61_مجلة_الجوبة_Aljoubah_magazine

Page 1

‫ ¦ ُ‬ ‫واحة دومة الجندل‬ ‫التاريخية والتسجيل في‬ ‫التراث العالمي‪.‬‬ ‫ ¦فوزية أبو خالد‪ ..‬شاعرة‬ ‫الغيم الذي يبحث عن أرضه‪.‬‬ ‫ ¦شرنقة الحلم األصفر‬ ‫بين تأويل المشهد‬ ‫السياسي ودرامية المشهد‬ ‫االجتماعي‪.‬‬ ‫ ¦جدلية األدب والفن من‬ ‫خالل نموذج األديب هونوري‬ ‫دو بلزاك‪.‬‬

‫مؤتمر أدوماتو الثالث‬ ‫املياه عبر العصور يف الوطن العربي يف ضوء االكتشافات اآلثارية‬

‫‪61‬‬


‫برنامـج نشر الدراسات واإلبداعـات األدبية والفكرية ودعم البحوث والرسائل‬ ‫العلمية يف مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‬ ‫‪ 1-‬نشر الدراسات واإلبداعات األدبية والفكرية‬

‫يهتم بالدراسات‪ ،‬واإلبداعات األدبية‪ ،‬ويهدف إلى إخراج أعمال متميزة‪ ،‬وتشجيع حركة‬ ‫اإلبداع األدبي واإلنتاج الفكري وإثرائها بكل ما هو أصيل ومميز‪.‬‬ ‫ويشمل النشر أعمال التأليف والترجمة والتحقيق والتحرير‪.‬‬ ‫مجاالت النشر‪:‬‬ ‫أ ‪ -‬الدراسات التي تتناول منطقة الجوف ومحافظة الغاط في أي مجال من المجاالت‪.‬‬ ‫ب‪ -‬اإلبداعات األدبية والفكرية بأجناسها المختلفة (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من شروط النشر)‪.‬‬ ‫ج‪ -‬الدراسات األخرى غير المتعلقة بمنطقة الجوف ومحافظة الغاط (وفقاً لما هو مب ّين في البند «‪ »٨‬من‬ ‫شروط النشر)‪.‬‬ ‫شروطه‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن تتسم الدراسات والبحوث بالموضوعية واألصالة والعمق‪ ،‬وأن تكون موثقة طبقاً للمنهجية العلمية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن تُكتب المادة بلغة سليمة‪.‬‬ ‫‪ -٣‬أن يُرفق أصل العمل إذا كان مترجماً‪ ،‬وأن يتم الحصول على موافقة صاحب الحق‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن تُق ّدم المادة مطبوعة باستخدام الحاسوب على ورق (‪ )A4‬ويرفق بها قرص ممغنط‪.‬‬ ‫‪ -٥‬أن تكون الصور الفوتوغرافية واللوحات واألشكال التوضيحية المرفقة بالمادة جيدة ومناسبة‬ ‫للنشر‪.‬‬ ‫‪ -٦‬إذا كان العمل إبداعاً أدبياً فيجب أن يتّسم بالتم ّيز الفني وأن يكون مكتوباً بلغة عربية‬ ‫فصيحة‪.‬‬ ‫‪ -٧‬أن يكون حجم المادة ‪ -‬وفقاً للشكل الذي ستصدر فيه ‪ -‬على النحو اآلتي‪:‬‬ ‫ الكتب‪ :‬ال تقل عن مئة صفحة بالمقاس المذكور‪.‬‬‫ البحوث التي تنشر ضمن مجالت محكمة يصدرها المركز‪ :‬تخضع لقواعد النشر في‬‫تلك المجالت‪.‬‬ ‫ الكتيبات‪ :‬ال تزيد على مئة صفحة‪( .‬تحتوي الصفحة على «‪ »250‬كلمة تقريباً)‪.‬‬‫‪ -٨‬فيما يتعلق بالبند (ب) من مجاالت النشر‪ ،‬فيشمل األعمال المقدمة من أبناء وبنات‬ ‫منطقة الجوف‪ ،‬إضافة إلى المقيمين فيها لمدة ال تقل عن عام‪ ،‬أما ما يتعلق بالبند (ج)‬ ‫فيشترط أن يكون الكاتب من أبناء أو بنات المنطقة فقط‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يمنح المركز صاحب العمل الفكري نسخاً مجانية من العمل بعد إصداره‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكافأة مالية مناسبة‪.‬‬ ‫‪ -١٠‬تخضع المواد المقدمة للتحكيم‪.‬‬


‫‪ -2‬دعم البحوث والرسائل العلمية‬

‫يهتم بدعم مشاريع البحوث والرسائل العلمية والدراسات املتعلقة مبنطقة اجلوف‬ ‫ومحافظة الغاط‪ ،‬ويهدف إلى تشجيع الباحثني على طرق أبواب علمية بحثية جديدة يف‬ ‫معاجلاتها وأفكارها‪.‬‬ ‫(أ) الشروط العامة‪:‬‬ ‫‪ -١‬يشمل الدعم املالي البحوث األكادميية والرسائل العلمية املقدمة إلى اجلامعات‬ ‫واملراكز البحثية والعلمية‪ ،‬كما يشمل البحوث الفردية‪ ،‬وتلك املرتبطة مبؤسسات غير‬ ‫أكادميية‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة متعلقاً مبنطقة اجلوف ومحافظة الغاط‪.‬‬ ‫‪ -٣‬يجب أن يكون موضوع البحث أو الرسالة جديداً يف فكرته ومعاجلته‪.‬‬ ‫‪ -٤‬أن ال يتقدم الباحث أو الدارس مبشروع بحث قد فرغ منه‪.‬‬ ‫‪ -٥‬يقدم الباحث طلباً للدعم مرفقاً به خطة البحث‪.‬‬ ‫‪ -٦‬تخضع مقترحات املشاريع إلى تقومي علمي‪.‬‬ ‫‪ -٧‬للمركز حق حتديد السقف األدنى واألعلى للتمويل‪.‬‬ ‫‪ -٨‬ال يحق للباحث بعد املوافقة على التمويل إجراء تعديالت جذرية تؤدي إلى تغيير‬ ‫وجهة املوضوع إال بعد الرجوع للمركز‪.‬‬ ‫‪ -٩‬يقدم الباحث نسخة من السيرة الذاتية‪.‬‬ ‫(ب) الشروط اخلاصة بالبحوث‪:‬‬ ‫‪ -١‬يلتزم الباحث بكل ما جاء يف الشروط العامة(البند «أ»)‪.‬‬ ‫‪ -٢‬يشمل املقترح ما يلي‪:‬‬ ‫ توصيف مشروع البحث‪ ،‬ويشمل موضوع البحث وأهدافه‪ ،‬خطة العمل ومراحله‪،‬‬‫واملدة املطلوبة إلجناز العمل‪.‬‬ ‫ ميزانية تفصيلية متوافقة مع متطلبات املشروع‪ ،‬تشمل األجهزة واملستلزمات‬‫املطلوبة‪ ،‬مصاريف السفر والتنقل والسكن واإلعاشة‪ ،‬املشاركني يف البحث من‬ ‫طالب ومساعدين وفنيني‪ ،‬مصاريف إدخال البيانات ومعاجلة املعلومات والطباعة‪.‬‬ ‫ حتديد ما إذا كان البحث مدعوماً كذلك من جهة أخرى‪.‬‬‫(ج) الشروط اخلاصة بالرسائل العلمية‪:‬‬ ‫إضافة لكل ما ورد يف الشروط اخلاصة بالبحوث(البند «ب») يلتزم الباحث مبا يلي‪:‬‬ ‫‪ -١‬أن يكون موضوع الرسالة وخطتها قد أق ّرا من اجلهة األكادميية‪ ،‬ويرفق ما يثبت ذلك‪.‬‬ ‫‪ -٢‬أن يُق ّدم توصية من املشرف على الرسالة عن مدى مالءمة خطة العمل‪.‬‬ ‫هاتف‪ 014 6245992 :‬فاكس‪014 6247780 :‬‬ ‫الجـوف ‪ 42421‬ص‪ .‬ب ‪ 458‬‬ ‫هاتف‪ 016 4422497 :‬فاكس‪016 4421307 :‬‬ ‫الغ ـ ـ ــاط ‪ 11914‬ص‪.‬ب ‪ 63‬‬ ‫الرياض ‪ 11614‬ص‪ .‬ب ‪ 94781‬هاتف‪ 011 2015494 :‬فاكس‪011 2015498 :‬‬

‫‪info@alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫مجلس إدارة مؤسسة عبدالرحمن السديري‬

‫ملف ثقايف ربع سنوي يصدر عن‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي‬ ‫هيئة النشر ودعم األبحاث‬

‫رئيساً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬ميجان بن حسين الرويلي ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬علي دبكل العنزي ‬ ‫عضواً‬ ‫محمد بن أحمد الراشد ‬ ‫أسرة التحرير‬

‫إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمود الرمحي‬ ‫محرر ًا‬ ‫ ‬ ‫محمد صوانة‬ ‫اإلخراج الفني ‪ :‬خالد الدعاس‬

‫املشرف العام‬

‫هاتف‪)+966()14(6263455 :‬‬ ‫املراســــــالت‪ :‬‬ ‫فاكس‪)+966()14(6247780 :‬‬ ‫ ‬ ‫ص‪ .‬ب ‪ 458‬سكاكا اجلـوف ‪ -‬اململكة العربية السعودية‬ ‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬ ‫‪aljoubahmag@alsudairy.org.sa‬‬

‫ردمد ‪ISSN 1319 - 2566‬‬ ‫سعر النسخة ‪ 8‬رياالت ‪ -‬تطلب من الشركة الوطنية للتوزيع‬ ‫االشتراك السنوي لألفراد ‪ 50‬ريا ًال واملؤسسات ‪ 60‬ريا ًال‬

‫رئيساً‬ ‫فيصل بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫سلطان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫د‪ .‬زياد بن عبدالرحمن السديري العضو المنتدب‬ ‫عضواً‬ ‫عبدالعزيز بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬سلمان بن عبدالرحمن السديري ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالرحمن بن صالح الشبيلي ‬ ‫عضواً‬ ‫د‪ .‬عبدالواحد بن خالد الحميد ‬ ‫سلمان بن عبدالمحسن بن محمد السديري عضواً‬ ‫طارق بن زياد بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫سلطان بن فيصل بن عبدالرحمن السديري عضواً‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬مشاعل بنت عبدالمحسن السديري عضواً‬ ‫قواعد النشر‬

‫‬‪ -1‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬أصيلة‬ ‪.‭‬‬ ‫‪ ‭‬-2‬لم‬ ‪‭‬يسبق‬ ‪‭‬نشرها‬ ‪‭‬ورقيا‬ً ‪‭‬أو‬ ‪‭‬رقميا‬ً‪‭.‬‬ ‫‪ ‭‬-3‬تراعي‬ ‪‭‬اجلدية‬ ‪‭‬واملوضوعية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -4‭‬تخضع‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬للمراجعة‬ ‪‭‬والتحكيم‬ ‪‭‬قبل‬ ‪‭‬نشرها‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -5‭‬ترتيب‬ ‪‭‬املواد‬ ‪‭‬يف‬ ‪‭‬العدد‬ ‪‭‬يخضع‬ ‪‭‬العتبارات‬ ‪‭‬فنية‬‪‭.‬‬ ‫‬‪ -6‭‬ترحب‬ ‪‭‬اجلوبة‬ ‪‭‬بإسهامات‬ ‪‭‬املبدعني‬ ‪‭‬والباحثني‪‭‬‬ ‫‬والكتّاب‪‭ ‬،‬على‬ ‪‭‬أن‬ ‪‭‬تكون‬ ‪‭‬املادة‬ ‪‭‬باللغة‬ ‪‭‬العربية‬‪‭.‬‬ ‫‮«‬اجلوبة‬‪‭‬‮»‬ من‬‪‭‬األسماء‬‪‭‬التي‬‪‭‬كانت‬‪‭‬تُطلق‬‪‭‬على‬‪‭‬منطقة‬‪‭‬اجلوف‬‪‭‬سابق‬اً‪‭.‬‬

‫املقاالت املنشورة ال تعبر بالضرورة عن رأي املجلة والناشر‪.‬‬

‫يُعنى بالثقافة من خالل مكتباته العامة يف اجلوف والغاط‪ ،‬ويقيم املناشط املنبرية الثفافية‪،‬‬ ‫ويتبنّي برنامجاً للنشر ودعم األبحاث والدراسات‪ ،‬ويخدم الباحثني واملؤلفني‪ ،‬وتصدر عنه مجلة‬ ‫(أدوماتو) املتخصصة بآثار الوطن العربي‪ ،‬ومجلة (اجلوبة) الثقافية‪ ،‬ويضم املركز ك ً‬ ‫ال من‪( :‬دار‬ ‫العلوم) مبدينة سكاكا‪ ،‬و(دار الرحمانية) مبحافظة الغاط‪ ،‬ويف كل منهما قسم للرجال وآخر‬ ‫للنساء‪ .‬وتصرف على املركز مؤسسة عبدالرحمن السديري اخليرية‪.‬‬

‫‪0553308853‬‬

‫‪Alsudairy1385‬‬

‫‪www.alsudairy.org.sa‬‬


‫العدد ‪ - ٦١‬خريف ‪١٤٤٠‬هـ (‪٢٠١٨‬م)‬

‫الـمحتويــــات‬ ‫االفتتاحية‪ :‬إبراهيم بن موسى الحميد ‪٤ ..........................‬‬ ‫مؤتمر أدوماتو الثالث‪ :‬المياه عبر العصور في الوطن العربي في‬ ‫ضوء االكتشافات اآلثارية ‪٦ .........................................‬‬ ‫دراسات ونقد‪ :‬واح ُة دومة الجندل التاريخية والتسجيل في التراث‬ ‫العالمي ‪ -‬د‪ .‬سعيد بن دبيس العتيبي ‪١٤ ............................‬‬

‫شرنقة الحلم األصفر بين تأويل المشهد السياسي ودرامية‬ ‫المشهد االجتماعي ‪ -‬رانيا مسعود‪٢٥ ........................‬‬ ‫استرفاد التراث في شعر أمل دنقل ‪ -‬د‪ .‬هويدا صالح ‪٢٩ ....‬‬ ‫قصص قصيرة‪ :‬ساعي البريد ‪ -‬حليمة الفرجي ‪٣٦ ..............‬‬ ‫اللعنة‪ - ..‬عمار الجنيدي ‪.........................................‬‬

‫قصتان قصيرتان ‪ -‬ماجد سليمان‪................................‬‬

‫سجن بال قضبان ‪ -‬محمد المبارك ‪..............................‬‬ ‫شعر‪ :‬أسودُ الحزم ‪ -‬مالك الخالدي ‪..........................‬‬

‫مؤتمر أدوماتو الثالث‬ ‫المياه عبر العصور في الوطن العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية‬

‫‪6..........................‬‬ ‫مؤتمر أدوماتو الثالث‬

‫‪14.............................‬‬ ‫واحة دومة اجلندل التاريخية‬ ‫مرشحة للتسجيل تراث عاملي‬

‫‪75.............................‬‬ ‫فوزية أبو خالد‬ ‫شاعرة الغيم الذي يبحث عن أرضه‬

‫‪37‬‬ ‫‪39‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪42‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪46‬‬ ‫‪47‬‬ ‫‪48‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪52‬‬ ‫‪54‬‬ ‫‪55‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪57‬‬ ‫‪58‬‬

‫خـدعـوك ‪ -‬محمد عسيري‪..................................‬‬ ‫ِ‬ ‫عشقتك حبا ‪ -‬خلف عناد الشافي ‪.........................‬‬ ‫وحيد حياتها ‪ -‬عبد الرحمن العتل‪.........................‬‬ ‫يا حائ َر الرأيِّ ‪ -‬مجدي الشافعي ‪...........................‬‬ ‫لحظة وداع ‪ -‬سعاد الزحيفي‪................................‬‬ ‫مفاتيح العقول ‪ -‬عيادة خليل ‪................................‬‬ ‫يا غادتي ‪ -‬أحمد المتوكل النعمي‪...........................‬‬ ‫َاهـلِ أَ ْر َملَـة ‪ -‬موسى الشافعي‪...................‬‬ ‫ثُـكْـ ٌل عَ ل َى ك ِ‬ ‫قلبي يحن ‪ -‬محمود الرمحي‪...............................‬‬ ‫هزي ُم الرّعدِ ‪ -‬عبدالهادي الصالح ‪..........................‬‬ ‫ترجمة‪ :‬الخيال العلمي ‪ -‬ترجمة‪ :‬خديجة حلفاوي‪...........‬‬ ‫مواجهات‪ :‬الشاعرة والروائية سهير المصادفة ‪ -‬حاورتها‪:‬‬ ‫هالة موسى ‪62 ..................................................‬‬ ‫الشاعر المصري أحمد محمود مبارك ‪ -‬حاوره‪ :‬أحمد الالوندى‪68 ...‬‬ ‫محور خاص‪ :‬فوزية أبو خالد‪ .‬شارك فيه‪ :‬عمر بوقاسم‪ ،‬خالد‬ ‫أبو رمضان‪ ،‬محمد خضر‪ ،‬عبداهلل السفر‪ ،‬محمد خضير‪،‬‬ ‫محمد العامري‪ ،‬نبيلة الحمد‪ ،‬د‪ .‬هناء البواب‪75 ...............‬‬ ‫تحقيق‪ :‬أكاديميون‪ :‬الــدراســات الحديثة تؤكد على تأثير‬ ‫العوامل االقتصادية واالجتماعية على مخ اإلنسان وتطوره‬ ‫ سعاد سعيد نوح ‪107 ...........................................‬‬‫نوافذ‪ :‬مذكرات الموسيقي الروسي ديمتري شوستاكوفيتش‬ ‫في إمبراطورية الرعب ‪ -‬ليلى عبداهلل‪115 ......................‬‬ ‫جدلية األدب والفن من خالل نموذج األديــب هونوري دو‬ ‫بلزاك ‪ -‬سعيد بوكرامي ‪120 ...................................‬‬ ‫قراءات ‪127 ........................................................‬‬ ‫األخيرة‪ :‬في ذكرى إبراهيم أصالن ‪ -‬صالح القرشي‪128 ........‬‬

‫لوحة الغالف‪ :‬لوحة مئذنة مسجد عمر بن الخطاب األثري بمحافظة دومة الجندل بمنطقة الجوف للفنان هادي العازمي‪.‬‬


‫■ إبراهيم بن موسى احلميد‬ ‫يقول أحد العارفين‪" :‬إن الشعراء وحدهم يوقدون نارًا يراها الجميع‪ ،‬وحدهم يحملون‬ ‫الشموع‪ ،‬ويفتحون الكون حتى تدخل أشعة الشمس‪ ،‬ويُعلّموننا كيف نحب‪ ،‬وكيف نكون‬ ‫فرسانا‪ ،‬وكيف نموت إذا استوجب األمر ذلك"‪.‬‬ ‫وفي سيرة الشاعرة الدكتورة فوزية أبو خالد‪ ،‬نتحقق من أنه لم تُثر تجربة ثقافية‬ ‫أو شعرية في تلقّيها وصوتها وقوة تأثيرها‪ ،‬كما أثارت تجربتها‪ ،‬إال ألسماء معدودة على‬ ‫الساحة الثقافية‪ ،‬إذ كانت فوزية صوتًا شعريًا بارزًا‪ ،‬ال على المستوى المحلي وحسب‪ ،‬بل‬ ‫على مستوى الوطن العربي‪ ،‬وكان هذا منذ وقت مبكر‪ ..‬فقد ترجم بعض قصائدها إلى‬ ‫اللغة اإلنجليزية‪ ،‬في كتاب كمال بالطة "نساء من الهالل الخصيب"‪ ،‬ورياديتها المبكرة في‬ ‫كتابة قصيدة النثر في المملكة والخليج العربي‪ .‬وربما توحي تلك التجربة لمؤرخي األدب‬ ‫والثقافة في بالدنا بأهمية دورها لمكانتها بين أدباء بالدها والعالم العربي‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫مكانتها الوطنية‪ ..‬كما لعبت فوزية أبو خالد أدوارًا عديدة في مساندة قضايا اإلصالح‬ ‫والحرية والعدالة وقضايا المرأة‪ ،‬تكللت في كثير منها بنجاح باهر‪ .‬ومن اإلنصاف مقابلة‬ ‫ذلك بالعرفان‪ ،‬وما قدمته الشاعرة الدكتورة فوزية أبو خالد في مسيرتها الشعرية‬ ‫تحديدًا‪ ،‬يشبه إلى حدٍّ بعيد ما قدمه الشاعر محمد الماغوط‪ ،‬رائد قصيدة النثر في‬ ‫الوطن العربي‪ ،‬أو شارل بودلير رائد قصيدة النثر الفرنسية إن لم يكن لدرجة الشاعرية‬ ‫(ألن األمر يبقى فيه اختالف كبير بين المتلقين والنقاد)‪ ،‬فهو لطبيعة الحكمة والوطنية‬ ‫التي وسمت شخصيتها‪ ،‬كما أنها في قصائدها وحكاياتها التي تكتبها‪ ،‬أو في مقاالتها‪..‬‬ ‫كانت مجددة وشجاعة‪ ،‬تتسم بالطموح والتحدي لمختلف الظروف‪.‬‬ ‫تعرفت على الشاعرة فوزية أبو خالد في أواخر الثمانينيات الميالدية‪ ،‬وكنت حينها‬ ‫طالبًا في جامعة الملك فيصل‪ ،‬من خالل زاويتها الشهيرة في أخيرة جريدة اليوم‪ ،‬فكانت‬ ‫تأسرنا في كتاباتها المحمولة على درج الشعر‪ ،‬وهموم الوطن‪ ،‬ومن ثم تعرفت على‬ ‫تجربتها الشعرية في ديوان (إلى متى يختطفونك ليلة العرس ‪ -‬دار العودة ‪ -‬بيروت‪-‬‬

‫‪4‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫في زيارتها إلى منطقة الجوف ضمن ضيوف مركز عبدالرحمن السديري الثقافي في أسبوع الجوف‬ ‫الثقافي قبل سنوات‪ ،‬جالت الدكتورة في المنطقة‪ ،‬وأذكر أن "فندق النزل" أعجبها كثيرًا وكانت تعِ ُد بالعودة‬ ‫مع أوالدها لقضاء أيام به‪ ،‬والتعرف بشكل أكثر على المنطقة‪ ،‬حيث أصبح مصيدة لها في "كمين األمكنة"‪،‬‬ ‫وعندما زارت قلعة مارد في مدينة دومة الجندل‪ ،‬وهي القلعة التاريخية الشهيرة التي تعود ألكثر من‬ ‫ألفي عام‪ ،‬ورغم صعوبة الصعود للقلعة لوجود األدراج والساللم والحجارة‪ ،‬أصرت الدكتورة على الصعود‬ ‫رغم ظروفها الخاصة التي تتيح العذر لها‪ .‬إال أنها ‪-‬وبما هو معروف عنها من سمة التحدى واإلبداع‪-‬‬ ‫استطاعت أن تصل إلى القلعة بكل سعادة وتجلٍّ ‪ ..‬رغم االرهاق الذي بان عليها حسبما وصفتها مرافقاتها‬ ‫الالتي أذهلتهن بشغفها وحبها للمعرفة والتحدي‪.‬‬

‫حـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدـة‬ ‫س ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫دراـ ـ ـ ـ ـ‬ ‫اف ـ‬ ‫ـاتـاون‬

‫‪1973‬م)‪ ،‬بعد توطد معرفتي الشخصية بها‪ ،‬وتشابكت معرفتي بالشاعرة الدكتورة بين القراءة الشعرية‬ ‫والنثرية‪ ..‬حتى أصدرت األعمال الشعرية الكاملة والتي اقتنيتها من مكتبة المؤسسة العربية في عمان‬ ‫باألردن‪ .‬ثم حضرتُ توقيعها في معرض الرياض للكتاب حينها‪ ،‬إلى جانب ما كان يصلني باستمرار بسخاء‬ ‫ولطف من الشاعرة الكريمة من إصداراتها التي كانت تصل في مراحل تالية‪.‬‬

‫نحتت الدكتورة فوزية مسيرتها الشعرية والوطنية من ديوانها األول "ماء السراب " بلغة شفيفة‪ ،‬قال‬ ‫عنها محمد العلي "ناحتة الماء"‪ ،‬حتى ديوان "مرثية الماء" التي نشرت قصائده من حلكة الحزن على‬ ‫شقيقها محمد‪ ،‬مسابِق ًة الشمس إلى مشرقها كما قالت يوما ‪ ..‬إلى ديوان "شجن الجماد" الذي جعل من‬ ‫القصيدة حكاية‪ ،‬ومن الحكاية قصيدة؛ ثم ديوان "تمرد عذري" الذي خلدت فيه القصيدة صورًا يومية‬ ‫لحياة يعيشها الكثير كما تعيشها‪ ،‬لكنهم يفتقدون لكاميرا التسجيل "الفوزية" التي تسجل الشعر خارج‬ ‫المألوف ‪.‬‬ ‫لكنها أيضا كتبت لألطفال ولطفليها "غسان" و"طفول"‪ ،‬إذ طبعت الشاعرة حكاياتها بسلسلة أسمتها‬ ‫"طيري" وهي "طيارات الورق" الذي تعلم فيه األطفال قيمة اإلنسان‪ ،‬وطعم الحياة‪ ،‬وحب اآلخرين‪ ،‬وأهمية‬ ‫حب العمل والهوايات وتعليم اآلخر‪ ،‬و"عالم الطفل محمد الطائر" و"طفلة تحب األسئلة" التي تثير في‬ ‫األطفال مكامن الجدل وحب االستطالع واكتشاف المجهول‪ ،‬والطفلة "نور" التي ال تكترث للقمر‪ ..‬فتجمع‬ ‫أنواره العالية وتضعها في جيبها‪.‬‬ ‫يقول أحد النقاد "تذكرني حكايات فوزية أبو خالد بحكايات الشاعر الفرنسي الفونتين التي تمتع‬ ‫المتلقي من سن السادسة حتى الثمانين" ‪.‬‬ ‫هناك مناسبات عديدة يمكن الرجوع فيها إلى تجربة فوزية أبو خالد‪ ،‬ومن يعرف الشاعرة يقف على‬ ‫رئيس في حياتها‪ ،‬التي كرّستها للشعر‪ ،‬ولحياتها األكاديمية ولمطالب الوطن الملحّ ة في التقدم‬ ‫ٍ‬ ‫توجه‬ ‫واإلصالح ‪..‬‬ ‫ويمكن القول إن فوزية أبو خالد كان لديها سعة المعرفة واألفق‪ ،‬اللذان منحا بصيرتها وحساسيتها‬ ‫قدرة على استخدام النثر قصيدة أحيانا‪ ،‬ومقاالت أحيانا أخرى‪ ،‬كما مكناها من استكشاف حقائق مثيرة‬ ‫وكثيرة؛ فكانت شاعرة متعددة المواهب‪ ،‬استطاعت أن تسابق الزمن للسير أمام مجتمعها‪ ،‬مستكشفة‬ ‫طريق الشعر والنثر في آن معا‪ ،‬ولربما تنطبق عليها مقدمة سعدي يوسف لألعمال الشعرية لفوزي كريم‪:‬‬ ‫"يدخل الناس بيت الشاعر ليروا القديس‪ ..‬فإذا بهم أمام الساحر"!‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪5‬‬


‫مؤتمر أدوماتو الثالث‬ ‫المياه عبر العصور في الوطن العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية‬

‫مجلة أدوماتو تعقد مؤمترها الثالث يف العاصمة األردنية ع ّمان بعنوان‪:‬‬

‫المياه عبر العصور في الوطن العربي‬ ‫في ضوء االكتشافات اآلثارية‬ ‫■ تقرير‪ :‬احملرر الثقايف‬

‫عقدت مجلة أدوماتو مؤتمرها الثالث في متحف األردن في عمّ ان خالل الفترة‬ ‫‪ ٥-٤‬صفر ‪١٤٤٠‬هـ (‪ ١٤-١٣‬أكتوبر‪٢٠١٨ ‬م)‪ ،‬بعنوان «المياه عبر العصور في الوطن‬ ‫العربي في ضوء االكتشافات اآلثارية»‪ ،‬والذي نظمه مركز عبدالرحمن السديري‬ ‫الثقافي‪ ،‬برعاية صاحبة السمو الملكي األميرة سمية بنت الحسن رئيس الجمعية‬ ‫العلمية الملكية‪ ،‬وشارك فيه نخبة من العلماء واألساتذة والباحثين المتخصصين‬ ‫في الدراسات والعلوم األثارية‪ ،‬يمثلون جامعات عربية وعالمية ومؤسسات أكاديمية‬ ‫متخصصة في مجال البحث العلمي والدراسات األثارية‪ ،‬من دول عربية وأوروبية‬ ‫وآسيوية‪ ،‬إضافة إلى باحثين ومتخصصين من الجامعات السعودية واألردنية‪.‬‬ ‫وقد رعى حفل افتتاح المؤتمر مندوباً‬ ‫عن صاحبة السمو الملكي األميرة سمية‬ ‫بنت الحسن‪ ،‬األستاذ الدكتور زيدان‬ ‫كفافي رئيس جامعة اليرموك‪ ،‬وألقى‬ ‫كلمة افتتاح المؤتمر رئيس المؤتمر‬

‫‪6‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫ورئيس تحرير مجلة أدوماتو األستاذ‬ ‫الدكتور خليل المعيقل‪ ،‬الذي رحب‬ ‫بالحضور ووجه شكر مجلة أدوماتو‬ ‫لراعية المؤتمر ومندوبها‪ ،‬ولمركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي على‬


‫وأشار المعيقل في كلمته إلى أن اختيار‬ ‫موضوع المؤتمر الثالث «المياه عبر العصور‬ ‫في الوطن العربي في ضوء االكتشافات‬ ‫اآلثارية»‪ ،‬جاء لما لهذا الموضوع من أهمية‬ ‫بالغة في الدراسات الحضارية واألثارية‪،‬‬ ‫ولما سيقدمه هذا الموضوع من إضافة‬ ‫نوعية في مجال البحث العلمي في تاريخ‬ ‫أ‪ .‬د‪ .‬خليل المعيقل‬ ‫الحضارة العربية‪.‬‬ ‫عبر العصور من خالل البحث األثاري‬ ‫وأشار إلى أن المؤتمر يركز على خمسة الميداني‪ ،‬والتعرف على المؤثرات البيئية‬ ‫محاور رئيسة هي‪ :‬الهجرات البشرية المبكرة التي أسهمت في التأثير على مصادر المياه‬ ‫وعالقتها بالمسطحات المائية‪ ،‬واالنتشار عبر العصور‪ ،‬من خالل استعراض أمثلة من‬ ‫الجغرافي للمواقع األثرية وعالقتها بمصادر مواقع أثرية‪ ،‬وإبراز دور التقنيات العلمية‬ ‫المياه‪ ،‬والمياه في الفن الصخري والكتابات‪ ،‬في تدعيم الدراسات األثارية التي تتناول‬ ‫وتقنيات الري وحفظ المياه‪ ،‬والدراسات عالقة اإلنسان ببيئته وأثرها عليه‪ ،‬إضافة‬ ‫المناخية القديمة‪.‬‬ ‫إلى أن المؤتمر سيكون مناسبة إلتاحة‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أدوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬

‫دعمه المتواصل لمجلة أدوماتو‪ ،‬ولمتحف‬ ‫األردن على استضافة فعاليات المؤتمر‪.‬‬

‫وأضاف أن هذا المؤتمر يهدف إلى إبراز الفرصة اللتقاء المختصين في الدراسات‬ ‫التقنيات المائية التي استخدمها اإلنسان األثارية والبيئية في حوار مباشر‪ ،‬يمكّنهم‬

‫لقطة جماعية للمشاركين بالمؤتمر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪7‬‬


‫أ‪ .‬د‪ .‬زيدان كفافي يلقي كلمته‬

‫من تبادل المعرفة واآلراء والتحليالت بشأن‬ ‫نتائج التنقيبات األثارية حول تقنيات المياه‬ ‫واستخداماتها عبر العصور‪ ،‬وطرح تصورات‬ ‫بحثية مستقبلية‪.‬‬ ‫وختم المعيقل كلمته بأن مؤتمر أدوماتو‬ ‫الثالث يتضمن ستّ جلسات‪ ،‬قُسّ مت على‬ ‫يومين‪ ،‬يقدم من خاللها الباحثون أربعة‬ ‫وثالثين ورقة عمل‪.‬‬ ‫ثم ألقى األستاذ سلطان بن فيصل‬ ‫السديري عضو مجلس إدارة مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي كلمة المركز‪،‬‬ ‫رحب فيها بالمشاركين بمؤتمر أدوماتو‬ ‫الذي تقيمه مجلة أدوماتو‪ ،‬وأشار إلى أن‬ ‫إقامة هذا المؤتمر في عمان‪ ،‬يأتي للتأكيد‬ ‫على رسالة مجلة أدوماتو‪ ،‬التي تسعى‬ ‫إلى تمتين التواصل الثقافي بين المملكة‬ ‫العربية السعودية والدول العربية الشقيقة‪،‬‬ ‫تماماً كما كانت واح ُة مدينة دومة الجندل‬ ‫(أدوماتو) منذ قديم الزمان جسر تواصل بين‬ ‫الحضارات القديمة المجاورة‪.‬‬

‫‪8‬‬

‫السديري الثقافي عندما قرر تبنّي إصدار‬ ‫مجلة أدوماتو المتخصصة بالبحوث‬ ‫َف‬ ‫والدراسات األثارية في الوطن العربي‪ ،‬هَ د َ‬ ‫َص ٍل بين الباحثين من‬ ‫إلى أن تكون ِصل َة و ْ‬ ‫مختلف دول العالم‪ ،‬وأن تكون وعا ًء علمياً‬ ‫رصيناً للتواصل العلمي والبحثي فيما يتعلق‬ ‫بآثار الوطن العربي‪.‬‬ ‫وأكد أن هذا المؤتمر يمثل تجمعاً علمياً‬ ‫فريداً يشارك فيه عدد من العلماء والباحثين‬ ‫وأساتذة األثار في جامعات دولية أوربية‬ ‫وآسيوية وعربية‪ ،‬ومن المملكة العربية‬ ‫السعودية‪ ،‬ومن البلد الشقيق المضيف‬ ‫المملكة األردنية الهاشمية‪ ،‬يقدمون أبحاثاً‬ ‫جديدة نرجو أن تؤصل وتقدم معلومات‬ ‫علمية جديدة‪.‬‬

‫وقال السديري إن مركز عبدالرحمن‬ ‫السديري الثقافي سيتولى توثيق األبحاث‬ ‫المقدمة في المؤتمر وإصدارها الحقاً في‬ ‫مؤلَّف علميٍّ ‪ ،‬ليكون مرجعاً علمياً مهماً في‬ ‫مجاله‪ ،‬يوضع بين أيدي الباحثين في مختلف‬ ‫مراكز البحث والجامعات العالمية والعربية‬ ‫وأضاف السديري أن مركز عبدالرحمن والوطنية باللغتين العربية واإلنجليزية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أدوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬

‫ثم ألقى األستاذ الدكتور زيدان كفافي‬ ‫رئيس جامعة اليرموك كلمة راعية الحفل‬ ‫مندوباً عن صاحبة السمو الملكي األميرة‬ ‫سمية بنت الحسن رئيس الجمعية العلمية‬ ‫الملكية األردنية‪ ،‬نقل من خاللها تحيات‬ ‫سمو األميرة الحارة‪ ،‬واعتذارها بسبب‬ ‫الظروف القاهرة التي أبعدتها عن وجودها‬ ‫بالمؤتمر‪ ،‬مشيراً إلى أنها ترى في عقد هذا‬ ‫المؤتمر المنظم من قبل هيئة ثقافية سعودية‪،‬‬ ‫وإقامته في األردن تأكيداً على أواصر المحبة‬ ‫والصداقة المتبادلة بين المملكة األردنية‬ ‫الهاشمية والمملكة العربية السعودية‪ ،‬كما‬ ‫أضاف أن سمو األميرة ترحب باستمرار‬ ‫عقد المؤتمرات والندوات المشتركة بين‬ ‫الهيئات والمؤسسات األكاديمية والبحثية‬ ‫في البلدين‪ ،‬فالتعميم بالمعرفة مهم كما هي‬ ‫أهمية الوصول إليها‪.‬‬

‫المؤتمر‪ ،‬فرحّ ب بالمشاركين في المؤتمر‪،‬‬ ‫وأشار إلى أنه ستكون هناك ست جلسات‬ ‫عمل تقدم فيها نحو (‪ )34‬ورقة عمل‪ ،‬تُعرض‬ ‫فيها خالصة أبحاث علمية ودراسات أثارية‬ ‫تدرس تقنيات المياه وتأثيراتها البيئية‬ ‫وتفاعل اإلنسان معها على مدى العصور‬ ‫التاريخية المختلفة‪.‬‬ ‫وأضاف الخليفة أنه يشاركنا اليوم في‬ ‫هذا المؤتمر أساتذة وعلماء في األثار من‬ ‫جميع الدول العربية تقريبا‪ ،‬من المشرق‬ ‫العربي والمغرب العربي على السواء‪ ،‬وكذلك‬ ‫باحثون كرماء من دول أوروبية وآسيوية‬ ‫صديقة‪ .‬يجتمعون لتقديم خالصة أبحاثهم‬ ‫عن المياه في ضوء التنقيبات األثارية؛ ما‬ ‫يؤكد أهمية تالقح األفكار والمعلومات عن‬ ‫موضوع المؤتمر بين الباحثين المشاركين‪.‬‬ ‫أبحاث المؤتمر‬

‫وبعد انتهاء حفل االفتتاح‪ ،‬ألقى مدير عام‬ ‫الجلسة األولى أدارها أ‪.‬د‪ .‬عباس سيد‬ ‫مركز عبدالرحمن السديري الثقافي األستاذ‬ ‫حسين الخليفة كلمة افتتح بها جلسات أحمد‪ /‬السودان‪ ،‬قدمت فيها خمسة أبحاث‪،‬‬

‫كلمة المدير العام أ‪ .‬حسين الخليفة في افتتاح الجلسة األولى‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪9‬‬


‫خصصت ألبحاث الدراسات المناخية‬ ‫القديمة‪ ،‬في الوطن العربي‪ ،‬وتأثيراتها على‬ ‫مصادر المياه واالستقرار البشري حولها‪،‬‬ ‫وتناولت فترات الطمي في آخر مليون سنة‬ ‫في الجزيرة العربية‪ ،‬والمياه العذبة في‬ ‫فترات الحضارة العربية‪ ،‬والمياه والتغيرات‬ ‫المناخية في إفريقيا وتأقلم رعاة اإلبل‬ ‫في شمالي السودان‪ ،‬واالستيطان البشري‬ ‫حول بحيرات القعب القديمة ودور حركة‬ ‫المسطحات المائية في استخدام األرض‪،‬‬ ‫والتغير المناخي وأثره على إدارة المياه في‬ ‫شمال غربي المملكة العربية السعودية في‬ ‫عصر الهولوسين‪ ،‬آثار الرجاجيل والرصيف‬ ‫بالجوف أنموذجاً‪.‬‬

‫الحديث في وادي الزرقاء ‪ /‬األردن‪ ،‬والبحث‬ ‫الثاني عن منخفضات الباليستوسن شرق‬ ‫نهر عطبرة بالسودان ودورها في تطورات‬ ‫مجموعات العصر الحجري القديم وهجرة‬ ‫المجموعات المبكرة خارج إفريقيا‪ ،‬كما‬ ‫قدم أ‪.‬د‪ .‬سعد الراشد‪ /‬من المملكة العربية‬ ‫السعودية بحثا عن أنماط المنشآت المائية‬ ‫في العصور اإلسالمية المبكرة في المملكة‬ ‫العربية السعودية‪ ،‬وقدمت د‪ .‬هناء حافظ‬ ‫وأ‪.‬د‪ .‬العباس سيد أحمد ‪ /‬السودان‪ ،‬بحثا‬ ‫مشتركا عن تحوالت مجرى النيل وتوزيع‬ ‫المستقرات البشرية القديمة في السودان‪،‬‬ ‫والبحث األخير في هذه الجلسة كان مشتركا‬ ‫بين د‪ .‬ناصر الجهوري‪ /‬ساطنة عمان ود‪.‬‬ ‫خالد دغلس‪ /‬األردن‪ ،‬عن االرتباط المكاني‬ ‫للمواقع األثرية في عُمان‪ ،‬موقع دهوى األثري‬ ‫أنموذجاً‪.‬‬

‫أما الجلسة الثانية فأدارها أ‪.‬د‪ .‬ليث‬ ‫حسين‪ /‬العراق‪ ،‬قدمت فيها خمسة‬ ‫أبحاث أيضا‪ ،‬وخصصت ألبحاث االنتشار‬ ‫الجغرافي للمواقع األثرية‪ ،‬وعالقتها بتوافر‬ ‫الجلسة الثالثة أدارها أ‪ .‬د‪ .‬هاني هياجنة‪/‬‬ ‫مصادر المياه واستقرار اإلنسان حولها‪ ،‬وعن األردن‪ ،‬وقدمت فيها كذلك خمسة أبحاث‪ ،‬في‬ ‫توفر المياه وتوزيع مواقع العصر الحجري مجال الفن الصخري والكتابات‪ ،‬والرسومات‬

‫لقطة للمشاركين في المؤتمر‬

‫‪10‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أدوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬

‫من اليمين‪ :‬أ‪ .‬سلطان بن فيصل السديري‪ ،‬ومعالي أ‪ .‬د‪ .‬خليل بن إبراهيم المعيقل رئيس المؤتمر‬

‫الصورتين‪ ،‬من جلسات الموتمر‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪11‬‬


‫لقطة من المؤتمر‬

‫التي وثق اإلنسان العربي عن المياه فيها‪،‬‬ ‫البحث األول عن عالقة الماء بمواقع الفنون‬ ‫الصخرية بالمغرب القديم‪ ،‬والبحث الثاني‬ ‫عن المياه في الفن الصخري بمنطقة الشالل‬ ‫الثالث بالسودان‪ ،‬وقدم د‪ .‬لخضر بن بو‬ ‫زيد‪ /‬الجزائر‪ ،‬بحثا عن التغير المناخي في‬ ‫الصحراء الوسطى في األلفية األولى قبل‬ ‫الميالد وآثارها في مشاهد الرسوم الصخرية‬ ‫في الطاسيلي جنوبي الجزائر‪.‬‬

‫‪12‬‬

‫وفي اليوم الثاني للمؤتمر عقدت ثالث‬ ‫جلسات أخرى‪ ،‬ترأس الجلسة الرابعة أ‪.‬د‪.‬‬ ‫شرقي الرزقي‪ /‬الجزائر‪ ،‬وخصصت الجلسة‬ ‫ألبحاث تقنيات الري واستراتيجيات حفظ‬ ‫المياه في فترات ما قبل التاريخ‪ ،‬قدمت‬ ‫فيها ستة أبحاث‪ ،‬البحث األول من د‪ .‬بيرند‬ ‫مولر‪ /‬ألمانيا‪ ،‬عن استراتيجيات حصاد‬ ‫المياه في صحراء البازلت في شمال شرقي‬ ‫األردن عبر العصور‪ ،‬والبحث الثاني قدمه د‪.‬‬ ‫سوميو فوجي‪ /‬اليابان‪ ،‬عن نظام تجمعات‬ ‫المياه النيوليتية في حوض الجفر بجنوبي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫األردن‪ ،‬بينما كان البحث الثالث عن نظم‬ ‫المياه في األردن خالل العصر البرونزي‬ ‫القديم‪ .‬والبحث الرابع عن أنظمة الري عند‬ ‫اآلشوريين‪ ،‬ودرس قناة الملك سنحاريب‬ ‫كنموذج ألنظمة الري‪ .‬وقدمت الدكتورة‬ ‫لويس بوردو‪ /‬فرنسا بحثا عن الموارد‬ ‫واالستراتيجيات المتنوعة‪ :‬كيفية دراسة‬ ‫المناظر الطبيعية للمياه؟ تقييم من دراسات‬ ‫الحالة في اإلمارات وسلطنة عمان‪ ،‬والبحث‬ ‫األخير كان عن نظام الري بالحرات في‬ ‫مملكة سبأ بجنوبي الجزيرة العربية‪.‬‬ ‫أما الجلسة الخامسة فأدارها د‪ .‬ناصر‬ ‫الجهوري‪ /‬سلطنة عمان‪ ،‬وقدمت فيها‬ ‫أربعة أبحاث‪ ،‬خصصت لتقنيات الري‬ ‫واستراتيجيات حفظ المياه لفترة ما قبل‬ ‫اإلسالم‪ ،‬البحث األول عن الساعة المائية‬ ‫وتدويل مياه الري في اليمن قبل اإلسالم‪،‬‬ ‫والبحث الثاني عن تقنيات الري في الجزائر‬ ‫خالل الفترة الرومانية‪ ،‬وقدم د‪ .‬ميشال‬ ‫قواليكوسكي‪ /‬بولندا بحثا عن سد وقناة‬


‫وفي الجلسة السادسة للمؤتمر قدمت‬ ‫خمسة أبحاث أيضا‪ ،‬ترأسها أ‪ .‬د‪ .‬سعد‬ ‫الراشد‪ /‬المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫وخصصت الجلسة ألبحاث تقنيات الري‬ ‫واستراتيجيات حفظ المياه في العصر‬ ‫اإلسالمي؛ البحث األول جاء عن الفقارة‬ ‫بمنطقة توات بالجزائر عمارتها ووظيفتها‬ ‫وأثرها في نشاط اإلنسان وحياة السكان‪،‬‬ ‫والبحث الثاني عن إدارة المياه في العصر‬ ‫اإلسالمي األول في بالد الشام‪ ،‬والبحث‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤمتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أدوم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو‬

‫عينونة في تبوك بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫والبحث األخير عن مصادر المياه والوحدات‬ ‫الهندسية الخاصة بتخزين المياه واستغاللها‬ ‫في مدينة فيرادي مايوس الرومانية بتونس‪.‬‬

‫الثالث تناول تقنيات تدبير الماء وحفظه‬ ‫في بالد المغرب واألندلس خالل العصر‬ ‫الوسيط‪ ،‬رصد لنتائج البحث األركيولوجي‪،‬‬ ‫بينما قدم أ‪ .‬د‪ .‬الرزقي شرقي‪ /‬الجزائر‬ ‫بحثا عن وفرة المياه العذبة التي أوجدت‬ ‫مدينة تلمسان موقع حاضرة المغرب‪،‬‬ ‫والبحث األخير في الجلسة جاء عن تقنيات‬ ‫حفظ المياه في الحضارة اإلسالمية في‬ ‫مصر بالعصر المملوكي‪.‬‬ ‫وفي ختام المؤتمر عقدت جلسة ختامية‬ ‫برئاسة األستاذ الدكتور خليل المعيقل‪ ،‬طُ رح‬ ‫فيها عدد من المقترحات‪ ،‬وخلصت إلى عدة‬ ‫توصيات متعلقة بالبحث األثاري وعلومه‪..‬‬ ‫أبرزها‪:‬‬

‫توصيات المؤتمر‬ ‫االهتمــام‬

‫للدراســات‬

‫‪ -1‬تطويــر المنهجيــات العلميــة البحثيــة ‪ -5‬توجيــه‬ ‫وتوحيــد المصطلــح األثــاري لــدى‬ ‫المتخصصــة بالفئــة الصخريــة‬ ‫الباحثيــن العــرب‪.‬‬ ‫والنظيــر لــه كبقيــة فــروع علــم اآلثــار‬

‫‪ -2‬حــثّ الباحثيــن العــرب والبعثــات‬ ‫األثريــة فــي البلــدان العربيــة علــى‬ ‫األثــار‪.‬‬ ‫النشــر باللغــة العربيــة إلثــراء‬ ‫‪ -6‬أهميــة موازنــة الرؤيــة العلميــة لألثــار‬ ‫المعلومــات فــي مجــال األثــار واإلرث‬ ‫فــي المنطقــة العربيــة تأسيســاً‬ ‫الحضــاري العربــي‪.‬‬ ‫لمدرســة أثاريــة عربيــة‪.‬‬ ‫‪ -3‬االهتمــام بتبــادل الخبــرات العربيــة‬ ‫فــي مجــال البعثــات األثاريــة فــي ‪ -7‬التأكيــد علــى الــدور الحضــاري‬ ‫الوطــن العربــي‪.‬‬ ‫اإلســامي فــي المناطــق العربيــة‬ ‫واعتبــاره مصــدراً مــن مصــادر علــم‬

‫‪ -4‬التوصيــة باســتمرار عقــد ملتقيــات أدوماتو‬ ‫لمناقشــة موضوعــات أثاريــة متخصصــة‪.‬‬

‫ودورهــا فــي فضــل الحضــارة العربيــة‬ ‫علــى بقيــة أرجــاء العالــم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪13‬‬


‫ُ‬ ‫واحة دومة الجندل التاريخية‬ ‫والتسجيل في التراث العالمي‬ ‫■ د‪ .‬سعيد بن دبيس العتيبي*‬

‫دومة الجندل من أشهر المواقع األثرية في شمالي المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫إذ يمتد عمقها الحضاري إلــى عصور ما قبل التاريخ‪ ،‬واستمر استيطانها دون‬ ‫انقطاع حتى العصر الحديث؛ لـهــذا‪ ،‬فهي تتميز بتراكم حـضــاري مــن مختلف‬ ‫العصور‪.‬‬ ‫ولهذه األهمية األثــريــة والتاريخية لدومة الجندل‪ ،‬قامت المملكة العربية‬ ‫السعودية ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني‪ ،‬بترشيحها ضمن‬ ‫المواقع المدرجة على الالئحة التمهيدية للتسجيل في قائمة التراث العالمي‬ ‫لليونسكو‪.‬‬

‫‪14‬‬

‫اليونسكو هي منظمة األمم المتحدة‬ ‫للتربيـة والعلم والـثقافـة‪ ،‬وهي إحدى‬ ‫الــوكــاالت المتخصصة لمنظمة األمم‬ ‫المتحدة‪ ،‬أنشئت عام ‪1945‬م‪ .‬هدف‬ ‫المنظمة الرئيس هو اإلسهام بإحالل‬ ‫السالم واألمن عن طريق رفع مستوى‬ ‫التعاون بين دول العالم في مجاالت‬ ‫التربية والتعليم والثقافة‪ ،‬وضمن مهامها‬ ‫صون التراث وإحيائه والمحافظة عليه‪،‬‬ ‫وقد أقرت اليونسكو عددًا من االتفاقيات‬ ‫الدولية لتأمين صون التراث الثقافي‬ ‫المشترك للبشرية وحمايته(‪ ،)١‬وإيماناً‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫من المملكة العربية السعودية بأهمية‬ ‫أه ــداف اليونسكو‪ ..‬كانت مــن الــدول‬ ‫المؤسسة لها‪ ،‬إذ شاركت في المؤتمر‬ ‫الذي عقد في لندن عام ‪1945‬م وانبثق‬ ‫عنه الميثاق التأسيسي للمنظمة‪ ،‬وفي‬ ‫‪ 26‬مــارس ‪1946‬م‪ ،‬صادقت المملكة‬ ‫على الميثاق‪ ،‬وقد كان عدد الدول التي‬ ‫وقعت على الميثاق التأسيسي للمنظمة‬ ‫عام ‪1946‬م عشرين دولة‪ ،‬وكان ترتيب‬ ‫المملكة الثالثة بينها(‪ .)٢‬وتبنى المؤتمر‬ ‫العام لليونسكو عــدداً من االتفاقيات‬ ‫الخاصة بحماية التراث الثقافي‪ ،‬ومنها‪:‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬ ‫صورة لقلعة مارد بالجوف التي يعود تاريخها ألكثر من ‪ ٢٠٠٠‬عام‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪15‬‬


‫مئذنة مسجد الخليفة‬ ‫عمر بن الخطاب‬ ‫ أقدم مئذنة في‬ ‫تاريخ االسالم‬

‫‪16‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫المناطق الطبيعية المحددة بدقة (مثل‬ ‫اتفاقية التراث العالمي الثقافي والطبيعي‪،‬‬ ‫(‪)٤‬‬ ‫التي تبناها المؤتمر العام في دورته السابعة بعض الحدائق القومية) ‪.‬‬ ‫عشرة المنعقدة في باريس بتاريخ ‪ 16‬نوفمبر‬ ‫ظــهــرت الــحــاجــة إلـــى حــمــايــة الــتــراث‬ ‫‪1972‬م‪ ،‬ودخلت هذه االتفاقية حيز التنفيذ الثقافي والطبيعي في النصف األول من‬ ‫في ‪ 17‬ديسمبر‪1975‬م‪ ،‬وانضمت المملكة الــقــرن الــمــاضــي حين تــعــرض الــعــديــد من‬ ‫العربية السعودية إليها بتاريخ ‪ 7‬أغسطس المعالم األثرية المهمة إلــى الدمار خالل‬ ‫‪1978‬م(‪.)٣‬‬ ‫الحربين العالميتين‪ ،‬حينئذ نــادت عصبة‬ ‫مــواقــع الــتــراث العالمي هــي معالم من األمم المتحدة (هيئة األمم المتحدة حالياً)‬ ‫الــتــراث الثقافي أو الطبيعي ذي القيمة بــضــرورة التعاون الــدولــي لحماية التراث‬ ‫العالمية االستثنائية‪ ،‬تقوم لجنة التراث الثقافي‪ ،‬ثم أنشئت لهذا الغرض منظمة‬ ‫العالمي في منظمة األمم المتحدة للتربيـة األم ــم المتحدة للتربية والــعــلــم والثقافة‬ ‫والعلم والـثقافـة (اليونسكو) بترشيحها في (اليونسكو) عام ‪1945‬م‪ .‬ومنذ ذلك الوقت‬ ‫قائمة تعرف باسم قائمة التراث العالمي‪ ،‬واليونسكو تعمل على إصـــدار توصيات‬ ‫واتفاقيات عالمية لحماية التراث في جميع‬ ‫إلبــراز قيمتها الثقافية‪ ،‬ولتكون حمايتها‬ ‫بــلــدان الــعــالــم‪ .‬وقــد ظهر مفهوم الــتــراث‬ ‫مسؤولية مشتركة من قبل المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫العالمي عند إنشاء السد العالي في أسوان‬ ‫وحسب الــمــادة (‪ )1‬من اتفاقية حماية بجمهورية مصر العربية عام ‪1960‬م‪ ،‬إذ تبين‬ ‫الــتــراث الثقافي والطبيعي الــصــادرة عن أن السد سيُكون بحيرة دائمة من المياه‪،‬‬ ‫منظمة اليونسكو عام ‪1972‬م يعني التراث وتكون سبباً في غــرق العديد من المعالم‬ ‫الثقافي‪:‬‬ ‫المحيطة به خاصة معبد أبوسمبل‪ ،‬عندئذ‬ ‫اآلثـ ــار‪( :‬مــبــان مــحــددة‪ ،‬أعــمــال النحت تبنت اليونسكو حملة عالمية لحماية معبد‬ ‫أبوسمبل‪ ،‬ونتيجة لهذا النداء من اليونسكو‬ ‫والرسوم األثرية‪)...‬‬ ‫تــجــاوبــت خمسون دول ــة متبرعة بثمانين‬ ‫مجموعات المباني‪( :‬الــمــدن واألحــيــاء مليون دوالر أمريكي‪ ،‬فنقل المعبد بعد أن‬ ‫والقرى‪)...‬‬ ‫تم تفكيكه إلى جزيرة مجاورة في مكان آمن‬ ‫الــمــواقــع‪( :‬أعــمــال اإلنــســان أو األعمال من مياه الفيضان‪ ،‬وأظهرت أعمال إنقاذ‬ ‫معبد أبوسمبل أن هناك العديد من المواقع‬ ‫المشتركة بين اإلنسان والطبيعة)‬ ‫في العالم لها أهميتها وقيمتها العالميتين‪،‬‬ ‫أما التراث الطبيعي فيعني حسب ما جاء‬ ‫وأن المحافظة عليها مهمة المجتمع الدولي‬ ‫في المادة (‪ )2‬من االتفاقية‪:‬‬ ‫ككل‪ ،‬وليست الدولة التي توجد فيها هذه‬ ‫التكوينات البيولوجية والحسية (الغابات‪ ،‬المعالم‪ .‬ومن هذا المبدأ‪ ،‬تبنت اليونسكو‬ ‫الجزر‪ ،‬البحيرات‪ ،‬الكهوف والجبال) مواطن صياغة اتفاقية دولية تعنى بالتراث العالمي‬ ‫األجــنــاس الحيوانية والنباتية المعرضة الثقافي والطبيعي‪ ،‬تعرف باسم (اتفاقية‬ ‫حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي)‬ ‫للخطر‪.‬‬

‫‪17‬‬


‫أقرها المؤتمر العام لليونسكو في دورتــه‬ ‫السابعة عشرة في باريس بتاريخ ‪ 16‬نوفمبر‬ ‫‪1972‬م(‪.)٥‬‬ ‫وهــذه االتفاقية تعد أداة قانونية تُعنى‬ ‫بتعريف التراث الثقافي والطبيعي‪ ،‬وتضع‬ ‫معايير لترشيحه ليكون تراثاً عالمياً‪ ،‬وسُ بل‬ ‫المحافظة على هذا التراث وإدارته‪ :‬وتدار‬ ‫االتفاقية مــن قبل مركز الــتــراث العالمي‬ ‫ولجنة الــتــراث العالمي‪ ،‬وهما مؤسستان‬ ‫تتبعان لليونسكو؛ تــتــكــون لجنة الــتــراث‬ ‫العالمي من (‪ )21‬دولة‪ ،‬وتجتمع سنوياً للنظر‬ ‫في الترشيحات المقدمة من الدول األعضاء‬ ‫بشأن إدراجها في قائمة التراث العالمي‪،‬‬ ‫واتــخــاذ الــقــرارات بشأن ترشيح المواقع‬ ‫لقائمة التراث العالمي‪ ،‬أو قائمة المواقع‬ ‫المهددة بالخطر‪.‬‬ ‫وعملية ترشيح دولة ما لمواقعها تتطلب‬ ‫العديد من الخطوات‪ ،‬أولها التوقيع على‬ ‫االتفاقية لتصبح الدولة عضواً فيها‪ ،‬بعد‬ ‫ذلك تقوم الدولة بإعداد قائمة بمواقعها ذات‬

‫‪18‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫القيمة االستثنائية‪ ،‬ثم تختار من القائمة ما‬ ‫تــريــد ترشيحه لــيــدرج فــي قائمة الــتــراث‬ ‫العالمي‪ ،‬موضحة مبررات الترشيح‪ ،‬وأن‬ ‫الموقع محافظاً على أصالته‪ ،‬ويحظى بإدارة‬ ‫وحماية بشكل مناسب‪ ،‬مع تقديم تحليل‬ ‫يشمل مقارنة للموقع مع مواقع أخرى من‬ ‫النوع نفسه‪ ،‬ولكي تتم الموافقة على إدراج‬ ‫المواقع في قائمة التراث العالمي‪ ..‬ال بد‬ ‫أن تنطبق عليها معايير محددة في المادتين‬ ‫(‪ )2،1‬من االتفاقية‪ ،‬وهــي معايير تضمن‬ ‫أن يكون الموقع ذا قِ يمة عالمية استثنائية‪،‬‬ ‫ومحافظاً على شرطي األصالة والسالمة‪.‬‬ ‫وإذا أصبح الموقع المدرج مهدداً بأخطار‬ ‫جسيمة قــد تسبب فــي إزالــتــه‪ ،‬فــإن لجنة‬ ‫التراث العالمي تقوم بعد استشارة الدولة‬ ‫المعنية ب ــإدراج الموقع في قائمة التراث‬ ‫العالمي الــمــعــرض للخطر‪ ،‬ويعني إدراج‬ ‫الموقع في قائمة التراث العالمي المعرض‬ ‫للخطر أنه بحاجة إلى عون وأعمال كبرى‬ ‫لحمايته‪ .‬وال يعني عدم إدراج مُلك من التراث‬ ‫الثقافي أو الطبيعي في أي من القائمتين أن‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫المعايير االستثنائية‬

‫هذا الممتلك ليس له قيمة عالمية استثنائية‬ ‫في غير األغراض المتوخاة من إدراجه في‬ ‫تعد لجنة الــتــراث العالمي الممتلك ذا‬ ‫القائمتين المذكورتين‪.‬‬ ‫قيمة عالمية استثنائية إذا استوفت واحداً‬ ‫يعد كل موقع من مواقع التراث العالمي أو أكثر من المعايير التالية‪ :‬فالممتلكات‬ ‫ملكاً للدولة التي يقع فيها‪ ،‬وعليها مسؤولية المرشحة يجب أ ن‪:‬‬ ‫حمايته وإدارتــــه‪ ،‬إال أنــه يحظى باهتمام ‪ -1‬تمثل إحـــدى روائــــع الــعــقــل البشري‬ ‫المجتمع الدولي‪.‬‬ ‫المبدع‪.‬‬ ‫‪ -2‬تتجلى فيها تــأثــيــرات متبادلة قوية‬ ‫جرت على امتداد فترة من الزمن أو‬ ‫داخل منطقة ثقافية معينة من العالم‪،‬‬ ‫تتعلق بتطور الهندسة المعمارية‪ ،‬أو‬ ‫التكنولوجيا‪ ،‬أو الــصــروح الفنية‪ ،‬أو‬ ‫تخطيط الــمــدن‪ ،‬أو تصميم المناظر‬ ‫الطبيعية‪.‬‬

