تقرير حالة التنوير تونس

Page 1

‫ﺗﻘﺮﻳﺮ‬

‫ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳـﺮ‬ ‫ﺗﻮﻧﺲ ‪٢٠١٧‬‬

‫ﺍﻟﺮﺍﺑﻄـﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴـﺔ‬ ‫ﻟﻠﺘﺮﺑﻮﻳﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﻴﻦ‬

‫‪ARAB ASSOCIATION FOR‬‬ ‫‪ENLIGHTENED MUSLIM EDUCATORS‬‬


‫تقرير حالة التنوير‬ ‫تونس ‪2017‬‬


‫حالة التنوير في تونس‬ ‫ّ‬ ‫املقدمة‬ ‫ال يمكن تناول حالة التنوير في تونس باالقتصار على بضع سنوات أو اختزالها في العقود ألاخيرة‪ ،‬وإال كان التقرير مجتزأ‬ ‫دينامية الفكر التونس ي وموجاته املتتالية‪ .‬ما ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الحالية واملخاض الذي‬ ‫التونسية‬ ‫يميز ألاوضاع‬ ‫ومنقوصا‪ ،‬وال يعكس‬ ‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫امتدادا لبوادر التنوير خالل‬ ‫والسياسية إال‬ ‫واملجتمعية‬ ‫الثقافية‬ ‫التونسيون والزخم الذي يعتمل في ميادينها‬ ‫يعيشه‬ ‫التونسيين‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫إن دراسة مسارات التنوير والحداثة في‬ ‫القرن التاسع عشر التي تركت بصمتها على الثقافة والسلوك‬ ‫العربي الحديث واملعاصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫والظرفيات‪،‬‬ ‫خاصة‪ ،‬سيرورة تتداخل فيها جملة من العوامل‬ ‫عامة والتونس ّي‬ ‫التاريخ‬ ‫خاصة ّ‬ ‫والرمزية‪ ،‬التي أفرزت جداول َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫والخارجية‪َّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إشكاليات النهضة والتنوير قد‬ ‫وأن‬ ‫حفت باألصل‪،‬‬ ‫املادية‬ ‫الداخلية‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫إلاسالمي من جهة‪ ،‬وباآلخر ا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫لغربي‬ ‫العربي‬ ‫عضويا باملجتمع والسلطة والفكر في عالقته بالفضاء‬ ‫ظلت مرتبطة ارتباطا‬ ‫إلاسالمي نقطة ّ‬ ‫تحول ّ‬ ‫ّ‬ ‫من جهة أخرى‪ .‬عاش العالم‬ ‫هامة في تاريخه خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬فقد بدأ يستيقظ من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحجر الفكر ّي ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫شاعرا بتأخره أمام النهضة‬ ‫والعقم الحضار ّي‪،‬‬ ‫وينفض عنه غبار عصور الانحطاط‪،‬‬ ‫سباته الطويل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إلاصالحية الجديدة بل كانت أحد مراكزها َّ‬ ‫َّ‬ ‫الهامة‪.‬‬ ‫التونسية غريبة عن هذه املوجة‬ ‫الحديثة‪ .‬ولم تكن البالد‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية فهي الوحيدة التي لم تشملها حالة التراجع التي‬ ‫مثلت تونس‪ ،‬خالل القرن التاسع عشر حالة فريدة في ألاقطار‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫التحديثية خالل واليتي عباس وسعيد‬ ‫أملت بمصر بعد وفاة محمد علي باشا سنة ‪ 1847‬وتراجع خلفائه عن سياسته‬ ‫ّ‬ ‫النسبي الذي عرفته سورية‪ ،‬خالل العقدين الخامس والسادس عشر‪ ،‬بعد إزاحة ألامير بشير الشهابي الثاني‬ ‫والتراجع‬ ‫ّ‬ ‫سنة ‪ 1840‬ودخول لبنان في حرب ّ‬ ‫شكلت تونس استثناء ًّ‬ ‫عربيا يحاول النهوض وال سيما في مجال‬ ‫أهلية منذ ‪.1860‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البلدي سنة ‪ ،1858‬وإعالن عهد‬ ‫املؤسسات الجديدة مثل إلغاء الرق سنة ‪ ،1846‬وبعث النظام‬ ‫التشريعات وبعث‬ ‫عددا من ّ‬ ‫التقدمية ً‬ ‫ألامان سنة ‪،1857‬وسن الدستور سنة ‪ .1861‬وقد َّ‬ ‫َّ‬ ‫املثقفين‬ ‫شجعت مجمل هذه إلاجراءات‬ ‫املشارقة على القدوم إلى تونس وإلاقامة بها مثل أحمد فارس الشدياق (‪ )1887-1804‬الذي أصدر في تونس كتابه‬ ‫الجريء "كشف املخبأ عن أخبار أوروبا" سنة ‪ ، 1864‬والذي كان يصعب صدوره ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫وسياسيا في غيرها من ألاقطار‬ ‫ماديا‬ ‫َّ‬ ‫نظرا لروح ّ‬ ‫العربية ً‬ ‫الحرَّية الجامحة التي شحنت صفحاته‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫وقد تواصل ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجس ًدا في عدد من التشريعات مثل إصدار مجلة ألاحوال‬ ‫املد إلاصالحي التنويري في تونس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التونسية‬ ‫الخلدونية‪ ،‬والجامعة‬ ‫والصادقية‪،‬‬ ‫املؤسسات الحاضنة للتنوير مثل الزيتونة‬ ‫الشخصية‪...‬وفي جملة من‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخيا بإزالة‬ ‫منعرجا‬ ‫خاصة بعد ‪ ، 2011‬شكلت هذه السنة‬ ‫واملدني الشامل الذي عاشته تونس‬ ‫الثقافي‬ ‫والحراك‬ ‫ّ‬ ‫الاستبداد والتأسيس للدولة الديمقر َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية‪ ،‬والانخراط في حراك فكر ّي‬ ‫التطرف والتكلس والتكفير نحو‬ ‫وثقافي ملناهضة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التنويرية‪.‬‬ ‫والتحرر وبناء شبكة القيم‬ ‫ترسيخ مدارات إلابداع‬ ‫‪2‬‬


‫َّ‬ ‫يتضمن التقرير عنصرين رئيسيين‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ أوال‪ ،‬في بدايات وروافد فكر التنوير في تونس‪.‬‬‫ً‬ ‫ثانيا‪ ،‬انعكاسات الحراك التونس ّي على مسارات التنوير‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪-I‬‬

‫في بدايات وروافد فكر التنوير في تونس‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫خالفا للدراسات الاستشر َّ‬ ‫الفرنسية وحملة بونبارت‬ ‫العربية مدين فقط للثورة‬ ‫اقية التي اعتبرت فكر التنوير في البالد‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الاتصال بالحضارة‬ ‫على مصر (‪ )1801-1798‬في إشارة إلى ما اصطلح على تسميته "بالصدمة‬ ‫الحضارية" مع بدايات ِّ‬

‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وخاصة منها‬ ‫ألاوروبية‬ ‫التونسية عبر قناتين متداخلتين ومتزامنتين‪ :‬القناة‬ ‫الغربية‪ ،‬دخلت الحداثة وألانوار إلى البالد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫دبلوماسيون‬ ‫الفرنسية (التجار‬ ‫الشرقية (تأثير تجربة محمد علي باشا‪)1849-1805 ،‬‬ ‫والرحالة) والقناة‬ ‫واملدرسون وال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫املشرقية بتونس مثل أحمد فارس‬ ‫العثمانية باإلضافة إلى نشاط بعض النخب‬ ‫الخيرية‬ ‫التحديثية في مصر والتنظيمات‬ ‫الشدياق ومنصور كرليتي ورشيد الدحداح وحمزة فتح هللا‪. 1‬‬

‫‪ -1‬أثر التجربة ألاور َّ‬ ‫وبية في التنوير بتونس‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التبعية للباب‬ ‫إصالحية‪ ،‬فقد سعى منذ واليته في التخلص من‬ ‫تزعم املشير أحمد باي (‪ّ )1855-1837‬أول محاولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫يقلد الدول الكبرى‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ألاوروبية‪ ،‬مسخ ًرا‬ ‫نظاميا على الطريقة‬ ‫مؤس ًسا جيشا‬ ‫الاستقاللية جعلته‬ ‫العالي‪ .‬وهذه السياسة‬ ‫ً‬ ‫كل جهوده وجهود البالد إلنشاء جيش كثير ّ‬ ‫ّ‬ ‫العدة والعدد‪ .‬وقد ّ‬ ‫الاستقاللية حيث‬ ‫قرر زيارة فرنسا تنفيذا لسياسته‬ ‫ُاستقبل استقبال ملوك ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التونسية‪ ،‬تجاوز أثرها‬ ‫إلاصالحية‬ ‫الدول الكبرى‪ ،‬وقد كان لزيارته هذه أثر بالغ في الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية بالنهضة‬ ‫الفكرية‬ ‫ومس نظام الحكم نفسه‪ .‬إال أن تأثر الحركة‬ ‫الثقافي‪،‬‬ ‫امليدان العسكري‪ ،‬وبلغ امليدان‬ ‫ّ‬ ‫ألاوروبية أصبح ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وضوحا من تأثرها بالنهضة في املشرق‬ ‫والسيما بعد احتالل الجزائر‪ ،‬وتأسيس مدرسة‬ ‫إلاسالمي‪،‬‬ ‫أشد‬ ‫ّ‬ ‫الحربية‪ ،‬ورحلة أحمد باي إلى فرنسا‪َّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫وفسر أحمد ابن أبي الضياف انتشار ألامن والعدل بين السكان وإقبال‬ ‫باردو‬ ‫ّ‬ ‫بجد ونشاط‪ ،‬ومظاهر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫الناس على العمل ّ‬ ‫قدم تعود إلى العقول التي أنتجتها مغذاة بلبان ّ‬ ‫الحرّية‪ ،‬وناشئة في مهد‬ ‫ألامن‪ .‬إذن فأساس هذه الحضارة وقاعدتها العمل بمبادئ العدل وإلانصاف واملساواة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫النهضويين املتنورين منذ زيارة أحمد باي إلى فرنسا واستقباله من‬ ‫هكذا إذن بدأت بوادر الفكر النهضو ّي في صفوف‬ ‫قبل ملك فرنسا لوي فيليب ‪ Louis Philippe‬وكان ذلك في سنة ‪1262‬هـ‪1846/‬م‪ .‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫خضم‬ ‫تدعمت هذه النهضة في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتحديات مسفرة عن ميالد فكر تنوير ّي ّ‬ ‫الاجتماعي والسياس ّي‬ ‫متلهف يسعى إلى مواجهة الواقع‬ ‫التناقضات‬

‫ً‬ ‫ويبتعد ً‬ ‫التشبث الحرفي بما كان عليه السلف وال ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫يجد ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حرجا في الاستفادة من‬ ‫فشيئا عن‬ ‫شيئا‬ ‫والديني‪،‬‬ ‫والاقتصادي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاوروبية‪ ،‬ما دامت هذه ألاخيرة قد قامت على أنقاض الحضارات ألاخرى واستفادت من العلوم‬ ‫السياسية‬ ‫التجربة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ألاوربية لها دعائمها‬ ‫الفكرية في املمالك‬ ‫التونسية أن الحياة‬ ‫املتنوعة‪ .‬هكذا إذن اكتشفت النخب‬ ‫إلاسالمية‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العملية بين‬ ‫إلاصالحية واملمارسات‬ ‫التونسية‪ :‬مسارات التحديث بين النظريات‬ ‫‪ 1‬للمزيد من التفاصيل انظر‪ :‬مجدي فارح‪" ،‬صدى الحداثة وألانوار لدى النخب‬ ‫التقديرية‪ ،‬رقم ‪ ،15‬منشورات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسة‬ ‫التونسية‪ ،‬سلسلة الكتب‬ ‫التاريخية‬ ‫‪ 1831‬و‪ ،" ،"1877‬ضمن الكتاب التكريمي لألستاذ حسين رؤوف حمزة‪ ،‬فقيد املدرسة‬ ‫التميمي للبحث العلمي واملعلومات‪ ،‬تونس‪ ،‬نوفمبر ‪ ،2012‬ص‪.‬ص‪.358-333 .‬‬

‫‪3‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية وغيرها‪ ،‬وحصيلة‬ ‫ومؤسساتها ورجالها وأنها ِّنتاج عصور النهضة التي قامت على أنقاض الحضارة‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مثال ومثلما َّبين الطهطاوي في مصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم محمد‬ ‫الجبارة‪ .‬ف َتط َّو ُر الفكر في فرنسا‬ ‫الفكرية‬ ‫والتطورات‬ ‫العلمية‬ ‫الاكتشافات‬ ‫العقلية املحافظة من ّ‬ ‫َّ‬ ‫املهمات ألاولى لرجال‬ ‫بيرم الخامس في تونس كان نتيجة املكانة التي أصبح عليها العقل‪ .‬وكان نقد‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التقليدية واملحافظة‪.‬‬ ‫الفكرية‬ ‫النهضة‪ ،‬وقد تركز على تفنيد املعتقدات‬ ‫التونسية ّ‬ ‫الفكرية في أوروبا َّتتسم بانتشار الثقافة في جميع ألاوساط‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫وأنها ليست ح ً‬ ‫كرا على‬ ‫أن الحياة‬ ‫أدركت النخب‬ ‫النخبة املُ ّثقفة‪ ،‬فالصحف واملطابع ّ‬ ‫تعد باملئات وتنتشر في مختلف املدن‪ ،‬وقد أحص ى املصلح املتنور محمد بيرم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخامس في فرنسا وحدها ثالثمائة صحيفة بين ّ‬ ‫وشهرية‪ ،‬وفي انجلترا وحدها ثمانمائة وإحدى‬ ‫وأسبوعية‬ ‫يومية‬ ‫علمية كثيرة‪ .‬ولذلك اقتنع الجميع ّ‬ ‫مشيرا إلى ّ‬ ‫الشعبية ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫بأن الثقافة‬ ‫تدعمها جمعيات‬ ‫أن الثقافة‬ ‫وسبعون مطبعة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أضحت ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫الاطالع على‬ ‫وغذاء‬ ‫ضروريا في الحياة‬ ‫شيئا‬ ‫حيويا للفكر ال استغناء عنه‪ ،‬وبأن «ازدهار سوق العلم» رهين ِّ‬ ‫مختلف املعارف ومختلف الفنون مع املساهمة في تطويرها والحرص على استمرارية ّ‬ ‫التثقف والاستفادة من املعارف‬ ‫املستحدثة‪.‬‬ ‫وتعقيدا ّ‬ ‫التونسية آنذاك كانت مقتنعة ّ‬ ‫ويبدو ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وبأن معالجة‬ ‫الضيقة لإلسالم لن تزيده إال غرابة‬ ‫بأن النظرة‬ ‫أن النخب‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املجمدة لذلك هدفت هذه النخب من‬ ‫الجوهرية الشاملة كفيلة بتحديث عديد املفاهيم‬ ‫إلاسالم انطالقا من الصورة‬ ‫خالل انتقاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوهابيين والدعوة لألخذ باألسباب والحرص على تيسير الشريعة إلى "محاولة فتح باب الاجتهاد"‬ ‫غلو‬ ‫ًّ ّ‬ ‫وضرورة استنباط ألاحكام ّ‬ ‫مط ً‬ ‫إلاسالمية‪ .‬وقد ّ‬ ‫الد ّ‬ ‫َّ‬ ‫ينية املالئمة لألحوال لتحديث ّ‬ ‫ردا في‬ ‫تطور هذا النزوع تطورا‬ ‫الروح‬ ‫ِّ‬ ‫التونسية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الحقل السياس ّي‪ ،‬فزاوجت النخب‬ ‫املدنية‪ .‬باإلضافة إلى أثر‬ ‫الوضعية‬ ‫الشرعية وألاحكام‬ ‫املتنورة بين ألاحكام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التونسية بما يحدث في‬ ‫ألاوروبية في مسارات النهضة والتنوير في تونس فكثيرا ما تأثرت النخب‬ ‫التنويرية‬ ‫التجربة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫تحديثية شملت إصالح املجتمع وابتداع الفنون الحديثة مثل الطباعة‬ ‫دستورية وتجارب‬ ‫املشرق من إصالحات‬ ‫والصحافة واملسرح‪.‬‬

‫َّ‬ ‫املشرقية في التنوير في تونس‪:‬‬ ‫‪ -2‬أثر التجربة‬ ‫َّ‬ ‫إلاصالحية التح َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ديثية التي عرفتها بلدان‬ ‫التونسية عن رغبتها في النسج على منوال الحركات‬ ‫إلاصالحية‬ ‫عبرت النخب‬ ‫وخاصة مصر التي َّ‬ ‫َّ‬ ‫تعددت َّ‬ ‫َّ‬ ‫املشرق‬ ‫خاصة بعد ظهور الطباعة‪ .‬وقد‬ ‫وتنوعت قنوات الاتصال بها والاطالع على تجربتها‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫لتونسية‬ ‫إلاصالحية ا‬ ‫والقانونية من ألامور التي وعتها الحركة‬ ‫إلادارية‬ ‫كانت الرغبة في إلاصالح وألاخذ بالتنظيمات‬ ‫ّ‬ ‫والسلبي ً‬ ‫إلايجابي ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والنمو ودافعت عنها بصرف النظر عن موقف الدول‬ ‫حينا آخر‪.‬‬ ‫حينا‬ ‫ألاوروبية‬ ‫آلاخذة في التشكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية‬ ‫تأثرت تونس بازدهار الصحافة والطباعة في عهد إسماعيل باشا (‪ )1879-1863‬وقد ازداد هذا التأثر بالحياة‬ ‫في مصر مع قدوم حمزة فتح هللا إلى تونس والذي عمل على ترويج كل ما يصدر في مصر من فكر وأدب على نطاق‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫الثقافية باملشرق‬ ‫وخاصة أحدث إصدارات املطابع وعلى‬ ‫واسع‪ .‬وقد تميزت جريدة "الرائد التونس ي" بمتابعتها لألخبار‬ ‫ّ‬ ‫الدعائية على أعمدتها لالشتراك بمختلف الصحف الصادرة‬ ‫رأسها الصحف وهو ما يمكن مالحظته من الصفحات‬ ‫خاصة‪ .‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫باملشرق ّ‬ ‫ّ‬ ‫افتتاحية عددها ألاول‬ ‫رحبت بإصدار جريدة "واد النيل" سنة ‪ 1867‬ونقلت‬ ‫عامة وبمصر‬ ‫‪4‬‬


‫والتقريظ الذي كتبه عبد هللا فكري في شأنها‪ .2‬ويالحظ قوة الشبه بين "الرائد التونس ي" و"واد النيل" من حيث‬ ‫ّ‬ ‫الخصوصية لتحريض ّ‬ ‫القراء‬ ‫الاهتمامات واملوضوعات‪ .‬باإلضافة إلى ذلك كانت "الرائد التونس ي" تنشر بعض إلاعالنات‬ ‫على الاشتراك في بعض املشاريع الثقافية مثل شركة يوسف الشلفون في بيروت وهي نوع من التعاونية للطبع والنشر‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫وحثت ّ‬ ‫القراء على الاشتراك في كتاب تفسير‬ ‫كما أولت دعاية خاصة لجمعية املعارف بمصر لصاحبها إبراهيم املويلحي‬ ‫َّ‬ ‫املسمى "باب التأويل في معاني التنزيل" املشهور باسم "تفسير الخازن"‪ .‬كما قامت بنشر إشهار لقاموس بطرس‬ ‫القرآن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البستاني املعروف "بمحيط املحيط"‪ .‬ذكرت فيه أنه "التأليف الجميل العديم العديل‪ ،‬ألنه جزيل الفائدة ألبناء اللغة‬ ‫العربية‪ ،‬وعلى الخصوص لكونه جمع شوارد اللغة ّ‬ ‫تفرق منها في َّ‬ ‫وضم شمل ما َّ‬ ‫بقية قواميسها "‪.3‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي مع مصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والدينية‬ ‫اللغوية‬ ‫خاصة من خالل استيراد تونس لعدد من الكتب‬ ‫أسهمت الطباعة في دعم الاتصال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني‪ ،‬وهو ما نلمسه من خالل مراسالت وكالء تونس بمصر ورغبة خير الدين وأنصاره في‬ ‫املقررة في برامج التعليم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات‬ ‫والعسكرية التي أنجزت في عهد محمد علي لالستفادة منها في بعث‬ ‫القانونية‬ ‫املصنفات‬ ‫الاطالع على‬

‫التونسية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومدها‬ ‫الجديدة‪ ،‬كما نذكر دور صالح مجدي التونس ّي ألاصل وتلميذ الطهطاوي الوفي في متابعة التجربة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصادقية‪ .‬ونقلت صحيفة "الرائد‬ ‫الثقافي لوكيل تونس بمصر خالل تأسيس املدرسة‬ ‫بالدعم‪ ،‬إذ صار بمثابة املستشار‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفي الوحيد الذي ترجم بإشراف رفاعة الطهطاوي‪ ،‬وهو كذلك أول‬ ‫التونس ي" كتاب قدماء الفالسفة وهو الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخاصة تاريخ سقراط‬ ‫اليونانية‬ ‫العربية الحديثة‪ .‬ويتناول الكتاب تاريخ الفلسفة‬ ‫فلسفي يقع نشره في النهضة‬ ‫نص‬ ‫وأفالطون وأرسطو‪.‬‬ ‫والثقافية التأثير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البين‪ ،‬وكان للنهضة التي عرفتها في‬ ‫والعسكرية‬ ‫السياسية‬ ‫لقد كان ملا قامت به مصر في امليادين‬ ‫ّ‬ ‫النصف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فاملتأمل في مؤلفات رجاالت إلاصالح‬ ‫الثقافية بتونس‪،‬‬ ‫ألاول من القرن التاسع عشر‪ ،‬صدى بارزا في الحياة‬ ‫ِّ‬ ‫بتونس يلمس بيسر وفي مواطن عديدة من هذه الكتب مدى اهتمام هؤالء بما أنجز في مصر في عهد محمد علي باشا‬ ‫ّ‬ ‫التونسية بازدهار فنون الطباعة والنشر بمصر َّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة وبالد املشرق‬ ‫وخاصة في امليدان الثقافي‪ .‬وقد أشادت النخب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫تونسيون إلى هذا الجانب عند الحديث عن بعض املؤلفات والترجمات مؤكدين على‬ ‫فكثيرا ما يشير املصلحون ال‬ ‫عامة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة لدى املصلحين‬ ‫التمدن‪ .‬وقد كان ملحمد علي باشا مكانة‬ ‫أهم ّية املطبعة باعتبارها ضرورة من ضرورات‬ ‫فكريا في حربه ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين‪ ،‬فساندوه ًّ‬ ‫ّ‬ ‫الوهابيين‪ ،‬وعندما بلغ خبر انتصاره عليهم واسترجاع الحرمين منهم‪ ،‬أطلقت‬ ‫ضد‬ ‫املدافع بتونس سرو ًرا بذلك النصر‪.‬‬ ‫وقد كان إلنشاء أحمد فارس الشدياق ملطبعة ّ‬ ‫عربية في اسطنبول أسماها مطبعة "الجوائب" ونشر فيها تصانيف‬ ‫عربية جليلة مثل الجاسوس على القاموس‪ ،‬وديوان البحتري‪ ،‬وديوان الطغرائي‪ ،‬ورسائل الخوارزمي والهمذاني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين عالقة تفاعل وأخذ‬ ‫واملثقفين‬ ‫ومنتخبات الجوائب الصدى الكبير في تونس‪ .‬وكانت العالقة بين "الجوائب"‬ ‫تونسية ّ‬ ‫َّ‬ ‫متنوعة‪ ،‬فقد نشر كل من الجنرال حسين مقالة حول تحرير العبيد‬ ‫وعطاء‪ .‬نشرت هذه املطبعة كتابات‬ ‫‪2‬‬ ‫‪3‬‬

‫عبد اهلل محزة‪ ،‬أدب املقالة الصحفيّة يف مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،1950 ،‬ص‪.167 .‬‬

‫الرائد التونسي‪ ،‬عدد ‪.1871 ،10‬‬

‫‪5‬‬


‫إلاسالمية في السلطة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنهما كانا يشعران ّ‬ ‫بأهم ّية‬ ‫واملفتي أحمد بالخوجة فتوى حول إلاسالم ومشاركة الطوائف غير‬ ‫عربيا ّ‬ ‫مساهمتها كونها تتجاوز إلاطار التونس ّي‪ ،‬وتعد" الجوائب" أفضل منبر ًّ‬ ‫يتم من خالله تالقح ألافكار وآلاراء ويحصل‬ ‫الاطالع على عدد من املفاهيم وألافكار الجديدة‪ .‬ومن أهم ما جاء فيها إلاشهار الثقافي‪ ،‬وأحسن مثال نسوقه ما قامت‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫الاشهارية حول‬ ‫به من دعاية لكتاب "أقوم املسالك"‪ ،‬فقد قامت بمجهود كبير تمثل في نشر بالغات الرائد التونس ّي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كتاب خير الدين ّ‬ ‫العثمانية‬ ‫الخيرية‬ ‫وكررت ذلك في أعداد متتالية بداية من شهر ماي سنة ‪ .1868‬كما كان للتنظيمات‬ ‫التونسية‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جميعا مضمون هذه التنظيمات وناضلوا من أجل تطبيق روحها من‬ ‫تبنوا‬ ‫حسنا عند النخبة‬ ‫صدى‬ ‫ّ‬ ‫خالل القوانين التي ساهموا في صياغتها‪ .‬وتكتسب التنظيمات ّ‬ ‫التونسيين كظاهرة الزمت الفكر‬ ‫أهميتها لدى املصلحين‬ ‫التونسية ضمن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألامة‬ ‫الوطنية‬ ‫إلاصالحي التونس ّي في القرن التاسع عشر ‪ ،‬وهي رؤية لإلصالح تدعم تنمية مفهوم‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية ‪.‬‬

‫‪ -3‬التنوير على ّ‬ ‫محك املمارسة‬

‫ّ‬ ‫الدستورية‪:‬‬ ‫‪ -1-3‬إلاصالحات‬ ‫ّ‬ ‫من ّ‬ ‫الدستورية في تاريخ تونس الحديثة ما أصدره أحمد باي‪ ،‬في شأن ّ‬ ‫حرّية إلانسان وذلك بعتق‬ ‫أهم إلاصالحات‬ ‫التدرج في موضوع العتق خالل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ست سنوات إذ وقع املنع ابتداء من‬ ‫املماليك سنة ‪ .1846‬وقد صدر هذا ألامر بعد‬ ‫ّ‬ ‫الشرعي على لسان شيخ إلاسالم الحنفي محمد بيرم الرابع‪ ،‬وكبير أهل الشورى‬ ‫سنة ‪ .1841‬وكانت إجابة املجلس‬ ‫املالكي الشيخ إبراهيم الرياحي باإليجاب‪ .‬باإلضافة إلى ذلك ّ‬ ‫يعد إعالن عهد ألامان سنة ‪ 1857‬في عهد املشير الثاني‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والبلدية‪ ،‬وتنظيم‬ ‫التشريعية‬ ‫محمد باي‪ ،‬ومحاولة تطبيقه في عهد املشير الثالث محمد الصادق باي بتكوين املجالس‬ ‫باهرا ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫املحاكم‪ ،‬وإنشاء املجالس ّ‬ ‫ً‬ ‫انتصارا ً‬ ‫التنويرية بعد مض ي عشرين سنة على‬ ‫إلاصالحية والنزعة‬ ‫للدعوة‬ ‫املالية‪،‬‬ ‫ميالدها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ُوتعتبر إصالحات هذه الفترة ألاكثر ّ‬ ‫وتتميز باملشاركة‬ ‫تطو ًرا‪ ،‬في مجال ألاخذ بالقوانين‪ ،‬وتطبيق أول دستور بالبالد‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫العملية‪ ،‬واملك ّثفة‪ ،‬من طرف الفقهاء املتنورين‪ ،‬حيث دخلوا في ّ‬ ‫جل مجاالت تطبيقها‪ .‬وبرز دور الفقهاء خالل هذه‬ ‫ً‬ ‫وضوحا‪ ،‬من الفترة السابقة‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الفعلية ً‬ ‫ثانيا‪ .‬وكان عدد الفقهاء‬ ‫بالتأييد أوال‪ ،‬واملشاركة‬ ‫الفترة‪ ،‬بمرحلتيها أكثر‬

‫العرفية‪ ،‬وذلك ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املشاركين فيها ً‬ ‫طبقا للقانون‪ ،‬الذي اشترط أن‬ ‫خاصة في تركيبة مجالس الجنايات وألاحكام‬ ‫كبيرا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫يكون كل أعضاء املجلس‪ ،‬عدا الرئيس‪ ،‬علماء‪ .‬وعند الانتخاب ُي َّ‬ ‫قدم العالم على غيره‪ّ .‬‬ ‫وتم تطبيق ذلك فعال في أغلب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحاالت‪ .‬وهذا يعني ّ‬ ‫أهم ّية الاعتماد على العلماء في هذا إلاصالح بالذات‪ .‬فهم وحدهم الهيئة املتعلمة‪ ،‬والقادرة على‬ ‫َّ‬ ‫الشرعية‪ ،‬وألامر ال يختلف عنها ً‬ ‫كثيرا إال في مدى فهم فصول القانون‪ ،‬وطرق‬ ‫فهم ألاحكام‪ ،‬بحكم ممارستهم للقضايا‬ ‫تطبيقه‪.‬‬

‫‪6‬‬


‫‪ -2-3‬دور الطباعة والصحافة في نشر فكر ألانوار‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التونسية وروافد التنوير‪،‬‬ ‫الثقافية‬ ‫التونسية من أبرز معالم النهضة‬ ‫تعتبر حركة الطباعة والنشر‪ ،‬وميالد الصحافة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية‪ .‬تعود بدايات التفكير في إنشاء الطباعة بتونس إلى أواخر‬ ‫ألادبية وتجديد اللغة‬ ‫وكان لهما تأثير قوي في الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التركية باإلضافة إلى إلا َّ‬ ‫يطالية‪ .‬يشير‬ ‫العربية واللغة‬ ‫عهد املشير أحمد باشا (‪ )1855-1837‬الذي كان متعل ًما يتقن‬ ‫املنصف الشنوفي إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رسمية بتونس يعود تاريخها إلى سنة ‪ 1847‬في عهد أحمد باي (‪-1837‬‬ ‫حجرية‬ ‫أن أول مطبعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية سنة ‪ 1860‬في عهد املشير محمد صادق باي وبقيت هذه املطبعة هي‬ ‫الرسمية‬ ‫‪ .)1855‬بدأ العمل باملطبعة‬ ‫الفرنسية بتونس حيث ّ‬ ‫َّ‬ ‫تعددت املطابع بعدها وكثر‬ ‫املطبعة الوحيدة بتونس حتى سنة ‪ 1882‬مع انتصاب الحماية‬ ‫إنتاجها‪ .‬ولم تكن هذه املطبعة مقتصرة على طبع ما تحتاجه الحكومة بل فتحت أبوابها لنشر كتب التاريخ وألادب‬ ‫والفكر واللغة والحديث‪ .‬ومن أبرز ما صدر عن هذه املطبعة‪ :‬جريدة "الرائد التونس ي" سنة ‪ 1860‬وجريدة "الحاضرة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫النقدية التي َّ‬ ‫اهتمت بقضايا النهضة وإلاصالح في البالد‬ ‫املصنفات‬ ‫ألاسبوعية" سنة ‪ ،1887‬فضال عن عدد من‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية بغرض الوصول ألحسن ما عند الطرفين وهما‪ :‬كتاب "الواسطة‬ ‫إلاسالمية واملقارنة بين أحوال أوربا والبالد‬ ‫ملعرفة أحوال مالطة وكشف املخبأ عن أخبار أوروبا" ألحمد فارس الشدياق سنة ‪ 1863‬ضيف تونس في تلك الفترة‪،‬‬ ‫وكتاب "أقوم املسالك في معرفة أحوال املمالك" للوزير خير الدين باشا التونس ي سنة ‪ .1867‬كما أصدرت املطبعة في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وكتابا عن "سكة الحديد"‪ ،‬وقد بلغ‬ ‫متعددة مثل "تعليم الضباط" سنة ‪1865‬‬ ‫تونس مؤلفات أخرى تعنى بمسائل‬ ‫عدد الكتب املطبوعة بتونس منذ ظهور املطبعة إلى دخول الاستعمار (‪ )1881-1860‬ما يقارب ‪ً 68‬‬ ‫كتابا‪.‬‬ ‫التونسيين أبرز تقنيات هذا ّ‬ ‫تطور ّ‬ ‫لقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفن‬ ‫فن الطباعة في تونس بفضل جهود املشارقة الذين أخذ عنهم عدد من‬ ‫مختصة في هذا ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صالحا‬ ‫التونسيين تجهيز الورق وصقله وصبغه حتى يصبح‬ ‫الفن وأتقن عدد من‬ ‫فاشتهرت عائالت‬ ‫خاصة ً‬ ‫عامة والشوام ّ‬ ‫ّ‬ ‫واللغويين املشارقة ّ‬ ‫دورا ً‬ ‫كبيرا في ازدهار فنون الطباعة وظهور‬ ‫للكتابة‪ .‬كما لعب عدد من ألادباء‬ ‫ّ‬ ‫الصحف ورواج املفاهيم وألافكار الجديدة‬ ‫وتطور أساليب التحرير والتعبير‪ .‬وقد قام منصور كرليتي بتعليم عدد من‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مديرا للمطبعة‪ .‬لقد َّأدى اطالع رجال‬ ‫فن الطباعة ومن أبرزهم محمد بن حميدة الذي اختاره‬ ‫الشبان‬ ‫أهم ّية الطباعة ودورها في ّ‬ ‫إلاصالح على إصدارات املطابع في الشرق والغرب إلى دعم تفكيرهم في ّ‬ ‫تقدم العالم إلاس ّ‬ ‫المي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربية‪ .‬ولذلك نجد رجال إلاصالح يدعون إلى دعم املطابع وتكثيف حركة النشر ويحثون على‬ ‫املدنية‬ ‫إلدراك ركب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التجديدية في تونس من خالل مؤلفات أشهر رجاالت إلاصالح في‬ ‫ذلك في مواطن مختلفة من مؤلفاتهم‪ .‬برزت ألافكار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتاريخية‬ ‫ألادبية‬ ‫النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ .‬ساهمت الطباعة في ازدهار أعمال النشر والطبع للدراسات‬ ‫ّ‬ ‫وهي من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاساسية للوعي بالذات والنهضة لدى الشعوب‪ .‬وتمكن املشارقة بفضل ازدهار فنون الطباعة‬ ‫املقومات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدستورية في تونس وناقشوا أدق تفاصيلها واملبادئ التي ّ‬ ‫تضمنها ميثاق عهد‬ ‫والنشر من الاطالع على أخبار إلاصالحات‬ ‫املشرقية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتوجهاته الكبرى تنحو نحو فصل السلط واملساواة بين‬ ‫أن روحه‬ ‫ألامان ‪ ،1857‬الذي أدركت النخب‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين في الفرص والخطط على اختالف مذاهبهم‪.‬‬

