مجلة آراء حول الخليج العدد رقم 167

Page 1

‫ﻟﻠﻤﺰﻳــﺪ ﻣــﻦ اﻟﻤﻌﻠﻮﻣــﺎت او‬

‫ﻟﻼﺷــﺘﺮاك ‪www.grc.net :‬‬



‫‪148‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫وقفة‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫معرض كتاب الرياض واالنتماء للجذور‬

‫جمال أمني همام*‬

‫معــرض الريــاض الدولــي للكتــاب الــذي احتضنتــه العاصمــة الســعودية مــن‬ ‫ً‬ ‫معرضــا‬ ‫األول حتــى العاشــر مــن شــهر أكتوبــر املاضــي‪ ،‬كان أكبــر مــن كونــه‬ ‫للكتــاب‪ ،‬فقــد كان احتفاليــة عربيــة كبــرى بالثقافــة واإلبــداع يف جميــع‬ ‫فــروع الفنــون واآلداب واشــتمل إلــى جانــب عــرض الكتــب علــى أمســيات‬ ‫وحلقــات ثقافيــة وفكريــة ‪،‬وأمســيات شــعرية إضافــة إلــى الغنــاء واملوســيقى‬ ‫واملســرح وغيــر ذلــك ‪ ،‬وقــد جنحــت وزارة الثقافــة وهيئــة األدب والنشــر‬ ‫والترجمــة باململكــة العربيــة الســعودية يف التخطيــط والتنفيــذ لهــذا احلــدث‬ ‫الثقــايف املهــم الــذي جتــاوز املفهــوم التقليــدي ملعــرض الكتــاب‪ ،‬لذلــك خــرج‬ ‫يف احتفاليــة متكاملــة متعــددة الفعاليــات شــارك فيهــا ألــف دار نشــر مــن‬ ‫‪ 28‬دولــة حــول العالــم‪ ،‬وكان احلــدث املهــم يف ذلــك دعــوة دولــة العــراق‬ ‫كضيــف شــرف للمعــرض وشــارك منــه ‪ 50‬مثق ًفــا يف مختلــف فــروع الفكــر‬ ‫والفــن واألدب والثقافــة تقدمهــم وزيــر الثقافــة الدكتــور حســن ناظــم‪.‬‬ ‫وتناولــت النــدوات التــي أقيمــت علــى هامــش املعــرض التاريــخ الثــري للعراق‬ ‫يف الشــعر واألدب ‪،‬والفــن‪ ،‬والتــراث ‪ ،‬واحلضــارات القدميــة‪ ،‬والتواصــل مــع‬ ‫اجلزيــرة العربيــة باعتبــار أنــه ال ميكــن فصــل العــراق عــن محيطــه العربــي‬ ‫مــن حيــث التاريــخ واجلــذور والبنيــة الثقافيــة واحلضاريــة‪ ،‬وال ميكــن‬ ‫اختطافــه وإبعــاده عــن الروافــد التــي صنعــت حضارتــه وشــكلت هويتــه‬ ‫ورســمت مســاره عبــر التاريــخ‪ ،‬وهــذا مــا أكــده املشــاركون العراقيــون الذيــن‬ ‫حتدثــوا عــن التاريــخ وركــزوا جميعهــم علــى أن تأســيس الدولــة العراقيــة‬ ‫كان يف العــام ‪1921‬م‪ ،‬باعتبــار أن العــراق تأســس قبــل ‪ 100‬ســنة علــى يــد‬ ‫امللــك فيصــل األول وهــذا يؤكــد النشــأة العربيــة للعــراق‪ ،‬كمــا بــدت الرغبــة‬ ‫واضحــة يف العــودة إلــى احلضــن العربــي خاصــة االنفتــاح علــى اململكــة‬ ‫العربيــة الســعودية‪ ،‬والعــودة إلــى التواصــل الثقــايف واملعــريف واإلنســاني‬ ‫معهــا‪ ،‬ال ســيما أن هنــاك امتــداد وتواصــل قــدمي وطبيعــي مــع اململكــة‬ ‫منــذ عصــور قدميــة مــا جعــل الثقافــات واحلضــارات القدميــة تتماهــى بــن‬ ‫شــمال اململكــة وجنــوب العــراق منــذ عصــور مــا قبــل التاريــخ وحتــى العصــر‬ ‫احلديــث‪ ،‬وهــذا مــا عكســته نــدوة املــدن القدميــة التــي أقيمــت علــى هامــش‬

‫املعــرض واآلثــار املوجــودة يف شــمال اململكــة‪ ،‬وكذلــك التقــاء جــذور الغنــاء‬ ‫بــن جنــوب العــراق والكويــت ومنطقــة جنــد حيــث ال توجــد حواجــز طبيعيــة‬ ‫بــن هــذه املناطــق التــي تســكنها قبائــل عربيــة تلتقــي يف اجلــذور والتاريــخ‪،‬‬ ‫وأكــدت النــدوات واملداخــالت أن الثقافــة واحلضــارة بــكل مفرداتهــا ال‬ ‫ميكــن فصلهــا أو جتزئتهــا داخــل حــدود الدولــة احلديثــة‪.‬‬ ‫وشــملت النــدوات الثقافيــة واألمســيات الشــعرية موضوعــات مختــارة‬ ‫بعنايــة شــديدة تراوحــت بــن النقــد األدبــي‪ ،‬وعــرض التجــارب املســرحية‬ ‫وتاريــخ الغنــاء واملصــادر التــي نهــل منهــا الفكــر العراقــي وتنــاول مســيرة‬ ‫أهــم الشــعراء العراقيــن ومنهــم محمــد مهــدي اجلواهــري وبــدر شــاكر‬ ‫الســياب وذلــك بحضــور أســاتذة يف النقــد والتــراث ‪ ،‬وباملجمــل إنهــا‬ ‫جتربــة تؤكــد تعطــش الســاحة الثقافيــة العربيــة الجتــرار التــراث العربــي‬ ‫والتنقيــب بــن جنباتــه والتركيــز علــى املشــتركات وعلــى مواطــن الثــراء‬ ‫فيــه واالســتفادة منــه لالنطــالق نحــو مســتقبل عربــي أفضــل نكتشــف فيــه‬ ‫مواطــن قوتنــا ومشــتركاتنا ونســتفيد منــه ملــا يجمعنــا وال يفرقنــا‪ ،‬كمــا‬ ‫أن مــا قدمــه املعــرض‪ ،‬ومــا ترتــب عليــه يعــزز التفكيــر يف تكــرار هــذه‬ ‫الفعاليــات وتنظيمهــا بشــكل دوري ويف مختلــف الــدول واملــدن العربيــة مــع‬ ‫التنويــع يف املشــاركات‪ ،‬ليكــون رافـدًا مــن روافــد الثقافــة العربيــة التــي تعــزز‬ ‫مفهــوم هــذه الثقافــة األصيلــة واجلــادة‪ ،‬وإعــادة اكتشــاف اإلرث العربــي‬ ‫العظيــم يف مواجهــة انتشــار ثقافــة شــبكات التواصــل االجتماعــي العابــرة‬ ‫للحــدود والتــي تســتهدف يف كثيــر مــن األحيــان طمــس الهويــة العربيــة‪،‬‬ ‫وكذلــك القــراءة اإللكترونيــة التــي تفــرض العزلــة علــى الشــباب واالنكفــاء‬ ‫واالبتعــاد عــن اجلــذور‪ ،‬وكذلــك عــن احمليــط العربــي‪.‬‬ ‫ومــن املشــاهد املهمــة التــي متيــز بهــا معــرض الريــاض للكتــاب هــو حضــور‬ ‫الشــباب ومشــاركتهم يف اإلدارة والتنظيم‪ ،‬واملشــاركة يف الندوات‪ ،‬وإدارتها‪،‬‬ ‫وكذلــك العنصــر النســائي الســعودي‪ ،‬حيــث حضــرت املــرأة الســعودية‬ ‫وتفاعلــت مــع النــدوات الثقافيــة واألمســيات الشــعرية مبــا يؤكــد أن املــرأة‬ ‫يف اململكــة تخــوض غمــار احليــاة يف العمــل والثقافــة والتعليــم بــكل جديــة‬ ‫ونديــة مــع الرجــل‪ ،‬وهــي مســلحة بالعلــم واملعرفــة‪ ،‬وإنهــا تســتطيع أن تقــدم‬ ‫للمجتمــع الكثيــر‪ ،‬ومــن امللفــت ً‬ ‫أيضــا أن احلكومــة يف اململكــة ممثلــة يف‬ ‫وزارة الثقافــة كانــت متفاعلــة وعــن قــرب وبصــورة إيجابيــة مــع املشــاركن‬ ‫ودور النشــر املوجــودة يف املعــرض‪ ،‬وقــد ألغــت رســوم املشــاركات ‪ ،‬أي قيمــة‬ ‫إيجــار منصــات العــرض لــدور النشــر حتــى تخفــف مــن التكاليــف علــى دور‬ ‫النشــر املشــاركة‪.‬‬ ‫ناجحــا‬ ‫ويف نهايــة احلديــث عــن هــذه املنظومــة املتكاملــة التــي قدمــت عمـ ًـال‬ ‫ً‬ ‫للقــارئ واملثقــف واملهتــم بقضايــا النشــر والفكــر ننتظــر تكرارهــا لتعميــم‬ ‫الفائــدة ‪.‬‬ ‫*ﻣﺪﻳﺮ اﻟﺘﺤﺮﻳﺮ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫إصدارات‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪147‬‬

‫العقود التجارية وعمليات البنوك‬ ‫يف المملكة العربية السعودية‬ ‫صــدرت نســخة جديــدة مــن كتــاب (العقــود التجاريــة وعمليــات البنــوك يف اململكــة العربيــة الســعودية) ملؤلفــه معالــي‬ ‫الدكتــور محمــد حســن اجلبــر ـ يرحمــه اهلل ـ وحــول هــذه النســخة املنقحــة مــن الكتــاب قــال معالــي الدكتــور عصــام بــن‬ ‫ســعد بــن ســعيد وزيــر الدولــة‪ ،‬عضــو مجلــس الــوزراء ـ رئيــس هيئــة اخلبــراء مبجلــس الــوزراء ســاب ًقا‪ :‬املعــروف ال يُعــرف كما‬ ‫يُقــال‪ ،‬فالكتــاب معــروف متــداول مــع صنــوه كتــاب (القانــون التجــاري الســعودي) منــذ عقــود‪ ،‬واملؤلــف أشــهر مــن نــار علــى‬ ‫أي منهمــا‬ ‫علــم‪ ،‬يف مجــال تخصصــه القانونــي‪ ،‬فهــو ضمــن الرعيــل األول مــن القانونيــن الســعودين‪ ،‬وكل مــن اطلــع علــى ٍّ‬ ‫أو علــى مــا كتبــه مــن بحــوث يــدرك مــدى إملامــه مبــا يكتــب فيــه وعمقــه فيمــا يطرحــه وتأصيلــه للمســائل التــي يتناولهــا‬ ‫وإحاطتــه بالقضايــا التــي يعاجلهــا‪ ،‬وهــذا ال يتأتــى إال بحصيلــة علميــة زاخــرة ومت ّكـ ٍـن علمـ ٍّـي بــاذخ‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن تنــوع خبراتــه‬ ‫وجتاربــه العمليــة‪ ،‬وتر ّقيــه يف ســاللم الوظائــف احلكوميــة والعمــل الــدؤوب يف اللجــان املتعــددة‪ ،‬كمــا يتضــح يف ســيرته‬

‫اﻟﻄﺒﻌﺔ اﻟﺜﺎﻟﺜﺔ‬ ‫‪٢٠٢١ - ١٤٤٣‬‬

‫اﻟﻌﻘﻮد اﻟﺘﺠﺎرﻳﺔ و ﻋﻤﻠﻴﺎت اﻟﺒﻨﻮك‬ ‫ﻓـﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳـﺔ‬ ‫ﻣﻌﺎﱄ اﻟﺪﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺴﻦ اﻟﺠﱪ‬

‫آراء حول اخلليج‪ :‬جدة‬ ‫املوجــزة يف آخــر الكتــاب‪ ،‬وســيرته ‪-‬رحمــه اهلل ‪ -‬حافلــة جديــرة‬ ‫بــأن تو ّثــق وتــدون يف كتــاب مســتقل‪ ،‬وقــد كان لــي شــرف العمــل معــه‬ ‫مســاعدًا لرئيــس هيئــة اخلبــراء مبجلــس الــوزراء إ ّبــان رئاســته لهــا‪.‬‬ ‫أمــا هــذا الكتــاب (العقــود التجاريــة وعمليــات البنــوك يف‬ ‫اململكــة العربيــة الســعودية) الــذي بــادر ســعادة وكيــل كليــة احلقــوق‬ ‫والعلــوم السياســية للشــؤون التعليميــة واألكادمييــة يف جامعــة امللــك‬ ‫ســعود أخــي الدكتــور أحمــد بــن ســعيد اخلبتــي إلــى النهــوض مبهمــة‬ ‫حتديثــه وتنقيحــه‪ ،‬وهــي مهمــة ال يــدرك صعوبتهــا إال مــن خاضهــا‪،‬‬ ‫ميــا قــال اجلاحــظ‪" :‬ولرمبــا أراد مؤلــف الكتــاب أن يصلــح‬ ‫وقد ً‬ ‫ٍ‬ ‫ورقــات مــن ُحــ ّر‬ ‫تصحي ًفــا أو كلمــ ًة ســاقطة‪ ،‬فيكــون إنشــاء عشــر‬ ‫اللفــظ وشــريف املعانــي‪ ،‬أيســر عليــه مــن إمتــام هــذا النقــص‪ ،‬حتــى‬ ‫يــر ّده إلــى موضعــه مــن اتصــال الــكالم" [كتــاب احليــوان ‪ ،]79/1‬إال‬ ‫أنــه أبــى إال أن يتقــن هــذه املهمــة مــا وســعه اإلتقــان‪ ،‬ليظهــر الكتــاب‬ ‫بالصــورة املأمولــة التــي يبتغ ّيهــا مؤلفــه رحمــه اهلل‪ ،‬وعلــى النحــو‬ ‫الــذي يحقــق الفائــدة املرجــوة منــه‪ ،‬فلــه وافــر الشــكر وجزيــل الثنــاء‪.‬‬ ‫والكتــاب كمــا يتضــح مــن فهرســه ومحتــواه‪ ،‬يف قســمن‪:‬‬ ‫تنــاول القســم األول‪ :‬العقــود التجاريــة‪ ،‬وفيــه ســتة أبــواب‪ ،‬درس فيها‪:‬‬ ‫البيــع التجــاري‪ ،‬والسمســرة‪ ،‬والوكالــة التجاريــة‪ ،‬وعقــد االمتيــاز‬ ‫التجــاري‪ ،‬وعقــد الرهــن التجــاري‪ ،‬وعقــد النقــل‪ ،‬أمــا القســم الثانــي‬ ‫فتنــاول‪ :‬عمليــات البنــوك‪ ،‬وفيــه ثالثــة أبــواب‪ ،‬درس فيها‪ :‬احلســابات‬ ‫املصرفيــة‪ ،‬وعمليــات اإليــداع املصــريف‪ ،‬وعمليــات االئتمــان املصــريف‪.‬‬ ‫واملأمــول أن يســتمر الكتــاب بطبعتــه اجلديــدة يف إفــادة‬ ‫الباحثــن واملتخصصــن وعمــوم القــراء مــن املهتمــن‪ ،‬ويوفــر لهــم‬

‫املعلومــة الدقيقــة والعــرض املفصــل والدراســة املتعمقــة والرؤيــة‬ ‫املوضوعيــة‪.‬‬ ‫أســأل اهلل الرحمــة واملغفــرة للمؤلــف وأن يجزيــه عــن العلــم وأهلــه‬ ‫خي ـ ًرا‪ ،‬وأن يوفــق أخــي الدكتــور أحمــد بــن ســعيد اخلبتــي ويبــارك‬ ‫فيمــا قدمــه مــن جهــد مشــكور‪ ،‬والشــكر موصــول لــكل مــن أســهم‬ ‫بجهــد يف ســبيل مراجعــة الكتــاب وإخراجــه وطباعتــه ونشــره‪ ،‬ليكــون‬ ‫متواف ـ ًرا بــن أيــدي القــراء‪.‬‬ ‫واملؤلــف ولــد يف األحســاء عــام ‪1362‬هـــ‪ ،‬وتلقــى تعليمــه االبتدائــي‬ ‫والثانــوي فيهــا‪ ،‬ثــم التحــق بجامعــة القاهــرة وحصــل علــى ليســانس‬ ‫احلقــوق عــام ‪1968‬م‪ ،‬وحصــل علــى املاجســتير يف القانــون اخلــاص‬ ‫مــن كليــة القانــون والعلــوم السياســية بجامعــة (اكــس ‪ /‬مرســيليا) عام‬ ‫‪1972‬م‪ ،‬ثــم دكتــوراه الدولــة يف القانــون مــن كليــة القانــون والعلــوم‬ ‫االقتصاديــة بجامعــة مونبلييــه‪ .‬عــن أســتاذ مســاعد بقســم القانــون‬ ‫بكليــة العلــوم اإلداريــة يف ‪1399/1/17‬هـــ‪ ،‬ثــم أســتاذ مشــارك يف‬ ‫‪1403/2/20‬هـــ‪ ،‬ثــم وكي ـ ً‬ ‫رئيســا لقســم‬ ‫ال لكليــة العلــوم اإلداريــة ثــم‬ ‫ً‬ ‫القانــون بالكليــة حتــى عــام ‪1408‬هـــ‪ ،‬بجانــب اســهاماته يف عــدد مــن‬ ‫اللجــان والدوائــر احلكوميــة‪ ،‬تــرأس اللجنــة القانونيــة بــوزارة التجــارة‬ ‫يف عــام ‪1403‬هـــ‪ ،‬ووكيــل الــوزارة للشــؤون الفنيــة خــالل الفتــرة‬ ‫(‪1416-1408‬م) ثــم مديــر عــام ملصلحــة اجلمــارك‪ .‬وعــن رئيســاً‬ ‫لهيئــة اخلبــراء مبجلــس الــوزراء مبرتبــة وزيــر يف ‪1420/3/2‬هـــ‪.‬‬ ‫وتــويف معاليــه يف أغســطس مــن عــام ‪2006‬م‪.‬‬


‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪146‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫مناطق الخليج والمحيطين الهندي والهادئ ذات أهمية‬ ‫تكاملية لتحقيق أهداف تحالف أوكوس عامة واألمريكية خاصة‬ ‫لــم تتغيــر بــل ســتزداد‪ ،‬ويخطــئ مــن يعتقــد أن واشــنطن وصلــت‬ ‫للضعــف املشــابه للضعــف البريطانــي يف أواخــر الســتينيات عندمــا‬ ‫اضطــرت لالنســحاب مــن اخلليــج‪ ،‬وإحــالل أمريــكا بديــ ً‬ ‫ال عنهــا‪،‬‬ ‫فلــن يكــون هنــاك إحــالالً‪ ،‬وإمنــا توزيــع أدوار جديــدة‪ ،‬لغايــة تاريخيــة‬

‫الوحيــدة للتمســك بــه‪ ،‬وهــذا التحالــف قــد بــدأت مالمحــه تظهــر‬ ‫قبــل حتالــف أوكــوس‪ ،‬وهــذا التحالــف اجليوســتراتيجي اجلديــد‬ ‫مقــرر أن تقــوده الهنــد والكيــان اإلســرائيلي‪ ،‬وتســعى إلــى جــذب‬ ‫دول املنظومــة اخلليجيــة‪ ،‬بهــدف إحــداث تغييــرات بنيويــة يف هيــكل‬

‫كبــرى‪.‬‬

‫القــوة األمريكيــة يف اخلليــج ومشــاركة إســرائيل والهنــد فيهــا لتغطيــة‬ ‫النقــص يف القــوة األمريكيــة ‪ ،‬ومتريــر الوجــود اإلســرائيلي إقليم ًيــا‪،‬‬ ‫وقــد يكــون الوجــود اإلســرائيلي بديــال لألمريكــي يف حالــة إذا مــا‬ ‫أنتجــت الصيــرورة الزمنيــة اجلديــدة تبــدالت يف الفاعلــن الدوليــن‪،‬‬ ‫فواشــنطن تشــهد مخاطــر داخليــة وجوديــة‪ ،‬تغــذي طمــوح اســتقالل‬ ‫بعــض الواليــات األمريكيــة‪ ،‬وهــذا احتمــال نطلقــه مــن رحــم هــذا‬ ‫التحليــل االستشــرايف العميــق ‪.‬‬

‫لــن ننكــر وجــود ضع ًفــا مال ًيــا وشــأنا داخل ًيــا أمريك ًيــا يحــد مــن‬ ‫منتجا لالنســحاب‬ ‫هامــش التواجــد األمريكــي يف اخلــارج‪ ،‬لكنــه ليــس‬ ‫ً‬ ‫األمريكــي مــن اخلليــج‪ ،‬وإمنــا يدفــع بإعــادة هيكلــة القــوة األمريكيــة‪،‬‬ ‫وتوزيــع املهــام مــع شــركاء أقويــاء‪ ،‬ودمــج الكيــان اإلســرائيلي ضمــن‬ ‫منظومــة أمنيــة إقليميــة جديــدة‪ ،‬وتعتقــد إدارة بايــدن أنــه لــن يكتــب‬ ‫لهــذا االختــراق اإلســرائيلي النجــاح إال إذا مت صناعــة الظــروف‬ ‫الســيكولوجية السياســية املواتيــة لــه‪ ،‬لذلــك يتــم صناعــة الفوبيــا‬ ‫األمنيــة مــن تضخيــم وتســييس االنكفــاء األمريكــي عــن اخلليــج‪.‬‬ ‫هنــا اخلبــث األمريكــي املبطــن‪ ،‬ويعتقــد أنــه ســينطوي عــن الفهــم‪،‬‬ ‫فــإدارة بايــدن هــي وراء نشــر االعتقــاد بتراجــع األولويــة اخلليجيــة‬ ‫لصالــح منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬يف حــن تؤكد ممارســتها‬ ‫وتصريحــات صنــاع قراراتهــا‪ ،‬بــأن اخلليــج منطقــة ليبيراليــة خاصــة‪،‬‬ ‫بدليــل التهديــد األمريكــي العلنــي مبقاطعــة الــدول اخلليجيــة الســت‬ ‫إذا مــا انفتحــت عســكر ًيا نحــو روســيا‪ ،‬واإلدارة األمريكيــة تعلــم‬ ‫يقينًــا مــدى االرتبــاط اجلغــرايف ملنطقــة اخلليــج العربــي مبنطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬وحتديــدًا منطقــة االنــدو‪ -‬باســيفيك‬ ‫التــي توليهــا جــل االهتمــام مــن ناحيتــن‪ ،‬األولــى محاصــرة بكــن‪،‬‬ ‫واألخــرى‪ ،‬مســتقبل مصاحلهــا االســتراتيجية انطال ًقــا مــن فرضيــة‬ ‫منافســا‬ ‫يدلــل عليهــا الكثيــر مــن اخلبــراء‪ ،‬وهــى أن الصــن لــم تعــد‬ ‫ً‬ ‫ميكــن مجاراتــه ســلم ًيا‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬حتشــد لــه القــوة اإلقليميــة األكثــر‬ ‫تضــر ًرا ‪ ،‬واألكثــر طاعــة لهــا ‪ ،‬كالهنــد وأســتراليا واليابــان وكوريــا‬ ‫اجلنوبيــة ‪ ..‬الــخ‪.‬‬ ‫ويهــدف اخلبــث األمريكــي مــن نشــر االعتقــاد بالتراجــع‪ ،‬وتهديــد‬ ‫الــدول اخلليجيــة بالعقوبــات‪ ،‬لدواعــي صناعــة ســيكولوجية‬ ‫اخلــوف علــى املســتقبل األمنــي يف اخلليــج ‪ ،‬ومــن ثــم تســويق‬ ‫حتالــف جيوســتراتيجي جديــد‪ ،‬جتــد فيــه الــدول اخلليجيــة ضالتهــا‬

‫واملدهــش هنــا‪ ،‬أن التحالــف اجليوســتراتيجي اجلديــد الــذي‬ ‫ســتقوده الهنــد والكيــان اإلســرائيلي‪ ،‬يظهــر لــي اآلن‪ ،‬وكأنــه امتــدا ًدا‬ ‫للتحالفــات الليبراليــة األمريكيــة اجلديــدة‪ ،‬كأكــوس وأكــود‪ ،‬لكــن مــن‬ ‫منظــوري توزيــع األدوار والتشــاركية لتخفيــف العــبء املالــي عليهــا‪،‬‬ ‫ودمــج الكيــان اإلســرائيلي يف املنظومــة األمنيــة اإلقليميــة‪ ،‬وكل دولــة‬ ‫طبَعــت‪ ،‬جتــد نفســها اآلن منجذبــة إليــه حتــت الهواجــس األمنيــة‬ ‫وضغوطاتهــا السياســية‪.‬‬ ‫ونعلــي هنــا مــن شــأن خطــورة مســتقبل تنصيــب الهنــد وإســرائيل‬ ‫كقوتــن أمنيتــن إقليميتــن مســاعدتن للقوتــن األمريكيــة‬ ‫والبريطانيــة يف منطقــة اخلليــج‪ ،‬فــكل واحــدة منهمــا لهــا أطماعهــا‬ ‫اخلاصــة بهــا‪ ،‬ومــن الســهولة حتقيقهــا يف ظــل التحــوالت املاليــة‬ ‫واالقتصاديــة يف اخلليــج‪ ،‬وتداعياتهــا االجتماعيــة‪ ،‬وتتوفــر للهنــد‬ ‫ميــزة الســبق كونهــا تســتحوذ علــى معطيــات متعــددة متوفــرة يف كل‬ ‫دولــة خليجيــة‪.‬‬ ‫• احلل يف اجليش اخلليجي املوحد‪.‬‬ ‫ليــس أمــام الــدول اخلليجيــة الســت مــن خيــار آخــر ســوى ســرعة‬ ‫تنفيــذ مــا اتفقــت عليــه مــن حيــث املبــدأ‬ ‫* ﻣﺤﻠﻞ ﺳﻴﺎﳼ وﺧﺒري ﰲ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ ـ ﺳﻠﻄﻨﺔ ﻋامن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪145‬‬

‫ملف العدد‬

‫إعادة هيكلة القوة األمريكية وتوزيع المهام ودمج إسرائيل يف‬ ‫منظومة أمنية جديدة بصناعة الظروف السيكولوجية السياسية‬ ‫الهنــدي والهــادئ‪ ،‬إذ ترتبطــان عبــر املســطحات املائيــة املرتبطــة‬ ‫باحمليــط الهنــدي‪ ،‬وتنفــرد ســلطنة عمــان مبوقــع متفــرد يف إطــار‬ ‫هــذا االرتبــاط‪ ،‬فهــي تقــع يف الركــن اجلنوبــي الشــرقي لشــبه‬ ‫اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬أقصــى امتــداد لليابســة العربيــة صــوب شــبه‬

‫إليهــا‪ ،‬وهــو مــا ميكــن ملينــاء الدقــم دعمــه بإمكانيــات قويــة لإلصــالح‬ ‫والصيانــة مــن خــالل احلــوض اجلــاف‪ ،‬ووفــق حســابات عســكرية‬ ‫أجنبيــة‪ ،‬تلبــي مســقط حوالــي ‪ 80‬طل ًبــا أمريكي ـاً ملوانئهــا كل عــام‪،‬‬ ‫ومــن احملتمــل أن يرتفــع هــذا الرقــم مــع اتفاقيــة الدقــم‪ ،‬مــا يجعــل‬

‫القــارة الهنديــة‪ ،‬ومتتــد الســواحل العمانيــة ملســافة تقــارب ‪ 1800‬كــم‬ ‫مطلــة علــى خليــج عمــان وبحــر العــرب اللذيــن يتدخــالن مــع ميــاه‬ ‫احمليــط الهنــدي‪ ،‬ويوفــران إمكانيــات رائعــة لالنفتــاح علــى العالــم‪.‬‬ ‫وهــذا يجعــل مــن املنطقتــن اخلليجيــة والهنــدي والهــادئ ذات أهميــة‬ ‫تكامليــة لتحقيــق أهــداف حتالــف أوكــوس عامــة‪ ،‬واألمريكيــة خاصــة‪،‬‬ ‫وأولهــا محاصــرة بكــن ووقــف متددهــا االقتصــادي‪ ،‬وثانيهمــا‪،‬‬ ‫دواعــي الدعــم اللوجســتي لقــوات حتالــف أوكــس يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهــادئ والهنــدي‪ ،‬وأبرزهــا الطاقــة‪ ،‬وهنــا تبــرز أهميــة‬ ‫املوانــئ العمانيــة الواقعــة علــى بحــر العــرب‪ ،‬وبالــذات منطقــة الدقــم‬ ‫االقتصاديــة ومينائهــا املميــز وكذلــك مينــاء صاللــة‪ ،‬وتتنافــس الهنــد‬ ‫والصــن قبــل حتالــف أوكــوس علــى هــذه املنطقــة مبشــاريع ملياريــة‪،‬‬ ‫لكــن بعــد هــذا التحالــف‪ ،‬لــن تتــرك لبكــن أن تتوســع يف حضورهــا‬ ‫يف الدقــم‪ ،‬فالدقــم ســتنضم ملســارح احتــواء بكــن عامل ًيــا‪.‬‬

‫هــذا مصــد ًرا مال ًيــا للســلطنة‪ ،‬هــي يف أمــس احلاجــة إليــه يف بنــاء‬ ‫اقتصادهــا اجلديــد ‪.‬‬

‫وقــد خططــت واشــنطن ملرحلــة احمليطــن الهــادئ والهنــدي مســب ًقا‪،‬‬ ‫واختــارت موانــي بحريــة مثاليــة‪ ،‬ومــن بينهــا مينائــي الدقــم وصاللــة‪،‬‬ ‫حيــث وقعــت مــع مســقط عــام ‪2019‬م‪ ،‬اتفاقيــة اســتراتيجية‪ ،‬متنــح‬ ‫البحريــة األمريكيــة احلــق يف الوصــول املنتظــم ملينائــي الدقــم‬ ‫خصوصــا للشــحن البحــري املدنــي‬ ‫وصاللــة‪ ،‬وتكمــن أهميــة الدقــم‬ ‫ً‬ ‫والعســكري يف قدرتــه علــى اســتقبال ســفن الدحرجــة العســكرية‬ ‫التــي يتــم تشــغيلها مــن قبــل القيــادة البحريــة األمريكيــة‪ ،‬ويــرى بعــض‬ ‫احملللــن أن تلــك االتفاقيــة تلبــي حاجــة أمريكيــة مزدوجــة‪ ،‬وهمــا‪،‬‬ ‫منفــذ وصــول إضــايف آمــن إلــى اخلليــج‪ ،‬وســعة مينــاء مبيــاه أعمــق‬ ‫تناســب حامــالت طائراتهــا‪.‬‬ ‫ووفــق آراء اخلبــراء أن حامــالت الطائــرات وســفن إزالــة األلغــام‬ ‫وغيرهــا مــن الــزوارق تلعــب أدوا ًرا مهمــة يف جميــع أنحــاء مســارح‬ ‫العلميــات‪ ،‬ويــرون كذلــك‪ ،‬أن تخطيــط قــوة واشــنطن يف اخلــارج‬ ‫تعتمــد علــى تأمــن أثمــن األصــول البحريــة لواشــنطن‪ ،‬والوصــول‬

‫بديه ًيــا‪ ،‬ال ميكــن أليــة ليبيراليــة ‪-‬قدميهــا‪ ،‬وحديثهــا‪ ،‬ومســتقبلها‬ ‫• أن تتــرك اخلليــج دون مظلــة أمنيــة‪ ،‬أو ســاحة للنفــوذ الصينــي‪،‬‬ ‫وتشــعر واشــنطن باخلطــأ االســتراتيجي‪ ،‬عندمــا تركــت الــدول‬ ‫اخلليجيــة تتفاعــل لصالــح املشــروع الصينــي " احلــزام والطريــق‬ ‫ً‬ ‫أشــواطا هامــة فيــه‪ ،‬وســتعمل جاهــدة علــى وقفهــا‪ ،‬ألن‬ ‫" وتقطــع‬ ‫املوقــع الــذي تشــغله منطقــة اخلليــج العربــي علــى مســار املشــروع‬ ‫الصينــي " احلــزام والطريــق " ســيكون عام ـ ً‬ ‫ال مه ًمــا لنجــاح املشــرع‪،‬‬ ‫كمــا ســيكون مؤث ـ ًرا يف الصــراع أو االســتقطاب العاملــي يف منطقــة‬ ‫"اإلندو‪-‬باســيفيك"‪.‬‬ ‫وهــذا احملــور الهــام‪ ،‬يدحــض كل االدعــاءات بتراجــع األولويــة‬ ‫األمريكيــة للخليــج‪ ،‬ويثبــت العكــس‪ ،‬حيــث يبــرز األهميــة‬ ‫اجليوســتراتيجية ملنطقــة اخلليــج عامــة‪ ،‬ويف مفاصــل منهــا بصــورة‬ ‫متعاظمــة‪ ،‬وهنــا يأتــي الــذكاء اخلليجــي يف اســتيعاب طبيعــة‬ ‫هــذه املرحلــة الدوليــة‪ ،‬والعمــل علــى حتقيــق األجنــدات اخلليجيــة‬ ‫اجلماعيــة‪ ،‬االقتصاديــة والعســكرية األمنيــة واالجتماعيــة‪ ،‬وقبــل‬ ‫ذلــك‪ ،‬فهــم األســباب احلقيقيــة وراء تســويق اخلــوف مــن تراجــع‬ ‫األولويــة األمريكيــة للخليــج بعــد تقليــص الوجــود العســكري األمريكي‬ ‫يف اخلليــج العربــي‪.‬‬ ‫• اخلبــث األمريكــي وراء نشــر االعتقــاد بتراجــع األولويــة عــن‬ ‫اخلليــج‪.‬‬ ‫مــن خــالل متابعتــي العميقــة واملكثفــة للتحالفــات األخيــرة التــي‬ ‫أقامتهــا أمريــكا‪ ،‬وأخرهــا حتالــف أوكــوس مــع بريطانيــا وأســتراليا‪،‬‬ ‫خرجــت برؤيــة هامــة جــدًا‪ ،‬سنكشــفها بعــد توضيــح نتيجــة مهمــة‬ ‫جـدًا‪ ،‬وهــي أن األولويــة األمريكيــة لــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬


‫‪144‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫واشنطن تصنع حلفا ًء جد ًدا لخمسين سنة ببرغماتية تقفز فوق‬ ‫تاريخ تأسيس عالقاتها السابقة مع حلفائها‬ ‫األولويــة األمريكيــة ملنطقــة اخلليــج العربــي يف ضــوء مــا ســبق؟‬ ‫هــذا التســاؤل يجرنــا إلــى البحــث الدقيــق يف احملــور التالــي عــن‬ ‫األســباب التــي تقــف وراء إنتــاج هــذا التراجــع‪ ،‬وصناعــة الشــعور‬ ‫بكشــف الغطــاء األمنــي اخلليجــي‪ ،‬وقبــل ذلــك‪ ،‬ســنتناول مــدى‬ ‫ارتبــاط جغرافيــا منطقــة اخلليــج العربيــة مبنطقــة احمليطــن الهنــدي‬

‫ً‬ ‫ارتباطــا يف محــاوالت‬ ‫والهــادئ‪ ،‬ومــن أيــة الزوايــا اجلغرافيــة أكثــر‬ ‫دحضنــا لطروحــات تراجــع األولويــة األمريكيــة عــن اخلليــج‪.‬‬ ‫• االرتبــاط اجليوســتراتيجي بــن منطقتــي اخلليــج واحمليطــن‬ ‫الهنــدي والهــادئ‪.‬‬ ‫تعتبــر منطقــة اخلليــج العربــي امتــداداً طبيعيــاً ملنطقــة احمليطــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪143‬‬

‫ملف العدد‬

‫ترى إدارة بايدن طبيعة الصراع العالمي الجديد يحتاج لحلفاء‬ ‫إقليميين وعالميين جدد أكثر تأثي ًرا وطاعة لواشنطن‬ ‫• احلل يف اجليش اخلليجي املوحد‪.‬‬ ‫• حتالف أوكوس حتمية أمريكية لصناعة حلفاء أقوياء‪.‬‬ ‫كمــا هــو معلــوم‪ ،‬فــإن غايــة أوكــوس هــو محاصــرة الصــن‪ ،‬ووقــف‬ ‫متــدد نفوذهــا اخلارجــي‪ ،‬يف ظــل تفــوق بكــن املتنامــي اقتصاد ًيــا‬ ‫وعســكر ًيا وتكنولوج ًيــا خاصــة يف مجــاالت نوعيــة كالــذكاء‬ ‫االصطناعــي والســيبراني واملعلومــات واالتصــاالت‪ ،‬وقدرتهــا علــى‬ ‫التمــدد اجلغــرايف‪ ،‬واحتــواء حلفــاء ليبيراليــن كأملانيــا وفرنســا‪،‬‬ ‫وحتــول الصــراع العاملــي نحــو منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫وحتديــدًا منطقــة االندو‪-‬باســيفيك‪ ،‬وهــي منطقــة يتوقــع لهــا‬ ‫اخلبــراء أن تقــود الصــراع العاملــي اجلديــد‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬تــرى إدارة بايــدن أن طبيعــة الصراع العاملــي اجلديد‪ ،‬يحتاج‬ ‫حللفــاء إقليميــن وعامليــن جــدد‪ ،‬أكثــر تأثيـ ًرا وطاعــة لواشــنطن بعــد‬ ‫أن فقــدت الثقــة يف حلفائهــا التقليديــن يف أوروبــا الذيــن يرفضــون‬ ‫االنحيــاز ملعــاداة بكــن‪ ،‬ممــا أصبحــت إدارة بايــدن مقتنعــة متا ًمــا‬ ‫بصناعــة حلفــاء أقويــاء جــدد كأســتراليا‪ ،‬وقدامــى كبريطانيــا‪ ،‬دون‬ ‫االعتمــاد كمــا كان يف الســابق علــى أوروبــا وحلــف الناتــو الــذي خــذل‬ ‫واشــنطن يف الكثيــر مــن املــرات‪ ،‬ففــي أخــر اجتماعــات األطلنطــي‪،‬‬ ‫مارســت اإلدارة األمريكيــة ضغوطــات علــى األوروبيــن بجعــل بكــن‬ ‫يف قمــة املخاطــر‪ ،‬ويف نهايــة االجتمــاع صــدر بيــان لــم يكــن مرض ًيــا‬ ‫لألمريكيــن‪ ،‬كمــا يتولــد لــدى واشــنطن مخــاوف فعليــة مــن مســتقبل‬ ‫بقــاء دول أوروبيــة أساســية يف حلــف الناتــو إذا مــا فــاز اليمــن‬ ‫واليســار يف أوروبــا يف االنتخابــات املقبلــة ‪ ،‬فمــاري لوبــن زعيمــة‬ ‫اليمــن املتطــرف يف فرنســا‪ ،‬ونظيرهــا جــان لــوي نيلســون زعيــم‬ ‫اليســار املتطــرف يطالبــون اخلــروج مــن حلــف األطلنطــي‪.‬‬ ‫لذلــك‪ ،‬فواشــنطن تصنــع حلفــاء أقويــاء جــدد علــى خمســن ســنة‬ ‫مقبلــة‪ ،‬ببرغماتيــة تقفــز فــوق التاريــخ الــذي أســس عالقاتهــا‬ ‫الســابقة مــع حلفائهــا العــرب واألوربيــن‪ ،‬وفــوق الروابــط األخالقيــة‪،‬‬ ‫منوذجــا‪ ،‬ينبغــي‬ ‫ولنــا يف الطعنــة األمريكيــة التــي وجهتهــا لفرنســا‬ ‫ً‬ ‫علــى الــدول اخلليجيــة األخــذ بــه بعــن االعتبــار‪ ،‬فمــن أجــل‬ ‫أســتراليا وجيوســتراتيجيتها‪ ،‬وأهميتهــا يف إعــادة تشــكيل هيكلــة‬

‫القــوة األمريكيــة يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬ضحــت بحلفائهــا‬ ‫األوروبيــن‪ ،‬وتقــوم اآلن ببنــاء حتالفــات جديــدة تؤســس املســتقبل‬ ‫الليبرالــي اجلديــد‪ ،‬ولــن تقتصــر علــى املنجــز مــن التحالفــات التــي‬ ‫اقامتهــا حتــى اآلن‪ ،‬وهــى " أوكــوس الثالثــي " أمريــكا وبريطانيــا‬ ‫وأســتراليا‪ ،‬و" اكــود الرباعــي " أمريــكا وبريطانيــا والهنــد واليابــان"‬ ‫وحتالــف مــا يســمى بالعيــون اخلمــس‪ ،‬وهــو حتالــف اســتخباراتي‬ ‫يضــم أمريــكا‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬وكنــدا‪ ،‬ونيوزيلنــدا‪.‬‬ ‫مــن هنــا‪ ،‬ســتصبح أســتراليا قــوة جديــدة‪ ،‬حيــث ستســلح بغواصــات‬ ‫أمريكيــة نوويــة‪ ،‬وهــي أول مــرة تــزود بهــا واشــنطن تلــك التكنولوجيــا‬ ‫إلــى دولــة أخــرى غيــر بريطانيــا والتــي حصلــت عليهــا بريطانيــا يف‬ ‫خمســينيات القــرن املاضــي‪ ،‬كمــا ســتحصل أســتراليا علــى صواريــخ‬ ‫كــروز أمريكيــة بعيــدة املــدى مــن طــراز "توماهــوك"‪ ،‬وعــالوة علــى‬ ‫ذلــك‪ ،‬ســتعمل الشــراكة الثالثيــة علــى تعزيــز التعــاون يف مجالــي‬ ‫الدفــاع الســيبراني والــذكاء االصطناعــي‪ ،‬وســتحفز مــن تعزيــز‬ ‫القــدرات املشــتركة وإمكانيــة التشــغيل البينــي العســكري بــن البلــدان‬ ‫الثالثــة‪.‬‬ ‫وذلــك بهــدف موازنــة النفــوذ الصينــي يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‬ ‫لكــون أســتراليا تشــكل الفنــاء اخللفــي للصــن‪ .‬ممــا ســتصبح‬ ‫أســتراليا العبــاً قويــاً بطريقــة يــرى الكثيــر مــن اخلبــراء أنهــا قــد‬ ‫تغيــر تــوازن القــوة البحريــة يف منطقــة كانــت‪ ،‬والتــزال ضمــن‬ ‫األهــداف التوســعية للنفــوذ الصينــي‪ ،‬وكــون أســتراليا قــوة بحريــة‪،‬‬ ‫كان ينقصهــا الغواصــات النوويــة للوصــول الســريع للمناطــق البحريــة‬ ‫يف الوقــت املناســب‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬فهــذه قــوة جديــدة يتــم تعزيزهــا مــن‬ ‫قبــل واشــنطن كحليــف اســتراتيجي إلــى جانــب الهنــد التــي أصبــح‬ ‫حضورهــا السياســي واالقتصــادي يتزايــد يف املنطقــة‪ ،‬وترتبــط‬ ‫بواشــنطن وحتتفــظ مــع واشــنطن باســتراتيجية احتــواء الصــن‪.‬‬ ‫ونخــرج مــن هــذا احملــور باخلالصــة التاليــة‪ :‬مــن بــن أهــم أهــداف‬ ‫التحالفــات األمريكيــة اجلديــدة‪ ،‬وعلــى رأســها أوكــوس‪ ،‬إعــادة هيكلــة‬ ‫القــوة األمريكيــة يف اخلــارج‪ ،‬وبالــذات يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ وبحــر الصــن التــي ســتصبح منطقــة صــراع املصالــح‬ ‫العامليــة اجلديــدة‪ ،‬وهنــا التســاؤل‪ ،‬كيــف يتبــادر للذهــن بتراجــع‬


‫‪142‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تحالف أوكوس‪ ..‬والخبث األمريكي املستهدف للخليج العربي‬

‫الجيش الخليجي ورؤية الرياض ومسـقط‬ ‫للشـراكة االسـتراتيجية لخدمـة الخليـج‬ ‫تكثــر التحليــالت املتباينــة واملتعارضــة حــول مســتقبل األولويــة األمريكيــة ملنطقــة اخلليــج بعــد إقامتهــا حتالــف أوكــوس‬ ‫مــع بريطانيــا وأســتراليا‪ ،‬وأكثرهــا جتنــح نحــو تراجعهــا لصالــح منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬مستشــهدين بتقليــص‬ ‫القــوات واملعــدات العســكرية األمريكيــة يف اخلليــج‪ ،‬بهــدف مواجهــة التمــدد الصينــي‪ ،‬ومحاصرتــه داخــل منطقــة االنــدو‪-‬‬ ‫باســيفيك وبحــر الصــن الــذي أصبحــت مســتقبل االقتصــاد العاملــي‪ ،‬فهــل بهــذه البســاطة ميكــن قبــول مثــل هــذه التحليــالت؟‬ ‫بعــض الــدول اخلليجيــة قــد ذهبــت نحــو هــذا االجتــاه‪ ،‬وحاولــت كســر احتــكار الهيمنــة الليبراليــة األمريكيــة علــى منطقــة‬ ‫اخلليــج‪ ،‬كــرد فعــل علــى االنكفــاء األمريكــي‪ ،‬لكنهــا‪ ،‬واجهــت بتهديــدات أمريكيــة علنيــة غيــر مســبوقة‪ ،‬شــملت الــدول‬ ‫ـان كثيــرة ودالالت معاصــرة‪.‬‬ ‫اخلليجيــة الســت دون اســتثناء‪ ،‬وهــذه أول ســابقة حتــدث بــن احللفــاء التاريخيــن‪ ،‬وهــذا لــه معـ ٍ‬

‫د‪ .‬عبد اهلل باحجاج‬ ‫هــل أخطــأت الــدول اخلليجيــة يف قراءتهــا للموقــف األمريكــي أم أنــه‬ ‫ناجــم عــن طمــوح لــم يختــار لــه التوقيت املناســب‪ ،‬أو اإلخــراج الناعم‪،‬‬ ‫أو أنــه اختبــار خليجــي للموقــف األمريكــي ملعرفــة مســتقبل منطقــة‬ ‫حريصــا يف البحــث‬ ‫اخلليــج يف أولويــات إدارة الرئيــس بايــدن؟ كنــت‬ ‫ً‬ ‫يف هــذه اجلزئيــة بالــذات مــن قضيــة انعكاســات حتالــف أوكــوس على‬ ‫التحالفــات اإلقليميــة والعامليــة‪ ،‬ألنــي أعلــم أنهــا ســتقودني لنتائــج‬ ‫ورؤى استشــرافية خطيــرة يف قضيــة االنعكاســات علــى الصعيــد‬ ‫اخلليجــي علــى األقــل‪ ،‬يف الرهانــات األمريكيــة املســتقبلية علــى‬ ‫اجليوســتراتيجية العمانيــة التــي بــدأت واضحــة منــذ عــام ‪2019‬م‪.‬‬ ‫كانــت منهجيــة بحثــي عــن االنعكاســات تنصــب حــول فرضيــة طــرح‬ ‫تســاؤالت واإلجابــة عليهــا‪ ،‬ولعــل أبرزهــا التســاؤالت التاليــة‪:‬‬ ‫هــل تراجعــت األولويــة األمريكيــة ملنطقــة اخلليــج العربــي؟ والتســليم‬ ‫بهــذا التراجــع يعنــي ببســاطة‪ ،‬انتفــاء أيــة أهميــة جيوســتراتيجية –‬ ‫وجيوقتصاديــة ليبيراليــة مســتقبلية ملنطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬فلــو‬ ‫كانــت كذلــك‪ ،‬فهنــا يطــرح التســاؤل التالــي‪:‬‬ ‫ ملــاذا تهــدد واشــنطن الــدول اخلليجيــة الســت باملقاطعــة إذا مــا‬‫انفتحــت عســكر ًيا علــى روســيا أو الصــن؟ وهــذا التســاؤل يطــرح‬

‫بــدوره تســاؤالً افتراض ًيــا عــن عالقــة منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ مبنطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬فمــا مــدى االرتبــاط اجلغــرايف‬ ‫بينهمــا؟ واإلجابــة علــى هــذا التســاؤل األخيــر‪ ،‬ســتظهر لنــا بصــورة‬ ‫واضحــة انعكاســات حلــف أوكــوس علــى منطقــة اخلليــج‪ ،‬وسينكشــف‬ ‫ماهيــة اخلبــث األمريكــي الــذي تخطــط لــه إدارة بايــدن لتمريــره‬ ‫علــى الــدول الســت اخلليجيــة مبســوغ الفــراغ األمريكــي الناجــم عــن‬ ‫تقليــص الوجــود األمريكــي يف منطقــة اخلليــج‪.‬‬ ‫ومن تلكم اإلشكاليات بنيت مقالي وفق احملاور التالية‪:‬‬ ‫• حتالــف أوكــوس حتميــة أمريكيــة وجوديــة لصناعــة حلفــاء أقويــاء‬ ‫جــدد‪.‬‬ ‫• االرتبــاط اجليوســتراتيجي بــن منطقتــي اخلليــج العربــي‬ ‫واحمليطــن الهنــدي والهــادئ‪.‬‬ ‫• اخلبــث األمريكــي وراء نشــر االعتقــاد بتراجــع األولويــة عــن‬ ‫منطقــة اخلليــج‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪141‬‬

‫ملف العدد‬

‫تمتلك فرنسا ثانــي أكبر منطقة اقتصاديــة حصرية يف‬ ‫العالم ويوجد ‪ %93‬منها يف منطقة المحيطين الهنــدي والهادئ‬ ‫إن االحتــاد األوروبــي الضعيــف ســيضعف مرونــة املجتمــع يف أوروبــا‬ ‫الغربيــة والوســطى‪ ،‬دون ان يعــزز مــن قــوة الناتــو‪ .‬وكمــا وضحنــا‬ ‫يف بدايــة االتفاقيــة‪ ،‬فمــن احملتمــل أن تســتبعد اتفاقيــة أوكــوس أي‬ ‫مشــاركة ذات مغــزى لالحتــاد األوروبــي يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ‪.‬‬ ‫إن عــدم اســتجابة أوروبــا ملــا حــدث مــن خــداع وإهانــة لفرنســا بســبب‬ ‫اتفاقيــة أوكــوس‪ ،‬يســلط الضــوء علــى االفتقــار لثقافــة اســتراتيجية‬ ‫أوروبيــة‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن تأثيــر اللغــة اإلجنليزيــة والعزلــة الثقافيــة‬ ‫االســتراتيجية يف شــمال أوروبا‪ .‬وتعد دول شــمال أوروبا من بن دول‬ ‫العالــم التــي تتمتــع بأفضــل مهــارات اللغــة اإلجنليزيــة كلغــة أجنبيــة‪،‬‬ ‫يف حــن أن اللغــات األجنبيــة األخــرى كالفرنســية واألملانيــة تتراجــع‬ ‫ســريعاً‪ .‬ويــؤدي وضــع اللغــة إلــى وجــود شــعور زائــف بالوصــول‬ ‫إلــى العامليــة لــدى دول أوروبــا الشــمالية‪ ،‬بينمــا هــم يف احلقيقــة‬ ‫منعزلــون يف خنــدق واحــد مــع مــن يتحدثــون اإلجنليزيــة فقــط‪.‬‬ ‫وعليــه فلــن تتفهــم الــدول املوجــودة يف أوروبــا الشــمالية لوجهــات‬ ‫النظــر االســتراتيجية الفرنســية‪ ،‬مثــل الوجــود الفرنســي يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ .‬وميكــن للتأثيــر القــوي وغيــر املتــوازن‬

‫لألبحــاث الناطقــة باللغــة اإلجنليزيــة والتعليــم والثقافــة واإلعــالم أن‬ ‫يــؤدي ً‬ ‫أيضــا إلــى اخللــط بــن املصالــح األجنلــو ساكســونية واملصالــح‬ ‫اخلاصــة‪.‬‬ ‫ويعتمــد االحتــاد األوروبــي علــى خلــق ثقافــة اســتراتيجية مشــتركة‬ ‫ذات وعــي عميــق مبصالــح اآلخريــن وتاريخهــم‪ .‬وحتتــاج بلــدان‬ ‫شــمال أوروبــا إلــى معرفــة أكبــر بوجهــات النظــر واخلبــرات‬ ‫الفرنســية واألملانيــة واإليطاليــة‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يتطلــب إتقــان‬ ‫اللغــة الفرنســية واألملانيــة واإليطاليــة واكتســاب اخلبــرات الالزمــة‬ ‫يف باريــس وبرلــن ورومــا‪.‬‬ ‫وينبغــي للــدول األخــرى خــارج االحتــاد األوروبــي أن تأخــذ بعــن‬ ‫االعتبــار أهميــة الثقافــة االســتراتيجية والنقديــة املســتقلة ومخاطــر‬ ‫عــزل نفســها يف بوتقــة مــن يتحــدث باللغــة اإلجنليزيــة‪ ،‬وهــو األمــر‬ ‫الــذي قــد ال يكــون يف صاحلهــم‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ أرﻛﺘﻴﻚ ﰲ اﻟرنوﻳﺞ‬


‫‪140‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األوكوس سيمحو االنسحاب البريطاني من شرق السويس يف‬ ‫ستينيات القرن الماضي وخروج بريطانيا من االتحاد األوروبي‬ ‫دعــوات الــدول األعضــاء يف أوكــوس ملثــل هــذه املشــاركة ودعــم الــدول‬ ‫األعضــاء األصغــر يف االحتــاد األوروبــي لذلــك‪.‬‬ ‫وثمــة مســألة ســيكولوجية تبعــث علــى التفكيــر‪ :‬كيــف ميكــن‬ ‫ألســتراليا وبريطانيــا والواليــات املتحــدة أوالً خــداع وإهانــة حليــف‬ ‫وشــريك رئيســي مثــل فرنســا واالحتــاد األوروبــي ثــم توقــع دعمهــم‬ ‫ومشــاركتهم؟ كيــف ينظــر النــاس إلــى مثــل هــذا الســلوك يف العالقات‬ ‫علــى مســتوى األفــراد؟‬ ‫والنتيجــة األخــرى التفاقيــة أوكــوس بالنســبة لالحتــاد األوروبــي هــي‬ ‫العالقــة مــع بريطانيــا‪ .‬إن اتفاقيــة أوكــوس تعتبــر إجنــازًا عظيمــاً‬ ‫لرئيــس الــوزراء البريطانــي بوريــس جونســون وخــروج بريطانيــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬وهــو مــا يعــزز بقــوة مكانتهــا الدوليــة ومبيعــات‬ ‫األســلحة والتكنولوجيــا ذات القيمــة الكبيــرة‪ .‬ويبــدو أن هذا االرتباط‬ ‫بــن احمليطــن الهنــدي والهــادئ ســيمحو االنســحاب البريطانــي مــن‬ ‫شــرق الســويس يف ســتينيات القــرن املاضــي وخــروج بريطانيــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫وتثيــر اتفاقيــة أوكــوس الســؤال االســتراتيجي البريطانــي‬ ‫الكالســيكي‪ ،‬هــل تفضــل بريطانيــا مشــاركة بحريــة عامليــة مــع جيــش‬ ‫أصغــر ومشــاركة أقــل يف أوروبــا‪ ،‬أم "التــزام قــاري" أوروبــي بجيــش‬ ‫أكبــر واملشــاركة يف األمــن األوروبــي مــع حتالفــات عامليــة أصغــر؟‬ ‫فاالنســحاب مــن شــرق الســويس يف ســتينيات القــرن املاضــي‪ ،‬ضحــى‬ ‫باملشــاركة العامليــة مــن أجــل االلتــزام القــاري األوروبــي‪ .‬ويبــدو أن‬ ‫اتفاقيــة أوكــوس ترجــع بعقــارب الســاعة إلــى اخللــف‪ .‬ويظــل الســؤال‬ ‫املطــروح هنــا مــا إذا كانــت بريطانيــا بعــد خروجهــا مــن االحتــاد‬ ‫األوروبــي قــادرة علــى حتمــل تكاليــف التراجــع بشــكل أفضــل ممــا‬ ‫حــدث يف االنســحاب مــن شــرق الســويس يف الســتينيات‪ .‬ويتعــن‬ ‫علــى احللفــاء حال ًيــا التفكيــر فيمــا إذا كانــوا يثقــون يف أن بريطانيــا‬ ‫بعــد خروجهــا مــن االحتــاد األوروبــي لديهــا املــوارد للعــودة "لشــرق‬ ‫الســويس" ويف شــخصية بوريــس جونســون ويف كالمــه‪.‬‬ ‫إن عــدم اســتجابة االحتــاد األوروبــي للخــداع واإلذالل الــذي تعــرض‬ ‫لــه يقــوض مصداقيــة االحتــاد األوروبــي جتــاه أســتراليا وبريطانيــا‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ .‬فقــد لقنتنــا اتفاقيــة أوكــوس درسـاً عــن أي مــدى‬ ‫ميكــن خــداع وإهانــة دولــة عضــو يف االحتــاد األوروبــي بتكلفــة قليلــة‬ ‫أو بــدون تكلفــة فوريــة (التكلفــة طويلــة األجــل ســتكون غيــاب مشــاركة‬ ‫االحتــاد األوروبــي يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ)‪ .‬وال يبــدو‬ ‫أن الــدول األصغــر األعضــاء يف االحتــاد األوروبــي لديهــا الثقافــة‬ ‫والنضــج االســتراتيجي لفهــم مخاطــر تقويــض مصداقيــة االحتــاد‬ ‫األوروبــي‪.‬‬

‫إن عواقــب خســارة مصداقيــة االحتــاد األوروبــي لــدى الــدول‬ ‫األعضــاء يف اتفاقيــة أوكــوس جتلــت علــى الفــور يف مطالــب بريطانيــا‬ ‫بتغييــر بروتوكــول أيرلنــدا الشــمالية يف اتفاقيــة خــروج بريطانيــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ .‬وميثــل تغييــر هــذا البروتوكــول تهدي ـدًا لســالمة‬ ‫الســوق املوحــدة لالحتــاد األوروبــي‪ ،‬ويبــدو أن بريطانيــا ستســتمر‬ ‫يف تقويــض ســالمة االحتــاد األوروبــي والســوق املوحــدة للفــوز بــكل‬ ‫شــيء مبفردهــا‪ .‬ولــن يكــون هنــاك مــن ميكنــه ردع توجــه بريطانيــا‬ ‫احلاســم لتقويــض االحتــاد األوروبــي ســوى االحتــاد نفســه‪ .‬وقــد‬ ‫أظهــرت اتفاقيــة أوكــوس لبريطانيــا أنــه ميكــن خــداع وإذالل دولــة‬ ‫عضــو يف االحتــاد األوروبــي ثــم اإلفــالت مــن العقــاب‪ .‬إن مصداقيــة‬ ‫االحتــاد األوروبــي ســتتطلب جهــوداً أكبــر الســتعادتها عقــب إبــرام‬ ‫اتفــاق أوكــوس‪ .‬وبالنظــر إلــى عــدم تفهــم الــدول األعضــاء األخــرى يف‬ ‫االحتــاد األوروبــي لتلــك احلقائــق‪ ،‬فليــس مــن املؤكــد حتــى أن االحتــاد‬ ‫األوروبــي ميكنــه إعــادة ترســيخ مصداقيتــه يف مواجهــة بريطانيــا‪،‬‬ ‫وهــو األمــر الــذي ســيؤدي إلــى تصعيــد مطالــب بريطانيــا لتغييــر‬ ‫اتفاقيــة خروجهــا مــن االحتــاد األوروبــي‪ ،‬ممــا ســيعمل علــى مزيــد‬ ‫مــن التقويــض لالحتــاد‪.‬‬ ‫ويظهــر تأثيــر اتفاقيــة أوكــوس علــى حلــف الناتــو يف كل مــن املســرح‬ ‫األوروبــي ومنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ .‬إن العديــد مــن الدول‬ ‫الصغيــرة مــن األعضــاء يف شــمال أوروبــا والســويد وفنلنــدا‪ ،‬تــرى‬ ‫يف بريطانيــا حلي ًفــا إقليم ًيــا رئيســ ًيا وحاجــزاً أمن ًيــا ضــد التهديــد‬ ‫الروســي‪ .‬ويجــب علــى هــذه الــدول النظــر فيمــا إذا كانــت بريطانيــا‬ ‫متتلــك املــوارد املاديــة لتكــون حليف ـاً موثوق ـاً بــه يف كل مــن املســرح‬ ‫األوروبــي ومنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ أم ال‪ .‬وهــل ميكــن‬ ‫لبريطانيــا حال ًيــا عقــب خروجهــا مــن االحتــاد األوروبــي أن تلتــزم‬ ‫بصــوة أكبــر ممــا فعلــت يف حقبــة الســتينات والســبعينات‪ .‬كمــا يجــب‬ ‫علــى هــذه الــدول الصغيــرة يف شــمال أوروبــا أن تســأل حــول مــا إذا‬ ‫كانــت بريطانيــا حلي ًفــا أكثــر مصداقيــة جتاههــا أكثــر مــن فرنســا؟‬ ‫ويف حــال متكنــت بريطانيــا مــن خــداع حليــف وشــريك أكثــر أهميــة‬ ‫مثــل فرنســا‪ ،‬فلمــاذا ال تخــدع بريطانيــا حلفــاء وشــركاء شــمال أوروبــا‬ ‫األضعــف واألقــل تأثيــراً إذا كان ذلــك مناس ـ ًبا؟‬ ‫غالب ـاً مــا ستتســبب اتفاقيــة أوكــوس يف إضعــاف االحتــاد األوروبــي‬ ‫يف أوروبــا وعلــى مســتوى العالــم‪ ،‬ولهــذا قــد يــرى البعــض أن هــذا‬ ‫االتفــاق ســيعزز مــن قــوة حلــف الناتــو‪ .‬ولكــن هــذا ليــس بصحيــح‪،‬‬ ‫فاالحتــاد األوروبــي مينــح االندمــاج‪ ،‬واملواءمــة يف األمــن االجتماعــي‬ ‫واالقتصــادي والعلمــي والتكنولوجــي‪ ،‬إلــخ‪ ،‬علــى نطــاق أوســع بكثيــر‬ ‫ممــا يفعلــه الناتــو أو مــن احملتمــل أن يفعلــه يف أي وقــت يف املســتقبل‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪139‬‬

‫ملف العدد‬

‫من المرجح أن يؤدي خداع وإهانة فرنسا إىل استبعاد أي مشاركة‬ ‫ذات مغزى لالتحاد األوروبي يف المحيطين الهندي والهادئ‬ ‫األوروبــي‪ .‬فالعديــد مــن الــدول األعضــاء األصغــر يف االحتــاد‬ ‫األوروبــي يتفهمــون تأثيــر هــذا اخلــداع علــى االحتــاد األوروبــي‪ ،‬إال‬ ‫أن ذلــك لــن يكــون مهم ـاً ألن هــذه الــدول األعضــاء األصغــر حج ًمــا‬ ‫يف االحتــاد األوروبــي ليســت لهــا صلــة بشــؤون احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ فكر ًيــا أو ماد ًيــا‪.‬‬ ‫وبالتالــي‪ ،‬فــإن النتيجــة احملتملــة التفــاق أوكــوس بالنســبة لفرنســا‬ ‫واالحتــاد األوروبــي ومنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ هــي أن‬ ‫فرنســا ســتكون علــى صــواب مــن الناحيــة املنطقيــة واألخالقيــة‬ ‫لقبــول احتــواء اتفاقيــة أوكــوس للصــن يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ‪ .‬ويتعــن علــى فرنســا التركيــز علــى التنميــة االجتماعيــة‬ ‫واالقتصاديــة ووحــدة أراضيهــا يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ .‬بينمــا‬ ‫ينبغــي علــى الــدول األخــرى األعضــاء يف االحتــاد األوروبــي تفهــم‬ ‫أهميــة االســتراتيجية اجلديــدة لهــذا الوجــود الســيادي الفرنســي يف‬ ‫منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ بالنســبة لالحتــاد األوروبــي‪ ،‬ومــع‬ ‫ذلــك فمــن غيــر املرجــح التحــرك مــن أجــل حتقيــق ذلــك‪ ،‬وجعــل‬ ‫التنميــة االجتماعيــة واالقتصاديــة والوحــدة مــن أولويــات االحتــاد‬ ‫األوروبــي كقيــادة ونقطــة انطــالق يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــد يقــول أعضــاء وأنصــار اتفاقيــة أوكــوس بــأن فرنســا مجبــرة‬ ‫علــى االنضمــام إلــى االتفــاق حلمايــة أراضيهــا يف احمليطــن الهنــدي‬

‫والهــادئ‪ ،‬ولكــن األراضــي الفرنســية يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‬ ‫ســيتم حمايتهــا علــى كل حــال‪ .‬فالتهديــد الــذي يشــكل خط ـ ًرا علــى‬ ‫األراضــي الفرنســية الواقعــة يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ هــو‬ ‫االســتقالل والتفــكك‪ ،‬وهــذا ليــس لــه عالقــة باتفــاق أوكــوس‪ ،‬بينمــا‬ ‫التنميــة االجتماعيــة واالقتصاديــة والوحــدة هــي السياســات الفعالــة‬ ‫يف هــذا األمــر‪.‬‬ ‫ثمــة أصــوات قويــة تدعــو إلــى انضمــام االحتــاد إلــى اتفــاق أوكــوس‬ ‫خاصــة يف الــدول األعضــاء الصغيــرة يف اجلــزء الشــمالي من االحتاد‬ ‫األوروبــي‪ .‬وتعكــس هــذه األصــوات‪ ،‬والتــي ســوف تــزداد قــوة‪ ،‬التأثيــر‬ ‫املهــم للــدول الناطقــة باللغــة اإلجنليزية يف االحتــاد‪ ،‬وتدهور كفاءاتهم‬ ‫يف اللغــات األجنبيــة األخــرى‪ ،‬فضـ ً‬ ‫ال عــن قلــة التــآزر ونقــص اخلبــرة‬ ‫خــارج احمليــط اإلجنليــزي‪ ،‬وعــدم النضــج الثقــايف االســتراتيجي‪ .‬إال‬ ‫ان هــذه األصــوات لــن تكــون ذات أهميــة‪ ،‬إذ ال متثــل أي مــوارد‬ ‫فكريــة أو ماديــة اســتراتيجية ذات مغــزى الســتخدامها يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪.‬‬ ‫ومــن احملتمــل أن تكــون النتيجــة النهائيــة خلــداع وإذالل فرنســا‬ ‫وبالتالــي االحتــاد األوروبــي مــن خــالل اتفاقيــة أوكــوس‪ ،‬هــو غيــاب‬ ‫مشــاركة االحتــاد األوروبــي الفعالــة يف املنطقــة‪ ،‬وان يتزامــن ذلــك مــع‬


‫‪138‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تأثيــر اتفاقيــة أوكــوس علــى املحيطــن الهنــدي والهــادئ واالتحــاد األوروبــي وحلــف الناتــو‬

‫"الثالثـي" أضعف أوروبا وأعاد قوة بريطانيا‬ ‫وتأثيرها يف شرق المتوسط"‬ ‫يعكــس هــذا املقــال وجهــة نظــر الكاتــب حــول النتائــج االســتراتيجية احملتملــة لتحالــف أوكــوس بــن أســتراليا وبريطانيــا‬ ‫والواليــات املتحــدة يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ واالحتــاد األوروبــي‪ ،‬ومنظمــة حلــف شــمال األطلســي‪ ،‬وهنــاك عــدة‬ ‫نقــاط ميكــن االنطــالق منهــا للنظــر يف حتالــف أوكــوس وإلغــاء أســتراليا لشــراكتها االســتراتيجية ولعقــد شــراء غ ّواصــات‬ ‫فرنســية‪.‬‬ ‫وتعتبــر نقطــة االنطــالق املباشــرة هــي الــدور االســتراتيجي املــزدوج الــذي تلعبــه أســتراليا مــع فرنســا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــع‬ ‫الواليــات املتحــدة وبريطانيــا مــن ناحيــة أخــرى‪ .‬فمــا الــذي يعنيــه هــذا األســلوب املخــادع الــذي تنتهجــه أســتراليا وبريطانيــا‬ ‫والواليــات املتحــدة جتــاه فرنســا‪ ،‬وبالتالــي االحتــاد األوروبــي‪ ،‬ملنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ واالحتــاد األوروبــي وحلــف‬ ‫شــمال األطلســي؟‬

‫د‪ .‬راسموس جدسو بيرتلسن‬ ‫مــن املرجــح أن يــؤدي خــداع وإهانــة فرنســا إلــى اســتبعاد أي مشــاركة‬ ‫ذات مغــزى لالحتــاد األوروبــي يف منطقــة احمليطــن الهندي والهادئ‪،‬‬ ‫ســواء كان ذلــك متعمـدًا أو ال‪ .‬ففرنســا هــي الدولــة الوحيــدة العضــو‬ ‫يف االحتــاد األوروبــي املوجــودة يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ‪ ،‬والتــي لهــا أراض يف احمليــط الهنــدي وجنــوب احمليــط‬ ‫الهــادئ‪ .‬كمــا متتلــك فرنســا ثانــي أكبــر منطقــة اقتصاديــة حصريــة‬ ‫يف العالــم‪ ،‬حيــث يوجــد ‪ %93‬منهــا يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ‪ .‬ويوجــد لفرنســا يف تلــك املنطقــة مواطنــون ومؤسســات‬ ‫وجامعــات وموانــئ ومطــارات ووجــود عســكري ومــا إلــى ذلــك‪،‬‬ ‫علــى عكــس أي دولــة أخــرى عضــو يف االحتــاد األوروبــي‪ .‬وبالتالــي‪،‬‬ ‫تعــد فرنســا هــي اجلســر الــذي يربــط االحتــاد األوروبــي مبنطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ .‬ويف املقابــل‪ ،‬تتمتــع أملانيــا مبصالــح‬ ‫اقتصاديــة كبيــرة يف املنطقــة وتركــز علــى هــذه العالقــات االقتصاديــة‬ ‫مــع الصــن‪ ،‬علــى وجــه اخلصــوص‪ ،‬بــدالً مــن االنخــراط يف شــراكة‬ ‫دبلوماســية ودفاعيــة علــى نطــاق أوســع مــع الــدول األوروبيــة‪ .‬وفيمــا‬ ‫يتعلــق بالــدول األصغــر يف االحتــاد األوروبــي‪ ،‬فهــذه الــدول ليــس‬ ‫لديهــا الثقافــة االســتراتيجية وال النضــج وال املــوارد املاديــة إلحــداث‬ ‫أي فــارق يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪.‬‬ ‫ومببــادرة فرنســية انخــرط االحتــاد األوروبــي يف منطقــة احمليطــن‬

‫الهنــدي والهــادئ عبر نشــر اســتراتيجية االحتــاد األوروبي للمحيطن‬ ‫الهنــدي والهــادئ‪ ،‬وكان ذلــك يف نفــس توقيــت إعــالن اتفاقية أوكوس‪.‬‬ ‫وتتمثــل فلســفة االســتراتيجية الفرنســية ملنطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ – بالشــراكة مــع أســتراليا – وفلســفة االحتــاد األوروبــي‪،‬‬ ‫يف العمــل كقــوة تــوازن واســتقرار تعمــل علــى تخفيــف حــدة املواجهــة‬ ‫الصينيــة األمريكيــة املتســارعة يف املنطقــة‪ .‬ويتمتــع االحتــاد األوروبــي‬ ‫بخبــرة كبيــرة يف العمــل علــى تطويــر واســتقرار حــدوده اجلنوبيــة‬ ‫والشــرقية مــن خــالل التنميــة االجتماعيــة االقتصاديــة الشــاملة‬ ‫والدميقراطيــة وســيادة القانــون والتنميــة املســتدامة‪ ،‬وهــو األمــر‬ ‫الــذي ســيكون محــط اهتمــام للعديــد مــن دول احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ‪ .‬ومــن الواضــح أن الواليــات املتحــدة مــن خــالل اتفاقيــة‬ ‫أوكــوس قــد جتاهلــت فرنســا واالحتــاد األوروبــي يف محاولــة للتوصــل‬ ‫إلــى احتــواء عســكري للصــن؛ وإذا كانــت التنميــة االجتماعيــة‬ ‫والبيئيــة املســتدامة للمنطقــة علــى نطــاق أوســع عنصــ ًرا ضرور ًيــا‬ ‫مــن أجــل العمــل علــى احتــواء الصــن بصــورة أكبــر‪ ،‬فعندئــذ‪ ،‬مــن‬ ‫غيــر املرجــح أن يكــون االحتــاد األوروبــي شــري ًكا فعــاالً‪.‬‬ ‫إن األســلوب املخــادع واملهــن الــذي تفاجــأت بــه فرنســا مــن جانــب‬ ‫أســتراليا وبريطانيــا والواليــات املتحــدة‪ ،‬يجعــل حلفــاء اتفــاق أوكــوس‬ ‫غيــر جديريــن بالثقــة بالنســبة لهــا ‪-‬وبالتالــي بالنســبة لالحتــاد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪137‬‬

‫ملف العدد‬

‫التحالف الثالثي يفرض "الحرب الباردة الثانية" وعى إفريقيا‬ ‫وضع استراتيجية من أجل خلق فرص ومزايا لمصلحتها‬ ‫يكــون مشــاب ًها يف بعــض اجلوانــب مبــا ميكــن مــن تســمية الوضــع‬ ‫الــذي قــد يتحقــق مــن التحالــف الثالثــي بـــ "احلــرب البــاردة الثانيــة"‪،‬‬ ‫وبالتالــي يصبــح علــى الــدول اإلفريقيــة أن تكــون حريصــة علــى وضــع‬ ‫اســتراتيجية للتحــرك خــالل هــذه املرحلــة مــن أجــل خلــق فــرص‬ ‫ومزايــا تصــب يف صاحلهــا‪.‬‬ ‫حيــث يتضــح أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة اجتهــت إلــى نقــل‬ ‫وتصعيــد التنافــس يف ميــدان آخــر‪ ،‬أي يف احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ دون أن تتخلــى عــن اســتمرار وجودهــا يف القــارة اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫التــي تعتبــر مصــدر هــام للمــواد األوليــة وســوق هــام للتخلــص مــن‬ ‫فائــض اإلنتــاج‪ ،‬فــإن هــذه السياســة تقــوم علــى فكــرة التقليــل مــن‬ ‫التكاليــف يف ظــل عــدم فاعليتهــا يف مواجهــة الصــن ال ســيما يف‬ ‫امليــدان االقتصــادي الــذي يتفــوق فيــه الصــن علــى الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة بأضعــاف‪ ،‬دون أن تتــرك لهــا هــذه الســاحة‪ ،‬بــل رمبــا‬

‫ترمــي الواليــات املتحــدة إلــى تنويــع جبهــات املواجهــة يف إطــار‬ ‫التنافــس األمريكــي الصينــي‪.‬‬ ‫خامتــة‪ :‬ممــا ســبق ميكــن القــول‪ ،‬أن زيــادة حــدة االســتقطاب بــن‬ ‫الــدول الكبــرى ووفقـاً للتجــارب التاريخيــة قــد يفــرض مشــاركة دول‬ ‫إفريقيــة يف اتفاقــات قــد تأخــذ نفــس اإلطــار إمــا أن تكــون جــز ًءا مــن‬ ‫هــذا التحالــف أو مــن حتالــف آخــر أو التحالفــات املضــادة للتحالــف‬ ‫الثالثــي األخيــر وبخاصــة الدولــة املشــاطئة للبحــار‪.‬‬

‫* ﺑﺎﺣﺚ ﰲ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ – ﻣﺘﺨﺼﺺ ﰲ اﻟﺪراﺳﺎت اﻹﻓﺮﻳﻘﻴﺔ ـ ﺟﻨﻮب اﻟﺴﻮدان‬


‫‪136‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حصار الصين يؤثر بالضرورة عى الدول اإلفريقية لحجم عالقاتها مع‬ ‫إفريقيا وخاصة المجاالت االقتصادية‬ ‫أمــام الــدول األوروبيــة لنهــب ثــروات ومــوارد القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬فقــد‬ ‫كان هــذا املؤمتــر نتيجــة لتطــورات يف القــارة األوروبيــة علــى إثــر‬ ‫الصراعــات بــن الــدول األوروبيــة يف أوروبــا وأثــرت هــذه الصراعــات‬ ‫علــى القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬مــن خاللهــا مت اســتعمار الشــعوب اإلفريقيــة‬ ‫لفتــرة طويلــة‪ ،‬أســهمت يف تشــكيل معظــم املشــكالت والتحديــات‬ ‫التــي تعانــي منهــا الــدول اإلفريقيــة يف املرحلــة مــا بعــد االســتقالل‪.‬‬ ‫وبعــد احلــرب العامليــة الثانيــة والوضــع الــذي حتقــق خــالل احلــرب‬ ‫البــاردة مــن وجــود نظــام ثنائــي القطبيــة‪ ،‬كان لــه تأثيــر علــى القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬فبرغــم مــن متتــع الــدول اإلفريقيــة بقــدرة ومســاحة‬ ‫للمنــاورة والتحــرك وســط التنافــس بــن قطبــن (الواليــات املتحــدة‬ ‫والقــوى املتحالفــة معهــا مــن جانــب واالحتــاد الســوفيتي وحلفائــه‬ ‫مــن جانــب آخــر)‪ ،‬إال أن الظــروف التــي حتققــت نتيجــة لهــذا‬ ‫الوضــع وســعي الــدول الكبــرى مــن كســب تأييــد ودعــم دول العالــم‬ ‫الثالــث‪ ،‬أســهمت وأثــرت علــى األوضــاع السياســية يف إفريقيــا يف‬ ‫تعزيــز وجــود األنظمــة املســتبدة يف الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬والتــي حظــت‬ ‫بدعــم ورعايــة مــن الــدول الكبــرى‪ ،‬تضــرر منهــا شــعوب دول القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪.‬‬ ‫أمــا بنهايــة احلــرب البــاردة فكانــت هيمنــة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة يف ظــل نظــام أحــادي القطبيــة‪ ،‬انعكــس وأثــر بالســلب‬ ‫أيضـاً علــى شــعوب القــارة اإلفريقيــة يف إســقاط احلكومــات التــي ال‬ ‫حتقــق رغبــات الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى حصــار‬ ‫بعضهــا أي التــي كانــت حتظــى بدعــم داخلــي مــن قبــل املواطنــن‪،‬‬ ‫أو كانــت تســيطر مبــا ال يســمح للمعارضــة الداخليــة مــن إحــداث‬ ‫حــراك شــعبي يســمح بإســقاطها‪ ،‬وذلــك حتــت مســوغات نشــر‬ ‫الدميوقراطيــة وحمايــة حقــوق اإلنســان‪.‬‬ ‫فيمــا يتعلــق بالتأثيــرات املتوقعــة مــن التحالــف الثالثــي علــى القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬فــإن الهــدف مــن التحالــف كمــا يتضــح هــو حصــار الصــن‬ ‫يف هــذه املنطقــة‪ ،‬وعليــه فــإن أي تأثيــر علــى الصــن ال بــد بالضــرورة‬ ‫أن تتضــرر منــه الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬نســبة حلجــم العالقــات بينهــا‬ ‫والــدول اإلفريقيــة يف املجــاالت كافــة ال ســيما االقتصاديــة‪.‬‬ ‫ويتضــح أيضـاً مــن هــذا التحالــف إنــه يقــوم علــى محاولــة الســيطرة‬ ‫علــى الطــرق البحريــة‪ ،‬مــن أجــل التحكــم فيهــا وهــو مــا قــد يترتــب‬ ‫عليــه تعميــق حــدة التنافــس بــن الــدول الكبــرى للتحكــم علــى الطــرق‬ ‫البحريــة األخــرى‪ ،‬والتــي لهــا تأثيراتهــا علــى الــدول اإلفريقيــة‪،‬‬ ‫فمــن ناحيــة تقــع القــارة اإلفريقيــة يف موقــع اســتراتيجي يربــط بــن‬ ‫الثــالث قــارات‪ ،‬شــماالً عبــر البحــر األبيــض املتوســط تربــط القــارة‬ ‫اإلفريقيــة باألوروبيــة‪ ،‬ومــن جهــة الغــرب عبــر احمليــط األطلســي‬

‫باألمريكيتــن أمــا جهــة الشــرق فــإن القــارة ترتبــط وآســيا عبــر‬ ‫البحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ومــن ناحيــة أخــرى ترتبــط هــذه الطــرق البحريــة اقتصاد ًيــا باملــوارد‬ ‫والثــروات اإلفريقيــة كمصــادر هامــة القتصاديــات الــدول الكبــرى‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى نقــل املنتجــات إلــى إفريقيــا أو عبــر هــذه الطــرق إلــى‬ ‫القــارات األخــرى‪ ،‬لذلــك فــإن أيــة تأثيــر علــى هــذه الطــرق‪ ،‬لــه تأثيــر‬ ‫علــى الــدول اإلفريقيــة اقتصاد ًيــا‪ ،‬مبــا قــد يــؤدي إلــى تغييــرات يف‬ ‫هيــكل التحالفــات الدوليــة نســبة حلجــم الضــرر ودور التحالفــات يف‬ ‫التخفيــف واحلــد مــن أيــة تبعــات اقتصاديــة التــي ال ميكــن فصلهــا‬ ‫عــن السياســية واألمنيــة‪.‬‬ ‫ثال ًثا‪-‬رؤية إفريقية للتحالف الثالثي‪:‬‬ ‫علــى مســتوى القــارة اإلفريقيــة قــد يكــون مــن اجليــد أن يتــم‬ ‫النظــر إلــى التحالــف الثالثــي "أكــواس" يف إطــار توجهــات جديــدة‬ ‫للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة حــول التعامــل يف مواجهــة التهديــدات‬ ‫اخلارجيــة ســواء كانــت التهديــدات اإلرهابيــة أو تهديــدات احملافظــة‬ ‫علــى املكانــة يف زعامــة النظــام الدولــي الــذي يرتبــط باملصالــح‬ ‫االقتصاديــة يف اخلــارج مــن جانــب؛ وميثــل الصــن املنافــس الرئيــس‪،‬‬ ‫واألمــر اآلخــر يتمثــل يف مراجعــة العائــد مــن حتمــل تكاليــف‬ ‫الوجــود العســكري خــارج حــدود الدولــة األمريكيــة يف مواجهــة هــذه‬ ‫التهديــدات والــذي أثبتــت التجــارب ارتفــاع تكاليفــه املاديــة والبشــرية‬ ‫مقابــل تدنــي العائــد املتوقــع يف مواجهــة القــوة الدوليــة الصاعــدة أي‬ ‫الصــن مــن جانــب آخــر‪.‬‬ ‫برغــم مــن أن للــدول اإلفريقيــة تنظيــم إقليمــي وتنظيمــات إقليميــة‬ ‫فرعيــة ميكــن مــن خاللهــا وضــع رؤى مشــتركة للتعامــل مــع مختلــف‬ ‫التحديــات الداخليــة واخلارجيــة التــي تهــدد دول وشــعوب القــارة‪ ،‬إال‬ ‫أن لعــدد مــن األســباب والتحديــات ظلــت الــدول اإلفريقيــة عاجــزة‬ ‫عــن درء هــذه التهديــدات‪ ،‬فمــن ضمــن أهــداف منظمــة االحتــاد‬ ‫اإلفريقــي هــو تأســيس كيــان يســمح للــدول اإلفريقيــة بالوحــدة‬ ‫والتضامــن بــن الشــعوب اإلفريقيــة والدفــاع عــن ســيادة الــدول‬ ‫األعضــاء ووحــدة أراضيهــا واســتقاللها وتعزيــز مواقــف إفريقيــة‬ ‫موحــدة حــول املســائل ذات االهتمــام للقــارة وشــعوبها والدفــاع عنهــا‪،‬‬ ‫أمــا املبــادئ تضــم وضــع سياســة دفاعيــة مشــتركة للقــارة اإلفريقيــة‬ ‫وغيرهــا ‪.‬‬ ‫فــإن الوضــع الــذي ســاهم يف قــدرة الشــعوب اإلفريقيــة مــن خــالل‬ ‫حــركات التحــرر علــى املنــاورة بــن قطبــي النظــام الدولــي يف إطــار‬ ‫احلــرب البــاردة‪ ،‬رغــم اختالفــه عــن الوضــع الــذي حتقــق بعــد انهيــار‬ ‫االحتــاد الســوفيتي‪ ،‬إال أن الوضــع احلالــي رمبــا ينــذر بوضــع قــد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪135‬‬

‫ملف العدد‬

‫التحال ــف الثالث ــي‪ :‬الرؤي ــة اإلفريقي ــة والتأثير على العالق ــات اإلفريقية ــ الصينية‬

‫حـدة االسـتقطاب تفـرض مشـاركة إفريقيـا‬ ‫يف التحالـف الثالثـي أو التحالفـات المضـادة‬ ‫أثــارت الصفقــة التــي مت إبرامهــا بــن الــدول الثــالث (الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬بريطانيــا‪ ،‬وأســتراليا)‪ ،‬الــذي أســس خللــق‬ ‫حتالــف ثالثــي بــن تلــك الــدول فيمــا عــرف بتحالــف " أكــواس"‪ ،‬قلــق ومخــاوف علــى الصعيديــن األوروبــي واآلســيوي‪ ،‬ففــي‬ ‫أوربــا قوبــل هــذا التحالــف بكثيــر مــن االنتقــادات وخاصــة مــن جانــب فرنســا‪ ،‬أمــا يف آســيا فقــد كانــت أهــم االنتقــادات مــن‬ ‫جانــب الصــن التــي رأت أن هــذا التحالــف موجــه ضدهــا وميثــل جــز ًءا مــن التنافــس الصينــي األمريكــي‪.‬‬ ‫لــذا يســعى هــذا املقــال إلــى محاولــة تنــاول املوقــف اإلفريقــي مــن هــذا التحالــف‪ ،‬ومــدى تأثيــر هــذا التحالــف علــى العالقــات‬ ‫الصينيــة ــــ اإلفريقيــة‪ ،‬وهــل ميكــن أن تكــون القــارة اإلفريقيــة جــز ًءا مــن حتالفــات مماثلــة يف ظــل التنافــس الصينــي األمريكي‬ ‫الــذي قــد يفاقــم التحالــف الثالثــي األخيــر مــن حــدة االســتقطاب مــن اجلانبــن األمريكــي والصينــي مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫تيكواج فيتر‬ ‫ميكن أن يتم تناول املوضوع على النحو التالي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪-‬التحالف الثالثي األمريكي ‪ /‬البريطاني ‪ /‬األسترالي‪:‬‬ ‫يف لقــاء افتراضــي جمــع رؤســاء حكومــات الــدول الثــالث مت اإلعــالن‬ ‫عــن حتالــف أمنــي حلمايــة مصالــح يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫بنــا ًء عليــه ســوف تعمــل الدولتــان علــى تزويــد أســتراليا بغواصــات‬ ‫نوويــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى تضمــن التحالــف علــى تفاهمــات مشــتركة‬ ‫يف تقويــة روابــط الشــراكة مــن خــالل تبــادل اخلبــرات يف مجــال‬ ‫التقنيــة النوويــة‪.‬‬ ‫وهــو مــا القــى انتقــادات مــن قــوى كبــرى يف آســيا وأوروبــا‪ ،‬فلقــد‬ ‫كانــت فرنســا أول املتأثريــن نتيجــة للخســائر التــي قــد تترتــب يف‬ ‫إلغــاء صفقــة مشــتركة مــع أســتراليا لتزويدهــا باحتياجاتهــا يف ذات‬ ‫اإلطــار‪ ،‬هــذا األمــر ســبب قل ًقــا وتوت ـ ًرا أوروب ًيــا مــن ســلوك اإلدارة‬ ‫األمريكيــة اجلديــدة مــن خــالل اعتبارهــا كإمــداد لنفــس ســلوك‬ ‫إدارة الرئيــس الســابق دونالــد ترامــب‪ ،‬مبــا قــد يؤشــر لفقــدان ثقــة‬ ‫أوروبــا يف الواليــات املتحــدة كحليــف ميكــن االعتمــاد عليــه والوثــوق‬ ‫بــه‪ ،‬خاصــة بعــد اتخاذهــا قــرار االنســحاب مــن أفغانســتان دون‬ ‫مشــاورة حلفائهــا يف أوروبــا‪ ،‬أمــا يف آســيا يــرى الصــن الــذي يعتبــر‬ ‫املســتهدف األساســي مــن هــذه اخلطــوة‪ ،‬أن هــذا األمــر ليــس ســوى‬ ‫انتهــاك للقوانــن املتعلقــة بالتســليح النــووي‪ ،‬ألن أســتراليا ال تعتبــر‬

‫دولــة نوويــة‪.‬‬ ‫ثان ًيا‪-‬تأثير التحالف الثالثي على العالقات الصينية ـ اإلفريقية‪:‬‬ ‫ترتبــط الصــن بالــدول اإلفريقيــة بعالقــات تتســم بطابعهــا التعاونــي‬ ‫يف املجــاالت كافــة؛ السياســية واالقتصاديــة والعســكرية والثقافيــة‪،‬‬ ‫ومتكنــت الصــن منــذ مؤمتــر باندونــغ عــام ‪1955‬م‪ ،‬أن تؤســس‬ ‫لقيــام عالقــات تعاونيــة متينــة مــع معظــم الــدول اإلفريقيــة‪ ،‬هــذا‬ ‫األمــر مهــد لهــا أن تتفــوق علــى معظــم الــدول الكبــرى األخــرى وال‬ ‫ســيما الواليــات املتحــدة األمريكيــة التــي تتنافــس معهــا يف القــارة‬ ‫اإلفريقيــة‪ ،‬حيــث يســعى كل طــرف مــن األطــراف التنافــس يف عــرض‬ ‫نفســه علــى أنــه الشــريك املناســب يف التنميــة ملعظــم دول القــارة‬ ‫اإلفريقيــة مــن خــالل مزيــج مــن فــرص التعــاون املمكنــة‪ ،‬وبالرغــم مــن‬ ‫أن نشــاط التحالــف الثالثــي انطلــق مــن احمليطــن الهنــدي والهــادئ‬ ‫خــارج حــدود القــارة اإلفريقيــة‪ ،‬إال أن العوامــل اخلارجيــة التــي طاملــا‬ ‫كان منبعهــا يكــون خــارج القــارة اإلفريقيــة لهــا التأثيــر علــى ماضــي‬ ‫وحاضــر ومســتقبل القــارة اإلفريقيــة ســواء ارتبطــت تلــك العوامــل‬ ‫اخلارجيــة بوجــود عالقــات تعاونيــة أو صراعيــة بــن الــدول الكبــرى‬ ‫حتــى خــارج حــدود القــارة‪.‬‬ ‫فعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬خــالل حقبــة نظــام دولــي متعــدد األقطــاب بعــد‬ ‫مؤمتــر برلــن ‪1885-1884‬م‪ ،‬الــذي فتــح البــاب علــى مصراعيــه‬


‫‪134‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫ســنة ‪2009‬م‪ ،‬عندمــا عــادت فرنســا إلــى القيــادة العســكرية حللــف‬ ‫شــمال األطلســي‪ ،‬حيــث بنــا ًء علــى قــرار الرئيــس نيكــوال ســاركوزي‬ ‫رئيــس اجلمهوريــة آنــذاك‪ ،‬ضعــف الدعــم املدنــي والعســكري‬ ‫الفرنســي ملشــروع "الدفــاع األوروبــي"‪ ،‬وقالــت باريــس يف ذلــك الوقــت‬ ‫إن "احللف األطلسي هو أساس الدفاع اجلماعي األوروبي"‪.‬‬ ‫وحال ًيا‪،‬بعــد اتفاقيــة أوكــوس‪ ،‬تريــد فرنســا اســتعادة مكانتهــا داخــل‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬حيــث أشــار وزيــر خارجيتهــا لودريــان إلــى ذلــك‬ ‫بقولــه إن "مــا هــو علــى احملــك بالنســبة لألوروبيــن هــو كيــف نختــار‬ ‫الدفــاع عــن مصلحتنــا ضــد التوتــرات والتهديــدات بــن احمليطــن‪:‬‬ ‫الهنــدي والهــادئ"‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن االحتــاد األوروبــي كان يعمــل دائ ًمــا حتــت‬ ‫التأثيــر القــوي لفرنســا وأملانيــا‪ .‬لكــن رحيــل أجنيــال ميركيــل يجبــر‬ ‫األوروبيــن علــى االنتظــار ليــروا اخلطــوات األولــى خللفهــا‪ ،‬ويف‬ ‫غضــون ذلــك‪ ،‬حتــاول فرنســا أخــذ زمــام املبــادرة يف اســتعادة موقعهــا‬ ‫الريــادي داخــل االحتــاد األوروبــي مــن خــالل التحذيــر مــن عواقــب‬ ‫الوضــع اجلديــد الناجــم عــن االتفاقيــة الثالثيــة‪.‬‬

‫إعادة التموضع عى خلفية الحملة االنتخابية‬ ‫لقــد تســببت أســتراليا‪ ،‬برفضهــا شــراء الغواصــات الفرنســية‪،‬‬ ‫والتوقيــع علــى حتالــف أوكــوس‪ ،‬يف جعــل فرنســا‪ ،‬وهــي إحــدى‬ ‫الــدول الســت التــي متتلــك القنبلــة الذريــة‪ ،‬تشــاهد االنكمــاش‬ ‫التدريجــي لثقلهــا االســتراتيجي يف أوروبــا ومــن ثــم يف العالــم‪ ،‬كتعثــر‬ ‫مغامراتهــا يف مالــي وليبيــا وتدخلهــا يف لبنــان ويف أماكــن أخــرى يف‬ ‫إفريقيــا الناطقــة بالفرنســية باســم "فرنســا‪-‬إفريقيا" وهــي سياســة‬ ‫اســتعمارية جديــدة مدمــرة‪ ،‬كل هــذه الضربــات هــي "ضربــات‬ ‫إفــالس" علــى نظــام التعــاون والشــراكة والتحالــف‪ ،‬حيــث زرعــت‬ ‫"الفوضــى األمنيــة" حيثمــا تدخلــت الســتعادة النظــام والســالم‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ومــن ثــم‪ ،‬فــإن "أوكــوس" جــاء ليؤكــد لباريــس أن الوقــت‬ ‫املتــاح لفرنســا للعمــل واالســتماع داخــل أوروبــا ويف العالــم يتضــاءل‬ ‫يف كل مــرة تعانــي قواتهــا مــن الهزائــم‪ .‬وبعــد أن فوجئــت بهــذا‬ ‫االتفــاق‪ ،‬أضحــت تتســاءل أيــن يكمــن اخللــل يف جهلهــا مبــا يــدور‬ ‫حولهــا وخاصــة مبــا يحــاك ضدهــا‪ .‬وهــو دليــل علــى عــدم قدرتهــا‬ ‫علــى ترســيخ نفســها كحليــف اســتراتيجي‪.‬‬ ‫خــالل الســنوات األخيــرة‪ ،‬أدى انتخــاب إميانويــل ماكــرون لرئاســة‬ ‫فرنســا‪ ،‬إلــى وضــع البــالد يف مواقــف تتطلــب منهــا إعــادة النظــر يف‬ ‫قوتهــا ودورهــا داخــل االحتــاد األوروبــي وخارجــه‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن‬ ‫االجتمــاع بــن إميانويــل ماكــرون وجــو بايــدن يف مجموعــة العشــرين‬ ‫املقبلــة قــد يكــون مفيـدًا إلــى حــد مــا يف رفــع اللبــس إلــى حــد مــا عمــا‬ ‫تصفــه فرنســا بـــ "اخليانــة"‪.‬‬ ‫لكــن التغيــر يف موقــف الواليــات املتحــدة ليــس مؤكــدا‪ ،‬خاصــة أن‬ ‫ماكــرون ســيخوض حملتــه االنتخابيــة الرئاســية يف غضــون بضعــة‬ ‫أشــهر فقــط‪ ،‬لذلــك ميكــن لواشــنطن أن تتريــث حتــى تــرى نتيجــة‬ ‫هــذا االســتحقاق االنتخابــي‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬حتــى لــو مت ّكــن ماكــرون مــن خالفــة نفســه‪ ،‬فقــد الحــظ‬ ‫شــركاؤه بالفعــل أنــه علــى خــالف مــع أقــرب جيرانــه‪ ،‬وعلــى رأســها‬ ‫اجلزائــر التــي طاملــا اعتبرتهــا فرنســا "محميــة"‪ ،‬لكــن األمريكيــن‬ ‫يحاولــون انتزاعهــا منهــا وحتويلهــا إلــى نقطــة انطــالق صلبــة تســهل‬ ‫عليهــم االندفــاع إلــى إفريقيــا مبزيــد مــن الوجــود املدنــي والعســكري‪،‬‬ ‫وقــد يكــون قــرار واشــنطن إرســال قــوات إلــى مالــي بينمــا تســعى‬ ‫باريــس إلنهــاء عمليتهــا العســكرية "براخــان" مؤشـ ًرا ذا داللــة كبيــرة‪.‬‬

‫* ﺻﺤﻔﻴﺔ ﺟﺰاﺋﺮﻳﺔ ﻣﻬﺘﻤﺔ ﺑﺎﻟﺸﺄن اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻲ واﻷورويب‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪133‬‬

‫ملف العدد‬

‫االتحاد األوروبي‪ :‬لم تتم استشارتنا والتفكير يف االستقالل‬ ‫الذاتي االستراتيجي والدفاع عن وجودنا بأنفسنا‬ ‫خطيــرة بيننــا‪ ،‬وهــذا االســتدعاء‪ ،‬هــو ً‬ ‫أيضــا مــن وســائل إعــادة تقييــم‬ ‫مواقفنــا للدفــاع عــن مصاحلنــا يف أســتراليا والواليــات املتحــدة "‪.‬‬ ‫أمــا بخصــوص عــدم اســتدعاء ســفير فرنســا لــدى بريطانيــا‪ ،‬فقــد‬ ‫أوضــح لودريــان متهكمــا‪" :‬لــم يتــم ألننــا نعــرف انتهازيــة بريطانيــا‬ ‫العظمــى" ‪ ،‬دون تــردد يف وصفهــا بأنهــا "العجلــة اخلامســة"‪.‬‬ ‫ثــم ع ّبــر لودريــان عــن قناعتــه بــأن "هنــاك صلــة حقيقيــة بــن‬ ‫اإلنســحاب مــن أفغانســتان ومــا حــدث للتــو بشــأن االتفاقيــة مــع‬ ‫أســتراليا"‪ .‬واســتطرد يقــول‪" :‬يف التحالــف حقيقــي‪ ،‬نتحــدث مــع‬ ‫بعضنــا البعــض‪ ،‬وال نخفــي ونطــرح األســئلة ونقــدم اإلجابــات‪،‬‬ ‫ونحتــرم بعضنــا البعــض‪ ،‬ونحتــرم الســيادة‪ ،‬لكــن لــم يكــن هــذا هــو‬ ‫احلــال بخصــوص أوكــوس‪ ،‬لذلــك نحــن يف أزمــة"‪.‬‬ ‫ثــم ربــط لودريــان بــن مــا حــدث لفرنســا ومــا حــدث باالنســحاب مــن‬ ‫أفغانســتان بقولــه‪" :‬أوروبــا يجــب أن تســتفيق بعــد أفغانســتان وبعــد‬ ‫هــذه القضيــة (أوكــوس)‪ ،‬إذا أرادت البقــاء يف التاريــخ‪ ،‬ولكــي تبقــى‪،‬‬ ‫يجــب أن" تتحــد وتدافــع عــن مصاحلهــا"‪ .‬وقبــل هــذا التصريــح‬ ‫بقليــل‪ ،‬نقلــت وســائل إعــالم فرنســية عــن مســؤول يف وزارة القــوات‬ ‫املســلحة قولــه‪" :‬أن باريــس تصــرخ بـــ "اخليانــة"!‬

‫"تسريبات صحفية" هي التي أخبرت باريس بـ "أوكوس"‬ ‫ومــا زاد الطــن بلــة‪ ،‬بالنســبة للفرنســين‪ ،‬هــو مــا كشــفه لودريــان‬ ‫خــالل جلســة االســتماع يف مجلــس الشــيوخ‪ ،‬وبلهجــة حازمــة أنــه‬ ‫"قبــل ‪ 15‬ســبتمبر (أي اليــوم الــذي مت فيــه اإلعــالن عــن التحالــف)‪،‬‬ ‫لــم يقــل األســتراليون للشــركات الفرنســية‪ ،‬يف أي وقــت‪ ،‬أنهــم كانــوا‬ ‫بصــدد إنهــاء عقــد الغواصــات‪ ،‬ولــم يعبــروا أب ـدًا عــن احلاجــة إلــى‬ ‫احلصــول علــى غواصــات نوويــة‪ ،‬ولــم يذكــروا أبــدًا محادثــات يف‬ ‫مجــال الدفــاع مــع شــركاء آخريــن غيــر فرنســا‪ ،‬ومــن هنــا اســتغربنا‬ ‫وذعرنــا‪" .‬واســتطرد معترف ـاً بأنــه "ال األمريكيــن‪ ،‬وال البريطانيــن‪،‬‬ ‫كلفــوا أنفســهم بإبــالغ الفرنســين بهــذا التحالــف‪ ،‬وأن فرنســا‬ ‫علمــت بذلــك بفضــل "تســريبات يف الصحافــة‪ ،‬قبــل أن يؤكــد ذلــك‬ ‫األمريكيــون‪".‬‬ ‫كمــا أكــد الوزيــر الفرنســي موقــف بــالده بالقــول‪ ":‬منــذ اإلعــالن عــن‬ ‫هــذا االتفــاق‪ ،‬أصبحنــا يف أزمــة خطيــرة‪ ،‬وســوف تســتمر‪ ،‬وال ميكــن‬ ‫اخلــروج منهــا إ ّال باتخــاذ إجــراءات قويــة‪ ".‬أمــا بخصــوص "عالقــة‬ ‫باريــس املتوتــرة جــدًا" مــع واشــنطن‪ ،‬فــإن باريــس "تطلــب األفعــال‬ ‫وليــس الوعــود واألٌقــوال"‪.‬‬ ‫وبخصــوص العالقــات الفرنســية ــــ البريطانيــة‪ ،‬قــال لودريــان بــأن‬ ‫التاريــخ ســيحتفظ لفرنســا أنــه "قبــل هــذه اإلهانــة‪ ،‬كان األمــر‬ ‫بالنســبة لهــا عالقــات ثنائيــة متينــة مــع اململكــة املتحــدة‪ ،‬وعلــى تعــاون‬

‫دفاعــي ثنائــي منظــم يف جميــع املجــاالت‪ ،‬وبالتالــي‪ ،‬توطيــد عالقــات‬ ‫دفــاع ذات أفضليــة"‪.‬‬ ‫ولــم يتوقــف لودريــان عنــد هــذا احلــد‪ ،‬بــل أضــاف أن "أوكــوس‬ ‫هــو حتالــف عســكري جديــد ومتوافــق مــع منطــق يجعــل املواجهــة‬ ‫العســكرية منهجيــة‪ ،‬وهــو منطــق مت وضعــه تدريجيــاً يف الواليــات‬ ‫املتحــدة منــذ أوباما‪..‬وإنــه قفــزة إلى املجهول بالنســبة لألســترالين‪..‬‬ ‫باختيارهــم اســتخدام تقنيــة ال يتقنونهــا ولــن يتقنوهــا‪ ،‬ممــا يضعهــم‬ ‫بالكامــل حتــت رحمــة تطــور السياســات األمريكيــة "‪.‬‬

‫االتحاد األوروبي ينتقد فرنسا ويؤكد‪ :‬لم تتم استشارتنا‬ ‫أمــا بالنســبة للممثــل األعلــى لالحتــاد األوروبــي للشــؤون اخلارجيــة‬ ‫والسياســة األمنيــة‪ ،‬جوزيــب بوريلــي‪ ،‬فــإن مثــل هــذا االتفــاق كان‬ ‫التحضيــر لــه منــذ مــدة‪ ،‬وقــد اســتغرق األمــر بعــض الوقــت‪ ،‬لكــن‬ ‫لــم تتــم استشــارتنا‪ ،‬وهــذا يجبرنــا مــرة أخــرى‪ ،‬علــى التفكيــر يف‬ ‫احلاجــة إلــى إثــارة مســألة االســتقالل الذاتــي االســتراتيجي لالحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬إنــه دليــل جديــد علــى احلاجــة إلــى الدفــاع عــن وجودنــا‬ ‫بأنفســنا"‪.‬‬ ‫هــذا التذكيــر بحاجــة أوروبــا إلــى دفــاع مســتقل عــن كيانهــا‪ ،‬كان‬ ‫موج ًهــا بشــكل خــاص إلــى فرنســا‪ ،‬ألن كبــار مســؤولي االحتــاد‬ ‫األوروبــي غاضبــون منهــا بســبب مناقشــتها شــراكة اســتراتيجية مــع‬ ‫أســتراليا دون التشــاور مــع دول االحتــاد األوروبــي‪ ،‬لذلــك فإنــه مــن‬ ‫الواضــح أن األوروبيــن يوجهــون عتا ًبــا للســلطات الفرنســية ألنهــا‬ ‫لــم تترجــم خطابهــا إلــى واقــع ملمــوس‪ ،‬ولــم تدفــع مــن أجــل تســريع‬ ‫اإلنشــاء الفعلــي وهيكلــة الدفــاع األوروبــي الــذي ســعى إليــه جــزء‬ ‫كبيــر مــن قــادة أوروبــا‪ ،‬لتكــون أوروبــا أمــام الناتــو وليــس حتــت‬ ‫رحمتــه‪.‬‬

‫تأخر قوة الدفاع عن أوروبا‬ ‫هــذه األزمــة‪ ،‬جعلــت األوروبيــن يفكــرون يف إعــادة النظــر مــع الناتــو‪،‬‬ ‫ويعترفــون بــأن الواليــات املتحــدة تســيره بقبضــة مــن حديــد‪ .‬وكان‬ ‫الناتــو قــد "أقنــع" يف الســنوات األخيــرة دول أوروبــا الشــرقية‪،‬‬ ‫وبعضهــا ليــس أعضــاء بعــد يف االحتــاد األوروبــي‪ ،‬باالندمــاج يف‬ ‫صفوفــه أوالً إلحــراج روســيا‪ ،‬و ً‬ ‫أيضــا لتأخيــر بنــاء "قــوة الدفــاع‬ ‫األوروبــي"‪.‬‬ ‫وحســب املمثــل األعلــى لإلحتــاد األوروبــي‪ ،‬فإنــه يف عــام ‪1998‬م‪ ،‬مت‬ ‫"وضــع األســس لسياســة دفاعيــة أوروبيــة مــن قبــل القمــة الفرنســية‬ ‫البريطانيــة يف ســان مالــو"‪ .‬وحســب حتليلــالت أوروبيــة فإنــه "منــذ‬ ‫عــام ‪2013‬م‪ ،‬قــد تعمــق التفكيــر يف قــوة الدفــاع األوروبي"‪ ،‬بعد تعطله‬


‫‪132‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرنســـا الخاســـر األكبـــر يف مواجهـــة "الثالثـــي" باســـتبعادها‬ ‫مـــن المحيطيـــن الهنـــدي والهـــادئ وحمايـــة مصالحهـــا هنـــاك‬ ‫أســتراليا عفويــا‪ ،‬فهــي لــم تعــرب أبـدًا عــن حاجتهــا المتــالك أســلحة‬ ‫نوويــة‪ ،‬ومــع ذلــك مت جتهيزهــا بغواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪.‬‬ ‫لقــد مت اإلحتيــاط لــكل شــيء لهــذا االتفــاق‪ ،‬حيــث ســارع املختصــون‬ ‫إلــى التأكيــد علــى أن امتــالك هــذا النــوع مــن أحــدث املعــدات‬ ‫البحريــة ال تطلــق إشــعاعات نوويــة‪ ،‬وبالتالــي ال يتعــارض مــع أحــكام‬ ‫معاهــدة عــدم انتشــار أســلحة الدمــار الشــامل‪ .‬وبفضــل هــذه‬ ‫االتفاقيــة‪ ،‬أصبحــت أســتراليا الدولــة الســابعة التــي متتلــك أجهــزة‬ ‫نوويــة يف العالــم‪.‬‬ ‫وتتجــه كانبيــرا‪ ،‬بشــكل أو آخــر‪ ،‬إلــى إغــالق الطريــق‪ ،‬لكــي تقــف‬ ‫كمنافــس أمــام نيوزيلنــدا التــي تقــع علــى بعــد حوالــي ‪ 2000‬كيلومتــر‬ ‫مــن حدودهــا يف جنــوب غــرب احمليــط الهــادئ‪ .‬لذلــك‪ ،‬لــم تتأخــر‬ ‫"ويلينجتــون" لكــي تعلــن أنهــا لــن تقبــل أن تدفعهــا الغواصــات‬ ‫األســترالية اجلديــدة إلــى ميــاه احمليــط الهــادئ‪.‬‬ ‫مــن جهتهــا‪ ،‬تريــد بريطانيــا العظمــى أن تثبــت لزمالئهــا الســابقن‬ ‫وحلفائهــا األوروبيــن أنهــا لــن تعانــي بعــد "البريكســيت"‪ ،‬أي بعــد‬ ‫خروجهــا مــن االحتــاد األوروبــي‪ ،‬حتــى لــو كانــت تكافــح لتغطيــة‬ ‫النقــص يف عــدد كبيــر مــن الســلع التــي توقــف اســتيرادها مــن دول‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫وبشــكل مــا‪ ،‬فــإن بريطانيــا ترفــع التحــدي يف وجــه فرنســا بشــكل‬ ‫خــاص‪ ،‬بإظهــار الوزيــر األول البريطانــي بوريــس جونســون‪ ،‬مظهــر‬ ‫الرجــل الــذي جنــح حيــث فشــلت اســتراتيجية الدفــاع الفرنســية‪.‬‬

‫فرنسا الخاسر األكبر‬ ‫يف ذات الســياق‪ ،‬ال تــزال اململكــة املتحــدة تراهــن علــى إبــرام اتفاقيــة‬ ‫التجــارة احلــرة مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف القريــب املنظــور‪،‬‬ ‫لكــن الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن ال يعيرهــا االهتمــام يف الوقــت‬ ‫الراهــن‪ ،‬ويتعــن علــى رئيــس وزراء بريطانيــا أن يتحلــى بالصبــر‪.‬‬ ‫ومنــذ خروجهــا مــن اإلحتــاد األوروبــي‪ ،‬لم توقف بريطانيا اســتهدافها‬ ‫للمصالــح الفرنســية السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة‪ ،‬حيــث‬ ‫يشــتغل العديــد مــن الفرنســين يف إجنلتــرا‪ ،‬ويواصــل بوريــس‬ ‫جونســون الســخرية منهــا مــن خــالل اغتنــام الفرصــة لالقتــراب مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬التــي ال يــزال تأثيرهــا علــى العالــم قائ ًمــا حتــى لــو‬ ‫لــم يكــن انســحابها مــن أفغانســتان موضــع تقديــر مــن قبــل القــوى‬ ‫العظمــى‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬ميكــن أن يكــون ذلــك اإلنســحاب‪ ،‬مجــرد تكتيــك‬ ‫مــن قبــل واشــنطن إلعــادة وضــع أحجــار الشــطرجن يف املنطقــة مــرة‬ ‫أخــرى‪.‬‬ ‫علــى أي حــال‪ ،‬مــن خــالل التحالــف مــع الواليــات املتحــدة وأســتراليا‬ ‫يف املســائل الدفاعيــة‪ ،‬فــإن رئيــس الــوزراء البريطانــي يفاخــر بتعزيــز‬

‫اســتراتيجيته اخلاصــة بـــ "بريطانيــا العامليــة"‪ ،‬مــن خــالل "إظهــار‬ ‫التزامنــا اجلديــد الطويــل األجــل جتــاه املنطقة‪ ،‬واســتعدادنا ملســاعدة‬ ‫أحــد أقــدم حلفائنــا يف احلفــاظ علــى االســتقرار اإلقليمــي"‪ ،‬علــى‬ ‫حــد قولــه‪.‬‬ ‫وبذلــك تعتبــر فرنســا مبثابــة اخلاســر األكبــر يف مواجهــة هــذا‬ ‫"الثالثــي"‪ ،‬حيــث جتــد نفســها مســتبعدة مــن منطقــة احمليطــن‪:‬‬ ‫الهنــدي والهــادئ التــي تــرى أن لديهــا هنالــك مصا ً‬ ‫حلــا لتحميهــا‪،‬‬ ‫األمــر الــذي يفســر تصريحــات وزيــر أوروبــا والشــؤون اخلارجيــة‬ ‫الفرنســي التــي تظهــر أن باريــس صدمــت مبثــل هــذه "اإلهانــة‪".‬‬ ‫ويؤكــد تصريــح لودريــان‪ ،‬فعـ ً‬ ‫ال أن فرنســا لــم تكــن علــى علــم باتفاقيــة‬ ‫أوكــوس إال قبــل ســاعات قليلــة مــن إعالنهــا‪ ،‬وأن وزيــر الدفــاع‬ ‫األســترالي‪ ،‬حســب لودريــان‪ ،‬هــو الــذي اتصــل بنظيرتــه الفرنســية‬ ‫فلورنــس بارلــي‪ ،‬وأخبرهــا بالتحالــف الثالثــي يف ذات اليــوم الــذي‬ ‫أعلنــت فيــه أســتراليا مــن باريــس أنهــا لــم تعــد مهتمــة بشــراء‬ ‫الغواصــات بســبب "مراجعــة وظيفيــة للنظــام"‪ ،‬وبــررت كانبيــرا تغييــر‬ ‫املوقــف بـــ "احلاجــة"‪.‬‬

‫عندما تصرخ باريس بالخيانة‬ ‫يف البيــان الصحفــي الــذي نشــره الكيدورســي للجمهــور‪ ،‬علقــت‬ ‫باريــس عــن رفــض أســتراليا شــراء ‪ 12‬غواصــة وحتالفهــا يف أوكــوس‪،‬‬ ‫"إنــه قــرار مخالــف حرف ًيــا لــروح التعــاون التــي ســادت بــن فرنســا‬ ‫وأســتراليا‪..‬إن اختيــار األمريكيــن اســتبعاد حليــف وشــريك أوروبــي‬ ‫مثــل فرنســا مــن شــراكة مهيكلــة مــع أســتراليا‪ ،‬جــاء يف الوقــت الــذي‬ ‫نواجــه فيــه حتديــات غيــر مســبوقة يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ"‪ .‬وبالنســبة لباريــس‪ ،‬فــإن هــذا "مؤشــر قــوي علــى غيــاب‬ ‫التماســك‪ ،‬الــذي ال تســتطيع فرنســا ســوى مالحظتــه والنــدم عليــه"‪.‬‬ ‫ويالحــظ ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬أن ردود فعــل فرنســا‪ ،‬لــم تكــن مألوفــة دبلوماسـ ًيا‪،‬‬ ‫ففــي شــهر ســبتمبر املاضــي أمــام جلنــة الدفــاع والشــؤون اخلارجيــة‬ ‫يف اجلمعيــة الوطنيــة الفرنســية‪ ،‬قــال لودريــان أن "اخلالفــات مــع‬ ‫لنــدن قويــة وتتفاقــم تدريجيـاً"‪ ،‬وهــذا ال يقــل قــوة عن قــوة تصريحاته‬ ‫لوســائل اإلعــالم الفرنســية ‪،‬و منهــا قولــه بغضــب‪:‬‬ ‫"كان هنــاك خــرق كبيــر للثقــة‪ ،‬كانــت هنــاك كذبــة‪ ،‬كانــت هنــاك‬ ‫ازدواجيــة‪ ،‬كان هنــاك ازدراء‪ ،‬لذلــك األمــور ليســت صحيحــة بيننــا‪،‬‬ ‫وهــذا يعنــي أن هنــاك أزمــة بيننــا‪ ،‬العالقــات ليســت علــى مــا يــرام‬ ‫علــى اإلطــالق"‪.‬‬ ‫وشــرح لودريــان رد الفعــل الفرنســي بقولــه‪" :‬هنــاك يف البدايــة جان ًبــا‬ ‫رمز ًيــا مــن خــالل اســتدعاء ســفرائنا حملاولــة تبليــغ رســالة لشــركائنا‬ ‫الســابقن أن لدينــا اســتيا ًء شــديدًا للغايــة‪ ،‬وأن هنــاك بالفعــل أزمــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪131‬‬

‫ملف العدد‬

‫"أوكوس" للدفاع واألمن االســتراتيجي‪ :‬هل تعيد فرنســا جغرافيتها السياســية‬

‫بريطانيـا ترفـع التحـدي يف وجـه فرنسـا‬ ‫والتخطيط التفاقية أوكوس بدأ منذ سـنوات‬ ‫لقــد اهتــزت فرنســا‪ ،‬جــراء اتفاقيــة الدفــاع بــن الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة وأســتراليا‪ ،‬التي مت إبرامها يف ســرية تامة‬ ‫واإلعــالن عنهــا يف ســبتمبر املاضــي‪ ،‬وكشــفت عــن عــدم فعاليــة "يقظــة" مؤسســاتها السياســية‪ ،‬الدبلوماســية‪ ،‬العســكرية‪،‬‬ ‫األمنيــة والدفاعيــة‪ ،‬ووصفهــا وزيــر الشــؤون اخلارجيــة وأوروبــا‪ ،‬جــان إيــف لودريــان‪" :‬إنهــا طعنــة يف الظهــر"‪.‬‬ ‫كان التفاقيــة "أوكــوس"‪ ،‬التــي تعنــي‪ ،‬االســم اإلجنليــزي للبلــدان الثالثــة‪ :‬أســتراليا‪ ،‬اململكــة املتحــدة‪ ،‬والواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬تأثيــر "حمــام بــارد" علــى أعلــى املســؤولن املدنيــن والعســكرين يف الدولــة الفرنســية‪ .‬لقــد كان مخي ًفــا للغايــة منــذ‬ ‫اإلعــالن عنــه‪ ،‬بعــد شــهر مــن إنهــاء أســتراليا لعقــد شــراء ‪ 12‬غواصــة عســكرية فرنســية‪.‬‬

‫غن ّية عكازي‬

‫ورغــم أنــه مت ضبــط كل شــيء بعــد مفاوضــات طويلــة اســتمرت مــن‬ ‫عــام ‪ 2016‬إلــى عــام ‪2019‬م‪ ،‬إ ّال أنــه عكــس كل التوقعــات‪ ،‬قــررت‬ ‫كانبيــرا التخلــي عنهــا مقابــل حتالــف دفاعــي اســتراتيجي عرضتــه‬ ‫عليهــا الواليــات املتحــدة علــى "طبــق مــن ذهــب"‪ ،‬حتالــف أنشــأته‬ ‫واشــنطن س ـ ًرا بالتعــاون الوثيــق واملســاعدة التــي ال تقــدر بثمــن مــن‬ ‫حليفتهــا بريطانيــا العظمــى‪.‬‬ ‫وكان إلغــاء اتفاقيــات شــراء الغواصــات‪ ،‬مبثابــة القــرار الــذي يو ّلــد‬ ‫اتفــاق الدفــاع الثالثــي األكثــر أهميــة واســتراتيج ًية‪ ،‬ممــا أثــار ردود‬ ‫جميــع احللفــاء الغربيــن اآلخريــن‪.‬‬ ‫أيضــا‪ ،‬أن ك ً‬ ‫وميكــن القــول ً‬ ‫ال مــن الشــركاء الثالثــة لـــ "أوكــوس" يهــدف‬ ‫إلــى إعــادة متوضــع كبيــر يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫ومنــه باجتــاه بقيــة العالــم‪ .‬وإذا كانــت الصــن هــي الدولــة التــي‬ ‫تســهدفها االتفاقيــة املعنيــة‪ ،‬بالتضييــق علــى مناطــق نفوذهــا أو‬ ‫مناطــق اخلــالف معهــا‪ ،‬فــإن فرنســا بالتــوازي هــي الدولــة األوروبيــة‬ ‫التــي تضــررت أكثــر مــن غيرهــا يف املجــال األمنــي والدفاعــي‪.‬‬ ‫وبتراجعهــا‪ ،‬يف اللحظــة األخيــرة‪ ،‬عــن شــراء غواصــات فرنســية‪،‬‬ ‫تكــون أســتراليا قــد حطمــت شــراكة طويلــة األمــد مــع فرنســا بلغــت‬ ‫خمســن (‪ )50‬عا ًمــا‪ ،‬كمــا قــال وزيــر أوروبــا والشــؤون اخلارجيــة‬ ‫الفرنســي جــان إيــف لودريــان‪ .‬باملقابــل‪ ،‬فــإن الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬ال تســطيع أن تبقــى يف وضــع "غيــر املبالــي" وهــي تــرى‬

‫الصــن تتمــدد يف جميــع املجــاالت واالجتاهــات دون وضــع عقبــات‬ ‫يف طريــق "توســعها" املترامــي األطــراف‪ ،‬حتــى إلــى قلــب إفريقيــا عبــر‬ ‫املنطقــة املغاربيــة‪.‬‬

‫بريطانيا تتحدى فرنسا‬ ‫علــى الرغــم مــن أن قــرار هــؤالء املهندســن لتحالــف أوكــوس‪،‬‬ ‫باإلعــالن عنــه مؤخــ ًرا فقــط‪ ،‬فــإن مشــروع التحالــف‪ ،‬ينبثــق مــن‬ ‫اســتراتيجية ظلــت تنضــج منــذ فتــرة طويلــة جـدًا‪ ،‬ذلــك أنــه مــن غيــر‬ ‫املعقــول‪ ،‬أن يكــون مثــل هــذا التحالــف العســكري "املرتفــع الســقف"‪،‬‬ ‫قــد ُولــد يف غضــون بضعــة أشــهر فقــط‪ ،‬لذلــك‪ ،‬كمــا‪ ،‬ســجل العديــد‬ ‫مــن املراقبــن يف الغرب‪،‬فــإن العديــد مــن اإلدارات األمريكيــة‪ ،‬مبــا يف‬ ‫ذلــك إدارة بــاراك أوبامــا‪ ،‬قــد ســاعدت علــى وضــع "هــذا التحالــف"‬ ‫موضــع التنفيــذ‪ ،‬وهــو املعطــى الــذي يجعــل منــه "حتال ًفــا حقيق ًيــا"‪،‬‬ ‫ســتؤدي عواقبــه إلــى حتــوالت جيوسياســية وجيواســتراتيجية كبيــرة‬ ‫يف العالــم علــى املــدى املتوســط والطويــل‪.‬‬ ‫وهكــذا‪ ،‬بهــدف‪ ،‬مواجهــة الزخــم الهائــل لبكــن‪ ،‬قــرر الثنائــي‬ ‫األمريكــي‪ /‬البريطانــي‪ ،‬تكليــف أســتراليا باحتــالل املنطقــة‬ ‫االســتراتيجية بــن احمليطــن الهنــدي والهــادئ مــن خــالل توقيــع‬ ‫اتفاقيــة "أوكــوس" التاريخيــة‪ ،‬بضمــان تعزيــز القــوات البحريــة‬ ‫ألســتراليا بغواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬ولــم يكــن‪ ،‬أبـدًا‪ ،‬اختيــار‬


‫‪130‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أس ــتراليا ‪ 26‬ملي ــون نس ــمة تواج ــه الصي ــن بـ ـــ ‪ 1.5‬ملي ــار ونات ــج‬ ‫مح ــي ‪ 1.4‬تريلي ــون دوالر مقارن ــة ب ـــ ‪ 15‬تريليو ًن ــا نات ــج الصي ــن‬ ‫الواليـــات املتحـــدة يف املنطقـــة‪ ،‬ثـــم إن انشـــغال الواليـــات املتحـــدة‬ ‫وبريطاني ــا باالس ــتعداد ملواجه ــة الص ــن‪ ،‬ق ــد يقل ــل م ــن اهتمامه ــا‬ ‫باحللفــاء التقليديــن يف منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬ممــا يحثهــم عــن‬ ‫البح ــث ع ــن ش ــركاء أو حلف ــاء ج ــدد‪ ،‬م ــن ب ــاب "ع ــدم وض ــع البي ــض‬ ‫كل ــه يف س ــلة واح ــدة" كم ــا فعل ــت قط ــر بتوجهه ــا نح ــو تركي ــا وفت ــح‬ ‫مناف ــذ م ــع موس ــكو‪.‬‬ ‫أمريكا "قوة املهام ‪ "59‬لطمأنة حلفائها يف اخلليج‬ ‫وتكــون الواليــات املتحــدة مدركــة متا ًمــا لتخــوف حلفائهــا يف البلــدان‬ ‫العربيـــة بصفـــة عامـــة ومنطقـــة اخلليـــج العربـــي بصفـــة خاصـــة‪،‬‬ ‫لذل ــك ب ــادرت بإرس ــال رس ــالة طمأن ــة‪ ،‬بإع ــالن القي ــادة املركزي ــة‬ ‫للق ــوات البحري ــة األمريكي ــة‪ ،‬يف ‪ 9‬س ــبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬أن األس ــطول‬ ‫اخلامــس التابــع لهــا قــام بإنشــاء "قــوة املهــام ‪ "59‬يف اخلليــج بقيــادة‬ ‫خبي ــر الروبوت ــات "ماي ــكل براس ــور"‪ ،‬لزي ــادة قدرت ــه عل ــى ال ــردع يف‬ ‫نطـــاق عمليـــات األســـطول اخلامـــس (اخلليـــج العربـــي‪ ،‬ومضيـــق‬ ‫هرمـــز‪ ،‬وخليـــج ُعمـــان‪ ،‬ومضيـــق بـــاب املنـــدب‪ ،‬والبحـــر األحمـــر‪،‬‬ ‫وقن ــاة الس ــويس‪ ،‬وأج ــزاء م ــن احملي ــط الهن ــدي)‪.‬‬ ‫ه ــذه الق ــوة‪ ،‬حس ــب التحلي ــالت تعتب ــر األول ــى م ــن نوعه ــا التابع ــة‬

‫للبحري ــة األمريكي ــة‪ ،‬الت ــي تس ــتخدم الطائ ــرات املُســ ّيرة والوس ــائل‬ ‫التكنولوجيــة التــي ال حتتــاج إلــى تدخــل العنصــر البشــري‪ ،‬لتحقيــق‬ ‫األهـــداف األمريكيـــة يف املنطقـــة‪ ،‬وقـــد أشـــار احملللـــون إلـــى "ردع‬ ‫تنامـــي القـــوة اإليرانيـــة"‪ ،‬خاصـــة أن إيـــران جتـــد نفســـها ضمـــن‬ ‫مجموع ــة البريك ــس‪ ،‬أي حليف ــة موس ــكو وبك ــن‪.‬‬ ‫يف النهايـــة‪ ،‬ميكـــن القـــول إن العالـــم بصفـــة عامـــة‪ ،‬واملنطقـــة‬ ‫العربي ــة والش ــرق األوس ــط بش ــكل خ ــاص‪ ،‬س ــيتأثر بش ــكل أو بآخ ــر‬ ‫مبـــا يحـــدث يف القطـــب الغربـــي مبفهومـــه الكالســـيكي‪ ،‬وبتنامـــي‬ ‫مجموعــة البريكــس التــي تســعى ملواجهــة التحالــف الغربــي سياسـ ًيا‬ ‫واقتصاد ًي ــا وحت ــى عس ــكر ًيا‪ .‬لذل ــك ال ميك ــن اعتب ــار إلغ ــاء صفق ــة‬ ‫الغواص ــات حد ًث ــا عاد ًي ــا إمن ــا حد ًث ــا اس ــتراتيج ًيا ال مي ــس الغ ــرب‬ ‫فق ــط ب ــل س ــينعكس عل ــى املنطق ــة العربي ــة والعال ــم‪.‬‬

