3666 AlmashriqNews

Page 6

‫| كتاب | ‪7‬‬

‫ال�سبت املوافق ‪ 14‬من كانون الثاين ‪ 2017‬العدد ‪ 3666‬ـ ال�سنة الرابعة ع�شرة‬ ‫‪Saturday ,14 January . 2017 No. 3666 Year 14‬‬

‫السرد والصورة في الخطاب الشعري‬

‫درا�سة نظرية تطبيقية يف جتربة ال�شاعر عبد املنعم حمندي‬ ‫احللقة ال�ساد�سة‬ ‫تاليف \ عبد الحسين صنكور‬

‫�أم��ا َ�ضمري الغائب (ه��و) فهو الأك�ث�ر َت���داو ًال‬ ‫قدمي ًا و حديث ًا يف جماالت ال�سرد ال�شفاهية او‬ ‫الكتابية‪ ،‬وي�شري الدكتور (مرتا�ض) اىل هذه‬ ‫الظاهرة بقوله‪( :‬لأن��ه (�ضمري الغائب هو)‪،‬‬ ‫و�سيلة �صاحلة لإن يتوارى وراءه��ا ال�سارد‬ ‫ف��ي��م�� ّرر م��ا ي�شاء م��ن �أف��ك��ار و�آيديولوجيات‬ ‫وتعليمات وتوجيهات و�آراء ب��دون �أن يبدو‬ ‫تدخله �صارخ ًا �أو مبا�شر ًا �إال �إذا كان حمروم ًا‬ ‫مبتد�أً‪� ،‬إن ال�سارد يغتدي �أجنبي ًا عن العمل‬ ‫راو ل��ه‪ ،‬بف�ضل هذا‬ ‫ال�����س��ردي‪ ،‬وك���أن��ه جم��رد ٍ‬ ‫ال��ـ(ه��و) العجيب) (‪ .)47‬ول�ضمري الغائب‬ ‫وظ��ائ��ف ح��ي��وي��ة يف بنية ال�����س��رد‪ ،‬رمب���ا من‬ ‫�أهمها‪ ،‬م�ساعدته يف ر�سم �أ�صوات عديدة داخل‬ ‫الن�ص ال�شعري عرب اندماج �أو انف�صال �صوت‬ ‫ال�����س��ارد‪ /‬ال�شاعر م��ع �أ���ص��وات ال�شخ�صيات‬ ‫امل��ع�بر ع��ن��ه��ا م���ن خ�ل�ال ���ض��م�ير ال���ـ(ه���و) �أو‬ ‫املخاطب (�أنت)‪.‬‬ ‫�إن ا�ستخدام ال�سارد‪ /‬ال�شاعر ل�ضمري الغائب‬ ‫ربمّ���ا‪ ،‬يف حالة م��ن ح��االت��ه مييط اللثام عن‬ ‫ممار�سة ال�شاعر فكرة احل�ضور يف الن�ص‬ ‫ال�شعري‪ ،‬عرب تناول الغياب‪ ،‬وهذه �آلية جدلية‬ ‫تتعالق فيها مراحل الفكرة والزمن والتقنية‬ ‫وتتفاعل يف بنية الن�ص الكلية‪ ،‬للك�شف عن‬ ‫(املعنى) و(ال��دالل��ة) التي يريد مبدع الن�ص‪،‬‬ ‫و�صولها اىل املتلقي‪.‬‬ ‫�إم���ا ا���س��ت��خ��دام �ضمري امل��خ��اط��ب يف الن�ص‬ ‫ال�������س���رديّ ‪ ،‬ف��ي��ق��ول ع��ن��ه ال��دك��ت��ور ع��ب��د امللك‬ ‫م��رت��ا���ض‪( :‬ج��ع��ل��ن��ا ه���ذا ال�����ض��م�ير ث��ال��ث�� ًا يف‬ ‫الت�صنيف بالقيا�س اىل �صنوَيه‪ ،‬لأننا نعتقد‬ ‫�أنه الأقل ورود ًا �أو ًال‪ ،‬ثم الأحدث ن�ش�أ ًة �آخر ًا‪،‬‬ ‫يف ال��ك��ت��اب��ات ال�����س��ردي��ة امل��ع��ا���ص��رة) (‪.)48‬‬ ‫وي�ضيف مو�ضح ًا ت��دين مرتبة ه��ذا ال�ضمري‬ ‫ال�سرد‪ ،‬بقوله‪( :‬وك����أن هذا‬ ‫يف ا�ستخدامات ّ‬ ‫ً‬ ‫ال�ضمري ي�أتي ا�ستعماله و�سيطا بني �ضمري‬ ‫الغائب واملتكلم‪ ،‬ف�إذن ال هو يحيل على خارج‬ ‫قطع ًا‪ ،‬وال هو يحيل على داخل حتم ًا‪ ،‬ولكنه‬ ‫املج�سد يف‬ ‫يقع ب�ين ب�ين‪ :‬يتنازعه ال��غ��ي��اب‬ ‫َّ‬ ‫�ضمري الغياب‪ ،‬ويتجاذبه احل�ضور ال�شهودي‬ ‫املاثل يف �ضمري