سنوات صدام

Page 1

‫سنوات صدام‬ ‫إنها الوامر فل داعي للنقاش!‪ ،‬سلسلة من الطخطاء الفادحة والتصرفات الترتجالية‬ ‫في مؤسسة‬ ‫الرئاسة‬ ‫سنوات صدام ـ الحلقة الولى‬ ‫تأليف ‪ :‬سامان عبدالمجيد‬ ‫حتى آطخر لحظة‪ ،‬ظنن ُ‬ ‫ت أن الحرب قد ل تنشب‪ ،‬فبعد أن ظّل لزمٍن طويل يرفض‬ ‫ي تنازٍل قبل‬ ‫تقديم أ َّ‬ ‫صّدام حسين في نهاية المطاف أن يخّفف من ُغلّوه وعناده‪ ،‬فأمر بتدمير صواتريخ‬ ‫"الصمود"‪ ،‬وسمح‬ ‫ق في أجواء العراق‪ .‬كن ُ‬ ‫ت‬ ‫للطائرة الستكشافية الميركية من طراز "يو ‪ "2‬بأن ُتحلّ ِ‬ ‫على اقتناع بأن‬ ‫صّدام سيخرج من جعبته وترقته الطخيرة‪ ،‬وبأّن الزمة ستنتهي إلى مخرج نهائي على‬ ‫نحو ما انتهت‬ ‫‪.‬الزمات السابقة‬ ‫لقد ظلل ُ‬ ‫ت أعمل إلى جانبه طخلل الفترة التي تعّقدت فيها الزمة‪ ،‬وكنت أعلم أّن صّدام‬ ‫كان أقدتر على‬ ‫التصرف بكثير من البراغماتية على الرغم من تصوتره التقليدي للشرف والعّزة‪،‬‬ ‫‪،‬وكنت أعرف أيضا ً‬ ‫بفضل المعلومات التي كنا ننقلها إليه‪ ،‬أنه كان يعي طخطوترة الوضع‪ ..‬حق الوعي‪ .‬في‬ ‫الغالب كان صّدام‬ ‫ينهض في حدود الخامسة صباحًا‪ ،‬وقد شعرنا حقاً طخلل الشهوتر الستة التي سبقت‬ ‫الحرب أنه لم يذق‬ ‫طعم الراحة قط‪ .‬كان ُيرسل إلينا بريده بواسطة حّراسه‪ ،‬في أي ساعة من ساعات‬ ‫‪.‬الليل أو النهاتر‬ ‫كان جهاز نقل الرسائل ُمرّوضا ً ترويضا ً ُمتقنًا‪ ،‬ففي الوقات العادية كان ترج ٌل من‬ ‫ترجال المن يحمل‬ ‫ترسائلنا إلى الرئيس فيسّلمها إلى مكتب الستقبال في بناية سّرية تقع طخاترج القصر‪،‬‬ ‫فيتكّفل ترج ٌل ثاٍن‬ ‫من المن بنقلها إلى سكرتير الرئيس الخاص‪ ،‬عبد حمود الذي كان يضطلع بفتحها‪،‬‬ ‫ول شيء من كل‬