‫* ﻛﺎﺗﺐ ﺟﺰاﺋــــﺮي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ -٤‬انسحاب أمريكا من أفغانستان‬ ‫يف ذات الســـياق ال ينبغـــي أن نغفـــل انســـحاب الواليـــات املتحـــدة‬ ‫األمريكيـــة مـــن أفغانســـتان بعـــد ‪ 20‬ســـنة مـــن "اإلحتـــالل" أو‬ ‫"التدخ ــل العس ــكري" بحج ــة محارب ــة اإلره ــاب (‪ ،)2001-2021‬ومت‬ ‫ذل ــك خ ــارج "الش ــرعية الدولي ــة"‪ ،‬وق ــد ح ــدث س ــجال ب ــن وزي ــر‬ ‫اخلارجيــة األمريكــي حينهــا كولــن بــاول ووزيــر اخلارجيــة الفرنســي‬ ‫دوفيليب ــان‪ ،‬ال ــذي عارض ــت ب ــالده يف عه ــد الرئي ــس ج ــاك ش ــيراك‬ ‫التدخ ــل األمريك ــي خ ــارج الش ــرعية الدولي ــة‪ ،‬حي ــث خاط ــب الوزي ــر‬ ‫األمريك ــي الوزي ــر الفرنس ــي‪" :‬ال تن ــس أن أمري ــكا متث ــل عض ــالت‬ ‫البشــرية"‪ ،‬ورد عليــه الوزيــر الفرنســي بالقــول ‪ ":‬ال تنســى أن أوروبــا‬ ‫متث ــل عبقري ــة البش ــرية"‪.‬‬ ‫يفســر كثيــر مــن احملللــن اإلنســحاب األمريكــي مــن أفغانســتان‬ ‫ولــم ّ‬ ‫بـــ "حج ــة التف ــرغ للخط ــر الزاح ــف م ــن الص ــن"‪ ،‬حي ــث أصبح ــت‬ ‫الصـــن تعتبـــر "تهديـــدًا وجود ًيـــا للواليـــات املتحـــدة‪ ،‬ومـــن بعدهـــا‬ ‫فس ــروه عل ــى أن ــه "تراج ــع يف ق ــوة التحال ــف الغرب ــي"‪.‬‬ ‫الغ ــرب"‪ ،‬ب ــل ّ‬ ‫‪ -٥‬االنحسار الفرنسي يف مالي والساحل‬ ‫ويض ــاف إل ــى ذل ــك ً‬ ‫أيض ــا‪ ،‬انس ــحاب فرنس ــا م ــن منطق ــة الس ــاحل‬ ‫وجتمي ــد عملي ــة برخ ــان يف مال ــي بع ــد ‪ 8‬س ــنوات م ــن انطالقه ــا‪،‬‬ ‫وتقلي ــص ع ــدد قواته ــا م ــن ‪ 5100‬جن ــدي إل ــى نح ــو ‪ 1500‬جن ــدي‪،‬‬ ‫حيـــث بدأتهـــا عـــام ‪ 2013‬باســـم "قـــوة ســـيرفال" وأخـــذت إســـم‬ ‫"برخ ــان" ع ــام ‪ ،2015‬ث ــم أصبح ــت "ق ــوة الس ــاحل‪ "5‬ع ــام ‪،2017‬‬ ‫تضـــم عـــدة دول مـــن املنطقـــة هـــي موريتانيـــا‪ ،‬والنيجـــر‪ ،‬ومالـــي‬ ‫وتشـــاد وبوركينافاســـو‪ ،‬ورفضـــت اجلزائـــر املشـــاركة فيهـــا‪ ،‬ويف‬ ‫‪ 2020‬اس ــتعانت باري ــس بأوروب ــا فيم ــا يع ــرف باس ــم "ق ــوة تاكوب ــا‬ ‫األوروبيـــة"‪ .‬وتبقـــى يف حلـــق فرنســـا غصـــة عـــدم تلقيهـــا الدعـــم‬ ‫امل ــادي ال ــالزم م ــن التحال ــف الغرب ــي‪.‬‬ ‫وبعــد انســحاب فرنســا‪ ،‬بــدأت روســيا عــن طريــق شــركات خاصــة‪،‬‬ ‫أساســا يف مرتزقــة فاغنــر‪ .‬وخــالل اجلمعيــة‬ ‫متــأل الفــراغ‪ ،‬وتتمثــل‬ ‫ً‬ ‫العامـــة لـــألمم املتحـــدة شـــهر ســـبتمبر ‪ 2021‬قـــال الوزيـــر األول‬ ‫املالـــي‪" :‬أن باريـــس تركـــت بـــالده يف منتصـــف الطريـــق"‪ ،‬واتهمهـــا‬ ‫"بتقس ــم ب ــالده ب ــن ش ــمال وجن ــوب‪ ،‬بتكوي ــن جي ــش يف الش ــمال"‪،‬‬ ‫مينــع ســيطرة جيــش احلكومــة علــى البــالد‪ ،‬قبــل أن يقــول إنــه مــن‬ ‫ح ــق ب ــالده عق ــد حتالف ــات جدي ــدة‪.‬‬ ‫إن املوق ــف املال ــي‪ ،‬ل ــم يزع ــج فرنس ــا الت ــي ردت علي ــه بق ــوة فق ــط‪،‬‬ ‫لكنـــه أزعـــج عـــد ًدا مـــن الـــدول األوروبيـــة ً‬ ‫أيضـــا‪ ،‬وعلـــى رأســـها‬ ‫أملانيـــا‪ ،‬ألن متـــدد روســـيا عســـكر ًيا يف إفريقيـــا‪ ،‬يهـــدد "التحالـــف‬ ‫الغرب ــي" بش ــكل أخط ــر م ــن التهدي ــد اإلقتص ــادي الصين ــي ال ــذي‬ ‫ب ــات موج ــو ًدا بق ــوة يف الق ــارة الس ــمراء‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪129‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪ -٦‬إيطاليا وأزمة كورونا‬ ‫خ ــالل أزم ــة كورون ــا ع ــام ‪2020‬م‪ ،‬تأث ــرت إيطالي ــا تأثـ ـ ًرا كبيـ ـ ًرا‪،‬‬ ‫لكنه ــا ل ــم تل ــق الدع ــم الس ــريع م ــن قب ــل أوروب ــا والغ ــرب‪ ،‬بق ــدر م ــا‬ ‫لقت ــه م ــن دول خ ــارج التحال ــف الغرب ــي‪ ،‬لذل ــك عب ــرت احلكوم ــة‬ ‫اإليطالي ــة بش ــكل صري ــح أن أوروب ــا والغ ــرب بصف ــة عام ــة تخل ــى‬ ‫عنه ــا‪ ،‬وتس ــاءلت ع ــن ج ــدوى التحال ــف الغرب ــي أو ج ــدوى االحت ــاد‬ ‫األوروب ــي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬قضية الهجرة غير الشرعية بني إيطاليا وأوروبا‬ ‫كذلـــك حدثـــت يف مناســـبات مختلفـــة "أزمـــات صامتـــة" داخـــل‬ ‫املجموعـــة الغربيـــة‪ ،‬وأحيا ًنـــا تتمظهـــر يف تصريحـــات ملســـؤولن‬ ‫أوروبيــن بخصــوص الهجــرة غيــر الشــرعية‪ ،‬لكــن يف إحــدى املــرات‬ ‫انتق ــدت روم ــا باري ــس بق ــوة‪ ،‬ألن إيطالي ــا تق ــع عل ــى خ ــط التم ــاس‬ ‫مـــع الـــدول املصـــدرة للهجـــرة غيـــر الشـــرعية بخـــالف باريـــس‪.‬‬ ‫وســـبق لوزيـــر أول إيطالـــي أن صـــرح بالقـــول‪ " :‬إن أزمـــة الهجـــرة‬ ‫غي ــر الش ــرعية س ــتضع إيطالي ــا عل ــى ركبتيه ــا"‪.‬‬ ‫‪ -٨‬اليونان واألزمة املالية لعام ‪2008‬‬ ‫لق ــد ح ــدث ذات الش ــيء تقري ًب ــا خ ــالل األزم ــة االقتصادي ــة لع ــام‬ ‫‪2008‬م‪ ،‬عندمـــا احتاجـــت اليونـــان لقـــروض مـــن دول االحتـــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬ولــم تصلهــا حتــى هــددت بشــكل أو آخــر باللجــوء للصــن‬ ‫وروس ــيا‪.‬‬ ‫لذلــك باتــت التســاؤالت مشــروعة‪ ،‬هــل أزمــة الغواصــات هــي حــدث‬ ‫عابــر أم هــو حلقــة جديــدة ضمــن حلقــات التصــدع داخــل التحالــف‬ ‫الغربــي وتأثيــر املصلحــة الوطنيــة علــى مصلحــة املجموعــة‪ ،‬ومــا هــو‬ ‫مس ــتقبل التحال ــف الغرب ــي‪ ،‬وم ــا ه ــي انعكاس ــات ه ــذه املس ــتجدات‬ ‫علــى املنطقــة العربيــة؟‬

‫المنطقة العربية وسياسة وضع البيض يف سلة واحدة‬ ‫يف العـــدد الســـابق مـــن مجلـــة "آراء حـــول اخلليـــج" كتبـــت مقـــاالً‬ ‫شــرحت فيــه كيــف ميكــن أن يؤثــر انســحاب أمريــكا مــن أفغانســتان‬ ‫عل ــى حلف ــاء الوالي ــات املتح ــدة يف املنطق ــة وبعب ــارة أوس ــع "حلف ــاء‬ ‫الغ ــرب"‪ ،‬وأش ــرت إل ــى احتم ــال تراج ــع الثق ــة يف املجموع ــة الغربي ــة‬ ‫وغيرهــا ممــا مت شــرحه‪ ،‬ونفــس الشــيء حــدث يف منطقــة الســاحل‬ ‫اإلفريق ــي بفق ــدان دول املنطق ــة الثق ــة يف فرنس ــا‪ ،‬وتوجهه ــم نح ــو‬ ‫حتقيـــق التعـــاون اإلقتصـــادي والعســـكري مـــع الصـــن وروســـيا‬ ‫وتركي ــا‪ ،‬باس ــتثناء اجلزائ ــر الت ــي له ــا عالق ــات اقتصادي ــة قوي ــة م ــع‬ ‫بيك ــن وأنق ــرة وعالق ــات عس ــكرية ممت ــازة م ــع موس ــكو‪.‬‬ ‫كذل ــك ف ــإن أزم ــة الغواص ــات ب ــن أس ــتراليا وفرنس ــا‪ ،‬وامتداده ــا‬ ‫للعالقـــات بـــن بريطانيـــا وأمريـــكا‪ ،‬ســـتزيد يف حتفـــظ حلفـــاء‬

‫"أوك ــوس" يحق ــق ألس ــتراليا تحصي ــن نفس ــها بتحال ــف اقتص ــادي‬ ‫وعس ــكري ق ــوي ب ــدل بقائه ــا وحي ــدة يف مواجه ــة الصي ــن‬


‫‪128‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"أوك ــس" لمواجه ــة التحال ــف الغرب ــي واتف ــاق "الغواص ــات " ل ــه‬ ‫تأثي ــر ع ــى المنطق ــة العربي ــة والعال ــم‬ ‫اقتصاد ًي ــا وسياس ــياً وعس ــكرياً‪ ،‬وتأت ــي قضي ــة الغواص ــات وحتال ــف‬ ‫أوك ــوس يف ه ــذا الس ــياق‪.‬‬ ‫وهك ــذا‪ ،‬أث ــار ه ــذا حتال ــف "أوك ــوس" صدم ــة وغض ًب ــا يف خن ــدق‬ ‫اخلص ــوم واحللف ــاء عل ــى ح ــد س ــواء‪ ،‬لك ــن إذا كان م ــن الطبيع ــي‬ ‫أن يلق ــى معارض ــة وانتق ــاد وحتف ــظ كل م ــن الص ــن وروس ــيا‪ ،‬ف ــإن‬ ‫فرنســا واالحتــاد األوروبــي‪ ،‬تنظــر لــه مــن بــاب "ظلــم ذوي القربــى"‪.‬‬ ‫ذل ــك أن الص ــن ت ــدرك جيـ ـدًا أن التحال ــف يس ــتهدفها‪ ،‬س ــواء أمت‬ ‫اإلعــالن عــن ذلــك أم ال‪ ،‬لذلــك تعتبــر "بيكــن هــذا التحالــف مبثابــة‬ ‫ح ــرب ب ــاردة يف احمليط ــن" ورمب ــا تتح ــول حل ــرب س ــاخنة بالنظ ــر‬ ‫للهج ــة األمريكي ــة جت ــاه الص ــن‪ ،‬لذل ــك يتوق ــع احمللل ــون أن الص ــن‬ ‫ل ــن تتأخ ــر يف العم ــل عل ــى تعزي ــز قواته ــا البحري ــة واجلوي ــة‪.‬‬ ‫أم ــا روس ــيا فت ــدرك أن "حتجي ــم الص ــن" ه ــو يف النهاي ــة اس ــتهداف‬ ‫لهــا‪ ،‬باعتبارهمــا القلــب النابــض ملجموعــة "البريكــس"‪ ،‬كمــا تتخــوف‬ ‫مــن توســيع هــذا التحالــف لــدول أخــرى‪ ،‬ال يســتهدف الصــن فقــط‬ ‫وإمنــا روســيا ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫أساس ــا باس ــتبعادها‬ ‫أم ــا القل ــق الفرنس ــي‪ ،‬م ــن "األوك ــوس" فيتعل ــق‬ ‫ً‬ ‫م ــن املش ــاركة في ــه‪ ،‬مبعن ــى أنه ــا ليس ــت دول ــة هام ــة أو محوري ــة‬ ‫يف االســـتراتيجية األمريكيـــة يف احمليـــط الهنـــدي والهـــادي‪ ،‬وهـــي‬ ‫التــي تعتقــد أنهــا "قــوة أوروبيــة" اقتصاد ًيــا وعســكر ًيا وعضــو فعــال‬ ‫يف التحالـــف الغربـــي‪ ،‬األمـــر الـــذي يثيـــر مخاوفهـــا بـــكل تأكيـــد‬ ‫خاص ــة أن ــه ج ــاء مباش ــرة بع ــد م ــا وصفته ــا باري ــس "طعن ــة وغ ــدر‬ ‫صفقــة الغواصــات"‪ .‬وهــذا مــا يفســر وصــف الفرنســين لألوكــوس‬ ‫بعب ــارات قاس ــية مث ــل‪" :‬طعن ــة يف الظه ــر" و"صفع ــة عل ــى اخل ــد"‪.‬‬ ‫حتــى املفوضيــة األوروبيــة‪ ،‬شــعرت باحلــرج‪ ،‬لذلــك لــم تتخــذ موق ًفــا‬ ‫صريح ــا م ــن التحال ــف‪ ،‬فبتاري ــخ ‪ 20‬س ــبتمبر ‪ ،2021‬قال ــت "أنه ــا‬ ‫ً‬ ‫تعمـــل علـــى حتليـــل ودراســـة تداعيـــات معاهـــدة األوكـــوس علـــى‬ ‫مختلـــف املســـتويات قبـــل أن تتخـــذ قـــرارات أو تدابيـــر محـــددة‬ ‫بش ــأنها‪".‬‬ ‫وب ــدون ش ــك‪ ،‬مثلم ــا ح ــدث بع ــد انس ــحاب أمري ــكا م ــن أفغانس ــتان‬ ‫اجتماع ــا له ــم ش ــهر‬ ‫عندم ــا عق ــد وزراء دف ــاع اإلحت ــاد األوروب ــي‬ ‫ً‬ ‫أغســـطس ‪2021‬م‪ ،‬لدراســـة تشـــكيل قـــوة أوروبيـــة‪ ،‬فـــإن حتالـــف‬ ‫أوك ــوس س ــيعزز ه ــذا التوج ــه به ــدف حتقي ــق م ــا أصب ــح يس ــمى‬ ‫"االســـتقالل االســـتراتيجي األوروبـــي" عـــن الواليـــات املتحـــدة‪.‬‬ ‫لذل ــك ميك ــن الق ــول إن التحال ــف الغرب ــي يعي ــش أزم ــة‪ ،‬لكنه ــا ل ــم‬ ‫تنكش ــف بش ــكل واض ــح متا ًم ــا‪.‬‬

‫مؤشرات إضافية عن تصدع "التحالف الغربي"‬ ‫حتـــى نفهـــم جيـــدًا‪ ،‬أن إلغـــاء صفقـــة الغواصـــات بـــن أســـتراليا‬ ‫وفرنس ــا‪ ،‬ليس ــت قضي ــة عالق ــات جتاري ــة ثنائي ــة فق ــط‪ ،‬إمن ــا ه ــي‬ ‫أزم ــة اس ــتراتيجية مت ــس التحال ــف الغرب ــي يف العم ــق‪ ،‬وأن حتال ــف‬ ‫أوك ــوس ه ــو امت ــداد ألزم ــة الغواص ــات‪ ،‬الب ــد م ــن إلق ــاء إطالل ــة‬ ‫عل ــى العالق ــات داخ ــل ه ــذا التحال ــف خ ــالل الفت ــرة األخي ــرة‪.‬‬ ‫‪ -١‬إلغاء سويسرا صفقة طائرات رافال‬ ‫لـــم متـــض ســـوى أيـــام قليلـــة مـــن إلغـــاء صفقـــة الغواصـــات بـــن‬ ‫أس ــتراليا وفرنس ــا وتعويضه ــا بصفق ــة مماثل ــة م ــع أمري ــكا‪ ،‬حت ــى‬ ‫جـــاءت أزمـــة جديـــدة‪ ،‬بإلغـــاء سويســـرا صفقـــة شـــراء ‪ 36‬طائـــرة‬ ‫راف ــال الفرنس ــية بقيم ــة ‪ 6‬ملي ــارات دوالر وعوضته ــا بطائ ــرات أف‬ ‫‪ 35‬األمريكي ــة‪ .‬مم ــا جع ــل باري ــس تلغ ــي اللق ــاء املق ــرر عق ــده ش ــهر‬ ‫نوفمب ــر ب ــن ماك ــرون ونظي ــره السويس ــري يف بارم ــوالن‪.‬‬ ‫‪ -٢‬تركيا‪ ،‬صواريخ أس ‪ 400‬واليونان‬ ‫يضــاف إلــى هــذا‪ ،‬تصــدع آخــر يف احللــف الغربــي‪ ،‬جنــم عــن قيــام‬ ‫تركيـــا بشـــراء منظومـــة صواريـــخ أس ‪ 400‬الروســـية واســـتلمتها‬ ‫وجربته ــا ع ــام ‪2019‬م‪ ،‬مم ــا جع ــل أمري ــكا تف ــرض عليه ــا عقوب ــات‪،‬‬ ‫طبقــا لقانــون محاربــة خصــوم أمريــكا‪ ،‬وردت أنقــرة بصرامــة بأنهــا‬ ‫مس ــتعدة للمش ــاركة يف صواري ــخ أس ‪ 500‬األكث ــر تط ــو ًرا‪ ،‬يف ظ ــل‬ ‫حدي ــث ع ــن ش ــراكة محتمل ــة م ــع روس ــيا إلنت ــاج طائ ــرات س ــوخوي‪.‬‬ ‫وتركيــا هــي ثانــي أكبــر قــوة عســكرية يف حلــف الناتــو بعــد الواليــات‬ ‫املتح ــدة األمريكي ــة‪ ،‬والنات ــو ه ــو الق ــوة الضارب ــة للتحال ــف الغرب ــي‪،‬‬ ‫واخلص ــم العس ــكري والسياس ــي لروس ــيا والص ــن‪ ،‬وبعب ــارة أخ ــرى‬ ‫ملجموع ــة "البريك ــس"‪.‬‬ ‫وإل ــى ذل ــك‪ ،‬يج ــب اإلش ــارة إل ــى م ــا يح ــدث م ــن ص ــراع سياس ــي‬ ‫واقتصـــادي يف شـــرق املتوســـط وقـــد يتحـــول يف أي حلظـــة إلـــى‬ ‫ص ــراع عس ــكري‪ ،‬ب ــن تركي ــا واليون ــان‪ ،‬وكالهم ــا ضم ــن "التحال ــف‬ ‫الغرب ــي" لك ــن أوروب ــا بش ــكل ع ــام اصطف ــت جلان ــب أثين ــا‪.‬‬ ‫‪ -٣‬خروج بريطانيا من اإلحتاد األوروبي‬ ‫والب ــد م ــن التذكي ــر ً‬ ‫أيض ــا‪ ،‬أن ــه قب ــل ه ــذه املس ــتجدات‪ ،‬ويف ع ــام‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬أقدم ــت بريطاني ــا عل ــى االنس ــحاب م ــن االحت ــاد األوروب ــي‪،‬‬ ‫وهـــو ليـــس قـــرارا هينـــا‪ ،‬بـــل هـــو شـــرخ كبيـــر يضـــرب االحتـــاد‬ ‫األوروب ــي‪ ،‬املنتم ــي أيديولوج ًي ــا إل ــى "التحال ــف الغرب ــي"‪ ،‬واس ــتمرت‬ ‫املفاوض ــات حت ــى ديس ــمبر ‪2020‬م‪ ،‬ليت ــم التوص ــل التف ــاق جت ــاري‬ ‫ب ــن االحت ــاد األوروب ــي وبريطاني ــا ملرحل ــة م ــا بع ــد البريكس ــيت‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪127‬‬

‫ملف العدد‬

‫انش ــغال الوالي ــات المتح ــدة وبريطاني ــا باالس ــتعداد لمواجه ــة الصي ــن‬ ‫يقل ــل م ــن اهتمامهم ــا بالحلف ــاء التقليديي ــن يف الش ــرق األوس ــط‬ ‫الت ــي متلكه ــا غواص ــات م ــن فئ ــة أت ــاك الفرنس ــية ل ــن تتواف ــق م ــع‬ ‫مصاحلنــا االســتراتيجية‪ ،‬وأوضحنــا بشــكل تــام أننــا ســنتخذ قــرا ًرا‬ ‫مبن ًي ــا عل ــى مصلحتن ــا الوطني ــة"‪.‬‬ ‫وللتدليـــل علـــى عمـــق التأثـــر الفرنســـي باملوقـــف‪ ،‬تأخـــر الرئيـــس‬ ‫إميانويـــل ماكـــرون عـــدة أيـــام حتـــى يوافـــق علـــى طلـــب مكاملتـــه‬ ‫هاتف ًي ــا م ــن ط ــرف الرئي ــس األمريك ــي ج ــو باي ــدن‪ ،‬كم ــا ل ــم تهض ــم‬ ‫وس ــائل اإلع ــالم الفرنس ــية املوق ــف ونظم ــت ع ــدة برام ــج تلفزيوني ــة‬ ‫وكتب ــت ع ــدة مق ــاالت حتليلي ــة ح ــول املوض ــوع‪ ،‬وم ــا ش ــد اإلنتب ــاه‬ ‫أن ــه يف أح ــد البرام ــج التلفزيوني ــة دع ــا أحده ــم الدول ــة الفرنس ــية‬ ‫ً‬ ‫قليـــال نحـــو الشـــرق" مبعنـــى التوجـــه نحـــو روســـيا‬ ‫إلـــى "النظـــر‬ ‫والصـــن‪ ،‬وهمـــا "القلـــب النابـــض" ملجموعـــة "البريكـــس" (تعنـــي‬ ‫حســب احلــروف األولــى باللغــة الالتينيــة‪ :‬البرازيــل‪ ،‬روســيا‪ ،‬الهنــد‪،‬‬ ‫الص ــن‪ ،‬وجن ــوب إفريقي ــا) وه ــي الق ــوة املوازي ــة للتحال ــف الغرب ــي‪.‬‬ ‫"أوكـــوس" حتالـــف أمنـــي اســـتراتيجي يثيـــر مخـــاوف اخلصـــم‬ ‫واحلليـــف‪.‬‬ ‫بعــد أيــام قليلــة مــن أزمــة الغواصــات‪ ،‬وبتاريــخ ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫أعلن ــت الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة‪ ،‬ع ــن تش ــكيل حتال ــف أمن ــي‬ ‫اس ــتراتيجي جدي ــد يف منطق ــة احمليط ــن الهن ــدي واله ــادئ حت ــت‬ ‫مســـمى حتالـــف "أوكـــوس"‪ ،‬يضـــ ّم ك ً‬ ‫ال مـــن الواليـــات املتّحـــدة‪،‬‬ ‫وبريطانيـــا‪ ،‬وأســـتراليا‪ ،‬وجـــاء اإلعـــالن بعـــد قمـــة افتراضيـــة‪،‬‬ ‫اســـتضاف فيهـــا الرئيـــس األمريكـــي جـــو بايـــدن‪ ،‬رئيـــس الـــوزراء‬ ‫البريطانـــي بوريـــس جونســـون والوزيـــر األول األســـترالي ســـكوت‬ ‫موريس ــون‪ ،‬ه ــذه البل ــدان الثالث ــة‪ ،‬ه ــي ً‬ ‫أيض ــا أعض ــاء يف "حتال ــف‬ ‫العيـــون اخلمـــس"‪ ،‬وهـــو حتالـــف اســـتخباراتي يضـــم خمـــس دول‬ ‫ه ــي‪ :‬الوالي ــات املتح ــدة وبريطاني ــا وكن ــدا وأس ــتراليا ونيوزيلن ــدا‪.‬‬ ‫غيـــر أن "أوكـــوس" تعرضـــت للعديـــد مـــن االنتقـــادات ليـــس مـــن‬ ‫قب ــل الص ــن وروس ــيا فق ــط‪ ،‬ب ــل م ــن قب ــل فرنس ــا ً‬ ‫أيض ــا‪ ،‬نتيج ــة‬ ‫مخ ــاوف كل دول ــة م ــن انعكاس ــات ه ــذا التحال ــف‪ .‬وإذاكان مفهو ًم ــا‬ ‫تخـــوف الصـــن وروســـيا‪ ،‬فـــإن املخـــاوف الفرنســـية تؤشـــر ً‬ ‫أيضـــا‬ ‫علــى تصــدع "التحالــف الغربــي" إذ ال يوجــد مانــع مــن ضــم فرنســا‬ ‫لذل ــك التحال ــف م ــن الناحي ــة النظري ــة‪.‬‬ ‫مـــن الواضـــح أن التحالـــف الثالثـــي "أوكـــوس" يســـعى لتســـليح‬ ‫أس ــتراليا بغواص ــات أمريكي ــة نووي ــة‪ ،‬وه ــي ثان ــي دول ــة ت ــز ّود به ــا‬ ‫واش ــنطن دول ــة أخ ــرى بتل ــك التكنولوجي ــا بع ــد بريطاني ــا‪ ،‬ويض ــاف‬ ‫إليهـــا تزويـــد أســـتراليا بصواريـــخ أمريكيـــة بعيـــدة املـــدى مـــن‬ ‫ط ــراز "توماه ــوك"‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ـال ع ــن تعزي ــز التع ــاون يف مجال ــي الدف ــاع‬

‫الســـيبراني واحلـــرب اإللكترونيـــة‪.‬‬ ‫لك ــن م ــن الناحي ــة اإلس ــتراتيجية‪ ،‬يأت ــي دع ــم أس ــتراليا بالغواض ــات‬ ‫النوويـــة األمركيـــة‪ ،‬ملوقعهـــا االســـتراتيجي يف احمليطـــن‪ :‬الهـــاديء‬ ‫والهن ــدي م ــن جه ــة‪ ،‬ولكونه ــا حديق ــة خلفي ــة للص ــن‪.‬‬ ‫ويحق ــق ه ــذا التحال ــف ل ــكل دول ــة ج ــز ًءا م ــن أهدافه ــا‪ ،‬ويراه ــن‬ ‫اجلميـــع علـــى تغييـــر تـــوازن القـــوة البحريـــة وتوقيـــف النفـــوذ‬ ‫الصين ــي‪ .‬فأمري ــكا وبريطاني ــا يضمن ــان موض ــع ق ــدم قري ــب م ــن‬ ‫الص ــن‪ ،‬يف إط ــار مواجه ــة اقتصادي ــة شرس ــة‪ ،‬ق ــد تتح ــول ملواجه ــة‬ ‫عســـكرية‪ ،‬وتعـــزز االســـتراتيجية األمريكيـــة بالتوجـــه نحـــو آســـيا‪،‬‬ ‫وهـــي السياســـة التـــي رســـمها الرئيـــس األمريكـــي األســـبق بـــارك‬ ‫أوبام ــا‪ ،‬عندم ــا كان الرئي ــس األمريك ــي احلال ــي ج ــو باي ــدن نائبـ ـاً‬ ‫لـــه‪ ،‬وكان هدفهـــا املعلـــن‪ :‬حتجيـــم النفـــوذ الصينـــي‪.‬‬ ‫ويضمـــن حتالـــف "أوكـــوس" ألســـتراليا تقويـــة جيشـــها وتصبـــح‬ ‫العب ــة محوري ــة يف احمليط ــن اله ــاديء والهن ــدي‪ ،‬ذل ــك أن صفق ــة‬ ‫الغواص ــات س ــتجعل أس ــتراليا س ــابع دول ــة يف العال ــم الت ــي متتل ــك‬ ‫غواص ــات تعم ــل بالطاق ــة النووي ــة بع ــد كل م ــن الوالي ــات املتح ــدة‬ ‫والصـــن وبريطانيـــا وفرنســـا وروســـيا والهنـــد‪.‬‬ ‫كذلـــك مي ّكـــن حتالـــف "أوكـــوس" أســـتراليا مـــن حتصـــن نفســـها‬ ‫بتحالـــف اقتصـــادي وعســـكري قـــوي‪ ،‬بـــدل بقائهـــا وحيـــدة يف‬ ‫مواجه ــة الص ــن عس ــكرياً واقتصادي ـاً‪ ،‬وه ــي ت ــدرك أنه ــا مبفرده ــا‬ ‫ســتكون لقمــة صائغــة للصــن‪ ،‬تكفــي اإلشــارة إلــى أن عــدد ســكانها‬ ‫يق ــدر بنح ــو ‪ 26‬ملي ــون نس ــمة مقارن ــة بنح ــو ‪ 1.5‬ملي ــار صين ــي‪ ،‬وال‬ ‫يتجــاوز ناجتهــا احمللــي اإلجمالــي ‪ 1.4‬تريليــون دوالر‪ ،‬مقارنــة بـــ ‪15‬‬ ‫تريلي ــون دوالر ن ــاجت محل ــي إجمال ــي جلمهوري ــة الص ــن‪.‬‬ ‫كذلـــك‪ ،‬لـــم تعـــد العالقـــات الصينيـــة األســـترالية جيـــدة‪ ،‬بعـــد أن‬ ‫ظل ــت الص ــن لس ــنوات الش ــريك التج ــاري األكب ــر ألس ــتراليا‪ ،‬حي ــث‬ ‫توتـــرت العالقـــات عل ــى خلفي ــة انتق ــاد أس ــتراليا معاملـــة الصـــن‬ ‫ألقلي ــة اإليج ــور‪ ،‬وحظره ــا ً‬ ‫أيض ــا ش ــركة ه ــواوي م ــن بن ــاء ش ــبكة‬ ‫اجليـــل اخلامـــس‪ ،‬وســـاندت أســـتراليا الطـــرح األمريكـــي حـــول‬ ‫أس ــباب جائح ــة كورون ــا بتحميله ــا بك ــن مس ــؤولية تفش ــيها عل ــى‬ ‫الصعيـــد العاملـــي‪.‬‬ ‫لذلـــك لـــم تتأخـــر الصـــن يف الضغـــط اقتصاد ًيـــا علـــى أســـتراليا‬ ‫خ ــالل ع ــام ‪2020‬م‪ ،‬بف ــرض ضرائ ــب عل ــى "اخلم ــور األس ــترالية"‬ ‫بنح ــو ‪ 200‬باملئ ــة‪ ،‬مم ــا جع ــل واش ــنطن تتدخ ــل لدع ــم أس ــتراليا‬


‫‪126‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫البعد االستراتيجي لـ "أزمة الغواصات"‪ :‬مؤشرات خريف "التحالف الغربي"‬

‫التبريـرات األمريكيـة ‪ /‬البريطانيـة ألزمـة‬ ‫الغواصـات كشـفت معالـم "معركـة المسـتقبل"‬ ‫أخــذت "أزمــة الغواصــات" بــن أســتراليا وفرنســا‪ ،‬بعـدًا دول ًيــا‪ ،‬بامتدادهــا لعالقــات فرنســا مــع أمريــكا ‪،‬وبريطانيــا‪ ،‬والــدول‬ ‫األربعــة تعــد مــن أهــم دول التحالــف الغربــي الــذي اتضحــت معاملــه منــذ أحــداث ‪ 11‬ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وكانــت كلمتهــم موحــدة‬ ‫سياس ـ ًيا وعســكر ًيا‪ ،‬وأصبــح هــذا التحالــف تقري ًبــا هــو الناطــق باســم الشــرعية الدوليــة‪ ،‬ويقــرر باســمها كمــا حــدث يف‬ ‫عــدة أزمــات عامليــة أهمهــا تلــك التــي تعيشــها املنطقــة العربيــة واإلســالمية‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف ليبيــا وفلســطن وســوريا‬ ‫وأفغانســتان‪ ،‬وأصبــح ســه ً‬ ‫ال للمتتبعــن توقــع موقــف أي دولــة مــن هــذه الــدول مبجــرد إعــالن أي دولــة منهــا عــن موقــف‬ ‫معــن‪ ،‬يبقــى االختــالف يف املفــردات فقــط‪ .‬لذلــك ال ميكــن القــول إن أزمــة الغواصــات هــي مجــرد حــدث عابــر‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد لعقاب‬

‫هــذه األزمــة ليســت اقتصاديــة فحســب‪ ،‬رغــم أن قيمتهــا التجاريــة‬ ‫تقــدر حســب تقاريــر إعالميــة غربيــة بــن ‪ 40‬و‪ 90‬مليــار دوالر‬ ‫لبيــع أســطول مــن ‪ 12‬غواصــة فرنســية ألســتراليا‪ ،‬إمنــا أخــذت بعــد‬ ‫"أزمــة اســتراتيجية"‪ ،‬فهــي ال تهــدد العالقــات بــن فرنســا وأســتراليا‬ ‫فقــط‪ ،‬بــل تهــدد "التحالــف الغربــي" برمتــه‪ ،‬لذلــك حتولــت أزمــة‬ ‫الصفقــة بســرعة ألزمــة دبلوماســية‪ ،‬حيــث أتخــذت باريــس بتاريــخ‬ ‫‪ 17‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬خطــوة تعتبــر ســابقة مــن نوعهــا وهــي اســتدعاء‬ ‫ســفيريها لــدى واشــنطن وكانبيــرا (أســتراليا) يف مرحلــة أولــى‪ ،‬ثــم‬ ‫مت إلغــاء اجتمــاع وزيــر الدفــاع الفرنســي مــع وزيــر الدفــاع البريطانــي‬ ‫احتجاجــا علــى مــا وصفتــه باريــس بـــ "اخليانــة والطعنــة" مــن قبــل‬ ‫ً‬ ‫حتالــف ظلــت لعقــود "تنــام قريــرة العــن" مطمئنــة لــه‪ ،‬بســبب إلغــاء‬ ‫صفقــة ســالح أبرمــت عــام ‪2016‬م‪ ،‬أي بعــد ‪ 6‬ســنوات مــن توقيعهــا‪.‬‬

‫الفرنســـية‪ ،‬فالغواصـــات األمريكيـــة‪ ،‬حســـب تبريـــر أســـتراليا ال‬ ‫حتتـــاج إلـــى الشـــحن مقارنـــة بالغواصـــات الفرنســـية التـــي ال‬ ‫تس ــتطيع البق ــاء حت ــت امل ــاء م ــدة أط ــول م ــن الغواص ــات األمريكي ــة‪،‬‬ ‫ذل ــك أن الغواص ــات الت ــي تعم ــل بق ــوة الطاق ــة النووي ــة ه ــي أكث ــر‬ ‫اس ــتقاللية م ــن غواص ــات الدف ــع التقلي ــدي الت ــي تعم ــل بالدي ــزل‬ ‫وتك ــون غي ــر م ــز ّودة بالس ــالح الن ــووي‪ .‬وه ــذا التبري ــر يف ح ــد ذات ــه‬ ‫"ضربـــة قويـــة" للتكنولوجيـــا العســـكرية الفرنســـية‪.‬‬ ‫أمـــا التبريـــرات األمريكيـــة والبريطانيـــة‪ ،‬فركـــزت علـــى "معركـــة‬ ‫املس ــتقبل" القادم ــة ال محال ــة مهم ــا كان ــت أش ــكالها‪ ،‬حي ــث قالت ــا إن‬ ‫"إلغ ــاء الصفق ــة م ــع فرنس ــا وتعويضه ــا بصفق ــة أخ ــرى م ــع أمري ــكا‬ ‫إمنـــا يهـــدف إلـــى "تعزيـــز القـــدرات األســـترالية ملواجهـــة الصـــن‬ ‫وروســـيا‪ ".‬وهـــذا التبريـــر ً‬ ‫أيضـــا يف حـــد ذاتـــه‪ ،‬تقليـــل مـــن قيمـــة‬ ‫التكنولوجيـــا العســـكرية الفرنســـية‪.‬‬

‫مهمـــا كانـــت املبـــررات التـــي نشـــرتها وســـائل اإلعـــالم الدوليـــة‪،‬‬ ‫والتــي دفعــت أســتراليا إللغــاء الصفقــة خاصــة مــا تعلــق بـــ "الفــوارق‬ ‫التكنولوجيـــة" بـــن الصناعـــة األمريكيـــة للغواصـــات‪ ،‬والصناعـــة‬

‫وبعده ــا ق ــال رئي ــس ال ــوزراء األس ــترالي س ــكوت موريس ــون‪ ،‬مع ــززًا‬ ‫التبريــر األمريكــي والبريطانــي‪" ،‬إن قــرار إلغــاء الصفقــة مــع فرنســا‬ ‫يتعل ــق بوج ــود مخ ــاوف جدي ــة وعميق ــة راودتن ــا ب ــأن اإلمكاني ــات‬

‫زلزال يف التحالف الغربي ومعركة المستقبل‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪125‬‬

‫ملف العدد‬

‫النظام الدويل مقبل عى فرض توازنات لها تأثير مباشر عى تفاعالت‬ ‫الساحة الدولية‬ ‫ذلــك مؤشــراً إلــى أنهــا ســوف تتخــذ مــن التعــاون مــع إيــران‪ ،‬الســيما‬ ‫علــى املســتوى االقتصــادي‪ ،‬آليــة إلدارة هــذا التنافــس مــع واشــنطن‬ ‫خــالل املرحلــة القادمــة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬توســيع نطــاق التعــاون للتعامــل مــع األزمــة األفغانيــة‪ :‬قــد تتجــه‬ ‫الصــن إلــى توســيع نطــاق التعــاون مــع روســيا وإيــران وباكســتان حول‬ ‫تطــورات األزمــة يف أفغانســتان‪ ،‬خاصــة جلهــة تقــارب الــرؤى التــي‬ ‫تتبناهــا وتعتمــد علــى أن أحــد أهــداف االنســحاب األمريكــي مــن‬ ‫أفغانســتان يتمثــل يف تصديــر األزمــة إلــى هــذه الــدول‪ ،‬ودفعهــا إلــى‬ ‫االنخــراط جدي ـاً يف امللــف األفغانــي لتجنــب مواجهــة اســتحقاقات‬ ‫صعبــة بعــد ســيطرة حركــة "طالبــان" علــى احلكــم مجــدداً‪ .‬ورمبــا‬ ‫يكــون ذلــك هــو الســبب الــذي دفــع هــذه الــدول إلــى املشــاركة يف‬ ‫املؤمتــر الــذي عقــد يف موســكو‪ ،‬يف ‪ 20‬أكتوبــر ‪2021‬م‪ ،‬والــذي شــهد‬ ‫حضــور وفــد مــن حركــة "طالبــان"‪ ،‬حيــث دعــت الــدول املشــاركة إلــى‬ ‫تقــدمي مســاعدات ألفغانســتان لتجنــب نشــوب أزمــة إنســانية‪ ،‬كمــا‬ ‫طالبــت روســيا حركــة "طالبــان" بعــدم الســماح باســتخدام األراضــي‬ ‫األفغانيــة نقطــة انطــالق ملهاجمــة إحــدى دول اجلــوار‪ .‬وقــد كان‬ ‫الفت ـاً أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة عزفــت عــن حضــور املؤمتــر‪،‬‬ ‫ورغــم أنهــا بــررت ذلــك بـ"أســباب فنيــة" إال أنــه يبــدو أنهــا قــررت‬ ‫عــدم احلضــور ألســباب ترتبــط بالتصعيــد األخيــر يف العالقــات مــع‬ ‫الصــن يف منطقــة "إندو‪-‬باســيفيك"‪.‬‬ ‫‪ -٤‬االنخراط يف سباق تسلح جديد‪ :‬ترى بكن أن صفقة الغواصات‬ ‫األســترالية اجلديــدة ســوف تخــل بتوازنــات القــوى االســتراتيجية يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬لغيــر صاحلهــا‪ ،‬خاصــة أنهــا ســوف تعــزز موقــع أســتراليا يف‬ ‫مواجهتهــا يف ظــل اخلالفــات القائمــة بــن الطرفــن‪ .‬ومــن هنــا فإنهــا‬ ‫قــد تتجــه إلــى رفــع مســتوى قدراتهــا العســكرية مجــدداً‪ ،‬خاصــة‬ ‫علــى الصعيــد النــووي الــذي يحظــى باهتمــام خــاص مــن جانــب‬ ‫واشــنطن يف ظــل التعتيــم الــذي تفرضــه بكــن علــى هــذا اجلانــب‬ ‫حتديــداً‪ .‬ورمبــا يكــون تســريب تقاريــر‪ ،‬يف ‪ 17‬أكتوبــر ‪2021‬م‪ ،‬بشــأن‬ ‫قيــام الصــن‪ ،‬يف أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬بإطــالق صــاروخ فــرط صوتــي‬ ‫"‪ ،"Long March‬حمــل علــى متنــه "مركبــة انزالقيــة تفــوق ســرعة‬ ‫الصــوت حلقــت يف مــدار منخفــض حــول العالــم"‪ ،‬محاولــة مــن جانــب‬ ‫بكــن لتأكيــد جديتهــا يف االنخــراط يف هــذا املســار يف املرحلــة‬ ‫القادمــة‪ ،‬ملواجهــة التحــدي اجلديــد الــذي يفرضــه تأســيس حتالــف‬ ‫"أوكــوس"‪ ،‬خاصــة أن التقديــرات تشــير إلــى أن الصــاروخ اجلديــد‬ ‫لديــه القــدرة علــى اختــراق النظــم الدفاعيــة األمريكيــة يف أالســكا‬ ‫املخصصــة للتصــدي للمقذوفــات القادمــة فــوق القطــب الشــمالي‪.‬‬ ‫‪ -٥‬ممارســة ضغــوط علــى حلفــاء واشــنطن‪ :‬وتبــدو الهنــد يف مقدمــة‬ ‫هــؤالء احللفــاء‪ ،‬فقــد كان الفت ـاً أن اجتاهــات عديــدة أشــارت إلــى‬

‫أن الصــن رمبــا تتجــه إلــى تطويــر تعاونهــا الثنائــي مــع باكســتان‬ ‫علــى املســتوى النــووي‪ ،‬الســيما بعــد أن انضمــت الهنــد للتحالــف‬ ‫اآلخر‪"-‬كواد"‪-‬الــذي شــكلته الواليــات املتحــدة األمريكيــة ويضــم ك ً‬ ‫ال‬ ‫مــن اليابــان وأســتراليا‪ ،‬بشــكل ميكــن أن يتســبب يف اختــالل تــوازن‬ ‫القــوى يف املنطقــة بــن الهنــد وباكســتان‪ .‬ورمبــا تتجــه الصــن‪ ،‬يف‬ ‫هــذا الســياق أيضــاً‪ ،‬إلــى توســيع نطــاق التعــاون مــع باكســتان يف‬ ‫التعامــل مــع تطــورات األزمــة األفغانيــة‪ ،‬مبــا يــؤدي إلــى تهميــش دور‬ ‫الهنــد التــي تبــدو معنيــة بدورهــا بهــذا امللــف‪.‬‬ ‫‪ -٦‬اســتقطاب قــوى آســيوية ضــد التحالــف اجلديــد‪ :‬وهــو مــا بــدا‬ ‫جليـاً يف مســارعة الصــن إلــى تأكيــد دعمهــا للمواقــف التــي اتخذتهــا‬ ‫ماليزيــا وإندونيســيا إزاء اإلعــالن عــن تأســيس حتالــف "أوكــوس"‪،‬‬ ‫حيــث قــال املتحــدث باســم وزارة اخلارجيــة الصينيــة وانــغ وان‪ ،‬يف‬ ‫‪ 19‬أكتوبــر ‪2021‬م‪ ،‬أنــه "يتعــن علــى جميــع األطــراف أن تعتــز بهيــكل‬ ‫التعــاون اإلقليمــي املتمحــور حــول اآلســيان وأن متضــي قدم ـاً فيــه‪،‬‬ ‫وأن تعــارض أي محاولــة لتقويــض الزخــم اجليــد للتعــاون واحلــوار‬ ‫اإلقليمــي"‪ .‬ورمبــا تســعى الصــن مــن خــالل ذلــك إلــى فــرض عزلــة‬ ‫علــى أســتراليا وبالتالــي ممارســة أعلــى مســتوى مــن الضغــوط‬ ‫ضدهــا يف إطــار الــرد علــى قرارهــا بشــراء الغواصــات األمريكيــة‪.‬‬ ‫خامتة‪:‬‬ ‫إن مــا ســبق يف مجملــه يطــرح داللــة مهمــة تتمثــل يف أن النظــام‬ ‫الدولــي يبــدو مقب ـ ً‬ ‫ال علــى مرحلــة جديــدة‪ ،‬ســوف تفــرض توازنــات‬ ‫مختلفــة‪ ،‬ســيكون لهــا تأثيــر مباشــر علــى التفاعــالت التــي جتــري‬ ‫علــى الســاحة الدوليــة‪ .‬لكــن األهــم مــن ذلــك هــو أن ارتــدادات‬ ‫تصاعــد حــدة التنافــس بــن القــوى الدوليــة ســوف تصــل ســريعاً‬ ‫إلــى األقاليــم األخــرى يف العالــم‪ ،‬الســيما إقليــم الشــرق األوســط‪،‬‬ ‫باعتبــار أن معظــم تلــك القــوى إن لــم يكــن مجملهــا تبــدو أطرافــاً‬ ‫معنيــة مبــا يجــري مــن تطــورات وتفاعــالت يف تلــك املنطقــة التــي‬ ‫حتظــى بأهميــة اســتراتيجية خاصــة العتبــارات أمنيــة واقتصاديــة‬ ‫وسياســية عديــدة‪.‬‬

‫* ﺧﺒري مبﺮﻛﺰ اﻷﻫﺮام ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ‬


‫‪124‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"االتفـــاق" يحمـــل رســـالة لالتجـــاه األوروبـــي المتصاعـــد بقيـــادة‬ ‫فرنســـا لتأســـيس قـــوة أوروبيـــة مســـتقلة لحمايـــة مصالحهـــا‬ ‫الــدور األمريكــي الفاعــل فيهــا كان ســبباً يف تصاعــد أدوار القــوى‬ ‫الدوليــة األخــرى املنافســة الســيما الصــن‪ ،‬وهــو مــا دفعهــا إلــى‬ ‫العمــل علــى مــا يســمى بـ"إعــادة التــوازن"‪ .‬وهنــا‪ ،‬فــإن إدارة الرئيــس‬ ‫بايدن‪-‬الــذي كان نائبــاً للرئيــس وقــت بــروز هــذا االجتــاه علــى‬ ‫الســاحة الداخليــة األمريكية‪-‬تســعى إلــى تأكيــد أنهــا تتماهــى مــع‬ ‫هــذا التوجــه العــام عبــر اخلطــوات األخيــرة التــي اتخذتهــا‪.‬‬ ‫حتركات مضادة‪:‬‬ ‫ال يبــدو أن اخلطــوات األمريكيــة يف هــذا الســياق ســوف تقابــل‬ ‫بترحيــب مــن جانــب قــوى دوليــة عديــدة‪ ،‬ويف مقدمتهــا الصــن‬ ‫بالطبــع‪ .‬ومــن هنــا‪ ،‬ميكــن تفســير حــرص األخيــرة‪ ،‬ضمــن ردودهــا‬ ‫املختلفــة علــى تلــك اخلطــوات‪ ،‬علــى دعــوة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة والــدول الغربيــة إلــى "التخلــي عــن عقليــة احلــرب البــاردة‬ ‫واإلســقاطات األيديولوجيــة"‪ ،‬يف إشــارة إلــى أن اســتدعاء املنــاخ‬ ‫الدولــي االســتقطابي الــذي كان ســائداً يف مرحلــة مــا بعــد احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة وحتــى نهايــة الثمانينيــات مــن القــرن املاضــي لــم يعــد‬ ‫يتســامح مــع املعطيــات املوجــودة علــى األرض‪ ،‬ورمبــا تكــون عواقبــه‬ ‫وخيمــة علــى كل األطــراف مبــا فيهــا تلــك التــي تســعى إلــى تغييــر‬ ‫توازنــات القــوى يف تلــك املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــد بــدأت بكــني بالفعــل يف اتخــاذ خطــوات إجرائيــة ملقابلة‬ ‫هــذه التحــركات األمريكية‪ ،‬ميكــن تناولهــا يف التالي‪:‬‬ ‫‪ -1‬تبنــي سياســة التوجــه غرب ـ ًا‪ :‬يف مقابــل سياســة التوجــه شــرقاً‬ ‫التــي تتبناهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬بــدأت الصــن يف اتبــاع‬ ‫سياســة مضــادة قائمــة علــى التوجــه غرب ـاً‪ ،‬مــن خــالل العمــل علــى‬ ‫توســيع نطــاق العالقــات الثنائيــة مــع العديــد مــن القــوى اإلقليميــة‬ ‫والدوليــة املوجــودة يف أقاليــم مختلفــة مــن العالــم‪ ،‬ويف مقدمتهــا‬ ‫إقليــم الشــرق األوســط‪ .‬فعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬و ّقعــت الصــن علــى‬ ‫اتفــاق شــراكة اســتراتيجية مــع إيــران‪ ،‬يف ‪ 27‬مــارس ‪2021‬م‪ ،‬ملــدة‬ ‫‪ 25‬عامــاً‪ ،‬يتوقــع خاللهــا أن تضــخ اســتثمارات بقيمــة ‪ 400‬مليــار‬ ‫دوالر يف مشــروعات البنيــة التحتيــة اإليرانيــة‪ ،‬مقابــل احلصــول‬ ‫علــى امتيــازات يف تلــك املشــروعات‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن خصومــات علــى‬ ‫واردات الطاقــة والســلع األخــرى‪ .‬ويف رؤيــة بكــن‪ ،‬فــإن هــذا االتفــاق‬ ‫ميكــن أن يخــدم مصاحلهــا يف مواجهــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫مــن ناحيتــن‪ :‬األولــى‪ ،‬أنــه يســاعد إيــران علــى مواجهــة الضغــوط‬ ‫والعقوبــات األمريكيــة‪ ،‬وقــد يكــون لــه تأثيــر أكبــر يف حالــة مــا إذا‬ ‫فشــلت املفاوضــات التــي جتــري يف فيينــا حــول االتفــاق النــووي بــن‬ ‫إيــران ومجموعــة "‪ "1+4‬مبشــاركة أمريكيــة غيــر مباشــرة‪ ،‬علــى نحــو‬ ‫قــد يســاهم‪ ،‬نســبياً‪ ،‬يف تقليــص اخلســائر االقتصاديــة التــي تعرضــت‬

‫لهــا إيــران بســبب العقوبــات األمريكيــة‪ ،‬يف ظــل منعهــا مــن االنخــراط‬ ‫يف املنظومــة االقتصاديــة العامليــة‪ ،‬وجتميــد القســم األكبــر مــن عوائــد‬ ‫صادراتهــا النفطيــة يف بنــوك خارجيــة‪.‬‬ ‫والثانيــة‪ ،‬أنــه يخــدم مشــروع "احلــزام والطريــق"‪ ،‬الــذي تطمــح الصن‬ ‫مــن خاللــه يف احلصــول علــى عوائــد اقتصاديــة واســتراتيجية هائلــة‬ ‫خــالل الفتــرة القادمــة‪ ،‬وتــرى أن التعــاون الثنائــي مــع إيــران يكتســب‬ ‫أهميــة خاصــة يف ظــل املوقــع االســتراتيجي الــذي حتظــى بــه األخيرة‬ ‫والــذي يســاعد يف دعــم املشــروع لوجيســتياً‪ ،‬مبــا ميكــن أن يســاهم يف‬ ‫حتقيــق أهدافه‪.‬‬ ‫باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬دخلــت اتفاقيــة التعــاون التــي وقعــت بــن الصن‬ ‫والعــراق حيــز التنفيــذ يف ‪ 7‬أبريــل ‪2021‬م‪ ،‬والتــي متتــد إلى ‪ 20‬عاماً‪،‬‬ ‫وتعتمــد علــى نظــام مقايضــة مــن خــالل قيــام العــراق بتصديــر النفــط‬ ‫إلــى الصــن مقابــل مشــاركة األخيــرة يف عمليــات إعــادة اإلعمــار يف‬ ‫املناطــق احملــررة مــن تنظيــم "داعــش"‪ .‬كمــا بــدأت الصــن يف توســيع‬ ‫نطــاق عالقاتهــا ونفوذهــا داخــل القــارة اإلفريقيــة‪ .‬فطبقـاً لتقديــرات‬ ‫مجلــس األعمــال الصيني‪-‬اإلفريقــي‪ ،‬يف ‪ 28‬أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬فــإن‬ ‫رصيــد االســتثمار املباشــر للشــركات الصينيــة يف القــارة اإلفريقيــة‬ ‫وصــل إلــى نحــو ‪ 56‬مليــار دوالر يف نهايــة عــام ‪2020‬م‪ .‬وتشــير وكالــة‬ ‫"ماكنــزي" األمريكيــة إلــى أن العوائــد املاليــة التــي ســوف حتصــل‬ ‫عليهــا الصــن مــن ضــخ االســتثمارات يف إفريقيــا ســوف تصــل إلــى‬ ‫‪ 440‬مليــار دوالر بحلــول عــام ‪2025‬م‪ .‬وكشــفت إحصــاءات صينيــة‬ ‫أن حجــم التجــارة الثنائيــة بــن الصــن والــدول اإلفريقيــة وصــل يف‬ ‫عــام ‪2020‬م‪ ،‬إلــى ‪ 167‬مليــار دوالر‪ ،‬حيــث حتولــت الصــن إلــى أكبــر‬ ‫شــريك جتــاري لتلــك الــدول يف األعــوام اإلحــدى عشــر األخيــرة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬تعزيــز دور منظمــة تعــاون شــنغهاي‪ :‬يبــدو أن الصــن ســوف تتجــه‬ ‫إلــى تعزيــز دور منظمــة تعــاون شــنغهاي خــالل املرحلــة القادمــة‪،‬‬ ‫وحتويلهــا مــن تكتــل سياســي وأمنــي إلــى تكتــل اقتصــادي لــه دور بــارز‬ ‫يف توســيع نطــاق التعــاون االقتصــادي بــن الــدول األعضــاء فيهــا‪.‬‬ ‫وقــد انعكــس ذلــك خــالل القمــة التــي عقدتهــا املنظمــة يف العاصمــة‬ ‫الطاجيكيــة دوشــنبه‪ ،‬يف ‪ 17‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬والتــي وافقــت فيهــا‬ ‫الــدول األعضــاء علــى انضمــام إيــران بشــكل كامــل إليهــا‪ .‬وقــد‬ ‫كان توقيــت اتخــاذ هــذا القــرار الفت ـاً‪ .‬إذ أن إيــران تقدمــت بطلــب‬ ‫العضويــة منــذ عــام ‪2008‬م‪ ،‬كمــا أن املنظمــة وافقــت علــى ضــم كل‬ ‫مــن الهنــد وباكســتان دون إيــران يف عــام ‪2017‬م‪ ،‬وهنــا‪ ،‬فــإن ذلــك‬ ‫معنــاه أن القــوة الدوليــة الرئيســية يف املنظمــة‪ ،‬وحتديــداً الصــن‪،‬‬ ‫لــم تفصــل بــن اتخــاذ تلــك اخلطــوة وبــن تصاعــد حــدة التنافــس‬ ‫مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة علــى الســاحة الدوليــة‪ ،‬ورمبــا يكــون‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪123‬‬

‫ملف العدد‬

‫ارتدادات تصاعد التنافس الدويل تصل سري ًع ا ألقاليم العالم ومنها الشرق‬ ‫األوسط‬ ‫تبنــت مبــادرة سياســية لتســوية األزمــة الداخليــة التــي تصاعــدت‬ ‫حدتهــا منــذ انفجــار مرفــأ بيــروت يف ‪ 4‬أغســطس ‪2020‬م‪ ،‬كمــا‬ ‫انخرطــت يف الصــراع علــى مــوارد الغــاز يف شــرق املتوســط‪ .‬وتســعى‬ ‫إلــى تعزيــز دورهــا يف جهــود دعــم األمــن واالســتقرار يف العــراق‪ ،‬إلــى‬ ‫جانــب محاوالتهــا احلفــاظ علــى دورهــا القيــادي يف جهــود مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب يف منطقــة الســاحل والصحــراء اإلفريقيــة رغــم اجتاههــا‬ ‫إلــى تقليــص وجودهــا العســكري يف دولهــا الرئيســية الســيما مالــي‪.‬‬ ‫وانطالق ـاً مــن ذلــك‪ ،‬ميكــن تفســير أســباب تعمــد اإلدارة األمريكيــة‬ ‫إحــراج حليفهــا الفرنســي بهــذا الشــكل‪ ،‬الــذي ميكــن أن يؤثــر علــى‬ ‫فــرص الرئيــس إميانويــل ماكــرون يف االنتخابــات الرئاســية التــي‬ ‫ســوف جتــرى يف أبريــل ‪2022‬م‪ ،‬حيــث أن ذلــك كان مبثابــة رســالة‬

‫حتذيــر بــأن تبنــي الدعــوة إلــى تشــكيل قــوة أوروبيــة مســتقلة عــن‬ ‫احلليــف األمريكــي‪ ،‬والســعي ملــلء الفــراغ النــاجت عــن انســحابه مــن‬ ‫بعــض املناطــق‪ ،‬قــد تكــون تكلفتــه عاليــة‪ ،‬حتــى لــو مســت العالقــات‬ ‫االســتراتيجية القائمــة بــن الطرفــن‪.‬‬ ‫‪ -٥‬االســتجابة للتوجــه األمريكــي العــام‪ :‬ال يعبــر اهتمــام الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة باالنخــراط يف التفاعــالت التــي جتــري يف منطقــة‬ ‫"إندو‪-‬باســيفيك" عــن توجــه جديــد طــرأ علــى الســاحة الداخليــة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬إذ أن هــذا التوجــه بــدأ منــذ عهــد الرئيــس األســبق بــاراك‬ ‫أوبامــا‪ ،‬عندمــا تبنــى مــا يســمى بسياســة "محــور االرتــكاز اآلســيوي"‪،‬‬ ‫والتــي تقــوم يف األســاس علــى أن واشــنطن يجــب أن متنــح األولويــة‬ ‫لتلــك املنطقــة االســتراتيجية احليويــة مــن العالــم‪ ،‬خاصــة أن غيــاب‬


‫‪122‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫إنهاك الصين واستنزاف قدراتها يف صراعات فرعية بآلية مهمة يف إدارة‬ ‫التنافس عى الصعيد الدويل‬ ‫"التحــدي اجليوسياســي األكبــر يف القــرن احلــادي والعشــرين"‪ .‬ومــن‬ ‫هنــا‪ ،‬فــإن حتالــف "أوكــوس" اجلديــد يهــدف‪ ،‬يف رؤيــة إدارة بايــدن‪،‬‬ ‫إلــى توجيــه رســالة مباشــرة بــأن الواليــات املتحــدة األمريكيــة معنيــة‬ ‫مبواجهــة الصــن يف منطقــة التقــاء احمليطــن الهــادئ والهنــدي‬ ‫"إندو‪-‬باســيفيك"‪ ،‬وأنهــا لــن تدخــر جهــداً مــن أجــل تغييــر توازنــات‬ ‫القــوى يف غيــر صالــح الصــن يف تلــك املنطقــة احليويــة مــن العالــم‪.‬‬ ‫ورمبــا يكــون ذلــك هــو الرســالة األساســية التــي وجهتهــا واشــنطن‬ ‫عبــر املنــاورات البحريــة التــي أجرتهــا يف بحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬يف‬ ‫‪ 19‬أكتوبــر ‪2021‬م‪ ،‬وشــاركت فيهــا اليابــان وأســتراليا‪.‬‬ ‫ومــن هنــا‪ ،‬ميكــن فهــم مغــزى املغامــرة بتصعيــد حــدة التوتــر يف‬ ‫العالقــات مــع فرنســا عبــر إبــرام صفقــة جديــدة مــع أســتراليا‪،‬‬ ‫حيــث أن الغواصــات األمريكيــة التــي تعمــل بالدفــع النــووي بإمكانهــا‬ ‫تعزيــز قــدرة كانبيــرا علــى االلتفــاف علــى الرقابــة التــي تفرضهــا‬ ‫بكــن‪ ،‬الســيما أن األخيــرة باتــت متتلــك إحــدى أكبــر القــوى البحريــة‬ ‫علــى مســتوى العالــم‪ ،‬حيــث متتلــك نحــو مائــة مدمــرة وفرقاطــات‬ ‫وطــرادات كمــا أنهــا متتلــك املدفــع الكهرومغناطيســي والصواريــخ‬ ‫التــي تفــوق ســرعة الصــوت‪ .‬إذ يصعــب اكتشــاف تلــك النوعيــة‬ ‫مــن الغواصات‪-‬التــي تعمــل بالدفــع النووي‪-‬بواســطة األســاطيل‬ ‫البحريــة التقليديــة‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن أنهــا قــادرة علــى حمــل عــدد أكبــر‬ ‫مــن الصواريــخ وملســافات أطــول‪ .‬كمــا أن االتفــاق الــذي أبــرم بــن‬ ‫الــدول الثــالث يف إطــار حتالــف "أوكــوس" قضــى مبشــاركة أســتراليا‬ ‫املعلومــات االســتخباراتية والتكنولوجيــا يف مجــاالت الصواريــخ‬ ‫الباليســتية والفيزيــاء النوويــة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬إنهــاك املنافــس الصينــي عبــر ســباق تســلح جديــد‪ :‬تــرى اجتاهــات‬ ‫عديــدة أن أحــد أهــداف تلــك اخلطــوات األمريكيــة يكمــن يف إنهــاك‬ ‫الصــن واســتنزاف قدراتهــا يف صراعــات فرعيــة‪ ،‬باعتبــار أن ذلــك‬ ‫قــد ميثــل آليــة مهمــة يف إدارة التنافــس معهــا علــى الصعيــد الدولــي‪.‬‬ ‫إذ تــدرك إدارة بايــدن أن بكــن تعــزف باســتمرار عــن االنخــراط يف‬ ‫أزمــات خارجيــة قــد تفــرض عليهــا تكلفــة بشــرية واقتصاديــة كبيــرة‪،‬‬ ‫وأنهــا تتبــع بشــكل أساســي املدخــل االقتصــادي لتعزيــز نفوذهــا‬ ‫الدولــي عبــر مــا يســمى مبشــروع "احلــزام والطريــق"‪ .‬وهنــا‪ ،‬فــإن‬ ‫العمــل علــى تغييــر توازنــات القــوى علــى األرض يف منطقــة "إنــدو‪-‬‬ ‫باســيفيك" قــد يدفــع الصــن إلــى االنشــغال مبلفــات أخــرى‪ ،‬ومــن ثــم‬ ‫تقليــص قدرتهــا علــى مواصلــة مشــروعها االســتراتيجي باملســتوى‬ ‫نفســه الــذي َد َر َج عليــه منــذ بدايــة تفعيلــه‪.‬‬ ‫‪ -٣‬احتواء االرتدادات العكسية لالنسحاب األمريكي من أفغانستان‪:‬‬ ‫فرضــت الطريقــة التــي انســحبت بهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫مــن أفغانســتان ارتــدادات عكســية عليهــا‪ .‬فقــد منحــت الفرصــة‬

‫لفواعــل دوليــة عديــدة للترويــج إلــى تراجــع املكانــة الدوليــة للواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وزوال نظــام القطبيــة األحاديــة‪ ،‬لصالــح عالــم‬ ‫متعــدد األقطــاب‪ ،‬حتظــى فيــه الصــن مبوقــع متميــز‪ ،‬ال تضاهيهــا‬ ‫وجــه رســائل بــأن‬ ‫فيــه قــوة دوليــة أخــرى‪ .‬كمــا أن هــذا االنســحاب ّ‬ ‫واشــنطن تتخلــى عــن حلفائهــا‪ ،‬بدليــل أن االنســحاب تســبب مباشــرة‬ ‫يف متكــن حركــة "طالبــان" مــن الســيطرة علــى احلكــم يف أفغانســتان‪،‬‬ ‫حيــث لــم تســتطع احلكومــة وال املؤسســات التــي أنفقــت الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة أمــواالً طائلــة علــى تدريبهــا وتأهيلهــا‪ ،‬الوقــوف‬ ‫يف مواجهــة طموحــات احلركــة للعــودة إلــى احلكــم مجــدداً‪.‬‬ ‫ومــن هنــا‪ ،‬ســعت الواليات املتحــدة األمريكية عبر اخلطوات اجلديدة‬ ‫يف منطقــة "إندو‪-‬باســيفيك" إلــى تأكيــد أنهــا مــا زالــت القــوة الدوليــة‬ ‫األولــى‪ ،‬وأنهــا لــن تتوانــى عــن حمايــة حلفائهــا ضــد التهديــدات‬ ‫التــي تفرضهــا القــوى األخــرى ويف مقدمتهــا الصــن‪ .‬بــل إن هنــاك‬ ‫اجتــاه يــرى أن االنســحاب األمريكــي مــن أفغانســتان كان‪ ،‬يف قســم‬ ‫منــه‪ ،‬خطــوة ســعت واشــنطن إلــى اســتغاللها لتصديــر أزمــة جديــدة‬ ‫خلصومهــا الدوليــن‪ ،‬علــى غــرار الصــن وإيــران وروســيا‪ ،‬خاصــة أن‬ ‫الــدول الثــالث معنيــة مبــا يجــري داخــل أفغانســتان‪ ،‬ومــا ميكــن أن‬ ‫تفرضــه ســيطرة "طالبــان" علــى احلكــم مــن تداعيــات جديــدة قــد‬ ‫متــس أمنهــا ومصاحلهــا بشــكل مباشــر‪ ،‬خاصــة فيمــا يتعلــق بتصاعــد‬ ‫تأثيــر التنظيمــات اإلرهابيــة التــي وجــدت يف أفغانســتان موطــئ قــدم‬ ‫تســتطيع مــن خاللــه االنطــالق لشــن هجمــات أو التمــدد يف أراضــي‬ ‫دول اجلــوار‪ ،‬ويف مقدمتهــا تنظيمــي "داعــش" و"القاعــدة"‪.‬‬ ‫‪ -٤‬توجيــه رســائل مباشــرة إلــى احللفــاء األوروبيــني‪ :‬ال يبــدو أن‬ ‫الرســائل التــي وجهتهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة كان مقصــوداً‬ ‫بهــا خصومهــا فقــط‪ ،‬وإمنــا حلفاءهــا أيضــاً‪ ،‬والســيما فرنســا‪ .‬إذ‬ ‫ال ميكــن فصــل هــذه اخلطــوات‪ ،‬خاصــة مــا يتعلــق بدفــع أســتراليا‬ ‫إلــى فســخ التعاقــد اخلــاص بشــراء الغواصــات الفرنســية‪ ،‬عــن‬ ‫االجتــاه األوروبــي املتصاعــد‪ ،‬والــذي تقــوده فرنســا‪ ،‬لتأســيس قــوة‬ ‫أوروبيــة مســتقلة‪ ،‬تســتطيع مــن خاللهــا أوروبــا حمايــة ومصاحلهــا‪،‬‬ ‫واحتــواء أيــة تداعيــات قــد تنجــم عــن تغيــر محتمــل يف االلتزامــات‬ ‫األمنيــة األمريكيــة جتــاه شــركائها‪ ،‬علــى غــرار مــا حــدث يف عهــد‬ ‫الرئيــس الســابق دونالــد ترامــب الــذي رفــع شــعار "أمريــكا أوالً"‪.‬‬ ‫وبــدا واضحـاً أيضـاً أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة لــم تتســامح مــع‬ ‫احملــاوالت الفرنســية ملــلء الفــراغ النــاجت عــن االنســحاب األمريكــي‬ ‫مــن بعــض مناطــق األزمــات مثــل منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬حيــث‬ ‫تســعى فرنســا إلــى تفعيــل دورهــا يف عمليــة إعــادة صياغــة الترتيبــات‬ ‫السياســية واألمنيــة يف بعــض امللفــات اإلقليميــة‪ .‬إذ شــاركت يف‬ ‫تشــكيل حكومــة لبنانيــة جديــدة برئاســة جنيــب ميقاتــي‪ ،‬بعــد أن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪121‬‬

‫ملف العدد‬

‫"أوك ــوس" تدش ــن مرحلة جديدة م ــن التحا لف ــات والصراعات الدولية‬

‫االتفاق يحقق ‪ 5‬أهداف ويعكس االتجاه‬ ‫الراديكايل لإلدارة األمريكية‬ ‫يبــدو أن مرحلــة جديــدة مــن إعــادة صياغــة أمنــاط التحالفــات والصراعــات علــى الســاحة الدوليــة ســوف تبــدأ بعــد إعــالن‬ ‫كل مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا وأســتراليا‪ ،‬يف ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬عــن تأســيس حتالــف جديــد باســم‬ ‫"حتالــف أوكــوس"‪ .‬إذ أن هــذه اخلطــوة ال تعكــس اجتــاه الــدول الثــالث إلــى تطويــر التعــاون االســتراتيجي واألمنــي فيمــا بينهــا‬ ‫فحســب‪ ،‬وإمنــا‪ ،‬ورمبــا يكــون ذلــك هــو األهــم‪ ،‬تكشــف عــن التغيــر امللحــوظ يف اجتاهــات السياســة اخلارجيــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫والــذي بــدأت مالمحــه تتبلــور منــذ إدارة الرئيــس األســبق بــاراك أوبامــا‪ ،‬واتخــذت منحــى تصاعديـاً يف إدارة الرئيس الســابق‬ ‫دونالــد ترامــب‪ ،‬ثــم بــدأت تتحــول إلــى إجــراءات تنفيذيــة علــى األرض بشــكل أكبــر يف عهــد الرئيــس احلالــي جــو بايــدن‪.‬‬ ‫فرغــم أن األخيــر كان حريصـاً يف فتــرة مــا قبــل االنتخابــات الرئاســية ومــا بعدهــا‪ ،‬علــى تأكيــد متايــزه عــن السياســة التــي‬ ‫اتبعهــا ســلفه‪ ،‬إال أنــه شــاركه يف ملــف مهــم ورئيســي‪ ،‬وهــو مواجهــة الصعــود الصينــي علــى الســاحة الدوليــة‪ .‬ورمبــا ميكــن‬ ‫انطالقـاً مــن تلــك الرؤيــة تفســير اخلطــوات التــي اتخذتهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة علــى الصعيــد الدولــي خــالل الفتــرة‬ ‫املاضيــة‪ ،‬بدايــة مــن االنســحاب العســكري الفوضــوي مــن أفغانســتان الــذي أعقبــه مباشــرة‪ ،‬يف منتصــف أغســطس ‪2021‬م‪،‬‬ ‫اســتيالء حركــة "طالبــان" علــى احلكــم فيهــا‪ ،‬مــروراً بالتســبب يف انــدالع أزمــة حــادة ســوف تســبب شــرخاً يف جــدار التحالــف‬ ‫الغربــي‪ ،‬بعــد إقــدام إدارة الرئيــس بايــدن علــى توقيــع اتفاقيــة مــع أســتراليا لبيــع ‪ 8‬غواصــات تعمــل بالدفــع النــووي‪ ،‬بــدالً‬ ‫مــن الغواصــات التقليديــة التــي كانــت تســتعد لشــرائها مــن فرنســا‪ ،‬علــى نحــو أثــار اســتياء األخيــرة‪ ،‬وانتهــا ًء باإلعــالن عــن‬ ‫تأســيس حتالفــات جديــدة مثــل "أوكــوس"‪ ،‬و"كــواد" الــذي يضــم الواليــات املتحــدة األمريكيــة وأســتراليا والهنــد واليابــان‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬

‫أهميــة مجمــل هــذه التحــركات ال تنحصــر فقــط يف انعكاســاتها‬ ‫احملتملــة علــى اجتاهــات التفاعــالت بــن القــوى الدوليــة الرئيســية‪،‬‬ ‫ومســتقبل توازنــات القــوى يف منطقــة التقــاء احمليطــن الهــادئ‬ ‫والهنــدي "إندو‪-‬باســيفيك"‪ ،‬وإمنــا متتــد أيضــاً إلــى ارتداداتهــا‬ ‫احملتملــة علــى مناطــق وأقاليــم أخــرى حتظــى باهتمــام خــاص مــن‬ ‫جانــب تلــك القــوى‪ ،‬وعلــى رأســها منطقــة الشــرق األوســط‪ ،‬التــي‬ ‫تواجــه بدورهــا اســتحقاقات اســتراتيجية ال تبــدو هينــة‪ ،‬تشــارك‬ ‫بعــض هــذه القــوى‪ ،‬بشــكل مباشــر وغيــر مباشــر‪ ،‬يف حتديــد‬ ‫مســاراتها احملتملــة خــالل املرحلــة القادمــة‪.‬‬ ‫أهداف عديدة‪:‬‬

‫رمبــا ميكــن القــول أن الواليــات املتحــدة تســعى عبــر هــذه اخلطــوات‬ ‫التــي اتخذتهــا‪ ،‬والتــي وصفتهــا بعــض االجتاهــات بأنهــا تعبيــر عــن‬ ‫تزايــد تأثيــر "االجتــاه الراديكالــي" داخــل اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬إلــى‬ ‫حتقيــق أهــداف عديــدة يتمثــل أبرزهــا يف‪:‬‬ ‫ناوئــة للصــني‪ :‬منــذ وصــول‬ ‫‪ -1‬تأكيــد جديــة السياســة األمريكيــة ا ُمل ِ‬ ‫الرئيــس جــو بايــدن إلــى البيــت األبيــض يف ‪ 20‬ينايــر ‪2021‬م‪ ،‬وهــو‬ ‫يضــع علــى قمــة أولوياتــه مواجهــة الصعــود الصينــي علــى الســاحة‬ ‫الدوليــة‪ .‬فقــد قــال‪ ،‬يف ‪ 17‬ســبتمبر ‪2021‬م‪": .‬العالــم يتغيــر‬ ‫ونحــن منخرطــون يف منافســة حيويــة مــع الصــن"‪ .‬ووصفهــا وزيــر‬ ‫اخلارجيــة أنطونــي بلينكــن‪ ،‬يف ‪ 3‬مــارس مــن العــام نفســه‪ ،‬بأنهــا‬


‫‪120‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تس ــتعمل إي ــران الحوث ــي والكتائ ــب العراقي ــة لتعزي ــز اس ــتراتيجية‬ ‫التفـــاوض مـــع أمريـــكا وأوروبـــا حـــول النـــووي ودورهـــا اإلقليمـــي‬ ‫امليليشــيات املدعومــة مــن إيــران يف العراق وســوريا‪ .‬ودفعت اشــتباكات‬ ‫مايــو ‪2021‬م‪ ،‬بــن إســرائيل وحمــاس الواليــات املتحــدة بشــكل مباشــر‬ ‫إلــى القضيــة اإلســرائيلية الفلســطينية أكثــر ممــا خططــت لــه إدارة‬ ‫بايــدن يف البدايــة حيــث أدى اجلمــود السياســي املطــول يف إســرائيل‬ ‫نهجا‬ ‫واالنقســامات املســتمرة بن الفلســطينين إلى تبني هذه اإلدارة ً‬ ‫ً‬ ‫منضبطــا يتضمــن جتديــد بعــض املســاعدات األمريكيــة‬ ‫إلــى حــد مــا‬ ‫التــى أوقفتهــا اإلدارة الســابقة واســتئناف االتصــاالت الدبلوماســية مــع‬ ‫قــادة الســلطة الفلســطينية‪ .‬تلعــب الواليــات املتحــدة دو ًرا يتمثــل يف‬ ‫العمــل مــع اجلهــات الفاعلــة اإلقليميــة الرئيســية مثــل مصــر التخــاذ‬ ‫إجــراءات عمليــة إلنهــاء الصــراع؛ لكــن البيئــة احلاليــة علــى اجلبهــة‬ ‫اإلســرائيلية الفلســطينية ال تــزال تواجــه حتديــات مــن الثغــرات‬ ‫الرئيســية يف األمــن البشــري األساســي‪ ،‬مبــا يف ذلــك الوبــاء املســتمر‪.‬‬ ‫ستســتفيد إيــران مــن "أوكــوس" لتعزيــز أهدافهــا النوويــة‪ .‬ألنــه إذا كان‬ ‫بإمــكان أســتراليا امتــالك املزيــد مــن املــواد النوويــة‪ ،‬فيمكــن إليــران‬ ‫ً‬ ‫أيضــا أن جتــادل‪ .‬وستشــرع طهــران يف الترويــج لدعايــة مكثفــة لتبريــر‬ ‫زيــادة تخصيــب اليورانيــوم‪ .‬وقــد انتقــد وزيــر اخلارجيــة اإليرانــى‬ ‫الســابق جــواد ظريــف بالفعــل الواليــات املتحــدة وبريطانيــا الســتثناء‬ ‫أســتراليا‪ ،‬التــى مثــل إيــران مــن الــدول املوقعــة علــى معاهــدة حظــر‬ ‫االنتشــار النــووي‪ .‬كمــا بــدأ أعضــاء البرملــان اإليرانــى ً‬ ‫أيضــا يف‬ ‫التشــكيك يف مصداقيــة الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة‪ ،‬التــى تراقــب‬ ‫(عندمــا تســتطيع) التــزام طهــران باتفاقيــة ضمانــات معاهــدة حظــر‬ ‫االنتشــار النــووي وخطــة العمــل الشــاملة املشــتركة (‪،)JCPOA‬‬ ‫واملعروفــة ً‬ ‫أيضــا باســم االتفــاق النــووي اإليرانــي‪.‬‬ ‫يف ظــل النظــام املتشــدد احلالــى‪ ،‬قــد تنســحب إيــران ببســاطة مــن‬ ‫معاهــدة عــدم انتشــار األســلحة النوويــة‪ ،‬كمــا فعلــت كوريــا الشــمالية‬ ‫يف أوائــل العقــد األول مــن القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬وهــذا التصعيــد‬ ‫النــووي اإليرانــي قــد يــؤدي إلــى مواجهــات إيرانيــة إســرائيلية يف عــدد‬ ‫مــن مســارح العمليــات يف املنطقــة تشــارك فيهــا األذرع اإليرانيــة يف‬ ‫ســوريا ولبنــان والعــراق واليمــن وقطــاع غــزة مبــا متتلكــه مــن صواريــخ‬ ‫وطائــرات مســيرة قــادرة علــى جتــاوز قــدرات القبــة احلديديــة‬ ‫اإلســرائيلية لــو تزامنــت هجماتهــا‪.‬‬ ‫ســيؤدي هــذا الســيناريو إلــى انهيــار كل مــا تبقــى مــن االتفــاق النــووي‬ ‫ويدمــر أي فرصــة ضئيلــة حلــدوث انفــراج كبيــر ظهــر يف قمــة الشــرق‬ ‫األوســط األخيــرة التــي عقــدت يف بغــداد وحضرتهــا جميــع دول‬ ‫املنطقــة تقري ًبــا عــدا ســوريا‪ .‬إذا بــدا أن انســحاب أمريــكا مــن الشــرق‬ ‫األوســط للتركيز على محورها يف آســيا من شــأنه أن يجلب ما يشــبه‬

‫الســالم إلــى املنطقــة‪ ،‬يبــدو اآلن أنــه مــع اتفــاق "أوكــوس"‪ ،‬ميكــن أن‬ ‫يكــون العكــس هــو الصحيــح‪.‬‬

‫التوازن يف الخليج العربي‬ ‫يعمــل القــادة يف دول اخلليــج علــى ابتكار اســتراتيجيات دقيقة للتعامل‬ ‫مــع احلقائــق اجليوسياســية اجلديــدة التــي أوجدتهــا "احلــرب البــاردة"‬ ‫اجلديــدة يف واشــنطن وبكن‪.‬‬ ‫لقــد أدى االتفــاق األمنــي "أوكــوس" إلــى تصعيد التوتــرات بن الواليات‬ ‫املتحــدة والصــن‪ ،‬أحدهمــا ضامــن تقليدى لألمن يف اخلليــج‪ ،‬واآلخر‪،‬‬ ‫قــوة صاعــدة يف املنطقــة‪ .‬كان قبــول إيــران يف منظمة شــنغهاي للتعاون‬ ‫كعضــو كامــل العضويــة‪ ،‬والــذي حــدث بعــد فتــرة وجيــزة مــن الكشــف‬ ‫عــن "أوكــوس"‪ ،‬تطــو ًرا مه ًمــا مــن شــأنه أن يقــوض جهــود الواليــات‬ ‫املتحــدة لعــزل طهــران قــدر اإلمــكان‪ .‬يف املقابــل؛ فــإن قيــام بكــن‬ ‫بإدخــال اململكــة العربيــة الســعودية إلــى منظمــة شــنغهاي للتعــاون كـــ‬ ‫"شــريك حــوار" مؤشــر علــى نوعيــة التــوازن الــذي يشــكل السياســة‬ ‫اخلارجيــة الصينيــة يف اخلليــج‪.‬‬ ‫هنــاك عــدم ثقــة متزايــد بــن دول مجلــس التعــاون اخلليجــي عندمــا‬ ‫يتعلــق األمــر بأمريــكا‪ .‬واالجتــاه هــو منــح فــرص أكبــر لالقتــراب مــن‬ ‫الصــن واالبتعــاد تدريج ًيــا عــن االرتبــاط بالواليــات املتحــدة بعــد‬ ‫األحــداث الكارثيــة األخيــرة يف أفغانســتان والعديــد مــن اللحظــات‬ ‫الكارثيــة األخــرى يف السياســة اخلارجيــة للواليــات املتحــدة طــوال هذا‬ ‫القــرن قــد دفعــت الــدول اخلليجيــة إلــى النظــر إلــى تنــوع العالقــات‬ ‫األمنيــة علــى أنــه ضــروري بشــكل متزايــد‪ .‬خاصــة بعــد فتــرة الرئاســة‬ ‫الفوضويــة لدونالــد ترامــب‪ ،‬وكيــف ردت إدارة ترامــب ســلب ًيا علــى‬ ‫هجمــات ضــد أرامكــو الســعودية يف ســبتمبر ‪2019‬م‪ ،‬وصــوالً لفــك‬ ‫شــفرة كل الرســائل التــي صــدرت عــن إدارة جــو بايــدن والتــي ال تقــل‬ ‫يف مجملهــا عــن فوضويــة فتــرة ترامــب‪.‬‬ ‫وتــدرك الــدول اخلليجيــة أن الصــن ال تنــوي وال ترغــب يف اســتبدال‬ ‫الواليــات املتحــدة كضامــن ألمنهــا‪ .‬لكنهــم يدركــون ً‬ ‫أيضــا أن املزيــد مــن‬ ‫الصعــود اجلغــرايف االقتصــادي للصــن أمــر حتمــي عمل ًيــا وأي شــىء‬ ‫يفعلونــه لدعــم جهــود واشــنطن إلبطــاء أو عكــس هــذا االرتفــاع مــن‬ ‫شــأنه أن يضعهــم يف مواجهــة مــع بكــن‪.‬‬

‫* ﺧﺒري ﻋﻼﻗﺎت ﻋﺮﺑﻴﺔ وإﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ‪-‬اﳌﺮﻛﺰ اﳌﴫى ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻹﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ ــ زﻣﻴﻞ ﻛﻠﻴﺔ اﻟﺪﻓﺎع‬ ‫اﻟﻮﻃﻨﻲ ﺑﺄﻛﺎدميﻴﺔ ﻧﺎﴏ اﻟﻌﺴﻜﺮﻳﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪119‬‬

‫ملف العدد‬

‫الصي ــن ترف ــض المواجه ــات العس ــكرية المباش ــرة وت ــرى تفوقه ــا‬ ‫يف الميـــدان االقتصـــادي والتجـــاري مـــع دول العالـــم وإقليـــم الجـــوار‬ ‫لقــد غضــت واشــنطن الطــرف عــن ســعي حلفائهــا الدائــم وراء‬ ‫التكنولوجيــا النوويــة‪ ،‬واتبعــت نهــج "املعاييــر املزدوجــة" بشــأن‬ ‫الصــادرات النوويــة واســتخدامها‪ ،‬ففــي الثمانينيــات منعــت أمريكا ك ً‬ ‫ال‬ ‫مــن فرنســا وبريطانيــا مــن بيــع غواصــات نوويــة لكنــدا بحجــة خطــر‬ ‫االنتشــار النــووي‪ ،‬واليــوم متنحهــا ألســتراليا‪ .‬هــذا فض ـ ً‬ ‫ال عــن عــدم‬ ‫الضغــط للكشــف عــن القــدرات النوويــة اإلســرائيلية احلقيقيــة والتــى‬ ‫ستســعى بدورهــا للحصــول علــى غواصــات تعمــل بالدفــع النــووي علــى‬ ‫غــرار احلليــف األســترالى‪.‬‬

‫التداعيات عى الشرق األوسط والخليج‬ ‫أشــارت إدارة بايــدن إلــى أنهــا تســعى لتقليــل مشــاركتها العســكرية‬ ‫يف "الشــرق األوســط الكبيــر"؛ وهــو مفهــوم جيوسياســي يتطابــق مــع‬ ‫نطــاق عمــل القيــادة املركزيــة األمريكيــة الــذي يبــدأ مــن كينيــا والقــرن‬ ‫اإلفريقــى وحتــى باكســتان مــرو ًرا باملنطقــة العربية ويشــمل أفغانســتان‬ ‫بســبب التداخــل اجلغــرايف والسياســي‪.‬‬ ‫وركــزت األشــهر الســتة األولــى إلدارة بايــدن يف الشــرق األوســط علــى‬ ‫احلــد مــن التدخــل األمريكــي املباشــر يف املنطقــة‪ ،‬وبــدالً مــن ذلــك‬ ‫أعطــت األولويــة لالســتجابة لوبــاء كوفيــد ‪ 19‬واألزمــة االقتصاديــة‬ ‫يف الداخــل مــع البــدء يف معاجلــة التحديــات العامليــة الرئيســية مثــل‬ ‫تغيــر املنــاخ واملنافســة مــع الصــن وروســيا‪ .‬وذلــك إتســا ًقا مــع العقيــدة‬ ‫السياســية الشــائعة بن بعض أعضاء فريق الشــرق األوســط يف إدارة‬ ‫بايــدن؛ وهــو‪" :‬ال مزيــد مــن التدخــل يف الــدول الفاشــلة" وعــدم التــورط‬ ‫يف "احلــروب األبديــة"‪ ،‬ممــا يشــير إلــى أهــداف وعمليــة لسياســة‬ ‫واشــنطن يف املنطقــة‪.‬‬ ‫هــذا األمــر دفــع قــادة دول الشــرق األوســط إلــى بــدء حــوار يهــدف‬ ‫إلــى االنفــراج واإلنفتــاح علــى كل امللفــات دون شــروط مســبقة‪ ،‬بــدالً‬ ‫مــن االعتمــاد علــى الغربــاء وقــرروا فتــح كل امللفــات والقنوات املباشــرة‬ ‫وغيــر املباشــرة مــع كل عــدو وصديــق يف اجلــوار اإلقليمــى إدرا ًكا منهــم‬ ‫بــأن الثقــل واألمــن اإلقليمــى ســيتحقق بقــدر مــا للدولــة مــن حتالفــات‬ ‫وعالقــات إقتصاديــة قويــة داخــل اإلقليــم‪.‬‬ ‫بــدأت قنــوات احلــوار بــن إيــران والســعودية يف التطــرق إلــى نقــاط‬ ‫اخلــالف والصــدام حــول اليمــن وســوريا والعــراق ولبنــان ومســاحات‬ ‫احلركــة والتقاطــع بــن املصالــح ووضــع التهديــدات املباشــرة وغيــر‬ ‫املباشــرة علــى الطاولــة‪ .‬كمــا حتــاول اإلمــارات العربية املتحــدة ومصر‪،‬‬ ‫علــى طــريف نقيــض لتركيــا وقطــر يف احلــرب األهليــة الليبيــة وغيرهــا‬ ‫مــن امللفــات‪ ،‬إصــالح العالقــات‪ .‬والعــراق‪ ،‬الــذي يكافــح مــن أجــل‬

‫البقــاء كدولــة موحــدة‪ ،‬يحــاول القيــام بــدور اجلســر اإلقليمــي عندمــا‬ ‫اســتضاف قمــة جمعــت كل خصــوم املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــد عبــر أنــور قرقــاش؛ مستشــار رئيــس اإلمــارات للشــؤون اخلارجيــة‬ ‫عمــا يــدور يف أذهــان قــادة املنطقــة وطواقــم العمــل السياســي واألمنــي‬ ‫مــن حولهــا بشــأن التحــوالت االســتراتيجية الناجمــة عــن االنســحاب‬ ‫األمريكــي "أو إعــادة االنتشــار" مــن بعــض املناطــق وإعــالن تواجدهــا‬ ‫وأهتمامهــا مبناطــق أكثــر حيويــة لهــا عندمــا صــرح بــأن بــالده حتــاول‬ ‫إدارة التنافــس الدائــر منــذ فتــرة طويلــة مــع إيــران وتركيــا عــن طريــق‬ ‫احلــوار لتجنــب أى مواجهــات جديــدة يف املنطقــة‪ .‬وأرجــع قرقــاش‬ ‫ذلــك يف تصريــح لــه يف مؤمتــر السياســة العامليــة الــذي عقــد يف الثانــى‬ ‫مــن أكتوبــر إلــى‪" :‬أن هنــاك عــدم تيقــن بشــأن مــدى التــزام الواليــات‬ ‫املتحــدة جتــاه املنطقــة ومخــاوف مــن "حــرب بــاردة وشــيكة" بــن‬ ‫واشــنطن وبكــن‪ ...‬ســنرى يف الفتــرة املقبلــة حقيقــة مــا ســيحدث فيما‬ ‫يتعلــق بالوجــود األمريكــي يف املنطقــة‪...‬ال أعتقــد أننــا نعــرف بعــد‪،‬‬ ‫لكــن أفغانســتان كانــت اختبــا ًرا بالتأكيــد‪ ،‬وصراحــة كان اختبــا ًرا مقل ًقــا‬ ‫للغاية‪...‬جــزء ممــا يتعــن علينــا القيــام بــه هــو إدارة منطقتنــا بشــكل‬ ‫أفضــل‪ ،‬هنــاك فــراغ وكلمــا كان هنــاك فــراغ ظهــرت املشــكالت"‪.‬‬ ‫مــن جانبهــا؛ وللتعامــل مــع تلــك التحديــات ويف وقــت مبكــر‪ ،‬ســعت‬ ‫إدارة بايــدن إلــى رفــع شــعار الدبلوماســية بديــ ً‬ ‫ال عــن التــورط يف‬ ‫نزاعــات الشــرق األوســط عســكر ًيا؛ بدايــة مــن خــالل العمــل مــع‬ ‫الشــركاء األوروبيــن والقــوى العامليــة األخــرى إلعــادة إشــراك إيــران‬ ‫يف احملادثــات الدبلوماســية الهادفــة إلــى إحيــاء االتفــاق النــووي لعــام‬ ‫‪2015‬م‪ .‬كمــا عينــت ً‬ ‫أيضــا مبعوثــن خاصــن مكلفــن بإنهــاء النزاعــات‬ ‫يف اليمــن وليبيــا ومعاجلــة القضايــا املتعــددة يف القــرن اإلفريقــي‪.‬‬ ‫شــاركت جميــع هــذه اجلهــود العبــن إقليميــن مثــل الســعودية‪ ،‬مصــر‪،‬‬ ‫قطــر‪ ،‬واإلمــارات‪ .‬واســتضاف بايــدن هــذا الصيــف قــادة األردن‬ ‫والعــراق وإســرائيل‪ .‬باإلضافــة إلــى ذلــك‪ ،‬بدأ وزيــرا اخلارجية والدفاع‬ ‫يف إدارة بايــدن وفــرق الشــرق األوســط التابعــة لهمــا يف إشــراك القــادة‬ ‫واملســؤولن يف إســرائيل ومصــر والســعودية وشــركاء رئيســين آخريــن‬ ‫لتنســيق نهــج جديــد يف املنطقــة‪ .‬كمــا أشــارت إدارة بايــدن إلــى نيتهــا‬ ‫إعــادة التــوازن إلــى املوقــف العســكري األمريكــي يف "منطقــة عمليــات‬ ‫القيــادة املركزيــة" أثنــاء إجرائهــا مراجعــة عامليــة للوضــع وكــي ال تكــرر‬ ‫أخطــاء اإلنســحاب مــن أفغانســتان‪.‬‬ ‫وحتــى مــع ســعي إدارة بايــدن إلعــادة التــوازن يف نهجهــا‪ ،‬فقــد شــنت‬ ‫ضربــات عســكرية ضــد خصــوم يهــددون القــوات األمريكيــة والــدول‬ ‫الشــريكة يف جميــع أنحــاء املنطقــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك ضربــات ضــد‬


‫‪118‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الترتيبـــات األمنيـــة تقودهـــا أمريـــكا لخنـــق الصيـــن اقتصاد ًيـــا‬ ‫يف منطقـــة "اإلندو‪-‬باســـيفيك" محـــرك االقتصـــاد العالمـــي‬ ‫بأنــه إنعــكاس لـــ "عقليــة احلــرب البــاردة" محــذرة كل الــدول مــن خــارج‬ ‫اإلقليــم مــن التدخــل يف شــؤونه وأنهــا تكتفــي مبراقبــة الوضــع عــن‬ ‫كثــب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫وكان الــرد املبدئــي حتــركا إقتصاد ًيــا؛ حيــث تعــد الصــن الشــريك‬ ‫األكبــر جلميــع جيرانهــا وهــى خــارج كتلــة جتاريــة رئيســية واحــدة‬ ‫فقــط يف املنطقــة‪( ،‬أتفاقيــة الشــراكة الشــاملة والتقدميــة عبر احمليط‬ ‫الهــادئ ‪ CPTPP‬التــي وقعــت عليهــا عــام ‪2016‬م‪ ،‬كل مــن أســتراليا‪،‬‬ ‫وبرونــاى‪ ،‬وكنــدا‪ ،‬وتشــيلى‪ ،‬واليابــان‪ ،‬وماليزيــا‪ ،‬واملكســيك‪ ،‬ونيوزيلنــدا‪،‬‬ ‫وبيــرو‪ ،‬وســنغافورة‪ ،‬وفيتنــام‪ ،‬إضافــة إلــى الواليــات املتحــدة التــي قــرر‬ ‫رئيســها ترامــب ســحب التوقيــع عــام ‪)2017‬؛ فتقدمــت بكــن صبــاح‬ ‫اليــوم التالــي إلعــالن حتالــف "أوكــوس" بطلــب إنضمــام لـــ ‪CPTPP‬‬ ‫حتد ًيــا الي محــاوالت حصــار وعزلــة تفــرض عليهــا‪.‬‬ ‫يف جنــوب آســيا‪ ،‬ميكــن لبكــن أن تعقــد صفقــة مــن نــوع "أوكــوس"‬ ‫خاصــة مــع باكســتان ً‬ ‫مثــال‪ ،‬التــي لديهــا تعــاون مكثــف يف املســائل‬ ‫النوويــة‪ .‬ســيكون هــذا مبثابــة رد مــن بكــن ملواجهــة الهنــد‪ ،‬التــي‬ ‫حاولــت واشــنطن‪ ،‬علــى مــدى الســنوات القليلــة املاضيــة‪ ،‬جاهــدة‬ ‫الدخــول معهــا يف حتالــف مناهــض للصــن‪ .‬قــد يؤثــر هــذا علــى تــوازن‬ ‫القــوة التقليــدى بــن باكســتان والهنــد‪ ،‬وميكــن أن يجبــر نيودلهــى علــى‬ ‫تغييــر عقيدتهــا النوويــة‪.‬‬ ‫يف العــام املاضــي‪ ،‬أملــح وزيــر الدفــاع الهنــدي راجنــاث ســينغ إلــى أن‬ ‫بــالده قــد تغيــر سياســة عــدم املبــادأة باســتخدام األســلحة النوويــة‪.‬‬ ‫إذا حــدث هــذا‪ ،‬فقــد يــؤدى إلــى ســباق تســلح نــووى متجــدد يف جنــوب‬ ‫آســيا‪ .‬حتــى أنــه قــد يجبــر بكــن علــى تغييــر سياســة عــدم االســتخدام‬ ‫األول‪ ،‬ممــا يــؤدى إلــى إحــداث تأثيــر الدومينــو الــذي مــن شــأنه أن‬ ‫يؤثــر علــى احلســابات االســتراتيجية جلميــع الــدول احلائــزة لألســلحة‬ ‫النوويــة‪ .‬لطاملــا حاولــت الهنــد التحــوط بــن الواليات املتحــدة والصن‪.‬‬ ‫وأرســلت قــوات إلــى منــاورات زابــاد العســكرية التــي أجرتهــا روســيا‬ ‫مؤخـ ًرا يف بيالروســيا وهــي عضــو كامــل العضويــة يف منظمة شــنغهاى‬ ‫التــي تقودهــا الصــن‪ ،‬إلــى جانــب باكســتان‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬إذا اســتجابت‬ ‫بكــن لـــ "أوكــوس" باملثــل مــن خــالل دعــم اجليــش الباكســتاني‪ ،‬فقــد‬ ‫يجبــر هــذا نيودلهــي علــى تعزيــز حتالفهــا مــع الواليــات املتحــدة بشــكل‬ ‫أكبــر‪.‬‬ ‫انضــم بعــض املســؤولن الدبلوماســين الروس إلــى نظرائهم الصينين‬ ‫يف التعبيــر عــن مخاوفهــم مــن أن تطويــر أســتراليا لغواصــات تعمــل‬ ‫بالطاقــة النوويــة (مبســاعدة أمريكيــة وبريطانيــة) من شــأنه أن يقوض‬ ‫معاهــدة عــدم انتشــار األســلحة النوويــة و"يســرع ســباق التســلح" يف‬

‫املنطقة‪ .‬الســيناريو األكثر دراماتيكية‪ ،‬ميكن لروســيا والصن تشــكيل‬ ‫حتالــف بحــري مضــاد ملواجهــة القــوة العســكرية املشــتركة التفــاق‬ ‫"أوكــوس"‪ .‬فضـ ً‬ ‫ال عــن ذلــك ستســعى موســكو وبكــن إلــى التنســيق يف‬ ‫مــا بينهمــا ملــلء كل "مســاحات الفــراغ" التــي تنشــأ عــن اإلنســحاب‬ ‫األمريكــي مــن بعــض املناطــق خاصــة الشــرق األوســط وإفريقيــا‬ ‫إقتصاد ًيــا وعســكر ًيا‪.‬‬

‫االنفالت النووي‬ ‫أعلنــت الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة إنهــا ســتحقق يف أمــر حتالــف‬ ‫"أوكــوس"‪ ،‬ومــدى إختراقــه للقواعــد والضوابــط املســتقرة مــع اآلخــذ‬ ‫يف األعتبــار أن هنــاك ســت دول تســتخدم بالفعــل هــذه التكنولوجيــا‬ ‫لتشــغيل غواصاتهــا‪.‬‬ ‫إن اتفــاق "أوكــوس"‪ ،‬الــذي ينــص علــى توفيــر غواصــات تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة إلــى أســتراليا مــن خــالل نقــل التكنولوجيــا مــن قبــل بريطانيــا‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ ،‬يســتخدم ثغــرة نــاد ًرا مــا تســتخدم يف معاهــدة‬ ‫حظــر انتشــار األســلحة النوويــة (‪ .)NPT‬يســمح هــذا للــدول غيــر‬ ‫احلائــزة لألســلحة النوويــة بتحويــل املــواد االنشــطارية بعيــدًا عــن‬ ‫تفتيــش الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة إذا مت اســتخدامها ألغــراض‬ ‫"ســلمية"‪ ،‬مثــل اســتخدام الوقــود النــووي يف دفــع الغواصــات‪ .‬معظــم‬ ‫الــدول التــى متتلــك أســلحة نوويــة اليــوم طــورت القــدرة حتــت الذريعــة‬ ‫األوليــة لألغــراض الســلمية‪ ،‬مثــل توليــد الكهربــاء‪ ،‬والبحــوث‪.‬‬ ‫تبلــغ الكميــة النموذجيــة لليورانيــوم عالــي التخصيــب الــالزم لصنــع‬ ‫ســالح نــووى واحــد حوالــي ‪ 25‬كيلوجرام ـاً‪ .‬الكميــة احملتمــل أن يتــم‬ ‫حتويلهــا إلــى أســتراليا لتشــغيل غواصاتهــا ســيكون مــا بــن ‪ 100‬و‪200‬‬ ‫ضعــف تلــك الكميــة‪ .‬وهــذا ســيكون خــارج مراقبــة الوكالــة الدوليــة‬ ‫للطاقــة الذريــة‪.‬‬ ‫وهــو األمــر الــذي يثيــر رغبــة الطامحــن النوويــن احملتملــن مثــل‬ ‫األرجنتــن والبرازيــل‪ ،‬كنــدا‪ ،‬إيــران‪ ،‬اليابــان‪ ،‬وكوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬مــن‬ ‫أنهــم ينبغــي أن يكونــوا قادريــن علــى بنــاء مفاعــالت نوويــة بحريــة‪.‬‬ ‫واخلــوف هــو أن تلــك الــدول‪ ،‬بعــد حصولهــا علــى وقــود املفاعــل بحجــة‬ ‫أنهــا ستســتخدمه فقــط لتشــغيل الغواصــات‪ ،‬رمبــا تنقلــب وتســتخدم‬ ‫الوقــود لصنــع قنبلــة نوويــة‪ ،‬وحتتفــظ بالوقــود النــووي خــارج رقابــة‬ ‫الوكالــة الدوليــة‪ .‬ورمبــا تزيــد روســيا مبادالتهــا التكنولوجيــة مع الهند‪،‬‬ ‫والصــن مــن احملتمــل أن تقــدم تقنياتهــا يف مجــال املفاعــالت النوويــة‬ ‫لباكســتان‪ .‬والبرازيــل رمبــا جتــد مبزيــد مــن الســهولة ســو ًقا ملشــروعها‬ ‫املتعثــر لبنــاء مفاعــل غواصــة نوويــة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪117‬‬

‫ملف العدد‬

‫يتصــور األمريكيــون الصراعــات الجديــدة حــروب شــبكية عــى األرض‬ ‫والج ــو والفض ــاء اإللكترون ــي م ــع إع ــادة التفكي ــر يف مس ــارح العملي ــات‬ ‫قالــت فيــه أنهــا "قلقــة للغايــة بشــأن اســتمرار ســباق التســلح وإبــراز‬ ‫القــوة يف املنطقــة"‪ .‬هــذه التصريحــات تلقــي الضــوء علــى كيفيــة تأثيــر‬ ‫التطــورات اجلديــدة باتفاقيــة "أوكــوس" علــى محيطهــا اإلقليمــي‪ .‬كمــا‬ ‫اجتماعــا كان‬ ‫علــق إندونيســيا تعاونهــا العســكري مــع أســتراليا‪ ،‬وألغــت‬ ‫ً‬ ‫مقــر ًرا بــن وزيــري دفــاع البلديــن‪ ،‬بينمــا رحبــت اليابــان باخلطــوة التــى‬ ‫تــرى فيهــا حتجيــم لنفــوذ الصــن يف املناطــق املتاخمــة ألمنهــا القومــي‪.‬‬ ‫رد الفعل الصيني والروسي‬ ‫يبــدو أن بكــن مــع إدراكهــا حلجــم التواجــد الفعلــي لألســلحة والقــوات‬

‫يف منطقــة بحــر الصــن اجلنوبــي واالنتشــار يف منطقــة احمليطــن‬ ‫الهنــدي والهــادي والــذى ســبق اإلعــالن عــن حتالــف "أوكــوس" ترفــض‬ ‫أن تنجــر إلــى مواجهــات عســكرية مباشــرة مــع أي طــرف وخاصــة‬ ‫أمريكيــا؛ وتــرى أن ميــدان تفوقهــا هــو التنافــس االقتصــادي والتجــاري‬ ‫مــع دول العالــم وإقليــم اجلــوار؛ وأن هــذا امليــدان بشــكل عــام يحقــق‬ ‫لهــا قفــزات يف ســبيل احتــالل مكانــة متقدمــة عامل ًيــا ويقلــل جوانــب‬ ‫املخاطــرة واملغامــرة؛ لــذا كان رد فعــل بكــن علــى إعــالن التحالــف‬ ‫محســو ًبا رغــم مــا أتهمــت بــه التحالــف واملعســكر الغربــي الليبرالــي‬


‫‪116‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أمريــكا ال تثــق بالرئيــس الفرنســي يف تعاطيــه مــع الملــف الصينــي‬ ‫ألن ــه يري ــد مس ــار وس ــط بي ــن قوتي ــن عظميي ــن و" أوروب ــا المس ــتقلة"‬ ‫أملانيــا واالحتــاد األوروبــي بأســره بــأن يحــذو حذوهــا‪ ،‬لذلــك اســتبعاد‬ ‫فرنســا مــن الترتيبــات األمريكيــة ال يتســبب يف تداعيــات اقتصاديــة‬ ‫تطــال قطــاع الصناعــات الدفاعيــة الفرنســية فقــط‪ ،‬بــل يصــل ملجمــل‬ ‫السياســات الدفاعيــة لفرنســا ونظرتهــا حمليطهــا الغربــي وشــبكة‬ ‫حتالفتهــا االســتراتيجية‪.‬‬ ‫"عقيدة أوسن" وإدارة املنافسة مع احللفاء واألعداء‬ ‫يف ســبتمبر ‪2020‬م‪ ،‬أجــرت الواليــات املتحــدة منــاورات جتريبيــة‬ ‫حملــاكاة معــارك املســتقبل‪ .‬ووف ًقــا لســيناريو تلــك احملــاكاة فــإن‬ ‫الصــن تتصــدر كتهديــد وعــدو تــزداد خطورتــه علــى األمــن القومــي‬ ‫األمريكــي؛ يتصــور العســكريون األمريكيــون صراعــات القــرن احلــادي‬ ‫والعشــرين كحــروب شــبكية تشــن علــى األرض ويف اجلــو‪ ،‬وكذلــك يف‬ ‫الفضــاء والفضــاء اإللكترونــي‪ ،‬بالتــوازي مــع إعــادة التفكيــر يف مســارح‬ ‫العمليــات واالنتشــار واخلــروج مــن مناطــق صــراع تراجعــت أهميتهــا‬ ‫االســتراتيجية وف ًقــا ألولويــات فرضهــا التهديــد الصينــي املتصاعــد‬ ‫علــى كافــة اجلوانــب االقتصاديــة والعســكرية‪.‬‬ ‫ويف أول كلمــات لــه كوزيــر دفــاع أمريكــى يف إدارة الرئيــس جــو بايــدن؛‬ ‫حــذر لويــد أوســن مــن التهديــدات اإللكترونيــة والفضائيــة الناشــئة‪،‬‬ ‫إلــى جانــب احتمــال نشــوب حــروب أكبــر بكثيــر يف مســارح عمليــات‬ ‫قريبــة‪ .‬وقــد عبــرت تلــك التصريحــات وغيرهــا عــن مخــاوف مــن‬ ‫تنامــي التحــدي العســكري للصــن‪ .‬ودعــا لويــد إلــى "رؤيــة جديــدة"‬ ‫أو "عقيــدة جديــدة" للدفــاع األمريكــي‪ ،‬محــذ ًرا مــن أن النزاعــات‬ ‫املســتقبلية لــن تشــبه "احلــروب القدميــة"‪ .‬ودعــا إلــى حشــد التقــدم‬ ‫التكنولوجــي وحتســن دمــج العمليــات العســكرية و"بنــاء التحالفــات"‬ ‫علــى الصعيــد العاملــي مــن أجــل "الفهــم املشــترك واتخــاذ القــرار‬ ‫والعمــل بشــكل أســرع"‪ .‬أوســن يف تلــك الكلمــات الســريعة يقفــز فــوق‬ ‫كل الكالســيكيات؛ ويشــير إلــى مســتقبل يتجــاوز التصــور التقليــدي‬ ‫للمعــارك ولألعــداء ولطبيعــة مســارح العمليــات والتكتيكات واألســلحة‬ ‫املســتخدمة‪ .‬وبنــاء عليــه؛ ســحب أوســن مــا ال يقــل عــن ‪ 11‬بطاريــة‬ ‫صواريــخ باتريــوت وثــاد مــن العــراق والكويــت واألردن والســعودية‪،‬‬ ‫ويســعى لســحب وإعــادة إنتشــار عــدد كبيــر مــن القــوات واملعــدات منــذ‬ ‫بدايــة إدارة بايــدن‪.‬‬ ‫ويف اإلطارذاتــه؛ يُفســر مــا أعلنــه وليــام بيرنــز‪ ،‬مديــر وكالــة‬ ‫االســتخبارات األمريكيــة يف ‪ 7‬أكتوبــر املاضــى‪ ،‬عــن إنشــاء وحــدة‬ ‫متخصصــة يف قضايــا الصــن باســم "مركــز مهمــة الصــن"‪ ،‬معتب ـ ًرا‬ ‫يف بيــان رســمي بــأن الصــن أهــم تهديــد "جيوسياســي" تواجهــه الكتلــة‬ ‫الغربيــة يف القــرن الواحــد والعشــرين‪ ،‬مــا يســتدعي ضــرورة تعزيــز‬

‫العمــل اجلماعــي وبنــاء التحالفــات عبــر هــذه الوحــدة‪.‬‬ ‫لقــد أصبحــت أمريــكا يف عهــد جــو بايــدن وبريطانيــا يف عهــد بوريــس‬ ‫جونســون يركــزان أكثــر علــى املخاطــر التــي تتعــرض لهــا مصاحلهمــا‬ ‫مــن قــوة الصــن املتصاعــدة‪ ،‬وتوافــق هــذا مــع ســعي أســتراليا لألمــن‪.‬‬ ‫وهكــذا‪ ،‬علــى هامــش قمــة كورنــوال ‪ G7‬يف يونيو املاضــى ‪-‬مت االتفاق‬ ‫وإعتمــاد عناصــر اخلطــة اجلديــدة واملضــي يف اإلعــالن عــن حتالــف‬ ‫"أوكــوس" بعــد محادثــات ســرية اســتمرت ‪ 18‬شــه ًرا بــن العواصــم‬ ‫الثالثــة بهــدف رســم واقــع جيوسياســى جديــد يف املنطقــة‪.‬‬ ‫علــى جانــب آخــر؛ يف ‪ 24‬ســبتمبر املاضــي؛ احتضــن البيــت األبيــض‪،‬‬ ‫قمــة مجموعــة "كــواد" (احلــوار األمنــي الرباعــي)‪ ،‬بحضــور الرئيــس‬ ‫األمريكــي‪ ،‬ورؤســاء وزراء أســتراليا‪ ،‬والهنــد‪ ،‬واليابــان‪ .‬وحســب‬ ‫اإلعــالن الرســمي عــن القمــة‪ ،‬فإنهــا تهــدف "مواجهــة التحديــات‬ ‫الرئيســية الراهنــة‪ ،‬مــن كوفيــد‪ 19-‬إلــى املنــاخ إلــى التكنولوجيــات‬ ‫الناشــئة"‪ .‬وصنفــت القمــة علــى أنهــا محاولــة جديــدة لتحجيــم النفــوذ‬ ‫الصينــي يف منطقــة "اإلندو‪-‬باســيفيك"‪ ،‬والتضييــق علــى مصاحلهــا‬ ‫السياســية والتجاريــة يف آن واحــد‪ .‬وتأتــى ضمــن الترتيبــات األمنيــة‬ ‫التــي تقودهــا الواليــات املتحــدة ملواجهــة الصــن يف أهــم منطقــة نفــوذ‬ ‫لهــا وهــي منطقــة "اإلندو‪-‬باســيفيك"‪ ،‬علــى اعتبــار أن هــذه املنطقــة‬ ‫هــي أســاس ومحــرك االقتصــاد العاملــي‪ ،‬وترتبــط اقتصاد ًيــا باالحتــاد‬ ‫األوروبــي بشــكل أساســي‪ ،‬وبالتالــى فالواليــات املتحــدة تخطــط خلنــق‬ ‫الصــن مبعادلــة أمنيــة واقتصاديــة يف آن واحــد‪.‬‬ ‫وجــاء اإلعــالن عــن صفقــة الغواصــات وســط حالــة مــن التوتــر‬ ‫والترقــب تســيطر علــى العالقــات العســكرية األمريكيــة ــــ الصينيــة‬ ‫خــالل الســنوات األخيــرة إال أن زيــادة إيقــاع احلركــة واإلصــرار‬ ‫الصينــي ســاهم يف التعجيــل بإعــالن التحالــف الثالثــي‪ .‬ففــي يوليــو‬ ‫املاضــي‪ ،‬كشــفت صــور األقمــار الصناعيــة عــن بنــاء حظائــر جديــدة‬ ‫غربــي الصــن‪ ،‬ومنهــا ميكــن إطــالق صواريــخ نوويــة عابــرة للقــارات‪،‬‬ ‫وقامــت الصــن بإنشــائها يف ســرية تامــة وبعيـدًا عن أي رقابة‪ .‬ويفســر‬ ‫خبــراء عســكريون اخلطــوة الصينيــة بأنهــا دليــل علــى تصميــم بكــن‬ ‫لتحديــث ترســانتها النوويــة بســرعة‪ ،‬وعلــى نطــاق غيــر مســبوق‪.‬‬ ‫إقليميا؛ أثار حتالف "أوكوس" مخاوف دول مثل ماليزيا‪ ،‬وإندونيســيا‪،‬‬ ‫والفلبــن وفيتنــام‪ ،‬وتايالنــد‪ ،‬وكمبوديــا‪ ،‬والتــى تــرى يف حصــول‬ ‫أســتراليا علــى أســرار تكنولوجيــا إنتــاج وتشــغيل املفاعــالت النوويــة‪،‬‬ ‫وتشــغيل الغواصــات بالوقــود النــووي‪ ،‬مصــدر تهديــد إقليمــي جديــد‪،‬‬ ‫ويثيــر القلــق بشــأن التبعــات البيئيــة الســتخدام الغواصــات النوويــة‪.‬‬ ‫ور ًدا علــى "أوكــوس"‪ ،‬أصــدرت وزارة اخلارجيــة اإلندونيســية بيا ًنــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪115‬‬

‫ملف العدد‬

‫االتفاق يثير رغبة الطامحين النوويين لبناء مفاعالت نووية بحرية‬

‫تحالف الضرورة ظهر بعد ‪ 18‬شه ًرا من‬ ‫المباحثات السرية بين ‪ 3‬عواصم‬ ‫حدثــان مهمــان وقعــا يف أجــزاء مختلفــة مــن العالــم خــالل شــهرى أغســطس وســبتمبر يصفــان بدقــة السياســة اخلارجيــة‬ ‫األمريكيــة احلاليــة‪ :‬اخلــروج مــن أفغانســتان وإطــالق االتفاقيــة األمنيــة الثالثيــة "أوكــوس" مــع اململكــة املتحــدة وأســتراليا‪.‬‬ ‫بينمــا ركــز العديــد مــن املعلقــن علــى تداعيــات هــذه االتفاقيــة علــى العالقــات األمريكيــة ـ الفرنســية‪ ،‬فقــد فاتهــم أن‬ ‫الواليــات املتحــدة منشــغلة بإعــادة هيكلــة قوتهــا يف الســاحة العامليــة ولــن تســمح ألي طــرف‪ ،‬حتــى الشــركاء املقربــن‪،‬‬ ‫بالوقــوف يف طريقهــا‪.‬‬ ‫تعــود جــذور التطــورات احلاليــة إلــى السياســة األمريكيــة طويلــة املــدى التــي تركــز علــى مواجهــة الصــن يف عالــم أصبــح‬ ‫متعــدد األقطــاب‪ .‬جميــع املشــاريع األخــرى‪ ،‬مثــل "احلــروب األبديــة" التــي كانــت تهــدف وف ًقــا للدعايــة األمريكيــة يف البدايــة‬ ‫إلــى تعزيــز بنــاء الدولــة الدميقراطيــة وتغييــر األنظمــة وتأمــن تواجــد عســكري وقواعــد وضمــان تدفــق البتــرول والغــاز يف‬ ‫مناطــق ســاخنة مثــل الشــرق األوســط‪ ،‬مت التخلــي عنهــا إلــى حــن؛ وهنــاك واقــع جديــد يفــرض علينــا قــراءة مختلفــة لــكل‬ ‫امللفــات‪.‬‬

‫ج ــالل نصــار‬ ‫يف األول مــن أكتوبــر املاضــي توجــه وزيــر اخلارجيــة األمريكــي انتونــي‬ ‫بلينكــن إلــى العاصمــة الفرنســية محــاوالً نــزع فتيــل األزمــة التــى‬ ‫نشــبت بــن واشــنطن وباريــس يف أعقــاب اإلعــالن املفاجــىء عــن‬ ‫حتالــف دفاعــي ثالثــي اســتراتيجي يضــم أســتراليا واململكــة املتحــدة‬ ‫وأمريــكا‪ ،‬يف البدايــة لبنــاء فئــة مــن الغواصــات التــي تعمــل بالدفــع‬ ‫النــووي‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيضــا للعمــل م ًعــا يف منطقــة احمليطن الهنــدي والهادئ‬ ‫حيــث يُنظــر إلــى صعــود الصــن هنــاك علــى أنــه التهديــدِ املتزايــد‪.‬‬ ‫وهــو األمــر الــذي ترتــب عليــه إنهــاء أســتراليا عقـدًا مــع فرنســا‪ ،‬لبنــاء‬ ‫‪ 12‬غواصــة تعمــل بالديــزل والكهربــاء لتحــل محــل أســطولها احلالــى‬ ‫مــن الغواصــات ‪.Collins‬‬ ‫هــذه الصفقــة‪ ،‬هــي األولــى التــي تشــارك فيهــا واشــنطن تكنولوجيــا‬ ‫الدفــع النــووي مــع حليــف غيــر بريطانيــا حيــث لــم يســبق لواشــنطن‬ ‫أن خرقــت معاهــدات االنتشــار النــووي إال مــع بريطانيــا عــام ‪1958‬م‪،‬‬ ‫واآلن مــع أســتراليا بتزويدهــا بـــ ‪ 8‬غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪.‬‬ ‫يوجــد يف العالــم منهــا ‪ 129‬غواصــة نوويــة متلــك أمريــكا منهــا ‪68‬‬

‫غواصــة‪ ،‬ومتلــك روســيا ‪ 29‬والصــن ‪ ،12‬وبريطانيــا ‪ 11‬وفرنســا‪8 ،‬‬ ‫والهنــد ‪.1‬‬ ‫وقــال املتحــدث باســم اخلارجيــة األمريكيــة نيــد برايــس‪ ،‬إن "بلينكــن‬ ‫والفرنســين ناقشــوا األمــن يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‬ ‫وأزمــة املنــاخ واالنتعــاش االقتصــادي بعــد كورونــا والعالقــة عبــر‬ ‫األطلســي والتعــاون مــع احللفــاء والشــركاء لرفــع التحديــات واغتنــام‬ ‫الفــرص علــى املســتوى العاملــي"‪ .‬بينمــا وصــف وزيــر اخلارجيــة‬ ‫الفرنســي‪ ،‬جــان إيــف لودريــان‪ ،‬االتفــاق بأنــه "طعنــة مــن اخللــف"‪.‬‬ ‫ويبــدو جل ًيــا ملــن يراقــب تطــور األحــداث أن أمريــكا ال تثــق بالرئيــس‬ ‫الفرنســي إميانويــل ماكــرون يف تعاطيــه مــع امللــف الصينــي‪ ،‬فقــد‬ ‫ذكــر يف أكثــر مــن مناســبة أنــه يريــد توجيــه مســار وســط بــن قوتــن‬ ‫عظميــن‪ ،‬متحد ًثــا عــن أوروبــا املســتقلة التــي تعمــل إلــى جانــب أمريكا‬ ‫والصــن‪.‬‬ ‫فرنســا كانــت الدولــة الوحيــدة يف أوروبــا التــى تبنــي اســتراتيجية‬ ‫للمحيــط الهنــدي والهــادئ يف ‪2018‬م‪ ،‬حيــث اســتمرت يف إقنــاع‬


‫‪114‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫هـو الـذي جعـل التحالـف الثالثـي اجلديـد يقتصـر علـى التعـاون‬ ‫العسـكري فقـط ومـن دون شـمول التعـاون االسـتخباراتي‪.‬‬ ‫‪ -٥‬احلـوار الرباعـي‪ :‬ويسـمى (‪ )QUAD‬وهـو حـوار اسـتراتيجي‬ ‫وتعـاون أمنـي وعسـكري بـن الواليـات والهنـد واليابـان وأسـتراليا‬ ‫تعـود بدايتـه إلـى عـام ‪2007‬م‪ ،‬اجتمـع قـادة الـدول األربـع يف عـام‬ ‫‪ 2017‬م‪ ،‬علـى هامـش قمـة آسـيان يف مانيـال وجـددوا عزمهـم تقويـة‬ ‫العمل الدبلوماسـي والعسـكري بن دولهم يف سـبيل التصدي لتنامي‬ ‫دور الصـن يف منطقـة جنـوب شـرق آسـيا‪.‬‬ ‫تداعيات االتفاق الثالثي‬ ‫‪ -1‬آثـار االتفـاق علـى التحالفـات القدميـة‪ :‬حلـف الناتـو مت تشـكيله‬ ‫يف وقـت كان الصـراع العاملـي يتركـز علـى السـاحة األوروبيـة بـن‬ ‫معسـكرين غربـي بقيـادة الواليـات املتحـدة وشـرقي بقيـادة االحتـاد‬ ‫السـوفيتي‪ .‬وقـد مت تأسـيس احللـف كجـزء مـن سياسـة احتـواء‬ ‫االحتـاد السـوفيتي ولكـي تضمـن الواليـات املتحـدة مـن خاللـه‬ ‫عـدم وقـوع أوروبـا حتـت املظلـة الشـيوعية‪ .‬الواليـات املتحـدة ومنـذ‬ ‫وصـول الرئيـس أوبامـا بـدأت تشـعر بـأن الصـراع العاملـي بـدأ يتحول‬ ‫مـن أوروبـا إلـى احمليطـن الهـادي والهنـدي ولذلـك اتخـذت شـعار‬ ‫"االنحيـاز نحـو احمليـط الهـادي" (‪.)Pivot to the Pacific‬‬ ‫فهـل يشـكل احللـف اجلديـد بدايـة لظهـور حتالفـات جديـدة بـدالً من‬ ‫القدميـة التـي أصبحـت قليلـة الفائـدة؟ لعـل هـذه التسـاؤالت هـي‬ ‫التـي تفسـر القلـق األوروبـي مـن أن املظلـة األمنيـة األمريكية ال ميكن‬ ‫خصوصـا بعـد خـروج بريطانيـا مـن االحتـاد‬ ‫التعويـل عليهـا طويـال‬ ‫ً‬ ‫األوروبـي والشـعور بـأن الواليـات املتحـدة سـوف متيـل إلـى اجلانـب‬ ‫البريطانـي بـدال مـن القـاري‪ .‬االتفـاق الثالثـي إذا أعـاد فتـح هـذه‬ ‫الصفحـة مـن جديـد وبجديـة أكبـر حيـث أكـد مسـؤول السياسـات‬ ‫اخلارجيـة يف االحتـاد األوروبـي جوزيـب بوريـل أن اتفـاق "أوكـوس"‬ ‫األمنـي كان مبثابـة ناقـوس إنـذار لالحتـاد األوروبـي بـأن أولويـات‬ ‫الواليـات املتحـدة سـوف تتغيـر‪ .‬وأكـد علـى ضرورة اسـتعداد االحتاد‬ ‫خصوصـا بعدما‬ ‫األوروبـي لتحمـل العـبء اخلـاص مبهامـه الدفاعيـة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫حدث يف أفغانستان وأن هذه القضية سوف تكون من أولى القضايا‬ ‫املطروحـة يف القمـة األوروبيـة القادمـة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬آثـار االتفـاق علـى العالقـات األوروبيـة‪ :‬فرنسـا طالبـت علـى إثـر‬ ‫إعـالن االتفـاق الثالثـي بطـرح موضـوع األمـن األوروبـي يف القمـة‬ ‫األوروبيـة نهايـة أكتوبـر‪ .‬الرغبـة الفرنسـية وراء طـرح املوضـوع تقـف‬ ‫وراءهـا أهـداف مـن أهمهـا أنهـا هـي األخـرى أصبحـت تتطلـع إلـى‬ ‫تغييـر دورهـا العاملـي وذلـك مـن خـالل تقدمي نفسـها كزعيمـة ألوروبا‬ ‫بعـد خـروج املنافـس البريطانـي‪ ،‬لكونهـا القـوة العسـكرية األكبـر‬ ‫أوروب ًيـا وإن أي تقليـص يف الـدور األمريكـي يف أوروبـا سـوف يفـرد‬ ‫لهـا السـاحة األوروبيـة‪ .‬والسـبب اآلخـر يعـود إلـى أن طـرح مثـل هـذه‬ ‫املبـادرة هـي أكبـر وسـيلة للضغـط علـى احلليف األمريكي‪ .‬والسـؤال‬ ‫الـذي يبـرز هنـا هـو هـل أن االتفـاق الثالثـي مبثابـة بـادرة إلعـادة‬ ‫ترتيـب السـاحة األوروبيـة؟ وهـل يشـكل بدايـة جديـدة للصـراع بـن‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫فرنسـا وبريطانيـا بعـد بريكسـت؟ ومـا هـو املوقـف األملانـي مـن ذلـك‬ ‫كله ؟‬ ‫‪ -٣‬آثـار االتفـاق علـى العالقـة مـع الصـني‪ :‬االتفـاق الثالثـي قـد يشـكل‬ ‫بدايـة سـباق تسـلح عاملـي علـى مسـتويات غيـر مسـبوقة‪ .‬إن تزويـد‬ ‫أسـتراليا بالغواصـات التـي تعمـل بالطاقـة النوويـة ليـس اخلطـوة‬ ‫األخيـرة‪ ،‬بـل رمبـا تتبعهـا خطـوات الغاية منها رمبا اسـتنزاف طاقات‬ ‫الصن يف سـباق تسـلح عاملي يشـغلها عن التطوير واملنافسـة عامل ًيا‪.‬‬ ‫وتشـير بعـض التقاريـر إلـى أن خطـوات تاليـة يف هـذا املجـال رمبـا‬ ‫تشـمل تطويـر القـدرات العسـكرية لليابـان والهنـد مـن خـالل تطويـر‬ ‫التعـاون يف الرباعيـة‪ .‬يف املقابـل لقـد كان الالفـت للنظـر هـو إشـارة‬ ‫السـفير الصينـي يف فيينـا يف خطابـه أمـام وكالـة الطاقـة الذريـة‬ ‫العامليـة إلـى أن قيـام دول نوويـة (الواليات املتحـدة وبريطانيا) بتوفير‬ ‫التقنيـة النوويـة إلـى دولـة غيـر نوويـة (أسـتراليا) "سـوف تترتـب عليه‬ ‫عواقـب سـلبية كبيـرة علـى اجلهـود الدوليـة" الراميـة إلـى معاجلـة‬ ‫املشـكلة املتمثلة باملشـروع النووي الكوري الشـمالي‪ .‬فهل هذه إشـارة‬ ‫إلـى أن الصـن سـوف تدفـع باجلهـود الكوريـة الشـمالية لكـي تتحدى‬ ‫خصوصـا كوريـا اجلنوبيـة‬ ‫الواليـات املتحـدة وحلفاءهـا احملليـن‬ ‫ً‬ ‫واليابـان؟ وممـا زاد يف حـدة التكهنـات ظهـور الرئيـس الكـوري‬ ‫ً‬ ‫محاطـا بترسـانة الصواريـخ التـي متتلكهـا‬ ‫الشـمالي كيـم قبـل أيـام‬ ‫بـالده يف رسـالة حتـد للواليـات املتحـدة وحلفائهـا احملليـن‪ .‬هـذا‬ ‫باإلضافـة إلـى أن االتفـاق قـد يدفـع بالصـن إلـى زيادة دعم املشـروع‬ ‫النـووي اإليرانـي ولـو سياسـ ًيا مـن خـالل وضـع العراقيـل أمـام عـودة‬ ‫الواليـات املتحـدة إلـى االتفـاق النـووي مـع إيـران‪ .‬ثـم هنـاك األزمـة‬ ‫املتمثلـة بتايـوان والتـي أثيـرت مجـد ًدا بعـد تصريـح الرئيـس الصينـي‬ ‫الـذي أشـار فيـه إلـى أن كل صينـي يحلـم بتوحيـد تايـوان مـع الصـن‬ ‫وأن ذلـك آت ال محالـة‪ ،‬فهـل تلجـأ الصـن إلـى العمـل العسـكري‬ ‫لضـم تايـوان؟ ومـا سـيكون رد فعـل الواليـات املتحـدة وإلـى أي مـدى‬ ‫سـوف تذهب يف حماية تايوان من التنن الصيني الذي بدأت نيرانه‬ ‫تضـيء سـماء اجلزيـرة مـن خـالل العشـرات مـن الطلعـات اجلويـة‬ ‫لطائـرات القـوة اجلويـة الصينيـة يف حتد مباشـر لسـلطات اجلزيرة؟‬ ‫بالطبـع هـذه اخلطـوات مـن جميـع األطـراف نتيجتهـا الوحيـدة هـي‬ ‫أنهـا تقـرب العالـم أكثـر فأكثـر مـن حافـة الهاويـة املتمثلـة بصـراع‬ ‫عسـكري شـامل يهـدد الوجـود البشـري وتصرف اجلهود عـن التعاون‬ ‫يف حـل املشـكالت التـي تعصـف بالعالـم مثـل أزمـة املنـاخ واألوبئـة‬ ‫الفتاكـة والفقـر‪.‬‬

‫* ﺳﻔري اﻟﻌﺮاق اﻷﺳﺒﻖ ﻟﺪى اﻟﻴﺎﺑﺎن واﳌﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪113‬‬

‫ملف العدد‬

‫"االتفــاق" نافــذة عــى مســتقبل الصراعــات العالميــة والتحــوالت‬ ‫الجذريــة بعيــ ًدا عــن المعتــاد منــذ الحــرب الكونيــة الثانيــة‬ ‫بالطبـع التعاطـف مـع املوقـف الفرنسـي وكذلك ألن االحتـاد األوروبي‬ ‫يخشـى مـن تصاعـد نبـرة اخلـالف بـن الصـن والواليـات املتحـدة‬ ‫والتـي قـد تـؤدي بالواليـات املتحـدة إلـى تخفيـف اهتمامهـا بأوروبـا‬ ‫باإلضافـة إلـى اخلـوف مـن قيـام حـرب بـاردة بـن الطرفـن والتـي‬ ‫سـوف جتبـر االحتـاد علـى االختيـار بـن أحـد الطرفـن‪ ،‬وهـو اخليار‬ ‫الصعـب الـذي ال يريـده‪.‬‬

