نمرٌ عربي

‫ٌ‬

‫نــمــر عـــربـــي‬ ‫بانة عزيز‬

‫إهداء‬ ‫لكل شبل صغير يحب عالم الحيوانات الكبير واآلسر‪ ،‬لكل محبين النمور‬ ‫العربية الجميلة والفريدة‪ ،‬لكل من ساهم بعد الخالق في الحفاظ عليها‬ ‫ومحاولة إنقاذها من حافة االنقراض‪ ،‬ولكل الجهود المبذولة من جميع‬ ‫البيئيين‪ ،‬أكتب لكم هذه األقصوصة المفعمة بالمشاعر‪.‬‬

‫بانة عزيز‬

‫‪2‬‬

‫مقدمة‬ ‫في يوم من أيام الربيع الرقيقة فتحت عياناي الصغيرتان داخل كهف‬ ‫رقيقا بين أحضان ماما‬ ‫ً‬ ‫دافئ تتخلله أشعة الشمس المشرقة‪ ،‬كان الجو‬ ‫الحنونة والمليئة بالحب‪ ،‬أشعر بشعور مليء بالسالم وأنا أشرب حليب‬ ‫ماما المغذي والمليء بالفيتامينات والمعادن التي تجعل جسدي‬ ‫وقادرا على العيش ببسالة‪ ،‬وبذكر البسالة فقد‬ ‫قويا‬ ‫الصغير المرتعش‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫تمنيا منها أن أكون كما سميت‬ ‫أسمتني ماما الوضاءة بالخير "باسل"‬ ‫ً‬ ‫وعظيما‪.‬‬ ‫جلدا‬ ‫ً‬ ‫قويا ً‬ ‫ً‬

‫‪3‬‬

‫دائما ما تقول لي‪" :‬أنت حكيم يا‬ ‫كثيرا فماما‬ ‫ولكنني ال أهتم لذلك‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫أيضا حذر في اتخاذ الخطوات وهذا‬ ‫باسل ومقدام وشجاع ولكنك ً‬

‫شيء‬ ‫حسن للغاية‪. ".‬‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫يبلغ الفارق بيني وبين أخوتي بضع دقائق‪ ،‬حيث أن الفارق بيني بين‬ ‫مجد ‪ 5‬دقائق و بيني وبين حصيف ‪ 10‬دقائق‪ ،‬وهو فرق بسيط للغاية‪،‬‬ ‫ولكن أخوتي يخاطبونني كما لو أنهم أكبر مني بعدة قرون‪ ،‬وهذا‬ ‫فصحيح أنني األصغر سنً ا ولكن ليس لدرجة أن‬ ‫مزعج في واقع األمر‬ ‫ٌ‬

‫أيضا أستطيع االختباء‬ ‫يتم إقصائي من ألعاب التخطيط واالختباء‪ ،‬فأنا ً‬ ‫بأفضل األماكن‪ ،‬ولطالما شعرت بالحزن إلقصائي فأذهب إلى حجر‬ ‫والدي وأتركها تالعبني فاللعب مع ماما ممتع للغاية‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫ٌ‬

‫حياة رغيدة‬ ‫في كهفنا الصغير أعيش أنا ووالدتي وأخوتي األكبر سنً ا‪ ،‬يكبرنا‬ ‫اع‬ ‫شقيقي "حصيف" وهو شقيق لين الطباع حاد الذكاء‬ ‫مقدام وشج ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫كثيرا‪ ،‬ثم تليه شقيقتي‬ ‫وأيضا نبيه للغاية ويحب التفكير والتخطيط‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫الكبرى "مجد" وهي قوية وجسورة تحب العبث واالختباء‪ ،‬وهي‬ ‫تنافسية للغاية فلطالما تشاجرت مع حصيف في شجارات صغيرة‬ ‫كثيرا‪ ،‬ولكنه كان يغلبها في ألعاب االختباء ألنه األذكى فينا‪ ،‬ثم‬ ‫وغلبته‬ ‫ً‬ ‫آتي أنا "باسل الصغير" هكذا يسمونني أخوتي‪ ،‬ويخبرني أخوتي‬ ‫بأنني عطوف للغاية وبطيء في العدو‪.‬‬

‫‪4‬‬

‫عبست ماما بوجهها ثم قالت بنبرة حازمة‪" :‬ال يا مجد‪ ،‬بل الفائز هو من‬ ‫يعود بخير وبيده فريسة تغذيه‪ ،‬ال يهم كيف هو حجمها؟ وما نوعها؟‬

