Nidham

Page 1

‫تقي الدين النبهاني‬

‫نظام‬ ‫السلم‬


‫‪1372‬هـ ___ ‪1953‬م‬

‫من منشورات‬ ‫حزب التحرير‬

‫‪----------‬‬

‫‪2‬‬


‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫طريق اليمان‬ ‫ينهض النسان بما عنده من فكر عن الحياة‬ ‫والكون والنسان ‪ ،‬وعن علقتها جميعها بما قبل الحياة‬ ‫الدنيا وما بعدها ‪ .‬فكان لبد من تغيير فكر النسان‬ ‫الحاضر تغييرا أساسيا شامل ‪ ،‬وإيجاد فكر آخر له حتى‬ ‫ينهض ‪ ،‬لن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن‬ ‫الشياء ‪ ،‬ويركز هذه المفاهيم ‪ .‬والنسان يكيف سلوكه‬ ‫في الحياة بحسب مفاهيمه عنها ‪ ،‬فمفاهيم النسان‬ ‫عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه ‪ ،‬على النقيض من‬ ‫سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه ‪،‬‬ ‫وعلى خلف سلوكه مع شخص ل يعرفه ول يوجد لديه‬ ‫أي مفهوم عنه ‪ ،‬فالسلوك النساني مربوط بمفاهيم‬ ‫النسان ‪ ،‬وعند إرادتنا أن نغير سلوك النسان‬ ‫المنخفض ونجعله سلوكا راقيا ل بد أن نغير مفهومه‬ ‫أول ‪ ) ،‬إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما‬ ‫بأنفسهم ( ‪.‬‬ ‫والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر‬ ‫عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم‬ ‫الصحيحة عنها ‪ .‬والفكر عن الحياة الدنيا ل يتركز تركزا‬ ‫منتجا إل بعد أن يوجد الفكر عن الكون والنسان‬ ‫والحياة ‪ ،‬وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها ‪ ،‬وعن‬ ‫علقتها بما قبلها وما بعدها ‪ ،‬وذلك بإعطاء الفكرة‬ ‫الكلية عما وراء هذه الكون والنسان والحياة‪ .‬لنها‬ ‫القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار عن‬ ‫الحياة ‪ .‬وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الشياء هو حل‬ ‫العقدة الكبرى عـند النسان ‪ .‬ومتى حلت هذه العقدة‬ ‫حلت باقي العقد ‪ ،‬لنها جزئية بالنسبة لها ‪ ،‬أو فروع‬ ‫‪3‬‬


‫عنها ‪ .‬لكن هذا الحل ل يوصل إلى النهضة الصحيحة إل‬ ‫إذا كان حل صحيحا يوافق فطرة النسان ‪ ،‬ويقنع‬ ‫العقل ‪ ،‬فيمل القلب طمأنينة ‪.‬‬ ‫ول يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إل بالفكر‬ ‫المستنير عن الكون والنسان والحياة ‪ .‬لذلك كان على‬ ‫مريدي النهضة والسير في طريق الرقي أن يحلوا هذه‬ ‫العقدة أول ‪ ،‬حل صحيحا بواسطة الفكر المستنير ‪،‬‬ ‫وهذا الحل هو العقيدة ‪ ،‬وهو القاعدة الفكرية التي‬ ‫يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن‬ ‫أنظمة الحياة ‪.‬‬ ‫والسلم قد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها‬ ‫للنسان حل يوافق الفطرة ‪ ،‬ويمل العقل قناعة ‪،‬‬ ‫والقلب طمأنينة ‪ ،‬وجعل الدخول فيه متوقفا على‬ ‫القرار بهذا الحل إقرارا صادرا عن العقل ‪ ،‬ولذلك كان‬ ‫السلم مبنيا على أساس واحد هو العقيدة ‪ .‬وهي أن‬ ‫وراء هذا الكون والنسان والحياة خالقا خلقها جميعا ‪،‬‬ ‫وخلق كل شيء ‪ ،‬وهو الله تعالي ‪ .‬وأن هذا الخالق‬ ‫أوجد الشياء من عدم ‪ ،‬وهو واجب الوجود ‪ ،‬فهو غير‬ ‫مخلوق ‪ ،‬وإل لما كان خالقا ‪ ،‬واتصافه بكونه خالقا‬ ‫يقضي بكونه غير مخلوق ‪ ،‬ويقضي بأنه واجب الوجود ‪،‬‬ ‫لن الشياء جميعها تستند في وجودها إليه ول يستند‬ ‫هو إلى شيء ‪.‬‬ ‫أما أنه ل بد للشياء من خالق يخلقها فذلك أن‬ ‫الشياء التي يدركها العقل هي النسان والحياة والكون‬ ‫‪ ،‬وهذه الشياء محدودة ‪ ،‬فهي عاجزة وناقصة‬ ‫ومحتاجة إلى غيرها ‪ .‬فالنسان محدود لنه ينمو في‬ ‫كل شيء إلى حـد ما ل يتجاوزه ‪ ،‬فهو محدود ‪ .‬والحياة‬ ‫محدودة ‪ ،‬لن مظهرها فردى فقط ‪ ،‬والمشاهد بالحس‬ ‫أنها تنتهي في الفرد ‪ ،‬فهي محدودة ‪ .‬والكون محدود‬ ‫لنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود ‪ ،‬ومجموع‬ ‫‪4‬‬


‫المحدودات محدود بداهة ‪ ،‬فالكون محدود ‪ .‬وعلى ذلك‬ ‫فالنسان والحياة والكون محدودة قطعا ‪ .‬وحين ننظر‬ ‫إلى المحدود نجده ليس أزليا وإل لما كان محدودا فل‬ ‫بد أن يكون المحدود مخلوقا لغيره ‪ ،‬وهذا الغير هـو‬ ‫خالق النسان والحياة والكون ‪ ،‬وهو أما أن يكون‬ ‫مخلوقا لغيره ‪ ،‬أو خالقا لنفسه ‪ ،‬أو أزليا واجب الوجود‬ ‫‪ .‬أما أنه مخلوق لغيره فباطل ‪ ،‬لنه يكون محدودا ‪،‬‬ ‫وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضا ‪ ،‬لنه يكون مخلوقا‬ ‫لنفسه وخالقا لنفسه في آن واحـد وهذا باطل أيضا ‪،‬‬ ‫فلبد أن يكون الخالق أزليا واجب الوجود وهو الله‬ ‫تعالى‪.‬‬ ‫على أن كل من كان له عقل ‪ ،‬يدرك من مجرد‬ ‫وجود الشياء التي يقع عليها حسه ‪ ،‬أن لها خالقا خلقها‬ ‫‪ ،‬لن المشاهد فيها جميعها أنها ناقصة ‪ ،‬وعاجزة‬ ‫ومحتاجة لغيرها ‪ ،‬فهي مخلوقة قطعا ‪ .‬ولذلك يكفي‬ ‫أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والحياة‬ ‫والنسان ليستدل به على وجود الخالق المدبر ‪.‬‬ ‫فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في الكون ‪،‬‬ ‫والتأمل في إي مظهر من مظاهر الحياة ‪ ،‬وإدراك أي‬ ‫ناحية في النسان ‪ ،‬ليدل دللة قطعية على وجود الله‬ ‫تعالى‪ .‬ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى‬ ‫الشياء ‪ ،‬ويدعو النسان لن ينظر إليها والى مـا حولها‬ ‫وما يتعلق بها ‪ ،‬ويستدل بذلك على وجود الله تعالى ‪.‬‬ ‫إذ ينظر إلى الشياء كيف إنها محتاجة إلى غيرها‬ ‫فيدرك من ذلك وجود الله الخالق المدبر إدراكا‬ ‫قطعيا ‪ .‬وقد وردت مئات اليات في هذا المعنى ‪ ،‬قال‬ ‫تعالى في سورة آل عمران ) إن في خلق‬ ‫السموات والرض ‪ ،‬واختلف الليل والنهار ليات‬ ‫لولى اللباب ( وقال تعالى في سورة الروم ) ومن‬ ‫آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم‬ ‫‪5‬‬


‫وألوانكم ( وقال تعالى في سورة الغاشية ) أفل‬ ‫ينظرون إلى البل كيف خلقت ‪ ،‬والى السماء‬ ‫كيف رفعت ‪ ،‬والى الجبال كيف نصبت ‪ ،‬والى‬ ‫الرض كيف سطحت ( وقال تعالى في سورة‬ ‫الطارق ) فلينظر النسان مم خلق ‪ ،‬خلق من ماء‬ ‫دافق يخرج من بين الصلب والترائب ( وقال تعالى‬ ‫في سورة البقرة ) إن في خلق السموات والرض‬ ‫‪ ،‬واختلف الليل والنهار ‪ ،‬والفلك التي تجري في‬ ‫البحر بما ينفع الناس ‪ ،‬وما أنزل ا من السماء‬ ‫من ماء فأحيا به الرض بعد موتها ‪ ،‬وبث فيها من‬ ‫كل دابة ‪ ،‬وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين‬ ‫السماء والرض ‪ ،‬ليات لقوم يعقلون ( إلى غير‬ ‫ذلك من اليات التي تدعو النسان لن ينظر النظرة‬ ‫العميقة إلى الشياء وما حولها وما يتعلق بها ‪ ،‬ويستدل‬ ‫بذلك على وجود الخالق المدبر ‪ ،‬حتى يكون إيمانه‬ ‫بالله إيمانا راسخا ‪ w‬عن عقل وبينة ‪.‬‬ ‫نعم إن اليمان بالخالق المدبر فطري في كل‬ ‫إنسان ‪ .‬إل أن هذا اليمان الفطري يأتي عن طريق‬ ‫الوجدان ‪ .‬وهو طريق غير مأمون العاقبة ‪ ،‬وغير‬ ‫موصل إلى تركيز إذا ترك وحده ‪ .‬فالوجدان كثيرا ما‬ ‫يضفي على ما يؤمن به أشياء ل حقائق لها ‪ ،‬ولكن‬ ‫الوجدان تخيلها صفات لزمة لما آمن به ‪ ،‬فوقع في‬ ‫الكفر أو الضلل ‪ .‬وما عبادة الوثان ‪ ،‬وما الخرافات‬ ‫والترهات إل نتيجة لخطأ الوجدان ‪ .‬ولهذا لم يترك‬ ‫السلم الوجدان وحده طريقة لليمان ‪ ،‬حتى ل يجعل‬ ‫لله صفات تتناقض مع اللوهية ‪ ،‬أو يجعله ممكن‬ ‫التجسد في أشياء مادية ‪ ،‬أو يتصور إمكان التقرب إليه‬ ‫بعبادة أشياء مادية ‪ ،‬فيؤدي إما إلى الكفر أو‬ ‫‪6‬‬


‫الشراك ‪ ،‬وإما إلى الوهام والخرافات التي يأباها‬ ‫اليمان الصادق ‪ .‬ولذلك حتم السلم استعمال العقل‬ ‫مع الوجدان ‪ ،‬وأوجب على المسلم استعمال عقله‬ ‫حين يؤمن بالله تعالى ‪ ،‬ونهى عن التقليد في العقيدة‬ ‫ولذلك جعل العقل حكما في اليمان بالله تعالى ‪ .‬قال‬ ‫تعالى ‪ ) :‬إن في خلق السموات والرض واختلف‬ ‫الليل والنهار ليات لولي اللباب ( ‪ .‬ولهذا كان‬ ‫واجبا على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادرا عن تفكير‬ ‫وبحث ونظر ‪ ،‬وأن يحكم العقل تحكيما مطلقا في‬ ‫اليمان بالله تعـــالى ‪)) .‬والدعوة إلى النظر في الكون‬ ‫لستنباط سننه وللهتداء إلى اليمان ببارئه ‪ ،‬يكررها‬ ‫القرآن مئات المرات في سوره المختلفة ‪ ،‬وكلها‬ ‫موجهة إلى قوى النسان العاقلة تدعوه إلى التدبر‬ ‫والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذره الخذ بما‬ ‫وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة‬ ‫ذاتية بمبلغه من الحق ‪.‬هذا هو اليمان الذي دعا‬ ‫السلم إليه ‪ ،‬وهو ليس هذا اليمان الذي يسمونه‬ ‫إيمان العجائز ‪ ،‬إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي‬ ‫نظر ونظر ‪ ،‬ثم فكر وفكر ‪ ،‬ثم وصل من طريق النظر‬ ‫والتفكير إلى اليقين بالله جلت قدرته (( ‪.‬‬ ‫ورغم وجوب استعمال النسان العقل في الوصول‬ ‫إلى اليمان بالله تعالى فانه ل يمكنه إدراك ما هو فوق‬ ‫حسه وفوق عقله ‪ ،‬وذلك لن العقل النساني محدود ‪،‬‬ ‫ومحدودة قوته مهما سمت ونمت بحدود ل تتعداها ‪،‬‬ ‫ولذلك كان محدود الدراك ومن هنا كان لبد أن يقصر‬ ‫العقل دون إدراك ذات الله ‪ ،‬وأن يعجز عن إدراك‬ ‫حقيقته ‪ ،‬لن الله وراء الكون والنسان والحياة ‪،‬‬ ‫والعقل في النسان ل يدرك حقيقة ما وراء النسان ‪،‬‬ ‫ولذلك كان عاجزا ‪ w‬عن إدراك ذات الله ‪ .‬ول يقال هنا ‪:‬‬ ‫كيف آمن النسان بالله عقل ‪ w‬مع أن عقله عاجز عن‬ ‫‪7‬‬


‫إدراك ذات الله ؟ لن اليمان إنما هو إيمان بوجود الله‬ ‫ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته ‪ ،‬وهي الكون‬ ‫والنسان والحياة ‪ .‬وهذه المخلوقات داخلة في حدود‬ ‫ما يدركه العقل ‪ ،‬فأدركها ‪ ،‬وأدرك من إدراكه إياها‬ ‫وجود خالق لها ‪ ،‬وهو الله تعالى ‪ .‬ولذلك كان اليمان‬ ‫بوجود الله عقليا ‪ w‬وفي حدود العقل ‪ ،‬بخلف إدراك ذات‬ ‫الله فانه مستحيل ‪ ،‬لن ذاته وراء الكون والنسان‬ ‫والحياة ‪ ،‬فهو وراء العقل ‪ .‬والعقل ل يمكن أن يدرك‬ ‫حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الدراك ‪ .‬وهذا‬ ‫القصور نفسه يجب أن يكون مـن مقويات اليمان ‪،‬‬ ‫وليس من عوامل الرتياب والشك فانه لما كان إيماننا‬ ‫بالله آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا ‪w‬‬ ‫تاما ‪ ، w‬ولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقرونا ‪ w‬بالعقل‬ ‫كان شعورنا بوجوده شعورا ‪ w‬يقينيا ‪ ، w‬وهذا كله يجعل‬ ‫عندنا إدراكا ‪ w‬تاما ‪ w‬وشعورا ‪ w‬يقينيا ‪ w‬بجميع صفات اللوهية ‪.‬‬ ‫وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة‬ ‫ذات الله على شدة إيماننا به ‪ ،‬وإننا يجب أن نسلم بما‬ ‫أخبرنا به مما قصر العقل عن إدراكه أو الوصول إلى‬ ‫إدراكه ‪ ،‬وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل‬ ‫النساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما‬ ‫فوقه ‪ .‬إذ يحتاج هذا الدراك إلى مقاييس ليست نسبية‬ ‫وليست محـدودة ‪ ،‬وهي مما ل يملكه النسان ول‬ ‫يستطيع أن يملكه ‪.‬‬ ‫وأما ثبوت الحاجة إلى الرسل ‪ ،‬فهو انه ثبت أن‬ ‫النسان مخلوق لله تعالى ‪ ،‬وأن التدين فطري في‬ ‫النسان ‪ ،‬لنه غريزة من غرائزه ‪ ،‬فهو في فطرته‬ ‫يقدس خالقه ‪ ،‬وهذا التقديس هو العبادة ‪ ،‬وهي العلقة‬ ‫بين النسان والخالق وهذه العلقة إذا تركت دون نظام‬ ‫يؤدي تركها إلى اضطرابها والى عبادة غير الخالق ‪ ،‬فل‬ ‫بد من تنظيم هذه العلقة بنظام صحيح ‪ ،‬وهذا النظام‬ ‫‪8‬‬


‫ل يأتي من النسان لنه ل يتأتى له إدراك حقيقة‬ ‫الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه ‪ ،‬فل بد أن يكون هذا‬ ‫النظام من الخالق ‪ .‬وبما أنه ل بد أن يبلغ الخالق هذا‬ ‫النظام للنسان ‪ .‬لذلك كان لبد من الرسل يبلغون‬ ‫الناس دين الله تعالى ‪.‬‬ ‫والدليل أيضا على حاجة الناس إلى الرسل هو أن‬ ‫إشباع النسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي ‪،‬‬ ‫وهذا الشباع إذا سار دون نظام يؤدي إلى الشباع‬ ‫الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء النسان ‪ ،‬فل بد من‬ ‫نظام ينظم غرائز النسان وحاجاته العضوية ‪ ،‬وهذا‬ ‫النظام ل يأتي من النسان ‪ ،‬لن فهمه لتنظيم غرائز‬ ‫النسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والختلف‬ ‫والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها ‪ ،‬فإذا ت‪€‬رك‬ ‫ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والختلف‬ ‫والتناقض وأدى إلى شقاء النسان ‪ ،‬فل بد أن يكون‬ ‫النظام من الله تعالى ‪.‬‬ ‫وأما ثبوت كون القرآن من عند الله ‪ ،‬فهو أن‬ ‫القرآن كتاب عربي جاء به محمد عليه الصلة‬ ‫والسلم ‪ .‬فهو إما أن يكون من العرب وإما أن يكون‬ ‫من محمد ‪ ،‬وإما أن يكون من الله تعـالى ‪ .‬ول يمكن‬ ‫أن يكون من غير واحد من هؤلء الثلثة ‪ ،‬لنه عربي‬ ‫اللغة والسلوب ‪.‬‬ ‫أما انه من العرب فباطل لنه تحداهم أن يأتوا‬ ‫بمثله ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( ) قل فأتوا‬ ‫بسورة مثله ( وقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن‬ ‫ذلك ‪ .‬فهو إذن ليس من كلمهم ‪ ،‬لعجزهم عن التيان‬ ‫بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم التيان بمثله ‪ .‬وأما أنه‬ ‫من محمد فباطل ‪ ،‬لن محمدا ‪ w‬عربي من العرب ‪،‬‬ ‫ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه‬ ‫وأمته ‪ ،‬وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على‬ ‫‪9‬‬


‫محمد العربي أنه ل يأتي بمثله فهو ليس منه ‪ ،‬علوة‬ ‫أن لمحمد عليه الصلة والسلم أحاديث صحيحة‬ ‫وأخرى رويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إل‬ ‫الصدق ‪ ،‬وإذا قورن أي حديث بأي آية ل يوجد بينهما‬ ‫تشابه في السلوب وكان يتلو الية المنزلة ويقول‬ ‫الحديث في وقت واحد ‪ ،‬وبينهما اختلف في‬ ‫السلوب ‪ ،‬وكلم الرجل مهما حاول أن ينوعه فانه‬ ‫يتشابه في السلوب لنه جزء منه ‪ .‬وبما أنه ل يوجد‬ ‫أي تشابه بين الحديث والية في السلوب فل يكون‬ ‫القرآن كلم محمد مطلقا ‪ ، w‬للختلف الواضح الصريح‬ ‫بينه وبين كلم محمد ‪ .‬على أن العرب وهم أعلم‬ ‫الناس بأساليب الكلم العربي لم يدع أحد منهم أنه‬ ‫كلم محمد أو أنه يشبه كلمه ‪ ،‬وكل ما أدعوه أنه يأتي‬ ‫به من غلم نصراني اسمه )جبر( ولذلك رد عليهم الله‬ ‫تعالى فقال ) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه‬ ‫بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا‬ ‫لسان عربي مبين (‪.‬‬ ‫وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلم العرب ‪ ،‬ول‬ ‫كلم محمد ‪ ،‬فيكون كلم الله قطعا ‪ ، w‬ويكون معجزة‬ ‫لمن أتي به ‪.‬‬ ‫وبما أن محمدا ‪ w‬هو الذي أتي بالقرآن ‪ ،‬وهو كلم‬ ‫الله وشريعته ‪ ،‬ول يأتي بشريعة الله إل النبياء‬ ‫والرسل ‪ ،‬فيكون محمد نبيا ورسول قطعا بالدليل‬ ‫العقلي ‪.‬‬ ‫هذا دليل عقلي على اليمان بالله وبرسالة محمد‬ ‫وبأن القرآن كلم الله ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫وعلى ذلك كان اليمان بالله آتيا عن طريق‬ ‫العقل ‪ ،‬ول بد أن يكون هذا اليمان عن طريق العقل ‪.‬‬ ‫فكان بذلك الركيزة التي يقوم عليها اليمان بالمغيبات‬ ‫كلها وبكل ما أخبرنا الله به ‪ .‬لننا ما دمنا قد آمنا به‬ ‫‪10‬‬


‫تعالى وهو يتصف بصفات اللوهية يجب حتما ‪ w‬أن نؤمن‬ ‫بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان من وراء‬ ‫العقل ‪ ،‬لنه أخبرنا به الله تعالى ‪ .‬ومن هنا يجب‬ ‫اليمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب‬ ‫والعذاب ‪ ،‬وبالملئكة والجن والشياطين وغير ذلك ‪،‬‬ ‫مما جاء بالقرآن الكريم أو بحديث قطعي ‪ .‬وهذا‬ ‫اليمان وان كان عن طريق النقل والسمع لكنه في‬ ‫أصله إيمان عقلي ‪ ،‬لن أصله ثبت بالعقل ‪ .‬ولذلك كان‬ ‫ل بد أن تكون العقيدة للمسلم مستندة إلى العقل أو‬ ‫إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل ‪ .‬فالمسلم يجب‬ ‫أن يعتقد ما ثبت له عن طريق العقل أو طريق السمع‬ ‫اليقيني المقطوع به ‪ ،‬أي ما ثبت بالقرآن الكريم‬ ‫والحديث القطعي وهو المتـواتر ‪ ،‬وما لم يثبت عن‬ ‫هاتين الطريقتين ‪ :‬العقل ونص الكتاب والسنة القطعية‬ ‫‪ ،‬يحرم عليه أن يعتقده ‪ ،‬لن العقائد ل تؤخذ إل عن‬ ‫يقين ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك وجب اليمان بما قبل الحياة الدنيا وهو‬ ‫الله تعالى ‪ ،‬وبما بعدها وهو يوم القيامة ‪ .‬وبما أن‬ ‫أوامر الله هي صلة ما قبل الحياة بالحياة بالضافة إلى‬ ‫صلة الخلق ‪ ،‬وأن المحاسبة عما عمل النسان في‬ ‫الحياة صلة ما بعد الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة‬ ‫البعث والنشور ‪ ،‬فانه ل بد أن تكون لهذه الحياة صلة‬ ‫بما قبلها وما بعدها ‪ ،‬وأن تكون أحوال النسان فيها‬ ‫مقيدة بهذه الصلة ‪ ،‬فالنسان إذن يجب أن يكون‬ ‫سائرا ‪ w‬في الحياة وفق أنظمة الله ‪ ،‬وأن يعتقد أنه‬ ‫يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا ‪.‬‬ ‫وبهذا يكون قد وجد الفكر المستنير عما وراء‬ ‫الكون والحياة والنسان ‪ ،‬ووجد الفكر المستنير أيضا‬ ‫ة بما قبلها‬ ‫عما قبل الحياة وعما بعدها ‪ ،‬وأن لها صل ‪w‬‬ ‫‪11‬‬


‫وما بعدها ‪ .‬وبهذا تكون العقدة الكبرى قد حلت جميعها‬ ‫بالعقيدة السلمية ‪.‬‬ ‫ومتى انتهى النسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل‬ ‫إلى الفكر عن الحياة الدنيا ‪ ،‬والى إيجاد المفاهيم‬ ‫الصادقة المنتجة عنها ‪ .‬وكان هذا الحل نفسه هو‬ ‫الساس الذي يقوم عليه المبدأ الذي يتخذ طريقة‬ ‫للنهوض ‪ ،‬وهو الساس الذي تقوم عليه حضارة هذا‬ ‫المبدأ ‪ ،‬وهو الساس الذي تنبثق عنه أنظمته ‪ ،‬وهو‬ ‫الساس الذي تقوم عليه دولته ‪ .‬ومن هنا كان الساس‬ ‫الذي يقوم عليه السلم ‪ -‬فكرة و طريقة – هو العقيدة‬ ‫السلمية ‪.‬‬ ‫منوا بال ورسوله‬ ‫منوا آ ‪X‬‬ ‫) يا أيها الذين آ ‪Y‬‬ ‫والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي‬ ‫أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه‬ ‫ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل ‪ Z‬بعيدا‪. ( Z‬‬ ‫أما وقد ثبت هذا وكان اليمان به أمرا ‪ w‬محتوما ‪ w‬كان‬ ‫لزاما ‪ w‬أن يؤمن كل مسلم بالشريعة السلمية كلها ‪،‬‬ ‫لنها جاءت في القرآن الكريم ‪ ،‬وجاء بها الرسول‬ ‫صلى الله عليه وسلم وإل كان كافرا ‪ w‬ولذلك كان إنكار‬ ‫الحكام الشرعية بجملتها ‪ ،‬أو القطعية منها بتفصيلها ‪،‬‬ ‫كفرا ‪ ، w‬سواء أكانت هذه الحكام متصلة بالعبادات أو‬ ‫المعاملت أو العقوبات أو المطعومات ‪ ،‬فالكفر بآية )‬ ‫وأقيموا الصلة ( كالكفر بآية ) وأحل ا البيع‬ ‫وحرم الربا ( وكالكفر بـآية ) والسارق والسارقة‬ ‫فاقطعوا أيديهما ( وكالكفر بآية ) حرمت عليكم‬ ‫الميتة والـدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ا به (‬ ‫الية‪ .‬ول يتوقف اليمان بالشريعة على العقل ‪ ،‬بل ل‬ ‫بد من التسليم المطلق بكل ما جاء من عند الله تعالى‬ ‫) فل وربك ل يؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر‬ ‫‪12‬‬


‫بينهم ‪ ،‬ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما‬ ‫قضيت ويسلموا تسليما ( ‪.‬‬

‫‪13‬‬


‫القضاء والقدر‬ ‫قال تعالى في سورة آل عمران ) وما كان لنفس‬ ‫أن تموت إل بإذن ا كتابا‪ Z‬مؤجل ‪ ( Z‬وقال في سورة‬ ‫العراف ) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم ل‬ ‫يستأخرون ساع ‪Z‬‬ ‫ة ول يستقدمون ( وقال في‬ ‫سورة الحديد ) ما أصاب من مصيبة في الرض ول‬ ‫في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن‬ ‫ذلك على ا يسير ( وقال في سورة التوبة ) قل‬ ‫لن يصيبنا إل ما كتب ا لنا هو مولنا وعلى ا‬ ‫فليتوكل المؤمنون ( وقال في سورة سبأ ) ل يعزب‬ ‫عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض ول‬ ‫أصغر من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين ( وقال‬ ‫في سورة النعام ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم‬ ‫ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل‬ ‫مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم‬ ‫تعملون ( وقال في سورة النساء ) وان تصبهم‬ ‫حسن ‪Z‬‬ ‫ة يقولوا هذه من عند ا ‪ ،‬وان تصبهم‬ ‫سيئ ‪Z‬‬ ‫ة يقولوا هذه من عندك ‪ .‬قل كل من عند‬ ‫ا فما لهؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثا (‪.‬‬ ‫هذه اليات وما شاكلها من اليات يستشهد بها‬ ‫الكثيرون على مسألة القضاء والقدر استشهادا ‪ w‬يفهم‬ ‫منه أن النسان يجبر على القيام بما يقوم به من‬ ‫أعمال ‪ ،‬وأن العمال إنما يقوم بها ملزما ‪ w‬بإرادة الله‬ ‫ومشيئته ‪ ،‬وأن الله هو الذي خلق النسان ‪ ،‬وخلق‬ ‫عمله ويحاولون تأييد قولهم بقوله تعالى ) وا‬ ‫‪14‬‬


‫خلقكم وما تعملون ( كما يستشهدون بأحاديث أخرى‬ ‫كقوله صلى الله عليه وسلم " نفث روح القدس في‬ ‫روعي ‪ ،‬لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها‬ ‫وما قدر لها " ‪.‬‬ ‫لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دورا ‪ w‬هاما ‪ w‬في‬ ‫المذاهب السلمية ‪ .‬وكان لهل السنة فيها رأي‬ ‫يتلخص في أن النسان له كسب اختياري في أفعاله‬ ‫فهو يحاسب على هذا الكسب الختياري ‪ .‬وللمعتزلة‬ ‫رأي يتلخص في أن النسان هو الذي يخلق أفعاله‬ ‫بنفسه ‪ ،‬فهو يحاسب عليها لنه هو الذي أوجدها ‪،‬‬ ‫وللجبرية فيها رأي يتلخص في أن الله تعالى هو الذي‬ ‫يخلق العبد ويخلق أفعاله ‪ ،‬ولذلك كان العبد مجبرا ‪w‬‬ ‫على فعله وليس مخيرا ‪ w‬وهو كالريشة في الفضاء‬ ‫تحركها الرياح حيث تشاء ‪.‬‬ ‫والمدقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دقة‬ ‫البحث فيها توجب معرفة الساس الذي ينبني عليه‬ ‫البحث ‪ ،‬وهذا الساس ليس هو فعل العبد من كونه هو‬ ‫الذي يخلقه أم الله تعالى ‪ .‬وليس هو علم الله تعالى‬ ‫من كونه يعلم أن العبد سيفعل كذا ويحيط علمه به ‪،‬‬ ‫وليس هو إرادة الله تعالى من أن إرادته تعلقت بفعل‬ ‫العبد فهو لبد موجود بهذه الرادة ‪ ،‬وليس هو كون‬ ‫هذا الفعل للعبد مكتوبا ‪ w‬في اللوح المحفوظ فل بد أن‬ ‫يقوم به وفق ما هو مكتوب ‪.‬‬ ‫نعم ليس الساس الذي يبنى عليه البحث هو هذه‬ ‫الشياء مطلقا ‪ ، w‬لنه ل علقة لها في الموضوع من‬ ‫حيث الثواب والعقاب ‪ .‬بل علقتها من حيث اليجاد‬ ‫والعلم المحيط بكل شيء والرادة التي تتعلق بجميع‬ ‫الممكنات واحتواء اللوح المحفوظ على كل شيء ‪.‬‬ ‫وهذه العلقة موضوع آخر منفصل عن موضوع الثابة‬ ‫على الفعل والعقاب عليه أي ‪ :‬هل النسان مـلزم على‬ ‫‪15‬‬


‫القيام بالفعل خيرا ‪ w‬أم شرا ‪ ، w‬أو مخير فيه ؟ وهل له‬ ‫اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له الختيار ؟‬ ‫والمدقق في الفعال يرى أن النسان يعيش في‬ ‫دائرتين إحداهما يسيطر عليها وهي الدائرة التي تقع‬ ‫في نطاق تصرفاته وضمن نطاقها تحصل أفعاله التي‬ ‫يقوم بها بمحض اختياره ‪ ،‬والخرى تسيطر عليه وهي‬ ‫الدائرة التي يقع هو في نطاقها وتقع ضمن هذه‬ ‫الدائرة الفعال التي ل دخل له بها سواء أوقعت منه أو‬ ‫عليه ‪.‬‬ ‫فالفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ل‬ ‫دخل له بها ول شأن له بوجودها ‪ ،‬وهي قسمان ‪ :‬قسم‬ ‫يقتضيه نظام الوجود ‪ ،‬وقسم تقع فيها الفعال التي‬ ‫ليست في مقدوره والتي ل قبل له بدفعها ول يقتضيها‬ ‫نظام الوجود ‪ .‬أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو‬ ‫يخضعه لها ولذلك يسير بحسبها سيرا ‪ w‬جبريا ‪ w‬لنه يسير‬ ‫مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص ل يتخلف ‪.‬‬ ‫ولذلك تقع العمال في هذه الدائرة على غير إرادة منه‬ ‫وهو فيها مسير وليس بمخير ‪ .‬فقد أتى إلى هذه الدنيا‬ ‫على غير إرادته وسيذهب عنها على غير إرادته ‪ ،‬ول‬ ‫يستطيع أن يطير بجسمه فقـط في الهواء ‪ ،‬ول أن‬ ‫يمشي بوضعه الطبيعي على الماء ‪ ،‬ول يمكن أن يخلق‬ ‫لنفسه لـون عينيه ‪ .‬ولم يوجد شكل رأسه ‪ ،‬ول حجم‬ ‫جسمه ‪ ،‬وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى دون‬ ‫أن يكون للعبد المخلوق أي أثر ول أية علقة في ذلك ‪،‬‬ ‫لن الله هو الذي خلق نظام الوجود ‪ ،‬وجعله منظما ‪w‬‬ ‫للوجود ‪ .‬وجعل الوجود يسير حسبه ول يملك التخلف‬ ‫عنه ‪.‬‬ ‫وأما الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل قبل‬ ‫له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود فهي الفعال التي‬ ‫تحصل من النسان أو عليه جبرا ‪ w‬عنه ول يملك دفعها‬ ‫‪16‬‬


‫مطلقا ‪ ، w‬كما لو سقط شخص عن ظهر حائط على‬ ‫شخص آخر فقتله ‪ ،‬وكما لو أطلق شخص النار على‬ ‫طير فأصابت إنسانا ‪ w‬لم يكن يعلمه فقتله ‪ ،‬وكما لو‬ ‫تدهور قطار أو سيارة أو سقطت طائرة لخلل طارئ‬ ‫لم يكن بالمكان تلفيه فتسبب عن هذا التدهور‬ ‫والسقوط قتل الركاب ‪ ،‬وما شاكل ذلك فان هذه‬ ‫الفعال التي حصلت من النسان أو عليه وان كانت‬ ‫ليست مما يقتضيه نظام الوجود ولكنها وقعت من‬ ‫النسان أو عليه على غير إرادة منه وهي ليست في‬ ‫مقدوره فهي داخلة في الدائرة التي تسيطر عليه ‪،‬‬ ‫فهذه الفعال كلها التي حصلت في الدائرة التي‬ ‫تسيطر على النسان هي التي تسمى قضاء ‪ ،‬لن الله‬ ‫وحده هو الذي قضاه ‪ .‬ولذلك ل يحاسب العبد على‬ ‫هذه الفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو‬ ‫كراهية بالنسبة للنسان ‪ ،‬أي مهما كان فيها من خير‬ ‫وشر حسب تفسير النسان لها ‪ ،‬وان كان الله وحده‬ ‫هو الذي يعلم الشر والخير في هذه الفعال ‪ ،‬لن‬ ‫النسان ل أثر له بها ‪ .‬ول يعلم عنها ول عن كيفية‬ ‫إيجادها ‪ ،‬ول يملك دفعها أو جلبها مطلقا ‪ ، w‬وعلى‬ ‫النسان أن يؤمن بهذا القضاء وأنه من الله سبحانه‬ ‫تعالى ‪.‬‬ ‫أما القدر فهو أن الفعال التي تحصل سواء أكانت‬ ‫في الدائرة التي تسيطر على النسان أو الدائرة التي‬ ‫يسيطر عليها تقع من أشياء وعلى أشياء من مادة‬ ‫الكون والنسان والحياة ‪ ،‬وقد خلق الله لهذه الشياء‬ ‫خواص معينه ‪ ،‬فخلق في النار خاصية الحراق ‪ ،‬وفي‬ ‫الخشب خاصية الحتراق ‪ ،‬وفي السكين خاصية القطع‬ ‫‪ ،‬وجعلها لزمة حسب نظام الوجود ل تتخلف ‪ .‬وحين‬ ‫يظهر أنها تخلفت يكون الله قد سلبها تلك الخاصية‬ ‫وكان ذلك أمرا ‪ w‬خارقا ‪ w‬للعادة ‪ .‬وهـو يحصل للنبياء‬ ‫‪17‬‬


‫ويكون معجزة لهم ‪ ،‬وكما خلق في الشياء خاصيات‬ ‫كذلك خلق في النسان الغرائز والحاجات العضوية‬ ‫وجعل فيها خاصيات معينة كخواص الشياء فخلق في‬ ‫غريزة النوع خاصية الميل الجنسي ‪ ،‬وفي الحاجات‬ ‫العضوية خاصيات كالجوع والعطش ونحوهما ‪ ،‬وجعلها‬ ‫لزمة لها حسب سنة الوجود ‪ .‬فهذه الخاصيات المعينة‬ ‫التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في الشياء وفي‬ ‫الغرائز والحاجات العضوية التي في النسان هي التي‬ ‫تسمى القدر ‪ ،‬لن الله وحده هو الذي خلق الشياء‬ ‫والغرائز والحاجات العضوية وقدر فيها خواصها ‪ .‬وهي‬ ‫ليست منها ول شأن للعبد فيها ول أثر له مطلقا‪ .w‬وعلى‬ ‫النسان أن يؤمن بأن الذي قدر في هذه الشياء‬ ‫الخاصيات هو الله سبحانه وتعالى ‪ .‬وهذه الخاصيات‬ ‫فيها قابلية لن يعمل النسان بواسطتها عمل ‪ w‬وفق‬ ‫أوامر الله فيكون خيرا ‪ w‬أو يخالف أوامر الله فيكون‬ ‫شرا ‪ ، w‬سواء في استعمال الشياء بخواصها أو‬ ‫باستجابته للغرائز والحاجات العضوية خيرا ‪ w‬إن كانت‬ ‫ة‬ ‫حسب أوامر الله ونواهيه ‪ ،‬وشرا ‪ w‬إن كانت مخالف ‪w‬‬ ‫لوامر الله ونواهيه ‪.‬‬ ‫ومن هنا كانت الفعال التي تقع في الدائرة التي‬ ‫تسيطر على النسان من الله خيرا ‪ w‬أو شرا ‪ ، w‬وكانت‬ ‫الخاصيات التي وجدت في الشياء والغرائز والحاجات‬ ‫العضوية من الله سواء أنتجت خيرا ‪ w‬أو شرا ‪ ، w‬ومن هنا‬ ‫كان لزاما ‪ w‬على المسلم أن يؤمن بالقضاء خيره وشره‬ ‫من الله تعالى ‪ ،‬أي أن يعتقد أن الفعال الخارجة عن‬ ‫نطاقه هي من الله تعالى ‪ ،‬وأن يؤمن بالقدر خيره‬ ‫وشره من الله تعالى ‪ ،‬أي يعتقد بأن خواص الشياء‬ ‫الموجودة في طبائعها هي من الله تعالى ‪ .‬سواء ما‬ ‫أنتج منها خيرا ‪ w‬أم شرا ‪ ، w‬وليس للنسان المخلوق فيها‬ ‫أي أثر ‪ ،‬فأجل النسان ورزقه ونفسه كل ذلك من الله‬ ‫‪18‬‬


‫‪ ،‬كما أن الميل الجنسي والميل للتملك الموجود في‬ ‫غريزتي النوع والبقاء ‪ ،‬والجوع والعطش الموجود في‬ ‫الحاجات العضوية كلها من الله تعالى ‪.‬‬ ‫هذا بالنسبة للفعال التي تقع في الدائرة التي‬ ‫تسيطر على النسان وفي خواص جميع الشـياء ‪ .‬أما‬ ‫الدائرة التي يسيطر عليها النسان فهي الدائرة التي‬ ‫يسير فيها مختارا ‪ w‬ضمن النظام الذي يختاره سواء‬ ‫شريعة الله أو غيرها ‪ ،‬وهذه الدائرة هي التي تقع فيها‬ ‫العمال التي تصدر من النسان أو عليه بإرادته ‪ ،‬فهو‬ ‫يمشى ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء ‪،‬‬ ‫ويمتنع عن ذلك في أي وقت يشاء وهو يحرق بالنار‬ ‫ويقطع بالسكين كما يشاء ‪ ،‬وهو يشبع جوعة النوع ‪ ،‬أو‬ ‫جوعة الملك ‪ ،‬أو جوعة المعدة كما يشاء ‪ ،‬يفعل‬ ‫مختارا ‪ . w‬ويمتنع عن الفعل مختارا ‪ ، w‬ولذلك يسأل عن‬ ‫الفعال التي يقوم بها ضمن هذه الدائرة ‪.‬‬ ‫وأنه وان كانت خاصيات الشياء ‪ ،‬وخاصيات الغرائز‬ ‫‪ ،‬والحاجات العضوية ‪ ،‬التي قدرها الله فيها وجعلها‬ ‫ة لها هي التي كان لها الثر في نتيجة الفعل ‪ ،‬لكن‬ ‫لزم ‪€‬‬ ‫‪w‬‬ ‫هذه الخاصيات ل تحدث هي عمل ‪ ،‬بل النسان حين‬ ‫يستعملها هو الذي يحدث العمل بها ‪ ،‬فالميل الجنسي‬ ‫الموجود في غريزة النوع فيه قابلية للخير والشر ‪،‬‬ ‫والجوع الموجود في الحاجة العضوية فيه قابلية للخير‬ ‫والشر ‪ ،‬لكن الذي يفعل الخير والشر ‪ ،‬هو النسان‬ ‫وليست الغريزة أو الحاجات العضوية ‪ ،‬وذلك أن الله‬ ‫سبحانه وتعالى خلق للنسان العقل الذي يميز ‪ ،‬وجعل‬ ‫في طبيعة العقل هذا الدراك والتمييز ‪ ،‬وهدى النسان‬ ‫لطريق الخير والشر ) وهديناه النجدين ( ‪ ،‬وجعل‬ ‫فيها إدراك الفجور والتـقوى ) فألهمها فجورها‬ ‫وتقواها ( ‪ .‬فالنسان حين يستجيب لغرائزه وحاجاته‬ ‫العضوية وفق أوامر الله ونواهيه يكون قـد فعل الخير‬ ‫‪19‬‬