‫وتحرص الــدول على إدراج مواقعها في‬ ‫قائمة التراث العالمي؛ ألن ذلك يعني غنى‬ ‫الــتــراث الثقافي لــلــدولــة‪ ،‬وتعريفاً للعالم‬ ‫بأهميته الثقافية والسياحية‪ ،‬وألن للدولة أن‬ ‫تستعين عند الحاجة إلى حماية تراثها أو‬ ‫إصالحه باليونسكو أو بالدول األطراف في‬ ‫االتفاقية‪ ،‬خاصة على المستويات المالية‪،‬‬ ‫‪ -3‬تــقــف شــاهــداً فــريــداً أو عــلــى األقــل‬ ‫والفنية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬والتقنية(‪.)٦‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪19‬‬


‫استثنائياً‪ ،‬على تقليد ثقافي أو على‬ ‫حضارة ما تزال حية أو حضارة مندثرة‪.‬‬ ‫‪ -4‬يكون نموذجاً بارزاً لنمط من البناء‪ ،‬أو‬ ‫لمجمع معماري أو تكنولوجي أو لمنظر‬ ‫طبيعي يمثل مرحلة أو مراحل مهمة من‬ ‫التاريخ البشري‪.‬‬

‫‪ -8‬يقدم أمثلة فريدة لمختلف مراحل تاريخ‬ ‫األرض بما في ذلك سجل الحياة على‬ ‫األرض‪ ،‬وللعمليات الجيولوجية المهمة‬ ‫الجارية والمؤثرة في تطور التشكيالت‬ ‫األرضية‪ ،‬أو المعالم الجيومورفية أو‬ ‫الفيزيوغرافية المهمة‪.‬‬ ‫‪ -9‬يقدم أمثلة فريدة للعمليات األيكولوجية‬ ‫والبيولوجية المهمة المؤثرة في تطوير‬ ‫النظم البيئية األرضية‪ ،‬ونظم المياه‬ ‫العذبة‪ ،‬والنظم األيكولوجية الساحلية‬ ‫والــبــحــريــة‪ ،‬والــجــمــاعــات الــنــبــاتــيــة‬ ‫والحيوانية‪.‬‬

‫‪ -5‬يقدم نموذجاً بــارزاً لمستوطنة بشرية‬ ‫تقليدية أو ألسلوب تقليدي الستخدام‬ ‫األراض ــي أو الستغالل البحار‪ ،‬يمثل‬ ‫ثــقــافــة أو ثــقــافــات مــعــيــنــة‪ ،‬أو يمثل‬ ‫التفاعل بين اإلنسان وبيئته‪ ،‬السيما‬ ‫عندما يصبح عرضه لالندثار بتأثير‬ ‫‪ -10‬يشتمل على أهــم المواطن الطبيعية‬ ‫تحوالت ال رجعة فيها‪.‬‬ ‫وأكثرها داللة لصون التنوع البيولوجي‬ ‫‪ -6‬يكون مقترناً بشكل مباشر أو ملموساً‬ ‫في عين الموقع‪ ،‬بما في ذلك المواطن‬ ‫بأحداث أو تقاليد حية‪ ،‬أو بمعتقدات‬ ‫التي تحتوي على أجناس مهددة ذات‬ ‫أو مصنفات أدبية أو فنية ذات أهمية‬ ‫قيمة عالمية استثنائية من وجهة نظر‬ ‫عالية بارزة‪.‬‬ ‫العلم أو المحافظة على الثروات(‪.)٧‬‬ ‫‪ -7‬ينطوي على ظواهر طبيعية منقطعة‬ ‫يزداد عدد المواقع العالمية المدرجة في‬ ‫النظير أو يضم مناطق ذات جمال قائمة التراث العالمي كل عام‪ ،‬فقد بلغ عدد‬ ‫طبيعي استثنائي وأهمية جمالية فائقة‪ .‬المواقع المدرجة في قائمة التراث العالمي‬

‫حي الدرع بدومة الجندل ‪ -‬الجوف‬

‫‪20‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫قلعة مارد‬

‫حتى يوليو ‪2018‬م‪ )1092( ،‬موقعاً موزعة‬ ‫على (‪ )167‬دولة(‪.)٨‬‬

‫القيمة العالمية االستثنائية لواحة‬ ‫دومة الجندل‬

‫وللمملكة العربية السعودية حالياً خمس‬ ‫مواقع مسجلة في قائمة اليونسكو للتراث‬ ‫الــعــالــمــي‪ ،‬هــي‪ :‬مــدائــن صــالــح (الــحــجــر)‪،‬‬ ‫والدرعية التاريخية (حي الطريف)‪ ،‬وجدة‬ ‫التاريخية‪ ،‬والرسوم الصخرية في موقعي‬ ‫جبة والــشــويــمــس بمنطقة حــائــل‪ ،‬وواحــة‬ ‫األحساء‪.‬‬

‫دومة الجندل إحدى المدن القديمة في‬ ‫شمالي الجزيرة العربية‪ ،‬يعود تاريخها المدون‬ ‫إلى القرن الثامن قبل الميالد‪ ،‬مع أن األبحاث‬ ‫األثرية كشفت عن دالئل لوجود اإلنسان في‬ ‫المنطقة منذ أقدم حقب العصر الحجري‬ ‫القديم األســفــل‪ ،‬إذ وجــد في الشويحطية‬ ‫مواقع تعود إلــى العصر اإللــدوانــي‪ ..‬وهو‬ ‫أقدم حقب العصر الحجري القديم األسفل‪،‬‬ ‫تؤرخ بنحو مليون ومائتين سنة‪ ،‬وتعود أقدم‬ ‫المعلومات المدونة عن المدينة إلــى سنة‬ ‫‪688‬ق‪.‬م‪ ،‬إذ ورد ذكرها في حوليات الملك‬ ‫األشوري سنحريب (‪ )680 - 750‬ق‪.‬م‪ ،‬في‬ ‫نص كتب بالحروف المسمارية يشير إلى‬ ‫حملة قام بها هذا الملك ضد دومة الجندل‪،‬‬ ‫وورد ذكرها بعد ذلــك في حوليات الملك‬ ‫األشوري اسرحدون‪ ،‬والملك األشوري أشور‬ ‫بانيبال‪ ،‬ضمن أحداث غزواتهم ومحاوالتهم‬ ‫السيطرة على قبائل ومدن شمالي الجزيرة‬

‫وهناك قائمة تمهيدية لتسع مواقع أخرى‬ ‫تم تقديمها من المملكة ممثلة بالهيئة العامة‬ ‫للسياحة والــتــراث الوطني لتسجل ضمن‬ ‫مــواقــع الــتــراث العالمي هــي‪ :‬واح ــة دومــة‬ ‫الجندل التاريخية بمنطقة الجوف‪ ،‬ودرب‬ ‫زبيدة‪ ،‬وسكة حديد الحجاز‪ ،‬وطريق الحج‬ ‫الــشــامــي‪ ،‬وطــريــق الحج الــمــصــري‪ ،‬وقرية‬ ‫الــفــاو‪ ،‬وقــريــة رج ــال ألــمــع بعسير‪ ،‬وقرية‬ ‫ذي عين التراثية بمنطقة الباحة‪ ،‬والرسوم‬ ‫الصخرية بآبار حمى بمنطقة نجران‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪21‬‬


‫العربية‪ ،‬كما ذكرت دومة الجندل في نص‬ ‫يعود للملك البابلي نابونيد (‪)593-555‬‬ ‫ق‪.‬م‪ ،‬يــشــيــر إل ــى أن ــه ســيــطــر عــلــى دومــة‬ ‫الجندل‪ ،‬وهــو في طريقه إلــى تيماء‪ ،‬التي‬ ‫اتخذها عاصمة لملكه‪ ،‬واستقر فيها لمدة‬ ‫عشر سنوات‪ .‬وقبل اإلسالم أصبحت دومة‬ ‫الجندل من مراكز طــرق التجارة‪ ،‬وتجمع‬ ‫القبائل‪ ،‬وكان سوقها من األسواق المهمة في‬ ‫جزيرة العرب‪ ،‬ورصدت المصادر اإلسالمية‬ ‫األحـ ــداث المتصلة بفتح دوم ــة الجندل‪،‬‬ ‫وذكرت غزوة رسول اهلل إليها في السنة‬ ‫الخامسة من الهجرة‪ ،‬ثم سرية عبدالرحمن‬ ‫ابن عوف رضي اهلل عنه في السنة السادسة‬ ‫من الهجرة‪ ،‬ثم فتحها صلحاً على يد خالد‬ ‫بن الوليد رضي اهلل عنه في السنة التاسعة‬ ‫من الهجرة‪ ،‬ثم فتحها مرة أخرى في السنة‬ ‫الثانية عشر من الهجرة على يد خالد بن‬ ‫الوليد في خالفة أبي بكر الصديق رضي‬ ‫اهلل‪ ،‬بعد أن نكث حاكمها األكيدر بالعهد‬ ‫وارتد أهلها عن اإلسالم بعد وفاة رسول اهلل‬ ‫ (‪.)٩‬‬

‫يــعــد ح ــي ال ـ ــدرع ب ــدوم ــة الــجــنــدل من‬ ‫أهم المعالم األثرية‪ ،‬إذ يشكل هذا الحي‬ ‫باإلضافة إلى مسجد عمر وقلعة مارد‪ ،‬مركز‬ ‫البلدة القديمة‪ ،‬وهو من أهم أحياء دومة‬ ‫الجندل وأكبرها مساحة‪ ،‬وأقدمها تاريخاً‪،‬‬ ‫إذ كشفت التنقيبات األثرية التي أجريت‬ ‫داخل الحي والقلعة‪ ،‬عن طبقات استيطان‬ ‫أثرية تعود إلى منتصف األلف األول ق‪.‬م‪،‬‬ ‫كما وجدت طبقات استيطان تعود إلى نهاية‬ ‫الفترة النبطية‪ ،‬وقد وجدت هذه الطبقات‬ ‫تحت مستوى أساسات المباني القائمة التي‬ ‫تعود للعصر اإلسالمي(‪.)١٠‬‬ ‫إن الــجــزء المتبقي مــن حــي الـــدرع له‬ ‫أهمية كبيرة نظراً لما يتميز به من طبقات‬ ‫أثرية متعددة‪ ،‬تدل على عراقته التاريخية‬ ‫والــحــضــاريــة‪ ،‬بــاإلضــافــة إل ــى خصائصه‬ ‫التخطيطية والعمرانية‪ ،‬إذ مــازال يحتفظ‬ ‫بكثير مــن مكوناته وعناصره المعمارية‪،‬‬ ‫التي تعكس جانباً من طبيعة المدن العربية‬ ‫القديمة في الجزيرة العربية‪ ،‬ونموذجاً لمدن‬ ‫الــجــزيــرة العربية فــي العصر اإلســامــي‪،‬‬

‫مئذنة مسجد عمر بن الخطاب بدومة الجندل‬

‫‪22‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ويحيط بحي ال ــدرع مــن جانبيه الشمالي‬ ‫والشرقي مــزارع النخيل‪ ،‬كما توجد أجزاء‬ ‫من السور القديم لدومة الجندل تمتد في‬ ‫الجهات الغربية والجهة الشمالية الغربية‬ ‫والجهة الشرقية من دومة الجندل‪ ،‬ويمثل‬ ‫حي الدرع وواحة النخيل واألسوار القديمة‬ ‫جزءا كبيراً من واحة دومة الجندل التاريخية‪.‬‬

‫تكيفها مع العوامل المناخية والجغرافية‬ ‫والثقافية السائدة فــي الجزيرة العربية‪،‬‬ ‫ويتجلى ذلك من خالل التخطيط والسمات‬ ‫المعمارية وتقنيات البناء‪.‬‬ ‫المعيار (‪)4‬‬

‫يمثل حــي الـــدرع الــتــاريــخــي بتخطيطه‬ ‫ولهذه األهمية‪ ،‬رشحت المملكة العربية الهندسي وعناصره المعمارية أحد األمثلة‬ ‫السعودية ممثلة في الهيئة العامة للسياحة الــبــارزة القليلة الباقية لــنــمــاذج تخطيط‬ ‫والـــتـــراث الــوطــنــي واحـ ــة دومـ ــة الــجــنــدل البلدات اإلسالمية في المملكة‪.‬‬ ‫التاريخية ضمن الــمــواقــع الــمــدرجــة على‬ ‫السالمة واألصالة‬ ‫الــائــحــة التمهيدية للتسجيل فــي قائمة‬ ‫تــشــتــرط اليونسكو أن تــكــون الــمــواقــع‬ ‫التراث العالمي(‪.)١١‬‬ ‫المرشحة للتسجيل على قائمة الــتــراث‬ ‫وق ــد سُ ــجــل فــي مــوقــع اليونسكو على العالمي محافظة على أصالتها وسالمتها‪:‬‬ ‫الشبكة العالمية (اإلنترنت) ضمن المواقع أي أن يــكــون الممتلك لــم يفقد معالمه‬ ‫المرشحة على القائمة التمهيدية للمملكة‪،‬‬ ‫المجسدة ألهميته‪ ،‬وال يكون قد لحق به‬ ‫ومعايير الترشيح للموقع هي(‪:)١٢‬‬ ‫ضرر من جراء التنمية أو اإلهمال‪.‬‬ ‫المعيار (‪)2‬‬ ‫وشروط األصالة والسالمة متوافرة في‬ ‫يشكل حي الدرع التاريخي في تخطيطه حي الــدرع التاريخي‪ ،‬إذ شهد هــذا الحي‬ ‫مثاالً ب ــارزاً للبلدة اإلسالمية‪ ،‬وخصائص فترة طويلة من النشاط السكاني منذ القرن‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪23‬‬


‫التاسع عشر الميالدي حتى الفترة الحديثة‪،‬‬ ‫إ َّال إنــه احتفظ بمكوناته دون أن تتعرض‬ ‫لتغيرات رئيسة‪ ،‬وبالتالي فهو مثال بارز‬ ‫ اليونسكو‪ ،‬تعريف الشباب بحماية وإدارة مواقع‬‫لمظهر البلدة اإلسالمية إلى جانب البيئة‬ ‫التراث‪ ،‬مكتب اليونسكو‪،‬عمان‪2003 ،‬م‪.‬‬ ‫الطبيعية التي ظلت سليمة(‪.)١٣‬‬ ‫ اليونسكو‪ ،‬االتفاقيات والتوصيات التي أقرتها‬‫الــيــونــســكــو بــشــأن حــمــايــة ال ــت ــراث الــثــقــافــي‪،‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬ ‫ حسين بن علي الخليفة وآخــرون‪ ،‬آثــار منطقة‬‫الجوف‪ ،‬وزارة المعارف‪ ،‬وكالة اآلثار والمتاحف‪،‬‬ ‫الرياض ‪1423‬هـ‪2003 /‬م‪.‬‬ ‫ سعيد دبيس العتيبي‪" ،‬دور المملكة العربية‬‫السعودية في المحافظة على التراث الثقافي‬ ‫وخدمة قضاياه"‪ ،‬أبحاث المؤتمر العالمي األول‬ ‫عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة‬ ‫القضايا اإلسالمية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة‬ ‫المنورة‪ ،‬الكتاب الرابع‪ ،‬القسم األول ‪1431‬هـ‪.‬‬ ‫ وزارة التعليم‪ ،‬اللجنة الوطنية السعودية للتربية‬‫والثقافة والــعــلــوم‪ ،‬التقرير الــســنــوي‪-1422 ،‬‬ ‫‪1432‬هـ‪.‬‬ ‫ *‬

‫(‪) ١‬‬ ‫(‪ )٢‬‬ ‫(‪ )٣‬‬

‫(‪) ٤‬‬ ‫(‪ )٥‬‬ ‫(‪ )٦‬‬ ‫(‪ )٧‬‬ ‫(‪ )٨‬‬ ‫(‪ )٩‬‬ ‫(‪) ١٠‬‬ ‫(‪ )١١‬‬ ‫(‪ )١٢‬‬ ‫(‪ )١٣‬‬

‫‪24‬‬

‫ اليونسكو‪ ،‬المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاقية‬‫التراث العالمي‪ ،‬اليونسكو ‪2005‬م‪.‬‬

‫ اليونسكو‪ ،‬اليونسكو ما هي ماذا تفعل‪ ،‬اليونسكو‪،‬‬‫‪2009‬م‪.‬‬ ‫ الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني‪،‬مواقع‬‫التراث العالمي في المملكة العربية السعودية‪،‬‬ ‫‪1439‬هـ‪.‬‬ ‫المواقع اإللكترونية‪:‬‬ ‫ ‪ ،https://ar.unesco.org/42whc‬الــدورة ‪ 42‬للجنة‬‫الــتــراث العالمي‪ ،‬تاريخ االسترجاع ‪ 20‬يوليو‬ ‫‪2018‬م‪..‬‬ ‫‪ -‬‬

‫‪https://whc.unesco.org/en/tentativelists/6034/،‬‬

‫تاريخ االسترجاع ‪ 21‬يوليو ‪2018‬م‪.‬‬

‫دكتوراه في اآلثار والحضارة اإلسالمية‪.‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬اليونسكو ماهي ماذا تفعل‪،‬اليونسكو‪2009 ،‬م‪ ،‬ص ص‪ ،3-2‬ص ص‪.23-19‬‬ ‫وزارة التعليم‪ ،‬اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم‪ ،‬التقرير السنوي‪1432-1422 ،‬هـ‪،‬‬ ‫ص‪.7‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬ط‪1985 ،2‬م‪ ،‬ص ص ‪ ،72 -63‬سعيد دبيس العتيبي‪" ،‬دور‬ ‫المملكة العربية السعودية في المحافظة على التراث الثقافي وخدمة قضاياه"‪ ،‬أبحاث المؤتمر العالمي‬ ‫األول عن جهود المملكة العربية السعودية في خدمة القضايا اإلسالمية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية بالمدينة‬ ‫المنورة‪ ،‬الكتاب الرابع‪ ،‬القسم األول‪1431 ،‬هـ‪ ،‬ص ص ‪.318-266‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬االتفاقيات والتوصيات التي أقرتها اليونسكو بشأن حماية التراث الثقافي‪ ،‬ص ‪.82‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬تعريف الشباب بحماية وإدارة مواقع التراث‪ ،‬مكتب اليونسكو‪ ،‬عمان‪2003 ،‬م‪ ،‬ص ‪.16‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬االتفاقيات والتوصيات‪ ،‬ص ص ‪.97-81‬‬ ‫اليونسكو‪ ،‬المبادئ التوجيهية لتنفيذ اتفاقية التراث العالمي‪ ،‬اليونسكو ‪2005‬م‪ ،‬ص ص ‪.31-30‬‬ ‫‪ ،https://ar.unesco.org/42whc‬الدورة ‪ 42‬للجنة التراث العالمي‪ ،‬تاريخ االسترجاع ‪ 20‬يوليو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫حسين بن علي الخليفة وآخرون‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬وزارة المعارف‪ ،‬وكالة اآلثار والمتاحف‪ ،‬الرياض‬ ‫‪1423‬هـ‪2003 /‬م‪ ،‬ص ص ‪ ،73-62‬ص ص ‪.91 -87‬‬ ‫الخليفة‪ ،‬وآخرون‪ ،‬آثار منطقة الجوف‪ ،‬ص ص ‪.157 -147‬‬ ‫الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني‪ ،‬مواقع التراث العالمي في المملكة العربية السعودية‪1439 ،‬هـ‪،‬‬ ‫ص ص ‪.77-76‬‬ ‫‪ ،/https://whc.unesco.org/en/tentativelists/6034‬تاريخ االسترجاع ‪ 21‬يوليو ‪2018‬م‪.‬‬ ‫‪ ،/https://whc.unesco.org/en/tentativelists/6034‬تاريخ االسترجاع ‪ 21‬يوليو ‪2018‬م‪ ،.‬الهيئة العامة‬ ‫للسياحة والتراث الوطني‪ ،‬مواقع التراث العالمي في المملكة العربية السعودية‪ ،‬ص ص ‪.77-76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫شرنقة الحلم األصفر‬ ‫بين تأويل المشهد السياسي‬ ‫ودرامية المشهد االجتماعي‬ ‫■ رانيا مسعود*‬

‫بتلقائيةٍ شــديــدة‪ ،‬يـتـنــاول الـكــاتــب الــدكـتــور مصطفى عطية جمعة أحــداثً ــا‬ ‫بألوان من مشاهد اجتماعية‪ ،‬ومظاهر رؤية مكانية‪ ،‬جالت في‬ ‫ٍ‬ ‫سياسيةً ‪ ..‬أصبغها‬ ‫بلد طاف في حيِّزِ هِ ‪ ،‬لتتسع فيما بعد وتتخذ شكلها القومي‬ ‫نطاق المحلية لكل ٍ‬ ‫الـعــربــي‪ ،‬ل ـتــؤ ِّر َخ لحقبة مهمة فــي حـيــاةِ األم ــة العربية فــي بــدايــات األلفينيات‪.‬‬ ‫الدكتور مصطفى عطية جمعة مــن مواليد مدينة الفيوم‪ ،‬تخرج مــن كلية دار‬ ‫العلوم ويعمل بالكويت‪ ،‬وللنشأة والجوانب الحياتية ظاللهما على هذا العمل‬ ‫الــروائــي‪ ،‬كما سنرى فيما بعد‪ .‬وإن شئنا تصنيف هــذه الــروايــة تصنيفً ا تاريخ ّيًا‬ ‫أيضا‪ .‬لكننا في‬ ‫أحداث سياسية لجاز ذلك ً‬ ‫ٍ‬ ‫لجاز ذلك‪ ،‬وإن شئنا تصنيفها كرواية‬ ‫ألحداث متنامية شكّ لت من‬ ‫ٍ‬ ‫رؤى مختلفة‬ ‫يعرض لنا ً‬ ‫ُ‬ ‫النهاية نتفق على أن الكاتب‬ ‫األهمية ما تجعله يفر ُد لها نصه الروائي في (شرنقة الحلم األصفر)‪.‬‬ ‫الــعــنــوان كــمــدخـ ٍـل لــلــنــص الــروائــي‬ ‫نجده واصفًا للمكان بالتعبير عن اللون‬ ‫األصفر‪ ،‬ناعتًا تلك المساحات الشاسعة‬ ‫من الرمال والصحارى التي تتميز بها‬ ‫المنطقة العربية‪ ،‬ويقع أغلبها ما بين‬

‫شبه الجزيرة العربية وبعض دول الشمال‬ ‫أيضا للمنطقة‬ ‫ً‬ ‫اإلفريقي التي تنتمي‬ ‫العربية‪ ،‬فيما يسمى بالشرق األوسط‪.‬‬ ‫أما الحلم‪ ،‬فما زال حلم وحدة المنطقة‬ ‫التي تسودها العادات والتقاليد واللغة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪25‬‬


‫والدين السماوي يراود كل من يعيش بها‪ ،‬فال‬ ‫تكاد تخلو أعمال المبدعين شعرًا ونثرًا من‬ ‫تضمين لذلك الحلم ال ُملِحّ ‪ .‬أما عن الشرنقة‬ ‫ٍ‬ ‫نسيج‬ ‫ٍ‬ ‫فهي تلك اللفافة التي تحيطنا في‬ ‫واحـ ٍـد‪ ،‬وربما كان للمعنى داللتان‪ :‬أوالهما‬ ‫التمركُز حول الحلم ومحاولة تحقيقه‪ ،‬وبذل‬ ‫ـال ونفيس فــي سبيل الــوصــول إليه‪،‬‬ ‫كــل غـ ٍ‬ ‫وثانيتهما االختناق الذي قد يصيب الجميع‬ ‫من آثار هذا التمركز؛ وإن كنتُ أرى للشرنقةِ‬ ‫التي تحم ُل فتر ًة من فترات حياة دود القز‬ ‫أمل في إخراجِ الحلم إلى سبيله للوصول إلى‬ ‫ً‬ ‫الحقيقة في وحدة عربية باتت من المرامات‬ ‫مبدع فقط‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫إنسان وليس لكل‬ ‫ٍ‬ ‫لكل‬

‫‪26‬‬

‫ثم يكو ُن اإلهداءُ‪ ،‬إذ يصفُ الكاتبُ مساره‬ ‫اإلبداعي بالنهر‪ ،‬وينهل منه ليسقي ُقرّاءه في‬ ‫إبداعية كانت هذه الرواية إحداها‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫دفقة‬ ‫ٍ‬ ‫ثم ينتقل بنا للمشهد األسري وهو يتابع‬ ‫مهدا ًة إلى أقاربه وذويه ممن كان لهم عظيم‬ ‫طفلته إلى أن يصل‪ ،‬فيذوبُ القارئُ معه في‬ ‫األثــر فــي تكوينه وتشكيل قريحته الفنية‬ ‫تيه إجراءات وصوله إلى المطار حيث محطته‬ ‫المبدعة‪.‬‬ ‫األولى في العاصمة القاهرة‪ .‬وارتباطٌ بين‬ ‫يؤث ُر الدكتور مصطفى أن يستهل روايته تنقالته من المطار قاطعًا الطريق الدائري‬ ‫ٍ‬ ‫بلوحة‬ ‫ٍ‬ ‫حديث عن الشأن الداخلي للبالد‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫تعبيرية بها تفاصيل المشهد الجغرافي يخرطه في‬ ‫من نافذة طــائــرة‪ ،‬حتى يحمل الــقــارئ إلى‬ ‫وعالقته باإلسفلت الذي ال ينتظ ُم أثناء السير‬ ‫التأهيل المشهدي بين كثرة سفراته وتجوالته‬ ‫عليه السائ ُق بسيارته األجــرة‪ .‬ثم ولو ٌج إلى‬ ‫بين ال ــدول‪ ،‬ليكوّن لذلك صــداه فيما بعد‬ ‫ذاكر ِة الراوي حين يعود إلى مدينته الفيوم‪.‬‬ ‫خــال أحــداث الــروايــة‪ .‬بــدا من خــال هذا‬ ‫ومشه ٌد آخر يلتقي فيه أحد أصدقائه ليروي‬ ‫المشهد الــراوي ألحــداث الرواية ‪ -‬وهو ما‬ ‫بصعوبة‬ ‫ٍ‬ ‫يسميه النقاد بالراوي العليم ‪ -‬مطلعًا على له أحداثًا ألمّت به في مغيبه عنه‪.‬‬ ‫محاولة‬ ‫ٍ‬ ‫ـداث بعدها في‬ ‫ـط األح ـ ِ‬ ‫بشغف‪ ،‬يطالعها في جريدةٍ في تــحــاو ُل ربـ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ـداث‬ ‫األح ـ ِ‬ ‫مقدمة الــروايــة‪ ،‬ومــن ٍآن آلخــر هــو مطلع منك كقارئ أن تمسك بزمام األحــداث في‬ ‫عليها بالتقنية السردية الروائية ذاتها‪ .‬وكأنه تغييب الشخصيات إال من "حــافــظ" الذي‬ ‫يري ُد أن يُشركَ القارئَ معه مطالعته ألمور يأتي ذكره في البداية‪ .‬لكن الحدث الطاغي‬ ‫السياسة في تلك الحقبة المهمة من حياة على المشاهد يكاد يكون مناورات ثقافية‬ ‫عن ممارسة الشعر ومبيع دواويــنــه وقصر‬ ‫المواطن العربي في مطلع األلفينيات‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫ً‬ ‫الثقافة الذي اتخذ‬ ‫شكل عجيبًا قد ال يمت بالتزمت واالنــحــراف عــن المسار الديني‬ ‫ٍ‬ ‫بصلة إلى المأمول‪ ،‬والغربة في إعادة ترسيم السليم‪ .‬وهذا هو ما قدمته الرواية إلينا في‬ ‫الحراك الثقافي على الرغم من العقبات نموذج (حازم عثمان)‪.‬‬ ‫التي قد ال تُذلل في المدينة الحاضرة بقوة‬ ‫هناك حالة من التماهي بين شخصية‬ ‫(الفيوم)‪ .‬ثم يدخل الــراوي أحد المنازل‪..‬‬ ‫الكاتب الــروائــي الدكتور مصطفى عطية‬ ‫وتدور محادثة بينه وبين جيرانه المقربين‪،‬‬ ‫جمعة والــراوي‪ ،‬إذ تشابهت أحداث الرواية‬ ‫خليجية طغت‬ ‫ٍ‬ ‫فيكتشفوا اصطباغه بصبغة‬ ‫كثيرًا بين ظروفهما الحياتية‪ ..‬فأشارت إلى‬ ‫على مالمحه‪.‬‬ ‫لمحات من حياته اليومية‪ ،‬وهو ما نلمحه‬ ‫ٍ‬ ‫فــي الــجــزء الــثــالــث مــن ال ــرواي ــة‪ ،‬ينتقل‬ ‫بوضوح من خالل بعض الدرامية الممتزجة‬ ‫ٍ‬ ‫الــحــديــث م ــن الــخــصــوصــيــة بــاســتــخــدام باألحداث‪.‬‬ ‫الشخصيات العادية في المسار الروائي إلى‬ ‫الطريفُ في ترتيبه لقراءة بعض الوقائع‬ ‫العمومية باستخدام الشخصيات المحرّكة‬ ‫السياسية العربية من خالل الجرائد التي‬ ‫لــأحــداث فــي الــوطــن العربي‪ ،‬وع ــودة إلى‬ ‫أحــيــا ًنــا يــذكــرهــا‪ ،‬وأحــيــا ًنــا ال يذكر مصدر‬ ‫الحديث بين الشخصية الــراويــة لألحداث‬ ‫الحدث أو الخبر‪ ..‬أنه يرتبها بصورةٍ تتيح‬ ‫وشخصية "حافظ" وتقارير إخبارية تأتي‬ ‫فمثل‬ ‫ضــمــن م ــس ــارات األح ــادي ــث مــتــضــفــرة مع للقارئ استشفاف ما للخبر من أصداء‪ً .‬‬ ‫الشخصيات المحورية والشخصيات العامة عندما ذكر الخبر الــوارد عن إطــاق ياسر‬ ‫عرفات رئيس السلطة الفلسطينية لمعتقلي‬ ‫ذات األحداث األكبر في الواقع العربي‪.‬‬ ‫حــمــاس والــجــهــاد‪ ،‬وتــوعــد رئــيــس السلطة‬ ‫التنوّع الذي ساقه الراوي بين الشخصيات‬ ‫الصهيونية شــارون لهؤالء اإلرهابيين‪ ..‬هو‬ ‫العربية التي م َّث َل كل واحد منها بالده برؤيته‬ ‫هنا يريد للقارئ أن يــرى بــإدراكــه المفهوم‬ ‫المختلفة لــأحــداث أثــرت العمل بالحوار‬ ‫الــداللــي لجماعات اإلرهـــاب التي يصفها‬ ‫الذي تم فيما بينها‪ .‬وكذلك استخدام بعض‬ ‫شــارون في تصريحاته‪ .‬كذلك عندما أَتب َع‬ ‫العبارات والتعبيرات الحياتية‪ ..‬جعلت من‬ ‫بخبر عن سيار ِة السيدة سها عرفات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الخب َر‬ ‫سجل للهجات الــبــاد‪ ،‬وللتنوع في‬ ‫ً‬ ‫العمل‬ ‫هو يريد أن يُح ِّم َل القارئ مسؤولي َة تعقب‬ ‫الــعــادات والــقــيــم والــثــقــافــات‪ .‬كــذلــك كثرة‬ ‫األحداث وتكوين الرؤية الخاصة به عنها‪.‬‬ ‫القصص التي كــان الــراوي البطل مشاركًا‬ ‫كذلك في ضرب المثل إلحــدى الجرائم‬ ‫في أحداثها‪ ،‬إمــا باسترجاعها بطريقة الـ‬ ‫باحتراف في السخرية الالذعة‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ ،)Flash back‬أو بمحاولة استعادتها بسؤال التي كتب عنها‬ ‫بلد‬ ‫الشخصيات المباشر عما وصل إليه حالها‪ .‬من الشأن العربي‪ ،‬فالجريم ُة دارت في ٍ‬ ‫كذلك التدرج الذي كان سببًا في قلب حال خليجي‪ ،‬والضحي ُة ليست من هــذا البلد‪،‬‬ ‫يعترف بالجريمة‪ ،‬ويظه ُر الفخر‬ ‫ُ‬ ‫أح ــد الشخصيات مــن الــتــدلــيــل والترفيه والمجرم‬ ‫الــزائــد‪ ،‬إلــى االنسياق إلــى االنضمام إلى بارتكابه إياها بمنتهى الالمباالة‪ ،‬واألهــل‬ ‫جماعات قد توصف في كثير من األحيان واألقارب يلجؤون إلى مصر ليجدوا للمجرم‬

‫‪27‬‬


‫فصل منها على حده‪.‬‬ ‫فصول‪ ،‬وتسمية كل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫محام يبدو أنه إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مفرًا من جريمته باالتفاقِ مع‬ ‫من الحنكةِ ما يجعله يُخرج القاتل من إطارِ‬ ‫لغ ُة الكاتب تتنوع بين الوضوح والمباشرة‬ ‫جريمته‪ ،‬بل ومن ِ‬ ‫فرط المفاجأة قد يجعله والعمق الغائر في تفاصيل دقة المشاهد‪،‬‬ ‫مسكينًا مستح ّقًا للشفقةِ والتعاطف‪ .‬كل هذه‬ ‫مثل يستخدم أحيانًا الصور البيانية‬ ‫فنراه ً‬ ‫ألحداث مشابهة‬ ‫ٍ‬ ‫األحداث ذكرها بعد رصده‬ ‫والوصف المجازي في تعبيراته‪ ،‬إلى جانب‬ ‫على الجانب اآلخر من أرض أخرى عربية‪..‬‬ ‫التقرير اإلخباري الخالي من أسلوبه السردي‬ ‫حيث الصراع الصهيوني الفلسطيني الذي‬ ‫حين يُرا ُد للمشهد التعبير عن الحدث دون‬ ‫الطرف المعتدي أن يظهر بلباس‬ ‫ُ‬ ‫يص ُّر فيه‬ ‫التعليق عليه‪.‬‬ ‫الضحية‪ ،‬على الرغم من مجاهرته بجريمته‬ ‫مستوى الحوار الذي ساقه إلينا الراوي‬ ‫ومفاخرته بها أحيانًا‪ ،‬فإنه أمام الرأي العام‬ ‫العالمي يُنكرُها؛ بل ويحاول استدرار العطف يتأرجح بين الفصحى والعامية المتفصحة‪،‬‬ ‫ـاوالت ِلـلَــيْ عنق‬ ‫والشفقة لجانبه‪ .‬تلك الحالة من الموازاة بين وهــو ما قد رأيــنــاه من مــحـ ٍ‬ ‫صراعات المثل الشعبي أو العبارة العامية على نحو‬ ‫ٍ‬ ‫عربية تدور فيها‬ ‫ٍ‬ ‫بالد‬ ‫األحداث في ٍ‬ ‫متأججة ال يتحدث عنها الروائي مصطفى (أال يوجد فم يحتمل أن تبتل فولة فيه؟)‪ .‬يكاد‬ ‫عطية بقدر طرحها‪ ..‬ليلقي الكرة في ملعب النص الروائي للدكتور مصطفى عطية يخلو‬ ‫المتلقي حين يُجزِ ُم بترجيحِ رأيٍّ على اآلخر من األخطاء إال من بعض العثرات التي وقع‬ ‫ال يختلفُ عليه العق ُل والمنط ُق مطلقًا‪.‬‬ ‫فيها على نحو (لم يتالشى) في بداية النص‬ ‫النهاي ُة مفتوحةٌ‪ ،‬لــم يصل بها الــراوي الروائي وقد ال يالحظها كثي ٌر من القراء‪،‬‬ ‫إلــى التقليدية‪ ،‬بل تركها لقارئ يتلذذ معه إذ ال يمكننا أن نتغافل عمق تأثير الرواية‬ ‫بمذاق القهوة‪ ،‬ويستطلع فيها ما هو قاد ٌم من اللغوي واألداء القوي المتماسك في وجود‬ ‫أحــداث‪ ،‬مع الرجوع بالحنين إلى الماضي بعض الهنات النحوية واللغوية البسيطة‪.‬‬ ‫والذكرى في تجاعيد األب‪ .‬الرواي ُة طافت ويــجــدر اإلشـــارة إلــى النقلة الــحــواريــة في‬ ‫حدود‬ ‫ٍ‬ ‫أحــداث بالغة القدم وتدرجت إلى مضمون الرواية التي شاركت في وضع‬ ‫ٍ‬ ‫بنا بين‬ ‫درامية متدرجة تضافرت‬ ‫ٍ‬ ‫أحداث حالية‪ .‬والتاريخ في الرواية مشاركٌ فاصلة‪ ،‬نقلتنا إلى‬ ‫ٍ‬ ‫مع الشخصيات وحــاضـ ٌر بقوة‪ ،‬فقد بدت مع أحــداث القصص الكثيرة التي سيقت‪،‬‬ ‫المراحل السردية في بعض مناطق الرواية لتلتقي مع سرد الكمية الهائلة من األحداث‬ ‫السياسية والتاريخية في النص الروائي‪.‬‬ ‫كأنها سر ٌد ذاتيٌّ لراوي األحداث‪.‬‬ ‫"شــرنــقـ ُة الحلم األصــفــر" رواي ــة حملت‬ ‫ـض ـ َل الــكــاتــب تقسيم روايــتــه رقــمـ ًّيــا‪،‬‬ ‫فـ َّ‬ ‫فابتعدت عن التجزئة الفصليَّة‪ ،‬وربما أتاح الــقــارئ على جناحي طــائــرةٍ جالت بــه في‬ ‫بيسر‬ ‫ٍ‬ ‫متعة لغوية معبرة‬ ‫ذلك للقارئ التجاوب مع األحــداث بصورةٍ المكان والزمان‪ ،‬في ٍ‬ ‫عمليِّة أكثر عمقًا من خصوصية تقسيمها عن هموم القارئ والكاتب معًا‪.‬‬ ‫* كاتبة من مصر‪.‬‬

‫‪28‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫استرفاد التراث‬ ‫في شعر أمل دنقل‬ ‫■ د‪ .‬هويدا صالح*‬

‫شكلت ظاهرة التناص في الشعر العربي الحديث بُعدا فني ًا وإجــراءً أسلوبي ًا‬ ‫يكشف عــن التفاعل بين الـنـصــوص الحديثة والـقــديـمــة‪ ،‬كما يكشف عــن قــدرة‬ ‫أساس وظيفي يُجسد‬ ‫ٍ‬ ‫الشاعر على استدعاء النصوص بأشكالها المختلفة على‬ ‫التفاعل بين الماضي والحاضر‪ .‬و إذا كان الدارسون قد أجمعوا على أنه ال يخلو‬ ‫نص من نصوص أخرى تُشكّ ل مرجعيات تناصية له؛ فإن ما يهم المُ تلقي لهذه‬ ‫أساسا من‬ ‫ً‬ ‫النصوص المتناصة‪ ،‬هو كيفية توظيف النص الوافد ليصبح جــزء ًا‬ ‫نسيج النص‪ ،‬أو لبنة من لبناته؛ ال أن يكون نشازًا أو غريبًا عن النص المستقبل‪.‬‬ ‫الــتــنــاص فــي أحــد مستوياته التي‬ ‫تسبب الــغــمــوض يــقــتــرب مــن مفهوم‬ ‫الــجــدلــيــة الــفــكــريــة؛ فــكــل الــنــصــوص‬ ‫األدب ــي ــة مــحــاكــاة مــن نــصــوص أدبــيــة‬ ‫أخــرى‪ ،‬ليس بالمعنى الحرفي لكلمة‬ ‫المحاكاة التي قد تعني التقليد‪ ،‬أو حتى‬ ‫السرقة األدبية‪ ،‬إنما بمعنى تشغيل هذه‬ ‫النصوص في مستوياتها األشد تج ّذرًا‪،‬‬ ‫والذي يعني أن كل كلمة‪ ،‬أو عبارة‪ ،‬أو‬ ‫ومعان‬ ‫ٍ‬ ‫مقطع‪ ،‬هو إعادة إنتاج لكلمات‬ ‫أخ ــرى سبقت هــذا الــنــص‪ ،‬والتناص‬ ‫عملية تفاعل حقيقية بين النصوص‬ ‫الالحقة والسابقة‪.‬‬

‫النصية‪ ،‬والنصوص الغائبة نَحتَ أمل‬ ‫دنــقــل مــشــروعــه الــشــعــري‪ ،‬وأفـــاد من‬ ‫كل مستويات التناص‪ ،‬ســواء التناص‬ ‫الديني أو التاريخي أو األســطــوري‪،‬‬ ‫وسوف نستجلي مستويات هذا التناص‪،‬‬ ‫ونستقصي تلك التفاعالت النصية‪،‬‬ ‫ونحفر بعمق في حفريات نصوصه‪.‬‬

‫في قصيدته "خطاب غير تاريخي‬ ‫على قبر صالح الدين" يتناص الشاعر‬ ‫ليس مــع التاريخ وحــســب‪ ،‬بــل يتناص‬ ‫كذلك مع الثقافة‪ .‬في هذا النص عدة‬ ‫مستويات للتناص سوف تتضح بالتحليل‬ ‫والقراءة الثقافية‪ .‬هذه القصيدة كتبت‬ ‫بــهــذا الـــوعـــي‪ ،‬وعـ ــي الــتــفــاعــات بعد نكسة ‪1967‬م‪ ،‬وغضب فيها أمل‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪29‬‬


‫دنقل كما غيره من الشعراء غضبًا كبيرًا‪،‬‬ ‫وحزنوا حزنًا شديدًا‪ ،‬وحمّلوا الزعيم جمال‬ ‫عبدالناصر تَبعِ ة الهزيمة‪ ،‬وه ــذه ليست‬ ‫القصيدة الــوحــيــدة التي كتبها أمــل دنقل‬ ‫فــي هــذه الهزيمة الــتــي أث ــرت ليس فقط‬ ‫على المثقفين‪ ،‬بل أثــرت على الشخصية‬ ‫المصرية ربما لآلن‪ ،‬الم أمل دنقل ناصر‪،‬‬ ‫وقد الم ناصر نفسه‪ ،‬فقد تحمل الهزيمة‬ ‫منفردًا‪ ،‬وحاول التنحي‪.‬‬ ‫ربما الــعــودة إلــى الــتــراث واستنطاقه‪،‬‬ ‫ـان‪ ،‬كان‬ ‫وتحميله ما يريد الشاعر من مــعـ ٍ‬ ‫هروبا من المحاسبة من قبل النظام في‬ ‫ذلــك التوقيت‪ ،‬وربما يبرر هــذا االشتغال‬ ‫الفني على شخصية صالح الدين الذي كان‬ ‫من المفترض أن يحرر القدس‪ ،‬في إشارة‬ ‫تاريخية للعدو التاريخي لمصر الذي يحتل‬ ‫القدس حتى اآلن وهو العدو الصهويني‪:‬‬

‫أخيرً ا‪..‬‬ ‫هَ ا أَنْتَ ت َْس َتر ِْخي ِ‬ ‫َف َودَاعَ ا‪..‬‬ ‫الدينْ ‪،‬‬ ‫ال َح ِ‬ ‫يَا َص َ‬ ‫ـص‬ ‫َيــا أَيُّ ـ َهــا الــطَ ـ ْبــلُ الــبِ ـدَائِ ــي ال ــذِّ ي َت ـرَا َقـ َ‬ ‫المَ وتَى‬ ‫َاعهِ المَ ْجنُونْ ‪،‬‬ ‫عَ لَى إيق ِ‬ ‫الفلِ ينْ‬ ‫يَا قَارِ بَ ِ‬ ‫ل ـل ـ َع ـرَب ال ـ َغ ــر َق ــى ال ـ ِـذي ــنَ شَ ــتَّ ـ َتــهُ ــمْ ُســفُ ــنُ‬ ‫َاصنَة‬ ‫ال َقر ِ‬ ‫وأَ ْد َر َكتْهُ م لَعْ نَةُ ال َفر َِاعنَة‬ ‫وَسَ نَةً ‪ ..‬بَعْ َد سَ نَة‪..‬‬ ‫َصارَتْ لَهُ مْ ' ِح ِطينْ '‪..‬‬ ‫العنّينْ‬ ‫الطفْ ِل‪ ،‬وَإك ِْسير الغَد ِ‬ ‫ت َِميمَ َة ِ‬ ‫‪30‬‬

‫نسب له تحرير القدس‪ ،‬يحيل على شخصية‬ ‫ناصر الذي دخل المعارك من أجل فلسطين‬ ‫والــقــدس‪ ،‬لكن دنــقــل ال ــذي يتألم لهزيمة‬ ‫‪1967‬م‪ ،‬يــرى طبل هــذه الزعامة إنما هي‬ ‫طبل بدائي دق إلشعال الحرب دون نصر‪،‬‬ ‫يــراه قــارب فلين يطفو فــوق الماء دون أن‬ ‫يحمل الــوطــن؛ فالفلين ال يصلح أن يكون‬ ‫سفينة للوطن‪ ،‬يراه ال ينجد الغرقى العرب‬ ‫الذين ش َّتتَتْهم سفن القراصنة في إحالته‬ ‫الــرمــزيــة على الصهاينة‪ ،‬فتصير حطين‬ ‫التي كانت رمزًا للنصر‪ ،‬تصير مجرد تميمة‬ ‫لطفل‪ .‬كما يتناص الشاعر مع نص سابق له‬ ‫في حديثه عن فلينية السفينة‪ ،‬وهنا تتدفق‬ ‫رؤاه الجمالية في تناص ذاتــي مع قصيدة‬ ‫'مقابلة خاصة مع ابن نوح" فها هم الحكماء‬ ‫الجبناء يفرون نحو السفينة‪ ..‬سفينة فلينية‪،‬‬ ‫هشة‪ ،‬تدفعها الرياح أنّى شــاءت!! وها هم‬ ‫الــعــرب الــغــرقــى‪ ،‬الــذيــن يمثلون الضعف‪،‬‬ ‫والترهل‪( :‬المغنون‪ ،‬سائس خيل األمير‪،‬‬ ‫المرابون‪ ،‬قاضي القضاة‪ ،‬راقصة المعبد‪،‬‬ ‫جباة الضرائب‪ ،‬مستوردو شحنات السالح‪،‬‬ ‫عشيق األميرة)‪.‬‬

‫في ذات القصيدة يقوم الشاعر بالتناص‬ ‫األدبي أو الثقافي مع قصيدة "مجنون ليلى"‬ ‫ألمير الشعراء أحمد شوقي‪ ،‬حيث يناجي‬ ‫جبل التوباد‪ ،‬لكن جبل التوباد هنا ال يرتحل‬ ‫من نص أحمد شوقي إلــى نص أمــل دنقل‬ ‫بمحموله الثقافي‪ ،‬فليس هو مرتع الصبا‬ ‫الذي يناجيه الشاعر ويُذكّره بمحبوبته ليلى‪،‬‬ ‫إنما هنا الجبل ممر لخيول الترك‪ ،‬ولخيول‬ ‫الشرك‪ ،‬بل خيول التتار‪ ،‬بما يحمله التتار من‬ ‫التناص مع شخصية صالح الدين الذي صورة ذهنية على الهمجية والعنف والشر‪،‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫وفي هذا إحالة على العدو الصهيوني الذي‬ ‫يحتل القدس‪ ،‬وسيناء بعد هزيمة ‪1967‬م‪.‬‬

‫َّاك الحَ يَا‬ ‫جَ بَل التَوبادِ حَ ي َ‬ ‫الل َثرَانَا األ َْجنَبِ ي!‬ ‫(وَسَ قَى َّ ُ‬ ‫الترك‬ ‫ْ‬ ‫مَ رَّ تْ ُخيُ ولُ‬ ‫مَ رَّ تْ ُخيُ ولُ الشر ْ​ْك‬ ‫مَ ًّرتْ ُخيُ ولُ المَ لِ ِك ‪ -‬النِ ْسر‪،‬‬ ‫مَ رَّ تْ ُخيُ ولُ ال َتتْار البَاقِ ينْ‬ ‫يواصل الشاعر إحالته على الواقع بعد‬ ‫ال بعد جيل‪-‬‬ ‫ارتحاله إلى التاريخ‪ ،‬فنحن ‪-‬جي ً‬ ‫وكأننا سوف نتوارث الهزائم واالنكسارات‪،‬‬ ‫في ميادين المراهقة‪ ..‬نعاني الموت تحت‬ ‫األحصنة‪ ،‬وأنــت في إحالة لصالح الدين‬ ‫الــذي هو رمــز للزعيم‪ ،‬يقف وراء المذياع‬ ‫ليتحدث عــن حــطــيــن‪ ،‬ويستنهض الهمم‬ ‫صارخا حطين‪ ،‬ويرتدي العقال تــارة‪ ،‬في‬ ‫إحالة للعالقة مع البدو الصحراويين‪ ،‬ربما‪،‬‬ ‫وربما في إحالة لتماثل عقال أهل فلسطين‪،‬‬ ‫وفي تارة أخرى يرتدي مالبس الفدائيين‪ ،‬أو‬ ‫يشرب الشاي مع الجنود‪ ،‬لكن تظل الصورة‬ ‫الذهنية للزعيم‪.‬‬

‫أمل دنقل‬

‫َو َت ْرفَعُ الرَايَة‪،‬‬ ‫حَ تَى ت َْستَرِ َّد المُ دُ نَ المُ ْرتَهنَة‬ ‫الم ْسكِ ينْ‬ ‫َوت ُْطلِ قُ النَا َر عَ لَى جَ وادِ َك ِ‬ ‫حَ تَى سَ ق َْطتَ أيُ هَا الز َِعيمْ‬ ‫ْك أي ِْدي ال َك َه َن ْة‬ ‫وَاغْ تَا َلت َ‬

‫ثم يواصل دنقل شحن نصه بحفريات‬ ‫تثاقفية‪ ،‬فها هو يتناص مع قصيدة في "حب‬ ‫مصر" ألحمد شوقي‪ ،‬فبعد هذه اإلحاالت‬ ‫السابقة على واقع مــأزوم‪ ،‬وهزائم قاسية‪،‬‬ ‫وانــتــصــارات كالمية خلف مــذيــاع‪ ،‬يتناص‬ ‫الشاعر مــع قصيدة تتغنى بحب الوطن‪،‬‬ ‫صالح الدين إنه جالس وراء المذياع‬ ‫ا َب ــعْ ـ َد ِج ـيـ ٍـل ‪ -‬فِ ــي مَ ـ َيــادِ يـ ِـن ويأتي أشهر بيت في حب الوطن لشوقي‪،‬‬ ‫َو َن ـ ْـح ــنُ ِج ـي ـ ً‬ ‫فوطني ال يشغلني عنه حتى جنات الخلد‪،‬‬ ‫المُ رَاهَ نَة‬ ‫لكن الشاعر يأتي بمقلوب حالة شوقي أو‬ ‫األح ِصنَة!‪ ‬‬ ‫ْ‬ ‫وت ت َْحتَ‬ ‫نَمُ ُ‬ ‫بحالة مفارقة لها‪ ،‬فالوطن الذي ال يشغلني‬ ‫المذْ يَاعِ ‪ ،‬فِ ي جَ رَائِ ِد التَهْ ويِ نْ‬ ‫وَأنْتَ فِ ي ِ‬ ‫عنه حتى الخلود تنازعني نفسي إلى مجلس‬ ‫ت َْس َتوْقِ ُف الفَارِ ين‬ ‫األمن‪ ،‬وهنا إحالة صريحة لحالة الهزيمة‪،‬‬ ‫َخط ُب فِ يهِ م َصائِ ًحا‪ِ ' :‬ح ِّطينْ '‪..‬‬ ‫ت ُ‬ ‫والتهديد بمجلس األمــن الدولي المناصر‬ ‫َو َت ْرت َِدي ال َعقَالَ تَا َرةً‪،‬‬ ‫للكيان الصهويني‪.‬‬ ‫الفدَائِ يِ ينْ‬ ‫س ِ‬ ‫َو َت ْرت َِدي مَ البِ َ‬

‫الجنُو ْد‬ ‫َوت َْشر َُب الشَ ايَ مَ َع ُ‬ ‫َات الخَ ِشنَة‬ ‫فِ ي المُ ع َْس َكر ِ‬

‫بالخل ِْد عَ نْه‪..‬‬ ‫وَطَ نِ ي لَو ُشغِ ل ُْت ُ‬ ‫نَازَعَ تْنِ ي لِ مَ ْجلِ ِس األَمْ ِن‪ -‬نَفْ ِسي!‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪31‬‬


‫يــواصــل الــشــاعــر اإلحــالــة على الــواقــع‪ ،‬وقد رأت من بعيد الجنود يقبلون لمحاربة‬ ‫فصالح الدين‪ /‬الزعيم سينام‪ ،‬وربما هذه القبيلة‪ ،‬وحذرتهم‪ ،‬لكن أحدا لم يصدقها‪:‬‬ ‫القصيدة تنبئ بموته حزنًا وكمدًا رغم ما "أيتها العرّافة المقدس ْه‬ ‫حققه من انتصارات في حرب االستنزاف‪،‬‬ ‫إليك‪ ..‬مثخنًا بالطعنات والدماء‬ ‫جئت ِ‬ ‫ُ‬ ‫ســيــنــام وتــنــبــت عــلــى قــبــره الــــــورود‪ ،‬مثل‬ ‫أزحف في معاطف القتلى‪ ،‬وفوق الجثث‬ ‫المظليين في إحالة للبطوالت ربما التي‬ ‫المكدس ْه‬ ‫حققها المصريون‪ ،‬ونحن الشعراء سنظل‬ ‫منكسر السيف‪ ،‬مغبّر الجبين واألعضاء‪ ‬‬ ‫ساهرين نحلم بجانب نافذة الحنين‪ ،‬ال نفعل‬ ‫أسأل يا زرقاء‪..‬‬ ‫شيئا سوى االسترخاء‪ ،‬بل يتحول السالح في‬ ‫فمك الياقوت‪ ،‬عن نبوءة العذراء‬ ‫عن ِ‬ ‫أيدينا إلى وسيلة لتقشير البرتقال‪ ،‬ونسأل‬ ‫اهلل القروض الحسنة؛ ولكن الـ (نحن) على ع ــن س ــاع ــدي ال ـم ـق ـطــوع‪ ..‬وه ــو م ــا ي ــزال‬ ‫من تعود؟ على مجموعة النخبة وفي مقدمتها ممسكً ا بالراية المنكس ْه‬ ‫الشعراء؟ أم على الجيش في إشارة للسكين؛ عن صــور األطفال في الـخــوذات‪ ..‬ملقا ًة‬ ‫لكن الجيش واصل كفاحه بعد الهزيمة ست على‪ ‬الصحراء‬ ‫سنوات تم فيها بناء الجيش‪ ،‬وقاموا بعمليات عن جاري الذي يهم بارتشاف الماء‪..‬‬ ‫ف ـي ـث ـق ــب الـ ـ ــرصـ ـ ــاص رأسـ ـ ـ ــه ف ـ ــي لـحـظــة‬ ‫نوعية داخل أراضي العدو‪.‬‬

‫الدينْ‬ ‫ال َح ِ‬ ‫نَمْ يَا َص َ‬ ‫نَمْ ‪َ ..‬ت َت َدلَى فَوقَ َق ْبر َ​َك الورودُ ‪..‬‬ ‫َالمظَ لَيين!‬ ‫ك ِ‬ ‫َون َْحنُ سَ ِاهرُ ونَ في نَافِ ذةِ الحَ نِ ينْ‬ ‫السكـ ِّينْ‬ ‫ُنق َّشرُ التُ فا َح بِ ِ‬ ‫وض الحَ سَ َنةْ'!‪ ‬‬ ‫الل ' القُ رُ َ‬ ‫َون َْسأَلُ َّ َ‬ ‫فَاتِ حَ ة آمينْ "‬

‫‪32‬‬

‫وذات الــلــحــظــة الــتــي ســبــبــت انــكــســارا‬ ‫للشخصية المصرية‪ ،‬يعاود االشتغال على‬ ‫تلك اللحظة‪ ،‬حيث الهزيمة المفجعة منطلقًا‬ ‫ناج من براثن الهزيمة‪ ،‬ليرتد‬ ‫على لسان جندي ٍ‬ ‫ارت ــدادة خلفية عن التحذيرات والنبوءات‬ ‫التي قدمتها زرقــاء اليمامة‪ ،‬ولم ينتبه لها‬ ‫أحــد‪ .‬إذاً‪ ،‬يتناص الشاعر مع قصة زرقاء‬ ‫اليمامة‪ ،‬وأسطورتها في الثقافة العربية‪ ،‬إذ‬ ‫وصفت بالحكمة ‪ ،‬كما وصفت بدقة النظر‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫المالمس ْه(‪.)١‬‬

‫إذاً يــريــد أم ــل دنــقــل أن يــتــحــدث عن‬ ‫الهزيمة والخيبات التي صاحبتها‪ ،‬فيجعل‬ ‫جنديه يذهب إلى المرأة األسطورة‪ ،‬العرّافة‬ ‫المقدسة‪ ،‬ليكشف عبر الحوار من طرف‬ ‫الجندي إلــى العرافة عــن حزنه ومشاهد‬ ‫الــزحــف‪ ،‬الــزحــف المنكسر بعد الهزيمة‪.‬‬ ‫يتحول الجندي المعاصر ال ــذي يخاطب‬ ‫العرّافة المقدسة صاحبة النبوءة إلى جندي‬ ‫تراثي‪ ..‬هو شخصية عنترة بن شداد‪ ،‬هذا‬ ‫الشاعر العربي البطل الذي مارس البطولة‬ ‫على المستويات جميعها‪ :‬الفردي والقبلي‬ ‫والقومي‪ ،‬فيبرزه الشاعر في صورة جندي‬ ‫مأزوم يعاني الظلم والقهر والحرمان وعدم‬ ‫اعتراف األهل بحريته‪ ،‬رغم إيمانهم ببطولته‬ ‫وشجاعته‪:‬‬


‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫أحمد شوقي‬

‫إن ثمة تشاكل داللي بين شخصية الجندي‬ ‫" تكلمي أيتها النبية المقدس ْه‬ ‫العصري وشخصية عنترة التراثية‪ ،‬من حيث‬ ‫سكت سنة‪ ،‬فسنة‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫ال تسكتي‪ ..‬فقد‬ ‫ـا منهما شخصية مــأزومــة تزيدها‬ ‫إن ُك ـ ًّ‬ ‫لكيْ أنال فضلة األمان‬ ‫المشاهد المحيطة أزمــة وحــز ًنــا‪ ،‬الهزيمة‬ ‫قيل لي‪..‬اخرس!‬ ‫المادية والمعنوية التي مُني بها األول في‬ ‫وائتممت بالخصيانْ‬ ‫ُ‬ ‫وعميت‬ ‫ُ‬ ‫فخرست‬ ‫ُ‬ ‫ظللت في عبيد «عبس» أحرس القطعان‪ ‬يونيو ‪1967‬م وجراحه ودماؤه‪ ،‬وصور إخوانه‬ ‫ُ‬ ‫القتلى‪ ،‬وص ــور أبنائهم الــتــي يحملونها‪،‬‬ ‫أجت ّز صوفها‪.‬‬ ‫وإنكار األهــل حرية الثاني وحقه الطبيعي‬ ‫أر ّد نوقها‪..‬‬ ‫في ممارسة الحياة‪ ،‬محروم من مجالسة‬ ‫أنام في حظائر النسيان‪ ‬‬ ‫طـ ـع ــام ــيَ ‪ :‬الـ ـكـ ـس ــرة‪ ..‬والـ ـ ـم ـ ــاء‪ ..‬وب ـعــض الفتيان محكوم عليه بالنوم فــي حظائر‬ ‫النسيان؛ ألنــه عب ٌد ال يحسن الك ّر والفرّ‪،‬‬ ‫التمرات اليابسهْ‪ ‬‬ ‫والصرّ‪ ،‬بيد أن كليهما‬ ‫َّ‬ ‫وإنما يُحسن الحلب‬ ‫وها أنا في ساعة الطعان‪ ‬‬ ‫ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان في قــرارة النفس بطل‪ ،‬لم تحسن القبيلة‬ ‫توظيف بطولة الثاني واحترامها‪ ،‬مثلما لم‬ ‫يت للميدان!‬ ‫دُ ِع ُ‬ ‫تقدر القيادة بطولة أبنائها بانغماسها في كل‬ ‫أنا الذي ما ذقت لحم الضان‬ ‫ما هو بعيد عن مصلحة الوطن‪.‬‬ ‫أنا الذي ال حول لي أو شان‬ ‫أنا الذي أقصيت عن مجالس الفتيان‬ ‫وإذا كان أمل دنقل قد شاكل بين شخصية‬ ‫(‪)٢‬‬ ‫أُدعى إلى الموت ولم ُأ ْد َع إلى المجالس ْه‬ ‫الجندي المعاصر وشخصية البطل التراثي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪33‬‬