‫خلفية االتفاق الثالثي‬ ‫االتفـاق بـن أسـتراليا وبريطانيـا والواليـات املتحـدة لـم يـأت مـن‬ ‫فـراغ وليـس ردة فعـل آنيـة لبعـض األمـور العاجلـة مثـل التغطيـة علـى‬ ‫األحـداث يف أفغانسـتان‪ ،‬كمـا صـوره بعـض احملللـن‪ .‬بالطبـع هذا ال‬ ‫ينفـي احتمـال أن يكـون التوقيـت قـد مت حتديـده ألسـباب سياسـية‪،‬‬ ‫لكـن اخللفيـة العامـة لالتفـاق ميكـن إرجاعهـا إلـى بعـض األحـداث‬ ‫املهمـة التـي سـبقته ومنهـا‪:‬‬ ‫‪ -1‬خـروج بريطانيـا مـن االحتـاد األوروبـي (بريكسـت) الـذي يعتبـر‬ ‫نقطـة مفصليـة يف السياسـة العامليـة والتـي قلنـا يف حينهـا بأنها متثل‬ ‫تباعـا‬ ‫هـزة للنظـام السياسـي العاملـي وأن لهـا ارتـدادات سـوف تأتـي ً‬ ‫حيـث جـاء هـذا االتفـاق ليشـكل اخلطـوة األكبـر يف مرحلـة مـا بعـد‬ ‫البريكسـت‪ .‬السـبب يعـود إلـى أن خـروج بريطانيـا إمنـا هـو خطـوة‬ ‫يف إعـادة تشـكيل النظـام العاملـي‪ ،‬أو علـى األدق محاولـة مـن الـدول‬ ‫املتنفذة عامل ًيا إلعادة اإلمسـاك بزمام املبادرة الذي أوشـك أن ينفلت‬ ‫مـن يدهـا‪ .‬إن بريطانيـا املتحـررة مـن القيـود األوروبيـة بـدأت تعيـد‬ ‫النظـر يف حتالفاتهـا العامليـة وسـوف تبدأ بالعـودة إلى مناطق نفوذها‬ ‫التاريخيـة والتـي مـن أهمهـا املسـتعمرات القدميـة‪.‬‬ ‫‪ -٢‬إعـادة التحالفـات ملواجهـة الصـني‪ :‬صحيـح أن الصـن لـم يـرد‬ ‫ذكرهـا يف لقـاء القمـة الثالثـي بـن الرؤسـاء الثالثـة‪ ،‬لكنهـا كانـت‬ ‫احلاضـر الغائـب يف تلـك القمـة‪ .‬ألن االتفـاق يعتبـر خطـوة متقدمـة‬ ‫يف جهـود الواليـات املتحـدة إلعـادة ترتيـب األوضـاع العامليـة ملواجهـة‬ ‫الصـن والتـي هـي أولويـة إدارة بايـدن‪ .‬ذلـك ألن التحالـف يشـكل‬ ‫خسـارة اسـتراتيجية بالنسـبة للصـن‪ ،‬لكـون السياسـة اخلارجيـة‬ ‫األسـترالية تأرجحـت بـن االنحيـاز للغـرب مقابـل الصـن ومحاولـة‬ ‫اإلمسـاك بالعصـا مـن الوسـط‪ ،‬فعلـى سـبيل املثـال فقـد كانـت خطوة‬ ‫رئيـس الـوزراء األسـترالي األسـبق كيفـن رد االنسـحاب مـن الشـراكة‬ ‫الرباعيـة (‪ )QUAD‬التـي متثـل التعـاون األمنـي بـن الواليـات‬ ‫املتحـدة واليابـان والهنـد باإلضافـة إلـى أسـتراليا للتصـدي للصـن‪،‬‬ ‫أوضـح دليـل علـى رغبـة أسـتراليا اتخاذ موقف محايـد يف األزمة بن‬ ‫العمالقـة‪ .‬لكـن الصـن لـم تبـادر إلـى اسـتغالل تلـك الفرصـة وتعميق‬ ‫العالقـة مـع أسـتراليا‪ ،‬لذلـك قـررت رئيسـة وزراء أسـتراليا جوليـا‬

‫غيـالرد التـي تبعـت كيفـن رد يف عـام ‪2010‬م‪ ،‬العـودة إلـى الرباعيـة‪.‬‬ ‫االتفـاق الثالثـي اجلديـد بسـبب أبعـاده العسـكرية واألمنيـة والزمنيـة‬ ‫سـوف يجعـل مـن الصعوبـة إن لـم يكـن مـن احملـال علـى أيـة قيـادة‬ ‫أسـترالية يف املسـتقبل تغيير بوصلة السياسـة اخلارجية‪ ،‬األمر الذي‬ ‫سـوف يشـكل خسـارة كبيـرة للصـن‪.‬‬ ‫‪ -٣‬اخللفيـة التاريخيـة والعرقيـة للتحالـف‪ :‬ترتبـط الـدول الثـالث‬ ‫بخلفيـة تاريخيـة حيـث كانـت الواليـات املتحـدة وأسـتراليا مـن أهـم‬ ‫املسـتعمرات اخلاضعة للتاج البريطاني‪ ،‬كما وأن هذه الدول تتحدث‬ ‫االنكليزية بوصفها اللغة الرسمية وكانت يف وقت من األوقات متتلك‬ ‫أغلبيـة تنتمـي إلـى األنكلوساكسـونية عرق ًيـا‪ .‬هـذه القضيـة كانـت يف‬ ‫صلـب تصريـح ليـز تـراس وزيـرة اخلارجيـة اجلديدة حـن قالت" هذا‬ ‫االتفـاق هـو أكبـر مـن كونـه سياسـة خارجيـة باملعنـى النظـري‪ ،‬ألنـه‬ ‫يخـدم املواطـن البريطانـي مـن خـالل االتفـاق بـن بلـدان حتمـل نفس‬ ‫العقليـة لبنـاء حتالـف قائـم على القيم املشـتركة واملصالح املشـتركة"‪.‬‬ ‫بالطبـع هـذه ليسـت املـرة األولـى التـي تشـكل فيهـا اخللفيـة العرقيـة‬ ‫والتاريخيـة أسـس للتعـاون األمنـي والعسـكر‪ ،‬فهنـاك اتفاقيـة "العيون‬ ‫اخلمسـة" التـي تشـكل منظومـة التعـاون األمنـي واالسـتخباراتي بـن‬ ‫الـدول الثـالث باإلضافـة إلـى دولتـن تشـتركان معهمـا يف نفـس‬ ‫الصفـات وهمـا كنـدا ونيوزلنـدا‪.‬‬ ‫‪ -٤‬ليـس األول مـن نوعـه‪ :‬التحالـف الثالثـي ليـس فريـدًا مـن نوعـه‪،‬‬ ‫فهناك عدة جهود مماثلة مت تشـكيلها من الدول الغربية التي تسـعى‬ ‫للتصـدي لـدور الصـن والتـي مـن أهما‪:‬‬ ‫‪ -1‬العيـون اخلمـس (‪ )Five Eyes‬هـو حتالـف اسـتخباراتي يضم‬ ‫ك ً‬ ‫ال مـن الواليـات املتحـدة وبريطانيـا وكنـدا وأسـتراليا ونيوزيلنـدا‪،‬‬ ‫تعـود بدايتـه إلـى املعاهـدة البريطانيـة األميركيـة متعـددة األطـراف‪،‬‬ ‫وهـي معاهـدة تختـص مبجال التعاون املشـترك يف فك الشـيفرات يف‬ ‫فتـرة مـا بعـد احلـرب العامليـة الثانيـة‪ِ .‬خـالل فتـرة احلـرب البـاردة‪،‬‬ ‫طـور التحالـف نظـام ايشـيلون(‪ )ECHELON‬ملراقبـة االتصـاالت‬ ‫يف االحتـاد السـوفيتي ودول املعسـكر الشـرقي سـاب ًقا‪ .‬يسـتخدم‬ ‫النظـام حاليـاً ملراقبـة االتّصـاالت يف جميـع أنحـاءِ العالـم‪ .‬هـذا‬ ‫التحالـف لعـب دو ًرا أساسـ ًيا يف اإلعـداد للحـرب علـى العـراق مـن‬ ‫خـالل التعـاون بـن الـدول اخلمـس يف التجسـس علـى بعثـة األمم‬ ‫املتحـدة إلـى العـراق وممثلـي الـدول املعارضة للحرب علـى العراق يف‬ ‫مجلـس األمـن للضغـط عليهـا لتأييـد احلـرب‪ .‬كمـا أن هـذا التحالف‬ ‫هـو الـذي شـكل خلفيـة الضغـوط التـي مارسـتها هـذه الـدول علـى‬ ‫الصـن عندمـا قامـت كنـدا باحتجـاز واحـدة من مدراء شـركة هواوي‬ ‫الصينيـة يف مطـار فانكوفـر وكذلـك القيـود التـي وضعتهـا بريطانيـا‬ ‫علـى تلـك الشـركة اسـتجابة للطلبات األمريكيـة‪ .‬وجود هذا التحالف‬


‫‪112‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫توحيــد مجمعــات الصناعــة العســكرية يف الــدول الثــالث باســتخدام‬ ‫قاعــدة معلوماتيــة واحــدة وتطويــر التكنولوجيــا األساســية‬ ‫ملـن يتمكـن مـن تطويرهـا‪ .‬االتفاق بالطبـع لم يغفل اجلوانب التقليدية‬ ‫للصراعـات مـن خـالل شـموله تطويـر قـدرة الغواصـات والصواريـخ‬ ‫املضـادة للسـفن‪ ،‬وهـي إشـارات واضحـة إلـى القلـق الغربـي املتزايـد‬ ‫مـن امتـداد نفـوذ الصـن يف البحـار واحمليطـات باإلضافـة إلى العالم‬ ‫االفتراضـي‪.‬‬

‫ردود الفعل عى االتفاق‬ ‫جـاءت ردود األفعـال سـريعة ومـن جهـات متعـددة كان أولهـا بالطبـع‬ ‫الـرد القـوي مـن فرنسـا التـي شـعرت باخلـذالن مـن أقـرب حلفائهـا‬ ‫وهمـا الواليـات املتحـدة وبريطانيـا حيـث وصـف وزيـر اخلارجيـة‬ ‫الفرنسـي االتفـاق الثالثـي بأنـه "طعنـة يف الظهـر" وأنـه "سـلوك غيـر‬ ‫مقبـول بـن احللفـاء والشـركاء"‪ ،‬كمـا أن املتحـدث الرسـمي باسـم‬ ‫احلكومـة قـال بـأن االتفـاق الثالثـي قوبـل يف فرنسـا "بالصدمـة ثـم‬ ‫الغضـب‪ ،‬لكـن يف النهايـة يجـب أن منضـي إلـى اإلمـام" كذلـك قامـت‬ ‫احلكومـة الفرنسـية باسـتدعاء سـفيريها لـدى واشـنطن وكانبيـرا‪،‬‬ ‫املالحـظ هـو عـدم اسـتدعاء السـفير الفرنسـي يف لنـدن‪ .‬وللحـد‬ ‫مـن التداعيـات السـلبية لالتفـاق قـام الرئيـس األمريكـي باالتصـال‬ ‫بالرئيـس الفرنسـي مانويـل ماكـرون وأقـر الزعيمان علـى أن املوضوع‬ ‫كان بحاجـة إلـى تواصـل أقـوى بـن األطـراف واتفقـا علـى اتخـاذ‬ ‫خطـوات لتعزيـز العمـل املشـترك وتـركا التفاصيـل إلـى اللقـاء القـادم‬ ‫نهايـة أكتوبـر يف أوروبـا‪ .‬تبـع ذلـك قيـام وزيـر اخلارجيـة األمريكـي‬ ‫تونـي بلينكـن الـذي يجيـد الفرنسـية بطالقـة ألنـه قضـى طفولتـه يف‬ ‫باريـس‪ ،‬يف اخلامـس مـن أكتوبـر بزيـارة إلـى فرنسـا لترميم العالقات‬

‫أو علـى األقـل إليقـاف النزيـف الـذي سـببه إعـالن االتفـاق الثالثـي‪.‬‬ ‫قوبلـت الزيـارة ببـرود مـن املسـؤولن الفرنسـين حيـث لـم تتـم تغطيـة‬ ‫لقـاء الوزيـر مـع الرئيـس الفرنسـي إعالم ًيـا ألن األخيـر لـم يرغـب يف‬ ‫خصوصـا وأنـه‬ ‫الظهـور مـع املسـؤول األمريكـي يف اإلعـالم احمللـي‬ ‫ً‬ ‫مقبـل علـى انتخابـات رئاسـية قريبـة سـوف يخوضهـا بشـعبية ليسـت‬ ‫مريحـة علـى اإلطـالق‪ .‬الرئيـس الفرنسـي سـوف يطالـب الواليـات‬ ‫املتحـدة بدفـع فاتـورة االتفـاق وتوفيـر غطـاء للخـروج مـن األزمـة مـن‬ ‫خـالل تقـدمي بعـض التنـازالت لتنميـة دور فرنسـا العاملـي أو علـى‬ ‫األقـل إيجـاد دولـة أو دول أخـرى لشـراء الغواصات الفرنسـية لتجاوز‬ ‫اآلثـار االقتصاديـة والسياسـية التـي ترتبـت علـى االتفـاق الثالثـي‪.‬‬ ‫الصـن‪ ،‬وهـي الطـرف املسـتهدف مـن االتفـاق‪ ،‬سـارعت إلـى انتقـاده‬ ‫مـن خـالل املتحـدث الرسـمي باسـم اخلارجيـة الصينيـة الـذي كتـب‬ ‫تغريـدة قـال فيهـا "االتفـاق حـول الغواصـات بـن الواليـات املتحـدة‬ ‫وبريطانيـا وأسـتراليا يشـكل تهديـدًا لألمـن واالسـتقرار اإلقليمـي‬ ‫ً‬ ‫شـرخا يف اجلهـود الدوليـة‬ ‫ويزيـد مـن حـدة سـباق التسـلح ويحـدث‬ ‫ملنع انتشـار األسـلحة النووية‪ .‬إنه عمل يف غاية الالمسـؤولية ودليل‬ ‫عملـي علـى ازدواجيـة املعاييـر ألن تصديـر الطاقـة النوويـة جـاء‬ ‫لتحقيـق مغـامن سياسـية"‪.‬‬ ‫االحتـاد األوروبـي‪ ،‬هـو اآلخـر سـارع إلـى انتقـاد االتفـاق مـن خـالل‬ ‫تصريـح مسـؤول العالقـات اخلارجيـة جوزيـب بوريـل الـذي قـال‬ ‫"نشـعر باألسـى ألننـا لـم نكـن نعلـم باالتفـاق‪ ،‬ولـم نكـن طر ًفـا يف‬ ‫احملادثـات التـي سـبقته‪ ،‬وأنـا أتفهـم خيبـة األمـل التـي تشـعر بهـا‬ ‫احلكومـة الفرنسـية"‪ .‬املوقـف األوروبـي الرافـض لالتفـاق سـببه‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪111‬‬

‫ملف العدد‬

‫"أوكوس" يتجاوز الغواصات إىل التعاون السيبراني والذكاء الصناعي‬ ‫والتقنية الكمية والقدرات البحرية‬ ‫رئيـس جلنـة العالقـات اخلارجيـة يف مجلـس العمـوم البريطانـي‬ ‫تشـمل توحيـد مجمعـات الصناعـة العسـكرية يف الـدول الثـالث‬ ‫مـن خـالل اسـتخدام قاعـدة معلوماتيـة واحـدة واشـتراك يف تطويـر‬ ‫خصوصا على‬ ‫التكنولوجيـا األساسـية والتـي سـيكون لها مـردود كبير‬ ‫ً‬ ‫اململكـة املتحـدة وأسـتراليا‪.‬‬ ‫الغواصـات التـي مت االتفـاق علـى تزويد أسـتراليا بها تعمل محركاتها‬ ‫بالطاقـة النوويـة واألمـر املهـم هـو أن هـذه الغواصـات وإن لـم تكـن‬ ‫حتمـل الصواريـخ النوويـة إال أن املفاعـالت التـي توفـر لهـا الطاقـة‬ ‫تعمـل باليورانيـوم عالـي التخصيـب ‪ ،93-97%‬ومـن املعلـوم بـأن‬ ‫اليورانيوم املسـتخدم يف إنتاج األسـلحة النووية هو الذي تزيد نسـبة‬ ‫التخصيـب فيـه علـى ‪ .90%‬إذن فوصـول الغواصـات إلـى أسـتراليا‬ ‫سـوف يجعـل منهـا دولـة نوويـة وإن لم تعلـن ذلك صراحة‪ .‬ولن يطول‬ ‫األمـر علـى ذلـك بانتظـار الغواصات اجلديـدة التي لن تدخل اخلدمة‬ ‫علـى املـدى القريـب‪ ،‬رمبا ليس قبل ‪2040‬م‪ ،‬ألن البحرية األسـترالية‬ ‫رمبـا تلجـأ إلـى تأجيـر بعـض الغواصـات مـن الواليـات املتحـدة‬ ‫وبريطانيـا يف القريـب العاجـل لتسـريع العمليـة وتقليـل الفجـوة مـع‬ ‫البحريـة الصينيـة وتدريب الكوادر األسـترالية علـى التقنية احلديثة‪.‬‬

‫االتفـاق ومـا يحتويـه مـن معلومـات يشـكل نافـذة للنظـر يف مسـتقبل‬ ‫الصراعـات العامليـة التـي هـي األخـرى بـدأت تشـهد حتـوالً جذر ًيـا‬ ‫بعيـدًا عـن الصـورة املعتـادة التـي كان عليهـا احلـال خـالل احلـروب‬ ‫الكونيـة الكبيـرة والتـي أساسـها اجلوانـب القتاليـة املعتـادة التـي تقوم‬ ‫علـى املواجهـة بـن املقاتلـن مـن الطرفـن يكـون الطـرف الفائـز فيهـا‬ ‫هـو الـذي يخـرج بأقـل اخلسـائر‪ .‬هـذه الصـورة بـدأت تتالشـى وحتـل‬ ‫محلهـا حـروب شـمولية يف سـاحات صـراع واسـعة مـن أهمهـا العالـم‬ ‫االفتراضـي واسـتهداف البنيـة التحتيـة للعـدو‪ ،‬لذلـك فـإن االتفـاق‬ ‫الثالثـي يؤكـد هـذه الصـورة مـن خـالل النـص علـى التعـاون يف تقنيـة‬ ‫املعلومـات ويجعـل األولويـة يف امتـالك التكنولوجيـا التي متنح القدرة‬ ‫علـى السـيطرة علـى األجـواء االفتراضيـة للخصـوم وكذلـك امتـالك‬ ‫قـدم السـبق يف تطويـر تلـك اآلليـات وتسـخيرها خلدمـة األهـداف‬ ‫االسـتراتيجية‪ ،‬فعلـى سـبيل املثـال جـاء نـص االتفـاق علـى التعـاون‬ ‫يف مجـاال تطبيقـات التقنيـة الكميـة (‪ )Quantum Physics‬يف‬ ‫عالـم املعلومـات والتـي متثـل قفـزة نوعيـة غيـر مسـبوقة يف صناعـة‬ ‫الكمبيوتـر مـن حيـث كميـة املعلومـات التـي ميكـن خزنهـا وسـرعة‬ ‫العمليـات التـي ميكـن إجنازهـا وهـي أمـور ذات طبيعـة اسـتراتيجية‬


‫‪110‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أوروبا ال تعول على المظلة األمنية األمريكية وانحياز واشنطن لبريطانيا فقط‬

‫العالم يقترب من حافة الهاوية وعالم‬ ‫ما بعد البريكس وأوكوس غير ما قبله‬ ‫أعلنــت الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وأســتراليا إطــالق شــراكة اســتراتيجية يف مجــال التعــاون العســكري والتســليح خــالل‬ ‫قمــة افتراضيــة يف اخلامــس عشــر مــن ســبتمبر لــم يعلــن عنهــا ســابقاً جمعــت كل مــن الرئيــس األمريكــي بايــدن ورئيــس‬ ‫الــوزراء البريطانــي جونســون ورئيــس الــوزراء األســترالي ســكوت موريســون‪ .‬الغايــة مــن قيــام التحالــف‪ ،‬وإن لــم يتــم اإلعــالن‬ ‫وخصوصــا يف احمليطــن الهنــدي والهــادي‪ .‬كانــت‬ ‫عــن ذلــك صراحــة أثنــاء القمــة‪ ،‬التصــدي لتنامــي دور الصــن العاملــي‬ ‫ً‬ ‫اخلطــوة األولــى التــي اتخذهــا التحالــف اجلديــد تزويــد أســتراليا بغواصــات أمريكية‪-‬بريطانيــة متطــورة تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة ومتتلــك قــدرات كبيــرة مــن أهمهــا ســرعة احلركــة وصعوبــة االكتشــاف‪ ،‬كمــا أن بإمكانهــا البقــاء حتــت املــاء لفتــرة‬ ‫أشــهر طويلــة بســبب عــدم احلاجــة للتــزود بالوقــود‪ .‬هــذا القــرار أدى إلــى إعــالن أســتراليا االنســحاب مــن اتفــاق ســابق‬ ‫لشــراء ‪ 12‬غواصــة فرنســية‪ ،‬األمــر الــذي أثــار غضــب فرنســا‪ ،‬حليفــة الواليــات املتحــدة وبريطانيــا يف حلــف شــمال األطلســي‬ ‫(الناتــو) ودفعهــا الســتدعاء ســفيريها لــدى واشــنطن وكانبيــرا يف خطــوة غيــر مســبوقة‪ .‬لــم تكــن التصريحــات واملواقــف‬ ‫الفرنســية هــي التــي أثــارت االهتمــام‪ ،‬مــع عــدم التقليــل مــن أهميتهــا‪ ،‬بقــدر التســاؤل عــن خلفيــة القــرار املفاجــئ وتبعاتــه‬ ‫ومــا يعنيــه بالنســبة للسياســة العامليــة وآثــاره املتوقعــة علــى العالقــة مــع الصــن وكذلــك موقــع الــدول األوروبيــة يف مســتقبل‬ ‫السياســة األمريكيــة‪ ،‬وهــي القضايــا التــي ســوف نحــاول إلقــاء بعــض الضــوء عليهــا يف الســطور التاليــة‪.‬‬

‫د‪ .‬غامن علوان اجلميلي‬

‫تفاصيل االتفاق األسترايل‪-‬الفرنسي‬ ‫تعانـي الغواصـات األسـترالية احلاليـة التـي يبلـغ عددهـا سـتة‪ ،‬وهـي‬ ‫محليـة الصنـع مـن طـراز "كولنـز" وتعمـل محركاتهـا بالديـزل مـن‬ ‫مشـاكل عديـدة حتـد مـن قدراتهـا العملياتيـة لكونهـا بطيئـة نسـب ًيا‬ ‫حيـث تبلـغ سـرعتها القصـوى ‪ 19‬ميـال يف السـاعة كمـا وأنهـا سـهلة‬ ‫االكتشـاف بسـبب الضوضـاء التـي تتركهـا احملـركات‪ .‬وألن صالحيـة‬ ‫هـذه الغواصـات تنتهـي يف عـام ‪2036‬م‪ ،‬ولشـعور البحرية األسـترالية‬ ‫بأنهـا بـدأت تفقـد زمـام املبـادرة أمـام التوسـع الصينـي غيـر املسـبوق‬ ‫يف منطقـة جنـوب شـرق آسـيا‪ ،‬فقـد قامـت بالبحـث عـن بديـل‬ ‫لتحديـث أسـطولها مـن الغواصـات شـمل عـدة دول ودام سـنوات‬ ‫عديـدة وانتهـى إلـى اختيـار الغواصـة الفرنسـية "باراكـودا" التـي تبلغ‬ ‫سـرعتها القصوى ‪ 46‬مي ً‬ ‫ال يف السـاعة وتعمل بالطاقة النووية‪ ،‬وألن‬ ‫أسـتراليا ال متتلـك اخلبـرة يف املجـال النـووي مـع وجـود معارضـة‬ ‫شـعبية للطاقـة النوويـة يف أسـتراليا فقـد مت االتفـاق مـع الشـركة‬ ‫الفرنسـية املصنعـة علـى إنتـاج الغواصـات مبحـركات تعمـل بالديـزل‬

‫بـدال مـن الطاقـة النوويـة‪ .‬مت التوقيـع علـى االتفـاق بـن الطرفـن يف‬ ‫عـام ‪2016‬م‪ ،‬وتضمـن شـراء ‪ 12‬غواصـة بكلفـة تصـل إلـى ‪ 66‬مليـار‬ ‫دوالر‪.‬‬

‫طبيعة اتفاق أوكوس‬ ‫االتفـاق بـن الـدول الثـالث يشـمل عـدة قضايـا لـم يتـم التطـرق إليهـا‬ ‫كثيـ ًرا ألن احلديـث انصـب علـى الغواصات وتداعيات إلغاء العقد مع‬ ‫باريـس‪ ،‬لكـن النصـوص التـي وردت وكذلـك تصريحـات العديـد مـن‬ ‫املسـؤولن يف البلـدان الثالثـة رسـمت صـورة واضحـة عـن الطبيعـة‬ ‫االسـتراتيجية لالتفـاق الـذي نـص علـى التعاون يف مجـاالت القدرات‬ ‫السـيبرانية‪ ،‬والـذكاء الصناعـي والتقنيـة الكميـة باإلضافـة إلـى‬ ‫القـدرات البحريـة‪ .‬رئيـس الـوزراء االسـترالي أعلن أن االتفاق يشـمل‬ ‫تزويـد أسـتراليا بصواريـخ تاماهـوك وصواريـخ جـو‪-‬أرض باإلضافـة‬ ‫إلـى صواريـخ بعيـدة املـدى مضـادة للسـفن‪ .‬الغايـة البعيـدة لالتفـاق‬ ‫إذن هـي أكبـر بكثيـر مـن عمليـة شـراء غواصـات‪ ،‬وهـي كمـا شـرحها‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪109‬‬

‫ملف العدد‬

‫خيبة أمل كبيرة يف أوروبا وشعور متزايد بأن واشنطن والعواصم‬ ‫األوروبية أصبحت تسير يف مسارات مختلفة‬ ‫جتد أوروبا نفسها يف موقف صعب لعدد من األسباب؛ أوالً‪ :‬بالنسبة‬ ‫للصـن‪ ،‬تعتبـر الصـن الشـريك التجـاري األكبـر لالحتـاد األوروبـي‪،‬‬ ‫ولذلـك فـإن احلفـاظ علـى سـبل الوصـول إلـى السـوق الصينيـة‬ ‫واحلفـاظ علـى خطـوط اإلمـداد مفتوحـة أمـ ًرا مه ًمـا للغايـة لتعزيـز‬ ‫االنتعـاش االقتصـادي لالحتـاد األوروبـي عقـب جائحـة كورونـا‪ .‬ومـع‬ ‫ذلـك‪ ،‬فـإن محاولـة تبنـي مسـار وسـطي عندمـا يتعلـق األمـر بالصـن‬ ‫تـزداد صعوبـة عنـد تغييـر التـوازن إلـى الشـق العسـكري‪ ،‬حيـث يبـدو‬ ‫أن الصـن مصممـة علـى تعزيـز نفوذهـا بصفـة عامـة‪ ،‬وإبـراز قوتهـا‪.‬‬ ‫ويف هـذه احلالـة‪ ،‬تتوقـع الواليـات املتحـدة أن تتخـذ أوروبـا خيـا ًرا‬ ‫واضحـا وأن تقـف إلـى جانـب واشـنطن‪ .‬فببسـاطة‪ ،‬ال يوجـد حـل‬ ‫ً‬ ‫وسـط يف هـذا األمـر‪.‬‬ ‫ثان ًيـا‪ ،‬إن اخليـارات السياسـية ألوروبـا محـدودة جـدًا‪ ،‬نظـ ًرا لعـدم‬ ‫وجـود خطـوات حقيقيـة لتفعيـل النقـاش العـام حـول االسـتقالل‬ ‫االسـتراتيجي للـدول األوروبيـة‪ ،‬والـذي يـدور حـول بنـاء القـدرات‬ ‫العسـكرية وااللتـزام باالسـتثمار الضـروري لتحقيـق هـذا املسـعى؛‬ ‫فـكل احلديـث حـول دور أوروبـي مسـتقل ضمن املفهوم االسـتراتيجي‬ ‫حللـف الناتـو أو احلاجـة إلـى تعـاون منظـم دائـم (وهـو جـزء مـن‬ ‫سياسـة األمـن والدفـاع يف االحتـاد األوروبـي)‪ ،‬حيـث يسـعى ‪ 25‬مـن‬ ‫‪ 27‬مـن اجليـوش الوطنيـة لتحقيـق التكامـل الهيكلـي لالسـتقالل‬ ‫االسـتراتيجي‪ ،‬بيـد أنـه ال توجـد خطـوات تنفيذيـة حقيقـة لهـذا‬ ‫املسـعى‪ .‬لذلـك ال ينبغـي أن يكـون مفاج ًئـا أن أولويـات الدفـاع‬ ‫األوروبيـة لـم تأخذهـا الواليـات املتحـدة علـى محمـل اجلـد‪.‬‬ ‫ويعـزو الكثيـر ممـا ذكـر أعـاله إلـى حقيقـة أن قضيـة االسـتقالل‬ ‫االسـتراتيجي ال تخلـو مـن اجلـدل داخـل أوروبـا‪ ،‬حيـث تعـارض دول‬ ‫أوروبـا الشـرقية هـذه الفكـرة بشـكل عـام‪ .‬وأعـرب بعـض املسـؤولن‬ ‫مثـل رئيـس الـوزراء الدمناركـي فريدريكسـن عـن معارضتهـم للفكـرة‪.‬‬ ‫ولذلـك فـإن التحـرك نحـو مزيـد مـن االسـتقالل أوروبيـاً يثيـر‬ ‫التسـاؤالت حـول إمكانيـة انفصـال أوروبـا عـن واشـنطن‪ .‬وسـلطت‬ ‫وزيـرة الدفـاع األملانيـة أجنريـت كرامب‪-‬كارينبـاور الضـوء علـى هـذه‬ ‫املعضلـة يف نوفمبـر ‪2020‬م‪ ،‬عندمـا صرحـت‪" :‬أن فكـرة االسـتقالل‬ ‫االسـتراتيجي ألوروبـا غيـر ممكنـة إذا توهمنـا بأنـه ميكننـا ضمـان‬ ‫األمـن واالسـتقرار واالزدهـار يف أوروبـا بـدون الناتـو وبـدون الواليات‬ ‫املتحـدة األمريكيـة‪ ".‬ومؤخـراً يف خطابهـا السـنوي عـن تقييـم وضـع‬ ‫االحتـاد يف سـبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬قامـت رئيسـة املفوضيـة األوروبيـة‬

‫أورسـوال فـون ديـر اليـن بالتشـديد علـى املعضلة األساسـية‪ ،‬وهي أنه‬ ‫"قـد ميكنـك امتـالك أكثـر القـوى تقد ًمـا يف العالـم ‪-‬ولكـن إذا لم تكن‬ ‫مسـتعدًا السـتخدامها ‪-‬فمـا هـي فائدتهـا؟ "‬ ‫مـا لـم تبـدأ أوروبـا يف حـل االنقسـام يف أولوياتهـا بـن االهتمامـات‬ ‫احملليـة واإلقليميـة واألمـور املتعلقـة بالعالقـات اخلارجيـة واعتبارات‬ ‫القـوة‪ ،‬فمـن املرجـح أن تظـل التوتـرات عبـر احمليـط األطلسـي دون‬ ‫حـل‪ .‬ولكـن األمـر اجليـد يف هـذه املرحلـة أن التلميحـات حول حدوث‬ ‫شـرخ يف حلـف الناتـو أو إضعافـه ال تـزال مبالـغ فيهـا‪ .‬فحتـى يف‬ ‫أعقـاب الدعـوات إلـى انسـحاب فرنسـا مـن القيـادة العسـكرية‬ ‫املتكاملـة حللـف الناتـو‪ ،‬قامـت فرنسـا يف الواقـع بترشـيح قائـد أعلـى‬ ‫جديـد للتحالـف‪ ،‬والـذي تولـى منصبـه يف نهاية سـبتمبر ‪2021‬م‪ .‬كما‬ ‫دعـا الرئيـس ماكـرون إلـى تعزيـز التعـاون الدفاعي األجنلو‪-‬فرنسـي‪،‬‬ ‫والتأكيـد بشـكل عـام علـى االنخـراط يف السـيطرة علـى األضـرار‬ ‫احملتملة وحل اخلالفات يف نهاية املطاف‪ .‬كما شـدد املمثل السـامي‬ ‫بوريـل علـى أهميـة العالقـات عبـر األطلسـي خـالل زيارتـه لواشـنطن‬ ‫يف أكتوبـر ‪2021‬م‪.‬‬ ‫وهكـذا تالشـت الصدمـة األوليـة إلعـالن اتفاقيـة "أوكـوس" حـول‬ ‫مسـتقبل النظـام األمنـي العاملـي ودور الواليـات املتحـدة وأوروبـا‬ ‫داخلـه‪ ،‬بيـد أن األيـام القادمـة ال تـزال حتمـل الكثيـر‪.‬‬

‫* ﻣﺪﻳﺮ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث ـ ﺟﻨﻴﻒ ﺳﻮﻳﴪا‬


‫‪108‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لم تكن هذه الطريقة التي تنتظرها القارة العجوز لبدء العالقات‬ ‫مع إدارة بايدن بعد األزمات يف ظل إدارة ترامب‬ ‫عـن الناتـو‪ .‬ويف ظـل الرئاسـة الفرنسـية لالحتـاد األوروبـي‪ ،‬والتـي‬ ‫بـدأت يف ينايـر ‪2022‬م‪ ،‬دعـت فرنسـا بالفعـل إلـى عقـد اجتمـاع قمة‬ ‫حـول قضيـة الدفـاع األوروبـي‪ .‬ومت اختيـار العديـد مـن األفـكار التـي‬ ‫طرحها الرئيس الفرنسـي من قبل دوائر السياسـة األوروبية األوسـع‬ ‫نطا ًقـا‪ ،‬حيـث أعـرب املمثـل السـامي بوريـل عـن دعمـه إلنشـاء قوة رد‬ ‫سـريع أوروبيـة قوامهـا ‪ 5000‬جنـدي‪ .‬كمـا كانـت فكـرة االسـتقالل‬ ‫االسـتراتيجي األوروبـي ً‬ ‫موضوعـا مه ًمـا يف االجتمـاع األخيـر‬ ‫أيضـا‬ ‫ً‬ ‫ملجلـس وزراء االحتـاد األوروبـي يف سـلوفينيا يف بدايـة سـبتمبر‬ ‫‪2021‬م‪.‬‬ ‫ومـن الغريـب‪ ،‬أن أزمـة اتفاقيـة "أوكـوس" اندلعـت يف نفـس الوقـت‬ ‫الـذي كشـف فيـه االحتـاد األوروبـي عـن اسـتراتيجيته للتعـاون يف‬

‫منطقـة احمليطـن الهنـدي والهـادئ‪ .‬ويف هـذا الصـدد‪ ،‬ذكـر االحتـاد‬ ‫األوروبـي يف بيـان لـه بأنـه "ينـوي زيـادة مشـاركته مـع املنطقـة" مبا يف‬ ‫ذلـك توسـيع وجـوده البحـري‪ ،‬وتعزيـز بنـاء القدرات األمنيـة البحرية‪،‬‬ ‫واملسـاهمة يف تعزيز بنية أمن رابطة دول جنوب شـرق آسـيا‪ .‬ويؤكد‬ ‫هـذا التصـور أن االحتـاد األوروبـي كان قل ًقـا بشـكل كبيـر بشـأن‬ ‫التطـورات االسـتراتيجية يف منطقـة احمليطـن الهنـدي والهـادئ‪،‬‬ ‫نظـ ًرا ملصاحلـه اخلاصـة املتناميـة يف تلـك املنطقـة‪ .‬ومـع ذلـك‪ ،‬ومـع‬ ‫إعـالن اتفـاق "أوكـوس"‪ ،‬وجـد االحتـاد األوروبـي نفسـه مـرة أخرى يف‬ ‫موقـف دفاعـي مـع نهجـه الواسـع واملتـوازن الـذي مت إلغـاؤه من خالل‬ ‫نهـج القـوة العسـكرية الـذي تعتبـره الواليـات املتحـدة واململكة املتحدة‬ ‫وأسـتراليا ضرور ًيـا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪107‬‬

‫ملف العدد‬

‫"أوكوس" مفاجأة ألوروبا وكان التفاوض عليه سر ًي ا ولم يتم إبالغ‬ ‫الحلفاء األوروبيين بأي بنود إال عند اإلعالن عنه‬ ‫األمـر بقضايـا الدفـاع يف احمليطـن الهنـدي والهـادئ‪ .‬وتعلي ًقـا علـى‬ ‫االتفـاق‪ ،‬أكـد املمثـل األعلـى للسياسـة اخلارجيـة واألمنية يف االحتاد‬ ‫األوروبـي‪ ،‬جوزيـب بوريـل‪ ،‬أن اتفاقيـة أوكـوس" تعتبـر مبثابـة "جـرس‬ ‫إنـذار"‪ ،‬مشـد ًدا علـى حاجـة أوروبـا "للتكيـف مـع هـذا الوضع اجلديد‬ ‫وحتمـل دورهـا يف عـبء احلفـاظ علـى السـالم واألمـن العاملـي‪" .‬‬ ‫ولكنـه أكـد‪ ،‬يف الوقـت نفسـه‪ ،‬أن أوروبـا تعتبـر االتفـاق كسـراً للثقـة‪،‬‬ ‫متوق ًعـا أن يكـون هنـاك قـد ًرا كبيـ ًرا مـن احلساسـية الدبلوماسـية من‬ ‫واشـنطن ولنـدن وكانبيـرا يف هـذا الصـدد‪.‬‬

‫التوترات بين دول المحيط األطلسي‬ ‫يُنظـر إلـى حقيقـة أن الواليـات املتحـدة قـد تفاوضـت سـراً مـع كل‬ ‫مـن أسـتراليا واململكـة املتحـدة علـى أنهـا إشـكالية كبيـرة يف أوروبـا‪،‬‬ ‫خاصـ ًة أنهـا تأتـي يف أعقـاب التـزام الرئيـس بايـدن الـذي مت تقدميـه‬ ‫يف قمـة الناتـو يف يونيـو ‪2021‬م‪ ،‬بـأن الواليات املتحدة سـوف تتشـاور‬ ‫مـع حلفائهـا يف جميـع القـرارات االسـتراتيجية األمريكية الرئيسـية‪.‬‬ ‫وعـالوة علـى ذلـك‪ ،‬جـاء إعـالن "أوكـوس" يف أعقـاب االنسـحاب‬ ‫املفاجـئ والفوضـوي للقـوات األمريكيـة مـن أفغانسـتان حيث شـعرت‬ ‫أوروبـا مـرة أخـرى أنـه لـم يتـم التشـاور معهـا وإبالغهـا بالشـكل‬ ‫املالئـم‪ .‬ويف وقـت الحـق‪ ،‬تركـت واشـنطن الـدول األوروبية تتدافع يف‬ ‫احلصـول علـى مواطنيهـا ورعاياهـا األفغـان‪ ،‬ممـا أثـار بـدوره الكثيـر‬ ‫مـن األسـئلة غيـر املريحة ملسـؤولي السياسـة األوروبيـة لإلجابة حول‬ ‫سـبب وجـود الـدول األوروبيـة يف أفغانسـتان مـن البدايـة‪.‬‬ ‫يتعلـق جوهـر اتفاقيـة "أوكـوس" مبسـتقبل العالقـات بـن االحتـاد‬ ‫األوروبـي والواليـات املتحـدة‪ .‬فمـن ناحيـة‪ ،‬ميكـن القـول إن إدارة‬ ‫بايـدن فشـلت يف األخـذ يف االعتبـار املخـاوف واملصالـح األمنيـة‬ ‫األوروبيـة عنـد بلـورة النهـج اخلـاص باالتفـاق‪ .‬فبـدالً مـن تنشـيط‬ ‫التعـاون وتعزيـز التعدديـة بـن دول احمليـط األطلسـي‪ ،‬والتـي مـن‬ ‫أساسـا مشـتر ًكا ميكـن مـن خاللـه معاجلـة العديـد‬ ‫شـأنها أن توفـر‬ ‫ً‬ ‫مـن القضايـا العامليـة املهمـة التـي مت تهميشـها يف ظـل إدارة ترامـب‬ ‫السـابقة‪ ،‬سـواء فيمـا يتعلـق بالتغيـر املناخـي أو التعـاون الصحـي‬ ‫العاملـي أو التجـارة الدوليـة‪ ،‬ومسـتقبل املؤسسـات متعـددة األطـراف‪،‬‬ ‫أو التعامـل مـع التهديـدات املتزايـدة القادمـة مـن روسـيا والصـن‪.‬‬ ‫وعـالوة علـى ذلـك‪ ،‬هنـاك خيبـة أمـل كبيـرة وشـعور متزايـد بـأن‬ ‫واشـنطن والعواصـم األوروبيـة أصبحـت تسـير يف مسـارات مختلفـة‪.‬‬

‫ومـن وجهـة نظـر واشـنطن‪ ،‬قـد ميثل األمر مشـكلة متزايـدة الصعوبة‪،‬‬ ‫فلـم تقتصـر قضيتـي أفغانسـتان واتفاقيـة "أوكـوس" علـى إثـارة‬ ‫التسـاؤالت حـول إمكانيـة االعتمـاد علـى الواليـات املتحـدة ومسـتقبل‬ ‫العالقـات األمنيـة بـن الواليـات املتحـدة وأوروبـا‪ ،‬بـل أثـارت الواليـات‬ ‫املتحـدة حيـرة بـن حلفائهـا األكثـر قـوة يف أوروبـا الشـرقية عندمـا‬ ‫ضمـت أملانيـا يف مشـروع خـط أنابيـب نوردسـترمي (الـذي سـيقوم‬ ‫بتوصيـل الغـاز الروسـي إلـى أملانيـا عبـر خـط أنابيـب يف بحـر‬ ‫البلطيـق)‪ ،‬وهـو املشـروع الـذي عارضتـه بلـدان شـرق أوروبـا بشـدة‪.‬‬ ‫ولذلـك فـإن اإلدارة السـليمة للعالقـات عبـر دول احمليـط األطلسـي‬ ‫تركـت الكثيـر ممـا هـو مرغـوب فيـه يف هـذه املرحلـة‪.‬‬ ‫ومـن ناحيـة أخـرى‪ ،‬يـزداد اخلـالف بـن دول احمليـط األطلسـي‪.‬‬ ‫ويف الواقـع‪ ،‬هنـاك اعتـراف متزايـد يف أوروبـا بـأن شـعار واشـنطن‬ ‫"أمريـكا أوال" لـم يتغيـر كثيـ ًرا يف إدارة بايـدن عـن إدارة ترامـب‪ ،‬وعلـى‬ ‫الرغـم مـن أن اخلطابـات الرنانـة قـد هـدأت بالتأكيـد يف ظـل اإلدارة‬ ‫اجلديـدة‪ ،‬فـإن جوهـر نهـج السياسـة األمريكية العامـة لم يتغير‪ .‬وكان‬ ‫اإلعـالن عـن اتفاقيـة "أوكـوس" ببسـاطة آخـر ما حدث يف سلسـلة من‬ ‫الوقائـع التـي أكـدت علـى أن سياسـات التحالـف األوروبيـة ال تعنـي‬ ‫الكثيـر لواشـنطن‪ ،‬عندمـا يتعلـق األمـر باملصالـح الوطنيـة األمريكيـة‪.‬‬ ‫وجتـد أوروبـا نفسـها أمـام سـؤال كبيـر‪ :‬وهـو كيـف لهـا أن تضمـن‬ ‫أن التوجهـات األوروبيـة سـتجد آذانـاً صاغيـة داخـل حكومـة الواليـات‬ ‫املتحـدة احلاليـة‪ ،‬أو مـا إذا كانـت هنـاك عمليـة إعـادة توجيـه‬ ‫اسـتراتيجية أساسـية يف واشـنطن تشـكك يف األهمية املركزية العامة‬ ‫لعالقـات الـدول يف احمليـط األطلسـي‪ ،‬والتـي حددهـا النظـام العاملـي‬ ‫بعـد احلـرب العامليـة الثانيـة علـى مـدى السـنوات اخلمـس والسـبعن‬ ‫املاضيـة‪.‬‬

‫االستقالل االستراتيجي األوروبي ومستقبل الناتو‬ ‫وقـد سـلطت اتفاقيـة "أوكـوس" الضـوء علـى حالـة اجلـدل طويـل‬ ‫األمـد حـول احلاجـة إلـى االسـتقالل الذاتـي االسـتراتيجي ألوروبـا‬ ‫وتعزيـز الكفـاءة األوروبيـة علـى مسـرح األمـن العاملـي‪ .‬وقـد قـاد‬ ‫الرئيـس الفرنسـي إميانويـل ماكـرون املعركـة عقـب االتفاقيـة لتصبـح‬ ‫أوروبـا أكثـر اسـتقاللية وأكثـر ثقـة‪ ،‬وألن تكـون قـادرة مبفردهـا علـى‬ ‫مواجهـة الواليـات املتحـدة أو الصـن‪ .‬وقـد دعـا االحتـاد األوروبـي‬ ‫إلـى تطويـر اسـتراتيجية مسـتقلة وإنشـاء جيـش أوروبـي منفصـل‬


‫‪106‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الخيارات السياسية ألوروبا محدودة ج ًدا لعدم تفعيل االستقالل االستراتيجي‬

‫المأزق األوروبي بين االستقالل االستراتيجي‬ ‫وعدم االبتعاد عن واشنطن ولندن‬ ‫كان اإلعــالن عــن اتفاقيــة أمنيــة جديــدة بــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬واململكــة املتحــدة‪ ،‬وأســتراليا (والتــي يشــار إليهــا باســم‬ ‫"أوكــوس" ‪ )AUKUS‬مفاجــأة كبيــرة ألوروبــا‪ ،‬حيــث كان التفــاوض علــى االتفــاق ســر ًيا‪ ،‬ولــم يتــم إبــالغ احللفــاء‬ ‫األوروبيــن بــأي بنــود تخــص التحالــف اجلديــد إال عنــد اإلعــالن عنــه‪ ،‬وهــو مــا أثــار علــى الفــور التســاؤالت حــول اســتمرار‬ ‫العالقــات بــن الــدول عبــر احمليــط األطلســي‪ ،‬ومســتقبل العالقــات األمنيــة بــن االحتــاد األوروبــي واململكــة املتحــدة يف‬ ‫أعقــاب خــروج بريطانيــا مــن االحتــاد األوروبــي‪ ،‬واألضــرار احملتملــة التــي قــد يُلحقهــا االتفــاق اجلديــد بحلــف الناتــو‪.‬‬

‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬

‫وبالنسـبة ألوروبـا‪ ،‬لـم تكـن هـذه هـي الطريقـة التـي تتصورهـا القـارة‬ ‫العجـوز إلعـادة بـدء العالقـات مـع إدارة بايـدن اجلديـدة بالواليـات‬ ‫املتحدة بعد سـنوات من األزمات التي شـهدتها العالقة بن اجلانبن‬ ‫يف ظـل إدارة الرئيـس ترامـب‪.‬‬ ‫وكان رد الفعـل األوروبـي املبدئـي سـري ًعا وقو ًيـا‪ ،‬نظـ ًرا ألن اإلعـالن‬ ‫عن االتفاقية كان يشـمل ً‬ ‫أيضا فسـخ اسـتراليا عقد شـراء غواصات‬ ‫بحرية من فرنسـا‪ .‬ولذلك‪ ،‬قال وزير اخلارجية الفرنسـي‪ ،‬جان إيف‬ ‫لودريـان‪" :‬أنـا غاضـب وأشـعر باملـرارة‪ ،‬ألن هـذا ال يتـم بـن احللفـاء‪،‬‬ ‫إنهـا ح ًقـا طعنـة يف الظهـر"‪.‬‬ ‫وأكـد وزيـر االقتصـاد الفرنسـي‪ ،‬برونـو لـو ميـر‪ ،‬أن اتفاقيـة "أوكـوس"‬ ‫يف كوسـوفو أظهـرت بوضـوح أن أوروبـا لـم تعـد قـادرة علـى االعتمـاد‬ ‫علـى الواليـات املتحـدة‪ .‬وعقـب االتفـاق‪ ،‬قـررت فرنسـا سـحب‬

‫سـفيريها مـن كل مـن الواليـات املتحـدة وأسـتراليا‪ ،‬وهـي املـرة األولـى‬ ‫التـي تتخـذ فيهـا فرنسـا مثـل هـذه اخلطـوة اجلذريـة يف التاريـخ‬ ‫الدبلوماسـي الطويـل مـع الدولتـن‪.‬‬ ‫لـم تقتصـر ردود الفعـل علـى املسـؤولن الفرنسـين وحدهـم‪ ،‬فقـد‬ ‫كان التصـور األساسـي املشـترك املتـداول بـن مسـؤولي السياسـة‬ ‫يف االحتـاد األوروبـي هـو أن الواليـات املتحـدة تـرى أن بريطانيـا‬ ‫وأسـتراليا شـريكن اسـتراتيجين أكثر أهمية لواشـنطن من االحتاد‬ ‫األوروبـي يف مواجهتهـا مـع الصـن‪ .‬ومـن وجهـة نظـر الواليـات‬ ‫املتحـدة‪ ،‬فاالحتـاد األوروبـي ببسـاطة لـم يتـن النهـج القـوي املطلـوب‬ ‫الـذي تريـده اإلدارة األمريكيـة جتـاه الصـن‪ .‬وباإلضافـة إلـى ذلـك‪،‬‬ ‫يُنظـر إلـى إعـالن "أوكـوس" علـى أنـه دليـل إضـايف علـى عـدم اعتقـاد‬ ‫الواليـات املتحـدة بـأن أوروبـا سـتعمل علـى التصعيـد عندمـا يتعلـق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫الــوكاالت احلكوميــة والبنيــة التحتيــة األمريكيــة‪.‬‬ ‫ومنــذ عــام ‪2005‬م‪ ،‬جتــري موســكو وبكــن تدريبــات مشــتركة إال أن‬ ‫الســنوات القليلــة املاضيــة شــهدت تطــو ًرا نوع ًيــا يف املنــاورات بــن‬ ‫البلديــن وكثافــة التدريبــات املشــتركة يف منطقــة احمليــط الهــادي‪،‬‬ ‫والتــي كان مــن أبرزهــا منــاورات "فوســتوك" أو "الشــرق"‪ ،‬يف ســبتمبر‬ ‫‪2018‬م‪ ،‬قــرب احلــدود الروســية مــع الصــن‪ ،‬وكانــت أكبــر منــاورات‬ ‫حربيــة جتريهــا روســيا منــذ املنــاورات العســكرية الســوفيتية "زابــاد"‬ ‫أو "الغــرب" يف عــام ‪1981‬م‪ ،‬أي منــذ أربعــة عقــود‪ ،‬وشــارك فيهــا‬ ‫‪ 300‬ألــف جنــدي روســي وحوالــي ‪ 3200‬جنــدي صينــي‪ .‬و"التعــاون‬ ‫البحــري‪ ،"2019-‬التــي أجريــت للمــرة األولــى يف مايــو ‪2019‬م‪،‬‬ ‫علــى الســاحل الشــرقي للصــن يف ميــاه احمليــط الهــادي‪ ،‬يف‬ ‫مينــاء تشــينجداو الصينــي علــى شــاطئ البحــر األصفــر‪ ،‬وتضمنــت‬ ‫التدريــب علــى عمليــات مضــادة للغواصــات وإنقــاذ الســفن‪ ،‬ومــن‬ ‫املعــروف أن العمليــات املضــادة للغواصــات تتســم بكونهــا ســرية يف‬ ‫القــوات املســلحة ألي دولــة‪ ،‬ومــن ثــم فــإن قيــام روســيا والصــن مبثــل‬ ‫هــذه املنــاورات يؤشــر للمســتوى االســتراتيجي الــذي وصلــت إليــه‬ ‫الشــراكة بــن البلديــن‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كذلــك‪ ،‬املنــاورات اجلويــة املشــتركة بعيــدة املــدى التــي أجريــت‬ ‫للمــرة األولــى بــن القــوات اجلويــة التابعــة جليــش التحريــر الشــعبي‬ ‫الصينــي والقــوات اجلويــة الروســية يف ‪ 23‬يوليــو ‪2019‬م‪ ،‬فــوق بحــر‬ ‫اليابــان وبحــر الصــن الشــرقي باحمليــط الهــادي‪ ،‬وتضمنــت رســائل‬ ‫ودالالت عــدة منهــا مــا يتعلــق بالعالقــات بــن البلديــن‪ ،‬ومنهــا رســائل‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪105‬‬

‫ملف العدد‬

‫ألطــراف دوليــة وإقليميــة أخــرى‪ .‬فمــن ناحيــة‪ ،‬كانــت املنــاورات‬ ‫نوعيــة واســتراتيجية وبالغــة الداللــة فيمــا يتعلــق باملــدى الــذي‬ ‫وصــل إليــه التعــاون االســتراتيجي بينهمــا‪ ،‬وكونــه اقتــرب كثيــراً مــن‬ ‫مســتوى التحالــف االســتراتيجي‪ .‬وقــد أكــد املتحــدث باســم وزارة‬ ‫الدفــاع الصينيــة‪ ،‬وتشــيان‪ ،‬يف اليــوم التالــي للمنــاورات‪ ،‬أن "القــوات‬ ‫املســلحة لروســيا والصــن ســتواصل تطويــر العالقــات العســكرية‬ ‫بــن البلديــن‪ ،‬وتعزيــز دعــم بعضهمــا البعــض وتكثيــف آليــات التعــاون‬ ‫االســتراتيجي‪ ،‬وتطويــر املعــدات العســكرية‪ ،‬ومكافحــة اإلرهــاب"‪ ،‬و‬ ‫"أن الصــن وروســيا دخلتــا حقبــة جديــدة مــن العالقــات‪ ،‬كمــا أن‬ ‫تفاعــل القــوات املســلحة للبلديــن دخــل ً‬ ‫أيضــا حقبــة جديــدة حتــت‬ ‫القيــادة االســتراتيجية لقــادة الدولتــن"‪.‬‬ ‫ولهــذا التركيــز الروســي ـ الصينــي علــى منطقــة شــرق آســيا واحمليــط‬ ‫الهــادي داللتــه فيمــا يتعلــق بالتــوازن االســتراتيجي يف تلــك املنطقــة‪،‬‬ ‫والــذي بــدأ مييــل تدريجيـاً لصالــح الصــن وروســيا‪ ،‬وتعــد املنــاورات‬ ‫مؤش ـ ًرا علــى ذلــك ورســالة هامــة للواليــات املتحــدة التــي طاملــا كان‬ ‫لهــا النفــوذ األكثــر تأثيــراً يف املنطقــة يف ضــوء احلضــور العســكري‬ ‫األمريكــي الضخــم يف احمليــط الهــادي عامــة‪ ،‬وحتــد واضــح ملــا تطلــق‬ ‫عليــه البلــدان "سياســة القطــب األوحــد" والتــي يقصــد بهــا الهيمنــة‬ ‫التــي متارســها الواليــات املتحــدة علــى العالــم‪ ،‬ولتحالــف "أوكــوس"‬ ‫وفــرص تطــوره املســتقبلي‪.‬‬

‫*أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة‪.‬‬


‫‪104‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫سيؤدي "أوكوس" لدفع الشراكة الروسية ــ الصينية المتنامية‬ ‫يف المجال االستراتيجي والعسكري‬ ‫بــن الطرفــن‪ ،‬وتوظيــف أكبــر للــذكاء االصطناعــي يف األغــراض‬ ‫العســكرية ويف تطبيقــات متنوعــة منهــا الطائــرات واملركبــات ذاتيــة‬ ‫القيــادة‪ ،‬وإطــالق األســلحة الســيبرانية أو األســلحة احلقيقيــة‪ .‬مــن‬ ‫املتوقــع كذلــك أن يســتمر التنافــس األمريكــي الروســي يف ســوق‬ ‫الســالح العاملــي حيــث تنظــر موســكو بقلــق إلــى صــادرات الســالح‬ ‫النوعيــة األمريكيــة لعــدد مــن حلفائهــا يف أوروبــا وآســيا وجنــوب‬ ‫شــرق آســيا‪ ،‬كمــا تبــدى واشــنطن قلقـاً متزايــداً إزاء حتــركات روســيا‬ ‫لزيــادة صادراتهــا مــن األســلحة خاصــة لألســواق التقليديــة للســالح‬ ‫األمريكــي‪ ،‬وســوف تســتمر يف التلويــح بتفعيــل قانــون "مواجهــة أعــداء‬ ‫أمريــكا عبــر العقوبــات "(‪ )CAATSA‬املوجهــة ضــد روســيا وإيــران‬ ‫وكوريــا الشــمالية‪ ،‬والــذى بــدأ ســريانه يف ‪ 29‬ينايــر ‪2018‬م‪ ،‬لعرقلــة‬ ‫الصفقــات الروســية مــع شــركاء واشــنطن‪ ،‬وســيؤثر "أوكــوس" بشــكل‬ ‫واضــح علــى التنافــس األمريكــي الروســي وســيؤدي إلــى تعميــق أزمــة‬ ‫الثقــة املتبادلــة بــن موســكو وواشــنطن‪.‬‬ ‫علــى صعيــد أخــر‪ ،‬ســيؤدى "أوكــوس" إلــى مزيــد مــن الدفــع للشــراكة‬ ‫الروســية الصينيــة املتناميــة يف املجــال االســتراتيجي والعســكري فقد‬ ‫أعلنــت دول التحالــف الثالثــي صراحــة أن شــراكتها الدفاعيــة تأتــى‬ ‫بهــدف أساســي وهــو مواجهــة الصــن‪ ،‬وأنــه جــزء مــن االســتراتيجية‬ ‫األمريكيــة يف هــذا الصــدد‪ ،‬وذلــك يف الوقــت الــذي تــزداد فيــه‬ ‫ممارســات الصــن التــي تراهــا واشــنطن عدائيــة يف بحــر الصــن‬ ‫اجلنوبــي‪ ،‬ويف ظــل العقوبــات التــي تفرضهــا الصــن علــى أســتراليا‬ ‫بعدمــا دعــت األخيــرة إلــى إجــراء حتقيــق بشــأن تســرب وبــاء كورونــا‬ ‫مــن معامــل الصــن‪ .‬ومــن املعــروف أن الغواصــات النوويــة أكفــأ‬ ‫مــن الغواصــات التــي تعمــل بالديــزل ملــا لهــا مــن قــدرة علــى جمــع‬ ‫املعلومــات االســتخباراتية ونشــر القــوات اخلاصــة والبقــاء يف امليــاه‬ ‫العميقــة يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ ألشــهر‪ ،‬وهــو مــا ســيمثل‬ ‫تهدي ـدًا للصــن‪.‬‬ ‫وقــد شــنت الصــن هجومــا علــى "أوكــوس"‪ ،‬ووصفتهــا بأنهــا صفقــة‬ ‫"غيــر مســؤولة" و"ضيقــة األفــق"‪ ،‬ووصفــت الــدول الثــالث باســتمرار‬ ‫التفكيــر بنفــس "عقليــة احلــرب البــاردة"‪ .‬واتهــم ســفير الصــن لــدى‬ ‫الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة واشــنطن بتقويــض أنشــطة عــدم‬ ‫انتشــار األســلحة النوويــة مــن خــالل نقــل املعرفــة النوويــة واليورانيــوم‬ ‫املســتخدم يف صنــع األســلحة النوويــة إلــى أســتراليا‪ ،‬مشــيراً إلــى أن‬ ‫هــذا ســيجعل مــن الصعــب منــع إيــران وكوريــا الشــمالية مــن الســعي‬ ‫المتــالك تقنيــات مماثلــة‪ .‬وقــال املتحــدث باســم وزارة اخلارجيــة‬

‫الصينيــة‪ ،‬تشــاو ليجيــان‪ ،‬إن التحالــف يخاطــر "بإحلــاق أضــرار‬ ‫جســيمة بالســالم اإلقليمــي ‪ ...‬وتكثيــف ســباق التســلح"‪.‬‬ ‫إن ك ً‬ ‫ال مــن موســكو وبكــن تعتبــران السياســة األمريكيــة "العدائيــة"‬ ‫أبــرز التهديــدات والتحديــات املشــتركة التــي تواجههمــا معـاً‪ ،‬وتعمالن‬ ‫علــى االنتقــال لنظــام دولــي متعــدد القــوى متثــل أوراســيا مركــز ثقــل‬ ‫هــام وقائــد فيــه علــى الصعيديــن االقتصــادي واالســتراتيجي‪.‬‬ ‫وتؤكــدان مــن خــالل سلســلة املنــاورات والتدريبــات املشــتركة بينهمــا‬ ‫يف املنطقــة علــى حضورهمــا القــوي يف منطقة شــرق آســيا‪ ،‬وحتاوالن‬ ‫حتجيــم النفــوذ األمريكــي وتطويقــه عبــر متددهمــا العســكري يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وإبــراز قدراتهمــا العســكرية الضخمــة بــراً وجــواً وبحــراً‪.‬‬ ‫ومــن أبــرز هــذه املنــاورات "التعــاون البحــري" الــذي يتــم أجراؤهــا‬ ‫يف بحــر اليابــان وكان أخرهــا خــالل الفتــرة مــن ‪ 14‬إلــى ‪ 17‬أكتوبــر‬ ‫وشــاركت فيهــا ســفن حربيــة وســفن دعــم مــن أســطول احمليــط‬ ‫الهــادي الروســي‪ ،‬مبــا يف ذلــك كاســحات ألغــام وغواصــة ومدمرتــان‪،‬‬ ‫وغواصــة وطــرادان مــن الصــن‪ .‬وفــى أغســطس أجــرت الصــن‬ ‫وروســيا منــاورات عســكرية ضخمــة "التعــاون ‪ "2021‬مبشــاركة‬ ‫‪ 10‬آالف جنــدي مــن القــوات البريــة واجلويــة لــدى اجلانبــن‪،‬‬ ‫ومت إنشــاء مركــز قيــادة مشــترك أجــري التدريــب بداخلــه‪ ،‬بحيــث‬ ‫تشــمل املنــاورات االســتطالع املشــترك واإلنــذار املبكــر‪ ،‬والهجمــات‬ ‫الســيبرانية واملعلوماتيــة‪ ،‬وتنفيــذ الضربــات املشــتركة‪ .‬وأكد اجلانبان‬ ‫أن التدريبــات املشــتركة تهــدف إلــى تعميــق التعــاون بــن اجليشــن‬ ‫الصينــي والروســي يف مجــال «مكافحــة اإلرهــاب»‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫إظهــار «العــزم القــوي وقــدرة البلديــن علــى حمايــة األمــن واالســتقرار‬ ‫الدوليــن واإلقليميــن بشــكل مشــترك»‪.‬‬ ‫ســبق املنــاورات مباحثــات بــن وزيــر الدفــاع الصينــي وي فنــج خه‪ ،‬مع‬ ‫نظيــره الروســي ســيرجي شــويجو يف دوشــنبه عاصمــة طاجيكســتان‪،‬‬ ‫علــى هامــش اجتمــاع وزراء الدفــاع يف منظمــة شــنغهاي للتعــاون يــوم‬ ‫‪ 4‬أغســطس املاضــي‪ ،‬ملناقشــة تعزيــز التعــاون العســكري‪ ،‬يف وقــت‬ ‫يــزداد التوتــر بــن البلديــن والواليــات املتحــدة‪ .‬وحملــت املنــاورات‬ ‫«مؤشــرات قويــة» عــن قــدرة اجليشــن علــى التعــاون املشــترك‪ ،‬ضــد‬ ‫املخــاوف بشــأن زعزعــة االســتقرار يف آســيا الوســطى‪ ،‬والتصــدي‬ ‫للواليــات املتحــدة‪ .‬وجــاء اإلعــالن عــن التدريبــات العســكرية بــن‬ ‫موســكو وبكــن‪ ،‬بعــد أيــام مــن حتذيــر الرئيــس األميركــي جــو بايــدن‬ ‫مــن انــدالع حــرب عســكرية شــاملة‪ ،‬يف ضــوء تزايــد التوتــرات‬ ‫مــع روســيا والصــن بســبب سلســلة حــوادث ســيبرانية اســتهدفت‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪103‬‬

‫ملف العدد‬

‫"أوكوس" أهم ترتيب أمني منــذ الحرب العالميــة الثانية يعزز‬ ‫تعــاون أستراليــا االستخباراتي مـع تحــالف "العيون الخـمس"‬ ‫الصواريــخ حيــث أن ‪ %80‬مــن ترســانة الصــن مؤلفــة مــن أســلحة‬ ‫تشــملها االتفاقيــة‪ ،‬ومتتلــك الصــن ترســانة ضخمــة مــن الصواريــخ‬ ‫الباليســتية قصيــرة ومتوســطة املــدى‪ ،‬مــن أبرزهــا الصــاروخ "إس واي‬ ‫— ‪ ،"400‬قصيــر املــدى‪ ،‬وصواريــخ "دي اف — ‪ ،"17‬الباليســتية‬ ‫متوســط املــدى التــي ميكنهــا حمــل رؤوس نوويــة وتقليديــة‪.‬‬ ‫يرتبــط بهــذا تخــوف روســيا مــن إطــالق ســباق تســلح يف املنطقــة‬ ‫وتقويــض الســالم واالســتقرار اإلقليميــن‪ ،‬وقــد أعلــن نيكــوالي‬ ‫نيوزدريــف‪ ،‬مديــر الدائــرة اآلســيوية الثالثــة باخلارجيــة الروســية‬ ‫يف ‪ 15‬أكتوبــر أن املهــام التطبيقيــة إلنشــاء حتالــف "أوكــوس" تثيــر‬ ‫قل ًقــا مــن حيــث تأثيــره علــى األمــن اإلقليمــي ومخاطــر بدايــة‬ ‫ســباق تســلح يف املنطقــة‪ ،‬وأن هنــاك معلومــات حــول االتفــاق بشــأن‬ ‫نشــر كل األنــواع مــن الطائــرات العســكرية األمريكيــة يف "القــارة‬ ‫اخلضــراء" وتوســيع األشــكال األخــرى مــن التعــاون العســكري‪ ،‬كذلــك‬ ‫بحــث احتمــال اســتخدام القواعــد العســكرية األســترالية مــن قبــل‬ ‫الغواصــات النوويــة البريطانيــة‪ .‬مؤكــداً أن موســكو تعتبــر منطــق‬ ‫التحالفــات ضيقــة الكتلــة التــي يتــم إنشــاؤها حلــل املهــام الظرفيــة‬ ‫غيــر مقبــول وال تســاعد يف احلفــاظ علــى االســتقرار يف منطقــة‬ ‫آســيا واحمليــط الهــادئ والعالــم‪ ،‬وأنــه مــن الضــروري ضمــان األمــن‬ ‫املتســاوي للجميــع‪.‬‬ ‫يف ضــوء االعتبــارات الســابقة تتحــرك روســيا يف اجتاهــات عــدة‬ ‫ملواجهــة التحديــات والتهديــدات اآلنيــة واحملتملــة لتحالــف "أوكــوس"‪،‬‬ ‫منهــا التحــرك يف إطــار الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة حيــث أعلــن‬ ‫نائــب وزيــر اخلارجيــة الروســي‪ ،‬ســيرجي ريابكــوف‪ ،‬يف ‪ 30‬ســبتمبر‬ ‫أن روســيا ســتطرح مســألة إنشــاء حتالــف "أوكــوس" أمــام الوكالــة‬ ‫الدوليــة للطاقــة الذريــة باعتبــاره يتعــارض مــع نظــام منــع انتشــار‬ ‫األســلحة النوويــة علــى النحــو الســابق بيانــه‪.‬‬ ‫كذلــك‪ ،‬قامــت موســكو بســحب مبادرتهــا لتجميــد الترســانات النوويــة‬ ‫التــي أعلنتهــا يف أكتوبــر مــن العــام املاضــي وتضمنــت اســتعدادها‬ ‫لـ"جتميــد" مشــترك مــع الواليــات املتحــدة لعــدد رؤوســهما النوويــة‪،‬‬ ‫وإجــراء مفاوضــات ثنائيــة شــاملة حــول مســتقبل الســيطرة علــى‬ ‫األســلحة الصاروخيــة النوويــة وكل العوامــل التــي تؤثــر يف االســتقرار‬ ‫االســتراتيجي‪.‬‬ ‫يف هــذا الســياق قــد يلقــى حتالــف "أوكــوس" بظــالل حــول التقــدم‬ ‫يف املفاوضــات اخلاصــة باالســتقرار االســتراتيجي بــن موســكو‬ ‫وواشــنطن والتــي انطلقــت جولتهــا الثانيــة يف جنيــف يف ‪30‬‬

‫أغســطس ‪2021‬م‪ ،‬وتتحمــل روســيا والواليــات املتحــدة املســؤولية‬ ‫عــن االســتقرار االســتراتيجي يف العالــم‪ ،‬باعتبارهمــا أكبــر دولتــن‬ ‫نوويتــن‪ ،‬خاصــة وأن كال البلديــن تعمــالن علــى حتديــث ترســاناتهما‬ ‫النوويــة وإحــداث قفــزات نوعيــة بهــا‪ .‬ففــي ينايــر ‪2018‬م‪ ،‬أصــدرت‬ ‫وزارة الدفــاع األمريكيــة (البنتاجــون) وثيقــة "اســتعراض املوقــف‬ ‫النــووي" التــي تهــدف إلــى تعزيــز الترســانة النوويــة األمريكيــة‬ ‫بأســلحة جديــدة ودعــم قدرتهــا علــى الــردع يف مواجهــة روســيا خــالل‬ ‫العقديــن املقبلــن‪ .‬كمــا تعمــل روســيا علــى تطويــر قدراتهــا النوويــة‬ ‫وأعلــن الرئيــس بوتــن يف رســالته الســنوية للجمعيــة الفيدراليــة‬ ‫الروســية (البرملــان)‪ ،‬يف ‪ 21‬أبريــل ‪2021‬م‪ ،‬أن نســبة حتديــث‬ ‫الثالــوث النــووي الروســي ســتتجاوز ‪ %88‬بنهايــة العــام‪ ،‬ويتضمــن‬ ‫ذلــك تزويدهــا مبنظومــات متطــورة حديثــة مثــل الصواريــخ فــرط‬ ‫الصوتيــة "أفاجنــارد" و"تســيركون" وغيرهــا‪.‬‬ ‫وعقــب أول اتصــال هاتفــي بــن بوتــن وبايــدن اتفــق الطرفــان يف ‪26‬‬ ‫ينايــر ‪2021‬م‪ ،‬علــى متديــد معاهــدة ســتارت اجلديــدة ملــدة خمــس‬ ‫ســنوات وحتــى ‪ 4‬فبرايــر ‪2026‬م‪ ،‬يتــم خاللهــا التوصــل إلــى صياغــة‬ ‫ترضــى اجلانبــن‪ .‬وتبــدى الواليــات املتحــدة وحلــف شــمال األطلســي‬ ‫(الناتــو) قلقــا بشــأن األســلحة النوويــة الروســية اجلديــدة ومخزونــات‬ ‫روســيا مــن األســلحة النوويــة "غيــر االســتراتيجية" قصيــرة املدى‪ .‬من‬ ‫جانبهــا تبــدي روســيا قلقـاً بشــأن القــدرات االســتراتيجية التقليديــة‬ ‫للواليــات املتحــدة وأنظمــة الدفــاع الصاروخــي األمريكيــة خاصــة يف‬ ‫شــرق أوروبــا‪ .‬وتتضمــن قضايــا االســتقرار االســتراتيجي املتبــادل‬ ‫أيضــاً التقنيــات العســكرية الناشــئة ومــن أهمهــا تلــك اخلاصــة‬ ‫بالــذكاء االصطناعــي‪ ،‬واألســلحة التــي تفــوق ســرعة الصــوت‪،‬‬ ‫والقــدرات الفضائيــة التــي تســتهدف القيــادة والســيطرة واالتصــاالت‬ ‫النوويــة القائمــة علــى األقمــار الصناعيــة‪ ،‬ووقــف تداعــى نظــام احلــد‬ ‫مــن التســلح بعــد انســحاب واشــنطن مــن معاهــدة الصواريــخ قصيــرة‬ ‫ومتوســطة املــدى ومعاهــدة األجــواء املفتوحــة ورد موســكو باملثــل‪.‬‬ ‫ومــن أهــم نتائــج قمــة جنيــف يف يونيــو املاضــي اتفاق الرئيســان بوتن‬ ‫وبايــدن علــى إطــالق حــوار ثنائــي حــول االســتقرار االســتراتيجي‪،‬‬ ‫مؤكديــن متســك موســكو وواشــنطن بضــرورة منــع شــن حــرب‬ ‫نوويــة ال ميكــن أن يكــون فيهــا منتصــر ويجــب أال يتــم شــنها أبــدا‪،‬‬ ‫وأنهمــا يســعيان مــن خــالل إطــالق هــذا احلــوار إلــى وضــع أســاس‬ ‫للمراقبــة املســتقبلية لألســلحة واإلجــراءات لتخفيــض األخطــار‪.‬‬ ‫إال أن مثــل هــذه التفاهمــات لــن توقــف ســباقات التســلح النوعيــة‬


‫‪102‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تصدير وقود نووي للغواصات بتخصيب ‪ %90‬يتعارض مع‬ ‫التزامات أستراليا باتفاقية الضمانات مع الوكالة الدولية‬ ‫ترســانتها النوويــة يف وقــت ســابق مــن العــام اجلــاري‪ ،‬وتــرى أن ذلــك‬ ‫ســيعقد مــن العالقــات بــن القــوى النوويــة يف العالــم‪ ،‬وأن تفاقــم‬ ‫الوضــع جــاء نتيجــة تدميــر ركائــز نظــام الرقابــة علــى األســلحة‬ ‫النوويــة‪ ،‬وأن إدارة الرئيــس األمريكــي الســابق دونالــد ترامــب تتحمــل‬ ‫أكبــر قــدر مــن املســؤولية عــن ذلــك بســبب "ســعيها املطلــق إلــى كســب‬ ‫التفــوق العســكري"‪.‬‬ ‫ثانيهــا‪ ،‬إن أوكــوس ليســت مجــرد صفقــة ولكنهــا إرهاصــات حلــف‬ ‫عســكري جديــد علــى غــرار حلــف شــمال األطلســي (الناتــو)‪ ،‬فمــع‬ ‫تغيــر العــدو األخطــر واألهــم بالنســبة لواشــنطن واعتبــار الصــن‬ ‫التهديــد األهــم ســيكون احللــف الثالثــي نــواة حلــف جديــد يف شــرق‬ ‫آســيا تقــوده واشــنطن ملواجهــة الصــن وقــد يتطــور "أوكــوس" إلــى‬ ‫‪ "East Asia Treaty Organization ، "EATO‬يف‬ ‫املــدى املنظــور‪ .‬ومتتلــك واشــنطن شــبكة حتالفــات عســكرية مــع دول‬ ‫املنطقــة‪ ،‬وســبق وأن ســعت لنشــر درع صاروخــي يف دول شــرق آســيا‬ ‫الحتــواء توســع النفــوذ الصينــي يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــد أشــار وزيــر الدفــاع األمريكــي لويــد أوســن خــالل جولتــه‬ ‫اآلســيوية واألولــى منــذ توليــه املنصــب يف مــارس املاضــي وشــملت‬ ‫اليابــان وكوريــا اجلنوبيــة والهنــد إلــى أهميــة تعزيز التعاون العســكري‬ ‫يف املنطقــة مــع حلفــاء الواليــات املتحــدة وإرســاء "ردع موثــوق بــه"‬ ‫يف مواجهــة الصــن‪ ،‬مشــيراً إلــى أنــه بينمــا كانــت الواليــات املتحــدة‬ ‫تركــز علــى مكافحــة "اجلهاديــن" يف الشــرق األوســط‪ ،‬كانــت الصــن‬ ‫ُحتــدث جيشــها يف ســرعة عاليــة‪ .‬وجــاءت زيارتــه يف أعقاب قمة غير‬ ‫مســبوقة أعــادت تفعيــل التحالــف "الرباعــي" واحلــوار االســتراتيجي‬ ‫بــن واشــنطن واليابــان وكوريــا اجلنوبيــة والهنــد علــى أعلــى مســتوى‬ ‫منــذ تأسيســه يف العقــد املاضــي ملواجهــة صعــود الصــن‪ .‬كمــا إنهــا‬ ‫أعــادت التأكيــد علــى التوجــه االســتراتيجي لواشــنطن والــذي دشــنه‬ ‫وزيــر الدفــاع األمريكــي الســابق بجولتــه اآلســيوية يف أغســطس‬ ‫‪2019‬م‪ ،‬والتــي شــملت خمســة مــن دول املنطقــة‪ ،‬أســتراليا واليابــان‬ ‫وكوريــا اجلنوبيــة ومنغوليــا ونيوزيلنــدا‪.‬‬ ‫يدعــم هــذا إعــالن وزيــرة اخلارجيــة البريطانيــة إليزابيــث تــراس‬ ‫يف ‪ 3‬أكتوبــر عــزم لنــدن عقــد اتفاقيــات أمنيــة جديــدة مــع "دول‬

‫دميقراطيــة" "محبــة للحريــة" يف وجــه نفــوذ "جهــات مارقــة ودول‬ ‫اســتبدادية"‪ ،‬يف إشــارة إلــى روســيا والصــن‪ ،‬وأن بريطانيــا تســعى‬ ‫إلــى حتالفــات مــع كل مــن الهنــد واليابــان وكنــدا مــن أجــل حمايــة‬ ‫املمــرات التجاريــة‪ ،‬علــى غــرار اتفاقيــة "أوكــوس"‪ ،‬وأن الطريــق‬ ‫األمثــل ألن تكســب الــدول الدميقراطيــة نفــوذا يف آســيا وإفريقيــا‬ ‫هــو توفيــر مصــدر لالســتثمارات احليويــة بالنســبة للبنــى التحتيــة‬ ‫وأغــراض التنميــة "بديــال" عــن الصــن وروســيا‪.‬‬ ‫ثالثهــا‪ ،‬انتقــال ســاحة التنافــس االســتراتيجي العاملــي مــن أوروبــا‬ ‫إلــى آســيا‪ ،‬وخاصــة منطقــة شــرق آســيا وبحــر الصــن الشــرقي‬ ‫واجلنوبــي‪ .‬إن حتالــف "أوكــوس" ميثــل أهــم ترتيــب أمنــي بــن‬ ‫الــدول الثــالث منــذ احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬ويعــزز التعــاون القائــم‬ ‫بالفعــل حيــث ترتبــط أســتراليا بعالقــة وثيقــة مــع القــوات اجلويــة‬ ‫األمريكيــة واملخابــرات األمريكيــة مــن خــالل اتفــاق تبــادل املعلومــات‬ ‫واإلشــارات االســتخباراتية أو مــا يعــرف بتحالــف "العيــون اخلمــس"‬ ‫االســتخباراتي‪ .‬كمــا أن الواليــات املتحــدة عازمــة علــى مواجهــة‬ ‫الصــن التــي تــرى أنهــا متثــل تهدي ـدًا للنظــام الدولــي الــذي تقــوده‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬وتهديــدًا حللفــاء الواليــات املتحــدة يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهــادئ والهنــدي‪ .‬وتــرى روســيا يف الصفقــة خطــوة‬ ‫تهــدف إلــى خلــق تــوازن اســتراتيجي جديــد يف احمليــط الهــادئ مــع‬ ‫قيــام بريطانيــا وأمريــكا بنقــل أكثــر تقنياتهمــا حساســية ألســتراليا‬ ‫إلــى جانــب التعــاون يف مجــاالت أخــرى مثــل الــذكاء االصطناعــي‬ ‫واحلوســبة‪ .‬األمــر الــذي ســيفاقم مــن التوتــر القائــم بالفعــل يف تلــك‬ ‫املناطــق بــن واشــنطن وبكــن حــول مــدى واســع مــن القضايــا يف‬ ‫مقدمتهــا بحــر الصــن اجلنوبــي وتايــوان وغيرهــا‪ .‬يعــزز مــن هــذا‬ ‫االنســحاب األمريكــي مــن اتفاقيــة الصواريــخ قصيــرة ومتوســطة‬ ‫املــدى (‪ )INF‬التــي كان قــد مت توقيعهــا يف ‪ 8‬ديســمبر ‪1987‬م‪ ،‬مــع‬ ‫موســكو‪ ،‬وتتعلــق بالصواريــخ ذات املــدى املتــراوح بــن ‪ 500‬و‪5500‬‬ ‫كــم‪ ،‬والتوجــه األمريكــي لنشــر منظومــة صواريــخ متوســطة املــدى يف‬ ‫شــرق آســيا‪ ،‬والــذى كان محظــور عليهــا نشــرها مبقتضــى االتفاقيــة‪،‬‬ ‫فيمــا يشــبه درع صاروخــي لتطويــق الصــن وعرقلــة متددهــا يف‬ ‫مجالهــا احليــوي‪ ،‬ومواجهــة الترســانة الصينيــة الضخمــة مــن هــذه‬

‫أوكوس ليست مجرد صفقة ولكنها إرهاصات حلف عسكري جديد‬ ‫تقوده واشنطن لمواجهة الصين‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪101‬‬

‫ملف العدد‬

‫الكيل بمكيالين ودعوة واشنطن لاللتزام الصارم لمنع االنتشار‬ ‫النووي يشجع دول طامحة عى امتالك التكنولوجيا النووية العسكرية‬ ‫هــذا فض ـ ً‬ ‫ال عــن أن الغواصــات الثمانيــة ســيتم تزويدهــا بصواريــخ‬ ‫"توماهــوك" التــي ميكنهــا حمــل رؤوس نوويــة‪ .‬ويعنــي ذلــك أن‬ ‫أســتراليا ســتكون قــادرة علــى بنــاء غواصــات أســرع تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة‪ ،‬يصعــب اكتشــافها مــن خــالل األســاطيل البحريــة التــي تعمــل‬ ‫بالطاقــة التقليديــة‪ ،‬وبإمكانهــا أن تظــل يف امليــاه ألشــهر‪ ،‬فضــال‬ ‫عــن قدرتهــا علــى إطــالق صواريــخ ملســافات أطــول محملــة بــرؤوس‬ ‫نوويــة‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن أســتراليا تقــول إنهــا ال تعتــزم جتهيزهــا‬

‫بأســلحة نوويــة‪.‬‬ ‫كمــا إن الكيــل مبكيالــن وقبــول واشــنطن بتزويــد أســتراليا بقــدرات‬ ‫نوويــة يفقدهــا املصداقيــة فيمــا يتعلــق برفضهــا ذلــك ودعوتهــا لــدول‬ ‫أخــرى إلــى االلتــزام الصــارم بنظــام منــع االنتشــار النــووي‪ ،‬ممــا‬ ‫يشــجع دول طامحــة علــى امتــالك التكنولوجيــا والقــدرات النوويــة‬ ‫املؤهلــة لالســتخدامات غيــر الســلمية بالضــرورة‪ .‬مــن ناحيــة أخــرى‪،‬‬ ‫تربــط موســكو بــن حتالــف "أوكــوس" وإعــالن بريطانيــا توســيع‬


‫‪100‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫التعاطي الروسي مع تحالف "أوكوس"‪ :‬األبعاد والتداعيات‬

‫تواجه روسيا "أوكوس" بسحب مبادرة‬ ‫تجميد الترسانات النووية‬ ‫أثار إعالن الشراكة الدفاعية بن الواليات املتحدة وأستراليا وبريطانيا‪ ،‬يف ‪ 15‬سبتمبر املاضي‪" ،‬أوكوس"‪ ،‬والتي تتضمن تبادل‬ ‫التكنولوجيات العســكرية وتزويد أســتراليا بثماني غواصات نووية أمريكية‪ ،‬العديد من التســاؤالت حول املوقف الروســي من‬ ‫هــذا التحالــف الثالثــي علــى مقربــة مــن تخومهــا الشــرقية‪ ،‬وتداعيات ذلك الســيما علــى العالقات مع الواليــات املتحدة والتي‬ ‫تعتبرها موسكو يف أدنى مستوياتها‪ ،‬ثم اإلجراءات التي قد تتخذها روسيا لتحييد االنعكاسات السلبية ملثل هذا التحالف؟‬ ‫فقد أبرزت روســيا قلقاً واضحاً من حتالف "أوكوس"‪ ،‬وطلبت توضيحات من الواليات املتحدة وأســتراليا وبريطانيا بشــأنه‪،‬‬ ‫وحــذرت ممــا قــد جتلبــه صفقــة "أوكــوس" مــن تداعيــات علــى األمــن واالســتقرار اإلقليمــي والدولــي‪ .‬وأشــار الرئيس الروســي‬ ‫فالدميير بوتن‪ ،‬يف مقابلة صحفية نُشرت على موقع الكرملن يوم ‪ 14‬أكتوبر املاضي‪ ،‬إن اتفاقية "اوكوس" األمنية الثالثية‬ ‫بن أستراليا واململكة املتحدة والواليات املتحدة تقوض االستقرار اإلقليمي‪ ،‬ألنه‪ ،‬كما يعتقد‪" ،‬من اجليد أن نكون أصدقاء‪،‬‬ ‫لكــن أن نكــون أصدقــاء ضــد أي شــخص أمــر ســيء مــن شــأنه أن يقــوض االســتقرار الــذي نســعى دومـاً لتحقيقــه"‪ .‬وأعــرب‬ ‫الرئيــس بوتــن عــن أملــه أال يتطــور الوضــع يف ظــل ســيناريو ال ميكــن التنبــؤ بــه وأال يتســبب يف توتــرات إضافيــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫والرئيــس بوتــن علــى هــذا النحــو أوجــز املوقــف الروســي مــن حتالــف "أوكــوس" وعبــر عــن شــكوك ومخــاوف موســكو بشــأنه‪.‬‬

‫د‪ .‬نـورهان الشيــخ‬

‫وميكــن فهــم هــذا املوقــف الروســي يف ضــوء مجموعــة مــن‬ ‫االعتبــارات والعوامــل‪ ،‬أولهــا‪ ،‬اعتقــاد موســكو أن حتالــف "أوكــوس"‬ ‫ســيقوض مــن نظــام احلــد مــن االنتشــار النــووي الــذي تطــور‬ ‫واســتقر علــى مــدى نصــف قــرن‪ ،‬وســيكون لــه عواقــب ســلبية علــى‬ ‫انتشــار األســلحة النوويــة يف العالــم حيــث تشــارك الواليــات املتحــدة‬ ‫تكنولوجيــا الغواصــات اخلاصــة بهــا ألول مــرة منــذ ‪ 50‬عا ًمــا‪ ،‬بعــد‬ ‫أن شــاركتها يف الســابق مــع بريطانيــا فقــط‪ .‬وقــد أكــد نائــب وزيــر‬ ‫اخلارجيــة الروســي‪ ،‬ســيرجي ريابكــوف‪ ،‬يف األول مــن أكتوبــر ذلــك‬ ‫وأعــرب عــن قلــق موســكو إزاء الشــراكة الثالثيــة اجلديــدة‪ ،‬محــذ ًرا‬ ‫مــن أن هــذه الصفقــة متكــن أســتراليا مــن احلصــول علــى عــدد‬ ‫كبيــر مــن الغواصــات النوويــة‪ ،‬لتصبــح بذلــك بــن خمــس دول يف‬ ‫العالــم تتمتــع مبثــل هــذه القــدرات العســكرية ممــا يشــكل حتد ًيــا‬

‫ملموســا لنظــام منــع انتشــار األســلحة النوويــة‪ .‬وأن تصديــر وقــود‬ ‫ً‬ ‫نــووي للغواصــات ذات نســبة تخصيــب ‪ %90‬كمــا هــو منصــوص عليــه‬ ‫مبوجــب الصفقــة اجلديــدة يتعــارض مــع التزامــات أســتراليا مبوجــب‬ ‫اتفاقيــة الضمانــات مــع الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة وامللحــق‬ ‫اإلضــايف اخلــاص بهــا‪.‬‬ ‫إن الصفقــة تتيــح ألســتراليا الدخــول إلــى نــادى الــدول املالكــة‬ ‫للغواصــات النوويــة‪ ،‬وذلــك يف إطــار توطــن التكنولوجيــا بهــا مبــا فيــه‬ ‫الشــق النــووي للمحــركات النوويــة بنســبة تخصيــب (‪،)%97 – 93‬‬ ‫وهــي النســبة التــي تســمح بتصنيــع األســلحة النوويــة (‪ %90‬فأكثــر)‪،‬‬ ‫ويعتبــر هــذا خيــاراً اســتراتيجياً لــدول التحالــف الثالثــة حيــث إنــه‬ ‫كان مــن املمكــن تعديــل الغواصــات الفرنســية التــي مت العــدول عنهــا‬ ‫مــن جانــب اســتراليا لتعمــل بالطاقــة النوويــة ولكــن بتخصيــب (‪،)%20‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫علــى واردات الشــعير مــن أســتراليا‪.‬‬ ‫ فرضــت الصــن يف نوفمبــر ‪ 2020‬م‪ ،‬تعريفــات "ملكافحــة اإلغــراق"‬‫تتــراوح مــن ‪ 107.1%‬إلــى ‪ 212.1%‬علــى النبيذ املســتورد من أســتراليا‪.‬‬ ‫ منعــت الصــن يف ديســمبر ‪2020‬م‪ ،‬متا ًمــا واردات الفحــم مــن‬‫أســتراليا‪.‬‬ ‫ بلغــت خســائر أســتراليا ‪ 20‬مليــار دوالر علــى مــدار عــام ‪2020‬م‪،‬‬‫نتيجــة احلظــر التجــاري والتعريفــات اجلمركيــة التــي فرضتهــا‬ ‫الصــن علــى الصــادرات األســترالية‪.‬‬ ‫وأمــام هــذه اإلجــراءات االقتصاديــة العقابيــة‪ ،‬أعلنــت احلكومــة‬ ‫الفدراليــة األســترالية يف نهايــة أبريــل ‪2021‬م‪ ،‬فســخ عقــد وقعتــه‬ ‫واليــة فيكتوريــا بجنــوب شــرق البــالد لالنضمــام إلــى مشــروع "طــرق‬ ‫احلريــر اجلديــدة"‪ ،‬يف قــرار اعتبرتــه بكــن مبثابــة "اســتفزاز"‪.‬‬ ‫وميكــن القــول بــأن انســحاب أســتراليا مــن هــذا املشــروع واملســاعي‬ ‫األمريكيــة إلفشــال مســار مبــادرة الطريــق واحلــزام لــن يؤتــي أكلــه‬ ‫يف ظــل الدبلوماســية االقتصاديــة الصينيــة التــي عــززت مــن مكانــة‬ ‫الصــن لــدى الــدول الناميــة‪ ،‬حيــث اســتفادت أكثــر مــن (‪ )30‬دولــة‬ ‫مــن املســاعدات اإلمنائيــة التــي قدمتهــا مؤسســة التعــاون اإلمنائــي‬ ‫الصينيــة يف إطــار تعزيــز الشــراكة العامليــة يف التنميــة التــي أكــدت‬ ‫عليهــا أجنــدة األمم املتحــدة للتنميــة املســتدامة ‪.2030‬‬ ‫وخالصــة القــول فإنــه بالرغــم مــن أن مجموعــة كــواد متيــل‬ ‫أكثــر لتحقيــق األمــن االقتصــادي الــذي يجــري فيــه توحيــد القواعــد‬ ‫واللوائــح للنظــام احلالــي لنظــام التجــارة احلــرة وحريــة املالحــة‬ ‫بقصــد تقييــد الســلوك األكثــر حزمـاً للصــن يومـاً بعــد يــوم‪ ،‬وكذلــك‬ ‫حتالــف أكــوس الــذي جــاء ليقــوض النفــوذ االقتصــادي الصينــي‬ ‫املتنامــي عامليــاً‪ ،‬غيــر أن الصــن اســتطاعت عبــر براغماتيــة‬ ‫دبلوماســيتها االقتصاديــة مــن خــالل رفــع شــعار طريــق واحــد حــزام‬ ‫واحــد مــن املضــي قدمــاً لتربــع علــى زعامــة االقتصــاد العاملــي‪.‬‬ ‫رابعاً‪-‬تداعيــات اتفاقيــة أوكــوس علــى العالقــات االقتصاديــة‬ ‫الصينيــة ـ اخلليجيــة‬ ‫ترتبــط دول مجلــس التعــاون بعالقــات اقتصاديــة وثيقــة مــع‬ ‫الصــن مترجمــة بإبــرام اتفاقيــات للتعــاون االقتصادي واالســتثماري‪،‬‬ ‫حيــث بلــغ حجــم جتــارة دول مجلــس التعــاون مــع الصــن قرابــة (‪)163‬‬ ‫مليــار دوالر عــام ‪2020‬م‪ ،‬وهــو مــا ميثــل (‪ )3.5%‬مــن جتــارة الصــن‬ ‫العامليــة‪ ،‬وبلغــت االســتثمارات األجنبيــة املباشــرة الصينيــة يف دول‬ ‫املجلــس أكثــر مــن (‪ )43‬مليــار دوالر خــالل الفتــرة (‪2005-2018‬م)‪.‬‬ ‫كمــا ويقــع مجلــس التعــاون عنــد تقاطعــات طــرق النفــط التــي‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪99‬‬

‫ملف العدد‬

‫تكتســي أهميــة كبيــرة بالنســبة للصــن لتلبيــة احتياجاتهــا املتزايــدة‬ ‫مــن الطاقــة‪ ،‬حيــث تســتأثر املنطقــة بأكثــر مــن ‪ 40%‬مــن واردات‬ ‫الصــن مــن النفــط‪ ،‬إضافــة لكونهــا املــزود الرئيســي للغــاز الطبيعــي‬ ‫مــن خــالل الغــاز املســال القطــري الــذي شــهد تنافســاً كبيــراً مــع‬ ‫أســتراليا التــي تربعــت علــى عــرش صــادرات الغــاز املســال عامليــاً‬ ‫عــام ‪2020‬م‪ ،‬والــذي يذهــب جــزء كبيــر منــه للصــن والــذي مــن‬ ‫احملتمــل اســتبداله بالغــاز املســال القطــري والعمانــي‪ ،‬نتيجــة لتدهــور‬ ‫العالقــات األســترالية ــــ الصينيــة بعــد اتفاقيــة أكــوس‪.‬‬ ‫كمــا ميكــن لــدول اخلليــج أن تلعــب دوراً رئيســاً يف التعــاون‬ ‫االقتصــادي والتبــادالت الثقافيــة حتــت خيمــة مشــروع مبــادرة‬ ‫احلــزام والطريــق‪ .‬كمــا متثــل الــدول اخلليجيــة والعربيــة األســواق‬ ‫احملتملــة للصــن مــن حيــث املــوارد‪ ،‬عــالوة علــى كونهــا تشــكل بوابــة‬ ‫إلــى األســواق األخــرى يف العالــم بحكــم موقعهــا اجليواقتصــادي يف‬ ‫قلــب العالــم‪ ،‬وتعمــل الصــن يف الوقــت احلاضــر علــى زيــادة حجــم‬ ‫اســتثماراتها مــع دول مجلــس التعــاون وال تخــدم هــذه االســتثمارات‬ ‫مصالــح الصــن فحســب‪ ،‬بــل تخــدم ً‬ ‫أيضــا مصالــح دول املجلــس‬ ‫التــي تســعى لتطويــر تنافســية اقتصاداتهــا لدعــم قاعــدة االســتقرار‬ ‫االجتماعــي الــذي تنعــم بــه‪.‬‬ ‫وخالصــة القــول فــإن مشــهد التعــاون االقتصــادي اخلليجــي‬ ‫الصينــي الــذي شــهد حتــوالً كبيــراً خــالل العقديــن املنصريــن ســوف‬ ‫لــن يؤثــر عليــه حتالــف أوكــوس‪ ،‬فمــا يربــط دول مجلــس التعــاون‬ ‫بالصــن مــن عالقــات اقتصاديــة أكبــر بكثيــر ممــا يربطهــا بــدول‬ ‫أوكــوس‪ ،‬لذلــك فــإن مصلحــة اجلانبــن تتطلــب احملافظــة علــى هــذه‬ ‫العالقــات وهــذا مــا جســده التعــاون الفعــال أثنــاء جائحــة كورونــا‬ ‫وهــذا يعكــس القــدرة الكبيــرة علــى املرونــة والصمــود‪ ،‬واإلجنــازات‬ ‫امللموســة للتعــاون اخلليجــي الصينــي‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻻﻗﺘﺼﺎد اﻟﺴﻴﺎﳼ ﺑﺎﳌﻌﻬﺪ اﻟﺪﺑﻠﻮﻣﺎﳼ‪-‬ﻗﻄﺮ‬


‫‪98‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تواجه أمريكا الطريق والحزام بتكتل عالمي للسيطرة عى الطرق‬ ‫والمنافذ الدولية خاصة يف منطقة المحيطين الهادئ والهندي‬ ‫مــع مقــررات االتفاقيــة العامــة للتغيــر املناخــي‪.‬‬ ‫جــدول (‪ )4‬موقــع دول أوكــوس يف تصديــر الغــاز املســال يف العالــم‬ ‫لعــام ‪ " 2020‬مليــار متــر مكعــب"‬

‫‪Source: British petroleum, BP Statistical Review of World‬‬ ‫‪Energy, 70th, June, 2021, p.44‬‬

‫وتســيطر دول أوكــوس علــى أكثــر مــن ربــع اإلنتــاج العاملــي للغــاز‬ ‫الطبيعــي يف العالــم‪ ،‬حيــث شــكل إنتــاج الواليــات املتحــدة وأســتراليا‬ ‫(‪ )27.4%‬مــن اإلنتــاج العاملــي للغــاز الطبيعــي يف العالــم لعــام‬ ‫‪.2020‬‬ ‫جــدول (‪ )5‬موقــع دول حتالــف أوكــوس يف اإلنتــاج العاملــي مــن الغــاز‬ ‫الطبيعــي لعــام ‪ " 2020‬مليــار متــر مكعــب"‬

‫‪Source: British petroleum, BP Statistical Review of World‬‬ ‫‪Energy, 70th, June, 2021, P.36‬‬

‫ثالثاً‪-‬تداعيات تحالف أوكوس عى مبادرة الحزام والطريق‪:‬‬ ‫يهــدف مشــروع الطريــق واحلــزام الــذي أطلقــه الرئيــس الصينــي‬

‫شــي جــن بينــغ عــام ‪2013‬م‪ ،‬إلــى إحــداث حتــوالت غيــر مســبوقة يف‬ ‫النظــام االقتصــادي العاملــي تســتهدف تعزيــز الروابــط التجاريــة بــن‬ ‫آســيا وأوروبــا وإفريقيــا وصــوالً إلــى مناطــق أخــرى مــن العالــم‪ ،‬مــن‬ ‫خــالل مشــاريع بنــى حتتيــة تضــم إنشــاء مرافــئ ومــد ســكك حديــد‬ ‫وإقامــة مطــارات ومجمعــات صناعيــة ومبــا يؤمــن املصالــح املشــتركة‬ ‫يف إطــار مــن املنفعــة املتبادلــة والعدالــة والعقالنيــة واالتــزان يف‬ ‫العالقــات الدوليــة‪.‬‬ ‫وحتــاول الواليــات املتحــدة ملواجهــة مبــادرة الطريــق واحلــزام‬ ‫مــن التنســيق مــع أســتراليا والهنــد واليابــان إلقامــة تكتــل عاملــي‬ ‫جديــد ملشــروع بنيــة حتتيــة دوليــة مشــتركة كبديــل ملبــادرة احلــزام‬ ‫والطريــق الصينيــة‪ ،‬بقصــد مواجهــة اتســاع نطــاق النفــوذ الصينــي‬ ‫علــى الصعيــد العاملــي‪ ،‬ويأتــي حتالــف أوكــوس أيضـاً يف ذات اإلطــار‬ ‫ليحقــق الســيطرة علــى الطــرق واملنافــذ الدوليــة الســيما يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهــادئ والهنــدي‪.‬‬ ‫وينطبــق األمــر علــى سالســل اإلمــداد للمكونــات والســلع املختلفــة‪،‬‬ ‫حيــث جتــري منــذ أكثــر مــن ســنة عمليــات وأنشــطة لتشــكيل سالســل‬ ‫جديــد بعيــدة عــن الصــن‪ ،‬يكــون محورهــا الهنــد وأســتراليا والبرازيل‬ ‫واملكســيك وجنــوب إفريقيــا ومصــر واملغــرب‪ ،‬ورمبــا تدخــل تركيــا‬ ‫علــى ذات اخلــط يف حــال حتســن عالقاتهــا مــع الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫والهــدف هنــا هــو كســر حلقــة النفــوذ الصينــي علــى مكونــات اإلنتــاج‪،‬‬ ‫ال ســيما يف صناعــة الســيارات واحلاســبات اآلليــة والكيماويــات‬ ‫واألدويــة والرقائــق اإللكترونيــة والقطــارات الســريعة واملكائــن‪.‬‬ ‫وميكــن القــول إن جملــة اإلجــراءات االقتصاديــة العقابيــة التــي‬ ‫اتخذتهــا احلكومــة الصينيــة عــام ‪2020‬م‪ ،‬ضــد أســتراليا ســاهمت‬ ‫يف دفــع األخيــرة إلــى التحالــف مــع الواليــات املتحــدة واململكــة‬ ‫املتحــدة ملواجهــة الصــن التــي كانــت متثــل الشــريك التجــاري األول‬ ‫ألســتراليا قبــل عــام ‪2020‬م‪ ،‬حيــث وصلــت الصــادرات األســترالية‬ ‫للصــن إلــى قرابــة (‪ )70‬مليــار دوالر عــام ‪2017‬م‪ ،‬وميكــن اإلشــارة‬ ‫إلــى هــذه اإلجــراءات بالتالــي‪:‬‬ ‫ حظــرت وكالــة اجلمــارك الصينيــة يف مطلــع نوفمبــر ‪2020‬م‪،‬‬‫اســتيراد األخشــاب مــن واليــة كوينزالنــد األســترالية‪ .‬واســتيراد‬ ‫الكركــدن احلــي إلــى الصــن واردات القمــح األســترالي‪.‬‬ ‫‪ -‬فرضــت الصــن اعتبــا ًرا مــن ‪ 19‬مايــو ‪2020‬م‪ ،‬تعريفــة بنســبة ‪80%‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪97‬‬

‫ملف العدد‬

‫أستراليا األوىل عالم ًي ا يف تصدير الغاز بصادرات (‪ )106.2‬مليار متر‬ ‫مكعب أو (‪ )%21.8‬من الصادرات العالمية‬ ‫‪ )3‬أهمية دول أوكوس يف أسواق الغاز الطبيعي العاملية‬ ‫جــاءت أســتراليا باملرتبــة األولــى عامليـاً يف تصديــر الغــاز املســال‬ ‫لعــام ‪2020‬م‪ ،‬حيــث صــدرت (‪ )106.2‬مليــار متــر مكعــب ‪ ،‬أي مــا‬ ‫ميثــل (‪ )21.8%‬مــن الصــادرات العامليــة البالغــة (‪ )487.9‬مليــار متــر‬ ‫مكعــب‪ ،‬ثــم قطــر باملرتبــة الثانيــة بنحــو (‪ )106.1‬مليــار متــر مكعــب‬

‫وبنســبة (‪ ،)21.7%‬ثــم الواليــات املتحــدة بنســبة (‪.)12.6%‬وهــذا‬ ‫يعنــي أن دول حتالــف أوكــوس تهيمــن علــى أكثــر مــن ثلــث الصــادرات‬ ‫العامليــة للغــاز املســال الــذي باتــت تعتمــده دول كثيــرة ومنهــا الصــن‬ ‫التــي تســتورد الغــاز املســال مــن أســتراليا الســتخدامه يف محطــات‬ ‫ال عــن الفحــم والنفــط وذلــك متاشــياً‬ ‫توليــد الطاقــة الكهربائيــة بديـ ً‬


‫‪96‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تستحوذ دول تحالف أوكوس عى (‪ )%19.4‬من حجم التجارة العالمية‬ ‫وتستحوذ الصين عى نحو (‪)%11.5‬‬ ‫جــدول (‪ )1‬النــاجت احمللــي اإلجمالــي لــدول حتالــف أوكــوس واالحتــاد‬ ‫األوروبــي والصــني الشــعبية لعــام ‪ " ٢٠٢٠‬مليــون دوالر‬

‫املصــدر‪ :‬مت احتســاب النســب مــن الباحــث باالعتمــاد علــى بيانــات‬ ‫البنــك الدولــي‪:‬‬

‫مــن إجمالــي الرصيــد التراكمــي لتدفقــات االســتثمار األجنبــي‬ ‫املباشــر الــوارد عامليــاً والبالــغ قرابــة (‪ )42‬ترليــون دوالر لعــام‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬يليــه االحتــاد األوروبــي بنســبة تقــارب (‪ ،)%28‬فالصــن‬ ‫بنســبة (‪)%4.63‬ـ بينمــا هيمــن االحتــاد األوروبــي علــى الرصيــد‬ ‫التراكمــي لالســتثمار األجنبــي املباشــر الصــادر عامليــاً بنســبة‬ ‫(‪ )%27.1‬والبالــغ قرابــة (‪ )49.5‬تريليــون دوالر أمريكــي‪ ،‬تليــه‬ ‫دول أوكــوس بنســبة (‪ ،)%21.8‬فالصــن بنســبة (‪.)%4.75‬‬ ‫جــدول (‪ )٣‬األهميــة النســبية لــدول أوكــوس والصــني الشــعبية يف‬ ‫خريطــة االســتثمار العاملــي لعــام ‪٢٠٢٠‬‬

‫‪Source: https://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.‬‬ ‫‪MKTP.CD‬‬

‫‪ )2‬األهميــة النســبية لتحالــف أوكــوس يف التجــارة العامليــة‪:‬‬ ‫مييــل مشــهد التجــارة العامليــة الســلعية إلــى تبــوؤ دول االحتــاد‬ ‫األوروبــي مكانــة الصــدارة علــى مســتوى الصــادرات الســلعية‬ ‫العامليــة بنحــو (‪ )%31‬مقابــل (‪ )%14.7‬للصــن و(‪)%12.8‬‬ ‫لــدول حتالــف أوكــوس‪ ،‬كمــا تهيمــن دول االحتــاد األوروبــي‬ ‫علــى حركــة الــواردات الســلعية العامليــة بنســبة (‪ ،)%28.8‬بينمــا‬ ‫تســتحوذ دول حتالــف أوكــوس علــى (‪ )%19.4‬بينمــا تســتحوذ‬ ‫الصــن علــى نحــو (‪ ،)%11.5‬واجلــدول التالــي يُبــن ذلــك‪.‬‬ ‫جــدول (‪ )2‬األهميــة النســبية لــدول أوكــوس واالتحــاد األوروبــي‬ ‫والصيــن الشــعبية فــي خريطــة التجــارة العالميــة لعــام ‪2020‬‬

‫‪Source: World Trade Organization )WTO(, World Trade‬‬ ‫‪Statistical Review 2021, Geneva, 2021, P. 58‬‬

‫‪ )3‬األهميــة النســبية يف حركــة االســتثمار العاملــي املباشــر‪:‬‬ ‫أمــا فيمــا يتعلــق بحركــة االندمــاج يف االقتصــاد العاملــي‪،‬‬ ‫فيالحــظ بــأن مجموعــة دول أوكــوس هيمنــت علــى (‪)%33.36‬‬

‫املصــدر‪ :‬مت احتســاب األهميــة النســبية لــدول أوكــوس بالنســبة‬ ‫لالســتثمار األجنبــي املباشــر العاملــي باالعتمــاد علــى‪:‬‬ ‫‪UNCTAD, World Investment Report 2021, Geneva, 2021,‬‬ ‫‪P.252‬‬

‫ويالحــظ مــن اجلــدول أعــاله بــأن دول حتالــف أوكــوس مجتمعــة‬ ‫تتفــوق علــى الصــن املســتهدفة مــن هــذا التحالــف بأكثــر مــن‬ ‫ســبع مــرات فيمــا يتعلــق برصيــد التدفقــات االســتثمارية األجنبيــة‬ ‫املباشــرة الداخلــة‪ ،‬وبأكثــر مــن أربعــة مــرات ونصــف فيمــا يرتبــط‬ ‫برصيــد االســتثمار األجنبــي املباشــر الصــادر‪ ،‬األمــر الــذي يدفــع‬ ‫الصــن إلــى ضــخ املزيــد مــن االســتثمارات الصينيــة يف إطــار‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق وجــذب املزيــد مــن االســتثمارات األجنبيــة‬ ‫املباشــرة لتنفيــذ مشــاريع حتقــق لهــا الريــادة لالقتصــاد العاملــي‪،‬‬ ‫وكذلــك ضــخ اســتثمارات مباشــرة يف العديــد مــن الــدول الناميــة‬ ‫يف آســيا وإفريقيــا وأمريــكا الالتينيــة الســيما وأن الصــن الشــعبية‬ ‫مازالــت متخلفــة كثيــراً علــى االحتــاد األوروبــي ودول أوكــوس فيمــا‬ ‫يتعلــق بحركــة تدفقــات رأس املــال‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪95‬‬

‫ملف العدد‬

‫تحالـــف أوكـــوس يتصـــدر االقتصـــاد العالمـــي بناتـــج محـــي‬ ‫إجم ــايل (‪ )25‬تريلي ــون دوالر بنس ــبة (‪ )%29.47‬م ــن النات ــج العالم ــي‬ ‫التــي مت ّثــل أحرفهــا اختصــاراً للبلــدان املشــاركة فيهــا وهــي شــراكة‬ ‫دفاعيــة وأمنيــة جديــدة‪ ،‬تســتهدف حماية مصالــح دولها يف احمليطن‬ ‫الهنــدي والهــادي‪ .‬ومبقتضــى هــذا االتفــاق‪ ،‬ســتقوم الواليــات املتحــدة‬ ‫وبريطانيــا بتزويــد أســتراليا بتكنولوجيــا وقــدرات متكنهــا مــن نشــر‬ ‫غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة كبديــل للغواصــات الفرنســية‬ ‫وستســمح للــدول الثــالث بتبــادل التكنولوجيــا التــي تشــمل األمــن‬ ‫اإللكترونــي والــذكاء االصطناعــي واألنظمــة حتــت املــاء وقــدرات‬ ‫الضربــات بعيــدة املــدى‪.‬‬ ‫ومــن نافلــة القــول‪ ،‬فــإن مجــيء مبــادرة «أوكــوس» يف الوقــت الــذي‬ ‫لــم تتو ّقــف فيــه تداعيــات االنســحاب األمريكــي مــن أفغانســتان‪،‬‬ ‫يؤكــد مــدى احلاجــة املاســة التــي تستشــعرها الواليــات املتحــدة‬ ‫إلعــادة متوضــع اســتراتيجي يف مواجهــة الصــن‪ ،‬وواضــح أن هــذه‬ ‫الســرعة يف اتخــاذ قــرارات اســتراتيجية تفــوق قــدرة بعــض احللفــاء‬ ‫الغربيــن علــى االســتيعاب والتصــ ّرف بالســرعة نفســها‪ ،‬أو تقبــل‬ ‫تلــك القــرارات‪ .‬ووفقــاً لوجهــة النظــر الصينيــة‪ ،‬فــإن الواليــات‬ ‫املتحــدة واململكــة املتحــدة تســتخدمان الصــادرات النوويــة كأداة‬ ‫للعبــة جيوسياســية‪ ،‬وأن التحالــف يقــوض بصــورة خطيــرة الســالم‬ ‫واالســتقرار اإلقليميــن ويفاقــم ســباق التســلح ويضــر بجهــود عــدم‬ ‫االنتشــار الدولــي‪ ،‬عــالوة أن أســتراليا قــد نقضــت اتفاقيــة راتوتونغــا‬ ‫التــي متنــع دول منطقــة البحــر الهــادئ مــن إنتــاج ومتلــك والســعي‬ ‫للحصــول علــى األســلحة النوويــة‪.‬‬ ‫وجتــدر اإلشــارة إلــى أن اخلطــر الصينــي يف االســتراتيجية‬ ‫األمريكيــة بــدأ يتعاظــم ويُهــدد املكانــة التــي حتتلهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫يف النظــام الدولــي الراهــن‪ ،‬ســواء علــى الصعيــد االقتصــادي‪،‬‬ ‫حيــث يــرى الكثيــر مــن خبــراء االقتصــاد بــأن الصــن باتــت مبثابــة‬ ‫"اقتصــاد العالــم" وذلــك للتشــابكات االقتصاديــة وسالســل اإلمــداد‬ ‫املرتبطــة بالشــحن واالســتيراد التــي تصــل أوروبــا وأمريــكا بالصــن‬ ‫الشــعبية‪ ،‬عــالوة علــى مبــادرة "احلــزام والطريــق" والتــي تتعهدهــا‬ ‫الصــن بالتمويــل‪ ،‬وتربــط بــن األخيــرة ومختلــف الــدول املشــاركة‬ ‫فيهــا‪ ،‬أو علــى الصعيــد العلمــي والتقنــي‪ ،‬الســيما يف مجــال الــذكاء‬ ‫االصطناعــي واألمــن الســيبراني وتكنولوجيــا الفضــاء‪ ،‬أو علــى‬ ‫الصعيــد العســكري والنفــوذ الصينــي يف البحــر اجلنوبــي للصــن‬ ‫وغيرهــا مــن املناطــق‪.‬‬ ‫ويف ظــل هــذا املشــهد يــرى الكثيــر مــن احملليــن بــأن واشــنطن‬ ‫يف صراعهــا مــع بكــن باتــت مــع بدايــة العشــرية الثالثــة مــن القــرن‬

‫احلــادي والعشــرين‪ ،‬ال متلــك القــدرات كافية لتحقيــق أهدافها‪ ،‬حيث‬ ‫أن الصــن متكنــت خاصــة خــالل العقــد األخيــر مــن عبــور مــا يســميه‬ ‫البعــض باخلــط األحمــر الــذي يســجل آخــر فرصــة للغــرب لوقــف‬ ‫تفــوق الصــن واحتاللهــا املرتبــة األولــى اقتصاديـاً علــى العالــم‪.‬‬ ‫وغنــي عــن البيــان‪ ،‬فــإن الواليــات املتحــدة تســعى لفــرض‬ ‫حصــار عســكري واقتصــادي حــول الصــن عــن طريــق تشــكيل‬ ‫حتالــف ناتــو مصغــر يف منطقــة الشــرق األقصــى واحمليــط الهــادي‪.‬‬ ‫اخلطــوة األولــى لبنــاء هــذا احللــف كانــت تشــكيل تكتــل “أوكــوس”‬ ‫العســكري أساســاً بــن الواليــات املتحــدة وأســتراليا وبريطانيــا‪.‬‬ ‫وتفعيــل التحالــف الســابق املعــروف باســم «كــواد»‪ ،‬الــذي يضــم بــدوره‬ ‫الواليــات املتحــدة والهنــد واليابــان وأســتراليا‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن حتفيــز‬ ‫العديــد مــن الــدول اآلســيوية احمليطــة والقريبــة مــن الصــن‪ ،‬كفيتنــام‬ ‫وكوريــا اجلنوبيــة وإندونيســيا وســنغافورة وميامنــار بــأن تشــكل‬ ‫روابــط أمنيــة وعســكرية بحريــة وبريــة تدعمهــا الواليــات املتحــدة‬ ‫حملاصــرة أي متــدد عســكري صينــي بحــراً أو بــراً‪ ،‬ويف الســياق ذاتــه‬ ‫تدعيــم القــدرات العســكرية لــكل مــن تايــوان واليابــان‪ ،‬مبــا يحــول دون‬ ‫أي مغامــرة عســكرية صينيــة ضــد تايــوان حتديــداً‪.‬‬ ‫ثانياً‪-‬تأثير حتالف أوكوس يف االقتصاد العاملي‪:‬‬ ‫حتتــل دول أوكــوس عنــد النظــر إليهــا كوحــدة واحــدة مكانــة‬ ‫متميــزة باالقتصــاد العاملــي ســواء مــا يتعلــق بحجــم النــاجت احمللــي‬ ‫اإلجمالــي أو يف تنامــي عالقاتهــا االقتصاديــة الدوليــة املعبــر‬ ‫عنهــا بحركــة التبــادل التجــاري الســلعي أو بتدفقــات االســتثمارات‬ ‫األجنبيــة املباشــرة‪ ،‬ويف أســواق الطاقــة العامليــة‪ .‬وميكــن بيــان الــوزن‬ ‫النســبي لــدول هــذا التحالــف وتأثيراتهــا يف االقتصــاد العاملــي مــن‬ ‫خــالل التالــي‪:‬‬ ‫‪ )1‬احلجم االقتصادي لتحالف أوكوس يف االقتصاد العاملي‪:‬‬ ‫مييــل مشــهد االقتصــاد العاملــي لعــام ‪2020‬م‪ ،‬إلــى تصــدر حتالــف‬ ‫أوكــوس العالــم مــن حيــث احلجــم االقتصــادي‪ ،‬حيــث بلــغ النــاجت‬ ‫احمللــي اإلجمالــي لــدول هــذا التحالــف قرابــة (‪ )25‬تريليــون دوالر‬ ‫أمريكــي يشــكل (‪ )%29.47‬مــن النــاجت احمللــي اإلجمالــي العاملــي‬ ‫البالــغ (‪ )83.7‬تريليــون دوالر‪ ،‬بينمــا شــكل النــاجت احمللــي اإلجمالــي‬ ‫لــدول االحتــاد األوروبــي نســبة (‪ )%18.15‬والصــن (‪.)%17.38‬‬


‫‪94‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تأثير اتفاق "أوكوس" على االقتصاد العالمي ودول مجلس التعاون الخليجي‬

‫"أوكوس" لن يؤثر عى التعاون الخليجي ـ‬ ‫الصينيومصلحةالجانبينيفصمودالعالقات‬ ‫شــهد املشــهد العاملــي خــالل العشــرية األخيــرة مــن القــرن احلالــي حتــوالً يف بــؤرة التركيــز يف السياســة العامليــة اجتــاه‬ ‫منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ التــي تتزاحــم عليهــا األجنــدات العامليــة واإلقليميــة بــدالً مــن التركيــز علــى منطقــة‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬فلطاملــا انتظــر حلفــاء الواليــات املتحــدة يف آســيا واحمليــط الهــادئ‪ ،‬الســيما اليابــان‪ ،‬التحــول االســتراتيجي‬ ‫للواليــات املتحــدة نحــو آســيا واملنطقــة األوســع‪ ،‬والتــي بــدأت بواكيــره مــع زيــارة الرئيــس األمريكــي بــارك أوبامــا لليابــان عــام‬ ‫‪2009‬م‪ ،‬بعــد ســنة مــن انتخابــه والــذي لــم يســتطع تنشــيط هــذا املســار نتيجــة لغــرق أمريــكا يف مســتنقع حربــن عبثيتــن يف‬ ‫العــراق وأفغانســتان ورثهــا أوبامــا مــن ســلفه جــورج بــوش االبــن والتــي كلفــت اخلزانــة العامــة األمريكيــة خمســة تريليونــات‬ ‫دوالر‪ .‬وتبنــى الرئيــس دونالــد ترامــب مســار إعــادة االنخــراط يف القــارة اآلســيوية‪ ،‬باعتبارهــا تشــكل أولويــة‪ ،‬عــن طريــق‬ ‫تعزيــز فكــرة منطقــة التجــارة احلــرة املفتوحــة يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ يف خطابــه يف قمــة منتــدى التعــاون االقتصــادي‬ ‫آلســيا واحمليــط الهــادئ‪ ،‬بفيتنــام ‪2017‬م‪ ،‬غيــر أنــه لــم يتمكــن مــن الســير يف هــذا املســار نظــراً للتداعيــات الكبيــرة جلائحــة‬ ‫كورونــا علــى االقتصــاد األمريكــي‪.‬‬

‫د‪ .‬نوزاد عبد الرحمن الهيتي‬

‫ومــع مجــيء الرئيــس جــو بايــدن تؤكــد اإلدارة األمريكيــة مجــدداً‬ ‫علــى احلفــاظ علــى تــوازن القــوى يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‬ ‫ملواجهــة تنامــي النفــوذ الصينــي الصاعــد‪ ،‬وجتلــى ذلــك بصــورة‬ ‫جليــة باإلعــالن علــى حتالــف «أوكــوس»‪ ،‬يف ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫الــذي يضــم املثلــث الناطــق باللغــة اإلجنليزيــة ( الواليــات املتحــدة‬ ‫واململكــة املتحــدة وأســتراليا) الــذي يســتهدف إقامــة عالقــات قويــة‬ ‫بــن أعضائــه وتبــادل التكنولوجيــا واخلبــرة إلنتــاج غواصــات تعمــل‬ ‫بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وكانــت مــن نتائــج هــذا التحالــف إلغــاء أســتراليا‬ ‫عقــداً بقيمــة ‪ 66‬مليــار دوالر كان مــن املفتــرض مبوجبــه أن تــزود‬ ‫فرنســا أســتراليا بغواصــات مبوجــب اتفــاق مت توقيعــه بــن اجلانبــن‬

‫عــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ويأتــي هــذا املقــال ليعطــي خلفيــة عامــة عــن حتالــف أوكــوس الذي‬ ‫يضــم الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة وأســتراليا‪ ،‬وبيــان األهميــة‬ ‫النســبية لتحالــف أوكــوس يف االقتصــاد العاملــي وأثــاره علــى مبــادرة‬ ‫الطريــق واحلــزام‪ ،‬وتداعياتــه علــى مســار العالقــات االقتصاديــة‬ ‫الصينيــة مــع دول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪.‬‬

‫أوالً‪-‬خلفية عامة عن تحالف أوكوس‪:‬‬ ‫أعلنــت الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وأســتراليا يف اخلامــس‬ ‫عشــر مــن ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬عــن اتفاقيــة " أوكــوس" ‪AUKUS‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫أن الصــن بالفعــل قــوة عظمــى تنافــس الواليــات املتحــدة يف محيــط‬ ‫آســيا‪ .‬وتركــز الصــن علــى تطويــر مجموعــة مــن املجســات وأنظمــة‬ ‫التســليح التــي مــن شــأنها إزاحــة القــوات األمريكيــة عــن العمــل قــرب‬ ‫أراضيهــا ألبعــد مســافة ممكنــة‪ ،‬ويــرى احملللــون أن قــدرات الصــن‬ ‫يف تزايــد مســتمر‪ ،‬ممــا ميكنهــا مــن الثقــة يف قدرتهــا علــى ردع أي‬ ‫ر َد فعــل أمريكــي والتعايــش معــه‪ .‬إن لــدى الواليــات املتحــدة قــوة‬ ‫هائلــة لكنهــا ليســت علــى مــا يكفــي مــن اجلاهزيــة‪ ،‬أو التســلح‪ ،‬أو‬ ‫االســتعداد لســباق قــوة كبيــر‪ ،‬وأن أي تراكــم يف أولويــات التســليح‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪93‬‬

‫ملف العدد‬

‫املســتمر مــن احملتمــل أنــه ســيفوق قــدرة ميزانيتهــا‪ .‬ســيعتمد جنــاح‬ ‫"أوكــوس" علــى ســرعة قيــام احللفــاء الثالثــة باتبــاع مســار ال رجعــة‬ ‫فيــه لغواصــة نوويــة أســترالية‪ .‬وإذا وقــع املشــروع يف فــخ التكلفــة‬ ‫والتأخيــر‪ ،‬فســوف يواجــه الفشــل ويخاطــر مبزيــد مــن تــآكل قــدرة‬ ‫الواليــات املتحــدة وحلفائهــا علــى ردع الصــن‪.‬‬

‫*أﻛﺎدميﻲ ــ ﺟﻤﻬﻮرﻳﺔ ﻣﴫ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬


‫‪92‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ﺣﺎﻣﻠﺔ اﻟﻄﺎﺋﺮات اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ "ﻳﻮ إس إس ﻛﺎرل ﻓﻴﻨﺴﻮن" ﰲ ﺑﺤﺮ اﻟﺼني اﻟﺠﻨﻮيب‬

‫تس ــمح الطاق ــة النووي ــة للغواص ــات الهجومي ــة األس ــترالية بالبقاء‬ ‫يف البح ــر خمس ــة أش ــهر وتعم ــل به ــدوء أكث ــر م ــن غواص ــات الدي ــزل‬ ‫القواعــد ميكــن اعتبارهــا بــال فائــدة مــع بدايــة الضربــات اجلويــة يف‬ ‫الســاعات األولــى ألي صــراع‪ .‬وتشــير الكثيــر مــن الشــواهد إلــى أن‬ ‫القــوة العســكرية األمريكيــة مــا زالــت أكبــر مــن نظيرتهــا يف بكــن‪.‬‬ ‫فالترســانة النوويــة األمريكيــة (وكذلــك الروســية) أكبــر بكثيــر مــن‬ ‫الصــن‪ .‬كمــا حتتفــظ الواليــات املتحــدة بتفوقهــا التكنولوجــي يف‬ ‫مجــاالت هامــة مثــل جمــع املعلومــات املخابراتيــة‪ ،‬وأنظمــة دفــاع‬

‫الصواريــخ الباليســتية‪ ،‬وأحــدث الطائــرات احلربيــة‪ ،‬وتســتند علــى‬ ‫شــبكة قويــة مــن العالقــات يف آســيا وأوروبــا‪ .‬ويف املقابــل ال متتلــك‬ ‫الصــن مثــل هــذا النــوع مــن نظــام التحالفــات‪ ،‬ولكنهــا تعمــل بجــد‬ ‫علــى ســد الفجــوة التكنولوجيــة مــع الواليــات املتحدة‪ .‬ومــا يُهِ َّم الصن‬ ‫يف كل األحــوال هــو امتدادهــا االســتراتيجي يف آســيا‪ .‬وبنظــرة إلــى‬ ‫عاملــن أساســين‪ ،‬همــا القــرب اجلغــرايف والتركيــز‪ ،‬فــإن ذلــك يعنــي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪91‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمري ــكا األوىل عالم ًي ــا بـ ـــ ‪ 68‬غواص ــة نووي ــة وروس ــيا الثاني ــة بـ ـــ‬ ‫‪ 29‬والصي ــن لديه ــا ‪12‬وف ًق ــا للمعه ــد ال ــدويل للدراس ــات االس ــتراتيجية‬ ‫والطريــق الصينيــة‪ ،‬واتفــق اجلميــع علــى نهــج مشــترك جتــاه‬ ‫أفغانســتان وكوريــا الشــمالية‪ ،‬ممــا يــدل علــى تعــاون أكثــر شــموالً‬ ‫يف القضايــا ذات االهتمــام العاملــي‪ .‬وتــدرس الواليــات املتحــدة ً‬ ‫أيضــا‬ ‫ضــم كوريــا اجلنوبيــة إلــى حتالفهــا االســتخباراتي "العيــون اخلمــس‬ ‫‪ - "Five Eyes‬والــذي يضــم ً‬ ‫أيضــا أســتراليا واململكــة املتحــدة‬ ‫ً‬ ‫وكنــدا ونيوزيلنــدا ‪ -‬وجـ َّـددت هــذا العــام اتفاقــا عســكر ًّيا مــع الفلبــن‬ ‫يســمح للقــوات األمريكيــة بالتمركــز يف البــالد‪.‬‬ ‫يف مواجهــة املخــاوف بشــأن القــوة املتناميــة للصــن ســوف ينشــأ‬ ‫حتــول جيوسياســي يواكــب املشــاركة املتزايــدة لــدول املنطقــة مــع‬ ‫أكبــر الدميقراطيــات يف العالــم لــردع الصــن عــن اســتخدام قوتهــا‪.‬‬ ‫يُعيــد هــذا التحالــف ترتيــب هيــكل القــوة يف منطقــة احمليــط الهــادئ‪،‬‬ ‫بافتــراض أن الصــن لــم تعــد منافسـاً مســاملاً‪ ،‬بــل يف ســبيلها لتكــون‬ ‫عــدواً خطيــراً‪ .‬وباعتبــار خطــورة نُـ ُذر املواجهــة لعــدو بحجــم الصــن‬ ‫فــإن األمــر يســتدعي أن حتتشــد القــوى اإلقليميــة التــي تــرى يف‬ ‫الصعــود الصينــي تهديــدًا ملصاحلهــا العليــا‪ ،‬كالهنــد وأســتراليا‬ ‫واليابــان وكوريــا اجلنوبيــة وفيتنــام‪ ،‬وأن تشــارك جميعهــا يف حتمــل‬ ‫األعبــاء‪.‬‬

‫خيارات الصين وروسيا لمواجهة التحالف‬ ‫مــع حتالــف "أوكــوس" تبتعــد الواليــات املتحــدة عــن أوروبــا وتُق ـ ِّرب‬ ‫الصــن مــن روســيا وإيــران‪ ،‬أعطــت واشــنطن األولويــة لإلجنليــز‬ ‫وجتاهلــت جهــود حلفائهــا األوروبيــن‪ ،‬ممــا أدى إلــى حــدوث‬ ‫انقســامات يف شــبكة حتالفهــا‪ .‬وكان رد الصــن وروســيا تكثيــف‬ ‫تعاونهمــا وضــم إيــران إلــى منظمــة شــنغهاي للتعــاون‪ .‬وتشــعر الصــن‬ ‫بالقلــق مــن هــذه املبــادرات األمريكيــة‪ ،‬وتتهــم "أوكــوس" بتقويــض‬ ‫الســالم اإلقليمــي‪ ،‬وص َّعــدت بكــن مــن التوقعــات يف مضيــق تايــوان‪،‬‬ ‫حيــث نفــذت عــد ًدا قياســ ًّيا مــن الطلعــات العســكرية بالقــرب مــن‬ ‫تايــوان‪ .‬يشــير اتفــاق "أوكــوس" إلــى حتــول اســتراتيجي للواليــات‬ ‫املتحــدة مــن شــمال األطلســي إلــى احمليــط الهنــدي واحمليــط الهــادئ‬ ‫ســيكون لــه تداعيــات عســكرية وأمنيــة لعقــود قادمــة‪ .‬كمــا إن‬ ‫التحــرك لتزويــد أســتراليا غيــر النوويــة بغواصــات تعمــل باليورانيــوم‬ ‫عالــي التخصيــب يعــزز مــن دور كانبيــرا كمصــدر إلســقاط القــوة‬