‫مادامت ستغذيه وتشبعه وسيكون بخير بعد اصطيادها‪ ،‬صحيح أننا‬ ‫قطيعا من الحيوانات العاشبة غير‬ ‫حيوانات مفترسة‪ ،‬ولكن ال يعني أن‬ ‫ً‬ ‫جميعا وال تبتعدوا عني‪ ،‬أفهمتم ؟!"‬ ‫قادر على قتلنا! لذا لنلتزم الحذر‬ ‫ً‬ ‫جميعا وبنبرة واحدة‪ " :‬لقد فهمنا"‬ ‫رددنا‬ ‫ً‬ ‫غادرنا حينها الكهف وكانت تلك المرة األولى التي نبصر فيها العالم‬

‫خارج حدود كهفنا الصغير‪ ،‬هناك أشجار وأعشاب خضراء وكذلك سماء‬ ‫زرقاء رحبة وواسعة‪ ،‬تألألت عيناي حينها بفعل ذلك المنظر اآلسر‬ ‫وع َدت بسرعة‪.‬‬ ‫والخاطف لأللباب‪ ،‬رددت ماما حينها "بسم الله" َ‬

‫‪7‬‬

‫في يوم من األيام قررت ماما الذهاب بنا إلى الصيد حيث قالت‪:‬‬ ‫كبارا يا صغاري‪ ،‬وأصبح حليبي ال يكفيكم لذلك سنذهب‬ ‫"لقد أصبحتم‬ ‫ً‬

‫اليوم لنتعلم كيف نصطاد‪".‬‬ ‫قائال‪" :‬ولكن ما هو الصيد يا أمي؟"‬ ‫ً‬ ‫سأل حصيف ماما‬ ‫حيوانات‬ ‫ٌ‬ ‫أجابت ماما‪" :‬سؤال جميل يا حصيف! نحن النمور العربية‬ ‫مفترسة تتغذى على لحوم الحيوانات األخرى‪ ،‬والصيد هو تلك العملية‬ ‫التي نجمع بها غذائنا اللذيذ حيث نجلب من الحيوانات التي تأكل‬

‫العشب فريسة تغذينا‪".‬‬ ‫لمعت أعين شقيقتي مجد وصرخت‪" :‬إذً ا منافسة اليوم ستكون عمن‬ ‫طعام أكثر !"‬ ‫ٍ‬ ‫سيقبض على‬

‫‪6‬‬

‫كان الجرابيع يلعبون ويتقافزون سوية‪ ،‬ويبحثون عن الطعام في‬ ‫جماعة‪ ،‬ولكن في لحظة ما ابتعد أحد الجرابيع عن بقية أصدقائه وإذ‬

‫بماما تنقض عليه بسرعة خاطفة‪ ،‬وتعود به إلينا وهو بين أنيابها‬ ‫الكبيرة‪ ،‬تضعه على األرض ثم تقول‪" :‬من منكم سيكون التالي؟"‬ ‫قالت مجد‪" :‬أنا سأكون األولى يا أمي وسأمسك به بسرعة" ثم‬ ‫أتبعت‪ " ،‬بسرعة وبحذر بسرعة وبحذر يا أمي‪".‬‬ ‫ركزت مجد نظرها على أصدقاء الجربوع ثم قفزت بسرعة قبل أن‬

‫تنتظر وإذ الجرابيع تفر منها مسرعة فتركض مجد خلفهم ثم سمعنا‬ ‫صوت أنين خفيف تاله صراخ مجد‪ ،‬فتهرع ماما لمساعدتها بسرعة بعد‬ ‫أن توصينا أن نختبئ في مكاننا دون حراك‪.‬‬

‫‪9‬‬

‫لم نعرف أنا أشقائي لماذا عدت ماما بهذه السرعة‪ ،‬ولكننا تبعناها‬ ‫حينها محاولين الوصول لسرعتها‪ ،‬اختبأت ماما خلف شجيرات كثيرة‬

‫صغيرة‪ ،‬واختبأنا أنا وأشقائي هناك‪ ،‬ثم قالت حصيف وهو يلتقط‬ ‫أنفاسه‪" :‬مالخطب يا أمي لماذا كل هذه العجلة؟"‬ ‫فردت قائلة‪" :‬لن يكون لدينا وقت طويل إلضاعته يجب علينا التحرك‬ ‫بحذر شديد‪".‬‬ ‫بسرعةً قبل المغيب‪ ،‬و ٍ‬ ‫لمحنا حينها مجموعة من مخلوقات رماية صغيرة ذات فراء منفوش‬

‫قليال‪ ،‬وأقدام وذيل طوال ‪ ،‬يدعون بالجرابيع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وأذنان صغار‬ ‫همست ماما‪:‬‬ ‫"هذا أول صيد لنا يا صغاري‪ ،‬يجب أن تلتزموا الصمت وتشاهدونني‪".‬‬

