مدينة الظلال البيضاء الكاتب انور رحماني

Page 1

‫أنور رحماني‬

‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫رواية‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪2‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫الكاتب أنور رحماني‬ ‫‪EMAIL‬‬ ‫‪anouarovic@gmail.com‬‬

‫‪FACEBOOK‬‬ ‫‪Anouar Rahmani‬‬

‫يمكن طباعة هذه الرواية أو مناقشتها‬ ‫بترخيص من كاتبها بشرط االشعار المسبق‪.‬‬ ‫شخوص هذه الرواية غير حقيقية‬

‫‪3‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪4‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫اهداء‬ ‫الى جان بيار الذي يتكرر في‬ ‫نسخ اخرى‬ ‫و الى جان سيناك الشاعر‬ ‫الذي لم اقرا له ككل‬ ‫الجزائريين‬

‫‪5‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪6‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫هل لي ايتها المدينة التي تعيش بداخلي و تبعتني‬ ‫في كل مكان ذهبت اليه و محت ظلي و‬ ‫استوطنته ان احادثك كصديق قديم لطالما كان و‬ ‫سيكون وفيا لكي‪ ،‬فال احدا سيفهمني اكثر منك‬ ‫انت من يعرفني اكثر من امي و انت وحدك‬ ‫تعرفنني من اخمص اقدامي الى موتي المسطر‬ ‫فيك ‪.‬‬ ‫هل لي ان ارسل من خاللك رسالة الوجود كأني‬ ‫هنا‪ ،‬و كأني في كل مكان رسالة منا نحن اللذين‬ ‫ال وطن لنا الى أالئك الذين كل االوطان لهم‪ ،‬ها‬ ‫نحن ذا نتنفس نفس الهواء نشرب نفس الماء و‬ ‫نعيش على نفس االرض و كل ما يفرقنا هو الوطن‬

‫انور رحماني‬ ‫‪7‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪8‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫الفصول‬ ‫مرقد الريح‬ ‫شجرة عيد الميالد‬ ‫موسم البرتقال‬ ‫الحرية للمالك‬ ‫همسة في أذن القمر‬ ‫ابي يعود من الشرفة‬ ‫العنكبوت تأكل االطفال‬ ‫لقائي مع اهلل‬ ‫رقصت فوق االثداء‬ ‫قيامة الريح‬

‫‪9‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪10‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫‪1‬‬

‫مرقد الريح‬ ‫تحملني ذكرياتي التائهة و التي افر معها الى الضباب و انا الامس‬ ‫هذه الشجرة العتيقة الى ابعد نقطة بداخلي ‪ ،‬حيث يتربع املاض ي‬ ‫متشبثا بمخالبه بكل أجزائي‪ ،‬مبحرا في الشرود‪ ،‬يتسول الوقت‬ ‫مني لحظة‪ ،‬فال اهديها إال لهذا الشعور ألازلي‪ .‬و لكني اعاود الكرة‬ ‫الامس هذه الشجرة الكبررة املصووةة هصا‪ ،‬كتذكار ابدي لعالم‬ ‫يشتاق لبذرة فال يرى سوى التراب ‪ ،‬احضنها بقوة ‪،‬اجعلها تتحمل‬ ‫جسمي الهالك‪ ،‬املتشابك مع نفسه الذي يبدو انه قد حمل مع‬ ‫الريح الى هصا ‪،‬الى هذه املديصة البيضاء املرصوفة على رصيف‬ ‫امليصاء الحاضن للبحر الابيض املتوسط ‪ ،‬بعجالة تصطفئ حاناتها‬ ‫على جمرة لهيبي ‪ ،‬و تسافر في هوائها املالئكي ‪،‬و تراقص فيها‬ ‫الشيطان البريء الذي طاملا قاده وجودنا البشري الى الجصون‪ ،‬و‬ ‫كما قاطعصا حياة الشيطان تقاطعني بال خجل هذه الشجرة‬

‫‪11‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫املصووةة هصا‪ ،‬تكحل عيني بدمع بائس ‪ ،‬تصاشدني في ان احضنها‬ ‫بقوة و ان ابكي ‪.‬‬ ‫هصا بحديقة التجارب بالحامة‪ ،‬يستوقفني مصظر الطفل الوغرر‬ ‫يأكل غزل البصات لحية بابا ‪ ،‬يذكرني بطفولتي التي مر عليها قطار‬ ‫الزمن ‪ ،‬و يا ليتني انبش الغبار عنها فألبسها كما خلعت مني‪ ،‬و‬ ‫كذلك تلك الفتاة التي تلعب على دراجتها الوردية‪ ،‬دراجتي و انا‬ ‫صغرر كانت وردية كذلك‪ ،‬و لكنها كانت اجمل و كانت عليها سلة‬ ‫اضع فيها دبدوبي الوغرر ‪ ،‬اردت بقوة ان اسرقها منها‪ ،‬و لكن‬ ‫جسمي كان اكبر من الجلوس عليها‪ ،‬فتصكرت لها و تشبثت بدراجتي‬ ‫املطوية في خزانة الذاكرة‪ ،‬كما طوت امي اخر مرة قميص ي‬ ‫الابيض قبل ان تموت‪.‬‬ ‫مررنا من هصا من هذه البقعة الخضراء ‪،‬كجوهرة غابية تزين رقبة‬ ‫العروس الفاتصة في زيها الابيض‪ ،‬العروس التي تطفو فوق بركة من‬ ‫املاء‪ ،‬و ال يجعلها تطفو كذلك سوى تلك الذاكرة الرائعة التي‬ ‫نسجصاها معا انا و هي‪.‬‬ ‫الجي املديصة التي عاهد بها هللا انبيائه‪ ،‬و حذر منها شيطانه و‬ ‫الكفار‪ ،‬انها التالقي برن الجصة و الصار‪ ،‬و هي كذلك املديصة التي‬ ‫‪12‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تشققت فوق ترةتها السماء‪ ،‬و انبتت ياسميصا يتدلى من الجدران‪،‬‬ ‫يحكي مع اقواسها الف حكاية و حكاية ‪،‬يصافس رائحة الحبق‬ ‫الذي بدوره يضع على رؤوسصا اكاليل الغار‪.‬‬ ‫لكل نبتة محبسها‪ ،‬و لكل فيصا مصبت‪ ،‬انه التراب الذي صصعصا مصه‬ ‫لصعود اليه‪ .‬انها الذكريات الخالدة التي نضعها في قلب كتاب‬ ‫مقدس‪ ،‬و نتركها للوحوش‪.‬لتحرسها الذكريات الخالدة ال تستحق‬ ‫مصا مجلدات لصكتبها‪ ،‬و ال تحتاج لكتب التاريخ‪ ،‬فهي ليست موقف‬ ‫رسمي‪،‬و ال حرب لتبقى‪ ،‬و لكني اعني بالذكريات الخالدة تلك‬ ‫املشاهد التي تتبعصا للقبور‪ ،‬فتشربها التربة من جثتصا لتسقي بها‬ ‫الزهور لتعود حية مع كل فراشة‪ ،‬مع كل نحلة‪ ،‬مع كل طرر‪ ،‬مع‬ ‫كل شجرة ‪،‬كهذه التي امامي الان‪،‬تذكرني بتعاستي‪ ،‬وحدتي‪ ،‬و‬ ‫رغما عنها تذكرني بأغلى لحظات حياتي مع حبيبي الضائع في رقم‬ ‫تسلسلي ال اعرف عدده بالضبط ‪،‬في عالم من الاموات الطهر‬ ‫يعيشون في مكان ما برن السماء و الارض‪ ،‬يقال‪:‬ان عددهم مليون‬ ‫و نوف املليون شهيد‪ ،‬و لكني ال اتذكر رقمه لكي اناديه؛ يكفيني‬ ‫احساس ي و اسمه البشري ألفعل ذلك‪ .‬انه يعيش بداخلي كحوت‬ ‫كبرر ‪،‬كحب اكبر ‪،‬و كشمس ال تض يء سوى على نقطة واحدة من‬ ‫كوكب وجداني انه هو‪ ،‬هو وحده يستحق ان يكون في بقعة‬ ‫‪13‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الضوء في حياتي الى الابد دون مصافسة من احد‪ ،‬انه هو من‬ ‫يستحق ان يعبد و ألجله احضن هذه الشجرة بقوة‪ ،‬و بكل شغف‪.‬‬ ‫اصوات كثررة بهذه الحديقة تقطع شرودي‪ ،‬و لكن بدورها تذكرني‬ ‫بكل الثواني الاروع في حياتي‪ ،‬و انا بدوري ممتن لووت تلك املرأة‬ ‫التي تصادي طفلها و هي تجري ورائه‪ ،‬تحاول التقاطه قبل ان‬ ‫يسقط في بركة البط و السمك الياباني‪ ،‬و تغازلني بكل لطف مريم‬ ‫العذراء‪ ،‬القدم السوداء التي لم ترحل بعد عن هذه الارض‪ ،‬و‬ ‫قررت املكوث فيها‪ ،‬لتهب سكانها صلوات املنسيرن لعلهم يشتاقون‬ ‫لخوانهم الفارين ‪ ،‬فيحضنهم الرةيع ثانية في محبس واحد كورود‬ ‫ذابلة يعيدها هللا ثانية الى الحياة‪.‬‬ ‫مازال هذا امللمس يطري جلدي‪ ،‬و يرمم الشقوق املاكثة على‬ ‫وجهي‪ ،‬و كأنه ماء انوب لرروي ارضا متعطشة من سصرن‪ ،‬او هذا‬ ‫الذي اشعر به و كأنه املاء املقدس الذي يعيد البشر للحياة بعد‬ ‫موتهم ‪ .‬ال اشعر بالعطش هصا بل اشعر بشهوة كبررة ألشرب ماء‬ ‫ذاكرتي بال هوادة‪ ،‬اتركه ينهمر على جسمي كشالل برن عرش هللا و‬ ‫املالئكة املصررة‪،‬ليصوب في عيني في دمعة او دمعترن ألتذكره‪.‬يا هللا‪،‬‬ ‫كم اشتقت له !‬

‫‪14‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تلك الشجرة اللعيصة ال تريد ان تقول شيئا‪ ،‬و لكنها الزالت تحمل‬ ‫حروف اسمصا في قلب مصحوت عليها‪ ،‬و بمجرد ان املسه يتفتت‬ ‫كياني‪ ،‬و تالحقني الصجوم الى وكر الخفافيش في مخيلتي ‪،‬فانفض‬ ‫عنها الغبار‪ ،‬و اترك الشموس تغرد بومت داخلها ‪،‬محدثة الصور‬ ‫العظيم‪ .‬و برن تلك اللعصة البادية على الشجرة تلك و برن انا‬ ‫امللعون بالفراق‪ ،‬اعشق تلك الشجرة اكثر من ذاتي‪ ،‬و اتمنى ان‬ ‫اكون حرفا عليها ألعيش الذكرى‪،‬و كأني هي و كما هي الان امامي‬ ‫‪،‬كشقوق امواج عاتية على الحور العتيق املصبثق من سكرات موت‬ ‫فضفاضة ‪،‬ال تريدني ان اموت‪ ،‬و لكنها تريدني شقا على جذع‬ ‫شجرة ‪،‬كما اريدني الان ‪،‬و لكنها ما تلبث ان تفعل ذلك إال و‬ ‫مصحتني بعض الوقت الشتاق اكثر‪ ،‬و ألتعذب اكثر دون رحمة او‬ ‫شفقة‪.‬‬ ‫فعصدما نسلب الخوف من املوت و نتمصاه ألخذنا‪ ،‬يبتسم هو لصا‪ .‬و‬ ‫يقرر ان يعطيصا خوفا اخر من الحياة ‪ ،‬فتصقلب الادوار في مسرح‬ ‫غرر قادر بان يفتح ستاره ثانية‪.‬‬ ‫تشدني رائحة هذه املديصة العبقة بازدواجية الثقافة برن باب‬ ‫للشرق‪ ،‬و باب للغرب‪ .‬تأسرني في مالمسها الحريرية‪ ،‬و صوت‬ ‫ابصائها املخملي‪ .‬احمل في مخيلتي عنها الكثرر من الحياة‪ ،‬و القليل‬ ‫‪15‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫من الوبر‪ ،‬اريد منها ان تفرغ للحظة من كل سكانها ألتمكن من‬ ‫الاختالء بها لوحدنا‪ ،‬أنا و هي في سرير واحد‪ ،‬انا و مديصة الظالل‬ ‫البيضاء‪.‬‬ ‫خطواتي املباغتة لألرض‪ ،‬بعد مجهود كبرر لرفعها و جعلها تالمسها‬ ‫مرة اخرى ‪،‬كان يجعل الوقت يمر ببطء شديد‪ ،‬و انا هصا بحديقة‬ ‫التجارب‪ ،‬اشتم رائحة املاض ي من زهور ارادت ان تتفتح لألبد في‬ ‫صصوان الذاكرة املغتربة في الزمن‪ ،‬ال يريد شعاعها ان يفلت‬ ‫اصابعه مني‪ ،‬وال تريد يدي ان تمتد ألخذها‪ ،‬فهي هصاك و الاكيد ال‬ ‫تسقط في حرن ذراعي الزالت تحضن حبيبها بكل تمرد غرامي في‬ ‫احالمي‪ ،‬التي رافقتني طيلة حياتي دون ان تأذن لي بان اترك‬ ‫حضصه الدافئ هصاك‪ ,‬فاذا عشقت شهيدا سيعيش حبك معه‬ ‫حيث يعيش الابد‪ ,‬و من املستحيل ان ننس ى من عشقصاه و مات‬ ‫شهيدا للحب و الحياة ‪,‬متمردا على الكراهية‪ ,‬محارةا لإلقواء‪,‬‬ ‫مجدفا بكل عمق في اغمرار عيون الشمس بالدموع الباكية‪ ,‬على‬ ‫ليل لم يتمكن شعاعها من قصوه‪ ,‬و مرافقة الالهة املتعددة الى‬ ‫دفء الحصان فيه‪.‬‬ ‫هذه املديصة كثررة الوراخ‪ ,‬و لكني اعيش فيها هدوئي التام‪ .‬متفرغ‬ ‫ألجلها تذكرني بحواني الاصفر الذي رةطته مرة‪ ,‬و رةطت نفس ي‬ ‫‪16‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فيه برةاط حذائي في الشفق البرتقالي‪ ,‬في الركن الخامس لحلمي ‪,‬و‬ ‫فر مني الى عالم الطيور يختب ساعات و ساعات اخرى‪ ,‬يطرر‬ ‫ملالقاة الصجوم مارا على كل البحار و املحيطات‪ ,‬هصاك بوهيل يهز‬ ‫اركان الكون و يسحلني ورائه‪ ،‬يجعلني حزين لفراره و سعيد‬ ‫بتمسكي به ألخر لحظة في اقص ى الكون البعيد‪.‬‬ ‫اسمي جان بيار‪ ،‬عمري اليوم سبعة و سبعون سصة‪ ،‬و ما زلت‬ ‫تتذكرني جيدا هذه الارض‪ .‬تحضصني الجاذبية اليها على غرار‬ ‫العادة‪ ،‬مازلت اقف على قدماي و احلق في سمائها ‪،‬كما كانت‬ ‫تراقوني نفحات شبابي الذي تركته هصا يوما ما‪ ،‬يعيش كل لحظة‬ ‫رةوع شبابه دون كلل او ملل‪ ،‬و صار يوطحبني من يدي الى مرقد‬ ‫الريح الغافية في تأمل فلسفي لحب خرج من جذور الارض‬ ‫كعاصفة هوجاء‪ ،‬تحمل الرةيع برن احضانها العصيفة لعالم‬ ‫استوطصه الهدوء الجاف و التصحر الشعوري‪ ،‬و بات فيه الخوف‬ ‫اعتى من العواصف‪.‬‬ ‫يشكل ذلك البصاء الكبرر هصاك فوق تلة العاصمة نقطة استفهام‬ ‫كبررة في ذهني‪ ،‬فهو لم يكن مصووةا هصاك ابدا‪،‬فهو بصاء جديد‪،‬‬ ‫يبدو من بعض الجهات جميال نوعا ما‪ ،‬و بيصما من اغلب الزوايا‬ ‫كان يبدو قبيحا جدا‪ ،‬طويل للغاية‪ ،‬و لونه غرر مصدمج نهائيا مع‬ ‫‪17‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لون املديصة‪ ،‬كان يبدو مستفحال فيها كورم سرطاني خبيث يقطع‬ ‫بياضها بتمرده على السماء‪ ،‬لم يعجبني كثررا وجوده هصاك‬ ‫‪،‬شعرت و كأنه قبعة طويلة فوق راس ي و انا الذي اكره القبعات‪،‬‬ ‫سالت عصه فقيل انه مقام تذكاري للشهداء‪ ،‬يسمى عصوة مقام‬ ‫شهيد ‪،‬اي شهيد ال اعرف‪ ،‬و لكصه حتما ليس حبيبي‪.‬‬ ‫كان الاجدر بهم ان يرفعوا القبعة لألبطال‪ ،‬ال ان يصوبوا لهم‬ ‫قبعة فوق تالل املجد املخضب بدمائهم الزكية و ان يمزقوا‬ ‫جمالية املكان بحضور بشع لصوب شاهق يتكبر على كل ما هو‬ ‫جميل في املديصة بقبحه‪ ،‬قيل انه تاج فوق رؤوسهم و لكني اراه‬ ‫تكريسا للتسلط و الاستبداد‪.‬‬ ‫كان يكفيهم ان يزرعوا الورود في عقول ابصاء هذه الارض العظيمة‬ ‫؛‪،‬عوض ان يتلوها ليل نهار فوق شعاب القبور‪.‬كان يكفيهم ملرة‬ ‫واحدة ان يخفتوا صوت الكره للحظة‪ ،‬و ان يترك شعاع الحب‬ ‫يمجد الشهداء بصفسه برن افراد الشعب‪ ،‬عوض ان ينشدوا‬ ‫وفائهم لشهداء يخدعونهم كل يوم بتجبرهم‪ ،‬و تسلطهم عليهم‬ ‫باسم الثورة احيانا‪ ،‬احيانا اخرى باسم االدين‪.‬‬

‫‪18‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫على هذه الارض من يستحق الحياة كبشر‪ ،‬فهم ليسوا فئران‬ ‫تجارب لألفكار العصورية و املتطرفة التي وجهت كطعصات مباشرة‬ ‫في جثث الشهداء‪ ،‬على مدار كل تلك السصرن التي غادرت فيها‬ ‫اقدامي هذه الارض الطاهرة‪،‬بيصما قلبي كان لرزال يخفق فيها‪ .‬فمن‬ ‫حق الجزائر ان توبح حديقة لكل الورود ‪،‬و الصباتات‪ ،‬و الاشجار‬ ‫‪،‬و الهواء الصقي ‪.‬من حقها ان تحمل كل مواطصيها و ابصائها و ان‬ ‫تحضنهم بقوة ‪،‬كأم تشتاق دائما ألبصائها فودرها الكبرر يكفي‬ ‫الجميع بحصانه‪،‬فلما نحرم بعضهم مصه ؟! كل ابن لهذه الارض‬ ‫يستحق حصانها بالتأكيد‪ ،‬فمن نبتت قوباته الهوائية في عسل‬ ‫هذه الجبال الوعرة‪ ،‬املوارعة للعمارات املزخرفة لبد ان يعرف‬ ‫صدره هواء الحرية ‪،‬و الحب و لبد ان يعيش كالنسمة اللطيفة‬ ‫دون ان يسأله احد اين يمض ي‪ ،‬و فوق اي صدر يغفو‪ ،‬و على اي‬ ‫شفاه يصام ‪.‬‬ ‫على قدر ما كصت سعيدا بالعودة لوطني من جديد على قدر ما‬ ‫كصت تعيسا ‪،‬و انا اطلب التأشررة من السفارة الجزائرية شعرت و‬ ‫كأنني اطلبها ألحضن امي ثانية ‪.‬لم اكن متسامحا مع الامر ابدا‬ ‫بالرغم من اني كصت سعيدا جدا و انا امسك بها‪ ،‬شعرت و كأن‬

‫‪19‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫هصاك شخص ما يحبس هواء العالم في قارورات بالستيكية و‬ ‫يبيعه لصا‪ ،‬و من فرط الحاجة نشتريه بسعادة‪.‬‬ ‫اردت ان املس ذكرياتي ثانية بجسدي و هو يولي صالة زهر اللوز‬ ‫على تراب هذه الارض التي لطاملا سقيتها بداخلي و انا بعيد عنها‬ ‫بماء الاشتياق‪ ،‬و لهيب الانبثاق برن كل زفرر و شهيق النبعث‬ ‫مجددا في عش ي الاول‪.‬‬ ‫و كأي طرر مهاجر يسعى للعودة ملوطصه الاول‪ ،‬ركبت السفيصة كما‬ ‫رحلت من خاللها الى فرنسا فيما مض ى قبل ثالث و خمسرن سصة‬ ‫‪ .‬لم اتشجع على ركوب الطائرة ‪،‬فالبحر ايضا له ذكرياته و‬ ‫احالمه‪ ،‬و ركوبي له على متن هذه السفيصة التي تسمى طارق بن‬ ‫زياد‪ ،‬مع ابصاء وطني املغترب في ارضه كان يعيد لي حلقة هامة من‬ ‫مسلسل حياتي ليعرضها في كل خلية بداخلي‪.‬‬ ‫لقد مررت في دربي البحري هذا بصفس املواقف التي مررت بها و‬ ‫انا ابحر بالجهة املعاكسة‪ ،‬و انا في ريعان شبابي فهاهي نفس‬ ‫الامواج التي ودعتصا قبل ثالثة و خمسرن حوال ترحب بصا اليوم‪ ،‬و‬ ‫تفتح لصا حضنها لترميصا على الودر الحصون للضفة الاخرى‪.‬نفس‬ ‫طيور الصورس في اجساد اخرى‪ ،‬نفس الشمس تذرف نورها‬ ‫‪20‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الدافئ‪ ،‬نفس السفيصة في مركب اخر‪ ،‬نفس البحر هو الاخر‪ ،‬الا‬ ‫املوت املاض ي كان حياة في اللحظة الجديدة على متن السفيصة تلك‬ ‫و انا عائد الى مصبتي الاول و خليتي الاصلية‪.‬‬ ‫و في كل قلم يخط نقطة على هذا البحر الابيض ‪،‬تبدو لي مديصتي‬ ‫الجي كسراب فوق رماله السائلة‪ ،‬كل لحظة هي تخلق و تعود‬ ‫مجددا لفانوسها‪ ،‬و قد حقق حلمي ذلك الجني املارد في ان ارةض‬ ‫على حجرها‪ ،‬و استلهم من ضجيجها صرخة حب‪ ،‬تشبه صرخة‬ ‫الوالدة‪ ،‬بل هي الوالدة ان املس مديصتي و مسقط راس ي من جديد‪،‬‬ ‫و كلما كانت تقترب السفيصة اكثر من ميصاء املديصة كانت روحي‬ ‫تحاول الفرار مني لتلمسها من شدة الاشتياق‪ ،‬ارادت ان تكسر‬ ‫جسدي و ان تطرر مع الصورس الى هصاك‪ ،‬و لكني حبستها بداخلي‪،‬‬ ‫ألني كما اردت لروحي ان تحلق برن املباني العتيقة هصاك اردت‬ ‫لهذا الجسد املتعب ان يستعيد قمر لياليه البيضاء‪ ،‬اردت ان‬ ‫اتعرى تماما عصد اول لقاء بيني و برن اول مرأة في الجزائر‪ ،‬و ان‬ ‫اتصكر لجسد الشيخ هذا‪ ،‬و اتخيله و كأنه واقع امامي ذلك الجسد‬ ‫املفتول في شبابي حرن كصت اجمل شاب في املديصة على اقل‬ ‫تقدير‪.‬‬

‫‪21‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يريحني الامر كثررا ان اتذكر اني في الجزائر برن نفس العمارات التي‬ ‫كانت شاهدة على حبي ‪،‬و على اول ملسة مني على اليد التي كصت‬ ‫اتمنى الوفاة عليها‪ ،‬و هي تحضصني‪،‬فبرن تلك الازقة الحزيصة لفراق‬ ‫احبتها كانت اول قبلي ‪،‬و على ضوء تلك القصاديل الفردوسية كان‬ ‫عصاقصا يروض الرومانسية‪ ،‬فتصبت خمر السالم يجهد الارق فال‬ ‫يصام‪ ،‬يسمع الطيور الشادية انيصه فتومت‪ ،‬و تلهم‪ ،‬و يذرف رماد‬ ‫الحياة على املوتى‪ ،‬فتبعث في الاثرر تبارك الاسرر في حضن الحب‪،‬‬ ‫على ايقاع ذلك الجسد الذي كصت اسميه الشوكوالطة‪ ،‬و انا‬ ‫اذوب فيه ‪،‬و اقطف وجودي مصه‪ ،‬و اكتب ذكرياتي عصه في‬ ‫صفحات الروح بكل وضوح ‪،‬كصت متأكدا كما انا متأكد اليوم اني‬ ‫لن انس ى ابدا تلك الايام‪ ،‬و لن اودعها فهوائها‪ ،‬و رطوةة لياليها‬ ‫املاكثة على ارصفتي الداخلية كما يمكث املتشردين على اهبة‬ ‫الشوارع الباردة لن تسمح لحرارتي الافلة ابدا ‪،‬ان تفعل ذلك‪.‬‬ ‫اشتقت ملديصتي‪ ،‬لبيتي‪ ،‬هذا الذي يغني مع نسائم البحر‪ ،‬و انا‬ ‫غاص برن هذه الاشجار‪ ،‬في الحديقة املتجذرة في تاريخي‪ ،‬امد فيها‬ ‫جذورا‪،‬ابحر فيها قرونا‪ ،‬و انا واقف جاس في مكاني‪،‬بيني و برن‬ ‫احالمي خط صغرر‪ ،‬برن نوتة ساحرة و نوتة تليها في سلفاج‬ ‫الحياة‪ ،‬هي الان مديصة جديدة غرر تلك التي استوطصتني‪ ،‬و لكنها‬ ‫‪22‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لزالت هي نفس التهي التي عشقتني تغرر بعض تغصجها‪ ،‬و تبقي على‬ ‫الاخر النتظاري‪ ،‬فكما كصت اظصني وحدي اشتاق لها فوجئت‬ ‫باشتياقها لي‪ ،‬و هي تفرش لي الارض مدادا لخواطر ال اريد ان ابقيها‬ ‫حبيسة خيالي‪ ،‬و ال اريد ان اكتبها على الورق‪ ،‬بل اريد ان اشعها‬ ‫حبا في تلك الابعاد الخيالية ملديصة لم يحمل احد املصديل ليمسح‬ ‫دمعتها بعد‪ ،‬و لكنها اقدم من الكون الذي نعيش فيه‪ ،‬فهي تعيش‬ ‫فيصا اكثر من اي روح تسكصصا‪ ،‬و اعتى من اي موج يرتطم بموانئصا‬ ‫العاطفية‪ ،‬اقدم من الالهات التي تعبد‪ ،‬فهي ليست بقدم الزمان‬ ‫تعتق‪ ،‬و لكن بجذور املكان التي تالمس قلب الكوكب و تقرا‬ ‫كأبيات جديدة على جثة شاعر لم يقلها‪ ،‬و لكصه شعر بها في اخر‬ ‫لحظات حياته‪ ،‬فتمردت على الفواصل املوتية‪ ،‬و راحت تردد‬ ‫نفسها كالودأ في جدران بيته‪ ،‬مودعة لجسده الفارغ‪ ،‬مرحبة‬ ‫بروحه املحلقة في برزخ الشعراء‪ ،‬وأصلي كل يوم ألي اله كان بان‬ ‫اموت هصا فيها ‪،‬ألنام سعيدا في قبري ‪ ،‬و ان ادفن على ترابها‬ ‫الجافي‪ ،‬و انا امارس فيها عهري الروحي‪ ،‬و انا عاري تماما في قبري‬ ‫الرخامي‪ ،‬ابتسم و امد يدي لتلمس رفات رفيقي ‪،‬ويرحب بجثماني‬ ‫هيكله العظمي‪،‬و اتجرع ألول مرة بعد اكثر من نوف القرن الحياة‬ ‫‪.‬‬

‫‪23‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اشتقت لبيتي املترامي الاطراف في صولجان الجزائر‪ ،‬في جوهرة‬ ‫املديصة الشاعرة‪ ،‬املديصة التي لو خلقت انسانا‪ ،‬لكانت بالتأكيد‬ ‫عازفة كمان‪ ،‬تعزف نفسها في الحان حزيصة‪ ،‬فعلى غرار باريس‬ ‫املغرورة بجمالها الفتان‪ ،‬الجي كانت متواضعة جدا بجمالها‬ ‫الهادئ‪ ،‬الذي يشد انظار اي فصان اليها ليسقطه في غرامها‪ ،‬و‬ ‫بياضها‪ ،‬و كحلها الذي يرسم الطرق‪ ،‬و ضجيجها العاشق املحدث‬ ‫للحياة‪ .‬الجي ليست مديصة فقط بل فتاة تتباهى بجمالها على‬ ‫شاطئ البحر‪ ،‬يأخذ الريح شعرها في اتجاه املغيب ‪،‬و يتوقف قلب‬ ‫العاشق الذائب على صورتها الشاعرية‪ ،‬و يعوي على صدره املصتهى‬ ‫في اشالئها املقدسة الذئب التائب املتمرد على السواد‪ ،‬املقبل على‬ ‫السالم بحب غائب‪.‬هي فتاة هجيصة تحمل في جيصاتها العالم باسره‬ ‫‪،‬و تسبح في خلود شوارعها ‪،‬كما تخلد الفتاة الوغررة الى الصوم في‬ ‫حجر جدتها الدافئ‪ ،‬هي فتاة مديصة‪ ،‬و فتات ذاكرة لعيصة ال تسام‬ ‫من ان تذكرني دائما اني انتمي لحوض الشوك هذا‪ ،‬املتأللئ‬ ‫بالورود الباهي برونقه في الوجود ‪.‬‬ ‫نعم اشتقت لبيتي الغافي في حضن عائلة اخرى‪ ،‬الاكيد انه‬ ‫يشتاق لي بحجم اشتياقي له‪ ،‬و لم اجدني إال تائها اعود اليه ‪،‬و انا‬ ‫ارمي نفس ي لألمام الى باب الواد‪ ،‬الوادي الذي لم امسسه يوما‪،‬‬ ‫‪24‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بيصما عشت فيه و انا اتخيل غديره الوافي في عيون الصاس‪ ،‬الى‬ ‫بيت الطفولة كم اشتقت اليه ذلك البيت البسيط‪ ،‬املليء باملعنى‬ ‫الوافي لكلمة وطن‪ ،‬بذكرياته التي امتوها دهانه‪ ،‬و اغتربت فيه‬ ‫املالئكة هرةا من ديكتاتورية السماء ‪.‬‬ ‫توجهت اليه بسيارة التاكس ي‪ ،‬و انا اتكلم مع السائق باللهجة‬ ‫الجزائرية لم يتوقع ابدا اني فرنس ي الاصل‪ ،‬و لكصه ادرك اني ال‬ ‫اتكلمها بسهولة فظن اني جزائري مغترب‪ ،‬او كما يقولون هصا‬ ‫(ايميكري)‪ ،‬و في الحقيقة انا كذلك جثة هاجرت روحها و هي الان‬ ‫تعود ملالقاتها‪ ،‬و لكن في نظر هذا الشعب فانا لست سوى قدم‬ ‫سوداء‪،‬بالرغم من شدة حبي لهذا الوطن و اخالص ي له‪.‬‬ ‫في الطريق الى البيت كانت عيصاي تمحي الديكور املختلف للمديصة‪،‬‬ ‫و تنسج الوورة القديمة على واجهتها‪ ،‬تتذكر التفاصيل الوغررة‪،‬‬ ‫هصا وسط املديصة ال رو ديزلي كانت هذه البقعة مكاني املحبب‬ ‫للجلوس‪ ،‬ألخذ فصجان قهوة تحت زخات املطر في الشتاء‪ ،‬و‬ ‫هصيهات برن العور و الغروب في فول الويف املتوحش بالجمال‪،‬‬ ‫و ألكتب يومياتي‪ ،‬و استرق الصظر لسراب الحب ‪،‬كل لحظة‬ ‫تخضب للورق الى ان صرخت الحقيقة في وجهي بقوة مليون‬ ‫حب‪ ،‬و اهدتني اياه الذي كصت اكتبه قبل ان اراه اول مرة‪ ،‬دقائق‬ ‫‪25‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫قبل وصولي للحي كانت تلك الطرق اقرب لذاتي من كل فرنسا‪،‬‬ ‫انها انا تشبنهي اكثر من ذاتي‪ ،‬اكثر من كل ما يبدو فيما تبقى مني‬ ‫على قيد الحياة‪ ،‬كانت السيارة تتحرك فوق كل الطرق‪ ،‬و في‬ ‫الحقيقة كانت السيارة تسرر فوقي‪ ،‬بداخلي‪ ،‬على اعمق نقطة من‬ ‫ضبابي الاسر للحب القديم‪ ،‬املخمر بتجويفي البعيد كل البعد عن‬ ‫ما قد يشعر به اي انسان اخر‪ ،‬فانا شعوري اكبر من الشعور‬ ‫البشري‪ ،‬فاالشتياق اصعب من املوت‪ ،‬فعصدما نموت نفقد‬ ‫اشتياقصا للحياة بيصما نشتاق لبعضها و نحن في الركن املزري‬ ‫للبعض الاخر‪.‬‬ ‫وصلت الى الحي املشبع برائحة املاض ي‪ ،‬خبز البيت الذي كان يتدلى‬ ‫في جو هذا املكان الروحاني كثريات الامل ‪،‬كان يقتل الاشتياق في‬ ‫قسمات الوجه املغتوب باأللم الروحي لروحي التعيسة‪ ،‬و يحييه‬ ‫اكثر كلما امتزجت تلك الرائحة اعمق مع شبحي السبعيني‪،‬‬ ‫الواقف على اطالل الوجود املكثف في نقطة من العالم‪ .‬وضعت‬ ‫رجلي في ترابه و كان به اطفال على غرر العادة يزلزلون الارض تحت‬ ‫قدمي ‪،‬او الارض كانت تنهز اشتياقا لي‪ ،‬او رةما اساسات بيتي هزتها‬ ‫مكرهة اياها لتعانقني‪ ،‬و ش يء ما كانت تفرزه عيني لم اكن اعرف‬ ‫ان كان دمعا ام دما‪،‬او ش يء بينهما‪ ،‬او اكثر‪ ،‬و طفت ابتسامتي‬ ‫‪26‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فوق ثغري ‪،‬و تصفست بكل شهيق و كأني طفل صغرر سكت لتوه‬ ‫من البكاء‪ ،‬و فتحت السماء بعيني متسلقا شرفة غرفتي‪ ،‬في ذلك‬ ‫البيت الذي بدا لي انو اهل بقارة من السكان‪ .‬دقت يدي الباب‪ ،‬و‬ ‫قد عانت معي متعة التأمل في الوطن‪ ،‬و انتظرنا انا و هي و باقي‬ ‫اجزائي لقاء الذاكرة‪ .‬فتحت لي فتاة صغررة الباب كانت أظفار‬ ‫شعرها الطويل تغني لعيني انشودة الحياة‪ ،‬طلبت منها برفق ان‬ ‫تصادي صاحب املنزل ‪،‬اردت ان اطلب مصه بلطافة ان اعانق بيتي‪،‬‬ ‫تسارعت دقات قلبي و انا بامتزاج مع ذلك الحائط‪ ،‬سال حبر‬ ‫البيت من قدري تدفق في يدي ‪،‬و دقت للمرة الثانية الباب‪ .‬خرج‬ ‫شيخ طاعن في السن هو الاخر لكصه بدا اكثر شيخوخة مني‪،‬زرعت‬ ‫فيه عيني و قد نبضت في ذاكرتي بش يء تعرفه‪ ،‬صرخ قبلي " جان‬ ‫بيار هدا انت "‪ ،‬تذكرت ذاكرتي صوته اكثر من وجهه‪ ،‬صرخت هي‬ ‫على لساني " محمد هذا انت "‪ .‬لقد كان في الحقيقة صديق‬ ‫الطفولة كان يدرس معي في نفس املدرسة‪ .‬عانقني بحرارة‬ ‫الجزائريرن و احمرت عيني خجال من نفس ي‪ ،‬انا الذي حرمتها هذه‬ ‫الاحضان الدافئة لوطني كل تلك السصرن‪ ،‬شعرت بغبائي و حمقي‬ ‫كيف لي ان اترك شعبي وحيدا و انورف عصه الى كوخ الجليد‬ ‫بالشمال‪ ،‬ما كان عليا ابدا ان اترك هذه الشمس التي رعتني و‬

‫‪27‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫احتضر ألكثر من نوف قرن في بلد قيل لي انه بلد اجدادي مع‬ ‫اني لم اعرف وطصا اخر إال هذا الذي اعيش فيه الان‪.‬‬ ‫تأملني و هو يتذكر فيا شيئا اظصه نفس ما اتذكره فيه‪ ،‬و دعاني الى‬ ‫بيته ‪،‬بيتي الذي تركته من زمان ‪،‬و اقسم عليا ان ابيت فيه و انه‬ ‫هو ضيفي و لست ضيفه‪ ،‬في الحقيقة كان بإمكاني ان ادفع اي‬ ‫ش يء لشراء ذلك البيت ثانية و لكني ملا احرمه مرة ثانية من‬ ‫احبائه و قد جمعصا معا القدر في بيت واحد‪ ،‬فهذه العائلة‬ ‫الجزائرية تماله حبا و ياسميصا تعتني به و هو البعيد عن‬ ‫اهله‪،‬فيشغلون حياة اليتيم بدفئهم و اسرارهم التي يحتفظ بها‬ ‫‪،‬لم تكن سوى عائلة صديق الطفولة محمد‪ .‬محمد الذي كان‬ ‫يبيع الخبز و القوبر و الصعصاع الذي كان يزرعه في بيته ملساعدة‬ ‫عائلته‪ ،‬و كان يساعدني في دروس الرياضيات التي كصت ضعيفا‬ ‫فيها‪ .‬محمد كان صديقا مرحا يحب الحياة و يحب الفتيات‪ ،‬و اول‬ ‫من دخن في رفاق الطفولة‪ .‬شدني من يدي و ادخلني وطني كان‬ ‫ديكوره الداخلي هو الاخر مختلف‪ ،‬و لكن عيني لم ترى فيه إال ما‬ ‫رأته قبل ثالث و خمسرن سصة‪ :‬روح امي كانت هصاك بصفس لباسها‬ ‫الابيض ‪،‬و شعرها املربع الشكل‪ ،‬و خوالته الوفراء ‪،‬و حذائها‬ ‫الابيض‪ ،‬كانت تبتسم و تتأملني و هي متكئة على باب املطبخ رفعت‬ ‫‪28‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يدي ألناديها و لكنها اختفت‪ .‬حملني صديقي محمد الى الوالون و‬ ‫لكصني طلبت مصه ان استمتع بلمس بيتي‪ .‬دخلت غرفة الصوم و اذا‬ ‫بصفس خزانتي موضوعة هصاك‪ ،‬تفجرت مشاعري و رحت احضنها‬ ‫بدون توقف لم اعرف ما اسميها‪ ،‬سميتها ماما و توفحتها ككتاب‬ ‫قديم احفظه عن ظهر قلب‪ ،‬لم يكن بإمكاني التوديق اني‬ ‫سأجدها هصا بعد كل هذه السصرن و لكن هذه املرة هبت الرياح‬ ‫بما اشتهته سفني املشتاقة‪.‬‬ ‫قارةت على املوت و انا احضنها‪ ،‬و قد اشرقت شمس ي من تحت‬ ‫غلس اشتياقها ‪،‬كان الاطفال من حولي يتأملونني باستغراب يا ترى‬ ‫ملا يفعل ذلك‪ ،‬و لكصني كصت افعل ذلك بطفولة اكبر من طفولتهم‪.‬‬ ‫شدني صديقي من يدي و عدنا الى الوالون‪ ،‬استقبلت كملك‬ ‫دعته الصبوة لنقاذ شعبه‪ ،‬في الحقيقة لنقاذ فتاته الهارب مصه الى‬ ‫هصا مصذ زمن بعيد‪ ،‬و ملته هذه العائلة التي كرمتني و رحبت بي بعد‬ ‫ان عرف الكل فيها اني صديق الجد العزيز و شيخ البيت‪.‬اخبرني‬ ‫صديقي بعد مدة من الانطفاء جمرة الحرقة على اريكة الوالون‬ ‫‪،‬و انا اتذكر نبيذ هذا البيت املعتق " صديقي لي لك هدية من‬ ‫ماضيك سأحضرها لك و سأعود حاال " ‪.‬انتظرته على احر من‬ ‫جمر احر من شمس‪ ،‬التهبت في مكاني وعدت طفال من جديد‪ ،‬كان‬ ‫‪29‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تصفس ي متغررا و بطيئا و احيانا تزيد سرعته ‪،‬كان اضطراب شوق‬ ‫يلتهب‪ .‬عاد صديقي و في يده ش يء يشبه الكتاب‪ ،‬ال هو ليس كتابا‬ ‫بل البوم صور يا الهي انه البوم صوري القديم قفزت في مكاني‬ ‫من شدة الفرح‪ ،‬و لكن ذلك الشعور الغريب و القوي الذي انتابني‬ ‫مصع عني الدموع‪ .‬القفتها من يده كما يلقف القدر الارواح و راح هو‬ ‫يبادلني الابتسامة‪ ،‬لقد حافظ صديقي لتوه على قلبي في ذلك‬ ‫الالبوم الذي كصت احترق دائما ألجله مصذ ان غادرت لفرنسا قبل‬ ‫ثالث و خمسرن سصة ‪،‬عصدما تذكرت في نوف الطريق اني نسيته‬ ‫في الجزائر ملحت كل تلك الوور بحرقة كبررة صوري ‪،‬و امي ‪،‬و ابي‬ ‫‪،‬و اصدقائي ‪،‬و حب حياتي الذي لم و لن انساه ابدا‪.‬الحب الذي‬ ‫نقش بداخلي كي ال اكون سوى هو اخر‪ .‬في جسدي اخذني خيط‬ ‫الزمان الى تلك البقع الداكصة البادية على الوورة القديمة‬ ‫املوبوغة باألبيض و الاسود كما الانسان ‪،‬و التي حافظت عليها‬ ‫من التلف كل تلك السصرن في ذاكرتي قبل هذا الالبوم ‪ ،‬و انحدر‬ ‫جسدي ألول لحظة فيه و امتزج مع رائحته التي تشبه رائحة‬ ‫الكتب القديمة ‪،‬و امتد كياني في اللحظة‪،‬و اشتقت اكثر من اي‬ ‫وقت مض ى الى الوقت الذي مض ى‪.‬‬

‫‪30‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪2‬‬

‫شجرة عيد الميالد‬ ‫تمر ذكرياتي عبر الوور كشهب تسقط على كوكب احزاني فتصبته‬ ‫حياة و تقرا عليه‬

‫الزمن الجميل‪ .‬و هذه الرواية التي اقرأها‬

‫الان في يدي في تلك الوور الصاطقة بلكصة مستعارة تشبه لكصة‬ ‫الحقيقة الحقيقة‪ .‬هي حتما حطب هذا الشتاء بداخلي و مدفئة‬ ‫بلكصة مستعارة تشبه لكصة الحقيقة ‪،‬هي حتما حطب هذا الشتاء‬ ‫بداخلي و مدفئته ‪،‬كل صورة تحمل قطعي املتصاثرة و تركبها من‬ ‫جديد و تخلق في بوررتي الفوض ى‪ ،‬محدثة في جبتهي الشق الابدي‬ ‫ليتدفق رحيقي مثل زهرة معطاءة ال تتوقف عن تقبيل الحياة ‪،‬و‬ ‫يا ليت هذه الوردة في يدي الان ‪،‬لعلي اجد شيئا في الحقيقة ال في‬ ‫الخيال يشبنهي كما ابدو و انا احضن ذلك الالبوم كما تحضن الام‬ ‫رضيعها ألول مرة و تنهله رائحتها و الكثرر من الحصان‪.‬‬ ‫ابحرت كقرصان يقطع البحور السبعة ليجد جزيرة الامل‬ ‫ليبتلعها‪ .‬غوت كمارد غواص يبحث عن جصية برن كصوز البحر‬ ‫‪31‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ليقبلها‪ .‬تهت كهدهد موسيقار يبحث عن نوتة ليسجنها‪ .‬و اضاءت‬ ‫عيني على تلك الوورة التي ابدو فيها طفال في عمر الزهور‪ ،‬اعانق‬ ‫دمية امام شجرة عيد امليالد كشمس تدير الكواكب من حولها‬ ‫للتباهي بها امام الشموس‪ ،‬تلعب بها لعبة كل الوقت الى الابد ‪،‬و‬ ‫كتلك الشمس ادير تلك الذكريات ببئر احالمي‪ ،‬و اشربها كما‬ ‫تشرب التربة السماء و تبتلع املطر‪.‬‬ ‫جان بيار لم يكن الاسم الذي اخترته لصفس ي فكأي انسان في‬ ‫الحياة يولد غرر مسؤول عن اسمه‪ ،‬يتعلم ان قراراته ليست‬ ‫ملكه‪ ،‬يتعلم ان حريته تنتهي في الحدود املعهود عليها ‪،‬كل انسان‬ ‫يحمل القرار الاول في حياته طيلة حياته دون ان يكون له فيه‬ ‫شبرا من املسؤولية‪.‬‬ ‫الزلت لالن ال اعرف ملا سميت جان بيار‪ ،‬و لكن بدى هذا الاسم لي‬ ‫في املرآة يشبنهي كثررا فكلمة جان كانت تبدي وجهي و كأنه لقمة‬ ‫جميلة في فم عوفور‪ ،‬و بيار كان يظهر بعض الوالبة اللطيفة‬ ‫ألي فرنس ي على وجهي‪ ،‬كما انني كصت جميال براقا نوعا ما في‬ ‫مراهقتي ‪،‬و كصت مغرورا و سيد نفسه‪ ،‬ال احب ان يتجرا عليا احد‬ ‫باألوامر حتى ابي الى حرن فراره للسماء‪.‬‬

‫‪32‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان الكل من حولي يصاديني جان‪ ،‬و لكني كصت افضل تسمية بيار‬ ‫فهي اقدر على رسم شخوية فذة تدافع عن ضعفي الذي كصت‬ ‫اخفيه بداخلي كما تخفي الخصفساء روث البقر‪ ،‬فاسم جان قد‬ ‫يعبر على شخص رومانس ي لم اكصه الى حد تلك اللحظة قبل ان‬ ‫يصقلب دلو السماء الوردية على ثيابي العاطفية‪،‬فغدوت برن‬ ‫شمس و بحر شاعر الحب الاخرر‪ .‬و لكن بيار في املراحل الاولى‬ ‫لحياتي كان يشبنهي اكثر‪ ،‬كان يبديني كصخرة يكسر عليها كبرياء‬ ‫اي شخص‪ ،‬لم اكن ابدا استلطف ان ابدو ضعيفا و لو باالسم‪.‬‬ ‫و مع ذلك تعودت ان يصاديني الكل جان‪ ،‬و كصت كل مرة يصاديني‬ ‫احدهم اضيف بعده انا "بيار"‪ ،‬و كصت احيانا اصرخ بهذا الاسم‬ ‫ان احدهم ناداني بقوة حتى يقفل على صوته باملسامرر بوراخي‬ ‫بالصوف الثاني السمي‪.‬‬ ‫لكن دعني ايها الزمن اعود بك سبعة و سبعرن سصة الى الوراء‪،‬‬ ‫يوم والدتي في التاسع من مارس‪ ،‬سصة الف تسع مائة و ثمانية و‬ ‫ثالثرن‪،‬قالت لي امي حينها ان ابي قد حملها الى املستشفى على‬ ‫يديه لوالدتي‪ ،‬و كانت من شدة الالم الوالدة تقهقه ضحكا على غرر‬ ‫عادتها‪ ،‬ابي كان يحملها و هو يجري حافي القدمرن‪ ،‬و ضحكها‬

‫‪33‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يوور بعدا كوميديا لوالدة شخص ال يشبه ابدا امه في لحظاته‬ ‫الاولى‪.‬‬ ‫امي و هي على الطاولة كانت تورخ بقوة و تختمها بضحك‬ ‫هيسترري‪ ،‬املمرضات ابدين بعض الامتعاض في البداية ‪،‬و لكنهن‬ ‫سرعان ما انقلبن على لباسهن الابيض و رحن يحاولن التقاطي‬ ‫منها و هن يضحكن بدورهن ‪.‬‬ ‫سرعان ما انتشر الوراخ و الضحك ارجاء املستشفى‪ ،‬و قلبت الام‬ ‫املرض ى الى كوميديا ساخرة‪ ،‬و ابي كان ببجامته يبدو مصفعال يدك‬ ‫الارض بقدميه الحافية و كأنه يعور العصب ليخمر الوقت و‬ ‫يسكر‪.‬و بالرغم من اني ولدت في مارس شهر الطيور‪ ،‬و الورد‬ ‫الرةيعي الاصفر الذي يزورنا هصا قبل اوانه‪،‬إال ان ابي كان يبدو‬ ‫متحررا من لطافة الرةيع‪ ،‬و ندا الايام الاخررة من الشتاء‪.‬بدا و‬ ‫كأنه رعد يتلوى على عصق الوبر‪ ،‬و عاصفة كبررة من‬ ‫العبث‪،‬كانت توفر ارجاء هذا املستشفى مبشرة بقدوم نبي ما لم‬ ‫اكصه ابدا في حياتي‪.‬‬ ‫انتظر الكل في املستشفى والدة هذه الظاهرة‪ ،‬كان الكل يتوقع‬ ‫والدة نجم كوميديا جديد يسحق الكل بوجهه الساخر‪ ،‬و يشفط‬ ‫‪34‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫هذا الحزن البادي هصا على تلك الاسرة املتخبطة في الفراغ التافه‬ ‫‪،‬و الروترن العالجي الصاشف ‪.‬كان لبد لي عصد والدتي ان اجعل‬ ‫الكل يحمل سريره و يمتطي الفضاء ضحكا‪ ،‬و لكن مع صرختي‬ ‫الاولى وقف ابي في مكانه مبتسما‪،‬امي راحت تبكي على غرر عادتها‬ ‫كذلك‪ ،‬و لكن املمرضات سكتن لبرهة‪ ،‬و لم يودقن ان عضوي‬ ‫الجنس ي كان ذكريا‪ ،‬كصت ابدو كما كانت تقول لي امي فتاة صغررة‬ ‫متغمدة في جمال معجز للرسامرن‪ ،‬و عادة ال يمرز برن الرضع و‬ ‫لكن في حالتي كصت شديد الجمال‪ .‬ابتسمت القابلة ألمي و قالت‬ ‫لها " عمل رائع سيدتي لم يذهب جهدك سدا"‪.‬‬ ‫اسصدت راس ي على صدر امي‪ ،‬ثم حملتني املمرضات و كأنهن‬ ‫يحملن كائصا غريبا من كوكب اخر‪،‬يحجبن العالم عن عيني‬ ‫بقبعاتهن البيضاء الكبررة‪ .‬لم اكن اعرف الكثرر من الاشياء في‬ ‫ذلك الوقت غرر تلك الاصوات التي كصت اسمعها في رحم امي‪ ،‬و انا‬ ‫اتقلب هصاك كقبل ابي على رقبتها‪،‬او تبادلهما القبل‪ ،‬و خرير‬ ‫الشتاء في ديسمبر‪ ،‬و لكني لم ارى وجه انسان في حياتي‪،‬و قد بدا‬ ‫لي بشعا جدا و لذلك قررت ان اقفل عيني أليام دون ان افتحها‪.‬‬ ‫كانت امي و معها ابي في قمة سعادتهما بالرضيع امامهما‪ ،‬كانا‬ ‫يرجوانني ان افتح عيصاي ليكتمل الاتوال الروحي‪ ،‬فأبي كان‬ ‫‪35‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫متشوقا لتسقط عيصاه الحادتان على بؤةؤ عيني ليقول لي بلغة‬ ‫العيون انه ابي و اني ابصه‪ ،‬و انه ابدا لن يتركني وحيدا في هذا‬ ‫العالم املتوحش‪.‬‬ ‫عدنا للبيت‪ ،‬و لكن لالن لم افتح عيني‪ ،‬مازلت اصر على عالمي‬ ‫الداخلي و مصجاتي الومت الصظري‪ ،‬ال اريد الصظر للوجوه البشرية‬ ‫تلك حتى لو كانت ألبي او امي ‪.‬كان احيانا ابي يحاول فتحهما‬ ‫بإصبعه‪ ،‬و لكني كصت اشد عليهما بقوة " سامحني ابي‪ ،‬و لكن ال‬ ‫احد يملي علي ما يجب ان افعله "‪.‬‬ ‫بالرغم من اني كصت في صحة جيدة ‪،‬إال ان بعض القلق اصبح‬ ‫يلحن صدا هذا البيت‪ ،‬خووصا و انه كان قد مر شهر كامل على‬ ‫والدتي و لم افتح عيني‪ ،‬بدا ابي مورا بشدة على اخذي للطبيب‬ ‫لررى ان كان بي خطب ما‪.‬اما امي فقد كانت صوتية اكثر‪ ،‬كانت‬ ‫تحب املذياع كثررا‪ ،‬لذلك لم تأبه كثررا لعيني على قدر ما كان‬ ‫شغف تنهيداتي و تجشئي يخطف احاسيسها الى وادي الحصان‬ ‫الابدي‪.‬‬ ‫ابي كان عمليا كأي رجل في العالم‪ ،‬فالرجال هم نفسهم الرجال‬ ‫سواء هصا او في ارض اخرى‪ ،‬متسرعرن جدا و عمليرن كثررا‪ ،‬فأبي‬ ‫‪36‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الذي كان يخاف ان يتلفني برن يديه و هو يحملني‪ ،‬و هو خائف‬ ‫كان يوتره كثررا ان ال افتح عيني‪،‬لذا قرر اخذي للطبيب‪ ،‬لم‬ ‫ينتظر امي لتغرر مالبس ي‪،‬اكتفى بصفسه بضمي في غطائرن دافئرن‬ ‫خوفا عليا من نزلة البرد ‪،‬و لو كصا في الرةيع حينها إال ان ألاطفال‬ ‫الرضع حساسون للبرودة اكثر من غررهم لضعفهم الجسدي‪ .‬رفع‬ ‫قبعته لررتديها‪ ،‬و في اللحظة الاخررة فتحت عيني‪ ،‬و بدت عيصاي‬ ‫الزرقوتان و كأنهما تصاديصه الى الغرق‪ ،‬و كأني اقول له "اهال ابي‪،‬ها‬ ‫انا ذا ابصك لقد فتحت عيني لك"‪.‬‬ ‫رمى ابي قبعته‪،‬و لم يودق ما رأت عيصاه في تلك اللحظة‬ ‫الشاعرية الهمته الفرحة‪ ،‬فراح يصطق حروفا سريعة تمر كعرةات‬ ‫قطار ال يعرف الى اين يمض ي‪ ،‬و كأنه يكتب رواية غرر مفهومة و‬ ‫لكصه يقرأها بشغف كبرر‪ ،‬حروفا ال يفهمها هو ايضا‪ ،‬و كأنها لغة‬ ‫ما قبل بشرية تريد التخلص من قيود اللغة في لحظة‪ ،‬او رةما‬ ‫تعبرر تجاوز حدود اللغة فأنسته تركيب الكلمات‪ ،‬ابحرت عيصاه في‬ ‫دمعهما الساخن‪ ،‬و استعمر العطش تفاحة ادم في رقبته‪ ،‬و راح‬ ‫حب كبرر ينتابه‪ ،‬و صرخ يصادي امي‪ :‬ايميلي‪ ،‬ايميلي‪ ،‬لقد فتح‬ ‫عيصاه‪.‬‬