‫‪7‬‬


‫كما نقلت صحيفة "الرائد التونس ي" في عهد منصور كرليتي توارد أخبار الجمعيات وآلاراء الجديدة في أوروبا مثل أخبار‬ ‫ّ‬ ‫النسائية الناشئة في بريطانيا وتخبر عن الشخصيات البارزة في امليدان الفكر ّي والسياس ّي مثل كارل ماركس‬ ‫الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاممية‬ ‫والسياسية الجديدة مثل‬ ‫الاجتماعية‬ ‫الذي أوردت اسمه مقترنا بأحداث كمونة باريس ‪ .18714‬وكانت الحركات‬ ‫محل اهتمامها وهو ما يعكس انفتاح آلافاق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتعدد مشارب‬ ‫الروسية‬ ‫الفوضوية‬ ‫الية الانترناشيونال والحركات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الكونية التي مثلت جريدة‬ ‫إلانسانية ذات السمة‬ ‫النهضة باالطالع على منجزات آلاخر وعلى رواج عدد من املقوالت‬ ‫منبرا ًّ‬ ‫الرائد ً‬ ‫فكريا ًّ‬ ‫حرا يزخر بالنقاشات حولها وحول ما تطارحته مقاالتها من آراء وأفكار جديدة‪ .‬هكذا كان بإمكان‬ ‫التونسية أن تواكب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخارجي بواسطة جريدة الرائد التي حاول املشرفون عليها أن يجعلوا منها‬ ‫تطورات العالم‬ ‫النخبة‬ ‫أداة تثقيف تخرج ببعض ّ‬ ‫التونسيين املواظبين على قراءتها من الانعز ّ‬ ‫ّ‬ ‫الية الفكرّية ومن اعتبار النصوص‬ ‫املثقفين‬

‫اثية مر ً‬ ‫التر ّ‬ ‫جعا لفهم كل ش يء‪.‬‬ ‫العربية‪ ،‬وهي ّ‬ ‫ونشرت جريدة الرائد ّأول ّ‬ ‫ّ‬ ‫قصة سليم البستاني «الهيام في جنان الشام» الصادرة في‬ ‫قصة كتبت باللغة‬ ‫ّ‬ ‫مجلة الجنان عام ‪ 1870‬وقبلها نشرت تلخيص بعض آلاثار ّ‬ ‫ألادبية املشهورة مثل مغامرات دون كيشوت‪ ،‬وهي من‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسباني‪ ،‬ونشرت ً‬ ‫ملخ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلايطالي‪ .‬ونقلت‬ ‫صا لـ«حكاية "يوكاتشيو" من ألادب‬ ‫أيضا‬ ‫أحسن الكتب التي ألفت في ألادب‬ ‫ّ‬ ‫السورية تحت عنوان "تربية ألاوالد" ينتقد فيها‬ ‫محاضرة ألقاها املستشرق "هنري دي فورست" على أعضاء الجمعية‬ ‫ُّ‬ ‫التقليدية في تربية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشرقية‬ ‫ألاساليب‬ ‫الصغار‪ .‬شاعت بفضل الرائد ألافكار التنويرية التي تحث العرب على تعليم‬ ‫ِّ‬ ‫البنات فنشرت محاضرة بطرس البستاني املشهورة «تعليم البنات» التي كان قد ألقاها في ‪ 15‬ديسمبر ‪ ،1849‬وهي ّأول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دعوة لتعليم البنت في الشرق‬ ‫املتوحشة بوضعها لدى الشعوب‬ ‫العربي‪ ،‬ويقارن البستاني وضع املرأة لدى الشعوب‬ ‫التمدن املرغوب الوصول إليها تقتض ي النهوض باملرأة‪ّ .‬‬ ‫أن العرب وسط بينهما‪ّ ،‬‬ ‫املتمدنة فيج ُد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويتبنى محمد‬ ‫وأن حالة‬ ‫الباريسية" ‪ 1889‬فيرى ّ‬ ‫ّ‬ ‫السنوس ي ّ‬ ‫أن الشريعة جاءت بتكليف النساء كالرجال في‬ ‫قضية تعليم املرأة في "الاستطالعات‬ ‫الشرعية وال يقوم واجبها بغير العلم‪ .‬ومع حركة الشباب التونس ّي بدأ طرح قضية تعليم املرأة ً‬ ‫ّ‬ ‫طرحا‬ ‫سائر التكاليف‬

‫عمليا في صورة ّ‬ ‫التونسية في التعليم‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫خصص الصادق الزمرلي محاضرته التي ألقاها بمؤتمر شمال‬ ‫حق البنت‬ ‫خاصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بهن‪ ،‬تكون‬ ‫العربية لغة التدريس بها على‬ ‫إفريقيا ‪ 1907‬لتعليم البنات املسلمات‪ ،‬وطالب فيها بتأسيس مدارس‬ ‫ّ‬ ‫أن تستوحى برامجها‪ ،‬ولو ًّ‬ ‫العثمانية املوجودة بسورية‪ ،‬كما اقترح انتداب‬ ‫جزئيا‪ ،‬من البرامج املعمول بها في املدارس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسيات‪.‬‬ ‫متخصصة من النساء‬ ‫سوريات لتكوين إطارات‬ ‫معلمات‬

‫‪4‬‬

‫الرائد التونسي عدد ‪.1879 ،18‬‬

‫‪8‬‬


‫ّ‬ ‫مؤسسات ومعالم التنوير في تونس‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪ -1-4‬الزيتونة‪ّ :‬أول محاضن التنوير‪:‬‬ ‫يعود تأسيس جامع الزيتونة إلى سنة ‪79‬هـ‪ 699/‬م وهو ثاني أهم الجوامع التي رفعت بافريقية بعد جامع عقبة بن‬ ‫نافع بالقيروان‪ ،‬لم ّ‬ ‫نعلم ً‬ ‫التاريخية بتاريخ بداية التعليم في جامع الزيتونة وال ُ‬ ‫ّ‬ ‫أيضا متى أصبح هذا‬ ‫تمدنا املصادر‬ ‫ّ‬ ‫وأول نص ُيشير إلى التدريس بجامع الزيتونة يعود إلى عام ‪603‬هـ ّإال ّ‬ ‫منظ ًما‪ّ ،‬‬ ‫أن بعض الباحثين التونس ّيين‬ ‫التعليم‬

‫ّ‬ ‫يرجحون أن تكون الزيتونة قد ّأدت ً‬ ‫ًّ‬ ‫تعليميا منذ تأسيسها كما كان شأن املساجد الجامعة في املشرق واملغرب‪.‬‬ ‫دورا‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫نظاميا ّ‬ ‫ًّ‬ ‫حتى غدا في القرن التاسع الهجري بمثابة املؤ ّسسة‬ ‫بمرور الزمن أخذ التدريس في جامع الزيتونة ّيتخذ شكال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرحال من‬ ‫الجامعية التي لها قوانينها وتقاليدها ومنهجها الدراسية املنظمة وإجازاتها العليا حيث أصبح تشد إليها ِّ‬ ‫العربي‪ ،‬ول ّ‬ ‫اشك أن ما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تشمل مختلف‬ ‫متطورة‬ ‫تميزت به الزيتونة من طرق تدريس‪ ،‬ومناهج‬ ‫مختلف أنحاء املغرب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي للكلمة‪ .‬لقد شعر خير الدين نفسه أنه إلى جانب‬ ‫والعقلية جعل منها بالفعل جامعة باملعنى‬ ‫النقلية‬ ‫العلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العقليات وإعطاء صورة واضحة لألشياء ويندرج‬ ‫الديني لتغيير‬ ‫والاجتماعي ال ُب ّد من إلاصالح‬ ‫إلاصالح السياس ّي‬

‫َ‬ ‫ساند ُ‬ ‫ّ‬ ‫خير‬ ‫الزيتوني سنة ‪1292‬هـ‪1875/‬م في إطار محاربة الطرق العتيقة في التدريس‪ ،‬وقد‬ ‫مشروعه إلصالح التعليم‬ ‫ّ‬ ‫املجددين مثل الشيخ سالم بوحاجب والشيخ محمد بيرم الخامس وضبط قواعد دقيقة لألساتذة والتالمذة‪.‬‬ ‫الدين‬

‫آنية‪ ،‬واملدارس التي كانت ّ‬ ‫اهتم الوزير خير الدين بالتعليم الابتدائي فأعاد تنظيم املدارس القر ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعد التالمذة‬ ‫وقد‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني‪ ،‬ونظام الدراسة فيه‪ ،‬وبذلك دخلت فكرة‬ ‫لاللتحاق بالتعليم الزيتوني‪ .‬وقد أصدر أوامر إلصالح التعليم‬ ‫ّ‬ ‫استمرت ثمانين سنة بعد خير الدين‪ ،‬وقد كان لها أنصار‬ ‫إلاصالح والتجديد الهيكل الزيتوني نفسه‪ ،‬تلك الفكرة التي‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ومعارضون في جميع املراحل التي ّ‬ ‫للتقدم‪،‬‬ ‫حافزا‬ ‫مرت بها‪ ،‬وكانت في بعض ألاحايين‬ ‫والتطور الفكري رغم العراقيل‬ ‫وألاشواك التي وضعها في طريق أنصارها املحافظون منذ عهد خير الدين إلى الاستقالل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ويجمع الباحثون على ّ‬ ‫وإنما ّ‬ ‫أن دور جامعة الزيتونة التعليمي والحضاري لم يقتصر على ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تعداها‬ ‫التونسية فقط‬ ‫الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ ،‬وكان لها دور‬ ‫إلاسالمي حيث تجاوز إشعاعها حدود تونس إلى عموم بلدان املغرب‬ ‫إلى أنحاء مختلفة من العالم‬ ‫كبير في إحياء روح الاجتهاد على يد صفوة من كبار علمائها وعلى رأسهم الشيخ محمد الطاهر بن عاشور وابنه محمد‬ ‫الفاضل بن عاشور‪ ،‬كما ّ‬ ‫ً‬ ‫مقصدا لطالب العلم الجز ّ‬ ‫ائريين‪ ،‬وقد ّ‬ ‫تخرج فيها املصلح الشيخ عبد‬ ‫أن الجامعة كانت‬ ‫الحميد بن باديس‪ ،‬ونبغ من خريجيها الشيخ محمد الخضر حسين الذي نزح إلى مصر ودرس في ألازهر ً‬ ‫خمسا وعشرين‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫بتولي مشيخة ألازهر ّ‬ ‫ملدة سنتين (‪.)1954-1952‬‬ ‫سنة ت ّو َج َها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التقليدي‬ ‫الزيتوني‬ ‫لكن الجدير باالهتمام في مقاربتنا ملؤسسات ومعالم التنوير في تونس أنه من بين صفوف الوسط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاصالحية في أيام املشير‬ ‫املتنورين‪ ،‬وهي ظاهرة ترافقنا منذ عهد الحركة‬ ‫املجددين واملصلحين‬ ‫نفسه ارتفعت أصوات‬ ‫أحمد باي إلى الفترة املعاصرة فلمعت أسماء شهيرة مثل؛ محمود قابادو‪ ،‬وبيرم الخامس‪ ،‬وسالم بوحاجب‪ ،‬ومحمد‬ ‫الحداد‪ ،‬وأبو القاسم الشابي‪ّ .‬‬ ‫السنوس ي‪ ،‬وعبد العزيز الثعالبي‪ ،‬والطاهر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية الجديدة كانت تسير في‬ ‫إن النهضة‬ ‫ّ‬ ‫التقليدي‪ ،‬وإن ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رسميا‪ ،‬ثم وجدت لها مركز‬ ‫تزعمها في كثير من مراحلها رجال ينتسبون إليه‬ ‫الزيتوني‬ ‫مواز للوسط‬ ‫خط ٍ‬ ‫‪9‬‬


‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‬ ‫تم الاتصال بين مراكز الثقافة‬ ‫فالخلدونية‪ ،‬وهكذا‬ ‫الصادقية‪،‬‬ ‫نشاط في مدرسة باردو الحربية‪ ،‬ثم املدرسة‬ ‫الزيتونية‪ .‬وقد اكتشف ألاستاذ بول البي ‪ّ Lapie‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أن برامج التعليم‬ ‫املجددين والثائرين في صفوف النخبة‬ ‫الحديثة وبين‬ ‫الزيتوني تحتوي على تدريس منطق أرسطو‪ ،‬وذكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاوروبيين‪،‬‬ ‫الحقيقي من السكوالستيك‬ ‫أن العرب أقرب إلى أرسطو‬ ‫ّ‬ ‫مستقلة عن العقيدة‪ّ ،‬‬ ‫و"أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدين الذي يقبل أرسطو ُيمكنه أن‬ ‫الزيتونيين إلى دراسة العلوم الحديثة إذ هي‬ ‫ودعا‬

‫يقبل ديكارت‪.5‬‬ ‫ّ‬ ‫الصادقية‪:‬‬ ‫‪ -2-4‬املدرسة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫الصادقية سنة ‪ 1875‬لتكوين نخبة مستنيرة تحذق العلوم الصحيحة فضال‬ ‫حرص خير الدين على تأسيس املدرسة‬ ‫النقلية‪ّ ،‬‬ ‫ودعمها بمكتبة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحربية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الصادقية ملواصلة‬ ‫ثم‬ ‫هامة كما وقع إيفاد بعض خريجي املدرسة‬ ‫عن العلوم‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫تجمع بين العلوم النقل ّية‬ ‫الصادقية من أولى ثمرات إصالحات خير الدين فقد كانت‬ ‫الدراسة في أوربا‪ .‬كانت املدرسة‬ ‫ِّ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العقلية وكانت ت ّ‬ ‫ألاجنبية وقد بين الشيخ بيرم أنها أنشئت لتعليم مبادئ الفنون‬ ‫وبين املعارف‬ ‫درس فيها بعض اللغات‬ ‫ّ‬ ‫واملالكي والنحو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصرف وألادب والتاريخ والخط واملعاني‬ ‫الحنفي‬ ‫الشرعية كالقراءة والكتابة والقرآن والعقائد والفقه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والطليانية وتعليم الفنون‬ ‫الرياضية كالحساب‬ ‫التركية‬ ‫والفرنساوية‬ ‫وتهذيب ألاخالق والحديث وتعليم اللغات‬ ‫والهندسة والهيئة والجبر والجغرافيا والفلك‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاوروبية إلى التوفيق بين العلوم والتقاليد‬ ‫الثانوية‬ ‫الصادقية على غرار املعاهد‬ ‫هدف خير الدين باشا من إنشاء‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلادارية الكفؤة التي سيعهد‬ ‫معهدا لتخريج الكوادر‬ ‫ألاجنبية‪ ،‬وأرادها‬ ‫العصرية‪ ،‬وتعليم اللغات‬ ‫إلاسالمية وبين العلوم‬ ‫ً‬ ‫طويال بإرساء قواعدها‪ .‬ولم َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العصرية مثل‬ ‫يبق تدريس العلوم‬ ‫العصرية‪ ،‬التي حلم‬ ‫إليها بمهام في نطاق الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واللغات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫الصادقية‪.‬‬ ‫ألاوروبية بعد تأسيس‬ ‫مقتصرا على املدارس‬ ‫الحية‬ ‫والطبيعيات‪ ،‬والتاريخ والجغرافيا‬ ‫الحساب‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية الت ّ‬ ‫مباشرا ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ونسية‬ ‫وقويا بين جيل النهضة‬ ‫ألاوروبية في وجه النخبة‪ ،‬وأصبح الاتصال‬ ‫وهكذا فتح باب املعاهد‬ ‫ألاوروبية‪ .‬وقد فتح أبوابها لجميع املسلمين‪ ،‬وبذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫تم الامتزاج آنذاك بين فئتين اجتماعيتين‪ :‬فئة مماليك‬ ‫والحضارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية في هذه الفترة‪ ،‬فقد‬ ‫الفكرية‬ ‫بورجوازية املدن الكبرى‪ .‬لذلك نالحظ أهميتها في تاريخ النهضة‬ ‫القصر‪ ،‬وأبناء‬ ‫تم اللقاح وربط ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني مثل الشيخ محمود قابادو‪ ،‬وأحمد بن أبي‬ ‫الصلة بين أنصار حركة إلاصالح في الوسط‬ ‫ِّ‬ ‫الضياف والشيخ سالم بوحاجب‪ ،‬وبيرم الخامس‪ ،‬ومحمد السنوس ي‪ ،‬وبين طليعة النخبة الجديدة‪ ،‬ورائدة الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫إلاصالحية بعد خير الدين‪ .‬فمن بين صفوف الفوج ألاول من ّ‬ ‫التونسية في‬ ‫الوطنية‬ ‫سيبرز قادة الحركة‬ ‫خريجيها‬ ‫مرحلتها ألاولى‪.‬‬

‫‪5‬‬

‫راجع مقال األستاذ بول اليب‪124.la revue tunisienne, n° 6, 1895, p" ،‬‬

‫‪10‬‬


‫ّ‬ ‫العسكرية‪:‬‬ ‫‪ -3-4‬مدرسة باردو‬ ‫ّ‬ ‫إن اهتمام أحمد باي ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتخرج منها ّ‬ ‫يفكر منذ واليته في تأسيس مدرسة عصرية ّ‬ ‫ضباط جيشه‬ ‫العسكرية جعله‬ ‫بالناحية‬ ‫أوروبيين‪ .‬وقد ّ‬ ‫حقق ُحلمه هذا في ‪ 5‬مارس ‪ 1840‬ملّا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسس مدرسة باردو العسكرية وعهد‬ ‫النظامي على يد أساتذة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإيطاليين‪،‬‬ ‫فرنسيين‪،‬‬ ‫بإدارتها إلى املستشرق إلايطالي كاليقاريس (‪ ،)1871-1808( )Calligaris‬وجلب إليها أساتذة‬ ‫تخرج عليه الرعيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين ألاديب الشيخ محمود قابادو‪ .‬وقد ّ‬ ‫ألاول من النخبة التي‬ ‫وبريطانيين‪ .‬ومن أبرز أساتذتها‬

‫ّ‬ ‫تزعمت إلاصالح في مرحلتها الثانية بقيادة الوزير خير الدين‪ .‬ومن أبرز تالمذته‪ :‬خير الدين نفسه‪ ،‬والجنرال حسين‪،‬‬ ‫ويدل برنامج مدرسة باردو على ّأنها لم تكن مدرسة عسكرية بحتة بل كانت مدرسة عسكرية ّ‬ ‫ّ‬ ‫تربوية‪.‬‬ ‫والوزير رستم‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهي ّأول ّ‬ ‫ّ‬ ‫العصرية وقد كانت مهد ّأول حركة ترجمة عرفها تاريخ‬ ‫تعليمية احتوى برنامجها على مواد العلوم‬ ‫مؤسسة‬ ‫أن مدرسة باردو لم ّ‬ ‫تونس الحديث‪ .‬ومن املعروف ّ‬ ‫أسست من أجلها ‪ّ ،‬‬ ‫العسكرية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولكنها تركت ً‬ ‫أثرا‬ ‫تحقق ألاهداف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫والفكرية بتونس بتأسيس املدرسة‬ ‫الثقافية‬ ‫التونسية في تلك الفترة‪ .‬لقد انتعشت الحياة‬ ‫الفكرية‬ ‫هاما في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫الحربية التي تعتبر ألاولى في شمال إفريقيا‪.‬‬

‫‪11‬‬


‫‪ -5‬أعالم التنوير في تونس‪:‬‬ ‫‪ -1-5‬خير الدين باشا‪ :‬الوزير ّ‬ ‫املتنور‪:‬‬ ‫ُت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‪ ،‬فقد سبقت حركة جمال الدين‬ ‫إلاصالحية في العالم‬ ‫عد حركة الوزير خير الدين من أقدم الحركات‬ ‫التونسية‪ .‬لذلك ّ‬ ‫َّ‬ ‫يعد خير الدين باشا‬ ‫ألافغاني‪ ،‬والشيخ محمد عبده‪ ،‬ولكن مفعولها وصداها اقتصر على البالد‬ ‫ًّ‬ ‫تاريخيا‬ ‫املعروف في املشرق بخير الدين التونس ي (‪ ) 1889-1825‬أحد أعالم النهضة والتنوير في تونس‪ ،‬بل هو أبرزهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومن حيث املساهمة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وعمليا‪ ،‬في بناء نهضة تونس الحديثة حيث إنه لم يكتف ببث روح اليقظة والنهوض في‬ ‫نظريا‬ ‫ّ‬ ‫ألامة وشحذ عزائم إلاصالح عن طريق نشر الفكر فحسب‪ ،‬بل ّإنه ّ‬ ‫طبقه على أرض الواقع فأنشأ سنة ‪ -1875‬باعتباره‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ونظم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تنظيما حديثا‪،‬‬ ‫مؤسسات الدولة‬ ‫الصادقية لتعليم الفنون والعلوم الحديثة‪،‬‬ ‫رجل سياسة ونفوذ‪ -‬املدرسة‬ ‫ّ‬ ‫الشرعية ليشمل كل ما ال يخالف‬ ‫ضمن خطة شاملة لإلصالح تدعو فيما تدعو إليه‪ ،‬إلى توسيع مجال السياسية‬ ‫َّ‬ ‫والسنة‪ ،‬وعدم حصرها على ما ورد في شأنه ٌّ‬ ‫نص قرآني أو حديث‪.‬‬ ‫الكتاب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاقتصادية والتقاليد‬ ‫والحرّية‬ ‫الدستوري‬ ‫ّأما عصارة أفكاره التي وفقت بين الفكر الليبرالي القائم على الحكم‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية فقد ّ‬ ‫تضمنها كتابه “أقوم املسالك في معرفة أحوال املمالك” الصادر ‪ ،1868‬دعا فيه معاصريه إلى الاستعارة‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫من الغرب من أجل الارتقاء باألمة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤدي إال إلى التخلف املزمن‪ .‬وأن ال غضاضة في‬ ‫الشمولي ال‬ ‫وأن الحكم املطلق‬

‫والاقتصادية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألنها ال تتعارض في جوهرها مع النظم‬ ‫والاجتماعية‬ ‫السياسية‬ ‫ألاوروبية في املجاالت‬ ‫اعتماد النظم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‪ ،‬بل ّإنها تتوافق معها بشكل يكاد يكون كل ّيا‪ّ ،‬‬ ‫إلاسالمية‪ .‬وهو ما جعله‬ ‫وكل نظام له ما يقابله في الدولة‬ ‫تؤسس الدولة على دعامتي الحرية والعدل ّ‬ ‫وتعدد ّ‬ ‫ينادي بأن ّ‬ ‫مؤسسات الحكم ومشاركة “الرعايا”‪/‬املواطنين في إدارة‬ ‫ّ‬ ‫إلانسانية‪ًّ ،‬‬ ‫توفر وعي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألامة واستنارتها لتطالب بحقوقها ولتضمن مراقبة‬ ‫ملحا على‬ ‫شؤون الدولة واحترام حقوقهم‬ ‫دواليب الحكم ّ‬ ‫لتجنب الاستبداد والانفراد بالحكم الذي ّ‬ ‫يؤدي بالضرورة إلى التفريط في الحقوق ‪ .‬يضاف إلى ذلك‬ ‫حرّية للرأي والكتابة والنشر‪ ،‬وركن أساس ّي في إرساء الديمقر ّ‬ ‫بحرّية الطباعة بما هي ّ‬ ‫مناداته ّ‬ ‫اطية‪.‬‬ ‫‪ -2-5‬محمد بيرم الخامس‪ :‬الشيخ ّ‬ ‫املتنور‬ ‫ّ‬ ‫محمد بن مصطفى بن ّ‬ ‫ُولد الشيخ ّ‬ ‫داخلية‬ ‫محمد بن بيرم سنة ‪1255‬هـ‪1840/‬م في عائلة وجيهة وقد ساعدته ظروف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعلمية؛ فقد سعت أسرته التي اشتهرت بالعلم والجاه إلى تعليمه على أيدي‬ ‫الفكرية‬ ‫وخارجية على نحت شخصيته‬ ‫ّ‬ ‫وألاملاني وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫أبرز مشائخ الزيتونة آنذاك‪ .‬وكان يتكلم باللسان الطلياني والفرنساوي‬ ‫عربي‪ .‬التقى بيرم الخامس في الشام‬ ‫الصحفيون القادرون‪ ،‬وفيهم الذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسسوا‬ ‫بأهل الفكر والصحافة مثل سليم البستاني واليازجي وغيرهما وهؤالء منهم‬ ‫ّ‬ ‫يستقر هنالك ّ‬ ‫واملجالت‪ ،‬وفي القسطنطينية نزل ً‬ ‫ّ‬ ‫حتى‬ ‫ضيفا على خير الدين باشا الذي أكرم وفادته وما كاد‬ ‫الصحف‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استقر الشيخ بالقاهرة‬ ‫فسمى ذلك بالطامة الكبرى‪ .‬بعد ذلك‬ ‫نزل عليه خبر احتالل فرنسا لتونس نزول الصاعقة‬ ‫ً‬ ‫صحافية نشيطة‪ ،‬فقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مستفيدا من‬ ‫أسس مطبعة مخصوصة به‪ ،‬وأصدر ‪-‬‬ ‫ثقافية مالئمة وحركة‬ ‫ووجد فيها بيئة‬ ‫كل ثالثة ّأيام‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مرة ّ‬ ‫ثم صارت ّ‬ ‫بالرائد التونس ي‪ -‬جريدة «إلاعالم» بدفع قوي‪ ،‬إذ كانت تصدر ّ‬ ‫الصحفية ّ‬ ‫مرة في‬ ‫تجربته‬ ‫‪12‬‬


‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ألاسبوع‪ّ ،‬‬ ‫شهرية‪ .‬وقد نالت هذه الصحيفة إعجاب خير الدين فقال ّإنها ال تلبث أن تكون "تيمس (‪)times‬‬ ‫ثم أصبحت‬ ‫العرب"‪* . 6‬‬

‫ّ‬ ‫السياسية إلى غياب ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية التي كانت‬ ‫العربية‬ ‫املؤسسات عن املجتمعات‬ ‫تفطن محمد بيرم الخامس بحكم خبرته‬ ‫ّ‬ ‫الهامشية على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫الحيوية إلى يد منظمة‬ ‫وتفتقر مختلف املجاالت‬ ‫شتى النشاطات‬ ‫ضحية عصور الانحطاط إذ تطغى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وبطيئا‪ ،‬بل ّ‬ ‫ً‬ ‫النمو ال تكاد ُتذكر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مفكر‪ ،‬فكان املردود ًّ‬ ‫لخلو املجتمع من‬ ‫إن نسبة‬ ‫والتطور ضئيال‬ ‫ومحدودا‪،‬‬ ‫سلبيا‬ ‫وعقل‬ ‫ّ‬ ‫خاويا لم ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫كالسيكيا ً‬ ‫ًّ‬ ‫تطوره السلطة‬ ‫طو ُر َد َو ِّال َيب ُه باطراد‪ .‬لقد كان نمط الحياة في هذه املجتمعات‬ ‫تلك املؤسسات التي ت ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحيوية‪ ،‬ومن هذا املنطلق َّبين الشيخ‬ ‫الحربي على حساب غيره من الجوانب‬ ‫العثمانية التي صرفت عنايتها إلى الجانب‬ ‫ْ‬ ‫التصرف فيها ّ‬ ‫ّ‬ ‫بيرم ضرورة زرع ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حتى تدوم وتؤ ِّتي‬ ‫والسياسية مع إحكام‬ ‫قتصادية‬ ‫والثقافية والا‬ ‫الاجتماعية‬ ‫املؤسسات‬ ‫ُ‬ ‫أكلها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ساتي الذي قام به خير الدين باشا خير تجسيم ملا كان ّ‬ ‫لقد وجد الشيخ بيرم في إلاصالح ّ‬ ‫املؤس ّ‬ ‫يتمناه‪ ،‬وقد تفطن خير‬ ‫ّ‬ ‫فمكن الشيخ بيرم من تركيز بعض ما كان يطمح إليه‪ّ ،‬‬ ‫فأس َ‬ ‫س أول مستشفى في تونس على غرار‬ ‫الدين نفسه إلى ذلك؛‬ ‫وانكب على إصالح إدارة ألاوقاف وتكوين ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمالها وتنظيم مصاريفها في املجال‬ ‫املستشفيات التي رآها في إيطاليا وفرنسا‪،‬‬ ‫ْ ّ ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫نظ َ‬ ‫ّ َ​َ‬ ‫للمؤسسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتمثلة في الصاد ّ‬ ‫الت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫قية‪ ،‬وكان‬ ‫عليمية‬ ‫مين‬ ‫والاجتماعي‬ ‫الديني‬ ‫وإلانساني فن َما دخلها‪ ،‬كما كان ِّمن أول امل ِّ‬ ‫الاستشارية لترسيخ املسار السياس ّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدعم بالقوانين في البالد‪.‬‬ ‫من بين املشتركين في املجالس‬ ‫كما ّأنه ّ‬ ‫تجرأ على إلافتاء في مسائل أحجم عن الخوض فيها عديد فقهاء عصره‪ ،‬وهو الذي بارك موجة التنظيمات‬ ‫املدنية التي َّ‬ ‫ّ‬ ‫املصرية َّ‬ ‫ّ‬ ‫الوضعي‪ ،‬ولئن كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫وطعمها بالقانون‬ ‫جل شيوخ‬ ‫سنها مدحت باشا‪ ،‬كما حاول تطوير القوانين‬ ‫وأنها رجس من عمل الشيطان‪ ،‬فقد كان الشيخ بيرم ُي ّ‬ ‫عصره يعتبرون املوسيقى من وسوسة إبليس ّ‬ ‫حقق في هذه‬ ‫خصوصا ّ‬ ‫أن املوسيقى قد ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫تعددت فيها آلاراء وغاب عنها القول الفصل‪ُ .‬ويورد بيرم‪ ،‬في‬ ‫ويميل إلى تجويز ذلك‬ ‫املسألة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خصوصا‬ ‫الترفيهية‬ ‫ميل إلى تجويز الاستماع إلى هذه الوسيلة‬ ‫إطار حديثه عن آالت الطرب وسماعها‪ ،‬شواهد تدل على ٍ‬ ‫ُ‬ ‫إذا ق ِّص َد بها تنمية ذوق إلانسان وملكاته‪.‬‬

‫املؤرخ ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتنور‬ ‫‪ -3-5‬الشيخ أحمد بن أبي الضياف (‪ِّ :)1874-1802‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬في أوساط معاصريه في تونس‪.‬‬ ‫مؤرخ مشهور وصاحب كتاب "إلاتحاف"‪ ،‬اتفقت املصادر على التنويه بمنزلته‬ ‫كان ّ‬ ‫ينوه بمواقف رجال الشرع‪ ،‬التي تقاوم الظلم والفساد كإعجابه الشديد بشيخه الرياحي‪ ،‬في مواقفه الشجاعة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫زمن أحمد باي‪ّ .‬‬ ‫ومما ُع ِّرف عن الشيخ في كتاباته تشهيره باالستبداد والحكم املطلق‪ ،‬ومناداته بضرورة تقييد أيدي‬ ‫ّ‬ ‫دورا ّ‬ ‫الحكام‪ .‬وقد لعب ً‬ ‫متمي ًزا في تفسير عهد ألامان وتطبيقه على أرض الواقع‪ ،‬وهو خير من كتب عن هذا القانون‬ ‫ّ‬ ‫وبالرغم من أنه عمل في قصور البايات ّ‬ ‫وعن أوضاع البالد زمن تطبيقه‪ّ .‬‬ ‫ملدة طويلة وصاحب ثالثة منهم‪ ،‬فإنه لم‬