‫أمــام صاحبة النبوءة والــرؤيــة المستقبلية‬ ‫زرقــاء اليمامة التي يرمز بها إلــى الوطن‪،‬‬ ‫مثلما استدعى شخصية عنترة ليرمز بها‬ ‫إلــى المثقفين المصريين الــذيــن فرضت‬ ‫عليهم السلطة المصرية الصمت‪/‬الخرس‪،‬‬ ‫ـرس‪ ،‬فإنه ال‬ ‫مثلما قيل لعنترة التراثي‪ :‬اخـ ْ‬ ‫يقنع بهذا التشاكل التراثي‪/‬العصري‪ ،‬وإنما‬ ‫يستعين بشخصية تراثية تتشاكل وشخصية‬ ‫زرقاء اليمامة‪ ،‬وهذه الشخصية التراثية هي‬ ‫الزباء ملكة تدمر التي يستدعيها بآلية القول‬ ‫عندما يضمن على لسان عنترة مقولتها «ما‬ ‫للجمال مشيها وئيدا؟!!» يقول أمل‪:‬‬

‫تكلمي أيتها النبية المقدس ْه‬ ‫تكلمي‪ ..‬تكلمي‪..‬‬ ‫فها أنا على التراب سائلٌ دمي‬ ‫ظمئ يطلب المزيدا‪ ‬‬ ‫ٌ‬ ‫وهو‬ ‫أسائل الصمت الذي يخنقني‪:‬‬ ‫"ما للجمال مشيها وئيدا‪..‬؟!‬ ‫"أجند ًال يحملنَ أم حديدا‪..‬؟! "‬ ‫فمنْ تُرى يصدقني؟‬ ‫أسائل الركَّ َع والسجودا‪ ‬‬ ‫أسائل القيودا‬ ‫"ما للجمال مشيها وئيدا‪..‬؟!‪ ‬‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ما للجمال مشيها وئيدا‪..‬؟!"‬

‫‪34‬‬

‫كذلك يمكن أن نلمح مثل هذا التشاكل‬ ‫بين الشخصيات األرب ــع التي وظفها أمل‬ ‫دنــقــل فــي هــذا الــنــص الــشــعــري‪ :‬الجندي‬ ‫المعاصر‪ -‬عنترة التراثي ومعادله العصري‪/‬‬ ‫جماعة المثقفين‪ -‬زرقاء اليمامة‪ -‬ثم الزباء‪،‬‬ ‫إذ تتشاكل جميعها مع األنــا الشاعرة التي‬ ‫تعرضت لصنوف مــن الــمــعــانــاة تستدعي‬ ‫حالة الجندي العائد من المعركة وقد نجا‬ ‫من الموت‪ ،‬وهذه األنا تحمل من الشجاعة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫والبطولة مــا يمكن التماسه فــي الجذور‬ ‫الصعيدية الــتــي ينتمي إلــيــهــا صاحبها‪،‬‬ ‫والبطولة والشجاعة ومــا تستدعيان من‬ ‫الجرأة وجدناها عند عنترة التراثي‪ ،‬وهذه‬ ‫األنا متنبئةٌ‪ ،‬إذ تنبأت من قب ُل بوقوع هزيمة‬ ‫يونيو ‪1967‬م ولم ينتبه إليها أحد‪.‬‬ ‫إن هــذه الــقــدرة الفنية على المزج بين‬ ‫الــرمــوز الــتــراثــيــة واإلفــــادة مــن مدلوالتها‬ ‫الترميزية فــي سياق النص الشعري وما‬ ‫تــســتــدعــيــه م ــن ال ــم ــع ــادالت الــمــوضــوعــيــة‬ ‫المعاصرة التي كانت اله ّم المقعد المقيم‬ ‫للشاعر‪ ،‬جعلته ال ينسى المواءمة الفنية‬ ‫بين رمز الزرقاء التراثية ومعادلها المعاصر‬ ‫وهو الوطن بأبنائه‪ ،‬وقد ذاقوا مرارة الهزيمة‬ ‫والذلة والهوان‪ ،‬وما ترتب عليها من المآسي‪،‬‬ ‫يخاطب الشاعر الزرقاء التي يصفها بالنبية‬ ‫المقدسة قائالً‪:‬‬

‫أيتها العرافة المقدسهْ‪..‬‬ ‫ماذا تفيد الكلمات البائسهْ؟‬ ‫قلت عن قوافل الغبار‬ ‫قلت لهم ما ِ‬ ‫ِ‬ ‫عينيك يا زرقاء بالبوار‬ ‫ِ‬ ‫فاتهموا‬ ‫قلت عن مسيرة األشجار‬ ‫قلت لهم ما ِ‬ ‫ِ‬ ‫فاستضحكوا من وهمك الثرثار‪ ‬‬ ‫وحين فوجئوا بحدِّ السيف‬ ‫قايضوا بنا‬ ‫ونحن جرحى القلب‬ ‫جرحى الروح والفم‪ ‬‬ ‫لم يبق إال الموت‪..‬‬ ‫والحطام‪..‬‬ ‫والدمار‪..‬‬ ‫وصبية مشردون يعبرون آخر األنهار‬ ‫ونسوة يُ سقن في سالسل األسر‬ ‫وفي ثياب العار‬


‫محورًا رئيسً ا من محاور التجربة الشعرية‬ ‫عند أمل دنقل‪ ،‬ولعله هنا قد وصل إلى حافة‬ ‫الهاوية من حيث فقدان األمل في التغيير‪،‬‬ ‫فهذه زرقاء اليمامة العرافة المقدسة بكل ما‬ ‫تحمل القدسية من دالالت التطهر والوفاء‬ ‫والصدق في النصيحة لهذا الوطن وأبنائه‪،‬‬ ‫قــلـ ِـت عــن قــوافــل الــغــبــار فاتهموا عينيك‪،‬‬ ‫قلت لهم عن مسيرة األشجار فتضاحكوا‪،‬‬ ‫واعتبروك مثرثرة تهذين بكالم غير مفهوم‪،‬‬ ‫وعــنــدمــا تــقــع الــهــزيــمــة تــجــيء المقايضة‬ ‫بالمحكومين الذين يحملون العبء من قبل‬ ‫ومن بعد‪ ،‬ليظل المنكوبون من أبناء الوطن‬ ‫قابعين خانعين تحت مآسيه‪ ،‬ويظل األغنياء‬ ‫في لهوهم وصبواتهم‪ ،‬وتظل الزرقاءـ الوطن‪.‬‬ ‫وحيدة عمياء‪:‬‬

‫ها أنت يا زرقاء‬ ‫وحيدة عمياء!‬ ‫وما تزال أغنيات الحب واألضواء‬ ‫والعربات الفارهات واألزياء!‬ ‫فأين أخفي وجهي المشوها‬ ‫كيْ ال أعكِّ ر الصفاء األبله المموها‬ ‫في أعين الرجال والنساء!؟‬

‫بموازنة تقنية التوظيف الفني لزرقاء‬ ‫اليمامة عند الشعراء القدامى‪ ،‬وجدنا أن‬ ‫القدامى قد اتكأوا في توظيفها على التصوير‬ ‫البياني من حيث التشبيه الذي جاءت فيه‬ ‫الزرقاء في موضع المشبه به‪ ،‬المقيس عليه‬ ‫أو المحتكم إليه؛ ألنه النموذج أو المثال الذي‬ ‫يُطمح في الوصول إليه؛ لذلك كان الحديث‬ ‫عــن الــزرقــاء فــي الــنــص الــشــعــري القديم‬ ‫بضمير الغياب‪ ،‬فهو الحضور الغياب‪ ،‬أما في‬ ‫الشعر المعاصر‪ ،‬فقد وجدنا حضور الزرقاء‬ ‫هــو حضور الحضور مــن خــال المواجهة‬ ‫الفنية‪ ،‬التي تمت على صعيد النص من‬ ‫خالل ضمير الخطاب‪ ،‬وأمثاله من النداء؛‬ ‫والعلة في ذلك أن الشعراء المعاصرين قد‬ ‫مالوا في توظيف الزرقاء إلى اكتناه الجانب‬ ‫الرمزي الباحث عما وراء المعنى الظاهري‪،‬‬ ‫والرمز الشعري مرتبط كل االرتباط بطبيعة‬ ‫التجربة الشعورية التي يعيشها الشاعر‪ ،‬تلك‬ ‫خاصا(‪ )6‬بها‪ ،‬ومن‬ ‫ًّ‬ ‫التي تمنح األشياء مغزًى‬ ‫ثمة اتسمت تجربة الشاعر المعاصر بالعمق‬ ‫واع‬ ‫والنضج الفكري والثقافي مــع إلــمـ ٍـام ٍ‬ ‫بالتراث ومعادالته الموضوعية المعاصرة‪.‬‬

‫دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ون ـقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد‬

‫مـ ـط ــأطـ ـئ ــات الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرأس‪ ..‬ال ي ـم ـل ـك ــن إال وأنت يا زرقاء‪..‬‬ ‫(‪)4‬‬ ‫الصرخات البائس ْه‬ ‫وحيدة عمياء‬ ‫(‪)5‬‬ ‫لقد كــان الكشف عن عــورات المجتمع وحيدة عمياء‬

‫* أكاديمية وكاتبة من مصر‪.‬‬ ‫(‪ )١‬أمل دنقل‪ :‬األعمال الشعرية ص ‪ -159‬مكتبة مدبولي القاهرةـ ‪1995‬م‪.‬‬ ‫(‪ )٢‬المصدر السابق ص ‪.159‬‬ ‫(‪ )٣‬المصدر السابق ص ‪.159‬‬ ‫(‪ )٤‬المصدر السابق ص‪.163‬‬ ‫(‪ )٥‬المصدر السابق ص‪.164‬‬

‫(‪ )٦‬عز الدين إسماعيل ‪ -‬الشعر العربي املعاصر ‪ -‬قضاياه وظواهره الفنية واللغوية ‪ -‬املكتبة‬ ‫األكادميية ‪ -‬ط‪1994 - 5‬م ‪ -‬ص‪.173‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪35‬‬


‫ساعي البريد‬ ‫■ حليمة الفرجي*‬

‫فيما بعد أصبحت أتــمــادى أكثر‪..‬‬

‫رســائــلــي تلك الــتــي أكتبها بنفسي‬ ‫وأوقعها باسم شخص غائب ال يعود‪.‬‬ ‫فــأدعــوه لفنجان من القهوة وأقــرأ له‬ ‫يحملها إل ــيّ هــو كــل ي ــوم ســعــيــداً‪ ،‬رسالتي‪...‬‬ ‫مدعياً البالهة‪ ،‬فأقدم له قطعة من‬ ‫فيتظاهر بالدهشة أكثر ويمضي‬ ‫الكعك المدخن‪.‬‬ ‫مدعياً تصديقه كذبتي‪.‬‬

‫أظن أنه يعلم أني أرشوه كي يستمر‬ ‫في تمثيل دور البالهة هــذا‪ ،‬أو ربما‬ ‫أكافئه لغرقه في ذات الدهشة كل يوم‪.‬‬

‫سنون كثيرة مضت‪..‬‬ ‫أصبحنا صديقين دون أن نعلم‪..‬‬ ‫ومــع م ــرور الــوقــت تــركــت لــه مهمة‬

‫هــو أيــض ـاً يمضي فــي تمثيل دوره‬ ‫ليستمتع بمذاق الكعك‪ ،‬أو ربما ليقرأ كتابة الرسائل‪..‬‬ ‫رسائل أخرى في عيني‪.‬‬ ‫وما أزال أقرأها بصوت مسموع‪...‬‬ ‫أصبحت هذه هي عادتنا كل يوم‪..‬‬ ‫وه ــو يــرتــشــف فــنــجــان قــهــوتــي يـدّعــي‬ ‫رسالة كاذبة‪..‬‬ ‫دهشة مصطنعة‪..‬‬

‫يبتسم ابتسامة رضا ويمضي‪..‬‬

‫وقطعة كعك‪..‬‬

‫ليوصل بقية رسائل سيدات الحي‪.‬‬

‫* قاصة من السعودية‪.‬‬

‫‪36‬‬

‫الدهشة‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫برويّة وهدوء‪ ،‬وقف أمام أحد الكهوف القريبة‬ ‫من قلعة عجلون‪ .‬تأمل المنظر جيدا‪ ،‬فالشمس‬ ‫النائسة خلف القلعة‪ ،‬منظر تمنّى رؤيته منذ زمن‬ ‫بعيد‪ ،‬طالما سمع عنه من الكثيرين‪..‬‬ ‫دخل الكهف وتملّى فيه جيداً‪ ،‬جلس واتكأ على‬ ‫أحد الحجارة المهيأة بفعل إنسان حــاذق في‬ ‫نقش الحجارة‪.‬‬ ‫دارت فيه األمنيات ‪:‬‬ ‫ لو أنني عشت في زمن صالح الدين‪ ،‬لكنت‬‫خــضــتُ مــعــارك مــصــيــريــة‪ ،‬وربــمــا كــنــت أحــد‬ ‫الفرسان أو القادة الذين ذكرهم التاريخ في‬ ‫بطوالته ومالحمه‪..‬‬ ‫آه‪ ..‬لكنتُ شاركتُ على األقل في بناء القلعة‪،‬‬ ‫ال بــد أن ج ـدّي يوسف شــارك فــي حمل هذه‬ ‫الحجارة العظيمة على كتفيه‪..‬‬ ‫استبدت به األحالم واألمنيات‪ ،‬فغفا وهو يتخيّل‬ ‫نفسه فارسً ا من فرسان التاريخ‪ ،‬يصول ويجول‬ ‫على صــهــوة ج ــواد أبــلــق‪ ،‬يشق بسيفه صــدور‬ ‫األع ــداء‪ ،‬ويصعد إلــى قمة بــرج القلعة ويمأل‬ ‫صــدره بهواء نقي‪ ،‬ويزفر متنهدًا ومتمنياً أن‬ ‫ال يأتي زمــان تكون فيه بــاده عُرضة لإلهانة‬ ‫واالغتصاب‪..‬‬ ‫لم يعرف على وجه التحديد كم من الزمن مضى‬ ‫غاف في الكهف‪ ،‬فبعد أن صحا من‬ ‫عليه وهو ٍ‬ ‫نومه‪ .‬وفتح عينيه جيداً‪ .‬تلمّس جاكيت الجينز‬ ‫والبنطلون المهلهل‪ .‬ولمّا رأى لحيته الطويلة‬ ‫التي خالطها كثير من الشيب والشعر األحمر‪،‬‬ ‫أحس بالهرم‪..‬‬ ‫ّ‬

‫■ عمار اجلنيدي*‬

‫ ال بد أنني نمت طويالً‪..‬‬‫قام ببطء وتثاقل‪ .‬خطا إلى خارج الكهف‪ .‬أبهره‬ ‫ضوء الشمس الذي بدا في مراحل هزيعه قبل‬ ‫األخير‪ .‬وضــع يديه على وجهه‪ ،‬اتقاء الضوء‬ ‫الباهر‪ .‬وتابع خطواته إلى الخارج‪ .‬نظر إلى‬ ‫التالل المحيطة‪ .‬ارتسمت على وجهه مالمح‬ ‫الدهشة ‪:‬‬ ‫ أين ذهبت القلعة؟؟‬‫أقسم أنها كانت على ذاك الجبل الشامخ‪...‬‬ ‫ربّاه‪ ..‬ما الذي يجري!‬ ‫عــاد للبحث عن القلعة في مختلف الجهات‪،‬‬ ‫وبخاصة على الجبال المحيطة بالكهف‪.‬‬ ‫ولما أيقن أنها غير مــوجــودة‪ ،‬تحولت مالمح‬ ‫الدهشة على وجهه إلــى مالمح خليطه بين‬ ‫العجب وعدم التصديق والشك؛ خاصة عندما‬ ‫أبصر على أحد الجبال القريبة بنايات صغيره‬ ‫متراصة من الفلين‪ ،‬وكأنها مستعمرة صغيره‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫من تلك المستعمرات التي ما تــزال ماثلة في‬ ‫ذاكرته‪..‬‬ ‫ لمن هذه المستعمرة؟‬‫أحس بالجوع ينهش معدته الخاوية‪ .‬نزل إلى‬ ‫ّ‬ ‫عــجــلــون‪ ،‬بعد أن اجــتــاز ســـوراً مــن األســاك‬ ‫الشائكة‪ .‬ساعدته الفتة كبيره مكتوبة باللغة‬ ‫العبرية‪ ،‬فتسلّق عليها ثم هبط قافزاً إلى األرض‪.‬‬ ‫استرعاه كثيراً وجود الفتة باللغة العبرية‪:‬‬ ‫ ولــمــاذا اللغة العبرية؟! لعلها أصبحت لغة‬‫عالميه بدل اإلنجليزية! هِ ـه‪..‬‬ ‫سخر من استنتاجه ومضى نازالً إلى عجلون‪..‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫اللعنة‪..‬‬

‫‪37‬‬


‫ وماذا يمكن أن يكون مكتوباً على تلك الالفتة؟‬‫وأين اختفت قلعة عجلون؟‬ ‫ولمن تعود تلك المستعمرة؟‬ ‫بدا مبهوراً وهو يتأمل البنايات الشامخة التي‬ ‫تشبه في طرازها المعماري ناطحات السحاب‪:‬‬ ‫ ر ّبــاه‪ ..‬ماذا أرى! أين مسجد عجلون؟!! لقد‬‫كــان هنا‪ ،‬محل هــذه البناية الضخمة‪ ..‬وأين‬ ‫الكنيسة‪ ،‬ومكتبة عقيل‪ ،‬واالستراحة‪ ،‬أين أبو‬ ‫العز؟!‬ ‫يا إلهي!! ما الذي يجري هنا؟!‬ ‫دفعه أحد المارة بكتفه‪ ،‬فقد كان محط سخرية‬ ‫الــنــاس واســتــهــجــانــهــم لــوقــوفــه الــطــويــل أمــام‬ ‫البنايات‪.‬‬ ‫نظر حوله بتمعّن‪ ،‬فرأى أناسا كثيرين يعتمرون‬ ‫قبعات دائرية وأرْدِ ية سوداء طويلة‪ ،‬ولحى سوداء‬ ‫كـ ّثــة‪ ،‬وتعاظُ م الالفتات على أوجــه المحالّت‬ ‫مكتوبة باللغة العبرية‪..‬‬ ‫ ال بد أنني أحلم‪ ..‬فمن يصدّق هذا الذي أرى؟‬‫الــجــوع يستبد بمعدته‪ ،‬ومــع طــول التجاهل‬ ‫يستحيل إلى ألم مرهق‪.‬‬ ‫دخل إلى كافتيريا قريبه‪ .‬طلب من البائع رغيفا‬ ‫من الساندويش‪:..‬‬ ‫ يوجد لدينا فقط همبورغر‪..‬‬‫ الحمد هلل أنــنــي وج ــدت أخــيــراً مــن يتكلّم‬‫العربية‪..‬‬ ‫ يا رجل‪ ،‬أنا عربي‪ ،‬من يهود اليمن‪..‬‬‫ يهود اليمن؟ وماذا تفعل هنا‪ ،‬ولماذا جئت من‬‫اليمن؟‬ ‫م ّد البائع برغيف الهامبورغر إليه‪ ،‬وعالمات‬ ‫االستياء بادية في نظراته ‪:‬‬ ‫ ثالثة شيكالت‪..‬‬‫‪ -‬ماذا قلت؟‬

‫‪38‬‬

‫ قلت ثالثة شيكالت‪..‬‬‫بحث في جيوبه عن النقود‪ ،‬فعثر على دينار‪..‬‬ ‫ ما هذا! هذه العملة قديمه وهي ملغيّه منذ‬‫زمن طويل‪ ..‬من أين أنت يا هذا؟‬ ‫ أنا!!!‬‫لم تقل لي أنت ؛ ماذا تفعل هنا‪ ،‬ولماذا جئت‬ ‫من اليمن؟‬ ‫اســتــشــاط الــبــائــع غــضــب ـاً‪ ،‬فــخــطــف رغــيــف‬ ‫الهامبورغر منه ودفعه إلى الخارج ‪:‬‬ ‫ هل سنعيد القصة من جديد‪ ..‬هذه أرضنا يا‬‫رجل‪ ..‬أرضنا التي وُعِ دنا بها منذ قرون‪ ..‬هيا‬ ‫أخرج من هنا‪ ،‬عليك اللعنة‪..‬‬ ‫وخرج من الكافتيريا مطرودا‪ ،‬مدحوراً‪ ،‬جائعا‪،‬‬ ‫ال عمّا يدور حوله‪ .‬ارتمى على كومة تراب‬ ‫ذاه ً‬ ‫أمام أحد المتاجر الضخمة وراح يمرّغ رأسه في‬ ‫التراب وينثره على وجهه‪.‬‬ ‫تنهد بحنق وحسره‪.‬‬ ‫استجمع بقايا أنفاسه‪ ،‬وكبتها في صدره تمهيداً‬ ‫إلطالق صرخة مقهورة تعتمل في داخله‪ ،‬لكن‬ ‫صوته ظل حبيسا في حنجرته ؛ ولم يقو على‬ ‫إطالق صرخته‪..‬‬ ‫عاود التنهيد‪ .‬ظلّت الحسرات حبيسة وجدانه‬ ‫المثخن بالذهول‪ .‬نهره حارس البناية الضخمة‬ ‫كي يبتعد عن المكان‪.‬‬ ‫تمعّن فيه جيداً ‪:‬‬ ‫ ليس هذا غريمي‪..‬‬‫تقدّم نحو الحارس ببطء‪ .‬غافله‪ ،‬وبضربة قوية‬ ‫ض َربَ ُه مرّة أخرى بنفس‬ ‫على رأسه جعلته يترنّح‪َ ،‬‬ ‫الطريقة‪ .‬است ّل منه السالح عنوة‪ ،‬واتجه راكضاً‬ ‫صوب المستعمرة‪..‬‬

‫ * قاص وشاعر ومسرحي‪ ،‬دكتوراة في اإلعالم‪،‬عضو رابطة الكتاب األردنيين‪ ،‬عضو اتحاد الكتاب واألدباء‬ ‫العرب‪ ،‬عضو حركة شعراء العالم للسالم‪..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مذاق المنيَّ ة‪..‬‬ ‫ُ‬

‫■ ماجد سليمان*‬

‫موعد‪..‬‬

‫يقتفي أثر موعدها معه‪ ،‬فقد تَهرَّأ قلبه من‬ ‫ضوءٌ شفيف يُنير األرض فتبدو كمرآة‪،‬‬ ‫وصــوتــان يــنــاديــان فــي الــظــام الــقــريــب‪ :‬الشوق‪ ،‬تَ َذكّر صوتها وهي تُحرّضه على اللقاء‪:‬‬ ‫«احضر احضر»‪ ،‬فيتبيّن رجــان طويالن‬ ‫ انتظرني هناك‪..‬‬‫فــي مالبس س ــوداء ضيّقة يحمالن على‬ ‫أرض قاسية داخل مقهىً‬ ‫فدبّت خطواته على ٍ‬ ‫كتفيهما صندوقاً خشب ّياً من اللحاء الهش‪،‬‬ ‫يقع في بناية ذات طوابق تسعة‪ ،‬مَسَ َح مقعداً‬ ‫كُتب على جوانبه‪« :‬عُم ٌر محاه الموت»‪.‬‬ ‫من الجلد واقتعده خاوياً‪ ،‬يعاوده الماضي لينكأه‬ ‫يضعانه على ٍ‬ ‫بض ُع جَ ـرَّاح‪ ،‬فَكَّ أزرار قميصه‪،‬‬ ‫قاع رمليّ رطب‪ ،‬وينصرفان كجُ ٍرح أدركه مِ َ‬ ‫دون أن يلتفتا‪ ،‬ليقف على رأسه شي ُخ يلبس ومَسَ َح أعلى شفته ِب ُكمّه المفتوح‪ ،‬ليسأله النادل‬ ‫قُلنسوة سوداء مُثلثة‪ ،‬يُدخّ ن غليونه ويقرأ عن طلبه‪ ،‬فجاء صوته مُصاباً بالرعشة‪:‬‬ ‫في رقم أحمر‪:‬‬ ‫ قهوة سمراء بدون سُ كَّر‪..‬‬‫ َكفَنك متي ٌن وناعم‪ ،‬منسوج من القطن‪،‬‬‫ثوان تنحدر القهوة فوق لسانه بصعوبة‪،‬‬ ‫وبعد ٍ‬ ‫موت عميق‪..‬‬ ‫أغرق في ٍ‬ ‫وبؤبؤاه يــدوران مع دوران عقربين مدبّبين في‬ ‫يصمت منصرفاً ببصره في الظالم ث ّم ساعةٍ دائريّة الشكل‪ ،‬مُعلّقة أمامه على حائط‬ ‫يكمل مُتذكراً‪:‬‬ ‫بُنّي الــطــاء‪ ،‬مُقسّ م إلــى مُربّعات كبيرة ذات‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫قصتان قصيرتان‬

‫ لقد أخبرتك أن مذاق المنيّة في فمك أضالع سوداء‪.‬‬‫لذيذ‪..‬‬ ‫َضت تركيزه هفهفة خصالتها الشقراء‪،‬‬ ‫نَف َ‬ ‫فغطّ اه بالتين اليابس‪ ،‬وحين انتهى مادت وقُبلتها المرسومة على خدّه األيسر ذي ال َزغ َِب‬ ‫األرض من تحته‪ ،‬وهــو يصرخ رافــعـاً يده األحمر‪ ،‬لتجلس أمامه مُزيح ًة مِ نْفَضة السجائر‬ ‫الزجاجيّة المستطيلة‪ ،‬واضع ًة ورد ًة حمراء بين‬ ‫ليُنتشل من اللعنة‪.‬‬ ‫يديه‪ ..‬وبعينين حالمتين نَظَ ر إليها سائالً‪:‬‬ ‫وعند الفجر أرعبت القرية أشبا ٌح على‬ ‫كنت؟‪.‬‬ ‫ أين ِ‬‫هيئته وصورته‪ ،‬تقفز فوق هامات الشجر‬ ‫ورؤوس التالل‪.‬‬ ‫َففَطن لها‪ ،‬وهي تجذب شالها عن عنقها‪.‬‬ ‫ * قاص من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪39‬‬


‫سجن بال قضبان‬ ‫■ محمد املبارك*‬

‫كانت تجلس شاردة الذهن‪ ،‬ال يعلم فيما تفكر‪ ،‬رمقها بطرفه‪ ،‬شعرت بوجوده‪،‬‬ ‫رفعت طرفها إليه وقــد تبسمت‪ ..‬عندها اقترب منها‪ ،‬حيث مقعدها في الركن‬ ‫الخلفي من حديقة المنزل‪ ،‬ذلك المكان الذي وإن كان تملؤه األشجار بجمالها‪،‬‬ ‫والعصافير بزقزقتها‪ ،‬إال أنها تــراه في عينيها ال يعدو أن يكون مكان ًا يخنقها‪،‬‬ ‫مكان ًا يزيد من همها وال يفك عنها فاقتها النفسية‪ ،‬هكذا تشعر وهي تجلس‪..‬‬ ‫وقد احتست كوب الشاي المنصوب أمامها‪.‬‬ ‫لك‪ .‬أليس‬ ‫بعد أن اتخذ لنفسه مكانا بقربها‪ ..‬خاطبها‪ :‬يبدو أن الجو هنا يروق ِ‬ ‫كذلك؟!‬ ‫ولكنها لــم تــكــتــرث لــســؤالــه كثيرا‬ ‫واكتفت باإليماء‪.‬‬ ‫عندها أدرك أنها ال تزال في عالم‬ ‫آخر غير عالمه‪ ،‬فحاول لفت حواسها‬ ‫الــشــاردة بطرقة خفيفة على الطاولة‬ ‫ليفوز بانتباهها‪ ،‬عندها وبعدما أقبلت‬

‫‪40‬‬

‫عليه بوجهها خاطبها مستغربا‪:‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫ما كل هذا الشرود‪!!..‬‬ ‫أهو في العسل أم‪...‬؟؟‬ ‫عندها تنهدت وتنفست الصعداء‪،‬‬ ‫لتقول‪:‬‬ ‫ب ــل ف ــي الـــعـــذاب واأللـــــــــم‪ !!..‬في‬ ‫التعاسة‪ ،‬في ألم الحياة والرتابة المملة‬


‫أم هــي عــدم اهتمامك بتلك‬ ‫ال ــط ــف ــل ــة فـــــي مــلــبــســهــا‬ ‫وهندامها؟؟‬ ‫اهتمامك‬ ‫ِ‬ ‫فكلما زاد‬ ‫بهذه الطريقة زاد اهتمامي‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـ ـ ــص قـ ـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــرة‬

‫أم هي التأخر في الجلوس كل صباح؟‬

‫بـ ِـك بالطريقة نفسها‪ ،‬وكما‬ ‫التي أعيشها‪ ،‬بل من قال إنها حياة أصال!‬ ‫إنه سجن‪ ..‬ولكنه بال قضبان!‬ ‫إنه حكم باإلعدام ينفذ في حقي كل يوم‪.‬‬ ‫أين الراحة المزعومة التي تجمعني بهذا‬

‫الرجل الذي لم أشعر معه يوما بالمودة‪ ،‬ولم‬

‫أتذوق معه طعما لها‪ !!..‬أو أشتم رائحتها‪!!..‬‬ ‫تقول ذلك وهي ترفع طرفها لتجد ذلك‬

‫تدين تدان‪.‬‬ ‫وهنا وقفت لتقابله وجها لوجه لتقول‪ :‬إذا‬ ‫بهذه الحسابات لن نلتقي أبدا‪.‬‬ ‫ذهبت مهرولة لتنهزم من بين يديه وقد‬ ‫أشاحت بوجهها المكفهر عنه‪ ،‬ناداها وهو‬ ‫واقف في مكانه‪ ..‬إلى أين؟‬ ‫أجابته وهي مستمرة في قطع طريقها‬

‫الرجل يتسمر أمامها؛ زوجها الذي لم يمهلها إلى بوابة الالعودة‪:‬‬ ‫أن تواصل حديثها ألخيها (عبداهلل) الذي‬

‫أحس أنه في موقف ال يحسد عليه‪.‬‬

‫خــاطــبــهــا زوجــهــا وصــوتــه يــعــزف على‬

‫أوتـــار الــحــزن والــحــشــرجــة‪ ..‬أمــا أنــا فقد‬

‫منك كل جميل من طعم الحياة التي‬ ‫ذقت ِ‬

‫إني راحلة عنك وعن حياتك التي يحيطها‬ ‫الجحيم‪ ،‬ليأتي منه الرد مدويا‪:‬‬ ‫صدقيني لن أأسف على هذا الرحيل‪..‬‬ ‫تذهب لترتمي في أحضان أمها بعد عمر‬

‫تكسوها اللذة!! من االهتمام بي وبأطفالي!! قد قضته بتعاستها في حياتها الزوجية بعد‬ ‫أن عاشتها تكسوها اآلالم واألحزان‪.‬‬ ‫أنت داخل البيت!!‬ ‫وبشؤونك ِ‬ ‫ِ‬ ‫أفضالك علي؟ هل هي اإلهمال‬ ‫ِ‬ ‫ما هي‬

‫كل يوم في إعداد الطعام لي ولهم؟‬

‫وهكذا سقط عمود بيتها بعد أن سلمها‬ ‫زوجها ورقة النهاية‪..‬‬

‫ * قاص من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪41‬‬


‫أسود الحزم‬ ‫ُ‬ ‫‪ρρ‬مالك اخلالدي*‬

‫ذرف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو ُر بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أبـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫ـال جـ ـ ـ ــاال‬ ‫أرض ال ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــوش ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ْـت‬ ‫و تـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ْـت ل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــمُ الـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــانُ وع ـ ـ ــانـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ْـت‬ ‫أرواحَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم مـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـ ًا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــوحُ نـ ـ ـ ـض ـ ـ ــاال‬ ‫ق ـ ـ ـ ــد أثـ ـ ـ ـخـ ـ ـ ـن ـ ـ ــوا هـ ـ ـ ـ ـ ــذي الـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــالَ شـ ـ ـج ـ ــاع ـ ــةً‬ ‫و تـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ــوا م ـ ـ ـ ـ ــن دونـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا اس ـ ـ ـت ـ ـ ـب ـ ـ ـسـ ـ ــاال‬ ‫هُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ أرس ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـ ـحـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاةِ قـ ـ ـصـ ـ ـي ـ ــد ًة‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ــو َع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوق شـ ـ ـ ـف ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا «م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوّاال»‬ ‫رحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـي ـ ـب ـ ـقـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ُـحـ ـ ـ ـ ـ ُـب ف ـ ـ ـ ــي نـ ـبـ ـض ــاتـ ـن ــا‬ ‫ـش مـ ـ ـ ـ ــع وحـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــامِ وصـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫ل ـ ـ ـن ـ ـ ـع ـ ـ ـيـ ـ ـ َ‬ ‫رحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـي ـ ـب ـ ـقـ ــى الـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـم ـ ـ ــرُ فـ ـ ـيـ ـ ـن ـ ــا أخ ـ ـ ـضـ ـ ــرا‬ ‫و ل ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـغ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــذي أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــقَ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــدا أجـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــاال‬ ‫رحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ْـت أسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــودُ الـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ــزمِ ب ـ ـ ـعـ ـ ــد بـ ـ ـط ـ ــول ـ ــةٍ‬ ‫رح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــورقَ عـ ـ ـ ـ ـ ــزمُ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ـ ـ ـ ـ ـ ــم آمـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫رحـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــوا خ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــود ًا ع ـ ـ ـ ـ ــن فـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ــاءِ بـ ـ ـق ـ ــائـ ـ ـن ـ ــا‬ ‫ف ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــرمـ ـ ـ ــدوا ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـع ـ ـ ــالـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـي ـ ـ ــنَ ك ـ ـ ـمـ ـ ــاال‬ ‫‪42‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــود إذا سـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا وتـ ـ ـ ـع ـ ـ ــال ـ ـ ــى‬ ‫ـردوس إذ‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــداؤن ـ ـ ـ ــا يـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـح ـ ـ ــةُ الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫األرض ي ــا‬ ‫ِ‬ ‫ش ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــداؤنـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ــا وج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ هـ ـ ـ ـ ـ ــذي‬

‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ـ ـ ــت طـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوراً‪ ..‬رف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً تـ ـ ـ ـت ـ ـ ــاال‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــداؤن ـ ـ ـ ــا دمُ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـ ــزكـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـي إذ ارت ـ ـ ـ ـ ـ ــوى‬ ‫ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأروى أن ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا وتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫شـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ــوا ح ـ ـ ـل ـ ـ ـيـ ـ ــب وفـ ـ ـ ــائ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــم فـ ـ ـتـ ـ ـع ـ ــاظـ ـ ـم ـ ــوا‬ ‫و تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــروا يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوم ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا إقـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاال‬ ‫األمُّ ف ـ ـ ـ ـ ــي وط ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــي ُت ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ــلُ ط ـ ـف ـ ـل ـ ـهـ ــا‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــذى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءِ لـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـصـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ َع األفـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ــاال‬ ‫قـ ـ ـ ـ ــد قـ ـ ـ ـي ـ ـ ــل إنّ ال ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ــبَ ف ـ ـ ـي ـ ـ ـنـ ـ ــا كـ ـ ــالـ ـ ــوغـ ـ ــى‬ ‫ـان رج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫و كـ ـ ـ ـ ــاه ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ــا ي ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــزمـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـب فـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذوةٌ ل ـ ـ ـ ـ ــن ت ـ ـن ـ ـط ـ ـفـ ــي‬ ‫ـرب ت ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ــرف ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ــا ن ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــزُّ جـ ـ ـ ـب ـ ـ ــاال‬ ‫وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأرض‪ ..‬ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــأريـ ـ ـ ـ ِـخ‪ ..‬ل ـ ـ ـلـ ـ ــوطـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ــذي‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازال يـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرسـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمُ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد ُه شـ ـ ـ ـ ــاال‬ ‫يـ ـ ـ ــا أخ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ َر ال ـ ـ ـق ـ ـ ـس ـ ـ ـمـ ـ ــات عـ ـ ـ ـش ـ ـ ــتَ م ـ ـ ـت ـ ـ ـ ّوج ـ ـ ـ ًا‬ ‫ب ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــامِ ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـع ـ ـ ـ ـ ـ ــدا زل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزاال‬ ‫* شاعرة وقاصة وكاتبة من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪43‬‬


‫خـدعـوك‬ ‫ِ‬

‫‪ρρ‬محمد عسيري*‬

‫األوقات إِ ّل هذهِ الَّلحظ ْه‬ ‫ِ‬ ‫ِمن سالِ ِف‬ ‫الظل‬ ‫يستجيب ِ‬ ‫ُ‬ ‫هل‬ ‫الشمْ ُس السؤال؟!‬ ‫متى َّ‬ ‫ْحت قيم َة الذِّ كرى‬ ‫والرِّيحُ تن ُ‬ ‫َصصا‬ ‫وتبيعُ ها ق َ‬ ‫في ساحةِ التّاريخْ‬ ‫كالق َّصةِ ال َو ْرقَاءْ‬ ‫ِ‬ ‫الغاب‬ ‫ْ‬ ‫ئب‬ ‫ليلى وذِ ُ‬ ‫َاب!؟‬ ‫بالل كم ليلى فينا‪ ..‬وفيِ نا كم ذِ ئ ْ‬ ‫ِّ‬

‫***‬ ‫لو تعلمينْ ‪...‬‬ ‫هُ م ال يُ ِجيدونَ االنتظار‬ ‫يهم عمار‬ ‫أو كانَ يَعنِ ِ‬ ‫العاجزونَ العاثِ رونْ‬ ‫لَم يبلغوا بِ ِك لِ لعُ ال‬ ‫لو تحذرينْ ‪...‬‬ ‫لك الّلحنَ األخير‪ ..‬واستثنوا الضميرْ!‬ ‫لك األدواتْ في غُ رفَةِ التقريرْ‪ ..‬عزفوا ِ‬ ‫جمعوا ِ‬ ‫سهل أن ينالوا مَ لْمَ ِس ْك!!‬ ‫ً‬ ‫كي تسقُ ِطينَ فريسةً ‪ ..‬في الهاويهْ‪ ..‬فيكونُ‬ ‫باب مَ دِّ اليدِّ عَ ونًا مُ ف َترَى‬ ‫ِمن ِ‬ ‫الق َّص َة الحمقاءْ‬ ‫لو تُدرِ كِ ينَ ِ‬ ‫راب‬ ‫فيها النَّدامَ ةُ لِ لغُ ْ‬ ‫والجبْنُ طعمُ الجائِ َز ْه‬ ‫ُ‬ ‫الغاب الَّلئيمْ‬ ‫ِ‬ ‫ثعلب‬ ‫ِ‬ ‫وبِ ها ب ُ​ُطولةُ‬

‫***‬ ‫‪44‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َعقلِ ينْ‬ ‫لو ت ِ‬ ‫واقع ِك السؤالْ ‪:‬‬ ‫عودي لِ ِ‬ ‫ساس؟!‬ ‫ارتقيت بِ ال ِم ْ‬ ‫ِ‬ ‫األساس؟ وَهَ ِل‬ ‫ْ‬ ‫أينَ الخيالُ ِمنَ‬ ‫السماءْ‬ ‫َيت إلى ّ‬ ‫كيف ارتق ِ‬ ‫هد أو عناءْ ؟!‬ ‫دون ُج ٍ‬ ‫ِمن ِ‬ ‫الشعر أركانٌ وفي كل العصورٍ الصولجانْ‬ ‫ِّ‬ ‫وآداب وأوزانٌ ِسمَ انْ ‪...‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِعلْمٌ‬ ‫سعيً ا وبِ اإلتقانْ ‪..‬‬

‫***‬ ‫(جبران) أو (أحمد مطرْ)‬ ‫ما ذ ْنبُهُ ُ‬ ‫أو (شاكِ َر السيّاب) في شدوِ المط ْر‬ ‫لو تسمعينْ‬ ‫كتبوا وغيرهمُ الكثي ْر‬ ‫حينَ ارتوَتْ كاساتهم أدبًا‪..‬‬ ‫ِشعرً ا يُ خلِّدُ حرفهم ذهبا‬ ‫الوقوف على الحقيقةِ دائمً ا يعني‪ :‬كيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانْ‬ ‫َ‬ ‫إِ نَّ‬

‫***‬ ‫ال تخسرينَ العُ مْ َر في إِ غراءِ َنزْع ْه‬ ‫َولْـت َْـظـفَـري بالعُ مْ رِ في إِ رضاءِ ُسمْ ع ْه‬ ‫لو تفهمينْ !‬ ‫أطماعهم تأبى‪ ..‬وقلوبهم شتَّ ى‪..‬‬ ‫خداعك حين قالوا‪ :‬شاعرهْ!!‬ ‫ِ‬ ‫لم يتقنوا إلّ‬ ‫* شاعر من السعوديةِ ‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪45‬‬


‫عشقتك حبا‬ ‫‪ρρ‬خلف عناد الشايف*‬

‫ع ـ ـ ـش ـ ـ ـق ـ ـ ـتـ ـ ــك ح ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــا‪ ..‬وروح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وق ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــا‪..‬‬ ‫سـ ـ ـ ـك ـ ـ ــون ـ ـ ــا عـ ـ ـ ـل ـ ـ ــى ح ـ ـ ـ ـ ـ ــرف شـ ـ ـ ـ ــاطـ ـ ـ ـ ــيء ال ـ ـق ـ ـمـ ــر‬ ‫وذاك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاء‪ ...‬وكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ل ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــاء‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد دنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واس ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ــر‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ــي ول ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــم يـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـك ـ ـ ــي سـ ـ ـ ـم ـ ـ ــاه‬ ‫وف ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــك األمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــد الـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـم ـ ـ ــر‬ ‫ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمِّ ال ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ــاة‬ ‫أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــوة ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي ِخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫وي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـه ـ ـ ــة الـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ــر فـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــك ان ـ ـ ـت ـ ـ ـشـ ـ ــر‬ ‫***‬

‫أداري‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدار‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ــل‬ ‫وأدري‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرات فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــري ورب ال ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ــر‬

‫أعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل ن ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــي ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر اس ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫وأغ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو وقـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد جـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد ف ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ــدر‬ ‫ع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــام ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــال؟! ورب ال ـ ـ ـ ـ ــوص ـ ـ ـ ـ ــال‬ ‫غـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــك أيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة ل ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ــر‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ــول ـ ـ ـ ـ ــون مـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذاك ال ـ ـ ـح ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ــن‬ ‫وأب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدع فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ــك‪ ،‬أم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ت ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــر!!‬ ‫أج ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــت وعـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــي ت ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــوب ال ـ ـ ـس ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ــن‬ ‫بـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــت وحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدا فـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــا أنـ ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ــر؟‬ ‫ * الجوف ‪ -‬سكاكا‪.‬‬

‫‪46‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬عبد الرحمن العتل*‬

‫وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى م ـ ـ ــرآتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬

‫والـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـس ـ ـ ــنُ مـ ـ ـ ـ ـ ــلءُ صـ ـف ــاتـ ـه ــا‬

‫وج ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـحـ ـ ــاسـ ـ ــنَ وجـ ـهـ ـه ــا‬

‫ك ـ ــالـ ـ ـشـ ـ ـم ـ ــس فـ ـ ـ ــي طـ ـلـ ـع ــاتـ ـه ــا‬

‫رس ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ــت ب ـ ـ ــأحـ ـ ـ ـم ـ ـ ــره ـ ـ ــا عـ ـل ــى‬

‫ث ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ــرٍ ‪ ‬ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوى بـ ـ ـسـ ـ ـم ـ ــاتـ ـ ـه ـ ــا‬

‫وتـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ْـت ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإذا بـ ـ ـه ـ ــا‬

‫ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمٌ ع ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ــى عـ ـ ــرصـ ـ ــات ـ ـ ـهـ ـ ــا‬

‫وتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ـ ــرتْ وتـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ْـت‬

‫ف ـ ــالـ ـ ـمـ ـ ـس ـ ــك بـ ـ ـع ـ ــض فُ ـ ـتـ ــات ـ ـهـ ــا‬

‫ـوت فـ ـ ـ ــي ش ـ ـ ـ ـ ــوق إل ـ ـي ـ ـهـ ــا‬ ‫ودن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬

‫أش ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي ‪ ‬قـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬

‫وأودُّ ل ـ ـ ـ ــو أح ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــو يـ ــدي ـ ـهـ ــا‬

‫أح ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـ ــي ك ـ ـ ـ ــاس ـ ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬

‫وأمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدُّ ك ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ــيَ ه ـ ـ ــائـ ـ ـ ـم ـ ـ ــا‬

‫تـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـس ـ ـ ــاب ف ـ ـ ـ ـ ــي خـ ـ ـص ـ ــاتـ ـ ـه ـ ــا‬

‫وأظـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل أرتـ ـ ـ ـ ـش ـ ـ ـ ــف الـ ـ ـجـ ـ ـم ـ ــال‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ـ ــلُّ مـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ق ـ ـ ـس ـ ـ ـمـ ـ ــات ـ ـ ـهـ ـ ــا‬

‫وأطـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوف ح ـ ـ ـ ـ ـ ــول نـ ـعـ ـيـ ـمـ ـه ــا‬

‫أرت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاد كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل جـ ـ ـ ـه ـ ـ ــاتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬

‫ـات ك ــي‬ ‫وأز ّنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ـ ــق ال ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ِ‬

‫ت ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــو إلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــيَّ بـ ـ ـ ــذات ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬

‫ف ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ــذرتْ فـ ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ــوقـ ـ ـ ـ ـ ُـت ال‬

‫يـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـف ـ ـ ــي لـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـي ـ ـ ــر غ ـ ـ ــداتـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬

‫دعـ ـ ـن ـ ــي ف ـ ـقـ ــد حـ ـ ـ ــان الـ ـمـ ـسـ ـي ــرُ‬

‫وأسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت ل ـ ـ ـب ـ ـ ـنـ ـ ــات ـ ـ ـهـ ـ ــا‬

‫و ّدع ـ ـ ـ ــتُ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا وبـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـت أرق ـ ـ ـ ــب‬

‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًا خـ ـ ـ ـ ـط ـ ـ ـ ــواتـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬

‫ووق ـ ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ـ ـ ُـت أن ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ــر طـ ـيـ ـفـ ـه ــا‬

‫ي ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ــدو ع ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ــى مـ ـ ـ ــرآت ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬

‫ح ـ ـس ـ ـبـ ــي م ـ ـ ــن الـ ـ ـ ــذكـ ـ ـ ــرى ه ـن ــا‬

‫أن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي وح ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ــد ح ـ ـ ـيـ ـ ــات ـ ـ ـهـ ـ ــا‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫وحيد حياتها‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪47‬‬


‫الرأي‬ ‫حائر‬ ‫يا‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫الرأي‬ ‫ِّ‬ ‫يا حائ َر‬ ‫والص ِـد‬ ‫الوصل َّ‬ ‫ِ‬ ‫بين‬ ‫ِع ْش في ُضحى القُ ـر ِْب‬ ‫ُعد‬ ‫أو مُ ْت في دجى الب ِ‬ ‫ِصلْ مَ ن تود ُه أ ْو ِملْ عن مودَتِ هِ‬ ‫إنّ الترد َد مهما طالَ ال يُ جدي‬ ‫سوف أرى‬ ‫َ‬ ‫يا مَ نْ تقول غـد ًا في األمرِ‬ ‫التسويف تستجـدي‬ ‫ِ‬ ‫الفالح من‬ ‫ِ‬ ‫أي‬ ‫ُّ‬ ‫تردّدِ هِ‬ ‫والقلب يشقى في ُ‬ ‫ُ‬ ‫ما زلتَ‬ ‫ْك إنْ ِذكّرتَ بال َورْدِ‬ ‫تـسـتذكرُ الشَ و َ‬ ‫أراك تسعى بعزمٍ إن أردتَ به‬ ‫َ‬ ‫تسمو فللوَهْ ِد‬ ‫أ ْو تدنو فللنج ِـد‬ ‫يــا أيـهــا الــراغـ ُـب ال ـ ــر َوّاحُ فــي َكــسَ ـ ٍـل‬ ‫وأيـ ـه ــا الـ ــراهـ ـ ُـب الـ ـ ـغـ ـ ـ ّ َداءُ ب ــال ـ ِ ّـج ـ ـ ِ ّـد‬ ‫ـاك اعتقادٌ ال يخالِ ُطهُ‬ ‫هــلْ في ُتـ َقـ َ‬ ‫ إذا نــويــتَ ج ـهــادا ‪ -‬شَ ـ ُّـك مُ ـ ْر َت ـ ِ ّـد‬‫فـمــا ان ـت ـفــاعُ أخ ــي الــدنـيــا بـنــاظــرِ هِ‬ ‫ـض ب ـم ـســو ِّد‬ ‫إذا اسـ ـت ــوى َلـ ـ ــهُ م ـب ـي ـ ٌ ّ‬ ‫‪48‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪ρρ‬مجدي الشافعي*‬

‫رين بينهما‬ ‫قد حا َر طرفُ ِك في أَمْ ِ‬ ‫الغي والرُ ْش ِـد‬ ‫يطمس ال َفرْقَ بين ِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ما‬ ‫ـك عـ ـ ّ َـمــا تــرتـجــي رَهَ ـ ٌـب‬ ‫فـكــم َنـ ـأَى ب ـ َ‬ ‫ـوق ل ـل ــوِ رْدِ‬ ‫ـك دواع ـ ــي ال ـش ـ ِ‬ ‫ف ـن ــازَعَ ـ ْت ـ َ‬ ‫ـاك إل ــى م ــا تـ ّ َتـ ـقــي رَغَ ـ ـ ٌـب‬ ‫و َك ـ ــمْ دَعَ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـوف بالحَ ِ ّد‬ ‫ْك نواهي الـخـ ِ‬ ‫فَـمَ ا َن َعت َ‬ ‫فال ‪ -‬على البُعْ د ِ ‪-‬‬ ‫ـف المَ نْعُ ِمنْ زُهْ ٍد‬ ‫خَ ّ َ‬ ‫وال ‪ -‬على القُ ر ِْب ‪-‬‬ ‫َف الدَفعُ من و َْج ِد‬ ‫ك َّ‬ ‫وأنت بينهما‬ ‫إنْ ت َْش ُك بينهما‬ ‫السيفين في ِغـمْ ِد‬ ‫ِ‬ ‫َو َددْتَ أنْ تجم َع‬ ‫ـك ق ـل ـب ــي يـ ــا ل ـح ـي ــرت ــهِ‬ ‫بـ ـل ــى كـ ــذلـ ـ َ‬ ‫س ـ ّ َيــان عـنــده مــا يُ نجي ومــا يُ ــردِ ي‬ ‫كأن حيرتَهُ‬ ‫َّ‬ ‫أعمت بصي َرتَهُ‬ ‫حتى بدا له مَ نْ يغوي كمَ نْ يَهدي‬


‫المضطر قاصدُ ها‬ ‫ُّ‬ ‫يا لحلو ُة الم ّ َر ُة‬ ‫ركـ ـ ــوبَ ك ـ ـ ِ ّـل ع ـس ـيــرٍ مُ ـه ـل ـ ٍـك مُ ـ ــودي‬ ‫عنك لي سكبا‬ ‫إليك كميلي ِ‬ ‫ميلي ِ‬ ‫الشهد‬ ‫ِ‬ ‫الصبْر أو مُ ًّرا من‬ ‫حلوا من ِ‬

‫قَدْ ص ّ َي َرتْهُ األماني‬ ‫ حين ِطرْنَ به ‪-‬‬‫يهفو لما عنهُ يجفو‬ ‫َص ِد‬ ‫غامض الق ْ‬ ‫َ‬

‫هوى‬ ‫ً‬ ‫ما بين ذاك وذا لي في المرادِ‬ ‫ـض ـ ِ ّـد‬ ‫إذا هَ ــمَ ــمْ ـ ُـت ب ــأم ــرٍ مـ ـ ــالَ لـ ـل ـ ِ ّ‬

‫منك في دنيا الهيامِ سوى‬ ‫ِ‬ ‫ومــا َلــهُ‬ ‫بُعْ دٌ على القُ ر ِْب أو قُ ر ٌْب على البُعْ ِد‬

‫مضناك يسبحُ بين الفرقدين فال‬ ‫ِ‬ ‫بأي سنا النجمين يستهدي‬ ‫يدري ِ ّ‬ ‫ف ـ ــي ب ـ ـحـ ــرِ حـ ـ ـ ِّب ـ ـ ِـك أل ـ ـ ـقـ ـ ــا ُه ت ـ ـ ــردده‬ ‫والمد‬ ‫ِّ‬ ‫كالموج في حالتيهِ الجزرِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ـ ـعـ ــزمُ ي ــدف ــعُ ــهُ والـ ـ ـح ـ ــزمُ ي ـم ـنــعُ ــهُ‬ ‫ت ـ ـنـ ــازعـ ــا ُه كـ ــا األم ـ ــري ـ ــن ب ــال ــشَ ـ ِ ّـد‬ ‫الطيش يأمرُ ُه‬ ‫ُ‬ ‫عما‬ ‫الحرص ينها ُه ّ َ‬ ‫ُ‬ ‫وما سوى طاعة الحكمين من ب ِ ُّد‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫ومَ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ لـ ـبـ ـغـ ـيـ ـت ــهِ س ـ ـ ـ ـ ــاعٍ بـ ـعـ ـف ــتِ ــهِ‬ ‫فليس يعلمُ ما يخفي ومــا يُ بدي‬

‫ـك مـ ــا قـ ـ ــدْ سـ ـ ـ ـ ـ ّ َر ُه فـبـكــى‬ ‫وس ـ ـ ـ ـ ــا َء ُه ِم ـ ـنـ ـ َ‬ ‫َص ِد‬ ‫القلب بين الـ َفر ِْط والق ْ‬ ‫ِ‬ ‫من حيرة‬

‫***‬

‫مــأســو ُر ُحـ ِ ّـبـ ِـك َيـ ْـشـقــى دونَ غــا َيــتِ ــهِ‬ ‫ـط وال شَ ـ ِ ّـد‬ ‫يبقي ال ـ ِـر ِّحـ ـاْلَ بــا حَ ـ ٍّ‬ ‫بـ ـي ــن الـ ــمُ ـ ـنـ ــى والـ ـمـ ـن ــاي ــا ال َي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َزاْلُ َل ـ ــهُ‬ ‫الموت في المَ هْ ِد مثل ال َعي ِْش في ال َل ّْح ِد‬ ‫ُ‬ ‫ول ِك إمْ ـ ـ ـ ـ َر َت ـ ـ ــهُ‬ ‫لـ ـ ـكـ ـ ـ ّ َن ـ ــهُ والـ ـ ـ ـ ــذي ّ َ‬ ‫ـص ـ ِـد‬ ‫ال ي ـس ـ َت ـ ِـق ـ ُّـر بِ ـ ــهِ ُحـ ـ ْل ــمٌ إلـ ــى َق ـ ْ‬

‫َفـ ــحَ ـ ـزْمُ رَهْ ـ ـب ــتِ ــهِ نــاه ـيــهِ ع ــنْ عُ ـ َق ـ ٍـد‬ ‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـزْمُ رَغْ ـ ـ ـ َب ـ ــتِ ـ ــهِ داعـ ـ ـي ـ ــهِ ل ـل ـ َع ــقْ ـ ِـد‬

‫النحس يرقبُهُ‬ ‫ِ‬ ‫ـوعــدٌ بــالــردى فــي‬ ‫تـ ُّ‬ ‫وموعدٌ بالندى يرجو ُه في السَ عْ ِد‬

‫نك ما قدْ ســا َء ُه فشكى‬ ‫َقــدْ سَ ـ ّ َر ُه ِم ِ‬ ‫ط ــولَ اإلق ــام ــةِ بـيــنَ األخـ ـ ِـذ والـ ـ ـ َر ِ ّ​ّد‬

‫ـوت أصـ ـ ـ َد َر فِ ـيــهِ مــا َتـ ـو ّ َ​َعـ ـ َد ُه‬ ‫ال ال ـم ـ ُ‬ ‫وال المُ نى أنْجَ زَتْ ما كانَ ِمنْ وَعْ ِد‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪49‬‬


‫لحظة وداع‬ ‫‪ρρ‬سعاد الزحيفي*‬

‫تصعَّ دُ في السما‬ ‫روحي َ‬ ‫لمّ ا إليَّ تكلّما‬ ‫وأسرَّ لي‬ ‫الرحيل‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫الحديث عن‬ ‫ِ‬ ‫بعض‬ ‫و كُ لمّ ا‬ ‫ذكر الرحيل وشؤمهُ ‪ ..‬و ل َم الفراقُ !‬ ‫تلعثما!!‬ ‫وتعثَّ رت نظراتُهُ حولي‪..‬‬ ‫فلم أفتح فما‬ ‫****‬

‫ثم انثنى نحوي‪..‬‬ ‫يودعني‪..‬‬ ‫وأمسك معصمي‪ ...‬لِ يُ سَ لِّما‬ ‫فدفعته عني‪..‬‬ ‫فأمسكني‪ ..‬وقربني إليه‪ ..‬وأقسما‬ ‫قست‬ ‫ْ‬ ‫أنَّ الظروف وإن‬ ‫فلسوف نقهرها‪..‬‬ ‫بما‬ ‫قد كان يجمعنا معً ا وإن استحالت علقما‪..‬‬ ‫****‬

‫‪50‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫َفت‪..‬‬ ‫فنفضت كفي عندما َذر ْ‬ ‫وكانت قلما‬ ‫سكت‪..‬‬ ‫ُّ‬ ‫و‬ ‫ثم تركتهُ ‪..‬‬ ‫ورحلت عنه‪..‬‬ ‫تَكرُّ ما‪..‬‬ ‫وأنفت أن أبقى‬ ‫ُ‬ ‫وإنْ‬ ‫كان الفؤاد متيما‪...‬‬ ‫****‬

‫وألنني ال أستحق‬ ‫صدوده؛‬ ‫وألنه اختار الرحيل‬ ‫وصمما‪...‬‬ ‫وألنني آثرت صون كرامتي‬ ‫لما نوى‪..‬‬ ‫فاخترت ذلك مرغما‬ ‫وألنني‪..‬‬ ‫ال أستحق سوى الهوى‬ ‫وألنه‪..‬‬ ‫ال يستحق سوى العمى‬ ‫* الجوف ‪ -‬دومة الجندل‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪51‬‬


‫مفاتيح العقول‬ ‫‪ρρ‬عيادة خليل*‬

‫ُأحـ ـ ـ ـ ّل ـ ـ ــقُ ف ـ ــي ف ـ ـ ـضـ ـ ــاءات الـ ـخـ ـي ــال بـ ـعـ ـي ــدً ا ع ـ ــن وسـ ـ ــاويـ ـ ــس الـ ـ َّـضـ ــال‬ ‫ـال‬ ‫وأس ـ ـبـ ــح فـ ــي ال ـ ـمـ ــدار أن ـ ــا وح ــرف ــي بـ ـق ــافـ ـي ــة تـ ـ ـض ـ ــوعُ عـ ـل ــى الـ ـمـ ـج ـ ِ‬ ‫ـرك بـ ـصـ ـم ــةً ل ـل ـج ـي ــل تـ ـ ــروى‪ ‬وأغ ـ ـ ـتـ ـ ــرف ال ـ ـ ـ ـ ــزالل مـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ــزالل‪ ‬‬ ‫وأت ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ت ــألـ ـق ــت ال ـ ـ ـحـ ـ ــروف وزان بـ ـ ْوح ــي بـ ـ ـ ــأسـ ـ ـ ــرار الـ ـ ـب ـ ــاغ ـ ــة و ال ـ ـج ـ ـمـ ــال‬ ‫ـرص ــع بــال ـك ـمــال‬ ‫ُأشـ ـ ــكّ ـ ـ ــل ل ــوحـ ـت ــي وأصـ ـ ـ ـ ــوغ شـ ـع ــرً ا م ــن الـ ـح ــرف الـ ـم ـ ّ‬ ‫مـ ـ ـن ـ ــار ال ـ ـع ـ ـلـ ــم ريـ ـ ـ ـح ـ ـ ــانٌ ‪ ‬ب ـق ـل ـبــي بـ ـ ـه ـ ــم تـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزدان رائـ ـ ـ ـح ـ ـ ــة ال ـ ـم ـ ـقـ ــال‬ ‫****‬ ‫م ـص ــاب ـي ــح ال ـ ــدج ـ ــى أن ـ ـتـ ــم ضـ ـي ــاءٌ مُ ـ ـش ــعٌّ ف ــي ال ـس ـه ــول وفـ ــي ال ـت ــال‬ ‫وأنـ ـ ـ ـت ـ ـ ــم ج ـ ـ ـنـ ـ ــةٌ بـ ـ ــال ـ ـ ـنـ ـ ــور ُتـ ـسـ ـق ــى عـ ـل ــى أرض‪ ‬الـ ـمـ ـه ــاب ــة وال ـ ـجـ ــال‬ ‫وأن ـ ـ ـتـ ـ ــم كـ ــال ـ ـغ ـ ـمـ ــام مـ ـ ــع ال ـ ـبـ ــرايـ ــا إذا‪ ‬اس ـت ـش ــرى وش ـ ـ ــارف الن ـه ـمــال‬ ‫****‬ ‫روحـ ـ ــا وفـ ـيـ ـك ــم ن ـع ـت ـل ــي قـ ـم ــم ال ـم ـع ــال ــي‬ ‫ف ـف ـي ـك ــمْ ن ــرتـ ـق ــي ع ـ ـق ـ ـاً‪ ‬و ً‬ ‫وع ـ ـنـ ــدكـ ــم ال ـ ـح ـ ـيـ ــاة ت ـ ـضـ ــوع أمـ ـنـ ـ ًا كـ ــأن ـ ـك ـ ـمـ ــو م ـ ـ ـسـ ـ ــاحـ ـ ــات الـ ـ ـ ِّـظـ ـ ــال‬ ‫ـال‬ ‫ـروح م ـ ـح ـ ـبـ ــةٍ ‪ ‬وبـ ـ ـ ــا‪ ‬ان ـ ـف ـ ـعـ ـ ِ‬ ‫ـذى ومسكً ا بـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫عبقتم فــي الـحـيــاة ش ـ ً‬ ‫ـال‬ ‫روح ورمـ ـ ـ ـ ـ ــزٌ ‪ ‬لـ ـلـ ـع ــزيـ ـم ــة‪ ‬و ال ـ ـن ـ ـضـ ـ ِ‬ ‫ن ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــاء أب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوةٍ وص ـ ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ـ ــاء ٍ‬ ‫ق ــوافـ ـلـ ـك ــم مـ ـش ــت ل ـل ـع ـل ــم ج ــذل ــى وم ــا التفتت إل ــى صـخــب الـجــدال‬ ‫****‬

