالي او االسالم‬

‫السياسي ‪ ,‬فهي ثورة تستهدف تحقيق االستقالل الوطني والسيادة الكاملة على االرض والموارد‬

‫والتوزيع العادل للثروة والدخل ‪ ,‬وهي ايضا ثورة ضد القوى البورجوازية وكل مظاهر االستبداد واالفقار‬ ‫واالستغالل الرأسمالي ‪ ,‬وبالتالي فان قيادة الثورة يجب ان تتوالها الطبقات الشعبية الفقيرة من العمال‬

‫والفالحين الفقراء بقيادة احزاب يسارية ماركسية ثورية‪ ,‬بما يضمن تطبيق اسس ومفاهيم الحداثة‬ ‫والتنوير العقالني والديمقراطية والتقدم وفتح سبل التطور الصناعي واالقتصادي وفق قواعد التخطيط‬

‫والتنمية المستقلة وتكافؤ الفرص وتحديد الحد االدنى للدخل الذي يضمن تأمين احتياجات اسرة‬

‫العامل‪ ,‬وتحديد الحد االعلى للدخل بما ال يزيد عن خمسة اضعاف دخل العامل المنتج الى جانب‬ ‫تطوير االوضاع الصحية والتأمينات االجتماعية والثقافية والرفاه للجماهير الشعبية وتحقيق مبادىء‬

‫واليات العدالة االجتماعية الثورية ‪.‬‬

‫بهذا التوجه في الرؤية والبرامج ‪ ,‬فان الثورة الوطنية الديمقراطية تستهدف القيام بتحوالت نوعية‬

‫عريضة‪ ,‬ديمقراطية ثورية تحقق انهاء البنية الطبقية الرأسمالية وادواتها الطبقية بكل تالوينها‬

‫ومسمياتها ومصادرة ثرواتها ‪ ,‬ضمن خطة تستهدف بناء االقتصاد الوطني ‪,‬وتحقيق التنمية المستقلة‬

‫من خالل ‪ :‬إقامة التعاونيات ‪ ,‬وتطوير وتوسيع الصناعة الوطنية والزراعة المكثفة والتجارة الداخلية‬

‫مع دور مركزي للدولة بالنسبة ألولويات التجارة الخارجية ‪ ,‬بما يضمن توفير اسس بناء البنية الفوقية‬ ‫للنظام الثوري الديمقراطي الجديد بالقطيعة مع البنية االمبريالية والطبقية اليمينية السابقة عبر تحطيم‬

‫العالقات ما قبل الرأسمالية‪ ,‬وتصفية التخلف االجتماعي الثقافي جنبا الى جنب مع خطط محو األمية‪,‬‬ ‫وتطوير الصحة والتأمين الصحي المجاني للفقراء الى جانب العلم والثقافة الوطنية ببعديهما القومي‬

‫واالنساني‪ ,‬وبناء الجيش الوطني والمؤسسات األخرى التي تخدم أغراض الدولة الوطنية الديمق ارطية ‪.‬‬

‫اخي ار ‪...‬إن الثورة الوطنية‪ /‬الشعبية الديمقراطية يمكن ان ترتكز إلى تحالف واسع من القوى السياسية‬ ‫الملتزمة بهذه الرؤية ‪ ,‬الى جانب التحالف الشعبي الذي يضم إلى جانب العمال والفالحين الفقراء‪,‬‬

‫الشريحة الفقيرة من البورجوازية الصغيرة (حيث ال وجود للبورجوازية الوطنية في بالدنا ‪ ,‬وان وجدت‬ ‫فهي مرتبطة بالبورجوازية الكومبرادورية الكبيرة) ‪...‬وهنا بالضبط فان الثورة الوطنية او الشعبية‬

‫الديمقراطية هي مرحلة انتقالية صوب االشتراكية ‪ .‬وبالتالي فان القوى الديمقراطية اليسارية في البلدان‬ ‫العربية ‪ ,‬يجب أن تتوحد أو تأتلف في اطار جبهوي في هذه اللحظة وتكرس كل جهودها من أجل‬ ‫‪452‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مراكمة توسعها ونضالها في أوساط جماهيرها – في كل قطر عربي ‪ -‬معلنة استمرار النضال الستكمال‬ ‫مهمات واهداف الثورة الوطنية الديمقراطية من أجل إقامة مجتمع اشتراكي خال من االستغالل‪ ,‬قائم‬

‫على مبادىء ومفاهيم الحداثة ووالعدالة االجتماعية والديمقراطية والعلمانية واالنسانية على طريق‬ ‫تحقيق مهمات واهداف الثورة الوطنية القومية التحررية الديمقراطية على طريق بناء مجتمع عربي‬

‫اشتراكي موحد‪.‬‬

‫‪453‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن ابناء الشهداء واجلرحى واصحاب البيوت املدمرة ‪ ،‬وعن خطة اعمار قطاع‬

‫غزة وتعثر والدة حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط املذلة للدول املاحنة ‪.....‬‬ ‫‪9 / 6 / 3102‬‬ ‫عن ابناء الشهداء والجرحى واصحاب البيوت المدمرة ‪ ,‬وعن خطة اعمار قطاع غزة وتعثر والدة‬

‫حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط المذلة للدول المانحة ‪.....‬‬

‫االثنين ‪ 3102/1/39‬توقف العدوان الصهيوني على قطاع غزة بعد ‪ 20‬يوما من صموده‬

‫ومقاومته الباسلة في مواجهة القصف الهمجي التدميري الذي ادى الى استشهاد اكثر من ‪3011‬‬

‫شهيد واكثر من ‪ 00‬ألف جريح ‪ ,‬وتدمير اكثر من عشرة االف منزل وشقة ومنشىآت مدنية ‪ ,‬منها‬

‫حوالي ‪ 2111‬منزل تدمير كلي ‪ ,‬وأكثر من ‪ 221‬مصنع ومزرعة وورشة تدمي ار كليا وجزئيا‪....‬ومنذ‬ ‫ذلك التاريخ لم يلمس ابناء الشهداء أو المتضررين أي خطوة تبشر بقرب تطبيق ما تم االتفاق عليه‬

‫من فتح المعابر وازالة الحصار وتوفير اسس مصالحة حقيقية بين قطبي الصراع فتح وحماس وتشكيل‬

‫حكومة وحدة وطنية وبداية خطة االعمار من الدول المانحة ( االجنبية والعربية ) دون ان يدرك‬

‫البعض ( في الفصائل )الثمن السياسي الذي سيدفعه شعبنا ومشروعنا الوطني مقابل المبالغ‬ ‫المخصصة لالعمار ‪ ,‬وهو ثمن سيكون في حده االدنى مشروطا من كل الدول المانحة بالتأكيد على‬

‫ان دفع االموال ليس موقفا انسانيا على االطالق‪ ,‬بل مقابل تكريس وضمان التهدئة الفلسطينية‪-‬‬

‫االسرائيلية ووقف كافة " االعمال العدوانية "؛ وتثبيت اسس المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس‬

‫بما يضمن سيطرة السلطة الفلسطينية؛ ودعم حكومة الرئيس محمود عباس وشرعيتها واتفاقاتها‬

‫المعقودة مع الدولة الصهيونية ‪ ,‬كما سيفرض مؤتمر المانحين – المنوي عقده في ‪- 3102/01/1‬‬ ‫الشروط واالليات التي تحظى بثقة الواليات المتحدة والدول المانحة ؛ بما في ذلك رفض أية حلول‬

‫مستندة الى المقاومة المسلحة في غزة او في الضفة الغربية؛ انطالقا من الموقف االمريكي والدولي‬

‫والعربي الرسمي أن ال حل إال الحل السياسي وبالعودة الى التفاوض مع" إسرائيل"؛ على قاعدة دعم ما‬ ‫يسمى بحل الدولتين للصراع؛ وضمان عدم دخول أسلحة غير شرعية لقطاع غزة؛ ودعم رعاية مصر‬

‫للحوار والمصالحة والتهدئة؛ وتشكيل حكومة فلسطينية تحترم االلتزامات واالتفاقات مع دولة العدو‬

‫االسرائيلي الى جانب االلتزام باالتفاقات الدولية؛ وكل تلك الشروط وغيرها تجسد الثمن السياسي الذي‬

‫يجب ان يدفعه الفلسطيني ( من وجهة نظر امريكا والدول المانحة ) مقابل الوعد بتقديم االموال‬

‫الالزمة العادة إعادة إعمار قطاع غزة‪!!!.‬‬

‫‪454‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وها هم ابناء وذوي الشهداء ينتظرون – بقلق وحسرة وألم ‪ -‬تطبيق الخطة الكفيلة بتقديم‬

‫المعونات والتعويضات الطارئة والمصاريف الدائمة لهم وسبل رعاية ابناء الشهداء بضمان كل‬ ‫مستلزمات الحياة الكريمة لهم وألسرهم وضمان التعليم المجاني بكل مراحله لهم ‪ ,‬كما ينتظر اصحاب‬

‫البيوت المدمرة – بكل مشاعر األسى والحزن ‪ -‬البدء الفوري بتطبيق خطة الطوارىء لتوفير منازل‬ ‫مستأجرة او كرافانات مؤقتة تأويهم لحين تطبيق " خطة اعادة االعمار والتعويضات"‪ ,‬وفي قائمة‬

‫االنتظار يتطلع ايضا اصحاب الورش والمصانع والمزارع المدمرة – بنفس المشاعر ‪ -‬الى خطة‬ ‫التعويض واالعمار ليبدأوا اعمالهم ودوراتهم االنتاجية من جديد ‪ ,‬واالسهام في تخفيف مظاهر الفقر‬

‫والبطالة التي ارتفعت اليوم في قطاع غزة الى ما ال يقل عن ‪ %91‬من مجموع القوى العاملة ( حوالى‬

‫ربع مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة يعيلون اكثر من مليون شخص) وكذلك األمر بالنسبة‬

‫البناء شعبنا في قطاع غزة الذين طال انتظارهم منذ ‪ 7‬سنوات العادة التيار الكهربائي من خالل‬ ‫اصالح وتقوية طاقة شركة الكهرباء واقامة محطات لتحلية المياه بعد ان اصبح أكثر من ‪ %61‬من‬

‫المياه الجوفية في قطاع غزة ال تصلح لالستخدام االدمي يسبب شدة ملوحتها ومرارتها‪ ,‬وينتظرون‬

‫ايضا اعادة اعمار المباني والمؤسسات الحكومية والمساجد والكنائس والمراكز الثقافية‪...‬الخ ‪ ,‬كما‬ ‫ينتظرون اصالح شبكات صرف المياه العادمة التي تصب يوميا في بحر غزة ما ال يقل عن ‪ 011‬ألف‬

‫متر مكعب يوميا ادت الى تلويث الشاطىء وقتل أو هروب االسماك داخل البحر وحرمان االهالي من‬

‫السباحة‪... ,.‬فهل تبادر الفصائل واالحزاب والحركات والشخصيات والفعاليات الوطنية الى ممارسة كل‬ ‫اشكال االتحريض في أوساط الجماهير في الضفة وقطاع غزة والشتات بهدف الضغط السياسي‬

‫الديمقراطي على قطبي الصراع فتح وحماس النهاء كل رواسب اال نقسام وذيوله صوال الى االتفاق‬ ‫على صيغة وطنية ديمقراطية جامعة تضمن رفض االستسالم للشروط المذلة المطروحة من الواليات‬ ‫المتحدة والدول المانحة ‪ ,‬بمثل ما تضمن بناء النظام السياسي الوطني الديمقراطي الفلسطيني الذي‬

‫يوفر اسس مواصلة النضال بكل اشكاله من اجل حرية شعبنا واقامة دولته الفلسطينية المستقلة كاملة‬ ‫السيادة على ارضها وسمائها ومياهها وبحرها ومواردها ومعابرها كحل مرحلي لن يلغي حقوق شعبنا‬

‫التاريخية في ارض وطنه‪.‬‬

‫‪455‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن االزمة البنيوية يف أطر احلركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها املختلفة‬ ‫واستحقاق البديل الدميقراطي اآلن وفورا‪......‬دعوة للحوار‪......‬‬

‫‪1 / 6 / 3102‬‬

‫تجلى االختالل التراكمي في موازين القوى‪ ,‬فلسطينياً على شكل أزمة بنيوية شاملة تضرب في كل‬

‫اتجاه‪ .‬وهكذا وجدت الحركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها المختلفة نفسها‪ ,‬وعلى نحو مفاجئ‪ ,‬وجهاً‬ ‫لوجه أمام أزمة بنيوية طاحنة‪ ,‬رغم وضوح مقدمات األزمة ومظاهرها األولية‪ .‬عبرت األزمة عن ذاتها‬

‫عملياً في حقائق أساسية سجلتها الوثيقة السياسية – الصادرة عن المؤتمر الوطني السادس للجبهة‬

‫الشعبية كما يلي‪:‬‬

‫(‪ )0‬استسالم القيادة الفلسطينية الرسمية التي ربطت خياراتها السياسية بالمشروع األمريكي –‬ ‫اإلسرائيلي ودخلت المفاوضات السياسية بروح وعقلية الواقعية المهزومة‪.‬‬

‫(‪ )3‬أزمة قوى المعارضة‪ ,‬التي لم تتمكن من كبح اندفاعة القيادة الفلسطينية الرسمية‪ ,‬كما لم‬ ‫تستطع بناء ذاتها على أساس رؤية جديدة تشمل أدائها الفكري والسياسي والتنظيمي‬

‫والجماهيري ارتباطاً بتحوالت الصراع‪ ,‬فازدادت عزلتها وتراجعت مصداقيتها بعد ان عجزت او‬ ‫تراخت عن تفعيل البرنامج المطلبي الديمقراطي المعبر عن هموم وتطلعات جماهيرها‪.‬‬

‫ما تقدم‪ -,‬كما تضيف الوثيقة ‪" -‬يفرض استحقاق البديل الوطني الديمقراطي وشروط قيامه بصورة‬

‫قسرية‪ ,‬حيث إننا أمام لوحة تحكمها تناقضات الصراع التاريخية والراهنة أو التي ال تزال في رحم‬

‫المستقبل‪.‬لوحة تعبر عن شمولية الصراع وتاريخيته‪ .‬صراع يديره التحالف االمبريالي الصهيوني‬ ‫والرجعي العربي‪ ,‬بكل ما يملك من قوة ‪.‬‬

‫ما يعني أن طبيعة الصراع الموضوعية‪ ,‬والذي نجد انعكاساً له في استمرار مظاهر الصراع‪,‬‬

‫واحتدام التناقضات مع العدو‪ ,‬تشير على أن األزمة التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية‪ ,‬هي‬ ‫تعبير عن قصور وعجز العامل الذاتي عن االرتقاء برؤيته وأدائه وممارسته السياسية والفكرية إلى‬

‫مستوى استحقاقات وشروط الصراع" ‪.‬‬

‫"هنا تقع مكانة الحالة الديمقراطية في الساحة الفلسطينية والدور التاريخي الذي ينتظرها في هذه‬