‫هذا تغّير أثناء الزمة‪ ،‬فقد ظل صّدام ُيمسك بزمام العراق حتى النهاية‪ .‬أما ُنهى‬ ‫زوجتي فقد كانت على‬ ‫‪:‬اقتناع بأن المأساة قادمة ل محالة‪ ،‬ولذلك ما فتئت تذّكرني‬ ‫‪.‬يجب أن نفكر في جلب مخزون من المؤونة الغذائية ‪-‬‬ ‫كنت أتراها عند كل عودٍة من القصر‪ ،‬في ساعات الليل المتأطخرة‪ُ ،‬تعّد العّدة تأهبا ً لي‬ ‫طاترئ‪ ،‬فأحاول في‬ ‫كل مرة لطمأنتها‪ ،‬فقد كنت على اقتناع بأَّن الحرب لو قامت فعلً فلن تكون إل حربا ً‬ ‫طفيفة وبعيدة‪ .‬كنت‬ ‫أحّد ث نفسي بأن ال ّ‬ ‫صراع لو قّدتر له أن ينفجر‪ ،‬فإن المقاومة العراقية سوف تصمد‬ ‫لسابيع عديدة‪ ،‬فل‬ ‫‪.‬يمكن للنظام أن ينهاتر كما ينهاتر قص ٌر من وترق‬ ‫ول أطخفيكم أنني من الناحية العملية لم أستبق الحدا ث بأي حال‪ ،‬فلم أكن قد أعدد ُ‬ ‫ت‬ ‫أ ّ‬ ‫ي شيء‪ ،‬حين‬ ‫طلب جوترج بوش من الرئيس صدام مغادترة البلد قبل بداية الصراع بأيام‪ .‬ومع‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد جعلني هذا‬ ‫النذاتر الطخير أدترك أن الحرب قائمة ل محالة‪ ،‬لكّن الرئيس ما كان ليقبل بمثل هذا‬ ‫الذلل ول ليرضى‬ ‫‪.‬بالمنفى بدي ً‬ ‫ل‪ ،‬وقد كان الميركيون يدتركون ذلك حين وضعوا السكين على ترقبته‬ ‫أنا وزوجتي وأطفالي الثلثة غادترنا الشقة الوظيفية التي أقمنا فيها منذ ما يقاترب‬ ‫التربع سنوات في‬ ‫شاترع أبو نواس على طول نهر دجلة‪ .‬كان ذلك قبل قيام الحرب بيومين فقط‪ ،‬كنا آطخر‬ ‫من يهرب من‬ ‫‪.‬سكان العماترة‪ ،‬وأقمنا عند أطخت زوجتي في حي الضباط بالزيتونة‬ ‫وقد تركت معظم أغراضي بالبيت‪ ،‬ما عدا التلفزيون والحاسوب‪ ،‬فلم نحمل معنا إل‬ ‫‪.‬الشياء الضروترية‬ ‫وقد حرص ْ‬ ‫ت زوجتي على أن ُتتلف كل ما من شأنه أن يعرضنا للخطر‪ .‬لم أفهم في‬ ‫الحال السبب الذي‬ ‫‪.‬جعلها تفّك من على الجداتر ال ّ‬ ‫صوَتر التي كنت أترافق فيها الرئيس‬ ‫لماذا تفعلين هذا؟ ‪-‬‬


‫ل ينبغي أن يعرف أح ٌد أنك كنت تعمل مع صّدام‪ ،‬سيعّرضنا ذلك لكثير من ‪-‬‬ ‫!المتاعب‬ ‫ت لها مؤكداً‬ ‫‪:‬قل ُ‬ ‫!اسمعي! الوضُع على أ ّ‬ ‫ي حال لن يتدهوتر إلى هذا الحّد ‪-‬‬ ‫كانت ُنهى تح ّ‬ ‫ب وتخريب وسرقة وعنف‪ ،‬كانت‬ ‫س بما كان سيأتي من أحدا ث‪ ،‬من نه ٍ‬ ‫تعلم أّن السكان‬ ‫‪.‬سينتقمون من عملء النظام القديم‬ ‫في المواقع البديلة‬ ‫كانت ترئاسة الجمهوترية تمتلك العديد من المساكن والعماترة الفاترغة في بغداد‪ ،‬وحتى‬ ‫يحبط القصف‬ ‫الميركي الذي ما فتئ ينهال على العاصمة العراقية على مدى عشر سنوات‪ ،‬تعّود‬ ‫النظام على ترحيل‬ ‫المكاتب في حالت الخطر‪ ،‬فكان تاترة يستقر لبعض الوقت في بنايات عادية‪ ،‬وكان‬ ‫الموظفون وأهم‬ ‫أصحاب المقام يقيمون في عماترة عادية للغاية‪ ،‬مثلما كان المر أثناء القصف الذي‬ ‫تعرضت له بغداد‬ ‫‪.‬في شهر ديسمبر عام ‪1998‬‬ ‫وكنا نسّمي تلك المساكن بالمواقع البديلة‪ .‬لقد كان القادة يعون جيداً المخاطر التي‬ ‫‪،‬كانت تحدق بهم‬ ‫فحرصوا على أن ينظموا أنفسهم حتى ل يمّسهم أي أذى‪ ،‬كان ذلك على أي حال ما‬ ‫يمكن أن يعتقده أي‬ ‫‪.‬مراقب طخاترج النظام‪ ،‬لكّن الواقع كان مختلفا ً كل الطختلف‬ ‫في شهر أكتوبر ‪ 2002‬تلقت الوزاترات المر بالشروع في ترحيل أترشيفاتها‪ ،‬كان‬ ‫العراق قد قبل للتو‬ ‫عودة طخبراء منظمة المم المتحدة في نزع السل‪،‬ح‪ ،‬مبرزاً بذلك إترادته الطيبة ونيته‬ ‫الحسنة في تهدئة‬ ‫الزمة القائمة بينه وبين الوليات المتحدة‪ .‬كان علينا أن نخفي الملفات المهمة قبل‬ ‫وصول المفتشين‬ ‫‪.‬إلى بغداد‬