‫األمريكيــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وقــد رحبــت اليابــان بـ"أوكــوس" كضامــن للســالم اإلقليمــي‪ ،‬بينمــا‬ ‫لــم تعــارض الهنــد االتفاقيــة‪ .‬مــن املتوقــع أن تعــزز اململكــة املتحــدة‬ ‫دورهــا يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ مــن خــالل زيــادة‬ ‫اإلنفــاق العســكري وتوســيع قاعدتهــا يف عمــان‪ .‬يف املقابــل‪ ،‬أعــرب‬ ‫بعــض أعضــاء رابطــة دول جنــوب شــرق آســيا عــن مخاوفهــم بشــأن‬ ‫خطــر قيــام "أوكــوس" بتحفيــز ســباق التســلح‪.‬‬ ‫تتجــاوز العالقــات الثنائيــة بــن الصــن وروســيا التعــاون العســكري‬ ‫والتدريبــات املشــتركة وصفقــات األســلحة‪ .‬لديهــم ً‬ ‫أيضــا شــراكة‬ ‫اســتراتيجية متناميــة‪ ،‬كمــا يتضــح مــن إعــالن موســكو األخيــر عــن‬ ‫زيــادة بنســبة ‪ % 90‬يف مبيعــات الطاقــة إلــى الصــن‪ ،‬التــي تعانــي مــن‬ ‫احمل َ‬ ‫نقــص يف الكهربــاء‪ .‬وبشــكل عــام‪ ،‬فــإن منطقــة ُ‬ ‫ــن الهنــدي‬ ‫يط ْ ِ‬ ‫والهــادئ تزخــر بتنافــس شــديد بــن الواليــات املتحــدة والصــن‪.‬‬ ‫تشــعر بكــن بأنهــا محاصــرة يف منطقتهــا األم بينمــا تقتــرب واشــنطن‬ ‫مــن تايــوان‪ ،‬ضمــن جهودهــا األمنيــة والدبلوماســية األخــرى‪.‬‬ ‫نســقة‪ ،‬واملواءمــة بــن املواقــف الرســمية‬ ‫ســتعمل املنــاورات األمنيــة امل ُ َّ‬ ‫ملنظمــة شــنغهاي للتعــاون ومنظمــة معاهــدة األمــن اجلماعــي بقيــادة‬ ‫روســيا علــى توســيع صــورة املجموعتــن وتكاملهمــا يف أوراســيا حتــت‬ ‫قيــادة روســيا والصــن‪ .‬ويف الوقــت نفســه‪ ،‬تعمــل منظمــة شــنغهاي‬ ‫للتعــاون علــى إقامــة روابــط أوثــق مــن خــالل استكشــاف مجــاالت‬ ‫جديــدة‪ ،‬كمــا يتضــح مــن الظهــور األول حلــرب الطائــرات امل ُ َس ـ َّيرة‬ ‫خــالل التدريبــات املشــتركة األخيــرة‪.‬‬

‫خاتمة‪ -‬الردع الصيني‬ ‫لــم تعــد الصــن قــوة صاعــدة‪ ،‬إذ أنهــا صعــدت بالفعــل‪ ،‬وأصبحــت‬ ‫تتحــدى الواليــات املتحــدة يف مجــاالت عســكرية عديــدة‪ .‬ووفــق‬ ‫تقريــر أصــدره مركــز الدراســات األمريكيــة يف جامعــة ســيدني‬ ‫األســترالية‪ :‬لــم تعــد الواليــات املتحــدة تتمتــع بالتفــوق العســكري‬ ‫يف منطقــة احمليــط الهــادي والهنــدي‪ ،‬وأن قدرتهــا علــى االحتفــاظ‬ ‫بتــوازن القُــ َوى لصاحلهــا أصبحــت محــل شــكوك متزايــدة‪ ،‬وأن‬ ‫ترســانة األســلحة الهائلــة التــي متتلكهــا بكــن تهــدد القواعــد‬ ‫األساســية التــي متتلكهــا الواليــات املتحــدة وحلفاؤهــا‪ .‬وأن مثــل هــذه‬

‫ســـالح ا نوو ًّي ـــا وأمريـــكا تمتلـــك‬ ‫تمتلـــك روســـيا ‪6370‬‬ ‫ً‬ ‫ســـالح ا نوو ًّي ـــا‬ ‫‪ 5800‬ســـالح نـــووي وتمتلـــك الصيـــن ‪272‬‬ ‫ً‬


‫‪90‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"الثالثي" رد ًا عى حملة بكين التوسعية يف بحر الصين الجنوبي‬ ‫وزيادة العداء لتايوان‬ ‫إضافــة إلــى ‪ 8‬كاســحات ألغــام‪ .‬وتبلــغ ميزانيــة الدفــاع ومعــدل‬ ‫اإلنفــاق الســنوي للجيــش األمريكــي ‪ 740‬مليــار دوالر أمريكــي‪.‬‬ ‫اجليــش الروســي‪ :‬يبلــغ عــدد ســكان روســيا االحتاديــة قرابــة ‪142‬‬ ‫مليــون نســمة‪ ،‬بينهــم ‪ 69‬مليــون نســمة قــوة بشــرية متاحــة وتعــداد‬ ‫جنــود اجليــش الروســي يف اخلدمــة ‪ 3.569‬مليــون جنــدي‪ ،‬إضافــة‬ ‫إلــى ‪ 2‬مليــون جنــدي يف قــوات االحتيــاط‪ .‬ميتلــك اجليــش الروســي‬ ‫أكثــر مــن ‪ 4144‬طائــرة حربيــة بينهــا ‪ 789‬مقاتلــة‪ ،‬و‪ 742‬طائــرة‬ ‫هجوميــة‪ ،‬وهنــا يبــرز الفــارق الكبيــر بينــه وبــن نظيــره األمريكــي‬ ‫الــذي يتفــوق يف هــذا اجلانــب‪ ،‬كمــا ميتلــك اجليــش الروســي ‪1540‬‬ ‫مروحيــة عســكرية منهــا ‪ 538‬مروحيــة هجوميــة‪ .‬ميتلــك اجليــش‬ ‫الروســي ‪ 13,000‬دبابــة‪ ،‬حيــث يتفــوق هنــا بشــكل كبيــر علــى نظيــره‬ ‫األمريكــي‪ ،‬كمــا ميتلــك أكثــر مــن ‪ 27‬ألــف مدرعــة‪ ،‬وأكثــر مــن ‪6540‬‬ ‫مدف ًعــا ذاتــي احلركــة‪ ،‬وقرابــة ‪ 4465‬مدف ًعــا ميدان ًّيــا‪ ،‬و‪ 3860‬راجمــة‬ ‫صواريــخ‪ ،‬يف تفــوق واضــح علــى الواليــات املتحــدة أيضــاً يف هــذا‬ ‫اجلانــب‪ .‬يتكــون األســطول الروســي مــن ‪ 603‬قطــع بحريــة منهــا‬ ‫حاملــة طائــرات وحيــدة وهنــا تتفــوق الواليــات املتحــدة بقــوة يف‬ ‫هــذا اجلانــب‪ ،‬وميتلــك اجليــش الروســي ‪ 64‬غواصــة‪ ،‬و‪ 11‬فرقاطــة‬ ‫و‪ 48‬كاســحة ألغــام‪ .‬وتبلــغ ميزانيــة الدفــاع ومعــدل اإلنفــاق الســنوي‬ ‫للجيــش الروســي ‪ 42‬مليــار دوالر أمريكــي‪.‬‬ ‫اجليــش الصينــي‪ :‬يبلــغ عــدد ســكان جمهوريــة الصــن الشــعبية‬ ‫‪ 1.394‬مليــار نســمة‪ ،‬بينهــم قرابــة ‪ 753‬مليــون نســمة كقــوة بشــرية‬ ‫متاحــة‪ ،‬وتعــداد جنــود اجليــش الصينــي يف اخلدمــة ‪ 3.355‬مليــون‬ ‫جنــدي‪ ،‬إضافــة إلــى ‪ 510‬آالف جنــدي يف قــوات االحتيــاط‪ .‬ميتلــك‬ ‫اجليــش الصينــي أكثــر مــن ‪ 3260‬طائــرة حربيــة بينهــا ‪ 1200‬مقاتلــة‪،‬‬ ‫و‪ 371‬طائــرة هجوميــة‪ ،‬كمــا ميتلــك ‪ 902‬مــن املروحيــات العســكرية‬ ‫منهــا ‪ 327‬مروحيــة هجوميــة‪ .‬وميتلــك ‪ 3205‬دبابــات‪ ،‬وأكثــر مــن ‪35‬‬ ‫ألــف مدرعــة‪ ،‬وأكثــر مــن ‪ 1970‬مدف ًعــا ذاتــي احلركــة‪ ،‬وقرابــة ‪1234‬‬ ‫مدف ًعــا ميدان ًّيــا‪ ،‬و‪ 2250‬راجمــة صواريــخ‪ .‬يتكــون األســطول الصينــي‬ ‫مــن ‪ 777‬قطعــة بحريــة منهــا حاملتــا طائــرات‪ ،‬و‪ 79‬غواصــة‪ ،‬و ‪50‬‬ ‫مدمــرة و‪ 46‬فرقاطــة و‪ 36‬كاســحة ألغــام‪ .‬وتبلــغ ميزانيــة الدفــاع‬ ‫ومعــدل اإلنفــاق الســنوي للجيــش الصينــي ‪ 178‬مليــار دوالر أمريكــي‪.‬‬

‫طبيعة التحالف‬ ‫ومبوجــب اتفاقيــة "أوكــوس" ستســاعد الواليــات املتحــدة واململكــة‬ ‫املتحــدة أســتراليا يف بنــاء مــا ال يقــل عــن ثمانــي غواصــات تعمــل‬ ‫بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وهــي املــرة األولــى التــي تشــارك فيهــا واشــنطن‬

‫ولنــدن تكنولوجيــا الغواصــات النوويــة احلساســة مــع كانبيــرا‪ .‬لبــدء‬ ‫الشــراكة ســيعمل املســؤولون البحريــون واملتخصصــون الفنيــون مــن‬ ‫الــدول الثــالث م ًعــا علــى مــدار الـــ ‪ 18‬شــه ًرا القادمة لتزويد أســتراليا‬ ‫بالتكنولوجيــا لنشــر غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬ولكــن نظ ـ ًرا‬ ‫لتعقيــد التكنولوجيــا‪ ،‬فقــد ال يعمــل أســطول الغواصــات النوويــة‬ ‫األســترالية حتــى عــام ‪2040‬م‪ ،‬تقري ًبــا‪.‬‬ ‫تتميــز الغواصــات التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة بأنهــا أســرع بكثيــر‬ ‫ويصعــب اكتشــافها مــن األســاطيل التــي تعمــل بالطاقــة التقليديــة‪،‬‬ ‫وتطلــق الصواريــخ ملســافات أطــول‪ ،‬وقــادرة علــى البقــاء مغمــورة‬ ‫لفتــرة أطــول‪ ،‬مــع وقــود ٍ‬ ‫كاف لتشــغيلها نظر ًيــا لســنوات‪ ،‬وهــي‬ ‫ميــزة يف هجمــات التخفــي‪ .‬يتعــن علــى الغواصــات التقليديــة التــي‬ ‫تســتخدم محــركات كهربائيــة تعمــل بالديــزل أن تطفــو علــى الســطح‬ ‫بانتظــام حتــى ميكــن إعــادة شــحن بطارياتهــا‪ ،‬ممــا يســمح برصدهــا‬ ‫بســهولة أكبــر‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن أن األطــراف لــم تقــل ذلــك‪ ،‬إال أن احملللــن ينظــرون‬ ‫إلــى االتفاقيــة إلــى حــد كبيــر علــى أنهــا محاولــة بقيــادة الواليــات‬ ‫املتحــدة ملواجهــة النفــوذ املتزايــد للصــن يف املنطقــة‪ .‬مبوجب معاهدة‬ ‫األمم املتحــدة ملنــع انتشــار األســلحة النوويــة‪ ،‬يحظــر علــى أســتراليا‬ ‫تصنيــع أو حيــازة أســلحة نوويــة‪ .‬لكــن املفاعــالت البحريــة معفــاة مــن‬ ‫الضمانــات النوويــة‪ ،‬ويشــتبه يف قيــام دول أخــرى باســتغالل هــذه‬ ‫الثغــرة مــن خــالل اســتخدام الوقــود املســتخدم لتشــغيل املفاعــالت‬ ‫الفرعيــة لتطويــر أســلحة نوويــة ً‬ ‫أيضــا‪ .‬قالــت نيوزيلنــدا إنهــا ســتمنع‬ ‫الغواصــات األســترالية مــن دخــول مياههــا‪ ،‬مبــا يتماشــى مــع‬ ‫السياســة احلاليــة بشــأن وجــود غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪،‬‬ ‫وبــدت أكثــر حــذراً يف التوافــق مــع الواليــات املتحــدة أو الصــن يف‬ ‫احمليــط الهــادئ‪.‬‬

‫احتماالت مستقبل التحالف‬ ‫يف أول اجتمــاع لبايــدن كرئيــس للواليــات املتحــدة مــع قــادة مــن‬ ‫اليابــان والهنــد وأســتراليا ‪ -‬الــدول الثــالث األخــرى يف حتالــف‬ ‫يعــرف باســم "الرباعــي" – ناقــش مــا دعــاه بـــ "العــدوان" و"اإلكــراه"‬ ‫مــن قِ َبــل الصــن ضــد أعضــاء املجموعــة‪ .‬تعهــد القــادة األربعــة‬ ‫َ‬ ‫احمليطـ ْـن الهنــدي والهــادئ منطقــة‬ ‫بالعمــل علــى أن تصبــح منطقــة‬ ‫حــرة ومنفتحــة‪ ،‬بعيــدة عــن تأثيــر األنشــطة العســكرية املتصاعــدة‬ ‫لبكــن‪ .‬ورمبــا كان اإلعــالن عــن شــراكة البنيــة التحتيــة الرباعيــة‬ ‫اجلديــدة هــو مبثابــة الــرد الــذي طــال انتظــاره علــى مبــادرة احلــزام‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫ﻏﻮاﺻﺔ اﻟﺒﺤﺮﻳﺔ اﳌﻠﻜﻴﺔ اﻷﺳﱰاﻟﻴﺔ ‪HMAS Sheean‬‬ ‫الصــن اجلنوبــي املتنــازع عليــه‪.‬‬ ‫وصــف الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن العالقــات بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن بأنهــا معركــة القــرن‪ ،‬ووصفهــا بأنهــا اختبــار حاســم‬ ‫ملزايــا الدميقراطيــة مقابــل االســتبداد‪ .‬انتقــدت الصــن "أوكــوس"‬ ‫ووصفتهــا بأنهــا "غيــر مســؤولة للغايــة" وقالــت إنهــا قــد تــؤدي إلــى‬ ‫ســباق تســلح نــووي‪ ،‬وهــو قلــق أعربــت عنــه كوريــا الشــمالية ً‬ ‫أيضــا‪.‬‬ ‫وفقـاً ملوقــع "جلوبــال فايــر بــاور" املختــص برصــد القــدرات العســكرية‬ ‫للــدول بحســب أحــدث إحصائيــة لعــام ‪2021‬م‪ ،‬يحتــل اجليــش‬ ‫األمريكــي املرتبــة األولــى عامليـاً بينمــا يحتــل نظيــره الروســي املرتبــة‬ ‫الثانيــة بــن أقــوى جيــوش العالــم‪ ،‬يف حــن يحتــل اجليــش الصينــي‬ ‫املرتبــة الثالثــة عامليــاً ومتتلــك هــذه الــدول ترســانات نوويــة فتاكــة‬ ‫وقــوات مشــتركة ضاربــة‪ .‬وعلــى صعيــد القــوة النوويــة وهــي العامــل‬ ‫الفاصــل يف ميــزان القــوى بــن الــدول يُعتقــد أن روســيا متتلــك حال ًيــا‬ ‫ـالحا نوو ًّيــا وهــو العــدد األكبــر مــن األســلحة النوويــة‪ ،‬لكــن‬ ‫‪ 6370‬سـ ً‬ ‫الواليــات املتحــدة ليســت متخلفــة عنهــا بكثيــر‪ ،‬حيــث متتلــك ‪5800‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪89‬‬

‫ملف العدد‬

‫‪https://www.navy.gov.au/hmas-sheean‬‬ ‫ســالح نــووي‪ ،‬يف تقــدم واضــح وكبيــر للجيشــن علــى نظيرهمــا‬ ‫ســالحا نوو ًّيــا وف ًقــا ملوقــع‬ ‫الصينــي الــذي ميتلــك قرابــة ‪272‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .Atomic Scientists’ Nuclear Notebook‬وفيمــا يلــي‬ ‫مقارنــة بــن القــوات‪:‬‬ ‫اجليــش األمريكــي‪ :‬يتجــاوز عــدد ســكان الواليــات املتحــدة ‪332‬‬ ‫مليــون نســمة‪ ،‬بينهــم ‪ 146‬مليــون نســمة قــوة بشــرية متاحــة يف حــن‬ ‫يصــل عــدد أفــراد اجليــش األمريكــي إلى ‪ 2.245‬مليــون جندي بينهم‬ ‫‪ 845.500‬يف قــوات االحتيــاط‪ .‬ميتلــك اجليــش األمريكــي ‪13233‬‬ ‫طائــرة حربيــة‪ ،‬بينهــا ‪ 1956‬مقاتلــة‪ ،‬و‪ 761‬طائــرة هجوميــة‪ ،‬وأكثــر‬ ‫مــن ‪ 945‬طائــرة شــحن عســكري‪ ،‬إضافــة إلــى ‪ 2765‬طائــرة تدريــب‪،‬‬ ‫و‪ 5436‬مروحيــة عســكرية منهــا ‪ 904‬مروحيــات هجوميــة‪ .‬ولــدى‬ ‫اجليــش األمريكــي أكثــر مــن ‪ 6100‬دبابــة و‪ 40‬ألــف مدرعــة و‪1500‬‬ ‫مدفــع ذاتــي احلركــة وأكثــر مــن ‪ 1340‬مدف ًعــا ميدان ًيــا‪ ،‬إضافــة إلــى‬ ‫‪ 1365‬راجمــة صواريــخ‪ .‬يضــم األســطول البحــري األمريكــي ‪490‬‬ ‫قطعــة بحريــة منهــا ‪ 11‬حاملــة طائــرات و‪ 92‬مدمــرة و‪ 68‬غواصــة‪،‬‬


‫‪88‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اإلعالن عن شراكة البنية التحتية "الرباعية" بمثابة رد طال انتظاره‬ ‫عى مبادرة الحزام والطريق الصينية‬ ‫أســلحة نوويــة‪ .‬مــا يقلقنــي هــو أنــه يشــكل ســابقة مر ِّوعــة ميكــن أن‬ ‫تنتهكهــا دول أخــرى"‪ .‬إيــران هــي املثــال الواضــح هنــا‪ ،‬وقــد حــدث‬ ‫هــذا مــرة واحــدة فقــط يف التاريــخ‪ ،‬عندمــا قامــت الواليــات املتحــدة‬ ‫مبســاعدة اململكــة املتحــدة يف تطويــر أول غواصــات تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة‪.‬‬

‫تأثر المحيط الجغرايف الصيني‬ ‫يعتبــر التحالــف مفيـدًا للغايــة للهنــد‪ ،‬وهــو حتالــف عســكري مباشــر‬ ‫يهــدف يف املقــام األول إلــى أن يصبــح املنصــة األساســية التــي‬ ‫ســتمتلك القــوة الناريــة ملواجهــة الصــن يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ يف القــرن احلــادي والعشــرين‪ .‬إن التحالــف ميثــل "أكثــر مــن‬ ‫مجــرد جتمــع منوذجــي للجيــوش واألجهــزة" إذ أن الــدول األعضــاء‬ ‫الثــالث ستســتثمر بكثافــة يف البحــث والتطويــر للمشــاركة يف تطويــر‬ ‫التقنيــات مبــا يف ذلــك الــذكاء االصطناعــي‪ .‬كمــا أن واشــنطن‬ ‫احمل َ‬ ‫أيضــا إلــى بيــع أجهزتهــا العســكرية يف منطقــة ُ‬ ‫تســعى ً‬ ‫ــن‬ ‫يط ْ‬ ‫الهنــدي والهــادئ لتعزيــز اقتصادهــا احمللــي وخلــق وظائــف جديــدة‬ ‫ً‬ ‫عميــال كبيــ ًرا لشــركات الدفــاع‬ ‫يف الداخــل‪ .‬ســتصبح أســتراليا‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬يف حــن أن التوتــرات املتزايــدة يف املنطقــة ســتدفع‬ ‫الــدول األخــرى‪ ،‬مثــل اليابــان وكوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬إلــى شــراء املزيــد‬ ‫مــن الواليــات املتحــدة‪.‬‬ ‫ومبوجــب اتفاقيــة "أوكــوس"‪ ،‬ستســاعد كل مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫واململكــة املتحــدة أســتراليا يف بنــاء مــا ال يقــل عــن ثمانــي غواصــات‬ ‫تعمل بالطاقة النووية‪ ،‬وهي املرة األولى التي تشــارك فيها واشــنطن‬ ‫ولنــدن تكنولوجيــا الغواصــات النوويــة احلساســة مــع كانبيــرا‪ .‬لبــدء‬ ‫الشــراكة ســيعمل املســؤولون البحريــون واملتخصصــون الفنيــون‬ ‫مــن الــدول الثــالث م ًعــا علــى مــدار الـــ ‪ 18‬شــه ًرا القادمــة لتزويــد‬ ‫أســتراليا بالتكنولوجيــا لنشــر غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪.‬‬ ‫ولكــن نظـ ًرا لتعقيــد التكنولوجيــا‪ ،‬فقــد ال يعمــل أســطول الغواصــات‬ ‫النوويــة األســترالية حتــى عــام ‪2040‬م‪ ،‬تقري ًبــا‪ .‬وتتميــز الغواصــات‬ ‫التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة بأنهــا قــادرة علــى البقــاء مغمــورة لفتــرة‬ ‫أطــول‪ ،‬مــع وقــود ٍ‬ ‫كاف لتشــغيلها نظر ًيــا لســنوات‪ ،‬وهــي ميــزة يف‬ ‫هجمــات التخفــي‪ .‬يتعــن علــى الغواصــات التقليديــة التــي تســتخدم‬ ‫محــركات كهربائيــة تعمــل بالديــزل أن تطفــو علــى الســطح بانتظــام‬ ‫حتــى ميكــن إعــادة شــحن بطارياتهــا‪ ،‬ممــا يســمح برصدهــا بســهولة‬ ‫أكبــر‪ .‬الغواصــات األســترالية هــي العنصــر األكثــر تكلفــة‪ ،‬وقــد شــمل‬ ‫االتفــاق ً‬ ‫أيضــا مشــاركة القــدرات الســيبرانية وغيرهــا مــن التقنيــات‬

‫املوجــودة حتــت ســطح البحــر‪ ،‬وتبــادل املعلومــات والتكنولوجيــا يف‬ ‫عــدد مــن املجــاالت مبــا يف ذلــك االســتخبارات وتكنولوجيــا الكــم‬ ‫وكذلــك اقتنــاء صواريــخ كــروز‪.‬‬ ‫وبالنســبة للغواصــات التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬فهــذا ال يعني أنها‬ ‫رؤوســا نوويــة‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن هــذه التكنولوجيــا حساســة ألن‬ ‫حتمــل‬ ‫ً‬ ‫مفاعــالت الغواصــات األمريكيــة والبريطانيــة تســتخدم اليورانيــوم‬ ‫املخصــب بنســبة ‪ %93‬إلــى ‪ ،%97‬وأي قــدر يزيــد عــن ‪ %90‬يعتبــر‬ ‫يورانيــوم "بدرجــة أســلحة" يحتمــل أن يكــون لــه تداعيــات خطيــرة‪.‬‬ ‫يوجــد حال ًيــا ســت دول فقــط لديهــا غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‬ ‫ الواليــات املتحــدة وروســيا والصــن واململكــة املتحــدة وفرنســا‬‫والهنــد ‪ -‬ومــن املقــرر أن تصبــح أســتراليا الدولــة الســابعة مبوجــب‬ ‫االتفاقيــة اجلديــدة‪ .‬الواليــات املتحــدة هــي الرائــدة عامل ًيــا يف هــذا‬ ‫املجــال‪ ،‬مــع ‪ 68‬غواصــة تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬يف حــن أن روســيا‬ ‫لديهــا ‪ ،29‬والصــن لديهــا ‪ ،12‬وف ًقــا للمعهــد الدولــي للدراســات‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬وهــو مركــز أبحــاث مقــره لنــدن‪.‬‬

‫موازين القوى للدول الثالث‬ ‫تكتســب منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ أهميــة اســتراتيجية‬ ‫بالنســبة للواليــات املتحــدة‪ .‬وقــال مســؤول كبيــر مــن إدارة بايــدن ‪ :‬إن‬ ‫صفقــة "أوكــوس" التــي تقودهــا واشــنطن كانــت جــز ًءا مــن خطــوات‬ ‫أكبــر لبنــاء التعــاون مــع الشــركاء األمنيــن يف آســيا "للحفــاظ علــى‬ ‫الســالم واالســتقرار يف جميــع أنحــاء منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ"‪ .‬علــى مــدى عقــود‪ ،‬أشــارت واشــنطن إلــى االمتــداد‬ ‫مب َسـ َّـمى "آســيا‬ ‫الشاســع لألراضــي املمتــدة مــن أســتراليا إلــى الهنــد ُ‬ ‫واحمليــط الهــادئ"‪ ،‬ثــم حتــول إلــى مصطلــح شــاع بــن خبراء السياســة‬ ‫مب َس ـ َّمى "احمليطــن‬ ‫اخلارجيــة وتبنتــه إدارة ترامــب ثــم إدارة بايــدن ُ‬ ‫الهنــدي والهــادئ"‪ :‬وهــو يشــمل مجموعــة واســعة مــن األماكــن‪،‬‬ ‫مــن الهنــد إلــى نيوزيلنــدا‪ ،‬حيــث تنــوي الواليــات املتحــدة حتــدي‬ ‫الصــن‪ .‬ميثــل بحــر الصــن اجلنوبــي بــؤرة النــزاع الــذي ميكــن أن‬ ‫صراعــا عســكر ًيا‪ ،‬ففــي ضــوء املنافســة بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫يبــدأ‬ ‫ً‬ ‫احمل َ‬ ‫والصــن‪ ،‬وصفــت واشــنطن منطقــة ُ‬ ‫يطـ ْـن الهنــدي والهــادئ بأنهــا‬ ‫"املنطقــة الوحيــدة األكثــر أهميــة ملســتقبل أمريــكا" وشــددت علــى‬ ‫ضــرورة احتــواء نفــوذ بكــن يف املنطقــة مــن خــالل تعزيــز وجودهــا‬ ‫العســكري وتقويــة التحالفــات‪ .‬تكتســب االســتراتيجية زخم ـاً بدعــم‬ ‫مــن دول آســيا واحمليــط الهــادئ‪ ،‬مثــل فيتنــام وماليزيــا‪ ،‬اللتــن‬ ‫تشــعران بالقلــق مــن عــدوان بكــن املتزايــد بشــأن قضايــا مثــل بحــر‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪87‬‬

‫ملف العدد‬

‫التحالف األمريكي البريطاني األسترالي "أوكوس"‬

‫"الثالثي" مفيد للهند ‪ ..‬وأمريكا تسعى‬ ‫لضم سيئول لـ "العيون الخمس"‬ ‫يأتــي تشــكيل التحالــف الثالثــي بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا وأســتراليا "أوكــوس ‪ "Aukus‬يف وقــت تتصاعــد‬ ‫فيــه التوتــرات‪ ،‬خاصــة حــول بحــر الصــن اجلنوبــي وتايــوان‪ .‬ويبــدو أنــه يف أواخــر ‪2020‬م‪ ،‬أصبحــت الواليــات املتحــدة‬ ‫تشــعر بالقلــق مــن أن الصــن لديهــا قناعــة يــزداد ترســخها بأنهــا ســتكون هد ًفــا لهجــوم اســتباقي‪ .‬ومــن هنــا فــإن كل طــرف‬ ‫حتسـ ًبا ملواجهــة‬ ‫أخــذ يســتعد ويســتدعي كل إمكانياتــه وقدراتــه العســكرية والتكنولوجيــة‪ ،‬ويراجــع اســتراتيجياته وحتالفاتــه‬ ‫ُّ‬ ‫محتملــة‪ ،‬واألخطــر يف األمــر هــو التطــور اخلطيــر الــذي أحدثتــه التكنولوجيــا يف مجــاالت حرجــة تؤثــر بعمــق يف طبيعــة‬ ‫احلــرب‪ ،‬وعلــى أيــة حــال فــإن أي حــرب بــن الواليــات املتحــدة والصــن ســيكون املنتصــر فيهــا هــم الــروس‪.‬‬ ‫الصراع النووي واملواجهات العسكرية‬ ‫تقيــم الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة وأســتراليا شــراكة أمنيــة ثالثيــة تهــدف إلــى مواجهــة الصــن‪ ،‬والتــي ستشــمل‬ ‫مســاعدة أســتراليا يف بنــاء غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬مت اإلعــالن عــن املبــادرة املســماة "أوكــوس" وتقدميهــا علــى‬ ‫أنهــا اخلطــوة احلاســمة التاليــة يف حتالــف قــدمي‪ ،‬وقيــل عــن خطــة مشــتركة لتجميــع أســطول الغواصــات األســترالي اجلديــد‬ ‫الــذي ســوف يتــم بنــاؤه يف أدياليــد ويعمــل بالطاقــة النوويــة‪.‬‬

‫لواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬ ‫لــم يكــن هنــاك شــك يف أن املبــادرة كانــت رداً علــى حملــة الصــن‬ ‫التوســعية يف بحــر الصــن اجلنوبــي وزيــادة العــداء جتــاه تايــوان‪،‬‬ ‫وت ُِصـ ُّر أســتراليا علــى أنهــا ال تعتــزم الســعي المتــالك أســلحة نوويــة‬ ‫وســتلتزم مبعاهــدة حظــر انتشــار األســلحة النوويــة‪ ،‬لكــن منتقديــن‬ ‫قالــوا إن القــرار ال يــزال مــن املمكــن أن يُ َح ِّفــز بشــكل غيــر مباشــر‬ ‫علــى انتشــار األســلحة‪ .‬سيســتغرق تطويــر أي غواصــات جديــدة‬ ‫تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وتعتمــد علــى اليورانيــوم املخصــب‪ ،‬ســنوات‬ ‫ورمبــا أكثــر مــن عقــد‪ ،‬والهــدف هــو وضــع البحريــة األســترالية التــي‬ ‫تعمــل بالديــزل حال ًيــا علــى قــدم املســاواة تكنولوج ًّيــا مــع البحريــة‬ ‫الصينيــة‪ ،‬األكبــر يف العالــم‪ .‬ستســمح الطاقــة النوويــة للغواصــات‬ ‫الهجوميــة األســترالية بالبقــاء يف البحــر ملــدة خمســة أشــهر وتعمــل‬ ‫بهــدوء أكثــر مــن الســفن احلاليــة التــي تعمــل بالديــزل‪ ،‬ممــا يســمح‬ ‫لهــا بالتهــرب بشــكل أفضــل مــن اكتشــاف العــدو‪ .‬وباإلضافــة إلــى‬ ‫التعــاون يف مجــال التكنولوجيــا البحريــة‪ ،‬ستشــمل الشــراكة مواءمــة‬ ‫أوثــق للسياســات واإلجــراءات اإلقليمية‪،‬وتكامــ ً‬ ‫ال أكبــر للجيــوش‬

‫والصناعــات الدفاعيــة للحلفــاء الثالثــة‪ .‬يعتــزم الثالثــة ً‬ ‫أيضــا العمــل‬ ‫م ًعــا يف احلــرب اإللكترونيــة وقــدرات الــذكاء االصطناعــي‪.‬‬ ‫أشــار مســؤول أمريكــي كبيــر إلــى أن حكومــة اململكــة املتحــدة‬ ‫قــد ضغطــت مــن أجــل زيــادة دورهــا يف املنطقــة‪ .‬وقــال املســؤول‪:‬‬ ‫"بريطانيــا العظمــى تركــز بشــدة علــى مفهــوم بريطانيــا العامليــة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ـن‬ ‫وتنــوي املشــاركة بشــكل أعمــق بكثيــر مــع الــدول املتاخمــة‬ ‫للمحيطـ ْ ِ‬ ‫الهنــدي والهــادئ"‪ .‬ويحــذر بعــض منتقــدي االتفاقيــة مــن أنهــا تشــكل‬ ‫ســابقة خطيــرة للــدول الســتغالل ثغــرة يف معاهــدة عــدم انتشــار‬ ‫األســلحة النوويــة‪ .‬إذ تســمح املعاهــدة للــدول غيــر النوويــة ببنــاء‬ ‫غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وإزالــة املــواد االنشــطارية التــي‬ ‫حتتاجهــا ملفاعــالت الغواصــات مــن املخزونــات التــي تراقبهــا الوكالــة‬ ‫الدوليــة للطاقــة الذريــة‪ ،‬ممــا يتيــح إمكانيــة التحــول إلــى صناعــة‬ ‫األســلحة‪ .‬ســتكون أســتراليا أول دولــة تســتفيد مــن هــذه الثغــرة‪ .‬ويف‬ ‫تعليــق أحــد املســؤولن‪" :‬مــا يقلقنــي ليــس أن أســتراليا ســوف تســيء‬ ‫اســتخدام املــواد النوويــة التــي مننحهــا إياهــا وتســتخدم الثغــرة لبنــاء‬


‫‪86‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قرار التحالف الجديد يتجاوز الجوانب المادية والتقنية ويمكن‬ ‫تفسيره من ثالث زوايا‬ ‫ليســت عضــواً يف حلــف الناتــو ولكنهــا تعــد شــريكاً اســتراتيجياً‬ ‫للحلــف مــن خــالل توقيــع اتفاقيــة شــراكة موســعة مــع الناتــو يف‬ ‫أغســطس ‪2019‬م‪ ،‬تركــز بشــكل أكبــر علــى منطقــة احمليــط الهــادئ‬ ‫وهــي االتفاقيــة التــي وصفهــا ينــس ســتولتنبرج العــام للحلــف‬ ‫بالقــول أنهــا" إطــار للجهــود املســتقبلية املشــتركة والتعــاون"‪.‬‬

‫الخالصات االستراتيجية لتلك الرؤية‬ ‫‪ -1‬علــى الرغــم مــن قــدرة كافــة أطــراف األزمــة علــى احتوائهــا فإنــه‬ ‫الميكــن اعتبارهــا كســحابة صيــف بــل تركــت آثــاراً بعيــدة املــدى‬ ‫علــى مســألة الثقــة والتضامــن بــن الواليــات املتحــدة وشــركائها‬ ‫األوروبيــن‪ ،‬فمــا كادت أوروبــا أن تنتهــي مــن صدمــة االنســحاب‬ ‫األمريكــي مــن أفغانســتان لتأتــي تلــك الصفقــة لتؤكــد مبــا اليــدع‬ ‫مجــاالً ألدنــى شــك علــى حاجــة الــدول األوروبيــة لبديــل أمنــي ذاتــي‬ ‫بغــض النظــر عــن شــكل وآليــة عمــل ذلــك البديــل والــذي اليجــب أن‬ ‫يتعــارض بالضــرورة مــع التزاماتهــا داخــل حلــف الناتــو‪.‬‬ ‫‪ -2‬يعكــس مضمــون وتوقيــت تلــك الصفقــة رســالة واضحــة واللبــس‬ ‫فيهــا إلــى الصــن والقــوى املناوئــة للمصالــح األمريكيــة يف منطقتــي‬ ‫احمليــط الهنــدي والهــادئ بــأن ثمــة ردع ســوف ميــارس ضــد أي‬ ‫محــاوالت لتغييــر معادلــة التــوازن الراهنــة لصالــح طــرف مــا ‪.‬‬ ‫‪ -3‬علــى الرغــم مــن قــدرة حلــف الناتــو علــى احتــواء اخلالفــات‬ ‫بــن أعضائــه وهــو مــا اتضــح يف أزمــات عديــدة فإنــه يالحــظ أن‬ ‫تلــك اخلالفــات أضحــت تطــال مبــدأ التضامــن ذاتــه وهــو جوهــر‬ ‫عمــل احللــف ممــا يثيــر التســاؤالت حــول مــدى قــدرة احللــف علــى‬ ‫االســتمرار يف رأب الصــدع وخاصــة مــع ظهــور مســارات ثنائيــة‬ ‫داخــل احللــف( الواليــات املتحدة‪-‬بريطانيــا)‪ (،‬فرنســا‪ -‬اليونــان)‪،‬‬ ‫ورمبــا نشــهد مســتقب ً‬ ‫ال حتالفــات ومســارات أخــرى وهــو أمــر مــن‬ ‫شــأنه وضــع احللــف أمــام حتــد ال يقــل عــن حتــدي مــا بعــد انتهــاء‬ ‫حقبــة احلــرب البــاردة والتســاؤل حــول جــدوى وجــود احللــف مــن‬ ‫عدمــه؟‬ ‫تتمثــل معضلــة الــدول األوروبيــة يف كيفيــة احلفــاظ علــى‬ ‫‪-4‬‬ ‫التــوازن يف عالقاتهــا مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة وســعيها‬ ‫لتأســيس شــراكة اســتراتيجية مــع الصــن التــي تراهــا الواليــات‬ ‫املتحــدة وحلفــاء الناتــو أنهــا التحــدي األول للمصالــح الغربيــة‪.‬‬ ‫علــى الرغــم مــن حتذيــر أنطونيــو جوتيــرش األمــن العــام‬ ‫‪-5‬‬ ‫لــألمم املتحــدة قبيــل اجتماعــات اجلمعيــة العامــة لــألمم املتحــدة‬ ‫يف ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬مــن نشــوب حــرب بــاردة جديــدة ودعــوة كل‬

‫مــن " الصــن والواليــات املتحــدة إلصــالح عالقتهمــا قبــل أن متتــد‬ ‫املشــكالت بــن الدولتــن الكبيرتــن املتمتعتــن بنفــوذ كبيــر إلــى بقيــة‬ ‫الكوكــب" فــإن أزمــة الغواصــات النوويــة ترســخ لتلــك احلــرب والتــي‬ ‫وإن اختلفــت يف مضامينهــا ومناطقهــا فــإن نتيجتهــا ســتكون واحــدة‬ ‫وهــي املزيــد مــن االصطفــاف والتحالفــات والتحالفــات املضــادة التــي‬ ‫وإن جنحــت أحيانــاً يف تفــادي االصطــدام فإنهــا قــد ال يحالفهــا‬ ‫النجــاح أحايــن أخــرى أخــذاً يف االعتبــار أن الغواصــات النوويــة تعــد‬ ‫أخطــر األســلحة علــى اإلطــالق وال توجــد إال لــدى دول محــدودة‬ ‫وأنهــا وفق ـاً إلحــدى املجــالت األمريكيــة ميكــن جتهيزهــا بصواريــخ‬ ‫رأســا‬ ‫باليســتية عابــرة للقــارات وبإمــكان كل صــاروخ أن يحمــل ‪ً 12‬‬ ‫نوو ًيــا ويصــل مــدى تلــك الصواريــخ آلالف الكيلومتــرات وبإمــكان‬ ‫الرمــاد البركانــي واإلشــعاع النــووي النــاجت عــن إحداهــا تغطيــة مدينة‬ ‫بأكملهــا‪ ،‬ولعــل إعــالن وزارة الدفــاع األمريكيــة عــن تعــرض غواصــة‬ ‫نوويــة أمريكيــة حلــادث يف امليــاه الدوليــة ببحــر الصــن اجلنوبــي يف‬ ‫‪ 8‬أكتوبــر علــى إثــر اصطدامهــا بجســم لــم تتضــح هويتــه وإصابــة‬ ‫‪ 15‬مــن بحارتهــا بإصابــات طفيفــة يعــد مؤشــراً علــى إمكانيــة وقــوع‬ ‫مواجهــات أمريكيــة‪ -‬صينيــة يف تلــك املنطقــة مســتقب ً‬ ‫ال‪.‬‬

‫*ﻣﺪﻳﺮ ﺑﺮﻧﺎﻣﺞ اﻟﺪراﺳﺎت اﻻﺳﱰاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ وﻣﺪﻳﺮ ﺗﺤﺮﻳﺮ دورﻳﺔ دراﺳﺎت‬ ‫مبﺮﻛﺰ دراﺳﺎت ‪-‬اﻟﺒﺤﺮﻳﻦ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪85‬‬

‫ملف العدد‬

‫تفكك حلف وارسو النهيار ايدولوجيته وفشلها ‪ ..‬والناتو لم ينهار‬ ‫لتأسيسه عى مصالح األعضاء وهي دائمة وال تنهار‬ ‫ومــع أهميــة تلــك احملــاوالت فإنــه تكتنفهــا عــدة إشــكاليات أولهــا‪:‬‬ ‫أنهــا لــم تشــمل كل الــدول األوروبيــة بســبب ترددهــا واســتمرار اعتبــار‬ ‫الناتــو هــو املظلــة الدفاعيــة األهــم‪ ،‬وثانيهــا‪ :‬اســتمرار تبايــن رؤى‬ ‫الــدول األوروبيــة حــول ماهيــة القــوة األوروبيــة املزمــع تأسيســها‬ ‫وإطارهــا‪ ،‬هــل يجــب أن تكــون ضمــن هيــكل االحتــاد األوروبــي أم‬ ‫خارجــه؟ وهــل يجــب أن تكــون قــوات تدخــل ســريع أم قــوة إلدارة‬ ‫األزمــات؟ أم جيــش أوروبــي موحــد؟ تلــك التباينــات التــي تعكســها‬ ‫ثالثــة تيــارات داخــل دول االحتــاد كلمــا أثيــرت تلــك األفــكار بــن‬ ‫أقصــى التأييــد وأقصــى الرفــض ومــا بينهمــا مــن مواقــف ضبابيــة‪.‬‬ ‫وثالثهــا‪ :‬أنــه يف الوقــت الــذي يعــد فيــه التدخــل العســكري حللــف‬ ‫الناتــو خــارج أراضــي دولــه األعضــاء أمــراً محــدداً يف احللــف‬ ‫بتوافــر ثالثــة شــروط وهــي إجمــاع الــدول األعضــاء علــى أن ثمــة‬ ‫خطــر يهــدد مصاحلهــا ووجــود قــرار أممــي باإلضافــة إلــى طلــب‬ ‫الدولــة املعنيــة فــإن األمــر ليــس مــن الســهولة مبــكان يف دول االحتــاد‬ ‫األوروبــي والتــي تتبايــن فيمــا بينهــا يف األطــر الدســتورية والقانونيــة‬ ‫التــي تتيــح لدولهــا إرســال تلــك القــوات خــارج األراضــي األوروبيــة‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلــى عــدم وجــود خبــرات ممتــدة للــدول األوروبيــة بشــأن‬ ‫التدخــل يف الصراعــات خــارج أراضيهــا‪ ،‬باســتثناء اخلبــرات التــي‬ ‫اكتســبتها الــدول األوروبيــة يف احلفــاظ علــى األمــن البحــري ابتــدا ًء‬ ‫باملشــاركة يف اجلهــود الدوليــة ملكافحــة القرصنــة قبالــة ســواحل‬ ‫الصومــال وخليــج عــدن‪ ،‬ومــروراً مبهمــة االحتــاد األوروبــي قبالــة‬ ‫الســواحل الليبيــة " إيرينــي" ملنــع وصــول األســلحة ألطــراف الصــراع‬ ‫وانتهــا ًء بالبعثــة األوروبيــة ملراقبــة املالحــة يف مضيــق هرمــز‪ ،‬إال أن‬ ‫ذلــك ال يعنــي قــدرة االحتــاد علــى التدخــل يف كافــة األزمــات ويف‬ ‫مــدى زمنــي محــدد علــى غــرار حلــف الناتــو‪.‬‬

‫رابع ـاً‪ :‬تأثيــر الصفقــة النوويــة عــى مســتقبل العالقــات األمريكيــة‪-‬‬ ‫األوروبيــة‪ :‬خــالف لــن يبلــغ حــد التصــادم‬ ‫بتحليــل مضامــن اخلالفــات األمريكيــة‪ -‬األوروبيــة عبــر التاريــخ‬ ‫جنــد ومبــا اليــدع مجــاالً للشــك ترســيخ مفهــوم "املصالــح تتصالــح"‪،‬‬ ‫صحيــح أن تلــك اخلالفــات آخــذة يف التزايــد ولكنهــا لــن تبلــغ حــد‬ ‫التصــادم ويؤكــد ذلــك عــدة أمــور أولهــا‪ :‬مــع أهميــة ســعي الــدول‬ ‫األوروبيــة إلــى تأســيس هويــة أمنيــة مســتقلة فــإن ذلــك لــم يتعــارض‬ ‫مــع الدعــم األوروبــي للناتــو يف ظــل تقاطــع املصالــح‪ ،‬فعلــى ســبيل‬ ‫املثــال عندمــا أعلنــت اإلدارة األمريكيــة الســابقة يف عهــد الرئيــس‬ ‫دونالــد ترامــب عــن تأســيس التحالــف العســكري البحــري ألمــن‬

‫وحريــة املالحــة البحريــة يف اخلليــج العربــي بقيــادة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة والــذي بــدأ مهــام عملــه يف نوفمبــر عــام ‪2019‬م وانضمــت‬ ‫إليــه كل مــن اململكــة العربيــة الســعودية ومملكــة البحريــن ودولــة‬ ‫اإلمــارات العربيــة املتحــدة وبريطانيــا وأســتراليا وألبانيــا فقــد‬ ‫أعلنــت فرنســا قيــادة بعثــة أوروبيــة ملراقبــة املالحــة يف مضيــق‬ ‫هرمــز وحتظــى بدعــم ‪ 8‬دول أوروبيــة وهــي فرنســا أملانيــا وإيطاليــا‬ ‫وبلجيــكا والبرتغــال والدمنــارك واليونــان والتــي بــدأت عملهــا مــن‬ ‫مدينــة أبوظبــي يف ينايــر عــام ‪2020‬م‪ ،‬ويف معــرض تعليقهــا على عمل‬ ‫البعثــة األوروبيــة قالــت فلورانــس بارلــي وزيــرة اجليــوش الفرنســية‬ ‫أن عمــل البعثــة األوروبيــة ســوف يتكامــل مــع اجلهــود األمريكيــة يف‬ ‫هــذا الشــأن‪ ،‬إال أن ذلــك الينفــي أن هنــاك تنافســاً علــى "ريــادة‬ ‫الدفــاع عــن أوروبــا بــن الرئيــس بايــدن والرئيــس ماكــرون " ألن ثمــة‬ ‫تناقضــاً بــن طلــب الواليــات املتحــدة احللفــاء األوروبيــن بتعزيــز‬ ‫تواجدهــم العســكري يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي ولكنهــا‬ ‫يف الوقــت ذاتــه تضــع ذاتهــا أول املنافســن لصفقــات الغواصــات‬ ‫الفرنســية وذلــك علــى حــد وصــف آن ســيزال خبيــرة شــؤون‬ ‫السياســة اخلارجيــة األمريكيــة بجامعــة الســوربون‪ .‬والثانــي‪ :‬أنــه‬ ‫بالرغــم مــن الغضــب الفرنســي بســبب تلــك الصفقــة فإنــه التــزال‬ ‫هنــاك مصالــح اســتراتيجية لفرنســا يف منطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادي تعمــل للحفــاظ عليهــا يف ظــل اعتبــار الصــن حتديـاً كبيــراً‬ ‫‪ ،‬ويف هــذا الســياق جتــدر اإلشــارة إلــى تصريــح الرئيــس الفرنســي‬ ‫إميانويــل ماكــرون بالقــول" لدينــا مليــون مواطــن يعيشــون يف تلــك‬ ‫املنطقــة وأكثــر مــن ‪ 8‬آالف جنــدي ينتشــرون هنــاك‪ -‬أي مناطــق‬ ‫مــاوراء البحــار"‪ ،‬والثالــث‪ :‬صــدور بيــان مشــترك عــن البيــت األبيــض‬ ‫والرئاســة الفرنســية مفــاده أن الرئيــس األمريكــي ونظيــره الفرنســي‬ ‫ســوف يلتقيــان يف نهايــة أكتوبــر ‪ 2021‬يف أوروبــا وضمــن ذلــك‬ ‫البيــان اعتبــر الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن أن" هنــاك ضــرورة ألن‬ ‫يكــون الدفــاع األوروبــي أقــوى وأكثــر كفــاءة للمســاهمة يف إرســاء‬ ‫األمــن واالســتقرار عبــر احمليــط األطلســي وإكمــال دور حلــف الناتــو‪،‬‬ ‫فضـ ً‬ ‫ال عمــا تضمنــه البيــان مــن أن الواليــات املتحــدة األمريكيــة قــد‬ ‫تعهــدت بتعزيــز دعمهــا لعمليــات مكافحــة اإلرهــاب التــي تقــوم بهــا‬ ‫الــدول األوروبيــة يف منطقــة الســاحل اإلفريقــي"‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫إعــالن أنطونيــو جوتيــرش األمــن العــام لــألمم املتحــدة يف ‪ 8‬أكتوبــر‬ ‫أن حلــف الناتــو يــدرس اآلن خيــارات تتضمــن زيــادة الدعــم للقــوة‬ ‫املتعــددة اجلنســيات يف دول الســاحل اإلفريقــي ملواجهــة اجلماعــات‬ ‫اإلرهابيــة يف تلــك املنطقــة‪ ،‬والرابــع‪ : :‬أنــه بالرغــم مــن أن أســتراليا‬


‫‪84‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫األمر الجديد يؤسس لتحالفات فرعية داخل الناتو ال تقتصر عى‬ ‫أعضائه بل ضمت أطرا ًف ا خارجه (أستراليا)‬ ‫قــد أكــد علــى أن "االتفاقيــة ليــس لهــا تأثيــر علــى اتفــاق التعــاون‬ ‫الدفاعــي مــع الواليــات املتحــدة" بيــد أنــه أشــار إلى"وقــوف فرنســا‬ ‫إلــى جانــب اليونــان خــالل فتــرات صعبــة يف عــام ‪ ،"2020‬اجلديــر‬ ‫بالذكــر أن الدولتــن وقعتــا علــى صفقــة بقيمــة ‪ 3‬مليــارات دوالر يف‬ ‫ينايــر ‪2021‬م‪ ،‬لشــراء ‪ 18‬طائــرة رافــال (‪ 12‬مســتعملة و‪ 6‬جديــدة)‪،‬‬ ‫والثالــث‪ :‬مــدى قــدرة حلــف الناتــو علــى ممارســة مفهــود الــردع‬ ‫بشــكل جماعــي ضــد خصــوم احللــف "روســيا والصــن" وخاصــة يف‬ ‫ظــل وجــود مؤشــرات تعكــس توجهـاً أمريكيـاً لالنحســار عــن األزمــات‬ ‫يف العالــم مبــا يعنــي إيجــاد فراغــات يف مناطــق متــاس اســتراتيجي‬ ‫تســعى تلــك القــوى الســتغاللها‪ ،‬باإلضافــة إلــى مصداقيــة التحالــف‬ ‫ذاتــه بشــأن إمكانيــة التدخــل والقــدرة علــى حســم األزمــات يف ظــل‬ ‫عــدم وجــود قــوات أمميــة تضطلــع بتلــك املهمــة ولطاملــا اضطلــع بهــا‬ ‫حلــف الناتــو يف كل مــن البوســنة ‪ 1995‬وكوســوفو‪ 1999‬وليبيــا عــام‬ ‫‪2011‬م‪.‬‬

‫ثالثــاً‪ :‬تأثيــر الصفقــة عــى جهــود أوروبــا لتأســيس هويــة أمنيــة‬ ‫مســتقلة‬ ‫لــدى الواليــات املتحــدة األمريكيــة قناعــة بأهميــة احلفــاظ علــى‬ ‫تــوازن القــوى يف أوروبــا ذلــك املفهــوم الــذي وجــد ســبيله نحــو التنفيــذ‬ ‫مــن خــالل ركيزتــن األولــى‪ :‬هــي مشــروع مارشــال إلعــادة إعمــار‬ ‫أوروبــا بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬والثانيــة‪ :‬تأســيس حلــف شــمال‬ ‫األطلســي الناتــو‪ ،‬وعلــى الرغــم مــن أهميــة هاتن الركيزتــن فإن ذلك‬ ‫لــم يحــل دون حــرص الــدول األوروبيــة علــى تأســيس كيــان أوروبــي‬ ‫يعكــس الهويــة واملصالــح األوروبيــة متمثـ ً‬ ‫ال يف االحتــاد األوروبي الذي‬ ‫بــدأ ضمــن إطــار اقتصــادي ولــم يكــن االحتــاد األوروبــي منافســاً‬ ‫للناتــو يف ظــل وجــود ‪ 22‬دولــة جتمــع بــن عضويــة املنظمتــن‪ ،‬إال أنــه‬ ‫يف ظــل وجــود خالفــات وتباينــات بــن أعضــاء احللــف فــإن ذلــك كان‬ ‫ســبباً يف ســعي الــدول األوروبيــة إلــى تأســيس هويــة أمنيــة مســتقلة‪،‬‬ ‫تلــك اخلالفــات التــي لــم تكــن وليــدة اليــوم بــل متتــد إلــى أزمــات‬ ‫عديــدة منهــا الغــزو األمريكــي للعــراق عــام ‪2003‬م‪ ،‬ورفــض بعــض‬ ‫الــدول األوروبيــة املشــاركة يف الغــزو األمــر الــذي حــدا مبســؤولي‬ ‫اإلدارة األمريكيــة آنــذاك إلــى إطــالق مفــردات تضمنــت التمييــز‬ ‫بــن "أوروبــا القدميــة" و"أوروبــا اجلديــدة"‪ ،‬ودون اخلــوض يف تلــك‬ ‫اخلالفــات فــإن الدعــم الــذي حظيــت بــه فرنســا مــن جانــب االحتــاد‬ ‫األوروبــي قــد جتــاوز كونــه دعمـاً ألزمــة عابــرة وإمنــا بلــغ حــد إعــادة‬ ‫إحيــاء الطموحــات األوروبيــة يف تأســيس هويــة أمنيــة مســتقلة ال‬

‫تتنافــس بالضــرورة مــع الناتــو وإمنــا ميكــن مــن خاللهــا احلفــاظ علــى‬ ‫املصالــح األوروبيــة مــن منظــور دولهــا‪ ،‬ففــي أول تصريــح لــه تعليق ـاً‬ ‫علــى تلــك الصفقــة اعتبــر جوزيــب بوريــل املمثــل األعلــى للشــؤون‬ ‫اخلارجيــة واألمنيــة لالحتــاد األوروبــي يف ‪ 21‬ســبتمبر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫"أن الوضــع مخيبــاً لآلمــال وأن القضيــة التهــم فرنســا فقــط بــل‬ ‫االحتــاد اآلوروبــي مؤكــداً تضامــن وزراء خارجيــة االحتــاد الواضــح‬ ‫مــع فرنســا" أمــا أورزوال فــون ديــر اليــن رئيســة املفوضيــة فقــد أكــدت‬ ‫علــى أن" املعاملــة التــي تلقتهــا فرنســا غيــر مقبولــة"‪ ،‬ولعــل األمــر‬ ‫األهــم هــو مــدى انعــكاس تلــك األزمــة علــى إصــرار الــدول األوروبيــة‬ ‫علــى بلــورة بديــل ذاتــي لألمــن األوروبــي وهــو مــا أشــار إليــه مايــكل‬ ‫روث وزيــر الدولــة األملانــي للشــؤون اخلارجيــة بالقــول" إنــه تنبيــه‬ ‫للجميــع يف االحتــاد األوروبــي" وأضــاف" أن شــعار أمريــكا أوالً لــم‬ ‫يكــن مرتبط ـاً بالرئيــس ترمــب وإمنــا هــو جــزء مــن سياســة الدولــة‬ ‫األمريكيــة العميقــة التــي جتمــع عليهــا النخــب السياســية األمريكيــة‬ ‫مــن املعســكرين الدميقراطــي واجلمهــوري "‪،‬باإلضافــة إلــى تصريــح‬ ‫جــان إيــف لورديــان وزيــر اخلارجيــة الفرنســي الــذي قــال" البــد‬ ‫لألوروبيــن أن يفكــروا مليــاً بالتحالفــات يف املســتقبل‪ ،‬حيــث أن‬ ‫املوضــوع يتعلــق يف املقــام األول بانهيــار الثقــة بــن احللفــاء"‪.‬‬ ‫ومــع أهميــة مــا ســبق فــإن الــدول األوروبيــة كان لديهــا بالفعــل‬ ‫محــاوالت لتأســيس آليــات أمنيــة مســتقلة منهــا توقيــع ‪ 23‬دولــة‬ ‫أوروبيــة وثيقــة للتعــاون الدفاعــي يف نوفمبــر ‪2017‬م‪ ،‬وتتضمــن ‪20‬‬ ‫التزامـاً مــن شــأنها إرســاء تعــاون منظــم يف املجــال الدفاعــي‪ ،‬وتشــمل‬ ‫يف مراحلهــا األولــى مشــروعات دفاعيــة مشــتركة‪ ،‬مثــل تطويــر‬ ‫معــدات ( الدبابــات والطائــرات بــال طيــار‪ ،‬واألقمــار االصطناعيــة‬ ‫وطائــرات النقــل العســكري واملستشــفيات امليدانيــة)‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن‬ ‫تأســيس قــوة أوروبيــة ملواجهــة األزمــات خــارج األراضــي األوروبية يف‬ ‫يونيــو ‪2018‬م‪ ،‬وتضــم ‪ 9‬دول أوروبيــة هــي فرنســا وأملانيــا وبلجيــكا‪،‬‬ ‫والدمنــارك وإســتونيا وهولنــدا‪ ،‬وأســبانيا والبرتغــال‪ ،‬باإلضافــة إلــى‬ ‫بريطانيــا مــن خــارج املنظومــة األوروبية‪،‬وكذلــك مقتــرح الرئيــس‬ ‫الفرنســي إميانويــل ماكــرون بتأســيس اجليــش األوروبــي املوحــد يف‬ ‫نوفمبــر ‪2018‬م‪ ،‬و معاهــدة التعــاون واالندمــاج بــن فرنســا وأملانيــا‬ ‫يف ينايــر ‪2019‬م‪ ،‬وتتكــون تلــك املعاهــدة مــن ‪ 7‬فصــول و‪28‬مــادة‪ ،‬مت‬ ‫نشــر تفاصيلهــا علــى املوقــع اإللكترونــي لقصــر اإلليزيــه و تضمنــت‬ ‫التعــاون بــن البلديــن يف مجــاالت األمــن الداخلــي واخلارجــي وكذلــك‬ ‫السياســة اخلارجيــة‪ ،‬و تعزيــز التضامــن فيمــا بينهمــا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪83‬‬

‫ملف العدد‬

‫"االتفاق" يضع موازين قوى جديدة للمنطقة تغير االستراتيجيات‬ ‫الدفاعية األمريكية وجوهره تحالف نووي‬ ‫للواليــات املتحــدة غيــر ذي مــرة وخاصــة أن جوهــر تلــك االتفاقيــة‬ ‫كونهــا حتالف ـاً نووي ـاً ثالثي ـاً بــن ثــالث دول كبــرى‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬تأثير صفقة الغواصات النووية عى مستقبل حلف الناتو‬ ‫إن إمعــان النظــر يف طبيعــة حلــف الناتــو جنــد أنــه يتجــاوز كونــه‬ ‫مجــرد حتالفــاً دفاعيــاً اليــزال هــو األقــوى يف العالــم ولكنــه‬ ‫تأســس علــى مبــدأ التضامــن بــن أعضائــه‪ ،‬ذلــك املبــدأ الــذي واجــه‬ ‫اختبــاراً قاســياً غيــر ذي مــرة ابتــدا ًء بقــرار فرنســا يف عــام ‪1966‬م‪،‬‬ ‫االنســحاب مــن اللجنــة العســكرية للحلــف مــع البقــاء يف اللجنــة‬ ‫السياســية وعلــى إثــر ذلــك مت نقــل مقــر احللــف مــن باريــس إلــى‬ ‫بروكســيل لتعــود فرنســا لعضويــة اللجنــة مجــدداً يف عــام ‪2009‬م‪،‬‬ ‫ومــروراً بإعــالن فرنســا يف يوليــو ‪2020‬م‪ ،‬االنســحاب مــن مهمــة‬ ‫بحريــة للحلــف يف البحــر املتوســط إثــر خــالف مــع تركيــا‪ ،‬وانتهــا ًء‬ ‫باســتمرار احتــدام الصــراع يف شــرق املتوســط بــن تركيــا واليونــان‬ ‫الدولتــان العضوتــان يف احللــف والــذي أدى بــدوره إلــى اصطفافــات‬ ‫داخــل احللــف‪ ،‬إال أن األمــر اجلديــد اليرتبــط بتباينــات يف وجهــات‬ ‫النظــر داخــل احللــف وإمنــا يف تأســيس حتالفــات فرعيــة داخــل‬ ‫الناتــو ال تقتصــر علــى أعضائــه فحســب بــل ضمــت أطرافـاً ليســت‬ ‫عضــواً يف احللف(أســتراليا)‪.‬‬ ‫وعلــى الرغــم مــن تأكيــد األدميــرال روب بــاور رئيــس اللجنــة‬ ‫العســكرية يف احللــف أن االتفــاق لــن يكــون لــه تأثيــر علــى التماســك‬ ‫الداخلــي للحلــف أو التعــاون العســكري بــن دولــه األعضــاء بيــد أنــه‬ ‫لــم ينــف" التأثيــرات السياســية ملثــل تلــك االتفاقــات علــى احللــف"‪،‬‬ ‫ويعنــي مــا ســبق أنــه مــن التبســيط الشــديد القــول أن الناتــو يف‬ ‫ســبيله نحــو التفــكك أو االنهيــار لســبب بســيط أن احللــف لــم‬ ‫يؤســس علــى أيديولوجيــة علــى غــرار حلــف وارســو ‪،‬بــل أن الناتــو مــا‬ ‫بعــد احلــرب البــاردة ليــس هــو الناتــو خاللها‪،‬ســواء مــن حيــث آليــات‬ ‫أو مناطــق العمــل‪ ،‬ناهيــك عمــا لــدى احللــف مــن آليــات تشــاورية‬ ‫لــرأب الصــدع بــن أعضائــه بــل وإدارة األزمــات ومــن بينهــا آليــة‬ ‫منــع الصــدام العســكري بــن هــؤالء األعضــاء وهــي التــي مت تفعيلهــا‬ ‫ضمــن الصــراع بــن تركيــا واليونــان ضمــن صراعهمــا يف شــرق‬ ‫البحــر املتوســط‪.‬‬ ‫ومــع أهميــة مــا ســبق فــإن تلــك االتفاقيــة ســيكون لهــا تأثيــر علــى‬

‫الناتــو مــن خــالل ثالثــة أمــور األول‪ :‬زيــادة هــوة الشــقاق بــن أعضــاء‬ ‫احللــف مبــا يعنــي النيــل مــن مبــدأ التضامــن الــذي يعــد جوهــر عمــل‬ ‫احللــف والــذي لــم ينعكــس يف االتفاقيــة املنشــأة للحلــف ‪1949‬م‪،‬‬ ‫عامــة واملــادة اخلامســة منهــا علــى نحــو خــاص فحســب بــل يف‬ ‫إصــدار احللــف ملــا عــرف باملفهــوم االســتراتيجي كل عشــر ســنوات‬ ‫كمراجعــة أمنيــة جماعيــة لواقــع التهديــدات وكيفيــة مواجهتها‪،‬ومــع‬ ‫األخــذ باالعتبــار تأخــر صــدور ذلــك املفهــوم حتــى اآلن ‪،‬حيــث صــدر‬ ‫املفهــوم الســابع عــام ‪2010‬م‪ ، ،‬ســوف جنــد تبريــر ذلــك يف رد ينــس‬ ‫ســتولتنبرج األمــن العــام للحلــف على ســؤال يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬عما إذا‬ ‫كان احللــف يعتــزم إصــدار مفهــوم اســتراتيجي جديــد قــال " إن األهم‬ ‫مــن املفهــوم االســتراتيجي هــو اإلجــراءات االســتراتيجية"‪ ،‬ويتســق‬ ‫ذلــك مــع مــا أشــار إليــه جــان إيــف لورديــان وزيــر اخلارجيــة الفرنســي‬ ‫تعليقـاً علــى التحالــف اجلديــد بالقــول" أن مــا حــدث ســوف يؤثر على‬ ‫حتديــد املفهــوم االســتراتيجي اجلديــد حللــف شــمال األطلســي"‪ .‬مبــا‬ ‫يعنيــه ذلــك مــن أن مثــل تلــك االصطفافــات داخــل احللــف ســيكون‬ ‫لهــا تأثيــر بالــغ علــى صعوبــة حــدوث توافقــات بــن دول احللــف ليــس‬ ‫فقــط داخــل األراضــي األوروبيــة وإمنــا خارجهــا ولعــل قــرار الواليــات‬ ‫املتحــدة االنســحاب مــن أفغانســتان وبشــكل مفاجــئ ودون التشــاور‬ ‫مــع الشــركاء األوروبيــن كان مؤشــراً واضحــاً يف تكريــس تصــدع‬ ‫العالقــة بــن احللفــاء باإلضافــة إلــى تناقــض مســارات العالقــات‬ ‫بــن احللفــاء مــع األهــداف الثالثــة التــي تضمنهــا التقريــر الســنوي‬ ‫للحلــف عــام ‪2020‬م‪ ،‬والــذي حــدد أهداف ـاً يجــب علــى احللــف أن‬ ‫يظــل متمســكاً بهــا يف املســتقبل ومنهــا ضــرورة أن يظــل إطــاراً‬ ‫سياســياً قويـاً للتشــاور بــن أعضائــه‪ ،‬باإلضافــة إلــى أهميــة أن يكــون‬ ‫مظلــة دفاعيــة إقليميــة ألكثــر مــن مليــار شــخص هــم شــعوب احللــف‪،‬‬ ‫والثانــي‪ :‬مــع حــرص أعضــاء الناتــو علــى اإلبقــاء عليــه كمظلــة دفاعية‬ ‫جماعيــة لــم تعــد ترتبــط مبنــاخ احلــرب البــاردة‪ ،‬ولكــن يالحــظ ظهــور‬ ‫حتالفــات ثنائيــة وثالثيــة داخــل تلــك املنظمــة ظهــرت إرهاصاتهــا يف‬ ‫أعقــاب اخلــالف بــن تركيــا واليونــان والــذي حظيــت فيــه األخيــرة‬ ‫بدعــم فرنســي واضــح وهــو مــا يفســر إعــالن فرنســا يف ‪ 28‬ســبتمبر‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬أن اليونــان ســوف تقــوم بشــراء ثــالث فرقاطــات فرنســية‬ ‫يف إطــار مــا أســماه الرئيــس الفرنســي إميانويــل ماكــرون " شــراكة‬ ‫اســتراتيجية أكثــر عمقـاً للدفــاع عــن مصاحلهمــا املشــتركة يف البحــر‬ ‫املتوســط" ومــع أن كرياكــوس ميتســوتاكيس رئيــس الــوزراء اليونانــي‬


‫‪82‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫سعي األطراف الثالثة لتأسيس نقطة ارتكاز متقدمة لتأكيد‬ ‫مفهوم الردع ضد النفوذ الصيني المتنامي‬ ‫الوطنيــة فإنــه يعكــس تالقــي إرادات األطــراف الثالثــة علــى مصلحــة‬ ‫مشــتركة‪ ،‬فأســتراليا تريــد الغواصــات األعلــى كفــاءة‪ ،‬والواليــات‬ ‫املتحــدة تريــد حلفــاء ولــو بعــدد أقــل مــن دول الناتــو يف ظــل عــدم‬ ‫ثبــات العالقــات األمريكيــة ‪ -‬األطلســية علــى وتيــرة واحــدة‪ ،‬أمــا‬ ‫بريطانيــا فإنهــا يف حاجــة لتحالفــات جديــدة بعــد خروجهــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي وتعــد الواليــات املتحــدة احلليــف التقليــدي أهــم‬ ‫خياراتهــا‪ ،‬والثالثــة‪ :‬أن االتفــاق يعــد خطــوة لتحقيــق مفهــوم تــوازن‬

‫القــوى يف بحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬وهــو املتطلــب األساســي لتحقيــق‬ ‫األمــن اإلقليمــي‪ ،‬فبنظــرة ســريعة جنــد أنــه يف الوقــت الــذي متتلــك‬ ‫فيــه الصــن ثالــث أقــوى جيــش يف العالــم ويصنــف أســطولها البحــري‬ ‫يف املرتبــة األولــى عامليـاً‪ ،‬فــإن اجليــش األســترالي يصنــف يف املرتبــة‬ ‫رقــم ‪ 19‬واألســطول البحــري ألســتراليا يصنــف يف املرتبــة ‪ 47‬عامليـاً‪،‬‬ ‫إال أنــه بعــد االتفــاق اجلديــد فإننــا بصــدد موازيــن قــوى جديــدة‬ ‫يف منطقــة كانــت ســبباً رئيســياً يف تغييــر االســتراتيجيات الدفاعيــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪81‬‬

‫ملف العدد‬

‫تأسيس هوية أمنية أوروبية مستقلة ال يتعارض مع دعم الناتو‬

‫صفقــة الغواصــات النوويــة‪ :‬مــا بيــن ردع‬ ‫الخصــوم وتصــدع الحلفــاء‬ ‫مــا بــن قــرار فرنســا إعــادة ســفيريها إلــى الواليــات املتحــدة وأســتراليا بعــد اســتدعاء دام لقرابــة ثالثــة أســابيع مــن كلتــا‬ ‫الدولتــن وبــن بلــوغ التوتــر مــداه بــن فرنســا وكل مــن الدولتــن باإلضافــة إلــى بريطانيــا علــى إثــر مــا عــرف "بأزمــة‬ ‫الغواصــات النوويــة" تســاؤالت عديــدة أثيــرت حــول تأثيــر تلــك الصفقــة ليــس فقــط علــى مســتقبل حلــف شــمال األطلســي"‬ ‫الناتــو" بــل تداعياتهــا أوروبيـاً يف ظــل كــون العديــد مــن الــدول األوروبيــة أعضــاء يف الناتــو واالحتــاد األوروبــي يف الوقــت ذاتــه‬ ‫وســعي الــدول احملوريــة يف األخيــر ومنهــا فرنســا لصياغــة هويــة أمنيــة مســتقلة ألوروبــا‪ ،‬ويثيــر مــا ســبق أربعــة تســاؤالت‪:‬‬ ‫األول‪ :‬ما هو مضمون تلك الصفقة ودالالتها بالنسبة ألطرافها؟‬ ‫والثاني‪ :‬ما هو تأثير تلك الصفقة على مستقبل حلف الناتو؟‬ ‫والثالث‪ :‬أي تأثير للصفقة على جهود أوروبا لتأسيس هوية أمنية مستقلة؟‬ ‫والرابع‪ :‬هل يصل اخلالف األمريكي‪ -‬األوروبي إلى حد الصدام؟‬

‫د‪ .‬أشرف محمد كشك‬

‫أوالً‪ :‬مضمون تلك الصفقة ودالالتها بالنسبة ألطرافها‬ ‫يف الســادس عشــر مــن ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬أعلنــت كل مــن الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا وأســتراليا توقيــع اتفاقيــة حتالــف‬ ‫أمنــي باســم "أوكــوس" ســوف يحصــل مبوجبهــا اجليــش األســترالي‬ ‫علــى ‪ 8‬غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة مــن الواليــات املتحــدة ومــن‬ ‫ثــم إلغــاء أســتراليا عقــداً مــع فرنســا مت توقيعــه عــام ‪2016‬م‪ ،‬بقيمــة‬ ‫‪ 66‬مليــار دوالر لبنــاء ‪ 12‬غواصــة تقليديــة تعمــل بالديــزل والكهربــاء‪،‬‬ ‫ومبوجــب تلــك االتفاقيــة أيضـاً ســوف يتــم تبــادل املعلومــات واملعرفــة‬ ‫بــن الــدول الثــالث يف املجــاالت التكنولوجيــة الرئيســية مثــل الــذكاء‬ ‫االصطناعــي واألنظمــة اإللكترونيــة واألنظمــة التــي تعمــل حتــت املــاء‬ ‫وقــدرات شــن هجــوم بعيــد املدى‪،‬األمــر الــذي أدى إلــى غضــب عــارم‬ ‫لــدى املســؤولن الفرنســين وجــد ســبيله يف مفــردات الدبلوماســية‬ ‫الفرنســية وبلــغ األمــر مــداه بقــرار فرنســا ســحب ســفيريها لــدى‬ ‫كل مــن الواليــات املتحــدة وأســتراليا ‪،‬ومــع أهميــة التبريــرات التــي‬ ‫أعلنتهــا أطــراف الصفقــة الثــالث مــا بــن فنيــة عبــر عنهــا ســكوت‬ ‫موريســون رئيــس الــوزراء األســترالي بأنــه أملــح للرئيــس الرئيــس‬

‫الفرنســي إميانويــل ماكــرون يف يونيــو ‪2021‬م‪ ،‬بشــأن عــدم قــدرة‬ ‫صفقــة الغواصــات التقليديــة علــى تلبيــة االحتياجــات األمنيــة‬ ‫االســتراتيجية ألســتراليا يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬ومــا بــن‬ ‫تبريــرات ماليــة بشــأن قيمــة الصفقــة الفرنســية الباهظــة بالنســبة‬ ‫ألســتراليا‪ ،‬أو املزايــا النســبية التــي تتســم بهــا الغواصــات اجلديــدة‪،‬‬ ‫فإنــه يف ظــل أن القــرارات االســتراتيجية يصعــب تفســيرها مــن‬ ‫منظــور واحــد فــإن ذلــك القــرار يتجــاوز اجلوانــب املاديــة والتقنيــة‬ ‫وميكــن تفســيره مــن ثــالث زوايــا األولــى‪ :‬ســعي األطــراف الثالثــة‬ ‫املوقعــة علــى ذلــك االتفــاق إلــى تأســيس نقطــة ارتــكاز متقدمــة‬ ‫لتأكيــد مفهــوم الــردع ضــد النفــوذ املتنامــي للصــن يف بحــر‬ ‫الصــن اجلنوبــي ويجــد ذلــك تفســيره يف رد فعــل الصــن جتــاه‬ ‫الصفقــة مــن خــالل تصريــح تشــاو ليجــان املتحــدث باســم اخلارجيــة‬ ‫الصينيــة الــذي قــال" إن التحالــف يخاطــر بإحلــاق أضــرار جســيمة‬ ‫بالســالم اإلقليمــي وتكثيــف ســباق التســلح"‪،‬ولعل إمعــان النظــر يف‬ ‫بقيــة جوانــب االتفــاق وخاصــة قضايــا األمــن البحــري يؤكــد طبيعــة‬ ‫ذلــك التحالــف ومســاره املســتقبلي‪ ،‬والثانيــة‪ :‬مــن منظــور املصلحــة‬


‫‪80‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"الناتو" تأسس عقب الحرب العالمية الثانية بـ ‪ 16‬دولة وبعد‬ ‫انهيار االتحاد السوفييتي التحقت به ‪ 13‬دولة من أعضاء حلف وارسو‬ ‫تفقدهــا كثيــ ًرا ممــا كســبته‪ ،‬يف فتــرة "العصــر الذهبــي ألمريــكا"‪،‬‬ ‫وهــي الفتــرة التــي امتــدت حوالــي ثالثــن عا ًمــا‪2021-1991 ،‬م‪.‬‬ ‫وغال ًبــا مــا ســيكون النظــام العاملــي متعــدد األقطــاب القــادم‪ ،‬أكثــر‬ ‫مواتيــة (نســب ًيا) بالنســبة لغالبيــة الــدول الناميــة‪ ،‬مــن نظــام القطــب‬ ‫األمريكــي الواحــد‪ ،‬الــذي ســاد العالــم خــالل الثالثــة عقــود األخيــرة‪.‬‬ ‫ومــا ينطبــق علــى الــدول الناميــة‪ ،‬ينطبــق علــى العـــالم العـــــربي‬ ‫باعتبــار أنــه جـــــزء مــن العـــــالم النامــي‪ .‬وقــد أصبــح مــن املســلم بــه‬ ‫أنــه لكــي يكــون للعــــــرب مكـــــاناً يف عالــم اليــوم‪ ،‬واملســتقبل فــإن علــى‬ ‫العــرب أن يطبعــوا أوضاعهــم السياســية ويتحــدوا ـ أو يقيمــوا فيمــا‬ ‫ـخا ومســتدا ًما وصل ًبــا‪ .‬لقــد جتــرع العــرب قــدراً‬ ‫بينهــم تضام ًنــا راسـ ً‬ ‫كبيــراً مــن املــرارة‪ ...‬يف‬ ‫ظــل األنظمــة العامليــة الســابقة‪ .‬ويســقيهم النظــام العاملــي احلالــي‬ ‫املزيــد – كمــا هــو معــروف‪ .‬فالنظــام العاملــي القائــم اآلن رمبــا يكــون‬ ‫أســوأ نظــام عاملــي بالنســبة للعــرب باعتبــار أن قطبــه (الوحيــد) لــه‬ ‫سياســات ســلبية جتاههــم‪ .‬أمــا بالنســبة ألعدائهــم‪ ،‬ومنهــم احلركــة‬ ‫الصهيونيــة (إســرائيل) فرمبــا يعتبــر هــذا النظــام هــو األفضــل‪ ،‬وال‬ ‫تفوقــه يف األفضليــة إال أن تكــون إســرائيل نفســها هــي القطــب‬ ‫املتفــرد بالقمــة‪.‬‬

‫وأن مــن مصلحــة العــرب (كأمــة) مبــا يف ذلــك دول اخلليــج العربيــة‬ ‫أن يتحــول املنتظــم الدولــي احلالــي إلــى نظــام التعــدد القطبــي‪...‬‬ ‫إذ أن ذلــك سيســهل التحلــل مــن ربقــة بعــض األقطــاب ‪ ...‬عبــر‬ ‫إمكانيــة االســتعانة (احلــذرة) باألقطــاب األخــرى‪ ،‬يف التصــدي‬ ‫للمنــاورات املعروفــة لألقطــاب املعاديــة‪ ،‬املضــرة باملصلحــة العربيــة‬ ‫العليــا‪ .‬واملؤكــد‪ ،‬أن تضامــن واحتــاد العــرب ‪-‬إن حدث‪-‬ســيجعل‬ ‫منهــم قــوة هامــة‪ ،‬يف أي نظــام عاملــي‪ ...‬وبصــرف النظــر عــن ماهيــة‬ ‫ذلــك النظــام‪ ،‬وطبيعــة املســيطرين فيــه‪ .‬فاحتادهــم‪ ،‬ســيجعل منهــم‬ ‫(يف املــدى القصيــر) كيان ـاً لــه ســطوة وثقــل الدولــة الكبــرى (إن لــم‬ ‫نقــل العظمــى) ‪ ...‬واملعــروف أن "الدولــة الكبــرى" تكــون أقــرب ملنزلــة‬ ‫ونفــوذ "الدولــة العظمــى"‪ ،‬مــن غيرهــا‪ .‬كمــا أن "الدولــة الكبــرى"‪،‬‬ ‫تكــون أقــدر ـ يف أي نظــام عاملــي ـ علــى حمايــة مصاحلهــا‪ ،‬وحتقيــق‬ ‫أهدافهــا العليــا‪ ،‬مــن الدولــة املتوســطة أو الصغــرى أو الدويلــة‪.‬‬

‫*ﻋﻀﻮ ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺸﻮرى ﺳﺎﺑﻘﺎــ أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪79‬‬

‫ملف العدد‬

‫هناك اتفاق أمني قديم بين أمريكا وأستراليا ونيوزيالندا حلف‬ ‫"أنزس" ويبدو أن "أوكوس" سيحل بدي ًال أو مكم ًال له‬ ‫كمــا أن كــون غالبيــة الــروس تعتنــق املذهــب املســيحي األرثوذكســي‬ ‫جعــل لروســيا تقاليــد وحضــارة مختلفــة عــن غالبيــة دول أوروبــا‬ ‫وغالبيتهــا البروتســتانتية‪ .‬وســاهم قيــام "الشــيوعية" يف روســيا‪ ،‬يف‬ ‫الفتــرة ‪1991 – 1917‬م‪ ،‬وهيمنتهــا علــى أوروبــا الشــرقية‪ ،‬يف جعــل‬ ‫روســيا يف عــداء مــع "الدميقراطيــات" الغربيــة‪ ،‬ورثتــه روســيا‪ ،‬رغــم‬ ‫تخليهــا عــن التوجــه الشــيوعي املاركســي‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬أصبحــت الصــن‪ ،‬مبــا بلغتــه مــن قــوة دوليــة مذهلــة‪،‬‬ ‫هــي التحــدي األول واألخطــر للغــرب‪ ،‬بصفــة عامــة‪ ،‬وألمريــكا علــى‬ ‫وجــه اخلصــوص‪ .‬وهــذا أهــم مــا يفســر توجــه الواليــات املتحــدة‬ ‫إلــى منطقــة احمليــط الهــادي (الباســيفيكي) وإلــى شــرقه بخاصــة‪،‬‬ ‫لتطويــق الصــن‪ ،‬مســتعينة بأســتراليا‪ ،‬الواقعــة جنــوب شــرق احمليــط‬ ‫الهــادي‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬احلليــف التقليــدي األقــرب ألمريــكا‪ ،‬فــكان‬ ‫اتفــاق "أوكــوس"‪.‬‬ ‫تعتبــر اتفاقيــة "أوكــوس" التــي أبرمــت مؤخــ ًرا‪ ،‬بــن أســتراليا‬ ‫وأمريــكا وبريطانيــا‪ ،‬نقطــة حتــول اســتراتيجي وأمنــي خطيــرة يف‬ ‫مســار العالقــات الدوليــة الراهنــة‪ ،‬وبخاصــة بالنســبة للعالقــات‬ ‫املتوتــرة أصـ ً‬ ‫ال بــن دول العالــم العظمــى والكبــرى‪ ،‬أو بعضهــا‪ ،‬علــى‬ ‫األصــح‪ .‬وتتضمــن هــذه االتفاقيــة‪ ،‬التــي مــا زالــت تثيــر جدالً سياسـ ًيا‬ ‫واســتراتيج ًيا هائ ـ ً‬ ‫ال يف األوســاط السياســية الدوليــة‪ ،‬إنشــاء حلــف‬ ‫عســكري بــن هــذه الــدول الثــالث‪ ،‬يبــدأ بتزويــد أمريــكا ألســتراليا‬ ‫بغواصــات تعمــل بالدفــع النــووي‪ ،‬وتعزيــز الوجــود العســكري الغربــي‬ ‫يف منطقــة الباســيفيك‪ .‬وأعلــن هــذا التحالــف اجلديــد‪ ،‬ووصــف‬ ‫بأنــه‪ :‬ملواجهــة "األخطــار املشــتركة" التــي اســتلزمت إنشــاء هــذا‬ ‫الترتيــب العســكري‪.‬‬ ‫وال يهمنــا هنــا كثيــ ًرا أن نذكــر بــأن أســتراليا ســبق وأن اتفقــت‬ ‫مــع فرنســا‪ ،‬عــام ‪2016‬م‪ ،‬لشــراء غواصــات تعمــل بالطاقــة العاديــة‬ ‫(ديزل‪/‬كهربــاء)‪ .‬ولكــن أســتراليا انســحبت مــن هــذا االتفــاق‪،‬‬ ‫بإعالنهــا رغبتهــا يف احلصــول علــى غواصــات تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة‪ ،‬مــن أمريــكا‪ ،‬بــدالً مــن الغواصــات الفرنســية‪ .‬وذلــك أغضــب‬ ‫فرنســا‪ ،‬احلليــف العتيــد للغــرب‪ .‬ولكــن‪ ،‬يبــدو أن فرنســا ســتبتلع‬ ‫غضبهــا‪ ،‬إن حصلــت علــى "تعويضــات" مجزيــة مــن أســتراليا‪ ،‬كمــا‬ ‫هــو متوقــع‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬فــإن مــا حصــل ســيدفع فرنســا أكثــر نحــو‬ ‫االســتقالل النســبي عــن حلــف "ناتــو"‪.‬‬ ‫وال شــك‪ ،‬أن هــذا احللــف اجلديــد وحلــف ناتــو مترابطــان‪ ،‬بشــكل‬ ‫أو آخــر‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن احلديــث عنــه يدفــع للحديــث عــن التحالــف‬

‫العســكري الغربــي األكبــر‪ ،‬ناتــو‪ .‬حيــث ميكــن اعتبــار "أوكــوس"‬ ‫تفرعــا مــن حلــف ناتــو األكبــر‪ ،‬موجــه ضــد العمــالق الصينــي‪ ،‬بصفــة‬ ‫ً‬ ‫رئيســة‪ .‬وذلــك رغــم أن رئيــس وزراء أســتراليا "ســكوت موريســون"‪،‬‬ ‫ورئيــس وزراء بريطانيــا "بوريــس جونســون"‪ ،‬ورئيــس الواليــات‬ ‫املتحــدة "جوزيــف بايــدن"‪ ،‬أصــدروا بيا ًنــا مشــتر ًكا‪ ،‬قالــوا فيــه‪ :‬إن‬ ‫هــذا احللــف األمنــي‪ ،‬ونشــر غواصــات نوويــة (غربيــة) يف احمليــط‬ ‫الهــادي وبحــر الصــن‪ ،‬ال يســتهدف أي دولــة‪...‬؟! ولكــن مســببات‬ ‫إنشــاء احللــف‪ ،‬وبهــذا الزخــم‪ ،‬تشــير‪ ،‬مبــا ال يــدع مجــاالً للشــك‪،‬‬ ‫أنــه ملواجهــة "اخلطــر املشــترك"‪ ،‬الــذي يواجهــه الغــرب‪ ،‬واملتمثــل يف‬ ‫الصعــود املتزايــد لقــوة الصــن‪ ،‬واتســاع نفوذهــا العاملــي‪.‬‬ ‫ومعــروف‪ ،‬أن هنــاك اتفــاق أمنــي قــدمي بــن أمريــكا وأســتراليا‬ ‫ونيوزيالنــدا‪ ،‬يســمى حلــف "أنــزس" (‪ .)ANZUS‬ويبــدو أن‬ ‫بديــال النــزس‪ ،‬أو مكمــ ً‬ ‫ً‬ ‫ال لــه‪ .‬فحتــى اآلن‪ ،‬لــم‬ ‫"أوكــوس" ســيحل‬ ‫يصــدر أي بيــان رســمي عــن مصيــر "أنــزس"‪ .‬ومعــروف‪ ،‬أنــه لــم يتــم‬ ‫ضــم نيوزيالنــدا إلــى "أوكــوس" بعــد‪ ،‬ألن نيوزيالنــدا حتظر اســتخدام‬ ‫الطاقــة النوويــة علــى أراضيهــا‪ .‬ويتضمــن "أوكــوس" التعــاون‬ ‫بــن أعضائــه يف املجــاالت العســكرية االســتراتيجية‪ ،‬كاحلــروب‬ ‫اإلليكترونيــة‪ ،‬والصواريــخ عابــرة القــارات‪ ،‬والــذكاء الصناعــي‪،‬‬ ‫واحلــروب النوويــة‪ .‬ويســمح ألســتراليا باحلصــول علــى غواصــات‬ ‫تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬وســتزود أمريــكا أســتراليا باليورانيــوم عالــي‬ ‫التخصيــب‪ ،‬لتشــغيل هــذه الغواصــات‪ ،‬التــي غال ًبــا مــا ســتكون مــن‬ ‫طــراز "فيرجينيــا"‪ ،‬وتنطلــق مــن قاعــدة "ســتيرلينغ" يف مدينــة بيــرث‪.‬‬ ‫وقــد لقيــت هــذه الصفقــة (احللــف) تأييـدًا ودع ًمــا مــن معظــم زعمــاء‬ ‫األحــزاب السياســية األســترالية‪ .‬ولكــن بعــض هــؤالء الزعمــاء وقــف‬ ‫معارضــا لهــذه االتفاقيــة‪ ،‬ألنهــا قــد تفقــد أســتراليا ســيادتها‪ ،‬كمــا‬ ‫قــال أحدهــم‪.‬‬ ‫ال ميكــن‪ ،‬يف الواقــع‪ ،‬التقليــل مــن أهميــة إنشــاء هــذا التحالــف‬ ‫الثالثــي الغربــي‪ .‬فهــو نذيــر بــأن احلــرب البــاردة بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن قــد بــدأت بالفعــل‪ ،‬وأن علــى العالــم أن يــدرك‬ ‫بــأن النظــام العاملــي قــد حتــول بالفعــل إلــى القطبيــة الثنائيــة‪ .‬وإن‬ ‫صعــدت روســيا قريبــا‪ ،‬كمــا هــو متوقــع‪ ،‬ســيصبح النظــام العاملــي‬ ‫"متعــدد األقطــاب"‪ .‬وكمــا نعــرف‪ ،‬فــإن هنــاك تناغ ًمــا اســتراتيج ًيا‬ ‫بــن الصــن وروســيا‪ ،‬خاصــة جتــاه العــدو املشــترك‪ ،‬الغــرب‪.‬‬ ‫وذلــك قــد يقــود إلــى حتالفهمــا‪ ،‬ولــو مؤق ًتــا‪ .‬فتمســى هنــاك قوتــان‬ ‫هائلتــان متناقضتــان‪ ،‬ترغــم النفــوذ األمريكــي علــى التراجــع‪ ،‬وقــد‬


‫‪78‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫يمك ــن اعتب ــار "أوك ــوس" تفر ًع ــا م ــن حل ــف نات ــو األكب ــر موج ــه‬ ‫ض ــد العم ــالق الصين ــي بصف ــة رئيس ــة رغ ــم التصريح ــات الثالثي ــة‬ ‫حلــف شــمال األطلســي (‪ )NATO‬يــوم ‪1949 / 4 / 4‬م‪ ،‬للدفــاع‬ ‫عــن الغــرب املتنفــذ وتوابعــه‪ ،‬ضــد مــا يهددهــم مــن أخطــار‪ ،‬وفــى‬ ‫مقدمتهــا اخلطــر الشــيوعي الــذي كان ميثلــه االحتــاد الســوفييتي‬ ‫أساســا‪ ،‬أثنــاء صــراع الدولتــن‬ ‫الســابق‪ .‬وقــام هــذا احللــف العســكري‬ ‫ً‬ ‫العظميــن (الواليــات املتحــدة واالحتــاد الســوفييتي)‪ .‬كان تأسيســه‬ ‫ســب ًبا‪ ،‬ونتيجــة‪ ،‬للحــرب البــاردة التــي اندلعــت بــن هذيــن الطرفــن‪،‬‬ ‫خــالل الفتــرة ‪1991-1945‬م‪ .‬وكــرد فعــل علــى قيــام حلــف "ناتــو"‪،‬‬ ‫أنشــأ االحتــاد الســوفييتي وحلفــاؤه حلــف وارســو‪ ،‬يــوم ‪/ 5 / 14‬‬ ‫‪1955‬م‪ .‬وأصبــح هنــاك معســكرين متنافريــن متضاديــن (القطبيــة‬ ‫الثنائيــة)‪ ،‬يســيطران علــى العالــم‪ ،‬املعســكر الغربــي (ناتــو) بقيــادة‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬واملعسكـــــر الشــرقي (حلــف وارســو) بزعامــة‬ ‫االحتــــــاد الســــوفييتي‪.‬‬ ‫وكان هــدف حلــف ناتــو‪ ،‬ومــا زال‪ ،‬هــو‪ :‬احلفــاظ علــى حريــة وأمــن‬ ‫أعضائــه‪ ،‬كـــــما جــــاء يف املوقــع اإلليكترونــي اخلــاص باحللف‪ ،‬ومقره‬ ‫بروكســل‪ .‬فاحللــف يعبــر عــن‪ " :‬التزامــه بالقيــم الدميقراطيــة‪،‬‬ ‫وتقاســم املــوارد التــي مــن شــأنها تعزيــز الدفــاع واألمــن للــدول‬ ‫األعضــاء‪ ،‬مــن خــالل منــع وايقــاف الصراعــات‪ ،‬مــع التأكيــد علــى أن‬ ‫"اســتخدامه للعمــل العســكري ال لبــس فيــه‪ ،‬يف حــال فشــلت اجلهــود‬ ‫الدبلوماســية"‪ .‬ذلــك بعــض ممــا جــاء يف النظــام األساســي للحلــف‪.‬‬ ‫إنــه حتالــف عســكري ‪-‬دبلوماســي‪ ،‬أنشــئ مبوجــب معاهــدة شــمال‬ ‫األطلســي‪ ،‬والتــي تعــرف ً‬ ‫أيضــا مبعاهــدة واشــنطن‪ ،‬وذلــك ملواجهــة‬ ‫التهديــد الشــيوعي‪ ،‬املتمثــل يف االحتــاد الســوفييتي‪ ،‬بصفــة أساســية‪،‬‬ ‫بعــد أن نشــر األخيــر قواتــه يف وســط وشــرق أوروبــا‪ ،‬عقــب احلــرب‬ ‫العامليــة الثانيــة‪ .‬وأعضــاؤه األصليــون ‪ 16‬دولــة‪ ،‬هــي‪ :‬بلجيــكا‪،‬‬ ‫أمريــكا‪ ،‬فرنســا‪ ،‬الدمنــارك‪ ،‬كنــدا‪ ،‬أيســلندا‪ ،‬إيطاليــا‪ ،‬لوكســمبرج‪،‬‬ ‫هولنــدا‪ ،‬النرويــج‪ ،‬البرتغــال‪ ،‬بريطانيــا‪ .‬ثــم انضمــت إليــه فيمــا بعــد‬ ‫اليونــان‪ ،‬تركيــا‪ ،‬أملانيــا الغربيــة (أملانيــا)‪ ،‬إســبانيا‪ .‬وبعــد انهيــار‬ ‫االحتــاد الســوفييتي‪ ،‬التحقــت بــه ‪ 13‬دولــة‪ ،‬كانــت أعضــاء يف حلــف‬ ‫وارســو‪ ،‬وهــي‪ :‬تشــيك‪ ،‬املجــر‪ ،‬بولنــدا‪ ،‬بلغاريــا‪ ،‬إســتونيا‪ ،‬التفيــا‪،‬‬ ‫ليتوانيــا‪ ،‬رومانيــا‪ ،‬ســلوفاكيا‪ ،‬ســلوفينيا‪ ،‬ألبانيــا‪ ،‬كرواتيــا‪ ،‬اجلبــل‬ ‫األســود‪ ...‬أي أن عــدد أعضائــه اآلن وصــل الــى ‪ 29‬دولــة‪ ،‬حوالــي‬ ‫نصفهــم كانــوا أعضــاء يف حلــف وارســو‪.‬‬ ‫وبعــد انهيــار املعســكر الشــرقي‪ ،‬وزوال االحتــاد الســوفييتي عــام‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬توقــع الكثيــر مــن املراقبــن واخلبــراء املتخصصــن‪ ،‬أن‬ ‫يصفــى حلــف ناتــو‪ ،‬وينتهــي‪ ،‬بســبب ســقوط االحتــاد الســوفييتي‬ ‫وحلفائــه‪ ،‬وهــو العــدو األكبــر (الســابق) حللــف ناتــو‪ ،‬والســبب املباشــر‬

‫لقيامــه وتأسيســه‪ .‬وكانــت املفاجــأة الكبــرى ‪ ...‬أن اســتمر حلــف‬ ‫ناتــو‪ ،‬بــل وتصاعــدت قوتــه‪ ،‬ومتــدد شرقــــ ًـا‪ ،‬ليضــم يف عضويتــه دوال‬ ‫كانــت باألمــس يف صــف العــدو اللــدود‪ .‬وأكثــر مــن يثيــر االســتغراب‪،‬‬ ‫ويعبــر عــن القلــق نتيجــة لهــذا التطــور غيــر املتوقــع‪ ،‬هــو االحتــاد‬ ‫الروســي‪ ،‬وريــث االحتــاد الســوفييتي الســابق‪ .‬فلقــد توســع حلــف‬ ‫ناتــو شــر ًقا‪ ...‬حتــى أصبــح طــول احلــدود املتاخمــة بــن دولــه وروســيا‬ ‫‪ 1600‬كيلــو متــر‪ ،‬بعــد أن كانــت حوالــي ‪ 700‬كيلــو متــر‪ .‬ويتســاءل‬ ‫بعــض املراقبــن‪ :‬ملــاذا حصــل هــذا التطــور‪ ،‬واســتمر حلــف ناتــو‪ ،‬بــل‬ ‫وقــوي عــن ذي قبــل‪ ،‬رغــم زوال املســبب األساســي لقيامــه؟!‬ ‫لقــد اســتمر حلــف ناتــو‪ ،‬علــى مــدار االثنــن وســبعن عا ًمــا‬ ‫املاضيــة‪ ،‬وقــوي يف العقــود الثالثــة األخيــرة‪ ،‬لعــدة أســباب‪ ،‬أهمهــا‬ ‫مــا يلــي‪:‬‬ ‫(‪ )1‬حــرص الواليــات املتحــدة علــى بقائــه ودعمــه‪ ،‬ورغبتهــا يف‬ ‫اســتخدامه كــذراع عاملــي ملــد الهيمنــة‪ ،‬وبســط النفــوذ‪ ،‬ودعــم كونهــا‬ ‫الدولــة العظمــى األولــى‪ ،‬وقيادتهــا ألهــم األحــالف يف العالــم‪.‬‬ ‫(‪ )2‬عــداء الغــرب العقائــدي واحلضــاري التقليــدي التاريخــي نحــو‬ ‫روســيا‪ ،‬وخشــيته الدائمــة مــن اكتســاح أوروبــا مــن قبــل الــروس‪.‬‬ ‫(‪ )3‬عــداء الغــرب العقائــدي واحلضــاري التاريخــي الســاخن جتــاه‬ ‫الصــن‪ ،‬ودول الشــرق بعامــة‪.‬‬ ‫(‪ )4‬محاربــة مــا يســمى بـــ "التطــرف اإلســالمي" الــذي وضعه الغرب‬ ‫يف قائمــة األعــداء ‪ ...‬واعتبــره العــدو البديــل لالحتــاد الســوفييتي‪،‬‬ ‫يف مرحلــة مــا بعــد احلــرب البــاردة‪ ،‬بــن الدولتــن العظميــن ســاب ًقا‪.‬‬ ‫وينــدرج ضمــن هــذا البنــد مــا يســميه الغــرب املتنفــذ بـــ "مكافحــة‬ ‫اإلرهــاب"‪ ،‬والــذي كثي ـ ًرا مــا يعنــى‪ :‬احلــرب‪ ،‬عبــر فزاعــة اإلرهــاب‬ ‫املفتعلــة‪ ،‬كمبــرر للحــرب والغــزو‪ ،‬مــن أجــل الهيمنــة‪ ،‬واســتغالل‬ ‫البــالد األضعــف‪.‬‬ ‫إن حــرص الواليــات املتحــدة علــى اســتدامة نفوذهــا‪ ،‬كدولــة‬ ‫عظمــى أولــى‪ ،‬وخشــيتها احلاليــة مــن املــارد الصينــي القــادم بقــوة‪،‬‬ ‫أمــر مفهــوم‪ ،‬وعملهــا علــى بقــاء حلــف "ناتــو "‪ ،‬يجــب أن يفهــم يف هــذا‬ ‫اإلطــار ً‬ ‫أيضــا‪ .‬وميكــن‪ ،‬اعتبــار أن اصــرار أمريــكا علــى بقــاء وتقويــة‬ ‫هــذا احللــف ناجــم أصــ ً‬ ‫ال مــن حرصهــا علــى دعــم نفوذهــا هــي‪،‬‬ ‫وهيمنتهــا الكونيــة اخلاصــة‪ ،‬وفزعهــا مــن منافســة وعــداء وخطــورة‬ ‫اخلصــوم التقليديــن ألميــركا والغــرب‪ ،‬وخاصــة الصــن اآلن‪.‬‬ ‫ومعــروف‪ ،‬أن روســيا‪ ،‬رغــم كونهــا – بالدرجــة األولــى – دولــة‬ ‫أوروبيــة كبــرى‪ ،‬إال أن هنــاك عــداء أوروبــي تاريخــي تقليــدي لهــا‪.‬‬ ‫فعلــى مــدار التاريــخ احلديــث واملعاصــر‪ ،‬كانــت هنــاك صراعــات‬ ‫وحــروب شــعواء بــن روســيا والــدول األوروبيــة الكبــرى‪ .‬وكان هنــاك‬ ‫اجتيــاح عســكري روســي لكثيــر مــن بلــدان أوروبــا املجــاورة لروســيا‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪77‬‬

‫ملف العدد‬

‫حــلـــف شمـــال األطـــلــسي وحلف شرق الباسيفيك ‪...‬؟!‬

‫‪ 4‬أســباب وراء اســتمرار "الناتــو"‪ :‬دعــم أمريــكا‬ ‫والعــداء لروســيا والصيــن والتطــرف اإلســالمي‬ ‫الترتيبــات األمنيــة والدفاعيــة الغربيــة الكبــرى مترابطــة أشــد الترابــط‪ ،‬وموحــدة‪ ،‬أو شــبه موحــدة‪ ،‬ضــد "األخطــار‬ ‫املشــتركة"‪ ،‬التــي تتصدرهــا الصــن اآلن‪ ،‬بالنســبة لهــذا الغــرب‪ ،‬الــذي تقــوده أمريــكا‪ .‬لذلــك‪ ،‬فــإن احلديــث عــن االتفــاق‬ ‫األمنــي الثالثــي‪ ،‬بــن أســتراليا‪ ،‬وأميــركا‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬يجــر – بالضــرورة ‪ -‬للحديــث عــن الترتيــب األمنــي الغربــي األكبــر‪،‬‬ ‫املتمثــل اآلن يف حلــف "ناتــو"‪.‬‬ ‫وقــد احتفــل حلــف شــمال األطلســي (ناتــو) خــالل اجتماعــه الســنوي الــدوري علــى مســتوى القمــة‪ ،‬أي رؤســاء الــدول‬ ‫األعضــاء التســعة والعشــرين‪ ،‬يومــي ‪ 4-3‬ديســمبر ‪2019‬م‪ ،‬قــرب لنــدن‪ ،‬مبناســبة مــرور ســبعن عا ًمــا علــى إنشــائه‪ .‬ولكــن‪،‬‬ ‫صاحــب هــذا االحتفــال ظهــور عقبــات وتصدعــات‪ ،‬تواجــه متاســك احللــف‪ ،‬ونشــوب توتــرات فيمــا بــن أبــرز أعضائــه‪...‬‬ ‫اعتبرهــا البعــض تهدي ـدًا الســتمرار احللــف العتيــد‪ ،‬وبــوادر قويــة لتصــدع قريــب يف بنيانــه‪ .‬واآلن‪ ،‬يأتــي حلــف "أوكــوس"‬ ‫((‪ AUKUS‬الــذي أعلــن بــن كل مــن‪ :‬أمريــكا‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬يــوم ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬ليفاقــم مــن هــذه‬ ‫اخلالفــات‪ ،‬خاصــة بــن فرنســا‪ ،‬وكل مــن بريطانيــا وأمريــكا‪ .‬بعــض املراقبــن يــرون أن "أوكــوس" ســيكون إضافــة إيجابيــة‬ ‫وذراعــا لــه يف احمليــط الهــادي‪.‬‬ ‫"تفرعــا" مــن ناتــو‪،‬‬ ‫حللــف ناتــو‪ ،‬ولالســتراتيجية األمنيــة الغربيــة‪ .‬حيــث ميكــن اعتبــاره‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وآخــرون يــرون أن هــذه االتفاقيــة األمنيــة الغربيــة اجلديــدة قــد تؤثــر ســل ًبا علــى ناتــو‪ .‬ونســلط يف هــذا املقــال بعــض الضــوء‬ ‫علــى هــذا احللــف‪ ،‬وعالقتــه بالناتــو‪ ،‬وتأثيــره‪ ،‬بصفــة عامــة‪ ،‬علــى التحالــف األمنــي الغربــي‪.‬‬

‫د‪ .‬صدقه بن يحيى فاض ـ ـ ــل‬

‫كان يفتــرض أن يكــون اجتمــاع ‪2019‬م‪ ،‬مبثابــة مناســبة لالحتفــال‪،‬‬ ‫والســتعراض القــوة‪ ،‬ولتهدئــة اخلالفــات التــي نشــأت بــن بعــض‬ ‫كبــار أعضائــه‪ ،‬وفــى مقدمتهــا‪ :‬اخلالفــات بــن تركيــا وأمريــكا‪،‬‬ ‫وبــن أمريــكا وأوروبــا‪ ،‬وبــن فرنســا وأملانيــا‪ .‬كمــا كانــت هنــاك أمــو ًرا‬ ‫اســتجدت‪ ،‬وعكــرت جــو "ناتــو" أكثــر‪ ،‬وخاصــة مــا صــرح بــه‪ ،‬حينئــذ‪،‬‬ ‫الرئيــس الفرنســي "اميانويــل ماكــرون" ملجلــة " اإليكونيميســت"‪،‬‬ ‫قائـ ً‬ ‫ال‪ " :‬أعتقــد أن مــا منــر بــه حال ًيــا هــو مــوت دماغــي للناتــو‪ ،‬ومــن‬ ‫الناحيتــن االســتراتيجية والسياســية‪ .‬إننــا منــر مبشــكلة"‪ .‬ثــم جــاء‬ ‫اتفــاق "أوكــوس" ليغضــب فرنســا أكثــر‪ ،‬ويوتــر العالقــات الفرنســية‬ ‫أكثــر بــكل مــن لنــدن وواشــنطن‪ ،‬لدرجــة اســتدعاء ســفيري فرنســا‬ ‫احتجاجــا علــى إلغــاء أســتراليا صفقــة شــراء‬ ‫يف بريطانيــا وأمريــكا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫غواصــات تعمــل بالطاقــة العاديــة مــن فرنســا‪ ،‬واســتبدالها بصفقــة‬ ‫غواصــات تعمــل بالدفــع النــووي‪ ،‬مــن أمريــكا‪.‬‬ ‫وقــد كانــت روســيا‪ ،‬ومــا زالــت‪ ،‬هــي الهاجــس األمنــي – السياســي‬

‫األكبــر ملعظــم أعضــاء هــذا احللــف‪ .‬ومعــروف‪ ،‬أنــه بعــد زوال االحتــاد‬ ‫الســوفييتي‪ ،‬طلبــت روســيا االنضمــام حللــف "ناتــو" كعضــو كامــل‬ ‫العضويــة‪ ،‬فرفــض طلبهــا‪ ،‬لكونهــا دولــة منافســة‪ .‬ثــم طالبــت الح ًقــا‬ ‫بعــدم توســع حلــف "ناتــو" شــر ًقا جتــاه حدودهــا الغربيــة‪ ،‬فلم يســتجب‬ ‫أيضــا‪ .‬ومــا ذكــر عــن روســيا‪ ،‬يقــال ً‬ ‫لهــذا الطلــب ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬ودون شــك‪،‬‬ ‫عــن بقيــة خصــوم أمريــكا والغــرب‪ ،‬ويف مقدمتهــم الصــن التــي تــكاد‬ ‫أن تصبــح دولــة عظمــى‪ ،‬ذات حضــارة مختلفــة‪ ،‬منافســة جـدًا للغرب‪،‬‬ ‫وفــى كل املجــاالت‪ ،‬مبــا فيهــا املجــال االقتصــادي والتقنــي‪ .‬بــل أن‬ ‫الصــن قــد أصبحــت بالفعــل هــي املنافــس (العــدو) االســتراتيجي‬ ‫األول ألمريــكا‪ ،‬والغــرب‪ .‬إضافــة لغيــر ذلــك مــن التحديــات واألخطــار‬ ‫املعروفــة‪ ،‬ومــا زال أعضــاء الناتــو حريصــن علــى بقــاء ودعــم حلفهــم‪.‬‬ ‫فهــذا احللــف يحمــي – كمــا قــال أمينــه العــام يف اجتمــاع ‪2019‬م‬ ‫– قرابــة مليــار شــخص‪ .‬واعتــرف األعضــاء بوجــود خالفــات بينيــة‪،‬‬ ‫البــد مــن الســعي حللهــا‪ ،‬يف أقــرب فرصــة ممكنــة‪ .‬لقــد أنشــئ‬


‫‪76‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫دول الخلي ــج مدع ــوة للتعام ــل م ــع مش ــاركة الصي ــن يف أفغانس ــتان‬ ‫وقب ــول طالب ــان العلن ــي ل ـــ "دور بكي ــن الكبي ــر‬ ‫وهنــاك أمــر واحــد ال حتــرص دول مجلــس التعــاون اخلليجــي علــى‬ ‫فعلــه ‪-‬ســواء اآلن أو يف املســتقبل ‪-‬وهــو االنحيــاز ألي جانــب يف أي‬ ‫احتــكاك بــن الواليــات املتحــدة والصــن‪.‬‬ ‫وثمــة مســتوى آخــر مــن التعقيــد بالنســبة لــدول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي وهــي مجموعــة احلــوار األمنــي الرباعــي‪ ،‬والــذي يُشــار‬ ‫إليــه اختصــا ًرا باســم "الكــواد ”‪ ،‬والتــي تضــم ً‬ ‫بعضــا مــن أهــم‬ ‫الشــركاء االقتصاديــن واألمنيــن لــدول اخلليــج‪ ،‬وهــي الواليــات‬ ‫املتحــدة والهنــد واليابــان وأســتراليا‪ .‬ومثــل "أوكــوس"‪ ،‬فــإن التحالــف‬ ‫الرباعــي كان ً‬ ‫أيضــا بقيــادة الواليــات املتحــدة مــن أجــل مواجهــة‬ ‫النفــوذ املتزايــد للصــن‪ .‬وقــد انعقــدت أول قمــة لزعمــاء املجموعــة‬ ‫بواشــنطن يف ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬علــى الرغــم مــن اإلعــالن عــن فكــرة‬ ‫الكتلــة املكونــة مــن أربــع دول يف عــام ‪2007‬م‪.‬‬ ‫ومــع اســتمرار القلــق مــن أن تصبــح الهنــد عضـ ًوا "ملتز ًمــا متا ًمــا" يف‬ ‫املجموعــة الرباعيــة‪ ،‬وإعــالن اليابــان أنــه حتــى مــع تعزيــز حتالفهــا‬ ‫مــع "الكــواد"‪ ،‬فإنهــا ستســعى إلــى اســتقرار العالقــات مــع الصــن‪،‬‬ ‫وكالهمــا مســتعد ليكــون حائــط صــد ضــد مزيــد مــن التدهــور‬ ‫يف العالقــات مــع جارتهــا الصــن ‪-‬فهــل ميكــن أن تكــون "أوكــوس"‬ ‫خطــة بديلــة لواشــنطن؟ ويف إشــارة إلــى اســتيعاب الواليــات املتحــدة‬ ‫ملخــاوف الهنــد واليابــان‪ ،‬تضمنــت أجندة القمة الرباعية يف واشــنطن‬ ‫موضوعــات بعيــدة عــن الصــن‪ ،‬مثــل وبــاء كورونــا‪ ،‬واللقاحــات‪ ،‬وتغيــر‬ ‫املنــاخ‪ ،‬والتكنولوجيــا‪ ،‬وكذلــك البنيــة التحتيــة والفضــاء والزمــاالت‪،‬‬ ‫وكلهــا موضوعــات متثــل مخــاوف عامليــة أكثــر أهميــة مــن املنافســة‬ ‫اجليوســتراتيجية بــن القــوى العامليــة الكبــرى‪.‬‬ ‫واتهمــت بكــن "عــد ًدا مــن الــدول" بتضخيــم "التهديــد الصينــي"‪،‬‬ ‫وأشــارت إلــى أن واشــنطن ســعت إلــى "بنــاء قواعــد ميكــن أن تتدخــل‬ ‫فيها بشــكل تعســفي مع دول أخرى دون دفع أي ثمن ‪( ...‬وإجبارها)‬ ‫علــى الرضــوخ لهيمنتهــا"‪ .‬وحــث الــدول املعنيــة علــى "التوقــف عــن‬ ‫الســعي وراء املجموعــات احلصريــة" والســعي نحــو حتقيــق الســالم‬ ‫واألمــن اإلقليميــن‪.‬‬ ‫وســيكون مــن املفيــد ً‬ ‫أيضــا التفكيــر يف كيفيــة تعامــل دول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي مــع املشــاركة الصينيــة االســتباقية يف أفغانســتان‬ ‫وتأكيــد طالبــان العلنــي علــى أن بكــن ســيكون لهــا "دور كبيــر" يف بنــاء‬

‫الدولــة التــي مزقتهــا احلــرب‪ ،‬بــدالً مــن نهــج عــدم التدخــل الــذي‬ ‫تتبعــه واشــنطن‪ .‬وعــالوة علــى ذلــك‪ ،‬هنــاك ســؤال يلــوح باألفــق‪:‬‬ ‫كيــف ســتتعامل الواليــات املتحــدة ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‬ ‫وحلفاؤهــم وشــركاؤهم مــع "املجموعــة الرباعيــة األفغانيــة" ‪-‬الصــن‬ ‫وروســيا وإيــران وباكســتان؟‬ ‫وعلــى الرغــم مــن أن الهــدف لــم يكــن الصــن‪ُ ،‬ميكن مقارنــة "أوكوس"‬ ‫بتحالــف طرحتــه واشــنطن وهــو التحالــف االســتراتيجي للشــرق‬ ‫األوســط (‪ ،)MESA‬والــذي كان مــن املفتــرض أن يكــون حتال ًفــا‬ ‫اقتصاد ًيــا وأمن ًيــا طرحتــه إدارة ترامــب ولكــن لــم يكتســب القــوة‬ ‫الالزمــة‪ .‬وكان مــن املفتــرض أن يشــمل التحالــف الواليــات املتحــدة‬ ‫واململكــة العربيــة الســعودية والبحريــن واإلمــارات العربيــة املتحــدة‬ ‫وســلطنة عمــان والكويــت وقطــر ومصــر واألردن‪ ،‬وكان يهــدف يف‬ ‫األســاس ملواجهــة إيــران والتهديــدات األخــرى ذات الصلــة‪ .‬وبالنظــر‬ ‫إلــى أن هــذا التحالــف ظــل حبيــس التصريحــات واخلطابــات‪ ،‬هــل‬ ‫ســتكون اتفاقيــة "أوكــوس" جتربــة أمنيــة أخــرى مــوؤودة؟ تســتند إلــى‬ ‫الشــكليات أكثــر مــن اجلوهــر‪.‬‬ ‫ونظ ًرا الســتمرار واشــنطن يف تقليص وجودها العســكري يف منطقة‬ ‫الشــرق األوســط‪ ،‬فإنهــا تستكشــف إمكانيــة قيــام شــركائها بتحمــل‬ ‫عــبء العمــل كضامــن لألمــن‪ .‬ولكــن وســط عالــم "متعــدد" ومعقــد‬ ‫بشــكل متزايــد‪ ،‬فليــس مــن املرجــح أن تؤيــد دول مجلــس التعــاون‬ ‫اخلليجــي اتفاقيــات حصريــة مثــل "أوكــوس" أو "التحالــف الرباعــي"‬ ‫مــن بــن العديــد مــن البدائــل األخــرى محــدودة النطــاق التــي مت‬ ‫إطالقهــا مؤخـ ًرا‪ ،‬كالتدريبــات البحريــة الثالثيــة بــن الهنــد وفرنســا‬ ‫واإلمــارات العربيــة املتحــدة)‪ .‬ونتيجــة لذلــك‪ ،‬لــم يتــم حــل معضلــة‬ ‫تأســيس بنيــة أمنيــة جديــدة شــاملة (تشــمل كل مــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والصــن)‪ ،‬ومــن املرجــح أن نــرى املزيــد مــن التبــادل والتوافــق قبــل‬ ‫ظهــور حتالــف بديــل جديــر بالثقــة‪.‬‬

‫* ﻛﺎﺗﺐ وﻣﺘﺨﺼﺺ ﰲ اﻟﺸﺄن اﻟﻴﻤﻨﻲ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪75‬‬

‫ملف العدد‬

‫ارتبـــاط ســـريع يف العالقـــات‬ ‫جنـــوب شـــرق آســـيا ودول الخليـــج‪:‬‬ ‫ً‬ ‫االقتصادي ــة م ــع الصي ــن واعتم ــاد ع ــى الترتيب ــات األمني ــة األمريكي ــة‬ ‫املتحــدة أن تدفــع بأوروبــا إلــى عــداء غيــر مرغــوب فيــه مــع الصــن‪،‬‬ ‫وال أن تصبــح ضحيــة للسياســات الرســمية والسياســات الداخليــة‬ ‫األمريكيــة غيــر املتوقعــة‪ .‬وميكــن تفســير اســتراتيجية االحتــاد‬ ‫األوروبــي اجلديــدة ملنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي علــى أنهــا‬ ‫اســتجابة جزئيــة لدعــوة الرئيــس ماكــرون لالحتــاد األوروبــي لتطويــر‬ ‫"اســتقالله االســتراتيجي'' وحتــى تأســيس جيــش أوروبــي منفصــل‬ ‫عــن الناتــو‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن الوضــع علــى األرض‪ ،‬وخاصــة يف‬ ‫ظــل التباطــؤ االقتصــادي‪ ،‬لــن يــؤدي إلــى أخــذ مثــل هــذه األفــكار‬ ‫االســتراتيجية بجديــة‪.‬‬ ‫وتشــعر دول جنــوب شــرق آســيا وثيقــة الصلــة جغراف ًيــا بتلــك املنطقــة‬ ‫بالقلــق ً‬ ‫أيضــا مــن االتفــاق اجلديــد‪ ،‬الــذي قــد يســتفز الصــن‪ ،‬وهــو‬ ‫الهــدف الرئيســي مــن اتفاقيــة أوكــوس‪ ،‬عــالوة علــى إطــالق ســباق‬ ‫تســلح إقليمــي يف املنطقــة املليئــة بالنزاعــات اإلقليميــة البحريــة‪.‬‬ ‫ويعــزز جميــع هــذه اإلجــراءات وردود الفعــل‪ ،‬االجتــاه الســائد ‪-‬اجتــاه‬ ‫التطــور يف الشــؤون الدبلوماســية والعســكرية العامليــة‪ ،‬والــذي يركــز‬ ‫بالفعــل علــى منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي‪ .‬ويرتبــط ذلــك‬ ‫بثالثــة عوامــل متســاوية أو أكثــر أهميــة مــن بعضهــم البعــض‪،‬‬ ‫وتشــكل شــريان احليــاة للــدول‪ ،‬وهــي الطاقــة والتجــارة واملصالــح‬ ‫االقتصاديــة‪.‬‬

‫إلــى حمايــة الســالم واألمــن يف احمليطــن الهنــدي والهــادي"‪ .‬وبينمــا‬ ‫اليــزال االحتــكاك بــن الصــن وبقيــة دول االتفاقيــة علــى مســتوى‬ ‫التصريحــات‪ ،‬فمــن غيــر املرجــح أن يتســامح أي مــن اجلانبــن مــع‬ ‫أي تعطيــل لسالســل التوريــد اخلاصــة بهمــا‪ ،‬وهــو مــا يجعــل الفضــاء‬ ‫اجلغــرايف االســتراتيجي العاملــي ملي ًئــا باالحتمــاالت‪.‬‬ ‫وتــرى دول اخلليــج يف اإلعــالن عــن اتفاقيــة "أوكــوس" صدفــة مثيــرة‬ ‫لالهتمــام‪ ،‬حيــث أعلنــت الــدول الثــالث عــن االتفاقيــة بالتزامــن‬ ‫تقري ًبــا مــع قبــول إيــران يف منظمــة شــنغهاي للتعــاون كعضــو كامــل‬ ‫العضويــة‪ ،‬وهــو مــا يقــوض جهــود واشــنطن لعــزل اجلمهوريــة‬ ‫اإلســالمية‪ .‬وإلحــداث التــوازن‪ ،‬دعمــت الصــن اململكــة العربيــة‬ ‫الســعودية لالنضمــام ملنظمــة شــنغهاي للتعــاون "كشــريك حــوار"‪.‬‬ ‫ومــن املثيــر لالهتمــام ً‬ ‫أيضــا أن القاعــدة الصينيــة يف جيبوتــي‬ ‫أصبحــت أمـ ًرا واق ًعــا عــام ‪2017‬م‪ ،‬ومــع ذلــك‪ ،‬لــم تتمكــن الصــن مــن‬ ‫تقليــد أو حتــدي البصمــة األمنيــة األمريكيــة الواســعة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫(ومــن املتوقــع أن الصفقــة الصينية‪-‬اإليرانيــة املبرمــة رســم ًيا عــام‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬والتــي متتــد خلمســة وعشــرين عا ًمــا‪ ،‬قــد متنــح الصــن‬ ‫إمكانيــة الوصــول يف النهايــة إلــى املينــاء اجلديــد يف جاســك‪ ،‬علــى‬ ‫خليــج عمــان)‪.‬‬

‫معضلة الخليج‬ ‫إن محنــة دول جنــوب شــرق آســيا تشــبه محنــة دول مجلــس‬ ‫ً‬ ‫ارتباطــا ســري ًعا يف العالقــات‬ ‫التعــاون اخلليجــي‪ ،‬والتــي شــهدت‬ ‫االقتصاديــة مــع الصــن‪ ،‬بينمــا ال تــزال تعتمــد اعتمــا ًدا كبي ـ ًرا علــى‬ ‫الترتيبــات األمنيــة األمريكيــة‪ .‬إن التفكيــر يف زيــادة تصعيــد التوتــر‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة والصــن‪ ،‬باإلضافــة إلــى حــرب التعريفــات‬ ‫اجلمركيــة املســتمر وقلــق تايــوان‪ ،‬يثيــر قلــق كل مــن تكتلــي جنــوب‬ ‫شــرق آســيا ودول مجلــس التعــاون اخلليجــي‪ .‬فبينمــا يعتبــر احلفــاظ‬ ‫علــى مســافات متســاوية‪ ،‬واالســتفادة مــن نقــاط القــوة لكلتــا الكتلتن‪،‬‬ ‫علــى رأس جــدول أعمــال دول املنطقتــن‪ ،‬فــإن التطــورات التــي تشــبه‬ ‫"أوكــوس"‪ ،‬والقلــق النــاجت عنهــا أصبــح مــن األمــور املتكــررة للغايــة مبــا‬ ‫يقــوض مــن راحــة تلــك البلــدان‪.‬‬ ‫وكمــا هــو متوقــع‪ ،‬ردت الصــن عــن طريــق اإلشــارة إلــى الثــالث دول‬ ‫التــي أبرمــت اتفاقيــة "أوكــوس"‪ ،‬قائلــة‪" :‬عمــل غيــر مســئول"‪ ،‬وعالمــة‬ ‫علــى عقليــة احلــرب البــاردة‪ ،‬رغم أن أســتراليا أوضحــت أن التحالف‬ ‫"ال يُقصــد بــه أن يكــون معاد ًيــا ألي قــوة أخــرى‪ ...‬ولكنــه يهــدف‬

‫كانــت هنــاك اختالفــات بالفعــل بــن الواليــات املتحــدة ودول مجلــس‬ ‫التعــاون اخلليجــي حــول اســتخدام التكنولوجيــا الصينيــة‪ .‬ففــي مايــو‬ ‫‪2020‬م‪ ،‬صــرح مســاعد وزيــر اخلارجيــة األمريكــي لشــؤون الشــرق‬ ‫األدنــى ديفيــد شــينكر‪ ،‬يف إشــارة إلــى دور هــواوي يف مشــاريع البنيــة‬ ‫التحتيــة لشــبكات اجليــل اخلامــس يف اإلمــارات‪ ،‬أن هــذا املشــروع‬ ‫ســيجعل مــن الصعــب علــى القــوات األمريكيــة واخلليجيــة التواصــل"‪،‬‬ ‫ولذلــك ينبغــي علــى هــذه الــدول أن تــدرك قيمــة شــراكتها مــع‬ ‫الواليــات املتحــدة‪".‬‬ ‫وهنــاك ً‬ ‫أيضــا وجهــة نظــر تفيــد بــأن اتفاقيــات أبراهــام هــي طريــق‬ ‫واشــنطن لكبــح جمــاح االرتبــاط املتزايــد بــن بكــن وموســكو يف‬ ‫املنطقــة مــن خــالل الترويــج إلســرائيل‪ ،‬باعتبــاره حليــف الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬كشــريك اقتصــادي وتكنولوجــي وأمنــي بديــل يف املنطقــة‪.‬‬ ‫ويُنظــر إلــى هــذا الــرأي علــى أنــه مينــح واشــنطن رفاهيــة االســتمرار‬ ‫يف فــك ارتباطهــا باملنطقــة علــى مراحــل‪ ،‬دون التنــازل عــن مســاحة‬ ‫خلصومهــا االســتراتيجين‪.‬‬


‫‪74‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المغام ــرات الفاش ــلة ألمري ــكا يف الش ــرق األوس ــط والفوض ــى يف‬ ‫أفغانس ــتان و"أوك ــوس" زرع الش ــك ل ــدى أوروب ــا يف مصداقي ــة‬ ‫اضطرابــات عامــي ‪ 2019‬و‪2020‬م‪ ،‬يف منطقــة اخلليــج)‪ ،‬واألحــداث‬ ‫الفوضويــة يف أفغانســتان بعــد انســحاب القــوات األمريكيــة‪ ،‬ويف‬ ‫النهايــة إعــالن "أوكــوس" احلالــي‪ ،‬قــد زرع بــذور الشــك يف أذهــان‬ ‫االحتــاد األوروبــي حــول مصداقيــة واشــنطن‪.‬‬

‫لذلــك ســيكون حافــزًا للتفكيــر أن نــرى كيــف تــرد فرنســا علــى‬ ‫اتفاقيــة "أوكــوس" علــى املــدى الطويــل‪ ،‬وذلــك بالنظــر إلــى أن فرنســا‬ ‫مــع إصرارهــا علــى الوحــدة األوروبيــة ضــد التحــرك االســتباقي‬‫الصينــي والروســي – دعــت كذلــك إلــى عــدم الســماح للواليــات‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪73‬‬

‫ملف العدد‬

‫هــل ســيعطل اتفــاق "أوكــوس" الخطــط األمنيــة الخليجية البديلــة بدالً مــن تمكينها؟‬

‫دول مجلس التعاون حريصة عى عدم االنحياز‬ ‫ألي جانب يف أي احتكاك بين أمريكا والصين‬ ‫عندمــا التقــى وزيــر اخلارجيــة األمريكــي تونــي بلينكــن بالرئيــس الفرنســي إميانويــل ماكــرون‪ ،‬ونظيــره الفرنســي جــان إيــف‬ ‫لودريــان يف باريــس أوائــل أكتوبــر‪ ،‬ظهــر التوتــر بــن البلديــن علــى الســطح بشــأن االتفاقيــة األمنيــة اجلديــدة بــن كل مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة وأســتراليا‪ ،‬وذلــك خــالل مقابلــة علــى التلفزيــون الفرنســي‪.‬‬ ‫وخــالل لقــاء علــى القنــاة الثانيــة الفرنســية‪ ،‬وجــه املذيــع كالمــه إلــى بلينكــن قائــال‪" :‬لقــد توقعنــا تطــور العالقــات إلــى‬ ‫األفضــل‪ ،‬خاصــة مــع تغيــر اإلدارة األمريكيــة‪ ،‬وخاصــة معــك ‪ ...‬فأنــت تتحــدث الفرنســية‪ .‬أنــت مــن محبــي الفرانكوفونيــة‬ ‫‪ ...‬كنــا نتوقــع حــوا ًرا أفضــل"‪.‬‬ ‫ورد بلينكــن بأنــه يتفهــم الشــعور باخليانــة وأن األمريكيــن يدركــون أنــه "كان بإمكانهــم – أو كان ينبغــي عليهــم ‪-‬أن يبذلــوا‬ ‫جهـدًا أكبــر مــن حيــث التواصــل مــع فرنســا‪ ..‬وعــالوة علــى ذلــك‪ ،‬فإننــا منيــل أحيا ًنــا إلــى اعتبــار أن العالقــات بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة وفرنســا عميقــة ومهمــة‪".‬‬

‫د‪ .‬إن جاناردان‬

‫إن غضــب فرنســا مــن االتفاقيــة ال يرجــع فقــط إلــى نكــوص إدارة‬ ‫بايــدن عــن إخطــار باريــس باالتفاقيــة التــي تعــرف باســم "أوكــوس" أو‬ ‫محتواهــا‪ ،‬ولكــن ً‬ ‫أيضــا ألن أســتراليا ألغــت عق ـدًا بقيمــة ‪ 90‬مليــار‬ ‫ً‬ ‫وعوضــا عــن ذلــك‪ ،‬قدمــت‬ ‫دوالر لشــراء غواصــات مــن فرنســا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫عرضــا إلبــرام اتفــاق جديــد يتضمــن مشــاركة‬ ‫الواليــات املتحــدة‬ ‫التكنولوجيــا التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة مــع أســتراليا لبنــاء مــا‬ ‫يقــرب مــن اثنتــي عشــرة غواصــة (لتحــل محــل اتفاقيــة الغواصــات‬ ‫التــي تعمــل بالديــزل املوقعــة مــع فرنســا يف عــام ‪2016‬م) علــى مــدار‬ ‫العقديــن املقبلــن‪ .‬وردت فرنســا علــى االتفاقيــة‪ ،‬باســتدعاء ســفرائها‬ ‫لــدى أســتراليا والواليــات املتحــدة‪ ،‬وذكــرت أنهــا شــعرت "باخلــداع"‬ ‫بســبب االتفاقيــة اجلديــدة‪.‬‬ ‫إن فرنســا ليســت الدولــة الوحيــدة التــي غضبــت مــن هــذه االتفاقيــة‪.‬‬ ‫فقــد أشــار بيــان رســمي صــادر عــن االحتــاد األوروبــي إلــى الشــعور‬ ‫بخيبــة أمــل ألن التكتــل األوروبــي لــم يتــم إخطــاره بهــذا االتفــاق أو‬ ‫بهــذه املبــادرة “‪ ...‬إننــا نتفهــم إلــى أي مــدى يجــب أن تشــعر احلكومــة‬

‫الفرنســية بخيبــة أمــل"‪ .‬وعــالوة علــى ذلــك‪ ،‬اســتغلت بروكســل‬ ‫الفرصــة لإلعــالن عــن تفاصيــل اســتراتيجيتها التــي طــال انتظارهــا‬ ‫يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬وتهــدف إلــى زيــادة تواجــد‬ ‫االحتــاد األوروبــي بحر ًيــا يف املنطقــة مــن خــالل زيــارات املوانــئ‬ ‫وتدريبــات حريــة املالحــة يف محاولــة "لتعزيــز هيــكل أمنــي إقليمــي‬ ‫مفتــوح يقــوم علــى قواعــد محــددة"‪.‬‬ ‫وأصــر املمثــل األعلــى للشــؤون اخلارجيــة والسياســة األمنيــة‬ ‫باالحتــاد األوروبــي جوزيــب بوريــل‪ ،‬بــأن هــذه اخلطــوة ال تهــدف إلــى‬ ‫مواجهــة نفــوذ بكــن‪ ،‬مضي ًفــا "يجــب أن نعتمــد علــى أنفســنا‪ ،‬كمــا‬ ‫يفعــل اآلخــرون ‪ ...‬ولكــن يف العديــد مــن املجــاالت مثــل تغيــر املنــاخ‬ ‫والتنــوع البيولوجــي‪ .‬التعــاون مــع الصــن أصبــح ضــرورة ‪ ...‬أعتقــد‬ ‫أنــه مــن املهــم التأكيــد علــى هــذه اجلملــة‪ :‬اســتراتيجيتنا مبنيــة علــى‬ ‫الرغبــة يف التعــاون مــع الصــن‪ ،‬وليــس مواجهتهــا "‪.‬‬ ‫ويبــدو أن املغامــرات الفاشــلة التــي خاضتهــا الواليــات املتحــدة يف‬ ‫العــراق وســوريا وليبيــا‪ ،‬وعــدم فعاليتهــا يف التعامــل مــع إيران (خاصة‬