‫‪ *6‬شبّه خري الدين جملّة اإلعالم باجمللّة االنكليزية ‪Times‬‬

‫‪13‬‬


‫َ‬ ‫ّ‬ ‫الحادة لهم‪ .‬من مؤلفاته‪" ،‬إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد ألامان في ثمانية‬ ‫يتوان عن توجيه ِّس َهام النقد‬ ‫أجزاء"‪ ،‬و"رسالة في املرأة"‪ ،‬و"مجموعة رسائل إلى صديقه خير الدين"‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملخ ً‬ ‫ّ‬ ‫أسس ابن أبي الضياف موقفه النظري الرافض للملك املطلق باالستناد إلى فحوى‬ ‫صا‬ ‫الخلدونية‪ ،‬فأورد‬ ‫النظرية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫مطوال ألراء ابن خلدون في هذا الشأن‪ ،‬وانتهى إلى إنكار الحكم املطلق؛ ألنه نوع من الحكم يستأثر فيه بامللك ملك غير‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫مخالفا للشرع والعقل‪ ،‬ويستدل على مخالفته‬ ‫مطلقا‬ ‫معصوم‪ ،‬اعتبر صاحب إلاتحاف هذا النوع من الحكم ملكا‬

‫مقدمة كتابه ّ‬ ‫للعقل بما يفض ي إليه هذا الحكم القهر ّي من الفتن وانعدام ألامن وخراب العمران‪ .‬واعتبر في ّ‬ ‫أن‬ ‫التونسية هو املُ ْل ُك املُ َق َّي ُد بدستور ويمكن اعتبار هذا املبدأ ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤسس أو الجذر الذي‬ ‫الشكل السياس ي الصالح للبالد‬ ‫تنبثق مجمل آ ائه ّ‬ ‫ّ‬ ‫املستبد‪ -‬يعني أال‬ ‫املتصلة بنظام الحكم‪ ،‬فأن تتمركز السلطة في يد حاكم فرد ‪-‬وهو شأن امللك‬ ‫ر‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة‪ .‬وأظهر ابن أبي الضياف مزايا الحكم املقيد بقانون‪َّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبين‬ ‫تخضع تلك السلطة إال لدافع الشهوة واملصلحة‬ ‫ّ‬ ‫أدلة وجوبه ً‬ ‫شرعا‪ًّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلانسانية‪.‬‬ ‫والحرّية واملساواة والكرامة‬ ‫ملحا على املبادئ التي يقوم عليها كالعدل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫متعاطفا مع جماهيرها املتظلمة من نير الاستبداد‬ ‫موقفا‬ ‫كما أبدى أحمد ابن أبي الضياف من ثورة ‪ 1864‬في تونس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مسؤولية املوقف بتكثيف الابتزاز‬ ‫رف‬ ‫فيحمل‪ ،‬في تاريخه‪ ،‬الباي‬ ‫الاقتصادي؛‬ ‫السياس ّي وهول الاستغالل‬ ‫الضريبي في ظ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معتبرا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والاجتماعي هو بدوره نتيجة من‬ ‫الاقتصادي‬ ‫أن التخلف‬ ‫الاقتصادي‪،‬‬ ‫كان السكان يأملون فيه انفراج الوضع‬ ‫نتائج الاستبداد السياس ّي؛ فالقهر الذي يزاوله الوالة وجباة الضرائب على سكان ألارياف والبوادي‪ّ ،‬‬ ‫حجة على صواب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافي باالستبداد والظلم السياسيين‪ .‬ومن ّثمة كان إلاصالح السياس ّي‬ ‫والاقتصادي‬ ‫الاجتماعي‬ ‫رأيه في تعليل التأخر‬ ‫ّ ّ‬ ‫في مفهوم ابن أبي الضياف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاقتصادي والاستبداد السياس ّي‪.‬‬ ‫الاجتماعي ومحاربة الحيف‬ ‫أشد الاتصال بالعدل‬ ‫متصال‬ ‫ّ‬ ‫‪ -4-5‬محمد الطاهر بن عاشور ‪ :‬التنوير التربو ّي‬ ‫والاجتماعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية بحفظ القرآن ومجموعة من املتون‬ ‫أندلسية ألاصل‪ ،‬ولد باملرس ى سنة ‪ 1879‬وبدأ حياته‬ ‫ينتمي إلى أسرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعربية ‪ .‬نشأ هذا الشيخ في‬ ‫الابتدائية‪ ،‬ثم التحق بجامع الزيتونة‪ ،‬ودرس علوم الشريعة‬ ‫ومبادئ العلوم في املرحلة‬ ‫ّ‬ ‫تعلم على كبار العلماء بجامع الزيتونة خالل فترة اهتمام أحمد باي بالتعليم والعلماء بالجامع ألاعظم‪ّ ،‬‬ ‫ثم‬ ‫بيت علم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تصدر للتدريس بالجامع ّ‬ ‫لخطة القضاء بالحاضرة وهو صغير ّ‬ ‫السن‪ ،‬وباشر الخطة بالعدل وإلانصاف‪ .‬وقد ترك‬ ‫وعين‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫لنا الشيخ ابن عاشور ً‬ ‫املؤلفات ّ‬ ‫القيمة منها‪:‬‬ ‫عددا من‬ ‫ِّ‬ ‫ تفسير التحرير والتنوير ‪.‬‬‫ّ‬ ‫إلاسالمية‪.‬‬ ‫ مقاصد الشريعة‬‫ النظر الفسيح عند مضايق ألانظار في الجامع الصحيح‪.‬‬‫ّ‬ ‫ كشف املغطى من املعاني وألالفاظ الواقعة في املوطأ‪.‬‬‫‪14‬‬


‫ّ‬ ‫الاجتماعي في إلاسالم‪.‬‬ ‫ أصول النظام‬‫ أليس الصبح بقريب‪.‬‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وله عدد ّ‬ ‫الزيتونية"‪ ،‬ومجلة "مجمع اللغة‬ ‫الدوريات واملجالت والصحف‪ ،‬مثل؛ "املجلة‬ ‫مهم من املقاالت في بعض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية"‪ .‬يعتبر محمد الطاهر بن عاشور ق ً‬ ‫طبا‬ ‫العربية" بدمشق‪ ،‬ومجلة "املنار"‪ ،‬وجريدة "النهضة"‪ ،‬ومجلة "الهداية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التجديدي‪ ،‬وتقودنا دراسة أفكاره في نفس السياق إلى التركيز على عنصر التعليم وهذا ال يعني‬ ‫الديني‬ ‫من أعالم الفكر‬ ‫البتة عدم الوعي باإلصالح الشامل الذي كانت تتطلبه حياة املجتمع في كل مستوياتها والذي سنتطرق له ً‬ ‫تباعا في متن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التربوية البن عاشور من خالل آثاره في حرصه الشديد على اجتناب التقليد‬ ‫إلاصالحية‬ ‫التحليل‪ .‬وتتجلى الرؤية‬ ‫ّ‬ ‫اللذين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫خيما‬ ‫إسالمي واجه به التقليد والجمود‬ ‫عقلي‬ ‫والجرأة على الخوض فيما أحجم عنه شيوخ عصره وفق منهج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملنهجيات‪ ،‬وحث مجتمعه على مواكبة مسيرتي التجديد والتحديث‪ .‬تمكن محمد الطاهر‬ ‫والذهنيات‬ ‫على العقليات‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني في فترة توليه مشيخة جامع الزيتونة‪ .‬من ذلك‬ ‫بن عاشور من إدخال عديد إلاصالحات املهمة في نظام التعليم‬ ‫ّ‬ ‫مختصين‪.‬‬ ‫إدراجه ملواد جديدة للتدريس كالفيزياء والكيمياء‪ ،‬وانتدب لتدريسها أساتذة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصادقية ذات "التعليم العصر ّي" دور فاعل في التقريب بين‬ ‫التأصيلي"‬ ‫كانت لتجربته في جامع الزيتونة ذات "املنهج‬ ‫ّتيارين ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكريين؛ ّتيار ألاصالة في الزيتونة‪ّ ،‬‬ ‫الصادقية‪ .‬لقد استطاع أن يجمع بين الفكر الد ّ‬ ‫يني النظر ّي‬ ‫وتيار املعاصرة في‬ ‫ّ‬ ‫التطبيقي وذلك بمؤلفاته التي جاءت ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومتنوعة في ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املعرفية من جهة‬ ‫جل الاختصاصات‬ ‫ثرية‬ ‫إلاصالحي‬ ‫والفكر‬ ‫إصالحيا ً‬ ‫وأقر َّ‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫جريئا في جامع الزيتونة وفروعه من جهة أخرى‪َّ ،‬‬ ‫بأن التعليم التونس ّي في حاجة إلى‬ ‫مشروعا‬ ‫وبتطبيقه‬ ‫مراجعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتقويمية تهدف إلى إصالح أسسه ومضامينه وأساليبه قصد تكوين أجيال جديدة من الشباب‪ ،‬كما‬ ‫نقدية‬ ‫ّ‬ ‫حتما عبر إصالح التعليم؛ َّ‬ ‫يمر ً‬ ‫أن إلاصالح الشامل ألوضاع البالد ّ‬ ‫ألن هذا الخيار يضمن ديمومة الوعي والعمل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني في كتابه " أليس الصبح‬ ‫الصالح‪ ،‬وث ّبت الشيخ أفكاره املتعلقة بالشأن التربو ّي وبمبادئ إصالح التعليم‬ ‫ّ‬ ‫بقريب" حيث َّ‬ ‫ّ‬ ‫تربوية محكمة مراقبة من قبل‬ ‫حدد فيه مواطن ضعف التعليم الزيتوني‪ ،‬فأشار إلى انعدام خطة‬ ‫علماء عارفين بحاجات الزمان وغايات العلوم ً‬ ‫نظرا إلى الروح ال إلى الجثمان‪ ،‬بعيدين عن متابعة السفاسف‪ ،‬خبيرين‬ ‫بما أصاب مزاج التعليم من العلل‪.‬‬ ‫الاجتماعي من وجهة نظر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كما كان ملحمد الطاهر بن عاشور توجه فكر ّي‬ ‫دينية؛ حيث اعتبر في كتابه‬ ‫إصالحي في املجال‬ ‫الاجتماعي أحد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهم ساحات إلاصالح على أساس مبادئ وقيم إلاسالم‪.‬‬ ‫الاجتماعي في إلاسالم" أن امليدان‬ ‫"أصول النظام‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعي امتداد غير معلن للعمل الذي بدأه الشيخ عبد‬ ‫وإن كان هذا التفكير حول مقاصد الدين على الصعيد‬ ‫العزيز الثعالبي في تأكيده "الروح التحررية في القرآن"‪ ،‬وهو كذلك ينخرط في سيل املحاوالت الفكرية التي جاءت في‬ ‫ّ‬ ‫تأخر املسلمون ّ‬ ‫وتقدم غيرهم "لشكيب أرسالن‪ ،‬وكتاب "ماذا خسر العالم بانحطاط املسلمين" ألبي حسن‬ ‫كتاب" ملاذا‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعي في إلاسالم"‬ ‫الندوي ‪ .‬عمل محمد الطاهر بن عاشور من خالل كتابيه "مقاصد الشريعة" و"أصول النظام‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي إلصالح شأن الفرد واملجتمع وذلك من خالل عودته إلى ألاسباب املساهمة في‬ ‫على إبراز وتأكيد أهلية الدين‬ ‫رقي املسلمين في املرحلة ألاولى‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫إلاصالحية على إبراز ّ‬ ‫أهم ّية إصالح شأن الفرد ودور هذا‬ ‫أسس بن عاشور نظريته‬ ‫‪15‬‬


‫َ‬ ‫ً‬ ‫وفاعال إلصالح املجتمع‪ّ " :‬‬ ‫إن املجتمع البشر ّي أو ّ‬ ‫مدخال ًّ‬ ‫إلاصالح في أن يكون‬ ‫ألامة عبارة عن مجموعة من الناس‬ ‫حيويا‬ ‫ً‬ ‫متوقفا بادئ ألامر على إصالح ألافراد‪ ،‬فإذا صلحت‬ ‫هي كل ملتئم من أجزاء هي ألافراد‪ .‬فال جزم كان إصالح املجتمع‬ ‫حصل من مجموعتها الصالحة مجتمع يسوده إلاصالح‬

‫"‪7‬‬

‫ً‬ ‫تسامحا في حرية الاعتقاد لكن داخل سياج إلاسالم ّ‬ ‫الس ّني " فللمسلم‬ ‫ومن عالمات التنوير عند ابن عاشور أنه يبدي‬ ‫وصحة املناظرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫أن يكون ًّ‬ ‫تميز ما في هذه النحل من مقادير الصواب أو‬ ‫أشعريا (‪ )...‬وقواعد العلوم‬ ‫سلفيا‪ ،‬أو‬ ‫سنيا‬

‫الحق والباطل‪ ،‬وال ّ‬ ‫أحدا " ‪ .8‬وهو بهذا الرأي يحاول وضع ّ‬ ‫نكفر ً‬ ‫الخطأ أو ّ‬ ‫حد ملا عرفه املسلمون من فتن على امتداد‬ ‫املذهبية‪ ،‬والاختالفات بين الفرق كالصراع بين ّ‬ ‫ّ‬ ‫السنة والشيعة‪ ،‬أو الخالف بين املعتزلة‬ ‫تاريخهم بسبب الانتماءات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ويؤكد مفهوم التسامح باعتباره قيمة من القيم التي َّ‬ ‫إلاسالمية‪.‬‬ ‫تأسست عليها الرسالة‬ ‫والخوارج‪ِّ ،‬‬

‫ّ‬ ‫وإذا كانت فكرة انغالق باب الاجتهاد سائدة عند أغلب املتأخرين فإن ابن عاشور على خالفهم يذهب إلى وجوب‬ ‫الاجتهاد لحاجة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشرعية‪ ،‬واقترح على علماء " هذا العصر "‬ ‫إلاسالمية إلى علماء فقه الشريعة لإلمداد باملعالجة‬ ‫ألامة‬ ‫أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫علميا ُّ‬ ‫مجم ًعا ًّ‬ ‫يكونوا ّ‬ ‫الشرعية " في كل قطر على اختالف مذاهب املسلمين في ألاقطار‪،‬‬ ‫يضم " أكبر العلماء بالعلوم‬ ‫ّ‬ ‫ألامة‪ ،‬ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل ّ‬ ‫ويبسطوا بينهم حاجات ّ‬ ‫ويعلموا أقطار إلاسالم ّ‬ ‫بمقرراتهم‪9‬‬ ‫ألامة عليه‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫يؤكد ضرورة ّ‬ ‫النص والواقع و يعتبر بما يحصل في التاريخ من ّ‬ ‫ّ‬ ‫سد الفجوة بين‬ ‫تطورات‬ ‫‪ ،‬ولعله بمثل هذا الرأي ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحوالت تقض ي بضرورة استنباط أحكام ملا يحدث و تجذر منهج إلاصالح و التدارك‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫كما حاول محمد الطاهر بن عاشور في خصوص َّ‬ ‫إسالميا ّ‬ ‫تحر ًّريا‪ ،‬ضمن كتابه "أصول‬ ‫مفهوما‬ ‫قضية املرأة أن يعطي‬ ‫خصوصا َّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية تحت تأثير‬ ‫الثقافية‬ ‫قضية املرأة طرحت بإلحاح في الساحة‬ ‫وأن‬ ‫الاجتماعي في إلاسالم"‪،‬‬ ‫النظام‬ ‫التحر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغربي لإلسالم من ناحية أخرى‪ .‬ويبني بن‬ ‫ري في شأنها من ناحية‪ ،‬وتحت تأثير النقد‬ ‫الاجتماعي‬ ‫تنامي الوعي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النقدي‬ ‫التوجه‬ ‫السجالي؛ أي أنه ينطلق من عكس ما يطرحه‬ ‫لقضية املرأة وفق نفس املنهج‬ ‫الفكرية‬ ‫عاشور رؤيته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البشرية‪ ،‬وإن أخطاء املسلمين املعاصرين أو الذين عايشوا‬ ‫ليقر بأن إلاسالم هو أول من عمل إلى تحرير املرأة في تاريخ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية؛إذ أنها تشكل انحرافا بالنسبة‬ ‫الدينية‬ ‫فترة انحطاط إلاسالم ال يجب أن تسحب على جوهر الدعوة‬ ‫ّ‬ ‫للمشروع ألاول‪ ،‬كذلك يتساءل الشيخ "‪ ...‬كيف نعزل املرأة عن إلاصالح ً‬ ‫جانبا وهي أحد صنفي البشر‪ ،‬وهي متولية‬ ‫ّ‬ ‫تربية ألابناء الذين بهم بقاء إلانسان؟ فهي إذن غرس جذور ألاخالق فاضلها وسافلها‪ .‬فبقاء املرأة منحطة الفكر‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ألاهلية لتربية أوالدها تربية كاملة ولسياسة بيتها على‬ ‫وغارقة في الجهل إبقاء لها في حالة منحطة وكذلك يسلب منها‬ ‫الوجه ألاكمل‪ ،‬ويسلب ألامة الانتفاع بصنف كامل من البشر ‪...‬‬

‫‪7‬‬

‫حممد الطاهر بن عاشور‪ " ،‬أصول النظام االجتماعي يف اإلسالم "‪ ،‬ص ‪. 43‬‬

‫‪8‬‬

‫نفس املرجع‪ ،‬ص ‪. 172‬‬

‫‪9‬‬

‫حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬مقاصد الشريعة اإلسالمية "‪ ،‬ص ‪. 141‬‬

‫‪10‬‬

‫حممد الطاهر بن عاشور‪ ،‬أصول النظام ‪ ،...‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪. 95‬‬

‫‪16‬‬

‫"‪10‬‬


‫‪ -5-5‬محمد الفاضل بن عاشور ‪ :‬التنوير الشامل‬ ‫التونسية ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سابقا‪ ،‬وهو رجل من رجال‬ ‫الجمهورية‬ ‫الزيتونية ومفتي‬ ‫إلاسالمي الحديث‪ ،‬عميد الكلية‬ ‫علم من أعالم الفكر‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مت ً‬ ‫عصر النهضة‪ ،‬وإن كان التكوين الفكر ّي ملحمد الفاضل بن عاشور‬ ‫العلمية‬ ‫التقليدي فإن ميوالته‬ ‫سما بالطابع‬ ‫ّ‬ ‫والثقافية سمحت له بأن يكون ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والثقافي‪ ،‬كما أننا نستشف من خالل‬ ‫الاجتماعي‬ ‫ومناصرا لسبل التحديث‬ ‫متفت ًحا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي ومناهج تفكيره مع الحفاظ‬ ‫العربي‬ ‫مؤلفاته وأعماله فكرتين استشكاليتين‪ ،‬تدعو ألاولى إلى تحديث العقل‬ ‫ألاساسية‪ ،‬والثانية إلى ألاخذ عن ّ‬ ‫العربية وإلاسال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مية‪.‬‬ ‫تقدم الغرب منهجه ومبادئه النافعة للمجتمعات‬ ‫على منطلقاته‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العامة‪ ،‬ضمن‬ ‫كان ملحمد الفاضل بن عاشور ميل للنشاط الجمعياتي والثقافي حيث انخرط مبك ًرا في الحياة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصادقية ‪.‬انحاز الشيخ إلى املبدأ إلاص ّ‬ ‫الحي مبكرا‬ ‫الخيرية‬ ‫الخاصة والجمعية‬ ‫والاجتماعية‬ ‫املنظمات والنوادي ألادب ّية‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إلاصالحي الذي صاغه محمد عبده القائم على مبدأ‬ ‫عميقا‪ ،‬كما أنه كان صريح التناغم مع فلسفة املشروع‬ ‫واعتنقه‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫كمقدمة ض ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأولوية لباقي حلقات ومجاالت إلاصالح الشامل‪،‬‬ ‫رورية‬ ‫أولية الاعتناء بالعلم ونشر التعليم وتجديد الدين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والسياسية املتمثلة في النضال من أجل تحرير البالد إلى جانب ألاطراف‬ ‫الفكرية‬ ‫هذا باإلضافة إلى تزعمه النزعة‬ ‫لعربية وبخ ّ‬ ‫السياسية ألاخرى‪ ،‬مع التأكيد على ضرورة الانتماء إلى العروبة وإلاسالم واملساندة املطلقة للقضايا ا ّ‬ ‫ّ‬ ‫اصة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفلسطينية‪ .‬وقد انتخب ّأول رئيس لالتحاد العام للشغل سنة ‪ 1946‬وذلك اعترافا بالجميل لهذا الرجل‬ ‫القضية‬ ‫الذي ساهم بنضاله بقسط كبير في تأسيس هذا الاتحاد‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيتونية دون‬ ‫التطرق للعالم محمد الفاضل بن عاشور حيث‬ ‫ال يمكننا الحديث عن إلاصالح التربو ّي لدى النخب‬ ‫ّ‬ ‫املتعلقة بالشأن الاجتم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اعي‬ ‫والواقعي الذي صبغ كتاباته‬ ‫املوضوعي‬ ‫يجمع كل الذين درسوا حياته وأعماله على املنهج‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التربوية التي اعتبرها أهم أعماله " فإني ال أنكر أن امليدان التدريس ّي هو‬ ‫ومهامه‬ ‫والديني والتي اتسمت بها دروسه‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي والتربو ّي‬ ‫حيويا إلقحام البالد‬ ‫والاجتماعي يشكل مدخال‬ ‫أعلق امليادين بالنفس"‪ ،‬حيث رأى أن إلاصالح‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتحرر‬ ‫الوطني‪ ،‬كذلك نراه يساهم سنة ‪ 1946‬في تأسيس معهد‬ ‫وطريقا‬ ‫التونسية في مسار النهضة وإلاصالح الشامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإسالمية املجتمع التونس ي‪ .‬وبموجب رؤيته للعمل ّية‬ ‫إلاسالمية الذي كان يرمي نشاطه ألاصلي إلى تأكيد عروبة‬ ‫البحوث‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ة‪،‬اهتم محمد الفاضل بن عاشور بمسألة إلاصالح التربو ّي ‪ -‬طوال حياته – وما من شك من أنه تأثر في ذلك‬ ‫إلاصالحي‬ ‫بأفكار والده محمد الطاهر بن عاشور التي ثبتها في مؤلفه " أليس الصبح بقريب "‪ ،‬ال ّ‬ ‫سيما وأن إلاصالح التربو ّي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يخص الجانب السياس ّي‪.‬‬ ‫وثقافي كمدخل لإلصالح الشامل الذي‬ ‫اجتماعي‬ ‫يشكل أحد مداخل وسائل انجاز إصالح‬ ‫وقد برزت مسألة إصالح النظام التربو ّي وإثرائه كإحدى أهم القضايا التي شغلت بال محمد الفاضل بن عاشور‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حيث نراه يسعى إلى تأسيس معهد الحقوق‬ ‫قضية تعصير‬ ‫العربي سنة ‪ ،1946‬وإن فشل هذا املسعى فهو يطرح‬ ‫ووطنية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحققت على أرضيتها بعض إلانجازات ّ‬ ‫ّ‬ ‫املهمة‪ ،‬فهو‬ ‫سياسية‬ ‫الزيتوني وبإلحاح‪ ،‬وساهم في جعلها مسألة‬ ‫التعليم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخلدونية ومعترف بها في الجامعة‬ ‫العربية سنة ‪ 1947‬ضمن معهد‬ ‫من ناحية نجح في إحداث شهادة الباكالوريا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزيتوني في الالتحاق بجامعات الدول‬ ‫العربية للمشرق‪ ،‬وبفضل هاته‬ ‫العربية في املشرق‪ ،‬ليفتح املجال أمام الطالب‬

‫‪17‬‬


‫َّ‬ ‫تمكن طلبة الزيتونة من استكمال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإلاسالمية وبين‬ ‫العربية‬ ‫الثقافية بالجمع بين دراسة الحضارة‬ ‫عدتهم‬ ‫إلاجراءات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية ‪.‬‬ ‫القومية التي هي اللغة‬ ‫العصرية بأداة الثقافة‬ ‫الدراسة‬ ‫العقالنية ّ‬ ‫ّأكدت أعمال الشيخ محمد الفاضل بن عاشور َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املقاصدي للشريعة وملفهومه‬ ‫حددت املفهوم‬ ‫أن عقيدته‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهوسا بها ‪ .‬واعتبر الشيخ أن‬ ‫إلاسالمية التي كان‬ ‫العربية‬ ‫الشرعية ‪،‬كما أنها كانت أساس مفهومه للنهضة‬ ‫للحكمة‬ ‫يمر ً‬ ‫ّ‬ ‫تجديد الدنيا والدين ّ‬ ‫العقلي لدى املسلمين كقاعدة ملالئمة الحياة مع الدين على أساس مقاصد‬ ‫حتما عبر الاجتهاد‬ ‫ّ‬ ‫وتشكل العقالنية قاعدة ّ‬ ‫فكرية للمصالحة بين املسلم وأحكام الشريعة ألنها تساعده على اعتبار مصالحه‬ ‫الشريعة‪،‬‬ ‫على أساس مشروعيتها ونفعها‪ .‬كما انخرط الفاضل بن عاشور منذ مطلع شبابه في النضال من أجل إصالح التعليم‬ ‫نقدية ّ‬ ‫مقرر مؤتمر طلبة شمال إفريقيا املنعقد بتونس سنة ‪ 1931‬فدافع عن رؤية ّ‬ ‫وتقد ّ‬ ‫الزيتوني‪ ،‬حيث أنه كان ّ‬ ‫ّ‬ ‫مية‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية‬ ‫ألهداف إلاصالح املنشود الذي يهدف إلى تغيير برنامج التعليم والنهضة بأساليبه بصورة تالئم الحياة‬ ‫ّ‬ ‫مؤك ًدا أن يكون ّ‬ ‫مدرس الغد غير ّ‬ ‫مدرس اليوم‪ ،‬وتلميذ الغد غير تلميذ اليوم في الروح والاستعداد‪ ،‬كما‬ ‫الجديدة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫انتقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫استنتاجي‬ ‫تطبيقي أو‬ ‫املقرر أساليب التدريس التي كانت تعتمد على طريقة إلالقاء املحض مجردة عن كل عمل‬ ‫ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬وال يتمرن فكره ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحرية النقد‬ ‫العلمي‬ ‫أبدا على إلانتاج‬ ‫من جهة التلميذ(الطالب)‪ ،‬فتتعطل كافة مواهبه‬ ‫والابتكار‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعليمي‬ ‫الزيتونيين من أجل إصالح النظام‬ ‫واملدرسين‬ ‫وقد أصبح محمد الفاضل بن عاشور ملهم نضال الطلبة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجددا ً‬ ‫ّ‬ ‫وخاصة بعد تعيين محمد الطاهر بن عاشور‬ ‫رئيسا‬ ‫للمدرسيين(‪)1944‬‬ ‫خاصة بعد املؤتمر العام‬ ‫بالزيتونة‬ ‫ّ‬ ‫يحتل محمد الفاضل بن عاشور مكانة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخصوصية مميزة ضمن تيار‬ ‫مهمة‬ ‫ملشيخة الجامع ألاعظم وفروعه (‪.)1945‬‬ ‫والوطني التونس ّي‪ ،‬ال سيما وأنه يتموقع ضمن الفصيل الذي اعتبر َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاصالح التنوير ّي‬ ‫أولوية إلاصالح تكمن في‬ ‫أن‬ ‫الاجتماعي والثقاف ّي والتربو ّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي والسياس ّي الشاملين ‪.‬‬ ‫املؤسس لظروف التغيير‬ ‫العمل‬ ‫ِّ‬ ‫‪ -6-5‬الطاهر ّ‬ ‫الحداد‪ :‬املصلح الاجتماعي ّ‬ ‫املتنور‬ ‫ولد الطاهر الحداد سنة ‪ 1899‬بتونس‪ .‬زاول دراسته الثانوية والعالية بالجامع ألاعظم‪ ،‬نشر العديد من املقاالت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية كصحيفة "ألامة" و"مرشد ألامة" و"إفريقيا"‪ ،‬وكان من الرواد ّ‬ ‫النقابية‬ ‫املهمين للحركة‬ ‫الجريئة في الصحف‬ ‫ّ‬ ‫وأصدر كتاب " ّ‬ ‫النقابية" سنة ‪ ،1927‬الذي صادرته إدارة ألامن فور صدوره‪،‬‬ ‫العمال التونسيون وظهور الحركة‬ ‫ّ‬ ‫التقليدية ًردا على نشر كتابه "امرأتنا في الشريعة واملجتمع "سنة ‪ّ ،1930‬‬ ‫ّ‬ ‫واتهموه باإللحاد والزندقة‬ ‫وكفرته الجهات‬ ‫ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬كما طالبت هذه الجهات بمنعه من ّ‬ ‫امللة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتم منعه من‬ ‫حقه في الزواج وبإخراجه من‬ ‫وجردوه من شهاداته‬ ‫ّ‬ ‫وألفت كتب عديدة ناقدة إياه من قبيل " الحداد على امرأة الحداد " و"سيف ّ‬ ‫الحق على من ال يرى الحق"‪.‬‬ ‫العمل ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحد‬ ‫الوطنية في جرأة‬ ‫التعليمي بالبالد التونسية وما أفرزه من نتائج ال تخدم املصلحة‬ ‫انتقد الطاهر الحداد الوضع‬ ‫ٍ‬ ‫واضح لنمط التفكير السائد حول التعليم القومي‪ .‬فقد كان الطاهر الحداد ً‬ ‫ً‬ ‫صارما ملا آل إليه التعليم بسبب‬ ‫ناقدا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية التي حصرته في دائرة الجمود‪ً ،‬‬ ‫مستقبلية وعدم‬ ‫داعيا إلى ضرورة تبني إصالحات عميقة وفق رؤية‬ ‫السياسة‬ ‫‪18‬‬


‫ّ‬ ‫ً‬ ‫اهتماما ً‬ ‫الرنانة والتباكي على ألاطالل‪ .‬كان الطاهر الحداد في كل ّ‬ ‫كبيرا في دفع حركة‬ ‫مرة يظهر‬ ‫الاكتفاء بالخطابات‬ ‫ّ‬ ‫العقل والتنوير في كل موضوع يعالجه في مختلف مؤلفاته؛ إذ تحمل دعوات صريحة لإلصالح والتجديد والتنوير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعية والتي تعيق ّ‬ ‫تحرر الفكر وتخلصه من‬ ‫والفكرية‬ ‫النفسية‬ ‫والتحرير وعقلنة العمل والكفاح وكسر القيود‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعقلية الاستسالم والخنوع ‪.‬‬ ‫املرضية؛ كاألوهام والشعوذة‬ ‫ألاعراض‬ ‫املتشدد‪ ،‬فنظر إلى إلاسالم من حيث هو دستور اجتماعي نظرة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متفتحة‬ ‫التقليدي‬ ‫هكذا وقف الحداد في وجه التيار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النص‬ ‫املتمسكين بظاهر‬ ‫ألاصوليين‬ ‫املتحجرين من‬ ‫فتحدى بها‬ ‫مستقبلية سابقة لزمانه بربع قرن‪،‬‬ ‫حركية‬ ‫اجتهادية‬ ‫والتقليد دون الغوص على جوهر العقيدة وال مقتضيات العصر‪ ،‬فجهر بحقائق أثارت غضبهم وأبرزت القطيعة التي‬ ‫وتطور الزمان‪ ،‬وبذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحدى الجامدين من الفقهاء في العديد من املناسبات كما في قوله‬ ‫تفصلهم عن واقع الحياة‬ ‫من كتابه "امرأتنا في الشريعة واملجتمع" "‪ ...‬ولكن أين نحن من القرآن فقد نسخنا نوره بأقوال الجامدين من فقهائنا‬ ‫على أقوال من تقدمهم‬

‫‪. 11"...‬‬

‫‪ -7-5‬الشيخ محمد السنوس ي‪ :‬الشاعر ّ‬ ‫املتنور‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ولد سنة ‪ 1850‬في عائلة وجيهة تقلب أفرادها في عدد من الخطط والوظائف السامية‪ .‬تتلمذ على يد سالم بوحاجب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحجازية"‪" ،‬الاستطالعات‬ ‫التونسية"‪" ،‬مسامرات الظريف"‪" ،‬الرحلة‬ ‫ومحمود قابادو من أهم كتبه "خالصة النازلة‬ ‫الباريسية" التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫خصصها لتلخيص مشاهداته عن رحلته إلى باريس‪ .‬اعتمد محمد السنوس ي على الشعر في وصف‬