‫‪8‬‬

‫أخبرته ماما أن يبصر بأعينه الحذقة ويركز النظر على الحيوانات الصغيرة‪،‬‬ ‫صغيرا يزقزق في األرجاء‪ ،‬ولكنه تمهل قلي ًال ثم‬ ‫عصفورا‬ ‫وإذ به يبصر‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫صغيرا يشبه الجربوع ولكنه أصغر ومختلف بعض الشيء‬ ‫رأى حيوانً ا‬ ‫ً‬ ‫قليال حتى رآه‬ ‫ً‬ ‫قليال‪ ،‬ولكن فطين انتظر‬ ‫ً‬ ‫سريعا‬ ‫يدعى بالفأر كان الفأر‬ ‫ً‬ ‫يقضم بعض الطماطم‪ ،‬ثم أنقض عليه بخفة وأجهز عليه‪ ،‬ثم عاد به‬ ‫عمال‪ ،‬ثم جاء دوري وقد‬ ‫ً‬ ‫إلى ماما‪ ،‬تهللت ماما حينها وأخبرته أنه أحسن‬ ‫متوترا للغاية‪ ،‬ولكنني أخذت أبصر بتمعن وإذ بجربوع صغير يعود‬ ‫كنت‬ ‫ً‬

‫إلى ذات المكان‪ ،‬فقفزت قفزة واحدة‪ ،‬وعدت به إلى والدتي ثم قلت‪:‬‬ ‫"هذا الجربوع لمجد فهي عملت جاهدة إلمساكه"‬ ‫شكرتني حينها مجد للغاية وقالت‪" :‬أنا ممتنة ألنك يا أخي الصغير‪".‬‬

‫‪11‬‬

‫طويال إلى أن عادت ماما حاملة بين أنيابها مجد‬ ‫ً‬ ‫انتظرت أنا حصيف وقتً ا‬ ‫والتي كانت ركبتها محمرة للغاية‪ ،‬ويبدو على وجهها التألم‪ ،‬وضعت‬

‫ماما مجد على األرض ولعقت ركبتها حتى تعقمها‪ ،‬ثم قالت لها‬ ‫معاتبة‪" :‬ألم أقل لكِ أن تتوخي الحذر؟ إن هذه الديار كبيرة وواسعة‬ ‫ويوجد بها العديد من األخطار‪ ،‬ولذلك وجب علينا الحذر‪".‬‬ ‫أطرقت مجد وبدأت بالبكاء وقالت‪" :‬أنا آسفة يا أمي هذه أخر مره‪".‬‬ ‫داعبت ماما رأس مجد وقالت‪" :‬ال بأس يا صغيرتي يحدث ذلك مع‬

‫الجميع‪ ،‬كلنا نخطئ في المرات األولى‪ ،‬ولكن يجب أن نتعلم‪".‬‬ ‫ثم احتضنت مجد‪ ،‬وأخبرت حصيف أن يستعد ألنه سيحين دوره عما‬ ‫قريب‪ ،‬قال حصيف‪" :‬ولكن لقد اختفت تلك الجرابيع يا أمي‪".‬‬

‫‪10‬‬

‫ثم أتبعت‪" :‬فنحن عائالت مستقلة يعيش كل فرد فيها لوحده حين‬ ‫يصير بالغً ا ثم نجتمع لنكون أسرة صغيرة ونبقى إلى أن تبلغ تلك‬

‫األسرة‪".‬‬ ‫كبارا؟‬ ‫فسألت حينها‪ :‬هل هذا يعني ِ‬ ‫أنك ستتركيننا حينما نصبح ً‬ ‫قريبا‪ ،‬ولكن حينها أنتم من ستشقون‬ ‫فقالت‪ :‬ال تقلق لن يكون ذلك‬ ‫ً‬ ‫طريقكم الممهد بالخيرات‪".‬‬ ‫شعرت باإلحباط لكون أننا سنبتعد عن بعضنا حينما نكبر‪ ،‬فأبصرت ماما‬

‫وجهي المحبط والمليء األسى‪ ،‬فضمتني إلى حجرها مطمئنةً لي‬ ‫جميعا بسالم شاعرين‬ ‫وحتى ال أشعر بالقلق‪ ،‬ثم حل الليل ونمنا‬ ‫ً‬ ‫بالدفء والحنان بجوار ماما المحببة لنا‪.‬‬

‫‪13‬‬

‫ابتسمت ماما ثم قالت‪" :‬وأنت يا باسل ماذا سيكون غداؤك؟" فقلت‬ ‫واحدا أخر ألجلي فنحن يجب علينا أن نتعاون‪".‬‬ ‫حينها‪" :‬سأصطاد‬ ‫ً‬