املتكلم) (‪.)49‬‬ ‫�إن جلوء ال�شاعر اىل ا�ستعمال �ضمري املخاطب‬ ‫(�أنت) ب�صيغته املفردة �أو اجلمع (�أنتم) �إمنا‬ ‫ي���أت��ي لت�شكيل عالقة ب�ين ال�سارد وامل�سرود‬ ‫له عرب ا�ستخدامات لغوية وتقنيات �سردية‪،‬‬ ‫�سوا ًء يف عنوان الن�ص �أو متنه‪ ،‬بهدف حتقيق‬ ‫احل�ضور الفاعل يف ذهن املتلقي‪ ،‬غالب ًا‪ ،‬من‬ ‫خالل اجن��از وظيفة جمالية و (‪ )30‬نف�سية‪،‬‬ ‫ويف الوقت نف�سه عند املتلقي‪ .‬وهذا ي�أتي من‬ ‫خالل ت�ضييق امل�سافة الن�صية وتعميقها‪ ،‬بني‬ ‫عنا�صر اخل��ط��اب ‪ Discores‬الأ�سا�سية‪:‬‬ ‫املر�سل‪ ،‬الر�سالة‪ ،‬املر�سل اليه‪ .‬ويف هذا ال�صدد‬ ‫ق��ال الدكتور عبد النا�صر ه�لال‪�( :‬إن �ضمري‬ ‫املخاطب ينقل ال�سرد من امل�ستوى االمتدادي‬ ‫االفقي اىل ما ميكن �أن ن�سميه ال�سرد الر�أ�سي‬ ‫ال��ذي ين�ش�أ يف ظل متاهي �صوتني يتحركان‬ ‫مع ًا ويتقاطعان ويتوازيان‪� ،‬صوت الراوي من‬ ‫جهة و�صوت ال�شخ�صية املخاطبة (بفتح الطاء)‬ ‫من جهة �أخرى‪ ،‬كما �أن �ضمري املخاطب مينح‬ ‫ال��راوي‪ /‬ال�سارد فر�صة املواجهة مع الذات‪/‬‬ ‫ال�شخ�صية وحم��ا���ص��رت��ه��ا وت���أم��ل��ه��ا وك�شف‬ ‫�أبعادها ووعيها) (‪ .)50‬لذا يبقى لتكنيك اللغة‬ ‫عند ال�شاعر‪ /‬ال�سارد �أهمية يف �إبراز �أي �شكل‬ ‫من �أ�شكال ا�شعر ال�سردي‪ ،‬بتبنيه بُنى لغوية‬ ‫مبتكرة ت�سهم يف �إبراز ا�ستخدام هذا ال�شكل‬ ‫�أو �آخر �ضمن البنية الكلية للن�ص‪ ،‬وهذا الأمر‬ ‫ينطبق على ا�ستخدامات �ضمري املخاطب‪.‬‬ ‫�إن �صناعة �آف��اق �سردية يف الن�ص ال�شعري‬ ‫م��ن خ�لال ا�ستعماالت �أ���ش��ك��ال ال�����س��رد يبقى‬ ‫مرتبط ًا ب�إمكانات ال�شاعر‪ /‬ال�سارد‪ ،‬ومتكنه‬ ‫من �أدواته يف خلق حركة تداخل بني عنا�صر‬ ‫ال�سرد وتقنياته و�أ�شكاله جمتمعة‪ ،‬لأن الن�ص‬ ‫ال�شعري ال�سردي وحدة متكاملة ذات عالقات‬ ‫انفراط‬ ‫بنائية ولغوية و�صوتية و�سردية‪� ،‬أيّ‬ ‫ٍ‬ ‫�أو تق�صري يف ت�شكيل �أي منهما �سينعك�س‬ ‫حتم ًا على ن�سيج الن�ص ال�����س��ردي ومعناه‪.‬‬ ‫لهذا ف���إن �إب��راز العنا�صر ال�سردية واملجازية‬ ‫يف الن�ص ال�شعري ال�سردي ينبغي �أن ي�أخذ‬ ‫مقولة الناقد وال�شاعر كمال �أب��و دي��ب‪ ،‬بنظر‬ ‫االعتبار لأنها بتقديري‪ ،‬هي مرجعية و�أ�سا�س‬ ‫يف فهم ال�سرد يف ال�شعر‪ ،‬ومعيار لفهم وتقييم‬ ‫(ال�شعرية) يف الق�صيدة �إذ قال يف هذا ال�صدد‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫جت�سد يف الن�ص ل�شبكة من العالقات‬ ‫(�إن��ه��ا ّ‬ ‫التي تنمو بني مكونات �أولية ِ�س َم ُتها الأ�سا�سية‬ ‫�أن ك ًال منها ميكن �أن يقع يف �سياق �آخر دون‬ ‫�أن يكون ِ�شعر ّي ًا‪ ،‬لكنه يف ال�سياق الذي تن�ش�أ‬ ‫فيه هذه العالقات ويف حركته املتوا�شجة مع‬

