تقي الدين النبهاني
نظام السلم
1372هـ ___ 1953م
من منشورات حزب التحرير
----------
2
بسم الله الرحمن الرحيم
طريق اليمان ينهض النسان بما عنده من فكر عن الحياة والكون والنسان ،وعن علقتها جميعها بما قبل الحياة الدنيا وما بعدها .فكان لبد من تغيير فكر النسان الحاضر تغييرا أساسيا شامل ،وإيجاد فكر آخر له حتى ينهض ،لن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الشياء ،ويركز هذه المفاهيم .والنسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها ،فمفاهيم النسان عن شخص يحبه تكيف سلوكه نحوه ،على النقيض من سلوكه مع شخص يبغضه وعنده مفاهيم البغض عنه ، وعلى خلف سلوكه مع شخص ل يعرفه ول يوجد لديه أي مفهوم عنه ،فالسلوك النساني مربوط بمفاهيم النسان ،وعند إرادتنا أن نغير سلوك النسان المنخفض ونجعله سلوكا راقيا ل بد أن نغير مفهومه أول ) ،إن ا ل يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ( . والطريق الوحيد لتغيير المفاهيم هو إيجاد الفكر عن الحياة الدنيا حتى توجد بواسطته المفاهيم الصحيحة عنها .والفكر عن الحياة الدنيا ل يتركز تركزا منتجا إل بعد أن يوجد الفكر عن الكون والنسان والحياة ،وعما قبل الحياة الدنيا وعما بعدها ،وعن علقتها بما قبلها وما بعدها ،وذلك بإعطاء الفكرة الكلية عما وراء هذه الكون والنسان والحياة .لنها القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار عن الحياة .وإعطاء الفكرة الكلية عن هذه الشياء هو حل العقدة الكبرى عـند النسان .ومتى حلت هذه العقدة حلت باقي العقد ،لنها جزئية بالنسبة لها ،أو فروع 3
عنها .لكن هذا الحل ل يوصل إلى النهضة الصحيحة إل إذا كان حل صحيحا يوافق فطرة النسان ،ويقنع العقل ،فيمل القلب طمأنينة . ول يمكن أن يوجد هذا الحل الصحيح إل بالفكر المستنير عن الكون والنسان والحياة .لذلك كان على مريدي النهضة والسير في طريق الرقي أن يحلوا هذه العقدة أول ،حل صحيحا بواسطة الفكر المستنير ، وهذا الحل هو العقيدة ،وهو القاعدة الفكرية التي يبنى عليها كل فكر فرعي عن السلوك في الحياة وعن أنظمة الحياة . والسلم قد عمد إلى هذه العقدة الكبرى فحلها للنسان حل يوافق الفطرة ،ويمل العقل قناعة ، والقلب طمأنينة ،وجعل الدخول فيه متوقفا على القرار بهذا الحل إقرارا صادرا عن العقل ،ولذلك كان السلم مبنيا على أساس واحد هو العقيدة .وهي أن وراء هذا الكون والنسان والحياة خالقا خلقها جميعا ، وخلق كل شيء ،وهو الله تعالي .وأن هذا الخالق أوجد الشياء من عدم ،وهو واجب الوجود ،فهو غير مخلوق ،وإل لما كان خالقا ،واتصافه بكونه خالقا يقضي بكونه غير مخلوق ،ويقضي بأنه واجب الوجود ، لن الشياء جميعها تستند في وجودها إليه ول يستند هو إلى شيء . أما أنه ل بد للشياء من خالق يخلقها فذلك أن الشياء التي يدركها العقل هي النسان والحياة والكون ،وهذه الشياء محدودة ،فهي عاجزة وناقصة ومحتاجة إلى غيرها .فالنسان محدود لنه ينمو في كل شيء إلى حـد ما ل يتجاوزه ،فهو محدود .والحياة محدودة ،لن مظهرها فردى فقط ،والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد ،فهي محدودة .والكون محدود لنه مجموع أجرام وكل جرم منها محدود ،ومجموع 4
المحدودات محدود بداهة ،فالكون محدود .وعلى ذلك فالنسان والحياة والكون محدودة قطعا .وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليا وإل لما كان محدودا فل بد أن يكون المحدود مخلوقا لغيره ،وهذا الغير هـو خالق النسان والحياة والكون ،وهو أما أن يكون مخلوقا لغيره ،أو خالقا لنفسه ،أو أزليا واجب الوجود .أما أنه مخلوق لغيره فباطل ،لنه يكون محدودا ، وأما أنه خالق لنفسه فباطل أيضا ،لنه يكون مخلوقا لنفسه وخالقا لنفسه في آن واحـد وهذا باطل أيضا ، فلبد أن يكون الخالق أزليا واجب الوجود وهو الله تعالى. على أن كل من كان له عقل ،يدرك من مجرد وجود الشياء التي يقع عليها حسه ،أن لها خالقا خلقها ،لن المشاهد فيها جميعها أنها ناقصة ،وعاجزة ومحتاجة لغيرها ،فهي مخلوقة قطعا .ولذلك يكفي أن يلفت النظر إلى أي شيء في الكون والحياة والنسان ليستدل به على وجود الخالق المدبر . فالنظر إلى أي كوكب من الكواكب في الكون ، والتأمل في إي مظهر من مظاهر الحياة ،وإدراك أي ناحية في النسان ،ليدل دللة قطعية على وجود الله تعالى .ولذلك نجد القرآن الكريم يلفت النظر إلى الشياء ،ويدعو النسان لن ينظر إليها والى مـا حولها وما يتعلق بها ،ويستدل بذلك على وجود الله تعالى . إذ ينظر إلى الشياء كيف إنها محتاجة إلى غيرها فيدرك من ذلك وجود الله الخالق المدبر إدراكا قطعيا .وقد وردت مئات اليات في هذا المعنى ،قال تعالى في سورة آل عمران ) إن في خلق السموات والرض ،واختلف الليل والنهار ليات لولى اللباب ( وقال تعالى في سورة الروم ) ومن آياته خلق السموات والرض واختلف ألسنتكم 5
وألوانكم ( وقال تعالى في سورة الغاشية ) أفل ينظرون إلى البل كيف خلقت ،والى السماء كيف رفعت ،والى الجبال كيف نصبت ،والى الرض كيف سطحت ( وقال تعالى في سورة الطارق ) فلينظر النسان مم خلق ،خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ( وقال تعالى في سورة البقرة ) إن في خلق السموات والرض ،واختلف الليل والنهار ،والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ،وما أنزل ا من السماء من ماء فأحيا به الرض بعد موتها ،وبث فيها من كل دابة ،وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض ،ليات لقوم يعقلون ( إلى غير ذلك من اليات التي تدعو النسان لن ينظر النظرة العميقة إلى الشياء وما حولها وما يتعلق بها ،ويستدل بذلك على وجود الخالق المدبر ،حتى يكون إيمانه بالله إيمانا راسخا wعن عقل وبينة . نعم إن اليمان بالخالق المدبر فطري في كل إنسان .إل أن هذا اليمان الفطري يأتي عن طريق الوجدان .وهو طريق غير مأمون العاقبة ،وغير موصل إلى تركيز إذا ترك وحده .فالوجدان كثيرا ما يضفي على ما يؤمن به أشياء ل حقائق لها ،ولكن الوجدان تخيلها صفات لزمة لما آمن به ،فوقع في الكفر أو الضلل .وما عبادة الوثان ،وما الخرافات والترهات إل نتيجة لخطأ الوجدان .ولهذا لم يترك السلم الوجدان وحده طريقة لليمان ،حتى ل يجعل لله صفات تتناقض مع اللوهية ،أو يجعله ممكن التجسد في أشياء مادية ،أو يتصور إمكان التقرب إليه بعبادة أشياء مادية ،فيؤدي إما إلى الكفر أو 6
الشراك ،وإما إلى الوهام والخرافات التي يأباها اليمان الصادق .ولذلك حتم السلم استعمال العقل مع الوجدان ،وأوجب على المسلم استعمال عقله حين يؤمن بالله تعالى ،ونهى عن التقليد في العقيدة ولذلك جعل العقل حكما في اليمان بالله تعالى .قال تعالى ) :إن في خلق السموات والرض واختلف الليل والنهار ليات لولي اللباب ( .ولهذا كان واجبا على كل مسلم أن يجعل إيمانه صادرا عن تفكير وبحث ونظر ،وأن يحكم العقل تحكيما مطلقا في اليمان بالله تعـــالى )) .والدعوة إلى النظر في الكون لستنباط سننه وللهتداء إلى اليمان ببارئه ،يكررها القرآن مئات المرات في سوره المختلفة ،وكلها موجهة إلى قوى النسان العاقلة تدعوه إلى التدبر والتأمل ليكون إيمانه عن عقل وبينة وتحذره الخذ بما وجد عليه آباءه من غير نظر فيه وتمحيص له وثقة ذاتية بمبلغه من الحق .هذا هو اليمان الذي دعا السلم إليه ،وهو ليس هذا اليمان الذي يسمونه إيمان العجائز ،إنما هو إيمان المستنير المستيقن الذي نظر ونظر ،ثم فكر وفكر ،ثم وصل من طريق النظر والتفكير إلى اليقين بالله جلت قدرته (( . ورغم وجوب استعمال النسان العقل في الوصول إلى اليمان بالله تعالى فانه ل يمكنه إدراك ما هو فوق حسه وفوق عقله ،وذلك لن العقل النساني محدود ، ومحدودة قوته مهما سمت ونمت بحدود ل تتعداها ، ولذلك كان محدود الدراك ومن هنا كان لبد أن يقصر العقل دون إدراك ذات الله ،وأن يعجز عن إدراك حقيقته ،لن الله وراء الكون والنسان والحياة ، والعقل في النسان ل يدرك حقيقة ما وراء النسان ، ولذلك كان عاجزا wعن إدراك ذات الله .ول يقال هنا : كيف آمن النسان بالله عقل wمع أن عقله عاجز عن 7
إدراك ذات الله ؟ لن اليمان إنما هو إيمان بوجود الله ووجوده مدرك من وجود مخلوقاته ،وهي الكون والنسان والحياة .وهذه المخلوقات داخلة في حدود ما يدركه العقل ،فأدركها ،وأدرك من إدراكه إياها وجود خالق لها ،وهو الله تعالى .ولذلك كان اليمان بوجود الله عقليا wوفي حدود العقل ،بخلف إدراك ذات الله فانه مستحيل ،لن ذاته وراء الكون والنسان والحياة ،فهو وراء العقل .والعقل ل يمكن أن يدرك حقيقة ما وراءه لقصوره عن هذا الدراك .وهذا القصور نفسه يجب أن يكون مـن مقويات اليمان ، وليس من عوامل الرتياب والشك فانه لما كان إيماننا بالله آتيا عن طريق العقل كان إدراكنا لوجوده إدراكا w تاما ، wولما كان شعورنا بوجوده تعالى مقرونا wبالعقل كان شعورنا بوجوده شعورا wيقينيا ، wوهذا كله يجعل عندنا إدراكا wتاما wوشعورا wيقينيا wبجميع صفات اللوهية . وهذا من شأنه أن يقنعنا أننا لن نستطيع إدراك حقيقة ذات الله على شدة إيماننا به ،وإننا يجب أن نسلم بما أخبرنا به مما قصر العقل عن إدراكه أو الوصول إلى إدراكه ،وذلك للعجز الطبيعي عن أن يصل العقل النساني بمقاييسه النسبية المحدودة إلى إدراك ما فوقه .إذ يحتاج هذا الدراك إلى مقاييس ليست نسبية وليست محـدودة ،وهي مما ل يملكه النسان ول يستطيع أن يملكه . وأما ثبوت الحاجة إلى الرسل ،فهو انه ثبت أن النسان مخلوق لله تعالى ،وأن التدين فطري في النسان ،لنه غريزة من غرائزه ،فهو في فطرته يقدس خالقه ،وهذا التقديس هو العبادة ،وهي العلقة بين النسان والخالق وهذه العلقة إذا تركت دون نظام يؤدي تركها إلى اضطرابها والى عبادة غير الخالق ،فل بد من تنظيم هذه العلقة بنظام صحيح ،وهذا النظام 8
ل يأتي من النسان لنه ل يتأتى له إدراك حقيقة الخالق حتى يضع نظاما بينه وبينه ،فل بد أن يكون هذا النظام من الخالق .وبما أنه ل بد أن يبلغ الخالق هذا النظام للنسان .لذلك كان لبد من الرسل يبلغون الناس دين الله تعالى . والدليل أيضا على حاجة الناس إلى الرسل هو أن إشباع النسان لغرائزه وحاجاته العضوية أمر حتمي ، وهذا الشباع إذا سار دون نظام يؤدي إلى الشباع الخطأ أو الشاذ ويسبب شقاء النسان ،فل بد من نظام ينظم غرائز النسان وحاجاته العضوية ،وهذا النظام ل يأتي من النسان ،لن فهمه لتنظيم غرائز النسان وحاجاته العضوية عرضة للتفاوت والختلف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها ،فإذا ت€رك ذلك له كان النظام عرضة للتفاوت والختلف والتناقض وأدى إلى شقاء النسان ،فل بد أن يكون النظام من الله تعالى . وأما ثبوت كون القرآن من عند الله ،فهو أن القرآن كتاب عربي جاء به محمد عليه الصلة والسلم .فهو إما أن يكون من العرب وإما أن يكون من محمد ،وإما أن يكون من الله تعـالى .ول يمكن أن يكون من غير واحد من هؤلء الثلثة ،لنه عربي اللغة والسلوب . أما انه من العرب فباطل لنه تحداهم أن يأتوا بمثله ) قل فأتوا بعشر سور مثله ( ) قل فأتوا بسورة مثله ( وقد حاولوا أن يأتوا بمثله وعجزوا عن ذلك .فهو إذن ليس من كلمهم ،لعجزهم عن التيان بمثله مع تحديه لهم ومحاولتهم التيان بمثله .وأما أنه من محمد فباطل ،لن محمدا wعربي من العرب ، ومهما سما العبقري فهو من البشر وواحد من مجتمعه وأمته ،وما دام العرب لم يأتوا بمثله فيصدق على 9
محمد العربي أنه ل يأتي بمثله فهو ليس منه ،علوة أن لمحمد عليه الصلة والسلم أحاديث صحيحة وأخرى رويت عن طريق التواتر الذي يستحيل معه إل الصدق ،وإذا قورن أي حديث بأي آية ل يوجد بينهما تشابه في السلوب وكان يتلو الية المنزلة ويقول الحديث في وقت واحد ،وبينهما اختلف في السلوب ،وكلم الرجل مهما حاول أن ينوعه فانه يتشابه في السلوب لنه جزء منه .وبما أنه ل يوجد أي تشابه بين الحديث والية في السلوب فل يكون القرآن كلم محمد مطلقا ، wللختلف الواضح الصريح بينه وبين كلم محمد .على أن العرب وهم أعلم الناس بأساليب الكلم العربي لم يدع أحد منهم أنه كلم محمد أو أنه يشبه كلمه ،وكل ما أدعوه أنه يأتي به من غلم نصراني اسمه )جبر( ولذلك رد عليهم الله تعالى فقال ) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (. وبما أنه ثبت أن القرآن ليس كلم العرب ،ول كلم محمد ،فيكون كلم الله قطعا ، wويكون معجزة لمن أتي به . وبما أن محمدا wهو الذي أتي بالقرآن ،وهو كلم الله وشريعته ،ول يأتي بشريعة الله إل النبياء والرسل ،فيكون محمد نبيا ورسول قطعا بالدليل العقلي . هذا دليل عقلي على اليمان بالله وبرسالة محمد وبأن القرآن كلم الله . w وعلى ذلك كان اليمان بالله آتيا عن طريق العقل ،ول بد أن يكون هذا اليمان عن طريق العقل . فكان بذلك الركيزة التي يقوم عليها اليمان بالمغيبات كلها وبكل ما أخبرنا الله به .لننا ما دمنا قد آمنا به 10
تعالى وهو يتصف بصفات اللوهية يجب حتما wأن نؤمن بكل ما أخبر به سواء أدركه العقل أو كان من وراء العقل ،لنه أخبرنا به الله تعالى .ومن هنا يجب اليمان بالبعث والنشور والجنة والنار والحساب والعذاب ،وبالملئكة والجن والشياطين وغير ذلك ، مما جاء بالقرآن الكريم أو بحديث قطعي .وهذا اليمان وان كان عن طريق النقل والسمع لكنه في أصله إيمان عقلي ،لن أصله ثبت بالعقل .ولذلك كان ل بد أن تكون العقيدة للمسلم مستندة إلى العقل أو إلى ما ثبت أصله عن طريق العقل .فالمسلم يجب أن يعتقد ما ثبت له عن طريق العقل أو طريق السمع اليقيني المقطوع به ،أي ما ثبت بالقرآن الكريم والحديث القطعي وهو المتـواتر ،وما لم يثبت عن هاتين الطريقتين :العقل ونص الكتاب والسنة القطعية ،يحرم عليه أن يعتقده ،لن العقائد ل تؤخذ إل عن يقين . وعلى ذلك وجب اليمان بما قبل الحياة الدنيا وهو الله تعالى ،وبما بعدها وهو يوم القيامة .وبما أن أوامر الله هي صلة ما قبل الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة الخلق ،وأن المحاسبة عما عمل النسان في الحياة صلة ما بعد الحياة بالحياة بالضافة إلى صلة البعث والنشور ،فانه ل بد أن تكون لهذه الحياة صلة بما قبلها وما بعدها ،وأن تكون أحوال النسان فيها مقيدة بهذه الصلة ،فالنسان إذن يجب أن يكون سائرا wفي الحياة وفق أنظمة الله ،وأن يعتقد أنه يحاسبه يوم القيامة على أعماله في الحياة الدنيا . وبهذا يكون قد وجد الفكر المستنير عما وراء الكون والحياة والنسان ،ووجد الفكر المستنير أيضا ة بما قبلها عما قبل الحياة وعما بعدها ،وأن لها صل w 11
وما بعدها .وبهذا تكون العقدة الكبرى قد حلت جميعها بالعقيدة السلمية . ومتى انتهى النسان من هذا الحل أمكنه أن ينتقل إلى الفكر عن الحياة الدنيا ،والى إيجاد المفاهيم الصادقة المنتجة عنها .وكان هذا الحل نفسه هو الساس الذي يقوم عليه المبدأ الذي يتخذ طريقة للنهوض ،وهو الساس الذي تقوم عليه حضارة هذا المبدأ ،وهو الساس الذي تنبثق عنه أنظمته ،وهو الساس الذي تقوم عليه دولته .ومن هنا كان الساس الذي يقوم عليه السلم -فكرة و طريقة – هو العقيدة السلمية . منوا بال ورسوله منوا آ X ) يا أيها الذين آ Y والكتاب الذي نزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل Zبعيدا. ( Z أما وقد ثبت هذا وكان اليمان به أمرا wمحتوما wكان لزاما wأن يؤمن كل مسلم بالشريعة السلمية كلها ، لنها جاءت في القرآن الكريم ،وجاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم وإل كان كافرا wولذلك كان إنكار الحكام الشرعية بجملتها ،أو القطعية منها بتفصيلها ، كفرا ، wسواء أكانت هذه الحكام متصلة بالعبادات أو المعاملت أو العقوبات أو المطعومات ،فالكفر بآية ) وأقيموا الصلة ( كالكفر بآية ) وأحل ا البيع وحرم الربا ( وكالكفر بـآية ) والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ( وكالكفر بآية ) حرمت عليكم الميتة والـدم ولحم الخنزير وما أهل لغير ا به ( الية .ول يتوقف اليمان بالشريعة على العقل ،بل ل بد من التسليم المطلق بكل ما جاء من عند الله تعالى ) فل وربك ل يؤمنـون حتى يحكموك فيما شجر 12
بينهم ،ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ( .
13
القضاء والقدر قال تعالى في سورة آل عمران ) وما كان لنفس أن تموت إل بإذن ا كتابا Zمؤجل ( Zوقال في سورة العراف ) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم ل يستأخرون ساع Z ة ول يستقدمون ( وقال في سورة الحديد ) ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على ا يسير ( وقال في سورة التوبة ) قل لن يصيبنا إل ما كتب ا لنا هو مولنا وعلى ا فليتوكل المؤمنون ( وقال في سورة سبأ ) ل يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ول في الرض ول أصغر من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين ( وقال في سورة النعام ) وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ( وقال في سورة النساء ) وان تصبهم حسن Z ة يقولوا هذه من عند ا ،وان تصبهم سيئ Z ة يقولوا هذه من عندك .قل كل من عند ا فما لهؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثا (. هذه اليات وما شاكلها من اليات يستشهد بها الكثيرون على مسألة القضاء والقدر استشهادا wيفهم منه أن النسان يجبر على القيام بما يقوم به من أعمال ،وأن العمال إنما يقوم بها ملزما wبإرادة الله ومشيئته ،وأن الله هو الذي خلق النسان ،وخلق عمله ويحاولون تأييد قولهم بقوله تعالى ) وا 14
خلقكم وما تعملون ( كما يستشهدون بأحاديث أخرى كقوله صلى الله عليه وسلم " نفث روح القدس في روعي ،لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وما قدر لها " . لقد أخذت مسألة القضاء والقدر دورا wهاما wفي المذاهب السلمية .وكان لهل السنة فيها رأي يتلخص في أن النسان له كسب اختياري في أفعاله فهو يحاسب على هذا الكسب الختياري .وللمعتزلة رأي يتلخص في أن النسان هو الذي يخلق أفعاله بنفسه ،فهو يحاسب عليها لنه هو الذي أوجدها ، وللجبرية فيها رأي يتلخص في أن الله تعالى هو الذي يخلق العبد ويخلق أفعاله ،ولذلك كان العبد مجبرا w على فعله وليس مخيرا wوهو كالريشة في الفضاء تحركها الرياح حيث تشاء . والمدقق في مسألة القضاء والقدر يجد أن دقة البحث فيها توجب معرفة الساس الذي ينبني عليه البحث ،وهذا الساس ليس هو فعل العبد من كونه هو الذي يخلقه أم الله تعالى .وليس هو علم الله تعالى من كونه يعلم أن العبد سيفعل كذا ويحيط علمه به ، وليس هو إرادة الله تعالى من أن إرادته تعلقت بفعل العبد فهو لبد موجود بهذه الرادة ،وليس هو كون هذا الفعل للعبد مكتوبا wفي اللوح المحفوظ فل بد أن يقوم به وفق ما هو مكتوب . نعم ليس الساس الذي يبنى عليه البحث هو هذه الشياء مطلقا ، wلنه ل علقة لها في الموضوع من حيث الثواب والعقاب .بل علقتها من حيث اليجاد والعلم المحيط بكل شيء والرادة التي تتعلق بجميع الممكنات واحتواء اللوح المحفوظ على كل شيء . وهذه العلقة موضوع آخر منفصل عن موضوع الثابة على الفعل والعقاب عليه أي :هل النسان مـلزم على 15
القيام بالفعل خيرا wأم شرا ، wأو مخير فيه ؟ وهل له اختيار القيام بالفعل أو تركه أو ليس له الختيار ؟ والمدقق في الفعال يرى أن النسان يعيش في دائرتين إحداهما يسيطر عليها وهي الدائرة التي تقع في نطاق تصرفاته وضمن نطاقها تحصل أفعاله التي يقوم بها بمحض اختياره ،والخرى تسيطر عليه وهي الدائرة التي يقع هو في نطاقها وتقع ضمن هذه الدائرة الفعال التي ل دخل له بها سواء أوقعت منه أو عليه . فالفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر عليه ل دخل له بها ول شأن له بوجودها ،وهي قسمان :قسم يقتضيه نظام الوجود ،وقسم تقع فيها الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل قبل له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود .أما ما تقتضيه أنظمة الوجود فهو يخضعه لها ولذلك يسير بحسبها سيرا wجبريا wلنه يسير مع الكون ومع الحياة طبق نظام مخصوص ل يتخلف . ولذلك تقع العمال في هذه الدائرة على غير إرادة منه وهو فيها مسير وليس بمخير .فقد أتى إلى هذه الدنيا على غير إرادته وسيذهب عنها على غير إرادته ،ول يستطيع أن يطير بجسمه فقـط في الهواء ،ول أن يمشي بوضعه الطبيعي على الماء ،ول يمكن أن يخلق لنفسه لـون عينيه .ولم يوجد شكل رأسه ،ول حجم جسمه ،وإنما الذي أوجد ذلك كله هو الله تعالى دون أن يكون للعبد المخلوق أي أثر ول أية علقة في ذلك ، لن الله هو الذي خلق نظام الوجود ،وجعله منظما w للوجود .وجعل الوجود يسير حسبه ول يملك التخلف عنه . وأما الفعال التي ليست في مقدوره والتي ل قبل له بدفعها ول يقتضيها نظام الوجود فهي الفعال التي تحصل من النسان أو عليه جبرا wعنه ول يملك دفعها 16
مطلقا ، wكما لو سقط شخص عن ظهر حائط على شخص آخر فقتله ،وكما لو أطلق شخص النار على طير فأصابت إنسانا wلم يكن يعلمه فقتله ،وكما لو تدهور قطار أو سيارة أو سقطت طائرة لخلل طارئ لم يكن بالمكان تلفيه فتسبب عن هذا التدهور والسقوط قتل الركاب ،وما شاكل ذلك فان هذه الفعال التي حصلت من النسان أو عليه وان كانت ليست مما يقتضيه نظام الوجود ولكنها وقعت من النسان أو عليه على غير إرادة منه وهي ليست في مقدوره فهي داخلة في الدائرة التي تسيطر عليه ، فهذه الفعال كلها التي حصلت في الدائرة التي تسيطر على النسان هي التي تسمى قضاء ،لن الله وحده هو الذي قضاه .ولذلك ل يحاسب العبد على هذه الفعال مهما كان فيها من نفع أو ضر أو حب أو كراهية بالنسبة للنسان ،أي مهما كان فيها من خير وشر حسب تفسير النسان لها ،وان كان الله وحده هو الذي يعلم الشر والخير في هذه الفعال ،لن النسان ل أثر له بها .ول يعلم عنها ول عن كيفية إيجادها ،ول يملك دفعها أو جلبها مطلقا ، wوعلى النسان أن يؤمن بهذا القضاء وأنه من الله سبحانه تعالى . أما القدر فهو أن الفعال التي تحصل سواء أكانت في الدائرة التي تسيطر على النسان أو الدائرة التي يسيطر عليها تقع من أشياء وعلى أشياء من مادة الكون والنسان والحياة ،وقد خلق الله لهذه الشياء خواص معينه ،فخلق في النار خاصية الحراق ،وفي الخشب خاصية الحتراق ،وفي السكين خاصية القطع ،وجعلها لزمة حسب نظام الوجود ل تتخلف .وحين يظهر أنها تخلفت يكون الله قد سلبها تلك الخاصية وكان ذلك أمرا wخارقا wللعادة .وهـو يحصل للنبياء 17
ويكون معجزة لهم ،وكما خلق في الشياء خاصيات كذلك خلق في النسان الغرائز والحاجات العضوية وجعل فيها خاصيات معينة كخواص الشياء فخلق في غريزة النوع خاصية الميل الجنسي ،وفي الحاجات العضوية خاصيات كالجوع والعطش ونحوهما ،وجعلها لزمة لها حسب سنة الوجود .فهذه الخاصيات المعينة التي أوجدها الله سبحانه وتعالى في الشياء وفي الغرائز والحاجات العضوية التي في النسان هي التي تسمى القدر ،لن الله وحده هو الذي خلق الشياء والغرائز والحاجات العضوية وقدر فيها خواصها .وهي ليست منها ول شأن للعبد فيها ول أثر له مطلقا .wوعلى النسان أن يؤمن بأن الذي قدر في هذه الشياء الخاصيات هو الله سبحانه وتعالى .وهذه الخاصيات فيها قابلية لن يعمل النسان بواسطتها عمل wوفق أوامر الله فيكون خيرا wأو يخالف أوامر الله فيكون شرا ، wسواء في استعمال الشياء بخواصها أو باستجابته للغرائز والحاجات العضوية خيرا wإن كانت ة حسب أوامر الله ونواهيه ،وشرا wإن كانت مخالف w لوامر الله ونواهيه . ومن هنا كانت الفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على النسان من الله خيرا wأو شرا ، wوكانت الخاصيات التي وجدت في الشياء والغرائز والحاجات العضوية من الله سواء أنتجت خيرا wأو شرا ، wومن هنا كان لزاما wعلى المسلم أن يؤمن بالقضاء خيره وشره من الله تعالى ،أي أن يعتقد أن الفعال الخارجة عن نطاقه هي من الله تعالى ،وأن يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى ،أي يعتقد بأن خواص الشياء الموجودة في طبائعها هي من الله تعالى .سواء ما أنتج منها خيرا wأم شرا ، wوليس للنسان المخلوق فيها أي أثر ،فأجل النسان ورزقه ونفسه كل ذلك من الله 18