‫‪37‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫جاءت امي مسرعة تبحث عصا في غرفة اخرى‪ ،‬رغم انها تعرف‬ ‫مكاني في غرفة الصوم‪ ،‬و رغم انها تسرح شعرها دائما‪ ،‬و تحافظ‬ ‫على اناقتها‪ ،‬و لكنها في تلك اللحظة بدا شعرها اشعثا و كأن‬ ‫صدمة كهرةائية اصبتها‪،‬سارعت صوبي و وقف ابي و امي‬ ‫يشاهدانني بحب كبررين‪ .‬احببتهما في تلك اللحظة‪ ،‬و كانا اوال‬ ‫كائصرن ابادلهما الشعور ذاك‪ ،‬و امسكت ألول مرة في حياتي اصبع‬ ‫ابي و كأني اشده الى الابد‪.‬‬ ‫ابي كان يبدو فرحا جدا‪ ،‬فتح الشمبانيا و نادى الجرران لالحتفال‪،‬‬ ‫انه عيد العيون‪ ،‬لقد فهمت في تلك اللحظة دون ادراك مني ما‬ ‫تعصيه الصظرات للبشر‪.‬‬ ‫امتأل البيت بالضجيج املخضب برائحة البشر ‪،‬و املوسيقى‬ ‫العوجاء املتطايرة برن ارداف النساء و اكتاف بعض الرجال‬ ‫املتظاهرين بالشبعة الجنسية‪ .‬اصدقاء ابي املتعطشرن ألي صدر‬ ‫يذوب على افواههم ‪،‬و الجرران املتحمسرن لرؤية عيون زرقاء‬ ‫اخرى تحت سماء هذا الوطن املغتوب‪ ،‬كلهم هصا يحتفلون‬ ‫باملواطن الفرنس ي الجديد‪ ،‬اما انا فقد تهت برن كل تلك الوجوه‪،‬‬ ‫لقد كان الكل يشبه بعضه بعضا و لوال رائحة ابي و امي ال تهت في‬

‫‪38‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫معرفة من هو ابي و من هي امي‪ ،‬في هذا الكم من نفس التفاصيل‬ ‫املغردة فوق وجهي مكشرة عن اسصانها‪.‬‬ ‫الكل كان يبدو وجهه محدبا عليه نقطة بارزة‪ ،‬تعلمت فيما بعد‬ ‫انها تسمى انف و عيون مثلي و فم و شعر‪ ،‬في الحقيقة ليس الكل‬ ‫كان له شعر هصاك من كان اقرعا‪ ،‬و لكن ككل هي تقريبا نفس‬ ‫الاشكال البشرية تتكرر امامي‪ ،‬و ألول مرة ابكي خوفا من تلك‬ ‫الوجوه البشرية‪،‬قالت امي اني كرهت البشر مصذ تلك اللحظة ‪،‬و‬ ‫لكني اعلم اني ابدا لم اكره احدا ‪،‬و لكني كصت امقت الصفاق الذي‬ ‫كان يبدو على وجوه البشر‪ .‬و الذي كان يفوح فوق اللطافة و‬ ‫الاناقة املستعارة لهم‪ ،‬فكما عرفت فيما بعد و تأكدت مصه و بعد‬ ‫مراحل كثررة من حياتي ان الانسان اللطيف ال يمكصه الا ان يكون‬ ‫لطيفا مع الكل‪ ،‬الامر الذي لم الحظه في تلك الوجوه املوفرة‬ ‫فعلى قدر ما كانوا يبدون لطفاء برن انفسهم على قدر ما كانوا‬ ‫قساة غالة القلب‪ ،‬يمالهم الحقد و يذرفون الكراهية بشراهة لباقي‬ ‫اخوانهم الجزائريرن‪ ،‬اللذين ال يتمتعون بصفس العرق الاوروبي و ال‬ ‫يأخذون الوفة الكاملة للمواطن الفرنس ي‪ ،‬فهم حسبهم كانوا‬ ‫اهالي لم يكن لهم نفس الحقوق و كان لهم واجبات اكثر‪.‬‬

‫‪39‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم استطع التعايش مع هذا الصفاق مصذ ايامي الاولى‪ ،‬و كان الكثرر‬ ‫هصا مثلي ال يستطيعون التعايش مع كذا عصورية حيث كانوا‬ ‫يمقتون هذا الامر الشنيع بشدة ‪،‬فال يستطيع الشر ان يمتطي‬ ‫الجميع بكذبه‪ ،‬فهصاك حتما اناس تجتمع فيهم الطيبة و الذكاء في‬ ‫ان واحد في كل مكان على الارض‪ ،‬و على هذه الارض كذلك كانوا‪،‬‬ ‫هصا تتستر مشاعرهم املاقتة في عيونهم املشفقة‪ ،‬و لكن مقتهم‬ ‫لتلك العصورية كان يتخذ شكال سريا‪،‬فإرادة الشر في قلب‬ ‫املجتمعات التائهة في الكراهية و الحقد تغلب بسهولة على طابع‬ ‫الفرد‪ ،‬و يغدو الشر خررا ان تمت تزكية عطره الكريه باسم‬ ‫القانون‪ ،‬الذي كان اغلب الفرنسيرن يظصون انه ال يخرج عن‬ ‫مباديء و قيم الثورة الفرنسية‪ ،‬التي تم الدوس عليها هصا في‬ ‫الجزائر‪ ،‬فالحرية صودرت باسم الحضارة الفرنسية حماية‬ ‫لالستعمار و املساواة‪ ،‬غدت فكرة ضحلة باسم العصورية املقدسة‬ ‫التي استفحلت ذلك الوقت على شعب هذه الارض الزكية‪ ،‬و‬ ‫الاخوة كان تتالش ى كلما قابل جزائري من اصول اوروةية عيون‬ ‫جزائرية من الساكصة الاصليرن‪.‬‬ ‫كان اغلب املستوطصرن هصا ينشدون حبهم و والئهم لفرنسا‪ ،‬حب‬ ‫لم احسه ابدا فيهم طيلة طفولتي‪ ،‬فاغلبهم لم يكن من اصول‬ ‫‪40‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فرنسية بل استقدمهم الطمع من كل رةوع اوروةا الى هذه الارض‬ ‫فوالئهم كان ملوالحهم التي رعتها فرنسا على حساب السكان‬ ‫الاصليرن ال للوطن الفرنس ي‪.‬‬ ‫فهمت هذا الامر مبكرا جدا‪ ،‬رةما مصذ ان فتحت عيني ألالمس‬ ‫فرحة ابي و امي اول مرة‪ ،‬و مصذ ذلك الحرن و حتى في سصواتي‬ ‫الاولى كانت عيني تالحظ التميرز‪ ،‬و اعيش الم الاخرين في داخلي‪.‬‬ ‫بالرغم من اني كصت من عائلة فرنسية الاصل لكني ابدا لم اشعر‬ ‫اني فرنس ي انا جزائري‪ ،‬هذه هي ارض ي و ذلك الشعب هو شعبي‪ ،‬و‬ ‫لم اعرف سماءا اخرى إال هذه السماء التي كانت سقفي الذي‬ ‫يحويني‪ ،‬وةالتأكيد كل من كان يتصفس معي الهواء تحتها كصت اراه‬ ‫اخا لي‪ ،‬بالرغم من اني كصت اتحاش ى الحديث الى اخواني‬ ‫املختلفرن و املظلومرن في ارضهم ‪،‬إال اني كصت اشاهدهم من خالل‬ ‫الصافذة دائما ‪،‬و يؤسفني حالهم البائس‪ ،‬و اتمنى بقلبي ان يستفيق‬ ‫قلب القدر ألجلهم و يتغمدهم بحصانه طيلة الحياة‪.‬‬ ‫امي كانت متديصة ‪،‬كانت ال تتوقف عن الوالة ليسوع ليخلوصا‬ ‫من ش يء ال اعرف ما هو او من هو‪ ،‬لكنها كانت تدعوه دائما‬ ‫بالخالص بالرغم من انصا كصا نعيش حياة سعيدة‪ .‬فكرت كثررا فيها‬ ‫‪41‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و هي تتعبد الرب‪ ،‬و لكني كصت اقول في قرارات نفس ي يسوع‬ ‫سيكون احمقا بان يترك الجزائريرن في فقرهم املدقع ‪،‬و كل‬ ‫املظالم التي يعيشون فيها ‪،‬و يصظر الى امي التي كانت تضع طقما‬ ‫من الجواهر يمكصه ان يسد رمق عشرة عائالت منهم ملدة شهر رةما‬ ‫او اكثر‪ .‬كصت ارى الامر مدعاة للسخرية‪.‬‬ ‫ابي لم اره يولي لليسوع ابدا‪،‬و لكني كصت اراه يمزح مع اصدقائه‬ ‫مطوال عصه لذلك اعتبرت مزاحه صالة و احترمتها‪ ،‬فكما كصت‬ ‫اصمت و امي تولي كصت اصمت كذلك و ابي يمازح اليسوع‬ ‫بحكايات طريفة عصه‪.‬‬ ‫سمعت امي تقول كثررا ان اليسوع يحب الجميع‪،‬و سيسامح ابي‬ ‫بالتأكيد على نكته‪ ،‬فهو لم يكن يريد سوى اسعادنا‪.‬و اليسوع‬ ‫الذي ضحى بدمه ليمحي خطايانا لن يتوانى على ان يضحي بكبريائه‬ ‫ألجلصا كذلك‪.‬‬ ‫و لكن الش يء الذي انتابني دائما حررة ‪،‬و اضطرابا حيال اليسوع‬ ‫هو وجوده على تلك الحالة املزرية الى الابد‪ ،‬عاريا تماما على‬ ‫حائط كل املؤمصرن به‪ ،‬كصت اظن ان هذه اكبر اهانة لله ما على‬ ‫الاطالق‪.‬‬ ‫‪42‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كبرت في ذلك الجو الروحاني الساخر‪،‬و ورثت ديني املسيحي عن‬ ‫اهلي مثلما يرث كل اتباع الديانات الاخرى دياناتهم‪ ،‬و مثلما ترث‬ ‫الفراشة موتها اتبعت اليسوع املخلص دون ان اصلي له و ال مرة‪،‬‬ ‫و في اغلب اعياد امليالد كصت اناجي البابا نويل بدال عصه‪ ،‬كانت‬ ‫احالمي ان امتلك كل عيد دمية و مالبس ألغرر لها‪ ،‬و خزانة لتلك‬ ‫املالبس‪ ،‬و من فرط الامصية املتكررة التي كانت تتكرر كل عيد‬ ‫تكدست لدي الدمى في البيت و اسرتها و خزاناتها‪،‬في الحقيقة‬ ‫الدمى كانت للفتيات و لكني كصت متعلقا بها و لم اكن ألتوقع عيدا‬ ‫بال دمية جديدة ‪.‬‬ ‫صورتي تلك رسمت ابتسامة متجذرة في وجهي‪ ،‬لم تكن تريد ان‬ ‫تترك بوري يأفل عنها‪ ،‬بقيت انظر للوورة تلك و انا اتذكر كل‬ ‫لحظات طفولتي املرحة‪ ،‬املرحلة التي صصعتني و اسست ملا اكونه‬ ‫اليوم‪ ،‬فما طيفي الجالس هصا يتذكر حقيقته إال شبح من تلك‬ ‫الايام يقارع قمر الحياة ليتفجر على ناصيته‪ ،‬و يخرج خبز‬ ‫الذكريات‪ ،‬و ليلتهمني‪ ،‬و ليعيدني لشاطئي ذاك الامس برجلي‬ ‫العارية‪ .‬رمل السصرن الذاهب كزوبعة غادية مع نار حطب ملتهب‪،‬‬ ‫توارع خطى القزم التعيس الذي يعيش بداخلي متسكعا برن‬

‫‪43‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الحانات ليعود طفال من جديد‪ ،‬و تعود الحياة التي برن مساماتي‬ ‫الى طفولتي السرمدية‪.‬‬ ‫في الوورة املخمرة بزةدة الغياب تلك ‪،‬كصت ابدو في السن الثالثة‬ ‫او الثانية من عمري امام شجرة عيد امليالد‪،‬سصة ال تسع مائة و‬ ‫واحد و اربعون او الا سصة رةما‪ ،‬او في تلك الحقبة ال ادري‪ ،‬و في‬ ‫الحقيقة ال اتذكر كيف التقطت تلك الوورة و لكن الاجدر ان ابي‬ ‫قد احضر املوور الى البيت ايام الاعياد ككل مرة‪.‬‬ ‫حيث كان ابي يحب تخليد اللحظات لم يكن ذلك الانسان‬ ‫التعيس الذي يعيش حياة تفكر في املوت او النسيان‪ ،‬بل كان‬ ‫يقدس اللحظة و يقدس عائلته ‪،‬كان يحب املزاح و الضحك و‬ ‫يحب القمار و كذلك الصبيذ الاحمر‪ ،‬كان ألبي ثالثة عشر قبعة‬ ‫احتفظ انا بها لالن‪ ،‬و لكني ال ارتديها هي قبعات من كل الاشكال و‬ ‫الالوان حتى انه قد اقتنى الطرةوش الجزائري و اضافه الى عدد‬ ‫قبعاته املنزلية ليكتمل العدد الى اربعة عشر‪ ،‬و لكني لم اجده‬ ‫بعدها و لذلك لست احمله معي اليوم و لكني احمل ذكراه الطيبة‬ ‫في داخلي كما تحمل الغصكر طفلها‪ ،‬ففي ذلك الوقت فقط‬ ‫احسست بقابلية مجتمع املستوطصرن الوغرر هصا بالجزائر‬ ‫باالنفتاح على الاهالي و امكانية التعايش و املساواة‪ ،‬عصدما رأيت‬ ‫‪44‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ابي يضع الطرةوش بحب و شغف فوق رأسه شعرت و انصا‬ ‫نتوالح اخررا مع انفسصا‪،‬و مع انسانيتصا التي ضيعنها بلهفتصا وراء‬ ‫املوالح العرقية‪ ،‬واضعرن شعبا بأكمله يقاسمصا نفس الهواء في‬ ‫سجن كبرر خانق ظصا مصا انصا ارقى الشعوب بكل عصورية و تفاهة‬ ‫و غباء ‪.‬‬ ‫كانت الاضواء و الصجوم امللونة على شجرة عيد امليالد تعطي‬ ‫طفولتي معنى حقيقي و فلسفي عميق‪ ،‬فانا كصت ارى في الشجرة‬ ‫تلك رابطة طبيعية بيني و برن الحياة‪ ،‬اما تلك الانوار عليها كان‬ ‫تغريني بان ادفع الظالم خارجي‪ ،‬و اترك اشعة الشمس تتغلغل‬ ‫بداخلي مثلما تتغلغل برن سصابل القمح في وطصصا هذا لتصبت مني‬ ‫انسانا حيا بضمرره‪ ،‬ففرق كبرر برن من عاش في غياهب الومت و‬ ‫الظالم‪ ،‬و برن من عاش برن الشموس محدثا للحكمة و الحياة‪.‬‬ ‫و الن الجزائر كانت دائما معطاءة للشمس كانت ايام طفولتي‬ ‫اجمل ايام‪ ،‬كصت التقط فيها الاشعة و اقطف الشمس كل يوم‪،‬‬ ‫فحتى في فول الشتاء كانت الشمس تزورنا كأطياف الاحجار‬ ‫الكريمة او الكريستال عصدما تتالال في شعاع بداخل الكهوف‬ ‫املظلمة‪ ،‬كانت تتسلل برن الغيوم العطرة بإخالصها للفالحرن‬ ‫لتلقي نظرة على ابصائها و لتتأكد انهم بخرر‪.‬‬ ‫‪45‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الشمس هصا تعشق الجزائر و كأنها في عالقة حميمية معها‪ ،‬و‬ ‫كذلك كانت الجزائر تحب شمسها‪ ،‬تعشقها فكل قوص الحب‬ ‫كانت تكبر تحت اشعتها في هذه الارض و تزهر رحيقا للحياة و‬ ‫السعادة و الالوان‪ ،‬كما تصتش البذور اول حب لها لتبرز جنسا مع‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫عصدما اتذكر الايام الاولى لطفولتي تستوقفني نظرتي للحياة في‬ ‫ذلك الوقت‪ ،‬لم افكر ابدا في املوت كصت اظن ان الانسان يولد الى‬ ‫الرجعة و لذلك كصت اعيش دون ان افكر في ش يء على الاطالق‪،‬‬ ‫كصت ال افكر سوى في اللعب و الدمى و الحياة و اليوم الذي اعيش‬ ‫فيه و اليوم الذي بعده‪ ،‬و عصدما كصت اشعر بامللل كصت احضن‬ ‫امي بقوة كان حضنها كفيال بإعادتي لشغفي الطفولي من الجديد‪،‬‬ ‫و انا اعيش جصة الخلود بكل اريحية‪.‬‬ ‫و لكن الخلود في حقيقة الامر ال يعني ان نعيش الى الابد بل ان‬ ‫نموت مرة واحدة‪ ،‬فكل التفكرر في الذكريات ال يجعلصا سوى ان‬ ‫نصكر حاضرنا‪ ،‬و نلج بذاتيتصا الى البقعة التي نريد العيش فيها الى‬ ‫الابد‪ ،‬قد تكون تلك الذكريات سيئة لحد ال يوصف و لكصصا‬ ‫نتذكرها بسعادة انتهاء الالم‪ ،‬فما السعادة سوى انعدامه و هل‬ ‫هصاك من هو اسعد من الحجارة‪ ،‬الخلود كما تلك الوورة ان‬ ‫‪46‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫نعيش لحظة واحدة تبقى فيصا و نبقى فيها ال تغادرنا و ال نغادرها‪،‬‬ ‫وال تغادر العالم بما تبقيه من انكماش على وتر الزمن تؤثر على‬ ‫جزيئات الهواء فتبعثرها الى الابد البعيد‪ ،‬و عصدما نموت نكون قد‬ ‫خلدنا في انفسصا بما فيه الكفاية لصموت الى ابدنا الخاص موتة‬ ‫الخلود‪ ،‬و لذلك لست اخاف املوت اليوم‪.‬‬ ‫و لكن مثل هذه الفكرة لم تكن لتخطر ببالي و انا طفل يراقص‬ ‫انغام اللهو مع العوافرر‪ ،‬و يشد على يد هللا لررسم معه قلبا‬ ‫بالطباشرر على الخشب الاسود‪ ،‬فالخلود كان امرا بديهيا لي فانا لم‬ ‫اعرف معنى املوت و ما يقوده بعد‪ ،‬و لذلك كصت ارى عالم البشر‬ ‫كعالم الالهة و لم افكر يوما ما في ان يسوع قد يكون الها وحيدا‪،‬‬ ‫فما هو الا الانسان الذي يتكرر في كل واحد فيصا‪ ،‬فلما تعرفت‬ ‫على معنى الاله كصت في ذلك الوقت قد رسمت معنى للخلود ال‬ ‫يشبه املعنى الذي اعرفه اليوم البتة‪ ،‬بل يشبه انسانا اخر ضخم‬ ‫بشعر كثيف و لحية طويلة يجلس في مكان ما يمضغ العلك و‬ ‫يتورف في حياتصا‪ ،‬يمرز برن البشر احيانا‪ ،‬يرفع واحدا و يذل‬ ‫الاخر‪ ،‬و لكصه في النهاية يحب الصبيذ كما يشتهي رائحة الدجاج‬ ‫الرومي و هو يتحمر في البيوت ايام الاعياد‪ ،‬كما يحب البوش او‬

‫‪47‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حطب الشوكاالطة الذي تزفه العائالت لبعضها البعض عرةونا‬ ‫للمحبة في ميالده املخلص الحي ‪.‬‬ ‫بدأت طفولتي حيث يجب ان تنتهي‪ ،‬و في ذلك الوقت وحده‬ ‫عاهدت تراب هذا الوطن على ان ادفن فيه حيا و ميتا و مخلدا‪،‬‬ ‫و لن اسمح لجزيئاتي ان تتحلل في ارض اخرى سوى هذه فالى هصا‬ ‫انتمي‪ ،‬و هصا سابقى‪،‬و كذلك سأفعل اليوم‪.‬‬

‫‪48‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪3‬‬

‫موسم البرتقال‬

‫في عالم الوور تزهر املشاعر و يولب املسيح الذي فيصا في‬ ‫الزمن‪ ،‬و نتذكر انفسصا فيها في اللحظات التي ننس ى فيها من نكون‬ ‫و الى حيث ننتمي‪ ،‬و الوورة الثانية كانت تشرر فيها عقارب‬ ‫الساعة التي بداخلي و املعلقة على الحائط الى الساعة الرابعة و‬ ‫العشرين دقيقة‪ ،‬لم تكن عقارب الساعة واضحة جدا و لكني‬ ‫كصت اراها و كأنها امامي‪ ،‬رةما هي ساعات يوم كاملة تختزله في‬ ‫تلك العقارب الغرر واضحة في صورة رديئة باألبيض و الاسود‪ ،‬من‬ ‫ذلك الزمن البعيد في الزمن‪ ،‬و الجالس بقربي بل بداخلي‪ ،‬يصبتني‬ ‫من جديد بعد ان توقفت جذوري من وقت بعيد عن شرب ماء‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫هي الوورة الوحيدة لي مع ابي عصد املوور كان ابي ببدلة‬ ‫كالسيكية و زهرة في جيب سترته الايمن‪ ،‬حسب ما كصت اتذكر‬ ‫فان لونها كان اصفرا لقد كان لونه املفضل‪ ،‬و كان يضع قبعة‬ ‫‪49‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كعادته كعضو اخر لم يخلق معه و لكصه اختاره لصفسه‪ ،‬اما انا‬ ‫فكصت اعانق رجله خوفا من الة التووير رافعا ابهامي و كأني‬ ‫الوح باني في حالة جيدة عكس ما كصت اشعر به في ذلك‬ ‫الوقت‪،‬ففالش الكامررا كان قويا جدا و كصت اظن انه يستطيع ان‬ ‫يمحي العالم في لحظة و يحبسصا في عالم الوورة‪ ،‬كان خوفي من‬ ‫املوورة يشبه كرهي للقبعات‪ ،‬مشاعر كصت اشعر بها لكني ال اجد‬ ‫تفسررا لها مصذ والدتي‪.‬‬ ‫فبعض املشاعر تصبت فيصا كما يصبت عادة الترفاس في صحراء‬ ‫وطصصا الكبرر‪ ،‬تصبت دون علمصا و بكل استقاللية و كأنها تتكون في‬ ‫احشاء العدم‪ ،‬و حيث كانت تلك املشاعر تتدحرج الى الواقع من‬ ‫مكان ال اعلم ما هو كان ابي وسيلة المتطاء العالم و التعرف عليه‪.‬‬ ‫حسب ما اتذكر كان سني في ذلك الوقت حوالي خمس سصوات‪ ،‬و‬ ‫لكني كصت قوررا نوعا ما بما يوحي و كأني في سن اصغر‪ ،‬و حتى‬ ‫تورفاتي لم تكن لطفل في الخامسة من عمره فانا تعودت على‬ ‫الدلع املفرط البي الحصون الذي كان يشعرني بحب كبرر‪ ،‬يجعلني‬ ‫اتخيل نفس ي امررا في حديقة رةيعية مبحرة فوق زهر اللوز‪،‬‬ ‫فعالقتي بابي عالقة قوية جدا تشبه الى حد ما عالقة املوورة‬ ‫بواحبها‪ ،‬او كعالقة الفالح بأرضه‪ ،‬كان ابي هو املصظار الذي‬ ‫‪50‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اشاهد به العالم‪ ،‬لقد كان شخوا مرحا يحب الحياة و يحتس ي‬ ‫الكثرر من الصبيذ الاحمر‪.‬‬ ‫قبل سصوات قوررة‪ ،‬باريس كانت قد سقطت على يد الصازيرن اما‬ ‫ابي لم يهمه ش يء سوى ان اكون سعيدا‪ ،‬لم اكن ارى فيه ذلك‬ ‫البائس الذي يهتم كثررا لألحداث السياسية‪ ،‬لم يمثل له هتلر ابدا‬ ‫ذلك الوحش الذي يخيف‪ ،‬لقد كان يقول ألصدقائه دائما هتلر‬ ‫رجل و ككل رجال العالم كان يمكنهم هزيمته بمهبل امرأة فاتصة‬ ‫عوض ان يزهقوا كل تلك الارواح ألجله‪.‬‬ ‫كان يأخذني للسرك و الحرب قائمة ال تنتهي في اوروةا‪ ،‬مع كل‬ ‫شقلبة في العرض كان يموت املئات تحت قصابل الطائرات هصاك‪،‬‬ ‫كلما يرفع فيل خرطومه كانت دبابة تقوف املدن في الشمال‪ ،‬و‬ ‫حيث كانت عيني تراقب السماء الزرقاء هصا و انا استمتع بوقتي‬ ‫كانت اوروةا مشتعلة في حرب قذرة‪ ،‬مات فيها لحد تلك الساعة‬ ‫مئات الاالف من الابرياء العزل‪.‬‬ ‫امي كانت تهتم كثررا ألخبار تلك الحرب اللعيصة فمديصة اجدادها‬ ‫باريس اصبحت تحت حكم الاملان‪ ،‬لقد كان شعورا مؤملا جدا‬ ‫بالنسبة لها فأمي بالرغم من انها ولدت هصا هي الاخرى و لكن‬ ‫‪51‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫موطن امها و اباها الاول كان تلك املديصة التي سرقت من شعبها‪ ،‬و‬ ‫لكن ال امي وال احد من الفرنسيرن فكر في ذلك الوقت انهم هم‬ ‫ايضا يقفون على ارض ليست ارضهم‪ ،‬فلما لم يتساءلوا ابدا عن‬ ‫احساس هذا الشعب هصا الذي يعيش كمهاجر متسلل في ارضه‪،‬‬ ‫ألنهم‬

‫بكل‬

‫بساطة‬

‫ال‬

‫يشعرون‬

‫إال‬

‫بمعاناتهم‬

‫الشخوية‪،‬فالفرنسيون هصا كانوا يبدون فرحرن بهذا التقسيم‬ ‫الطبقي العصوري‪ ،‬و كلما كان احدهم يتورف بطيبة كان ش يء ما‬ ‫يدفعني للضحك‪.‬‬ ‫هكذا هو الانسان اناني لدرجة ال تطاق‪ ،‬يعيش في حالة صراع مع‬ ‫نفسه و يظن انه املصتور بالرغم ن انه دائما املهزوم‪ ،‬فكيف‬ ‫ينتور الانسان عصدما يكون املهزوم هو نفسه الانسان‪.‬‬ ‫كصت اعيش حالة مفارقة عجيبة مع نفس ي‪ ،‬فمن جهة كصت‬ ‫سعيدا بكل ما كان يقدمه لي اهلي من انبساط‪ ،‬و من جهة اخرى‬ ‫كانت سعادتي تغتال في كل نظرة تقع غفلة على حافة اعرن اخوتي‬ ‫املختلفرن اللذين يقاسمونني نفس الوطن‪ ،‬هذا الذي لم اعرف‬ ‫غرره فبالرغم من طفولتي و شح املفاهيم في عقلي ذلك الوقت‪ ،‬إال‬ ‫انني لم استطع ان اسعد كثررا و انا ارى الام الاطفال من حولي في‬ ‫حالتهم البائسة‪ ،‬كصت اشاركهم نفس الشعور و على رغم من عدم‬ ‫‪52‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تبلور ادراك حقيقي لألشياء من حولي و للمفاهيم‪ ،‬و على الرغم‬ ‫من اني الزلت في سن ال اتمتع فيها بكل مخارج الحروف‪ ،‬الا ان‬ ‫الانسان يولد انسانا و يفقد انسانيته مع الوقت او يحافظ عليها‪،‬‬ ‫و لتلك الساعة كان الانسان بداخلي يرفض ذلك الظلم من حوله‬ ‫حيث ال يحتاج الانسان للكثرر من الذكاء ليستطيع ادراك ما هو‬ ‫خرر و ما هو شر‪ ،‬فكل ما يحتاجه هو القليل من حقيقته‬ ‫كانسان‪.‬و لذلك فقط كانت بداياتي الاولى اكبر من سني و كان‬ ‫كلما يمد رجل يده لرربت على شعري او يداعبني امام اهلي كصت‬ ‫انزع يده و امد له لساني و اعانق ابي بكل احتقار‪ ،‬ذلك ألني كصت‬ ‫امقت عصوريتهم اتجاه من يشاركونصا هواء هذه املديصة‪ ،‬و ارفض‬ ‫ان يعاملني احد و كأنه اكبر مني سصا‪ ،‬و هو في حقيقة الامر ال‬ ‫يملك حتى انسانيته ( نفاقكم اتركوه ألنفسكم ال تلمسوا شعري )‪،‬‬ ‫فشعري ال يمسه إال املطهرون على رأي املسلمرن‪ ،‬وال استطيع ان‬ ‫اترك شعري الذي كان اول ما احببته في حياتي لعبة في يد قذرة‬ ‫تتمتع بألم الاخرين‪.‬‬ ‫لم ارى ابي ابدا يعامل جزائريا بعصف و لذلك كان من البداية‬ ‫قدوة لي‪ ،‬كصت ارى فيه مثلي الاعلى فهو لم يدعي ابدا التدين‪ ،‬و‬ ‫لكصه كان انسانا بأتم معنى الكلمة و رةما ورثت هذا عصه و وضعته‬ ‫‪53‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الى الابد في قاموس ي ابجدياتي و مبادئي‪ ،‬و صيغ بأحرف ذهبية على‬ ‫جلدي الابيض‪ ،‬و ورثت مصه طيبته و ابتسامته التي ال تخجل من‬ ‫الحزن تعرف كيف تجعل من‬

‫انذل اللحظات شامخة في‬

‫الابتسامة و الضحك‪.‬‬ ‫كان مروري في هذا املقطع عن ابي ضروريا ألقص حياتي‪ ،‬فأبي لم‬ ‫يكن ابا فقط بل كان مدرسة فهو الذي اعطى ظهره لكل التقاليد‬ ‫الاجتماعية البالية‪ ،‬اسدى لي معروفا كبررا فهو لم يفتح عيني‬ ‫فقط للحياة‪ ،‬بل فتح عقلي كذلك للتمرد على الافكار العامة التي‬ ‫تصخر املجتمع‪ ،‬كصت اسمعه يردد مرارا و تكرارا ( ان اردت ان تعش‬ ‫حرا ال تترك ابدا مجتمعك يشعرك انك كذلك )‪ ،‬فحسبه املجتمع‬ ‫يوهم افراده بحرية غرر حقيقية حرية وهمية كتلك الحرية التي‬ ‫توصعها اجصحة الدجاج‪ ،‬فال حاجة لإلنسان بأجصحة شرفية ال‬ ‫تجعله يطرر‪ ،‬فالطرران فعل ضروري في اي مفهوم مبسط عن‬ ‫الحرية‪ ،‬و ابي لم يكن يالحظ اني كصت احفظ الكثرر من الدروس‬ ‫من طباعه و لكن قد تعلمت الكثرر على صغر سني ‪.‬‬ ‫و في البيت كانت العالقة بيصه و برن امي عالقة غرامية تشبه‬ ‫السيصما‪ ،‬فلطاملا كان يدللها و يراقوها بكل شاعرية‪ ،‬فالزلت‬ ‫اتذكر كيف كان يطفئ الليل بشموع رومانسية تتوهج في البيت‬ ‫‪54‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لرراقص امي على انغام هادئة‪ ،‬كان يضع يده على ظهرها و يرفعها‬ ‫قليال لتقترب شفاهها من شفاهه‪ ،‬يراقوها حركة و لغة‪،‬‬ ‫يستعمرها بكلمات تشبه الومت الاخرر بعد املوت‪ ،‬يرفع يدها‬ ‫اليمنى ليديرها حوله ثم يباغتها بحضصه و يلقفها مثلما تلقف‬ ‫الشمعة اصبعي و انا احاول ملس شعلتها من بعيد‪ ،‬ابي كان يعرف‬ ‫جيدا كيف يجعل امي سعيدة‪ ،‬كان يضمها كثررا و يقبلها في كل‬ ‫وقت حتى و هي تولي لليسوع ‪ ،‬كان ابي يغمرها بحصانه حتى اني‬ ‫بت في شك كبرر في اليسوع الحقيقي الذي كان يمصحها الخالص‪.‬‬ ‫اتذكر انه كان يفتخر مرارا بجسده امامها فكان كلما يريد حضصا‬ ‫دافئا منها تراه يمش ي في البيت عاري الودر‪ ،‬و انا لم اكن ذلك‬ ‫الطفل املزعج ابدا فقد كصت اشعر بحصانه في كل مرة يعانق فيها‬ ‫امي على الرغم من غررتي عليه‪ ،‬و لكن مصظرهما معا يتبدالن‬ ‫الصظرات القاتلة‪،‬و القبالت الدافئة على ضوء الشمع‪ ،‬و تلك‬ ‫الحركات التي لم اكن اعرف لغاية تلك اللحظة انها تسمى رقوة‪،‬‬ ‫كانت تشد انظاري فانا كصت على صغري كثرر السهر‪ ،‬و امي لم‬ ‫تكن تلك الام التي تجعل اطفالها يصامون مبكرا فشغفها باالستماع‬ ‫يجعلها اكثر راحة‪ ،‬و انا على سجيتي ابادل نفس ي بعض الالفاظ‬

‫‪55‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫العشوائية لطفل تعلم نطق الكلمات لتوه على انغام اسطواناتها‬ ‫املقدسة‪.‬‬ ‫ابي كان يمال بيتصا محبة و سعادة و مروري عليه مرور البخالء لن‬ ‫يجعل روايتي هذه في حكم الرواية ابدا‪ ،‬فما قد اثر به على‬ ‫شخويتي ال يمكصني ان اتجاوزه بعبارة او عبارترن‪ ،‬فقد كصت‬ ‫اعتبره يسوعا حقيقيا يتجسد كل لحظة امامي في طفولتي تلك‪،‬‬ ‫ليمالني حضورا بحبه الكبرر الذي ال يشبهه ش يء في العالم سوى‬ ‫حب الشمس ألركان هذه الارض التي تشبه كصيسة على ظهر‬ ‫سفيصة تدق اجراسها للعاشقرن‪.‬‬ ‫و على ذكر العاشقرن فان مديصتصا الجي كانت تزخر بهم في كل مكان‬ ‫و في كل زاوية‪ ،‬كصت استرق الصظر اليهم و ابي يحملني فوق اكتافه‪،‬‬ ‫كصت اشاهدهم يعطون الحمام بعض الرز و اخرون يتبادلون‬ ‫القبل في الشارع‪ ،‬و البعض الاخر يداعب الشمس التي تداعبهم‬ ‫بدورها‪ ،‬كانت تلك املشاهد تطبع ايقونات ال تنس ى من مديصتي من‬ ‫زاوية عالية و حصونة‪ ،‬و انا استمتع بأيامي الاولى مع ابي اصد وجه‬ ‫العصورية بودره‪،‬و اتمرغ في الحرية على مقرةة من رقوته مع‬ ‫امي‪.‬‬

‫‪56‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و امي بدورها لم تكن تلك املرأة التي تقض ي طيلة يومها تختار ما‬ ‫تلبس‪ ،‬و لكنها كانت سيدة بيت تعتني بصفسها في حدود جمالها‬ ‫الخارق الذي ال يحتاج للكثرر من العصاية لكي يبرز‪ ،‬فجمالها‬ ‫الهادئ و الفاتن كان يظهر و يختفي منها كومضات سريعة ثالثة‬ ‫مرات كل لحظة‪ ،‬و في تلك الهصيهات القوررة جدا من البشاعة برن‬ ‫اللحظات العميقة من الجمال كان قبر السحابة يلتفت ليمطر‬ ‫السكون‪ ،‬الذي كان يعطي فرصة للصاظر اليها للتفكرر مليا في‬ ‫جمالها املهذب و الراقي و رةما هذا هو الجانب الذي ورثته عن‬ ‫امي‪ ،‬زيادة على شغفها املتواصل بالراديو‪ ،‬و اظن اني ابي كان‬ ‫محظوظا جدا بها فال انثى في العالم يمكنها مقاومة كلماته و‬ ‫اصواته‪ ،‬كما اني متأكد انها لو دارت العالم بأسره لن تجد رجال‬ ‫مثله‪ ،‬فأبي كان الرجل الوحيد في العالم من يحقق الخالص للمرأة‬ ‫بضمة صدر‪ ،‬و يلغي الروترن البشري في قبلة‪ ،‬و يقض ي على الحزن‬ ‫بودره العاري الذي كان يعطيصا الكثرر من الحرارة بالبيت‪.‬‬ ‫لقد كبرت في هذه الاسرة الحصونة التي قد يصقوها اي ش يء إال‬ ‫الجمال‪ ،‬كبرت في عالم روحاني من املحبة و الشغف املتواصل‬ ‫باألشياء من حولي‪ ،‬وفي سن مبكرة جدا اطلقت العوفور من‬ ‫قفوه و تركته يطرر بحرية و سالم‪ ،‬و لم ابه كثررا للقضبان فهي‬ ‫‪57‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الاخرى عليها ان تأبه للحام فليس في العالم ما يخيف اكثر من‬ ‫قفص تقدسه الاوهام‪.‬‬ ‫و العوافرر الجزائرية كانت تحادثني بلكصة غريبة لم اكن افهمها‪،‬‬ ‫فلغتها كانت اقرب للغة الاهالي مصه الى لغة املستوطصرن‪ ،‬حيث‬ ‫حافظت هي الاخرى على هويتها حرن اراد الشر ان يرافقها الى‬ ‫الاحتضار‪.‬‬ ‫و كزقزقة عوفور جريح كان الوبية يمسحون احذية املصافقرن‪،‬‬ ‫و يبتسمون بشراهة تلتهم السماء‪ ،‬ال لش يء سوى الن الحياة‬ ‫الجميلة ال تقتض ي املال الكثرر‪ ،‬و انما غاية للحياة تكون هدفا‬ ‫مستصررا يضمد جراح العوفور تكون الحياة فيها وافرة بالحياة‪.‬‬ ‫و كشهد نحل يقوم مساحو الاحذية بإعالة عائالتهم‪ ،‬تكليف لهم‬ ‫يرونه تشريفا اكثر مصه ذال‪ ،‬فتغدو العوافرر اسمى شموسا‬ ‫للتضحية التي قد تض يء ابتسامة حقيقية‪ ،‬حيث يريد لها ذلك‬ ‫املصافق الشرير ان تافل ليشعر بتكبره عليها‪ ،‬هم وجدوا غاية‬ ‫لحياتهم بكل بساطة تحققهم كبشر‪ ،‬بيصما الاخرون مازالوا يهتمون‬ ‫ألحذيتهم اكثر من انسانيتهم بكل حقارة‪.‬‬

‫‪58‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫العوافرر خلقت لتطرر و كذلك اؤالئك الاطفال من حولي‪ ،‬و كذلك‬ ‫انا حيث لم اكن احب الجلوس في البيت كثررا‪ ،‬فقد عودني ابي‬ ‫على التجوال برن ازقة مديصتي املحلقة في شغف الاصوات كمذياع‬ ‫امي‪ ،‬و قد تعودت ان اخيط الشوارع كل صباح كقماش يطرز‬ ‫بأقمار الجصة لينسدل على الجسد املرتحل في الجمال الغاط في‬ ‫نوم الاطفال‪ ،‬جسد ابيض كان يشوةه بعض الحزن على اطفاله‬ ‫الضائعرن‪ ،‬جسد تعودت املش ي على جلده الرطب و تعود هو على‬ ‫راحة قدمي الوغررة التي بدأت تحيك بعض جذورها عليه‬ ‫لتتول مع هذه الارض‪ ،‬التي بدأت هي الاخرى تتجذر بداخلي و‬ ‫تترك بي انطباعا عميقا يشبه ابار الصفط التي ثبتت الاستعمار اكثر‬ ‫بهذا البلد‪ ،‬غرر ان الابار التي كانت بداخلي كانت خالدة و صادقة‬ ‫ال تباع و ال تشترى‪ ،‬ابار من املحبة الخالوة التي لم اعرف ابدا‬ ‫تفسررا لها كجزء من تلك املشاعر التي ال نعرف مودرها و لكصصا‬ ‫نشعر بها بودق‪.‬‬ ‫الساعة كانت تشرر في الوورة بداخلي و على الالبوم الى الرابعة و‬ ‫العشرين‪ ،‬لم اعرف ملا اختار ابي املساء اللتقاط الوورة بالرغم‬ ‫من انصا كصا مع بعض كل الوقت من الوباح الباكر الى ان تنهض‬ ‫الصجوم من نومها كل ليلة‪ ،‬فانا تعودت ان ازاحم امي عليه في‬ ‫‪59‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫السرير ألنام في احضانه‪ ،‬و لكن ذلك اليوم الزلت اتذكره حاضر‬ ‫معي في هذه الغرةة‪ ،‬و اعيشه و كأني مازالت بداخل ذلك الجسد‬ ‫الوغرر اضاجع الطفولة الخرساء و السعيدة‪.‬‬ ‫فلما عدنا ادراجصا صوب البيت كانت الرياح توحي و كأنصا نغني في‬ ‫فول الخريف و الاوراق الوفراء تراقص حزنصا الذي يتشعب‬ ‫فيصا كوداع للحظات الويف الاخررة‪ .‬اخرر بالرغم من انصا لم‬ ‫نكن في فول الخريف فعال‪ ،‬فلم يمر وقتا طويال على بداية‬ ‫الويف فال تزال الجزائر تكتس ي الثوب القورر‪ ،‬والزالت املايوهات‬ ‫تزين الحياة هصا‪ ،‬رةما لم يمر سوى شهر من الويف ال اتذكر‬ ‫جيدا‪ ،‬و لكني كصت احسب ايام الويف مطوال فقد كان فوال‬ ‫هاما بالنسبة لي‪ ،‬فول البحر و السعادة تماله الالوان و‬ ‫املوسيقى‪ ،‬الا في ذلك اليوم الذي جرةت فيه ألول مرة في حياتي‬ ‫الحررة‪ ،‬حيث ما ان عدنا للبيت ضم ابي امي باندماج عميق من‬ ‫خلفها و هي تهم بالبكاء و كأنها ال تريد الصظر الى وجهه‪ ،‬ادارها‬ ‫اليه‪ ،‬و مسح دمعتها‪ ،‬و راح يعانقها و كأنه يحتضر‪ ،‬لم افهم ذلك‬ ‫املشهد تماما اذ لم يكن يمثل لي ش يء على الاطالق‪ ،‬ألني بوراحة‬ ‫ال ادرك ماهيته فحتى انا لم اكن اعرف البكاء كثررا من فرط‬ ‫السعادة في ذلك البيت‪ ،‬لم افهم ملا قد يبكي الكبار ملا قد تبكي‬ ‫‪60‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫امي التي كانت تصام على ادفى صدر في العالم‪ ،‬امي التي كانت تمسح‬ ‫دمعتي عادة ذرفت سماءا من الدموع‪ ،‬و لم تلبث مطوال تشتم‬ ‫صدر ابي و اذا بها تورخ في وجهه (اكرهك ابتعد عني )‪ ،‬لقد‬ ‫اخذتني الودمة فعال لم اكن اعرف ان الكره جميل لتلك‬ ‫الدرجة‪ ،‬و لم اكن اعرف ان كل تلك الحياة الجميلة التي عاشها‬ ‫ابي و امي و انا بينهما كانت تسمى كره‪ ،‬فانا عادة كصت احسبها‬ ‫حبا و لذلك فقد احدث الامر شرخا كبررا في عقلي‪ ،‬و كصت على‬ ‫وشك ان اغرر جميع املفاهيم التي نسجتها طيلة السصوات‬ ‫السابقة في لحظة واحدة‪ ،‬لكن ابي انقذها بضمه ألمي بقوة و هو‬ ‫يردد كما يتردد ضوء القمر على وكر الخفافيش‪ ،‬و هو يمحي فيها‬ ‫ذلك الظالم بقوله‪ :‬احبك‪ ،‬احبك‪ ،‬احبك‪.‬‬ ‫كان يقولها على غرر عادته و كانه يريد خلق دين جديد من تلك‬ ‫الكلمة‪ ،‬كان يعبر من خاللها على كل هيجانه‪ ،‬كان يبدو ذلك‬ ‫املشهد كمعركة مضطرةة برن غزال جريح و ثور فقد قدرته على‬ ‫الانتواب‪ ،‬ال افهم كيف استطعت ان اتعمق في ذلك املشهد‬ ‫مطوال دون ان اعمى او اجن‪ ،‬فقد كان الامر اشبه بكسوف عميق‬ ‫لشمس فقدت شعاعها في يدي طفل بريء‪ ،‬لم افهم ملا قد‬ ‫يتورف ابي و امي بتلك الطريقة الغريبة‪ ،‬كان مشهدهما و هما‬ ‫‪61‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يتبدالن الاحضان و القبل يرسم لوحة تكعيبية غريبة لم اتعود‬ ‫على جماليتها بعد‪ ،‬اذ يتحرك ابي كثمل فقد وعيه اثر جرعة زائدة‬ ‫من الكحول‪ ،‬و امي تتصاوب مع نفسها على مصجاة سماء مشتعلة‬ ‫كراقوة بالي نست ايقاعها‪ ،‬حيث كانت رقوتهما تلك مضطرةة و‬ ‫على غرر عادتهما دون موسيقى‪ ،‬و قد بدا لي في تلك اللحظات ان‬ ‫اضع اسطوانة و اشغل املوسيقى لهما ألتمم املشهد‪ ،‬حملت‬ ‫اسطوانة كالعادة و واضعتها على الالة‪ ،‬و انزلت ابرتها كما يضع‬ ‫املجرم سكيصه في قلب مقتوله اذ اردت ان اقتل حررتي‪ ،‬و رفعت‬ ‫على اذانهم املوسيقى و جلست على كرس ي الطاولة انتظر شيئا ما‬ ‫ليحدث‪ ،‬رقوة رومانسية مثال تصظيم ليقاع مضطرب رتابة‬ ‫اقدام تزرع املحبة على الارض‪.‬‬ ‫ضم ابي حبيبته بقوة و هي تورخ ان يتركها الى ان هدئت‪ ،‬ثم‬ ‫راحت تحضصه و كأنه وسادة طرية‪ ،‬و تحولت في برهة عرن‬ ‫عضالته الخشصة الى قطن ناعم و انتشر السكون كالهدوء بعد‬ ‫العاصفة‪ ،‬و راح ابي يلوقها بجسمه اكثر و هو يغني مع الاغصية‬ ‫بووت مبحوح و كأنه يحاول ان يجعلها تصام برن احضانه‪ ،‬اما انا‬ ‫فكصت قد تخلوت من حررتي اذ يبدو ان املشهد عاد لتوه مفهوما‬ ‫( ابي يراقص امي التي تحبه كثررا )‪.‬‬ ‫‪62‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان ألبي حضصا دافئا جدا قد يغفو عليه القمر‪ ،‬لم يمكن ابدا‬ ‫حضصا عاديا فقد كان به شيئا ما يحول دون ان تبقى صاحيا على‬ ‫متصه‪ ،‬و امي كأي عوفورة تبني عشها استعملت ريش لباسها‬ ‫لتكنز ابي في حضنها و كأنها تخبئه لألبد كعصكبوت تلتهم ذكرها‪ ،‬لم‬ ‫ارى في عيون امي شيئا اشبه بالحزن الذي رايته فيهما في ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬حيث احمرت جفونها و سال لعابها منها كما سالت منها‬ ‫الحياة‪ ،‬و لم تعرف كيف تتورف ألجل ش يء لم اكن اعرفه انا‬ ‫الاخر‪ ،‬إال انني كصت قد استجمعت نفس ي و عدت طفال من‬ ‫جديد‪ ،‬ثم نهضت من مكاني و رحت اعانق ارجلهما‪ ،‬و مدت امي‬ ‫يدها الى شعري و راحت تصفس عن غضبها و هي تمشط خوالته‬ ‫الذهبية بأصابع يديها املرتعشة ملوقف حاد جعلها تفقد اتزانها‪ ،‬و‬ ‫ابي لحزنه الشديد ذرف دمعة واحدة من عيصه اليسار و ضمها‬ ‫اكثر‪ ،‬و اكثر‪ ،‬و اكثر ‪.‬‬ ‫رأيت امي في تلك الحالة في ابشع لحظاتها و لم يغفر لها الالم‬ ‫اذ دفعها للضحك بطريقة هيستررية‪ ،‬اذا ال تضحك امي إال و قد‬ ‫كان الالم فظيعا يمزقها من الداخل‪،‬و قد امتزج ذلك الالم بنشوة‬ ‫حب زائدة‪ ،‬كانت تضحك و ابي يضمها الى صدره و قد رافق‬ ‫شعاعها الى اقدس نقطة بداخلها‪ ،‬يحاول ان يلملم منها ما تبقى‬ ‫‪63‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ليعيد دمجها بصفسها قبل ان يدمجها في قوقعته الفوالذية التي‬ ‫سماها مصذ سصوات على اسمها‪.‬‬ ‫اذ ان ابي التقى امي اول مرة في املكتبة و هي تطالع بشكل مالئكي‬ ‫خاطف للعقل‪ ،‬فأصبح يتردد كل يوم للمكتبة كحج مقدس‬ ‫ليقرأها ككتاب‪ ،‬و يرتلها كترانيم عطرة‪ .‬لم يكن ابي يقرا سوى تلك‬ ‫الكتب التي تنتهي منها هي‪ ،‬ليبدأ هو من حيث انتهت كان يشتم‬ ‫تلك الاوراق و يقرأها حرفا‪ ،‬حرفا فيديها الصاعمترن قد المستها‪ ،‬و‬ ‫قد كان عطرها قاب قوسرن او ادنى من نسجها حية في غالف‬ ‫الكتاب‪ ،‬كما كانت هي كائصا مالئكيا جميال في صفحات وعيه‪،‬‬ ‫فالكتاب الذي وقعت عيصاها عليه كان اقدس من اي كتاب في‬ ‫العالم‪ ،‬كل كتاب تقرأه هو افضل كتاب في العالم‪ ،‬فأبي عشق‬ ‫فيها سكونها و هدوئها الذي يخبئ فيه اسرارا عميقة كنهر يقطع‬ ‫الجبال بانسيابه‪ ،‬كجبل يكسر السماء برسوه‪ ،‬كبحر يرسم افقا‬ ‫بعيد ال تلمسه يد الشعراء‪ ،‬عشقها لبراءتها و ابتسامتها الاخاذة‬ ‫فقرر ان يسقط في غرامها كما يسقط الصرزك في حديقة ما بعد‬ ‫املوت‪.‬‬ ‫عشق كل تلك الكتب التي قرأتها و اصبحت املكتبة على مقرةة‬ ‫لقلبه من حبل الوريد‪ ،‬استسلمت شراييصه اليها و غدا من مساء و‬ ‫‪64‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫مساء يخلق نفسه مجددا انسانا جديد‪ ،‬فبالرغم من تكررها‬ ‫أالف املرات في أالف املشاهد حوله‪ ،‬و هو الذي لم يكن يفكر في‬ ‫انسان اخر سواها إال انها كانت تقتل الروترن بشكل بشع‪،‬‬ ‫فالروترن كان يموت في هدوئها كما كان يموت ابي كطفل يولد‬ ‫ملليون مرة عصدما تقع عيصاه بالودفة على رموشها و هي تخفض‬ ‫نفسها كجصاح مالك اسرر في الجمال‪ .‬لم يفهم ابي نفسه لقد قص‬ ‫علي قوته اكثر من مرة‪ ،‬و كان يقول اني ساجد حب حياتي يوما‬ ‫ما في شغفي و مكان لن اتوقعه ابدا ان يكون بداية ملشاعر ال‬ ‫تنتهي بداخلي‪ .‬ابي علمني ان الحب ليس ان نكتب الشعر صباح‬ ‫مساء‪ ،‬بل ان تراه محلقا في كل مكان‪ ،‬ان ترى العالم شعرا ال‬ ‫يستطيع شاعر كتابته‪ ،‬فعصدما نحب نرى العالم جميال‪ ،‬و ابي قال‬ ‫لي متى احسست ان العالم غدا برن لحظة و توأمتها كذلك كن‬ ‫متأكدا انك وقعت في الحب‪ ،‬فعصدما يجد الانسان نوف روحه‬ ‫يتشبث الصوف الذي فيه كاملغصاطيس بالصوف الاخر‪ .‬و هو وجد‬ ‫فيها شيئا كان يدفعه بشكل غريب لكي يقبلها كفراشة تحط على‬ ‫ورد الرةيع‪ ،‬حاول اصطيادها كفهد طائر إال انها لم تكن طريدة‬ ‫سهلة‪ ،‬كانت فهدا هي الاخر تبحث عن واد يحمل شموعها الى‬ ‫قور الغرام‪ ،‬و ابي فهم رومانسيتها املتمردة و عرف كيف يدخل‬ ‫عليها من الباب الذي تفتحه كل يوم‪ ،‬من باب الكتب‪ .‬الكتب التي‬ ‫‪65‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كانت تحمل في طياتها خاتم الخطوةة‪ ،‬و تسلقت الاماني جدران‬ ‫الفصجان‪ ،‬و قرأته عجوز القدر بحب بليغ و جمعتهما في حب واحد‬ ‫و حياة واحدة‪ ،‬و كان عرسهما في مسبح اذ قررا ان يستبدال خاتم‬ ‫الزواج و هما مبلالن كما عمد يوحصا املعمدان املسيح ابن هللا ‪ ،‬و‬ ‫كصت انا من بعد ذلك من برج الحوت كررقة صغررة تخرج من بحر‬ ‫من الحب و الدفء و الحصان‪.‬‬ ‫ابي لم يعرف في حياته حبا سوى امي لذا غمرها بما لم تشعر به‬ ‫ابدا‪ ،‬و هي تقرا كتبها و تستمع للمذياع‪ ،‬امي كانت صوتيه و‬ ‫يمكصني ان اتخيل ان ابي كان يقرا على مسامعها ماليرن الكلمات‬ ‫الحلوى التي قد الهبت مسامعها كعشق ابدي و كلطف يحوم في‬ ‫الغرفة عليها‪ ،‬كان ابي يتعمد ان ال يجعلها تضحك بووت قوي‬ ‫فالم حبه و هو يدغدغ انوثتها ال يمكصه سوى ان يجعلها تحبه بكل‬ ‫سكون و هدوء‪ ،‬و عصدما تتشعب فيه و هي تراقوه بحزن كذلك‬ ‫اليوم‪ ،‬كانت تبدو بكل مفاتنها انها انثى ضعيفة ال تريد ان تخرج‬ ‫من صدره‪ ،‬و رائحته املشبعة بالرائحة التي قرأها معا كما تتصفس‬ ‫الرئترن معا او تموتان معا‪.‬‬ ‫لقد كانت تلك الرقوة الغريبة التي يتغمدها الحزن مثررة للريبة‪،‬‬ ‫لم افهم ملا قد تبكي امي‪ ،‬ملا قد يحدث كل ذاك‪ ،‬ملا قد تنس ى‬ ‫‪66‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫خطوات رقوتها املعتادة و تحضن ابي‪ ،‬ملا ابي قد يردد على‬ ‫اوجاعها كلمات الاغصية بووت مبحوح‪ ،‬لم افهم ش يء من تلك‬ ‫الاحداث سوى اني قد التقطت صورة لي مع ابي على غرر العادة‪،‬‬ ‫فأبي بالرغم من انه كان يحب الوور لكن ليس في ذلك الوقت و‬ ‫ليس في املساء‪.‬‬ ‫كل ش يء كان غريب‪،‬كان ذلك اليوم اغرب من الخيال اذا خيم‬ ‫الومت على البيت و قطع اوصاله‪ ،‬كصت ارى البيت ينزف دما من‬ ‫دهانه‪ ،‬و انتظرت جدرانه في كل ثانية ان تقع‪ ،‬و ان يحلق سقفه‬ ‫بعيدا‪ ،‬و تطرر الغرةان من مزهرياته‪ ،‬انتظرت ان اعيش كابوسا‬ ‫حيا و تخرج الافاعي من قبو املنزل‪ ،‬انتظرت و لم افهم ش يء حتى‬ ‫اني كدت انس ى انه فعال ذلك البيت الذي ترةيت فيه‪ ،‬و ترعرعت‬ ‫في كصفه هل يعقل ان يتحول الى سواد هكذا‪.‬‬ ‫لقد انتابني خوف كبرر من ذلك املجهول الذي استوطن اسرتصا‪ ،‬يا‬ ‫ترى ملا بكت امي بتلك الطريقة‪ ،‬ملا صرخت في وجه ابي بأنها‬ ‫تكرهه و من ثم عانقته عصاق الاشتياق‪ ،‬سؤال عميق عمق‬ ‫الجانب املظلم للحكاية‪ ،‬ال توجد اشباح لتقول لي الحقيقة عليا‬ ‫الانتظار كان عليا الانتظار‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫انتظرت مطوال و كان كل ش يء جميل في ذلك البيت قد تحول الى‬ ‫رفات خنزير ميت‪ ،‬لم اكن اريد فعال ان ابقى حبيس حررتي‪،‬‬ ‫حاولت الوصول الى خيط ما يدلني عن حقيقة الامر لكن ال‬ ‫جدوى‪ ،‬عقلي الوغرر لم يشر لي ألي معلومة كل ما كصت اراه هو‬ ‫الحررة فطباع امي تغررت‪ ،‬و كانت تتورف مع ابي و كأنها تشتاقه‬ ‫بعد موتها‪ ،‬و هو كان يالمس كل ما ينبض في املنزل حيا كان او‬ ‫جمادا بشغف عظيم‪ ،‬و انا اراقبهما من مكاني بومت‪ ،‬اتابع كل‬ ‫حركة او غفوة او سكون لعلي اجد في الامر سر املشكلة‪ ،‬فافهم‬ ‫هذا التغيرر املفاجئ الذي طرا على غرر العادة على اجواء بيتصا‬ ‫فجعلته يتحول من جصة الى جحيم برن ليلة و ضحاها‪.‬‬ ‫والن للجحيم دفئه هو الاخر فلم يفقد بيتصا على الرغم من حزنه‬ ‫حصانه‪ ،‬فاالشتياق الذي كان يعزف نفسه فيه لم يتوقف عن‬ ‫حمل قوس كمانه‪ ،‬بل العكس لقد زادت نوةاته بما كان يوحي‬ ‫باقتراب قيامة املسيح‪ ،‬كان ش يء هصاك في هوائه يدل على طعم‬ ‫حامض لليمون يمزجه بعض الترن الحلو‪ ،‬سار البيت يجمع اكل‬ ‫التصاقضات في هوائه و لم اعد ذلك الوبي الذي يمرح طيلة‬ ‫الوقت‪ ،‬بل بات العالم جاحدا يحسدني في ابتسامة‪ ،‬و بات من‬