‫نتائج العلوم والعرفان بأوروبا‪ ،‬وينوه في قصيدته "الفريدة في املخترعات الجديدة"‪ ،‬بالعلوم واملعارف وبعصر آلاالت‬ ‫ّ‬ ‫البخارية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫صيرت البعد ً‬ ‫الحديدية البلدان ّ‬ ‫قربا‪ ،‬وبذلك ّ‬ ‫وتسبب‬ ‫وسهلت الصادرات بينها والواردات‬ ‫قربت السكة‬ ‫نمو العمران في بالد العالم‪ ،‬وكل ذلك بفضل الاختراعات كما ّنوه ّ‬ ‫ذلك في ّ‬ ‫بالتيار الكهربائي وفوائده‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املتوسعة‬ ‫املتحفزة‬ ‫الغربية‬ ‫التونسية على دقات طبول "الصدمة الحضارية"‪ ،‬صدمة الحضارة‬ ‫استفاقت النخب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القوة ّ‬ ‫تدعمها ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية التي أفرزها عصر ألانوار ‪ ،‬لتتعطل بوادر التنوير‬ ‫والفكرية وتذكيها جذوة من الفتوحات‬ ‫املادية‬ ‫ّ‬ ‫لتتحرر إلارادات والعزائم بعيد‬ ‫وتنكمش زمن الاستعمار الفرنس ي‪ ،‬وما طرحه من استراتيجيات هيمنة وتدخل‪ ،‬ثم‬ ‫ّ‬ ‫السياسية التي انطلقت شرارتها‬ ‫الاستقالل‪ ،‬ولكن الذي أعاد "ألامل" في استمرار حركة التنوير وإلاصالح‪ ،‬التغييرات‬ ‫ً‬ ‫مجددا عن بناء الدولة الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحرّية والعدل كجوهر الفعل التنوير ّي‪.‬‬ ‫اطية الضامنة للكرامة‬ ‫من تونس‪ ،‬وتبحث‬

‫‪11‬‬

‫الطاهر الحداد‪ ،‬امرأتنا في الشريعة واملجتمع‪ ،‬ص ‪. 73‬‬

‫‪19‬‬


‫‪ -II‬انعكاسات الحراك التونس ّي على مسارات التنوير‬ ‫‪ -1‬عناصر التنوير في دولة الاستقالل‬ ‫ّ‬ ‫‪ -1-1‬التنوير املؤنث وتحرير املرأة‪:‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشخصية‬ ‫الجمهوري على إصدار مجلة ألاحوال‬ ‫حرصت دولة الاستقالل قبل إلاعالن عن النظام‬ ‫ّ‬ ‫نموذجا‪ ،‬ألهم ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ .‬اعتبرت ثورة على‬ ‫عددا من التشريعات والقوانين في املنطقة‬ ‫أغسطس ‪ ، 1956‬التي شكلت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القانونية بمثابة‬ ‫إلاصالحية‪ ،‬لتكون هذه املجلة‬ ‫إلاسالمي وألافكار‬ ‫أحكاما جمعت بين الفقه‬ ‫بتضمنها‬ ‫التقاليد السائدة‬ ‫أهمها إلغاء ّ‬ ‫التونسية‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫تميزت بمجموعة من إلاجراءات ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدلي‬ ‫تعدد الزوجات ‪ ،13‬وإقرار الطالق بحكم‬ ‫دستور ألاسرة‬ ‫إمكانية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الزوجية إال في املحكمة‪ ،‬كما يمكن للزوجة طلب الطالق‪،‬‬ ‫فك الرابطة‬ ‫صلحية‪ ،‬وعدم‬ ‫بعد املرور بمرحلة‬ ‫‪12‬‬

‫في ‪ 13‬أوت ‪-‬‬

‫بمعنى كل قرين له ّ‬ ‫الحق في الطالق‪ّ .‬أدت مراكمة التشريعات املناصرة لح ّرية املرأة إلى مناخ فكر ّي منفتح وإلى تحسين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإلايجابية‪.‬‬ ‫حركية املجتمع وتمكين "نصف املجتمع" من أسباب الفعل‬ ‫الاجتماعي وتيسير اندماجها في‬ ‫املناخ‬ ‫ّ‬ ‫وينص القانون التونس ّي أن الزوج هو رئيس العائلة ولكنه يربط هذه امليزة بواجب إلانفاق‪ ،‬وفي املقابل حذف القانون‬ ‫منذ سنة ‪ 1993‬واجب طاعة الزوجة لزوجها ّ‬ ‫وعوضه بمبدأ التعاون بين الزوجين على تسيير شؤون ألاسرة وحسن‬ ‫ّ‬ ‫تربية ألابناء وتصريف شؤونهم‪ .‬كما يمنح القانون التونس ّي ّ‬ ‫ألام الحاضنة صالحيات الوالية فيما يتعلق بسفر‬ ‫املالية‪ ،‬أصبحت ّ‬ ‫املحضون ودراسته والتصرف في حساباته ّ‬ ‫أهلية املرأة كاملة‪ ،‬فيمكنها أن تبرم جميع أنواع العقود‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املالية‪ .‬اعتبر خيار تنوير املرأة وتحريرها من ربقة ّ‬ ‫القانونية واملعامالت ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدونية‬ ‫التقليدية والنظرة‬ ‫املكبالت‬ ‫والتصرفات‬ ‫ً‬ ‫مالئما لنمو عناصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫قوة ومناعة صلب‬ ‫إلاصالحي والتنوير ّي في تونس‪ ،‬فقد أتاح مناخا‬ ‫والتمييزية أيقونة املسار‬ ‫املجتمع‪ّ ،‬‬ ‫تطورت بوضوح من الكوطا إلى إقرار قانون التناصف الذي ّ‬ ‫ينص على التناصف الكامل بين الرجال والنساء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والجمعياتية وفي‬ ‫السياسية‬ ‫الانتخابية‪ ،‬وساهم ذلك في تعزيز مشاركة املرأة بصفة فاعلة في الحياة‬ ‫في القائمات‬ ‫ّ‬ ‫املدني‪. 14‬‬ ‫أنشطة املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫التحتية للتنوير‪:‬‬ ‫‪ -2-1‬التعليم البنية‬ ‫ّ‬ ‫يعد إصالح التعليم من أهم املسائل التي اشتغلت عليها الدولة ّ‬ ‫الفتية ورأت فيه جوهر مشروعها التنوير ّي والتنمو ّي‪.‬‬ ‫وطني ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫استثمرت بشكل هائل في التعليم‪ ،‬وعملت على إرساء نظام تربو ّي‬ ‫موحد وعصر ّي‪ ،‬لقناعة عميقة لدى‬ ‫تعليمي‬ ‫املشرفين بأن التعليم ّ‬ ‫ّ‬ ‫قوة تار ّ‬ ‫الفاعلية لنشر الثقافة‬ ‫يخية تعمل على تغيير العقليات والواقع‪ ،‬وأنه قناة شديدة‬ ‫الوطنية‪ .‬لهذا ّ‬ ‫انية ّ‬ ‫خصصت تونس قرابة ‪ % 17.96‬من امليز ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامة للتعليم‪ ،‬وسعت إلى نشر التعليم في كامل البالد‬ ‫‪12‬‬

‫ّ‬ ‫لالطالع على فحوى املجلة‪ ،‬الرابط‪www.e-justice.tn/.../code_statut_personel_ar_01_12_2009.pdf:‬‬

‫‪ 13‬لم تكن املجلة خارج مسار إلاصالح التنويري التونس ي منذ الصداق القيرواني الذي تشترط فيه الزوجة عدم الزواج بامرأة ثانية معها‪ ،‬وعرف املجتمع التونس ي‬ ‫مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر حركية كبيرة مع الشيخ سليمان الحرايري املغمور والطاهر الحداد املشهور‪.‬‬ ‫‪ 14‬في دراسة نشرها مركز البحوث والدراسات والتوثيق وإلاعالم حول املرأة سنة ‪ ،2013‬بينت أن من بين ‪ 224‬جمعية شملتها الدراسة هناك ‪ 1837‬امرأة في هيئاتها‬ ‫املديرة‪.‬‬

‫‪20‬‬


‫ّ‬ ‫إجبارية التعليم ّ‬ ‫ّ‬ ‫الداخلية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ومجانيته للجنسين‪ .‬أكد قانون‬ ‫وتم إقرار‬ ‫وأنشأت مدارس في القرى وألارياف واملناطق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وسد الحاجات‬ ‫وطنية إلدارتها‬ ‫‪ 1958‬على الفعل التربو ّي القائم على املحتويات بغية تونسة إلادارة بتكوين إطارات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدريجيا الاعتماد على الفرنسيين وانتشر التعليم بصفة كبيرة في البالد ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وتطورت نسب التمدرس‬ ‫وتقلص‬ ‫امللحة للدولة‪ِّ .‬‬ ‫بقطع النظر عن ّ‬ ‫ّ‬ ‫سن املتمدرس أو جنسه‪ ،‬وتراجع مستوى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحسن املستوى‬ ‫والاجتماعي (رسم رقم ‪ 1‬و‬ ‫الثقافي‬ ‫ألامية‬ ‫‪.)2‬‬ ‫رسم رقم ‪ّ :1‬‬ ‫تطور نسب التمدرس في تونس‬

‫رسم رقم ‪ :2‬تراجع نسب ّ‬ ‫ألامية في تونس‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫والوطنية لدى الطالب (التالميذ)‪ ،‬وشرع في‬ ‫ألاخالقية‬ ‫تدعيما للتربية‬ ‫تم الاشتغال على تنمية البعد التربو ّي في البرامج‪،‬‬ ‫والتقنية‪ ،‬لتشمل حركة التعريب امل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واد‬ ‫الطبيعية‬ ‫بالعربية كالرياضيات والعلوم‬ ‫تعريب التعليم وذلك بتدريس العلوم‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعية‪ ،‬ومواد التاريخ والجغرافيا بكامل مرحلة التعليم الثانو ّي‪َّ ،‬‬ ‫وتم تعريب تدريس الفلسفة في أواسط‬ ‫ّ‬ ‫امية ّتتصل بالثقافة‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ّ‬ ‫التربوية لتشمل موضوعات إلز ّ‬ ‫يقدم التعليم ألاساس ّي‬ ‫السبعينات‪ .‬وتتسع املنظومة‬ ‫اسية؛ ّ‬ ‫الثقافية خارج املناهج الدر ّ‬ ‫ّ‬ ‫تضم املسرح‪ ،‬والرقص‪ ،‬واملوسيقى‪ ،‬ونوادي‬ ‫والثانو ّي تشكيلة واسعة من النشاطات‬ ‫السينما وألادب‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاساسية‪ ،‬مثل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية املتتالية مجموعة من الحقوق‬ ‫الحق في التعلم‪ ،‬وجعلت من ضمانه‬ ‫لقد أكدت إلاصالحات‬ ‫ّ‬ ‫ومحط اهتمامها‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عمومي تنهض به‬ ‫مجانية التعليم‪ ،‬فالتعليم مرفق‬ ‫رسخت تونس‬ ‫لجميع أبنائها رأس مشاغلها‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫مطمحا بل‬ ‫إجبارية التعليم ‪ ،‬فلم تعد في تونس‬ ‫التربوية‪ّ .‬أما‬ ‫أساسية من قواعد املنظومة‬ ‫الوطنية وقاعدة‬ ‫املجموعة‬ ‫‪21‬‬


‫واقعا ّ‬ ‫ً‬ ‫يتحتم صيانته ودعمه‪ ،‬وإذا كان هذا املكسب مدعاة لالعتزاز‪ ،‬فإنه ال يخفى علينا تحديات الجودة والارتقاء‬ ‫بمنظومة التعليم إلى أفضل النتائج‪ ،‬وهو ما شرعت فيه تونس بعد ‪ 2011‬من الانخراط في مشروع إصالح التعليم في‬ ‫مختلف مستوياته‪ ،‬من حيث الغايات وفلسفة التعليم وتغيير املناهج والحرص على تجذير قيم التسامح واملواطنة‬ ‫والعقالني‪ .‬لقد سرت ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فوقية ال‬ ‫روحا جديدة في مسار إلاصالح التربو ّي برفض كل إصالحات‬ ‫النقدي‬ ‫والهوية والفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني والجمعيات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التحسن‬ ‫مؤشرات التعليم في‬ ‫تربوية‪.15‬‬ ‫تعتمد منطق الشراكة مع الفاعلين ومع املجتمع‬ ‫واستمرت ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التربوية أي ارتخاء أو انفالت‪ ،‬ظلت‬ ‫املؤسسات‬ ‫بالرغم من ألاوضاع الصعبة واملضطربة(جدول رقم ‪ )1‬ولم تشهد‬ ‫ً‬ ‫التونسية وللمجتمع‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعي بامتياز وتعزيز حظوظ أبناء ألاسر الفقيرة في تجويد‬ ‫وآلية الارتقاء‬ ‫املعرفة هدفا للعائلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعي‪ ،‬كانت من نتائجها توسيع قاعدة الطبقة الوسطى لتمثل حوالي ثلثي املجتمع‪.‬‬ ‫مستواهم‬ ‫ّ‬ ‫مؤشرات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاعدادي والثانو ّي في تونس‬ ‫جدول رقم ‪ 1‬بعض‬ ‫العمومي‬ ‫تطور التعليم‬ ‫ّ‬ ‫املؤشرات‬

‫‪1997- 1998‬‬

‫‪1987- 1988‬‬

‫‪2012-2013‬‬

‫‪2007- 2008‬‬

‫التالميذ‬

‫‪437604‬‬

‫‪833372‬‬

‫‪1069585‬‬

‫‪908600‬‬

‫نسبة الفتيات(‪)%‬‬ ‫ّ‬ ‫املدرسون‬

‫‪43.1‬‬

‫‪50.2‬‬

‫‪53.2‬‬

‫‪53.9‬‬

‫‪22373‬‬

‫‪36528‬‬

‫‪71386‬‬

‫‪73490‬‬

‫املدارس‬

‫‪436‬‬

‫‪888‬‬

‫‪1294‬‬

‫‪1386‬‬

‫اعتبرت ملحمة التعليم في تونس حجر الزاوية في كل ّ‬ ‫عملية تثقيف وتنوير وتحرير للعقول من الخرافة‪ ،‬ويمكننا القول‬ ‫أريحية ّ‬ ‫بأن التعليم ساهم إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية ملختلف‬ ‫والاجتماعية والقيم‬ ‫والنفسية‬ ‫الفكرية‬ ‫حد كبير في تحديث البنى‬ ‫بكل‬ ‫ٍ‬ ‫املتنوعة‪ّ .‬‬ ‫ؤسسات الدولة وهياكلها ّ‬ ‫شرائح املجتمع‪ ،‬كما ساهم في تطوير م ّ‬ ‫ّ‬ ‫تعد تجربة النظام التربو ّي‬ ‫التعليمي التونس ّي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي‪ ،‬تجربة جديرة باالهتمام‪ ،‬ومثل التعليم ألاداة ألاكثر نجاعة في إعادة صياغة‬ ‫في عالقتها بالتنوير والتحديث‬ ‫ّ‬ ‫املرجعية على أساس مبدأ املواطنة وقيم التسامح والانفتاح ونبذ الانغالق‪ .‬لهذا فإن التنوير يحتاج‬ ‫قيم املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تطويرية ترتقي باملناهج مع متطلبات القرن الواحد‬ ‫باستمرار إلى أرضية خصبة من مدارس تنبض بالحياة وبروح‬ ‫والعشرين بإدماج مهارات الحياة‪ ،‬حيث ال ينفصل التعليم عن الثقافة‪ ،‬وال ينقطع التنوير عن التربية؛ فالتربية في‬ ‫حاجة إلى محيط ثقافي تنوير ّي يدعم ترقية ألاخالق العامة وتنمية بناء الفرد‪/‬إلانسان‪ /‬املواطن‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي وشبكة التنوير‪:‬‬ ‫‪ -3-1‬املشهد‬ ‫أساسيا من ّ‬ ‫كانت الثقافة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫العمومية مع‬ ‫الوطني ما بعد الاستعمار‪ ،‬تعاطت السلطة‬ ‫مكونات عملية البناء‬ ‫مكو ًنا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التطور‬ ‫مكمل لخطة أوسع‬ ‫البشرية‪ ،‬والنظر إلى‬ ‫كموجه للتعليم وبناء قدرة املوارد‬ ‫الثقافة‬ ‫الثقافي على أنه عنصر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للتنمية‪ ،‬وكدعامة في تعزيز التماسك الاج ّ‬ ‫الثقافية في نهاية الخمسينيات‪،‬‬ ‫الخاص بالسياسات‬ ‫تماعي‪ .‬انطلق بناء إلاطار‬ ‫ّ‬ ‫ألاساسية‬ ‫‪ 15‬من بين الجمعيات "الائتالف املدني إلصالح املنظومة التربوية" و"التحالف املدني من أجل التعليم" و"شبكة التربية والتكوين والبحث" ‪ ،‬من مطالبها‬ ‫إحداث مجلس أعلى للتربية وصياغة ميثاق وطني للتربية‪.‬‬

‫‪22‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاجتماعية في جميع أنحاء البالد‪ .‬تشكلت السياسة‬ ‫الامكانيات لنشر الثقافة لكل السكان ولكل الفئات‬ ‫وس ِّخرت كل‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية خالل تلك املرحلة وفق ثالثة محاور‪ ،‬وهي إضفاء الطابع الديمقر ّ‬ ‫اطي على الثقافة‪ ،‬إعادة تأميم الثقافة‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتضمنت إعادة‬ ‫مركزية الثقافة‪ .‬كان الهدف من إعادة التأميم هو إعادة إدماج وتثمين رموز الثقافة والتراث التونس ّي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫التأميم إدماج املاض ي التونس ّي وألادب املعاصر في البرنامج التربوي‪ 16‬ودعم النشر وتشجيع املؤلفين والشعراء‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني بتشجيع التنقيب‬ ‫الثقافي‬ ‫التونسيين عن طريق تنظيم املؤتمرات ومهرجانات ألادب‪ ،‬إضافة إلى تثمين التراث‬ ‫ّ‬ ‫القرطاجية واملواقع التي تعود إلى القرون الوسطى‪.‬‬ ‫والبحث في املواقع‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بتدائي والثانو ّي‪ .‬وظهرت أندية‬ ‫دخ َل تعليم املوسيقى والرسم ضمن مناهج التعليم الا‬ ‫ففي وقت مبكر من الستينيات‪ ،‬أ ِّ‬ ‫ّ‬ ‫الجماعي والسينما بكثرة في َّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسات التعليم منذ أواخر السبعينيات‪ .‬في نطاق الخطة‬ ‫املسرح واملوسيقى والغناء‬ ‫الشعبية الذي طورته مراكز محو ّ‬ ‫الوطنية ملحو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية ً‬ ‫جزءا ًّ‬ ‫ألام ّية‬ ‫مهما من برنامج الثقافة‬ ‫ألام ّية‪ ،‬كانت النشاطات‬ ‫جميعا بأنها أدوات ّ‬ ‫ً‬ ‫تربوية‪ ،‬فاملسرح‬ ‫(دار الشعب)‪ .‬لقد وصفت املسرحيات واملؤتمرات‪ ،‬والنقاشات وعروض ألافالم‬ ‫ّ ّ‬ ‫ُ‬ ‫الفاعلية‪ .‬اتجهت التغيرات ألاساس ّية‬ ‫اعت ِّبر وسيلة قوية لنشر الثقافة‪ ،‬إلى جانب كونه وسيلة تعليمية شعبية شديدة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية في‬ ‫التونسية نحو الالمركزّية بمفهوم يقترب أكثر من عدم تركيز العروض والهياكل‬ ‫الثقافية‬ ‫في السياسة‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الرئيسية في البالد‪ ،‬وعن طريق بعث َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني للتواصل‬ ‫الوطني للتراث‪ ،‬املركز‬ ‫مؤسسات جديدة (املعهد‬ ‫العاصمة واملدن‬ ‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملتوسطية‪ ،‬وكالة تطوير التراث وتشجيع الثقافة)‪ .‬لكن مقابل نشر الثقافة وإحداث‬ ‫العربية‬ ‫الثقافي‪ ،‬مركز املوسيقى‬ ‫ُّ ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مباشرا على املستوى الاستر ّ‬ ‫ً‬ ‫آلاليات احتكرت أجهزة الدولة ألامور‬ ‫تشريعي‬ ‫اتيجي واملا ّلي وال‬ ‫تدخال‬ ‫الثقافية وتدخلت فيها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتنفيذي‪ ،‬مع رقابة ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مضادة خارج‬ ‫الفنية‪ .‬لم يمنع ذلك من بروز ثقافة‬ ‫إدارية مكثفة على املطبوعات واملنتجات‬ ‫ً‬ ‫وضوحا عن ثقافة املعارضة‬ ‫سيطرة الدولة ترفض هيمنة ثقافة الدولة‪-‬الحزب على الشأن الثقافي‪ ،‬كان التعبير ألاكثر‬ ‫ّ‬ ‫التسلط والقمع ّ‬ ‫هو املسرح‪ ،‬حيث ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وتندد بغياب ّ‬ ‫الحرّية وكبت إلابداع‪ ،‬من خالل املحاكاة‬ ‫ضمنيا‬ ‫قدمت أعمال تنقد‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫القمعية‪ ،‬برز تيار ّ‬ ‫الثقافي‪.‬‬ ‫مضاد ومعارض للدولة واحتكارها الشأن‬ ‫ثقافي‬ ‫الساخرة للسياسة‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية وبعث‬ ‫املؤسسات‬ ‫هيكلية مكنت بالخصوص من تنظيم عديد‬ ‫الثقافي بعد الثورة إصالحات‬ ‫شهد القطاع‬ ‫ّ‬ ‫تم بالتوازي مع مضاعفة ميز ّ‬ ‫والفنية‪ ،‬كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انية الدولة‬ ‫ألادبية‬ ‫وامللكية‬ ‫مرجعية وتقنين حماية التراث‬ ‫مؤسسات‬ ‫تدعمت بفضلها مجاالت إلابداع ّ‬ ‫مهمة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املخصصة للقطاع‪ ،‬تنفيذ مشاريع وبرامج ّ‬ ‫الثقافية‬ ‫ألاساسية‬ ‫وتعززت البنية‬ ‫ّ‬ ‫آليات حديثة للنهوض بالثقافة‪ .‬وأثمرت جملة الاصالحات التي ّ‬ ‫وتم إرساء ّ‬ ‫والجهوية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫تم إقرارها والبرامج‬ ‫الوطنية‬ ‫ّ‬ ‫واملشاريع املنجزة تطورا ّ‬ ‫لجل املؤشرات ذات الصلة (جدول رقم ‪.)2‬‬

‫‪ 16‬مثل أبو القاسم الشابي وابن خلدون‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 2‬‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‬ ‫تطور بعض مؤشرات الحقل‬ ‫‪2006‬‬

‫‪2017‬‬

‫‪2011‬‬

‫عدد ألافالم الطويلة املدعومة من الدولة‬

‫‪06‬‬

‫‪08‬‬

‫‪12‬‬

‫عدد ألافالم القصيرة املدعومة من الدولة‬

‫‪14‬‬

‫‪20‬‬

‫‪25‬‬

‫ّ‬ ‫املوسيقية املدعومة من الدولة‬ ‫عدد إلاصدارات‬

‫‪12‬‬

‫‪27‬‬

‫‪30‬‬

‫ّ‬ ‫عدد أروقة الفنون‬ ‫التشكيلية‬

‫‪66‬‬

‫‪87‬‬

‫‪97‬‬

‫عدد املتاحف‬

‫‪34‬‬

‫‪49‬‬

‫‪53‬‬

‫عدد املواقع واملعالم ّ‬ ‫ألاثرية املفتوحة للزيارة‬

‫‪36‬‬

‫‪48‬‬

‫‪53‬‬

‫عدد دور الثقافة‬

‫‪204‬‬

‫‪209‬‬

‫‪219‬‬

‫ّ‬ ‫العمومية‬ ‫عدد املكتبات‬

‫‪368‬‬

‫‪386‬‬

‫‪395‬‬

‫ّ‬ ‫املتجولة‬ ‫نسبة تغطية املناطق الريفية باملكتبات‬

‫‪75‬‬

‫‪85‬‬

‫‪90‬‬

‫كما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫انية الثقافة من ‪ 0.6‬باملائة من امليز ّ‬ ‫تطور ميز ّ‬ ‫وتوسع‬ ‫العامة للدولة سنة ‪ 2001‬إلى ‪ 1‬باملائة سنة ‪،2011‬‬ ‫انية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية عبر حذف التراخيص وتعويضها بكراسات الشروط وإقرار‬ ‫الثقافية وتشجيع املشاريع‬ ‫الاهتمام بالصناعات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‪ .‬وساعدت نسائم ّ‬ ‫الحرّية‬ ‫حوافز وإعفاءات والحط من ألاداء على القيمة املضافة في املواد الداخلة في إلانتاج‬ ‫الثقافي التونس ّي بتحرير ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية‪ 17‬وبيت الحكمة ومركز‬ ‫املرجعية على غرار دار الكتب‬ ‫املؤسسات‬ ‫في تفعيل املشهد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني التونس ّي ‪ .18‬على الرغم من‬ ‫الوطني للتراث واملسرح‬ ‫واملتوسطية ومعهد تونس للترجمة واملعهد‬ ‫املوسيقى العربية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية الكبرى في مواعيدها‪ ،‬منها‬ ‫الثقافي على التظاهرات‬ ‫ألامني الذي عاشته البالد‪ ،‬حافظ املشهد‬ ‫دقة الوضع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪.‬‬ ‫إلادارية أو‬ ‫مهرجان قرطاج ‪ 19‬ومهرجان قرطاج السينمائي ‪ 20‬مع تحريرها من عوائقها‬

‫ّ‬ ‫الوطنية على رصيد مهم~ من الكتب ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقدر عددها بحوالي املليون كتاب‪ ،‬باإلضافة إلى حوالي أربعين ألف مخطوط‪ ،‬و‪ 16‬ألف عنوان دورية‪،‬‬ ‫‪ 17‬تتوفر دار الكتب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البصرية والخرائط والتصاميم وألامثلة وغيرها‪.‬‬ ‫السمعية‬ ‫وتضم أرصدة من الوسائل‬ ‫ّ‬ ‫املرجعية في تونس‪ُ ،‬اعتبر التأسيس حدثا بارزا و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقق الكثير من الانتصارات سواء تعلق ألامر‬ ‫الثقافية‬ ‫‪ 18‬أنش ئ املسرح سنة ‪ ،1983‬يعتبر أحد أهم املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫باإلنتاج أو بالترويج‪ .‬أنتج عشرات املسرحيات التي تحصلت على جوائز عربية ودولية‪ ،‬واتسمت هذه ألاعمال بتنوع املضامين وألاشكال والرؤى التعبيرية‪ ،‬ومن‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مسرحية"‬ ‫متخصصة وهي "فضاءات‬ ‫إلانجازات الكبرى للمسرح الوطني تأسيسه أليام قرطاج املسرحية سنة ‪ ،1983‬كما أصدر املسرح الوطني في الفترة ذاتها مجلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املسرحية وساهمت في التنوير والتوعية والتثقيف‪.‬‬ ‫الفكرية‬ ‫مؤلفين فنيين هما "دروب" سنة ‪ 1992‬و"أزهار الستار على الجدار" التي أثرت الساحة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعاملية ‪ ،‬استقبل منذ تأسيسه أبرز الفنانين العرب مثل فيروز وأم كلثوم وماجدة الرومي ومارسيل خليفة‪.‬‬ ‫وألافريقية‬ ‫العربية‬ ‫‪ 19‬يعتبر من أهم املهرجانات‬ ‫واستضاف فنانين عامليين مثل ألفا بلوندي وجيمس براون وداليدا وشارل ازنافور‪.‬‬

‫‪24‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي الى ضغوطات من‬ ‫تعرض املشهد‬ ‫املتحركة‪ ،‬وتكثف الاهتمامات باملسائل‬ ‫السياسية‬ ‫رغم ألاوضاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلارهابية‪ ،‬في هذا املناخ نفهم أن الاستمرار في تنظيم املهرجانات وتدعيمها‬ ‫ومتشنجة‪ ،‬مع الضربات‬ ‫تيارات محافظة‬ ‫ّ‬ ‫املتوترة‪ .‬ورغم ّ‬ ‫إبداعية و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أولويات البناء السياس ّي‪ ،‬لم ّ‬ ‫فنية‬ ‫يحل ذلك دون بروز مبادرات‬ ‫مهم جدا في تلك السياقات‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحرّية ونبذ العنف والتحاور ورفض التمييز والدفاع عن كرامة إلانسان أينما كان‪ .‬فقد فتحت‬ ‫تؤكد على قيم العقل‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثورة الياسمين الباب أمام انتعاشة ثقافية على وقع "نسائم" ّ‬ ‫الحرية‪ ،‬ورفعت الغطاء عن املبدعين‪ ،‬فبرزت عشرات‬ ‫بعيدا عن سيف الرقابة "وتكميم ألافواه"‪ .‬وتناولت ّ‬ ‫امية‪ً ،‬‬ ‫واملسرحية والدر ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدة إنتاجات فن ّية‬ ‫ألاعمال السينما ّئية‬ ‫ّ‬ ‫سياسية‬ ‫تفاصيل ما عاشه الشعب التونس ّي في الفترة التي سبقت اندالع شرارة الثورة‪ ،‬ومحاكاة ملا رافقها من ظواهر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فتحررت الحقول‬ ‫وثقافية‪ .‬وظهر جيل جديد من املثقفين لهم نظرة جديدة في إلانتاج واملوضوعات‪،‬‬ ‫واجتماعية‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية كما ّ‬ ‫تحررت الكلمة‪ ،‬تناولت قضايا الهجرة والعنف والبطالة والفساد إلادار ّي والتمييز الجهو ّي‪(...‬جدول رقم‪3‬‬ ‫و‪.)4‬‬ ‫ّ‬ ‫السينمائية بعد ‪2011‬‬ ‫جدول رقم ‪ 3‬عينة من عناوين ألاعمال‬ ‫املخرج‬

‫العنوان‬ ‫الربيع التونس ّي‬

‫رجاء العماري‬

‫ال خوف بعد اليوم‬ ‫ّ‬ ‫على حلة عيني‬

‫مراد بالشيخ‬ ‫ليلى بوزيد‬

‫سبعة ونصف‬

‫نجيب بالقاض ي‬

‫صراع‬

‫املنصف بربوش‬

‫الطياب‬

‫أنور الحوار‬

‫"ثورة غير درج" (ثورة إال ‪ 5‬دقائق)‪،‬‬

‫رضا التليلي‬

‫تالة حبيبتي‬

‫مهدي الهميلي‬

‫كلمة حمراء‬

‫إلياس بكار‬

‫ارحل‬

‫محمد الزرن‬

‫غدوة حي‬

‫لطفي عاشور‬

‫زيزو‬

‫فريد بوغدير‬

‫شط السالم‬

‫سارة عبيدى‬

‫زينب تكره الثلج‬

‫كوثر بن هنية‬

‫‪ّ 20‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلافريقية ال يزال يعقد دوراته بانتظام‪ .‬وهي إحدى ثالث تظاهرات‬ ‫العربية‬ ‫تأسس بمبادرة من الطاهر شريعة سنة ‪ ،1966‬أقدم مهرجان سينمائي في البلدان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلافريقي وا ّ‬ ‫ّ‬ ‫لعربي‪.‬‬ ‫فنية تستكمل بعضها‪ ،‬وهي أيام قرطاج املوسيقية وأيام قرطاج املسرحية‪ ،‬ومنذ سنة ‪ 2015‬أصبح املهرجان يعقد سنويا مع املحافظة على الطابع‬

‫‪25‬‬


‫ّ‬ ‫املسرحية بعد ‪2011‬‬ ‫جدول رقم ‪ 4‬عينة من عناوين ألاعمال‬ ‫املخرج‬

‫العنوان‬ ‫التابعة‬

‫توفيق الجبالي‬

‫العنف‬

‫الفاضل الجعايبي وجليلة بكار‬

‫ثنايا القمر‬

‫فتحي العكاري‬

‫ثورة الياسمين‬

‫فتحي العكاري‬

‫تسونامي‬

‫الفاضل الجعايبي وجليلة بكار‬

‫إبراهيم الثاني‬

‫محمد منير العرقي‬

‫بالتو‬

‫غازي الزغباني‬

‫حين رأيتك‬

‫صالح الفالح‬

‫برج لوصيف‬

‫الشاذلي العرفاوي‬

‫ألهاكم التكاثر‬

‫نجيب خلف هللا‬

‫ّ‬ ‫واملؤسسات الداعمة للتنوير‪:‬‬ ‫‪ -1-3-1‬تحرير الهياكل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تأسيسية‬ ‫والتنظيمية كإصالحات‬ ‫التشريعية‬ ‫شرعت وزارة الثقافة خالل سنة ‪ 2013‬في إنجاز عدد من إلاصالحات‬ ‫ّ‬ ‫والشمولية والاستمر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للمؤسسات‬ ‫القانونية‬ ‫ارية الالزمة‪ ،‬تهدف إلى تطوير املنظومة‬ ‫عملية إصالح العمق‬ ‫تمنح كل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التصرف املالئمة التي تؤهلها ملواكبة‬ ‫التطورات التي يشهدها القطاع‬ ‫املرجعية قصد تمكينها من آليات‬ ‫الثقافية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملؤس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتشريعية على وجه‬ ‫الهيكلية‬ ‫ساتية وببرامج عملها ‪ .‬شملت إلاصالحات‬ ‫التنظيمية‬ ‫الثقافي وترتقي بقدراتها‬