،كما أن الميل الجنسي والميل للتملك الموجود في غريزتي النوع والبقاء ،والجوع والعطش الموجود في الحاجات العضوية كلها من الله تعالى . هذا بالنسبة للفعال التي تقع في الدائرة التي تسيطر على النسان وفي خواص جميع الشـياء .أما الدائرة التي يسيطر عليها النسان فهي الدائرة التي يسير فيها مختارا wضمن النظام الذي يختاره سواء شريعة الله أو غيرها ،وهذه الدائرة هي التي تقع فيها العمال التي تصدر من النسان أو عليه بإرادته ،فهو يمشى ويأكل ويشرب ويسافر في أي وقت يشاء ، ويمتنع عن ذلك في أي وقت يشاء وهو يحرق بالنار ويقطع بالسكين كما يشاء ،وهو يشبع جوعة النوع ،أو جوعة الملك ،أو جوعة المعدة كما يشاء ،يفعل مختارا . wويمتنع عن الفعل مختارا ، wولذلك يسأل عن الفعال التي يقوم بها ضمن هذه الدائرة . وأنه وان كانت خاصيات الشياء ،وخاصيات الغرائز ،والحاجات العضوية ،التي قدرها الله فيها وجعلها ة لها هي التي كان لها الثر في نتيجة الفعل ،لكن لزم € w هذه الخاصيات ل تحدث هي عمل ،بل النسان حين يستعملها هو الذي يحدث العمل بها ،فالميل الجنسي الموجود في غريزة النوع فيه قابلية للخير والشر ، والجوع الموجود في الحاجة العضوية فيه قابلية للخير والشر ،لكن الذي يفعل الخير والشر ،هو النسان وليست الغريزة أو الحاجات العضوية ،وذلك أن الله سبحانه وتعالى خلق للنسان العقل الذي يميز ،وجعل في طبيعة العقل هذا الدراك والتمييز ،وهدى النسان لطريق الخير والشر ) وهديناه النجدين ( ،وجعل فيها إدراك الفجور والتـقوى ) فألهمها فجورها وتقواها ( .فالنسان حين يستجيب لغرائزه وحاجاته العضوية وفق أوامر الله ونواهيه يكون قـد فعل الخير 19
وسار في طريق التقوى ،وحين يستجيب للغرائز ض عن أوامر الله ونواهيه والحاجات العضوية وهو معر • يكون قد فعل الشر وسار في طريق الفجور ،فكان في كل ذلك هو الذي يقع منه الخير والشر ،وعليه يقع الخير والشر ،وكان هو الذي يستجيب للجوعات وفق أوامر الله ونواهيه فيفعل الخير ،ويستجيب لها مخالفا w أوامر الله ونواهيه فيفعل الشر .وعلى هذا الساس يحاسب على هذه الفعال التي تقع في الدائرة التي يسيطر عليها فيثاب ويعاقب عليها ،لنه قام بها مختارا w دون أن بكون عليه أي إجبار .على أن الغرائز والحاجات العضوية وان كانت خاصيتها هي من الله ، وقابليتها للشر والخير هي من الله ،لكن الله لم يجعل هذه الخاصية على وجه ملزم للقيام بها ،سواء فيما يرضى الله أو يسخطه ،أي سواء في الشر أو الخير ، كما أن خاصية الحراق لم تكن على وجه يجعلها ة في الحراق ،سواء في الحراق الذي يرضي ملزم w الله أو الذي يسخطه ،أي الخـير والشر ،وإنما جعلت هذه الخاصيات فيها تؤديها إذا قام بها فاعل على الوجه المطلوب .والله حين خلق النسان وخلق له هذه الغرائز والحاجات وخلق له العقل المميز أعطاه الختيار بأن يقوم بالفعل أو يتركه ولم يلزمه بالقيام بالفعل أو الترك .ولم يجعل في خاصيات الشياء والغرائز والحاجات العضوية ما يلزمه على القيام بالفعل أو الترك ،ولذلك كان النسان مختارا wفي القدام على الفعل والقلع عنه ،بما وهبه الله من العقل المميز ،وجعله مناط التكليف الشرعي ،ولهذا جعل له الثواب على فعل الخير ،لن عقله اختار القيام بأوامر الله واجتناب نواهيه ،وجعل له العقاب على فعل الشر ،لن عقله اختار مخالفة أوامر الله وعمل ما نهي عنه باستجابته للغرائز والحاجات 20
العضوية على غير الوجه الذي أمر به الله .وكان جزاؤه على هذا الفعل حقا wوعدل ، wلنه مختار للقيام به ،وليس مجبرا wعليه .ول شأن للقضاء والقدر فيه .بل المسألة هي قيام العبد نفسه بفعله مختارا . wوعلى ذلك كان مسؤول wعما كسبه ) كل نفس بما كسبت رهينة (. أما علم الله تعالى فانه ل يجبر العبد على القيام بالعمل لن الله علم أنه سيقوم بالعمل مختارا ، wولم يكن قيامه بالعمل بناء على العلم ،بل كان العلم الزلي أنه سيقوم بالعمل .وليست الكتابة في اللوح المحفوظ إل تعبيرا wعن إحاطة علم الله بكل شيء . وأما إرادة الله تعالى فإنها كذلك ل تجبر العبد على العمل ،بل هي آتية من حيث أنه ل يقع في ملكه إل ما يريد :أي ل يقع شيء في الوجود جبرا wعنه .فإذا عمل العبد عمل wولم يمنعه الله منه ولم يرغمه عليه ،بل تركه يفعل مختارا ، wكان فعله هذا بإرادة الله تعالى ل جبرا wعنـه ،وكان فعل العبد نفسه باختياره ،وكانت الرادة غير مجبرة على العمل . هذه هي مسألة القضاء والقدر ،وهي تحمل النسان على فعل الخير واجتناب الشر حين يعلم أن الله مراقبه ومحاسبه ،وأنه جعل له اختيار الفعل والترك ،وأنه إن لم يحسن استعمال اختيار الفعال ، كان الويل له والعذاب الشديد عليه ،ولذلك نجد المؤمن الصادق المدرك لحقيقة القضاء والقدر ، العارف حقيقة ما وهبه الله من نعمة العقل والختيار ، نجده شديد المراقبة لله ،شديد الخوف من الله ، يعمل للقيام بالوامر اللهية ولجتناب النواهي ،خوفا w من عذاب الله وطمعا wفي جنته وحبا wفي اكتساب ما هو أكبر من ذلك أل وهو رضوان الله سبحانه وتعالى . 21
22
القيادة الفكرية في السلم تنشأ بين الناس كلما انحط الفكر رابطة الوطن ، وذلك بحكم عيشهم في أرض واحدة والتصاقهم بها ، فتأخذهم غريزة البقاء بالدفاع عن النفس ،وتحملهم على الدفاع عن البلد الذي يعيشون فيه ،والرض التي يعيشون عليها ،ومن هنا تأتي الرابطة الوطنية ،وهي أقل الروابط قوة wوأكثرها انخفاضا ، wوهي موجودة في الحيوان والطير كما هي موجودة فـي النسان ،وتأخذ دائما wالمظهر العاطفي .وهي تلزم في حالة اعتداء أجنبي على الوطن بمهاجمته أو الستيلء عليه ،ول شأن لها في حالة سلمة الوطن من العتداء وإذا رد الجنبي عن الوطن أو أخرج منه انتهى عملها ،ولذلك ة. ة منخفض w كانت رابط w w وحين يكون الفكر ضيقا تنشأ بين الناس رابطة قومية ،وهي الرابطة العائلية ولكن بشكل أوسع ، وذلك أن النسان تتأصل فيه غريزة البقاء فيوجد عنده حب السيادة ،وهي في النسان المنخفض فكريا w فردية ،وإذا نما وعيه يتسع حب السيادة لديه ،فيري سيادة عائلته وأسرته ،ثم يتسع باتساع الفق ونمو الدراك فيرى سيادة قومه في وطنه أول wثم يرى عند تحقق سيادة قومه في وطنه سيادتهم على غيرهم ، ولذلك تنشأ عن هذه الناحية مخاصمات محلية بين الفراد في السرة على سيادتها ،حتى إذا استقرت السيادة في هذه السرة لحدها بانتصاره على غيره انتقلت إلى مخاصمات بين هذه السرة وبين غيرها من السر على السيادة ،حتى تستقر السيادة على القوم لسرة أو لمجموعة من الناس من أسر مختلفة ،ثم تنشأ المخاصمات بين هؤلء القوم وغيرهم على السيادة والرتفاع في معترك الحياة .ولذلك تغلب 23
العصبية على أصحاب هذه الرابطة ،ويغلب عليهم الهوى ونصرة بعضهم على غيرهم .ولذلك كانت رابطة غير إنسانية ،وتظل هذه الرابطة عرضة للمخاصمات الداخلية إن لم تشغل عنها بالمخاصمات الخارجية . وعلى ذلك فالرابطة الوطنية رابطة فاسدة لثلثة أسباب :أول - wلنها رابطة منخفضة ل تنفع لن تربط النسان بالنسان حين يسير في طريق النـهـوض . وثانيا – wلنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ة للتغيير بالدفاع عن النفس والرابطة العاطفية عرض w والتبديل ،فـل تصلح للربط الدائمي بين النسان والنسان .وثالثا – لنها رابطة مؤقتة توجد في حالة الدفاع ،أمـا في حالة الستقرار – وهي الحالة الصلية للنسان – فل وجود لها ولذلك ل تصلح لن تكون ة بين بني النسان . رابط w وكذلك الرابطة القومية فاسدة لثلث أسباب :أول w ة ول تصلح لن تربط النسان – لنها رابطة قبلي w w بالنسان حين يسير في طريق النهوض .وثانيا – لنها رابطة عاطفية تنشأ عن غريزة البقاء ،فيوجد منها حب السيادة .وثالثا – wلنها رابطة غير إنسانية ،إذ تسبب الخصومات بين الناس على السيادة .ولذلك ل تصلح لن تكون رابطة بين بني النسان . ومن الروابط الفاسدة التي قد يتوهم وجودهـا رابطة بين الناس الرابطة المصلحية ،والرابطة الروحية التي ليس لها نظام ينبثق عنها .أما الرابطة المصلحية فهي رابطة مؤقتة ول تصلح لن تربط بني ة للمساومة على مصالح اكبر منها النسان ،لنها عرض w ،فتفقد وجودها في حالة ترجيح المصلحة .ولنها إذا تباينت المصلحة تنتهي ،وتفصل الناس عن بعضهم 24
ولنها تنتهي حين تتم هذه المصالح ولذلك كانت رابطة خطرة على أهلها . وأما الرابطة الروحية بل نظام ينبثق عنها ،فإنها تظهر في حالة التدين ،ول تظهر في معترك الحياة . ة غير عملية ،ول تصلح لن ة جزئي w ولذلك كانت رابط w تكون رابطة بين الناس في شئون الحياة ومن هنا لم تصلح العقيدة النصرانية لن تكون رابطة بين الشعوب الوربية مع أنها كلها تعتنقها ،لنها رابطة روحية ل نظام لها . ولذلك ل تصلح جميع الروابط السابقة لن تربط النسان بالنسان في الحياة حين يسير في طريق النهوض .والرابطة الصحيحة لربط بني النسان في الحياة هي رابطة العقيدة العقلية التي ينبثق عنها نظام .وهذه هي الرابطة المبدئية . والمبدأ عقيدة عقلية ينبثق عنها نظام .أما العقيدة فهي فكرة كلية عن الكون والنسان والحيـاة ،وعما قبل هذه الحياة الدنيا ،وعما بعدها وعن علقتها بما قبلها وما بعدها .وأما النظام المنبثق عن هـذه العقيدة فهو معالجات لمشاكل النسان ،وبيان لكيفية تنفيذ المعالجات ،والمحافظة على العقيدة ،وحمل المبدأ . فكان بيان الكيفية للتنفيذ وللمحـافظة ولحـمل الدعـوة :طريقة ،وما عدا ذلك وهو العقيدة والمعالجات : فكرة ،ومن هنا كان المبدأ فكرة وطريقة . والمبدأ ل بد أن ينشأ في ذهن شخص ،إما بوحي الله له به وأمره بتبليغه .وإما بعبقرية تشرق في ذلك الشخص .أما المبدأ الذي ينشأ في ذهن إنسان بوحي الله له به فهو المبدأ الصحيح ،لنه من خالق الكون والنسان والحياة ،وهو الله .فهو مبدأ قطعي .وأما المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص بعبقرية تشرق فيه فهو مبدأ باطل ،لنه ناشئ عن عقل محدود يعجز عن 25
ة الحاطة بالوجود ،ولن فهم النسان للتنظيم عرض w للتفاوت والختلف والتناقض والتأثر بالبيئة التي يعيش فيها مما ينتج النظام المتناقض المؤدي إلى شقاء النسان .لذلك كان المبدأ الذي ينشأ في ذهن شخص باطل wفي عقيدته و في نظامه الذي ينبثق عنها . وعلى ذلك كان الساس في المبدأ هو الفكرة الكلية عن الكون والنسان والحياة ،وكانت الطريقة التي تجعل المبدأ موجودا wمنفذا wفي معترك الحياة أمرا w لزما wلهذه الفكرة حتى يوجد المبدأ .أما كون الفكرة الكلية أساسا wفإنها هي العقيدة ،وهي القاعدة الفكرية ،وهي القيادة الفكرية ،وعلى أساسها يتعين اتجاه النسان الفكري ووجهة نظره في الحياة ،وعليها تبنى جميع الفكار ،وعنها تنبثق جميع معالجات مشاكل الحياة ،وأما كون الطريقة أمرا wلزما ، wفان النظام الذي ينبثق عن العقيدة إذا لم يتضمن بيان كيفية التنفيذ للمعالجات ،وبيان كيفية المحافظة على العقيدة ،وبيان كيفية حمل الدعوة للمبدأ ،كانت الفكرة فلسفة خيالية فرضية تبقى في بطون الكتب مسجلة دون أن يكون لها أثر في الحياة الدنيا .ولذلك كان ل بد من العقيدة ،ول بد من معالجات المشاكل ، ول بد من الطريقة ،حتى يكون المبدأ .على أن مجرد وجود الفكرة والطريقة في العقيدة التي ينبثق عنها نظام ل يدل على أن المبدأ صحيح ،بل يدل فقط على أن هذا يكون مبدأ ،ول يدل على غير ذلك .والذي يدل على صحة المبدأ أو بطلنه هو عقيدة المبدأ من حيث كونها صحيحة أو باطلة ،لن هذه العقيدة هي القاعدة الفكرية التي ينبني عليها كـل فكر ،والتي تعين كل وجهة نظر ،والتي تنبثق عنها كل معالجة ،وكل طريقة .فإذا كانت هذه القاعدة الفكرية صحيحة كان 26
المبدأ صحيحا ، wوإذا كانت باطلة كان المبدأ باطل wمن أسـاسه . والقاعدة الفكرية إذا اتـفقت مع فطرة النسان ، وكانت مبنية على العقل ،فهي قاعدة صحيحة ،وإذا خالفت فطرة النسان ،أو لم تكن مبنية على العقل ، فهي قاعدة باطلة .ومعنى اتفاق القاعدة الفكرية مع فطرة النسان كونها تقرر ما في فطرة النسان من عجز واحتياج إلى الخالق المدبر ،وبعبارة أخرى ، توافق غريزة التدين .ومعنى كونها مبنية على العقل أن ل تكون مبنية على المادة ،أو على الحل الوسط . وإذا استعرضنا العالم كله الن ل نجد فيه إل ثلثة مبادئ هي :الرأسمالية ،والشتراكية ومنها الشيوعية ،والمبدأ الثالث هو السلم .والمبدآن الولن تحمل كل واحد منهما دولة أو دول ،والمبدأ الثالث ل تحمله دولة ،وإنما يحمله أفراد في شعوب ، ولكنه موجود عالميا wفي الكرة الرضية . أما الرأسمالية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ،وهذه الفكرة هي عقيدتها ،وهي قيادتها الفكرية ،وهي قاعدتها الفكرية ،وبناء على هذه القاعدة الفكرية كان النسان هو الذي يضع نظامه في الحياة ،وكان ل بد من المحافظة على الحريات للنسان ،وهي حرية العقـيدة ،وحرية الرأي ،وحرية الملكية ،والحرية الشخصية ،وقد نتج عن حرية الملكية النظام القتصادي الرأسمالي ،فكانت الرأسمالية هي أبرز ما في هذا المبدأ ،وأبرز ما نتج عن عقيدة هذا المبدأ ،لذلك أطلق على هذا المبدأ انه المبدأ الرأسمالي ،من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه . وأما الديمقراطية التي أخذ بها هذا المبدأ فهي آتية من جهة أن النسان هو الذي يضع نظامه ،ولذلك 27
كانت المة هي مصدر السلطات ،فهي التي تضع النظمة ،وهي التي تستأجر الحاكم ليحكمها ،وتنزع هذا الحكم منه متي أرادت ،وتضع له النظام الذي تريـد ،لن الحكم عقد إجارة بين الشعب والحاكم ليحكم بالنظام الذي يضعه له الشعب ليحكمه به . والديمقراطية وان كانت من المبدأ لكنها ليست أبرز من النظام القتصادي فيه ،بدليل أن النظام الرأسمالي في الغرب يؤثر على الحكم ،ويجعله خاضعا wلصحاب رؤوس الموال ،حتى ليكاد يكون الرأسماليون الحكام الحقيقيين في البلد التي تعتنق المبدأ الرأسمالي .وعلوة على ذلك فليست الديمقراطية مختصة بهذا المبدأ ،فان الشيوعيين أيضا w يدعون الديمقراطية ويقولون بجعل الحكم للمة . ولذلك كان من الدق أن يطلق على هذا المبدأ بأنه المبدأ الرأسمالي . الصل في نشوء هذا المبدأ أن القياصرة والملوك في أوربا وروسيا كانوا يتخذون الدين وسيلة لستغلل الشعوب ،وظلمها ،ومص دمائها ،وكانوا يتخذون رجال الدين مطية لذلك .فنشأ عن هذا صراع رهيب قام أثناءه فلسفة ومفكرون منهم من أنكر الدين مطلقا ، wومنهم من اعترف بالدين ولكنه نادى بفصله عن الحياة .حتى استقر الرأي عند جمهرة الفلسفة والمفكرين على فكرة واحدة هي فصل الدين عن الحياة ،ونتج عن ذلك طبيعيا wفصل الدين عن الدولة . واستقر الرأي على عدم البحث في الدين من ناحية إنكاره أو العتراف به ،وحصر البحث في أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة .وتعتبر هذه الفكرة حل wوسطا w بين رجال الدين الذين يريدون أن يكون كل شيء خاضعا wلهم باسم الدين ،وبين الفلسفة والمفكرين الذين ينكرون الدين وسلطة رجال الدين ،فهي لم 28
تنكر الدين ،ولم تجعل له دخل wفي الحياة ،وإنما فصلته عن الحياة ،فكانت العقيدة التي اعتنقها الغرب ة هي هذا الفصل للدين عن الحياة ،وكانت هذه قاطب w العقيدة هي القاعدة الفكرية التي تبنى عليها جميع الفكار ،ويتعين على أساسها التجاه الفكري للنسان ووجهة نظره في الحياة ،وعلى أساسها تعالج جميع مشاكل الحياة ،وهي القيادة الفكرية التي يحملها الغرب ويدعو العالم إليها . وعقيدة فصل الدين عن الحياة اعتراف ضمني بأنه يوجد شيء يسمى الدين ،أي يوجد خالق للكون والنسان والحياة ،ويوجد يوم البعث ،لن هذا هو أصل الدين من حيث هو دين ،وهذا العتراف هو إعطاء فكرة عن الكون والنسان والحياة ،وعما قبل الحياة ،وعما بعـدها ،لنها لم تنف وجود الدين .بل إنها حين أعطت فكرة فصله ،اعترفت بوجوده ضمنا w فتكون قد أثبتت وجود الدين وأعطت فكرة أنه ل علقة لهذه الحياة بما قبلها وبما بعدها حين قالت ة بين الفرد بفصل الدين عن الحياة وأن الدين صل w وخالقه فقط .وبهذا تكون عقـيدة )فصل الدين عن الحياة( بمفهومها الشامل فكرة كلية عن الكون والنسان والحياة ،ومن هنا كان المبدأ الرأسمالي على الوجه الذي بيناه مبدأ كباقي المبادئ . وأما الشتراكية ومنها الشيوعية فهي ترى أن الكون والنسان والحياة مادة فقط ،وأن المادة هي أصل الشياء ،ومن تطورها صار وجود الشياء ،ول يوجد وراء هذه المادة شيء مطلقا ، wوأن هذه المادة أزلية قديمة لم يوجدها أحد ،أي أنها واجبة الوجود ، ة لخالق ،أي أن ولذلك ينكرون كون الشياء مخلوق w ينكرون الناحية الروحية في الشياء ويعتبرون العتراف بوجودها خطرا wعلى الحياة ،لذلك يعتبرون الدين 29
أفيون الشعوب الذي يخدرها ،ويمنعها من العمل .ول وجود عندهم لشيء سوى المادة ،حتى الفكر إنما هو انعكاس المادة على الدماغ ،وعليه فالمادة أصل الفكر ،وأصل كل شيء ،ومن تطورها المادي توجد الشياء .وعلى هذا فهم ينكرون وجود الخالق ، ويعتبرون المادة أزلية ،فهم ينكرون ما قبل الحياة وما بعدها ،ول يعترفون إل بالحياة فقط . ومع اختلف هذين المبدأين في النظرة الساسية إلى النسان والكون والحياة ،فأنهما يتفقان في أن المثل العليا للنسان هي القيم العليا التي يضعها النسان نفسه ،وأن السعادة هي الخذ بأكبر نصيب من المتع الجسدية ،لنها في نظرهما هي الوسيلة إلى السعادة ،بل هي السعادة .ومتفقان معا wعلى إعطاء النسان حريته الشخصية يتصرف بما يشاء وعلى نحو ما يريد ،مادام يرى في هـذا التصرف سعادته .ولذلك كان السلوك الشخصي أو الحرية الشخصية بعض ما يقدسه هذان المبدآن . ويختلف هذان المبدآن في النظرة إلى الفرد والمجتمع ،فالرأسمالية مبدأ فردي ،يرى أن المجتمع ة، مكون من أفراد ،ول ينظر للمجتمع إل نظرة wثانوي w ويخص نظرته بالفرد ،ولذلك يجب أن تضمن الحريات للفرد .ولضمان الحرية له يعمل أي فرد للمجتمع ، ومن هنا كانت حرية العقيدة بعض ما تقدسه ،وكانت ة أيضا wول تقيد بناء على الحرية القتصادية مقدس w فلسفتها ،وإنما تقيد من قبل الدولة لضمان الحريات ، وتنفذ الدولة هذا التقييد بقوة الجندي وصرامة القانون .إل أن الدولة هي وسيلة ،وليست غاية ، ولذلك كانت السيادة نهائيا wللفراد ل للدولة .ولذلك كان المبدأ الرأسمالي يحمل قيادة فكرية هي فصل 30
الدين عن الحياة ،وعلى أساسها يحكم بأنظمته ، ويدعو لها ،ويحاول أن يطبقها في كل مكان . وأما الشتراكية – ومنها الشيوعية – فهي مبدأ يرى أن المجتمع مجموعة عامة تتألف من البشر وعلقاتهم بالطبيعة ،تلك العلقات المحتومة المحددة التي يخضعون لها خضوعا wحتميا wوآليا . wوهذه المجموعة كلها شيء واحد ،الطبيعة ،والنسان ،والعلقات ،كلها شيء واحـد ،ل أجزاء منفصل بعضها عن بعض ، فالنسان تعتبر الطبيعة جانبا wمن شخصيته ،وهي الجانب الذي يحمله في ذاته ،ولذلك ل يتطور النسان إل وهو معلق بهذا الجانب من شخصيته وهو الطبيعة ، لن صلته بالطبيعة صلة الشيء بنفسه ،ولذلك يعتبر المجتمع مجموعة واحدة تتطور كلها معا wتطورا wواحدا ، w ويدور الفرد تبعا wلذلك كما يدور السن في الدولب . ولذلك لم تكن عندهم حرية عقيدة للفرد ،ول حرية اقتصادية .فالعقيدة مقيدة بما تريده الدولة ، والقتصاد مقيد بما تريده الدولة ،ولهذا كانت الدولة أيضا wبعض ما يقدسه المبدأ .وعن هذه الفلسفة المادية انبثقت أنظمة الحياة ،وجعل النظام القتصادي هو الساس الول ،وهو المظهر العام لجميع النظمة . ولذلك كان المبدأ الشتراكي ومنه الشيوعي يحمل قيادة فكرية ،هي المادية والتطور المادي ،وعلى أساسها يحكم بأنظمته ،ويدعو لها ،ويحاول أن يطبقها في كل مكان . وأما السلم فهو يبين أن وراء الكون النسان والحياة خالقا wخلقها هو الله تعالى ،ولذلك كان أساسه العتقاد بوجود الله عز وجل ،وكانت هذه العقيدة هي التي عينت الناحية الروحية ،أل وهي كون النسان والحياة والكون مخلوقة لخالق ،ومن هنا كانت صلة الكون بوصفه مخـلوقا ، wبالله الخالق .هي الناحية 31
الروحية في الكون .وصلة الحياة المخلوقة ،بالله الخالق ،هي الناحية الروحية في الحياة .وصلة النسان المخلوق ،بالله الخالق ،هي الناحية الروحية في النسان ،ومن هنا كانت الروح هي إدراك النسان لصلته بالله تعالى . واليمان بالله يجب أن يقترن باليمان بنبوة محمد ورسالته ،وبأن القرآن كلم الله ،فيجب اليمان بكل ما جاء به .ولهذا كانت العقيدة السلمية تقضي بأنه يوجد قبل الحياة ما يجب اليمان به وهو الله ،وتقضي باليمان بما بعد الحياة ،وهو يوم القيامة ،وبأن النسان في هذه الحياة الدنيا مقيد بأوامر الله و نواهيه ،وهذه هي صلة الحياة بما قبلها ،ومقيد بالمحاسبة على اتباع هذه الوامر واجتناب هذه النواهي ،وهذه هي صلة الحياة بما بعدها ،ولذلك كان حتما wعلى المسلم أن يدرك صلته بالله حين القيام بالعمال ، فيسير أعماله بأوامر الله ونواهيه وكان ذلك هو معنى مزج المادة بالروح والغاية من تسييرها بأوامر الله ونواهيه هي رضوان الله .والغاية المقصودة من القيام بها هي القيمة التي يحققها العمل . ولذلك لم تكن الهداف العليا لصيانة المجتمع ،من وضع النسان بل هي من أوامر الله ونواهيه ،وهي ثابتة ل تتغير ول تتطور ،فالمحافظة على نوع النسان ،وعلى العقل ،وعلى الكرامة النسانية ، وعلى نفس النسان ،وعـلى الملكية الفردية ،وعلى الدين ،وعلى المن ،وعلى الدولة ،أهداف عليا ثابتة لصيانة المجتمع ،ل يلحقها التغيير ول التطور ،ووضع للمحافظة عليها عقوبة صارمة ،فوضع الحدود والعقوبات للمحافظة على هذه الهداف الثابتة ، ولذلك يعتبر القيام بالمحافظة على هذه الهداف واجبا w ،لنها أوامر ونواه من الله ،ل لنها تحقق قيما wمادية . 32
وهكذا يقوم المسلم وتقوم الدولة بكافة العمال حسب أوامر الله ونواهيه لنها هي التي تنظم شئون النسان كلها ،والقيام بالعمال حسب أوامر الله ونواهيه هو الذي يجعل الطمأنينة عند المسلم .ومن هنا كانت السعادة ليست إشباع الجسد وإعطاءه متعه ،بل هي إرضاء الله سبحانه وتعالى . أما الحاجات العضوية والغرائز فقد نظمها السلم تنظيما wيضمن إشباع جميع جوعاتها ،من جوعة معدة ، أو جوعة نوع ،أو جوعة روحية ،أو غير ذلك .ولكن ل بإشباع بعضها على حساب بعض ،ول بكبت بعضها وإطلق بعض ول بإطلقها جميعها ،بل نسقها جميعها وأشبعها جميعها بنظام دقيق ،مما يهيئ للنسان الهناء والرفاه ،ويحول بينه وبين النتكاس إلى درك الحيوان بفوضوية الغرائز . ولضمان هذا التنظيم ،ينظر السلم للجماعة باعتبارها كل wغير مجزأ ،وينظر للفرد باعتباره جزءا w من هذه الجماعة غير منفصل عنها .ولكن كونه جزءا w من الجماعة ل يعني أن جزئيته هذه كجزئية السن في الدولب ،بل يعنى أنه جزء من كل ،كما إن اليد جزء من الجسم ،ولذلك عني السلم بهذا الفرد بوصفه جزءا wمن الجماعة ،ل فردا wمنفصل wعنها ،بحيث تؤدي هذه العناية للمحافظة على الجماعة ،وعني في نفس الوقت بالجماعة ل بوصفها كل wليس له أجزاء بل بوصفها كل wمكونا wمن أجزاء هم الفراد بحيث تؤدي هذه العناية إلى المحافظة على هؤلء الفراد كأجزاء ، قال صلى الله عليه وآله وسلم " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم ، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا wولم نؤذ من فوقنا ، 33
فان تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا ، wوان أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جمـيعا . " w وهذه النظرة للجماعة والفرد هي التي تجعل للمجتمع مفهوما wخاصا ، wلن هؤلء الفراد وهم أجزاء من الجماعة ل بد أن تكون لديهم أفكار تربطهم ، يعيشون حسبها ،وأن يكون لهم مشاعر واحدة يتأثرون بها ويندفعون بحسبها ،وأن يكون لهم نظام واحد يعالج مشاكل حياتهم جميعها .ومن هنا كان المجتمع مؤلفا wمن النسان والفكار والمشاعر والنظمة ،وكان النسان مقيدا wفي الحياة بهذه الفكار والمشاعر والنظمة .ولذلك كان المسلم في الحياة w مقيدا wفي كل شيء بالسلم وليس له حريات مطلقا . فالعقيدة للمسلم مقيدة بحدود السلم وليست مطلقة .ولذلك يعتبر ارتداده جريمة كبرى يستحق عليها القتل إن لم يرجع .والناحية الشخصية مقيدة بنظام ة يعاقب عليها ،دون السلم ،ولذلك كان الزنا جريم w رأفة مع التـشهير ) وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ( ،وكان شرب الخمر جريمة يعاقب عليـها ،وكان العتداء على آخرين جريمة تختلف باختلف هذا العتداء من قذف أو قتل أو ما شابه ذلك ،والناحية القتصادية مقيدة بالشرع وبالسباب التي أباح للفرد التملك بها ،وبحقيقة هذه الملكية الفردية من أنها إذن الشرع بالنتفاع بالعين .وكان الخروج عن هذه القيود جريمة تختلف باختلف نوع هذا الخروج من سرقة أو نهب أو ما شاكل ذلك .ولهذا كان ل بد من الدولة التي تحفظ هذه الجماعة وهذا الفرد ،وتطبق النظام على المجتمع ،وكان لبد من تأثير المبدأ في معتنقه ليكون الحفظ طبيعيا wآتيا wمن قبل الناس أنفسهم .ولذلك كان المبدأ هو الذي يقيد ويحفظ ،والدولة هي المنفذة .ولهذا كانت السيادة 34