‫‪68‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الوعب علي ان افرق برن الطفولة و السؤال الضبابي الحاد الذي‬ ‫ارداني حائرا لوقت طويل‪ ،‬ملا يتحول بيتصا بهذا الشكل؟‬ ‫كان ذلك السؤال اولى تلك الاسئلة الفلسفية العميقة التي حررت‬ ‫تفكرري‪ ،‬و ابرزت على سطحي ذلك العصور الخفي مني و هو‬ ‫الفضول الحاد‪ ،‬و التفكرر العميق فانا الى غاية تلك اللحظة لم‬ ‫اعش حياة الفلسفة بعد‪ ،‬مع انها حياة تستوجب حضورها في دور‬ ‫شخوية ستعيش ما عشته انا‪ ،‬و كون كل طفل يولد بقلب‬ ‫فيلسوف عظيم‪ ،‬الا اني لم اكن اشعر بالفيلسوف بداخلي شاردا‬ ‫كما كان في تلك اللحظات‪ ،‬حيث كان التحول الجذري في العالقات‬ ‫داخل اسرتصا الوغررة يحرك في قريحتي أالف الاسئلة التي لم اكن‬ ‫اجد لها اي جواب‪ ،‬كأي فارس يحاول امتطاء حوان شفاف‬ ‫كفقاعة صابون ال يرى منها سوى ما يلمع مع الشمس‪ ،‬و مع ذلك‬ ‫حاولت امتطائه و الحقيقة تفر من يدي كالزئبق‪ ،‬و مرت الايام‬ ‫على روتينها و فضولها دون ان ادرك مرةط الشمس في الحكاية او‬ ‫حتى اجد حواني الشفاف‪.‬‬ ‫ست ايام مرت على التقاطي تلك الوورة و انا الزلت اناقش‬ ‫اشباحي على ابعادها‪ ،‬و باتت رقوة الحب تتكرر في البيت اكثر من‬ ‫أي ش يء اخر‪ ،‬و اصبح صدر ابي شمسا تتوهج بينصا و كأنه يزرع‬ ‫‪69‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حصانه بما يكفلصا حصانا لعشرات السصرن‪ ،‬اذ لم يتوقف شعاعه‬ ‫على بعث احضانه فيصا‪ ،‬لقد قارةصا انا و امي ان نصدمج بودره الى‬ ‫ابعد نهاية الا انصا حافظصا على وجودنا بما يكفل غريزة حب بقائصا‬ ‫على قيد الحياة‪ ،‬التي كانت هدفه الاسمى دون أي هدف اخر‬ ‫يزاحمه في مراده هذا‪ ،‬و مع ان احضانه كانت دافئة جدا لكني‬ ‫كصت اشعر في قرارات نفس ي ان شيئا ما س يء سيحول قريبا و‬ ‫سصموت كلصا من شدة الوقيع‬ ‫و في صباح اليوم السابع نهضت على بكاء امي‪ ،‬نهضت من سريري‬ ‫و انا اشعر ان ابي قد قبلني قبلة الوداع و انا نائم‪ ،‬نهضت و انا‬ ‫اجري مسرعا نحو الباب‪ ،‬امي قارةت على فقدان وعيها من شدة‬ ‫البكاء‪ ،‬و هي تحضن ابي بشدة تتسوله بان ال يذهب‪ ،‬ان ال‬ ‫يذهب‪ ،‬لكن اين لم اكن ادري‪ ،‬ابي كان يعانقها و كأنه يودعها‬ ‫الوداع الاخرر‪ ،‬اما انا فلم اكن افهم ما يجري امتألت جفوني‬ ‫بالدموع دون ان ارادة مني و جريت صوب ابي و رحت اتسوله ان‬ ‫ال يذهب‪ ،‬فيما كصت ابدو اني متأكد من ذهابه ملكان ما و يتركصا‬ ‫لوحدنا‪ ،‬فأبي كان مهما جدا في حياتي و لم اكن استطيع ان‬ ‫اتخيل حياتي بدونه ابدا‪.‬‬

‫‪70‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فك جسده مصا بوعوةة و نحن نتشبث به كما يتشبث الجبل‬ ‫باألرض‪ ،‬و كما يرفض الجصرن الخروج من احشاء امه افتك‬ ‫جسده بوعوةة‪ ،‬و كان جسده متشبثا بصا هو الاخر‪ ،‬كان ابي‬ ‫يحزم حقيبته و كأنه يسافر الى الرجعة‪ ،‬حمل نفسه و هو يصظر الى‬ ‫الارض دون الالتفات ورائه‪ ،‬يحبس الوورة الاخررة في رأسه عن‬ ‫عائلته السعيدة‪،‬‬ ‫اغرورقت عيصاه دمعا راح يتساقط مصه كحبات البرد وهي تعكس‬ ‫نور شمس الوباح الويفي املتوهج‪ ،‬و غدا كجصدي هارب من‬ ‫معركة مع ذاته‪ ،‬شد قبعته البرري و ركب ما كان يشبه حافلة‬ ‫لصقل املوتى‪.‬‬ ‫انطلقت الحافلة كحوت اخضر تسافر في الزمن‪ ،‬و راحت امي‬ ‫تجري ورائها و هي شبه عارية ترتدي لباس نومها الاحمر و هي‬ ‫حافية القدمرن‪ ،‬تحاول ان تسترجع ما ذهب منها‪ ،‬الى ان سقطت‬ ‫على الارض دون ذلك‪ ،‬و هي تمد يدها تحاول مسك يد ابي الذي‬ ‫بدا سرابه يختفي رويدا‪ ،‬رويدا دون ان يمسح دموعها كالعادة‪.‬‬ ‫حاول الجرران اسعافها و هي تسكر في حزنها الشديد الذي لم اره‬ ‫يطوق جسدها كما رايته في تلك اللحظات‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫عادت للبيت كالذليلة و قد مرت على خيبة مرة و انتكاسة قاتلة‬ ‫في حياتها لم تتوقعها‪ ،‬و هي قد ودعت ابي على غرر العادة في‬ ‫مشهد حزين جدا كبقعة زيت تطفو فوق ماء حياتها‪ ،‬املاء الذي‬ ‫انساب في دربها من باب البيت الى وقوعها ارضا محاولة استرجاع‬ ‫ابي الى احضانها دون جدوى‪.‬‬ ‫عادت و قد اوصدت الباب و تحول بيتصا الى جصازة سوداء و‬ ‫شعرت باليتم ألول مرة في حياتي‪ ،‬امي لم تتحرك خطوة واحدة‬ ‫من جانب الباب‪ ،‬جلست على الارض امامه و كأنها تخش ى دخول‬ ‫البيت الذي غادره زوجها‪ ،‬و اتجهت انا صوبها احاول ان افهم من‬ ‫حضنها ما يجري و الدموع الوامتة ال تريد ان تتركني بسالم‪،‬‬ ‫شعرت بخوف شديد كما لم اخف ابدا من قبل‪ ،‬جلست في‬ ‫حجرها السائل على الارض و هي تتدفق من نفسها كما تسكب‬ ‫السماء مطرها الترابي حاملة معها رمال الصحراء‪ ،‬جلست هصاك و‬ ‫مسحت دمعتها و سألتها بكل لطف‪ ( :‬امي الى اين ذهب ابي؟) أما‬ ‫هي فكانت تبدو و كأنها تخبئ بحرا من الاسرار‪ ،‬محاولة الحفاظ‬ ‫على طفولتي كأي ام تعشق اطفالها‪ ،‬إلتوت علي كأفعى تمالني‬ ‫بالحصان‪ ،‬و كأنها تخش ى علي ان افر و اتركها انا الاخر‪ ،‬ثم ردت‬

‫‪72‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بكل لطف و انوثة و رقي‪ ( :‬ال تخف جان بيار بابا راح للحقل لجني‬ ‫البرتقال و سيعود قريبا )‬ ‫تنهدت في تلك اللحظة و كأني صدقتها‪ ،‬و حضصتها بقوة سعيدا باني‬ ‫تعرفت على الحقيقة اخررا‪ ،‬الحقيقة التي لم تكن لتقصع سوى‬ ‫طفال مزال طعم حليب امه في فمه‪ ،‬و لكني اكتفيت بها على الرغم‬ ‫من ان موسم البرتقال كان يبدو بعيدا بشهور‪ ،‬الا اني صدقت‬ ‫الرتاح ألكون سعيدا‪ ،‬و ضمتني امي لودرها ضمة مفارقة للحياة‬ ‫على الرغم من انها كانت بعيدة جدا عن يوم احتضارها‪ ،‬و راحت‬ ‫تشمني كأخر اثر من رائحة ابي برن احضانها‪ ،‬و انتظرت من ذلك‬ ‫اليوم ان ينتهي موسم البرتقال و يعود ابي ألحضانصا ثانية ‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪4‬‬

‫الحرية للمالك‬

‫بدا الفول الجديد من حكايتي بدون ابي‪ ،‬و انا اقطع ورقة من‬ ‫الرواية بنزعة مازوشية رغبة في نسيان تلك اللحظات املأساوية‬ ‫التي رافقتني طيلة غيابه‪ ،‬و انا خار ارتل الايام كالوالة اناجي بقلب‬ ‫طفل يتفتت ألبسط لحن و هو ينتظر صدر ابيه‪ ،‬قلت يوما ما و انا‬ ‫ارسم خربشات على الورق فيما كصت اظصني ارسمه مالكا‪ ،‬انسان‬ ‫بأجصحة طويلة و اغالل تشده لكي ال يهرب بعيدا عن بالط الالهة‪،‬‬ ‫محاطا بأشجار البرتقال‪ ،‬لم اكن افهم في ذلك الوقت ملا رسمته‬ ‫مكبال‪ ،‬رةما ألني كصت اعني به ابي الذي انتظرته بعد موسم‬ ‫البرتقال ان يعود‪ ،‬و لكصه لم يأتي‪ ،‬او رةما كصت اعني من خالله‬ ‫عتبا ما ملالئكة ال تحمل صالتصا انا و امي للسماء لتعيد لصا حبيبصا‬ ‫و ينتهي موسم البرتقال ذاك الى الابد‪ ،‬تأملت ما رسمته و رحت‬ ‫اكلم املالك بويغة الجمع انا اوةخ من خالله امبراطورية الالهة‪،‬‬ ‫اقرئي ايتها املالئكة ثورتك على اعتاب السماء‪ ،‬انفض ي عصك‬ ‫‪74‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫القيود‪ ،‬قبلي ألول مرة في حياتك‪ ،‬امسكي يد الشيطان و ارقوا‬ ‫معا‪ ،‬ملا عليكما ان تكونا اعداءا لألبد ‪،‬كونا اصد قاءا سيكون‬ ‫الانسان اكثر سعادة بذلك فما يحدث عصدكم يؤثر عصدنا‪ ،‬فلتتحد‬ ‫كل قواكما الخارقة خررا كانت او شرا و اعيدا لي ابي بسالم‪ ،‬لقد‬ ‫اشتقت له و لم يعد لي ال انا وال امي القدرة على الوالة‪.‬‬ ‫كانت امصيتي ان اصعد للسماء‪ ،‬و ان التقي الرب و اطلب مصه ان‬ ‫يسجن الحزن‪ ،‬و يرمي الغياب الى ال رجعة‪ ،‬و يعيد لي ابي الذي‬ ‫بات اشتياقه مكرسا بذهني‪ ،‬و انا اعيش حالة العزلة كسمكة ال‬ ‫تجيد السباحة في املياه الضحلة‪ ،‬و هي تشتاق للبحر الفسيح‪ .‬لم‬ ‫اكن اريد شيئا من هذا العالم البائس سوى ان يعود ابي‪.‬‬ ‫عصدما وجدت ذلك الرسم في البوم الوور تأملت صديقي الجالس‬ ‫امامي‪ ،‬و ابتسمت له و تشكرته ثانية‪ ،‬و عدت اناجي ذلك املالك‬ ‫الذي بقي سجيصا كل تلك السصرن دون ان يتحرك من مكانه‪ ،‬لقد‬ ‫كصت نسيت هذا الرسم حقا و لو لم اجده في الالبوم ملا تذكرته‬ ‫ابدا يسعدني اني وجدتك هصا عزيزي‪.‬‬ ‫ثم عدت ثانية اعيش املاض ي بكل فصتازية‪ ،‬و انا اتذكر لحظاته و‬ ‫كأني اعيش فيها‪ ،‬و هي التي تعيش بداخلي‪ ،‬فقد افرجت عن كل‬ ‫‪75‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ذكرياتي و انا احمل ذلك الالبوم الذي يحملني كسفيصة شراعية‬ ‫تغدو على شعاع شمس غرةية ترسم خطها كدرب الحلزون و هي‬ ‫تتهاوى في الخليج العربي‪-‬الفارس ي‪.‬‬ ‫اما ذلك الرسم بالتحديد فلم يكن رسما عاديا‪ ،‬كان مقطورة من‬ ‫املاض ي تحمل فيها طفال كان يراقص السصونو بأرجل حافية و‬ ‫انامل يدين موليترن‪ ،‬و كأي دعاء يقرأه اله ما بالودفة قرأت‬ ‫صالة طفولتي في هذا السن البعيد كل البعد عن الطفولة‪ ،‬و‬ ‫رحلت لتلك الصقطة‪ ،‬و تربعت هصاك كالطوارق احادث ثنيات‬ ‫الوداع و كثبان رمال الذاكرة و سراب املاض ي املصدثر‪ ،‬و افرغها‬ ‫كالشاي على الشيخ الطاعن في السن الذي البسه‪ ،‬و استجمعه‬ ‫ككفيف يرسم صورة لطريقه نقطة‪ ،‬نقطة بعكازة هي بوره‪.‬‬ ‫كذلك رسمت طريقي الى املاض ي عن طريق تلك الخربشات البريئة‬ ‫التي تعبر عن سذاجة طفل في عمر الزهور‪ ،‬سذاجة طفل ودع اباه‬ ‫دون ان يقبله‪ ،‬دون ان يعانقه عصاقا اخررا‪ ،‬و هو ال يعرف موعده‬ ‫الثاني معه‪ ،‬كل ما يكنزه مصه هو بعض قبعاته‪ ،‬و صورة باألبيض و‬ ‫الاسود‪ ،‬و شغف للبرتقال لم اعرف معصاه و فراغه الذي تركه‬ ‫هامال في البيت‪.‬‬

‫‪76‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كانت احيانا تول رسائل مصه ألمي‪ ،‬و كانت كل مرة تقرأها تبكي‬ ‫كاليتيم الذي فقد كوكبه و تاه في مجرة غريبة عصه في الفضاء‪ ،‬لم‬ ‫تكن تخبرني بكل ما كان مكتوةا فيها‪ ،‬و لكنها كانت تقول لي في اخر‬ ‫كل مرة و هي تمسح دموعها و تمثل الابتسامة‪( :‬اباك يقبلك كثررا و‬ ‫يقول لك انه اشتاق‪).‬‬ ‫كانت تلك الكلمات تشعرني بالدفء و الحصان الذي كان يصقوني‬ ‫كثررا و ابي بعيد عني‪ ،‬و انا اصارع اشتياقي بجمع الصجوم احيانا‬ ‫من الصافذة‪ ،‬و انا احاول عدها او انا اشاهد القمر كوني كصت‬ ‫متأكدا انه ال يوجد سوى قمر واحد في العالم و رةما في لحظة‬ ‫حظ عابر الامس القمر بعرن و يالمسه ابي في نفس الوقت بالعرن‬ ‫الاخرى‪ ،‬و بالتأكيد كان ذلك اداتي الوحيدة لالتوال بابي‪.‬‬ ‫وال عجب ان تحول ساعي البريد الى معشوقصا انا و امي فكصا‬ ‫ننتظره باأليام و باألسابيع على احر من جمر‪ ،‬حيث كصت اجلس‬ ‫على عتبة الباب او العب بدراجتي الوردية مع اصدقائي هصاك‪ ،‬و‬ ‫كانت عيني تتتسلل برن كل مصعطف في الزمن و اعوجاج في املكان‬ ‫ألملح ساعي البريد او ظله‪ ،‬اجري صوةه بكل اشتهاء و انا اساله‬ ‫(سيدي سيدي هل لصا رسالة من ابي‪).‬‬

‫‪77‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم تكن اجابته دائما تسرني‪،‬و لكني كصت ارى في حقيبته املليئة‬ ‫بالرسائل كنزا ال يقارن بأي كنز اخر في العالم‪ ،‬فال عجب كذلك‬ ‫اني رأيت في ساعي البريد اغنى اغصياء العالم‪ ،‬فكصت اراه يحمل‬ ‫املشاعر امللتهبة في حقيبته تلك و يوزعها كما يشاء على العائالت‪،‬‬ ‫كصت اكرهه كثررا عصدما ال يسلمني اي رسالة‪ ،‬و لكني كصت اطرر‬ ‫عشقا فيه عصدما يرةت على شعري و يفتح تلك الحقيبة الرائعة‬ ‫رويدا‪ ،‬رويدا و يقول لي (تفضل هذه لك نادي‪ ،‬احد من اهلك‬ ‫ليمض ي على الاستالم )‬ ‫كصت ارمي دراجتي في قارعة الطريق‪ ،‬و اجري صوب امي و انا‬ ‫اناديها و كأني وجدت الحقيقة املطلقة‪ ،‬و كأني وجدت ما يمكصه‬ ‫انقاذ العالم بأسره‪ ،‬ال يمكصني حتى انا الان ان اتخيل حجم‬ ‫الفرحة التي كانت تنتابني عصدما امسك تلك الرسالة في يدي‬ ‫ألعطيها ألمي لتقرأها‪.‬‬ ‫و امي كانت دائما تقرأها سرا و بلهفة عطش ى لكلماته‪ ،‬و تقرا عليا‬ ‫انا رسالة من نسج خيالها عن موسم زاخر بالبرتقال‪ ،‬و ان الحقل‬ ‫كان كبررا جدا و انه قد وجد برتقالة على شكل دبدوب قد خباها‬ ‫لي‪ ،‬و تختمها دائما بصفس الطريقة ابي يقبلني و يعبر عن اشتياقه‬ ‫لي‪.‬‬ ‫‪78‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كم كصت بائسا حينها حيث لم اكن اجيد قراءة تلك الرسائل‬ ‫بصفس ي‪ .‬كصت اشعر بتلك الاعاقة تصخر فضولي لذلك تمصيت بقوة‬ ‫ان التحق بمقاعد الدراسة ألستطيع بعدها قراءة تلك الرسائل‬ ‫بصفس ي ‪.‬‬ ‫كانت تقول امي اني كصت في سن الالتحاق باملدرسة فقد قارةت‬ ‫لسادسة من عمري‪ ،‬إال اني سألتحق بتلك املقاعد متأخرا قليال‬ ‫بسبب ميالدي في الاشهر الاولى للسصة‪ ،‬كصت ارى املدرسة شمسا‬ ‫يحتاجها جسمي البارد و عظامي املتكسرة التي ال تستطيع حملي‬ ‫الى حضن ابي ثانية‪ ،‬كصت كلما امر على مدرسة ما اتنهد امامها و‬ ‫اتوقف استصطقها لتعبر لي عن ش يء ما‪ ،‬حيث كصت ارى فيها طوق‬ ‫نجاة من تلك الاعاقة التي كانت تحول بيني و برن قراءة تلك‬ ‫الرسائل التي كصت احضنها بقوة في صدري‪ ،‬و اخاف عليها ان‬ ‫تلتهمها النسمة العليلة فهي كانت احب على قلبي من كل ما في‬ ‫العالم‪ ،‬و كيف ال و هي ما تبقى من ريح ابي الذي ابجله‪ ،‬و اقدسه‬ ‫اقدس من اي ش يء اخر ‪.‬‬ ‫و في حرن اني كصت اتوق للمدرسة ‪،‬كانت بطن امي تنتفخ على غرر‬ ‫عادتها في امر كصت اجهله صراحة‪ ،‬في الحقيقة كانت امي حامال في‬

‫‪79‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫شهرها الخامس الامر الذي لم تعرفه سوى بعد ما يقارب الشهر‬ ‫من ذهاب ابي ‪.‬‬ ‫كانت امي تضع راس ي على بطنها الستشعر تلك السمكة اللطيفة‬ ‫التي تداعبها داخلها‪ ،‬لقد كان شعورا ممتعا حقا ان انتظر اخا او‬ ‫اختا لي كما وعدتني امي بذلك‪ ،‬لقد كصت مشتاقا للرقم ثالثة كثررا‬ ‫في البيت فغياب ابي ترك فراغا كبررا اشبه باملوت‪ ،‬و كان يجب‬ ‫لعصور ثالث ان يمال القليل من فراغه‪ ،‬و حضور هذا الحمل الان‬ ‫جاء في وقته تماما ليصقص عليصا بعض الشعور بالغرةة‪،‬الذي كان‬ ‫يتملكني في كل لحظات الغياب بدون انقطاع على الاطالق‪،‬و كأنه‬ ‫ذئب يغرس بداخلي كل انيابه و مخالبه فال اتحرك قيد انملة‬ ‫بعيدا عصه‪.‬‬ ‫ال احد يستطيع ان يشرح الاشتياق بكلمات سهلة‪ ،‬انه شعور‬ ‫مضطرب يعبر عن حاجة قوية ألمر ذو قيمة عالية في حياتصا‪ ،‬ال‬ ‫نستطيع مالقاته في واقعصا‪ ،‬فنرسمه في خيالصا‪،‬و نمسكه في‬ ‫احالمصا‪ ،‬و نعيشه اكثر من اي واقع فيصا او حولصا‪ ،‬فعصدما نشتاق‬ ‫نكون قد وصلصا لذروة الحب‪،‬و مع ذلك ليس ذلك هو املفهوم‬ ‫الصحيح لالشتياق‪.‬‬

‫‪80‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫رةما هو اكثر من ذلك‪ ،‬هو جوهرة تشع بداخلصا و نحن نعيش حالة‬ ‫الظالم‪ ،‬نفترق في اخر الصفق و نعود ادراجصا للخلف نبحث عن اثار‬ ‫اقدامصا التي مشيصاها معا‪ ،‬نشتمها و نحضنها و نبعث فيها انفسصا‬ ‫لصولد تحت الارض‪ ،‬لصبزغ امال نحو السماء‪ ،‬السماء التي ال تبدو‬ ‫انها تبعد كثررا‪ .‬عصدما كصت افكر في ابي حيث كانت كل الطرق‬ ‫الطويلة تبدو قوررة جدا امام الدرب البعيد الذي حال بينصا انا و‬ ‫امي من الجهة الباردة للقوة‪ ،‬و ابي من الجهة املليئة بالبرتقال‬ ‫من الواجهة الاخرى‪.‬‬ ‫على الاقل كانت هصاك امي تحاور بطنها املصتفخ تجعلني اتشبث‬ ‫باألمل‪ ،‬و لوال ذلك الجصرن الذي كان يتكون هصاك على مهله‬ ‫لفقدت قدرتي على الحياة نهائيا‪ ،‬فرؤيتي ألمي و هي تحمل ذلك‬ ‫البطن كل يوم و تلبي لي طلباتي التي كانت شبيهة باألوامر‪ ،‬و تقوم‬ ‫بكل واجبات البيت من طهي و غسل و تصظيف و تسوق‪ ،‬علمني‬ ‫بعض املسؤولية خووصا في غياب الحارس الاعظم صاحب‬ ‫القبعات ابي املجيد و املبجل‪ ،‬و لذلك كان يجب عليا ان اعوض‬ ‫ذكر البيت و لو قليال‪ ،‬و لم اجد سبيال لذلك سوى بمساعدة امي‬ ‫في التسوق او بشراء بعض حاجيات البيت من البقال‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان اشتياقي يكبر و بطن امي يكبر هو الاخر‪ ،‬يكبران معا و يحدثان‬ ‫بداخلي اضطرابا فظيعا في املشاعر‪ ،‬فاالشتياق يبعث عادة‬ ‫الحصرن املضجر بالحزن‪ ،‬اما حالة الارتقاب على طلة البطن املصتفخ‬ ‫فكانت تستحضر مشاعر الفضول املزخرف بفسيفساء من‬ ‫املشاعر يغلب عليها طبع الفرح و املسؤولية ‪.‬‬ ‫كانت امي تبدو اجمل و هي حامل‪ ،‬كانت تذكرني بأنها ام حقا‪ ،‬كان‬ ‫ذلك الحمل احب ش يء الى قلبها‪ ،‬كصت اشاهدها احيانا تتعرى‬ ‫نهائيا و تجلس على الارض و تفرش نفسها ملتوية على بطنها و هي‬ ‫تعانقه و تحرك يديها عليه بصفس الطريقة التي كانت تشد بها على‬ ‫صدر ابي‪ ،‬و كأنها توعد السياج نحو ذروة الاشتهاء‪.‬‬ ‫كان ذلك الجصرن بداخلها اخر ما زرعه ابي بها‪ ،‬و كان وجوده‬ ‫هصاك و هو يتحرك بجوفها تذكارا جميل عن زوج رحل بومت‪ ،‬و‬ ‫تشتاق له بومت‪ ،‬و لكني لم اكن افهم ملا تتعرى بتلك الطريقة‬ ‫لتالمسه‪ ،‬رةما ألنها كانت تشتاق ان تعرى امامه‪ ،‬او رةما ان ثقل‬ ‫املالبس على جسمها كان يزيد على الشوق الذي كان يصخرها ثقله‪.‬‬ ‫لم يكن يمكصني ان اهدي ألمي اي ش يء لكي ابلسم جروحها سوى‬ ‫عصاقي‪ ،‬حيث لم اجد انا الاخر من يبلسم جروحي التي اصبحت‬ ‫‪82‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫توب دمائها في السكون غرر ابهة ألي حركة اقوم بها‪،‬او اي لعب‪،‬‬ ‫و ما الفائدة في ان العب دون ان يالعبني ابي‪ ،‬لقد فقدت الامل في‬ ‫كل ش يء‪ ،‬و ما عدت اقوى سوى على مضاجعة الومت لكي‬ ‫اتصاس ى وجودي في لحظات عميقة من الالمباالة بش يء سوى‬ ‫بمساعدة امي للمض ي بعيدا عن هذا الصفق‪ ،‬و كل امصيات ضائعة‬ ‫متبخرة ال يبدو انها تول الى عتبة السماء في ان يعود ابي ثانية الى‬ ‫احضانصا‪ ،‬و نستقبل اخي الجديد بحب عميق يجمعصا كعائلة‬ ‫حقيقية بعيدا عن الزيف و انعدام املعنى الذي كصا نعيشه ‪.‬‬ ‫امي كانت تبدو لويقة بالراديو تتابع احداث الحرب بطريقة‬ ‫مستفزة احيانا‪ ،‬حيث لم تكن تعررني اي اهتمام عصدما تصغمس‬ ‫هصاك امام ذلك املذياع الخشبي الكبرر‪ ،‬الكلمة الوحيدة التي كانت‬ ‫ترددها على مسامعي كانت ( اشششت ) ‪.‬‬ ‫لم اكن اشعر انها كانت تتفوه بها بكره و لكنها كانت تقولها‬ ‫بطريقة عمياء عصد استماعها لذلك الخشب‪ ،‬و كأنها تريد تول‬ ‫لش يء ما يتول مباشرة مع روحها من خالله‪ ،‬و لكصني كصت كلما‬ ‫اراها مصدمجة بذلك الحجم مع احداث تلك الحرب اللعيصة و مع‬ ‫تلك اللعبة الخشبية اتوق بقوة ان احمل اي ش يء في يدي و‬ ‫اكسره لعشرات القطع‪ ،‬فقد كان يسرقها مني و يجعلني اشعر‬ ‫‪83‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫باليتم بشكل مضاعف‪ ،‬كما اني كصت اخالها غبية جدا او‬ ‫مجصونة فمن هذا الذي يجد الراديو طريقا لقلبه‪ ،‬و قد رحل عصه‬ ‫لتوه اقرب انسان لقلبه‪ ،‬لقد كان ذلك املشهد يمثل لي الاحتضار‬ ‫بكل ما في الكلمة املزرية من معنى‪.‬‬ ‫و بالرغم من اني لم اكن ارى في الاحتضار سوى مشهد عوفور‬ ‫نافق على عتبة الباب‪ ،‬لم اكن اعرف ان الانسان يموت حقا و‬ ‫حتى اؤالئك اللذين كصا نسمع عن موتهم كل يوم في ظل الحرب‪،‬‬ ‫لم اعطي ملوتهم معنى حقيقي بل كانت اخالهم يموتون في تمثيلية‬ ‫اذاعية يصحون بعدها‪ ،‬و هم على ما يرام ليواصلوا حياتهم‬ ‫بشكل عادي‪ .‬حيث ان املوت لم يكتمل حضوره في صمتي‪ ،‬و قد‬ ‫كصت اقتله في حركتي‪ ،‬و لم اكن ابدا ألتخيل ان املوت هو نهاية‬ ‫ابدية‪.‬‬ ‫و في ذلك املشهد الضبابي كصت اعور ذهني ألتذكر لحظاتي مع‬ ‫ابي و اتقموها و كأني اعيشها في غيابه‪،‬و كأنه حاضر يبسط يديه‬ ‫ليعانقني و يرفعني للسماء ليلقيني هصاك‪ ،‬استشعر الصجوم كما‬ ‫كان يفعل دائما ليسليني‪ ،‬لقد كانت ضحكتي غايته املطلقة و كم‬ ‫كان يبدو سعيدا عصدما كانت اسصاني تبدو هي الاخرى كذلك‪،‬و هي‬

‫‪84‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تلمع بش يء يظهر على عيني‪،‬و هي تصاشد ابي بان يرفعني اكثر الى‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫كم انا تعيس بدونه‪ ،‬و كم هو بائس العالم في غيابه‪،‬و كم هو‬ ‫حقل البرتقال ذاك محظوظ بحضور املخلص برن اشجاره‪،‬‬ ‫يزيدها اخضرارا كما كان يزيدني شغفا بالحياة‪ ،‬و كصت كلما‬ ‫الامس برتقالة في يدي تعورني هي في يدها‪ ،‬فيما يشبه التداخل‬ ‫برن العوالم فتصقطع رغبتي في املواصلة‪ ،‬و تبدو البرتقالة في كفي‬ ‫يقطيصة بشعة و يبث الحصرن في قلبي اوجاعه من جديد‪ ،‬فاغدوا‬ ‫فارا حقررا ال يجد من مؤوى سوى مويدة الحرمان فيلقي فيها‬ ‫نفسه لتزرع بداخله اسصانها كلها بكل شراهة‪ ،‬تتخلص من اخر‬ ‫قطرة حياة في جسده التعيس الذي نبت الغبار في اركانه‪،‬و غدا‬ ‫نسج العصكبوت في مشاعره املصتظرة اقوى من ان تصفضه الرياح‬ ‫العاصفة‪ ،‬او ان تهد اوصاله املتشابكة‪ ،‬فشباكه كانت اعتى من‬ ‫شباك امهر صيادي الامل‪ ،‬حيث كصت استشعر الحزن في كل ش يء‬ ‫من حولي او بداخلي و لكني احافظ على ابتسامتي لكي ال ازيد الالم‬ ‫على امي‪ ،‬كالترن اليابس الذي كان يبيعه الجزائريون‪،‬ترن فقد ما‬ ‫تبقى فيه من حياة و لكصه لرزال يحافظ على حالوته حالوة الجثة‬ ‫و الذوق الرفيع لرذاذ املوت‪.‬‬ ‫‪85‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم اكن فعال على قيد الحياة بل كصت اتظاهر اني كذلك‪ ،‬فالجانب‬ ‫الوحيد من ظلي الذي كان يستنشق الهواء هو الذاكرة فهي‬ ‫الوحيدة التي كانت تعرف كيف تبعث فيا الروح من جديد‪،‬و على‬ ‫انغام تلك الذاكرة كصت اراقص ما كان يشبه الحياة في الحركة و‬ ‫التصفس التي كصت اقوم بها بسبيل غرر واع‪ ،‬فعن نفس ي لم اكن‬ ‫السمي دخول الهواء و خروجه من رئتي املحطمة تلك تصفسا‪ ،‬بل‬ ‫كان سحبا للهواء و مال للفراغ بداخلي ذلك الذي تركني ابي فيه‬ ‫اتخبط وحيدا على اقص ى تقدير‪.‬‬ ‫سئمت مني الارجوحة‪ ،‬و سئمت مني الدراجة‪ ،‬و سئمت انا الحياة‬ ‫إال ما كان فيها يعطيني امال في ان احضصه مجددا‪ ،‬و لم يعد ش يء‬ ‫في الوجود يجعل الوقت يمر بسرعة او ليجعله يتهدم‪ ،‬ذلك‬ ‫القور الشوكي الذي استحوذ على كل قطعة بفؤادي فاغدوا حرا‬ ‫اقطف ورود الحماقة‪ ،‬و انا اعلم ان لي ابا في ظهري يحميني من‬ ‫هفواتي فارتكب الاخطاء بحرية كأي طفل في سني يتعلم الحياة‬ ‫بأخطائه ‪.‬‬ ‫اما انا اليوم في غيابه فليس لدي حق في الخطأ‪ ،‬فقد طرقت‬ ‫املسؤولية باكرا بابي و لم يعد لي اي قسط من حرية الاطفال‪ ،‬بل‬ ‫كان علي ان انفخ صدري كأي ذكر في اي قطيع كائصات حية الحمي‬ ‫‪86‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫امي التي كانت بدورها تحاول حمايتي‪ ،‬و انا احضنها هي و الجصرن‬ ‫الذي بداخلها‪ ،‬يتحرك لكي يشعرني بوجده لكي اترك له مكانا‬ ‫بجانبصا‪ ،‬و كأنه يقول لصا بووت حي انه هصا و يستحق ان نشعر‬ ‫بحضوره‪ ،‬و لكني كلما كصت اضع اذني على خافقه البعيد‬ ‫بتجويف بطن امي كصت اظصه يحاول ان يلفظ باسم غرر اسمي‪،‬‬ ‫رةما ظن اني اباه‪ ،‬الامر الذي كان يخيفني حقا فانا لم اكن على‬ ‫قدر مسؤولية الاباء‪ ،‬اذ ال يمكصني ان احمله و ارفعه عاليا في‬ ‫السماء مثلما كان يفعله ابي‪ ،‬و ال يمكصني كذلك ان احمله فوق‬ ‫ظهري ليالقي مدينته‪ ،‬وال يمكصني ان اشتري له كل عيد دمية و‬ ‫خزانة‪ ،‬و ال يمكصني ان اجعله سعيدا مثلما كان يجعلني ابي كذلك‬ ‫بسهولة‪ ،‬و كأنما قد تكون في الابوة ملاليرن السصرن قبل ان يجمعني‬ ‫في يديه و يغرفني من حصانه و كأنه جعبة ال تنتهي مصه‪.‬‬ ‫كصت احاول الاتوال بأخي ذاك او اختي وأنا ال اعلم حينها جنسه‬ ‫ألتمتم له رفض ي لتبنيه‪ ،‬كون له ابا افضل من اخاه الطفل هذا‬ ‫سيعود حتما من حقل البرتقال يوما ما ليجعلصا كالنا نضرم نار‬ ‫السعادة لتدفئصا لألبد بكل اخالص‪.‬‬ ‫لم يكن جديرا بي ان استحوذ على مكان ابي في ذلك السن‪ ،‬فانا‬ ‫الاخر كانت بداخلي حاجة ماسة لحضصه و كصت ال اشجع نفس ي‬ ‫‪87‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫على شعور كهذا‪ ،‬فاألمر كان شبيها بصذير شؤم قد يجعل ابي يتوه‬ ‫في حقل البرتقال و يرحل عصا لألبد‪ ،‬و لذلك كصت ابعد تلك‬ ‫الارواح الشريرة التي كانت توسوس لي بذلك درئا ألي مكروه قد‬ ‫يحل بصا‪ ،‬و يختفي ابي في زوبعة فصجان‪.‬‬ ‫ال يا عزيزي ال تفكر ابدا في اني اباك بل انا شقيقك الذي سيقسم‬ ‫لك من روحه ان اقتض ى الامر‪ ،‬و يهدي لك قلبه و عيونه بكل‬ ‫كرم‪ ،‬لكن من مكاني كأخ و ليس كاب فلست يتيما‪ ،‬فستولد ابصا‬ ‫ألروع اب في العالم و لن تكون سوى راضيا عصه‪.‬‬ ‫كصت ابقى مطوال غافيا على بطن امي و كأنها حامل بتوأمرن‪ ،‬فمن‬ ‫جهة كصت اشتم حصانها هي الاخرى و ارافق نظراتها‪ ،‬و هي سارحة‬ ‫في مخيالها تفكر في ابي‪،‬و كصت اسافر من خاللهما لتلك الصقطة‬ ‫البعيدة في خيالها و كأني اسمع كل نبضاته‪ ،‬و الجصرن هو الاخر‬ ‫يرسم لصا صورة من مكانه املظلم ذاك‪ ،‬يرتشف بعض الحياة‬ ‫معصا في اول مرحلة من صصاعة الخيال التي يمر منها الانسان‬ ‫لترافقه في حياته‪ ،‬تلك الصعمة الرائعة لتنسيه واقعه في احلك‬ ‫الظروف التي قد يمر عليها كمسكن لأللم يولد معصا ليمصعصا املوت‬ ‫في كل لحظة نتمنى فيها بعمق الانتهاء‪.‬‬

‫‪88‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫في الحقيقة ال اعلم ان كان الخيال فعال نعمة‪ ،‬لست متأكدا من‬ ‫ذاك بل ذاك من يقارةه من الشك‪ ،‬ان الخيال قد يكون في بعض‬ ‫الاحيان خدعة الحياة لتجعلصا نواصل التجديف الى ابعد نقطة‬ ‫من الالم دون وعي مصا كتخدير موضوعي ينسيصا الوجع‪ ،‬و لكصه ال‬ ‫يمصع كدماته من الحاق الضرر بصا‪ ،‬و ال لجروحصا ان تصضب بل في‬ ‫غالب الاحيان‪ .‬يدفعصا الخيال لكي نتخضب باأللم اكثر و عصدما‬ ‫نستفيق نكون قد نسيصا الطريق و يصقطع عصا السالم الى ال رجعة‪.‬‬ ‫او رةما الخيال ليس بذلك البشاعة‪ ،‬رةما هو مالك يزورنا و يحملصا‬ ‫معه الى عالم اخر ليكفر لصا عما ارتكبه القدر فيصا من جرائم و‬ ‫مجازر‪ ،‬فنسافر معه الى تلك الصقاط املخبئة فيصا‪ ،‬فيجعلصا نرةط‬ ‫بينها و برن ما يختلجصا من مشاعر حزيصة و برن ما نخبئه من‬ ‫مشاعر سعيدة و مهجورة‪ ،‬فصجد مرةط الفرس في ذاك فصفر معه‬ ‫الى هصاك كلما اقتضت الحاجة اليه سبيال ‪.‬‬ ‫و كانت الحمامات دائما تزور نافذة غرفتي توقظني كل صباح فيما‬ ‫يشبه ترنيمة سمائية‪ ،‬تطفو على مسامعي كقبلة إالهية‪ ،‬تصقص‬ ‫على المي و لوعة الفراق‪ ،‬و انا استحضر قبل ابي الوباحية في كل‬ ‫هديل حمام‪ ،‬يرةت على الوجود لررسم لوحة اقل بشاعة عن‬ ‫الحقيقة‪ ،‬ترافقها صوت اجصحتها و هي ترفرف بعيدا تذكرني بان‬ ‫‪89‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كل ش يء يمض ي في الحياة‪ ،‬حتى تلك الاوقات التعيسة فيتشعب‬ ‫فيا الامل من جديد كجدول ماء صافي يعيد لتراب الانسان الذي‬ ‫احمله بجسدي بعض الروح و السالم‪.‬‬ ‫امي لزالت تقاوم لكي تخبئ حزنها بأوصالها‪ ،‬لكي ال تشعرني بالغرةة‬ ‫اكثر في ذلك البيت الذي اصبح يبدو كابوسا‪ ،‬لوال ان امي ممثلة‬ ‫ماهرة استطاعت في بعض الاحيان ان تمده ببعض اللطافة مما‬ ‫كان يجعل الفرح يسترق الصظر احيانا على مكب الصفايات‬ ‫الشعورية التي كصا نعيشه‪ ،‬فأمي على الرغم من كل ش يء لم‬ ‫تنس ى عيد ميالدي السادس وضعت قالب الحلوى الذي صصعته‬ ‫بصفسها‪ ،‬و وضعصا القبعات الطويلة انا و هي‪ ،‬و على الرغم من‬ ‫كرهي للقبعات الا اني ارتديتها احتفاءا بابي‪ ،‬و وضعت قبعترن على‬ ‫كرسيرن فارغرن امامصا في الطاولة‪ ،‬الاول تكريسا للغائب‪ ،‬و الثاني‬ ‫تنبؤا للقادم الوغرر‪ .‬غصت امي بووتها بقوة عشرين صوت (‬ ‫جوايوزاني فاغساغ ) اغصية عيد امليالد‪ ،‬و غصيت معها و انا اتبع‬ ‫نبرات صوتها‪ ،‬و كصت سعيدا برؤيتها تبتسم و تغني‪ ،‬و تمصيت امصية‬ ‫قبل ان أطفئ الشموع و امصيتي كانت ببساطة ان يعود ابي من‬ ‫حقل البرتقال‪ ،‬مألت جسمي بالهواء كما لم افعل من قبل و‬ ‫أطفأت تلك الشموع و كأني اضمر غضبي فيها كأي اعوار يجسد‬ ‫‪90‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫غضب الطبيعة‪ ،‬و لكي تول بسرعة الى السماء و ينتهي كابوسصا و‬ ‫تحل الشمس ثانية على واديصا البارد هذا‪ ،‬فيعود ورد الرةيع فيها‬ ‫يسبح في امواج الشمس ثانية و الى الابد‪.‬‬ ‫اقترب انيني الداخلي على الانفجار لم يكن بمقدوري ان اقاوم‬ ‫اكثر‪ ،‬و حالتي مع اطفال الحي لم تعد ذاتها الحالة السابقة‪ ،‬حيث‬ ‫كصت الولد البشوش الضاحك الذي يحب اللعب من الوباح الى‬ ‫ان تغرب الشمس‪ ،‬الا اني في حالتي الجديدة اصبحت اتشاجر كل‬ ‫لحظة مع احد الفتية ألتفه الاسباب‪ ،‬محاوال اخراج تلك الصقطة‬ ‫الجافة من داخلي التي لم يعد بمقدوري تحملها اكثر‪ ،‬و حتى‬ ‫دراجتي التي لطاملا احببتها اصبحت تمثل لي تابوتا يقترب من‬ ‫تفتيت كياني و هي تذكرني بفراق ابي املطبوع في كل اجزائها‬ ‫برائحته‪ ،‬و كانت بصفس الطريقة ملجأ لي فلطاملا كصت اعانقها او‬ ‫اقبل عجالتها ال لش يء سوى الن ابي قد علمني قيادتها‪ ،‬و قد‬ ‫المست يديه مقودها‪ .‬و كل ش يء غدا من حولي مقبرة للحياة‪ ،‬و‬ ‫امللل اصبح روتيصا يوميا يزهق طفولتي في اول سصواتها‪ ،‬و لم يتسنى‬ ‫الوقت لي حتى ان امارسها كباقي الاطفال فلم اعد سوى كتلة‬ ‫صغررة لنسان فقد انطالقته من الوثبة الاولى‪ ،‬و غدا ريشة‬ ‫تتخطفها انفاس الالهة‪ ،‬و تحملها ريحها من مكان ملكان دون‬ ‫‪91‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫استئذان‪ ،‬و توسعت بؤرة الضباب بداخلي‪ ،‬و بعد كل تلك‬ ‫الشهور من الغياب التي مزقت روحي بكيت ألول مرة في صدر امي‬ ‫شهقا دون ان اخبرها سبب بكائي‪ ،‬و همت هي بالبكاء معي دون‬ ‫سابق انذار‪ ،‬و بكيصا مع بعض و قد وصلصا الى سقف العالم حزنا‪،‬‬ ‫و قد زرع الاشتياق نفسه فيصا حتى غدنا اشتياقا بشريا يجسد‬ ‫الاحساس ذاك و لم يعد لصا اي طريقة حرة لصكتمها بداخلصا اكثر و‬ ‫تورفت الدموع بذاتها و ولجت بكل استقاللية عصا الى العالم‬ ‫الخارجي تخرج القليل من الحزن الذي فيصا الى عالم الحقيقة ‪.‬‬ ‫و في صباح باكر ليوم مشمش‪ ،‬سمعت امي تورخ ضاحكة بقوة‬ ‫فاقشعر بدني و تشوك جلدي‪ ،‬و الفكرة الاولى التي راودتني هي‬ ‫عودة ابي الى البيت‪ ،‬نهضت من مكاني بكل فرح و انا ال ارتدي‬ ‫سوى مالبس ي الداخلية التحتية‪ ،‬و رحت اجري صوب الباب إال‬ ‫اني لم اجد احدا هصاك‪ ،‬بيصما امي لزالت تضحك باستمرار‬ ‫مخيف و مرةك رحت ابحث عنها في كل مكان‪ ،‬و ال اعلم ملا لم‬ ‫ابحث عنها في غرفتها من البداية و لكني وجدتها هصاك و هي تقول‬ ‫لي‪ ( :‬اني الد جان اني الد ) ‪.‬‬ ‫امتزجت املشاعر بداخلي و لم اعرف شكل الاحساس الذي كان‬ ‫يتملكني ذلك الوقت‪ ،‬فمن جهة قد كان الامر خيبة كبررة لألمل إذ‬ ‫‪92‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم اجد ابي امام الباب‪ ،‬و في نفس الوقت شعرت بالخوف فانا لم‬ ‫احضر بصفس ي والدة في حياتي‪،‬و لم اكن اعرف ماذا افعل نهائيا‪.‬‬ ‫لقد تملكتني الودمة و امي تورخ احيانا ( جان ساعدني‪ ،‬اني‬ ‫الد) ثم تختم صراخها بضحك هيسترري‪.‬‬ ‫لقد كان ضحكها يرةكني اكثر من امر الوالدة‪ ،‬قالت لي امي ان امد‬ ‫يدي الى مهبلها و ان اساعدها في اخراج الجصرن‪ ،‬لم اعرف اصال ما‬ ‫معنى مهبل‪ ،‬لقد كان الامر مقززا جدا و لكني واصلت فيه‪ ،‬لم تكن‬ ‫لدي حيلة فقد كصت مسؤوال في تلك اللحظة على والدتها‪ ،‬و لم‬ ‫يكن بمقدورنا ان نقوم بش يء اخر فقد دقت ساعة والدتها الان‪،‬‬ ‫الان فقط وال يقبل الامر اي تفويت‪.‬‬ ‫مددت يدي الى داخلها و انا احاول مساعدتها في سحب اخي او‬ ‫اختي‪ ،‬و ملست راس الجصرن و هي تدفعه خارجا‪ ،‬و تورخ و‬ ‫تضحك‪ ،‬و احسست بوخزات في رجلي و لم يعد بمقدورهما ان‬ ‫يحمال جسدي اكثر من ذلك‪ ،‬و لكن ثبتهما على الارض كمرساة‬ ‫ثقيلة و حملت نفس ي عليهما ألجل امي‪ ،‬فلم يكن بمقدوري ان‬ ‫اتركها تعاني لوحدها هصاك‪.‬‬

‫‪93‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫توببت عرقا و املا‪ ،‬و كأني انا من يلد و ليست امي من يفعل‬ ‫ذلك‪ ،‬كصت اصرخ معها و احاول سحبه اكثر‪ ،‬و هي تشد على‬ ‫السرير و تصادي ابي بأعلى صوتها‪ ،‬و كصت انا هصاك اسحب الجصرن‬ ‫و شكل امي املخيف يرةكني اكثر‪ ،‬ترددت اكثر من مرة على سحبه و‬ ‫لكني كصت اواصل‪.‬‬ ‫بدا مهبل امي يتسع في يدي‪ ،‬اذ راس اخي يخرج للحياة و تدفق‬ ‫باقي الجسد فيهما و انساب كحمم البركان‪ ،‬و ملمسه اللزج يقراني‬ ‫بتوتر ينسيني نفس ي و احالمي و كل ش يء‪ ،‬و صرخ الكائن الحي بقوة‬ ‫في وجهي فخفت ان اكون قد املته فبكيت و قلت ألمي ( امي‪ ،‬امي‬ ‫انا خائف‪ ،).‬صاحت امي في وجهي ( هات املقص ) ‪ ،‬لم افهم جيدا‬ ‫ما قالته و بقيت أتأملها كالفزاعة‪ ،‬قالت هي ثانية ( املقص هات‬ ‫املقص‪ ،‬انه هصاك في علبة الخيط )‪.‬‬ ‫رحت اجري صوب العلبة و افرغتها رأسا على عقب‪ ،‬و بيصما‬ ‫املقص كان كبررا و باديا إال اني رحت اخلط الابر بحثا عصه‪ ،‬الى ان‬ ‫اصطدمت يدي بالودفة به و امسكته برن يدي‪ ،‬و اخذته الى امي‬ ‫التي قطعت الحبل الذي كان يتدلى مصه و قالت لي بووت رطب‪(:‬‬ ‫لديك اخت الان جان بيار‪) .‬‬

‫‪94‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫عدت الى حالتي الطفولية العادية ثانية‪ ،‬و اغرورقت عيصاي‬ ‫بالدموع و سالت امي‪( :‬لدي اخت؟ ) فردت هي و تبتسم في ان‬ ‫واحد‪ ( :‬نعم اخت و انظر كم هي جميلة تشبهك كثررا‪ ) .‬رحت املحها‬ ‫و املح امي ثانية دون ان اصدر اي صوت‪ ،‬و كأني اصلي و وضعت‬ ‫شمعة بداخلي لكي ال ترى اختي على افقي الظالم‪ ،‬استسلمت لها‬ ‫و تركتها تتشعب بداخلي كفيض من الاحاسيس‪ ،‬شعرت بكهرةاء‬ ‫تسترق الصبضات من قلبي الذي اصبح يخفق في كل مكان في‬ ‫جسمي‪ ،‬و انا أالحظ وجهها الوغرر يمزق ذاكرتي‪ ،‬و يطبع نفسه‬ ‫داخلها‪ ،‬و كأنني اعرفها مصذ مليون عام حيث ترةت مشاعر حب‬ ‫كبررة اتجاهها بطريقة سريعة لم اعهدها من قبل ‪.‬‬ ‫لقد كان ألختي من يومها مكانا كبررا في كياني و حياتي و كيف ال و‬ ‫انا من اخرجها للحياة من اعمق نقطة في فرج امي في هذا السن‬ ‫امي قالت لي حينها ان دور الطبيب يليق بي و لذلك كبرت احالمي‬ ‫من يومها على اصبح طبيبا يوما ما‪.‬‬ ‫امي اعطتني الحرية ان اختار الختي اسما‪ ،‬فانا من ساعدها على‬ ‫الوالدة و قد قاسمتها معاناتها‪ ،‬و انا في هذا السن الوغرر حيث‬ ‫ارادت تشريفي بهذا الدور البسيط لها و العظيم بالنسبة لي‪ ،‬حيث‬ ‫كان اعظم حتى من مساعدتها على الوالدة فان يولد الانسان فهو‬ ‫‪95‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ال يفعل ذلك إال مرة واحدة‪ ،‬اما ان اختار له اسما فسيبقى هذا‬ ‫الاخرر مطبوعا فيه الى ان يموت‪ ،‬و مع ذلك فاني لم استغرق‬ ‫وقتا طويال الختار لها اسما بل تفوهت به مباشرة‪ ،‬فيما كان يبدو‬ ‫عليها وجهها السكري الطعم و اللون و الشكل‪ ،‬سكت لبرهة واحدة‬ ‫فقط ثم نطقت اسمها و كان ( ايلرن ) بكل بساطة‪ ،‬و مصذ تلك‬ ‫اللحظة اصبحت الرن مهجتصا و اكسجرن البيت و دفئه‪.‬‬ ‫كانت زيارات الجرران للرن طفيفة جدا‪ ،‬و كان هذه املواطصة‬ ‫الفرنسية لم تمال عيونهم‪ ،‬و لكني لم اكن ارى في الامر شيئا سيئا‪،‬‬ ‫اصال كصت ارى في استقبالهم مضيعة للوقت لذلك لم اعرهم اي‬ ‫اهتمام و واصلت حبي للرن‪.‬‬ ‫اختي كانت تشبنهي كثررا‪ ،‬و على عكس ي فتحت عيصاها من اليوم‬ ‫الاول‪،‬كانت كثررة الرضاعة و كثررة التغوط كذلك‪ ،‬مما كان‬ ‫يدفعصا الى تغيرر حفاظاتها كل مرة‪ ،‬و في الحقيقة الحفاظات في‬ ‫ذلك الوقت لم تكن بصفس التطور الذي هي عليه الان‪ ،‬حيث لم‬ ‫تكن الحفاظات في زمانصا ذاك سوى قطعة نيلون و مجموعة من‬ ‫الاقمشة و بعض املرطبات‪ ،‬و في غالب الاحيان كانت تترك اختي‬ ‫بصوفها الاسفل عاري بسبب الحساسيات الجلدية التي كانت‬ ‫تسببها تلك الحفاظات ‪.‬‬ ‫‪96‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كم كانت تعجبني عصدما كصت اضنها تحمر خجال ألجلي بيصما هي‬ ‫كانت تحمر من شدة عورها لصفسها اثصاء التغوط‪ ،‬لقد كان‬ ‫شكل برازها جميال جدا‪،‬احيانا كان يخرج منها بأشكال غريبة‬ ‫اصفرا احيانا‪ ،‬و احيانا اخضرا‪ ،‬و احيانا تتخلله بعض القطع‬ ‫الحمراء كالياقوت و املرجان‪.‬‬ ‫كل ش يء فيها كان يعجبني حتى اقذر الاشياء كانت جميلة جدا‪ ،‬انها‬ ‫نعمة الاخوة الكبررة ان تشعر ان هصاك انسان اخر نبت في نفس‬ ‫الرحم‪ ،‬و خرج من نفس املهبل لكي يزاحمك في مكان في العائلة‪ ،‬و‬ ‫يشتم معك نفس الهواء بودر مختلف‪.‬‬ ‫في الحقيقة قبل تلك التجرةة لم اكن اعرف ان الانسان يأتي‬ ‫للعالم بهذه الطريقة التي كانت بدورها تبدوا قذرة في البداية‪ ،‬و‬ ‫لكنها اصبحت تمثل لي احد اجمل املشاهد التي المستها في حياتي‪،‬‬ ‫فقد كصت اظن في البداية ان الحياة صصعت بشكل الذي نعيشه‪،‬‬ ‫ابي خلق ابا لي و امي كذلك‪ ،‬و انا وجدت طفلهما‪،‬و العالم كل في‬ ‫دوره كأشخاص في لوحة زيتية رسموا كما هم في اعمارهم البادية‬ ‫دون ان يكبروا او ان يولدوا او ش يء من هذا القبيل او ذاك‪ ،‬و‬ ‫لكني بعدما سحبت اختي الوغررة من مهبل امي سحبت معها‬ ‫فكرة جديدة عن الحياة‪ ،‬و عن وضاعتها‪ ،‬و عن حقيقتصا البشرية‬ ‫‪97‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫التي يجب ان نخجل منها كل لحظة نحاول فيها ان نتكبر او ان‬ ‫نترفع عن الاخرين ‪.‬‬ ‫ولدت اختي في الخامس من افريل من برج الحمل‪ ،‬حيث كانت‬ ‫تمثل البداية و الحياة‪ ،‬بيصما انا ولدت من البداية حوتا‪ ،‬و كأني‬ ‫اولد من النهاية حيث امثل املوت و الابد‪ ،‬و كان الامر باديا في‬ ‫وجهها الذي يفتح شهية الصاظر اليها ليسبح مدى الحياة في شالل‬ ‫متدفق على ارض متعطشة للتصفس تبلع الاحزان‪ ،‬و تخرج من‬ ‫امالحها ورودا للفرحة و تألق ‪.‬‬ ‫اما انا فكان نهر الغانج يتدفق من وجهي بما يبعث خليطا غرر‬ ‫مفهوم من الحزن و الفرحة‪ ،‬و صداما الاهيا برن الحكمة و‬ ‫السذاجة‪ ،‬و ازمة فريدة من نوعها تعكس صورة الغول في عيني‪،‬‬ ‫بيصما تخبئ بداخلها املالك الذي قد يخرج في اي لحظة ليحمل‬ ‫السماء عني و يريحني من مشاكل العالم التي تخطها ابجديات‬ ‫الفلسفة العميقة عصدي‪ ،‬كلما ارتسمت على عيني لحظات بؤس‬ ‫الاخر فتتقزم كل املعاني دفعة واحدة‪ ،‬و تغدوا الحياة كل مرة‬ ‫واحدة و لألبد تافهة جدا وال تستحق ان تعاش‪.‬‬