‫خزعل املاجدي‬

‫الزمان فقط بدون املكان‪� ،‬أو تقنية (الراوي)‬ ‫�أو (ال�شخ�صية) فيها بدون ذكر (للحدث)‪ ،‬فهذا‬ ‫ال يعني �إهماال مق�صودا‪ ،‬بل كان ان�سجام ًا مع‬ ‫�سياق الق�صيدة نف�سها‪.‬‬ ‫بعبارة �أخرى �سوف ال ن�سعى لإ�ضفاء (ف�ضاء‬ ‫����س���ردي) خ���ارج���ي‪ ،‬ال وج����ود ل���ه يف ج�سد‬ ‫الق�صيدة وبنائها ال�شكلي �أو اللغوي‪ ،‬وهذا‬ ‫يعني �أن (الن�ص) هو ال�سيِّد يف هدي �سياقه‬ ‫و ال ���ش��يء غ�ي�ره‪ .‬و�أن م��ن امل��ف��ي��د الإ���ش��ارة‬ ‫�إىل �أن تناولنا لل�سرد يف اخلطاب ال�شعري‬ ‫لل�شاعر (حمندي) �سوف ال يعتمد �أو يلتزم‬ ‫بالت�سل�سل الزمني لكتابة الق�صائد �أو �صدور‬ ‫ال��دواوي��ن‪ ،‬بل يعتمد (امل�ساحات ال�سردية)‬ ‫التي يك�شف عنها �سياق الق�صيدة نف�سها‪ ،‬وما‬ ‫ي��ج��اوره��ا م��ن ا�ستخدامات لعنا�صر ال�سرد‬ ‫وتقنياته و�أ�شكاله‪ ،‬وهذا الأمر �سي�سهل على‬ ‫القارئ مهمة متييز تلك العنا�صر والتقنيات‬ ‫والأ�شكال‪ ،‬بح�سب ورودها يف �سياق الن�ص‬ ‫ولي�س بح�سب ت�سل�سلها ال��زم��ن��ي‪ ،‬وجتدر‬ ‫الإ���ش��ارة �إىل �أن الأم��ث��ل��ة ال�شعرية ال��ت��ي مت‬ ‫(‪ )33‬اختيارها كعينات بحث‪ ،‬قد تكون بع�ض‬ ‫مقتب�ساتها طويلة نوع ًا ما‪ ،‬وهذا الأمر فر�ضه‬ ‫منهج البحث الذي يعتمد على ال�سياق الن�صي‬ ‫الذي ورد فيه املقتب�س‪ ،‬لذا مل يكن يف مقدور‬ ‫الباحث قطع �أو اخت�صار املقت َب�س‪ ،‬احلالة التي‬ ‫�سوف ت�ؤثر على املثال املراد عر�ضه‪ ،‬لأن �أي‬ ‫قطع يف (ال�سياق) ال��ذي ج��اء فيه‪� ،‬سيعطي‬ ‫�صورة غري �صادقة وم�شوهة عن تقنيات �أو‬ ‫عنا�صر ال�سرد و�أ�شكاله املعتمدة من ال�شاعر‪،‬‬ ‫ل���ذا وج����دتُ الإ����ش���ارة اىل ذل���ك‪ ،‬ك��ي ي�أخذها‬ ‫القارئ بعني مالحظته واعتباره‪.‬‬ ‫‪ .2‬الو�صف ال�سردي‪ /‬املكان – الزمان‪:‬‬