للشرع وليست للدولة ول للمة ،وان كانت السلطة للمة ومظهرها في الدولة ،ومن هنا كانت طريقة تنفيذ النظام هي الدولة وان كان العتماد على تقوى الله في الفرد المؤمن ليقوم بأحكام السلم .وعليه كان ل بد من التشريع الذي تنفذه الدولة ،والتوجيه للفرد المؤمن لينفذ السلم بدافع تقوى الله .ومن هنا كان السلم عقيدة وأنظمة ،وكان مبدأ السلم فكرة وطريقة من جنس هذه الفكرة ،وكان نظامه منبثقا w عن عقيدته ،وكانت حضارته طرازا wمعينا wفي الحياة . وكانت طريقته في حمل الدعوة أن يطبق من قبل الدولة ،وأن يحمل قيادة فكرية إلى العالم ،تكون هي الساس لفهم نظام السلم والعمل به ،وكان العمل به في الجماعة التي تحكم بنظام السلم ،نشرا w للدعوة السلمية ،لن تطبيق نظام السلم على غير المسلمين من الناس يعتبر من الطريقة العملية للدعوة ،فقد كان لهذا التطبيق الثر الكبر في إيجاد هذا العالم السلمي المترامي الطراف . والحاصل أن المبادئ الموجودة في العالم ثلثة هي الرأسمالية ،والشتراكية ومنها الشيوعية ،والمبدأ الثالث هو السلم ،ولكل واحد من هذه المبادئ عقيدة تنبثق عنها أنظمته ،وله مقياس لعمال النسان في الحياة ،ونظرة خاصة للمجتمع ،وطريقة لتنفيذ النظام . أما من حيث العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادة أصل الشياء ،وأن جميع الشياء تصدر عنها بطريق التطور المادي .والمبدأ الرأسمالي يرى أنه يجب أن يفصل الدين عن الحياة ،وينتج عن ذلك فصل الدين عن الدولة ،فالرأسماليون ل يريدون أن يبحثوا هل هناك خالق أم ل ،وإنما يبحثون أنه ل دخل للخالق في الحياة ،سواء اعترف بوجوده أم أنكره ،ولذلك 35
يستوي عندهم المعترف بوجود الخالق والمنكر له في عقيدتهم ،وهي فصل الدين عن الحـياة . وأما السلم فيرى أن الله هو خالق الوجود ،وأنه أرسل النبياء والرسل بدينه لبني النسان ،وأنه سيحاسب النسان يوم القيامة على أعماله ،ولذلك كانت عقيدته اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله . وأما من حيث كيفية انبثاق النظام عن العقيدة فالمبدأ الشيوعي يرى أن النظام يؤخذ من أدوات النتاج ،لن المجتمع القطاعي مثل wتكون الفأس فيه هي أداة النتاج ،ومنها يؤخذ نظام القطاع ،فإذا تطور المجتمع إلى الرأسمالية تصبح اللة هي أداة النتاج . ولذلك يؤخذ النظام الرأسمالي منها ،فنظامه مأخوذ من التطور المادي .وأما المبدأ الرأسمالي فيرى أن النسان حين فصل الدين عن الحياة صار ل بد له أن يضع نظاما wلنفسه من الحياة ذاتها ،فصار يأخذ نظامه من واقعه يضعه بنفسه .وأما السلم فيرى أن الله جعل له نظاما wفي الحياة يسير علـيه ،وأرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذا النظام وبلغه إيـاه ،فيجب أن يسير عليه ،ولذلك هو يدرس المشكلة ،ويستنبط حلها من الكتاب والسنة . وأما من حيث مقياس العمال في الحياة فالمبدأ الشيوعي يرى أن المادية أي النظام المادي هو المقياس في الحياة ،وبتطوره يتطور المقياس ، والمبدأ الرأسمالي يرى أن مقياس العمال في الحياة هو النفعية ،وحسب هذه النفعية تقاس العمال ويقام بها على هذا الساس .والسلم يرى أن مقياس العمال في الحياة هو الحلل والحرام ،أي أوامر الله ونواهيه ،فالحلل يعـمل ،والحرام يترك ،ول يتطور 36
ذلك ول يتغير .ول تحكم فيه النفعية ،بل يحكم الشرع فقط . وأما من حيث النظرة للمجتمع فالمبدأ الشيوعي يرى أن المجتمع مجموعة عامة ،منها الرض ،وأدوات النتاج ،والطبيعة ،والنسان ،باعتبارها شيئا wواحدا wهو المادة ،وحين تتطور الطبيعة وما فيها يتطور معها النسان ،فيتطور المجتمع كله ،ولذلك كان المجتمع خاضعا wللتطور المادي ،وما على النسان إل أن يوجد جل هذا التطور ،وحين يتطور المجتمع ، التناقضات ليع ” يتطور الفرد بتطوره ،فيدور معه كما يدور السن في الدولب . وأما المبدأ الرأسمالي فانه يرى أن المجتمع مكون من أفراد ،وانه إذا انتظمت أمور الفرد انتظمت أمور المجتمع ،ولذلك ل بد من النظرة للفرد فقط ، فالدولة إنما تعمل للفرد ولهذا كان هذا المبدأ فرديا . w وأما السلم فيرى أن الساس الذي يقوم عليه المجتمع هو العقيدة ،وما تحمل من أفكار ومشاعر ، وما ينبثق عنها من أنظمه ،فحين تسود الفكار السلمية ،والمشاعر السلمية ،ويطبق النظام السلمي على الناس ،يوجد المجتمع السلمي ، ولذلك كان المجتمع مؤلفا wمـن النسان ،والفكار ، والمشاعر ،والنظمة .وأن النسان وحده مع النسان يؤلف جماعة ،ولكنه ل يؤلف مجتمعا wإل بالفكار التي يحملها النسان ،والمشاعر الموجودة لديه ،والنظمة التي تطبق عليه ،لن الذي يوجد العلقة بين النسان والنسان إنما هو المصلحة ،وهذه المصلحة إن توحدت الفكار عليها ،وان توحدت المشاعر نحوها فتوحد الرضا والغضب ،وان توحد النظام الذي يعالج ، فقد وجدت العلقة بين النسان والنسان ،وان اختلفت الفكار على المصلحة ،أو اختلفت المشاعر 37
نحوها ،فلم يتوحد الرضا والغضب ،أو اختلف النظام الذي يعالجها بين النسان والنسان لم توجد العلقة ، وبالتالي لم يوجد المجتمع ،ولذلك كان المجتمع مكونا w من النسان ،والفكار ،والمشاعر ،والنظمة ،لنها w هي التي توجد العلقة ،وتجعل الجماعة مجتمعا wمعينا . ولذلك لو كان جميع الناس مسلمين ،وكانت الفكار التي يحملونها رأسمالية ديمقراطية ، والمشاعر التي يحملونها روحية كهنوتية أو وطنية ، والنظام الذي يطبق عليهم رأسماليا wديمقراطيا ، wفان المجتمع يكون مجتمعا wغير إسلمي ولو كان جل أهله من المسلمين . وأما من حيث تنفيذ النظام فالمبدأ الشيوعي يرى أن الدولة وحدها هي التي تنفذ النظام بقوة الجندي وصرامة القانون ،وتتولى عـن الفرد وعن الجماعة شؤونهم ،وهي التي تطور النـظام .والرأسمالية ترى أن الدولة إنما تشرف على الحريات ،فإذا اعتدى أحد على حرية غيره منعت هذا العتداء ،لنها وجدت لضمان الحريات ،وإذا لم يعتد أحد على حرية آخر ولو استغله وأخذ حقوقه ،ولكن برضاه ،ل يكون هناك اعتداء على الحريات ،فل تتدخل الدولة ،ولذلك فالدولة موجودة لضمان الحريات . وأما السلم فيرى أن النظام إنما ينفذه الفرد المؤمن بدافع تقوى الله ،وتنفذه الدولة بشعور الجماعة بعدالته ،وبتعاون المة مع الحاكم بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ،وبسلطان الدولة . وتتولى الدولة شؤون الجماعة ،ول تتولى عن الفرد شؤونه إل إذا عجز عنها ،ول يتطور النظام أبدا . w والدولة لها صلحية تبني الحكام الشرعية إذا تعددت نتائج الجتهاد فيـها . 38
والقيادة الفكرية لمبدأ السلم متفقه مع فطرة النسان ،وهي على عمقها سهلة ميسورة ،سرعان ما يفتح لها النسان عقله وقلبه ،وسرعان ما يقبل عليها ليفهمها ،وليتعمق في فهم دقائقها بشغف وتقدير ،لن التدين فطري في النسان ،وكل إنسان بفطرته ،متدين ،ول تستطيع أي قوة أن تنزع منه هذه الفطرة ،لنها متأصلة فيه ،فالنسان بطبعه يشعر أنه ناقص ،وان هناك قوة أكمل منه ،وان هذه القوة تستحق التقديس ،والتدين هو الحتياج إلى الخالق المدبر ،الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين النسان ،وهو غريزة ثابتة لها رجع معين هو التقديس ، ولذلك كانت النسانية في جميع العصور متدينة تعبد شيئا ، wفعبدت النسان ،والفلك ،والحجارة ، والحيوان ،والنيران ،وغير ذلك .ولما جاء السلم بعقيدته جاء ليخرج النسانية من عبادة المخلوقات إلى عبادة الله الذي خلق كل شيء .و لما ظهر المبدأ المادي الذي ينكر وجود الله و ينكر الروح لم يستطع أن يقضي على هذا التدين الطبيعي ،وإنما نقل تصور النسان لـقوة أكبر منه ،ونقل تقديسه لهذه القوة ، نقل كل ذلك إلى تصور هذه القوة في المبدأ وفي حملته ،وجعل تقديسه لهما وحدهما ،فكأنه رجع إلى الوراء ،ونقل تقديس الناس مـن عبادة الله إلى عبادة العباد ،ومن تقديس آيات الله إلى تقديس كلم المخلوقات ،فكان رجعيا wفي ذلك .ولم يستطع القضاء على فطرة التدين ،وإنما حولها بالمغالطة تحويل wرجعيا . wولذلك كانت قيادته الفكرية تختلف مع طبيعة النسان ،وكانت قيادة سلبية .ومن هنا كانت القيادة الفكرية في الشيوعية مخفقة من ناحية فطرية ،وإنما يتحيل لها بالمعدة ،وتستهوى الجائعين ، والخائفين ،والبائسين ،ويتمسك بها المنخفضون ، 39
والمخفقون في الحياة الحاقدون عليها ،والمصابون بالشذوذ العقلي ،حتى يقال أنهم من ذوي الفكر حين يتشدقون بالنظرية الديالكتيكية التي هي أظهر شيء فسادا wوبطلنا wبشهادة الحس والعقل معا . wوتتوسل بالقوة لخضاع الناس لمبدئها ،ومن هنا كان الضغط والكبت ،وكانت الثورات والقلقل ،والتخريب والضطراب من أهم وسائلها . وكذلك كانت القيادة الفكرية للرأسمالية مخالفة لفطرة النسان التي هي فطرة التدين ،لن فطرة التدين كما تبرز في التقديس تبرز في تدبير النسان لعماله في الحياة ،لظهور اختلفه وتناقضه حين يقوم بهذا التدبير ،وهذا آية العجز .ولذلك كان ل بد أن يكون الدين هو المدبر لعمال النسان في الحياة . فإبعاد الدين عن الحياة مخالف لفطرة النسان .على أنه ليس معنى وجود الدين في الحياة هو جعل أعمال الحياة الدنيا عبادات بل معنى وجود الدين في الحياة هو جعل النظام الذي أمر الله به هو الذي يعالج مشاكل النسان في الحياة ،وهذا النظام صادر عن عقيدة قررت ما في فطرة النسان .فإبعاده وأخذ نظام صادر من عقيدة ل توافق غريزة التدين مخالف لفطرة النسان .ولذلك كانت القيادة الفكرية الرأسمالية مخفقة من ناحية فطرية ،لنها قيادة سلبية في فصلها الدين عن الحياة ،وفي إبعادها التدين عن الحياة ،وجعله مسألة فرديه ،وفي إبعادها النظام الذي أمر الله به عن معالجة مشاكل النسـان . والقيادة الفكرية السلمية هي قيادة إيجابية لنها تجعل العقل أساسا wلليمان بوجود الله ،إذ تلفت النظر إلى ما في الكون والنسان والحياة ،مما يحمل على الجزم بوجود الله الذي خلق هذه المخلوقات ، وتعين للنسان ما يبحث عنه بفطرته من كمال 40
مطلق ،لم يوجد في النسان والكون والحياة ،وترشد عقله إليه ،فيدركه و يؤمن به . أما القيادة الفكرية الشيوعية فهي مبنية على المادية وليس على العقل ،وان توصل إليها العـقل ، لنها تقول بوجود المادة قبل الفكر ،وبجعلها أصل الشياء ،فهي مادية .وأما القيادة الفكرية الرأسمالية فهي مبنية على الحل الوسط الذي توصلت إليه من النزاع الدامي الذي استمر عدة قرون بين رجال الكنيسة ورجال الفكر ،وأنتج فصل الدين عن الدولة . لذلك كانت القيادتان الفكريتان الشيوعية والرأسمالية مخفقتين ،لنهما متناقضتان مع الفطرة ،وغير مبنيتين على العقل . والحاصل أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها القيادة الفكرية الصحيحة ،وما عداها قيادات فكرية فاسدة ،لن القيادة الفكرية السلمية مبنية على العقل ،في حين أن القيادات الفكرية الخرى غير مبنية على العقل ،ولنها قيادة فكرية تتفق مع فطرة النسان ،فيتجاوب معها ،في حين أن القيادات الفكرية الخرى تخالف فطرة النسان .وذلك :أن القيادة الفكرية الشيوعية مبنية على المادية ل على العقل ،لنها تقول أن المادة تسبق الفكر ،أي تسبق العقل ،ولذلك فالمادة حين تنعكس على الدماغ توجد به الفكر ،فيفكر في المادة التي انعكست عليه .أما قبل انعكاس المادة على الدماغ فل يـوجد فكر ، ولذلك فكل شيء مبني على المادة ،فأصل العقيدة الشيوعية أي القيادة الفكرية الشيوعية هو المادية وليس الفكر . وهذا خطأ من وجهين ،الول أنه ل يوجد انعكاس بين المادة والدماغ فل الدماغ ينعكس على المادة ،ول المادة تنعكس على الدماغ ،لن النعكاس يحتاج إلى 41
وجود قابلية النعكاس في الشيء الذي يعكس الشياء كالمرآة ،فإنها تحتاج إلى قابلية النعكاس عليها ،وهذا غير موجود ،ل في الدماغ ،ول في الواقع المادي . ولذلك ل يوجد انعكاس بين المادة والدماغ مطلقا ، w لن المادة ل تنعكس على الدماغ ،ول تنتقل إليه ،بل ينتقل الحساس بالمادة إلى الدماغ بواسطة الحواس ، ونقل الحساس بالمادة إلى الدماغ ليس انعكاسا w للمادة على الدماغ ،ول انعكاسا wللدماغ على المادة ، وإنما هو حس بالمادة ،ول فرق في ذلك بين العين وغيرها من الحواس ،فيحصل من اللمس ،والشم ، والذوق ،والسمع ،إحساس كما يحصل من البصار . إذن فالذي يحصل من الشياء ليس انعكاسا wعلى الدماغ ،وإنما هو حس بالشـياء .فالنسان يحس بالشياء بواسطة حواسه الخمس ،ول تعكس على دماغه الشـياء . والثاني أن الحس وحده ل يحصل منه فكر ،بل الذي يحصل هو الحس فقط ،أي الحساس بالواقع ، وإحساس زائد إحساس ،زائد مليون إحساس ،مهما تعدد نوع الحساس ،إنما يحصل منه إحساس فقط ، ول يحصل فكر مطلقا ، wبل ل بد من وجود معلومات سابقة عند النسان يفسر بواسطتها الواقع الذي أحس به حتى يحصل فكر ،ولنأخذ النسان الحالي ،أي إنسان ،ونعطيه كتابا wسريانيا ، wول توجد لديه أي معلومات تتصل بالسريانية ،ونجعل حسه يقع على الكتابة ،بالرؤية ،وباللمس ،ونكرر هذا الحس مليون مره ،فانه ل يمكن أن يعرف كلمة واحدة ،حتى يعطي معلومات عن السريانية ،وعما يتصل بالسريانية ،فحينئذ يبدأ يفكر بها ويدركها .وكذلك لنأخذ الطفل الذي وجد عنده الحساس ولم توجد عنده أي معلومات ،ولنضع أمامه قطعة ذهب ، 42
وقطعة نحاس ،وحجرا ، wونجعل جميع احساساته تشترك في حس هذه الشياء ،فانه ل يمكنه أن يدركها ،مهما تكررت هذه الحساسات وتنوعت .ولكن إذا أعطي معلومات عنها ،وأحسها ،فإنه يستعمل المعلومات ويدركها .وهذا الطفل لو كبرت سنه وبلغ عشرين سنه ولم يأخذ أي معلومات فانه يبقى كأول يوم يحس بالشياء فقط ول يدركها مهما كبر دماغه ، لن الذي يجعله يدرك ليس الدماغ ،وإنما هو المعلومات السابقة مع الدماغ ،ومع الواقع الذي يحسه .هذا من ناحية الدراك العقلي ،أما من ناحية الدراك الشعوري فناتج عن الغرائز والحاجات العضوية ،والذي يحصل عند الحيوان فأنه يحصل عند النسان ، فيعرف من تكرار إعطائه التفاحة والحجر أن التفاحة تؤكل والحجر ل يؤكل ،كما يعرف الحمار أن الشعير يؤكل وان التراب ل يؤكل ،ولكن هذا التميز ليس فكرا w ،ول إدراكا wوإنما هو راجع للغرائز وللحاجات العضوية ، وهو موجود عند الحيوان كما هو عند النسان ،ولذلك ل يمكن أن يحصل فكر إل إذا وجدت المعلومات السابقة مع نقل الحساس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ . وعليه فالعقل أو الفكر أو الدراك هو نقل الحس بالواقع بواسطة الحواس إلى الدماغ ووجود معلومات سابقه يفسر بواسطتها الواقع . وعلى ذلك فالقيادة الفكرية الشيوعية مخطئة وفاسدة ،لنها غير مبنية على العقل كما أن معنى الفكر والعقل عندها فاسد . وكذلك القيادة الفكرية الرأسمالية مبنية على الحل الوسط بين رجال الكنيسة والمفكرين ،فإنها بعد ذلك الصراع العنيف الذي أستمر عدة قرون بين رجال الدين والمفكرين ،توصلوا إلى حل وسط هو فصل 43
الدين عن الحياة ،أي العتراف بوجود الدين ضمنا w وفصله عن الحياة ،ولذلك لم تكن القيادة الفكرية مبنية على العقل ،وإنما هي حل ترضيه أو حل وسط . ولذلك نجد فكرة الحل الوسط أصيلة عندهم ،فهم يقربون بين الحق والباطل بحل وسـط ،وبين اليمان والكفر بحل وسط ،وبين النور والظلم بحل وسط ، مع إن الحل الوسط غير موجود ،لن المسألة إما الحق أو الباطل ،وإما اليمان أو الكفر ،وإما النور أو الظلم ،ولكن الحل الوسط الذي بنو عليه عقيدتهم وقيادتهم الفكرية أبعدهم عن الحق ،وعن اليمان ، وعن الـنور ،ولذلك كانت قيادتهم الفكرية فاسدة لنها غير مبنية على العقل . وأما القيادة الفكرية السلمية فإنها مبنية على العقل ،إذ تفرض على المسلم أن يؤمن بوجود الله وبنبوة محمد ،وبالقرآن الكريم ،عن طريق العقل . وتفرض اليمان بالمغيبات ،على أن تأتى من شيء ثبت وجوده في العقل ،كالقرآن والحديث المتواتر ، ولذلك كانت قيادة فكرية مبنية على العقل . هذا من ناحية العقل ،أما من ناحية الفطرة فان القيادة الفكرية السلمية توافق الفطرة ،لنها تؤمن بوجود الدين ،وبوجوب وجوده في الحياة ،وتسييرها بأوامر الله ونواهيه .والتدين فطري ،لنه غريزة من الغرائز ،لها رجـع خاص هو التقديس ،وهو يختلف عن رجع أي غريزة أخرى غيرها ،وهو رجع طبيعي لغريزة معينة ،ولهذا كان اليمان بالدين ،وبوجوب تسيير أعمال النسان في الحياة بأوامر الله و نواهيه ،غريزيا w ،فهو موافق للفطرة ،ولذلك تتجاوب مع النسان . بخلف القيادتين الفكريتين الشيوعية والرأسمالية فانهما تخالفان الفطرة ،لن القيادة الفكرية الشيوعية تنكر وجود الدين مطلقا ، wوتحارب العتراف به ،فهي 44
تتناقض مع الفطرة .والقيادة الفكرية الرأسمالية ل تعترف بالدين ول تنكره ،ول تجعل العتراف به أو إنكاره موضوع بحث ،ولكنها تقول بوجوب فصل الدين عن الحياة ،فهي تريد أن يكون سير الحياة نفعيا wبحتا w ل شأن للدين به ،وهذا مناقض للفطرة ،وبعيد عنها . ولذلك كانت مناقضة لفطرة النسان . ومن هنا كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها هي الصالحة ،لموافقتها لفطرة النسان ،ولموافقتها للعقل ،وما عداها فهو باطل .ولذلك كانت القيادة الفكرية السلمية وحدها هي الصحيحة ،وكانت وحدها هي الناجحة . بقيت مسألة واحدة هي هل طبق المسلمون السلم ؟ أم انهم كانوا يعتنقون عقيدة ويطبقون غيره من النظمة والحكام ؟ ! والجواب على ذلك أن المسلمين طبقوا السلم وحده في جميع العصور ، منذ أن وصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى سنة 1336هـ أي 1918ميلدية حين سقطت آخر دولة إسلمية على يد الستعمار ،وكان تطبيقها شامل wحتى نجحت في هذا التطبيق إلى ابعد حدود النجاح . w أما كون المسلمين طبقوا عمليا السلم فان الذي يطبق النظام هو الدولة ،والذي يطبق في الدولة شخصان أحدهما القاضي الـذي يفصل الخصومات بين الناس ،والثاني الحاكم الذي يحكم الناس .أما القاضي فإنه نقل بطريق التواتر أن القضاة الذين يفصلون الخصومات بين الناس منذ عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى نهاية الخلفة في استانبول ،كانوا يفصلونها حسب أحكام الشرع الشريف في جميع أمور الحياة ،سـواء بين المسلمين وحدهم ،وبين المسلمين وغيرهم .وقد كانت 45
المحكمة التي تفصل جميع الخصومات من حقوق وجزاء وأحوال شخصية وغير ذلك ،محكمة واحدة تحكم بالشرع السلمي وحده .ولم يرو أحد أن قضية واحدة فصلت على غير الحكام الشرعية السلمية ، أو أن محكمة ما في البلد السلمية حكمت بغير السلم قبل فصل المحاكم إلى شرعية ونظامية بتأثير الستعمار .وأقرب دليل على ذلك سجلت المحاكم الشرعية المحفوظة في البلدان القديمة كالقدس وبغداد ودمشق ومصر واستانبول وغيرها فإنها دليل يقيني بأن الشرع السلمي وحده هو الذي كان يطبقه القضاة .حتى أن غير المسلمين من النصارى واليهود كانوا يدرسون الفقه السلمي ويؤلفون فيه مثل سليم الباز شارح المجلة وغيره ممن ألفوا في الفقه السلمي في العصور المتأخرة .وأما ما أدخل من القوانين فانه أدخل بناء على فتوى العلماء بأنها ل تخالف أحكام السلم ،وهكذا أدخل قانون الجزاء العثماني 1275هـ الموافق 1857م وأدخل قانون الحقوق والتجارة 1276هـ الموافق 1858م ثم في 1288هـ والموافق 1870م .جعلت المحاكم قسمين محاكم شرعية ومحاكم نظامية ،ووضع لها نظام ثم في 1295هـ الموافق 1877م وضعت لئحة تشكيل المحاكم النظامية .ووضع قانون أصول المحاكمات الحقوقية والجزائية 1296هـ .ولما لم يجد العلماء ما يبرر إدخال القانون المدني إلى الدولة وضعت المجلة قانونا wللمعاملت ،وأستبعد القانون المدني وذلك 1286هـ فهذه القوانين وضعت كأحكام يجيزها السلم ،ولم توضع موضع العمل إل بعد أن أخذت الفتوى بإجازتها ،وبعد أن أذن شيخ السلم بها ،كما تبين من المراسيم التي صدرت بها .وانه وان كان الستعمار منذ سنة 1918م أي منذ احتلله البلد أخذ يفصل 46
الخصومات في الحقوق والجزاء على غير الشريعة السلمية ،ولكن البلدان التي لم يدخلها الستعمار بجيوشه وان دخلها بنفوذه ،ل تزال تحكم قضائيا w بالسلم ،فجزيرة العرب كلها :الحجاز ونجد والكويت ،وكذلك بلد الفغان ،ل تزال تطبق السلم قضائيا w ولم تحكم حتى الن في القضاء إل في الشريعة السلمية ولو أن الحكام في هذه البلد الن ل يطبقون السلم .ومع ذلك نرى أن السلم طبق قضائيا wولم يطبق غيره في جميع عصور الدولة السلمية . أما تطبيق الحاكم للسلم فانه يتمثل في خمسة أشياء :في الحكام الشرعية المتعلقة بالجـتماع ، والقتصاد ،والتعليم ،والسياسة الخارجية ،والحكم . وقد طبقت هذه الشياء الخمسة جميعها من قبل الدولة السلمية .أما النظام الجتماعي الذي يعين علقة المرأة بالرجل ومـا يترتب على هذه العلقة أي الحوال الشخصية ،فإنها ل تزال تطبق حتى الن رغم وجود الستعمار ووجود حكم الكفر ،ولم يطبق غيرها مطلقا حتى الن .وأما النظام القتصادي فيتمثل في ناحيتين إحداهما كيفية أخذ الدولة للمال من الشعب لتعالج مشاكل الناس ،والثاني كيفية إنفاقه .أما كيفية أخذه فقد كانت تأخذ الزكاة على الموال ،والراضي ، والنعام ،باعتبارها عباده ،وتوزعها فقط على الصناف الثمانية الذين ذكروا في القرآن ول تستعملها في إدارة شؤون الدولة ،وتأخذ الموال لدارة شؤون الدولة والمة حسب الشرع السلمي ،فهي لم تأخذ أي نظام للضرائب ،وإنما كانت تطبق السلم ،فتأخذ الخراج على الرض ،وتأخذ الجزية من غير المسلمين ،وتأخذ ضرائب الجمارك بحكم إشرافها على التجارة الخارجية والداخلية ،وما كانت تحصل الموال إل حسب الشريعة السلمية .وأما توزيع 47
المال فقد كانت تطبق أحكام النفقة للعاجز ،وتحجر على السفيه والمبذر ،وتنصب عليه وصيا ، wوكانت تقيم أمكنة في كل مدينة ،وفي طريق الحج ،لطعام الفقير والمسكين وابن السبيل ،ول تزال آثارها موجودة حتى اليوم في أمهات بـلد المسلمين . وبالجملة كان يجري إنفاق المال من الدولة حسب الشريعة ،ولم يجر حسب غيرها مطلقا ، wوما يشاهد من التقصير في هذه الناحية هو إهمال ،وإساءة تطبيق ،وليس عدم تطبيق . وأما التعليم فان سياسته كانت مبنية على أساس السلم ،فكانت الثقافة السلمية هي الساس في منهاج التعليم ،والثقافة الجنبية يحرص في عدم أخذها إذا تناقضت مع السلم .وأما التقصير في فتح المدارس فهو إنما كان في أواخر الدولة العثمانية ، على السواء في جميع البلد السلمية ،للنحطاط الفكري الذي بلغ نهايته حينئذ .وأما في باقي العصور فان من المشهور في العالم كله أن البلد السلمية كانت وحدها محط أنظار العلماء والمتعلمين ، ولجامعات قرطبة وبغداد ودمشق والسكندرية والقاهرة أثر كبير في توجيه التعليم في العالم . وأما السياسة الخارجية فإنها كانت مبنية على أساس إسلمي ،فالدولة السلمية كانت تبني علقاتها مع الدول الخرى على أساس السلم ،وكانت جميع الدول تنظر إليها بوصفها دولة إسلمية ،وكانت علقاتها الخارجية كلها مبنية على أساس السلم ومصلحة المسلمين بوصفهم مسلمين ،وإن أمر كون سياسة الدولة السلمية الخارجية هي السياسة السلمية مشهور شهرة عالمية تغني عن الدليل . وأما بالنسبة لنظام الحكم فان جهاز الدولة في السلم يقوم على سبعة أركان هي :الخليفة وهو 48