‫وسار في طريق التقوى ‪ ،‬وحين يستجيب للغرائز‬ ‫ض عن أوامر الله ونواهيه‬ ‫والحاجات العضوية وهو معر •‬ ‫يكون قد فعل الشر وسار في طريق الفجور ‪ ،‬فكان‬ ‫في كل ذلك هو الذي يقع منه الخير والشر ‪ ،‬وعليه يقع‬ ‫الخير والشر ‪ ،‬وكان هو الذي يستجيب للجوعات وفق‬ ‫أوامر الله ونواهيه فيفعل الخير ‪ ،‬ويستجيب لها مخالفا ‪w‬‬ ‫أوامر الله ونواهيه فيفعل الشر ‪ .‬وعلى هذا الساس‬ ‫يحاسب على هذه الفعال التي تقع في الدائرة التي‬ ‫يسيطر عليها فيثاب ويعاقب عليها ‪ ،‬لنه قام بها مختارا ‪w‬‬ ‫دون أن بكون عليه أي إجبار ‪ .‬على أن الغرائز‬ ‫والحاجات العضوية وان كانت خاصيتها هي من الله ‪،‬‬ ‫وقابليتها للشر والخير هي من الله ‪ ،‬لكن الله لم يجعل‬ ‫هذه الخاصية على وجه ملزم للقيام بها ‪ ،‬سواء فيما‬ ‫يرضى الله أو يسخطه ‪ ،‬أي سواء في الشر أو الخير ‪،‬‬ ‫كما أن خاصية الحراق لم تكن على وجه يجعلها‬ ‫ة في الحراق ‪ ،‬سواء في الحراق الذي يرضي‬ ‫ملزم ‪w‬‬ ‫الله أو الذي يسخطه ‪ ،‬أي الخـير والشر ‪ ،‬وإنما جعلت‬ ‫هذه الخاصيات فيها تؤديها إذا قام بها فاعل على الوجه‬ ‫المطلوب ‪ .‬والله حين خلق النسان وخلق له هذه‬ ‫الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز أعطاه‬ ‫الختيار بأن يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام‬ ‫بالفعل أو الترك ‪ .‬ولم يجعل في خاصيات الشياء‬ ‫والغرائز والحاجات العضوية ما يلزمه على القيام‬ ‫بالفعل أو الترك ‪ ،‬ولذلك كان النسان مختارا ‪ w‬في‬ ‫القدام على الفعل والقلع عنه ‪ ،‬بما وهبه الله من‬ ‫العقل المميز ‪ ،‬وجعله مناط التكليف الشرعي ‪ ،‬ولهذا‬ ‫جعل له الثواب على فعل الخير ‪ ،‬لن عقله اختار‬ ‫القيام بأوامر الله واجتناب نواهيه ‪ ،‬وجعل له العقاب‬ ‫على فعل الشر ‪ ،‬لن عقله اختار مخالفة أوامر الله‬ ‫وعمل ما نهي عنه باستجابته للغرائز والحاجات‬ ‫‪20‬‬


‫العضوية على غير الوجه الذي أمر به الله ‪ .‬وكان‬ ‫جزاؤه على هذا الفعل حقا ‪ w‬وعدل ‪ ، w‬لنه مختار للقيام به‬ ‫‪ ،‬وليس مجبرا ‪ w‬عليه ‪ .‬ول شأن للقضاء والقدر فيه ‪ .‬بل‬ ‫المسألة هي قيام العبد نفسه بفعله مختارا ‪ . w‬وعلى‬ ‫ذلك كان مسؤول ‪ w‬عما كسبه ) كل نفس بما كسبت‬ ‫رهينة (‪.‬‬ ‫أما علم الله تعالى فانه ل يجبر العبد على القيام‬ ‫بالعمل لن الله علم أنه سيقوم بالعمل مختارا ‪ ، w‬ولم‬ ‫يكن قيامه بالعمل بناء على العلم ‪ ،‬بل كان العلم‬ ‫الزلي أنه سيقوم بالعمل ‪ .‬وليست الكتابة في اللوح‬ ‫المحفوظ إل تعبيرا ‪ w‬عن إحاطة علم الله بكل شيء ‪.‬‬ ‫وأما إرادة الله تعالى فإنها كذلك ل تجبر العبد على‬ ‫العمل ‪ ،‬بل هي آتية من حيث أنه ل يقع في ملكه إل ما‬ ‫يريد ‪ :‬أي ل يقع شيء في الوجود جبرا ‪ w‬عنه ‪ .‬فإذا عمل‬ ‫العبد عمل ‪ w‬ولم يمنعه الله منه ولم يرغمه عليه ‪ ،‬بل‬ ‫تركه يفعل مختارا ‪ ، w‬كان فعله هذا بإرادة الله تعالى ل‬ ‫جبرا ‪ w‬عنـه ‪ ،‬وكان فعل العبد نفسه باختياره ‪ ،‬وكانت‬ ‫الرادة غير مجبرة على العمل ‪.‬‬ ‫هذه هي مسألة القضاء والقدر ‪ ،‬وهي تحمل‬ ‫النسان على فعل الخير واجتناب الشر حين يعلم أن‬ ‫الله مراقبه ومحاسبه ‪ ،‬وأنه جعل له اختيار الفعل‬ ‫والترك ‪ ،‬وأنه إن لم يحسن استعمال اختيار الفعال ‪،‬‬ ‫كان الويل له والعذاب الشديد عليه ‪ ،‬ولذلك نجد‬ ‫المؤمن الصادق المدرك لحقيقة القضاء والقدر ‪،‬‬ ‫العارف حقيقة ما وهبه الله من نعمة العقل والختيار ‪،‬‬ ‫نجده شديد المراقبة لله ‪ ،‬شديد الخوف من الله ‪،‬‬ ‫يعمل للقيام بالوامر اللهية ولجتناب النواهي ‪ ،‬خوفا ‪w‬‬ ‫من عذاب الله وطمعا ‪ w‬في جنته وحبا ‪ w‬في اكتساب ما‬ ‫هو أكبر من ذلك أل وهو رضوان الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫‪21‬‬


22


‫القيادة الفكرية في السلم‬ ‫تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن ‪،‬‬ ‫وذلك بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاقهم بها ‪،‬‬ ‫فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عن النفس ‪ ،‬وتحملهم‬ ‫على الدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه ‪ ،‬والرض التي‬ ‫يعيشون عليها ‪ ،‬ومن هنا تأتي الرابطة الوطنية ‪ ،‬وهي‬ ‫أقل الروابط قوة‪ w‬وأكثرها انخفاضا ‪ ، w‬وهي موجودة في‬ ‫الحيوان والطير كما هي موجودة فـي النسان ‪ ،‬وتأخذ‬ ‫دائما ‪ w‬المظهر العاطفي ‪ .‬وهي تلزم في حالة اعتداء‬ ‫أجنبي على الوطن بمهاجمته أو الستيلء عليه ‪ ،‬ول‬ ‫شأن لها في حالة سلمة الوطن من العتداء وإذا رد‬ ‫الجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى عملها ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ة‪.‬‬ ‫ة منخفض ‪w‬‬ ‫كانت رابط ‪w‬‬ ‫‪w‬‬ ‫وحين يكون الفكر ضيقا تنشأ بين الناس رابطة‬ ‫قومية ‪ ،‬وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع ‪،‬‬ ‫وذلك أن النسان تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده‬ ‫حب السيادة ‪ ،‬وهي في النسان المنخفض فكريا ‪w‬‬ ‫فردية ‪ ،‬وإذا نما وعيه يتسع حب السيادة لديه ‪ ،‬فيري‬ ‫سيادة عائلته وأسرته ‪ ،‬ثم يتسع باتساع الفق ونمو‬ ‫الدراك فيرى سيادة قومه في وطنه أول ‪ w‬ثم يرى عند‬ ‫تحقق سيادة قومه في وطنه سيادتهم على غيرهم ‪،‬‬ ‫ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين‬ ‫الفراد في السرة على سيادتها ‪ ،‬حتى إذا استقرت‬ ‫السيادة في هذه السرة لحدها بانتصاره على غيره‬ ‫انتقلت إلى مخاصمات بين هذه السرة وبين غيرها من‬ ‫السر على السيادة ‪ ،‬حتى تستقر السيادة على القوم‬ ‫لسرة أو لمجموعة من الناس من أسر مختلفة ‪ ،‬ثم‬ ‫تنشأ المخاصمات بين هؤلء القوم وغيرهم على‬ ‫السيادة والرتفاع في معترك الحياة ‪ .‬ولذلك تغلب‬ ‫‪23‬‬


‫العصبية على أصحاب هذه الرابطة ‪ ،‬ويغلب عليهم‬ ‫الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم ‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫رابطة غير إنسانية ‪ ،‬وتظل هذه الرابطة عرضة‬ ‫للمخاصمات الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات‬ ‫الخارجية ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلثة‬ ‫أسباب ‪ :‬أول ‪ - w‬لنها رابطة منخفضة ل تنفع لن تربط‬ ‫النسان بالنسان حين يسير في طريق النـهـوض ‪.‬‬ ‫وثانيا ‪ – w‬لنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء‬ ‫ة للتغيير‬ ‫بالدفاع عن النفس والرابطة العاطفية عرض ‪w‬‬ ‫والتبديل ‪ ،‬فـل تصلح للربط الدائمي بين النسان‬ ‫والنسان ‪ .‬وثالثا – لنها رابطة مؤقتة توجد في حالة‬ ‫الدفاع ‪ ،‬أمـا في حالة الستقرار – وهي الحالة الصلية‬ ‫للنسان – فل وجود لها ولذلك ل تصلح لن تكون‬ ‫ة بين بني النسان ‪.‬‬ ‫رابط ‪w‬‬ ‫وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلث أسباب ‪ :‬أول ‪w‬‬ ‫ة ول تصلح لن تربط النسان‬ ‫– لنها رابطة قبلي ‪w‬‬ ‫‪w‬‬ ‫بالنسان حين يسير في طريق النهوض ‪ .‬وثانيا – لنها‬ ‫رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ‪ ،‬فيوجد منها‬ ‫حب السيادة ‪ .‬وثالثا ‪ – w‬لنها رابطة غير إنسانية ‪ ،‬إذ‬ ‫تسبب الخصومات بين الناس على السيادة ‪ .‬ولذلك ل‬ ‫تصلح لن تكون رابطة بين بني النسان ‪.‬‬ ‫ومن الروابط الفاسدة التي قد يتوهم وجودهـا‬ ‫رابطة بين الناس الرابطة المصلحية ‪ ،‬والرابطة‬ ‫الروحية التي ليس لها نظام ينبثق عنها ‪ .‬أما الرابطة‬ ‫المصلحية فهي رابطة مؤقتة ول تصلح لن تربط بني‬ ‫ة للمساومة على مصالح اكبر منها‬ ‫النسان ‪ ،‬لنها عرض ‪w‬‬ ‫‪ ،‬فتفقد وجودها في حالة ترجيح المصلحة ‪ .‬ولنها إذا‬ ‫تباينت المصلحة تنتهي ‪ ،‬وتفصل الناس عن بعضهم‬ ‫‪24‬‬


‫ولنها تنتهي حين تتم هذه المصالح ولذلك كانت رابطة‬ ‫خطرة على أهلها ‪.‬‬ ‫وأما الرابطة الروحية بل نظام ينبثق عنها ‪ ،‬فإنها‬ ‫تظهر في حالة التدين ‪ ،‬ول تظهر في معترك الحياة ‪.‬‬ ‫ة غير عملية ‪ ،‬ول تصلح لن‬ ‫ة جزئي ‪w‬‬ ‫ولذلك كانت رابط ‪w‬‬ ‫تكون رابطة بين الناس في شئون الحياة ومن هنا لم‬ ‫تصلح العقيدة النصرانية لن تكون رابطة بين الشعوب‬ ‫الوربية مع أنها كلها تعتنقها ‪ ،‬لنها رابطة روحية ل‬ ‫نظام لها ‪.‬‬ ‫ولذلك ل تصلح جميع الروابط السابقة لن تربط‬ ‫النسان بالنسان في الحياة حين يسير في طريق‬ ‫النهوض ‪ .‬والرابطة الصحيحة لربط بني النسان في‬ ‫الحياة هي رابطة العقيدة العقلية التي ينبثق عنها نظام‬ ‫‪ .‬وهذه هي الرابطة المبدئية ‪.‬‬ ‫والمبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام ‪ .‬أما العقيدة‬ ‫فهي فكرة كلية عن الكون والنسان والحيـاة ‪ ،‬وعما‬ ‫قبل هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬وعما بعدها وعن علقتها بما‬ ‫قبلها وما بعدها ‪ .‬وأما النظام المنبثق عن هـذه العقيدة‬ ‫فهو معالجات لمشاكل النسان ‪ ،‬وبيان لكيفية تنفيذ‬ ‫المعالجات ‪ ،‬والمحافظة على العقيدة ‪ ،‬وحمل المبدأ ‪.‬‬ ‫فكان بيان الكيفية للتنفيذ وللمحـافظة ولحـمل الدعـوة‬ ‫‪ :‬طريقة ‪ ،‬وما عدا ذلك وهو العقيدة والمعالجات ‪:‬‬ ‫فكرة ‪ ،‬ومن هنا كان المبدأ فكرة وطريقة ‪.‬‬ ‫والمبدأ ل بد أن ينشأ في ذهن شخص ‪ ،‬إما بوحي‬ ‫الله له به وأمره بتبليغه ‪ .‬وإما بعبقرية تشرق في ذلك‬ ‫الشخص ‪ .‬أما المبدأ الذي ينشأ في ذهن إنسان بوحي‬ ‫الله له به فهو المبدأ الصحيح ‪ ،‬لنه من خالق الكون‬ ‫والنسان والحياة ‪ ،‬وهو الله ‪ .‬فهو مبدأ قطعي ‪ .‬وأما‬ ‫المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص بعبقرية تشرق فيه‬ ‫فهو مبدأ باطل ‪ ،‬لنه ناشئ عن عقل محدود يعجز عن‬ ‫‪25‬‬


‫ة‬ ‫الحاطة بالوجود ‪ ،‬ولن فهم النسان للتنظيم عرض ‪w‬‬ ‫للتفاوت والختلف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش‬ ‫فيها مما ينتج النظام المتناقض المؤدي إلى شقاء‬ ‫النسان ‪ .‬لذلك كان المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص‬ ‫باطل ‪ w‬في عقيدته و في نظامه الذي ينبثق عنها ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك كان الساس في المبدأ هو الفكرة‬ ‫الكلية عن الكون والنسان والحياة ‪ ،‬وكانت الطريقة‬ ‫التي تجعل المبدأ موجودا ‪ w‬منفذا ‪ w‬في معترك الحياة أمرا ‪w‬‬ ‫لزما ‪ w‬لهذه الفكرة حتى يوجد المبدأ ‪ .‬أما كون الفكرة‬ ‫الكلية أساسا ‪ w‬فإنها هي العقيدة ‪ ،‬وهي القاعدة الفكرية‬ ‫‪ ،‬وهي القيادة الفكرية ‪ ،‬وعلى أساسها يتعين اتجاه‬ ‫النسان الفكري ووجهة نظره في الحياة ‪ ،‬وعليها تبنى‬ ‫جميع الفكار ‪ ،‬وعنها تنبثق جميع معالجات مشاكل‬ ‫الحياة ‪ ،‬وأما كون الطريقة أمرا ‪ w‬لزما ‪ ، w‬فان النظام‬ ‫الذي ينبثق عن العقيدة إذا لم يتضمن بيان كيفية‬ ‫التنفيذ للمعالجات ‪ ،‬وبيان كيفية المحافظة على‬ ‫العقيدة ‪ ،‬وبيان كيفية حمل الدعوة للمبدأ ‪ ،‬كانت‬ ‫الفكرة فلسفة خيالية فرضية تبقى في بطون الكتب‬ ‫مسجلة دون أن يكون لها أثر في الحياة الدنيا ‪ .‬ولذلك‬ ‫كان ل بد من العقيدة ‪ ،‬ول بد من معالجات المشاكل ‪،‬‬ ‫ول بد من الطريقة ‪ ،‬حتى يكون المبدأ ‪ .‬على أن مجرد‬ ‫وجود الفكرة والطريقة في العقيدة التي ينبثق عنها‬ ‫نظام ل يدل على أن المبدأ صحيح ‪ ،‬بل يدل فقط على‬ ‫أن هذا يكون مبدأ ‪ ،‬ول يدل على غير ذلك ‪ .‬والذي يدل‬ ‫على صحة المبدأ أو بطلنه هو عقيدة المبدأ من حيث‬ ‫كونها صحيحة أو باطلة ‪ ،‬لن هذه العقيدة هي القاعدة‬ ‫الفكرية التي ينبني عليها كـل فكر ‪ ،‬والتي تعين كل‬ ‫وجهة نظر ‪ ،‬والتي تنبثق عنها كل معالجة ‪ ،‬وكل‬ ‫طريقة ‪ .‬فإذا كانت هذه القاعدة الفكرية صحيحة كان‬ ‫‪26‬‬


‫المبدأ صحيحا ‪ ، w‬وإذا كانت باطلة كان المبدأ باطل ‪ w‬من‬ ‫أسـاسه ‪.‬‬ ‫والقاعدة الفكرية إذا اتـفقت مع فطرة النسان ‪،‬‬ ‫وكانت مبنية على العقل ‪ ،‬فهي قاعدة صحيحة ‪ ،‬وإذا‬ ‫خالفت فطرة النسان ‪ ،‬أو لم تكن مبنية على العقل ‪،‬‬ ‫فهي قاعدة باطلة ‪ .‬ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع‬ ‫فطرة النسان كونها تقرر ما في فطرة النسان من‬ ‫عجز واحتياج إلى الخالق المدبر ‪ ،‬وبعبارة أخرى ‪،‬‬ ‫توافق غريزة التدين ‪ .‬ومعنى كونها مبنية على العقل‬ ‫أن ل تكون مبنية على المادة ‪ ،‬أو على الحل الوسط ‪.‬‬ ‫وإذا استعرضنا العالم كله الن ل نجد فيه إل ثلثة‬ ‫مبادئ هي ‪ :‬الرأسمالية ‪ ،‬والشتراكية ومنها‬ ‫الشيوعية ‪ ،‬والمبدأ الثالث هو السلم ‪ .‬والمبدآن‬ ‫الولن تحمل كل واحد منهما دولة أو دول ‪ ،‬والمبدأ‬ ‫الثالث ل تحمله دولة ‪ ،‬وإنما يحمله أفراد في شعوب ‪،‬‬ ‫ولكنه موجود عالميا ‪ w‬في الكرة الرضية ‪.‬‬ ‫أما الرأسمالية فإنها تقوم على أساس فصل الدين‬ ‫عن الحياة ‪ ،‬وهذه الفكرة هي عقيدتها ‪ ،‬وهي قيادتها‬ ‫الفكرية ‪ ،‬وهي قاعدتها الفكرية ‪ ،‬وبناء على هذه‬ ‫القاعدة الفكرية كان النسان هو الذي يضع نظامه في‬ ‫الحياة ‪ ،‬وكان ل بد من المحافظة على الحريات‬ ‫للنسان ‪ ،‬وهي حرية العقـيدة ‪ ،‬وحرية الرأي ‪ ،‬وحرية‬ ‫الملكية ‪ ،‬والحرية الشخصية ‪ ،‬وقد نتج عن حرية‬ ‫الملكية النظام القتصادي الرأسمالي ‪ ،‬فكانت‬ ‫الرأسمالية هي أبرز ما في هذا المبدأ ‪ ،‬وأبرز ما نتج‬ ‫عن عقيدة هذا المبدأ ‪ ،‬لذلك أطلق على هذا المبدأ انه‬ ‫المبدأ الرأسمالي ‪ ،‬من باب تسمية الشيء بأبرز ما‬ ‫فيه ‪.‬‬ ‫وأما الديمقراطية التي أخذ بها هذا المبدأ فهي آتية‬ ‫من جهة أن النسان هو الذي يضع نظامه ‪ ،‬ولذلك‬ ‫‪27‬‬


‫كانت المة هي مصدر السلطات ‪ ،‬فهي التي تضع‬ ‫النظمة ‪ ،‬وهي التي تستأجر الحاكم ليحكمها ‪ ،‬وتنزع‬ ‫هذا الحكم منه متي أرادت ‪ ،‬وتضع له النظام الذي‬ ‫تريـد ‪ ،‬لن الحكم عقد إجارة بين الشعب والحاكم‬ ‫ليحكم بالنظام الذي يضعه له الشعب ليحكمه به ‪.‬‬ ‫والديمقراطية وان كانت من المبدأ لكنها ليست‬ ‫أبرز من النظام القتصادي فيه ‪ ،‬بدليل أن النظام‬ ‫الرأسمالي في الغرب يؤثر على الحكم ‪ ،‬ويجعله‬ ‫خاضعا ‪ w‬لصحاب رؤوس الموال ‪ ،‬حتى ليكاد يكون‬ ‫الرأسماليون الحكام الحقيقيين في البلد التي تعتنق‬ ‫المبدأ الرأسمالي ‪ .‬وعلوة على ذلك فليست‬ ‫الديمقراطية مختصة بهذا المبدأ ‪ ،‬فان الشيوعيين أيضا ‪w‬‬ ‫يدعون الديمقراطية ويقولون بجعل الحكم للمة ‪.‬‬ ‫ولذلك كان من الدق أن يطلق على هذا المبدأ بأنه‬ ‫المبدأ الرأسمالي ‪.‬‬ ‫الصل في نشوء هذا المبدأ أن القياصرة والملوك‬ ‫في أوربا وروسيا كانوا يتخذون الدين وسيلة لستغلل‬ ‫الشعوب ‪ ،‬وظلمها ‪ ،‬ومص دمائها ‪ ،‬وكانوا يتخذون‬ ‫رجال الدين مطية لذلك ‪ .‬فنشأ عن هذا صراع رهيب‬ ‫قام أثناءه فلسفة ومفكرون منهم من أنكر الدين‬ ‫مطلقا ‪ ، w‬ومنهم من اعترف بالدين ولكنه نادى بفصله‬ ‫عن الحياة ‪ .‬حتى استقر الرأي عند جمهرة الفلسفة‬ ‫والمفكرين على فكرة واحدة هي فصل الدين عن‬ ‫الحياة ‪ ،‬ونتج عن ذلك طبيعيا ‪ w‬فصل الدين عن الدولة ‪.‬‬ ‫واستقر الرأي على عدم البحث في الدين من ناحية‬ ‫إنكاره أو العتراف به ‪ ،‬وحصر البحث في أنه يجب أن‬ ‫يفصل الدين عن الحياة ‪ .‬وتعتبر هذه الفكرة حل ‪ w‬وسطا ‪w‬‬ ‫بين رجال الدين الذين يريدون أن يكون كل شيء‬ ‫خاضعا ‪ w‬لهم باسم الدين ‪ ،‬وبين الفلسفة والمفكرين‬ ‫الذين ينكرون الدين وسلطة رجال الدين ‪ ،‬فهي لم‬ ‫‪28‬‬


‫تنكر الدين ‪ ،‬ولم تجعل له دخل ‪ w‬في الحياة ‪ ،‬وإنما‬ ‫فصلته عن الحياة ‪ ،‬فكانت العقيدة التي اعتنقها الغرب‬ ‫ة هي هذا الفصل للدين عن الحياة ‪ ،‬وكانت هذه‬ ‫قاطب ‪w‬‬ ‫العقيدة هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع‬ ‫الفكار ‪ ،‬ويتعين على أساسها التجاه الفكري للنسان‬ ‫ووجهة نظره في الحياة ‪ ،‬وعلى أساسها تعالج جميع‬ ‫مشاكل الحياة ‪ ،‬وهي القيادة الفكرية التي يحملها‬ ‫الغرب ويدعو العالم إليها ‪.‬‬ ‫وعقيدة فصل الدين عن الحياة اعتراف ضمني بأنه‬ ‫يوجد شيء يسمى الدين ‪ ،‬أي يوجد خالق للكون‬ ‫والنسان والحياة ‪ ،‬ويوجد يوم البعث ‪ ،‬لن هذا هو‬ ‫أصل الدين من حيث هو دين ‪ ،‬وهذا العتراف هو‬ ‫إعطاء فكرة عن الكون والنسان والحياة ‪ ،‬وعما قبل‬ ‫الحياة ‪ ،‬وعما بعـدها ‪ ،‬لنها لم تنف وجود الدين ‪ .‬بل‬ ‫إنها حين أعطت فكرة فصله ‪ ،‬اعترفت بوجوده ضمنا ‪w‬‬ ‫فتكون قد أثبتت وجود الدين وأعطت فكرة أنه ل‬ ‫علقة لهذه الحياة بما قبلها وبما بعدها حين قالت‬ ‫ة بين الفرد‬ ‫بفصل الدين عن الحياة وأن الدين صل ‪w‬‬ ‫وخالقه فقط ‪ .‬وبهذا تكون عقـيدة )فصل الدين عن‬ ‫الحياة( بمفهومها الشامل فكرة كلية عن الكون‬ ‫والنسان والحياة ‪ ،‬ومن هنا كان المبدأ الرأسمالي‬ ‫على الوجه الذي بيناه مبدأ كباقي المبادئ ‪.‬‬ ‫وأما الشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن‬ ‫الكون والنسان والحياة مادة فقط ‪ ،‬وأن المادة هي‬ ‫أصل الشياء ‪ ،‬ومن تطورها صار وجود الشياء ‪ ،‬ول‬ ‫يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقا ‪ ، w‬وأن هذه المادة‬ ‫أزلية قديمة لم يوجدها أحد ‪ ،‬أي أنها واجبة الوجود ‪،‬‬ ‫ة لخالق ‪ ،‬أي أن‬ ‫ولذلك ينكرون كون الشياء مخلوق ‪w‬‬ ‫ينكرون الناحية الروحية في الشياء ويعتبرون العتراف‬ ‫بوجودها خطرا ‪ w‬على الحياة ‪ ،‬لذلك يعتبرون الدين‬ ‫‪29‬‬


‫أفيون الشعوب الذي يخدرها ‪ ،‬ويمنعها من العمل ‪ .‬ول‬ ‫وجود عندهم لشيء سوى المادة ‪ ،‬حتى الفكر إنما هو‬ ‫انعكاس المادة على الدماغ ‪ ،‬وعليه فالمادة أصل‬ ‫الفكر ‪ ،‬وأصل كل شيء ‪ ،‬ومن تطورها المادي توجد‬ ‫الشياء ‪ .‬وعلى هذا فهم ينكرون وجود الخالق ‪،‬‬ ‫ويعتبرون المادة أزلية ‪ ،‬فهم ينكرون ما قبل الحياة وما‬ ‫بعدها ‪ ،‬ول يعترفون إل بالحياة فقط ‪.‬‬ ‫ومع اختلف هذين المبدأين في النظرة الساسية‬ ‫إلى النسان والكون والحياة ‪ ،‬فأنهما يتفقان في أن‬ ‫المثل العليا للنسان هي القيم العليا التي يضعها‬ ‫النسان نفسه ‪ ،‬وأن السعادة هي الخذ بأكبر نصيب‬ ‫من المتع الجسدية ‪ ،‬لنها في نظرهما هي الوسيلة إلى‬ ‫السعادة ‪ ،‬بل هي السعادة ‪ .‬ومتفقان معا ‪ w‬على إعطاء‬ ‫النسان حريته الشخصية يتصرف بما يشاء وعلى نحو‬ ‫ما يريد ‪ ،‬مادام يرى في هـذا التصرف سعادته ‪ .‬ولذلك‬ ‫كان السلوك الشخصي أو الحرية الشخصية بعض ما‬ ‫يقدسه هذان المبدآن ‪.‬‬ ‫ويختلف هذان المبدآن في النظرة إلى الفرد‬ ‫والمجتمع ‪ ،‬فالرأسمالية مبدأ فردي ‪ ،‬يرى أن المجتمع‬ ‫ة‪،‬‬ ‫مكون من أفراد ‪ ،‬ول ينظر للمجتمع إل نظرة‪ w‬ثانوي ‪w‬‬ ‫ويخص نظرته بالفرد ‪ ،‬ولذلك يجب أن تضمن الحريات‬ ‫للفرد‪ .‬ولضمان الحرية له يعمل أي فرد للمجتمع ‪،‬‬ ‫ومن هنا كانت حرية العقيدة بعض ما تقدسه ‪ ،‬وكانت‬ ‫ة أيضا ‪ w‬ول تقيد بناء على‬ ‫الحرية القتصادية مقدس ‪w‬‬ ‫فلسفتها ‪ ،‬وإنما تقيد من قبل الدولة لضمان الحريات ‪،‬‬ ‫وتنفذ الدولة هذا التقييد بقوة الجندي وصرامة‬ ‫القانون ‪ .‬إل أن الدولة هي وسيلة ‪ ،‬وليست غاية ‪،‬‬ ‫ولذلك كانت السيادة نهائيا ‪ w‬للفراد ل للدولة ‪ .‬ولذلك‬ ‫كان المبدأ الرأسمالي يحمل قيادة فكرية هي فصل‬ ‫‪30‬‬


‫الدين عن الحياة ‪ ،‬وعلى أساسها يحكم بأنظمته ‪،‬‬ ‫ويدعو لها ‪ ،‬ويحاول أن يطبقها في كل مكان ‪.‬‬ ‫وأما الشتراكية – ومنها الشيوعية – فهي مبدأ يرى‬ ‫أن المجتمع مجموعة عامة تتألف من البشر وعلقاتهم‬ ‫بالطبيعة ‪ ،‬تلك العلقات المحتومة المحددة التي‬ ‫يخضعون لها خضوعا ‪ w‬حتميا ‪ w‬وآليا ‪ . w‬وهذه المجموعة كلها‬ ‫شيء واحد ‪ ،‬الطبيعة ‪ ،‬والنسان ‪ ،‬والعلقات ‪ ،‬كلها‬ ‫شيء واحـد ‪ ،‬ل أجزاء منفصل بعضها عن بعض ‪،‬‬ ‫فالنسان تعتبر الطبيعة جانبا ‪ w‬من شخصيته ‪ ،‬وهي‬ ‫الجانب الذي يحمله في ذاته ‪ ،‬ولذلك ل يتطور النسان‬ ‫إل وهو معلق بهذا الجانب من شخصيته وهو الطبيعة ‪،‬‬ ‫لن صلته بالطبيعة صلة الشيء بنفسه ‪ ،‬ولذلك يعتبر‬ ‫المجتمع مجموعة واحدة تتطور كلها معا ‪ w‬تطورا ‪ w‬واحدا ‪، w‬‬ ‫ويدور الفرد تبعا ‪ w‬لذلك كما يدور السن في الدولب ‪.‬‬ ‫ولذلك لم تكن عندهم حرية عقيدة للفرد ‪ ،‬ول حرية‬ ‫اقتصادية ‪ .‬فالعقيدة مقيدة بما تريده الدولة ‪،‬‬ ‫والقتصاد مقيد بما تريده الدولة ‪ ،‬ولهذا كانت الدولة‬ ‫أيضا ‪ w‬بعض ما يقدسه المبدأ ‪ .‬وعن هذه الفلسفة‬ ‫المادية انبثقت أنظمة الحياة ‪ ،‬وجعل النظام القتصادي‬ ‫هو الساس الول ‪ ،‬وهو المظهر العام لجميع النظمة ‪.‬‬ ‫ولذلك كان المبدأ الشتراكي ومنه الشيوعي يحمل‬ ‫قيادة فكرية ‪ ،‬هي المادية والتطور المادي ‪ ،‬وعلى‬ ‫أساسها يحكم بأنظمته ‪ ،‬ويدعو لها ‪ ،‬ويحاول أن يطبقها‬ ‫في كل مكان ‪.‬‬ ‫وأما السلم فهو يبين أن وراء الكون النسان‬ ‫والحياة خالقا ‪ w‬خلقها هو الله تعالى ‪ ،‬ولذلك كان أساسه‬ ‫العتقاد بوجود الله عز وجل ‪ ،‬وكانت هذه العقيدة هي‬ ‫التي عينت الناحية الروحية ‪ ،‬أل وهي كون النسان‬ ‫والحياة والكون مخلوقة لخالق ‪ ،‬ومن هنا كانت صلة‬ ‫الكون بوصفه مخـلوقا ‪ ، w‬بالله الخالق ‪ .‬هي الناحية‬ ‫‪31‬‬


‫الروحية في الكون ‪ .‬وصلة الحياة المخلوقة ‪ ،‬بالله‬ ‫الخالق ‪ ،‬هي الناحية الروحية في الحياة ‪ .‬وصلة‬ ‫النسان المخلوق ‪ ،‬بالله الخالق ‪ ،‬هي الناحية الروحية‬ ‫في النسان ‪ ،‬ومن هنا كانت الروح هي إدراك النسان‬ ‫لصلته بالله تعالى ‪.‬‬ ‫واليمان بالله يجب أن يقترن باليمان بنبوة محمد‬ ‫ورسالته ‪ ،‬وبأن القرآن كلم الله ‪ ،‬فيجب اليمان بكل‬ ‫ما جاء به ‪ .‬ولهذا كانت العقيدة السلمية تقضي بأنه‬ ‫يوجد قبل الحياة ما يجب اليمان به وهو الله ‪ ،‬وتقضي‬ ‫باليمان بما بعد الحياة ‪ ،‬وهو يوم القيامة ‪ ،‬وبأن‬ ‫النسان في هذه الحياة الدنيا مقيد بأوامر الله و نواهيه‬ ‫‪ ،‬وهذه هي صلة الحياة بما قبلها ‪ ،‬ومقيد بالمحاسبة‬ ‫على اتباع هذه الوامر واجتناب هذه النواهي ‪ ،‬وهذه‬ ‫هي صلة الحياة بما بعدها ‪ ،‬ولذلك كان حتما ‪ w‬على‬ ‫المسلم أن يدرك صلته بالله حين القيام بالعمال ‪،‬‬ ‫فيسير أعماله بأوامر الله ونواهيه وكان ذلك هو معنى‬ ‫مزج المادة بالروح والغاية من تسييرها بأوامر الله‬ ‫ونواهيه هي رضوان الله ‪ .‬والغاية المقصودة من القيام‬ ‫بها هي القيمة التي يحققها العمل ‪.‬‬ ‫ولذلك لم تكن الهداف العليا لصيانة المجتمع ‪ ،‬من‬ ‫وضع النسان بل هي من أوامر الله ونواهيه ‪ ،‬وهي‬ ‫ثابتة ل تتغير ول تتطور ‪ ،‬فالمحافظة على نوع‬ ‫النسان ‪ ،‬وعلى العقل ‪ ،‬وعلى الكرامة النسانية ‪،‬‬ ‫وعلى نفس النسان ‪ ،‬وعـلى الملكية الفردية ‪ ،‬وعلى‬ ‫الدين ‪ ،‬وعلى المن ‪ ،‬وعلى الدولة ‪ ،‬أهداف عليا ثابتة‬ ‫لصيانة المجتمع ‪ ،‬ل يلحقها التغيير ول التطور ‪ ،‬ووضع‬ ‫للمحافظة عليها عقوبة صارمة ‪ ،‬فوضع الحدود‬ ‫والعقوبات للمحافظة على هذه الهداف الثابتة ‪،‬‬ ‫ولذلك يعتبر القيام بالمحافظة على هذه الهداف واجبا ‪w‬‬ ‫‪ ،‬لنها أوامر ونواه من الله ‪ ،‬ل لنها تحقق قيما ‪ w‬مادية ‪.‬‬ ‫‪32‬‬


‫وهكذا يقوم المسلم وتقوم الدولة بكافة العمال‬ ‫حسب أوامر الله ونواهيه لنها هي التي تنظم شئون‬ ‫النسان كلها ‪ ،‬والقيام بالعمال حسب أوامر الله‬ ‫ونواهيه هو الذي يجعل الطمأنينة عند المسلم ‪ .‬ومن‬ ‫هنا كانت السعادة ليست إشباع الجسد وإعطاءه متعه‬ ‫‪ ،‬بل هي إرضاء الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬ ‫أما الحاجات العضوية والغرائز فقد نظمها السلم‬ ‫تنظيما ‪ w‬يضمن إشباع جميع جوعاتها ‪ ،‬من جوعة معدة ‪،‬‬ ‫أو جوعة نوع ‪ ،‬أو جوعة روحية ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ .‬ولكن ل‬ ‫بإشباع بعضها على حساب بعض ‪ ،‬ول بكبت بعضها‬ ‫وإطلق بعض ول بإطلقها جميعها ‪ ،‬بل نسقها جميعها‬ ‫وأشبعها جميعها بنظام دقيق ‪ ،‬مما يهيئ للنسان الهناء‬ ‫والرفاه ‪ ،‬ويحول بينه وبين النتكاس إلى درك الحيوان‬ ‫بفوضوية الغرائز ‪.‬‬ ‫ولضمان هذا التنظيم ‪ ،‬ينظر السلم للجماعة‬ ‫باعتبارها كل ‪ w‬غير مجزأ ‪ ،‬وينظر للفرد باعتباره جزءا ‪w‬‬ ‫من هذه الجماعة غير منفصل عنها ‪ .‬ولكن كونه جزءا ‪w‬‬ ‫من الجماعة ل يعني أن جزئيته هذه كجزئية السن في‬ ‫الدولب ‪ ،‬بل يعنى أنه جزء من كل ‪ ،‬كما إن اليد جزء‬ ‫من الجسم ‪ ،‬ولذلك عني السلم بهذا الفرد بوصفه‬ ‫جزءا ‪ w‬من الجماعة ‪ ،‬ل فردا ‪ w‬منفصل ‪ w‬عنها ‪ ،‬بحيث تؤدي‬ ‫هذه العناية للمحافظة على الجماعة ‪ ،‬وعني في نفس‬ ‫الوقت بالجماعة ل بوصفها كل ‪ w‬ليس له أجزاء بل‬ ‫بوصفها كل ‪ w‬مكونا ‪ w‬من أجزاء هم الفراد بحيث تؤدي‬ ‫هذه العناية إلى المحافظة على هؤلء الفراد كأجزاء ‪،‬‬ ‫قال صلى الله عليه وآله وسلم " مثل القائم على‬ ‫حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة‬ ‫فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في‬ ‫أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ‪،‬‬ ‫فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ‪ w‬ولم نؤذ من فوقنا ‪،‬‬ ‫‪33‬‬


‫فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ‪ ، w‬وان أخذوا على‬ ‫أيديهم نجوا ونجوا جمـيعا ‪. " w‬‬ ‫وهذه النظرة للجماعة والفرد هي التي تجعل‬ ‫للمجتمع مفهوما ‪ w‬خاصا ‪ ، w‬لن هؤلء الفراد وهم أجزاء‬ ‫من الجماعة ل بد أن تكون لديهم أفكار تربطهم ‪،‬‬ ‫يعيشون حسبها ‪ ،‬وأن يكون لهم مشاعر واحدة‬ ‫يتأثرون بها ويندفعون بحسبها ‪ ،‬وأن يكون لهم نظام‬ ‫واحد يعالج مشاكل حياتهم جميعها ‪ .‬ومن هنا كان‬ ‫المجتمع مؤلفا ‪ w‬من النسان والفكار والمشاعر‬ ‫والنظمة ‪ ،‬وكان النسان مقيدا ‪ w‬في الحياة بهذه الفكار‬ ‫والمشاعر والنظمة ‪ .‬ولذلك كان المسلم في الحياة‬ ‫‪w‬‬ ‫مقيدا ‪ w‬في كل شيء بالسلم وليس له حريات مطلقا ‪.‬‬ ‫فالعقيدة للمسلم مقيدة بحدود السلم وليست مطلقة‬ ‫‪ .‬ولذلك يعتبر ارتداده جريمة كبرى يستحق عليها القتل‬ ‫إن لم يرجع ‪ .‬والناحية الشخصية مقيدة بنظام‬ ‫ة يعاقب عليها ‪ ،‬دون‬ ‫السلم ‪ ،‬ولذلك كان الزنا جريم ‪w‬‬ ‫رأفة مع التـشهير ) وليشهد عذابهما طائفة من‬ ‫المؤمنين ( ‪ ،‬وكان شرب الخمر جريمة يعاقب‬ ‫عليـها ‪ ،‬وكان العتداء على آخرين جريمة تختلف‬ ‫باختلف هذا العتداء من قذف أو قتل أو ما شابه‬ ‫ذلك ‪ ،‬والناحية القتصادية مقيدة بالشرع وبالسباب‬ ‫التي أباح للفرد التملك بها ‪ ،‬وبحقيقة هذه الملكية‬ ‫الفردية من أنها إذن الشرع بالنتفاع بالعين ‪ .‬وكان‬ ‫الخروج عن هذه القيود جريمة تختلف باختلف نوع هذا‬ ‫الخروج من سرقة أو نهب أو ما شاكل ذلك ‪ .‬ولهذا‬ ‫كان ل بد من الدولة التي تحفظ هذه الجماعة وهذا‬ ‫الفرد ‪ ،‬وتطبق النظام على المجتمع ‪ ،‬وكان لبد من‬ ‫تأثير المبدأ في معتنقه ليكون الحفظ طبيعيا ‪ w‬آتيا ‪ w‬من‬ ‫قبل الناس أنفسهم ‪ .‬ولذلك كان المبدأ هو الذي يقيد‬ ‫ويحفظ ‪ ،‬والدولة هي المنفذة ‪ .‬ولهذا كانت السيادة‬ ‫‪34‬‬