‫‪52‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫صـنـعـتــم ب ــال ــرؤى ح ـص ـ ًنــا عـظـيــمً ــا تـ ـ ـط ـ ــاول ش ــامـ ـخ ــا ف ـ ـ ــوق الـ ـجـ ـب ــال‬ ‫ل ـ ـكـ ــم صـ ـ ـف ـ ــةٌ تـ ـش ــابـ ـهـ ـه ــا الـ ـث ــري ــا ووص ـ ـ ـ ـ ـ ٌـف مـ ـسـ ـت ـ ِـق ــرٌّ فـ ـ ــي الـ ـج ــال‬ ‫ـرت ف ـي ـك ــم ط ـ ـ ــاب ش ـع ــري و َت ـ ـسـ ــعً ـ ــدُ أح ـ ــرُ ف ـ ــي وي ـط ـي ــب بــالــي‬ ‫إذا فـ ـ ـك ـ ـ ُ‬ ‫ف ـ ـقـ ــد عـ ـلـ ـمـ ـتـ ـم ــون ــا‪ ‬ك ـ ـيـ ــف ن ــرق ــى ب ـ ـكـ ــل شـ ـكـ ـيـ ـم ــةٍ ‪ ‬وعـ ـ ـل ـ ــى اعـ ـ ـت ـ ــدال‬ ‫وأخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاقُ الـ ـ ـ ــرجـ ـ ـ ــال ب ـ ـ ــا وف ـ ـ ـ ــاءٍ وأخـ ـ ـ ـ ــاق الـ ـ ــوفـ ـ ــاء‪ ‬م ـ ــع‪ ‬الـ ــرجـ ــال‬ ‫ـرح ــا ع ـظ ـيــمً ــا ش ــام ـ ًـخ ــا ص ـع ــب ال ـم ـنــال‬ ‫وشـ ـي ــدت ــمْ م ــن اإلخ ـ ـ ــاص ص ـ ً‬ ‫وق ـ ــدّ مـ ـ ـت ـ ــمْ إلـ ـ ــى الـ ـ ـط ـ ــاب ص ــدقً ــا بـ ـتـ ـبـ ـي ــان الـ ـ ـ ـح ـ ـ ــرام مـ ـ ــن ال ـ ـحـ ــال‬ ‫ـواب لِ ـ ـم ــا صـنـعـتــم م ــن ال ـن ــور‪ ‬ال ــمُ ـش ــعّ ع ـلــى ال ـس ــؤال‬ ‫ف ـه ــاب ـك ــم ال ـ ـ ـجـ ـ ـ ُ‬ ‫****‬ ‫ـرق ف ـ ـ ــي ك ـ ـ ــل ح ـ ــال‬ ‫وأن ـ ـ ـتـ ـ ــم قـ ـ ـ ـ ــدوة لـ ـلـ ـخـ ـي ــر‪ ‬ت ـم ـضــي ووجـ ـ ـ ـ ـ ــه مُ ـ ـ ـ ـشـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫وأن ـ ـ ـتـ ـ ــم كـ ـ ــوكـ ـ ـ ٌـب لـ ـلـ ـفـ ـخ ــرِ ‪ ،‬رمـ ـ ــزٌ وأن ـ ـ ـتـ ـ ــم غـ ــال ـ ـبـ ــون‪ ‬مـ ـ ــع الـ ـسـ ـج ــال‬ ‫مـ ـف ــاتـ ـي ــح ال ـ ـع ـ ـقـ ــول وم ـش ـع ـل ــوه ــا وأعـ ـ ـ ـ ـ ــداء الـ ـجـ ـه ــال ــة و ال ــخَ ـ ـ َب ـ ـ ــال‬ ‫****‬ ‫جـ ـ ـس ـ ــور الـ ـ ـح ـ ــب عُ ـ ـ ـ ّـش ـ ـ ــاقُ الـ ـث ــري ــا مـ ـحـ ـيـ ـط ــات ال ـ ـع ـ ـطـ ــاء ب ـ ــا اتـ ـك ــال‬ ‫وأه ـ ـ ــدى الـ ـن ــاس أطـ ـب ــاعً ــا وم ـشــيً ــا وسُـ ـ ـ ًلـّ ـ ـمُـ ـ ـن ـ ــا‪ ‬ل ـت ـح ـق ـي ــق‪ ‬الـ ـمـ ـح ــال‬ ‫إذا ق ـ ـ ـ ــال ال ـ ـم ـ ـع ـ ـلـ ــم فـ ــاس ـ ـم ـ ـعـ ــو ُه فـ ـحـ ـكـ ـمـ ـت ــه‪ ‬ك ـ ـ ـ ــإرس ـ ـ ـ ــال‪ ‬ال ـ ـن ـ ـبـ ــال‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪53‬‬


‫يا غادتي‬ ‫‪ρρ‬أحمد املتوكل بن علي النعمي*‬

‫يـ ــا غـ ــادتـ ــي م ـ ـ ـ ــازال داع ـ ـ ــي الـ ـن ــوى ي ــذي ــب فـ ــي قـ ـه ــرٍ ض ـع ـي ــف ال ـق ــوى‬ ‫ال أع ـ ـ ــرف ال ـ ـ ــرحـ ـم ــة مـ ــن ص ــائ ـ ـ ـ ٍـد قـ ـ ـ ـس ــى عـ ـل ــى م ـ ــن رامـ ـ ـ ــه وال ـ ـتـ ــوى‬ ‫أرى ح ـ ـ ـب ـي ـب ــي ه ـ ـ ـ ــاج ـ ـ ـ ــرً ا ش ـ ـ ـ ـ ــاردً ا ذا غـ ـ ـلـ ـ ـظــة ت ـنـ ـ ـفــي ف ـ ـ ـع ــال ال ـه ــوى‬ ‫ألـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـف ــه م ـ ـ ـ ــن ض ـي ـ ـ ـم ــه ي ـشـ ـ ـتـ ـ ـكــي ف ـيـ ـ ـمــا ش ـك ــى وخـ ـ ــزٌ أل ـي ـ ـ ــم ال ـط ــوى‬ ‫وال ـق ـل ــب ي ـص ـلــى الـ ـن ــار ف ــي ح ـيــرة ف ـمــن يـقـيـنــي م ــن لـهـيــب ال ـجــوى؟‬ ‫أك ـ ـ ـ ـ ـ ــاد م ـ ـ ـم ـ ـ ــا ص ـ ـ ــابـ ـن ــي أنـ ـ ـحـ ـ ـن ـ ــي ف ـ ـ ــي ذلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةٍ و أن ـ ـ ـ ـ ـ ِـت أنـ ـ ـ ــتَ ال ـ ـ ـ ـ ــدوا‬ ‫وأنـ ـ ـ ـ ـ ِـت م ـ ــن ب ــال ـع ـ ـ ـش ــق ي ـ ــا آس ـ ــري فـ ــوق الـ ـف ـ ـ ــؤاد ال ـم ـس ـت ـهــام اس ـت ــوى‬ ‫ومـ ـ ـ ــا رأت عـ ـ ـ ـيـ ـن ــاي أو م ـه ـج ـتــي م ـ ــن رأف ـ ـ ـ ـ ــة لـ ــمّ ـ ــا ال ـ ـف ـ ـ ـ ــؤاد اك ـ ـ ـت ــوى‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــإن ت ـ ـق ـ ـ ـ ــر ْبـ ـ ِـت ص ـ ـ ـ ـ ـ ــددت ال ـ ـ ـ ــذي ي ـ ـ ــأت ــي ي ـ ـ ـ ــودُّ ال ـح ـ ـ ـض ــن واالح ـ ـتـ ــوا‬ ‫ت ـ ـ ـس ـ ـ ــوق ـ ـ ـن ــي ل ـل ـبـ ـ ـع ـ ــد ت ـ ـج ـ ـت ـ ـث ـ ـنــي ك ــال ـ ـ ــري ــح تــرمـ ـ ـي ـنــي ب ـش ـ ـ ــؤم ال ـخ ــوا‬ ‫ت ــذه ــب ب ــال ـهـ ـ ـج ــر وتـ ــدنـ ــي األسـ ــى تـشـ ـنـ ـقـ ـنــي عـ ـم ــدً ا بـسـ ـقــط ال ـلــوى‬ ‫ك ـ ـ ــأنـ ـن ــي ال ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ــاء ف ـ ــي عـ ـ ـشـ ـ ـقــه وال ـق ـ ـ ـل ــب مـ ــا ضـ ــل وم ـ ــا ق ـ ـ ــد غ ــوى‬ ‫ق ـ ــم فــاسـ ـ ـق ـنــي ع ـش ــقً ــا وال تـنـثـنــي ع ـنــي فـمـ ـنــك الـمـشـتـهــي م ــا ارتـ ــوا‬ ‫وح ـ ـ ـ ـ ـرّك األوت ـ ـ ـ ـ ــار ف ـ ــي عـ ـ ـ ـ ــوديَ ال ـ ـ ذاوي وأط ـل ـع ـنــي ع ـلــى الـمـحـتــوى‬ ‫ـوت ل ـنـ ـ ـحـ ـ ـي ـ ــا س ـ ــوا‬ ‫وغـ ـ ـ ــنّ ل ـ ــي م ـ ــا راق ول ـت ـب ـ ـ ـع ـ ـ ــث ال ـ ـ أمـ ـ ـ ــوات مـ ــن م ـ ـ ـ ٍ‬ ‫لـ ــوالك ل ــم أعـ ــرف خـضـيــل الـمـنــى أو أعـ ـ ــرف ال ـع ـش ــق وم ـ ــا ق ــد ح ــوى‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬

‫‪54‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬موسى الشافعي*‬

‫ـص ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا‬ ‫َو َقـ ـ ـ ـ ـ َف ـ ـ ـ ـ ْـت َكـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ــادَتِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا‪ ..‬عَ ـ ـ ـ ـ َل ـ ـ ــى أعْ ـ ـ ـ َ‬ ‫ـان‪ ..‬فِ ـ ـ ــي ِج ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َب ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا!!‬ ‫َلـ ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ـ َـا ِن َي ـ ـ ــعْ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــرِ َك ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َتـ ـ ـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ّ َق ـ ـ ـ ـ ـ ُـب اآلتِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــنَ ‪ِ ..‬م ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ تِ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــائِ ـ ـ ــهِ‬ ‫ـات ال ـ ُّـص ـ ـ ْـفـ ـ ـ ــرُ ‪ِ ..‬م ـ ـ ـ ــلْ ءُ ثِ ـ ـ ـ َي ـ ــابِ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا!!‬ ‫واألمْ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ُ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫اه ِـل َأ ْر َم َلـة‬ ‫ُث ْـك ٌـل َع َلى َك ِ‬

‫ال وعْ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َد يُ ـ ـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ــرُ هَ ـ ـ ـ ــا بِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْودَةِ َق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــادِ مٍ‬ ‫مُ ـ ـ ـ ْن ـ ــذُ ا ْ​ْس ـ ـ ـت ـ ـ ـَب ـ ـ ـ َـا َح الـ ـ ـ ـ َيـ ـ ـ ـأ ُْس حَ ـ ـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َقـ ـ ـ َة َب ـ ــابِ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا!!‬ ‫أُمٌ ‪ ..‬أَسَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالَ ال ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ـ ْي ـ ـ ــنُ مُ ـ ــهْ ـ ــجَ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ َه ـ ــا أسَ ـ ـ ـ ـ ــىً ‪..‬‬ ‫وف ال ـ ــدَّ هْ ـ ـ ـ ــرِ ‪َ ..‬لـ ـ ـ ـوْنَ شَ ـ ـ َبـ ــابِ ـ ـ َهـ ـ ــا!!‬ ‫ومَ ـ ــحَ ـ ـ ْـت ُص ـ ـ ــرُ ُ‬ ‫َك ـ ـ ـ ــا َن ـ ـ ـ ـ ْـت ُت ـ ـ ـ ــجَ ـ ـ ـ ـ ِ ّـه ـ ـ ـ ــزُ َبـ ـ ـ ـ ْيـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا لِ ـ ـ ــلِ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ــائِ ـ ـ ـ ـ ــهِ ‪..‬‬ ‫وال ـ ـ ــدهْ ـ ـ ــرُ ‪َ ..‬ي ـ ــمْ ـ ــسَ ـ ــحُ سَ ـ ـ ـوْطَ ـ ـ ـ ـ ــهُ لِ ـ ــعِ ـ ـ ـ َق ـ ــابِ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا!!‬ ‫ـض ـ ـ ــى‬ ‫َل ـ ـ ـ ـ ـ ــمْ يُ ـ ـ ـ ـ ْـخ ـ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ــرُ وهَ ـ ـ ـ ــا أنَّ غَ ـ ـ ــائِ ـ ـ ــبِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا َق ـ ـ ـ َ‬ ‫ْض‪َ ..‬ت ـ ـ ْـح ـ ــتَ ُتـ ـ ـرَابِ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ــا!!‬ ‫ألر ُ‬ ‫وا ْ​ْسـ ـ ـ َت ـ ــقْ ـ ـ ـ َبـ ـ ـ َلـ ـ ـ ْت ـ ــهُ ا َ‬ ‫َك ـ ـ ـ ـ ــانَ ْا ْب ـ ـ ـن ـ ـ َـه ـ ـ ــا الـ ـ ـ ـ َغ ـ ـ ــالِ ـ ـ ــي‪ ..‬وَقُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّر َة عَ ـ ـ ـ ْي ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫َل ـ ـ ـ ـ ــكِ ـ ـ ــنَّ َقـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ــبَ ال ـ ـ ــمَ ـ ـ ــوت‪َ ..‬ل ـ ـ ـ ــمْ َي ـ ـ ـ ـ ـ ُـك آبِ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا!!‬ ‫ـان‪َ ..‬و الـ ـ ـ ـ ـوَجَ ـ ـ ـ ــعُ ال ـ ـ ــمَ ـ ـ ــرِ ي ـ ـ ــرُ َيـ ـ ـ ُل ـ ــوكُ ـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫عَ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫وال ـ ـ َّـصـ ـ ـ ْب ـ ــرُ حَ ـ ــتَّ ـ ــى ال ـ ـ َّـصـ ـ ـ ْب ـ ـُـر‪ ..‬رَقَّ لِ ـ ــمَ ـ ــا بِ ـ ـ ـ َهـ ـ ــا!!‬ ‫ـش َقـ ـ ـ ْلـ ـ ـ َبـ ـ ـ َه ـ ــا‬ ‫ـات َتـ ـ ـ ـ ْنـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ُ‬ ‫وعَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َق ـ ـ ـ ـ ــارِ ُب ال ـ ـ ـ َّـس ـ ـ ــاعَ ـ ـ ـ ِ‬ ‫َفـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ــرُّ مُ ـ ـ ـ ـ ْـس ـ ـ ـ ــرِ عَ ـ ـ ـ ــةً ‪ ..‬إل ـ ـ ـ ــى ِم ـ ـ ـ ْـحـ ـ ـ ـرَابِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا!!‬ ‫أُمٌ ‪َ ..‬و َي ـ ـ ـ ـ ــكْ ـ ـ ـ ـ ـ ِـف ـ ـ ـ ـ ــي أنْ ُتـ ـ ـ ـ ـ ـ َذ ِّو َبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا أس ـ ـ ـ ـ ــىً‬ ‫ـض‪ ..‬فِ ـ ـ ــي دُ والبِ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا!!‬ ‫ـاب ال ـ ــبِ ـ ـ ـي ـ ـ ُ‬ ‫ـك الـ ـ ـ ِّثـ ـ ـي ـ ـ َ ُ‬ ‫تِ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ـ َ‬ ‫َ َذ َكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َر ْت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ َيـ ـ ـ ـ ْل ـ ـ ــهُ ـ ـ ــو حَ ـ ـ ـ ـ ـ ْو َلـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا َكـ ـ ـ ـ ـ َفـ ـ ـ ـ ـرَاشَ ـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫جَ ـ ــمَ ـ ـ َعـ ـ ْـت جَ ـ ــمَ ـ ــالَ ال ـ ـ ـ َك ـ ـ ـو ِْن‪َ ..‬ت ـ ـ ْـح ـ ــتَ إهَ ـ ـ ــابِ ـ ـ َهـ ــا!!‬ ‫َف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإِ ذَا َتـ ـ ـ ـ ـ َب ـ ـ ـ ـ ّ َـسـ ـ ـ ـ ـ َم َث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمَّ ‪َ ..‬و ْا ْبـ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ــمَ ـ ـ ـ ـ ْـت َل ـ ـ ــهُ‬ ‫األشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ ‪ِ ..‬م ـ ـ ـ ـ ــنْ إعْ ـ ـ ــجَ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ َه ـ ـ ــا‬ ‫َتـ ـ ـ ـ َتـ ـ ـ ـ َع ـ ـ ـ َّـج ـ ـ ـ ُـب ْ‬ ‫هللِ مَ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أقْ ـ ـ ـ ـ ــسَ ـ ـ ـ ـ ــى الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ َّـ ــوى‪َ ..‬ف ـ ـ ـ ــغِ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــا ُب ـ ـ ـ ــهُ‬ ‫ـاب وَالِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـدهِ ‪ ..‬أ َتـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى مُ ـ ـ ـ ـ َت ـ ـ ــشَ ـ ـ ــابِ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ـ ــا!!‬ ‫وغـ ـ ـ ـ ـ ـ َي ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ِ‬ ‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪55‬‬


‫قلبي يحن‪...‬‬ ‫‪ρρ‬محمود الرمحي*‬

‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا راكـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ل ـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــوف خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر أه ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــا‬ ‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا زادن ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــد إ ّال ع ـ ـ ـش ـ ـ ـق ـ ـ ـهـ ـ ــا‬ ‫وسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــط رم ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا واح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــةً خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرا َء ْ‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاءُ يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ـ ــري إذ ي ـ ـ ـ ـ ـ ــزي ـ ـ ـ ـ ـ ــد جـ ـ ـ ـم ـ ـ ــالـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫يـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ َه ـ ـ ـ ــا ُحـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوت بـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـي ـ ـ ــاه ـ ـ ــه‬ ‫واخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرَّ ف ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا َت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وجـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫حـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ــى ال ـ ـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ــارى م ـ ـ ـ ـ ـ ــا غ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدت قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ــرً ا بـ ـ ـه ـ ــا‬ ‫ان ـ ـ ـ ـ ـ ـظـ ـ ـ ـ ـ ــر «ب ـ ـ ـ ـ ـس ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ـ ــة» كـ ـ ـ ـ ـ ـ ــم ت ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــود ب ـ ـ ـخ ـ ـ ـيـ ـ ــرهـ ـ ــا‬ ‫ن ـ ـ ـ ـ ــاهـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــك عـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــك الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــزارع ح ـ ـ ــولـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫كـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــد ص ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ــي ق ـ ـ ـ ـ ـ ــد أح ـ ـ ـ ـ ـ ــاط ـ ـ ـ ـ ـ ــت ج ـ ـ ـيـ ـ ــدهـ ـ ــا‬ ‫والـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـخ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــل فـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ــا ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدلـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــى ق ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ــوه‬ ‫رُطَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا جَ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنِ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ًّي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا أل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذّ قـ ـ ـ ـط ـ ـ ــافـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا‬ ‫ل ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـفـ ـ ـ ــي ع ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‪ ..‬ح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوةٌ زادت حـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا‪..‬‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـج ـ ـ ـ ـ ــوف م ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــازت‪ ..‬ق ـ ـ ـ ـ ــد زهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــت بِ ـ ـ ـ ـ ـدَاللـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ــا‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ــي يـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ُّـن ومـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا لـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن س ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ــوةٍ‬ ‫زاد الـ ـ ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ــن تـ ـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ــقً ـ ـ ـ ـ ــا بـ ـ ـ ـ ــربـ ـ ـ ـ ــوع ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫ودع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـ ــب ف ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـ َهـ ـ ـ ـ ـ ــا م ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ٌـق‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ــات ي ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـ ــى أرضـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا وس ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ــاءهـ ـ ـ ـ ـ ــا‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ــي ال ـ ـ ـ ـ ـ ـجـ ـ ـ ـ ـ ــوف ص ـ ـ ـ ـ ـ ـحْـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـب مـ ـ ـ ـ ـ ــا أظ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنّ ن ـ ـس ـ ـي ـ ـت ـ ـهـ ــم‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ــم ف ـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــؤاد وف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي عـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــون ـ ـ ـ ــي س ـ ـ ـحـ ـ ــرهـ ـ ــا‬ ‫ * شاع ٌر من األردن‪.‬‬

‫‪56‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρρ‬عبدالهادي الصالح*‬

‫ـس هـ ـ ـ ـ ــذا هـ ـ ـ ــزيـ ـ ـ ــمُ ال ـ ـ ـ ـ ـ ّرعـ ـ ـ ـ ـ ِـد ب ـ ــال ـ ـ ُّـس ـ ـ ُـح ـ ــب‬ ‫يـ ـ ـ ــا نـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ُ‬ ‫وخ ـ ـ ـ ـ ـ ــا َل ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ال ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب مـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـم ـ ـ ــونـ ـ ـ ـ ًا وعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــنْ كـ ـ ـ ـ َث ـ ـ ـ ِـب‬ ‫فـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأود َع األرض ت ـ ـ ـح ـ ـ ـكـ ـ ــي ف ـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـن ـ ــابـ ـ ـتـ ـ ـه ـ ــا‬ ‫ـرب‬ ‫أنّ الـ ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ـ ـف ـ ـ ـ ــا َر سـ ـ ـ ـ ـ ـت ـ ـ ـ ـ ــؤوي ف ـ ـ ـ ـ ــات ـ ـ ـ ـ ــنَ ال ـ ـ ـ ـ ـ ّـط ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ـوث وإنْ أبـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدتْ ب ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ــابـ ـ ـ ــرةٍ‬ ‫هـ ـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ـ ُ‬ ‫ـرب‬ ‫ـواب ك ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫تـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ــود تـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـم ـ ـ ــي وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاألب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬

‫شـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــر‬

‫عد‬ ‫الر ِ‬ ‫ُ‬ ‫هزيم ّ‬

‫وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاخـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرارٍ سـ ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ــأت ـ ـ ـ ــي كـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلَّ قـ ـ ـ ــاح ـ ـ ـ ـطـ ـ ـ ــةٍ‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــا ك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ي ـ ـ ـح ـ ـ ـكـ ـ ــي وب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاآلالء بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــقُ ـ ـ ـ ـ ُـضـ ـ ـ ـ ِـب‬ ‫وإنْ ذه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـ ـ ـ ــتَ ولـ ـ ـ ـ ـ ـل ـ ـ ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــارِ ت ـ ـ ـب ـ ـ ـعـ ـ ــثُ ـ ـ ـهـ ـ ــم‬ ‫كـ ـ ـ ـ ــانـ ـ ـ ـ ــوا رب ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ًا وك ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــان ال ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ُـب بـ ــال ـ ـل ـ ـهـ ــب‬ ‫ـوف ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدّ ارِ ح ـ ــامـ ـ ـلـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫ي ـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ــاب ـ ـ ـ ـقـ ـ ـ ــون ريـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ َ‬ ‫شـ ـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ــر اإلل ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــه وب ـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ــاء‪ ‬بـ ـ ــال ـ ـ ـق ـ ـ ـصـ ـ ــب‬ ‫ـاق تـ ـ ـس ـ ــألـ ـ ـه ـ ــم‬ ‫وإنْ ب ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـثـ ـ ـ ــتَ ع ـ ـ ـ ـ ــن الـ ـ ـ ـ ـ ـع ـ ـ ـ ـ ـ ّـش ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ق ـ ـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـ ــوا ذُ هـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــا وح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالُ وع ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــن ص ـ ـ ـبـ ـ ـ ِـب‬ ‫ن ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ــرُّ ل ـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ـ ًا ب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــإرداف الـ ـ ـ ـنـ ـ ـ ـه ـ ـ ــار ع ـ ـ ـ ــن شـ ـ ـغ ـ ـ ٍـف‬ ‫ولـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــو تـ ـ ـ ـ ـ ــوانـ ـ ـ ـ ـ ــى ل ـ ـ ـ ـ ـكـ ـ ـ ـ ــان ال ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـحـ ـ ـ ــر بـ ـ ـ ــالـ ـ ـ ــنُّ ـ ـ ـ ــدب‬ ‫يـ ـ ـ ـ ــا سـ ـ ـ ـ ــاكـ ـ ـ ـ ــنَ الـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـي ـ ـ ــد أقـ ـ ـ ـ ـص ـ ـ ـ ــر فـ ـ ـ ـ ــي مـ ـ ـ ـن ـ ـ ــازل ـ ـ ــةٍ‬ ‫حـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـث ال ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ــوى سـ ـ ـ ـ ــامَ ـ ـ ـ ـ ــهُ بـ ـ ـ ـي ـ ـ ـ ُـت مـ ـ ـ ــن ال ـ ـع ـ ـجـ ــب‬ ‫أض ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاعُ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ ن ـ ـ ـ ـ ـ ــزح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـت م ـ ـ ـ ـ ـ ــن دونـ ـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ـ ــا ول ـ ـ ـ ـ ـ ــهٍ‬ ‫وقـ ـ ـ ـ ـ ـلـ ـ ـ ـ ـ ـب ـ ـ ـ ـ ــه خـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌـق أوّا ُه ب ـ ـ ــالـ ـ ـ ـسـ ـ ـ ـب ـ ـ ــب‬ ‫فـ ـ ـ ــان ـ ـ ـ ـظ ـ ـ ـ ـ ْر ي ـ ـ ـم ـ ـ ـي ـ ـ ـن ـ ـ ـ ًا وق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّلـ ـ ـ ـ ـ ـ ْـب أشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأ َم ال ـ ـ ــدي ـ ـ ــم‬ ‫ت ـ ـ ـن ـ ـ ـب ـ ـ ـيـ ـ ــك حـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــا ًال ه ـ ـ ـ ـ ــي األرواحُ ب ـ ــالـ ـ ـنـ ـ ـق ـ ــب‬ ‫هـ ـ ـ ـ ــي الـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـع ـ ـ ــان ـ ـ ــي وإنْ شـ ـ ـ ـ ـ ّـطـ ـ ـ ـ ـ ْـت بـ ـ ـ ـه ـ ـ ــا حـ ـ ـق ـ ـ ٌـب‬ ‫ـذب‬ ‫ف ـ ـ ــالـ ـ ـ ـبـ ـ ـ ـش ـ ـ ــرُ حـ ـ ـ ـ ـ ـ ــلّ وبـ ـ ـ ــال ـ ـ ـ ـتـ ـ ـ ــأك ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ِـد ل ـ ـ ـ ـ ــم ي ـ ـ ـ ـ ـ ِ‬ ‫ه ـ ـ ـ ـ ـ ــذي الـ ـ ـ ـ ـ ـم ـ ـ ـ ـ ــروج وق ـ ـ ـ ـ ـ ــد سـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارت بـ ـ ـ ـن ـ ـ ــا قُ ـ ـ ـ ــدم ـ ـ ـ ـ ًا‬ ‫ـال ع ـ ـ ـلـ ـ ــى الـ ـ ــنُّ ـ ـ ـجـ ـ ـ ِـب‬ ‫تـ ـ ـسـ ـ ـتـ ـ ـفـ ـ ـت ـ ــحُ الـ ـ ـ ـغـ ـ ـ ـي ـ ـ ــبَ أمّ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬ ‫ف ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــأوق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ِـد الـ ـ ـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ـ ـ ــار ي ـ ـ ـ ـ ـ ــا ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذا وص ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ّـب ل ـ ـهـ ــا‬ ‫م ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـخ ـ ـ ـن ـ ـ ـيـ ـ ــن فـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـعـ ـ ـ ـط ـ ـ ــاءٌ م ـ ـ ـ ـ ــن ال ـ ـ ـ ّـسـ ـ ـ ـك ـ ـ ـ ِـب‬ ‫* شاعر وأكاديمي ‪ -‬جامعة الجوف‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪57‬‬


‫ُ‬ ‫العلمي‬ ‫الخيال‬ ‫ُّ‬

‫يخترق الرواية السعودية المعاصرة‬ ‫جنس أدبي شبابي جديد‬

‫(‪)١‬‬

‫بقلم ‪ :‬سلوى خالد محمد امليمان‪ ،‬جامعة امللك عبدالعزيز‪ ،‬اململكة العربية السعودية‬ ‫ترجمة ‪ :‬خديجة حلفاوي‪ ،‬مترجمة وناقدة من اململكة املغربية‪.‬‬

‫تــواصــل رواي ــة "بساتين عربستان" لـلــروائــي الـسـعــودي الـشــاب أســامــة المسلم‬ ‫(مركز األدب العربي) نجاحها الالفت‪ ،‬وتصدر طبعتها العاشرة مع مطلع سنة‬ ‫‪2018‬م‪ .‬يتعلق األمر بنجاح جنس أدبي حديث نسبيا بوطننا العربي‪ :‬الفنتازيا‬ ‫األقرب إلى الخيال العلمي‪ .‬رغم انتقاده من قبل بعض األوساط الدينية‪ ،‬إال إن‬ ‫انتشار ثقافة السحر والجن ضمن المخيال الشعبي المحلي ال يعني بالضرورة‬ ‫إدراجه (من حيث المقاربة) ضمن مجال الحرية‪.‬‬ ‫«بعد فرعون موسى و خاتم سليمان‬ ‫وقبل عيسى و سيد األنام‬ ‫قبل اإلسالم وقبل تاريخه‬ ‫و قبل النور و الصراط المستقيم‬ ‫قصة لم يدونها التاريخ‪ ،‬لكنها نقلت‬ ‫بــاألثــر مــن قــاص آلخ ــر‪ ..‬ســأدونـهــا بين‬ ‫ورق بالكاد سيحتويها‪ ..‬وأتركها الختبار‬ ‫الزمن»‪ ،‬أسامة‪.‬‬ ‫هكذا تبدأ رواية أسامة المسلم‪ ،‬مثل‬ ‫استهاللي مــوزون (بالقافية) للحكاية‪.‬‬

‫‪58‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫تخرّج هــذا الــروائــي السعودي الشاب‬ ‫مــن قــســم األدب االنــجــلــيــزي بجامعة‬ ‫الملك فيصل بــاإلحــســاء وهــو مؤلف‬ ‫ثالث روايــات نشرت بين عامي ‪2015‬‬ ‫و‪2017‬م‪ .‬حصلت روايته "خــوف" على‬ ‫المرتبة التاسعة ضمن قائمة أعلى‬ ‫مبيعات مكتبة جرير؛ ما يعادل تصنيفات‬ ‫"الفناك الفرنسي" (‪،)la Fnac française‬‬ ‫وحققت نجاحا كبيرًا ضمن فعاليات‬ ‫معرض الــريــاض للكتاب عــام ‪2016‬م‬ ‫بجناح ناشره "مركز األدب العربي"‪.‬‬


‫يتميز السرد الروائي ل"بساتين عربستان"‬ ‫باستحضار شخصيتين رئيسيتين‪ " :‬أفسار"‪،‬‬ ‫ابنة أشــور الكبير‪ ،‬ساحرة فارسية تسعى‬ ‫للثأر لمقتل والدها على يد "وصبان" بينما‬ ‫كانت طفلة‪ .‬تكتشف بعد بضع سنوات أن‬ ‫وصبان قد مــات وتقرر ‪-‬مــع ذلــك‪ -‬متابعة‬ ‫خطتها لالنتقام من ابنته دعجاء‪ .‬لكن‪ ،‬يظهر‬ ‫أن هذه األخيرة ليست مجرد ابنة وصبان‪،‬‬ ‫وإنما ساحرة عربية قوية كذلك‪.‬‬

‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫استطاعت روايــتــه الثانية‪ ،‬عــن الناشر‬ ‫نفسه‪ ،‬أن تصدر في عشر طبعات (إلى حدود‬ ‫بداية سنة ‪2018‬م) في إشــارة إلى القبول‬ ‫والمتابعة التي ال يــزال يحظى به كاتبها‪.‬‬ ‫يتعلق األمر بثالثية روائية‪ ،‬ملحمة رومانسية‬ ‫حول االنتقام‪ ،‬تشكل امتدادًا للرواية األولى‬ ‫للكاتب (بساتين عربستان) تأسر القارئ في‬ ‫مواز‪ ،‬غامض‪ ،‬مأهول بالكائنات‬ ‫عالم سفلي‪ٍ ،‬‬ ‫الخارقة للطبيعة‪ ،‬الجن والشياطين‪ ،‬كما‬ ‫السحرة والساحرات؛ ما يجعل البشر يحتلون‬ ‫مرتبة ثانوية ضمن نسق الحكي‪.‬‬

‫النصف األول من الــروايــة‪ ،‬نشهد انخراط‬ ‫المرأتين في ممارسات السحر وتأسيسهما‬ ‫لعصبتهما الــخــاصــة‪ ،‬إذ تسعى كــل منهما‬ ‫إلى ترسيخ سلطتها في هذا العالم العدائي‬ ‫المحكوم برغبات االنتقام بين الشخصيات‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬باإلضافة إلى التنافس بين أفسار‬ ‫ودعجاء‪ ،‬نجد أن جميع الشخصيات تتقارب‬ ‫أو تتنافر وفقا لمعتقداتها أو طموحاتها‪،‬‬ ‫مدفوعة بالرغبة بنفسها في االنتقام‪ ،‬بمن‬ ‫فيهن دعــجــاء التي قــررت إنــهــاء السيطرة‬ ‫الذكورية على السحر في منطقة اليمامة‪.‬‬ ‫تنتهي القصة بشكل غير متوقع‪ ،‬بعد كفاح‬ ‫المرأتين فوق األراضي العربية‪.‬‬ ‫"هاري بوتر"‬ ‫في بلد "األلف ليلة وليلة"‬

‫تشكل هــذه الــروايــة المجلد األول من‬ ‫ثالثية روائــيــة ‪-‬ثلتها "عصبة الشياطين"‬ ‫و"ريــاح هجر"‪ -‬كثيفة الشخصيات‪ ،‬بأسماء‬ ‫غريبة عن القارئ العربي‪ ،‬تنحدر في الغالب‬ ‫من أصل فارسي نظرا لكون جزء كبير من‬ ‫تحتاج أفسار إلــى تعلم السحر وتعليمه الرواية يدور في منطقة جنوب غرب إيران‬ ‫‪-‬لعصبتها‪ -‬مــن أجــل هزيمة دعــجــاء‪ .‬في حاليا‪ .‬سرعان ما يعتاد القارئ على هذا‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪59‬‬


‫الوضع ويسمح لنفسه باالنغماس في إيقاع‬ ‫التحوالت والــحــوارات التي تــدور في فلكها‬ ‫أحــداث السردية‪ .‬من الصعب التخلي عن‬ ‫قــراءة (‪ )500‬صفحة المكونة للرواية‪ ،‬كما‬ ‫يصعب التغاضي عن ربط الرواية بروايات‬ ‫"ه ــاري بــوتــر" (‪ )Harry Potter‬أو "صــراع‬ ‫الــعــروش" (‪)Game of thrones‬؛ باستثناء‬ ‫استنشاق عبق "ألــف ليلة وليلة" في ثنايا‬ ‫منذ ذلك الحين‪ ،‬انضم شباب آخرون إلى‬ ‫"بساتين عربستان"‪ ،‬الجو الشرقي الــذي هذه الحركة مدفوعين بشغفهم بالفانتازيا‬ ‫تسبح في إطــاره وإشاراتها إلى حلقات من ورغبتهم فــي نشر هــذا الــنــوع مــن الخيال‬ ‫تاريخ الشرق األدنى(‪.)٢‬‬ ‫العلمي في العالم العربي والحصول على‬ ‫نجح هــذا المزيج (الفريد) بين القديم اعــتــراف في أوروب ــا‪ ،‬الــواليــات المتحدة أو‬ ‫والحديث في أسلوب كتابة أسامة المسلم اليابان‪ .‬منذر القباني كاتب أخر بالرابطة‪،‬‬ ‫في اجتذاب جمهور واسع من القراء‪ .‬يحقق طبيب ومؤلف خمس روايات حققت مبيعات‬ ‫هذا النوع األدبي نجاحا باهرًا في العربية جــيــدة بــيــن عــامــي ‪ 2006‬و‪2016‬م‪ ،‬يجد‬ ‫السعودية‪ :‬بيعت أزيد من (‪ )30‬ألف نسخة إلهامه في تراث ألف ليلة وليلة‪" :‬من خالل‬ ‫من الطبعة العاشرة خالل سنة واحدة فقط‪ ،‬نصوصنا‪ ،‬نريد أن نكون امتدادًا لهذا التراث‬ ‫وهــو ما يساوي اعترافا حقيقيا بـ(نجاح) األدبي العربي"؛ يؤكد في مقابلة معه‪ .‬تبعا‬ ‫الكاتب في عالم النشر السعودي‪ .‬كما أن لــهــذا‪ ،‬نفهم حماسة المؤلفين (الشباب)‪،‬‬ ‫تدفق الزائرين الشباب ‪-‬خاصة النساء‪ -‬إلى خاصة أسامة مسلم‪ ،‬وانجذابهم إلى العوالم‬ ‫مكتبة جرير من أجل توقيع روايته الجديدة الموازية‪ :‬الجن والسحرة‪ .‬هل يمكننا تأهيل‬ ‫مؤشر على االنبهار والقبول (المجتمعي) أعــمــال الخيال العلمي هــذه بشكل يسهل‬ ‫االستئناس بها؟‬ ‫لهذا الجنس األدبي(‪.)٣‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬داخل هذه الحركة‪ ،‬لكل كاتب‬ ‫جنس أدبي جديد في العالم العربي‬ ‫تخصصه‪ :‬بعضهم يجرب الخيال العلمي‪،‬‬ ‫وراء نــجــاح هــذا الجنس األدبـــي يكمن وآخرون يميلون إلى الرعب الخيالي‪ ،‬وبعضهم‬ ‫مــشــروع واع ــد‪ .‬فــي الــواقــع‪ ،‬التحق أسامة األخر ما يزال متشبثا بالفانتازيا (على شاكلة‬ ‫المسلم ب"رابطة الخيال العربي" التي تضم أسامة المسلم)‪.‬‬ ‫كُتاباً سعوديين وعربا شبابا يوحدهم مشروع‬ ‫ريح الحرية‬ ‫الكتابة القائم على الخيال والفانتازيا نفسه‪.‬‬ ‫تبلورت هــذه الحركة بإيعاز من مؤسسيْها‬ ‫يعمل هؤالء الكتاب على تسليط مزيد من‬ ‫إبراهيم عباس وياسر بهجت اللذين أنشآ الضوء على دائرة الخيال‪ .‬بالنسبة لهم‪ ،‬يتعلق‬ ‫مؤسسة "يتخيلون"‪ ،‬وهي شركة لنشر روايات األمــر بتحرير أنفسهم في قواعد الرواية‬ ‫الخيال العلمي وتوزيعها‪ .‬عــرف إبراهيم‬ ‫عــبــاس نفسه كــكــاتــب بــعــد تحقيق روايــتــه‬ ‫"حوجن" (‪2012‬م) لنجاح كبير‪ ،‬حيث شكل‬ ‫النقد العنيف الذي تعرض له من قبل الدوائر‬ ‫الدينية دعاية غير مباشرة لعمله‪ .‬لسبب‬ ‫وجيه‪ ،‬وهو أن "حوجن" قصة حب كالسيكي‬ ‫بين جني وإنسية‪.‬‬

‫‪60‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫تـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــرج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬

‫الواقعية وتــجــاوز حــدود الــزمــان والمكان‪.‬‬ ‫إذا كانت هذه "البعثة" قادرة على رؤية النور‬ ‫وجذب الكثير من القراء‪ ،‬فذلك راجع إلى‬ ‫ظهور وتطور وسائل التواصل االجتماعي‪:‬‬ ‫يقضي الــكـ ّتــاب معظم وقتهم بالمدونات‬ ‫الشخصية إلنشاء اتصال أولي مع القارئ‪.‬‬ ‫مهدت وسائل اإلعــام‪ ،‬التي ال تقدر بثمن‪،‬‬ ‫الطريق لممارسة نوع جديد من الكتابة لم‬ ‫يُعترف به حتى اآلن على أنــه كتابة أدبية‬ ‫جادة‪ .‬هذا هو حال األدب العربي بشكل عام‪،‬‬ ‫الذي لم يطور الخيال العلمي‪ ،‬حيث تهيمن‬ ‫ثيمات الدين على جل األعمال المقدمة‪.‬‬ ‫ربما ال يكون اختيار الشكل غريبا على‬ ‫هــذه الحاجة للحرية‪ .‬فــي الــواقــع‪ ،‬كشف‬ ‫تطور وصــعــود الــروايــة السعودية (عربيا)‬ ‫منذ تسعينيات الــقــرن الماضي‪ ،‬عــن جيل‬ ‫من الكتاب الذين اختاروا الرواية التخييلية‬

‫للتعبير عن مشاكل المجتمع ‪-‬تحت غطاء‬ ‫الخيال‪ -‬وقول ما ال تسمح أنماط خطابية‬ ‫أخــرى بالتعبير عنه‪ .‬وفــقـاً لهذه المقطع‬ ‫الذي قدمه أسامة المسلم في روايته األولى‬ ‫"خ ــوف"‪ ،‬فــإن كتابة الخيال العلمي تشكل‬ ‫أيضاً فضاء للحرية‪:‬‬ ‫"هناك من يصفني بالمتحرر وهذا إقرار‬ ‫من الواصف بأني كنت مستعبدًا لشيء ما‬ ‫يــزال هو عبدًا لــه‪ ،‬وهناك من يــرى أن في‬ ‫أفكاري خطرًا كبيراً على الجيل الصاعد‬ ‫وك ــأن هــذا الجيل خلق ليصعد على سلم‬ ‫مبادئه فقط‪ .‬حرية التفكير جزء ال يتجزأ‬ ‫من حرية التعبير‪ ..‬لذلك كانت هذه "الرواية"‬ ‫ضمن مجموعة الخيال العلمي‪ ،‬فهي بذلك‬ ‫قبول أكثر كونها مصنفة كمجرد‬ ‫ً‬ ‫ستكسب‬ ‫أضغاث أفكار"‪.‬‬

‫(‪ )١‬نشر المقال بمجلة (‪ ،)orientxxi‬يناير ‪ ،2018‬انظر‪:‬‬

‫‪https://orientxxi.info/lu-vu-entendu/l-arabie-‬‬

‫‪saoudite-decouvre-la-science-fiction,2222‬‬

‫(‪ )١‬في هذا الصدد‪ ،‬نجد أن اسم "عربستان" ليس محايدا في حد ذاته‪ :‬يتعلق األمر باسم أطلقته "دعاية"‬ ‫صدام حسين على إقليم خوزستان‪ ،‬محافظة بالجنوب الغربي اإليراني‪ ،‬الذي قام بغزوه بغرض "تحريره"؛‬ ‫نظرا لكونه منطقة مأهولة بالساكنة الناطقة بالعربية‪.‬‬ ‫(‪ )٣‬يلقب أسامة المسلم بين الكتاب والروائيين السعوديين والعرب ب"شهريار الرواية العربية" (المترجمة)‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪61‬‬


‫الشاعرة والروائية‬ ‫سهير المصادفة‬

‫في كل أنحاء العالم ال توجد تلك الحدود الصارمة بين األجناس‬ ‫األدبية المختلفة مثلما هي عليه في عالمنا العربي‪.‬‬ ‫تقريبً ا كل الكُ تاب الكبار العالميين قفزوا من الشعر إلى الرواية إلى‬ ‫المسرح وعديد األنواع األدبية‪.‬‬ ‫ماركيز صاحب نوبل‪ ،‬كتب األغاني الغجرية في بداية حياته‪ ،‬وأنا أكتب‬ ‫قليل‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫الشعر وأكتب الرواية‪ ،‬ولكن الشعر‬

‫شاعرة وروائية مصرية‪ ،‬صدر لها عدد من المجموعات القصصية والروائية‬ ‫منها‪ :‬مجموعة "هجوم وديع" ‪1997‬م‪ ،‬مجموعة "فتاة تجرب حتفها" ‪1999‬م‪ ،‬رواية‬ ‫"لهو األبالسة" ‪2003‬م‪ ،‬رواية "ميس إيجيبت" ‪2008‬م‪ ،‬رواية "رحلة الضباع" ‪2013‬م‪،‬‬ ‫رواية "بياض ساخن" ‪2015‬م‪ ،‬رواية "لعنة ميت رهينة" ‪2017‬م‪.‬‬ ‫كـمــا ص ــدر لـهــا الـعــديــد مــن قـصــص األط ـف ــال‪ .‬وكــذلــك تــرجـمــت عــن الــروسـيــة‬ ‫مباشرة‪ ،‬ومن أهم أعمالها المترجمة‪ :‬روايــة "توت عنخ آمــون" لباخيش بابايف‪،‬‬ ‫وكل حكايات األطفال التي ألفها شاعر روسيا األشهر "بوشكين"‪ ،‬وحكايات كاتب‬ ‫األطفال الروسي الكبير "أفاناسيف"‪ ،‬إضافة إلى عدد كبير من الحكايات الشعبية‬ ‫الروسية‪.‬‬ ‫حصلت على العديد من الجوائز أهمها‪ :‬جائزة أندية فتيات الشارقة للشعر‬

‫‪62‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫وقــد توجهت "الجوبة" لمحاورتها حــول المشهد الــروائــي المصري والعربي‪،‬‬ ‫ومساءلة الجوائز األدبية العربية والعالمية‪.‬‬

‫■ حاورتها‪ :‬هالة موسى‬

‫ ¦ك ـن ــت شـ ــاعـ ــرة‪ ،‬ف ـل ـم ــاذا ت ــوج ـه ــت لـكـتــابــة‬ ‫الرواية؟‬ ‫‪ρ ρ‬قلت ذات مــرة‪ :‬ما ليس شعرا ال يُعول‬ ‫عليه كــثــيـرًا‪ .‬والشعر سمة أس ــاس من‬ ‫سمات أسلوبي السردي‪ ،‬وفقًا لمالحظة‬ ‫كثير من النقاد الذين تناولوا رواياتي‪.‬‬ ‫في كل أنحاء العالم ال توجد تلك الحدود‬ ‫الصارمة بين األجناس األدبية المختلفة‬ ‫مثلما هــي عليه فــي عالمنا الــعــربــي؛‬ ‫فتقريبًا كل الكُتاب الكبار العالميين قفزوا‬ ‫من الشعر إلى الرواية إلى المسرح وعديد‬ ‫األنواع األدبية‪ ،‬حتى أن الكاتب الكولومبي‬ ‫الشهير ماركيز صاحب نوبل كتب األغاني‬ ‫الغجرية في بداية حياته‪ .‬مع مالحظة‬ ‫أنني أكتب الشعر وأكتب الرواية‪ ،‬ولكن‬ ‫الشعر قلي ٌل بطبيعته ويعتمد كله على‬ ‫عال سُ لّمه‪ ،‬بينما الرواية إلى‬ ‫اإللهام وهو ٍ‬ ‫جوار اإللهام تحتاج إلى مثابرة البنّاءين‬ ‫ليعيدوا هندسة عوالمهم المختلقة‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫من الشارقة عن مجموعتها‪" :‬فتاة تجرّب حتفها" عام ‪1999‬م‪ .‬وأفضل روايــة عن‬ ‫روايـتـهــا‪" :‬لهو األبــالـســة" مــن اتـحــاد كتاب مصر عــام ‪2005‬م‪ .‬وجــائــزة التميز عن‬ ‫عملها في مشروع مكتبة األســرة عــام ‪1997‬م‪ .‬كما تعمل رئيس اإلدارة المركزية‬ ‫للنشر بالهيئة المصرية العامة للكتاب‪.‬‬

‫قد يكونون نقادًا كبارًا أو كُتابًا المعين‪،‬‬ ‫ولكنهم يظلون عــددًا من القراء‪ ،‬ولذلك‬ ‫يعرف معظم كُتاب العالم أن الجوائز ال‬ ‫تعني إال المزيد من المبيعات والشهرة‬ ‫والمال‪ ،‬وربما يعرفون األمثولة األشهر‬ ‫ألكبر الــجــوائــز‪ ...‬فجائزة نوبل لــآداب‬ ‫قررت في دورتها األولى عام ‪1901‬م‪ ،‬منح‬ ‫جائزتها لشاعر فرنسي هو "ب ــرودوم"‪،‬‬ ‫ولم تمنحها للكاتب الروسي العظيم "ليو‬ ‫تــولــســتــوي" صــاحــب "الــحــرب والــســام"‬ ‫و"أنَّا كارنينا" و"الشياطين"‪ ،‬وقد كان ملء‬ ‫السمع والبصر آن ــذاك‪ ،‬ومــا حــدث بعد‬ ‫ذلك أن جائزة نوبل ظلت طوال تاريخها‬ ‫تعض أصابع الندم‪ ،‬فالشاعر الفرنسي‬ ‫المتواضع القيمة غيّبه النسيان حتى‬ ‫في لغته الفرنسية؛ بينما ظلت أعمال‬ ‫تولستوي خالدة وعابرة للجوائز واألزمان‪.‬‬ ‫نقول نحن الـ ُكـ ّتــاب‪ :‬إن الجوائز قسمة‬ ‫ونصيب وحظ‪ ،‬وبعض المعايير األخرى‬ ‫التي قد ال نعرفها‪.‬‬

‫ ¦كـيــف تــريــن ال ـجــوائــز الـعــربـيــة وه ــل ثمة‬ ‫قاربت مجتمع القاع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫عدالة وحيادية في منحها لمن يفوز بها؟ ¦في "لهو األبالسة"‬ ‫أو ما أطلق عليه "الواقعية الـقــذرة"‪ ،‬هل‬ ‫‪ρ ρ‬الجوائز العربية وحتى األجنبية بما فيها‬ ‫هذه سمة من سمات أدب ما بعد الحداثة؟‬ ‫جائزة نوبل هي مجرد احتكام لذائقة‬ ‫مجموعة من القراء يشكلون لجنة تحكيم‪ρ ρ ،‬في "لهو األبالسة" محاولة لتلمس أوَّل‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪63‬‬


‫األسئلة الوجودية الكبرى عن وجــودي؛‬ ‫وج ــودي بــجــذوره المتعددة‪ ..‬المصرية‬ ‫والقبطية والعربية‪ ،‬ما الــذي جعلنا إذًا‬ ‫نعاني في هذا القاع ولدينا هذه الروافد‬ ‫المتنوعة‪ ،‬ومَن أوصلنا إلى هذا القاع؟! كنا ¦في روايــة‪" :‬ميس إيجيبت" هل تنطلقين‬ ‫أصحاب حضارات مزدهرة أنارت الكرة‬ ‫م ــن قـصــة واق ـع ـيــة؟ م ــا األس ـئ ـلــة الـكـبــرى‬ ‫األرضية‪ ،‬ســواء الحضارة الفرعونية أم‬ ‫التي طرحتيها من خالل الرواية؟‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬وكنا مَن أهدينا البشرية فجر‬ ‫تاريخها وأبجديات ضميرها‪ ،‬فما الذي ‪ρ ρ‬في كل الروايات أنطلق من مشهد واقعي أو‬ ‫لحظة ملهمة‪ ،‬ثم بعد كتابة الجملة األولى‬ ‫حدث لنا لننحدر هكذا؟! "لهو األبالسة"‬ ‫صدقًا ال أستطيع أنا نفسي الوقوف على‬ ‫كانت تجربة مؤلمة على صعيد الكتابة‪،‬‬ ‫الــحــدود الفاصلة بين الــواقــع والخيال‪.‬‬ ‫وأثق أنها كذلك على صعيد القراءة‪ ،‬ولكن‬ ‫في "ميس إيجيبت" صــراع محتدم بين‬ ‫ربما رأيت وقت كتابتها أن فت َح الجروح‬ ‫القبح والــجــمــال‪ ،‬بالمعنى المصطلحي‬ ‫لتطهيرها هو الحل األمثل‪.‬‬ ‫فلسف ّيًا للكلمتين‪ ،‬لماذا سمحنا للقبح‬ ‫ ¦سؤال الهوية يطرح نفسه بشدة في رواية‪:‬‬ ‫أن يسيطر على حياتنا‪ ،‬ولــمــاذا اغتلنا‬ ‫"لعنة ميت رهينة" كيف تتمثلين الهوية‬ ‫بأيدينا الجمال‪ ،‬ثم جلسنا نبكي موته‪،‬‬ ‫الثقافية المصرية؟‬ ‫ودماؤه تلوث مالبسنا‪ .‬قرأ القراء والنقاد‬ ‫‪ρ ρ‬كــانــت مصر سـ َّبــاقــة فــي اعــتــمــاد هوية‬ ‫ال ــرواي ــة مــقــرريــن أن شخصية "ميس‬ ‫ثقافية متحضرة ورائدة‪ ،‬لم تبدلها طوال‬ ‫إيجيبت" المغدور بها في الصفحة األولى‬ ‫تاريخها الممتد عبر آالف السنين؛ فهوية‬ ‫من الرواية تمثل مصر‪ ،‬وقد أتفق معهم‬ ‫مصر المتحضرة تمثلت في احتواء اآلخر‬ ‫وأضيف‪ :‬هي تمثل كل القيم الجمالية في‬ ‫وقبوله والتحاور معه وتذويبه في نسيج‬ ‫العالم التي يتم اغتيالها‪.‬‬ ‫واحد يحقق لها وجودها‪ ،‬هي التي منذ‬ ‫ ¦ف ــي روايـ ـ ــة‪" :‬رح ـل ــة ال ـض ـب ــاع" ث ـمــة ص ــورة‬ ‫الحضارة الفرعونية فتحت ذراعيها لكل‬ ‫ذهنية لـلـمــرأة تحرصين على كتابتها‪..‬‬ ‫أجناس األرض فصاروا مصريي الهوية‬ ‫هــا حدثتينا عــن عــوالــم تـلــك ال ــرواي ــة‪،‬‬ ‫والــهــوى‪ .‬الــمــدهــش أن أمــريــكــا نفسها‬ ‫ورؤيتك للمرأة ودورها المجتمعي؟‬ ‫سرقت فكرة الهوية الثقافية المتحضرة‬ ‫تلك من مصر‪ ،‬وذوّبت كل أجناس العالم ‪ρ ρ‬للمرأة في المجتمع المصري والعربي‬ ‫مكانة متميزة‪ ،‬فالجميع يعترف حتى‬ ‫فــي أرضــهــا مطلقة على أرضــهــا‪ :‬أرض‬ ‫الرجال أنها ملكة البيت‪ ،‬ومن ثم ملكة‬ ‫أيضا أن مصر‬ ‫األحالم‪ ،‬ولم تكن مصادفة ً‬ ‫الحياة‪ ،‬وتقول القبائل العربية لدينا في‬ ‫كــان اسمها فــي القرنين الثامن عشر‬ ‫مثل‪ :‬إن المرأة عمود الخيمة‪.‬‬ ‫الشرقية ً‬ ‫والتاسع عشر أرض الفُرص‪ .‬في "لعنة‬ ‫تتحمل المرأة العربية أعباء ال حصر لها‪،‬‬ ‫ميت رهينة" تتصارع مكونات الهوية وال‬ ‫تتآلف‪ ،‬حتى طبقات التاريخ ال يسامح‬ ‫بعضا‪ ،‬وقد يكون هذا هو السبب‬ ‫بعضها ً‬ ‫في وجودنا في هذه اللحظة التاريخية‬ ‫المرتبكة‪.‬‬

‫‪64‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫ولقد تأخر منحها حقوقها في الحرية‬ ‫والكتابة والعمل والمساواة‪ ،‬ومع ذلك فهي‬ ‫صابرة وتتحمل المزيد وتواصل إنجاز‬ ‫الكثير ألوطانها‪ .‬في "رحلة الضباع" تأريخ‬ ‫أيضا‬ ‫ً‬ ‫لمسيرة المرأة العربية‪ ،‬وللرجل‬ ‫الذي يقف إلى جوار حقوقها ويدفعها إلى‬ ‫األمام‪.‬‬

‫صاخب في تاريخ مصر الحديث‪ ،‬هذا‬ ‫العام الذي حدثت فيه أحداثٌ جسام بعد‬ ‫‪ 25‬يناير ‪2011‬م‪ ،‬حين ضاعت هوية مصر‬ ‫وانقسمت على نفسها في الشوارع‪ ،‬وكنا‬ ‫نرى جسدها مقطع األوصال‪ ...‬وهذا هو‬ ‫ما جعل البطلة تنقسم على نفسها لنراها‬ ‫مصابة بالفصام‪ .‬باختصار أوافق النقاد‬ ‫كثيرًا حين يكتبون أنني أكتب تاريخ مصر‬ ‫سرد ّيًا‪ ،‬ومصر مؤنثة وربما لذلك كانت‬ ‫أيضا‪.‬‬ ‫بطالتي نساء وهنَّ جميالت ً‬

‫ ¦ ف ــي رواي ـ ـ ــة‪" :‬بـ ـي ــاض س ــاخ ــن" تـطــرحـيــن‬ ‫قضية شــائـكــة‪ ،‬وج ــاءت ال ـمــرأة فيها ذات ـ ًا‬ ‫فاعلة وليست موضوعً ا‪ ،‬كيف ترين عوالم‬ ‫ه ــذه ال ــرواي ــة والـقـضــايــا الـتــي تفجرها؟ ¦ كيف ترين مستقبل الـمــرأة العربية في‬ ‫ب ـطــا ُتــك دائ ــمً ــا م ــن ال ـن ـس ــاء‪ ،‬ف ـهــل هــذا‬ ‫الكتابة وفي الحياة العامة والمجتمعية؟‬ ‫انحياز للمرأة على حساب الرجل؟‬ ‫‪ρ ρ‬أرى مستقبلها مزدهرًا ومشرقًا‪ ،‬فتصوري‬ ‫أن المرأة التي خرجت من قمقمها منذ‬ ‫‪ρ ρ‬الــمــدهــش أن "رحــلــة الــضــبــاع" مكتوبة‬ ‫حوالي قرن من الزمان فقط ال غير‪ ،‬هي‬ ‫بالضمير األوَّل لبطل رج ــل‪ ،‬مــا عــدا‬ ‫اآلن تقف إلى جوار الرجل كتفًا بكتف‪،‬‬ ‫المخطوط الــقــديــم ال ــذي جــاء بصوت‬ ‫تكتب وتُــوضــع كتبها فــي مكتبة العالم‬ ‫الــراويــة‪ /‬وهــي بطلة مــن الــقــرن األوَّل‬ ‫الخالدة‪ ،‬وتــبــوأت كل األمــاكــن القيادية‬ ‫الهجري‪ ،‬وهكذا كل رواياتي يتقاسم فيها‬ ‫التي لم تكن متاحة لها من قبل‪ ،‬وأثبتت‬ ‫المرأة والرجل أدوار البطولة‪ ،‬بالضبط‬ ‫جدارتها‪ ،‬وقدرتها على التعلم بسرعة‪،‬‬ ‫كما في الحياة‪ .‬و"بــيــاض ساخن" تدور‬ ‫واجتيازها قرون العزلة والحصار بقفزات‬ ‫أحداثها في عــام واحــد فقط وهــو عام‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪65‬‬