رئيس الدولة ،والمعاونون له في الحكم ،والولة ، والقضاة ،والجيش ،والجهاز الداري ،ومجلس الشورى ،وهذا الجهاز كان موجودا ، wفان المسلمين لم يمر عليهم زمن لم يكن لهم فيه خليفة ،إل بعد أن أزال الكافر المستعمر الخلفة على يد كمال اتاتورك سنة 1342هـ و 1924م .أما قبل ذلك فقد كان خليفة المسلمين دائميا wل يذهب خليفة إل وقد أتى بعده خليفة ،حتى في أشد عصور الهبوط .ومتى وجد الخليفة فقد وجدت الدولة السلمية ،لن الدولة السلمية هي الخليفة ،وأمـا المعاونون فقد كانوا كذلك موجودين في جميع العصور ،وكانوا معاونين منفذين وليسوا وزراء ،وأنهم وان أطلق عليهم في عصر العباسيين لقب وزراء ولكنهم كانوا معاونين . ولم تكن لهم صفة الوزارة الموجودة في الحكم الديمقراطي مطلقا ، wبل كانوا معاونين ،وهيئة تنفيذية فقط ،والصلحيات كلها للخليفة .وأما الولة والقضاة والجهاز الداري فان وجودها ثابت .والكافر المستعمر حين استلم البلد كانت أمورها سائرة ،وفيها الولة والقضاة والجهاز الداري مما ل يحتاج لدليل .وأما الجيش فانه كان جيشا wإسلميا ،وكان العالم يتركز في ذهنه أن الجيش السلمي ل يغلب ،وأما مجلس الشورى فانه بعد الخلفاء الراشدين لم يعن بوجوده ، والسبب في ذلك أن الشورى ليست قاعدة من قواعد الحكم ،وان كانت من جهاز الدولة ،وإنما هي حق من حقوق الرعية على الراعي ،فان لم يفعل بها يكون قد قصر ،ولكن الحكم يبقى حكما wإسلميا ،وذلك لن الشورى هي لخذ الرأي وليست للحكم ،بخلفها في مجالس النواب الديمقراطية .ومن هذا يتبين أن نظام الحكم كان مطبقا wفي السلم . 49
وها هنا مسألة في بيعة الخليفة ،فان من المقطوع به أنه لم يكن في الخلفة نظام وراثة ،أي لم تكن الوراثة حكما wمقررا wفي الدولة يؤخذ الحكم – أي تؤخذ رئاسة الدولة – بموجبها كما هي الحال في النظام الملكي ،وإنما كان الحكم المقرر في الدولة لخذ الحكم هو البيعة ،كانت تؤخذ من المسلمين في بعض العصور ،ومن أهل الحل والعقد في البعض الخر ،ومن شيخ السلم في آخر العصر الهابط . والذي جرى عليه العمل في جميع عصور الدولة السلمية أنـه لم ينصب أي خليفة إل بالبيعة ،ولم ينصب بالوراثة دون بيعة على الطلق ،ولم ترو ول حادثة واحدة أنه نصب خليفة بالوراثة من غير بيعة . غير أنه كان يساء تطبيق أخذ البيعة ،فيأخذها الخليفة من الناس في حياته لبنه ،أو أخيه ،أو أبن عمه ،أو شخص من أسرته ،ثم تجدد البيعة لذلك الشخص بعد وفاة الخليفة ،وهذه إساءة لتطبيق البيعة وليست وراثة ،ول ولية عهد .كما أن إساءة تطبيق نظام النتخابات لمجلس النواب في النظام الديمقراطي تسمي انتخابا wول تسمى تعيينا ، wولو فاز في النتخابات الشخاص الذين تريدهم الحكومة ،ومن ذلك كله نرى أن النظام السلمي طبق عمليا ، wولم يطبق غيره في جميع عصور الـدولة السلمية . w أما نجاح هذه القيادة عمليا wفقد كان نجاحا منقطع النظير ول سيما في المرين التاليين : أما أحدهما فان القيادة الفكرية السلمية نقلت الشعب العربي بمجموعه من حالة فكرية منحطة تتخبط في دياجير العصبية العائلية ،وظلم الجهل الدامس ،إلى عصر نهضة فكرية ،يتلل بنور السلم الذي لم يقتصر بزوغ شمسه على العرب ،بل عم العالم .فقد اندفع المسلمون في الكرة الرضية ، 50
وحملوا السلم للعالم ،واستولوا على فارس والعراق وبلد الشام ومصر وشمالي أفريقيا .وكانت لكل شعب من هذه الشعوب قومية غير قوميات الشعوب الخرى ،ولغة غير لغاتها ،فكانت قومية الفرس في فارس غير قومية الروم في الشام ،وغير قومية القبط في مصر ،وغير قومية البربر في شمالي أفريقيا ،وكانت عاداتهم وتقاليدهم وأديانهم مختلفة . وما أن استظلت بالحكم السلمي ،وفهمت السلم ، حتى دخلت السلم كلها ،وأصبحت جميعها أمة واحدة ،هي المة السلمية .ولذلك كان نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب والقوميات نجاحا wمنقطع النظير ،مع أن وسيلة المواصلت في حملها هي الناقة والجمل ،ووسيلة نشرها اللسان والقلم . أما الفتح فكان لزالة القوة بالقوة ،وكسر الحواجز المادية ،حتى يخلى بين الناس وما يرشدهم إليه العقل ،أو تهديهم إليه الفطرة ،ولذلك دخل الناس في دين الله أفواجا .أما الفتح الجائر فانه يباعد بين الفاتح والمفتوح ،والغالب والمغلوب ،وما أمر استعمار الغرب للشرق عشرات من السنين دون أن يظفر بنائل ببعيد ،ولول أثر من الثقافة المظللة سيمحى ،وضغط من الزعامة المأجورة سيضمحل ، لكان العود إلى حظيرة السلم في مبدأه ونظامه أقرب مـن رد الطرف . . .ونعود فنقول :لقد كان نجاح القيادة الفكرية السلمية في صهر هذه الشعوب نجاحا wمنقطع النظير ،وظلت هذه الشعوب مسلمة حتى اليوم ،بالرغم من طوارئ الستعمار وخبثه ومكره في إفساد العقائد وتسميم الفكار ،وستظل حتى تقوم الساعة ،أمة واحدة إسلمية .ولم يحصل 51
مطلقا wأن أي شعب من الشعوب التي اعتنقت السلم أرتد عـن السلم . أما مسلموا الندلس فقد أفنوا إفناء بمحاكم التفتيش ،وبيوت النيران ،ومقاصل الجلدين ، ومسلموا بخارى والقفقاص والتركستان فقد أصابتهم قارعة الذين سبقوهم .وإسلم هذه الشعوب وصيرورتها أمة واحدة وشدة حرصها على عقيدتها يصور مبلغ نجاح هذه القيادة الفكرية ،ومبلغ نجاح الدولة السلمية في تطبيق نظام السلم . أما المر الثاني الذي يدل على نجاح هذه القيادة ، فهو أن المة السلمية ظلت أعلى أمة في العالم حضارة ومدنية وثقافة وعلما ، wوظلت الدولة السلمية أعظم الدول في العالم وأقدرها مدة أثني عشر قرنا : w من القرن السادس الميلدي حتى منتصف القرن الثامن عشر الميلدي ،وكانت وحدها زهرة الدنيا ، والشمس المشرقة بين المم طوال هذه المدة ،مما يؤكد نجاح هذه القيادة ،ونجاح السلم في تطبيق نظامه وعقيدته على الناس .وحينما تخلت الدولة السلمية والمة السلمية عن حمل القيادة الفكرية حين أهملت الدعوة إلى السلم ،وقصرت في فهم السلم وتطبيقه ،انتكست بين المم . ولهذا نقول أن القيادة الفكرية السلمية هي وحدها الصالحة ،وهي وحدها التي يجب أن تحمل للعالم .وإذا تحققت الدولة السلمية التي تحمل هذه القيادة فسيكون نجاح هذه القيادة اليوم كما كان بالمس . قلنا أن السلم يوافق فطرة النسان فيما أنبثق عنه من نظم ،ولهذا ل يعتبر النسان كائنا wصناعيا w يعيش على المسطرة ،ويطبق النظام بل تفاوت بالقياس الهندسي الدقيق ،بل يعتبر النسان كائنا w 52
اجتماعيا wيطبق النظام ككائن اجتماعي تتفاوت فيه القوى والخاصيات ،فمن الطبيعي من جهة أن يقارب بين الناس ول يساوى ،مع ضمان الطمأنينة للجميع ، ومن الطبيعي من جهة أخرى وهذا موضع البحث الن أن يشذ على هذا العتبار عن تطبيق هذا النظام أفراد فيخالفونه ،وأن ل يستجيب لهذا النظام أفراد ،وأن يتولى عن هذا النظام أفراد ،ولذلك كان ل غنى عن أن يكون في المجتمع فساق وفجار ،وأن يكون فيه كفار ومنافقون ،وأن يكون فيه مرتدون وملحدون ، ولكن العبرة بالمجتمع بمجموعه من حيث كونه أفكارا w ومشاعر وأنظمة وناسا ، wفيعتبر مجتمعا wإسلميا يطبق السلم ،حين تبدو فيه هذه الشياء إسلمية . والدليل على ذلك أنه ل يمكن لحد أن يطبق نظاما wكـما طبق محمد رسول الله ،نظام السلم ، ومع ذلك فقد وجد في أيامه كفار ومنافقون ووجد فساق و فجار ،ووجد مرتدون وملحدون ،ولكن ل يستطيع أحد إل أن يقول جازما : wأن السلم كان مطبقا wتطبيقا wكامل ، wوان المجتمع كان إسلميا .ولكن هذا التطبيق كان على النسان الذي هو كائن اجتماعي ،وليس كائنا wصناعيا . w ولقد ظل السلم يطبق وحده على المة السلمية بكاملها – عـربا wوغير عرب – منذ أن استقر عليه الصلة والسلم في المدينة ،إلى أن احتل الستعمار بلد المسلمين ،فاستبدل به النظام الرأسمالي . وعلى ذلك فالسلم طبق عمليا wمنذ السنة الولى للهجرة حتى سنة 1336هجرية الموافق سنة 1918ميلدية .ولم تطبق المة السلمية طوال هذه المدة أي نظام سوى السلم . حتى أن المسلمين مع كونهم قد ترجموا للعربية الفلسفة والعلوم والثقافات الجنبية المختلفة ،لكنهم 53
لم يترجموا أي تشريع أو قانون أو نظام لي أمة مطلقا ، wل للعمل به ،ول لدراسته .إل أن السلم بوصفه نظاما wكان يحسن الناس تطبيقه أو يسيئون هذا التطبيق ،تبعا wلقوة الدولة وضعفها ،وتبعا wلدقة فهمها أو مزايلتها للفهم ،وتبعا wلقوة حمل القيادة الفكرية أو التراخي فيه ،ولذلك كانت إساءة تطبيق السلم في بعض العصور تجعل المجتمع السلمي منحدرا wبعد النحدار ،ول يخلو منه أي نظام ،لنه يعتمد في تطبيقه على البشر ،ولكن إساءة التطبيق ل تعني أن السلم لم يطبق ،بل المقطوع فيه أن السلم طبق ، ولم يطبق غيره من المبادئ والنظم ،إذ أن العبرة في التطبيق للقوانين والنظمة التي تأمر الدولة بالعمل بها ،ولم تأخذ الدولة السلمية أي شيء من ذلك من غير السلم ،وكل الذي حصل هو إساءة تطبيق لبعض نظمه من قبل بعض الحكام .على أن الشيء الذي ينبغي أن يكون واضحا wأنه يجب علينا حين نستعرض تطبيق السلم من التاريخ أن نلحظ شيئين اثنين : أما أولهما فيجب إل نأخذ هذا التاريخ عن أعداء السلم المبغضين له ،وأن نأخذه بالتحقيق الدقيق من المسلمين أنفسهم ،حتى ل نأخذ الصورة المشوهة . والشيء الثاني هو أنه ل يجوز أن نستعمل القياس الشمولي على المجتمع في تاريخ الفراد ،ول في تاريخ ناحـية من المجتمع ،فمن الخطأ أن نأخذ العصر الموي من تاريخ يزيد مثل ، wوأن نأخذ تاريخ العصر العباسي من بعض حوادث خلفائه ،كذلك ل يجوز أن نحكم على المجتمع في العصر العباسي من قراءة كتاب الغاني الذي ألف لخبار المجان والشعراء والدباء ،أو من قراءة كتب التصوف وما شاكلها ، فنحكم على العصر بأنه عصر فسق وفجور ،أو عصر زهـد وانعزال ،بل يجب أن نأخذ المجتمع بأكمله . 54
على أنه لم يكتب تاريخ المجتمع السلمي في أي عصر ،وإنما الذي كتب هو أخبار الحكام وبعض المتنفذين والذين كتبوا ذلك ليسوا من الثـقات ،وكلهم أما قادح أو مادح ،ول يقبل لواحد منهما قول . وحين ندرس المجتمع السلمي على هذا الساس ،أي ندرسه مـن جميع نواحيه ،وبالتحقيق الدقيق ،نجده خير المجتمعات ،لنه هكذا كان في القرن الول والثاني والثالث ،ثم سائر القرون حتى منتصف القرن الثاني عشر الهجري ،ونجده طبق السلم في جميع عصوره ،حتى أواخر الدولة العثمانية بوصفها دولة إسلمية .على أن الذي يجب أن يلحظ أن التاريخ ل يجوز أن يكون مصدرا wللنظام والفقه ،بل النظام يؤخذ من مصادره الفقهية ل من التاريخ ،لن التاريخ ليس مصدرا wله ،فحين نريد أن نفهم النظام الشيوعي ل نأخـذه من تاريخ روسيا ،بل نأخذه من كتب المبدأ الشيوعي نفسه ،وحين نريد أن نعرف الفقه النجليزي ل نأخذه من تاريخ إنجلترا بل نأخذه من الفقه النجليزي ،وهذا ينطبق على أي نظام أو قانون . والسلم مبدأ له عقيدة ونظام ،فحين نريد معرفته وأخذه ل يجوز أن نجعل التاريخ مصدرا wله مطلقا ، wل من حيث معرفته ول من حيث استنباط أحكامه . أما من حيث مصدر معرفته فهو كتب الفقه السلمي ،وأما من حيث مصدر استنباط أحكامه فهو أدلتها التفصيلية .ولذلك ل يصح أن يكون التاريخ مصدرا wللنظام السلمي ،ل من حيث معرفته ،ول من حيث الستدلل به ،وعليه فل يصح أن يكون تاريخ عمر بن الخطاب ،أو عمر بن عبد العزيز ،أو هـارون الرشيد ،أو غيرهم مرجعا wللحكام الشرعية ،ل في 55
الحوادث التاريخية التي رويت عنهم ،ول في الكتب التي ألفت في تاريخهم .وإذا أتبع رأي لعمر في حادثة فإنما يتبع باعتباره حكما wشرعيا wاستنبطه عمر وطبقه ، كما يتبع الحكم الذي استنبطه أبو حنيفة والشافعي وجعفر وأمثالهم ،ول يتبع باعتباره حادثة تاريخية . وعلى ذلك فل وجود للتاريخ في أخذ النظام ،ول في معرفته .على أن معرفة كون النـظام كان مطبقا wأم ل ،ل تؤخذ كذلك من التاريخ ،بل تؤخذ من الفقه ،لن أي عصر من العصور كانت له مشاكل ،وكان يعالج هذه المشاكل بنظام ،فحتى نعرف ما هو النظام الذي كانت تعالج به المشاكل ل نرجع إلى حوادث التاريخ ، لنه إنما ينقل الخبار نقل ، wبل يجب أن نرجع إلى النظام الذي كان يطبق ،أي إلى الفقه السلمي . وبالرجوع إليه ل نجد فيه أي نظام أخذه المسلمون من غيرهم ،ول أي نظام اختاره المسلمون من عند أنفسهم ،بل نجده كله أحكاما wشرعية مستنبطة من الدلة الشرعية .وأن المسلمين كان حرصهم شديدا w على تنقية الفقه من القوال الضعيفة ،أي من الستنباطات الضعيفة ،حتى نهوا عن العمل بالقول الضعيف ولو كان لمجتهد مطلق . ولذلك ل يوجد نص واحـد تشريعي غير الفقه السلمي في العالم السلمي كله ،بل الموجود هو الفقه السلمي فحسب ،ووجود نص فقهي وحده في أمة دون أن يوجد معه نص آخر يدل على أن المة لم تكن تستعمل في تشريعها غير هذا النص . والتاريخ إذا جاز أن يلتفت إليه فإنما يلتفت إليه لستعراض كيفية التطبيق .ويمكن أن يذكر التاريخ الحوادث السياسية ،فترى فيها كيفية التطبيق .إل أن هذا أيضا wل يجوز أن نأخذه إل بالتحقيق الدقيق من المسلمين ،وللتاريخ ثلثة مصادر :أحدها الكتب 56
التاريخية ،والثاني الثار ،والثالث الرواية .أما الكتب فل يجوز أن تتخذ مصدرا wمطلقا wوذلك لنها خضعت في جميع العصور للظروف السياسية ،وكانت تحشى بالكذب ،إما بجانب الذي كتب في أيامه ،وإما ضد الذين كتبت عنهم في أيام غيرهم ،وأقرب دليل على ذلك تاريخ السرة العلوية في مصر ،فإنها قبل 1952 كانت لها صورة مشرقة وبعد 1952تغير هذا التاريخ إلى صورة قاتمة عكس ما كانت عليه .ومثل ذلك تاريخ الحوادث السياسية في عصرنا هذا ،وفيـما قبله .ولذلك ل يجوز أن نتخذ الكتب التاريخية مصدرا w للتاريخ ،حتى ولو كانت مذكرات شخصية كتبها أصحابها . أما من حيث الثار فإنها إذا درست بنزاهة تعطي حقيقة تاريخية عن الشيء ،وهذه وان كانت ل تشكل تسلسل wتاريخيا ، wولكنها تدل على ثبوت بعض الحوادث .ومن تتبع آثار المسلمين في بلدهم سواء أكان في بنائهم ،أو أدواتهم ،أو أي شيء يعتبر أثرا wتاريخيا ، w يدل دللة قطعية على أنه لم يكن موجودا wفي العالم السلمي كله إل السلم ،وإل نظام السلم ،وإل أحكام السلم ،وكان عيش المسلمين وحياتهم وتصرفاتهم كلها إسلمية ليس غير . أما المصدر الثالث وهو الرواية فهو من المصادر الصحيحة التي يعتمد عليها إذا صحت الرواية ،ويتبع فيه الطريق الذي سلك في رواية الحديث .وعلى هذا السـلوب يكتب التاريخ .ولذلك تجد المسلمين حين بدأوا يؤلفون ساروا على طريقة الرواية .ولهذا نجد كتب التاريخ القديمة كتاريخ الطبري ،وسيرة أبـن هشام ،ونحوهما ،ألفت على هذا السلوب .وعلى هذا فالمسلمون ل يجوز لهم أن يعلموا أبنائهم تاريخهم من الكتب التي ألفت ومصادرها كتب مثلها ،كما ل 57
يجوز أن يؤخذ استعراض تطبيق نظام السلم من هذا التاريخ .ومن ذلك يتبين أن السلم طبق وحده على المة السلمية ،ولم يطبق غيره في جميع العصور . غير أنه منذ انتهت الحرب العالمية الولى بانتصار الحلفاء وأعلن اللورد اللنبي قائد الحملة حين فتح بيت المقدس قائل : wالن انتهت الحروب الصليبية ،منذ ذلك الحين والكافر المستعمر يطبق علينا نظامه الرأسمالي في جميع شؤون الحياة ،حتى يجعل النتصار الذي أحرزه أبديا . wولذلك ل بد من تغيير هذا النظام الفاسد البالي ،الذي بسببه يتمكن الستعمار ة من بلدنا ،ول بد من قلعه من جذوره بأكمله جمل w وتفصيل wحتى نستطيع أن نستأنف حياة إسلمية . وانه لمن سطحية التفكير أن نضع بدل نظامنا أي نظام ،ومن ضحالة الفكر أن نظن أن المة إذا طبقت النظام وحده دون عقيدة ينقذها ،بل ل بد أن تعتنق المة العقيدة أول ، wثم تطبق النظام المنبثق عن هذه العقيدة ،وحينئذ يكون تطبيق النظام واعتناق العقيدة منقذا . wهذا بالنسبة للمة التي تتكون على مبدأ ، وتقوم دولتها على هذا الساس ،أما بالنسبة لغيرها من الشعوب والمم فل ضرورة لن تعتنق تلك الشعوب والمم المبدأ حتى يطبق عليها ،بل المة التي تعتنق المبدأ وتحمله ،تطبقه على أي شعب أو أمة ،ولو لم تعتنق المبدأ ،لنه ينهضها أيضا ، wويجذبها لعتناقه ،وليس اعتناق المبدأ شرطا wفيمن يطبق عليه ،بل اعتناق المبدأ شرط أساسي فيمن يطبقه . ومن الخطر أن نأخذ القومية والنظام الشتراكي ، لنه ل يؤخذ منفصل wعن فكرته المادية ،لنه ل ينتج ول يؤثر ،ول يؤخذ متصل wبفكرته المادية ،لنها فكرة سلبية تتناقض مع فطرة النسان ،وتقتضي أن تترك المـة السلمية عقيدة السلم .ول يجوز أن نأخذ 58
الشتراكية ونحتفظ بالناحية الروحية من السلم ،لننا ل نكون أخذنا ل السلم ول الشتراكية ،لتناقضهما ، ونقص المأخوذ منها ،ول يجوز أن نأخذ نظام السلم ونترك عقيدته المنبثقة عنها أنظمته ،لننا نكون أخذنا النظام جامدا ل روح فيه ،بل ل بد أن نأخذ السلم كامل wبعقيدته وأنظمته ،وأن نحمل قيادته الفكرية حين نحمل دعوته . فسبيل نهضتنا هو سبيل واحد ،وهو أن نستأنف حياة إسلمية .ول سبيل إلى استئناف حياة إسلمية إل بالدولة السلمية ،ول سبيل إلى ذلك إل إذا أخذنا السلم كامل : wأخذناه عقيدة تحل العقدة الكبرى ، وتتركز عليها وجهة النظر في الحياة ،وأنظمة تنبثق عن هذه العقيدة ،أساسها كتاب الله وسنة رسوله ، وثروتها الثقافية هي الثقافة السلمية بما فيها ،مـن فقه ،وحديث ،وتفسير ،ولغة ،وغيرها ،ول سبيل إلى ذلك إل بحمل القيادة الفكرية السلمية حمل wكامل w بالدعوة إلى السلم ،وبإيجاد السلم كامل wفي كل مكان ،حتى إذا انتقل حمل القيادة الفكرية إلى المة بمجموعها والى الـدولة السلمية ،قمنا بحمل القيادة الفكرية للعالم . هذا هو السبيل الوحيد للنهضة :حمل القيادة الفكرية السلمية للمسلمين لستئناف الحياة السلمية ،ثم حملها للناس كافة عن طريق الدولة السلمية .
59
كيفية حمل الدعوة السلمية لم يتخلف المسلمون عن ركب العالم نتيجة لتمسكهم بدينهم ،وإنما بدأ تخلفهم يوم تركوا هذا التمسك وتساهلوا فيه ،وسمحوا للحضارة الجنبية أن تدخل ديارهم ،وللمفاهيم الغربية أن تحتل أذهانهم ، يوم أن تخلوا عن القيادة الفكرية في السلم حين تقاعسوا عن دعوته ،وأساءوا تطبيق أحكامه .فل بد أن يستأنفوا حياة إسلمية حتى يتاح لهم النهوض ،ولن يستأنفوا هذه الحياة السلمية إل إذا حملوا الدعوة السلمية ،بحمل قيادة السلم الفكرية ،وأوجدوا بهذه الدعوة دولة إسلمية تحمل القيادة الفكرية بحمل دعوة السلم . w ويجب أن يكون واضحا أن حمل القيادة الفكرية بحمل الدعوة السلمية لنهاض المسلمين ،إنما هو لن السلم وحده هو الذي يصلح للعالم .ولن النهضة الحقيقية ل تكون إل به ،سواء المسلمون أو غيرهم . وعلى هذا الساس يجب أن تحمل دعوة السلم . ويجب أن يحرص على حمل هذه الدعوة قيادة فكرية للعالم تنبثق عنها النظم ،وعلى هذه القيادة الفكرية تبنى جميع الفكار ،ومن هذه الفكار تنبثق كافة المفاهيم التي تؤثر في وجهة النظر في الحياة دون استثناء . وتحمل الدعوة السلمية اليوم كما حملت من قبل ،ويسار بها إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم دون حيد قيد شعرة عـن تلك الطريقة في كلياتها وجزئياتها ،ودون أن يحسب لختلف العصور أي حساب ،لن الذي اختلف هو الوسائل والشكال ،وأما الجوهر والمعنى فهو هو لم يختلف ،ولن يختلف ، مهما تعاقبت العصور ،واختلفت الشعوب والقطار . 60
ولذلك فان حمل الدعوة السلمية يقتضي الصراحة والجرأة ،والقوة والفكر ،وتحدى كل ما يخالف الفكرة والطريقة ،ومجابهته لبيان زيفه ،بغض النظر عن النتائج ،وعن الوضاع . ويقتضي حمل الدعوة السلمية أن تكون السيادة المطلقة للمبدأ السلمي ،بغض النظر عما إذا وافق جمهور الشعب أم خالفهم ،وتمشى مع عادات الناس أم ناقضها ،وقبل به الناس أم رفضوه وقاوموه . فحامل الدعوة ل يتملق الشعب ول يداهنه ،ول يداجي من بيدهم المور ول يجاملهم .ول يعبأ بعادات الناس وتقاليدهم ،ول يحسب لقبول الناس إياه أو رفضهم له أي حساب ،بل يتمسك بالمبدأ وحده ،ويصرح بالمبدأ وحده ،دون أن يدخل في الحساب أي شيء سوى المبدأ .ول يقال لصحاب المبادئ الخرى تمسكوا بمبدئكم ،بل يدعون بل إكراه إلى المبدأ ليعتنقوه ، لن الدعوة تقتضي أن ل يكون غيره ،وأن تكون السيادة له وحده ) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ( . فرسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى العالم برسالته متحديا wسافرا wمؤمنا wبالحق الذي يدعو إليه ، يتحدى الدنيا بأكملها ،ويعلن الحرب على الحمر والسود من الناس ،دون أن يحسب أي حساب لعادات أو تقاليد ،أو أديان أو عقائد ،أو حكام أو سوقة ،ولم يلتفت إلى أي شيء سوى رسالة السلم ،فقد بادأ قريشا wبذكر آلهتهم وعابها ،وتحداهم في معتقداتهم وسفهها ،وهـو فرد أعزل ،ل عدة معه ،ول معين له ،ول سلح عنده سوى إيمانه العميق بالسلم الذي يدعو إليه .ولم يأبه بعادات 61
العرب وتقاليدهم ،ول بأديانهم وعقائدهم ،ولم يجاملهم بها ،ولم يراعهم في شأنها . وكذلك يكون حامل الدعوة السلمية سافرا w متحديا wكل شيء :متحديا wالعادات والتقاليد والفكار السقيمة والمفاهيم المغلوطة ،متحديا wحتى الرأي العام إذا كان خاطئا ، wولو تصدى لكفاحه ،متحديا w العقائد والديان ،ولو تعرض لتعصب أهلها ،ونقمة الجامدين عـلى ضللـها . وحمل الدعوة السلمية يقتضي الحرص على تنفيـذ أحكام السلم تنفيذا wكامل ، wوعدم التساهل في أي شيء مهما قل ،وحامل الدعوة ل يقبل المهادنة ول التساهل ،ول يقبل التفريط ول التأجيل ،وإنما يأخذ المر كـامل ، wويحسمه عاجل ، wول يقبل في الحق شفيعا ، wفرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبل من وفد ثـقيف أن يدع لهم صنمهم اللت ثلث سنين ل يهدمه ،وأن يعفيهم من الصلة على أن يدخلوا في السلم ،ولم يقبل أن يدع اللت سنتين أو شهرا wكما طلبوا ،بل أبى ذلك كل الباء ،وكان إباءه حاسما wل تردد فيه ول هوادة لن النسان إما أن يؤمن وإما أن ل يؤمن ،لن النتيجة إما الجنة أو النار ،ولكنه عليه السلم قبل أن ل يهدموا هم صنمهم اللت ،ووكل به أبا سفيان والمغيرة بن شعبة أن يهدماه .نعم لم يقبل إل العقيدة الكاملة ،والتنفيذ الذي تقتضيه ،أما الوسيلة والشكل فقد قبلهما ،لنهما ل يتصلن بحقيقة هذه العقيدة ،ولذلك ل بد للدعوة السلمية من حرص على بقاء كمال الفكرة ،ومن حرص على كمال تنفيذها ،دون أي تسامح في الفكرة أو الطريقة ،ول يضيرها أن تستعمل من الوسائل ما تشاء . وحمل الدعوة السلمية يقضي أن يكون كل عمل من أعمالها من أجل غاية معينة ،ويقتضي بأن يظل 62
حامل الدعوة دائما wيتصور هذه الغاية ،ويعمل دائما w للوصول إليها ،ويدأب دأبا wل راحة فيه لتحقيق الغاية . ولذلك تجده ل يرضى بالفكر دون العمل ،ويعتبره فلسفة خيالية مخدرة ،ول يرضى بالفكر والعمل لغير غاية ،ويعتبره حركة لولبية تنتهي بالجمود واليأس ،بل يصر على اقتران الفكر بالعمل ،وعلى جعل الفكر والعمل معا wمـن أجل غاية يحققها عمليا wويبرزها للوجود .فالرسول عليه السلم حمل القيادة الفكرية في مكة ،حتى إذا وجد مجتمع مكة ل يحقق جعل السلم نظاما wللمجتمع يعمل به ،هيأ مجتمع المدينة ، ثم أوجد الدولة ،وطبق السلم ،وحمل رسالته ،وهيأ المة لتحمله من بعده ،وتسير في الطريق التي رسمها لها .ولذلك ل بد أن يكون حمل الدعوة السلمية في حال عدم وجود خليفة للمسلمين شامل w الدعوة إلى السلم ،والى استئناف حياة إسلمية بالعمل ليجاد الدولة السلمية التي تطبق السلم ، وتحمل رسالته للعالم ،فتنقل من دعوة لستئناف حياة إسلمية في المة إلى حمل الدولة الدعوة إلى العالم ،ومن دعوة محلية في العالم السلمي إلى دعوة عالمية . والدعوة إلى السلم ل بد أن يبرز فيها تصحيح العقائد ،وتقوية الصلة بالله ،وأن تبين للناس حل مشاكلهم ،حتى تكون هـذه الدعوة حية في جميع ميادين الحياة .فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يتلو على الناس في مكة ) :تبت يدا أبى لهب ( ويتلو عليهم في نفس الوقت ) :إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر ،قليل Zما تؤمنون ( ويتلو عليهم في مكة ) :ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم 63