‫الثقافية‪ ،‬فضال عن عدد من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية املرجع ّية‬ ‫املؤسسات‬ ‫والجهوية املعتنية باملسائل‬ ‫املركزية‬ ‫الخصوص‪ ،‬الهياكل‬ ‫وبعض القطاعات ّ‬ ‫الفنية والتي يمكن حوصلة أبرزها فيما يلي ‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫● تطوير التنظيم إلادار ّي‬ ‫للتوجه الرامي إلى دفع‬ ‫تكريسا‬ ‫الجهوية للثقافة‬ ‫املندوبيات‬ ‫واملالي وطرق تسيير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية‪.‬‬ ‫الالمركزية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية لحقوق‬ ‫املؤسسة‬ ‫الثقافية الداعمة للثقافة وللفكر التنوير ّي‪ ،‬منها‬ ‫املؤسسات‬ ‫● إحداث شبكة من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني للسينما والصورة‪.‬‬ ‫املؤلف والحقوق املجاورة‪ ،‬واملركز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفني‪ ،‬خارج البحث عن الوالءات‪.‬‬ ‫ألادبي‬ ‫● ضبط شروط وطرق تدخل صندوق التشجيع على إلابداع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جهوية‬ ‫تشجع على املطالعة على غرار "ربيع الكتاب التونس ّي"‪ ،‬وتظاهرات‬ ‫ثقافية جديدة‬ ‫● بعث تظاهرات‬ ‫مثل"‪ 24‬ساعة مسرح" بالكاف‪ ،‬مهرجان "ربيع املسرح املحترف بصفاقس"‪ ،‬مهرجان "نيابوليس الدولي ملسرح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولي ملسرح الطفل بتونس‪ ،‬مهرجان الربيع‬ ‫الدولي ملسرح الطفولة‪ ،‬مهرجان‬ ‫الطفل" بنابل‪ ،‬مهرجان أكودة‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مسرحا"‪.‬‬ ‫لفن العرائس‪ ،‬وتظاهرة "الشعب يريد‬ ‫‪26‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‪ ،‬نشير إلى مقارنة في مجال النشر مثال‪ ،‬فقد ّ‬ ‫لكي نفهم الفارق‬ ‫تعرضت حركة النشر قبل‬ ‫النوعي في املشهد‬ ‫الثورة إلى عديد التضييقات‪ ،‬وأحصت ابطة ّ‬ ‫الكتاب ألاحرار‪ ،‬حظر ‪ 10‬كتب في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة‪،‬‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫وتطور ًّ‬ ‫وأكثر من ‪ 50‬بين كتب وصحف وروايات في فترة حكم بن علي‪ .‬بعد الثورة ّ‬ ‫جزئيا عدد دور‬ ‫تحررت الطاقات‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫النشر ‪ ،‬حيث ارتفعت بنسبة ‪ % 15‬أي ارتفع عددها من ‪ 120‬دار نشر قبل ‪ 14‬يناير إلى ‪ 150‬دار نشر تغطي كل‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫سنويا بزيادة ‪ .% 70‬عرفت تونس خالل السنوات الس ّت‬ ‫تقريبا‪ .‬وارتفع عدد العناوين املطبوعة‬ ‫التونسية‬ ‫الواليات‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‪ ،‬من بينها ‪ً 202‬‬ ‫التي تلت الثورة‪ ،‬صدور ‪ً 288‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية و‪ 86‬مؤلفا‬ ‫كتابا باللغة‬ ‫كتابا تعلقت مضامينها بالثورة‬

‫أجنبية‪ ،‬عرفت كتب الثورة في تونس ذروتها في سنة ‪ 2011‬بصدور ‪ 103‬كتب ّ‬ ‫تتوزع بين ‪ً 62‬‬ ‫َّ‬ ‫كتابا باللغة‬ ‫بلغات‬ ‫ّ‬ ‫العربية و‪ً 41‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أجنبية‪ً ،‬‬ ‫علما أن مجموع املؤلفات املنشورة بشكل عام في تونس بين سنتي ‪ 2010‬و‪،2016‬‬ ‫كتابا بلغات‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ّ .‬‬ ‫إصدارا من بينها حوالي ‪ 8‬آالف ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫تصدرت تونس قائمة البلدان التي أصدرت مؤلفات‬ ‫كتابا باللغة‬ ‫يفوق ‪10500‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كتابا من ضمنها ‪ً 148‬‬ ‫العربي بـ ‪ً 235‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫أجنبية‪ .‬وتتعلق أهم‬ ‫عنوانا بلغات‬ ‫العربية مقابل ‪87‬‬ ‫كتابا باللغة‬ ‫حول الربيع‬

‫ّ‬ ‫املضادة ّ‬ ‫املواضيع املطروحة في مختلف هذه الكتب بالثورة والانتقال الديمقر ّ‬ ‫وحرّية التعبير‪،‬‬ ‫اطي‪ ،‬وإلاعالم والثورة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(اقتصادية‪،‬‬ ‫السياسيين‪ ،‬ودراسات حول فترة ما بعد الثورة‬ ‫خاصة باملساجين والالجئين‬ ‫فضال عن مذكرات وتراجم‬ ‫مواضيع ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ ،‬إلى جانب‬ ‫بالتطرف‬ ‫متصلة‬ ‫سياسية‪ ،‬بطالة وتشغيل‪ ،) ...‬كما طرحت بعض إلاصدارات‬ ‫اجتماعية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫التونسية‪.‬‬ ‫أشعارا حول الثورة‬ ‫تتضمن‬ ‫صدور كتب‬ ‫َّ‬ ‫ألادبية املختلفة‪ ،‬حتى صرنا نسمع ّ‬ ‫شهدت تونس ّ‬ ‫َّ‬ ‫أن هذا‬ ‫تطو ًرا في إصدار الكتب‪ ،‬تجلت في ارتفاع عدد إلانتاجات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤلفه مر ً ا وتكر ً ا‪ ،‬وصرنا نرى محاوالت للنشر هنا وهناك في ّ‬ ‫شتى مجاالت املعرفة‬ ‫املؤلف أو ذاك أعاد طباعة‬ ‫ار‬ ‫ار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفن‪ ،‬بسبب مناخ ّ‬ ‫ألادبية‬ ‫مقص الرقيب‪ .‬وكشفت التجارب‬ ‫حرّية التعبير‪ ،‬وسهولة نشر الكتب‪ ،‬وغياب‬ ‫وألادب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النوعي‪ ،‬وعن إضافات على مستوى املعجم اللغو ّي املعتمد أو على مستوى التقنيات‬ ‫والروائية عن نوع من التراكم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخارجية‬ ‫الفنية أو على مستوى املوضوعات‪ ،‬كسرت تقريبا كل التابوات وتجاوز كل املعيقات السابقة أو الرقابة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السردية ّ‬ ‫سماها البعض‬ ‫والذاتية‪ .‬أصبح بإمكان ألاديب التونس ّي أن يكتب في كل ش يء‪ ،‬وظهرت موجة من الكتابات‬ ‫بأدب السجون‪ ،‬أغلبها حكايات املساجين في عهد بورقيبة وبن علي‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫السردية بعمقها (جدول رقم ‪.)5‬‬ ‫تميزت الكتابات‬ ‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 5‬‬ ‫الروائية بعد ‪2011‬‬ ‫عينة من ألاعمال‬ ‫املؤلف‬

‫عنوان الرواية‬ ‫ماكينة السعادة‬

‫كمال الزغباني‬

‫الطلياني‬

‫شكري املبخوت‬

‫أشواك وياسمين‬

‫حسونة املصباحي‬

‫جحر الضب‬

‫نورالدين العلوي‬

‫سنوات البروستاتا‬

‫الصافي سعيد‬

‫عواطف وزوارها‬

‫الحبيب السالمي‬

‫كوازكي‬

‫توفيق بن بريك‬ ‫‪27‬‬


‫الغوريال‬

‫كمال الرياحي‬

‫جرحى السماء‬

‫أم الزين بنشيخة‬

‫انتماء‬

‫لطفي السنوس ي‬

‫ّ‬ ‫التكنولوجيات الحديثة مثل مكتبة‬ ‫وال يفوتنا إلاشارة إلى بعض املكتبات التي تساهم في حركة التنوير وتعتمد‬ ‫ّ‬ ‫"املعز" باملنزه ومكتبة "الكتاب" بشارع بورقيبة وغيرها كثير‪.‬‬ ‫"آرليبيريس" بقرطاج ومكتبة "ألف ورقة" باملرس ى ومكتبة‬

‫ومن الواضح ّ‬ ‫أن اعتماد هؤالء الكت ّبيين على التكنولوجيا الحديثة (مواقع واب‪ ،‬وصفحات فايسبوك ‪ّ )...‬بوأهم موقع‬ ‫الريادة وأعطاهم ً‬ ‫تم تحريرها من قبضة التوظيف والهرسلة إلاد ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفكرية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ارية‬ ‫الثقافية‬ ‫سبقا‪ .‬ومن بين الهياكل‬ ‫واملضمونية‪ ،‬سنشير باختصار شديد إلى بعض ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‪:‬‬ ‫املرجعية في املجال‬ ‫املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫الدولي للكتاب‪:‬‬ ‫▪ معرض تونس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫سنوية كبيرة للكتاب‬ ‫سنويا منذ سنة ‪ ،1982‬وهو مكتبة‬ ‫وثقافيا‪ ،‬ينظم‬ ‫تجاريا‬ ‫يعتبر معرض تونس للكتاب فضاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية من الثقافة‪ ،‬يحرص املعرض من خالل دوريته وفاعلياته على العمل أن يصبح الكتاب‬ ‫تمثل زاد العائلة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫اليومي‪ .‬مثل معرض الكتاب في تونس فرصة لتجسيد مبادئ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحرّية التي ُرفعت شعاراتها‪،‬‬ ‫املواطني‬ ‫جزءا من السلوك‬ ‫ّ‬ ‫مقص الرقيب‪ ،‬واستقبل كل دور النشر بما فيها التي كانت ممنوعة‬ ‫وفتح أبوابه للجميع بدون استثناء‪ ،‬ومنع استعمال‬ ‫ّ‬ ‫العربية ّ‬ ‫حرّية في تقديم الكتب وبيعها‪ ،‬ال يوجد إقصاء ألي عنوان في تونس‬ ‫في فترة بن علي‪ ،‬وهو من أكثر املعارض‬ ‫ّ‬ ‫العربية‬ ‫بعد الثورة؛ إذ ال يمكن منع أي كتاب إال عن طريق القضاء‪ ،‬وهذه ميزة في معرض تونس دون املعارض‬ ‫ألاخرى‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املجمع التونس ّي للعلوم وآلاداب والفنون (بيت الحكمة)‪:‬‬ ‫▪‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬وتجميع مواردها‪ ،‬والعناية‬ ‫أساسا بتطوير علوم اللغة‬ ‫املجمع‬ ‫أنشئت بيت الحكمة سنة ‪ ،1983‬يهتم هذا‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫وتهتم بيت الحكمة بترجمة املؤلفات‬ ‫والحضارية لتونس‪.‬‬ ‫الثقافية‬ ‫الخصوصيات‬ ‫ونشرا‪ ،‬لترسيخ‬ ‫وتحقيقا‬ ‫بالتراث بحثا‬ ‫ّ‬ ‫ألادبية أو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاجنبية إلى العربية والعكس‪ ،‬وتساهم في العناية بالتراث في‬ ‫الفنية من اللغات‬ ‫العلمية أو‬ ‫ذات القيمة‬ ‫الفنية في ّ‬ ‫ّ‬ ‫شتى الاختصاصات‪ .‬وباإلضافة‬ ‫مجاالت البحث والنشر وتأليف املعاجم واملوسوعات‪ ،‬وتعريب املصطلحات‬ ‫ّ‬ ‫الدولية‪ ،‬بمشاركة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫عدة‬ ‫ودولية‪ ،‬أبرزها ملتقيات قرطاج‬ ‫وطنية‬ ‫علمية‬ ‫دوريا ملتقيات‬ ‫ينظم املجمع‬ ‫إلى ذلك ِّ‬ ‫متخصصين من ذوي إلاشعاع َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافية‬ ‫الفكرية‬ ‫الدو ّلي الكبير الذين يدعوهم املجمع إلى التباحث في أبرز القضايا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العالمي‪ .‬وفي هذا إلاطار‪ ،‬استطاعت "بيت الحكمة" إصدار الكثير من‬ ‫والحضارية املثارة على املستويين املحلي أو‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية العالية وإلاخراج ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفني ّ‬ ‫الرفيع بلغ عددها ‪ 189‬مؤل ًفا تناولت سائر مجاالت املعرفة بثالث‬ ‫املؤلفات ذات القيمة‬ ‫‪21‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ة‪/‬إلانجليزية) مع الحرص على إلافادة من اللغات ألاخرى‬ ‫واليابانية‪ .‬وقد حرص املرحوم‬ ‫ألاملانية‬ ‫ة‪/‬الفرنسي‬ ‫(العربي‬ ‫لغات‬

‫‪ 21‬تنطوي تسمية بيت الحكمة على بعد تاريخي يعود إلى القرن الثالث الهجري املوافق ّ‬ ‫للتاسع امليالدي تاريخ تأسيس بيت الحكمة الافريقي بالقيروان حوالي‬ ‫‪264‬هـ‪878/‬م‪ .‬هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي عامة‪.‬‬ ‫العربي‬ ‫العلمية العريقة التي أقامت الدليل مثلها كمثل بيت الحكمة في بغداد على مكانة العلم واملعرفة في التاريخ‬ ‫املؤسسة‬

‫‪28‬‬


‫محمد الطالبي على إدماج املجمع في املسار الديمقر ّ‬ ‫اطي الذي دخلت فيه تونس بعد ثورة الكرامة‪ ،‬وأن ال يخضع‬ ‫فوقية وأن يبقى منارة ّ‬ ‫املجمع ألي وصاية ّ‬ ‫علمية فحسب(جدول رقم ‪.)6‬‬ ‫جدول رقم ‪ّ 6‬‬ ‫عينة من منشورات املجمع التونس ّي للعلوم وآلاداب والفنون بعد ‪2011‬‬ ‫ّ‬ ‫مجموعة مؤلفين‬

‫ّ‬ ‫املؤلف‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنويرية‬ ‫املؤلفات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والداللية في النصف‬ ‫اللسانية‬ ‫النظريات‬ ‫إطالالت على‬ ‫الثاني من القرن العشرين‬

‫ّ‬ ‫مجموعة مؤلفين‬

‫ّ‬ ‫التونسية‬ ‫املوسوعة‬

‫فاطمة ألاخضر‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفرنسية‬ ‫العربية في اللغة‬ ‫الكلمات‬

‫محمود طرشونة‬

‫مائة ليلة وليلة‬

‫▪ معهد تونس للترجمة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫عنوانا‪ ،‬لئن ّ‬ ‫مثلت الترجمة ّ‬ ‫توجه املركز‬ ‫أهم نشاط للمعهد منذ إحداثه سنة ‪ 2006‬وبلغ إجمالي عدد إصداراته ‪107‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاجنبية ألاخرى‬ ‫يتوان عن الترجمة إلى اللغات‬ ‫العربية من غيرها من اللغات فإنه لم‬ ‫أكثر إلى الترجمة إلى اللغة‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫إسبانية – ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫عنوانا‪،‬‬ ‫أملانية)‪ .‬أصدر خالل سنة ‪ 2016‬ما يفوق خمسة وعشرين (‪)25‬‬ ‫إيطالية –‬ ‫انكليزية –‬ ‫(فرنسية –‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساسية‬ ‫العربية‪ ،‬وهو وسيلة عمل‬ ‫إلاسالمية إلى اللغة‬ ‫وللمعهد مشاريع ضخمة لعل أبرزها ترجمة دائرة املعارف‬ ‫العربية‪ ،‬في سياق ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يهدد فيه الانغالق‬ ‫إلانسانية في كل الجامعات‬ ‫الجامعي في مجال العلوم‬ ‫ومهمة في البحث والتدريس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتكنولوجية‪ ،‬ويحتاج فيه املسلمين إلى رؤية مغايرة لتراثهم وتاريخهم‪ .‬ويستعد‬ ‫املعرفية‬ ‫الفكر ّي بهدم كل املكتسبات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫متخصص في بيع الكتب املترجمة وكل ما يتعلق بالترجمة من منشورات (املجالت‬ ‫املعهد الفتتاح ّأول فضاء بيع‬ ‫ّ‬ ‫والبرمجيات‪ .)...‬وسبق للمعهد أن نال جوائز ّ‬ ‫ّ‬ ‫عاملية كبرى عن كتب وموسوعات (جدول رقم ‪.)7‬‬ ‫والدوريات‬ ‫جدول رقم ‪ّ 7‬‬ ‫عينة من منشورات معهد تونس للترجمة بعد ‪2011‬‬ ‫ّ‬ ‫املؤلف‬

‫ّ‬ ‫التنويرية‬ ‫املؤلفات‬

‫املترجم‬

‫جون سورل‬

‫بحث في فلسفة اللغة‬

‫أميرة غنيم‬

‫رونالد دووركين‬

‫أخذ الحقوق على محمل ّ‬ ‫الجد‬

‫منير الكشو‬

‫جون جاك روسو‬

‫محاولة في أصل اللغات‬

‫جالل الدين سعيد‬

‫‪29‬‬


‫ّ‬ ‫الشبابية وإطالق الطاقات‪:‬‬ ‫‪ -2-3-1‬الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫تخلص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي طفرة‬ ‫الطبيعي أن يعيش الحقل‬ ‫الذاتية‪ ،‬وكان من‬ ‫املثقف التونس ّي من معضلة القمع والرقابة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تصحر ّ‬ ‫ثقافي وسياس ّي‪ .‬كان الجيل الشاب يطمح‬ ‫إبداعية كتجسيم لحالة الانعتاق والرغبة في تعويض ما فات من‬ ‫للعب دور أكبر وإحداث تغيير جذر ّي في طبيعة النشاط الثقافي التونس ي‪ ،‬فكان بروز ما اصطلح على تسميته "بالثقافة‬ ‫ّ‬ ‫للتحول إلى أحد ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحائطية أو “الغرافيتي” تجاوزت الشعارات املفرغة‬ ‫أهم وسائل مقاومة‬ ‫البديلة"‪ ،‬من بينها الرسومات‬ ‫ّ‬ ‫شبابية كمجموعة "أهل الكهف" و"زواولة" و"حركة شباب تونس"‬ ‫الشباب وتبليغ آرائهم للجميع‪ .22‬نشأت مجموعات‬ ‫وفلسفية ًّ‬ ‫التي جعلت من "الغرافيتي" امللتزم والحامل ملعاني ّ‬ ‫ّ‬ ‫فنا ووسيلة تعبير تتمحور حول مفاهيم ّ‬ ‫الحرّية‬ ‫ثورية‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية وقداسة الثورة والنضال من أجل هذه القيم‪ ،‬متناولة قضايا‬ ‫وحق إلانسان في العيش الكريم والسيادة‬ ‫الشبابية أن تجد في شبكة إلانترنت مجاال ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حيويا ال‬ ‫الاجتماعية وشهداء الثورة و املحاسبة‪ .‬استطاعت الثقافة‬ ‫العدالة‬ ‫ّ‬ ‫ثقافية ومجموعات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلامكانيات ّ‬ ‫أدبية عديدة‪ ،‬كما‬ ‫مما أدى إلى بروز صفحات‬ ‫تحكمه القيود وال يتطلب الكثير من‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي والسياس ّي في البالد‬ ‫انتشرت على الفايسبوك واليوتيوب العديد من الصفحات واملقاطع التي تتناول الشأن‬ ‫السياسية في إطار كاريكاتوري ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫شد‬ ‫بكل جرأة وصراحة‪ ،‬منها سلسلة "كابتن خبزة" التي تناولت بالنقد جميع الوجوه‬

‫َّ‬ ‫الخاصية الثانية ّ‬ ‫ّ‬ ‫املميزة لثقافة الشباب‪ ،‬تتمثل في فضاءات العرض‪ ،‬حيث لم تعد املسارح ودور الثقافة‬ ‫الانتباه‪.‬‬ ‫الثقافي‪ ،‬بل ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫جذريا في مفهوم‬ ‫تغييرا‬ ‫تحولت املقاهي والشوارع إلى دور عرض‪ ،‬وهو ما أحدث‬ ‫وحدها حاضنة للنشاط‬ ‫"فني رغما ّ‬ ‫الثقافية‪ ،‬وكان ملجموعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫عني" نشاط كثيف في‬ ‫فتحولت العديد من املقاهي إلى ما يشبه املراكز‬ ‫الثقافة‪،‬‬

‫ّ‬ ‫الداخلية (توزر‪ -‬قفصة‪-‬‬ ‫الشارع معتمدة على مبدأ العروض املفتوحة للعموم‪ ،‬وتنشيطها في العاصمة وفي الجهات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التقليدية من مهرجانات ومسارح ودور‬ ‫الثقافية من فرض مشاركاتها في الفضاءات‬ ‫وغيرها)‪ .‬وتمكنت هذه ألانشطة‬ ‫ثقافة‪ ،‬وأن تدخل ضمن برمجة العديد من املهرجانات خصوصا عروض الراب التي أصبحت تجتذب شريحة واسعة‬ ‫من الشباب التونس ّي‪.‬‬

‫‪ -2‬منابت الفكر التنوير ّي في الفضاء التونس ّي‬ ‫ّ‬ ‫النقدي‪:‬‬ ‫‪ -1-2‬تأسيس الجامعة وبوادر الفكر‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدريسا وبحثا‪ ،‬بما ساهم في‬ ‫الجامعي‪،‬‬ ‫التونسية في وضع قواعد سليمة للتكوين‬ ‫املؤسسون للجامعة‬ ‫نجح آلاباء‬ ‫ً‬ ‫املعرفي ًّ‬ ‫ّ‬ ‫وتنويعا وجودة‪ ،‬وفي تأهيل أعداد متعاقبة من الخريجين أشعوا على املجتمع والبالد‬ ‫كما‬ ‫الارتقاء بالتحصيل‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتنويرا‪ ،‬بما اكتسبوه من فكر ّ‬ ‫ً‬ ‫التونسيين‬ ‫الجامعيين‬ ‫حر ناقد وعقل باحث مبدع‪ .‬وقد آلت إسهامات عدد من‬ ‫تكوينا‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجامعية‪ .‬ومثلت الجامعة خزان الدولة لتثبيت‬ ‫الجامعية وغير‬ ‫الدولية‬ ‫وإشعاعهم إلى تتويجهم على الساحة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفكرية‪ ،‬ورغم حرص‬ ‫العلمية‬ ‫مؤسساتها وهياكلها باإلطارات السامية‪ ،‬وتغذية هياكل املجتمع ومكوناته بالكفاءات‬ ‫وظيفية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعي‪.‬‬ ‫الثقافي‬ ‫تقنية‪ ،‬وفصلها عن محيطها‬ ‫العمومية على تحييد الجامعة واختزالها في مهام‬ ‫السلط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجنوبية‪ ،‬مداخلة في املؤتمر السادس لقضايا الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية الذي نظمه‬ ‫الحديدية بتونس‬ ‫‪ 22‬محرز الدريس ي‪ ،‬الغرافيتي‪ :‬دراسة شعارات الشباب في خط السكة‬ ‫ّ‬ ‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات بعنوان "الجيل والانتقال الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربي" أيام ‪ 24-23-22‬سبتمبر –أيلول ‪ 2017‬بتونس‪.‬‬ ‫اطي في الوطن‬ ‫املركز‬

‫‪30‬‬


‫وسعى النظام السياس ّي بوجوهه املختلفة وفي مناسبات عديدة إلى مراقبة الجامعة بطرق ّ‬ ‫شتى ّ‬ ‫أهمها فرض إصالحات‬ ‫الحر‪ّ ،‬‬ ‫التصرف ّ‬ ‫ّ‬ ‫مما أسهم في تراجع مردودها وأزاغها عن القيام بمهامها‬ ‫مسقطة وغير ناجعة والتضييق على هامش‬

‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاصلية‪ .‬انحسر هامش ّ‬ ‫العلمي‪ ،‬وتصاعد التضييق على الحرّيات‬ ‫ألاكاديمية في الجامعات ومراكز البحث‬ ‫الحرّيات‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وظيفية على مستوى‬ ‫ألاكاديمية منذ تسعينات القرن املاض ي أكثر مما كان مضيقا عليها من قبل‪ ،‬أفرزت اختالالت‬ ‫مما ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫والبحثية‪ .‬وفي هذا السياق نذكر‬ ‫التعليمية‬ ‫الجامعية في مختلف الاختصاصات‬ ‫يهدد العالقات‬ ‫العالقات‬ ‫الجامعية ّ ِّ‬ ‫والاجتماعية (سيراس)‪ ،‬الذي شهد تر ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫حقيقيا في مستوى املادة‬ ‫اجعا‬ ‫مثال مركز الدراسات والبحوث الاقتصا ّدية‬ ‫العلمية التي ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫خاصة في ظل نظام حكم‬ ‫سياسية‬ ‫يقدمها وينتجها بسبب إفراغه من باحثيه ألسباب‬ ‫البحثية واملعارف‬

‫بن علي ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫الجامعية اختراق هذا "السياج" الشديد والسقف‬ ‫ورغم الضغوطات والهرسلة فقد استطاعت بعض النخب‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النقدي ّ‬ ‫وتمردت على مربع الدور‬ ‫املحدد‪ ،‬فقد صدرت العديد من املجالت منذ سنة ‪1963‬‬ ‫الضاغط ومارست دورها‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫تنويرية ( املنجي الشملي‪ -‬توفيق بكار‪ -‬صالح‬ ‫جامعية‬ ‫وتضم نخبة‬ ‫النقدي‪ ،‬مثل مجلة "التجديد"‬ ‫ذات النفس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومجلة "منبر ّ‬ ‫التقدم" ‪ .‬تناولت هذه املجالت مسائل‬ ‫القرمادي‪ -‬البشير التركي‪ -‬عبد القادر املهيري)‪ ،‬ومجلة" الطليعة"‬ ‫ّ‬ ‫مجلة "منبر ّ‬ ‫التقدم" مثال مسألة الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫سياسية ولكن ذات صلة باألمور‬ ‫اطية في‬ ‫والثقافية‪ ،‬فقد تناولت‬ ‫املعرفية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مجلة "التجديد" سبل تحقيق الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية الخالقة‪،‬‬ ‫إلاعالمي في العدد (‪ ،)21‬كما تناولت‬ ‫العدد (‪ ، )2‬وفضح التعتيم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وخصصت العدد (‪ )10‬ملوضوع دور رجل الفكر في تونس‪ ،‬وفي‬ ‫وتكوين املفكر ألاصيل في خدمة الشعب في العدد (‪،)1‬‬ ‫التونسية من حيث عدد ّ‬ ‫َّ‬ ‫املثقفين وقيمتهم وأثرهم‪ .‬وفي بداية الستينات‬ ‫العدد (‪ ،)9‬أثارت عوائق ضعف الثقافة‬ ‫والهيمنية للدولة كتب املثقف الهاشمي البكوش ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫كتابا صدر في فرنسا حول‬ ‫"إيديولوجية‬ ‫الاستبدادية‬ ‫وظهور النزعة‬ ‫الاستقالل والدولة الجديدة" حيث طالب بتعويض دولة ّ‬ ‫القوة بدولة القانون‪ ،‬وهو كتاب ّ‬ ‫مهم وئد في املهد‪ .‬ونشرت‬ ‫ّ‬ ‫الجامعية عرائض رافضة لالبتذال املسر ّ‬ ‫حي (سنة ‪ ،)1966‬وعريضة أخرى (سنة ‪ ) 1970‬أمض ى عليها ‪ 49‬من‬ ‫النخبة‬ ‫ّ‬ ‫الجامعية ّ‬ ‫الفرنسية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحديدي‬ ‫ضد الستار‬ ‫وعد ّأول بيان للنخبة‬ ‫املثقفين نشرت في صحيفة "لوموند ديبلوماتيك"‬ ‫على الفكر والثقافة‪.‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫املثقفة وامتداد أفرادها واختصاصاتها‪ ،‬برزت أنماط جديدة من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاكاديميين‪،‬‬ ‫املثقفين‬ ‫ومع نشأة النخبة الجامعية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمؤسسات ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية لحقوق‬ ‫وحقوقية مثل تأسيس الرابطة‬ ‫مدنية‬ ‫املدني وتعزيزه‬ ‫الذين ساهموا في تحريك املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية للمحامين من السلطة باحترام شرف املهنة( سنة ‪ ،)1977‬وتأسيس‬ ‫إلانسان‪ ،‬ومطالبة عمادة ألاطباء والهيئة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫مغربية" و"نادي املرأة بمركز الطاهر الحداد"‪ .‬ويعكس بروز الجمعيات‬ ‫الثقافية مثل "لقاءات‬ ‫العديد من الجمعيات‬ ‫ّ‬ ‫املستقلة في أواخر السبعينات وبداية الثميننيات ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعياتي‬ ‫الجامعية‪ ،‬كل هذا الزخم‬ ‫نوعا من اليقظة للنخبة‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والصحفي والسياس ّي‪ ،‬شكلت مرحلة "اختمار" للنفس التنوير ّي‪ .‬انبثقت النخبة املنتجة للمعرفة في‬ ‫والنقابي‬ ‫َّ‬ ‫السبعينات مع بروز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومعرفية َّ‬ ‫عامة‪ ،‬غذت‬ ‫ثقافية‬ ‫ومتنوعة لبلورة مواقف‬ ‫معرفية‬ ‫جامعيين ‪ ،‬منتجة ألحواض‬ ‫مثقفين‬

‫املجتمع بعدد ال بأس به من ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وفكرية من‬ ‫حضارية‬ ‫املعرفي في قضايا‬ ‫املثقفين امللتزمين بقضايا الشعب‪ ،‬ومارست عملها‬ ‫ّ‬ ‫املتكلسة‪.‬‬ ‫تفكيك العقل ونقد القيم ِّ‬ ‫‪31‬‬


‫ّ‬ ‫الجامعية ضمير املجتمع وحاملة التنوير‪:‬‬ ‫‪ -2-2‬النخبة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي والتراث‬ ‫الفكرية التي ازدهرت‪ ،‬تنامي الدراسات التي تتناول الفكر‬ ‫الجامعية ذات ألابعاد‬ ‫من بين املجاالت‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫لإلسالميات‬ ‫التونسية‬ ‫تنويريا‪ ،‬عرفت "بمدرسة تونس في دراسة التراث" أو "املدرسة‬ ‫خطابا‬ ‫والنص‪ ،‬أنتجت‬ ‫والقرآن‬

‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫الحضارية" في َّ‬ ‫َّ‬ ‫كليات‬ ‫وأساسا في قسم "الدراسات‬ ‫التونسية‬ ‫التطبيقية"‪ ،‬نشأت هذه املدرسة في أحضان الجامعة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ألاكاديمية‬ ‫إلانسانية بمنوبة وتونس العاصمة وسوسة وصفاقس والقيروان‪ ،‬إضافة لألعمال‬ ‫آلاداب والعلوم‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫والقانوني إلاسال ّ‬ ‫ّ‬ ‫مي‪ .‬من‬ ‫الفقهي‬ ‫السياسية واملتعلقة بالتراث‬ ‫الجامعية التي تصدرها كلية الحقوق والعلوم‬ ‫وألابحاث‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسة لهذه املدرسة‪ ،‬نذكر على سبيل املثال محمد الشرفي وعبد املجيد الشرفي واملنصف عبد الجليل‬ ‫الوجوه‬ ‫ّ‬ ‫ومحمد الطالبي وعياض بن عاشور وحمادي الرديس ي وغيرهم من الباحثين‪ّ .‬‬ ‫تميز هذا الاتجاه ألاكاديمي بدراسة‬ ‫ّ‬ ‫الزيتونيون‬ ‫إلاسالم في مجال التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع والحضارة‪ ،‬وأسهمت هذه الدراسات إلى جانب ما أنجزه‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إسالمي تنوير ّي ال‬ ‫إلاسالمي‪ .‬وعملت على إنتاج "ابستيمية" جديدة وإحياء‬ ‫في بلورة مدرسة تونس في تحليل الفكر‬ ‫ّ‬ ‫الفقهية باجتهادات جديدة مستثمرة ألادوات الحديثة‬ ‫يقطع مع الدين بل يقرأ الدين‪-‬إلاسالم والتراث والترسانة‬ ‫إلانسانية‪ ،‬والنظر إلى إلاسالم من زوايا ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملوضوعية لتحقيق نتائج تبدو‬ ‫متعددة في ظل الحياد‬ ‫ومطبقة أدوات العلوم‬ ‫َّ‬ ‫ويتضمن (الجدول رقم ‪ّ )8‬‬ ‫الفكرية َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫املهمة‪:‬‬ ‫عينة من إلاصدارات‬ ‫إلاسالمي الحديث واملعاصر‪.‬‬ ‫فريدة في الفكر‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 8‬‬ ‫لإلسالميات‬ ‫عينة من مؤلفات مدرسة تونس‬ ‫ِّ‬ ‫املؤلف‬ ‫محمد الشرفي‬ ‫عبد املجيد الشرفي‬