‫ضحكت ماما وهزت برأسها وقالت "ننتظر صيدك اآلخر يا صغيري‪".‬‬ ‫آخرا قد عاد لتفقد صديقه‬ ‫متخفيا وإذ بي أبصر‬ ‫مجددا‬ ‫جلست‬ ‫جربوعا ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فأقفز بسرعة وأمسكه ثم أعود‪ ،‬هتفت لي ماما وأخوتي وعدنا سويةً‬ ‫إلى الكهف سعيدين‪ ،‬تناولنا صيدنا اللذيذ ثم قال حصيف‪" :‬ماما‬ ‫الحظت في الحيوانات األخرى وجود ذكر وأنثى بالغين وأبناء‪ ،‬ولكن‬

‫لماذا ال يوجد لدينا سوى أنثى واحدة بالغة؟"‬ ‫ردت ماما حينها‪" :‬هذا سؤال عبقري يا حصيف فالعائالت تتكون من أب‬ ‫مؤخرا بعد إنجابكم‪".‬‬ ‫وأم وأبناء‪ ،‬ولكننا ال نمتلك ًأبا ألن والدك هاجر‬ ‫ً‬

‫‪12‬‬

‫وإذ بها تتفض وتهرع بنا إلى داخل الكهف‪ ،‬أخبرتنا حينها أنه يجب أن‬ ‫نلتزم الهدوء سالت مجد‪" :‬ما لخطب يا أمي لماذا تنتفضين هكذا؟"‬

‫قالت والدتي حينها‪" :‬أسمعوا يا صغاري كان ذلك الصوت صوت‬ ‫بندقية‪ ،‬وهي سالح يحمله مخلوقات يدعون ببني البشر‪ ،‬يجب عليكم‬ ‫الحذر منهم بشده وأال تغادروا هذا المكان دوني ومهما كانت‬ ‫جميعا‪" :‬أجل لقد فهمنا"‪.‬‬ ‫الظروف‪ ،‬أفهمتم؟" رددنا‬ ‫ً‬ ‫لم أكن أعرف بني البشر آنذاك ولم أبصرهم قط‪ ،‬ولكن كان الصوت‬

‫كافيا لتمييزهم‪ ،‬وفي يوم ما أخذتنا ماما في رحلة صغيرة‪ ،‬أبصرنا‬ ‫ً‬ ‫طواال وغربين الشكل ال‬ ‫ً‬ ‫فيها ذلك المخلوق المدعو ببني البشر‪ ،‬كانوا‬ ‫يوجد على أجسادهم شعر أو فرو أو وبر‪ ،‬وإنما الجلود فحسب‪.‬‬

‫‪15‬‬

‫أشهر عجاف‬ ‫بعد تلك الليلة تلت علينا أيام كثيرة ذهبنا للصيد فيها مع ماما‬ ‫وتعلمت مع أخوتي كيف نصيد الحيوانات الكبيرة مثل الوعل العربي‬ ‫والجاموس وكذلك كيف نتخفى بين األشجار ونبحث عن وجبة صغيرة‪،‬‬ ‫مرارا مع ماما للصيد فلم نجد سوى‬ ‫ولكن وبعد عدة أشهر ذهبنا‬ ‫ً‬ ‫كثيرا‪ ،‬فأخذنا نبحث في أماكن جدد‬ ‫حيوانات قارته صغيرة‪ ،‬ال تشبع‬ ‫ً‬ ‫جديدا هناك‪ ،‬وفي أحد‬ ‫كهفا‬ ‫ً‬ ‫ووجدنا بعض الحيوانات الكبيرة فاتخذنا‬ ‫ً‬ ‫مدويا ارتعش قلبي‬ ‫المرات ذهبنا مع ماما للصيد وإذ بنا نسمع صوتً ا‬ ‫ً‬ ‫الصغير مع ذلك الصوت المهيب‪ ،‬أبصرت أمي مصدر الصوت‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫فذهبنا بسرعة لمساعدة ماما ثم سألته مجد‪" :‬ماذا حدث يا حصيف؟"‬ ‫أخبرنا حصيف وعيناه ممتلئتان بالدموع‪ ،‬بأنه كان مختبئً ا مع ماما للصيد‬

‫بشخص من بني البشر يطلق عليه من تلك البندقية فحمته ماما‬ ‫ٍ‬ ‫وإذ‬ ‫هاربا‪ ،‬تمهلت حينها وقلت له‪" :‬أال يعني ذلك أنها قد‬ ‫وأخبرته أن يفر‬ ‫ً‬ ‫أوصتك بأال نذهب لنجدتها‪ ،‬فالمكان كما أعتقد خطير للغاية"‬ ‫ردد حصيف حينها‪" :‬ال أعلم يا باسل ال أعلم‪ ،‬ولكنني ال أستطيع ترك‬ ‫أمي وهي مصابة مع أولئك األشخاص‪".‬‬