‫المرحلة الدقيقة حيث سيتقرر غير شأن مصيري ‪ ,‬وتمأل المساحة الفارغة التي ما زالت تنتظر إطارها‬

‫التاريخي‪ ,‬القادر على تقديم الرؤية وتقدير اللحظة والدور والمكانة ومؤهل ليعبر عنهما ‪.‬‬

‫في ضوء المعنى الدقيق المشار إليه‪ ,‬يمكن قراءة التحديات واألسئلة الكبرى التي تواجه البديل‬

‫الوطني الديمقراطي‪ ,‬واستنتاج أننا أمام عملية عميقة وشاملة تستدعي القطع الجدي مع الفكر السائد‪,‬‬

‫الذي يحصر مفهوم البديل الديمقراطي في وحدة بعض الفصائل الديمقراطية الفلسطينية‪ .‬تكمن معضلة‬

‫‪456‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫هذا الفكر في أنه ال يذهب بالمسائل إلى جذورها‪ ,‬بل يعيد إلى إنتاج األزمة‪ ,‬ألنه يعود إلى نفس‬

‫الذهنية والمفاهيم السياسية التي قادت إلى األزمة ‪.‬‬

‫تأسيساً على هذا الفهم‪ ,‬يصبح باإلمكان قراءة تجربة التيار الديمقراطي في الساحة الفلسطينية‪,‬‬

‫وتحديد جذور إخفاقاته وفشله التي تعود في جوهرها إلى تراجعه التراكمي عن تأدية دوره ووظيفته‬

‫كبديل وطني ديمقراطي بما يمثله من رؤية سياسية واجتماعية وفكرية وتأدية دوره ووظيفته كبديل‬

‫وطني ديمقراطي تاريخي لليمين الفلسطيني بشقيه الليبرالي الرث واالسالم السياسي‪ ,‬تتجاوز حدود هذا‬ ‫التيار‪ ,‬لتصيب في النهاية الشعب الفلسطيني الذي فقد‪ ,‬بسبب إخفاق وعجز التيار الديمقراطي عن‬

‫تأدية دوره ووظيفته كبديل تاريخي‪ ,‬عنصر التوازن المطلوب في حياته السياسية‪ ,‬تاركاً الفرصة‬

‫لذهنية التفرد والهيمنة والهبوط في مستوى معايير األداء ربطاً بغياب الرقيب – المنافس –‬

‫البديل‪...‬الخ ‪.‬‬

‫وبالتالي فإن الحديث عن البديل الوطني الديمقراطي يفقد علميته ومنطقه حين يبتذل إلى مستوى‬

‫النظر لكارثة أوسلو‪ ,‬والتعامل معها وكأنها نتيجة نهائية أو خيار وحيد ممكن لحركة الصراع‬

‫الفلسطيني – الصهيوني‪ ,‬وبالتالي التأسيس عليها وكأنها منصة االنطالق ألية مهام قادمة ‪.‬‬

‫إن البديل المطلوب‪ ,‬ال بد وأن يكون من خارج أوسلو‪ ,‬ألن غير ذلك يضع النضال الوطني‬

‫الفلسطيني ضمن دينامية سياسية اجتماعية في منتهى الخطورة‪ ,‬بحكم القيود والهيمنة التي كرستها‬

‫"إسرائيل "في االتفاقات الموقعة وما تفرضه من وقائع مادية ميدانية‪ ,‬األمر الذي يتيح لها تكريس‬ ‫مصالحها كإطار مرجعي يمكنها من استخدام عناصر تفوقها لتعزيز إنجازاتها من جانب‪ ,‬وقطع الطريق‬

‫على محاوالت النهوض الوطني الفلسطيني من جانب آخر‪.‬‬

‫بناء على ما تقدم‪" ,‬فإن مفهوم البديل الوطني الديمقراطي يعني رؤية الواقع ومستجداته وحركته‪,‬‬

‫لخدمة الرؤية الشاملة للصراع الوطني التحرري واالجتماعي الديمقراطي‪ .‬بهذا المعنى‪ ,‬تتضح فكرة‬

‫القطع مع أوسلو كمنهج وخيار التصرف تجاهه كواقع معطى" ‪.‬‬

‫هكذا تستقيم المعادلة وتنسجم‪ -‬كما تؤكد الوثيقة ‪ ,-‬حيث يتجسد البديل كعملية سياسية ‪-‬‬

‫اجتماعية – اقتصادية – ثقافية – كفاحية نقيضه لكل من المشروع المعادي‪ ,‬والفكر اليومي العاجز‬ ‫لليمين الفلسطيني‪.‬‬

‫يستدعي هذا الواقع من كافة القوى اليسارية والديمقراطية"العمل لتخطي الخلل‪ ,‬الذي حكم ممارسة‬

‫المعارضة السياسية‪ ,‬إلى دور الرافعة وحامل مشروع "البديل الوطني الديمقراطي"‪ .‬بما هو تعبير عن‬ ‫مشروع وطني تحرري اجتماعي ديمقراطي إيجابي في جوهره ومظهره‪.‬‬

‫وبالتالي فإن تخطي األزمة التي تعاني منها القوى الديمقراطية الفلسطينية‪ ,‬مشروط بقدرتها على‬

‫إعادة بناء ذاتها‪ ,‬وفق استحقاقات البديل الوطني الديمقراطي‪ ,‬واالنتقال بالعملية من المستوى‬ ‫الفصائلي الضيق إلى المستوى الوطني الشامل‪ ,‬ومن المستوى التنظيمي المحدود إلى مستوى فهمها‬ ‫‪457‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫كعملية بنائية ترتقي عبرها القوى الديمقراطية أو التيار الديمقراطي من مستوى الفعل المحدود لبعض‬

‫القوى السياسية والشخصيات االجتماعية إلى مستوى الحالة الديمقراطية الشاملة لعموم الشعب‬

‫الفلسطيني‪ ,‬التي بدونها يستحيل ترجمة مفهوم البديل الوطني الديمقراطي ‪.‬‬

‫‪458‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫رؤية راهنة ومستقبلية عن رؤية ودور القوى اليسارية الثورية‬ ‫الفلسطينية‬

‫‪02 / 6 / 3102‬‬ ‫انطالقا من ان فكرة المقاومة (بكل اشكالها) الهادفة إلى هزيمة الدولة الصهيونية تشكل هدفا‬

‫استراتيجيا لكل فصائل واحزاب حركة التحرر الوطني العربية أقدم رؤية راهنة ومستقبلية عن دور‬

‫القوى اليسارية الثورية الفلسطينية ورؤيتها ومواقفها المطلوبة تجاه الوضع العربي وفق االسس‬

‫التالية‪:‬‬

‫‪ -0‬ا النطالق من رؤية إستراتيجية تقوم على أن الدولة الصهيونية هي جزء من المشروع‬

‫االمبريالي‪ ,‬وليست كما يزعم البعض أنها "وجدت لتبقى" أو أنها "دولة اليهود" أو "أرضاً‬

‫للميعاد"‪ ,‬فهذه كلها كذبة كبرى استخدمت غطاء ألهداف النظام الرأسمالي‪ ,‬األمر الذي تثبته‬ ‫وتؤكد عليه حقائق الصراع مع دولة العدو اإلسرائيلي المعنية باإلسهام في الهيمنة على‬ ‫الوطن العربي كونها دولة أنشئت لتحقق وظيفة محددة في خدمة رأس المال االمبريالي‪ ,‬ما‬

‫يعني بوعي وبوضوح التأكيد على إنهاء المشروع الصهيوني‪ ,‬عبر هزيمة المشروع االمبريالي‬

‫في الوطن العربي من ناحية والتأكيد على ضرورة التغيير في الوضع العربي إلنهاء النظم‬

‫التابعة كلها من ناحية ثانية‪.‬‬

‫‪ -3‬انطالقا من أن التناقض األساسي التناحري مع العدو الصهيوني‪ ,‬دون تجاوز التناقض مع‬ ‫أنظمة التبعية واالستبداد والتخلف الرجعية العربية باعتباره تناقض سياسي رئيسي‪ ,‬وال يعني‬

‫ذلك أن تقوم القوى الثورية الفلسطينية بمهمة التغيير في البلدان العربية واسقاط األنظمة‪ ,‬بل‬

‫يعني "التحالف مع حركة الجماهير العربية وقواها التقدمية الثورية الديمقراطية إلسقاط أي‬ ‫نظام رجعي أو تابع للحلف اإلمبريالي الصهيوني‪.‬‬

‫‪ -2‬ضرورة الترابط المتبادل بين النضال الوطني الفلسطيني والنضال القومي الديمقراطي النهضوي‬

‫العربي‪ :‬فشعار استقاللية العمل والقرار الفلسطينيين شعار سليم عندما تتم ترجمته على قاعدة‬ ‫ضارً إذا قصد‬ ‫حماية الثورة الفلسطينية من األنظمة العربية المشار إليها‪ ,‬ولكنه يصبح شعا ارً ّا‬ ‫به حصر معركة التحرير بالشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫‪ -2‬المساهمة في إسقاط نهج التفريط الخيانة‪ ,‬واقتالع كل تواجد أو نفوذ إمبريالي عسكري أو‬ ‫اقتصادي أو ثقافي من األرض العربية‪ ,‬وبالتالي المساهمة في تحقيق كامل أهداف الشعوب‬

‫والجماهير الشعبية العربية في التحرير والديمقراطية والعدالة االجتماعية واألشتراكية والوحدة‪.‬‬ ‫‪459‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -2‬المهمات التنظيمية المركزية األستراتيجية المقترحة للحوار على الصعيد العربي ‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬النضال الجاد من أجل تحقيق وحدة القوى اليسارية على الصعيد القطري ‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬النضال الجاد من أجل إقامة الجبهة الوطنية التقدمية الديمقراطية على الصعيد‬ ‫القطري‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬النضال الجاد والدؤوب والمثابر وطويل النفس من أجل بناء الحزب الماركسي الثوري‬ ‫العربي قائد الثورة الوطنية الديمقراطية العربية المتصلة بالثورة االشتراكية‪.‬‬

‫‪461‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫نظرة حتليلية لواقع التخلف العشائري والنمط شبه الرأمسايل التابع والرث‬ ‫وانتشار الفساد يف جمتمعاتنا العربية‪....‬‬

‫‪32 / 6 / 3102‬‬ ‫من المهم والضروري في اطار عملية النضال الديمقراطي والصراع الطبقي في مجتمعاتنا العربية ‪,‬‬

‫متابعة مخاطر النمط شبه الرأسمالي الذي تطور في البلدان العربية عبر عملية االنفتاح والخصخصة‬

‫خالل العقود الثالثة الماضية‪ ,‬وبين النمط القبلي ‪/‬العائلي‪ ,‬شبه اإلقطاعي‪ ,‬الريعي‪ ,‬الذي ما زال سائداً‬ ‫برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه االجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث‪ ,‬اذ أن هذا النمط‬

‫المشوه من العالقات االقتصادية تنعكس آثاره بالضرورة على العالقات االجتماعية العربية بما يعمق‬

‫األزمات السياسية واالجتماعية‪ ,‬واتساعها األفقي والعامودي معاً‪ ,‬خاصة مع استشراء تراكم الثروات‬ ‫الفردية غير المشروعة‪ ,‬وأشكال »الثراء السريع« كنتيجة مباشرة لسياسات االنفتاح والخصخصة‪,‬‬ ‫والهبوط بالثوابت السياسية واالجتماعية الوطنية‪ ,‬التي وفرت مقومات ازدهار اقتصاد المحاسيب وأهل‬

‫الثقة‪ ,‬القائم على الصفقات والرشوة والعموالت بأنواعها‪ ,‬وهذه الظاهرة شكلت بدورها‪ ,‬المدخل الرئيسي‬ ‫لتضخم ظاهرة الفساد بكل أنواعه‪ ,‬في السياسة واالقتصاد واالجهزة البيروقراطية االدارية واالمنية‬

‫والعالقات االجتماعية ‪ ,‬حيث تراكم وانتشر الفساد الكبير‪ -‬منذ عقود طويلة ‪ -‬لدى "كبار المسئولين‬ ‫من الحكام واالمراء والمشايخ والوزراء ومعظم وكالء الو ازرات والمديرين ‪ ,‬ثم تكرست مرحلة الفساد‬

‫الصغير وانتشرت افقيا بمساحات واسعة في صفوف صغار الموظفين ورجال الشرطة واالمن وغيرهم ‪,‬‬ ‫بحيث اصبحت الواسطة والوسائل غير المشروعة‪ ,‬هي القاعدة في التعامل ضمن إطار أهل الثقة أو‬

‫المحاسيب‪ ,‬بعيداً عن أهل الكفاءة والخبرة‪ ,‬ودونما أي اعتبار هام للقانون العام والمصالح الوطنية‬ ‫والمجتمعية ‪ ,‬مما يحول دون ممارسة الحد األدنى من العدالة ‪ ,‬وغابت تماما امكانية تطبيق الحد‬

‫االدني من مفهوم المواطنة او الديمقراطية ناهيكم عن تطبيق مفهوم المجتمع المدني أو تطبيقاته‬

‫السياسية بحكم استمرار تغلغل الفساد واالستبداد الناجم عن استفحال التبعية والتخلف واحتكار الثروات‬ ‫والمصالح الطبقية في االنظمة العربية الحاكمةال فرق بين نظام ملكي او مشيخي او اميري او‬

‫جمهوري ‪ ...‬وبالتالي ال خيار أمام احزاب اليسار الديمقراطي الثوري سوى االندماج في حركة السيرورة‬ ‫الثورية الجماهيرية لتحقيق اهداف العمال والفالحين الفقراء وكل المضطهدين في الحرية والعدالة‬

‫االجتماعية والتنمية بافاقها االشتراكية ‪.‬‬

‫‪460‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫عن عملية االعمار واستمرار احلصار ‪ ،‬وعن السكان والقوى العاملة والبطالة‬ ‫يف الضفة الغربية وقطاع غزة كما يف منتصف ‪3104‬‬

‫‪32 / 01 / 3102‬‬ ‫استناداً الى كراس مسح القوى العاملة الصادر عن الجهاز المركزي لالحصاء الفلسطيني بتاريخ‬

‫ابريل‪ ,3102‬فقد بلغ اجمالي عدد السكان في الضفة وقطاع غزة منتصف عام ‪)21230( 3102‬‬ ‫مليون نسمة‪ ,‬وبإضافة نسبة النمو السنوي للسكان ومقدارها ‪ %2‬يصبح عدد السكان في الضفة‬

‫والقطاع منتصف عام ‪ )2.22( 3102‬مليون نسمة ‪ ,‬يتوزعون في الضفة الغربية بنسبة ‪%90.2‬‬

‫ما يعادل ‪ 317611321‬شخص‪ ,‬وقطاع غزة بنسبة ‪ %21.2‬ما يعادل ‪ 017201721‬شخص‪.‬‬ ‫أما نسبة القوى البشرية ‪ ,‬ضمن سن العمل (‪ 02‬سنة فأكثر) فقد بلغت في الضفة وقطاع غزة‬