‫املؤلفات التنويرية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخي‬ ‫والحرّية‪ :‬الالتباس‬ ‫إلاسالم‬ ‫إلاسالم والحداثة‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫تحديث الفكر‬ ‫إلاسالم بين الرسالة والتاريخ‬

‫وحيد السعفي‬

‫مواقف من أجل التنوير‬

‫ألفة يوسف‬

‫حيرة مسلمة‬

‫آمال قرامي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جندرية‬ ‫إلاسالمية‪ :‬دراسة‬ ‫الاختالف في الثقافة العربية‬

‫رجاء بن سالمة‬

‫نقد الثوابت‬

‫حمادي الرديس ي‬

‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫الاستثناء‬

‫َّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فكرية أثثها العديد من‬ ‫التطبيقية"‪ ،‬بل شمل حركة‬ ‫لإلسالميات‬ ‫لم يقتصر التفكير التنوير ّي على "مدرسة تونس‬ ‫ّ‬ ‫املفكرين املرموقين سواء من إلاطار ألاكاديمي أو من خارجه‪ ،‬ويعرض (الجدول رقم ‪ّ 9‬‬ ‫)عينة من الكتابات التي نقدت‬

‫ثقافي عام ّ‬ ‫َّ‬ ‫التقليدي‪ ،‬وأفضت إلى بروز خطاب تج ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية‬ ‫يشجع على الحوار واملراجعات‬ ‫وحس‬ ‫ديدي‬ ‫الديني‬ ‫الفكر‬ ‫َّ‬ ‫والنقدية‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫ّ‬ ‫املؤلف‬

‫جدول رقم ‪ 9‬عينة من املنشورات التنويرية‬

‫محمد الطالبي‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنويرية‬ ‫املؤلفات‬

‫مرافعة من أجل إسالم معاصر‬ ‫ّ‬ ‫كونية القرآن‬ ‫ليطمئن قلبي‬ ‫أفكار مسلم معاصر‬

‫أبو يعرب املرزوقي‬

‫آفاق النهضة العربية ومستقبل إلانسان في ّ‬ ‫مهب العوملة‬ ‫الثورة القر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‬ ‫آنية وأزمة التعليم‬

‫احميدة النيفر‬

‫وجها لوجه‪ :‬التفاسير القر ّ‬ ‫إلانسان والقرآن ً‬ ‫آنية املعاصرة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫الديني والتراث‬ ‫النص‬

‫هشام جعيط‬

‫أوروبا وإلاسالم‪ :‬صدام الثقافة والحداثة‬ ‫ّ‬ ‫الفتنة‪ :‬جدلية الدين والسياسة في إلاسالم املبكر‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫أزمة الثقافة‬

‫راشد الغنوش ي‬

‫الحرّيات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫العامة في الدولة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني‬ ‫العلمانية واملجتمع‬ ‫مقاربات في‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية ومسألة التغيير‬ ‫الحركة‬ ‫خالفة إلانسان بين الوحي والعقل‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية بين املسلمين‬ ‫دور حرية الرأي في الوحدة‬

‫عبد املجيد النجار‬

‫الشهود الحضاري ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫لألمة‬

‫ّ‬ ‫والبحثية بعد الحراك السياس ّي‪ ،‬لم تقتصر على املنجز السياس ّي‪ ،‬وإنما ام َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تد إلى‬ ‫التنويرية‬ ‫ونشرت العديد من املؤلفات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توجه القوى ا ّ‬ ‫ّ‬ ‫لحية‬ ‫والتحديات‬ ‫الهوية وإلاسالم والفلسفة‪،‬‬ ‫الثقافي وألاسئلة املتعلقة بقضايا‬ ‫الحراك‬ ‫َّ‬ ‫والفاعلة في املجتمع‪ ،‬ويتناول (الجدول رقم‪ّ )11‬‬ ‫الفكرية بعد ‪.2011‬‬ ‫عينة من إلاصدارات‬ ‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 11‬‬ ‫تنويرية بعد ‪2011‬‬ ‫عينة من منشورات‬ ‫املؤلف‬ ‫جالل الدين سعيد‬

‫املؤلفات التنويرية‬

‫ناجية الوريمي بوعجيلة‬

‫الرغبة وألاخالق في فلسفة سبينوزا‬ ‫ّ‬ ‫املبكر‬ ‫زعامة املرأة في إلاسالم ِّ‬ ‫أسمالية والاشتراكيةّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالم بين الر‬

‫عياض بن عاشور‬

‫ّ‬ ‫إسالمي‬ ‫ثورة في بلد‬

‫عبد الوهاب بوحديبة‬

‫إلانسان في إلاسالم‬ ‫ّ‬ ‫إسالمي جديد الرسالة الشريعة املجتمع‬ ‫نحو أفق‬

‫عبد املجيد الشرفي‬

‫الثورة والحداثة وإلاسالم‬

‫عياض بن عاشور‬

‫الفاتحة ألاخرى‬

‫رضا خالد‬

‫رضا خالد‬

‫‪33‬‬


‫زهير الخويلدي‬

‫القدر وأزمة ّ‬ ‫الحرية عند املسلمين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فلسفية‬ ‫العربية وإرادة الحياة‪ ،‬مقاربة‬ ‫الثورة‬

‫محمد القوماني‬

‫ما بعد العلمنة وألاسلمة‬

‫فرج بلحاج‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وإحصائيات‪:‬‬ ‫مؤشرات‪،‬‬ ‫‪ -3-2‬الجامعة ‪ِّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دعمت ّ‬ ‫ّ‬ ‫تؤثر مرحلة الانتقال الديمقر ّ‬ ‫العمومي تحسين مؤشرات التعليم‬ ‫الحرّية التي ّميزت الفضاء‬ ‫اطي في‬ ‫الجامعي ولم ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫املؤشرات‬ ‫تزايد أعداد الوافدين على مختلف الاختصاصات‬ ‫الجامعية‪ ،‬ويكشف (الجدول رقم ‪ ) 10‬عينة دالة من ِّ‬ ‫الخاصة ّ‬ ‫َّ‬ ‫بتطور التعليم العالي‪.23‬‬ ‫ّ‬ ‫املؤشرات‬ ‫ِّ‬

‫عدد الطلبة في‬

‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 10‬‬ ‫ّ‬ ‫الجامعي‬ ‫تطور بعض مؤشرات التعليم‬ ‫‪2011-2012‬‬

‫‪2010-2011‬‬ ‫ذكور‬

‫ذكور‬

‫إناث‬

‫‪133743‬‬

‫‪130555 212133‬‬

‫‪2014-2015‬‬

‫‪2013-2014‬‬ ‫ذكور‬

‫إناث‬

‫ذكور‬

‫إناث‬

‫‪209064‬‬

‫‪119017‬‬

‫‪106810 196496‬‬

‫إناث‬ ‫‪185481‬‬

‫ّ‬ ‫العمومي‬ ‫القطاع‬ ‫عدد الطلبة في مرحلة ‪9116‬‬ ‫ّ‬ ‫البحثي‬ ‫املاجستير‬

‫‪16816‬‬

‫‪8818‬‬

‫‪18255‬‬

‫‪5931‬‬

‫‪13607‬‬

‫‪5235‬‬

‫‪12756‬‬

‫عدد الطلبة في مرحلة ‪3024‬‬

‫‪4885‬‬

‫‪3171‬‬

‫‪5007‬‬

‫‪3767‬‬

‫‪7641‬‬

‫‪3725‬‬

‫‪7756‬‬

‫الدكتوراه‬ ‫عدد الطلبة‬ ‫ّ‬ ‫املتخرجين‬

‫‪32317‬‬

‫‪53718‬‬

‫‪25602‬‬

‫‪48531‬‬

‫‪20154‬‬

‫‪41587‬‬

‫‪20214‬‬

‫‪41073‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫كما عرفت الاعتمادات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاجمالي‬ ‫املحلي‬ ‫تطورا‪ ،‬حيث كانت تمثل ‪ % 0.4‬من الناتج‬ ‫العلمي‬ ‫املخصصة للبحث‬ ‫املالية‬ ‫ّ‬ ‫وتطور عدد الباحثين من ‪ 3.1‬باملائة‬ ‫في سنة ‪ ،1998‬لتصل إلى ‪% 0.7‬من الناتج في سنة ‪ 2012‬و‪ %1‬في سنة ‪.2014‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العمومي في‬ ‫جامعي في سنة ‪ .2012‬يمثل التمويل‬ ‫على كل ‪ 1000‬جامعي في سنة ‪ 2004‬إلى ‪ 4.6‬باملائة على كل ألف‬ ‫تونس في سنة ‪ 2014‬حوالي ‪ 70٪‬من إجمالي التمويل وأن الهدف من الاستر ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي ترمي إلى‬ ‫الوطنية للبحث‬ ‫اتيجية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي في خدمة التجديد‪ ،‬وتضاعفت الاعتمادات‬ ‫العلمي وذاك بالعمل على جعل البحث‬ ‫تأمين دور فاعل للبحث‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي على الشراكات وتشجيع‬ ‫العلمي فيما بين ‪ 2010‬و‪ .2014‬ويراهن البحث‬ ‫املخصصة من الدولة للبحث‬ ‫املالية‬ ‫الخواص على بعث ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫إلانسانية التي تعتبر من أهم الاختصاصات في‬ ‫خاصة في مجاالت العلوم‬ ‫العلمي‬ ‫مؤسسات البحث‬ ‫‪23‬‬

‫ّ‬ ‫العلمي (مكتب الدراسات والتخطيط والبرمجة)‪.‬‬ ‫املصدر‪ :‬وزارة التعليم العالي والبحث‬

‫‪34‬‬


‫عملية ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي‪ .‬ساهمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في تمويل أربعة بحوث كبرى لفهم‬ ‫تصور املشروع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاكاديميين‬ ‫التطرف الفكر ّي لدى الشباب وأسبابه ووضع طرق وخطط ملحاربة إلارهاب‪ ،‬وفي خطوة تستهدف دعم‬ ‫التطرف ووضع استراتيجيات ملحاربته‪َّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫خصصت الوزارة ما يعادل ‪ 1.2‬مليون دوالر أميركي لتمويل أربعة‬ ‫لفهم أسباب‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫إلارهابية وسوسيولوجيا إلارهاب وتأثيرها على الشباب‬ ‫املتطرف وبناء التنظيمات‬ ‫أكاديمية‪ ،‬لفهم الخطاب‬ ‫بحوث‬ ‫بحثية في َّ‬ ‫والاقتصاد واملجتمع‪ّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫يتم تنفيذ البحوث بالتعاون بين مراكز َّ‬ ‫تونسية وأساتذة جامعات وباحثين‪.‬‬ ‫عدة مدن‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتحتل تونس رأس قائمة الدول‬ ‫القومي‪ -‬بنسبة‬ ‫العربية في إلانفاق على البحث والتطوير ‪-‬بالنسبة إلى مجمل دخلها‬ ‫‪ %0,86‬في املئة بالتحديد بقيمة ‪ 660‬مليون دوالر ًّ‬ ‫سنويا‪. 2020.‬‬ ‫ً‬ ‫بحثا سنة ‪ 1990‬إلى ‪ 5739‬سنة ‪ّ ،2016‬‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫وتعد تونس‬ ‫العلمية املفهرسة‪ ،‬حيث انتقل من ‪284‬‬ ‫تطور عدد املنشورات‬ ‫َّ‬ ‫البلد ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاول‬ ‫إلاجمالي‬ ‫الوطني الخام وبعدد السكان‪ ،‬وفي الرتبة ‪ 60‬في العدد‬ ‫العلمي في عالقة بالناتج‬ ‫إفريقيا في إلانتاج‬ ‫للمنشورات حسب ‪ .Web of Science‬ت ّ‬ ‫تضم ‪َّ 205‬‬ ‫عد تونس ‪ 13‬جامعة ّ‬ ‫مؤسسة تعليم عال وبحث ّ‬ ‫علمي‪ ،‬و‪ 37‬مدرسة‬

‫وطنيا للبحث من بينها ‪ً 21‬‬ ‫دكتوراه و‪ً 40‬‬ ‫مركزا ّ‬ ‫َّ‬ ‫مركزا ًّ‬ ‫الوطنية لتقييم أنشطة‬ ‫يضم هياكل بحث معترف بها من الهيئة‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي‬ ‫وخصت الدولة البحث‬ ‫العلمي‪ ،‬و‪ 314‬مخبر بحث‪ ،‬و‪ 324‬وحدة بحث‪ ،‬وقرابة عشرين ألف باحثا‪.24‬‬ ‫البحث‬ ‫انية َّ‬ ‫َّ‬ ‫بميز َّ‬ ‫البحثية‪ ،‬أي بنسبة ‪ .% 30‬ويرد تمويل‬ ‫تقدر بـ‪ 300‬مليون دينار منها ‪ 90,7‬مليون دينار تمنح مباشرة للهياكل‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫تخص‬ ‫التونسية ثالثة كراس ي تابعة لليونسكو‪،‬‬ ‫بمعدل ‪ . % 95‬وتشمل الجامعة‬ ‫أساسا من الدولة‬ ‫العلمي‬ ‫البحث‬

‫ألاولى " الفلسفة وتجارب الغيرية"‪ ،‬والثانية "معرفة التراث والتنمية الثقافية"‪ ،‬والثالث "دراسات مقارنة حول ألاديان"‬ ‫ّ‬ ‫ديني والحوار ما بين ثقافي وما بين ديني ونشر التسامح‪ .‬تنشر َّ‬ ‫تشجع أنشطة مختلفة ذات صلة بما هو ّ‬ ‫مؤسسات‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العلمية التالية‪ ،‬الكراسات التون ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية للجغرافيا ‪ -‬ومجلة الدراسات‬ ‫سية ‪ -‬واملجلة‬ ‫الجامعي املجالت‬ ‫التعليم‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫اتفاقية‬ ‫التونسية ‪114‬باتفاقيات شراكة وتعاون و‪252‬‬ ‫التونسية‪ ...‬وترتبط الجامعة‬ ‫املسرحية – وحوليات الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫الجامعية‪.‬‬ ‫إشراف مشترك لألطروحات‬ ‫‪ -4-2‬تفعيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية الداعمة للتنوير‪:‬‬ ‫املؤسسات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التونسية ّ‬ ‫البحثية‪،‬‬ ‫ألاكاديمية في مستوى املضامين واملناهج‪ ،‬صلب مواد التدريس والخيارات‬ ‫الحرّيات‬ ‫عززت الجامعة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الهيكلي بانتخاب عمداء الجامعات ومشرفي ألاقسام‪ .‬بدأت َّ‬ ‫ّ‬ ‫البحثية‬ ‫الجامعية واملراكز‬ ‫املؤسسات‬ ‫وفي مستوى إلاطار‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫واملخابر ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة في ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدستوري‬ ‫ألاكاديمية التي أصبحت متاحة بمقتض ى التنصيص‬ ‫الحرّيات‬ ‫ظل‬ ‫تتلمس طريقها؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحريات في إعادة النظر في صالتها‬ ‫الوطنية للبحث العلمي‪ .‬وساهمت روح‬ ‫الجديد‪ ،‬وبفضل ما أنجز في إطار املنظومة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعي وتنشيط دورها في التنمية‪ ،‬وتحليل السياسات‪ ،‬ومساهمتها في معالجة قضايا املجتمع‪،‬‬ ‫الثقافي‬ ‫بمحيطها‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ومواكبة التغيرات املتالحقة التي يعيشها العالم في مجاالت اختصاصها‪ .‬ودعوتها لتبني آليات عمل أكثر مرونة وتفاعال‬ ‫واملجتمعية ّ‬ ‫ّ‬ ‫امللحة‪ ،‬واستعادة دورها كأداة فعالة إلنتاج املشاريع الاستر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اتيجية وخاليا‬ ‫الفكرية‬ ‫مع املشاكل والقضايا‬ ‫ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬وفتح نافذة للتواصل بينها وبين غيرها من املراكز من جهة‪ ،‬وبينها وبين‬ ‫التفكير لتعمل على إنضاج املشاريع‬ ‫‪24‬‬

‫ّ‬ ‫التوجهات والبرامج ‪."2022-2017‬‬ ‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي "البحث العلمي‪ :‬ألاولويات‪،‬‬

‫‪35‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬ ‫فضال عن تفعيل دورها الفكر ّي والتنوير ّي‪ّ .‬‬ ‫يقدم (الجدول رقم ‪ّ )11‬‬ ‫عينة من املراكز‬ ‫صناع القرار من جهة أخرى‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‪.‬‬ ‫البحثية واملخابر في الجامعة‬ ‫َّ‬ ‫التونسية‬ ‫جدول رقم ‪ 11‬نماذج من وحدات البحث واملخابر في الجامعات‬ ‫وحدات بحث ومخابر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية في املتوسط‬ ‫واملؤسسات‬ ‫النخب واملعارف‬

‫املؤسسة الجامعية‬ ‫ّ‬ ‫كلية آلاداب والفنون‬ ‫وإلانسانيات بمنوبة‬

‫ّ‬ ‫إلانسانيات‬ ‫تجديد مناهج البحث والبيداغوجيا في‬ ‫ّ‬ ‫التعليمية وعلم النفس‬ ‫التربية‬

‫ّ‬ ‫إلانسانية بالقيروان‬ ‫كلية آلاداب والعلوم‬ ‫املعهد العالي للتربية والتكوين املستمر‬

‫ّ‬ ‫إلاسالمي في العصر الوسيط‬ ‫العالم العربي‬ ‫ّ‬ ‫الفلسفية‬ ‫الثقافة والتكنولوجيا واملقاربات‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعية بتونس‬ ‫إلانسانية‬ ‫كلية العلوم‬

‫ّ‬ ‫الفلسفي‬ ‫فيالب للفكر‬ ‫ّ‬ ‫املعقولية اليوم‬ ‫البحث في‬ ‫ّ‬ ‫والتكنولوجيات الحديثة والتنمية‬ ‫الثقافة‬ ‫استشراف‪ ،‬استراتيجية وتنمية مستديمة‬ ‫دراسات قر ّ‬ ‫آنية معاصرة‬

‫املعهد العالي للموسيقى بتونس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتصرف بتونس‬ ‫الاقتصادية‬ ‫كلية العلوم‬ ‫جامعة الزيتونة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجامعي" الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينص على املبادئ والقيم التي يجب‬ ‫الجامعية "امليثاق‬ ‫التونسية للدفاع عن القيم‬ ‫الجمعية‬ ‫نشرت‬ ‫مكونات الجامعة حتى ّ‬ ‫والتصرف الرشيد والتعامل املسؤول بين مختلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫تؤدي‬ ‫توفرها إلرساء قواعد السلوك السليم‬ ‫ّ‬ ‫مهامها في إنتاج املعارف‪ .‬وبإمكاننا اعتباره مرج ًعا ُم ّ‬ ‫واملؤسسات‬ ‫كمال للقوانين التي تضبط صالحيات مختلف الهيئات‬ ‫الجامعي وحقوقها‪ّ .‬‬ ‫الجامعية‪ ،‬وواجبات مختلف العناصر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتميز هذا امليثاق بتأكيده على ّ‬ ‫الحرّيات‬ ‫املكونة للوسط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاكاديمية التي هي امتداد ّ‬ ‫للحرّيات والحقوق‬ ‫ألاساسية‪ ،‬وال سيما منها الحقوق املتعلقة بالتفكير والتعبير والاجتماع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتنظم‪ ،‬وكذلك ّ‬ ‫حق الجامعي‪-‬املواطن في النقد وفي الانخراط في الدفاع عن قضايا وأنشطة ذات صلة‬ ‫والتنقل‬

‫كل ذلك ّ‬ ‫واملدرس الباحث والطالب الباحث في إطار أدائهم ّ‬ ‫بممارسته لوظيفته‪ .‬بناء على ّ‬ ‫ّ‬ ‫ملهامهم بجملة‬ ‫يتمتع الباحث‬ ‫َّ‬ ‫خصوصية‪ ،‬مثل ّ‬ ‫ّ‬ ‫حرّية البحث والتدريس ومناقشة الدروس والبحوث ونشرها وذلك في مناخ من‬ ‫الحرّيات ال‬ ‫من‬ ‫التسامح واحترام الاختالف في آلاراء ً‬ ‫بعيدا عن ّ‬ ‫كل أشكال الرقابة والقيد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫استقاللية الجامعة التي‬ ‫أهم ّية الدفاع عن‬ ‫وتضمن امليثاق الذي يحظى بانخراط واسع في املجتمع والجماعة‬ ‫بحرّية التفكير‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحققت‪ ،‬والحفاظ على عدم خضوعها ّ‬ ‫الحر وال ّ‬ ‫ألية سلطة ال تعترف بالفكر ّ‬ ‫حققت هذه التمش ي‬

‫ّ‬ ‫املستقل ّ‬ ‫جل امل ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلالكترونية‪ ،‬وتعميم مبدأ الانتخاب على ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتجلى في إلغاء الجهاز ّ‬ ‫ؤسسات‬ ‫ألامني والرقابة‬ ‫عدة مكاسب؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البحثية‬ ‫املؤسسات والهياكل‬ ‫املسيرة لها‪ .‬كما ساهمت الثورة في تحرير عدد من‬ ‫الجامعية ليشمل مختلف الهيئات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أرضية خصبة‬ ‫العقالني‪ ،‬ووفرت‬ ‫والعلمية من التوظيف والتوجيه‪ ،‬وعملت خالل هذه الفترة الوجيزة على دعم الفكر‬ ‫ّ‬ ‫للتنوير‪ .‬نشير إلى ّ‬ ‫البحثية‪:‬‬ ‫أهم هذه املراكز‬

‫‪36‬‬


‫اختصارا "بالسيراس"‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعية بتونس‪ :‬املعروف‬ ‫تأسس عام ‪، 1962‬‬ ‫الاقتصادية‬ ‫● مركز الدراسات والبحوث‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنوية تعنى بنشر البحوث‬ ‫الاجتماعية "وهي مجلة نصف‬ ‫التونسية للعلوم‬ ‫يشرف على إصدار " املجلة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ينظمها في شكل سلسالت مـن ّ‬ ‫الكراسـات بلغ عددها‬ ‫ألاكاديمية‪ ،‬وينشر أعمال امللتقيات والندوات التي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‪ -‬ألانتروبولوجيا‪-‬‬ ‫اللسانيات‪ -‬العلوم‬ ‫عشرة‪ ،‬منها سلسلة علم الاجتماع‪ -‬علم النفس‪ -‬علوم التربية‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نوعية خالل الفترة القادمة بعد‬ ‫ألاثنولوجيا‪ -‬التحاليل والاستشراف‪ .‬ومن املتوقع أن يشهد املركز نقلة‬ ‫تعيين أحد كبار علماء الاجتماع على رأس إدارته وهو الدكتور منصف وناس‪ ،‬وأن يسهم بشكل كبير في‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعية الراهنة في ملتقياته وهو ما انطلق فيه ًّ‬ ‫َّ‬ ‫فعليا مباشرة‬ ‫امليدانية وتناول القضايا‬ ‫تكثيف الدراسات‬ ‫بعد ‪.2011‬‬ ‫تأسست عام ‪ 1985‬من قبل ّ‬ ‫العلمي واملعلومات‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤرخ عبد الجليل التميمي‪ ،‬وهي‬ ‫مؤسسة التميمي للبحث‬ ‫●‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مؤسسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫خاصة‪ ،‬تهدف إلى إنشاء قاعدة بيانات حول التاريخ الحديث واملعاصر‪ ،‬وإرساء تعاون‬ ‫علمي‬ ‫بحثية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخي بعد ‪ ،2011‬ويشرف‬ ‫العلمي‬ ‫الوطنية والتنشيط‬ ‫بين الباحثين‪ ،‬وساهم بشكل كبير في إثراء الذاكرة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية ال ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫عربية‬ ‫املغاربية" و"املجلة‬ ‫التاريخية‬ ‫دوريات محكمة‪ ،‬وهي "املجلة‬ ‫املركز على إصدار ثالث‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العربية لألرشيف والتوثيق واملعلومات"‪.‬‬ ‫العثمانية" و"املجلة‬ ‫للدراسات‬ ‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ :‬أنش ئ سنة ‪ 2014‬كفرع من املركز ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألام‪ ،‬يهدف إلى إنجاز البحوث‬ ‫● املركز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫العلمية حول‬ ‫العلمية‪ .‬نظم عديد املؤتمرات‬ ‫والاجتماعية‪ ،‬وننشر املعرفة‬ ‫وإلانسانية‬ ‫السياسية‬ ‫والدراسات‬ ‫قضايا الانتخابات‪ ،‬النخب‪ ،‬الفقر‪ ،‬الشباب‪ ،‬والطبقة الوسطى‪ ،‬نشر ً‬ ‫ّ‬ ‫الانتخابية في‬ ‫كتابا بعنوان " التعبئة‬ ‫ّ‬ ‫التشريعية ‪."2014‬‬ ‫تونس‪ ،‬حالة الانتخابات‬ ‫التطبيقية‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫بحثية ّ‬ ‫مؤسسة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إقليمية للتوثيق إلالكترو ّني‬ ‫مدنية‪ ،‬أطلق منذ ‪ 2011‬مبادرة‬ ‫الاجتماعية‬ ‫● منتدى العلوم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية للتوثيق‬ ‫الاجتماعية والبيانات املفتوحة‪ ،‬مثلت البوابة‬ ‫الجامعية وملعلومات العلوم‬ ‫لألطروحات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية والعمل‬ ‫الاجتماعية في املنطقة‬ ‫علمية لتوطين املعرفة‬ ‫ألاكاديمية مساهمة‬ ‫إلالكتروني لألطروحات‬ ‫ميداني حول "حالة ّ‬ ‫ّ‬ ‫التدين في‬ ‫على تطويرها ونشرها على أوسع نطاق باعتبارها نفع عام ومشترك‪ .‬نشر بحث‬ ‫تونس"‪.‬‬ ‫إلاسالمية بالقيروان‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي وهي تابعة‬ ‫عمومية تحت إشراف وزارة التعليم والبحث‬ ‫مؤسسة‬ ‫● مركز الدراسات‬ ‫لجامعة الزيتونة أنش ئ املركز في ‪ 30‬مارس ‪ 1990‬ويقع ّ‬ ‫مقره بمدينة القيروان‪ .‬يتناول (الجدول رقم ‪)12‬‬ ‫ً‬ ‫نموذجا من إصدارات املركز‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 12‬‬ ‫إلاسالمية بالقيروان بعد ‪2011‬‬ ‫عينة من منشورات مركز الدراسات‬ ‫ّ‬ ‫املؤلف‬ ‫عبد الباسط الغابري‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنويرية‬ ‫املؤلفات‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي والراهن‬ ‫مسألة تغيير الوعي في الفكر‬

‫عبد الرزاق املجبري‬

‫إلاسالمية ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدينة‬ ‫وتطورها‬ ‫ّ‬ ‫السياس ي عند عبد الرحمن الكواكبي‬ ‫الفكر‬

‫الصحبي بن منصور‬

‫الزيتونة‪ :‬التاريخ وهامشه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلفية بين التأصيل والتوظيف والتأويل‬ ‫املرجعية‬

‫سالم الحامدي‬ ‫عبد الباسط الناش ي‬

‫● مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات وألاديان املقارنة بسوسة‪ :‬أنش ئ سنة ‪ ،2005‬تتمحور ّ‬ ‫مهامه في‬ ‫علمية وتقييمات استشر ّ‬ ‫ّ‬ ‫القيام ببحوث ّ‬ ‫افية في مجال الحضارات وألاديان املقارنة‪،‬‬ ‫معمقة ودراسات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملرئية واملسموعة املتعلقة بمجاالت ألاديان والحضارات‬ ‫وتجميع إلانتاج الفكر ّي والوثائق املكتوبة‬ ‫قصد معالجتها واستغاللها ونشرها‪ ،‬وإحداث مرصد بنوك وقواعد معلومات في مجاالت الحضارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفكرية‪ ،‬وأصدر مؤلفات عديدة‪ ،‬منها‬ ‫العلمية‬ ‫وألاديان املقارنة‪ .‬نظم املركز العديد من الفعاليات‬ ‫"الدين والسلطة" ملحسن التليلي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‪:‬‬ ‫‪ -5-2‬نماذج من أنشطة الفكر التنوير ّي بالجامعات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية املختلفة‪ ،‬من بينها‬ ‫لإلشكاليات‬ ‫وتطرقت‬ ‫انتظمت عديد امللتقيات والندوات في حرم الجامعات املختلفة‬ ‫جزئية ّ‬ ‫الديني‪ ،‬ويعرض (الجدول رقم ‪ )13‬نماذج ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعينة محدودة عن موضوعات التنوير التي‬ ‫مسائل التنوير وإلاصالح‬ ‫ّ‬ ‫تم تناولها بالنقاش والدرس‪.‬‬ ‫جدول رقم (‪ّ )13‬‬ ‫عينة من أنشطة الفكر التنوير ّي الجامعة بعد ‪2011‬‬ ‫الجهة املنظمة‬

‫العنوان‬ ‫ملتقى الذات وآلاخر في الثقافة العربية إلاسالميةّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫العربية‬ ‫الخطأ والصواب في الثقافة‬

‫ّ‬ ‫إلاسالمية بالقيروان‬ ‫مركز الدراسات‬

‫ّ‬ ‫الديني ومواكبة العصر الواقع وآلافاق‬ ‫الفكر‬ ‫ميثاق للتعايش والاحترام املتبادل في الثقافات املعاصرة‪:‬‬ ‫سبل التأسيس ومسالك التكريس‬ ‫ّ‬ ‫والحرّية في الفكر واملمارسة‬ ‫إلاسالم‬ ‫ّ‬ ‫الكونية وحوار الحضارات‬ ‫موقع إلاسالم في القيم‬

‫ّ‬ ‫إلانسانية بالقيروان‬ ‫كلية آلاداب والعلوم‬

‫الدين والجسد‬ ‫ّ‬ ‫العربي الحديث واملعاصر‬ ‫الخطاب التكفير ّي في الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني‪ :‬الدور والعالقات‬ ‫الدينية واملجتمع‬ ‫املؤسسة‬

‫مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات‬ ‫‪38‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العمومية ‪ :‬الواقع‬ ‫الدينية في املدارس‬ ‫تدريس املواد‬

‫وألاديان املقارنة بسوسة‬

‫وسبل التطوير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واملدنية للوقف‬ ‫ألابعاد الحضارية‬ ‫إلامام محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫التنوير والتسامح وتجديد الفكر العر ّبي‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ ،‬الفرص والتحديات‬ ‫الحداثة وتجديد الفكر‬

‫املجمع التونس ي للعلوم وآلاداب والفنون‬ ‫(بيت الحكمة)‬

‫ّ‬ ‫التربوية‪ ،‬أية‬ ‫العلوم والتكنولوجيا في إصالح املنظومات‬ ‫تحديات ملواجهة تحديات ّ‬ ‫الغد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫العربية‬ ‫صورة آلاخر في الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الثقافي‬ ‫العربي والحوار‬ ‫التراث‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعية بجامعة تونس‬ ‫إلانسانية‬ ‫كلية العلوم‬

‫التنوير عند علماء الزيتونة في النصف ألاول من القرن‬

‫ّ‬ ‫إلاسالمية – جامعة الزيتونة‬ ‫املعهد العالي للحضارة‬

‫العشرين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلانساني‬ ‫الدين وثقافة السلوك الحضاري في املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولية‬ ‫الثقافية‬ ‫والتحديات‬ ‫التآلف والوئام بين ألاديان‬

‫املعهد العالي ألصول الدين –جامعة الزيتونة‬

‫الراهنة‬ ‫ّ‬ ‫كلية آلاداب والفنون‬ ‫وإلانسانيات –جامعة منوبة‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫العربي‬ ‫السياسية في العالم‬ ‫النخب والسلطة‬ ‫من خالل كتب الطبقات‬

‫‪ -3‬املجتمع املدني ومحفزات التنوير‬ ‫ما أنجزه شباب تونس ما بين ‪ 17‬ديسمبر‪ -‬كانون ألاول ‪ 14 -‬جانفي – يناير ‪ 2011‬ليس مجرد انتفاضة إلزاحة نظام‬ ‫وجماعي في سيرورة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثورية تواقة إلى الانعتاق من إطار‬ ‫مدني‬ ‫يتضمن في عمقه انخراط‬ ‫استبدادي‪ ،‬بل حدث تاريخي‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الدولة املحتكرة واملتسلطة إلى دولة متصالحة مع املجتمع‪ .‬وهو وثيق الصلة بسياق سوسيوتاريخي تعود بدايات‬ ‫ّ‬ ‫املدنية الكامنة في املجتمع التونس ّي‪ّ ،‬‬ ‫سماها البعض‬ ‫تفاصيله إلى بداية الستينات‪ .‬بشر الحراك الثوري باالستعدادات‬ ‫ّ‬ ‫جاهزية املجتمع للتنظم والتهيكل لالنتقال إلى‬ ‫"قابلية الثورة"‪ ،‬التي صنعتها آلة الحكم املطلق ولكن أيضا‬ ‫الديمقر ّ‬ ‫اطية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدستورية والفصول‬ ‫التنويرية‪:‬‬ ‫املرجعية‬ ‫‪-1-3‬‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫لم ّ‬ ‫اجتماعي مكثف وحوارات ونقاشات‬ ‫محصلة جدل‬ ‫تتم صياغة الدستور التونس ّي‪ 25‬الجديد في غرف مغلقة بل كان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشبابية‪.‬‬ ‫والحقوقية‬ ‫والنقابية‬ ‫املهنية‬ ‫املدنية وممثلي الهيئات‬ ‫ثقافية أسهم فيها آالف املواطنين ومئات املنظمات‬ ‫نستطيع القول بأن كتابة بنود الدستور ّتمت في الشارع أكثر من قبة البرملان‪ ،‬تحت ضغط الجمعيات ومقترحات‬ ‫‪https://majles.marsad.tn/uploads/documents/TnConstit_final_1.pdf‬‬