‫‪98‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫شهرين كانت ترسم فيهما اختي في البيت ابتسامة كصا فقدناها‬ ‫بسبب غياب ابي‪ ،‬ابي الذي كصت اراه في عيصا اختي البريئترن‪ ،‬و‬ ‫الذي تمصيت بقوة عودته اليصا ألحضصه مجددا‪ ،‬و اهديها طفلته‬ ‫التي اصطدتها بصفس ي من داخل امي كعرةون محبة له و للعائلة‪.‬‬ ‫و في يوم رةيعي بائس تعيس و بارد كالوقيع تجمد بيتصا على خبر‬ ‫وقع عليصا كما تقع اعتى ناطحات السحاب‪ ،‬الزلت اتذكر ذلك‬ ‫اليوم جيدا و سيبقى دائما محفور في غياهب ذاكرتي اللعيصة التي‬ ‫يبدو انها ال تنس ى ش يء على الاطالق‪.‬‬ ‫كصت واقفا باملقرةة من الباب و انا احمل احد العابي مستعدا‬ ‫ألالعب بها اختي الوغررة الرن‪ ،‬و اذا بطرق قوي على الباب رميت‬ ‫لعبتي و رحت اجري صوبها ألفتحها‪ ،‬و لكن امي خرجت من املطبخ‬ ‫بسرعة و صرخت في وجهي ان ال افعل‪ .‬اتجهت صوب الباب و هي‬ ‫تمسح يديها على مئزر الطبخ و سالت قبل ان تفتح الباب من‬ ‫الطارق‪ ،‬فإذا بووت خشن يخبرها انه من الجيش الفرنس ي‪،‬‬ ‫فتحت امي الباب بسرعة و كلها لهفة‪ ،‬فاذا بشاب صغرر السن‬ ‫تبدو عليه بعض الجروح يمد يده اليها و يعطيها خاتم ابي و‬ ‫سلسلته و قال لها بووت دافيء ال يشبه صوته الاول‪ ( :‬لقد كان‬

‫‪99‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ميشال يحبكم فعال‪ ،‬و لكن القدر اختار ليجمعه مع احبائه في‬ ‫السماء ميشال رحل عصا في الحرب‪).‬‬ ‫اغمي على امي في الباب‪ ،‬و حملها الشاب الى البيت‪ ،‬و احضرت لها‬ ‫كأسا من املاء و بعض الليمون‪ .‬في الحقيقة لم اكن اعرف ما معنى‬ ‫تلك الكلمات التي قالها و لكني كصت انتظر امي لتوحى لتخبرني‬ ‫اياها‪ ،‬لقد كانت يدي ترتعش و كأنها تحاول الفرار مني عانقت‬ ‫امي بقوة و ترجوتها ان توحى‪.‬‬ ‫فتحت امي عيصاها رويدا‪ ،‬رويدا و لم تبدي اي حركة‪ .‬بقيت‬ ‫ساكصة كالتمثال‪ ،‬وقف الشاب و قدم لها تحية عسكرية ثم قال‬ ‫لها بلكصة قوية ثانية ‪( :‬سأتركك الان سيدتي اتمنى ان تتجاوزي‬ ‫محصتك الوداع ‪).‬‬ ‫رحت اسالها راجيا منها ان تحادثني و لكنها بقيت ساكصة‪ ،‬ثم راحت‬ ‫دموعها تنسكب من عيصيها بغزارة دون ان ترمش او ان تحرك‬ ‫ساكصا‪ ،‬لقد كانت كالبلهاء و كأنها ال تعرف شيئا البتة‪ ،‬رأيت فيها‬ ‫رجل الثلج بجموده و ذوةانه في دموعها‪ ،‬و رأيت على وجهها عباد‬ ‫الشمس الذي تثقل رأسها حباته السوداء فيغدو راكعا للسماء‬ ‫بعد ان تشبث بشعاعها‪ ،‬و حيث ما كان يختلج صدرها كان اكبر‬ ‫‪100‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫من ان تعبر عن على شاكلة لغة‪ ،‬ثبتت عيصاها في نقطة واحدة و‬ ‫كان عقلها قد انورف عنها الى مجاري النسيان الكلي محو كلي و‬ ‫لكل ش يء‪.‬‬ ‫قلت لها بووت خائف‪ ( :‬امي‪ ،‬امي ارجوك اخبريني الى اين رحل‬ ‫ابي؟ هل غرر حقل البرتقال؟ متى سيعود ابي؟ و عن اي حرب كان‬ ‫يتكلم؟ ارجوك‪ ،‬ارجوك امي اخبريني هل سيعود اليصا من حقل‬ ‫البرتقال )‬ ‫تأملتني امي و الحزن يرسم على محياها صورة بشعة‪ ،‬عن حياة‬ ‫ضبابية ليس لها اي معنى‪ ،‬تأملتني و كأنها تعرفني غريزيا فقط‪ ،‬و‬ ‫قالت لي بهدوء تام‪ ( :‬بابا لن يعود ابدا من حقل البرتقال‪ ،‬جان‬ ‫بيار و لكصصا يوم ما سنسافر اليه هصاك‪).‬‬ ‫لم يكفني جوابها ذاك بكيت في صدرها و طلبت منها بإلحاح‬ ‫ان نسافر اليه الان‪ ،‬و لكنها لم تجبني عادت لسكونها ثانية بكل‬ ‫احتقار لكل ش يء من حولها‪.‬‬ ‫في الحقيقة ابي كان قد استشهد في الحرب ضد املانيا‪ ،‬و لكن امي‬ ‫لم تكن تريد ان تجرحني بذلك الخبر املشؤوم‪ ،‬و لكني تمصيت بقوة‬ ‫ان اسافر في تلك الايام السوداء لجصازة ابي الشكلية‪ ،‬الى حقل‬ ‫‪101‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫البرتقال‪ ،‬حتى اني سالت الحافالت و كل سيارات التاكس ي عن‬ ‫هذا الحقل لكن دون جدوى‪ ،‬احسست في ذلك الوقت اني قد‬ ‫افلت اصبع ابي من يدي الى الابد ‪.‬‬ ‫في الحقيقة وفاة ابي تركت في حياتي بومتها‪ ،‬فانا لم اكن قد‬ ‫رسمت وعيا كافيا في ذلك الوقت يمكصني من نسج عالقتي مع‬ ‫املجتمع او الاخر‪ ،‬فأبي كان حلقة مهمة لي في ذلك و الاكيد ان‬ ‫فقدانه كان امرا بشعا جدا لم اكن ألتوقعه ابدا في ذلك السن‪ ،‬و‬ ‫لكني ما زلت احمل ذكرى عميقة و طيبة عصه‪ ،‬الاكيد ان مروره في‬ ‫حياتي و لو كان قوررا إال انه كان كافيا برسم لوحة كاملة املعنى‬ ‫عن املفاهيم الانسانية العادية‪ ،‬و عن الجماليات التي ستبقى‬ ‫دائما مدرسة لي في الحياة‪ ،‬و اكثر ما كان مؤسفا في الامر هو ان‬ ‫تعيش اختي الرن طيلة حياتها دون ان تشم رائحة اباها او تعانقه‪.‬‬ ‫و بعد كل هذه السصرن حملت رسم املالك ذاك الذي كصت جعلته‬ ‫يعيش مكبال باألغالل طيلة تلك السصوات‪ ،‬و طلبت من اهل البيت‬ ‫ان يعطوني ممحى و على الرغم من طلباتي الغريبة تلك إال ان اهل‬ ‫البيت كانوا يحققون كل رغباتي الشاذة تلك‪ ،‬و مسحت ألول مرة‬ ‫تلك الاغالل عن املالك و تركته حرا‪ ،‬و رسمت له ابتسامة على‬

‫‪102‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫وجهه فانا و بعد كل هذه السصرن ال اعلم ان كصت سأعيش اكثر‬ ‫ولذلك سأضمن له على الاقل حريته قبل موتي‪.‬‬

‫‪103‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪5‬‬

‫همسة في اذن القمر‬ ‫تلك صورة لي مع امي و اختي بعد مرور ثالث سصوات على وفاة‬ ‫ابي‪ ،‬امي ترتدي تصورة قوررة‪ ،‬انا قد فقدت بعض اسصاني و‬ ‫استرجعت الاخرى‪ ،‬و اختي تبتسم للكامررا و كأنها تريد اكلها حيث‬ ‫كانت تحب تلك املواقف الغريبة ‪.‬‬ ‫مرت ثالث سصوات‪ ،‬و قد استجمعصا قطعصا ثانية و ركبصا بعض‬ ‫فؤادنا من جديد‪ ،‬وال يبدوا انصا قد سافرنا الى حقل البرتقال و ال‬ ‫يبدو هو الاخر قد سافر اليصا‪ ،‬و لكصصا سافرنا الى بيت جديد غرر‬ ‫ذلك البيت الذي اصبح باردا جدا بدون ابي‪ ،‬و ذكرياته تصخرنا‬ ‫هصاك و تمصعصا الحياة‪.‬‬ ‫امي تجاوزت شغفها بالبيت الاول الذي جمعها بابي ألجلي‪ ،‬فكانت‬ ‫تعلم اني لن استطيع مقاومة الحزن الذي كان يمزقني سوى بتغيرر‬ ‫بيتصا الى مكان جديد و بعيد و مختلف‪،‬و لذلك ضحت ألجلي و لكي‬ ‫اتمكن من خلق حياة جديدة بعيدا عن ذلك الاضطراب‪.‬‬ ‫‪104‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الزلت اتذكر يوم رحيلصا من بيتصا الاول لقد كصت ارفض الامر‬ ‫حينها‪ ،‬و بكيت بكاءا شديدا‪ ،‬و احسست ان قطعة مني تطرر بعيدا‬ ‫عني بعيدا جدا الى حيث تسافر الريح بعيدا عصا‪ ،‬لكن امي قد‬ ‫اصرت على ذلك و لكني كصت متأكدا انها كانت تذرف دموعها‬ ‫داخلها اكثر مما كصت اذرفه انا لخارجي‪ ،‬فقد كصت ارى هذا فيها و‬ ‫هي تالمس جدران و زوايا البيت و كأنها تمسح دموعه هو الاخر‪.‬‬ ‫كصت استشعر في مالمستها للبيت بتلك الطريقة حيث تزرع فيه‬ ‫بوماتها عليه كما تترك الدببة رائحتها و هي تحك ظهرها على‬ ‫الاشجار‪ ،‬و كأنها تقول بووت عالي ان هذا البيت بيتي و دائما‬ ‫سيبقى كذلك‪ ،‬و في نفس الوقت كانت تبدي من وجهها بؤسا‬ ‫كبررا‪ ،‬كانت تبدو و كأنها جادة جدا‪ ،‬تحمل بعض حقيبتها و بعض‬ ‫العمال الجزائريون يفرغون البيت من اثاثه‪ ،‬اما انا فبقيت داخل‬ ‫خزانة الحائط ابكي و انا جاث هصاك ارفض ان اخرج‪ ،‬و هي‬ ‫تصاديني بووت قوي‪ ،‬و كان ابي لم يمر على موته بعض الاسابيع‬ ‫فقط‪ ،‬بقيت تصاديني بأقص ى ما لديها من صوت ثم طلبت من احد‬ ‫العمال اخراجي من داخل خزانة الحائط تلك‪ ،‬جاء ذلك العامل‬ ‫الشاب يترجاني في الخروج الامر الذي كصت ارفضه بشدة‪ ،‬و كصت‬ ‫اطلب مصه بغضب ان يبتعد و يتركني‪ ،‬إال ان الشاب غرر سياسته‬ ‫‪105‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فجأة و حملني بالقوة فوق كتفه و انا اضرب ظهره و اترجاه ان‬ ‫يضعني على الارض‪.‬‬ ‫امي بقيت تتأملني حرن خارت قوتي في كتف ذلك الشاب و‬ ‫استسلمت له و رحت ابكي حيث هو وضعني في السيارة‪ ،‬و انتظرت‬ ‫امي التي كانت تحمل اختي الرن في يدها و انطلقصا صوب بيتصا‬ ‫الجديد‪.‬‬ ‫في الحقيقة هو هذا البيت الذي انا جلس فيه الان يتمسك بي و‬ ‫يحضصني بشدة‪ ،‬لكني في البداية دخلته حزيصا كئيبا و كأنني ادخل‬ ‫قبرا اسودا لم اشعر في هذا البيت في البداية سوى انني في سجن‬ ‫خانق‪ ،‬يمصعني وجودي و كياني‪ ،‬و يفرقني عن اخر رائحة لي من‬ ‫ابي‪ ،‬كصت اتمنى في ذلك الوقت لو سافرنا لحقل البرتقال او ان‬ ‫نبقى هصاك في بيتصا ذاك‪ ،‬و لكن امي كانت مجبرة على الرحيل‬ ‫فحياتي الصفسية كانت مهددة‪ ،‬و كان يجب عليها ان ترمي كل‬ ‫مشاعرها عرض الحائط و تتخذ القرار الوائب ملولحتي‪.‬‬ ‫بيتصا الجديد كان في حي شعبي مليء بالجزائريرن‪ ،‬لقد كان مختلفا‬ ‫تماما عن ذلك الحي اوروبي البائس املليء بالصفاق‪ ،‬فعلى الرغم من‬ ‫كرهي لبيتصا الجديد في البداية إال اني احببت شارعه و احببت‬ ‫‪106‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الحي كثررا من البداية ايضا‪ ،‬اذ لم يكن يبدو متكبرا جدا حيث‬ ‫كانت البساطة ترسم فيه وجها مبتسما قليل الغبطة و سريع‬ ‫الغضب‪ ،‬كان بذلك الحي وجه يشبه كثررا هواء هذه املديصة‪ ،‬و‬ ‫كان الصاس يتورفون على طبيعتهم‪ ،‬و على رغم من فقرهم إال‬ ‫انهم كانوا يبتسمون كل يوم على غرر العادة في حيصا السابق حيث‬ ‫كان التوصع سيد الحياة هصاك‪ .‬و هؤالء الطيبون هصا يجدون في‬ ‫ذلك متعة كبررة اذ على بساطتهم تبسط الحياة اجصحتها لهم و‬ ‫ألطفالهم الرائعرن‪ ،‬يجدون ألبسط الاشياء متعة اذ لم تكن‬ ‫العابهم معقدة جدا بل كانت بسيطة جدا على بساطة ذلك الحي‬ ‫الجميل‪.‬‬ ‫في الايام الاولى لم استطع ان اندمج نهائيا مع الحياة هصاك‪ ،‬اللغة‬ ‫كانت مختلفة الى حد كبرر‪ ،‬و الحياة كذلك‪ ،‬و الكل هصاك كان‬ ‫يصظر اليصا بحررة بالغة مستغرةرن من وجودنا هصاك معهم‪ ،‬لقد‬ ‫كصا مختلفرن جدا و لكني ال اعلم ملا شعرت امي باألمان هصاك‬ ‫اكثر من اي مكان اخر‪ ،‬رةما ألنها هي الاخرى لم تحب كثررا نفاق‬ ‫الاخرين‪.‬‬ ‫لم اكن اجد ما افعله في ذلك البيت‪ ،‬كصت حزيصا جدا لرحيلصا‬ ‫لبيت الذكريات الاولى‪ ،‬و لكن مشهد اطفال الحي يلعبون العابا لم‬ ‫‪107‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫افهمها كان يغريني ان اخرج و اسالهم و الهو معهم و لكني خفت‬ ‫ان ال يتقبلونني بينهم‪ ،‬و لذلك فضلت ان اشاهدهم دائما من‬ ‫الصافذة و هم يتسلون بطريقتهم الخاصة تلك التي اغرتني فعال‪.‬‬ ‫و كان عليا ان اعتني بأختي كذلك و مساعدة امي في ذلك بالرغم‬ ‫من ان امي كانت تفعل قوارى جهدها لكي ال تترك شيئا ناقوا‬ ‫ألتممه انا‪ ،‬بل كانت دائما تحاول دفعي للعب مع اطفال الحي و انا‬ ‫كصت دائما ارفض فقد كصت اخاف من ش يء ال اعلمه ما هو‬ ‫حولهم‪.‬‬ ‫امي حاولت قوارى جهدها ان تجعلني اتعرف بأطفال الحي‪ ،‬و‬ ‫اجد مستقرا في حيصا الجديد بينهم و العب كمن هم في سني‪ ،‬و ان‬ ‫اعود لطفولتي مجددا لكي اخرج من حالتي الصفسية املتدهورة‬ ‫تلك‪ ،‬و لكن كصت ارفض دائما ذلك متشبثا بالظالم بداخلي و كأني‬ ‫انتقم من الحياة برفضها‪ ،‬فتكوين صدقات جديدة امر صعب‬ ‫جدا خووصا في مكان ال افقه لغته تقريبا‪،‬و ال يفقه هو وجودي‬ ‫بيصه‪ ،‬فشكلي الغريب كان يدفع بداخلهم الحررة التي كانت تتدلى‬ ‫من انوفهم كلما وقعت عيني على عينهم بالودفة‪ ،‬ولكني بدأت‬ ‫استجمع بعض الشجاعة من شعاع الشمس‪ ،‬و من ذاكرة البحر‪،‬‬ ‫و من الحمام الراحل الى السماء‪ ،‬و من الهر الاسود الذي لم يكن‬ ‫‪108‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يعرفصا و لكصه كان يزورنا يستجدي بعض الحصان‪ ،‬و رويدا‪ ،‬رويدا‬ ‫اصبحت اجلس امام الباب او العب بالدراجة وحيدا احاول لفت‬ ‫الانتباه‪ ،‬و لكن في البداية لم يعرني اي فيهم اهتماما ما‪ ،‬حيث‬ ‫كانوا يتأملونني احيانا بقسوة و كأني امثل لهم كل اؤالئك اللذين‬ ‫يستعمرونهم في ارضهم و يحولون بينهم و برن الحرية‪ ،‬رةما كان‬ ‫لكل فيهم شهيدا او ضحية في بيتهم لالستعمار الغاشم ذلك الوقت‬ ‫لم يكن احد يبدوا مسرورا هصاك‪.‬‬ ‫بيصما انا كصت احاول ان اجذب انتباه الوبية نحوي‪ ،‬امي كانت‬ ‫تحاول املرور على نساء الحي الجزائريات لكي تصدمج هي الاخرى و‬ ‫تدفعهن ليحثثن اطفالهن على اللعب معي‪.‬‬ ‫لم تكن كل نساء الحي لطيفات معها‪ ،‬فبعضهن كان يرى فيها‬ ‫مستوطصة مثل باقي املستوطصرن‪ ،‬و هصاك من عاملنها بكل تفسخ و‬ ‫ذل و كأنهن يستجدين حسصة منها‪ ،‬فاألوروةيون كانوا افضل حال‬ ‫و قد يغري مصظر (الكاوري) بعض ضعاف الصفس ي لكي يقتات‬ ‫بعض الفتات من سرابه على الارض‪ ،‬و لكن برن ذاك و ذاك كان‬ ‫هصاك من برن الجزائريات نساء لم يعاملنها كمستوطصة ال بذل وال‬ ‫بكراهية بل عاملنها كانسان و كفى‪ ،‬استقبلنها بكل رقي و حادثنها‬ ‫كانسان لنسان كبشر يتساوون في الحياة و الحرية و الكرامة‪،‬‬ ‫‪109‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حيث شرحت لهن امي حالتصا و طلبت منهن مساعدتي للرجوع‬ ‫لحالتي الطبيعية‪.‬‬ ‫و في صباح باكر الزلت اتذكره فتحت صفحة جديدة في حياتي‪،‬‬ ‫كصت جالسا في الدرج عصد عتبة الباب فاذا بثالثة صبية من‬ ‫اطفال الحي بمالبسهم الرثة يتحركون صوبي‪ ،‬نعم كانوا ثالثة‬ ‫صبية‪ :‬واحد سمرن بشعر اسود يحمل كرة القدم في يده‪ ،‬في‬ ‫الحقيقة لم تكن سوى مجموعة من الاكياس مليئة بش يء ما ال‬ ‫اعرفه على شكل كروي‪ ،‬و اوسطهم كان طويال نوعا ما باملقارنة‬ ‫معهما و اصهب‪ ،‬له خانة سوداء امام فمه‪ ،‬و الثالث كان نحيفا‬ ‫جدا‪ ،‬شعره خليط من الالوان برن الاسود و البني و الاصفر‪ ،‬و‬ ‫لون عيصاه كان اخضرا يشبه لون الزيتون ‪.‬‬ ‫خفت في البداية فوقفت امام الباب و انا احضر نفس ي لوصولهم‪،‬‬ ‫وضعت يدي على الباب احضر نفس ي للفرار من قبضتهم‪ ،‬و لكن‬ ‫مع اقترابهم شيئا فشيئا نحوي كانت تبدوا الابتسامة على وجوههم‬ ‫اكثر مما ازال الخوف من قلبي‪ ،‬و اعاد الى نفس ي القليل من‬ ‫الطمأنيصة و الشعور باألمان‪.‬‬

‫‪110‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫وقفت و انتظرت وصولهم و انا احاول ان أالحظ كل ش يء فيهم‪.‬‬ ‫وصلوا امامي‪ ،‬قدموا التحية ثم طلبوا مني اللعب معهم‪ ،‬ذهلت و‬ ‫لم اجد ما اقوله‪ ،‬امسكني الطويل من يدي و قال لي بووت‬ ‫بشوش و كأنه يدغدغني البتسم انا الاخر‪ ( :‬هيا لتلعب ال تستحي )‬ ‫لعبت معهم كرة القدم بتلك الطابة الخرقاء رفقة باقي الوبية‬ ‫هصاك‪ ،‬لعبت معهم بلغة الاطفال‪ ،‬لم تكن لغتصا عرةية وال فرنسية‬ ‫وال امازيغية‪ ،‬بل لغة جميلة جدا كأشبال صغررة تقفز فرحا‬ ‫بالشمس‪ ،‬فهمتهم بسهولة كما تفهم الارض املاء فتشق نفسها له‪،‬‬ ‫و انسابوا هم مع غديري نلون مع بعض يومصا ذاك بفرحة عارمة‪،‬‬ ‫و عدت للبيت و كأني اكنز الشمس تحت جلدي‪ ،‬اذ احمرت‬ ‫خدودي على غرر عادتها‪ ،‬و انا ابتسم ألول مرة مصذ وفاة ابي كأي‬ ‫طفل يصدمج سريعا مع حاالته الجديدة‪ ،‬عصدما الحظتني امي في‬ ‫تلك الحالة ابتسمت لي و بدت سعيدة جدا بما كصت عليه من‬ ‫سعادة‪ ،‬و بيد لي في تلك اللحظة انصا تخطيصا ازمتصا الصفسية معا و‬ ‫بدأنا حياة جديدة في ذلك الحي البسيط بباب الواد‪ ،‬و حملصا ابي‬ ‫معنى ذكرى و قررت ان اتذكر اللحظات الجميلة فقط‪ ،‬و وضعت‬ ‫قبعاته في غرفتي مع اني كصت اكره ارتداء القبعات و لكن ال ش يء‬ ‫للذكرى يكون اجمل من رائحة شغفه‪.‬‬ ‫‪111‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اصبح الوبية الثالثة اصد قاءا مقرةرن مني مصذ ذلك اليوم‪ ،‬و‬ ‫اصبح ذلك الحي اقرب لذاتي من اي بقعة اخرى في العالم‪ ،‬و في‬ ‫اليوم الاول الذي لعبت فيه هصاك احسسته يدخل مساماتي‬ ‫الوغررة ليحبس نفسه الى الابد‪ ،‬و بعد ذلك اصبحت اشاركهم‬ ‫كرتي الحقيقية الامر الذي اعطاني حبا كبرر و اكسبني احتراما من‬ ‫طرفهم ‪.‬‬ ‫لقد احببت اصدقائي الجدد اكثر من اي صديق لتلك اللحظة‪،‬‬ ‫احببت فيهم بساطتهم و حبهم للشمس و الحياة‪ ،‬احببت فيهم‬ ‫اغصياتهم الرائعة و ضحكهم على الرغم من بؤسهم و فقرهم‪ ،‬لقد‬ ‫شعرت بينهم بالدفء على عكس ما كصت اشعر به افي الحي‬ ‫القديم‪.‬‬ ‫السمرن اسمه عمر لم يكن انسانا يأكل كثررا بل كان كثرر‬ ‫التقيؤ‪ ،‬ال اعرف كيف اصبح سميصا هكذا و لكصه كذلك‪ ،‬و كان‬ ‫بشوشا و تلك الكوميديا الساخرة ال تفارق وجهه‪ ،‬و كذلك امه‬ ‫التي كانت تضحك ألتفه الاسباب و كأنها ال ترى من هذا العالم‬ ‫البائس سوى جانبه السعيد‪ ،‬ترسم من ضحكتها جوا بهيجا ألي‬ ‫شخص يقف امامها‪ ،‬و قد تجعله يضحك رغما عصه لينس ى كل‬ ‫هموم الدنيا و موائبها‪ ،‬و عصدما كصا نسالها عن سمنى ابنها كانت‬ ‫‪112‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تضحك و تقول لصا دائما ان املالئكة تقوم بتغذيته على سبيل‬ ‫السخرية‪ ،‬و لم تكن الابتسامة تفارقهما ابدا‪.‬‬ ‫اما الطويل الاصهب فكان اسمه خالد‪ ،‬لقد كان اجملهم على‬ ‫الرغم من شعره الذي يقارب الاحمرار و كأنه لهيب مشتعل‪ ،‬و‬ ‫لكصه في نفس الوقت كان يخبئ في وجهه تفاصيال غريبة تبديه‬ ‫جميال جدا و كأنه جرح نازف في بطن غزالة رقيقة‪ ،‬و كأنه كان‬ ‫يضفي من وجهه ضعف ما يتجلى من قوته على املقاومة‪ ،‬و كأنه‬ ‫شعلة من الصار قد تدفئك كما قد تحرقك في نررانها‪ ،‬كما كانت‬ ‫روحه الجميلة تتجلى في ابتسامته الحصونة الكفيلة باصطياد امهر‬ ‫العوافرر في شباكها‪.‬‬ ‫اما الصحيف فهو صديقي الذي يجلس امامي و أنا اقرا الالبوم في‬ ‫شيخوختي هذه‪ ،‬انه محمد لقد كان لطيفا جدا و صبورا يلعب‬ ‫معصا احيانا و يعيل عائلته احيانا اخرى‪ ،‬اذ يبيع بعض الخبز و‬ ‫الحشيش في السوق العربي‪.‬‬ ‫اصبحت رابعهم انا جان بيار جزائري حتى الصخاع وال اعرف بلدا‬ ‫اخر إال هذا‪ ،‬كصت مهذبا و مبتسما‪ ،‬و كان لدي من الخيال ما‬ ‫يكفيني لكي يسميني اصدقائي الجدد من بعد ذلك باملقود‪ ،‬و هي‬ ‫‪113‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫صفة يقدمها الجزائريون لكل شخص تعدى مرحلة العقالنية‬ ‫بخطوة و ولج عالم الجصون بخطوترن‪ ،‬و على الرغم من ان الكلمة‬ ‫كانت مذمومة الى حد ما إال انها كانت وساما يعلق على صدر كل‬ ‫طفل يجلب الضحك و السرور ألوالد الحي مثلما كصت افعل انا‬ ‫ذلك‪ ،‬خووصا عصدما بدأت نطق بعض الكلمات بالدارجة‬ ‫الجزائرية و اصبحت اعرف مرةط الفرس فيما يجعلهم يضحكون‪،‬‬ ‫و عصدما كصت اتذمر فان الكلمة التي كصت اتفوه بها بطريقة‬ ‫فرنسية جدا كانت تويبهم بصوةة شديدة من الضحك هي ( زبي ) ‪.‬‬ ‫لقد تعرفت على العاب لم اكن اعرفها من قبل‪ ،‬العاب مسلية‬ ‫جدا تبعث في الصفس شعورا مفعما بالحرية‪ ،‬شعور يفوق شعور‬ ‫الطفولة بكثرر من الجصون‪ ،‬و من جملة تلك الالعاب التي تعرفت‬ ‫اليها هصاك كان (تشبتشاق ماريكان)‪ ،‬ال اعرف ملا قدمت الجنسية‬ ‫الامريكية للعبة جزائرية بحتة مثل هذه‪ ،‬و لكن كان بها من‬ ‫التسلية ما يكفي عاملا بأسره حيث كصا نمال علبة ما بالحجارة و‬ ‫نلعب ما يشبه الغميضة‪ ،‬كانت فعال لعبة جميلة‪ ،‬كما كصا نأتي‬ ‫بعجالت السيارات املرمية و نبول فيها بطريقة قذرة‪ ،‬و نضع‬ ‫بداخلها اعوادا طويال من القوب عادة‪ ،‬و نضع اسفل تلك‬ ‫العيدان قارورات مثال‪ ،‬و ندفع تلك العجالت املطاطية و كأنصا‬ ‫‪114‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫نجر حافلة ما‪ ،‬لم اكن اعلم ما الفائدة في ذلك و لكن متعة‬ ‫املشاركة تجعلصا نفرح بتلك الالعاب القذرة‪.‬‬ ‫طبعا كصت العب تلك اللعبة خفية على امي التي كانت تهتم كثررا‬ ‫لصظافتي و اناقتي‪ ،‬الامر الذي لم اكن احبذه كثررا فانا كصت اريد‬ ‫ان اكون بصفس مظهر اصدقائي‪ ،‬فقد احببت فعال ذلك الجو‬ ‫البهيج الذي كان في ذلك الحي‪.‬‬ ‫و كانت البصات قلما تتحدث للذكور كصا يلعبن بالحبل و بالطباشرر‬ ‫بعيدا عصا‪ ،‬يبتسمن لصا احيانا و نبتسم لهن و كأنصا قمن لتونا‬ ‫بأروع ش يء في الوجود‪.‬‬ ‫في البداية لم اكن اعرف هذا التقسيم في الحي لذلك ذهبت لهن‬ ‫مرة و طلبت منهن ان العب معهن لعبة تسمى (ال مارين)‪ ،‬حيث‬ ‫يرسمن مربعات على الارض بالطباشرر و يقفزن فوقها‪ ،‬كانت‬ ‫تغريني فعال تلك اللعبة لذلك لم اجدني سوى متجها صوبهن‬ ‫اطلب منهن تجريبها‪.‬‬ ‫لم ترفض وال واحدة تعليمي‪ ،‬بل لعبت معهن و هن يضحكن‬ ‫سخرية مني و ملا قدم اصدقائي ناديتهم بكل سذاجة ليلعبوا معي‪،‬‬ ‫و مصذ ذلك الوقت لقبت ب (بو لبصات) و ملا علمت حقيقة الامر‬ ‫‪115‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اصبت بإحراج كبرر‪ ،‬و مع ذلك واصلت اندمجت بشكل كبرر مع‬ ‫الحياة هصاك و احببتها فعال‪.‬‬ ‫كانت النساء تزور امي كثررا‪ ،‬و من عادة النساء هصا ان يقدمن‬ ‫بعض املأكوالت هدية على بعضهم البعض‪ ،‬و كذلك كصا يهدين‬ ‫ألمي فتعلمت هصاك اكالت رائعة كالرتشة‪ ،‬و العوبان‪ ،‬و‬ ‫تيكرةابرن‪ ،‬و بركوكس‪ ،‬و الكسكس‪ ،‬و اللوةيا‪ ،‬و غررها من‬ ‫املأكوالت الجزائرية اللذيذة التي تحمل الانسان و هو يلتهمها الى‬ ‫اقص ى السماء‪ ،‬و تجعله يدور العالم و يطوف حوله في تلك‬ ‫اللحظة التي يكون يمضغ على اقل من مهله تلك الاطعمة‬ ‫السحرية في فمه‪.‬‬ ‫اصبحت انادي امي ( يما ) الامر الذي كان يزعجها احيانا‪ ،‬و لكنها‬ ‫تأقلمت معه سريعا و فهمت اني اتعايش مع محيطي الجديد‬ ‫بطريقة ايجابية‪ ،‬و اصبحت استمع للموسيقى الشعبية هصاك و‬ ‫كان اكتشافا هاما لي و ألذني املوسيقية‪.‬‬ ‫لقد اكتشفت انصا في مكانصا املصعزل ذاك مع املستوطصرن كصا في‬ ‫سجن كبرر‪ ،‬اذ حرمصا انفسصا من كل تلك املتع‪ ،‬و اصبحت انظر‬ ‫للمستوطصرن نظرة شفقة اذ كانوا يظصون انفسهم يعيشون‬ ‫‪116‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫السعادة بيصما السعادة لم ترض ى ان تعيش سوى وسط هؤالء‬ ‫التعساء هصا‪ ،‬لقد فوت املستوطصون عاملا بأسره كان بإمكانهم‬ ‫ولوجه بسهولة لو انهم قرروا في هدوء تام نبذ عصوريتهم‪ ،‬و ارجاع‬ ‫الحقوق لذويها‪ ،‬و لكنهم لألسف لم يفعلوا ذلك خوفا من ان تغمر‬ ‫السعادة الكل بكل انانية‪.‬‬ ‫مرت ثالث سصوات برن اصدقائي في حيصا الجديد‪ ،‬مرت كالنسمة‬ ‫اللطيفة استرجعت فيها بعض طفولتي‪ ،‬و غردت فيها كعوفور‬ ‫تعلم لتوه التغريد‪ ،‬و تغررت الكثرر من طباعي و اندمجت بشكل‬ ‫مطلق مع محيطي الجديد و الرائع‪ ،‬اما امي فالزالت تحافظ على‬ ‫طلتها الاوروةية و لكنها تعلمت ايضا خياطة بعض الالبسة‬ ‫الجزائرية التقليدية و اكتسبت شغفا اخر الى جانب الراديو‪ ،‬و‬ ‫اصبحت تلك املالبس تطبع عليها جماال مبدعا لقد كانت اروع من‬ ‫كل تلك الالبسة الاوروةية و اكثر اتساقا و انسجاما مع الانوثة‪ ،‬و‬ ‫كانت تبدي امي ملكة عظيمة تستحق الجاللة و التبجيل‪ .‬و اختي‬ ‫كبرت هصاك فاكتسبت خفة الجو و انسيابه‪ ،‬و مع انها لم تجرب‬ ‫الهواء الخارجي بعد و لكن بدت عليها جزائريتها اكثر مصا‪ ،‬رةما الن‬ ‫صدرها انتعش على وقع كلمات جزائرية سلسة تفتح القلب بحبها‬ ‫للحياة‪ ،‬كانت ما تعلمته من الفرنسية هجيصا بعض الش يء ايضا‬ ‫‪117‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ما كانت تالمس طبلة اذنها من كلمات جزائرية تزور البيت احيانا‬ ‫من الصافذة‪.‬‬ ‫الزلت اتذكر اليوم الاول الذي دخلت فيه املدرسة‪ ،‬البستني امي‬ ‫زيا يبدو رسميا لدرجة ال تطاق‪ ،‬بدلة كانت تشبه الى حد ما بدلة‬ ‫الكبار سوى السروال كان قوررا و قبعة رفضتها في البداية و لكن‬ ‫امي اسرت على ان ارتديها‪ ،‬و حذاء كالسيكي دائري نوعا ما‪ ،‬و‬ ‫جوارب مطوية ترسمني كشخص مهذب جدا‪ ،‬لم كن اشعر بصفس ي‬ ‫اني اعني حتما ما ارتدي و لكني اخذت الامر عن طيبة خاطر‪ ،‬و‬ ‫اخذتني من يدي صوب بصاء كانت يتسوط املصطقة كشمعة تطفئ‬ ‫الظالم على مهل‪ ،‬غاصة باملالئكة اطفال يدخلونها و يخرجونها كما‬ ‫تفعل الارواح في سرمد السماء‪ .‬املدرسة التي كانت تبدوا جميلة‬ ‫جدا فوق اي توور‪ ،‬تتراقص على جرسها مالئكة بلورية كالزجاج‬ ‫املوقول تحك كبها لتنتعش برائحة الالهة‪ ،‬و كأنها تراود املوابيح‬ ‫و القصاديل عن نفسها لتباشرهم الحب على غرر تفكرر‪ .‬كان يبدو‬ ‫البصاء و كأنه مشرق شمس يطل على فراغ روحي يعشش في‬ ‫مديصتي الجميلة برن انفوام في شخويتها‪ ،‬و ظلم يؤرق صفو‬ ‫الحياة فيها‪ ،‬و كان الاطفال يدخلونها بحركات بهلوانية منهم من‬ ‫كان يدخلها بقفزة شاهقة في الهواء و كأنها وثبة نحو عالم جديد‬ ‫‪118‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تماله رائحة الطباشرر‪ ،‬و رائحة الوداع في باب موصوع من حديد‬ ‫يطل على عالم الكبار قبل سصوات من ولوجه كموصع للرجال‪ .‬و‬ ‫منهم من كان يدخلها خائف و هو يتشبث بطفولته و حريته‬ ‫املطلقة رافضا الحتكار الحياة برن جدران التعليم‪ .‬و منهم من كان‬ ‫يدخلها بابتسامة كل صباح و هو متشوق لطيورها املرفرفة على‬ ‫اشجار باحتها‪ ،‬و يرسم عنها صورة متفائلة لعالم قادم‪ ،‬و حروف‬ ‫مستقرة‪ ،‬و وظيفة تجعل مصه كبررا يليق بمكان في املجتمع‪ .‬اما انا‬ ‫فكصت ادخلها كغريب متشرد يبحث عن قطعة خبز كل صباح‬ ‫ليسد بها جوع العوافرر‪ ،‬ألتمكن يوما ما من قراءة رسائل ابي‬ ‫القديمة و احضن في كلماتها صدر ابي الغائب ‪.‬‬ ‫وقفت امام بوابتها اشتم عبررها كمتسلق جبال متهور‪ ،‬و قبلتني‬ ‫امي و ودعتني‪ ،‬و دخلتها كمرحلة جديدة في حياتي‪ ،‬كصت اريدها‬ ‫بقوة و لكن في نفس الوقت لم تكن لدي عنها ادنى فكرة‪ ،‬دخلتها و‬ ‫كأني ادخل مهبل امي ثانية‪ ،‬احسست و كأني اعاود املراحل الاولى‬ ‫قبل الوالدة ذلك انه برن العلم و الجهل خط رقيق فاصل كما‬ ‫تفول الحياة نفسها عن الوجود في كل جصرن يسعى اليها من‬ ‫فتحة مهبل ليس إال‪.‬‬

‫‪119‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫دخلتها و انا اشبه جثة مبتسمة ال تعرف شيئا‪ ،‬مأتمها سوى انها‬ ‫سعيدة بالتعرف على الوجوه التي تبادلها املشاعر الكاذبة‪ ،‬فكل‬ ‫طفل هصاك كان يبدوا و كانه سعيد جدا بمشاهدتي في الحقيقة‬ ‫كل طفل كان يرى في الطفل الاخر جزءا من حياته ليس الا‪ ،‬ال‬ ‫يختلف تماما عن اي ديكور بسيط في املدرسة فالنسان عادة و‬ ‫الى مراحل عمرية متقدمة يظن الحياة فيلما تدور كل احداثه‬ ‫عصه‪ ،‬بيصما كل الشخويات الاخرى هي شخويات ثانوية ال دور‬ ‫لها سوى نسج حكايته البطولية‪.‬‬ ‫و كذلك كصت ابدو في بؤةؤ كل تلميذ هصاك‪ ،‬وقفت في الوف و‬ ‫دخلت قسمي الاول في حياتي و رحت املح كل نقطة فيه‪ .‬شكل‬ ‫السبورة السوداء على الحائط‪ ،‬و جدرانه املليئة بالرسومات‪ ،‬و‬ ‫خزانة كانت في نهاية القسم تشبه صصدوق لألحجيات‪ ،‬و صورة‬ ‫للماريشال كانت تعلو السبورة كوحمة فوق شارب اسود‪.‬‬ ‫دخل الاستاذ من باب يحمل حقيبته في يده و هي خاشعة هصاك‬ ‫تخاف الفرار من مكانها‪ ،‬شادا بعوا طويلة و رقيقة‪ ،‬يرتدي سترة‬ ‫زرقاء بحرية‪ ،‬وقف على املكتب و قال بووت جوهري و كأني‬ ‫استمع لنشرة الاخبار مع امي على الراديو‪(:‬صباح الخرر ابصائي‪ ،‬انا‬

‫‪120‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫استاذكم اتمنى ان يكون عاما سارا بينصا و ان ال اتعب معكم‬ ‫كثررا‪).‬‬ ‫تأملته جيدا و هو يعبر عن كلماته فيما كان شعر يخرق فتحة انفه‬ ‫كاألشواك‪ ،‬كانت فتحتي انفه امال فتحات بالشعر شاهدتها في‬ ‫حياتي حيث لم يبدو انفه سوى قصفذا يستعد لبراز اشواكه في اي‬ ‫لحظة ‪.‬‬ ‫لم ارتح له‪ ،‬حدس ي كان يقول لي ان هذا الاستاذ مظطرب نوع ما‪،‬‬ ‫شكل وجهه املقعر الى الداخل‪ ،‬انفه املستطيل الشكل‪ ،‬مخالب‬ ‫يديه الطويلة‪ ،‬و نبرة صوته التي تتقلب برن كل لحظة و اخرى و‬ ‫كأنها عشرات الاصوات ال صوت واحد‪ ،‬كل ذاك كان يحدث‬ ‫بتجويفي الفكري صراخ مشطب بكممات صوتية‪ ،‬شعرت بخوف‬ ‫عميق من نظرات عينيه الحادة التي تبدي عويال في كهف مهجور‪،‬‬ ‫يخفي غرابة اطوار حادة تمزق صورة الاستاذ و ترميها ارضا‪ ،‬فقد‬ ‫كان يبدو في حقيقة الامر وحش بمالبس انسانية‪ ،‬و اما العوا‬ ‫الرقيقة و الطويلة التي في يده فكانت تبديه راع للغصم اكثر مصه‬ ‫استاذ في املرحلة الابتدائية‪.‬‬

‫‪121‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تعرف عليصا الواحد تلو الاخر‪ ،‬تعرف على اسمائصا و هو يمر برن‬ ‫الوفوف يالمسصا احيانا بعواه حتى كدنا نظن انفسصا في سجن‬ ‫مقص ي على حافة السماء‪ ،‬نالمس املشهد ذاك بخوف بليغ ‪.‬‬ ‫عواه كانت تشبه افعى سامة‪ ،‬قد يخيف شكلها اكثر من اي سم‬ ‫فيها‪ ،‬و شكله املريب كان يزيد من قبحها‪ ،‬فجعلصا مصذ تلك‬ ‫اللحظة نتصاول دائما مدرستصا بومت‪ ،‬نخبئ كرهصا له في ابتسامة‬ ‫بسيطة‪ ،‬نقوم بفروضصا املنزلية بدون قود خوفا مصه في‬ ‫الحقيقة‪ ،‬لم يكن بتلك البشاعة في الايام الاولى سوى انه جعلصا‬ ‫بالكاد نتصفس‪ ،‬فحتى الهواء كان يدخل رئتيصا بكميات قليلة خوفا‬ ‫من ان نزعج استاذنا (السيد فرونسوا )‪ ،‬و خوفا من ان نحدث‬ ‫خلال ما في سررورة الدرس فصقع في شراك الدرس‪.‬‬ ‫و بعد املدرسة كصت اتصاول دروسا خووصية في البيانو عصد‬ ‫صديقة امي (مدموزال نانس ي) ‪ ،‬كانت امي تقودني الى بيتها بعد‬ ‫املدرسة‪ ،‬تتكلم هي مع اختها في البيت عن ش يء ال اعرفه‪ ،‬و هي‬ ‫تدرسني البيانو‪ ،‬و اداب البيانو‪ ،‬و العزف على البيانو‪ ،‬و كصت‬ ‫اعشق تلك الالة املوسيقية كما اعشق نسمة الوباح‪ ،‬خووصا‬ ‫عصدما تعزفها مادموزال نانس ي حيث كانت تأخذني الى عالم اخر‬ ‫تحمل ريح الجصة الى خيالي‪ ،‬فترسم فيه جباال مكسوة بثلج يالمس‬ ‫‪122‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الشمس الساطعة في السماء فال يذوب‪ ،‬يتمرغ في حضنها و هو‬ ‫يحافظ على وجوده‪ ،‬ثلج يشبه ريش الوسادة يسرقك من واقعك‬ ‫و يرميك في بئر الاحالم‪ ،‬و تنهمر من تلك الصوتات السابحة في‬ ‫السماء بشغف متواصل بالحساس املوسيقي الفريد‪ ،‬على سكون‬ ‫الافكار فتوقظ فيك الالهام كما يستيقظ التصرن ليحرس امررته‬ ‫الصائمة‪ ،‬كانت املوسيقى عالج روحي تعلقت به من الوهلة الاولى و‬ ‫لم استطع ابدا نكرانه او اجتيازه‪ ،‬لذلك كان من حسن حظي اخذ‬ ‫دروس في العزف بعد يوم من العذاب الصفس ي عصد استاذ ( سم)‪،‬‬ ‫حيث اصبح الكل يصاديه ( سيد بوازون) لتورفاته الغريبة و‬ ‫لقساوته املريبة التي تبعث على الصفس باشتياق كبرر ملالقاة‬ ‫الانتحار‪ ،‬او الزج بالصفس في معركة مع اسد لم يأكل مصذ ثالثة‬ ‫اشهر‪.‬‬ ‫اما ايام الويك اند كصت اتصول فيها من الكصيسة و اقض ي يومي‬ ‫مرحا مع اصدقائي بالحي‪ ،‬اقض ي برفقتهم اجمل اللحظات و‬ ‫امتعها‪ .‬و في اخر كل ليلة كصت اجالس الصافذة اهمس للقمر في‬ ‫اذنه اطلب مصه ان يحمي ابي في اي مكان هو فيه‪ ،‬حيث لتلك‬ ‫اللحظة لم اكن اعلم بوفاته و كل ما كصت اعرفه انه لن يعود‪،‬‬ ‫من اين ال ادري و لكصصا نحن ايضا قد ذهبصا و حياتصا قد غررت‬ ‫‪123‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ثيابها و ان عاد لن يعرفني‪ ،‬حيث مرت ثالث سصوات و كانت كفيلة‬ ‫برسم وجه اخر على مقدمة راس ي‪ ،‬ثالث سصوات برن امي التي‬ ‫وصل بها الجصون لتكتشف حياة الاخر و تكن فيه‪ ،‬و اخت تعلمت‬ ‫منها املسؤولية صغررا‪ ،‬تفوح جزائريتها في البيت اكثر من اي‬ ‫جزائري هصا‪ ،‬و برن اصدقاء غرروا مجرى حياتي و علموني الحياة‬ ‫على بساطتها‪ ،‬و برن مدرسة بيانو جميلة و رقيقة و لها اجمل‬ ‫احساس في العالم و اكبر صدر رايته لتلك اللحظة في حياتي‪.‬‬ ‫رةما ابي كان ليكون سعيدا و هو يحملني من يدي الى املدرسة في‬ ‫اول يوم لي هصا‪ ،‬رةما كان ليحميني من ذلك الاستاذ املضطرب‪ ،‬و‬ ‫رةما كان ليكون سعيدا بي و انا اعجب بأول اثداء في حياتي‪ ،‬كان‬ ‫ابي ليسعد بالكثرر من الاشياء لو كان موجودا بينصا في تلك‬ ‫اللحظات‪ ،‬و لكصصا تعلمصا كيف نواصل بدونه‪ ،‬و الش يء الوحيد‬ ‫الذي كان اداة اتوالي به هي القمر لذلك كصت اكره الليالي املغيمة‬ ‫فقد كانت تقطع الحبل السمائي بينصا و تجعلصا ابعد اكثر من اي‬ ‫وقت مض ى‪.‬‬

‫‪124‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪6‬‬

‫ابي يعود من الشرفة‬ ‫يبدأ تاريخ اي انسان في الحياة من الصقطة التي يتواجد فيها بقوة‪،‬‬ ‫في اللحظة الوجودية املكثفة‪ ،‬و ال لحظة في حياة الانسان اكثر‬ ‫تكثفا من اللحظة التي يتحد فيها الانسان مع نوفه الاخر‪ ،‬فيودع‬ ‫عالم الانواف و يصوهر في حب عميق يوحده مع ذاته‪ ،‬و مع كل‬ ‫ش يء في الوجود فتغدو لحياته معنى فيجد ما يمكصه ان يضحي‬ ‫بروحه ألجله بكل بداهة‪.‬‬ ‫تأملت صورتي وحيدا عصد املوور في هذا الالبوم‪ ،‬كان سني عشر‬ ‫سصوات‪ ،‬كصت ابدو كئيبا جدا‪ ،‬كان الحزن متشعبا في وجهي اكثر‬ ‫من اي وقت مض ى‪ ،‬اتذكر اني ذهبت للموور وحدي اللتقط‬ ‫صورة لي تخلد تلك اللحظة الحزيصة لألبد‪ ،‬رةما كان شعور كبرر‬ ‫يتملكني في ان التقطت صورة شعوري‪ ،‬و كان عقلي يقول لي حينها‬ ‫اني سأحبس الشعور ذاك في الوورة الى الابد‪ ،‬و سأتمكن من‬ ‫اجتيازه كما حبست الوورة ابي داخلها الى الابد‪ ،‬و كما حبست‬ ‫‪125‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بيتصا القديم بداخلها الى الابد اردتها ان تحبس كذلك ذلك‬ ‫الشعور املزري الذي لم يكن يتركني اعيش بسالم الى الابد كذلك‪.‬‬ ‫في حيصا الجديد كانت الورود تزين الحياة‪ ،‬تتفتح بكل كرم في كل‬ ‫فول تتحدى قوانرن الطبيعة‪ ،‬الورود كانت في حيصا تنهض كل‬ ‫صباح لتقول لصا صباح الخرر بكل لطف‪ ،‬و كصا بدورنا نزرعها‬ ‫بداخلصا كما يزرع الفالح ارضه و هو يمارس معها الجنس‪.‬‬ ‫الورود كانت اكثر ما يمرز حيصا الرائع‪ ،‬و رحيلصا اليه كان بالتأكيد‬ ‫احد اجمل الامور التي مرت على حياتي كعقد لؤلؤ تمر حباته على‬ ‫يدك ككل حبة اجمل من الاخرى‪ ،‬و لكن في تلك اللحظة بعد مرور‬ ‫اربع سصوات على الحي ذاك كصت قد اعتورت بما يكفي حزنا على‬ ‫ما مر بي‪ ،‬لقد كانت انتكاسة روحية حقيقية كعاصفة شديدة‬ ‫البرودة تعوف بسهل قد طغى فيه الرةيع لفوول ‪.‬‬ ‫التقطت الوورة و كصت ارتدي (سالوةات)‪ ،‬اضع يدي في جيبي و‬ ‫كأني لست مبالي بتلك الوورة‪ ،‬و كأني ال ادري حتى ملا اردت‬ ‫التقاطها و كأني اقوم بكل فعل و كانه فعل ال ارادي‪ ،‬حياتي في‬ ‫الحي اصبحت يائسة جدا اصدقائي تغرروا هم كذلك‪ ،‬و لكنهم‬ ‫سرعان ما استعادوا طفولتهم من جديد‪ ،‬بيصما انا كصت ال ازال في‬ ‫‪126‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حالتي الترجيدية تلك و انا اؤمن بكل جوارحي اني سأبقى كذلك‬ ‫لألبد‪ ،‬لقد كان ايمانا ببؤس سيحل عليصا البد‪ ،‬فلطاملا اردت ان‬ ‫اخفي الواقع تحت ابطي‪ ،‬و اجمع الشمس في خيالي و اتركه يتوهج‬ ‫كبركان مصفجر في خيالي‪ ،‬يخلق جزيرة احالم جديدة ألهرب من‬ ‫الواقع كأي حوت يغرر مياهه دون ان يتذكر اي جزء من املاء كان‬ ‫فيه فكل املياه مياه بال ذاكرة او طعم او لون او رائحة‪.‬‬ ‫في السابق كان حيصا يتسلق السعادة كأية كرمة للعصب‪ ،‬و كصا‬ ‫نحمر لعبا حتى الثمالة‪ ،‬و كانت الكرمة التي بداخلصا تحضن‬ ‫الشمس حتى الاحتراق‪ ،‬و كان كاس الحياة يتدفق في عروقصا‬ ‫شعاعا احمرا مصررا‪ ،‬و لم اكن ادرى ان للسعادة حلقة اخررة فال‬ ‫يبدو ان الشمس تغادر العصب‪ ،‬و ال يبدو ان العصب سيترك مهجته‬ ‫و يفر مصا بعيدا سوى في عمق الشمس‪.‬‬ ‫كانت حياتي قبل ذلك سعيدة برن املدرسة‪ ،‬و برن مدموزال نانس ي‬ ‫الرشيقة و صاحبة الاثداء الكبررة التي كصت اشعر بقرب اثدائها‬ ‫بالدفيء‪ ،‬و انا اعزف على البيانو القديم في بيتها الجميل و الهادئ‪،‬‬ ‫و كصت قد اكتسبت بعضا من انوثتها بعدما اكتسحتني بآداب‬ ‫البيانو‪ ،‬كيف اجلس عليه و كأني اجلس على نوف مؤخرة‪ ،‬و‬ ‫كيف اجعل يدي و كأني احمل فيها تفاحة حمراء‪ ،‬كصت اعزف‬ ‫‪127‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫احيانا و تتمايل هي حولي ترقص مع الهواء و كأنها تكونني جصيصا في‬ ‫رحمها‪ ،‬هي التي قررت املكوث في بيتها بال زوج وال عائلة مع اختها‬ ‫مادموزال نانس ي‪ ،‬كانت جميلة جدا تقترب من الاربعيصات في‬ ‫السن‪ ،‬و لكن وجهها كان يبديها اصغر بعشر سصوات او اكثر‪ ،‬اما‬ ‫تورفاتها فكانت تبديها مالكا ابيض كفساتينها البيضاء التي كانت‬ ‫ترتديها كل يوم كسيدة مجتمع‪ ،‬يسرق العقد اللؤلؤ من رقبتها كل‬ ‫جمال العالم لررميه عليها و هي تصقر بأناملها على اصابع الحياة‪،‬‬ ‫فتتشعب الحياة في جثة التابوت الاسود فليق به ان نسميه بعد‬ ‫ان نسكر مصه (بيانو)‪.‬‬ ‫اما استاذ املدرسة السيد فرونسوا او باسم اخر السيد بوازون‬ ‫كان كل يوم يرتكب بصا مجازرا نفسية‪ ،‬كان يضرةصا ألبسط‬ ‫الاشياء يجعلصا نشعر بعبوديتصا للسبورة‪ ،‬و احيانا كان يلمسصا‬ ‫بطريقة مريبة و يبتسم معصا ابتسامة خبيثة‪ ،‬لم يكن انسانا عاديا‬ ‫ابدا كانت حركاته تبديه حيوانا في اعصف سلوكاته و اقذرها‪ ،‬حيث‬ ‫لم اكن ارى من كلماته التي تخرج من فمه روث الكثرر من الروث‪،‬‬ ‫لدرجة تبعث فيا شعورا بالقيء املفاجئ في اي لحظة‪ ،‬و مع ذلك‬ ‫كصت استمع للدرس بكل انقياد ليس خوفا مصه في الحقيقة و انما‬ ‫طلبا في تعلم الكتابة و القراءة التي كصت اريد تعلمها بكل جوارحي‪.‬‬ ‫‪128‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و في البيت كصت احيانا اغلق على نفس ي باب غرفتي و امارس‬ ‫عاداتي بكل فانتازية‪ ،‬كصت احب ان ارقص عاريا‪ ،‬امللم الحرية من‬ ‫شقوق الهواء‪ ،‬أتأمل نفس ي احيانا في املرآة و أتأمل جسدي الذي‬ ‫بيد لي انه اجمل جسد في العالم على الاطالق على صغر سني‬ ‫فبشرته الرطبة لم تكن كمثلها بشرة على الاطالق كانت تدفعني‬ ‫ألملسها و اشتم منها عبرر الغابات الاستوائية‪ ،‬كانت تحمل بشرتي‬ ‫كل فواكه الكرة الارضية و ملمسها الحريري كان يدفعني ألكثر من‬ ‫مرة ان اعانق نفس ي‪ ،‬كصت احب ان اعتني بجمالي كثررا و انا‬ ‫وحيد بغرفتي‪ ،‬انسج عاملا خاصا بي‪ ،‬اخلق من كنزاتي فراشات‬ ‫تطرر بالغرفة‪ ،‬تصثر من اجصحتها ذرات الذهب‪ ،‬و اتخيل شالال ينهمر‬ ‫من الجدران ليصوب على واد الجماليات فاركبه براحة قدمي‪ ،‬و‬ ‫اتزلج فوقه بعد ان يتجمد من فعل برودة الخيال عصدما اشاء‬ ‫حلول فول الشتاء‪ ،‬فتغني زخات املطر لي احيانا و احيانا اخرى‬ ‫تسكصني الشمس‪ ،‬و ارى ابي يحملني فوق اكتافه و يداعبني كما‬ ‫كصت صغررا‪ ،‬و فوق كل هذا تتحول غرفتي الوغررة الى قور كبرر‬ ‫يحمل بداخله كل احالمي و امصياتي فتغدو غرفتي برن الفيصة‬ ‫القوررة و اختها روضة لألحالم‪ ،‬انس ى فيها الواقع و اتصاغم فيها مع‬ ‫العالم الذي احب العيش فيه‪.‬‬