‫واسعة‪ ،‬في الواقع أنا شديدة اإلعجاب بما‬ ‫حققته المرأة العربية حتى هذه اللحظة‪،‬‬ ‫وأيضا‬ ‫ً‬ ‫فظروفها كانت شديدة الصعوبة‪،‬‬ ‫أنــا شــديــدة اإلعــجــاب بشجاعة الرجل‬ ‫العربي الذي كان يعرف منذ قرن وأكثر‬ ‫أن تحريره للمرأة كنصف لمجتمعه هو‬ ‫في الحقيقة تحرير لوطنه كله‪ ،‬ونقله إلى‬ ‫مرتبة أعلى‪ ،‬فلوال جهود هؤالء الرجال‬ ‫المستنيرين ابتداء من قاسم أمين وحتى‬ ‫آخر كاتب عمود صحفي يدافع فيه عن‬ ‫نهضة مجتمعه بنهضة نسائه لما حصلت‬ ‫المرأة على نصف الحقوق التي حصلت‬ ‫عليها‪ .‬وفي اآلونــة األخيرة‪ ،‬أنا شديدة‬ ‫اإلعــجــاب مــثـ ًـا بالمتغيرات التقدمية‬ ‫الهائلة التي جــاءت لصالح الــمــرأة في‬ ‫المملكة العربية السعودية‪.‬‬ ‫ ¦ مــا المعايير الـتــي تعتمدين عليها في‬ ‫اختيار الكتاب الصالح للنشر في الهيئة‬ ‫ ¦ كنت مسؤولة عن تأسيس ورئاسة تحرير‬ ‫المصرية العامة للكتاب؟‬ ‫وقدمت‬ ‫ِ‬ ‫سلسلة "الجوائز" لفترة طويلة‪،‬‬ ‫بدعم فكرها وأدبها وتقديمه إلى اآلخر‪،‬‬ ‫لــكــي يحتل مــكــانــة فــي خــريــطــة األدب‬ ‫العالمي‪ .‬يجب أن يتعاون في هذا الملف‬ ‫الملحقيات الثقافية العربية‪ ،‬والسفارات‬ ‫ووزارات الثقافة ومؤسسات الترجمة‬ ‫ووزارات الخارجية‪ .‬ربما من أنجح ما تم‬ ‫مؤخرًا في هذا الصدد هو ما أسهمت‬ ‫في إنجازه جامعة الدول العربية برعاية‬ ‫بروتوكول تعاون بين الجانب الصيني وبين‬ ‫الهيئة المصرية العامة للكتاب وقد قمنا‬ ‫بتنفيذه‪ ،‬إذ تم ترجمة أكثر من عشرين‬ ‫عنوانا مــن اللغة الصينية وإليها‪ ،‬وتم‬ ‫اختيار عناوين الكتب العربية من األقطار‬ ‫العربية كافة‪ ،‬وكنت في أوج سعادتي ألنني‬ ‫جزء من هذا المشروع‪.‬‬

‫فيها مشروعا مهمً ا‪ ،‬كيف تقيمين مشروع‬ ‫الترجمة العربية؟ وكيف يمكن أن نصل‬ ‫باإلبداع العربي للقارئ الغربي؟‬

‫‪66‬‬

‫‪ρ ρ‬لدى الهيئة لجنة فحص علمية في شتى‬ ‫الــمــجــاالت‪ ،‬يتم االستعانة بها لتحكيم‬ ‫األعــمــال الــصــالــحــة للنشر‪ ،‬وم ــن أهــم‬ ‫معايير النشر الجودة والجدّة في التأليف‬ ‫اإلبداعي أو الفكري‪ ،‬وتحقيق توازن على‬ ‫صعيد الــمــجــاالت الفكرية والسياسية‬ ‫واإلبداعية والعلمية والتاريخية‪ ،‬وكذلك‬ ‫على تحقيق تــوازن بين النشر للشباب‬ ‫والرواد‪ ،‬لبناء جسر تواصل بين الحاضر‬ ‫والماضي‪ ،‬وليعرف القراء الشباب تاريخ‬ ‫أوطانهم من إعــادة طبع أعمدة المكتبة‬ ‫العربية الكبرى‪ ،‬وألن الهيئة هي الناشر‬ ‫فأيضا يتم نشر تاريخ‬ ‫ً‬ ‫الرسمي للدولة‪،‬‬ ‫انتصارات األمة ومناسباتها القومية‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬في الواقع ترجمة الفكر واألدب العربي‬ ‫ملف شائكٌ جــ ّدًا‪ ،‬حيث يضمن نجاحه‬ ‫ٌ‬ ‫جهات متعددة عليها االهتمام به ودعمه‬ ‫أدب ّيًا وماليًا دعمًا غير مسبوق‪ ،‬فأدبنا‬ ‫العربي يستحق أن ينقل إلى لغات أجنبية‬ ‫بالفعل‪ ،‬هنا علينا أن نتذكر أن القارئ‬ ‫األجــنــبــي ســيــخــتــار الــعــمــل الـ ــذي يريد‬ ‫قــراءتــه‪ ،‬ومــن ثــم فعلينا دراس ــة السوق‬ ‫العالمية‪ ،‬ثــم إســهــام الــجــهــات المعنية‬ ‫بالترجمة لدينا إلعداد قوائم يختار منها‬ ‫الناشر األجنبي ما يريد ونقدم له نحن‬ ‫الدعم المالي‪ ،‬هكذا تقوم كل دول العالم ¦ تهتم الهيئة المصرية الـعــامــة للكتاب‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρ ρ‬طوال الوقت‪ ،‬كانت الهيئة تقوم بدورها‬ ‫في نشر اإلبداع العربي من كافة األقطار‬ ‫ ¦م ــا رأيـ ــك ف ــي ال ــرواي ــة ال ـس ـعــوديــة؟ كيف‬ ‫الشقيقة؛ ولذلك فهي مركز ثقافي‪ ،‬في‬ ‫تقيمينها مقارنة بالرواية في مصر وبقية‬ ‫الماضي قدمت الشاعر الكبير محمود‬ ‫األقطار العربية؟‬ ‫درويش‪ ،‬والروائي الكبير الطيب صالح‪،‬‬ ‫واآلن يتقدم ال ُكتَّاب العرب بمؤلفاتهم ‪ρ ρ‬قــرأت في اآلونــة األخــيــرة رواي ــة‪" :‬مــوتٌ‬ ‫إلى الهيئة وتقوم لجنة الفحص باختيار‬ ‫صغير" للروائي السعودي "محمد حسن‬ ‫األفــضــل لــنــشــره‪ ،‬تحقيقًا لقيام مصر‬ ‫علوان"‪ ،‬وأعجبتني كثيرًا‪ ،‬وأتابع المشهد‬ ‫بدورها اإلقليمي لنشر الثقافة العربية‪.‬‬ ‫األدبي السعودي باهتمام‪ ،‬ولعدم التورط‬ ‫أمــا المشهد األدبــي المصري فهو كما‬ ‫في ذكر أسماء دون غيرها فيقولون‪ :‬لماذا‬ ‫يسمونه اآلن‪" :‬منفج ٌر روائ ّيًا"‪ ،‬فالرواية‬ ‫ذكرت اسم ثريا العريض‪ ،‬ورجــاء العالم‬ ‫وف ـ ًقــا إلحــصــائــيــات أرقـ ــام اإليــــداع هي‬ ‫مثل‪ ،‬فسأكتفي بقول‬ ‫ورجــاء الصائغ‪ً ...‬‬ ‫األكثر إنتاجً ا إضافة إلى الشعر بالعامية‬ ‫إن المشهد األدبي السعودي بالغ الثراء‪،‬‬ ‫المصرية‪ ،‬والمشهد شديد التنوع والثراء‬ ‫وتتحاور فيه إبداع ّيًا أصواتٌ من أجيال‬ ‫إذ يتبارى الــروائــيــون من شتى األجيال‬ ‫مختلفة تحقق إنجازاتها وتتألق دون أن‬ ‫ابــتــداء مــن جيل الستينيات حتى جيل‬ ‫األلفية في تقديم المزيد من األعمال‬ ‫يحاول صوتٌ إزاحة الصوتِ اآلخر‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫بـنـشــر اإلب ـ ــداع ال ـعــربــي‪ ،‬إب ــداعً ــا ون ـق ــدً ا‪..‬‬ ‫مــا أهـمـيــة ذل ــك فــي رأي ــك كـمـســؤولــة عن‬ ‫النشر في الهيئة؟ ما رأيــك في المشهد‬ ‫اإلبداعي المصري اآلن؟‬

‫كل يــوم‪ ،‬حتى إن الصحافة الثقافية ال‬ ‫تستطيع في بعض األحيان مواكبة هذا‬ ‫الكم الهائل من اإلص ــدارات‪ ،‬وبها عدد‬ ‫كبير من األعمال الرائعة التي لم يُسلط‬ ‫عليها الضوء بعدُ‪.‬‬

‫‪67‬‬


‫الشاعر المصري أحمد محمود مبارك‬ ‫أرحب بالتَّ نوع ما دام يتَّ سم باألصالة‬ ‫ِّ‬ ‫أحمد محمود مبارك‪ ،‬شاعر مصري‪ ،‬ولد بمحافظة البحيرة عام ‪1947‬م‪ ،‬تلقى‬ ‫تعليمه باإلسكندرية وتخرج في كلية الحقوق عام ‪1971‬م‪ ،‬بدأ الكتابة األدبية شعرً ا‬ ‫وقصة قصيرة وهو في مرحلة الدراسة الثانوية‪ ،‬نشر بعض نتاجه األدبي وهو في‬ ‫هذه السن‪ ،‬ثم شارك في المهرجانات الثقافية والشعرية بكليتي الحقوق واآلداب‬ ‫منذ مرحلة دراسته الجامعية‪ ،‬تعرف على كبار الشعراء واألدباء في اإلسكندرية‪،‬‬ ‫وتتلمذ على عدد كبير من رواد األدب بها خاصة الشعراء عبدالمنعم األنصاري‪،‬‬ ‫وعبد العليم القباني‪ ،‬وأحمد السمرة‪ ،‬والناقد د‪.‬محمد مصطفى هدارة‪ ،‬والشاعر‬ ‫والعالم اللغوي محمد المرسي برهام‪.‬‬ ‫بدأ نتاجه األدبي والفكري ينشر بغزارة منذ الثمانينيات بالعديد من المنتديات‬ ‫والمهرجانات الشعرية واألدبية‪ ،‬وكثير من الدوريات والمجالت األدبية المعروفة‬ ‫على مستوى الوطن العربي في مصر‪ ،‬السعودية‪ ،‬الكويت‪ ،‬اإلمارات‪ ،‬قطر‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫المغرب‪ ،‬والعراق‪.‬‬ ‫هو عضو اتحاد كتاب مصر‪ ،‬وكــان عضوً ا بمجلس إدارة هيئة الفنون واآلداب‬ ‫وال ـع ـلــوم االجـتـمــاعـيــة بــاإلس ـك ـنــدريــة‪ ،‬وان ـت ـخــب رئ ـيـ ًـســا ل ـن ــادي األدب الـمــركــزي‬ ‫باإلسكندرية لدورة ‪2011/2010‬م‪ ،‬وأسهم في تحرير عدد من المجالت الثقافية‬ ‫مثل مجلة "فاروس" ومجلة "الثغر" و"أصداف سكندرية"‪ ،‬ومؤلف معتمد باتحاد‬ ‫اإلذاع ــة والتليفزيون الـمـصــري‪ ،‬ولــه الـعــديــد مــن األغـنـيــات والـقـصــائــد المغناة‬ ‫والمصاحبة لبعض البرامج‪ ،‬إضافة إلى القصص المعتمدة كأعمال درامية‪.‬‬

‫‪68‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫حصل على العديد من الجوائز منها‪ :‬الجائزة األولــى في القصة القصيرة‬ ‫من المجلس األعلى للثقافة ‪1983‬م‪ ،‬والجائزة الثانية في الشعر من المجلس‬ ‫األعلى للثقافة مسابقة الشعراء الشباب ‪1984‬م‪ ،‬والجائزة األولى في الشعر من‬ ‫نادي القصيم بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬والجائزة األولى في القصة القصيرة‬ ‫في المسابقة األدبية األولى لرابطة األدب اإلسالمي العالمية‪ .‬وكتب عن إبداعه‬ ‫الشعري واألدبي عدد كبير من النقاد والباحثين منهم‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫صدر له عدة مجموعات شعرية منها‪ :‬في انتظار الشمس ‪1991‬م‪ ،‬ومضة على‬ ‫جبين الجواد ‪1997‬م‪ ،‬أوراق قديمة وأوراق جديدة ‪1998‬م‪ ،‬نبضات وألــوان ‪2000‬م‪،‬‬ ‫مهر الفجر المأمول ‪2005‬م‪ ،‬حديث جديد للنابغة الذبياني ‪2010‬م‪ ،‬ومؤخرً ا في‬ ‫ظالل الرضا‪ ،‬وصباح جديد‪.‬‬

‫■ حاوره‪ :‬أحمد الالوندى‬

‫ ¦ما تــزال تحافظ على النمط القديم في‬ ‫أغلبية نصوصك؟‬

‫مدى سنوات متباعدة‪ ،‬وجمعتها أعمالي‬ ‫الشعرية الكاملة التي صدرت عن الهيئة‬ ‫العامة لقصور الثقافة‪ ،‬وشعري يجمع‬ ‫بين الشكل البيتي والمقطعي والتفعيلي‪،‬‬ ‫وفقًا لطبيعة التجربة الشعرية‪ ،‬حتى في‬ ‫دواويني الخمسة ‪ -‬التي لم تصدر بعد ‪-‬‬ ‫تجد فيها هذه السمة‪ ،‬وأنا من الشعراء‬ ‫الذين يعنيهم المحتوى والبنية الشعرية‬ ‫واللغوية المموسقة ما دامت متآزرة مع‬ ‫طبيعة التجربة‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬أنا أتــرك الدفقة الشعرية تختار شكلها‬ ‫دون اخــتــيــار مــســبــق مــنــي‪ ،‬فـ ــإذا كانت‬ ‫طبيعة الــبــوح الــشــعــري غــنــائــيــة‪ ،‬فإنها‬ ‫تختار نسقًا مموسقًا وفق الشكل البيتي‬ ‫أو الشطري الــذي يطلق الكثيرون عليه‬ ‫الشكل العمودي‪ ،‬على الرغم من أن مفهوم‬ ‫الشعر الــعــمــودي ينطوي على عناصر‬ ‫أخــرى معروفة حددها النقاد القدامى؛‬ ‫وإذا كانت التجربة الشعرية وطبيعة البوح ¦لكن أال ترى أن تغيرات الحياة تحتاج إلى‬ ‫نمط آخر؟‬ ‫تتجاوز الغنائية إلى المنحى الدرامي بقدر‬ ‫ما‪ ،‬فإن التعبير الشعري يتحول موسيق ّيًا ‪ρ ρ‬سأبدأ إجابتي بعدة أسئلة أولها كم عدد‬ ‫إلى النسق المقطعي أو التفعيلي‪ ،‬أو يزاوج‬ ‫األشكال أو األنماط الشعرية التي كتب‬ ‫أيضا دون تعمد مني‪.‬‬ ‫بينهما ً‬ ‫عليها شعرنا العربي منذ العصر الجاهلي‬ ‫حتى اآلن؟ إنها ثالثة أنماط أو أنساق ‪-‬‬ ‫إنني منذ صدور ديواني األول إلى ديواني‬ ‫الشكل البيتي الذي يطلقون عليه الشكل‬ ‫التاسع‪ ..‬وقد صدرت هذه الدواوين على‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪69‬‬


‫‪70‬‬

‫العمودي سواء كان تا ّمًا أو مقطع ّيًا‪ ،‬والشكل‬ ‫التفعيلي وهو غير بعيد عن الشكل البيتي‬ ‫ومشتق منه‪ ،‬وإن كان يعتمد على تفعيالت‬ ‫البحور الصافية‪ ،‬وفقًا لنسق بنائي آخر‪،‬‬ ‫بحيث إنك تستطيع كتابة قصيدة عمودية‬ ‫وفق هذا النسق بتوزيع البيت الواحد على‬ ‫عــدة سطور‪ ،‬فيحسبه الذين ال يعرفون‬ ‫شعرًا تفعيل ّيًا‪ ،‬ثم النسق األخير الذي أخذ‬ ‫بصدد شعر من عدمه وتجربة شعرية‬ ‫مصطلح قصيدة النثر‪ ..‬وهو ليس جديدًا‬ ‫جــاذبــة ومــؤثــرة‪ ،‬ولــيــس بــصــدد نظم أو‬ ‫تمامًا على أدبنا العربي‪ ،‬فهو موجود في‬ ‫افتعال أو محاولة تهومية خائنة ومفتعلة‬ ‫أدب القدماء النثري‪ ،‬وفــي أوراق الــورد‬ ‫تزعم الحداثة ومواكبة العصر‪.‬‬ ‫للرافعي‪ ،‬وكتابات مي زيــادة على سبيل‬ ‫المثال‪ ..‬فهل التغيرات المتالحقة للحياة ¦ك ـث ـيــرون ي ـقــولــون إن ال ـح ــداث ــة أن تكتب‬ ‫والتطور العلمي السريع والمخترعات‬ ‫قصيدة نثر‪ ،‬وأنت ترى أنها دمرت القالب‬ ‫التكنولوجية أدت إلى كتابة الشعر على‬ ‫القديم‪ .‬حدثنا عن رؤيتك لهذا اإلشكال؟‬ ‫ألف نسق أو نمط؟‬ ‫هم أحرار فيما يقولون‪ ..‬أما رأيي فإنه‬ ‫إن يقيني أنك تستطيع أن تعبر عن قضايا‬ ‫يتمثل في أن مواكبة الحياة والتفاعل مع‬ ‫العصر بنسق أو نمط إبداعي واحد أو‬ ‫القضايا المعاصرة ال يرتبط بشكل معين‪،‬‬ ‫فقد تتحقق مواكبة العصر في قصيدة‬ ‫نمطين‪ ،‬بحيث يكون المعول عليه هو أننا‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫أما عن أنني قلت إن قصيدة النثر قد‬ ‫دمرت القالب القديم فهذا غير صحيح‬ ‫على اإلط ــاق‪ ،‬فلسنا أمــام مستجدات‬ ‫علمية وتكنولوجية تطيح بما سبقها‪،‬‬ ‫فلم تزل أشعار المتنبي وشوقي وحافظ‬ ‫وم ــح ــم ــود حــســن إســمــاعــيــل وصـــاح‬ ‫عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي‬ ‫وفــــاروق شــوشــة ومــحــمــد إبــراهــيــم أبــو‬ ‫سنة وغيرها تتردد وتنتشر‪ ،‬وتستوعبها‬ ‫الذاكرة والذائقة لدى المبدعين وغير‬ ‫ ¦مــا ال ــذي يميز تـجــربـتــك عــن غـيــرك من‬ ‫المبدعين من المثقفين ومحبي األدب‪.‬‬ ‫أب ـن ــاء ج ـي ـلــك؟ ومـ ــن مـنـهــم األقـ ـ ــرب إلــى‬ ‫ ¦لماذا تكره النقاد؟‬ ‫خطك واتجاهك؟‬ ‫‪ρ ρ‬أنا ال أكره أحدًا من أصحاب القلم‪ ،‬سواء‬ ‫‪ρ ρ‬دعني أقــول لــك‪ :‬إنني أكتب عن حياتي‬ ‫كانوا مبدعين أم نقادًا أم باحثين‪ ،‬كما أن‬ ‫ورؤاي وأفكاري وسمات بيئتي وأحــداث‬ ‫المزيفين من الكتاب ال أكرههم‪ ،‬والمعيار‬ ‫وطني وتأثيرها على وجــدانــي‪ ،‬وأسعى‬ ‫عندي هو اإلجادة والثقافة الفعلية وعدم‬ ‫إلى الخصوصية في التعبير وعدم تقليد‬ ‫المجاملة الفجة‪ ،‬وعــدم التحيّز الفكري‬ ‫تجارب اآلخرين‪ ،‬وأرحــب بالتنوع ما دام‬ ‫واإليديولوجي‪ ،‬وثمة يقين لدي بأن أكثر‬ ‫يتسم بــاألصــالــة‪ ،‬كــذا أرحــب بالتجديد‬ ‫النقاد تميزًا هم المتميزون إبداع ّيًا في‬ ‫البصير الذي ال يطمس الهوية ويحرص‬ ‫الجنس األدب ــي الــذي يتناولونه بالنقد‬ ‫على التواصل مع المتلقي‪ ،‬وأعتقد أن‬ ‫والدراسة‪.‬‬ ‫هذه سمة من سمات إبداعي وإبداع عدد‬ ‫إن الذي ال يستطيع كتابة قصيدة جيدة‬ ‫ال يكون قــادرًا على التميز في الكتابات‬ ‫النقدية عن الشعر‪ ،‬وهذا القول ينطبق‬ ‫على كل مجاالت اإلبداع األدبي والفني‪.‬‬

‫غير قليل من أصدقائي الشعراء من أبناء‬ ‫جيلي الذين قرأت لهم بإمعان واستمتاع‬ ‫وبهجة‪ ،‬وال أفضل ذكر أسمائهم حتى ال‬ ‫أنسى منهم أحدا‪.‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫عمودية وقصيدة تفعيلة وشكل نثري‪ ،‬هذا‬ ‫إلى جانب يقيني أن الذين يقولون ذلك ال‬ ‫يعرفون المفهوم السليم للحداثة‪ ،‬وعدد‬ ‫غير قليل منهم ال يستطيع كتابة قصيدة‬ ‫موزونة‪ ،‬وال يستطيع التمييز بين التعبير‬ ‫الموزون المموسق وغير المموسق‪.‬‬

‫‪71‬‬


‫ ¦وماذا عن الشعر في اإلسكندرية؟‬ ‫‪ρ ρ‬الشعر بخير في اإلسكندرية‪ ،‬وأفضل مما‬ ‫أراه في محافظات أخــرى‪ ،‬ولن أتحدث‬ ‫عن إنجازات المجيلين لي فهي معروفة‬ ‫من خالل ما ينشر لهم على مدى سنوات‬ ‫م ــدي ــدة‪ ،‬وهــنــاك أســمــاء كــثــيــرة ظهرت‬ ‫وأبدعت وأجادت تنتمي إلى عقود زمنية‬ ‫مختلفة مثل‪ :‬كمال علي مهدي‪ ،‬ورضا‬ ‫فــوزي‪ ،‬وجيهان بــركــات‪ ،‬وشيماء حسن‪،‬‬ ‫وعالء شكر‪ ،‬وطارق محمود‪ ،‬ورشا زقيزق‪.‬‬

‫الراحل فاروق شوشة في كتابه «أصوات‬ ‫شعرية مقتحمة» حين قال‪« :‬البد أن نتوقع‬ ‫أن نجد في شعر أحمد محمود مبارك ما‬ ‫نجده عادة في شعر شعراء اإلسكندرية‬ ‫من افتتان وولع بمدينتهم الجميلة وعشق‬ ‫يقترب من الــذوبــان والحلول الصوفي‪،‬‬ ‫ا‬ ‫صـــورًا ومــعــالــم وأجـ ــواء ومــامــح ورمــ ً‬ ‫وبــح ـرًا وشطآنا وروائـــح وفــنــارًا وسفنًا‬ ‫وبحارة وصيادين في المستوى المنظور‬ ‫والملموس»‪.‬‬

‫ ¦م ـفــردة الـبـحــر قليلة فــي قـصــائــدك على ¦إل ــى أي م ــدى يـحـضــر ال ـهــمُّ الــوطـنــي في‬ ‫كتاباتك؟‬ ‫الرغم من قربه منك؟‬ ‫‪ρ ρ‬الهم الوطني والعربي ال يمثل فحسب‬ ‫محورًا مه ّمًا وفسيحً ا فيما كتبته‪ ،‬وإنما‬ ‫خاصا‬ ‫ًّ‬ ‫يعد هذا الهم الواقعي العام ه ّمًا‬ ‫لي‪ ،‬وتلك سمة مهمة ج ّدًا في شعري‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬مفردة البحر كثيرة في قصائدي بدون‬ ‫افتعال‪ ،‬وال تعمد مني‪ ،‬وتلعب اإلسكندرية‬ ‫ببحرها وأجوائها دورًا مؤثرًا في طرحي‬ ‫الشعري من حيث موضوع البوح وتشكيل‬ ‫الصور الشعرية‪ ،‬وقد ذكر ذلك الشاعر ¦هل للتكنولوجيا الــدور األكبر في ابتعاد‬ ‫الناس عن القراءة؟‬ ‫‪ρ ρ‬هذا أمر مؤكد‪ ،‬لكنه ال يعد سببًا وحيدًا‬ ‫البتعاد الناس عن القراءة‪ ،‬فثمة أسباب‬ ‫أخــرى ترجع إلــى الــظــروف االقتصادية‬ ‫الــتــي تجعل لرغيف الخبز ومتطلبات‬ ‫الحياة األخــرى أولوية عن الكتاب‪ ،‬إلى‬ ‫جانب انحسار اهتمام أكثر الدول العربية‬ ‫عن دعم الثقافة‪.‬‬ ‫ ¦هل حققت طموحاتك كشاعر؟‬

‫‪72‬‬

‫‪ρ ρ‬أنا أحب الشعر‪ ،‬وأعيش معه وأصادقه‪،‬‬ ‫قارئًا وشاعرًا بصرف النظر عن النتيجة‪،‬‬ ‫وال يؤلمني أال أنــال تــقــديـرًا‪ ..‬فأنا أثق‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫ ¦ما تقييمك للمشهد الشعري في المملكة‬ ‫ال ـعــرب ـيــة ال ـس ـعــوديــة وك ـيــف ت ــرى مــراحــل‬ ‫تطوره؟‬ ‫‪ρ ρ‬هــذا الــســؤال يحتاج إلــى بحث طويل‪،‬‬ ‫لكن على أيــة حــال‪ ..‬فــإن اطالعي على‬ ‫المشهد الشعري السعودي بدأ منذ أول‬ ‫الثمانينيات‪ ،‬حين كنت أنشر شعري في‬ ‫مصر والسعودية والكويت‪ ،‬وفي السعودية‬ ‫على وجه التحديد عرفت أسماء عديدة‬ ‫مــن جيل ال ــرواد وجيل الــوســط والجيل‬ ‫السبعيني والثمانيني‪ ،‬ولــم تــزل صلتي‬ ‫بالشعر السعودي قائمة من خالل قراءاتي‬ ‫لما ينشر في بعض المجالت وما أقتنيه‬ ‫من مجموعات شعرية‪ .‬لقد قرأت لشعراء‬ ‫عديدين من جيل الــرواد وأعجبت بهم‪،‬‬ ‫خصوصا الذين لم يخرجوا عن ضوابط‬ ‫ً‬ ‫وشـ ــروط الــشــعــر الــشــطــري (الــعــمــودي)‬

‫ليس ثمة شك في أن األجيال التي جاءت‬ ‫بعدهم قد تأثرت بإبداعهم‪ ..‬غير أنها‬ ‫تفاعلت مــع الــتــحــديــث الشكلي الــذي‬ ‫طــرأ على القصيدة العربية فــي مصر‬ ‫والعراق والشام من ناحية الخروج على‬ ‫النسق الموسيقي المتوارث والكتابة على‬ ‫النسق التفعيلي‪ ،‬باإلضافة إلى الجنوح‬ ‫نــحــو نــمــط تــصــويــري جــديــد يكثر فيه‬ ‫الترميز والتصوير الفني المركب‪ ،‬غير أن‬ ‫الكثيرين منهم لم يهجروا الشعر البيتي‬ ‫أو الشطري أو العمودي‪ ،‬وإنما جمعوا‬ ‫بينه وبين الشعر التفعيلي‪ ،‬وهم مواكبون‬ ‫زمنيا لجيل الستينيات في مصر والعراق‬ ‫والجيل السابق عليهم بسنوات قليلة‪.‬‬ ‫لــقــد أعــجــبــت كــثــي ـرًا بــشــعــر د‪ .‬غــازي‬ ‫القصيبي وحسن القرشي‪ ،‬ووجدت في‬ ‫طرحهما الشعري تجديدًا أصيال محمودًا‬ ‫غير منبت عن جذور شعرنا العربي وإنما‬ ‫يضيف إليه‪ ،‬كما أتيحت لي الفرصة في‬ ‫مطلع التسعينيات أن أقــرأ لشعراء لم‬ ‫أكن قد قرأت لهم من قبل‪ ،‬بعضهم كان‬ ‫يأتي إلى مصر ويشارك في الفعاليات‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواج ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـهـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات‬

‫بنفسي وبأهمية وتميز ما أكتبه بغير غرور‬ ‫وال نرجسية‪ ،‬وحين أنظر إلــى الساحة‬ ‫الشعرية المصرية والعربية أجد اسمي‬ ‫بــارزًا بين مبدعيها‪ ،‬وأرى إبداعي محل‬ ‫تقدير من مثقفيها وأدبائها وهذا يكفيني‪.‬‬

‫وأذكــر منهم الشعراء‪ :‬حسين سرحان‪،‬‬ ‫محمد حسن فقي‪ ،‬محمود عارف‪ ،‬طاهر‬ ‫زمخشري‪ ،‬عبداهلل بن خميس‪ ،‬عبدالعزيز‬ ‫الرفاعي‪ ،‬أحمد العطار‪ ،‬وعبد اهلل بلخير‪،‬‬ ‫هؤالء يتسم شعرهم بالنهج البنائي الذي‬ ‫لم يخرج عن نطاق الموروث كثيرًا ويجمع‬ ‫بين المنطلقات الذاتية والقضايا العربية‬ ‫العامة والتفاعل االجتماعي‪.‬‬

‫‪73‬‬


‫فــي إط ــار الشعر الــعــمــودي وك ــان شابا‬ ‫وقتذاك هو الشاعر عيسى جرابا الذي‬ ‫أعجبني طرحه الشعري‪ ،‬وقد فاز منذ‬ ‫سنوات طويلة بجائزة عكاظ‪ ،‬كما أنني‬ ‫قرأت لعدد من الشاعرات بعض قصائد‬ ‫تفعيلية ونثرية منهن‪ :‬خديجة العمري‪،‬‬ ‫عزة فؤاد شاكر‪ ،‬فوزية أبو خالد‪.‬‬ ‫الثقافية فــي الــقــاهــرة واإلســكــنــدريــة‪،‬‬ ‫منهم‪ :‬مصطفى زقــزوق‪ ،‬إبراهيم فودة‪،‬‬ ‫علي أبــو العال‪ ،‬وعبد اهلل باشراحيل‪،‬‬ ‫هؤالء آثروا الكتابة على النسق العمودي‪،‬‬ ‫وأكثر طرحهم الشعري ينطلق من شعور‬ ‫وطني وديني ووجداني ذاتي‪ ،‬وهم شعراء‬ ‫مجيدون في هذا المنحى‪ ،‬ثم جذبني بعد‬ ‫ذلك فاروق بنجر‪ ..‬وما أزال أتابع نتاجه‬ ‫بشغف منذ أن قرأت له قصيدة ملحمية‬ ‫طويلة اسمها «المشكاة»‪ ،‬كانت قد نشرت‬ ‫بجريدة الندوة‪ ،‬وقد استوقفتني نماذج‬ ‫شعرية متميزة مثل إبــراهــيــم مفتاح‪،‬‬ ‫عــبــدالــمــحــســن الــحــلــيــت‪ ،‬أحــمــد سالم‬ ‫باعطب‪ ،‬عبدالرحمن العشماوي‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫ـضــا أتيح لــي االط ــاع على كثير من‬ ‫أيـ ً‬ ‫النماذج التي تتسم بالتجديد المحمود‬ ‫والمضيف بوعي لحركة الشعر السعودي‬ ‫والعربي من بينهم‪ :‬محمد الثبيتي‪ ،‬محمد‬ ‫العمري‪ ،‬أحمد قران الزهراني‪ ،‬إنني أذكر‬ ‫لك حينما شرفت بالمشاركة في األمسية‬ ‫الشعرية األول ــى لمهرجان الجنادرية‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬تعرفت على شاعر مجيد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫أخــتــم حــديــثــي ه ــذا فــأقــول‪ :‬إن حركة‬ ‫الشعر في المملكة العربية السعودية‬ ‫وفــي الجزيرة العربية ال تختلف كثيرًا‬ ‫عن غيرها من البالد العربية األخــرى‪،‬‬ ‫من حيث تنوع أطــر اإلبــداع ومضامينه‬ ‫وتشكيله الفني‪ ،‬فهي تجمع بين الشكل‬ ‫البيتي الموروث والشكل التفعيلي وبين‬ ‫قصيدة النثر ‪ -‬خــاصــة لــدى الشباب‬ ‫ وال ضير في هــذا التنوع بالطبع ما‬‫دام ال يطمس هويتنا ويــواكــب حركات‬ ‫التجديد بوعي مبرأ من التغريب‪ ،‬وتلك‬ ‫هي السمات العامة في الشعر السعودي‬ ‫والــعــربــي كــذلــك‪ ،‬وال شــك أن الــتــاريــخ‬ ‫سوف يبقي على الجيد ويطيح بالضعيف‬ ‫والمفتعل‪.‬‬


‫غيم يبحث عن أرضه‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الشاعرة فوزية أبو خالد‬ ‫وأن ــت تتنقل متأم ًال بين الحياة الـصـحــراويــة الجافة وبـيــن كلمات الشاعرة‬ ‫النديّة المتغيبة عن حياتنا الممتلئة بالحب والغيوم‪ ،‬الشاعرة التي جاءت من‬ ‫زمن الفروسية‪ ،‬فوزية أبو خالد؛ تجد نفسك بال دليل في هذه الصحراء‪..‬‬ ‫فــأن يكون الشعر منزوع األط ــراف في الحب والحياة‪ ،‬حيث ارتـكــاب االرتباك‬ ‫المشظاة‪ ،‬حين‬ ‫ّ‬ ‫في رثائه لذات الوجود ولذاته بكونها جزء ًا منه‪ ،‬فالحرف‪ ،‬المرآة‬ ‫صاف‪ ،‬بال شوائب‬ ‫يتمرأى وجهه على أشكال متعددة‪ ،‬أقرب إلى صورة في ماء عذب ٍ‬ ‫وال منغصات‪ ،‬فال يقين في وجوده‪ ،‬وأنت تقرأ شعر تلك الفارسة‪ ،‬تسأل نفسك‪:‬‬ ‫أي نجم يمكن أن تمتطيه لتركب فضاء الحروف‪ ،‬وتبكي بدمع مختلف اللون‬ ‫ُّ‬ ‫والطعم؟!‬ ‫إنها فوزية أبو خالد‪ ..‬ممجدة الشكوك في الحب والحياة‪ ،‬وراحلة نحو هلكوت‬ ‫السؤال الكبير‪.‬‬ ‫فالوقت ال يدعو للخوف‪ ،‬إنه وقت الغروب‪ ،‬والشمس تغدو نحوه مرحة‪ ،‬وهو‬ ‫مناسب لكتابة عذبة ال تتغير؛ فالشك لديها مقرون بالسؤال المطلق عن جوهر‬ ‫األشياء في الحزن والحب والـهــروب وال ــزوال والـظــال‪ ..‬تلك المفردات هي من‬ ‫طبائع نصوصها وإطــالـهــا على ال ــذات؛ فالظل زائــل ب ــزوال الـنــور‪ ،‬يختبيء في‬ ‫معطف العتمة‪ ،‬لذلك تبحث فوزية عن ظل غائر في عتمة الليل‪ ،‬فاألسباب في‬ ‫األصل متحققة في دواخلها‪.‬‬ ‫شعرها صـمـ ٌـت! فــي زمــن ال ينفع فيه ســوى الـبــوح بالشعر وباللغة الجميلة‬ ‫المسجاة على قارب األمل‪ ..‬وهي تتقن قيادة ذلك القارب‪..‬‬ ‫ّ‬ ‫وحدك غيمة ستمطرنا حبا‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪75‬‬


‫الشاعرة الدكتورة فوزية أبو خالد‬ ‫هناك عدد من العواصم العربية شهدت حالة من االنتعاش الثقافي‬ ‫لدرجة أن منها من سمي بمدينة األنوار أو بحاضرة الثقافة كالقاهرة‬ ‫وبيروت وبغداد والكويت‪!..‬‬ ‫أكتب الشعر بالريشة‪ ،‬وأكتب المقال بالقلم‪ ،‬وأكتب البحث بالمحراث‬ ‫والمنجل‪ ،‬وأكتبهم جميعا بعرقي ودمي وماء عيوني‪!..‬‬ ‫أعطيت العمل األكاديمي كل ما أملك من عشق معرفي والتزام ضميري‬ ‫وتفكير نقدي ودقة منهجية وشغف علمي ومهني ووطني‪.‬‬ ‫الكتابة بكافة أشكالها عشق ومن أهم شروط العشق اإلخالص والخيانة معا‪!..‬‬ ‫الشباب السعودي بمختلف أطيافه متحمس لرؤية ‪ 2030‬وألمير هذه‬ ‫الرؤية األمير محمد بن سلمان‪.‬‬

‫مــن األسـمــاء الـتــي تقودنا إلــى عــوالــم الشعر فــي سبعينيات الـقــرن الماضي‪،‬‬ ‫الفترة التي تشكلت فيها الحداثة الشعرية‪ ،‬الدكتورة الشاعرة فوزية عبداهلل أبو‬ ‫خالد‪ ،‬التي أهدت المكتبة الوطنية والعربية عددا من المجموعات الشعرية‪ ،‬كما‬ ‫أثرت المكتبة العربية والعالمية بالكثير من الكتب التعليمية وفي أدب الطفل‬ ‫والدراسات والبحوث المتخصصة‪ ،‬والتي كان لها األثر الالئق لتوثيق مشوارها‬ ‫بتكريمها من قبل (‪ )20‬شاعر ًا في الــدورة الثانية لمهرجان الشعر الــذي ترعاه‬ ‫جمعية الثقافة والفنون بالدمام‪ ،‬وكما تم تكريمها على المستوى العربي في‬ ‫الملتقى األول لقصيدة النثر بالقاهرة‪ ،‬هــذه األسـطــر هــي بمثابة بــوابــة دخــول‬ ‫لحوارنا مع شاعرتنا المتميزة بحضورها وبوحها‪.‬‬ ‫■ حاورها‪ :‬عمر بوقاسم‬

‫‪76‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫ ¦هناك تصنيف يقيّم الساحات الثقافية‬ ‫مـ ــن ب ـل ــد إل ـ ــى آخـ ـ ــر؛ ف ـم ـثــا هـ ـن ــاك مــن‬ ‫يصنفون ســاحــاتـهــم بــأنـهــا األك ـثــر تألقا‬ ‫وجـ ــديـ ــة‪ .‬ك ـي ــف ت ـق ـي ـم ـيــن أن ـ ــت ال ـســاحــة‬ ‫الثقافية السعودية؟‬ ‫‪ρ ρ‬ك ــان هــنــاك مــقــايــيــس تميز الــســاحــات‬ ‫الثقافية من مجتمع آلخــر عبر مراحل‬ ‫الــتــاريــخ الــحــديــث إل ــى لحظة مــا قبل‬ ‫لحظة الثورة اإللكترونية الراهنة‪ .‬من‬ ‫تلك المقاييس كان‪ :‬سقف الحرية‪ ،‬تعدد‬ ‫األطروحات الفكرية‪ ،‬تنوع الم ّد الثقافي‬ ‫على مستوى الفكر والحوار‪ ،‬الصيحات‬ ‫الجديدة في اإلنتاج األدبي شعرا ونثرا‪،‬‬ ‫تــعــدد الــمــؤســســات الــثــقــافــيــة األهــلــيــة‬ ‫والنقابية‪ ،‬تعدد الفعاليات‪ ..‬أمسيات‬ ‫شعرية‪ ،‬قراءات أدبية‪ ،‬معارض تشكيلية‪،‬‬ ‫عروض مرئية سينمائية ومسرحية‪ ،‬جرأة‬ ‫األط ــروح ــات بــل صداميتها فــي بعض‬ ‫األحيان‪ ،‬تعدد مجاالت العمل اإلبداعي‬ ‫من الشعر للرواية والنقد‪ ،‬وتعدد نوافذه‬ ‫الــورقــيــة عــنــدئــذ‪ ،‬وخــاصــة الــمــجــات‬ ‫المتخصصة في اإلبداع واألدب‪ ،‬وتعدد‬ ‫المالحق الصحفية المعنية بالثقافة‬ ‫واألدب‪ ،‬وتــعــدد دور الــنــشــر‪ ،‬ونــوافــذ‬ ‫تجمعات المثقفين العفوية كالمقاهي‬ ‫والنوادي ومواقع الصحف نفسها‪ .‬وقراءة‬ ‫الواقع تقول إنه كان هناك في التاريخ‬ ‫الحديث عدد من العواصم العربية التي‬ ‫شهدت حالة من انتعاش الحالة الثقافية‬

‫تبقى هناك مالحظة جديرة باالهتمام‬ ‫والدراسة‪ ،‬وهي أن المثقفين الجدد من‬ ‫الشباب السعودي الصغير الذين أغلبهم‬ ‫لــم يتلقّ ضربة الحداثة العاتية نهاية‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الساحات الثقافية‪!..‬‬

‫لدرجة أن منها من سمي بمدينة األنوار‬ ‫الثقافية‪ ،‬وبعضها سمي برئة الثقافة‬ ‫العربية أو بحاضرة الثقافة‪ ..‬كالقاهرة‬ ‫وبــيــروت وبــغــداد والــكــويــت فــي فترات‬ ‫تاريخية محددة لكل منها‪ ،‬خاصة من‬ ‫تلك الممتدة بين الخمسينيات إلى بداية‬ ‫الثمانينيات من القرن الماضي‪ .‬وإن لم‬ ‫تمر السعودية بأي من هذه التسميات‬ ‫فقد شهدت الساحة الثقافية مدا وجزرا‪،‬‬ ‫مــداً تــراوح بين السبعينيات ‪-‬وكــان أوج‬ ‫نهايتها‪ -‬وبداية الثمانينيات‪ ،‬وتمثل ذلك‬ ‫الــمــد فــي عــدد مــن المالحق الثقافية‬ ‫على وجه التحديد‪ ،‬ومنها ملحق المربد‬ ‫عن جريدة اليوم في المنطقة الشرقية‪،‬‬ ‫وملحق جريدة عكاظ الثقافي‪ ،‬وملحق‬ ‫مجلة اليمامة‪ ،‬وملحق جريدة الجزيرة‬ ‫وجريدة الرياض‪ ،‬تبع ذلك انكفاء موجع‬ ‫نتيجة الهجمة على الحداثة‪ .‬إال إنها ما‬ ‫لبثت أن ظهرت محاوالت إنعاش وانتعاش‬ ‫مع مطلع التسعينيات‪ ،‬وامتدت إلى مطلع‬ ‫العقد األول من األلفية‪ ،‬ومنها التجربة‬ ‫صرِ ها لمجلة النص الجديد‬ ‫الرائدة على قِ َ‬ ‫الدورية‪ .‬عدا عن استمرار وانتعاش عدد‬ ‫من المجالت الثقافية كالجوبة وسيسرا‬ ‫مــن منطقة ال ــج ــوف‪ ،‬وبــعــض مجالت‬ ‫األندية األدبية كحقول وقوافل ودارين‪.‬‬

‫‪77‬‬


‫الثمانينيات‪ ،‬ولم يتعرض لرعبها‪ ،‬كانوا‬ ‫هم من شكلوا حضورًا ثقافيًا نوعيًا عبر‬ ‫‪ρ ρ‬في الشعر‪ ..‬أعمل بمادة خطرة اسمها‬ ‫بواكير الحضور الثقافي اإللكتروني‪ ،‬كما‬ ‫شراسة الخيال‪ ،‬وفي الكتابة التحليلية‬ ‫في تجربة (جسد الثقافة) وســواه من‬ ‫مــقــاالت وبــحــوث أعــمــل بــمــادة ال تقل‬ ‫المواقع الثقافية اإللكترونية المبكرة‬ ‫خطورة اسمها شفافية الضمير‪ .‬نعم في‬ ‫آنذاك‪ .‬أما اليوم‪ ،‬وبعد عقدين من الم ّد‬ ‫غي الشعر ال أعبأ باستمالة القارئ‪ ،‬وال‬ ‫اإللــكــتــرونــي‪ ،‬وبــعــد بعض نتائجه على‬ ‫برضا النقاد‪ ،‬وفي التحليل االجتماعي‬ ‫التراجع الملحوظ في اإلنــتــاج الورقي‬ ‫ال يمكن أن يقوم العمل النقدي الملتزم‬ ‫للمالحق الثقافية‪ ،‬إذ لــم يصمد منه‬ ‫بالموضوعية على الشماتة السياسية‪ ،‬أو‬ ‫إال القليل على قلق‪ ..‬كالمجلة الثقافية‬ ‫تصفية الحسابات‪ ،‬أو مغازلة هذه أو تلك‬ ‫لصحيفة الجزيرة بإشراف د‪ .‬إبراهيم‬ ‫من السلطات‪.‬‬ ‫الــتــركــي‪ ،‬وبــعــض الــمــجــات المستقلة‬ ‫فالكتابة بكافة أشكالها عشق‪ ،‬ومن أهم‬ ‫كالجوبة نفسها‪ ،‬فإنه من الصعب في‬ ‫شروط العشق اإلخالص والخيانة معا‪.‬‬ ‫تذبذب سقف الحرية؛ وعلى الرغم من‬ ‫وفــي هــذا تتعدد متطلبات اإلخــاص‪.‬‬ ‫حضور المثقف السعودي المكثف على‬ ‫فــهــنــاك اإلخــــــاص لــلــضــمــيــر بتخير‬ ‫المنصات اإللكترونية‪ ،‬وعلى الرغم مما‬ ‫موضوعها شكال ومضمونا‪ ،‬واإلخالص‬ ‫يبدو من انفتاح ثقافي عام بالمملكة‪..‬‬ ‫للمجتمع القارئ ولو كان قارئا واحــدا‪،‬‬ ‫خــاصــة فــي مــجــال الــفــن والــغــنــاء‪ ،‬وفي‬ ‫واإلخـ ــاص لــلــذات الكاتبة على بقية‬ ‫مناشط مسك الثقافية‪ ،‬وفــي معارض‬ ‫ال ــذوات التي ال يهم الكاتب الحق من‬ ‫الــكــتــب‪ ،‬ومــركــز إثــــراء لــمــركــز الملك‬ ‫محاوالت تدخالتها أو محاوالتها للتأثير‬ ‫عبدالعزيز الثقافي‪ ،‬يمكن الــقــول بأن‬ ‫على قلمه‪ ،‬واإلخ ــاص لشغف الكتابة‬ ‫الساحة الثقافية بالمجتمع السعودي ال‬ ‫التي ال تستحق الكتابة أن تسمى كتابة‬ ‫تعاني من التشظي واالنشطار بشكل ال‬ ‫بدون إكسيره‪ ،‬واإلخالص للكتابة نفسها‬ ‫يمكن إعطاء مسمى دقيق لها حاليا‪ ،‬أو‬ ‫الــذي ال يتم بــدون اإلخــاص في ترقب‬ ‫التنبؤ معه بما آلت إليه الساحة الثقافية‪.‬‬ ‫اقترابها‪ ،‬وفي تلمس إيحاءاتها والبحث‬ ‫شراسة الخيال‪!..‬‬ ‫عن إلهامها‪ ،‬هذا إضافة إلى اإلخالص‬ ‫للكتابة لحظة الكتابة نفسها بالجهد‬ ‫ ¦كيف تجمعين بين الجموح الشعري وبين‬ ‫وبالوقت‪ .‬فال نقرب الكتابة إال ونحن‬ ‫خطابك الثقافي "التحليل الموضوعي"‪،‬‬ ‫على أهبة االستعداد للصرف المسرف‬ ‫كما تظهر في عدد من مواقفك السياسية‬ ‫العقالنية في الموقف من الصحوة ومن‬ ‫من أجمل ساعات العمر وكأنها الساعة‬ ‫العالقة بين كافة االتجاهات؟‬

‫‪78‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫األخيرة‪ ،‬على كل قطرة حبر نسكبها على‬ ‫الورق أو نقضيها أمام الشاشة‪ .‬وال نقرب‬ ‫الكتابة إال ونحن بكامل اللياقة الذهنية‬ ‫والنفسية والجسدية والروحية‪.‬‬ ‫أمــا شــرط الخيانة فــي عشق الكتابة‪،‬‬ ‫فإنه ال يقل قسوة عن شروط اإلخالص‪،‬‬ ‫فهناك شرط الخيانة في الكتابة لما سبق‬ ‫أن كتبه اآلخرون‪ ،‬وهناك شرط الخيانة‬ ‫لخيالنا السابق‪ ،‬فعشق الكتابة ال يتحمل‬ ‫أخيلة مستعملة أو مستعارة أو مسروقة‪،‬‬ ‫وهناك شرط خيانة الذاكرة في عشق‬ ‫الــكــتــابــة؛ فــا ندخلها بخيبة الهيبات‬ ‫وال بخبرات النجاح أو الفشل السابقة‬ ‫للحظة الكتابة الحاضرة‪ ،‬هناك أيضا‬ ‫شرط خيانة التكرار واالجترار والخوف‬ ‫الغريزي والمكتسب من عواقب الكتابة‪.‬‬

‫ ¦يشكل الماء ثالثة أربــاع الكرة األرضية‪،‬‬ ‫وال ـمــاء رمــز الـحـيــاة األول‪ ،‬وفــي عناوين‬ ‫مجموعاتك الشعرية يحضر الماء كرمز‬ ‫قوي‪" ،‬ماء السراب ‪1995‬م"‪" ،‬مرثية الماء‬ ‫‪2005‬م"‪" ،‬ما بين الماء وبيني ‪2016‬م"‪ ،‬هل‬ ‫هناك عالقة خاصة بين الشاعرة فوزية‬ ‫أبو خالد والماء؟‬

‫فقد أرسلت مخطوطة الديوان لهم في‬ ‫لحظة عزلة في تاريخي الشخصي‪ ،‬وفي‬ ‫وقت لم يكن فيه تواصل إلكتروني في‬ ‫التاريخ العالمي العام‪ .‬أما ديوان مرثية‬ ‫الــمــاء‪ ..‬فقد جــاء في لحظة جف فيها‬ ‫الحبر في عروقي‪ ،‬وجف فيها الحليب‬ ‫فــي المرضعات‪ ،‬وجــف فيها الــمــاء في‬ ‫الواحات‪ ،‬لحظة فقد شقيقي "محمد"‪،‬‬ ‫فكان الشعر فيه ال يمكن أن يكون إال رثاء‬ ‫للماء؛ أي للحياة نفسها‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬سؤال يصعب توجيهه لبنت الصحراء‪..‬‬ ‫طلعت من مهدها مثل لينة برية تنبت‬ ‫من تعطش الرمل لقطرة ماء‪ .‬ومع ذلك‪،‬‬ ‫فديوان ماء السراب سمّت ُه رشا األمير‬ ‫صاحبة دار الجديد ولم يكن تسميتي‪.‬‬

‫أما ديوان "ما بين الماء وبيني" من سر‬ ‫وأح ــزان وأشـ ــواق‪ ..‬فهو دي ــوان بيدائي‬ ‫بامتياز‪ ،‬ألن كل قصيدة من قصائده‪..‬‬ ‫هي عبارة عن احتفاء حنيني حميم بشكل‬ ‫من أشكال الماء‪ ،‬من الندى للشالالت‪،‬‬

‫بنت الصحراء‪!..‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪79‬‬


‫ومن العيون للينابيع‪ ،‬ومن البحر للحب‪،‬‬ ‫ومن ماء الوجه لماء الرحم‪ .‬وقد رشحت‬ ‫عمل المرأة في الزراعة‪!..‬‬ ‫للديوان عدة أسماء منها االستشفاء بماء‬ ‫الشعر‪ .‬كما جــاء فــي صفحاته األولــى ¦ف ــي كـتــابــك "كـمـيــن األم ـك ـنــة" كـتـبــت عن‬ ‫تجربتك البحثية في دراسة عمل المرأة‬ ‫ثالث آيات قرآنية‪ ..‬كل آية تتحدث عن‬ ‫ال ــزراع ــي بـجـنــوبــي الـمـمـلـكــة‪ ،‬ل ـم ــاذا لم‬ ‫شكل مختلف وحافل من أشكال الماء‪.‬‬ ‫تقومي بتحويل البحث إلــى كتاب يكون‬ ‫ويكفي الماء شرفا شعريا ووجوديا أن‬ ‫في متناول الجميع؟‬ ‫اهلل قد جعل من الماء كل شيء حي‪.‬‬ ‫خاصة في اإلبداع‪.‬‬

‫الكتابة بيد واحدة‪!..‬‬ ‫ ¦ب ـم ــاذا تكتبين ال ـش ـعــر؟ وب ـم ــاذا تكتبين‬ ‫المقال؟ وبماذا تكتبين البحوث؟‬ ‫‪ρ ρ‬أكتب الشعر بالريشة‪ ،‬وأكــتــب المقال‬ ‫بــالــقــلــم‪ ،‬وأك ــت ــب الــبــحــث بــالــمــحــراث‬ ‫والمنجل‪ ..‬وأكتبهم جميعا بعرقي ودمي‬ ‫وم ــاء عيوني على الــشــاشــة بأصابعي‬ ‫الــعــشــرة معلقة عــلــى ل ــوح الــمــفــاتــيــح‪.‬‬ ‫فالكتابة بيد واحـــدة ال تكفي لعذاب‬ ‫الكتابة وعذوبتها‪.‬‬

‫‪80‬‬

‫‪ρ ρ‬عرضت بحث (موقع المرأة في اإلنتاج‬ ‫الزراعي بمنطقة عسير)‪ ،‬وقتها على عدة‬ ‫جهات منها مكتبة الملك فهد‪ ،‬ومكتبة‬ ‫الملك عبدالعزيز‪ ،‬ومركز الملك فيصل‬ ‫لألبحاث‪ ،‬ولم أجد أحداً يقبل بمغامرة‬ ‫الــنــشــر‪ ،‬ولــم يكن حينها مــن دور نشر‬ ‫محلية مثل دار المفردات اآلن‪ ،‬كما لم‬ ‫يكن هناك مركز بحوث بالجامعة يحفل‬ ‫بمثل هذه اإلصدارات‪ .‬الحسرة أن عا ِلمًا‬ ‫إنثروبولوجيا من سويسرا عندما اطلع‬ ‫على األطروحة أكد لي خسارة أن تطوى‬ ‫تلك الحالة‪ ،‬وكأنها لم تكتب وتوثق‪ ،‬والتي‬ ‫رأى أنها حالة إنثروبولوجية بامتياز‪،‬‬ ‫خصوصا بعد قطع صفحة عمل المرأة‬ ‫بالزراعة يدا بيد مع رجال المنطقة‪ ،‬من‬ ‫التاريخ االجتماعي واالقتصادي للمجتمع‬ ‫السعودي‪ ،‬وكأنها لم تكن إال في كاميرا‬ ‫الذاكرة والحكايا المتخيلة‪.‬‬

‫كنت أول مــن أصــدر ديــوانــا شعريا كامال‬ ‫ ¦ ِ‬ ‫في قصيدة النثر‪ ،‬وأول من كتب قصيدة‬ ‫نثر طويلة واح ــدة فــي دي ــوان كــامــل‪ ،‬كما‬ ‫كنت ‪-‬على حد علمي‪ -‬من أوائــل شعراء‬ ‫ِ‬ ‫جيلك ممن أصــدر مجموعاته الشعرية‬ ‫فــي مجلد واح ــد ص ــدر عــن دار معروفة‬ ‫بإصدار المجموعات الكاملة كمجموعة‬ ‫قاسم حداد وشوقي بزيغ (مركز الدراسات ¦فــي أطــروحــة الــدك ـتــوراه بـعـنــوان (الـمــرأة‬ ‫العربي)‪ ..‬فهل لديك ولع بموقع األوائل؟‬ ‫فــي الخطاب السياسي الـسـعــودي)‪ ،‬كما‬ ‫كـتـبــت ف ــي ع ــدة م ـق ــاالت‪ ،‬قـمــت بتحليل‬ ‫‪ρ ρ‬شــرف ال أدعــيــه‪ ،‬وتهمة ال أرغ ــب في‬ ‫أن أدفعها‪ ،‬وإن كنتُ ال أؤمن بالتراتبية‬ ‫م ــرحـ ـل ــة مـ ــا قـ ـب ــل ال ـ ـص ـ ـحـ ــوة‪ ،‬وارت ـ ـبـ ــاط‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫والدتها ودالالتها بكل من حادثة الحرم‬ ‫ال ـم ـك ــي الـ ـش ــري ــف‪ ،‬ك ــامـ ـت ــداد ل ـمــواج ـهــة‬ ‫مـعــركــة الـسـبـلــة إبـ ــان تــأسـيــس المملكة‬ ‫في عهد الملك عبدالعزيز‪ ،‬ومــد الثورة‬ ‫الخمينية بإيران‪ ،‬وبالمواجهة بين روسيا ¦ال ـع ـمــل األك ــادي ـم ــي مـ ــاذا أع ـط ــاك وم ــاذا‬ ‫وأمريكا في الحرب بأفغانستان وتأثيرات‬ ‫أعطيته؟‬ ‫ذلــك على تكريس حــالــة االنـسـحــاب من‬ ‫‪ρ ρ‬أعطاني العمل األكاديمي قيمة أسميها‬ ‫الـعـصــر بــالـمـجـتـمــع ال ـس ـع ــودي‪ ،‬وتـعــزيــز‬ ‫شرف العمل‪ ،‬وشرف المقاومة‪ ،‬وشرف‬ ‫حــالــة ان ـف ـصــام الـمـجـتـمــع إل ــى مجتمع‬ ‫شيمة الصبر‪ ،‬وشرف صحبة كريمة من‬ ‫رجـ ــال ومـجـتـمــع ن ـس ــاء‪ ،‬وتـمـجـيــد حــالــة‬ ‫الزمالء والزميالت‪ ،‬وشرف التحالف مع‬ ‫األحــاديــة على مستوى سياسي وفكري‬ ‫المستقبل عبر باقات ألجيال متعددة من‬ ‫ودي ـنــي‪ ،‬وتــوظـيــف وضــع الـنـســاء كواجهة‬ ‫الطالبات مــن تــاريــخ أول محاضرة لي‬ ‫ل ـخ ـط ــاب س ـي ــاس ــي م ـح ــاف ــظ؛ إذا كــانــت‬ ‫أمامهن‪ ..‬وأنا معيدة يافعة عام ‪1401‬هـ‪.‬‬ ‫تـلــك األط ــروح ــة عـلــى تـلــك ال ــدرج ــة من‬ ‫وقد أعطيت العمل األكاديمي كل ما أملك‬ ‫االس ـت ـشــراف وال ـع ـمــق‪ ،‬ل ـمــاذا لــم تقومي‬ ‫من عشق معرفي‪ ،‬ومن التزام ضميري‪،‬‬ ‫بترجمة تلك األطروحة أو تعهدي لجهة‬ ‫ومن تفكير نقدي‪ ،‬ومن دقة منهجية‪ ،‬ومن‬ ‫معتمدة لتقوم بذلك؟‬ ‫‪ρ ρ‬ليس لدي إجابة مقنعة إال تجنب المواجهة‬ ‫بعد تجربة إبعاد طويلة عن الجامعة‪ ،‬ثم‬ ‫االنشغال الحقا‪ ،‬فبعد تخرجي وحصولي‬ ‫على الدرجة العلمية من جامعة مانشستر‬ ‫وسالفورد ببريطانيا‪ ،‬لم تُجَ ْز الرسالة‬ ‫من جامعة الملك سعود رقابيا إال بشق‬ ‫األنفس‪ ،‬وبتدخل منصف من وزير التعليم‬ ‫العالي وقتها د‪ .‬خالد العنقري ‪-‬أسعد‬ ‫اهلل أوقاته‪ -‬الذي أنقذني‪ ،‬بعد إبعادي‬ ‫عــن العمل عشر ســنــوات‪ ،‬وبــعــد تأخر‬ ‫ترقيتي كأستاذ لمدة عــام من عودتي‪،‬‬ ‫بانحيازه الموضوعي للروح األكاديمية‬ ‫على الـــروح التفتيشية الــتــي كــانــت لم‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫تنحسر بسهولة عن الجامعة بعد‪ ،‬ولم‬ ‫تكف عن محاولة اإلقصاء والتقصد حتى‬ ‫بعد التغيرات التي شهدها المجتمع مع‬ ‫العقد األول من األلفية الثالثة‪.‬‬

‫‪81‬‬


‫شغف علمي ومهني ووطني‪.‬‬ ‫ ¦"نور الهاشمي" والدتك‪ ..‬دائمة الحضور‬ ‫فــي ب ــوح فــوزيــة أب ــو خــالــد‪ ،‬هــل لـنــا ببوح‬ ‫خاص هنا وفي هذا االتجاه؟‬

‫‪82‬‬

‫والتقدير من المجتمع والــوطــن‪ .‬طبعا‬ ‫هناك جرح العملية‪ ،‬وهناك ما ال يمحى‬ ‫من آالم العالج الكيماوي واإلشعاع ورعب‬ ‫الخبر بحد ذاتــه‪ ،‬وفوبيا التحسب التي‬ ‫ال أخجل من االعتراف بمخاوفها عند‬ ‫كل منعطف صحي‪ ،‬لكن كل ذلك يهون‬ ‫مقابل ما ال يوصف وال يــوزن بميزان‪..‬‬ ‫من دفء التالحم األسري والوطني الذي‬ ‫اكتسبته من تلك التجربة‪ ..‬أسأل اهلل أن‬ ‫ال يعيدها‪.‬‬