‫رمبا‪ ،‬كان ديوان (�أول النار) ال�صادر ببغداد‬ ‫���س��ن��ة ‪1993‬م‪ ،‬م��ن ال���دواوي���ن امل��ه��م��ة التي‬ ‫ب�شرت بن�ضج جتربة ال�شاعر (حمندي)‪ ،‬الأمر‬ ‫الذي �أك��ده املرحوم ال�شاعر واملرتجم (خليل‬ ‫خوري) يف مقدمته لذلك الديوان‪ .‬ولقد احتل‬ ‫ال�سرد مكان ًا وا�ضح ًا‪ ،‬ك�أداة من �أدوات اخلطاب‬ ‫ال�شعري‪ ،‬يف ه��ذا ال��دي��وان‪ .‬فق�صيدة (فوق‬ ‫ن�صب احلرية) متثل مثا ًال للو�صف ال�سردي‬ ‫املعتمد على (املكان)‪:‬‬ ‫((ال�شارعُ ميتدّ‪ ..‬وميت ُّد‬ ‫والن�صب ال�شامخ يعلو‬ ‫يت�أمّل بغداد‬ ‫الروح‬ ‫ويقر�أ يف ت�أريخ‬ ‫ْ‬ ‫امني جياد‬ ‫مفتوح))(‪.)1‬‬ ‫كتاب‬ ‫مثل‬ ‫ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ال�شاعر يف و�صفه ال�سردي على‬ ‫ال�سمة الأ�سا�سية ذاتها‪ ،‬ي�ستند‬ ‫مكونات �أخ��رى‪ ،‬لها ِ‬ ‫لل�شعرية وم�ؤ�شر على‬ ‫يتحول اىل فاعلية خلق ِ‬ ‫وجودها) (‪.)51‬‬ ‫هذا ت�أكيد على وحدة الن�ص ال�شعري ال�سردي‬ ‫ووحدة عنا�صره وتقنياته و�أ�شكاله ومكوناته‬ ‫ال��ت��ي ت���ذوب كلها وتتمثل يف وح���دة البنية‬ ‫الكلية للن�ص‪ ،‬التي لها اليد الأعلى يف ر�سم‬ ‫ال�شعري الذي يعتمد‬ ‫ال�شعرية يف الن�ص ِ‬ ‫معامل ِ‬ ‫ال�سرد طريق ًا له باجتاه املتلقي‪)31( .‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬الإطار التطبيقي‬ ‫‪ .1‬مدخل‪:‬‬ ‫يف هدي ما �أوجزناه يف املحور النظري من‬ ‫حقائق تتع ّلق بال�سرد وعنا�صره وتقنياته‬ ‫و�أ�شكاله امل�ستخدمة يف اخلطاب ال�شعري‪،‬‬ ‫مي��ك��ن ال��ق��ول‪� ،‬أن ن��ت��اج ال�����ش��اع��ر ع��ب��د املنعم‬ ‫حمندي منذ ديوانه الأول (�أتيتك غد ًا) ال�صادر‬ ‫يف بغداد عام ‪ 1986‬وحتى ديوانه التا�سع‬ ‫(الإدري���������س وال���ه���ده���د)‪ ،‬م�����رور ًا بدواوينه‬ ‫الأخرى‪ ،‬ال يكاد املتلقي �أو الباحث �إلاّ �أن يجد‬ ‫�سرد ًا ب�شكل من الأ�شكال مبثوث ًا يف ق�صائد‬ ‫عدة يف �أي ديوان من دواوينه‪ ،‬بل قد ميتد‬ ‫هذا البث ال�سردي لي�شمل يف حاالت معينة‬ ‫معظم الديوان ب�أكمله‪ ،‬كما هي احلال يف‬ ‫ديوانه (دخان ال�شجر) ال�صادر يف بغداد‬ ‫عام ‪� 1988‬أو ديوانه اجلديد امل�شار �إليه‪.‬‬ ‫وقد يكون من املفيد فرز عنا�صر ال�سرد‬ ‫وتقنياته و�أ�شكاله يف اخلطاب ال�شعري‪،‬‬ ‫لأغرا�ض منهجية �أكادميية‪� ،‬إلاّ انها يف‬ ‫�إطار البحث التطبيقي‪ ،‬ال بد �أن متتزج‬ ‫يف بنية ال��ن�����ص ال�����ش��ع��ري وتتداخل‬ ‫وتتقاطع مع نف�سها �أو ًال‪ ،‬ومع عنا�صر‬ ‫البنية (املجازية) للخطاب ال�شعري نف�سه ثانيا‪ً.‬‬ ‫لذا ف�إن املنهج التطبيقي الذي �سن�سري فيه يف‬ ‫هذا املحور هو ما يفر�ضه علينا (ال�سياق) يف‬ ‫الق�صيدة من حمددات �أو م�ؤ�شرات �أو عنا�صر‬ ‫و�أ���ش��ك��ال وت��ق��ن��ي��ات‪ ،‬الأم���ر ال���ذي ق��د يجعلنا‬ ‫نتجاوز عن�صر ًا �أو �شك ًال �أو تقنية‪ ،‬بح�سب‬ ‫�سياق الن�ص نف�سه‪ ،‬مبعنى �آخ��ر‪� ،‬إذا �أخذنا‬ ‫ق�صيدة من ق�صائد ال�شاعر وحتدثنا عن عن�صر‬