‫‪72‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المنظومـــات اإلقليميـــة والدوليـــة اســـلحة صـــراع القـــوى‬ ‫ودروع واقيـــة للـــدول الســـاعية لالســـتدامة والســـالم اإلنســـاني‬ ‫علــى امكانيــة انســحاب فرنســا مــن منظومــة الناتــو‪ ،‬وان الغــاء تلــك‬ ‫الصفقــة دليــل علــى غيــاب احلــوار داخــل الناتــو‪ .‬بــل ســعي الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة والتــي تعتبــر األســاس لقيــام الناتــو الــى انشــاء‬ ‫منظومــة بديلــة دليــل علــى املعضلــة الهيكليــة التــي ميــر بهــا الناتــو‬ ‫يف الوقــت الراهــن‪.‬‬ ‫‪ -٢‬كــواد واوكــوس "الهنــدي والهــادي"‪ :‬تتشــكل املنظومــة األمنيــة‬ ‫املجــاورة ملنطقــة اخلليــج وملنطقــة احمليطــن الهــادي والهنــدي مــن‬ ‫حلفــن هامــن همــا كــواد واكــوس‪ .‬فقــد تأســس كــواد علــى إثــر‬ ‫تســونامي املدمــر يف عــام ‪2004‬م‪ ،‬والــذي يعــرف باســم احلــوار‬ ‫األمنــي الرباعــي‪ ،‬مــن قبــل كل مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫واســتراليا واليابــان والهنــد وأصبــح تكتــال رســميا يف عــام ‪2007‬م‪،‬‬ ‫إال أن احللــف لــم يظهــر لــه نشــاط ملحــوظ علــى الســاحة الدوليــة‬ ‫حتــى تصاعــدت التوتــرات األمريكية‪-‬الصينيــة‪ ،‬حيــث عقــد الرئيــس‬ ‫األمريكــي بايــدن قمــة يف مــارس املاضــي إلعــادة احيــاء هــذا التجمــع‪.‬‬ ‫وناقــش املؤمتــر ضــرورة التعــاون العملــي يف مجــاالت مثــل مكافحــة‬ ‫كوفيــد‪ ،-19‬والتعامــل مــع أزمــة املنــاخ‪ ،‬والشــراكة يف التكنولوجيــات‬ ‫الناشــئة والفضــاء الشــبكي‪ ،‬وتعزيــز احلريــة واالنفتــاح مبنطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادي‪ .‬وتســعى الواليــات املتحــد مــن خــالل‬ ‫كــواد الــى ضمــان اســتخدام القــوة الناعمــة ودعــم شــركائها مــن أجــل‬ ‫احلفــاظ علــى منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي خاليــة بشــكل‬ ‫خــاص مــن الهيمنــة الصينيــة‪ ،‬إال أنهــا لــن تســتخدم آليــة الرباعيــة‬ ‫كأداة للمواجهــة العســكرية مــع الصــن‪ .‬وبالرغــم مــن ذلــك فقــد‬ ‫تداولــت بعــض األخبــار بــأن كانــت هنــاك محــاوالت مــن قبل واشــنطن‬ ‫ولنــدن لضــم الهنــد واليابــان لتحالــف اوكــوس‪ .‬ولذلــك أطلــق الرئيــس‬ ‫األمريكــي التحالــف الثالثــي إال أن حــرص كذلــك علــى عقــد قمــة‬ ‫جديــدة لكــواد للتأكيــد علــى أن اوكــوس ليــس بديــال عــن كــواد بــل‬ ‫كالهمــا حتالفــات هامــة لتشــكيل املســرح الدولــي القــادم‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أسيان واخلليج ما بني كواد وأوكوس‬ ‫لــم تخــف منظمــة آســيان وهــي رابطــة جنــوب شــرقي آســيا عــن‬ ‫حالــة اإلربــاك التــي تعيشــها علــى إثــر التوتــرات األمريكية‪-‬الصينيــة‬ ‫املتصاعــدة مبــا فيهــا قيــام تلــك التحالفــات اجلديــدة‪ .‬فكمــا شــعرت‬ ‫فرنســا بغيــاب احلــوار داخــل الناتــو بســبب الغــاء صفقــة الغواصــات‪،‬‬

‫كذلــك شــعرت منظومــة آســيان والتــي يف األســاس قامــت بجهــود‬ ‫أمريكيــة يف عــام ‪1967‬م‪ ،‬لضــم كافــة الــدول اآلســيوية املتوســطة‬ ‫والصغيــرة حتــى ال تقــع فريســة الــدول اإلقليميــة الكبــرى يف آســيا‪.‬‬ ‫ويرجــع ذلــك اإلربــاك بســبب عالقــة كافــة دول تلــك املنظومــة‬ ‫الوطيــدة مــع كل مــن الصــن والواليــات املتحــدة األمريكيــة الســيما‬ ‫مــن اجلانبــن األمنــي واالقتصــادي‪ .‬وهــي اوضــاع شــبيه بالبيئــة‬ ‫اخلليجيــة ومــا متــر بــه دول مجلــس التعــاون اخلليجــي مــن ضغوطــات‬ ‫إقليميــة ودوليــة‪ .‬وذلــك مــا يجعــل املرتكــزات واملشــتركات مــا بــن‬ ‫كال املنظومتــن كبيــرة ممــا يتطلــب التنســيق والعمــل املشــترك‪ .‬وقــد‬ ‫شــددت منظمــة آســيان علــى ضــرورة العمــل وفــق آليــة األطــراف‬ ‫املتعــددة‪ ،‬وســوف تقــوم بوضــع تلــك الرؤيــة ضمــن اســتراتيجيتها‬ ‫يف اجتماعهــا القــادم‪ ،‬وهــذا مــا يدفعنــا للتأكيــد علــى ضــرورة أن‬ ‫تســعى دول املنظومــة اخلليجيــة ملــد يــد التعــاون مــع تلــك املنظمــات‬ ‫اآلســيوية مــن أجــل التنســيق واالســتفادة وتبــادل اخلبــرات‪ ،‬بــل أن‬ ‫يكــون لديهــا حضــور كمراقــب ومتابــع لتلــك الدبلوماســية اآلســيوية‬ ‫القادمــة‪ .‬وهــو تنســيق لــم يكــن غائبــا‪ ،‬بــل أسســت عليــه كافــة الــدول‬ ‫اخلليجيــة عملهــا يف مختلــف احملافــل الدوليــة واملنظمــات األمميــة‬ ‫وعلــى رأســها األمم املتحــدة يف الدفــاع عــن الــدول الناميــة وخطــط‬ ‫االســتدامة التنمويــة‪ .‬كمــا كان "التوجــه شــرقا" عنصــرا رئيســيا يف‬ ‫كافــة اخلطــط التنمويــة اخلليجيــة‪ .‬قــد بــات ضــرورة ملحــة يف ظــل‬ ‫تزايــد تلــك التوتــرات الدوليــة التــي لــم متنعهــا إن لــم تزيدهــا جائحــة‬ ‫كورونــا وصــراع اللقاحــات وقضايــا التغيــر املناخــي‪ ،‬فاملنظومــات‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة باتــت اســلحة لصــراع القــوى الدوليــة‪ ،‬ودروع‬ ‫واقيــة لبقيــة الــدول الســاعية لالســتدامة والســالم اإلنســاني‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذة اﻟﻌﻠﻢ اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ ـ ﻋﻀﻮ اﻟﻬﻴﺌﺔ اﻻﺳﺘﺸﺎرﻳﺔ ﻟﺪول‬ ‫ﳌﺠﻠﺲ اﻷﻋﲆ ﳌﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪71‬‬

‫ملف العدد‬

‫تنامـــي "النظـــم اإلقليميـــة الجديـــدة" تفرضهـــا الحاجـــة‬ ‫للتنس ــيق والتحال ــف وال ترتب ــط بجغرافي ــة مح ــددة أو مق ــر دائ ــم‬ ‫خــالل العقــود املاضيــة متوفقــة بذلــك علــى القــوى األخــرى املطلــة‬ ‫علــى تلــك املنطقــة مبــا فيهــا كنــدا والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬ ‫واحلقيقــة أن املوقــف الروســي املتذبــذب مــا بــن كال املعســكرين‬ ‫الصينــي والغربــي ينعكــس كذلــك علــى الــدور الروســي يف احمليــط‬ ‫الهــادي‪ .‬فالغــرب يــرى أن التعــاون الروســي العســكري مــع كل مــن‬ ‫الهنــد وهانــوي مبثابــة تــوازن إقليمــي للصــن الســيما أن الهنــد تعتبــر‬ ‫أحــد الركائــز األساســية التــي تقــوم عليهــا االســتراتيجية األمريكيــة‬ ‫يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ .‬والهنــد تــرى ضــرورة اشــراك‬ ‫روســيا يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬حتــى ال تتــرك خــارج‬ ‫املنطقــة وبذلــك يكــون حافــزا للتقــارب الروســي‪-‬الصيني‪ .‬وتعتبــر‬ ‫املســاعدة الروســية للصــن لتحديــث األســطول البحــري الصينــي‬ ‫مــن احملتمــل ان تكــون هدفــا لعقوبــات امريكيــة جديــدة علــى روســيا‬ ‫والصــن بهــذا الصــدد‪.‬‬ ‫‪ -٦‬كندا ونيوزيالند يف اخلارج للتوازن‬ ‫كان واضحــا يف حتالفــات اندو‪-‬باســيفيك غيــاب كنــدا ونيوزيلنــدا‬ ‫وهمــا شــريكتان رئيســيتان للواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬كمــا‬ ‫انهمــا ضمــن مــا يســمى "مبعاهــدة العيــون اخلمــس" وهــي حتالــف‬ ‫اســتخباراتي أنشــأ يف عــام ‪1941‬م‪ ،‬بعضويــة كل مــن الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة وكنــدا وبريطانيــا واســتراليا ونيوزيلنــدا‪ .‬فــكال‬ ‫البلديــن يحتفظــان بعالقــات متوازنــة جتــاه الصــن‪ ،‬فمــن جانــب‬ ‫يتحدثــون باســتمرار حــول ادانــة ســجل بكــن يف حقــوق اإلنســان‪ ،‬إال‬ ‫أنهمــا ال يرغبــان بالدخــول يف صــراع الكبــار‪ .‬وقــد حتــدث الكنديــن‬ ‫عــن ذلــك صراحــة بعــد انتهــاء أزمــة مــا عــرف "بدبلوماســية الرهائــن"‬ ‫وذلــك حينمــا قامــت الصــن باعتقــال الكنديــن مايــكل كوفريــج‬ ‫ومايــكل ســبافور كــرد علــى قيــام الســلطات الكنديــة بوضــع املديــرة‬ ‫املاليــة لشــركة هــواوي مينــغ وانزهــو وهــي ابنــة عمــالق تكنولوجيــا‬ ‫اإلتصــاالت هــواوي قيــد اإلعتقــال متهيــدا لتســليمها للواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة يف عــام ‪2018‬م‪،‬وقــد اســتمرت تلــك األزمــة قرابــة‬ ‫الثــالث ســنوات مــا بــن الصــن وكنــدا والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬ ‫حيــث انتهــت كجــزء مــن دبلوماســية احلــوار الثالثــي وعلــق الكنديــن‬ ‫بأننــا ال نرغــب مجــددا أن نكــون جــزء يف صــراع القــوى الكبــرى إال‬ ‫أننــا نبقــي علــى مواقفنــا فيمــا يتعلــق بقضايــا حقــوق اإلنســان‪ .‬جــاء‬ ‫موقــف رئيســة نيوزيالنــد جاســيندا أردن مشــابها حينمــا اكــدت بــأن‬

‫نيوزيلنــدا تتبــع سياســة املنطقــة اخلاليــة مــن الســالح النــووي‪ ،‬لذلــك‬ ‫فبالدهــا لــن تســمح للغواصــات اإلســترالية التــي تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة بدخــول مياههــا‪ .‬واحلقيقــة ان هــذا احلظــر ســيكون نظريــا‬ ‫وذلــك ألن الغواصــات األســترالية واألمريكيــة لــن يكــون لديهــا ســبب‬ ‫ألن تتواجــد يف ميــاه نيوزيلنــدا‪ .‬ويبقــى الســؤال األهــم يف حــال وصول‬ ‫األحــزاب اليمينيــة للســلطة يف كنــدا ونيوزيلنــدا‪ ،‬فهــل ستســتمر يف‬ ‫سياســة التــوازن تلــك؟ وكيــف ســيكون شــكل تلــك املنطقــة؟‬

‫المستوى الثاني‪ :‬البعد المؤسسي‬ ‫بعــد اســتعراض سياســات القــوى الدوليــة واإلقليميــة‪ ،‬يبقــى مــن‬ ‫املهــم التأكيــد علــى البعــد املؤسســي والنظــم اإلقليميــة والتحالفــات‬ ‫الناشــئة والتــي تأخذهــا هــذه الــدول كغطــاء لصراعهــا اإلقليمــي‬ ‫والدولــي‪ ،‬فمعرفــة طبيعــة تلــك النظــم‪ ،‬ســوف يســاعد دول اخلليــج‬ ‫علــى اتبــاع السياســات التــي مــن شــأنها ان تســعى لتفعيــل وتعزيــز‬ ‫العمــل املؤسســي اخلليجــي املشــترك‪ .‬وأبــرز مالمــح تلــك النظــم‬ ‫تتمثــل يف كل مــن‪:‬‬ ‫‪ -١‬اإلقليميــة اجلديــدة‪ :‬اليــزال العالــم يشــهد يومــا بعــد يــوم‬ ‫تنامــي مــا يعــرف "بالنظــم اإلقليميــة اجلديــدة" وهــي نظــم فضفاضــة‬ ‫تفرضهــا احلاجــة للتنســيق والتحالــف‪ ،‬كمــا انهــا ال ترتبــط بجغرافيــة‬ ‫محــددة مــع وجــود ســكرتارية خفيفــة وقــد ال يوجــد لديهــا وثيقــة‬ ‫تأسيســية اومقــر دائــم حيــث تتطــور هــذه الكيانــات الهيكليــة حســب‬ ‫احلاجــة‪ .‬وهنــاك العديــد مــن النمــاذج لهــذه النظــم مبــا فيهــا احلــوار‬ ‫اخلليجي‪-‬األوروبــي‪ ،‬احلــوار األوروبي‪-‬املتوســطي‪ ،‬حــوار التعــاون‬ ‫اآلســيوي ومقــره دولــة الكويــت‪ ،‬رابطــة احمليــط الهنــدي وغيرهــا‪.‬‬ ‫فهــي نظــم أقــرب إلــى حتالفــات اســتراتيجية ألهــداف اقتصاديــة‬ ‫أو امنيــة‪ ،‬كمــا انهــا نظــم كامنــه وتعمــل بهــدوء‪ ،‬ومتــى مــا احتاجــت‬ ‫لديهــا الــدول‪ ،‬تصــدرت املشــهد الدولــي‪ ،‬وهــذا ينطبــق بشــكل‬ ‫كبيــر علــى كــواد‪ ،‬فهــي منظومــة قائمــة منــذ عــام ‪2004‬م‪ ،‬حيــث‬ ‫استشــعر الرئيــس األمريكــي بايــدن بحاجتهــا اليهــا فأعــاد احيائهــا‬ ‫مــن جديــد لتكــون يف مواجهــة التنافــس األمريكي‪-‬الصينــي‪ .‬كمــا أن‬ ‫أهميــة هــذه النظــم لــدى بعــض الــدول تتعاظــم بشــكل يفــوق النظــم‬ ‫التقليديــة وهــذا مــا حــدث يف آســيا يف آســيا مــع قيــام كــواد‪ ،‬ومــا‬ ‫حــدث كذلــك مــع الناتــو بعــد قيــام اكــوس‪ .‬فعلــى إثــر الغــاء صفقــة‬ ‫الغواصــات الفرنســية‪ ،‬بــدأ الساســة الفرنســين يتحدثــون صراحــة‬


‫‪70‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ال ــروس يخش ــون وص ــول الغواص ــات األس ــترالية اىل س ــاحل جزي ــرة‬ ‫ســـخالين وشـــبه جزيـــرة كامتشـــاتكا أو عبـــور مضيـــق البيرنـــج‬ ‫يف عــام ‪2019‬م‪ ،‬فقــد انضمــت اســتراليا إلــى التحالــف البحــري‬ ‫بقيــادة امريــكا تلبيــة لنــداء واشــنطن بضــرورة إطــالق قــوة دوليــة يف‬ ‫يونيــو ‪2019‬م‪ ،‬علــى إثــر هجمــات اســتهدفت ســفن شــحن عــدة يف‬ ‫اخلليــج وتكــون لذلــك التحالــف الرباعــي انــذاك مــن كل مــن الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا والبحريــن واســتراليا وذلــك مــا يفســر‬ ‫وجودهــا دون ســواها يف كال مــن التحالفــن كــواد الرباعــي و اوكــوس‬ ‫الثالثــي‪ .‬ثالثــا‪ :‬تعتبــر اســتراليا شــريكا تاريخيــا للواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة وذلــك منــذ هزميــة البريطانيــن علــى يــد اجليــش اليابانــي‬ ‫يف ســنغافورة يف عــام ‪1941‬م‪ ،‬حيــث بــدأت اســتراليا باإلقتــراب مــن‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة للحفــاظ علــى أمنهــا اخلارجــي‪ .‬ومنــذ‬ ‫عــام ‪1942‬م‪ ،‬اقيمــت اول القواعــد العســكرية األمريكيــة يف اســتراليا‬ ‫حتــى بلغــت مــا يقــارب ثمانيــة قواعــد يف تلــك األراضــي‪ ،‬ويف عــام‬ ‫‪1951‬م‪ ،‬وقعــت االتفاقيــة األمنيــة مــا بــن كال البلديــن والتــي ال تــزال‬ ‫قائمــة حتــى الوقــت الراهــن‪ .‬وذلــك مــا يفســر اشــتراك اســتراليا يف‬ ‫العديــد مــن العمليــات احلربيــة األمريكيــة مبــا فيهــا احلــرب الكوريــة‬ ‫‪1950‬م‪ ،‬وفيتنــام ‪1961-1975‬م‪ ،‬وحــرب حتريــر الكويــت‪ ،‬وافغانســتان‬ ‫‪ ،2001‬والعــراق ‪2003‬م‪ ،‬وليبيــا وســوريا ‪2011‬م‪ ،‬إال أن توتــر‬ ‫العالقــات األســترالية‪-‬الصينية ســيكون ذو كلفــة اقتصاديــة علــى كال‬ ‫البلديــن‪ ،‬فالصــن هــي أكبــر شــريك جتــاري ألســتراليا‪ ،‬فقــد قامــت‬ ‫الصــن بوقــف اســتيراد املشــروبات الكحوليــة والفحــم احلجــري مــن‬ ‫اســتراليا مســببا خســائر تبلــغ ‪ 12‬مليــار دوالر ســنويا‪.‬‬ ‫وهــددت بوقــف اســتيراد خــام احلديــد حيــث تصــل خســائره إلــى‬ ‫‪100‬مليــار دوالر ســنويا‪ .‬وهــي خســائر تعيهــا اســتراليا جيــدا إال أنهــا‬ ‫تــرى إمكانيــة تعويضهــا مــن خــالل التعــاون العلمــي وتبــادل اخلبــرات‬ ‫واملعلومــات مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة وبريطانيــا يف مجــاالت‬ ‫الــذكاء اإلصطناعــي وقــدرات الضربــة بعيــدة املــدى واألنظمــة حتــت‬ ‫املــاء وهــي قــدرات متخصصــة حتتــاج إليهــا اســتراليا لتحديــث امنهــا‬ ‫الدفاعــي‪ .‬فاســتراليا موطــن لواحــد مــن مراكــز البحــث والتطويــر‬ ‫واالبتــكار الدفاعيــة األكثــر تقدمــا علــى املســتوى العاملــي والــذي‬ ‫ســيحقق نقــالت هامــة مــن خــالل حتالفــه الثالثــي اجلديــد‪ .‬وهكــذا‬ ‫فقــد باتــت األمم تكــون أكثــر جــرأة وتخــرج عــن نطــاق حتالفاتهــا‬ ‫التقليديــة يف ســبيل الســبق التكنولوجــي والعلمــي‪ ،‬فأيــن نحــن منــه‬ ‫يف دول اخلليــج واملنطقــة العربيــة!!‬

‫‪ -٤‬حرب الغواصات‬ ‫جــاء أول رد مــن قبــل الصــن علــى التحالــف الثالثــي اجلديــد علــى‬ ‫لســان الناطــق باســم اخلارجيــة الصينيــة والــذي ذكــر بــأن "علــى‬ ‫الــدول املعنيــة التخلــي عــن عقليــة احملصلــة الصفريــة للحــرب‬ ‫البــاردة‪ ".‬كمــا اعلنــت الصــن رغبتهــا باإلنضمــام إلتفاقيــة الشــراكة‬ ‫عبــر احمليــط الهــادي والتــي كان الرئيــس األمريكــي األســبق بــاراك‬ ‫اوبامــا يســعى إلــى احتــواء الصــن مــن خــالل انضمامهــا لتلــك‬ ‫الشــراكة والتــي رفضــت مــن قبــل الرئيــس ترامــب‪ ،‬ولــم تتضــح‬ ‫الصــورة بعــد مــع الرئيــس بايــدن‪ .‬إال أن واقــع تنامــي قــوة البحريــة‬ ‫الصينيــة يدفــع الغــرب لالعتقــاد بــأن الصــن قــد تســعى يف يومــا‬ ‫إلــى احملصلــة الصفريــة يف ظــل تنافســها مــع العالــم الغربــي‪ .‬فقــد‬ ‫كان للتســابق العســكري البحــري‪ ،‬آثــاره يف اشــعال ســباق الغواصــات‬ ‫يف آســيا حيــث تتســابق الــدول اآلســيوية إلــى شــراء الغواصــات مــن‬ ‫أجــل منــع القــوة الصينيــة مــن اإلنتشــار بالقــرب مــن ســواحلها‪ .‬ففــي‬ ‫مطلــع ‪2021‬م‪ ،‬نشــرت فرنســا غواصــة "اميــرود" النوويــة الهجوميــة‬ ‫يف احمليــط الهــاديء للمــرة األولــى منــذ عــام ‪2001‬م‪ ،‬كمــا متلــك كل‬ ‫مــن‪ :‬اليابــان ‪ 23‬غواصــة‪ ،‬وكوريــا اجلنوبيــة ‪ 18‬غواصــة‪ ،‬وســنغافورة‬ ‫‪ ،2‬وروســيا ‪ 12‬غواصــة‪ .‬وســعت فيتنــام لشــراء ســت غواصــات‬ ‫روســية‪ ،‬وماليزيــا اثنتــان‪ ،‬وطلبــت اندونيســيا ســت غواصــات مــن‬ ‫كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬والفلبــن تبحــث كذلــك فــرص بنــاء اســطول مــن‬ ‫الغواصــات‪.‬‬ ‫‪ -٥‬روسيا القلقة‬ ‫جــاءت ردود الفعــل األوليــة يف اإلعــالم الروســي بــأن عبــر البعــض‬ ‫عــن ســرور لنشــوء خــالف مــا بــن املعســكر الغربــي‪ ،‬إال أن بعــد‬ ‫ذلــك بــدأ اإلعتقــاد يســود بــأن روســيا وليســت فقــط بكــن قــد‬ ‫تكــون مســتهدفة مــن قبــل هــذا التحالــف األمنــي اجلديــد‪ .‬فالــروس‬ ‫يخشــون مــن وصــول تلــك الغواصــات األســترالية الــى ســاحل جزيــرة‬ ‫ســخالن الروســية وشــبه جزيــرة كامتشــاتكا او حتــى عبــور مضيــق‬ ‫البيــرجن يف احمليــط املتجمــد الشــمالي وهــي يف األصــل أحــد املناطــق‬ ‫املرشــحة ألن تكــون احــدى الســاحات اجلديــدة يف التنافــس الدولــي‬ ‫الســيما بفعــل ظاهــرة التغيــر املناخــي وذوبــان األنهــار اجلليديــة حيــث‬ ‫اصبحــت املالحــة متاحــة فيهــا‪ .‬ومتتلــك روســيا أدوات التفــوق ملــا‬ ‫لديهــا مــن كاســحات اجلليــد وتقنيــات هامــة دأبــت علــى تطويرهــا‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪69‬‬

‫ملف العدد‬

‫بات ــت األم ــم تك ــون أكث ــر ج ــرأة لتحقي ــق الس ــبق التكنولوج ــي‬ ‫والعلم ــي‪ ...‬فأي ــن نح ــن من ــه يف دول الخلي ــج والمنطق ــة العربي ــة!!‬ ‫فأســتراليا يف عــام ‪2014‬م‪ ،‬كانــت علــى وشــك توقيــع اتفــاق مــع‬ ‫اليابــان بقيمــة ‪ 30‬مليــار دوالر لشــراء ‪ 12‬غواصــة مــن طــراز ســوريو‬ ‫إال أن الضغوطــات كانــت كبيــرة علــى رئيــس الــوزراء األســترالي‬ ‫آنــذاك تونــي ابــوت ســمحت بفتــح التنافــس مــع الشــركات األخــرى‬ ‫والتــي انتهــت لصالــح الشــركات الفرنســية (‪ 12‬غواصــة لصالــح ‪31‬‬ ‫مليــار يــورو عنــد التوقيــع)‪ .‬احلقيقــة الثانيــة‪ ،‬ال ميكــن التقليــل مــن‬ ‫حجــم األزمــة الدبلوماســية الناشــئة مابــن التحالــف األمنــي اجلديــد‬ ‫وفرنســا علــى إثــر الغــاء صفقــة الغواصــات‪ .‬فلــم يحــدث أن اســتدعت‬ ‫باريــس ســفيرها منــذ قيــام اجلمهوريــة األمريكيــة كمــا لــم يحــدث‬ ‫ذلــك يف احتــدام اخلــالف حــول غــزو العــراق‪ ،‬إال أن ذلــك مؤشــر على‬ ‫حجــم الصــراع الفعلــى مابــن هــذا املعســكر والصــن بحيــث ان تلــك‬ ‫املواجهــة مــع الصــن تســتحق املخاطــرة بتلــك األزمــة الدبلوماســية‬ ‫واالقتصاديــة مــع باريــس‪.‬‬ ‫احلقيقــة الثالثــة الــذي يكشــفه هــذا التحالــف‪ ،‬بــأن الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة لــم تعــد متلــك القــدرة علــى املنافســة مبفردهــا مــع بكــن‬ ‫يف محيطهــا القريــب واملتمثــل باحمليــط الهــادئ‪ .‬فهــي مــن املناطــق‬ ‫الواقعــة ضمــن دائــرة األمــن القومــي األمريكــي‪ ،‬وكان عليهــا لزامــا‬ ‫االعتمــاد علــى شــركائها وحلفائهــا املقربــن حيــث تأتــي اســتراليا‬ ‫كشــريك وجــار ميكــن االعتمــاد عليــه‪ .‬امــا احلقيقــة الرابعــة‬ ‫والصادمــة‪ ،‬فهــي تتمثــل يف القــوة الصينيــة البحريــة الصاعــدة يف‬ ‫احمليــط الهــادئ وبحــر الصــن‪ .‬ففــي نهايــة ‪2020‬م‪ ،‬اصبحــت الصن‬ ‫متلــك مــا يقــارب ‪ 350‬ســفينة قتاليــة وغواصــة مقارنــة مــع ‪297‬‬ ‫ســفية لــكل األســطول األمريكــي الدولــي‪ ،‬ومــن املتوقــع ان ترتفــع تلــك‬ ‫القــوة الصينيــة الــى ‪ 400‬ســفينة يف ‪2025‬م‪ ،‬وإلــى ‪ 425‬يف ‪2030‬م‪،‬‬ ‫كمــا متتلــك الصــن ‪ 40‬غواصــة هجوميــة بينهــا ســت غواصــات‬ ‫نوويــة ميكنهــا إطــالق صواريــخ نوويــة‪ .‬بينمــا واشــنطن تعتمــد علــى‬ ‫‪ 21‬غواصــة هجوميــة وثمانــي غواصــات نوويــة حاملــة لصواريــخ‬ ‫نوويــة يف احمليــط الهــادئ الســيما يف بيــرل هاربيــر‪ .‬وتقــوم القــوة‬ ‫العســكرية األمريكيــة علــى نشــر ‪ 5‬مــن حامــالت طائراتهــا اإلحــدى‬ ‫عشــرة‪ ،‬يف حــن الصــن بــدأت يف بنــاء ثالــث حاملــة طائــرات‪ .‬امــا‬ ‫املدمــرات‪ ،‬فالبحريــة الصينيــة متكنــت خــالل الفتــرة ‪2015-2019‬م‪،‬‬ ‫مــن بنــاء ‪ 132‬ســفينية‪ ،‬مقابــل ‪ 58‬ألمريــكا‪ 48 ،‬للهنــد‪ 29 ،‬لليابــان‪،‬‬ ‫‪ 17‬لفرنســا‪ 9 ،‬ألســتراليا‪ 4 ،‬لبريطانيــا‪ ،‬فاجلهــد البحــري الصينــي‬ ‫يشــكل أكثــر مــن ‪ 55%‬مــن موازنــة الدفــاع الصينيــة‪ .‬ومــا يجــري‬

‫حاليــا مــن حــرب إعالميــة مــا بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫والصــن حــول تايــوان ليــس إال ترجمــة واقعيــة لتلــك املواجهــات‬ ‫احملتملــة وقــد ذكــرت الصــن صراحــة بــأن الضغــوط الغربيــة علــى‬ ‫الصــن لتغييــر سياســاتها اجتــاه تايــوان ســوف تفضــي الــى حــرب‬ ‫مواجهــة ال محالــة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬استراليا يف كواد واوكوس‬ ‫مــن الواضــح أن االســتراتيجية األمريكيــة اجلديــدة تقــوم علــى‬ ‫تعزيــز حليــف جديــد متمثــال يف اســتراليا يف منطقــة اندو‪-‬باســيفيك‬ ‫يكــون امــا بديــل او مــواز للحليــف الفرنســي القــدمي‪ .‬فالفرنســن‬ ‫يــرون أنفســهم علــى انهــم قــوة دوليــة دائمــة حتتفــظ يف عــدد مــن‬ ‫اجلــزر وأربــع قواعــد بحريــة يف تلــك املنطقــة‪ .‬ويف عــام ‪2018‬م‪،‬‬ ‫أطلقــت فرنســا اســتراتيجية جديــدة لتلــك املنطقــة‪ ،‬كمــا تدفــع‬ ‫باالحتــاد األوروبــي لتطويــر خطــة مماثلــة تقــوم علــى االنفتــاح‬ ‫علــى كافــة األطــراف‪ ،‬وقــد يكــون ذلــك ســببا لرغبــة األمريــكان‬ ‫باســتبدال او اضعــاف ذلــك اخلــط الفرنســي‪-‬األوروبي واحلفــاظ‬ ‫علــى رؤيــة أمريكيــة لتلــك املنطقــة‪ .‬ويتجلــى الصعــود األســترالي‬ ‫يف االســتراتيجية األمريكيــة يف العديــد مــن النواحــي منهــا‪ :‬اوال‪:‬‬ ‫كانــت الصفقــة الفرنسية‪-‬األســترالية تقــوم علــى حيــازة ‪ 12‬غواصــة‬ ‫تقليديــة فرنســية‪ ،‬يف حــن متلــك اســتراليا منــذ التســعينيات ســت‬ ‫غواصــات مــن طــراز "كولينــز" تعمــل بالديــزل والكهربــاء وهــي‬ ‫صناعــة ســويدية إال أن الصفقــة األمريكيــة بتزويــد كانبيــرا ثمانــي‬ ‫غواصــات نوويــة يعنــي مســاعدة اســتراليا علــى زيــادة قدراتهــا ألن‬ ‫الدفــع النــووي يســمح بتحــرك أكبــر للغواصــات يف احمليــط‪ .‬فنطــاق‬ ‫التشــغيل ســيكون أكبــر بفضــل اســتقالليتها الفائقــة‪ .‬وبذلــك فــإن‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة تكــون قــد قبلــت بالتشــارك مــع اســتراليا‬ ‫طاقــة الدفــع النوويــة األمريكيــة والتــي متثــل "جوهــرة التــاج" يف‬ ‫التقنيــة العســكرية األمريكيــة لكونهــا تســمح للغواصــة باإلنتشــار‬ ‫وســرعة الدفــع والتخفــي وجتنــب الكشــف‪ .‬ثانيــا‪ :‬تعمــل اســتراليا‬ ‫مؤخــرا بتنســيق كبيــر مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة علــى كافــة‬ ‫األصعــدة‪ ،‬بــل انهــا تقــود يف بعــض األحيــان‪ .‬فقــد كانــت اســتراليا‬ ‫هــي مــن آثــار التخــوف مــن بنــاء الصــن لشــبكات اجليــل اخلامــس‬ ‫وقدرتهــا علــى الوصــول الــى األســرار العســكرية‪ .‬كمــا انهــا بــادرت‬ ‫مبشــاركة اجلهــود األمريكيــة يف تأمــن ســالمة املــرور يف اخلليــج‬


‫‪68‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أس ــتراليا موط ــن أح ــد مراك ــز البح ــث والتطوي ــر واالبت ــكار الدفاعية‬ ‫األكثـــر تقدمـــا يف العالـــم وســـيحقق نقـــالت هامـــة عبـــر أوكـــوس‬ ‫احللفــاء ممــن يرتبطــون بشــراكات اســتراتيجية معقــدة‪ ،‬كمــا أن هــذا‬ ‫املشــهد يســقط املقولــة املتكــررة حــول "اإلنكشــاف األمنــي اخلليجــي‬ ‫النــاجت علــى إثــر اإلنســحاب األمريكــي" وذلــك بفعــل الســيولة العامــة‬ ‫التــي تعيشــها البيئــة الدوليــة‪ .‬والتــي بإالمــكان أن تتصــدى لهــا دول‬ ‫اخلليــج مــن خــالل صالبــة املواقــف اخلليجيــة وســرعة قــراءة املشــهد‬ ‫واملبــادرة وعــدم الســماح بظهــور تلــك الفراغــات‪ ،‬فهــي اشــارات‬ ‫ضعــف لالخريــن حيــث ســرعان مــا تــؤدي إلــى ســقوط االحتــادات‬ ‫مــن احلســبان الدولــي وهــذا مــا حــدث مــع االحتــاد األوروبــي الــذي‬ ‫ال يــزال العالــم ينتظــره للوقــوف مجــددا‪.‬‬ ‫‪ -٢‬املواجهة مع الصني‬ ‫حينمــا مت اإلعــالن عــن قيــام التحالــف الثالثــي لــم يشــر البيــان‬ ‫صراحــة إلــى الصــن‪ ،‬فاملســؤولون األمريكيــون حتدثــوا بــأن االتفــاق‬ ‫يهــدف إلــى ضمــان حريــة املالحــة ومــن أجــل احلفــاظ علــى الــردع‬ ‫وحتســينه‪ ،‬إال أن يف حقيقــة األمــر جــاء اخلــالف علــى إثــر تصاعــد‬

‫التوتــرات يف منطقــة آســيا واحمليــط الهــادي الســيما حــول تايــوان‬ ‫ولهــذا كانــت الصــن هــي املعنيــة بــال شــك‪ .‬أمــا اجلانــب الفرنســي‪،‬‬ ‫فقــد جــاء تصريــح وزيــر اخلارجيــة الفرنســي جــان إيــف دريــان‬ ‫معبــرا بعمــق عــن احلالــة الفرنســية حينمــا علــق علــى الغــاء الصفقــة‬ ‫اإلســترالية بقولــه‪" :‬هــذا القــرار اجلائــر األحــادي‪ ،‬وغيــر املتوقــع‬ ‫يذكرنــي كثيــرا مبــا كان يفعلــه الســيد ترامــب‪ .‬أنــا غاضــب‪ .‬انــه امــر‬ ‫ال ميكــن فعلــه بــن احللفــاء‪ .‬انهــا صفعــة علــى الوجــه‪ .‬أقمنــا عالقــة‬ ‫ثقــة مــع اســتراليا وقــد تعرضــت هــذه الثقــة للخيانــة‪ .‬علــى كانبيــرا‬ ‫أن تشــرح كيــف تعتــزم اخلــروج مــن الصفقــة فنحــن لــم ننتــه بعــد‪".‬‬ ‫كمــا أن وزيــر اخلارجيــة الفرنســي لــم يفــوت فرصــة تقــزمي الــدور‬ ‫البريطانــي يف التحالــف وذلــك حينمــا وصفــه "بالعجلــة اخلامســة‬ ‫للعربــة"‪ .‬بالرغــم مــن األلــم واخلســارة الكبيــرة التــي منــي بهــا‬ ‫قطــاع الدفــاع الفرنســي‪ ،‬إال أن هنــاك اربعــة حقائــق رئيســية يف‬ ‫هــذا املشــهد‪ .‬اولــى هــذه احلقائــق‪ ،‬أن الدائــرة تــدور‪ ،‬ومــا فعلــه‬ ‫األمريــكان يف الفرنســين قــد ســبق ان فعلــه الفرنســين مــع اليابــان‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪67‬‬

‫ملف العدد‬

‫الـــدروس المســـتفادة لـــدول الخليـــج مـــن اتفـــاق الشـــراكة "أوكـــوس"‬

‫"أوكوس" فرصة لتعزيز العمل الخليجي المشترك‬ ‫وإيجاد موق ًعا بين كواد وأوكوس واآلسيان‬ ‫مــا أن أعلــن الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن عــن قيــام التحالــف األمنــي الثالثــي مــا بــن أمريــك‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬وبريطانيــا‬ ‫والــذي عــرف باســم "أوكــوس"‪ ،‬ومــا نتــج عنــه مــن خــالف مــع فرنســا علــى إثــر الغــاء اســتراليا لصفقــة الغواصــات التقليديــة‬ ‫الفرنســية واســتبدالها بغواصــات نوويــة امريكيــة‪ ،‬حتــى تســارعت بعــض األقــالم للشــماتة يف تفــكك وانهيــار املعســكر‬ ‫الغربــي‪ ،‬متناســن أن اســتراليا‪-‬احلليف اجلديد‪-‬ليســت إال قلعــة مــن قــالع العالــم الغربــي القابعــة يف احمليــط الهــادي‬ ‫تنتظرمنــذ زمــن حلظتهــا يف القيــادة ورســم املســرح األمنــي اجلديــد للقــوى الدوليــة‪ .‬وهــو مســرح ليــس ببعيــد عــن منطقــة‬ ‫أوضاعــا أمنيــة مشــابهة ملــا تعيشــه دول اخلليــج يف صــراع الكبــار‪ ،‬فــدول كال‬ ‫اخلليــج‪ ،‬بــل أن دول منظمــة آســيان يعيشــون‬ ‫ً‬ ‫املنظمتــن حلفــاء أمنيــن ألمريكيــا يف الوقــت نفســه تربطهمــا عالقــات اقتصاديــة وثيقــة مــع الصــن‪ .‬فهــذا التحــدي اجلديــد‬ ‫يشــكل فرصــة جديــدة لهــذه املنظومــة اخلليجيــة ألن تنهــض وتعــزز عملهــا املشــترك لتمــارس دورهــا وجتــد موقعهــا مــا بــن‬ ‫كــواد واوكــوس وآســيان‪ .‬وتلــك الرؤيــة االســتراتيجية تأتــي بعــد التعــرف علــى أبــرز اخلصائــص املســتجدة التــي خلفتهــا‬ ‫التحالفــات اجلديــدة علــى املســرح اآلســيوي والــذي بــات بــال شــك املســرح القــادم لصــراع القــوى الكبــرى‪ .‬وتنقســم تلــك‬ ‫اخلصائــص علــى مســتوين‪ ،‬املســتوى األول هــو السياســات الدوليــة الســيما سياســات القــوى الكبــرى وأثرهــا علــى الــدول‬ ‫اإلقليميــة واملســتوى الثانــي يرتبــط يف البعــد املؤسســي واســتراتيجيات التحالفــات الكبــرى‪.‬‬

‫د‪ .‬هيله حمد املكيمي‬

‫المستوى األول‪ :‬السياسات الدولية‬ ‫‪ -١‬الفراغ األوروبي‬ ‫يعيــش البيــت األوروبــي فراغــا غيــر مســبوق يف الوقــت الراهــن‪ ،‬فهــو‬ ‫بيــت تعشــعش فيــه الشــعبوية و اإلســالموفوبيا‪ .‬فــكل البرملانــات‬ ‫واحلكومــات األوروبيــة تصــدر كل يــوم تشــريعات للتضييــق علــى‬ ‫حركــة املهاجريــن القادمــن مــن العراق وســوريا وافغانســتان وافريقيا‬ ‫ســواء عبــر املتوســط أومــن خــالل اوروبــا الوســطى وبيالروســيا‬ ‫باجتــاه دول البلطيــق والــدول اإلســكندنافية‪ .‬ويعــود الفــراغ األوروبــي‬ ‫إلــى اخلــروج البريطانــي‪ ،‬وغيــاب الرائعــة اجنيــال ميــركل حيــث‬ ‫خلفــت فراغــا يصعــب مــأله‪ ،‬ناهيــك عــن اإلنتخابــات التــي يخوضهــا‬ ‫ماكــرون‪ .‬أمــا دول اوروبــا الوســطى‪ ،‬فــال تدخــر وســعا يف توجيــه‬ ‫اإلنتقــادات الدائمــة لبروكســيل وكان اخرهــا‪ ،‬حينمــا دشــن فيكتــور‬

‫اوربــان رئيــس الــوزراء اليمينــي الهنغــاري حملتــه اإلنتخابيــة موجــا‬ ‫انتقــادات الذعــة لالحتــاد األوروبــي مؤكــدا علــى عنصريــة اإلحتــاد‬ ‫ضــد كل مــن هنغاريــا وبولنــدا‪ .‬وليــس أدل علــى حالــة التفــكك تلــك‪،‬‬ ‫مــن قيــام الرئيــس التركــي رجــب اردوغــان باإلعــالن عــن طــرد عشــرة‬ ‫ســفراء‪ ،‬غالبيتهــم مــن الــدول األوروبيــة بعدمــا زادت ضغوطهــم‬ ‫علــى تركيــا إلطــالق املعــارض التركــي كفــاال‪ .‬فذلــك املشــهد قــرأه‬ ‫األمريــكان جيــدا‪ ،‬وهــذا يــدل علــى ان قــرار الغــاء الصفقــة مــا بــن‬ ‫اســتراليا وفرنســا لــم يــأت مــن فــراغ‪ ،‬بــل نتيجــة ذلــك الفــراغ!! كمــا‬ ‫انــه ســوف يشــكل طبيعــة العالقــة األمريكيــة مــع القيــادات األوروبيــة‬ ‫اجلديــدة يف كل مــن أملانيــا وفرنســا‪ .‬أمــا مــا يعنينا بشــكل أساســي يف‬ ‫دول اخلليــج‪ ،‬هــو التأكيــد علــى مقولــة ان السياســة كالرمــال املتحركة‬ ‫ليــس بهــا عــداوات أو صداقــات دائمــة بــل أن ذلــك يحــدث مــع أقــرب‬


‫‪66‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫وجيرانهــا اآلســيوين‪ ،‬وال منــاص مــن إدارة واحتــواء مــا يطــرأ مــن‬ ‫مشــكالت مــن خــالل آليــات متنوعــة تســتصحب دور الدبلوماســية‪،‬‬ ‫وإجــراءات بنــاء الثقــة‪ ،‬ومــا إلــى ذلــك‪ .‬فهــل تريــد واشــنطن تــرك‬ ‫هــذه اآلليــات بشــكل غيــر محــدد‪ ،‬أم أنهــا اســتخدام التحالفــات‬ ‫بشــكل صحيــح‪ ،‬ميثــل قــوة إيجابيــة إلدارة ودرء آثــار صعــود الصــن‬ ‫كقــوة عظمــى؟‬ ‫إن الســؤال أعــاله يفتــرض أن بكــن متــارس ضبــط النفــس كجــزء‬ ‫مــن معادلــة قيمهــا التاريخيــة‪ ،‬رغــم معرفتهــا بضــرورة إظهــار قوتهــا‬ ‫الصاعــدة إلــى اخلــارج كعامــل ردع يف تــوازن اســتراتيجي مطلــوب‪.‬‬ ‫وكمــا هــو متوقــع‪ ،‬تنظــر دبلوماســيتها ألي حتالــف جديــد بأنــه إحيــاء‬ ‫لــدور الواليــات املتحــدة كشــرطي يقــوم بدوريــة يف احلــي؛ جنــوب‬ ‫شــرق آســيا‪ُ ،‬مهــدِ َداً بالضــرب لــكل مــن تســول لــه نفســه بـ"االقتــراب‬ ‫أو التصويــر" مــن مصاحلــه املزعومــة‪ .‬يكــن‪ ،‬إذا ُع ْدنَــا إلــى منظومــة‬ ‫القيــم وحصــاد القيمــة‪ ،‬فــإن هــذا الوجــود "امل ُ َمأســس" يف املنطقــة؛‬ ‫عســكرياً ودبلوماســياً واقتصاديــاً‪ ،‬ميكــن أن يضــع معاييــر حميــدة‬ ‫لتصرفــات "اآلخريــن" يف دائــرة التنافــس‪ .‬رغــم أن االعتمــاد‬ ‫احلصــري علــى "اإلكــراه" سيرســل بالطبــع إشــارات مختلفــة لهــذا‬ ‫الطــرف‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬وهــذا يعتمــد علــى املعاييــر املفترضــة الســتراتيجية‬ ‫الواليــات املتحــدة ومــا قــد تفعلــه‪ ،‬ومــا تعتبــره الصــن فعــ ً‬ ‫ال غيــر‬ ‫حميــد‪ .‬صحيــح‪ ،‬هنــاك الكثيــر مــن املناشــدات اخلاصــة مــن بكــن‬ ‫لواشــنطن باالنخــراط اجلــدي يف احلــوار إلعــالء قيمــة التفاهــم‪،‬‬ ‫حتــى ال متيــل أمريــكا إلــى رؤيــة ملــف خطــط الصــن لتعزيــز األمــن‬ ‫اإلقليمــي علــى أنــه عمــل عدائــي‪ ،‬وحتــى ال يُنْظــر إلــى حتالفاتهــا هــي‬ ‫بأنهــا بعــث لــروح احلــرب البــاردة‪.‬‬ ‫لقــد أثــارت بعــض تصريحــات املعنيــن حالــة مــن اإلبهــام لــدى الــرأي‬ ‫العــام العاملــي حــول طبيعــة مــا اتفقــت عليــه الــدول الثــالث؛ الواليــات‬ ‫املتحــدة واململكــة املتحــدة وأســتراليا‪ .‬فعنــد إعالنــه عــن حتالــف‬ ‫"أوكــوس" ‪ ،‬يف ســبتمبر املاضــي‪ ،‬وصفــه رئيــس الــوزراء األســترالي‪،‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ســكوت موريســون‪ ،‬بأنه "شــراكة إلى األبد"‪ ،‬بينما قال رئيس الوزراء‬ ‫البريطانــي بوريــس جونســون إنهــا اتفاقيــة بــن الــدول "الشــقيقة"‪.‬‬ ‫وأدى ذلــك إلــى تصــور أنــه حتالفـاً بــن الـ"أجنلوساكســون"‪ ،‬مــع جــاء‬ ‫يف التصريحــات مــن توضيحــات مــن أنــه اتفــاق ملشــاركة التكنولوجيــا‬ ‫العســكرية‪ ،‬مبــا يف ذلــك قــدرة الغواصــات النوويــة حتــت البحــر‬ ‫والصواريــخ بعيــدة املــدى واإلنترنــت والــذكاء االصطناعــي وتقنيــات‬ ‫الطائــرات بــدون طيــار‪ .‬ويف غضــون أيــام مــن اإلعــالن‪ ،‬طمــأن‬ ‫الســفير األســترالي لــدى اآلســيان‪ ،‬ويــل نانكرفيــس‪ ،‬جنــوب شــرق‬ ‫آســيا بــأن "التزامنــا مبركزيــة اآلســيان ال يــزال ثابتـاً كمــا كان دائمـاً"‪،‬‬ ‫مضيفـاً أن الـ"أوكــوس" لــم تكــن حتالفـاً‪ ،‬أو ميثاقـاً دفاعيـاً"‪ ،‬وهــذا مــا‬ ‫يجعلــه وكأنــه "مدونــة" اقتصاديــة‪ .‬وباملثــل‪ ،‬كانــت الصــن ورابطــة أمم‬ ‫جنــوب شــرق آســيا تتفــاوض‪ ،‬منــذ مــا يقــرب مــن عقديــن مــن الزمــن‪،‬‬ ‫بشــأن "مدونــة" قواعــد للســلوك‪ ،‬تُوضــع فيهــا مبــادئ توجيهيــة لكيفية‬ ‫تصــرف الــدول ذات املطالــب املتنافســة يف بحــر الصــن اجلنوبــي‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪2019‬م‪ ،‬اتفقــت اآلســيان مــع الصــن علــى االنتهــاء مــن‬ ‫هــذه "املدونــة" يف غضــون ثــالث ســنوات‪ ،‬ولكــن ال توجــد عالمــة‬ ‫علــى أنهــا ســتكون جاهــزة بحلــول العــام املقبــل‪ .‬فقــد رفضــت بكــن‬ ‫مــراراً قــرار التحكيــم الدولــي لعــام ‪2016‬م‪ ،‬الــذي أعلــن أن مطالبــة‬ ‫الصــن مبعظــم بحــر الصــن اجلنوبــي ال أســاس لهــا مــن الصحــة‪.‬‬ ‫ويف هــذا الرفــض بيــان للنــاس يف جنــوب شــرق آســيا أن "قيمــة"‬ ‫القــوة االســتراتيجية؛ أمريكيــة كانــت أم صينيــة‪ ،‬هــي امل ُ َق َد َمــة علــى‬ ‫"قيــم" املدونــات الســلوكية الثقافيــة واالجتماعيــة‪ ،‬التــي يُــرا ُد لهــا أن‬ ‫تقــرر "ضوابــط" التحالفــات‪.‬‬

‫* دﺑﻠﻮﻣﺎﳼ ﺳﻮداين ـ اﻷﻣني اﻟﻌﺎم اﻟﺴﺎﺑﻖ ﳌﻨﺘﺪى اﻟﻔﻜﺮ اﻟﻌﺮيب ـ اﻷردن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪65‬‬

‫ملف العدد‬

‫ترغب واشنطن يف الحفاظ عى حالة "الالحرب" وتعتبر الصين‬ ‫نهج أمريكا يف المنطقة عسكري‬ ‫أفغانســتان إلــى الشــرق"‪ .‬وهــذا هــو عــن مــا أملــح إليــه جــو بايــدن يف‬ ‫تبريــره النســحاب القــوات األمريكيــة مــن أفغانســتان خــالل األســبوع‬ ‫األول مــن شــهر ســبتمبر املاضــي‪ .‬وســبق أن عبــرت الصــن عــن‬ ‫عــدم ارتياحهــا لزيــارة نائبــة الرئيــس كامــاال هاريــس جنــوب شــرق‬ ‫آســيا‪ ،‬ألنهــا كانــت تُشــير إلــى أن الواليــات املتحــدة تســعى اآلن بشــكل‬ ‫دائــم إلــى املشــاركة اجلــادة يف الشــرق ضــد العــداء الصينــي املتزايــد‬ ‫بســرعة‪.‬‬ ‫ال يعنــي مــا تقــدم مــن عــرض تاريخــي مقتضــب لتحالفــات الواليــات‬ ‫املتحــدة يف آســيا أن واشــنطن كانــت دائمــا تذهــب إلــى مختلــف‬ ‫أنحــاء العالــم بنــاء علــى دعــوة‪ .‬فقــد مثلــت اتفاقيــة الـ"أوكــوس "حالــة‬ ‫حقيقيــة جديــدة أعربــت فيهــا أســتراليا عــن عــدم إحساســها باألمــن‪،‬‬ ‫فيمــا يتعلــق ببحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬ودعــت للتدخــل األمريكــي يف‬ ‫املنطقــة عــن طريــق التحالــف الثالثــي‪.‬‬ ‫يف التقديــر العــام‪ ،‬ليــس املقصــود بهــذا التحالــف الثالثــي درء‬ ‫التعديــات الصينيــة يف بحــر الصــن اجلنوبــي فقــط‪ ،‬ولكــن محاولــة‬ ‫إلخبــار العالــم أن التحالفــات العســكرية‪ ،‬التــي تقودهــا الواليــات‬ ‫املتحــدة ال تــزال قائمــة‪ .‬بينمــا يعمــل هــذا التحالــف علــى زيــادة‬ ‫الوجــود العســكري الغربــي هنــاك‪ ،‬فإنــه يوفــر لــدول اآلســيان أيض ـاً‬ ‫إحساســاً باألمــن مــن الصــن‪ ،‬ولــن يقتصــر األمــر علــى حقيقــة‬ ‫عــدم توســيع النفقــات الدفاعيــة لهــذه الــدول يف املســتقبل‪ .‬علــى‬ ‫الرغــم مــن أن الصــن طرقــت أبوابهــا مبعــدل ينــذر باخلطــر‪ ،‬إال‬ ‫أنــه كانــت لديهــا‪ ،‬أي دول اآلســيان‪ ،‬باســتمرار العديــد مــن النزاعــات‬ ‫البحريــة فيمــا بينهــا‪ .‬لكــن تكتيــك الصــن واضــح جــداً‪ .‬لالنخــراط‬ ‫اقتصاديـاً مــع الــدول ودفــع أجندتهــا اخلفيــة لالســتيالء علــى امليــاه‪/‬‬ ‫األرض كضمــان‪ .‬مــن خــالل القيــام بذلــك‪ ،‬فإنهــا تعــزز تأثيرهــا علــى‬ ‫كل علــى حــدة لتوســيع نطــاق مصلحتهــا‬ ‫احلكومــات يف املنطقــة ٍ‬ ‫ً‬ ‫االســتراتيجية‪ ،‬ممــا جعــل رد فعلهــا علــى التحالــف متوقعــا‪ .‬فقــد‬ ‫وصفــه املتحــدث باســم وزارة اخلارجيــة بأنــه انعــكاس لـ"عقليــة‬ ‫احملصــل الصفــري‪ ،‬التــي عفــا عليهــا الزمــن يف احلــرب البــاردة‬ ‫والنظــرة اجليوسياســية الضيقــة األفــق"‪ ،‬التــي "كثفــت" ســباق التســلح‬ ‫اإلقليمــي‪ .‬غيــر أن هــذا االنفعــال ضــد التحالــف‪ ،‬مــن املرجــح أن‬ ‫توظفــه بكــن لصاحلهــا يف اجلانــب االقتصــادي‪ .‬فليــس مــن قبيــل‬ ‫الصدفــة‪ ،‬أن تقــدم الصــن‪ ،‬بعــد يــوم واحــد من إعالن هــذا التحالف‪،‬‬ ‫طلبــاً لالنضمــام إلــى االتفاقيــة الشــاملة واملتقدمــة للشــراكة عبــر‬ ‫احمليــط الهــادئ (‪ ،)CPTPP‬التــي وقعتهــا ‪ 11‬دولــة مبــا يف ذلــك‬ ‫أســتراليا وكنــدا وتشــيلي واليابــان ونيوزيلنــدا يف عــام ‪2018‬م‪ ،‬والتــي‬ ‫تفاوضــت عليهــا إدارة أوبامــا بشــق األنفــس قبــل أن يســحب الرئيــس‬ ‫دونالــد ترامــب الواليــات املتحــدة مــن الواليــات املتحــدة‪ .‬االتفــاق بعــد‬ ‫فتــرة وجيــزة مــن توليــه منصبــه يف عــام ‪2017‬م‪.‬‬

‫استنتاجات خامتة‪:‬‬ ‫رغــم أن مــا أعلــن عنــه مــن شــراكة ثالثيــة جديــدة‪ ،‬فيمــا يُعــرف‬ ‫اآلن بـ"أوكــوس"‪ ،‬قــد ُقوبِــ َل ببعــض التصريحــات الدبلوماســية‬ ‫املؤيــدة؛ جــاءت مــن الفلبــن وســنغافورة‪ ،‬إال أن التــردد ســيكون ســمة‬ ‫االنخــراط العملــي يف منطقــة لديهــا القليــل مــن الشــهية خلــوض‬ ‫حــرب بــاردة جديــدة‪ ،‬خاصــة وأن دولهــا ســيكون مقــدر لهــا أن تكــون‬ ‫مســرح هــذه احلــرب‪ .‬وحتــى إن بــدت اآلثــار غيــر واضحــة اآلن‪،‬‬ ‫ولكنهــا محتملــة‪ ،‬وبعيــدة املــدى علــى التوازن االســتراتيجي املســتقبلي‬ ‫يف آســيا بأكملهــا‪ .‬وبينمــا ترغــب واشــنطن يف احلفــاظ علــى حالــة‬ ‫"الالحــرب" هــذه وتوســيع دورهــا كالعــب رئيــس يف احمليــط الهــادئ‪،‬‬ ‫تقــول الصــن إن نهــج أمريــكا يف املنطقــة عســكري يف املقــام األول‪،‬‬ ‫مــع الدوريــات البحريــة ووجــود موســع للقــوات‪ .‬لكــن مــا تُدْرِ َكــ ُه‬ ‫الصــن حقيقــة أن الواليــات املتحــدة تتطلــع أيضــاً إلــى تعزيــز‬ ‫التحالفــات السياســية والشــراكات االقتصاديــة والتعــاون التقني‪ .‬ويف‬ ‫غضــون ذلــك‪ ،‬تســعى بكــن إلــى تغييــر الوضــع الراهــن وإبقــاء أمريــكا‬ ‫علــى مســافة "ذراع" مــن منطقــة نفوذهــا املكتســب‪ .‬فعلــى الصعيــد‬ ‫االقتصــادي‪ ،‬حققــت الصــن بالفعــل بعــض النجــاح‪ ،‬حيــث أصبحــت‬ ‫الشــريك التجــاري األكثــر أهميــة جلميــع جيرانهــا تقريبـاً‪ .‬لكــن علــى‬ ‫مــدى الســنوات العشــر املاضيــة علــى األقــل‪ ،‬عمــدت بكــن أيضــاً‬ ‫إلــى توســيع نفوذهــا العســكري‪ ،‬مــن خــالل حتديــث قوتهــا البحريــة‬ ‫واجلويــة وحتويــل اجلــزر يف بحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬التــي تطالــب بهــا‬ ‫دول أخــرى أيض ـاً‪ ،‬إلــى نقــاط اســتيطانية مدججــة بالســالح‪.‬‬ ‫بيــد أن السياســين الصينــن ظلــوا يشــكون بانتظــام مــن أن حتالفــات‬ ‫الواليــات املتحــدة مــع الــدول اآلســيوية؛ مبــا فيهــا اتفــاق "أوكــوس"‬ ‫األخيــر‪ ،‬هــي اســتدعاء آلثــار احلــرب البــاردة‪ ،‬التــي يجــب التخلــي‬ ‫عنهــا‪ ،‬ألنهــا حتبــط الرغبــة واجلهــد يف ذلــك إنشــاء بنيــة أمنيــة‬ ‫إقليميــة مناســبة للقــرن احلــادي والعشــرين‪ .‬غيــر أن مثــل هــذا‬ ‫الــرأي يتجاهــل احلقيقــة الواضحــة املتمثلــة يف أن احلــرب البــاردة ال‬ ‫تــزال قائمــة يف شــبه اجلزيــرة الكوريــة‪ ،‬والصــن حليــف وثيــق لكوريــا‬ ‫الشــمالية‪ ،‬مقابــل الوجــود األمريكــي يف الشــطر اجلنوبــي‪ .‬األمــر‬ ‫الــذي يجعــل الشــكاوى الصينيــة تعكــس افتراضـاً أنــه بحكــم تعريــف‬ ‫بكــن توجــد حتالفــات ملواجهــة "العــدو" اجلديــد‪ ،‬وبالتالــي يجــب أن‬ ‫تكــون الصــن اآلن اخلصــم غيــر املخلــص للواليــات املتحــدة‪ ،‬بعــد أن‬ ‫لــم يعــد االحتــاد الســوفيتي موجــوداً‪ .‬لكــن‪ ،‬مــن وجهــة نظــر أمريكيــة‪،‬‬ ‫تظــل حتالفاتهــا وشــراكاتها األمنيــة يف شــرق آســيا مجــرد إظهــار‬ ‫للقــوة مــن أجــل االســتقرار اإلقليمــي‪ ،‬وليســت أداة الحتــواء الصــن‬ ‫علــى غــرار احلــرب البــاردة‪ .‬هــذا مــع قناعــة الكثيريــن مــن خــارج‬ ‫دائــرة الــوالء للعاصمتــن؛ واشــنطن وبكــن‪ ،‬مــن أنــه ســتكون هنــاك‬ ‫احتــكاكات وخالفــات بــن الصــن والواليــات املتحــدة‪ ،‬وبــن الصــن‬


‫‪64‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ليــس المقصــود بالتحالــف الثالثــي درء التعديــات الصينيــة‬ ‫فق ــط لك ــن لتوضي ــح أن التحالف ــات الت ــي تقوده ــا أمري ــكا قائم ــة‬ ‫أكدتــه الصواريــخ الباليســتية العابــرة للقــارات الحق ـاً‪ .‬الثانــي‪ ،‬كان‬ ‫ظهــور األنظمــة الشــيوعية يف القــارة اآلســيوية؛ الصــن الشــعبية‪،‬‬ ‫وكوريــا الشــمالية‪ ،‬وفيتنــام االشــتراكية؛ يضــاف إليــه وجــود االحتــاد‬ ‫الســوفياتي باعتبــاره قــوة آســيوية ضاربــة‪ .‬والثالــث كان غــزو كوريــا‬ ‫الشــمالية جلمهوريــة كوريــا‪ ،‬يــوم ‪ 25‬يونيــو ‪1950‬م‪ ،‬وتدخلــت القــوات‬ ‫العســكرية الصينيــة يف وقــت الحــق مــن ذلــك العــام‪ .‬ومــا كان ألمريــكا‬ ‫أن تســمح لهــذا التمــرد الشــيوعي أن يســتمر مــن دون مقاومــة‪ ،‬حتــى‬ ‫وإن كانــت آســيا هــي مجــرد مصطلــح جيوســتراتيجي‪ .‬إنهــا منطقــة‬ ‫تضــم أكثــر مــن نصــف البشــرية‪ ،‬وهــي ديناميكيــة للغايــة مــن الناحيــة‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬التــي يتــم مــن خاللهــا شــحن حصــة ضخمــة مــن التجارة‬ ‫العامليــة‪ ،‬وال توجــد دولــة مبفردهــا وال حتالــف عســكري قــد مــارس‬ ‫ســيطرة كاملــة علــى هــذه املنطقــة بأكملهــا‪ .‬كانــت اإلمبراطوريــة‬ ‫اليابانيــة يف احلــرب العامليــة الثانيــة أقــرب مــا يكــون إلــى أي شــخص‬ ‫علــى اإلطــالق‪ .‬ولكــن بعــد هزميــة اليابــان يف عــام ‪1945‬م‪ ،‬متكنــت‬ ‫الواليــات املتحــدة مــن ترســيخ نفســها كقــوة عظمــى يف املنطقــة‪.‬‬ ‫وهكــذا أصبحــت التحالفــات أداة رئيســية يف احتــواء الشــيوعية‬ ‫اآلســيوية‪ ،‬وصــار نشــر القــوات األمريكيــة يف القواعــد املوجــودة‬ ‫يف الــدول احلليفــة هــو الطريقــة املفضلــة للتغلــب علــى "اســتبداد‬ ‫املســافة"‪ ،‬خاصــة إذا علمنــا أن هنــاك حوالــي ‪ 9،900‬ميــل تفصــل‬ ‫بــن ســان فرانسيســكو وشــنغهاي‪ .‬وقــد كان يُ ْعتَقَــد أن حمايــة‬ ‫حلفــاء الواليــات املتحــدة هــو الطريقــة املثلــى حلمايــة األمــن القومــي‬ ‫ألمريــكا‪ .‬وســيصبح مــا قــد يســميه وزيــر الدفــاع الحقــاً‪ ،‬روبــرت‬ ‫جيتــس‪ ،‬أن للواليــات املتحــدة "ســلطة مقيمــة يف شــرق آســيا"‪ ،‬ولــم‬ ‫تعــد العزلــة وال التعــاون املخصــص يف زمــن احلــرب خياريــن بعــد‬ ‫اآلن‪ .‬وكان عــدد االلتزامــات التعاهديــة مثيــراً للدهشــة‪ :‬جملــة مــن‬ ‫االتفاقيــات مــع كل مــن والفلبــن وتايالنــد واســتراليا ونيوزيلنــدا عــام‬ ‫‪1951‬م‪ ،‬واتفــاق مــع اليابــان عــام ‪1952‬م‪ ،‬متــت مراجعتــه يف عــام‬ ‫‪1960‬م‪ ،‬ومــع كوريــا اجلنوبيــة عــام ‪1953‬م‪ ،‬ومــع تايــوان عــام ‪1954‬م‪.‬‬ ‫وجــرى تعليــق مشــاركة نيوزيلنــدا يف املعاهــدة األمنيــة الثالثيــة مــع‬ ‫أســتراليا والواليــات املتحــدة يف منتصــف الثمانينيــات‪ ،‬عندمــا‬ ‫رفضــت حكومــة جديــدة الســماح لســفن البحريــة األمريكيــة كانــت‬ ‫تعمــل بالطاقــة النوويــة وحتمــل أســلحة نوويــة دخــول موانــئ البــالد‪.‬‬ ‫وضمــر التحالــف مــع الفلبــن يف أوائــل التســعينيات‪ ،‬بعــد أدت‬ ‫السياســات القوميــة للبــالد وثــوران بــركان جبــل "بيناتوبــو" إلــى إنهــاء‬ ‫اســتخدام الواليــات املتحــدة لقاعــدة "كالرك إيــر" شــبه البحريــة‪.‬‬ ‫مــن وقــت آلخــر‪ ،‬اختلفــت الواليــات املتحــدة وكوريــا اجلنوبيــة حــول‬ ‫كيفيــة مواجهــة حتــدي مــن كوريــا الشــمالية‪ .‬وكاد ســلوك أفــراد‬ ‫القــوات املســلحة األمريكيــة يف قاعــدة "أوكينــاوا" تقويــض الدعــم‬ ‫السياســي احمللــي للتعــاون األمنــي مــع اليابــان‪ .‬بينمــا ظــل االتفــاق‬

‫مــع تايالنــد حبــراً علــى ورق‪ ،‬رغــم اســتمرار التدريبــات املشــتركة‪،‬‬ ‫لكــن االنقالبــات العســكرية الدوريــة‪ ،‬وميــل بانكــوك إلــى بكــن‪ ،‬لــم‬ ‫جتعــل لعالقــات البلديــن قيمــة اســتراتيجية‪ .‬يف غضــون ذلــك‪ ،‬عــززت‬ ‫واشــنطن شــراكاتها األمنيــة مــع الــدول‪ ،‬التــي ليســت دوالً حليفــة يف‬ ‫املعاهــدة‪ ،‬مثــل ســنغافورة‪.‬‬ ‫رد غاضب‪:‬‬ ‫يف حــن لــم يتــم ذكــر الصــن صراحــة يف إعــالن اتفــاق "أوكــوس"‪،‬‬ ‫إال أنــه يشــير بوضــوح إلــى تشــدد موقــف الواليــات املتحــدة جتــاه‬ ‫الصــن‪ ،‬ومــا تزعمــه مــن زيــادة كبيــرة يف املخاطــر االســتراتيجية‬ ‫علــى جنــوب شــرق آســيا‪ .‬فقــد أشــار ســام روجيفــن‪ ،‬مــن معهــد لــوي‬ ‫األســترالي‪ ،‬إلــى أنــه بينمــا كان هنــاك يف الســابق ســبب للتســاؤل عما‬ ‫إذا كانــت واشــنطن ترغــب حقـاً يف "حــرب بــاردة" جديــدة مــع الصــن‪،‬‬ ‫فــإن هــذا اإلعــالن عــن اتفــاق الـ"أوكــوس" يعــد دليـ ً‬ ‫ال مهمـاً علــى أنهــا‬ ‫مســتعدة بالفعــل التخــاذ مثــل هــذه اخلطــوة الهامــة"‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬هــذا‬ ‫مــا دفــع الصــن إلــى أن تســعى للحصــول علــى دعــم مــن جنــوب‬ ‫شــرق آســيا بعــد أن كشــفت الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وأســتراليا‬ ‫عــن هــذا االتفــاق األمنــي اجلديــد‪ .‬إذ ســرعان مــا التقــى مســؤول‬ ‫كبيــر يف وزارة اخلارجيــة الصينيــة بســفراء مــن املنطقــة ملناقشــة‬ ‫حتالــف "أوكــوس" اجلديــد‪ ،‬والــذي وصفــه بـ"النفــاق والغــدر"‪ .‬وقالــت‬ ‫الــوزارة إن ليــو جينســونغ‪ ،‬املديــر العــام إلدارة الشــؤون اآلســيوية‬ ‫بــوزارة اخلارجيــة‪ ،‬عقــد اجتماعــات منفصلــة مــع ســفراء الفلبــن‬ ‫وســنغافورة وتايالنــد وماليزيــا وإندونيســيا يف بكــن يف الطالعهــم‬ ‫علــى رؤيــة بــالده حــول هــذا اإلعــالن‪ .‬ونــدد ليــو بـ"أوكــوس" ووصفــه‬ ‫بأنــه عمــل "مجموعــات ذات دوافــع عنصريــة وجيوسياســية"‪.‬‬ ‫ورغــم أن الصــن تعلــم أن الواليــات املتحــدة ســبق وأن أقامــت بالفعــل‬ ‫قاعــدة عســكرية قويــة‪ ،‬منــذ حــرب فيتنــام‪ ،‬حشــدت فيهــا عــدد كبيــر‬ ‫مــن القــوات يف املنطقــة‪ ،‬منهــم خمســن ألــف جنــدي يف اليابــان‪،‬‬ ‫وثمانيــة وعشــرين ألفــاً وخمســمائة يف كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬وخمســة‬ ‫آالف يف جزيــرة غــوام يف غــرب احمليــط الهــادئ‪ .‬كمــا أن وجــود‬ ‫اجليــش األمريكــي يف الفلبــن لــه تاريخــه اخلــاص‪ ،‬الــذي ترســخ‬ ‫اعتمــاداً علــى العالقــات التاريخيــة بــن واشــنطن ومانيــال‪ .‬لكــن‪،‬‬ ‫يُ ْعتَقَــ ُد علــى نطــاق واســع أن الصــراع اجليوسياســي بــن القوتــن‬ ‫قــد ارتــدى زيـاً رســمياً بعــد تشــكيل حلــف الـ"أوكــوس "‪ ،‬الــذي تهــدف‬ ‫مــن خاللــه الواليــات املتحــدة احلصــول علــى مزيــد مــن املشــاركة مــع‬ ‫القــوى الصديقــة يف املنطقــة‪ ،‬ومتكينهــا مــن حمايــة ســيادتها‪ .‬إال أن‬ ‫"غوتــام كومــار"‪ ،‬مــن مركــز الدراســات الصينيــة وجنــوب شــرق آســيا‪،‬‬ ‫بجامعــة جواهــر الل نهــرو‪ ،‬يقــول إن الواليــات املتحــدة منخرطــة‬ ‫بشــكل كامــل يف نقــل "ورشــة العمــل االســتراتيجية غيــر الناجحــة مــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪63‬‬

‫ملف العدد‬

‫منطق ــة جن ــوب ش ــرق آس ــيا مقبل ــة ع ــى عص ــر م ــن "التجيي ــش"‬ ‫واألح ــالف المتناظ ــرة وتمترس ــها يف جغرافي ــة المنطق ــة المتداخل ــة‬ ‫األســاس االجتماعــي والثقــايف والسياســي واالقتصــادي واألمنــي‬ ‫للنظــام الدولــي‪ .‬وبنــا ًء علــى هــذا املرجــع املفاهيمــي‪ ،‬يقيــم الطريقــة‬ ‫احلاليــة ملنافســة القيــم الصينيــة ــ األمريكية‪ ،‬ويستكشــف دبلوماســية‬ ‫"التســارع" يف كســب احللفــاء وعقــد الشــراكات كحالــة تنافســية‬ ‫جتريبيــة تعكــس قيمهمــا املناصــرة ملصاحلهمــا االســتراتيجية‪ ،‬ومــا‬ ‫قــد يترتــب عليهــا مــن آثــار علــى جنــوب شــرق آســيا‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬مــن‬ ‫أجــل متايــز أكثــر شــموالً يف القيــم العامــة‪ ،‬اتخــذت دول الـ"آســيان"‪،‬‬ ‫وغيرهــا مــن دول املنطقــة مســافة آمنــة مــن تنافــر القــوى العظمــى‪،‬‬ ‫وحتملــت يف ذلــك تبعــات "املمانعــة"‪ ،‬ومــا يرتبــط بهــا مــن جــزاءات‬ ‫سياســية واقتصاديــة‪ .‬ويف حــن أن "املغازلــة" الدبلوماســية قــد تكــون‬ ‫حدثــت يف منعطفــات كثيــرة مــن التاريــخ احلديــث؛ ســواء جتــاه‬ ‫الغــرب بســيكلوجيته اإلمبرياليــة‪ ،‬أو الشــقيق األكبــر الصــن بضغــط‬ ‫أربــاح قروضهــا وهجــرة فائــض ســكانها‪ ،‬و ُعقِ ـ َدت حتالفــات "خامــدة"‬ ‫هنــا وهنــاك‪ ،‬إال أن "اخلصوصيــة" اآلســيوية ظلــت هــي احلاكمــة‪.‬‬ ‫وإن كان للتاريــخ أن يُحدثنــا عــن "مؤثــرات" حرجــة مــن خــارج املنطقــة‬ ‫قــد تكــون حدثــت إبــان احلــرب البــاردة‪ ،‬إال أنهــا لــم تفعــل ذلــك‬ ‫بطريقــة تُغيــر القناعــات‪ ،‬أو تتبــدل معهــا املواقــف‪ ،‬أو رمبــا ألنهــا‬ ‫كانــت متقطعــة بشــكل واضــح؛ تناوبــت فيهــا األزمــة كل مــن تايــوان‬ ‫وهونــغ كونــغ ومــاكاو وتيمــور الشــرقية وماينمــار وفطانــي‪ ،‬وغيرهــا‬ ‫مــن نقــاط االشــتباه يف بحــر الصــن اجلنوبــي‪ .‬فقــد كانــت عمليــات‬ ‫التطــور السياســي احملليــة‪ ،‬وتــداول الشــعوب باســتقاللية لشــأنها‬ ‫اخلــاص أقــوى بكثيــر يف تشــكيل املشــهد االســتراتيجي يف املنطقــة‪.‬‬ ‫جناحات وعثرات‪:‬‬ ‫لقــد اجتهــدت واشــنطن كثيــراً‪ ،‬عــام ‪1954‬م‪ ،‬يف إنشــاء نظيــر حللــف‬ ‫شــمال األطلســي يف جنــوب شــرق آســيا‪ ،‬فيمــا ُعــرِ َف وقتهــا مبنظمــة‬ ‫"ســياتو"‪ ،‬التــي مت حلهــا يف عــام ‪1997‬م‪ ،‬بعــد نهايــة حــرب فيتنــام‪.‬‬ ‫وبينمــا اختفــى عالــم أوائــل اخلمســينيات منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬مبحموالته‬ ‫السياســية والعســكرية‪ ،‬جنــد أن حتــوالت اســتراتيجية مهمــة قــد‬ ‫حدثــت يف ذلــك األثنــاء‪ ،‬إذ انضمــت الصــن إلــى الغــرب يف أوائــل‬ ‫الســبعينيات‪ .‬ويف نفــس الوقــت تقريبـاً‪ ،‬بــدأت كوريــا الشــمالية‪ ،‬التــي‬ ‫"تعصبــت" أليدولوجيتهــا الشــيوعية‪ ،‬تتخلــف عــن كوريــا اجلنوبيــة‬ ‫يف معظــم إجــراءات القــوة الوطنيــة‪ ،‬وصــارت األخيــرة جــزءاً مــن‬ ‫املنظومــة الغربيــة‪ .‬وانتهــى االحتــاد الســوفياتي مــن الوجــود‪ ،‬يف‬ ‫نهايــة عــام ‪1991‬م‪ ،‬وصــارت اخلصومــة مــع فيتنــام ذكــرى غابــرة‪،‬‬ ‫وقامــت بتطبيــع العالقــات مــع الواليــات املتحــدة يف التســعينيات‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬ظهــرت منافســات ومخاطــر جديــدة‪ ،‬تتشــكل علــى َو ْقعِ َهــا‬ ‫أحــداث اليــوم‪ ،‬ومــا نشــهده مــن ســباق حتالفــات ناشــئة‪ .‬آخذيــن‬ ‫يف االعتبــار ترســانة كوريــا الشــمالية وبرنامجهــا النشــط لتطويــر‬

‫أســلحتها النوويــة ووســائل إطالقهــا ملســافات طويلــة‪ ،‬ومحــاوالت‬ ‫روســيا بعــث دورهــا اجليوسياســي‪ ،‬ومــا لديهــا مــن قــوة نوويــة‬ ‫كبيــرة‪ .‬واألهــم مــن كل ذلــك‪ ،‬يف نظــر الغــرب‪ ،‬أن الصــن بــدأت‪،‬‬ ‫منــذ أواخــر الســبعينيات‪ ،‬يف إعــادة بنــاء قوتهــا الوطنيــة تدريجي ـاً‪،‬‬ ‫وبشــكل منهجــي؛ مــن االقتصــاد والدبلوماســية إلــى تطويــر القــدرات‬ ‫البحريــة واجلويــة والصاروخيــة‪ ،‬لتُنْهِ ــي بذلــك قرابــة قرنــن مــن‬ ‫الضعــف النســبي‪ ،‬وتصبــح القــوة العســكرية "الصلبــة" يف منطقــة‬ ‫شــرق آســيا‪.‬‬ ‫مــع تغيــر شــرق آســيا‪ ،‬تغيــرت كذلــك حتالفــات أمريــكا‪ .‬أنهــت‬ ‫واشــنطن معاهــدة الدفــاع املتبــادل مــع تايــوان‪ ،‬يف عــام ‪1980‬م‪،‬‬ ‫كشــرط إلقامــة عالقــات دبلوماســية مــع جمهوريــة الصــن الشــعبية‪،‬‬ ‫لكنهــا ال تــزال حتتفــظ بعالقــات أمنيــة مهمــة مــع تايبــي‪ .‬ويف‬ ‫دراســة لــه بعنــوان‪" :‬التحالفــات األمريكيــة والشــراكات األمنيــة يف‬ ‫شــرق آســيا"‪ ،‬نشــرها معهــد "بروكينغــز" يف ســبتمبر املاضــي‪ ،‬تنــاول‬ ‫"ريتشــارد بــوش" التحالفــات األمريكيــة مــع اليابــان وكوريــا اســتراليا‬ ‫والفلبــن‪ .‬والشــراكات األمنيــة مــع ســنغافورة وتايــوان‪ ،‬وســعى‬ ‫لإلجابــة علــى بعــض األســئلة؛ كجــزء مــن مشــروع "النظــام مــن خــالل‬ ‫الفوضــى‪ ،"Order From Chaos-‬الــذي يضطلــع بــه املعهــد يف‬ ‫واشــنطن‪ .‬وجــاء يف األســئلة‪ :‬كيــف يقــوم احلليف‪/‬الشــريك األمريكــي‬ ‫بتقييــم بيئتــه األمنيــة ودورهمــا يف التخفيــف مــن الشــعور بانعــدام‬ ‫األمــن؟ وعلــى وجــه التحديــد‪ ،‬هــل هنــاك تقــارب‪ ،‬أو تباعــد يف كيفيــة‬ ‫نظــر كل منهمــا إلــى صعــود الصــن‪ ،‬وظهــور سياســاتها اخلاصة جتاه‬ ‫بكــن؟ وكيــف يعــزز احللــف قــدرات كل منهمــا؟ ومــا هــي اتفاقيــات‬ ‫األســاس والوصــول‪ ،‬التــي تتمتــع بهــا الواليــات املتحــدة‪ ،‬إن وجــدت؟‬ ‫ومــا هــي االلتزامــات األمنيــة‪ ،‬التــي تعهــدت بهــا؟ ومــا هــي "الكثافــة‬ ‫التشــغيلية" ومــدى تتكامــل املؤسســات الدفاعيــة للبلديــن وخطتهمــا‬ ‫يف ممارســة التماريــن معـاً؟ وإلــى أي مــدى يدعــم احلليف‪/‬الشــريك‬ ‫وجــود القــوات األمريكيــة علــى أراضيهــا‪ ،‬أي تقاســم العــبء؟ وهــل‬ ‫هنــاك مشــكالت تتعلــق بالوجــود املجانــي و"الوجــود الرخيــص"؟ وهــل‬ ‫ثمــة مســائل هجــر‪ ،‬أو فــخ‪ ،‬أو مخــاوف مــن ذلــك؟‬ ‫ويف محاولــة اإلجابــة علــى هــذه األســئلة‪ ،‬تقــول دراســة "بروكينغــز" إن‬ ‫التحالفــات كانــت جــزءاً مــن النظــام األمنــي‪ ،‬الــذي تقــوده الواليــات‬ ‫املتحــدة يف شــرق آســيا منــذ أوائــل فتــرة مــا بعــد احلــرب العامليــة‬ ‫الثانيــة‪ .‬وأدت ثالثــة عوامــل إلــى تخلــي ترومــان وأيزنهــاور عــن‬ ‫التحالفــات لتجنــب املزيــد مــن التــورط يف شــؤون املناطــق البعيــدة‪.‬‬ ‫األول‪ ،‬كانــت هجمــات اليابــان املفاجئــة علــى "بيــرل هاربــر" والفلبــن‪،‬‬ ‫مــن ‪ 7‬إلــى ‪ 8‬ديســمبر ‪1941‬م‪ ،‬إذ أظهــر هــذا كيــف أن التكنولوجيــا‬ ‫املتغيــرة للحــرب قــد قصــرت املســافة‪ ،‬التــي قــد ينطلــق منهــا‬ ‫اخلصــوم قــوة تدميريــة علــى أراضــي الواليــات املتحــدة‪ ،‬وهــو اجتــاه‬


‫‪62‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫عسكرة العالقات الدولية ‪ ..‬من يربح السباق‪:‬‬

‫التحالف الثالثي و ُن ذُر الحرب الباردة بين‬ ‫القيم والقيمة االستراتيجية‬ ‫تقدمــة مفاهيميــة‪ :‬شــهدت املعرفــة اإلنســانية؛ منــذ عصــور مــا قبــل التاريــخ املبكــرة‪ ،‬جلنــوب شــرق آســيا بالســبق يف‬ ‫مجــاالت كثيــرة‪ ،‬مبــا فيهــا التوازنــات االســتراتيجية بــن أقطــاب الصــراع العاملــي‪ ،‬خاصــة يف فتــرة احلــرب البــاردة بــن‬ ‫املعســكرين الشــيوعي والرأســمالي‪ ،‬متمثـ ً‬ ‫ال يف حتالفــات اليســار بزعامــة االحتــاد الســوفيتي‪ ،‬وائتالفــات الليبراليــن حتــت‬ ‫قيــادة الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬وكيــف أن فكــرة "عــدم االنحيــاز" قــد وجــدت لهــا موطــئ قــدم يف بيئــة آســيوية ُعرفــت‬ ‫بأنهــا موطــن احلكمــة القدميــة‪ ،‬رغــم مــا يعتمــل يف مجتمعاتهــا مــن قــدرة اســتثنائية علــى اســتيعاب التغيــرات الســريعة‪،‬‬ ‫واســتصحاب نتــاج حتوالتهــا‪ .‬فقــد اســتطاعت؛ إلــى حــد كبيــر‪ ،‬عــزل نفســها مــن الصــراع العدمــي لـ"احلــرب البــاردة"‪،‬‬ ‫وتعافــت ســريعاً حــرب فيتنــام‪ ،‬ورتبــت أمــر خالفاتهــا الصغيــرة وصراعاتهــا العابــرة بالبصيــرة اآلســيوية املترعــة بالتجربــة‬ ‫واخلبــرة‪ .‬فقاومــت كثيــراً إغــراءات أحــالف "العســكرة" وطموحــات التوســع املميــت‪ ،‬التــي جبلــت عليهــا دول الغــرب منــذ أن‬ ‫دالــت لهــا دورة التقــدم املــادي‪ .‬وعندمــا تقاربــت فإمنــا فعلــت ذلــك لتعظيــم مصاحلهــا فيمــا يُعــرف بـ"آســيان"‪ ،‬التجمــع‪ ،‬الــذي‬ ‫قــدر السياســة بقــدر مــا حتقــق مــن نفــع اقتصــادي بــن أعضائــه‪ .‬وعلــى الرغــم مــن أن تفســير هــذه اإلشــارات الفارقــة يف‬ ‫الســلوك احلضــاري بــن الغــرب والشــرق ظــل موضــوع نقــاش واســع لعقــود خلــت‪ ،‬إال أنــه‪ ،‬مــع ذلــك‪ ،‬يبــدو مــن الواضــح أن‬ ‫منطقــة جنــوب شــرق آســيا مقبلــة علــى عصــر جديــد مــن "التجييــش" واألحــالف املتناظــرة‪ ،‬التــي قــد يقــود ســباق "متترســها"‬ ‫يف جغرافيــة املنطقــة املتداخلــة إلــى بــروز حقائــق جيوســتراتيجية مســتجدة ت ِّ‬ ‫ُعطــل بعــض هــدء االســتقرار القــدمي‪.‬‬

‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬

‫لقــد توســع التنافــس بــن الواليــات املتحــدة والصــن إلــى مــا وراء‬ ‫مياديــن اجليــش واالقتصــاد والتجــارة والتكنولوجيــا إلــى عالــم القيــم‬ ‫حيــث تقــود إدارة بايــدن اجلديــدة حقــوق اإلنســان والدميقراطيــة‬ ‫الليبراليــة إلــى مقدمــة سياســتها اخلارجيــة‪ .‬وهــذا بــدوره يــؤدي إلــى‬ ‫تكثيــف "تكتــل القيــم "بــن الليبراليــة‪ ،‬التــي تتمحــور حــول الواليــات‬ ‫املتحــدة مــن ناحيــة‪ ،‬والليبراليــة املضــادة حــول الصــن مــن ناحيــة‬ ‫أخــرى‪ .‬ويف مقــال بعنــوان‪" :‬ســباق القيــم الصينيــة ــــ األمريكيــة‬ ‫ودبلوماســية اللقاحــات"‪ ،‬نشــر يــوم ‪ 12‬أكتوبــر ‪ ،2021‬قــال "كيــم‬ ‫تايهــوان"‪ ،‬أســتاذ‪ ،‬قســم الدراســات األوروبيــة والروســية‪ ،‬معهــد‬ ‫الشــؤون اخلارجيــة واألمــن الوطنــي يف كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬إن تفــوق‬ ‫دولــة مــا يف منافســة القيــم ال يؤتــي ثمــاره فقــط كأربــاح مــن القــوة‬ ‫الناعمــة‪ ،‬ألنــه يســاعد الدولــة يف احلصــول علــى النتائــج املرجــوة‬

‫دون اللجــوء إلــى اإلكــراه‪ ،‬أو الدفــع؛ يترجــم تفــوق القيمــة أيضــاً‬ ‫القــوة املاديــة لدولــة مــا إلــى ســلطة شــرعية‪ ،‬ممــا يســاهم يف النهايــة‬ ‫يف كســب اليــد العليــا يف تشــكيل النظــام الدولــي لصاحلهــا‪ .‬بهــذا‬ ‫املعنــى‪ ،‬ميكــن أن تكــون القيــم مصــدراً أساســياً للنظــام الدولــي‪،‬‬ ‫غيــر أن التنــادي بـ"عســكرة" العالقــات الدوليــة‪ ،‬وتأطيرهــا يف شــكل‬ ‫حتالفــات هــو مــا مييــز املرحلــة‪ ،‬التــي نعيشــها اآلن‪ .‬فكيــف ميكننــا‬ ‫حتديــد منافســة القيــم مــع مــا يجــري حالي ـاً بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫والصــن‪ ،‬خاصــة منــذ مجــيء إدارة بايــدن؟ وكيــف يتــم خــوض‬ ‫التنافــس بــن القوتــن العظميــن؛ أمريــكا والصــن؟ ومــا هــي آثــار‬ ‫ذلــك علــى النظــام الدولــي اليــوم؟‬ ‫عنــد طــرح مــا تقــدم مــن أســئلة‪ ،‬نكــون قــد بدأنــا هــذا املقــال بإطــار‬ ‫مفاهيمــي‪ ،‬يُفهــم مبوجبــه أن تنافــس القيــم ينبغــي أن يكــون هــو‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪61‬‬

‫ملف العدد‬

‫القصــور االســتخباري األوروبــي يؤكــد ضــرورة عــدم اعتمــاد دول‬ ‫الخليــج عليــه وإال تفشــل دولنــا كفرنســا‬ ‫األولويــة اخلامســة علــى «تنشــيط عالقاتنــا مــع حلفائنــا وشــركائنا»‪،‬‬ ‫معتبــراً أن لهــا «أصــوالً فريــدة» يف أوروبــا وآســيا؛ وشــددت علــى أن‬ ‫األولويــة الســابعة هــي «تأمــن ريادتنــا يف مجــال التكنولوجيــا» يف ظــل‬ ‫«تســابق القــوى الرائــدة يف العالــم لتطويــر ونشــر تقنيــات جديــدة‪،‬‬ ‫مثــل الــذكاء االصطناعــي»‪ ،‬داعيــاً إلــى «تعزيــز دفاعاتنــا التقنيــة»‬ ‫‪،‬أمــا األولويــة الثامنــة‪ ،‬فهــي «أننــا ســندير أكبــر اختبــار جيوسياســي‬ ‫يف القــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬متمثـ ً‬ ‫ال يف عالقتنــا مــع الصــن»‪ .‬ممــا‬ ‫يعنــي انكشــاف القصــور اخلليجــي يف حتالفــات واجليــل اخلامــس‬ ‫مــن احلــروب‪ ،‬فباإلمكانيــات اخلليجيــة الراهنــة قــد ال نصــل ملســتوى‬ ‫يليــق أن نكــون ال مــن حلفــاء الصــن أو أمريــكا‬ ‫‪ 1٢‬ـ مطلوب «كواد» خليجي‬ ‫أمني ـاً وعســكرياً‪ ،‬تشــكل مــا عــرف بالتحالــف الرباعــي «كــواد» بــن‬ ‫الواليــات املتحــدة وكل مــن اليابــان والهنــد وأســتراليا‪ ،‬وفكرتــه‬ ‫الرئيســية تعــود إلــى رئيــس الــوزراء اليابانــي األســبق شــينزو أبــي‬ ‫‪2016‬م‪ ،‬حــن اقتــرح ضــرورة تعــاون القــوى الدوليــة «حلمايــة التــوازن‬ ‫يف منطقــة احمليــط الهــادئ كمنطقــة مفتوحــة وحــرة»‪ .‬وهــي دعــوة‬ ‫تلقتهــا واشــنطن باعتبارهــا تشــير إلــى الشــعور باخلطــر والتهديــد‬ ‫مــن الصعــود الصينــي‪ ،‬وتفاعلــت معهــا بإيجابيــة كبيرة‪ .‬ويف املمارســة‬ ‫حتولــت الفكــرة إلــى عمليــة لتشــكيل بنيــة عســكرية أمنيــة متعــددة‬ ‫األطــراف مــن دول املنطقــة بالتعــاون مــع الواليــات املتحــدة بهــدف‬ ‫تعزيــز حريــة املالحــة والســالمة اإلقليمية واألســواق احلــرة‪ ،‬ويف اآلن‬ ‫نفســه بنــاء منــوذج أمنــي اقتصــادي تشــارك فيــه األطــراف بقــدر مــن‬ ‫األعبــاء لتحقيــق أهدافــه‪ .‬ولعــل اإليحــاء الــوارد مــن قيــام هــذا الهيكل‬ ‫وحتولــه ليكــن أمنــي خيــر مــا نتــج مــن الزوبعــة القائمــة شــرق وغــرب‬ ‫آســيا لصالــح دول اخلليــج‪ ،‬فلمــاذا ال يشــكل حتالــف مماثــل عبــر‬ ‫إشــعار واشــنطن باملخــاوف مــن القــرب الصينــي اإليرانــي وتشــكيل‬ ‫نفــس "حتالــف كــود"!‬ ‫‪ 1٣‬ـ ـ ضرر قراءة إيران لـ"أوكوس"‬ ‫انتقــدت طهــران "املواقــف املزدوجــة" مــن جانــب بريطانيــا والواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬املتمثلــة يف إبــرام اتفاقيــة "أوكــوس" التــي تنــص علــى بيــع‬ ‫غواصــات تعمــل بوقــود نــووي بنســبة تخصيــب تزيــد عــن ‪ ،%90‬إلــى‬ ‫أســتراليا‪ .‬وقــد أعــرب ســفيرها ومندوبهــا الدائــم لــدى املنظمــات‬ ‫الدوليــة يف فيينــا‪ ،‬يف كلمتــه خــالل االجتمــاع الـــ‪ 65‬للجمعيــة‬ ‫العموميــة لوكالــة الطاقــة الذريــة الدوليــة‪ ،‬عــن أســفه "مــن أن دوال‬ ‫عمــدت إلــى إلقــاء اللــوم علــى إيــران إثــر تخصيبهــا اليورانيــوم بنســبة‬ ‫‪ %60‬لألغــراض اإلنســانية والســلمية‪ ،‬لكنهــا قــررت اليــوم بيــع‬ ‫غواصــات عســكرية ذات الدفــع النــووي بنســبة ‪ %90‬إلــى أســتراليا"‪.‬‬

‫ومــن املنطقــي أن تنقــاد جهــات دوليــة عــدة إلــى وجهــة نظــر طهــران‪،‬‬ ‫فاتفاقيــة أوكــوس تعطــي طهــران وســيلة دعائيــة مفيــدة لتبريــر زيــادة‬ ‫تخصيــب اليورانيــوم‪ ،‬وأن انتقــاد أمريــكا وبريطانيــا بســبب االســتثناء‬ ‫املمنــوح ألســتراليا‪ ،‬ونتوقــع أن يشــجع احلــدث إيــران علــى التعنــت‪،‬‬ ‫فقــد نزلــت عليهــا ذريعــة مــن الســماء‪.‬‬ ‫‪ 1٤‬ـ ملاذا نعتمد على االحتاد األوروبي‬ ‫دول اخلليــج منخرطــة يف حــوارات اســتراتيجية عميقــة مــع االحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬رغــم أن هنــاك مؤشــرات تشــير بــزوال نفــوذه مقارنــة‬ ‫مبوســكو وبكــن وواشــنطن‪ ،‬فبعــد أوكــوس أعلــن االحتــاد األوروبــي‬ ‫أنــه لــم يتــم إبالغــه بشــأن التحالــف األمنــي اجلديــد الــذي يضــم‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬وأســتراليا‪ .‬قــال املتحــدث‬ ‫باســم السياســة اخلارجيــة لالحتــاد‪ ،‬بيتــر ســتانو‪ ،‬أنــه علــى اتصــال‬ ‫مــع الشــركاء ملعرفــة املزيــد حــول هــذا التحالــف‪ .‬فكيــف نرتبــط مــع‬ ‫مــن ال يعــد مرجعيــة حللفائــه أنفســهم!‬ ‫تعــد قــراءة اتفاقيــة أوكــوس بــن بريطانيــا وأمريــكا وأســتراليا‬ ‫ضــد الصــن مــن األمــور النســبية املتغيــرة التــي يتســع ويضيــق‬ ‫اســتيعابها وفقـاً لطــرق تناولهــا‪ ،‬ويف اخلليــج تراكمــت ســحب ســلبية‬ ‫أكثــر مــن اإليجابيــة جــراء هــذه االتفاقيــة‪ .‬فقــد كشــفت أن القصــور‬ ‫االســتخباري كان أهــم كــوارث فرنســا‪ ،‬فهــل نعانــي يف اخلليــج‬ ‫مــن نفــس القصــور‪ ،‬بــل علينــا يف تقديرنــا التخلــي عــن الســذاجة‬ ‫واســتخالص العبــر ممــا حــدث‪ ،‬كمــا أظهــرت إدارة القضيــة دواعــي‬ ‫االعتمــاد اخلليجــي علــى قــوة أكبــر مــن قــوة فرنســا التــي ظهــرت‬ ‫صغيــرة للغايــة‪ ،‬كمــا كشــفت عــزم واشــنطن معارضــة جهــود الصــن‬ ‫إلنشــاء مجــاالت نفــوذ ممــا يهــون علينــا فهــم وجديــة االســتدارة‬ ‫األميركيــة جتــاه الشــرق‪ ،‬لكــن اجلانــب األقــل ظلمــة هــو التحــول‬ ‫مــن محاربــة اإلرهــاب إلــى مواجهــة الصــن‪ ،‬مــع االنتبــاه لتقــرب‬ ‫أوروبــي للفــكاك مــن تداعيــات التهميــش يف صفقــة أوكــوس‪ ،‬التــي‬ ‫أظهــرت إمكانيــة فقــدان دول اخلليــج ميــزة احلصريــة يف امتــالك‬ ‫الســالح عنــد واشــنطن‪ ،‬وإن هنــاك نهــج جديــد هــو نهــج بايــدن يف‬ ‫بنــاء التحالفــات‪ ،‬دون جتــاوز أن هنــاك دالالت للجوانــب االقتصاديــة‬ ‫يف «أوكــوس» ‪،‬باإلضافــة إلــى رســوخ طبــع التســرع يف «أوكــوس» كمــا‬ ‫كان التســرع يف أفغانســتان ‪ .‬وممــا يجــب االنتبــاه لــه أن دول اخلليــج‬ ‫يف حــروب اجليــل اخلامــس قــد تعــد عب ًئــا ال ســندًا‪ ،‬فيتــم التخلــي‬ ‫عنهــا‪ .‬لــذا مطلــوب «كــواد» خليجــي‪ ،‬حيــث نتوقــع الكثيــر مــن ضــرر‬ ‫قــراءة إيــران لـ"اوكــوس"‪.‬‬ ‫* أﺳﺘﺎذ ﻋﻠﻮم ﺳﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻜﻮﻳﺖ‬


‫‪60‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫أنتونــي بلينكــن الهنــد إال إلقناعهــا بتحويــل احلــوار األمنــي الرباعــي‬ ‫(الواليــات املتحــدة‪ ،‬الهنــد‪ ،‬اليابــان‪ ،‬وأســتراليا)‪ ،‬املعــروف باســم‬ ‫"كــواد"‪ ،‬مــن منبــر للنقــاش إلــى حتالــف فاعــل وهدفــه ردع الصــن‪،‬‬ ‫ومنعهــا مــن ربــح أي حــرب‪ ،‬فهــل ســيخف الضغــط علــى دول مجلــس‬ ‫التعــاون يف محاربــة اإلرهــاب‪ ،‬لتلبســنا يف القامــوس الغربــي أن‬ ‫اإلرهابيــن هــم أبناؤنــا واألمــوال التــي تدعمهــم هــي أمــوال خليجيــة؛‬ ‫أم نتوقــع الســيناريو األســوأ وهــو أن واشــنطن بتحولهــا مــن محاربــة‬ ‫اإلرهــاب إلــى محاربــة الصــن قــد تركــت دول اخلليــج لتواجــه‬ ‫قدرهــا أمــام اجلماعــات اإلرهابيــة التــي الزالــت نــار حتــت الرمــاد‪.‬‬ ‫‪ ٦‬ـ تقرب أوروبي للفكاك من تداعيات التهميش‬ ‫لتلطيــف األجــواء خرجــت رســائل أوروبيــة أمريكيــة‪ ،‬بــل و اجتمــاع‬ ‫عالــي املســتوى يرمــي إلــى دفــع اســتعادة الثقــة بــن الطرفــن بعــد‬ ‫أزمــة الغواصــات‪ ،‬لــذا جــاء يف األخبــار "يواصــل احلليفــان عملهمــا‬ ‫التنســيقي املشــترك‪ ،‬ســواء التعــاون بــن االحتــاد األوروبــي وحلــف‬ ‫شــمال األطلســي‪ ،‬أو يف منطقــة الســاحل ومنطقــة احمليطــن الهنــدي‬ ‫والهــادئ" لكــن احلقيقــة يف مــكان آخــر ؛حيــث يعتمــد بايــدن وإدارتــه‬ ‫يف اســتراتيجية مواجهــة الصعــود الصينــي بشــكل رئيــس علــى‬ ‫بريطانيــا‪ ،‬مــن دون اســتبعاد "الناتــو" واحللفــاء األوروبيــن يف دور‬ ‫مســاند فقــط‪ ،‬لكونهــم غيــر متح ّمســن ملواجهــة الصــن يف "حــرب‬ ‫بــاردة" جديــدة وجوهــر القضيــة يف نظــر كثيــر مــن األوروبيــن أن‬ ‫واشــنطن ال تنظــر إليهــم كحلفــاء يســتحقون الثقــة‪ ،‬خصوصـاً عندمــا‬ ‫يتصــل األمــر مبواجهاتهــا مــع الصــن‪ .‬وجــراء األزمــة الدبلوماســية‬ ‫التــي تفجــرت بصــورة الفتــة داخــل املعســكر الغربــي‪ ،‬واإلعــالن عــن‬ ‫حتالــف "أوكــوس" يُعــزز توجــه تعزيــز االســتقاللية األوروبيــة عــن‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬وكــرد عملــي أولــي علــى اخلطــوة األمريكيــة‪-‬‬ ‫البريطانية‪-‬األســترالية‪ ،‬ســيكون هنــاك تقــرب فرنســي أوروبــي جتــاه‬ ‫دول اخلليــج‪.‬‬ ‫‪ ٧‬ـ فقدان ميزة احلصرية لدول اخلليج‬ ‫ال يخلــو حتالــف "أوكــوس" مــن طبيعتــه املتميــزة واحلصريــة ميكــن‬ ‫للتحالــف أن يخلــق توتــرات مــع حلفــاء آخريــن للواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫قــد يرغبــون يف احلصــول علــى صفقــات مماثلــة‪ ،‬وهــو أمــر ال يبــدو‬ ‫مقبــوالً أمريكيـاً فمــا جــرى اســتثناء لسياســتنا يف كثيــر مــن النواحــي‪،‬‬ ‫وال نتوقــع أن يتــم القيــام بذلــك يف أي ظــروف أخــرى يف املســتقبل‪،‬‬ ‫فهــو يف نظــر مراقبــن عــدة يعتبــر حدثـاً ملــرة واحــدة‪ .‬ورغــم أن مــن‬ ‫ـليحا‬ ‫يحصلــون علــى االســتثناء واحلصريــة يف احلظــوة األمريكيــة تسـ ً‬ ‫وحمايــة سياســية يعنــي أن بالدهــم تفقــد اســتقاللها بســبب االقتراب‬ ‫الشــديد مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬ويعتمــدون بشــكل كبيــر علــى سياســة‬ ‫واشــنطن وعــداء جتــاه الصــن مــع احتمــال حــدوث عواقــب وخيمــة‪،‬‬ ‫إال أن تــل أبيــب وبعــض دول اخلليــج مثــل اململكــة العربيــة الســعودية‬ ‫التــي حصلــت علــى األواكــس واإلف ‪ 15‬وبقيــة دل اخلليــج عليهــا أن‬ ‫تقــرأ بــأن احملظيــة املدللــة يف بيــت آخــر يف جزيــرة بعيــدة‪.‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نهج بايدن يف بناء التحالفات‬ ‫‪8‬ـ َ‬ ‫التحالــف اجلديــد يتــم تصنيفــه كخطــوة تغييــر أساســية يف الهيــاكل‬ ‫األمنيــة العامليــة؛ حيــث يُظهــر تشــكيل حتالــف أوكوس" نهـ َج بايدن "يف‬ ‫بنــاء حتالفــات وإقامــة شــراكات متداخلــة‪ .‬وتكمــن أهميــة التحالــف‬ ‫يف حتديــد طبيعــة االســتراتيجية األمريكيــة القادمــة وجــدوى إنشــاء‬ ‫حتالــف عاملــي واســع تقــوده الواليــات املتحــدة الحتــواء الصــن‪ ،‬وقــد‬ ‫يضــم دول اخلليــج كجــزء مــن ســعى الرئيــس بايــدن إلــى الترويــج‬ ‫لعــدة ترتيبــات وحتالفــات وشــراكات متداخلــة ويكمــل بعضهــا بعضـاً؛‬ ‫مثــل "كــواد"‪ ،‬و"أوكــوس" هــو وترتيبــات أخــرى حتتــل الواليــات املتحــدة‬ ‫فيهــا موقعـاً حاســماً‪ ،‬ممــا يعنــي تقويــض هيــاكل قائمــة وتســيير عمــل‬ ‫األســطول اخلامــس وتوزيــع القواعــد األمريكيــة‬ ‫‪ ٩‬ـ دالالت اجلوانب االقتصادية يف "أوكوس "‬ ‫خســر االقتصــاد الفرنســي مليــارات الــدوالرات كبرهــان علــى‬ ‫أن اجلوانــب االقتصاديــة أهــم مــن اجلوانــب السياســية واألمنيــة‪،‬‬ ‫رغــم ان أســتراليا ســتدفع يف أي حــال تعويضــاً ماديــاً لفرنســا‬ ‫عــن إلغــاء العقــد‪ .‬وهــذا األمــر يظهــر أهميــة اجلانــب التعاقــدي‬ ‫– املالــي يف املشــكلة األسترالية‪-‬الفرنســية‪ /‬األمريكيــة بعــد قيــام‬ ‫حتالــف «أوكــوس»‪ .‬والداللــة التــي تصــب يف صالــح اخلليجيــن أن‬ ‫الشــركات األمنيــة مــع الغــرب مدفوعــة الثمــن وليســت جــراء حتقيــق‬ ‫شــعارات الســلم الدولــي أو الوفــاء بالتعهــدات للحلفــاء‪ .‬أمــا األمــر‬ ‫اآلخــر فهــو صفقــة الغواصــات وتبعاتهــا كشــفت وجــه أمريكــي آخــر‬ ‫غيــر وجــه العقوبــات االقتصاديــة التــي متتشــقها لتحقيــق أجنداتهــا‬ ‫السياســية‪ ،‬واجلديــد هــو أســلوب اإلكــراه االقتصــادي لتحقيــق‬ ‫األهــداف السياســية املطلوبــة‪ ،‬وهــو يُعتبــر أقــل كلفــة مــن غيــره وغيــر‬ ‫محفــوف باملخاطــر بقــدر إعــالن احلــرب‪ ،‬أو احلصــار أو املقاطعــة‬ ‫االقتصاديــة أو اإلدراج يف قوائــم ســوداء‪ ،‬ومــع ذلــك يبقــى أقــوى مــن‬ ‫بقيــة القــرارات‪ ،‬وعليــه منلــك يف اخلليــج ميــزة هــي أن دول اخلليــج‬ ‫مشــتري معتمــد دائــم‪ ،‬لكــن اخلــوف هــو أن تتوســع واشــنطن يف‬ ‫تطبيــق سياســة اإلكــراه االقتصــادي بــأن نلغــي صفقــات مــع غيرهــا‬ ‫ونوقــع صفقــات معــه وليــس إذعــان االســترالين إال مؤشـ ًرا بصعوبــة‬ ‫الفــكاك للــدول الصغــرى مــن نيــر اإلكــراه االقتصــادي‪.‬‬ ‫‪ 1٠‬ـ هل التسرع يف «أوكوس» كالتسرع يف أفغانستان !‬ ‫يف تقديرنا أن املشــكلة املســتمرة فصوالً يف العالقات بن واشــنطن‪،‬‬ ‫وحلفائهــا الزالــت مســتمرة وقــد ظهــرت قبــل مســألة الغواصــات‬ ‫األســترالية بشــهرين ومتثلــت يف االنســحاب الســريع واملتس ـ ّرع مــن‬ ‫أفغانســتان‪ ،‬وجوهــر القضيــة يف نظــر كثيــر مــن حلفائهــا أن واشــنطن‬ ‫ال تنظــر إليهــم كحلفــاء يســتحقون أخــذ الــرأي فلنتوقــع كل شــيء‪،‬‬ ‫فاألمريكيــون يصيبــون دائ ًمــا‪ ،‬لكــن بعــد ارتــكاب األخطــاء كلهــا‪.‬‬ ‫‪11‬ــ اخلليج يف حروب اجليل اخلامس عبء ال سند‬ ‫ركــزت واشــنطن يف «التوجيــه االســتراتيجي املوقــت» الصــادر يف‬ ‫مــارس ‪2021‬م‪ ،‬باعتمــاد اجليــل اخلامــس مــن احلــروب‪ ،‬ففــي‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪59‬‬

‫ملف العدد‬

‫أربك ــت أزم ــة إش ــهار "أوك ــوس" العالق ــات بي ــن الحلف ــاء الغربيي ــن‬ ‫والهيــاكل األمنيــة المؤثــرة يف أمــن الخليــج لتشــابك األطــراف‬ ‫عــام ‪2025‬م‪ ،‬وهــي اســتراتيجية توضــح سياســة األمــن القومــي‬ ‫والسياســة الدوليــة للبــالد بعــد انســحابها مــن االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫كمــا تشــمل تقويــة نفوذهــا يف الشــرق األوســط حيــث ال يعنــي التوســع‬ ‫خصوصــا وإن منطقــة‬ ‫يف مــكان االنســحاب الكامــل مــن مــكان آخــر‬ ‫ً‬ ‫اخلليــج كانــت أحــد معاقــل االســترليني وباإلمــكان إعــادة لعــب نفــس‬ ‫الــدور‪ .‬يدعــم هــذه الفكــرة أنــه يف ‪ 19‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬قالــت ليــز‬ ‫تــروس وزيــرة اخلارجيــة البريطانيــة اجلديــدة‪ ،‬يف مقــال بصحيفــة‬ ‫"صنــداي تلغــراف"‪ ،‬إن االتفــاق األمنــي اجلديــد الــذي أبرمتــه بالدهــا‬

‫مــع أســتراليا والواليــات املتحــدة يبرهــن علــى اســتعدادها لـ"التصلب"‬ ‫يف الدفــاع عــن مصاحلهــا ونحــن يف اخلليــج مــن أحــب مصاحلهــا‬ ‫إلــى قلبهــا‪.‬‬ ‫‪ ٥‬ـ التحول من محاربة اإلرهاب إلى مواجهة الصني‬ ‫جــاء حتالــف "أوكــوس" انطالقـاً مــن عــدة حســابات أمنية وعســكرية‪،‬‬ ‫وهنــاك حتــول يف املنظــور االســتراتيجي للواليــات املتحــدة مــن‬ ‫محاربــة اإلرهــاب إلــى مواجهــة الصــن واضــح‪ .‬ليــس يف "حتالــف‬ ‫أوكــوس" بــل ويف تشــكيل هيــكل "كــواد " ومــا زيــارة وزيــر اخلارجيــة‬


‫‪58‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫نهــج بايـــدن الجديـــد فـــــي بـنـــاء التحــالفــــات لــه دالالت‬ ‫اقتصادي ــة ورس ــوخ التس ــرع يف «أوكوس» كما كان فــ ــي أفغانستــ ــان‬ ‫مطالب ـاً إياهــم بدفــع متوجباتهــم للحلــف احملــددة مببلــغ ‪ %2.5‬مــن‬ ‫الدخــل القومــي ثــم جــاء ترامــب فاتهــم حلــف األطلســي بأنــه متقــادم‬ ‫ويف مــوت ســريري‪ ،‬مكــرراً دائمــاً أن الواليــات املتحــدة هــي التــي‬ ‫حتمــي أوروبــا وأن علــى شــركائه األطلســين دفــع فواتيــر ذلــك‪.‬‬ ‫وجــود نزعــة انفصاليــة أوروبيــة فقــد دعــا ماكــرون جليــش أوروبــي‬‫و لــم يأخــذ ماكــرون العبــر ممــا تعــرض لــه اجلنــرال شــارل ديغــول‪.‬‬ ‫ومثلــه املستشــارة األملانيــة أجنيــال ميــركل التــي دعــت إلنشــاء جيــش‬ ‫موحــد حلمايــة القــارة األوروبيــة‪ ،‬كمــا أعلــن وزيــر خارجيــة‬ ‫أوروبــي ّ‬ ‫االحتــاد األوروبــي جوزيــف بوريــل مــن األمم املتحــدة مؤخـ ًرا‪ ،‬أن دول‬ ‫االحتــاد الـــ‪ 27‬أعلنــت عــن تضامنهــا مــع باريــس يف أزمــة الغواصــات‪،‬‬ ‫فــرد عليــه األمــن العــام حللــف األطلســي ينــس ســتولتنبرغ‪ ،‬مــن‬ ‫واشــنطن‪ ،‬بأنــه يتفهــم خيبــة أمــل فرنســا‪ ،‬لكنــه حـ ّذر الــدول الســاعية‬ ‫إلــى تعزيــز القــدرات الدفاعيــة األوروبيــة‪ ،‬مــن أن الســعي إليجــاد‬ ‫هيكليــات منافســة للحلــف يهــدد بإضعافــه وتقســيمه‪ ،‬مذ ّكــراً بــأن‬ ‫‪ %80‬مــن اإلنفــاق الدفاعــي لألطلســي مصــدره دول غيــر أعضــاء‬ ‫يف احللــف‪ ،‬وقــال إن أي محاولــة إلضعــاف الصلــة عبــر جناحــي‬ ‫األطلســي ســتؤدي ليــس إلــى إضعــاف احللــف فحســب‪ ،‬بــل إلــى‬ ‫تقســيم أوروبــا!‬ ‫وعليــه جميــع املؤشــرات كانــت تؤشــر إلــى قــرب حــدوث انشــقاق‬ ‫أمريكــي أوروبــي ‪ ،‬وهنــا وبراحــة بــال نقــول ‪ :‬قصــور مشــن يف عمــل‬ ‫االســتخبارات الفرنســية واألوروبيــة بصفــة عامــة لفشــلها يف قــراءة‬ ‫األفــق األوروبــي األميركــي ‪ ،‬ومــا يهمنــا هو نقطتن األولى أن القصور‬ ‫االســتخباري األوروبــي والفرنســي يؤكــد بضــرورة عــدم اعتمــاد دول‬ ‫اخلليــج عليــه بصفــة تامــة‪ ،‬والنقطــة الثانيــة هــي أال يتكــون هنــاك‬ ‫فشــل اســتخباري خليجــي كالفرنســي ‪ ،‬وإن كان املراقــب اخلليجــي‬ ‫يحمــل اجلهــد االســتخباري اخلليجــي تبعــات االتفــاق النــووي‬ ‫اإليرانــي ســواء بكشــفه يف مراحــل مبكــرة أو بتخريبــه نتمنــى أن ال‬ ‫يتكــرر الفشــل االســتخباري اخلليجــي كمــا فشــل الفرنســي ‪.‬‬ ‫‪ ٢‬ـ التخلي عن السذاجة واستخالص العبر‬ ‫بعــد انكشــاف الصفقــة واحللــف قــال وزيــر اخلارجيــة األمريكــي‬ ‫أنتونــي بلينكــن‪ ،‬يف باريــس الغاضبــة بعــد «طعنــة أوكــوس»‪ ،‬إنــه‬ ‫«يتفهــم شــعور الفرنســين باخليانــة»‪ ،‬وكذلــك مشــاعر شــركائهم‬ ‫األوروبيــن‪ ،‬لكــي يطــوي تلــك الصفحــة العميقــة مــن الشــعور باملــرارة‪،‬‬ ‫التــي بــرزت يف أحيــان كثيــرة بــن أعضــاء حلــف األطلســي‪ .‬ولعــل‬ ‫أعمــق وأصــدق مــا صــرح بــه الرئيــس الفرنســي إميانويــل ماكــرون‬ ‫هــي دعــوة األوروبيــن إلــى «التخلــي عــن الســذاجة واســتخالص‬ ‫العبــر» مــن اخليــارات االســتراتيجية اجلديــدة للواليــات املتحــدة‬ ‫التــي باتــت تتركــز علــى خصومتهــا مــع الصــن‪ .‬وهــو نفــس الشــعور‬

‫الــذي مــن املفــروض ان يتلبــس صانــع القــرار اخلليجــي فاخليــارات‬ ‫االســتراتيجية اجلديــدة للواليــات املتحــدة التــي باتــت تتركــز علــى‬ ‫خصومتهــا مــع الصــن أوال‪.‬‬ ‫‪٣‬ـ ـ دواعي االعتماد على قوة أكبر من قوة فرنسا‬ ‫منــذ عهــد الرئيــس األمريكــي بــاراك أوبامــا والصــن غــرمي معلــن‬ ‫حيــث جــاءت رؤيــة أوبامــا "التوجــه شــرقاً" للحفــاظ علــى الريــادة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬ثــم ركــز عليهــا الرئيــس الســابق دونالــد ترامــب‪ ،‬مــع‬ ‫اختــالف يف األدوات واألســاليب‪ ،‬وهــو إدراك أســترالي بخطــر‬ ‫الصــن الــذي بــات كبيــراً ويتطلــب مواجهتــه االعتمــاد علــى قــوة أكبــر‬ ‫مــن قــوة فرنســا‪ ،‬فالتكنولوجيــا العســكرية الفرنســية هــي أقــل كفــاءة‬ ‫ملواجهــة التحــدي الصينــي البحــري اآلخــذ يف النمــو مبســتويات‬ ‫عاليــة‪ .‬وهــذا التقييــم األســترالي يعــد إهانــة مفتوحــة يف األلزيــه‬ ‫ميــس الصناعــات العســكرية الفرنســية إجمــاالً‪ ،‬وليــس فقــط صناعــة‬ ‫الغواصــات‪ .‬ونتوقــع أن يتحــول اإلدراك األســترالي إلــى حالــة عامــة‬ ‫فليســت فقــط مقولــة الصــن لــن تقــف بوجههــا غواصــات ديــزل‪،‬‬ ‫والــروس يف مالــي لــن توقفهــم باريــس كمــا لــن تفيدنــا يف وقــف‬ ‫اإليرانيــن فلمــا هــدر األمــوال اخلليجيــة علــى مــن مت تقييمــه مــن‬ ‫أقــرب حلفائــه بتقييــم متدنــي‪ ،‬ملــاذا نشــتري يف اخلليــج الســالح مــن‬ ‫فرنســا !‬ ‫‪ ٤‬ـ معارضة جهود الصني إلنشاء مجاالت نفوذ‬ ‫تعمــل إدارة بايــدن وفق ـاً الســتراتيجية رفعــت عنهــا الســرية مطلــع‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬وطرحــت الوثيقــة تســاؤالت رئيســة منهــا معارضــة جهــود‬ ‫الصــن "إلنشــاء مجــاالت نفــوذ غيــر ليبراليــة جديــدة"؛ وكيفيــة‬ ‫"دفــع عجلــة القيــادة االقتصاديــة العامليــة للواليــات املتحــدة " وحــن‬ ‫التفحــص الدقيــق نصــل إلــى قناعــة أن دول اخلليــج تأتــي حتــت‬ ‫مظلــة "مجــاالت نفــوذ الصــن االقتصاديــة"‪ ،‬فــدل مجلــس التعــاون‬ ‫بطموحهــا لالنضمــام لهيــكل احلــزام والطريــق (طريــق احلريــر )‬ ‫طوعــا حتــت نفــوذ الصــن و"مجــاالت نفوذهــا غيــر‬ ‫تنضــوي‬ ‫ً‬ ‫الليبراليــة " وبشــكل معاكــس جتــد دول اخلليــج نفســها يف ثنايــا‬ ‫" عجلــة القيــادة االقتصاديــة العامليــة للواليــات املتحــدة "وقــو ًدا‬ ‫واســتهال ًكا مدنــي وعســكري‪ ،‬ومــن العســير أن نكــون مــع الطرفــن‬ ‫فذلــك محــرم أمريكيــا‪.‬‬ ‫ومثلهــا تبــرز أيضــا احلســابات البريطانيــة‪ ،‬فحــال خروجهــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬بــدأت لنــدن بالتوجــه شــرقاً وإنشــاء قواعــد‬ ‫عســكرية يف آســيا‪ ،‬تنفي ـ ًذا لتوجــه اســتراتيجية "بريطانيــا العامليــة"‬ ‫احملــددة يف وثيقــة املراجعــة املتكاملــة التــي نُشــرت يف مــارس ‪2021‬م‪،‬‬ ‫والتــي متثــل "رؤيــة احلكومــة لــدور اململكــة املتحــدة يف العالــم" بحلــول‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪57‬‬

‫ملف العدد‬

‫نهــج بايـــدن الجديـــد فـــــي بـنـــاء التحــالفــــات لــه دالالت‬ ‫اقتصادي ــة ورس ــوخ التس ــرع يف «أوكوس» كما كان فــ ــي أفغانستــ ــان‬ ‫مطالب ـاً إياهــم بدفــع متوجباتهــم للحلــف احملــددة مببلــغ ‪ %2.5‬مــن‬ ‫الدخــل القومــي ثــم جــاء ترامــب فاتهــم حلــف األطلســي بأنــه متقــادم‬ ‫ويف مــوت ســريري‪ ،‬مكــرراً دائمــاً أن الواليــات املتحــدة هــي التــي‬ ‫حتمــي أوروبــا وأن علــى شــركائه األطلســين دفــع فواتيــر ذلــك‪.‬‬ ‫وجــود نزعــة انفصاليــة أوروبيــة فقــد دعــا ماكــرون جليــش أوروبــي‬‫و لــم يأخــذ ماكــرون العبــر ممــا تعــرض لــه اجلنــرال شــارل ديغــول‪.‬‬ ‫ومثلــه املستشــارة األملانيــة أجنيــال ميــركل التــي دعــت إلنشــاء جيــش‬ ‫موحــد حلمايــة القــارة األوروبيــة‪ ،‬كمــا أعلــن وزيــر خارجيــة‬ ‫أوروبــي ّ‬ ‫االحتــاد األوروبــي جوزيــف بوريــل مــن األمم املتحــدة مؤخـ ًرا‪ ،‬أن دول‬ ‫االحتــاد الـــ‪ 27‬أعلنــت عــن تضامنهــا مــع باريــس يف أزمــة الغواصــات‪،‬‬ ‫فــرد عليــه األمــن العــام حللــف األطلســي ينــس ســتولتنبرغ‪ ،‬مــن‬ ‫واشــنطن‪ ،‬بأنــه يتفهــم خيبــة أمــل فرنســا‪ ،‬لكنــه حـ ّذر الــدول الســاعية‬ ‫إلــى تعزيــز القــدرات الدفاعيــة األوروبيــة‪ ،‬مــن أن الســعي إليجــاد‬ ‫هيكليــات منافســة للحلــف يهــدد بإضعافــه وتقســيمه‪ ،‬مذ ّكــراً بــأن‬ ‫‪ %80‬مــن اإلنفــاق الدفاعــي لألطلســي مصــدره دول غيــر أعضــاء‬ ‫يف احللــف‪ ،‬وقــال إن أي محاولــة إلضعــاف الصلــة عبــر جناحــي‬ ‫األطلســي ســتؤدي ليــس إلــى إضعــاف احللــف فحســب‪ ،‬بــل إلــى‬ ‫تقســيم أوروبــا!‬ ‫وعليــه جميــع املؤشــرات كانــت تؤشــر إلــى قــرب حــدوث انشــقاق‬ ‫أمريكــي أوروبــي ‪ ،‬وهنــا وبراحــة بــال نقــول ‪ :‬قصــور مشــن يف عمــل‬ ‫االســتخبارات الفرنســية واألوروبيــة بصفــة عامــة لفشــلها يف قــراءة‬ ‫األفــق األوروبــي األميركــي ‪ ،‬ومــا يهمنــا هو نقطتن األولى أن القصور‬ ‫االســتخباري األوروبــي والفرنســي يؤكــد بضــرورة عــدم اعتمــاد دول‬ ‫اخلليــج عليــه بصفــة تامــة‪ ،‬والنقطــة الثانيــة هــي أال يتكــون هنــاك‬ ‫فشــل اســتخباري خليجــي كالفرنســي ‪ ،‬وإن كان املراقــب اخلليجــي‬ ‫يحمــل اجلهــد االســتخباري اخلليجــي تبعــات االتفــاق النــووي‬ ‫اإليرانــي ســواء بكشــفه يف مراحــل مبكــرة أو بتخريبــه نتمنــى أن ال‬ ‫يتكــرر الفشــل االســتخباري اخلليجــي كمــا فشــل الفرنســي ‪.‬‬ ‫‪ ٢‬ـ التخلي عن السذاجة واستخالص العبر‬ ‫بعــد انكشــاف الصفقــة واحللــف قــال وزيــر اخلارجيــة األمريكــي‬ ‫أنتونــي بلينكــن‪ ،‬يف باريــس الغاضبــة بعــد «طعنــة أوكــوس»‪ ،‬إنــه‬ ‫«يتفهــم شــعور الفرنســين باخليانــة»‪ ،‬وكذلــك مشــاعر شــركائهم‬ ‫األوروبيــن‪ ،‬لكــي يطــوي تلــك الصفحــة العميقــة مــن الشــعور باملــرارة‪،‬‬ ‫التــي بــرزت يف أحيــان كثيــرة بــن أعضــاء حلــف األطلســي‪ .‬ولعــل‬ ‫أعمــق وأصــدق مــا صــرح بــه الرئيــس الفرنســي إميانويــل ماكــرون‬ ‫هــي دعــوة األوروبيــن إلــى «التخلــي عــن الســذاجة واســتخالص‬ ‫العبــر» مــن اخليــارات االســتراتيجية اجلديــدة للواليــات املتحــدة‬ ‫التــي باتــت تتركــز علــى خصومتهــا مــع الصــن‪ .‬وهــو نفــس الشــعور‬

‫الــذي مــن املفــروض ان يتلبــس صانــع القــرار اخلليجــي فاخليــارات‬ ‫االســتراتيجية اجلديــدة للواليــات املتحــدة التــي باتــت تتركــز علــى‬ ‫خصومتهــا مــع الصــن أوال‪.‬‬ ‫‪٣‬ـ ـ دواعي االعتماد على قوة أكبر من قوة فرنسا‬ ‫منــذ عهــد الرئيــس األمريكــي بــاراك أوبامــا والصــن غــرمي معلــن‬ ‫حيــث جــاءت رؤيــة أوبامــا "التوجــه شــرقاً" للحفــاظ علــى الريــادة‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬ثــم ركــز عليهــا الرئيــس الســابق دونالــد ترامــب‪ ،‬مــع‬ ‫اختــالف يف األدوات واألســاليب‪ ،‬وهــو إدراك أســترالي بخطــر‬ ‫الصــن الــذي بــات كبيــراً ويتطلــب مواجهتــه االعتمــاد علــى قــوة أكبــر‬ ‫مــن قــوة فرنســا‪ ،‬فالتكنولوجيــا العســكرية الفرنســية هــي أقــل كفــاءة‬ ‫ملواجهــة التحــدي الصينــي البحــري اآلخــذ يف النمــو مبســتويات‬ ‫عاليــة‪ .‬وهــذا التقييــم األســترالي يعــد إهانــة مفتوحــة يف األلزيــه‬ ‫ميــس الصناعــات العســكرية الفرنســية إجمــاالً‪ ،‬وليــس فقــط صناعــة‬ ‫الغواصــات‪ .‬ونتوقــع أن يتحــول اإلدراك األســترالي إلــى حالــة عامــة‬ ‫فليســت فقــط مقولــة الصــن لــن تقــف بوجههــا غواصــات ديــزل‪،‬‬ ‫والــروس يف مالــي لــن توقفهــم باريــس كمــا لــن تفيدنــا يف وقــف‬ ‫اإليرانيــن فلمــا هــدر األمــوال اخلليجيــة علــى مــن مت تقييمــه مــن‬ ‫أقــرب حلفائــه بتقييــم متدنــي‪ ،‬ملــاذا نشــتري يف اخلليــج الســالح مــن‬ ‫فرنســا !‬ ‫‪ ٤‬ـ معارضة جهود الصني إلنشاء مجاالت نفوذ‬ ‫تعمــل إدارة بايــدن وفق ـاً الســتراتيجية رفعــت عنهــا الســرية مطلــع‬ ‫‪2021‬م‪ ،‬وطرحــت الوثيقــة تســاؤالت رئيســة منهــا معارضــة جهــود‬ ‫الصــن "إلنشــاء مجــاالت نفــوذ غيــر ليبراليــة جديــدة"؛ وكيفيــة‬ ‫"دفــع عجلــة القيــادة االقتصاديــة العامليــة للواليــات املتحــدة " وحــن‬ ‫التفحــص الدقيــق نصــل إلــى قناعــة أن دول اخلليــج تأتــي حتــت‬ ‫مظلــة "مجــاالت نفــوذ الصــن االقتصاديــة"‪ ،‬فــدل مجلــس التعــاون‬ ‫بطموحهــا لالنضمــام لهيــكل احلــزام والطريــق (طريــق احلريــر )‬ ‫طوعــا حتــت نفــوذ الصــن و"مجــاالت نفوذهــا غيــر‬ ‫تنضــوي‬ ‫ً‬ ‫الليبراليــة " وبشــكل معاكــس جتــد دول اخلليــج نفســها يف ثنايــا‬ ‫" عجلــة القيــادة االقتصاديــة العامليــة للواليــات املتحــدة "وقــو ًدا‬ ‫واســتهال ًكا مدنــي وعســكري‪ ،‬ومــن العســير أن نكــون مــع الطرفــن‬ ‫فذلــك محــرم أمريكيــا‪.‬‬ ‫ومثلهــا تبــرز أيضــا احلســابات البريطانيــة‪ ،‬فحــال خروجهــا مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬بــدأت لنــدن بالتوجــه شــرقاً وإنشــاء قواعــد‬ ‫عســكرية يف آســيا‪ ،‬تنفي ـ ًذا لتوجــه اســتراتيجية "بريطانيــا العامليــة"‬ ‫احملــددة يف وثيقــة املراجعــة املتكاملــة التــي نُشــرت يف مــارس ‪2021‬م‪،‬‬ ‫والتــي متثــل "رؤيــة احلكومــة لــدور اململكــة املتحــدة يف العالــم" بحلــول‬