‫كنا نعلم أن معظم أولئك المفتشين كانوا جواسيس حقيقيين‪ ،‬فقد قدموا إلى العراق من‬ ‫أجل البحث عن‬ ‫عتاد محظوتر‪ ،‬ولكن أيضاً من أجل الستحواذ على الوثائق‪ .‬لقد وضعنا إذن أترشيفنا‬ ‫‪،‬في مكان آمٍن‬ ‫ليس من أجل إطخفاء المعلومات التي من شأنها أن تعرضنا للخطر في مجال التسلح‪،‬‬ ‫ولكن لننا لم نكن‬ ‫نرغب في أن يكتشف الميركيون أسراتر دواليب الرئاسة‪ .‬وقد تلقينا المر أيضا ً‬ ‫بإطخفاء حواسيبنا‬ ‫‪.‬للحيلولة دون حصول الميركيين على نسخ من القراص الصلبة‬ ‫وأذكر أنني حاولت التدطخل لدى أعضاء أمن القصر لثنيهم عن هذا المر‪ ،‬إيمانا ً مني‬ ‫بأن إطخفاء‬ ‫الحواسيب قد يكون أكثر الموتر إثاترة للشبهات من منظوتر المفتشين‪ ،‬فإن نحن‬ ‫وضعنا أنفسنا في حالة‬ ‫دفاع فإن ذلك يعني اعترافنا بالتهم الموجهة إلينا‪ .‬بداية كّلف شخصان بفرز الوثائق‪،‬‬ ‫وبعد مروتر‬ ‫يومين نقل الرجلن كل الوثائق بل تمييز إلى مكاٍن بديل‪ ،‬وهو المكان نفسه الذي‬ ‫لجأنا إليه أثناء‬ ‫‪.‬القصف في ديسمبر ‪1998‬‬ ‫ت الرئيس بما فيها‬ ‫ت لقاءا ِ‬ ‫وقد ضّمت هذه الوثائق‪ ،‬على الخصوص‪ ،‬محاضر جلسا ِ‬ ‫اللقاءات غير‬ ‫المسبوقة‪ .‬ولم تتصل هذه الوثائق من قريب أو بعيد بأسلحة الدماتر الشامل! ولذلك فقد‬ ‫حّيرني إطخفاء‬ ‫‪:‬هذا النوع من المعلومات‪ .‬لقد كان المن كلما سألت سؤالً في هذا الشأن ترّد قائل‬ ‫ولماذا نعطيهم هذه الوثائق؟ ‪-‬‬ ‫‪.‬وقد أمر صّدام أيضاً بأن يلتزم موظفو الرئاسة كافة بتدتريب عسكري صاترم‬ ‫!نحن على وشك أن نواجه العدو ‪-‬‬ ‫علينا أن نعّد أنفسنا‪ ،‬وأنتم الذين تلزمون الرئيس يجب أن تحاتربوا حتى آطخر ترجل!‬ ‫هكذا كانوا يقولون‬ ‫‪.‬لنا‬