‫‪ %26.6‬من مجموع السكان فيهما‪ ,‬ما يعادل ‪ 317321221‬شخص‪ ,‬منهم في الضفة‬

‫‪ 017221602‬شخص بنسبة ‪ %93‬من مجموع سكان الضفة الغربية‪ ,‬مقابل نسبة ‪ %29.2‬في‬ ‫قطاع غزة ‪ ,‬ما يعادل ‪ 616721‬شخص ‪.‬‬

‫أما مجموع القوى العاملة في الضفة والقطاع كما في منتصف عام ‪ ,3102‬فيبلغ ‪010111369‬‬

‫شخص بنسبة ‪ %22.9‬من مجموع القوى البشرية (‪ 02‬سنة فأكثر)‪ ,‬يتوزعون بنسبة ‪ %22‬في‬ ‫الضفة الغربية ‪,‬ما يعادل ‪ 711711‬شخص ‪ ,‬مقابل نسبة ‪ %20.3‬في قطاع غزة ‪ ,‬ما يعادل‬

‫‪ 217269‬شخص‪.‬‬

‫هذا وقد بلغت نسبة العاملين بالفعل في الضفة والقطاع منتصف عام ‪ )%72.9( 3102‬ما يعادل‬

‫‪ 112‬ألف عامل‪ ,‬مقابل نسبة العاطلين عن العمل التي بلغت ‪ %32.2‬ما يعادل ‪ 371‬ألف عاطل‬

‫عن العمل ‪ ,‬أما عدد العاملين بالفعل في الضفة الغربية (منتصف ‪ )3102‬فقد بلغ ‪ 901‬ألف عامل‬

‫بنسبة ‪ %10.2‬من مجموع القوى العاملة مقابل نسبة ‪ %01.9‬عاطلين عن العمل ما يعادل ‪020‬‬ ‫ألف شخص‪ ,‬في مقابل نسبة ‪ %97.2‬عاملين بالفعل في قطاع غزة ‪ ,‬ما يعادل ‪ 397‬ألفاً‪ ,‬ونسبة‬

‫‪ %23.9‬عاطلين عن العمل‪ ,‬ما يعادل ‪ 036‬ألف عاطل عن العمل‪.‬‬

‫وفي منتصف هذا العام ‪ ,3102‬فإن نسبة العاملين في الضفة الغربية تصل إلى حوالي ‪ %10‬من‬

‫مجموع القوى العاملة‪ ,‬ما يعادل ‪ 923297‬عامل‪ ,‬مقابل نسبة بطالة ال تزيد عن ‪ %06‬ما يعادل‬

‫‪ 021222‬عاطل عن العمل ‪ ,‬اما في قطاع غزة ‪,‬فقد استمرت نسبة العاملين فيه حتى منتصف عام‬ ‫‪ 3102‬أو بداية العدوان الصهيوني عليه أول شهر تموز‪/‬يوليو ‪ 3102‬عند نسبة ‪ %97.2‬عاملين‬

‫‪462‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالفعل‪ ,‬أي ما يعادل ‪ 372731‬عامل‪ ,‬مقابل نسبة ‪ %23.9‬عاطلين عن العمل‪ ,‬ما يعادل‬

‫‪ 023179‬عاطل عن العمل في قطاع غزة حتى منتصف عام ‪.3102‬‬

‫وفي ضوء نتائج العدوان الصهيوني على القطاع الذي تواصل منذ صباح يوم ‪ 3102/7/1‬واستمر‬

‫لمدة ‪ 20‬يوماً حتى تاريخ ‪ 3102/1/31‬حيث تم تدمير أكثر من ‪ 021‬مصنع تدمي ارً كلياً وجزئياً‬ ‫وأكثر من ‪ 311‬منشأة زراعية وأكثر من عشرة أالف منزل ومنشأة سكنية ومحالت تجارية وورش‬

‫صغيرة‪ ,‬األمر الذي ادى إلى شلل الحياة االقتصادية بعد أن تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة‪ ,‬وهذا‬ ‫بدوره أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة منذ اول آب ‪ 3102‬حتى تاريخ اعداد هذه الورقة‬

‫إلى حوالي ‪ %91‬من مجموع القوى العاملة‪ ,‬ما يعادل ‪ 322227‬عاطل عن العمل ينتظرون انهاء‬

‫الحصار واستعادة النشاط االقتصادي بكل قطاعاته االنتاجية والخدمية ارتباطاً باعادة إعمار قطاع غزة‬

‫ارتباطاً بالدعم المالي من المانحين الذين وعدوا عبر مؤتمر القاهرة ‪ , 3102/01/03‬بتقديم األموال‬

‫الالزمة لتنفيذ خطة االعمار‪ ,‬األمر الذي يستوجب تشكيل هيئة وطنية من كافة القوى المتابعة ومراقبة‬

‫تنفيذ خطة إعمار غزة ‪ ,‬أما اذا استمرت كل من حركتي فتح وحماس على مواصلة حالة الصراع‬

‫االنقسامي بينهما ‪ ,‬فإن مصر لن تلتزم بتطبيق اتفاقية التهدئة أو بفتح معبر رفح ‪ ,‬وكذلك األمر‬

‫بالنسبة للدول المانحة ‪ ,‬التي لن تلتزم بتقديم الدعم المطلوب لالعمار بدون االستجابة لشروطها‬

‫السياسية‪ .‬ما يعني تزايد األوضاع االقتصادية واالجتماعية الكارثية ليس بالنسبة للعاطلين عن العمل‬

‫فحسب‪ ,‬بل ايضاً بالنسبة ألكثر من اربعماية ألف من سكان القطاع الذين تشردوا بسبب دمار بيوتهم‪,‬‬ ‫وكذلك األمر بالنسبة ألسر الشهداء والجرحى‪ ,‬إلى جانب تزايد حالة االحباط واليأس في صفوف‬

‫الشباب وارتفاع نسبة الراغبين منهم للهجرة من قطاع غزة رغم كافة المخاطر التي تعترض طريقهم بما‬

‫في ذلك الموت غرقاً‪ ,‬ما يعني بوضوح تفاقم أوضاع االحباط والتذمر واالنحطاط مع ارتفاع نسبة‬ ‫البطالة وانتشار المظاهر والسلوكيات االجتماعية المتردية (تعاطي المخدرات والحشيش والسرقات‬

‫واالنحالل االخالقي‪ ..‬الخ) بسبب انتشار واتساع أحوال الفقر المدقع الى جانب تفاقم االوضاع‬

‫الصحية وانتشار االمراض ( الجرب ‪ /‬والتفوئيد ‪ /‬والسحايا ‪ /‬امراض سوء التغذية ‪ " /‬ابو دغيم") عالوة‬ ‫على احتمال انتشار امراض الكلى الناجمة عن شدة ملوحة المياه في قطاع غزة الذي انخفض مخزونه‬ ‫من المياه العذبة الصالحة لالستهالك البشرى الى اقل من ‪ % 01‬من المخزون‪ ,‬االمر الذي يفرض‬

‫على كافة القوى الوطنية مطالبة السلطة الفلسطينية والجامعة العربية والدول المانحة باقامة محطات‬

‫تحلية المياه بما يضمن انتاج ما ال يقل عن مائة مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب‬

‫سنويا‪.‬‬

‫أخي ارً ‪ ,‬إن ما يعرض علينا اليوم من حلول تخديرية (باسم التسوية أو إعادة إعمار قطاع غزة)‬

‫وفق منطق ارادة العدو االمريكي االسرائيلي تحت مسميات متنوعة ترفض مبدأ الحديث عن حق العودة‬

‫وازالة المستوطنات واالنسحاب الكامل والدولة المستقلة ‪ ,‬ال تسعى إال إلى تكريس الموقف األمريكي‬ ‫‪463‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫اإلسرائيلي ‪ ..‬أو شرعية المحتل وشروطه المذلة‪ ,‬وبالتالي فإن الحد األدنى المطلوب الذي يمكن ان‬ ‫يقبله شعبنا كنهاية اخيرة لسقف التنازالت يتلخص فيما ورد في وثيقة الوفاق الوطني ‪ ,‬التي يتوجب‬

‫التمسك بنصوصها والتمترس حول بنودها وأسسها بحيث تكون المحدد الرئيس ألية وثيقة تفاوضية‬

‫للحل المرحلي ‪.‬‬

‫وهذا يعني صراحة رفض الرؤية األمريكية اإلسرائيلية رغم إدراكنا لموازين القوى المختلة مع العدو‬

‫‪ ,‬لكننا لن نقبل شروطهم أو وثائقهم االستسالمية ‪ ,‬الن قبولنا هو الخسارة الكبرى أو مؤشر الضعف‬

‫واالستسالم ‪ ,‬ورفضنا هو مؤشر القوة والصمود في وجه هذا العدو األمريكي اإلسرائيلي المتغطرس‬

‫الذي يريد ان يفرض على شعبنا إرادة القوة الغاشمة أو شرعية المحتل الغاصب ‪ ..‬التي سيرفضها‬

‫وفاء منه لرسالة شهدائه وجرحاه وأسراه ‪ ,‬والتزاماً بتواصل مسيرة النضال من أجل دولة وطنية‬ ‫شعبنا‬ ‫ً‬ ‫ديمقراطية مستقلة كاملة السيادة على كل جزء من ارضنا وسماءنا ومياهنا ‪ ..‬هذا هو الحد االدنى‬

‫المطلوب في هذه المرحلة ‪.‬‬

‫‪464‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫غازي الصوراني‬ ‫‪3102/00/0‬‬

‫عملية إعمار قطاع غزة‪ ...‬شرعنة االحتالل أم إعمار؟‬ ‫عرض وحتليل ومالحظات نقدية‬

‫(النص الكامل للورقة المقدمة إلى ندوة الحوار المفتوح المنعقدة في مطعم التيرنا – غزة – ‪)3102/01/37‬‬

‫ارحب بكل األخوة والرفاق الحضور آمالً ان نتوصل عبر حوار هادئ إلى مجموعة توصيات أو‬

‫مقترحات حول "خطة األعمار" انطالقاً من حرصنا على ضرورة اإلسراع بتطبيقها في إطار رؤية تنموية‬

‫وطنية بعيداً عن شروط الدول المانحة‪ ,‬بما يضمن معالجة آثار الحرب والعدوان اإلجرامي الذي تعرض‬

‫له قطاع غزة لمدة ‪ 20‬يوماً منذ السابع من تموز لغاية السادس والعشرين من آب ‪ ,3102‬حيث‬

‫اعتمد خاللما العدو سياسة التدمير الممنما‪ ،‬لير لقدرات ووامكانيات المقاومة فحس ‪ ،‬بل بتشكل أساسي‬ ‫استمدف مقدرات ووامكانيات تشعبنا الفلسطيني في القطاع‪ ،‬من خالل ايقاع أكبر عدد من التشمداء‬ ‫والجرحس ‪ %41 -‬منمم باتوا اصحا‬

‫اعاقات دالمة‪ -‬وتدمير للمناإل وللبنية التحتية والمنتشآت‬

‫الصناعية والإراعية والخدماتية‪ ،‬بحيث يمكن القول بأن العدو الصميوني تفوق علس الناإيه في هجماته‬

‫من البر والبحر والجو التي لم تترت بتش الر أو حج الر أو تشج الر ىال وكانت هدفال بالنسبة له‪.‬‬

‫صحيح أن العدو اعتمد تلت الممارسات الناإيه أيضال خالل حربيه السابقتين ‪ 3119-3115‬و‬

‫‪ 3103‬وفي كل حروبه السابقة‪ ،‬ىال أن هذه الحر (تموإ ‪ ،)3104‬كانت خسالرها أكبر مما كان عليه‬

‫في الحربين السابقتين‪ ،‬وبمقارنات سريعة سنجد الفرق واضحال‪ ،‬فعلس صعيد الخسالر البتشرية‪ ،‬ف ن مجموع‬ ‫ما استتشمد خالل الحربين السابقيين ‪ 0943‬وأصي‬

‫‪ ، 9455‬أما نتيجة العدوان الممجي في‬

‫تموإ‪ ،3104‬فقد بلغ عدد التشمداء ‪ 3049‬منمم ‪ 530‬طفالل‪ ،‬و‪ 302‬امرأة‪ ،‬و‪23‬تشميدال من الطواقم‬

‫الطبية‪ ،‬و‪ 16‬صحفيال‪ ،‬و‪11‬تشميدال من موالفي وكالة اامم المتحدة إلغاثة وتتشغيل الالجلين الفلسطينيين‬

‫(ااونروا)‪ ،‬وبلغ عدد الجرحس طوال فترة الحر ‪ 00011‬جريحال‪ ،‬تراوحت ىصاباتمم بين متوسطة وطفيفة‬ ‫وخطيرة‪ ،‬منمم ‪ 3,303‬طفالل و‪ 2,101‬امرأة‪ .‬وتتشير اإلحصاءات ااولية ىلس أن ألف طفل علس ااقل‬

‫سيعانون من ىعاقات دالمة‪.1‬‬

‫وعلس صعيد المناإل المدمرة عامي ‪ 3119‬و ‪ 3103‬بلغ مجموعما ‪ 385881‬بين كلي وجإلي ‪،‬‬

‫وخالل حر ‪ 3104‬نالحال تإايد الممجية الناإية الصميونية التي قامت بتدمير أكثر من ‪ 61‬ألف من‬

‫الوحدات السكنية ‪ /‬بين كلي وجإلي ‪ .‬أما علس صعيد تقدير الخسالر المادية‪ ،‬فبلغ خالل حر ‪3103‬‬

‫‪1‬‬

‫المرصد األورومتوسطي‪ ,‬حصيلة شاملة لنتائج الهجوم اإلسرائيلي على غزة‪.2014/8/28 ,‬‬

‫‪465‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ما يقر من ‪ 355‬مليار دوالر‪ ،‬في حين أنه خالل حر ‪ 3104‬بلغت التقديرات أكثر من ‪ 6‬مليار‬

‫دوالر‪.‬‬

‫وللوقوف علس حقيقة الوضع في قطاع غإة وحجم الخسالر التي تكبدها نورد باارقام واالحصاليات‬

‫حس‬

‫العديد من المصادر والجمات الرسمية وغير الرسمية الموثقة‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬الخسائر البشرية ‪:‬‬