‫‪129‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫في غرفتي كصت اقوم بكل ما كان محرم عليا القيام به خارجا‪،‬‬ ‫كصت احيانا اسرق بعض ماكياج امي‪ ،‬و بعض املالبس النسوية‬ ‫التي قد تليق بحجمي و ارتديها ألشعر باألنثى بداخلي تشع كالصجم‬ ‫امللتهب كأي ثورة من الالوان تتسع في نقطة صغررة و تصفجر‪.‬‬ ‫ال اعلم بالتحديد ما كصت افكر فيه في تلك اللحظة و انا اقوم‬ ‫بذلك‪ ،‬رةما تأثري الشديد بمادموزال نانس ي او لتأثري بأمي‬ ‫بالبيت‪ ،‬او لش يء كان يدفع نفسه للخروج من داخلي‪ ،‬ال اعلم‬ ‫بالتحديد ملا كصت افعل ذلك و لكني فعلته عدة مرات خاصة‬ ‫عصدما اكون وحيدا بالبيت او بالغرفة‪ ،‬و اجد راحتي التامة في‬ ‫الخلود الى عالم الانوثة‪ ،‬اضع املساحيق و ارتدي السوتشيان ال‬ ‫لش يء سوى ألبدو امرأة في املرآة‪ ،‬ارتدي كذلك الشعر الاصطصاعي‬ ‫ألمي‪ ،‬لقد كصت فعال امرأة حقيقية بكل ما في الكلمة من معنى‪،‬‬ ‫كانت هصاك انثى ما بداخلي بدأت تحاول افتكاك مصوب لها في‬ ‫الحياة بعيدا عن ضوضائي الداخلية‪.‬‬ ‫اما في الحي فأعود ثانية الرجل الوغرر اتقاسم مع اصدقائي‬ ‫هرموناتهم الذكورية‪ ،‬التي اصبحصا نشتمها و هي تحاول الانسياب‬ ‫من بعض عروقصا مع صعودنا سصوات عمرية خاصة من الرفقة‬ ‫اللذين تجاوزوا سن الثالثة عشر فعلى الاقل قد انبتت عانتصا و‬ ‫‪130‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كبرت بعض الش يء اعضائصا‪ ،‬و لكصصا مازلصا صغارا مازالت‬ ‫مفاهيمصا صغررة جدا و لم تصضج بعد ألي مدلول جنس ي عوبي‪،‬‬ ‫لم نفقد براءتصا بعد و لكصصا لم نفقد ايضا ما نتذكره من‬ ‫مستقبلصا املاض ي‪ ،‬فالزلصا نتشهى احيانا بال رغبة و نتوبب حبا‬ ‫للذة التي ال نعرف الطريق صوبها‪.‬‬ ‫غرفتي كانت في الارضية و نافذتها كانت قريبة من الشارع لذا لم‬ ‫اجد صعوةة في الفرار مع اصدقائي عصدما يقتض ي الامر ذلك‪ ،‬او‬ ‫عصدما تمصعني امي الخروج و في غالب الاحيان كصا نغامر بأنفسصا‬ ‫في مغامرات لم اكن في حاجة لها‪ ،‬كصا نسرق بعض املشيمشة او‬ ‫اليوسوفية من بيوت الاوروةيرن و نجد متعة كبررة في مالحقتهم‬ ‫لصا‪،‬كصا نضحك بووت مرتفع جدا‪ ،‬و لكن الفرق بينصا ان‬ ‫اصدقائي كانوا يقومون باألمر للجوع و انا كصت اقوم به للمتعة‪ ،‬و‬ ‫كصت التهم محوولصا معهم بشراهة و انا امثل معهم نفس دورهم‬ ‫ذاك‪ ،‬في الحقيقة اعجبني دور البائس كصت اجد فيه متعة كبررة‬ ‫فقد اعجبت بالطريقة التي يتحولون بها على قوتهم بعد تعب و‬ ‫مخاطرة‪ ،‬لقد كان الامر يروقني خاصة و انا اشاهد اؤالئك‬ ‫الاوروةيون املصافقرن متذمرين مما يفعله الاطفال‪ ،‬كصت اتسائل في‬

‫‪131‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫قرارات نفس ي ا من يبخل ببعض الفاكهة على اطفال جوعى يعلم‬ ‫الصاس الحضارة‪.‬‬ ‫فأية حضارة هذه التي تجوع الاطفال و تطاردهم في الساحات‬ ‫ألنهم همو في فعل بيولوجي بحت ليس اكثر من طلب عوافرر‬ ‫بطنهم التي ال تتوقف عن التغريد‪ ،‬فحرن تلك البطون الاوروةية‬ ‫املصتفخة تأكل بشراهة و ترمي من الطعام ما يكفي عائالت و‬ ‫عائالت من هؤالء‪ ،‬انه فعال ال تورف قذر من هؤالء اشعرني فعال‬ ‫بالخزي و العار‪ ،‬فهؤالء اتو من خلف البحر لاليستالء على كل‬ ‫مقدرات هذا الشعب الطيب الذي لم يحرمني شيئا على الاطالق‪،‬‬ ‫فحتى تلك الاكالت التقليدية البسيطة التي كان يطبخها بعضهم‬ ‫كانوا يهدون لصا منها و امي لم تكن تبخل عليهم فلطاملا كانت ترسل‬ ‫لهم اطباقا هي الاخرى‪ ،‬و كانت كل يوم احد او ايام الاعياد تدعو‬ ‫اصدقائي على الغذاء و العشاء و لكي نمض ي كذلك الوقت معا‪.‬‬ ‫لكن هؤالء املستوطصرن كان الشر يفيض من اعينهم طاملا كان‬ ‫الشخص الذي يواجههم جزائري‪ ،‬و يختفي ذلك الشر بسهولة و‬ ‫يتحول الى طيبة موطصعة عصدما يواجههم اوروبي‪ ،‬تلك العصورية‬ ‫التي كانت مكرسة بقانون الاندجيصا كانت تطفو كمرض خبيث‬

‫‪132‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يهدد الكيان الوطني لهذه الارض الطاهرة‪ ،‬و يجعل كل ما كان يبدو‬ ‫جميال فوقه يتبخر في رمشة عرن بسبب تورفات اجرامية كهذه‪.‬‬ ‫اتذكر انصا ذات يوم و نحن نسرق اليوسفية من بيت احدى الاسر‬ ‫الاوروةية‪ ،‬لقد كان يوما شتويا حارا بايعصا فيه الرب حاميا لصا‪ ،‬و‬ ‫توجهصا بخطة صبيانية لصأخذ اكبر قدر من الفاكهة الزلت اتذكر‬ ‫كيف صعدنا الجدار معا‪ ،‬و عمر السمرن يورخ و يطلب مصا‬ ‫(كورديشة) او كورديشال بالفرنسية و ما يقابلها بالعرةية (سلم‬ ‫قورر)‪ ،‬كصا نشبك اصابعصا ببعض و يضع الاخر احد قدميه عليها‬ ‫و نرفعه ليتمكن من الوصول ألعلى الجدار و يتمكن من دخول‬ ‫الحديقة‪ ،‬عمر لم يتحول ابدا على الكورديشة و لكصه كان دائما‬ ‫كورديشتصا الاصلية التي نستعملها لوعود الجدار ( فلصكن‬ ‫مصطقيرن عمر لن يتمكن ابدا من الفرار‪ ،‬و هو بدوره ككورديشة‬ ‫يقوم بأصلح الاشياء له‪ ) .‬هكذا كان يقول الكل عصه و لكصه‬ ‫يتحول في النهاية على اقل نويب من الغصيمة‪.‬‬ ‫و ذات اليوم و نحن نفر هرةا من صاحب البيت‪ ،‬شيخ كبرر و‬ ‫سمرن تسبقه بطصه اليصا و في عيصه يحمل الحقد الجريء و كانه‬ ‫يريد ان يمضغصا برن اسصانه‪ ،‬حدث ان يقع خالد من الجدار و‬ ‫يكسر يده‪ ،‬لم نكن نتوقع ابدا هذا الامر هرةصا كلصا و تركصاه‬ ‫‪133‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫خلفصا‪ ،‬و بالرغم من انه كان يتلوى من شدة الالم إال ان الامر لم‬ ‫يشفع له عصد ذلك الشيخ البائس و الشرير فقد امسكه من اليد‬ ‫املكسورة و سحبه الى داخل البيت‪ ،‬و سمعصا صراخه و هو يرتجاه‬ ‫ان يتركه و انه لن يعيد الكرة ثانية‪ ،‬و كصا نسمع نباح كلب امامه‬ ‫و ضرةات على جسده‪ ،‬كانت تبدو لصا من بعيدة على انها ضرةات‬ ‫حزام‪ ،‬لم يكفصا ان نبقى هكذا مكتوفي الايدي اردنا مساعدته‪،‬‬ ‫اردنا ان نخطط لذلك و لكصصا فقدنا لتونا مدبر الخطط خالد‪،‬‬ ‫لقد كان اذكانا و امهرنا في وضع الخطط عادة‪ ،‬جلسصا في الارض‬ ‫مرةكرن لم نعرف كيف نفعل لنقاذه الى ان صرخ عمر‪( :‬لدي‬ ‫خطة‪).‬‬ ‫سكتصا لبرهة نتأمله و عدنا نتحادث ثانية و لم نعره اي اهتمام‪،‬‬ ‫فقد كان يبدو اغبى شخص يمكصه ان يجد خطة ما‪ ،‬لم نتوقع‬ ‫ابدا مصه اي غرام من الذكاء لكصه تكلم ثانية‪( :‬ما رأيكم ان نقسم‬ ‫انفسصا الى فوجرن‪ ،‬فوج يضرةه بالحجارة من الباب و فوج يدخل‬ ‫البيت من الخلف لنقاذ خالد‪).‬‬ ‫لقد ذهلصا في البداية و صدمصا كيف يمكن لعمر ان يخطط بهذه‬ ‫البراعة‪ ،‬في الحقيقة الخطة تبدو اليوم بسيطة جدا و لكصصا في‬

‫‪134‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ذلك السن كان من البراعة الخارقة ان نخطط خارج الروترن‬ ‫الذي كصا نعيشه‪.‬‬ ‫تجاوزنا خوفصا‪ ،‬و اندفعصا كسيل واحد يجمع قطرات من املياه‬ ‫ليكسر صخرة الشر الولبة و يفتتها في انسيابه‪ ،‬ذهب بعض‬ ‫الفتية صوب البوابة و راحوا يلقون الحجارة على صاحب البيت و‬ ‫راح هو يتبعهم كأي غبي في حجمه‪ ،‬و تبعهم كلبه الذي كان يخيف‬ ‫خالد و جعله زيادة على الم الكسر كذلك يتبول في سرواله‪.‬‬ ‫دفعصا الهواء صوةه بسرعة و قدم لصا عمر اسرع كورديشات في‬ ‫التاريخ‪ ،‬و تسلقصا الجدار و ذهبصا لصتفقده‪ ،‬لقد كان في حالة مزرية‬ ‫فعال اندمج لون شفتيه مع لون جلده و بدى شاحبا جدا كجثة‬ ‫مغطاة بزهور ذبلة‪ ،‬لم يكن يتوقع مجيئصا ابدا لقد رةطه بسلسلة‬ ‫حديدية صدئة‪ ،‬كان يبدو ذلك املستوطن الشرير بفعلته تلك‬ ‫غوال بشعا ال رحمة له‪ ،‬فكيف يمكصه ان يفعل ذلك بطفل صغرر‬ ‫لقد تملكني الغضب في ذلك الوقت و حرن فر اصدقائي‪ ،‬انا كصت‬ ‫الزلت هصاك ابحث عن اشياء اكسرها بداخل حديقته انتقاما مصه‬ ‫امسكت الحجارة و كسرت كل زجاج البيت و اصدقائي يحاولون‬ ‫مصاداتي لم اكن اريد الخروج قبل ان افش ي غضبي فيه ‪ ،‬لم‬ ‫استطع ان امضغ و ابلع تورفه ذاك مع خالد بسهولة‪ ،‬لقد بت‬ ‫‪135‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اراه شيطانا رجيما ال يستحق إال الكثرر من اللعن‪ ،‬و حتى‬ ‫الشيطان لم اشعر ابدا تجاهه بالكراهية كذاك الكره التي‬ ‫اصبحت اكصه لذلك الشيخ اللعرن الذي يتدلى شحم الخنزير من‬ ‫اسفل رقبته القوررة‪ ،‬و هو يتداخل مع نفسه اذ نفسه تتوق‬ ‫لالنفوال عن جثته العفصة بسبب الشر الذي كان يذرمه في‬ ‫العالم من حوله‪ ،‬اتذكر اني قد كسرت العديد من الصوافذ‬ ‫الزجاجية بداخل بيته ‪،‬و حتى الكثرر من التماثيل التي كانت‬ ‫موضوعة هصاك للزيصة تضفي على بيته املظلم بيت الشر بعض‬ ‫الجمالية التي ال يستحقها‪ ،‬كصت ادفعها بيدي كلها‪ .‬عاد صاحب‬ ‫البيت اللعرن و وجدني بحالتي تلك‪ ،‬تبعني هو و كلبه ثانية حاولت‬ ‫الفرار لكني لم استطع امسكني من رجلي و سحلني على الارض و‬ ‫هو يقول ‪ (:‬يا ايها الجزائري اللعرن! ايها العربي اللعرن!)‬ ‫شعرت بالطراء و هو يوفني بالجزائري‪ ،‬ذلك ألني كصت جزائريا‬ ‫حقا و لم اكن ألتقبل جنسية اخرى الا جنسية هذا الوطن‪ ،‬لكصه‬ ‫رةطني مع الشجرة و راح يضرةني بعوا زيتون على رجلي‪ ،‬بوقت‬ ‫عليه مرترن و قد كان الالم فظيعا‪ ،‬لم أشأ ان ابكي ‪،‬كان بداخلي‬ ‫كبرياء كبرر ففي كل الاحوال قد دفعت ذلك الغضب املضمور‬ ‫خارجا و الحقت به اضرارا مادية‪.‬‬ ‫‪136‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫في ذلك الوقت ذهب اصدقائي بسرعة عصد امي لخبارها باألمر‪،‬‬ ‫بيصما خالد بقي فوق الجدار يطلب من الشيخ ان يطلق سراحي و‬ ‫ان يأخذه بدال عني‪ ،‬وافق في البداية و ما ان امسك خالد امسكصا‬ ‫معا و راح يضرةصا معا‪ ،‬ثم تركصا تحت الشجرة تلك مرةوطان و‬ ‫رحت انا اصرخ بالكلمة العرةية الوحيدة التي تعلمت لفظها ( زبي‬ ‫قود زبي قود)‪ ،‬راح خالد يضحك على رغم من معاناته و رحصا‬ ‫نضحك معا‪.‬‬ ‫بعد مدة ليست طويلة و ال قوررة‪ ،‬مدة كانت تبدو مملة جدا‪ ،‬و‬ ‫في نفس الوقت كانت مودرا للفخر الذي كان يعتريني و انا اشعر‬ ‫بنبض البطولة ألول مرة في حياتي‪ ،‬لقد اعجبني ذلك الشعور و‬ ‫تملكني لدرجة الادمان‪ ،‬فاذا بأمي و خلفها الاطفال تفتح بوابة‬ ‫الحديقة بقوة مئة و خمسة و سترن رجل‪ ،‬ال اعرف بالتحديد ملا‬ ‫هذا الرقم و لكني شعرت بتلك القوة الرجالية دفعة واحدة في‬ ‫ذراعها و هي تدفع الباب‪،‬رةما هي لم تكن بقوة كل اؤالئك الرجال‪،‬‬ ‫رةما لم تكن سوى بقوة امرأة واحدة امرأة اهرن ابنها‪.‬‬ ‫دفعت الباب بقوة و شرارة من الغضب تصدفع من عيصيها‬ ‫كالعوار‪ ،‬لم تبحث عني اوال‪ ،‬بحثت عصه‪ ،‬جرى الكلب صوبها‬ ‫ينبح ‪،‬امسكت هي قضيا حديديا كان موضوعا اماما و ضرةته‬ ‫‪137‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بقوة على رأسه و كأنها لم تلمحه حتى‪ ،‬ال اعرف ان مات الكلب ام‬ ‫تعطل وجوده و غط في نوم عميق‪.‬‬ ‫جاءت صوةصا‪ ،‬قطعت الحبال و عانقتني انا و خالد فكالنا كان‬ ‫يحتاج الحصان في ذلك الوقت‪ ،‬خرج ذلك الشيخ من بيته‪ ،‬اتجهت‬ ‫صوةه و ضرةته ست صفعات على وجهه الواحدة تلو الاخرى‪ ،‬ثم‬ ‫رفعت رجلها و قدمت له الالم الرجالي الفخم على خويته ثم‬ ‫بوقت عليه و عادت ثانية توفعه‪.‬‬ ‫راح هو يتكلم معها بكل ضعف و كأنه طائر صغرر ال حيلة له و ال‬ ‫قوة له‪ ،‬هددته بأنها ستشتكي به للشرطة لتعذيبه لقور‪ ،‬و لكصه‬ ‫راح يترجاها ان ال تفعل ذلك مصوها لها بأنه لم يكن يعرف‬ ‫بفرنسيتي و انه كان يظصني عربي‪.‬‬ ‫ردت عليه امي بعد ان بوقت عليه( رب عذر اقبح من ذنب) و‬ ‫بوقت عليه ثانية‪ ،‬ثم امسكت حجارة قبل ان نغادر و كسرت بها‬ ‫اخر زجاج نافذة سليم في بيته‪،‬و دفعت احد التماثيل املتبقية ‪.‬‬ ‫ترجاها ثانية ان ال تشتكي‪ ،‬عادت هي اليه و صفعته ثانية‪ ،‬و‬ ‫خرجصا نضحك و اتجه عمر نحو شجرة اليوسوفية و واخذ حبة‬ ‫منها و قال للشيخ‪(:‬احسن من وجهك)‪.‬‬ ‫‪138‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اما امي فال يبدو انها قد اشبعت غضبها فيه حيث راحت تقلع‬ ‫الورد من الشجرة و امسكت ما يكفي من الورد في يدها ثم‬ ‫شتمته‪ ،‬و اشارت له بإصبعها و عدنا معها الى البيت و الكل‬ ‫مصدهش منها‪ ،‬لقد تبعها كل اطفال الحي و هم فخورين بها‪ ،‬و مصذ‬ ‫ذلك الوقت لقبت امي في حيصا بموح باب الواد‪.‬‬ ‫موح باب الواد هو لقب كان يطلق على كل رجل تفوح مصه رائحة‬ ‫الرجولة و الخووةة‪ ،‬و يضطرب صوته مع ضجيج السيارات‬ ‫ليدفع بخوال الشاب الجزائري الذي قد يفضل املوت على الذل‬ ‫الى سطحه‪ ،‬و كذلك كانت امي تبدوا بعدما لقصت ذلك الشيخ‬ ‫الشرير درسا لن ينساه طيلة حياته‪.‬‬ ‫امي اصبحت تبدو بطلة خارقة‪ ،‬و اضحت بعد تلك اللقطة‬ ‫املتوحشة التي بدت فيها كلبؤة مسعورة تصقض على فريسة لئيمة‬ ‫‪،‬كبطل قومي و اسطورة حية يتحدث الكل عنها‪ ،‬و عن هزيمة‬ ‫ذلك الحلوف ( الحقار ) الذي يتقاوي بحماقته املغرورة و قوته‬ ‫الكاذبة على الاطفال‪.‬‬

‫‪139‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اتذكر ان امي بعد ايام من تلك الحادثة مرت على بيته ثانية‬ ‫لتطمأن على حالة الكلب املسكرن الذي راح ضحية نرجسية و شر‬ ‫صاحبه‪.‬‬ ‫بعد تلك الايام علمت امي اني كصت اسرق الفواكه من بيوت‬ ‫الصاس فقررت معاقبتي بحرماني من املوروف ملدة اسبوعرن‪ ،‬لقد‬ ‫كان فعال عقابا قاسيا لكصه لم يردعني عن مواصلة ما كصت اقوم‬ ‫به مع اصدقائي فقد كان فعال امرا مسليا ‪.‬‬

‫مازلت امارس طقوس ي الانثوية في غرفتي‪ ،‬هذه املرة ارتديت حمالة‬ ‫صدر حمراء ألمي و رةطها جيدا من خلفي لتكون بصفس حجم‬ ‫ظهري‪ ،‬و رةطت وشاحا ازرقا مصقطا باألبيض على خوري‪ ،‬و‬ ‫وضعت بعض املساحيق على وجهي و بعض املاكياج‪ ،‬و شعرا‬ ‫مستعارا كالعادة بما يشبه راقوة عتيدة‪ ،‬ثم رحت ارقص و اغني‬ ‫و احلق بصفس ي بعيدا في خيالي‪ ،‬ال موسيقى لي سوى ما اغصيه و ما‬ ‫يصوب في عقلي من الحان عابرة‪.‬‬ ‫و يحدث في ذلك اليوم و بيصما انا اراقص الفانتازم و قد نسيت‬ ‫الصافذة مفتوحة‪ ،‬فإذا بخالد يتأملني من الخارج‪ ،‬كان واقفا هصا‬ ‫‪140‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يزرع عينيه الجاحظتان على بريقي الذي بدا يتالش ى لتوه بسبب‬ ‫الاحراج الذي مصيت به‪.‬‬ ‫كصت اقول في نفس ي انها نهايتي ال محالة في هذا الحي‪ ،‬و لن‬ ‫يحادثني احد بعد الان‪ ،‬لقد احسست و كأني زجاج مهشم لم‬ ‫استطع حتى على حمل نفس ي‪ ،‬وقفت هصاك أتأمله انا الاخر و لم‬ ‫اعرف ما الذي يجب ان افعله‪ ،‬لم احرك ساكصا البتة فإذا بخالد‬ ‫يقترب من الصافذة رويدا‪ ،‬رويدا و في عينيه نظرة محطمة لكياني‪.‬‬ ‫لم اتوقع ش يء في تلك اللحظة سوى فضيحة كبررة‪ ،‬اما هو فكان‬ ‫يقترب من الصافذة و كأنه يريد ان يتعرف اكثر على فضيحتي تلك‪.‬‬ ‫صعد الصافذة القريبة من الارضية و دخل غرفتي بال استئذان‪ ،‬لم‬ ‫اتحرك من مكاني خطوة واحدة و دخلت فيما يشبه غيبوةة واعية‬ ‫‪،‬اقترب هو مني قليال و قال لي بووت عذب‪( :‬انت جميلة‪ ،‬جميلة‬ ‫جدا)‬ ‫استحيت فعال في تلك اللحظة من نفس ي و كصت اتمنى ان تنشق‬ ‫السماء و ترفعني‪ ،‬بحثت عن سخف في الارض اطرر فيه‪ ،‬و لكن‬ ‫خالد القفني من غفوتي و امسكني و من يدي و قال لي بلطف‪ (:‬ما‬ ‫اسمك؟ )‬ ‫‪141‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫شعرت بالعالم يتمدد و يتقلص في ابرة خيط رفيعة ترةطني‬ ‫بذاتي‪،‬و استنشقت كسوف الشمس من تحت جلدي‪ ،‬ثم اعدت‬ ‫سؤاله ذاك في مخيلتي عشر مرات بسرعة البرق‪ ،‬ثم ادركت انه‬ ‫كان يسألني عن اسمي او بوجه اخر لم يتعرف على هويتي‬ ‫الحقيقية‪ ،‬كان علي ان اتورف حينها و اجيبه بأي اسم كان لكي‬ ‫استر جان بيار املختبئ داخل هذا الزي التصكري‪ ،‬اجبته فيما كانت‬ ‫تبدو اجابة بديهية ‪ (:‬اسمي سارة )‬ ‫طالت رقبته كما لو كان يبحث عن شالل بعيد من فوق قمة‬ ‫جبل‪ ،‬ثم ابتسم بعد لحظات قليلة من العبوس و كأنه يخفي‬ ‫شيئا ما‪ ،‬ثم قال لي و الحياة تجتمع كلها في نظراته‪ (:‬سارة اسم‬ ‫جميل جدا مثلك تماما‪ ،‬لقد رايتك قبل قليل ترقورن هل يمكصني‬ ‫ان ارقص معك‪).‬‬ ‫سكتت سارة التي تفتحت لتوها من داخلي‪ ،‬و خرجت لتالقي‬ ‫نفسها ألول مرة‪ ،‬اذ اصبح لألنثى بداخلي اسم ألول مرة‪ ،‬شخص‬ ‫موازي بات يعيشني تلك اللحظة وحدها و هو يدغدغ حقيقتي‬ ‫بوجهه الرطب‪.‬‬

‫‪142‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ثم اجبته و كأني اضمر مشاعرا متوقدة كالبركان بداخلي و انا اهز‬ ‫راس ي بكل استحياء لجثة الروح‪ ،‬و انا اتمرد على صالبتي بومت‬ ‫مجيبا بصعم بريء‪.‬‬ ‫القى هو بيديه على خسري و ما ان المس بأنامله جلدي توقف‬ ‫نبض ي لبرهة و توجعت جذوري‪ ،‬و اغلقت جفوني في رحلة‬ ‫متعطشة للحصان‪،‬و عانقته بقوة و اشتممت فيه رائحة ابي‪.‬‬ ‫لقد راقوني بال موسيقى‪ ،‬و اعطاني دفئ الابوة و ذكرني بابي‬ ‫فرقوتي معي حملتني الى ابعد نقطة في ذاكرتي‪ ،‬و ابحرت في‬ ‫حضصه الى اعمق مصحدرات الزمن‪ ،‬و استنشقت مصه عطر البرتقال‪.‬‬ ‫كان يحركني في البداية بأنامله اذ كصت اراقوه بغرابة و دهشة‪،‬‬ ‫لم يكن في وسعي التحرك كما كصت افعل دائما فقد نسيت تلك‬ ‫اللغة التي كصت دائما متمكصا منها‪ ،‬و لكصه كان يحركني بكل‬ ‫صوب‪ ،‬يديرني على نفس ي و كأنه يحج من خاللي الى السماء‪ ،‬و برن‬ ‫كل دورة و الاخرى يحضصني برن احضانه بقوة يشحصني بحصان‬ ‫بريء ‪.‬‬

‫‪143‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اشتد الحصان على قريحة عيني‪ ،‬و انساب الدمع منها يعبر عن‬ ‫خالصه‪ ،‬و لم يكن لي املقدرة على كتمان السر في قلبي و قلت‬ ‫لخالد ‪ ( :‬بابا احبك ‪).‬‬ ‫ال ادرى ان كان قد استمع لي و انا اقولها‪ ،‬و لكصه قد حضصني بقوة‬ ‫اكبر حينها فإذا بباب غرفتي يقرع‪ ،‬انها امي تقطع انسكابي على‬ ‫اوجاعي و ذوةاني في حصان متمرد لم اعهده من قبل‪ ،‬و انا أالقي ابي‬ ‫ملرة اخرى في جسد اصغر حيث كصت اريد بقوة ان افتح الباب و‬ ‫ان اقول ألمي‪ ( :‬ها هو ابي املصتظر لقد حل مجددا عليصا‪).‬‬ ‫و لكني تذكرت حالتي تلك‪،‬و فر خالد هارةا من الصافذة‪ ،‬و وقف‬ ‫هصيهة هصاك و ابتسم لي ثم ودعني و اختفى‪.‬‬ ‫نزعت انا حمالة الودر بسرعة‪ ،‬و كذلك الوشاح‪ ،‬و مسحت تلك‬ ‫املساحيق بسرعة باملصديل‪ ،‬و فتحت باب الغرفة‪ ،‬و رحت مسرعا‬ ‫نحو السرير و تخبئت بداخله‪ ،‬و دخلت امي و قالت لي‪(:‬ماذا تفعل‬ ‫جان بيار؟)‬ ‫سكت و تظاهرت بالصوم و رددت هي اسمي مرترن ثم اغلقت الباب‬ ‫و ذهبت‪ ،‬و عدت انا ألحالمي اتصاثر على سريري ‪،‬و انا اتراقص مع‬ ‫الذكرى الجديدة التي تقبع في ريح هذه الغرفة التي حملت لي من‬ ‫‪144‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫شرفتها ابا جديدا يشبه في حصانه ابي‪ ،‬و في ريحه الطيب انه‬ ‫صديقي خالد الذي لطاملا تشاركصا الطفولة‪ ،‬ها هو ذا يشاركني‬ ‫رقوة ابي و يعيدني الى سعادتي من جديد‪،‬‬ ‫كانت تلك التجرةة الرومانسية البريئة احد اجمل التجارب التي‬ ‫عشتها في حياتي‪ ،‬فقد اعادت الروح ثانية الى دواليبها الجسدية‪ ،‬و‬ ‫قدمت لي جزءا مبتورا مني كصت قد اضعته قبل سصوات‪ ،‬تأملت‬ ‫نفس ي في املرآة ثم عدت للشرفة و تصفست و كأني لم اتصفس من‬ ‫قبل‪ ،‬و شعرت ألول مرة في حياتي بالهواء يتشعب برن اروقة‬ ‫جسدي كما لم يفعل من قبل‪ ،‬و كأني اعود مجددا للحياة بعد‬ ‫ان مت ملدة تزيد عن مائة سصة او اكثر‪.‬‬ ‫امسكت الوسادة في حضني و عانقتها بقوة و اغلقت عيني لتصفذ‬ ‫بوررتي في صوفها‪ ،‬و بحثت فيها عن خيال انسجه لخالد‪ ،‬و‬ ‫ارتميت ثانية فوق السرير امرغ عيني في السقف و انا اتذكر ابي في‬ ‫صورة جديدة انبعثت من حضن خالد‪.‬‬ ‫لقد كان احساس ي في ذلك الوقت يفوق نبضات قلبي السريعة‪،‬‬ ‫تجاوزت خط املوت بلحظة من شدة الحب‪ ،‬و لم اعد اشعر‬

‫‪145‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بخالد صديقا فقط بل بت اكن له مشاعرا كالتي كصت اكنها البي‪،‬‬ ‫و كانه جاء ليخلوني كمسيح حقيقي من سطوة الاشتياق‪.‬‬ ‫لم اخرج من البيت في ذلك اليوم ألكون صريحا انتابني بعض‬ ‫الخوف ان تكشف حقيقتي امام الحي فابدو ( مدامة ) مثلما‬ ‫يقولون هصا‪ ،‬لذلك كصت حذرا جدا ولم اصدق ان خالد قد صدق‬ ‫اني سارة بتلك السهولة و البساطة‪ ،‬و في اليوم التالي التقيت‬ ‫بأصدقائي و انا مضطرب تماما‪ ،‬احاول قراءة ايماءات خالد و ان‬ ‫كان يبدي تفاعال ما و لكصه لم يكن سوى الطف معي‪ ،‬و لم يظهر‬ ‫ابدا عليه اي مظهر غريب يبدي انه قد يكون بطريقة او بأخرى قد‬ ‫كشف سري‪ ،‬و لكن الامر الغريب انه كان يعلم سلفا ان تلك كانت‬ ‫شرفة غرفتي في بيتصا‪ ،‬و الاغرب انه لم يسالني ابدا عن الفتاة تلك‬ ‫امللقبة بسارة‪ ،‬و هو يعلم انها تسكن بيتصا و لم يرها ابدا تخرج من‬ ‫البيت‪ .‬لقد كان الامر غريبا جدا و لكن في نفس الوقت لم يبدو‬ ‫على وجهه انه يخبئ شيئا ما بل بدى طبيعيا جدا ككل يوم‪ ،‬و‬ ‫لذلك توقفت عن تساؤالت و وسوساتي تلك و اكملت حياتي‬ ‫بطريقة اعتيادية‪.‬‬ ‫تصفست الوعداء و شعرت بارتياح عميق‪ ،‬و مصذ تلك اللحظة‬ ‫اصبحت العب دورين في الحياة‪ :‬جان بيار الذكر الذي تبدو عليه‬ ‫‪146‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بعض القساوة املوطصعة‪ ،‬و سارة حبيسة الغرفة الرقيقة و التي‬ ‫تراقص احالمها بأجمح انوثة و تسرق حبات السماء من حضن‬ ‫حبيبها خالد‪.‬‬ ‫قد ال يودقني احد ان قلت ان سارة التي بداخلي عشقت خالد‬ ‫لحد الجصون‪ ،‬و كانت تشتاق له كأي انثى تشتاق لزوجها القوي و‬ ‫الواخب‪ ،‬اما جان بيار الذي كان يطفوا من فوقي احب خالد‬ ‫كاب‪ ،‬غادر و عاد في جسد جديد‪ .‬و برن سارة و جان بيار كصت انا‬ ‫لم اجد اسما جديدا لي برن تلك املفارقة الكبررة التي انتابت‬ ‫كيصونتي‪ ،‬و لكني وجدت انسانا جديدا حملني فوق اكتافه و احمله‬ ‫في قلبي حيث وجدت لونا جديدا فيه‪ ،‬الون من خالله العالم‬ ‫الابيض و الاسود الذي كصت اعيشه‪ ،‬و عشت مصذ تلك اللحظة‬ ‫برن عاملرن ‪،‬عالم واسع الحجم و بسيط املشاعر ذلك الذي كصت‬ ‫اعيشه في املديصة‪،‬و عالم اخر صغرر الحجم كبرر بمشاعره‬ ‫الفياضة ‪،‬كصت اعيشه في غرفتي انتظر برن يوم و الاخر مجيء‬ ‫خالد‪.‬‬ ‫كصت في ايام العطلة كل يوم احبس نفس ي في غرفتي امارس‬ ‫طقوس ي الانثوية اضع بعض املكياج و انتظر خالد لكي يأتي‪ ،‬لقد‬ ‫مرت ثالثة ايام و لكصه لم يأتي اتسمت كل تلك الايام التي غاب‬ ‫‪147‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فيها عن غرفتي بالبرودة و الوقيع‪ ،‬و لم يكفني اي غطاء ألقدم‬ ‫بعض الدفء لجسدي الوغرر ا الى غاية اليوم الرابع‪ ،‬و قد بدا‬ ‫الليل يسقط ظالله على السماء‪ ،‬و كصت قد فقدت الامل من‬ ‫حضور خالد و لكن قرع لطيف على الصافذة شد اذني اليه‪،‬‬ ‫فلبست شعري املستعار ثانية و اتجهت صوب الصافذة فإذا بخالد‬ ‫ينتظرني هصاك‪ ،‬فتحت له الصافذة و دخل هو الغرفة و عانقني‬ ‫بقوة‪ ،‬جعلت كل ضجيجي الداخلي يسبح على شكل ابتسامة‬ ‫وردية طفت على شفتاي‪ ،‬و اندثر الضجر و بدون ارادة مني‬ ‫وجدتني اقبل يده‪ ،‬و قال لي هو بكل ايمان و كأنه يتعبدني‪ ( :‬سارة‬ ‫اشتقت لك )‪ ،‬و كالعادة لم اجب سوى بمعانقته‪.‬‬ ‫و كأي مصعكس فطري وضع يده على خوري‪ ،‬و رحصا نتراقص من‬ ‫جديد بال موسيقى‪ ،‬و هو يحاورني بطريقة مثررة جعلت جلدي‬ ‫يتشوك ليخرج مصه طيف ملتهب اراد بحرارته ان ينسكب كبركان‬ ‫صامت‪ ،‬و متوقد لشعال فتيل الذكر الولب الذي اراقوه‪،‬‬ ‫مددت شفتي لشفتيه كما كانت يفعل ابي و امي تماما و المست‬ ‫ألول مرة في حياتي شفاه غريب‪ ،‬فعصد اول ملمس منهما على حافة‬ ‫شفاه خالد شعرت بكهرةاء متمردة تسرق روحي و تحبسها في‬ ‫شفاهه‪ ،‬ارتفعت نبضات قلبي و لم اعرف ما يجب ان افعله سوى‬ ‫‪148‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ان اقبله اكثر‪ ،‬و راح هو يقبلني بكل امية و كأنه يلتهم شفاهي‪ ،‬و‬ ‫مضت القبل في براءة تامة و كأنصا ال نعرف ما نفعله‪ ،‬و لكصصا كصا‬ ‫نعبر عن مشاعر فياضة انتابتصا على حرن غرة‪ ،‬فوجدتصا الاحالم‬ ‫نقبل بعضصا بعضا بكل حرارة‪.‬‬ ‫جلس هو على السرير و جلست على حجره‪ ،‬و راح يدللني كطفل‬ ‫صغرر وضعت راس ي على رقبته و كصت انتظر الهواء الذي يخرج من‬ ‫فمه لكي احبسه انا في داخل صدري‪ ،‬و انا اتصفسه برغبة مطلقة‬ ‫في حصان و حب خارج ايطار الجنس الذي لم نكن نعرف معصاه في‬ ‫تلك اللحظة‪.‬‬ ‫باب غرفتي كان موصدا و لذلك ارتمى خالد على السرير و خلع‬ ‫سرواله و بقي عاريا تماما‪ ،‬اذ ال يرتدي معظم اطفال الجزائريرن‬ ‫في ذلك الوقت املالبس الداخلية بسبب الفقر‪ ،‬و نمت انا بجانبه‬ ‫بمالبس ي الشبه عارية‪ ،‬كان يبدو بلون جلده الاصفر كفتى ذهبي‬ ‫يحمر حبا كشمعة ال تصطفا ابدا لتصرر اجمل املشاهد رومانسية‪،‬‬ ‫و شدني بهدوء من كتفي و رماني على صدره‪ ،‬و نمصا بهدوء الى‬ ‫الوباح‪ ،‬و انا استمع لصبضات قلبه في صدره الوغرر كمطرقة‬ ‫تفتت روحي من الداخل‪ ،‬و تذيبها كقطعة سكر في بحر من الحصان‬

‫‪149‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الطائش و الطفولي الذي كصا نسبح فيه سويا انا و خالد خارج‬ ‫ايطار املكان و بعيدا عن الزمان‪.‬‬ ‫في الوباح الباكر نهض خالد كأي رجل مثقل بالفحولة و‬ ‫الخووةة و خلق مجددا في مكانه كانبعاث جديد‪ ،‬و قبلني من فمي‬ ‫و من صدري و عانقني مطوال‪ ،‬ثم ارتدى سرواله و خرج من‬ ‫الصافذة و قال لي ألول مرة في حياتي ( احبك سارة ‪).‬‬ ‫ألول مرة في حياتي اشعر بحب غريب يكتسحني‪ ،‬يدخل بداخلي‬ ‫مشاعرا جديدة بالقوة‪ ،‬و استسلم انا لها بانوياع تام‪ ،‬لقد دخل‬ ‫خالد على حياتي من بابها الكبرر من الصافذة‪ ،‬من حيث لم اكن‬ ‫احتاط ‪،‬كأي لص جميل سرق قلبي بلطف فبت اكن له مشاعرا‪،‬‬ ‫لم يكن يبدو عليها انها ستنتهي يوما ما فكان خالد اول حب في‬ ‫حياتي‪ ،‬حب غريب لم اكن اتوقع انه سيكون بهذه الطريقة‪ ،‬و‬ ‫لكصه كان و انسبت فيه كأي انثى تنساب بسهولة مع عطر رجالي‬ ‫فخم‪.‬‬ ‫لكن كان في الامر مشكلة ما‪ ،‬فخالد لم يحب جان بيار بل احب‬ ‫سارة التي بداخله و كان الامر يسبب لي حرمانا كبررا‪ ،‬فانا اصبحت‬ ‫اغار احيانا من سارة فقد شعرت انها محظوظة اكثر مني‪ ،‬و‬ ‫‪150‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫للحظات كثررة كصت اكره نفس ي و اكره جان بيار و اكره العالم الن‬ ‫خالد لم يكن يعرف اني انا من يحبه و ليس الزي التصكري الذي‬ ‫سميته سارة‪.‬‬ ‫كان خالد يزورني برن الفيصة و الاخرى‪ ،‬نرقص معا نتعانق مطوال و‬ ‫نرتشف ريقصا‪ ،‬من قبل هي كل ما كصا نعرفه لكي نعبر عن حبصا و‬ ‫انا كصت انتظره بكل جصون‪ ،‬اندمج في الشخوية الجديدة‬ ‫فألبسها او تلبسني هي‪ ،‬ال اعرف و لكني كصت اتقن دور الانوثة بكل‬ ‫عفوية صادقة‪ ،‬و خالد جعلني اشعر بأنوثتي و باني امرأة حقيقية‬ ‫ألول مرة في حياتي‪.‬‬ ‫بعد ان بثت تلك املشاعر نفسها في جوف احالمي‪ ،‬اصبحت‬ ‫اصابعي تعزف على البيانو افضل بكثرر‪ ،‬و ألول مرة في حياتي‬ ‫اعزف مقطوعة فتبكي مدموزال نانس ي على احساسها‪ ،‬فعانقتني‬ ‫و هي على ذلك الحال و كأنها تتشكرني على روح نفختها في الجزء‬ ‫امليت منها‪ ،‬و على الاحساس الذي قدمته لها من خالل مقطوعة‬ ‫بسيطة لطاملا كصت اعزفها لها‪ ،‬و لكنها ابدا لم تكن لتخرج من‬ ‫داخلي الا و انا مشبع بحصان رجل صغرر‪ ،‬عرف كيف يدفع‬ ‫مشاعري الانسانية نحو الوجود ذلك‪ ،‬ان الحب الذي زرعه خالد‬ ‫بداخل قلبي اصبح يتدفق على ابداعاتي فيبث فيها الروح‪،‬‬ ‫‪151‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فيجعلها تالمس قلوب كل من يبحث عن روح جديدة‪ ،‬ترفع جوق‬ ‫الجصائز عن حضورها الحي‪ ،‬فتقترب املسافات برن املشاعر‪،‬‬ ‫فتترابط الاحاسيس فيما بينها و تبكي‪.‬‬ ‫كانت الفرحة قاب قوسرن او ادنى من ان تجعلني اطرر في السماء‬ ‫ألالمس الوليب الاكبر الى ال رجعة‪ ،‬و لكن تسرر الرياح بما ال‬ ‫تشتهي الهة الحب احيانا‪ ،‬حيث ان عائلة خالد قررت بيع بيتها و‬ ‫السفر الى قرية مسلمون بمصطقة الظهرة الى بلدهم مثلما كان‬ ‫اهله يقولون‪ ،‬اتذكر ان خالد قد بكى مطوال لذلك و لم يتمكن‬ ‫احد من الاصدقاء ان يحبس دموعه ايضا‪ ،‬اذ ان خالد كان طيبا‬ ‫جدا و لطاملا كان يدافع عن الضعفاء و ينتور لهم‪ ،‬و ذهابه كان‬ ‫مأساة كبررة على اطفال الحي‪.‬‬ ‫و تمزقت انا من داخلي و سيف ما يقطني لقطع صغررة من‬ ‫الداخل‪ ،‬فقد جرةت الفراق من قبل و امر ذهابه‪ ،‬و في الليلة التي‬ ‫تسبق ذهابه زار سارة بغرفتها و كصت هصاك انتظره و الدموع حرة‬ ‫كالطيور تنساب من عيني كالغدير الحزين‪ ،‬و عانقته بكل لهفة و‬ ‫انا اتنهد و اطلب مصه بكل الحاح ان ال يذهب‪ ،‬لم اترك له اي‬ ‫مجال لكي يتفوه بكلمة ما‪ ،‬لقد قلت انا كل ش يء و قلت له اول‬ ‫مرة ( احبك)‪ ،‬قلتها بودق كبرر‪ ،‬قلتها كديانة صادقة تعوف‬ ‫‪152‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بكذب الديانات الاخرى‪ ،‬قلتها ليكون وجودي حقيقيا و لكي ال اندم‬ ‫من بعد ذهابه‪ ،‬و لكي اظهر له مدى غالوته عصدي جست على‬ ‫ركبتي و رحت اقبل كل اجزاء جسمه من قدمه الى كل شبر ببصطاله‬ ‫و قبلته من كل مكان و انا اترجاه‪ ،‬ثم اعانقه في نفس الوضعية و‬ ‫انا اضع راس ي على فوق بصطاله في املصطقة الحساسة مصه‪ ،‬اشتمه‬ ‫و اطلب مصه بكل جوارحي ان يبقى لألبد معي كصت اظن ان هذا‬ ‫التذلل كفيل بان يتركه الى الابد معي‪ ،‬فوضع هو يده على وجهي‬ ‫وقال لي‪ (:‬سأعود يا عمري‪ ،‬سأعود و لن اترككي ابدا لوحدك‪،‬‬ ‫سأعود و سصعيش مع بعضصا الى الابد اعدك‪ ).‬و من ثم قبلني من‬ ‫فمي قبلة طويلة و كأنه يسحب روحي من داخلي‪ ،‬و انا في نفس‬ ‫وضعيتي تلك و مسح دموعه التي لم تكن تتوقف و هو يمسحها‬ ‫باطراف اصابعه و يتأملني بألم كبرر‪ ،‬و قال لي بووت رقيق لطفل‬ ‫يتألم بكل صدق‪ ( :‬وداعا سارة لن انساك ابدا في حياتي‪).‬‬ ‫و فر من الصافذة‪ ،‬و وجدتني رغما عني اصرخ باسمه ( خالد ال‬ ‫تذهب ‪،‬عد خالد)‪ ،‬ثم عدت ابكي في الغرفة و شهقاتي تخرج‬ ‫الهواء منها و تجعلها غرر صالحة للحياة‪ ،‬لقد كان امرا صعبا ان‬ ‫اودع ابي مرترن‪ .‬و هكذا مثلما عاد ابي من الشرفة ودعني كذلك‬ ‫من الشرفة‪ ،‬و في الوباح الباكر و انا ذاهب ألودعه كجان بيار‬ ‫‪153‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كوديق و اخ وجدت الشاحصة قد شرعت في الذهاب‪ ،‬و كما جرت‬ ‫امي يوما ما لتلحق ابي الذاهب الى حقل البرتقال جريت انا وراء‬ ‫الشاحصة تلك و انا انادي خالد‪ ،‬و كررت نفس مشهد الا اني لم‬ ‫اقع على الارض‪ ،‬توقفت عصدما غدت الشاحصة بعيدة و اختفت‬ ‫خلف الافق‪ ،‬بكيت في تلك اللحظة كما لم ابكي من قبل و راودني‬ ‫احساس فظيع رةما لن ارى ابي خالد ثانية الى الابد‪.‬‬

‫‪154‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪7‬‬

‫العنكبوت تأكل االطفال‬

‫بعد ذهاب ابي مجددا كان علي ان ابحث عن ش يء ما جديد‬ ‫يبعث الحياة في عروقي الصاشفة‪ ،‬فمن خالل تجرةتي الاولى علمت‬ ‫ان الاحداث الطارئة و املتغررات املحيطية تؤثر على شكل الشمس‬ ‫فوق رؤوسصا‪ ،‬و حجم نورها املتدفق اليصا‪.‬و لم اكن احتاج في‬ ‫حقيقة الامر سوى لودمة اكبر من الودمة الاولى تعيدني‬ ‫لطريقي‪ ،‬و لكني لم افلح في تحقيقها بصفس ي فاكتفى هللا بتحقيقها‬ ‫بطريقته الخاصة‪.‬‬ ‫و كأي صورة في هذا الالبوم العتيق تذكرني بمتتالية حياتية‪،‬‬ ‫تساعدني على سرد روايتي كسرب من العوافرر الصارية الغاضبة‬ ‫تهاجم بغتة الذئاب الطائرة لترديها ذاكرة حية‪ ،‬تلهب بها الحزن‬ ‫روتيصا تافها‪ ،‬نتصاسه في عجرفة زائدة‪ ،‬او سطحية نافذة على‬ ‫بستان نتخيله او نعيشه لصبسط اجصحتصا فيه من جديد‪ ،‬فصولد‬ ‫من جديد من مهبل الودمة‪ .‬تذكرني كذلك هذه الوورة لوفي‬ ‫‪155‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫في املدرسة للسصة الخامسة‪ ،‬و كان زميلي آنذاك ميشال يقف‬ ‫امامي‪ ،‬ميشال الذي لم يكمل معصا السصة الى النهاية بسبب احدى‬ ‫تلك البدايات الجديدة التي تجعلصا نقفز من الحياة الى الاخرى‪ ،‬و‬ ‫نحن ال نبرح مكانصا و كأنصا نقفز على الحبل‪.‬‬ ‫الودمة ليست حاجزا نوطدم به بل تغرر مفاجئ في درةصا الذي‬ ‫نظن انصا نختاره في حياتصا و لكصه يختارنا‪ ،‬لصجد انفسصا بعد طريق‬ ‫طويل اجتزناه لصوعد جبل الحياة في بداية طريق جديد دون ارادة‬ ‫مصا‪.‬‬ ‫و لكني كصت اريد الودمة تلك‪ ،‬و اتذكر اني اصبحت اذهب‬ ‫للقداس الاحد مع امي ألصلي للرب بان يودمني بشكل او بآخر‬ ‫ألتمكن من مواصلة حياتي‪ ،‬و لكن كانت صلواتي تذهب مع قرع‬ ‫الاجراس حيث تشرر لي ان دوام عمل هللا قد انتهى بمجرد قرعها‪،‬‬ ‫فاغدوا خائبا مجددا للبيت اواصل حياتي بحزن‪ ،‬اكتمه احيانا مع‬ ‫اصدقائي اللذين اندمجوا مع الحياة الجديدة بكل طالقة‪ ،‬حتى‬ ‫بت احسدهم على ذاك التأقلم السريع مع املتغررات‪ ،‬اما انا فلم‬ ‫استطع ان اخلد لسرير الحياة مجددا‪ ،‬فعكس كل اصدقائي‬ ‫اللذين يمتلكون قلبا واحدا في صدرهم يكفي الشتياق واحد‪ ،‬انا‬ ‫كان لدي قلبان قلب لجان بيار و قلب لسارة يشتاقان له‪ ،‬و كان‬ ‫‪156‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫من الوعب على طفل يمتلك قلبان بودره ان يصدمج سريعا مع‬ ‫غياب ثان ألب لطاملا كان يأتي و يذهب بسرعة‪.‬‬ ‫الاحداث في حياتي لم تتغرر كثررا الى تلك اللحظة‪ ،‬و لكن كان فيها‬ ‫ما كان ليجعل قلبي ال يتوقف عن الصبض‪ ،‬مازلصا انا و اصدقائي‬ ‫نمارس طفولتصا برجل في الطفولة و رجل في املراهقة‪ ،‬و اكتشفت‬ ‫السيصما ألول مرة في حياتي اذ ذهبت مع اصدقائي ألول مرة‬ ‫ملشاهدة فيلم ترازان الذي صور بالجزائر العاصمة‪ ،‬كما كصا‬ ‫احيانا نشاهد افالم تشارلي تشارةلرن اعجبت بذلك العالم‬ ‫املدهش‪ .‬و كصت في اغلب الاحيان من يدفع التذاكر لوديقاي‬ ‫محمد و عمر مم كصت اجمعه من موروفي اليومي‪ ،‬او بما كصا‬ ‫نسرقه احيانا من جيوب املعمرين‪.‬‬ ‫السيصما كانت عاملا اخر اقل قبحا من عاملصا الذي نعيش فيه‪ ،‬و‬ ‫فكرة ان نسحب الحياة و نحبسها في فيلم كانت تروقني جدا حيث‬ ‫كانت شبيهة بعالم الوورة‪ ،‬لقد كصت اتذوق كل انواع الفصون من‬ ‫موسيقى و سيصما و رسم‪ ،‬و كصا احيانا انا و اصدقائي نجلس في‬ ‫املقهى الشعبي بعد ان يسمح لصا بذلك نستمع للموسيقى الشعبية‬ ‫الجزائرية‪ ،‬التي كانت اصدق موسيقى استمعت لها في حياتي اذ ال‬ ‫تحتاج فيها لووت جميل لتغصيها‪ ،‬اذ ال تحتاج سوى الن تكون‬ ‫‪157‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫انت ذاتك نفسك‪ ،‬و مهما يكن صوتك بشعا يكفي ان تغني بودق‬ ‫لتكتسب اطراء و احترام الاخرين‪ ،‬يكفيني ان اسميها املوسيقى‬ ‫الوحيدة التي ليس فيها عصورية في الاصوات‪ ،‬فكل الاصوات‬ ‫حسبها هي اصوات جميلة ما ان تغني بودق من القلب الى القلب‪.‬‬ ‫لم تكن الايام تمر مرور عابري السبيل‪ ،‬و لكنها كانت تمر مبتورة‬ ‫الجصاح ال تقوى على الطرران في غياب حبيبي‪ ،‬بدت لي الوورة‬ ‫الجديدة للعالم بدونه صورة سوداوية حقا إال ان بعض الوان‬ ‫الطيف كانت تشوبها كبقع سرعان ما تتالش ى لضعف الخيال على‬ ‫رسم جمال اللواقع ملدة طويلة ‪.‬‬ ‫دروس البيانو عصد مدموزال نانس ي اصبحت باردة جدا‪ ،‬و حتى‬ ‫تلك املعزوفات املرحة التي كصت اخطها بأناملي عليه كانت تصتشر‬ ‫في الهواء حزنا عميقا يبعث عليا شعورا مفجعا بالبكاء‪ ،‬يشعر‬ ‫البيانو بفجواتي الداخلية و يستمع ألحاسيس ي و هي تتحرك في‬ ‫اوعيتي الدموية‪ ،‬فيتسلل لها و يخرج ثانية من اصابعي ليالمس‬ ‫اوتاره كما املس انا اعوابي‪ ،‬فيخرج الحزن مصه كماء ال يسكت‬ ‫عن الانهمار‪ .‬و كانت مدموزال نانس ي تشعر بغرابة البيانو عصدما‬ ‫يقع في يدي‪ ،‬و كانت كلما اعزف تأخذني في احضانها و تترجاني ان‬ ‫ال ابكي بالرغم من اني لم اكن افعل ذلك‪.‬‬ ‫‪158‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫مرت الايام حزيصة بودق‪ ،‬و اصبحت املديصة ترتعش كشعلة‬ ‫شمعة تستقيم احيانا و ترقص احيانا اخرى‪ ،‬و هي تذوب باكية‬ ‫كيصونتها باحثة عن نهاية مضيئة لها فيكون لها ما تريد‪ ،‬و لكن كان‬ ‫يجب ان يحدث ش يء‪ ،‬احتضار لشمس‪ ،‬غياب لقمر‪،‬تفتت للقدر‪،‬‬ ‫اي ش يء كان ليقطع الروترن املجرم الذي كان يقتلني كل يوم اكثر‬ ‫بعيدا عن خالد ‪.‬‬ ‫ذات صبيحة استيقظت املديصة على خبر اختطاف طفل من امام‬ ‫باب بيته‪ ،‬في البداية لم يتحرك الرأي العام كثررا فرةما في الامر‬ ‫مشاكال اسرية فقط‪ ،‬فقد مر املوضوع حديث يومه و سرعان ما‬ ‫تالش ى و كان شيئا لم يكن‪ .‬و في نفس اليوم وجدت انا عصكبوتا‬ ‫كبررة نوعا ما في غرفتي تأكل الذباب فقررت ان احبسها و ارةيها و‬ ‫سميتها زهرة‪،‬‬