‫‪ρ ρ‬الشريفة نور الهاشمي جللها اهلل بأجنحة‬ ‫رحمته‪ ،‬كانت إنسانة نــادرة من بصيرة‬ ‫وإلهام‪ ،‬من صالبة الصخر ومن ينابيع‬ ‫الحنان‪ ،‬سيدة عصامية شغوفة بالعلم‪،‬‬ ‫عاشقة لألدب‪ ،‬متعلق قلبها منذ طفولتها‬ ‫بالقرآن الكريم‪ ،‬وهي في كل ذلك مجبولة‬ ‫ ¦تم تكريم جمعية الثقافة والفنون فرع‬ ‫على عفاف وطيبة البسطاء‪ ،‬وعلى شهامة‬ ‫الــدمــام لتجربتك الشعرية‪ ،‬م ــاذا يعني‬ ‫وإقدام األبطال‪ ،‬وعلى سخاء وجود طائي‪،‬‬ ‫لك هذا التكريم؟‬ ‫ـان وأريحية وبــذل ينحت أسماء‬ ‫مــع تــفـ ٍ‬ ‫جديدة ممشوقة للمفردة المعتادة لكلمة ‪ρ ρ‬لــيــس ه ــن ــاك‪ ..‬ال فــي الــبــحــار وال في‬ ‫البحيرات حبر يكفي لكتابة كلمة وفاء‬ ‫العطاء‪ .‬ولك أن تعرف أنها توأم روحي‪،‬‬ ‫ألحــمــد الــمــا‪ ..‬مــاســتــرو الــحــدث‪ ،‬وال‬ ‫وتوأم حبري وحروفي منذ أن فككت على‬ ‫لعبداهلل السفر‪ ،‬وال لعبدالوهاب العريض‪،‬‬ ‫يدها الحرف وفكت على يــدي الحرف‬ ‫وال ألحمد الشايب‪ ،‬وال لمحمد إبراهيم‬ ‫إلى هذه اللحظة‪ .‬فعيونها كانت وستبقى‬ ‫الحساوي‪ ،‬وال لعلي إبراهيم‪ ،‬وال لغسان‬ ‫دائما وأبدًا أول من يقرأ ما أكتب‪ ..‬إلى‬ ‫الجشي‪ ،‬وال لــزمــان جــاســم‪ ،‬وال لسمر‬ ‫أن تنطفئ شاشتي وأغمض عيوني للمرة‬ ‫بيات‪ ،‬وال لمحمد وزهرة فرج‪ ،‬وال للفنانة‬ ‫األخيرة‪.‬‬ ‫التشكيلية يــثــرب‪ ،‬وال لجعفر جــارودي‬ ‫ ¦وماذا عن تجربتك مع السرطان؟‬ ‫وال للموسيقي محمد عبدالباقي‪ ،‬وال‬ ‫‪ρ ρ‬خرجت من التجربة بفضل اهلل‪ ..‬بآية‬ ‫لمحمد المحيا‪ ،‬وال للفنان عماد محمد‪،‬‬ ‫الحمد وبنعمة الدعاء الغزير ممن أعرف‬ ‫وال للمطرب الــشــاب فيصل العمري‪،‬‬ ‫مــن األصــدقــاء‪ ،‬والطالبات‪ ،‬والــزمــاء‪،‬‬ ‫وال لعبير زكي‪ ،‬وال لفوزية العيوني‪ ،‬وال‬ ‫واألهل‪ ،‬والجيران‪ ،‬والمعارف العابرين‪،‬‬ ‫للدكتورة فاتنة شاكر‪ ،‬والدكتوره سعاد‬ ‫وممن ال أعــرف من كل األطياف‪ ،‬وبأن‬ ‫الــمــانــع‪ ،‬والــدكــتــوره فاطمة الخريجي‪،‬‬ ‫لمست قبل موتي مجد التاج الذي تتوجنا‬ ‫والــدكــتــوره هــتــون الــفــاســي‪ ،‬والــدكــتــور‬ ‫به الكتابة المخلصة‪ ..‬وهــو تــاج الحب‬ ‫عبدالعزيز الــعــويــشــق‪ ،‬وزي ــن الــشــرف‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫وأجــــــواد‪ ،‬والــدكــتــور خــالــد الــجــنــدان‪،‬‬ ‫والــدكــتــور عــبــداهلل المعيقل‪ ،‬والدكتور‬ ‫خالد الرديعان‪ ،‬والدكتور سعد البازعي‪،‬‬ ‫وال لعلى الدميني ومحمد الدميني‪ ،‬وال‬ ‫إلبــراهــيــم الحميد وســعــد الــدوســري‪،‬‬ ‫وال لــأســتــاذ سلطان الــبــازعــي وهــدى‬ ‫ ¦ف ــوزي ــة أب ــو خ ــال ــد ك ـيــف ت ـق ــرأ الـتـغـيــرات‬ ‫الدغفق وهيلدا إسماعيل‪ ،‬وال لمحمد‬ ‫الجادة في الواقع المحلي والعربي؟‬ ‫الــحــرز وغــســان الــخــنــيــزي‪ ،‬وال لنجوم‬ ‫الغانم‪ ،‬وال لباقة الشعراء الشباب الذين ‪ρ ρ‬الــتــحــوالت على مستوى عــربــي مريعة‬ ‫وسـ ــارت وتــســيــر ريــاحــهــا بــدمــار وقمع‬ ‫فــازوا في مسابقة تلك الــدورة الشعرية‬ ‫م ــرع ــب‪ ..‬عــكــس اتــجــاه األحـ ــام التي‬ ‫التكريمية‪ ،‬وال بطبيعة الحال ألبنائي‬ ‫اجــتــرحــتــهــا شــعــوب الــربــيــع الــعــربــي‪.‬‬ ‫طفول وغسان ولينا وبدر وعبدالرحمن‬ ‫التحوالت على مستوى الدولة والمجتمع‬ ‫ومحمد وعبداهلل ومحمد وأميرة نور‪ .‬أن‬ ‫السعودي‪ ..‬الكثير منها يدعو للتفاؤل‪،‬‬ ‫تحتفي بشاعرة بان تتحمل جمع وإصدار‬ ‫بــل إن األغلبية الساحقة مــن الشباب‬ ‫كتاب من كتبها (كمين األمكنة)‪ ،‬وكتاب‬ ‫السعودي‪ ،‬ومن النخب الثقافية بمختلف‬ ‫عن أحالمها الشاقة (األحــام الجارحة‬ ‫أطيافها تحمست وتتحمس لرؤية ‪،2030‬‬ ‫ال ترحم أصحابها)‪ ،‬وكتاب نقدي عن‬ ‫هناك إق ــرار وامتنان بأنه كــان للنساء‬ ‫تجربتها الشعرية (شجر األغاني)‪ ،‬وأن‬ ‫بعد عقود من التأجيل نصيب كبير من‬ ‫تخرج فيلما عن حياتها الفردية العادية‬ ‫اإلنصاف في عدد من حقوق المواطنة‪.‬‬ ‫فتحولها إل ــى بــطــولــة جماعية لنساء‬ ‫إال أن األمر ال يخلو من ضرورة المراجعة‬ ‫ورجال الوطن (فيلم وطن في امرأة)‪ ،‬وأن‬ ‫الجادة بما يحمي اللحمة الوطنية‪ ،‬وبما‬ ‫تحتفي بالشاعرة عبر عدة فنون المسرح‬ ‫يعزز بناء الدولة بناء عصريا يقوم على‬ ‫والنحت والتشكيل والموسيقى والغناء‬ ‫الــعــدل والــحــريــة والــقــانــون والشفافية‪،‬‬ ‫والسينما والشعر والنثر والتصوير على‬ ‫والمساءلة والمحاسبة العلنية‪ ،‬وتمكين‬ ‫مدى أسبوع‪ ،‬وأن تستضيفها على جبل‬ ‫العمل المدني األهــلــي‪ .‬وه ــذا التوجه‬ ‫قــار وتدخلها خمائل النخل وتسقيها‬ ‫التجديدي ليس كالمنا؛ بل هو التعبير‬ ‫من ماء العيون في اإلحساء‪ ،‬وتسير بها‬ ‫العملي عن منطوق الخطاب السياسي‬ ‫حافية عبر معابر األرواح المكافحة على‬ ‫الــجــديــد ال ــذي نتابعه فــي كــل لــقــاءات‬ ‫طريق قــوافــل التاريخ مــن قــوافــل اإلبــل‬ ‫ومــقــابــات األمــيــر محمد بــن سلمان‬ ‫لقوافل البترول‪ ،‬ومن زعفران القطيف‬ ‫في إص ــراره الشبابي الــوثــاب في قوله‬ ‫لــقــاع صــفــوة وداري ـ ــن وســاحــل نصف‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الــقــمــر‪ .‬فــذلــك لــعــمــري إكــلــيــل كهرمان‬ ‫سام ونبيل لم يسبق إليه‬ ‫وموكب تكريم ٍ‬ ‫جمعية الثقافة والفنون فرع الدمام عام‬ ‫‪2016‬م أحد من قبل‪ ،‬ويرفع السقف أمام‬ ‫كل محاولة الحقة‪.‬‬

‫‪83‬‬


‫بــأن المشاركة المجتمعية فــي السراء‬ ‫والــضــراء‪ ،‬وبــنــاء عــاقــة سياسية فتية‬ ‫وديموقراطية بين المجتمع والدولة بكافة‬ ‫ممثلي مختلف القوى االجتماعية على‬ ‫قدم المساواة أمام القانون‪ ،‬وبناء اقتصاد‬ ‫متنوع مستقل‪ ،‬وعالقات دولية ندية تعزز‬ ‫السالم العالمي‪ ،‬هي حلمه الشخصي‬ ‫والوطني معا‪.‬‬ ‫ ¦ت ـ ـجـ ــربـ ــة ال ـ ـ ـتـ ـ ــدريـ ـ ــس فـ ـ ــي الـ ـج ــامـ ـع ــات‬ ‫األمريكية‪ ،‬كيف كانت؟‬ ‫‪ρ ρ‬كانت تجربة جميلة وجديدة بل ومثيرة؛‬ ‫ألنها جاءت مختلفة من عدة جوانب‪ .‬فقد‬ ‫كانت تجربتي التدريسية الطويلة بجامعة‬ ‫الملك ســعــود باللغة العربية فجاءت‬ ‫هذه التجربة باللغة اإلنجليزية إعــدادا‬ ‫وتحضيرا ومــفــردات منهج‪ ،‬وقـــراءات‬ ‫م ــق ــررة نــظــريــة وتــحــلــيــلــيــة‪ ،‬وواج ــب ــات‬ ‫واخ ــت ــب ــارات وم ــح ــاض ــرات ونــقــاشــات‬ ‫تفاعلية بطبيعة الحال‪.‬‬

‫‪84‬‬

‫الطالب االجتماعية بل والثقافية أيضا‪،‬‬ ‫نظرا لمسمى المقرر وطبيعته‪ ..‬فقد كان‬ ‫بعنوان (صــورة المرأة العربية المسلمة‬ ‫فــي اإلع ــام واألفــــام)‪ ،‬كما قــد يرجع‬ ‫ذلك ألنه مقرر من المقررات الحرة التي‬ ‫تقدم من ضمن الدراسات السيسولوجية‬ ‫لقسم الدراسات الدولية‪ .‬ومع أنه لم يكن‬ ‫جديدا على تجربتي التدريسية توظيف‬ ‫منهج تحليل المضمون للصورة المرئية‪..‬‬ ‫كــمــا فــي األفــــام وال ــم ــواد اإلعــامــيــة‬ ‫األخــرى‪ ،‬خاصة بوسائطها اإللكترونية‬ ‫الحديثة‪ ،‬فقد كان جديدًا على الطالب‬ ‫والطالبات تفكيك الــمــادة السينمائية‬ ‫واإلعالمية الغربية‪ ،‬واكتشاف ما تحمل‬ ‫من نظرة استشراقية مثل فيلم ديزني‬ ‫الكرتوني الشهير (عالء الدين)‪ ،‬وقائمة‬ ‫أخرى من األعمال المرئية بما فيها فيلم‬ ‫(فيهرن هايت) لمايكل مور‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنه من األفالم النقدية‪ .‬أما من أجمل‬ ‫ما صادفني وفاجأني في تلك التجربة أن‬ ‫أحد طالبي قد قام كواجب بتحليل صورة‬ ‫الــمــرأة العربية والمسلمة في األلعاب‬ ‫اإللكترونية‪ ،‬وأن اثنتين من طالباتي قد‬ ‫اشتركتا فــي التطبيق العملي كواجب‬ ‫بتحليل صــورة المرأة العربية المسلمة‬ ‫في منتج مرئي عربي وتركي وإيراني‪،‬‬ ‫كان مدهشا كم االستشراق المُقلِد فيها‬ ‫لالستشراق الغربي‪.‬‬

‫كما كانت تجربتي الطويلة في التدريس‬ ‫الجامعي مقتصرة على تدريس الطالبات‪،‬‬ ‫فجاءت تجربتي التدريسية في أمريكا‬ ‫بتعليم طــاب وطــالــبــات مــعــا‪ .‬وأخــيــرا‬ ‫كــانــت تجربتي الطويلة فــي التدريس‬ ‫بــتــدريــس طــالــبــات ســعــوديــات وبــعــض‬ ‫الطالبات العرب‪ ،‬بينما تجربة التدريس‬ ‫بأمريكا واجهتني بطالب أغلبيتهم من‬ ‫األمريكيين‪ ،‬ولكن كان بينهم أيضا طالب‬ ‫عرب وإيرانيون وأتراك‪ ،‬ومن المكسيك ¦ما طبيعة التجربة المشتركة بين الشعر‬ ‫وأوروبا‪ ،‬وقد يرجع ذلك التنوع في خلفيات‬ ‫وال ـن ـحــت ال ـتــي خضتيها بــال ـشــراكــة مع‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫‪ρ ρ‬أبدا‪ ..‬هي ببساطة تجربة عالمية جديدة‬ ‫التقى فيها الرمل بالماء‪ ،‬والصلصال‬ ‫بالقصائد‪ ،‬وشــجــن التجسيد بأخيلة‬ ‫الشعر‪ ،‬مضافا إليها موسيقى محمد‬ ‫عبدالباقي‪ ،‬وغناء عماد محمد لقصيدة‬ ‫النساء مصحوبة بأوركسترا فرقة الثقافة‬ ‫والفنون فــرع الــدمــام‪ ،‬ومجسد الزجاج‬ ‫المعشق لزمان جاسم وموزعة على عدد‬ ‫من الشاشات الكبيرة مع ترجمة لكلمات‬ ‫األغنية‪ ،‬ويقف خلف التجربة جهد عدد‬ ‫من الشابات السعوديات على عدة منافذ‬ ‫في العالمين االفتراضي والواقعي‪.‬‬ ‫ففي األســبــوع الــســنــوي الحــتــفــاء األمــم‬ ‫المتحدة بمنجز النساء وكفاح النساء عبر‬ ‫الــقــارات‪ ،‬قرر بعد النظر لقيادة الوفد‬ ‫الدائم للمملكة العربية السعودية باألمم‬ ‫المتحدة تقديم صورة المرأة السعودية‬ ‫بغير ذلك الخطاب التقليدي الدفاعي‬ ‫واالعــتــذاري في الحديث عن المجتمع‬ ‫السعودي‪ ،‬وكفاح المرأة التاريخي على‬ ‫مختلف الــجــبــهــات‪ ..‬مــن جبهة الخبز‬ ‫والمخاض والشعر‪ ،‬لجبهة السدو والعلم‬ ‫والسياسة‪ .‬وكنا عواطف وأنا من بنات‬ ‫الحظ والكفاح لنمثل هذه الصورة بمزج‬ ‫الشعر بالنحت‪ .‬فأقيم معرض شعري‬ ‫تشكيلي على مدى عدة أيــام في إحدى‬ ‫القاعات الرئيسة من قاعات مبنى األمم‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الفنانة التشكيلية د‪.‬عــواطــف القنيبط‬ ‫فــي ضيافة األم ــم المتحدة شهر مــارس‬ ‫الماضي مطلع ربيع هذا العام ‪2018‬م؟‬

‫المتحدة الرئيس بنيويورك‪ ،‬حضره عينة‬ ‫ممثلة من شعوب العالم‪ ،‬ومنهم سفيرنا‬ ‫فــي األمــم المتحدة عــبــداهلل المعلمي‪،‬‬ ‫ونــائــبــة األم ــي ــن ال ــع ــام أمــيــنــة محمد‪،‬‬ ‫ومرشحة المملكة في مقعد السيدة د‪.‬‬ ‫تماضر الــرمــاح‪ .‬وفــي القاعة الواسعة‬ ‫المعدة عُرض عدد إضافي لقصائد من‬ ‫شعري عبر مراحلي المختلفة باللغتين‬ ‫العربية واإلنجليزية‪ ..‬في لوحات طولية‬ ‫مكبرة‪ ،‬تشكلت خلفياتها من منحوتات‬ ‫د‪ .‬عواطف المستوحاة من القصائد‪.‬‬ ‫هذا إضافة لمنحوتات شاهقة حملتها د‪.‬‬ ‫عواطف من الرياض لنيويورك‪ ،‬محفورة‬ ‫عليها مقاطع مــن القصائد الطويلة‪،‬‬ ‫وقــصــائــد الــومــضــة القصيرة باللونين‬ ‫الرملي والبحري‪ ،‬ومنحوتات مستقلة‬ ‫تمثل النساء في أوضاع مختلفة‪ ،‬تلتقي مع‬ ‫كلمات قصيدة النساء‪ ،‬وقصيدة مخاض‪،‬‬ ‫وقــصــيــدة الــبــنــات‪ ،‬وقــصــيــدة الــحــمــل‪،‬‬ ‫وقصيدة األمهات‪ ،‬وقصيدة الفراشات‪،‬‬ ‫ومــنــحــوتــات مسبحة الــتــمــر‪ ،‬ومنحوتة‬ ‫النخيل‪ .‬والملفت فــي هــذه التجربة‪،‬‬ ‫أنها خرجت على محدودية الخطابات‬ ‫اإلعالمية المعتادة في المحافل الدولية‬ ‫المتسمة باإلنشائية واللغة البروتوكولية‬ ‫وحــيــدة الــجــانــب‪ .‬وذلـــك ب ــأن خاطبتُ‬ ‫المجتمع الدولي بتلك اللغة المشتركة‬ ‫عالميا‪ ..‬التي ليس هناك مجتمع على‬ ‫وجه األرض اليوم إال ويفهمها ويتحاور‬ ‫بها ويتبادل بها السالم‪ ..‬وهي لغة الثقافة‬ ‫والفنون‪ ،‬لغة الشعر والتشكيل‪.‬‬

‫‪85‬‬


‫البنية اللغوية في شعر فوزية أبو خالد‬

‫■ خالد أبو رمضان*‬

‫يتألف النص الشعري من أبنية لغوية‪ ،‬األمــر الــذي يقتضي من أيــة مقاربة‬ ‫نقدية له أن تتأسس على اللغة‪ ،‬فمفتاح النص "يكمن في اللغة نفسها كوحدة ال‬ ‫تنفصم بين الدال والمدلول‪ ،‬واللغة الشعرية من وجهة نظر الدراسات اللسانية‬ ‫واألسلوبية الحديثة ما هي إال انحراف‪ ،‬أو انزياح عن المعيار‪ .‬ولعل أول إشارة‬ ‫إلى اللغة الشعرية وفق هذا المفهوم هي تلك التي نجدها عند جان كوهن ‪Jean‬‬ ‫‪ Cohen‬الــذي أســس منهجه فــي تحليل بنية اللغة الشعرية على مجموعة من‬ ‫الثنائيات (كثنائية النثر والنظم‪ ،‬أو النثر والشعر)‪ .‬ولعل أهم ثنائية اعتمدها في‬ ‫منهجه هي ثنائية‪ :‬معيار ‪ /‬انزياح‪ ،‬أو ما يعرف اختصارًا بنظرية االنزياح‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن مفهوم االنزياح على نصوص الشاعرة فوزية أبو خالد‪،‬‬ ‫قد استعمل للمرة األولى في الدراسات حين تتمركز حوارية اللغة العالية لديها‬ ‫األسلوبية‪ ،‬خاصة عند مايكل ريفاتير في منهج النص التعبيري عن الكتابة‬ ‫‪ ،Michael Reffaterre‬وشـــارل بالي المفردة اللغوية‪ ،‬حين تقول في إحدى‬ ‫(‪1865 - 1974‬م) ‪ ،Charies Bally‬وليو نصوصها النثرية‪:‬‬

‫سبيتزر (‪1960-1887‬م)‬

‫‪Spitzer‬‬

‫‪،Lea‬‬

‫إال أن كــوهــن قــد طــور هــذا المفهوم‬ ‫وأعطاه بعدًا آخر‪ .‬فاألسلوب عنده هو‬

‫كل ما ليس شائعًا وال عاديًا‪ ،‬وال مطابقًا‬ ‫للمعيار الــعــام الــمــألــوف‪" ،‬إنــه انزياح‬

‫بالنسبة إلى معيار‪ ،‬أي أنه خطأ‪ .‬ولكنه‬ ‫أيضا خطأ مقصود"‪.‬‬ ‫كما يقول برونو ً‬

‫وبهذا المعنى يكون األسلوب انزياحً ا‪.‬‬ ‫فشعرية النص تقاس بمقدار انزياحها‬ ‫عن سنن اللغة المعيارية‪ ،‬أو كما يقول‬ ‫روالن بارت "إن األسلوب يحدد بالقياس‬

‫إلى درجة الصفر في الكتابة"‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫وكل ما ذكرناه سابقا ينطبق تماما‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫النارنج‬ ‫يتشقق ثــوبـهــا الليفي ال ـضــارب في‬ ‫السمرة‬ ‫فترشح كرة الستان اللؤلؤية‬ ‫دموع ًا ناصعة‬ ‫زيت ًا صقيال‬ ‫حليب ًا مصفى من راحة األكف التي‬ ‫سقت‬ ‫قامات أشجارها المروحية‬ ‫يتسلل مزيج العناصر الحارقة‬ ‫من كأس البيناكوالدا في مقاهٍ باذخة‬ ‫من رفة ضفائر مجدولة برُ ب النارنج‬ ‫في قارات بعيدة‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫من نحاس حوريات يتشمسن على بحور‬ ‫غير آهلة إال بالحوت واليخوت‬ ‫يعود الصيف محم ًال برذاذ الذكرى‬ ‫تفتح الحواس دفاترها لتكتب استفزازات جديدة‬ ‫أما األرواح المحروسة بالحرمان‬ ‫فتكتفي بما تجرحه رائحة النارنج‬ ‫من صيامها‪.‬‬ ‫إن الدراسة التحليلية لبنية اللغة الشعرية في القصيدة‬ ‫العربية المعاصرة تكتسب أهمية كبرى‪ ،‬وال سيما حين‬ ‫تسلط الضوء على الخطاب الشعري المعاصر من خالل‬ ‫أبرز الفاعليات الفردية التي أثبتت حضورها في ساحة‬ ‫الشعر العربي المعاصر‪ ،‬وقدمت أسسها المعرفية في‬ ‫مواجهة التقليدية‪ ،‬ممثلة بالشاعرة السعودية فوزية‬ ‫أبو خالد‪ ،‬فقد كانت من أوائــل الشعراء الذين حاولوا‬ ‫االنفالت من النموذج الشعري الكالسيكي‪ ،‬واالنفالت‬ ‫من النموذج األصولي للتفكير العربي نفسه‪ .‬وقد حاولت‬ ‫وما تزال تحاول تأسيس نظرية فكرية تقف في الطرف‬ ‫المقابل (وال نقول الطرف النقيض)؛ ألنها ال تدعو إلى‬ ‫قطعية مع التراث‪ ،‬وإنما يشير إلى ارتباط الشاعر بتراثه‬ ‫"ارتباط خلق وإضافة واستباق"‪" ،‬ارتباط التقابل والتوازي‬ ‫والتضاد"‪.‬‬ ‫إن ما يميز فوزية من غيرها من الشعراء‪ ،‬ويعطيها‬ ‫تفردها األسلوبي أنها تعبِّر عن نفسها بطريقتها الجمالية‬ ‫الخاصة‪ ،‬وذلك نابع من إدراكها للبيعة اللغوية للشعر‪،‬‬ ‫واهتمامها بالطريقة (الشكل) التي تقول بها القصيدة‪،‬‬ ‫أكــثــر مما تقوله القصيدة (الــمــضــمــون)‪ ،‬وهــي رائــدة‬ ‫القصيدة الحداثية‪ ،‬في وقت كان الكثير من الشعراء‬ ‫يخافون الخروج عن الكالسيكية للشعر العربي‪.‬‬ ‫فمن المعروف أن البنيوية اللسانية ‪ -‬كمصطلح نقدي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪87‬‬


‫ ظهرت في بدايات القرن العشرين مع رائدها فردينالد دي‬‫سوسير (‪1913-1857‬م) ‪ Ferdinand De Saussure‬من خالل‬ ‫كتابه (محاضرات في اللسانيات العامة)‪ ،‬وكانت بمثابة رد‬ ‫فعل على االتجاهات األدبية التي تنظر إلى النص األدبي من‬ ‫الخارج؛ بما هو مادة ثانوية للدراسات التاريخية أو النفسية‪،‬‬ ‫وترفض االعتراف به كعمل مستقل قائم بذاته‪ .‬فكان الهدف‬ ‫من الدراسات البنيوية اللسانية التعامل مع النص األدبي‬ ‫من الداخل بوصفه "نسقًا لغويًا داخليًا" يتكون من مستويات‬ ‫لسانية متعددة‪ ،‬كالمستوى الصوتي‪ ،‬والمستوى الصرفي‪،‬‬ ‫والمستوى الداللي‪ ،‬والمستوى التركيبي‪.‬‬ ‫ولو عُدنا إلى دي سوسير‪ ..‬لوجدنا أن تصوره للغة يقوم‬ ‫على اعتبار أنها نسق من العالمات غير السببية‪ ،‬كل شيء‬ ‫فيه عالقة تخالف‪ ،‬وهو يعني أن أي دال من الدوال ال يؤدي‬ ‫وظيفته بوصفه صوتًا له داللته المباشرة على شيء أو معنىً‬ ‫من العالمات‪ ،‬بل بوصفه في جوهره مختلفًا عن غيره من‬ ‫الدوال‪ ،‬ومعنى هذا أن معاني الكلمات تتوقف على مواقعها‬ ‫في الجمل واختالفها عن غيرها‪ .‬وهذا يعني أن الكلمات‬ ‫ليس لها معان ثابتة أو مستقلة بذاتها وإنما تكتسب معناها‬ ‫داخل السياق ‪ Context‬الذي وضعت فيه‪ .‬إنها بتعبير يوري‬ ‫لوتمان‪" :‬تشكل نسقًا أو نظامًا"‪.‬‬ ‫وكــمــا تنتظم هــذه الــعــاقــات فــي الــنــص ‪ -‬حسب رومــان‬ ‫جاكبسون ‪ -‬وفــق محورين بنائيين يحكمان البنية النصية‬ ‫وطريقة تنسيقها؛ وهما‪ :‬محور االختيار‪ ،‬ومحور التأليف‪ .‬وقد‬ ‫أبرز رومان جاكبسون هذين المحورين كـ"معيار موضوعي يسمح‬ ‫بالكشف عن حضور الوظيفة الشعرية‪ .‬فعملية البناء النصي‬ ‫عند الشاعرة فوزية أبو خالد تتركب‪ ،‬من جهة‪ ،‬أفقيًا وبشكل‬ ‫تتابعي من خالل االنتقاء المنظم للعناصر اللغوية المختلفة‬ ‫(الصيغ النحوية والصرفية‪ ،‬المرادفات اللغوية‪ ،‬حروف الجر‪...‬‬ ‫إلخ)؛ إذ يتم اختيار األصلح من بين هذه الصيغ‪ ،‬وعملية تنظيم‬

‫‪88‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يتم بناء هذه العناصر ‪ -‬وعلى بيئة صلبة قوية ليست سوى نتيجة مباشرة‬ ‫محور استبدالي عامودي ‪ -‬بطريقة معينة ترتب التجاه فكري معين تسلكه الشاعرة‪ ،‬ويتحكم‬

‫شكل ومضمونًا‪ .‬واللغة‬ ‫ً‬ ‫فيها الكلمات في ضوء البنى النحوية والتركيبية في رؤيته اإلبداعية‬ ‫وغيرها حتى تنتظم في سياق صحيح‪ ،‬وهذه من هذا المنظور‪ ،‬ما هي إال وسيلة للتعبير‬ ‫العملية تسمى التركيب‪ .‬ومن ذلك حين ترتب عن الفكر‪ ،‬أو شيء متالزم مع الفكر‪ ،‬وهذا‬ ‫نصها قائلة‪:‬‬ ‫ما أكــده علماء النفس والمنطق من قبل‪..‬‬

‫بقدر ما يكره الحجر األصم‬ ‫استسالمه لقانون السكون‬ ‫لو أن من يسأله أحاسيسه‬ ‫بقدر ما أحب تلك الحركة الفتية‬ ‫وأنتشي بالهواء المشرب بعبير أنفاسهم‬ ‫وهم يتبارون بحماس وصخب‬ ‫ودون أن نتفق‬ ‫نـتـعــاون بــرعــونــة وبتعمد فـنـنــزع جـبــروت‬ ‫الجاذبية‬ ‫أو عـ ـل ــى األقـ ـ ـ ــل نـ ــوتـ ــر تـ ـل ــك الـ ـع ــاق ــات‬ ‫المستتبة)‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫عناصر اللغة على هذا النحو تسمى‪ :‬االختيار‪.‬‬

‫إن الرؤيا الخاصة بشاعرة مثل فوزية من‬

‫حين ذهبوا إلى أنه ال يوجد فكر بدون لغة‪.‬‬ ‫لكن اللغة والمحتوى أو الفكر الذي تعبر عنه‬ ‫ وإن اشتركا في بناء النص ‪ -‬ال يحققان‬‫للنص شعريته‪ .‬فاللغة والمحتوى قد يوجدان‬ ‫في كل النصوص‪ ،‬شعرية كانت أم نثرية‪.‬‬ ‫وهنا‪ ،‬نتساءل مرة أخرى‪ :‬ما هو دور البنية‬ ‫اللغوية في شعرية النص؟ وما الــذي يمنح‬ ‫القصيدة شعريتها؟‬ ‫إن اإلجــابــة عــن ســؤال مهم يخص هذه‬ ‫الشاعرة فــي مجموعتها كاملة يكمن في‬ ‫جوهر العملية اإلبداعية نفسها‪ ،‬إذ تتألف‬

‫وإن كنا بــصــدد النظر فــي بنية النص من مستويين‪:‬‬ ‫الشعري‪ ،‬فسوف نكتشف أن بعض العناصر‬ ‫األول معنوي (مستوى الداللة)‪ ،‬ويشمل‬ ‫اللغوية لدى فوزية ابو خالد تمثل "ثوابت‬ ‫الــلــغــة والــمــحــتــوى؛ والــثــانــي شكلي (وهــو‬ ‫بنائية"‪ ،‬تتكرر ضمن الشعر على اختالف‬ ‫األسلوب)‪ ،‬وفي هذا المستوى تكمن اإلجابة‪.‬‬ ‫مراحله وتجلياته كتركيب الجمل (إسمية‬ ‫فاألسلوب هو ما يمنح المحتوى شكله‪ ،‬أو‬ ‫أو فعلية)‪ ،‬أو شكل الكلمات نفسها‪ ،‬هذه‬ ‫بنيته الخاصة‪.‬‬ ‫الثوابت البنائية هي الوحدات البنائية الدالة‬ ‫وهنا‪ ،‬يطرح سؤال آخر نفسه‪ :‬كيف يسهم‬ ‫في النص‪ ،‬بينما توجد عناصر لغوية غير‬

‫ثابتة تتغير بتغير النصوص‪.‬‬

‫األسلوب في تحديد البنية الشعرية؟‬

‫ * كاتب من فلسطين‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪89‬‬


‫فوزية أبو خالد كدهشة مبكرة‪!..‬‬

‫■ محمد خضر*‬

‫كتبت الشاعرة فوزية أبو خالد في زمن كانت السيادة لمفاهيم مدرسية يجد الشعراء‬ ‫رهبة في تحريكها أو الخروج عنها أو زحزحتها؛ كتبت فوزية قصيدتها بعيد ًا عن السرب‪،‬‬ ‫قصيدة تشبه زمنها وأوجه الناس وأحزانهم وحياتهم‪ ،‬ملتصقة بالراهن واليومي والمعاش؛‬ ‫فالقصيدة تكتب تجربة حياة‪ ،‬وتالمس ظروف ًا وتحوّالت بحاجة ألن يطرحها الشعر بوعي‬ ‫مختلف‪..‬‬ ‫منذ الوعي األول بالقصيدة‪ ،‬وهي واحدة‬ ‫من التجارب المضيئة في صفحة واسعة دون‬ ‫قيد؛ الشرارة األولــى التي انطلقت بعنوان‬ ‫فسيح في رؤية الشعر من مكان جديد؛ ليس‬ ‫الشعر فقط‪ ،‬بل النافذة الواسعة‪ ،‬النضال‪،‬‬ ‫األسئلة‪ ،‬اإلنسان‪ ،‬القصيدة التي تسير جنباً‬ ‫إلى جنب مع الحياة‪..‬‬ ‫وحين كان السؤال جــذراً أو َل بالنسبة‬ ‫لكثير من الشعراء عن أمكنة يستودعون‬ ‫فيها تلك الرغبة في منعطف جديد وقريب‪،‬‬ ‫وبين كل الخيبات وذلك الشعور بأن المختبر‬ ‫الجديد في صراع ال يتوقف مع جموع من‬ ‫المناهضين‪ ..‬تكتب فوزية أبو خالد كدهشة‬ ‫مبكرة مع آخرين من الشعراء‪ ،‬وتذهب إلى‬ ‫مكان مضيء‪ ،‬وركن صغير لكنه واسع‪ ،‬ويقطع‬ ‫ال نحو ذلك النص المختلف‪ ،‬لغة‬ ‫شوطاً طوي ً‬ ‫مأخوذة مما نشاهده ونعرفه ونالمسه في‬ ‫همها اإلنساني والوطني وصوالً إلى اليومي‪.‬‬ ‫ثم قرأتُ فوزية‪ ..‬ووجدت اختالفها في‬ ‫كتابة شكل جديد آنذاك‪ ،‬وكانت من القالئل‬ ‫الذين وسعت بكتابة شكل جديد منذ وقت‬ ‫مبكّر شيئاً بعيداً وعميقاً‪ .‬كتبت القصائد‬ ‫بكل ما تراكم فيها من حدس وقلق وخطى‬ ‫واســعــة‪ ..‬وبكل ما تواتر في اندفاعها من‬ ‫حنين وأزمنة وما يمتد من أعماق أجنحتها‬ ‫أمداء ودهشة‪..‬‬

‫‪90‬‬

‫* شاعر من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫قصيدة فوزية التي لم يعتريها الزمن‬ ‫ليراكمها في صف طويل على الرفوف‪ ..‬بل‬ ‫بقيت حتى اليوم جديدة وتحمل معها ذلك‬ ‫الوميض األول‪ ،‬حين أصدرت أولى تجاربها‬ ‫الشعرية في ‪١٩٧٥‬م‪.‬‬ ‫وهـ ــذا يــعــود حــتــمـاً إل ــى ذل ــك الــوعــي‬ ‫المختلف بالكتابة اإلبداعية التي أخذت‬ ‫الشعر نحو منطقة تتقاطع فيها القيمة‬ ‫الفنية الحديثة والمضامين المعاصرة التي‬ ‫أدركت أن الشعر ال بد وأن يمضي نحوها‪.‬‬


‫■ عبداهلل السفر*‬

‫التورُّط على بصيرةٍ وعن سابق عزمٍ ‪ ،‬وبصيغةٍ جازمةٍ ال مرجو َع عنها‪ .‬التورُّط‬ ‫َراجع‪.‬‬ ‫تحك وتدمي‪ ،‬وال ت ُ‬ ‫األسقف ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ـواب مقفلةٌ ‪ ،‬وال يهمّ ‪ .‬التورّط حيث‬ ‫حيث األبـ ُ‬ ‫بوصفهِ نفقاً‪ .‬التورّط‬ ‫ِ‬ ‫الروح كلِّها‪ .‬التورّط‬ ‫ِ‬ ‫بجميع أقطار الجسد وبأضالعِ‬ ‫ِ‬ ‫التورّط‬ ‫أي صورة؛ سوف تجد‬ ‫أي جهةٍ قلّبتَ هذا التورّط‪ ،‬وعلى ِّ‬ ‫بوصفه مالذ ًا وأمالً‪ .‬على ِّ‬ ‫أحكمت أمرَها مبكّ ر ًا ومضت‪..‬‬ ‫ْ‬ ‫فوزية أبو خالد تلقاءها‪.‬‬ ‫مضــتْ ‪ ..‬ألنّ كلمــ ًة ندهتْهــا؛ ألنّ‬

‫وطنـاً دعاهــا؛ ألنّ مصيــراً ي َِشـمُها منــذ‬ ‫المضغــةِ ‪ ،‬منــذ الصحــراء‪ ،‬منــذ البحــر‪،‬‬

‫منــذ شــهرزاد‪ ،‬منــذ اإلنســان‪..‬‬

‫لــن نقــرأ فوزيــة أبــو خالــد إال فــي‬

‫بتاريــخ‬ ‫ٍ‬ ‫المرجــل‪ .‬نقرأ ُهــا مطبوخــ ًة‬

‫ومجرفــة‬ ‫ٍ‬ ‫وأوجــاع‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫بحاضــر‬ ‫ٍ‬ ‫وذاكــرة؛‬ ‫هــي أكب ـ ُر مــن ســاعات العمــل وأعم ـ ُق‬

‫ـض‬ ‫مــن دفتــر المواقيــت‪ .‬نقــرأ مــا يفيـ ُ‬

‫مــن أصابــع "ال ينال ُهــا العمــر"‪ ،‬وال تنــي‬ ‫تطلــ ُق أســئل ًة وجــوارح‪.‬‬

‫قلمُهــا ال يســي ُل مــن وراء حجــاب؛‬

‫منــذو ٌر للهتــك والتهلكــة‪ .‬حبرُهــا‬

‫مســنّن لــه إيقــاع الشــال ودمدمــ ُة‬ ‫المطــر‪ .‬حبــ ٌر يعــبُّ مــن نهــر الحيــاةِ؛‬

‫شــوكاً وورداً وشــوكاً‪ .‬حبـ ٌر يشــه ُق هــوا ًء‬

‫مغامــراً تقصــر عنــه الرئــة‪.‬‬ ‫فوزيــة أبــو خالــد المغروســة‬ ‫فــي تربــة العالــم ضميــراً وفمــاً‪.‬‬ ‫الشــاهدة تميــط اللثــام وتتقــدّ م رائــد ًة‬

‫ومصباحــاً؛ تكشــف وتكتشــف‪ ،‬تختبــر‬ ‫وتفحــص‪ ،‬تغــوص وتســبر‪ .‬تســري‬ ‫بحبرهــا المــدوّي ســريا َن الصدمــة‬ ‫والنذيــر والتريــاق القاســي‪ .‬ال يقعــد‬ ‫ضعــف وال وهــ ٌن وال خــذالن‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫بهــا‬ ‫وإنّ عقب ـ ًة تعتــرض طريقهــا إنمــا هــي‬ ‫فرصــة أخــرى للمعــاودة والطــرق‪ .‬وال‬ ‫أبلــغ دالل ـ ًة مــن هــذه الفلــذة الشــعرية‬ ‫التــي تنهــض فيهــا روح عبدالعزيــز‬ ‫مشــري مشــرق ًة بألقــه وتصميمــه عبــر‬ ‫قصتــه "الفراشــة التــي انهزمــت"؛ تلــك‬ ‫العالمــة اإلبداعيــة البســيطة العميقــة‬ ‫الشــاهقة المــأى باإلبــداع والــدالالت‪،‬‬ ‫والتــي حملتْهــا ريشــ ُة الفنانــة‬ ‫التشــكيلية منيــرة موصلــي إلــى صيغـ ٍـة‬ ‫جماليــة تمتــدّ باألثــر أبعـ َد وأبعــد‪ .‬هنــا‬ ‫فــي هــذه الفلــذة غزيــر ِة األنــوار نلمــس‬ ‫اإلصــرار والعنــاد والرغبــة المخبّــأة‬ ‫فــي المعــاودة مــن جديــد‪ ،‬وإ ْن كان‬ ‫االســم "الفراشــة التــي انهزمــتْ " لكنهــا‬ ‫المتحوّلــة العائــدة شــأ َن العنقــاء التــي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫الفراشة العائدة‬ ‫سحر‬ ‫فوزية أبو خالد‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬

‫‪91‬‬


‫أبــداً ال تمــوت ‪ -‬بحســب أحــد المبدعيــن‬ ‫ غيــر أنهــا تُبعــث‪ .‬لديهــا مــا تســتعصي بــه‬‫علــى عوامــل اإلحبــاط وتعصــم نفســها مــن‬ ‫االقتــاع‪ .‬لديهــا الوقــود الحيــوي؛ لســا ٌن‬ ‫معبّــر محتّــج وإرادةٌ فاعلــة ال تنســحب‬ ‫وال تتراجــع إال لمســافة تثبيــت األقــدام‬ ‫واكتســاب أنفــاس الحضــور والصعــود‪:‬‬ ‫"غمســتْ الفراشــة التــي انهزمــت‪ /‬جناح ـاً‬ ‫فــي الحبــرِ ‪ ،‬وجناحـاً فــي الحريــق‪ /‬وشـكّلتْ‬ ‫عنقــا َء تبتعــد"‪.‬‬ ‫رقّــة الفراشــة التــي تســفر عــن ثقــل‬ ‫الغــاف‬ ‫ُ‬ ‫ورســوخ فــي التصميــم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫الحضــور‬ ‫الــذي يقشــ ُع الوهــم والغاللــ ُة التــي تنــز ُع‬ ‫الصبــاب‪ .‬كل مــا نــراه ليــس علــى الهيئــة‬ ‫التــي نبصــره بهــا‪ .‬ثمــة خلــل يحتــاج إلــى‬ ‫ميــزان التعديــل‪ .‬المرئــي خــدّ اع‪ .‬الصــورة‬ ‫بهــا عطــب‪ .‬الحقيقـ ُة ثاويـ ٌة فــي الالمرئــيّ ‪.‬‬ ‫الجوهــر ينــزل خلــف الصــورة‪ .‬إن القــراءة‬ ‫الصحيحــة ال تأخذهــا وهلــ ُة المشــاهدة‬ ‫األولــى وال بــادرةُ النظــرة الطائــرة‪ .‬التعجّ ــل‬ ‫يمضــي بصاحبــه خاويـاً طاويـاً‪ .‬هــو المنبــتُّ‬ ‫الــذي "ال أرضــاً قطــ َع وال ظهــراً أبقــى"‪.‬‬ ‫إنمــا الســبيل الــذي يفضــي إلــى الوقــوف‬ ‫علــى الجوهــر هــو التريّــث ونبــ ُذ التســرّع‪.‬‬ ‫التمهّــل‪ .‬المكــوثُ فــي المشــهد ومعاينتــه‬ ‫المســتدخل‬ ‫ِ‬ ‫بالبــطء الجميــل الفعّــال؛‬ ‫إشــارات المشــهد فــي مســارات الحــدس‬ ‫واالســتبصار‪ ..‬وهنــاك ســوف يُنــال مــا‬ ‫ال تســتطيعه العيــ ُن القاصــرة المحــدودة؛‬ ‫حيــث األجنحــة تشــطأُ مــن الطيــن مضروبـ ًة‬ ‫* كاتب وقاص من السعودية‪.‬‬

‫‪92‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫بهبــوب التحــوّل‬ ‫ِ‬ ‫بشــهوة الحيــاة مســفوع ًة‬

‫ومراقــي التبــدّ ل‪ .‬المنحــ ُة متاحــ ٌة فقــط‬

‫حينمــا تكــون القــراءة صحيحــ ًة وفــي‬ ‫الموعــد وتحــت عيــن التمهــل‪:‬‬

‫"إ ْن قرأتنــي أتحــرّك بعكّازيْــن‪ /‬أســير‬ ‫علــى كرســيِّ العجــات‪ /‬أميــل فــي مشــيتي‬ ‫ا أو كثيــراً‪ /‬فــا تتصفّحْ نــي علــى‬ ‫قليــ ً‬ ‫رفيــف األجنحــة‪/‬‬ ‫ُ‬ ‫عجــلْ‪ /‬لئــا يفوتَــكَ‬ ‫وســبا ُق شــهو ِة الحيــاة مــع الريــح"‪.‬‬ ‫فوزيــة أبــو خالــد المحتدمــ ُة بلهبِهــا‬ ‫الفـوّارةُ بمدادِ هــا تمضــي بعيــداً مــع خارطــةِ‬ ‫أحالمهــا‪ .‬ال تأمــن إال إليهــا وإنّ شــقّتْ‬ ‫عليهــا وشُ ــقِ يتْ بهــا؛ فهــي تعــرف أن أحالمـاً‬ ‫كأحالمهــا "ال ترحــمُ أصحابَهــا"‪.‬‬


‫"شرقية ليست ّ‬ ‫ككل الشرقيات"‬ ‫■ محمد خضير*‬

‫يضم مجلد األعـمــال الشعرية للشاعرة السعودية فــوزيــة أبــو خــالــد‪ ،‬الصادر‬ ‫عام ‪2014‬م عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬دواوينها التي‬ ‫صدرت قبل ذلك‪ ،‬وعددًا من القصائد المنشورة في الصحف والمجالت‪ ،‬ثم ديوانًا‬ ‫لم ينشر من قبل بعنوان "ملمس الرائحة"‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫فوزية أبو خالد‬

‫أدركـ ـ ُـت مـنــذ ال ـبــدايــة‪ ،‬أعـنــي مـنــذ قـصــائــدهــا المجموعة فــي دي ــوان "إل ــى متى‬ ‫أمرين‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫العرس!!"‪ ،‬أنني أشتبك مع شاعرة حدّ دت موقفها حيال‬ ‫ِ‬ ‫يختطفونك ليل َة‬ ‫ِ‬ ‫األول أنهــا اعتمــدت قصيــدة النثــر التــي ليــس مــن المألــوف البــوح بهــا إال‬ ‫جنســاً تعبيريــاً ســتعمل علــى توســيع فــي أماكــن الحريــم الســريّة والمغلقــة‪.‬‬ ‫مضامينــه وأشــكاله‪.‬‬ ‫"كيــف يغيــب الغيــاب" هــو عنــوان ثالــث‬ ‫والثانــي أنهــا لــن تتوقــف عــن قصيــدة مــن الديــوان المذكــور‪ ،‬وتقــول‬ ‫النبــش والحفــر فــي الواقــع االجتماعــيّ الشــاعرة فيهــا‪:‬‬ ‫والواقــع السياســيّ ‪ ..‬ليــس فــي وطنهــا‬ ‫(الســعودية) فقــط‪ ،‬بــل العالــم العربــيّ‬

‫برمتــه‪ .‬وحتــى تحســم ذلــك فعـاً‪ ،‬فــإنّ‬

‫ضميــر المتكلــم ســيكون هــو الســارد‬ ‫فــي قصائدهــا جميعــاً‪ .‬وهــذا يعنــي‬

‫انحيازهــا للمغامــرة ورهانهــا عليهــا‪،‬‬ ‫وأعنــي بذلــك اســتعدادها لتحمــل كل‬

‫مــا يمكــن أن يثيــره ذلــك ويســببه لهــا‬ ‫مــن حساســيات اجتماعيــة‪ ،‬وربمــا‬

‫دينيــة ترفــض أن تتحــدث المــرأة عــن‬ ‫نفســها بمــا يتعلــق بجوانــب مــن مثــل‬ ‫رفــض المقــررات الســائدة‪ ،‬والرغبــات‬

‫"كنت قبلَ أنْ تأتي‬ ‫ُ‬ ‫الشرقيات‬ ‫ِ‬ ‫شرقيةً ككلِّ‬ ‫أوقات الفراغِ‬ ‫ِ‬ ‫آكُ لُ البَقلَ في‬ ‫أخ ِّبــئ كلَّ ليلــةٍ تحــتَ الوســادةِ عشــر َة‬ ‫ـات‬ ‫ـان وبنـ ٍ‬ ‫صبيـ ٍ‬ ‫طح ب َغ ْيرَةٍ وشَ ب ٍَق‬ ‫الس ِ‬ ‫ط َّ‬ ‫وأرقُ ُب قطَ َ‬ ‫وعندما أتيتَ‬ ‫تغيرت خارطتي النفسيةُ‬ ‫ْ‬ ‫نسفتَ جذو َر بَقْ لي‬ ‫ال لزهــرةٍ‬ ‫ـبحت (أصبحـ ُـت) مش ـ َت ً‬ ‫أسـ ُ‬ ‫الجيــاعِ‬ ‫وحشــيةٍ فــي وادي ِ‬ ‫ـات مــن تحـ ِـت‬ ‫خــرج الصبيــانُ والبنـ ُ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪93‬‬


‫و ســادتي‬ ‫الشمس ألول مرةٍ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬ ‫تهجــوا حــروف ال َبــوْ ِح والمواجهــةِ ألول‬ ‫ّ‬ ‫مــرةٍ‬ ‫نسفتَ بر َج مراقبتي القططيّة‬ ‫َعرفت أنَّ في الطبيعةِ أبراج ًا‬ ‫ُ‬ ‫و‬ ‫تحضرُ الغيابَ "‬ ‫ِ‬ ‫وعواصف‬ ‫َ‬ ‫ونيازك‬ ‫َ‬ ‫نحـ ُن اآلن‪ ،‬إذاً‪ ،‬أمــام لحظتيـ ْن زمانيتينِ‬

‫الغائب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫مختلفتيــنِ ‪ :‬األولــى هــي قبـ َل مجــيء‬

‫وفــي الحقيقــة ال نســتطيع أن نصـ َر علــى أن‬ ‫الغائــب هنــا هــو الرجــل‪ ،‬برغــم أنَّ الضميــر‬

‫الــذي يع ِّبـ ُر عنــه هــو مخاطــب مفــرد مذكــر‪،‬‬ ‫والثانيــة هــي بعــد مجــيء الغائـ ِـب‪ .‬وفــي كل‬

‫مــن اللحظتيــنِ ســنجد واقعــاً اجتماعيــاً‬

‫فــإنّ "الغيــاب" يــد ُل علــى مــا ليــس موجــوداً‬ ‫فــي حياتنــا‪ ،‬وأنــه يحيــل علــى الشــروط‬ ‫الوجوديــة لحياتنــا‪ .‬ولســوف تخبرنــا فوزيــة‬ ‫ـكان‬ ‫أبــو خالــد بــأن "الغيــاب"‪ ،‬موجــو ٌد فــي مـ ٍ‬ ‫آخــر‪ ،‬لكــ ْن يمكــ ُن إحضــاره‪ ،‬وأنّ مــا يقــدر‬ ‫علــى ذلــك إنمــا هــو النيــازك‪ ،‬واألبــراجُ‪،‬‬ ‫والعواصــف‪ .‬ويكفــي أ ْن نتأمــل فــي فعــل‬ ‫ُ‬ ‫االضطــراب الــذي تتضمنــه‬ ‫ِ‬ ‫الثَّــوَرانِ أو‬ ‫النيــازك‪ ،‬والعواصــف‪.‬‬

‫الغائــب‪ ،‬ومنحــه دالالت ممكنــ ًة نســتطيع‬

‫فــي الواقــع‪ ،‬أرى ضــرورة اعتمــاد قــراءة‬ ‫تجاوريــة ‪ juxtapositional reading‬لقصائــد‬ ‫الدواويــن جميعــاً التــي يضمهــا المجلــد‬ ‫تســعى إلــى إبــراز الفــوارق بيــن أســاليب‬ ‫تنــاول الثيمــات المختلفــة التــي تتك ـرّر فــي‬ ‫أكثــر مِ ــن عمــل‪ ،‬ثــم قــراءة عموديــة تبــرز‬ ‫تطــور الثيمــات نفســها وطرائــق النظــر‬

‫مختلفــاً عنــه ومغايــراً للواقــع االجتماعــيّ‬

‫اآلخــر‪ .‬ومــا يب ـرّر لــي الحديــث علــى واقــع‬

‫ـف األنــا‬ ‫اجتماعــي وليــس حالــة فرديــة وصـ ُ‬ ‫النــص‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫الســاردة (أوليســت هــي منشــئ َة‬

‫أيضـاً؟) نفســها عبــر اعتبارها "شــرقية ككل‬ ‫الشــرقيات"‪ .‬إنّ اختالف الواقع االجتماعيّ‬

‫فــي لحظــة عــن مقابلــهِ فــي اللحظــة األخرى‬ ‫ســتكون لــه وظيفــة دالليــة فــي رســم مالمــح‬ ‫اختزالهــا فــي اثنتيــنِ ‪ :‬األولــى أن الغائــب‬

‫هــو الرجــل بوصــف الحاجــة لحضــوره‬ ‫معــادالً موضوعيــاً للرغبــة الجنســية‪،‬‬

‫علــى اعتبــار الجنــس طقــس خصــب فــي‬

‫التاريــخ الجمعــيّ ‪ ،‬والثانيــة أنّ الغائــب هــو‬

‫‪94‬‬

‫التغييرفــي البنــى والقوالــب‪ .‬وفــي الحالتينِ ‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫أشــعر أنّ علــيّ هنــا أ ْن أســجل تحفظــي مــكان لمســها‪ .‬ولســوف نكتشــف مــن‬ ‫علــى تعبيــر "شــرقية كك ّل الشــرقيات"‪ ،‬قــراءة قصائــد المجموعــة كيــف اســتمرت‬ ‫فمــا أخشــاه هــو أ ْن تنــزل كاتبــة مبدعــة الشــاعرة وواصلــت بثبــات تنقيدهــا‬ ‫مــن طــراز فوزيــة أبــو خالــد إلــى شَ ــر َِك االجتماعــي‪ ،‬وتحديهــا للخطــاب الســائد‪.‬‬ ‫إعــادة إنتــاج الــذات علــى وَفــق مدونــات قصيــدة "رائحــة الكاكــو" تقــول‪:‬‬ ‫المركزيــة األوروبيــة وخطابهــا االســتعماريّ‬ ‫أحزنُ وحينَ أفرحُ‬ ‫"حينَ ْ‬ ‫الكولونيالــيّ ‪.‬‬ ‫باالنتقــال مــن قصيــدة إلــى أخــرى‬ ‫ومــن ديــوان إلــى آخـ َر ســوف نلحــظ ازديــاد‬ ‫التعقيــد فــي النص الشــعريّ ‪ ،‬وســوف يحتاج‬ ‫المتلقــي إلــى مزيــد مــن التأمــل لكــي يحــاول‬ ‫أ ْن ين ِتــج معنــىً مــا مــن وراء النــص الشــعريّ‬ ‫المحنَّــك والمــوارب فــي الوقــت نفســه‪.‬‬ ‫يصــل التعقيــد‪ ،‬وهــو تعقيــد جميــل ومثيــر‪،‬‬ ‫ذروتــه فــي المجموعــة الجديــدة للشــاعرة‬ ‫"ملمــس الرائحــة"‪ ،‬وهــو مجموعــة آثــرت‬ ‫الشــاعرة أ ْن تنشــرها مــع األعمــال‪ ..‬بقيــة‬ ‫األعمــال فــي مجلــد "األعمــال الشــعرية"‪.‬‬ ‫مــن المحتمــل أن يكــون الســؤال حــول‬ ‫كيــف يكــون للرائحــة ملمســاً؟ هــو أول مــا‬ ‫يتبــادر إلــى الذهــن عنــد البــدء بقــراءة‬ ‫قصائــد هــذه المجموعــة‪ .‬وعندمــا قيــل‬ ‫إنّ عنــوان النــص عَ تَبَ ـ ٌة لــه‪ ،‬كان المقصــود‬ ‫أنّ العنــوان ســيقود المتلقــي إلــى ســبر‬ ‫غــوْر النــص وكشــف مضامينــه ودالالتــه‪.‬‬ ‫ولعــل كــون كلمــة "ملمــس" مصــدراً ميميّــاً‬ ‫زمــان يحيــل‬ ‫ٍ‬ ‫مــكان أو‬ ‫ٍ‬ ‫يــدل علــى اســم‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫إليهــا مــع الزمــن‪.‬‬

‫المتلقــي علــى لحظــة لمــس الرائحــة أو‬

‫أرش رائحة الكاكو في شراييني‬ ‫ُّ‬ ‫بالذنب"‬ ‫ِ‬ ‫وأجرب نشو َة الشعور ِ‬

‫فــي الواقــع‪ ،‬فــإنّ اإلحســاس أو‬ ‫الشــعور بالنشــوة يتبعــه‪ ،‬فــي المجتمعــات‬ ‫المحافظــة‪ ،‬شــعو ٌر بالذنــب‪ .‬وهنــا تَبْ َهرُنــا‬ ‫األنــا الســاردة بأنهــا ‪ -‬خالفــاً لغيرهــا ‪-‬‬ ‫بالذنــب يبعــث فيهــا النشــوة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كان الشــعور‬ ‫وســوف تجــرب "نشــوة الشــعور بالذنــب" فــي‬ ‫لحظتيــن‪ :‬عنــد الحــزن‪ ،‬وعنــد الفــرح‪ .‬فــإذا‬ ‫كان الشــعور بالذنــب مــن الممكــن أن يكــون‬ ‫لــه مبــرّر عنــد الفــرح‪ ،‬فلمــاذا هــو كذلــك‬ ‫عنــد الحــزن؟ ربمــا ألنّ الحــزن بوصفــه‬ ‫حالــة تــدل علــى انقبــاض‪ ،‬فإنــه يتطلــب‬ ‫االبتعــاد عــن المســرات والملــذات‪ ،‬غيــر‬ ‫أن ذلــك ال يتفــق ومحاولــة الشــاعرة العبــث‬ ‫بــكل مقــررات العــرف والخطاب الســائدينِ ‪.‬‬ ‫وســوف يكــون ثمــة "شــعور بالذنــب" لحظــة‬ ‫الحــزن ألنهــا ســتجرب الشــعور بالنشــوة‬ ‫عندهــا‪.‬‬

‫ * كاتب من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪95‬‬


‫ملمس الرائحة للشاعرة فوزية أبو خالد‬ ‫محاوالت دؤوبة لتحبير المشموم عبر النص المتفلت‬ ‫■ محمد العامري*‬

‫بما أنني أشتبك مع نص مخالف لسياقات شائعة وشاغلة في المشهد السعودي‬ ‫الشعري بخاصة والكتابات األخــرى بعموم‪ ،‬فال بد من التعامل مع هذه النصوص‬ ‫بصفتها الشعرية المنفتحة على مـكــونــات الـعــالــم‪ ،‬دون ال ـتــورط بــإنــاء القصيدة‬ ‫الشطرية ومواصفاتها‪ ،‬ألن تجربة الشاعرة فوزية أبو خالد معفاة من تلك المنطقة‪،‬‬ ‫بــل تتحيز للكتابة االنـثـيــالـيــة الــواقـعـيــة والـمـتـخـيـلــة‪ ،‬وص ــوال إل ــى تخييل الــواقــع‬ ‫والـهــواجــس واألح ــام‪ .‬فالمشهودات الواقعية والمتخيلة التي تتوالد فــي بنيتها‬ ‫الشعورية تباينات ومفارقات عديدة ومتناقضة تعكس مرآة الواقع الذاتي للشاعرة‪،‬‬ ‫فهي تعكس بيئات مركبة ومعقدة تجاه وجودها اإلنساني واالجتماعي ومالبساته‪.‬‬

‫‪96‬‬

‫أصابني الفضول الختبار نصوص‬ ‫الشاعرة السعودية فوزية ابوخالد لما‬ ‫تطرحه من مفاتيح فاتنة للنص‪ ،‬فمنذ‬ ‫أن تواجه العتبة األولى لكتابها الشعري‬ ‫الجديد "ملمس الــرائــحــة"‪ ،‬حتى تقع‬ ‫في أسئلة معرفية تتمظهر في طبيعة‬ ‫الرائحة التي تقتفيها تلك القصائد‪،‬‬ ‫وحاولت أن أقرأ نصوصها عبر فتحات‬ ‫األنف أوالً كي أتفاعل مع توجهاتها في‬ ‫رصد روائح أحاطتها في هذا الديوان‪،‬‬ ‫فنحتاج إلــى اســتــدراج مــدركــات غير‬ ‫تقليدية لسبر عمق النص وتفريعاته‬ ‫الكثيرة في البحث عن جسد الرائحة‪،‬‬ ‫وطرائق كتابتها للمشموم الذاتي عبر‬ ‫القصيدة المعفاة من تقاليد البحور‬ ‫الشعرية ومجرياتها‪ ،‬فقد تحررت من‬ ‫ذلك إلطالق رائحة الحرية في الكتابة‪،‬‬ ‫تعبيرًا عن حالة سيكولوجية تتحرك‬ ‫فــي مــحــمــوالت حياتها فــي الــرائــحــة‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫فالرائحة لديها ليست صفة تستطيع‬ ‫القبض عليها‪ ،‬بل هي مساحة خطرة‬ ‫لتأويل هواجس كبرى تحملها رائحة‬ ‫النص نفسه‪ ،‬تماما كما فعل آخــرون‬ ‫فــي تنطيق الحيوانات لتحمل هموم‬ ‫البشر وقضاياهم‪ ،‬ففي رائحة "الفالش‬ ‫مــيــمــوري" مكانتة لما أري ــد قــولــه؛ إذ‬ ‫تتحول رائحة الميموري االفتراضية‬ ‫إلى خـز ٍّان لالسرار نشم رائحتها عبر‬ ‫ما تحمله من خصوصية مختبئة في‬ ‫قلب مذكراتها اإللكترونية‪.‬‬ ‫فكل ما يحمله هذا الجهاز الصغير‬ ‫األقـــرب إلــى علبة للكحل‪ ،‬ال يمتلك‬ ‫رائحة يبثها ككائن يتنفس‪ ،‬أو كمادة‬ ‫ال يــمــكــن شــمــهــا إال عــبــر االح ــت ــراق؛‬ ‫فاحتراق الرائحة هي المذكرات السرية‬ ‫والخاصة‪ ،‬حيث يتمثل االحتراق بسبر‬ ‫آلية الدخول إليها عبر جهاز الكمبيوتر‪،‬‬ ‫فهي إحراقات تحمل أوجه بعيدة لجهاز‬