يخسرون ( ويتلو عليهم ) :إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها النهار ، ذلك الفوز الكبير ( ويتلو عليهم في المدينة ) : وأقيموا الصلة وآتوا الزكاة ( كمـــا يتلو عليهم ) : انفروا خفافا Zوثقال Zوجاهدوا بأمـوالكم وأنفسكم في سبيل ا ( ويتلو عليهم ) :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بــدين إلى أجل مسمى فأكتبوه ( ويتلو عليهم ) :كي ل يكون دولـة بين الغنياء منكم ( ويتلو ) ل يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ( ولذلك ل بد أن تكون الدعوة السلمية حاملة للناس النظمة التي يعالجون بها مشاكل حياتهم ،لن سر نجاح الدعوة السلمية هو كونها حية تعالج النسان كله كانسان ، وتحدث فيه كله النقلب الشامل . ول يتأتى لحملة هذه الدعوة أن يضطلعوا بالمسئولية ،ويقوموا بالتبعات ،إل إذا غرسوا في نفوسهم النزوع إلى الكمال ،وكانوا ينقبون دائما عن الحقيقة ،ويقلبون دائما wفي كل ما عرفوه ،حتى ينقوا منه كـل ما يعلق به من شيء غريب عنه ،ويبعدوا عنه كل ما يكون من قربه منه احتمال أن يلصق به ،حتى تظل الفكار التي يحملونها نقية صافية ،وصفاء الفكار ونقاؤها هو الضمان الوحيد للنجاح ،ولستمرار النجاح . ثم على حملة هذه الدعوة أن يؤدوا واجبها كواجب كلفهم به الله ،وأن يقبلوا عليه متهللين مستبشرين برضا الله ،وان ل يبتغوا من عملهم جزاء ،ول ينتظروا من الناس شكرا ، wوأن ل يعرفوا إل طلب رضوان الله . 64
65
الحضارة السلمية هنالك فرق بين الحضارة والمدنية ،فالحضارة هي مجموع المفاهيم عن الحياة ،والمدنية هي الشكال المادية للشياء المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة .وتكون الحضارة خاصة حسب وجهة النظر في الحياة ،في حين تكون المدنية خاصة وعامة .فالشكال المدنية التي تنتج عن الحضارة كالتماثيل تكون خاصة ،والشكال المدنية التي تنتج عن العلم وتقدمه والصناعة ورقيها ،تكون عامة ،ول تختص بها أمة من المم ،بل تكون عالمية كالصناعة والعلم . وهذا التفريق بين الحضارة والمدنية يلزم أن يلحظ دائما ، wكما يلزم أن يلحظ التفريق بين الشكال المدنية الناجمة عن الحضارة ،وبين الشكال المدنية الناجمة عن العلم والصناعة .وذلك ليلحظ عند أخذ المدنية التفريق بين أشكالها ،والتفريق بينها وبين الحضارة .فالمدنية الغربية الناجمة عن العلم والصناعة ل يوجد ما يمنع من أخذها ،وأما المدنية الغربية الناجمة عن الحضارة الغربية فل يجوز أخذها بحال ،لنه ل يجوز أخذ الحضارة الغربية ،لتناقضها مع الحضارة السلمية ،في الساس الذي تقوم عليه ، وفي تصوير الحياة الدنيا ،وفي معنى السعادة للنسان . أما الحضارة الغربية فإنها تقوم على أساس فصل الدين عن الحياة ،وإنكار أن للدين أثرا wفي الحياة ، فنتج عن ذلك فكرة فصل الدين عن الدولة .لنها طبيعية عند من يفصل الدين عن الحياة ،وينكر وجود الدين في الحياة .وعلى هذا الساس قامت الحياة ، وقام نظام الحياة .أما تصوير الحياة فانه المنفعة ، لنها هي مقياس العمال ،ولـذلك كانت النفعية هي 66
التي يقوم عليها النظام ،وتقوم عليها الحضارة ،ومن هنا كانت النفعية هي المفهوم البارز في النظام ،وفي الحضارة ،لنها تصور الحياة بأنها منفعة .ولذلك كانت السعادة عندهم إعطاء النسان أكبر قسط من المتعة الجسدية وتوفير أسبابها له .ولهذا كـانت الحضارة الغربية حضارة نفعية بحتة ،ل تقيم لغير المنفعة أي وزن ،ول تعترف إل بالنفعية ،وتجعلها هـي المقياس للعمال .وأما الناحية الروحية فهي فردية ل شأن للجماعة بها ،وهي محصورة في الكنيسة ورجال الكنيسة .ولذلك ل توجد في الحضارة الغربية قيم أخلقية ،أو روحية ،أو إنسانية ،وإنما توجد قيم مادية ونفعية فقط .وعلى هذا الساس جعلت العمال النسانية تابعة لمنظمات منفصلة عن الدولة ، كمؤسسة الصليب الحمر ،والرساليات التبشيرية ، وعزلت عن الحياة كل قيمة إل القيمة المادية وهي الربح .فكانت الحضارة الغربية هي هذه المجموعة من المفاهيم عن الحياة . أما الحضارة السلمية فإنها تقوم على أساس هو النقيض من أساس الحضارة الغربية ،وتصويرها للحياة غير تصوير الحضارة الغربية لها ،ومفهوم السعادة فيها يختلف عن مفهومها في الحضارة الغربية كل الختلف .فالحضارة السلمية تقوم على أساس اليمان بالله ، وأنه جعل للكون والنسان والحياة نظاما wيسير بموجبه ،وانه أرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بالسلم دينا ، wأي أن الحضارة السلمية تقوم على أساس العقيدة السلمية ،وهي اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله وباليوم الخر وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى .فكانت العقيدة هي الساس للحضارة ،فهي قائمة على أساس روحي . 67
أما تصوير الحياة في الحضارة السلمية فانه يتمثل في فلسفة السلم التي انبثـقت عن العقيدة السلمية ،والتي تقوم عليها الحياة ،وأعمال النسان في الحياة ،هذه الفلسفة التي هي مزج المادة بالروح ،أي جعل العمال مسيرة بأوامر الله ونواهيه ،هي الساس لتصوير الحياة .فالعمل النساني مادة ، وإدراك النسان صلته بالله حين القيام بالعمل من كون هذا العمل حلل wأو حراما wهو الروح .فحصل بذلك مزج المادة بالروح .وبناء على ذلك كان المسير لعمال المسلم هو أوامر الله ونواهيه .والغاية من تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه ،هي رضوان الله تعالى ،وليس النفعية مطلقا . wأما القصد من القيام بنفس العمل فهو القيمة التي يراعى تحقيقها حين القيام بالعمل .وهذه القيمة تختلف باختلف العمال . فقد تكون قيمة مادية كمن يتاجر بقصد الربح ،فان تجارته عمل مادي ،ويسيره فيها إدراكه لصلته بالله حسب أوامره ونواهيه ابتغاء رضوان الله .والقيمة التي يراعى تحقيقها من القيام بالعمل هي الربح ،وهو قيمة مادية . وقد تكون القيمة روحية ،كالصلة والزكاة والصوم والحج .وقد تكون القيمة أخلقية ،كالصدق والمانة والوفاء .وقد تكون القيمة إنسانية ،كإنقاذ الغريق وإغاثة الملهوف .وهـذه القيم يراعيها النسان حين القيام بالعمل حتى يحققها .إل أنها ليست المسيرة للعمال ،وليست المثل العلى الذي يهدف إليه ،بل هي القيمة من العمل وتختلف باختلف نوعه . وأما السعادة فهي نيل رضوان الله ،وليست إشباع جوعات النسان ،لن إشباع جوعات النسان جميعها ،مـن جوعات الحاجات العضوية ،وجوعات الغرائز ،هو وسيلة لزمة للمحافظة على ذات النسان 68
،ول يلزم من وجود السعادة .هذا هو تصوير الحياة . وهذا هو الساس الذي يقوم عليه هذا التصوير .وهو الساس للحضارة السلمية .وإنها لتناقض الحضارة الغربية كل المناقضة ،كما أن الشكال المدنية الناجمة عنها تناقض الشكال المدنية الناجمة عن الحضارة الغربية .فمثل : wالصورة شكل مدني ،والحضارة الغربية تعتبر صورة امرأة عارية تبرز فيها جميع مفاتنها شكل wمدنيا ، wيتفق مع مفاهيمها في الحياة عن المرأة . ولذلك يعتبرها الغربي قطعة فنية يعتز بها كشكل مدني ،وقطعة فنية إذا استكملت شروط الفن ،ولكن هذا الشكل يتناقض مع حضارة السلم ،ويخالف مفاهيمه عن المرأة التي هي عرض يجب أن يصان ، ولذلك يمنع هذا التصوير لنه يسبب إثارة غريزة النوع ويؤدي إلى فوضوية الخلق .ومثل ذلك أيضا ما إذا أراد المسلم أن يقيم بيتا wوهو شكل مدني ،فانه يراعي فيه عدم انكشاف المرأة في حال تبذلها لمن هو خارج البيت ،فيقيم حوله سورا ، wبخلف الغربي فانه ل يراعي ذلك حسب حضارته .وهكذا كافة ما ينتج من الشكال المدنية عن الحضارة الغربية كالتماثيل ونحوها .وكذلك الملبس ،فإنها إن كانت خاصة بالكفار باعتبارهم كفارا wلم يجز للمسلم أن يلبسها ،لنها تحمل وجهة نظر معينة ،وان لم تكن كذلك بأن تعارفوا على ملبس معينة ل باعتبار كفرهم ،بل أخذوها لحاجة أو زينة فإنها تعد حينئذ من الشكال المدنية العامة ويجوز استعمالها . أما الشكال المدنية الناتجة عن العلم والصناعة كأدوات المختبرات واللت الطبية والصناعية ،والثاث والطنافس وما شاكلها ،فإنها أشكال مدنية عالمية ل يراعى في أخذها أي شيء ،لنها ليست ناجمة عن الحضارة ،ول تتعلق بها . 69
ونظرة خاطفة للحضارة الغربية التي تتحكم في العالم اليوم ،ترينا أن الحضارة الغربية ل تستطيع أن تضمن للنسانية طمأنينتها ،بل إنها على العكس من ذلك سببت هذا الشقاء الذي يتقلب العالم على أشواكه ،ويصطلي بناره .والحضارة التي تجعل أساسها فصل الدين عن الحياة خلفا wلفطرة النسان ، ول تقيم للناحية الروحية وزنا wفي الحياة العامة ، وتصور الحياة بأنها المنفعة فقط ،وتجعل الصلة بين النسان والنسان في الحياة هي المنفعة ،هذه الحضارة ل تنتج إل شقاء وقلقا wدائمين ،فما دامت هذه المنفعة هي الساس ،فالتنازع عليها طبيعي ، والنضال في سبيلها طبيعي ،والعتماد على القوة في إقامة الصلت بين البشر طبيعي .ولذلك يكون الستعمار طبيعيا wعند أهل هذه الحضارة ،وتكون الخلق مزعزعة ،لن المنفعة وحدها ستظل هي أساس الحياة .ولهذا فمن الطبيعي أن تنفي من الحياة الخلق الكريمة كما نفيت منها القيم الروحية ، وأن تقوم الحياة على أساس التنافس والنضال والعتداء والستعمار .وما هو واقع في العالم اليوم من وجود أزمات روحية في نفوس البشر ،ومن قلق دائم وشر مستطير ،خير دليل على نتائج هذه الحضارة الغربية ،لنها هي التي تتحكم في العالم وهي التي أدت إلى هذه النتائج الخطيرة والخطرة على النسانية . ونظرة إلى الحضارة السلمية التي تحكمت في العالم منذ القرن السادس الميلدي حتى أواخر القرن الثامن عشر الميلدي ،ترينا أنها لم تكن مستعمرة ، وليس من طبعها الستعمار ،لنها لم تفرق بين المسلمين وغيرهم ،فضمنت العدالة لجميع الشعوب التي دانت لها طوال مدة حكمها ،لنها حضارة تقوم 70
على الساس الروحي الذي يحقق القيم جميعها :من مادية ،وروحية ،وأخلقية ،وإنسانية .وتجعل الوزن كله في الحياة للعقيدة .وتصور الحياة بأنها مسيرة بأوامر الله ونواهيه ،وتجعل معنى السعادة بأنها رضوان الله ،وحين تسود هذه الحضارة السلمية كما سادت من قبل ،فإنها ستكفل معالجة أزمات العالم ، وتضمن الرفاهية للنسانية جمعاء .
71
نظام السلم السلم هو الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بتنظيم علقة النسان بخالقه ، وبنفسه ،وبغيره من بني النسان .وعلقة النسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ،وعـلقته بنفسه تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات ،وعلقته بغيره من بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات . فالسلم مبدأ لشؤون الحياة جميعا ، wوليس دينا wلهوتيا w ،ول يتصل بالكهنوتية بسبب .وانه ليقضي على الوتوقراطية الدينية ) الستبداد الديني ( فل يوجد في السلم جماعة تسمى رجال دين ،وجماعة تسمى رجال الدنيا ،بل جميع من يعتنقون السلم يسمون مسلمين ،وكلهم أمام الدين سواء .فل يوجد فيه رجال روحيون ،ورجال زمنيون .والناحية الروحية فيه هي كون الشياء مخلوقة لخالق ،ومدبرة بأمر هذا الخالق .لن النظرة العميقة للكون والنسان والحياة ، ومـا حولها وما يتعلق بها ،والستدلل بذلك يري النسان النقص والعجز والحتياج المشاهد الملموس في هذه الشياء جميعها ،مما يدل دللة قطعية على أنها مخلوقة لخالق ،ومدبرة بأمره ،وأن النسان وهو سائر في الحياة ل بد له من نظام ينظم غرائزه وحاجاته العضوية .ول يتأتى هذا النظام من النسان .لعجزه وعدم إحاطته .ولن فهمه لهذا التنظيم عرضة للتفاوت والختلف والتناقض مما ينتج النظام المتناقض المؤدي إلى شقاء النسان .ولذلك كان حتما wأن يكون النظام من الله تعالى .ولهذا كان لزاما w على النسان أن يسير أعماله بنظام من عند الله .إل أن هذا التسيير بالنظام إن كان بناء على منفعة هذا النظام ،ولم يكن بناء على أنه من الله ،ل تكون فيه 72
ناحية روحية .بل ل بد أن يكون تنظيم النسان أعماله في الحياة بأوامر الله ونواهيه ،بناء على إدراكه صلته بالله ،حتى توجد الروح في العمال .أي ل بد من إدراك النسان صلته بالله ،وبناء على إدراكه لهذه الصلة بالله يسير أعماله بأوامر الله ونواهيه ،حتى توجد الروح عند القيام بالعمال ،إذ الروح هي إدراك النسان صلته بالله ،ومعنى مزجها مع المادة ،هو وجود الدراك للصلة بالله حين القيام بالعمل ،فيسير بأوامر الله ونواهيه بناء على إدراك هذه الصلة بالله . فالعمل مادة ،وإدراك الصلة بالله حين القيام به هو الروح ،فصار تسيير العمل بأوامر الله ونواهيه بناء على إدراك الصلة هو مزج المادة بالروح .ومن هنا لم يكن تسيير غير المسلم أعماله بالحكام الشرعية المستنبطة من القرآن والسنة تسييرا wبالروح ،ول متحققا wفيه معني مزج المادة بالروح ،لنه لم يؤمن بالسلم ،فلم يدرك الصلة بالله ،بل أخذ الحكام الشرعية نظاما wأعجبه فنظم به أعماله ،بخلف المسلم فقد كان قيامه بأعماله وفق أوامر الله ونواهيه مبنيا wعلى إدراكه لصلته بالله وكانت غايته من تسيير أعماله بأوامر الله ونواهيه هي رضوان الله ،ل النتفاع بالنظام فقط .وعلى ذلك ل بد من وجود الناحية الروحية في الشياء ،و ل بد من الروح حين القيام بالعمال .على أن يكون واضحا wدائما wعند الجميع أن الناحية الروحية تعني كون الشياء مخلوقة لخالق خلقها ،أي هي صلة المخلوق بالخالق ،وان الروح هي إدراك هذه الصلة ،أي إدراك النسان صلته بالله تعالى .هذه هي الناحية الروحية ،وهذه هي الروح .وهذا وحده هو المفهوم الصحيح ،وما عداه مفهوم مغلوط قطعا . wوالنظرة العميقة المستنيرة إلى 73
الكون والحياة والنسان هي التي أدت إلى النتائج الصادقة ،وهي التي أدت إلى هذا المفهوم الصحيح . وقد نظرت بعض الديان إلى أن الكون فيه المحسوس والمغيب ،والنسان فيه السمو الروحي والنزعة الجسدية ،والحياة فيها الناحية المادية والناحية الروحية ،وأن المحسوس يتعارض مع المغيب ،وأن السمو الروحي ل يلتقي مـع النزعة الجسدية ، وأن المادة منفصـلة عن الروح .ولذلك فهاتان الناحيتان منفصلتان عندهم ،لن التعارض بينهما أساسي في طبيعتهما ،ول يمكن امتزاجهما ،وأن كل ترجيح لحداهما في الميزان فيه تخفيض لوزن الخرى .ولهذا كان على مريد الخرة أن يرجح الناحية الروحية .ومن هنا قامت في المسـيحية سلطتان : السلطة الروحية ،والسلطة الزمنية )أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله ( وكان رجال السلطة الروحية هم رجال الدين وكهنته ،وكانوا يحاولون أن تكون السلطة الزمنية بأيديهم ،حتى يرجحوا عليها السلطة الروحية في الحياة ،ومن ثم نشأ النزاع بين السلطة الزمنية والسلطة الروحية .وأخيرا wتم جعل رجال الدين مستقلين بالسلطة الروحية ،ل يتدخلون بالسلطة الزمنية ،وقد فصل الدين عن الحياة لنه كهنوتي ، وهذا الفصل بين الدين والحياة ،هو عقيدة المبدأ الرأسمالي ،وهو أساس الحضارة الغربية ،وهو القيادة الفكرية التي يحملها الستعمار الغربي للعالم ويدعو لها ،ويجعلها عماد ثقافته ،ويزعزع على أساسها عقيدة المسلمين بالسلم ،لنه يقيس السلم بالمسيحية على طريقة القياس الشمولي . فكل مـــن يحمل هذه الدعوة )) فصل الدين عن الحياة (( أو فصل الدين عن الدولة أو عن السياسة ، إنما هو تابع وموجه بتوجيه القيادة الفكرية الجنبية ، 74
وعامل – بحسن نية أو بسوئها – من عمـلء الستعمار .وهو جاهل بالسلم أو معاد له . وأما السلم فيرى أن الشياء التي يدركها الحس هي أشياء مادية ،والناحية الروحية هي كونها مخلوقة لخالق ،والروح هي إدراك النسان صلته بالله ،وعلى ذلك ل توجد ناحية روحية منفصلة عن الناحية المادية ، ول توجد في النسان أشـواق روحـية ونزعـات جسدية ،بل النسان فيه حـاجات عضوية ،وغرائز ،ل بد من إشباعها ،ومن الغرائز غريزة التدين التي هي الحتياج إلى الخالق المدبر الناشئ عن العجز الطبيعي في تكوين النسان .وإشباع هذه الغرائز ل يسمى ناحية روحية ول ناحية مادية ،وإنما هو إشباع فقط .إل أن هذه الحاجات العضوية والغرائز إذا أشبعت بنظام من عند الله بناء على إدراك الصلة بالله كانت مسيرة بالروح ،وان أشبعت بدون نظام ،أو بنظام من عند غير الله ،كان إشباعا ماديا wبحتا wيؤدي إلى شقاء النسان .فغريزة النوع إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير الله كان ذلك مسببا wللشقاء ،وان أشبعت بنظام الزواج الذي من عند الله حسب أحكام السلم كان زواجا wموجدا wللطمأنينة .وغريزة التدين إن أشبعت من غير نظام أو بنظام من عند غير الله بعبادة الوثان أو عبادة النسان ،كان ذلك إشراكا وكفرا ، wوان أشبعت بأحكام السلم كان ذلك عبادة . ولهذا كان لزاما wأن تراعى الناحية الروحية في الشياء ،وأن تسير جميع العمال بأوامر الله ونواهيه ، بناء على إدراك النسان صلته بالله ،أي أن تسير بالروح ،ولذلك لم يكن في العمل الواحد شيئان اثنان ،بل الموجود شيء واحد هو العمل ،وأما وصفه بأنه مادي بحت ،أو مسير بالروح ،فانه ليس آتيا wمن نفس العمل ،بل آت من تسييره بأحكام السلم ،أو 75
عدم تسييره بها .فقتل المسلم عدوه في الحرب يعتبر جهادا wيثاب عليه ،لنه عمل ميسر بأحكام السلم ،وقتل المسلم نفسا wمعصومة ) مسلمة أو غير مسلمة ( بغير حق يعتبر جريمة يعاقب عليها ،لنه عمل مخالف لوامر الله ونواهيه .وكل العملين شيء واحد هو القتل ،صادر عن النسان ،فالقتل يكون عبادة حين يسير بالروح ،ويكون جريمة حين ل يسير بالروح .ولذلك كان لزاما wعلى المسلم أن يسير أعماله بالروح ،وكان مزج المادة بالروح ليس أمرا w ممكنا wفحسب بل هو أمر واجب .ول يجوز أن تفصل المادة عن الروح ،أي ل يجوز أن يفصل أي عمل عن تسييره بأوامر الله ونواهيه بناء على إدراك الصلة بالله .ولهذا يجب أن يقضى على كل ما يمثل الناحية الروحية منفصلة عن الناحية المادية .فل رجال دين في السلم ،وليس فيه سلطة دينية بالمعنى الكهنوتي ،ول سلطة زمنية منفصلة عن الدين ،بل السلم دين منه الدولة ،وهي أحكام شرعية كأحكام الصلة ،وهي طريقة لتنفيذ أحكام السلم وحمل دعوته .ويجب أن يلغى كل ما يشعر بتخصيص الدين بالمعنى الروحي وعزله عن السياسة والحكم ،فتلغى المؤسسات التي تشرف على النواحي الروحية ،فتلغى إدارة المساجد وتكون إدارتها تابعة لدارة المعارف ،وتلغى المحاكم الشرعية والمحاكم النظامية ،ويجعل القضاء واحدا wل يحكم إل بالسلم ،فسلطان السلم سلطان واحد . والسلم عقيدة ونظم ،أما العقيدة فهي اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله ،وباليوم الخر ،وبالقضاء والقدر خيرهما وشرهما من الله تعالى .وقد بنى السلم العقيدة على العقل فيما يدركه العقل ، كاليمان بالله ،وبنبوة محمد عليه السلم ،وبالقرآن الكريم ،وبناها في المغيبات ،أي ما ل يمكن للعقل أن 76
يدركه كيوم القيامة والملئكة والجنة والنار على التسليم على أن يكون مصدرها ثابتا wبالعقل وهو القرآن الكريم والحديث المتواتر .وقد جعل السلم العقل مناط التكليف . أما النظم فهي الحكام الشرعية التي تنظم شؤون الحياة ،وقد تناول نظام السلم جميع هذه الشؤون ، ولكنه تناولها بشكل عام ،بمعان عامة ،وترك التفصيلت تستنبط من هذه المعاني العامة حين إجراء التطبيقات .فقد جاء القرآن الكريم والحديث الشريف يتضمنان خطوطا wعريضة ،أي معاني عامة لمعالجة شؤون النسان من حيث هو إنسان ،وترك للمجتهدين أن يستنبطوا من هذه المعاني العامة الحكام الجزئية ، للمشاكل التي تحدث على مر العصور واختلف المكنة . وللسلم طريقة واحدة في معالجة المشاكل ،فهو يدعو المجتهد لن يدرس المشكلة الحادثة حتى يفهمها ،ثم يدرس النصوص الشرعية المتعلقة بهذه المشكلة ،ثم يستنبط حل هذه المشكلة ،من النصوص ،أي يستنبط الحكم الشرعي لهذه المسألة w من الدلة الشرعية ،ول يسلك طريقة غيرها ،مطلقا . على أنه حين يدرس هذه المشكلة ،يدرسها باعتبارها مشكلة إنسانية ليس غير ،ل باعتبارها مشكلة اقتصادية أو اجتماعية أو مشكلة حكم أو غير ذلك ،بل باعتبارها مسألة تحتاج إلى حكم شرعي ،حتى يعرف حكم الله فيها .
77
)) الحكم الشرعي (( هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد ،وهو إما أن يكون قطعي الثبوت كالقرآن الكريم والحديث المتواتر ،أو ظني الثبوت كالحديث غير التواتر :فان كان قطعي الثبوت ينظر ،فان كان قطعي الدللة يكون الحكم الذي تضمنه قطعيا wكركعات الفرائض كلها ،فإنها وردت في الحديث المتواتر ،وكتحريم الربا وقطع يد السارق وجلد الزاني ،فإنها أحكام قطعية ، والصواب فيها متعين ،وليس فيها إل رأي واحد قطعي . وان كان خطاب الشارع قطعي الثبوت ظني الدللة فان الحكم الذي تضمنه ظني مثل آية الجزية ، فإنها قطعية الثبوت ،ولكنها ظنية الدللة في التفصيل ،فالحنفية يشترطون أن تسمى جزية ،وأن يظهر الذل على معطيها حين إعطائها .والشافعية ل يشترطون تسميتها جزية ،بل يصح أن تؤخذ باسم زكـاة مضاعفة ،ول ضرورة لظهار الذل ،بل يكفي الخضوع لحكام السلم . أما إن كان خطاب الشارع ظني الثبوت كالحديث غير المتواتر ،فيكون الحكم الذي تضمنه ظنيا ، wسواء أكان قطعي الدللة كصيام ستة أيام من شوال فإنها ثبتت بالسنة ،أو ظني الدللة كمنع إجارة الرض فانه ثبت بالسنة . وخطاب الشارع يفهم منه الحكم الشرعي باجتهاد صحيح ،ولذلك كان اجتهاد المجتهدين هو الذي يظهر الحكم الشرعي ،وعلى ذلك فحكم الله في حق كل مجتهد هو ما أدى إليه اجتهاده وغلب على ظنه . فالمكلف إذا حصلت له أهلية الجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل فان اجتهد فيها وأداه اجتهاده إلى 78
حكم فيها ،فقد اتفق الكل على انه ل يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ،في خلف ما أوجبه ظنه ،ول يجوز له ترك ظنه إل إذا تبنى الخليفة حكما wشرعيا ، w فانه يجب عليه حينئذ العمل بما أمر به الخليفة ،لن ما أدي إليه اجتهاده وغلب على ظنه هو حكم الله في المسألة وهو حكم شرعي ،ولن أمر المام يرفع الخلف .أما إذا لم يجتهد من له أهلية الجتهاد فانه يجوز له تقليد غيره من المجتهدين ،لن إجماع الصحابة منعقد على انه يجوز للمجتهد أن يترك اجتهاده ويقلد غيره من المجتهدين . وأما من ليس له أهلية الجتهاد فهو المقلد ،وهو قسمان متبع وعامي ،فالمتبع هو الذي لم يكن محصل w لبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد ،فانه يقلد المجتهد بعد أن يعرف دليله ،وحينئذ يكون حكم الله في حق هـذا المتبع هو قول المجتهد الذي اتبعه .وأما العامي فهو الذي لم يكن محصل wلبعض العلوم المعتبرة في الجتهاد فانه يقلد المجتهد دون أن يعرف دليله .وهذا العامي يلزمه تقليد قول المجتهدين والخذ بالحكام التي استنبطوها ،ويكون الحكم الشرعي في حقه هو الذي استنبطه المجتهد الذي قلده .وعلى ذلك فالحكم الشرعي هـو الذي استنبطه مجتهد له أهلية الجتهاد ، وهو في حقه حكم الله ل يجوز له أن يخالفه ويتبع غيره مطلقا ، wوكذلك هو في حق من قلده حكم الله ل يجوز له أن يخالفه . والمقلد إذا قلد بعض المجتهدين في حكم حادثة من الحوادث وعمل بقوله فيها ،فليس له الرجوع عنه في ذلك الحكم بعد ذلك إلى غيره مطلقا . wوأما تقليد غير ذلك المجتهد في حكم آخر فانه يجوز له لما وقع عليه إجماع الصحابة من تسويغ استفتاء المقلد لكل عالم في مسألة .وأما إذا عين المقلد مذهبا wكمذهب 79
الشافعي مثل wوقال أنا على مذهبه وملتزم له فهناك تفصيل في ذلك وهو :أن كل مسألة من المذهب الذي قلده اتصل عمله بها فليس له تقليد غيره فيها مطلقا ، w وما لم يتصل عمله بها فل مانع من اتباع غيره فيها . وأما المجتهد فانه إذا توصل باجتهاده إلى حكم مسألة فانه يجوز له أن يترك ما توصل إليه اجتهاده فيها وأن يقلد غيره إذا كان ذلك لجمع المسلمين على رأي واحد كما حصل مع عثمان عند بيعته .
80
أنواع الحكام الشرعية الحكام الشرعية هي الفرض ،والحرام ، والمندوب ،والمكروه ،والمباح .والحكم الشرعي إما أن يكون بخطاب الطلب للفعل ،وإما أن يكون بخطاب الطلب للترك ،فإن كان بخطاب الطلب للفعل فهو إن تعلق بالطلب الجازم للفعل ،فهو الفرض والواجب وكلهما بمعنى واحد .وإن تعلق بالطلب غير الجازم للفعل فهو الندب ،وإن تعلق بخطاب الطلب للترك فإن تعلق الطلب الجازم للترك فهو الحرام والمحظور ،وكلهما بمعنى واحد .وإن تعلق بالطلب غير الجـازم للترك فهو الكراهة .وعلى ذلك فالفرض والواجب هو ما يمدح فاعله ويذم تاركـه ،أو هو ما يستحق تاركه العقاب على تركه . والحرام هو ما يذم فاعله ويمدح تاركه ،أو هو ما يستحق فاعله العقاب على فعله .والمندوب هـو ما يمدح فاعله ول يذم تاركه ،أو هو ما يثاب على فعله ول يعاقب على تركه ،والمكروه هو ما يمدح تاركه ،أو هو ما كان تركه أولى من فعله .والمباح هو ما دل الدليل السمعي على خطاب الشارع بالتخيير فيه بين الفعل والترك .