‫حميد �سعيد‬

‫وي�صعد مزهوًّ ا يف الأرجا ْء‬ ‫وعلى قدميه يجثو‬ ‫املخمورون من الفقرا ْء‬ ‫ّ‬ ‫والع�شاق‪..‬‬ ‫ي�ستقبله العمال ـ الباعة ـ‬ ‫�سما�سرة الليل‪ ...‬ال�شعرا ْء‬ ‫ت�ستقبله الأحالم‪ ،‬اجلوع‪،‬‬ ‫دموعُ الب�سطا ْء‬ ‫هموم النا�س‪..‬‬ ‫كابو�س اخلوف اجلاثم فوق الأ�شيا ْء))(‪.)2‬‬ ‫امل��ك��ان ه��ن��ا‪ ،‬هنا عن�صر م��ن عنا�صر ال�سرد‬ ‫الأ�سا�سية يف الق�صيدة‪ ،‬ولي�ست مكان ًا جمرد ًا‪،‬‬ ‫�إذ �أن دالالته ال�شعرية تربز من خالل ا�ستعمال‬ ‫ال�شاعر لكامريته املتحركة �صعود ًا ونزو ًال‪ ،‬مع‬ ‫ربط لقطاتها خالل تقطيع اختياري‪ ،‬مع تركيز‬ ‫خا�ص على لقطات معينة‪ ،‬تخدم الهدف الذي‬ ‫ي�سعى اىل �إب���رازه‪ ،‬وامل��ك��ان هنا‪� ،‬أي�ض ًا غري‬ ‫منف�صل عن عن�صر �آخر‪ ،‬مكوّ ن للبنية ال�سرديّة‬ ‫للق�صيدة‪� ،‬أال وهو (الزمان)‪:‬‬ ‫((يف جوف الليل الوح�شي‬ ‫نزفتْ ق�ضبان ال ُن�صب رجا ًال‬ ‫ُ‬ ‫اكتاف الأر�ض‬ ‫و اهت ّزت‬ ‫نزفتْ وطن ًا‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫يخرتق الظلمات‬ ‫(‪)35‬‬ ‫ويجتاز الأزمان‬ ‫وعلى اجلهة الي�سرى‬ ‫ُ‬ ‫النب�ض‪:‬‬ ‫�صرخ‬ ‫م��������ن �أي‬

‫ال�سياب‬

‫(ي��ج��ت��از‪ ،‬ي���خ�ت�رق)‪ ،‬وامل��ا���ض��ي ال����ذي يدخل‬ ‫ليخرتق احلا�ضر وامل�ستقبل بفعالية (املجيء‬ ‫والنزول واالهتزاز والنزف) يف (جوف الليل‬ ‫الوح�شي)‪.‬‬ ‫الق�صيدة بجميع مقاطعها جت��يء م��ن خالل‬ ‫(الراوي) الذي يروي حكاية الن�صب بو�صفه‬ ‫(�شخ�صية) مركزية يف الق�ص ال��ذي يرويه‬ ‫(ال��راوي)‪ ،‬لكن الأخ�ير‪ ،‬غري منف�صل عن ذات‬ ‫ال�شاعر نف�سه‪� ،‬إذ �أن ال�شاعر‪ /‬ال�سارد هو نف�سه‬ ‫ال�شاعر‪ /‬الراوي‪:‬‬ ‫((نظ َر ال�شاع ُر‬ ‫للن�صب وقال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫هل تورق �أ�شجار التوت ‪ ..‬؟‬ ‫املذبوح‬ ‫‪ :‬يا هذا الرمز‬ ‫ْ‬ ‫الروح ‪ ..‬؟‬ ‫هل ت�سمع نهنهة‬ ‫ْ‬ ‫فالأ�شالء ‪..‬‬ ‫تتج ّم ُع فوق الأ�شال ْء‬ ‫(‪)36‬‬ ‫الن�صب ال�شامخُ‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫نهر و دما ْء ‪. )4()) !! ..‬‬ ‫يف‬ ‫ي�سبحُ‬ ‫ٍ‬