‫‪56‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الشركات األمنية مع الغرب مدفوعة وليست للوفاء بالتعهدات للحلفاء‬

‫مطل ــوب «ك ــواد» خليج ــي ونتوق ــع الض ــرر‬ ‫ج ــراء ق ــراءة إي ــران لـ"أوكوس"‬ ‫يعانــي بعــض صنــاع القــرار السياســي مــن نزعــة االتــكال املفــرط علــى الــدروس التاريخيــة؛ ممــا عطــل لديهــم ملكــة اإلبــداع‬ ‫للخــروج مــن املــآزق املســتجدة بأمنــاط غيــر مســبوقة؛ لكــن مــا يهونهــا يف اخلاطــر هــو أن فرنســا وليــس دول اخلليــج تعانــي‬ ‫مــن الفشــل يف قــراءة األفــق الدولــي‪ .‬ويبــدو أن ســياقات أزمــة حتالــف "أوكــوس" ســتكون لهــا انعكاســات علــى حلــف الناتــو‪،‬‬ ‫واألمــن الدولــي واســتقرار منطقــة احمليــط الهــادي والهنــدي واخلليــج العربــي وهــو مــا يهمنــا‪ .‬فقــد بــدأت شــرارة أزمــة اتفــاق‬ ‫أوكــوس بإعــالن أســتراليا‪ ،‬يف ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬إبــرام اتفاقيــة شــراكة دفاعيــة مــع كل مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪،‬‬ ‫واململكــة املتحــدة يف منطقــة احمليطــن الهــادي والهنــدي‪ .‬ومبوجــب هــذه االتفاقيــة ســتتمكن كامبيــرا مــن احلصــول علــى‬ ‫اثنتــي عشــرة غواصــة تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وتتمتــع بتكنولوجيــا متطــورة مــن الصناعــة العســكرية األمريكيــة والبريطانيــة‪،‬‬ ‫نظيــر متكــن لنــدن وواشــنطن مــن التواجــد يف منطقتــي احمليــط الهــادي والهنــدي لرعايــة مصالــح أمنهــا القومــي والتصــدي‬ ‫للهيمنــة الصينيــة‪ ،‬هــذه الصفقــة لــم تتحــول لهيــكل أمنــي بــل العكــس فقــد حتــول الهيــكل العســكري إلــى ســوق لتبــادل الســلع‬ ‫العســكرية املمنوعــة علــى أطــراف أخــرى‪.‬‬

‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫فقــد أطلــق الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن ورئيــس الــوزراء البريطانــي‬ ‫بوريــس جونســون ورئيــس الــوزراء األســترالي ســكوت موريســون‬ ‫حتالــف "أوكــوس " (االســم مكــون مــن األحــرف األولــى مــن أســماء‬ ‫الــدول الثــالث)‪ ،‬بهــدف تطويــق الصــن ومنعهــا مــن بســط نفوذهــا‬ ‫علــى منطقــة شــرق آســيا واحمليــط الهــادي بعــد أن أصبحــت قــوة‬ ‫عظمــى حتتــل املرتبــة الثانيــة يف سـلّم االقتصــاد العاملــي‪ .‬مــع تعاظــم‬ ‫يف القــوة العســكرية‪ .‬لقــد أربكــت أزمــة الغواصــات وإشــهار حتالــف‬ ‫"أوكــوس" العالقــات بــن احللفــاء الغربيــن‪ ،‬منــذرة ً‬ ‫أيضــا بتغيــرات‬ ‫جذريــة يف العالقــات الدوليــة والهيــاكل األمنيــة القويــة واملؤثــرة يف‬ ‫أمــن اخلليــج‪ ،‬الرتبــاط دولــه بكثيــر مــن أطــراف القضيــة‪.‬‬

‫تبعات ما يجري عى الخليج‬ ‫‪ 1‬ـ القصور االستخباري‬ ‫لــم يبلــغ الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن الرئيــس ماكــرون بقيــام‬ ‫التحالــف مــع أســتراليا وبريطانيــا وصفقــة الغواصــات البديلــة‬ ‫إال قبــل ســاعة واحــدة مــن اإلعــالن عنــه‪ ،‬فمثــل الفرنســيون دور‬

‫الضحيــة املطعــون فأيــن الســرية واملفاجــأة التــي يقولــون‪.‬‬ ‫ لــم ينشــأ حتالــف "أوكــوس" بــن ليلــة وضحاهــا‪ ،‬بــل هــو ثمــرة‬‫مفاوضــات ســرية بــدأت يف مــارس ‪2021‬م‪ ،‬وتطــورت يف قمــة الســبع‬ ‫يف يونيــو ‪2021‬م‪ ،‬بــن الــدول األجنلوساكســونية بريطانيــا وأســتراليا‬ ‫والواليــات املتحــدة‪ .‬ثــم أعلــن الرئيــس جــو بايــدن عــن قيــام هــذا‬ ‫التحالــف االســتراتيجي يف ســياق سياســته املعلنــة التصــدي للصــن‪.‬‬ ‫"‪ -‬العيــون اخلمــس" اتفاقيــة كانــت والزالــت تضــم أيضــاً كنــدا‬ ‫ونيوزلنــدا‪ ،‬و متتــد إلــى ثمانــن عامــاً مــن التعــاون االســتخباري‬ ‫وبريطانيــا وأســتراليا همــا "أقــدم حلفــاء أمريــكا" فالــدول الثــالث‬ ‫منفصلــة جغرافيــاً‪ ،‬ولكــن تربطهــا عالقــات تاريخيــة عميقــة‪ ،‬ولــم‬ ‫تكــن بحاجــة إال إلــى الهيــكل ورفــع اليافطــة "حتالــف أوكــوس"‬ ‫ كان ترهــل وخالفــات الناتــو وتلويــح فرنســا بتحالــف أوروبــي‬‫وخلــق جيــش أوروبــي تدفــع أمريــكا للبديــل‪ ،‬فقــد وصــف وزيــر‬ ‫الدفــاع األمريكــي األســبق ‪ ،‬دونالــد رامســفيلد‪ ،‬أوروبــا رغــم حتالــف‬ ‫األطلســي‪ ،‬بأنهــا «القــارة العجــوز» يف ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬وظــل‬ ‫بــاراك أوبامــا ينتقــد شــركاءه األوروبيــن يف حلــف األطلســي‪،‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪55‬‬

‫ملف العدد‬

‫أوك ــوس" إط ــار لش ــراكة مرن ــة وتالقيت ــه الس ــتمرار حري ــة المالح ــة‬ ‫والتج ــارة واس ــتقرار بح ــر الصي ــن الجنوب ــي‬ ‫النــووي وجتــاوز املماطلــة اإليرانيــة الســتئناف املباحثــات‪ ،‬وهــو أمــر‬ ‫ينعكــس ســل ًبا علــى بعــض دول املنطقــة‪.‬‬ ‫ورغــم تصريحــات كبــار املســؤولن عــن خطــورة األذرع اإليرانيــة‬ ‫يف الشــرق األوســط‪ ،‬إال أن احلــرص علــى العــودة لالتفــاق بلــورت‬ ‫تنــازالت أمريكيــة واضحــة‪ ،‬وعلــى ســبيل املثــال‪ :‬رفعــت واشــنطن‬ ‫احلوثيــن مــن قائمــة اإلرهــاب (‪16‬فبرايــر‪2021‬م)‪ ،‬وســحب بطاريات‬ ‫الدفــاع اجلــوي "باتريــوت" مــن الســعودية (‪ 11‬ســبتمبر املاضــي)‪ ،‬كمــا‬ ‫رفعــت العقوبــات عــن شــركتن إيرانيتــن إلنتــاج الصواريــخ (‪8‬أكتوبــر‬ ‫اجلــاري)‪ .‬وهــو مــا يشــير إلــى أن اإلدارة األمريكيــة تســعى بــأي ثمــن‬ ‫للعــودة لالتفــاق النــووي‪ ،‬وأنهــا علــى اســتعداد لتقــدمي مزيــد مــن‬ ‫التنــازالت‪ ،‬خاصــة رفــع العقوبــات املتعلقــة بالصــادرات اإليرانيــة مــن‬ ‫البتــرول دون احلصــول علــى مقابــل محــدد واالنتبــاه ملســاحة احلركــة‬ ‫التــي ســتتاح إليــران يف اإلقليــم‪ ،‬األمــر الــذي تتحفــظ عليــه دول‬ ‫املنطقــة‪ ،‬كمــا تتحفــظ علــى أيــة حتالفــات تضعهــا يف خيــار املوازنــة‬ ‫بــن عالقاتهــا التاريخيــة مــع واشــنطن وبكــن‪ ،‬التــي تتنامــى عالقاتهــا‬ ‫االقتصاديــة معهــا‪.‬‬ ‫ومــن الواضــح أن إدارة " بايــدن" قــد اســقطت اجلانــب األكثــر مــن‬ ‫الشــروط الـــ (‪ )12‬التــي ســبق أن حددهــا وزيــر اخلارجيــة األمريكــي‬ ‫الســابق "مايــك بومبيــو"‪ .‬فهــل لهــذا عالقــة بالتحالــف اجلديــد‪،‬‬ ‫وســحب مبــررات إيــران للتحالــف مــع الصــن؟ وهــل ميكــن أن يحقــق‬ ‫هــذا هدفــه أم مــاذا؟‬ ‫إن خطــوات االســتراتيجية األمريكيــة حملاصــرة للصــن‪ ،‬واحلــرص‬ ‫علــى اســترضاء إيــران‪ ،‬ســيتيح لألخيــرة مزيـدًا من احلركــة لن تتمكن‬ ‫واشــنطن مــن ضبطهــا‪ ،‬وهــو مــا لفــت انتبــاه العديــد مــن دول اخلليــج‬ ‫ودفعهــا للحــوار مــع إيــران‪ ،‬خاصــة اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬التــي‬ ‫أدركــت أن حــل القضيــة اليمنيــة لــن يكــون بأيــدي الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫وإمنــا عبــر التعامــل مــع طهــران‪ ،‬الداعــم األساســي للحوثيــن‪.‬‬ ‫وتــرى دوائــر متعــددة أن املنــاخ الــذي يرتبــه هــذا التحالــف ميكــن‬ ‫أن يرفــع مــن مســتويات احلضــور الروســي ودرجــات قبولــه بــن‬ ‫دول اإلقليــم‪ ،‬ولعــل التطــورات الســورية تعكــس ذلــك بوضــوح‪ ،‬وأن‬ ‫املســعى األمريكــي لتطبيــع العالقــات مــع إيــران يســمح ‪-‬حتــى اآلن‪-‬‬ ‫بتجــاوز قانــون قيصــر ويزيــد شــرعية احلكومــة الســورية‪ ،‬مــا يخفــف‬ ‫االنخــراط األمريكــي باألزمــة‪ ،‬ويتــرك مســاراتها ضمــن إطــار عــام‬

‫ال تتحمــل فيــه واشــنطن املســؤولية الرئيســية ولكــن ال تتعــارض مــع‬ ‫مصاحلهــا يف النهايــة‪.‬‬ ‫كمــا أن الــدور التركــي املتزايــد‪ ،‬طب ًقــا لهــذه التفاهمــات‪ ،‬ســيكون‬ ‫عائ ًقــا أمــام حــل قضيــة املرتزقــة والقــوات األجنبيــة يف ليبيــا‪،‬‬ ‫ألنــه الثمــن الــذي تتغاضــى عنــه واشــنطن‪ ،‬مــا ســيزيد مــن فــرص‬ ‫االشــتباك واملواجهــة بــن فرنســا وتركيــا‪ ،‬وال شــك أن إعــالن ماكــرون‬ ‫التحالــف مــع اليونــان‪ ،‬والدعــوة جليــش أوروبــي‪ ،‬مؤشــر واضــح علــى‬ ‫انخــراط باريــس يف منطقــة املتوســط مسـ ً‬ ‫ـتقبال‪ ،‬بغــض النظــر عــن‬ ‫املوقــف األمريكــي بخصوصهــا‪.‬‬ ‫كمــا تــدرك الواليــات املتحــدة وأوروبــا أنــه لــم يعــد هنــاك مجــال‬ ‫إلعــادة الصــن للــوراء‪ ،‬ولكــن مــا يجــري هــو محاولــة وضــع قواعــد‬ ‫واتخــاذ إجــراءات وعمــل محــاور لضبــط حركتهــا ومحاصــرة نفوذهــا‬ ‫يف الفضــاء اجليوسياســي الــذي يضــم املصالــح األمريكيــة‪.‬‬ ‫ويف التقديــر أن الواليــات املتحــدة ال تســعى ملواجهــة عســكرية مــع‬ ‫الصــن حال ًيــا‪ ،‬ولكــن امتــالك أوراق ضغــط وردع للصــن‪ ،‬ألن املنطقة‬ ‫ً‬ ‫فضــال عــن عــدم توافــر املعطيــات اإلقليميــة‬ ‫غيــر مهيــأة لذلــك‪،‬‬ ‫الداعمــة لذلــك‪ ،‬وللتداعيــات الســلبية لهــذه املواجهــة علــى سياســة‬ ‫احتــواء كوريــا الشــمالية‪ ،‬وتوفيــر منــاخ لتحالــف أوســع وأعمــق مــع‬ ‫الصــن وروســيا وبعــض القــوى اإلقليميــة يف اســتقطاب حــاد‪.‬‬ ‫ســوف ينتهــي حتالــف "أوكــوس" كإطــار لشــراكة مرنــة ولــن يتــم‬ ‫ترقيتــه ألبعــد مــن ذلــك حال ًيــا‪ ،‬والســتمرار حريــة املالحــة والتجــارة‬ ‫العامليــة وضمــان اســتمرار اســتقرار بحــر الصــن اجلنــوب‪ ،‬ولكــن‬ ‫يســاهم يف منــع الصــن مــن اتخــاذ قــرارات أحاديــة اســتراتيجية‬ ‫مطروحــا‬ ‫يف املنطقــة‪ ،‬وســوف تبقــى املواجهــة االقتصاديــة ســيناريو‬ ‫ً‬ ‫ومتطــو ًرا‪ ،‬وســوف تبقــى املواجهــات األمريكيــة الصينيــة مفتوحــة مــن‬ ‫خــالل أدوات ووســائل متعــددة‪ ،‬ولعــل يف إنشــاء عــدد املنظمــات التــي‬ ‫تركــز علــى مواجهــة الصــن داخــل املخابــرات املركزيــة األمريكيــة‬ ‫ووزارة الدفــاع األمريكــي دليــل واضــح علــى تطــور أســاليب املواجهــة‬ ‫واســتمرارها‪.‬‬

‫* ﺧﺒري اﺳﱰاﺗﻴﺠﻲ ـ اﻟﻘﺎﻫﺮة‬


‫‪54‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تخفيــف االنخــراط األمريكــي بالشــرق األوســط والتركيــز عــى‬ ‫آس ــيا يس ــمح بتم ــدد الصي ــن وروس ــيا يف المنطق ــة‬ ‫األوســط‪ ،‬وعالقاتهــا العسكرية‪-‬االســتخبارية القويــة مــع الهنــد‬ ‫وأســتراليا‪ .‬التركيــز األمريكــي بالفتــرة القادمــة علــى أولويــة حتالــف‬ ‫وضوحــا إلســرائيل يف مواجهــة االمتــداد‬ ‫"أكــوس" ســيرتب مهــام أكثــر‬ ‫ً‬ ‫اإليرانــي بصــورة أساســية‪ ،‬وزيــادة حضورهــا باخلليــج واحمليــط‬ ‫الهنــدي‪ ،‬وإن كانــت العالقــات بــن إســرائيل وروســيا والصــن‬ ‫نوعــا مــن الضبــط األمريكــي‪ ،‬مبــا يســمح لتــل أبيــب‬ ‫قــد تشــهد ً‬ ‫باالســتفادة منهمــا؛ لتحقيــق مكاســب ذاتيــة لهــا يف ســوريا‪ ،‬ولكــن لــن‬ ‫يتــاح لهــا الوصــول ملســتوى التنســيق االســتراتيجي أو الذهــاب ألبعــد‬

‫مــن هــذا امليــدان‪.‬‬ ‫وفيمــا يتعلــق بإيــران‪ ،‬رغــم أنهــا متثــل هد ًفــا لالســتراتيجية‬ ‫األمريكيــة‪ ،‬إال أن التقديــر األمريكــي االســتراتيجي لهــا هــو منــع‬ ‫التحالــف اإليرانــي مــع روســيا والصــن‪ ،‬ملــا متثلــه إيــران مــن أهميــة‬ ‫كبــرى للصــن وروســيا يف جنــوب القوقــاز وبحــر قزوين ووســط آســيا‪،‬‬ ‫جعلــت الواليــات املتحــدة تســتخدم أســلو ًبا مختل ًفــا يف التعامــل مــع‬ ‫إيــران عناصــره األساســية احتــواء التهديــدات اإليرانيــة للمصالــح‬ ‫األمريكيــة مــع إعطــاء حزمــة مــن احلوافــز وأهمهــا العــودة لالتفــاق‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫"اإلندو‪-‬باســيفيك"؛ بســبب قلقهــا مــن التداعيــات الســلبية‬ ‫للصــراع األمريكي‪-‬الصينــي علــى املصالــح األوروبيــة‪ ،‬كمــا تتعامــل‬ ‫مــع الصــن ليــس مــن منطلــق احتوائهــا وإمنــا كشــريك‪ ،‬بهــدف جعــل‬ ‫منطقــة احمليطــن منطقــة جتــارة حــرة للجميــع‪.‬‬ ‫وهنــاك اســتراتيجية أوروبيــة جتــاه منطقــة احمليطــن‪ ،‬والتــي‬ ‫اتضحــت باالســتراتيجية الدفاعيــة الفرنســية عــام (‪،)2018‬‬ ‫واألملانيــة عــام (‪ .)2020‬وركــزت الرؤيــة األوروبيــة علــى وجــود قــوة‬ ‫مقيمــة يف املنطقــة فيمــا وراء البحــار‪ ،‬حيــث تتوافــر لفرنســا ميــزة‬ ‫نســبية أكثــر مــن أي دولــة أخــرى‪.‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪53‬‬

‫ملف العدد‬

‫تركــز علــى إعطــاء أدوار ملــا يســمى باملــوازن احمللــي‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن يــؤدي املنــاخ املترتــب لهــذا التحالــف وتفاعالتــه‬ ‫املختلفــة إلــى إتاحــة مســاحة أوســع ألدوار القــوى اإلقليميــة املنخرطة‬ ‫يف االســتراتيجية األمريكيــة‪ ،‬واالســتراتيجية العســكرية لواشــنطن‬ ‫ولنــدن‪ ،‬وبصفــة خاصــة إســرائيل وتركيــا‪ .‬ولقــد حاولــت الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة توظيــف قــوى اإلســالم السياســي ليكــون املــوازن‬ ‫احمللــي للســيطرة علــى املنطقــة ومواجهــة حتديــات القــوى املنافســة‬ ‫علــى مــدى ســنوات طويلــة‪ ،‬إال أنهــا فشــلت‪ ،‬وبالتالــي ســيكون التركيــز‬ ‫وف ًقــا ملــا مت اإلشــارة إليــه علــى تركيــا وإســرائيل ســواء يف أزمــات‬ ‫املنطقــة أو مواجهــة التحــدي الصينــي وكذلــك‬ ‫محاصــرة إيــران‪.‬‬

‫ولــم تُعلــن هــذه االســتراتيجية‪ ،‬ولكــن أ ُعلــن‬ ‫ً‬ ‫ملخصــا ينتهي تحالف "أوكوس"‬ ‫لهــا؛ الن هنــاك مجموعــة مــن الــدول األوروبيــة‬ ‫ملنطقــةال كإط ــار لش ــراكة مرن ــة ول ــن‬ ‫تــزال تختلــف حــول احلــدود اجلغرافيــة‬ ‫القــرن‬ ‫مــن‬ ‫احمليطــن‪ ،‬حيــث يراهــا البعــض متتــد‬ ‫يتــم ترقيتــه الســتمرار حرية‬ ‫اإلفريقــي إلــى‬ ‫احمليــط‪ ،‬فيمــا تراهــا فرنســا أنهــا المالحــة والتجــارة العالميــة‬ ‫تضــم إقليــم املتوســط‪.‬‬ ‫وضم ــان اس ــتمرار اس ــتقرار‬ ‫رغــم التحفــظ الفرنســي علــى إبعــاد الواليــات‬ ‫املتحدة بحـــر الصيـــن الجنـــوب‬ ‫باريــس عــن هــذا التحالــف‪ ،‬إال أنــه ال يرجــح أن‬ ‫تتخــذ فرنســا مواقــف مناهضــة لــه‪ ،‬رغــم أنهــا أكثــر الــدول األوروبيــة‬ ‫حضــو ًرا يف منطقــة احمليطــن‪ ،‬ولكــن ســوف يســتمر حتفظهــا علــى‬ ‫جتــاوز هــذا التحالــف لصيغــة الــردع واالنتقــال ملرحلــة املواجهــة‬ ‫املباشــرة مــع الصــن‪ ،‬مــع اســتمرار تعميــق حضورهــا علــى مختلــف‬ ‫املســتويات وطب ًقــا للرؤيــة الفرنســية للتعامــل مــع الصــن‪.‬‬

‫انعكاسات تحالف "أوكوس" عى الشرق األوسط‬ ‫متثــل منطقــة الشــرق األوســط وبصفــة خاصــة منطقــة اخلليــج‬ ‫واحمليــط الهنــدي والبحــر األحمــر جــز ًءا مــن مســرح العمليــات‬ ‫العســكرية التــي ميكــن أن حتــدث يف منطقــة احمليطــن‪ ،‬أو أيــة‬ ‫مواجهــة أمريكيــة مــع الصــن بصفــة عامــة‪ ،‬علــى اعتبــار أن منطقــة‬ ‫"اإلندو‪-‬باســيفيك" مجــال عمــل التحالــف تضــم منطقــة اخلليــج‬ ‫والبحــر األحمــر‪.‬‬ ‫ومــن هنــا ميكــن القــول إنــه مــن امللفــت يف ظــل هــذا التحالــف‪ ،‬الــذي‬ ‫يجعــل الصــن هدفــه الرئيســي‪ ،‬اتخــاذ الواليــات املتحــدة وحلفاؤهــا‪،‬‬ ‫وبينهــم حلــف الناتــو‪ ،‬إجــراءات لتخفيــف الوجــود العســكري يف‬ ‫منطقــة الشــرق األوســط بتبريــرات مختلفــة رغــم صعوبــة حتقيــق‬ ‫ذلــك‪ ،‬إال أن تخفيــف االنخــراط بالشــرق األوســط والتركيــز علــى‬ ‫آســيا سيســمح بالنهايــة مبزيــد مــن الفــرص لتمــدد الصــن وروســيا‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬وإن كانــت مالمــح االســتراتيجية األمريكيــة ملواجهــة ذلــك‬

‫وفيمــا يتعلــق بتركيــا‪ ،‬رغــم كل احلساســيات املتبلــورة‬ ‫يف عالقــات الواليــات املتحــدة وتركيــا‪ ،‬إال أن جوهــر‬ ‫هــذه العالقــات بالوقــت الراهــن يشــير إلــى وجــود‬ ‫نوعــا مــن االرتبــاط بــن الــدور التركــي يف الشــرق‬ ‫ً‬ ‫األوســط وجنــوب القوقــاز واالســتراتيجية األمريكيــة‬ ‫ملواجهــة الصــن وروســيا‪ .‬كمــا يتوافــق االنتشــار‬ ‫التركــي باملنطقــة العربيــة‪ ،‬الســيما ســوريا وليبيــا‬ ‫والبحــر األحمــر‪ ،‬وبصــورة أساســية يف آســيا التــي توســعت مؤخ ـ ًرا‬ ‫عبــر مبــادرة "آســيا مــن جديــد" ومبــادرة "املمــر األوســط" بآســيا‬ ‫الوســطى (القوقــاز وتركيــا وأوروبــا) مــع االســتراتيجية األمريكيــة‬ ‫حملاصــرة النفــوذ الروســي الصينــي واإليرانــي‪.‬‬

‫ومثــل تفجــر األزمــة بــن أذربيجــان وأرمينيــا دليــ ً‬ ‫واضحــا علــى‬ ‫ال‬ ‫ً‬ ‫الترابــط العضــوي بــن االســتراتيجيتن‪ ،‬التــي تركــز علــى توظيــف‬ ‫املشــتركات القوميــة والدينيــة فيمــا وراء القوقــاز‪ ،‬املنطقــة املختلطــة‬ ‫دميوغرافيــا‪ ،‬ومــن الواضــح أن االســتراتيجية األمريكيــة‪ ،‬وباســتغالل‬ ‫تركيــا‪ ،‬تســتهدف اشــغال روســيا عــن االنخــراط يف بعــض املناطــق‬ ‫كالشــرق األوســط‪ ،‬ويف جنــوب القوقــاز ويســتهدف الصــن بالدرجــة‬ ‫األولــى‪ ،‬ألنهــا متثــل نــواة طريــق احلــزام والطريــق‪ ،‬وتركيــا إذا ســتكون‬ ‫القــوة احملليــة البديلــة لتحقيــق اســتراتيجية الواليــات املتحــدة‬ ‫باملنطقــة‪ .‬وإن كان مــن غيــر املرجــح أن تنخــرط يف مواجهــة مــع‬ ‫الصــن بالنظــر ألن حلــف الناتــو لــم يدعــى للمشــاركة يف احللــف‬ ‫اجلديــد‪ ،‬وميكــن أن يوظــف دورهــا يف مواجهــة روســيا مسـ ً‬ ‫ـتقبال يف‬ ‫ظــل وجــود ملفــات اشــتباك عالقــة بــن الدولتــن‪.‬‬ ‫أمــا إســرائيل‪ ،‬فهــي منخرطــة يف التحالفــات اآلســيوية بصــورة غيــر‬ ‫رســمية؛ يف ضــوء اندماجهــا ضمــن االســتراتيجية األمريكيــة بالشــرق‬


‫‪52‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫وظف ــت أمري ــكا اإلس ــالم السياس ــي للس ــيطرة ع ــى المنطق ــة ث ــم‬ ‫تحول ــت لتركي ــا وإس ــرائيل لمواجه ــة الصي ــن وإي ــران‬ ‫االندمــاج يف أي اســتراتيجية موجهــة ضــد الصــن واحلــرص علــى‬ ‫مركزيــة املنظمــة وحيادهــا يف الصــراع األمريكــي الصينــي‪ ،‬وهــو مــا‬ ‫يحــول دون ترقيــة حتالــف "أوكــوس" ومتــدده وحصــار الصــن‪ ،‬ولعــل‬ ‫إعــالن إندونيســيا وماليزيــا مؤخـ ًرا رفضهــم للتحالــف اجلديــد ورفــع‬ ‫واضحــا علــى ذلــك‪ ،‬وعلــى حتفــظ دول‬ ‫درجــة املواجهــة والتوتــر دليـ ًـال‬ ‫ً‬ ‫املنطقــة مــن تصعيــد التوتــر مــع الصــن بصــورة كبيــرة‪.‬‬ ‫املواجهة األمريكية‪-‬الصينية‬ ‫السياســة األمريكيــة التــي كشــف عنهــا حتالــف "أوكــوس" تتعــدد‬ ‫أهدافهــا‪ ،‬وترتكــز علــى مواجهــة النفــوذ الصينــي ومحاصرتــه‪ ،‬ونقــل‬ ‫املواجهــة إلــى دائــرة اجلــوار الصينــي‪ ،‬وهــو مــا يتضــح بالنظــر إلــى‬ ‫اآلتــي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫أوال‪ :‬التحالــف ال يتضمــن جديــدًا فيمــا يتعلــق بطبيعــة التعــاون‬ ‫العســكري بــن أطرافــه علــى اعتبــار أن االســتراتيجية األمريكيــة‬ ‫منــذ عشــر ســنوات ومنــذ إدارة الرئيــس أوبامــا حــددت الصــن كعــدو‬ ‫رئيســي‪ ،‬وبــدأ االنتشــار العســكري األمريكــي يضــع منطقــة احمليــط‬ ‫الهنــدي والهــادي كأولويــة‪ ،‬كمــا أن النســخ الثالثــة األخيــرة مــن‬ ‫اســتراتيجية األمــن القومــي األمريكــي علــى مــر الســنوات املاضيــة‬ ‫حــددت مهمــة مواجهــة التحديــات الصينيــة والروســية هد ًفــا وأولويــة‬ ‫بالنســبة لهــا‪ ،‬ثــم يأتــي بعــد ذلــك مكافحــة اإلرهــاب والقــوى املعاديــة‬ ‫ودعــم إســرائيل‪.‬‬ ‫ثانيــا‪ :‬إن التعــاون االجنلو‪-‬ساكســوني قــدمي ضمــن االســتراتيجية‬ ‫ً‬ ‫الدفاعيــة األمريكيــة علــى املســتوى العســكري واالســتخباري‪،‬‬ ‫ويعــد التحالــف االســتخباري ‪-‬حتالــف الــدول اخلمســة (الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وبريطانيــا‪ ،‬كنــدا‪ ،‬أســتراليا‪ ،‬ونيوزيلنــدا) الــذي يقــود العمــل‬ ‫االســتخباري باملنطقة‪-‬أحــد مجــاالت التعــاون االســتراتيجي بــن‬ ‫تلــك الــدول‪ ،‬علــى هــذا املســتوى‪ .‬ويتركــز حــول مواجهــة الصــن‬ ‫وحليفتهــا كوريــا الشــمالية‪ .‬وهكــذا كشــف التحالــف الــذي أعلــن‬ ‫عنــه بعــد صفقــة الغواصــات األســترالية‪ ،‬والــذي ركــز علــى مواجهــة‬ ‫الصــن‪ ،‬عــن مرحلــة جديــدة يف مســار التحالــف الــذي كان قائ ًمــا‬ ‫بالفعــل بــن تلــك الــدول ورفــع مســتوى التعامــل مــع الصــن‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ثالثــا‪ :‬تــرى واشــنطن أنــه أصبــح مــن الضــروري مواجهــة ومحاصــرة‬ ‫النفــوذ الصينــي‪ ،‬الــذي اتخــذ مســارات عديــدة داخــل الفضــاء‬

‫اجليوسياســي األمريكــي واألوروبــي يف تقديرهــا‪ ،‬بعــد متــدده بشــرق‬ ‫ووســط أوروبــا عبــر مبــادرة (‪ )1+17‬والتــي وقعتهــا عشــر دول ضمــن‬ ‫دول تلــك املنطقــة‪ ،‬خــالل اتفاقيــات مــع الصــن بخصــوص مبــادرة‬ ‫"احلــزام والطريــق"‪ ،‬فضـ ًـال عــن متــدده يف منطقــة الشــرق األوســط‬ ‫وشــرق إفريقيــا‪ ،‬ويف ظــل تصاعــد التعــاون الصينــي اإليرانــي يف‬ ‫العديــد مــن امللفــات‪.‬‬ ‫رابعــا‪ :‬ميكــن النظــر إلــى هــذا التحالــف يف إطــار سياســة اإلدارة‬ ‫ً‬ ‫األمريكيــة ‪-‬ســواء اجلمهوريــة الســابقة أو الدميقراطيــة احلاليــة‪-‬‬ ‫التــي تســتهدف اضطــالع احللفــاء املتوافقــن مــع اســتراتيجيتها‬ ‫لألمــن القومــي مهمــة مواجهــة اخلصــوم‪ ،‬وهــي السياســة التــي‬ ‫اتضحــت معاملهــا ليــس فقــط مبنطقــة احمليطــن‪ ،‬وإمنــا يف الشــرق‬ ‫األوســط واخلليــج العربــي وأفغانســتان ً‬ ‫أيضــا‪ ،‬وال شــك أن تســليح‬ ‫أســتراليا نوو ًيــا يعنــي توفيــر وإعــداد قــوة تواجــه الصــن يف عمقهــا‬ ‫االســتراتيجي‪ ،‬جتعــل مــن أســتراليا شــري ًكا بصــورة أكبــر ينصهــر يف‬ ‫االســتراتيجية األمريكيــة ملواجهــة الصــن‪.‬‬ ‫خامســا‪ :‬يســعى التحالف كذلك لتغيير معادلة التوازن االســتراتيجي‬ ‫ً‬ ‫يف تلــك املنطقــة‪ ،‬والوصــول إلــى نــوع مــن تكافــؤ القــدرات‪ ،‬يحقــق‬ ‫ذلــك يف النهايــة ويحاصــر عســكرة بكــن لبحــر الصــن اجلنوبــي وإن‬ ‫كان هــذا الســعي يواجــه الكثيــر مــن العقبــات‪.‬‬ ‫سادســا‪ :‬الســعي للتأثيــر علــى مبــادرة "احلــزام والطريــق"‪ ،‬مــن‬ ‫ً‬ ‫خــالل التغلغــل يف اجلــوار اآلمــن للصــن‪ ،‬وهــو مــا يدفــع املنطقــة‬ ‫إلــى مزيــد مــن التوتــر ويجعــل دولهــا بــن خياريــن‪ ،‬وهــو أمــر ال يتوقــع‬ ‫أن ينجــح؛ حيــث ال ترغــب أهــم الــدول التــي تراهــن عليهــا واشــنطن‬ ‫لتحقيــق ذلــك مثــل اليابــان والهنــد ‪-‬رغــم مواقفهــا الســلبية مــن‬ ‫التمــدد الصينــي‪-‬يف إثــارة التوتــر والصــدام مــع بكــن‪ ،‬وحتــرص علــى‬ ‫احلفــاظ علــى نظــام األمــن اإلقليمــي احلالــي‪.‬‬ ‫ـابعا‪ :‬بالرجــوع إلــى إعــالن تكويــن هــذا التحالــف مــن الواضــح أن‬ ‫سـ ً‬ ‫احلــرب الســيبرانية ومــن خــالل الــذكاء االصطناعــي ســيكون مجـ ً‬ ‫ـاال‬ ‫للمواجهــة املباشــرة بــن الطرفــن‪.‬‬

‫الموقف الفرنسي وتداعياته‬ ‫تســعى باريــس لتطويــر اســتراتيجية شــاملة للتعامــل مــع منطقــة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪51‬‬

‫ملف العدد‬

‫اتفاق "أوكوس" ‪ ...‬هل يغير من التوازن الدولي؟‬

‫االســتراتيجية األمريكيــة‪ :‬اســتخدام‬ ‫تركي ــا وإي ــران لتعطي ــل التم ــدد الصيني‬ ‫يف ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬أطلقــت الواليــات املتحــدة شــراكة دفاعيــة بينهــا وبــن كل مــن بريطانيــا‪ ،‬أســتراليا يف احمليــط الهنــدي‬ ‫والباســيفيكي‪ ،‬وســميت هــذه الشــراكة بتحالــف "أوكــوس"‪ ،‬وأعلــن أن هــذا التحالــف يســتهدف تعزيــز التعــاون املشــترك‬ ‫ومواجهــة التهديــدات التــي تتعــرض لهــا املنطقــة‪ ،‬وتزامــن مــع هــذا اإلعــالن إلغــاء أســتراليا صفقــة الغواصــات النوويــة‬ ‫التــي كانــت متعاقــدة علــى شــرائها مــن فرنســا‪ ،‬واســتبدالها بغواصــات أكثــر تطــو ًرا مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬وذلــك يف إشــارة‬ ‫واضحــة إلــى ســعى الواليــات املتحــدة لتأهيــل أســتراليا نوو ًيــا وعســكر ًيا ودعــم التحالــف العســكري اجلديــد دون االنفتــاح‬ ‫علــى أطــراف أوروبيــة خاصــة فرنســا‪ ،‬وهــو مــا يعنــي بدايــة نــوع مــن التغييــر يف اســتراتيجية التحالــف التــي كانــت تقودهــا‬ ‫الواليــات املتحــدة يف تلــك املنطقــة والتــي كانــت تركــز علــى التحالــف بــن شــمال أمريــكا وأوروبــا أي التحالــف الغربــي الــذي‬ ‫كان يقــود العالقــات الدوليــة‪.‬‬

‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬

‫وقــد جــاء هــذا التحالــف اجلديــد مــن الــدول الساكســونية لتضيــف‬ ‫ملــا ســبق مــن حتالفــات خاصــة باملنطقــة وأهمهــا حتالــف الواليــات‬ ‫املتحــدة مــع كل مــن كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬واليابــان‪ ،‬والهنــد‬ ‫والــذي يعــرف بالـــ "كــواد"‪ ،‬وهــي حتالفــات تســتهدف مواجهــة‬ ‫النمــو الصينــي املتصاعــد‪ ،‬خاصــة عســكر ًيا ويشــير ذلــك بوضــوح‬ ‫إلــى التوجــه األمريكــي الداعــم النتقــال مركــز العالقــات الدوليــة‬ ‫إلــى شــرق وجنــوب آســيا كأولويــة‪ ،‬وال شــك أن ذلــك التوجــه ليــس‬ ‫جدي ـدًا‪ ،‬فمنــذ أكثــر مــن عشــر ســنوات كان هــذا الطــرح األمريكــي‬ ‫واضحــا يف وثائــق اســتراتيجية األمــن القومــي األمريكــي ويف سياســة‬ ‫ً‬ ‫اإلدارات األمريكيــة علــى اختالفهــا اجلمهوريــة والدميقراطيــة‪ ،‬أي‬ ‫أنهــا اســتراتيجية ثابتــة‪.‬‬

‫مواقف دولية متعددة‬ ‫أثــار هــذا االتفــاق بعــض املواقــف املعارضــة‪ ،‬خاصــة مــن جانــب‬ ‫الصــن التــي اعتبرتــه محاولــة لتقويــض األمــن واالســتقرار يف‬

‫منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي‪ ،‬واجتاهً ــا إلثــارة االحتقــان‬ ‫والتوتــر داخلهــا وضر ًبــا لدعــاوى منــع االنتشــار النــووي‪ ،‬كمــا أعلنــت‬ ‫رئيســة الــوزراء النيوزيالنديــة أنهــا لــم يتــم االتصــال بهــا للدخــول يف‬ ‫هــذه الشــراكة‪ ،‬وأنهــا ال تتوقــع أن تكــون جــز ًءا منهــا‪ ،‬وأنــه ليــس مــن‬ ‫احملتمــل أن تســمح نيوزيالنــد بدخــول الغواصــات النوويــة األســترالية‬ ‫إلــى مياههــا اإلقليميــة‪ ،‬وهــو مــا يشــير إلــى خالفــات متوقعــة علــى‬ ‫مرجحــا أن يكــون قمــة هــذا التحالــف‪.‬‬ ‫هــذا املســتوى‪ ،‬بــن طــرف كان‬ ‫ً‬ ‫وال شــك أن اســتبعاد فرنســا مــن هــذا التحالــف يرجــع إلــى حتفــظ‬ ‫الواليــات املتحــدة علــى عالقاتهــا بالصــن‪ ،‬وتبنــي ماكــرون إلقامــة‬ ‫شــراكة أوروبيــة ــــ صينيــة متكافئــة‪ ،‬وهــو مــا تزامــن مــع تراجــع‬ ‫العالقــات األمريكيــة الصينيــة‪ ،‬باإلضافــة إلــى أن فرنســا لهــا تصــور‬ ‫مغايــر ليــس فقــط بالنســبة للمصالــح األوروبيــة فيمــا يتعلــق بالقــوى‬ ‫الكبــرى وعلــى مســتوى العالــم ولكــن كذلــك بخصــوص مقتضيــات‬ ‫العالقــة مــع الواليــات املتحــدة‪ .‬ورفــض حتالــف دول اآلســيان‬


‫‪50‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫الص ــراع العني ــف المحتم ــل عى جبهة الباس ــفيك يمكن أن ينتهي‬ ‫بمعادل ــة تخ ــدم مصال ــح الطرفي ــن دون التفكي ــر يف ال ــرادع الن ــووي‬ ‫عمقهــا االســتراتيجي يف غــرب الباســفيك‪ ،‬أمــال يف ردع الصــن‬ ‫مــن التقــدم يف خططهــا التوســعية علــى حســاب مصالــح الواليــات‬ ‫يف تلــك املنطقــة‪ .‬وكانــت مؤشــرات ذلــك انســحابها مــن مناطــق‬ ‫توتــر تقليديــة كان توازنهــا واســتقرارها يخــدم مصالــح الواليــات‬ ‫املتحــدة اخلارجيــة‪ .‬لقــد انســحبت نهايــة شــهر أغســطس املاضــي‬ ‫مــن أفغانســتان وتزمــع أن تنهــي انســحابها مــن العــراق نهايــة العــام‬ ‫وكانــت قــد ســحبت معظــم قواتهــا الضاربــة املتمركــزة يف شــمال‬ ‫ســوريا منــذ عهــد إدارة الرئيــس ترامــب‪.‬‬

‫الواليــات املتحــدة لــن تســاوم علــى أمــن اليابــان وأســتراليا وكوريــا‬ ‫اجلنوبيــة‪ ،‬والصــن تعــي هــذا األمــر جيــداً‪ ،‬ولــن تقــع فيمــا وقــع‬ ‫فيــه هتلــر يف احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬ظان ـاً أن سياســة اســترضاء‬ ‫احللفــاء لــه‪ ،‬ســوف تعنــي عــدم تنفيــذ تهديدهــم باحلــرب لــو دخلــت‬ ‫قواتــه بولنــدا‪ .‬وكانــت تلــك أول أخطــاء هتلــر‪ ،‬التــي يعيهــا الصينيــون‬ ‫متام ـاً‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬ ‫ثــم أن واشــنطن‪ ،‬قللــت مــن تركيزهــا علــى اجلبهــة األوروبيــة‪،‬‬ ‫واختــارت أن تتــرك قضايــا أمنهــا لدولهــا‪ ،‬ويف "رقبــة" حليفتهــا‬ ‫االســتراتيجية األولــى هنــاك (بريطانيــا)‪ .‬وكانــت الضحيــة األولــى‬ ‫التــي ضحــت بهــا واشــنطن‪ ،‬علــى اجلبهــة األوربيــة فرنســا‪ ،‬عندمــا‬ ‫طلبــت مــن أســتراليا إلغــاء صفقــة الغواصــات النوويــة الفرنســية‪،‬‬ ‫واســتبدالها بصفقــة غواصــات أمريكيــة‪ ،‬اســتكماالً لتطويــر جبهــة‬ ‫متكاملــة يف منطقــة غــرب الباســفيك‪ ،‬بعيــداً عــن بــؤر الصــراع‬ ‫ومســرح العمليــات الرئيــس الــذي فقــد أهميتــه االســتراتيجية لــدى‬ ‫الواليــات املتحــدة يف أوروبــا والشــرق األوســط‪.‬‬

‫حرب عالمية ثالثة تقليدية‬ ‫لــن يقــف أطــراف الصــراع القــادم علــى جبهــة الباســفيك عاجزيــن‬ ‫إلدارة جولــة صراعهــم القــادم‪ ،‬علــى مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬أمــام‬ ‫احتمــال تطــوره إلــى مواجهــة نوويــة شــاملة‪ .‬مــا لــم يتطــور هــذا‬ ‫الصــراع العنيــف احملتمــل بــن الواليــات املتحــدة والصــن علــى جبهــة‬ ‫الباســفيك‪ ،‬إلــى خطــر مباشــر وناجــز علــى أمــن الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫فإنــه ميكــن أن ينتهــي مبعادلــة تخــدم مصالــح الطرفــن مــن حركــة‬ ‫الصــراع‪ ،‬دون التفكيــر يف اســتخدام الــرادع النــووي‪ ،‬حتــى لــو اقتضــى‬ ‫األمــر حتييــد طــرف ثالــث ميتلــك الــرادع النــووي‪ ،‬ويجــد نفســه يف‬ ‫منطقــة لتبــادل إطــالق النيــران‪ ،‬ليســت ببعيــدة عنــه‪ ،‬مثــل كوريــا‬ ‫الشــمالية‪.‬‬ ‫لكــن اخلــط األحمــر‪ ،‬بالنســبة للواليــات املتحــدة‪ ،‬ال يعنــي احتمــال‬ ‫الصــن عبــور احمليــط‪ ،‬لتهديــد أمنهــا القومــي‪ ،‬بصــورة مباشــرة‪ ،‬كمــا‬ ‫يف حالــة هجــوم اليابــان علــى بيــرل هاربــر بدايــة احلــرب العامليــة‬ ‫الثانيــة‪ .‬خــط الواليــات املتحــدة علــى الرمــال ميتــد بطــول اجلبهــة‬ ‫مــن أســتراليا جنوب ـاً إلــى اليابــان شــماالً‪ ،‬مــروراً بكوريــا اجلنوبيــة‪.‬‬ ‫ويكــون مجــال توســع الصــن‪ ،‬يف هــذه املنطقــة‪ ،‬إن اســتطاعت‪،‬‬ ‫باحتــالل تايــوان وفــرض الســيطرة علــى بحــر الصــن اجلنوبــي‪ ،‬مبــا‬ ‫فيــه احتــالل الفلبــن‪ ،‬ورمبــا النــزول جنوب ـاً إلــى ماليزيــا‪.‬‬

‫املواجهــة القادمــة علــى جبهــة الباســفيك‪ ،‬ســتقدم اختبــاراً حقيقي ـاً‬ ‫إلرادة الطرفــن الرئيســن فيهــا حلســم قضيــة الهيمنــة الكونيــة‪،‬‬ ‫لــو مرحليــاً‪ .‬الصــن تريــد تعزيــز مكانتهــا الدوليــة املتزايــدة‪،‬‬ ‫تنفيــذاً لرؤيــة زعيمهــا الكبيــر دنــغ تشــاو بنــغ‪ ،‬الــذي أرتــأى دوراً‬ ‫عاملي ـاً للصــن‪ ،‬خــالل خمســن ســنة‪ ،‬يتواكــب مــع نهضــة اقتصاديــة‬ ‫واجتماعيــة وتكنولوجيــة للصــن خــالل خمســن ســنة‪.‬‬ ‫بالنســبة للواليــات املتحــدة متثــل املواجهــة احملتملــة مــع الصــن‪،‬‬ ‫اختبــاراً علــى قدراتهــا االســتراتيجية حلمايــة مصاحلهــا وأمنهــا‬ ‫القومــي احليــوي‪ ،‬مــن منافــس خطيــر ومتمكــن غيــر تقليــدي ال‬ ‫يخفــي طموحاتــه التوســعية للمنافســة علــى مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪.‬‬ ‫لكــن هــذه املواجهــة احملتملــة‪ ،‬وإن انتهــت باقتســام مــوارد املنطقــة‬ ‫والعالــم بــن واشــنطن وبكــن‪ ،‬دون احلاجــة للجــوء خليــار الــرادع‬ ‫النــووي‪ ،‬إال أنــه يتــرك مناطــق العالــم التقليديــة يف أوروبــا والشــرق‬ ‫األوســط ومســرح صــراع القــوى الكبــرى تاريخيـاً يف أوروبــا والشــرق‬ ‫األوســط‪ ،‬يف فــراغ أمنــي يخــل بتــوازن املنطقــة‪ ،‬ورمبــا يعــرض ســالم‬ ‫ماثــل وناجــز‪ .‬ليــس هنــاك مــن ضمانــة أن‬ ‫العالــم بأســره خلطــر‬ ‫ٍ‬ ‫اشــتعال جبهــة الباســفيك‪ ،‬ال جتــر معهــا اشــتعال جبهــة الشــرق‬ ‫األوســط وأوروبــا‪ ،‬مــن جديــد‪ .‬فيشــتعل العالــم‪ ،‬بأســره‪ ،‬علــى‬ ‫جبهتــن‪ ،‬بعيــداً عــن إرادة ورمبــا رغبــة القــوى الرئيســية املتصارعــة‬ ‫علــى جبهــة الصــراع الرئيســية احملتملــة اجلديــدة‪ ،‬غــرب الباســفيك‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﳌﻠﻚ ﻋﺒﺪ اﻟﻌﺰﻳﺰ ـ اﳌﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬ ‫اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪49‬‬

‫ملف العدد‬

‫أمريــكا تواجــه ألول مــرة يف تاريخهــا خطــ ًرا اســتراتيج ًي ا‬ ‫حقيق ًي ــا مــن ثالثــة أعــداء يصطفــون عــى طــول جبهــ ًة واحــدة‬ ‫ٍ‬ ‫حتــد لبــزوغ قوتهــا‬ ‫صحيــح أن الواليــات املتحــدة واجهــت أول‬ ‫الكونيــة الضاربــة‪ ،‬بدايــة احلــرب الكونيــة الثانيــة‪ ،‬جــاء مــن جبهــة‬ ‫الباســفيك‪ ،‬عندمــا أغــار األســطول اإلمبراطــوري اليابانــي يف‬ ‫الســابع مــن ديســمبر ‪1941‬م‪ ،‬علــى مينــاء بيــرل هاربــر يف جــزر‬ ‫هــاواي‪ ،‬وجــرى تدميــر معظــم األســطول األمريكــي‪ ،‬يف ذلك الوقت‪.‬‬ ‫إال أن هجــوم بيــرل هاربــر‪ ،‬كان نتيجــة لتوجــه لــدى النخبــة احلاكمة‬ ‫يف واشــنطن‪ ،‬لدخــول احلــرب مــن أجــل مســاعدة حلفائهــا يف‬ ‫أوروبــا‪ ،‬خاصـ ًة بريطانيــا‪ ،‬وليــس استشــعاراً غريزيـاً خلطـ ٍـر مباشـ ٍـر‬ ‫وناجــز‪ ،‬ألمنهــا القومــي‪ ،‬كمــا هــو حــال مــا ميثلــه تنامــي‬ ‫وماثــل‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النفــوذ الصينــي يف منطقــة احمليــط الهــادي‪ ،‬وتظهــره تطلعــات‬ ‫الصــن لبســط نفوذهــا يف مناطــق العالــم املختلفــة‪ ،‬وخاصــ ًة يف‬ ‫قلــب أوروبــا نفســها‪.‬‬

‫بداية الشرارة‬ ‫مــن تايــوان يطــل فتيــل البــارود انتظــاراً للهــب عــود الكبريــت‪ .‬مــن‬ ‫تايــوان تبــدأ احلــرب العامليــة الثالثــة‪ ،‬التــي حتســم زعامــة العالــم‬ ‫لقــوة معينــة‪ ،‬رمبــا لقــرن مــن الزمــان‪ .‬إذا جازفــت تايبيــه بإعــالن‬ ‫اســتقاللها عــن الصــن‪ ،‬فــإن معنــى ذلــك‪ ،‬بالنســبة لبكــن احلــرب‪،‬‬ ‫وليــس غيــر احلــرب‪ .‬وإذا مــا متــادت الصــن يف حترشــها بتايــوان‪،‬‬ ‫اعتمــاداً علــى تقديرهــا يف اســتغراق الواليــات املتحــدة يف عزلتهــا‪..‬‬ ‫وعــدم توفــر ضمانــة حقيقيــة لتايــوان مــن قبــل الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫عــدا توفيــر إمكانــات الدعــم الــالزم لتايــوان يف الدفــاع عــن نفســها‪،‬‬ ‫بنفســها‪ ،‬حيــث ال ميكنهــا مجــاراة الصــن يف قوتهــا العســكرية‬ ‫ومواردهــا البشــرية واالقتصاديــة الضخمــة‪ ،‬فــإن احتمــال غــزو‬ ‫الصــن للجزيــرة‪ ،‬إمنــا هــو مســألة الوقــت‪.‬‬ ‫ثــم علــى جبهــة واشــنطن يف عمــق الســاحل الغربــي للمحيــط‬ ‫الهــادي هنــاك حلفــاء تقليديــون للواليــات املتحــدة‪ ،‬وللغــرب‬ ‫بصــورة عامــة‪ ،‬ميثلــون أيدلوجيــاً جناحــي النظريــة الرأســمالية‬ ‫(السياســي واالقتصــادي) ال تســتطيع الواليــات املتحــدة التنصــل‬ ‫مــن التزامهــا املباشــر للدفــاع عنهــا‪ ،‬وتبقــي علــى وضعهــا املتميــز يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬الــذي اســتثمرت فيــه منــذ احلــرب الكونيــة الثانيــة‪ .‬علــى‬ ‫امتــداد هــذه اجلبهــة األمريكيــة يف عمــق غــرب الباســفيك تقــع‪،‬‬ ‫ـاط سياســية واقتصاديــة وعســكرية لواشــنطن تشــمل ك ً‬ ‫نقـ ٌ‬ ‫ال مــن‬ ‫اليابــان وكوريــا اجلنوبيــة وأســتراليا‪ .‬إ ًذا مــا ســقطت هــذه القــالع‬ ‫األمريكيــة القويــة يف غــرب الباســفيك‪ ،‬فــإن الشــواطئ األمريكيــة‬ ‫علــى الســاحل الشــرقي للباســفيك‪ ،‬غــرب الواليــات املتحــدة‪ ،‬مــن‬

‫كاليفورنيــا إلــى أالســكا ســتكون مفتوحــة أمــام الزحــف الصينــي‬ ‫القــادم عبــر الباســفيك مــن الغــرب‪.‬‬

‫هامشية الرادع النووي‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة تتمتــع بإمكانــات غيــر تقليديــة محملــة‬ ‫بــرؤوس نوويــة يف غواصــات جتــوب بحــار العالــم وصوامــع للصواريــخ‬ ‫النوويــة تغطــي الواليــات املتحــدة وقواعــد مــزودة بترســانة نوويــة‬ ‫يف جميــع أنحــاء العالــم‪ .‬الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬علــى جبهــة‬ ‫الباســفيك تتمتــع بغلبــة نوويــة نوعيــة كاســحة تتكــون مــن آالف‬ ‫الــرؤوس النوويــة‪ ،‬بينمــا الصــن بالــكاد متتلــك عشــرات الــرؤوس‬ ‫النوويــة‪ ،‬التــي ال تصــل املئــة‪ .‬وإذا مــا حصرنــا الصــراع علــى جبهــة‬ ‫الباســفيك بــن واشــنطن وبكــن‪ ،‬فــإن الــرادع النــووي هنــا يكــون‬ ‫ثنائــي القطبيــة‪ ،‬ويســتبعد كثيــراً يف حســابات الصــدام العســكري‪،‬‬ ‫الــذي ســيعتمد أساســاً علــى األســلحة التقليديــة املتقدمــة وقــوة‬ ‫احلشــد البشــري املتبايــن وضيــق مســرح العمليــات‪ ،‬رغــم وســع‬ ‫مســاحة نيرانهــا‪ ،‬باإلضافــة إلــى تبايــن إمكانــات إرادة القتــال بــن‬ ‫الطرفــن الرئيســين‪.‬‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬ميكــن يف بدايــة أي أزمــة محتملــة علــى جبهــة‬ ‫الباســفيك‪ ،‬ميكــن لهــا أن تتبــع سياســة االســترضاء التــي اتبعهــا‬ ‫احللفــاء يف أوروبــا عندمــا ظهــرت تطلعــات هتلــر التوســعية يف‬ ‫القــارة‪ .‬الواليــات املتحــدة‪ ،‬يف هــذا االحتمــال لصــراع قــادم مــع‬ ‫الصــن‪ ،‬وتفاديـاً لتوســع الصــراع ليكــون صراعـاً مباشــراً مــع الصــن‪،‬‬ ‫فإنهــا قــد تتجــاوب مــع أطمــاع الصــن جتــاه تايــوان وبحــر الصــن‬ ‫اجلنوبــي ورمبــا قــد تضحــي بالفلبــن‪ ،‬يف ســبيل عــدم التفكيــر يف‬ ‫اخليــار النــووي‪ ،‬وحتــى ضــرورة اللجــوء إليــه‪.‬‬ ‫لكــن يف النهايــة‪ ،‬علــى الواليــات املتحــدة أن ترســم خطـ ًأ علــى الرمال‪،‬‬ ‫ـان‬ ‫إذا مــا جتاوزتــه الصــن‪ ،‬فإنهــا احلــرب‪ ،‬بــكل مــا تعنيــه مــن معـ ٍ‬ ‫تقليديــة وغيــر تقليديــة‪ .‬متامـاً كمــا رســم احللفــاء مثــل هــذا اخلــط‬ ‫علــى الرمــال عندمــا متــادى هتلــر املضــي يف اســتراتيجيته التوســعية‬ ‫وســط أوروبــا‪ ،‬وجعلــوا مــن احتمــال غــزو بولنــدا خط ـ ًأ أحم ـ َر يعنــي‬ ‫جتــاوزه احلــرب‪ .‬وكان دخــول اجليــش النــازي بولنــدا يف األول مــن‬ ‫ســبتمبر ‪1939‬م‪ ،‬بدايــة احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬ونهايــة سياســة‬ ‫االســترضاء التــي اتبعهــا احللفــاء بزعامــة بريطانيــا جتــاه طموحــات‬ ‫هتلــر التوســعية‪.‬‬

‫الحشد عى طول جبهة الباسفيك‬ ‫بدأت الواليات املتحدة‪ ،‬مؤخراً تكثف من وجودها يف جبهة‬


‫‪48‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تدخ ــل أمري ــكا يف قضاي ــا العال ــم م ــا بعد الحربي ــن كان تر ًف ا مقابل‬ ‫م ــا تواجه ــه م ــن تح ـ ـ ٍد يف جبه ــة الباس ــفيك متالطم ــة األم ــواج‬ ‫عندمــا أعلنــت عــن انســحابها مــن بــؤر التوتــر العامليــة الســاخنة يف‬ ‫الشــرق األوســط يف العــراق وســوريا‪ ،‬وانســحابها النهائــي‪ ،‬نهايــة‬ ‫أغســطس املاضــي مــن أفغانســتان‪ ،‬إال أنــه يف مواجهــة ضغــوط‬ ‫العــودة حلالــة العزلــة‪ ،‬يعــود هاجــس األمــن مجــدداً للواليــات املتحدة‪.‬‬ ‫هــذه املــرة يأتــي اخلطــر االســتراتيجي الناجــز علــى أمــن الواليــات‬ ‫املتحــدة القومــي‪ ،‬مــن الغــرب (جبهــة احمليــط الهــادي)‪ ،‬وليــس مــن‬ ‫الشــرق جبهــة (احمليــط األطلســي والعالــم القــدمي)‪ ،‬حيــث مصــدر‬ ‫توتــر وعــدم اســتقرار العالــم يف أوروبــا والشــرق األوســط‪.‬‬

‫رأســمالية‪ ،‬دون التخلــي عــن الزعامــة والقبضــة احلديديــة للحــزب‬ ‫الشــيوعي‪ ..‬وخارجيــاً‪ :‬حتــى أصبحــت الصــن قــوة كونيــة عامليــة‪،‬‬ ‫لهــا نفــوذ سياســي واقتصــادي عاملــي‪ ،‬مــع تنامــي ملحــوظ يف قوتهــا‬ ‫العســكرية الضاربــة‪ ،‬علــى املســتوين التقليــدي وغيــر التقليــدي‪ ،‬مــع‬ ‫توفــر اإلرادة السياســية لدخــول حلبــة املنافســة علــى مكانــة الهيمنــة‬ ‫الكونيــة‪ ،‬الســتعادة أمجــاد الصــن التاريخيــة‪ ،‬لتصبــح الصــن أكبــر‬ ‫خطــر ماثــل وناجــز علــى أمــن أقــوى وأغنــى وأكثــر دول العالــم تقدمـاً‬ ‫(الواليــات املتحــدة األمريكيــة)‪ ،‬التــي‪ .‬لتوهــا عائــدة لعزلتهــا الثقافيــة‬ ‫والتاريخيــة التقليديــة!‬

‫الصين وأحالم الهيمنة الكونية‬ ‫يف ‪ 28‬يوليــو ‪1976‬م‪ ،‬تــويف الزعيــم الصينــي مارتســي تونــغ‪ ،‬الــذي‬ ‫حكــم الصــن متزعمـاً احلــزب الشــيوعي‪ ،‬منــذ إعــالن قيــام جمهوريــة‬ ‫الصــن الشــعبية ( ‪ 1‬أكتوبــر ‪1949‬م)‪ ،‬بعــد جنــاح الثــورة الشــيوعية‬ ‫التــي قادهــا بإعــالن الســيطرة الكاملــة علــى البــر القــاري الصينــي‪،‬‬ ‫وطــرد احلكومــة الوطنيــة بقيــادة اجلنــرال تشــاي كاي شــيك ( ‪1887‬‬ ‫– ‪1975‬م)‪ ،‬إلــى جزيــرة فورمــوزا ( تايــوان )‪.‬‬ ‫لكــن الزعيــم احلقيقــي للصــن احلديثــة هــو دنــغ تشــاو بنــغ‪ ،‬الــذي‬ ‫حكــم الصــن يف الفتــرة مــا بــن ‪1992 – 1978‬م‪ ،‬وكانــت لــه رؤيتــن‬ ‫لنهضــة الصــن اجلديــدة‪ ،‬وصــوالً إلــى مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪.‬‬ ‫كان يقــول‪ :‬ال يهــم أن يكــون القــط أبيضــاً أم أســوداً‪ ،‬لكــن املهــم‪:‬‬ ‫قدرتــه علــى اصطيــاد الفئــران‪ .‬بهــذه النظريــة رســم خطــة نهضــة‬ ‫الصــن عــن طريــق التمســك بقيــادة احلــزب الشــيوعي السياســية‪،‬‬ ‫والتخلــي عــن النظريــة املاركســية يف االقتصــاد‪ ،‬باألخــذ مــن النظريــة‬ ‫الليبراليــة الغربيــة شــقها االقتصــادي (الرأســمالي)‪ ،‬وليــس شــقها‬ ‫السياســي (الدميقراطــي)‪ .‬جنــح دنــغ هيســتو بينــغ بهــاذ اخلليــط‬ ‫بــن الفكرتــن والتجربتــن الشــيوعية والرأســمالية‪ ،‬يف بنــاء نهضــة‬ ‫الصــن احلديثــة‪ ،‬حتــى أصبحــت ثانــي اقتصــاد يف العالــم‪ ،‬بعــد‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬بعــد أن كانــت عنــد وفــاة مــاو تســي‬ ‫تونــغ‪ ،‬مــن أفقــر بــالد العالــم‪ ،‬وأكثرهــا تخلف ـاً‪.‬‬ ‫النظريــة الثانيــة‪ ،‬تتمثــل يف قولــه‪ :‬أن الصــن حتتــاج إلــى خمســن‬ ‫عامـاً لتكمــل نهضتهــا االقتصاديــة واالجتماعيــة يف الداخــل‪ ،‬وتصبــح‬ ‫قــوة دوليــة مؤهلــة للمنافســة علــى مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬علــى‬ ‫مســرح السياســة الدوليــة‪ .‬يبــدو أن يف فتــرة أقــل مــن خمســة عقــود‪،‬‬ ‫منــذ تولــي دينــغ تشــاو بينــغ زعامــة احلــزب الشــيوعي ورئاســة‬ ‫الصــن‪ ،‬شــارفت الصــن علــى حتقيــق الهدفــن االســتراتيجين‪،‬‬ ‫الداخلــي‪ :‬بنــاء دولــة عصريــة غنيــة ومتقدمــة‪ ،‬علــى أســس‬

‫جبهة الباسفيك الخطرة استراتيجياً‬ ‫تدخــل الواليــات يف قضايــا العالــم القــدمي‪ ،‬يف فتــرة مــا بعــد احلربــن‬ ‫ٍ‬ ‫حتــد‬ ‫العظميــن‪ ،‬كان ترفــاً امبراطوريــاً‪ ،‬مقابــل مــا تواجهــه مــن‬ ‫حقيقـ ٍـي مــن جبهــة الباســفيك الواســعة والعميقــة املتالطمــة األمــواج‬ ‫التــي جتتاحهــا موجــات التســونامي‪ ،‬نتيجــة مــا يعتمــل حتــت قــاع‬ ‫احمليــط الهــادي مــن تقلبــات جيولوجيــة عنيفــة ومتتابعــة للقشــرة‬ ‫األرضيــة‪.‬‬ ‫الصــن‪ ،‬بوقوعهــا علــى ســواحل احمليــط الهــادي الغربيــة‪ ،‬متثــل‬ ‫خطــراً ناجــزاً علــى أمــن الواليــات املتحــدة القومــي‪ ،‬وليــس فقــط‬ ‫علــى أمــن حلفائهــا يف غــرب الباســفيك (اليابــان وكوريــا اجلنوبيــة‬ ‫والفلبــن وأســتراليا)‪ .‬لــم تعــد مشــكلة الواليــات مــع العالــم القــدمي‬ ‫شــرقه وغربــه‪ ،‬مشــكلة توفيــر االســتقرار‪ ،‬لكســب مكانــة كونيــة‪ ،‬قــد‬ ‫تأتيهــا فجــأة بســقوط منافســيها مــن داخلهــم‪ ،‬كمــا حــدث يف حالــة‬ ‫انهيــار االحتــاد الســوڤيتي‪ ،‬وســقوط اإلمبراطوريــة البريطانيــة‪ ،‬بعــد‬ ‫احلــرب العامليــة الثانيــة‪ ،‬نتيجــ ًة لعــدم القــدرة‪ ،‬وليــس بالضــرورة‬ ‫فقــدان اإلرادة‪ ،‬لتبــوء مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪.‬‬ ‫الواليــات املتحــدة‪ ،‬ألول مــرة يف تاريخهــا تواجــه خطــراً اســتراتيجياً‬ ‫حقيقيـاً وناجــزاً مــن ثالثــة أعــداء تقليديــن‪ ،‬يصطفــون يف مواجهتهــا‬ ‫علــى طــول جبهــ ًة واحــدة‪ ،‬تتوفــر لديهــم اإلمكانــات االســتراتيجية‬ ‫(التقليديــة وغيــر التقليديــة)‪ ،‬مســتعدين ملواجهــة‪ ،‬ليــس فقــط قوتهــا‬ ‫الكونيــة احلقيقيــة واحملتملــة‪ ،‬بــل تهديــد أمنهــا القومــي مباشــر ًة‪.‬‬ ‫هــذه القــوى هــي الصــن‪ ،‬كوريــا الشــمالية‪ ،‬وروســيا‪ .‬مــن بــن هــذه‬ ‫القــوى‪ ،‬تبــرز الصــن كقــوة كونيــة محتملــة بإمكانــات حقيقيــة‬ ‫اســتراتيجية (تقليديــة وغيــر تقليديــة) واقتصاديــة وعلميــة تدفعهــا‬ ‫أحــالم تاريخيــة إمبراطوريــة توســعية‪ ،‬ليــس علــى املســتوى اإلقليمــي‪،‬‬ ‫فحســب…‪ .‬بــل علــى املســتوى (الكونــي)‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪47‬‬

‫ملف العدد‬

‫من تايوان يطل فتيل البارود انتظار ًا للهب عود الكبريت ومنها‬ ‫تب ــدأ الح ــرب العالمي ــة الثالث ــة الت ــي تحس ــم زعام ــة العال ــم لرب ــع ق ــرن‬ ‫بعــد انهيــار االحتــاد الســوڤيتي‪ ،‬انهــار نظــام القطبيــة الثنائيــة‬ ‫ووجــدت الواليــات املتحــدة نفســها قــوة مهيمنــة وحيــدة علــى العالــم‪،‬‬ ‫إال أنــه لــم تتوفــر لديهــا اإلرادة السياســية الالزمــة لتبــوء مكانــة‬ ‫الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬رمبــا ألنهــا لــم تخــض يف ســبيلها حرب ـاً فاصلــة‪،‬‬ ‫مــع خصمهــا وعدوهــا ومنافســها األول يف نظــام احلــرب البــاردة‪،‬‬ ‫فآثــرت أن تتمتــع بامتيــازات مكانــة الهيمنــة دون أن تكــون مســتعدة‬ ‫لدفــع تكلفتهــا‪ ،‬حتــى أنهــا آثــرت مؤخــراً علــى االنســحاب الصلــب‬ ‫لقواتهــا وجتاوزهــا‪ ،‬يف كثيـ ٍـر مــن بقــع العالــم الســاخنة‪ ،‬عــود ًة لعزلتهــا‬ ‫الثقافيــة والتاريخيــة التقليديــة‪ .‬أ ًمــا اليــوم‪ ،‬فاحمليطــات الواســعة‪،‬‬ ‫تبــدو أنهــا مســرح احلــروب القادمــة بــن القــوى العظمــى‪ ،‬خصوصـاً‬ ‫بــن الصــن والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬

‫واشنطن‪ :‬عودة هاجس األمن مجد ًدا‬ ‫قمــة التوجــه االنعزالــي للواليــات املتحــدة حــدث يف عهــد إدارة‬ ‫الرئيــس األمريكــي الســابق دونالــد ترمــب (‪ 20‬ينايــر ‪20 – 2017‬‬ ‫ينايــر ‪ ،)2021‬عندمــا عمــل علــى تطبيــق شــعاره االنتخابــي أمريــكا‬ ‫أوالً‪ ،‬مبديـاً اســتعداده التخلــي عــن التزامــات الواليــات املتحــدة جتــاه‬ ‫أمــن حلفائهــا التقليديــن يف أوروبــا والشــرق األوســط واليابــان‪ ،‬بــل‬ ‫وحتــى مطالبتهــم بدفــع تكلفــة احلمايــة لهــم‪ ،‬طــوال فتــرة مــا بعــد‬ ‫احلــرب الكونيــة الثانيــة‪ .‬وكان ذلــك آخــر مســمار ُدق يف نعــش مكانــة‬ ‫الواليــات املتحــدة كدولــة عظمــى تــكاد تكــون متفــردة بزعامــة العالــم‬ ‫بعــد انهيــار املعســكر االشــتراكي بزعامــة االحتــاد الســوفياتي عــام‬ ‫‪1991‬م‪ ،‬بفقــدان إرادتهــا السياســية يف تبــوء مكانــة الهيمنــة الكونيــة‪،‬‬


‫‪46‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫من الشرق األدنى إلى الشرق األقصى‪ :‬الصراع على الهيمنة الكونية‬

‫انتقل الصراع من أوروبا إىل الشرق ومن‬ ‫اليابسة إىل المحيطات و الباسيفيك‬ ‫تاريخيــاً الصــراع علــى الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬منــذ عصــر االمبراطوريــات القــدمي‪ ،‬يبــدأ ويــدور وينطلــق مــن منطقــة الشــرق‬ ‫األدنــى‪ ،‬التــي يطلــق عليهــا اآلن يف معظمهــا الشــرق األوســط‪ .‬هــذه املنطقــة املمتــدة مــن إيــران مــروراً بهضبــة األناضــول‬ ‫إلــى شــرق املتوســط وجــزء مــن الشــمال اإلفريقــي‪ ،‬بالــذات بــؤرة جائزتــه الكبــرى (مصــر)‪ ،‬كان املســرح الرئيــس للصــراع‬ ‫علــى الهيمنــة الكونيــة‪ ،‬مبــا يف ذلــك احلربــن العظميــن‪ ،‬اللتــن ســيطرت أحداثهمــا علــى مســرح الصــراع يف العالــم القــدمي‪،‬‬ ‫انطالق ـاً مــن أوروبــا‪ ،‬إلــى أطــراف العالــم‪.‬‬

‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬

‫من الصراع عى اليابسة إىل الصراع يف المحيطات‬ ‫اليــوم تنتقــل حركــة الصــراع مــن مســرح عمليــات احلــروب الكونيــة‬ ‫يف أوروبــا والشــرق األدنــى‪ ،‬إلــى الشــرق األقصــى‪ ،‬ومــن خــوض‬ ‫معاركــه علــى اليابســة‪ ،‬لنشــوب بــؤرة اشــتعال الصــراع الكونــي بــن‬ ‫الــدول العظمــى نــاره وانتشــار ســعيرها‪ ،‬إلــى احمليطــات الواســعة‬ ‫يف الباســفيك واحمليــط الهنــدي‪ .‬كان قدميــاً الصــراع يجــري‬ ‫للســيطرة علــى اليابســة‪ ،‬أمــا اليــوم فالصــراع ينشــب وينطلــق ومتتــد‬ ‫ـوى يف األســاس غيــر‬ ‫مســرح عملياتــه علــى احمليطــات الشاســعة‪ ،‬بقـ ً‬ ‫تقليديــة وجديــدة علــى مســرح السياســة الدوليــة‪ ،‬ورمبــا بإمكانــات‬ ‫واســتراتيجيات وأســلحة غيــر تقليديــة‪.‬‬ ‫اليــوم مــن يســيطر علــى احمليطــات الشاســعة العميقــة‪ ،‬وليــس‬ ‫فقــط علــى مضائقهــا الضيقــة‪ ،‬كمــا كان األمــر مــن منتصــف القــرن‬ ‫التاســع عشــر إلــى منتصــف القــرن العشــرين عندمــا ســاد العهــد‬ ‫البريطانــي (‪ ) 1914 – 1815 Pax Britannica‬حيــث كانــت‬ ‫بريطانيــا تســيطر علــى العالــم‪ ،‬بالتحكــم علــى أطــراف ومضايــق‬ ‫بحــار العالــم ومحيطاتــه الطبيعيــة والصناعيــة‪ ،‬مثــل‪ :‬قنــاة الســويس‬ ‫ومضيــق جبــل طــارق ومضيــق ملقــا ورأس الرجــاء الصالــح وهونــغ‬ ‫كونــغ وجــزر الفوكالنــد‪ .‬صحيــح أن بعــض املعــارك الفاصلــة‪ ،‬التــي‬ ‫تتســبب يف اســتبدال قــوة كونيــة بأخــرى جــرت يف أعالــي البحــار‪،‬‬ ‫إال أن الهــدف االســتراتيجي كان الســيطرة علــى العالــم عــن طريــق‬

‫الســيطرة والتواجــد يف أطرافــه بالســيطرة علــى املمــرات واملوانــئ‬ ‫الدوليــة الكبــرى‪.‬‬

‫من أوروبا إىل الباسفيك‬ ‫املعــارك الفاصلــة يف التاريــخ احلديــث جــرت علــى اليابســة‪ ،‬بالــذات‬ ‫علــى املســرح األوروبــي‪ ،‬مــن حــرب الثالثــن عا ًمــا (‪1648 – 1618‬م)‪،‬‬ ‫التــي انتهــت بصلــح ويســتفاليا‪ ،‬مــروراً بحــرب نابليــون التوســعية يف‬ ‫أوروبــا (‪1815 – 1813‬م)‪ ،‬التــي أنهــت أحــالم فرنســا الكونيــة‪،‬‬ ‫وظهــور اإلمبراطوريــة البريطانيــة‪ ،‬كقــوة مهيمنــة كونيــة جديــدة‬ ‫اســتمرت مئــة عــام‪ .‬وانتهــاء باحلربــن العامليتــن األولــى (‪– 1914‬‬ ‫‪1919‬م) والثانيــة (‪1945 – 1939‬م)‪ ،‬التــي قضــت‪ ،‬األخيــرة منهــا‬ ‫ـكل عــام‬ ‫بالــذات ولألبــد علــى تطلعــات أملانيــا الكونيــة‪ ،‬واحملــور بشـ ٍ‬ ‫(أملانيــا وإيطاليــا واليابــان)‪ .‬ليــس ببعيــد‪ :‬مــن يســيطر علــى اليابســة‬ ‫وبــؤرة العالــم احليويــة (أوروبــا)‪ ،‬يســيطر علــى العالــم وميتلــك ناصيــة‬ ‫الهيمنــة القوميــة‪ ،‬أو علــى األقــل يتقاســمها مــع قــوى عظمــى جديــدة‪،‬‬ ‫كل مــن‬ ‫وهــذا مــا حصــل بعــد احلــرب الكونيــة الثانيــة‪ ،‬بظهــور ٍ‬ ‫الواليــات املتحــدة واالحتــاد الســوفياتي كقوتــن عظيمتــن‪ ،‬تقاســمتا‬ ‫العالــم‪ ،‬وخاضتــا بــن معســكريهما حر ًبــا بــاردة اســتمرت ثالثــة عقــود‬ ‫ونصــف‪ ،‬انتهــت بانهيــار أحدهمــا مــن الداخــل (االحتــاد الســوڤيتي‬ ‫‪1991‬م)‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪45‬‬

‫ملف العدد‬

‫المصال ــح يحدده ــا الت ــوازن الن ــووي وتحجي ــم الصي ــن وف ــرض‬ ‫األم ــر الواق ــع يف محيطه ــا االس ــتراتيجي‬ ‫االســتراتيجية كمــا حصــل يف جــوان ‪2020‬م‪ ،‬أو كمــا حــدث يف يوليــو‬ ‫‪ 2021‬م‪ ،‬عندمــا انضمــت أســتراليا إلــى الــدول الغربيــة بتوجيــه‬ ‫االتهــام للصــن بأنهــا وراء الهجــوم علــى خــوادم شــركة مايكروســفت‬ ‫اخلاصــة بخدمــة البريــد اإللكترونــي ممــا أثــر علــى أكثــر مــن ‪30‬‬ ‫ألــف مؤسســة يف العالــم‪ .‬أمــا املكســب الثالــث الــذي تســعى مــن أجلــه‬ ‫أســتراليا مــن خــالل الشــراكة يف إطــار "أوكــوس" يتمثــل يف كســب‬ ‫الــردع اجلماعــي الشــامل يف مواجهــة التمــدد العســكري الصينــي يف‬ ‫بحــر الصــن اجلنوبــي أيــن تقيــم بيكــن قواعــد عســكرية يف املناطــق‬ ‫املتنــازع عليهــا‪ ،‬وهــي املجــال احليــوي البحــري الــذي يشــكل أكثــر‬ ‫املمــرات املائيــة حيويــة للتجــارة العامليــة‪.‬‬ ‫إذا كانــت اللعبــة االســتراتيجية الدوليــة يف منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‬ ‫بهــذا التعقيــد يف أهدافهــا وفواعلهــا‪ ،‬فكيــف ميكــن فهــم تأثيراتهــا‬ ‫علــى املنطقــة العربيــة ودول اخلليــج باألســاس؟‬

‫منطقة الخليج العربي‪..‬أوراق جيوسياسية وبدائل ممكنة‪.‬‬ ‫متتلــك دول اخلليــج ميزتــن جيوسياســيتن تعطيهــا قــوة االرتبــاط‬ ‫مبنطقــة الهندي‪-‬الهــادي‪ ،‬تؤثــر فيــه وتتأثــر مبــا يجــري بداخلــه ومــن‬ ‫حولــه‪ ،‬تتمثــل هاتــن امليزتــن يف املجــال احليــوي واملــوارد ذات البعــد‬ ‫العاملــي‪ ،‬فالعنصــر األول يختــزل يف مضيــق هرمــز الــذي يشــكل حلقــة‬ ‫الربــط املائــي بــن ميــاه اخلليــج العربــي مــن جهــة وميــاه خليــج عمــان‬ ‫وبحــر العــرب واحمليــط الهنــدي‪ ،‬حيــث يعــد املنفــذ احليــوي الوحيــد‬ ‫للــدول اخلليجيــة الطاقويــة العــراق‪ ،‬الكويــت‪ ،‬البحريــن وقطــر‪ .‬أمــا‬ ‫امليــزة الثانيــة‪ ،‬التــي تعــزز مــن درجــة االرتبــاط بــن دول اخلليــج‬ ‫ومنطقــة الهندي‪-‬الهــادي فتشــمل تبعيــة بعــض الــدول اآلســيوية‬ ‫الفاعلــة إلــى النفــط اخلليجــي‪ .‬حيــث ميــر ‪ 15‬مليــون برميــل مــن‬ ‫النفــط يوم ًيــا عبــر مضيــق هرمــز‪ ،‬مــا ميثــل خمــس اســتهالك‬ ‫النفــط العاملــي‪ ،‬كمــا تصــدر عبــره مــا يقــارب ‪ 80‬باملائــة مــن النفــط‬ ‫الســعودي‪ ،‬الكويتــي‪ ،‬اإلماراتــي والعراقــي لــدول أساســية يف منطقــة‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي‪ ،‬الســيما الصــن‪ ،‬الهنــد‪ ،‬اليابــان‪ ،‬كوريــا اجلنوبيــة‬ ‫وســنغافورة‪.‬‬ ‫وإذا كانــت هاتــن امليزتــن تعــد مــن بــن املكاســب االســتراتيجية التــي‬ ‫متنــح دول اخلليــج قــوة ونفــو ًذا‪ ،‬فــإن التحالفــات القائمة بن واشــنطن‬ ‫وحلفائهــا يف منطقــة الهندي‪-‬الهــادي تطــرح أمامهــا مجموعــة مــن‬ ‫التحديــات االســتراتيجية التــي عرفتهــا يف فتــرة احلــرب البــاردة‬ ‫ولكــن بتغيــرات جوهريــة عــن طبيعــة الصــراع األمريكي‪-‬الســوفياتي‪،‬‬ ‫وميكــن تلخيصهــا يف احملــاور اجليوسياســية األساســية‪ ،‬أولهــا‪ ،‬أن‬ ‫مــا يجــري يف املنطقــة مــا بعــد اتفــاق "أوكــوس" هــو تكريــس للعبــة‬ ‫اســتراتيجية كبــرى بــن قوتــن تتصارعــان حــول الريــادة العامليــة‪ ،‬مــن‬

‫الصعــب االصطفــاف الكلــي خلــف أحدهمــا‪ ،‬ألن كليهمــا يرتبطــان‬ ‫باحلبــل الســري الــذي يغــذي اقتصادهمــا الداخلــي‪ ،‬كمــا ســبق وأن‬ ‫مت توضيحــه فيمــا يتعلــق بالتبــادل التجــاري األمريكي‪-‬الصينــي‬ ‫أو الديــن الصينــي علــى اخلزينــة األمريكيــة‪ .‬ثانيــاً‪ ،‬طبيعــة اللعبــة‬ ‫االســتراتيجية تضبطهــا نفــس القواعــد التقليديــة للحــرب البــاردة‪،‬‬ ‫مثــل الــردع النــووي‪ ،‬تــوازن القــوة‪ ،‬االحتــواء‪ ،‬ممــا يوحــي بإطالــة‬ ‫مرحلــة إدارة النــزاع اجليوسياســي يف املنطقــة‪ ،‬لكــن بــدون أن ينظــر‬ ‫كل طــرف لآلخــر بأنــه يف لعبــة صفريــة‪ ،‬أي ال مجــال للمفاوضــات‪،‬‬ ‫املســاومات والتنــازالت فيمــا يخــص القضايــا النزاعيــة‪ ،‬وهــو مــا مت‬ ‫توضيحــه يف احلــرب التجاريــة األمريكية‪-‬الصينيــة والهدنــة بعــد‬ ‫تقــدمي التنــازالت مــن كال الطرفــن‪.‬‬ ‫وعليــه‪ ،‬فاخليــارات العقالنيــة يف إطــار تــوازن الرعــب أن يتــم إبعــاد‬ ‫خيــار شمشــون "علــي وعلــى أعدائــي"‪ ،‬ممــا يوحــي هنــا أننــا أمــام‬ ‫املقــوالت الكالســيكية للدراســات االســتراتيجية‪ ،‬إذا أردت الســلم‬ ‫فاســتعد للحــرب‪ ،‬أي أن ســباق التســلح والتحالفــات العســكرية‬ ‫وبنــاء القواعــد العســكرية هــي لتثبيــت نفــوذ كل األطــراف واإلبقــاء‬ ‫علــى األمــر الواقــع‪ ،‬بالرغــم مــن أن الصــن تبــدو يف هــذه اللعبــة‬ ‫االســتراتيجية بأنهــا غيــر قانعــة بهــذا األمــر الواقــع‪ ،‬ويقابلهــا إدراك‬ ‫أمريكــي بضــرورة كبــح املشــاريع اإلمبراطوريــة الصينيــة الكبــرى‬ ‫املعلــن عنهــا مــن خــالل مبــادرة احلــزام والطريــق‪ ،‬صنــع يف الصــن‬ ‫‪2025‬م‪ ،‬التفــوق العاملــي يف ســنة ‪2049‬م‪ ،‬وهــي نقطــة اخلــالف‬ ‫اجلوهريــة بــن بيكــن وواشــنطن‪ ،‬فكلمــا انخرطــت الــدول العربيــة‬ ‫واخلليجيــة يف املشــاريع الصينيــة الكبــرى علــى حســاب االرتبــاط‬ ‫االســتراتيجي مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة كلمــا شــكلت تهديدات‬ ‫مســتقبلية لوجودهــا‪ ،‬واحلكمــة العقالنيــة هنــا‪ ،‬كيــف نديــر تــوازن‬ ‫املصالــح بــن الفواعــل الكبــرى مبــا يخــدم املصلحــة الوطنيــة دون‬ ‫االنخــراط الكلــي يف التحالفــات كمــا كان احلــال يف فتــرة احلــرب‬ ‫البــاردة‪ ،‬ألننــا يف عصــر الترابــط الدولــي ال ميكــن توجيــه الســفينة‬ ‫يف اجتــاه أحــادي أو وضــع البيــض كلــه يف ســلة واحــدة‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ واﻟﻌﻼﻗﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ ـ ﻣﺪﻳﺮ اﳌﺪرﺳﺔ اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ اﻟﻌﻠﻴﺎ‬ ‫ﻟﻠﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ــ اﻟﺠﺰاﺋﺮ‬


‫‪44‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 1.07‬تريليــون دوالر ديــون مســتحقة للصيــن عــى الحكومــة‬ ‫األمريكيــة مــن حصيلــة بيــع الســلع والخدمــات‬ ‫الثالثــي اجلديــد ســيدعم اآلليــات العســكرية واالســتراتيجية‬ ‫القائمــة‪ ،‬كمــا هــو احلــال مــع مبــادرة احلــوار الرباعــي لألمــن الــذي‬ ‫يضــم ك ً‬ ‫ال مــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬أســتراليا‪ ،‬اليابــان‬ ‫والهنــد الــذي مت إنشــاؤه ســنة ‪2007‬م‪ ،‬علــى هامــش املنتــدى‬ ‫اإلقليمــي لتكتــل اآلســيان والهــدف منــه البحــث عــن تــوازن القــوى‬ ‫مــع الصــن‪ ،‬ال ســيما بعــد صعــود التوتــرات والصدامــات البحريــة‬ ‫بــن الصــن والــدول املتنازعــة معهــا حــول بعــض اجلــزر وقضيــة‬ ‫تســطير احلــدود البحريــة‪ ،‬مــع التوافــق علــى مبــدأ مشــترك‬ ‫وهــو إبقــاء منطقــة الهندي‪-‬الهــادي حــرة ومفتوحــة علــى املالحــة‬ ‫الدوليــة‪ .‬ومــن املبــادرات األولــى التــي قامــت بهــا إدارة بايــدن العمــل‬ ‫علــى توســيع "احلــوار الرباعــي األمنــي" وإشــراك اليابــان وكوريــا‬ ‫اجلنوبيــة احلليفــن التقليديــن فيمــا يســمى بالرباعــي املوســع‪،‬‬ ‫وهــو موضــوع أول زيــارة للخــارج إلــى ســيول وطوكيــو قــام بهــا كل‬ ‫مــن كاتــب الدولــة للخارجيــة والدفــاع األمريكيــن‪ ،‬أنتونــي بلينكــن‬ ‫وليــود أوســن‪ ،‬يف ‪ 5‬مــارس ‪2021‬م‪ ،‬مــع طــرح فكــرة التوســيع أكثــر‬ ‫لتضــم كل دول اآلســيان لهــذا احلــوار األمنــي الــذي انطلــق بأربعــة‬ ‫دول‪.‬‬ ‫وعليــه‪ ،‬فــإن اتفــاق الشــراكة "أوكــوس" ال يخــرج عن اســتمرارية هذه‬ ‫االســتراتيجية األمريكيــة التــي تطمــح إلــى تعزيــز املكانــة األمريكيــة‬ ‫واحتــواء الصــن مــن خــالل كبــح تفوقهــا العســكري البحــري‬ ‫املتصاعــد‪ ،‬ولــم يكــن خف ًيــا علــى الصــن أو الــرأي العــام العاملــي‬ ‫خصوصــا إذا أعدنــا االســتماع‬ ‫حتقيــق هــذه األهــداف األمريكيــة‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إلــى اإلنــذار الــذي وجهــه األدميــرال فليــب دافيدســون‪ ،‬قائــد‬ ‫القيــادة األمريكيــة للهنــدي والهــادي‪ ،‬إلــى جلنــة القــوات املســلحة‬ ‫األمريكيــة يف مجلــس الشــيوخ‪ ،‬عندمــا حــذر مــن خطــر التفــوق‬ ‫العســكري الصينــي علــى الواليــات املتحــدة األمريكيــة وحلفائهــا‬ ‫بقولــه‪ ":‬يف آفــاق ‪2025‬م‪،‬ســتتجاوز القــدرات البحريــة الصينيــة‬ ‫نظيرتهــا األمريكيــة يف املنطقــة بثــالث حامــالت طائــرات وســتة‬ ‫ســفن هجوميــة برمائيــة مقابــل حاملــة طائــرات واحــدة وســفينتن‬ ‫برمائيــة هجوميــة"‪ ،‬وطبقــا لهــذا التفوق العســكري البحري الصيني‬ ‫فــإن التهديــد املســتقبلي الــذي أشــار إليــه األدميــرال األمريكــي‪ ،‬أن‬ ‫الصــن ســتلجأ إلــى التغييــر األحــادي مليــزان القــوة اإلقليمــي مــع‬ ‫إعــادة ترتيــب األمــر الواقــع يف احمليطــن الهنــدي والهــادي ال ســيما‬ ‫يف تايــوان‪ ،‬وهــذا مــا جعــل فليــب دفيدســون يقتــرح إقامــة شــبكة‬ ‫مــن الصواريــخ ذات الضربــات الدقيقــة علــى طــول سلســلة اجلــزر‬ ‫التــي تربــط اليابــان‪ ،‬تايــوان‪ ،‬والفلبــن‪.‬‬ ‫تهــدف الواليــات املتحــدة األمريكيــة يف الشــراكة األمنيــة والدفاعيــة‬ ‫اجلديــدة "أوكــوس" إلــى حتقيــق هــدف اســتراتيجي أساســي بعــد‬ ‫حتييــد واحتــواء الصــن‪ ،‬ويتمثــل يف فــك االرتبــاط االســتراتيجي‬

‫الصيني‪-‬األســترالي الــذي أخــذ أبعــا ًدا متجــذرة يف االجتــاه الــذي‬ ‫قــد يغيــر مــن طبيعــة التحالــف التقليــدي األمريكي‪-‬األســترالي‪ ،‬و‬ ‫يف الوقــت ذاتــه تعزيــز مجموعــة القــرارات التــي اتخذتهــا احلكومــة‬ ‫الفدراليــة األســترالية يف مواجهــة مبــادرة احلــزام والطريــق والهيمنــة‬ ‫التكنولوجيــة الصينيــة علــى العالــم‪ ،‬حيــث ألغــت احلكومــة األســترالية‬ ‫يف ‪ 21‬أبريــل‪2021‬م‪ ،‬اتفاقيتــن مت التوقيــع عليهمــا مــن قبــل واليــة‬ ‫فكتوريــا يف إطــار مشــاريع الطــرق اجلديــدة للحريــر‪ ،‬كمــا ســبق وأن‬ ‫اتخــذت قــرا ًرا يف أوت ‪2018‬م‪ ،‬برفــض جتهيــزات االتصــاالت للجيــل‬ ‫اخلامــس لشــركة هــواوي بحجــة املســاس باألمــن والســيادة الوطنيــة‪،‬‬ ‫كمــا صعــدت أســتراليا مــن نزاعهــا مــع الصــن عندمــا طالبــت‬ ‫بتحقيــق دولــي يف أبريــل ‪2020‬م‪ ،‬حــول أصــل جائحــة كوفيــد‪.19-‬‬ ‫وتســعى بعــض الدوائــر املعارضــة للصــن داخــل أســتراليا مبراجعــة‬ ‫عقــد اإليجــار ملينــاء يف شــمال البــالد الــذي منــح لشــركة صينيــة‬ ‫الســتغالله ملــدة ‪ 99‬ســنة‪ .‬وبالتالــي‪ ،‬فــإن الشــراكة الثالثيــة "أوكــوس"‬ ‫متثــل التحالــف االســتراتيجي لوقــف التمــدد اجليو‪-‬اقتصــادي‬ ‫للصــن‪ ،‬هــذه األخيــرة التــي أدركــت اللعبــة بعــد إخفاقهــا يف تشــكيل‬ ‫لوبــي صينــي قــوي داخــل أســتراليا‪ ،‬واتخــذت مجموعة مــن اخليارات‬ ‫ملواجهــة هــذا التحــدي األســترالي‪ ،‬مــن بينهــا إجــراءات انتقاميــة مــن‬ ‫خــالل فــرض العقوبــات االقتصاديــة علــى املنتجــات األســترالية مــع‬ ‫تعليــق كل النشــاطات يف إطــار احلــوار االقتصــادي االســتراتيجي بــن‬ ‫الصــن وأســتراليا‪ ،‬ومــن بــن القيــود التــي فرضــت علــى منتجــات‬ ‫املزارعــن األســترالين‪ ،‬واردات الشــعير‪ ،‬الســكر‪ ،‬وحلــوم البقــر‬ ‫واملأكــوالت البحريــة‪ ،‬كمــا مســت إنتــاج النبيــذ األســترالي الــذي‬ ‫تســتورد الصــن ‪ 40‬باملائــة مــن اإلنتــاج وذلــك بفــرض الضرائــب علــى‬ ‫اســتيراده ممــا يجعلــه أقــل تنافســية يف الســوق الصينيــة‪.‬‬ ‫يف احملصلــة النهائيــة‪ ،‬فــإن أســتراليا ســتحقق بعــض املكاســب‬ ‫االســتراتيجية مــن شــراكة "أوكــوس"‪ ،‬أولهــا أنــه ســتكون ضمــن‬ ‫النــادي األممــي الــذي ميلــك غواصــات بحريــة ذات الدفــع النــووي‪،‬‬ ‫والــذي يشــمل‪ ،‬واشــنطن‪ ،‬موســكو‪ ،‬لنــدن‪ ،‬نيودلهــي‪ ،‬بيكــن وباريــس‪.‬‬ ‫كمــا ســمحت هــذه الشــراكة األمنيــة والدفاعيــة بتجــاوز االتفاقيــات‬ ‫األمنيــة التــي كانــت تفــرض علــى اجلزيــرة القــارة عــدم االســتخدام‬ ‫النــووي بالرغــم مــن أنهــا مــن املوقعــن علــى اتفاقيــة حظــر االنتشــار‬ ‫النــووي‪ ،‬ممــا ينــذر بســباق التســلح النــووي يف منطقــة الهــادي‪-‬‬ ‫الهنــدي‪ .‬كمــا ستســتفيد ثان ًيــا‪ ،‬بالشــراكة يف مجــاالت احلــروب‬ ‫اإللكترونيــة املعاصــرة كمــا تنــص عليــه اتفاقيــة "أوكــوس" ال ســيما‬ ‫خصوصــا‬ ‫يف مياديــن الدفــاع الســيبراني والــذكاء االصطناعــي‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وأن احلكومــة االســترالية كثيــ ًرا مــا تتهــم الصــن بــإدارة احلــرب‬ ‫اإللكترونيــة عليهــا مــن خــالل الهجومــات الســيبرانية املكثفــة علــى‬ ‫مؤسســاتها احلكوميــة ومحــاوالت قرصنــة البيانات احليوية ملنشــآتها‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪43‬‬

‫ملف العدد‬

‫تس ــتحوذ أوروب ــا ـ الهن ــدي ‪ /‬اله ــادي ع ــى ‪ %70‬م ــن التج ــارة ب ـــ‬ ‫‪ 1500‬ملي ــار يوي ــو و‪ %60‬م ــن االس ــتثمارات‬ ‫الهنــدي والهــادي لكــن بالنســبة للواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫وحليفيهــا الكبيريــن البريطاني‪-‬األســترالي تســتند علــى مفهــوم"‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي احلــر واملفتــوح" ""‪Free and Open Indo‬‬ ‫‪ "Pacific‬والهــدف منــه تطويــق الصــن باســم حريــة املالحــة يف‬ ‫بحــر الصــن واملناطــق التــي تعتبرهــا الصــن مــن مجالهــا الســيادي‬ ‫واملتنــازع عليهــا مــع الــدول احلليفــة لواشــنطن‪ ،‬وهــو نفــس املفهــوم‬ ‫االســتراتيجي الــذي تبنتــه أســتراليا ســنة ‪2013‬م‪ ،‬يف الكتــاب‬ ‫األبيــض للدفــاع الــذي ورد فيــه‪ ":‬أن االســتراتيجية األســترالية‬ ‫للدفــاع يف منطقــة الهنــدي‪ -‬الهــادي حــرة ومفتوحــة تهــدف إلــى‬ ‫مواجهــة الهيمنــة الصينيــة"‪ .‬ثان ًيــا‪ ،‬أن املنطقــة تشــتمل علــى فواعــل‬ ‫دوليــة ذات ثقــل اقتصــادي تعــد مبثابــة محــرك النمــو االقتصــادي‬ ‫العاملــي‪ ،‬مــن بينهــا ســتة دول ضمــن املجموعــة العشــرين وهــي‬ ‫الصــن‪ ،‬الهنــد‪ ،‬اليابــان‪ ،‬كوريــا اجلنوبيــة‪ ،‬إندونيســيا وأســتراليا‪ .‬كمــا‬ ‫تســيطر املنطقــة الهندي‪-‬الهــادي علــى ‪ 40‬باملائــة مــن الثــروة العامليــة‬ ‫ومــن املتوقــع حســب تقديــرات صنــدوق النقــد الدولــي أن متثــل أكثــر‬ ‫مــن ‪ 50‬باملائــة مــن اإلنتــاج احمللــي اخلــام العاملــي يف آفــاق ‪2040‬م‪،‬‬ ‫وتغطــي نســبة ‪ 40‬باملائــة مــن االســتهالك العاملــي نظـ ًرا للديناميكيــة‬ ‫الســكانية احلضريــة حيــث تتمركــز ‪ 21‬مدينــة كبــرى يف املنطقــة‬ ‫مــن بــن الثالثــن مدينــة األكبــر يف العالــم‪ .‬وثال ًثــا وهــو األهــم‪ ،‬أن‬ ‫الصعــود الصينــي االقتصــادي مبشــاريعها الكونيــة مــن خــالل مبــادرة‬ ‫احلــزام والطريــق ومتددهــا العســكري يف منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‬ ‫أضحــت القــوى املنافســة الطموحــة لتبــوء الريــادة العامليــة كأول قــوة‬ ‫بجميــع املقاييــس يف ســنة ‪2049‬م‪ ،‬ومــن ضمــن اســتراتيجية بنــاء‬ ‫القــوة الصينيــة التفــوق البحــري يف بحــر الصــن اجلنوبــي والشــرقي‬ ‫وضــم تايــوان إليهــا‪.‬‬ ‫أمــا االعتبــار اخلامــس الــذي يستشــرف قيــام صــدام مســلح يف‬ ‫منطقــة الهندي‪-‬الهــادي بــن الواليــات املتحــدة األمريكيــة والصــن‪،‬‬ ‫فإنــه ال يأخــذ بعــن االعتبــار طبيعــة العالقــات الدوليــة املبنيــة علــى‬ ‫تشــابك املصالــح بــن اخلصــوم ذاتهــم‪ ،‬ممــا يقلــل مــن احتمــاالت‬ ‫الصدامــات املباشــرة الكبــرى‪ ،‬وتقديراتنــا يف ذلــك أن العالقــات‬ ‫األمريكية‪-‬الصينيــة مــن جهــة والعالقــات الصينيــة –األســترالية‬ ‫مــن جهــة أخــرى يف بعدهــا التعاونــي تؤشــر علــى ترابــط املصالــح‬ ‫املتبادلــة يصعــب جتاهلهــا‪ ،‬وهــو مــا أكــده الرئيــس األمريكــي‪ ،‬جــو‬ ‫بايــدن‪ ،‬يف أول اتصــال رســمي مــع نظيــره الصينــي شــن جــن‬ ‫بينــغ بعــد ســبعة أشــهر مــن تولــي إدارة البيــت األبيــض‪ ،‬بقولــه‪ ":‬إن‬ ‫التنافــس بــن البلديــن ال ميكــن أن يتحــول إلــى نــزاع‪ ،‬وأن الديناميكيــة‬ ‫التنافســية ال جتعلنــا يف املســتقبل نتجــه نحــو نــزاع غيــر متوقــع"‪ ،‬ومت‬ ‫تأكيــد هــذه التصريحــات مــن قبــل اإلعــالم الصينــي الرســمي الــذي‬

‫أشــار إلــى احلــوار االســتراتيجي الصريــح والعميــق بــن الرئيســن‬ ‫والــذي يعمــق مــن املصالــح املشــتركة بــن البلديــن‪ .‬وحتــى التصعيــد‬ ‫يف احلــرب التجاريــة التــي أعلنهــا الرئيــس دونالــد ترامــب علــى‬ ‫الصــن انتهــت بهدنــة تبــن مــدى ارتبــاط االقتصاديــن األمريكــي‪-‬‬ ‫الصينــي فيمــا بينهمــا‪ ،‬فمــن بــن نقــاط االتفــاق ملعاجلــة االختــالل‬ ‫يف امليــزان التجــاري الــذي مييــل لصالــح بكــن‪ ،‬أن تلتــزم الصــن‬ ‫برفــع وارداتهــا مــن الســلع واخلدمــات األمريكيــة بقيمــة ‪ 200‬مليــار‬ ‫دوالر‪ .‬ويعــد مؤشــر اإلقــراض الصينــي للخزانــة األمريكيــة مــن بــن‬ ‫أقــوى املؤشــرات التــي تبــن االرتبــاط املعقــد بــن بيكــن وواشــنطن‪،‬‬ ‫مــع نهايــة ‪2020‬م‪ ،‬بلغــت الديــون الصينيــة املســتحقة علــى احلكومــة‬ ‫األمريكيــة‪ 1.07‬ترليــون دوالر‪ ،‬وهــي حصيلــة الفائــض املالي الصيني‬ ‫املتحصــل عليــه مــن بيــع الســلع واخلدمــات الصينيــة يف األســواق‬ ‫األمريكيــة الــذي حتولــه إلــى شــراء ســندات اخلزانــة األمريكيــة‪،‬‬ ‫وبذلــك نكــون أمــام عمليــة االعتمــاد املتبــادل حيــث تســاهم الصــن يف‬ ‫االســتقرار املالــي األمريكــي بدفــع عمليــات االســتثمارات مــن خــالل‬ ‫اســتفادة املســتثمرين مــن القــروض بفوائــد منخفضــة وميكــن اإلدارة‬ ‫األمريكيــة مــن اإلنفــاق احلكومــي‪ ،‬وباملقابــل فــإن الصــن بحاجــة إلــى‬ ‫اســتمرارية تدفــق ســلعها وخدماتهــا إلــى الســوق األمريكيــة‪.‬‬ ‫وانطال ًقــا مــن هــذه االعتبــارات اخلمــس املقدمــة‪ ،‬ميكــن أن نحــدد‬ ‫قواعــد اللعبــة االســتراتيجية األمريكية‪-‬البريطانية‪-‬االســترالية يف‬ ‫منطقــة الهنــدي‪ -‬الهــادي علــى أنهــا ســتخضع ملنطــق احتــواء الصــن‬ ‫بخيــارات عقالنيــة وواقعيــة‪ ،‬والتــي تعنــي الســعي الدائــم لفــرض‬ ‫ميــزان القــوة يف املنطقــة البحريــة مــن أجــل احلفــاظ علــى املصالــح‬ ‫األمريكيــة والدفــاع عــن حلفائهــا يف مواجهــة التمــدد الصينــي‪ ،‬وفــق‬ ‫قاعــدة أساســية تقــوم علــى تــوازن املصالــح التــي يحددهــا تــوازن‬ ‫الرعــب النــووي‪ ،‬أي حتجيــم الســلوك الصينــي الــذي يقــوم علــى‬ ‫سياســة توســعية صارمــة يف بحــر الصــن اجلنوبــي والشــرقي مــع‬ ‫فــرض األمــر الواقــع يف محيطهــا اجليوســتراتيجي التــي تريــد أن‬ ‫تخضــع كل املنافســن واخلصــوم لســيادتها الوطنيــة‪.‬‬ ‫إن الثقــل األعظــم ســيقع علــى عاتــق الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫التــي غيــرت بوصلتهــا االســتراتيجية نحــو منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‪،‬‬ ‫باعتبــار املنطقــة تشــكل الديناميكيــة التجاريــة والعســكرية التــي‬ ‫متنحهــا قيــادة العالــم مــن خــالل مبدئهــا اجليوسياســي الــذي يرتكــز‬ ‫علــى القــوة البحريــة‪ ،‬فمــن إجمالــي ســبعة اتفاقيــات للدفــاع املشــترك‬ ‫التــي وقعتهــا واشــنطن بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة خمســة منهــا‬ ‫مــع دول منطقــة الهــادي‪ ،‬اليابــان ‪1951‬م‪ ،‬الفلبــن ‪1952‬م‪ ،‬كوريــا‬ ‫اجلنوبيــة ‪1954‬م‪ ،‬أســتراليا –نيوزيالنــدا ‪1952‬م‪ ،‬وميثــاق مانيــال‬ ‫ســنة ‪1954‬م‪ ،‬مت حلــه ســنة‪1977‬م‪ ،‬ومــع إدارة بايــدن فــإن احللــف‬


‫‪42‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫انتقـــل مركـــز الثقـــل مـــن أوراســـيا إىل المحيـــط الهنـــدي ـ‬ ‫الهـــادئ والتحالفـــات الجديـــدة تحـــدد مســـتقبل النظـــام الـــدويل‬ ‫وعليــه‪ ،‬فــإن الهواجــس األمنية املســتقبلية لفرنســا واالحتــاد األوروبي‬ ‫متركــزت باألســاس حــول التغيــر اجليوســتراتيجي اجلوهــري الــذي‬ ‫تقــوده الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ -‬وبريطانيــا املنســحبة حديثـاً مــن‬ ‫االحتــاد األوروبــي‪ ،‬فيمــا يتعلــق باالنتقــال إلــى "احملــور اجلغــرايف‬ ‫للتاريــخ" اجلديــد املنافــس ألوراســيا‪ ،‬مــا جعــل الكثيــر مــن القــادة‬ ‫األوروبيــن يعيــدون طــرح الســؤال األمنــي ملــا بعــد نهايــة احلــرب‬ ‫البــاردة بصيغــة‪ ،‬مــا الفائــدة مــن اســتمرار احللــف األطلســي‪ ،‬الــذي‬ ‫وصفــه الرئيــس الفرنســي ماكــرون عندمــا وقفــت واشــنطن مــع تركيــا‬ ‫يف نــزاع شــرق املتوســط‪ ،‬بأنــه يعيــش حالــة املــوت اإلكلينيكــي‪ .‬فقــد‬ ‫عبــر جوزيــف بــورال‪ ،‬نائــب رئيــس اللجنــة األوروبيــة واملمثــل األعلــى‬ ‫للشــؤون اخلارجيــة والسياســة األمنيــة عــن هــذا القلــق األمنــي‬

‫بقولــه‪ ":‬ينتقــل مركــز ثقــل العالــم نحــو منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‬ ‫مبقاييــس اجليو‪-‬اقتصاديــة وكــذا اجليوسياســية‪ ،‬إال أن مســتقبل‬ ‫أوروبــا واملنطقــة ســتبقى مرتبطــة ببعضهــا البعــض"‪.‬‬

‫اللعبة االستراتيجية الجديدة القديمة يف منطقة الهندي‪-‬الهادي‪.‬‬ ‫يف الواقــع‪ ،‬فــإن اللعبــة االســتراتيجية اجلديدة‪-‬القدميــة يف منطقــة‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي ال ميكــن أن حتســم لصالــح أي طــرف يف املــدى‬ ‫املنظــور‪ ،‬وذلــك العتبــارات متداخلــة فيمــا بينهــا‪ ،‬أولهــا‪ ،‬أن منطقــة‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي مــن الناحيــة اجليوسياســية‪ ،‬هــي منطقــة تخضــع‬ ‫لــإلدراك االســتراتيجي املتناقــض ملصالــح كل القــوى املهتمــة واملعنيــة‬ ‫باملنطقــة‪ ،‬قــد تعنــي جغراف ًيــا كل الــدول املشــاطئة للمحيطــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪41‬‬

‫ملف العدد‬

‫اتفاق "أوكوس" وتأثيره على التحالفات العالمية والخليج‬

‫‪ 5‬اعتبارات تمنع الصدام واحتواء‬ ‫الصين بخيارات عقالنية‬ ‫أعــاد االتفــاق الثالثــي األســترالي‪-‬البريطاني‪-‬األمريكي املعــروف اختصــا ًرا باألحــرف األولــى لهــذه الــدول "أوكــوس"‬ ‫"‪ ،"UKUS‬واملتعلــق بالشــراكة األمنيــة والدفاعيــة يف مجــاالت الدفــاع الســيبراني‪ ،‬الــذكاء االصطناعــي وتقاســم املعلومــات‬ ‫االســتخباراتية‪ ،‬طــرح املقاربــات اجليوسياســية الكالســيكية املتعلقــة باحملــور اجلغــرايف للتاريــخ الــذي تتصــارع حولــه القــوى‬ ‫الدوليــة مــن أجــل بســط ســيطرتها وهيمنتهــا العامليــة‪ ،‬لكــن هــذه املــرة بتغيــر مركــز الثقــل اجلغــرايف مــن أوراســيا إلــى منطقــة‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي‪ ،‬حيــث ســتحدد التحالفــات الدوليــة اجلديــدة مســتقبل النظــام الدولــي املرتقــب تشــكله مــن حيــث طبيعــة‬ ‫الفواعــل األكثــر قــدرة ونفــو ًذا وتأثيـ ًرا يف هــذه املنطقــة البحريــة التــي جتمــع محيطــن متداخلــن وتزدحــم بقــوى دوليــة غيــر‬ ‫قانعــة بالوضــع القائــم يف مواجهــة قــوى دوليــة تريــد احلفــاظ علــى تفوقهــا االســتراتيجي العاملــي‪ ،‬وقــوى إقليميــة ترســم‬ ‫سياســتها اخلارجيــة باحملــددات االســتراتيجية للحــرب البــاردة‪ ،‬القائمــة علــى األحــالف العســكرية وســباق التســلح وبنــاء‬ ‫القواعــد العســكرية ملواجهــة اخلصــوم التقليديــن‪.‬‬

‫د‪ .‬مصطفى صايج‬

‫وعليــه نتســاءل يف هــذا الصــدد‪ ،‬عــن طبيعــة ودوافــع هــذا احللــف‬ ‫الثالثــي األســترالي‪-‬البريطاني‪-‬األمريكي وانعكاســاته علــى مســتقبل‬ ‫دول منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‪ ،‬وماهــي تأثيراتــه املســتقبلية إيجا ًبــا‬ ‫وســل ًبا علــى منطقــة اخلليــج والــدول العربيــة؟‬

‫تحالف أنجلوساكسوني يغضب أوروبا العجوز قبل الصين‪.‬‬ ‫مــن الصــدف التاريخيــة أنــه يف اليــوم ذاتــه الــذي مت اإلعــالن عــن‬ ‫ترســيم االتفــاق الثالثــي مــن قبــل كل مــن الرئيــس األمريكــي جــو‬ ‫بايــدن ورئيــس الــوزراء البريطانــي بوريــس جونســون والوزيــر األول‬ ‫األســترالي ســكوت موريســون‪ ،‬تزامــن يف اليــوم الــذي كشــف االحتــاد‬ ‫األوروبــي عــن اســتراتيجيته اجلديــدة جتــاه منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‪،‬‬ ‫رافقتــه الصدمــة الكبيــرة التــي أصابت الفرنســين من إلغاء أســتراليا‬ ‫لصفقــة القــرن املتعلقــة بشــراء اثنــي عشــرة غواصــة بحريــة بقيمــة‬ ‫‪ 56‬مليــار يــورو‪ ،‬التــي اعتبــرت ضربــة قويــة للصناعــة العســكرية‬ ‫الفرنســية لصالــح املركــب الصناعــي األمريكي‪-‬البريطانــي‪ ،‬عبــر‬ ‫عنهــا بألــم ومــرارة وزيــر اخلارجيــة الفرنســي‪ ،‬جــون إيــف لودريــان‪،‬‬

‫بأنهــا ضربــة خنجــر يف الظهــر مــن قبــل احللفــاء‪ ،‬ممــا جعــل باريــس‬ ‫تســتدعي ســفيريها مــن الواليــات املتحــدة وأســتراليا لالحتجــاج علــى‬ ‫مــا ســمته باألفعــال اخلطيــرة‪.‬‬ ‫ترتكــز الرؤيــة األوروبيــة املتعاطفــة مــع فرنســا فيمــا يخــص منطقــة‬ ‫الهندي‪-‬الهــادي علــى حلــم املنطقــة "الشــاملة" التــي جتمــع مجموعــة‬ ‫مــن األمم ال تقــوم علــى حتالفــات ضــد أيــة دولــة يف املنطقــة‪،‬‬ ‫تســمح بتجنــب الصــدام الصيني‪-‬األمريكــي وتعمــل علــى تقــارب بــن‬ ‫املنظمــات اجلهويــة ال ســيما بــن دول اآلســيان العشــرة‪.‬‬ ‫تخضــع هــذه الرؤيــة األوروبيــة للحســابات اجليو‪-‬اقتصاديــة‬ ‫اخلالصــة‪ ،‬كمــا عددتهــا اللجنــة األوروبيــة حــول اســتراتيجية االحتــاد‬ ‫األوروبــي مــن أجــل التعــاون يف منطقــة الهندي‪-‬الهــادي‪ ،‬حيــث‬ ‫تســتحوذ املنطقتــن األوروبية‪-‬والهنــدي الهــادي علــى ‪ 70‬باملائــة مــن‬ ‫التجــارة العامليــة للســلع واخلدمــات وأكثــر مــن ‪ 60‬باملائــة مــن تدفــق‬ ‫االســتثمارات املباشــرة األجنبيــة‪ ،‬ووصلــت قيمــة التبــادالت التجاريــة‬ ‫الســنوية بينهمــا ســنة ‪ 2019‬أكثــر مــن ‪ 1500‬مليــار أورو‪ ،‬وهــي بذلــك‬ ‫تتفــوق علــى كل املناطــق اجلغرافيــة يف العالــم‪.‬‬


‫‪40‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تعم ــل الغواص ــات النووي ــة بالم ــاء الخفي ــف المضغ ــوط بق ــدرة‬ ‫‪ 200‬ميج ــاوات لتش ــغيل المضخ ــة النفاث ــة المس ــؤولة ع ــن الحرك ــة‬ ‫مفاعــل األبحــاث يف مصــر (‪ 22‬ميجــاوات) والــذي بــدأ عملــه يف‬ ‫‪1998‬م‪ .‬ويهــدف هــذا النــوع مــن املفاعــالت باإلضافــة لألبحــاث‬ ‫العلميــة إلــى إنتــاج النظائــر املشــعة املســتخدمة يف التطبيقــات‬ ‫الســلمية كالطــب والزراعــة والصناعــة‪ .‬وأنشــأت أســتراليا ً‬ ‫أيضــا‬ ‫وبالتعــاون مــع مراكــز بحثيــة أمريكيــة مركــزًا ألبحــاث تخصيــب‬ ‫اليورانيــوم بأشــعة الليــزر‪ .‬وتوجــد ً‬ ‫أيضــا مخــازن للفضــالت النوويــة‬ ‫املشــعة والغيــر مشــعة بعضهــا بهــا مــواد تخــص بريطانيــا وليــس‬ ‫أســتراليا وهــو مــا تســبب أحيانــا يف بعــض اللبــس لــدى مفتشــي‬ ‫الوكالــة لصعوبــة التفرقــة بــن مــا متلكــه أســتراليا وبــن مــا متلكــه‬ ‫بريطانيــا يف أســتراليا‪.‬‬

‫كيف ستحصل أستراليا عى الوقود النووي للغواصات‪:‬‬ ‫أســتراليا ال متلــك إمكانيــات للتخصيــب التجــاري وال لتصنيــع الوقــود‬ ‫النــووي وحيــث أن وقــود املفاعــالت النوويــة يف الغواصــات التــي‬ ‫ســتحصل عليهــا أســتراليا هــو وقــود عالــي التخصيــب (أو منخفــض‬ ‫التخصيــب يف حــال اســتبداله) فــإن أســتراليا ســتعتمد علــى الواليــات‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا يف تخصيــب هــذا الوقــود وتصنيعــه‪.‬‬ ‫وهنــا ســيظهر دور الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة بضــرورة التفتيــش‬ ‫علــى هــذا الوقــود وكــذا علــى املفاعــالت النوويــة يف هــذه الغواصــات‬ ‫طب ًقــا اللتــزام أســتراليا بتوقيعهــا ملعاهــدة منــع انتشــار األســلحة‬ ‫النوويــة وكــذا اتفاقيــة الضمانــات والتفتيــش علــى كافــة املنشــآت‬ ‫واملــواد النوويــة التــي متلكهــا أســتراليا‪ .‬وبالقطــع ســتكون جتربــة‬ ‫التفتيــش علــى غواصــة نوويــة هــي األولــي يف تاريــخ الوكالــة حيــث لــم‬ ‫يســبق لهــا التفتيــش علــى أي وســائل نقــل بحريــة (ســفن – غواصــات‬ ‫– طوربيــدات ‪-‬وغيرهــم) باســتثناء التفتيــش علــى ســفينة واحــدة‬ ‫يابانيــة تســمى "موتســو" وهــي أول ســفينة يف اليابــان تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة منــذ ‪1969‬م‪ ،‬وحتــى عــام ‪1992‬م‪ ،‬حيــث توقفــت وحتولــت‬ ‫ملتحــف يف نفــس املدينــة موتســو بعــد نقــل الوقــود املشــع منهــا‪.‬‬

‫قراءات يف مستقبل الحلف الجديد‪:‬‬ ‫مــن غيــر املألــوف أن حلــف غربــي يجــد انتقــادات متعــددة مــن دول‬

‫غربيــة‪ ،‬بــل وشــريكة يف حلــف رئيســي واحــد وهــو حلــف شــمال‬ ‫األطلنطــي (أو حلــف الناتــو) رمبــا أكثــر مــن االنتقــادات مــن جانــب‬ ‫الــدول الشــرقية‪ .‬ورغــم أن هــذا احللــف اجلديــد لــم يتــم اإلعــالن‬ ‫عنــه رســم ًيا إال هــذا العــام فإنــه متواجــد فعل ًيــا مــن عشــرات الســنن‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وأســتراليا وهــي الــدول التــي تــكاد‬ ‫تكــون ذات اســتراتيجية وأهــداف متطابقــة‪.‬‬ ‫وقــد تشــاركت هــذه الــدول علــى مــدى عقــود مــن الزمــن يف العديــد‬ ‫مــن احلــروب والعمليــات العســكرية منهــا احلــرب العامليــة األولــى‬ ‫والثانيــة واحلــرب الكوريــة وحــرب فيتنــام وحــرب اخلليــج األولــى‬ ‫(‪1991‬م) والصومــال وشــرق تيمــور (إندونيســيا ‪1999‬م) وأفغانســتان‬ ‫والعــراق (‪2003‬م)‪.‬‬ ‫وقــد ارتبطــت أســتراليا مبعاهــدة حتالــف عســكري يف ‪1951‬م‪ ،‬مــع‬ ‫الواليــات املتحــدة األمريكيــة ســميت بـــمعاهدة انــذوس ومازالــت هــذه‬ ‫املعاهــدة فعالــة حتــى اآلن‪.‬‬ ‫ومــن املتوقــع أن يــزداد نشــاط هــذا التحالف يف أزمــات متوقعة قادمة‬ ‫خاصــة بقضيــة تايــوان والتهديــدات الصينيــة لهــا وكــذا تهديــدات‬ ‫كوريــا الشــمالية وأزمــة أوكرانيــا وجزيــرة القــرم واخلالفــات الروســية‬ ‫وغيرهــا‪ .‬أمــا االعتــراض الفرنســي فســيجد األمريــكان لــه حــل‬ ‫بالتعــاون معهــا يف صفقــة جديــدة تعوضهــا عــن خســارتها لصفقــة‬ ‫الغواصــات األســترالية‪.‬‬

‫* ﻛﺒري ﺧﱪاء اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬرﻳﺔ ـ ﻋﻀﻮ اﳌﺠﻠﺲ اﳌﴫي ﻟﻠﺸﺆون‬ ‫اﻟﺨﺎرﺟﻴﺔ ــ رﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﻀامﻧﺎت وﻛﺒري ﻣﻔﺘﴚ اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬرﻳﺔ‬ ‫ﺳﺎﺑﻘًﺎ ـ أﺳﺘﺎذ ورﺋﻴﺲ ﻗﺴﻢ اﻟﻬﻨﺪﺳﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ ﺳﺎﺑﻘًﺎ ـ ﺣﺎﺻﻞ ﻋﲆ ﺟﺎﺋﺰة ﻧﻮﺑﻞ‬ ‫ﻟﻠﺴﻼم ﻋﺎم ‪2005‬م‪ ،‬ﺑﺎﳌﺸﺎرﻛﺔ ﻣﻊ اﻟﻮﻛﺎﻟﺔ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ﻟﻠﻄﺎﻗﺔ اﻟﺬرﻳﺔ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪39‬‬

‫ملف العدد‬

‫اﻟﺴﻔﻴﻨﺔ اﻟﻴﺎﺑﺎﻧﻴﺔ ﻣﻮﺗﺴﻮ واﻟﺘﻲ ﺗﻌﻤﻞ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ واﻟﺘﻲ ﻗﻄﻌﺖ ‪ ٨٣‬أﻟﻒ ﻛﻴﻠﻮﻣﱰ )ﺗﻌﺎدل دورﺗني ﻛﺎﻣﻠﺘني ﺣﻮل اﻷرض( ﻗﺒﻞ ﺧﺮوﺟﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﺨﺪﻣﺔ‬

‫الغواصـــات النوويـــة تكســـح الجليـــد وتحمـــل صواريـــخ كـــروز‬ ‫الذريـــة وتقـــوم بالمراقبـــة والتجســـس يف أعمـــاق المحيطـــات‬ ‫هــذه القنابــل مــن نــوع البلوتونيــوم وتســببت يف حــدوث تلوث إشــعاعي‬ ‫واســع يف هــذه املناطــق‪ .‬وعقــب حكــم قضائــي بإرجــاع أراضــي‬ ‫التجــارب النوويــة لســكان أســتراليا األصليــن تعاونــت أســتراليا‬ ‫وبريطانيــا يف إزالــة آثــار التجــارب النوويــة وإزالــة التلــوث اإلشــعاعي‬ ‫النــاجت عنهــا‪ .‬وبعــد مــا يقــرب مــن ثالثــون عا ًمــا مــن العمــل الشــاق مت‬ ‫إعــادة هــذه املناطــق حلالتهــا األصليــة حلــد كبيــر‪.‬‬ ‫وبصــورة رســمية لــم تشــارك الدولــة أو احلكومــة االســترالية‬ ‫يف برنامــج الســالح النــووي البريطانــي بــل ســارعت أســتراليا يف‬ ‫املوافقــة والتوقيــع ثــم التصديــق علــى معاهــدة منــع انتشــار األســلحة‬ ‫النوويــة والتــي بــدأ تطبيقهــا مــن عــام ‪1970‬م‪ ،‬كدولــة ال متلــك أســلحة‬ ‫نوويــة وتعهــدت بــأال تســعى لهــذا وأن تكــون كل اســتخداماتها للطاقــة‬ ‫النوويــة يف املجــال الســلمي ويف عــام ‪1974‬م‪ ،‬وقعــت أســتراليا‬ ‫اتفــاق للضمانــات والتفتيــش علــى كافــة املنشــآت واملــواد النوويــة مــع‬ ‫الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة وهــي الوكالــة املنــوط بهــا التأكــد مــن‬

‫تنفيــذ الــدول املوقعــة علــى معاهــدة منــع انتشــار األســلحة النوويــة‬ ‫بتنفيــذ التزاماتهــا يف االســتخدام الســلمي فقــط للطاقــة النوويــة‪.‬‬ ‫ويف عــام ‪1997‬م‪ ،‬وقعــت أســتراليا علــى اتفــاق الضمانــات اإلضــايف‬ ‫كأول دولــة توقعــه وتنفــذه ممــا ســمح ملفتشــي الوكالــة بالتفتيــش‬ ‫املفاجــئ علــى بعــض منشــآتها املرتبطــة باألنشــطة النوويــة حتــى‬ ‫ولــو لــم يكــن بهــا أيــة مــواد نوويــة‪ .‬وقــد شــارك مفتشــو الوكالــة بعــد‬ ‫توقيــع أســتراليا علــى البروتوكــول اإلضــايف يف زيــارة مواقــع التجــارب‬ ‫النوويــة البريطانيــة هــذه وعمليــات جتميــع بواقــي مــادة البلوتونيــوم‬ ‫مــن القنابــل املســتخدمة وللتأكــد مــن عــدم إعــادة اســتخدامها يف‬ ‫األســلحة النوويــة‪.‬‬ ‫أمــا عــن املنشــآت النوويــة يف أســتراليا فأهمهــا هــو مركــز البحــوث‬ ‫النوويــة يف لــوكاس هايــت علــى بعــد حوالــي ‪ 50‬كــم جنــوب غــرب‬ ‫مدينــة ســيدني‪ .‬وأهــم املنشــآت النوويــة يف هــذا املركــز هــو املفاعــل‬ ‫األرجنتينــي (أوبـــال) ذو القــدرة ‪ 20‬ميجــاوات حــراري وهــو مفاعــل‬ ‫بــدأ تشــغيله مــن عــام ‪2007‬م‪ ،‬بتصميــم أرجنتينــي وهــو نفــس نــوع‬


‫‪38‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ﻣﻮاﻗﻊ ﺗﺠﺎرب اﻟﺘﻔﺠريات اﻟﻨﻮوﻳﺔ اﻟـ ‪ ١٢‬أﺟﺮﺗﻬﺎ ﺑﺮﻳﻄﺎﻧﻴﺎ ﻓﻮق اﻷرض ﰲ ﺛﻼﺛﺔ ﻣﻮاﻗﻊ أﺳﱰاﻟﻴﺔ‬

‫س ــرعتها (‪ 46‬ك ــم ‪/‬س) بتكلف ــة أق ــل م ــن الفرنس ــية الت ــي زادت‬ ‫خ ــالل ‪ 3‬س ــنوات إىل ‪ 90‬ملي ــار دوالر‬ ‫األمريكيــة وموافقــة أمريــكا علــى نقــل التكنولوجيــا املتطــورة وتبــادل‬ ‫املعلومــات كانــت مــن األســباب الرئيســية إللغــاء أســتراليا لصفقــة‬ ‫الغواصــات الفرنســية وإبدالهــا بالغواصــات النوويــة األمريكيــة‪ .‬ومــن‬ ‫املفتــرض أن تســتلم أســتراليا الغواصــات األمريكيــة يف ‪2030‬م‪،‬‬ ‫وهــو موعــد يســبق املوعــد الفرنســي الســابق بتســليم غواصاتهــا يف‬ ‫‪2035‬م‪ ،‬ومتلــك أســتراليا حال ًيــا ‪ 6‬غواصــات تعمــل بالديــزل ويتوقــع‬ ‫أن تســحب هــذه الغواصــات مــن اخلدمــة يف ‪2036‬م‪.‬‬

‫إمكانيات أستراليا النووية وقدرتها عى تملك أسلحه نووية‪:‬‬ ‫أســتراليا هــي أكبــر جزيــرة يف العالــم يف املســاحة تقــع بــن احمليــط‬ ‫الهــادئ يف الشــرق واحمليــط الهنــدي يف الغــرب ومتثــل أســتراليا قــارة‬ ‫كاملــة وهــي دولــة مــن دول الكومونولــث البريطانــي ومازالــت حتــى‬ ‫اآلن تخضــع للتــاج البريطانــي وملكتهــا أليزابيــث الثانيــة ومــن ثــم‬ ‫فــال يوجــد لديهــا رئيــس آخــر للدولــة ولكــن توجــد حكومــة منتخبــة‬ ‫ولهــا رئيــس للــوزراء وهــو مــن يديــر شــؤون البــالد مــع برملــان منتخــب‪.‬‬

‫وألن أســتراليا كانــت ومازالــت حتــت التــاج البريطانــي فــإن بريطانيــا‬ ‫قامــت بأنشــطة نوويــة متعــددة يف أســتراليا أغلبهــا أنشــطة نوويــة‬ ‫عســكرية وأنشــأت عــدة مراكــز نوويــة لألبحــاث املتعلقــة بالســالح‬ ‫النــووي يف الفتــرة مــن األربعينــات وحتــى الســتينات مــن القــرن‬ ‫املاضــي‪ .‬ويف ‪ 3‬أكتوبــر ‪1952‬م‪ ،‬فجــرت بريطانيــا أول قنبلــة ذريــة لهــا‬ ‫فــوق ســطح األرض يف جزيــرة مونــت بلــو املالصقــة جلزيــرة أســتراليا‬ ‫يف الغــرب يف احمليــط الهــادئ‪ .‬ويف الفتــرة مــن ‪ 1952‬م‪ ،‬إلــى ‪1957‬م‪،‬‬ ‫أجــرت بريطانيــا ‪ 12‬جتربــة لتفجيــرات نوويــة (كلهــا فــوق ســطح‬ ‫األرض) بخــالف مئــات مــن التجــارب النوويــة الصغيــرة املتعلقــة‬ ‫بتطويــر القنابــل الذريــة البريطانيــة يف ثــالث مناطــق يف أســتراليا‬ ‫هــي جزيــرة مونــت بلــو غــرب أســتراليا يف احمليــط الهــادئ اجلنوبــي‬ ‫(‪ 3‬تفجيــرات) ومارالينجــا – جنــوب غــرب أســتراليا (‪ 7‬تفجيــرات)‬ ‫ومنطقــة أمــو يف صحــراء جنــوب غــرب أســتراليا (تفجيــران)‪ .‬وبلغــت‬ ‫القــوة التدميريــة املجمعــة لهــذه التفجيــرات أكثــر مــن ‪ 180‬كيلوطــن‬ ‫مــن مــادة ال تــي ان تــي (أكثــر مــن ‪ 10‬مــرات قنبلــة هيروشــيما) أغلــب‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪37‬‬