‫للشرع وليست للدولة ول للمة ‪ ،‬وان كانت السلطة‬ ‫للمة ومظهرها في الدولة ‪ ،‬ومن هنا كانت طريقة‬ ‫تنفيذ النظام هي الدولة وان كان العتماد على تقوى‬ ‫الله في الفرد المؤمن ليقوم بأحكام السلم ‪ .‬وعليه‬ ‫كان ل بد من التشريع الذي تنفذه الدولة ‪ ،‬والتوجيه‬ ‫للفرد المؤمن لينفذ السلم بدافع تقوى الله ‪ .‬ومن هنا‬ ‫كان السلم عقيدة وأنظمة ‪ ،‬وكان مبدأ السلم فكرة‬ ‫وطريقة من جنس هذه الفكرة ‪ ،‬وكان نظامه منبثقا ‪w‬‬ ‫عن عقيدته ‪ ،‬وكانت حضارته طرازا ‪ w‬معينا ‪ w‬في الحياة ‪.‬‬ ‫وكانت طريقته في حمل الدعوة أن يطبق من قبل‬ ‫الدولة ‪ ،‬وأن يحمل قيادة فكرية إلى العالم ‪ ،‬تكون هي‬ ‫الساس لفهم نظام السلم والعمل به ‪ ،‬وكان العمل‬ ‫به في الجماعة التي تحكم بنظام السلم ‪ ،‬نشرا ‪w‬‬ ‫للدعوة السلمية ‪ ،‬لن تطبيق نظام السلم على غير‬ ‫المسلمين من الناس يعتبر من الطريقة العملية‬ ‫للدعوة ‪ ،‬فقد كان لهذا التطبيق الثر الكبر في إيجاد‬ ‫هذا العالم السلمي المترامي الطراف ‪.‬‬ ‫والحاصل أن المبادئ الموجودة في العالم ثلثة‬ ‫هي الرأسمالية ‪ ،‬والشتراكية ومنها الشيوعية ‪ ،‬والمبدأ‬ ‫الثالث هو السلم ‪ ،‬ولكل واحد من هذه المبادئ‬ ‫عقيدة تنبثق عنها أنظمته ‪ ،‬وله مقياس لعمال النسان‬ ‫في الحياة ‪ ،‬ونظرة خاصة للمجتمع ‪ ،‬وطريقة لتنفيذ‬ ‫النظام ‪.‬‬ ‫أما من حيث العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن‬ ‫المادة أصل الشياء ‪ ،‬وأن جميع الشياء تصدر عنها‬ ‫بطريق التطور المادي ‪ .‬والمبدأ الرأسمالي يرى أنه‬ ‫يجب أن يفصل الدين عن الحياة ‪ ،‬وينتج عن ذلك فصل‬ ‫الدين عن الدولة ‪ ،‬فالرأسماليون ل يريدون أن يبحثوا‬ ‫هل هناك خالق أم ل ‪ ،‬وإنما يبحثون أنه ل دخل للخالق‬ ‫في الحياة ‪ ،‬سواء اعترف بوجوده أم أنكره ‪ ،‬ولذلك‬ ‫‪35‬‬


‫يستوي عندهم المعترف بوجود الخالق والمنكر له في‬ ‫عقيدتهم ‪ ،‬وهي فصل الدين عن الحـياة ‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن الله هو خالق الوجود ‪ ،‬وأنه‬ ‫أرسل النبياء والرسل بدينه لبني النسان ‪ ،‬وأنه‬ ‫سيحاسب النسان يوم القيامة على أعماله ‪ ،‬ولذلك‬ ‫كانت عقيدته اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله‬ ‫واليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله‬ ‫‪.‬‬ ‫وأما من حيث كيفية انبثاق النظام عن العقيدة‬ ‫فالمبدأ الشيوعي يرى أن النظام يؤخذ من أدوات‬ ‫النتاج ‪ ،‬لن المجتمع القطاعي مثل ‪ w‬تكون الفأس فيه‬ ‫هي أداة النتاج ‪ ،‬ومنها يؤخذ نظام القطاع ‪ ،‬فإذا تطور‬ ‫المجتمع إلى الرأسمالية تصبح اللة هي أداة النتاج ‪.‬‬ ‫ولذلك يؤخذ النظام الرأسمالي منها ‪ ،‬فنظامه مأخوذ‬ ‫من التطور المادي ‪ .‬وأما المبدأ الرأسمالي فيرى أن‬ ‫النسان حين فصل الدين عن الحياة صار ل بد له أن‬ ‫يضع نظاما ‪ w‬لنفسه من الحياة ذاتها ‪ ،‬فصار يأخذ نظامه‬ ‫من واقعه يضعه بنفسه ‪ .‬وأما السلم فيرى أن الله‬ ‫جعل له نظاما ‪ w‬في الحياة يسير علـيه ‪ ،‬وأرسل سيدنا‬ ‫محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا النظام‬ ‫وبلغه إيـاه ‪ ،‬فيجب أن يسير عليه ‪ ،‬ولذلك هو يدرس‬ ‫المشكلة ‪ ،‬ويستنبط حلها من الكتاب والسنة ‪.‬‬ ‫وأما من حيث مقياس العمال في الحياة فالمبدأ‬ ‫الشيوعي يرى أن المادية أي النظام المادي هو‬ ‫المقياس في الحياة ‪ ،‬وبتطوره يتطور المقياس ‪،‬‬ ‫والمبدأ الرأسمالي يرى أن مقياس العمال في الحياة‬ ‫هو النفعية ‪ ،‬وحسب هذه النفعية تقاس العمال ويقام‬ ‫بها على هذا الساس ‪ .‬والسلم يرى أن مقياس‬ ‫العمال في الحياة هو الحلل والحرام ‪ ،‬أي أوامر الله‬ ‫ونواهيه ‪ ،‬فالحلل يعـمل ‪ ،‬والحرام يترك ‪ ،‬ول يتطور‬ ‫‪36‬‬


‫ذلك ول يتغير ‪ .‬ول تحكم فيه النفعية ‪ ،‬بل يحكم الشرع‬ ‫فقط ‪.‬‬ ‫وأما من حيث النظرة للمجتمع فالمبدأ الشيوعي‬ ‫يرى أن المجتمع مجموعة عامة ‪ ،‬منها الرض ‪ ،‬وأدوات‬ ‫النتاج ‪ ،‬والطبيعة ‪ ،‬والنسان ‪ ،‬باعتبارها شيئا ‪ w‬واحدا ‪ w‬هو‬ ‫المادة ‪ ،‬وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها‬ ‫النسان ‪ ،‬فيتطور المجتمع كله ‪ ،‬ولذلك كان المجتمع‬ ‫خاضعا ‪ w‬للتطور المادي ‪ ،‬وما على النسان إل أن يوجد‬ ‫جل هذا التطور ‪ ،‬وحين يتطور المجتمع ‪،‬‬ ‫التناقضات ليع ”‬ ‫يتطور الفرد بتطوره ‪ ،‬فيدور معه كما يدور السن في‬ ‫الدولب ‪.‬‬ ‫وأما المبدأ الرأسمالي فانه يرى أن المجتمع مكون‬ ‫من أفراد ‪ ،‬وانه إذا انتظمت أمور الفرد انتظمت أمور‬ ‫المجتمع ‪ ،‬ولذلك ل بد من النظرة للفرد فقط ‪،‬‬ ‫فالدولة إنما تعمل للفرد ولهذا كان هذا المبدأ فرديا ‪. w‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن الساس الذي يقوم عليه‬ ‫المجتمع هو العقيدة ‪ ،‬وما تحمل من أفكار ومشاعر ‪،‬‬ ‫وما ينبثق عنها من أنظمه ‪ ،‬فحين تسود الفكار‬ ‫السلمية ‪ ،‬والمشاعر السلمية ‪ ،‬ويطبق النظام‬ ‫السلمي على الناس ‪ ،‬يوجد المجتمع السلمي ‪،‬‬ ‫ولذلك كان المجتمع مؤلفا ‪ w‬مـن النسان ‪ ،‬والفكار ‪،‬‬ ‫والمشاعر ‪ ،‬والنظمة ‪ .‬وأن النسان وحده مع النسان‬ ‫يؤلف جماعة ‪ ،‬ولكنه ل يؤلف مجتمعا ‪ w‬إل بالفكار التي‬ ‫يحملها النسان ‪ ،‬والمشاعر الموجودة لديه ‪ ،‬والنظمة‬ ‫التي تطبق عليه ‪ ،‬لن الذي يوجد العلقة بين النسان‬ ‫والنسان إنما هو المصلحة ‪ ،‬وهذه المصلحة إن‬ ‫توحدت الفكار عليها ‪ ،‬وان توحدت المشاعر نحوها‬ ‫فتوحد الرضا والغضب ‪ ،‬وان توحد النظام الذي يعالج ‪،‬‬ ‫فقد وجدت العلقة بين النسان والنسان ‪ ،‬وان‬ ‫اختلفت الفكار على المصلحة ‪ ،‬أو اختلفت المشاعر‬ ‫‪37‬‬


‫نحوها ‪ ،‬فلم يتوحد الرضا والغضب ‪ ،‬أو اختلف النظام‬ ‫الذي يعالجها بين النسان والنسان لم توجد العلقة ‪،‬‬ ‫وبالتالي لم يوجد المجتمع ‪ ،‬ولذلك كان المجتمع مكونا ‪w‬‬ ‫من النسان ‪ ،‬والفكار ‪ ،‬والمشاعر ‪ ،‬والنظمة ‪ ،‬لنها‬ ‫‪w‬‬ ‫هي التي توجد العلقة ‪ ،‬وتجعل الجماعة مجتمعا ‪ w‬معينا ‪.‬‬ ‫ولذلك لو كان جميع الناس مسلمين ‪ ،‬وكانت‬ ‫الفكار التي يحملونها رأسمالية ديمقراطية ‪،‬‬ ‫والمشاعر التي يحملونها روحية كهنوتية أو وطنية ‪،‬‬ ‫والنظام الذي يطبق عليهم رأسماليا ‪ w‬ديمقراطيا ‪ ، w‬فان‬ ‫المجتمع يكون مجتمعا ‪ w‬غير إسلمي ولو كان جل أهله‬ ‫من المسلمين ‪.‬‬ ‫وأما من حيث تنفيذ النظام فالمبدأ الشيوعي يرى‬ ‫أن الدولة وحدها هي التي تنفذ النظام بقوة الجندي‬ ‫وصرامة القانون ‪ ،‬وتتولى عـن الفرد وعن الجماعة‬ ‫شؤونهم ‪ ،‬وهي التي تطور النـظام ‪ .‬والرأسمالية ترى‬ ‫أن الدولة إنما تشرف على الحريات ‪ ،‬فإذا اعتدى أحد‬ ‫على حرية غيره منعت هذا العتداء ‪ ،‬لنها وجدت‬ ‫لضمان الحريات ‪ ،‬وإذا لم يعتد أحد على حرية آخر ولو‬ ‫استغله وأخذ حقوقه ‪ ،‬ولكن برضاه ‪ ،‬ل يكون هناك‬ ‫اعتداء على الحريات ‪ ،‬فل تتدخل الدولة ‪ ،‬ولذلك‬ ‫فالدولة موجودة لضمان الحريات ‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن النظام إنما ينفذه الفرد‬ ‫المؤمن بدافع تقوى الله ‪ ،‬وتنفذه الدولة بشعور‬ ‫الجماعة بعدالته ‪ ،‬وبتعاون المة مع الحاكم بالمر‬ ‫بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬وبسلطان الدولة ‪.‬‬ ‫وتتولى الدولة شؤون الجماعة ‪ ،‬ول تتولى عن الفرد‬ ‫شؤونه إل إذا عجز عنها ‪ ،‬ول يتطور النظام أبدا ‪. w‬‬ ‫والدولة لها صلحية تبني الحكام الشرعية إذا تعددت‬ ‫نتائج الجتهاد فيـها ‪.‬‬ ‫‪38‬‬


‫والقيادة الفكرية لمبدأ السلم متفقه مع فطرة‬ ‫النسان ‪ ،‬وهي على عمقها سهلة ميسورة ‪ ،‬سرعان‬ ‫ما يفتح لها النسان عقله وقلبه ‪ ،‬وسرعان ما يقبل‬ ‫عليها ليفهمها ‪ ،‬وليتعمق في فهم دقائقها بشغف‬ ‫وتقدير ‪ ،‬لن التدين فطري في النسان ‪ ،‬وكل إنسان‬ ‫بفطرته ‪ ،‬متدين ‪ ،‬ول تستطيع أي قوة أن تنزع منه‬ ‫هذه الفطرة ‪ ،‬لنها متأصلة فيه ‪ ،‬فالنسان بطبعه‬ ‫يشعر أنه ناقص ‪ ،‬وان هناك قوة أكمل منه ‪ ،‬وان هذه‬ ‫القوة تستحق التقديس ‪ ،‬والتدين هو الحتياج إلى‬ ‫الخالق المدبر ‪ ،‬الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين‬ ‫النسان ‪ ،‬وهو غريزة ثابتة لها رجع معين هو التقديس ‪،‬‬ ‫ولذلك كانت النسانية في جميع العصور متدينة تعبد‬ ‫شيئا ‪ ، w‬فعبدت النسان ‪ ،‬والفلك ‪ ،‬والحجارة ‪،‬‬ ‫والحيوان ‪ ،‬والنيران ‪ ،‬وغير ذلك ‪ .‬ولما جاء السلم‬ ‫بعقيدته جاء ليخرج النسانية من عبادة المخلوقات إلى‬ ‫عبادة الله الذي خلق كل شيء ‪ .‬و لما ظهر المبدأ‬ ‫المادي الذي ينكر وجود الله و ينكر الروح لم يستطع‬ ‫أن يقضي على هذا التدين الطبيعي ‪ ،‬وإنما نقل تصور‬ ‫النسان لـقوة أكبر منه ‪ ،‬ونقل تقديسه لهذه القوة ‪،‬‬ ‫نقل كل ذلك إلى تصور هذه القوة في المبدأ وفي‬ ‫حملته ‪ ،‬وجعل تقديسه لهما وحدهما ‪ ،‬فكأنه رجع إلى‬ ‫الوراء ‪ ،‬ونقل تقديس الناس مـن عبادة الله إلى عبادة‬ ‫العباد ‪ ،‬ومن تقديس آيات الله إلى تقديس كلم‬ ‫المخلوقات ‪ ،‬فكان رجعيا ‪ w‬في ذلك ‪ .‬ولم يستطع‬ ‫القضاء على فطرة التدين ‪ ،‬وإنما حولها بالمغالطة‬ ‫تحويل ‪ w‬رجعيا ‪ . w‬ولذلك كانت قيادته الفكرية تختلف مع‬ ‫طبيعة النسان ‪ ،‬وكانت قيادة سلبية ‪ .‬ومن هنا كانت‬ ‫القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية‬ ‫‪ ،‬وإنما يتحيل لها بالمعدة ‪ ،‬وتستهوى الجائعين ‪،‬‬ ‫والخائفين ‪ ،‬والبائسين ‪ ،‬ويتمسك بها المنخفضون ‪،‬‬ ‫‪39‬‬


‫والمخفقون في الحياة الحاقدون عليها ‪ ،‬والمصابون‬ ‫بالشذوذ العقلي ‪ ،‬حتى يقال أنهم من ذوي الفكر حين‬ ‫يتشدقون بالنظرية الديالكتيكية التي هي أظهر شيء‬ ‫فسادا ‪ w‬وبطلنا ‪ w‬بشهادة الحس والعقل معا ‪ . w‬وتتوسل‬ ‫بالقوة لخضاع الناس لمبدئها ‪ ،‬ومن هنا كان الضغط‬ ‫والكبت ‪ ،‬وكانت الثورات والقلقل ‪ ،‬والتخريب‬ ‫والضطراب من أهم وسائلها ‪.‬‬ ‫وكذلك كانت القيادة الفكرية للرأسمالية مخالفة‬ ‫لفطرة النسان التي هي فطرة التدين ‪ ،‬لن فطرة‬ ‫التدين كما تبرز في التقديس تبرز في تدبير النسان‬ ‫لعماله في الحياة ‪ ،‬لظهور اختلفه وتناقضه حين يقوم‬ ‫بهذا التدبير ‪ ،‬وهذا آية العجز ‪ .‬ولذلك كان ل بد أن‬ ‫يكون الدين هو المدبر لعمال النسان في الحياة ‪.‬‬ ‫فإبعاد الدين عن الحياة مخالف لفطرة النسان ‪ .‬على‬ ‫أنه ليس معنى وجود الدين في الحياة هو جعل أعمال‬ ‫الحياة الدنيا عبادات بل معنى وجود الدين في الحياة‬ ‫هو جعل النظام الذي أمر الله به هو الذي يعالج‬ ‫مشاكل النسان في الحياة ‪ ،‬وهذا النظام صادر عن‬ ‫عقيدة قررت ما في فطرة النسان ‪ .‬فإبعاده وأخذ‬ ‫نظام صادر من عقيدة ل توافق غريزة التدين مخالف‬ ‫لفطرة النسان ‪ .‬ولذلك كانت القيادة الفكرية‬ ‫الرأسمالية مخفقة من ناحية فطرية ‪ ،‬لنها قيادة سلبية‬ ‫في فصلها الدين عن الحياة ‪ ،‬وفي إبعادها التدين عن‬ ‫الحياة ‪ ،‬وجعله مسألة فرديه ‪ ،‬وفي إبعادها النظام‬ ‫الذي أمر الله به عن معالجة مشاكل النسـان ‪.‬‬ ‫والقيادة الفكرية السلمية هي قيادة إيجابية لنها‬ ‫تجعل العقل أساسا ‪ w‬لليمان بوجود الله ‪ ،‬إذ تلفت‬ ‫النظر إلى ما في الكون والنسان والحياة ‪ ،‬مما يحمل‬ ‫على الجزم بوجود الله الذي خلق هذه المخلوقات ‪،‬‬ ‫وتعين للنسان ما يبحث عنه بفطرته من كمال‬ ‫‪40‬‬


‫مطلق ‪ ،‬لم يوجد في النسان والكون والحياة ‪ ،‬وترشد‬ ‫عقله إليه ‪ ،‬فيدركه و يؤمن به ‪.‬‬ ‫أما القيادة الفكرية الشيوعية فهي مبنية على‬ ‫المادية وليس على العقل ‪ ،‬وان توصل إليها العـقل ‪،‬‬ ‫لنها تقول بوجود المادة قبل الفكر ‪ ،‬وبجعلها أصل‬ ‫الشياء ‪ ،‬فهي مادية ‪ .‬وأما القيادة الفكرية الرأسمالية‬ ‫فهي مبنية على الحل الوسط الذي توصلت إليه من‬ ‫النزاع الدامي الذي استمر عدة قرون بين رجال‬ ‫الكنيسة ورجال الفكر ‪ ،‬وأنتج فصل الدين عن الدولة ‪.‬‬ ‫لذلك كانت القيادتان الفكريتان الشيوعية والرأسمالية‬ ‫مخفقتين ‪ ،‬لنهما متناقضتان مع الفطرة ‪ ،‬وغير مبنيتين‬ ‫على العقل ‪.‬‬ ‫والحاصل أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها‬ ‫القيادة الفكرية الصحيحة ‪ ،‬وما عداها قيادات فكرية‬ ‫فاسدة ‪ ،‬لن القيادة الفكرية السلمية مبنية على‬ ‫العقل ‪ ،‬في حين أن القيادات الفكرية الخرى غير‬ ‫مبنية على العقل ‪ ،‬ولنها قيادة فكرية تتفق مع فطرة‬ ‫النسان ‪ ،‬فيتجاوب معها ‪ ،‬في حين أن القيادات‬ ‫الفكرية الخرى تخالف فطرة النسان ‪ .‬وذلك ‪ :‬أن‬ ‫القيادة الفكرية الشيوعية مبنية على المادية ل على‬ ‫العقل ‪ ،‬لنها تقول أن المادة تسبق الفكر ‪ ،‬أي تسبق‬ ‫العقل ‪ ،‬ولذلك فالمادة حين تنعكس على الدماغ توجد‬ ‫به الفكر ‪ ،‬فيفكر في المادة التي انعكست عليه ‪ .‬أما‬ ‫قبل انعكاس المادة على الدماغ فل يـوجد فكر ‪،‬‬ ‫ولذلك فكل شيء مبني على المادة ‪ ،‬فأصل العقيدة‬ ‫الشيوعية أي القيادة الفكرية الشيوعية هو المادية‬ ‫وليس الفكر ‪.‬‬ ‫وهذا خطأ من وجهين ‪ ،‬الول أنه ل يوجد انعكاس‬ ‫بين المادة والدماغ فل الدماغ ينعكس على المادة ‪ ،‬ول‬ ‫المادة تنعكس على الدماغ ‪ ،‬لن النعكاس يحتاج إلى‬ ‫‪41‬‬


‫وجود قابلية النعكاس في الشيء الذي يعكس الشياء‬ ‫كالمرآة ‪ ،‬فإنها تحتاج إلى قابلية النعكاس عليها ‪ ،‬وهذا‬ ‫غير موجود ‪ ،‬ل في الدماغ ‪ ،‬ول في الواقع المادي ‪.‬‬ ‫ولذلك ل يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقا ‪، w‬‬ ‫لن المادة ل تنعكس على الدماغ ‪ ،‬ول تنتقل إليه ‪ ،‬بل‬ ‫ينتقل الحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس ‪،‬‬ ‫ونقل الحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاسا ‪w‬‬ ‫للمادة على الدماغ ‪ ،‬ول انعكاسا ‪ w‬للدماغ على المادة ‪،‬‬ ‫وإنما هو حس بالمادة ‪ ،‬ول فرق في ذلك بين العين‬ ‫وغيرها من الحواس ‪ ،‬فيحصل من اللمس ‪ ،‬والشم ‪،‬‬ ‫والذوق ‪ ،‬والسمع ‪ ،‬إحساس كما يحصل من البصار ‪.‬‬ ‫إذن فالذي يحصل من الشياء ليس انعكاسا ‪ w‬على‬ ‫الدماغ ‪ ،‬وإنما هو حس بالشـياء ‪ .‬فالنسان يحس‬ ‫بالشياء بواسطة حواسه الخمس ‪ ،‬ول تعكس على‬ ‫دماغه الشـياء ‪.‬‬ ‫والثاني أن الحس وحده ل يحصل منه فكر ‪ ،‬بل‬ ‫الذي يحصل هو الحس فقط ‪ ،‬أي الحساس بالواقع ‪،‬‬ ‫وإحساس زائد إحساس ‪ ،‬زائد مليون إحساس ‪ ،‬مهما‬ ‫تعدد نوع الحساس ‪ ،‬إنما يحصل منه إحساس فقط ‪،‬‬ ‫ول يحصل فكر مطلقا ‪ ، w‬بل ل بد من وجود معلومات‬ ‫سابقة عند النسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس‬ ‫به حتى يحصل فكر ‪ ،‬ولنأخذ النسان الحالي ‪ ،‬أي‬ ‫إنسان ‪ ،‬ونعطيه كتابا ‪ w‬سريانيا ‪ ، w‬ول توجد لديه أي‬ ‫معلومات تتصل بالسريانية ‪ ،‬ونجعل حسه يقع على‬ ‫الكتابة ‪ ،‬بالرؤية ‪ ،‬وباللمس ‪ ،‬ونكرر هذا الحس مليون‬ ‫مره ‪ ،‬فانه ل يمكن أن يعرف كلمة واحدة ‪ ،‬حتى‬ ‫يعطي معلومات عن السريانية ‪ ،‬وعما يتصل‬ ‫بالسريانية ‪ ،‬فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها ‪ .‬وكذلك‬ ‫لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الحساس ولم توجد‬ ‫عنده أي معلومات ‪ ،‬ولنضع أمامه قطعة ذهب ‪،‬‬ ‫‪42‬‬


‫وقطعة نحاس ‪ ،‬وحجرا ‪ ، w‬ونجعل جميع احساساته‬ ‫تشترك في حس هذه الشياء ‪ ،‬فانه ل يمكنه أن يدركها‬ ‫‪ ،‬مهما تكررت هذه الحساسات وتنوعت ‪ .‬ولكن إذا‬ ‫أعطي معلومات عنها ‪ ،‬وأحسها ‪ ،‬فإنه يستعمل‬ ‫المعلومات ويدركها ‪ .‬وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ‬ ‫عشرين سنه ولم يأخذ أي معلومات فانه يبقى كأول‬ ‫يوم يحس بالشياء فقط ول يدركها مهما كبر دماغه ‪،‬‬ ‫لن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ ‪ ،‬وإنما هو‬ ‫المعلومات السابقة مع الدماغ ‪ ،‬ومع الواقع الذي‬ ‫يحسه ‪ .‬هذا من ناحية الدراك العقلي ‪ ،‬أما من ناحية‬ ‫الدراك الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية‬ ‫‪ ،‬والذي يحصل عند الحيوان فأنه يحصل عند النسان ‪،‬‬ ‫فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة‬ ‫تؤكل والحجر ل يؤكل ‪ ،‬كما يعرف الحمار أن الشعير‬ ‫يؤكل وان التراب ل يؤكل ‪ ،‬ولكن هذا التميز ليس فكرا ‪w‬‬ ‫‪ ،‬ول إدراكا ‪ w‬وإنما هو راجع للغرائز وللحاجات العضوية ‪،‬‬ ‫وهو موجود عند الحيوان كما هو عند النسان ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ل يمكن أن يحصل فكر إل إذا وجدت المعلومات‬ ‫السابقة مع نقل الحساس بالواقع بواسطة الحواس‬ ‫إلى الدماغ ‪.‬‬ ‫وعليه فالعقل أو الفكر أو الدراك هو نقل الحس‬ ‫بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات‬ ‫سابقه يفسر بواسطتها الواقع ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الشيوعية مخطئة‬ ‫وفاسدة ‪ ،‬لنها غير مبنية على العقل كما أن معنى‬ ‫الفكر والعقل عندها فاسد ‪.‬‬ ‫وكذلك القيادة الفكرية الرأسمالية مبنية على الحل‬ ‫الوسط بين رجال الكنيسة والمفكرين ‪ ،‬فإنها بعد ذلك‬ ‫الصراع العنيف الذي أستمر عدة قرون بين رجال‬ ‫الدين والمفكرين ‪ ،‬توصلوا إلى حل وسط هو فصل‬ ‫‪43‬‬


‫الدين عن الحياة ‪ ،‬أي العتراف بوجود الدين ضمنا ‪w‬‬ ‫وفصله عن الحياة ‪ ،‬ولذلك لم تكن القيادة الفكرية‬ ‫مبنية على العقل ‪ ،‬وإنما هي حل ترضيه أو حل وسط ‪.‬‬ ‫ولذلك نجد فكرة الحل الوسط أصيلة عندهم ‪ ،‬فهم‬ ‫يقربون بين الحق والباطل بحل وسـط ‪ ،‬وبين اليمان‬ ‫والكفر بحل وسط ‪ ،‬وبين النور والظلم بحل وسط ‪،‬‬ ‫مع إن الحل الوسط غير موجود ‪ ،‬لن المسألة إما‬ ‫الحق أو الباطل ‪ ،‬وإما اليمان أو الكفر ‪ ،‬وإما النور أو‬ ‫الظلم ‪ ،‬ولكن الحل الوسط الذي بنو عليه عقيدتهم‬ ‫وقيادتهم الفكرية أبعدهم عن الحق ‪ ،‬وعن اليمان ‪،‬‬ ‫وعن الـنور ‪ ،‬ولذلك كانت قيادتهم الفكرية فاسدة لنها‬ ‫غير مبنية على العقل ‪.‬‬ ‫وأما القيادة الفكرية السلمية فإنها مبنية على‬ ‫العقل ‪ ،‬إذ تفرض على المسلم أن يؤمن بوجود الله‬ ‫وبنبوة محمد ‪ ،‬وبالقرآن الكريم ‪ ،‬عن طريق العقل ‪.‬‬ ‫وتفرض اليمان بالمغيبات ‪ ،‬على أن تأتى من شيء‬ ‫ثبت وجوده في العقل ‪ ،‬كالقرآن والحديث المتواتر ‪،‬‬ ‫ولذلك كانت قيادة فكرية مبنية على العقل ‪.‬‬ ‫هذا من ناحية العقل ‪ ،‬أما من ناحية الفطرة فان‬ ‫القيادة الفكرية السلمية توافق الفطرة ‪ ،‬لنها تؤمن‬ ‫بوجود الدين ‪ ،‬وبوجوب وجوده في الحياة ‪ ،‬وتسييرها‬ ‫بأوامر الله ونواهيه ‪ .‬والتدين فطري ‪ ،‬لنه غريزة من‬ ‫الغرائز ‪ ،‬لها رجـع خاص هو التقديس ‪ ،‬وهو يختلف عن‬ ‫رجع أي غريزة أخرى غيرها ‪ ،‬وهو رجع طبيعي لغريزة‬ ‫معينة ‪ ،‬ولهذا كان اليمان بالدين ‪ ،‬وبوجوب تسيير‬ ‫أعمال النسان في الحياة بأوامر الله و نواهيه ‪ ،‬غريزيا ‪w‬‬ ‫‪ ،‬فهو موافق للفطرة ‪ ،‬ولذلك تتجاوب مع النسان ‪.‬‬ ‫بخلف القيادتين الفكريتين الشيوعية والرأسمالية‬ ‫فانهما تخالفان الفطرة ‪ ،‬لن القيادة الفكرية الشيوعية‬ ‫تنكر وجود الدين مطلقا ‪ ، w‬وتحارب العتراف به ‪ ،‬فهي‬ ‫‪44‬‬


‫تتناقض مع الفطرة ‪ .‬والقيادة الفكرية الرأسمالية ل‬ ‫تعترف بالدين ول تنكره ‪ ،‬ول تجعل العتراف به أو‬ ‫إنكاره موضوع بحث ‪ ،‬ولكنها تقول بوجوب فصل الدين‬ ‫عن الحياة ‪ ،‬فهي تريد أن يكون سير الحياة نفعيا ‪ w‬بحتا ‪w‬‬ ‫ل شأن للدين به ‪ ،‬وهذا مناقض للفطرة ‪ ،‬وبعيد عنها ‪.‬‬ ‫ولذلك كانت مناقضة لفطرة النسان ‪.‬‬ ‫ومن هنا كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها‬ ‫هي الصالحة ‪ ،‬لموافقتها لفطرة النسان ‪ ،‬ولموافقتها‬ ‫للعقل ‪ ،‬وما عداها فهو باطل ‪ .‬ولذلك كانت القيادة‬ ‫الفكرية السلمية وحدها هي الصحيحة ‪ ،‬وكانت وحدها‬ ‫هي الناجحة ‪.‬‬ ‫بقيت مسألة واحدة هي هل طبق المسلمون‬ ‫السلم ؟ أم انهم كانوا يعتنقون عقيدة ويطبقون غيره‬ ‫من النظمة والحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن‬ ‫المسلمين طبقوا السلم وحده في جميع العصور ‪،‬‬ ‫منذ أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى‬ ‫المدينة حتى سنة ‪1336‬هـ أي ‪1918‬ميلدية حين‬ ‫سقطت آخر دولة إسلمية على يد الستعمار ‪ ،‬وكان‬ ‫تطبيقها شامل ‪ w‬حتى نجحت في هذا التطبيق إلى ابعد‬ ‫حدود النجاح ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫أما كون المسلمين طبقوا عمليا السلم فان الذي‬ ‫يطبق النظام هو الدولة ‪ ،‬والذي يطبق في الدولة‬ ‫شخصان أحدهما القاضي الـذي يفصل الخصومات بين‬ ‫الناس ‪ ،‬والثاني الحاكم الذي يحكم الناس ‪ .‬أما‬ ‫القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين‬ ‫يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى‬ ‫الله عليه وعلى آله وسلم حتى نهاية الخلفة في‬ ‫استانبول ‪ ،‬كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع‬ ‫الشريف في جميع أمور الحياة ‪ ،‬سـواء بين المسلمين‬ ‫وحدهم ‪ ،‬وبين المسلمين وغيرهم ‪ .‬وقد كانت‬ ‫‪45‬‬


‫المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق‬ ‫وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك ‪ ،‬محكمة واحدة‬ ‫تحكم بالشرع السلمي وحده ‪ .‬ولم يرو أحد أن قضية‬ ‫واحدة فصلت على غير الحكام الشرعية السلمية ‪،‬‬ ‫أو أن محكمة ما في البلد السلمية حكمت بغير‬ ‫السلم قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير‬ ‫الستعمار ‪ .‬وأقرب دليل على ذلك سجلت المحاكم‬ ‫الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس‬ ‫وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل‬ ‫يقيني بأن الشرع السلمي وحده هو الذي كان يطبقه‬ ‫القضاة ‪ .‬حتى أن غير المسلمين من النصارى واليهود‬ ‫كانوا يدرسون الفقه السلمي ويؤلفون فيه مثل سليم‬ ‫الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه‬ ‫السلمي في العصور المتأخرة ‪ .‬وأما ما أدخل من‬ ‫القوانين فانه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها ل‬ ‫تخالف أحكام السلم ‪ ،‬وهكذا أدخل قانون الجزاء‬ ‫العثماني ‪1275‬هـ الموافق ‪1857‬م وأدخل قانون‬ ‫الحقوق والتجارة ‪1276‬هـ الموافق ‪1858‬م ثم في‬ ‫‪1288‬هـ والموافق ‪1870‬م ‪ .‬جعلت المحاكم قسمين‬ ‫محاكم شرعية ومحاكم نظامية ‪ ،‬ووضع لها نظام ثم‬ ‫في ‪1295‬هـ الموافق ‪1877‬م وضعت لئحة تشكيل‬ ‫المحاكم النظامية ‪ .‬ووضع قانون أصول المحاكمات‬ ‫الحقوقية والجزائية ‪1296‬هـ ‪ .‬ولما لم يجد العلماء ما‬ ‫يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة‬ ‫قانونا ‪ w‬للمعاملت ‪ ،‬وأستبعد القانون المدني وذلك‬ ‫‪1286‬هـ فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها السلم‬ ‫‪ ،‬ولم توضع موضع العمل إل بعد أن أخذت الفتوى‬ ‫بإجازتها ‪ ،‬وبعد أن أذن شيخ السلم بها ‪ ،‬كما تبين من‬ ‫المراسيم التي صدرت بها ‪ .‬وانه وان كان الستعمار‬ ‫منذ سنة ‪1918‬م أي منذ احتلله البلد أخذ يفصل‬ ‫‪46‬‬


‫الخصومات في الحقوق والجزاء على غير الشريعة‬ ‫السلمية ‪ ،‬ولكن البلدان التي لم يدخلها الستعمار‬ ‫بجيوشه وان دخلها بنفوذه ‪ ،‬ل تزال تحكم قضائيا ‪w‬‬ ‫بالسلم ‪ ،‬فجزيرة العرب كلها ‪ :‬الحجاز ونجد والكويت‬ ‫‪ ،‬وكذلك بلد الفغان ‪ ،‬ل تزال تطبق السلم قضائيا ‪w‬‬ ‫ولم تحكم حتى الن في القضاء إل في الشريعة‬ ‫السلمية ولو أن الحكام في هذه البلد الن ل يطبقون‬ ‫السلم ‪ .‬ومع ذلك نرى أن السلم طبق قضائيا ‪ w‬ولم‬ ‫يطبق غيره في جميع عصور الدولة السلمية ‪.‬‬ ‫أما تطبيق الحاكم للسلم فانه يتمثل في خمسة‬ ‫أشياء ‪ :‬في الحكام الشرعية المتعلقة بالجـتماع ‪،‬‬ ‫والقتصاد ‪ ،‬والتعليم ‪ ،‬والسياسة الخارجية ‪ ،‬والحكم ‪.‬‬ ‫وقد طبقت هذه الشياء الخمسة جميعها من قبل‬ ‫الدولة السلمية ‪ .‬أما النظام الجتماعي الذي يعين‬ ‫علقة المرأة بالرجل ومـا يترتب على هذه العلقة أي‬ ‫الحوال الشخصية ‪ ،‬فإنها ل تزال تطبق حتى الن رغم‬ ‫وجود الستعمار ووجود حكم الكفر ‪ ،‬ولم يطبق غيرها‬ ‫مطلقا حتى الن ‪ .‬وأما النظام القتصادي فيتمثل في‬ ‫ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب‬ ‫لتعالج مشاكل الناس ‪ ،‬والثاني كيفية إنفاقه ‪ .‬أما كيفية‬ ‫أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الموال ‪ ،‬والراضي ‪،‬‬ ‫والنعام ‪ ،‬باعتبارها عباده ‪ ،‬وتوزعها فقط على‬ ‫الصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن ول تستعملها‬ ‫في إدارة شؤون الدولة ‪ ،‬وتأخذ الموال لدارة شؤون‬ ‫الدولة والمة حسب الشرع السلمي ‪ ،‬فهي لم تأخذ‬ ‫أي نظام للضرائب ‪ ،‬وإنما كانت تطبق السلم ‪ ،‬فتأخذ‬ ‫الخراج على الرض ‪ ،‬وتأخذ الجزية من غير‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم إشرافها‬ ‫على التجارة الخارجية والداخلية ‪ ،‬وما كانت تحصل‬ ‫الموال إل حسب الشريعة السلمية ‪ .‬وأما توزيع‬ ‫‪47‬‬


‫المال فقد كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز ‪ ،‬وتحجر‬ ‫على السفيه والمبذر ‪ ،‬وتنصب عليه وصيا ‪ ، w‬وكانت‬ ‫تقيم أمكنة في كل مدينة ‪ ،‬وفي طريق الحج ‪ ،‬لطعام‬ ‫الفقير والمسكين وابن السبيل ‪ ،‬ول تزال آثارها‬ ‫موجودة حتى اليوم في أمهات بـلد المسلمين ‪.‬‬ ‫وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة حسب‬ ‫الشريعة ‪ ،‬ولم يجر حسب غيرها مطلقا ‪ ، w‬وما يشاهد‬ ‫من التقصير في هذه الناحية هو إهمال ‪ ،‬وإساءة‬ ‫تطبيق ‪ ،‬وليس عدم تطبيق ‪.‬‬ ‫وأما التعليم فان سياسته كانت مبنية على أساس‬ ‫السلم ‪ ،‬فكانت الثقافة السلمية هي الساس في‬ ‫منهاج التعليم ‪ ،‬والثقافة الجنبية يحرص في عدم‬ ‫أخذها إذا تناقضت مع السلم ‪ .‬وأما التقصير في فتح‬ ‫المدارس فهو إنما كان في أواخر الدولة العثمانية ‪،‬‬ ‫على السواء في جميع البلد السلمية ‪ ،‬للنحطاط‬ ‫الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ ‪ .‬وأما في باقي العصور‬ ‫فان من المشهور في العالم كله أن البلد السلمية‬ ‫كانت وحدها محط أنظار العلماء والمتعلمين ‪،‬‬ ‫ولجامعات قرطبة وبغداد ودمشق والسكندرية‬ ‫والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم ‪.‬‬ ‫وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على‬ ‫أساس إسلمي ‪ ،‬فالدولة السلمية كانت تبني علقاتها‬ ‫مع الدول الخرى على أساس السلم ‪ ،‬وكانت جميع‬ ‫الدول تنظر إليها بوصفها دولة إسلمية ‪ ،‬وكانت‬ ‫علقاتها الخارجية كلها مبنية على أساس السلم‬ ‫ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين ‪ ،‬وإن أمر كون‬ ‫سياسة الدولة السلمية الخارجية هي السياسة‬ ‫السلمية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل ‪.‬‬ ‫وأما بالنسبة لنظام الحكم فان جهاز الدولة في‬ ‫السلم يقوم على سبعة أركان هي ‪ :‬الخليفة وهو‬ ‫‪48‬‬


‫رئيس الدولة ‪ ،‬والمعاونون له في الحكم ‪ ،‬والولة ‪،‬‬ ‫والقضاة ‪ ،‬والجيش ‪ ،‬والجهاز الداري ‪ ،‬ومجلس‬ ‫الشورى ‪ ،‬وهذا الجهاز كان موجودا ‪ ، w‬فان المسلمين‬ ‫لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه خليفة ‪ ،‬إل بعد أن‬ ‫أزال الكافر المستعمر الخلفة على يد كمال اتاتورك‬ ‫سنة ‪1342‬هـ و ‪1924‬م ‪ .‬أما قبل ذلك فقد كان خليفة‬ ‫المسلمين دائميا ‪ w‬ل يذهب خليفة إل وقد أتى بعده‬ ‫خليفة ‪ ،‬حتى في أشد عصور الهبوط ‪ .‬ومتى وجد‬ ‫الخليفة فقد وجدت الدولة السلمية ‪ ،‬لن الدولة‬ ‫السلمية هي الخليفة ‪ ،‬وأمـا المعاونون فقد كانوا‬ ‫كذلك موجودين في جميع العصور ‪ ،‬وكانوا معاونين‬ ‫منفذين وليسوا وزراء ‪ ،‬وأنهم وان أطلق عليهم في‬ ‫عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا معاونين ‪.‬‬ ‫ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم‬ ‫الديمقراطي مطلقا ‪ ، w‬بل كانوا معاونين ‪ ،‬وهيئة تنفيذية‬ ‫فقط ‪ ،‬والصلحيات كلها للخليفة ‪ .‬وأما الولة والقضاة‬ ‫والجهاز الداري فان وجودها ثابت ‪ .‬والكافر المستعمر‬ ‫حين استلم البلد كانت أمورها سائرة ‪ ،‬وفيها الولة‬ ‫والقضاة والجهاز الداري مما ل يحتاج لدليل ‪ .‬وأما‬ ‫الجيش فانه كان جيشا ‪ w‬إسلميا ‪ ،‬وكان العالم يتركز‬ ‫في ذهنه أن الجيش السلمي ل يغلب ‪ ،‬وأما مجلس‬ ‫الشورى فانه بعد الخلفاء الراشدين لم يعن بوجوده ‪،‬‬ ‫والسبب في ذلك أن الشورى ليست قاعدة من قواعد‬ ‫الحكم ‪ ،‬وان كانت من جهاز الدولة ‪ ،‬وإنما هي حق من‬ ‫حقوق الرعية على الراعي ‪ ،‬فان لم يفعل بها يكون قد‬ ‫قصر ‪ ،‬ولكن الحكم يبقى حكما ‪ w‬إسلميا ‪ ،‬وذلك لن‬ ‫الشورى هي لخذ الرأي وليست للحكم ‪ ،‬بخلفها في‬ ‫مجالس النواب الديمقراطية ‪ .‬ومن هذا يتبين أن نظام‬ ‫الحكم كان مطبقا ‪ w‬في السلم ‪.‬‬ ‫‪49‬‬