‫سويا إلى أن اقتربنا من ذلك المكان المنشود ثم اختبأنا‬ ‫ذهبنا نركض‬ ‫ً‬ ‫قليال‪ ،‬وإذ بنا نبصر ماما يتم حبسها من قبل أولئك البشر‪ ،‬وهي‬ ‫ً‬ ‫تقطر دما‪ ،‬لم أستطع حينها تحمل ذلك المشهد فأغمضت عيني‪.‬‬

‫‪17‬‬

‫ويوجد الشعر في بعض أجزاء وجههم ورأسهم وكانوا غريبين للغاية‬ ‫واحدا فبعضهم بيض الجلود ‪ ،‬وبعضهم كلون فرو ماما‪،‬‬ ‫فليسوا لونا‬ ‫ً‬

‫بنادقا‬ ‫ً‬ ‫غالبا ما يحملون‬ ‫وأخرين سود ككهفنا‪ ،‬أخبرتنا ماما حينها بأنهم ً‬ ‫والبندقية‪ ،‬هي سالح قادر على قتل أي مخلوق وهو ذو صوت مخيف‬ ‫القا‪،‬‬ ‫أبدا فهم ليسوا لطفاء إط ً‬ ‫للغاية‪ ،‬وأوصتنا‬ ‫مرارا أال نختلط معهم ً‬ ‫ً‬ ‫مرت األيام على تلك الحادثة وكانت ماما تذهب للصيد مع أحدنا ثم‬ ‫تعود‪ ،‬وفي يوم ما خرجت ماما للصيد مع حصيف‪ ،‬وجلست أنا ومجد‬

‫نلعب داخل الكهف‪ ،‬ولكن طال الوقت ونحن ننتظر وبعد وقت من‬ ‫مستنجدا "ساعدوني فقد‬ ‫االنتظار إذ بحصيف يدخل علينا وهو يلهث‬ ‫ً‬ ‫مضطربا‬ ‫أصيبت أمنا‪ ".‬لم نستطع فهم ما حدث حينها حيث كان‬ ‫ً‬

‫‪16‬‬

‫وبعد عدة أسابيع ذهبت مع مجد للصيد وإذ بنا ال نبصر إال الحيوانات‬ ‫بعضا منهم وعدنا للدار‪ ،‬حل الشتاء علينا ونحن بذات‬ ‫ً‬ ‫الصغار‪ ،‬فأخذنا‬

‫الكهف نشعر بالوحدة والحزن فال أحد معنا اآلن غير بعضنا‪ ،‬وبعد عدة‬ ‫أيام لم تستطع مجد النهوض وكان يبدو عليها المرض‪ ،‬ذهبت حينها‬ ‫قليال ‪ ،‬وحاولت جلب بعض الطعام ولكنها‬ ‫ً‬ ‫لجلب بعض المياه لتشربها‬ ‫كانت منهكة فلم تقوى على تناول الطعام‪ ،‬عانت مجد عدة أيام من‬ ‫ذلك المرض وكنت أحاول جعلها أن تكون بخير‪ ،‬عبر الطعام والماء‬

‫وحتى عبر لعق فروها‪ ،‬والنوم بجانبها ولكن وبعد عدة أيام‪ ،‬استيقظت‬ ‫وحيدا دونما أحد‪ ،‬وحينها فحسب لم‬ ‫ألجدها هي كذلك قد تركتني‬ ‫ً‬ ‫استطع البقاء في الكهف ورحلت تاركً ا ذلك الكهف إلى األبد‪.‬‬

‫‪19‬‬

‫وما إن أغمضتها حتى هرع حصيف بسرعة إلى ذلك البشري ليحاول‬ ‫نجدة ماما‪ ،‬وماما تصرخ قائلة‪" :‬أهرب يا حصيف أرجوك‪ ،‬ال تجعل من‬

‫ادرا‬ ‫موتي يذهب‬ ‫هباءا‪ ،‬أهرب ياصغيري" ولكن حصيف حينها لم يكن ق ً‬ ‫ً‬ ‫على ذلك‪ ،‬فهرعت ومجد لمساعدته وخدشنا وقضمنا الشبكة بأسناننا‬ ‫ومخالبنا حتى بدأت تنفك معنا‪ ،‬ثم حاولنا مساعدة ماما في الخروج‬ ‫ولكنها حينها قد توفيت‪ ،‬بدأت حينها بالبكاء مع أخوتي‪ ،‬وإذ بالبشري‬ ‫يعود إلى الشبكة ففررنا بأنفسنا إلى الكهف‪ ،‬تاركين جثة ماما الحبيبة‬