‫المنطقة‬

‫عدد الشهداء‬

‫عدد الجرحى‬

‫تشمال قطاع غإة‬

‫‪358‬‬

‫‪3055‬‬

‫مدينة غإة‬

‫‪462‬‬

‫‪3719‬‬

‫الوسطس‬

‫‪292‬‬

‫‪1673‬‬

‫خان يونر‬

‫‪613‬‬

‫‪1663‬‬

‫رفح‬

‫‪422‬‬

‫‪990‬‬

‫ثانياً‪ :‬قطاع المباني والمنشآت الصناعية‪:‬‬

‫الوحدات السكنية المهدمة والمتضررة حسب المحافظة ‪: 1‬‬ ‫نوع الضرر‬

‫تدمير كامل‬

‫ضرر جزئي‬

‫ضرر كبير‬ ‫أضرار جسيمة في‬

‫منازل‬ ‫الوصف‬

‫مدمرة‬

‫من‬

‫أجزاء‬

‫تدمير كامال ال‬ ‫ًا‬ ‫يمكن إصالحها‪,‬‬

‫المنزل‪,‬‬

‫وال‬

‫تصلح‬

‫هذه‬

‫وهي بحاجة إلى‬

‫المنازل للسكن‬

‫هدم واعادة بناء‪.‬‬

‫حتى يتم إعادة‬ ‫تأهيلها‬

‫‪1‬‬

‫مجموع الوحدات‬ ‫السكنية‬

‫أضرار صغيرة في‬ ‫جزء من المنزل‪,‬‬ ‫ويمكن السكن في‬ ‫المنزل لكنه يبقى‬ ‫بحاجة‬

‫إلى‬

‫ترميم‪.‬‬

‫شمال غزة‬

‫‪31211‬‬

‫‪31211‬‬

‫‪11111‬‬

‫‪031911‬‬

‫غزة‬

‫‪31611‬‬

‫‪31611‬‬

‫‪021111‬‬

‫‪311111‬‬

‫وسط غزة‬

‫‪01211‬‬

‫‪01211‬‬

‫‪91111‬‬

‫‪61111‬‬

‫خان يونس‬

‫‪31111‬‬

‫‪31111‬‬

‫‪71111‬‬

‫‪001111‬‬

‫رفح‬

‫‪01211‬‬

‫‪01211‬‬

‫‪21111‬‬

‫‪91911‬‬

‫المجموع‬

‫‪011111‬‬

‫‪011111‬‬

‫‪211111‬‬

‫‪91.111‬‬

‫المصدر‪ :‬الخطة الوطنية العمار غزة المقدمة إلى مؤتمر الدول المانحة في القثاهرة ‪ -3102/01/03‬ص‪29‬‬

‫‪466‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ -0‬البيوت ‪:‬‬ ‫تدمير جزئي غير‬

‫تدمير كلي‬

‫تدمير جزئي‬

‫صالح للسكن‬ ‫‪7272‬‬

‫‪1321‬‬

‫المجموع‬ ‫‪ 221111‬وحدة‬

‫‪36211‬‬

‫سكنية‬

‫‪ -3‬المنشآت الصناعية ‪:‬‬ ‫تدمير كلي‬

‫تدمير جزئي‬

‫‪ 021‬منشأة‬

‫المجموع‬

‫‪ 201‬بين كبيرة‬

‫صناعية بين كبيرة‬

‫‪291‬‬

‫وصغيرة‬

‫وصغيرة‬

‫‪ -2‬المدارس والجامعات ‪:‬‬ ‫التصنيف‬

‫تدمير كلي‬

‫تدمير جزئي‬

‫المجموع‬

‫مراكز إيواء (غير‬

‫صالحة للدراسة)‬

‫المدارس‬

‫‪33‬‬

‫‪006‬‬

‫‪32‬‬

‫‪020‬‬

‫الجامعات‬

‫‪-‬‬

‫‪3‬‬

‫‪-‬‬

‫‪3‬‬

‫كليات متوسطة‬

‫‪-‬‬

‫‪2‬‬

‫‪-‬‬

‫‪2‬‬

‫‪ -2‬األماكن المقدسة والجمعيات الخيرية والمؤسسات المالية‪:‬‬ ‫التصنيف‬

‫تدمير كلي‬

‫تدمير جزئي‬

‫المجموع‬

‫المساجد‬

‫‪92‬‬

‫‪091‬‬

‫‪332‬‬

‫الكنائس‬

‫‪3‬‬

‫‪-‬‬

‫‪3‬‬

‫المقابر‬

‫‪-‬‬

‫‪01‬‬

‫‪01‬‬

‫جمعيات خيرية‬

‫‪33‬‬

‫‪-‬‬

‫‪33‬‬

‫مؤسسات مالية‬

‫‪06‬‬

‫‪-‬‬

‫‪06‬‬

‫‪467‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫ثالثاً‪ :‬قطاع المياه والصرف الصحي والكهرباء ‪:‬‬ ‫التصنيف‬ ‫المياه‬

‫تدمير كلي وجزئي‬

‫أكثر من ‪ 021‬بئر مياه تدمير كلياً و جزئي‬

‫‪ 33‬بين كلي وجزئي منهم محطة التوليد الوحيدة في‬

‫الكهرباء‬

‫قطاع غزة‬

‫محطات مياه وصرف‬

‫‪ 6‬بين كلي وجزئي‬

‫صحي‬

‫رابعاً‪ :‬قطاع الزراعة والثروة السمكية ‪:‬‬

‫‪ -0‬بلغت خسائر القطاع الزراعي بالدوالر األمريكي ‪ 320‬مليون دوالر موضحة في الجدول‬

‫التالي‪:‬‬

‫التصنيف‬

‫المبلغ بالدوالر‬

‫االنتاج النباتي‬

‫‪ 020‬مليون دوالر‬

‫التربة والري‬

‫‪ 29‬مليون دوالر‬

‫االنتاج الميداني‬

‫‪ 22‬مليون دوالر‬

‫‪ -3‬الثروة السمكية‬ ‫مركب صيد‬ ‫‪ 21‬مركب تدمير‬ ‫كلي‬

‫خامساً‪ :‬القطاع الصحي‪:‬‬ ‫التصنيف‬

‫مولد كهرباء‬

‫ماتور‬ ‫‪ 011‬ماتور تستخدم‬ ‫في سحب السفن‬ ‫والشباك‬

‫‪ 71‬مولد كهربائي‬

‫غرف‬ ‫‪ 21‬غرفة صيد‬ ‫تدمير كلي‬

‫تدمير كلي‬

‫تدمير جزئي‬

‫المجموع‬

‫مستشفى‬

‫‪0‬‬

‫‪03‬‬

‫‪02‬‬

‫مراكز رعاية‬

‫‪-‬‬

‫‪03‬‬

‫‪03‬‬

‫سيارات اسعاف‬

‫‪09‬‬

‫‪-‬‬

‫‪02‬‬

‫‪468‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫األخوات واإلخوة والرفاق الحضور ‪ ..‬كلنا ندرت الحاجة الملحة لتمويل عملية اإلعمار ‪ ،‬ارتباطال‬

‫ب دراكنا لآلثار التدميرية الناجمة عن العدوان في تموإ ‪ 3104‬وأثره علس االقتصاد بكل قطاعاته‬

‫(الصناعة والإراعة واإلنتشاءات والخدمات) وتأثيره المباتشر علس أوضاع البطالة والفقر والقوى العاملة في‬ ‫قطاع غإة التي يبلغ مجموعما حوالي ‪ 411‬ألف تشخ‬

‫منمم ‪ %61‬عاطلين عن العمل بسب‬

‫الدمار‬

‫التشامل‪ ،‬عالوة علس معاناة أبناء التشمداء وذويمم‪ ،‬ومعاناة الجرحس وأكثر من ‪ 51‬ألف عاللة تشردت بعد‬

‫أن دمرت بيوتما كليال أو جإليال‪ ،‬منمم حوالي ‪ 08‬ألف عاللة بال مأوى حتس اللحالة ‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم‪ ،‬ف نني اعتقد ان قطاع غإة بحاجة ماسة ىلس حوالي ‪ 6‬مليارات دوالر لإلغاثة‬

‫واالعمار‪ ،‬ولألسف ف ن مؤتمر الدول المانحة هو الجمة الوحيدة التي بادرت وقررت تخصي‬

‫مليار إلعمار القطاع‪.‬‬

‫‪854‬‬

‫لكننا بالمقابل ندرك أن أموال الدول المانحة ليست أمواالً خيرية أو إنسانية‪ ,‬فهي أموال مشروطة‬

‫بتدفيع شعبنا ثمناً سياسياً مقابلها في محاولة من هذه الدول –بقيادة الواليات المتحدة األمريكية‪-‬‬

‫الوصول إلى تسوية مذلة تحت عناوين‪:‬التهدئة الدائمة ووقف أعمال العنف ومواصلة عملية التسوية‬ ‫السياسية للصراع وفق الشروط اإلسرائيلية ‪ /‬األمريكية‪ ,‬مقابل أموال االعمار‪ ,‬بحيث يمكن وصف‬

‫عملية االعمار بأنها عملية ابتزاز‪ ,‬تسعى واهمة فرض استسالم شعبنا الفلسطيني لشروطها ارتباطاً‬ ‫بالموقف السيا سي الهابط للسلطة الفلسطينية ورئيسها من جهة‪ ,‬وبموافقة مبدئية من حركة حماس‬

‫على شروط الدول المانحة واألمم المتحدة من جهة ثانية‪ ,‬واستغالل ظروف معاناة شعبنا عموماً وفي‬ ‫قطاع غزة خصوصاً من جهة ثالثة‪.‬‬

‫وفي هذا السياق أشير –بأسف وحزن شديدين‪ -‬إلى نتائج الحرب العدوانية ‪ ,‬والمفاوضات غير‬

‫المباشرة التي لم تحقق أي مطلب من مطالب الفصائل الفلسطينية بالنسبة لرفع الحصار‪ ,‬وبداية‬

‫االعمار‪ ,‬وزيادة مساحة الصيد وتحرير األراضي الزراعية الممنوع استخدامها على الشريط الحدودي‬

‫لقطاع غزة بطول ‪ 22‬كم وعرض ‪ 211‬متر ‪ ,‬حوالي (‪ )07‬ألف دونم‪ ,‬والغاء التعقيدات واالغالقات‬

‫لمعبر رفح‪ ,‬ناهيكم عن البدء بإنشاء الميناء واصالح وتشغيل المطار‪ ,‬إلى جانب عدم البدء بالتمويل‬ ‫بصورة جدية‪.‬‬

‫وهنا أود التنبيه إلى أن المؤسسات الدولية التابعة لألمم المتحدة‪ ,‬لدينا في غزة أكثر من ‪21‬‬

‫مؤسسة دولية‪ ,‬كلها متفقة على عدم تنفيذ أية مشاريع اعمارية للمصانع أو المزارع أو البيوت التي‬ ‫تقع على مسافة كيلو متر واحد من الحدود شرق األسفلت الشرقي في انتظار موافقة دولة العدو‬

‫اإلسرائيلي!!؟‬

‫ما يدفعني إلى القول بصراحة مؤلمة‪ :‬لقد انتهت الحرب وعقدت المفاوضات غير المباشرة ‪ ,‬ولم‬

‫يرفع الحصار‪ ,‬وبدالً من ذلك‪ ,‬تم التوصل إلى اتفاق ثالثي (السلطة واسرائيل واألمم المتحدة –ما‬

‫يسمى خطة روبرت سيري) يتضمن صراحة الموافقة على شروط العدو اإلسرائيلي التي ستطبق من‬ ‫‪469‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫خالل مئات المراقبين الدوليين‪ ,‬ومن خالل الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل –بموافقة السلطة وحركة‬

‫حماس‪ -‬في مخا زن تجار مواد البناء لمراقبة عملية تسليم األسمنت بما يتوافق مع الكشوف المرسلة‬ ‫مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة األشغال‪ ,‬وكذلك مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء‬ ‫الالزمة لعملية اإلعمار!!؟‬ ‫إن‬

‫خطة "روبرت سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية‪ -‬تقضي بانتشار مفتشي األمم‬

‫المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى‪ ,‬كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات‪ -‬المواقع التي‬

‫سيتم تخزين مواد بناء فيها ‪ ,‬مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان‬

‫حديدية"‪.‬‬

‫وقد أكد حسين الشيخ وزير الشئون المدنية في السلطة على تلك الخطة بقوله ‪" :‬سيتم تسليم‬

‫كوبون لكل متضرر الثبات تضرر منزله وكاميرات مراقبة على المستودعات‪ ,‬وتثبيت أنظمة مراقبة‬

‫متطورة‪ ,‬تتضمن جهاز لتحديد المواقع (‪ ,)GPS‬على كل المعدات الثقيلة‪ ,‬والتي تشمل الجرافات‬

‫والكسارات ومعدات الحفر‪ ,‬لمعرفة تحركاتها داخل القطاع‪ ,‬حتى ال يتم توجيهها للعمل في حفر‬ ‫‪1‬‬

‫األنفاق"!!؟‬

‫بالنسبة لكميات مواد البناء الالزمة لعملية األعمار‪ ,‬تؤكد اإلحصائية شبه النهائية الصادره عن‬

‫وزارة األشغال العامة في غزة‪ ,‬أن إجمالي كميات مواد البناء الالزمة إلعادة إعمار غزة‪ ,‬تبلغ ‪0.2‬‬

‫مليون طن إسمنت (‪ 032‬ألف طن شهرياً) و (‪ 2099‬طن يومياً)‪ ,‬و‪ 337‬ألف طن حديد‪ ,‬وخمسة‬

‫ماليين طن حصى‪ ,‬ما يعني توفير أكثر من ‪ 911‬شاحنة يومياً على مدار العامين القادمين لتأمين‬ ‫وصول هذه الكميات من مواد البناء إضافة إلى أكثر من ‪ 211‬شاحنة يومياً لتأمين مستلزمات قطاع‬

‫غزة في حين أن معبر كرم أبو سالم ال يستوعب أكثر من ‪ 711-911‬شاحنة يومياً!!‬

‫عالوة على ما تقدم‪ ,‬وحسب المعلومات‪ ,‬فإن كل المؤسسات الدولية في قطاع غزة‪ ,‬رتبت أوضاعها‬

‫لتنفيذ برامج ومشاريع االغاثة واالنعاش لمدة ‪ 01‬شه ارً من أول شهر ‪ 3102/01‬بعيداً عن مشاريع‬

‫االعمار للبيوت المدمرة وغير ذلك من المشاريع الواردة في الخطة‪.‬‬

‫ما يعني بوضوح أن شروط عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل‪ ,‬األمر‬

‫الذي يستدعي مراجعة كل ما جرى برؤية نقدية وطنية‪ ,‬بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح‬

‫وحماس وموافقتهما على هذه الشروط المذلة‪ ,‬األمر الذي يستدعي من كافة القوى الوطنية المبادرة‬

‫إلى الدعوة من أجل تشكيل هيئة وطنية بالتعاون مع مؤسسات "المجتمع المدني" والقطاع الخاص‬ ‫وبمشاركة فعاله من أصحاب المصانع والمزارع والبيوت المدمرة‪ ,‬لمتابعة ومراقبة تنفيذ عملية االعمار‪.‬‬

‫‪1‬‬

‫المصدر‪ :‬وكالة سما االخبارية – ‪.3102/01/32‬‬

‫‪471‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا السياق أؤكد على قصور القوى الوطنية عموماً واليسارية خصوصاً التي لم تبادر إلى‬

‫توعية وتحريض أصحاب البيوت والمصانع والمزارع المدمرة بهدف تأسيس جمعيات ولجان شعبية تقود‬