‫وها هنا مسألة في بيعة الخليفة ‪ ،‬فان من‬ ‫المقطوع به أنه لم يكن في الخلفة نظام وراثة ‪ ،‬أي‬ ‫لم تكن الوراثة حكما ‪ w‬مقررا ‪ w‬في الدولة يؤخذ الحكم –‬ ‫أي تؤخذ رئاسة الدولة – بموجبها كما هي الحال في‬ ‫النظام الملكي ‪ ،‬وإنما كان الحكم المقرر في الدولة‬ ‫لخذ الحكم هو البيعة ‪ ،‬كانت تؤخذ من المسلمين في‬ ‫بعض العصور ‪ ،‬ومن أهل الحل والعقد في البعض‬ ‫الخر ‪ ،‬ومن شيخ السلم في آخر العصر الهابط ‪.‬‬ ‫والذي جرى عليه العمل في جميع عصور الدولة‬ ‫السلمية أنـه لم ينصب أي خليفة إل بالبيعة ‪ ،‬ولم‬ ‫ينصب بالوراثة دون بيعة على الطلق ‪ ،‬ولم ترو ول‬ ‫حادثة واحدة أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة ‪.‬‬ ‫غير أنه كان يساء تطبيق أخذ البيعة ‪ ،‬فيأخذها الخليفة‬ ‫من الناس في حياته لبنه ‪ ،‬أو أخيه ‪ ،‬أو أبن عمه ‪ ،‬أو‬ ‫شخص من أسرته ‪ ،‬ثم تجدد البيعة لذلك الشخص بعد‬ ‫وفاة الخليفة ‪ ،‬وهذه إساءة لتطبيق البيعة وليست‬ ‫وراثة ‪ ،‬ول ولية عهد ‪ .‬كما أن إساءة تطبيق نظام‬ ‫النتخابات لمجلس النواب في النظام الديمقراطي‬ ‫تسمي انتخابا ‪ w‬ول تسمى تعيينا ‪ ، w‬ولو فاز في النتخابات‬ ‫الشخاص الذين تريدهم الحكومة ‪ ،‬ومن ذلك كله نرى‬ ‫أن النظام السلمي طبق عمليا ‪ ، w‬ولم يطبق غيره في‬ ‫جميع عصور الـدولة السلمية ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫أما نجاح هذه القيادة عمليا ‪ w‬فقد كان نجاحا منقطع‬ ‫النظير ول سيما في المرين التاليين ‪:‬‬ ‫أما أحدهما فان القيادة الفكرية السلمية نقلت‬ ‫الشعب العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة‬ ‫تتخبط في دياجير العصبية العائلية ‪ ،‬وظلم الجهل‬ ‫الدامس ‪ ،‬إلى عصر نهضة فكرية ‪ ،‬يتلل بنور السلم‬ ‫الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب ‪ ،‬بل عم‬ ‫العالم ‪ .‬فقد اندفع المسلمون في الكرة الرضية ‪،‬‬ ‫‪50‬‬


‫وحملوا السلم للعالم ‪ ،‬واستولوا على فارس والعراق‬ ‫وبلد الشام ومصر وشمالي أفريقيا ‪ .‬وكانت لكل‬ ‫شعب من هذه الشعوب قومية غير قوميات الشعوب‬ ‫الخرى ‪ ،‬ولغة غير لغاتها ‪ ،‬فكانت قومية الفرس في‬ ‫فارس غير قومية الروم في الشام ‪ ،‬وغير قومية‬ ‫القبط في مصر ‪ ،‬وغير قومية البربر في شمالي‬ ‫أفريقيا ‪ ،‬وكانت عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم مختلفة ‪.‬‬ ‫وما أن استظلت بالحكم السلمي ‪ ،‬وفهمت السلم ‪،‬‬ ‫حتى دخلت السلم كلها ‪ ،‬وأصبحت جميعها أمة‬ ‫واحدة ‪ ،‬هي المة السلمية ‪ .‬ولذلك كان نجاح القيادة‬ ‫الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب والقوميات‬ ‫نجاحا ‪ w‬منقطع النظير ‪ ،‬مع أن وسيلة المواصلت في‬ ‫حملها هي الناقة والجمل ‪ ،‬ووسيلة نشرها اللسان‬ ‫والقلم ‪.‬‬ ‫أما الفتح فكان لزالة القوة بالقوة ‪ ،‬وكسر‬ ‫الحواجز المادية ‪ ،‬حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم‬ ‫إليه العقل ‪ ،‬أو تهديهم إليه الفطرة ‪ ،‬ولذلك دخل‬ ‫الناس في دين الله أفواجا ‪ .‬أما الفتح الجائر فانه يباعد‬ ‫بين الفاتح والمفتوح ‪ ،‬والغالب والمغلوب ‪ ،‬وما أمر‬ ‫استعمار الغرب للشرق عشرات من السنين دون أن‬ ‫يظفر بنائل ببعيد ‪ ،‬ولول أثر من الثقافة المظللة‬ ‫سيمحى ‪ ،‬وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل ‪،‬‬ ‫لكان العود إلى حظيرة السلم في مبدأه ونظامه‬ ‫أقرب مـن رد الطرف ‪ . . .‬ونعود فنقول ‪ :‬لقد كان‬ ‫نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب‬ ‫نجاحا ‪ w‬منقطع النظير ‪ ،‬وظلت هذه الشعوب مسلمة‬ ‫حتى اليوم ‪ ،‬بالرغم من طوارئ الستعمار وخبثه‬ ‫ومكره في إفساد العقائد وتسميم الفكار ‪ ،‬وستظل‬ ‫حتى تقوم الساعة ‪ ،‬أمة واحدة إسلمية ‪ .‬ولم يحصل‬ ‫‪51‬‬


‫مطلقا ‪ w‬أن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت السلم‬ ‫أرتد عـن السلم ‪.‬‬ ‫أما مسلموا الندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم‬ ‫التفتيش ‪ ،‬وبيوت النيران ‪ ،‬ومقاصل الجلدين ‪،‬‬ ‫ومسلموا بخارى والقفقاص والتركستان فقد أصابتهم‬ ‫قارعة الذين سبقوهم ‪ .‬وإسلم هذه الشعوب‬ ‫وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها على عقيدتها‬ ‫يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية ‪ ،‬ومبلغ نجاح‬ ‫الدولة السلمية في تطبيق نظام السلم ‪.‬‬ ‫أما المر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة ‪،‬‬ ‫فهو أن المة السلمية ظلت أعلى أمة في العالم‬ ‫حضارة ومدنية وثقافة وعلما ‪ ، w‬وظلت الدولة السلمية‬ ‫أعظم الدول في العالم وأقدرها مدة أثني عشر قرنا ‪: w‬‬ ‫من القرن السادس الميلدي حتى منتصف القرن‬ ‫الثامن عشر الميلدي ‪ ،‬وكانت وحدها زهرة الدنيا ‪،‬‬ ‫والشمس المشرقة بين المم طوال هذه المدة ‪ ،‬مما‬ ‫يؤكد نجاح هذه القيادة ‪ ،‬ونجاح السلم في تطبيق‬ ‫نظامه وعقيدته على الناس ‪ .‬وحينما تخلت الدولة‬ ‫السلمية والمة السلمية عن حمل القيادة الفكرية‬ ‫حين أهملت الدعوة إلى السلم ‪ ،‬وقصرت في فهم‬ ‫السلم وتطبيقه ‪ ،‬انتكست بين المم ‪.‬‬ ‫ولهذا نقول أن القيادة الفكرية السلمية هي‬ ‫وحدها الصالحة ‪ ،‬وهي وحدها التي يجب أن تحمل‬ ‫للعالم ‪ .‬وإذا تحققت الدولة السلمية التي تحمل هذه‬ ‫القيادة فسيكون نجاح هذه القيادة اليوم كما كان‬ ‫بالمس ‪.‬‬ ‫قلنا أن السلم يوافق فطرة النسان فيما أنبثق‬ ‫عنه من نظم ‪ ،‬ولهذا ل يعتبر النسان كائنا ‪ w‬صناعيا ‪w‬‬ ‫يعيش على المسطرة ‪ ،‬ويطبق النظام بل تفاوت‬ ‫بالقياس الهندسي الدقيق ‪ ،‬بل يعتبر النسان كائنا ‪w‬‬ ‫‪52‬‬


‫اجتماعيا ‪ w‬يطبق النظام ككائن اجتماعي تتفاوت فيه‬ ‫القوى والخاصيات ‪ ،‬فمن الطبيعي من جهة أن يقارب‬ ‫بين الناس ول يساوى ‪ ،‬مع ضمان الطمأنينة للجميع ‪،‬‬ ‫ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث الن‬ ‫أن يشذ على هذا العتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد‬ ‫فيخالفونه ‪ ،‬وأن ل يستجيب لهذا النظام أفراد ‪ ،‬وأن‬ ‫يتولى عن هذا النظام أفراد ‪ ،‬ولذلك كان ل غنى عن‬ ‫أن يكون في المجتمع فساق وفجار ‪ ،‬وأن يكون فيه‬ ‫كفار ومنافقون ‪ ،‬وأن يكون فيه مرتدون وملحدون ‪،‬‬ ‫ولكن العبرة بالمجتمع بمجموعه من حيث كونه أفكارا ‪w‬‬ ‫ومشاعر وأنظمة وناسا ‪ ، w‬فيعتبر مجتمعا ‪ w‬إسلميا يطبق‬ ‫السلم ‪ ،‬حين تبدو فيه هذه الشياء إسلمية ‪.‬‬ ‫والدليل على ذلك أنه ل يمكن لحد أن يطبق‬ ‫نظاما ‪ w‬كـما طبق محمد رسول الله ‪ ،‬نظام السلم ‪،‬‬ ‫ومع ذلك فقد وجد في أيامه كفار ومنافقون ووجد‬ ‫فساق و فجار ‪ ،‬ووجد مرتدون وملحدون ‪ ،‬ولكن ل‬ ‫يستطيع أحد إل أن يقول جازما ‪ : w‬أن السلم كان‬ ‫مطبقا ‪ w‬تطبيقا ‪ w‬كامل ‪ ، w‬وان المجتمع كان إسلميا ‪ .‬ولكن‬ ‫هذا التطبيق كان على النسان الذي هو كائن اجتماعي‬ ‫‪ ،‬وليس كائنا ‪ w‬صناعيا ‪. w‬‬ ‫ولقد ظل السلم يطبق وحده على المة السلمية‬ ‫بكاملها – عـربا ‪ w‬وغير عرب – منذ أن استقر عليه‬ ‫الصلة والسلم في المدينة ‪ ،‬إلى أن احتل الستعمار‬ ‫بلد المسلمين ‪ ،‬فاستبدل به النظام الرأسمالي ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فالسلم طبق عمليا ‪ w‬منذ السنة الولى‬ ‫للهجرة حتى سنة ‪1336‬هجرية الموافق سنة‬ ‫‪1918‬ميلدية ‪ .‬ولم تطبق المة السلمية طوال هذه‬ ‫المدة أي نظام سوى السلم ‪.‬‬ ‫حتى أن المسلمين مع كونهم قد ترجموا للعربية‬ ‫الفلسفة والعلوم والثقافات الجنبية المختلفة ‪ ،‬لكنهم‬ ‫‪53‬‬


‫لم يترجموا أي تشريع أو قانون أو نظام لي أمة‬ ‫مطلقا ‪ ، w‬ل للعمل به ‪ ،‬ول لدراسته ‪ .‬إل أن السلم‬ ‫بوصفه نظاما ‪ w‬كان يحسن الناس تطبيقه أو يسيئون هذا‬ ‫التطبيق ‪ ،‬تبعا ‪ w‬لقوة الدولة وضعفها ‪ ،‬وتبعا ‪ w‬لدقة فهمها‬ ‫أو مزايلتها للفهم ‪ ،‬وتبعا ‪ w‬لقوة حمل القيادة الفكرية أو‬ ‫التراخي فيه ‪ ،‬ولذلك كانت إساءة تطبيق السلم في‬ ‫بعض العصور تجعل المجتمع السلمي منحدرا ‪ w‬بعد‬ ‫النحدار ‪ ،‬ول يخلو منه أي نظام ‪ ،‬لنه يعتمد في‬ ‫تطبيقه على البشر ‪ ،‬ولكن إساءة التطبيق ل تعني أن‬ ‫السلم لم يطبق ‪ ،‬بل المقطوع فيه أن السلم طبق ‪،‬‬ ‫ولم يطبق غيره من المبادئ والنظم ‪ ،‬إذ أن العبرة في‬ ‫التطبيق للقوانين والنظمة التي تأمر الدولة بالعمل بها‬ ‫‪ ،‬ولم تأخذ الدولة السلمية أي شيء من ذلك من غير‬ ‫السلم ‪ ،‬وكل الذي حصل هو إساءة تطبيق لبعض‬ ‫نظمه من قبل بعض الحكام ‪ .‬على أن الشيء الذي‬ ‫ينبغي أن يكون واضحا ‪ w‬أنه يجب علينا حين نستعرض‬ ‫تطبيق السلم من التاريخ أن نلحظ شيئين اثنين ‪:‬‬ ‫أما أولهما فيجب إل نأخذ هذا التاريخ عن أعداء‬ ‫السلم المبغضين له ‪ ،‬وأن نأخذه بالتحقيق الدقيق من‬ ‫المسلمين أنفسهم ‪ ،‬حتى ل نأخذ الصورة المشوهة ‪.‬‬ ‫والشيء الثاني هو أنه ل يجوز أن نستعمل القياس‬ ‫الشمولي على المجتمع في تاريخ الفراد ‪ ،‬ول في‬ ‫تاريخ ناحـية من المجتمع ‪ ،‬فمن الخطأ أن نأخذ العصر‬ ‫الموي من تاريخ يزيد مثل ‪ ، w‬وأن نأخذ تاريخ العصر‬ ‫العباسي من بعض حوادث خلفائه ‪ ،‬كذلك ل يجوز أن‬ ‫نحكم على المجتمع في العصر العباسي من قراءة‬ ‫كتاب الغاني الذي ألف لخبار المجان والشعراء‬ ‫والدباء ‪ ،‬أو من قراءة كتب التصوف وما شاكلها ‪،‬‬ ‫فنحكم على العصر بأنه عصر فسق وفجور ‪ ،‬أو عصر‬ ‫زهـد وانعزال ‪ ،‬بل يجب أن نأخذ المجتمع بأكمله ‪.‬‬ ‫‪54‬‬


‫على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع السلمي في أي‬ ‫عصر ‪ ،‬وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام وبعض‬ ‫المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثـقات ‪ ،‬وكلهم‬ ‫أما قادح أو مادح ‪ ،‬ول يقبل لواحد منهما قول ‪.‬‬ ‫وحين ندرس المجتمع السلمي على هذا‬ ‫الساس ‪ ،‬أي ندرسه مـن جميع نواحيه ‪ ،‬وبالتحقيق‬ ‫الدقيق ‪ ،‬نجده خير المجتمعات ‪ ،‬لنه هكذا كان في‬ ‫القرن الول والثاني والثالث ‪ ،‬ثم سائر القرون حتى‬ ‫منتصف القرن الثاني عشر الهجري ‪ ،‬ونجده طبق‬ ‫السلم في جميع عصوره ‪ ،‬حتى أواخر الدولة العثمانية‬ ‫بوصفها دولة إسلمية ‪ .‬على أن الذي يجب أن يلحظ‬ ‫أن التاريخ ل يجوز أن يكون مصدرا ‪ w‬للنظام والفقه ‪ ،‬بل‬ ‫النظام يؤخذ من مصادره الفقهية ل من التاريخ ‪ ،‬لن‬ ‫التاريخ ليس مصدرا ‪ w‬له ‪ ،‬فحين نريد أن نفهم النظام‬ ‫الشيوعي ل نأخـذه من تاريخ روسيا ‪ ،‬بل نأخذه من‬ ‫كتب المبدأ الشيوعي نفسه ‪ ،‬وحين نريد أن نعرف‬ ‫الفقه النجليزي ل نأخذه من تاريخ إنجلترا بل نأخذه‬ ‫من الفقه النجليزي ‪ ،‬وهذا ينطبق على أي نظام أو‬ ‫قانون ‪.‬‬ ‫والسلم مبدأ له عقيدة ونظام ‪ ،‬فحين نريد‬ ‫معرفته وأخذه ل يجوز أن نجعل التاريخ مصدرا ‪ w‬له‬ ‫مطلقا ‪ ، w‬ل من حيث معرفته ول من حيث استنباط‬ ‫أحكامه ‪.‬‬ ‫أما من حيث مصدر معرفته فهو كتب الفقه‬ ‫السلمي ‪ ،‬وأما من حيث مصدر استنباط أحكامه فهو‬ ‫أدلتها التفصيلية ‪ .‬ولذلك ل يصح أن يكون التاريخ‬ ‫مصدرا ‪ w‬للنظام السلمي ‪ ،‬ل من حيث معرفته ‪ ،‬ول من‬ ‫حيث الستدلل به ‪ ،‬وعليه فل يصح أن يكون تاريخ‬ ‫عمر بن الخطاب ‪ ،‬أو عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬أو هـارون‬ ‫الرشيد ‪ ،‬أو غيرهم مرجعا ‪ w‬للحكام الشرعية ‪ ،‬ل في‬ ‫‪55‬‬


‫الحوادث التاريخية التي رويت عنهم ‪ ،‬ول في الكتب‬ ‫التي ألفت في تاريخهم ‪ .‬وإذا أتبع رأي لعمر في حادثة‬ ‫فإنما يتبع باعتباره حكما ‪ w‬شرعيا ‪ w‬استنبطه عمر وطبقه ‪،‬‬ ‫كما يتبع الحكم الذي استنبطه أبو حنيفة والشافعي‬ ‫وجعفر وأمثالهم ‪ ،‬ول يتبع باعتباره حادثة تاريخية ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فل وجود للتاريخ في أخذ النظام ‪ ،‬ول في‬ ‫معرفته ‪ .‬على أن معرفة كون النـظام كان مطبقا ‪ w‬أم ل‬ ‫‪ ،‬ل تؤخذ كذلك من التاريخ ‪ ،‬بل تؤخذ من الفقه ‪ ،‬لن‬ ‫أي عصر من العصور كانت له مشاكل ‪ ،‬وكان يعالج‬ ‫هذه المشاكل بنظام ‪ ،‬فحتى نعرف ما هو النظام الذي‬ ‫كانت تعالج به المشاكل ل نرجع إلى حوادث التاريخ ‪،‬‬ ‫لنه إنما ينقل الخبار نقل ‪ ، w‬بل يجب أن نرجع إلى‬ ‫النظام الذي كان يطبق ‪ ،‬أي إلى الفقه السلمي ‪.‬‬ ‫وبالرجوع إليه ل نجد فيه أي نظام أخذه المسلمون من‬ ‫غيرهم ‪ ،‬ول أي نظام اختاره المسلمون من عند‬ ‫أنفسهم ‪ ،‬بل نجده كله أحكاما ‪ w‬شرعية مستنبطة من‬ ‫الدلة الشرعية ‪ .‬وأن المسلمين كان حرصهم شديدا ‪w‬‬ ‫على تنقية الفقه من القوال الضعيفة ‪ ،‬أي من‬ ‫الستنباطات الضعيفة ‪ ،‬حتى نهوا عن العمل بالقول‬ ‫الضعيف ولو كان لمجتهد مطلق ‪.‬‬ ‫ولذلك ل يوجد نص واحـد تشريعي غير الفقه‬ ‫السلمي في العالم السلمي كله ‪ ،‬بل الموجود هو‬ ‫الفقه السلمي فحسب ‪ ،‬ووجود نص فقهي وحده في‬ ‫أمة دون أن يوجد معه نص آخر يدل على أن المة لم‬ ‫تكن تستعمل في تشريعها غير هذا النص ‪.‬‬ ‫والتاريخ إذا جاز أن يلتفت إليه فإنما يلتفت إليه‬ ‫لستعراض كيفية التطبيق ‪ .‬ويمكن أن يذكر التاريخ‬ ‫الحوادث السياسية ‪ ،‬فترى فيها كيفية التطبيق ‪ .‬إل أن‬ ‫هذا أيضا ‪ w‬ل يجوز أن نأخذه إل بالتحقيق الدقيق من‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وللتاريخ ثلثة مصادر ‪ :‬أحدها الكتب‬ ‫‪56‬‬


‫التاريخية ‪ ،‬والثاني الثار ‪ ،‬والثالث الرواية ‪ .‬أما الكتب‬ ‫فل يجوز أن تتخذ مصدرا ‪ w‬مطلقا ‪ w‬وذلك لنها خضعت في‬ ‫جميع العصور للظروف السياسية ‪ ،‬وكانت تحشى‬ ‫بالكذب ‪ ،‬إما بجانب الذي كتب في أيامه ‪ ،‬وإما ضد‬ ‫الذين كتبت عنهم في أيام غيرهم ‪ ،‬وأقرب دليل على‬ ‫ذلك تاريخ السرة العلوية في مصر ‪ ،‬فإنها قبل ‪1952‬‬ ‫كانت لها صورة مشرقة وبعد ‪ 1952‬تغير هذا التاريخ‬ ‫إلى صورة قاتمة عكس ما كانت عليه ‪ .‬ومثل ذلك‬ ‫تاريخ الحوادث السياسية في عصرنا هذا ‪ ،‬وفيـما‬ ‫قبله ‪ .‬ولذلك ل يجوز أن نتخذ الكتب التاريخية مصدرا ‪w‬‬ ‫للتاريخ ‪ ،‬حتى ولو كانت مذكرات شخصية كتبها‬ ‫أصحابها ‪.‬‬ ‫أما من حيث الثار فإنها إذا درست بنزاهة تعطي‬ ‫حقيقة تاريخية عن الشيء ‪ ،‬وهذه وان كانت ل تشكل‬ ‫تسلسل ‪ w‬تاريخيا ‪ ، w‬ولكنها تدل على ثبوت بعض الحوادث‬ ‫‪ .‬ومن تتبع آثار المسلمين في بلدهم سواء أكان في‬ ‫بنائهم ‪ ،‬أو أدواتهم ‪ ،‬أو أي شيء يعتبر أثرا ‪ w‬تاريخيا ‪، w‬‬ ‫يدل دللة قطعية على أنه لم يكن موجودا ‪ w‬في العالم‬ ‫السلمي كله إل السلم ‪ ،‬وإل نظام السلم ‪ ،‬وإل‬ ‫أحكام السلم ‪ ،‬وكان عيش المسلمين وحياتهم‬ ‫وتصرفاتهم كلها إسلمية ليس غير ‪.‬‬ ‫أما المصدر الثالث وهو الرواية فهو من المصادر‬ ‫الصحيحة التي يعتمد عليها إذا صحت الرواية ‪ ،‬ويتبع‬ ‫فيه الطريق الذي سلك في رواية الحديث ‪ .‬وعلى هذا‬ ‫السـلوب يكتب التاريخ ‪ .‬ولذلك تجد المسلمين حين‬ ‫بدأوا يؤلفون ساروا على طريقة الرواية ‪ .‬ولهذا نجد‬ ‫كتب التاريخ القديمة كتاريخ الطبري ‪ ،‬وسيرة أبـن‬ ‫هشام ‪ ،‬ونحوهما ‪ ،‬ألفت على هذا السلوب ‪ .‬وعلى‬ ‫هذا فالمسلمون ل يجوز لهم أن يعلموا أبنائهم تاريخهم‬ ‫من الكتب التي ألفت ومصادرها كتب مثلها ‪ ،‬كما ل‬ ‫‪57‬‬


‫يجوز أن يؤخذ استعراض تطبيق نظام السلم من هذا‬ ‫التاريخ ‪.‬ومن ذلك يتبين أن السلم طبق وحده على‬ ‫المة السلمية ‪ ،‬ولم يطبق غيره في جميع العصور ‪.‬‬ ‫غير أنه منذ انتهت الحرب العالمية الولى بانتصار‬ ‫الحلفاء وأعلن اللورد اللنبي قائد الحملة حين فتح بيت‬ ‫المقدس قائل ‪ : w‬الن انتهت الحروب الصليبية ‪ ،‬منذ ذلك‬ ‫الحين والكافر المستعمر يطبق علينا نظامه‬ ‫الرأسمالي في جميع شؤون الحياة ‪ ،‬حتى يجعل‬ ‫النتصار الذي أحرزه أبديا ‪ . w‬ولذلك ل بد من تغيير هذا‬ ‫النظام الفاسد البالي ‪ ،‬الذي بسببه يتمكن الستعمار‬ ‫ة‬ ‫من بلدنا ‪ ،‬ول بد من قلعه من جذوره بأكمله جمل ‪w‬‬ ‫وتفصيل ‪ w‬حتى نستطيع أن نستأنف حياة إسلمية ‪.‬‬ ‫وانه لمن سطحية التفكير أن نضع بدل نظامنا أي‬ ‫نظام ‪ ،‬ومن ضحالة الفكر أن نظن أن المة إذا طبقت‬ ‫النظام وحده دون عقيدة ينقذها ‪ ،‬بل ل بد أن تعتنق‬ ‫المة العقيدة أول ‪ ، w‬ثم تطبق النظام المنبثق عن هذه‬ ‫العقيدة ‪ ،‬وحينئذ يكون تطبيق النظام واعتناق العقيدة‬ ‫منقذا ‪ . w‬هذا بالنسبة للمة التي تتكون على مبدأ ‪،‬‬ ‫وتقوم دولتها على هذا الساس ‪ ،‬أما بالنسبة لغيرها‬ ‫من الشعوب والمم فل ضرورة لن تعتنق تلك‬ ‫الشعوب والمم المبدأ حتى يطبق عليها ‪ ،‬بل المة‬ ‫التي تعتنق المبدأ وتحمله ‪ ،‬تطبقه على أي شعب أو‬ ‫أمة ‪ ،‬ولو لم تعتنق المبدأ ‪ ،‬لنه ينهضها أيضا ‪ ، w‬ويجذبها‬ ‫لعتناقه ‪ ،‬وليس اعتناق المبدأ شرطا ‪ w‬فيمن يطبق عليه‬ ‫‪ ،‬بل اعتناق المبدأ شرط أساسي فيمن يطبقه ‪.‬‬ ‫ومن الخطر أن نأخذ القومية والنظام الشتراكي ‪،‬‬ ‫لنه ل يؤخذ منفصل ‪ w‬عن فكرته المادية ‪ ،‬لنه ل ينتج ول‬ ‫يؤثر ‪ ،‬ول يؤخذ متصل ‪ w‬بفكرته المادية ‪ ،‬لنها فكرة‬ ‫سلبية تتناقض مع فطرة النسان ‪ ،‬وتقتضي أن تترك‬ ‫المـة السلمية عقيدة السلم ‪ .‬ول يجوز أن نأخذ‬ ‫‪58‬‬


‫الشتراكية ونحتفظ بالناحية الروحية من السلم ‪ ،‬لننا‬ ‫ل نكون أخذنا ل السلم ول الشتراكية ‪ ،‬لتناقضهما ‪،‬‬ ‫ونقص المأخوذ منها ‪ ،‬ول يجوز أن نأخذ نظام السلم‬ ‫ونترك عقيدته المنبثقة عنها أنظمته ‪ ،‬لننا نكون أخذنا‬ ‫النظام جامدا ل روح فيه ‪ ،‬بل ل بد أن نأخذ السلم‬ ‫كامل ‪ w‬بعقيدته وأنظمته ‪ ،‬وأن نحمل قيادته الفكرية حين‬ ‫نحمل دعوته ‪.‬‬ ‫فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد ‪ ،‬وهو أن نستأنف‬ ‫حياة إسلمية ‪ .‬ول سبيل إلى استئناف حياة إسلمية إل‬ ‫بالدولة السلمية ‪ ،‬ول سبيل إلى ذلك إل إذا أخذنا‬ ‫السلم كامل ‪ : w‬أخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى ‪،‬‬ ‫وتتركز عليها وجهة النظر في الحياة ‪ ،‬وأنظمة تنبثق‬ ‫عن هذه العقيدة ‪ ،‬أساسها كتاب الله وسنة رسوله ‪،‬‬ ‫وثروتها الثقافية هي الثقافة السلمية بما فيها ‪ ،‬مـن‬ ‫فقه ‪ ،‬وحديث ‪ ،‬وتفسير‪ ،‬ولغة ‪ ،‬وغيرها ‪ ،‬ول سبيل إلى‬ ‫ذلك إل بحمل القيادة الفكرية السلمية حمل ‪ w‬كامل ‪w‬‬ ‫بالدعوة إلى السلم ‪ ،‬وبإيجاد السلم كامل ‪ w‬في كل‬ ‫مكان ‪ ،‬حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية إلى المة‬ ‫بمجموعها والى الـدولة السلمية ‪ ،‬قمنا بحمل القيادة‬ ‫الفكرية للعالم ‪.‬‬ ‫هذا هو السبيل الوحيد للنهضة ‪ :‬حمل القيادة‬ ‫الفكرية السلمية للمسلمين لستئناف الحياة‬ ‫السلمية ‪ ،‬ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة‬ ‫السلمية ‪.‬‬

‫‪59‬‬


‫كيفية حمل الدعوة السلمية‬ ‫لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة‬ ‫لتمسكهم بدينهم ‪ ،‬وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا‬ ‫التمسك وتساهلوا فيه ‪ ،‬وسمحوا للحضارة الجنبية أن‬ ‫تدخل ديارهم ‪ ،‬وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم ‪،‬‬ ‫يوم أن تخلوا عن القيادة الفكرية في السلم حين‬ ‫تقاعسوا عن دعوته ‪ ،‬وأساءوا تطبيق أحكامه ‪ .‬فل بد‬ ‫أن يستأنفوا حياة إسلمية حتى يتاح لهم النهوض ‪ ،‬ولن‬ ‫يستأنفوا هذه الحياة السلمية إل إذا حملوا الدعوة‬ ‫السلمية ‪ ،‬بحمل قيادة السلم الفكرية ‪ ،‬وأوجدوا‬ ‫بهذه الدعوة دولة إسلمية تحمل القيادة الفكرية بحمل‬ ‫دعوة السلم ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫ويجب أن يكون واضحا أن حمل القيادة الفكرية‬ ‫بحمل الدعوة السلمية لنهاض المسلمين ‪ ،‬إنما هو‬ ‫لن السلم وحده هو الذي يصلح للعالم ‪ .‬ولن النهضة‬ ‫الحقيقية ل تكون إل به ‪ ،‬سواء المسلمون أو غيرهم ‪.‬‬ ‫وعلى هذا الساس يجب أن تحمل دعوة السلم ‪.‬‬ ‫ويجب أن يحرص على حمل هذه الدعوة قيادة‬ ‫فكرية للعالم تنبثق عنها النظم ‪ ،‬وعلى هذه القيادة‬ ‫الفكرية تبنى جميع الفكار ‪ ،‬ومن هذه الفكار تنبثق‬ ‫كافة المفاهيم التي تؤثر في وجهة النظر في الحياة‬ ‫دون استثناء ‪.‬‬ ‫وتحمل الدعوة السلمية اليوم كما حملت من قبل‬ ‫‪ ،‬ويسار بها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم‬ ‫دون حيد قيد شعرة عـن تلك الطريقة في كلياتها‬ ‫وجزئياتها ‪ ،‬ودون أن يحسب لختلف العصور أي‬ ‫حساب ‪ ،‬لن الذي اختلف هو الوسائل والشكال ‪ ،‬وأما‬ ‫الجوهر والمعنى فهو هو لم يختلف ‪ ،‬ولن يختلف ‪،‬‬ ‫مهما تعاقبت العصور ‪ ،‬واختلفت الشعوب والقطار ‪.‬‬ ‫‪60‬‬


‫ولذلك فان حمل الدعوة السلمية يقتضي‬ ‫الصراحة والجرأة ‪ ،‬والقوة والفكر ‪ ،‬وتحدى كل ما‬ ‫يخالف الفكرة والطريقة ‪ ،‬ومجابهته لبيان زيفه ‪ ،‬بغض‬ ‫النظر عن النتائج ‪ ،‬وعن الوضاع ‪.‬‬ ‫ويقتضي حمل الدعوة السلمية أن تكون السيادة‬ ‫المطلقة للمبدأ السلمي ‪ ،‬بغض النظر عما إذا وافق‬ ‫جمهور الشعب أم خالفهم ‪ ،‬وتمشى مع عادات الناس‬ ‫أم ناقضها ‪ ،‬وقبل به الناس أم رفضوه وقاوموه ‪.‬‬ ‫فحامل الدعوة ل يتملق الشعب ول يداهنه ‪ ،‬ول يداجي‬ ‫من بيدهم المور ول يجاملهم ‪ .‬ول يعبأ بعادات الناس‬ ‫وتقاليدهم ‪ ،‬ول يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم له‬ ‫أي حساب ‪ ،‬بل يتمسك بالمبدأ وحده ‪ ،‬ويصرح بالمبدأ‬ ‫وحده ‪ ،‬دون أن يدخل في الحساب أي شيء سوى‬ ‫المبدأ ‪ .‬ول يقال لصحاب المبادئ الخرى تمسكوا‬ ‫بمبدئكم ‪ ،‬بل يدعون بل إكراه إلى المبدأ ليعتنقوه ‪،‬‬ ‫لن الدعوة تقتضي أن ل يكون غيره ‪ ،‬وأن تكون‬ ‫السيادة له وحده ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى‬ ‫ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره‬ ‫المشركون ( ‪.‬‬ ‫فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى العالم‬ ‫برسالته متحديا ‪ w‬سافرا ‪ w‬مؤمنا ‪ w‬بالحق الذي يدعو إليه ‪،‬‬ ‫يتحدى الدنيا بأكملها ‪ ،‬ويعلن الحرب على الحمر‬ ‫والسود من الناس ‪ ،‬دون أن يحسب أي حساب‬ ‫لعادات أو تقاليد ‪ ،‬أو أديان أو عقائد ‪ ،‬أو حكام أو‬ ‫سوقة ‪ ،‬ولم يلتفت إلى أي شيء سوى رسالة‬ ‫السلم ‪ ،‬فقد بادأ قريشا ‪ w‬بذكر آلهتهم وعابها ‪ ،‬وتحداهم‬ ‫في معتقداتهم وسفهها ‪ ،‬وهـو فرد أعزل ‪ ،‬ل عدة‬ ‫معه ‪ ،‬ول معين له ‪ ،‬ول سلح عنده سوى إيمانه‬ ‫العميق بالسلم الذي يدعو إليه ‪ .‬ولم يأبه بعادات‬ ‫‪61‬‬


‫العرب وتقاليدهم ‪ ،‬ول بأديانهم وعقائدهم ‪ ،‬ولم‬ ‫يجاملهم بها ‪ ،‬ولم يراعهم في شأنها ‪.‬‬ ‫وكذلك يكون حامل الدعوة السلمية سافرا ‪w‬‬ ‫متحديا ‪ w‬كل شيء ‪ :‬متحديا ‪ w‬العادات والتقاليد والفكار‬ ‫السقيمة والمفاهيم المغلوطة ‪ ،‬متحديا ‪ w‬حتى الرأي‬ ‫العام إذا كان خاطئا ‪ ، w‬ولو تصدى لكفاحه ‪ ،‬متحديا ‪w‬‬ ‫العقائد والديان ‪ ،‬ولو تعرض لتعصب أهلها ‪ ،‬ونقمة‬ ‫الجامدين عـلى ضللـها ‪.‬‬ ‫وحمل الدعوة السلمية يقتضي الحرص على‬ ‫تنفيـذ أحكام السلم تنفيذا ‪ w‬كامل ‪ ، w‬وعدم التساهل في‬ ‫أي شيء مهما قل ‪ ،‬وحامل الدعوة ل يقبل المهادنة‬ ‫ول التساهل ‪ ،‬ول يقبل التفريط ول التأجيل ‪ ،‬وإنما‬ ‫يأخذ المر كـامل ‪ ، w‬ويحسمه عاجل ‪ ، w‬ول يقبل في الحق‬ ‫شفيعا ‪ ، w‬فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل‬ ‫من وفد ثـقيف أن يدع لهم صنمهم اللت ثلث سنين ل‬ ‫يهدمه ‪ ،‬وأن يعفيهم من الصلة على أن يدخلوا في‬ ‫السلم ‪ ،‬ولم يقبل أن يدع اللت سنتين أو شهرا ‪ w‬كما‬ ‫طلبوا ‪ ،‬بل أبى ذلك كل الباء ‪ ،‬وكان إباءه حاسما ‪ w‬ل‬ ‫تردد فيه ول هوادة لن النسان إما أن يؤمن وإما أن ل‬ ‫يؤمن ‪ ،‬لن النتيجة إما الجنة أو النار ‪ ،‬ولكنه عليه‬ ‫السلم قبل أن ل يهدموا هم صنمهم اللت ‪ ،‬ووكل به‬ ‫أبا سفيان والمغيرة بن شعبة أن يهدماه ‪ .‬نعم لم يقبل‬ ‫إل العقيدة الكاملة ‪ ،‬والتنفيذ الذي تقتضيه ‪ ،‬أما‬ ‫الوسيلة والشكل فقد قبلهما ‪ ،‬لنهما ل يتصلن بحقيقة‬ ‫هذه العقيدة ‪ ،‬ولذلك ل بد للدعوة السلمية من حرص‬ ‫على بقاء كمال الفكرة ‪ ،‬ومن حرص على كمال‬ ‫تنفيذها ‪ ،‬دون أي تسامح في الفكرة أو الطريقة ‪ ،‬ول‬ ‫يضيرها أن تستعمل من الوسائل ما تشاء ‪.‬‬ ‫وحمل الدعوة السلمية يقضي أن يكون كل عمل‬ ‫من أعمالها من أجل غاية معينة ‪ ،‬ويقتضي بأن يظل‬ ‫‪62‬‬


‫حامل الدعوة دائما ‪ w‬يتصور هذه الغاية ‪ ،‬ويعمل دائما ‪w‬‬ ‫للوصول إليها ‪ ،‬ويدأب دأبا ‪ w‬ل راحة فيه لتحقيق الغاية ‪.‬‬ ‫ولذلك تجده ل يرضى بالفكر دون العمل ‪ ،‬ويعتبره‬ ‫فلسفة خيالية مخدرة ‪ ،‬ول يرضى بالفكر والعمل لغير‬ ‫غاية ‪ ،‬ويعتبره حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ‪ ،‬بل‬ ‫يصر على اقتران الفكر بالعمل ‪ ،‬وعلى جعل الفكر‬ ‫والعمل معا ‪ w‬مـن أجل غاية يحققها عمليا ‪ w‬ويبرزها‬ ‫للوجود ‪ .‬فالرسول عليه السلم حمل القيادة الفكرية‬ ‫في مكة ‪ ،‬حتى إذا وجد مجتمع مكة ل يحقق جعل‬ ‫السلم نظاما ‪ w‬للمجتمع يعمل به ‪ ،‬هيأ مجتمع المدينة ‪،‬‬ ‫ثم أوجد الدولة ‪ ،‬وطبق السلم ‪ ،‬وحمل رسالته ‪ ،‬وهيأ‬ ‫المة لتحمله من بعده ‪ ،‬وتسير في الطريق التي‬ ‫رسمها لها ‪ .‬ولذلك ل بد أن يكون حمل الدعوة‬ ‫السلمية في حال عدم وجود خليفة للمسلمين شامل ‪w‬‬ ‫الدعوة إلى السلم ‪ ،‬والى استئناف حياة إسلمية‬ ‫بالعمل ليجاد الدولة السلمية التي تطبق السلم ‪،‬‬ ‫وتحمل رسالته للعالم ‪ ،‬فتنقل من دعوة لستئناف‬ ‫حياة إسلمية في المة إلى حمل الدولة الدعوة إلى‬ ‫العالم ‪ ،‬ومن دعوة محلية في العالم السلمي إلى‬ ‫دعوة عالمية ‪.‬‬ ‫والدعوة إلى السلم ل بد أن يبرز فيها تصحيح‬ ‫العقائد ‪ ،‬وتقوية الصلة بالله ‪ ،‬وأن تبين للناس حل‬ ‫مشاكلهم ‪ ،‬حتى تكون هـذه الدعوة حية في جميع‬ ‫ميادين الحياة ‪ .‬فالرسول صلى الله عليه وسلم كان‬ ‫يتلو على الناس في مكة ‪ ) :‬تبت يدا أبى لهب (‬ ‫ويتلو عليهم في نفس الوقت ‪ ) :‬إنه لقول رسول‬ ‫كريم وما هو بقول شاعر ‪ ،‬قليل ‪ Z‬ما تؤمنون ( ويتلو‬ ‫عليهم في مكة ‪ ) :‬ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا‬ ‫على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم‬ ‫‪63‬‬


‫يخسرون ( ويتلو عليهم ‪ ) :‬إن الذين آمنوا وعملوا‬ ‫الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار ‪،‬‬ ‫ذلك الفوز الكبير ( ويتلو عليهم في المدينة ‪) :‬‬ ‫وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ( كمـــا يتلو عليهم ‪) :‬‬ ‫انفروا خفافا‪ Z‬وثقال ‪ Z‬وجاهدوا بأمـوالكم وأنفسكم‬ ‫في سبيل ا ( ويتلو عليهم ‪ ) :‬يا أيها الذين آمنوا‬ ‫إذا تداينتم بــدين إلى أجل مسمى فأكتبوه (‬ ‫ويتلو عليهم ‪ ) :‬كي ل يكون دولـة بين الغنياء‬ ‫منكم ( ويتلو ) ل يستوي أصحاب النار وأصحاب‬ ‫الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ( ولذلك ل بد أن‬ ‫تكون الدعوة السلمية حاملة للناس النظمة التي‬ ‫يعالجون بها مشاكل حياتهم ‪ ،‬لن سر نجاح الدعوة‬ ‫السلمية هو كونها حية تعالج النسان كله كانسان ‪،‬‬ ‫وتحدث فيه كله النقلب الشامل ‪.‬‬ ‫ول يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا‬ ‫بالمسئولية ‪ ،‬ويقوموا بالتبعات ‪ ،‬إل إذا غرسوا في‬ ‫نفوسهم النزوع إلى الكمال ‪ ،‬وكانوا ينقبون دائما عن‬ ‫الحقيقة ‪ ،‬ويقلبون دائما ‪ w‬في كل ما عرفوه ‪ ،‬حتى ينقوا‬ ‫منه كـل ما يعلق به من شيء غريب عنه ‪ ،‬ويبعدوا عنه‬ ‫كل ما يكون من قربه منه احتمال أن يلصق به ‪ ،‬حتى‬ ‫تظل الفكار التي يحملونها نقية صافية ‪ ،‬وصفاء‬ ‫الفكار ونقاؤها هو الضمان الوحيد للنجاح ‪ ،‬ولستمرار‬ ‫النجاح ‪.‬‬ ‫ثم على حملة هذه الدعوة أن يؤدوا واجبها كواجب‬ ‫كلفهم به الله ‪ ،‬وأن يقبلوا عليه متهللين مستبشرين‬ ‫برضا الله ‪ ،‬وان ل يبتغوا من عملهم جزاء ‪ ،‬ول ينتظروا‬ ‫من الناس شكرا ‪ ، w‬وأن ل يعرفوا إل طلب رضوان‬ ‫الله ‪.‬‬ ‫‪64‬‬