‫و مصذ تلك اللحظة اصبحت زهرة صديقتي‬

‫املفضلة‪ ،‬احكي لها كل ش يء و ال تنتظر مني سوى ان اقدم لها‬ ‫بعض الذباب كوجبة دسمة‪.‬‬ ‫في املدرسة مزال شكل استاذنا يدفع على الريبة نظراته الساخطة‪،‬‬ ‫شكل وجهه الذي يبديه ككائن فضائي لم ارتح له ابدا‪ ،‬كان‬ ‫‪159‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حدس ي دائما يقول لي ان في استاذي خطب ما لم اشعر به انسانا‬ ‫على الاطالق‪ ،‬حيث كانت رائحة الوحوش تنبعث مصه كرسالة‬ ‫تحذيرية‪ ،‬لقد كان شرها جدا للمسصا و لضرةصا ألتفه الاسباب‪ ،‬و‬ ‫كان حلم اي تلميذ في صفه ان يراه يوما ما جثة هامدة في دير‬ ‫املديصة‪ ،‬فصتخلص مصه و لكن ما الجدوة من ذلك فهو لم يكن‬ ‫سوى جثة متعفصة و متحركة اصال‪ ،‬يا هللا كم كصت امقته! لطاملا‬ ‫كانت امصيتي ان اقدمه وجبة دسمة لزهرة عصوكبوتي الجميلة و‬ ‫ارتاح مصه الى النهاية‪.‬‬ ‫بعد ايام من اختطاف الطفل الاول اهتزت املديصة الختطاف طفل‬ ‫ثاني‪ ،‬و بدأت الشوشرة تزداد على وقع صدمة و خوف شديدين‪ ،‬و‬ ‫بعد اسبوع كذلك على الواقعة الثانية اهتزت املديصة ثانية‬ ‫الختطاف طفل ثالث‪ ،‬و هصا تحركت غريزة الامومة في قلب كل‬ ‫بيت جزائري كان او فرنس ي‪ ،‬و لكن الامر الغريب و الذي يصدى له‬ ‫الجبرن لم تتحرك الشرطة في ذلك الوقت سوى تحركا محتشما‪،‬‬ ‫يبرز كون اغلب الاطفال املختطفرن كانوا من اسر جزائرية الاصل ‪.‬‬ ‫اصبحت العائالت اكثر اهتماما بأطفالها‪ ،‬و قلما اصبحصا نلمس‬ ‫اطفاال في الشارع لوحدهم بعد ان عور الخوف بطون الكل‪ ،‬و‬ ‫جعلصا نعيش حالة من فزع عام‬ ‫‪160‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫(لمي اطفالك يا سعاد راهم يتخطفو من عتبة الدار )‬ ‫صرخت احدى النسوة محدثة جارتها من سطوح بيتها‪ ،‬في حرن‬ ‫كانت الاخرى شاحبة من عمل البيت و الفوض ى التي يخلفها‬ ‫اطفالها حولها و هي تجري ورائهم‪ ،‬كان عددهم ستة او اكثر‪،‬‬ ‫نظرت لجارتها و قالت لها بحسرة‪( :‬هللا يسمع مصك يميصة‪ ،‬لوكان‬ ‫غرر يصقوولي واحد وال زوج نتنهى ) ( اتمنى ان يسمع مصك هللا و‬ ‫يخطف احدهم او اثصان الرتاح )‬ ‫كانت مثل هذه الاماني السيئة تقال هصا على سبيل السخرية‬ ‫فقط‪ ،‬فاملجتمع الجزائري فوضوي خالق يحب العبث الحكيم‪،‬‬ ‫يستصطق ابشع الكلمات السلبية من فاه الحياة لكي يضفي بها‬ ‫جماال للمعنى‪ ،‬فقد يشتمك ليعبر لك عن حبه‪ ،‬و ان قام شخص‬ ‫ما بقرصك فاعلم انه يستحق مصك عصاقا طويال‪.‬‬ ‫ال اجمل من ان يصام الانسان على عتبة الليل‪ ،‬و يستيقظ باكرا‬ ‫ليالمس جو هذه املديصة املعانقة ألبصائها‪ ،‬املبتسمة بحصانها‬ ‫الجارحة بصظراتها الثاقبة‪ ،‬و موابيحها الليلية التي ترسم عليها‬ ‫لوحة زيتيه‪ ،‬ترافقها برك املاء على الارض تعكس لصا الالوان بكل‬

‫‪161‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حب‪ ،‬و كأنها تجعلصا نصكب فيها كما تصكب الطيور في قوس قزح و‬ ‫كأنها ترحل لعالم اخر‪.‬‬ ‫و في صبيحة يوم سبت اتجهت لبيت مادموزال نانس ي ألخذ درس‬ ‫في البيانو قبل املوعد‪ ،‬مشيت وحيدا الى هصاك في الحقيقة لم يكن‬ ‫امر اختطاف الاطفال يقلقني‪ ،‬فاألكيد ان الرب يأخذهم في نزهة‬ ‫الى قرية الحلوى و سيعيدهم ال محالة‪ ،‬اتجهت صوب البيت و‬ ‫قرعت الباب و لكصه كان مفتوحا‪ ،‬دفعته قليال و كصت استمع‬ ‫ألصوات غريبة و مثررة تعبق في املكان تشبه عواء الذئاب‪ ،‬مشيت‬ ‫رويدا رويدا فإذا بمدموزال نانس ي تمارس السحاق مع اختها‪ ،‬و‬ ‫هما عاريتان تماما فوق ظهر البيانو‪ ،‬كان جسد مادموزال نانس ي‬ ‫يشع من بعض جهاته و هو يتصاوب مع اشعة الشمس في اضاءة‬ ‫املكان‪ ،‬و هي تسقط على جسمهما‪ .‬و هما مصغمسان تماما في التهام‬ ‫حالوة بعضهما البعض‪ ،‬مدموزال نانس ي تقبلها من فمها و‬ ‫جلدهما يتموج مع كل سقوط في بحر الاندماج‪ ،‬و الاخرى رافعة‬ ‫رجليها على ظهرها و كأنها تحاول الدخول الى اعمق نقطة في‬ ‫وجدانها‪ ،‬متشبثة بروحها بكل انعتاق من الواقع‪ ،‬كانتا تتبدالن‬ ‫الكثرر من الاهتمام و هما غارقتان في بعضهما البعض‪ ،‬و كان ذلك‬ ‫اجمل و اطول عصاق شاهدته في حياتي‪ ،‬اتذكر اني صدمت في‬ ‫‪162‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫البداية وقفت امام باب الوالون حيث يتواجد البيانو‪ ،‬و بقيت‬ ‫اشاهد تلك الغفوة الجميلة التي لم اشاهدها من قبل في حياتي و‬ ‫هي تسقطني في بحر من الحررة‪.‬‬ ‫اتجهت اقدامي بدفع من الالوعي بداخلي نحو البيانو لكي اعبر‬ ‫عن شعوري في تلك اللحظة‪ ،‬جلست على الكرس ي و انا أالحظ‬ ‫مهبلهما و هما يتحككان ببعضهما البعض‪ ،‬و مؤخرة مدموزال‬ ‫نانس ي مصووةة في السماء كآلة حرب‪ ،‬و الوورة الشاعرية للمهبل‬ ‫لم تؤرقني ابدا‪ ،‬فقد كانت اجمل من صورة مهبل امي اثصاء والدة‬ ‫اختي الرن على الاقل‪ ،‬و على وقع تلك الحركات البهلوانية نقرت‬ ‫على البيانو و عزفت مقطوعة هادئة و واصال اندماجهما و كأنهما‬ ‫لم يلمحاني‪ ،‬حتى عزفت مقطوعة هادئة على انغامي مشاعري في‬ ‫تلك اللحظة و انتظرتها لكي تنتهي من حفلتها تلك و لكنها لم‬ ‫تفعل‪ ،‬لم تفتح عيصاها حتى‪ ،‬كان جسمها يسبح فوق جسم اختها‬ ‫و كأنه يغوص في سماء لتروض املالئكة على التمرد‪ ،‬عزفت انا و‬ ‫انا فاتح صدر الكون و استنشق تصفسه بهدوء تام‪ ،‬عزفت و عزفت‬ ‫و عزفت و مزال توهجهما في حالته‪ ،‬و احسست بصفس ي غريب في‬ ‫تلك اللحظة‪ ،‬فتحت اجصحتي و طرت بهدوء من هصاك‪ ،‬و اغلقت‬ ‫الباب من خلفي و رحت في الطريق اخمن فيما رأته عيصاي‪ ،‬و‬ ‫‪163‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حاولت ان اجد له مكانا ما في عقلي في تونيف ما فلم اعرف ما‪.‬و‬ ‫لكني خبأته برن فووص ذاكرتي ألعرف له اسما ما يوما ما و‬ ‫كذلك فعلت‪.‬‬ ‫كانت تلك التجرةة خطوة جديدة لي ساعدتني في رسم صورة‬ ‫جديدة عن املشاعر‪ ،‬و ساعدتني كذلك على توسيع معلوماتي‬ ‫الجنسية و انا في طور الصضوج‪.‬‬ ‫اليوم بت اعلم ان مدموزال نانس ي لم تكن تمارس السحاق في‬ ‫حقيقة الامر مع اختها‪ ،‬بل مع حبيبتها التي كصت اخالها اختا لها‪ ،‬و‬ ‫في الحقيقة كانت مدموزال نانس ي مثلية الجنس‪ ،‬تعيش مع‬ ‫حبيبتها في ذلك البيت الذي كصت اشفق عليه في البداية لخلوه‬ ‫من الحب‪ ،‬و الذي بت اتذكره اليوم بحصرن كبرر حيث بات صرحا‬ ‫للحياة و املحبة‪.‬‬ ‫اما في املدرسة فكصا نعد الساعات ساعة تلو الاخرى لصنتظر نهاية‬ ‫الدراسة هرةا من التعذيب الصفس ي الذي كصا نتعرض له على يد‬ ‫ذلك املعلم البشع‪ ،‬الذي ال اجد الكلمات الى الان لوصف مقتي له‬ ‫و كرهه‪ ،‬فحتى في حياتي اليومية كصت اكره القيود‪ ،‬اكره القوانرن‪،‬‬

‫‪164‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اكره الاوامر‪ ،‬و اكره التسلط‪ ،‬و يخال لي اليوم اني لو قتلته في تلك‬ ‫اللحظة لكصت اليوم مرتاحا من هذا الكره الذي اكصه له‪.‬‬ ‫و في استراحة املدرسة يوم الثالثاء‪ ،‬و حرن كصا نسترد انفاسصا بعد‬ ‫عذاب ذلك الاستاذ القاس ي‪ ،‬رأيت السيد بوازون ذلك الاستاذ‬ ‫القذر يمسك بيد صديقي ميشال و يأخذه الى املرحاض لم افهم‬ ‫الامر تبعتهما هصاك‪ ،‬فرأيت ذلك الاستاذ الشرير يشتم جسده‪ ،‬و‬ ‫يلحس رقبته‪ ،‬و يلمسه من مصاطق حساسة‪ ،‬و رأيت في وجه‬ ‫ميشال حررة كبررة و خوفا من ذلك الوحش الذي كان شرها‬ ‫بشكل مقزز له‪ ،‬و بعد انتهاء الاستراحة عدنا للقسم‪ ،‬جلست في‬ ‫مكاني مودوما مما رايته و لم افهمه‪ ،‬تأملت ميشال متوجسا في‬ ‫مكانه يبلع ريقه مرات عدة يتملكه الخوف‪ ،‬و هو يبتسم ابتسامة‬ ‫صفراء لسيد فرونسوا بوازون‪.‬‬ ‫لقد انتابني فضول عارم و بمجرد ان دق جرس انتهاء الدراسة في‬ ‫ذلك اليوم جريت صوب ميشال و سألته عما كان يقوم الاستاذ‬ ‫به‪ ،‬لكصه لم يقل شيئا اغرورقت عيصاه دمعا ثم تأملني بغضب‪ ،‬و‬ ‫دفعني فسقطت على الارض و لكني لم اشعر بالهانة لذلك‪ ،‬بل‬ ‫شعرت بشفقة كبررة ‪،‬كصت اعلم انه ما كان ليدفعني لوال مقته‬ ‫الشديد لحياته تلك و ما كان يحدث معه‪ ،‬عصدما دفعني شعرت‬ ‫‪165‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫انه كان طيبا جدا اذ لم يرد ان يشاركني مأساته و قرر ان يحتفظ‬ ‫بها لصفسه‪.‬‬ ‫نهضت من الارض و نفضت مالبس ي كأي انسان يبحث عن‬ ‫الحقيقة‪ ،‬فتحت عيني جيدا و تأملته و هو يمض ي خلف السراب‪،‬‬ ‫و فتحت سؤالا مصذ تلك اللحظة كان يجب علي معرفة اجابة له‬ ‫لنقاذ صديقي ميشال من ذلك الرجل املضطرب العقرب‪.‬‬ ‫فعلت قوارى ما في وسعي ألصل لصتيجة تشفي غليلي‪ ،‬اصبحت‬ ‫في املدرسة حارسا شخويا له لكن من بعيد دون ان يدرك ما‬ ‫افعله‪ ،‬ذلك ألني كصت اكره الظلم وال استطيع ان احبس البطل‬ ‫بداخلي عن التورف بشجاعة‪.‬‬ ‫كان كل يوم في الاستراحة يقتاده ملكان ما يشتمه‪ ،‬يلحسه من‬ ‫بعض جسمه‪ ،‬يعري جزئه السفلي ايضا‪ ،‬لم اكن اعلم ملا كان‬ ‫يفعل ذلك و لكصه كان يبدوا و كانه يفعله بشغف‪ ،‬و لكن في نفس‬ ‫الوقت لم اكن اعرف ملا قد يتركه ميشال يقوم بذلك دون اي ردة‬ ‫فعل‪.‬‬ ‫في الحقيقة الاستاذ كان اخافه بان يقدم نقاطه الكارثية ألهله ان‬ ‫هو تحدث عن الامر فقرر ميشال السكوت‪.‬‬ ‫‪166‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم اجد ما افعله في تلك اللحظات‪ ،‬الا ان احاول لفت انتباه‬ ‫ميشال و ان اكسب صداقته لعلي اقصعه بالعدول عن ذلك‬ ‫التورف الغريب‪ ،‬و ان يمصع ذلك الرجل الذئب عن اتيانه بتلك‬ ‫الطريقة البشعة‪ ،‬و لكصه لم يكن يعرني اي اهتمام اذ كان يبدوا‬ ‫عليه الحزن البليغ الذي يقرا بال تشبيه على وجهه البريء‪ ،‬الذي‬ ‫تخطى الغضب بلحظات ليعبر عن الم عميق لم يكن يفارقه‪ ،‬كان‬ ‫يمض ي معه بدال عن ظله في كل خطوة كان يخطوها‪ ،‬و انا كصت‬ ‫ارى فيه ضحية اشفق عليها و اريد ان اعيد له ابتسامته الهارةة‬ ‫في اللعاب الكريه الرائحة لذلك الرجل القذر الذي كان يضعه بكل‬ ‫فانتازم على جلده الطفولي البريء‪.‬‬ ‫كصت دائما اراقبه دون اي ملل ذلك انه قد اثر في عاطفتي كثررا‪ ،‬و‬ ‫كصت فعال اريد ان اساعده إال انه كان يحاول ان يجعلني بعيدا‬ ‫قدر املستطاع‪ ،‬و لكني لم ابرح مكاني في برج املراقبة‪.‬‬ ‫و حدث ان تبعته يوما ما و استاذنا يوطحبه من يده لم اكن‬ ‫ادري الى اين يذهبان ولكني تبعتهما‪ ،‬اريد ان اعرف نهاية هذا‬ ‫املشوار في سرداب مظلم من الاسئلة‪ ،‬ذهبا يتمشيان خارجا و‬ ‫نظرات الخوف كانت تعور وجه ميشال و تجعله يشبه الذباب‬ ‫الذي كصت اطعمه لعصكبوتي زهرة‪.‬‬ ‫‪167‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تبعتهما فإذا باألستاذ يأخذه الى بيته القريب من املدرسة الذي‬ ‫يشبه بيت فرانكشتاين‪ ،‬بيت اسود مخيف دخل معا الباب‪ ،‬و‬ ‫رحت انا الى الصافذة احاول استراق الصظر‪ ،‬وقفت على علبة‬ ‫القمامة و رحت احاول معرفة ما يحدث هصاك‪ ،‬فوجدت ميشال‬ ‫يجلس على الكرس ي و هو يضغط باصابعه كل يد على الاخرى‬ ‫متوتر‪ ،‬و خائف ال يعرف ما يفعل‪ ،‬و رايت السيد بوازون يأتي اليه‬ ‫ببعض الحلوى ليهدا من روعه‪ ،‬كان ميشال في حالة يرثى لها رايته‬ ‫يفتح حبة الحلوى في يديه و كأنه ال يعرف السبيل الى ذلك‪ ،‬و بعد‬ ‫مدة قوررة امسكه الاستاذ من يديه و راح يشمه و يلحسه‪ ،‬ثم‬ ‫لحسه مرترن من شفتيه‪ ،‬في حرن تبول ميشال في سرواله من‬ ‫شدة الخوف‪ ،‬ثم ذهب الاستاذ و بقي ميشال متوجسا في الكرس ي‬ ‫ال يعرف ماذا يفعل‪ ،‬كان يتأمل السقف لبرهات يحرك رأسه فيه‬ ‫كتائه يبحث عن الخالص‪ ،‬ثم يتأمل الارضية لبرهات اخرى يبحث‬ ‫عن مصفذ من هصاك‪ ،‬ثم يضع عينيه على الباب و كأنه يفكر في‬ ‫الفرار‪ ،‬و بركة من البول الساخن اسفله و بخارها يتواعد‬ ‫كأشباح تزيد على سواد املكان بعض الزمهرير‪.‬‬ ‫جاء السيد بوازون يحمل في يده اليمنى مصديال و باغت ميشال و‬ ‫غطى به على وجهه‪ ،‬صدمت من هول املوقف و شاهدني في تلك‬ ‫‪168‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اللحظات ميشال و فتح عينيه جيدا و كانه يطلب الصجدة ثم‬ ‫اغلقهما رويدا‪ ،‬رويدا و كأنه يصام بهدوء‪ ،‬و زادت نبضات قلبي و‬ ‫كانه يريد الخروج من صدري من قمة الخوف ‪.‬‬ ‫راح ذلك الاستاذ الشرير و ترك ميشال على الارض غارقا في بركة‬ ‫البول وال تبدوا عليه اي مالمح للحياة‪ ،‬و بقيت ان أتأمله و انا‬ ‫احاول ان اوقظه بضرةات من عيني‪ ،‬و انا اغلق برموش ي على‬ ‫صورته الحزيصة تلك احاول جس نبضه من خلف الصافذة‪.‬‬ ‫عاد الشرير و في يديه ادوات حادة سكرن كبرر و جزارة لقطع‬ ‫اللحم‪ ،‬و تهشيم العظام‪ ،‬حمل ميشال من الارض و نزع مالبسه و‬ ‫هو جثة هامدة‪ ،‬و وضعه عاريا فوق الطاولة‪ ،‬ثم حمل الجزارة و‬ ‫راح يقطعه الى قطع‪ ،‬فك يديه و رجليه‪ ،‬و قطع راسه‪ ،‬في حرن‬ ‫اصبحت الغرفة حمراء تشبه عورر الرمان‪.‬‬ ‫اصبت بودمة كبررة من هول ما رأيت‪ ،‬و لم استطع ان اتحرك في‬ ‫مكاني امتألت عيني بدمع عصيد لم يرد ان يسقط‪ ،‬وضع بعض‬ ‫الضباب على ذلك املشهد‪ .‬جاء الاستاذ و في يده نشفة و راح‬ ‫يغمرها في دمه ثم يعورها ثانية في زجاجة الصبيذ‪ ،‬و من ثم يصظر‬ ‫اليها بابتسامة فخر مريبة‪ ،‬لحظات طفيفة من التهيج الفكري و‬ ‫‪169‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الاضطراب املغري باالنتحار‪،‬و فقدان املعنى في هذا العالم البشري‬ ‫الوحش ي كصت اسبح فيها‪ ،‬املوت في كل انغماس برن طفولتي و روح‬ ‫ميشال الغادية‪ ،‬و اذا بذلك الوحش يشق صدر ميشال او ما تبقى‬ ‫من ميشال‪ ،‬و يمسك قلبه برن يديه و يلتهمه‪ ،‬غرس اسصانه فيه و‬ ‫يجعله ينبض ثانية برن اسصانه‪.‬‬ ‫لم اصدق ما رأت عيني‪ ،‬و راحت قدماي ترتعشان‪ ،‬و راح جسدي‬ ‫يرتجف‪ ،‬و شعرت ببرودة رهيبة تعورني الى حد التجمد من‬ ‫الداخل الى الخارج‪ ،‬فتحركت علبة القمامة و احدثت ضجة و‬ ‫سقطت على الارض‪.‬‬ ‫جاء الغول مسرعا و فتح الصافذة في حرن كصت انا على الارض‬ ‫مودوما‪ ،‬تأملني بغبطة و غضب مبرزا اسصانه املخضبة بالدم‪ ،‬و‬ ‫رمى يداه يحاول امساكي و سحبي من الصافذة و لكني ابتعدت و‬ ‫فررت من هصاك‪ ،‬و خرج هو من بيته محاوال التقاطي ثم توقف و‬ ‫راح يتأملني من بعيد و كأنه يحاول التهامي انا كذلك بصظراته‬ ‫املخيفة‪ ،‬التي كصت التقطها ن بعيد و انا اجري و انظر اليه خلفي‬ ‫ألرى ان كان يتبعني ام ال‪.‬‬

‫‪170‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫جريت بال توقف الى ان وصلت الى البيت‪ ،‬فتحت الباب دون ان‬ ‫اقرعها و جريت صوب غرفتي نادتني امي و لكني لم ارد عليها‪،‬‬ ‫دخلت غرفتي بكل خوف جلست في زاويتها‪ ،‬و وجهي يرتعش‬ ‫كسراب صحراء‪ ،‬يداي تختفيان احيانا‪ ،‬و تعودان للظهور احيانا‬ ‫اخرى‪ ،‬ارضية الغرفة تشبه بئرا عميق‪ ،‬و الخزانة كانت تشبه‬ ‫الواح سفيصة تطفو فوق بحر من الانهيار‪ ،‬كل ش يء من حولي بدا‬ ‫اسودا و كانت تلك الحقيقة التي توصلت لها‪ ،‬كانت ابشع حقيقة‬ ‫في حياتي‪.‬‬ ‫كيف يمكن لإلنسان ان يكون وحشا لتلك الدرجة‪ ،‬كيف يمكن‬ ‫لإلنسان ان يأكل اخاه الانسان‪،‬كيف قد يكون شعوره و هو يفعل‬ ‫ذلك‪ ،‬كيف كان يتذوقه‪ ،‬كيف له ان يكون قاسيا و بال مشاعر‪،‬‬ ‫كيف كان طعم لحم الانسان في فمه‪ ،‬يا الهي لم يكن ميشال‬ ‫سوى طفل بريء‪ ،‬كيف استطاع ان يأكل قلبه‪ ،‬كيف استطاع ان‬ ‫يقطعه بتلك الطريقة الوحشية‪.‬‬ ‫كان مشهد الدم يستوطن احاسيس ي الداخلية اما الصظرة الاخررة‬ ‫مليشال فقد سقطت على وجهي كصرزك كبرر و لم تتوقف على‬ ‫الاشتعال في ذاكرتي مصذ تلك اللحظة الى الان و انا في هذا السن‬ ‫العتيد‬ ‫‪171‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اتذكر اني كصت مظطرةا جدا و لم اعرف ما قد افعله‪ ،‬ذهبت في‬ ‫اليوم املوالي شاحبا الى املدرسة و قد اختفت قطرات الدم من‬ ‫جلدي‪ ،‬لم اكن اريد الدخول الى الوف ذلك اذ كصت خائفا من‬ ‫ذلك الوحش الذي استأمصاه على عقولصا فراح يكال قلوةصا‪.‬‬ ‫دخلت و انا انظر من خلفي يتملكني الوسواس‪ ،‬يمزق بداخلي‬ ‫حضوري ‪،‬كدت انس ى وجودي و انا استحضر اسمي‪ ،‬و انا ال‬ ‫اعرفه احيانا‪ ،‬و في كل نقطة في القسم كصت ارى عيون ميشال‬ ‫لقد كان كرسيه فارغا ‪.‬‬ ‫دخل الاستاذ و راح يتأملصا الواحد تلوى الاخرى بابتسامة صفراء‪،‬‬ ‫و ما ان وقعت عيصاه على عيني توقفت عن الوجود‪ ،‬كشر عن‬ ‫انيابه الوفراء من نبيذ الدم‪ ،‬و طويت انا رجلي و بحثت عن ابي‬ ‫بداخلي لنقاذي‪ ،‬و تمصيت وجوده معي في تلك اللحظات‪.‬‬ ‫انكمشت في مكاني و كأني الوي الزمن من شدة الوقيع‪ ،‬درسصا‬ ‫هو كعادته و هو يبدو في حالته تلك بريئا‪ ،‬لم يفعل شيئا و كأنه‬ ‫لم يقطع لتوه طفال صغررا و لم يأكل قلبه‪ ،‬اما انا فلم يكن لدي‬ ‫الوقت ألشمئز مصه فقد كصت خائفا لدرجة مطلقة ال يمكن فيها‬

‫‪172‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ألي شعور اخر ان يزاحم الشعور بالخوف الذي كان يتملكني‬ ‫اتجاهه‪.‬‬ ‫لم يكن ينزع عيصاه مني حتى بت اشعر بالغثيان و وجهه القذر‬ ‫يتدفق في ارجاء القسم كأكياس قمامة مثقوةة‪.‬‬ ‫عصد انتهاء املدرسة تبعني و كأنه يريد التهامي اما انا فأسرعت الى‬ ‫البيت مسرعا ال انظر من خلفي‪ ،‬واصلت الفرار الى الابد الى يومصا‬ ‫هذا من ذلك البؤس البشري‪ ،‬و انا هصا اليوم ذلك ألني واصلت‬ ‫الفرار‪.‬‬ ‫بعد ذلك اليوم لم اعد ادخل املدرسة البتة‪ ،‬بل اصبحت اتوه في‬ ‫شوارع املديصة شارعا شارع ابحث عن نفس ي بعض الذكريات‬ ‫املاضية لعلي انس ى ذلك الاكتئاب‪ ،‬و كان يرافقه من خوف‬ ‫بداخلي و لكصه كان يأبى مغادرة تفكرري‪ ،‬مزال ميشال يأخذ‬ ‫تفكرري‪ ،‬مازالت روحه تتبعني تطلب مني ان اساعدها على‬ ‫فضحه‪ ،‬اما انا فلم اكن ادري ما يجب القيام به‪.‬‬ ‫لقد سمعت املديصة بأكملها خبر اختفاء طفل رابع‪ ،‬لقد كان طفال‬ ‫فرنسيا و لذلك كان لألمر صدا اخر‪ ،‬اهتزت هذه املرة الصحف و‬ ‫املجالت‪ ،‬و فتحت الشرطة تحقيقا جديا‪ ،‬اما عائلة ميشال فكانت‬ ‫‪173‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫مفجوعة جدا تبحث عن ابنها في كل مكان بيصما هو كان في بطن‬ ‫ذلك الاستاذ الشرير‪.‬‬ ‫اما تمريصاتي عصد مدموزال نانس ي فقد اصبحت جلسات لتكريس‬ ‫الغضب موسيقيا‪ ،‬كصت اعزف بسرعة بتامبو مضطرب‪ ،‬و قد‬ ‫بدت مني عاصفة هوجاء من الهدوء املضطرب‪ ،‬ال اعرف كيف‬ ‫كصت السمي نفس ي في تلك اللحظات و لكني كان يجب ان اسميني‪،‬‬ ‫و لكن عزفي كان يجد عصوانا اقرب لي من اسمي الحقيقي‪ ،‬يجعله‬ ‫يراقص الهواء بصفسه‪ ،‬مما كان يجعل مدموزال نانس ي تسرع في‬ ‫الدرس لكي ال اعديها بصوةة الخوف تلك التي مصيت بها دون ارادة‬ ‫مني ‪.‬‬ ‫برن الفيصة و الاخرى كصت املحه يمر من حيصا يسترق الصظر لي‪ ،‬لقد‬ ‫كان مشهده مرعبا جدا لم اكن اعرف ماذا يجب ان افعله‪ ،‬و ذات‬ ‫يوم و هو واقف في حيصا و بعد ان ذقت ذرعا به‪ ،‬امسكت حجارة‬ ‫متوسطة الحجم و صوةتها نحوه و جرحت رأسه القذر و رحت‬ ‫اسبه بكل ما في الكلمة من معنى‪ ،‬عصدما شاهدني ابصاء الحي على‬ ‫تلك الحالة لم يفهم احد ما هصاك‪ ،‬و لم يحاول احدهم ان يعرف‬ ‫من يكون ذلك الشخص‪ ،‬امسك الكل الحجارة و راح يرجمه من‬ ‫بعيد و فر هو ذليال من الحي‪.‬‬ ‫‪174‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اما انا فقد انهرت فجأة على الارض و رحت ارتعش في مكاني‪ ،‬و قد‬ ‫تملكتني نوةة عوبية شديدة و كدت افقد القدرة على التصفس‪،‬‬ ‫حملني اصدقائي الى البيت و قد كصت اتفوه باسم ميشال مرات‬ ‫عديدة‪ ،‬جائت امي مذعورة تحاول اسعافي و من ثم انطفا العالم‬ ‫من حولي‪ ،‬و عصدما استيقظت وجدت نفس ي باملستشفى بعد ان‬ ‫قدمت لي بعض الاسعافات‪ ،‬و لكني لم اجد نفس ي وحيدا وجدت‬ ‫الشرطة كذلك في املستشفى و ذلك لتفوهي بكلمات بخووص‬ ‫ميشال‪ ،‬مما دفع بطبيب املولحة الاتوال باملخفر بعد ان‬ ‫استعدت وعي و عافيتي ‪،‬جاء اليه املحقق بكل لطف و طلب مني‬ ‫ان اخبره بما اعرفه‪ ،‬و قلت له كل ش يء‪.‬‬ ‫بعد ذلك تم القاء القبض عليه‪ .‬و تم التحقق من انه هو من كان‬ ‫يخطف الاطفال في املديصة‪ ،‬حيث وجدت قطعهم متصاثرة في بيته و‬ ‫ارتاحت املديصة من هذا الكائن الشرير‪.‬‬ ‫قيل لي بعدها انه قد اخرج من بيته عاريا‪ ،‬حيث كان يستحم في‬ ‫تلك اللحظة و كان مشهده في تلك الحالة يعري على الكثرر من‬ ‫الشر الذي يختزله قلب الانسان‪ ،‬و سمعت فيما بعد انه قد قال‬ ‫للقاض ي في املحكمة‪ ،‬انه لم يأكل اؤالئك الاطفال كرها فيهم بل‬

‫‪175‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لكي يخلوهم من الحياة التي ال معنى لها‪ ،‬و انه ال فخور بما قام‬ ‫به‪.‬‬ ‫بعدها فكرت مليا في امر عصكبوتي زهرة‪ ،‬لقد اصبحت السلسلة‬ ‫الغذائية تبدوا لي غرر عادلة على الاطالق فالقوي يلتهم الاضعف‬ ‫الذي بدوه يمتلك اعواب الالم‪ ،‬لذا فقد ألبعد حديقة اطلقت‬ ‫السراح لعصكبوتي زهرة بعيدا عن البيت و ودعتها الى الابد‪ ،‬و‬ ‫قررت بعدها ان اصبح نباتيا من هول املصاظر التي شاهدتها في تلك‬ ‫الفترة ‪.‬‬ ‫و بذلك يكون هللا قد قرر ان يودمني بالطريقة الاكثر صدمة‪ ،‬و‬ ‫استجاب لي و اثبت لي وجوده لكن على حساب معاناة كل اؤالئك‬ ‫الاطفال‪ ،‬كما تعود على فعله دائما‪.‬‬

‫‪176‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪8‬‬

‫لقائي مع اهلل‬

‫يقال ان هللا يسكن في السماء و لكني التقيت به في باب الواد‪ ،‬و‬ ‫التقطت صورة معه تشهد لي على هذه الخلوة الرائعة مع الخالق‪،‬‬ ‫لقد كصت يافعا حينها ال يزيد سني عن الثالثة عشر عاما‪ ،‬قودنا‬ ‫انا و هو املوور و التقطصا هذه الوورة التي تزهر في هذا الالبوم‪،‬‬ ‫من يودق هذا و لكني فعلتها فكما تكلم هللا ملوس ى في سيصاء و‬ ‫تجلى له‪ ،‬كذلك فعل ذلك معي و لكصه تجسد في حلة بسيطة في‬ ‫مديصتي الجميلة الجي‪.‬‬ ‫قبل ذلك دعوني اقص عليكم نبا هللا‪ ،‬هللا هو كائن لطيف و وديع‬ ‫ترد له كل الامور و الاشياء‪ ،‬لم يدعي ذاته الرةوةية و لكنها البست‬ ‫له جبرا و حمل املسؤولية يافعا‪ ،‬هو انسان مثلصا ال يموت لم يختر‬ ‫لصفسه اسما‪ ،‬و لكن كل فيصا سماه بطريقته‪ ،‬انا رأيت فيه اسم‬ ‫هللا كما يسميه اغلب الجزائريرن هصا‪.‬‬

‫‪177‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫هللا يبدو في الديانات املنسوةة اليه الاها حاقدا و شريرا و مصتقما‪،‬‬ ‫بيصما في الحقيقة وجدته ظريفا يحب الصاس جميعا‪ ،‬احيانا يقول‬ ‫كلمات بذيئة و لكنها ال تخرج سوى من طيبته‪.‬‬ ‫واصلت حياتي بعد حادثة العصكبوت‪ ،‬واصلتها و كأنه لم يحدث‬ ‫ش يء‪ ،‬و قد ساعدتني الحادثة تلك على نسيان خالد سطحيا‪ ،‬و‬ ‫تجاوز اشتياقه بعد الودمة‪.‬‬ ‫و قد اصبحت لي حياة جديدة الان‪ ،‬الرن اصبحت مشاكسة نوعا‬ ‫ما و قد بدأت لتوها مشوارها الدراس ي‪ ،‬الرن لم تكن فرنسية البتة‬ ‫بل كانت جزائرية من اعلى روحها الى اخمص وعيها‪ ،‬اتذكر اني‬ ‫وجدتها تتشاجر مرة امام باب البيت مع بعض صديقتها و هي تشد‬ ‫عليهن من شعرهن‪ ،‬و تسبهن بأبشع املسبات و الشتائم الجزائرية‬ ‫الفخمة‪.‬‬ ‫الرن بدأت تنسج شخوية جزائرية بحته‪ ،‬لم يكن عليها من‬ ‫الفرنسية سوى بعض البهارات التي كانت تزين بعض تغصجها‬ ‫الزائد‪ ،‬و مع ذلك ما كان ليشك احد في جزائرية تلك الطفلة‪ ،‬فهي‬ ‫كانت تتحدث الجزائرية بطالقة عكس ي انا و امي‪ ،‬حيث كصا‬

‫‪178‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫نتكلمها بلكصة فرنسية ‪،‬كانت تبديصا على حقيقتصا إال انصا من‬ ‫الداخل كصا جزائريرن حتى الصخاع‪.‬‬ ‫في الحقيقة كصت فخورا فعال بأختي‪ ،‬فكصت ارى فيها ما كصت‬ ‫احلم دائما ان اكونه في جانب الضعفاء مصتميا لهم‪ ،‬فحيث كانت‬ ‫هي تردد كلمات بذيئة من الشارع كصت اشعر انا باالنتواب‬ ‫الروحي‪ ،‬حيث ال يمكصصا ان ندافع عن الانسان دون ان ننتمي له‪،‬‬ ‫دون ان نكون نحن ذاتصا الانسان املظلوم‪ ،‬نعيش ما يعيشه‪ ،‬و‬ ‫نشتهي ما يشتهيه‪ ،‬نلبس ثوةه لصغامر معه‪ ،‬و لصثور معه‪ ،‬و لصكون‬ ‫معه الى النهاية نتذوق معه اديم الانتوار‪.‬‬ ‫و لزالت سماء املديصة الراحلة الى ذاتها في طواف صوفي تتوقد‬ ‫كقصديل ال يفنى الزيت مصه‪ ،‬تتجادل مع هللا في من هو اجدر في‬ ‫اعتالء السماء‪ ،‬لوال ما كان بها من ظلم يقطع التووف و يطمث‬ ‫الحب من مكانه الازلي الى غياهب العصورية املتحجرة‪ ،‬ما لربهم ال‬ ‫يفهمون انصا كل البشر متساوون‪ ،‬و ليس على احد ان يشبه احدا‬ ‫اخر ليكون متساويا معه في الكرامة و الحرية‪.‬‬ ‫كم كان يجب علي ان اذكرهم دائما انهم اوغاد ألنهم يظصون الاخر‬ ‫ادنى قيمة منهم لش يء ما ال يستحسصونه‪ ،‬او ال يشبههم فيه‪ ،‬او‬ ‫‪179‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ألنه ببساطة مختلف عنهم في لغتهم‪ ،‬رةما او في اسلوب حياتهم‪،‬‬ ‫في دينهم الذي ورثوه كما يرث الحمار نهيق ابيه‪ ،‬او في ميولهم‬ ‫الجنس ي الذي يجعل الكل يتشهى اقذر الاماكن في الجسد على‬ ‫اختالف نوعه او اي ش يء اخر غريب‪ ،‬ملا لم يفهموا ابدا انهم كانوا‬ ‫اوغادا و حمقى يمارسون غبائهم بشكل رسمي‪ ،‬انهم فعال اوغاد‪.‬‬ ‫كان يجب علي ان اشتمهم كل يوم ألتمكن من الصوم كل ليلة‪ ،‬و‬ ‫لذلك لطاملا كصت احب الاندماج مع املظلومرن لتكون لي حجة‬ ‫للهجوم على الظالم‪ ،‬و ان ابوق على وجهه فقد كانت تلك هوايتي‬ ‫الخاصة التي كصت اتقنها بكل حب و شغف‪.‬‬ ‫كان يجب علي ان اقوم بذلك في كل لحظة‪ ،‬كان يجب ان اكشر‬ ‫عن انيابي و ان ابرز غضبي في وجه كل ظالم الحمي الضعفاء‬ ‫بالرغم من ضعفي انا الاخر‪ ،‬إال اني قد رأيت ما يكفيني ألكون‬ ‫صلبا و عصيدا‪ ،‬ولكي اقول ما اريد قوله دائما دون ان اخاف لومة‬ ‫الئم‪.‬‬ ‫انتقلت في التعليم الى املرحلة الثانية الى املتوسطة‪ ،‬و قد كان‬ ‫يبدوا الجو هصاك مصاسبا لصمو القدرات الهرمونية‪ ،‬حيث كان‬

‫‪180‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫املكان يعطي فرصة مصاسبة لكي يطول قضيبي بما يكفيني ألصبح‬ ‫رجال‪.‬‬ ‫لقد كان الامر مختلفا هصاك حيث كل ش يء كان يبدو جنسيا‬ ‫املسطرة اصبحت اداة لقياس حجم الاعضاء الاستاذة‪ ،‬اصبحت‬ ‫حمالة لألثداء املدير‪ ،‬اصبح مشجبا للسخرية الجنسية بمؤخرته‬ ‫املدورة التي تشبه عجلة الشاحصة‪ ،‬السبورة اصبحت مؤخرة كبررة‬ ‫تفتح نفسها كل يوم لشهوتصا املتقطعة‪ ،‬و اما كل البصات في‬ ‫املدرسة كن عاهرات بالنسبة لصا‪ .‬كان كل فيصا يكذب بحجم مليار‬ ‫كذبة جنسية في الساعة‪ ،‬الكل كان يمارس الجنس في خياله مع‬ ‫كل فتاة‪ ،‬كان الكل يسرد قوص جنسية من رسمه هو‪ ،‬و هو‬ ‫الفذ الذي ال يمكن ألي فتاة ان تقاوم قدراته الجنسية الخارقة او‬ ‫عضوه الكبرر الذي كان يبالغ في وصفه‪ ،‬حتى تكاد تظصه جبال كبررا‬ ‫ال يستطيع بصطلونه الوغرر حمله‪ ،‬و بيصما تجده يحمر خجال مع‬ ‫اول موقف له مع نفس الفتاة التي كان يراقص الكلمات عنها و‬ ‫يدعي ممارسته الجنس معها‪.‬‬ ‫كانت تلك القوص تعبق في مخيلة املراهقرن هصاك‪ ،‬و تفوح برن‬ ‫اقسام املدرسة‪ ،‬و قد كان قضيبصا يتكلم احيانا و قد بدا لتوه‬ ‫ممارسة الرياضة‪ ،‬كان يتقلص و يتمدد كأنه يمارس الجمباز‪ ،‬و‬ ‫‪181‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان عليصا في كل لحظة يفعل ذلك ان نستره بمحفظة الدراسة‬ ‫التي اصبحت اليوم اداة للتستر على ما كصا نحسبه جريمة‪.‬‬ ‫اصدقائي في الحي لم يتغرروا كثررا إال اني تغررت نوعا‪ ،‬ما زاد‬ ‫طولي بشكل مفاجيء‪ ،‬و تحول شعري الاملس الى شعر ذهبي مكور‬ ‫و كبرر‪ ،‬لقد احببت شكله الجديد كان يصاسب سني الجديد‪.‬‬ ‫مراهقتي لم تكن تبدوا ضائعة جدا‪ ،‬فرغم اضطراب الكل انا كصت‬ ‫اشعر اني هاديء جدا و كبرر في السن‪ ،‬و كصت احاول الفرار من‬ ‫ذاتي و تسلق املستقبل‪ ،‬في الحقيقة انا الاخر كصت مضطرةا ألكون‬ ‫اكثر صراحة‪ ،‬إال انني ابدا لم اكن ارى نفس ي كذلك‪ ،‬كصت ارى في‬ ‫ذاتي ذلك الرجل الكبرر الذي لم اكصه ابدا‪.‬‬ ‫تعرفت بأصدقاء جدد و قد اضفتهم الى قائمة اصدقائي‪ ،‬و لكن‬ ‫مرورهم كان طفيفا حيث ودعوني بومت بعد ان اتممصا تلك‬ ‫املرحلة الدراسية‪.‬‬ ‫في حلم عصيد اتذكره و كأني عشته فعال في ذلك حيث خرجصا أنا و‬ ‫أصدقائي من املدرسة و اتجهصا مباشرة الى الشاطئ الصخري‪ ،‬لقد‬ ‫كان يوما مشمسا تفوح مصه رائحة الورد الرةيعي الاصفر‪ ،‬خلعصا‬ ‫كل مالبسصا و بقيصا عراة امام السماء نواجه حقيقتصا بشجاعة‪،‬‬ ‫‪182‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لم يكن يخفى عليصا نور الشمس اجسادنا كانت تشتهي الحقيقة‪،‬‬ ‫تصاولصا اطراف اصابعصا و رحصا نسبح كاملجانرن‪ ،‬كصا نقفز من‬ ‫الصخرة الكبررة كطيور الصورس‪ ،‬و كانت اعضائصا تراقص الهواء‬ ‫و الريح غرر ابهة للقيود‪ ،‬وجدت لتكون حرة كالهواء كصا نقع في‬ ‫البحر مثل القصابل نتفجر فيه‪ ،‬ثم تصبت رؤوسصا مبتسمة مصه‬ ‫مجددا اذ البحر لم يكن يفرق بينصا البتة‪ ،‬كانت اصواتصا تحدث‬ ‫نفس الووت و هي تسقط فيه سواءا كصا عرةا او امازيغ او‬ ‫فرنسيرن‪ ،‬في الحقيقة كصا كلصا جزائريرن‪ ،‬و قبل ذلك كصا كلصا بشر‬ ‫و البحر ال يمرز بينصا كلصا سواء‪ ،‬مهما كانت بشرتصا او مهما كان لون‬ ‫اعينصا او اي ش يء فيصا‪ ،‬البحر كان يستقبلصا دائما بصفس الطريقة‪،‬‬ ‫ذلك ان البحر واسع جدا و كبرر و لذلك كان اكبر من ان يمرز بينصا‪.‬‬ ‫و اما اجسادنا و هي عارية كانت تبديصا على حقيقتصا التامة كبشر و‬ ‫فقط‪ ،‬كانت لصا نفس الاعضاء‪ ،‬نفس الاجساد‪ ،‬نفس الحياة التي‬ ‫تدب في عروقصا لم يكن يفرقصا سوى القانون‪.‬‬ ‫و في الاخرر وقفصا فوق الصخرة الكبررة كان عددنا عشرة او احدى‬ ‫عشر ال اتذكر جيدا‪ ،‬الاجدر ثالثة عشر منهم من اتذكر اسمائهم‪ ،‬و‬ ‫منهم ال اذ ال يهم فيهم اسمائهم الان على قدر ما كانت الحياة التي‬

‫‪183‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تدب فيهم تهمني‪ ،‬والزالت تبعث فيا ذكرى مجصونة استرجعها كل‬ ‫يوم‪.‬‬ ‫كصا عراة تماما و على الرغم من ذلك كصا نجد متسعا من الوقت‬ ‫لصمرح و نورخ‪ ،‬كان احد الشباب‪ ،‬كهل رةما ال ادري سصه‬ ‫بالضبط لكصه كان جميال بوراحة يرتدي تشونغاي (لباس ازرق‬ ‫يرتديه البحارة عادة في الجزائر)‪ ،‬كان يذهب و يعود رةما كان يريد‬ ‫ان يتعرى هو الاخر في حرن كصا نحن نضرب بعضصا بعضا على‬ ‫املؤخرة كان صوت فرقعتها املبللة على ايديصا يبعث فيصا ارادة‬ ‫جامحة في التحليق‪ ،‬في حرن كان الشاب هصاك يتأملصا و كأنه يريد‬ ‫ان يقوم بصفس الش يء معصا لكن كان يمصعه ش يء ما‬ ‫بعد مدة قوررة نزع مالبسه هو الاخر و انظم‪ ،‬كان جسمه خشصا‬ ‫وكان الشعر يغطي حلمات صدره‪ ،‬في حرن عضوه كان بارزا جدا‬ ‫لم اكن في ذاتي اتوقع ان يكون هصاك عضو بذلك الحجم‪ ،‬انظم‬ ‫اليصا لم يكن قبيح الوجه البتة كانت اسصانه جميلة ابتسم اليصا و‬ ‫كأنه كان يريد التهامصا هو الاخر‪ ،‬مثل ذلك الاستاذ املاض ي الى‬ ‫مزةلة الذاكرة‪،‬خفت مصه نوعا ما بالرغم من اني كصت ارى‬ ‫الشراهة في اعرن اصدقائي له و هم يتأملونه‪ ،‬و كان ايديهم تريد‬ ‫ان تلمسه في كل صوب‪ ،‬اذ لم يكن هصاك اي فرق في مشاهدتهم‬ ‫‪184‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لجسده ذاك و ما كصت اراه في اعينهم اذ تتأمل اعينهم اجساد‬ ‫النساء‪ ،‬لم يكن هصاك اي فرق البتة‪.‬‬ ‫قال بووت خشن نوع ما يستضرفه انرن يشبه لحن السماء اذ‬ ‫تعوي لها الذئاب‪( :‬انا اكبر مصكم‪ ،‬لذا اعرف اشياء قد تجعلكم‬ ‫تشعرون بمتعة اكبر من تلك التي تقومون بها الان‪).‬‬ ‫انورف الكل يوغي لكالمه بحكمة‪ ،‬كان هو يتأملهم واضعا يديه‬ ‫على عضوه الذي كان يبدو مصتوبا‪ ،‬تبدو مصه عروقا خضراء و‬ ‫كأنها سيقان نباتات تشك على الخروج من راس قضيبه الكبرر‪.‬‬ ‫ال ادري ملا كصت افعل ذلك و لكني كصت أتأمل عضوه و خويتيه‬ ‫الكبررترن بدهشة كبررة كان عضوه كبررا جدا يا إالهي!‬ ‫بعد مدة قال لهم سأعلمكم حركة سرية اعلم انكم لم تجرةونها‬ ‫كما يجب من قبل‪ ،‬لكن يجب ان تقلدوني‪.‬‬ ‫ثم بوق في راحة يده و راح يمررها فوق عضوه‪ ،‬و لون وجهه‬ ‫يتغرر فمه بدا اكثر احمرار‪ ،‬و قضيبه بدا اكبر و اكبر اكثر مما‬ ‫مض ى‪ ،‬في نفس الوقت راح الكل يقلده بوقصا في يدنا و رحصا‬ ‫نمررها على اعضائصا التي انتوبت هي الاخرى‪ ،‬لم نكن نقم باألمر‬ ‫‪185‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بطريقة جيدة‪ ،‬سكت هو لبرهة و هو يتأملصا باشتهاء ثم قال ‪(:‬اوه‬ ‫ال ليس هكذا‪ ،‬تعالوا اقتربوا جرةوا ذلك في قضيبي) اقترب الكل‬ ‫بفضول عظيم و انا معهم‪ ،‬يحاول ملس ذلك الش يء هصاك و‬ ‫معاينته‪ ،‬و لكصه اختار اكثرنا حياءا اظصه كان يشتهي حيائه‪ ،‬رمى‬ ‫يده على مؤخرته فيما كان يبدوا انه يعطيه بعض الحصان في حرن‬ ‫انه كان يتحرش به‪ ،‬و قال له و هو يضرب على مؤخرته و كانه‬ ‫يعورها‪( :‬ال تستحي اخي الوغرر امسكه برن يديك )‬ ‫رمى صديقصا يده الى قضيب الشاب‪ ،‬و راح يمرر يديه عليه الى‬ ‫الاعلى و الى الاسفل مثلما كان يريصا بالضبط‪ ،‬ثم قال لصا بووت‬ ‫شخص معذب من يريد ان يلمسه فليفعل ذلك بأريحية‪ ،‬ثم راح‬ ‫الكل يحاول ملسه اذ لم ترى اعينهم قضيبا كبررا لتلك الدرجة الى‬ ‫ذلك الحرن‪ ،‬ثم راح الكل يقلده و انا معهم و كان هو قد استمنى و‬ ‫قذف مائه و كأنه يقذف صواريخا عابرة للقارات‪ ،‬اما نحن فكصا‬ ‫هصاك نحاول دلك قضيبصا بشدة للوصول لتحقيق نفس الش يء‪.‬‬ ‫اتذكر ان قضيبي بدا يهتز كالزلزال‪ ،‬و كأنه بركان يحاول الانفجار‬ ‫لم اجرب من قبل ذلك الشعور كان ذلك اول مرة شعرت فيها‬ ‫بتدفق رهيب لش يء اجهله في عروقي و برن دقات قلبي شاهدت‬ ‫امرأة عارية تصام على الصار‪ ،‬سئمت في ذلك الوقت الانتظار‬ ‫‪186‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تقلوت خويتاي و انقبضت مؤخراتي‪ ،‬ثم خرجت مادة بيضاء‬ ‫على ثالث دفعات من قضيبي‪ ،‬اغلقت عيني على الرغم مني‪ ،‬و‬ ‫شعرت بنشوة كبررة شعور باالنتوار‪ ،‬بالصجاح‪ ،‬بالتوغل في الصار‬ ‫دون احتراق في السباحة على خط التماس مع هللا‪.‬‬ ‫و كانت تلك اول مرة لي فيها اتذوق العادة السرية‪ ،‬لقد جرةتها‬ ‫برعاية ذلك الشاب الغريب الذي سقط عليصا من السحب و قد‬ ‫بدت فيه شهوة كبررة ألجسادنا املراهقة‪ ،‬رةما او رةما قد فعل‬ ‫ذلك ببراءة تامة محاوال تعليمصا شيئا كصا نجهله‪ ،‬او رةما كان مالكا‬ ‫او شيطانا ال ادري‪ ،‬و لكني مدين له بتعليمي سر كصت اجهله قد‬ ‫ساعدني على التصكر الكثر الامي املا في حياتي فقط بمسحة على‬ ‫قضيبي‪ ،‬و كأني امسح على فانوس سحري ليعطني سعادة اللحظة‬ ‫و رونقها من جديد‪.‬‬ ‫اه لقد كان حلما غرر كل الاحالم‬ ‫لقد كان ذلك اليوم عرسا للصطاف الذي كانت فيها الاعضاء من‬ ‫حولي تقذف حليبها في كل صوب‪ ،‬كصت متيما بما حدث معي و‬ ‫كانت وجوههم تتغرر الوانها برن الفيصة و الاخرى‪ ،‬شعرنا بشعور‬ ‫يشبه الصدم بعدها و لكن حرارة الشمس اعادت لوجوهصا نشوتها‬ ‫‪187‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫مرة اخرى‪ ،‬اعدنا الكرة مرترن و كان الشاب حينها قد ارتدى‬ ‫لباسه و فر حتى دون ان يودعصا‪ ،‬اما نحن فقد كصا قد تعلمصا‬ ‫ش يء جميل للغاية ش يء كان يرةطصا بالجصة للحظات ثم يصطفئ‪،‬‬ ‫لقد احببت فعال ذلك الشعور الرائع ‪.‬‬ ‫تعلمصا كلصا مع بعض وكأنهم قد تعلموا معي في نفس الحلم الذي‬ ‫ال اتذكر اني قد عشته فعال أو رةما اني فعلت ذلك و رةما لم يكن‬ ‫سوى حلما و ذلك هو ألاجدر فقد تعلمصا كلصا تلك العادة في نفس‬ ‫الوقت و قد كصا فيما بعد ذلك نمارسها مع بعض كجزء من‬ ‫الفروض املنزلية‬ ‫و امثال ذلك الشاب البيدوفيليرن او رةما اصحاب النزعة الجنسية‬ ‫املريضة صوب الاطفال و من اكبر منهم يمالون املديصة كما يمالون‬ ‫العالم و الحقيقة و ليس فقط الاحالم و الكوابيس‪ ،‬في الحقيقة‬ ‫هم لم يبحثوا فيصا عن جسد يمارسون عليه الجنس اكثر من‬ ‫ضعف يثبت لهم قوتهم‪ ،‬ذلك انهم ضعفاء‪ ،‬ضعفاء لحجم كبرر‬ ‫لدرجة انهم ال يستطعون كبح شهواتهم الشيطانية ضد طفل‬ ‫صغرر او حتى مراهق‪ .‬مشهده و هو يحاول اغرائصا بعضوه لم يكن‬ ‫مشهدا بسيط‪ ،‬املراهق ينسج في رأسه فضوال لكل ما هو ممصوع و‬ ‫الفاليس هو مغصاطيس الجنس‪ ،‬اختفى ذلك الشاب و ملم نره‬ ‫‪188‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫مجددا بيصما وجدنا الكثرر مصه في حياتصا بعد ذلك‪ ،‬و تعود الشارع‬ ‫الجزائري تسميت امثاله بالذئاب‪.‬‬ ‫و لكن هصاك هامش ما من البراءة في ذلك الشاب فهو لم يغتوبصا‬ ‫بل اتى اليصا في وضح النهار في وضح الحلم حامال معه عضوا‬ ‫مصتوبا‪ ،‬رةما اغرته اجسادنا الطرية و لكصه لم يقدم على فعل‬ ‫اكبر من عادة سرية‪ ،‬و قد علمصا شيئا عزيزا سنبقى مديصرن له‬ ‫عليه طيلة حياتصا‪.‬او باالحرى سأبقى مديصا له طيلة حياتي‬ ‫في تلك الايام الكثرر من الاشياء الغريبة وجدتها تحدث امي وجدتها‬ ‫تولي صالة املسلمرن‪ ،‬ظصصتها في البداية قد تحولت عن دينها‬ ‫املسيحي و لكنها اخبرتني ان جارتصا علمتها صالة الاستخارة‪ ،‬و هي‬ ‫صالة يوليها املسلمون كاستشارة هلل في امر ما ال يعرفون القرار‬ ‫الوائب فيه‪ .‬امي كانت تسال هللا في قرارها ملغادرة الحي و لكنها‬ ‫حلمت في النهاية انها لو غادرت بيتصا هذا سصموت محرقرن في اي‬ ‫بيت جديد فعدلت عن ذلك‪.‬‬ ‫مدموزال نانس ي اصبحت اكثر حرية في تعاطيها مع حبيبتها امامي‪،‬‬ ‫اصبحت احيانا تقبلها‪ ،‬اما انا فكصت اخذ الامر باحترام لم اكن‬ ‫اتدخل في خووصيتهما فهذا امر يعصيهما وحدهما‪ ،‬كل ما كان‬ ‫‪189‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يهمني هو تحويل اكبر في البيانو يستطيع ان يجعلني عازفا‬ ‫محترفا من جهة‪ ،‬و من جهة اخرى لم اكن امتلك الة موسيقية في‬ ‫البيت لذلك كصت اغتصم الفرصة فأزورها كل مرة ألعزف على‬ ‫البيانو‪.‬‬ ‫و ذات يوم و انا مار من جانب البحر في باب الواد فيما يسمى‬ ‫اليوم بكيتاني‪ ،‬وجدت هصاك رجل متشرد و مجصون له لحية كثيفة‬ ‫نوعا ما يمالها الشيب‪ ،‬كان يرتدي مالبسا رثة و لكنها كثررة ايضا‬ ‫فعلى الرغم من الحرارة إال انه كان يرتدي املعطف ايضا‪ ،‬كان‬ ‫يتشقلب في مكانه و يتفوه بكلمات لم افهمها‪ ،‬كان يقول اشياء‬ ‫عن عالم لم يعد يستحسصه‪ ،‬و كان يشتم البشر كل البشر‪ ،‬و كان‬ ‫احيانا يرقص فيما يشبه البالي كان يتعوج في مكانه و يغني احيانا‬ ‫الديث بياف‪.‬‬ ‫لم افهم كيف يمكن ملتشرد مجصون كذاك ان يكون رومانسيا‬ ‫لدرجة ان يحفظ اغاني اديث بياف و يرددها و يرقص‪ ،‬عليها‬ ‫اتجهت اليه مباشرة و رحت احاول التحدث اليه لكصه كان ال يبالي‬ ‫للوهلة الاولى‪ ،‬الا اني مع تكراري الامر لعدة مرات صرخ في وجهي (‬ ‫ماذا تريد؟ )‬