‫‪39‬‬

‫‪25‬‬


‫التونسيين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سيحدد مستقبل‬ ‫سيتم صياغته‬ ‫أن ما‬ ‫املدنيين‪ .‬عاشت بالدنا فترات مخاض عسير‪ ،‬ملعرفة‬ ‫النشطاء‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫متعددة من مناظرات ومناقشات ّ‬ ‫الحية للمجتمع إلى استر ّ‬ ‫ألاجيال القادمة‪ ،‬لهذا لجأت القوى ّ‬ ‫حادة على‬ ‫اتيجيات‬ ‫ّ‬ ‫إلاعالمية وتنظيم املسيرات والاحتجاجات لفرض املطالب‪ .‬كان الدستور وليد‬ ‫مختلف الشبكات الاجتماع ّية والقنوات‬ ‫حقيقية بأن جعلت التفكير في الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية هو التفكير في الدستور والتفكير في الدستور تأسيس‬ ‫مجتمعي‬ ‫حركة تنوير‬ ‫اطية ًّ‬ ‫للديمقر ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وميدانيا‪ ،‬وتكريسها في العقل وفي الواقع‪ ،‬وتمظهرات وعي جديد باملجال السياس ّي‪.‬‬ ‫فكريا‬ ‫املكونة للدستور‪ّ ،‬‬ ‫أسست هذه الحوارات ألابواب والفصول ّ‬ ‫ّ‬ ‫وحولت "مسألة الدستور" إلى ثقافة متينة بانغراسها في‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الورقي املكتوب إلى ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الشعورية‪ ،‬وترجمة الدستور إلى وقائع‬ ‫البنية‬ ‫النص‬ ‫العمومي التونس ّي‪ ،‬وتجاوز التطلعات‬ ‫الفضاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرسمي‬ ‫النهائي على الدستور يوم الاثنين ‪ 26‬جانفي‪ -‬يناير ‪ ،2014‬والختم‬ ‫قيم ّية نافذة ومشاعر ملموسة‪ .‬بالتصديق‬ ‫له يوم الثالثاء ‪ 27‬جانفي‪ -‬يناير ‪ ،2014‬تكون تونس قد ّ‬ ‫ّ‬ ‫وألاهم ّية‪،‬‬ ‫عززت ثورتها بثورة ثانية‪ ،‬تتكامالن معا في القيمة‬ ‫وتتناغمان في املقاصد‪ ،‬وألابعاد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي‪ ،‬ويعلن دخول عالم‬ ‫الفردي والتنوير‬ ‫تؤطر التنوير‬ ‫تضمن الدستور مجموعة من الفصول‪ -‬العالمات التي ِّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ومجتمعيا للتفكير ّ‬ ‫مجتمعية‬ ‫الحر وللحوار كقيمة‬ ‫سياسيا‬ ‫السياسية بشبكة مفاهيمه وقيمه وفتحه مناخا‬ ‫الحداثة‬ ‫َّ‬ ‫أساسية‪ .‬تتيح بنود الدستور دسترة القيم واملبادئ التي تعمل على إرساء إطار صلب للتنوير ‪ ،‬وال يمكن لحركة التنوير‬ ‫ّ‬ ‫ّ ً‬ ‫ومترسخا‪ ،‬إال إذا استند إلى روافد يتغذى منها‪ ،‬لذا اعتبر أن الاهتمام‬ ‫أن تكون ناجزة وال لفكر التنوير أن يكون فاعال‬ ‫ّ‬ ‫حيوية من مشموالت الدولة ومن ّ‬ ‫مهامها(الفصل ‪ ،)8‬وهي التي تحمي كرامة الذات‬ ‫بالشباب وتنمية قدراته كطاقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني وتضمن ّ‬ ‫حرّية املعتقد والضمير وتمنع خطاب‬ ‫البشرية من كل التهديدات واملخاطر(الفصل ‪ ،)23‬وترعى الشأن‬ ‫الكر ّ‬ ‫اهية والتكفير (الفصل ‪ .)6‬ويفتح الدستور أبواب ّ‬ ‫الحرّيات الشاملة في الفكر والتعبير والنشر وإلاعالم (الفصل ‪)31‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العلمي (الفصل ‪ّ ،)33‬‬ ‫والنفاذ إلى املعلومة (الفصل ‪ )32‬وضمان ّ‬ ‫وحرّية تكوين ألاحزاب‬ ‫ألاكاديمية والبحث‬ ‫الحرّيات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والجمعيات(الفصل ‪ .)35‬وال تكتمل شبكات ّ‬ ‫الحرّية إال بتأكيد منظومة الحقوق‬ ‫الحق في‬ ‫ألاساسية‪ ،‬مثل‬ ‫والنقابات‬ ‫ّ‬ ‫والحق في الثقافة (الفصل ‪ )42‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحق في بيئة سليمة‬ ‫الحق في العمل(الفصل ‪)40‬‬ ‫التعليم وإلزاميته(الفصل ‪)39‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫(الفصل ‪ .)45‬وملا كان التنوير ليس ً‬ ‫ويؤكد على‬ ‫فكرا فحسب بل يصون املؤسسات التربوية من التوظيف والتجاذبات ِّ‬ ‫ّ‬ ‫حياديتها واهتمامها باملعرفة بعيدا عن السياسة (الفصل ‪ ،)16‬ويسعى إلى تجذير قيم العدالة والعدل بين الفئات‬ ‫ّ‬ ‫الدستورية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومتعدد‪ ،‬تغيب فيه ثقافة الصوت الواحد‬ ‫تؤسس ملجتمع متماسك‬ ‫والجهات (الفصل ‪ .)12‬هذه املبادئ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حركية املجتمع الديمقر ّ‬ ‫العقالني‪ ،‬حيث ال يشكو املواطن من الضغط أو القمع بل‬ ‫اطي‬ ‫والتنافي وإلاقصاء‪ ،‬وتدخل في‬

‫يبحث عن أن يكون ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وإيجابيا‪ ،‬وهذا جوهر التنوير وعماده‪.‬‬ ‫فعاال‬ ‫ّ‬ ‫السياسية الجديدة وشبكة القيم‪:‬‬ ‫‪ -2-3‬الثقافة‬ ‫َّ‬ ‫سياسية عنوانها الاختالف والحوار من أجل بناء التوافق‬ ‫منذ السويعات ألاولى لهروب بن علي انطلقت ديناميكيات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وتشكل منذ البداية تحالف ثالثي ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ومستعدا‬ ‫واستمر املجتمع يقظا‪،‬‬ ‫متنوع لقيادة البالد‪،‬‬ ‫الانتقالية‪،‬‬ ‫إلنجاح املرحلة‬ ‫‪40‬‬


‫ّ‬ ‫عن كثب ملراقبة خطوات تحقيق أهداف الثورة‪ .‬لقد عرفت عملية البناء الديمقر ّ‬ ‫اطي في تونس تعث ًرا في فترات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التشنج‪ ،‬ودخول البالد في مرحلة‬ ‫السياسية وارتفاع منسوب‬ ‫مختلفة‪ ،‬من انعدام ألامن وعدم استقرار ألاوضاع‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السلبية املمكنة‪،‬‬ ‫التطورات‬ ‫شعورا بالريبة وولد مخاوف عديدة من‬ ‫رهابية‪ ،‬ولد‬ ‫السياسية والعمليات إلا‬ ‫الاغتياالت‬ ‫وصارت كل الاحتماالت ممكنة بما فيها ألاكثر ّ‬ ‫كارثية والدخول في فوض ى عارمة‪ .‬هذا املناخ السياس ّي املرتبك ّأدى إلى‬ ‫ّ‬ ‫تجميد املسار السياس ّي‪ ،‬والدخول في نفق املزايدات‪ ،‬بين السلطة املؤقتة واملعارضة‪ ،‬وذلك النعدام الثقة بينهما‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الكارثية‪ ،‬لم َ‬ ‫واتسم املشهد السياس ّي بحالة احتقان ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطني‬ ‫يبق إال الحوار‬ ‫الوضعية‬ ‫حاد وانقسام مفزع‪ .‬أمام هذه‬

‫كخيار وحيد لتمكين البالد من تجاوز أزمتها‪ .‬وأصبح إنجازه من الضرورات ّ‬ ‫ّ‬ ‫السياسيين‬ ‫امللحة‪ ،‬واعتبره العديد من‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫واملواطنين ً‬ ‫َّ‬ ‫واجبا ًّ‬ ‫الاجتماعية الانخراط فيه والالتزام به إلخراج‬ ‫السياسية واملنظمات‬ ‫يتحتم على كل ألاحزاب‬ ‫وطنيا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتخبط فيه‪ ،‬فكان ال بد من طرف ثالث يقوم بدور‬ ‫وألامني الذي باتت‬ ‫والاقتصادي‬ ‫البالد من املأزق السياس ّي‬ ‫ّ‬ ‫الوساطة وحلحلة الوضع‬ ‫املتجمد‪.‬‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العام التونس ّي للشغل والاتحاد التونس ّي‬ ‫اجتماعية عتيدة مثل الاتحاد‬ ‫املدني التونس ّي بحضور منظمات‬ ‫يتميز املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية للدفاع عن حقوق إلانسان‪ ،‬لعبت هذه‬ ‫التقليدية وعمادة املحامين والرابطة‬ ‫للصناعة والتجارة والصناعات‬ ‫ّ‬ ‫العملية الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية‬ ‫املنظمات ألاربع دور الوسيط املساعد على إقناع كل ألاطراف بضرورة التفاهم على قواعد‬ ‫والقبول بشروطها‪ ،‬وتغيير لغة الخطاب ونبرة التنابذ‪ً .‬‬ ‫وتبعا لذلك أطلقت مبادرة الجهات الراعية للحوار بقيادة‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دمجا ملطالب املعارضة ومطالب حكومة الترويكا‪،‬‬ ‫العام التونس ّي للشغل وصاغت خريطة طريق‬ ‫الاتحاد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫توافقية‪ .‬وفي حفل بهيج صودق على‬ ‫شرعية‬ ‫سلمية وضمن‬ ‫بمنهجية‬ ‫السياسية‬ ‫مهدت طريق الخروج من ألازمة‬

‫ّ‬ ‫كحس ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تاريخي‬ ‫وتوصل الفرقاء إلى توافق‬ ‫الوطني‬ ‫عام‪ ،‬ونجحت مسارات الحوار‬ ‫الدستور وانخفضت مشاعر الاختناق‬ ‫ّ‬ ‫الوطني ّ‬ ‫ّ‬ ‫كآلية ّ‬ ‫وتاريخية أوقفت الانهيار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألامني والسياس ّي الذي عقب حادثة الاغتيال‪،‬‬ ‫مهمة‬ ‫مهم‪ .‬سيذكر مسار الحوار‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫عبدت الطريق نحو إقامة الدولة الديمقر ّ‬ ‫وع ّد خطوة ّ‬ ‫تتلخص قيم التوافق في قلب ألازمات‪ ،‬في ّ‬ ‫أهم ّية الحوار‬ ‫اطية‪ .‬و‬ ‫ّ‬ ‫وتجنب استعمال العنف‪ ،‬وتعميق فلسفة الحوار ّ‬ ‫وتقبل آلاخر من خالل نقد وإزاحة الهيمنة‬ ‫وقبول الاختالف‬ ‫َّ‬ ‫والتعصب والانغالق‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاهلي‪ .‬فالدخول إلى التنوير‬ ‫والتحزب الالواعي يؤدي إلى تخريب السلم‬ ‫الايديولوجي‬ ‫وأن التصلب‬

‫بما جوهره الحوار‪ ،‬والبحث عن املشتركات بالرغم من الاختالفات وتدريب الناس على ممارسة التحاور وتنسيب‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫املواقف‪َّ .‬‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫ًّ‬ ‫تنويريا‪ ،‬لقد كان خيار‬ ‫ومضمونا‬ ‫تونسيا‬ ‫رحيقا‬ ‫تونسيا ولكن منحته‬ ‫إن فلسفة التوافق ليست استنباطا‬ ‫التونسيين في الاستناد إلى فلسفة التوافق‪ ،‬حال ووسيلة إنقاذ ّ‬ ‫تتجسد لوال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ترسخ هذه الفلسفة في‬ ‫مميزة ما كان لها أن‬ ‫ًّ َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫مركزيا مكن مسار سفينة‬ ‫متحضرة عامال‬ ‫الوجدان‪ .‬لقد مثلت إدارة الاختالف في تونس بين مختلف الفرقاء بطريقة‬ ‫الانتقال الديمقر ّ‬ ‫اطي من الرسو في ميناء ألامان‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الرباعي الراعي للحوار على جائزة نوبل‬ ‫تحصل‬ ‫التوافقي‪ ،‬حيث‬ ‫تثمينا لهذا التمش ي‬ ‫أسندت العديد من الجوائز‬ ‫تقديرا لدوره في تقريب وجهات النظر‪ ،‬واعتر ًافا باإلنجا ات التي ّ‬ ‫ً‬ ‫حققها الشعب التونس ّي‪ ،‬في مواجهة‬ ‫للسالم‪،‬‬ ‫ز‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاقتصادية‬ ‫السياسية‪،‬‬ ‫التحوالت‬ ‫التونسية في كل من‬ ‫السلمي نحو تحقيق مطالب الثورة‬ ‫الصعوبات‪ ،‬والتزامه باملسار‬ ‫ّ‬ ‫تحصل رئيس حركة النهضة على جائزة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الغاندية‪،‬‬ ‫مؤسسة "جمناالل باجاج الهندية" لنشر القيم‬ ‫والاجتماعية‪ .‬وكذلك‬ ‫‪41‬‬


‫ّ‬ ‫التونسية في إدارة الاختالف والخروج من نفق الخالفات‪ .‬كما ّ‬ ‫قررت مجلة "ذي‬ ‫وهو اعتراف بفرادة التجربة‬ ‫ّ‬ ‫البريطانية اختيار تونس بلد العام (‪ ،)2014‬نظرا الستطاعتها في أن تكون الاستثناء ‪ ،‬فضال عن أنها من‬ ‫ايكونوميست "‬

‫البلدان التي نجحت في أن تكون ً‬ ‫رمزا لالعتدال وألامل في منطقة مضطربة‪ ،‬وصادقت على دستور جديد وصفته‬

‫باملستنير ‪.‬‬ ‫‪ -3-3‬من إلاسالم السياس ّي إلى إلاسالم الديمقر ّ‬ ‫اطي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫نموذجية‪ ،‬بل إنه ّتيار غير مسبوق من حيث الطفرة‬ ‫إلاسالمية في تونس خالل هذه الفترة حالة‬ ‫مثلت حركة النهضة‬ ‫التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫التكيف مع الحقائق‬ ‫فاعلية كبيرة في‬ ‫السياسية‪ ،‬والخطاب الفكر ّي الذي أبان عن‬ ‫حققها على مستوى املمارسة‬ ‫ّ‬ ‫السياسية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تجسمت في إعالن قياداته أنهم غادروا إلاسالم السياس ّي‬ ‫التحديات والرهانات‬ ‫املحلية‪ ،‬والتعاطي مع‬ ‫ّ‬ ‫اطي‪ ،‬وهي نقلة ّ‬ ‫وانتقلوا إلى إلاسالم الديمقر ّ‬ ‫إلاسالمية‪ .‬ففي املؤتمر العاشر‬ ‫نوعية في تاريخ الفكر السياس ّي والحركات‬ ‫ّ‬ ‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاتفاق على إنجاز مراجعات َّ‬ ‫النظرية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫الايديولوجي والعقائد ّي‬ ‫أهمها التخلي عن "الثوب"‬ ‫فكرية ملرجعياتها‬ ‫(‪ )2016‬تم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والاجتماعية للمجتمع التونس ّي‪ .‬وأكدت لوائح‬ ‫الاقتصادية‬ ‫الحاجيات‬ ‫والاقتراب من مشاغل الناس والاشتغال على‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إسالمية يعتمد الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشفافية‬ ‫اطية‬ ‫مرجعية‬ ‫وطني ذو‬ ‫النهضويين لتحويل حزبهم إلى حزب‬ ‫املؤتمر على اتفاق‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التخصص وإقرارها مبدأ التمايز بين السياس ّي والدعو ّي‪ ،‬في‬ ‫التوجه نحو مجال‬ ‫ممارسة وسلوكا‪ .‬وبصفة دقيقة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪.‬هذه املراجعات والخيارات الجديدة أهلها لالندماج في‬ ‫وتجنب كل وصاية على الشعب في الشأن‬ ‫نشاطها‪،‬‬ ‫مكو ًنا من ّ‬ ‫املشهد السياس ّي وصارت ّ‬ ‫مكونات النظام السياس ّي التونس ّي‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫الفكرية منذ سبعينات القرن العشرين‪ ،‬ممثلة في أثر التيار‬ ‫ال يمكن فصل هذه الخيارات عن بوادرها‬ ‫ّ‬ ‫محدوديته ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العملية لفكرة‬ ‫يعد أحد التجليات‬ ‫إلاسالمية‪ .‬وهذا التيار على‬ ‫التقدمي في نقده مناهج النظر داخل الحركة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي املعاصر‪ ،‬ذلك الاتجاه الذي نشأ وتشكل في تونس‪ ،‬وهو تيار إسالم ّي‬ ‫التنوير وإلاصالح والتجديد في املجال‬ ‫ّ ّ‬ ‫فقهيا وعقائ ًّ‬ ‫يني وتجديد إلاسالم وطرح كل الشوائب التي علقت به ًّ‬ ‫الاتجاه‪ ،‬تقوم رؤيته على إلاصالح الد ّ‬ ‫ديا‬ ‫عقالني‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ّ ،‬‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وعبرت النهضة‬ ‫النقدي والتنوير ّي للفكر‬ ‫وأصوليا‪ .‬تأثرت حركة النهضة أو على ألاقل بعض قياداتها بهذا املنحى‬ ‫عن استعدادها وقدرتها على فتح آلافاق التار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافي في‬ ‫الثوري والسياس ّي‬ ‫يخية والحضارّية التي ترتقي بالحراك‬ ‫ّ‬ ‫مجتمعنا إلى مسارات التنوير ‪ ،‬بما هو عقلنة للشأن السياس ّي في مبادئه وآليات اشتغاله‪ .‬وأن تدفع في اتجاه ال ت ّعد‬ ‫فيه الثورة ّ‬ ‫مجرد صياغة جديدة للنظام السياس ّي بل مدخل لعقلنة شاملة و إنشاء مجتمع غير قائم على إلاكراهات‬ ‫والقمع‪ ،‬وإنما على التفاهم والتعاقد وفكرة طاعة القانون‪ ،‬وأن التنوير السياس ّي مدخل ال مناص منه للحداثة‬ ‫املجتمعية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضرورية للنهوض الفكر ّي‬ ‫واملجتمعي‪.‬‬ ‫ومقدمة‬ ‫تنوع مصادر إلاعالم ّ‬ ‫‪ّ -4-3‬‬ ‫وتعدد الروافد‪:‬‬ ‫تضم قناتين تلف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫زيونيتين (قناة تونس ‪ ،1‬وقناة تونس ‪ )2‬وثماني‬ ‫التونسية التي‬ ‫تمتلك الدولة هيئة إلاذاعة والتلفزة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إقليمية‪ :‬صفاقس‪،‬‬ ‫الدولية‪ ،‬إضافة إلى خمس إذاعات‬ ‫الوطنية‪ ،‬إذاعة الشباب‪ ،‬وإلاذاعة‬ ‫قنوات إذاعية (إلاذاعة‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫مخصصة بشكل حصر ّي‬ ‫الثقافية"‪،‬‬ ‫للثقافة "إلاذاعة‬ ‫إذاعية‬ ‫املنستير‪ ،‬قفصة‪ ،‬تطاوين‪ ،‬والكاف)‪ .‬انطلقت أول قناة‬ ‫ِّ‬ ‫‪42‬‬


‫َّ‬ ‫لبث سنة ‪ ،2006‬تعرض ً‬ ‫بدءا من عام ‪ّ ،2003‬‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية وألانباء والحوارات‪ً .‬‬ ‫عددا ً‬ ‫تحولت‬ ‫كبيرا من املوضوعات‬ ‫ا‬ ‫واملرئي من الاحتكار إلى الخصخصة‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬ ‫استر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اتيجية الدول‬ ‫وتكونت إذاعة "موزاييك إف إم"‪،‬‬ ‫السمعي‬ ‫الخاصة باإلعالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاصة " حنبعل" في عام ‪ ،2005‬وإذاعة "الزيتونة" في عام‬ ‫فضائية‬ ‫وإذاعة "جوهرة إف إم" في عام ‪ ،2005‬والقناة ال‬ ‫ّ‬ ‫ظل ً‬ ‫حرّية إلاعالم والتعبير ّ‬ ‫إلاعالمي‪ ،‬فإن شعور ّ‬ ‫غائبا‪ً ،‬‬ ‫ّ‬ ‫نظرا لخضوعها إلى منطق التعليمات‬ ‫التعدد‬ ‫‪ .2007‬ورغم هذا‬ ‫وتجفيف كل منابع املبادرات‪.‬‬ ‫إلاعالميين للنقد وكشف ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫امللفات دون‬ ‫وتحرر صوت‬ ‫بعد الثورة استفاد قطاع إلاعالم ولم يخضع ألي وصاية‬ ‫إلاعالمي بعث عشرات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السمعي البصر ّي واملكتوب‬ ‫إلاعالمية في القطاع‬ ‫املؤسسات‬ ‫ضغوطات أو إحراجات‪ .‬شهد الحقل‬ ‫ونظرا للصعوبات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫املالية‪ ،‬تراجع عدد‬ ‫تلفزيونية وقرابة ‪ 50‬إذاعة و‪ 229‬صحيفة‪ ،‬لكن‬ ‫والرقمي ‪ ،‬بلغت ‪ 39‬قناة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومحلية‪ّ ،‬أما عدد الصحف فقد تقلص إلى‬ ‫جهوية‬ ‫إلاعالمية لنجد قرابة ‪ 13‬قناة و‪ 16‬إذاعة من بينها‬ ‫املؤسسات‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫نجاحا ً‬ ‫كبيرا ‪ ،‬إلشاعة خطاب‬ ‫الدينية كمثال‪ ،‬عرفت‬ ‫حدود ‪ 45‬صحيفة‪ .‬من بين إلاذاعات نذكر إذاعة الزيتونة‬ ‫طي لإلسالم الذي اشتهرت به جامعة الزيتونة على ّ‬ ‫ّ‬ ‫وس ّ‬ ‫العقالني املستنير لإلسالم وتقديم‬ ‫مر العصور‪ ،‬ودعم الفهم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫وطنيا وثاني إذاعة في تونس‬ ‫والثقافية‪ .‬جعلها تكون في ظرف وجيز ألاولى‬ ‫إلاسالمية‬ ‫للمرجعيات‬ ‫قراءات معتدلة‬ ‫ّ‬ ‫الساحلية بعد "إذاعة جوهرة أف أم"‬ ‫العاصمة‪ ،‬بعد إذاعة "موزاييك أف أم" الخاصة وثاني إذاعة في والية "سوسة"‬ ‫الخاصة ّ‬ ‫ّ‬ ‫وأول إذاعة في والية "صفاقس" جنوب البالد‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاعالمي خالل مرحلة الانتقال الديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫السمعي‬ ‫اطي أحدثت "الهيئة العليا املستقلة لالتصال‬ ‫ولتنظيم املشهد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الاتصال ّ‬ ‫ّ‬ ‫الس ّ‬ ‫حوري في ضمان ّ‬ ‫ّ‬ ‫معي البصر ّي‬ ‫وتعد ّديته‪،‬‬ ‫حرّية‬ ‫البصري" يوم ‪ 3‬مايو ‪ ،2013‬ويتمثل دورها امل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫استقاللية وسائل إلاعالم عن ّ‬ ‫واملالية‪.‬‬ ‫السياسية‬ ‫كل السلطات‬ ‫وضمان‬

‫إلاعالمية ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫والحوارية في الشأن الفكر ّي والث ّ‬ ‫قافي‪،‬‬ ‫الفكرية‬ ‫املخصصة للمجاالت‬ ‫عددا من البرامج‬ ‫تتضمن القنوات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يقدم (الجدول رقم ‪ّ )14‬‬ ‫والثقافية في إلاعالم التونس ّي‪.‬‬ ‫الفكرية‬ ‫عينة من البرامج‬ ‫عينة من برامج ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 14‬‬ ‫وثقافية في إلاعالم التونس ي‬ ‫فكرية‬ ‫القناة الاعالمية‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية‬ ‫إذاعة تونس‬

‫البرنامج‬ ‫ندوة الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫أحباء الحكمة‬ ‫ّ‬ ‫أفال يتفكرون‬ ‫كتاب إلانسان‬ ‫سجاالت‬

‫قناة تونس ‪2‬‬

‫بورتريه‬ ‫أهواء‬ ‫ّ‬ ‫جمهورية الثقافة‬ ‫‪43‬‬


‫ّ‬ ‫تونسية‬ ‫إصدارات‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية ‪1‬‬ ‫التلفزة‬

‫بصمات‬ ‫نوافذ‬ ‫طوق الياسمين‬ ‫بيت الخيال‬ ‫كلمات مسافرة‬

‫إذاعة تطاوين‬

‫‪ -5-3‬تفعيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫القطاعية وتحريرها‪:‬‬ ‫املؤسسات‬ ‫أحدثت الدولة ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحيوية‪ ،‬الشباب‪ ،‬الجمعيات‪ ،‬املرأة‪ ،‬الطفولة‪ ،‬لكن‬ ‫مرجعية في مختلف القطاعات‬ ‫مؤسسات‬ ‫أفرغتها في فترة الاستبداد من مضامينها ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقية‪ّ .‬‬ ‫حررت بعد ‪2011‬‬ ‫ويبستها‪ ،‬وتركتها هياكل بال روح مبادرة أو مشاريع‬ ‫مهامها‪ّ ،‬‬ ‫وتعددت مبادراتها ومشاريعها وتفاعلت مع ّ‬ ‫إلادارية ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتطورت ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدنية الصاعدة‪ .‬من بينها‪،‬‬ ‫املكونات‬ ‫من معيقاتها‬ ‫نذكر ّ‬ ‫املؤسسات التالية‪:‬‬ ‫●‬

‫املعهد التونس ّي للدراسات الاستر ّ‬ ‫اتيجية‬

‫‪26‬‬

‫● مركز البحوث والدراسات والتوثيق وإلاعالم حول املرأة‬

‫‪27‬‬

‫● مرصد إلاعالم والتكوين والتوثيق والدراسات حول حماية حقوق الطفل‬ ‫● مركز إفادة لإلعالم والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات‬

‫‪28‬‬

‫‪29‬‬

‫ّ‬ ‫الثوري في تونس‪ ،‬من بينها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫وبعثت ّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات التالية‪:‬‬ ‫دستورية تؤطر املسار‬ ‫مؤسسات‬ ‫● هيئة الحقيقة والكرامة‬ ‫ّ‬ ‫● الهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‪31‬‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية للوقاية من التعذيب‪32‬‬ ‫● الهيئة‬ ‫هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫أساسية في سياق الاستحقاقات التي فرضتها التحوالت املطروحة‪ ،‬في‬ ‫املؤسسات تتبع الدولة وتقوم بمهام‬ ‫الانتقالية ومسار تنظيم الانتخابات وإصالح ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫السجنية‪ ،‬وغيرها من‬ ‫املؤسسة‬ ‫مسارات عديدة‪ ،‬منها مسار العدالة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تؤثث املشهد ّ‬ ‫إلاصالحية املفتوحة‪ ،‬هذه ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعي وتؤطر املشاريع وتضفي‬ ‫املؤسس ّي‬ ‫املؤسسات والهياكل‬ ‫امللفات‬ ‫‪30‬‬

‫باملؤسسات وفي ّ‬ ‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬ ‫املؤسسات‪.‬‬ ‫ويترسخ‬ ‫حركية املجتمع‪ ،‬والفعل التنوير ّي ينبني‬ ‫العقلنة على‬ ‫‪26‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أسس سنة ‪ 1993‬وهو ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أهم منشوراته بعد الثورة دراسة ّ‬ ‫الجمهورية ‪ ،‬من ّ‬ ‫الجهادية في تونس‪ :‬الواقع واملآالت"‪.‬‬ ‫السلفية‬ ‫علمية حول "‬ ‫مؤسسة تابعة لرئاسة‬

‫‪27‬‬

‫أحدث سنة ‪ ،1990‬وهي ّ‬ ‫مؤسسة تخضع إلشراف وزارة شؤون املرأة والطفولة واملسنين‪.‬‬

‫‪ّ 28‬‬ ‫مؤسسة تخضع إلشراف وزارة شؤون املرأة والطفولة واملسنين وقد أحدثت سنة ‪.2002‬‬ ‫‪29‬‬ ‫‪30‬‬ ‫‪31‬‬ ‫‪32‬‬

‫تم إحداث املركز سنة ‪ 2000‬ومهمته رصد واقع النشاط الجمعياتي‪ ،‬تحت إشراف رئاسة الحكومة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫هيئة دستو ّرية أدى أعضاؤها اليمين الدستورية سنة ‪ ،2014‬مهمتها إلاشراف على مسار العدالة الانتقالية‪.‬‬

‫ّ‬ ‫عمومية أحدثت سنة ‪ ،2011‬تسهر على ضمان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة‪.‬‬ ‫هيئة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫هيئة عمومية مستقلة أحدثت سنة ‪ ،2016‬مهمتها مراقبة أماكن الاحتجاز وإلايواء وخلوها من مختلف أشكال التعذيب‪.‬‬

‫‪44‬‬


‫ّ‬ ‫تشريعية جديدة للمجتمع‪:‬‬ ‫‪ -6-3‬مبادرات‬ ‫من املبادرات الجديدة التي ّ‬ ‫تميزت بها تونس في مجاالت التنوير‪ ،‬تطوير تشريعات تساهم في تدعيم التزام املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫البشرية‪ .‬ونستعرض نموذجين بارزين من التشريعات أو املقترحات‬ ‫التحرر وإزالة كل ما يحجب الكرامة‬ ‫بفكرة‬

‫الجديدة‪ .‬وافق البرملان التونس ّي على قانون "مكافحة العنف ّ‬ ‫ضد النساء" ‪ّ 33‬‬ ‫ليتوج سنوات من نضال الحركات‬ ‫ّ‬ ‫واملدنية‪ .‬يرتكز هذا القانون على أربعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتعهد‪ .‬من مظاهر‬ ‫أساسية وهي الوقاية والحماية والردع‬ ‫مقومات‬ ‫النسائية‬