‫رائحة الفالش ميموري‪ ،‬وتالها عنوان‬ ‫ففي قولها في قصيدة "رائحة الخصوبة"‬ ‫باللغة اإلنجليزية "‪ ،"flash memory‬والعنوان أو الغزل‪:‬‬ ‫الثالث وميض الذاكرة‪.‬‬ ‫ثالثة عناوين لقصيدة واحدة أرادت من‬ ‫خاللها التركيز وبشكل نفسي على العنوان‬ ‫الــثــالــث "ومــيــض الـــذاكـــرة"‪ ،‬ألن الوظيفة‬ ‫األساس للميموري هو االحتفاظ بالذاكرة‪،‬‬ ‫وفضح تلك الذاكرة هي شيوع األسرار لتسير‬ ‫من شخص إلى آخر‪ ،‬تقول في القصيدة‪:‬‬

‫أذكّر "الفالش ميموري"‬ ‫بأني أستودعه بحثي‬ ‫وسهري وبوحي‬ ‫وأستحلفه أن يحفظ سري‪،‬‬ ‫يشتم المتلصصون رائحة الوميض‬ ‫بمجرد أن يالمس مفتاح الذاكرة الصغير‪،‬‬ ‫خاصرة الكمبيوتر‬ ‫فيفتضح أمره وأمري‪.‬‬ ‫تعمد فــوزيــة اب ــو خــالــد للصعود إلــى‬ ‫أعالي الصورة الســتــدراج القاري لمناطق‬ ‫تأويلية مفتوحة‪ ،‬وتتمظهر الصورة الكلية‬ ‫في النصوص في جمل متتالية تتصاعد فيها‬ ‫روائح التأويل‪ ،‬أو ما يسمى غُلمة الرائحة‪،‬‬ ‫فتبدو سهلة بصفاتها الــظــاهــرة‪ ،‬ومعقدة‬ ‫في حركتها الباطنة‪ ،‬فالقارىء يحتاج إلى‬ ‫مدخالت متعددة لسبر المعنى وما يدل عليه‬ ‫من محموالت ذاتية وجمعية‪ ،‬ففي تأويل تلك‬ ‫النصوص مستويات وطبقات من المعاني‬ ‫والــدالالت حتى في دِ الل حامالت الرائحة‬ ‫والصوت والهسيس‪ ،‬كما لو أننا أمــام نص‬

‫ما يسمى بـ"الكمستري" الكامن فينا‬ ‫يتصاعد دخانها من مجامر الحواس‬ ‫وفـ ــي ط ــرف ــة ش ــم ت ـه ــاج ــم ل ـغ ــة ال ــرائ ـح ــة‬ ‫القلوب‬ ‫ت ـق ــذف ال ـجــاذب ـيــة بــراك ـيــن م ـك ـهــربــة من‬ ‫أمشاج الكيمياء‪.‬‬

‫تأتي فــرادة هــذه النصوص من خالل‬ ‫مفاتيحها األولية‪ ،‬وعتباتها المشفوعة بلذاذة‬ ‫العنونة‪ ،‬فهي إغواءات غامضة تهيمن عليها‬ ‫بث عالمات مواربة للوصول إلى منطقة التابو‬ ‫بشكل مقبول‪ .‬ففي نص "رائحة الخصوبة"‬ ‫نقبض عــلــى عــامــات إغــوائــيــة وتــبــدالت‬ ‫في استخدام الحواس كقولها "طرفة شم"‬ ‫وأصلها "طرفة عين"‪ .‬لقد استطاعت عبر‬ ‫ذلك تثوير ما تحملة الجملة الشعرية من‬ ‫مــدايــات بعيدة للمعاني وال ــدالالت وصوال‬ ‫إلى ضاللة النص نفسه‪ ،‬لكن تلك الضاللة‬ ‫تتمثل بــاقــتــفــاء رائــحــة األش ــي ــاء البعيدة‬ ‫والقريبة وتأثيرها على المشاعر‪ ،‬حيث تدل‬ ‫كلمة "الكمستري" ‪ chemistry‬على توافق‬ ‫طرفين في منطقة للتقارب حد االلتحام‬ ‫على الصعيدين الحسي والنفسي‪ ،‬واألمر‬ ‫هنا ال يحتاج في مجمله إلى البعد الصوتي‬ ‫في مفهومه االعتيادي‪ ..‬فالصوت محمول‬ ‫بالرائحة‪ ،‬والرائحة هنا تحمل صفتين‪ ،‬صفة‬ ‫المشموم وصفة الصائت من الكالم وصوال‬ ‫إلى الكالم المشموم‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫صغير "ميموري"‪ ،‬أي ذاكرة األسرار التي تنام يتحرك ويسكن ويتنفس ويغضب‪ ،‬وهــذا‬ ‫في تلك العلبة الصغيرة‪ .‬إذ جاءت القصيدة يقودنا إلى الوعي الفني والرؤيوي المتقدم‬ ‫التي تخص ذلك بثالثة عناوين على الشكل في طروحات قضايا كبيرة عبر مفردة واحدة‬ ‫اآلتي‪:‬‬ ‫هي الرائحة وملمسها‪.‬‬

‫‪97‬‬


‫ويذكرني موضوع كتاب فوزية ابو خالد‬ ‫في رواية العطر "قصة قاتل" للكاتب األلماني‬ ‫باتريك زوسكيند‪ ،‬وما ذهب إليه في سرديات‬ ‫لحركة الرائحة؛ إذ عكس وظيفة إصبع الطفل‬ ‫الوليد الذي قام بأول حركة للشم‪ ،‬واألصل أن‬ ‫يضع إصبعه في فمه‪ ،‬ونرى إلى أن المعادل‬ ‫الموضوعي لدى فوزية في تبدل الحواس عبر‬ ‫عبارة " طرفة شم"‪ ..‬استبداال ل "طرفة عين"‪.‬‬ ‫تــدخــل الــنــصــوص إل ــى أدق التفاصيل‬ ‫والــجــزائــيــات مــثــل نسيج يــحــاول أن يبني‬ ‫مالءات للروائح يتمظهر في النسيج الداخلي‬ ‫والظاهري في النصوص‪ ،‬ولــم تخضع تلك‬ ‫النصوص للقيم الفنية المعتادة مــن بديع‬ ‫ومــجــاز وبــيــان‪ ،‬بــل أظــهــرت موقفا مــن ذلك‬ ‫عبر اعتمادها على المفارقات والمتناقضات‬ ‫وتــهــجــيــن الــصــيــاغــات بــاشــتــقــاقــات تــخــدم‬ ‫موضوعها الــشــعــري‪ ..‬وص ــوال إلــى إدخــال‬ ‫مفردات من لغات غير العربية‪ ،،‬كجزء من‬ ‫نسيج النص ومعظم تلك المفردات الغربية‬ ‫هي مفردات أقــرب إلــى التعريب والــتــداول‪،‬‬ ‫إليمانها بــأن ذلــك يعمق المعنى في النص‬ ‫ويــوصــل الــرســالــة التي تــريــدهــا‪ ،‬فهي تقوم‬ ‫بمحاوالت أقرب إلى الجسارة في طروحات‬ ‫نصوصها‪ ..‬ففي نصها "رائحة الحبر" تقول‪:‬‬

‫كيف احتدامات الجسد‪،‬‬ ‫لذعة األناناس‪،‬‬ ‫شعلة النرجس‪،‬‬ ‫تستفز الحواس‪.‬‬ ‫هذا النص يؤسس لخطاب الشاعرة في‬ ‫تحميل الرائحة محموالت المعاناة االجتماعية‬ ‫للمرأة‪ ،‬والمتمثلة باإلثم والخطيئة والحرمان‬ ‫والضعف الــذي يحيط بها من كل الجهات‪،‬‬ ‫لكنها استطاعت أن تمنح نفسها حرية مغايرة‬ ‫ * كاتب من األردن‪.‬‬

‫‪98‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫بصور ذكية ومقبولة‪ ،‬معتمدة على االيحائية‬ ‫النصية المشحونة باللهفة والجوع‪ .‬وأذكر هنا‬ ‫قولها‪:‬‬

‫رائ ـحــة الـمـطــر تـنـشــر «إي ـم ـيــات» «‪»emails‬‬ ‫السالم‬ ‫على حبال الحب وال تبالي ببلل‪.‬‬ ‫وتعود بقولها‪:‬‬

‫"رائحة ملكة الليل"‬ ‫فاتنة تنشر مالبسها الداخلية على حبل‬ ‫المساء‪.‬‬ ‫أعتقد أن مثل هذه الكتابة النافرة تشكل‬ ‫سياقا بجانب أصــوات شعرية سبقتها في‬ ‫تجاوزات التقليدي من الشعر السعودي الذي‬ ‫لم يــزل مخلصا لعمود الشعر ومتطلباته‪،‬‬ ‫وهي تحوالت النص الطبيعية فيما يخص‬ ‫الشكل الشعري السعودي‪.‬‬


‫■ نبيلة احلمد*‬

‫تعد الوحدة العضوية للنص األدبي من أهم ما يميز جمالية النص ويعطيه‬ ‫بريقا؛ فالوحدة روح تحفظ النص الشعري من التشظي وضياع الفكرة والتشتت‪،‬‬ ‫وتجعلها تتنفس ضمن سياق منتظم يمسك بمفاصل القصيدة ويبعدها عن‬ ‫الحشو والتكرار‪ ،‬لتصل بنا القصيدة إلى الفكرة المبتغاة دون الحاجة للتفصيل‬ ‫وإع ــادة التوضيح لتنجدل األج ــزاء الشكلية للنص األدبــي وتحقق ذلــك الكائن‬ ‫العضوي الذي يتنفس‪ ،‬لنصل به إلى ذروة اإلبداع‪.‬‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫البنية الهرمية في قصيدة النساء‬ ‫للشاعرة فوزية أبو خالد‬

‫ويعــد البنــاء الهرمــي الــذي تقــوم واضحــة‪.‬‬ ‫فكرتــه علــى تقســيم القصيــدة لمقاطــع وحيــن نمــر بقصيدة النســاء نســتطيع أن‬ ‫متناســقة متراكبــة الفكــرة‪ ،‬ضمــن نقســم القصيــدة إلــى المفاصــل اآلتية‪:‬‬ ‫أســلوب ســردي قصصــي‪ ،‬مــن أهــم‬

‫العنوان‬ ‫مــا يميــز الشــاعر المتمكــن مــن أدواتــه‬ ‫نشأة النساء‬ ‫ولغتــه البيانيــة الســهلة البعيــدة عــن‬ ‫النضوج والشوق واالقتراب‬ ‫التعقيــد والغلــو‪.‬‬ ‫الطوفان والمنح والعطاء‬ ‫ولعــل هــذه الخصيصــة قــد تجلــت وألن العنــوان هــو ثريــا النــص والعتبــة‬ ‫بوضــوح فــي نصــوص الشــاعرة‪ ،‬فــا التــي تؤســس لتصافــح شــهية القــارئ‪،‬‬ ‫نجــد ذلــك التشــتت وال الضيــاع للفكــرة ليعانــق النــص؛ وألنــه النــور الــذي يضيء‬ ‫التــي تطرحهــا الشــاعرة‪.‬‬ ‫زوايــا القصيــدة‪ ،‬ال بــد أن يكــون مع ّب ـرًا‬ ‫وعنــد معانقــة القــارئ لبعــض نصــوص عــن حــال النــص ومفاصلــه‪ ،‬ولعلنــا‬ ‫الشــاعرة‪ ،‬يجــد أن الوحــدة العضويــة نجــد الدهشــة قــد تجلــت واضحــة فــي‬

‫تجلــت فــي معظــم النصــوص األدبيــة‪ ،‬العنــوان‪..‬‬

‫ونأخــذ مثــاال لذلــك قصيــدة النســاء‪ ،‬فالنســاء تحمــل الكثيــر مــن التأويــات‬ ‫والتــي بــدت فيهــا الوحــدة العضويــة التــي تدفــع المتلقــي إلــى الحيــرة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪99‬‬


‫واإلقبــال علــى تفهــم نظــرة الشــاعرة للنســاء‪ ،‬وكيــف‬ ‫ستســكب الرؤيــة لتنطلــق بنــا إلــى التســاؤل الكبيــر‬ ‫الــذي يحملنــا إلــى ذلــك االرتقــاء نحــو‪:‬‬

‫الفردوس‪..‬‬ ‫فردوس انسَ لَّ منه النساء‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ُّ‬ ‫السرابَ‬ ‫وسكبنَ َّ‬ ‫على‪..‬‬ ‫ُسبات السابلة؟‬ ‫وتبــدأ انســكابات الــدالالت اللفظيــة تبعــث الدهشــة‬

‫باســتخدام الــدالالت الرمزيــة المنســكية‪ ،‬عبــر‬

‫جماليــات الموســيقى المذهلــة‪ ،‬فالســراب والســنبلة‬ ‫والفــردوس كلهــا تشــكل دالالت تبعــث التســاؤل فــي‬

‫ذهــن المتلقــي‪ .‬وهــذه االنطالقــة تشــكل بنيــة أفقيــة‬ ‫لتصــل إلــى المكــون األصيــل للخلــق وهــو المــاء‪.‬‬

‫نُهرِّب ما َء السماء في سواد المساء‬ ‫شحوب الصحراء‬ ‫ِ‬ ‫ُقطر شمس ًا نحاسيّةً على‬ ‫ن ِّ‬ ‫بماس العسيب‬ ‫ِ‬ ‫نشك األصاب َع‬ ‫ّ‬ ‫وهــي هنــا تســتخدم أجــزاء الحيــاة لترســم الصــورة‬

‫الكبــرى‪ ،‬الســماء والمســاء والشــمس والصحــراء‬ ‫واألصابــع‪ ،‬توظــف هــذه المكونــات لتدلــل علــى أن‬

‫النســاء يشــكلن كل لــون وشــكل‪ ،‬وكل روعــة وعطــاء‪،‬‬ ‫ومنــع وفــرح وشــحوب‪ ،‬وهــن الشــمس وإن كانــت الحيــاة‬

‫شــاحبة‪.‬‬

‫ولعلنــا نلحــظ أن الشــاعرة تســتهل كل مقطــع بتســاؤل‬ ‫مدهــش ينقلنــا لســماء أخــرى ال تنفصــل عــن الســماء‬ ‫التــي تحتهــا‪ ،‬ولكنهــا ترتقــي نحــو رؤيــة أعمــق‪:‬‬

‫نعاس يغالب صح َو الصبايا؟‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ّ‬ ‫‪100‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫نستمطر القلبَ أشواق ًا حييّةً ورحيق ًا يفور‬ ‫نستمطر الوقتَ عمر ًا وصبر ًا جميلْ‬ ‫الطرقات‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫نستمطر‬ ‫وطن ًا‬ ‫يبدّ د الوحش َة المشتركَة‬ ‫فالنســاء كــن صبايــا مدلــات‪ ،‬يمنحــن الحيــاة التــي تفــور‪،‬‬ ‫ويمــر بهــن الوقــت ليزرعــن فــي جنباتــه الصبــر‪ ،‬ويكبــرن‬ ‫ليواجهــن الوحشــة والشــوق‪ ،‬وهــن الوطــن والطريــق الــذي‬ ‫تشــترك فيــه مــع مــن تحــب مــن البشــر‪.‬‬ ‫ولعلهــا تدلــج بنــا إلــى ســماء أعلــى‪ ،‬ولكنهــا موجعــة‪..‬‬ ‫لنصــل للمقطــع الثالــث‪ ،‬وتبــدأ أيضــا كعادتهــا حيــن تفتــح‬ ‫لنــا األبــواب بالســؤال‪:‬‬

‫أي رياح تُخاطف األشرعة؟‬ ‫ُّ‬ ‫نُمازج الطوفا َن بأطياف تطير‬ ‫ونُؤلِّف من كل زوجين اثنين‬ ‫مَ هْ ر ًا للمُ هرة الهاربة‬ ‫أي قمر علَّقتْه شهرزادُ على ليل اللقاء؟‬ ‫ُّ‬ ‫اقترب‬ ‫ْ‬ ‫قلنا‬ ‫قلنا عصافيرُ تحترق‬ ‫قامةٌ تُورق‬ ‫قلنا زرقاءُ تقرأ إشارات المَ حاق‬ ‫غابةُ ِسدْ ر ت ُْش ِجر مُ كعَّ بات الفراغ‬ ‫فالطوفــان أخــذ أحالمهــن هنــا إلــى الفــراغ‪ ،‬ومــع هــذا مــا‬ ‫زلــن بمنحــن اللقــاء روعتــه‪ ،‬ويحلقــن رغم خطــر االحتراق‪،‬‬ ‫ويعلقــن األقمــار رغــم الوجــع‪..‬‬

‫قلنا‪..‬‬ ‫للعيد‬ ‫ِ‬ ‫هيّأنا األَهلَّة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪101‬‬


‫األكف للحنّاء ه ّيأْنا‬ ‫َّ‬ ‫ه ّيأْنا‬ ‫عرس ًا لبالد‬ ‫آخيْنا بين القمح والمستحيل‬ ‫الجر َح بالملح و َّضأْنا‬ ‫وهبنا خمير َة الروح ألجنّة المطلَق‬ ‫ونقضنا في الصباح غَ زْلَ المساء‬ ‫ْ‬ ‫أي ُحلم تبتدي منه المليحة‪..‬؟‬ ‫ُّ‬

‫تصــل بهــا إلــى حلــم المليحــة رغــم الطوفــان‪.‬‬ ‫ووظفــت الكلمــات الدالــة علــى اإلبــداع‬

‫والنبــوغ اإلبداعــي الــذي يصنــع الترابــط‬ ‫التصويــري المدهــش؛ فالشــمس‪ ،‬والســماء‪،‬‬

‫والقمــر‪ ،‬والمســاء‪ ،‬والجــرح‪ ،‬والقمــح‪،‬‬ ‫والملــح‪ ،‬والعــرس‪ ،‬والمســتحيل‪ ..‬كل هــذه‬

‫الكلمــات بدالالتهــا صنعــت صــورة واحــدة‬

‫مجدولــة‪ ،‬تنمــو حتــى تصــل بنــا إلــى نهايــة‬

‫ومــع هــذا‪ ،‬تختــم الشــاعرة القصيــدة القصيــدة‪ ،‬لنخــرج منهــا بالمســتوى الجمالــي‬ ‫بالحديــث عــن تلــك المنحــة العظيمــة التــي نفســه الــذي ولجنــا بمعيتــه للقصيــدة منــذ‬ ‫تمنحهــا النســاء للكــون‪ ،‬فهــن يوضئــن الملــح العتبــة األولــى‪.‬‬ ‫بالمــاء‪ ،‬ويحلمــن رغــم الوجــع والمســتحيل‪ ..‬وأســهمت الموســيقى بتحقيــق هــذا التمــازج‬

‫كانــت هــذه القفلــة غايــة فــي الجمــال البيانــي بشــكل مدهــش؛ فالجــرس الداخلــي للكلمــات‬ ‫والتحليــق العجيــب؛ فالنســاء خميــرة الــروح‪ ،‬صنــع لمعــة فريــدة للكلمــات عبــر الوقــوف‬ ‫علــى الهمــزة حينًــا‪ ،‬والقــاف حينًــا والبــاء‬ ‫وهــن وجــه المليحــة وروح الحلــم‪.‬‬ ‫ونصــل هنــا للحديــث عــن اللغــة واألســلوب والــدال‪ ..‬هــذا التنويــع صنــع مزاجــا خاصــا‬ ‫لنقــول‪ :‬إن التكــرار يعــد وســيلة لغويــة لتأكيــد بقصيــدة تترابــط بمعانيهــا وتتنــوع فــي‬ ‫الفكــرة وتحقيــق االنســجام‪ ،‬ولكــن الشــاعرة موســيقاها‪.‬‬ ‫هنــا وظفتــه لالنتقــال مــن مقطــع آلخــر ال شــك فــي أنّ أيّ قصيــدة تســتحق الحيــاة‬ ‫ٍ‬ ‫بســلس ورقــة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫معــان إنســانية راقيــة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وانســيابية راقيــة‪ /‬ولتفتــح بقــدر مــا فيهــا مــن‬ ‫بــاب الدهشــة والتأويــل‪ .‬فتكــرار أي ‪-‬كأداة يطرحهــا الشــاعر بأســلوب جــذاب‪ ،‬فيــه مــن‬ ‫اســتفهام‪ -‬جعــل القصيــدة مترابطــة تنقلــك التصويــر والدهشــة الكثيــر‪ ،‬ومــن الترابــط‬ ‫دفقاتهــا مــن مســتوًى آلخــر‪ ،‬لتلمــح تلــك والتناســق مــا يجعلــه كائنًــا يتنفــس‪ ..‬وهــذا‬ ‫الرشــاقة األســلوبية فــي لغــة الشــاعرة‪.‬‬ ‫مــا لمحنــاه هنــا فــي قصيــدة النســاء‪ ،‬فــكل‬

‫ونلمــح هنــا االرتقــاء األفقــي جليّــاً‪ ،‬فهــي العناصــر الشــعرية كانــت تتنفــس مــن رئــة‬ ‫تنتقــل مــن أســفل ألعلــى‪ ،‬لتتحــدث عــن بدايــة واحــدة بوظائــف متعــددة‪ ،‬متســقة الفكــرة‪،‬‬ ‫خلــق النســاء مــن ســنبلة للعطــاء‪ ..‬إلــى أن جميلــة العاطفــة‪.‬‬ ‫* كاتبة من األردن‪.‬‬

‫‪102‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫■ د‪ .‬هناء علي البواب*‬

‫هل جئت‪ ،‬هل جئت هنا‪ ،‬وانهار جدار‪ ،‬هل استجرحت الجرح‬ ‫جالست هواجسي‪ ،‬هاجستني بالهجرة‪ ،‬أم المجرات استدارت؟‬ ‫أفرك عيني أفرك‪ ..‬أفرك‬ ‫هل مررت بالسعفة‪ ،‬أبلست السكون‬ ‫ساكنت الجسد‪ ،‬وخرقت السفينة‬ ‫هل موجت اليابسة‪ ،‬رجرجت البحر‬ ‫شرست النوار‪،‬‬ ‫حبرك على القميص‪،‬‬ ‫بصماتك على القصائد‪،‬‬ ‫شهقتك على الشباك‬ ‫تفاصيل لاللتباس‪ ،‬أتعوذ من الوسوسة‬ ‫يقطر شعري يقطر‪ ..‬يقطر‬ ‫تلك ابنة الفضاء والصحراء والبادية‬ ‫العربية‪ ،‬شاعرة من عصر متفرد متميز‪.‬‬ ‫تلك فوزية أبوخالد‪ ،‬التي عاشت العزلة‬ ‫بين اليقظة والمنام‪ ،‬فالعزلة تطول أو‬ ‫تقصر برغبة من المبدع‪ ،‬عندما ينتبذ‬ ‫مكاناً قصياً يتفكر فيه بالخلق والخالق‬ ‫والكون والوجود‪ ،‬وأحيانا تكون العزلة‬ ‫إجــبــاريــة فــي الــســجــون والمعتقالت‬ ‫والنفي عن األوطان‪ ،‬حيث يعيش المبدع‬ ‫قصراً في عزلة تدفعه أيضا ليعيش‬ ‫الغربة واالغتراب عن وطنه‪ ،‬أو تدفعه‬ ‫للتفكر في الوجود والكون واإلنسان‪،‬‬ ‫فينتج عــن ه ــذه الــعــزلــة مــن نصوص‬

‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫فوزية أبو خالد‪..‬‬ ‫ُ‬ ‫فارسة اللون بين المنام واليقظة‬

‫أدبية وفنية وفكرية‪ ..‬ينتجها المبدع في‬ ‫عتمة الخارج ونور الداخل الذي يضيء‬ ‫له مسالكا في دروب اإلبداع‪ ،‬تجد امرأة‬ ‫تخرج من صالبة وقسوة الحياة لتصرخ‬ ‫"أنــا ابنة الــصــحــراء‪ ،‬وأنــا أم قصيدة‬ ‫النثر"‪.‬‬ ‫وهي امرأة تمثّل كل النساء في قصيدة‬ ‫"النساء" حين تقول‪:‬‬

‫فردوس انسَ لَّ منه النساء‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ُّ‬ ‫السرابَ‬ ‫وسكبنَ َّ‬ ‫على‬ ‫ُسبات السابلة؟‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪103‬‬


‫مــن فخامة أســلــوب شاعرها وقــدرتــه في‬ ‫نُهرِّب ما َء السماء في سواد المساء‬ ‫ـوب تركيبها البنائي‪ ،‬ومــا يتضمنه النص من‬ ‫ُن ـق ـ ِّـط ــر ش ـم ـس ـ ًا ن ـح ــاس ـ ّي ــةً ع ـل ــى ش ـح ـ ِ‬ ‫طيات معانيها ومضامينها العميقة‪ ...‬ناهيك‬ ‫الصحراء‬ ‫عما تحتوي عليه من ثروة مفرداتية‪ ،‬وإحاطة‬ ‫بماس العسيب‬ ‫ِ‬ ‫نشك األصاب َع‬ ‫ّ‬ ‫نعاس يغالب صح َو الصبايا؟‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬ ‫ّ‬ ‫معلوماتية شاملة بما يــحــدث‪ ..‬مــع جــودة‬ ‫نستمطر الـقـلــبَ أشــواق ـ ًا حـيـ ّيــةً ورحيق ًا وموثوقية الربط بين السياقات والتراكيب‬ ‫يفور‬ ‫بأشكال مختلفة وانسيابية الفتة‪.‬‬

‫نستمطر الوقتَ عمر ًا وصبر ًا جميلْ‬

‫والــقــارىء لقصيدة (ســن الــيــأس) لفوزية‪،‬‬ ‫الطرقات‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫نستمطر‬ ‫يــدرك تماما أن العنوان هو العتبة األولــى‬ ‫وطن ًا‬ ‫ـص‪ ،‬وهو‬ ‫التي نَنطلق منها للولوج إلــى الــنـ ِّ‬ ‫يبدّ د الوحش َة المشتركَة‬ ‫َكثيف لمعانيه‪ ،‬أو هو الجسر الــذي نم ّر‬ ‫ت ٌ‬ ‫فالطبيعة بداية أثرها الواضح في الثراء عليه للوصول إلى داللة النص‪ ،‬وهو يشكِّل‬ ‫اللغوي لدى الشاعرة شعرًا وحياة‪ ،‬وأبرزها أول إشارة من المؤلِّف للمتلقي حين تقول‪:‬‬ ‫ما يتمثل في أرضها التي تذكرها دومًا في‬ ‫نصب مصيدته عند‬ ‫نصوصها‪ ،‬فعاشت الشاعرة في روضة تعبق‬ ‫استدارة رمانة كتفها‬ ‫بمختلف أنــواع الزهور‪ ،‬أي أن تلك األلوان‬ ‫لــم تــكــن مــجــردة مــن الــعــاقــات النفسية ولكن غلبته أحكام السن‬ ‫المتشابكة‪ ،‬بل أصبحت عالمًا يحفل بالشعور والتزامات السياسة‬ ‫المتوازي في عالم اللغة والحواس‪ ،‬ولكن كل صارت الفريسة كلما نعس أو‬ ‫ما حولها كان يمتزج بشحوب السماء‪ ،‬ولون انتابته نوبة السعال تذله‬ ‫أرواح من باستسالمها كشوكة‬ ‫ٍ‬ ‫الصحراء‪ ،‬وغبار األرض‪ ،‬وسواد‬ ‫حولها‪ ،‬وتلك العزلة المفروضة التي خلقت سوداء وحشية انكسرت في حلقه‬ ‫منها متمردة على كل قيود المجتمع واللغة‪ ..‬فأنت بالتأكيد أمام امرأة من شكل مختلف‪،‬‬ ‫لتصرخ هبوبا كالريح العاصفة وتشق عباب وتــمـ ّر بسن الــيــأس بشكل مختلف عــن كل‬ ‫األرض والصحراء‪ ،‬وتنادي بحرية الكلمة‪ ..‬سيدات الدهر‪ ،‬فكيف للسياسة أن تشكل‬ ‫لتخلق قصيدة النثر‪ ،‬وتكون أول امرأة تخط روح امــرأة من ذاك الزمن الــذي سيطرت‬ ‫نصوص النثر بين جنبات الكتب‪.‬‬ ‫فيه النوبات السعالية على كل األصــوات‪،‬‬

‫‪104‬‬

‫فالشِّ عر رسالة‪ ،‬والقصيدة شيفرة يحاول‬ ‫القرَّاءُ تفكيكها والغوص إلى ما وراء الكلمات‬ ‫في أعماق ما بين السطور؛ محاوَل ًة منهم‬ ‫لفهم مقاصد الشَّ اعر‪ ،‬ففخامة القصيدة‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫وال مجال لصوت يعلو فوق صوت الحق‪ ،‬وال‬ ‫مجال هناك لزمن يستدير كما نريد‪ ،‬فعبرت‬ ‫فوزية أبو خالد عن ذلك بأسطر مختنقة‬ ‫مرتبكة الجلوس على المقعد‪ ..‬خوفا من‬


‫مـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــور خ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــاص‬

‫ومثل ذلك في النظرة التشاؤمية يظهر في‬ ‫تحوّل المقعد إلى كرسيّ لالعتراف‪.‬‬ ‫أما عن حضور األلوان في أعمالها الشعرية أغلب عناوين قصائدها الموشاة بالحزن‪:‬‬ ‫وكثافته‪ ،‬فإن الحديث عنه يأخذ غير جانب‪ ،‬الحداد‪ ،‬العباءة‪ ،‬الصحراء‪ ،‬الحزن‪.‬‬ ‫ويالحظ التباين الداللي وتغير الدالالت في فهنا الــلــون حافل ب ــدالالت غريبة‪ ،‬شغلت‬ ‫تلك األعمال؛ فهو تباين داخلي (أي داخل با َل الشاعرة؛ الرتباطها بالمرأة من جانب‪،‬‬ ‫النصوص نفسها)‪ ،‬وانحراف عن الدالالت ورغبتها بالتعبير عن كل امــرأة أنها هي‪،‬‬ ‫ال له وتتحدث بلسانها‪ ،‬وحبها للطبيعة المليئة‬ ‫العرفية في اللغة عمومًا‪ ،‬فاألسود مث ً‬ ‫دالالت ُتــراوح بين اإليجابية والسلبية‪ ،‬بين باأللوان من جانب آخر‪ .‬فكان من المنطق‬ ‫المقبول والمرفوض‪ ،‬يؤثر في ذلك المكان أن يترافق (البحر مع الشجر والشمس)‪،‬‬ ‫والزمان للظهور اللوني؛ فسواد الشعر والعين وال يمكن‪ ،‬بشكل واقــعــي‪ ،‬أن يترافق الـدّم‬ ‫يختلف عن السواد في القلب‪ ،‬وكذلك الزرقة مع اللون األسود‪ ،‬فجاء اللون لداللة رمزية‬ ‫داالً على العجز وعــدم المقدرة على رسم‬ ‫والحمرة وسائر بقية األلوان‪.‬‬ ‫فتلك األلـ ــوان عــمــو ًمــا لــدى الــشــاعــرة في األشياء‪ ،‬وهذا نتاج علة‪ ..‬وأستبعد أن تكون‬ ‫مجموعاتها ظاهرة وواضحة جلية‪ ،‬السيما العلة عند الشاعرة بعدم مقدرتها على تنسيق‬ ‫في التصوير المعتمد على اإلشعاع اللوني‪ ،‬األلفاظ ومجاراتها للنص‪ ،‬بل هو تغيير إرادة‬ ‫واللون على وضوح داللته غالبًا‪ ..‬إال أنه في الشاعرة للهروب من الواقع األليم الذي حل‬ ‫بها‪ ،‬فهذه داللة واضحة على أن الشاعرة لم‬ ‫غاية العمق‪.‬‬ ‫تكن عاجزة عن تنسيق ألفاظ الكلمات في‬ ‫إذًا‪ ،‬لم تــأت األلــوان عندها أو غيرها من‬ ‫سياق شعرها‪ ،‬أي أن األلفاظ اللونية تكون‬ ‫الــشــعــراء بمحض الــصــدفــة‪ ،‬بــل استعان‬ ‫في تراكيب عادية ولكنها استطاعت أن تبني‬ ‫الشاعر العربي القديم باأللوان ليعبر بها عن‬ ‫لنفسها خطا مختلفا تماما‪:‬‬ ‫الطبيعة وتجربة خاصة تكشف عن إحساس‬ ‫جمعي‪ ،‬وهي أقرب إلى نفسه؛ بسبب وجوده ففي قصيدة (الوحل) ترسم صورة ال يمكن‬ ‫لعقل أن يستوعبها حين تقول‪:‬‬ ‫الدائم في أحضانها‪.‬‬

‫تنوّعت دالالت لفظ الــلــون بعامة مــا بين للوحل لمن غاص في أعماقه السوداء‬ ‫متفق الداللة وآخر متباين‪ ،‬حتى تصل إلى رائحة قرحة المعدة‪ ،‬عطن الخبز‬ ‫التضاد أحــيــا ًنــا‪ ،‬وهــو مــا سمى بالتدبيج؛ عرق العمل مراق على زنابق متخيلة‬

‫فعلى الرغم مما تزخر به أعمال الشاعرة‬ ‫من ألفاظ األلوان‪ ،‬ورغبة تبدو جامحة لديها‬ ‫تجاه تزيين شعرها بوافر من الظالل اللونية‪،‬‬ ‫فإنها تنظر إلى اللون نظرة تشاؤم أحيانًا‪،‬‬

‫وهـــذه ال ـ ــدالالت حقيقية تعكس الحياة‬ ‫الجديدة‪ ،‬التي تعيشها الشاعرة السعودية‬ ‫مع تأثرها بالثقافة‪ ،‬ولكن األلــوان عندها‬ ‫تأخذ داللــة الــرمــز إلــى اإلب ــداع الشعري‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪105‬‬


‫الشاعرة قد نفخت الحياةَ في‬ ‫ِ‬ ‫فأي لون ذاك الذي تتخيله من عطن الخبز وبهذا نَجد‬ ‫مرتبطا بالوحل الممتد إلى سيقانك بأكملها‪ ،‬لغتها وجمَعت بين الصوت والداللة والسياق‬ ‫وأنت تغوص في ذاك الوحل تجد أعماقك بكيمياء التخييل والفِ كر والمشاعر‪.‬‬ ‫سوداء من الحقد والكره الذي تبنيه لنفسك‪،‬‬ ‫فإذا كانت تجارب الشاعرة ومواقفها تحوى‬ ‫ثم ألــوان الزنابق التي اليمكن أن تتوافق‬ ‫تلك الجوانب المتفارقة‪ ،‬فــإن تشكيالتها‬ ‫المشمومات فيها بين لغة الــلــون الجميل‬ ‫الشعرية ال بد أن تكون صدى لتلك التجارب؛‬ ‫للزنبق مع رائحة العرق‪.‬‬ ‫فالمفارقة الشعورية والحياتية‪ ،‬تبدو فى‬ ‫أنــى لــك كــل ذاك التخيّل يــا شــاعــرة ِسفْر صورة مفارقات شعرية‪ ،‬تستغل اإلمكانات‬ ‫األلوان؟؟‬ ‫اللغوية المتوترة والمراوغة‪.‬‬ ‫وكأن الشاعرة مخمورة ال تستطيع التمييز‬ ‫فمن الصعب أن تلتقي في هذا الزمن برجل‬ ‫بين األلــوان‪ ،‬فكلمة (السواد) جاءت لداللة‬ ‫يتحلي بأخالق الفرسان‪ ..‬هذا الرجل قد‬ ‫التخبط وعدم اإلدراك وغياب العقل‪ ،‬وقد‬ ‫يكون قــادم ـاً مــن األساطير أو مــن عصور‬ ‫أوحى لنا اللون أنّ المرأة هنا مرائية ومنافقة‪،‬‬ ‫األنبياء؛ هذا الرجل األسطوري ببساطته‬ ‫وتزعم أنّ الشاعر هو فارس األحالم‪ ،‬فمنها‬ ‫وسلوكه الفذ يستحق أن نطلق عليه لفظ‬ ‫يصور لنا ضياع الحياة في وجه الشاعرة‪،‬‬ ‫والعكس ضاع اللون بضياعهما‪ ،‬فإن العالقة رجل‪ ..‬فالرجولة موقف وسلوك‪ ..‬مسئولية‬ ‫تعادلية بين اللون وبين الحياة‪ ،‬حيث إنّ حقيقية ووعي بدورها في تكوين اإلنسان‪..‬‬ ‫ه ــذا الــرجــل الــفــارس قـــادر عــلــى العطاء‬ ‫االثنين ضاعا في نهاية القصة‪.‬‬ ‫واالحتواء؛ وليس األخذ فقط؛ لديه القدرة‬ ‫فــا شــك إن كــل مــحــاوالت تــدجــيــن شبح‬ ‫على تمييز معادن الناس وسبر أغوارهم‬ ‫الشعر ووضعه داخل شكل هندسي محسوب‬ ‫وتفهم معاناتهم واستيعاب أفراحهم وأحزانهم‬ ‫األبعاد‪ ..‬قد فشلت‪ .‬وهذا ما أثبته الشاعر‬ ‫قاس‬ ‫حين طــار بنا في فضاءآت رحبة مفتوحة بعقل كبير وقلب أكبر‪ ،‬فنحن في زمن ٍ‬ ‫على آفاقها غير المحدودة وغير المقننة‪ ،‬أصبح الرجل الفارس‪ ..‬الرجل الحقيقي‪..‬‬ ‫ال ال‬ ‫فالسالم فع ٌل ال شعوري أحيانًا‪ ،‬وشعوريٌّ في عُملة نادرة‪ ..‬هل عرفت في حياتك رج ً‬ ‫أحايين أخــرى‪ ،‬وتلك الغصص التي تسكن يقهر؟ إنه الرجل الفارس‪ ..‬هو الذي ال يقهر‬ ‫الــشــاعــرة حــمـ ٌم تَطفو على سَ ــطــح الــواقــع وال يظلم‪ ...‬فكيف إذا وجدت المرأة الفارسة‬ ‫المرير‪ ..‬سالم يحرق ما مضى من األيام‪ ،‬التي ال يمكن لك وأنت تقرأ نصوصها إال أن‬ ‫وما اخض َّر من الحاضر‪ ،‬ويعيد المرأة رمادًا تتخيل أن هناك فارسة من زمن غريب غير‬ ‫قد ينبتُ فيه عشب األ َمــل‪ ،‬أو لعلَّه يَنبت‪ ،‬زمننا؛ إنها فوزية أبو خالد‪.‬‬

‫‪106‬‬

‫* كاتبة من األردن‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫أكاديميون‪:‬‬ ‫الدراسات الحديثة تؤكد تأثير العوامل‬ ‫االقتصادية واالجتماعية على مخ اإلنسان وتطوره‬ ‫■ حتقيق‪ :‬سعاد سعيد نوح*‬

‫ُيـعــدُّ العنصر الـبـشــري فــى أي مجتمع‪ ،‬بما يمثله مــن وعــي وثـقــافــة وق ــدرات‬ ‫ومهارات‪ ،‬نقطة البداية وحجر الزاوية فى تنمية هذا المجتمع وتطويره؛ فبوساطة‬ ‫تنمية أساليب التفكير والسلوك ينمو المجتمع ويتطوّر‪ ،‬كما أن هذا العنصر هو‬ ‫الذى يستطيع قياس ذلك النمو وتحديـ ــد اتجاهه‪.‬‬ ‫وقد صدرت العديد من الدراسات‬ ‫العلمية تؤكد تأثير الظروف االجتماعية‬ ‫واالقتصادية على تطور العقل البشري‪،‬‬ ‫من حيث الوظائف الدماغية؛ بل وصل‬ ‫األم ــر أن ثمة دراسـ ــات حديثة تؤكد‬ ‫تأثير تلك العوامل على تطور المخ‪،‬‬ ‫كعضو فسيولوجي داخل اإلنسان‪ ،‬رغم‬ ‫أن العلماء قديما كانوا يرفضون فكرة‬ ‫تطور المخ بسبب ظــروف اجتماعية‬ ‫واقــتــصــاديــة م ــا‪ ،‬وكــانــوا يــؤكــدون أن‬ ‫الــمــخ جــهــاز فسيولوجي فــي الجسم‬ ‫ال يتطور‪ ،‬إنما تتطور وظائفه‪ .‬ومن‬

‫هنا‪ ،‬كانوا يفضلون استخدام مصطلح‬ ‫العقل عن مصطلح المخ‪ ،‬لكن مؤخرًا‬ ‫أصدرت مجموعة من الباحثين في تسع‬ ‫مستشفيات وجامعات أمريكية دراسة‬ ‫أجريت على ما يزيد عن ألــف طفل‪،‬‬ ‫ونشرت في مجلة نيتشر نيروساينس‬ ‫في مارس الماضي؛ إذ أخذ الباحثون‬ ‫عــيــنــات مــن الــحــمــض ال ــن ــووي ‪DNA‬‬ ‫وقاموا بعمل مسح بالرنين المغناطيسي‬ ‫ألدمغة األطفال‪ ،‬وجمع معلومات حول‬ ‫مــســتــوى دخ ــل عــائــاتــهــم وخلفيتهم‬ ‫التعليمية‪ ،‬وقــامــوا بإعطائهم سلسلة‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪107‬‬


‫من اختبارات المهارات كالقراءة والتذكر‪ .‬بشكل كبير على الدماغ‪ ،‬لكن هل يمكن للمال‬ ‫مكّنت عينات الحمض النووي العلما َء من أن يشتري دماغً ا أو مخً ا أفضل؟ وهل يمكن‬ ‫اكتشاف تأثير الوراثة والنظر عن قرب إلى للفقر والحرمان أن يتسبب في دماغ أضعف؟‬ ‫تأثير الحالة االقتصادية واالجتماعية على‬ ‫هذه القضية التي شغلت علم نفس النمو‬ ‫الدماغ في طــور النمو‪ .‬وركــز المسح على واألطباء وعلماء االجتماع‪ ،‬ربما تصبح حافزًا‬ ‫قياس المساحة الكلية لسطح الدماغ وحجم للحكومات وللمنظمات األهلية والحقوقية‬ ‫"الحصين"‪ ،‬وهو جسم ذو بنية منحنية يقع لرفع مستوى دخول األفراد والتنمية البشرية‬ ‫في وسط الدماغ ويقوم بتخزين الذكريات‪ .‬للمجتمعات‪ ،‬أمال في القضاء على السلبيات‬ ‫وكما كان متوقعا‪ ..‬فالعائالت األكثر تعليمًا االجتماعية في المجتمعات البشرية‪.‬صحيح‬ ‫ٍ‬ ‫يكون ألطفالها دمــاغ بمساحة‬ ‫سطح أكبر‪ ،‬هناك دراس ــات كثيرة عــن حــاالت التنمية‬ ‫ويكون "الحصين" أكبر حجمًا‪ .‬هذا بالنسبة غير المتوازنة‪ ،‬وقد أشارت مؤسسة "تنمية‬ ‫للتعليم‪ ،‬إال أن للدخل تأثيراً آخر مستقالً‪ ،‬الخبراء‪ ،‬مهارة في عرضها لرؤية المؤسسة‬ ‫فــاألطــفــال ال ــذي ــن يــعــيــشــون ف ــي مستوى حــول التنمية عن فكرة التنمية المتوازنة‬ ‫ٍ‬ ‫اجتماعي‬ ‫متدن‪ ،‬تكون مساحة سطح الدماغ وغير المتوازنة‪ ،‬وكيف أنه من أجل تحقيق‬ ‫لديهم أقل بنسبة تصل إلى ‪ %6‬من األطفال واستعادة القدرات اإليجابية للمجتمع يجدر‬ ‫الذين يعيشون في عائالت ذات مستوى دخل بالمجتمع أن يتجنب التنمية غير المتوازنة‪،‬‬ ‫مرتفع‪ .‬وتؤثر الزيادات البسيطة في الدخل وأن يسعى إلى التنمية المتوازنة؛ ألنه "حين‬ ‫االقتصادي لألسر ذات الدخل المنخفض تفشل المجتمعات فــي امــتــاك‪ ،‬أو حفظ‬

‫خريطة المخ‬

‫‪108‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫د‪ .‬خالد عبدالغني‬

‫الظروف الضرورية لحماية‪ ،‬وتنمية ال ُقدُرات‬ ‫ضمُورِ ها‪،‬‬ ‫اإليجابية ألفرادها؛ تتسبب في ُ‬ ‫أو إعْ طَ ا ِبهَا‪ ،‬أو منعها من الْبُزُوغ‪ .‬واألخطر‬ ‫من ذلــك‪ ،‬أنــه باستمرار التنمية القاصرة‬ ‫لــفــتــرات طويلة يــتــســارع تــدهــور ال ـ ُق ـدُرات‬ ‫الجمعية لــأفــراد فــي المجتمع‪ ،‬وتتآكل‬ ‫ثروته البشرية‪ .‬فالتدهور ال يُع ِْطبُ ‪ ،‬أو يُثَبِّطُ‬ ‫ال ُقدُرات اإليجابية وحسب‪ ،‬بل يُنَمِّي ُق ُدرَات‬ ‫هَ ــدَّ ا َمـ ٍـة تسهم في إدامــة التنمية القاصرة؛‬ ‫كجزء من حلقة خبيثة‪ .‬في هــذه الحاالت‬ ‫الحرجة ينبغي أن تكون "األولوية الحتمية‬ ‫إليقاف التدهور" استعادة القدرات اإليجابية‬ ‫الجمعية لألفراد في المجتمع"(‪.)1‬‬ ‫وقــد توجهت الجوبة إلــى مجموعة من‬ ‫المتخصصين فــي ه ــذا الــشــأن مــن أجــل‬ ‫استطالع آرائــهــم فيه‪ ،‬سعيا إلــى "روشتة"‬ ‫عالج تنقذ البشرية من كثير من المشكالت‬ ‫يسببها الفقر والوضع االجتماعي المتدني‪.‬‬

‫يرى أن هذا األمر وغيره مما لم نذكره‬ ‫يشير إلى عدم دقة البحوث العلمية فيما يتعلق‬ ‫بالجوانب اإلنسانية أو العلوم االجتماعية؛‬ ‫بيئات مختلفة‪ ،‬في‬ ‫ٍ‬ ‫فقد ننشأ جميعًا في‬ ‫عوائل يُراوح مستواها المعيشي بين الغِ نى‬ ‫والمتوسط والفقير‪ .‬هــذا االختالف يعبر‬ ‫عنه بـ "الحالة االجتماعية االقتصادية"‪ ،‬وقد‬ ‫يكون مرتبطً ا ببنية وتنظيم الشبكة الوظيفية‬ ‫للمخ عبر فترات مختلفة من حياة الفرد‪،‬‬ ‫خاصة في المراحل المبكرة في الطفولة‪.‬‬ ‫وال ــص ــواب أن الــفــقــر عــلــى سبيل المثال‬ ‫عامل منفردًا يعزى إليه وحده التغير‬ ‫ً‬ ‫ليس‬ ‫الوظيفي للمخ‪ ،‬ولكنه مؤثر بشكل مباشر‬ ‫مجتمع فقير‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫على الفرد‪ .‬فالذي يعيش في‬ ‫قد يحاط بالعديد من العوامل المثبطة‪ ،‬مثل‬ ‫اإلجهاد البدني والنفسي واالجتماعي في‬ ‫سبيله للبحث عن مقومات الحياة األساس‪.‬‬ ‫وبالتالي قد يتأثر نشاط مخه سلب ّيًا وسط‬ ‫هذا كله‪.‬‬ ‫ونؤكد ليس بالضرورة المطلقة أن تكون‬ ‫الظروف االجتماعية واالقتصادية صاحبة‬ ‫التأثير الــوحــيــد‪ ،‬حتى وإن أثبتت البحوث‬ ‫أن البالغين الذين متوسط أعمارهم (‪-35‬‬ ‫‪ 64‬سنة) في إحــدى الــدراســات األمريكية‪،‬‬ ‫أصــحــاب الحالة االجتماعية واالقتصادية‬ ‫المنخفضة لديهم عدم تنظيم في الشبكات‬ ‫الوظيفية في المخ‪ ،‬وانخفاض سُ م ِْك القشرة‬ ‫المخية المسئولة عن الــحــواس‪ ،‬والحركة‪،‬‬ ‫ومراكز التفكير واإلبداع‪ ،‬والذاكرة والعواطف؛‬ ‫مقارنة بأولئك الذين لديهم مستوى اجتماعي‬ ‫ـال؛ فهناك إجــراءات في مناهج‬ ‫اقتصادي عـ ٍ‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫نائب رئيس تحرير مجلة‬ ‫"التحليل النفسي" د‪ .‬خالد عبدالغني‬

‫‪109‬‬


‫البحث تؤكد صعوبة مــا لــم يكن استحالة‪،‬‬ ‫ضبط كــل المتغيرات أثــنــاء الــدراســة على‬ ‫اإلنسان لوجود عوامل دخيلة بيئية ونفسية‬ ‫ومزاجية‪..‬الخ‪ ،‬فال بد وأن يكون لها تأثير على‬ ‫نتائج تلك البحوث‪ .‬ولكننا أكثر قبوال لدراسات‬ ‫سابقة توصلت إلــى أن انخفاض المستوى‬ ‫االجتماعي واالقتصادي يمكن أن يؤثر على‬ ‫طريقة التفكير‪ .‬فوجدت أن الوظيفة اإلدراكية‬ ‫للشخص تتضاءل بسبب أنها تستنفد في أمور‬ ‫مشتتة للذهن‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬الجهد‬ ‫الجسمي والــذهــنــي المستمر والمستهلك‬ ‫للتغلب على امتالك الفرد للقليل من المال‪،‬‬ ‫مقابل مسئوليته في تحمل مسئوليات أخرى‬ ‫مثل دفع الفواتير‪ ،‬وخفض تكاليف المعيشة‬ ‫اليومية‪ ،‬واالنهماك في الهموم اليومية وتلبية‬ ‫احتياجاته المختلفة‪ ،‬كل هذه األمور من شأنها‬ ‫أن تنعكس على تشتت االنتباه وتغيير الحالة‬ ‫المزاجية‪ ..‬الــذي ســوف ينعكس بــدوره في‬ ‫االستجابة لالختبارات والمقاييس النفسية‬ ‫المختلفة‪ ،‬التي تستخدم في تلك البحوث‬ ‫والدراسات‪ ،‬ولكنها في الوقت نفسه ليست‬ ‫العامل الوحيد في ذلك‪.‬‬

‫***‬ ‫الطبيبة واألكاديمية رانيا‬ ‫عبدالعظيم‬

‫‪110‬‬

‫تـــرى أنــنــا عــنــدمــا نــعــتــمــد عــلــى نتائج‬ ‫الدراسات الفسيولوجية والبيولوجية للمخ‬ ‫والــجــهــاز العصبي‪ ،‬لمعرفة أثــر العوامل‬ ‫البيئية واالجتماعية على نشاط المخ ومدى‬ ‫التغير الذي يلحق به‪ ،‬ال بد ‪-‬وحسب التحليل‬ ‫اإلحــصــائــي‪ -‬أن نجد فــروقــا أو أن نجد‬ ‫ارتباطات إحصائية قد تصل لمستوى من‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫توزيع األعصاب في المخ‬

‫الداللة ضئيل أو كبير‪ ،‬أو توجد فروق‪ ،‬ولكنها‬ ‫غير ذات معنى‪ ،‬ولكن هذه النتائج من فروق‬ ‫وارتباطات ال تجيب لنا عن كيفية أداء المخ‬ ‫والجهاز العصبي لوظيفته‪ ،‬وبالتالي فهناك‬ ‫دراســات تثبت أن الشباب يتمتعون بعالقة‬ ‫دالــة بين الحالة االجتماعية االقتصادية‬ ‫والمخ‪ .‬وهناك فــرو ٌق تستمر بمرور الوقت‬ ‫بسبب أن المخ في الشخص البالغ يكون في‬ ‫حالة تغير دائــم‪ .‬كما يعد المخ لدى البالغ‬ ‫حساسً ا للعوامل االجتماعية واالقتصادية‬ ‫بشكل أكبر من مخ الطفل والشيخ الهرم‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫فــضـ ًـا عــن أنــه مرتبط بتغيير أو تحديد‬ ‫نمط الحياة‪ ،‬أو االهتمام بالصحة البدنية‪،‬‬ ‫أيضا‬ ‫والقدرة المعرفية‪ ،‬والتركيبة السكانية ً‬ ‫الــتــي تلعب دورًا مهمًا فــي حــيــاة األف ــراد‬ ‫واالزدحــــــام وع ـ ــوادم الــســيــارات والــتــلــوث‬ ‫الناتج عــن الــمــصــانــع‪...‬الــخ‪ .‬وعليه تلعب‬ ‫التنشئة االجتماعية وطريقة تربية األهل‬ ‫دورًا محوريًا في النمو النفسي والعاطفي‬ ‫ألطفالهم وطريقة أداء المخ لوظيفته‪ ،‬إذ‬


‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫تقسيم خاليا المخ‬

‫إن طريقة التربية اإليــجــابــيــة قــد تحمي واحــتــرام الــدور والترتيب والــرضــا بما هو‬ ‫الطفل من اآلثــار السلبية للفقر على نمو موجود‪ ،‬وتأجيل الرغبات غير الممكنة في‬ ‫المخ؛ فاألطفال الذين يعانون من الحرمان الوقت الراهن‪..‬الخ‪.‬‬ ‫بسبب الفقر وفي بيئة محرومة اقتصاديًا‬ ‫ولكننا أكثر قبوال للتفسير القائل بأن‬ ‫واجتماعيًا هم أكثر تطورًا‪ ،‬مقارنة بأقرانهم‪،‬‬ ‫اآلباء الذين يعيشون تحت خط الفقر ليس‬ ‫في منطقة المخ المرتبطة بالعواطف‪ ،‬بشرط‬ ‫لديهم الوقت الكافي للقيام بالقراءة ألبنائهم‪،‬‬ ‫أن يتمتعوا بمعاملة أبوية استثنائية تعتمد‬ ‫فــهــم مــشــغــولــون طـ ــوال الــوقــت بتحصيل‬ ‫على المودة والمرح واالحــتــرام والثقة في‬ ‫لقمة عيشهم‪ ،‬وتوفير مستلزمات المنزل‪،‬‬ ‫التعامل‪ ..‬والصحيح أن الوالدين‪ ،‬يمكنهما‬ ‫والحفاظ على صحة أفراد األسرة‪ ،‬في بيئة‬ ‫في المقابل أن يكونا مصدرًا قويًا إلحداث‬ ‫التغيير وتطوير هذه القدرات في االتجاه فقيرة اجتماعيا واقتصاديا‪ ..‬ولهذا‪ ،‬يصبح‬ ‫الصحيح‪ ،‬حتى في أحلك الظروف وأشد مــن الصعب عليهم الحصول على أوقــات‬ ‫البيئات االجتماعية واالقتصادية قساوة فراغ‪ ،‬أو حتى التقاط أنفاسهم بين أشواط‬ ‫وحرمانا‪ ..‬فمثال شجار األبناء وعدوانهم قد العمل الطويلة‪ ،‬سواء أكانت في العمل خارج‬ ‫يتحول إلى جانب إيجابي‪ ،‬عندما يتعلمون المنزل أم داخله؛ لذلك ربما ال تكون نصيحة‬ ‫مــن خــالــه احــتــرام اآلخ ــر وقــبــولــه‪ ،‬وتقبل مواصلة القراءة ألطفالهم‪ ،‬أو تخصيص وقت‬ ‫نتيجة المنافسة‪ ..‬من حيث الفوز والخسارة يومي باألمر النافع أو العملي؛ وبدالً من ذلك‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪111‬‬


‫يتوجب على أصــحــاب الــقــرار أن يــوفــروا‬ ‫لآلباء وظائف بأجور مجزية‪ ،‬أو العمل على‬ ‫تحسين بيئتي العمل والمعيشة‪ ،‬وحينها‬ ‫ستتوفر ألبنائهم فرصة أكبر ليحصلوا على‬ ‫ثقافة تتناسب أو تقترب من ثقافة أقرانهم‬ ‫أبناء األغنياء‪ ،‬وسيتحصل اآلباء على أوقات‬ ‫فراغ مناسبة لدعم أبنائهم ثقافيا ومنحهم‬ ‫الرعاية الكافية التي يستحقونها‪ .‬فالحقيقة‬ ‫شيء‪ ..‬والخيال شيء آخر‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬فإن‬ ‫المدارس في األحياء الفقيرة فقيرة أيضا‬ ‫في مستوى التعليم الذي تقدمه لتالميذها‪،‬‬ ‫إضافة إلى فقر البيئة الدراسية والتجهيزات‪.‬‬ ‫أما الطفل الذي يعاني من الجوع والحرمان‬ ‫في منزله‪ ،‬فإنه قلما يولي اهتماما بالتعليم‪،‬‬ ‫أو تكون قدرته على ذلك ضعيفة‪ ،‬وهذا ليس‬ ‫كل ما في األمر؛ فالطفل الفقير يواجه في‬ ‫حياته اليومية خارج إطار المدرسة مصاعب‬ ‫كــثــيــرة‪ ،‬كــمــا أن ــه ال يحصل عــلــى الــرعــايــة‬ ‫الكافية ماديا ومعنويا‪ ،‬مقارنة بأقرانه من‬ ‫أبناء األغنياء‪ ،‬وبينما تزداد الفجوة بين دخل‬ ‫األغنياء ودخل الفقراء‪ ،‬فإن الفجوة تتسع‬ ‫بينهما خارج إطار المدرسة أيضا‪.‬‬

‫***‬ ‫الكاتبة والخبيرة التربوية صفاء‬ ‫عبدالمنعم‬

‫‪112‬‬

‫تــرى أن هــنــاك تــأثــيــراً وتــأثــراً واضــحـاً‬ ‫وملموساً فى الفترة األخيرة من المستوى‬ ‫االقتصادي والحالة االجتماعية على المخ‪،‬‬ ‫بمعنى لو أن أســرة لديها (طفل) محدود‬ ‫الذكاء‪ ،‬فإنها يمكن أن تنمي ذكاءه (الصناعي)‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫الباحثة التربوية والكاتبة صفاء عبدالمنعم‬

‫بتزويده بالمعلومات بوساطة الورش والقراءة‬ ‫والتدريب الجيد في النادي‪ ،‬واالندماج مع‬ ‫أطفال بمستوى ذكــاء مرتفع وتحصيل لغة‬ ‫مــا‪ ،‬فيتحول الطفل محدود الــذكــاء بشكل‬ ‫غير مباشر إلــى طفل ذكــيّ وفاعل بزيادة‬ ‫نسبة الذكاء الصناعي لديه‪ ،‬وهذا يتطلب‬ ‫صــرف مبالغ مالية كبيرة‪ ،‬باإلضافة إلى‬ ‫الوعي األسري‪ ،‬والحراك االجتماعي الذي‬ ‫سيحققه‪ ،‬وهــذا يتوقف على وعــي األســرة‬ ‫بحالة الطفل وإرشــاده منذ الصغر‪ ،‬ويمكن‬ ‫أن يكون تحت إشراف طبي أو مؤسسي‪.‬‬ ‫دور الــجــمــعــيــات األهــلــيــة فــي التنمية‬ ‫االجتماعية واالقتصادية‪.‬‬ ‫ترى صفاء عبدالمنعم أن التنمية البشرية‬ ‫مهمة‪ ،‬وتمد األفــراد بروح جديدة ومختلفة‬ ‫عــن السابق مــن الحمية الجديدة لطبيعة‬ ‫العمل‪ ،‬ســواء جمعيات أهلية‪ ،‬أم جمعيات‬ ‫ومــؤســســات حــكــومــيــة‪ .‬فــالــدولــة أصبحت‬ ‫تتعامل مــع الموظف على أنــه ثــروة يمكن‬ ‫استثمارها بشكل جيد‪ ،‬وتنميتها بشكل مهم‬


‫ت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـح ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـيـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــق‬

‫بحيث يعطي للعمل أكبر طاقة وقــدرة على‬ ‫التطور والعطاء‪.‬‬ ‫التأثير السيكولوجي للتربية والمعاملة‬ ‫االجتماعية لــأفــراد؟ هل يؤثر على تطور‬ ‫المخ؟‬ ‫ترى صفاء عبدالمنعم أن معاملة الطفل‬ ‫داخل األسرة منذ الصغر تتوقف على وعي‬ ‫أفراد األسرة بذلك‪ ،‬وهناك أسر كثيرة اآلن‬ ‫تجيد وبــشــكــل ف ــردي ال عــاقــة لــه بحالة‬ ‫المجتمع على تطوير أبنائها وزيــادة الوعي‬ ‫منذ الصغر لدى الطفل‪ ،‬تعليم لغات وفنون‬ ‫وريــاضــة إلــى آخ ــره؛ فمن هنا‪ ،‬يزيد ذكــاء‬ ‫الطفل بشكل ملحوظ‪ ،‬ويصبح ثروة ال عالة‬ ‫على الدولة أو األسرة‪ ،‬وهناك أهالي يعرفون‬ ‫أهمية ذلك ويدفعون أبناءهم تجاهه‪.‬‬