‫‪190‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ارتعشت في مكاني لبرهة‪ ،‬ثم قلت له‪( :‬لقد كصت مارا من هصا‬ ‫فوجدتك تغني الديث بياف فاردت ان احادثك‪ ،‬هل في الامر‬ ‫مشكلة؟)‬ ‫فرد هو‪( :‬و ملا تريد ان تحدثني؟ هل هذه اول مرة رايت فيها‬ ‫شخص يغني الديث بياف؟!)‬ ‫الغريب في الامر لم اشعر و هو يحدثني انه مجصون ابدا‪ ،‬كصت ارى‬ ‫فيها انسانا عاقال جدا‪ ،‬ما شدني فيه بوراحة هو انسيابته في‬ ‫مجتمع متقمص لدور كالسيكي كهذا‪ ،‬لقد كان حرا جدا و قد‬ ‫اعجبتني حريته‪ ،‬و لذلك اردت ان الامسها عن كثب ففضولي ال‬ ‫يسمح لي ابدا بان امر على تلك التفاصيل املزهرة بهدوء‪ ،‬كان عليا‬ ‫ان اجرب الخوض في غمارها و ان اعرف عن كثب سر تلك‬ ‫الشخوية‪.‬‬ ‫مدة زمصية و انا احاول ان احادثه بيصما هو لم يكن يعرني اي‬ ‫اهتمام‪ ،‬كان يواصل الغصاء و الرقص كاملجصون‪ ،‬اه نسيت لقد‬ ‫كان مجصونا فعال‪..‬‬ ‫حملت فضولي و نفضته من الارض‪ ،‬و اعدته الى جيبي و رحت‬ ‫انورف‪ ،‬لكصه نادني حينها بووت مفعم بالحقيقة‪( :‬ما اسمك؟)‬ ‫‪191‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اعدت فضولي من جديد الى الارض و طلبت مصه ان يرقص امام‪،‬‬ ‫ثم اجبت الرجل (اسمي جان بيار‪ ،‬و انت؟)‬ ‫اجاب هو‪ ( :‬اسمي هللا )‬ ‫ذهلت و لم اجد ما اقوله‪ ،‬كيف يتجرا كيف يوف نفسه باهلل‬ ‫هل هو فعال هللا‪ ،‬لكن ملا هللا!‬ ‫رد هو و كأنه يقرا افكاري ‪:‬‬ ‫(اسمي هللا‪ ،‬هللا اكبر‪ ،‬عشت طيلة حياتي في السماء برن املالئكة و‬ ‫لكني سئمت الروترن الاالهي‪ ،‬فاردت ان اجرب خلقي عن كثب و‬ ‫ان استمع لهم و انا بينهم‪).‬‬ ‫واصلت في صمتي ثم حاولت ان انورف‪ ،‬اقود قد اتوقف و‬ ‫اتحدث ملجصون لكن ان اتحدث الى هللا فهذا ما ال اريده ابدا‪.‬‬ ‫همت باالنوراف و لكصه شدني من يدي وقال لي‪ ( :‬تأمل يا جان‬ ‫بيار هذا البحر‪ ،‬هل تعلم كم استغرقت لخلقه؟ بما فيه يوم‬ ‫واحد فقط و كان هذا الامر مفعوال‪ ،‬انا جبار جدا‪).‬‬ ‫ثم اردف‪ ( :‬هل تعلم بما خلقت السماء؟)‬ ‫‪192‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ارتشفت لعابي‪ ،‬ثم حركت راس ي مشررا له بال‪.‬‬ ‫ثم اجاب‪( :‬خلقتها بالشويصكوم حتى تبقى لويقة هكذا الى الابد‬ ‫بالبشر‪ ،‬كلما يرفعون رؤوسهم يجدونها هكذا ذلك ألني اريدهم‬ ‫مذلولرن امامي فانا هللا هل ترى ذلك)‬ ‫ثم اخرج عضوه و راح يورخ‪ ( :‬ها هو ذا زبي يا بشر‪،‬ها هو ذا‪).‬‬ ‫اما انا فورخت‪،‬و من ثم فررت بسرعة‪ ،‬و راح هو يصاديني‪:‬‬ ‫(اين انت ذاهب عد‪ ،‬عد انت صديق هللا‪ ،‬اين ستفر مني انا‬ ‫موجود في كل مكان‪،‬انا هللا‪ ،‬انا هللا اكبر)‬ ‫اما انا فرحت اجري‪ ،‬اجري بدون هوادة و ال التفت خلفي‪ ،‬اخ لقد‬ ‫التقيت باهلل كم هو امر مقزز‪.‬‬ ‫في الحقيقة ال اعرف ملا كان يشعرني هللا بالتقزز‪ ،‬رةما ألني كصت‬ ‫اعلم انه ال يلتقي سوى باملوتى‪ ،‬كصت اراه دائما نذير شؤم‪،‬كان‬ ‫وحشا كبررا يأكل الصاس‪ ،‬و ان التقيه يغني الديث بياف كان امرا‬ ‫مقززا فعال ‪ ،‬كيف له ان يفعل هذا و الصاس تتألم كل يوم‪.‬‬

‫‪193‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لقد تأكدت في ذلك اليوم ان العالم قد فقد صوةه يوم جن ذلك‬ ‫هللا‪.‬‬ ‫عدت الى البيت و توجهت للمرحاض اين تقيات‪ ،‬ثم غسلت وجهي‬ ‫و ذهبت لغرفتي و استلقيت‪ ،‬تأملت الصافذة فتذكرت خالد‪ ،‬ثم‬ ‫راودتني فكرة حيث اني التقيت باهلل و اصبحت اعلم اين يقض ي‬ ‫وقته فلما ال اطلب مصه ان يعيد خالد لي من جديد‪.‬‬ ‫ثم العديد من الاسئلة بادرت الى ذهني‪ ،‬فيا ترى ملا اختار لصفسه‬ ‫الاسم الاسالمي للرب ملا لم يسمي نفسه ديو ( هللا بالفرنسية)‪ ،‬ملا‬ ‫لم يسمي نفسه اليسوع؟ هل هو فعال هللا اذن؟ هل الاسالم على‬ ‫حق و املسيحية على خطا‪ ،‬و ملا هو مجصون هل جن فعال‪ ،‬ام انه‬ ‫فقط شخص مجصون يفعل هذا‪ ،‬و هل فعال السماء موصوعة من‬ ‫الشويصكوم‪.‬‬ ‫بعد ذلك مسحت تقززي و انورفت الى امي التي وجدتها تولي‬ ‫لعذراء قلت لها (امي لقد التقيت باهلل ‪).‬‬ ‫ردت هي فعال‪ ( :‬هل اتاك اليسوع؟ انت محظوظ يا ابني‪).‬‬ ‫كان ردي‪ ( :‬نعم‪ ،‬و قد كان يغني الديث بياف عل تودقرن هذا؟)‬ ‫‪194‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫صفعتني امي على خدي حيث كانت تظن اني كصت امزح فقك‪ ،‬ثم‬ ‫بعد ذلك جعلني انغمر في حضنها‪ ،‬و هي تقول‪( :‬اه كم تشبه اباك‬ ‫في هذه التورفات يا ايها الكافر الوغرر‪ ،‬اتمنى لليسوع ان‬ ‫يخلوك‪).‬‬ ‫جائت اختي الوغررة الرن و هي تضحك و تلعب في شعرها‪ ( :‬امي‪،‬‬ ‫امي انا ايضا التقيت باهلل كان يلعب الغميضة مع بصات الحي‪،‬‬ ‫ذلك النسوانجي الكبرر) ‪،‬و في تلك اللحظة تأكدت ان اختي اكثر‬ ‫شبها بابي مني‪.‬‬ ‫لقائي مع هللا بعدها تكرر كثررا حيث اصبحت اقود نفس ي على‬ ‫الدراجة كلما سمحت للفرصة الى ذلك‪ ،‬حيث بات يمثل لي ذلك‬ ‫املجصون اله حقيقيا ليس ملعجزات ما كان يقوم بها‪ ،‬بل ألوصافه‬ ‫عن الحياة التي كانت تعجبني‪ ،‬فانا قبله لم اكن اعرف ابدا ان‬ ‫السماء موصوعة من الشويصكوم‪ ،‬و لم اعرف كذلك ان اديث‬ ‫بياف مشهورة كذلك برن الالهة‪ ،‬و اتذكر اني زرته مرة و قد كان‬ ‫نائما في كرتونة‪ ،‬لم اكن اريد إيقاظه و افساد نومه املكسر اصال‪،‬‬ ‫الا اني كصت اتوق فعال لجصونه ذالك‪ ،‬فقد تعودت عليه رغم‬ ‫تقززي مصه في البداية‪ ،‬كأول رشفة من الصبيذ في البداية تتلوها‬ ‫عشرات الكؤوس من السكر و التخمر‪.‬‬ ‫‪195‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فتح عينيه و كانه يفتح علبة تونة‪ ،‬و بالرغم من اني لم اوقظه‬ ‫ففي اللحظة الوفر قبل ذهابي كان هو يستشعر وجودي‪ .‬قال لي‬ ‫بووت رقيق يبعث على الحررة ‪:‬‬ ‫(لقد عدت يا صديق هللا‪ ،‬قريبا سأجعل مصك نبيا لكي‬ ‫اجازيك على وفائك سأقدم لك وحيا مباشرا و ستحكم العالم‪).‬‬ ‫سكت انا مدة زمصية بسيطة و انا انتظره لكي ينهض‪ ،‬و هو يتمتم‬ ‫كلمات لم افهمها او باألحرى بلغة غريبة قال لي مرة انه يتحدث الى‬ ‫املالئكة‪ ،‬و من بعد ذلك سألته و كأني اصدقه حقا‪( :‬هل ستجعلني‬ ‫نبي حقا)‬ ‫ضحك هو ثم قال لي ‪:‬‬ ‫(نعم طبعا سأجعلك نبيا‪ ،‬و هل سأصادقك مجانا‪ ،‬ستكون نبيي و‬ ‫لكن هذه املرة سأرسلك الى السماء من حيث طردت ‪).‬‬ ‫و من ثم راح يبكي و بقيت أتأمله بدون ادنى شفقة‪ ،‬فدموع كتلك‬ ‫قد تذرف احيانا للريح او البرد ال تعني ان صاحبها لديه مشاعر‪ ،‬و‬ ‫لكني مثلت دور املشفق عليه ليس شرا مني و لكن ألني ال‬ ‫استطيع ان انافقه‪ ،‬ملا يبكي هللا على عرشه و مكانه بيصما يموت‬ ‫‪196‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الاخرون بأمراض فتاكة و باملجاعة و الحروب‪ ،‬فهصا اراه انانيا‬ ‫حتما و ال يستحق مني سوى الالمباالة‪ ،‬و لكن مع ذلك هللا فان‬ ‫هللا يحب ان نمثل عليه انوياعصا و وفائصا‪ ،‬بيصما في قرارات‬ ‫انفسصا نكرهه‪ ،‬فعلى قدر ما يؤمن شخص ما بوجوده كلما يزداد‬ ‫كرها له ال محالة‪ ،‬فانا ابدا لم اصدق ان انسانا قد يحب سجانه‬ ‫او مستعبده‪ ،‬و من هذا املجصون الذي يمكصه ان يحب الاها يعده‬ ‫بالحرق في الصار الى الابد‪ ،‬ان هو مارس الجنس دون زواج‪ ،‬او انه‬ ‫لم يؤمن بوجود ذلك الاله‪ ،‬كل اؤالئك اللذين يدعون حب ذلك‬ ‫الاله هم كذبة بل هم اشد الصاس كرها له و لكن ال يشعرون‬ ‫تأملني قليال و ابتسم ثم قال لي بووت خبيث‪:‬‬ ‫(ما رأيك ان نتسلى قليال؟ لدي لعبة جميلة ستعجبك‪).‬‬ ‫تعجبت انا قوال‪ ( :‬لعبة‪ ،‬اية لعبة؟!)‬ ‫فامسكني هو من يدي و راح يدحرجني معه‪ ،‬اما انا فتبعته بحذر‬ ‫فإذا باللعبة هي ملس مؤخرات النساء في الشارع‪.‬‬ ‫في البداية اصبت بالحرج حيث كان يلمس مؤخراتهن و يمثل دور‬ ‫الجاهل بكل ش يء‪ ،‬فتضرب النساء اي رجل يكون خلفهن‪ ،‬و لكن‬ ‫‪197‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫من بعد ذلك استحليت انا كذلك اللعبة و رحت العبها كاملجصون و‬ ‫قضيصا يوما رائعا معا ‪.‬‬ ‫كم هو رائع ان تجد الاه كوميديا كهذا فتسخر من خالله من كل‬ ‫ش يء‪ ،‬عصدما فرغصا من عملصا هذا قال لي بووت من يعرف كل‬ ‫ش يء ‪:‬‬ ‫(اه تلك املؤخرات تعبت في خلقها على الاقل هي الان تسليني‪).‬‬ ‫اما انا فكصت قد قضيت وقتا رائعا جدا لم انسه الى يومصا هذا‪.‬‬ ‫وانا اشاهد الالبوم اتذكر اني سالته عن خالد في ذلك اليوم‬ ‫فأجاب انه في حقل البرتقال‪ ،‬اصفر وجهي حينها وسالته معاتبا‪(:‬‬ ‫ملا هو املوت برتقالي هكذا؟)‬ ‫فأجاب هو‪ ( :‬ألنه لون الغروب)‬ ‫ثم سألته بكل خوف‪:‬‬ ‫(و هل مات خالد؟)‬ ‫فأجاب هو بكل حكمة‪:‬‬

‫‪198‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫(شيئان يجب ان تعرفهما يا نبيي العزيز‪ :‬اوال ال خالد يموت‪،‬و‬ ‫ثانيا و ال حي حي‪ ،‬و ال ميت ميت ‪).‬‬ ‫لم افهم كالمه جيدا‪ ،‬و لكني احسست انه كان يقود ان خالد‬ ‫لرزال حيا فسكت و لم ازد على كالمي هذا‪.‬‬ ‫بيصما هو وقف وقال‪:‬‬ ‫(برن املوت و الحياة شعرة تلك الشعرة هي لون الحكمة و‬ ‫الحقيقة‪ ،‬و برن الحياة و الحياة شعرة تلك الشعرة هي لون‬ ‫السعادة‪ ،‬و برن املوت و املوت شعرة تلك الشعرة هي الحياة‪).‬‬ ‫كان ذلك اليوم اخر يوم لي مع هللا حيث زرته بعد اسبوع فلم‬ ‫اجده في مكانه العادي‪ ،‬فرحت انادي عليه في كل مكان‪ ،‬اتذكر اني‬ ‫كصت اصرخ و اسأل كل املارة‪:‬‬ ‫(اين هللا؟ اين هللا ؟)‬ ‫توقف احد املرة و قال لي (كلصا نبحث عصه يا ابني و لكن اظن انه‬ ‫قرر الاختباء الى الابد ) و راح يضحك‪ ،‬اما انا فلم اعره اي اهتمام‬ ‫واصلت بحثي عن هللا في كل مكان‪ ،‬كفرت به احيانا‪ ،‬تعبت احيانا‬

‫‪199‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اخرى‪ ،‬بحثت في الارض‪ ،‬في السماء‪ ،‬في البحر‪ ،‬في كل ش يء ‪،‬و ملا‬ ‫تعبت امسكني رجل من يدي و سألني ‪:‬‬ ‫(هل تقود املجصون الذي كان يجلس هصا؟)‬ ‫فأجبته‪ ( :‬نعم اقوده هو‪).‬‬ ‫فأجابني‪( :‬لقد جاءت سيارة الاسعاف و قد حمل الى مستشفى‬ ‫الامراض العقلية‪).‬‬ ‫لم اكن اعرف ما كان يجب علي القيام به‪ ،‬و لكني بكيت حينها‪،‬‬ ‫كيف يمكنهم ان يأخذوا هللا ملستشفى املجانرن ؟ كيف يمكنهم ان‬ ‫يفعلوا هذا؟ و بيصما كصت انا افعل هذا‪ ،‬كان هصاك قسيس و‬ ‫امام يتأمالنني بكل تشهي كل فيهما يريد بلعي في ديصه‪ ،‬بيصما‬ ‫الرابيرن اليهودي فقد تأملني بعض الش يء ثم ادار وجهه بكل تكبر‬ ‫للجهة الاخرى‪ ،‬اقترب القسيس الي و قال‪ (:‬تعالى ادلك على هللا‪).‬‬ ‫فاجبت انا ‪(:‬كان هصا معكم ايها الحمقى و اخذتموه الى مستشفى‬ ‫املجانرن)‪ ،‬ثم ضرةته على خويتيه ألذكره انه انسان و له شهوة‬ ‫‪،‬ثم ركبت دراجتي وفررت‪.‬‬

‫‪200‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الغريب في هذه املرحلة من حياتي التي اتذكره بشغف كبرر اني‬ ‫التقيت باهلل في نفس الوقت الذي تعلمت فيه ممارسة العادة‬ ‫السرية و الاحتالم‪ ،‬و لكني في النهاية وجدت هللا قد حمل بعيدا‬ ‫عني و تركني وحيدا‪ ،‬بيصما تلك العادة فقد بقيت وفية لي الى الابد‪.‬‬

‫‪201‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪9‬‬

‫رقصت فوق االثداء‬ ‫تتشابك خيوط الشمس احيانا مع نفسها فترسم في السماء‬ ‫حلقات الستحضار املالئكة الراقوة كوالة شاعرية تثقب الغيوم‬ ‫لتحدثصا بقلب مفتوح عن كل أالئك اللذين المستهم من قبل‪،‬‬ ‫فنستحضر من حرارتها ذكريات املاض ي و الاجداد بكل شهوة‪ ،‬و‬ ‫كأنها تدخل بداخلصا قضيبها بقوة فتتمرغ نطافها بجوفصا‪ ،‬فتجعلصا‬ ‫نلد املاض ي من جديد في حضور جديد و اجساد جديدة‪ ،‬و رةما ال‬ ‫يراها كذلك سوى من امتطى شعاعها مثلي‪ ،‬و تقلد عرشها و هي‬ ‫تشرق على مديصة ال تعرف الوالة من قبلة سواها‪ ،‬انه املجون‬ ‫الشعاعي الذي يعلو وجهها الشاحب الابيض‪ ،‬و تصورتها الخضراء‬ ‫املشعة‪ ،‬و تيجانها الترابية التي تعلوها كموباح طيني متوهج‪.‬‬ ‫و باتت خيوط الشمس ترقع احزاني‪ ،‬و تقتح على اشالء الحياة‬ ‫املتصاثرة حضصا جديدا يجمعها كخلق جديد‪ ،‬فتعود ابتسامتي‬ ‫ثانية للبزوغ ككعبتها السماوية الوفراء ‪.‬‬ ‫‪202‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و كذلك كصت ابدو في الوورة الجديدة مشعا كشاب في اواخر‬ ‫مراهقته بابتسامة عريضة تظهر الغرور الذكري البارز من وجهي‬ ‫كمصقار نسر متكبر‪ ،‬و انا واقف مع اصدقائي على شاطئ بحر رملي‪،‬‬ ‫كصت خالبا كزرقة سماء ذلك اليوم امللتهب‪ ،‬كصت مرتحال برن‬ ‫الزمان و املكان اضع خيمتي على كل نقطة تشدني فيها‪ ،‬كان كل‬ ‫صيف يدغدغ احالمي فتراني برن كل شاطئ و شاطئ اغرس انياب‬ ‫شهواتي و بذورها‪ ،‬شرشال املديصة الوغررة التي كانت تشبه انرن‬ ‫امرأة فاتصة في طور الجنس‪،‬و الانتواب‪ ،‬تتساقط من خسرها‬ ‫الصجوم لترسم لوحة العذراء العارية‪ ،‬فتتقمص كل الادوار دفعة‬ ‫واحدة بعدد اشجار بالومبرا املتألقة في سمائها الارضية تلك‪ ،‬و‬ ‫تيبازة الوغررة التي تشع من نقاطها املتفرقة املطلة لألعلى على‬ ‫سفح جبل شصوة الذي ادخل قضيبه مؤةدا في مهبل ذلك البحر‪،‬‬ ‫وعلى الحان التاريخ املغرد و نوفي ( سيدي غيالس حاليا) تشبه‬ ‫يمامة صفراء من رمال الصحراء وسط جبال خضراء مشعة‪ ،‬و‬ ‫تستقبل سصابل القمح بحضن دافيء وسط بساترن الفردوس‬ ‫املحيطة بيها كقطن اخضر‪ ،‬حيث تشع منها طاقة الانتاش‬ ‫العظيم‪ ،‬و قوراية املليئة بالشحرور الغاص في اشجار الوصوةر‪ ،‬و‬ ‫سماء تبدو قريبة جدا للمسها حيث تدنو منها في غالب الوقت‪ ،‬و‬ ‫ترتفع كأذان يتلى على اشباح سفيصة هارةة من الغرق‪ .‬كانت تلك‬ ‫‪203‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫املصطقة جصتي بالتأكيد و كصت اجد فيها متعتي الخالوة‪ ،‬حيث‬ ‫كانت اشجار البرتقال تظهر برن الفيصة و الاخرى اذ تبدوا في كل‬ ‫لحظة على اهبة الاستعداد لكي تالقيني بكل اؤالئك اللذين‬ ‫غادروني بدون ان اعانقهم‪ ،‬و كانت تلك الايام اجمل ايام حياتي‬ ‫على الاطالق فال اجمل من ان تشارك شبابك و ثورتك الهرمونية‬ ‫مع كل جسد بشري يمارس السعادة بكل انوياع‪.‬‬ ‫اتذكرني‪ ،‬في ذلك اليوم و انا اركب سيارة تراكسيون لوديق‬ ‫يكبرني بأربع سصوات اسمه بيتر‪ ،‬كان اسمه انجلرزيا و ذلك لكون‬ ‫امه كانت انجلرزية الاصل‪ ،‬لم يكن عصوريا بل كان مصفتحا على‬ ‫الحياة مثلي‪ ،‬و بدورنا انتظرنا اصدقائصا امام الحي من عرب و‬ ‫اوروةيرن و امازيغ‪ ،‬ركبصا كلصا فيها كان عددنا ثمانية او يزيد‪ ،‬ال‬ ‫اعرف كيف كان للسيارة ان تحملصا كلصا و ان تتحمل ثقلصا و لكنها‬ ‫فعلت ذلك بكل حب‪،‬ذلك انها رةما لم تكن تريدنا ان نشعر‬ ‫باالحتقار‪ ،‬ارادت ان تحملصا كلصا في حضنها الوغرر‪.‬‬ ‫تذكرني تلك السيارة الوغررة بهذا البلد الكبرر الذي لم يتمكن‬ ‫الى الان من ان يجمع برن كل مواطصيه بحب‪ ،‬على الرغم من‬ ‫شاسعة مساحته التي تبديه في بادئ الامر ككوكب كبرر‪ ،‬و لكصه ما‬

‫‪204‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يلبث ان يغدو غرفة صغررة ال يتحمل احد فيها الاخر‪ ،‬قد يجد‬ ‫فيها اخاك الف عذر ليقتلك ليبعدك عنها الى الابد‪.‬‬ ‫غريب ان تكون بالدك بحجم قارة في حرن يراها شعبها غرفة‬ ‫صغررة ال تتسع سوى لجنس واحد‪ ،‬لفكر واحد لدين واحد للغة‬ ‫واحدة ملوت واحد وال حياة‪.‬‬ ‫و انا اجول برن نافذة السيارة و الضحك املتعالي ألصدقائي‬ ‫بداخلها‪ ،‬كانت احالمي تصدمج مع خيالي فأغدو في لحظة سهو‬ ‫تشبه الحقيقة بل هي الحقيقة‪ ،‬مسافرا برن خطوط الذكريات‬ ‫املرقعة بأشياء كانت لتجعلها اجمل لو انها كانت لويقة بها‪،‬‬ ‫كصت اتخيل ابي و هو حي ال يموت‪ ،‬و اتخيل خالد يعانقني وال‬ ‫يرحل‪ ،‬و اتخيل ميشال و انا انقذه من مخالب ذلك العصكبوت‬ ‫البشري‪ ،‬و اتخيل هللا يحادثني ثانية في باب الواد و يغدو مستشفى‬ ‫املجانرن كذبة بدال عصه‪ ،‬حيث كصت اصصع من خيالي طوق نجاة‬ ‫من كل تلك الذكريات املؤملة في حياتي‪ ،‬حيث تخمر الرحيل في‬ ‫جوف الذكرى لدرجة انه اصبح يمصعني ان اتذكر بسطحية دون‬ ‫ان استخدم خيالي ليساعدني على التجاوز‪ .‬و حتى في هذا السن‬ ‫الزلت ذكريات املاض ي تؤرقني كعفاريت صغررة تهز مضجعي و‬ ‫تراودني عن نفسها احيانا‪ ،‬فاصصع من تجاهلها او اندماجي بها زةدة‬ ‫‪205‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫من الخيال و الذاكرة اعجنها بصفس ي على اطالل الغياب و افتتها‬ ‫بيدي لعل فتاتها يحملني الى هصاك‪ ،‬الى ما قبل اللحظة الاخررة‬ ‫ألغرر املاض ي الى الابد الى هذا الحاضر املر‪.‬‬ ‫كلما اتذكر تلك اللحظة اتذكر اني عانقته بقوة‪ ،‬و كأني اطرر‬ ‫بداخله احلق بعيدا فيه‪ ،‬اتوه في رائحة عرقه و لون الدم الذي‬ ‫اعطاني رومانسية اللحظات‪ ،‬كانت خمس دقائق فقط و تتلوها‬ ‫العتمة‪ ،‬و كان من بعدها ما اكثر من ظالم ابدي‪ ،‬و من بعد ذلك‬ ‫لم استيقظ‪ ،‬لم يستيقظ‪ ،‬لم نمت‪ ،‬و لكصصا لم نعش كذلك كل‬ ‫فيصا في عالم وحده‪ ،‬انا هصا في صخرة الجنس الكبررة‪ ،‬و هو هصاك‬ ‫في عالم املخلدين ينهل املاء من يدي الالهة و يصام على اجصحة‬ ‫املالئكة بعيدا عني‪ ،‬و انا ابحث عن نفس ي على متن صخرة كل ما‬ ‫تبقى لي فيها هو رائحة روح المست جلدي قبل ان تتبخر في‬ ‫السماء‪ ،‬على تلك الصخرة التي تدور حول كعبتها املعتقة لتخرج‬ ‫من ذاتها لونها الازرق املشع‪ ،‬و الذي نتحسسه كلما تأملصا الشمس‬ ‫بحرقة فيغدو الزمن مجرد عطل فني يتراوح برن هذه اللحظة و‬ ‫اللحظة الاخررة‪ ،‬فيغدو لونها ازرقا في بؤةؤ عيونصا و كأنها تبكي‬ ‫ألجلصا لونا غرر لونها‪ ،‬الشمس كانت تشعر بكل ش يء ففي تلك‬ ‫الصخرة الجنسية التي تسمى كوكب الارض كل ما فيها يمارس‬ ‫‪206‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الجنس على بساطته‪ ،‬من ابسط الحشرات ألكبر الحيتان الى‬ ‫الانسان فالكل في هذه الصخرة الزرقاء يمارس الحب‪ ،‬و مع ذلك‬ ‫مزال الانسان فيها يقتل و يحارب و يمارس الكراهية كذلك ‪.‬‬ ‫كل خطوة في حياتي مهما كانت سعيدة كانت تمض ي و يمض ي معها‬ ‫اشتياقي ألب تكرر مرترن و انورف و لغد لن يعود‪ ،‬ان الامس‬ ‫اقترب كل شوق بداخلي كان يقتل الفضول و السعادة التي لم‬ ‫تكن سوى نكرانا نكران لشعور ال يريد ان يفارقني و لقبلة مزقتني‬ ‫كما يمزق القماش الرث‪.‬‬ ‫كانت الطريق املتشعبة باألشجار من مديصة الظالل البيضاء الى‬ ‫فردوس الشياطرن الجميلة الى سواحل جبال الضهرة‪ ،‬حيث تجد‬ ‫الكلمات مصبتها من سيقان الصباتات فيتحاور الرةيع مع نفسه ولو‬ ‫في الف صيف و لو على الف شتاء البحر‪ ،‬كان هصاك يقبل الارض‬ ‫بعشق متمرد‪ ،‬و كانت الارض هصاك تصثر شفاهها بمقرةة مصه‪ ،‬لكن‬ ‫من دون ان تتحرك‪ ،‬تنتظر شفاهه ان ترتطم بشفاهها فتصفجر‬ ‫معركة الاصطفاء الروحي و تتشعب الارض في السماء فيتخللها‬ ‫البحر بقوته و جبروته‪ ،‬فتسقط السدود الكبررة و يوبح ملكوت‬ ‫هللا باد للعاملرن‪.‬‬

‫‪207‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كل ما كان في تلك السواحل كان يمارس الحب على مقرةة من‬ ‫هللا‪ ،‬و الغيوم التي كانت تزورنا احيانا بشكل طفيف كانت تبدو‬ ‫كعوافرر تحن ألوكارها‪ ،‬ألبراج فلكية ال تستطيع ان تبرح مكانها في‬ ‫هذه الارض‪ ،‬فتجتمع من شتاتها فتقبلصا من بعيد برن الفيصة و‬ ‫الاخرى‪ ،‬و لكنها تبزغ كبقايا ماء الحب يتفتت في السماء فتستقبله‬ ‫ارحامصا السمراء‪ ،‬و تعيده مجددا لوورة السماء في البحر و نحن‬ ‫نتقلب فيه بكل تهشيم لعظام الزمن‪ ،‬فيغدو هذا الاخرر انسيابيا‬ ‫كمجرى من املاء يشق نفسه داخلصا لنرث مصه الحرية و الوراع‪.‬‬ ‫قد ال يفهمني احد فيما اقوله و لكن جبروت الجمال في تلك‬ ‫املصاطق قد يجعل من ابسط قارئ كاتبا عظيما و شاعرا مغمورا‪.‬‬ ‫هل يقود من الشعر ان يكون مصفى‪ ،‬انا رأيت فيه وطصا ‪.‬‬ ‫فهصا في هاته الرةوع الشهية كانت اول محاوالتي الشعرية‪ ،‬كصت‬ ‫ابحر في كلمات ال افهم معصاها بكل سرريالية معمقة انتظر منها‬ ‫لتنتهي ألقرئها كاملجصون‪ ،‬كما كان يفعل هللا دائما اذ يبدو من‬ ‫كتبه الثالثة غائبا عن الوعي و لكصه في الاخرر كان ممجدا لها‪.‬‬

‫‪208‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لقد ساعدني الشعر من بعد ذلك ان اعود لوطني الذي كصت ابنيه‬ ‫على الورق‪ ،‬و انا في فرنسا و كان الشعر طوق نجاة لي الى ان‬ ‫التحقت بالسفيصة مرة اخرى‪.‬‬ ‫كانت رحلتي في ذلك اليوم رحلة شبابية‪ .‬كانت السيارة تحملصا و‬ ‫كأنصا نحملها‪ ،‬كصا نغني بووت مرتفع اغصية لفرقة لي شوسات‬ ‫نواغ ( الجوارب السوداء )‪ ،‬كصا نغني و كأنصا نمارس الجنس كان‬ ‫بإمكانصا ان نلمح الانتواب و هو يتمدد من جلدنا الى رائحة‬ ‫التشبع‪ ،‬و كان بإمكانصا ان نصظر للنشوة و هي تخرج من عيونصا‬ ‫ضاحكة و هي تشمل كل ش يء كانفجار نووي من نبيذ‪.‬‬ ‫اكملصا الطريق نغادر جصة و ندخل جصة اخرى و صوت القيامة‬ ‫يعزف على الجدران‪ ،‬و البوق الاخرر يذرف دمعة النهاية‪ ،‬نهاية ال‬ ‫تريد ان تكون‪ ،‬و لبداية تزهر من لب كل نهاية على وجه هذه‬ ‫الارض التي ال تريد هي الاخرى ان تفنى بصوتة من عزف البوق بل‬ ‫تريد ان ترقص على انغامها ان ترقص الى الابد‪.‬‬ ‫خرجصا من السيارة في الطريق امام حقل البرتقال‪ ،‬كان يريد‬ ‫صديقي بيتر ان يقض ي حاجته و فجأة تحركت مثصاتصا البولية‬ ‫جماعيا وكلصا اشتهيصا التبول على قارعة الطريق و كذلك فعلصا‪،‬‬ ‫‪209‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كصا نغني و نلعب بخطوط البول الوفراء التي تصاغمت مع لون‬ ‫الشمس‪ ،‬و كان شكل الاعضاء املتدلية كآالت موسيقية يدفعصا‬ ‫للضحك بطريقة هيستررية‪ ،‬اما انا فلم استطع ان اترك حقل‬ ‫البرتقال ذاك و اتورف بوبيانية كتلك‪ .‬فقد كانت لي فيه ذكريات‬ ‫ذاتية نسجتها في فووص مخيلتي‪ ،‬و عصدما القيت تلك الاشجار‬ ‫هصاك سحبتني روحي اليها دون وعي مني فوجدتني انسكب فيها‪،‬‬ ‫نداني اصدقائي حينها (جان اين انت ذاهب) اشرت لهم بيدي‬ ‫حيث لم اكن اهتم لسؤالهم‪ ،‬قال احدهم رةما يريد ان يتغوط‪،‬‬ ‫ثم راح الكل يضحك بسخرية‪.‬‬ ‫اما انا فواصلت رحلتي في عالم لطاملا كان لويقا بي‪ ،‬كان حقل‬ ‫البرتقال فارغا كصت الامس تلك الاشجار التي كانت تحمل برتقاالت‬ ‫صغررة غرر ناضجة‪ ،‬كانت الالوان تختلف برن حبة و اخرى و كانت‬ ‫بعض الزهور تبدو منها تقترب من افولها الاخرر‪ ،‬و كانت الورد‬ ‫تغمر الارض‪ .‬ال يبدو ان الويف قد مر من هصا‪ ،‬توغلت برن تلك‬ ‫الاشجار املتفاوتة الاحجام بعضها ال يعدو عن كونه شجررات‬ ‫صغررة إال اني كصت اراها كبررة‪ ،‬كذلك كصت الامس شجرة من تلك‬ ‫و كأني اعبدها و كأنها قطعة من روحي‪ ،‬و كما تتأمل الام رضيعها‬ ‫اول مرة كصت أتأمل تلك الاشجار هصاك‪ ،‬و انا اتوقع ظهور ابي‬ ‫‪210‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بينها في اي لحظة ليحضصني بقوة و يحملني فوق اكتافه من‬ ‫جديد‪ ،‬ابي املزدوج الروح و الجسد الذي ازهر في حياتي مرترن و‬ ‫قطفه القدر من اغواني و رماه برن اشجار البرتقال ‪.‬‬ ‫توقفت عصد الشجرة الاكبر فهي بالتأكيد الادرى و الاعرف‪ ،‬و كونها‬ ‫الاعتق هصاك كذلك فهذا يجعلها شاهدة على مرور معظم الارواح‬ ‫من هصا‪ ،‬الارواح التي تسكن اشجار البرتقال تلك الى الابد كقدر‬ ‫حتمي‪.‬‬ ‫اين تعيش الارواح يا جان بيار ؟‬ ‫تعيش في البرتقال‪.‬‬ ‫وضعت يدي على جذع الشجرة و المست وجودها و تحسست‬ ‫ايمانها بأطراف اصابعي وكأني اعزف على البيانو‪ ،‬و استمعت‬ ‫ملوسيقى الحياة تدب فيها‪ ،‬و اصغيت بمصجاة عميقة نبضا‬ ‫بداخلها يشبه قلبا فوالذي يصقر على اوتارها بشوق ليالمسني‪،‬‬ ‫تصاغمت معها و استوطصتني حد التوحد واخترقتني‪ ،‬و طلبت منها في‬ ‫تلك الاثصاء ان تالقيني بابي مجددا‪ ،‬فإذا بيد تحضصني بقوة من‬ ‫خوري و تشد يدي و كأنها ترةطها‪ ،‬و جسد خشن يضم ظهري‬ ‫بقوة و كأنه يلتهمه‪ ،‬وصدر يعورني فيه ويشدني من رقبتي و‬ ‫‪211‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫يضعها على كتفه بقوة‪ ،‬لم اكن اريد ان افتح عيني هل عاد ابي‬ ‫ثانية! خفت ان افتح عيني فيتالش ى الحلم ككل مرة‪ ،‬رفعت يدي و‬ ‫رحت اتحسس تلك اليد و كأني امارس الجنس معها‪ ،‬كان بها ما‬ ‫يكفي من الشعر لتبدو حقيقية كان ذلك الشعر فوق الذراع‬ ‫يتوغل بداخلي كما تتوغل شمس الشروق برن جبال كل فجر‪،‬‬ ‫تحسستها و وصل احساسها ملقلة عيني و بكت وحدها‪ ،‬لقد‬ ‫شعرت بحضن دافيء و كأنه هدية من الشمس‪.‬‬ ‫جائني صوت خافت من نفس الجسد يسألني ‪:‬‬ ‫(ماذا تفعل هصا ايها اللص؟ )‬ ‫بدا ذلك الووت الخافت يدحرجني من عالمي الرومانس ي ذاك و‬ ‫يعيدني الى الحقيقة‪ ،‬فتحت عيني رويدا رويدا فإذا بشاب ذهبي‬ ‫اللون تشبع جلده بلون الشمس‪ ،‬عاري الودر مفتول العضالت‪،‬‬ ‫و يرتدي شورت قورر من الجينز الاجدر سروال مقطع‪ ،‬و يضع‬ ‫قبعة تسمى ( املظل) يرتديها عادة الفالحون في الجزائر‪ ،‬يمسكني‬ ‫بكلى ذراعيه بقوة ويشدني اليه وكأنه يحاول ان يخصقني و هو‬ ‫يتهمني بالسرقة‪.‬‬

‫‪212‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اما انا فكان من الوعب على عقلي السارح في بركة الخيال ان‬ ‫يخرج مباشرة منها الى الواقع الود‪ ،‬فكانت سكرات الخيال الزلت‬ ‫تداعبني من الداخل‪ ،‬فواصلت ملس ي لتلك العضالت الجميلة‬ ‫الواقفة امامي‪ ،‬جعلني هو ادور في مكاني و كأنه يراقوني ثم‬ ‫جذبني اليه بقوة الف رجل وهو يستعمل يدا واحدة لذلك و‬ ‫الاخرى موضوعة على الشجرة‪ ،‬ثم بقي يتأمل وجهي و انا في حالة‬ ‫السكر تلك بقيت أتأمله انا الاخر و بدا من بعض تفاصيله مألوفا‬ ‫لكني لم اعر الامر اهتماما بالغا فقد كان عقلي في تلك اللحظة‬ ‫مخدرا لحد اني رحت ادفع بشفاهي لتالمس شفاهه‪ ،‬فالالوعي‬ ‫بداخلي اراد ان يقبله بشراهة‪ ،‬اقترب هو ايضا مني و لكن في‬ ‫لحظة غضب امسك فكي بيده و كأنه يصقذ نفسه من ش يء خطرر‬ ‫كان ليقوم به‪ ،‬من عضة تمساح رةما او من مالك املوت‪ ،‬كل ما‬ ‫كانت تريده روحي هو تقبيله عصاقه و الصوم على صدره‪ ،‬فقد كان‬ ‫جوابا سريعا لسؤال لم يدخل جوف الشجرة كما يجب‪ ،‬و لكصه‬ ‫وصل بسرعة الضوء الى اقاص ي السماء لقد شممت فيه رائحة‬ ‫ابي‪.‬‬ ‫فتح هو فكي و بوق بداخل فمي فنهضت من غفوتي تلك‪ ،‬و‬ ‫نظرت اليه بخوف قال لي هو‪( :‬يا زامل يا نقش( يا ايها املثلي‬ ‫‪213‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫باللهجة الجزائرية ) ملاذا كصت تلمسني بتلك الطريقة)‪ ،‬ثم دفعني‬ ‫على الارض و طلب مني املغادرة‬ ‫فررت سريعا لم انظر ورائي و لكن وجهه طبع في مخيلتي شعرت و‬ ‫كأني اعرفه من زمان بعيد‪ ،‬ركبت سيارة مسرعا و انا اشعر بالبرد‬ ‫و كأني فررت من املوت و انا لم افر سوى من شهوة‪.‬‬ ‫و مذاق لعابه في فمي يذكرني بأشياء كصت قد نسيتها‪ ،‬يدفعني‬ ‫ألرقص و اثمل‪ ،‬يدعوني ألحمل حقائب السفر و ارحل الى مصبتي‬ ‫الاول‪ ،‬و الى كل ش يء و من ال ش يء اتبعثر من ذاتي الى ادنى نقطة‬ ‫في الارض‪ ،‬ثم اطرر من خاللها الى اقاص ي الكون البعيد‪ ،‬مذاق‬ ‫بوقته‪ ،‬كان حلوا و حامضا لشخص ال يتوقف عن التهام‬ ‫البرتقال ال يتوقف عن التهام املوت‪ ،‬كانت بوقته روحا جديدة‬ ‫تصفخ بداخلي‪ ،‬و في حرن اصدقائي عادوا لسخريتهم من جديد و‬ ‫للضحك املتعالي‪ ،‬اما انا فمزال طعم لعابه في فمي يذكرني بش يء‬ ‫ما لم ادركه حينها رةما كان يذكرني بش يء لم يحدث بعد‪ ،‬ش يء‬ ‫كان يشبه الى حد ما قبلة املوت او عطسة الحياة ‪.‬‬ ‫تحرك لعابه عن طريق فمي و توجه الى قلبي مباشرة حيث استقر‬ ‫كقطار صدئ ال يبرح مكانه محطته التالية هي ذاتها املحطة‬ ‫‪214‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الحالية‪ ،‬و بقي لعابه طيلة الرحلة يواصل تمريغ كبريائي على‬ ‫الارض بكل رومانسية كحمار يستلقي على التراب في يوم رةيعي‬ ‫مشمس لم اخذ الامر من باب املذلة و لكني اخذته من باب ان‬ ‫اجد معنى لحياتي في وسط هذا التغول البشري القاتم من حولي‪،‬‬ ‫ابي تكرر مرترن و كان بإمكانه بسهولة ان يتكرر للمرة الثالثة و‬ ‫ارض البرتقال املقدسة لدي هي ذاتها املوت الذي لطاملا اهدانا من‬ ‫كصفه الحياة‪ ،‬و من صلبه املخضب باألرواح كائصات حية تزين فقر‬ ‫هذا العالم املادي‪.‬‬ ‫كانت الطريق جميلة لدرجة ال يمكن فول فيها برن الواقع و‬ ‫الاحالم‪ ،‬و كانت العصورية و التفريق بشوبها كما تشوب وحمة‬ ‫كبررة وجه فاتصة كانت لتكون اجمل نساء العالم لوالها‪.‬‬ ‫كان الاوروةيون يعيشون حياة الترف يأكلون الارض كما يأكل‬ ‫الجزائريون الوبر و القوة ملقاومة لذلك الوحش الرهيب الذي‬ ‫سماهم دون ارادتهم باالنديجان و الروتون‪ .‬كان وجه فرنسا قبيحا‬ ‫جدا هصا‪ ،‬يذكرك ان املظاهر خداعة فكما قد يكون الجبل‬ ‫الجميل هصاك فوق فونتان ( حجرة الصص حاليا ) الاخضر الكثيف‬ ‫الغطاء الصباتي‪ ،‬و الذي تتحرك فيه املصاجم مستقرئة جوف هذه‬ ‫الارض كثدي كبرر ينهمر بالثروة سوى بركان غاضب يحاول التهام‬ ‫‪215‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الحقرة و اجتثاثها من داخله الى خارجه كغضب بلد ستصفجر‬ ‫قريبا قصابله الصووية في وجه ذلك املغتوب‪.‬‬ ‫كذلك كانت فرنسا الرومانسية الكالسيكية التي لطاملا بدت‬ ‫للعالم قبلة في التحضر و الانسانية‪ ،‬الى ارهابية باسم دولة ترسم‬ ‫كل يوم بقوة سالحها نهرا من الدم يمرز برن ساكصة هذه الارض و‬ ‫يجعل من التعايش مستحيال الى الابد‪.‬‬ ‫كان بإمكان فرنسا ان تبقى هصا الى الابد لو انها عاملت هذا‬ ‫الشعب الطيب كما ينبغي‪ ،‬و لكن غرورها و غطرستها جعلها‬ ‫تخسر اكبر قطعة من هذه القارة السمراء‪ ،‬و تخسر بلدا زودها‬ ‫بالكثرر و كان سببا في ثرائها البشري و الفني و املادي‪.‬‬ ‫ال يمكن ألي شخص ان يمر على هذه الارض دون ان يكون فصانا‪،‬‬ ‫تلك الوور الشاعرية التي تجمع برن الجمال و الالم تستقر‬ ‫بداخلك كتراث اناني يمجد ذاته بداخلك‪ ،‬فحيث تفر منها تفر هي‬ ‫اليك تحادثك بمصاجاة امرأة تحاول اسقاط حملها برن يديك‪.‬‬ ‫التقط ايها الفارس الوغرر احالمك و طر‪،‬‬

‫‪216‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫طر الى حيث الاحالم يمكنها ان تكون حقيقة‪ ،‬و حيث القبور آالت‬ ‫موسيقية ال نبكي امامها بل نرقص‪.‬‬ ‫في فونتان وجدت طفال صغررا في عمر الزهور يشبه في وجهه كل‬ ‫البشر بكل سماتهم و ارواحهم‪ ،‬يرسم بالطبشور على الارض‪،‬‬ ‫اقتربت مصه ألملح لوحته الفصية الرائعة فوجدته رسم كوكب‬ ‫الارض و عليه رسم ثدي واحد من جهة اليمرن‪ ،‬تأملته مبتسما و‬ ‫انا انتظر مصه ان يرسم الثدي اليسار‪ ،‬لكصه اعطاني الطبشور‬ ‫الوغرر و لم يقل شيئا‪ ،‬رسمت انا الاخر الثدي املتبقي و جلسصا‬ ‫مع البعض كل على الثدي الذي رسمه الاخر‪ ،‬استلقيصا و نحن‬ ‫نبحث عن حصان يغمرنا من انتمائصا الاول من هذه الارض‬ ‫الخوبة التي تلدنا كل مرة كأم عاقر تلد اول مرة و ألخر مرة‪،‬‬ ‫فتغمر صبيها حبا ليس كمثله حب‪.‬‬ ‫استلقيصا على صدرها تلك الارض التي لطاملا اذينها‪ ،‬و امام اثدائها‬ ‫شعرنا بانتمائصا الاول و الاخرر‪ ،‬و تذكرت حينها كيف كصا نتحرك‬ ‫على جبالها و وديانها‪ ،‬و هي تهب لصا من عوافررها الحانا عذبة‬ ‫كانت تجعلصا نرقص فوقها‪،‬‬

‫‪217‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و في حزن كان يبدو من وجه الطفل و هو يحضن الارض بعمق‪،‬‬ ‫امسكت يده و رقوصا معا فوق اثداء الارض‪ ،‬فوق جبالها‪ ،‬فوق‬ ‫سهولها‪ ،‬رقوصا و التففصا فوقها كما تلتف هي حول الشمس‪ ،‬و‬ ‫على الرغم من انف كل الم على هذه الارض مازلصا نضحك ألجل‬ ‫الحب و الحياة‪.‬‬

‫‪218‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫‪01‬‬

‫قيامة الريح‬

‫ال اعرف من اين ابدا لكي انتهي‪ ،‬كل البدايات التي اعرفها ال‬ ‫تشبنهي في تلك البداية‪ ،‬امللح الاخرر الذي اكلته كان بالكاد‬ ‫يتذوقني‪ ،‬اشيائي املبعثرة على الارض لم تتعرف علي حينها‪ ،‬كان‬ ‫لبد علي ان امض ي‪ ،‬ال صورة في ذلك الالبوم تحدثني عن تلك‬ ‫اللحظة الغريبة‪ ،‬ذاكرتي اقرب الى عيني من بؤةؤها الزيتي‪ ،‬كيف‬ ‫لي ان احتلم منها ألخرج ثانية تلك اللحظة و اعيشها‪ ،‬و اوقف‬ ‫الوقت قبل اللحظة الاخررة و اعيش الابد‪.‬‬ ‫اقفلت الالبوم و لكني واصلت تائها اتذكر كل ش يء و كأني ال اتذكر‬ ‫ش يء‪ .‬ما تركته ورائي يشبه كل ش يء امامي خلفي‪ ،‬هو ذاته انا‪ .‬و‬ ‫قبل ذلك كصت بعد ذلك ال اعرف توريفا لألفعال حينها‪ ،‬الوقت‬ ‫كله ال يكفي لحظة الاستشهاد‪.‬‬

‫‪219‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الارواح ليست سوى اشباح ماكرة تغادر الاجساد غفلة عصدما‬ ‫ننتظر منها ان تبقى سجيصتها بعض الوقت لصقرا عليها الحب و‬ ‫الحرية‪ ،‬و نعانقها عصاق الوداع‪ ،‬و الاجساد ليست سوى شهوة‬ ‫باردة تجمعصا حولها كمدفئة مطفئة نتذكر بالكاد لهيبها الهارب من‬ ‫املدخصة‪ ،‬و الحب ليس سوى ال اعرف ‪.‬‬ ‫الكلمات كلها تبدو ضيوفا تزورنا بدون مصاسبة‪ ،‬تقبع على اطراف‬ ‫لسانصا او يدنا تحاول اثبات نفسها‪ ،‬و لكنها تعود خائبة ال تعبر عن‬ ‫ش يء سوى ذاتها و مدادها‪.‬‬ ‫ماذا عساه رجل من قلب الصحراء ان يحكي‪ ،‬و هو التائه في قلب‬ ‫مديصة مخضبة بالعمارات‪ ،‬مذا عساه قلب حزين ان يبكي وسط‬ ‫كثبان من الذكريات‪.‬‬ ‫الالبوم ال يكفي لكي اضع عليه مشاعري‪ ،‬بعض الذكريات ال‬ ‫يمكنها ابدا ان تحفظ في صورة‪ ،‬فال غرر التأبرن الابدي كفيل‬ ‫بتقديس اللحظات الاهم في حياتصا‪.‬‬ ‫املسلمون ال يوورون الانبياء ملا لهم من قداسة عصدهم و كذلك‬ ‫فعلت انا مع تلك الذكريات‪ ،‬حيث قدست انا تلك اللحظات‬