65


‫الحضارة السلمية‬ ‫هنالك فرق بين الحضارة والمدنية ‪ ،‬فالحضارة هي‬ ‫مجموع المفاهيم عن الحياة ‪ ،‬والمدنية هي الشكال‬ ‫المادية للشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون‬ ‫الحياة ‪ .‬وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في‬ ‫الحياة ‪ ،‬في حين تكون المدنية خاصة وعامة‬ ‫‪.‬فالشكال المدنية التي تنتج عن الحضارة كالتماثيل‬ ‫تكون خاصة ‪ ،‬والشكال المدنية التي تنتج عن العلم‬ ‫وتقدمه والصناعة ورقيها ‪ ،‬تكون عامة ‪ ،‬ول تختص بها‬ ‫أمة من المم ‪ ،‬بل تكون عالمية كالصناعة والعلم ‪.‬‬ ‫وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن‬ ‫يلحظ دائما ‪ ، w‬كما يلزم أن يلحظ التفريق بين الشكال‬ ‫المدنية الناجمة عن الحضارة ‪ ،‬وبين الشكال المدنية‬ ‫الناجمة عن العلم والصناعة ‪ .‬وذلك ليلحظ عند أخذ‬ ‫المدنية التفريق بين أشكالها ‪ ،‬والتفريق بينها وبين‬ ‫الحضارة ‪ .‬فالمدنية الغربية الناجمة عن العلم‬ ‫والصناعة ل يوجد ما يمنع من أخذها ‪ ،‬وأما المدنية‬ ‫الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فل يجوز أخذها‬ ‫بحال ‪ ،‬لنه ل يجوز أخذ الحضارة الغربية ‪ ،‬لتناقضها مع‬ ‫الحضارة السلمية ‪ ،‬في الساس الذي تقوم عليه ‪،‬‬ ‫وفي تصوير الحياة الدنيا ‪ ،‬وفي معنى السعادة للنسان‬ ‫‪.‬‬ ‫أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل‬ ‫الدين عن الحياة ‪ ،‬وإنكار أن للدين أثرا ‪ w‬في الحياة ‪،‬‬ ‫فنتج عن ذلك فكرة فصل الدين عن الدولة ‪ .‬لنها‬ ‫طبيعية عند من يفصل الدين عن الحياة ‪ ،‬وينكر وجود‬ ‫الدين في الحياة ‪ .‬وعلى هذا الساس قامت الحياة ‪،‬‬ ‫وقام نظام الحياة ‪ .‬أما تصوير الحياة فانه المنفعة ‪،‬‬ ‫لنها هي مقياس العمال ‪ ،‬ولـذلك كانت النفعية هي‬ ‫‪66‬‬


‫التي يقوم عليها النظام ‪ ،‬وتقوم عليها الحضارة ‪ ،‬ومن‬ ‫هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام ‪ ،‬وفي‬ ‫الحضارة ‪ ،‬لنها تصور الحياة بأنها منفعة ‪ .‬ولذلك كانت‬ ‫السعادة عندهم إعطاء النسان أكبر قسط من المتعة‬ ‫الجسدية وتوفير أسبابها له ‪ .‬ولهذا كـانت الحضارة‬ ‫الغربية حضارة نفعية بحتة ‪ ،‬ل تقيم لغير المنفعة أي‬ ‫وزن ‪ ،‬ول تعترف إل بالنفعية ‪ ،‬وتجعلها هـي المقياس‬ ‫للعمال ‪ .‬وأما الناحية الروحية فهي فردية ل شأن‬ ‫للجماعة بها ‪ ،‬وهي محصورة في الكنيسة ورجال‬ ‫الكنيسة ‪ .‬ولذلك ل توجد في الحضارة الغربية قيم‬ ‫أخلقية ‪ ،‬أو روحية ‪ ،‬أو إنسانية ‪ ،‬وإنما توجد قيم مادية‬ ‫ونفعية فقط ‪ .‬وعلى هذا الساس جعلت العمال‬ ‫النسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة ‪،‬‬ ‫كمؤسسة الصليب الحمر ‪ ،‬والرساليات التبشيرية ‪،‬‬ ‫وعزلت عن الحياة كل قيمة إل القيمة المادية وهي‬ ‫الربح ‪ .‬فكانت الحضارة الغربية هي هذه المجموعة‬ ‫من المفاهيم عن الحياة ‪.‬‬ ‫أما الحضارة السلمية فإنها تقوم على أساس هو‬ ‫النقيض من أساس الحضارة الغربية ‪ ،‬وتصويرها للحياة‬ ‫غير تصوير الحضارة الغربية لها ‪ ،‬ومفهوم السعادة فيها‬ ‫يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الختلف‬ ‫‪ .‬فالحضارة السلمية تقوم على أساس اليمان بالله ‪،‬‬ ‫وأنه جعل للكون والنسان والحياة نظاما ‪ w‬يسير بموجبه‬ ‫‪ ،‬وانه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم‬ ‫بالسلم دينا ‪ ، w‬أي أن الحضارة السلمية تقوم على‬ ‫أساس العقيدة السلمية ‪ ،‬وهي اليمان بالله وملئكته‬ ‫وكتبه ورسله وباليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما‬ ‫وشرهما من الله تعالى ‪ .‬فكانت العقيدة هي الساس‬ ‫للحضارة ‪ ،‬فهي قائمة على أساس روحي ‪.‬‬ ‫‪67‬‬


‫أما تصوير الحياة في الحضارة السلمية فانه‬ ‫يتمثل في فلسفة السلم التي انبثـقت عن العقيدة‬ ‫السلمية ‪ ،‬والتي تقوم عليها الحياة ‪ ،‬وأعمال النسان‬ ‫في الحياة ‪ ،‬هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح‬ ‫‪ ،‬أي جعل العمال مسيرة بأوامر الله ونواهيه ‪ ،‬هي‬ ‫الساس لتصوير الحياة ‪ .‬فالعمل النساني مادة ‪،‬‬ ‫وإدراك النسان صلته بالله حين القيام بالعمل من‬ ‫كون هذا العمل حلل ‪ w‬أو حراما ‪ w‬هو الروح ‪ .‬فحصل بذلك‬ ‫مزج المادة بالروح ‪ .‬وبناء على ذلك كان المسير‬ ‫لعمال المسلم هو أوامر الله ونواهيه ‪ .‬والغاية من‬ ‫تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه ‪ ،‬هي رضوان الله‬ ‫تعالى ‪ ،‬وليس النفعية مطلقا ‪ . w‬أما القصد من القيام‬ ‫بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين‬ ‫القيام بالعمل ‪ .‬وهذه القيمة تختلف باختلف العمال ‪.‬‬ ‫فقد تكون قيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ‪ ،‬فان‬ ‫تجارته عمل مادي ‪ ،‬ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله‬ ‫حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان الله ‪ .‬والقيمة‬ ‫التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح ‪ ،‬وهو‬ ‫قيمة مادية ‪.‬‬ ‫وقد تكون القيمة روحية ‪ ،‬كالصلة والزكاة والصوم‬ ‫والحج ‪ .‬وقد تكون القيمة أخلقية ‪ ،‬كالصدق والمانة‬ ‫والوفاء ‪ .‬وقد تكون القيمة إنسانية ‪ ،‬كإنقاذ الغريق‬ ‫وإغاثة الملهوف ‪ .‬وهـذه القيم يراعيها النسان حين‬ ‫القيام بالعمل حتى يحققها ‪ .‬إل أنها ليست المسيرة‬ ‫للعمال ‪ ،‬وليست المثل العلى الذي يهدف إليه ‪ ،‬بل‬ ‫هي القيمة من العمل وتختلف باختلف نوعه ‪.‬‬ ‫وأما السعادة فهي نيل رضوان الله ‪ ،‬وليست‬ ‫إشباع جوعات النسان ‪ ،‬لن إشباع جوعات النسان‬ ‫جميعها ‪ ،‬مـن جوعات الحاجات العضوية ‪ ،‬وجوعات‬ ‫الغرائز ‪ ،‬هو وسيلة لزمة للمحافظة على ذات النسان‬ ‫‪68‬‬


‫‪ ،‬ول يلزم من وجود السعادة ‪ .‬هذا هو تصوير الحياة ‪.‬‬ ‫وهذا هو الساس الذي يقوم عليه هذا التصوير ‪ .‬وهو‬ ‫الساس للحضارة السلمية ‪ .‬وإنها لتناقض الحضارة‬ ‫الغربية كل المناقضة ‪ ،‬كما أن الشكال المدنية الناجمة‬ ‫عنها تناقض الشكال المدنية الناجمة عن الحضارة‬ ‫الغربية ‪ .‬فمثل ‪ : w‬الصورة شكل مدني ‪ ،‬والحضارة‬ ‫الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها‬ ‫شكل ‪ w‬مدنيا ‪ ، w‬يتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة ‪.‬‬ ‫ولذلك يعتبرها الغربي قطعة فنية يعتز بها كشكل‬ ‫مدني ‪ ،‬وقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن ‪ ،‬ولكن‬ ‫هذا الشكل يتناقض مع حضارة السلم ‪ ،‬ويخالف‬ ‫مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان ‪،‬‬ ‫ولذلك يمنع هذا التصوير لنه يسبب إثارة غريزة النوع‬ ‫ويؤدي إلى فوضوية الخلق ‪ .‬ومثل ذلك أيضا ما إذا‬ ‫أراد المسلم أن يقيم بيتا ‪ w‬وهو شكل مدني ‪ ،‬فانه‬ ‫يراعي فيه عدم انكشاف المرأة في حال تبذلها لمن‬ ‫هو خارج البيت ‪ ،‬فيقيم حوله سورا ‪ ، w‬بخلف الغربي‬ ‫فانه ل يراعي ذلك حسب حضارته ‪ .‬وهكذا كافة ما‬ ‫ينتج من الشكال المدنية عن الحضارة الغربية‬ ‫كالتماثيل ونحوها ‪ .‬وكذلك الملبس ‪ ،‬فإنها إن كانت‬ ‫خاصة بالكفار باعتبارهم كفارا ‪ w‬لم يجز للمسلم أن‬ ‫يلبسها ‪ ،‬لنها تحمل وجهة نظر معينة ‪ ،‬وان لم تكن‬ ‫كذلك بأن تعارفوا على ملبس معينة ل باعتبار‬ ‫كفرهم ‪ ،‬بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد حينئذ من‬ ‫الشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها ‪.‬‬ ‫أما الشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة‬ ‫كأدوات المختبرات واللت الطبية والصناعية ‪ ،‬والثاث‬ ‫والطنافس وما شاكلها ‪ ،‬فإنها أشكال مدنية عالمية ل‬ ‫يراعى في أخذها أي شيء ‪ ،‬لنها ليست ناجمة عن‬ ‫الحضارة ‪ ،‬ول تتعلق بها ‪.‬‬ ‫‪69‬‬


‫ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في‬ ‫العالم اليوم ‪ ،‬ترينا أن الحضارة الغربية ل تستطيع أن‬ ‫تضمن للنسانية طمأنينتها ‪ ،‬بل إنها على العكس من‬ ‫ذلك سببت هذا الشقاء الذي يتقلب العالم على‬ ‫أشواكه ‪ ،‬ويصطلي بناره ‪ .‬والحضارة التي تجعل‬ ‫أساسها فصل الدين عن الحياة خلفا ‪ w‬لفطرة النسان ‪،‬‬ ‫ول تقيم للناحية الروحية وزنا ‪ w‬في الحياة العامة ‪،‬‬ ‫وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط ‪ ،‬وتجعل الصلة بين‬ ‫النسان والنسان في الحياة هي المنفعة ‪ ،‬هذه‬ ‫الحضارة ل تنتج إل شقاء وقلقا ‪ w‬دائمين ‪ ،‬فما دامت‬ ‫هذه المنفعة هي الساس ‪ ،‬فالتنازع عليها طبيعي ‪،‬‬ ‫والنضال في سبيلها طبيعي ‪ ،‬والعتماد على القوة في‬ ‫إقامة الصلت بين البشر طبيعي ‪ .‬ولذلك يكون‬ ‫الستعمار طبيعيا ‪ w‬عند أهل هذه الحضارة ‪ ،‬وتكون‬ ‫الخلق مزعزعة ‪ ،‬لن المنفعة وحدها ستظل هي‬ ‫أساس الحياة ‪ .‬ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من‬ ‫الحياة الخلق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية ‪،‬‬ ‫وأن تقوم الحياة على أساس التنافس والنضال‬ ‫والعتداء والستعمار ‪ .‬وما هو واقع في العالم اليوم‬ ‫من وجود أزمات روحية في نفوس البشر ‪ ،‬ومن قلق‬ ‫دائم وشر مستطير ‪ ،‬خير دليل على نتائج هذه‬ ‫الحضارة الغربية ‪ ،‬لنها هي التي تتحكم في العالم‬ ‫وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة‬ ‫على النسانية ‪.‬‬ ‫ونظرة إلى الحضارة السلمية التي تحكمت في‬ ‫العالم منذ القرن السادس الميلدي حتى أواخر القرن‬ ‫الثامن عشر الميلدي ‪ ،‬ترينا أنها لم تكن مستعمرة ‪،‬‬ ‫وليس من طبعها الستعمار ‪ ،‬لنها لم تفرق بين‬ ‫المسلمين وغيرهم ‪ ،‬فضمنت العدالة لجميع الشعوب‬ ‫التي دانت لها طوال مدة حكمها ‪ ،‬لنها حضارة تقوم‬ ‫‪70‬‬


‫على الساس الروحي الذي يحقق القيم جميعها ‪ :‬من‬ ‫مادية ‪ ،‬وروحية ‪ ،‬وأخلقية ‪ ،‬وإنسانية ‪ .‬وتجعل الوزن‬ ‫كله في الحياة للعقيدة ‪ .‬وتصور الحياة بأنها مسيرة‬ ‫بأوامر الله ونواهيه ‪ ،‬وتجعل معنى السعادة بأنها‬ ‫رضوان الله ‪ ،‬وحين تسود هذه الحضارة السلمية كما‬ ‫سادت من قبل ‪ ،‬فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم ‪،‬‬ ‫وتضمن الرفاهية للنسانية جمعاء ‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫نظام السلم‬ ‫السلم هو الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد‬ ‫صلى الله عليه وسلم بتنظيم علقة النسان بخالقه ‪،‬‬ ‫وبنفسه ‪ ،‬وبغيره من بني النسان ‪ .‬وعلقة النسان‬ ‫بخالقه تشمل العقائد والعبادات ‪ ،‬وعـلقته بنفسه‬ ‫تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات ‪ ،‬وعلقته‬ ‫بغيره من بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات ‪.‬‬ ‫فالسلم مبدأ لشؤون الحياة جميعا ‪ ، w‬وليس دينا ‪ w‬لهوتيا ‪w‬‬ ‫‪ ،‬ول يتصل بالكهنوتية بسبب ‪ .‬وانه ليقضي على‬ ‫الوتوقراطية الدينية ) الستبداد الديني ( فل يوجد في‬ ‫السلم جماعة تسمى رجال دين ‪ ،‬وجماعة تسمى‬ ‫رجال الدنيا ‪ ،‬بل جميع من يعتنقون السلم يسمون‬ ‫مسلمين ‪ ،‬وكلهم أمام الدين سواء ‪ .‬فل يوجد فيه‬ ‫رجال روحيون ‪ ،‬ورجال زمنيون ‪.‬والناحية الروحية فيه‬ ‫هي كون الشياء مخلوقة لخالق ‪ ،‬ومدبرة بأمر هذا‬ ‫الخالق ‪ .‬لن النظرة العميقة للكون والنسان والحياة ‪،‬‬ ‫ومـا حولها وما يتعلق بها ‪ ،‬والستدلل بذلك يري‬ ‫النسان النقص والعجز والحتياج المشاهد الملموس‬ ‫في هذه الشياء جميعها ‪ ،‬مما يدل دللة قطعية على‬ ‫أنها مخلوقة لخالق ‪ ،‬ومدبرة بأمره ‪ ،‬وأن النسان وهو‬ ‫سائر في الحياة ل بد له من نظام ينظم غرائزه‬ ‫وحاجاته العضوية ‪ .‬ول يتأتى هذا النظام من النسان‬ ‫‪.‬لعجزه وعدم إحاطته ‪ .‬ولن فهمه لهذا التنظيم عرضة‬ ‫للتفاوت والختلف والتناقض مما ينتج النظام‬ ‫المتناقض المؤدي إلى شقاء النسان ‪ .‬ولذلك كان‬ ‫حتما ‪ w‬أن يكون النظام من الله تعالى ‪ .‬ولهذا كان لزاما ‪w‬‬ ‫على النسان أن يسير أعماله بنظام من عند الله ‪ .‬إل‬ ‫أن هذا التسيير بالنظام إن كان بناء على منفعة هذا‬ ‫النظام ‪ ،‬ولم يكن بناء على أنه من الله ‪ ،‬ل تكون فيه‬ ‫‪72‬‬


‫ناحية روحية ‪ .‬بل ل بد أن يكون تنظيم النسان أعماله‬ ‫في الحياة بأوامر الله ونواهيه ‪ ،‬بناء على إدراكه صلته‬ ‫بالله ‪ ،‬حتى توجد الروح في العمال ‪ .‬أي ل بد من‬ ‫إدراك النسان صلته بالله ‪ ،‬وبناء على إدراكه لهذه‬ ‫الصلة بالله يسير أعماله بأوامر الله ونواهيه ‪ ،‬حتى‬ ‫توجد الروح عند القيام بالعمال ‪ ،‬إذ الروح هي إدراك‬ ‫النسان صلته بالله ‪ ،‬ومعنى مزجها مع المادة ‪ ،‬هو‬ ‫وجود الدراك للصلة بالله حين القيام بالعمل ‪ ،‬فيسير‬ ‫بأوامر الله ونواهيه بناء على إدراك هذه الصلة بالله ‪.‬‬ ‫فالعمل مادة ‪ ،‬وإدراك الصلة بالله حين القيام به هو‬ ‫الروح ‪ ،‬فصار تسيير العمل بأوامر الله ونواهيه بناء‬ ‫على إدراك الصلة هو مزج المادة بالروح ‪ .‬ومن هنا لم‬ ‫يكن تسيير غير المسلم أعماله بالحكام الشرعية‬ ‫المستنبطة من القرآن والسنة تسييرا ‪ w‬بالروح ‪ ،‬ول‬ ‫متحققا ‪ w‬فيه معني مزج المادة بالروح ‪ ،‬لنه لم يؤمن‬ ‫بالسلم ‪ ،‬فلم يدرك الصلة بالله ‪ ،‬بل أخذ الحكام‬ ‫الشرعية نظاما ‪ w‬أعجبه فنظم به أعماله ‪ ،‬بخلف‬ ‫المسلم فقد كان قيامه بأعماله وفق أوامر الله‬ ‫ونواهيه مبنيا ‪ w‬على إدراكه لصلته بالله وكانت غايته من‬ ‫تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه هي رضوان الله ‪ ،‬ل‬ ‫النتفاع بالنظام فقط ‪ .‬وعلى ذلك ل بد من وجود‬ ‫الناحية الروحية في الشياء ‪ ،‬و ل بد من الروح حين‬ ‫القيام بالعمال ‪ .‬على أن يكون واضحا ‪ w‬دائما ‪ w‬عند‬ ‫الجميع أن الناحية الروحية تعني كون الشياء مخلوقة‬ ‫لخالق خلقها ‪ ،‬أي هي صلة المخلوق بالخالق ‪ ،‬وان‬ ‫الروح هي إدراك هذه الصلة ‪ ،‬أي إدراك النسان صلته‬ ‫بالله تعالى ‪ .‬هذه هي الناحية الروحية ‪ ،‬وهذه هي‬ ‫الروح ‪ .‬وهذا وحده هو المفهوم الصحيح ‪ ،‬وما عداه‬ ‫مفهوم مغلوط قطعا ‪ . w‬والنظرة العميقة المستنيرة إلى‬ ‫‪73‬‬


‫الكون والحياة والنسان هي التي أدت إلى النتائج‬ ‫الصادقة ‪ ،‬وهي التي أدت إلى هذا المفهوم الصحيح ‪.‬‬ ‫وقد نظرت بعض الديان إلى أن الكون فيه‬ ‫المحسوس والمغيب ‪ ،‬والنسان فيه السمو الروحي‬ ‫والنزعة الجسدية ‪ ،‬والحياة فيها الناحية المادية‬ ‫والناحية الروحية ‪ ،‬وأن المحسوس يتعارض مع المغيب‬ ‫‪ ،‬وأن السمو الروحي ل يلتقي مـع النزعة الجسدية ‪،‬‬ ‫وأن المادة منفصـلة عن الروح ‪ .‬ولذلك فهاتان‬ ‫الناحيتان منفصلتان عندهم ‪ ،‬لن التعارض بينهما‬ ‫أساسي في طبيعتهما ‪ ،‬ول يمكن امتزاجهما ‪ ،‬وأن كل‬ ‫ترجيح لحداهما في الميزان فيه تخفيض لوزن‬ ‫الخرى ‪ .‬ولهذا كان على مريد الخرة أن يرجح الناحية‬ ‫الروحية ‪ .‬ومن هنا قامت في المسـيحية سلطتان ‪:‬‬ ‫السلطة الروحية ‪ ،‬والسلطة الزمنية )أعط ما لقيصر‬ ‫لقيصر وما لله لله ( وكان رجال السلطة الروحية هم‬ ‫رجال الدين وكهنته ‪ ،‬وكانوا يحاولون أن تكون السلطة‬ ‫الزمنية بأيديهم ‪ ،‬حتى يرجحوا عليها السلطة الروحية‬ ‫في الحياة ‪ ،‬ومن ثم نشأ النزاع بين السلطة الزمنية‬ ‫والسلطة الروحية ‪ .‬وأخيرا ‪ w‬تم جعل رجال الدين‬ ‫مستقلين بالسلطة الروحية ‪ ،‬ل يتدخلون بالسلطة‬ ‫الزمنية ‪ ،‬وقد فصل الدين عن الحياة لنه كهنوتي ‪،‬‬ ‫وهذا الفصل بين الدين والحياة ‪ ،‬هو عقيدة المبدأ‬ ‫الرأسمالي ‪ ،‬وهو أساس الحضارة الغربية ‪ ،‬وهو‬ ‫القيادة الفكرية التي يحملها الستعمار الغربي للعالم‬ ‫ويدعو لها ‪ ،‬ويجعلها عماد ثقافته ‪ ،‬ويزعزع على‬ ‫أساسها عقيدة المسلمين بالسلم ‪ ،‬لنه يقيس‬ ‫السلم بالمسيحية على طريقة القياس الشمولي ‪.‬‬ ‫فكل مـــن يحمل هذه الدعوة )) فصل الدين عن‬ ‫الحياة (( أو فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة ‪،‬‬ ‫إنما هو تابع وموجه بتوجيه القيادة الفكرية الجنبية ‪،‬‬ ‫‪74‬‬


‫وعامل – بحسن نية أو بسوئها – من عمـلء‬ ‫الستعمار ‪ .‬وهو جاهل بالسلم أو معاد له ‪.‬‬ ‫وأما السلم فيرى أن الشياء التي يدركها الحس‬ ‫هي أشياء مادية ‪ ،‬والناحية الروحية هي كونها مخلوقة‬ ‫لخالق ‪ ،‬والروح هي إدراك النسان صلته بالله ‪ ،‬وعلى‬ ‫ذلك ل توجد ناحية روحية منفصلة عن الناحية المادية ‪،‬‬ ‫ول توجد في النسان أشـواق روحـية ونزعـات جسدية‬ ‫‪ ،‬بل النسان فيه حـاجات عضوية ‪ ،‬وغرائز ‪ ،‬ل بد من‬ ‫إشباعها ‪ ،‬ومن الغرائز غريزة التدين التي هي الحتياج‬ ‫إلى الخالق المدبر الناشئ عن العجز الطبيعي في‬ ‫تكوين النسان ‪ .‬وإشباع هذه الغرائز ل يسمى ناحية‬ ‫روحية ول ناحية مادية ‪ ،‬وإنما هو إشباع فقط ‪ .‬إل أن‬ ‫هذه الحاجات العضوية والغرائز إذا أشبعت بنظام من‬ ‫عند الله بناء على إدراك الصلة بالله كانت مسيرة‬ ‫بالروح ‪ ،‬وان أشبعت بدون نظام ‪ ،‬أو بنظام من عند‬ ‫غير الله ‪ ،‬كان إشباعا ماديا ‪ w‬بحتا ‪ w‬يؤدي إلى شقاء‬ ‫النسان ‪ .‬فغريزة النوع إن أشبعت من غير نظام أو‬ ‫بنظام من عند غير الله كان ذلك مسببا ‪ w‬للشقاء ‪ ،‬وان‬ ‫أشبعت بنظام الزواج الذي من عند الله حسب أحكام‬ ‫السلم كان زواجا ‪ w‬موجدا ‪ w‬للطمأنينة ‪ .‬وغريزة التدين‬ ‫إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير الله‬ ‫بعبادة الوثان أو عبادة النسان ‪ ،‬كان ذلك إشراكا‬ ‫وكفرا ‪ ، w‬وان أشبعت بأحكام السلم كان ذلك عبادة ‪.‬‬ ‫ولهذا كان لزاما ‪ w‬أن تراعى الناحية الروحية في‬ ‫الشياء ‪ ،‬وأن تسير جميع العمال بأوامر الله ونواهيه ‪،‬‬ ‫بناء على إدراك النسان صلته بالله ‪ ،‬أي أن تسير‬ ‫بالروح ‪ ،‬ولذلك لم يكن في العمل الواحد شيئان‬ ‫اثنان ‪ ،‬بل الموجود شيء واحد هو العمل ‪ ،‬وأما وصفه‬ ‫بأنه مادي بحت ‪ ،‬أو مسير بالروح ‪ ،‬فانه ليس آتيا ‪ w‬من‬ ‫نفس العمل ‪ ،‬بل آت من تسييره بأحكام السلم ‪ ،‬أو‬ ‫‪75‬‬


‫عدم تسييره بها ‪ .‬فقتل المسلم عدوه في الحرب‬ ‫يعتبر جهادا ‪ w‬يثاب عليه ‪ ،‬لنه عمل ميسر بأحكام‬ ‫السلم ‪ ،‬وقتل المسلم نفسا ‪ w‬معصومة ) مسلمة أو‬ ‫غير مسلمة ( بغير حق يعتبر جريمة يعاقب عليها ‪ ،‬لنه‬ ‫عمل مخالف لوامر الله ونواهيه ‪ .‬وكل العملين شيء‬ ‫واحد هو القتل ‪ ،‬صادر عن النسان ‪ ،‬فالقتل يكون‬ ‫عبادة حين يسير بالروح ‪ ،‬ويكون جريمة حين ل يسير‬ ‫بالروح ‪ .‬ولذلك كان لزاما ‪ w‬على المسلم أن يسير‬ ‫أعماله بالروح ‪ ،‬وكان مزج المادة بالروح ليس أمرا ‪w‬‬ ‫ممكنا ‪ w‬فحسب بل هو أمر واجب ‪ .‬ول يجوز أن تفصل‬ ‫المادة عن الروح ‪ ،‬أي ل يجوز أن يفصل أي عمل عن‬ ‫تسييره بأوامر الله ونواهيه بناء على إدراك الصلة بالله‬ ‫‪ .‬ولهذا يجب أن يقضى على كل ما يمثل الناحية‬ ‫الروحية منفصلة عن الناحية المادية ‪ .‬فل رجال دين‬ ‫في السلم ‪ ،‬وليس فيه سلطة دينية بالمعنى الكهنوتي‬ ‫‪ ،‬ول سلطة زمنية منفصلة عن الدين ‪ ،‬بل السلم دين‬ ‫منه الدولة ‪ ،‬وهي أحكام شرعية كأحكام الصلة ‪ ،‬وهي‬ ‫طريقة لتنفيذ أحكام السلم وحمل دعوته ‪ .‬ويجب أن‬ ‫يلغى كل ما يشعر بتخصيص الدين بالمعنى الروحي‬ ‫وعزله عن السياسة والحكم ‪ ،‬فتلغى المؤسسات التي‬ ‫تشرف على النواحي الروحية ‪ ،‬فتلغى إدارة المساجد‬ ‫وتكون إدارتها تابعة لدارة المعارف ‪ ،‬وتلغى المحاكم‬ ‫الشرعية والمحاكم النظامية ‪ ،‬ويجعل القضاء واحدا ‪ w‬ل‬ ‫يحكم إل بالسلم ‪ ،‬فسلطان السلم سلطان واحد ‪.‬‬ ‫والسلم عقيدة ونظم ‪ ،‬أما العقيدة فهي اليمان‬ ‫بالله وملئكته وكتبه ورسله ‪ ،‬وباليوم الخر ‪ ،‬وبالقضاء‬ ‫والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى ‪ .‬وقد بنى‬ ‫السلم العقيدة على العقل فيما يدركه العقل ‪،‬‬ ‫كاليمان بالله ‪ ،‬وبنبوة محمد عليه السلم ‪ ،‬وبالقرآن‬ ‫الكريم ‪ ،‬وبناها في المغيبات ‪ ،‬أي ما ل يمكن للعقل أن‬ ‫‪76‬‬


‫يدركه كيوم القيامة والملئكة والجنة والنار على‬ ‫التسليم على أن يكون مصدرها ثابتا ‪ w‬بالعقل وهو‬ ‫القرآن الكريم والحديث المتواتر ‪ .‬وقد جعل السلم‬ ‫العقل مناط التكليف ‪.‬‬ ‫أما النظم فهي الحكام الشرعية التي تنظم شؤون‬ ‫الحياة ‪ ،‬وقد تناول نظام السلم جميع هذه الشؤون ‪،‬‬ ‫ولكنه تناولها بشكل عام ‪ ،‬بمعان عامة ‪ ،‬وترك‬ ‫التفصيلت تستنبط من هذه المعاني العامة حين إجراء‬ ‫التطبيقات ‪ .‬فقد جاء القرآن الكريم والحديث الشريف‬ ‫يتضمنان خطوطا ‪ w‬عريضة ‪ ،‬أي معاني عامة لمعالجة‬ ‫شؤون النسان من حيث هو إنسان ‪ ،‬وترك للمجتهدين‬ ‫أن يستنبطوا من هذه المعاني العامة الحكام الجزئية ‪،‬‬ ‫للمشاكل التي تحدث على مر العصور واختلف المكنة‬ ‫‪.‬‬ ‫وللسلم طريقة واحدة في معالجة المشاكل ‪ ،‬فهو‬ ‫يدعو المجتهد لن يدرس المشكلة الحادثة حتى يفهمها‬ ‫‪ ،‬ثم يدرس النصوص الشرعية المتعلقة بهذه‬ ‫المشكلة ‪ ،‬ثم يستنبط حل هذه المشكلة ‪ ،‬من‬ ‫النصوص ‪ ،‬أي يستنبط الحكم الشرعي لهذه المسألة‬ ‫‪w‬‬ ‫من الدلة الشرعية ‪ ،‬ول يسلك طريقة غيرها ‪ ،‬مطلقا ‪.‬‬ ‫على أنه حين يدرس هذه المشكلة ‪ ،‬يدرسها باعتبارها‬ ‫مشكلة إنسانية ليس غير ‪ ،‬ل باعتبارها مشكلة‬ ‫اقتصادية أو اجتماعية أو مشكلة حكم أو غير ذلك ‪ ،‬بل‬ ‫باعتبارها مسألة تحتاج إلى حكم شرعي ‪ ،‬حتى يعرف‬ ‫حكم الله فيها ‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫)) الحكم الشرعي ((‬ ‫هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ‪ ،‬وهو إما‬ ‫أن يكون قطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث‬ ‫المتواتر ‪ ،‬أو ظني الثبوت كالحديث غير التواتر ‪ :‬فان‬ ‫كان قطعي الثبوت ينظر ‪ ،‬فان كان قطعي الدللة‬ ‫يكون الحكم الذي تضمنه قطعيا ‪ w‬كركعات الفرائض كلها‬ ‫‪ ،‬فإنها وردت في الحديث المتواتر ‪ ،‬وكتحريم الربا‬ ‫وقطع يد السارق وجلد الزاني ‪ ،‬فإنها أحكام قطعية ‪،‬‬ ‫والصواب فيها متعين ‪ ،‬وليس فيها إل رأي واحد قطعي‬ ‫‪.‬‬ ‫وان كان خطاب الشارع قطعي الثبوت ظني‬ ‫الدللة فان الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية ‪،‬‬ ‫فإنها قطعية الثبوت ‪ ،‬ولكنها ظنية الدللة في‬ ‫التفصيل ‪ ،‬فالحنفية يشترطون أن تسمى جزية ‪ ،‬وأن‬ ‫يظهر الذل على معطيها حين إعطائها ‪ .‬والشافعية ل‬ ‫يشترطون تسميتها جزية ‪ ،‬بل يصح أن تؤخذ باسم‬ ‫زكـاة مضاعفة ‪ ،‬ول ضرورة لظهار الذل ‪ ،‬بل يكفي‬ ‫الخضوع لحكام السلم ‪.‬‬ ‫أما إن كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث‬ ‫غير المتواتر ‪ ،‬فيكون الحكم الذي تضمنه ظنيا ‪ ، w‬سواء‬ ‫أكان قطعي الدللة كصيام ستة أيام من شوال فإنها‬ ‫ثبتت بالسنة ‪ ،‬أو ظني الدللة كمنع إجارة الرض فانه‬ ‫ثبت بالسنة ‪.‬‬ ‫وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد‬ ‫صحيح ‪ ،‬ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر‬ ‫الحكم الشرعي ‪ ،‬وعلى ذلك فحكم الله في حق كل‬ ‫مجتهد هو ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه ‪.‬‬ ‫فالمكلف إذا حصلت له أهلية الجتهاد بتمامها في‬ ‫مسألة من المسائل فان اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى‬ ‫‪78‬‬


‫حكم فيها ‪ ،‬فقد اتفق الكل على انه ل يجوز له تقليد‬ ‫غيره من المجتهدين ‪ ،‬في خلف ما أوجبه ظنه ‪ ،‬ول‬ ‫يجوز له ترك ظنه إل إذا تبنى الخليفة حكما ‪ w‬شرعيا ‪، w‬‬ ‫فانه يجب عليه حينئذ العمل بما أمر به الخليفة ‪ ،‬لن‬ ‫ما أدي إليه اجتهاده وغلب على ظنه هو حكم الله في‬ ‫المسألة وهو حكم شرعي ‪ ،‬ولن أمر المام يرفع‬ ‫الخلف ‪ .‬أما إذا لم يجتهد من له أهلية الجتهاد فانه‬ ‫يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ‪ ،‬لن إجماع‬ ‫الصحابة منعقد على انه يجوز للمجتهد أن يترك‬ ‫اجتهاده ويقلد غيره من المجتهدين ‪.‬‬ ‫وأما من ليس له أهلية الجتهاد فهو المقلد ‪ ،‬وهو‬ ‫قسمان متبع وعامي ‪ ،‬فالمتبع هو الذي لم يكن محصل ‪w‬‬ ‫لبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد ‪ ،‬فانه يقلد المجتهد‬ ‫بعد أن يعرف دليله ‪ ،‬وحينئذ يكون حكم الله في حق‬ ‫هـذا المتبع هو قول المجتهد الذي اتبعه ‪ .‬وأما العامي‬ ‫فهو الذي لم يكن محصل ‪ w‬لبعض العلوم المعتبرة في‬ ‫الجتهاد فانه يقلد المجتهد دون أن يعرف دليله ‪ .‬وهذا‬ ‫العامي يلزمه تقليد قول المجتهدين والخذ بالحكام‬ ‫التي استنبطوها ‪ ،‬ويكون الحكم الشرعي في حقه هو‬ ‫الذي استنبطه المجتهد الذي قلده ‪ .‬وعلى ذلك فالحكم‬ ‫الشرعي هـو الذي استنبطه مجتهد له أهلية الجتهاد ‪،‬‬ ‫وهو في حقه حكم الله ل يجوز له أن يخالفه ويتبع‬ ‫غيره مطلقا ‪ ، w‬وكذلك هو في حق من قلده حكم الله ل‬ ‫يجوز له أن يخالفه ‪.‬‬ ‫والمقلد إذا قلد بعض المجتهدين في حكم حادثة‬ ‫من الحوادث وعمل بقوله فيها ‪ ،‬فليس له الرجوع عنه‬ ‫في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره مطلقا ‪ . w‬وأما تقليد‬ ‫غير ذلك المجتهد في حكم آخر فانه يجوز له لما وقع‬ ‫عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء المقلد لكل‬ ‫عالم في مسألة ‪ .‬وأما إذا عين المقلد مذهبا ‪ w‬كمذهب‬ ‫‪79‬‬


‫الشافعي مثل ‪ w‬وقال أنا على مذهبه وملتزم له فهناك‬ ‫تفصيل في ذلك وهو ‪ :‬أن كل مسألة من المذهب الذي‬ ‫قلده اتصل عمله بها فليس له تقليد غيره فيها مطلقا ‪، w‬‬ ‫وما لم يتصل عمله بها فل مانع من اتباع غيره فيها ‪.‬‬ ‫وأما المجتهد فانه إذا توصل باجتهاده إلى حكم مسألة‬ ‫فانه يجوز له أن يترك ما توصل إليه اجتهاده فيها وأن‬ ‫يقلد غيره إذا كان ذلك لجمع المسلمين على رأي واحد‬ ‫كما حصل مع عثمان عند بيعته ‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫أنواع الحكام الشرعية‬ ‫الحكام الشرعية هي الفرض ‪ ،‬والحرام ‪،‬‬ ‫والمندوب ‪ ،‬والمكروه ‪ ،‬والمباح ‪ .‬والحكم الشرعي إما‬ ‫أن يكون بخطاب الطلب للفعل ‪ ،‬وإما أن يكون‬ ‫بخطاب الطلب للترك ‪ ،‬فإن كان بخطاب الطلب‬ ‫للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل ‪ ،‬فهو‬ ‫الفرض والواجب وكلهما بمعنى واحد ‪ .‬وإن تعلق‬ ‫بالطلب غير الجازم للفعل فهو الندب ‪ ،‬وإن تعلق‬ ‫بخطاب الطلب للترك فإن تعلق الطلب الجازم للترك‬ ‫فهو الحرام والمحظور ‪ ،‬وكلهما بمعنى واحد ‪ .‬وإن‬ ‫تعلق بالطلب غير الجـازم للترك فهو الكراهة ‪ .‬وعلى‬ ‫ذلك فالفرض والواجب هو ما يمدح فاعله ويذم‬ ‫تاركـه ‪ ،‬أو هو ما يستحق تاركه العقاب على تركه ‪.‬‬ ‫والحرام هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه ‪ ،‬أو هو ما‬ ‫يستحق فاعله العقاب على فعله ‪ .‬والمندوب هـو ما‬ ‫يمدح فاعله ول يذم تاركه ‪ ،‬أو هو ما يثاب على فعله‬ ‫ول يعاقب على تركه ‪ ،‬والمكروه هو ما يمدح تاركه ‪ ،‬أو‬ ‫هو ما كان تركه أولى من فعله ‪ .‬والمباح هو ما دل‬ ‫الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين‬ ‫الفعل والترك ‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫السنة‬ ‫السنة في اللغة ‪ :‬الطريقة ‪ .‬وأما في الشرع فقد‬ ‫تطلق على ما كان نافلة منقولة عن النبي صلى الله‬ ‫عليه وعلى آله وسلم كركعات السنن ‪ ،‬فإنها تسمى‬ ‫سنة ‪ ،‬أي مقابل الفرض ‪ ،‬وليس معنى تسميتها سنة‬ ‫أنها من النبي عليه السلم ‪ ،‬والفرض من الله ‪ ،‬بل‬ ‫السنة والفرض من الله ‪ ،‬والرسول إنما هو مبلغ عن‬ ‫الله ‪ ،‬لنه ل ينطق عن الهوى ‪ ،‬إن هو إل وحي يوحى ‪.‬‬ ‫فهي وإن كانت سنة منقولة عن النبي عليه السلم‬ ‫ولكنها منقولة نافلة ‪ ،‬فسميت سنة ‪ ،‬كما أن الفرض‬ ‫منقول فرضا ‪ w‬فسمي فرضا ‪ ، w‬فركعتا الفجر فرضا ‪w‬‬ ‫منقولة عن النبي عليه السلم بطريق التواتر فرضا ‪، w‬‬ ‫وركعتا الفجر سنة كذلك منقولة عن النبي بطريق‬ ‫التواتر نفل ‪ ، w‬وكلتاهما من الله تعالى وليستا من‬ ‫شخص الرسول ‪ .‬فالمر فرض ‪ .‬ونافلة في العبادات ‪،‬‬ ‫وفرض ومندوب في غيرها ‪ .‬فالنافلة هي نفس‬ ‫المندوب سميت نافلة وأطلق عليها سنة ‪.‬‬ ‫وكذلك تطلق السنة على ما يصدر عن الرسول‬ ‫من الدلة الشرعية مما ليس قرآنا ‪ . w‬ويدخل في ذلك‬ ‫أقوال النبي وأفعاله وتقاريره ‪ -‬سكوته ‪. -‬‬