‫التجديد في هذا القانون تشديد العقوبات املفروضة على مختلف أشكال العنف عند ارتكابها داخل ألاسرة‪ ،‬وفي إلغاء‬ ‫الجنسية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ضد القاصرات‪ ،‬وتوسيع الحماية في‬ ‫التحرش الجنس ّي والجرائم‬ ‫مظاهر التفص ي من العقاب بالنسبة إلى‬ ‫ّ‬ ‫الاقتصادي والعنف‬ ‫جريمة الاغتصاب لتشمل ألاطفال من جنس الذكور إلى جانب تجريم تشغيل ألاطفال والتمييز‬ ‫الاجتماعية ويزيل ً‬ ‫السياس ّي‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫بعضا من الغبن الذي ّ‬ ‫تتعرض له املرأة‪.‬‬ ‫يسجل القانون الجديد العديد من املكاسب‬ ‫دوليا في إصدار القانون الشامل للقضاء على العنف ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ضد املرأة وألاولى ًّ‬ ‫تحتل تونس املرتبة ‪ًّ 19‬‬ ‫ّ‬ ‫وإفريقيا حسب‬ ‫عربيا‬ ‫هيئة ألامم ّ‬ ‫املتحدة‪.‬‬ ‫وتتمثل املبادرة الثانية في املقترحات التي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمهورية في خطابه بمناسبة عيد املرأة يوم ‪ 13‬أوت‪/‬‬ ‫قدمها رئيس‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أجنبي غير مسلم‪ ،‬وقد ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تم‬ ‫التونسية من‬ ‫أغسطس ‪ ،2017‬وتتعلق بالدعوة إلى إلغاء املنشور ‪ 73‬املتعلق بمنع زواج‬ ‫الشروع في التراتيب إلاجر ّ‬ ‫ّ‬ ‫يخص املساواة في إلارث‪ ،‬لم ّ‬ ‫تمر فكرة املساواة بين الرجال‬ ‫ائية لتنفيذه‪ّ .‬أما املقترح الثاني‬ ‫ً‬ ‫جدال ً‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والديني‬ ‫الفقهي‬ ‫كبيرا في أوساط املجتمع‪ .‬وهذا الجدل جمع بين الحوار‬ ‫والنساء في إلارث‪ ،‬دون أن تثير‬ ‫والاجتماعي‪ ،‬وبين الجرأة في تناول القضايا وإثارة النقاش وهي لم ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتحول إلى قانون‪ ،‬ولكن ضرورة التفكير في مثل هذه‬ ‫املسائل وتجنب سياسة النعامة بغمس الرأس في الرمال‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫املدني وتخصيب التنوير‪:‬‬ ‫‪ -7-3‬املجتمع‬ ‫من أبرز تأثيرات التغييرات الحاصلة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمعية‪ ،‬منها‬ ‫للجمعيات في تونس‪ ،‬والتي بلغت قرابة ‪20698‬‬ ‫تطور املجموع العام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تنسيقية جمعيات‪.34‬‬ ‫شبابية‪ ،‬و‪ 68‬شبكة جمعيات‪ ،‬و‪14‬‬ ‫جمعية‬ ‫جمعية مواطنة‪ ،‬و ‪364‬‬ ‫ثقافية و‪682‬‬ ‫جمعية‬ ‫‪3760‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني املرسوم عدد ‪ 88‬الصادر في‬ ‫وينظم العمل‬ ‫يدل العدد املتنامي باستمرار‪ ،‬إلى إلاقبال الكبير نحو العمل‬ ‫املدني‪ِّ .‬‬ ‫سنة ‪ّ ،2011‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات في العالم ال ّ‬ ‫وإلاسالمي التي تسعى إلى ألاخذ باملعايير‬ ‫عربي‬ ‫ويعد ضمن الجيل الجديد من قوانين‬ ‫ّ‬ ‫الدولية وبتجارب املجتمعات الديموقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية في مجال ضمان ّ‬ ‫الجمعيات‪ .‬ساهم إلاطار القانوني الجديد بقسط‬ ‫حرّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني وفي رفع القيود التي كانت مسلطة عليه وبالرغم من النقائص والصعوبات‬ ‫كبير في انفتاح الدولة على املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫الوطني سمحت لها بالقيام بدور ّ‬ ‫املسجلة في التطبيق أصبحت للجمعيات مكانة ّ‬ ‫ّ‬ ‫مهم في املسار‬ ‫فعلية في الواقع‬ ‫الجمعيات ً‬ ‫الفعالة في تجاوز ألازمات‪ّ .‬‬ ‫الانتقالي واملشاركة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫طبقا للمعايير‬ ‫يتميز املرسوم بتبسيط إجراءات تأسيس‬

‫‪33‬‬ ‫‪34‬‬

‫‪ 26‬يوليو‪ /‬جويلية ‪2017‬‬

‫ّ‬ ‫املصدر‪ :‬مركز إفادة لإلعالم والتكوين والدراسات والتوثيق حول‬ ‫الجمعيات (‪ 5‬سبتمبر ‪)2017‬‬

‫‪45‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الخاص بالحقوق‬ ‫والسياسية‪ 35‬وذلك بإلغاء نظام‬ ‫املدنية‬ ‫الدولي‬ ‫وأهمها الفصل ‪ 21‬من العهد‬ ‫الدولية‬ ‫واملبادئ‬ ‫ّ‬ ‫الداخلية‪ .‬يواجه املجتمع‬ ‫الترخيص املسبق وتعويضه بنظام التصريح أو إلاعالم وإلغاء الاختصاص التقدير ّي لوزير‬ ‫املدني في تونس اليوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحديات كبرى‬ ‫تتمحور حول طرق املساهمة في بناء دولة القانون واملؤ ّسسات وتركيز نظام‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ديمقر ّ‬ ‫اطي يضمن الحقوق‬ ‫الانتقالي‪ ،‬حيث‬ ‫ألاساسية إلنجاح املسار‬ ‫املدني الركيزة‬ ‫والحرّيات للمواطنين‪ .‬ويعتبر املجتمع‬ ‫أهمية تواجد مجتمع مدني ناجع وفاعل لتفادي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّبينت مختلف ألازمات التي ّ‬ ‫الهزات الكبرى‬ ‫الانتقالي‬ ‫مر بها املسار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫للجمعيات العامل الرئيس ّي لتفعيل هذه املساهمة‬ ‫القانوني‬ ‫ومخاطر الانسياق نحو العنف والفوض ى‪ .‬ويعتبر النظام‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫للجمعيات ومن ّ‬ ‫أهمها الاقتراح والضغط والرقابة‪،‬‬ ‫قانونا‬ ‫ولضمان نجاعتها من خالل ممارسة الحقوق املمنوحة‬ ‫والنفاذ للمعلومات والبيانات ّ‬ ‫وبحقها في ّ‬ ‫حرّية التعبير دون تخويف أو قمع من السلطة ودون املساس بحرمة الناشطين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني للتعبير عن مطالبه‪.‬‬ ‫أساسية يستخدمها املجتمع‬ ‫السلمي كأداة‬ ‫والحق في التظاهر‬ ‫فيه‪،‬‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعية في تونس بظاهرتين متالزمتين وهما ّ‬ ‫أهم ّية ما يعرف بالطبقة الوسطى التي راهنت عليها‬ ‫تتميز البنية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫بمجانية التعليم وانتشاره‬ ‫متوسطة الدخل ولكنها انتفعت‬ ‫العمومية منذ الاستقالل سنة ‪ 1956‬وهي طبقة‬ ‫السلطات‬ ‫مما جعلها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫والثقافية ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والثقافي والتعلي ّ‬ ‫تدريجيا على املستوى‬ ‫تتطور‬ ‫مي لتصبح‬ ‫الاقتصادي‬ ‫الصحية‬ ‫العمومية‬ ‫واملرافق‬ ‫ّ‬ ‫ملجتمعية أيضا بالنزعة ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامة لدى عموم املواطنين باالهتمام‬ ‫بمثابة العمود الفقر ّي للمجتمع التونس ّي‪ .‬وتتسم البنية ا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التعصب املبالغ فيه إلى أيديولوج ّيات‬ ‫سياسية أو‬ ‫الوطني‪ ،‬لكن دون الانتماء أو الانخراط بالضرورة في أحزاب‬ ‫بالشأن‬ ‫ّ‬ ‫معينة‪ ،‬وذلك ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والحزبي طيلة عقود والعمق‬ ‫التاريخي املتمثل في انغالق العمل السياس ّي‬ ‫لعدة أسباب من بينها العامل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والتطوعي في املجتمع وكذلك لحصول نوع من التقارب والتطابق بين العمل السياس ّي والعمل‬ ‫املدني‬ ‫التاريخي للعمل‬ ‫النقابي باعتبار ّ‬ ‫أن النقابات ّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫الوطنية من أجل الاستقالل وبناء‬ ‫السياسية الحركة‬ ‫تاريخيا إلى جانب ألاحزاب‬ ‫تزعمت‬ ‫الدولة ا َّ‬ ‫لفتية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الوطني التأسيس ّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات من قبل اللجان‬ ‫وتم الاستماع إلى عدد من‬ ‫املدني في أشغال املجلس‬ ‫شارك املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫والدستورية‬ ‫القانونية‬ ‫بالوضعية‬ ‫عموما وفي املطالب واملقترحات املتعلقة‬ ‫املختصة باملجلس للنظر في مطالبها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات للتباحث في شأن مواقف‬ ‫خاص‪ .‬وقام املجلس بتنظيم يوم حوارات مفتوحة مع‬ ‫للجمعيات بوجه‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمعية "بوصلة"‬ ‫الجمعيات على غرار‬ ‫ألاساسية‪ .‬وتمكنت بعض‬ ‫الجمعيات من مشروع الدستور وغيرها من املشاريع‬ ‫اليومية ألشغاله وذلك باحتساب نسبة حضور ّ‬ ‫ّ‬ ‫النواب وغيابهم ونسبة‬ ‫أن تمارس دور املالحظ داخل املجلس باملتابعة‬ ‫ّ‬ ‫ملانية‪ ،36‬كما ّ‬ ‫كل مجموعة بر ّ‬ ‫كل نائب وحسب ّ‬ ‫التصويت داخل املجلس حسب ّ‬ ‫املختصة‬ ‫تم فتح اجتماعات اللجان‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الانتقالية وبالهيئة العليا املستقلة لالنتخابات‬ ‫الجمعيات عند النظر في مشاريع القوانين املتعلقة بالعدالة‬ ‫لبعض‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جمعية "عتيد"‬ ‫الجمعيات على غرار‬ ‫الانتخابية الجديدة‪ .‬وتولت بعض‬ ‫بالعضوية في الهيئة‬ ‫الخاصة‬ ‫وبفرز الترشحات‬

‫ّ‬ ‫ملنظمة ألامم ّ‬ ‫ّ‬ ‫وتنص ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الحق في‬ ‫‪":‬لكل فرد‬ ‫املادة ‪ 21‬على ما يلي‬ ‫املتحدة بتاريخ ‪ 1966/12/16‬وصادقت عليه تونس في ‪.1969/3/18‬‬ ‫العامة‬ ‫الجمعية‬ ‫‪ 35‬صدر بقرار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات مع آخرين‪ ،‬بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه (‪.")...‬‬ ‫حرّية تكوين‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العامة للمجلس‪.‬‬ ‫الوطني التأسيس ّي وهي متواجدة باستمرار بالجلسة‬ ‫الداخلي للمجلس‬ ‫‪ 36‬تصدر جمعية 'بوصلة' دوريا إحصائيات حول العمل‬ ‫‪www.albawsala.org‬‬

‫‪46‬‬


‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫النهائية املنشورة بالجريدة‬ ‫العامة للمجلس والنصوص‬ ‫مراقبة الاختالفات بين النصوص التي صادقت عليها الجلسة‬ ‫ّ‬ ‫الر ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعية وجود اختالفات بين بعض النصوص املصادق عليها والنصوص املنشورة ‪.37‬‬ ‫سمية وأثبتت هذه‬ ‫املدني في العديد من ألانشطة (ملتقيات‪ّ -‬أيام در ّ‬ ‫ّ‬ ‫اسية‪ -‬ندوات‪ -‬حلقات نقاش‪ -‬دورات‬ ‫كما ساهمت جمعيات املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫تدريبية‪ )...-‬في نشر التفكير التنوير ّي وترسيخ قيمه ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫التعرض إلى مجمل ألانشطة‬ ‫ومجتمعيا‪ .‬وبما أنه ال يمكننا‬ ‫فرديا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫رئيسيين‪:‬‬ ‫املكثفة‪ ،‬قمنا بتصنيفها إلى صنفين‬ ‫ّ‬ ‫صنف ّأول تكثفت ألانشطة حول الشأن السياس ّي واملجاالت املجاورة من انتخابات وصياغة الدستور ومقاومة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الجمعيات‪ ،‬منها "املنتدى التونس ّي‬ ‫الفساد وتحرير إلاعالم ومسائل الحوكمة‪ ،‬وقضايا املرأة وتألقت فيه العديد من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني للتنمية وحقوق‬ ‫للحقوق‬ ‫والاجتماعية" ‪" ،‬عتيد" ‪"،‬أنا يقظ" ‪" ،‬أوفياء" ‪"،‬بوصلة" ‪"،‬القطب‬ ‫الاقتصادية‬ ‫ّ‬ ‫"تونسيات" و"ارتقاء"‪.‬‬ ‫إلانسان"‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫صنف ثاني تمحورت ألانشطة بشكل مزدوج بين ما هو سياس ّي ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية‬ ‫والتطرق إلى عمق املسائل بتناول القضايا‬ ‫عام‬ ‫ّ‬ ‫املدني ورشات مفتوحة للتفكير والحوار ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العام والجدل‪ .‬ون ّسقت‬ ‫الديني‪ ،‬جعلت من املجتمع‬ ‫والنظرية للتنوير وإلاصالح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫تدريبية‬ ‫الديني أو في ورشات‬ ‫الدينية في معالجة رهانات تطوير التفكير‬ ‫مع العديد من الوزارات مثل وزارة الشؤون‬ ‫ّ‬ ‫لألئمة‪.‬‬ ‫الفكرية والتن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ً .‬‬ ‫نظرا‬ ‫ويرية وأسئلة إلاصالح‬ ‫الفكرية التي اشتغلت على املسائل‬ ‫سنقتصر على تناول ألانشطة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني وما ّ‬ ‫ّ‬ ‫تسرب إليه من غلو وشطط وتط ّرف‪،‬‬ ‫العمومي واملقاربات املتناقضة للشأن‬ ‫للتحد ّيات التي أثيرت في الفضاء‬ ‫الديني"‪ ،‬والتفاعل مع ّ‬ ‫تناولت العديد من الندوات ّ‬ ‫ّ‬ ‫تحديات صالت الدين بالتفكير الدين ّي‪،‬‬ ‫مهمة التفكير في "إلاصالح‬ ‫واقترحت تشجيع القراءات وفتح أبواب الاجتهاد وتقوية منسوب التجديد الفكر ّي من أجل إخراج الدين من بوتقة‬ ‫والتقليدية‪ .‬وشاركت جمعيات ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‪ ،‬كضرورة‬ ‫املتطرف والتعاطي مع الفكر‬ ‫عدة في مقاومة الفكر‬ ‫ألاحادية‬ ‫القراءات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫معرفي يتالءم ومقتضيات العصر‪.‬‬ ‫تتطلبها املرحلة الراهنة‪ ،‬تقتض ي الخروج من منظومة الاجتهاد القديم إلى أفق‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتطلب الاقتناع بأن كل ما ينتجه العقل البشر ّي في فهم النص القر ّ‬ ‫آني قابل‬ ‫الديني‬ ‫وتطرقت إلى أن تنوير التفكير‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية ّ‬ ‫بأهم ّية مراجعة معنى الاجتهاد والتجديد في التراث‬ ‫أغلبية امللتقيات‬ ‫للتجديد وليس له صفة القداسة‪ .‬وأكدت‬ ‫الديني‪ ،‬فضال عن تعصير مفهوم ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‪ ،‬والحاجة إلى تأسيس مناهج جديدة ّ‬ ‫ّ‬ ‫التدين لدى‬ ‫تكرس مبدأ تجديد الفكر‬ ‫الاجتماعية وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقافية‬ ‫الديني املعاصر أن يأخذ في الاعتبار السياقات‬ ‫ألافراد ومالءمته مع مبدأ التنوير‪ .‬وعلى الخطاب‬ ‫والسياسية التي نعيشها‪ ،‬ومن ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثم يجب علينا بناء فقه الواقع الجديد‪ ،‬أي الاستغناء عن الخطاب القديم الذي ال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬الذي‬ ‫السلمي في املجتمعات‬ ‫يتناسب مع معطيات العصر‪ .‬ووجوب فتح حوار صريح وواضح حول التعايش‬ ‫ً‬ ‫مقصدا من مقاصد إلاسالم‪.‬‬ ‫يجب أن يبنى على مبدأ احترام إلانسان‪ ،‬ألنه يظل‬

‫‪www.atide.org37‬‬

‫‪47‬‬


‫ّ‬ ‫الديني‪ ،‬منتدى الجاحظ‪،‬‬ ‫من أبرز الجمعيات العريقة التي طرحت قضايا التنوير وحرصت على إثارة قضايا إلاصالح‬ ‫الذي اعتبر ً‬ ‫إطارا للتفكير ّ‬ ‫الحر املفتوح للجميع دون تصنيف أو تمييز للمشاركة في حواراته ونقاشاته‪ ،‬وعمل على إرساء‬

‫ّ‬ ‫ثقافة الحوار وفتح مسالك النقاش بين الحس ّ‬ ‫والسياسية دون استثناء‪ ،‬ونسج من أسئلة النقد‬ ‫اسيات الفكرّية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي "صورته"‬ ‫التقليدية في سبيل تجديد الفكر‬ ‫واملراجعات والبحث عن تجديد الثقافة والخروج عن السياقات‬ ‫ّ‬ ‫العقالني والخطاب التنوير ّي الجامعة بين الحداثة والتراث‪ ،‬والالتقاء بين ألاصالة والانفتاح‪.‬‬ ‫في صياغة مالمح البديل‬ ‫حواريا و(‪ )30‬ندوة ً‬ ‫ًّ‬ ‫ً‬ ‫بلغت عدد ألانشطة بعد الثورة (‪ً )50‬‬ ‫تدريبية وغيرها من ألانشطة‪. 38‬‬ ‫فكرية و(‪ )26‬دورة‬ ‫منبرا‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربي‪ ،‬فقد حرصت‬ ‫التنويريين" سنة ‪ ،2016‬ورغم بعدها‬ ‫للتربويين‬ ‫العربية‬ ‫وتعزز املشهد التنوير ّي بإحداث "الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العربية‪ ،‬من بينها تونس‪ ،‬وتعمل على دعم صوت التنوير وترسيخ‬ ‫التنويرية في العديد من البلدان‬ ‫على تنشيط الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سنوية "عاصمة التنوير"‪ ،‬من املنتظر أن تمنح كل‬ ‫فاعلية‬ ‫النقدي‪ ،‬وأرست لذلك‬ ‫قيم التسامح ومأسسة قيم العقل‬ ‫سنة إلى بلد ّ‬ ‫عربي‪ ،‬وقد شرفت تونس باختيارها "عاصمة التنوير ‪ ."2017‬في هذه الفترة الوجيزة استطاعت إنجاز‬ ‫ّ‬ ‫أهمها‪ ،‬مجلة "التنويري"‪ ،‬والعديد من الندوات وامللتقيات حول مجال التنوير ومواجهة ّ‬ ‫مكثفة‪ ،‬من ّ‬ ‫تحديات‬ ‫أنشطة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يتضمن (الجدول رقم ‪ّ )15‬‬ ‫ّ‬ ‫العام‪ ،‬نعلم‬ ‫الفكرية التي أسهمت في تذكية النقاش‬ ‫الجمعيات وأنشطتها‬ ‫عينة من‬ ‫العصر ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫جيدا املعلومات املقتضبة‪ ،‬ألن هدف التقرير يركز على النماذج ّ‬ ‫والعينات الدالة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫جدول رقم ‪ّ 15‬‬ ‫التنويرية بعد ‪2011‬‬ ‫الفكرية‬ ‫عينة من الندوات‬ ‫ّ‬ ‫الجمعية‬

‫عنوان النشاط‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫العلمانية و عالقة الدولة بالدين في العالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والشيعي‬ ‫إلاسالمي‬ ‫املدنية في الفكر‬ ‫تأصيل الدولة‬

‫ّ‬ ‫املستقبلي‬ ‫منتدى الجاحظ للفكر‬

‫ّ‬ ‫السلفية في تونس ‪ :‬الدالالت واملستقبل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‬ ‫إشكاليات تجديد الفكر‬ ‫ً‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫سياسيا‬ ‫إصالحا‬ ‫الديني يقتض ي‬ ‫إلاصالح‬ ‫ّ‬ ‫وإشكالية تونسته ‪ :‬السياقات والرهانات‬ ‫إلاسالم‬ ‫ّ‬ ‫الديني املوانع واملمكنات‬ ‫إلاصالح‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‬ ‫الحقوقي وإلاشكال‬ ‫حرّية الضمير بين التأصيل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التاريخية‬ ‫الديني وأشكاله‬ ‫حدود املجال‬ ‫ّ‬ ‫الديني‬ ‫الفضاء املسجدي بين املشترك القيمي والسؤال‬

‫مركز دراسة إلاسالم والديمقر ّ‬ ‫اطية‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية لألدباء واملفكرين‬ ‫الرابطة‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫املعهد العالمي للفكر‬ ‫‪38‬‬

‫الاجتهاد والتجديد في إلاسالم‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫املدني‬ ‫الديني واملجتمع‬ ‫إدارة الشأن‬ ‫الدولي حول إلاسالم والديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية‬ ‫املؤتمر‬ ‫ّ‬ ‫التونسية‬ ‫سؤال الثقافة في الثورة‬ ‫مقاصد القرآن الكريم في بناء الحضارة والعمران‬

‫ّ‬ ‫تقييمية ملنتدى الجاحظ (‪.)2017‬‬ ‫املصدر‪ :‬وثيقة‬

‫‪48‬‬


‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫املعهد العالي للحضارة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الدولي للدراسات الاستر ّ‬ ‫ّ‬ ‫والعسكرية‬ ‫ألامنية‬ ‫اتيجية‬ ‫املركز‬ ‫جمعية تونس الفتاة‬ ‫ّ‬ ‫الدينية‬ ‫وزارة الشؤون‬

‫ّ‬ ‫والتعدد‬ ‫رابطة تونس للثقافة‬

‫نحو خطاب ّ‬ ‫ديني ملواجهة الفكر التكفير ّي وإرساء ثقافة السالم‬ ‫محنة ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫العربية‬ ‫املثقفين في الحضارة‬ ‫محاضن إلارهاب واستراتيجيات تفكيكها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الديني‬ ‫وراهنية‬ ‫الوعي الحديث‬ ‫التراث وأعطاب املنهج التفسير ّي‬ ‫ّ‬ ‫أسمالي‬ ‫إلاسالم في أفق ما بعد ر‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التنويريين (فرع تونس)‬ ‫للتربويين‬ ‫العربية‬ ‫الرابطة‬ ‫مؤمنون بال حدود‬ ‫منتدى الفارابي للدراسات والبدائل‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الفكرية ومتطلبات املجتمع‬ ‫التنوير بين الدواعي‬ ‫ّ‬ ‫مستجدات البحث في فلسفة الدين‪ :‬قراءة ّ‬ ‫نقدية‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمي‬ ‫العربي‬ ‫التأويل في الفكر‬ ‫ّ‬ ‫والشرعية والعنف‬ ‫الدين‬ ‫ّ‬ ‫الثقافية‬ ‫الثورة واملسألة‬ ‫ّ‬ ‫املدني‬ ‫الدين والدولة واملجتمع‬

‫مركز الزيتونة للدراسات الاستر ّ‬ ‫اتيجية‬ ‫ّ‬ ‫املجتمعية والتمكين‬ ‫مركز التنمية‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إلاسالمية‬ ‫العربية‬ ‫حقوق إلانسان في الثقافة‬ ‫ّ‬ ‫الديني في تونس بين ألاصالة واملعاصرة‬ ‫الخطاب‬

‫ّ‬ ‫املدني على ّ‬ ‫ّ‬ ‫تتضمن عديد النقائص من حيث طبيعة املضامين‬ ‫أهميتها‪،‬‬ ‫هذه النماذج املقتضبة من أنشطة املجتمع‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫العمومية‪ ،‬والخيط الناظم فيما بينها‪ .‬إضافة إلى تضرر العمل‬ ‫ومحدودية التمويالت‬ ‫واملحاور ومنهجيات تناولها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫املدنيين‪ ،‬وتوحيد ألانشطة ضمن رؤية مشتركة‪.‬‬ ‫التنوير ّي‪ ،‬وغياب التنسيق بين الفاعلين‬

‫‪49‬‬


‫خاتمة‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫التونسية وما تعيشه من انتقال ديمقر ّ‬ ‫اطي‬ ‫اهتم تقرير "حالة التنوير في تونس" بالبحث في جذور فرادة التجربة‬ ‫العربي من أمواج عنف ونزاعات وتحارب‪ّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫إن تجربة تونس‬ ‫استثنائية‪ ،‬مقارنة بما يتالطم في املحيط‬ ‫ومسارات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ًّ‬ ‫التونسيين في القرن التاسع‬ ‫تاريخيا بما أشرنا إليه من محاوالت املفكرين‬ ‫التنويرية ليست وليدة الصدفة‪ ،‬بل متجذرة‬ ‫ّ‬ ‫إلانساني ومظاهر الحضارة الجديدة من أبناء هذا الوطن‪ .‬هذه الشعلة من الاصالحات وإن لم‬ ‫عشر تقريب الفكر‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫منظومية ومتر ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أرضية خصبة وعناصر تنتظر املناخ املناسب‪ ،‬لتثمر وتينع‬ ‫اصة الروافد‪ ،‬فقد شكلت‬ ‫تمثل حركة تنوير‬ ‫الوطنية وسعيها إلى سقي البذور ّ‬ ‫ّ‬ ‫ألاو ّلية بالتعليم وتشييد املدارس‪ ،‬التي ّ‬ ‫مهدت السترجاع‬ ‫أزهارها‪ .‬وما يسرته الدولة‬ ‫ّ‬ ‫التونسيين ذاتهم املسلوبة‪ ،‬والشروع في عمليات البناء املؤلفة بين املنجز على ألارض من ّ‬ ‫مؤسسات ديمقر ّ‬ ‫ّ‬ ‫اطية‬ ‫املتنور الذي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫يؤجر عقله ألي جهة‬ ‫ودستورية وتحرير للعقل وإطالق العنان لإلرادات والعزائم لبناء إلانسان‪ /‬املواطن‬ ‫كانت‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫إلايجابية وتثمين الجهد التنوير ّي في ّ‬ ‫والتعليمية وال ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ثقافية‬ ‫الاجتماعية‬ ‫املتنوعة‪،‬‬ ‫مكوناته‬ ‫كل إلاشارات واملعطيات‬ ‫واملدنية‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫حقيقية لرفعها ووضع تونس في مسار البلد‬ ‫التحديات ما زالت كبيرة وتحتاج إلى إرادات‬ ‫فإن‬ ‫وألاكاديمية‬ ‫والحرّية التي ترفرف‪َّ .‬‬ ‫ّ‬ ‫العصر ّي والديمقر ّ‬ ‫إن مسار التنوير مثل طريق‬ ‫اطي حيث املواطنة املحترمة والكرامة املحفوظة‬ ‫ّ‬ ‫تأسيسية ومن حماس ال ينطفئ‪.‬‬ ‫ألف ميل ينطلق من خطوة أولى ومن لبنات‬

‫‪50‬‬


‫اﻫﺘﻢ ﺗﻘﺮﻳﺮ "ﺣﺎﻟﺔ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻓﻲ ﺗﻮﻧﺲ" ﺑﺎﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺟﺬور ﻓﺮادة اﻟﺘﺠﺮﺑﺔ‬ ‫ّ‬ ‫اﺳﺘﺜﻨﺎﺋﻴﺔ‪ ،‬ﻣﻘﺎرﻧﺔ ﺑﻤﺎ‬ ‫دﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ وﻣﺴﺎرات‬ ‫اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﺔ وﻣﺎ ﺗﻌﻴﺸﻪ ﻣﻦ اﻧﺘﻘﺎل‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﻌﺮﺑﻲ ﻣﻦ أﻣﻮاج ﻋﻨﻒ وﻧﺰاﻋﺎت وﺗﺤﺎرب‪ّ .‬‬ ‫إن ﺗﺠﺮﺑﺔ ﺗﻮﻧﺲ‬ ‫ﻳﺘﻼﻃﻢ ﻓﻲ اﻟﻤﺤﻴﻂ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﺗﺎرﻳﺨﻴﺎ ﺑﻤﺎ أﺷﺮﻧﺎ إﻟﻴﻪ ﻣﻦ‬ ‫ﻣﺘﺠﺬرة‬ ‫اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ّﻳﺔ ﻟﻴﺴﺖ وﻟﻴﺪة اﻟﺼﺪﻓﺔ‪ ،‬ﺑﻞ‬ ‫ًّ‬ ‫ّ‬ ‫ا ﻧﺴﺎﻧﻲ‬ ‫اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﻴﻦ ﻓﻲ اﻟﻘﺮن اﻟﺘﺎﺳﻊ ﻋﺸﺮ ﺗﻘﺮﻳﺐ اﻟﻔﻜﺮ‬ ‫اﻟﻤﻔﻜﺮﻳﻦ‬ ‫ﻣﺤﺎوﻻت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫وﻣﻈﺎﻫﺮ اﻟﺤﻀﺎرة اﻟﺠﺪﻳﺪة ﻣﻦ أﺑﻨﺎء ﻫﺬا اﻟﻮﻃﻦ‪ .‬ﻫﺬه اﻟﺸﻌﻠﺔ ﻣﻦ اﻻﺻﻼﺣﺎت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫أرﺿﻴﺔ‬ ‫ﺷﻜﻠﺖ‬ ‫وﻣﺘﺮاﺻﺔ اﻟﺮواﻓﺪ‪ ،‬ﻓﻘﺪ‬ ‫ﻣﻨﻈﻮﻣﻴﺔ‬ ‫ﺗﻤﺜﻞ ﺣﺮﻛﺔ ﺗﻨﻮﻳﺮ‬ ‫وإن ﻟﻢ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﺧﺼﺒﺔ وﻋﻨﺎﺻﺮ ﺗﻨﺘﻈﺮ اﻟﻤﻨﺎخ اﻟﻤﻨﺎﺳﺐ‪ ،‬ﻟﺘﺜﻤﺮ وﺗﻴﻨﻊ أزﻫﺎرﻫﺎ‪ .‬وﻣﺎ ﻳﺴﺮﺗﻪ‬ ‫ﻟﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﻌﻠﻴﻢ وﺗﺸﻴﻴﺪ‬ ‫اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ وﺳﻌﻴﻬﺎ إﻟﻰ ﺳﻘﻲ اﻟﺒﺬور‬ ‫اﻟﺪوﻟﺔ‬ ‫ّ‬ ‫ا‪°‬و ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫اﻟﺘﻮﻧﺴﻴﻴﻦ ذاﺗﻬﻢ اﻟﻤﺴﻠﻮﺑﺔ‪ ،‬واﻟﺸﺮوع ﻓﻲ‬ ‫ﻣﻬﺪت ﻻﺳﺘﺮﺟﺎع‬ ‫اﻟﻤﺪارس‪ ،‬اﻟﺘﻲ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫دﻳﻤﻘﺮاﻃﻴﺔ‬ ‫ﻣﺆﺳﺴﺎت‬ ‫ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﻨﺎء اﻟﻤﺆﻟﻔﺔ ﺑﻴﻦ اﻟﻤﻨﺠﺰ ﻋﻠﻰ ا‪°‬رض ﻣﻦ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ودﺳﺘﻮر ّﻳﺔ وﺗﺤﺮﻳﺮ ﻟﻠﻌﻘﻞ وإﻃﻼق اﻟﻌﻨﺎن ﻟ¸رادات واﻟﻌﺰاﺋﻢ ﻟﺒﻨﺎء ا ﻧﺴﺎن‪/‬‬ ‫ﻳﺆﺟﺮ ﻋﻘﻠﻪ ‪°‬ي ﺟﻬﺔ ﻛﺎﻧﺖ‪.‬‬ ‫اﻟﻤﺘﻨﻮر اﻟﺬي‬ ‫اﻟﻤﻮاﻃﻦ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻣﻜﻮﻧﺎﺗﻪ‬ ‫اﻟﺘﻨﻮﻳﺮي ﻓﻲ‬ ‫ا ﻳﺠﺎﺑﻴﺔ وﺗﺜﻤﻴﻦ اﻟﺠﻬﺪ‬ ‫ﻛﻞ ا ﺷﺎرات واﻟﻤﻌﻄﻴﺎت‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واﻟﻤﺪﻧﻴﺔ‪ ،‬ﻓﺈنّ‬ ‫وا‪°‬ﻛﺎدﻳﻤﻴﺔ‬ ‫واﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ‬ ‫واﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻴﺔ‬ ‫اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ‬ ‫اﻟﻤﺘﻨﻮﻋﺔ‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﺮﻓﻌﻬﺎ ووﺿﻊ ﺗﻮﻧﺲ‬ ‫اﻟﺘﺤﺪﻳﺎت ﻣﺎ زاﻟﺖ ﻛﺒﻴﺮة وﺗﺤﺘﺎج إﻟﻰ إرادات‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاﻃﻲ ﺣﻴﺚ اﻟﻤﻮاﻃﻨﺔ اﻟﻤﺤﺘﺮﻣﺔ واﻟﻜﺮاﻣﺔ‬ ‫اﻟﻌﺼﺮي‬ ‫اﻟﺒﻠﺪ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ﻓﻲ ﻣﺴﺎر ‪.‬‬ ‫واﻟﺤﺮ ّﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﺮﻓﺮف‪ .‬ﱠ‬ ‫إن ﻣﺴﺎر اﻟﺘﻨﻮﻳﺮ ﻣﺜﻞ ﻃﺮﻳﻖ أﻟﻒ ﻣﻴﻞ ﻳﻨﻄﻠﻖ‬ ‫اﻟﻤﺤﻔﻮﻇﺔ‬ ‫ّ‬ ‫ﺗﺄﺳﻴﺴﻴﺔ وﻣﻦ ﺣﻤﺎس ﻻ ﻳﻨﻄﻔﺊ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ ﺧﻄﻮة أوﻟﻰ وﻣﻦ ﻟﺒﻨﺎت‬ ‫ّ‬

‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬ ‫اﻟﺮاﺑﻄﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﺘﺮﺑﻮﻳﻴﻦ اﻟﺘﻨﻮﻳﺮﻳﻴﻦ © ‪٢٠١٧‬‬ ‫‪www.ArabAEME.org‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.