‫((طائ ٌر هَ ِر ٌم‬ ‫ٌ‬ ‫واقف بني حدّين يهذي‬ ‫وحتمله الريحُ ـ �أعتى من الع�صف‬ ‫ين�أى بعيد ًا ‪..‬‬ ‫يُح ِّل ُق فوق �شمو�س عذاباتنا‬ ‫ث َّم ُ‬ ‫يوقظ �أبناءها يف الظال ْم‬ ‫ٌ‬ ‫واقف بني حدّين‬ ‫ال�سكوت‬ ‫ح ّد‬ ‫ِ‬ ‫و ح ّد الكال َم‬ ‫�شفتي الكالم)) (‪.)6‬‬ ‫ليُذب َ​َح يف‬ ‫َّ‬ ‫(ال�شخ�صية) يف البنية ال�سردية لهذه الق�صيدة‪،‬‬ ‫جاءت ذات مالمح �أ�سطورية مطلقة‪ ،‬املكان فيها‬ ‫غائب �أو غري م�ؤ�شر ب�شكل مبا�شر‪ ،‬بل ميكن �أن‬ ‫�أ�سميه (مكان ًا ا�ستنتاجي ًا) ـ �إذا جاز التعبري‬ ‫ـ��ـ ي�ستنتجه ال��ق��ارئ بح�سب بيئته املعرفية‬ ‫والثقافية و�أوا�صر عالقته النف�سية مع الن�ص‪،‬‬ ‫وهذا النوع من (العنا�صر املكانية ال�سردية)‬ ‫يبدو مف� ً‬ ‫ضال عند العديد من ال�شعراء‪ ،‬لأنه يوفر‬ ‫بيئة �سردية فيها من الغمو�ض والت�شويق‪ ،‬مبا‬ ‫ين�سجم مع (البنية املجازية) للق�صيدة التي‬ ‫ال يتخلى عنها ال�شاعر‪ ،‬يف معظم الأح��وال‪،‬‬ ‫ل�صالح بنية ال�سرد نف�سها‪:‬‬ ‫(‪)38‬‬ ‫ري يهذي ـ‬ ‫(( ـ �إنه الط ُ‬ ‫ـ �صدِ َئ ال�سيف �أم �صدِ ئتْ ُّ‬ ‫كف حاملِهِ‬ ‫فال�سيوف التي �صدِ ئت ح ّذرت َّ‬ ‫كف �صاح ِبها‬ ‫وال ُّ‬ ‫أكف التي �صدِ ئتْ ‪� ...‬صدِ ئتْ‬ ‫ُ‬ ‫ال�سيف حام َل ُه‬ ‫أتعب‬ ‫� َ‬ ‫ً‬ ‫ون�أى‪ ..‬تاركا غم َد ُه‬ ‫رب�أَ من قب�ض ٍة ‪ ...‬مل تكنْ �أه َل ُه‬ ‫قد ت ّ‬ ‫‪ ...‬وانزوى يف ِجدا ْر‪.)7()) ..‬‬