‫جماهير المتضررين لضمان تحقيق مطالبهم في إعادة االعمار برؤية وطنية وأولويات تنموية‪.‬‬

‫أما عن تقديرات إعادة إعمار قطاع غزة حسب الخطة الوطنية لإلنعاش (إعداد وزارة االقتصاد ‪ /‬رام‬

‫اهلل) فقد تحددت بمبلغ ‪ 2‬مليار دوالر لالعمار باإلضافة إلى ‪ 21212‬مليار دوالر تقديرات دعم ميزانية‬ ‫السلطة لألعوام (‪ )3107-3102‬ما مجموعه ‪ 11212‬مليار دوالر ‪ ,‬في حين أن مؤتمر إعادة‬

‫االعمار – القاهرة ‪ -3102/01/03‬وعد بتقديم ‪ 212‬مليار دوالر ‪ %21‬منها يخصص لدعم موازنة‬ ‫السلطة الفلسطينية!!؟ أي أن ما يبقى لإلعمار واإلغاثة ‪ ...‬إلخ فقط ‪ 317‬مليار دوالر يذهب منها‬ ‫لإلغاثة والقطاع االجتماعي –حسب الخطة‪ 710 -‬مليون دوالر باإلضافة إلى ‪ 0322‬مليون دوالر‬

‫للقطاع االقتصادي‪ ,‬وال يبقى سوى ‪ 792‬مليون دوالر إل زالة االنقاض والسكن والمآوى واعادة اإلعمار‬

‫!!؟ واذا أخذنا بعين االعتبار تكاليف إقامة ورواتب أكثر من ‪ 221‬مراقب دولي بما يزيد عن مائة‬ ‫مليون دوالر‪ ,‬باإلضافة إلى ‪ 012‬مليون دوالر لتشغيل مؤسسات الحكومة والبلديات‪ ,‬فلن يبقى‬

‫لالعمار سوى مبلغ ‪ 210‬مليون دوالر من أصل المبلغ المقترح حسب الخطة المحدد بمبلغ ‪0309‬‬

‫مليون دوالر للسكن والمأوى وازالة األنقاض‪ ,‬ما يعني أننا أمام أوضاع كارثية تضاف على النتائج‬

‫الكارثية للعدوان الصهيوني‪.‬‬

‫وفي الل الوضع الراهن‪ ،‬من المتوقع قيام "ىسراليل" بتوريد أكثر من ‪ %91‬من مستلإمات عملية‬ ‫االعمار من داخل المصانع في "ىسراليل" والمستوطنات‪ ،‬في مقابل غيا‬ ‫البناء من الدول العربية المجاورة! ‪.‬‬

‫أي خطة تطال‬

‫بتوريد مواد‬

‫المسألة األخرى التي أود اإلشارة إليها ‪ ,‬هي حديثي عن المفارقة التالية‪ ,‬للتأمل والحوار‪ :‬فعلس‬

‫الرغم من ىدرات الجميع لحجم الدمار المضاعف الناجم عن عدوان ‪ 3104‬مقارنة بعدوان ‪ 3119‬ىال أن‬ ‫المؤتمر وخطة االعمار (و اإرة االقتصاد والسلطة) طالبوا بنفر المبلغ ‪ 4‬مليار دوالر دون مراعاة الفرق‬ ‫المالل في الدمار والتشمداء والجرحس بين ‪ 3104‬و ‪!! 3119‬‬

‫وهذا يعيدنا إلى الموقف الرسمي العربي‪ ,‬خاصة السعودية والخليج القادر على تأمين كافة المبالغ‬

‫المطلوبة إلعمار قطاع غزة وهي في تقديرنا ال تتجاوز ‪( % 0/3‬نصف بالمائة ما يعادل ستة مليارات‬

‫دوالر) من الناتج المحلي اإلجمالي لتلك الدول‪ ,‬لكن بلدان النظام العربي عموماً‪ ,‬والسعودية والخليج‬ ‫خصوصاً‪ ,‬تعيش حالة من التبعية والخضوع واالرتهان للنظام االمبريالي‪ ,‬األمر الذي يجعل من هذه‬

‫أعداء لشعبنا وقضيتنا‪.‬‬ ‫األنظمة‬ ‫ً‬ ‫وفي هذا الجانب‪ ,‬نالحظ ان حصة الدول العربية في وعودات االعمار تتجاوز النصف‪ ,‬إال إن‬ ‫التأثير العربي اضعف من قيمته الفعليه ‪ ,‬فالدول العربية تدفع والواليات المتحدة واسرائيل توجه‬ ‫وتجني‪ ,‬وذلك ارتباطاً بخضوع وارتهان هذه الدول (األنظمة العربية) للسياسات األمريكية‪.‬‬ ‫‪470‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬البد لي من أن أشير –بكل ألم‪ -‬إلى تقصير رجال األعمال الفلسطينيين في‬

‫الشتات بالنسبة لدعم خطة اإلعمار وتخفيف الثمن السياسي‪ ,‬والسبب في ذلك يعود إلى أن مصالح‬

‫هذه الشريحة أو معظمها من رجال األعمال الذين يتذرعون شكلياً بالهوية الوطنية أو بهوية اإلسالم‬ ‫السياسي‪ ,‬حالت دون تقديم أي مبادرة منهم لدعم عملية االعمار في قطاع غزة‪ ,‬ما يؤكد على أن‬

‫مصالحهم األنانية االنتهازية أهم من شكل مظهرهم الوطني او الديني‪ ,‬وهي مصالح مرتبطة برأس‬

‫المال المالي المعولم من ناحية وبالقوى الرأسمالية الكومبرادورية الحاكمة في البلدان العربية‬ ‫واإلسالمية الرجعية من ناحية ثانية‪ ,‬رغم أن ثرواتهم حسب العديد من التقديرات تتجاوز الـ ‪ 11‬مليار‬

‫دوالر!!‪ ,‬وهو مبلغ أكبر عشرات المرات من ثروة رجل األعمال اليهودي االنجليزي "روتشيلد" الذي قام‬ ‫بتقديم أكثر من نصف أمواله لدعم الحركة الصهيونية بداية القرن الماضي‪ ,‬لكن يبدو ان معاناة شعبنا‬

‫ونضاله من أجل الحرية واالستقالل لم يحرك عواطف أو مشاعر رجال األعمال الفلسطينيين قيد‬ ‫‪1‬‬

‫أنمله!؟‬

‫عالوة على كل ما تقدم‪ ,‬وعلى الرغم من كل هذه الوقائع المريرة‪ ,‬إال أن أحداً ال يعرف متى وكيف‬

‫ستتم عملية التمويل؟ والسؤال األهم هل ستستمر حالة االنقسام أم أن المصلحة الوطنية تفرض على‬

‫فتح وحماس انهاء هذه الحالة باالحتكام إلى وثائق المصالحة الوطنية والقانون األساسي؟ خاصة‬

‫وأننا ندرك أن دولة العدو االسرائيلي التي اكتفت اليوم باشتراط اإلعمار بالحفاظ على وقف إطالق النار‬ ‫والهدوء القائم‪ ,‬إال أنها ال تخفي نواياها اشتراط نزع سالح القطاع بخطوات مستقبلية كشرط الستمرار‬

‫تطوير القطاع واعماره‪.‬‬

‫على أي حال‪ ,‬هناك أسئلة عديدة وكبيرة تحتاج إلى إجابة من نوع‪ :‬كم من الموارد سوف يصل‬

‫فعال ؟ وبأي وقت؟ وكم منه فعال سينفق على اإلعمار؟ وكم ستكون نصيب المؤسسات الدوليه‬ ‫وموظفيها ومندوبيها ومراقبيها من الكعكه؟ ثم كم سيكون نصيب الوسطاء‬

‫واللجان والمكاتب‬

‫االستشارية والفنية ؟ وكم سيبقى ألصحاب البيوت المدمرة والمشردين؟ وكم سيبقى لذوي الشهداء‬

‫والجرحى والمعوقين؟ وكم سيبقى ألصحاب المصانع والورش والمزارع المدمرة؟ ناهيكم عن أولويات‬ ‫التنمية في مواجهة الفقر والبطالة‪.‬‬

‫السؤال األهم هنا هو‪ ,‬كيف ستتصرف القوى والهيئات والفعاليات الوطنية تجاه طرفي الصراع‬

‫واالنقسام فتح وحماس؟ وهل ستجد الطريق المالئم للتوافق على برنامج يستهدف متابعة ومراقبة‬

‫وتقييم عملية اإلعمار ارتباطاً برؤية وطنية فلسطينية ؟؟ بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً‬ ‫واضحاً يجيب على أسئلة جماهير المتضررين‪ ,‬المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر‬

‫‪1‬‬

‫نشرت الفضائيات –قبل أيام‪ -‬خب ارً مفاده ان الباكستانية "مالال يوسف" الحائزة على جائزة نوبل تبرعت بملغ (‪ )21‬ألف دوالر إلعمار غزة في‬ ‫حين لم نسمع عن فلسطيني أو عربي بادر إلى تقديم أي تبرع !!‪.‬‬

‫‪472‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي)‪ ,‬إلى جانب تفاقم‬ ‫مظاهر الفقر والبطالة واستمرار الحصار وبقاء مظاهر االنقسام والصراع بين فتح وحماس واستمرار‬

‫إغالق معبر رفح وما ينتج عن ذلك من مظاهر العنف والجريمة‪ ,‬بعد أن يعجز الجميع عن أنهاء‬

‫معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني‪.‬‬

‫نحن إذن‪ ,‬أمام أوضاع معقدة في مجابهة شروط العدو االسرائيلي وشروط الدول المانحة من‬

‫ناحية وفي حرصنا على ايجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة أبناء شعبنا الذين دمرت بيوتهم‬ ‫ومصانعهم ومزارعهم من ناحية ثانية‪ ,‬إلى جانب النضال من أجل انهاء حصار قطاع غزة الذي بات‬

‫كبيرً بال سقف من ناحية ثالثة‪.‬‬ ‫سجناً ا‬

‫أخي ارً‪ ...‬إن االشراف الوطني على عملية االعمار ومراقبتها من خالل هيئة وطنية لمتابعة خطة‬

‫االعمار يكون مقرها الرئيسي في غزة‪ ,‬بمشاركة المتضررين من القطاع الخاص وأصحاب البيوت‬

‫المدمرة وأبناء الشهداء والجرحى‪ ,‬بما يضمن تنفيذ عملية االعمار بصورة صحيحة‪ ,‬مشروطة بالضغط‬

‫الشعبي إلنهاء االنقسام وتطبيق خطوات المصالحة بصورة جادة وسريعة بعيداً عن الصراع الفئوي‬ ‫والصراع على السلطة والمصالح بين فتح وحماس‪ ,‬عبر شعار وطني ديمقراطي توحيدي لكل أبناء‬

‫شعبنا يؤكد على الضرورة العاجلة لتكريس نظام سياسي ديمقراطي كمخرج وحيد ألوضاعنا المنقسمة‬ ‫والمأزومة الراهنة‪ ,‬يضمن مواصلة النضال التحرري والديمقراطي من أجل الحرية وتقرير المصير‬

‫والعودة وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة ‪ ,‬وبدون ذلك ستتزايد مظاهر الهبوط‬

‫السياسي والتفكك االقتصادي واالجتماعي‪ ,‬وتزايد تراكمات البطالة والفقر المدقع والتشرد وارتفاع نسبة‬

‫الجريمة االجتماعية بما قد يجعل من قطاع غزة مرتعاً خصباً لكل أشكال ومظاهر التطرف والفوضى‬ ‫المتوحشة التي تفتح األبواب واسعة أمام "داعش" وغيرها من الحركات األصولية المتطرفة‪.‬‬

‫أقدم فيما يلي ملخص التكاليف حسب القطاع والقطاع الفرعي كما ورد في "الخطة الوطنية‬

‫لالنعاش"‪:‬‬

‫القطاع‬ ‫االجتماعي‬ ‫‪1‬‬

‫ملخص التكاليف حسب القطاع والقطاع الفرعي‬

‫‪1‬‬

‫(بالمليون دوالر)‬

‫اإلنعاش‬

‫إعادة‬ ‫‪11‬‬

‫‪207‬‬ ‫‪301‬‬ ‫‪030‬‬

‫القطاع الفرعي‬

‫اإلغاثة‬

‫الحماية االجتماعية‬

‫‪321‬‬

‫‪1‬‬

‫الصحة والدعم النفسي اإلجتماعي‬

‫‪02‬‬

‫‪026‬‬

‫‪22‬‬

‫التربية والتعليم العالي‬

‫‪0‬‬

‫‪22‬‬

‫‪72‬‬

‫المبكر‬

‫اإلعمار‬

‫المصدر‪ :‬كراس الخطة الوطنية لالنعاش واعادة االعمار في غزة – وزار االقتصاد – رام اهلل – تشرين أول ‪ – 3102‬ص‪.96‬‬

‫‪473‬‬

‫اإلجمالي‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫البنية التحتية والبيئة‬ ‫االقتصادي‬ ‫الحوكمة‬

‫المجتمع المدني والمنظمات المجتمعية والمؤسسات الدينية‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪20‬‬

‫‪22‬‬

‫المجموع الفرعي‬

‫‪322‬‬

‫‪302‬‬

‫‪320‬‬

‫‪710‬‬

‫إزالة األنقاض ومخلفات الحرب القابلة لإلنفجار‬

‫‪1‬‬

‫‪31‬‬

‫‪02‬‬

‫‪22‬‬

‫الطاقة‬

‫‪1‬‬

‫‪23‬‬

‫‪022‬‬

‫‪012‬‬

‫المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية‬

‫‪21‬‬

‫‪11‬‬

‫‪009‬‬

‫‪329‬‬

‫السكن والمأوى‬

‫‪021‬‬

‫‪022‬‬

‫‪601‬‬

‫‪0013‬‬

‫المباني الحكومية والبنية التحتية العامة األخرى‬

‫‪1‬‬

‫‪20‬‬

‫‪67‬‬

‫‪026‬‬

‫المعابر الحدودية‬

‫‪1‬‬

‫‪2‬‬

‫‪21‬‬

‫‪22‬‬

‫الطرق‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬

‫‪71‬‬

‫‪71‬‬

‫البيئة‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫المجموع الفرعي‬

‫‪096‬‬

‫‪223‬‬

‫‪0201‬‬

‫‪0600‬‬

‫الزراعة‬

‫‪1‬‬

‫‪062‬‬

‫‪327‬‬

‫‪220‬‬

‫الصناعة والتصنيع‬

‫‪1‬‬

‫‪72‬‬

‫‪312‬‬

‫‪226‬‬

‫التجارة والخدمات‬

‫‪1‬‬

‫‪021‬‬

‫‪77‬‬

‫‪317‬‬

‫التشغيل‬

‫‪1‬‬

‫‪93‬‬

‫‪7‬‬

‫‪96‬‬

‫تشجيع االستثمار‬

‫‪1‬‬

‫‪31‬‬

‫‪021‬‬

‫‪021‬‬

‫المجموع الفرعي‬

‫‪1‬‬

‫‪210‬‬

‫‪722‬‬

‫‪0322‬‬

‫القدرة التشغيلية لمؤسسات الحكم المركزي‬

‫‪1‬‬

‫‪002‬‬

‫‪1‬‬

‫‪002‬‬

‫القدرات التشغيلية لمؤسسات الحكم المحلي‬

‫‪1‬‬

‫‪20‬‬

‫‪1‬‬

‫‪20‬‬

‫سيادة القانون وحقوق اإلنسان‬

‫‪1‬‬

‫‪0‬‬

‫‪9‬‬

‫‪7‬‬

‫التنفيذ والتنسيق‬

‫‪1‬‬

‫‪03‬‬

‫‪31‬‬

‫‪23‬‬

‫المجموع الفرعي‬

‫‪1‬‬

‫‪027‬‬

‫‪39‬‬

‫‪012‬‬

‫‪202‬‬

‫‪0012‬‬

‫‪3223‬‬

‫‪2121‬‬

‫المجموع‬

‫المبلغ المطلوب لدعم ميزانية السلطة (‪)3107-3102‬‬ ‫المجموع اإلجمالي‬

‫‪474‬‬

‫‪2212‬‬ ‫‪1222‬‬ ‫مليون‬ ‫دوالر‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫االمطار خري وبركة ولكنه وبال على املشردين واصحاب البيوت‬ ‫املدمرة يف قطاع غزة‪!....‬؟‬