‫هناك وما إن وصلنا إلى الكهف منهكين ومنهمرين‪ ،‬حتى تبين لنا أن‬ ‫حصيف لم يعد معنا‪ ،‬وأنه كذلك قد تم القبض عليه مع ماما من قبل‬ ‫ذات البشري الجائر‪ ،‬فقضينا بضعة أيام ال نخرج فيها من هول األمر‪.‬‬

‫‪18‬‬

‫وجدت بعد فترة بعض الغزالن وأخذت بعضها ألتناولها طوال األيام‬ ‫القادمة وقد كانت لذيذة وغنية باللحوم‪ ،‬ولكنني عدت بعد شهور إلى‬

‫القحط المعتاد‪ ،‬وأخذت أبحث وأبحث حتى هاجمني الجوع ولم يبرح‬ ‫حتى أسكت ذاتي بأحد الحيوانات الصغيرة‪ ،‬وفي يوم ما الحظت وفرة‬ ‫بني البشر في الجبل الذي اسكنه فاعتدت الترحال طوال الوقت وفي‬ ‫يوم ما وأنا أطارد إحدى الفرائس إذ بي أشعر بألم قد نخر قدمي‬ ‫مدويا كصوت البندقية‪ ،‬فأسقط على األرض من شدة‬ ‫يوازي صوتً ا‬ ‫ً‬

‫األلم‪ ،‬وأجر ذاتي بسرعة إلى مكان متخفي عن األنظار‪ ،‬حاولت لعق‬ ‫قدمي ألعقم جرحها ولكنها واصلت بالنزيف‪ ،‬حاولت تهدئة ذلك النزيف‬ ‫غزيرا‪.‬‬ ‫ولكنه كان‬ ‫ً‬

‫‪21‬‬

‫ٌ‬

‫يد رحيمة‬ ‫كهف مناسب‪ ،‬ولكن‬ ‫ٍ‬ ‫بعد أن تركت كهفنا أخذت أجول البقاع بحثا عن‬ ‫متعبا بالنسبة لي فالحيوانات الكبيرة والمغذية‬ ‫شح الغذاء قد كان‬ ‫ً‬ ‫تدريجيا‪ ،‬وفي أحد المرات أبصرت حيوانا مغطى‬ ‫بدأت باالختفاء‬ ‫ً‬ ‫بالصوف يدعى خروف‪ ،‬يبدو أنه قد ضاع عن قطيعه فاصطدته‪ ،‬وأخذته‬ ‫مجددا للصيد من ذات المكان‪ ،‬في‬ ‫إلى كهفي الجديد الصغير‪ ،‬وعدت‬ ‫ً‬ ‫الواقع أمن لي ذلك المكان الطعام لفترة طويلة فالراعي قد بدا غير‬ ‫مهتم بخرافه‪ ،‬ولكن وبعد عدة أيام أخذ الراعي يتربص بي لكي‬ ‫يمسكني‪ ،‬فاضطررت ألبحث عن غذاء آخر‪.‬‬

‫‪20‬‬

‫وبعد عدة أيام أخذ ذلك الشاب يشير ألي بطريقة غريبة‪ ،‬ويدعوني‬ ‫التباعه‪ ،‬فأخذت أذهب معه حتى دلني على شيء غريب‪ ،‬كان ذلك‬

‫الشيء له عجالت‪ ،‬يدعى بسيارة كما ينادونه بعض البشر‪ ،‬لألمانة‬ ‫خفت من ذلك الشيء‪ ،‬ولكنه أشار لي بالدخول‪ ،‬فدخلت بحرص هناك‬ ‫وقدم لي ذلك البشري بعض اللحوم الجديدة كمكافأة‪ ،‬وتحركت تلك‬ ‫السيارة الغريبة إلى العديد من المسافات‪ ،‬وقطعت مع ذلك الشاب‬ ‫العديد من البقاع وتناولت العديد من اللحوم‪ ،‬وبعد فترة وصلنا إلى‬

‫مشيرا لي أن أنزل من‬ ‫وجهة غريبة نزل منها الشاب وحرك كفيه‬ ‫ً‬ ‫السيارة‪ ،‬فنزلت منها بحذر وحرص‪ ،‬ربت ذلك الشاب على رأسي وسار‬ ‫بي إلى مكان كبير المساحة ويوجد به أسوار‪ ،‬ثم نزل إلي واحتضنني‪.‬‬