‫كعن�صر �أ�سا�س يف‬ ‫�إن ا�ستعمال (املكان)‬ ‫ٍ‬ ‫بنية الق�صيدة ال�سردية‪ ،‬كانت له جذو ٌر‬ ‫ع��ن��د ال�����ش��اع��ر‪ ،‬ك��م��ا الح��ظ��ن��ا يف ق�صائد‬ ‫عديدة من ديوانه (دخان ال�شجر) ال�صادر‬ ‫يف بغداد ‪ 1988‬و رمبا ق�صيدة (مزامري‬ ‫فجر الفاو)‪ ،‬مثا ًال على ذلك‪:‬‬ ‫((كان ملحُ كِ ما�س ًا‬ ‫ف�أغمدتُ جرحي‬ ‫وكنت كما الروح‬ ‫ِ‬ ‫أقرب من خافقي ‪..‬‬ ‫� َ‬ ‫ِّ‬ ‫حيث كنتُ �أ َمني عيوين‬ ‫ت�ؤجّ ر حلم ًا ‪..‬‬ ‫ً‬ ‫وكما �أن (املكان)‪ ،‬قد جاء مفتوحا يف الق�صيدة‬ ‫فرب �أرى فيه‬ ‫َّ‬ ‫ً‬ ‫من�سجما مع (الطري) ذات البعد الأ�سطوري‪،‬‬ ‫وجهي من الفاو ي�سط ُع‬ ‫ك���ذل���ك‪ ،‬ف�����إن ال���زم���ن ي����أخ���ذ ال�����س��ي��اق نف�سه‪،‬‬ ‫يف ال�ضفتني)) (‪.)5‬‬ ‫وللأ�سباب نف�سها‪ .‬وه��ذه التقنية لعن�صري‬ ‫تعتمد ال�سردية هنا على الفعل (كان)‪ ،‬املتداخل (املكان والزمان) تتكرر عند ال�شاعر بن�ضوج‬ ‫م��ع �صيغة �ضمري امل��ت��ك��ل��م‪ ،‬وك�����أن ال�شاعر‪� /‬أ���ش��م��ل ك��م��ا ه��و احل���ال يف ق�صيدة (احل�ي�رة‬ ‫ال�����س��ارد‪ ،‬ام��ت��زج ب��امل��ك��ان و���ص��ار ج���زءًا منه‪ ،‬وامل��ع��راج) من دي��وان (معراج �آخ��ر) ال�صادر‬ ‫بو�صفه (املكان) ح َّل حمل (احللم) الذي يريده �سنة ‪2008‬م‪ ،‬بيت ال�شعر الفل�سطيني‪ /‬رام‬ ‫ال�شاعر‪ ،‬فاملكان يف ه��ذه الق�صيدة‪� ،‬أ�صبح الله‪� ،‬إذ يبد�أ ال�شاعر ق�صيدته‪ ،‬كعادته بافتتاحية‬ ‫�إط����ار ًا ت���ذوب ف��ي��ه‪ ،‬عنا�صر ال�����س��رد الأخ���رى �سردية و�صفية ت�ضم م�شاهد ولقطات تهيئ ملا‬ ‫وت��ق��ن��ي��ات��ه‪ ،‬ب��ه��دف �إب�����راز ال��ت��وت��ر