81
السنة السنة في اللغة :الطريقة .وأما في الشرع فقد تطلق على ما كان نافلة منقولة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كركعات السنن ،فإنها تسمى سنة ،أي مقابل الفرض ،وليس معنى تسميتها سنة أنها من النبي عليه السلم ،والفرض من الله ،بل السنة والفرض من الله ،والرسول إنما هو مبلغ عن الله ،لنه ل ينطق عن الهوى ،إن هو إل وحي يوحى . فهي وإن كانت سنة منقولة عن النبي عليه السلم ولكنها منقولة نافلة ،فسميت سنة ،كما أن الفرض منقول فرضا wفسمي فرضا ، wفركعتا الفجر فرضا w منقولة عن النبي عليه السلم بطريق التواتر فرضا ، w وركعتا الفجر سنة كذلك منقولة عن النبي بطريق التواتر نفل ، wوكلتاهما من الله تعالى وليستا من شخص الرسول .فالمر فرض .ونافلة في العبادات ، وفرض ومندوب في غيرها .فالنافلة هي نفس المندوب سميت نافلة وأطلق عليها سنة . وكذلك تطلق السنة على ما يصدر عن الرسول من الدلة الشرعية مما ليس قرآنا . wويدخل في ذلك أقوال النبي وأفعاله وتقاريره -سكوته . -
82
التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم الفعال التي صدرت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قسمان ،منها ما كان من الفعال الجبلية ومنها ما سوى ذلك :أمـا الفعال الجبلية كالقيام ،والقعود ،والكل ،والشرب ،ونحوه ،فل نزاع في كونها على الباحة بالنسبة إليه ولمته ،ولذلك ل تدخل في المندوب . › وأما الفعال التي ليست جبلية فهي إما أن تكون مما ثبت كونها من خواصه التي ل يشاركه فيها أحد ، أو ل تكون من خواصه ،فان كانت مما ثبت كونها من خواصه ،صلى الله عليه وسلم ،وذلك كاختصاصه بإباحة الوصال في الصوم ،أي مواصلة النهار بالليل في الصوم ،وكالزيادة في النكاح على أربعة نسوة إلى غير ذلك من خصائصه ،فل يجوز لنا أن نشاركه بها ،فقد ثبت أنها من خواصه بالجماع ،ولذلك ل يجوز التأسي به فيها . w وأما ما عرف كون فعله بيانا لنا فهو دليل من غير خلف ،وذلك أما بصريح مقاله كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم " صلوا كــــما رأيتموني أصلي " و " خذوا عني مناسككم " فانه دل على أن فعله بيان لنا لنتبعه ،وإما بقرائن الحوال ،وذلك كقطعه يد السارق من الكوع بيانا wلـقوله تعالى ) فاقطعوا أيديهما ( ، وهذا البيان في فعله بالقول أو قرائن الحوال تابع للمبين في الوجوب أو الندب أو الباحة على حسب دللة الدليل . أما الفعال التي لم يقترن بها ما يدل على أنها للبيان ل نفيا wول إثباتا wفهي إما أن يظهر فيها قصد 83
القربة وإما أن ل يظهر ،فان ظهر فيها قصد القربة فهي تدخل في المندوب يثاب المرء على فعلها ول يعاقب على تركها مثل سنة الضحى ،وان لم يظهر فيها قصد القربة فهي تدخل في المباح .
84
تبني الحكام الشرعية لقد كان المسلمون في عصر الصحابة يأخذون الحكام الشرعية بأنفسهم من الكتاب والسنة ،وكان القضاة حين يفصلون الخصومات بين الناس يستنبطون بأنفسهم الحكم الشرعي في كل حادثة تعرض عليهم ،وكان الحكام من أمير المؤمنين إلى الولة وغيرهم ،يقومون بأنفسهم باستنباط الحكام الشرعية لمعالجة كل مشكلة من المشاكل تعرض لهم أثناء حكمهم ،فأبو موسى الشعري و شريح كانا قاضيين يستنبطان الحكام ويحكمان باجتهادهما ،وكان معاذ بن جبل واليا wفي أيام الرسول يستنبط الحكام ويحكم في وليته باجتهاده ،وكان أبو بكر وعمر في خلفتهما يستنبطان الحكام بأنفسهما ويحكم كل واحد منهما الناس بما يستنبطه هو ،وكان معاوية وعمرو بن العاص واليين ،وكان كل واحد منهما يستنبط الحكام بنفسه ويحكم الناس في وليته ،بما استنبطه في اجتهاده ،ومع هذا الجتهاد لدى الولة والقضاة ،فقد كان الخليفة يتبنى حكما wشرعيا wخاصا wيأمر الناس بالعمل به ،فكانوا يلتزمون العمل به ويتركون رأيهم ، واجتهادهم ،لن الحكم الشرعي إن أمر المام نافذ ظاهرا wوباطنا wومن ذلك أن أبا بكر تبنى إيقاع الطلق الثلث واحدة ،وتوزيع المال على المسلمين بالتساوي من غير نظر إلى القدم في السلم أو غير ذلك ، فاتبعه المسلمون في ذلك ،وسار عليه القضاة والولة .ولما جاء عمر تبنى رأيا wفي هاتين الحادثتين خلف رأي أبي بكر ،فألزم وقوع الطلق الثلث ثلثا . wووزع المال حسب القدم والحاجة بالتفاضل ل بالتساوي ، واتبعه في ذلك المسلمون وحكم به القضاة والولة . ثم تبنى عمر جعل الرض التي تغنم في الحرب غنيمة 85
لبيت المال تبقى في يد أهلها ول تقسم على المحاربين ول على المسلمين فاتبعه في ذلك الولة والقضاة وساورا على الحكم الذي تبناه ،فكان الجماع )) إجماع الصحابة (( منعقدا wعلى أن للمام أن يتبنى أحكاما wمعينة ويأمر بالعمل بها ،وعلى المسلمين طاعتها ولو خالفت اجتهادهم .والقواعد الشرعية المشهورة هي )) للسلطان أن يحدث من القضية بقدر ما يحدث من مشكلت (( و )) أمر المام يرفع الخلف (( و )) أمر المام نافذ ظاهرا wوباطنا (( wولذلك صار الخلفاء بعد ذلك يتبنون أحكاما wمعينة ،فقد تبنى هارون الرشيد كتاب )) الخراج (( في الناحية القتصادية وألزم الناس بالعمل بالحكام التي وردت فيه .
86
الدستور والقانون كلمة القانون اصطلح أجنبي ،ومعناه عندهم المر الذي يصدره السلطان ليسير عليه الناس ،وقد عرف القانون بأنه ))مجموع القواعد التي يجبر السلطان الناس عـلى اتباعها في علقاتهم (( وقد أطلق على القانون الساسي لكل حكومة كلمة الدستور ،وأطلق على القانون الناتج من النظام الذي نص عليه الدستور كلمة القانون .وقد عرف الدستور بأنه )) القانون الذي يحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ،ويبين حدود واختصاص كل سلطة فيها (( أو )) القانون الذي ينظم السلطة العامة أي الحكومة ويحدد علقاتها مع الفراد ويبين حقوقها وواجباتها قبلهم وحقوقهم وواجباتهم قبلها (( ،والدساتير مختلفة المنشأ ،منها ما صدر بصورة قانون ،ومنها ما نشأ بالعادة والتقاليد كالدستور النجليزي ،ومنها ما تولى وضعه لجنة من جمعية وطنية كان لها السلطان في المة وقتئذ ، فسنت الدستور وبينت كيفية تنقيحه ثم انحلت هذه الهيئة وقام مقامها السلطات التي أنشأها الدستور كما حدث في فرنسا وأمريكا .وللدستور والقانون مصادر أخذ منها ،وهي قسمان :الول يقصد بـه المنبع الذي نبع منه الدستور والقانون مباشرة ،كالعادات ،والدين ،وآراء الفقهاء ،وأحكام المحاكم ،وقواعد العدل والنصاف ،ويسمى هذا بالمصدر التشريعي ،مثل دساتير بعض الدول الغربية كإنجلترا وأمريكا مثل . w والثاني يقصد به المأخذ المشتق منه ،أو الذي نقل عنه الدستور أو القانون ،مثل دستور فرنسا ،ودساتير بعض الدويلت القائمة في العالم السلمي ،كتركيا ، ومصر ،والعراق ،وسوريا مثل wويسمى هذا بالمصدر التاريخي . 87
هذه خلصة الصطلح الذي تعنيه كلمتا دستور وقانون ،وهو في خلصته يعني أن الدولة تأخذ من مصادر متعددة ،سواء أ كانت مصدرا wتشريعيا ، wأو مصدرا wتاريخيا ، wأحكـاما wمعينة ،تتبناها وتأمر بالعمل بها ،فتصبح هذه الحكام بعد تبنيها من قبل الدولة دستورا ، wإن كانت من الحكام العامة ،وقانونا ، wأن كانت من الحكام الخاصة . والسؤال الذي يواجه المسلمين الن هو :هل يجوز استعمال هذا الصطلح أم ل يجوز ؟ والجواب على ذلك أن اللفاظ الجنبية التي لها معان اصطلحية ،إن كان اصطلحها يخالف اصطلح المسلمين ل يجوز استعمالها ،مثل كلمة عدالة اجتماعية ،فإنها تعني نظاما wمعينا ، wيتلخص في ضمان التعليم والتطبيب للفقراء ،وضمان حقوق العمال والموظفين .فان هذا الصطلح يخالف اصطلح المسلمين ،لن العدل عند المسلمين هو ضد الظلم ،وأما ضمان التعليم والتطبيب فهو لجميع الناس أغنياء وفقراء ،وضمان حقوق المحتاج والضعيف حق لجميع الناس الذين يحملون التابعية السلمية .سواء أ كانوا موظفين أو لم يكونوا ،وكانوا عمال wأو مزارعين أو غيرهم .أما إن كانت الكلمة تعني اصطلحا موجودا معناه عند المسلمين فيجوز استعمالها ،مثل كلمة ضريبة ،فإنها تعني المال الذي يؤخذ من الناس لدارة الدولة ، ويوجد لدى المسلمين مال تأخذه الدولة لدارة المسلمين ولذلك صح أن نستعمل كلمة ضرائب . وكذلك كلمة الدستور والقانون ،فإنها تعني تبني الدولة لحكام معينة تعلنها للناس وتلزمهم العمل بها وتحكمهم بموجبها ،وهذا المعنى موجود عند المسلمين .ولذلك ل نجد ما يمنع من جواز استعمال كلمتي دستور وقانون .ويراد بهما الحكام التي تبناها 88
الخليفة من الحكام الشرعية .إل أن هناك فرقا wبين الدستور السلمي والقوانين السلمية ،وبين غيرها من الدساتير والقوانين .فان باقي الدساتير والقوانين مصدرها العادات وأحكام المحاكم الخ .ومنشؤها جمعية تأسيسية تسن الدستور ،ومجالس منتخبة مـن الشعب تسن القوانين ،لن الشعب عندهم مصدر السلطات ،والسيادة للشعب .أما الدستور السلمي والقوانين السلمية فان مصدرها الكتاب والسنة ليس غير ،ومنشؤها اجتهاد المجتهدين يتبنى الخليفة منه أحكاما wمعينة يأمر بها فيلزم الناس العمل بها .لن السيادة للشرع .والجتهاد لستنباط الحكام الشرعية حق لجميع المسلمين ،وفرض كفاية عليهم ،وللخليفة وحده حق تبني الحكام الشرعية . هذا من ناحية جواز استعمال الكلمتين دستور وقانون ،أما من ناحية وجود ضرورة تبني الحكام ، فالذي عليه المسلمون منذ أيام أبي بكر حتى آخر خليفة مسلم ،هو ضرورة تبني أحكام معينة يؤمر المسلمون بالعمل بها .لكن هذه التبني كان لحكام خاصة ،ولم يكن تبنيا wعاما wلجميع الحكام التي تحكم بها الدولة ،ولم تتبن الدولة تبنيا wعاما wإل في بعض العصور ،فقد تبنى اليوبيون مذهب الشافعي ،وتبنت الدولة العثمانية مذهب الحنفية . والسؤال الذي يرد ،هو :هل من مصلحة المسلمين وضع دستور شامل وقوانين عامة لهم أم ل ؟ والجواب على ذلك أن وجود دستور شامل وقوانين عامة لجميع الحكام ل يساعد على البداع والجتهاد ،ولذلك كان يتجنب المسلمون في العصور الولي عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين تبني جميع الحكام من قبل الخليفة ،بل كانوا يقتصرون في تبني الحكام على أحكام معينة ل بد من تبنيها لبقاء 89
وحدة الحكم والتشريع والدارة ،وعلى ذلك فالفضل ليجاد البداع والجتهاد أن ل يكون للدولة دستور شامل لجميع الحكام ،بل يكون لها دستور يحوي الحكام العامة التي تحدد شكل الدولة ،وتضمن بقاء وحدتها .ويترك للولة والقضاة الجتهاد والستنباط ، غير أن هذا إنما يكون إذا كان الجتهاد متيسرا ، wوكان الناس مجتهدين كما هو الحال في عصر الصحابة والتابعين وتابعي التابعين ،أما إذا كان الناس جميعا w مقلدين ،ول يوجد بينهم مجتهدون إل نادرا ، wفان من المحتم على الدولة أن تتبنى الحكام التي تحكم الناس بها ،سواء الخليفة ،والولة ،والقضاة ،لنه يتعسر الحكم بما أنزل الله من قبل الولة والقضاة لعدم اجتهادهم إل تقليدا wمختلفا wومتناقضا ، wوالتبني إنما يكون بعـد الدرس ومعرفة الحادثة ومعرفة الدليل ، علوة على أن ترك الولة والقضاة يحكمون بما يعرفون يؤدي إلى اختلف الحكام وتناقضها في الدولة الواحدة ،بل في البلد الواحد ،بل قد يؤدي إلى أن يحكم بغير ما أنزل الله .ولذلك كان لزاما wعلى الدولة السلمية ،والحال من الجهل في السلم على ما هي عليه الن ،أن تتبنى أحكاما معينة ،وأن يكون هذا التبني في المعاملت ،والعقوبات ل في العقائد والعبادات .وأن يكون هذا التبني عاما wلجميع الحكام ، حتى تضبط شؤون الدولة .وتسير جميع أمور المسلمين ،وفق أحكام الله .على أن الدولة حين تتبنى الحكام ،وتضع الدستور والقوانين ،يجب أن تتقيد بالحكام الشرعية فقط ،ول تأخـذ غيرها ،بل ل تدرس غيرها مطلقا ، wفل تأخذ من غير الحكام الشرعية أي شيء ،بغض النظر عما إذا وافق السلم أم خالفه ،فل تأخذ التأميم مثل wبل تضع حكم الملكية العامة .ولذلك يجب أن تتقيد بالحكام الشرعية في 90
كل ما يتعلق بالفكرة والطريقة ،أما القوانين والنظمة التي تتعلق بغير الفكرة والطريقة والتي ل تعبر عن وجهة نظر مثل القوانـين الدارية ،وترتيب الدوائر ، وما شاكل ذلك ،فإنها تعتبر من الوسيلة والسلوب ، وهي كالعلوم والصناعات والفنون تأخذها الدولة وتنظم بها شؤونها ،كما فعل عمر بن الخطاب حين دون الدواوين فانه أخذها من الفارسية ،وهذه الشياء الدارية والفنية ليست من الدستور ،ول من القوانين الشرعية ،فل توضع في الدستور ،ولذلك كان واجب الدولة السلمية أن يكون دستورها أحكاما wشرعية ، أي أن يكون دستورها إسلميا ،وقانونها إسلميا . وحين تتبنى أي حكم يجب أن تتبناه على أساس قوة الدليل الشرعي ،مع الفهم الصحيح للمشكلة القائمة . ولذلك كان عليها أن تدرس المشكلة ،أول wلتفهمها ، لن فـهم المشكلة ضروري جدا ، wثم تفهم الحكم الشرعي الذي ينطبق على هذه المشكلة ،ثم تدرس دليل الحكم الشرعي ،ثم تتبنى هذا الحكم على أساس قوة الدليل ،على أن تؤخذ هذه الحكام الشرعية إما من رأي مجتهد من المجتهدين ،بعد الطلع على الدليل والطمئنان إلى قوته ،وإما من الكتاب والسنة أو الجماع أو بالقياس ولكن باجتهاد شرعي ،ولو اجتهادا wجزئيا wوهو اجتهاد المسألة .فإذا أرادت أن تتبنى منع التأمين على البضاعة مثل ، wعليها أن تدرس أول wما هو التأمين على البضاعة ،حتى تعرفه ،ثم تدرس وسائل التملك ،ثم تطبق حكم الله في الملكية على التأمين وتتبنى الحكم الشرعي في ذلك .ولهذا كان ل بد أن تكون للدستور ،ولكل قانون ،مقدمة تبين بوضوح المذهب الذي أخذت منه كل مادة ،ودليله الذي اعتمد عليه ،أو تبين الدليل الذي استنبطت منه المادة إن كان استنباطها باجتهاد 91
صحيح ،حتى يعرف المسلمون أن الحكام التي تبنتها الدولة في الدستور والقانون هي أحكام شرعية ، مسـتنبطة باجتهـاد صحيح ،لن المسلمين ل يلزمون بطاعة الدولة فيما تحكم إل إذا كان حكما wشرعيا wتبنته الدولة .وعلى هذا الساس تتبنى الدولة أحكاما w شرعية تكون دستورا wوقوانين ،لتحكم بها الناس الذين يحملون تابعيتها . وعلى سبيل المثال نضع بين أيدي المسلمين مشروعا wلدستور الدولة السلمية في العالم السلمي ،حتى يدرسه المسلمون وهم يعملون لقامة الدولة السلمية لتحمل الدعوة السلمية إلى العالم .ول بد أن يلحظ أن هذا الدستور ليس مختصا wبقطر معين ، بل هو للدولة السلمية في العالم السلمي ،ول يقصد به أي قطر أو أي بلد مطلقا . w
92
مشروع الدستور أحكام عامة المادة – 1العقيدة السلمية هي أساس الدولة ، بحيث ل يتأتى وجود شيء في كيانها أو جهازها أو محاسبتها ،أو كل ما يتعلق بها ،إل بجعل العقيدة السلمية أسـاسا wلـه .وهي في نفس الوقت أساس الدستور والقوانين الشرعية بحيث ل يسمح بوجود شيء مما له علقة بأي منهما إل إذا كان منبثقا wعن العقيدة السلمية . المادة – 2يتبنى رئيس الدولة أحكاما wشرعية معينة يسنها دستورا wوقوانين ،وإذا تبنى حكما wشرعيا w في ذلك صار هذا الحكم وحده هو الحكم الشرعي الواجب العمل به ،وأصبح حينئذ قانونا w نافذا wوجبت طاعته على كل فرد من الرعية ظاهرا wوباطنا . w المادة - 3ل يتبنى رئيس الدولة أي حكم شرعي معين في العبادات ما عدا الزكاة والجهاد ،ول يتبنى أي فكر من الفكار المتعلقة بالعقيدة السلمية . المادة – 4جـميع الذين يحملون التابعية السلمية يتمتعون بالحقوق والواجبات الشـرعية . المادة – 5ل يجوز للدولة أن يكون لديها أي تمييز بين أفراد الرعية في ناحية الحكم أو القضاء أو رعاية الشؤون أو ما شاكل ذلك ،بل يجب أن تنظر للجميع نظرة واحدة بغض النظر عن العنصر أو الدين أو اللون أو غير ذلك .
93
المادة – 6تنفذ الدولة الشرع السلمي على جميع الذين يحملون التابعية السلمية سواء أ كانوا مسلمين أم غير مسلمين على الوجه التالي : أ – تنفذ على المسلمين جميع أحكام السلم دون أي استثناء . ب – يترك غير المسلمين وما يعتقدون وما يعبدون . ج – المرتدون عن السلم يطبق عليهم حكم المرتد إن كانوا هم المرتدين ،فإذا كانوا أولد مرتدين وولدوا غير مسلمين فيعاملون معاملة غير المسلمين حسب وضعهم الذي هم عليه مـن كونهم مشركين أو أهل كتاب . د – يعامل غير المسلمين في أمور المطعومات والملبوسات حسب أديانهم ضمن ما تجيزه الحكام الشرعية . هـ – تفصل أمور الزواج والطلق بين غير المسلمين حسب أديانهم ،وتفصل بينهم وبين المسلمين حسب أحكام السلم . و – تنفذ الدولة باقي الحكام الشرعية وسائر أمور الشريعة السلمية من معاملت وعقوبات وبينات ونظم حكم واقتصاد وغير ذلك على الجميع ،ويكون تنفيذها على المسلمين وعلى غير المسلمين على السواء ،وتنفذ كذلك على المعاهدين والمستأمنين وكل من هو تحت سلطان السلم كما تنفذ على أفراد الرعية إل السفراء والرسل وما شاكلهم فيعاملون في تصرفاتهم حسب ما يجري التفاق عليه مع دولهم . المادة – 7اللغة العربية هي وحدها لغة السلم وهي وحدها اللغة التي تستعملها الدولة . 94
المادة – 8الجتهاد فرض كفاية ،ولكل مسلم الحق بالجتهاد إذا توفرت فيه شروطه . المادة – 9جميع المسلمين يحملون مسئولية السلم ،فل رجال دين في السلم ،وعلى الدولة أن تمنع كل ما يشعر بوجودهم من المسلمين . المادة – 10حمل الدعوة السلمية هو العمل الصلي للدولة . المادة – 11الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس هي وحدها الدلة المعتبرة للحكام الشرعية .ول يجوز أن يؤخذ التشريع من غير هذه الدلة . المادة – 12الصل براءة الذمة ،ول يعاقب أحدا wإل بحكم محكمة ،ول يجوز تعذيب أحد مطلقا ، w وكل من يفعل ذلك يعاقب . المادة – 13الصل في الفعال التقيد بالحكم الشرعي فل يقام بفعل إل بعد معرفة حكمه ،والصل في الشياء الباحة ما لم يرد دليل التحريم . المادة – 14الوسيلة إلى الحرام محرمة إذا تحقق فيها أمران :أحدهما أن تكون موصلة إلى الحرام حتما wبحيث ل تتخلف ،وثانيهما أن يكون الفعل قد ورد الشرع بتحريمه .
95
نظام الحكم المادة – 15نظام الحكم هو نظام وحدة وليس نظاما w اتحاديا . w المادة – 16يكون الحكم مركزيا wوالدارة ل مركزية . المادة – 17ل يجوز أن يتولى الحكم أو أي عمل يعتبر مـن الحكم إل رجل حر عدل ،ول يجوز أن يكون إل مسلما . w المادة – 18محاسبة الحكام من قبل المسلمين حق من حقوقهم وفرض كفاية عليهم .ولغير المسلمين من أفراد الرعية الحق في إظهار الشكوى من ظلم الحاكم لهم ،أو إساءة تطبيق أحكام السلم عليهم . المادة – 19للمسلمين الحق في إقامة أحزاب سياسية لمحاسبة الحكام ،أو الوصول للحكم عن طريق المة على شرط أن يكون أساسها العقيدة السلمية ،وأن تكون الحكام التي تتبناها أحكاما wشرعية .ول يحتاج إنشاء الحزب لي ترخيص .ويمنع أي تكتل يقوم على غير أساس إسلم . المادة – 20يقوم نظام الحكم على أربعة قواعد هي : أ – السيادة للشرع ل للشعب . ب – السلطان للمة . ج – نصب رئيس الدولة واحد فرض على المسلمين . د – لرئيس الدولة وحده حق تبني الحكام الشرعية فهو الذي يسن الدستور وسائر القوانين . المادة – 21يقوم جهاز الدولة على سبعة أركان وهي : 96
أ – رئيس الدولة . ب – المعاونون . ج – الولة . د – القضاة . هـ – الجهاز الداري . و – الجيش . ز – مجلس الشورى .
مجلس الشورى المادة – 22الشخاص الذين يمثلون المسلمين في الرأي ليرجع إليهم رئيس الدولة هم مجلس الشورى .ويجوز لغير المسلمين أن يكونوا في مجلس الشورى من أجل الشكوى من ظلم الحكام ،أو من إساءة تطبيق أحكام السلم . المادة – 23ينتخب أعضاء مجلس الشورى انتخابا . w المادة – 24لكل من يحمل التابعية إذا كان بالغا wعاقل الحق في أن يكون عضوا wفي مجلس الشورى رجل wكان أو امرأة مسلما wكان أو غير مسلم ،إل أن عضوية غير المسلم قاصرة على إظهار الشكوى من ظلم الحكام ،أو إساءة تطبيق السلم . w المادة – 25الشورى هي أخذ الرأي مطلقا ، والمشورة هي أخذ الرأي الملزم .و ليس التشريع ول التعريف ول المور الفكرية ككشف الحقائق وكالمور الفنية والعلمية من المشورة ، وأما ما عداها من الراء فانه يدخل تحت المشورة . المادة – 26الشورى حق للمسلمين فحسب ول حق لغير المسلمين في الشورى ،وأما إبداء الرأي 97
فانه يجوز لجميع أفراد الرعية مسلمين وغير مسلمين . المادة – 27المسائل التي تدخل تحت الشورى وتكون من نوع المشورة يؤخذ فيها برأي الكثرية بغض النظر عن كونه صوابا wأم خطأ . wأمـا ما عداها مما يدخل تحت الشورى فيتحرى فيها عن الصواب ،بغض النظر عن الكثرية أو القلية . المادة – 28لمجلس الشورى صلحيات أربع وهي : أول - wأ -كل ما هو داخل تحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة من المور الداخلية يجب أن يؤخذ رأي مجلس الشورى فيه ،وذلك مثل شؤون الحكم والتعليم والصحة والقتصاد ونحوها .ويكون رأيه ملزما . wوكل ما ليس داخل wتحت ما تنطبق عليه كلمة مشورة ل يجب أن يؤخذ رأي مجلس الشورى فيه ،فل يجب أن يؤخذ رأيه في السياسة الخارجية والمالية والجيش . ب – لمجلس الشورى الحق في المحاسبة على جميع العمال التي تحصل بالفعل في الدولة سواء أ كانت من المور الداخلية أم الخارجية أم المالية أم الجيش ،ورأيه ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه ملزما ، wوغير ملزم فيما كان رأي الكثرية فيه غير ملزم .وان اختلف مجلس الشورى والحكام على عمل من الناحية الشرعية يرجع فيه لرأي محكمة المظالم . ثانيا – لمجلس الشورى حق إظهار عدم الرضى من الولة أو المعاونين ويكون رأيه في ذلك ملزما wوعلى رئيس الـدولة عزلهم في الحال . ثالثا – wيحيل رئيس الدولة إلى مجلس الشورى الحكام التي يريد أن يتبناها في الدستور والقوانين .و للمسلمين من أعضائه حق 98
مناقشتها وإعطاء الرأي فيها ،ورأيهم في ذلك غير ملزم . رابعا – wللمسلمين من أعضاء مجلس الشورى حق حصر المرشحين لرئاسة الدولة ورأيهم في ذلك ملزم فل يقبل ترشيح غير من رشحهم .
رئاسة الدولة المادة – 29رئيس الدولة هو الذي ينوب عن المة في السلطان وفي تنفيذ الشرع . المادة – 30رئاسة الدولة عقد مراضاة واختيار ،فل يجبر أحـد على قبولها ،ول يجبر أحد على اختيار من يتولها . المادة – 31لكل مسلم بالغ عاقل رجل wكان أو امرأة الحق في انتخاب رئيس الدولة وفي بيعته ،ول حق لغير المسلمين في ذلك . المادة - 32إذا تم عقد رئاسة الدولة لواحد بمبايعة من يتم انعقاد البيعة بهم تكون حينئذ بيعة الباقين بيعة طاعة ل بيعة انعقاد فيجبر عليها كل من يلمح فيه إمكانية التمرد . المادة – 33ل يكون أحدا رئيسا wللدولة إل إذا وله المسلمون ،ول يملك أحد صلحيات رئاسة الدولة إل إذا تم عقدها له على الوجه الشرعي كأي عقد من العقود في السلم . المادة – 34يشترط في القطر أو البلد التي تبايع رئيس الدولة بيعة انعقاد أن يكون سلطانا ذاتيا w يستند إلى المسلمين وحدهم ل إلى أي دولة كافرة ،وأن يكون أمان المسلمين في ذلك القطر داخليا wوخارجيا wبأمان السلم ل بأمان الكفر .أما بيعة الطاعة فحسب من البلد الخرى فل يشترط فيها ذلك . 99
المادة – 35ل يشترط فيمن يبايع لرئاسة الدولة إل أن يكون مستكمل شروط النعقاد ليس غير ،وان لم يكن مستوفيا wشروط الفضلية لن العبرة بشروط النعقاد . المادة – 36يشترط في رئيس الدولة حتى تنعقد له الرئاسة ستة شروط وهي :أن يكون رجل ، w مسلما ، wحرا ، wبالغا ، wعاقل wعدل . w المادة – 37إذا خل منصب رئاسة الدولة بموت رئيسها أو اعتزاله ،أو عزله يجب نصب رئيس للدولة مكانه خلل ثلثة أيام من تاريخ خلو منصب رئاسة الدولة . المادة – 38طريقة نصب رئيس الدولة هي : أ – يجري العضاء المسلمون في مجلس الشورى حصر المرشحين لهذا المنصب وتعلن أسماؤهم ثم يطلب من المسلمين انتخاب واحد منهم . ب – تعلن نتيجة النتخاب ويعرف المسلمون من نال أكثر أصوات المنتخبين . ج – يبادر المسلمون بمبايعة من نال أكثر الصوات رئيسا wللدولة على العمل بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . د – بعد تمام البيعة يعلن من أصبح رئيسا wللدولة على المل حتى يبلغ خبر نصبه كافة المة ،مع ذكر اسمه وكونه يحوز الصفات التي تجعله أهل w لنعقاد رئاسة الدولة له . المادة – 39المة هي التي تنصب رئيس الدولة ولكنها ل تملك عزله متى تم انعقاد بيعته على الوجه الشرعي .