‫‪31 / 00 / 3102‬‬ ‫المنخفض واالمطار الشديدة في غزة اصاب بالضرر والغرق العديد من البيوت والشوارع‪...‬فما بالكم‬

‫بحجم االضرار والمعاناة من العراء والفقر والبرد وصقيع الليل لدى لكثر من ‪ 11‬ألف من المشردين‬

‫حتى اللحظة بال مأوى سوى المدارس ‪ ,‬ولدى أكثر من ‪ 21‬ألف عائلة اصحاب البيوت المدمرة ‪,‬‬

‫ومعظمهم من فقراء قطاع غزة القاطنين شرق القطاع في المنطقة الممتدة بطول ‪ 22‬كم من رفح الى‬

‫بيت حانون في انتظار اعمار لم يبدأ بصورة جدية كريمة ومحترمة تشعرهم ليس بالتضامن والتكافل‬

‫معهم فحسب ‪ ,‬بل وباالعتزاز والفخر بدورهم النضالي في مجابهة العدو الصهيوني الذي قام بتدمير‬ ‫بيوتهم وتشريدهم ‪ ,‬وها هم جميعا مع عائالتهم واطفالهم يترحمون على شهدائهم بصمت وكبرياء ‪...‬‬

‫تحملوا ومازالوا كل اشكال البؤس والمعاناة من المرض والفقر والتشرد‪...‬وها هي امطار الخير تنزل‬

‫عليهم لتفاقم معاناتهم وبؤسهم ‪..‬صبروا ويصبرون لكن لكل صبر حدود ونهاية ‪...‬ولئال نصل الى تلك‬ ‫النهاية المفجعة ‪ ,‬يجب أن تبدأ عملية التنفيذ الفوري لالعمار بصورة سريعة دون توقف تصل الليل‬

‫بالنهار ‪..‬قد يقول البعض لقد بدأت عملية االعمار ! نعم بدأ االعمار ولكن بصورة أحادية للبيوت‬

‫المدمرة جزئيا ‪..‬كما بدأ بطيئا ومحدودا ومشروطا بشروط الرقابة التي صاغتها الدولة الصهيونية ويتم‬ ‫تطبيقها من خالل ما يسمى مندوب " االمم المتحدة" ! روبرت سيري ووكالة غوث الالجئين‪ /‬االونروا‬

‫من خالل المدعو " تيري" حيث تتم االن عملية الرقابة من خالل الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل –‬ ‫بموافقة السلطة وحركة حماس !؟‪ -‬في مخازن تجار مواد البناء لمراقبة عملية تسليم األسمنت وحديد‬

‫البناء والحصمة بما يتوافق مع الكشوف المرسلة مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة األشغال‪ ,‬وكذلك‬

‫مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء الالزمة لعملية اإلعمار!!؟ والمعروف ان خطة "روبرت‬

‫سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية‪ -‬تقضي بانتشار مفتشي األمم المتحدة في مواقع بناء‬ ‫المشاريع الكبرى‪ ,‬كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات‪ -‬المواقع التي سيتم تخزين مواد بناء فيها‬ ‫‪ ,‬مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان حديدية"‪.‬‬

‫واألدهى واالكثر مرارة وبدون استغراب او اندهاش من ممارسات السلطة ‪ ,‬فقد أكد حسين الشيخ‬

‫وزير الشئون المدنية في السلطة على تلك الخطة بقوله ‪" :‬سيتم تسليم كوبون لكل متضرر الثبات‬ ‫تضرر منزله وكاميرات مراقبة على المستودعات‪ ,‬وتثبيت أنظمة مراقبة متطورة‪ ,‬تتضمن جهاز لتحديد‬

‫المواقع (‪ ,)GPS‬على كل المعدات الثقيلة‪ ,‬والتي تشمل الجرافات والكسارات ومعدات الحفر‪ ,‬لمعرفة‬ ‫‪475‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫تحركاتها داخل القطاع‪ ,‬حتى ال يتم توجيهها للعمل في حفر األنفاق"!!؟؟؟ ما يعني بوضوح أن شروط‬ ‫عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل‪ ,‬األمر الذي يستدعي رفض ومراجعة كل‬ ‫ما جرى برؤية نقدية وطنية‪ ,‬بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح وحماس وموافقتهما على‬

‫هذه الشروط المذلة‪.‬بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً واضحاً يجيب على أسئلة جماهير‬ ‫المتضررين‪ ,‬المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم‬

‫من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي)‪ ,‬إلى جانب تفاقم مظاهر الفقر والبطالة( حوالي ربع‬

‫مليون عاطل عن العمل في قطاع غزة اليوم بنسبة ‪ %91‬من القوى العاملة فيه) واستمرار الحصار‬

‫وبقاء مظاهر االنقسام والصراع على السلطة والمصالح الفئوية بين فتح وحماس واستمرار إغالق‬

‫معبر رفح وما ينتج عن تلك االوضاع المتردية من مظاهر العنف والجريمة‪ ,‬بعد أن يعجز الجميع عن‬

‫أنهاء معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني‪.‬‬

‫‪476‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫غازي الصوراني‬ ‫‪3102/03/7‬‬

‫اإلعمار ‪ ...‬حقائق وأرقام‬ ‫( ورقة مقدمة الى ندوة اللجنة الثقافية في جمعية الهالل االحمر لقطاع غزة)‬ ‫لعلنا نتفق علس أن اللحالة الفارقة الراهنة في مسيرة النضال الوطني التحرري الديمقراطي الفلسطيني‬

‫تتميإ بأنما تحمل في طياتما مخاطر تشديدة التأثير ‪ ،‬ارتباطال بوصول الوضع الفلسطيني ىلس مأإق عميق‬

‫‪ ،‬لير بسب‬

‫ممارسات العدو الصميوني فحس‬

‫‪ ،‬بل أيضال بسب‬

‫استمرار هذا االنقسام البتشع ‪،‬‬

‫واستمرار الصراع علس السلطة والمصالح بين حركتي فتح وحمار ‪ ،‬وعجإ قوى المعارضة الفلسطينية‬

‫عن ممارسة الضغط التشعبي المطلو‬

‫إلنماء هذا االنقسام علس طريق استعادة النالام السياسي‬

‫الديمقراطي الفلسطيني الموحد كمخرو وحيد من المأإق الراهن ‪.‬‬

‫علس أي حال ‪ ،‬طالما أن حديثنا اليوم عن عملية االعمار‪ ،‬ف نني أؤكد علس أنه بالرغم من هذا‬

‫المأإق ‪ ،‬اال اننا ندرت الحاجة الملحة لتمويل عملية اإلعمار وتفعيلما واالسراع بخطوات تنفيذها ‪ ،‬ارتباطال‬ ‫ب دراكنا لآلثار التدميرية الناجمة عن العدوان في تموإ ‪ 3104‬وأثره علس االقتصاد بكل قطاعاته‬

‫(الصناعة والإراعة واإلنتشاءات والخدمات) وتأثيره المباتشر علس أوضاع البطالة والفقر والقوى العاملة في‬ ‫قطاع غإة التي يبلغ مجموعما حوالي ‪ 411‬ألف تشخ‬

‫منمم ‪ %61‬عاطلين عن العمل بسب‬

‫الدمار‬

‫التشامل‪ ،‬عالوة علس معاناة أبناء التشمداء وذويمم‪ ،‬ومعاناة الجرحس وأكثر من ‪ 51‬ألف عاللة تشردت بعد‬

‫أن دمرت بيوتما كليال أو جإليال‪ ،‬منمم حوالي ‪ 08‬ألف عاللة بال مأوى حتس اللحالة ‪.‬‬ ‫أرقام عن السكان والقوى العاملة والبطالة في الضفة وقطاع غزة ‪:‬‬

‫‪ -‬عدد السكان في الضفة والقطاع منتصف عام ‪ )2.22( 3102‬مليون نسمة ‪ ,‬يتوزعون في‬

‫الضفة الغربية بنسبة ‪ %90.2‬ما يعادل ‪ 317611321‬شخص‪ ,‬وقطاع غزة بنسبة ‪ %21.2‬ما‬

‫يعادل ‪ 017201721‬شخص‪ (.‬الناتج المحلي نهاية ‪ 3102‬يبلغ ‪ 001619.6‬دوالر ‪ ,‬أما الناتج‬

‫المحلي للفرد بلغ ‪ 31122.0‬دوالر‪.‬‬

‫‪ -‬أما مجموع القوى العاملة في الضفة والقطاع كما في منتصف عام ‪ ,3102‬فيبلغ‬

‫‪ 010111369‬شخص ‪ ,‬يتوزعون بنسبة ‪ %22‬في الضفة الغربية ‪,‬ما يعادل ‪ 711711‬شخص ‪,‬‬ ‫مقابل نسبة ‪ %20.3‬في قطاع غزة ‪ ,‬ما يعادل ‪ 217269‬شخص‪.‬‬

‫‪ -‬وفي منتصف هذا العام ‪ ,3102‬فإن نسبة العاملين في الضفة الغربية تصل إلى حوالي ‪%10‬‬

‫من مجموع القوى العاملة‪ ,‬ما يعادل ‪ 923297‬عامل‪ ,‬مقابل نسبة بطالة ال تزيد عن ‪ %06‬ما يعادل‬ ‫‪477‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪ 021222‬عاطل عن العمل ‪ ,‬اما في قطاع غزة ‪,‬فقد استمرت نسبة العاملين فيه حتى منتصف عام‬ ‫‪ 3102‬أو بداية العدوان الصهيوني عليه أول شهر تموز‪/‬يوليو ‪ 3102‬عند نسبة ‪ %97.2‬عاملين‬

‫بالفعل‪ ,‬أي ما يعادل ‪ 372731‬عامل‪ ,‬مقابل نسبة ‪ %23.9‬عاطلين عن العمل‪ ,‬ما يعادل‬

‫‪ 023179‬عاطل عن العمل في قطاع غزة حتى منتصف عام ‪.3102‬‬

‫‪ -‬وفي ضوء نتائج العدوان الصهيوني على القطاع الذي تواصل منذ صباح يوم ‪3102/7/1‬‬

‫واستمر لمدة ‪ 20‬يوماً حتى تاريخ ‪ , 3102/1/31‬تحول قطاع غزة إلى منطقة منكوبة‪ ,‬وهذا بدوره‬ ‫أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة منذ اول آب ‪ 3102‬إلى حوالي ‪ %91‬من مجموع القوى‬

‫العاملة‪ ,‬ما يعادل ‪ 322227‬عاطل عن العمل ينتظرون انهاء الحصار واستعادة النشاط االقتصادي‬

‫بكل قطاعاته االنتاجية والخدمية ارتباطاً باعادة إعمار قطاع غزة ارتباطاً بالدعم المالي من المانحين‬

‫الذين وعدوا عبر مؤتمر القاهرة ‪ , 3102/01/03‬بتقديم األموال الالزمة لتنفيذ خطة االعمار‪.‬‬ ‫خطة السلطة لالعمار‪:‬‬

‫من المعروف أن الخطة قامت بتقسيم عملية االعمار إلى ثالث مراحل ‪:‬‬

‫‪ .0‬مرحلة االغاثة العاجلة‪ ,‬وتشمل التدخالت السريعة والقصيرة‪ .‬وقد خصص لها مبلغ ‪202‬‬ ‫مليون دوالر‪.‬‬

‫‪ .3‬مرحلة االنعاش المبكر‪ ,‬وهي تدخالت متوسطة المدى‪ ,‬من شهر إلى ‪ 03‬شه ارً‪ .‬وقد خصص‬ ‫لها مبلغ ‪ 0.012‬مليار دوالر‪.‬‬

‫‪ .2‬مرحلة إعادة االعمار والتنمية ‪ ,‬وتستمر لسنوات عدة‪ .‬وقد خصص لها مبلغ ‪ 3.223‬مليار‬ ‫دوالر!!!؟؟‬

‫سكنية وبنائها‪,‬‬ ‫‪ ‬بالنسبة للبيوت المدمرة ‪ ,‬فقد طرحت الخطّة مثالً إعادة ترميم‪ 91.111‬وحدة‬ ‫ّ‬ ‫جزئي‬ ‫موزعة على الشكل التالي‪ 01.111 :‬منزل (تدمير كامل)‪ ,‬و ‪01.111‬منزل (تدمير‬ ‫وهي ّ‬ ‫ّ‬

‫التطرق إلى النتائج المتوقّعة على‬ ‫جزئي بسيط)‪ ,‬لكن من دون‬ ‫كبير) و‪ 21.111‬منزل (تدمير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫االقتصاد الكلي‪.‬‬ ‫في ضوء ما تقدم‪ ،‬ف نني اعتقد ان قطاع غإة بحاجة ماسة ىلس حوالي ‪ 6‬مليارات دوالر لإلغاثة‬ ‫واالعمار‪ ،‬وانتشاء محطتي تحلية للمياه في القطاع بطاقة ال تقل عن ‪ 81‬مليون متر مكع‬

‫العذبة سنويال‪ ،‬ىلس جان‬

‫من المياه‬

‫ىنتشاء محطات لمعالجة المياه العادمة ‪ ،‬ومحطة للكمرباء وتوريد محوالت جديد‬

‫بما يضمن تلبية حاجة القطاع من التيار الكمربالي البالغة ‪ 381‬ميغاوات وبالتالي االستغناء عن التيار‬

‫الكمربالي الوارد من دولة العدو االسراليلي ‪ ،‬لكن مؤتمر الدول المانحة لم يأخذ بعين االعتبار أولويات‬ ‫القطاع وحاجته للمياه العذبة والتيار الكمربالي ومعالجة المياه العادمة ‪ ،‬وقرر تخصي‬