ال�سردي هو قادم من �أحداث و�شخ�صيات‪:‬‬ ‫و�شدته واحتوائه بالوقت نف�سه‪ ،‬لكي يعطي ((لي ٌل ت�أ ّب َد يف املحيط‬ ‫ال�شاع ُر املتل ّق َي‪ ،‬كثافة التعبري عن احلالة التي و م�شى يج ّر خيوط ُه نحو‬ ‫ْ‬ ‫والطفوف‬ ‫ي�ستخدم ال�سرد ك���أداة لتو�صيلها �إليه‪ )37( .‬ال�صحارى‬ ‫ا����س���ت���ع���م���ال‬ ‫والأمر نف�سه‪ ،‬جنده عند ال�شاعر‪ ،‬لكن يف جمال و م�ضارب العرب العتيدةِ‬ ‫ْ‬ ‫ال�سيوف‬ ‫ا�ستخدام تقنية (ال�شخ�صية) يف ال�سرد يف للقبائل و امل�ضايف و‬ ‫الفعل امل�ضارع للتعبري ع��ن ال��زم��ن احلا�ضر‬ ‫ُ‬ ‫اخلطاب ال�شعري‪ ،‬فال�شخ�صية مل تكن ب�شر ًا‪)39( ،‬‬ ‫الوم�ض ‪ ..‬؟‬ ‫امل���ت���ج���ه اىل امل�����س��ت��ق��ب��ل ع��ب�ر ا����س���ت���خ���دام �سماءٍ جاء‬ ‫الفعل (ي��ت���أمّ��ل) م��ع ا���س��ت��ع��ارة ف��ن (املونتاج من �أي �سماءٍ نز َل املوتُ ‪ ..‬؟‬ ‫بل ا�ستعمل ال�شاعر �شخ�صي ًة �أخرى‪( :‬طائر ًا و قوافل ال�صحراءِ‬ ‫من �أيّ �سما ْء‪..‬؟))(‪.)3‬‬ ‫ال�سينمائي)‪:‬‬ ‫هَ ِ��رم�� ًا) ب���إط��ار �سردي من�سجم مع انزياحات للنار و ال�صهباءِ‬ ‫((ن�صب احلريّة يعلو‬ ‫بالغية متوافقة ومتوازية‪ ،‬كما هو احلال يف و اخليالءِ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ميتدّ‪ ..‬وميت ُّد‬ ‫تداخل املكان مع الزمن‪ ،‬من خالل ا�ستخدامات ق�صيدة (الطائر) املن�شورة يف ديوانه (�أتيتك و ال�شهداءِ‬ ‫و ال�شعراءِ ))(‪.)8‬‬ ‫ال��ف��ع��ل امل�������ض���ارع امل��ف��ت��وح ع��ل��ى امل�ستقبل غد ًا) ال�صادر يف بغداد عام ‪:1986‬‬ ‫(‪)34‬‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.