100
المادة – 40رئيس الدولة هو الدولة ،فهو يملك جميع الصلحيات التي تكون للدولة ،فيملك الصلحيات التالية : أ – هو الذي يجعل الحكام الشرعية حين يتبناها نافذة فتصبح حينئذ قوانين تجب طاعتها ،ول تجوز مخالفتها . ب – هو المسئول عن سياسة الدولة الداخلية والخارجية معا ، wوهو الذي يتولى قيادة الجيش ،وله حق إعلن الحرب ،وعقد الصلح والهدنة وسائر المعاهدات . ج – هو الذي له قبول السفراء الجانب و رفضهم ،وتعيين السفراء المسلميـن وعزلهم . د – هو الذي يعين ويعزل المعاونين والولة ،وهم جميعا wمسؤولون أمامه ،كما أنهم مسئولون أمام مجلس الشورى . هـ – هو الذي يعين ويعزل قاضي القضاة ، ومديري الدوائر ،وقواد الجيش وأمراء ألويته ، وهم جميعا wمسئولون أمامه مسئولين أمام مجلس الشورى . و – هو الذي يتبنى الحكام الشرعية التي توضع بموجبها ميزانية الدولة وهو الذي يقرر فصول الميزانية والمبالغ التي تلزم لكل جهة سواء أ كان ذلك متعلقا wبالواردات أم بالنفقات . المادة – 41رئيس الدولة مقيد في التبنى في الحكام الشرعية فيحرم عليه أن يتبنى حكما wلم يستنبط استنباطا wصحيحا wمن الدلة الشرعية وهو مقيد بما تبناه من أحكام ،وبما التزمه من طريقة استنباط ،فل يجوز له أن يتبنى حكما w استنبط حسب طريقة تناقض الطريقة التي 101
تبناها ،ول أن يعطي أمرا wيناقض الحكام التي تبناها . المادة – 42لرئيس الدولة مطلق الحق في رعاية شئون الرعية حسب رأيه واجتهاده .إل انه ل يجوز له أن يخالف أي حكم شرعي بحجة المصلحة ،فل يمنع الرعية من استيراد البضائع بحجة المحافظة على صناعة البلد مثل ، wول يسعر على الناس بحجة منع الستغلل مثل ، wول يجبر المالك على تـأجير ملكه بحجة تسيير السكان مثل ، wول غير ذلك مما يخالف أحكام الشرع فل يجوز له أن يحرم مباحا wأو يبيح حراما w . المادة – 43ليس لرئاسة الدولة مدة محدودة ،فما دام رئيس الدولة محافظا wعلى الشرع منفذا w لحكامه ،قادرا wعلى القيام بشؤون الدولة يبقى رئيسا wللدولة ما لم تتغير حاله تغيرا wيخرجه عن رئاسة الدولة .فإذا تغيرت حاله هذا التغير وجب عزله في الحال . المادة – 44المور التي يتغير بها حال رئيس الدولة فيخرج بها عن رئاسة الدولة ثلثة أمور هي : أ – إذا اختل شرط من شروط انعقاد رئاسة الدولة ،كأن ارتد أو فسق فسقا wظاهرا ، wأو جن ،أو ما شاكل ذلك .لن هذه الشروط شروط انعقاد ،وشروط استمرار . ب – العجز عـن القيام بأعباء رئاسة الدولة لي سبب من السباب . ج – القهر الذي يجعله عاجزا wعن التصرف بمصالح المسلمين برأيه وفق الشرع .فإذا قهره قاهر إلى حد أصبح فيه عاجزا wعن رعاية مصالح الرعية برأيه وحده حسب أحكام الشرع 102
يعتبر عاجزا wحكما wعن القيام بأعباء الدولة فيخرج بذلك عن رئاسة الدولة .وهذا يتصور في حالتين : الحالة الولى – أن يتسلط عليه فرد واحد أو عدة أفراد من حاشيته فيستبدون بتنفيذ المور .فان كان مأمون الخلص من تسلطهم ينذر مدة معينة ثم إن لم يرفع تسلطهم يخلع .وان لم يكن مأمون الخلص يخلع في الحال . w الحالة الثانية – أن يصير مأسورا في يد عدو قاهر ،أما بأسره بالفعل ،أو بوقوعه تحت تسلط عدوه ،وفي هذه الحال ينظر ،فان كان مأمون الخلص يمهل حتى يقع اليأس من خلصه ، فان يئس من خلصه يخلع وان لم يكن مأمول الخلص يخلع في الحال . المادة – 45محكمة المظالم وحدها هي التي تقرر ما إذا كانت قد تغيرت حال رئيس الدولة تغيرا w يخرجه عن الرئاسة أم ل ،وهي وحدها التي لها صلحية عزله أو إنذاره .
المعاونون المادة – 46يعين رئيس الدولة معاونين له يتحملون مسئولية الحكم ،فيفوض إليهم تدبير المور برأيهم وإمضاءها على اجتهادهم . المادة – 47يشترط في المعاون ما يشترط في رئيس الدولة ،أي أن يكون رجل wحرا wمسلما w بالغا wعاقل wعدل ، wويشترط فيه علوة على ذلك 103
أن يكون من أهل الكفاية فيما وكل إليه من أعمال . المادة – 48يشترط في تقليد المعاون أن يشتمل على أمرين : أحدهما عموم النظر ،والثاني النيابة .ولذلك يجب أن يقول له رئيس الدولة قلدتك ما هو إلى نيابة عني ،أو ما في هذا المعنى من اللفاظ التي تشتمل على عموم النظر والنيابة .فان لم يكن التقليد على هذا الوجه ل يكون معاونا ، wول يملك صلحيات المعاون إل إذا كان تقليده على هذا الوجه . المادة - 49عمل المعاون هو مطالعة رئيس الدولة لما أمضاه من تدبير ،وأنفذه من ولية وتقليد ، حتى ل يصير في صلحياته كرئيس الدولة . فعمله أن يرفع مطالعته وأن ينفذ هذه المطالعة ،ما لم يوقفه الخليفة عن تنفيذها . المادة – 50يجب على رئيس الدولة أن يتصفح أعمال المعاون وتدبيره للمور ،ليقر منها الموافق للصواب ،ويستدرك الخطأ .لن تدبير شؤون المة موكول لرئيس الدولة ومحمول على اجتهاده هو . w المادة – 51إذا دبر المعاون أمرا وأقره رئيس الدولة فان له أن ينفذه كما أقره الرئيس ليس بزيادة ول نقصان .فان عاد رئيس الدولة وعارض المعاون في رد ما أمضاه ينظر ،فان كان في حكم نفذه على وجهه ،أو مال وضعه في حقه ، فرأي المعاون هو النافذ ،لنه بالصل رأي رئيس الدولة ،وليس لرئيس الدولة أن يستدرك ما نفذ من أحكام وأنفق من أموال .وان كان ما أمضاه المعاون في غير ذلك مثل تقليد وال أو 104
تجهيز جيش ،جاز لرئيس الدولة معارضة المعاون ،وينفذ رأي رئيس الدولة ،ويلغى عمل المعاون لن لرئيس الدولة الحق في أن يستدرك ذلك من فعل نفسه فله أن يستدركه من فعل معاونه . المادة – 52ل يخصص كل واحد من المعاونين بدائرة من الدوائر أو بقسم خاص من العمال ،لن وليتهم عامة .وكذلك ل يباشرون المور الدارية ،ويكون إشرافهم عاما wعلى الجهاز الداري .
الجهاز الداري المادة – 53الجهاز الداري قسمان :أحدهما إدارة التنفيذ ،والخر إدارة المصالح .وكلهما ليس من الحكم ،ومن يتولون العمل فيهما أجراء وليسوا حكاما . w المادة – 54إدارة التنفيذ هي جهاز لتنفيذ ما يصدر عن رئيس الدولة للجهات الداخلية والخارجية ، ولرفع ما يرد إليه من هذه الجهات ،فهي واسطة بين رئيس الدولة وغيره تؤدي عنه وتؤدى إليه . المادة – 55يشترط فيمن يتولى إدارة التنفيذ أن يكون مسلما wلنه من بطانة رئيس الدولة . المادة – 56يتولى إدارة التنفيذ مدير واحد ،ويجوز أن يتولها أكثر من واحد ،بحيث يخصص كل واحد بعمل وهي متصلة مباشرة مع رئيس الدولة كالمعاونين ،فمديرها يعتبر معاونا wولكن في التنفيذ وليس في الحكم . المادة – 57إدارة المصالح تقوم على مصالح الناس الذين يعيشون في ظل سلطان الدولة .ويعين لكل مصلحة من المصالح مدير يتولى إدارتها ، 105
ويكون مسؤول wعنها مباشرة ولهؤلء المديرين صلحية تعيين موظفي دوائرهم ونقلهم وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة الدارية ،ويكون هؤلء الموظفون مسؤولين أمام مديري دوائرهم من حيث عملهم ،ومسؤولين أمام رئيس الدولة والمعاونين والولة من حيث التقيد بالحكام والنظمة العامة . المادة – 58سياسة إدارة المصالح تقوم على البساطة في النظام ،والسراع في إنجاز العمال ،والكفاية فيمن يتولون الدارة . المادة – 59لكل من يحمل التابعية وتتوفر فيه الكفاية رجل wكان أو امرأة مسلما wكان أو غير مسلم أن يعين مديرا wلدارة أية مصلحة من المصالح ،وأن يكون موظفا wفيها . المادة – 60المدراء في الجهاز الداري كله سواء في إدارة التنفيذ ،أو في إدارة المصالح ل يعزلون إل لسباب موجبة ضمن النظمة الدارية .ولكن يجوز أن ينقل من عمل إلى عمل آخر حسب ما يرى المسؤولون عنه من حيث التوظيف .
الولة المادة – 61تقسم البلد التي تحكمها الدولة إلى وحدات ،وتسمى كل وحدة ولية .وتقسم كل ولية إلى وحدات تسمى كل واحدة منها عمالة ، ويسمى كل من يتولى الولية واليا wأو أميرا ، w ويسمى كل من يتولى العمالة عامل wأو حاكما . w المادة – 62يعين الولة من قبل رئيس الدولة ،ويعين العمال من قبل رئيس الدولة ومن قبل الولة إذا فوض إليهم ذلك .ويشترط في الولة والعمال ما يشترط في المعاونين ،فل بد أن يكونوا 106
رجال wأحرارا wمسلمين بالغين عقلء عدول ، wوأن يكونوا من أهل الكفاية فيما وكل إليهم من أعمال ،ويتخيرون من أهل التقوى والقوة . المادة – 63للوالي صلحية الحكم والشراف على أعمال الدوائر في وليته نيابة عن رئيس الدولة فله من الصلحيات في وليته جميع ما للمعاون في الدولة ،فله المارة على أهل وليته ،والنظر في جميع ما يتعلق بها ماعدا المالية والقضاء والجيش .إل أن الشرطة توضع تحت إمارته من حيث التنفيذ ل من حيث الدارة . المادة – 64ل يجب على الوالي مطالعة رئيس الدولة بما أمضاه في عمله على مقتضى إمارته إل على وجه الختيار ،فإذا حدث إنشاء جديد غير معهود وقفه على مطالعة رئيس الدولة ،ثم عمل بما أمر به .فإن خاف فساد المر بالنتظار قام بالمر وأطلع رئيس الدولة وجوبا wعلى المر وعلى سبب عدم مطالعته قبل القيام بعمله . المادة – 65يكون في كل ولية مجلس منتخب من أهلها يرأسه الوالي وتكون لهذا المجلس صلحية المشاركة في الرأي في الشؤون الدارية ل في شؤون الحكم ،ورأيه غير ملزم للوالي . المادة – 66ينبغي أن ل تطول مدة ولية الشخص الواحد على الولية بل يعفى من وليته عليها كلما رؤي له تركز في البلد ،أو افتتن الناس به . المادة – 67ل ينقل الوالي من ولية إلى ولية ،لن توليته عامة النظر محدودة المكان ،ولكن يعفى ويولى ثانية . المادة – 68يعزل الوالي إذا رأى رئيس الدولة عزله ، أو إذا أظهر مجلس الشورى عدم الرضى منه بسبب أو بدون سبب ،أو إذا أظهر جمهرة أهل 107
وليته السخط منه .وعزله إنما يجري من قبل رئيس الدولة . المادة – 69على رئيس الدولة أن يتحرى أعمال الولة ،وأن يكون شديد المراقبة لهم ،وأن يعين من ينوب عنه للكشف عن أحوالهم ،والتفتيش عليهم وأن يجمعهم أو قسما wمنهم بين الحين والخر ، وان يصغي إلى شكاوي الرعية منهم .
القضاء المادة – 70القضاء هو الخبار بالحكم الشرعي على سبيل اللزام ،وهو يفصل الخصومات بين الناس ،أو يمنع ما يضر حق الجماعة ،أو يرفع النزاع الواقع بين الناس ،وأي شخص ممن هو في جهاز الحكم ،حكاما wأو موظفين ،رئيس الدولة أو من دونه . w المادة – 71يعين رئيس الدولة قاضيا للقضاة من الرجال البالغين الحرار المسلمين العقلء العدول من أهل الفقه ،وتكون له صلحية تعيين القضاة وتأديبهم وعزلهم ضمن النظمة الدارية ،أما باقي موظفي المحاكم فمربوطون بمدير الدائرة التي تتولى إدارة شؤون المحاكم . المادة – 72القضاة ثلثة :أحدهم القاضي ،وهو الذي يتولى الفصل في الخصومات بين الناس في المعاملت والعقوبات .والثاني المحتسب وهو الذي يتولى الفصل في المخالفات التي تضر حق الجماعة .والثالث قاضي المظالم ،وهو الذي يتولى رفع النزاع الواقع بين الناس والدولة . المادة – 73يشترط فيمن يتولى القضاء أن يكون مسلما ، wحرا ، wبالغا ، wعاقل ، wعدل ، wفقيها ، w مــــدركا wلتنزيل الحكام على الواقع .ويشترط 108
فيمن يتولى قضاء المظالم زيادة على هذه الشروط أن يكون رجل wوأن يكون مجتهدا . w المادة – 74يجوز أن يقلد القاضي والمحتسب تقليدا w عاما wفي القضاء بجميع القضايا في جميع البلد ، ويجوز أن يقلد تقليدا wخاصـا wبالمكان وبأنواع القضاء .أما قاضي المظالم فل يقلد إل تقليدا wعاما w من حيث القضاء ،أما من حيث المكان فيجوز أن يقلد في جميع أنحاء البلد ،ويجوز أن يقلد في ناحية من النواحي . المادة – 75ل يجوز أن تتألف المحكمة إل من قاض واحد له صلحية الفصل في القضاء ،ويجوز أن يكون معه قاض آخر أو أكثر ،ولكن ليست لهم صلحية الحكم وإنما لهم صلحية الستشارة وإعطاء الرأي ،ورأيهم غير ملزم له . المادة – 76ل يجوز أن يقضي القاضي إل في مجلس القضاء ،ول تعتبر البينة واليمين إل في مجلس القضاء . المادة – 77يجوز أن تتعدد درجات المحاكم بالنسبة لنواع القضايا .فيجوز أن يخصص بعض القضاة بأقضية معينة إلى حد معين ،وأن يوكل أمر غير هذه القضايا إلى محاكم أخرى . المادة – 78ل توجد محاكم استئناف ،ول محاكم تمييز ،فالقضاء من حيث البت في القضية درجة واحدة ،فإذا نطق القاضي بالحكم فحكمه نافذ ، ول ينقضه حكم قاض آخر مطلقا . w المادة – 79المحتسب هو القاضي الذي ينظر في كافة القضايا التي هي حقوق عامة ل يوجد فيها مدع ،على أن ل تكون داخلة في الحدود والجنايات . 109
المادة – 80يملك المحتسب الحكم في المحالفة فور العلم بها في أي مكان دون الحاجة لمجلس القضاء ،ويجعل تحت يده عدد من الشرطة لتنفيذ أوامره ،وينفذ حكمه في الحال . w المادة – 81للمحتسب الحق في أن يختار نوابا عنه تتوفر فيهم شروط المحتسب ،يوزعهم في الجهات المختلفة ،وتكون لهؤلء -النواب - صلحية القيام بوظيفة الحسبة في المنطقة أو المحلة التي عينت لهم في القضايا التي فوضوا فيها . المادة – 82قاضي المظالم هو قاض ينصب لرفع كل مظلمة تحصل على أي شخص يعيش تحت سلطان الدولة ،سواء أ كان من رعاياها أم من غيرهم ،وسواء حصلت هذه المظلمة من رئيس الدولة أو ممن هو دونه من الحكام الموظفين . المادة – 83يعين قاضي المظالم من قبل رئيس الدولة ،أو من قبل قاضي القضاة .ولكن ليس لرئيس الدولة ،ول لقاضي القضاة حق عزله ، وإنما تنظر أعماله من قبل محكمة المظالم ،وهي التي تملك صلحية عزله . المادة – 84ل يحصر قاضي المظالم بشخص واحد أو أكثر بل لرئيس الدولة أن يعين عددا wمن قضاة المظالم حسب ما يحتاج رفع المظالم مهما بلغ عددهم .ولكن عند مباشرة القضاء ل تكون صلحية الحكم إل لقاض واحد ليس غير ،ويجوز أن يجلس معه عدد من قضاة المظالم أثناء جلسة القضاء ،ولكن تكون لهم صلحية الستشارة ليس غير ،وهو غير ملزم بالخذ برأيهم .
110
المادة – 85لمحكمة المظالم حق عزل أي حاكم أو موظف في الدولة ،كما لها حق عزل رئيس الدولة . المادة – 86تملك محكمة المظالم صلحية النظر في أية مظلمة من المظالم سواء أ كانت متعلقة بأشخاص من جهاز الدولة .أم متعلقة بمخالفة رئيس الدولة لحكام الشرع ،أم متعلقة بمعنى نص من نصوص التشريع في الدستور والقانون وسائر الحكام الشرعية ضمن تبنى رئيس الدولة ، أم متعلقة بفرض ضريبة مـن الضرائب ،أم غير ذلك . المادة – 87ل يشترط في قضاء المظالم مجلس قضاء ،ول دعوة المدعى عليه ،ول وجود مدع ، بل لها حق النظر في المظلمة ولو لم يدع بها أحد . المادة – 88لكل إنسان الحق في أن يوكل عنه في الخصومة وفي الدفاع من يشاء سواء أ كان مسلما w أم غير مسلم رجل wكان أو امرأة .ول فرق في ذلك بين الوكـيل والموكل .ويجوز للوكيل أن يوكل بأجر ويستحق الجرة على الموكل حسب تراضيهما . المادة – 89يجوز للشخص الذي يملك صلحيات في أي عمل من العمال الخاصة كالوصي والوالي ،أو العمال العامة كرئيس الدولة والحاكم والموظف ، وكقاضي المظالم والمحتسب ،أن يقيم مقامه في صلحيته وكيل wعنه في الخصومة والدفاع فقط باعتبار كونه وصيا wأو وليا wأو رئيس دولة أو حاكم أو موظف أو قاضي مظالم أو محتسب .ول فرق في ذلك بين أن يكون مدعيا wأو مدعى عليه . 111
الجيش المادة – 90الجهاد فرض عـلى المسلمين ،والتدريب على الجندية إجباري ،فكل رجل مسلم يبلغ الخامسة عشرة من عمره فرض عليه أن يتدرب على الجندية استـعدادا wللجهاد .وأما التجنيد فهو فرض على الكفاية . المادة – 91الجيش قسمان قسم احتياطي ،وهم جميع القادرين على حمل السلح من المسلمين . وقسم دائم في الجندية تخصص لهم رواتب في ميزانية الدولة كالموظفين . المادة – 92القوى المسلحة قوة واحدة هي الجيش وتختار منها فرق خاصة تنظم تنظيما wخاصا wوتعطى ثقافة معينة هي الشرطة . المادة – 93يعهد إلى الشرطة بحفظ النظام ، والشراف على المن الداخلي ،والقيام بجميع النواحي التنفيذية . المادة – 94تجعل للجيش ألوية ورايات ،ورئيس الدولة هو الذي يعقد اللواء لمن يوليه على الجيش ،أما الرايات فيقدمها رؤساء اللوية . المادة – 95رئيس الدولة هو قائد الجيش ،وهو الذي يعين رئيس الركان ،وهو الذي يعين لكل لواء أميرا ، wولكل فرقة قائدا . wأما باقي رتب الجيش فيعينهم قواده وأمراء ألويته .وأما تعيين الشخص في الركان فيكون حسب درجة ثـقافته الحربية ويعينه رئيس الركان . w w المادة – 96يجعل الجيش كله جيشا واحدا يوضع في معسكرات خاصة .إل أنه يجب أن توضع بعض هذه المعسكرات في مختلف الوليات ،وبعضها في المكنة الستراتيجية ،ويجعل بعضها معسكرات 112
متنقلة تنقل wدائما wتكون قوات ضاربه .وتنظم هذه المعسكرات في مجموعات متعددة يطلق على كل مجموعة منها أسم جيش ويوضع لها رقم الجيش الول ،الجيش الثالث مثل ، wأو تسمى باسم ولية من الوليات أو عمالة من العمالت . المادة – 97يجب أن يوفر في الجيش التعليم العسكري العالي على أرفع مستوى ،وأن يرفع المستوى الفكري لديه بقدر المستطاع وأن يثقف كل شخص في الجيش ثقافة إسلمية تمكنه من الوعي على السلم ولو بشكل إجمالي . المادة – 98يجب أن يكون في كل معسكر عدد كاف من الركان الذين لديهم المعرفة العسكرية العالية والخبرة في رسم الخطط وتوجيه المعارك ،وأن يوفر في الجيش بشكل عام هؤلء الركان بأوفر عدد مستطاع . المادة – 99يجب أن تتوفر لدى الجيش السلحة والمعدات والتجهيزات واللوازم والمهمات التي تمكنه مـن القيام بمهمته بوصفه جيشا wإسلميا . w
النظام الجتماعي 113
المادة -100الصل في المرأة أنها أم وربة بيت ، وهي عرض يجب أن يصان . المادة -101الصل أن ينفصل الرجال عن النساء ول يجتمعون إل لحاجة يقرها الشرع كالبـيع ،ويقر الجتماع من أجلها كالحج . المادة -102تعطى المرأة ما يعطى الرجل من الحقوق ،ويفرض عليها ما يفرض عليه من الواجبات إل ما خصها السلم به ،أو خص الرجل به بالدلة الشرعية .فلها الحق في أن تزاول التجارة . والزراعة والصناعة ،وأن تتولى العقود والمعاملت ، وأن تملك كـل أنواع الملك ،وأن تنمى أموالها بنفسها وبغيرها ،وأن تباشر جميع شؤون الحياة بنفسها . المادة -103يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة ، وفي مناصب القضاء ما عدا محكمة المظالم ،وأن تنتخب أعضاء مجلس الشورى ،وأن تكون عضوا w فيه ،وأن تشترك في انتخاب رئيس الـدولة ومبايعته . المادة -104ل يجوز أن تتولى المرأة الحكم ،فل تكون رئيس دولة ول قاضيا wفي محكمة المظالم ول واليا wول عامل wول تباشر أي عمل يعتبر من الحكم . المادة -105المرأة تعيش في حياة عامة وفي حياة خاصة .ففي الحياة العامة يجوز أن تعيش مع النساء والرجال المحارم والرجال الجانب على أن ل يظهر منها إل وجهها وكفاها ،غير متبرجة ول متبذلة .وأما في الحياة الخاصة فل يجوز أن تعيش إل مع النساء أو مع محارمها ،ول يجوز أن تعيش مع الرجال الجانب .وفي كلتا الحياتين تتقيد بجميع أحكام الشرع . 114
المادة -106تمنع الخلوة بغير محرم ،ويمنع التبرج وكشف العورة أمام الجانب . المادة -107يمنع كل من الرجل والمرأة من مباشرة أي عمل فيه خطر على الخلق ،أو فساد في المجتمع إذا كان مندرجا wتحت حكم من الحكام الشرعية ،كاستئجار المرأة أو غلم للنتفاع بالميل الجنسي من الرجال لهم كمضيفة الطائرة ، وكالصبي الجميل عند الحلقين أو في المطاعم . المادة -108الحياة الزوجية حياة اطمئنان ،وعشرة الزوجين عشرة صحبة .وقوامة الزوج قوامة رعاية ل قوامة حكم .وقد فرضت عليها الطاعة ،وفرض عليه نفقتها حسب المعروف لمثلها . المادة -109يتعاون الزوجان في القيام بأعمال البيت تعاونا wتاما ، wوعلى الزوج أن يقوم بجميع العمال التي يقام بها خارج البيت ،وعلى الزوجة أن تقوم بجميع العمال التي يقام بها داخل البيت حسب استطاعتها .وعليه أن يحضر لها خداما wبالقدر الذي يكفي لقضاء الحاجات التي ل تستطيع القيام بها . المادة -110كفالة الصغار واجب على المرأة وحق لها ،سواء أ كانت مسلمة أو غير مسلمة ما دام الصغير محتاجا wإلى هذه الكفالة فإن استغنى عنها ينظر ، فإن كانت الحاضنة والولي مسلمين خيœر الصغير في القامة مع من يريد ،فمن يختاره له أن ينضم إليه سواء أكان الرجل أم المرأة ،ول فرق في الصغير بين أن يكون ذكرا wأو أنثى .أما إن كان أحدهما غير مسلم فل يخير بـل ينضم إلى المسلم منهما .
115
النظام القتصادي المادة -111سياسة القتصاد هي النظرة إلى ما يجب أن يكون عليه المجتمع عند النظرة إلى إشباع الحاجات .فيجعل ما يجب أن يكون عليه المجتمع أساسا wلشباع الحاجات . المادة -112المشكلة القتصادية هي توزيع الموال والمنافع على جميع أفراد الرعية ،وتمكينهم من النتفاع بها بتمكينهم من حيازتها ومن السعي لها . المادة -113يجب أن يضمن إشباع جميع الحاجات الساسية لجميع الفراد فردا wفردا wإشباعا wكليا ، wوأن يضمن تمكين كل فرد منهم من إشباع الحاجات الكمالية على أرفع مستوى مستطاع . المادة -114المال لله وحده وهو الذي استخلف بني النسان فيه فصار لهم بهذا الستخلف العام حق ملكيته ،وهو الذي أذن للفرد بحيازته فصار له بهذا الذن الخاص ملكيته بالفعل . المادة -115الملكية ثلث أنواع :ملكية فردية ، وملكية عامة ،وملكية الدولة . المادة -116الملكية الفردية هي حكم شرعي مقدر بالعين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالشيء وأخذ العوض عنه . 116
المادة -117الملكية العامة هي إذن الشارع للجماعة بالشتراك في النتفاع بالعين . المادة -118كل مال مصرفه موقوف على رأي رئيس الدولة واجتهاده يعتبر ملكا wللدولة ،كأموال الضرائب والخراج والجزية . المادة -119الملكية الفردية في الموال المنقولة وغير المنقولة مقيدة بالسباب الشرعية الخمسة وهي : أ -العمل . ب – الرث . ج – الحاجة إلى المال لجل الحياة . د – إعطاء الدولة من أموالها للرعية . هـ – الموال التي يأخذها الفراد دون مقابل مال أو جهد . المادة -120التصرف بالملكية مقيد بأذن الشارع ، سواء أكان تصرفا wبالنفاق أم تصرفا wبتنمية الملك . فيمنع السرف والترف والتقتير ،وتمنع الشركات الرأسمالية والجمعيات التعاونية وسائر المعاملت المخالفة للشرع ،ويمنع الربا والغبن الفاحش والحتكار والقمار وما شابه ذلك . المادة -121الرض العشرية هي التي أسلم أهلها عليها وأرض جزيرة العرب ،والرض الخراجية هي التي فتحت حربا wأو صلحا wما عدا جزيرة العرب . والرض العشرية يملـك الفراد رقبتها ومنفعتها . وأما الرض الخراجية فرقبتها ملك للدولة ومنفعتها يملكها الفراد ،ويحق لكل فرد تبادل الرض العشرية ،ومنفعة الرض الخراجية بالعقود الشرعية ،وتورث عنهم كسائر الموال .