‫‪23‬‬

‫شابا من بني البشر يلج إلى الكهف الذي‬ ‫قليال حتى أبصرت‬ ‫ً‬ ‫وما لبثت‬ ‫ً‬ ‫تواريت فيه عن األنظار فكشرت بأنيابي حتى أخيفه وإذ به يحاول‬

‫تهدئتي بقطعة لحم‪ ،‬شممت قطعة اللحم وكانت تبدو شهية‪ ،‬وكنت‬ ‫خصوصا بعدما فقدت هذا القدر من الدماء‪،‬‬ ‫جائعا للغاية‬ ‫حينها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فتناولتنها على مضض وإذ بي أشعر بالخدر وأغفو دونما إدراك‪،‬‬ ‫استيقظت بعد فترة من الزمن ووجدت ذلك البشري يضمد جرحي‬ ‫برفق‪ ،‬كنت حينها منهكً ا للغاية فلم اقاومه‪ ،‬ثم وبعد أن تأكد من‬

‫طعاما وذهب‪ ،‬في اليوم التالي زارني وهو حامل‬ ‫تضميدي ترك لي‬ ‫ً‬ ‫بعض الطعام‪ ،‬فتناولت منه وهو يتأكد من جرحي‪ ،‬ومرت األيام وذلك‬ ‫البشري الودود يعالجني يمنحني الغذاء والماء‪.‬‬

‫‪22‬‬

‫كان في ذلك المكان عدد صغير من النمور حيث بلغ عدد النمور من‬ ‫نمرا ويبدو أن البشر‪ ،‬كانوا ال يريدون انقراضنا‬ ‫الذكور واإلناث ‪ً 15‬‬

‫ألسباب أجهلها في واقع األمر‪ ،‬في كل يوم كانت تأتينا الوجبات في‬ ‫وقت محدد‪ ،‬وكذلك الماء ويوجد هناك العديد من الرفاق اللطفاء‬ ‫يزورنا بين الحين واآلخر بشر صغار الحجم وكبار ويبصروننا بدهشة ال‬ ‫أفهم سببها‪ ،‬كنت أشعر بالرضى والسالم فهناك جهود كبيرة‬ ‫للمحافظة علي وعلى بني جنسي في تلك المحمية الموجودة في‬

‫محافظة تدعى العال‪ ،‬وتمنيت حينها أن تكون عائلتي الصغيرة معي‪،‬‬ ‫ولكنني فهمت كذلك كالم والدتي فأنا اآلن نمر بالغ مستقل بذاته‪،‬‬ ‫إطالقا في أن أكون مع جموع النمور‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولست مهتمة‬

‫‪25‬‬

‫حممي باحلزم‬ ‫أيضا‪ ،‬أخذ بي‬ ‫بعد أن ولجت لتلك األرض جاء بشري آخر يبدو أنه وديع ً‬ ‫إلى مكان يوجد به العديد من أفراد جنسي‪ ،‬لم أستطع تصديق األمر‪،‬‬ ‫مصدوما للغاية‪ ،‬قال لي أحد النمور‪" :‬يبدو أنك نمر جديد أهال‬ ‫فدخلت‬ ‫ً‬ ‫بك! هذا المكان هو موطن آمن لنا‪ ،‬ويوفر لنا فيه الطعام وكذلك‬ ‫الماء‪ ،‬ويتم ابعاد أولئك البشر الذي كانوا يصطادوننا منذ زمن‪".‬‬ ‫ثم أكمل عليه أحد النمور والذي يبدو بأنه يكبرنا بالعديد من األعوام‪:‬‬ ‫"لربما أنك الحظت أن البشر الموجودين هنا لطفاء للغاية وال ينوون‬ ‫لنا أي أذية‪ ،‬وهم يحموننا بالكامل‪".‬‬

‫‪24‬‬

‫فمنحوا سحر الكثير من الطعام واالهتمام وحاولوا مساعدتها حتى ال‬ ‫تتأذى بعد تلك الوالدة العسيرة‪ ،‬كما احتفوا بالشبالن وأخذوا يبشرون‬

‫تماما مثل‬ ‫بعضهم البعض‪ ،‬كان الشبالن ظرفاء للغاية وصغار الحجم‬ ‫ً‬ ‫ذكرا وانثى اسمينا االنثى فيهم هبة‪ ،‬أما الذكر‬ ‫والدتهم‪ ،‬وقد كانوا ً‬ ‫فهو خير وهو تمثيل لشعورنا حين رزقنا بهم‪ ،‬بعد ان اطمأننت على‬ ‫زوجتي وأطفالي أنهم بأمان تذكرت أنه قد كان وقت الرحيل من ذلك‬ ‫كهف‬ ‫ٍ‬ ‫الكهف حتى تبدأ قصتهم في النضوج‪ ،‬فهممت بالرحيل إلى‬