‫ملف العدد‬

‫ﺻﻮرة ﺣﻘﻴﻘﻴﺔ ﻟﻐﻮاﺻﺔ أﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻣﻦ ﻧﻮع ﻓريﺟﻴﻨﻴﺎ‬

‫الغواص ــات تق ــوم بتحلي ــة المي ــاه لتوفي ــر مي ــاه الش ــرب وتفص ــل‬ ‫األكس ــجين ع ــن الهيدروجي ــن م ــن مي ــاه البح ــر لتوفي ــر األكس ــجين‬ ‫بريطانــي مــن نــوع فيرجينيــا وهــي غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‬ ‫ورغــم قدرتهــا علــى حمــل صواريــخ نوويــة طوافــة (صواريــخ كــروز)‬ ‫إال أن الغواصــات األســترالية ال حتمــل هــذه الصواريــخ لتعارضهــا‬ ‫مــع التــزام أســتراليا بتوقيعهــا علــى معاهــده منــع انتشــار األســلحة‬ ‫النوويــة التــي حتظــر عليهــا متلــك أيــة أســلحة نوويــة‪ .‬هــذا النــوع‬ ‫مــن الغواصــات األمريكيــة بــدأ بنــاؤه يف عــام ‪2000‬م‪ ،‬وبــدأ تشــغيل‬ ‫أول غواصــة منــه عــام ‪2004‬م‪ ،‬ومتلــك أمريــكا ‪ 19‬غواصــة مــن هــذا‬ ‫النــوع يف أســطولها البحــري العســكري‪ .‬ويبلــغ أقصــى عمــق ميــاه‬ ‫تبلغــه الغواصــة ‪ 280‬متـ ًرا وطولهــا ‪ 140‬متـ ًرا وتعمــل مبفاعــل نــووي‬ ‫مــن نــوع ج‪9‬س وهــو مــن أنــواع مفاعــالت املــاء اخلفيــف املضغــوط‬ ‫وبقــدرة ‪ 210‬ميجــاوات حــراري وتبلــغ ســرعة الغواصــة ‪ 25‬عقــدة‬ ‫أو ‪ 46‬كــم‪/‬س وال يوجــد قيــود للمســافة التــي تقطعهــا أو للمــدة‬ ‫الزمنيــة لعملهــا دون توقــف ســوى توافــر األكل واحلاجــة للصيانــة‬ ‫(تصــل مــده بقائهــا يف أعمــاق البحــار واحمليطــات الــى عــدة أشــهر‬ ‫متواصلــة)‪ .‬وجديــر بالذكــر أن الطاقــة النوويــة يف هــذه الغواصــات‬

‫تســتخدم ً‬ ‫أيضــا يف حتليــة ميــاه البحــر املاحلــة لتوفيــر ميــاه الشــرب‬ ‫وكــذا تســتخدم لفصــل األكســجن عــن الهيدروجــن مــن ميــاه البحــر‬ ‫لتوفيــر األكســجن الــالزم للتنفــس‪.‬‬

‫أسباب إلغاء أستراليا لصفقة الغواصات الفرنسية‪:‬‬ ‫أشــارت اجلهــات القريبــة مــن القــرار األســترالي بــأن أغلــب أســبابها‬ ‫فنيــة واقتصاديــة‪ .‬وكانــت أهــم األســباب الفنيــة هــي قــدرة الغواصات‬ ‫النوويــة األمريكيــة علــى العمــل ملســافات طويلــة دون احلاجــة لتغييــر‬ ‫وقودهــا النــووي وأن قيودهــا الزمنيــة يف االســتمرار يف العمــل ترتبــط‬ ‫فقــط بتوافــر التمويــن الغذائــي والطبــي وكــذا احلاجــة للصيانــة‪.‬‬ ‫كمــا أن ســرعة الغواصــات األمريكيــة (‪ 46‬كــم‪/‬س) تتخطــى كثي ـ ًرا‬ ‫الغواصــات الفرنســية (‪ 32‬كــم‪/‬س)‪ .‬ورغــم أن تكاليــف الصفقــة‬ ‫األمريكيــة لــم تعلــن علــى أنــه مــن املتوقــع أن تكــون أقــل مــن تكاليــف‬ ‫الصفقــة الفرنســية التــي زادت يف ‪ 3‬ســنوات مــن ‪ 50‬بليــون دوالر‬ ‫ل ‪ 90‬بليو ًنــا‪ .‬كمــا أن مشــاركة الصناعــة األســترالية يف الصفقــة‬


‫‪36‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أﺣﺪ اﻟﻐﻮاﺻﺎت اﻟﻨﻮوﻳﺔ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻮوﻳﺔ اﳌﻨﺘﺠﺔ ﻣﻦ ﻣﻔﺎﻋﻞ ﻗﺪرة ﻧﻮوﻳﺔ‬

‫"الغواص ــات" تعم ــل بوج ــود مفاعل نووي لتوليد الطاقة الحرارية‬ ‫والكهربي ــة لدف ــع وتحري ــك وتش ــغيل الغواص ــة لمس ــافات طويل ــة‬ ‫اســتخدامها يف صناعــة بعــض أنــواع األســلحة النوويــة‪.‬‬

‫تفاصيل اتفاق الغواصات الفرنسية‪:‬‬ ‫اتفــق علــى تصنيــع وتوريــد ‪ 12‬غواصــة تصميــم فرنســي مــن نــوع‬ ‫غواصــات الباركــود وهــي ال تعمــل بالطاقــة النوويــة وتعمــل بالديــزل‬ ‫ويف فبرايــر ‪2019‬م‪ ،‬مت توقيــع اتفــاق شــراكه بــن فرنســا وأســتراليا‬ ‫لبنــاء هــذه الغواصــات ولكــن أدخلــت فرنســا عــد ًدا مــن التغييــرات‬ ‫الفنيــة يف تصميــم هــذه الغواصــات ممــا أدي لزيــادة تكاليــف هــذه‬ ‫الصفقــة مــن ‪ 50‬بليــون دوالر يف بدايتهــا إلــى ‪ 90‬بليــون بعــد ذلــك‬ ‫وهــو مــا أدى إلثــارة بعــض القلــق يف أســتراليا وأدى لتفكيرهــا يف‬ ‫بدائــل جعلهــا تلغــي االتفــاق مــن جانــب واحــد يف ســبتمبر ‪2021‬م‪،‬‬ ‫بعــد إعــالن اتفــاق التحالــف األمريكــي ‪ /‬البريطانــي ‪ /‬األســترالي‬ ‫واســتبدال صفقــة الغواصــات الفرنســية بصفقــة غواصــات نوويــة‬ ‫أمريكيــة بريطانيــة‪ .‬وأدى هــذا اإللغــاء لغضــب شــديد للحكومــة‬ ‫الفرنســية حتــى إنهــا هــددت بســحب ســفيريها مــن واشــنطن‬

‫وكانبيــرا وأحملــت لتأثيرهــا علــى أنشــطة حلــف الناتــو وهــو احللــف‬ ‫الغربــي الــذي تشــارك فيــه ‪ 30‬دولــة أغلبهــا أوروبــي وبــه فرنســا‬ ‫وبريطانيــا والواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ .‬ورغــم ان أســتراليا ليســت‬ ‫عض ـ ًوا رســم ًيا يف حلــف الناتــو إال إنهــا شــريكة هامــة لــه وشــاركت‬ ‫يف العديــد مــن مهامــه مثــل غــزو العــراق يف ‪ 1991‬ويف ‪2003‬‬ ‫وكــذا شــاركت الواليــات املتحــدة يف غــزو أفغانســتان بعــد أحــداث‬ ‫‪ 11‬ســبتمبر ‪2001‬م‪ ،‬يف أمريــكا‪ .‬وهــددت فرنســا ً‬ ‫أيضــا بـــتقدمي‬ ‫شــكاوى ضــد أســتراليا للمطالبــة بتعويضــات ماديــة كبيــرة ممــا دعــا‬ ‫الرئيــس األمريكــي جــو بايــدن حملاولــة تهدئــة األمــور والقيــام بعــدة‬ ‫اتصــاالت مــع الرئيــس الفرنســي إميانويــل ماكــرون واتفقــا علــى لقــاء‬ ‫أواخــر أكتوبــر لتوضيــح األمــور ورمبــا لالتفــاق علــى صفقــة أمريكيــة‬ ‫فرنســية بديلــة‪.‬‬

‫تفاصيل اتفاق الغواصات األمريكية البريطانية‪:‬‬ ‫اتفــق علــى تصنيــع وتوريــد ‪ 8‬غواصــات تصميــم أمريكــي بتعــاون‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪35‬‬

‫ملف العدد‬

‫تفاصيل الصفقة ألستراليا وآثار إعالن التحالف العسكري الثالثي الجديد‬

‫"الغواصات" تبحر يف عمق ‪ 280‬مت ًرا بمفاعل‬ ‫"ج ‪ 9‬س" بقوة ‪ 210‬ميجاوات‬ ‫يف ‪ 15‬ســبتمبر ‪2021‬م‪ ،‬أعلــن عــن اتفــاق حتالــف عســكري جديــد يضــم أســتراليا واململكــة املتحــدة والواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة وأطلــق علــى هــذا التحالــف اســم أواكــس‪ ،‬ويهــدف هــذا احللــف لدعــم التحديــات األمنيــة ألســتراليا يف منطقــه‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ إضافــة لبحــر الصــن يف آســيا القصــوى‪ .‬ويف هــذا االتفــاق تعهــدت الواليــات املتحــدة واململكــة‬ ‫املتحــدة بتوريــد عــدد مــن الغواصــات ألســتراليا تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬ورغــم أن إعــالن اتفــاق التحالــف لــم يذكــر صراحــة‬ ‫الغــرض الرئيســي لهــذه الصفقــة أو دوافعهــا السياســية واالســتراتيجية لكنــه ذكــر أنهــا لدعــم وســائل األمــن وتكنولوجيــا‬ ‫أساســا ملجابهــة النفــوذ الصينــي املتنامــي يف هــذه‬ ‫الصناعــة يف أســتراليا‪ .‬ولكــن املفهــوم بوضــوح أن هــذه الصفقــة موجهــة‬ ‫ً‬ ‫املنطقــة وكذلــك دعــم التــوازن الغربــي يف مجابهــة الشــرق ســواء يف الصــن أو روســيا‪ .‬وجــاءت هــذه الصفقــة يف توقيــت‬ ‫حــدوث توتــرات شــديدة يف قضيــة تايــوان ورفــض الصــن لكافــة احللــول النفصــال تايــوان عنهــا ومجابهــة التعــاون العســكري‬ ‫مــع الغــرب‪ .‬ورمبــا هــذا احللــف اجلديــد ســيكون لــه دور هــام يف هــذه األزمــة‪ .‬كمــا أن تصاعــد اخلالفــات مــع روســيا خاصــة‬ ‫بشــأن احلــرب يف أوكرانيــا وضــم روســيا جلزيــرة القــرم األوكرانيــة توحــي باحتمــاالت العــودة لزمــن احلــرب البــاردة‪.‬‬

‫د‪ .‬يسري أبو شادي‬

‫وقــد أدت صفقــة الغواصــات النوويــة هــذه إلــى إلغــاء أســتراليا‬ ‫لصفقــة شــراء غواصــات غيــر نوويــة برمتهــا مــع فرنســا يف أبريــل‬ ‫‪2016‬م‪.‬‬

‫ما هي الغواصات النووية‪:‬‬ ‫كلمــه نوويــة قــد تــؤدي للخلــط بــن الغواصــات التــي حتمــل أســلحة‬ ‫نوويــة وبــن الغواصــات التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬واملقصــود هنــا‬ ‫هــي الغواصــات التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة مــن خالل وجــود مفاعل‬ ‫نــووي لتوليــد الطاقــة احلراريــة والكهربيــة الالزمــن لدفــع وحتريــك‬ ‫وتشــغيل الغواصــة ملســافات طويلــة ولفتــرات زمنيــة كبيــرة دون‬ ‫احلاجــة لتغييــر وقودهــا النــووي عكــس مــا يتطلبــه الوقــود البترولــي‬ ‫املســتخدم يف الغواصــات التقليديــة‪ .‬وبســبب قــدرة الغواصــات‬ ‫النوويــة العاليــة فيمكنهــا مــن أداء مهــام شــاقة مثــل كاســحات‬ ‫اجلليــد وحمــل الصواريــخ النوويــة الطوافــة (صواريــخ كــروز)‬

‫وأعمــال املراقبــة والتجســس يف أعمــاق البحــار واحمليطــات‪ .‬وتعمــل‬ ‫الغواصــات النوويــة مبفاعــالت طاقــة نوويــة مــن نــوع املــاء اخلفيــف‬ ‫املضغــوط وبقــدرة تصــل ألكثــر مــن ‪ 200‬ميجــاوات حــراري يســتخدم‬ ‫جــزء كبيــر مــن هــذه الطاقــة احلراريــة يف تشــغيل املضخــة النفاثــة‬ ‫املســؤولة عــن احلركــة‪ .‬والوقــود املســتخدم يف هــذه املفاعــالت هــو‬ ‫يورانيــوم عالــي التخصيــب (بدرجــه أكثــر مــن ‪ )90%‬لتقليــل احلجــم‬ ‫الفيزيقــي للوقــود ولضمــان اســتمرار حروجــة املفاعــل (اســتمرارية‬ ‫االنشــطار النــووي املتسلســل) وعملــه لفتــرة طويلــة دون تغييــر هــذا‬ ‫الوقــود‪ .‬ومنــذ التســعينات بــدأت محــاوالت متعــددة الســتبدال هــذا‬ ‫الوقــود العالــي التخصيــب بوقــود يورانيــوم منخفــض التخصيــب (اقــل‬ ‫مــن ‪ )20%‬مــع زيــادة كثافــة ســبيكة الوقــود املصنــع ونســبة تركيــزه‬ ‫لتعويــض خفــض درجــة التخصيــب طب ًقــا للمبــادرة العامليــة للحــد‬ ‫مــن اســتخدام اليورانيــوم العالــي التخصيــب وهــي املــادة التــي ميكــن‬


‫‪34‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫كان ع ــل أمري ــكا إع ــادة النظ ــر يف توظي ــف الق ــوة والعقوب ــات‬ ‫بع ــد هزيمته ــا يف أفغانس ــتان‬ ‫مبنطقتنا أو حتى االنسحاب منها‪.‬‬ ‫يثيــر هــذا األمــر أســئلة عديــدة لعــل أهمهــا ســؤاالن أولهمــا‬ ‫هــل حقــاً ميكــن أن تنســحب الواليــات مــن املنطقــة؟ والثانــي هــل‬ ‫هــذا التراجــع ينطــوي علــى مضامــن إيجابيــة بالنســبة لنــا؟ وبنــا ًء‬ ‫علــى اإلجابــة علــى هذيــن الســؤالن ميكــن محاولــة اإلجابــة علــى‬ ‫ســؤال‪ :‬مــا العمــل؟ أمــا انســحاب الواليــات املتحــدة مــن املنطقــة‬ ‫فهــو مســتحيل علــى األقــل يف ظــل االلتــزام األمريكــي الصــارم بأمــن‬ ‫إســرائيل واملصالــح االقتصاديــة الضخمــة للواليــات املتحــدة يف‬ ‫املنطقــة العربيــة وعلــى رأســها مبيعــات الســالح وشــركات البتــرول‪،‬‬ ‫فالواليــات املتحــدة تــدرك بالتأكيــد أن الــدول العربيــة قــادرة علــى‬ ‫إيجــاد بدائــل لهــا يف تلبيــة احتياجاتهــا احليويــة‪ ،‬وليــس منطقيــاً‬ ‫أو ممكن ـاً أن تضحــي بســهولة مبصاحلهــا لدينــا‪ ،‬وكل مــا يف األمــر‬ ‫أنهــا قــد تغيــر مــن أدوات تنفيــذ سياســتها يف املنطقــة كالعــزوف عــن‬ ‫املغامــرات العســكرية مثــ ً‬ ‫ال‪ ،‬أمــا الســؤال اخلــاص مبــدى إيجابيــة‬ ‫تراجــع االهتمــام األمريكــي باملنطقــة بالنســبة لنــا فمــن املؤكــد أن‬ ‫هــذا التراجــع ينطــوي علــى أبعــاد إيجابيــة بالنســبة لنــا علــى األقــل‬ ‫ألنــه يقينــا شــر املغامــرات األمريكيــة غيــر احملســوبة يف املنطقــة‬

‫كمغامــرة غــزو العــراق التــي أدت إلــى تأجيــج الفتنــة الطائفيــة يف‬ ‫النظــام العربــي وتفاقــم اإلرهــاب علــى نحــو غيــر مســبوق واستشــراء‬ ‫النفــوذ اإليرانــي يف العــراق‪ ،‬غيــر أن هــذا ال ميثــل ســوى بعــد واحــد‬ ‫مــن أبعــاد تداعيــات التراجــع األمريكــي يف املنطقــة‪ ،‬أمــا البعــد الثاني‬ ‫املهــم الــذي يجــب علينــا إعطــاءه حقــه مــن االهتمــام الواجــب فهــو أن‬ ‫ذلــك التراجــع ســوف يفتــح شــهية القــوى اإلقليمية الرئيســية احمليطة‬ ‫بنــا ملزيــد مــن اختــراق املنطقــة‪ ،‬ولــكل منهــا مشــروعه الــذي ينطــوي‬ ‫علــى تصــادم واضــح مــع مصاحلنــا‪ ،‬ولذلــك فــإن مهمتنــا الرئيســية‬ ‫مــن اآلن يجــب أن تركــز علــى ضــرورة التوصــل إلــى الصيغــة املثلــى‬ ‫مــن وجهــة نظرنــا للعالقــة بهــذه القــوى والتــي مــن شــأنها أن حتمينــا‬ ‫مــن أطماعهــا وتتيــح لنــا فــرص االســتفادة مــن التالقــي احملتمــل ولــو‬ ‫اجلزئــي بــن مصاحلنــا ومصاحلهــم‪ ،‬ولــن يكــون يف مقدورنــا التوصــل‬ ‫إلــى هــذه الصيغــة فــرادى ومــن ثــم فــإن اخلطــوة األولــى يف هــذا‬ ‫الصــدد يجــب أن تبــدأ بإصــالح النظــام العربــي‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﻛﻠﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد واﻟﻌﻠﻮم اﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ـ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻘﺎﻫﺮة‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫رؤية للتداعيات‬ ‫رأينــا مــا أدى إليــه إعــالن الشــراكة االســتراتيجية الثالثيــة اجلديــدة‬ ‫مــن تداعيــات شــديدة الغضــب علــى الصعيــد الفرنســي مــع تعاطــف‬ ‫أوروبــي واضــح ممــا يفضــي إلــى ضــرورة التأمــل يف تأثيــر هــذه‬ ‫التداعيــات علــى صعيــد التحالــف الغربــي مــن املنظور االســتراتيجي‪،‬‬ ‫كمــا أنــه مــن الضــروري بطبيعــة احلــال النظــر يف رد فعــل اجلانــب‬ ‫املســتهدف بهــذه الشــراكة وهــو الصــن‪.‬‬ ‫أمــا عــن التداعيــات علــى الصعيديــن الفرنســي واألوروبــي فقــد‬ ‫ســبقت اإلشــارة بدرجــة كافيــة إلــى ردود الفعــل الفرنســية احلــادة‬ ‫واملبــررة‪ ،‬وإن كان ممــا ال شــك فيــه أن وقــوع االنتخابــات الرئاســية‬ ‫الفرنســية القادمــة علــى مقربــة أشــهر مــن إعــالن الشــراكة رمبــا‬ ‫يكــون قــد زاد مــن حــدة ردود األفعــال‪ ،‬أمــا االحتــاد‬ ‫األوروبــي فقــد كان مــن الطبيعــي أن يتعاطــف مــع‬ ‫املوقــف الفرنســي ويتبنــاه وإن بــدون التعبيــرات‬ ‫شــديدة احلــدة التــي اتســم بهــا‪ ،‬فــال شــك أن لفرنســا‬ ‫وزنهــا القيــادي يف االحتــاد كمــا أن اتفاقيــة الشــراكة‬ ‫الثالثيــة وإن أصابــت املصالــح الفرنســية بضربــة‬ ‫قويــة مباشــرة إال أن داللتهــا بالنســبة ألوروبــا غيــر‬ ‫خافيــة‪ ،‬خاصــة وأنهــا جتــئ يف ســياق تسلســل يشــي‬ ‫بخلـ ٍـل مــا يف النظــرة األمريكيــة ألوروبــا‪ ،‬وإذا اكتفينــا‬ ‫بالســنوات األخيــرة ســوف جنــد إرث ســنوات واليــة‬ ‫ترامــب الــذي تعامــل مــع حلفائــه األوروبيــن بفجاجــة حتــى وإن كان‬ ‫محقــاً يف بعــض مطالباتــه‪ ،‬ولــم يخــف عــداءه لالحتــاد األوروبــي‪،‬‬ ‫وبعــد أن بــدا أن خلفــه جــو بايــدن يصلــح مــا أفســده فــإن وقائــع مثــل‬ ‫التجســس علــى قــادة أوربيــن وعــدم التشــاور مــع حلفائــه األوروبيــن‬ ‫يف إدارة الكارثــة األفغانيــة وأخيــراً وليــس آخــراً عــدم التشــاور أو‬ ‫اإلبــالغ عــن تأســيس الشــراكة االســتراتيجية الثالثيــة اجلديــدة‬ ‫كلهــا مؤشــرات علــى اســتخفاف أمريكــي بأوروبــا البــد وأن تكــون لــه‬ ‫تداعياتــه املســتقبلية‪ ،‬وإذا كانــت ردود الفعــل الفرنســية واألوروبيــة‬ ‫احلــادة ميكــن أن تــذوى علــى املــدى القصيــر خاصــة مــع التصريحــات‬ ‫األمريكيــة الرســمية التصاحليــة عــن قــوة العالقــات مــع فرنســا‬ ‫واســتدامتها مبــا يف ذلــك يف مجــال التعــاون العســكري فــإن اآلثــار‬ ‫االســتراتيجية بعيــدة املــدى ال ميكــن تفاديهــا خاصــة وأن النــزوع إلــى‬ ‫بنــاء خيــار دفاعــي أوروبــي مســتقل قــدمي قِ ـ َدم احللــم األوروبــي ذاتــه‪،‬‬ ‫وإن كان عــدم التوافــق األوروبــي حولــه قــد ســبب تعثــره‪ ،‬لكــن أنصــاره‬ ‫املتحمســن لــه لــم يتخلــوا عنــه أبــداً‪ ،‬ومــع كل واقعــة تشــير إلــى‬ ‫عــدم إيــالء السياســة األمريكيــة االعتبــار الــكايف ألوروبــا يف قراراتهــا‬ ‫املصيريــة فــإن هــؤالء األنصــار يجــدون املزيــد مــن احلجــج لتأكيــد‬ ‫وجاهــة منطــق اخليــار الدفاعــي األوروبــي املســتقل عــن الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬ورمبــا يكــون التنافــس األمريكي‪-‬الصينــي قــد عــزز هــذا‬ ‫املنطــق نظــراً للتبايــن بــن الرؤيتــن األمريكيــة واألوروبيــة للصــن‪،‬‬ ‫فبينمــا تضعهــا الواليــات املتحــدة علــى قمــة املخاطــر التــي تواجههــا‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪33‬‬

‫ملف العدد‬

‫يــرى اجلانــب األوروبــي وبالــذات الفرنســي واألملانــي ضــرورة تبنــي‬ ‫مقاربــة متوازنــة جتــاه الصــن نظــراً حلالــة االعتمــاد املتبــادل القويــة‬ ‫القائمــة معهــا‪ ،‬وقــد مارســت الواليــات املتحــدة يف االجتمــاع األخيــر‬ ‫حللــف األطلنطــي ضغوطــاً حقيقــة كــي يعبــر البيــان الصــادر عــن‬ ‫االجتمــاع عــن وجهــة نظرهــا بشــأن اخلطــر الصينــي إال أن البيــان‬ ‫عكــس يف النهايــة اإلصــرار األملاني‪-‬الفرنســي علــى ضــرورة تبنــي‬ ‫مقاربــة متوازنــة جتــاه الصــن‪ ،‬ويعنــي هــذا أن إدارة العالقــات مــع‬ ‫الصــن ســوف متثــل شــرخاً جديــداً يف التحالــف الغربــي‪.‬‬ ‫أمــا الصــن فمــن البديهــي أن تعتــرض علــى االتفــاق باعتبارهــا‬ ‫املســتهدفة األولــى منــه فاعتبرتــه تقويضــاً لالســتقرار اإلقليمــي‬ ‫وحتريضـاً علــى مزيــد مــن ســباق التســلح يف املنطقــة بالنظــر إلــى مــا‬ ‫تضمنــه مــن تعزيــز القــدرات الدفاعية ألســتراليا وما‬ ‫دل عليــه مــن مزيــد مــن اســتمالتها للصــف األمريكــي‬ ‫ضــد الصــن التــي اعتبــرت االتفــاق أيضـاً باإلضافــة‬ ‫ملــا ســبق متجاهــ ً‬ ‫ال ملعاهــدة منــع انتشــار األســلحة‬ ‫النوويــة‪ ،‬ومــن املؤكــد أنــه مهمــا كانــت دالالت االتفــاق‬ ‫ســلبية بالنســبة للصــن فإنهــا ســتمضي يف نهجهــا‬ ‫الناجــح حتــى اآلن يف الشــؤون الدوليــة باالعتمــاد‬ ‫أساســاً علــى املقاربــات االقتصاديــة ذات النفــع‬ ‫املتبــادل ألطرافهــا‪ ،‬وهــو مــا يخلــق لهــا شــراكات‬ ‫دوليــة قائمــة علــى املصالــح باإلضافــة إلــى املضــي‬ ‫ُق ُدمـاً يف تعزيــز قدرتهــا العســكرية وتعاونهــا مــع روســيا‪ ،‬والواقــع أن‬ ‫القطــار الصينــي املتجــه بثبــات إلــى القمــة الدوليــة لــن توقفــه ســوى‬ ‫مشــكالت داخليــة‪.‬‬

‫األزم ــة بي ــن واش ــنطن‬ ‫ومجموعـــة الناتـــو هـــي‬ ‫األزم ــة األوىل الت ــي يترت ــب‬ ‫عليه ــا إلح ــاق ض ــرر جس ــيم‬ ‫بقـــوة رئيســـية يف الحلـــف‬

‫أين نحن من هذه التداعيات؟‬ ‫لعلــه مــن املمكــن أن نلخــص أهــم تداعيــات الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫الثالثيــة اجلديــدة يف ثالثــة هــي تعميــق الشــرخ األمريكي‪-‬األوروبــي‬ ‫داخــل التحالــف الغربــي‪ ،‬وتصعيــد التوتــر يف املســرح الدولــي بــن‬ ‫كل مــن الواليــات املتحــدة وحلفائهــا والصــن وحلفائهــا بغــض‬ ‫النظــر عــن الدرجــة التــي ســيصل إليهــا هــذا التوتــر‪ ،‬وتأكيــد تراجــع‬ ‫األهميــة االســتراتيجية ملنطقتنــا مــن العالــم يف السياســة األمريكيــة‪،‬‬ ‫وهــذا هــو أكثــر مــا يعنينــا‪ ،‬فتعميــق الشــرخ يف التحالــف الغربــي‬ ‫بــن الواليــات املتحــدة والــدول األوروبيــة ال يحمــل لنــا فائــدة بحــد‬ ‫ذاتــه‪ ،‬واألمــر نفســه ينطبــق علــى زيــادة التوتــر الدولــي بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة والصــن‪ ،‬فقــد مضــى زمــن االســتقطاب األيديولوجــي الــذي‬ ‫كان يســهل فيــه حصــد املكاســب مــن أحــد طرفيــه باالنضمــام إليــه‬ ‫ضــد الطــرف اآلخــر‪ ،‬وليــس مــن املصلحــة العربيــة علــى أي حــال أن‬ ‫نتخــذ يف هــذا الســياق مواقــف مبنيــة علــى انحيــازات سياســية وليس‬ ‫حســابات مصلحيــة‪ ،‬وهــو معنــى يتأكــد مــع كل تطــور دولــي جديــد‬ ‫مهــم وآخــر األمثلــة مــا أكدتــه التطــورات األفغانيــة األخيــرة‪ ،‬ويبقــى‬ ‫لنــا أن نهتــم بتداعيــات مــا يُقــال عــن تراجــع االهتمــام األمريكــي‬


‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪32‬‬

‫ملف العدد‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫لي ــس منطق ًي ــا أن تضح ــي واش ــنطن بمصالحه ــا لدين ــا ولك ــن ق ــد‬ ‫تغي ــر أدوات تنفي ــذ سياس ــتها كالع ــزوف ع ــن المغام ــرات العس ــكرية‬ ‫كثيــراً يف احلســابات السياســية التــي تنطــوي علــى أمــور يصعــب بــل‬ ‫يســتحيل التعبيــر عنهــا بلغــة األرقــام بدقــة‪ ،‬وكثيــراً مــا يكــون اخلــالف‬ ‫حــول تقييمهــا شــديداً‪ ،‬فالقــرار الســوري باالســتعانة بروســيا وإيــران‬ ‫يف مواجهــة املعارضــة املســلحة لنظــام األســد علــى ســبيل املثــال ال‬ ‫شــك أنــه ســاعد كثيــراً يف احلفــاظ علــى هــذا النظــام‪ ،‬لكــن الوطــأة‬ ‫الروســية واإليرانيــة علــى القــرار الســوري تثيــر إشــكاليات كثيــرة‬ ‫ُحتســب علــى القــرار‪ ،‬وال شــك أن قــرار الرئيــس األمريكــي جــورج‬ ‫بــوش يف‪1991‬م‪ ،‬بالتدخــل العســكري لتحريــر الكويــت بعــد غــزو‬ ‫صــدام حســن لهــا يف أغســطس‪1990‬م‪ ،‬يُعتبــر قــراراً بالــغ الرشــادة‬ ‫ملــا ســبقه مــن حســابات داخليــة أمريكيــة ودوليــة وملــا أدى إليــه مــن‬ ‫خــروج الواليــات املتحــدة منتصــرة بأقــل تكلفــة‪ ،‬لكــن غزوهــا للعــراق‬ ‫يف‪2003‬م‪ ،‬وإن أســقط حكــم صــدام حســن كلفهــا الكثيــر وقــوض‬ ‫مــن صدقيتهــا وقــدم العــراق لقمــة ســائغة لنفــوذ إيــران التــي تعتبرهــا‬ ‫الشــيطان األكبــر‪ ،‬بــل إن حســابات الرشــادة يف القــرار تتعقــد أكثــر‬ ‫عندمــا ينطــوي علــى قيــم عليــا كاالســتقالل الوطنــي يتحتــم الدفــاع‬ ‫عنهــا مهمــا كانــت تلــك احلســابات تشــير إلــى خســارة أكيــدة‪ ،‬فهــل‬ ‫نصــم قــرار املــرء دفاعــاً عــن شــرفه ومالــه والقائــد دفاعــاً عــن‬ ‫اســتقالل وطنــه رغــم اخللــل يف موازيــن القــوى يف غيــر صاحلــه‬ ‫بعــدم الرشــادة ألنــه انتهــى بالهزميــة؟ ومــع ذلــك فــإن هــذا التعقيــد ال‬ ‫مينعنــا مــن االجتهــاد لتقصــي درجــة الرشــادة يف القــرارات املختلفــة‪،‬‬ ‫فأيــن قــرار الشــراكة االســتراتيجية األخيــر بــن الواليــات املتحــدة‬ ‫وبريطانيــا وأســتراليا مــن هــذا اجلــدل؟‬ ‫ال أخفــي دهشــتي مــن هــذا القــرار توقيت ـاً ومضمون ـاً‪ ،‬فهــو يأتــي‬ ‫يف ســياق التداعيــات الكارثيــة للتطــورات األفغانيــة وأول دروســها أن‬ ‫القــوة العســكرية علــى أهميتهــا ليســت بالضــرورة هــي األكثــر فاعليــة‬ ‫يف مواجهــة املخاطــر‪ ،‬وال يعنــي هــذا إهمالهــا بطبيعــة احلــال يف إدارة‬ ‫التنافــس األمريكــي مــع الصــن‪ ،‬ولكــن املؤكــد أن الواليــات املتحــدة‬ ‫متفوقــة علــى الصــن عســكرياً حتــى اآلن‪ ،‬وحتــى مــع تعزيــز الصــن‬ ‫قوتهــا العســكرية يف الســنوات األخيــرة علــى نحــو الفــت فــإن أقصــى‬ ‫مــا ميكــن أن تصــل إليــه هــو حالــة مــن تــوازن الــردع مــع الواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬وهــو مــا يعنــي مــن الناحيــة العمليــة حتييــد القــوة العســكرية‬ ‫كأداة حلســم الصــراع بــن الواليــات املتحــدة والصــن كمــا هــو‬ ‫احلــال عموم ـاً‪ ،‬وآخــر األمثلــة يف هــذا الصــدد الهزميــة األمريكيــة‬ ‫يف أفغانســتان‪ ،‬ولذلــك فقــد كان متوقع ـاً أن تقــوم الواليــات املتحــدة‬ ‫بإعــادة النظــر يف أســاليبها املتمثلــة يف توظيــف القــوة املســلحة‬ ‫بالتدخــل العســكري والعقوبــات والتــي قــد ال نبالــغ بوصفهــا بالباليــة‬ ‫علــى ضــوء عجزهــا املتكــرر عــن النجــاح يف حتقيــق أي هــدف عــن‬

‫طريــق هــذه األســاليب‪ ،‬وبــدالً مــن قــرار الشــراكة الــذي كان مــن‬ ‫الطبيعــي أن يثيــر غضــب الصــن لكنــه أيضــاً أثــار غضبــاً عارمــاً‬ ‫مــن حلفــاء كان مــن املمكــن أن تخــرج علينــا السياســة األمريكيــة يف‬ ‫هــذا التوقيــت مببــادرات اقتصاديــة ودبلوماســية وثقافيــة تســتطيع‬ ‫بهــا تطويــق مــا تــراه بحــق خطــراً صينيــاً علــى مكانتهــا القياديــة‬ ‫وهــي املبــادرات التــي برعــت الصــن فيهــا حتــى اآلن‪ ،‬أمــا مــن ناحيــة‬ ‫املضمــون وبافتــراض أن القــرار ســيفضي فع ـ ً‬ ‫ال إلــى نقلــة عســكرية‬ ‫نوعيــة يف املواجهــة مــع الصــن فإنــه قــد أحــدث أزمــة غيــر مســبوقة‬ ‫يف التحالــف الغربــي نتيجــة الغضــب الفرنســي العــارم وغضــب‬ ‫املصــادر القياديــة يف االحتــاد األوروبــي ســواء بســبب دالالت القــرار‬ ‫بالنســبة ملكانــة فرنســا واالحتــاد األوروبــي يف السياســة األمريكيــة‪،‬‬ ‫ناهيــك بــأن ذلــك الغضــب الفرنســي العــارم يرجــع إلــى مــا ترتــب‬ ‫علــى الشــراكة االســتراتيجية الثالثيــة األخيــرة مــن ضــرر جســيم‬ ‫حلــق باملصالــح الفرنســية نتيجــة ضيــاع صفقــة بنــاء غواصــات‬ ‫فرنســية قــدر بعــض املصــادر قيمتهــا بحوالي‪60‬مليــار دوالر علــى‬ ‫أســاس أن أســتراليا ستســتبدل بالغواصــات الفرنســية ذات الدفــع‬ ‫التقليــدي أخــرى ذات دفــع نــووي‪ ،‬وليســت اخلســارة ماديــة فادحــة‬ ‫فحســب ولكنهــا ضربــة قاســية ملكانــة الصناعــة العســكرية الفرنســية‬ ‫التــي تلعــب باإلضافــة إلــى دورهــا األمنــي دوراً مهم ـاً يف االقتصــاد‬ ‫الفرنســي‪ ،‬ومــن الواضــح أن مصالــح املجمــع الصناعــي العســكري‬ ‫األمريكــي هــي القــوة الدافعــة األولــى وراء هــذا القــرار‪ ،‬فصفقــة‬ ‫كهــذه يســيل لهــا لعــاب أي صناعــة عســكرية مهمــا بلــغ حجمهــا‪،‬‬ ‫وهــو مــا يذكرنــا بتحذيــر الرئيــس األمريكــي األســبق دوائــر أيزنهــاور‬ ‫مــن ســطوة املجمــع الصناعي‪-‬العســكري علــى القــرار األمريكــي‪،‬‬ ‫ولهــذا جــاء رد الفعــل الفرنســي شــديد الغضــب فاسـتُخدمت كلمــات‬ ‫مثــل طعنــة يف الظهــر وكــذب وخــداع وانتهازيــة‪ ،‬ثــم جــاء القــرار‬ ‫غيــر املســبوق يف العالقــة بــن القــوى الغربيــة الكبــرى وهــو ســحب‬ ‫فرنســا ســفيريها يف الواليــات املتحــدة وأســتراليا‪ ،‬لكــن األقســى‬ ‫مــن ذلــك كانــت إجابــة وزيــر اخلارجيــة الفرنســي علــى الســبب يف‬ ‫عــدم ســحب الســفير الفرنســي مــن بريطانيــا يف حــن مت ســحبه مــن‬ ‫عضــوي الشــراكة اآلخريــن‪ ،‬ومفادهــا أن فرنســا تعــودت االنتهازيــة‬ ‫مــن بريطانيــا‪ ،‬ويبــدو أن الســؤال ســيبقى قائمــاً عــن املــدى الــذي‬ ‫ســتواصل فيــه بريطانيــا انقيادهــا األعمــى للسياســة األمريكيــة رغــم‬ ‫عديــد مــن املغامــرات الفاشــلة آخرهــا غــزو العــراق وأفغانســتان‪،‬‬ ‫واملشــكلة أن االحتــاد األوروبــي يؤيــد فرنســا يف موقفهــا وإن بحــدة‬ ‫أقــل وتتحــدث مصــادره القياديــة عــن احلاجــة إلــى تطويــر االســتقالل‬ ‫االســتراتيجي لالحتــاد األوروبــي‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫مقال‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪31‬‬

‫ملف العدد‬

‫من المصلحة العربية اتخاذ مواقف مبنية عى حسابات مصلحيــة‬ ‫ويبقى االهتمام بتداعيــات تراجع االهتمام األمريكــي بمنطقتنا‬ ‫الفرنســي والتركــي ضــرب صدقيــة حلــف األطلنطــي‪ ،‬والثانيــة بســبب‬ ‫صفقــة شــراء تركيــا لصواريــخ س‪ 400‬الروســية التــي اعتبرتهــا‬ ‫الواليــات املتحــدة تهديــداً أمنيـاً للحلــف وأدت إلــى فرضهــا عقوبــات‬ ‫علــى تركيــا يف أبريــل‪2021‬م‪ ،‬وال ننســى بــروز التوتــر بــن الواليــات‬ ‫املتحــدة وحلفائهــا األوروبيــن يف ظــل واليــة ترامــب الــذي دأب علــى‬ ‫مهاجمتهــم بســبب ضعــف مســاهمتهم املاليــة يف ميزانيــة احللــف‬ ‫وتهديدهــم بــأن عليهــم أن يدفعــوا نفقــات حمايتهــم مبــا أوجــد توتــراً‬ ‫حقيقي ـاً يف صفــوف احللــف‪.‬‬

‫تفرد أزمة الشراكة االستراتيجية الثالثية‬ ‫يظهــر إمعــان النظــر يف األزمــات الســابقة أن األزمــة األخيــرة التــي‬ ‫ترتبــت علــى إعــالن الشــراكة االســتراتيجية بــن الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫وبريطانيــا‪ ،‬وأســتراليا هــي األخطــر بــن هــذه األزمــات‪ ،‬فاألزمتــان‬ ‫اللتــان ترتبتــا علــى االنســحاب الفرنســي مــن البنيــة العســكرية‬ ‫حللــف األطلنطــي والســلوك التركــي يف ســوريا واملتعلــق بشــراء‬ ‫الصواريــخ الروســية يعبــران عــن نــزوع اســتقاللي لــم تترتــب عيــه‬ ‫أضــرار جســيمة متــس بنيــة احللــف أو مهامــه‪ ،‬واألزمــة اليونانيــة‬ ‫لــم تكــن ســوى تعبيــر عــن الغضــب مــن قــوة ثانويــة يف احللــف‬ ‫جتــاه قيــادة احللــف التــي لــم تبــد التأييــد الواجــب لهــا يف حــن‬ ‫كان املوقــف الســوڤيتي أكثــر تأييــداً‪ ،‬كمــا أن انســحاب اليونــان مــن‬ ‫البنيــة العســكرية للحلــف فضـ ً‬ ‫ال عــن رمزيتــه لــم يــدم ألكثــر مــن ســت‬ ‫ســنوات‪ ،‬أمــا التوتــر الــذي ترتــب علــى سياســة ترامــب جتــاه حلفائــه‬ ‫األوروبيــن فقــد ســبب امتعاضــاً منضبطــاً مــن حلفــاء الواليــات‬ ‫املتحــدة جتــاه مطالباتهــا املاليــة لهــم التــي ال يجــب أن ننســى أنهــا‬ ‫لــم تكــن تخلــو مــن منطــق‪ ،‬أمــا األزمــة الراهنــة فهــي األزمــة األولــى‬ ‫التــي يترتــب عليهــا إحلــاق ضــرر جســيم بقــوة رئيســية يف احللــف‪،‬‬ ‫إذ انطــوت علــى فقــدان فرنســا لصفقــة توريــد ‪12‬غواصــة ذات دفــع‬ ‫تقليــدي ألســتراليا التــي ستســتبدل بهــا غواصــات أمريكيــة ذات‬ ‫دفــع نــووي‪ ،‬وقــد تبايــن تقديــر قيمــة الصفقــة امللغــاة بــن املصــادر‬ ‫املختلفــة مــا بــن ‪ 50-30‬مليــار يــورو‪ ،‬والضــرر بالــغ يف احلالتــن‪،‬‬ ‫ويبــرر رد الفعــل الفرنســي شــديد الغضــب وغيــر املســبوق ابتــدا ًء مــن‬ ‫التصريحــات التــي اعتبــرت العمــل طعنــة يف الظهــر وخيانــة وعــودة‬ ‫ألســلوب ترامــب يف التعامــل مــع حلفائــه‪ ،‬ومــروراً بإلغــاء الســفارة‬

‫الفرنســية يف واشــنطن احتفــاالً بالذكــرى‪ 240‬ملعركــة ســاعدت فيهــا‬ ‫البحريــة الفرنســية األمريكيــن يف حــرب االســتقالل‪1781‬م‪ ،‬وانتهــا ًء‬ ‫بســحب فرنســا ســفيريها مــن العاصمتــن األمريكيــة واالســترالية‬ ‫للتشــاور يف ســابقة هــي األولــى مــن نوعهــا يف تاريــخ أزمــات التحالــف‬ ‫الغربــي‪ ،‬وقــد حاولــت املصــادر األمريكيــة واالســترالية الدفــاع بالقول‬ ‫بــأن فرنســا كانــت علــى علــم باملباحثــات التــي أفضــت للشــراكة‪ ،‬لكــن‬ ‫أحــداً لــم يــدع أنهــا قــد أُحيطــت علمــاً بنوايــا إلغــاء صفقتهــا مــع‬ ‫أســتراليا‪ ،‬واملشــكلة أن مصــادر االحتــاد األوروبــي شــاركت فرنســا‬ ‫وإن بحــدة أقــل الغضــب مــن إعــالن الشــراكة وعــدم التشــاور مــع‬ ‫االحتــاد األوروبــي بشــأنه‪ ،‬وأكــدت أن احلــدث يجبــر االحتــاد مــرة‬ ‫أخــرى علــى التفكيــر يف احلاجــة لتطويــر اســتقالله االســتراتيجي‪،‬‬ ‫أي أن نطــاق األزمــة جتــاوز فرنســا ليشــمل االحتــاد األوروبــي كلــه‪.‬‬

‫تحليل قرار الشراكة الجديدة‬ ‫يثيــر القــرار األمريكي‪-‬البريطاني‪-‬األســترالي بتأســيس شــراكة‬ ‫اســتراتيجية عــدداً مــن القضايــا التحليليــة لعــل أهمهــا مــا يتعلــق‬ ‫مبــدى رشــادته‪ ،‬إذ ميكــن ولــو بقــدر مــن املخاطــرة التحليليــة وصــف‬ ‫هــذا القــرار بعــدم الرشــادة‪ ،‬وهــي مخاطــرة ألن القــرار صــادر عــن‬ ‫القــوة األولــى يف العالــم ويُفتــرض أن تكــون قــوة كبــرى كبريطانيــا‬ ‫وقــوة إقليميــة مهمــة كأســتراليا قــد شــاركتا فيــه‪ ،‬وهــذه الــدول‬ ‫الثالثــة تتبنــى نظمــاً دميوقراطيــة ليبراليــة تتميــز باملؤسســية‬ ‫واحلريــة التــي تســمح بأكبــر قــدر مــن املشــاورات التــي تفضــي إلــى‬ ‫رشــادة القــرارات‪ ،‬وهــو وضــع ســمح بوصــف عمليــة صنــع القــرار يف‬ ‫هــذه النظــم بالرشــادة واعتبارهــا منوذجــاً يف هــذا الصــدد‪ ،‬فهــل‬ ‫ينطبــق وصــف الرشــادة علــى قــرار الشــراكة االســتراتيجية الثالثيــة‬ ‫اجلديــدة؟ بطبيعــة احلــال فــإن اإلعــالن األخيــر عــن هــذه الشــراكة‬ ‫االســتراتيجية يُفتــرض أن يعــزز قــدرات التحالــف الغربــي يف مواجهة‬ ‫الصعــود الصينــي الــذي تــراه الواليــات املتحــدة بحــق خطــراً علــى‬ ‫قيادتهــا للعالــم‪ ،‬وهــو مــا يُحســب للقــرار ويدعــم وصفــه بالرشــادة‪،‬‬ ‫لكــن املســألة ليســت بهــذا التبســيط بالتأكيــد‪ ،‬ذلــك ألن معاييــر‬ ‫الرشــادة بالغــة التعقيــد وأبســطها حســابات العائد‪/‬التكلفــة‪ ،‬فالقــرار‬ ‫قــد يُوصــف بأنــه رشــيد إذا زاد عائــده عــن تكلفتــه‪ ،‬وهــو معيــار‬ ‫يســهل أو ميكــن تطبيقــه يف الصفقــات التجاريــة‪ ،‬لكــن األمــر يتعقــد‬

‫إدارة مل ــف العالق ــات م ــع الصي ــن تمث ــل ش ـ ً‬ ‫ـرخ ا جدي ـ ًدا يف التحال ــف‬ ‫الغربـــي وهـــذا مـــا عكســـه االجتمـــاع األخيـــر لحلـــف األطلنطـــي‬


‫‪30‬‬

‫ملف العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫مقال‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"التحاف الثالثي" شراكة استراتيجية جديدة أم تعميق ألزمة التحالف الغربي‬

‫تفاعل المنطقة مع القوى المتصارعة‬ ‫لحمايتها من األطماع واالستفادة من المصالح‬ ‫أعلــن قــادة الواليــات املتحــدة وبريطانيــا وفرنســا يف منتصــف ســبتمبر املاضــي(‪2021‬م) تأســيس شــراكة اســتراتيجية‬ ‫جديــدة بــن دولهــم يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادي يف عمــل نُظــر إليــه باعتبــاره تعزيــزاً للتحالــف الغربــي يف مواجهــة‬ ‫الصعــود الصينــي يف النظــام الدولــي عمومـاً ويف تلــك املنطقــة خصوصـاً‪ ،‬لكنــه انطــوى يف الوقــت ذاتــه علــى تعميــق األزمــة‬ ‫التــي يشــهدها التحالــف الغربــي منــذ عقــود علــى نحــو غيــر مســبوق يف هــذه املــرة مبــا نــص عليــه مــن مســاعدة أســتراليا‬ ‫علــى احلصــول علــى غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة مبــا ترتــب علــى ذلــك مــن إلغــاء لصفقــة تزويــد أســتراليا بغواصــات‬ ‫فرنســية تقليديــة الدفــع األمــر الــذي أدى لــردود فعــل فرنســية شــديدة الغضــب وأوروبيــة متفهمــة لهــا ومتعاطفــة معهــا‪،‬‬ ‫وتبحــث هــذه املقالــة يف موقــع هــذه األزمــة مــن األزمــات املمتــدة للتحالــف الغربــي‪ ،‬ورشــادة قــرار الشــراكة االســتراتيجية‬ ‫اجلديــدة ودالالتــه وتداعياتــه ودروســه املســتفادة‪.‬‬

‫د‪ .‬أحمد يوسف أحمد‬

‫دروس الخبرة‬ ‫أدى إعالن الشراكة االستراتيجية بن الواليات املتحدة وبريطانيا‬ ‫وأســتراليا يف‪15‬ســبتمبر‪2021 ،‬م‪ ،‬إلــى أزمــة غيــر مســبوقة يف‬ ‫التحالــف الغربــي مــع أن الهــدف الرئيســي منــه موجــه نحــو التصــدي‬ ‫لتنامــي النفــوذ الصينــي دوليــاً بصفــة عامــة ويف منطقــة احمليــط‬ ‫الهنــدي والهــادي خاصــة‪ ،‬غيــر أن االتفــاق نــص علــى تزويــد أســتراليا‬ ‫بتكنولوجيــا وقــدرات متكنهــا مــن نشــر غواصــات تعمــل بالطاقــة‬ ‫النوويــة‪ ،‬وهــو مــا ترتــب عليــه يف اليــوم التالــي إعــالن أســتراليا‬ ‫فســخ عقــد ضخــم كانــت قــد أبرمتــه مــع فرنســا يف‪2016‬م‪ ،‬لشــراء‬ ‫غواصــات تقليديــة‪ ،‬وهــو مــا أثــار غضبــاً فرنســياً عارمــاً وتفهمــاً‬ ‫وتعاطفـاً أوروبيـاً متوقعـاً مــع فرنســا‪ ،‬واكتملــت بذلــك مقومــات أزمــة‬ ‫جديــدة يف التحالــف الغربــي‪ ،‬وليســت األزمــات باجلديــدة عليــه‪،‬‬ ‫لكنــي أحســب أن هــذه األخيــرة أخطرهــا‪ ،‬ففــي‪1966‬م‪ ،‬وقعــت‬ ‫أولــى األزمــات اخلطيــرة بانســحاب فرنســا مــن اللجنــة العســكرية‬ ‫حللــف األطلنطــي انعكاســاً للنزعــة االســتقاللية عــن السياســة‬ ‫األمريكيــة التــي ارتبطــت بصعــود الرئيــس شــارل ديجــول للحكــم‬ ‫يف‪1959‬م‪ ،‬واهتــزاز صدقيــة الــردع األمريكــي لتهديــدات األمــن‬ ‫األوروبــي لديــه‪ ،‬ومــن ثــم نزوعــه إلــى بنــاء قــدرة فرنســية ذاتيــة علــى‬ ‫الــردع كانــت موضــع تنــدر يف األوســاط االســتراتيجية والسياســية‬

‫األمريكيــة‪ ،‬واســتمرت هــذه القطيعــة الفرنســية العســكرية مــع حلــف‬ ‫األطلنطــي حتــى‪2009‬م‪ ،‬حــن صوتــت اجلمعيــة الوطنيــة يف عهــد‬ ‫الرئيــس نيقــوال ســاركوزي علــى العــودة للبنيــة العســكرية للحلــف وإن‬ ‫لوحــظ إن االعتــراض علــى العــودة لــم يكــن هامشــياً (‪238‬معتــرض‬ ‫و‪329‬موافــق) مبــا يعنــي أن مؤيــدي النزعــة االســتقاللية يف فرنســا‬ ‫عــن السياســة األمريكيــة ال ميكــن اعتبارهــم هامشــين‪ ،‬ويف‬ ‫منتصــف الســبعينات حدثــت أزمــة أخــرى يف احللــف عقــب الغــزو‬ ‫التركــي لقبــرص‪1974‬م‪ ،‬بســبب اعتقــاد اليونــان أن الواليــات املتحــدة‬ ‫لــم تتخــذ املوقــف الواجــب جتــاه الســلوك التركــي خاصــة وقــد كان‬ ‫املوقــف الســوڤيتي واضح ـاً ضــد الغــزو وضــرورة انســحاب القــوات‬ ‫التركيــة فيمــا كان االهتمــام األمريكــي منصبــاً علــى احليلولــة دون‬ ‫وقــوع احلــرب بــن تركيــا واليونــان األمــر الــذي أدى إلــى أن تكــرر‬ ‫األخيــرة الســابقة الفرنســية باالنســحاب مــن الهيــكل العســكري‬ ‫للحلــف‪ ،‬وهــو وضــع ظــل قائمـاً حتــى‪1980‬م‪ ،‬ثــم كان الســلوك التركــي‬ ‫مجــدداً ســبباً ألزمتــن أخريــن داخــل احللــف أوالهمــا بســبب‬ ‫االعتــراض الفرنســي احلــاد علــى العمليــات العســكرية املتكــررة يف‬ ‫ســوريا يف إطــار الصــراع الراهــن فيهــا ومــا أدت إليــه مــن احتــالل‬ ‫عســكري تركــي مباشــر ألراض ســورية أو الســيطرة عليهــا مــن خــالل‬ ‫وكالء لهــا‪ ،‬وهــو مــا أدى غيــر مــرة إلــى تالســن حــاد بــن الرئيســن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪29‬‬

‫للغواصات النووية أهمي ٌة استراتيجي ٌة وتقوم بأنشطة تجسسية‬ ‫وعسكرية ويستمر وجودها تحت المياه فترة طويلة‬ ‫وقــد يقــوم حتالــف بــن روســيا والصــن ملواجهــة التحالــف القائــم‬ ‫باملســتقبل‪ ،‬ويف حــال حــدوث أي تصاعــدات بالوضــع بــن روســيا‬ ‫والواليــات املتحــدة وبريطانيــا أو الصــن والواليــات املتحــدة‬ ‫وبريطانيــا فقــد يتــم النظــر ألســتراليا علــى أنهــا احلليــف األضعــف‬ ‫واألهــم؛ لــذا يتــم اســتخدامه للضغــط علــى الطــرف اآلخــر‪.‬‬ ‫هل يصبح "أوكوس" اتفاقية مفتوحة؟‬ ‫يعتبــر "أوكــوس" أحــد التحالفــات االســتراتيجية للواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة كباقــي حتالفاتهــا‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال؛ التحالــف الرباعــي‪،‬‬ ‫حتالــف العيــون اخلمــس‪ ،‬وغيرهــم‪ ،‬وبالتالــي فــإن عضويتــه ال‬ ‫تقتصــر علــى أعضائــه املؤسســن بــل قــد يشــمل أعضــا ًء آخريــن‬ ‫متــى توافــرت شــروط االنضمــام لــه؛ لــذا قــد ينضــم للحلــف العديــد‬ ‫مــن الــدول‪ ،‬علــى رأســهم بعــض دول االحتــاد األوروبــي‪ ،‬مثــل (كنــدا‪-‬‬ ‫نيوزيالنــدا)‪ ،‬وبعــض الــدول املشــاطئة لبحــر الصــن اجلنوبــي والتــي‬ ‫تتنــازع مــع الصــن المتــالك اجلــزر الواقعــة بالبحــر الصينــي‪،‬‬ ‫ومنهــا (الهنــد‪ -‬الفلبــن‪ -‬ماليزيــا‪ -‬إندونيســيا‪ -‬برونــاي‪ -‬فيتنــام‪-‬‬ ‫وغيرهــم)؛ ملصلحــة هــذه الــدول مبنطقــة احمليــط (الهنــدي الهــادي)‪.‬‬ ‫هل تتأثر منطقة الشرق األوسط أم تظل مبعزل؟‬ ‫قــد يــؤدي اتفــاق "أوكــوس" لســباق تســلح بــن مختلــف القــوى الواقعــة‬ ‫مبنطقــة احمليــط (الهــادي والهنــدي) أو الــدول التــي لهــا مصالــح‬ ‫بهــذه املنطقــة‪ ،‬وقــد يتحــول هــذا الســباق حلــرب بــاردة بحريــة مــن‬ ‫نــوع مــا يف احمليطــن (الهنــدي والهــادئ)؛ لألهميــة االســتراتيجية‬ ‫لهــذه املنطقــة‪ ،‬فضـ ًـال عــن متثيلهــا منطقــة ســيادة ونــزاع علــى اجلــزر‬ ‫للكثيريــن‪.‬‬ ‫وقــد يدفــع االتفــاق االحتــاد األوروبــي لتبنــي نهــج (االســتقالل‬ ‫االســتراتيجي األوروبــي)‪ ،‬والــذي تدعمــه الكثيــر مــن الــدول األوروبية‬ ‫علــى رأســها فرنســا‪ ،‬ومــن ثــم قــد تتبعــه أحــالف أُخــرى‪ ،‬بــل قــد‬ ‫تنتهــي أحــالف وتظهــر أُخــرى جديــدة علــى غــرار "أوكــوس"‬ ‫وباعتبــار املنطقــة العربيــة والشــرق األوســط ليســت بعيــد ًة عــن هــذه‬ ‫التحــركات التــي يشــهدها العالــم فقــد تكــون أشــد املتأثريــن بهــذا‬ ‫احلــراك‪ ،‬كمــا حــدث بفتــرة احلــرب البــاردة‪ ،‬كان الشــرق األوســط‬ ‫ســاحة احلــرب‪ ،‬وتزام ًنــا مــع االضطرابــات الداخليــة واألزمــات التــي‬ ‫ً‬ ‫فضــال عــن توتــر العالقــات بــن بعضهــا علــى‬ ‫تعيشــها معظمهــا‪،‬‬ ‫ســبيل املثــال (اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬إيــران‪ ،‬املغــرب‪ ،‬اجلزائــر‪،‬‬ ‫وغيرهــم)‪.‬‬ ‫بالنســبة للوجــود األمريكــي بالشــرق األوســط قــد تتجــه الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة بشــكل كبيــر نحــو آســيا‪ ،‬بالرغــم مــن اســتمرار‬

‫املصالــح األمريكيــة باملنطقــة العربيــة؛ لــذا فهــي لــن تغــادره بشــكل‬ ‫نهائــي‪ ،‬بــل مــن املمكــن أن تتجــه نحــو آســيا فقــط‪ ،‬وبالتالــي فقــد‬ ‫يــؤدي ذلــك الســتمرار تصاعــد الوجــود الصينــي بالشــرق األوســط‬ ‫وإفريقيــا‪ ،‬خاصــ ًة مــع تصاعــد عالقاتهــا باملنطقــة يف الفتــرة‬ ‫األخيــرة؛ لــذا قــد يعطــي هــذا التحــرك اجلديــد الفرصــة للــدول‬ ‫العربيــة بالتركيــز أكثــر علــى مصاحلهــا الداخليــة وإعــادة البنــاء‪،‬‬ ‫يف حــال مــا لــم تُســتخ َدم دول الشــرق األوســط كأطــراف باحلــراك‬ ‫األمريكــي الصينــي املتصاعــد‪.‬‬ ‫ردود الفعل بالشرق األوسط‬ ‫أســف إيــران علــى "أوكــوس" ر ًّدا علــى مثــل هــذه اخلطــوة مــن الــدول‬ ‫الثــالث؛ حيــث إن هنــاك ً‬ ‫دوال ألقــت اللــوم علــى إيــران لقيامهــا‬ ‫بتخصيــب اليورانيــوم ألســباب إنســانية وســلمية‪ ،‬ولكــن هــذه الــدول‬ ‫قــررت اآلن بيــع غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ ،‬وأكــدت ضــرورة‬ ‫أخــذ أســتراليا ضمانــات كافيــة مــن الوكالــة الدوليــة للطاقــة الذريــة‪،‬‬ ‫وصرحــت بــأن هــذه التحــركات تهــدد القضايــا الرئيســية املتعلقــة‬ ‫بنــزع الســالح‪.‬‬ ‫وعليــه قــد تســتخدم إيــران هــذه االتفاقيــة كأداة دعائيــة الســتخدامها‬ ‫للســالح النــووي‪ ،‬وزيــادة تخصيــب اليورانيــوم‪ ،‬وقــد تنســحب إيــران‬ ‫مــن اتفاقيــة حظــر االنتشــار النــووي؛ مــا يــؤدي إلــى املثــل يف إســرائيل‬ ‫فقــد تلجــأ لتكثيــف أبحاثهــا املتعلقــة بتطويــر مفاعــالت نوويــة‪ ،‬ولــن‬ ‫تقــف مكتوفــة األيــدي أمــام التوســع اإليرانــي حــال اخلــروج مــن‬ ‫االتفاقيــة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ولــم تعلــن أي دولــة أخــرى مبنطقــة الشــرق األوســط عــن ردود فعــل‬ ‫بشــأن االتفــاق الثالثــي "أوكــوس" حتــى اآلن‪ ،‬رمبــا ألن املنطقــة تع ـ ُّج‬ ‫باألحــداث املهمــة واالنتخابــات وغيرهــا‪.‬‬ ‫ختا ًمــا‪ :‬ميكننــا إجمــال مــا ســبق بــأن اتفــاق "أوكــوس" ميهــد لتحــركات‬ ‫دوليــة وإقليميــة واســعة املــدى؛ ألنــه جــزء مــن حــراك بــن القــوى‬ ‫الكبــرى؛ ولــذا ففــي كل األحــوال يجــب علــى الشــرق األوســط أن‬ ‫ـتعد للتعامــل الرشــيد مــع هــذه التغيــرات‪.‬‬ ‫يسـ َّ‬

‫* وزﻳﺮ ﺧﺎرﺟﻴﺔ ﻣﴫ اﻷﺳﺒﻖ‬


‫‪28‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أستراليا سابع دولة تمتلك الغواصات واألوىل عالم ًّي ا التي تُنقل لها‬ ‫التكنولوجيا لتصنيعها والدول الست تمتلك التكنولوجيات المحلية‬ ‫خاصـ ًة مــع تصا ُعــد العديــد مــن التســاؤالت بــدول االحتــاد األوروبــي‬ ‫حــول "ملــاذا لــم تعــرض الواليــات املتحــدة األمريكيــة علينــا الدخــول‬ ‫يف هــذه االتفاقيــة؟" وقــد انتشــر هــذا التســاؤل بكنــدا؛ لــذا ُو ِّجهــت‬ ‫اتهامــات لرئيــس الــوزراء الكنــدي‪ ،‬بــأن كنــدا تقلــص وجودهــا علــى‬ ‫الســاحة الدوليــة فتــرة حكمــه‪ ،‬وهــو مــا يظهــر باســتبعاد أمريــكا لهــا‬ ‫مــن الدخــول يف "أوكــوس"‪ ،‬كذلــك احلــال بالنســبة لـ(نيوزيالنــدا) التي‬ ‫تســاءلت حــول ســبب اســتبعادها مــن االتفــاق‪.‬‬

‫موقف الهند وروسيا والصين من "أوكوس"‬ ‫املوقــف الصينــي مــن "أوكــوس" يتمثــل بإدانــة التحالــف الثالثــي‬ ‫باعتبــاره تهديــدًا للســالم مبنطقــة احمليطــن (الهنــدي والهــادئ)‪،‬‬ ‫ووصفــت االتفــاق بأنــه انعــكاس "لعقليــة احلــرب البــاردة التــي عفــا‬ ‫عليهــا الزمــن واحملصلــة الصفريــة والنظــرة اجليوسياســية الضيقــة‬ ‫األفــق" التــي "ك َّثفــت" ســباق التســلح اإلقليمــي وأضــرت بجهــود منــع‬ ‫االنتشــار الدولــي‪.‬‬ ‫وقــد اســتندت الصــن يف بيانهــا إلــى أن احلكومــة الصينيــة قــد تتهــم‬ ‫أســتراليا بانتهــاك التزاماتهــا مبوجــب معاهــدة "راروتوجنــا" املوقعــة‬ ‫بــن احلكومتــن‪ ،‬والتــي تتضمــن حظــر إنتــاج أو حيــازة أســلحة نوويــة‪،‬‬ ‫وأن امتــالك أســتراليا لهــذه الغواصــات قــد يــؤدي لصــراع محتمــل‪،‬‬ ‫وميكننــا حتليــل رد الفعــل بــأن الصــن تــدرك متا ًمــا أن الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة تســتخدم حلفاءهــا مبنطقــة احمليطــن لتطويــق‬ ‫النفــوذ الصينــي؛ لــذا قــد تتجــه الصــن للــرد علــى هــذه االتفاقيــة‬ ‫بعقــد اتفاقيــات مماثلــة مــع روســيا‪ ،‬فيتوقــع قيــام الصــن بعقــد‬ ‫شــراكات نوويــة مــع باكســتان ملواجهــة الهنــد وتطويقهــا‪ ،‬أو بتزويــد‬ ‫أســطولها البحــري باملعــدات‪ ،‬وتغييــر اســتراتيجيتها بالتعامــل مــع‬ ‫الــدول املجــاورة واملشــاركة معهــا يف "بحــر الصــن اجلنوبــي"؛ ملنــع أي‬ ‫تصا ُعــد بهــذه النقطــة القريبــة ج ـ ّدًا منهــا مسـ ً‬ ‫ـتقبال‪.‬‬ ‫بالنســبة للموقــف الهنــدي مــن االتفــاق والــذي ينطــوي علــى الترحيــب‬ ‫بالرغــم مــن تأســيس الهنــد حلركــة "عــدم االنحيــاز"‪ ،‬إال أن موقفهــا‬ ‫مرحــب بــه لعــدة أســباب‪ ،‬أهمهــا يشــير التحالــف اجلديــد إلــى عــزم‬ ‫سياســي قــوي بالواليــات املتحــدة األمريكيــة ملواجهــة التحديــات‬ ‫األمنيــة املتزايــدة مــن الصــن؛ إلنهــاء طــول أمــد احلظــر علــى نقــل‬ ‫تكنولوجيــا الدفــع النــووي العســكري حتــى حللفائهــا؛ لــذا قــد تكــون‬ ‫الهنــد أحــد هــذه احملطــات لنقــل التكنولوجيــات العســكرية التــي‬ ‫تتفــرد بهــا الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪.‬‬ ‫كمــا ميهــد االتفــا ُق الطريــ َق ملشــاركة أمنيــة أكثــر قــوة بــن ثالثــة‬

‫شــركاء اســتراتيجين مهمــن للهنــد‪ ،‬وستســاهم بســعيها لتحقيــق‬ ‫تــوازن مســتقر للقــوى مبنطقــة احمليطــن (الهنــدي والهــادئ)‪ ،‬وهنــاك‬ ‫مــن يذهــب إلــى أن هــذا االتفــاق يضعــف اتفــاق الرباعيــة املوقــع بــن‬ ‫الهنــد والواليــات املتحــدة واليابــان‪ ،‬ولكــن بالنظــر للمشــكالت األمنيــة‬ ‫املتصاعــدة التــي تواجههــا الهنــد مــع الصــن‪ ،‬فــإن جميــع اإلجــراءات‬ ‫املصممــة لــردع الصــن‪ ،‬ســواء مبشــاركة هنديــة أو بدونهــا‪ ،‬تعــود‬ ‫بفائــدة اســتراتيجية علــى الهنــد ويثبــت قوتهــا مبواجهــة باكســتان؛‬ ‫ونظــ ًرا النشــغال الهنــد بالتهديــدات البريــة مــن الصــن فهــي‬ ‫بحاجــة إلــى شــراكات دائمــة حلمايــة جناحهــا البحــري‪.‬‬ ‫وقــد تقــوم الهنــد باحتــواء فرنســا وإقامــة اتفــاق معهــا حلمايــة‬ ‫منطقــة (الهنــدي والهــادي) باعتبارهــا شــري ًكا اســتراتيج ًّيا مه ًّمــا‬ ‫للهنــد‪ ،‬ولرغبــة الهنــد بتأمــن ظهرهــا مــع اإلبقــاء علــى "أوكــوس"؛‬ ‫ألنــه مــن املنطقــي بنــاء حتالفــات صغيــرة متداخلــة بــن الشــركاء‬ ‫الراغبــن باحمليطــن (الهنــدي والهــادئ) بــدالً مــن حتالــف واحــد‬ ‫شــبيه بحلــف الناتــو‪.‬‬ ‫أمــا عــن املوقــف الروســي مــن "أوكــوس"‪ ،‬يف بدايــة األمــر جــاء رد‬ ‫روســيا عــن االتفــاق يف شــكل تســاؤل يبحــث عــن إجابــة بخصــوص‬ ‫الدوافــع والغايــات مــن إبــرام هــذا االتفــاق‪ ،‬ومــن ثــم ع َّبــرت عــن‬ ‫مخاوفهــا مــن أن تطويــر أســتراليا لغواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‬ ‫(مبســاعدة أمريكيــة وبريطانيــة) مــن شــأنه تقويــض معاهــدة عــدم‬ ‫انتشــار األســلحة النوويــة و "يســرع ســباق التســلح" باملنطقــة‪،‬‬ ‫وبالرغــم مــن اعتبــار االتفــاق خطـ ًرا سياسـ ًّيا وعســكر ًيا‪ ،‬ولكنــه ليــس‬ ‫تهدي ـدًا بعــد‪.‬‬ ‫ولعــل أهــم مــا يفســر هــذا االجتــاه الروســي هــو رغبــة روســيا‬ ‫بالترويــج للغواصــات التــي تعمــل بالتقنيــات التكنولوجيــة يف املنطقــة‬ ‫احمليطــة بهــا أو يف العالــم عمو ًمــا‪ ،‬وهــو مــا اقترحــه مســؤولون بــوزارة‬ ‫الدفــاع الروســية عقــب اإلعــالن عــن االتفــاق الثالثــي‪ ،‬علــى املــدى‬ ‫الطويــل‪ ،‬لــن تتجاهــل روســيا ً‬ ‫أيضــا مــا هــو واضــح‪ ،‬فاالتفــاق اجلديــد‬ ‫يوحــد دولتــن مســلحتن نوو ًّيــا (الواليــات املتحــدة واململكــة املتحــدة)‬ ‫ِّ‬ ‫وأســتراليا التــي ســتصبح قــادر ًة علــى حمــل الســالح النــووي قري ًبــا‪.‬‬ ‫وقد تؤدي القدرة على التحمل واملدى املوســع للغواصات األســترالية‬ ‫املســتقبلية إلــى تشــغيلها بغــرب وشــمال غــرب احمليــط الهــادئ‪ ،‬وهــي‬ ‫مناطــق ذات نشــاط منتظــم للقــوات البحريــة الروســية؛ لــذا قــد تغ ّيــر‬ ‫روســيا مــن خطتهــا للتعامــل مــع هــذه املنطقــة فقــد تــز ّود روســيا‬ ‫أســطولها بغواصــات نوويــة يف الوقــت القريــب‪ ،‬وبالتالــي يجــب علــى‬ ‫أســتراليا متابعــة اســتراتيجية روســيا عــن كثــب‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪ 2016‬حتــى ‪2018‬م‪ ،‬تصــل لـــ ‪ 18‬مواجهــة‪ ،‬وف ًقــا لتقديــرات البنتاجون‬ ‫‪2019‬م‪.‬‬ ‫ب‪ .‬اســتمرار الــدور الــذي تلعبــه الواليــات املتحــدة األمريكيــة‬ ‫بجزيــرة تايــوان؛ ألن مــن يســيطر علــى تايــوان يســيطر علــى العالــم؛‬ ‫لــذا حتــاول الواليــات املتحــدة األمريكيــة تزويــد أســتراليا بهــذه‬ ‫التكنولوجيــا الســتخدامها حــال محاولــة الصــن اســتعادة "تايــوان"؛‬ ‫ً‬ ‫تدخــال‬ ‫ألن التدخــل األمريكــي يف هــذه احلالــة يُتوقــع أال يكــون‬ ‫مباشـ ًرا‪ ،‬بــل ستســتعن بأســاطيل دول أُخــرى‪ ،‬أو تلجــأ لتســليح دول‬ ‫مجــاورة للتدخــل مــن خاللهــا‪.‬‬ ‫ـب علــى الصــن القتــا َل يف حــال‬ ‫ج‪ .‬إن وجــود هــذه الغواصــات يُص ِّعـ ُ‬ ‫نشــوب حــرب بجزيــرة تايــوان أو منطقــة بحــر الصــن اجلنوبــي؛ حيث‬ ‫تســتطيع الصــن إغــراق حامــالت الطائــرات والتصــدي لكثيــر مــن‬ ‫التقنيــات العســكرية األمريكيــة‪ ،‬ولكــن وجــود غواصــات حتــت املــاء‬ ‫تعمــل بتقنيــات متطــورة يص ُعــب تتبعهــا ولديهــا قــدرة علــى املنــاورة؛‬ ‫مــا يعنــي إمكانيــة إحلــاق الضــرر بالقــوات العســكرية الصينيــة؛ مــا‬ ‫ردعــا ألي محاولــة‬ ‫يصعــب املهمــة علــى الصــن مســتق ًبال‪ ،‬وميثــل ً‬ ‫تصعيــد بهــذه املنطقــة‪.‬‬ ‫د‪ .‬محاولــة الضغــط علــى الصــن إلعــادة تشــكيل اســتراتيجيتها‬ ‫مبنطقــة احمليــط (الهنــدي الهــادئ) مبــا يتوافــق مــع التحــركات‬ ‫األمريكيــة بنفــس املنطقــة‪.‬‬ ‫ه‪ .‬تكتســب هــذه االتفاقيــة أهميــة كبــرى؛ إلثارتهــا غضــب حليــف مهــم‬ ‫للواليــات املتحــدة األمريكيــة وهــو (فرنســا)‪ ،‬التــي ســبق وأن تعهــدت‬ ‫ألســتراليا بتزويدهــا بغواصــات تعمــل بالطاقــة التقليديــة بإمكانيــات‬ ‫متطــورة‪ ،‬وقــد وقعــت الصفقــة ‪2016‬م‪ ،‬وكانــت تطلــق عليهــا فرنســا‬ ‫صفقــة القــرن لضخامتهــا وأهميتهــا لــكال الدولتــن‪.‬‬ ‫و‪ .‬يأتــي هــذا االتفــاق كأول اتفــاق توقعــه اململكــة املتحــدة بعــد‬ ‫خروجهــا مــن االحتــاد األوروبــي؛ مــا يعنــي إمكانيــة مشــاركتها فيــه‬ ‫مــن ضمــن أســباب رغبتهــا بتعزيــز مكانتهــا الدوليــة بعــد خروجهــا‬ ‫مــن االحتــاد األوروبــي‪.‬‬ ‫ز‪ .‬تعزيــز النفــوذ األمريكــي ‪-‬اســتراتيجية الرئيــس األمريكــي األســبق‬ ‫(بــاراك أوبامــا) ‪-‬يف آســيا‪ ،‬ودعــم مكانــة واشــنطن شــر ًقا‪.‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪27‬‬

‫موقف فرنسا من "أوكوس" وكيف يؤثر عى االتحاد األوروبي‬ ‫كان ألســتراليا وجهــة نظــر باللجــوء لفرنســا ومحاولــة ضمهــا لقائمــة‬ ‫حلفائهــا لتوســيع الدائــرة أكثــر؛ إضافـ ًة الســتقدام أســطول غواصــات‬ ‫وفتــح البــاب أمــام شــراكات تســاهم بحمايــة صادراتهــا ووارداتهــا‪،‬‬ ‫فلجــأت لفرنســا عــام ‪2016‬م‪ ،‬لعقــد صفقــة لبنــاء أســطول مــن‬ ‫الغواصــات ذات اإلمكانيــات املتطــورة وتعمــل بالطاقــة التقليديــة‪،‬‬ ‫وتختلــف املصــادر يف قيمــة هــذه الصفقــة مــن ‪ 37‬مليــار دوالر إلــى‬ ‫حوالــي ‪ 105‬مليــار دوالر‪ ،‬ولكــن مــا اتفقــت عليــه جميــع املصــادر‬ ‫أن الصفقــة ضخمــة‪ ،‬لدرجــة أطلقــت عليهــا فرنســا مســمى "صفقــة‬ ‫القــرن" ألهميتهــا االقتصاديــة‪ ،‬كمــا أنهــا متثــل نقطــة انطــالق‬ ‫الســتراتيجيات فرنســية حلمايــة مصاحلهــا مبنطقــة احمليــط‬ ‫(الهنــدي والهــادي)‪.‬‬ ‫ولكــن ُفوجئــت فرنســا بإعــالن أســتراليا إلغــاء الصفقــة مقابــل‬ ‫عقدهــا مــع الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وقــد ع َّبــر رئيــس الــوزراء‬ ‫األُســترالي "موريســون" عــن ذلــك قائـ ًـال‪ :‬كان يجــب أن تتوقــع فرنســا‬ ‫طبيعــي ويحــدث‪ ،‬كمــا ع َّبــر الرئيــس‬ ‫إلغــاء الصفقــة؛ ألنــه أمــر‬ ‫ٌّ‬ ‫ٌ‬ ‫حليــف مهــ ٌم‬ ‫"بايــدن" يف اللقــاء نفســه بالبيــت األبيــض أن فرنســا‬ ‫للواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬وأنهــا تتطلــع إلقامــة تعــاون وشــراكات‬ ‫معهــا مسـ ً‬ ‫ـتقبال؛ لــذا قامــت فرنســا بســحب ســفيريها مــن (الواليــات‬ ‫املتحــدة األمريكيــة‪ -‬أســتراليا) مــع اإلبقــاء علــى ســفيرها بإجنلتــرا‪،‬‬ ‫معلل ـ ًة ذلــك بــأن هــذا مــا اعتادتــه مــن بريطانيــا‪.‬‬ ‫ولعــل هــذه الســلوك ال يقــف تأثيــره علــى اســتدعاء الســفراء‬ ‫الفرنســين‪ ،‬ولكــن قــد تتخــذ فرنســا إجــراءات أُخــرى تؤثــر علــى‬ ‫عالقــة الــدول الثــالث باالحتــاد األوروبــي‪ ،‬باعتبارهــا واحــد ًة مــن‬ ‫أهــم الــدول املؤثــرة فيــه‪ ،‬ومــا يؤكــد إمكانيــة تأثيــر فرنســا علــى‬ ‫االحتــاد األوروبــي هــو قــرار االنســحاب األمريكــي األخيــر مــن‬ ‫أفغانســتان الــذي اتخذتــه الواليــات املتحــدة األمريكــي دون التشــاور‬ ‫مبــا يكفــي مــع االحتــاد األوروبــي‪ ،‬وحلــف شــمال األطلســي ً‬ ‫أيضا‪ ،‬كما‬ ‫أن توقيــت إعــالن االتفــاق أتــى تزام ًنــا مــع إعــالن االحتــاد األوروبــي‬ ‫عــن اســتراتيجيته مبنطقــة "بحــر الصــن اجلنوبــي"‪ ،‬وهــو مــا يعتبــر‬ ‫التحــرك الثانــي للواليــات املتحــدة األمريكيــة يف نفــس الفتــرة دون‬ ‫وضــع االحتــاد األوروبــي وحلــف شــمال األطلســي باالعتبــار‪.‬‬ ‫ولعــل موقــف االحتــاد األوروبــي وحلــف شــمال األطلســي مــع‬ ‫الصينيــن ورغبتهمــا باإلبقــاء علــى عالقــات طيبــة معهــم هــو مــا‬ ‫جعــل الواليــات املتحــدة األمريكيــة تأخــذ بزمــام األمــور دون التشــاور‬ ‫معهــم‪ ،‬ولكــن مــن املؤكــد أن يؤثــر علــى عالقــة ٍّ‬ ‫كل منهمــا باآلخــر‪،‬‬

‫يضم بحر الصين ‪ 11‬مليار برميل بترول و‪ 190‬تريليون قدم من غاز‬ ‫و ‪ %10:12‬من الثروة السمكية بالعالم‬


‫‪26‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫"الغواصات" لديها القدرة عى المناورة وإلحاق الضرر بالقوات‬ ‫العسكرية الصينية وتمثل رد ًع ا ألي محاولة تصعيد صينية بالمنطقة‬ ‫املتحــدة وبريطانيــا خــالل القــرن األخيــر‪ ،‬وكانــت جــز ًءا مــن بريطانيــا‬ ‫حتــى نالــت اســتقاللها عــام ‪1901‬م‪ ،‬ومازالــت تتمتــع بعالقــات طيبــة‬ ‫مــع بريطانيــا حتــى وقتنــا هــذا‪ ،‬ناهيــك عــن التقــارب اللغــوي والثقايف‬ ‫والدينــي بــن ٍّ‬ ‫كل منهــم‪.‬‬ ‫معظــم األنشــطة االقتصاديــة ألســتراليا تعتمــد علــى ســالمة املجــاري‬ ‫املالحيــة بحكــم موقعهــا اجلغــرايف؛ لــذا فــإن تأمــن املجــاري املالحية‬ ‫يتطلــب بالضــرورة وجــود أســطول قــوي حلمايــة صادراتهــا ووارداتها‪،‬‬ ‫وبالتالــي البــد مــن االســتعانة بحليــف جديــد يزودهــا بهــذه القــوة‪.‬‬ ‫تشــكل العالقــة بــن أســتراليا والصــن أحــد أهــم أســباب التقــارب‪،‬‬ ‫فقــد عمــدت أســتراليا لالســتفادة مــن التقــدم االقتصــادي الصينــي‬ ‫بدايــة عــام ‪1997‬م؛ حيــث تزايــد حجــم التبــادل والعالقــات‬ ‫االقتصاديــة بينهمــا لتوقيــع اتفاقيــة التجــارة احلــرة بــن البلديــن‬ ‫عــام ‪2015‬م‪ ،‬كمــا ســعت لتكــون جــز ًءا مــن مبــادرة احلــزام والطريــق‪،‬‬ ‫ولكــن تدهــورت العالقــات بينهمــا إللغــاء احلكومــة الصينيــة بعــض‬ ‫بنــود واتفاقيــات التبــادل التجــاري‪ ،‬واتهــام أســتراليا الصــن بانتهــاك‬ ‫حقــوق اإلنســان لـ"مســلمو اإليغــور"‪ ،‬و املطالبــة بفتــح حتقيــق دولــي‬ ‫لبحــث منشــأ فيــروس كورونــا؛ مــا أدى لتوتــر العالقات بــن الطرفن‪،‬‬ ‫وجعــل أســتراليا فرصــة البــد مــن اقتناصهــا‪.‬‬ ‫تدهــور األوضــاع بــن الصــن وأســتراليا مؤخــ ًرا واعتبــار الصــن‬ ‫أســتراليا إدارة أمريكيــة لتقويــض قوتهــا وتشــويه ســمعتها عامل ًّيــا‪،‬‬ ‫ورؤيــة أســتراليا للصــن علــى أنهــا تريــد ابتالعهــا والســيطرة عليهــا‬ ‫بالقــوة العســكرية‪ ،‬كجــزء مــن حربهــا مــع الواليات املتحــدة األمريكية‪،‬‬ ‫وقــد أدت األوضــاع املتوتــرة بينهــم إلــى القــول‪ :‬بــأن احلــرب وشــيكة‬ ‫بــن الطرفــن ال محالــة‪ ،‬هــذا كلــه يجعــل أســتراليا حلي ًفــا مه ًمــا‬ ‫للواليــات املتحــدة ولــكل دولــة تريــد مواجهــ ًة غيــر مباشــرة مــع‬ ‫الصــن‪.‬‬

‫ما الذي يجعل شراكة "أوكوس" تحظى باهتمام عالمي؟‬ ‫يعتبــر االتفــاق خطــو ًة كبيــر ًة؛ لرفــض الواليــات املتحــدة والقــوى‬ ‫الكبــرى نقــل التقنيــات العســكرية إلــى غيرهــا ألســباب تتعلــق بالقــوة‬ ‫واملكانــة‪ ،‬كمــا أن هــذا النــوع مــن الغواصــات ال متتلكــه ســوى ‪ 6‬دول‬ ‫حــول العالــم‪ ،‬هــم (الواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ -‬بريطانيــا‪ -‬فرنســا‪-‬‬ ‫الصــن‪ -‬روســيا‪ -‬الهنــد) ولــم يســبق نقلــه ألي دولــة أُخــرى ســوى‬ ‫(بريطانيــا)‪ ،‬عندمــا نقلــت الواليــات املتحــدة تكنولوجيــا تصنيــع‬ ‫الغواصــات إليهــا يف عــام ‪1958‬م‪ ،‬وبالتالــي ســتنضم أســتراليا‬ ‫كســابع دولــة متتلــك الغواصــات‪ ،‬والدولــة األولــى عامل ًّيــا التــي تُنقــل‬

‫لهــا تكنولوجيــا متطــورة لتصنيعهــا؛ حيــث إن الــدول الســت متتلــك‬ ‫التكنولوجيــات احملليــة للتصنيــع فقــط‪.‬‬ ‫لهــذا النــوع مــن الغواصــات أهميــ ٌة اســتراتيجي ٌة تتمثــل يف أنهــا‬ ‫مــزودة مبحــرك نــووي‪ ،‬وهــي تقــوم بأنشــطة جتسســية أو عســكرية‪،‬‬ ‫تتطلــب وجودهــا حتــت امليــاه ألطــول فتــرة ممكنــة‪ ،‬وملســافات‬ ‫بعيــدة‪ ،‬وتعمــل الكثيــر مــن جيــوش العالــم باســتخدام الغواصــات‪،‬‬ ‫ولكنهــا تعمــل بالطاقــة التقليديــة وبإمكانيــات محــدودة؛ مــا يضــع‬ ‫قيــو ًدا علــى حركتهــا وأنشــطتها‪ ،‬ولكــن هــذا النــوع مــزود بالطاقــة‬ ‫النوويــة وبتكنولوجيــات متطــورة؛ مــا يجعلهــا دقيقــة وســريعة بحصــد‬ ‫األهــداف‪ ،‬قــادرة علــى املنــاورة والتخفــي‪ ،‬ويص ُعــب تعقبهــا‪.‬‬ ‫تأتــي أهميــة هــذا التحالــف ً‬ ‫أيضــا مــن فكــرة رئيســية تقــوم علــى أن‬ ‫التكنولوجيــات أنــواع ومســتويات كذلــك احللفــاء مســتويات‪ ،‬فهنــاك‬ ‫تقنيــات تعتبرهــا الواليــات املتحــدة شــديدة احلساســية للغايــة ومتنــع‬ ‫مشــاركتها مــع الغيــر‪ ،‬حتــى حللفائهــا‪ ،‬وكذلــك تكنولوجيــا تصنيــع‬ ‫الغواصــات التــي لــم تشــارك معهــا ســوى بريطانيــا‪ ،‬ومؤخـ ًرا تعهــدت‬ ‫بنقلهــا ألســتراليا؛ مــا يعنــي أن األمــر يســتحق مشــاركة تكنولوجيــا‬ ‫بهــذا املســتوى مــن احلساســية‪.‬‬ ‫كمــا ميكننــا القــول‪ :‬بــأن أهميــة "أوكــوس" احلقيقيــة تأتــي مــن بنــود‬ ‫االتفــاق غيــر املعلنــة واملتمثلــة فيمــا يلــي‪:‬‬ ‫أ‪ .‬حتجيــم النفــوذ الصينــي مبنطقــة (الهنــدي الهــادئ)‪ ،‬أو "بحــر‬ ‫الصــن اجلنوبــي"‪ ،‬باعتبــاره منطقــ ًة اســتراتيجي ًة ال تنتهــي فيهــا‬ ‫املنــاورات بــن القــوات األمريكيــة املوجــودة مبنطقــة (احمليــط‬ ‫الهنــدي الهــادئ) وبــن القــوات الصينيــة‪ ،‬وذلــك لألهميــة الكبــرى‬ ‫لهــذه املنطقــة التــي اكتســبتها بعــد احلــرب العامليــة الثانيــة ومطلــع‬ ‫الســبعينيات بعــد اكتشــاف البتــرول والغــاز الطبيعــي‪ ،‬إضاف ـ ًة ملئــات‬ ‫اجلــزر التــي ميكــن اســتخدامها كقواعــد عســكرية؛ حيــث يحتــوي‬ ‫بحــر الصــن اجلنوبــي وف ًقــا للوكالــة األمريكيــة ملعلومــات الطاقــة‬ ‫علــى حوالــي ‪ 11‬مليــار برميــل مــن البتــرول‪ ،‬و ‪ 190‬تريليــون قــدم‬ ‫مــن الغــاز الطبيعــي‪ ،‬ويضــم مــا يزيــد عــن ‪ 10:12%‬مــن إجمالــي‬ ‫الثــروة الســمكية بالعالــم‪ ،‬ويقــدر حجــم التجــارة املــارة بــه ســنو ًّيا ‪-‬‬ ‫وف ًقــا لنفــس املصــدر عــام ‪2017‬م ‪ -‬ألكثــر مــن ‪ 5‬تريليــون دوالر‪،‬‬ ‫كمــا متــر منــه –عــن طريــق مضيــق ملقــا‪ -‬التبــادالت التجاريــة بــن‬ ‫حليفيهــا كوريــا اجلنوبيــة واليابــان‪ ،‬ونظــ ًرا ألهميتــه الكبــرى فقــد‬ ‫دارت مواجهــات بــن الواليــات املتحــدة والصــن خــالل الفتــرة مــن‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫قضية العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪25‬‬

‫من يسيطر عى تايوان يسيطر عى العالم لذا تزود أمريكيا أستراليا‬ ‫بالتكنولوجيا الستخدامها ضد الصين لمنعها من استعادة "تايوان"‬ ‫أهم بنود االتفاق‬ ‫جديــر بالذكــر أن التعــاون بــن الــدول الثــالث ســوا ًء مجتمعــة أو‬ ‫بشــكل ثنائــي بــن ٍّ‬ ‫كل منهــم لــم تكــن بدايتــه اتفــاق "أوكــوس" فقــط‪،‬‬ ‫ولكــن اكتســب "أكــوس" لقــد اشــتملت االتفاقيــة علــى مجموعــة مــن‬ ‫البنــود بخصــوص التزامــات األطــراف‪ ،‬ميكــن ذكرهــا كمــا يلــي‪:‬‬ ‫• تعهــد أمريكــي ـ بريطانــي ملســاعدة أســتراليا بتعزيــز قدراتهــا‬ ‫العســكرية علــى أحــدث الطــرز العامليــة‪ ،‬أولهــا تزويدهــا بأســطول‬ ‫غواصــات يعمــل بالطاقــة النوويــة ألســتراليا‪ ،‬علــى مــدار الثمانيــة‬ ‫عشــر شــه ًرا القادمــة‪ ،‬علــى أن تقــوم الســلطات األســترالية بتحديــد‬ ‫اآلليــة التــي ســيتم اتباعهــا لإلشــراف النــووي عليهــا‪.‬‬ ‫• تزويدهــا بقــدرات صاروخيــة متطــورة بعيــدة املــدى‪ ،‬أهمهــا‬ ‫صواريــخ (كــروز تومــا هــوك ‪-‬بعيــدة املــدى)‪.‬‬ ‫• فتح األراضي األُسترالية أمام القوات اجلوية األمريكية‪.‬‬ ‫• تقــدمي الدعــم الــالزم مــن األطــراف ملواجهــة التحديــات التــي‬ ‫يواجههــا العالــم بالقــرن احلــادي والعشــرين‪ ،‬وتعزيــز قــدرات‬ ‫أســتراليا بالدخــول والتعامــل مــع احلــرب الســيبرانية‪.‬‬ ‫• التأكــد مــن أن كل طــرف مــن أطــراف التحالــف لديــه قــدرة‬

‫حديثــة ‪-‬أحــدث القــدرات التــي حتتاجهــا ‪-‬للمنــاورة والدفــاع ضــد‬ ‫التهديــدات ســريعة التطــور‪.‬‬ ‫• احلفــاظ علــى الــدول الثــالث بـــ (القــدرات العســكرية والتقنيــات‬ ‫الهامــة وتوســيع نطاقهــا)‪ ،‬مثــل (اإلنترنــت والــذكاء االصطناعــي‬ ‫وتقنيــات الكــم واملجــاالت حتــت ســطح البحــر)‪.‬‬

‫أســباب التقــارب ا ُألســترايل مــع الواليــات المتحــدة األمريكيــة‬ ‫وبريطانيــا‬ ‫متثــل أســتراليا أهميـ ًة كبــرى للواليــات املتحــدة األمريكيــة‪ ،‬خاصـ ًة يف‬ ‫ســباقها مــع الصــن وكذلــك األمــر بالنســبة ألهميــة الواليــات املتحــدة‬ ‫األمريكيــة وإجنلتــرا ألســتراليا‪ ،‬تعتبــر أســتراليا أصغــر قــارات‬ ‫العالــم‪ ،‬وهــي أكبــر جزيــرة يف العالــم ً‬ ‫أيضــا بإجمالــي مســاحة تصــل لـ‬ ‫‪ 7.7‬مليــون كــم‪ ،‬ويصــل حجــم اقتصادهــا حلوالــي ‪ 1.4‬تريليــون دوالر‪،‬‬ ‫أي أكثــر مــن ضعــف حجــم أكبــر اقتصــاد عربــي‪ ،‬وتقــع باحمليطــن‬ ‫(الهــادئ والهنــدي) بــن الســواحل الغربيــة األمريكيــة والصــن‪ ،‬ولعــل‬ ‫موقعهــا اجلغــرايف هــو أهــم مــا يجعلهــا حلي ًفــا اســتراتيج ًّيا للواليــات‬ ‫املتحــدة‪ ،‬كمــا أنهــا شــاركت بــكل احلــروب التــي خاضتهــا الواليــات‬


‫‪24‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫قضية العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫حـرب بـاردة فـي المحيطيـن الهنـدي والهـادئ ومنطقـة النـزاع علـى الجـزر‬

‫أوكوس" يمهد لتحالفات دولية واسعة وعى‬ ‫الشرق األوسط االستعداد للتعامل مع المتغيرات‬ ‫ـخص واحــد بالعالــم ُعــرف الســالم‪ ،‬وعندمــا‬ ‫هنــاك مقولـ ٌة تاريخيـ ٌة تذهــب إلــى أنــه إذا ُوجــد شـ ٌ‬ ‫ً‬ ‫يُوجــد شــخصان يُعــرف الصــراع‪ ،‬أ َّمــا إذا كانــوا ثالثــة فمــن هنــا يأتــي التحالــف‪ ،‬ولــذا فــإن‬ ‫التحالفــات كيانــات تاريخيــة موجــودة بأشــكال متعــددة؛ (ثنائيــة أو ثالثيــة‪ ،‬أو متعــددة األطــراف)‪،‬‬ ‫وهــي ظاهــرة حتميــة تقتضيهــا طبيعــة البيئــة الدوليــة املتغيــرة تب ًعــا لتغيــر القــوى ومراكزهــا‪.‬‬ ‫خــالل شــهر ســبتمبر املاضــي‪ ،‬أعلــن الرئيــس األمريكــي "جــو بايــدن" عــن تشــكيل شــراكة أمنيــة‬ ‫جديــدة بــن الواليــات املتحــدة وأســتراليا واململكــة املتحــدة‪ ،‬تســعى لتعزيــز االســتقرار مبنطقــة‬ ‫احمليطــن (الهنــدي والهــادئ)؛ حيــث توســعت بعــض القــوى الكبــرى يف امتــالك القــوة العســكرية‬ ‫واألســلحة بهــذه املنطقــة؛ مــا أثــار مخاوفهــم مــن تناميهــا‪ ،‬ولبنــاء أحــدث النُّظــم الدفاعيــة ضــد‬ ‫أي تهديــدات محتملــة‪.‬‬ ‫فبالرغــم مــن التباعــد اجلغــرايف لهــذه الــدول‪ ،‬إال أن املصالــح والقيــم املشــتركة ووحــدة الهــدف‬ ‫كانــت داف ًعــا رئيســ ًّيا النطــالق هــذا احللــف‪ ،‬وهــذا ليــس التحالــف األول الــذي يضــم الــدول‬ ‫الثــالث م ًعــا‪ ،‬بــل ســبقه انضمامهــم لتحالــف "العيــون اخلمــس"‪ ،‬وســيتناول االتفــاق الوقــوف علــى‬ ‫أهــم بنــوده ودوافــع عقــده‪ ،‬وأهــم أهدافــه والنتائــج املتوقعــة مــن التوقيــع عليــه علــى املســتوى‬ ‫الدولــي والعربــي‪ ،‬وأهــم الــدول األطــراف فيــه ومصالــح ٍّ‬ ‫كل منهــم‪ ،‬وهــو مــا ســيتم تناولــه خــالل‬ ‫الســطور التاليــة‪.‬‬

‫السفير‪ /‬محمد العرابي‬

‫نشأة التحالف‬ ‫يف ‪ 16‬ســبتمبر املاضــي ‪2021‬م‪ ،‬أعلــن الرئيــس األمريكــي "جــو‬ ‫بايــدن" عــن حتالــف ثالثــي ُعــرف باســم حتالــف "أوكــوس"‪ ،‬ويضــم‬ ‫(الواليــات املتحــدة األمريكية‪-‬اململكــة املتحدة‪-‬أســتراليا)‪ ،‬ويعتبــر‬ ‫التحالــف شــراكة أمنيــة ثالثيــة جديــدة معــززة بــن أســتراليا واململكــة‬ ‫املتحــدة والواليــات املتحــدة‪ .‬حيــث تعمــل التقنيــات احلديثــة والقــوات‬ ‫الدفاعيــة م ًعــا؛ لتوفيــر منطقــة أكثــر أما ًنــا تعــود بالفائــدة علــى‬ ‫اجلميــع يف نهايــة املطــاف‪.‬‬ ‫يتــم تنفيــذ بنــود االتفاقيــة بعــد فتــرة ‪ 18‬شــه ًرا مــن التوقيــع عليهــا‬ ‫لتحديــد كل عنصــر مــن عناصــر هــذا البرنامــج ‪-‬مــن القــوى العاملــة‪،‬‬

‫ومتطلبــات التدريــب‪ ،‬واجلــداول الزمنيــة لإلنتــاج‪ ،‬وتدابيــر احلمايــة‪،‬‬ ‫ومنــع االنتشــار‪ ،‬واإلشــراف والســالمة النوويــة ‪-‬لضمــان االمتثــال‬ ‫الكامــل لــكل مــن التزامــات أمتنــا مبوجــب معاهــدة عــدم انتشــار‬ ‫األســلحة النوويــة‪.‬‬ ‫ووف ًقــا لتصريــح الرئيــس األمريكــي‪ ،‬فــإن الهــدف األساســي مــن‬ ‫إنشــاء هــذا التحالــف هــو التعامــل مــع البيئــة االســتراتيجية املوجــودة‬ ‫مبنطقــة احمليــط (الهــادي والهنــدي)‪ ،‬مؤكــدًا أن مســتقبل الــدول‬ ‫الثــالث بــل مســتقبل العالــم يعتمــد بشــكل أساســي علــى منطقــة‬ ‫(هنــدي هــادئ) مســتقرة ومزدهــرة ومفتوحــة املالحــة للجميــع‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪23‬‬

‫أمري ــكا واالتح ــاد األوروب ــي و"آس ــيان" والياب ــان والهن ــد لديه ــم‬ ‫قل ــق م ــن الصي ــن لكنه ــم أعط ــوا األلوي ــة لالقتص ــاد م ــع بكي ــن‬ ‫وبالرغــم مــن أن احلديــث عــن احتــواء الصــن أمــر ســهل‪ ،‬إال أنــه‬ ‫يجــدر اإلشــارة إلــى أن الصــن لديهــا ارتباطــات عامليــة‪ ،‬مــن خــالل‬ ‫التجــارة ومشــاريع االتصــاالت التــي تشــمل اخلدمــات اللوجســتية‬ ‫والصحــة والتكنولوجيــا‪ ،‬وهنــاك أكثــر مــن مائــة دولــة مشــتركة يف‬ ‫مبــادرة احلــزام والطريــق‪ .‬فجميــع مناطــق العالــم تقري ًبــا لديهــا‬ ‫روابــط جتاريــة جوهريــة مــع الصــن التــي غال ًبــا مــا تعتبــر الشــريك‬ ‫التجــاري األول بالنســبة لهــا‪.‬‬ ‫ولعــل أفضــل نظــرة متعمقــة يف تكويــن روابــط مــع الصــن مــا ذكــره‬ ‫لــي هســن لونــغ‪ ،‬رئيــس وزراء ســنغافورة‪ ،‬حيــث قــال يف مؤمتــر‬ ‫صحفــي مــع رئيــس الــوزراء األســترالي يف يونيــو هــذا العــام‪:‬‬ ‫"ســيكون هنــاك مواقــف صعبــة (مــع الصــن) ‪ ...‬وعليكــم أن تتعاملــوا‬

‫معهــا‪ ...‬ولكــن تعاملــوا معهــا كمســائل تعتبــر جــز ًءا مــن شــراكة‬ ‫ترغبــون يف اســتمرارها وليــس مســائل تــؤدي إلــى خصومــة حتاولــون‬ ‫قمعهــا‪".‬‬ ‫وهــذه تُعــد نصيحــة حكيمــة مــن رجــل دولــة إقليمــي لــكل مــن قــد‬ ‫يؤيــد املوقــف التصادمــي يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪.‬‬

‫* ﺳﻔري اﻟﻬﻨﺪ اﻟﺴﺎﺑﻖ ﰲ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ وﻋامن واﻹﻣﺎرات وأﺳﺘﺎذ ﺟﺎﻣﻌﻲ‪-‬رام‬ ‫ﺳﺎث ﻟﻠﺪراﺳﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ‪ ،‬ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺳﻴﻤﺒﻴﻮﺳﻴﺲ اﻟﺪوﻟﻴﺔ ــ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻮﻧﺔ‪ ،‬اﻟﻬﻨﺪ‬


‫‪22‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ً‬ ‫موقف ـــا‬ ‫أعـــادت كارثـــة "أوكـــوس" تبنـــي االتحـــاد األوروبـــي‬ ‫اس ــتراتيج ًي ا أكث ــر اس ــتقاللية يف الش ــؤون األوروبي ــة والعالمي ــة‬ ‫املنطقــة‪ ،‬خاصــ ًة مــع توســع شــراكة "أوكــوس" أو احلــوار األمنــي‬ ‫الرباعــي أو كليهمــا‪ .‬ويف تقريــر صــادر مــن معهــد ســتكهولم الدولــي‬ ‫لبحــوث الســالم يف ‪2020‬م‪ ،‬بلغــت قيمــة اإلنفــاق علــى التســلح يف‬ ‫آســيا‪ ،‬بالرغــم مــن اجلائحــة‪ 528 ،‬مليــار دوالر‪ 62 ،‬باملائــة منهــا‬ ‫كان مــن جانــب الصــن والهنــد‪ .‬وعلــى نفــس املنــوال‪ ،‬تعمــل كل مــن‬ ‫اليابــان وأســتراليا علــى زيــادة إنفاقهمــا علــى الدفــاع‪ ،‬ويُعــزى ذلــك‬ ‫إلــى حــد كبيــر إلــى املخــاوف املتعلقــة بالصــن‪ .‬فاليابــان خصصــت‬ ‫‪ 50‬مليــار دوالر مــن ميزانيتهــا لعــام ‪2022-2023‬م‪ ،‬وبلــغ إنفــاق‬ ‫أســتراليا ‪ 44.6‬مليــار دوالر أســترالي يف ‪2021-2022‬م‪ ،‬وقــد‬ ‫ترتفــع نفقــات أســتراليا علــى الدفــاع مــن ‪ 2‬باملائــة مــن إجمالــي‬ ‫النــاجت احمللــي اآلن إلــى ‪ 3‬أو حتــى ‪ % 4‬مــن إجمالــي النــاجت احمللــي‬ ‫يف الســنوات املقبلــة‪.‬‬ ‫ســباق التســلح لــن يــؤدي إال ملزيــد مــن انعــدام األمــن اإلقليمــي‪.‬‬ ‫وبالرغــم مــن التأثيــر شــبه املعــدوم لشــراكة "أوكــوس" واحلــوار‬ ‫األمنــي الرباعــي يف احتــواء الصــن‪ ،‬إال أنهمــا ســينجحان بالفعــل يف‬ ‫تصنيــف الشــركاء كأعــداء دائمــن للصــن ومناصريــن للوضــع العاملي‬ ‫القائــم الــذي تقــوده واشــنطن‪ .‬ولــن يــؤدي ذلــك إلــى خلــق بيئــة مــن‬ ‫عــدم االســتقرار املمتــد طويـ ً‬ ‫ال يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهادئ‬ ‫فحســب‪ ،‬ولكنــه قــد يســتدرج دول إقليميــة أخــرى نحــو االنقســام‬ ‫الــذي صنعتــه الواليــات املتحــدة يف صــورة "حــرب بــاردة" جديــدة‪.‬‬ ‫ومــن ثـ َّم‪ ،‬ســتجد غالبيــة الــدول األعضــاء يف "آســيان"‪ ،‬والتــي تفضــل‬ ‫التركيــز علــى التنميــة احملليــة‪ ،‬نفســها منجرفــة كرهً ــا نحــو هــذا‬ ‫االنقســام الشــرس‪ .‬فهــي تنظــر إلــى "أوكــوس" و"كــواد" علــى أنهمــا‬ ‫يق ِّوضــان محوريــة الرابطــة يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫ويحرمــان هــذه الــدول مــن اســتقالليتها االســتراتيجية الثمينــة‪،‬‬ ‫ويضعاهــا يف قلــب املنافســة الصينيــة األمريكيــة‪ .‬وقــد أشــار أحــد‬ ‫املعلقــن أن أعضــاء "آســيان" لــن يحبــذوا رؤيــة هيمنــة الصــن يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬ويرفضــون محــاوالت االحتــواء اآلتيــة مــن الواليــات املتحدة‪،‬‬ ‫ولكنهــم باألحــرى يفضلــون "إقحــام" الصــن يف مؤسســات "آســيان"‬ ‫املتنوعــة بــدالً مــن مواجهتهــا مــن خــالل حتالــف تنافســي‪.‬‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬يجــدر اإلشــارة إلــى أنــه بالرغــم مــن تبنــى بايــدن‬ ‫موق ًفــا متشــد ًدا جتــاه الصــن وتكوينــه حتالفــن لدعــم النهــج‬ ‫الــذي تبنــاه‪ ،‬إال أن الواليــات املتحــدة يف واقــع األمــر تســتمر يف‬ ‫احلفــاظ علــى "درجــة كبيــرة مــن االعتمــاد املتبــادل" مــع منافســتها‬ ‫االســتراتيجية يف مجــاالت التجــارة واالســتثمار وحتــى يف مجــال‬ ‫التكنولوجيــا‪ ،‬ففــي عــام ‪2020‬م‪ ،‬كانــت الصــن الشــريك األول‬ ‫لواشــنطن يف جتــارة البضائــع‪ ،‬فهــي يف املرتبــة الثالثــة بــن أكبــر‬

‫أســواق الصــادرات ألمريــكا‪ .‬وميتلــك املســتثمرون األمريكيــون ‪1.1‬‬ ‫تريليــون دوالر يف صــورة أســهم أصدرتهــا شــركات صينيــة‪ ،‬بينمــا‬ ‫بلغــت قيمــة األســهم املشــتركة والســندات ‪ 3.3‬تريليــون دوالر بنهايــة‬ ‫عــام م‪ ،‬ويف مجــال التكنولوجيــا‪ ،‬تســتمر الشــركات األمريكيــة‬ ‫والصينيــة الرئيســية يف تعاونهــا علــى البحــث والتطويــر‪ .‬وأخيــ ًرا‪،‬‬ ‫وصــل عــدد الطــالب الصينيــن يف الواليــات املتحــدة إلــى ‪370‬‬ ‫ألــف طالــب يف عــام ‪ ،2019-2020‬منهــم ‪ 34‬باملائــة مــن الطــالب‬ ‫األجانــب‪.‬‬ ‫وكمــا اســتنتج رايــان هــاس‪" ،‬مــن غيــر املرجــح أن تســعى السياســة‬ ‫األمريكيــة يف املســتقبل املنظــور إلــى "هزميــة" الصــن أو أن تلــزم‬ ‫ســقوط احلــزب الشــيوعي الصينــي"‪ ،‬حســبما أكــد بومبيــو يف‬ ‫ُوجــه جهــود‬ ‫خطاباتــه الطنانــة العــام املاضــي‪ .‬ومــن املرجــح أن ت َّ‬ ‫الواليــات املتحــدة محل ًيــا وإلــى الشــركاء اخلارجيــن "لتعزيــز تنافســية‬ ‫أمريــكا طويلــة األمــد مــع الصــن"‪.‬‬ ‫لقــد أدركــت واشــنطن هــذه احلقائــق‪ .‬فقــد وصفــت وينــدي شــيرمان‪،‬‬ ‫نائبــة وزيــر اخلارجيــة األمريكــي‪ ،‬نهــج الواليــات املتحــدة جتــاه‬ ‫الصــن أثنــاء زيــارة أُجريــت مؤخـ ًرا للهنــد مســتخدمة تعبيــرات لبقــة‬ ‫غيــر جازمــة بعــض الشــيء‪ ،‬بعيــدة كل البعــد عــن النهــج التصادمــي‬ ‫العدوانــي الــذي اكتنــف عمليــة انطــالق شــراكة "أوكــوس"‪ .‬فقــد‬ ‫قالــت‪:‬‬ ‫"ســنتنافس بقــوة مــع الصــن حــن يجــب علينــا ذلــك‪ ،‬وســنتعاون مــع‬ ‫الصــن عندمــا تقتضــي مصاحلنــا ذلــك‪ ...‬ســنتحدى الصــن عندمــا‬ ‫يتحتــم علينــا ذلــك‪ ،‬عندمــا تقــ ِّوض مصاحلنــا ومصالــح شــركائنا‬ ‫وحلفائنــا أو تهــدد النظــام الدولــي املبنــي علــى قواعــد‪".‬‬ ‫وقــد أجــرى املســؤولون األمريكيــون اجتماعــات دوريــة قبــل إعــالن‬ ‫شــراكة "أوكــوس" وبعــده‪ ،‬وأظهــرت ملخصــات مشــاركات الطرفــن‬ ‫أهميــة مبــدأ األخــذ والعطــاء عنــد كل منهمــا‪ .‬وقــد ناقــش اجتماعــان‬ ‫منهــم الشــؤون األمنيــة بــن مستشــاري األمــن الوطني واســتمرا لســت‬ ‫ســاعات‪ .‬كمــا تنــاول لقــاء آخــر الشــؤون التجاريــة بــن كاثريــن تــاي‪،‬‬ ‫ممثلــة التجــارة األمريكيــة‪ ،‬وليــو هــي‪ ،‬نائــب رئيــس الــوزراء الصينــي‪.‬‬ ‫كذلــك وافقــت أمريــكا‪ ،‬كبــادرة حســن نيــة كمــا يتضــح‪ ،‬علــى إطــالق‬ ‫ســراح مينــغ وان تشــو‪ ،‬املديــرة املاليــة لشــركة هــواوي‪ ،‬والتــي كانــت‬ ‫محتجــزة يف كنــدا بنــا ًء علــى طلــب أمريكــي يف ديســمبر ‪2018‬م‪.‬‬ ‫ويشــير مراقبــون إلــى أن إطــالق الســراح الــذي أُجــري بعــد عشــرة‬ ‫أيــام فقــط مــن إعــالن شــراكة "أوكــوس" ال بــد وأنــه كان قــد خُ طــط‬ ‫لــه مســب ًقا بفتــرة طويلــة‪ ،‬ممــا يــدل علــى أن الواليــات املتحــدة كانــت‬ ‫تفكــر يف حتســن العالقــات قبــل "أوكــوس" بكثيــر‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪21‬‬

‫تؤكـــد اســـتراتيجية االتحـــاد األوروبـــي بخصـــوص منطقـــة‬ ‫المحيطي ــن الهن ــدي واله ــادئ ع ــى "التع ــاون ولي ــس التص ــادم"‬ ‫توســيع عالقاتهــا خــارج التحالــف الــذي تقــوده الواليــات املتحــدة‪،‬‬ ‫وهــو مــا سيتماشــى بســهولة أكثــر مــع مصاحلهــا املتنوعــة‪.‬‬ ‫كذلــك تعــرض فرنســا علــى الهنــد شــراكة اســتراتيجية هامــة‪،‬‬ ‫ففرنســا هــي الدولــة الوحيــدة يف االحتــاد األوروبــي التــي لديهــا‬ ‫اهتمــام كبيــر مبنطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ وتقــدم دع ًمــا‬ ‫قي ًمــا للهنــد يف منطقــة غــرب احمليــط الهنــدي مــن أقاليمهــا وراء‬ ‫البحــار يف جــزر القُمــر وجزيــرة ريونيــون وقواعدهــا يف جيبوتــي وأبــو‬ ‫ظبــي‪ .‬فرنســا ً‬ ‫أيضــا مــورد هــام للمعــدات العســكرية للهنــد‪ .‬ويف ظــل‬ ‫اســتيائها مــن اإلهانــة التــي تلقتهــا مــن أســتراليا بســبب إلغــاء عقــد‬ ‫الغواصــات بينهمــا‪ ،‬ميكــن أن تدخــل فرنســا يف شــراكة مــع الهنــد‬ ‫إلنتــاج غواصــات نوويــة الدفــع‪.‬‬ ‫وميكــن توظيــف الشــراكة الهنديــة الفرنســية يف عمــل عالقــات مــع‬ ‫دول اخلليــج الرئيســية‪ ،‬مثــل الســعودية واإلمــارات وإيــران‪ ،‬فاملزيــد‬ ‫مــن احملتــوى االســتراتيجي ميكــن أن يخــدم مصالــح الهنــد على املدى‬ ‫الطويــل‪ ،‬خاصـ ًة يف منطقــة غــرب احمليــط الهنــدي‪ ،‬إذ تعتبــر منطقــة‬ ‫اخلليــج مركــز الطاقــة والتجــارة واالســتثمار والتمويــل علــى مســتوى‬ ‫العالــم‪ ،‬فضــ ً‬ ‫ال عــن أنهــا تطبــق تغييــرات جوهريــة يف سياســاتها‬ ‫االقتصاديــة يف ضــوء اســتعدادها لعصــر مــا بعــد النفــط‪.‬‬ ‫لطاملــا بقيــت الروابــط التاريخيــة الطويلــة مــع منطقــة اخلليــج‬ ‫قائمــة وذلــك لتجددهــا باســتمرار لتلبيــة االحتياجــات املتغيــرة عنــد‬ ‫الطرفــن‪ .‬وميكــن أن تكــون الهنــد شــري ًكا طبيع ًيــا يف تســهيل انتقــال‬ ‫املنطقــة إلــى حقبــة جديــدة مــن التكنولوجيــا وسالســل اإلمــداد‬ ‫واالســتجابة لتحديــات جديــدة ناجتــة مــن تطلعــات الشــباب نحــو‬ ‫تعليــم عالــي املســتوى والتدريــب وفــرص ريــادة األعمــال للمشــاريع‬ ‫الناشــئة القائمــة علــى التكنولوجيــا‪.‬‬

‫تقييم "أوكوس"‬ ‫تعكــس "أوكــوس" كمــا ذكرنــا ســاب ًقا مبــادرة أمريكيــة ملواجهــة عنيفــة‬ ‫مــع الصــن‪ ،‬بالتعــاون مــع اململكــة املتحــدة وأســتراليا‪ ،‬مــن خــالل‬ ‫تزويــد أســتراليا بثمانــي غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬ولكــن إذا‬ ‫كانــت هــذه املبــادرة قــد أدت إلــى انفصــال أســتراليا عــن مراســيها‬ ‫يف جنــوب شــرق آســيا ووضعــت أســتراليا علــى اخلطــوط األماميــة‬ ‫مقابــل الصــن‪ ،‬هــل يــؤدي ذلــك إلــى أي تغيــر حقيقــي يف الســيناريو‬ ‫األمنــي اإلقليمــي؟‬ ‫تتمركــز القــوات البحريــة األمريكيــة بغواصاتهــا الثمانــي والســتن‬ ‫نوويــة الدفــع يف امليــاه اإلقليميــة بالفعــل‪ .‬أمــا الصــن فلديهــا أكبــر‬ ‫قــوات بحريــة يف العالــم بعــدد غواصــات يبلــغ اثنــن وســتن غواصــة‪،‬‬

‫‪ 12‬منهــا تعمــل بالطاقــة النوويــة‪ .‬وبحلــول عــام ‪2040‬م‪ ،‬بعــد تزويــد‬ ‫أســتراليا بالغواصــات الثمانــي‪ ،‬ســيصل عــدد الغواصــات الصينيــة‬ ‫التــي تعمــل بالطاقــة النوويــة ‪ 26‬غواصــة‪ .‬وال يســعنا إال أن نتســاءل‬ ‫مــا إذا كانــت ملبــادرة "أوكــوس" قيمــة اســتراتيجية كبيــرة بالفعــل أم‬ ‫أنهــا مجــرد منــاورة أمريكيــة إلرضــاء مصالــح صناعتهــا الدفاعيــة‬ ‫خارجــا بقــوة؟‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬بينمــا تدفــع الفرنســين‬ ‫ً‬ ‫ويف هــذا الســياق‪ ،‬علينــا أن نتذكــر أن مــدة عقــد الغواصــات البالغــة‬ ‫عشــرين عا ًمــا ستشــهد أربعــة انتخابــات رئاســية علــى األقــل وضعفها‬ ‫النتخابــات منتصــف الواليــة الرئاســية‪ .‬ويف ضــوء التغيــر املهــول يف‬ ‫نهــوج السياســات التــي يطبقهــا الرؤســاء اجلــدد‪ ،‬هــل ميكن أن نشــهد‬ ‫ً‬ ‫منطــا مســتم ًرا يف نهــج الواليــات املتحــدة بالنســبة للصــن أو شــؤون‬ ‫منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ يف العمــوم؟ أال ميكــن أن حت ـ ِّول‬ ‫التطــورات يف هــذه الفتــرة اهتمــام الواليــات املتحــدة وأولوياتهــا نحــو‬ ‫مجــاالت أخــرى تســتدعي تغيــرات كبيــرة يف السياســة اخلارجيــة‬ ‫األمريكيــة؟‬ ‫ويف خضــم كل هــذا الغمــوض‪ ،‬ســتضمن "أوكــوس" بقــاء أســتراليا‬ ‫منعزلــة يف أعــن كل مــن "آســيان" والصــن‪ .‬وقــد يكــون الثمــن غال ًيــا‬ ‫إلــى حــد كبيــر بالنســبة ألســتراليا‪ .‬وكمــا أشــار جيمــس لورينســون‪،‬‬ ‫لــم تنضــم أي دولــة أخــرى ألســتراليا يف اتخــاذ موقــف عدائــي جتــاه‬ ‫الصــن‪ ،‬فأمريــكا واالحتــاد األوروبــي وأعضــاء "آســيان" واليابــان‬ ‫والهنــد جميعهــم لديهــم مواطــن قلــق مهمــة فيمــا يتعلــق بالصــن‪،‬‬ ‫ولكنهــم جمي ًعــا وضعــوا عالقاتهــم االقتصاديــة مــع الصــن يف‬ ‫أولوياتهــم‪ .‬ويف احلقيقــة‪ ،‬أشــار لورينســون أن واشــنطن توفــر بضائــع‬ ‫حتظــر الصــن اســتيرادها مــن أســتراليا‪.‬‬ ‫مــن املفيــد التفكيــر حــول كيفيــة احتــواء تصاعــد قــوة الصــن‪ ،‬وهــو‬ ‫املبــرر املعلــن لشــراكة "أوكــوس" بــل حتــى احلــوار األمنــي الرباعــي‬ ‫علــى املــدى األطــول‪ .‬وتؤكــد اتفاقيــات الدفــاع املختلفــة امللزمــة‬ ‫ألعضــاء احلــوار األمنــي الرباعــي ببســاطة أنهــا تشــكل حتال ًفــا علن ًيــا‬ ‫ضــد الصــن‪ .‬ولكــن مــاذا ســيفعل هــذا التحالــف الحتــواء الصــن؟‬ ‫مبجــرد أن نســترجع ملحمــة العقوبــات علــى إيــران والتــي قادتهــا‬ ‫واشــنطن‪ ،‬ميكننــا أن نــرى بعــد أربعــن عا ًمــا أن تأثيرهــا ال يُذكــر‬ ‫يف سياســات إيــران وســعيها ملصاحلهــا‪ .‬واجلديــر بالذكــر ً‬ ‫أيضــا أن‬ ‫أجنــدة احلــوار األمنــي الرباعــي غيــر العســكرية التــي ُر ِّوج لهــا كثيـ ًرا‬ ‫هــي عبــارة عــن بيــان نوايــا إلــى حــد كبيــر‪ ،‬وستســتغرق ســنوات بــل‬ ‫عقــود حتــى تؤثــر يف الســيناريو العاملــي‪.‬‬ ‫ولكــن بالرغــم مــن أن احتــواء الصــن قــد يكــون صعــب املنــال‪،‬‬ ‫ســيتحتم وقــوع ســباق تســلح ُمكلِــف ومطــ َّول يف مختلــف أنحــاء‬


‫‪20‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫والدائــرة األوروبيــة للشــؤون اخلارجيــة وص ًفــا للصــن بأنهــا "شــريكة‬ ‫ومنافِ ســة"‪ ،‬وهــو أســلوب لبــق أقــل جز ًمــا مــن األســلوب الــذي اتبعتــه‬ ‫أمريــكا والــذي يؤكــد أن االحتــاد األوروبــي لــن يتبنــى موقــف الواليــات‬ ‫املتحــدة التصادمــي‪ .‬كمــا تؤكــد اســتراتيجية االحتــاد األوروبــي‬ ‫بخصــوص منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ واملقدمــة بعــد‬ ‫إعــالن شــراكة "أوكــوس" بيــوم واحــد علــى "التعــاون وليــس التصــادم"‬ ‫باعتبــاره محورهــا األساســي‪.‬‬ ‫لقــد أعــادت كارثــة "أوكــوس" الدعــوات لتبنــي االحتــاد األوروبــي‬ ‫موقــف اســتراتيجي أكثــر اســتقاللية يف الشــؤون األوروبيــة والعامليــة‪.‬‬ ‫وقــد وعــدت أورســوال فــون ديــر اليــن‪ ،‬رئيســة املفوضيــة األوروبيــة‪،‬‬ ‫بــأن تدعــو لعقــد قمــة دفــاع لالحتــاد األوروبــي لدعــم فكــرة أن‬ ‫يســتجمع االحتــاد األوروبــي إرادتــه السياســية لتكويــن ونشــر قواتــه‬ ‫املســلحة اخلاصــة بــه‪.‬‬ ‫ويف زيــارة أُجريــت مؤخــ ًرا إلــى أمريــكا‪ ،‬حــدد برونــو لــو ميــر‪،‬‬ ‫وزيــر املاليــة الفرنســي‪ ،‬الفــروق بــن االحتــاد األوروبــي وواشــنطن‬ ‫فيمــا يتعلــق بالصــن‪ ،‬وقــال إن أوروبــا يجــب أن يُنظــر إليهــا علــى‬ ‫أنهــا إحــدى القــوى العظمــى العامليــة الثــالث إلــى جانــب أمريــكا‬ ‫والصــن‪ ،‬وإن "املســألة الرئيســية" التــي تواجــه االحتــاد األوروبــي‬ ‫هــي "اســتقالليته عــن الواليــات املتحــدة ودفاعــه عــن مصاحلــه‬ ‫اخلاصــة‪ ،‬ســواء كانــت مصالــح اقتصاديــة أو اســتراتيجية‪ ".‬واجتهــت‬ ‫فرنســا ســري ًعا إلــى تدعيــم مصاحلهــا مــن خــالل شــراكة اســتراتيجية‬ ‫مــع اليونــان يف الوقــت الــذي تواكــب فيــه تلــك األخيــرة التحديــات‬ ‫املطروحــة مــن تركيــا يف منطقــة البحــر األبيــض املتوســط‪ .‬فقــد‬ ‫و َّقعــت فرنســا واليونــان اتفاقيــات لرفــع مســتوى القــوات البحريــة‬ ‫واجلويــة اليونانيــة‪ ،‬وصفقــة مســاعدة دفاعيــة مشــتركة‪ ،‬وعقــد‬ ‫اجتماعــات دوريــة بــن وزراء اخلارجيــة والدفــاع‪.‬‬ ‫ويناســب هــذا األمــر فرنســا ألن لديهــا خالفــات قدميــة مــع تركيــا‪،‬‬ ‫كدولتــن متنافســتن يف منطقــة البحــر األبيــض املتوســط وإفريقيــا‪.‬‬ ‫وتُولــي تركيــا أهميــة كبيــرة إلفريقيــا‪ ،‬فبعــد زيــارة ‪ 28‬دولــة إفريقيــة‪،‬‬ ‫أجــرى الرئيــس رجــب طيــب أردوغــان يف ‪ 17‬أكتوبــر جولــة شــملت‬ ‫ثــالث دول إفريقيــة أخــرى‪ ،‬وهــي أنغــوال ونيجيريــا وتوغــو‪ ،‬وهــو‬ ‫بذلــك يختــرق بقــوة مناطــق تعتبرهــا فرنســا ذات أهميــة محوريــة‬ ‫ملصاحلهــا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫وتَعت ِبــر فرنســا نفســها طرفــا فاعـال يف احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫حيــث يقــع وجــود فرنســي يف منطقــة احمليــط الهنــدي املتمثــل يف‬ ‫مقاطعتــي مــا وراء البحــار الفرنســيتن يف جــزر القُمــر وجزيــرة‬ ‫ريونيــون‪ ،‬حيــث يســكن مليونــا مواطــن فرنســي‪ ،‬كمــا متتلــك فرنســا‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫قاعدتــن يف غــرب احمليــط الهنــدي يف جيبوتــي وأبــو ظبــي يصــل‬ ‫عــدد القــوات العســكرية فيهمــا إلــى ســبعة آالف تقري ًبــا‪ .‬كمــا يذهــب‬ ‫ثلــث صــادرات فرنســا لــدول مــن خــارج االحتــاد األوروبــي إلــى‬ ‫منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬حيــث تتجــاوز قيمــة اســتثمارات‬ ‫فرنســا فيهــا ‪ 300‬مليــار يــورو‪ .‬كذلــك لــدى فرنســا شــراكة جذابــة يف‬ ‫الهنــد وذلــك يف ضــوء ســعيها لتوســيع آفاقهــا‪.‬‬

‫الهند ومنطقة المحيطين‬ ‫توزيــع املســؤولية بــن شــراكة "أوكــوس" واحلــوار األمنــي الرباعــي‬ ‫يناســب الهنــد متا ًمــا‪ .‬ففــي الوقــت الــذي يرتبــط فيــه األعضــاء‬ ‫الثالثــة اآلخريــن يف احلــوار األمنــي الرباعــي بعــدة اتفاقيــات جتعلهــم‬ ‫حلفــاء علــى الصعيــد األمنــي‪ ،‬ال ترغــب الهنــد يف االرتبــاط بــأي قــوة‬ ‫علــى نحـ ٍـو علنــي كحليــف عســكري‪ .‬فعلــى ســبيل املثــال‪ ،‬بالرغــم أن‬ ‫الهنــد كان ميكــن أن ترغــب يف احلصــول علــى تقنيــة الدفــع النــووي‬ ‫مــن الواليــات املتحــدة‪ ،‬إال أنهــا علــى عكــس أســتراليا ال تــود االرتبــاط‬ ‫بالواليــات املتحــدة كحليــف أمنــي علــى املــدى الطويــل‪ .‬وهــذا مــا أكــده‬ ‫مســؤول هنــدي لإلعــالم عشــية قمــة احلــوار األمنــي الرباعــي عندمــا‬ ‫قــال إن الهنــد "ليســت لديهــا نيــة لعســكرة احلــوار األمنــي الرباعــي"‪.‬‬ ‫وزيــادة يف التأكيــد‪ ،‬أضــاف املســؤول أن تدريبــات ماالبــار البحريــة‬ ‫الســنوية التــي تتضمــن اآلن أعضــاء "كــواد" األربعــة "لــم تكــن مرتبطة"‬ ‫بــأي جوانــب أمنيــة أو دفاعيــة للحــوار األمنــي الرباعــي‪.‬‬ ‫إن الصياغــة الدقيقــة واحملســوبة للحــوار األمنــي الرباعــي يف القمــة‬ ‫املنعقــدة يف ســبتمبر أصبحــت تربــط األعضــاء األربعــة برؤيــة‬ ‫مشــتركة وتتيــح لهــم جــدوالً‬ ‫طموحــا طويــل األجــل لألعمــال‪ ،‬يخــدم‬ ‫ً‬ ‫مصاحلهــم ويف نفــس الوقــت يتحــدى طموحــات الصــن يف مجــاالت‬ ‫شــديدة األهميــة‪ ،‬مــع مراعــاة جتنــب االســتفزازات التــي قــد تثيرهــا‬ ‫التحالفــات األمنيــة العلنيــة‪ .‬ومــن ثـ َّم‪ ،‬فــإن احلــوار األمنــي الرباعــي‬ ‫يعــد شــراكة مرنــة متعــددة األطــراف‪ ،‬تتيــح ألعضائهــا األربعــة‪،‬‬ ‫حســبما قــال دبلوماســي هنــدي‪" ،‬جــدول أعمــال تطلعــي خلدمــة‬ ‫الصالــح العــام العاملــي‪ ،‬يف مجــاالت األمــن البحــري واملســاعدات‬ ‫اإلنســانية واللقاحــات املضــادة للجائحــة والتغيــر املناخــي والفضــاء‬ ‫الســيبراني والتقنيــات الناشــئة‪ ،‬وغيــر ذلــك الكثيــر"‪ .‬ولكــن مــن‬ ‫املهــم اإلشــارة إلــى أن احلــوار األمنــي الرباعــي ال يتنــاول العديــد‬ ‫مــن املخــاوف األمنيــة احملوريــة لــدى الهنــد‪ ،‬تلــك املتعلقــة باإلرهــاب‬ ‫العابــر للحــدود مــن باكســتان‪ ،‬وعــدم ترســيم حــدود بطــول ‪3500‬‬ ‫كــم مــع الصــن‪ ،‬وتوســع النفــوذ الصينــي يف أوراســيا وغــرب آســيا‪،‬‬ ‫واألهــم‪ ،‬يف منطقــة غــرب احمليــط الهنــدي‪ .‬ولذلــك حتتــاج الهنــد إلــى‬

‫يذه ــب ثل ــث ص ــادرات فرنس ــا لمنطق ــة المحيطي ــن وتج ــاوز‬ ‫اســـتثماراتها ‪ 300‬مليـــار يـــورو ولديهـــا شـــراكة جذابـــة يف الهنـــد‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪19‬‬