‫‪82‬‬


‫التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة‬ ‫والسلم‬ ‫الفعال التي صدرت عن النبي صلى الله عليه‬ ‫وعلى آله وسلم قسمان ‪ ،‬منها ما كان من الفعال‬ ‫الجبلية ومنها ما سوى ذلك ‪ :‬أمـا الفعال الجبلية‬ ‫كالقيام ‪ ،‬والقعود ‪ ،‬والكل ‪ ،‬والشرب ‪ ،‬ونحوه ‪ ،‬فل‬ ‫نزاع في كونها على الباحة بالنسبة إليه ولمته ‪ ،‬ولذلك‬ ‫ل تدخل في المندوب ‪.‬‬ ‫›‬ ‫وأما الفعال التي ليست جبلية فهي إما أن تكون‬ ‫مما ثبت كونها من خواصه التي ل يشاركه فيها أحد ‪،‬‬ ‫أو ل تكون من خواصه ‪ ،‬فان كانت مما ثبت كونها من‬ ‫خواصه ‪ ،‬صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وذلك كاختصاصه‬ ‫بإباحة الوصال في الصوم ‪ ،‬أي مواصلة النهار بالليل‬ ‫في الصوم ‪ ،‬وكالزيادة في النكاح على أربعة نسوة‬ ‫إلى غير ذلك من خصائصه ‪ ،‬فل يجوز لنا أن نشاركه‬ ‫بها ‪ ،‬فقد ثبت أنها من خواصه بالجماع ‪ ،‬ولذلك ل‬ ‫يجوز التأسي به فيها ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫وأما ما عرف كون فعله بيانا لنا فهو دليل من غير‬ ‫خلف ‪ ،‬وذلك أما بصريح مقاله كقوله صلى الله عليه‬ ‫وعلى آله وسلم " صلوا كــــما رأيتموني أصلي " و "‬ ‫خذوا عني مناسككم " فانه دل على أن فعله بيان لنا‬ ‫لنتبعه ‪ ،‬وإما بقرائن الحوال ‪ ،‬وذلك كقطعه يد السارق‬ ‫من الكوع بيانا ‪ w‬لـقوله تعالى ) فاقطعوا أيديهما ( ‪،‬‬ ‫وهذا البيان في فعله بالقول أو قرائن الحوال تابع‬ ‫للمبين في الوجوب أو الندب أو الباحة على حسب‬ ‫دللة الدليل ‪.‬‬ ‫أما الفعال التي لم يقترن بها ما يدل على أنها‬ ‫للبيان ل نفيا ‪ w‬ول إثباتا ‪ w‬فهي إما أن يظهر فيها قصد‬ ‫‪83‬‬


‫القربة وإما أن ل يظهر ‪ ،‬فان ظهر فيها قصد القربة‬ ‫فهي تدخل في المندوب يثاب المرء على فعلها ول‬ ‫يعاقب على تركها مثل سنة الضحى ‪ ،‬وان لم يظهر‬ ‫فيها قصد القربة فهي تدخل في المباح ‪.‬‬

‫‪84‬‬


‫تبني الحكام الشرعية‬ ‫لقد كان المسلمون في عصر الصحابة يأخذون‬ ‫الحكام الشرعية بأنفسهم من الكتاب والسنة ‪ ،‬وكان‬ ‫القضاة حين يفصلون الخصومات بين الناس‬ ‫يستنبطون بأنفسهم الحكم الشرعي في كل حادثة‬ ‫تعرض عليهم ‪ ،‬وكان الحكام من أمير المؤمنين إلى‬ ‫الولة وغيرهم ‪ ،‬يقومون بأنفسهم باستنباط الحكام‬ ‫الشرعية لمعالجة كل مشكلة من المشاكل تعرض لهم‬ ‫أثناء حكمهم ‪ ،‬فأبو موسى الشعري و شريح كانا‬ ‫قاضيين يستنبطان الحكام ويحكمان باجتهادهما ‪ ،‬وكان‬ ‫معاذ بن جبل واليا ‪ w‬في أيام الرسول يستنبط الحكام‬ ‫ويحكم في وليته باجتهاده ‪ ،‬وكان أبو بكر وعمر في‬ ‫خلفتهما يستنبطان الحكام بأنفسهما ويحكم كل واحد‬ ‫منهما الناس بما يستنبطه هو ‪ ،‬وكان معاوية وعمرو بن‬ ‫العاص واليين ‪ ،‬وكان كل واحد منهما يستنبط الحكام‬ ‫بنفسه ويحكم الناس في وليته ‪ ،‬بما استنبطه في‬ ‫اجتهاده ‪ ،‬ومع هذا الجتهاد لدى الولة والقضاة ‪ ،‬فقد‬ ‫كان الخليفة يتبنى حكما ‪ w‬شرعيا ‪ w‬خاصا ‪ w‬يأمر الناس‬ ‫بالعمل به ‪ ،‬فكانوا يلتزمون العمل به ويتركون رأيهم ‪،‬‬ ‫واجتهادهم ‪ ،‬لن الحكم الشرعي إن أمر المام نافذ‬ ‫ظاهرا ‪ w‬وباطنا ‪ w‬ومن ذلك أن أبا بكر تبنى إيقاع الطلق‬ ‫الثلث واحدة ‪ ،‬وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي‬ ‫من غير نظر إلى القدم في السلم أو غير ذلك ‪،‬‬ ‫فاتبعه المسلمون في ذلك ‪ ،‬وسار عليه القضاة والولة‬ ‫‪ .‬ولما جاء عمر تبنى رأيا ‪ w‬في هاتين الحادثتين خلف‬ ‫رأي أبي بكر ‪ ،‬فألزم وقوع الطلق الثلث ثلثا ‪ . w‬ووزع‬ ‫المال حسب القدم والحاجة بالتفاضل ل بالتساوي ‪،‬‬ ‫واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة والولة ‪.‬‬ ‫ثم تبنى عمر جعل الرض التي تغنم في الحرب غنيمة‬ ‫‪85‬‬


‫لبيت المال تبقى في يد أهلها ول تقسم على‬ ‫المحاربين ول على المسلمين فاتبعه في ذلك الولة‬ ‫والقضاة وساورا على الحكم الذي تبناه ‪ ،‬فكان الجماع‬ ‫)) إجماع الصحابة (( منعقدا ‪ w‬على أن للمام أن يتبنى‬ ‫أحكاما ‪ w‬معينة ويأمر بالعمل بها ‪ ،‬وعلى المسلمين‬ ‫طاعتها ولو خالفت اجتهادهم ‪ .‬والقواعد الشرعية‬ ‫المشهورة هي )) للسلطان أن يحدث من القضية‬ ‫بقدر ما يحدث من مشكلت (( و )) أمر المام يرفع‬ ‫الخلف (( و )) أمر المام نافذ ظاهرا ‪ w‬وباطنا ‪ (( w‬ولذلك‬ ‫صار الخلفاء بعد ذلك يتبنون أحكاما ‪ w‬معينة ‪ ،‬فقد تبنى‬ ‫هارون الرشيد كتاب )) الخراج (( في الناحية‬ ‫القتصادية وألزم الناس بالعمل بالحكام التي وردت‬ ‫فيه ‪.‬‬

‫‪86‬‬


‫الدستور والقانون‬ ‫كلمة القانون اصطلح أجنبي ‪ ،‬ومعناه عندهم المر‬ ‫الذي يصدره السلطان ليسير عليه الناس ‪ ،‬وقد عرف‬ ‫القانون بأنه ))مجموع القواعد التي يجبر السلطان‬ ‫الناس عـلى اتباعها في علقاتهم (( وقد أطلق على‬ ‫القانون الساسي لكل حكومة كلمة الدستور ‪ ،‬وأطلق‬ ‫على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور‬ ‫كلمة القانون ‪ .‬وقد عرف الدستور بأنه )) القانون‬ ‫الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ‪ ،‬ويبين‬ ‫حدود واختصاص كل سلطة فيها (( أو )) القانون‬ ‫الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علقاتها‬ ‫مع الفراد ويبين حقوقها وواجباتها قبلهم وحقوقهم‬ ‫وواجباتهم قبلها (( ‪ ،‬والدساتير مختلفة المنشأ ‪ ،‬منها ما‬ ‫صدر بصورة قانون ‪ ،‬ومنها ما نشأ بالعادة والتقاليد‬ ‫كالدستور النجليزي ‪ ،‬ومنها ما تولى وضعه لجنة من‬ ‫جمعية وطنية كان لها السلطان في المة وقتئذ ‪،‬‬ ‫فسنت الدستور وبينت كيفية تنقيحه ثم انحلت هذه‬ ‫الهيئة وقام مقامها السلطات التي أنشأها الدستور كما‬ ‫حدث في فرنسا وأمريكا ‪ .‬وللدستور والقانون مصادر‬ ‫أخذ منها ‪ ،‬وهي قسمان ‪ :‬الول يقصد بـه المنبع الذي‬ ‫نبع منه الدستور والقانون مباشرة ‪ ،‬كالعادات ‪ ،‬والدين‬ ‫‪ ،‬وآراء الفقهاء ‪ ،‬وأحكام المحاكم ‪ ،‬وقواعد العدل‬ ‫والنصاف ‪ ،‬ويسمى هذا بالمصدر التشريعي ‪ ،‬مثل‬ ‫دساتير بعض الدول الغربية كإنجلترا وأمريكا مثل ‪. w‬‬ ‫والثاني يقصد به المأخذ المشتق منه ‪ ،‬أو الذي نقل‬ ‫عنه الدستور أو القانون ‪ ،‬مثل دستور فرنسا ‪ ،‬ودساتير‬ ‫بعض الدويلت القائمة في العالم السلمي ‪ ،‬كتركيا ‪،‬‬ ‫ومصر ‪ ،‬والعراق ‪ ،‬وسوريا مثل ‪ w‬ويسمى هذا بالمصدر‬ ‫التاريخي ‪.‬‬ ‫‪87‬‬


‫هذه خلصة الصطلح الذي تعنيه كلمتا دستور‬ ‫وقانون ‪ ،‬وهو في خلصته يعني أن الدولة تأخذ من‬ ‫مصادر متعددة ‪ ،‬سواء أ كانت مصدرا ‪ w‬تشريعيا ‪ ، w‬أو‬ ‫مصدرا ‪ w‬تاريخيا ‪ ، w‬أحكـاما ‪ w‬معينة ‪ ،‬تتبناها وتأمر بالعمل‬ ‫بها ‪ ،‬فتصبح هذه الحكام بعد تبنيها من قبل الدولة‬ ‫دستورا ‪ ، w‬إن كانت من الحكام العامة ‪ ،‬وقانونا ‪ ، w‬أن‬ ‫كانت من الحكام الخاصة ‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يواجه المسلمين الن هو ‪ :‬هل‬ ‫يجوز استعمال هذا الصطلح أم ل يجوز ؟ والجواب‬ ‫على ذلك أن اللفاظ الجنبية التي لها معان اصطلحية‬ ‫‪ ،‬إن كان اصطلحها يخالف اصطلح المسلمين ل يجوز‬ ‫استعمالها ‪ ،‬مثل كلمة عدالة اجتماعية ‪ ،‬فإنها تعني‬ ‫نظاما ‪ w‬معينا ‪ ، w‬يتلخص في ضمان التعليم والتطبيب‬ ‫للفقراء ‪ ،‬وضمان حقوق العمال والموظفين ‪ .‬فان هذا‬ ‫الصطلح يخالف اصطلح المسلمين ‪ ،‬لن العدل عند‬ ‫المسلمين هو ضد الظلم ‪ ،‬وأما ضمان التعليم‬ ‫والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء ‪ ،‬وضمان‬ ‫حقوق المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين‬ ‫يحملون التابعية السلمية ‪ .‬سواء أ كانوا موظفين أو‬ ‫لم يكونوا ‪ ،‬وكانوا عمال ‪ w‬أو مزارعين أو غيرهم ‪ .‬أما إن‬ ‫كانت الكلمة تعني اصطلحا موجودا معناه عند‬ ‫المسلمين فيجوز استعمالها ‪ ،‬مثل كلمة ضريبة ‪ ،‬فإنها‬ ‫تعني المال الذي يؤخذ من الناس لدارة الدولة ‪،‬‬ ‫ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لدارة‬ ‫المسلمين ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب ‪.‬‬ ‫وكذلك كلمة الدستور والقانون ‪ ،‬فإنها تعني تبني‬ ‫الدولة لحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها‬ ‫وتحكمهم بموجبها ‪ ،‬وهذا المعنى موجود عند‬ ‫المسلمين ‪ .‬ولذلك ل نجد ما يمنع من جواز استعمال‬ ‫كلمتي دستور وقانون ‪ .‬ويراد بهما الحكام التي تبناها‬ ‫‪88‬‬


‫الخليفة من الحكام الشرعية ‪ .‬إل أن هناك فرقا ‪ w‬بين‬ ‫الدستور السلمي والقوانين السلمية ‪ ،‬وبين غيرها‬ ‫من الدساتير والقوانين ‪ .‬فان باقي الدساتير والقوانين‬ ‫مصدرها العادات وأحكام المحاكم الخ ‪ .‬ومنشؤها‬ ‫جمعية تأسيسية تسن الدستور ‪ ،‬ومجالس منتخبة مـن‬ ‫الشعب تسن القوانين ‪ ،‬لن الشعب عندهم مصدر‬ ‫السلطات ‪ ،‬والسيادة للشعب ‪ .‬أما الدستور السلمي‬ ‫والقوانين السلمية فان مصدرها الكتاب والسنة ليس‬ ‫غير ‪ ،‬ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة منه‬ ‫أحكاما ‪ w‬معينة يأمر بها فيلزم الناس العمل بها ‪ .‬لن‬ ‫السيادة للشرع ‪ .‬والجتهاد لستنباط الحكام الشرعية‬ ‫حق لجميع المسلمين ‪ ،‬وفرض كفاية عليهم ‪ ،‬وللخليفة‬ ‫وحده حق تبني الحكام الشرعية ‪.‬‬ ‫هذا من ناحية جواز استعمال الكلمتين دستور‬ ‫وقانون ‪ ،‬أما من ناحية وجود ضرورة تبني الحكام ‪،‬‬ ‫فالذي عليه المسلمون منذ أيام أبي بكر حتى آخر‬ ‫خليفة مسلم ‪ ،‬هو ضرورة تبني أحكام معينة يؤمر‬ ‫المسلمون بالعمل بها ‪ .‬لكن هذه التبني كان لحكام‬ ‫خاصة ‪ ،‬ولم يكن تبنيا ‪ w‬عاما ‪ w‬لجميع الحكام التي تحكم‬ ‫بها الدولة ‪ ،‬ولم تتبن الدولة تبنيا ‪ w‬عاما ‪ w‬إل في بعض‬ ‫العصور ‪ ،‬فقد تبنى اليوبيون مذهب الشافعي ‪ ،‬وتبنت‬ ‫الدولة العثمانية مذهب الحنفية ‪.‬‬ ‫والسؤال الذي يرد ‪ ،‬هو ‪ :‬هل من مصلحة‬ ‫المسلمين وضع دستور شامل وقوانين عامة لهم أم‬ ‫ل ؟ والجواب على ذلك أن وجود دستور شامل‬ ‫وقوانين عامة لجميع الحكام ل يساعد على البداع‬ ‫والجتهاد ‪ ،‬ولذلك كان يتجنب المسلمون في العصور‬ ‫الولي عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين تبني‬ ‫جميع الحكام من قبل الخليفة ‪ ،‬بل كانوا يقتصرون في‬ ‫تبني الحكام على أحكام معينة ل بد من تبنيها لبقاء‬ ‫‪89‬‬


‫وحدة الحكم والتشريع والدارة ‪ ،‬وعلى ذلك فالفضل‬ ‫ليجاد البداع والجتهاد أن ل يكون للدولة دستور‬ ‫شامل لجميع الحكام ‪ ،‬بل يكون لها دستور يحوي‬ ‫الحكام العامة التي تحدد شكل الدولة ‪ ،‬وتضمن بقاء‬ ‫وحدتها ‪ .‬ويترك للولة والقضاة الجتهاد والستنباط ‪،‬‬ ‫غير أن هذا إنما يكون إذا كان الجتهاد متيسرا ‪ ، w‬وكان‬ ‫الناس مجتهدين كما هو الحال في عصر الصحابة‬ ‫والتابعين وتابعي التابعين ‪ ،‬أما إذا كان الناس جميعا ‪w‬‬ ‫مقلدين ‪ ،‬ول يوجد بينهم مجتهدون إل نادرا ‪ ، w‬فان من‬ ‫المحتم على الدولة أن تتبنى الحكام التي تحكم الناس‬ ‫بها ‪ ،‬سواء الخليفة ‪ ،‬والولة ‪ ،‬والقضاة ‪ ،‬لنه يتعسر‬ ‫الحكم بما أنزل الله من قبل الولة والقضاة لعدم‬ ‫اجتهادهم إل تقليدا ‪ w‬مختلفا ‪ w‬ومتناقضا ‪ ، w‬والتبني إنما‬ ‫يكون بعـد الدرس ومعرفة الحادثة ومعرفة الدليل ‪،‬‬ ‫علوة على أن ترك الولة والقضاة يحكمون بما‬ ‫يعرفون يؤدي إلى اختلف الحكام وتناقضها في الدولة‬ ‫الواحدة ‪ ،‬بل في البلد الواحد ‪ ،‬بل قد يؤدي إلى أن‬ ‫يحكم بغير ما أنزل الله ‪ .‬ولذلك كان لزاما ‪ w‬على الدولة‬ ‫السلمية ‪ ،‬والحال من الجهل في السلم على ما هي‬ ‫عليه الن ‪ ،‬أن تتبنى أحكاما معينة ‪ ،‬وأن يكون هذا‬ ‫التبني في المعاملت ‪ ،‬والعقوبات ل في العقائد‬ ‫والعبادات ‪ .‬وأن يكون هذا التبني عاما ‪ w‬لجميع الحكام ‪،‬‬ ‫حتى تضبط شؤون الدولة ‪ .‬وتسير جميع أمور‬ ‫المسلمين ‪ ،‬وفق أحكام الله ‪ .‬على أن الدولة حين‬ ‫تتبنى الحكام ‪ ،‬وتضع الدستور والقوانين ‪ ،‬يجب أن‬ ‫تتقيد بالحكام الشرعية فقط ‪ ،‬ول تأخـذ غيرها ‪ ،‬بل ل‬ ‫تدرس غيرها مطلقا ‪ ، w‬فل تأخذ من غير الحكام‬ ‫الشرعية أي شيء ‪ ،‬بغض النظر عما إذا وافق السلم‬ ‫أم خالفه ‪ ،‬فل تأخذ التأميم مثل ‪ w‬بل تضع حكم الملكية‬ ‫العامة ‪ .‬ولذلك يجب أن تتقيد بالحكام الشرعية في‬ ‫‪90‬‬


‫كل ما يتعلق بالفكرة والطريقة ‪ ،‬أما القوانين والنظمة‬ ‫التي تتعلق بغير الفكرة والطريقة والتي ل تعبر عن‬ ‫وجهة نظر مثل القوانـين الدارية ‪ ،‬وترتيب الدوائر ‪،‬‬ ‫وما شاكل ذلك ‪ ،‬فإنها تعتبر من الوسيلة والسلوب ‪،‬‬ ‫وهي كالعلوم والصناعات والفنون تأخذها الدولة وتنظم‬ ‫بها شؤونها ‪ ،‬كما فعل عمر بن الخطاب حين دون‬ ‫الدواوين فانه أخذها من الفارسية ‪ ،‬وهذه الشياء‬ ‫الدارية والفنية ليست من الدستور ‪ ،‬ول من القوانين‬ ‫الشرعية ‪ ،‬فل توضع في الدستور ‪ ،‬ولذلك كان واجب‬ ‫الدولة السلمية أن يكون دستورها أحكاما ‪ w‬شرعية ‪،‬‬ ‫أي أن يكون دستورها إسلميا ‪ ،‬وقانونها إسلميا ‪.‬‬ ‫وحين تتبنى أي حكم يجب أن تتبناه على أساس قوة‬ ‫الدليل الشرعي ‪ ،‬مع الفهم الصحيح للمشكلة القائمة ‪.‬‬ ‫ولذلك كان عليها أن تدرس المشكلة ‪ ،‬أول ‪ w‬لتفهمها ‪،‬‬ ‫لن فـهم المشكلة ضروري جدا ‪ ، w‬ثم تفهم الحكم‬ ‫الشرعي الذي ينطبق على هذه المشكلة ‪ ،‬ثم تدرس‬ ‫دليل الحكم الشرعي ‪ ،‬ثم تتبنى هذا الحكم على‬ ‫أساس قوة الدليل ‪ ،‬على أن تؤخذ هذه الحكام‬ ‫الشرعية إما من رأي مجتهد من المجتهدين ‪ ،‬بعد‬ ‫الطلع على الدليل والطمئنان إلى قوته ‪ ،‬وإما من‬ ‫الكتاب والسنة أو الجماع أو بالقياس ولكن باجتهاد‬ ‫شرعي ‪ ،‬ولو اجتهادا ‪ w‬جزئيا ‪ w‬وهو اجتهاد المسألة ‪ .‬فإذا‬ ‫أرادت أن تتبنى منع التأمين على البضاعة مثل ‪ ، w‬عليها‬ ‫أن تدرس أول ‪ w‬ما هو التأمين على البضاعة ‪ ،‬حتى‬ ‫تعرفه ‪ ،‬ثم تدرس وسائل التملك ‪ ،‬ثم تطبق حكم الله‬ ‫في الملكية على التأمين وتتبنى الحكم الشرعي في‬ ‫ذلك ‪ .‬ولهذا كان ل بد أن تكون للدستور ‪ ،‬ولكل‬ ‫قانون ‪ ،‬مقدمة تبين بوضوح المذهب الذي أخذت منه‬ ‫كل مادة ‪ ،‬ودليله الذي اعتمد عليه ‪ ،‬أو تبين الدليل‬ ‫الذي استنبطت منه المادة إن كان استنباطها باجتهاد‬ ‫‪91‬‬


‫صحيح ‪ ،‬حتى يعرف المسلمون أن الحكام التي تبنتها‬ ‫الدولة في الدستور والقانون هي أحكام شرعية ‪،‬‬ ‫مسـتنبطة باجتهـاد صحيح ‪ ،‬لن المسلمين ل يلزمون‬ ‫بطاعة الدولة فيما تحكم إل إذا كان حكما ‪ w‬شرعيا ‪ w‬تبنته‬ ‫الدولة ‪ .‬وعلى هذا الساس تتبنى الدولة أحكاما ‪w‬‬ ‫شرعية تكون دستورا ‪ w‬وقوانين ‪ ،‬لتحكم بها الناس الذين‬ ‫يحملون تابعيتها ‪.‬‬ ‫وعلى سبيل المثال نضع بين أيدي المسلمين‬ ‫مشروعا ‪ w‬لدستور الدولة السلمية في العالم السلمي‬ ‫‪ ،‬حتى يدرسه المسلمون وهم يعملون لقامة الدولة‬ ‫السلمية لتحمل الدعوة السلمية إلى العالم ‪ .‬ول بد‬ ‫أن يلحظ أن هذا الدستور ليس مختصا ‪ w‬بقطر معين ‪،‬‬ ‫بل هو للدولة السلمية في العالم السلمي ‪ ،‬ول‬ ‫يقصد به أي قطر أو أي بلد مطلقا ‪. w‬‬

‫‪92‬‬


‫مشروع الدستور‬ ‫أحكام عامة‬ ‫المادة ‪ – 1‬العقيدة السلمية هي أساس الدولة ‪،‬‬ ‫بحيث ل يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها‬ ‫أو محاسبتها ‪ ،‬أو كل ما يتعلق بها ‪ ،‬إل بجعل‬ ‫العقيدة السلمية أسـاسا ‪ w‬لـه ‪ .‬وهي في نفس‬ ‫الوقت أساس الدستور والقوانين الشرعية‬ ‫بحيث ل يسمح بوجود شيء مما له علقة بأي‬ ‫منهما إل إذا كان منبثقا ‪ w‬عن العقيدة السلمية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 2‬يتبنى رئيس الدولة أحكاما ‪ w‬شرعية معينة‬ ‫يسنها دستورا ‪ w‬وقوانين ‪ ،‬وإذا تبنى حكما ‪ w‬شرعيا ‪w‬‬ ‫في ذلك صار هذا الحكم وحده هو الحكم‬ ‫الشرعي الواجب العمل به ‪ ،‬وأصبح حينئذ قانونا ‪w‬‬ ‫نافذا ‪ w‬وجبت طاعته على كل فرد من الرعية‬ ‫ظاهرا ‪ w‬وباطنا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ - 3‬ل يتبنى رئيس الدولة أي حكم شرعي معين‬ ‫في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد ‪ ،‬ول يتبنى‬ ‫أي فكر من الفكار المتعلقة بالعقيدة‬ ‫السلمية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 4‬جـميع الذين يحملون التابعية السلمية‬ ‫يتمتعون بالحقوق والواجبات الشـرعية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 5‬ل يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين‬ ‫أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو‬ ‫رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك ‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن‬ ‫العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك ‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫المادة ‪ – 6‬تنفذ الدولة الشرع السلمي على جميع‬ ‫الذين يحملون التابعية السلمية سواء أ كانوا‬ ‫مسلمين أم غير مسلمين على الوجه التالي ‪:‬‬ ‫أ – تنفذ على المسلمين جميع أحكام السلم‬ ‫دون أي استثناء ‪.‬‬ ‫ب – يترك غير المسلمين وما يعتقدون وما‬ ‫يعبدون ‪.‬‬ ‫ج – المرتدون عن السلم يطبق عليهم حكم‬ ‫المرتد إن كانوا هم المرتدين ‪ ،‬فإذا كانوا أولد‬ ‫مرتدين وولدوا غير مسلمين فيعاملون معاملة‬ ‫غير المسلمين حسب وضعهم الذي هم عليه‬ ‫مـن كونهم مشركين أو أهل كتاب ‪.‬‬ ‫د – يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات‬ ‫والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه‬ ‫الحكام الشرعية ‪.‬‬ ‫هـ – تفصل أمور الزواج والطلق بين غير‬ ‫المسلمين حسب أديانهم ‪ ،‬وتفصل بينهم وبين‬ ‫المسلمين حسب أحكام السلم ‪.‬‬ ‫و – تنفذ الدولة باقي الحكام الشرعية وسائر‬ ‫أمور الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات‬ ‫وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على‬ ‫الجميع ‪ ،‬ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى‬ ‫غير المسلمين على السواء ‪ ،‬وتنفذ كذلك على‬ ‫المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت‬ ‫سلطان السلم كما تنفذ على أفراد الرعية إل‬ ‫السفراء والرسل وما شاكلهم فيعاملون في‬ ‫تصرفاتهم حسب ما يجري التفاق عليه مع‬ ‫دولهم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 7‬اللغة العربية هي وحدها لغة السلم وهي‬ ‫وحدها اللغة التي تستعملها الدولة ‪.‬‬ ‫‪94‬‬


‫المادة ‪ – 8‬الجتهاد فرض كفاية ‪ ،‬ولكل مسلم الحق‬ ‫بالجتهاد إذا توفرت فيه شروطه ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 9‬جميع المسلمين يحملون مسئولية السلم‬ ‫‪ ،‬فل رجال دين في السلم ‪ ،‬وعلى الدولة أن‬ ‫تمنع كل ما يشعر بوجودهم من المسلمين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 10‬حمل الدعوة السلمية هو العمل الصلي‬ ‫للدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 11‬الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس‬ ‫هي وحدها الدلة المعتبرة للحكام الشرعية ‪ .‬ول‬ ‫يجوز أن يؤخذ التشريع من غير هذه الدلة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 12‬الصل براءة الذمة ‪ ،‬ول يعاقب أحدا ‪ w‬إل‬ ‫بحكم محكمة ‪ ،‬ول يجوز تعذيب أحد مطلقا ‪، w‬‬ ‫وكل من يفعل ذلك يعاقب ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 13‬الصل في الفعال التقيد بالحكم الشرعي‬ ‫فل يقام بفعل إل بعد معرفة حكمه ‪ ،‬والصل في‬ ‫الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 14‬الوسيلة إلى الحرام محرمة إذا تحقق‬ ‫فيها أمران ‪ :‬أحدهما أن تكون موصلة إلى‬ ‫الحرام حتما ‪ w‬بحيث ل تتخلف ‪ ،‬وثانيهما أن يكون‬ ‫الفعل قد ورد الشرع بتحريمه ‪.‬‬

‫‪95‬‬


‫نظام الحكم‬ ‫المادة ‪ – 15‬نظام الحكم هو نظام وحدة وليس نظاما ‪w‬‬ ‫اتحاديا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 16‬يكون الحكم مركزيا ‪ w‬والدارة ل مركزية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 17‬ل يجوز أن يتولى الحكم أو أي عمل يعتبر‬ ‫مـن الحكم إل رجل حر عدل ‪ ،‬ول يجوز أن يكون‬ ‫إل مسلما ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 18‬محاسبة الحكام من قبل المسلمين حق‬ ‫من حقوقهم وفرض كفاية عليهم ‪ .‬ولغير‬ ‫المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار‬ ‫الشكوى من ظلم الحاكم لهم ‪ ،‬أو إساءة تطبيق‬ ‫أحكام السلم عليهم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 19‬للمسلمين الحق في إقامة أحزاب‬ ‫سياسية لمحاسبة الحكام ‪ ،‬أو الوصول للحكم‬ ‫عن طريق المة على شرط أن يكون أساسها‬ ‫العقيدة السلمية ‪ ،‬وأن تكون الحكام التي‬ ‫تتبناها أحكاما ‪ w‬شرعية ‪ .‬ول يحتاج إنشاء الحزب‬ ‫لي ترخيص ‪ .‬ويمنع أي تكتل يقوم على غير‬ ‫أساس إسلم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 20‬يقوم نظام الحكم على أربعة قواعد هي ‪:‬‬ ‫أ – السيادة للشرع ل للشعب ‪.‬‬ ‫ب – السلطان للمة ‪.‬‬ ‫ج – نصب رئيس الدولة واحد فرض على‬ ‫المسلمين ‪.‬‬ ‫د – لرئيس الدولة وحده حق تبني الحكام‬ ‫الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر‬ ‫القوانين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 21‬يقوم جهاز الدولة على سبعة أركان‬ ‫وهي ‪:‬‬ ‫‪96‬‬


‫أ – رئيس الدولة ‪.‬‬ ‫ب – المعاونون ‪.‬‬ ‫ج – الولة ‪.‬‬ ‫د – القضاة ‪.‬‬ ‫هـ – الجهاز الداري ‪.‬‬ ‫و – الجيش ‪.‬‬ ‫ز – مجلس الشورى ‪.‬‬

‫مجلس الشورى‬ ‫المادة ‪ – 22‬الشخاص الذين يمثلون المسلمين في‬ ‫الرأي ليرجع إليهم رئيس الدولة هم مجلس‬ ‫الشورى ‪ .‬ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في‬ ‫مجلس الشورى من أجل الشكوى من ظلم‬ ‫الحكام ‪ ،‬أو من إساءة تطبيق أحكام السلم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 23‬ينتخب أعضاء مجلس الشورى انتخابا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 24‬لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغا ‪ w‬عاقل‬ ‫الحق في أن يكون عضوا ‪ w‬في مجلس الشورى‬ ‫رجل ‪ w‬كان أو امرأة مسلما ‪ w‬كان أو غير مسلم ‪ ،‬إل‬ ‫أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار‬ ‫الشكوى من ظلم الحكام ‪ ،‬أو إساءة تطبيق‬ ‫السلم ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ – 25‬الشورى هي أخذ الرأي مطلقا ‪،‬‬ ‫والمشورة هي أخذ الرأي الملزم ‪ .‬و ليس‬ ‫التشريع ول التعريف ول المور الفكرية ككشف‬ ‫الحقائق وكالمور الفنية والعلمية من المشورة ‪،‬‬ ‫وأما ما عداها من الراء فانه يدخل تحت‬ ‫المشورة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 26‬الشورى حق للمسلمين فحسب ول حق‬ ‫لغير المسلمين في الشورى ‪ ،‬وأما إبداء الرأي‬ ‫‪97‬‬


‫فانه يجوز لجميع أفراد الرعية مسلمين وغير‬ ‫مسلمين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 27‬المسائل التي تدخل تحت الشورى وتكون‬ ‫من نوع المشورة يؤخذ فيها برأي الكثرية بغض‬ ‫النظر عن كونه صوابا ‪ w‬أم خطأ ‪ . w‬أمـا ما عداها‬ ‫مما يدخل تحت الشورى فيتحرى فيها عن‬ ‫الصواب ‪ ،‬بغض النظر عن الكثرية أو القلية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 28‬لمجلس الشورى صلحيات أربع وهي ‪:‬‬ ‫أول ‪ - w‬أ ‪ -‬كل ما هو داخل تحت ما تنطبق عليه كلمة‬ ‫مشورة من المور الداخلية يجب أن يؤخذ رأي‬ ‫مجلس الشورى فيه ‪ ،‬وذلك مثل شؤون الحكم‬ ‫والتعليم والصحة والقتصاد ونحوها ‪ .‬ويكون‬ ‫رأيه ملزما ‪ . w‬وكل ما ليس داخل ‪ w‬تحت ما تنطبق‬ ‫عليه كلمة مشورة ل يجب أن يؤخذ رأي‬ ‫مجلس الشورى فيه ‪ ،‬فل يجب أن يؤخذ رأيه‬ ‫في السياسة الخارجية والمالية والجيش ‪.‬‬ ‫ب – لمجلس الشورى الحق في المحاسبة على‬ ‫جميع العمال التي تحصل بالفعل في الدولة‬ ‫سواء أ كانت من المور الداخلية أم الخارجية‬ ‫أم المالية أم الجيش ‪ ،‬ورأيه ملزم فيما كان‬ ‫رأي الكثرية فيه ملزما ‪ ، w‬وغير ملزم فيما كان‬ ‫رأي الكثرية فيه غير ملزم ‪ .‬وان اختلف‬ ‫مجلس الشورى والحكام على عمل من الناحية‬ ‫الشرعية يرجع فيه لرأي محكمة المظالم ‪.‬‬ ‫ثانيا – لمجلس الشورى حق إظهار عدم الرضى‬ ‫من الولة أو المعاونين ويكون رأيه في ذلك‬ ‫ملزما ‪ w‬وعلى رئيس الـدولة عزلهم في الحال ‪.‬‬ ‫ثالثا ‪ – w‬يحيل رئيس الدولة إلى مجلس الشورى‬ ‫الحكام التي يريد أن يتبناها في الدستور‬ ‫والقوانين ‪ .‬و للمسلمين من أعضائه حق‬ ‫‪98‬‬


‫مناقشتها وإعطاء الرأي فيها ‪ ،‬ورأيهم في ذلك‬ ‫غير ملزم ‪.‬‬ ‫رابعا ‪ – w‬للمسلمين من أعضاء مجلس الشورى حق‬ ‫حصر المرشحين لرئاسة الدولة ورأيهم في‬ ‫ذلك ملزم فل يقبل ترشيح غير من رشحهم ‪.‬‬

‫رئاسة الدولة‬ ‫المادة ‪ – 29‬رئيس الدولة هو الذي ينوب عن المة في‬ ‫السلطان وفي تنفيذ الشرع ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 30‬رئاسة الدولة عقد مراضاة واختيار ‪ ،‬فل‬ ‫يجبر أحـد على قبولها ‪ ،‬ول يجبر أحد على اختيار‬ ‫من يتولها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 31‬لكل مسلم بالغ عاقل رجل ‪ w‬كان أو امرأة‬ ‫الحق في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته ‪ ،‬ول‬ ‫حق لغير المسلمين في ذلك ‪.‬‬ ‫المادة ‪ - 32‬إذا تم عقد رئاسة الدولة لواحد بمبايعة‬ ‫من يتم انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة‬ ‫الباقين بيعة طاعة ل بيعة انعقاد فيجبر عليها كل‬ ‫من يلمح فيه إمكانية التمرد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 33‬ل يكون أحدا رئيسا ‪ w‬للدولة إل إذا وله‬ ‫المسلمون ‪ ،‬ول يملك أحد صلحيات رئاسة‬ ‫الدولة إل إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي‬ ‫كأي عقد من العقود في السلم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 34‬يشترط في القطر أو البلد التي تبايع‬ ‫رئيس الدولة بيعة انعقاد أن يكون سلطانا ذاتيا ‪w‬‬ ‫يستند إلى المسلمين وحدهم ل إلى أي دولة‬ ‫كافرة ‪ ،‬وأن يكون أمان المسلمين في ذلك‬ ‫القطر داخليا ‪ w‬وخارجيا ‪ w‬بأمان السلم ل بأمان‬ ‫الكفر ‪ .‬أما بيعة الطاعة فحسب من البلد‬ ‫الخرى فل يشترط فيها ذلك ‪.‬‬ ‫‪99‬‬


‫المادة ‪ – 35‬ل يشترط فيمن يبايع لرئاسة الدولة إل أن‬ ‫يكون مستكمل شروط النعقاد ليس غير ‪ ،‬وان‬ ‫لم يكن مستوفيا ‪ w‬شروط الفضلية لن العبرة‬ ‫بشروط النعقاد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 36‬يشترط في رئيس الدولة حتى تنعقد له‬ ‫الرئاسة ستة شروط وهي ‪ :‬أن يكون رجل ‪، w‬‬ ‫مسلما ‪ ، w‬حرا ‪ ، w‬بالغا ‪ ، w‬عاقل ‪ w‬عدل ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 37‬إذا خل منصب رئاسة الدولة بموت‬ ‫رئيسها أو اعتزاله ‪ ،‬أو عزله يجب نصب رئيس‬ ‫للدولة مكانه خلل ثلثة أيام من تاريخ خلو‬ ‫منصب رئاسة الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 38‬طريقة نصب رئيس الدولة هي ‪:‬‬ ‫أ – يجري العضاء المسلمون في مجلس‬ ‫الشورى حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن‬ ‫أسماؤهم ثم يطلب من المسلمين انتخاب‬ ‫واحد منهم ‪.‬‬ ‫ب – تعلن نتيجة النتخاب ويعرف المسلمون من‬ ‫نال أكثر أصوات المنتخبين ‪.‬‬ ‫ج – يبادر المسلمون بمبايعة من نال أكثر‬ ‫الصوات رئيسا ‪ w‬للدولة على العمل بكتاب الله‬ ‫وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬ ‫د – بعد تمام البيعة يعلن من أصبح رئيسا ‪ w‬للدولة‬ ‫على المل حتى يبلغ خبر نصبه كافة المة ‪ ،‬مع‬ ‫ذكر اسمه وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهل ‪w‬‬ ‫لنعقاد رئاسة الدولة له ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 39‬المة هي التي تنصب رئيس الدولة ولكنها‬ ‫ل تملك عزله متى تم انعقاد بيعته على الوجه‬ ‫الشرعي ‪.‬‬

‫‪100‬‬


‫المادة ‪ – 40‬رئيس الدولة هو الدولة ‪ ،‬فهو يملك جميع‬ ‫الصلحيات التي تكون للدولة ‪ ،‬فيملك‬ ‫الصلحيات التالية ‪:‬‬ ‫أ – هو الذي يجعل الحكام الشرعية حين يتبناها‬ ‫نافذة فتصبح حينئذ قوانين تجب طاعتها ‪ ،‬ول‬ ‫تجوز مخالفتها ‪.‬‬ ‫ب – هو المسئول عن سياسة الدولة الداخلية‬ ‫والخارجية معا ‪ ، w‬وهو الذي يتولى قيادة‬ ‫الجيش ‪ ،‬وله حق إعلن الحرب ‪ ،‬وعقد الصلح‬ ‫والهدنة وسائر المعاهدات ‪.‬‬ ‫ج – هو الذي له قبول السفراء الجانب و رفضهم‬ ‫‪ ،‬وتعيين السفراء المسلميـن وعزلهم ‪.‬‬ ‫د – هو الذي يعين ويعزل المعاونين والولة ‪ ،‬وهم‬ ‫جميعا ‪ w‬مسؤولون أمامه ‪ ،‬كما أنهم مسئولون‬ ‫أمام مجلس الشورى ‪.‬‬ ‫هـ – هو الذي يعين ويعزل قاضي القضاة ‪،‬‬ ‫ومديري الدوائر ‪ ،‬وقواد الجيش وأمراء ألويته ‪،‬‬ ‫وهم جميعا ‪ w‬مسئولون أمامه مسئولين أمام‬ ‫مجلس الشورى ‪.‬‬ ‫و – هو الذي يتبنى الحكام الشرعية التي توضع‬ ‫بموجبها ميزانية الدولة وهو الذي يقرر فصول‬ ‫الميزانية والمبالغ التي تلزم لكل جهة سواء أ‬ ‫كان ذلك متعلقا ‪ w‬بالواردات أم بالنفقات ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 41‬رئيس الدولة مقيد في التبنى في الحكام‬ ‫الشرعية فيحرم عليه أن يتبنى حكما ‪ w‬لم‬ ‫يستنبط استنباطا ‪ w‬صحيحا ‪ w‬من الدلة الشرعية‬ ‫وهو مقيد بما تبناه من أحكام ‪ ،‬وبما التزمه من‬ ‫طريقة استنباط ‪ ،‬فل يجوز له أن يتبنى حكما ‪w‬‬ ‫استنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي‬ ‫‪101‬‬