‫دائما على العيش‬ ‫نمر بالغ قد اعتاد‬ ‫ً‬ ‫جديد أصغر من كهفي القديم فأنا ٌ‬ ‫منفردا‪ ،‬ووسط كهفي الصغير جالت في خافقي العديد من الذكريات‬ ‫ً‬ ‫منذ أن فتحت عيني للمرة األولى إلى أن وصلت إلى هذا المكان ‪.‬‬

‫‪27‬‬

‫ٌ‬

‫مولود جديد‬ ‫مرت األيام والشهور بسلم وسط تلك المحمية المحاطة بالحزم‬ ‫والوفيرة بالخيرات‪ ،‬وفي يوم من أيام الشتاء القارص خرجت من‬ ‫كهفي وكأنني أبحث عن شيء ما وإذ بي أبصر نمرة جميلة‪ ،‬تحدثت‬ ‫قليال وعرفت أن اسمها سحر‪ ،‬وبعد بضعة أيام قررنا الزواج من‬ ‫ً‬ ‫معها‬ ‫بعضنا‪ ،‬وكنا سوية في كهفنا الصغير طوال فصل الشتاء البارد‪ ،‬وحين‬ ‫اقبال فصل الربيع وتفتح أزهار المطر‪ ،‬ولدت سحر الجميلة شبالن‬ ‫كثيرا خفت‬ ‫صغيران‪ ،‬وقد كانت تلك الوالدة عسيرة‪ ،‬فشحبت عافيتها‬ ‫ً‬ ‫عليها آنذاك وعلى الصغار‪ ،‬فذهبت لبني البشر لمساعدتي‪.‬‬

‫‪26‬‬

‫اخلامتة‬ ‫في ختام حكايتي العبقة والغنية بكل مشاعر الحب واالمتنان‪ ،‬أرجو أن‬ ‫تكونوا قد أخذتم نظرة خاطفة عما عانيت طوال رحلتي الطويلة‬ ‫والمليئة بالجهود العظيمة في محاولة النجاة‪ ،‬والذهاب لمحمية وإنجاب‬ ‫الصغار‪ ،‬ومجابهة الخوف والوحدة والمرض‪ ،‬أرجو أن تكون حكايتي قد‬ ‫أنارت ألبابكم بسوء صنيع القتل الجائر‪ ،‬والعبث بالنظام البيئي ففي‬ ‫قصتي نجا الكثير منا‪ ،‬ولكن في قصص أخرى لم ينج أي فرد منهم‪،‬‬ ‫فكونوا خير من يعمر هذه األرض وال تفسدوا فيها‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫امتنان من قلب الكاتبة‬ ‫عظيم يغزوا قلبي لكل تلك الجهود المبذولة من قبل حكومتنا‬ ‫ان‬ ‫ٌ‬ ‫وفي الختام‪ ،‬أمتن ٌ‬ ‫الرشيدة في الحفاظ على الحياة الفطرية وحمايتها‪ ،‬وتلك المخططات العظيمة في‬

‫التماشي مع بيئتنا وعدم تغيرها وإنما التلون بألوانها‪ ،‬وامتنان لك يا عزيزي القارئ‬ ‫شكرا لكل شعور اختبرته‪ ،‬وكل لحظة استمتعت‬ ‫لقراءة هذه الحكاية واالستمتاع بها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫شكرا لعينيك التي تقرأ وقلبك الذي يخفق‪ ،‬ولن ينسى قلبي الممتن بالكثير‬ ‫بها‪،‬‬ ‫ً‬ ‫لصديقتي الوضاءة بالبهجة دعاء السعدي على كل الدعم الوفير الذي لواله ماكنت‬ ‫دائما يا بهجة األصدقاء وسعدهم‪.‬‬ ‫ألخطو هذه الخطوة في الكتابة ممتنة لك‬ ‫ً‬

‫بانة عزيز‬

‫‪29‬‬

‫يوم من األيام أفتح عيني‬ ‫في ٍ‬ ‫كهف دافئ تعج به‬ ‫ٍ‬ ‫الصغيرة في‬ ‫رائحة أزهار المطر‪ ،‬ويعمه اللطف‬ ‫بين أحضان ماما المحبة‪ ،‬أنمو فيه‬

‫قويا‪ ،‬في‬ ‫جسورا‬ ‫مقداما‬ ‫نمرا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫فأكبر ً‬ ‫هذه الحكاية أحكي لكم عن قصتي‬

‫المليئة بالمشاعر واألحداث‪ ،‬نختبر‬ ‫سويةً مخاطر فريدة ولحظات صعبة‪،‬‬ ‫فكونوا معي أنا باسل‪.‬‬