‫يؤدي أوكوس لخلق بيئة من عدم االستقرار طوي ًال ويستدرج دول‬ ‫إقليمي ــة لالنقس ــام ال ــذي صنعت ــه واش ــنطن يف "ح ــرب ب ــاردة" جدي ــدة‬ ‫إن االعتقــاد يف جنــوب شــرق آســيا هــو أن "أوكــوس" و"كــواد" يعكســان‬ ‫موقــف واشــنطن التصادمــي احلــاد جتــاه الصــن‪ ،‬حتــى وإن أدى‬ ‫ذلــك إلــى نشــوب "حــرب بــاردة" جديــدة‪ .‬وقــد يــؤدي ذلــك إلــى‬ ‫تقويــض االســتقالل االســتراتيجي الــذي حافــظ أعضــاء "آســيان"‬ ‫علــى تنميتــه‪ .‬وتخشــى الــدول األعضــاء يف الرابطــة يف ظــل تزايــد‬ ‫االنشــقاق بــن أمريــكا والصــن أن جتــد نفســها يف مقدمــة هــذه‬ ‫املنافســة وأنهــا قــد تضطــر إلــى االنحيــاز ألحــد الطرفــن‪ .‬ويشــير‬ ‫أعضــاء "آســيان" يف ظــل هــذا االنقســام الناشــئ إلــى أن واشــنطن‬ ‫تضــع يف مقدمــة أولوياتهــا اجلوانــب األمنيــة لتلــك املواجهــة املتناميــة‬ ‫وتقلــل مــن أهميــة املســائل التــي تؤثــر علــى نحــو مباشــر يف املنطقــة‪،‬‬ ‫مثــل التحديــات االقتصاديــة‪ ،‬والتعامــل مــع آثــار مــا بعــد اجلائحــة‪،‬‬ ‫وأثــر التغيــر املناخــي‪.‬‬ ‫تعــي الــدول األعضــاء يف "آســيان" أن الواليــات املتحــدة قــد أقصتهــا‬ ‫أساســا‬ ‫مــن التحالفــات املعاديــة للصــن‪ ،‬والتــي شــكلتها واشــنطن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بســبب مــا تــراه الواليــات املتحــدة مــن اتخــاذ دول الرابطــة موقــف‬ ‫"الوقــوف علــى احليــاد االســتراتيجي"‪ ،‬حيــث تــرى دول "آســيان"‬ ‫أنهــا بالرغــم مــن وجــود بعــض مواطــن القلــق فيمــا يتعلــق بسياســات‬ ‫الصــن يف املنطقــة‪ ،‬إال إنهــا تســتفيد مبزايــا مــن التجــارة معهــا ومــن‬ ‫اســتثماراتها يف بلدانهــا‪ .‬كمــا أنهــا تختلــف مــع واشــنطن يف نظرتهــا‬ ‫إلــى "التهديــد" الــذي متثلــه الصــن يف املنطقــة‪ ،‬ففكــرة املعركــة‬ ‫بــن الدميوقراطيــة واالســتبدادية التــي تــروج لهــا واشــنطن لتبريــر‬ ‫شــراكة "أوكــوس" واحلــوار األمنــي الرباعــي بالــكاد تقنــع أي مــن دول‬ ‫رابطــة أمم جنــوب شــرق آســيا‪.‬‬

‫مخاوف يف رابطة أمم جنوب شرق آسيا‬ ‫متثــل شــراكة "أوكــوس" حتد ًيــا كبي ـ ًرا بالنســبة إلندونيســيا‪ ،‬اجلــارة‬ ‫املباشــرة والشــريك االســتراتيجي القــدمي ألســتراليا‪ .‬فقــد التقــى‬ ‫وزيــرا اخلارجيــة والدفــاع لــكال البلديــن مــع نظيريهمــا يف كانبيــرا‬ ‫قبــل إعــالن شــراكة "أوكــوس" بأســبوع واحــد فقــط واتفقــوا علــى‬ ‫تعزيــز الروابــط الثنائيــة ودعــم النظــام اإلقليمــي‪.‬‬ ‫ور ًدا علــى "أوكــوس"‪ ،‬وصفــت اندونيســيا "ســباق التســلح وفــرض‬ ‫القــوة العســكرية" بأنهمــا ميثــالن مخاوفهــا املباشــرة‪ .‬فبالنســبة‬ ‫إلندونيســيا‪ ،‬هنــاك نتيجتــن منفصلتــن ولكــن مرتبطتــن لشــراكة‬ ‫"أوكــوس"‪ ،‬األولــى هــي الزيــادة الضخمــة يف قــدرات أســتراليا‬ ‫البحريــة‪ ،‬التــي ســتدفع إندونيســيا إلــى االســتثمار يف قــدرات‬ ‫مكافئــة‪ ،‬ســواء يف الغواصــات أو مضــادات الغواصــات‪.‬‬ ‫أمــا النتيجــة الثانيــة‪ ،‬أن نشــاط أســتراليا فيمــا يتعلــق بالغواصــات‬

‫يف ميــاه غــرب احمليــط الهــادئ سيشــجع علــى وجــود صينــي أكبــر‬ ‫يف هــذه امليــاه‪ ،‬وهــو مــا قــد يتضمــن ً‬ ‫أيضــا تعديــات علــى املنطقــة‬ ‫االقتصاديــة احلصريــة إلندونيســيا‪ .‬وبوجــه عــام‪ ،‬ســتكون هنــاك‬ ‫زيــادة كبيــرة يف أنشــطة املراقبــة واالســتخبارات مــن جانــب الصــن‬ ‫وأعضــاء شــراكة "أوكــوس" حــول املجــال البحــري إلندونيســيا‪.‬‬ ‫كذلــك تــراود "آســيان" مخــاوف علــى املــدى األبعــد ً‬ ‫أيضــا‪ .‬أولهــا‬ ‫أن مــن الواضــح أن أســتراليا ربطــت نفســها بتحالــف أمريكــي ‪/‬‬ ‫بريطانــي‪ ،‬بالرغــم مــن تصريحاتهــا الســابقة التــي ربطــت فيهــا‬ ‫مصاحلهــا بــدول جنــوب شــرق آســيا املجــاورة‪ ،‬وهــذا يحــرم "آســيان"‬ ‫مــن شــريك إقليمــي رئيســي‪ .‬ولكــن مبــا أن تصنيــع الغواصــات التــي‬ ‫تعمــل بالطاقــة النوويــة ألســتراليا قــد يســتمر حتــى عــام ‪2040‬م‪،‬‬ ‫فإنــه بذلــك يضفــي طاب ًعــا مؤسســ ًيا علــى الوجــود البريطانــي يف‬ ‫املنطقــة‪ .‬وهــذا لــن يعيــد قــوة اســتعمارية ســابقة فحســب‪ ،‬ولكنــه‪،‬‬ ‫ســيؤدي إلــى "ترســيخ أكثــر هيمنــة الغــرب علــى النظــام اإلقليمــي"‪،‬‬ ‫مــا ســيقلل مــن أهميــة مصالــح الــدول اإلقليميــة‪.‬‬ ‫يرتبــط الشــاغل اآلخــر الــذي يــؤرق "آســيان" باالنتشــار النــووي يف‬ ‫املنطقــة‪ ،‬فامتــالك غواصــات تعمــل بالطاقــة النوويــة وتســتخدم‬ ‫املخصــب بنســبة ‪ 93-95‬باملائــة‪ ،‬يُخشــى أن يــؤدي‬ ‫اليورانيــوم‬ ‫َّ‬ ‫بأســتراليا إلــى "التوجــه أكثــر إلــى امتــالك ترســانة نوويــة مكتملــة‬ ‫األركان‪".‬‬

‫اآلثار المترتبة بالنسبة لفرنسا واالتحاد األوروبي‬ ‫ال شــك أن شــراكة "أوكــوس" وجهــت ضربــة قاســية لتحالــف أمريــكا‬ ‫عبــر احمليــط األطلســي‪ ،‬ال ســيما لعالقاتهــا مــع فرنســا واالحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ .‬وقــد أعلنــت واشــنطن أنــه عندمــا يتعلــق األمــر مبواجهــة‬ ‫أهــم التحديــات االســتراتيجية بالنســبة لهــا‪ ،‬فــإن ثقتهــا يف حليفتيهــا‬ ‫األجنلوساكســونيتن أكبــر بكثيــر مــن ثقتهــا يف شــركاء االحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬وأنهــا علــى اســتعداد علــى مشــاركة تقنيتهــا احلساســة يف‬ ‫الغواصــات النوويــة مــع أســتراليا أكثــر مــن فرنســا أو أعضــاء االحتــاد‬ ‫األوروبــي اآلخريــن‪.‬‬ ‫وقــد حــاول بايــدن تصحيــح املســار عندمــا أقــر يف ‪ 22‬ســبتمبر‬ ‫"باألهميــة االســتراتيجية" لفرنســا واالحتــاد األوروبــي يف منطقــة‬ ‫احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪ ،‬ولكــن لــم ينــل ذلــك استحســان االحتــاد‬ ‫األوروبــي‪ ،‬فالرســالة التــي وصلــت مــن واشــنطن هــي أن وجهــات نظــر‬ ‫ومصالــح كل مــن أمريــكا واالحتــاد األوروبــي يف منطقــة احمليطــن‬ ‫الهنــدي والهــادئ ال تتماشــى مــع بعضهــا البعــض‪ .‬وقــد جــاء يف‬ ‫"التوقعــات االســتراتيجية" لســنة ‪2019‬م‪ ،‬مــن املفوضيــة األوروبيــة‬


‫‪18‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫دراسة العدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫أعض ــاء "آس ــيان" يرفض ــون مح ــاوالت احت ــواء واش ــنطن ويفضل ــون‬ ‫"إقح ــام" الصين يف مؤسس ــات "آس ــيان" المتنوعة ب ــد ًال من مواجهتها‬ ‫يف املرتبــة الســابعة عامل ًيــا بــن الــدول التــي متتلــك غواصــات تعمــل‬ ‫بالطاقــة النوويــة‪ .‬ومبوجــب االتفاقيــة‪ ،‬ســتوفر أمريــكا ألســتراليا‬ ‫غواصــات هجوميــة بتقنيــة اجليــل اجلديــد "إس إس إن‪-‬إكــس "‪.‬‬ ‫ومــن ث ـ َّم‪ ،‬ســتكون هــذه الغواصــات فعالــة أمــام غواصــات القذائــف‬ ‫التســيارية الصينيــة‪ ،‬وقــادرة علــى الدفــاع عــن نفســها مــن الطائــرات‬ ‫املســيرة حتــت املــاء‪ ،‬وســتعمل مبثابــة الســفن األم للســفن غيــر‬ ‫املأهولــة‪ .‬إن التعــاون يف تصنيــع هــذه الغواصــات ســيكون مدعو ًمــا‬ ‫بالتبــادل التقنــي مــن خــالل دمــج العلــم املرتبــط بالدفــاع وسالســل‬ ‫اإلمــداد وتكنولوجيــا التصنيــع‪ .‬وقــد وصــف رئيس الوزراء األســترالي‬ ‫شــراكة "أوكــوس" بأنهــا "فرصــة تاريخيــة حلمايــة القيــم املشــتركة‬ ‫وتعزيــز األمــن واالزدهــار يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪".‬‬ ‫وأطلــق رئيــس الــوزراء البريطانــي بوريــس جونســون علــى الشــركاء‬ ‫الثالثــة اســم "حلفــاء طبيعيــن"‪.‬‬ ‫لقــد كان رد فعــل فرنســا شــديدًا علــى إلغــاء عقــد الغواصــات‪ ،‬حيــث‬

‫تعت ِبــر هــذا اإللغــاء بأنــه "انفراديــة ترامــب‪ ،‬وغــدر بريطانيــا املعهــود"‪،‬‬ ‫ووصــف املتحــدث باســم وزارة اخلارجيــة الصينيــة شــراكة "أوكــوس"‬ ‫بأنهــا تعكــس "عقليــة رجعيــة بأســلوب احلــرب البــاردة والفــوز علــى‬ ‫حســاب اآلخريــن ونظــرة جيوسياســية ضيقــة األفــق" زادت مــن حــدة‬ ‫ســباق التســلح اإلقليمــي‪.‬‬

‫ردود الفعل يف منطقة رابطة آسيان‬ ‫تتوســط دول رابطــة "آســيان" منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ‪،‬‬ ‫إال أنهــا جتــد نفســها مهملــة متا ًمــا مــن جانــب التجمعــات التــي‬ ‫تتشــكل حولهــا‪ ،‬بالرغــم مــن تأثيراتهــا اجليوسياســية ســيكون لهــا‬ ‫األثــر العميــق يف مصاحلهــا األمنيــة بعيــدة املــدى‪ .‬وقــد وصــف معلــق‬ ‫إقليمــي انضمــام أســتراليا لشــراكة "أوكــوس" بأنهــا "صفعــة قويــة‬ ‫علــى الوجــه" بالنســبة للرابطــة و"تصــرف ينــم عــن عــدم احتــرام" مــن‬ ‫جانــب أقــدم شــركاء احلــوار للرابطــة‪.‬‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫دراسة العدد‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪17‬‬

‫"أوكوس" تدفع منطقة المحيطين الهندي والهادئ نحو االضط راب وعدم اليقين‬

‫توظيف الشراكة الهنديةـ الفرنسية مع دول‬ ‫الخليج مركز الطاقة والتجارة واالستثمار‬ ‫أعلــن الرئيــس جــو بايــدن وإلــى جانبــه رئيــس الــوزراء البريطانــي بوريــس جونســون ونظيــره األســترالي ســكوت‬ ‫موريســون عــن شــراكة دفاعيــة وأمنيــة جديــدة بــن الــدول الثــالث‪ ،‬وذلــك يف مؤمتـ ٍـر أقيــم عــن بُعــد يف ‪ 16‬ســبتمبر‬ ‫املنصــرم‪ .‬ولتجســيد هــذه الشــراكة‪ ،‬أضــاف بايــدن أن الــدول الثــالث ســتتعاون علــى تصنيــع ثمانــي غواصــات ألســتراليا‬ ‫تعمــل بالطاقــة النوويــة بــدالً مــن الغواصــات الثمانــي التــي تعمــل بالديــزل والتــي كانــت أســتراليا قــد تعاقــدت مــع‬ ‫فرنســا علــى شــرائها يف عــام ‪2016‬م‪.‬‬ ‫ويف ‪ 24‬ســبتمبر‪ ،‬أي بعــد أســبوع مــن اإلعــالن‪ ،‬عقــد بايــدن يف واشــنطن مؤمتـ ًرا لزعمــاء الــدول األعضــاء األربعــة‬ ‫للحــوار األمنــي الرباعــي‪ ،‬والــذي يُشــار إليــه اختصــا ًرا باســم "كــواد"‪ ،‬وهــي أمريــكا‪ ،‬وأســتراليا‪ ،‬واليابــان‪ ،‬والهنــد‪ ،‬يف‬ ‫أول قمــة جتمــع زعمــاء الــدول األعضــاء‪.‬‬

‫د‪ .‬تلميذ أحمد‬ ‫وتعــد شــراكة "أوكــوس" حتالفــاً عســكرياً وأمنيــاً واضحــاً‪ ،‬وتك ِّمــل‬ ‫االتفاقيــات القائمــة املتعلقــة باألمــن وامللزمــة للــدول الثــالث‪ ،‬مثــل‬ ‫معاهــدة "أنــزوس" املنعقــدة يف ‪1951‬م‪ ،‬بــن أمريــكا‪ ،‬وأســتراليا‪،‬‬ ‫ونيوزيلنــدا‪ ،‬والتــي تُلــزِ م الواليــات املتحــدة بــأن "تعمــل للتصــدي‬ ‫للخطــر املشــترك" يف حالــة حــدوث "هجــوم مســلح يف منطقــة‬ ‫احمليــط الهــادئ"‪ .‬كذلــك جتتمــع هــذه الــدول بجانــب بريطانيــا وكنــدا‬ ‫يف شــراكة "العيــون اخلمــس"‪ .‬وتأتــي أســتراليا بوصفهــا أحــد "شــركاء‬ ‫الفــرص املعــززة" لــــ (ناتــو)‪ ،‬مــا يتيــح لهــا إمكانيــة التشــغيل البينــي مــع‬ ‫نحــو مماثــل‪ ،‬تربــط بــن واشــنطن‬ ‫جميــع أعضــاء املنظمــة‪ .‬وعلــى ٍ‬ ‫وبريطانيــا اتفاقيــة دفــاع مشــترك تنــص علــى الترابــط الوثيــق بــن‬ ‫األفــراد العســكرين يف البلديــن لدعــم بعضهمــا البعــض مــن خــالل‬ ‫النشــر العســكري يف القواعــد واملنشــآت العســكرية عنــد كل منهمــا‪.‬‬ ‫وعلــى النقيــض‪ ،‬ال توجــد اتفاقيــة تعــاون أمنــي بــن أعضــاء احلــوار‬ ‫األمنــي الرباعــي "كــواد"‪ ،‬وال توجــد جهــة متثــل األمانة العامة لتنســيق‬ ‫تأطيــر السياســات وتنفيذهــا‪ .‬ويف عشــية انعقــاد القمــة‪ ،‬وصــف‬ ‫مســؤول أمريكــي احلــوار األمنــي الرباعــي "بالتجمــع غيــر الرســمي"‬ ‫وبأنــه "نقــاش وجهــد إشــراكي حــول عــدد مــن املســائل العمليــة"‪ .‬وأكد‬ ‫أن احلــوار "لــم يكــن لــه بُعــد عســكري وال أمنــي"‪ .‬وأضــاف أن احلــوار‬ ‫األمنــي الرباعــي ســيكون طريقــة ومنصــة أساســيتن وحاســمتن‬

‫للنقــاش واألهــداف املشــتركة يف الوقــت الــذي نقتــرب فيــه مــن فتــرة‬ ‫مليئــة بالتحديــات‪ ".‬إن مــا حققتــه القمــة األخيــرة للحــوار األمنــي‬ ‫الرباعــي هــو عــرض أجندتــه اإليجابيــة والبنــاءة بوضــوح‪.‬‬ ‫وجــاء البيــان املشــترك الصــادر بعــد أول مؤمتــر قمــة مباشــر ليصــف‬ ‫االجتمــاع املغلــق مبثابــة "فرصــة إلعــادة توجيــه تركيزنــا وتركيــز‬ ‫العالــم علــى منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ"‪ .‬وتعهــد الزعمــاء‬ ‫علــى "تعزيــز النظــام احلــر املفتــوح املبنــي علــى قواعــد واملتجــذر يف‬ ‫القانــون الدولــي والــذي ال حتركــه ضغوطــات خارجيــة‪ ،‬مــن أجــل دعم‬ ‫األمــن واالزدهــار يف منطقــة احمليطــن الهنــدي والهــادئ وخارجهــا‪".‬‬ ‫وتفوقــت هــذه القمــة علــى االجتماعــات الســابقة‪ ،‬حيــث تضمنــت‬ ‫أجنــدة احلــوار األمنــي الرباعــي مجــاالت تتجــاوز املســائل األمنيــة‬ ‫امللحــة‪ .‬ويشــمل ذلــك التعــاون يف مجــاالت اجلائحــة واللقاحــات‪،‬‬ ‫والتغيــر املناخــي‪ ،‬والتكنولوجيــا‪ ،‬والبنيــة التحتيــة‪ ،‬والفضــاء‪ ،‬ومنــح‬ ‫زمــاالت ملائــة طالــب دراســات عليــا يف البلــدان األربعــة‪.‬‬

‫شراكة "أوكوس"‬ ‫إعــالن بايــدن عــن شــراكة جديــدة بــن أســتراليا واململكــة املتحــدة‬ ‫والواليــات املتحــدة يف ‪ 16‬ســبتمبر‪ ،‬واملتمحــور حــول اإلنتــاج املشــترك‬ ‫لثماني غواصات ألســتراليا تعمل بالطاقة النووية‪ ،‬ســيضع أســتراليا‬


‫‪16‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫رفضهــا مطالبــة احمــدي جنــاد بإلغــاء التأشــيرة بــن دول اخلليــج‬ ‫وإيــران والســماح بالتملــك العقــاري بــن دول اخلليــج وايــران‪.‬يف أول‬ ‫حضــور لرئيــس إيرانــي لقمــة خليجيــة يف الــدورة الثامنــة والعشــرين‬ ‫ملجلــس التعــاون اخلليجــي يف الدوحــة ‪2007‬م‪ ،‬حيــث قــدم جنــاد‬ ‫مشــروعا مــن ‪ 12‬فقــرة رأى فيــه اخلليجيــون اخطــر املشــاريع ال‬ ‫ســباب اهمهــا اخلــوف مــن الهيمنــة اإليرانيــة علــى اخلليــج وتغييــر‬ ‫الطابــع الدميغــرايف لهــذه الــدول‪.‬‬ ‫الروابــط التجاريــة واالقتصاديــة‪ :‬تُعــد إيــران شــري ًكا جتار ًّيــا مه ًّمــا‬ ‫لقطــر وعمــان –ولكنهــا الشــريك التجــاري األول لدبــي‪ ،‬التــي‬ ‫أصبحــت أهــم مركــز للنشــاطات التجاريــة خــارج إيــران‪.‬‬ ‫الروابــط املعنويــة "املذهبيــة"‪ :‬والتــي تتمثــل يف االرتبــاط املعنــوي بــن‬ ‫أبنــاء الطائفــة الشــيعية يف عــدد مــن الــدول اخلليجيــة وبــن إيــران‬ ‫باعتبارهــا أكبــر دولــة شــيعية يف العالــم‪.‬‬ ‫ومــع ذلــك‪ ،‬ميكــن القــول‪ :‬إن ثمــة أربعــة ســيناريوهات ميكــن‬ ‫استشــرافها لشــكل العالقــات اخلليجية‪-‬اإليرانيــة خــالل املســتقبل‬ ‫املنظــور‪:‬‬ ‫‪ .1‬ســيناريو احلــرب بالوكالــة‪ :‬ومحاولــة كل طــرف اســتنزاف الطــرف‬ ‫األخــر‪ ،‬وجــره ملســتنقعات تنهــك قــواه‪ ،‬وتقضــي علــى طموحــه‪ ،‬بعيــداً‬ ‫عــن املواجهــة املباشــرة‪ ،‬نتيجــة لعــدم التوصــل لتســويات وحلــول‬ ‫منطقيــة وعادلــه يف امللفــات العالقــة بــن اجلانبــن‪.‬‬ ‫‪ .2‬ســيناريو الصــدام املباشــر وهــو احتمــال بعيــد فإيــران جربــت‬ ‫حــرب الثمانــي ســنوات مــع العــراق‪ ،‬وخرجــت منهــا بتجربــة فريــدة‪،‬‬ ‫وهــي اعتمــاد احلــرب خــارج حدودهــا‪ ،‬وهــي ذات النهــج اإلســرائيلي‬ ‫يف حروبهــا مــع جيرانهــا‪ ،‬هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى‬ ‫دول اخلليــج دول ســالم وتســعى قــدر اإلمــكان للنــأي بنفســها عــن‬ ‫الصراعــات مــا اســتطاعت إلــى ذلــك ســبيال‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪ .3‬ســيناريو التقــارب واالنفتــاح‪ :‬رغــم صعوبــة حتقيقــه نظريــا‪ ،‬إال‬ ‫أنــه اخليــار األفضــل للطرفــن‪ ،‬مــن خــالل االميــان التــام بحتميــة‬ ‫التعايــش بــن الطرفــن‪ ،‬فــال إيــران تســتطيع إزاحتنــا مــن التاريــخ‬ ‫واجلغرافيــا‪ ،‬وال نحــن كذلــك نســتطيع إخــراج إيــران واســتبعادها مــن‬ ‫جوارنــا‪ ،‬فنقــاط التقــارب لدينــا أكثــر مــن نقــاط التحــارب والتخاصم‪،‬‬ ‫عندمــا ينظــر لهــا اجلميــع بعــن املصلحــة واملكســب واخلســارة‪ ،‬وهــذا‬ ‫مرهــون بتخلــي إيــران عــن مشــروعها وأحالمهــا الفارســية‪ ،‬وتقــدمي‬ ‫مــا يثبــت حســن نواياهــا‪ ،‬وإال فالطرفــن ســوف يتــم اســتنزافهما‬ ‫وإنهاكهمــا‪ ،‬وســتصب مدخراتهمــا يف خزائــن جتــار الســالح ورعــاة‬ ‫احلــروب‪.‬‬ ‫‪ .4‬ســيناريو "املــد واجلــزر"‪ :‬وهــو األقــرب يف الوقــت الراهــن نتيجــة‬ ‫عــدم التوصــل حلــل عــدد مــن اخلالفــات وامللفــات الســاخنة بــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬شــريطة أن يبقــى محصــوراً داخــل احلــدود ال يتجــاوز‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫تصريحــات كالميــة‪.‬‬ ‫خامتة‬ ‫(املوقــع‬ ‫تفــرض محــددات العالقــات اخلليجية‪-‬اإليرانيــة‬ ‫اجلغــرايف‪ ،‬االمتــدادات الســكانية واالجتماعيــة‪ ،‬الروابــط التجاريــة‬ ‫واالقتصاديــة‪ ،‬الروابــط املعنويــة "املذهبيــة"‪ :‬علــى دول مجلــس‬ ‫منهجــا تعاون ًّيــا‬ ‫التعــاون اخلليجــي وكذلــك علــى إيــران أن يبلــورا‬ ‫ً‬ ‫تصاحل ًّيــا إلدارة عالقاتهمــا‪ ،‬فنقــاط التقــارب وااللتقــاء كثيــرة بــن‬ ‫الطرفــن‪ ،‬فاجلميــع غيــر مســتثنى مــن خطــط الغــرب ومكائــده‪،‬‬ ‫ولكنهــا مجدولــه‪ ،‬وعلــى الطرفــن النظــر بعقالنيــة لألمــور‪ ،‬فالغــرب‬ ‫لــن يغفــر إليــران ســعيها المتــالك ســالحاً نوويـاً‪ ،‬ولذلــك لــم يرحــب‬ ‫بدخولهــا للنــادي النــووي‪ ،‬وإذا كانــت الــدول العربيــة مــرت بربيــع‬ ‫عربــي‪ ،‬فإيــران مرشــحه لتســونامي فارســي‪ ،‬لكــن بعــد أن يســتخدمها‬ ‫الغــرب كأداة لتقطيــع أوردة املنطقــة وتقســيمها‪ ،‬غيــر أن حقائــق‬ ‫التاريــخ وشــواهد احلاضــر تُنبــئ بــأن املســتقبل قــد يحمــل منعطفــات‬ ‫حرجــة يف املســار الراهــن للعالقــات اخلليجية‪-‬اإليرانيــة نتيجــة‬ ‫للعقليــة الفارســية املســكونة باالســتعالء علــى العرقيــات األخــرى‬ ‫وهــذا مــا يحــاول الغــرب اســتثماره وتنميتــه يف العقليــة السياســية‬ ‫اإليرانيــة‪ ،‬كمــا اســتغلوا جنــون العظمــة لــدى الرئيــس الراحــل صــدام‬ ‫حســن –رحمــه اهلل‪ -‬وعمــل عليهــا اإلعــالم الغربــي بحرفيــة تامــه‬ ‫لتحقيــق مــا يريــده صنــاع القــرار السياســي‪.‬‬ ‫والســؤال الــذي يفــرض نفســه هــل مــن املمكــن قيــام عالقــات‬ ‫اســتراتيجية بــن البلديــن؟‬ ‫أو هل يرغب البلدان يف إقامة عالقات استراتيجية بينهما؟‬ ‫مــن وجهــة نظــري أن الســعودية ترغــب حتم ـاً يف ذلــك ومتــد يدهــا‬ ‫للســالم مــع اجلميــع‪ ،‬ويف ذات الوقــت ترفــض وبحــزم املســاس‬ ‫بســيادتها وأمنهــا‪ ،‬يف مقابــل عقليــة إيرانيــة متقلبــة ترتكــز علــى‬ ‫مشــروع غيــر قابــل للتحقيــق‪ ،‬فالطريــق األفضــل لــكال اجلانبــن‬ ‫تطبيــع العالقــات مــن خــالل تقــدمي إيــران مــا يبرهــن علــى ســالمة‬ ‫نواياهــا وتغيــر عقلياتهــا‪ ،‬وبراغماتيتهــا‪ ،‬فاتفــاق مــع الســعودية علــى‬ ‫غــرار االتفــاق النــووي مــع مجموعــة (‪ )5+1‬أقــل كلفــة وأكثــر فائــدة‬ ‫للبلديــن قاطعــة الطريــق بذلــك علــى أعــداء اإلســالم بإشــعال وإدارة‬ ‫احلــرب يف بــالد املســلمن‪ ،‬التــي ال يوجــد فيهــا طــرف رابــح‪.‬‬ ‫الكرة يف ملعب إيران‪.‬‬

‫* أﺳﺘﺎذ اﻹﻋﻼم اﻟﺴﻴﺎﳼ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫املسلمن‪-‬بالســيطرة علــى العالــم الســني الــذي يشــكل ‪ 85%‬مــن‬ ‫العالــم اإلســالمي وإخضاعــه حتــت الرايــات الشــيعية الســوداء‪،‬‬ ‫وهــذا يفســر لنــا الســلوك اإليرانــي جتــاه دول اجلــوار افغانســتان‪،‬‬ ‫والعــراق ثــم ســوريا ولبنــان فهــي مــن دول اجلــوار بعــد احتــالل‬ ‫العــراق وســوريا‪ ،‬وكذلــك دول اخلليــج مبــا فيهــا اليمــن‪.‬‬

‫المستقبل بين إيران ودول الخليج‪:‬‬ ‫انطالقــاً مــن الثــورة اإليرانيــة فقــد رأت إيــران نفســها قبلــة‬ ‫للعالــم اإلســالمي‪ ،‬واصبــح مــن واجباتهــا قيــادة هــذا العالــم‪،‬‬ ‫وقــد مثلــت الظــروف الدوليــة والتحالــف االســتراتيجي األمريكــي‬ ‫اخلليجــي حاجــزاً متين ـاً لــم يكــن مــن الســهل علــى إيــران االقتــراب‬ ‫منــه‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن اختراقــه‪ ،‬لكنهــا ســنة اهلل يف الكــون‪ ،‬فقــد تقهقــر‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫احلليــف األمريكــي شــرقا بحث ـا عــن مصاحلــه االســتراتيجية‪ ،‬بعــد‬ ‫ضمــان أمــن اســرائيل نتيجــة لألوضــاع املترديــة يف املنطقــة العربيــة‬ ‫بعــد الربيــع العربــي واحتــراب شــعوبها وخــراب ديارهــا واســتحالت‬ ‫عودتهــا لســابق عهدهــا‪ ،‬هــذا مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى العثــور‬ ‫علــى بدائــل للطاقــة ونفــط اخلليــج‪ ،‬وبــروز قــوى إقليميــة كإيــران‬ ‫وتركيــا‪ ،‬وقناعــة الواليــات املتحــدة األمريكيــة أن وجودهــا العســكري‬ ‫يف هــذه املنطقــة امللتهبــة أصبــح ُمك ِل َفــا دومنــا فائــدة‪ ،‬وبعــد االتفــاق‬ ‫النــووي بــن إيــران ومجموعــة (‪ - )5+1‬التــي أوصــت بهــا جلنــة‬ ‫بيكر‪-‬هاملتــون والتــي أنشــأها الكونغــرس األمريكــي‪ ،‬وأصــدرت‬ ‫تقريرهــا الشــهير يف خريــف عــام ‪2006‬م‪ ،‬مطالب ـاً باالنفتــاح علــى‬ ‫"محــور املمانعــة" وهــو مــا تبنــاه الرئيــس األمريكــي‪ ،‬بــاراك أوبامــا‬ ‫وهــو مســتمر يف ترجمتهــا مــن خــالل ســعيه إلــى التقــارب مــع إيــران‪،‬‬ ‫مــن بوابــة حــل قضيــة ملفهــا النــووي‪ .‬هــذه املقاربــة التــي يطغــى‬ ‫عليهــا الســلوك النفعــي القائــم علــى التقــارب مــع مــن يعتقــد أنــه‬ ‫الطــرف األقــوى‪ ،‬أو الصاعــد يف معادلــة الصــراع‪ ،‬التــي مــا عــاد‬ ‫األمريكيــون يرونهــا إال مــن زاويــة االنقســام السني‪-‬الشــيعي‪-‬ورفع‬ ‫العقوبــات تدريجي ـاً‪ ،‬والتفاهمــات الســرية بــن الغــرب وإيــران‪ ،‬فقــد‬ ‫شــعرت األخيــرة بقوتهــا وتفــكك قيودهــا وزوال املوانــع التــي كانــت‬ ‫تكبــح جماحهــا‪ ،‬فاحلليــف ميــم وجــه شــرقاً‪ ،‬ومصــر لــم تعــد تلــك‬ ‫الدولــة الفاعلــة إقليميـاً‪ ،‬ودمشــق وبغــداد حتــت الوصايــة الفارســية‪،‬‬ ‫لــذا ســارعت إيــران حلصــار دول اخلليــج العربــي مــن اجتاهاتــه‬ ‫األربــع‪ ،‬وعمــدت يف البدايــة عبــر ميلشــياتها االرهابيــة مبحاولــة‬ ‫إثــارة الفتنــة الطائفيــة بتفجيــر عــدد مــن املســاجد التــي يؤمهــا‬ ‫الشــيعة‪ ،‬ولكــن ســرعان مــا انكشــفت وتبــددت هــذه احملاولــة‪ ،‬وقبــل‬ ‫ذلــك حركــت حليفهــا احلوثــي يف اجلنــوب الحتــالل اليمــن واالنقــالب‬ ‫علــى الشــرعية‪ ،‬فتــم مواجهتهــا بعاصفــة احلــزم‪ ،‬ولــم تكتــف إيــران‬ ‫بهــذا بــل ســارعت إلــى محاولــة إنهــاك الســعودية يف أكثــر مــن اجتــاه‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪15‬‬

‫بــدءاً مــن مشــاغباتها يف احلــج واملطالبــة بتدويــل املدينتن املقدســتن‬ ‫لــدى املســلمن‪ ،‬مــروراً مبؤمتــر غروزنــي وإخــراج الســعودية مــن‬ ‫عصبــة أهــل الســنة واجلماعــة‪ ،‬وانطالق ـاً مــن العقيــدة اخلمينيــة‪،‬‬ ‫ونظريــة أم القــرى بتفاصيلهــا املختلفــة ومنهــا‪" :‬أن العالــم اإلســالمي‬ ‫أمــة واحــدة" وأن جمــع هــذه األمــة حتــت رايــة "دولــة أم القــرى" والتــي‬ ‫مركزهــا إيــران‪ ،‬فعلــى الشــعوب اإلســالمية أن تنتفــض يف وجــه‬ ‫حكوماتهــا وتتحــد حتــت هــذه الرايــة‪ ،‬وأن تســاند الشــعوب اجلهــود‬ ‫التــي تقــوم بهــا إيــران ألنــه نصــر وتوحيــد لألمــة‪.‬‬ ‫لــذا أقــول إن هــذه املعطيــات وغيرهــا جتعلنــا نســمع طبــول احلــرب‬ ‫تقــرع‪ ،‬ومــن لــم يســمعها فهــو أصــم‪ ،‬وخصوصــاً بعــد االتفــاق‬ ‫النــووي مــع الغــرب‪ ،‬وهــو مــا وصفــه تومــاس فريدمــان ب «الزلــزال‬ ‫اجليوسياســي» وكتــب ذلــك يف مقالــة لــه يف صحيفــة ‪The New‬‬ ‫‪ ،York Times‬تنبــأ فيهــا أن هــذا االتفــاق ســيكون لــه أثــر أكبــر‬ ‫مــن كامــب ديفيــد والثــورة اإليرانيــة مع ـاً‪ ،‬يف إعــادة ترتيــب الشــرق‬ ‫األوســط!! مــن خــالل إطــالق يــد إيــران يف املنطقــة والتغاضــي عنهــا‬ ‫فهــي األداة التــي ســيمزق بهــا الغــرب الشــرق اإلســالمي!!‪.‬‬ ‫فاملشــروع اإليرانــي اســتراتيجي طويــل املــدى‪ ،‬يعتمــد علــى النفــس‬ ‫الطويــل واســتغالل الفــرص التــي قدمتهــا الظــروف الدوليــة‬ ‫واإلقليميــة إليــران علــى طبــق مــن ذهــب‪ ،‬وهــي حتمــاً لــن تفــرط‬ ‫فيهــا بحــال‪ ،‬ويشــير الكاتــب البحرينــي عــادل علــي عبــد اهلل‬ ‫يف كتابــه "محــركات السياســة اإليرانيــة يف منطقــة اخلليــج‬ ‫العربــي" إلــى أن مكامــن قــوة إيــران تأتــي مــن تصورهــا‬ ‫ملشــروعها القيــادي لألمــة اإلســالمية مــن خــالل ثالثــة‬ ‫أركان‪:‬‬ ‫‪ )1‬وجود مشروع أيديولوجي استراتيجي معلن‪.‬‬ ‫‪ )2‬الوفرة االقتصادية مع وحسن التدبير‪.‬‬ ‫‪ )3‬حســن توقــع واقتنــاص للفــرص عندمــا تلــوح واإلعــداد للقــادم‬ ‫مبــا يناســبه‪.‬‬ ‫وهــو مــا تســتغله إيــران بامتيــاز‪ ،‬وتســخر جميــع الظــروف ملصاحلهــا‪،‬‬ ‫وخدمــة ملشــروعها التوســعي‪ ،‬وبالنظــر ل محــددات العالقــات‬ ‫اخلليجية‪-‬اإليرانيــة ومنهــا‪:‬‬ ‫املوقــع اجلغــرايف‪ :‬حيــث تتقاســم إيــران مــع دول اخلليــج العربــي‬ ‫حــدوداً بحريــة طويلــة‪ ،‬تســعى إيــران لفــرض نفوذهــا علــى هــذه‬ ‫الســواحل وتســعى الختراقهــا بــن فتــرة وأخــرى وإثــارة املشــاكل بــن‬ ‫اجلانبــن‪ ،‬كمــا حــدث مؤخــراً يف حقــل الــدرة البحــري‪.‬‬ ‫االمتــدادات الســكانية واالجتماعيــة ‪ ،‬وهــي نتيجــة طبيعيــة للتجــاور‬ ‫وانتقــال األفــراد والعائــالت ورغــم انصهارهــم يف مجتمعاتهــم‬ ‫اجلديــدة إال أنــه لــم يلــغ الــوالء لبلدهــم األم‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف‬ ‫الكويــت مثــ ً‬ ‫ال‪ ،‬وقــد استشــعرت دول اخلليــج هــذا اخلطــر عنــد‬


‫‪14‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫المشـــروع اإليرانـــي اســـتراتيجي طويـــل المـــدى يعتمـــد عـــى‬ ‫النفـــس الطويـــل واســـتغالل الفـــرص التـــي قدمتهـــا الظـــروف‬ ‫القــرى" والداعمــة لهــا‪ ،‬وقــد مت التكتــم عليهــا‪ ،‬وســحب الكتــب‬ ‫التــي حتدثــت عنهــا مــن األســواق‪ ،‬ومنــع طباعتهــا مجــدداً‪ ،‬حتــى‬ ‫عــادت مؤخــراً للظهــور بعــد تعانــق املشــروعن األمريكــي واإليرانــي‬ ‫واللقــاءات الســرية التــي متــت قبــل غــزو افغانســتان‪2001‬م‪ ،‬وقبــل‬ ‫غــزو العــراق ‪2003‬م‪ ،‬ومــا نتــج عنهمــا مــن احتــالل العــراق مــن‬ ‫قبــل أمريــكا وتســليمه علــى طبــق مــن ذهــب إليــران‪ ،‬لقــاء اخلدمــات‬ ‫اجلليلــة التــي قدمهــا نظــام واليــة الفقيــه للمعتــدي األمريكــي علــى‬ ‫العــراق‪ ،‬وافغانســتان‪ ،‬ثــم تفجــر الثــورات العربيــة ومــا نتــج عنهــا مــن‬ ‫متــزق وضعــف لألمــة العربيــة والتلويــح بإعــادة تقســيمها‪ ،‬وإشــغال‬ ‫البقيــة األخــرى بأزمــات داخليــة اجتماعيــة ودينيــة وسياســية‬ ‫واقتصاديــة‪ ،‬وبــدأ التلميــح والتصريــح مبشــروع أم القــرى عبــر‬ ‫بعــض الكتابــات الصحفيــة‪ ،‬وخطــب اجلمــع التــي دعــا فيهــا خطيــب‬ ‫اجلمعــة يف أحــد احلســينيات يف مشــهد لتغييــر قبلــة املســلمن مــن‬ ‫مكــة املكرمــة‪ ،‬إلــى مشــهد!!‬ ‫وهــو كالم يتناغــم مــع جوهــر النظريــة‪ ،‬بتحويــل إيــران لقبلــة‬ ‫للمســلمن‪ ،‬الذيــن يجــب عليهــم الدفــاع عنهــا ونصرتهــا‪ ،‬فيمــا هــي‬ ‫أيضــا تقــوم بنصرتهــم والدفــاع عنهــم‪ ،‬لكــن بعــد التمــدد يف اراضيهــم‬ ‫ونهــب خيراتهــم‪ ،‬وهــدم معتقداتهــم‪ ،‬واســتبدالها بأســاطير واليــة‬ ‫الفقيــه!!‪ ،‬ألنهــا وحدهــا مــن ميتلــك النظــام اإلســالمي الصحيــح‪،‬‬ ‫وهــي املفوضــة مــن رب العاملــن واملوقعــة عنــه بحمايــة املقدســات‬ ‫اإلســالمية – قــم ومشــهد‪-‬بعد هــدم املقدســات اإلســالمية‪-‬مكة‬ ‫واملدينــة‪ !!-‬ولهــذا ال تؤمــن واليــة الفقيــه باحلــدود الصلبــة بــن‬ ‫الــدول اإلســالمية‪ ،‬وتــرى أن حدودهــا يجــب بســطها علــى كامــل‬ ‫العالــم اإلســالمي‪ ،‬وحتــى تنتقــل هــذه االســتراتيجية مــن اطارهــا‬ ‫النظــري إلــى بعدهــا العملــي شــرعت إيــران يف تنفيذهــا عمليــاً‬ ‫باحتاللهــا ثالثــة عواصــم عربيــة وهــدم الرابعــة واشــعال الفــن يف‬ ‫دول اجلــوار العربيــة‪ ،‬واختــراق دول القــرن والشــمال األفريقــي‪،‬‬ ‫باإلضافــة إلندونيســيا وماليزيــا‪.‬‬ ‫ونحــن هنــا نتوقــف أمــام اســتراتيجية أم القــرى التــي تزعــم‬ ‫أن املعتقــد الشــيعي هــو الصحيــح الــذي يجــب أن تأطــر عليــه‬ ‫العالــم اإلســالمي أطــرا!! وهــذا غيــر حقيقــي فهــو مذهــب ملــيء‬ ‫باخلرافــات واإلضافــات التــي لــم يــأت بهــا اإلســالم‪ ،‬كمــا يجــب‬ ‫اإلشــارة والتأكيــد أن الســنة هــي األمــة ومــا عداهــا فهــي ملــل ونحــل‬ ‫يؤخــذ منهــا ويــرد‪ ،‬كمــا يوجــد داخــل هــذا املذهــب عــدد مــن علمائــه‬ ‫الرافضــن لفكــرة الولــي الفقيــه‪ ،‬فض ـ ً‬ ‫ال عــن كثيــر مــن اخلرافــات‬

‫واألحاديــث التــي مت تأليفهــا لتضفــي الشــرعية علــى اخلطــوات التــي‬ ‫يتخذهــا الساســة وتطويعهــا دينيــاً لتحظــى بالرضــا والقبــول يف‬ ‫العقــل اجلمعــي الشــيعي‪ ،‬فتــم اقصاؤهــم مــن الواجهــة‪ ،‬أو اغتيالهــم‬ ‫كمحمــد باقــر احلكيــم وغيــره‪ ،‬فنظــام الولــي الفقيــه يــرى يف‬ ‫االغتيــاالت وســيلة مشــروعة لتصفيــة اخلصــوم‪ ،‬ومثلمــا اســتخدموا‬ ‫القــوة يف ســبيل حتقيــق مشــروعهم‪ ،‬فقــد اســتخدموا القــوة الناعمــة‬ ‫مــن خــالل اإلعــالم الــذي ســخره الولــي الفقيــه يف الداخــل واخلــارج‬ ‫لتمريــر مشــروعه وكســب اتباعــه‪ ،‬وكذلــك التعليــم لــم يســلم مــن‬ ‫التحريــف والتوجيــه‪ ،‬فقــد مت عســكرة مناهــج التعليــم يف إيــران‪،‬‬ ‫فالكتــب املدرســية مت حشــوها بالقصــص واألفــكار املختلقــة لتهيئــة‬ ‫عقــول الطــالب للعــدو املفتــرض‪ ،‬والــذي يجــب االســتعداد ملواجهتــه‬ ‫مــن خــالل االصطفــاف خلــف نظــام واليــة الفقيــه‪ ،‬وعــدم االســتماع‬ ‫للطــرف األخــر أو تقبــل مــا يصــدر عنــه‪ ،‬فهــو العــدو املتربــص‪ ،‬ولهــذا‬ ‫تعمــل هــذه املناهــج الدراســية علــى التنشــئة العســكرية املمزوجــة‬ ‫بالقوميــة الفارســية واســتعالئها علــى العــرب ونظرتهــا الدونيــة لهــم‪،‬‬ ‫واســتدعاء الشــعور بالثــأر منهــم إلســقاطهم اإلمبراطوريــة الفارســية‪،‬‬ ‫وســلب اخلالفــة مــن آل البيــت‪ ،‬وقتــل احلســن‪ ،‬وغيرهــا مــن قصــص‬ ‫املظلوميــة والهولوكوســت الشــيعي علــى مــر التاريــخ‪ ،‬التــي اصلــت‬ ‫العــداء واحلقــد يف نفــوس النــشء جتــاه كل مــا هــو عربــي وإســالمي‪،‬‬ ‫وبالتحديــد معــادة اإلســالم ثقافــة‪ ،‬والعــرب عرقــا ســامياً مقابــل‬ ‫العــرق الفارســي اآلري‪ ،‬وهــو مــا شــجع الدعــوة إلــى حتديــث وجتديــد‬ ‫– التاريــخ اإليرانــي العريــق‪ -‬ممــا احلقــه بــه األعــراب املتخلفــون‪،‬‬ ‫ولهــذا يتــم التركيــز علــى هــذه النقــاط وغيرهــا‪ ،‬يف املنابــر اإلعالميــة‬ ‫والتعليميــة واحلــوزات الدينيــة‪:‬‬ ‫ متيز العرق الفارسي(اآلري) عن غيره‬‫ إيران الكبرى‪.‬‬‫ األمه اإليرانية ذات التاريخ واحلضارة‪.‬‬‫ الفتح – االعتداء العربي –اإلسالمي‪.‬‬‫ العداء للشيعة (املظلومية)‪.‬‬‫ الوهابية‪.‬‬‫ اإلسالم السلفي ومعاداته إليران‪.‬‬‫وبهــذا اســتطاعت الثــورة اخلمينيــة حتويــل إيديولوجيــا التشــيع‬ ‫الصفــوي إلــى عقيــدة تســتند علــى تفويــض إلهــي باالســتيالء علــى‬ ‫اراضــي الغيــر لبنــاء دولــة الوعــد اإللهــي وعــودة املهــدي املنتظــر‪-‬‬ ‫والــذي ســيطول انتظــاره!!‪ ،‬مالــم يقــم الولــي الفقيــه –ولــي أمــر‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪13‬‬

‫المش ــروع اإليران ــي يس ــتهدف كل دول ــة خليجي ــة منف ــردة أو بش ــكل‬ ‫ثنائ ــي يف تركيبته ــا االجتماعي ــة واألمني ــة والسياس ــية واالقتصادي ــة‬ ‫واليمنــي‪ ،‬حملاصــرة اخلليــج العربــي بــن فكــي الكماشــة الفارســية‪،‬‬ ‫وهــذا يؤكــد أن املشــروع اإليرانــي مرتبط ـاً بشــكل عضــوي باخلليــج‬ ‫العربــي بالدرجــة األولــى‪ ،‬نظــراً ملــا يشــكله مــن قيمــة اســتراتيجية‬ ‫وحيويــة ودينيــة للعالــم‪ ،‬ولهــذا تطالــب اخلارجيــة اإليرانيــة وغيرهــا‬ ‫مــن اجلمعيــات واجلماعــات والوســائل اإلعالميــة اإليرانيــة بتســمية‬ ‫هــذا اخلليــج باخلليــج الفارســي!! وهــذا يؤكــد الطمــوح اإلقليمــي‬ ‫اإليرانــي يف الســيطرة علــى هــذا اإلقليــم الــذي يــراه املشــروع‬ ‫اإليرانــي جــزءاً رئيســاً يف األمــن القومــي اإليرانــي ومجــاالً حيويــاً‬ ‫ال ميكــن التنــازل عنــه‪ ،‬وهنــا تتبــادر للذهــن عــدة اســئلة؛ مــا الــذي‬ ‫مييــز هــذه املنطقــة دون ســواها؟ وملــاذا حتظــى هــذه املنطقــة بأولويــة‬ ‫مطلقــة يف السياســية اخلارجيــة اإليرانيــة؟‬ ‫هــذه التســاؤالت أجــاب عنهــا "كيهــان بــرز كار" مديــر أحــد املراكــز‬ ‫البحثيــة اإليرانيــة بقولــه‪ ":‬يعــد اخلليــج مــن املناطــق ذات األهميــة‬ ‫القصــوى يف التنميــة واألمــن ومصالــح إيــران القوميــة‪ ،‬فاخلليــج هــو‬ ‫الطريــق الرئيــس الرتبــاط إيــران بالعالــم احلــر‪ ،‬ولتصديــر الطاقــة‪،‬‬ ‫واســتيراد البضائــع‪ ،‬وحفــظ أمــن الطاقــة‪ ،‬ونقطــة اتصــال بآســيا‬ ‫الشــرقية واجلنوبيــة‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى فــإن حضــور إيــران الف ّعــال‬ ‫يف القضايــا السياســية واألمنيــة للخليــج –الفارســي‪ -‬والعــراق‬ ‫والعالــم العربــي يزيــد مــن قــدرة إيــران يف القضايــا اإلقليميــة‪،‬‬ ‫ويف عالقاتهــا مــع الــدول الكبــرى" وهــو مــا ســيجعل إيــران شــريكا‬ ‫أساســياً مــع القــوى العظمــى يف اجللــوس علــى طاولــة املفاوضــات –‬ ‫إيــران أمريــكا‪ -‬إيــران – االحتــاد األوربــي‪ ... -‬وهــذا ســيرفع مــن‬ ‫قيمــة إيــران كرقــم صعــب ال ميكــن جتــاوزه يف جميــع شــؤن املنطقــة‪.‬‬ ‫وهــذه األهميــة االســتراتيجية تتماهــي مــع نظريــة نظريــة ســبايكمان‬ ‫أو نظريــة األطــراف – ســبايكمان مــن أهــم املتعمقــن واملفكريــن‬ ‫يف السياســة العامليــة واملتخصصــن يف االســتراتيجيات الدوليــة‬ ‫واجليوبوليتكس‪-‬ومضمــون هــذه النظريــة أن هنــاك حتــول نوعــي‬ ‫يف موازيــن القــوى لصالــح الــدول اآلســيوية التــي تقــع علــى أطــراف‬ ‫املســطحات املائيــة إذا امتلكــت مــوارد طبيعيــة كالطاقــة النفطيــة‪،‬‬ ‫ومــن بــن هــذه الــدول (الصــن وإيــران والباكســتان والهنــد‬ ‫والســعودية والعــراق) علــى ان تتزامــن هــذه املعطيــات مــع حتــوالت‬ ‫دوليــة وإقليميــة ذات تأثيــر علــى ميــزان القــوى‪.‬‬ ‫فقــد ســاهم مــا عــرف "بالربيــع العربــي" والتحــوالت يف العالقــات‬ ‫الدوليــة‪ ،‬والتوقيــع علــى االتفــاق النــووي بــن إيــران ومجموعــة‬ ‫(‪ )5+1‬يف قبــول إيــران كشــريك إقليمــي جديد‪-‬رغــم بقــاء سياســاتها‬

‫التوســعية علــى حســاب جيرانهــا العــرب‪-‬كل هــذه املتغيــرات‬ ‫اعطــت إيــران الضــوء األخضــر للمضــي قدم ـاً بتحقيــق مشــروعها‬ ‫املســتطيل الشــيعي الــذي كانــت حتلــم منــذ انــدالع الثــوة اخلمينيــة‬ ‫يف إيــران‪1979‬م‪.‬‬ ‫فاملشــروع اإليرانــي يف منطقــة اخلليــج حتديــداً يســتهدف كل دولــة‬ ‫مــن الــدول الســت ســواء منفــردة‪ ،‬أو بشــكل ثنائــي؛ يف تركيبتهــا‬ ‫االجتماعيــة واألمنيــة والسياســية واالقتصاديــة‪ ،‬ومحاربــة قيــام‬ ‫ســوق نفطيــة خليجيــة مشــتركة‪ ،‬وتســعى مــن خــالل هــذه‬ ‫العمليــة لعــدة أمــور أهمهــا العمــل علــى تفتيــت مجلــس‬ ‫التعــاون والقضــاء علــى هــذه االحتــاد وإن كان ال يشــكل‬ ‫تهيــد ًا حقيقيــ ًا إليــران لكنهــا تســعى لتكــون هــي املضلــة‬ ‫لهــذه الــدول مــن خــالل ربطهــا اقتصادي ـ ًا وسياســي ًا بإيــران‪،‬‬ ‫بعــد عــزل الســعودية عــن محيطهــا اخلليجــي مــن خــالل‬ ‫اللقــاءات واالجتماعــات الثنائيــة كزيــارة ظريــف للكويــت‬ ‫وقطــر بعــد توقيــع االتفــاق النــووي‪ ،‬وهــذا اســتراتيجية‬ ‫إيرانيــة قائمــة علــى‪:‬‬ ‫• احليلولــة بــن التكامــل بــن حلفائهــا االســتراتيجين – ســوريا‪-‬‬ ‫لبنان‪-‬العراق‪-‬اليمن‪-‬وبــن بقيــة الــدول العربيــة‪ ،‬وخصوصــاً‬ ‫اخلليجيــة‪ ،‬ولهــذا لــم نــر أي تعــاون بينهمــا‪.‬‬ ‫• العمــل علــى تشــجيع التفتيــت داخــل كل دولــة متثــل مصلحــة أو‬ ‫تهديــداً إليــران‪ ،‬عــن طريــق االنقســام املذهبــي‪ ،‬احلوثــي يف اليمــن‪،‬‬ ‫ودعــم األقليــات الشــيعية يف دول اخلليــج‪.‬‬ ‫• رفــض تواجــد أي قــوات أجنبيــة يف املنطقــة حتــى لــو كانــت عربيــة‬ ‫أو إسالمية‪.‬‬

‫الرؤية اإليرانية ‪:2025‬‬ ‫يعــد عــام ‪1979‬م‪ ،‬حــداً فاص ـ ً‬ ‫ال يف تاريــخ منطقــة اخلليــج العربــي‪،‬‬ ‫بنجــاح الثــورة اخلمينيــة يف الوصــول إلــى ســدة احلكــم يف إيــران‪،‬‬ ‫بعــد االطاحــة بنظــام الشــاه‪ ،‬الــذي ال يختلــف كثيــراً عمــا بعــده‪ ،‬ســوى‬ ‫بتغليــف هــذه الثــورة بالبعــد الدينــي وتخصيصهــا باملذهــب االثنــي‬ ‫عشــري الــذي شــكل إطــاراً عامـاً للدولــة‪ ،‬ومنــه نبعــت فكــرة اخلــالص‬ ‫ولــم شــيعة الشــتات يف أرض امليعــاد‪ ،‬ولهــذا رتبــوا معامالتهــم وكتبــوا‬ ‫تاريخهــم واسســوا عقائدهــم الدينيــة والتعليميــة والعســكرية‬ ‫واألمنيــة‪ ،‬ذات االرتبــاط الوثيــق باملشــروع القومــي الفارســي‪ ،‬الــذي‬ ‫تبنــى الرؤيــة اإليرانيــة املســتقبلية ‪2025‬م‪ ،‬املنبثقــة مــن نظريــة "أم‬


‫‪12‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫ترمي إيران بثقلها يف كافة ملفات المنطقة حتى ال يمكن تجاوزها يف أي‬ ‫تســويات مســتقبلية يف الملــف الســوري واليمني لمحاصــرة الخليج العربي‬ ‫املاضــي‪ ،‬لوصــف حزمــة مــن السياســات واإلجــراءات التــي تتخذهــا‬ ‫الدولــة مــن أجــل تغيــرات سياســية واقتصادية واجتماعية مســتقبلية‪،‬‬ ‫فمــا تتكــون االســتراتيجية مــن عــدد مــن اخلطــوات التراكميــة التــي‬ ‫تســاهم يف حتقيــق األهــداف املخططــة واملقصــودة‪ ،‬ويعتبــر املشــروع‬ ‫اإليرانــي يف املنطقــة مــن أكثــر املواضيــع إثــارة للجــدل والنقــاش ســواء‬ ‫بــن املختصــن أو العامــة نظــراً حلساســية هــذا األمــر وانعكاســاته‬ ‫احلاليــة واملســتقبلية علــى دول املنطقــة وشــعوبها مــن ناحيــة‪ ،‬ومــن‬ ‫ناحيــة أخــرى لزيــادة الوعــي وارتفــاع حريــة التعبيــر الــذي وفرتــه‬ ‫املســتحدثات االتصاليــة يف اآلونــة األخيــرة‪.‬‬ ‫فعبــر تاريخهــا القريــب والبعيــد كانــت ومــا تــزال إيــران يف حالــة‬ ‫صــراع وتدافــع مــع محيطهــا العربــي خصوص ـاً نتيجــة إحساســها‬ ‫بالعزلــة الثقافيــة والدينيــة‪ ،‬ولعقــدة االســتعالء وكراهيــة العــرب‬ ‫لــدى العقليــة الفارســية‪ ،‬ولتفوقهــا العســكري‪ ،‬ولهــذا ميكــن وصــف‬ ‫إيــران بأنهــا مــن الــدول ذات الطمــوح االقليمــي بالنظــر إلــى امتالكهــا‬ ‫إلمكانــات القــوة املشــار إليهــا أعــاله ‪ -‬املوقــع اجلغــرايف‪ -‬املســاحة –‬ ‫الســكان‪ -‬اعطتهــا قيمــة جيوبولوتيكيــة كبــرى كمــا منحتهــا قدرتهــا‬ ‫العســكرية واالقتصاديــة ومــا مــا جــرى يف املنطقــة خصوصــاً بعــد‬ ‫االضطرابــات العربيــة واالتفــاق النــووي اإليرانــي واالســتدارة‬ ‫األمريكيــة باجتــاه تخفيــض اهتمامهــا أو انتهاجهــا مقاربــة مختلفــة‬ ‫مــع دول اخلليــج يف معاجلــة ملفــات املنطقــة‪ ،‬جعلتهــا إحــدى القــوى‬ ‫االقليميــة العظمــى‪.‬‬ ‫وكخطــوة يف إجنــاح مشــروعها اإلقليمــي ســعت إيــران لتأســيس‬ ‫حــزب اهلل يف لبنــان ليكــون ذراعهــا العســكري الــذي تعاقــب بــه مــن‬ ‫يخــرج عــن طوعهــا‪ ،‬أو يخالفهــا الــرأي حتــى وإن كان مــن أتبــاع‬ ‫املذهــب الشــيعي‪ ،‬و اســتخدمت إيــران القــوة الناعمــة للترويــج لهــذا‬ ‫احلــزب يف العالــم العربــي كمرحلــة أولــى‪ ،‬عندمــا صورتــه باملقاومــة‬ ‫اللبنانيــة للعــدو االســرائيلي‪ ،‬ليســهل اختــراق الشــعوب الســنية‪،‬‬ ‫والتســويق مبهنيــة إليديولوجيــا التشــيع الصفــوي مــن خــالل العــزف‬ ‫علــى األوتــار احلساســة‪ ،‬كتحريــر املقدســات‪ ،‬وبيــان فســاد األنظمــة‬ ‫العربيــة ذات التوجــه األمريكــي‪ ،‬وكان الهــدف الرئيــس يف هــذه‬ ‫املرحلــة التأســيس لرافعــة تســاهم يف حتقيــق حلــم الهــالل الشــيعي‪،‬‬ ‫الــذي يعتبــر اخلطــوة األولــى لتســيد العالــم اإلســالمي‪.‬‬ ‫وكانــت اخلطــوة األهــم يف حتقيــق املشــروع الفارســي يف املنطقــة‬ ‫العربيــة‪ ،‬عندمــا بــدأت إيــران بجارهــا العــراق‪ ،‬وخصمهــا اللــدود يف‬ ‫عهــد الرئيــس صــدام حســن‪ ،‬الــذي حــدث حتــول اســتراتيجي بعــد‬

‫ســقوط حكمــه‪ ،‬وتنفيــذ حكــم اإلعــدام بحقــه‪ ،‬متثــل يف نقــل العالقات‬ ‫االيرانيــة العراقيــة إلــى مرحلــة جديــدة لــم تعرفهــا يف تاريــخ البلديــن‬ ‫منــذ أكثــر مــن نصــف قــرن الــى اليــوم‪ ،‬فقــد أصبــح العــراق العربــي‬ ‫ســاحة إليــران وعملــت بقــوة علــى دعــم قيــام نظــام (صــوري) مــوال‬ ‫لهــا‪ ،‬مــن خــالل شــبكة عالقــات وحتالفــات معقــدة واســعة‪،‬‬ ‫ســاهمت يف خــروج العــراق مــن منظومــة التأثيــر اخلليجــي‬ ‫مــن خــالل‪:‬‬ ‫‪ -1‬إبقاء العراق خارج معادلة القوى االستراتيجية يف املنطقة‪.‬‬ ‫‪ -2‬احملافظة على الصبغة الدينية للحكومة العراقية‪.‬‬ ‫‪ -3‬دعم املرجعيات الشيعية املوالية إليران‪.‬‬ ‫‪ -4‬الهيمنة األمنية ودعم املليشيات الشيعية‪.‬‬ ‫‪ -5‬ربط االقتصاد العراقي باالقتصاد اإليراني‪.‬‬ ‫وكانــت ســوريا هــي احملطــة التاليــة إليــران‪ ،‬فمنــذ بــدأت األحــداث‬ ‫يف ســوريا‪ ،‬ألقــت إيــران بــكل ثقلهــا وراء النظــام‪ ،‬وتعهــدت بعــدم‬ ‫الســماح بســقوطه‪ ،‬حيــث دفــع الظهــور العلنــي األول لإليرانيــن يف‬ ‫الســاحات الســورية يف معركــة القصيــر بريــف حمــص وتصــرح بعــض‬ ‫القــادة اإليرانيــن بــأن ســوريا هــي "احملافظــة اخلامســة والثالثــن‬ ‫اإليرانيــة إلــى وصــف ذلــك بأنــه "احتــالل إيرانــي لســوريا" لــم ينكــره‬ ‫رجــل إيــران القــوي‪ ،‬ســليماني‪ ،‬الــذي لــم يتــورع عــن القــول إن طهــران‬ ‫حتكــم أربعــة عواصــم عربيــة‪ ،‬هــي بغــداد ودمشــق وبيــروت‪ ،‬واليمــن‪،‬‬ ‫ويطمــح يف أن يضــم إليهــا صنعــاء قربيــاً‪ ،‬إدراكاً منــه لالرتبــاط‬ ‫الوثيــق بــن ميلشــيا احلوثــي وإيــران التــي قدمــت لــه أشــكاالً متعــددة‬ ‫مــن الدعــم املالــي والفنــي والسياســي لتعطيــل املســاعي االقليميــة‬ ‫واحملليــة الهادفــة الســتقرار اليمــن‪ ،‬واملمهــدة لتحقيــق األطمــاع‬ ‫التوســعية اإليرانيــة يف جنــوب اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ملــا لليمــن مــن‬ ‫خصوصيــة دينيــة وتاريخيــة للفــرس‪ ،‬مســتخدمة مســار ًا‬ ‫اســتراتيجي ًا يف زرع الشــقاق وتغذيــت الصراعــات والفوضــى‬ ‫واألزمــات وإيقــاظ الفــن لتحقيــق عــد ًا مــن األهــداف‪ ،‬منهــا‪:‬‬ ‫‪ -1‬تصديــر الثــورة اخلمينيــة للعالــم اإلســالمي وخصوصــاً اليمــن‬ ‫نظــراً للتقــارب املذهبــي االثنــي عشــري واملذهــب الزيــدي‪.‬‬ ‫‪ -2‬تغذية الصراع الطائفي يف جنوب اململكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫‪ -3‬الســيطرة علــى منطقــة بــاب املنــدب كأحــد أهــم املعابــر البحريــة‬ ‫للتجــارة الدوليــة‪.‬‬ ‫ولهــذا تســعى إيــران برمــي ثقلهــا يف كافــة ملفــات املنطقــة حتــى‬ ‫ال ميكــن جتاوزهــا يف أي تســويات مســتقبلية يف امللــف الســوري‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪11‬‬

‫توتر العالقات الخليجية‪-‬اإليرانية سياسي واستراتيجي ال يمكن‬ ‫فصله عن الميراث التاريخي للعالقات الثنائية‬ ‫عميـ ً‬ ‫ال إليــران كــون جماعــة ارهابيــة وحــرض اتباعــه علــى قتــل عــدد‬ ‫مــن رجــال األمــن الســعودين‪ ،‬األمــر الــذي دعــا إيــران لالحتجــاج‬ ‫والتدخــل يف الشــأن الســعودي واعتــداء عمالئهــا علــى االعتــداء‬ ‫علــى الســفارة الســعودية يف طهــران والقنصليــة الســعودية يف مشــهد‬ ‫وإحراقهمــا وســرقة محتوياتهمــا‪ ،‬وهــو مــا دفــع احلكومــة الســعودية‬ ‫علــى قطــع عالقاتهــا الدبلوماســية بإيــران‪ ،‬كمــا كانــت زيــارة الشــيخ‬ ‫عيســى بــن حمــد أميــر البحريــن للســعودية يف عــام ‪1968‬م‪ ،‬ســبباً يف‬ ‫توتــر العالقــات الســعودية ـ االيرانيــة‪ ،‬التــي نظــرت لهــذه العالقــة‬ ‫بأنهــا اعتــراف بحكومــة البحريــن اجلديــدة‪ ،‬التــي اعلنــت اســتقاللها‬ ‫يف عــام‪1971‬م‪ ،‬فهــددت إيــران بضمهــا‪ ،‬لكنهــا واجهــت رداً حاســماً‬ ‫مــن امللــك فيصــل رحمــة اهلل‪ ،‬فعــادت العالقــات للتوتــر حتــى وفــاة‬ ‫امللــك فيصــل عــام ‪1975‬م‪ ،‬وقــد تكــرر هــذا الســيناريو مجــدداً يف‬ ‫عــام ‪2011‬م‪ ،‬عندمــا قامــت قــوات درع اجلزيــرة بحمايــة البحريــن‬ ‫مــن األعمــال اإلرهابيــة املدعومــة مــن إيــران‪ ،‬ولــم تكــن البحريــن هــي‬ ‫البلــد العربــي الوحيــد الــذي تســبب يف توتــر العالقــات اإليرانيــة‬ ‫الســعودية‪ ،‬فقــد اســتمر اخلــالف حــول ملفــات املنطقــة الســاخنة مــن‬ ‫لبنــان الــى ســوريا والعــراق وصــوال الــى اليمــن‪ ،‬بســبب التدخــل‬ ‫اإليرانــي يف شــؤون هــذه الــدول وحتكمــه يف مصيرهــا ومقدراتهــا‬ ‫وقراراتهــا والتبجــح علن ـاً باحتــالل أربعــة عواصــم عربيــة‪.‬‬ ‫وتتخــذ البحريــن ذات املوقــف الســعودي‪ ،‬فالتهديــدات اإليرانيــة‬ ‫املتكــررة باحتــالل البحريــن‪ ،‬ودعم احلــركات االنفصالية‪ ،‬واالرهابية‪،‬‬ ‫وتهريــب املتفجــرات‪ ،‬وغيرهــا دفعــت حكومــة البحريــن لهــذه املوقــف‪.‬‬ ‫ورغــم هــذه املعطيــات – نظرياً‪-‬فــال يســتبعد الباحــث وجــود تقــارب‬ ‫ســعودي إيرانــي يف املنظــور القريــب‪ ،‬أو املتوســط‪ ،‬عطفــاً علــى‬ ‫املتغيــرات اجليوسياســية اإلقليميــة والعامليــة التــي حتتــم التقــارب‬ ‫ولــو مؤقتــا‪.‬‬ ‫ورغــم احتــالل إيــران جلزرهــا الثــالث تبــدو دبــي العاصمــة‬ ‫االقتصاديــة‪ ،‬صاحبــة الــدور األبــرز يف العالقــة مــع إيــران فقــد‬ ‫أصبحــت دبــي وخصوصــا بعــد احلصــار االقتصــادي املفــروض‬ ‫علــى إيــران أهــم مركــز للنشــاطات التجاريــة خــارج إيــران‪ ،‬وبعــد‬ ‫االتفــاق النــووي لــن تفــرط دبــي يف العالقــات االقتصاديــة مــع إيــران‬ ‫خصوصــا بعــد انفتاحهــا علــى الغــرب‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فيمــا شــهدت العالقــات العالقــة اإليرانيــة ـ العمانيــة تقارب ـا علــى‬ ‫حســاب العالقــات العمانيــة ‪ -‬اخلليجيــة ازعــج بقيــة دول اخلليــج‪،‬‬ ‫حيــث ال تتشــارك عمــان مــع دول مجلــس التعــاون رؤيــة اخلطــر‬

‫اإليرانــي علــى هــذه الــدول‪ ،‬أو الــدول العربيــة بشــكل أعــم‪ ،‬ومــع‬ ‫وصــول الســلطان هيثــم بــن طــارق إلــى ســدة احلكــم‪ ،‬والتطــور‬ ‫اإليجابــي يف العالقــات العمانيــة ـ الســعودية‪ ،‬قــد يشــهد املوقــف‬ ‫العمانــي مــن إيــران‪ ،‬بعــض التغيــرات‪ ،‬لصالــح انتمائهــا العربــي‬ ‫واخلليجــي‪ ،‬ورغــم مســاعي إيــران لالنفــراد مبصيــر املضيــق الدولــي‬ ‫للطاقــة‪ ،‬مضيــق رأس الســالم‪ -‬هرمــز‪ -‬دون ســواها‪ ،‬دو أن تقيــم‬ ‫اعتبــارات لألحقيــة التاريخيــة لســلطنة عمــان‪ ،‬التــي لــم يشــفع لهــا‬ ‫اســتضافة احملادثــات الســرية بــن إيــران واملجموعــة (‪ )5+1‬بســالمة‬ ‫اراضيهــا وتاريخهــا مــن االعتــداءات اإليرانيــة‪ ،‬التــي تســعى مــن‬ ‫خــالل ذلــك جللــب ميــزة أخــرى تضــاف إلــى امليــزات اجليوسياســية‬ ‫واجليوســتراتيجية للموقــع البحــري أو املائــي إليــران‪ ،‬املمتــد مــن‬ ‫بحيــرة قزويــن شــماالً‪ ،‬مــروراً بشــط العــرب شــرقاً‪ ،‬وباخلليــج‬ ‫العربــي إلــى بحــر العــرب واحمليــط الهنــدي جنوبـاً‪ ،‬بهــدف توظيفهــا‬ ‫اقتصاد ّيـاً وسياســياً يف الضغــط علــى جيرانهــا اخلليجيــن خصوصـاً‬ ‫الــدول التــي ال متتلــك ســوى إطاللــة بحريــة واحــدة علــى اخلليــج‪،‬‬ ‫كالكويــت والبحريــن وقطــر‪.‬‬ ‫وقــد شــهدت العالقــات الكويتيــة ‪ -‬اإليرانيــة نتيجــة للتقــارب‬ ‫ٍ‬ ‫حــاالت مــن الصعــود والهبــوط‬ ‫احلــدودي عبــر مراحــل تطورهــا‬ ‫شــأنها شــأن العالقــات الدوليــة عامــ ًة‪ ،‬وقــد كانــت مســيرة تلــك‬ ‫العالقــات إيجابيــة يف أغلــب مراحلهــا رغــم التوتــر فقــد أســهم‬ ‫هــذا القــرب اجلغــرايف يف إثــارة عــدد مــن املشــكالت بــن اجلانبــن‪،‬‬ ‫خاصــ ًة فيمــا يتعلــق باحلــدود البحريــة ومــا حتتويــه مــن ثــروات‬ ‫طبيعيــة والســيما النفــط والغــاز ‪.‬وتعــد النزاعــات املرتبطــة بحقــل‬ ‫"الــدرة" النفطــي الواقــع يف املنطقــة البحريــة املشــتركة بــن كل مــن‬ ‫الســعودية‪ ،‬والكويــت‪ ،‬وإيــران‪ ،‬مثـ ً‬ ‫ـاال ذا داللــة يف هــذا الســياق‪ ،‬رغــم‬ ‫تقليــل الرئيــس أحمــدي جنــاد مــن أهميــة اخلــالف‪ ،‬قائ ـ ً‬ ‫ال‪" :‬إنــه ال‬ ‫يوجــد أي خــالف غيــر قابــل للحــوار واحلــل بــن الدولتــن‪ ،‬والزالــت‬ ‫الكويــت تعيــش يف املنطقــة الرماديــة يف عالقاتهــا مــع إيــران‪.‬‬ ‫وأمــا قطــر فهــي ترتبــط بعالقــات اســتراتيجية مــع إيــران يف عــدة‬ ‫مجــاالت‪ ،‬اقتصاديــة وأمنيــة وعســكرية‪ ،‬مغــردة خــارد الســرب‬ ‫اخلليجــي‪ ،‬وقــد منــت هــذه العالقــة بعــد األزمــة اخلليجيــة‪.‬‬

‫المشروع االستراتيجي االيراني يف منطقة الخليج العربي‪:‬‬ ‫بدايــة البــد لنــا مــن وقفــة ســريعة مع كلمتي "مشــروع" و "اســتراتيجي"‬ ‫اســتخدمت كلمة املشــروع يف املجال السياســي يف خمســينيات القرن‬


‫‪10‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫اﻟﻘﻤﺔ اﻟﺨﻠﻴﺠﻴﺔ ال ‪ ٢٨‬ﻟﺪول ﻣﺠﻠﺲ اﻟﺘﻌﺎون اﻟﺨﻠﻴﺠﻲ ﰲ اﻟﺪوﺣﺔ ‪٢٠٠٧‬‬

‫إيــران عبــر تاريخهــا يف حالــة صــراع مــع محيطهــا العربــي إلحساســها بالعزلة‬ ‫الثقافيــة والدينيــة ولعقــدة االســتعالء وكراهيــة العــرب ولتفوقهــا العســكري‬ ‫للعالقــات الدبلوماســية عاكســة تفاعــالت سياســية ودينيــة مؤثــرة‬ ‫علــى العالقــة بــن البلديــن بــدأت يف أزمــة دبلوماســية يف عــام‬ ‫‪1944‬م‪ ،‬عندمــا القــت الســلطات الســعودية القبــض علــى إيرانــي قــام‬ ‫برمــي الكعبــة املشــرفة بالقــاذورات وبعــد التحقــق معــه واعترافــه‬ ‫بجرميتــه اقيــم عليــه حــد اإلعــدام‪ ،‬ومت ســحب البعثــات الدبلوماســية‬ ‫حتــى عــام‪1946‬م‪ ،‬ثــم عــادت هــذه األزمــة للظهــور مجــدداً عندمــا‬

‫قامــت الســلطات اإليرانيــة بأعمــال غوغائيــة يف مكــة املكرمــة نتــج‬ ‫عنهــا وفيــات عــدداً مــن احلجــاج ورجــال األمــن الســعودي يف أعــوام‬ ‫‪ 1987‬و ‪1989‬م‪،‬وغيرهــا‪ ،‬ثــم شــهدت العالقــات بــن البلديــن فتــرة‬‫مــن االزدهــار يف عهــدي رفســنجاني وخامتــي‪ ،‬ولكــن إيــران عــادت‬ ‫ملمارســة نهجهــا املفضــل عندمــا نفــذت الســلطات الســعودية يف ينايــر‬ ‫مــن ‪2016‬م‪ ،‬حــد القصــاص بســبعة وأربعــن ارهابيــاً أحدهــم كان‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪9‬‬

‫التحدي اإليراني وأمن دول مجلس التعاون‬

‫تفاهم السعودية وإيران أقل كلفة وأكثر فائدة‬ ‫للبلدين ويقطع الطريق عى إشعال الحرب‬ ‫شــهدت إيــران حدثــن مهمــن يف تاريخهــا احلديــث كان لهمــا انعكاســاتهما اخلطيــرة علــى ايــران ومحيطهــا العربــي‪،‬‬ ‫أولهمــا الثــورة اخلمينيــة ‪1979‬م‪ ،‬واألخــر توقيــع االتفــاق النــووي مــع مجموعــة (‪ )1+5‬التــي أخــرج إيــران مــن عزلتهــا الدوليــة‬ ‫اقتصادي ـاً وسياســيا‪ ،‬فقــد نظــرت إليــه طهــران بطريــق براغماتيــة واعتبرتــه ضــوءاً اخضــر للتمــدد يف محيطهــا العربــي‪،‬‬ ‫وحتقيــق حلمهــا الفارســي مبحاصــرة اجلزيــرة العربيــة مــن كافــة اجلهــات‪ ،‬ممــا اثــار فــزع الــدول اخلليجيــة التــي صحــت علــى‬ ‫أصــوات تلمــح بانســحاب االســطول األمريكــي اخلامــس مــن املنطقــة وتراجــع الــدور األمريكــي يف املنطقــة‪ ،‬وتغيــر اولوياتــه‬ ‫االســتراتيجية بالتركيــز علــى أســيا ومحاولــة حصــار الصعــود االقتصــادي الصينــي‪ ،‬وممــا زاد األمــر تعقيــدا تصريحــات‬ ‫الرئيــس األمريكــي بــاراك اوبامــا ملجلــة ذا اتالنتــك بضــرورة تقاســم النفــوذ مــع ايــران!!‬ ‫فاملتتبــع للسياســة اخلارجيــة األمريكيــة ميكنــه اخلــروج بنتيجــة التقــارب األمريكــي االيرانــي واثــاره الســلبية احملتملــة‬ ‫علــى منطقــة اخلليــج العربــي خصوصــا واملنطقــة العربيــة بشــكل عــام‪ ،‬وهــو مــا عبــر عنــه البيــان الصحفــي الصــادر عــن‬ ‫األمانــة العامــة ملجلــس التعــاون‪" :‬بــأن هنــاك حتــركا أمريكيـاً إيجابيـاً جتــاه إيــران‪ ،‬نأمــل أال يكــون علــى حســاب األمــة العربيــة‬ ‫ومصاحلهــا‪ ،‬وخصوصـاً دول مجلــس التعــاون اخلليجــي"‬

‫د‪ .‬عبد اهلل بن عبد احملسن العساف‬

‫يف ضــوء مــا ســبق‪ ،‬ميكــن اخلــروج بعــدة مالحظــات‪ ،‬أولهــا أن‬ ‫التوتــر يف العالقــات اخلليجية‪-‬اإليرانيــة هــو سياســي واســتراتيجي‪،‬‬ ‫وال ميكــن فصلــه عــن امليــراث التاريخــي للعالقــات بــن اجلانبــن‪،‬‬ ‫التــي شــهدت تقدمــا حقيقيــا علــى مســتوى التصريحــات اإليرانيــة‬ ‫املعســولة فقــط‪.‬‬ ‫ثانيهــا رؤيــة إيــران لدورهــا اإلقليمــي بعــد عــام ‪2005‬م‪ ،‬وحتــى‬ ‫توقيعــا االتفــاق النــووي‪ ،‬ومســاعيها نحــو الهيمنــة والســيطرة‪ ،‬علــى‬ ‫محيطهــا العربــي‪.‬‬ ‫ثالثهــا ســعي إيــران إلــى إلبــاس خالفهــا مــع جيرانهــا العــرب لباســا‬ ‫مذهبيـاً وطائفيــا‪.‬‬ ‫وتســعى هــذه الورقــة بدرجــة رئيســية لإلجابــة عــن الــدور‬ ‫االســتراتيجي إليــران يف منطقــة اخلليــج العربــي‪ ،‬وهــل يشــكل هــذا‬ ‫الــدور أو التحــرك تهديــدا لألمــن اخلليجــي بصفــة خاصــة‪ ،‬والعربــي‬ ‫بصفــة عامــة‪.‬‬

‫العالقات اإليرانية ــ الخليجية‪:‬‬ ‫كمــا إن العالقــات اإليرانيــة ـ العربيــة ليســت علــى وتيــرة واحــدة؛‬ ‫فكذلــك العالقــات اإليرانيــة ـ اخلليجيــة‪ ،‬إذ ال تتقاســم دول اخلليــج‬ ‫العربــي رؤيــة واحــدة جتــاه إيــران‪ ،‬تســاعدها علــى تــوازن القــوى مــع‬ ‫اجلــار اللــدود علــى ضفــة اخلليــج‪ ،‬وتعــد الســنوات التــي تلــت حــرب‬ ‫اخلليــج الثانيــة وحتريــر الكويــت عــام (‪1991‬م) ســنوات ذهبيــة يف‬ ‫العالقــات اإليرانيــة ـ اخلليجيــة‪ ،‬فقــد شــهدت تطــورات ملحوظــة‬ ‫يف زمــن الرئيــس االيرانــي هاشــمي رفســنجاني‪ ،‬ومحمــد خامتــي‬ ‫مــن خــالل اتباعهمــا سياســة تقــوم علــى االنفتــاح واحلــوار مــع دول‬ ‫اجلــوار االقليمــي‪ ،‬شــهدت زيــارات رفيعــة املســتوى بــن املســؤولن يف‬ ‫إيــران واخلليــج‪ ،‬لكــن النظــام السياســي يف ايــران بشــكل عــام لديــه‬ ‫مشــروعه التوســعي يف املنطقــة العربيــة‪ ،‬انعكســت علــى السياســة‬ ‫الرســمية العامــة لــدول مجلــس التعــاون التــي لــم تخــف شــكوكها فيمــا‬ ‫يتعلــق بالطموحــات االســتراتيجية والسياســية اإليرانيــة يف املنطقــة‪.‬‬ ‫فبالنســبة الــى اململكــة العربيــة الســعودية تأرجحــت العالقــة بينهــا‬ ‫وبــن إيــران بــن التصــادم والتفاهــم‪ ،‬ومــرت مبــد وجــزر وقطــع‬


‫‪8‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪saudigreeninitiative.org‬‬

‫ﻧﺒﺬة ﻋﻦ ﻣﺒﺎدرة‬ ‫اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻟﺨﻀﺮاء‬ ‫ﺳﺘﺮﺳﻢ ﻣﺒﺎدرة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ اﻟﺨﻀﺮاء ﺗﻮﺟﻪ‬ ‫اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﻌﺮﺑﻴﺔ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﻓﻲ ﺣﻤﺎﻳﺔ‬ ‫اﻷرض واﻟﻄﺒﻴﻌﺔ‪.‬‬

‫ﺳﺘﺪﻋﻢ ﻫﺬه اﻟﻤﺒﺎدرة اﻟﻮﻃﻨﻴﺔ ﺗﺤﺴﻴﻦ ﺟﻮدة اﻟﺤﻴﺎة وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻷﺟﻴﺎل‬ ‫اﻟﻘﺎدﻣﺔ ﻣﻦ ﺧﻼل زﻳﺎدة اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻈﻴﻔﺔ وﺗﻘﻠﻴﻞ ﺗﺄﺛﻴﺮ‬ ‫اﻻﻋﺘﻤﺎد ﻋﻠﻰ اﻟﻨﻔﻂ وﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺒﻴﺌﺔ‪.‬‬ ‫ﻣﻦ ﺧﻼل ﻣﺒﺎدرة اﻟﺸﺮق اﻷوﺳﻂ اﻷﺧﻀﺮ‪ ،‬ﺳﺘﻘﻮد اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ اﻟﺠﻬﻮد‬ ‫اﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ ﻟﺘﺤﻘﻴﻖ اﻟﻤﺴﺘﻬﺪﻓﺎت اﻟﺪوﻟﻴﺔ وﻣﻜﺎﻓﺤﺔ اﻟﺘﻐﻴّﺮ اﻟﻤﻨﺎﺧﻲ‪.‬‬

‫ﺗﻘﻠﻴﻞ اﻻﻧﺒﻌﺎﺛﺎت اﻟﻜﺮﺑﻮﻧﻴﺔ‬ ‫ﺑﺄﻛﺜﺮ ﻣﻦ ‪ %4‬ﻣﻦ‬ ‫اﻟﻤﺴﺎﻫﻤﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ‬

‫زﻳﺎدة ﺣﺼﺔ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﻣﻦ اﻟﻄﺎﻗﺔ‬ ‫اﻟﻤﺘﺠﺪدة ﻣﻦ ‪ %0.3‬إﻟﻰ ‪ %50‬ﺑﺤﻠﻮل‬ ‫اﻟﻌﺎم ‪2030‬‬

‫رﻓﻊ ﻧﺴﺒﺔ اﻟﻤﻨﺎﻃﻖ اﻟﻤﺤﻤﻴﺔ‬ ‫إﻟﻰ أﻛﺜﺮ ﻣﻦ ‪ %30‬ﻣﻦ ﻣﺴﺎﺣﺔ‬ ‫أراﺿﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ‬

‫زراﻋﺔ ‪ 10‬ﻣﻠﻴﺎرات ﺷﺠﺮة‬ ‫داﺧﻞ اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ‬

‫ﺑﺼﻔﺘﻨﺎ ﻣﻨﺘﺠ ًﺎ ﻋﺎﻟﻤﻴ ًﺎ راﺋﺪ ًا ﻟﻠﻨﻔﻂ ﻧﺪرك ﺗﻤﺎﻣ ًﺎ ﻧﺼﻴﺒﻨﺎ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺆوﻟﻴﺔ ﻓﻲ دﻓﻊ ﻋﺠﻠﺔ ﻣﻜﺎﻓﺤﺔ أزﻣﺔ اﻟﻤﻨﺎخ‪ .‬وﻗﺪ ﺑﺪأت‬ ‫ﻫﺬه اﻷزﻣﺔ اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ ﺑﺎﻟﺘﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺑﻴﺌﺘﻨﺎ وﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎة اﻟﻜﺜﻴﺮﻳﻦ ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ‪.‬‬ ‫وﻓﻲ ﻫﺬا اﻹﻃﺎر‪ ،‬ﺗﻬﺪف ﺧﻄﺘﻨﺎ اﻟﻄﻤﻮﺣﺔ إﻟﻰ ﺗﺤﻘﻴﻖ اﻻﺳﺘﺪاﻣﺔ واﻻزدﻫﺎر داﺧﻞ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ وﺧﺎرﺟﻬﺎ‪ ،‬وﺗﺮﺗﻜﺰ ﻫﺬه‬ ‫اﻟﺨﻄﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺘﺔ ﻣﺤﺎور أﺳﺎﺳﻴﺔ‪:‬‬

‫ﺣﻤﺎﻳﺔ‬ ‫ﻣﺤﻴﻄﺎﺗﻨﺎ‬

‫ﺗﻘﻠﻴﻞ اﻻﻧﺒﻌﺎﺛﺎت‬ ‫اﻟﻜﺮﺑﻮﻧﻴﺔ‬

‫زﻳﺎدة إﻧﺘﺎج ﻗﻄﺎع‬ ‫اﻟﻄﺎﻗﺔ اﻟﻨﻈﻴﻔﺔ‬

‫رﻓﻊ ﻧﺴﺒﺔ ﺗﺤﻮﻳﻞ‬ ‫اﻟﻨﻔﺎﻳﺎت ﻋﻦ اﻟﻤﺮادم‬

‫اﻟﺤﺪ‬ ‫ﻣﻦ اﻟﺘﺼﺤَ ﺮ‬

‫ﺣﻤﺎﻳﺔ اﻟﺤﻴﺎة اﻟﺒﺮﻳﺔ‬ ‫ﻓﻲ اﻟﻤﻤﻠﻜﺔ‬


‫‪www.araa.sa‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪7‬‬

‫نهدف ا يف هذه القمة أن نعمل سوي اً لوضع خارطة طريق إقليمية‬ ‫ومنهجي ــة عم ــل لتمكي ــن تحقي ــق ه ــذه المس ــتهدفات الطموح ــة‬ ‫احلضور الكرام‬ ‫إن هنــاك فجــوات يف منظومــة العمــل املناخــي يف املنطقــة‪ ،‬ونســتطيع‬ ‫عبــر تنســيق اجلهــود اإلقليميــة ومشــاركة اخلبــرات والتقنيــات‪ ،‬أن‬ ‫نحقــق إجنــازات متســارعة يف مبادراتنــا‪.‬‬ ‫ولتمكــن ذلــك‪ ،‬تعلــن اململكــة أنهــا ســتعمل علــى إنشــاء منصــة‬ ‫تعــاون لتطبيــق مفهــوم االقتصــاد الدائــري للكربــون‪ ،‬وتأســيس‬ ‫مركــز إقليمــي للتغيــر املناخــي‪ ،‬وإنشــاء مجمــع إقليمــي الســتخالص‬ ‫الكربــون واســتخدامه وتخزينــه‪ ،‬وتأســيس مركــز إقليمــي لإلنــذار‬ ‫املبكــر بالعواصــف‪ ،‬وتأســيس مركــز إقليمــي للتنميــة املســتدامة‬ ‫للثــروة الســمكية‪ ،‬وإنشــاء برنامــج إقليمــي الســتمطار الســحب‪.‬‬ ‫وســيكون لهــذه املراكــز والبرامــج دوراً كبيــراً يف تهيئــة البنيــة التحتيــة‬ ‫الالزمــة حلمايــة البيئــة وتخفيــض االنبعاثــات ورفــع مســتوى التنســيق‬ ‫اإلقليمــي‪.‬‬ ‫وامتــداداً لــدور اململكــة الريــادي يف تنميــة أســواق الطاقــة‪ ،‬ســنعمل‬ ‫علــى تأســيس صنــدوق لالســتثمار يف حلــول تقنيــات االقتصــاد‬

‫الدائــري للكربــون يف املنطقــة‪ ،‬ومبــادرة عامليــة تســاهم يف تقــدمي‬ ‫حلــول الوقــود النظيــف لتوفيــر الغــذاء‪ ،‬ألكثــر مــن (‪ )750‬مليــون‬ ‫شــخص بالعالــم‪ .‬ويبلــغ إجمالــي االســتثمار يف هاتــن املبادرتــن‬ ‫مــا يقــارب (‪ )39‬مليــار ريــال‪ ،‬وستســاهم اململكــة يف متويــل قرابــة‬ ‫(‪ )15%‬منهــا‪ .‬وســتعمل اململكــة مــع الــدول وصناديــق التنميــة‬ ‫اإلقليميــة والدوليــة لبحــث ســبل متويــل وتنفيــذ هــذه املبــادرات‪.‬‬ ‫وحرص ـاً علــى رفــع مســتوى التنســيق‪ ،‬نعلــن عــن تأســيس مؤسســة‬ ‫املبــادرة اخلضــراء‪ ،‬كمؤسســة غيــر ربحيــة لدعــم أعمــال القمــة‪.‬‬ ‫ويف اخلتــام‪ ،‬إن مواجهــة التغيــر املناخــي تتطلــب منــا العمــل املشــترك‬ ‫نحــو تطويــر التقنيــات وخلــق البيئــة املناســبة لتمويلهــا‪ ،‬واحلفــاظ‬ ‫علــى الثــروات الطبيعيــة التــي متتلكهــا منطقتنــا‪ ،‬وتعزيــز التعــاون‬ ‫بيننــا ألجــل ذلــك‪.‬‬ ‫وادعــو اآلن األخــوة واألخــوات للمشــاركة يف أعمــال القمــة وإلقــاء‬ ‫كلماتهــم‪ ،‬متمنيــاً ألعمالنــا التوفيــق‪.‬‬ ‫والسالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪.‬‬


‫‪6‬‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫سـمو ولي العهد األمير محمد بن سـلمان أمام قمة الشـرق األوسـط األخضر‪:‬‬

‫‪ 50‬مليار شجرة يف المنطقة لمواجهة التغير‬ ‫المناخي وتقليل االنبعاثات‬ ‫شــهدت مدينــة الريــاض انطــالق ثــالث فعاليــات مهمــة يف الثلــث األخيــر مــن شــهر أكتوبــر املاضــي‪ ،‬كانــت األولــى‬ ‫منتــدى مبــادرة الســعودية اخلضــراء يف ‪ 23‬أكتوبــر‪ ،‬والثانيــة قمــة الشــباب األخضــر يف ‪ 24‬أكتوبــر‪ ،‬والثالثــة قمــة‬ ‫مبــادرة الشــرق األوســط األخضــر يف ‪ 25‬أكتوبــر ‪ ،‬وتســتهدف مبــادرة الســعودية اخلضــراء زراعــة ‪ 10‬مليــارات شــجرة‬ ‫داخــل الســعودية خــالل العقــود املقبلــة ‪ ،‬ومبــادرة الســعودية اخلضــراء تتضمــن إعــادة تأهيــل حوالــي ‪ 40‬مليــون هكتــار‬ ‫مــن األراضــي الســعودية املتدهــورة ‪ ،‬مــا يعنــي زيــادة املســاحة املغطــاة باألشــجار إلــى ‪ 12‬ضعــف نســبتها احلاليــة ‪،‬‬ ‫مبــا ميثــل إســهام اململكــة بأكثــر مــن ‪ %4‬يف حتقيــق مســتهدفات املبــادرة العامليــة للحــد مــن تدهــور األراضــي واملوائــل‬ ‫القطريــة‪ ،‬و‪ %1‬مــن املســتهدف العاملــي لزراعــة تريليــون شــجرة ‪ ،‬وتتضمــن املبــادرة رفــع نســبة املناطــق احملميــة إلــى‬ ‫أكثــر مــن ‪ %30‬مــن مســاحة أراضيهــا التــي تقــدر بـــ ‪ 600‬ألــف كيلومتــر مربــع لتتجــاوز املســتهدف العاملــي احلالــي‬ ‫بحمايــة ‪ %17‬مــن أراضــي كل الدولــة‪ ،‬كمــا تتضمــن املبــادرة عــد ًدا مــن البرامــج حلمايــة البيئــة البحريــة والســاحلية‪.‬‬

‫واس‪ :‬الرياض‬

‫وســتعمل مبــادرة الســعودية اخلضــراء كذلــك علــى تقليــل االنبعاثــات‬ ‫الكربونيــة بأكثــر مــن ‪ 4%‬مــن اإلســهامات العامليــة‪ ،‬مــن خــالل‬ ‫مشــاريع الطاقــة املتجــددة التــي ســتوفر ‪ 50%‬مــن إنتــاج الكهربــاء‬ ‫داخــل اململكــة العربيــة الســعودية بحلــول عــام ‪2030‬م‪ ،‬ومشــاريع‬ ‫التقنيــات الهيدروكربونيــة النظيفــة التــي ســتمحو أكثــر مــن ‪130‬‬ ‫مليــون طــن مــن االنبعاثــات الكربونيــة‪ ،‬إضافــة إلــى رفــع نســبة حتويــل‬ ‫النفايــات مــن املــرادم إلــى ‪.94%‬‬ ‫وألقــي صاحــب الســمو امللكــي األميــر محمــد بــن ســلمان ولــي العهــد‬ ‫ونائــب رئيــس مجلــس الــوزراء وزيــر الدفــاع الكلمــة اآلتيــة يف مســتهل‬ ‫أعمــال قمــة مبــادرة الشــرق األوســط األخضــر‪:‬‬ ‫أصحاب السمو والفخامة والدولة‪ ،‬احلضور الكرام‪،‬‬ ‫السالم عليكم ورحمة اهلل وبركاته‪،‬‬ ‫نرحــب بكــم اليــوم يف بلدكــم الثانــي‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬يف‬ ‫القمــة األولــى ملبــادرة الشــرق األوســط األخضــر‪.‬‬ ‫جنتمــع اليــوم يف هــذه القمــة لتنســيق اجلهــود جتــاه حمايــة البيئــة‬ ‫ومواجهــة التغيــر املناخــي‪ ،‬ولوضــع خارطــة طريــق لتقليــل االنبعاثــات‬ ‫الكربونيــة يف املنطقــة بأكثــر مــن (‪ )10%‬مــن اإلســهامات العامليــة‪،‬‬

‫وزراعــة (‪ )50‬مليــار شــجرة يف املنطقــة وفــق برنامــج يعــد أكبــر‬ ‫برامــج زراعــة األشــجار يف العالــم‪ ،‬ويســاهم يف حتقيــق نســبة (‪)5%‬‬ ‫مــن املســتهدف العاملــي للتشــجير‪،‬‬ ‫ونهــدف اليــوم يف هــذه القمــة أن نعمــل ســوياً لوضــع خارطــة‬ ‫طريــق إقليميــة‪ ،‬ومنهجيــة عمــل لتمكــن حتقيــق هــذه املســتهدفات‬ ‫الطموحــة‪.‬‬ ‫احلضور الكرام‪،‬‬ ‫تؤمــن اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬أن مصــادر الطاقــة التقليديــة كانــت‬ ‫أهــم األســباب لتحــول دول املنطقــة والعالــم مــن اقتصاديــات تقليديــة‬ ‫إلــى اقتصاديــات فاعلــة عامليــاً‪ُ ،‬‬ ‫واحملــرك والدافــع الرئيســي نحــو‬ ‫أســرع منــو اقتصــادي عرفتــه البشــرية علــى اإلطــالق‪.‬‬ ‫إننــا اليــوم ندشــن حقبــة خضــراء جديــدة للمنطقــة‪ ،‬نقودهــا ونقطــف‬ ‫ثمارهــا ســوياً‪ ،‬إميان ـاً منــا أن آثــار التغ ّيــر املناخــي ال تقتصــر علــى‬ ‫البيئــة الطبيعيــة فقــط‪ ،‬بــل تشــمل االقتصــاد واألمــن‪ ،‬ومــع ذلــك‪،‬‬ ‫نحــن نعــي أن التغ ّيــر املناخــي هــو فرصــة اقتصاديــة لألفــراد وللقطاع‬ ‫اخلــاص‪ ،‬والتــي ســتحفزها مبــادرة الشــرق األوســط األخضــر‪ ،‬خللــق‬ ‫وظائــف نوعيــة وتعزيــز االبتــكار يف املنطقــة‪.‬‬


‫العــدد‬ ‫‪167‬‬ ‫العــدد ‪156‬‬ ‫نوفمبـــــر‬ ‫‪2021‬‬ ‫ديــسمبــر ‪2020‬‬

‫‪www.araa.sa‬‬

‫‪5‬‬

‫"البريكس ــت "‪،‬ال ــذي اعتبرت ــه دول االحت ــاد عل ــى حس ــابها وخص ًم ــا‬

‫والص ــن ‪ ،‬فق ــد مت توقي ــع ‪ 35‬اتفاقي ــة جت ــاوزت قيمته ــا ‪ 28‬ملي ــار‬

‫م ــن رصيده ــا‪ ،‬لذل ــك ب ــدأ يعل ــو الص ــوت األوروب ــي بض ــرورة تبن ــي‬

‫دوالر قب ــل عام ــن‪.‬‬

‫إيجــاد قــوة مســتقلة بعيـدًا عــن حلــف "الناتــو" وارتفعــت هــذه النبــرة‬

‫وعل ــى جان ــب مه ــم ‪ ،‬ف ــإن مواق ــف اململك ــة العربي ــة الس ــعودية‬

‫م ــع ش ــكوك أوروبي ــة يف س ــلوك بريطاني ــا‪ ،‬وع ــزز ه ــذه الش ــكوك م ــا‬

‫واضح ــة م ــن األح ــالف الت ــي ب ــدأت تطف ــو عل ــى س ــطح العالق ــات‬

‫ردده الرئيــس األمريكــي الســابق دونالــد ترامــب جتــاه املســاهمات‬

‫الدولي ــة يف فت ــرة م ــا بع ــد احل ــرب العاملي ــة الثاني ــة‪ ،‬وظه ــر ذل ــك‬

‫األوروبي ــة يف النات ــو والت ــي يراه ــا غي ــر مناس ــبة‪ ،‬ث ــم ج ــاء اإلع ــالن‬

‫يف رفضهـــا حللـــف بغـــداد الـــذي دعـــت إليـــه أمريـــكا يف أكتوبـــر‬

‫ع ــن حتال ــف "أوك ــوس" يف ش ــهر س ــبتمبر املاض ــي ال ــذي اعتبرت ــه‬

‫ع ــام ‪1951‬م‪ ،‬وق ــد أعلن ــت اململك ــة من ــذ البداي ــة رفضه ــا لسياس ــة‬

‫فرنســـا طعنـــة مـــن اخللـــف‪ ،‬مـــا يزيـــد مـــن التوتـــر بـــن ضفتـــي‬

‫األح ــالف م ــع الغ ــرب‪ ،‬وأك ــدت أن سياس ــتها اخلارجي ــة قائم ــة عل ــى‬

‫األطلســي‪ ،‬الــذي تبــدو دولــه ليســوا يف موقــف موحــد مــع الواليــات‬

‫مبدأي ــن أساس ــين هم ــا‪ :‬التضام ــن العرب ــي ذو الطاب ــع اإلس ــالمي‪،‬‬

‫املتحــدة حيــال الصــن وال يبادلــون واشــنطن املخــاوف نفســها جتــاه‬

‫واحليــاد وهــذا مــا أعلنــه األميــر فيصــل بــن عبــد العزيــز ولــي العهــد‬

‫بك ــن ألس ــباب اقتصادي ــة‪ ،‬وزي ــادة التب ــادل التج ــاري ب ــن الطرف ــن‬

‫ووزي ــر اخلارجي ــة آن ــذاك يف مع ــرض رده عل ــى الدع ــوة األمريكي ــة‬

‫مـــا جعـــل أمريـــكا تشـــك يف االعتمـــاد علـــى حلـــف الناتـــو يف أي‬

‫لالنضمــام إلــى حلــف بغــداد وقــال "إن احليــاد هــو إحــدى الدعامــات‬

‫مواجه ــات عس ــكرية يف املس ــتقبل لذل ــك جل ــأت إل ــى تغيي ــر وجهته ــا‬

‫التــي ترتكــز عليهــا سياســة اململكــة العربيــة الســعودية‪ ،‬ونحــن نأمــل‬

‫إلـــى منطقـــة الباســـيفيك واحمليطـــن الهـــادئ والهنـــدي ملواجهـــة‬

‫أن يتحق ــق بالنس ــبة للش ــرق األوس ــط بأس ــره"‬

‫الص ــن بحلف ــاء ج ــدد ويف منطق ــة الص ــراع القريب ــة م ــن الص ــن‬ ‫وم ــن هن ــا ظه ــر حتال ــف "أوك ــوس" ‪.‬‬

‫وه ــذا م ــا تك ــرر جت ــاه مب ــادرة اس ــطنبول الت ــي مت إطالقه ــا م ــن‬ ‫العاصم ــة التركي ــة يف يوني ــو م ــن ع ــام ‪2004‬م‪ ،‬و كان هدفه ــا املعل ــن‬

‫وفيمــا يتعلــق بــدول مجلــس التعــاون اخلليجــي وهــذه املتغيــرات‪،‬‬

‫هــو املســاهمة يف األمــن علــى املــدى الطويــل علــى املســتوين العاملــي‬

‫فإنهـــا تريـــد أن تقيـــم عالقـــات متوازنـــة مـــع جميـــع األطـــراف‬

‫واإلقليم ــي م ــن خ ــالل ع ــرض تع ــاون عمل ــي يف مج ــال األم ــن ب ــن‬

‫تســـاعد علـــى حتقيـــق التنميـــة املســـتدامة‪ ،‬وتســـاهم يف تنفيـــذ‬

‫دول الشــرق األوســط املوســع والناتــو‪ ،‬ومــع ذلــك لــم توقــع الســعودية‬

‫ال ــرؤى واخلط ــط التنموي ــة واالقتصادي ــة بعي ــدة امل ــدى‪ ،‬واالس ــتفادة‬

‫وســلطنة عمــان علــى هــذه االتفاقيــة التــي انضمــت إليهــا ‪ 4‬دول مــن‬

‫م ــن توط ــن التكنولوجي ــا واقتص ــادات املعرف ــة‪ ،‬وحتقي ــق االس ــتقرار‬

‫دول مجل ــس التع ــاون الس ــت‪.‬‬

‫األمنـــي والتـــوازن العســـكري يف منطقـــة اخلليـــج وعـــدم التصعيـــد‬

‫كل ه ــذه املؤش ــرات تؤك ــد وض ــوح السياس ــة اخلارجي ــة للمملك ــة‬

‫وتخفيـــض حـــدة ســـباق التســـلح‪ ،‬وإخـــالء املنطقـــة مـــن الســـالح‬

‫التــي تنــأى بنفســها عــن التحالفــات ســواء علــى املســتوى الدولــي أو‬

‫الن ــووي‪ ،‬وأن حتاف ــظ عل ــى مس ــتوى عالقته ــا م ــع الوالي ــات املتح ــدة‬

‫اإلقليم ــي وكذل ــك رفضه ــا لسياس ــة احمل ــاور‪ ،‬وتظ ــل داعم ــة للس ــالم‬

‫األمريكيــة التــي ترتبــط معهــا بعالقــات تاريخيــة واســتراتيجية‪ ،‬وال‬

‫الدول ــي واإلقليم ــي ورف ــض س ــباق التس ــلح وتدع ــو دائ ًم ــا وبثب ــات‬

‫تريــد اســتبدال قــوة بقــوة أخــرى بقــدر مــا تريــد عــدم جــر املنطقــة‬

‫إل ــى ض ــرورة إخ ــالء املنطق ــة م ــن أس ــلحة الدم ــار الش ــامل وتراه ــن‬

‫إلـــى االســـتقطاب‪ ،‬ويف املقابـــل حتتفـــظ دول مجلـــس التعـــاون‬

‫عل ــى الق ــوة الذاتي ــة م ــع الق ــوة اجلماعي ــة ل ــدول مجل ــس التع ــاون‬

‫اخلليج ــي بعالق ــات اقتصادي ــة وتب ــادل جت ــاري كبي ــر م ــع الص ــن‬

‫اخلليجـــي والتـــي مـــن أجلهـــا تأسســـت قـــوة درع اجلزيـــرة‪ ،‬كمـــا‬

‫حي ــث يبل ــغ إجمال ــي حج ــم التب ــادل التج ــاري ب ــن اجلانب ــن أكث ــر‬

‫أنه ــا تع ــزز تعاونه ــا العرب ــي واإلس ــالمي ملواجه ــة اإلره ــاب وإع ــالن‬

‫مــن ‪ 180‬مليــار دوالر حســب إحصائيــات العــام قبــل املاضــي لتكــون‬

‫احلــرب عليــه‪ ،‬أو مناصــرة الشــرعية املنســجمة مــع القانــون الدولــي‬

‫الش ــريك التج ــاري األول ل ــدول املجل ــس‪ ،‬كم ــا تس ــتورد الص ــن م ــن‬

‫كم ــا ه ــو احل ــال ملناص ــرة الش ــرعية يف اليم ــن‪.‬‬

‫دول مجل ــس التع ــاون أكث ــر من‪%32‬م ــن احتياجاته ــا النفطي ــة‪ ،‬وعل ــى‬ ‫مســـتوى العالقـــات االقتصاديـــة بـــن اململكـــة العربيـــة الســـعودية‬

‫*رﺋﻴﺲ ﻣﺮﻛﺰ اﻟﺨﻠﻴﺞ ﻟﻸﺑﺤﺎث‬


‫حول الخليج‬ ‫‪4‬‬

‫العــدد ‪156‬‬ ‫‪167‬‬ ‫ديــسمبــر ‪2020‬‬ ‫نوفمبـــــر‬ ‫‪2021‬‬

‫افـتتــاحــية ال ـعـدد‬

‫‪www.araa.sa‬‬ ‫‪www.araa.sa‬‬

‫دول الخليج والحياد اإليجابي‬ ‫تفاعـــل العالـــم مـــع اإلعـــالن عـــن تشـــكيل حتالـــف ثالثـــي بـــن‬ ‫الوالي ــات املتح ــدة األمريكي ــة‪ ،‬واململك ــة املتح ــدة‪ ،‬وأس ــتراليا وكان ــت‬ ‫النتيج ــة الس ــريعة له ــذا التحال ــف ه ــو تخل ــي أس ــتراليا ع ــن التعاق ــد‬ ‫م ــع فرنس ــا ح ــول ش ــراء مجموع ــة غواص ــات يص ــل ثمنه ــم إل ــى ‪90‬‬ ‫مليــار دوالر‪ ،‬واســتبدال هــذه الصفقــة بأخــرى مــع واشــنطن للحصــول‬ ‫عل ــى غواص ــات متط ــورة تعم ــل بالوق ــود الن ــووي وحتم ــل مواصف ــات‬ ‫أكثـــر حداثـــة وقـــادرة علـــى البقـــاء مـــدة أطـــول حتـــت املـــاء دون‬ ‫رصدهــا مــن اجليــوش املعاديــة‪ ،‬مــا اعتبــره البعــض حتــول يف سياســة‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬

‫واشـــنطن ولنـــدن حيـــال الصـــراع مـــع الصـــن مـــن ناحيـــة‪ ،‬وجتـــاه‬

‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫حلــف شــمال األطلنطــي مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬مــع اجتــرار التصريحــات‬ ‫واملواق ــف الس ــابقة لرؤس ــاء فرنس ــا وأمري ــكا الت ــي حمل ــت تراشـ ـ ًقا‬ ‫ح ــول اتهام ــات أمريكي ــة لش ــركاء األطلس ــي‪ ،‬مقاب ــل ســـعي أوروب ــا‬ ‫ً‬ ‫خاص ــا به ــا للدف ــاع ع ــن الق ــارة يف إش ــارة إل ــى‬ ‫جيش ــا‬ ‫ك ــي تنش ــئ‬ ‫ً‬ ‫إمكاني ــة االس ــتغناء ع ــن حل ــف ش ــمال األطلس ــي ال ــذي تش ــكل عق ــب‬ ‫ذراعـــا للقـــوى املنتصـــرة‬ ‫انتهـــاء احلـــرب العامليـــة الثانيـــة باعتبـــاره‬ ‫ً‬ ‫عل ــى جانب ــي األطلس ــي‪ ،‬م ــا دع ــا الكتل ــة الش ــرقية يف حين ــه بزعام ــة‬ ‫االحت ــاد الس ــوفيتي إل ــى اإلع ــالن ع ــن قي ــام حل ــف وارس ــو‪ ،‬وم ــن ث ــم‬ ‫بـــدأت احلـــرب البـــاردة بـــن الكتلتـــن األكبـــر يف العالـــم واســـتمرت‬ ‫حت ــى تف ــكك االحت ــاد الس ــوفيتي وه ــدم س ــور برل ــن ال ــذي كان إيذا ًن ــا‬ ‫بانته ــاء الص ــراع ب ــن الكتلت ــن ‪،‬ومتكن ــت الكتل ــة الغربي ــة م ــن إش ــهار‬ ‫س ــيطرتها خاص ــة بع ــد ح ــرب اخللي ــج الثاني ــة وإنه ــاء الغ ــزو العراق ــي‬ ‫لدول ــة الكوي ــت‪.‬‬ ‫وم ــع بداي ــة األلفي ــة الثالث ــة ظه ــرت ب ــوادر ع ــودة احل ــرب الب ــاردة‬ ‫مج ــد ًدا وإن تغي ــر أطرافه ــا‪ ،‬حي ــث دخل ــت الص ــن ب ـ ً‬ ‫ـدال م ــن االحت ــاد‬ ‫الس ــوفيتي عل ــى خ ــط املواجه ــة م ــع الوالي ــات املتح ــدة‪ ،‬والح تق ــارب‬ ‫بــن موســكو وبكــن‪ ،‬بينمــا بــدا ثمــة تباعــد بــن أعضــاء حلــف شــمال‬ ‫األطلســـي وزيـــادة هـــوة التباعـــد بـــن ضفتـــي األطلســـي‪ ،‬وإن ظهـــر‬ ‫تق ــارب ب ــن بريطاني ــا وأمري ــكا أي التق ــارب االجنل ــوـ سكس ــوني بع ــد‬


‫ملف العدد‬

‫د‪ .‬أحمد يوسف أحمد‬ ‫د‪ .‬يسري أبو شادي‬ ‫د‪ .‬مصطفى صايج‬ ‫د‪ .‬طالل صالح بنّان‬ ‫د‪ .‬محمد مجاهد الزيات‬ ‫د‪ .‬ظافر محمد العجمي‬ ‫د‪ .‬الصادق الفقيه‬ ‫د‪ .‬هيله حمد المكيمي‬ ‫د‪ .‬إن جاناردان‬ ‫د‪ .‬صدقة بن يحيى فاضل‬ ‫د‪ .‬أشرف محمد كشك‬ ‫لواء د‪ .‬محمد عالم سيد‬ ‫د‪ .‬نوزاد عبدالرحمن الهيتي‬ ‫د‪ .‬نورهان الشيخ‬ ‫د‪ .‬كريستيان كوخ‬ ‫د‪ .‬غانم علوان الجميي‬ ‫جالل نصار‬ ‫د‪ .‬محمد عباس ناجي‬ ‫د‪ .‬محمد لعقاب‬ ‫غنية عكازي‬ ‫تيكواج فيتر‬ ‫د‪ .‬راسموس جدسو بيرتلسن‬ ‫د‪ .‬عبدالله باحجاج‬

‫هذا العدد‬ ‫‪30www.araa.sa‬‬ ‫‪35‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪51‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪67‬‬ ‫‪73‬‬ ‫‪77‬‬ ‫‪81‬‬ ‫‪87‬‬ ‫‪94‬‬ ‫‪100‬‬ ‫‪106‬‬ ‫‪110‬‬ ‫‪115‬‬ ‫‪121‬‬ ‫‪126‬‬ ‫‪131‬‬ ‫‪135‬‬ ‫‪138‬‬ ‫‪142‬‬

‫إصدارات‬

‫‪147‬‬

‫العقود التجارية وعمليات البنوك يف المملكة العربية السعودية‬ ‫آراء حول الخليج‪ :‬جدة‬

‫هــذا العــدد الماثــل بيــن أيــدي القــراء يحمــل الرقــم (‪ )167‬مــن سلســلة إصــدار مجلــة (آراء‬ ‫العــدد ‪167‬‬ ‫‪ 3‬العالــم بصفــة عامــة‪ ،‬ويف‬ ‫للنقــاش يف‬ ‫المطروحــة‬ ‫حــول الخليــج)‪ ،‬تنــاول العديــد مــن القضايــانوفمبـــــر‬ ‫‪2021‬‬ ‫منطقــة الخليــج عــى وجــه الخصــوص‪ ،‬وتنــاول متابعــة لمنتــدى الســعودية الخضــراء‪ ،‬وقمــة‬ ‫الشــباب األخضــر‪ ،‬وقمــة مبــادرة الشــرق األوســط األخضــر التــي اســتضافتها الريــاض قبــل‬ ‫انتهــاء شــهر أكتوبــر الماضــي‪ ،‬مــع تقديــم قــراءة لكلمــة ســمو يل العهــد صاحــب الســمو الملكــي‬ ‫األميــر محمــد بــن ســلمان حــول هــذا الحــدث الوطنــي واإلقليمــي المهــم ومــا قــد يــؤدي إىل مــن‬ ‫خطــوات فعالــة لمواجهــة تغيــر المنــاخ والتقليــل مــن االنبعاثــات الكربونيــة‪.‬‬ ‫وجــاء الملــف الرئيــس لهــذا العــدد حــول (اتفــاق الشــراكة "أوكــوس" وتأثيــره عــى‬ ‫التحالفــات العالميــة ومنطقــة الخليــج)‪ ،‬وقــد جــاءت الدراســات والمقــاالت لمتخصصيــن يف‬ ‫الشــؤون العســكرية والنوويــة والعالقــات الدوليــة والعلــوم السياســية ‪ ،‬وجــاءت مشــاركات‬ ‫تمثــل وجهــة نظــر فرنســا ـ تلــك الدولــة التــي تضــررت بشــكل مباشــر مــن تراجــع أســتراليا عــن‬ ‫صفقــة الغواصــات ـ بعــد دخــول أمريــكا وبريطانيــا عــى الخــط بهــذه االتفــاق الجديــد وتحــول‬ ‫أســتراليا مــن الغواصــات التقليديــة الفرنســية إىل الغواصــات النوويــة األمريكيــة ـ البريطانيــة‬ ‫وتأثيــر ذلــك عــى التوازنــات العســكرية وعــى حلــف شــمال األطلســي‪ ،‬بــل ومســتقبله ‪.‬‬ ‫يــرى خبــراء السياســة والعالقــات الدوليــة أن تحالــف "أوكــوس " هــو خطــوة أمريكيــة‬ ‫تهــدف إىل محاصــرة الصيــن وإضعــاف نفوذهــا يف منطقــة الباســيفيك والمحيطيــن الهنــدي‬ ‫والهــادي‪ ،‬وأن أمريــكا تحشــد مواجهــة جماعيــة لمواجهــة الصيــن بـ ً‬ ‫ـدال مــن المواجهــة األحاديــة‬ ‫لمجــاراة التطــورات الدوليــة‪ ،‬حيــث تتفــوق الصيــن بشــكل متســارع مــا يجعــل أمريــكا غيــر‬ ‫قــادرة بمفردهــا عــى مواجهــة زحــف الصيــن إىل ســدة العالــم‪ ،‬وكذلــك غيــر قــادرة عــى‬ ‫اســتعداء التحالــف القديــم "الناتــو" ضــد الصيــن حيــث ترتبــط دول االتحــاد األوروبــي بمصالــح‬ ‫اقتصاديــة مــع الصيــن وســقوط األيدولوجيــات القديمــة‪ ،‬وكذلــك يف ظــل التقــارب الروســي ـ‬ ‫الصينــي بخطــى متزايــدة‪.‬‬ ‫يعتقــد خبــراء العســكرية‪ ،‬أن الواليــات المتحــدة ال تســتطيع اإلقــدام عــى مواجهــة‬ ‫عســكرية مــع الصيــن‪ ،‬وإنمــا تســتطيع احتــواء بكيــن ووضــع عقبــات أمــام مبــادرة الحــزام‬ ‫والطريــق حتــى ال يتمــدد نفــوذ الصيــن‪ ،‬وحتــى ال تســتطيع بكيــن الســيطرة عــى طــرق‬ ‫التجــارة العالميــة ومــد جســور اقتصاديــة وعســكرية وسياســية مــع دول العالــم األخــرى‪.‬‬ ‫ويرجــح خبــراء االقتصــاد أن تنامــي االقتصــاد الصينــي واختــراق األســواق العالميــة يتطلب‬ ‫إيجــاد تكتــالت اقتصاديــة تواجــه هــذا التمــدد الــذي يتقــدم بســرعة تجــاه قارتــي أوروبــا‬ ‫وإفريقيــا ومحاصــرة النفــوذ األمريكــي يف هــذه المناطــق‪ ،‬وهــؤالء يــرون أن أمريــكا تخطــط‬ ‫لنقــل المواجهــة إىل حــدود الصيــن نفســها وإشــغالها بالحصــار الــذي يأتيهــا مــن دول الجــوار‪.‬‬ ‫فريــق مــن الباحثيــن تــوىل قــراءة وتحليــل تأثيــر تحالــف أوكــوس عــى منطقــة الشــرق‬ ‫األوســط بصفــة عامــة‪ ،‬ومنطقــة الخليــج بصفــة خاصــة‪ ،‬ويف المجمــل يــرى هــؤالء أن منطقــة‬ ‫الخليــج لديهــا عالقــات اقتصاديــة مهمــة ومتناميــة مــع الصيــن‪ ،‬ويف الوقــت نفســه لديهــا‬ ‫عالقــات عســكرية وأمنيــة وعالقــات اســتراتيجية مــع الواليــات المتحــدة األمريكيــة مــا يجعلهــا‬ ‫تفضــل االســتقالل يف القــرار وعــدم االنحيــاز ألي مــن الــدول الكبــرى المتصارعــة عــى قمــة‬ ‫العالــم‪ ،‬ودعــت أصــوات خليجيــة إىل ضــرورة االعتمــاد عــى الــذات يف المرحلــة المقبلــة عبــر‬ ‫وحــدة خليجيــة حقيقيــة ســواء يف النواحــي العســكرية ‪ ،‬أو توحيــد التوجهــات السياســية‬ ‫لتكــون دول مجلــس التعــاون الخليجــي بعي ـ ًدا عــن االســتقطاب وتحتفــظ لنفســها باســتقالل‬ ‫قرارهــا‪.‬‬

‫محاور العدد المقبل‬ ‫وقفة‬

‫‪148‬‬

‫معرض كتاب الرياض واالنتماء للجذور‬ ‫جمال أمين همام‬

‫اإلسهامات‬ ‫٭ ترحــب مجلــة «آراء حــول اخلليــج» بإســهامات الكتــاب والباحثــني يف الشــؤون اخلليجيــة يف‬ ‫املجــاالت السياســية واالقتصاديــة واالجتماعيــة والدفاعيــة واألمنيــة‪.‬‬ ‫٭ المجلة غير ملتزمة بإعادة أي مادة تتلقاها للنشر‪.‬‬ ‫٭ جميع حقوق الترجمة والنشر محفوظة لمركز الخليج لألبحاث ‪.٢٠٠8‬‬ ‫٭ ال يســمح بإعــادة نشــر المــواد المنشــورة فــي المجلــة دون الحصــول علــى إذن خطــي مســبق مــن‬ ‫مركــز الخليــج لألبحــاث‪.‬‬ ‫٭ آراء الكتاب تعبر عن أصحابها وال تعبر بالضرورة عن اتجاهات يتبناها مركز الخليج أو مجلة آراء‪.‬‬

‫يتنــاول العــدد المقبــل رقــم (‪ )168‬مــن سلســلة إصــدارات المجلــة والــذي ســيصدر بمشــيئة اللــه‬ ‫تعــاىل مطلــع شــهر ديســمبر المقبــل‪ ،‬يف الملــف الرئيســي (الثقافــة واإلبــداع يف دول مجلــس‬ ‫التعــاون الخليجــي‪ :‬الجــذور والتطويــر)‪ ،‬وتضــع المجلــة شــروط الكتابــة والتــي تتمثــل فيمــا‬ ‫يــي‪:‬‬ ‫ــ ال ٌيلتفت للمقاالت التي تصل المجلة دون تنسيق مسبق وتحديد محور المقال‪.‬‬ ‫ــ االلتزام بإرسال المقاالت والدراسات يف موعد أقصاه العشرين من كل شهر‪.‬‬ ‫ــ ال يزيد عدد الكلمات عن ‪ 2500‬كلمة للمقال‪ ،‬وال يقل عن ‪ 2000‬كلمة‪.‬‬ ‫ــ المجلة غير ملزمة بنشر كل ما يصلها من مقاالت‪.‬‬ ‫ــــ مراعــاة الكتابــة بلغــة عربيــة ســليمة وليــس باللهجــات المحليــة‪ ،‬مــع االهتمــام بالجــودة ولــن‬ ‫يلتفــت للمقــاالت التــي ال تلتــزم بالجــودة‪ ،‬والمنقولــة مــن مواقــع االنترنــت‪.‬‬ ‫ــ المقاالت تعبر عن رأي كاتبها وليست بالضرورة أن تعبر عن رأي المجلة‪.‬‬ ‫ـــ احترام ثوابت المجتمع والمعتقدات الدينية واألخالقيات العامة‪.‬‬


‫افتتاحية العدد‬ ‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪2‬‬

‫مجلة شهرية تصدر عن‬ ‫مركز اخلليج لألبحاث‬ ‫تعنى بالشؤون اخلليجية‬ ‫رئيس التحرير‬

‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫‪4‬‬

‫دول الخليج والحياد اإليجابي‬ ‫‪www.araa.sa‬‬ ‫د‪ .‬عبد العزيز بن عثمان بن صقر‬

‫متابعات خليجية‬

‫‪6‬‬

‫ســـمو ويل العهـــد األميـــر محمـــد بـــن ســـلمان أمـــام قمـــة الشـــرق‬ ‫األوســـط األخضـــر‪:‬‬ ‫‪ 50‬مليار شجرة يف المنطقة لمواجهة التغير المناخي واالنبعاثات‬

‫مدير التحرير‬

‫جمال أمني همام‬ ‫سكرتير التحرير‬

‫سليمان مارديني‬ ‫التصميم الفني‬

‫هند منصور احلازمي‬

‫الهيئة االستشارية‬

‫أ‪.‬د‪ .‬صالح بن محمد اخلثالن‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬باقر سلمان النجار‬ ‫د‪ .‬فاطمة الشامسي‬ ‫د‪ .‬هيله حمد املكيمي‬ ‫د‪ .‬عهود بنت سعيد البلوشي‬ ‫د‪ .‬خالد اجلابر‬ ‫الطباعة‬ ‫متت الطباعة يف مؤسسة‬ ‫املدينة للصحافة والطباعة والنشر‬

‫‪9‬‬

‫التحدي اإليراني وأمن دول مجلس التعاون‬ ‫د‪ .‬عبد الله بن عبد المحسن العساف‬

‫دراسة العدد‬

‫‪17‬‬

‫"أوكـــوس" تدفـــع منطقـــة المحيطيـــن الهنـــدي والهـــادئ نحـــو‬ ‫االضطـــراب وعـــدم اليقيـــن‬ ‫د‪ .‬تلميذ أحمد‬

‫قضية العدد‬

‫‪24‬‬

‫حـــرب بـــاردة بحريـــة يف المحيطيـــن الهنـــدي والهـــادئ ألهميـــة‬ ‫المنطقـــة والنـــزاع عـــى الجـــزر‬ ‫السفير‪ /‬محمد العرابي‬

‫اإلعالنات واملراسالت‬ ‫لإلعالن يف املجلة ميكن االتصال بقسم اإلعالن والتسويق على العنوان التالي‪:‬‬ ‫البريد االلكتروني‪info@araa.sa :‬‬ ‫توجه جميع املراسالت إلى مجلة «آراء حول اخلليج» على العنوان التالي‪:‬‬ ‫‪ 1٩‬شارع راية االحتاد‬ ‫ص‪.‬ب‪ 1٠٥٠1 .‬جدة ‪ ٢1٤٤٣‬اململكة العربية السعودية‬ ‫هاتف‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥11٩٩٩:‬‬ ‫فاكس‪+٩٦٦ 1٢ ٦٥٣1٣٧٥ :‬‬ ‫البريد اإللكتروني‪info@araa.sa :‬‬

‫ثمن النسخة‬ ‫اململكة العربية السعودية‪ ٣٥ :‬ري ـ ــا ًال‬ ‫درهما‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‪٣٥ :‬‬ ‫ً‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫مملكة البحرين‪:‬‬ ‫دولة قطر‪:‬‬ ‫‪ ٣٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٣٫٥‬دينا ًرا‬ ‫دولة الكويت‪:‬‬ ‫سلطنة عمان‪:‬‬ ‫‪ ٣٫٥‬ري ـ ـ ــا ًال‬ ‫‪ ٤٫٥‬ديـنــا ًرا‬ ‫األردن‪:‬‬

‫االشتراك السنوي‬ ‫الدول العربية‪:‬‬ ‫الدول األوروبية‪:‬‬ ‫بقية دول العالم‪:‬‬

‫‪ 1٠٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 11٠‬دوال ًرا‬ ‫‪ 1٢٠‬دوال ًرا‬

‫يرسل طلب االشتراك إلى عنوان املجلة‬ ‫مــع حوالــة مصرفيــة أو شــيك بقيمــة‬ ‫االشــتراك باســم مركز اخلليج لألبحاث‬


‫‪www.araa.sa‬‬ ‫‪www.araa.sa‬‬

‫العــدد ‪146‬‬ ‫فــبـــرايــر ‪2020‬‬ ‫العــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبـــــر ‪2021‬‬

‫‪1‬‬

‫‪1‬‬


WWW.GRC.NET

@Gulf_Research

Gulfresearchcenter

gulfresearchcenter


‫اﻟﺼﻴﻦ‬

‫العــــــدد ‪167‬‬ ‫نوفمبــــــــــــر ‪2021‬‬

‫األمير محمد بن سلمان‪:‬‬ ‫‪ 50‬مليار شـجرة لمواجهة‬ ‫تغيـر المنـاخ وتقليـل‬ ‫االنبعاثـات‬ ‫د‪ .‬عبد الله العساف‪:‬‬ ‫تفاهم السعودية وإيران‬ ‫أقل كلفة وأكثر فائدة للبلدين‬

‫اﺳﺘﺮاﻟﻴﺎ‬

‫ملف العدد‬ ‫اتفـــاق "أوكوس" وتأثيره عى التحالفات العالمية ومنطقة الخليج‬ ‫▀ الش ــرق األوس ــط مطال ــب باالس ــتعداد للتعام ــل م ــع متغي ــرات م ــا بع ــد اتفاقي ــة "أوك ــوس"‬ ‫▀ االتف ــاق يمه ــد لتح ــركات كب ــرى وع ــى المنطق ــة االس ــتعداد للتعام ــل م ــع المتغي ــرات‬ ‫▀ الغواصـــات تعمـــل يف عمـــق ‪280‬متـــ ًرا بمفاعـــل ‪ 210‬ميجـــاوات وســـرعتها ‪46‬كـــم‪ /‬س‬ ‫▀ خمس ــة اعتب ــارات تمن ــع الص ــدام وتض ــع احت ــواء الصي ــن بخي ــارات عقالني ــة وواقعي ــة‬ ‫▀ "االتف ــاق" ل ــن يؤث ــر ع ــى التع ــاون الخليج ــي ـ الصين ــي ومصلح ــة الجانبي ــن يف الصم ــود‬ ‫▀ االس ــتراتيجية األمريكي ــة‪ :‬اس ــتخدام تركي ــا وإي ــران لتعطي ــل التم ــدد الصين ــي ـ الروس ــي‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.