‫تبناها ‪ ،‬ول أن يعطي أمرا ‪ w‬يناقض الحكام التي‬ ‫تبناها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 42‬لرئيس الدولة مطلق الحق في رعاية‬ ‫شئون الرعية حسب رأيه واجتهاده ‪ .‬إل انه ل‬ ‫يجوز له أن يخالف أي حكم شرعي بحجة‬ ‫المصلحة ‪ ،‬فل يمنع الرعية من استيراد البضائع‬ ‫بحجة المحافظة على صناعة البلد مثل ‪ ، w‬ول‬ ‫يسعر على الناس بحجة منع الستغلل مثل ‪ ، w‬ول‬ ‫يجبر المالك على تـأجير ملكه بحجة تسيير‬ ‫السكان مثل ‪ ، w‬ول غير ذلك مما يخالف أحكام‬ ‫الشرع فل يجوز له أن يحرم مباحا ‪ w‬أو يبيح حراما ‪w‬‬ ‫‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 43‬ليس لرئاسة الدولة مدة محدودة ‪ ،‬فما‬ ‫دام رئيس الدولة محافظا ‪ w‬على الشرع منفذا ‪w‬‬ ‫لحكامه ‪ ،‬قادرا ‪ w‬على القيام بشؤون الدولة يبقى‬ ‫رئيسا ‪ w‬للدولة ما لم تتغير حاله تغيرا ‪ w‬يخرجه عن‬ ‫رئاسة الدولة ‪ .‬فإذا تغيرت حاله هذا التغير وجب‬ ‫عزله في الحال ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 44‬المور التي يتغير بها حال رئيس الدولة‬ ‫فيخرج بها عن رئاسة الدولة ثلثة أمور هي ‪:‬‬ ‫أ – إذا اختل شرط من شروط انعقاد رئاسة‬ ‫الدولة ‪ ،‬كأن ارتد أو فسق فسقا ‪ w‬ظاهرا ‪ ، w‬أو‬ ‫جن ‪ ،‬أو ما شاكل ذلك ‪ .‬لن هذه الشروط‬ ‫شروط انعقاد ‪ ،‬وشروط استمرار ‪.‬‬ ‫ب – العجز عـن القيام بأعباء رئاسة الدولة لي‬ ‫سبب من السباب ‪.‬‬ ‫ج – القهر الذي يجعله عاجزا ‪ w‬عن التصرف‬ ‫بمصالح المسلمين برأيه وفق الشرع ‪ .‬فإذا‬ ‫قهره قاهر إلى حد أصبح فيه عاجزا ‪ w‬عن رعاية‬ ‫مصالح الرعية برأيه وحده حسب أحكام الشرع‬ ‫‪102‬‬


‫يعتبر عاجزا ‪ w‬حكما ‪ w‬عن القيام بأعباء الدولة‬ ‫فيخرج بذلك عن رئاسة الدولة ‪ .‬وهذا يتصور‬ ‫في حالتين ‪:‬‬ ‫الحالة الولى – أن يتسلط عليه فرد واحد أو‬ ‫عدة أفراد من حاشيته فيستبدون‬ ‫بتنفيذ المور ‪ .‬فان كان مأمون‬ ‫الخلص من تسلطهم ينذر مدة معينة‬ ‫ثم إن لم يرفع تسلطهم يخلع ‪ .‬وان‬ ‫لم يكن مأمون الخلص يخلع في‬ ‫الحال ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫الحالة الثانية – أن يصير مأسورا في يد عدو‬ ‫قاهر ‪ ،‬أما بأسره بالفعل ‪ ،‬أو بوقوعه‬ ‫تحت تسلط عدوه ‪ ،‬وفي هذه الحال‬ ‫ينظر ‪ ،‬فان كان مأمون الخلص‬ ‫يمهل حتى يقع اليأس من خلصه ‪،‬‬ ‫فان يئس من خلصه يخلع وان لم‬ ‫يكن مأمول الخلص يخلع في‬ ‫الحال ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 45‬محكمة المظالم وحدها هي التي تقرر ما‬ ‫إذا كانت قد تغيرت حال رئيس الدولة تغيرا ‪w‬‬ ‫يخرجه عن الرئاسة أم ل ‪ ،‬وهي وحدها التي لها‬ ‫صلحية عزله أو إنذاره ‪.‬‬

‫المعاونون‬ ‫المادة ‪ – 46‬يعين رئيس الدولة معاونين له يتحملون‬ ‫مسئولية الحكم ‪ ،‬فيفوض إليهم تدبير المور‬ ‫برأيهم وإمضاءها على اجتهادهم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 47‬يشترط في المعاون ما يشترط في‬ ‫رئيس الدولة ‪ ،‬أي أن يكون رجل ‪ w‬حرا ‪ w‬مسلما ‪w‬‬ ‫بالغا ‪ w‬عاقل ‪ w‬عدل ‪ ، w‬ويشترط فيه علوة على ذلك‬ ‫‪103‬‬


‫أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إليه من‬ ‫أعمال ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 48‬يشترط في تقليد المعاون أن يشتمل‬ ‫على أمرين ‪:‬‬ ‫أحدهما عموم النظر ‪ ،‬والثاني النيابة ‪ .‬ولذلك‬ ‫يجب أن يقول له رئيس الدولة قلدتك ما هو‬ ‫إلى نيابة عني ‪ ،‬أو ما في هذا المعنى من‬ ‫اللفاظ التي تشتمل على عموم النظر‬ ‫والنيابة ‪ .‬فان لم يكن التقليد على هذا الوجه ل‬ ‫يكون معاونا ‪ ، w‬ول يملك صلحيات المعاون إل‬ ‫إذا كان تقليده على هذا الوجه ‪.‬‬ ‫المادة ‪ - 49‬عمل المعاون هو مطالعة رئيس الدولة‬ ‫لما أمضاه من تدبير ‪ ،‬وأنفذه من ولية وتقليد ‪،‬‬ ‫حتى ل يصير في صلحياته كرئيس الدولة ‪.‬‬ ‫فعمله أن يرفع مطالعته وأن ينفذ هذه المطالعة‬ ‫‪ ،‬ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 50‬يجب على رئيس الدولة أن يتصفح أعمال‬ ‫المعاون وتدبيره للمور ‪ ،‬ليقر منها الموافق‬ ‫للصواب ‪ ،‬ويستدرك الخطأ ‪ .‬لن تدبير شؤون‬ ‫المة موكول لرئيس الدولة ومحمول على‬ ‫اجتهاده هو ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ – 51‬إذا دبر المعاون أمرا وأقره رئيس الدولة‬ ‫فان له أن ينفذه كما أقره الرئيس ليس بزيادة‬ ‫ول نقصان ‪ .‬فان عاد رئيس الدولة وعارض‬ ‫المعاون في رد ما أمضاه ينظر ‪ ،‬فان كان في‬ ‫حكم نفذه على وجهه ‪ ،‬أو مال وضعه في حقه ‪،‬‬ ‫فرأي المعاون هو النافذ ‪ ،‬لنه بالصل رأي‬ ‫رئيس الدولة ‪ ،‬وليس لرئيس الدولة أن يستدرك‬ ‫ما نفذ من أحكام وأنفق من أموال ‪ .‬وان كان ما‬ ‫أمضاه المعاون في غير ذلك مثل تقليد وال أو‬ ‫‪104‬‬


‫تجهيز جيش ‪ ،‬جاز لرئيس الدولة معارضة‬ ‫المعاون ‪ ،‬وينفذ رأي رئيس الدولة ‪ ،‬ويلغى عمل‬ ‫المعاون لن لرئيس الدولة الحق في أن‬ ‫يستدرك ذلك من فعل نفسه فله أن يستدركه‬ ‫من فعل معاونه ‪.‬‬ ‫المادة ‪– 52‬ل يخصص كل واحد من المعاونين بدائرة‬ ‫من الدوائر أو بقسم خاص من العمال ‪ ،‬لن‬ ‫وليتهم عامة ‪ .‬وكذلك ل يباشرون المور الدارية‬ ‫‪ ،‬ويكون إشرافهم عاما ‪ w‬على الجهاز الداري ‪.‬‬

‫الجهاز الداري‬ ‫المادة ‪ – 53‬الجهاز الداري قسمان ‪ :‬أحدهما إدارة‬ ‫التنفيذ ‪ ،‬والخر إدارة المصالح ‪ .‬وكلهما ليس‬ ‫من الحكم ‪ ،‬ومن يتولون العمل فيهما أجراء‬ ‫وليسوا حكاما ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 54‬إدارة التنفيذ هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عن‬ ‫رئيس الدولة للجهات الداخلية والخارجية ‪،‬‬ ‫ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات ‪ ،‬فهي‬ ‫واسطة بين رئيس الدولة وغيره تؤدي عنه‬ ‫وتؤدى إليه ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 55‬يشترط فيمن يتولى إدارة التنفيذ أن‬ ‫يكون مسلما ‪ w‬لنه من بطانة رئيس الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 56‬يتولى إدارة التنفيذ مدير واحد ‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يتولها أكثر من واحد ‪ ،‬بحيث يخصص كل واحد‬ ‫بعمل وهي متصلة مباشرة مع رئيس الدولة‬ ‫كالمعاونين ‪ ،‬فمديرها يعتبر معاونا ‪ w‬ولكن في‬ ‫التنفيذ وليس في الحكم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 57‬إدارة المصالح تقوم على مصالح الناس‬ ‫الذين يعيشون في ظل سلطان الدولة ‪ .‬ويعين‬ ‫لكل مصلحة من المصالح مدير يتولى إدارتها ‪،‬‬ ‫‪105‬‬


‫ويكون مسؤول ‪ w‬عنها مباشرة ولهؤلء المديرين‬ ‫صلحية تعيين موظفي دوائرهم ونقلهم وتأديبهم‬ ‫وعزلهم ضمن النظمة الدارية ‪ ،‬ويكون هؤلء‬ ‫الموظفون مسؤولين أمام مديري دوائرهم من‬ ‫حيث عملهم ‪ ،‬ومسؤولين أمام رئيس الدولة‬ ‫والمعاونين والولة من حيث التقيد بالحكام‬ ‫والنظمة العامة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 58‬سياسة إدارة المصالح تقوم على‬ ‫البساطة في النظام ‪ ،‬والسراع في إنجاز‬ ‫العمال ‪ ،‬والكفاية فيمن يتولون الدارة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 59‬لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية‬ ‫رجل ‪ w‬كان أو امرأة مسلما ‪ w‬كان أو غير مسلم أن‬ ‫يعين مديرا ‪ w‬لدارة أية مصلحة من المصالح ‪ ،‬وأن‬ ‫يكون موظفا ‪ w‬فيها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 60‬المدراء في الجهاز الداري كله سواء في‬ ‫إدارة التنفيذ ‪ ،‬أو في إدارة المصالح ل يعزلون‬ ‫إل لسباب موجبة ضمن النظمة الدارية ‪ .‬ولكن‬ ‫يجوز أن ينقل من عمل إلى عمل آخر حسب ما‬ ‫يرى المسؤولون عنه من حيث التوظيف ‪.‬‬

‫الولة‬ ‫المادة ‪ – 61‬تقسم البلد التي تحكمها الدولة إلى‬ ‫وحدات ‪ ،‬وتسمى كل وحدة ولية ‪ .‬وتقسم كل‬ ‫ولية إلى وحدات تسمى كل واحدة منها عمالة ‪،‬‬ ‫ويسمى كل من يتولى الولية واليا ‪ w‬أو أميرا ‪، w‬‬ ‫ويسمى كل من يتولى العمالة عامل ‪ w‬أو حاكما ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 62‬يعين الولة من قبل رئيس الدولة ‪ ،‬ويعين‬ ‫العمال من قبل رئيس الدولة ومن قبل الولة إذا‬ ‫فوض إليهم ذلك ‪ .‬ويشترط في الولة والعمال‬ ‫ما يشترط في المعاونين ‪ ،‬فل بد أن يكونوا‬ ‫‪106‬‬


‫رجال ‪ w‬أحرارا ‪ w‬مسلمين بالغين عقلء عدول ‪ ، w‬وأن‬ ‫يكونوا من أهل الكفاية فيما وكل إليهم من‬ ‫أعمال ‪ ،‬ويتخيرون من أهل التقوى والقوة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 63‬للوالي صلحية الحكم والشراف على‬ ‫أعمال الدوائر في وليته نيابة عن رئيس الدولة‬ ‫فله من الصلحيات في وليته جميع ما للمعاون‬ ‫في الدولة ‪ ،‬فله المارة على أهل وليته ‪ ،‬والنظر‬ ‫في جميع ما يتعلق بها ماعدا المالية والقضاء‬ ‫والجيش ‪ .‬إل أن الشرطة توضع تحت إمارته من‬ ‫حيث التنفيذ ل من حيث الدارة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 64‬ل يجب على الوالي مطالعة رئيس الدولة‬ ‫بما أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إل على‬ ‫وجه الختيار ‪ ،‬فإذا حدث إنشاء جديد غير معهود‬ ‫وقفه على مطالعة رئيس الدولة ‪ ،‬ثم عمل بما‬ ‫أمر به ‪ .‬فإن خاف فساد المر بالنتظار قام‬ ‫بالمر وأطلع رئيس الدولة وجوبا ‪ w‬على المر وعلى‬ ‫سبب عدم مطالعته قبل القيام بعمله ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 65‬يكون في كل ولية مجلس منتخب من‬ ‫أهلها يرأسه الوالي وتكون لهذا المجلس صلحية‬ ‫المشاركة في الرأي في الشؤون الدارية ل في‬ ‫شؤون الحكم ‪ ،‬ورأيه غير ملزم للوالي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 66‬ينبغي أن ل تطول مدة ولية الشخص‬ ‫الواحد على الولية بل يعفى من وليته عليها كلما‬ ‫رؤي له تركز في البلد ‪ ،‬أو افتتن الناس به ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 67‬ل ينقل الوالي من ولية إلى ولية ‪ ،‬لن‬ ‫توليته عامة النظر محدودة المكان ‪ ،‬ولكن يعفى‬ ‫ويولى ثانية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 68‬يعزل الوالي إذا رأى رئيس الدولة عزله ‪،‬‬ ‫أو إذا أظهر مجلس الشورى عدم الرضى منه‬ ‫بسبب أو بدون سبب ‪ ،‬أو إذا أظهر جمهرة أهل‬ ‫‪107‬‬


‫وليته السخط منه ‪ .‬وعزله إنما يجري من قبل‬ ‫رئيس الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 69‬على رئيس الدولة أن يتحرى أعمال الولة‬ ‫‪ ،‬وأن يكون شديد المراقبة لهم ‪ ،‬وأن يعين من‬ ‫ينوب عنه للكشف عن أحوالهم ‪ ،‬والتفتيش عليهم‬ ‫وأن يجمعهم أو قسما ‪ w‬منهم بين الحين والخر ‪،‬‬ ‫وان يصغي إلى شكاوي الرعية منهم ‪.‬‬

‫القضاء‬ ‫المادة ‪ – 70‬القضاء هو الخبار بالحكم الشرعي على‬ ‫سبيل اللزام ‪ ،‬وهو يفصل الخصومات بين‬ ‫الناس ‪ ،‬أو يمنع ما يضر حق الجماعة ‪ ،‬أو يرفع‬ ‫النزاع الواقع بين الناس ‪ ،‬وأي شخص ممن هو‬ ‫في جهاز الحكم ‪ ،‬حكاما ‪ w‬أو موظفين ‪ ،‬رئيس‬ ‫الدولة أو من دونه ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ – 71‬يعين رئيس الدولة قاضيا للقضاة من‬ ‫الرجال البالغين الحرار المسلمين العقلء العدول‬ ‫من أهل الفقه ‪ ،‬وتكون له صلحية تعيين القضاة‬ ‫وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة الدارية ‪ ،‬أما‬ ‫باقي موظفي المحاكم فمربوطون بمدير الدائرة‬ ‫التي تتولى إدارة شؤون المحاكم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 72‬القضاة ثلثة ‪ :‬أحدهم القاضي ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يتولى الفصل في الخصومات بين الناس في‬ ‫المعاملت والعقوبات ‪ .‬والثاني المحتسب وهو‬ ‫الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق‬ ‫الجماعة ‪ .‬والثالث قاضي المظالم ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يتولى رفع النزاع الواقع بين الناس والدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 73‬يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون‬ ‫مسلما ‪ ، w‬حرا ‪ ، w‬بالغا ‪ ، w‬عاقل ‪ ، w‬عدل ‪ ، w‬فقيها ‪، w‬‬ ‫مــــدركا ‪ w‬لتنزيل الحكام على الواقع ‪ .‬ويشترط‬ ‫‪108‬‬


‫فيمن يتولى قضاء المظالم زيادة على هذه‬ ‫الشروط أن يكون رجل ‪ w‬وأن يكون مجتهدا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 74‬يجوز أن يقلد القاضي والمحتسب تقليدا ‪w‬‬ ‫عاما ‪ w‬في القضاء بجميع القضايا في جميع البلد ‪،‬‬ ‫ويجوز أن يقلد تقليدا ‪ w‬خاصـا ‪ w‬بالمكان وبأنواع‬ ‫القضاء ‪ .‬أما قاضي المظالم فل يقلد إل تقليدا ‪ w‬عاما ‪w‬‬ ‫من حيث القضاء ‪ ،‬أما من حيث المكان فيجوز أن‬ ‫يقلد في جميع أنحاء البلد ‪ ،‬ويجوز أن يقلد في‬ ‫ناحية من النواحي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 75‬ل يجوز أن تتألف المحكمة إل من قاض‬ ‫واحد له صلحية الفصل في القضاء ‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يكون معه قاض آخر أو أكثر ‪ ،‬ولكن ليست لهم‬ ‫صلحية الحكم وإنما لهم صلحية الستشارة‬ ‫وإعطاء الرأي ‪ ،‬ورأيهم غير ملزم له ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 76‬ل يجوز أن يقضي القاضي إل في مجلس‬ ‫القضاء ‪ ،‬ول تعتبر البينة واليمين إل في مجلس‬ ‫القضاء ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 77‬يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة‬ ‫لنواع القضايا ‪ .‬فيجوز أن يخصص بعض القضاة‬ ‫بأقضية معينة إلى حد معين ‪ ،‬وأن يوكل أمر غير‬ ‫هذه القضايا إلى محاكم أخرى ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 78‬ل توجد محاكم استئناف ‪ ،‬ول محاكم‬ ‫تمييز ‪ ،‬فالقضاء من حيث البت في القضية درجة‬ ‫واحدة ‪ ،‬فإذا نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ ‪،‬‬ ‫ول ينقضه حكم قاض آخر مطلقا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ – 79‬المحتسب هو القاضي الذي ينظر في‬ ‫كافة القضايا التي هي حقوق عامة ل يوجد فيها‬ ‫مدع ‪ ،‬على أن ل تكون داخلة في الحدود والجنايات‬ ‫‪.‬‬ ‫‪109‬‬


‫المادة ‪ – 80‬يملك المحتسب الحكم في المحالفة فور‬ ‫العلم بها في أي مكان دون الحاجة لمجلس‬ ‫القضاء ‪ ،‬ويجعل تحت يده عدد من الشرطة لتنفيذ‬ ‫أوامره ‪ ،‬وينفذ حكمه في الحال ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ – 81‬للمحتسب الحق في أن يختار نوابا عنه‬ ‫تتوفر فيهم شروط المحتسب ‪ ،‬يوزعهم في‬ ‫الجهات المختلفة ‪ ،‬وتكون لهؤلء ‪ -‬النواب ‪-‬‬ ‫صلحية القيام بوظيفة الحسبة في المنطقة أو‬ ‫المحلة التي عينت لهم في القضايا التي فوضوا‬ ‫فيها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 82‬قاضي المظالم هو قاض ينصب لرفع كل‬ ‫مظلمة تحصل على أي شخص يعيش تحت‬ ‫سلطان الدولة ‪ ،‬سواء أ كان من رعاياها أم من‬ ‫غيرهم ‪ ،‬وسواء حصلت هذه المظلمة من رئيس‬ ‫الدولة أو ممن هو دونه من الحكام الموظفين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 83‬يعين قاضي المظالم من قبل رئيس‬ ‫الدولة ‪ ،‬أو من قبل قاضي القضاة ‪ .‬ولكن ليس‬ ‫لرئيس الدولة ‪ ،‬ول لقاضي القضاة حق عزله ‪،‬‬ ‫وإنما تنظر أعماله من قبل محكمة المظالم ‪ ،‬وهي‬ ‫التي تملك صلحية عزله ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 84‬ل يحصر قاضي المظالم بشخص واحد أو‬ ‫أكثر بل لرئيس الدولة أن يعين عددا ‪ w‬من قضاة‬ ‫المظالم حسب ما يحتاج رفع المظالم مهما بلغ‬ ‫عددهم ‪ .‬ولكن عند مباشرة القضاء ل تكون‬ ‫صلحية الحكم إل لقاض واحد ليس غير ‪ ،‬ويجوز أن‬ ‫يجلس معه عدد من قضاة المظالم أثناء جلسة‬ ‫القضاء ‪ ،‬ولكن تكون لهم صلحية الستشارة ليس‬ ‫غير ‪ ،‬وهو غير ملزم بالخذ برأيهم ‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫المادة ‪ – 85‬لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو‬ ‫موظف في الدولة ‪ ،‬كما لها حق عزل رئيس الدولة‬ ‫‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 86‬تملك محكمة المظالم صلحية النظر في‬ ‫أية مظلمة من المظالم سواء أ كانت متعلقة‬ ‫بأشخاص من جهاز الدولة ‪ .‬أم متعلقة بمخالفة‬ ‫رئيس الدولة لحكام الشرع ‪ ،‬أم متعلقة بمعنى‬ ‫نص من نصوص التشريع في الدستور والقانون‬ ‫وسائر الحكام الشرعية ضمن تبنى رئيس الدولة ‪،‬‬ ‫أم متعلقة بفرض ضريبة مـن الضرائب ‪ ،‬أم غير‬ ‫ذلك ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 87‬ل يشترط في قضاء المظالم مجلس‬ ‫قضاء ‪ ،‬ول دعوة المدعى عليه ‪ ،‬ول وجود مدع ‪،‬‬ ‫بل لها حق النظر في المظلمة ولو لم يدع بها‬ ‫أحد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 88‬لكل إنسان الحق في أن يوكل عنه في‬ ‫الخصومة وفي الدفاع من يشاء سواء أ كان مسلما ‪w‬‬ ‫أم غير مسلم رجل ‪ w‬كان أو امرأة ‪ .‬ول فرق في‬ ‫ذلك بين الوكـيل والموكل ‪ .‬ويجوز للوكيل أن يوكل‬ ‫بأجر ويستحق الجرة على الموكل حسب‬ ‫تراضيهما ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 89‬يجوز للشخص الذي يملك صلحيات في‬ ‫أي عمل من العمال الخاصة كالوصي والوالي ‪ ،‬أو‬ ‫العمال العامة كرئيس الدولة والحاكم والموظف ‪،‬‬ ‫وكقاضي المظالم والمحتسب ‪ ،‬أن يقيم مقامه في‬ ‫صلحيته وكيل ‪ w‬عنه في الخصومة والدفاع فقط‬ ‫باعتبار كونه وصيا ‪ w‬أو وليا ‪ w‬أو رئيس دولة أو حاكم أو‬ ‫موظف أو قاضي مظالم أو محتسب ‪ .‬ول فرق في‬ ‫ذلك بين أن يكون مدعيا ‪ w‬أو مدعى عليه ‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫الجيش‬ ‫المادة ‪ – 90‬الجهاد فرض عـلى المسلمين ‪ ،‬والتدريب‬ ‫على الجندية إجباري ‪ ،‬فكل رجل مسلم يبلغ‬ ‫الخامسة عشرة من عمره فرض عليه أن يتدرب‬ ‫على الجندية استـعدادا ‪ w‬للجهاد ‪ .‬وأما التجنيد فهو‬ ‫فرض على الكفاية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 91‬الجيش قسمان قسم احتياطي ‪ ،‬وهم‬ ‫جميع القادرين على حمل السلح من المسلمين ‪.‬‬ ‫وقسم دائم في الجندية تخصص لهم رواتب في‬ ‫ميزانية الدولة كالموظفين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 92‬القوى المسلحة قوة واحدة هي الجيش‬ ‫وتختار منها فرق خاصة تنظم تنظيما ‪ w‬خاصا ‪ w‬وتعطى‬ ‫ثقافة معينة هي الشرطة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 93‬يعهد إلى الشرطة بحفظ النظام ‪،‬‬ ‫والشراف على المن الداخلي ‪ ،‬والقيام بجميع‬ ‫النواحي التنفيذية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 94‬تجعل للجيش ألوية ورايات ‪ ،‬ورئيس‬ ‫الدولة هو الذي يعقد اللواء لمن يوليه على‬ ‫الجيش ‪ ،‬أما الرايات فيقدمها رؤساء اللوية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 95‬رئيس الدولة هو قائد الجيش ‪ ،‬وهو الذي‬ ‫يعين رئيس الركان ‪ ،‬وهو الذي يعين لكل لواء‬ ‫أميرا ‪ ، w‬ولكل فرقة قائدا ‪ . w‬أما باقي رتب الجيش‬ ‫فيعينهم قواده وأمراء ألويته ‪ .‬وأما تعيين الشخص‬ ‫في الركان فيكون حسب درجة ثـقافته الحربية‬ ‫ويعينه رئيس الركان ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ – 96‬يجعل الجيش كله جيشا واحدا يوضع في‬ ‫معسكرات خاصة ‪ .‬إل أنه يجب أن توضع بعض هذه‬ ‫المعسكرات في مختلف الوليات ‪ ،‬وبعضها في‬ ‫المكنة الستراتيجية ‪ ،‬ويجعل بعضها معسكرات‬ ‫‪112‬‬


‫متنقلة تنقل ‪ w‬دائما ‪ w‬تكون قوات ضاربه ‪ .‬وتنظم هذه‬ ‫المعسكرات في مجموعات متعددة يطلق على كل‬ ‫مجموعة منها أسم جيش ويوضع لها رقم الجيش‬ ‫الول ‪ ،‬الجيش الثالث مثل ‪ ، w‬أو تسمى باسم ولية‬ ‫من الوليات أو عمالة من العمالت ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 97‬يجب أن يوفر في الجيش التعليم‬ ‫العسكري العالي على أرفع مستوى ‪ ،‬وأن يرفع‬ ‫المستوى الفكري لديه بقدر المستطاع وأن يثقف‬ ‫كل شخص في الجيش ثقافة إسلمية تمكنه من‬ ‫الوعي على السلم ولو بشكل إجمالي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 98‬يجب أن يكون في كل معسكر عدد كاف‬ ‫من الركان الذين لديهم المعرفة العسكرية العالية‬ ‫والخبرة في رسم الخطط وتوجيه المعارك ‪ ،‬وأن‬ ‫يوفر في الجيش بشكل عام هؤلء الركان بأوفر‬ ‫عدد مستطاع ‪.‬‬ ‫المادة ‪ – 99‬يجب أن تتوفر لدى الجيش السلحة‬ ‫والمعدات والتجهيزات واللوازم والمهمات التي‬ ‫تمكنه مـن القيام بمهمته بوصفه جيشا ‪ w‬إسلميا ‪. w‬‬

‫النظام الجتماعي‬ ‫‪113‬‬


‫المادة ‪ -100‬الصل في المرأة أنها أم وربة بيت ‪،‬‬ ‫وهي عرض يجب أن يصان ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -101‬الصل أن ينفصل الرجال عن النساء ول‬ ‫يجتمعون إل لحاجة يقرها الشرع كالبـيع ‪ ،‬ويقر‬ ‫الجتماع من أجلها كالحج ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -102‬تعطى المرأة ما يعطى الرجل من‬ ‫الحقوق ‪ ،‬ويفرض عليها ما يفرض عليه من‬ ‫الواجبات إل ما خصها السلم به ‪ ،‬أو خص الرجل به‬ ‫بالدلة الشرعية ‪ .‬فلها الحق في أن تزاول التجارة ‪.‬‬ ‫والزراعة والصناعة ‪ ،‬وأن تتولى العقود والمعاملت ‪،‬‬ ‫وأن تملك كـل أنواع الملك ‪ ،‬وأن تنمى أموالها‬ ‫بنفسها وبغيرها ‪ ،‬وأن تباشر جميع شؤون الحياة‬ ‫بنفسها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -103‬يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة ‪،‬‬ ‫وفي مناصب القضاء ما عدا محكمة المظالم ‪ ،‬وأن‬ ‫تنتخب أعضاء مجلس الشورى ‪ ،‬وأن تكون عضوا ‪w‬‬ ‫فيه ‪ ،‬وأن تشترك في انتخاب رئيس الـدولة‬ ‫ومبايعته ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -104‬ل يجوز أن تتولى المرأة الحكم ‪ ،‬فل‬ ‫تكون رئيس دولة ول قاضيا ‪ w‬في محكمة المظالم ول‬ ‫واليا ‪ w‬ول عامل ‪ w‬ول تباشر أي عمل يعتبر من الحكم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -105‬المرأة تعيش في حياة عامة وفي حياة‬ ‫خاصة ‪ .‬ففي الحياة العامة يجوز أن تعيش مع‬ ‫النساء والرجال المحارم والرجال الجانب على أن‬ ‫ل يظهر منها إل وجهها وكفاها ‪ ،‬غير متبرجة ول‬ ‫متبذلة ‪ .‬وأما في الحياة الخاصة فل يجوز أن تعيش‬ ‫إل مع النساء أو مع محارمها ‪ ،‬ول يجوز أن تعيش مع‬ ‫الرجال الجانب ‪ .‬وفي كلتا الحياتين تتقيد بجميع‬ ‫أحكام الشرع ‪.‬‬ ‫‪114‬‬


‫المادة ‪ -106‬تمنع الخلوة بغير محرم ‪ ،‬ويمنع التبرج‬ ‫وكشف العورة أمام الجانب ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -107‬يمنع كل من الرجل والمرأة من مباشرة‬ ‫أي عمل فيه خطر على الخلق ‪ ،‬أو فساد في‬ ‫المجتمع إذا كان مندرجا ‪ w‬تحت حكم من الحكام‬ ‫الشرعية ‪ ،‬كاستئجار المرأة أو غلم للنتفاع بالميل‬ ‫الجنسي من الرجال لهم كمضيفة الطائرة ‪،‬‬ ‫وكالصبي الجميل عند الحلقين أو في المطاعم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -108‬الحياة الزوجية حياة اطمئنان ‪ ،‬وعشرة‬ ‫الزوجين عشرة صحبة ‪ .‬وقوامة الزوج قوامة رعاية‬ ‫ل قوامة حكم ‪ .‬وقد فرضت عليها الطاعة ‪ ،‬وفرض‬ ‫عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -109‬يتعاون الزوجان في القيام بأعمال البيت‬ ‫تعاونا ‪ w‬تاما ‪ ، w‬وعلى الزوج أن يقوم بجميع العمال‬ ‫التي يقام بها خارج البيت ‪ ،‬وعلى الزوجة أن تقوم‬ ‫بجميع العمال التي يقام بها داخل البيت حسب‬ ‫استطاعتها ‪ .‬وعليه أن يحضر لها خداما ‪ w‬بالقدر الذي‬ ‫يكفي لقضاء الحاجات التي ل تستطيع القيام بها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -110‬كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها‬ ‫‪ ،‬سواء أ كانت مسلمة أو غير مسلمة ما دام الصغير‬ ‫محتاجا ‪ w‬إلى هذه الكفالة فإن استغنى عنها ينظر ‪،‬‬ ‫فإن كانت الحاضنة والولي مسلمين خي‪œ‬ر الصغير في‬ ‫القامة مع من يريد ‪ ،‬فمن يختاره له أن ينضم إليه‬ ‫سواء أكان الرجل أم المرأة ‪ ،‬ول فرق في الصغير‬ ‫بين أن يكون ذكرا ‪ w‬أو أنثى ‪ .‬أما إن كان أحدهما غير‬ ‫مسلم فل يخير بـل ينضم إلى المسلم منهما ‪.‬‬

‫‪115‬‬


‫النظام القتصادي‬ ‫المادة ‪ -111‬سياسة القتصاد هي النظرة إلى ما يجب‬ ‫أن يكون عليه المجتمع عند النظرة إلى إشباع‬ ‫الحاجات ‪ .‬فيجعل ما يجب أن يكون عليه المجتمع‬ ‫أساسا ‪ w‬لشباع الحاجات ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -112‬المشكلة القتصادية هي توزيع الموال‬ ‫والمنافع على جميع أفراد الرعية ‪ ،‬وتمكينهم من‬ ‫النتفاع بها بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -113‬يجب أن يضمن إشباع جميع الحاجات‬ ‫الساسية لجميع الفراد فردا ‪ w‬فردا ‪ w‬إشباعا ‪ w‬كليا ‪ ، w‬وأن‬ ‫يضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات‬ ‫الكمالية على أرفع مستوى مستطاع ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -114‬المال لله وحده وهو الذي استخلف بني‬ ‫النسان فيه فصار لهم بهذا الستخلف العام حق‬ ‫ملكيته ‪ ،‬وهو الذي أذن للفرد بحيازته فصار له بهذا‬ ‫الذن الخاص ملكيته بالفعل ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -115‬الملكية ثلث أنواع ‪ :‬ملكية فردية ‪،‬‬ ‫وملكية عامة ‪ ،‬وملكية الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -116‬الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر‬ ‫بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من‬ ‫انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه ‪.‬‬ ‫‪116‬‬


‫المادة ‪ -117‬الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة‬ ‫بالشتراك في النتفاع بالعين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -118‬كل مال مصرفه موقوف على رأي رئيس‬ ‫الدولة واجتهاده يعتبر ملكا ‪ w‬للدولة ‪ ،‬كأموال‬ ‫الضرائب والخراج والجزية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -119‬الملكية الفردية في الموال المنقولة‬ ‫وغير المنقولة مقيدة بالسباب الشرعية الخمسة‬ ‫وهي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬العمل ‪.‬‬ ‫ب – الرث ‪.‬‬ ‫ج – الحاجة إلى المال لجل الحياة ‪.‬‬ ‫د – إعطاء الدولة من أموالها للرعية ‪.‬‬ ‫هـ – الموال التي يأخذها الفراد دون مقابل‬ ‫مال أو جهد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -120‬التصرف بالملكية مقيد بأذن الشارع ‪،‬‬ ‫سواء أكان تصرفا ‪ w‬بالنفاق أم تصرفا ‪ w‬بتنمية الملك ‪.‬‬ ‫فيمنع السرف والترف والتقتير ‪ ،‬وتمنع الشركات‬ ‫الرأسمالية والجمعيات التعاونية وسائر المعاملت‬ ‫المخالفة للشرع ‪ ،‬ويمنع الربا والغبن الفاحش‬ ‫والحتكار والقمار وما شابه ذلك ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -121‬الرض العشرية هي التي أسلم أهلها‬ ‫عليها وأرض جزيرة العرب ‪ ،‬والرض الخراجية هي‬ ‫التي فتحت حربا ‪ w‬أو صلحا ‪ w‬ما عدا جزيرة العرب ‪.‬‬ ‫والرض العشرية يملـك الفراد رقبتها ومنفعتها ‪.‬‬ ‫وأما الرض الخراجية فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها‬ ‫يملكها الفراد ‪ ،‬ويحق لكل فرد تبادل الرض‬ ‫العشرية ‪ ،‬ومنفعة الرض الخراجية بالعقود الشرعية‬ ‫‪ ،‬وتورث عنهم كسائر الموال ‪.‬‬

‫‪117‬‬


‫المادة ‪ -122‬الرض الموات تملك بالحياء والتحجير ‪،‬‬ ‫وأما غير الموات فل تملك إل بسبب شرعي كالرث‬ ‫والشراء والقطاع ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ -123‬يمنع تأجير الرض للزراعة مطلقا سواء أ‬ ‫كانت خراجية أم عشرية ‪ ،‬كما تمنع المزارعة ‪ .‬أما‬ ‫المساقاة فجائزة مطلقا ‪. w‬‬ ‫المادة ‪ -124‬يجبر كل من ملك أرضا ‪ w‬على استغللها ‪،‬‬ ‫ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا‬ ‫الستغلل ‪ .‬وكل من يهمل الرض ثلث سنين من‬ ‫غير استغلل تؤخذ منه وتعطى لغيره ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -125‬تتحقق الملكية العامة في ثلثة أشياء هي‬ ‫‪:‬‬ ‫أ – كل ما هو من مرافق الجماعة كساحات‬ ‫البلدة ‪.‬‬ ‫ب – المعادن التي ل تنقطع كمنابع البترول ‪.‬‬ ‫ج – الشياء الني طبيعتها تمنع اختصاص الفرد‬ ‫بحيازتها كالنهار ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -126‬المصنع من حيث هو من الملك‬ ‫الفردية ‪ .‬إل أن المصنع يأخذ حكم المادة التي‬ ‫يصنعها ‪ .‬فإن كانت المادة من الملك الفردية كان‬ ‫المصنع ملكا ‪ w‬فرديا ‪ w‬كمصانع النسيج ‪ .‬وإن كانت‬ ‫المادة من الملك العامة كان المصنع ملكا ‪ w‬عاما ‪w‬‬ ‫كمصانع استخراج الحديد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -127‬ل يجوز للدولة أن تحول ملكية فردية إلى‬ ‫ملكية عامة ‪ ،‬لن الملكية العامة ثابتة في طبيعة‬ ‫المال وصفته ل برأي الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -128‬لكل فرد من أفراد المة حق النتفاع بما‬ ‫هو داخل في الملكية العامة ‪ ،‬ول يجوز للدولة أن‬ ‫تأذن لحد دون باقي الرعية بملكية الملك العامة أو‬ ‫استغللها ‪.‬‬ ‫‪118‬‬


‫المادة ‪ -129‬يجوز للدولة أن تحمي من الرض الموات‬ ‫ومما هو داخل في الملكية العامة لية مصلحة تراها‬ ‫من مصالح الرعية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -130‬يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -131‬تجبى الزكاة من المسلمين ‪ ،‬وتؤخذ على‬ ‫الموال التي عين الشرع الخذ منها من نقد‬ ‫وعروض تجارة ومواش وحبوب ‪ ،‬ول تؤخذ من غير‬ ‫ما ورد الشرع به ‪ .‬وتؤخذ من كل مالك سواء أ كان‬ ‫مكلفا ‪ w‬كالبالغ العاقل أم غير مكلف كالصبي‬ ‫والمجنون ‪ .‬وتوضع في باب خاص من بيت المال ‪،‬‬ ‫ول تصرف إل لواحد أو أكثر من الصناف الثمانية‬ ‫الذين ذكرهم القرآن الكريم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -132‬تجبى الجزية من الذميين ‪ ،‬وتؤخذ على‬ ‫الرجال البالغين إذا كانوا يحتملونها ‪ ،‬ول تؤخذ على‬ ‫النساء ول على الولد ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -133‬يجبى الخراج على الرض الخراجية بقدر‬ ‫احتمالها ‪ ،‬وأما الرض العشرية فتجبى منها الزكاة‬ ‫على الناتج الفعلي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -134‬تستوفى من المسلمين الضريبة التي‬ ‫أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المـال ‪،‬‬ ‫على شرط أن يكون استيفاؤها مما يزيد على‬ ‫الحاجات التي يجب توفيرها لصاحب المال‬ ‫بالمعروف ‪ ،‬وأن يراعى فيها كفايتها لسد حاجات‬ ‫‪w‬‬ ‫الدولة ‪ ،‬ول تؤخذ من غير المسلمين ضريبة مطلقا ‪،‬‬ ‫ول يحصل منهم مال إل الجزية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -135‬كل ما أوجب الشرع على المة القيام به‬ ‫من العمال وليس في بيت المال القيام به فإن‬ ‫وجوبه ينتقل على المة ‪ ،‬وللدولة حينئذ الحق في أن‬ ‫تحصله من المة بفرض الضريبة عليها ‪ .‬وما لم‬ ‫يجب على المة شرعا ‪ w‬القيام به ل يجوز للدولة أن‬ ‫‪119‬‬


‫تفرض أي ضريبة من أجله ‪ ،‬فل يجوز أن تأخذ‬ ‫رسوما ‪ w‬للمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي مصلحة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -136‬لميزانية الدولة أبواب دائمية قررتها‬ ‫أحكام شرعية ‪ .‬وأما فصول الميزانية والمبالغ التي‬ ‫يتضمنها كل فصل ‪ ،‬والمور التي تخصص لها هذه‬ ‫المبالغ في كل فصل ‪ ،‬فإن ذلك موكول لرأي رئيس‬ ‫الدولة واجتهاده ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -137‬واردات بيت المال الدائمية هي الفيء‬ ‫كله ‪ ،‬والجزية والخراج ‪ ،‬وخمس الركاز ‪ ،‬والزكاة ‪.‬‬ ‫وتؤخذ هذه الموال دائميا ‪ w‬سواء أ كانت هنالك حاجة‬ ‫أم لم تكن ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -138‬إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية‬ ‫لنفقات الدولة فإن لها أن تحصل من المسلمين‬ ‫ضرائب ‪ ،‬ويجب أن تسير في تحصيل الضرائب على‬ ‫الوجه التالي ‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬لسد النفقات الواجبة على بيت المال‬ ‫للفقراء والمساكين وأبن السبيل وللقيام‬ ‫بفرض الجهاد ‪.‬‬ ‫ب – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على‬ ‫سبيل البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند‬ ‫وتعويضات الحكام ‪.‬‬ ‫ج – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على‬ ‫وجه المصلحة والرفاق دون بدل كإنشاء‬ ‫الطرقات واستخراج المياه وبناء المساجد‬ ‫والمدارس والمستشفيات ‪.‬‬ ‫د – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على‬ ‫وجه الضرورة كحادث طرأ على الرعية من‬ ‫مجاعة أو طوفان أو زلزال ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -139‬يعتبر من الواردات التي توضع في بيت‬ ‫المال الموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور‬ ‫‪120‬‬