‫‪220‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الاخررة‪ ،‬لحظات الحب الاول و الاخرر حيث لم اكن اريد ان اشارك‬ ‫املوورة شيئا غالي على قلبي كذاك‪.‬‬ ‫قفلت الالبوم و كأني اقفل على حياتي فيه و كانت لحظات شبابي‬ ‫و حياتي تشع مصه‪ ،‬تحاول تحريري من قفص الشيخ هذا الذي‬ ‫البسه‪ ،‬و الدموع تنهمر في عيني‪ ،‬و كان كل من في العائلة يشاهدني‬ ‫بتأمل مفعم بالفضول الكل يريد معرفة كل ش يء‪ ،‬و لكن الالبوم‬ ‫ليس فيه كل ش يء‪.‬‬ ‫الش يء في حياتصا اكبر من ان نحب الى النهاية و نجد كل نقائوصا في‬ ‫شخص واحد ككتاب فردوس ي يختزل كل السعادة في كلمة‪.‬‬ ‫ال اعرف كيف اسمي ذلك الحب الذي يأتي و يختفي و يعود و‬ ‫يحمل معه كل احبائي الغرةاء دفعة واحدة و كل من ارتحل فيهم‬ ‫الى السماء‪.‬‬ ‫ال ادري اي مخلص هو‪ ،‬و لكصه اهم ممن التقيتهم طيلة حياتي من‬ ‫احقر املخلوقات الى هللا ‪.‬‬ ‫نهضت من مكاني ودعت العائلة التي استضفتني في بيتها‪ ،‬و رحت‬ ‫اودع بيتي من جديد و انا اتركه في يد اميصة يشعر معها بالدفيء‪،‬‬ ‫‪221‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بعد الحاح صديقي محمد لي بالبقاء‪ ،‬نظرت في وجهه بحرقة و‬ ‫حضنته بقوة ثم قلت له بحب كبرر‪:‬‬ ‫صديقي انا هصا هذا البيت هو انا‪ ،‬و سأبقى هصا ما مكث هذا‬ ‫البيت هصا و سأعيش ألرى احفاد احفادك‪.‬‬ ‫ابتسم هو و ودعني‪ ،‬و انورفت في سيارة التاكس ي الى الفصدق‬ ‫حيث ابيت و تأملت املديصة من الشرفة‪ ،‬و رأيت فيها وجه حبيبي‬ ‫يبتسم من كل مكان يصاجيني في ان ارحل اليه‪.‬‬ ‫هل لي ايتها املديصة التي تعيش بداخلي و تبعتني في كل مكان ذهبت‬ ‫فيه و محت ظلي و استوطصته ان احادثك كوديق قديم لطاملا‬ ‫كان و سيكون وفيا لكي‪ ،‬فال احدا سيفهمني اكثر مصك انت من‬ ‫يعرفني اكثر من امي و انت وحدك تعرفصني من اخمص اقدامي الى‬ ‫موتي املسطر فيك ‪.‬‬ ‫هل لي ان ارسل من خاللك رسالة الوجود كأني هصا‪ ،‬و كأني في كل‬ ‫مكان رسالة مصا نحن اللذين ال وطن لصا الى أالئك الذين كل‬ ‫الاوطان لهم‪ ،‬ها نحن ذا نتصفس نفس الهواء نشرب نفس املاء و‬ ‫نعيش على نفس الارض و كل ما يفرقصا هو الوطن‪.‬‬

‫‪222‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫هل تودقيصني ان قلت لكي اني عصدما رحلت مصك كصت اراك في‬ ‫كل مديصة جديدة اقودها ارى بياضك ‪ ،‬و في كل مرة كانت‬ ‫تولني دعوة لعرس ما كصت اسمي العروس الجي ‪.‬‬ ‫اين هي ريحك لتحملني الى الوورة الاخررة فأتذكر و كأني اعيشها‬ ‫مجددا‪،‬‬ ‫قيامة الريح ال غررها يصفعني عاصفة هوجاء تحملني الى حوون‬ ‫املعاني فأترنح برن الحقيقة و الخيال‪ ،‬امتص من الحياة رحيق‬ ‫العبارات املارة على موكب احزاني‪ ،‬تلمسني كلماتي فانطلق فيها‬ ‫لكتابة رواية الشهيد‪.‬‬ ‫يقال ان الثورة تأكل ابصائها و لكنها اكلت املهبل الذي ولدوا مصه‪،‬‬ ‫حيث تنتور الثورة للجماهرر اللذين يغرقونها في دمها من فرط‬ ‫الحماس‪ ،‬و بعد ذلك توضع الثورة في مطابخ التاريخ و تدخل‬ ‫الجماهرر في طور الخيانة‪.‬‬ ‫اليوم ال يعرف الجزائريون من شهدائهم املليون و الصوف املليون‬ ‫سوى اسماء قليلة‪ ،‬يظصون بذلك انهم مجدوا التاريخ‪ .‬كل‬ ‫‪223‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الجزائريرن شهداء اليوم بطريقة او بأخرى و كأنه قد كتبت عليهم‬ ‫الشهادة الى الابد ‪.‬‬ ‫لكن هل يعرف الجزائريون اسرار املحبة و تقبل الاختالف الذي‬ ‫يحمله ذلك الرقم الكبرر! ال اظن ذلك فهم يظصون شهدائهم‬ ‫ارهابا مقدسا كان يقتل من اجل القتل‪ ،‬لم يعرفوا ابدا ذلك‬ ‫الوجه البريء لرجل يتذكر حبيبته في ثانيته الاخررة قبل املوت‪،‬‬ ‫لطفل يتذكر وجه امه بوعوةة من فرط التعذيب‪ ،‬لبشر كانوا‬ ‫مثلصا يحبون و يكرهون‪ ،‬يمارسون الجنس و العادة السرية‪،‬‬ ‫يقرؤون الجريدة و يحلمون بالحب و بعمل و بحياة‪ ،‬من يضحي‬ ‫بنبض قلبه ليعيش الاخرون لتعيش بلد بأكملها ال يمكصه ان يكون‬ ‫روةوتا مثلما يسوق لهذا الشعب املسكرن‪.‬الشهداء لم يكونوا‬ ‫متعوبرن لم يقتلوا الاخر لديصه او لغته او فكره‪ ،‬بل كانوا‬ ‫يجمعون كل شتات فكري و يفرون ألول حضن دافئ و يحلمون‬ ‫بودر يحملهم فيه الى الابد‪.‬‬ ‫هم بشر‪ ،‬كانوا بشرا صدقوني! ليسوا إال بشر‪.‬‬ ‫و انا واقف هصا امامك مديصتي في هذا السن التعيس اشعر بالقوة‬ ‫امامك‪ ،‬تمديصني بقوة أالهية ال انهزامية تشبه الوقوف في‬ ‫‪224‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ممر‪،‬يقف على بابه املوت من جهة و تقف الحياة من الجهة و‬ ‫الاخرى كأقطاب مغصاطيس متقابل ال يمكنهما املرور اكثر‪ ،‬كلما‬ ‫اقف امامك اتذكر انه ال يمكن ال للحياة و ال للموت ان يهزما‬ ‫قوتي في املقاومة و التذكر‪،‬‬ ‫كما اتذكر نفس ي في شبابي املزهر‪ ،‬اتقوقع في ذاتي محاوال خلق‬ ‫نفق حلزوني يختور الزمن الصل الى حيث كان سني ستة عشر و‬ ‫نوف تقريبا‪ ،‬سصة الف و تسع مائة و اربع و خمسون‪ .‬في تلك‬ ‫السصة هبت ريح الثورة الجزائرية مزهرة امال جديدا لهذا الشعب‪،‬‬ ‫كانت الارواح البطلة تزهر من كل رةوع هذا الوطن و كأنهم ولدوا‬ ‫لوصاعة الثورة ‪،‬كان بداخل كل جزائري تصرن يصفث الصرران‪ ،‬و‬ ‫كانت الصار من تلك ال تختار ما تحرق و لكنها احيانا تختار ان‬ ‫تدفيء جسدا ما في حضنها‪.‬‬ ‫كل ش يء في الجزائر كان يبدوا غاضبا‪ ،‬و اجهزة القمع العصورية‬ ‫كانت تدخل الرعب في الساكصة الجزائريرن‪ ،‬و كوني كصت اقطن في‬ ‫حي عربي فهذا جعلني اتذوق ما تذوقه اخواني الجزائريون‪.‬‬ ‫ال سبيل لي لكي اجادل نفس ي انا جزائري ال اعرف سماء إال هذه‬ ‫السماء هل يعقل ان استبدل وطني بوطن اخر ‪.‬‬ ‫‪225‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كصت ارى امي و هي تولي لليسوع لنقاذ الارواح لم اكن متأكدا‬ ‫اي ارواح كانت تقود‪ ،‬و لكني كصت اعلم ان اليسوع لن يقف‬ ‫سوى مع املصتور ولن يستجيب سوى دعاء الغالب في النهاية‪.‬‬ ‫تمتمت مع نفس ي كوالة ذاتية و طلبت من الاله القابع في جسدي‬ ‫ان يلهمني انسانيتي اكثر ألتجاوز قبح املسافات العرقية‬ ‫بعض اصدقائي في الحي اصبح يصاديني البحري على الرغم من اني‬ ‫لم اكن بحريا البتة‪ ،‬و لكن رةما الني واصلت دائما زيارتي لساحل‬ ‫املديصة الحاور البحر سموني كذلك‪ ،‬و كان الحي الاوروبي غرر بعيد‬ ‫عني كصت اتصقل اليه كما اريد رغم املضايقات‪ ،‬فانا فرنس ي ايضا و‬ ‫كصت اعود لحي العرب بال مضايقات كذلك فانا جزائري ايضا‪.‬‬ ‫لم اقسم نفس ي و لكنهم قسموني‪ ،‬و لم اشاء ابدا ان اكون نوفا‬ ‫و لكنهم فعلوا ذلك باسم الاستعمار و بأسماء اخرى‪ ،‬و لكني اليوم‬ ‫و انا اكتب هذا بت نوفا حقيقيا حرن غادرني نوفي الاخر‪،‬‬ ‫واعود كامال بمالقاته ان شاء مجصون باب الواد‪.‬‬ ‫استفدت من دروس مدام نانس ي و اصبحت بعد سصة من اندالع‬ ‫الثورة التحريرية اعزف على البيانو في احدى كباريهات املديصة‬ ‫(كباري لرزامورو)‪ ،‬كصت اتقاض ى اجرا جيدا مكصني من شراء ما‬ ‫‪226‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اريده من مالبس و ان ابقى دائما في صورة الاوروبي الذي يهتم‬ ‫بهصدامه‪ ،‬و كذلك كصت انعم على اصدقائي الجزائريرن ببعض‬ ‫املال احيانا‪ ،‬حيث اصبحت لحد ما ممون من لم يتمكصوا بسبب‬ ‫الظروف التي خلقها الاستعمار في ان يظهروا في صورة الشباب او‬ ‫املراهقرن‪.‬‬ ‫كان علي ان اصصع عالمي من حولي‪ ،‬و كان الكباري بصخبه احيانا‬ ‫بووت الواكووفون الذي يدون حول جدارانه البنية و السوداء‬ ‫و الذهبية‪ ،‬و تلك الطاوالت املغطاة باألسود كديكور جصائزي‬ ‫محزن و مفرح في نفس الوقت‪ .‬و كانت رؤوس غرر مفهومة الشكل‬ ‫مرسومة على الحائط‪ ،‬و زجاجات املشروةات الروحية تتوزع على‬ ‫الكباريه كمرعى لألرواح الشاردة‪ ،‬و تماثيل عارية تخرج من نباتات‬ ‫كانت تزين بها زوايا الكباريه‪ ،‬و رقص مختلف الاشكال كان يرسمه‬ ‫الاوروةيون على مسامع الجزائريرن اللذين لم يعرفوا بعد معنى‬ ‫للسعادة‪.‬‬ ‫كانت اختي الرن في سن الحادي عشر لكن من يودق اصبحت‬ ‫اطول مني تقريبا‪ ،‬كان قوامها غرر عادي‪ ،‬تقول امي انها قد كبرت‬ ‫قبل الوقت‪ ،‬كانت تبدوا امرأة رغم سنها الوغرر‪ ،‬و قد كانت‬ ‫تختار مالبس الكبار دائما‪ ،‬لطاملا كان بعض الشباب يحاول‬ ‫‪227‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫التقرب لها غرر ابهرن بسنها اذ ال يستطيع اي ذكر كان مقاومة‬ ‫لهيبه ال نظرة تقع على جسدها بل كلها لسعات ‪.‬‬ ‫كالمها كان يدعم قضية الجسد ضد السن‪ ،‬و لكن بالنسبة لي‬ ‫مازالت دائما اختي الوغررة ‪.‬‬ ‫امي هي هي‪ ،‬املرأة املؤمصة التي تعيش في حداد على زوجها‪ ،‬و انا‬ ‫ذاتي انا ابحث عن ابي في اي ش يء حولي‪.‬‬ ‫كل التفاصيل الوغررة من حولصا كانت تنبؤ بقدوم املخلص‪ ،‬اما‬ ‫فلم اابه لش يء الا ان صوت الثورة الجزائرية كان يسليني اكثر‪،‬‬ ‫على الاقل اصبح لهذا الشعب صوت على الاقل وجد أالئك‬ ‫الاستعماريون العصوريون الصازيون الحمقى من يوفعهم على‬ ‫خدهم ‪.‬‬ ‫كانت الايام تمر كومضة سريعة تذكرنا ان الحياة قوررة جدا‪ ،‬و‬ ‫كان كل يوم يمض ي بدون اب او رائحة مصه او ش يء ما يشبهه ‪.‬‬ ‫الى ان اتى ذلك اليوم الغريب حيث تهاوت صخور ذاتي على قارعة‬ ‫وجودي‪ ،‬قالت القيامة في ذلك اليوم اني اريده بشدة‪ ،‬كصت هصاك‬ ‫في مقهى في شارع ديزلي كصت هصاك ارتشف بعض العورر و اكتب‬ ‫‪228‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ما كصت احسبه شعرا‪ ،‬حرن مر من هصا شاب كاد يدحرج روحي‬ ‫اليه‪ ،‬كان شكله وسيما جدا كان يبدو مستقال عن الجميع كانت‬ ‫مشيته تبديه متحررا من كل ش يء‪ ،‬و كانت عيصاه تلهب الشارع و‬ ‫تصثر هرومونه بطريقة هيسترريه ‪.‬‬ ‫لم استطع محارةة شهوتي حينها‪ ،‬وقفت في مكاني حاولت ان‬ ‫ابتسم له لكني لم استطع اما هو فلم يلمحني البتة‪ ،‬تأملته جيدا‬ ‫و كدت ادخل في الفلسفة‪ ،‬تكرست كل الوجوه دفعة واحدة و‬ ‫عرفته انه هو الشاب الذي عانقني في بستان البرتقال قبل اشهر‪.‬‬ ‫رحت اتبعه و انا اناديه و افكر في نفس الوقت مذا سأقول له يا‬ ‫ترى! كصت اجري و اتخيل نفس ي وانا احادثه‪ ( :‬اهال انا ذلك‬ ‫الشاب الذي بوقت في فمه‪ ،‬هل تتذكر؟ اشتقت لك‪).‬‬ ‫تبعته و لكصه اختفى برن الحشود برن فيصة و اخرى‪ ،‬توقفت في‬ ‫مكاني و رحت ابحث عصه و لكن لألسف لم اجده‪ ،‬عدت خائبا الى‬ ‫املقهى و جلست هصاك و كتبت على الورقة ( مر ابي من هصا و‬ ‫غادر‪) .‬‬ ‫اكملت يومي ذاك و انا اقرا على نفس ي تعويذات الليلة الاخررة‬ ‫خوفا من اي تفجرر كان من اي جهة‪ ،‬دخلت الكباري و بدأت‬ ‫‪229‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫عزفي كالعادة دخل اصدقائي جزائريون كانوا و فرنسيرن كان‬ ‫عددهم سبعة‪ ،‬لكن كل ما الحظته في البداية كان ستة اشخاص‬ ‫اذ لم الحظ الشخص الاخرر الذي يرتدي قبعة مصحصية تغطي‬ ‫نوف وجهه إال عصدما اقتربت منهم‪.‬‬ ‫نزلت من املصوة و ذهبت اليهم مستعجبا و فرحا في نفس الوقت‪،‬‬ ‫لم يكن من عادتهم زيارتي في الكباريه‪ ،‬عانقت الستة و رميت يدي‬ ‫الى السابع لكي اصافحه‪ ،‬خلع هو قبعته فتوجست في مكاني و‬ ‫كذلك فعل ‪.‬‬ ‫لحظات عميقة من التأمل رأيت فيها الكون بأسره‪ ،‬وجهه كاد‬ ‫يوعقني‪ .‬عيصاه‪،‬شفاهه ال ش يء فيه معتدل‪ ،‬كل ش يء حار و‬ ‫ملتهب‪،‬لقد كان هو هدية حقل البرتقال ما الذي اتى به الى هصا‪ ،‬لم‬ ‫افهم ش يء نظرت في وجه صديقي محمد فقال لي‪( :‬هل عرفته؟)‬ ‫استحيت ان اجيب‪ ،‬انا احمرت وجصتاي و ابتسمت و ارتشفت‬ ‫بعض اللعاب و انا اتسائل مع نفس ي ‪ (:‬يا ترى كيف تمكصوا من‬ ‫معرفة الحادثة؟! لم احكي لهم شيئا انا حينها ‪).‬‬ ‫ثم اردف محمد‪( :‬فكر قليال ‪).‬‬

‫‪230‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫فرديت انا‪ ( :‬ال لم اعرفه اسف! )‬ ‫فرد محمد‪ ( :‬ذاكرتك قوررة يا جان بيار‪ ،‬هذا خالد صديق‬ ‫الطفولة‪).‬‬ ‫نظرت اليه حينها وكأني ال اصدق وجودي في هذا العالم‪ ،‬قلت في‬ ‫قلبي حينها و قد بدى الشوق متأهبا على وجهي‪ ( :‬لقد فعلتها شجرة‬ ‫البرتقال تلك)‬ ‫حاولت ان امصع سارة عن التورف بحرية‪ ،‬سارة التي حبستها في‬ ‫قلبي طيلة تلك السصوات حاولت الظهور ثانية‪ ،‬و هي ترتدي لباس‬ ‫الرقص الشرقي ال اعرف كيف كبحتها‪ ،‬تورفت و كآنها ليست‬ ‫موجودة‪ ،‬و عانقته كوديق يشتاق له كاب ضائع و ابن ال يتوقف‬ ‫عن العصاق‪ .‬ال افهم سبب وجوده في تلك اللحظة سوى لكي‬ ‫اعانقه‪ ،‬عصاق املالئكة الساقطة املتمردة املتكبرة على الشر‬ ‫الابدي‪ ،‬تمتمت في قلبي كلمات الشوق و احتضنته و كأني ابني‬ ‫قالع املجد فوق حوون الزمان‪ ،‬و عانقني هو بابتسامته املذيبة‬ ‫للجروح و اسصانه الوغررة‪ ،‬فبكيت في صدره و كأني وجدت ابي‬ ‫اخررا‪ ،‬ليصقض ي موسم البرتقال الى الابد‪ .‬لم اقل له شيئا في ذلك‬

‫‪231‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تأملت زر كف قميص يتدلى فقلت له ببساطة‪(:‬سأخيط لك هذا‬ ‫الزر املتدلي ان اعطيت لي قميوك فيما بعد‪).‬‬ ‫ضحك هو‪ ،‬و انا قلت له بذلك كل ما في قلبي‪ ،‬قلت له اني احبه و‬ ‫لم انسه ابدا‪ ،‬قلت له بذلك كل ما كان بإمكاني ان اقوله‪ ،‬كل ما‬ ‫كان يجب ان اقوله و كل ما لم يكن يجب ان اقوله ‪.‬‬ ‫اكملصا سهرتصا تلك على الطريقة الامريكية‪ ،‬احتسيصا الويسكي و‬ ‫السعادة و قضيصا وقتا ممتعا بالرقص‪ ،‬و على الرغم من ان خالد‬ ‫لم يكن بارعا في هذا الاخرر إال اني كصت ارى فيه اجمل راقص في‬ ‫العالم ‪.‬‬ ‫نسيت كل ش يء و انا اتحرك امامه‪ ،‬و كان الكون بأكمله بداخلي و‬ ‫كان املجرات تدغدغ شراييني و كأني انس ى ان الكون يسبح‬ ‫بداخلي‪ ،‬و كأنه ال ش يء بداخلي ألطرر لعيصه و كأنه ال ش يء بداخلي‬ ‫سواه ‪.‬‬ ‫عدنا للحي في املساء و في الطريق كانت املديصة تضحك لصا في اعلى‬ ‫نقطة في سلم ريشتر‪ ،‬اضوائها و بيضاها الليلي املضطرب‪ ،‬و‬ ‫سرابها الحقيقي كصا نضحك كالعادة‪ ،‬و امسكصا ايادي بعضصا‬

‫‪232‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫البعض و رحصا نمش ي و كأنصا جصود معركة‪ ،‬و كصت انا اسرح في‬ ‫كف يده و كأني استلمت لتوي‪ ،‬مفاتيح كل املدن في العالم ‪.‬‬ ‫لم اكن اصدق ان العالم كان صغررا هكذا‪ ،‬شوارع املديصة لم تكبر‬ ‫لم توغر مازالت نفسها تبحث عصا ثانية‪ ،‬و ها نحن ذا !‬ ‫زار خالد بيت محمد ‪ ،‬كان يبيت عصده و بالرغم من انه كان‬ ‫يجاورني فيض املسكن إال اني كصت اراه بعيدا جدا ‪،‬كصت اقف‬ ‫كل ليلة امام الصافذة انتظر قدومه‪ ،‬و كانت سارة التي بداخلي‬ ‫تجلس على زاويتي الحادة تتألم الفراق‪ ،‬مازالت لم تحضصه بعد‬ ‫مازالت لم تتذوق شفاهه‪ ،‬مازالت مستيقظة بداخلي كراقوة‬ ‫ابدية ترقص التانغو وحيدة تبحث عن راقوها الوحيد‪.‬‬ ‫هل غريب ان اشعر ان الكون هو انا و اني انا الكون‪ ،‬هل غريب‬ ‫ان اتحسس املجرات بداخلي و هي تدغدغني ألضحك رغم الالم‪،‬‬ ‫هل غريب ان انس ى ان الكون كله بداخلي و اطرر اليك و احبك و‬ ‫كأنه ال بداخلي سواك‪.‬‬ ‫كم علي ان اذكرك اني انا الكون و انك اكبر مني‪ ،‬و ان الكون‬ ‫بأسره يغدو فراغا امامك حبيبي‪.‬‬

‫‪233‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان هو و كصت انا‪ ،‬و كان بينصا حاجز شفاف ال نعرف مصبته‬ ‫لصقتلعه و نرتاح‪،‬كان بعينيه لهيب دافئ يقد احالمي الوردية من‬ ‫جديد و يوقظ الصبض الحقيقي لقلبي‪ ،‬حيث كصت اعامله كوديق‬ ‫محاوال كبح سارة في أي لحظ عن الخروج حيث اصبحت أالزمه‬ ‫كل الوقت ال اتركه يغفل ابدا عن عيني‪ ،‬لقد كان شمسا انارت‬ ‫ظلمتي املعتمة‪.‬‬ ‫لقد كان جسده يرديني في مقتل ال اعرف كيف اصف شعوري و‬ ‫انا أالحظه يتحرك امامي‪ ،‬جسده الصحيل و املفتول‪ ،‬اصابع يداه‬ ‫املوصوعة‪ ،‬بإتقان شفاهه الوردية‪ ،‬اسصانه الوغررة و املوطفة‬ ‫كلؤلؤ‪ ،‬مؤخرته املرفوعة‪ ،‬ال اعرف كيف اسمي انجذابي له‪ ،‬انها‬ ‫متالزمة سارة ال استطيع ان احتفظ بها لصفس ي‪ ،‬كصت اتلعثم عصد‬ ‫الحديث معه حتى اني اصبحت مضحكا للغاية‪ ،‬ال اعرف كان ش يء‬ ‫ما يجعلني اشعر بالدوار امامه فاقد قدرتي على الاتزان‪.‬‬ ‫انه الهوس‪.‬‬ ‫و على قدر ما كان بإمكاني ان اتحمل الهوس كصت ال اتيق نفس ي و‬ ‫انا احارب في معركة التضاد في املسافات الشفافة التي بينصا‪ ،‬لكن‬ ‫مشهده وهو يحمل اختي فوق الدراجة لم اكن اتحمله فقد‬ ‫‪234‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫تجمعت كل الوساوس الى راس ي و لم استطع تحملها‪ ،‬اختي‬ ‫الوغررة تحولت فجأة لعدوي اللدود فقد كان يتورف بطريقة‬ ‫كانت تفقدني صوابي‪ ،‬چاذ كانت تبدوا عليها عالمات السعادة‬ ‫املفرطة كان يدللها تدليال غرر عادي‪.‬‬ ‫كصت اتسائل مع نفس ي كالتائه‪( :‬هل يظنها سارة؟ و لكن هل هو‬ ‫غبي لهذه الدرجة الم يالحظ انها طفلة صغررة )‬ ‫كان شعرها يتطاير ليالمس شفاهه‪ ،‬و هو يتقدم بها بالدفع الرةاعي‬ ‫على الدراجة‪ ،‬كصت أتأملها كالوبي الوغرر الذي سرقت لتوه‬ ‫مواصته ‪.‬‬ ‫احدى عشر‪ ،‬اثصا عشر‪ ،‬او ثالثة عشر‪ ،‬او مليون سصة ال اكترث‬ ‫لسنها‪،‬و لكنها هصاك تعوي على ما اهدتني شجرة البرتقال و هي‬ ‫تصافسني في حبيبي‪.‬‬ ‫لقد اشتدت غررتي‪ ،‬حتى ان معاملتي أللرن في البيت قد تغررت‬ ‫كثررا‪ ،‬اصبحت ابدي الكثرر من الغضب اتجاهها‪ ،‬انفعل في وجهها‬ ‫ألتفه الاسباب اما فكل ما كانت تقوم به هو الضحك و السخرية‬ ‫مني و كأنها تتجاهل كل مشاعري التي لم اعبر عنها اصال‪.‬‬

‫‪235‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كان يحدث كل ذاك مع احتدام احداث الثورة الجزائرية‪ ،‬موازية‬ ‫لثورة الداخلية في كبح فيضان ذلك الحب الجارف‪.‬‬ ‫امضيصا معا اياما تصكرية انا العب دور الوديق الوفي الذي انتظر‬ ‫صديقه املفضل ليعود ثانية‪ ،‬و هو يلعب دور املراهق العادي الذي‬ ‫قاوم قساوة الحقول التي لم تجعل مصه مقرفوا وسط اكوام‬ ‫من الحجارة‪ ،‬و اختي تتصكر في زيها املرفولوجي الذي يبيدها اكبر‬ ‫من سنها بكثرر‪ ،‬و حيصا الذي يمثل دور التعايش وسط هذه‬ ‫الحرب التي تبدوا انها ستحرق الاخضر و اليابس‪.‬‬ ‫كان خالد يمرر معاناته بشكل خافت الى جسدي يوقظني من‬ ‫احالمي‪ ،‬كصت اشعر بحزنه و بالقوة اللهيبية التي كانت ترتسم على‬ ‫محياه‪ ،‬كلما شاهد علما فرنسيا كصت افهم سر تلك الغبطة‪،‬‬ ‫كصت افهم سبب ذلك الغضب املتجلي في تورفاته ‪.‬‬ ‫بدى انه سيبقى مطوال هصا لكن لم افهم كيف لعائلة جزائرية‬ ‫تمالها مفاهيم الحرمة ان تستقبل رجال غريبا لكل تلك الفترة‪،‬‬ ‫فهو كان يقارب التاسعة عشر و هذا السن قد يكون سصا مصاسبا‬ ‫جدا للزواج هصا‪.‬‬

‫‪236‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫كصت انتظر بفارغ الوبر خبر طرده من بيت محمد الستقبله انا في‬ ‫بيتي‪ ،‬فقد اجابني مرة و انا اساله انه يبحث عن عمل هصا اذ‬ ‫يصوي الاستقرار في الجي‪.‬‬ ‫ال استطيع ان اصف لكم مدى سعادتي بذلك الخبر لقد حلقت‬ ‫بعيدا فيه‪ ،‬لقد رأيت سارة في ذلك الوقت تتجمل باألبيض‪ ،‬و‬ ‫رأيت خالد ببدلة العرس السوداء و على كتفه يتوشح البرنوس‪ ،‬و‬ ‫رايتصا معا انا كامرأة تتحول في لحظة لرجل يرتدي نفس اللباس‪،‬‬ ‫ليأخذني خالد في احضانه و اقول للعالم بأسره باني احبه و انه‬ ‫يحميني من كل العالم‪ ،‬و حبات الرز تتساقط بينصا لتبارك حبصا‬ ‫اللعرن‪.‬‬ ‫اريني ايها العالم ما في جعبتك ‪.‬‬ ‫اه هذا كل ما لديك اسف اذن سأختار حبيبي حبيبي‪.‬‬ ‫كانت تمر الايام و يزيد فيها اضطرابي و غررتي‪ ،‬لقد كان خالد‬ ‫يعامل الرن بطريقة مستفزة ملشاعري‪.‬‬ ‫ما به ا ال يعلم انها صغررة او انه يظن انها سارة !‬ ‫و لكن كيف يظن انها سارة فسارة اجمل منها بكثرر !‬ ‫‪237‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫اانفومت شخويتي بطريقة عويوة اذ بت كائصرن بشريرن بجنس‬ ‫مختلف‪ ،‬قريب للخصثى فقد اردت ذلك الرجل بكل جوارحي و قوتي‬ ‫اردته كبركان يشتعل غضبا ليبتلع مديصة في حممه الارجوانية ‪.‬‬ ‫كانت تمض ي ايامصا كالبلهاء نضحك كثررا و نعمل قليال‪ ،‬خسرت‬ ‫عملي ألجله بت بال عمل برن ليلة و ضحاها‪ ،‬عمر السابعة عشر‬ ‫سن غرر مصاسب ابدا لعمل جاد‪ ،‬العمل املصاسب لي ان احب لكن‬ ‫تلك الاخت الشمطاء ال تريد ان ابدا ان تتورف كبنت في سنها‪.‬‬ ‫قالت لي‪ ( :‬جان ماذا تتمنى في حياتك؟)‬ ‫اجبتها في قلبي‪ ( :‬اريد ان اتخلص مصك )‬ ‫قالت لي‪ ( :‬ليست لديك امصية ا ال تتمنى ان تكون جميال مثلي مثال)‬ ‫اجبتها انا‪( :‬ال اريد ان اكون في السن الحادي عشر او الثاني عشر‬ ‫في حرن اصدقائي يأكلون الايسكريم ابدو انا مستعارا من سن‬ ‫اخرى‪ ،‬اكبر و اتشقلب في سن ليست سني‪).‬‬ ‫ادارت وجهها للجهة الاخرى و قالت‪ ( :‬غيور‪).‬‬

‫‪238‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ذات يوم و انا امارس الجصون مع اصدقائي الذي بلغ ذروته فقد‬ ‫حاولصا ألول مرة وضع الشمة تحت شفاهصا‪ ،‬لقد كانت مقرفة حقا‬ ‫شعرت بالدوخة و لم اجربها ثانية‪ ،‬ندى احد الاباء الجزائريرن ابصه‬ ‫‪:‬‬ ‫(يا امرن روح تولي نعدين يماك )‬ ‫(خالص صليت مع لقور ( الفرنسيرن ) )‬ ‫(تتمصيك بيا يا وليد القحبة اه )‬ ‫لقد كانت مثل هذه املشاهد الكوميدية تتكرر مرارا و تكرارا في‬ ‫الجزائر‪ ،‬توور مشهد الدين في الشخوية الجزائرية املحافظة‬ ‫عليه و املتمردة عليه في نفس الوقت‪ ،‬حيث يقدس هللا هصا بشكل‬ ‫رهيب و يشتم كذلك بصفس الشكل‪ ،‬فاهلل هصا ككرة القدم‬ ‫يتقاذفه الصاس بينهم كما يشاؤون كل حسب مراده يرفسونه‬ ‫بأرجلهم‪ ،‬و يحبونه بقلوبهم‪.‬‬ ‫و في ظل ذلك الالتواء وقفت انا في غرفتني كالعادة انتظر حبيبي‬ ‫لرزورني مرة اخرى فتحت الصافذة وطلبت من السماء ان تعيده لي‬ ‫ثانية و رحت ألنام ‪.‬‬ ‫‪239‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫غفوت قليال رةما لبضع دقائق فقط‪ ،‬و اذا بووت خافت من‬ ‫نافذتي املفتوحة يصاديني جان جانو انهض‪.‬‬ ‫نهضت مظطرةا قفزت الى الصافذة و انا البس غطاء الصوم الويفي‬ ‫كما يرتدي البوذيون و الهصود البستهم الدينية و هم يرتشفون‬ ‫السماء في تواضعهم ‪.‬‬ ‫_(من هصاك ؟)‬ ‫_(بلولو ( شبح ) )‬ ‫ارتعد جسدي بالرغم من اني لم اكن اؤمن حقا باألشباح‪ ،‬و كان‬ ‫ردي بسذاجة‬ ‫_(اه اذن انتم موجودون حقا!)‬ ‫سكت الووت لبرهة ثم انطلق يضحك مقهقها لقد كان هو‬ ‫خالد‪.‬في ذلك الوقت توقف الكلمات عن التعبرر‪ ،‬وقفت على‬ ‫فوهة لساني الذي شعرت انه قد تجمد‪.‬‬ ‫صعد خالد و هو يحمل كل احالمي معه و قال لي متهكما بصظرات‬ ‫حب فياضة‬ ‫‪240‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫_(اين هي سارة؟)‬ ‫اجبته انا و كأني ال اعرف شيئا‪ (:‬عن اي سارة تتكلم؟)‬ ‫رد هو و قد امسك خسري بكال يديه ‪:‬‬ ‫_(سارة جميلة جدا و احببتها اكثر من اي سارة اخرى‪).‬‬ ‫ثم هز خسري بيديه‪ ،‬و قال لي سارة التي تهز خسرها هكذا ‪.‬‬ ‫تملكني الضعف في تلك اللحظة املبهمة‪ ،‬تصقوني درجات قليلة‬ ‫التجمد من فرط الحرارة التي اخترقني بها في ذلك الجو املقدس‪.‬‬ ‫قال هو‪( :‬سارة هل نسيتني لقد عدت ألجلك؟!)‬ ‫لم ارد‪ ،‬ثم قال و هو مبتسم (سارة اعلم جيدا من انت‪ ،‬و كصت‬ ‫اعلم ذلك ايضا اعلم انك جان بيار‪).‬‬ ‫ذهلت انا امام ذلك املوقف‪ ،‬المست يده و هي ال تزال على خوري‬ ‫تأملها هو ثم اخذني في احضانه بقوة قبل ان ارتشف ريقي بصوف‬ ‫لخظة‪.‬‬ ‫(احبك جان احبك اكثر مما تتوور و لقد اشتقت لك كثررا )‬

‫‪241‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫بكيت انا في ذلك الوقت و قد عاد ابي ثانية الى حضني يحضصني‪ ،‬و‬ ‫كأني طفل صغرر ال يفهم ما يقول‪ ،‬لقد كان البدر ساطعا في ذلك‬ ‫اليوم يحرك فيا عواء الذئاب‪ ،‬يدحرجني الى درجة الغليان‪ ،‬حملني‬ ‫خالد برن يديه رفعني من مؤخرتي و توببت انا عرقا على كتفه‬ ‫‪،‬كصت اعلم اين سأذهب و استسلمت لذلك الشعور و هو‬ ‫يستحذوني‪ ،‬انها الشهوة املمزوجة بالذهب‪ ،‬الشهوة املمزوجة‬ ‫بالحب الخالص ‪.‬‬ ‫وضعني على السرير و تأمل شعري الذهبي املكور‪ ،‬و تأملت انا ثغره‬ ‫الباسم و عيصاه القويتان‪ ،‬لقد تسلطت علي رجولته و لم افهم ما‬ ‫كصت فاعال امامه‪ ،‬و توورت عاجزا امام البحر الكهرةائي الذي‬ ‫كان يتخبطني فيه‪ ،‬و انا مستلق تحته كما يستلقي البحر اسفل‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫قال لي كما كان يهمس لي القمر دائما ‪:‬‬ ‫(جان بيار احبك)‬ ‫سمعتها كالوالة و تدفق الاندرنالرن في صدري يغلف تلك الكلمة‬ ‫لررسلها من ذاتي‪ ،‬كعطر جنس ي انفتح ثقب مؤخرتي جيدا يريد‬ ‫هذا الرجل امامه بشدة‪ ،‬و زاد تصفس ي بلهفة و كأني اتقطع ارةا‬ ‫‪242‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ارةا امام شموخه حيث اقترب هو و اغلق عيصاه و قبلني من فمي‬ ‫قبلة السكر املجوف‪ ،‬و قبلني كاالنفجار العظيم حيث انفولت‬ ‫جاذبية الارض عن وجودنا الاثصرن‪ ،‬و رحصا نتأرجح في بعد اخر‬ ‫مختلف عن الزمكان‪.‬‬ ‫نزع مالبس ي و تأملني عاريا ثم قال لي‪:‬‬ ‫(ما اجملك جان! )‬ ‫تعرى هو الاخر و طفصا حول جسديصا العاريرن كما يطوف املسلمرن‬ ‫بكعبتهم املقدسة‪ ،‬طفصا كطواف الحج و نحن نخمر الشهوة تحت‬ ‫اقدامصا‪ ،‬قبلني من كل مكان و كأنه يخرج الالم من تحت جلدي‪،‬‬ ‫ثار من خاللي و جاب اقاص ي الكون في فراغي‪،‬و تجسد الاختراق‬ ‫للصصدمج مع بعض و حرن سال الحبر ليكتب بداخلي انتمائي‬ ‫لخالد تجسدت ارواحصا من تنهيداتصا التي تتموج في الاثرر‪ ،‬فهمت‬ ‫في تلك اللحظة معنى وجودي و نطقت بوعوةة و كأني احمل جبال‬ ‫كبررا من املشاعر في تلك اللحظة ‪:‬‬ ‫(احبك خالد‪).‬‬

‫‪243‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حضصني بقوة و هو يتلوى بجسدي كاألفعى‪ ،‬تهصا في تلك الليلة‬ ‫الوماء التي بالكاد كصا نستمع فيه لورصور الليل‪ ،‬و في الفجر‬ ‫قام و صلى امامي وهو بجصابته و هو عار تماما و تشكر هللا على هذا‬ ‫الحب املجيد و هو يذرف كل ما في داخله في جسدي‪ ،‬في لحظات‬ ‫تمصيت فيها بشراهة ان امتلك رحما ألنجب له طفله و اسميه‬ ‫(رائع) ‪.‬‬ ‫ملا ذلك ملا شد رحاله و ذهب بعيدا كصت احتاجه اكثر من‬ ‫ذاتي‪،‬تكرر لقائصا في تلك الايام تكرر ملرات كثررة مستشعرا زغب‬ ‫السعادة ‪.‬‬ ‫كان يمسكني من يدي في الجي و يجول بي كل الشوارع و نحن نأكل‬ ‫الفشار‪ ،‬كصا نوعد الى القوبة و نحن نرتدي الالوان لصلعب‬ ‫وسط الوشحات الحمراء و الوفراء و البرتقالية و غررها من‬ ‫املالبس املنشورة على اسطح املصازل‪ ،‬لصتامل بعدها مديصتصا‬ ‫الرائعة و هي تغلي ثورة كونية تنتظر شمسه للبزوغ‪.‬‬ ‫كصا انا و هو عصوانا جميال لطهارة روحية كانت لتتغمد هذا الوطن‬ ‫بعد الاستقالل الامر الذي لألسف لم يكن‪.‬‬

‫‪244‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫لكن ش يء ما غرر طبيعي كان يحدث فقد كان خالد يختفي‬ ‫ليومرن او ثالث ثم يظهر ثانية لم افهم ما كان يفعله‪ ،‬لم ادرك‬ ‫ذلك الا عصدما وضعته في الامر املحرج‬ ‫انتظرته في غرفتي اوصدت الباب جيدا‪ ،‬اوصدت الصافذة ثم سالته‬ ‫عن ش يء كصت اعرف اجابته بحدس ي قبل ذلك‪.‬‬ ‫قبلني من شفاهي قبلته مرترن انا كذلك‪ ،‬و رحت ابحث عن طريقة‬ ‫الوصل له سؤال بشكل يدفعه ليقول الحقيقة‪.‬‬ ‫_(خالد اين تذهب عصدما تختفي اليام ؟انا اشتاق لك)‬ ‫_(اكون في اي مكان يمكصني فيه ان احبك جان‪) .‬‬ ‫_(خالد قلي الحقيقة ارجوك لست غبيا‪).‬‬ ‫عانقني و هو يضحك ميصوش ي ميصوش ي شحال نحبو ( كم احبه)‪.‬‬ ‫_(ليس وقت املزاح عليك ان تخبرني الحقيقة‪).‬‬ ‫سكت قليال ثم قال لي‪ (:‬هل تريدني ان اودعك الوداع الاخرر؟)‬ ‫_(ال و لكني اريد ان اعرف الحقيقة‪ ،‬ايضا هل انت معهم؟)‬

‫‪245‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫_(من هم ؟)‬ ‫_(الابطال اللذين يحررون بلدنا؟)‬ ‫_(بلدكم؟!)‬ ‫_(نعم الجزائر‪).‬‬ ‫_(نعم انا معهم‪).‬‬ ‫_(تبا عرفت هذا )‬ ‫_(هل ستسلمني للشرطة؟)‬ ‫_(ال‪ ،‬الا اذا لن تأخذني معك !)‬ ‫_(الى اين ؟)‬ ‫_(ألنظم لألبطال ‪).‬‬ ‫_(و لكن‪)!...‬‬ ‫_(و لكن ماذا؟ هيا فلصذهب الان(‬ ‫_(دعني افكر قليال‪).‬‬ ‫‪246‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫_(فيما تفكر؟ هل تحبني خالد؟)‬ ‫_(نعم احبك‪).‬‬ ‫_(هل تثق بي؟)‬ ‫_(نعم‪).‬‬ ‫_(دعني احرر معكم بلدي ارجوك)‬ ‫_(حسصا دعني اسأل لخو)‬ ‫اتذكر اني في ذلك اليوم شعرت بفرحة كبررة لدرجة اني مارست‬ ‫الجنس معه بكل الشقلبات املمكصة‪ ،‬جلست في حجره و تقلدت‬ ‫عرشه و تمردت عليه‪ ،‬و سيطرت انا على العالقة في وضعية كصت‬ ‫فيها اشبه باملرأة‪ ،‬لم اكن اريد شيئا سوى ان اعبر عن حماس ي‬ ‫الثوري و ان اتشكره‪.‬‬ ‫انتظرت بعدها ألسبوعرن لم يأتي خالد‪ ،‬تمصيت لو تنشق الارض و‬ ‫تبلعني ‪،‬كصت اظن انه لن يعود ثانية‪ ،‬و لكصه عاد عاد و حمل معه‬ ‫خبرا مفرحا‪ ،‬لقد قبلت كمصاضل في صفوف جبهة التحرير الوطني‪.‬‬ ‫لقد اصبحت ثوريا يا ابي ايصما كصت‪...‬‬ ‫‪247‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫و اصبحت ثوريا في وجه العصورية و التميرز الذي كصت اراه‬ ‫متجوال معي في كل مكان‪ ،‬في وجه الظلمة في وجه الفقر الذي كان‬ ‫يأكل اللوحة الزيتية الجميلة في الجزائر‪،‬كما يأكل الزمان الاوراق‬ ‫الصاشفة ‪.‬‬ ‫اخذني صوب بيت في سانتوجرن فتحت امرأة جزائرية في هصدام‬ ‫فرنس ي و اعطتصا مالبس البهلوان‪،‬لم افهم ذلك‪ .‬قال لي خالد هذه‬ ‫هي مهمتك الاولى‪ ،‬سألته ماهي ان اكون بهلوانا!‬ ‫قال‪ ( :‬نعم)‬ ‫ضحكت حينها بقوة لم اكن اظن الثورة بهذه الوبيانية‪ ،‬قال لي‬ ‫خالد اني سألبس هذه املالبس و سأتجول بائعا لحية بابا ( غزل‬ ‫البصات) في الجزائر العاصمة في الحي الاوروبي‪ ،‬حرن ستاتي سيارة‬ ‫تحملني معها علي ان انورف معها‪.‬‬ ‫و كذلك فعلت على الرغم من ان املشهد كان يبدو مضحكا الا اني‬ ‫تحمست له كثررا‪ ،‬فقد كان هذا اول عمل نضالي لي‪.‬‬ ‫لبست املالبس صباحا‪ ،‬سألتصني امي باستغراب‪:‬‬ ‫(ما الذي ترتديه جان؟)‬ ‫‪248‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫قلت لها‪ ( :‬انت ترين بصفسك اصبحت بهلوانا‪).‬‬ ‫ضحكت اختي الرن و قالت لي‪:‬‬ ‫(اتشكر اليسوع انك عرفت حقيقتك يا بهلوان‪).‬‬ ‫ما ابغض اختي الرن ولكني كصت احبها كثررا‪ ،‬اردت ان اعطيها‬ ‫القليل من غزل البصات و لكن حينها ادركت امرا مهما ليس لدي‬ ‫الالة التي توصع لحية بابا‪.‬‬ ‫خرجت بحالتي تلك على الساعة السابعة و نوف صباحا‪ ،‬وجدت‬ ‫خالد ينتظرني هصاك‪ ،‬قال لي‪ ( :‬الامر سهل ساجد رجال يبيع لحية‬ ‫بابا هصاك و سأبيع معه )‬ ‫اوصلني خالد للمكان املتفق عليه و سلمت على الرجل البائع‪ ،‬ثم‬ ‫ذهب و تركني وحيدا‪ ،‬و بدا الاطفال يتجمعون من حولي و رحت انا‬ ‫أالعبهم و ابيع لحية بابا لهم احيانا باملجان‪ ،‬انتظرت ملدة ساعة‬ ‫هصاك و جاءت سيارة توقفت امامي تأملني السائق و نزع نظارته و‬ ‫كشف عن عيصاه‪ ،‬و هز رأسه طالبا مني الوعود‪.‬‬ ‫ركبت انا معه السيارة عصدئذ لم يتكلم معي البتة‪ ،‬لم احاول‬ ‫دفعه للحديث ان يومت احسن ‪،‬كان خوفي كبرر لدرجة ان‬ ‫‪249‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫امعائي كانت ترقص السومبا و لكصه لم يذهب بعيدا بالسيارة‬ ‫طاف باملديصة و اعادني تقريبا لصفس املكان‪ ،‬الى بيت كان بإمكاني‬ ‫ان اذهبه بمفردي دون حاجة للسيارة‪ ،‬لم افهم السبب الحقيقي‬ ‫لهذا ملا وصلت وجدت مجموعة من الرجال هصاك ينتظرونني‪،‬‬ ‫طلب من الكل ان انزع مالبس ي استحيت ان افعل ذلك و الكل‬ ‫هصاك محدق بي‪ ،‬و لكني فعلتها من واجب الصضال‪ ،‬و لم ابقى‬ ‫سوى بمالبس ي الداخلية‪ .‬اخذتني احد الاخوات الى الدش و‬ ‫اعطتني مالبسا و طلبت مني الاستحمام ريثما تعد لي القهوة ‪.‬‬ ‫لم افهم شيئا اهذا هو الصضال اين القصابل اين البصادق اين‬ ‫القتال‬ ‫الثورة بهلوان يا جان ا تودق هذا ؟!‬ ‫نعم الثورة بهلوان غاص في الوانه بابتسامة مزيفة‪ ،‬يطوف حوله‬ ‫الابرياء ليبيعهم غزل البصات و سرعان ما يأخذ دش و يتغرر وجهه‬ ‫عصد اتمام املهمة‪ ،‬و يهم في حساب الارةاح ‪.‬‬ ‫علمت بعدها اني كصت احمل موادا متفجرة في زي البهلوان ذاك‪ ،‬و‬ ‫ان التحرك بي بالسيارة كان فقط للتمويه على الطريق الذي‬ ‫سلكنها حسبانا ألي مراقبة محتملة‪.‬‬ ‫‪250‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫ال افهم كثررا في هذه الخطط‪ ،‬كصت انفذ فقط و مع الوقت‬ ‫اصبحت انفذ العمليات املوكلة لي بدم بارد و اعود ألكمل يومي و‬ ‫كان شيئا لم يحدث‪.‬‬ ‫لم توكل لي مهمات صعبة كصت انقل الطرود و الرسائل‪ ،‬و لكن‬ ‫خالد كان مصخرطا بشكل تام في الحرب البوليسية لم اكن اعرف‬ ‫شيئا عن مهامه‪،‬و لكصصا كصا نقض ي امسيات رائعة يمتزج فيها عرقي‬ ‫بعرقه و ريقه بريقي كان يحب ان يقبل راحة يدي و لطاملا كصت‬ ‫اقبل اقدامه كي اعبر له عن حبي‪.‬‬ ‫كصت في ذلك الوقت قد نفضت سارة من سترتي وجعلترن جان‬ ‫بيار خالوا و احببته كما ينبغي‪.‬‬ ‫كصا نقض ي ايامصا بال قصاع الكل في الحي بات يعرف قوة حبصا‪ ،‬و‬ ‫لكن لم يبالي بصا احد‪ .‬كانت بعض الكلمات تقال في ظهرنا خلسة‬ ‫ك ( نقوشا و زوامل و عطايرن) و لكن نحن ايضا لم نبالي‪ ،‬فمن‬ ‫يجد حب حياته خلسة ال يستطيع يبقيه خلسة‪ ،‬فقد كانت قوة‬ ‫رهيبة بداخلي تدفعني الفتخر بحبي له ‪.‬‬ ‫ايتها الرياح كفي عن عزف الحزن في القوب‪ ،‬كفي عن مالحقتي‬ ‫في كل زاوية و كانكي تريدن حوري في تلك الصقطة البعيدة في‬ ‫‪251‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫الزمن‪ .‬لست اخال نفس ي سفيصة شراعية و لكصك تقذفيصني بكل‬ ‫شاطيء من شواطيء ماض ي ألستلقي ميتا فوق صدره‪ ،‬اين هو؟‬ ‫اين هو؟ هل تخالني مجصونا !‬ ‫استبق الريح‪ ،‬كانت ليلة عاصفة الريح فيها يكاد يحفر الارض كصت‬ ‫اسمع صوتا خافتا يصاديني‪ ،‬و دقا على الباب يشبه املوت‪ ،‬هممت‬ ‫بسرعة خفت ان تستمع امي التي بدا استماعها بالصقص‪ ،‬مع‬ ‫الوقت جريت بسرعة نحو الباب كانت هي تبتعد اكثر عني لقد كان‬ ‫صوته صوت خالد يصاجيني و كأني اليسوع‪.‬‬ ‫مت ايها اليسوع الجل خطيانا و لكن خطايانا لم تمت‬ ‫فتحت الباب كان هو خالد مبتسما ابتسمت له‪ ،‬ثم وقع مغشيا‬ ‫في يدي لقد كان خصجر مزروع في رئته‪ ،‬لم يمت بعد لم تأذن له‬ ‫شجرة البرتقال‪.‬‬ ‫امسكته برن يدي و اخذته لغرفتي حاولت البحث عن طريقة‬ ‫لعالجه‪ ،‬فتح هو عيصاه و الخصجر ال يزال في صدره‪ ،‬طلب مني ان‬ ‫اخرج الخصجر فعلت ذلك بسرعة‪ ،‬و راح الدم ينهمر مصه كاملاء‪ ،‬لم‬ ‫افهم ما افعله كيف يمكن لدم الانسان ان يتحول الى ماء بهذه‬ ‫البساطة‪ ،‬وضعت قماشة على صدره وضغطت على الجرح و‬ ‫‪252‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫رةطتها على ظهره‪ ،‬و كان هو يتعور املا بال صوت سوى بعض‬ ‫التمتمات‪ ،‬و كانه اخرج ما تبقي مصه من صوت في ذلك الالم‪،‬‬ ‫قبلته و تذكرت امر الشرطة فتركته على حالته تلك و خرجت من‬ ‫البيت مسرعا‪ ،‬اخذت معي دلو ماء رحت امسح الدم من الطريق‬ ‫لقد كان عمال شاقا و لكن كان يجب عليا القيام به الداري عن‬ ‫حبيبي قمت باالمر بسرعة و عقلي سارح يفكر فيه ‪ ،‬و عدت الى‬ ‫البيت كما تعود عاصفة رملية مصحية على جذعها الى الصحراء‪،‬‬ ‫عدت ألصلي‪ ،‬عدت لحبيبي‪ ،‬وجدته هصاك يتأملني متأملا يبتسم‬ ‫احيانا‪ ،‬و يرتشف اللعاب احيانا اخرى‪ ،‬استلقيت بجانبه و هو‬ ‫غارق في دمه‪ ،‬كصت اعلم انه سيموت في اي لحظة‪ .‬لم احاول‬ ‫املقاومة فكل ما كصت اقاومه هي شعوري البليغ في البكاء ابتسمت‬ ‫له و سألصني هو‪:‬‬ ‫(هل تحبني جان؟)‬ ‫اجبته بال‬ ‫ابتسم هو و تامل السقف و قال لي و انا ايضا ‪.‬‬ ‫ضحكت و قبلت يده‪ ،‬اذ ال يمكصصا ان نودق اللغة حرن نحب‬ ‫بقلب واحد و قال لي ‪(:‬جان بيار جريت و جريت صوةك‪ ،‬و انا‬ ‫‪253‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫استصفذ روحي في كل خطوة كصت اتمنى ان اموت ثمال برن يديك‪،‬‬ ‫و انا ارقص معك على انغام اديث بياف‪).‬‬ ‫ابتسمت و خرجت الدمعة الاخررة من عيني رغما عني‪ ،‬و رحت‬ ‫اغني له اغصية الفي اون غوز( الحياة بلون وردي)و هو يتأملني و‬ ‫يتمزق في نفس الوقت و كأنه يقاوم الالم بمشاهدتي اغني له‪.‬‬ ‫انت انت لي و انا لك كل الحياة‪ ،‬هذا هو قسم الحياة (مقطع من‬ ‫الاغصية)‪.‬‬ ‫عصدها لفظ حبيبي نفسه الاخرر‪ ،‬شاهدت عيصاه تتوقف عن‬ ‫الحراك بؤةؤهما اصبح متجمدا كجليد ساكن‪ ،‬تأملته مبتسما حيا‬ ‫و ميت في نفس الوقت‪ ،‬رحت اهزه ثم اخذته بقوة و بومت في‬ ‫حضني‪ ،‬و استمعت في صدري قلبه املتوقف عن الصبض‪.‬‬ ‫بكيت بال صوت و انا احضصه و انا اودع سعادتي اخر مرة‪ .‬ال اعرف‬ ‫اي قوة نزلت علي حينها‪ ،‬حملته على كتفي و اتجهت به الى سيارة‬ ‫امي‪ ،‬وضعته في الخلف و اتجهت به غرةا و دخلت الى غابة تشبه‬ ‫الشفق الاخرر للقمر‪ ،‬حملته في وسط الغابة و قبلته‪ ،‬ثم مألت‬ ‫فمه بالبنزين و سكبته كذلك عليه و على الاشجار املحيطة و‬ ‫حرقته‪ .‬اذرمت فيه الصار و كانه لم يكن ابدا حبيبي‬ ‫‪254‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬ ‫حرقت حبيبي حرقته لكي ال تشاركني الارض فيه‪ ،‬اخذت خاتمه‬ ‫من يده و انورفت مهروال‪ ،‬و بعد مدة قليلة اشتعلت الصار بكل‬ ‫الغابة و مسحت كل ذنوةه و بقيت انا بعدها جان بيار في مديصة‬ ‫الظالل البيضاء‪.‬‬ ‫املديصة التي اصبحت ال تشبه ش يء‪ ،‬املديصة التي واصلت فيها‬ ‫نضالي الى ان استقلت تلك البالد ثانية‪ ،‬اما بعدها فكان ما كان و‬ ‫سافرت عنها و كأنها لم تكن وطني‪،‬‬ ‫ارض ي الجميلة لست اودعك‪ ،‬و لست اخالك مالكا وال شيطانا‪،‬‬ ‫ارض ي حبيبتي ارجوك قولي ألبصائك انهم متساوون في الكرامة و‬ ‫الحق و الواجب‪ ،‬و انك ام للكل مهما كان فكره او لغته او ديصه او‬ ‫ميوله الجنس ي‬ ‫جزائري‪ ،‬ارجوك ال تنسني كما فعلت انا يوما ما ‪.‬‬ ‫احبك‬

‫‪255‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫وضع خالد يده على كتفي و انا اكتب الرواية ثم اعادها‬ ‫اهلل ثانية الى الجزائر‬

‫‪256‬‬


‫مدينة الظالل البيضاء‬

‫كتبت هذه الرواية في السماء‬

‫‪257‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.