117
المادة -122الرض الموات تملك بالحياء والتحجير ، وأما غير الموات فل تملك إل بسبب شرعي كالرث والشراء والقطاع . w المادة -123يمنع تأجير الرض للزراعة مطلقا سواء أ كانت خراجية أم عشرية ،كما تمنع المزارعة .أما المساقاة فجائزة مطلقا . w المادة -124يجبر كل من ملك أرضا wعلى استغللها ، ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الستغلل .وكل من يهمل الرض ثلث سنين من غير استغلل تؤخذ منه وتعطى لغيره . المادة -125تتحقق الملكية العامة في ثلثة أشياء هي : أ – كل ما هو من مرافق الجماعة كساحات البلدة . ب – المعادن التي ل تنقطع كمنابع البترول . ج – الشياء الني طبيعتها تمنع اختصاص الفرد بحيازتها كالنهار . المادة -126المصنع من حيث هو من الملك الفردية .إل أن المصنع يأخذ حكم المادة التي يصنعها .فإن كانت المادة من الملك الفردية كان المصنع ملكا wفرديا wكمصانع النسيج .وإن كانت المادة من الملك العامة كان المصنع ملكا wعاما w كمصانع استخراج الحديد . المادة -127ل يجوز للدولة أن تحول ملكية فردية إلى ملكية عامة ،لن الملكية العامة ثابتة في طبيعة المال وصفته ل برأي الدولة . المادة -128لكل فرد من أفراد المة حق النتفاع بما هو داخل في الملكية العامة ،ول يجوز للدولة أن تأذن لحد دون باقي الرعية بملكية الملك العامة أو استغللها . 118
المادة -129يجوز للدولة أن تحمي من الرض الموات ومما هو داخل في الملكية العامة لية مصلحة تراها من مصالح الرعية . المادة -130يمنع كنز المال ولو أخرجت زكاته . المادة -131تجبى الزكاة من المسلمين ،وتؤخذ على الموال التي عين الشرع الخذ منها من نقد وعروض تجارة ومواش وحبوب ،ول تؤخذ من غير ما ورد الشرع به .وتؤخذ من كل مالك سواء أ كان مكلفا wكالبالغ العاقل أم غير مكلف كالصبي والمجنون .وتوضع في باب خاص من بيت المال ، ول تصرف إل لواحد أو أكثر من الصناف الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم . المادة -132تجبى الجزية من الذميين ،وتؤخذ على الرجال البالغين إذا كانوا يحتملونها ،ول تؤخذ على النساء ول على الولد . المادة -133يجبى الخراج على الرض الخراجية بقدر احتمالها ،وأما الرض العشرية فتجبى منها الزكاة على الناتج الفعلي . المادة -134تستوفى من المسلمين الضريبة التي أجاز الشرع استيفاءها لسد نفقات بيت المـال ، على شرط أن يكون استيفاؤها مما يزيد على الحاجات التي يجب توفيرها لصاحب المال بالمعروف ،وأن يراعى فيها كفايتها لسد حاجات w الدولة ،ول تؤخذ من غير المسلمين ضريبة مطلقا ، ول يحصل منهم مال إل الجزية . المادة -135كل ما أوجب الشرع على المة القيام به من العمال وليس في بيت المال القيام به فإن وجوبه ينتقل على المة ،وللدولة حينئذ الحق في أن تحصله من المة بفرض الضريبة عليها .وما لم يجب على المة شرعا wالقيام به ل يجوز للدولة أن 119
تفرض أي ضريبة من أجله ،فل يجوز أن تأخذ رسوما wللمحاكم أو الدوائر أو لقضاء أي مصلحة . المادة -136لميزانية الدولة أبواب دائمية قررتها أحكام شرعية .وأما فصول الميزانية والمبالغ التي يتضمنها كل فصل ،والمور التي تخصص لها هذه المبالغ في كل فصل ،فإن ذلك موكول لرأي رئيس الدولة واجتهاده . المادة -137واردات بيت المال الدائمية هي الفيء كله ،والجزية والخراج ،وخمس الركاز ،والزكاة . وتؤخذ هذه الموال دائميا wسواء أ كانت هنالك حاجة أم لم تكن . المادة -138إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات الدولة فإن لها أن تحصل من المسلمين ضرائب ،ويجب أن تسير في تحصيل الضرائب على الوجه التالي : أ -لسد النفقات الواجبة على بيت المال للفقراء والمساكين وأبن السبيل وللقيام بفرض الجهاد . ب – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على سبيل البدل كنفقات الموظفين وأرزاق الجند وتعويضات الحكام . ج – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه المصلحة والرفاق دون بدل كإنشاء الطرقات واستخراج المياه وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات . د – لسد النفقات الواجبة على بيت المال على وجه الضرورة كحادث طرأ على الرعية من مجاعة أو طوفان أو زلزال . المادة -139يعتبر من الواردات التي توضع في بيت المال الموال التي تؤخذ من الجمارك على ثغور 120
البلد ،والموال الناتجة من الملكية العامة أو من ملكية الدولة ،والموال الموروثة عمن ل وارث له . المادة -140نفقات بيت المال مقسمة على ست جهات هي : أ – الصناف الثمانية الذين يستحقون أموال الزكاة يصرف لهم من باب الزكاة .فإذا لم يوجد مال في باب الزكاة ل يصرف لهم شيء . ب – الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد والغارمين إذا لم يوجد في باب أموال الزكاة مال صرف لهم من واردات بيت المال الدائمية ،وإذا لم يوجد ل يصرف للغارمين شيء .وأما الفقراء والمساكين وأبن السبيل والجهاد فتحصل ضرائب لسد نفقاتهم ويقترض لجل ذلك في حالة خوف الفساد . ج – الشخاص الذين يؤدون خدمات للدولة كالموظفين والجند فإنه يصرف لهم من بيت المال .وإذا لم يكف مال بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات ويقترض لجلها في حالة خوف الفساد . د – المصالح والمرافق الساسية كالطرقات والمساجد والمستشفيات والمدارس يصرف عليها من بيت المال فإذا لم يف ما في بيت المال تحصل ضرائب في الحال لسد هذه النفقات . هـ – المصالح والمرافق الكمالية يصرف عليها من بيت المال فإذا لم يوجد ما يكفي لها في بيت المال ل يصرف لها وتؤجل . و – الحوادث الطارئة كالزلزل والطوفان يصرف عليها من بيت المال ،وإذا لم يوجد 121
يقترض لجلها المال في الحال ثم يسدد من الضرائب التي تجمع . المادة -141تضمن الدولة إيجاد العمال لكل من يحمل التابعية . المادة -142الموظفون عند الفراد والشركات كالموظفين عند الدولة في جميع الحقوق والواجبات ،وكل من يعمل بأجر موظف مهما اختلف نوع العمل أو العامل .وإذا اختلف الجير والمستأجر على الجرة يحكم أجر المثل .أما إذا اختلفوا على غيرها فيحكم عقد الجارة على حسب أحكام الشرع . المادة -143يجوز أن تكون الجرة حسب منفعة العمل ،وأن تكون حسب منفعة العامل ،ول تكون حسب معلومات الجير ،أو شهاداته العلمية ،ول توجد زيادات سنوية للموظفين بل يعطون جميع ما يستحقون من أجر سواء أ كان على العمل أم على العامل . المادة -144تضمن الدولة نفقة من ل مال عنده ول عمل له ،ول يوجد من تجب عليه نفقتـه .وتتولى إيواء العجزة وذوي العاهات . المادة -145تعمل الدولة على تداول المال بين الرعية ،وتحول دون تداوله بين فئة خاصة . المادة -146تعالج الدولة تمكين كل فرد من الرعية من إشباع حاجاته الكمالية ،وإيجاد التوازن في المجتمع على الوجه التالي : أ – أن تعطي المال منقول wأو غير منقول من أموالها التي تملكها في بيت المال ،ومن الفيء وما شابهه . ب – أن تقطع من الراضي العامرة من ل w يملكون أرضا wكافية .أما من يملكون أرضا ول 122
يستغلونها فل تعطيهم وتعطي العاجزين عن الزراعة مال wلتجعل لديهم القدرة على الزراعة . ج – تقوم بسداد ديون العاجزين عن السداد من مال الزكاة ومن الفيء وما شابهه . د – تعطي المحتاج وغير المحتاج من أموال الملكية العامة حسب ما تراه مؤديا wللتمكين من إشباع الحاجات الكمالية ،وليجاد التوازن . المادة -147تشرف الدولة على الشؤون الزراعية ومحصولتها وفق ما تتطلبه السياسة الزراعية التي تحقق استغلل الرض على أعلى مستوى من النتاج . المادة -148تشرف الدولة على الشؤون الصناعية برمتها ،وتتولى مباشرة الصناعات التي تتعلق بما هو داخل في الملكية العامة . المادة -149التجارة الخارجية تعتبر حسب تابعية التاجر ل حسب منشأ البضاعة ،فالتجار الحربيون يمنعون من التجارة في بلدنا .إل بإذن خاص للتاجر أو للمال .والتجار المعاهدون يعاملون حسب المعاهدات التي بيننا وبينهم ،والتجار الذين من الرعية يمنعون من إخراج ما تحتاجه البلد من المواد ومن إخراج المواد الستراتيجية ،ول يمنعون من إدخال أي مال يملكونه . المادة -150لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية المتعلقة بكافة شؤون الحياة ، وعلى الـدولة أن تقوم هي بإنشاء هذه المختبرات . المادة -151يمنع الفراد من ملكية المختبرات التي تنتج مواد تؤدي ملكيتهم لها حتما wإلى ضرر على المة أو على الدولة قد نص الشرع على تحريمه . 123
المادة -152توفر الدولة جميع الخدمات الصحية مجانا w للجميع ولكنها ل تمنع استئجار الطباء ،ول بيع الدوية . المادة -153يمنع استغلل واستثمار الموال الجنبية في البلد ،كما يمنع منح المتيازات لي أجنبي . المادة -154تصدر الدولة نقدا wخاصا wبها يكون مستقل w ول يجوز أن يرتبط بأي نقد أجنبي . المادة -155نقود الدولة هي الذهب والفضة مضروبة كانت أو غير مضروبة ،ول يجوز أن يكون لها نقد غيرهما . ويجوز أن تصدر الدولة بدل الذهب والفضة شيئا w آخر على شرط أن يكون له في خزانة الدولة ما يساويه من الذهب والفضة .فيجوز أن تصدر الدولة نحاسا wأو برونزا wأو ورقا wأو غير ذلك وتضربه باسمها نقدا wلها إذا كان له مقابل يساويه تماما wمن الذهب والفضة . w w المادة -156يمنع فتح المصارف منعا باتا ،ول يكون إل مصرف الدولة ،ول يتعامل بالربا ويكون دائرة من دوائر بيت المال .ويقوم بإقراض الموال حسب أحكام الشرع ،وبتسهيل المعاملت المالية والنقدية . المادة -157الصرف بين عملة الدولة وبين عملت الدول الخرى جائز كالصرف بين عملتها هي سواء بسواء ،وجائز أن يتفاضل الصرف بينهما إذا كانا من جنسين مختلفين على شرط أن يكون يد بيد ،ول يصح أن يكون نسيئة .ويسمح بتغيير سعر الصرف دون أي قيد ما دام الجنسان مختلفين ،ولكل فرد من أفراد الرعية أن يشتري العملة التي يريدها من الداخل والخارج وان يشتري بها دون أي حاجة إلى إذن عملة أو غيره . 124
سياسة التعليم المادة -158يجب أن يكون الساس الذي يقوم عليه منهج التعليم هو العقيدة السلمية ،فتوضع مواد الدراسة وطرق التدريس جميعها على الوجه الذي ل يحدث أي خروج في التعليم عن هذا الساس . المادة -159سياسة التعليم هي تكوين العقلية السلمية والنفسية السلمية ،فتوضع جميع مواد الدراسة التي يراد تدريسها على أساس هذه السياسة . المادة -160الغاية من التعليم هي إيجاد الشخصية السلمية وتزويد الناس بالعلوم والمعارف المتعلقة بشؤون الحياة .فتجعل طرق التعليم على الوجه 125
الذي يحقق هذه الغاية وتمنع كل طريقة تؤدي لغير هذه الغاية . المادة -161يجب أن يفرق في التعليم بين العلوم التجريبية وما هو ملحق بها كالرياضيات ،وبين المعارف الثقافية .فتدرس العلوم التجريبية وما يلحق بها حسب الحاجة ،ول تقيد في أي مرحلة من مراحل التعليم .أما المعارف الثقافية فإنها تؤخذ في المرحلتين البتدائية والثانوية وفق سياسة معينة ل تتناقض مع أفكار السلم وأحكامه .وأما في المرحلة العالية فتؤخذ هذه المعارف كما يؤخذ العلم على شرط أن ل تؤدي إلى أي خروج عن سياسة التعليم وغايته . المادة -162يجب تعليم الثقافة السلمية في جميع مراحل التعليم ،وأن يخصص في المرحلة العالية فروع لمختلف المعارف السلمية كما يخصص فيها للطب والهندسة والطبيعيات وما شاكلها . المادة -163الفنون والصناعات قد تلحق بالعلم من ناحية كالفنون التجارية والملحة والزراعة وتؤخذ دون قيد أو شرط ،وقد تلحق بالثقافة عندما تتأثر بوجهة نظر خاصة كالتصوير والنحت فل تؤخذ إذا ناقضت وجهة نظر السلم . w المادة -164يكون برنامج التعليم واحدا ،ول يسمح ببرنامج غير برنامج الدولة .ول تمنع المدارس الهلية ما دامت مقيدة ببرنامج الدولة ،قائمة على أساس منهج التعليم ،متحققا wفيها سياسة التعليم وغايته على أن ل تكون أجنبية . المادة -165تعليم ما يلزم للنسان في معترك الحياة فرض على الدولة لكل فرد ذكرا wكان أو أنثى ،في المرحلتين البتدائية والثانوية ،فعليها أن توفر ذلك 126
للجميع مجانا ، wويفسح مجال التعليم العالي مجانا w للجميع بأقصى ما يتيسر من إمكانيات . المادة -166تهيئ الدولة المكتبات والمختبرات وسائر وسائل المعرفة في غير المدارس والجامعات لتمكين الذين يرغبون مواصلة البحاث في شتى المعارف من فقه وأصول فقه وحديث وتفسير ، ومن فكر وطب وهندسة وكيمياء ،ومن اختراعات واكتشافات ومن غير ذلك ،حتى يوجد في المة حشد من المجتهدين والمبدعين والمخترعين . المادة -167يمنع استغلل التأليف للتعليم في جميع مراحله ول يملك أحد مؤلفا wكان أو غير مؤلف حقـوق الطبع والنشر إذا طبع الكتاب ونشره .أما إذا كان أفكارا wلديه لم تطبع ولم تنشر فيجوز له أن يأخذ أجرة إعطائها للناس كما يأخذ أجرة التعليم . المادة -168لكل فرد من الرعية أن يصدر أي جريدة أو مجلة سياسية كانت أم غير سياسية ،وأن يصدر أي كتاب دون حـاجة لي ترخيص .ويعاقب كل من يطبع أو ينشر أو يصدر أي شيء من شأنه أن يهدم الساس الذي تقوم عليه الدولة . المادة -169تعمل الدولة على مكافحة المية ، وتثقيف من فاتتهم الثقافة في سن التعليم .
السياسة الخارجية المادة -170السياسة هي رعاية شؤون المة داخليا wو خارجيا ، wوتكون من قبل الدولة والمة .فالدولة هي التي تباشر هذه الرعاية عمليا ، wوالمة هي التي تحاسب بها الدولة . المادة -171ل يجوز لي فرد ،أو حزب ،أو كتلة ،أو جماعة ،أن تكون لهم علقة بأي دولة من الدول 127
الجنبية مطلقا . wوالعلقة بالدول محصورة بالدولة وحدها ،لن لها وحـدها حق رعاية شؤون المة عمليا . wوعلى المة والتكتلت أن تحاسب الدولة على هذه العلقات الخارجية . المادة -172الغاية ل تبرر الواسطة ،لن الطريقة من جنس الفكرة فل يتوصل بالحرام إلى الواجب ول إلى المباح .والوسيلة السياسية ل يجوز أن تناقض طريقة السياسة . المادة -173المناورات السياسية ضرورية في السياسة الخارجية ،والقوة فيها تكمن في إعلن العمال وإخفاء الهداف . المادة -174الجرأة في كشف جرائم الدول ،وبيان خطر السياسات الزائفة ،وفضح المؤامرات الخبيثة ،وتحطيم الشخصيات المضللة ،هي من أهم السالـيب السياسية . المادة -175يعتبر إظهار عظمة الفكار السلمية في رعاية شؤون الفراد والمم والدول من أعظم الطرق السياسية . المادة -176القضية السياسية للمة هي السلم في قوة شخصية دولته ،وإحسان تطبيق أحكامه ، والدأب على حمل دعوته إلى العالم . المادة -177السلم هو المحور الذي تدور حوله السياسة الخارجية ،وعلى أساسه تبنى علقة الدولة بجميع الدول . المادة -178علقة الدولة بغيرها من الدول القائمة في العالم تقوم على اعتبارات أربعة : أحدها :الدول القائمة في العالم السلمي تعتبر كأنها قائمة في بلد واحدة .فل تدخل ضمن العلقات الخارجية ،ول تعتبر العلقات معها من السياسة الخارجية ،ويجب أن يعمل 128
لتوحيدها كلها في دولة واحدة .ول يعتبر رعاياها أجانب ،بل لهم الحق كأي فرد من أفراد الرعية إن كانت دارهم دار إسلم ،أما إن كانت دارهم دار كفر فيعتبر رعاياها أجانب . ثانيها :الدول التي بيننا ،وبينها معاهدات اقتصادية ، أو معاهدات تجارية ،أو معاهدات حسن جوار ، أو معاهدات ثقافية تعامل وفق ما تنص عليه المعاهدات .ولرعاياها الحق في دخول البلد بالهوية دون حاجة إلى جواز سفر إذا كانت المعاهدة تنص على ذلك ،على شرط المعاملة بالمثل فعل . wوتكون العلقات القتصادية والتجارية معها محدودة بأشياء معينة ،وصفات معينة على أن تكون ضرورية ،ومما ل يؤدي إلى تقويتها . ثالثها :الدول التي ليس بيننا وبينها معاهدات ، والدول الستعمارية فعل wكإنجلترا وأمريكا وفرنسا والدول التي تطمع في بلدنا كروسيا ، تعتبر دول wمحاربة حكما ، wفتتخذ جميع الحتياطات بالنسبة لها ،ول يصح أن تنشأ معها أية علقات دبلوماسية .ولرعايا هذه الدول أن يدخلوا بلدنا ،ولكن بجواز سفر وبتأشيرة خاصة لكل فرد ولكل سفرة . رابعها :الدول المحاربة فعل wكإسرائيل مثل wيجب أن نتخذ معها حالة الحرب أساسا wلكافة التصرفات .وتعامل كأننا وإياها في حرب فعلية سواء أ كانت بيننا وبينها هدنة أم ل .ويمنع جميع رعاياها من دخول البلد ،وتستباح دماء وأموال غير المسلمين منهم . المادة -179تمنع منعا wباتا wالمعاهدات العسكرية ،وما هو من جنسها ،أو ملحق بها كالمعاهدات 129
السياسية ،واتفاقيات تـأجير القواعد والمطارات ، ويجوز عقد معاهدات حسن الجوار ،والمعاهدات القتصادية ،والتجارية ،والمالية ،والثقافية ، ومعاهدات الهدنة . w المادة -180يسمح للدول غير المحاربة فعل ،وغير الدول الستعمارية فعل ، wوغير الدول الطامعة في بلدنا ،أن تفتح سفارات في البلد على شرط أن تمنع نشاطها الثقافي والسياسي ،وتقيد صلحيتها وتنقلتها . المادة -181تفتح الدولة سفارات لدي الدول غير المحاربة فعل wحسب ما تقتضيه مصلحة الدعوة ويكون من عمل هذه السفارات حمل الدعوة والدعاية للسلم . المادة -182المنظمات التي تقوم على غير أساس السلم ،أو تطبق أحكاما wغير أحكام السلم ،ل يجوز للدولة أن تشترك فيها ،وذلك كالمنظمات الدولية مثل هيئة المم ،ومحكمة العدل الدولية ، وصندوق النقد الدولي ،والبنك الدولي . وكالمنظمات القليمية مثل الجامعة العربية ، ومؤسسة النماء العربي .
130
الخلق في السلم عرف السلم بأنه الدين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،بتنظيم علقة النسان بخالقه ،وبنفسه ،وبغيره من بني النسان .وعلقة النسان بخالقه تشمل العقائد والعبادات ،وعلقة النسان بنفسه تشمل الخلق والمطعومات والملبوسات وعلقته بغيره من بني النسان تشمل المعاملت والعقوبات . والسلم يعالج مشاكل النسان كلها ،وينظر للنسان كـل wل يتجزأ ،ولذلك يعالج مشاكله بطريقة واحدة ،وقد بنى نظامه على أساس روحي ،هو العقيدة ،فكانت الناحية الروحية هي أساس حضارته ، وهي أساس دولته ،وهي أساس شريعته . ومع أن الشريعة السلمية فصلت النظمة تفصيل w دقيقا ، wكأنظمة العبادات والمعاملت والعقوبات ،فإنها لم تجعل للخلق نظاما wمنفصل ، wوإنما عالجت أحكام الخلق على اعتبار أنها أوامر ونواه من الله ،دون النظر إلى تفصيل أنها أخلق يجب أن تعطى جانبا w خاصا wمن العناية يمتاز على غيره ،بل هي من حيث تفصيل الحكام ،أقل تفصيل wمن غيرها ،ولم تجعل لها في الفقه بابا €خاصا ، wفل نجد في كتب الفقه التي تحوي الحكام الشرعية بابا wيسمى باب الخلق .ولم يعن الفقهاء والمجتهدين في أمر الحكام الخلقية بالبحث والستنباط . والخلق ل تؤثر على قيام المجتمع بحال ،لن المجتمع يقوم على أنظمة الحياة ،وتؤثر فيه المشاعر والفكار ،وأما الخلق فل يؤثر في قيام المجتمع ،ول في رقيه أو انحطاطه ،بل المؤثر هو العرف العام الناجم عن المفاهيم عن الحياة ،والمسير للمجتمع 131
ليس الخلق ،وإنما هي النظمة التي تطبق فيه ، والفكار والمشاعر التي يحملها الناس والخلق ذاته ناجم عن الفكار والمشاعر ونتيجة لتطبيق النظام . وعلى ذلك فل يجوز أن تحمل الدعوة إلى الخلق في المجتمع ،لن الخلق نتائج لوامر الله ،فهي تأتي من الدعوة إلى العقيدة ،وإلى تطبيق السلم بصفة عامة .ولن في الدعوة إلى الخلق قلبا wللمفاهيم السلمية عن الحياة ،وإبعادا wللناس عن تفهم حقيقة المجتمع ومقوماته ،وتخديرا wلهم بالفضائل الفردية يؤدي إلى الغفلة عن الوسائل الحقيقية لرقي الحياة . ولهذا كان من الخطر أن تجعل الدعوة السلمية دعـوة إلى الخلق ،لنها توهم أن الدعوة السلمية دعوة خلقية ،وتطمس الصورة الفكرية عن السلم ، وتحول دون فهم الناس له ،وتصرفهم عن الطريقة الوحيدة التي تؤدي إلى تطبيقه وهي قيام الدولة السلمية .والشريعة السلمية حين عالجت علقة النسان بنفسه بالحكام الشرعية المتعلقة بالصفات الخلقية ،لم تجعل ذلك نظاما wكالعبادات والمعاملت ، وإنما راعت فيها تحقيق قيم معينة ،أمر الله بها ، كالصدق والمانة وعدم الغش والحسد ،فهي تحصل من شيء واحد هو المر من الله تعالى بالقيمة الخلقية ،كالمكارم والفضائل .فالمانة خلق أمر الله به ، فيجب أن تراعى قيمتها الخلقية حين القيام بها ، ولذلك تتحقق بها القيمة الخلقية وتسمى أخلقا . wوأما حصول هذه الصفات من نتائج العمال كالعفة الناتجة عن الصلة ،أو حصولها من وجوب مراعاتها عند القيام بالمعاملت كالصدق في البيع ،فل تحصل فيه قيمة خلقية ،لنها لم تكن مقصودة من القيام بالعمل ،بل كانت هذه الصفات الحاصلة من نتائج العمال ،ومن وجوب المراعاة ،صفات خلقية للمؤمن حين يعبد 132
الله ،وحين يقوم بالمعاملت .فإن المؤمن حقق بالقصد الول القيمة الروحية من الصلة وحقق بالقصد الثاني القيمة المادية من التجارة ،واتصف في نفس الوقت بالصفات الخلقية . وقد بين الشارع الصفات التي يعتبر التصاف بها خلقا wحسنا wوالتي يعتبر التصاف بها خلقا wسيئا ، wفحث على الحسن منها ونهى عن السيئ :حث على الصدق ،والمانة ،وطلقـة الوجه ،والحياء ،وبر الوالدين ، وصلة الرحم ،وتفريج الكربات ،وأن يحب المرء لخيه ما يحبه لنفسه ،واعتبر كل ذلك ومثله حثا wعلى اتباع أوامر الله .ونهى عن أضدادها كالكذب والخيانة w والحسد والفجور وأمثالها ،واعتبر ذلك ومثله نهيا عما نهى الله عنه . والخلق جزء من هذه الشريعة ،وقسم من أوامر الله ونواهيه ،ل بد من تحقيقها في نفس المسلم .ليتم عمله بالسلم ،ويكمل قيامه بأوامر الله .غير أن الوصول إليها في المجتمع كله يكون عن طريق إيجاد المشاعر السلمية ،والفكار السلمية ،وبتحقيقها في الجماعة تتحقق في الفراد ضرورة ،وبديهي أن الوصول إليها ل يكون بالدعوة إلى الخلق ،بل بالطريق المشار إليها من إيجاد المشاعر والفكار ، غير أن البدء يقضي بإعداد كتلة بالسلم كله ،يكون فيها الفراد كأجزاء في جماعة ،ل كأفراد مستقلين ، ليحملوا الدعوة السلمية الكاملة في المجتمع ، فيوجدوا المشاعر السلمية ،والفكار السلمية ، فيدخل الناس في الخلق أفواجا wتبعا wلدخولهم في السلم أفواجا . wوينبغي أن يفهم جليا wأن قولنا هذا يجعل الخلق لزمة لزوما wحتميا wلوامر الله ،وتطبيق السلم ،ويؤكد ضرورة اتصاف المسلم ،بالخلق الحسنة . 133
وقد بين الله تعالى في كثير من سور القرآن الكريم الصفات التي يجب أن يتصف بها النسـان ، والتي يجب أن يسعى إليها .وهذه الصفات هي العقائد ،العبادات ،والمعاملت ،والخلق ،ول بد أن تكون هذه الصفات الربع مجتمعة ،قال تعالى في سورة لقمان ) وإذ قال لقمان لبنه وهو يعظه يا بني ل تشرك بال أن الشرك لظلم عظيم ،ووصينا النسان بوالديه ،حملته أمه وهنا Zعلى وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلى المصير ،وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فل تطعهما ،وصاحبهما في الدنيا معروفا ، Zواتبع سبيل من أناب إلى ،ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون .يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة ،أو في السموات ،أو في الرض ،يأت بها ا ، أن ا لطيف خبير .يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر ،وأصبر على ما أصابك ،أن ذلك من عزم المور .ول تصعر خدك للناس ول تمش في الرض مرحا Zأن ا ل يحب كل مختال فخور .واقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنـكر الصوات لصوت الحمير ( و يقول الله تعالى في سورة الفرقان ) وعباد الرحمن الذين يمشون على الرض هونا Zوإذا خاطبهم الجاهلون .وقياماZ سجداZاZ لربهمسلم ن يبيتون قالوا .والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم أن ومقاماZ كانا ZغراماZ . . مستقر عذابها إنها ساءت 134
والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين إلهاZاZ .آخر ، قوام ذلكا ل يدعون مع ول يقتلون النفس التي حرم ا إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما . Zيضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا . Zإل من تاب وآمن وعمل عمل Zصالحا Zفأولئك يبدل ا سيئاتهم حسنات ،وكان ا غفورا Zرحيما . ومن تاب وعمل صالحا Zفإنه يتوب إلى ا متابا. Z والذين ل يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما Zوعميانا . Zوالذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما . Zأولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلما ، Zخالدين فيها حسنت مستقراZ ومقاما . ( Zويقول الله تعالى في سورة السراء ) وقضى ربك أل تعبدوا إل إياه وبالوالدين إحسانا . إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلهما فل تقل لهما أف ول تنهرهما ،وقل لهما قول Zكريما . واخفض لهما جناح الذل من الرحمة .وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا .ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للوابين غفورا ،وآت ذي القربى حقه والمسكين وابن السبيل ول تبذر تبذيرا Zأن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ،وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل 135
لهم قول Zميسورا .ول تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ول تبسطها كل البسط فتقعد ملوماZ محسورا Zإن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا Zبصيرا . Zول تقتلوا أولدكم خشية إملق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا Zكبيرا . Zول تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيل .ول تقتلوا النفس التي حرم ا إل بالحق ومن قتل مظلوما Zفقد جعلنا لوليه سلطانا فل يسرف في القتل إنه كان منصورا . ول تقربوا مال اليتيم إل بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤول . وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويل .ول تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤول .ول تمش في الرض مرحا Zأنك لن تخرق الرض ولن تبلغ الجبال طول . Zكل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ( . فهذه اليات في هذه السور الثلث كل منها وحدة كاملة تعرض الصفات المختلفة .تجلو صورة المسلم وتبين الشخصية السلمية في ذاتها المتميزة عن غيرها ويلحظ فيها أنها أوامر ونواه من الله تعالى ، منها أحكام تتعلق بالعقيدة ،كما أن منها أحكاما wتتعلق بالعبادات ،وأحكاما wتتعلق بالمعاملت ،وأحكاما wتتعلق بالخلق ،ويلحظ أنها لم تقتصر على صفات خلقية ، بل اشتملت على العقيدة ،والعبادات ،والمعاملت ، كما اشتملت على الخلق .وهي الصفات التي تكون الشخصية السلمية ،والقتصار على الخلق ل يوجد 136
الرجل الكامل ،والشخصية السلمية ،ولكي تحقق الغاية التي وجدت من أجلها ل بد أن تكون مبنية على الساس الروحي ،وهو العقيدة السلمية ،وأن يكون التصاف بها مبنيا wعلى هذه العقيدة .وعلى ذلك فإن المسلم ل يتصف بالصدق لذات الصدق ،بل يتصف به لن الله أمر به .وإن كان يراعي تحقيق القيمة الخلقية حين يصدق .فالخلق ل يتصف بها لذاتها ،بل لن الله أمر بها . ولهذا ل بد أن يتصف المسلم بصفاتها ،وأن يقوم بها طوعا wوانقيادا wلنها مما يتصل بتـقوى الله .وبما أنها تأتي من نتائج العبادة ) إن الصلة تنهى عن الفحشاء والمنكر ( ومما يجب أن يراعى في المعاملت " الدين المعاملة " علوة على كونها وحدها أوامر ونواهي معينة ،فإن ذلك يثبتها في نفس المسلم ،ويجعلها شيمة لزمة .وعليه فقد كان اندماج الخلق بباقي أنظمة الحياة – مع كونها صفات مستقلة – كفيل بأن يهيئ المسلم تهيئة صالحة ،لسيما وأن التصاف بالخلق هو إجابة لمر الله تعالى واجتناب لنواهيه ،ل لن هذا الخلق ينفع أو يضر في الحياة .وهذا مما يجعل التصاف بالخلق الحسن دائميا wوثابتا . wما ثبت المسلم على القيام بتطبيق السلم ،ول يدور حيث دارت المنفعة .لنـه ل تقصد منه النفعية ،بل يجب أن تستبعد منه ،لن المقصود منه هـو القيمة الخلقية فقط .ل القيمة المادية أو النسانية أو الروحية ،بل ل يجوز أن تدخل هذه القيم فيه لئل يحصل اضطراب في القيام به .أو التصاف به .ومما يجب التنبيه إليه أنه يجب استبعاد القيمة المادية عن الخلق ،واستبعاد أن يكون القيام به من أجل المنافع والفوائد ،لن ذلك خطر عليه . 137
والحاصل :أن الخلق ليست من مقومات المجتمع ،بل هي من مقومات الفرد .ولذلك ل يصلح المجتمع بالخلق ،بل يصلح بالفكار السلمية والمشاعر السلمية وبتطبيق النظمة السلمية .ومع أن الخلق من مقومات الفرد ،ولكنها ليست هي وحدها ،ول يجوز أن تكون وحدها ،بل ل بـد أن تكون معها العقائد ،والعبادات ،والمعاملت ،والخلق . ولذلك ل يعتبر من كانت أخلقه حسنة وعقيدته غير إسلمية ،لنه يكون حينئذ كافرا ، wوليس بعد الكفر ذنب .وكذلك من كانت أخلقه حسنة وهو غير قائم بالعبادات ،أو غير سائر في معاملته حسب أحكام الشرع .ومن هنا كان لزاما wأن يراعى في تقويم الفرد وجود العقيدة ،والعبادات ،والمعاملت ،والخلق .ول يجوز شرعا wالعناية بالخلق وحدها وترك باقي الصفات ،بل ل يجوز أن يعنى بشيء ما قبل الطمئنان إلى العقيدة .والمر الساسي في الخلق هو أنه يجب أن تكون مبنية على العقيدة السلمية ،وأن يتصف المؤمن بها على إنها أوامر ونواه من الله تعالى .
138
محتويات الكتاب 2
طريق اليمان
------------------------
القضاء والقدر
10 ------------------------
القيادة الفكرية في السلم
17 --------------
كيفية حمل الدعوة السلمية
47 --------------
الحضارة السلمية 51 ---------------------- نظام السلم
56 ------------------------
الحكم الشرعي
61-------------------------
أنواع الحكام الشرعية 63 -------------------- السنة 64 ----------------------------- التأسي بأفعال الرسول عليه الصلة والسلم ------- 65 تبني الحكام الشرعية 66 -------------------- الدستور والقانون 68 ----------------------- مشروع الدستور 73 ----------------------- نظام الحكم 76 -------------------------- النظام الجتماعي 91 ---------------------- النظام القتصادي 93 ---------------------- سياسة التعليم 101 ------------------------- السياسة الخارجية 103 ---------------------- الخلق في السلم 106 --------------------- محتويات الكتاب 112 ----------------------- 139