‫البلد ‪ ،‬والموال الناتجة من الملكية العامة أو من‬ ‫ملكية الدولة ‪ ،‬والموال الموروثة عمن ل وارث له ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -140‬نفقات بيت المال مقسمة على ست‬ ‫جهات هي ‪:‬‬ ‫أ – الصناف الثمانية الذين يستحقون أموال‬ ‫الزكاة يصرف لهم من باب الزكاة ‪ .‬فإذا لم‬ ‫يوجد مال في باب الزكاة ل يصرف لهم‬ ‫شيء ‪.‬‬ ‫ب – الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد‬ ‫والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة‬ ‫مال صرف لهم من واردات بيت المال الدائمية‬ ‫‪ ،‬وإذا لم يوجد ل يصرف للغارمين شيء ‪ .‬وأما‬ ‫الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد‬ ‫فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم ويقترض لجل‬ ‫ذلك في حالة خوف الفساد ‪.‬‬ ‫ج – الشخاص الذين يؤدون خدمات للدولة‬ ‫كالموظفين والجند فإنه يصرف لهم من بيت‬ ‫المال ‪ .‬وإذا لم يكف مال بيت المال تحصل‬ ‫ضرائب في الحال لسد هذه النفقات ويقترض‬ ‫لجلها في حالة خوف الفساد ‪.‬‬ ‫د – المصالح والمرافق الساسية كالطرقات‬ ‫والمساجد والمستشفيات والمدارس يصرف‬ ‫عليها من بيت المال فإذا لم يف ما في بيت‬ ‫المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه‬ ‫النفقات ‪.‬‬ ‫هـ – المصالح والمرافق الكمالية يصرف عليها‬ ‫من بيت المال فإذا لم يوجد ما يكفي لها في‬ ‫بيت المال ل يصرف لها وتؤجل ‪.‬‬ ‫و – الحوادث الطارئة كالزلزل والطوفان‬ ‫يصرف عليها من بيت المال ‪ ،‬وإذا لم يوجد‬ ‫‪121‬‬


‫يقترض لجلها المال في الحال ثم يسدد من‬ ‫الضرائب التي تجمع ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -141‬تضمن الدولة إيجاد العمال لكل من‬ ‫يحمل التابعية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -142‬الموظفون عند الفراد والشركات‬ ‫كالموظفين عند الدولة في جميع الحقوق والواجبات‬ ‫‪ ،‬وكل من يعمل بأجر موظف مهما اختلف نوع‬ ‫العمل أو العامل ‪ .‬وإذا اختلف الجير والمستأجر‬ ‫على الجرة يحكم أجر المثل ‪ .‬أما إذا اختلفوا على‬ ‫غيرها فيحكم عقد الجارة على حسب أحكام الشرع‬ ‫‪.‬‬ ‫المادة ‪ -143‬يجوز أن تكون الجرة حسب منفعة‬ ‫العمل ‪ ،‬وأن تكون حسب منفعة العامل ‪ ،‬ول تكون‬ ‫حسب معلومات الجير ‪ ،‬أو شهاداته العلمية ‪ ،‬ول‬ ‫توجد زيادات سنوية للموظفين بل يعطون جميع ما‬ ‫يستحقون من أجر سواء أ كان على العمل أم على‬ ‫العامل ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -144‬تضمن الدولة نفقة من ل مال عنده ول‬ ‫عمل له ‪ ،‬ول يوجد من تجب عليه نفقتـه ‪ .‬وتتولى‬ ‫إيواء العجزة وذوي العاهات ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -145‬تعمل الدولة على تداول المال بين‬ ‫الرعية ‪ ،‬وتحول دون تداوله بين فئة خاصة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -146‬تعالج الدولة تمكين كل فرد من الرعية‬ ‫من إشباع حاجاته الكمالية ‪ ،‬وإيجاد التوازن في‬ ‫المجتمع على الوجه التالي ‪:‬‬ ‫أ – أن تعطي المال منقول ‪ w‬أو غير منقول من‬ ‫أموالها التي تملكها في بيت المال ‪ ،‬ومن‬ ‫الفيء وما شابهه ‪.‬‬ ‫ب – أن تقطع من الراضي العامرة من ل‬ ‫‪w‬‬ ‫يملكون أرضا ‪ w‬كافية ‪ .‬أما من يملكون أرضا ول‬ ‫‪122‬‬


‫يستغلونها فل تعطيهم وتعطي العاجزين عن‬ ‫الزراعة مال ‪ w‬لتجعل لديهم القدرة على‬ ‫الزراعة ‪.‬‬ ‫ج – تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من‬ ‫مال الزكاة ومن الفيء وما شابهه ‪.‬‬ ‫د – تعطي المحتاج وغير المحتاج من أموال‬ ‫الملكية العامة حسب ما تراه مؤديا ‪ w‬للتمكين‬ ‫من إشباع الحاجات الكمالية ‪ ،‬وليجاد التوازن ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -147‬تشرف الدولة على الشؤون الزراعية‬ ‫ومحصولتها وفق ما تتطلبه السياسة الزراعية التي‬ ‫تحقق استغلل الرض على أعلى مستوى من النتاج‬ ‫‪.‬‬ ‫المادة ‪ -148‬تشرف الدولة على الشؤون الصناعية‬ ‫برمتها ‪ ،‬وتتولى مباشرة الصناعات التي تتعلق بما‬ ‫هو داخل في الملكية العامة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -149‬التجارة الخارجية تعتبر حسب تابعية‬ ‫التاجر ل حسب منشأ البضاعة ‪ ،‬فالتجار الحربيون‬ ‫يمنعون من التجارة في بلدنا ‪ .‬إل بإذن خاص للتاجر‬ ‫أو للمال ‪ .‬والتجار المعاهدون يعاملون حسب‬ ‫المعاهدات التي بيننا وبينهم ‪ ،‬والتجار الذين من‬ ‫الرعية يمنعون من إخراج ما تحتاجه البلد من المواد‬ ‫ومن إخراج المواد الستراتيجية ‪ ،‬ول يمنعون من‬ ‫إدخال أي مال يملكونه ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -150‬لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء‬ ‫المختبرات العلمية المتعلقة بكافة شؤون الحياة ‪،‬‬ ‫وعلى الـدولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -151‬يمنع الفراد من ملكية المختبرات التي‬ ‫تنتج مواد تؤدي ملكيتهم لها حتما ‪ w‬إلى ضرر على‬ ‫المة أو على الدولة قد نص الشرع على تحريمه ‪.‬‬ ‫‪123‬‬


‫المادة ‪ -152‬توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجانا ‪w‬‬ ‫للجميع ولكنها ل تمنع استئجار الطباء ‪ ،‬ول بيع‬ ‫الدوية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -153‬يمنع استغلل واستثمار الموال الجنبية‬ ‫في البلد ‪ ،‬كما يمنع منح المتيازات لي أجنبي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -154‬تصدر الدولة نقدا ‪ w‬خاصا ‪ w‬بها يكون مستقل ‪w‬‬ ‫ول يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -155‬نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة‬ ‫كانت أو غير مضروبة ‪ ،‬ول يجوز أن يكون لها نقد‬ ‫غيرهما ‪.‬‬ ‫ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئا ‪w‬‬ ‫آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما‬ ‫يساويه من الذهب والفضة ‪ .‬فيجوز أن تصدر الدولة‬ ‫نحاسا ‪ w‬أو برونزا ‪ w‬أو ورقا ‪ w‬أو غير ذلك وتضربه باسمها‬ ‫نقدا ‪ w‬لها إذا كان له مقابل يساويه تماما ‪ w‬من الذهب‬ ‫والفضة ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ -156‬يمنع فتح المصارف منعا باتا ‪ ،‬ول يكون‬ ‫إل مصرف الدولة ‪ ،‬ول يتعامل بالربا ويكون دائرة‬ ‫من دوائر بيت المال ‪ .‬ويقوم بإقراض الموال حسب‬ ‫أحكام الشرع ‪ ،‬وبتسهيل المعاملت المالية والنقدية‬ ‫‪.‬‬ ‫المادة ‪ -157‬الصرف بين عملة الدولة وبين عملت‬ ‫الدول الخرى جائز كالصرف بين عملتها هي سواء‬ ‫بسواء ‪ ،‬وجائز أن يتفاضل الصرف بينهما إذا كانا من‬ ‫جنسين مختلفين على شرط أن يكون يد بيد ‪ ،‬ول‬ ‫يصح أن يكون نسيئة ‪ .‬ويسمح بتغيير سعر الصرف‬ ‫دون أي قيد ما دام الجنسان مختلفين ‪ ،‬ولكل فرد‬ ‫من أفراد الرعية أن يشتري العملة التي يريدها من‬ ‫الداخل والخارج وان يشتري بها دون أي حاجة إلى‬ ‫إذن عملة أو غيره ‪.‬‬ ‫‪124‬‬


‫سياسة التعليم‬ ‫المادة ‪ -158‬يجب أن يكون الساس الذي يقوم عليه‬ ‫منهج التعليم هو العقيدة السلمية ‪ ،‬فتوضع مواد‬ ‫الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي ل‬ ‫يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الساس ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -159‬سياسة التعليم هي تكوين العقلية‬ ‫السلمية والنفسية السلمية ‪ ،‬فتوضع جميع مواد‬ ‫الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه‬ ‫السياسة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -160‬الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية‬ ‫السلمية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة‬ ‫بشؤون الحياة ‪ .‬فتجعل طرق التعليم على الوجه‬ ‫‪125‬‬


‫الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير‬ ‫هذه الغاية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -161‬يجب أن يفرق في التعليم بين العلوم‬ ‫التجريبية وما هو ملحق بها كالرياضيات ‪ ،‬وبين‬ ‫المعارف الثقافية ‪ .‬فتدرس العلوم التجريبية وما‬ ‫يلحق بها حسب الحاجة ‪ ،‬ول تقيد في أي مرحلة من‬ ‫مراحل التعليم ‪ .‬أما المعارف الثقافية فإنها تؤخذ‬ ‫في المرحلتين البتدائية والثانوية وفق سياسة معينة‬ ‫ل تتناقض مع أفكار السلم وأحكامه ‪ .‬وأما في‬ ‫المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعارف كما يؤخذ العلم‬ ‫على شرط أن ل تؤدي إلى أي خروج عن سياسة‬ ‫التعليم وغايته ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -162‬يجب تعليم الثقافة السلمية في جميع‬ ‫مراحل التعليم ‪ ،‬وأن يخصص في المرحلة العالية‬ ‫فروع لمختلف المعارف السلمية كما يخصص فيها‬ ‫للطب والهندسة والطبيعيات وما شاكلها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -163‬الفنون والصناعات قد تلحق بالعلم من‬ ‫ناحية كالفنون التجارية والملحة والزراعة وتؤخذ‬ ‫دون قيد أو شرط ‪ ،‬وقد تلحق بالثقافة عندما تتأثر‬ ‫بوجهة نظر خاصة كالتصوير والنحت فل تؤخذ إذا‬ ‫ناقضت وجهة نظر السلم ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ -164‬يكون برنامج التعليم واحدا ‪ ،‬ول يسمح‬ ‫ببرنامج غير برنامج الدولة ‪ .‬ول تمنع المدارس‬ ‫الهلية ما دامت مقيدة ببرنامج الدولة ‪ ،‬قائمة على‬ ‫أساس منهج التعليم ‪ ،‬متحققا ‪ w‬فيها سياسة التعليم‬ ‫وغايته على أن ل تكون أجنبية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -165‬تعليم ما يلزم للنسان في معترك الحياة‬ ‫فرض على الدولة لكل فرد ذكرا ‪ w‬كان أو أنثى ‪ ،‬في‬ ‫المرحلتين البتدائية والثانوية ‪ ،‬فعليها أن توفر ذلك‬ ‫‪126‬‬


‫للجميع مجانا ‪ ، w‬ويفسح مجال التعليم العالي مجانا ‪w‬‬ ‫للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -166‬تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر‬ ‫وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات‬ ‫لتمكين الذين يرغبون مواصلة البحاث في شتى‬ ‫المعارف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير ‪،‬‬ ‫ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء ‪ ،‬ومن اختراعات‬ ‫واكتشافات ومن غير ذلك ‪ ،‬حتى يوجد في المة‬ ‫حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -167‬يمنع استغلل التأليف للتعليم في جميع‬ ‫مراحله ول يملك أحد مؤلفا ‪ w‬كان أو غير مؤلف‬ ‫حقـوق الطبع والنشر إذا طبع الكتاب ونشره ‪ .‬أما‬ ‫إذا كان أفكارا ‪ w‬لديه لم تطبع ولم تنشر فيجوز له أن‬ ‫يأخذ أجرة إعطائها للناس كما يأخذ أجرة التعليم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -168‬لكل فرد من الرعية أن يصدر أي جريدة‬ ‫أو مجلة سياسية كانت أم غير سياسية ‪ ،‬وأن يصدر‬ ‫أي كتاب دون حـاجة لي ترخيص ‪ .‬ويعاقب كل من‬ ‫يطبع أو ينشر أو يصدر أي شيء من شأنه أن يهدم‬ ‫الساس الذي تقوم عليه الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -169‬تعمل الدولة على مكافحة المية ‪،‬‬ ‫وتثقيف من فاتتهم الثقافة في سن التعليم ‪.‬‬

‫السياسة الخارجية‬ ‫المادة ‪ -170‬السياسة هي رعاية شؤون المة داخليا ‪ w‬و‬ ‫خارجيا ‪ ، w‬وتكون من قبل الدولة والمة ‪ .‬فالدولة هي‬ ‫التي تباشر هذه الرعاية عمليا ‪ ، w‬والمة هي التي‬ ‫تحاسب بها الدولة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -171‬ل يجوز لي فرد ‪ ،‬أو حزب ‪ ،‬أو كتلة ‪ ،‬أو‬ ‫جماعة ‪ ،‬أن تكون لهم علقة بأي دولة من الدول‬ ‫‪127‬‬


‫الجنبية مطلقا ‪ . w‬والعلقة بالدول محصورة بالدولة‬ ‫وحدها ‪ ،‬لن لها وحـدها حق رعاية شؤون المة‬ ‫عمليا ‪ . w‬وعلى المة والتكتلت أن تحاسب الدولة‬ ‫على هذه العلقات الخارجية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -172‬الغاية ل تبرر الواسطة ‪ ،‬لن الطريقة من‬ ‫جنس الفكرة فل يتوصل بالحرام إلى الواجب ول‬ ‫إلى المباح ‪ .‬والوسيلة السياسية ل يجوز أن تناقض‬ ‫طريقة السياسة ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -173‬المناورات السياسية ضرورية في‬ ‫السياسة الخارجية ‪ ،‬والقوة فيها تكمن في إعلن‬ ‫العمال وإخفاء الهداف ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -174‬الجرأة في كشف جرائم الدول ‪ ،‬وبيان‬ ‫خطر السياسات الزائفة ‪ ،‬وفضح المؤامرات‬ ‫الخبيثة ‪ ،‬وتحطيم الشخصيات المضللة ‪ ،‬هي من‬ ‫أهم السالـيب السياسية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -175‬يعتبر إظهار عظمة الفكار السلمية في‬ ‫رعاية شؤون الفراد والمم والدول من أعظم‬ ‫الطرق السياسية ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -176‬القضية السياسية للمة هي السلم في‬ ‫قوة شخصية دولته ‪ ،‬وإحسان تطبيق أحكامه ‪،‬‬ ‫والدأب على حمل دعوته إلى العالم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -177‬السلم هو المحور الذي تدور حوله‬ ‫السياسة الخارجية ‪ ،‬وعلى أساسه تبنى علقة‬ ‫الدولة بجميع الدول ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -178‬علقة الدولة بغيرها من الدول القائمة‬ ‫في العالم تقوم على اعتبارات أربعة ‪:‬‬ ‫أحدها ‪ :‬الدول القائمة في العالم السلمي تعتبر‬ ‫كأنها قائمة في بلد واحدة ‪ .‬فل تدخل ضمن‬ ‫العلقات الخارجية ‪ ،‬ول تعتبر العلقات معها‬ ‫من السياسة الخارجية ‪ ،‬ويجب أن يعمل‬ ‫‪128‬‬


‫لتوحيدها كلها في دولة واحدة ‪ .‬ول يعتبر‬ ‫رعاياها أجانب ‪ ،‬بل لهم الحق كأي فرد من‬ ‫أفراد الرعية إن كانت دارهم دار إسلم ‪ ،‬أما‬ ‫إن كانت دارهم دار كفر فيعتبر رعاياها أجانب ‪.‬‬ ‫ثانيها ‪ :‬الدول التي بيننا ‪ ،‬وبينها معاهدات اقتصادية ‪،‬‬ ‫أو معاهدات تجارية ‪ ،‬أو معاهدات حسن جوار ‪،‬‬ ‫أو معاهدات ثقافية تعامل وفق ما تنص عليه‬ ‫المعاهدات ‪ .‬ولرعاياها الحق في دخول البلد‬ ‫بالهوية دون حاجة إلى جواز سفر إذا كانت‬ ‫المعاهدة تنص على ذلك ‪ ،‬على شرط المعاملة‬ ‫بالمثل فعل ‪ . w‬وتكون العلقات القتصادية‬ ‫والتجارية معها محدودة بأشياء معينة ‪ ،‬وصفات‬ ‫معينة على أن تكون ضرورية ‪ ،‬ومما ل يؤدي‬ ‫إلى تقويتها ‪.‬‬ ‫ثالثها ‪ :‬الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات ‪،‬‬ ‫والدول الستعمارية فعل ‪ w‬كإنجلترا وأمريكا‬ ‫وفرنسا والدول التي تطمع في بلدنا كروسيا ‪،‬‬ ‫تعتبر دول ‪ w‬محاربة حكما ‪ ، w‬فتتخذ جميع‬ ‫الحتياطات بالنسبة لها ‪ ،‬ول يصح أن تنشأ معها‬ ‫أية علقات دبلوماسية ‪ .‬ولرعايا هذه الدول أن‬ ‫يدخلوا بلدنا ‪ ،‬ولكن بجواز سفر وبتأشيرة‬ ‫خاصة لكل فرد ولكل سفرة ‪.‬‬ ‫رابعها ‪ :‬الدول المحاربة فعل ‪ w‬كإسرائيل مثل ‪ w‬يجب أن‬ ‫نتخذ معها حالة الحرب أساسا ‪ w‬لكافة التصرفات‬ ‫‪ .‬وتعامل كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أ‬ ‫كانت بيننا وبينها هدنة أم ل ‪ .‬ويمنع جميع‬ ‫رعاياها من دخول البلد ‪ ،‬وتستباح دماء وأموال‬ ‫غير المسلمين منهم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -179‬تمنع منعا ‪ w‬باتا ‪ w‬المعاهدات العسكرية ‪ ،‬وما‬ ‫هو من جنسها ‪ ،‬أو ملحق بها كالمعاهدات‬ ‫‪129‬‬


‫السياسية ‪ ،‬واتفاقيات تـأجير القواعد والمطارات ‪،‬‬ ‫ويجوز عقد معاهدات حسن الجوار ‪ ،‬والمعاهدات‬ ‫القتصادية ‪ ،‬والتجارية ‪ ،‬والمالية ‪ ،‬والثقافية ‪،‬‬ ‫ومعاهدات الهدنة ‪.‬‬ ‫‪w‬‬ ‫المادة ‪ -180‬يسمح للدول غير المحاربة فعل ‪ ،‬وغير‬ ‫الدول الستعمارية فعل ‪ ، w‬وغير الدول الطامعة في‬ ‫بلدنا ‪ ،‬أن تفتح سفارات في البلد على شرط أن‬ ‫تمنع نشاطها الثقافي والسياسي ‪ ،‬وتقيد صلحيتها‬ ‫وتنقلتها ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -181‬تفتح الدولة سفارات لدي الدول غير‬ ‫المحاربة فعل ‪ w‬حسب ما تقتضيه مصلحة الدعوة‬ ‫ويكون من عمل هذه السفارات حمل الدعوة‬ ‫والدعاية للسلم ‪.‬‬ ‫المادة ‪ -182‬المنظمات التي تقوم على غير أساس‬ ‫السلم ‪ ،‬أو تطبق أحكاما ‪ w‬غير أحكام السلم ‪ ،‬ل‬ ‫يجوز للدولة أن تشترك فيها ‪ ،‬وذلك كالمنظمات‬ ‫الدولية مثل هيئة المم ‪ ،‬ومحكمة العدل الدولية ‪،‬‬ ‫وصندوق النقد الدولي ‪ ،‬والبنك الدولي ‪.‬‬ ‫وكالمنظمات القليمية مثل الجامعة العربية ‪،‬‬ ‫ومؤسسة النماء العربي ‪.‬‬

‫‪130‬‬


‫الخلق في السلم‬ ‫عرف السلم بأنه الدين الذي أنزله الله على‬ ‫سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‪ ،‬بتنظيم‬ ‫علقة النسان بخالقه ‪ ،‬وبنفسه ‪ ،‬وبغيره من بني‬ ‫النسان ‪ .‬وعلقة النسان بخالقه تشمل العقائد‬ ‫والعبادات ‪ ،‬وعلقة النسان بنفسه تشمل الخلق‬ ‫والمطعومات والملبوسات وعلقته بغيره من بني‬ ‫النسان تشمل المعاملت والعقوبات ‪.‬‬ ‫والسلم يعالج مشاكل النسان كلها ‪ ،‬وينظر‬ ‫للنسان كـل ‪ w‬ل يتجزأ ‪ ،‬ولذلك يعالج مشاكله بطريقة‬ ‫واحدة ‪ ،‬وقد بنى نظامه على أساس روحي ‪ ،‬هو‬ ‫العقيدة ‪ ،‬فكانت الناحية الروحية هي أساس حضارته ‪،‬‬ ‫وهي أساس دولته ‪ ،‬وهي أساس شريعته ‪.‬‬ ‫ومع أن الشريعة السلمية فصلت النظمة تفصيل ‪w‬‬ ‫دقيقا ‪ ، w‬كأنظمة العبادات والمعاملت والعقوبات ‪ ،‬فإنها‬ ‫لم تجعل للخلق نظاما ‪ w‬منفصل ‪ ، w‬وإنما عالجت أحكام‬ ‫الخلق على اعتبار أنها أوامر ونواه من الله ‪ ،‬دون‬ ‫النظر إلى تفصيل أنها أخلق يجب أن تعطى جانبا ‪w‬‬ ‫خاصا ‪ w‬من العناية يمتاز على غيره ‪ ،‬بل هي من حيث‬ ‫تفصيل الحكام ‪ ،‬أقل تفصيل ‪ w‬من غيرها ‪ ،‬ولم تجعل لها‬ ‫في الفقه بابا ‪ €‬خاصا ‪ ، w‬فل نجد في كتب الفقه التي‬ ‫تحوي الحكام الشرعية بابا ‪ w‬يسمى باب الخلق ‪ .‬ولم‬ ‫يعن الفقهاء والمجتهدين في أمر الحكام الخلقية‬ ‫بالبحث والستنباط ‪.‬‬ ‫والخلق ل تؤثر على قيام المجتمع بحال ‪ ،‬لن‬ ‫المجتمع يقوم على أنظمة الحياة ‪ ،‬وتؤثر فيه المشاعر‬ ‫والفكار ‪ ،‬وأما الخلق فل يؤثر في قيام المجتمع ‪ ،‬ول‬ ‫في رقيه أو انحطاطه ‪ ،‬بل المؤثر هو العرف العام‬ ‫الناجم عن المفاهيم عن الحياة ‪ ،‬والمسير للمجتمع‬ ‫‪131‬‬


‫ليس الخلق ‪ ،‬وإنما هي النظمة التي تطبق فيه ‪،‬‬ ‫والفكار والمشاعر التي يحملها الناس والخلق ذاته‬ ‫ناجم عن الفكار والمشاعر ونتيجة لتطبيق النظام ‪.‬‬ ‫وعلى ذلك فل يجوز أن تحمل الدعوة إلى الخلق‬ ‫في المجتمع ‪ ،‬لن الخلق نتائج لوامر الله ‪ ،‬فهي تأتي‬ ‫من الدعوة إلى العقيدة ‪ ،‬وإلى تطبيق السلم بصفة‬ ‫عامة ‪ .‬ولن في الدعوة إلى الخلق قلبا ‪ w‬للمفاهيم‬ ‫السلمية عن الحياة ‪ ،‬وإبعادا ‪ w‬للناس عن تفهم حقيقة‬ ‫المجتمع ومقوماته ‪ ،‬وتخديرا ‪ w‬لهم بالفضائل الفردية‬ ‫يؤدي إلى الغفلة عن الوسائل الحقيقية لرقي الحياة ‪.‬‬ ‫ولهذا كان من الخطر أن تجعل الدعوة السلمية‬ ‫دعـوة إلى الخلق ‪ ،‬لنها توهم أن الدعوة السلمية‬ ‫دعوة خلقية ‪ ،‬وتطمس الصورة الفكرية عن السلم ‪،‬‬ ‫وتحول دون فهم الناس له ‪ ،‬وتصرفهم عن الطريقة‬ ‫الوحيدة التي تؤدي إلى تطبيقه وهي قيام الدولة‬ ‫السلمية ‪ .‬والشريعة السلمية حين عالجت علقة‬ ‫النسان بنفسه بالحكام الشرعية المتعلقة بالصفات‬ ‫الخلقية ‪ ،‬لم تجعل ذلك نظاما ‪ w‬كالعبادات والمعاملت ‪،‬‬ ‫وإنما راعت فيها تحقيق قيم معينة ‪ ،‬أمر الله بها ‪،‬‬ ‫كالصدق والمانة وعدم الغش والحسد ‪ ،‬فهي تحصل‬ ‫من شيء واحد هو المر من الله تعالى بالقيمة الخلقية‬ ‫‪ ،‬كالمكارم والفضائل ‪ .‬فالمانة خلق أمر الله به ‪،‬‬ ‫فيجب أن تراعى قيمتها الخلقية حين القيام بها ‪،‬‬ ‫ولذلك تتحقق بها القيمة الخلقية وتسمى أخلقا ‪ . w‬وأما‬ ‫حصول هذه الصفات من نتائج العمال كالعفة الناتجة‬ ‫عن الصلة ‪ ،‬أو حصولها من وجوب مراعاتها عند القيام‬ ‫بالمعاملت كالصدق في البيع ‪ ،‬فل تحصل فيه قيمة‬ ‫خلقية ‪ ،‬لنها لم تكن مقصودة من القيام بالعمل ‪ ،‬بل‬ ‫كانت هذه الصفات الحاصلة من نتائج العمال ‪ ،‬ومن‬ ‫وجوب المراعاة ‪ ،‬صفات خلقية للمؤمن حين يعبد‬ ‫‪132‬‬


‫الله ‪ ،‬وحين يقوم بالمعاملت ‪ .‬فإن المؤمن حقق‬ ‫بالقصد الول القيمة الروحية من الصلة وحقق بالقصد‬ ‫الثاني القيمة المادية من التجارة ‪ ،‬واتصف في نفس‬ ‫الوقت بالصفات الخلقية ‪.‬‬ ‫وقد بين الشارع الصفات التي يعتبر التصاف بها‬ ‫خلقا ‪ w‬حسنا ‪ w‬والتي يعتبر التصاف بها خلقا ‪ w‬سيئا ‪ ، w‬فحث‬ ‫على الحسن منها ونهى عن السيئ ‪ :‬حث على الصدق‬ ‫‪ ،‬والمانة ‪ ،‬وطلقـة الوجه ‪ ،‬والحياء ‪ ،‬وبر الوالدين ‪،‬‬ ‫وصلة الرحم ‪ ،‬وتفريج الكربات ‪ ،‬وأن يحب المرء لخيه‬ ‫ما يحبه لنفسه ‪ ،‬واعتبر كل ذلك ومثله حثا ‪ w‬على اتباع‬ ‫أوامر الله ‪ .‬ونهى عن أضدادها كالكذب والخيانة‬ ‫‪w‬‬ ‫والحسد والفجور وأمثالها ‪ ،‬واعتبر ذلك ومثله نهيا عما‬ ‫نهى الله عنه ‪.‬‬ ‫والخلق جزء من هذه الشريعة ‪ ،‬وقسم من أوامر‬ ‫الله ونواهيه ‪ ،‬ل بد من تحقيقها في نفس المسلم ‪.‬ليتم‬ ‫عمله بالسلم ‪ ،‬ويكمل قيامه بأوامر الله ‪ .‬غير أن‬ ‫الوصول إليها في المجتمع كله يكون عن طريق إيجاد‬ ‫المشاعر السلمية ‪ ،‬والفكار السلمية ‪ ،‬وبتحقيقها‬ ‫في الجماعة تتحقق في الفراد ضرورة ‪ ،‬وبديهي أن‬ ‫الوصول إليها ل يكون بالدعوة إلى الخلق ‪ ،‬بل‬ ‫بالطريق المشار إليها من إيجاد المشاعر والفكار ‪،‬‬ ‫غير أن البدء يقضي بإعداد كتلة بالسلم كله ‪ ،‬يكون‬ ‫فيها الفراد كأجزاء في جماعة ‪ ،‬ل كأفراد مستقلين ‪،‬‬ ‫ليحملوا الدعوة السلمية الكاملة في المجتمع ‪،‬‬ ‫فيوجدوا المشاعر السلمية ‪ ،‬والفكار السلمية ‪،‬‬ ‫فيدخل الناس في الخلق أفواجا ‪ w‬تبعا ‪ w‬لدخولهم في‬ ‫السلم أفواجا ‪ . w‬وينبغي أن يفهم جليا ‪ w‬أن قولنا هذا‬ ‫يجعل الخلق لزمة لزوما ‪ w‬حتميا ‪ w‬لوامر الله ‪ ،‬وتطبيق‬ ‫السلم ‪ ،‬ويؤكد ضرورة اتصاف المسلم ‪ ،‬بالخلق‬ ‫الحسنة ‪.‬‬ ‫‪133‬‬


‫وقد بين الله تعالى في كثير من سور القرآن‬ ‫الكريم الصفات التي يجب أن يتصف بها النسـان ‪،‬‬ ‫والتي يجب أن يسعى إليها ‪ .‬وهذه الصفات هي العقائد‬ ‫‪ ،‬العبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪ ،‬والخلق ‪ ،‬ول بد أن تكون‬ ‫هذه الصفات الربع مجتمعة ‪ ،‬قال تعالى في سورة‬ ‫لقمان ) وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه يا بني ل‬ ‫تشرك بال أن الشرك لظلم عظيم ‪ ،‬ووصينا‬ ‫النسان بوالديه ‪ ،‬حملته أمه وهنا‪ Z‬على وهن‬ ‫وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى‬ ‫المصير ‪ ،‬وإن جاهداك على أن تشرك بي ما‬ ‫ليس لك به علم فل تطعهما ‪ ،‬وصاحبهما في‬ ‫الدنيا معروفا‪ ، Z‬واتبع سبيل من أناب إلى ‪ ،‬ثم‬ ‫إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ‪ .‬يا بني‬ ‫إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة‬ ‫‪ ،‬أو في السموات ‪ ،‬أو في الرض ‪ ،‬يأت بها ا ‪،‬‬ ‫أن ا لطيف خبير ‪ .‬يا بني أقم الصلة وأمر‬ ‫بالمعروف وأنه عن المنكر ‪ ،‬وأصبر على ما أصابك‬ ‫‪ ،‬أن ذلك من عزم المور ‪ .‬ول تصعر خدك للناس‬ ‫ول تمش في الرض مرحا‪ Z‬أن ا ل يحب كل‬ ‫مختال فخور ‪ .‬واقصد في مشيك وأغضض من‬ ‫صوتك إن أنـكر الصوات لصوت الحمير ( و يقول‬ ‫الله تعالى في سورة الفرقان ) وعباد الرحمن الذين‬ ‫يمشون على الرض هونا‪ Z‬وإذا خاطبهم الجاهلون‬ ‫‪ .‬وقياما‪Z‬‬ ‫سجدا‪Z‬ا‪Z‬‬ ‫لربهمسلم‬ ‫ن يبيتون قالوا‬ ‫‪ .‬والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم أن‬ ‫ومقاما‪Z‬‬ ‫كانا‪ Z‬غراما‪Z‬‬ ‫‪. .‬‬ ‫مستقر‬ ‫عذابها‬ ‫إنها ساءت‬ ‫‪134‬‬


‫والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين‬ ‫إلها‪Z‬ا‪Z‬‬ ‫‪ .‬آخر ‪،‬‬ ‫قوام‬ ‫ذلكا‬ ‫ل يدعون مع‬ ‫ول يقتلون النفس التي حرم ا إل بالحق ول‬ ‫يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‪ . Z‬يضاعف له‬ ‫العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا‪ . Z‬إل من‬ ‫تاب وآمن وعمل عمل ‪ Z‬صالحا‪ Z‬فأولئك يبدل ا‬ ‫سيئاتهم حسنات ‪ ،‬وكان ا غفورا‪ Z‬رحيما ‪.‬‬ ‫ومن تاب وعمل صالحا‪ Z‬فإنه يتوب إلى ا متابا‪. Z‬‬ ‫والذين ل يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا‬ ‫كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها‬ ‫صما‪ Z‬وعميانا‪ . Z‬والذين يقولون ربنا هب لنا من‬ ‫أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين‬ ‫إماما‪ . Z‬أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون‬ ‫فيها تحية وسلما‪ ، Z‬خالدين فيها حسنت مستقرا‪Z‬‬ ‫ومقاما‪ . ( Z‬ويقول الله تعالى في سورة السراء )‬ ‫وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا ‪.‬‬ ‫إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل‬ ‫لهما أف ول تنهرهما ‪ ،‬وقل لهما قول ‪ Z‬كريما ‪.‬‬ ‫واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ‪ .‬وقل ربي‬ ‫ارحمهما كما ربياني صغيرا ‪ .‬ربكم أعلم بما في‬ ‫نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين‬ ‫غفورا ‪ ،‬وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن‬ ‫السبيل ول تبذر تبذيرا‪ Z‬أن المبذرين كانوا إخوان‬ ‫الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ‪ ،‬وإما‬ ‫تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل‬ ‫‪135‬‬


‫لهم قول ‪ Z‬ميسورا ‪ .‬ول تجعل يدك مغلولة إلى‬ ‫عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوما‪Z‬‬ ‫محسورا‪ Z‬إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر‬ ‫إنه كان بعباده خبيرا‪ Z‬بصيرا‪ . Z‬ول تقتلوا أولدكم‬ ‫خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان‬ ‫خطئا‪ Z‬كبيرا‪ . Z‬ول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة‬ ‫وساء سبيل ‪ .‬ول تقتلوا النفس التي حرم ا‬ ‫إل بالحق ومن قتل مظلوما‪ Z‬فقد جعلنا لوليه‬ ‫سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا ‪.‬‬ ‫ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى‬ ‫يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤول ‪.‬‬ ‫وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس‬ ‫المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل ‪ .‬ول تقف ما‬ ‫ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل‬ ‫أولئك كان عنه مسؤول ‪ .‬ول تمش في الرض‬ ‫مرحا‪ Z‬أنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال‬ ‫طول ‪ . Z‬كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( ‪.‬‬ ‫فهذه اليات في هذه السور الثلث كل منها وحدة‬ ‫كاملة تعرض الصفات المختلفة ‪ .‬تجلو صورة المسلم‬ ‫وتبين الشخصية السلمية في ذاتها المتميزة عن‬ ‫غيرها ويلحظ فيها أنها أوامر ونواه من الله تعالى ‪،‬‬ ‫منها أحكام تتعلق بالعقيدة ‪ ،‬كما أن منها أحكاما ‪ w‬تتعلق‬ ‫بالعبادات ‪ ،‬وأحكاما ‪ w‬تتعلق بالمعاملت ‪ ،‬وأحكاما ‪ w‬تتعلق‬ ‫بالخلق ‪ ،‬ويلحظ أنها لم تقتصر على صفات خلقية ‪،‬‬ ‫بل اشتملت على العقيدة ‪ ،‬والعبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪،‬‬ ‫كما اشتملت على الخلق ‪ .‬وهي الصفات التي تكون‬ ‫الشخصية السلمية ‪ ،‬والقتصار على الخلق ل يوجد‬ ‫‪136‬‬


‫الرجل الكامل ‪ ،‬والشخصية السلمية ‪ ،‬ولكي تحقق‬ ‫الغاية التي وجدت من أجلها ل بد أن تكون مبنية على‬ ‫الساس الروحي ‪ ،‬وهو العقيدة السلمية ‪ ،‬وأن يكون‬ ‫التصاف بها مبنيا ‪ w‬على هذه العقيدة ‪ .‬وعلى ذلك فإن‬ ‫المسلم ل يتصف بالصدق لذات الصدق ‪ ،‬بل يتصف به‬ ‫لن الله أمر به ‪ .‬وإن كان يراعي تحقيق القيمة‬ ‫الخلقية حين يصدق ‪ .‬فالخلق ل يتصف بها لذاتها ‪ ،‬بل‬ ‫لن الله أمر بها ‪.‬‬ ‫ولهذا ل بد أن يتصف المسلم بصفاتها ‪ ،‬وأن يقوم‬ ‫بها طوعا ‪ w‬وانقيادا ‪ w‬لنها مما يتصل بتـقوى الله ‪ .‬وبما‬ ‫أنها تأتي من نتائج العبادة ) إن الصلة تنهى عن‬ ‫الفحشاء والمنكر ( ومما يجب أن يراعى في‬ ‫المعاملت " الدين المعاملة " علوة على كونها وحدها‬ ‫أوامر ونواهي معينة ‪ ،‬فإن ذلك يثبتها في نفس المسلم‬ ‫‪ ،‬ويجعلها شيمة لزمة ‪ .‬وعليه فقد كان اندماج الخلق‬ ‫بباقي أنظمة الحياة – مع كونها صفات مستقلة – كفيل‬ ‫بأن يهيئ المسلم تهيئة صالحة ‪ ،‬لسيما وأن التصاف‬ ‫بالخلق هو إجابة لمر الله تعالى واجتناب لنواهيه ‪ ،‬ل‬ ‫لن هذا الخلق ينفع أو يضر في الحياة ‪ .‬وهذا مما‬ ‫يجعل التصاف بالخلق الحسن دائميا ‪ w‬وثابتا ‪ . w‬ما ثبت‬ ‫المسلم على القيام بتطبيق السلم ‪ ،‬ول يدور حيث‬ ‫دارت المنفعة ‪ .‬لنـه ل تقصد منه النفعية ‪ ،‬بل يجب أن‬ ‫تستبعد منه ‪ ،‬لن المقصود منه هـو القيمة الخلقية‬ ‫فقط ‪ .‬ل القيمة المادية أو النسانية أو الروحية ‪ ،‬بل ل‬ ‫يجوز أن تدخل هذه القيم فيه لئل يحصل اضطراب في‬ ‫القيام به ‪ .‬أو التصاف به ‪ .‬ومما يجب التنبيه إليه أنه‬ ‫يجب استبعاد القيمة المادية عن الخلق ‪ ،‬واستبعاد أن‬ ‫يكون القيام به من أجل المنافع والفوائد ‪ ،‬لن ذلك‬ ‫خطر عليه ‪.‬‬ ‫‪137‬‬


‫والحاصل ‪ :‬أن الخلق ليست من مقومات‬ ‫المجتمع ‪ ،‬بل هي من مقومات الفرد ‪ .‬ولذلك ل يصلح‬ ‫المجتمع بالخلق ‪ ،‬بل يصلح بالفكار السلمية‬ ‫والمشاعر السلمية وبتطبيق النظمة السلمية ‪ .‬ومع‬ ‫أن الخلق من مقومات الفرد ‪ ،‬ولكنها ليست هي‬ ‫وحدها ‪ ،‬ول يجوز أن تكون وحدها ‪ ،‬بل ل بـد أن تكون‬ ‫معها العقائد ‪ ،‬والعبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪ ،‬والخلق ‪.‬‬ ‫ولذلك ل يعتبر من كانت أخلقه حسنة وعقيدته غير‬ ‫إسلمية ‪ ،‬لنه يكون حينئذ كافرا ‪ ، w‬وليس بعد الكفر‬ ‫ذنب ‪ .‬وكذلك من كانت أخلقه حسنة وهو غير قائم‬ ‫بالعبادات ‪ ،‬أو غير سائر في معاملته حسب أحكام‬ ‫الشرع ‪ .‬ومن هنا كان لزاما ‪ w‬أن يراعى في تقويم الفرد‬ ‫وجود العقيدة ‪ ،‬والعبادات ‪ ،‬والمعاملت ‪ ،‬والخلق ‪ .‬ول‬ ‫يجوز شرعا ‪ w‬العناية بالخلق وحدها وترك باقي الصفات‬ ‫‪ ،‬بل ل يجوز أن يعنى بشيء ما قبل الطمئنان إلى‬ ‫العقيدة ‪ .‬والمر الساسي في الخلق هو أنه يجب أن‬ ‫تكون مبنية على العقيدة السلمية ‪ ،‬وأن يتصف‬ ‫المؤمن بها على إنها أوامر ونواه من الله تعالى ‪.‬‬

‫‪138‬‬


‫محتويات الكتاب‬ ‫‪2‬‬

‫طريق اليمان‬

‫‪------------------------‬‬

‫القضاء والقدر‬

‫‪10 ------------------------‬‬

‫القيادة الفكرية في السلم‬

‫‪17 --------------‬‬

‫كيفية حمل الدعوة السلمية‬

‫‪47 --------------‬‬

‫الحضارة السلمية ‪51 ----------------------‬‬ ‫نظام السلم‬

‫‪56 ------------------------‬‬

‫الحكم الشرعي‬

‫‪61-------------------------‬‬

‫أنواع الحكام الشرعية ‪63 --------------------‬‬ ‫السنة ‪64 -----------------------------‬‬ ‫التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم ‪-------‬‬ ‫‪65‬‬ ‫تبني الحكام الشرعية ‪66 --------------------‬‬ ‫الدستور والقانون ‪68 -----------------------‬‬ ‫مشروع الدستور ‪73 -----------------------‬‬ ‫نظام الحكم ‪76 --------------------------‬‬ ‫النظام الجتماعي ‪91 ----------------------‬‬ ‫النظام القتصادي ‪93 ----------------------‬‬ ‫سياسة التعليم ‪101 -------------------------‬‬ ‫السياسة الخارجية ‪103 ----------------------‬‬ ‫الخلق في السلم ‪106 ---------------------‬‬ ‫محتويات الكتاب ‪112 -----------------------‬‬ ‫‪139‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.