‫إلعمار القطاع‪ ،‬علمال بأن نصف هذا المبلغ سيذه‬

‫ىلس تغطية عجإ السلطة الفلسطينية ‪.‬‬ ‫‪478‬‬

‫‪ 854‬مليار‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫بالطبع ‪ ,‬إنني أدرك –كما تدركون – أن مؤتمر الدول المانحة ليس معنياً بمعاناة شعبنا في قطاع‬

‫غزة‪ ,‬إلى جانب ادراكنا أن أموال الدول المانحة ليست أمواالً خيرية أو إنسانية‪ ,‬بل هي مشروطة‬

‫سياسياً بالتوافق مع مصالح الدولة الصهيونية انعكاساً للموقف األمريكي ‪.‬‬ ‫نظرة تحليلية ونقدية سريعة للمبالغ المقترحة العمار غزة‪:‬‬

‫من المعروف أن تقديرات إعادة إعمار قطاع غزة حسب الخطة الوطنية لإلنعاش (إعداد وزارة‬

‫االقتصاد ‪ /‬رام اهلل) قد تحددت بمبلغ ‪ 2‬مليار دوالر لالعمار باإلضافة إلى ‪ 21212‬مليار دوالر‬

‫تقديرات دعم ميزانية السلطة لألعوام (‪ )3107-3102‬ما مجموعه ‪ 11212‬مليار دوالر ‪ ,‬في حين‬

‫أن مؤتمر إعادة االعمار – القاهرة ‪ -3102/01/03‬وعد بتقديم ‪ 212‬مليار دوالر ‪ %21‬منها‬

‫يخصص لدعم موازنة السلطة الفلسطينية!!؟ أي أن ما يبقى لإلعمار واإلغاثة ‪ ...‬إلخ فقط ‪ 317‬مليار‬

‫دوالر يذهب منها لإلغاثة والقطاع االجتماعي –حسب الخطة‪ 710 -‬مليون دوالر باإلضافة إلى‬

‫‪ 0322‬مليون دوالر للقطاع االقتصادي‪ ,‬وال يبقى سوى ‪ 792‬مليون دوالر إل زالة االنقاض والسكن‬ ‫والمآوى واعادة اإلعمار !!؟ واذا أخذنا بعين االعتبار تكاليف إقامة ورواتب أكثر من ‪ 221‬مراقب‬ ‫دولي بما يزيد عن مائة مليون دوالر‪ ,‬باإلضافة إلى ‪ 012‬مليون دوالر لتشغيل مؤسسات الحكومة‬

‫والبلديات‪ ,‬فلن يبقى لالعمار سوى مبلغ ‪ 210‬مليون دوالر من أصل المبلغ المقترح حسب الخطة‬

‫المحدد بمبلغ ‪ 0309‬مليون دوالر للسكن والمأوى وازالة األنقاض‪ ,‬ما يعني أننا أمام أوضاع كارثية‬ ‫تضاف على النتائج الكارثية للعدوان الصهيوني‪.‬‬

‫وفي الل الوضع الراهن‪ ،‬من المتوقع قيام "ىسراليل" بتوريد أكثر من ‪ %91‬من مستلإمات عملية‬

‫االعمار من داخل المصانع في "ىسراليل" والمستوطنات‪ ،‬في مقابل غيا‬

‫أي خطة تطال‬

‫بتوريد مواد‬

‫البناء من الدول العربية المجاورة! ‪.‬‬

‫المسألة األخرى التي أود اإلشارة إليها ‪ ,‬هي حديثي عن المفارقة التالية‪ ,‬للتأمل والحوار‪ :‬فعلس‬

‫الرغم من ىدرات الجميع لحجم الدمار المضاعف الناجم عن عدوان ‪ 3104‬مقارنة بعدوان ‪ 3119‬ىال أن‬ ‫المؤتمر وخطة االعمار (و اإرة االقتصاد والسلطة) طالبوا بنفر المبلغ ‪ 4‬مليار دوالر دون مراعاة الفرق‬ ‫المالل في الدمار والتشمداء والجرحس بين ‪ 3104‬و ‪!! 3119‬‬

‫وهذا يعيدنا إلى الموقف الرسمي العربي‪ ,‬خاصة السعودية والخليج القادر على تأمين كافة المبالغ‬

‫المطلوبة إلعمار قطاع غزة وهي في تقديرنا ال تتجاوز ‪( % 0/3‬نصف بالمائة ما يعادل ستة مليارات‬

‫دوالر) من الناتج المحلي اإلجمالي لتلك الدول‪ ,‬لكن بلدان النظام العربي عموماً‪ ,‬والسعودية والخليج‬

‫خصوصاً‪ ,‬تعيش حالة من التبعية والخضوع واالرتهان للنظام االمبريالي‪ ,‬األمر الذي يجعل من هذه‬

‫أعداء لشعبنا وقضيتنا‪.‬‬ ‫األنظمة‬ ‫ً‬

‫‪479‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫وفي هذا السياق‪ ,‬البد لي من أن أشير –بكل ألم‪ -‬إلى تقصير رجال األعمال الفلسطينيين في‬

‫الشتات بالنسبة لدعم خطة اإلعمار وتخفيف الثمن السياسي‪ ،‬رغم أن ثرواتهم حسب العديد من‬

‫التقديرات تتجاوز الـ ‪ 11‬مليار دوالر!!‪ ,‬وهو مبلغ أكبر عشرات المرات من ثروة رجل األعمال اليهودي‬

‫االنجليزي "روتشيلد"‪.‬‬

‫هل انتهى الحصار ؟‬

‫لقد انتهت الحرب وعقدت المفاوضات غير المباشرة ‪ ,‬ولم يرفع الحصار‪ ,‬وبدالً من ذلك‪ ,‬تم التوصل‬

‫إلى اتفاق ثالثي (السلطة واسرائيل واألمم المتحدة –ما يسمى خطة روبرت سيري) يتضمن صراحة‬ ‫الموافقة على شروط العدو اإلسرائيلي التي ستطبق من خالل مئات المراقبين الدوليين‪ ,‬ومن خالل‬

‫الكاميرات التي تم تثبيتها بالفعل –بموافقة السلطة وحركة حماس‪ -‬في مخازن تجار مواد البناء‬

‫لمراقبة عملية تسليم األسمنت بما يتوافق مع الكشوف المرسلة مسبقاً إلى "إسرائيل" من خالل وزارة‬ ‫األشغال‪ ,‬وكذلك مراقبة كل ما يتعلق بآليات توريد مواد البناء الالزمة لعملية اإلعمار!!؟‬ ‫إن‬

‫خطة "روبرت سيري" –حسب صحيفة هآرتس اإلسرائيلية‪ -‬تقضي بانتشار مفتشي األمم‬

‫المتحدة في مواقع بناء المشاريع الكبرى‪ ,‬كما أنهم سيراقبون –من خالل الكاميرات‪ -‬المواقع التي‬

‫سيتم تخزين مواد بناء فيها ‪ ,‬مثل اإلسمنت والباطون ومواد مثل األنابيب الفوالذية أو قضبان‬

‫حديدية"‪.‬‬

‫ما يعني بوضوح أن شروط عملية إعادة االعمار هي تكريس وتشريع للحصار واالحتالل‪ ,‬األمر‬

‫الذي يستدعي مراجعة كل ما جرى برؤية نقدية وطنية‪ ,‬بعيدة عن مبررات وذرائع كل من حركتي فتح‬

‫وحماس وموافقتهما على هذه الشروط المذلة‪ ,‬األمر الذي يستدعي من كافة القوى الوطنية المبادرة‬

‫إلى الدعوة من أجل تشكيل هيئة وطنية بالتعاون مع مؤسسات "المجتمع المدني" والقطاع الخاص‬ ‫وبمشاركة فعاله من أصحاب المصانع والمزارع والبيوت المدمرة‪ ,‬لمتابعة ومراقبة تنفيذ عملية االعمار‪.‬‬ ‫أرقام احصائية عن كميات مواد البناء الالزمة لالعمار ‪:‬‬ ‫بالنسبة لكميات مواد البناء الالزمة لعملية األعمار‪ ,‬تؤكد اإلحصائية شبه النهائية الصادره عن‬

‫وزارة األشغال العامة في غزة‪ ,‬أن إجمالي كميات مواد البناء الالزمة إلعادة إعمار غزة‪ ,‬تبلغ ‪0.2‬‬

‫مليون طن إسمنت (‪ 032‬ألف طن شهرياً) و (‪ 2099‬طن يومياً)‪ ,‬و‪ 337‬ألف طن حديد‪ ,‬وخمسة‬ ‫ماليين طن حصى‪ ,‬ما يعني توفير أكثر من ‪ 911‬شاحنة يومياً على مدار العامين القادمين لتأمين‬

‫وصول هذه الكميات من مواد البناء إضافة إلى أكثر من ‪ 211‬شاحنة يومياً لتأمين مستلزمات قطاع‬

‫غزة في حين أن معبر كرم أبو سالم ال يستوعب أكثر من ‪ 711-911‬شاحنة يومياً!!‬

‫‪481‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫مواد البناء الوارده لعملية االعمار خالل الفترة من ‪ 3102/03/2 – 3102/01/06‬حسب‬ ‫االتفاق ‪/‬البرنامج بين السلطة واسرائيل واألمم المتحدة‬

‫المادة‬

‫عدد الشاحنات‬

‫أسمنت (إجمالي الكمية المطلوبة‬

‫‪029‬‬

‫الكمية المطلوبة يومياً لتغطية حاجة االعمار ولمدة‬

‫الكمية‬ ‫(بالطن)‬ ‫‪2121‬‬

‫العمار البيوت والمنشآت‬

‫عام‪/‬أو عامين‬

‫‪ 2099‬طن يومياً × ‪ 292‬يوم= ‪ 012‬مليون طن‬

‫(حوالي ‪ 011‬شاحنة حملة ‪ 21‬طن يومياً ) أو ‪21‬‬ ‫شاحنة يومياً على مدار عامين‪.‬‬

‫المدمرة ‪ 012‬مليون طن)‬

‫(كميات األسمنت التي كانت تدخل القطاع قبل‬ ‫الحصار (‪ )2211‬طن يومياً‪)..‬‬

‫حديد بناء‬

‫‪03‬‬

‫‪211‬‬

‫‪ 931‬طن يومياً × ‪ 292‬يوم= ‪ 337‬ألف طن (‪02‬‬

‫حصمة‬

‫‪72‬‬

‫‪3691‬‬

‫‪ 02‬ألف طن يومياً × ‪ 292‬يوم= ‪ 2‬مليون طن‬

‫‪0211‬‬

‫‪23231‬‬

‫‪11‬‬

‫‪221‬‬

‫شاحنة يومياً) أو ‪ 1‬شاحنات يومياً لمدة عامين‪.‬‬

‫(‪ 211‬شاحنة يومياً) أو ‪ 021‬شاحنة يومياً لمدة‬ ‫عامين‪.‬‬

‫بيس كورس‪ /‬للمشاريع القطرية‬ ‫بيتومين لألسفلت‬

‫منحه من مصر‬

‫‪ ‬توفير الكميات المذكورة أعاله ‪ ,‬يتطلب إزالة كل المعوقات مع توسيع معبر كرم أبو سالم‬

‫والسماح بالتوريد واالستيراد من الدول العربية عن طريق معبر رفح ‪ ,‬وبدون ذلك فإن عملية االعمار‬

‫ستتأخر لسنوات طويلة‪.‬‬

‫‪ ‬بالنسبة للمشاريع الدولية (مشاريع ‪ undp‬و األونروا واليونيسيف ومشاريع سلطة المياه‬

‫والمشاريع التركيه‪ ,‬فكل مواد البناء الواردة هي خارج آلية االعمار‪ ,‬ويتم التنسيق بادخالها عبر‬

‫األونروا والهيئات األخرى)‪.‬‬

‫اعتبار من‬ ‫‪ ‬هدد عدد من أصحاب المصانع اإلنشائية في قطاع غزة بالقيام بخطوات تصعيدية‬ ‫ً‬ ‫يوم األحد‪.03/7‬‬ ‫‪ ‬تم عقد اجتماع يوم األحد الماضي بتاريخ ‪ 21‬نوفمبر في الغرفة التجارية في مدينة غزة‪,‬‬

‫بحضور الغرف التجارية الخمس الممثلة عن كافة محافظات القطاع باإلضافة إلى تسع شركات‬ ‫لإلسمنت وعدد من التجار‪ ,‬وأكدوا رفضهم لخطة "روبرت سيري" ‪ ,‬وطالبوا عدم حرمان فئة كبيرة من‬

‫المواطنين والتجار الراغبين باالستفادة من مواد البناء"‪.‬‬

‫‪ ‬لم تبدأ حتى تاريخه أي خطوة لتعويض أصحاب المصانع والمزارع والمحالت التجارية‬

‫والصيادين ‪ ..‬وكل ما جرى هو تسجيل أسماء المتضررين!‬

‫‪480‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫السؤال األهم هنا هو‪ ,‬كيف ستتصرف القوى والهيئات والفعاليات الوطنية تجاه طرفي الصراع‬

‫واالنقسام فتح وحماس؟ وهل ستجد الطريق المالئم للتوافق على برنامج يستهدف متابعة وم ارقبة‬

‫وتقييم عملية اإلعمار ارتباطاً برؤية وطنية فلسطينية ؟؟ بحيث تستطيع هذه الرؤية أن تقدم برنامجاً‬ ‫واضحاً يجيب على أسئلة جماهير المتضررين‪ ,‬المحكومة في هذه اللحظة بعوامل القلق ومظاهر‬

‫االحباط السائدة في أوساطهم (معظمهم من الشرائح الفقيرة سكان الشريط الحدودي)‪ ,‬إلى جانب تفاقم‬ ‫مظاهر الفقر والبطالة واستمرار الحصار وبقاء مظاهر االنقسام والصراع بين فتح وحماس واستمرار‬

‫إغالق معبر رفح وما ينتج عن ذلك من مظاهر العنف والجريمة‪ ,‬بعد أن يعجز الجميع عن أنهاء‬

‫معاناة الناس وانهاء الحصار الصهيوني‪.‬‬

‫نحن إذن‪ ,‬أمام أوضاع معقدة في مجابهة شروط العدو االسرائيلي وشروط الدول المانحة من‬

‫ناحية‪ ,‬وفي حرصنا على ايجاد الحلول الكفيلة بإنهاء معاناة أبناء شعبنا الذين دمرت بيوتهم‬ ‫ومصانعهم ومزارعهم عالوة على معاناة ذوي الشهداء والجرحى والمعوقين من ناحية ثانية‪ ,‬إلى جانب‬

‫النضال من أجل انهاء حصار قطاع غزة الذي بات سجناً كبي ارً بال سقف من ناحية ثالثة‪.‬‬

‫أخي ارً‪ ...‬إن االشراف الوطني على عملية االعمار ومراقبتها من خالل هيئة وطنية لمتابعة خطة‬