‫أما عن تنمية األفراد هل هي مهمة الدولة األكاديمي والباحث األنثربولوجي في‬ ‫جامعة العريش د‪ .‬حمدي سليمان‬ ‫وحدها؟ أم أنها مهمة المجتمع بمؤسساته‬ ‫األهلية أيضا؟ ترى أن الدولة كمؤسسة ترسل‬ ‫يـــــرى أن ال ــم ــش ــك ــات االق ــت ــص ــادي ــة‬ ‫موظفيها إلــى هــذه التدريبات‪ ،‬وهناك من واالجــتــمــاعــيــة‪ ،‬مــن أهــم مــعــوقــات التنمية‬ ‫يتهرب وال يذهب‪ ،‬وهناك من يرسل بديال‬ ‫الــبــشــريــة؛ لـ ــذا‪ ،‬إذا أرادت دولـ ــة مــا أن‬ ‫عنه‪ ،‬ولكن أصبح لدى الدولة وعي بذلك‪،‬‬ ‫فأصبحت ترسل التدريب باسم الموظف تنهض بمجتمعها‪ ،‬عليها أن تستثمر في‬ ‫نفسه‪ ،‬فــا خــيــار أمــامــه ســوى الــذهــاب‪ ..‬الثروة البشرية‪ ،‬استثمارًا يقوم على ركائز‬ ‫وربطت ذلك بالترقية‪ .‬وهناك أفراد وبصفة علمية ومنهجية حديثة‪ ،‬تُعلي مــن ثقافة‬ ‫شخصية لديهم الوعي الكافي بأهمية تدريب العمل واإلنــتــاج بأساليب تتمتع باالبتكار‬ ‫التنمية البشرية فيذهب من تلقاء نفسه‪ ،‬واإلب ــداع الخالق والمتميز‪ ،‬وربما يمكنها‬ ‫حتى يصنع ملفا جيدًا ويكتب في السيرة توظيف العناصر الثقافية اإليجابية التي‬ ‫الذاتية عدد الدورات التدريبية التي حصل تراكمت لــدى اإلنــســان عبر تاريخه‪ ،‬حتى‬ ‫عليها؛ ما يعجل فرص العمل الجيدة‪ ،‬فهو ال‬ ‫تكون هذه الثقافة دافعة ومحفزة للتنمية‬ ‫ينتظر دور المؤسسة‪ ،‬بخالف القراءة وسعة‬ ‫والتطور‪ ،‬وذلك وفق استثمار أمثل للطاقات‬ ‫االطالع‪ ،‬يسهم بجزء كبير في الوعي‪.‬‬ ‫البشرية والموارد الطبيعية؛ فنحن نعلم أن‬ ‫األصل في الحياة هو العمل واإلنتاج وليس‬ ‫***‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪113‬‬


‫فالتعليم الــقــائــم على االبــتــكــار والــمــهــارة‬ ‫واإلبداع والرعاية الصحية الجيدة يؤثر في‬ ‫الحرية الموضوعية للفرد وفي شكل الحياة‬ ‫ونوعها‪.‬‬

‫د‪ .‬حمدي سليمان‬

‫ثانيا‪ :‬لكي يشعر الناس بشكل عام بمردود‬ ‫التنمية‪ ،‬يجب على الحكومات الوطنية أن‬ ‫تعمل بكل طاقاتها من أجل تخفيف صور‬ ‫الحرمان المختلفة بين قطاعات اجتماعية‬ ‫تظل مستبعدة ومستثناة من منافع المجتمع‬ ‫الخاضع لتوجه السوق‪ ،‬إذ ال يمكن لعمليات‬ ‫الــتــنــمــيــة الحقيقية أن تــمــضــي وتتحقق‬ ‫دون الــدعــم والمساندة االجتماعيين‪ ،‬أو‬ ‫االحتضان المجتمعي الذي تتجلى صوره في‬ ‫المشاركة اإليجابية والتفاعل الخالق‪.‬‬

‫االستهالك‪ ،‬أي أن المعنى األعمق للحياة هو‬ ‫إعمار األرض واالرتقاء بها‪ ،‬وهو ما يدفعنا‬ ‫إلــى تعظيم ثقافة التنمية والتطوير‪ ،‬في‬ ‫مواجهة ثقافة االستهالك التي تجتاح معظم‬ ‫مجتمعاتنا‪ ،‬وتكاد تكون هي الثقافة الغالبة‬ ‫والمهيمنة اآلن على معظم األفراد والفئات‬ ‫االجتماعية‪ ،‬وهــو مــا ال يتوافق مــع تــردي‬ ‫ثالثا‪ :‬الخطورة في هذا الموضوع‪ ،‬والتي‬ ‫األوضاع االقتصادية‪ ،‬وفي هذا اإلطار يجب‬ ‫التأكيد على مجموعة من النقاط األساس ال يدركها الكثير منا‪ ،‬هي أن غياب أو فقد‬ ‫التي يجب أن تقوم بها الدولة تجاه كافة المهارة والقدرة له نتائج بعيدة المدى غير‬ ‫الفقر والــحــرمــان الــمــادي‪ ،‬منها األضــرار‬ ‫أفراد المجتمع وهي‪:‬‬ ‫النفسية‪ ،‬وفقدان حافز العمل والثقة في‬ ‫أوالً‪ :‬إتــاحــة المنافسة الــعــادلــة لجميع‬ ‫النفس‪ ،‬وازديــاد تعاطي المخدرات‪ ،‬والعلل‬ ‫أفراد المجتمع‪ ،‬فالفقر والتوزيع غير العادل‬ ‫لخدمات المجتمع الــواحــد‪ ،‬وشــح الفرص المرضية‪ ،‬وزيــادة معدل الوفيات‪ ،‬وإفساد‬ ‫االقــتــصــاديــة‪ ،‬وك ــذا الــحــرمــان االجتماعي الــعــاقــات األس ــري ــة‪ ،‬وقــســوة االســتــبــعــاد‬ ‫المنظم‪ ،‬وإهمال المرافق بشكل عام وخاصة االجتماعي‪ ،‬وتفاقم المشكالت االجتماعية‪،‬‬ ‫التعليمية‪ ،‬كل ذلك وغيره يؤدي إلى حرمان وهــي مشكالت خطيرة تؤثر على فاعلية‬ ‫قطاعات كبيرة من المجتمع من القدرة على األفـ ــراد‪ ،‬ونــوع الحياة التي يمضون فيها‬ ‫المنافسة الحقيقية فــي ســوق العمل؛ ما مجبرين وبالدفع الذاتي‪ ،‬كما تؤثر على تطور‬ ‫يعود بالسلب على هؤالء األفراد والمجتمع‪ ،‬المجتمع وقدرته على النمو والتقدم‪.‬‬ ‫* كاتبة من مصر‪.‬‬ ‫)‪ (١‬‬ ‫)‪/%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%aa%d9%86%d8%a7 (٢‬‬ ‫‪http://www.maharafoundation.org/ar/‬‬

‫‪114‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫في إمبراطورية الرعب‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫مذكرات الموسيقي الروسي ديمتري شوستاكوفيتش‬

‫■ ليلى عبداهلل*‬

‫أن ت ـقــرأ س ـيــرة الـمــوسـيـقــي ال ــروس ــي الـعـظـيــم فــي زم ــن الـســوفـيـيــت «ديـمـتــري‬ ‫شوستاكوفيتش» الـتــي نشرتها دار الـمـتــوســط‪ ،‬وأعــدهــا لها ســولــومــون فولكوف‬ ‫الشغوف بموسيقى هذا العبقري‪ ،‬وصديقه أيضا رغم فارق السن الكبير بينهما‪،‬‬ ‫وترجمه مُ حكمة من محمد حنانا‪ .‬أن تتسلل في سيرته وأنت تشاهد بصر ّيًا أداءه‬ ‫الموسيقي المذهل للسيمفونية الثانية التي رقص على أنغامها كل من الممثلين‬ ‫«كيرا نايتلي» بدور آنا كارنينا‪ ،‬والممثل «أرون جنسون» بدور البطل بدور فرونسكاي‪.‬‬ ‫الفيلم الذي اقتبس من رواية تولستوي الشهيرة «آنا كارنينا»‪ .‬المعزوفة الشهيرة‬ ‫نفسها جسدت رقصات في عديد من األفالم والمسرحيات التي وظفت الموسيقا‬ ‫في نصوصها الدرامية‪.‬‬ ‫تتواصل القراءة له وأنت تُمتع أذنيك الــتــاريــخ صيته كموسيقي عالمي له‬ ‫بسماع أوبرا «األنف»‪ ،‬مبنية على قصة طابعه الفريد‪.‬‬ ‫غوغول‪ ،‬الذي خرج معظم كتاب الروس‬ ‫ديــمــتــري شــوســتــاكــوفــيــتــش‪ ..‬ولــد‬ ‫من معطفه‪ ،‬كما صرح العمالق الروسي وســط التناقضات في ‪ 25‬أيلول عام‬ ‫دوستويفسكي بنفسه‪ .‬أو موسيقا فيلم ‪1906‬م في بطرسبورغ عاصمة روسيا‬ ‫«بــابــل الــجــديــدة»‪ ،‬وموسيقا مسرحية اإلمبراطورية‪ ،‬التي كانت لم تزل ترجع‬ ‫«بــقــة ال ــف ــراش»‪ ،‬وبــقــيــة سيمفونياته صدى االرتعاشات الثورية لعام ‪1905‬م‪،‬‬ ‫اآلسرة التي مُثلت على خشبة المسرح‪ ،‬إذ إن النزاع بين الحكام والشعب لم‬ ‫وأخ ــرى ظهرت فــي أفــام خلدت في يتوقف أبــدا‪ .‬العام الذي حمل العديد‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪115‬‬


‫من الذكريات والخياالت الكابوسية‪ ،‬ترعرع‬ ‫في أســرة كانت تطرح حــوادث هــذه الثورة‬ ‫مثل بقية العائالت الروسية التي توقفت عن‬ ‫اإليمان بالقيصر الذي كان سفاحً ا للدماء‪،‬‬ ‫حيث عــربــات محملة بجثامين األطــفــال‪،‬‬ ‫الجنود الذين كانوا يطلقون النار على أطفال‬ ‫كانوا يراقبونهم بنشوة الفضول من على‬ ‫أغصان األشــجــار‪ ،‬األطــفــال أنفسهم كانوا‬ ‫فولينسكي الذي كان يرفض أن يدفع له‬ ‫يسقطون كالعصافير الضاحكة‪ ،‬إذ كانوا أجره حين كان ح ّيًا‪ ..‬من سخرة القدر أن‬ ‫قد قتلوا على حين غــرة‪ ..‬فلم يسنح لهم توجه له دعــوة بعد سنوات عديدة ليحيي‬ ‫الوقت ليشعروا بالرعب؛ لذا كانوا يموتون ذكرى هذا الرجل الجشع بعد موته!‬ ‫والبشاشة تمأل وجوههم الغضة بالبراءة!‬ ‫وجد هذا الموسيقي الذي صار شهيرًا‬ ‫لقد نشأ شوستاكوفيتش على ذاكــرة نفسه في زمــن كــان كل شــيء فيه خاضعًا‬ ‫سياسية‪ ،‬ذاكرة مزدحمة بالطغاة وبأفعالهم لسلطة الــدولــة‪ ،‬بل لسلطة القائد الوحيد‬ ‫ال‬ ‫الدنيئة في حق الشعوب واألطفال السيما الذي هو القانون‪ ،‬ولكي يكون المرء مفض ً‬ ‫الضعاف منهم‪ .‬لقد ولد ثائرًا منذ طفولته‪ ،‬وليعيش بسالم‪ ..‬ينبغي عليه أن يدخل في‬ ‫ومسؤوالً كذلك عن توفير لقمة العيش ألختيه جهاز الدولة‪ ،‬وينفذ ما يكلف بمهمات وفق‬ ‫بعد أن توفي والــدهــم بمرض ذات الرئة ما يرى القائد‪ .‬هذا القائد كان «ستالين»‬ ‫في الوقت الــذي شاع فيه الجوع‪ ،‬وأغلقت الــطــاغــيــة الـ ــذي ك ــان يــصــر عــلــى حضور‬ ‫المعامل‪ ،‬وتوقفت وسائط النقل‪ .‬لقد كان كل المسرحيات التي تعرض‪ ،‬وعلى االستماع‬ ‫شيء قاس ّيًا وم ّرًا على شاب فتي مثله‪ ،‬وفوق للموسيقا التي تؤلف‪ ،‬وإن كانت تشكل خطرًا‬ ‫ذلك عليل الصحة‪ ،‬وجد في تأليف الموسيقا عليه وعلى مركزه العسكري‪ ..‬كان يأمر بقطع‬ ‫نوعً ا من المقاومة‪ ،‬لكنه كان يصطدم بواقع رأس مؤلفه‪ .‬فكلمة ستالين كانت قانونًا‪ ،‬فهو‬ ‫لم يكن يختلف كثيرًا عن وقائع ثورة ‪1905‬م القائد والمعلم وال يحتاج إلى إصدار أمر‪.‬‬ ‫من حيث القبضة العسكرية والعنف‪.‬‬ ‫كانت المسألة التي تشغل الفنان والمبدع‬ ‫كان تلميذًا نجيبًا في كل شيء السيما في وقتذاك إلى أي حد أو إلى أي درجة يحب‬ ‫تعلم الموسيقا‪ .‬عمل عازفًا للبيانو في مسرح القائد عملك؟ كان هذا شاغلهم‪ ،‬بدا الجميع‬ ‫«البكرة الالمعة» لصاحبه «فولينسكي» الذي خائفًا بل مرعوبًا؛ ألنه مالحق وإبداعه محل‬ ‫كان يمعن في استغالله شر استغالل‪ ،‬فلم تهديد من قبل طاغية ال يفهم في الموسيقا‬ ‫يكن يدفع له أجرته مقابل عزفه‪ ،‬بل من وال اإلبـــــداع‪ ،‬بــل تــرعــبــه فــكــرة أن تشكّل‬ ‫وقاحته يتبجح في مواجهته عندما يطالب الموسيقا تهديدًا لسلطته‪ .‬لقد كانت حتى‬ ‫األخير بأجرته كحق من حقوقه‪ ،‬فيصدمه‬ ‫بسؤال وهو يحدق فيه بقذارة كما لو أنه آثم‪:‬‬ ‫أيها الشاب‪ ،‬هل تحب الفن العظيم السامي‬ ‫الخالد؟ فكان شوستاكوفيتش يجيبه بنعم‪.‬‬ ‫فيرد عليه بوقاحة‪ :‬أيها الــشــاب‪ ،‬إن كنت‬ ‫تحب الفن‪ ،‬فكيف تستطيع أن تتحدث معي‬ ‫اآلن حول ربح قذر؟‬

‫‪116‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫مسرحيات شكسبير ممنوعة‪ ،‬رغم أن العالم‬ ‫اآلخر كان يحتفي بها‪ ،‬غير أن في السوفييت‬ ‫كان بعضها يعرض تحت رقابة شديدة‪ .‬أما‬ ‫«هاملت» و»الملك لير» فقد منعا لسنوات من‬ ‫العرض على المسرح السوفييتي‪ .‬كثير من‬ ‫الفنانين أضحوا ضحايا لنظام استبدادي‪،‬‬ ‫لقد دفعوا ثمن إبداعهم وعدم خضوعهم‪.‬‬ ‫ولقد تحدث شوستاكوفيتش مطوالً عن‬ ‫هذا األمــر‪ ،‬عن ستالين‪ .‬عن القائد الذي‬ ‫يتدخل في كل شيء ويقمع كل شيء‪ ،‬وضربه‬ ‫مثاالً لكل الطغاة في العالم» يحب الطغاة أن‬ ‫يقدموا أنفسهم كرعاة للفنون‪ .‬تلك حقيقة‬ ‫معروفة‪ .‬لكن الطغاة ال يفهمون شيئا في‬ ‫الــفــن‪ .‬لــمــاذا؟ ألن الطغيان هــو انــحــراف‪.‬‬ ‫والطاغية منحرف‪ .‬يبحث الطاغية‪ ،‬لعدة‬ ‫أســبــاب‪ ،‬عــن الــقــوة‪ ،‬يــدوس الجثث‪ .‬القوة‬ ‫تغري‪ .‬تفتته فرصة سحق الناس والسخرية‬ ‫بهم»‪.‬‬ ‫الغض بقواعد‬ ‫ّ‬ ‫تأثر شوستاكوفيتش الشاب‬ ‫ميرخولد الفنية والنقدية كمخرج مسرحي‬ ‫له مكانته في األوساط السوفيتية وقتذاك‪..‬‬ ‫قبل أن يقع في براثن السلطة‪ ،‬وقبل أن تصير‬ ‫شقته مرتعًا للرعب في جانب من ذاكرته‪،‬‬ ‫إذ قتلت زوجته الجميلة المتأنقة المكابرة‬ ‫بوحشية‪ ،‬بعد أن أختفى زوجها الشهير الذي‬ ‫كــان يحيط نفسه بأشياء ثمينة‪ ،‬وبأشياء‬ ‫جميلة أيضا كزوجته الفاتنة‪ .‬واالختفاء في‬ ‫زمن السوفييت كان يعني االعتقال‪ ،‬فالناس‬ ‫كانوا في تلك األيام يختفون ببساطة من دون‬ ‫أي كلمة رسمية‪ ،‬كان مصيرهم يظل مجهوالً‪.‬‬ ‫يتم تصفيتهم في أقبيتهم المظلمة‪ ،‬حيث تم‬

‫تشيخوف‬

‫إخفاؤهم دون أن يجرؤ أحد على االعتراض‪،‬‬ ‫أو السؤال عنهم!‬ ‫ميرخولد الذي أخرج معظم مسرحيات‬ ‫غوغول‪ ،‬وكان شوستاكوفيتش عازفًا للبيانو‬ ‫في مسرحياته‪ .‬وتأثر بقواعد اإلبداعية في‬ ‫عوالم الفن‪ ،‬القاعدة األولــى تمثلت في أن‬ ‫يخلق الفنان كل جديد‪ ،‬أن يصدم جمهوره‬ ‫في كل مرة بعمل مبتكر ومختلف‪ .‬والقاعدة‬ ‫الثانية من دروس ميرخولد أن تجعل عملك‬ ‫األفضل أو أن تجعله على طريقتك الخاصة‪،‬‬ ‫بمعنى على المبدع أن يبتعد عن التقليد وعن‬ ‫تكرار اآلخرين في أعماله‪.‬‬ ‫والــقــاعــدة الثالثة كــانــت تمس الجانب‬ ‫النقدي‪ ،‬وكان ميرخولد يعلنها صريحً ا في‬ ‫كل مرة‪« :‬إذا أرضى نتاجك الجميع‪ ،‬عندئذ‬ ‫اعتبر ذلك فشال كليا‪ .‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬إذا‬ ‫انتقد كل شخص عملك عندئذ يمكن أن‬ ‫يكون عملك شيئاً جديراً باالهتمام‪ .‬يأتي‬ ‫النجاح الحقيقي حين يجادلك الناس حول‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪117‬‬


‫أي بمعنى انتهاكه وتدميره من خالل التدخل‬ ‫فــي خصوصياته‪ .‬وك ــان انــتــظــار اإلع ــدام‬ ‫الثيمة الــتــي ظلت تالحقه كمبدع طــوال‬ ‫حياته‪ ،‬ومصطلح «أرخبيل غوالغ» وهو عبارة‬ ‫عن شبكة من السجون ومعتقالت التعذيب‬ ‫في االتحاد السوفييتي سابقا‪ ،‬واشتهرت‬ ‫هذه العبارة بعد الرواية التي ألفها الكاتب‬ ‫سولجنيتسين باالسم نفسه‪.‬‬ ‫لقد كــان المبدع أ ًّيــا كــان مجال إبداعه‬ ‫متأهبًا للقبض عليه فــي أي لحظة؛ لذا‬ ‫كان يحتفظ بحقيبة صغيرة تحتوي حاجاته‬ ‫الــضــروريــة وه ــو ينتظر فــي الــظــام أمــر‬ ‫اعتقاله من القائد‪.‬‬ ‫ديمتري شوستاكوفيتش‬

‫عملك‪ ،‬حين يكون نصف الجمهور مبتهجا‪،‬‬ ‫والنصف اآلخر جاهزا لتمزيقك»‪.‬‬

‫‪118‬‬

‫فــي الــوقــت نفسه كــان هــنــاك مبدعون‬ ‫خاضعون‪ ،‬نــوع مــن الفنانين الــذيــن باعوا‬ ‫أنفسهم للسلطات والذين سبق وأطلق عليهم‬ ‫المسرحي والناقد األلماني الشهير بريخت‬ ‫بالمثقف التوي‪ ،‬أي المثقف الذي يبيع آراءه‬ ‫للناس‪ .‬كانت هذه الظاهرة أيضا متفشية‬ ‫في السوفييت في زمن ستالين‪ ،‬وقد ضرب‬ ‫مثاالً بالموسيقي «ماياكوفسكي» حيث كان‬ ‫أنموذجً ا للكاتب الذي يعمل خادمًا للسلطات‪،‬‬ ‫وقد خدم ستالين بإخالص‪ .‬أضاف ثرثرته‬ ‫لتمجيد صورة القائد والمعلم الخالدة‪.‬‬

‫بــبــســاطــة ك ــان الــمــبــدع مــقــمــوعً ــا بعدة‬ ‫أساليب ومسميات أيــضــا‪ ،‬فقد شــاع في‬ ‫زمــن شوستاكوفيتش ورفــاقــه المبدعين‬ ‫مــصــطــلــحــات تــتــنــاســب وع ــص ــر الــرعــب‬ ‫كمصطلح «شقة مشاع»‪ ،‬بمعنى أن المبدع‬ ‫ال فــي بناء‬ ‫ليس مــن حقه أن يكون مستق ً‬ ‫مستقل لــوحــده‪ ،‬فهذه الحياة البرجوازية‬ ‫التافهة ليست من حقه‪ ،‬بل تدينه‪ ،‬وينبغي‬ ‫عليه أن يعيش في انسجام تام مع غيره‪ ،‬وأن‬ ‫وقد أسهب شوستاكوفيتش الحديث عن‬ ‫ال يقفل على نفسه في حصون مقفلة باسم صفاته‪« :‬ماياكوفسكي يجسد كل الصفات‬ ‫اإلبداع‪.‬‬ ‫التي أمقتها‪ :‬الــزيــف‪ ،‬حب إشهار الــذات‪،‬‬ ‫وباعتراف شوستاكوفيتش في مذكراته الشهوة للحياة المرفهة‪ ،‬واألهم هو احتقاره‬ ‫«يمكنك قتل الكائن البشري من خالل أشياء للضعيف‪ ،‬وخنوعه أمام القوي‪ .‬كانت القوة‬ ‫بسيطة‪ ،‬بأسلوب الحياة‪ ،‬بالشقة المشاع»‪ ،‬هي القانون األخالقي األعظم»‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫ديمتري شوستاكوفيتش فــي مذكراته‬ ‫يتحسر على كثير من المبدعين الحقيقيين‬ ‫طويت سيرتهم بموتهم‪ ،‬ناهيك عن موسيقاه‬ ‫التي كانت محظورة‪ ،‬والشبان الذين كانوا‬ ‫مولعين بالموسيقا يدرسون مؤلفاته بالكتمان‬ ‫وبسرية‪ .‬لقد اتخذ من تأليف الموسيقا أداة‬ ‫مقاومة‪ .‬مقاومة ضد القائد الظالم‪ ..‬وضد‬ ‫القائد الذي جعل نفسه القانون‪ ،‬حيث يحاكم‬ ‫الناس العزل ويسفك دماءهم‪ ،‬و يُخضع حتى‬ ‫في نهاية مذكراته يصف شوستاكوفيتش‬ ‫الموسيقا لقواعده المجحفة!‬ ‫حياته التي كانت مفعمة باألسى والحزن‪..‬‬ ‫لذا كان هذا الهاجس يكاد يشغل ذهنه‬ ‫ال منذ طفولته‪،‬‬ ‫فلقد كان إنسانًا بائسً ا‪ ،‬علي ً‬ ‫ونــشــأ ف ــي زمـــن ســتــالــيــن حــيــث الــرقــابــة طــوال كتابته لهذه الذكريات‪ ،‬هذا التوثيق‬ ‫والقبضة العسكرية والرؤية األحادية‪ ،‬كان الــذي جاء نوعً ا من التخليد لرفاقه الذين‬ ‫الجميع بائسً ا حتى رفاقه من المسرحيين رحـــلـــوا‪ ،‬ول ــم ــش ــواره الــمــوســيــقــي أيــضــا‪.‬‬ ‫والموسيقيين والمبدعين‪ .‬شهد بعضهم وحقق مساعيه في ذلك بجدارة‪ ،‬فها هي‬ ‫نــهــايــة مــأســاويــة وم ــروع ــة‪ ،‬وم ــات آخ ــرون مؤلفاته الموسيقية توظف في أهم األفالم‬ ‫نتيجة معاناة رهيبة‪ .‬وكــم تمنى أن يمسح والمسرحيات‪ ،‬وهــي في متناول سمع أي‬ ‫ذاكرته عن تلك الفترة الــســوداء‪ ،‬غير أنه محب للموسيقا في زمــن اليوتيوب‪ .‬هذه‬ ‫في وقت ما تراجع عن قراره بجسارة‪ ،‬وقرر السيرة التوثيقية مفعمة باألسى‪ ..‬جديرة‬ ‫أن يتذكر كل شــيء‪ ..‬بل ويدونه على هيئة بالقراءة‪ ،‬وتكاد تماثل في تفاصيلها حيوات‬ ‫مذكرات تبقى للتاريخ‪ ،‬للشباب من بعده‪ ،‬كثير من المبدعين تم قمعهم والتضييق على‬ ‫ليمضوا في حياة أكثر صالبة‪ .‬ولتكون هذه إبداعهم في إمبراطوريات الــرعــب‪ ،‬حيث‬ ‫المذكرات التي تناولت في صفحات وفصول يفنى الطغاة ويخلّد المبدعون!‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫ويبدو جل ّيًا أن شوستاكوفيتش كان قارئًا‬ ‫ج ّيدًا لألدب الروسي‪ ،‬ومتأثرًا بنصوص معظم‬ ‫كتابه الذين برزوا في تلك الفترة؛ فالعالقة‬ ‫ما بين األدب والموسيقى تكاد تكون وثيقة‪،‬‬ ‫وكالهما يكمل اآلخــر ويضيف له جمالية‬ ‫ـص « تشيخوف» بحديث‬ ‫خ ـاّقــة‪ .‬وقــد خـ ّ‬ ‫مهيب في مذكراته «في الحقيقة‪ ،‬أنا مولع‬ ‫بتشيخوف‪ ،‬إنه واحد من كُتابي المفضلين‪،‬‬ ‫وقد أعدت قراءة ليس قصصه ومسرحياته‬ ‫بل مذكراته ورسائله أيضا»‪ .‬كان تشيخوف‬ ‫تحديدًا كاتبًا واقع ّيًا‪ ،‬وقد نقد تفاصيل حياة‬ ‫الروسيين وحياتهم بواقعية حكائية محكمة‬ ‫وجريئة أيضا‪ .‬شغفه بنيكوالي غوغول ال‬ ‫يقل عن نظيره تشيخوف‪ ،‬فلكليهما التأثير‬ ‫األعظم على حسّ ه الموسيقي كمؤلف‪.‬‬

‫مطولة سير اآلخــريــن‪ ،‬وعرضت معاناتهم‬ ‫كمبدعين ومؤلفين موسيقيين‪ .‬كما كتب في‬ ‫بداية مذكراته معترفًا‪« :‬هذه ليست ترجمة‬ ‫حياتي‪ .‬هذه مذكرات حول آخرين‪ .‬اآلخرون‬ ‫سيكتبون عنا‪ .‬ومن الطبيعي أنهم سيكذبون‬ ‫بوقاحة‪ .‬لكن ذلك شأنهم»‪.‬‬

‫* كاتبة عمانية مقيمة باإلمارات‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪119‬‬


‫جدلية األدب والفن‬ ‫من خالل نموذج األديب هونوري دو بلزاك‬ ‫■ سعيد بوكرامي*‬

‫لماذا تحمس الفنانون وما يزالون لألديب الفرنسي هونوري دو بلزاك (ولد عام‬ ‫‪1799‬م وتوفي في ‪ 18‬أغسطس ‪1850‬م)؟ أ َِلنَّ كتابته لم تزدد مع الزمن إال تجددا‬ ‫وخلودا؟ وعلى رأسها أعماله الملحمية المجمّ عة في"الكوميديا اإلنسانية" التي‬ ‫تتألف من عشرين جزءا‪ ،‬التي صنف فيها األفراد بأنواعهم وفئاتهم االجتماعية‪.‬‬ ‫وقــد استغرقت كتابتها ما يزيد على (‪ )26‬سنة‪ ،‬تماما كما فعل عالم الطبيعة‬ ‫بوفون (‪1788 -1707‬م) مع األنواع الحيوانية في موسوعته الشهيرة حول التاريخ‬ ‫الطبيعي‪.‬‬ ‫لقد الحظ بلزاك المشاعر اإلنسانية‬ ‫وكتب عنها دون الحكم عليها مثلما فعل‬ ‫بوفون في موسوعته التي ألفها على‬ ‫مدى خمسين سنة‪ .‬إن األداة التحليلية‬ ‫التي أنشأها بلزاك ما تــزال صالحة‬ ‫للقبض على المجتمع الــيــوم‪ .‬بلزاك‬ ‫ليس كاتبا مــن الــمــاضــي‪ ،‬فهو كاتب‬ ‫عالمي حاضر في الحاضر ومستشرف‬ ‫للمستقبل اإلنساني‪.‬‬ ‫‪ - 1‬البحث عن التحفة المجهولة‬

‫‪120‬‬

‫وبعيدة عــن المتلصصين‪ ،‬لكنه وفي‬ ‫الوقت نفسه كان بلزاك حاضرا بقوة‬ ‫وعلى مــرأى مجتمعه كله‪ .‬ومــن خالل‬ ‫بــحــث عــن أث ــر بــلــزاك وتــأثــيــره‪ ،‬وعــن‬ ‫اســتــلــهــامــه م ــن أش ــخ ــاص مــحــدديــن‪،‬‬ ‫وإلهامه آلخرين‪ ،‬تنزاح صــورة بلزاك‬ ‫االنفرادي والمنعزل في منازله الكثيرة‪،‬‬ ‫لتنجلي حــيــنــذاك أس ــط ــورة الــكــاتــب‬ ‫الناسك المقدمة على نطاق واسع عن‬ ‫بلزاك‪ ،‬ألنها ال تتوافق مع الواقع‪.‬‬

‫ه ــذا الــواقــع األكــثــر تعقيدا هــو ما‬ ‫قد يعتقد بعضهم أن بلزاك عاش‬ ‫مــعــزوال‪ ،‬بحكم اختياره لمنازل نائية يعترضك عند اقتحام عالم هونوري دي‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫األديب هونوري دو بلزاك‬

‫بلزاك‪ ،‬وتأثره بمن عاصرهم في القرن التاسع‬ ‫عشر‪ ،‬أو من تأثروا به من القرن التاسع عشر‬ ‫إلى القرنين العشرين والحادي والعشرين‪،‬‬ ‫لنجد أن العصور كلها ومختلف األشخاص‬ ‫تختلط فيما بينها‪ ،‬وتنحصر في مالحظات ما‬ ‫بين الثناء تارة واالنتقاد تارة أخرى‪.‬‬ ‫ولالقتراب من المؤلف كثيرا‪ ،‬يجب على‬ ‫المرء أن يدقق في عالقاته مع اآلخرين‪.‬‬ ‫هــذا الــرجــل الــذي تغذي أعماله مشاريع‬ ‫الفنانين فــي القرنين العشرين والــحــادي‬ ‫والعشرين كانت له أيضا شهية وحشية تلتهم‬ ‫إنتاج معاصريه‪ ،‬وتجتر ما فيها من مميزات‬ ‫وإيجابيات‪.‬‬

‫كما هو الحال مع أي كاتب عظيم‪ ،‬يجب‬ ‫أوالً‪ :‬مسألة تفكيك أحكام القيمة‪ .‬التي‬ ‫تقول بالمؤلف الملهم‪ ،‬والموهبة العبقرية‬ ‫اإللــهــيــة‪ .‬ألن ســر تميّز بــلــزاك عــن غيره‬ ‫يتمثل في استلهامه الحاذق والنبيه للعديد‬ ‫مــن الــشــخــصــيــات الــتــي كــانــت تحيط بــه‪،‬‬ ‫بدءًا من الكاتب المسرحي‪ ،‬والكاريكاتوري‬ ‫والمصور هنري مونييه‪ ،‬الــذي كان يسخر‬ ‫مــن الــبــرجــوازيــة الفرنسية خــال عصره‪،‬‬ ‫كان الكاريكاتوري قد خلق شخصية شهيرة‬ ‫اسمها بــــرودوم‪ ،‬شخصية بدينة ومركبة‬ ‫ومالحقة للنساء‪ ،‬وهذا يعني أنه ال يتحرج‬ ‫من أي شيء‪ .‬في تلك المرحلة كان الجمهور‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪121‬‬


‫يخلط بين هنري مونيه وشخصية برودوم‪،‬‬ ‫وبالتالي فهما الشخص نفسه‪.‬‬ ‫اغترف بلزاك من مونييه‪ :‬المسرح والنقوش‬ ‫"ســيــجــعــل بـــلـــزاك‪ ،‬م ــن ه ــن ــري مــونــيــه‬ ‫رسامه الوحيد مستعيدًا صفات شخصية‬ ‫هنري مونيه "ب ــرودوم" لجعلها بطل روايته‬ ‫"الكوميديا ​​ اإلنسانية"‪ .‬كــان هنري مونييه‬ ‫قد رأى طريقة عمل طبقات الموظفين التي‬ ‫ظهرت في فرنسا‪ ،‬فالتقط سلوكهم وعاداتهم‬ ‫البيروقراطية في سلسلة من النقوش‪ .‬هذه‬ ‫السلسلة‪ ،‬مع مسرح مونييه‪ ،‬هي التي ألهمت‬ ‫بلزاك في رواية الموظفين (‪1838‬م)‪ .‬وتصف‬ ‫سلسلة مونييه‪ ،‬عن كثب‪ ،‬زمن البرجوازية في‬ ‫العمل‪ ،‬حينما يفرون ساعة الغداء‪ ،‬أو أنهم‬ ‫يقرؤون الصحف في الساعة العاشرة‪.‬‬

‫ثيوفيل غوتيي ه ‪" :‬كان غوتييه يريد أن يكون‬ ‫رساما‪ .‬فأغلق على نفسه بيته لمدة عام‪،‬‬ ‫ولكن لوحاته ال تتوافق مع متطلبات العصر‪.‬‬ ‫وألنــه يملك‪" ،‬عينا فاحصة ودقيقة"‪ .‬فقد‬ ‫أصبح ناقدا فنيا مرعبا وصحافيا مرموقا‪.‬‬ ‫وخالل جلسات عديدة بين بلزاك وغوتييه‪،‬‬ ‫سيستفيد بلزا ك من معرفة غوتييه الغنية‬ ‫في مجال الفن موظفا ذلك في كتابه "التحفة‬ ‫المجهولة"‪.‬‬

‫أما عالقة بلزاك بفيكتور هوغو‪ ،‬فكانت‬ ‫مــخــتــلــفــة‪ .‬كـــان ب ــل ــزاك مــعــجــبــا بــالــشــاعــر‬ ‫ويحترمه‪ ،‬ولكنه كان يتبرم تماما من هوغو‬ ‫الــروائــي‪ .‬االنعكاس الحقيقي سيحدث مع‬ ‫ألفونس دي المارتين‪ ،‬رغم أن هذا األخير‬ ‫كان لديه كل ما يركهه بلزاك‪ :‬األصل النبيل‬ ‫والثراء‪ .‬لكن بلزاك أحب المارتين واعترف‬ ‫معاصر آخر لب ل زاك أنار له أفكاره‪ ،‬إنه تدريجيا بموهبته‪.‬‬

‫بلزاك بريشة الرسام العالمي بيكاسو‬

‫‪122‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫وألن واقع بلزاك ينتمي إلى واقع أوسع‬ ‫بكثير‪ ،‬أي ذلك العالم األدبــي الــذي عاشه‬ ‫خالل القرن التاسع عشر‪ .‬حينما كان رسامو‬ ‫الكاريكاتير يستمتعون باستلهام العالم‬

‫عام ‪1964‬م هذا الشعور الفني المشترك‪،‬‬ ‫فاستلهموا قص ًة لبلزاك كتبت قبل مائة‬ ‫وثالثة وثالثين عاما لتأسيس حركة فنية‬ ‫أطلقوا عليها‪ :‬التشكيل السردي‪ .‬في ذلك‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫إلــى درج ــة أنــه سيذكره فــي الكوميديا‬ ‫اإلنسانية مستلهما شخصيته وشــعــره في‬ ‫شخصية "كــانــالــيــس"‪ .‬سيصبح المــارتــيــن‬ ‫نسرا‪ ،‬وكاناليس نحاما ورديــا‪ .‬أخذ بلزاك‬ ‫من المارتين ميله إلى السياسة‪ .‬حتى أنه‬ ‫أراد أن يصبح نائبا برلمانيا في عام ‪1831‬م‪،‬‬ ‫ولكن محاولته فشلت‪ .‬استلهم بلزاك أيضا‬ ‫كـــان ب ــل ــزاك ح ــاض ــرا بــقــوة ف ــي مجلة‬ ‫عوالمه من النساء‪ .‬وقد اعترف أنه استوحى الكاريكاتور‪ ،‬وكان بالنسبة للكاريكاتوريين‬ ‫من الكاتب جورج ساند شخصيته النسوية موضوعا مفضال نظرا لشهرته ومكانته‬ ‫الشهيرة "فليسيتي" في روايــة "بياتريس"‪ .‬وإعجاب نساء المجتمع به‪.‬‬ ‫كما ألهمته عالقاته بالنساء العديد من‬ ‫‪ -3‬بلزاك في القرن العشرين‬ ‫الشخصيات التي برزت بجالء في نصوصه‬ ‫السردية‪.‬‬ ‫لكن كل شيء سيتغير في القرن العشرين‪.‬‬ ‫اختفت الــرســوم الكاريكاتورية على شكل‬ ‫‪ -2‬منافسة وصراع‬ ‫مطبوعات حجرية‪ ،‬التي تتمثل فكرتها في‬ ‫ولكن عالقته مع معاصريه ليست بهذه رسم بلزاك كما كان عليه في عصره‪ .‬في‬ ‫الــبــســاطــة‪ .‬ســيــحــاول بــلــزاك الــتــعــاون مع عام ‪1952‬م‪ ،‬سيستعيد بيكاسو صورة بلزاك‬ ‫الشعراء‪ ،‬بما في ذلك شارل السايلي‪ .‬في فــي سلسلة مــن البورتريهات المرسومة‪.‬‬ ‫عام ‪1839‬م‪ ،‬كان يعمل شارل سكرتيرًا لبلزاك وانطالقا من تجربة بيكاسو‪ ،‬لم يعد الناس‬ ‫لمساعدته في كتابه على وجه الخصوص يتمثلون بلزاك كما كان الشخص بالضبط‪،‬‬ ‫كتاب"الصانع"‪ .‬حــاول بلزاك أن يفعل مثل ولكن سيبدؤون بتصوره حسب مشاكلهم‬ ‫ألكسندر دوما‪ ،‬أن يشرك محررين أدبيين‪ .‬الخاصة‪ .‬وهكذا في كل رسم لبلزاك سيكون‬ ‫ولكن "دوما" كان لديه أكثر من (‪ )200‬نص هناك ثلث من رودان‪ ،‬وثلث من بلزاك‪ ،‬وثلث‬ ‫لتحريره‪ .‬حاول بلزاك أن يفعل الشيء نفسه‪ ،‬من بيكاسو‪ .‬سيعمل بيكاسو عن وعــي أو‬ ‫ولكن وجد المساعدون أن إيقاعه ال يمكن دونه على تغيير صورة بلزاك‪ ،‬وجعلها مجاال‬ ‫تحمله‪ .‬فكان المستخدمون لديه يفرون بعد للتفكير في تجليات الكاتب والفنان واإلشعاع‬ ‫أسبوع من العمل‪ ،‬هذه الحقيقة ستساعدنا األدبي والثقافي الذي يخلفه لدى المهتمين‬ ‫على تفكيك أسطورة عزلة بلزاك‪ ،‬ألنه كان والمشتغلين على أدبه وسيرته‪.‬‬ ‫محاطا باآلخرين أكثر من الالزم‪.‬‬ ‫ونتيجة لذلك‪ ،‬التقط فنانون طليعيون في‬

‫األدبـ ــي‪ ،‬ويكشفون عــن تــصــورات الكتاب‬ ‫وتمثلهم للواقع في ذلك الوقت‪ ،‬وصراعاتهم‬ ‫الناتجة عــن المنافسة بينهم‪ ،‬وطموحهم‬ ‫الالنهائي للفوز بالجوائز‪ ،‬وسعي آخرين عن‬ ‫المجد األدبــي والمالي وسيترجم ذلك إلى‬ ‫صور كاريكاتورية هزلية‪.‬‬

‫‪123‬‬


‫العام‪ ،‬استخدم الفرنسي أيلود‪ ،‬واألسباني‬ ‫أرويو‪ ،‬واإليطالي ريكالكاتي قصة "شغف في‬ ‫الصحراء" التي نشرها بلزاك عام ‪1830‬م‬ ‫لمعارضة فن البوب‪ ،‬وبالتحديد واحدا من‬ ‫ممثليه‪ ،‬وهــو الفنان روبــرت راوسشنبرغ‪،‬‬ ‫ولكن لماذا يجب إقحام أونوريه دي بلزاك‬ ‫(‪1850-1799‬م) في حركتهم الفنية؟‬ ‫نماذج من لوحات الفنانين الطليعيين الثالثة‬ ‫هذه ليست المرة األولى التي يحفز فيها‬ ‫بلزاك خيال الرسامين‪ .‬في عــام ‪1931‬م‪،‬‬ ‫أعطى بيكاسو تفسيرًا للتحفة المجهولة‪،‬‬ ‫إذ نسب إلهامها إلــى قــراءتــه لبلزاك‪ .‬أما‬ ‫بالنسبة للويس بورجوا‪ ،‬فقد نسبت نفسها‬ ‫إلــى شخصية يوجيني غــرانــدي‪ ،‬وخــال‬ ‫السنوات األربع األخيرة من حياتها‪ ،‬أنشأت‬ ‫ســتــة عــشــر لــوحــة صــغــيــرة احــتــفــاء ببطلة‬ ‫بلزاك‪ .‬من جانبهم‪ ،‬جيل أيلود‪ ،‬إدواردو أرويو‬ ‫وأنطونيو ريكاالتي لم يكتفوا بتوظيف هذا‬

‫‪124‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫السرد المربك (على عكس رسام الحيوانات‬ ‫الشهير بول جوف)‪ ،‬الذي وظف قصة بلزاك‬ ‫الــتــي تــتــحــدث عــن تــيــه أح ــد جــنــود جيش‬ ‫نابليون‪ ،‬في صحراء مصر‪ ،‬لكن سرعان وما‬ ‫تنشأ بينه وبين نمرة عالقة حب‪ :‬سيجسد‬ ‫ذلك في ثالث عشرة لوحة‪ ،‬لكنه لم يضع‬ ‫توقيعه عليها عام ‪1949‬م‪.‬‬ ‫كــان هــدف الثالثي الفني هــو استفزاز‬ ‫مناصري الفن من أجل الفن‪ ،‬الذين يعتبرون‬ ‫أن الــرســم ال يمكنه التعبير عــن األفــكــار‪،‬‬ ‫يقول أيلود في مجلة أربريس‪" :‬إن األمر ال‬ ‫يتعلق باختراع أو اكتشاف أشكال جديدة من‬ ‫التعبير الفني‪ ،‬بل تقديم الكثير من األسباب‬ ‫للتفكير"‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬واصل القناصة‬ ‫الثالثة استهداف معارضيهم من الفنانين‬ ‫كمارسيل دوشان ومجموعته الفنية المكونة‬ ‫من ثمان لوحات‪ ،‬وحسب ايلود نفسه فإن‬ ‫"ما يسمى بالقوانين األســاس التي تتحكم‬ ‫في بناء العمل الفني‪ ،‬والتي هي في الواقع‬


‫نـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــوافـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــذ‬

‫بيير أليشينسكي يفسر إحدى لوحاته عن هونوري دو بالزاك‬

‫موضوعة فقط ومنذ سنوات للحفاظ على‬ ‫التشكيل فــي مــجــالــه الــبــاغــي مــن اللغة‬ ‫واألشكال واأللــوان‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬فإن‬ ‫الفنانين الثالثة استخدموا بلزاك النتقاد‬ ‫األيقونات النيويوركية الجديدة للمفاهيمية‪.‬‬ ‫وقد مكنهم بلزاك التأكيد على قيمة التاريخ‬ ‫في مواجهة أمريكا الفتية‪ ،‬والصحراء ‪-‬‬ ‫حيث تجري األحداث ‪ -‬وتشييد عالم رمزي‬ ‫يعبر عن عزلتهم في عالم الفنون‪.‬‬

‫المحاورة تسمح لنا بتفسيرات مختلفة‪ ،‬كما‬ ‫يفسر إيف غانيوكس‪ .‬ومن بينها أن المقارنة‬ ‫يمكن أن تكون سلبية بين بلزاك وأوبو‪-‬ملكا‪،‬‬ ‫هذه تحية مشفرة لبلزاك‪ :‬في هذه الحالة‪،‬‬ ‫القاسم المشترك بينهما هي بولندا التي‬ ‫ستعمل كنقطة تقارب بين أوبو وبلزاك‪ ،‬ألن‬ ‫األول كان ملكا عليها والثاني محباً إلحدى‬ ‫نسائها وهي الكونتيسة هاسكا‪.‬‬ ‫تناول بــلــزاك‪ ،‬في إحــدى دراســاتــه التي‬ ‫نشرت ألول مــرة فــي عــام ‪1839‬م‪ ،‬ضمن‬ ‫مقدمة للكتاب الشهير " سيكولوجيا الذوق"‬ ‫للعالم "بريلت سافارين"‪ ،‬يصف بلزاك آثار‬ ‫الكحول والقهوة والشاي والتبغ‪ ،‬على جسم‬ ‫اإلنــســان ومــا ينتج عنها مــن "اضــطــرابــات‬ ‫خطيرة‪ ،‬وتؤدي إلى وفيات مبكرة"‪.‬‬

‫الفنان إنريكو بــاج‪ ،‬الــذي هــو جــزء من‬ ‫حركة الباتافيزيقا التي عرفها ألفريد جاري‪،‬‬ ‫بعلم الخيال‪ .‬أو علم الحلول المُتصوَرة أو‬ ‫الخيالية‪ ،‬ومن خاللها نصل إلى مستوى آخر‬ ‫من مستويات الوجود‪ ،‬ونُحقق وعياً ال يُمكن‬ ‫تحقيقه‪ ..‬وبها نصل إلى القوانين التى تحكم‬ ‫الــعــوارض واالستثناءات فى الكون‪ ،‬بحيث‬ ‫ي ــت ــج ــاوز هــــذا ال ــن ــص بــكــثــيــر مشكلة‬ ‫نكتشف العالم الذى يُكمِّل عالمنا التقليدى‬ ‫في أوب ــوزاك (‪1999‬م)‪ ،‬يقترح إنريكو باج المخدرات وطقوس التأمل الطويل وعالقته‬ ‫صليبا بين األب أوبــو‪ ،‬الــذي رسمه ألفريد بالطاقة الحيوية والفكر البصري والفن‪.‬‬ ‫جاري‪ ،‬وتمثال بلزاك الذي نحته رودان‪ .‬وهذه لم يسبق ألحد أن اشتغل على هذا النص‪،‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫‪125‬‬


‫الجرافيكي‪ .‬وقــد صــرح أليشينسكي انه‬ ‫ال يمكنه أن يبقى غير مبال بالتفكير في‬ ‫شخصية بــلــزاك الــمــجــدة‪ ،‬ألنــه كــان يعمل‬ ‫بإخالص كمطبعي ومنسق للحروف‪ ،‬قبل أن‬ ‫يصبح الروائي المتألق‪.‬‬ ‫بيير أليشينسكي يفسر إحدى لوحاته‬ ‫عن هونوري دو بالزاك‬ ‫وبــعــد ت ــردد طــويــل‪ ،‬اخــتــار أليشينسكي‬ ‫الــعــمــل مــبــاشــرة عــلــى أحــجــام مــن مشمع‬ ‫األرضــيــة (خــلــيــط مــن زي ــت بـــذور الكتان‬ ‫ونشارة الخشب)‪ .‬وكانت النتيجة متتالية‬ ‫من اللوحات البديعة والملغزة المستلهمة‬ ‫بالدرجة األولى من الكوميديا اإلنسانية‪.‬‬

‫لكن الفنان بيير أليشينسكي أحد الفنانين‬ ‫النادرين الذين تجرؤوا على االقتراب من‬ ‫الكوميديا اإلنسانية بعد تجربة بيكاسو‪.‬‬ ‫وذلك من خالل تجربة فن الطباعة والتصميم‬

‫‪126‬‬

‫على مــدى عــدة سنوات‪ ،‬أنتجت الفنانة‬ ‫مارتين مارتين عددا كبيرا من صور بلزاك‬ ‫حوالي (‪ 550‬لوحة)‪ .‬وبعضها معروض في‬ ‫متحف بــلــزاك‪ ،‬ويعكس الــهــوس (الهاجس‬ ‫خــاق) لــدى الفنانة‪ .‬ومعروف عن الفنانة‬ ‫مارتين بدأت عملها على بلزاك‪ ،‬ومنذ تلك‬ ‫اللحظة لم تستطع أن تتوقف وال ماذا تفعل‪.‬‬ ‫ألن صــورة بلزاك ومتخيله وحياته تهيمن‬ ‫عليها أثناء الرسم‪ ،‬لكنها كانت تبحث عن‬ ‫شيء لم تعرف أبدا ماهيته‪ .‬وهذا اإلحساس‬ ‫يصحب عــددا كبيرا مــن الــذيــن استلهموا‬ ‫بالزاك وجعلوا من أدبه ومتخيله وسيرته مادة‬ ‫لالشتغال على منجزات فنية‪ ..‬هناك شيء‬ ‫خفيّ ‪ ،‬يحاول الكل أدباء وفنانين وموسيقيين‬ ‫تمثل أثاره وانعكاساته وتجلياته‪ ،‬لكن ما هو‬ ‫هذا الشيء‪ ،‬في الحقيقة ال أحد يعرفه!‬

‫ * كاتب من المغرب‪.‬‬ ‫‪.Balzac par FRANÇOIS TAILLANDIER. ED. Folio. 192 pages 2005 -1‬‬ ‫‪.Balzac. Une vie de roman, de Gonzague Saint Bris ED.Télémaque, 450 pages, 2011 -2‬‬

‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫الكتاب ‪ :‬معجم أسماء األماكن يف محافظة الغاط‪.‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬محمد بن أحمد الراشد‪،‬‬ ‫املؤلف ‪ :‬د‪ .‬نايف بن فوزي الرويلي‪.‬‬ ‫ علي بن عبداهلل املخضب‪.‬‬ ‫الناش ر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪.‬‬ ‫الناشر ‪ :‬مركز عبدالرحمن السديري الثقايف‪.‬‬

‫يقدم هذا الكتاب مجموعة من المعلومات األساسية‬ ‫عن أسماء األماكن‪ ،‬سواء كانت طبيعية أو بشرية‪،‬‬ ‫من خالل تقديم وصف دقيق للمكان وحدوده‪ ،‬وذلك‬ ‫لما تمثله أسماء األماكن من أهمية بالغة في تعريف‬ ‫المظاهر والمعالم الطبيعية والبشرية‪ ،‬وتعد معرفتها‬ ‫واستخدامها الدقيق عنصراً مهماً في االتصال‬ ‫الفعال بين الناس‪.‬‬

‫جاء هذا المعجم للتعريف بأسماء األماكن في‬ ‫محافظة الغاط بما فيها المزارع والجبال وغيرها‪.‬‬ ‫وقد زوّد هذا المعجم بأربع مجموعات من الصور‬ ‫الفضائية والجوية‪ ،‬موضحاً عليها أسماء األماكن‪،‬‬ ‫وهذه المجموعات هي‪:‬‬ ‫ صور جوية‪ :‬تختص بأسماء األماكن في وادي‬‫الغاط‪.‬‬ ‫‪ -‬صور جوية‪ :‬تختص بروافد وادي الغاط‪.‬‬

‫ صور جوية‪ :‬تختص بأسماء األماكن في شعيب‬‫مليح عضيدان‪.‬‬ ‫‪ -‬صور فضائية‪ :‬تختص بأسماء محافظة الغاط‪.‬‬

‫كما زوّد هذا المعجم بقائمة بأسماء األماكن في‬ ‫محافظة الغاط مرتبة ألفبائيا‪ ،‬ومصنفة‪.‬‬ ‫ويع ّد هذا الكتاب مرجعاً مهماً في مجال األدبيات‬ ‫الجغرافية‪ ،‬يستفيد منه الباحثون والقراء‪ ،‬كما يعد‬ ‫إضافة إلى الدراسات الجغرافية وأدبيات محافظة‬ ‫الغاط‪.‬‬

‫يأتي هذا الكتاب ثمر ًة لدراسة ميدانية َموَّلها مركز‬ ‫عبدالرحمن السديري الثقافي‪ ،‬ضمن برنامج النشر‬ ‫ودعم األبحاث‪ ،‬قام بها الباحث الدكتور نايف بن فوزي‬ ‫الرويلي‪.‬‬ ‫وتُعنى بتطبيق ممارسات الموارد البشرية على‬ ‫توظيف خريجي الجامعات األمريكية والبريطانية‬ ‫من السعوديين في شركة التعدين العربية السعودية‬ ‫(معادن)‪ ،‬وتتمثل أهمية هذه الدراسة في أنها تسهم‬ ‫في دعم االقتصاد السعودي‪ ،‬من خالل خفض معدالت‬ ‫البطالة بين الخريجين السعوديين ‪ ،‬وتهدف إلى‪:‬‬ ‫‪ -1‬التعرف على األساليب والطرق المتبعة من قبل‬ ‫شركة معادن في تعيين الموظفين‪.‬‬ ‫‪ -2‬تسليط الضوء على الفوائد التي تجنيها شركة‬ ‫معادن من استقطاب هؤالء الخريجين وتوظيفهم‪،‬‬ ‫على الرغم من تأثير الثقافة السعودية على هؤالء‬ ‫العاملين‪.‬‬ ‫ومن النتائج التي خرجت بها هذه الدراسة‪:‬‬ ‫ هناك تأثير كبير بين التعيين واالختيار والعولمة‬‫والتكيف بتوسط الثقافة السعودية‪.‬‬ ‫ هناك تأثير كبير بين الدوافع والحوافز واألداء‬‫المتميز بتوسط الثقافة السعودية‪.‬‬ ‫ هناك تأثير كبير بين التدريب والتطوير واألداء‬‫المتميز بتوسط الثقافة السعودية‪.‬‬ ‫كما يع ّد هذا الكتاب إضافة إلى أدبيات الموارد‬ ‫البشرية وتوظيف الخريجين السعوديين في الشركات‬ ‫الوطنية باللغتين اإلنجليزية والعربية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬

‫ق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــراءات‬

‫الكتاب ‪ :‬تطبيق ممارسات املوارد البشرية‪.‬‬

‫‪127‬‬


‫الـ ـ ـصـ ـ ـفـ ـ ـح ـ ــة األخـ ـ ـ ـي ـ ـ ــرة‬ ‫‪128‬‬

‫في ذكرى إبراهيم أصالن‬ ‫■ صالح القرشي*‬

‫في شتاء ‪2012‬م‪ ،‬وتحديدً ا في السابع من يناير‪ ،‬توفي الكاتب الرهيف‪ ،‬القريب من‬ ‫البسطاء والمهمشين‪ ،‬صاحب "حـكــايــات فضل اهلل عـثـمــان"‪ ،‬و"خـلــوة الغلبان"‪ ،‬و"بحيرة‬ ‫المساء"‪ ،‬و"عصافير النيل"‪ ،‬و"مالك الحزين"‪ ،‬مات بهدوء كما يموت أبطال قصصه دائما‪.‬‬ ‫ويهمس لها (الراجل القاعد هناك‪ ،‬ده أبو طربوش‬ ‫هاتي منه سيجارة)‪ ،‬تتلفت حولها وتقول‪( :‬هو فين‬ ‫اللي قاعد ده؟ الناس كلها نائمة يا عبدالرحيم وما‬ ‫حدش البس طربوش)‪.‬‬

‫في عمله الذي وصفه بمتتالية منزلية "حجرتان‬ ‫وصالة"‪ ،‬تستمع السيدة العجوز لجرس الهاتف‬ ‫القادم من التلفزيون‪ ..‬فتعتقد أنه تليفون البيت‬ ‫وتقول‪( :‬حد يرد على التليفون ياوالد)‪ ،‬يضحك‬ ‫زوجها المتقاعد وهو يشاهد أحد أبطال الفيلم‪..‬‬ ‫عاش أصالن مؤمناً بالفن ورافضاً لفكرة توجيه‬ ‫يرد على الهاتف‪ ،‬ويقوم ليخبرها بأن الممثل سمع‬ ‫القارئ وتحميل أبطال قصصه مواقفه الفكرية‬ ‫كالمها فيجدها ميتة‪.‬‬ ‫والسياسية‪ ،‬استمر يكرر‪ :‬الناس ليسوا في حاجة‬ ‫ولعلنا هنا نتذكر مشهداً مؤثراً من فيلم (الكيت لمن يفكر نيابة عنهم‪ ،‬الكاتب أو األديب ليس وصياً‬ ‫كات) المأخوذ من رواية (مالك الحزين) ألصالن‪ ،‬على القارئ‪ ،‬وأنا ال أطالع همنجواي وماركيز‬ ‫وهو مشهد موت (عم مجاهد) عندما يتذكر (الشيخ وفوكنر لكي أعرف مواقفهم الفكرية والسياسية‪،‬‬ ‫حسني) الكفيف أنه تحدث طويال مع الرجل ولكن من أجل ما قدموا من فن‪.‬‬ ‫العجوز‪ ،‬لكنه لم يرد عليه‪ ،‬يقترب منه في هلع‪،‬‬ ‫استمر صاحب رواية "مالك الحزين" مخلصاً‬ ‫ويضع أذنه على صدره ويكتشف أنه مات‪ ،‬يحمله‬ ‫ووفياً للقصة القصيرة‪ ،‬كان يقول‪( :‬أنا عاشق‬ ‫على عربة‪ ،‬ويذهب به وحيدا في طريق طويل‪.‬‬ ‫للقصة القصيرة‪ ،‬ولديّ إيمان عميق بأن هذا اإلطار‬ ‫عاش أصالن دائما إلى جانب أبطاله البسطاء‪ ،‬فيه إمكانات كبيرة لتقديم أشياء كبيرة ومؤثرة‪ ،‬وال‬ ‫قريباً من الكيت كات والشيخ حسني‪ ،‬قريباً من النيل أرى أن القصة القصيرة في انحسار‪ ،‬أو أن الغلبة‬ ‫وعصافيره‪ .‬عاش ومات منحازاً إلى الناس؛ وربما للرواية كما يدعي بعضهم‪ ،‬لكنها شكل مهم جداً‬ ‫لهذا كان من أبرز سمات أعماله السردية قدرته من أشكال الكتابة ويحتاج لمهارات خاصة جداً)‪.‬‬ ‫الفذة على استخدام الحوار بطريقته الخاصة وربما لهذا استطاع أصالن أن يقدم في عمله‬ ‫والساخرة‪ .‬الحوار في أعمال إبراهيم أصالن أسهم الجميل "حجرتان وصالة" نوعاً من الكتابة ال‬ ‫دائماً في دمج القارئ في أجواء السرد‪ ،‬حتى نكاد يخضع للتصنيف‪ ،‬هل هو رواية على شكل متتالية‬ ‫نشم روائح حواري القاهرة العتيقة‪.‬‬ ‫كما وسمه؟ المهم دائماً أنه سر ٌد ساح ٌر وجذابٌ‬ ‫في «عصافير النيل»‪ ،‬يطلب عبدالرحيم المُنوّم وعمي ٌق وساخر‪ ،‬هو سه ٌل ممتن ٌع حتى وإن أصبح‬ ‫في المستشفى من زوجته أن تأتيه بسيجارة‪ ،‬هذا الوصف مبتذالً ومكرراً‪.‬‬ ‫* كاتب من السعودية‪.‬‬ ‫اجلوبة ‪ -‬خريف ‪1440‬هـ (‪)2018‬‬


‫من إصدارات اجلوبة‬


‫من إصدارات برنامج النشر في‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.