‫االعمار‬

‫بالتنسيق مع االخوة في اللجنة الشعبية ‪ ,‬وبمشاركة المتضررين من القطاع الخاص‬

‫وأصحاب البيوت المدمرة وأبناء الشهداء والجرحى‪ ,‬بما يضمن تنفيذ عملية االعمار بصورة صحيحة‪.‬‬

‫لكن هذه العملية مشروطة بالضغط الشعبي إلنهاء االنقسام وتطبيق خطوات المصالحة بصورة‬

‫جادة وسريعة بعيداً عن الصراع الفئوي والصراع على السلطة والمصالح بين فتح وحماس‪ ,‬عبر شعار‬ ‫وطني ديمقراطي توحيدي لكل أبناء شعبنا يؤكد على الضرورة العاجلة لتكريس نظام سياسي ديمقراطي‬ ‫كمخرج وحيد ألوضاعنا المنقسمة والمأزومة الراهنة‪ ,‬يضمن مواصلة النضال التحرري والديمقراطي من‬

‫أجل الحرية وتقرير المصير والعودة وبناء الدولة الديمقراطية المستقلة كاملة السيادة ‪ ,‬وبدون ذلك‬

‫ستتزايد مظاهر الهبوط السياسي والتفكك االقتصادي واالجتماعي‪ ,‬وتزايد تراكمات البطالة والفقر المدقع‬

‫والتشرد وارتفاع نسبة الجريمة االجتماعية بما قد يجعل من قطاع غزة مرتعاً خصباً لكل أشكال‬ ‫ومظاهر التطرف والفوضى المتوحشة التي تفتح األبواب واسعة أمام "داعش" وغيرها من الحركات‬

‫األصولية المتطرفة‪.‬‬

‫‪482‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫احملتويات‬

‫الموضوع‬

‫الرقم‬

‫التاريخ‬

‫الصفحة‬

‫‪3102/0/02‬‬

‫‪2‬‬ ‫‪01‬‬

‫‪.0‬‬

‫غازي الصوراني ‪ -‬مفكر يساري وماركسي ‪ -‬في حوار مفتوح مع القارئات‬

‫‪.3‬‬

‫رفض التطبيق الميكانيكي لمفهوم ‪-‬المركزية الديمقراطية ‪-‬‬

‫‪3102/0/01‬‬

‫‪.2‬‬

‫مدخل الى الخطوط الكبرى لتاريخ الفلسفة‬

‫‪3102/0/21‬‬

‫‪33‬‬

‫‪.2‬‬

‫حول طبيعة التطور االجتماعي العربي المشوه ودور المثقف الثوري العضوي‪..‬‬

‫‪3102/3/2‬‬

‫‪32‬‬

‫‪.2‬‬

‫طروحات في الفلسفة‬

‫‪3102/3/31‬‬

‫‪32‬‬

‫‪.9‬‬

‫عصر النهضة وتطور الفلسفة األوروبية والتنوير حتى نهاية القرن الثامن‬

‫‪3102/3/32‬‬

‫‪27‬‬

‫‪.7‬‬ ‫‪.1‬‬

‫الستين‬ ‫إلى رفيقي أحمد سعدات في عيده ّ‬

‫‪3102/3/32‬‬

‫‪20‬‬

‫االقتصاد الفلسطيني وسبل الخروج من أزماته المستعصية‬

‫‪3102/2/2‬‬

‫‪23‬‬

‫‪.6‬‬

‫مقارنــة ســريعة بــين الرفيــق هوجــو شــافيز ‪...‬وبــين مــا يســمى بزعمــاء الــدول‬

‫‪3102/2/7‬‬

‫‪77‬‬

‫‪.01‬‬

‫الفلسفة الماركسية موقف أخالقي قبل أن تكون علماً‬

‫‪3102/2/03‬‬

‫‪76‬‬

‫‪3102/2/32‬‬

‫‪10‬‬

‫‪3102/2/21‬‬

‫‪12‬‬

‫‪3102/2/09‬‬

‫‪19‬‬

‫‪3102/2/03‬‬

‫‪16‬‬

‫‪3102/2/21‬‬

‫‪67‬‬

‫‪3102/9/2‬‬

‫‪010‬‬

‫‪3102/9/6‬‬

‫‪012‬‬

‫‪3102/9/03‬‬

‫‪012‬‬

‫‪3102/9/02‬‬

‫‪021‬‬

‫‪3102/9/02‬‬

‫‪021‬‬ ‫‪091‬‬

‫والقراء حول‪ :‬معارك ماركسية فكرية حول قضايا راهنة ومستقبلية‬

‫عشر‬

‫االسالمية والعربية‪!!!!....‬‬

‫‪.00‬‬ ‫‪.03‬‬

‫ُمهات ‪!.‬‬ ‫أ َّ‬

‫مداخلة حول ‪-‬الحملة اإلسرائيلية لنزع صفة الجئ عن ابناء وأحفاد الالجئين‪-‬‬

‫‪.02‬‬

‫هنيئــا للعمــال والفالحــين الفق ـراء وكــل المضــطهدين فــي فنــزويال بفــوز الرفيــق‬

‫‪.02‬‬

‫السيرورات الثورية لال نتفاضات العربية وتأثيرها على القضية الفلسطينية‬

‫‪.02‬‬

‫المقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والقيادية والمسلكية‬

‫‪.09‬‬

‫الوضع العربي بعد ‪ 29‬عاماً على هزيمة حزيران ‪ ..0697‬مزيد من تراجع‬

‫‪.07‬‬

‫موجز رحلة لم تنته بعد‬

‫‪.01‬‬

‫مقتطفات من كتاب رأس المال ‪ -‬تأليف د‪ .‬فؤاد مرسي ‪ -‬اعداد غازي‬

‫مادورو‬

‫والعلميةالمطلوب تطبيقها ومتابعتها وتطويرها في احزاب اليسار العربي‬ ‫الهويتين القومية والوطنية لحساب مشهد االسالم السياسي‬

‫الصوراني‬ ‫‪.06‬‬ ‫‪.31‬‬

‫خمسة وستون عاماً من النضال واللجوء ‪ ..‬أما آن أوان المراجعة‬ ‫مصر العربية في خطر‬

‫‪.30‬‬

‫قطاع غزة ‪ 0627 – 0621‬دراسة تاريخية سياسية اجتماعية‬

‫‪3102/9/06‬‬

‫‪.33‬‬

‫على موعد مع انتصار الثورة الشعبية الديمقراطية في مصر‬

‫‪3102/7/0‬‬

‫‪011‬‬

‫‪.32‬‬

‫لحظة النهوض الثوري والديمقراطي لمصر وللوطن العربي كله‬

‫‪3102/7/3‬‬

‫‪013‬‬

‫‪483‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪.32‬‬

‫الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري‬

‫‪.32‬‬

‫مــن وحــي الثــورة الشــعبية فــي مصــر العربيــة ‪ ...‬القــوى اليســارية الثوريــة هــي‬

‫‪.39‬‬

‫رؤية أولية حول موقف القوى اليسارية والديمق ارطية العربية من حركات‬

‫‪.37‬‬

‫في مفهوم االغتراب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي‬

‫‪3102/7/03‬‬

‫‪.31‬‬

‫المفاهيم والقيم االخالقية والمجتمعية العربية وافاق المستقبل‪.....‬‬

‫‪3102/7/06‬‬

‫‪062‬‬

‫‪3102/7/32‬‬

‫‪067‬‬

‫‪3102/7/32‬‬

‫‪312‬‬

‫‪3102/7/32‬‬

‫‪319‬‬ ‫‪303‬‬

‫القوى الوحيدة المؤهلة لقيادة هذه المرحلة ومستقبلها‬

‫اإلسالم السياسي‪..‬‬

‫‪3102/7/3‬‬

‫‪012‬‬

‫‪3102/7/2‬‬

‫‪012‬‬

‫‪3102/7/9‬‬

‫‪017‬‬ ‫‪060‬‬

‫‪.36‬‬

‫الحالة الثورية في مصر وتداعياتها على حركة حماس والوضع الفلسطيني‬

‫‪.21‬‬

‫االنتفاضات الثورية ومشهد تفكك وسقوط انظمة االستبداد والتخلف واالستغالل‬

‫‪.20‬‬

‫ورقة اولية حول نشـأة وتطـور الحركـة الشـيوعية فـي فلسـطين وموقـف الجبهـة‬

‫‪.23‬‬

‫كيف ترى تطور الهوية لفلسطيني ‪21‬؟‬

‫‪3102/7/39‬‬

‫‪.22‬‬

‫عن ‪-‬ازمة الماركسية‪ -‬وأزمة احزاب وفصائل اليسار العربي وسبل النهوض‬

‫‪3102/7/31‬‬

‫‪302‬‬

‫‪.22‬‬

‫الموقف الثوري المطلوب من فصـائل واحـزاب اليسـار العربـي تجـاه قـوى اليمـين‬

‫‪3102/1/00‬‬

‫‪306‬‬

‫‪.22‬‬

‫قطاع غزة ‪ - 0662 0627‬القسم الثاني‬

‫‪3102/1/32‬‬

‫‪331‬‬

‫‪.29‬‬

‫حول الديمقراطية الليبرالية والصراع الطبقي والمجتمع المدني والثورة االشتراكية‬

‫‪3102/1/39‬‬

‫‪322‬‬

‫‪.27‬‬

‫حول شعار ‪ -‬االسالم هو الحل‪-‬‬

‫‪3102/6/2‬‬

‫‪321‬‬

‫‪.21‬‬

‫حديث عن إخفاقات منظمـة التحريـر الفلسـطينية ‪ ...‬بعـد ‪ 31‬عـام علـى توقيـع‬

‫‪3102/6/02‬‬

‫‪326‬‬

‫‪.26‬‬

‫‪ 31‬عام على توقيع اتفاق اوسلو‬

‫‪3102/6/32‬‬

‫‪396‬‬

‫‪.21‬‬

‫ما هي إشكالية النضال القطري الفلسطيني؟‬

‫‪3102/6/32‬‬

‫‪370‬‬

‫‪.20‬‬

‫انسداد أفق النضال الفلسطيني الراهن ومستقبل اليسار‬

‫‪3102/6/32‬‬

‫‪372‬‬

‫‪.23‬‬

‫الماركسية والدين والعلمانية والديمقراطية‬

‫‪3102/01/1‬‬

‫‪376‬‬

‫‪.22‬‬

‫دخل إلى الفلسفة الماركسية ‪ ..‬المادية الجدلية والتاريخية‬

‫‪3102/01/02‬‬

‫‪212‬‬

‫‪.22‬‬

‫على هامش الموقف االيجابي المتضمن في خطاب األخ اسماعيل هنية‬

‫‪3102/01/06‬‬

‫‪213‬‬

‫‪.22‬‬

‫عن مسلسل هبوط قيادة م‪.‬ت‪.‬ف‬

‫‪3102/01/30‬‬

‫‪212‬‬

‫‪.29‬‬

‫خــواطر مـــن وحـــي االنتفاضـــات العربيـــة والصـــراع مـــع قـــوى التخلـــف والرجعيـــة‬

‫‪3102/01/37‬‬

‫‪219‬‬

‫‪.27‬‬

‫رفاقي وأصدقائي في احزاب وفصائل اليسار الماركسي العربي‪...‬‬

‫‪3102/03/1‬‬

‫‪210‬‬

‫‪.21‬‬

‫عن االستبداد والمصالح لدى حكومتي فتح وحماس غير الشرعيتين ‪.....‬‬

‫‪3102/03/09‬‬

‫‪213‬‬

‫‪.26‬‬

‫بروباجندات الحكام الدينية والسياسية‬

‫‪3102/2/09‬‬

‫‪212‬‬

‫‪.21‬‬

‫في الذكرى الثامنة والثالثين ليوم األرض‬

‫‪3102/2/36‬‬

‫‪233‬‬

‫في مجتمعاتنا العربية‬ ‫الشعبية‬

‫الليبرالي واالسالم السياسي‪..‬‬

‫اتفاق اوسلو‬

‫واالسالم السياسي‪........‬‬

‫‪484‬‬


‫مقاالت ودراسات غازي الصوراني – المجلد السادس ‪ :‬من عام ‪ 3102‬إلى عام ‪3102‬‬

‫‪.20‬‬

‫مراحل تطور الرأسمالية الى االمبريالية وصوالً إلى مرحلة العولمة المتوحشة‬

‫‪.23‬‬

‫يوميات صمود غزة ومقاومتها لحرب االبادة الصهيونية‬

‫‪3102/7/09‬‬

‫‪.22‬‬

‫دروس وعبر نضال وصمود قطاع غزة ‪...‬‬

‫‪3102/7/30‬‬

‫‪226‬‬

‫‪.22‬‬

‫وجهة نظر حول مفهوم الثورة الوطنية‪/‬الشعبية الديمقراطية‬

‫‪3102/1/20‬‬

‫‪221‬‬

‫‪.22‬‬

‫عن ابناء الشهداء والجرحى واصحاب البيوت المدمرة ‪ ,‬وعن خطة اعمار‬

‫الراهنة‬

‫قطاع غزة وتعثر والدة حكومة الوحدة الوطنية رغم الشروط المذلة للدول‬

‫المانحة ‪.....‬‬ ‫‪.29‬‬

‫عن االزمة البنيوية في أطر الحركة الوطنية الفلسطينية بتياراتها المختلفة‬

‫‪.27‬‬

‫رؤية راهنة ومستقبلية عن رؤية ودور القوى اليسارية الثورية الفلسطينية‬

‫‪.21‬‬

‫نظرة تحليلية لواقع التخلف العشائري والنمط شبه الرأسمالي التابع والرث‬

‫‪.26‬‬

‫عن عملية االعمار واستمرار الحصار ‪ ,‬وعن السكان والقوى العاملة والبطالة‬

‫واستحقاق البديل الديمقراطي اآلن وفو ار‪......‬دعوة للحوار‪......‬‬

‫وانتشار الفساد في مجتمعاتنا العربية‪....‬‬

‫في الضفة الغربية وقطاع غزة كما في منتصف ‪3102‬‬ ‫‪.91‬‬

‫عملية إعمار قطاع غزة‪ ...‬شرعنة االحتالل أم إعمار؟ ‪ ..‬عرض وتحليل‬

‫‪.90‬‬

‫االمطار خير وبركة ولكنه وبال على المشردين واصحاب البيوت المدمرة في‬

‫‪.93‬‬

‫االعمار حقائق وأرقام‬

‫ومالحظات نقدية‬

‫قطاع غزة‪!....‬؟‬

‫‪485‬‬

‫‪3102/2/32‬‬

‫‪232‬‬ ‫‪227‬‬

‫‪3102/6/9‬‬

‫‪222‬‬

‫‪3102/6/1‬‬

‫‪229‬‬

‫‪3102/6/02‬‬

‫‪226‬‬

‫‪3102/6/32‬‬

‫‪290‬‬

‫‪3102/01/32‬‬

‫‪293‬‬

‫‪3102/00/0‬‬

‫‪292‬‬

‫‪3102/00/31‬‬

‫‪272‬‬

‫‪3102/03/7‬‬

‫‪277‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.