‫وهكذا شاترك أعضا ٌء من أمن الرئيس الخاص في تدتريبات فدائية جد قاسية‪ .‬فقد كان‬ ‫عليهم أن يقطعوا‬ ‫مشياً على القدام مسافة تزيد على عشرة كيلو مترات كل يوم‪ ،‬وأن يتدتربوا على‬ ‫‪:‬سائر أنواع السلحة‬ ‫كلشينكوف‪ ،‬قاذفات صاتروطخية من طراز اتر‪ .‬بي‪ .‬جي وأسلحة الدفاع المضاد‬ ‫‪...‬للطائرات الخ‬ ‫وإذا كان تكوين هؤلء مكثفاً وفي غاية الجدية والصرامة‪ ،‬فلم يكن ذلك شأن موظفي‬ ‫‪.‬القصر الطخرين‬ ‫أما فيما يخصنا نحن‪ ،‬فقد كان مقرتراً أن نتلقى على مدى ثلثة أشهر ساعتين من‬ ‫التدتريب العسكري‬ ‫صباحا ً والقدتر نفسه من التدتريب عصرًا‪ ،‬أما أنا فلم أحضر هذه الدتروس إل ثلثة أيام‬ ‫فقط‪ ،‬فسرعان ما‬ ‫أعفي عدد كبير من الموظفين ترفيعي المستوى من هذه التدتريبات‪ ،‬فقد كان إعداد‬ ‫‪.‬البرنامج سّيئا ً‬ ‫وقد أضحت التماترين عديمة الجدوى‪ :‬لقد عّلمونا في السبوع الول السير بخطى‬ ‫ثابتة‪ ،‬وفي الثاني‬ ‫تركيب الكلشينكوف وتفكيكه‪ ،‬وفي الثالث لم نجد شيئا ً نفعله‪ ،‬وقد كان مقرتراً لنا‬ ‫س في تقنيات‬ ‫دتر ٌ‬ ‫حرب العصابات داطخل المدن‪ ،‬لكّن حتى ضباط الصف كانوا يقّرون بأن في المر‬ ‫مضيعة للوقت‪ ،‬وكنا‬ ‫كلما ذهبنا إلى ميدان الرمي لم يكن في حوزة كل واحد مّنا سوى ثل ث طلقات‪ .‬قبل‬ ‫اندلع العمليات‬ ‫العسكرية‪ ،‬كان الموظفون يعيشون في حالة من نفاد الصبر ومن القلق بسبب الخطر‬ ‫الوشيك‪ ،‬فكانوا‬ ‫‪:‬يسألونني‬ ‫لماذا ل نغادتر مكاتبنا؟ ‪-‬‬ ‫بعد النذاتر الطخير الذي أطلقه جوترج بوش في اتجاه صّدام‪ ،‬توجه ُ‬ ‫ت على الفوتر إلى‬ ‫‪،‬علي عبدا‬ ‫‪:‬سكرتير الرئيس الصحافي بذلك السؤال‪ ،‬فقال لي‬ ‫ل يمكنكم أن تتخذوا قراتر الطخلء من طرف واحد‪ ،‬فسوف يقال عنكم إنكم جبناء‪- ،‬‬ ‫‪:‬فقلت له‬


‫لكن الميركيين سوف يقصفون العراق وسوف نكون أهدافا ً ممّيزة! لكن عبد ‪-‬‬ ‫حمود‪ ،‬سكرتير صّدام‬ ‫الخاص ما لبث أن ترطخص لنا بنقل مكاتبنا في اليوم التالي لذلك النذاتر‪ ،‬أي قبل‬ ‫الحرب بيومين‪ ،‬فقد‬ ‫تلقينا في الطخير المر بالتراجع نحو الموقع البديل الذي أُِعَّد لنا طخ ّ‬ ‫صيصا ً في حي‬ ‫‪،‬الحاترثية الرئاسي‬ ‫ليس بعيدًا عن قصر السلم الرئاسي‪ ،‬الذي قصفه الميركيون بعد ذلك نحو طخمس أو‬ ‫‪.‬ست مرات‬ ‫تصرفات اترتجالية‬ ‫كنت قبل الحرب قد ذهبت للتعرف على المكان‪ .‬كان المكان عباترة عن فيل واسعة‬ ‫‪،‬من طابق واحد‬ ‫ُ‬ ‫طليت جدترانها باللون المغر‪ ،‬تقع بشاترع الزيتون‪ ،‬وهي بيت مجهول في حي ثري‬ ‫‪.‬من أحياء العاصمة‬ ‫كان هذا البيت في السابق ملكاً لصل‪،‬ح عمر العلي التكريتي وهو قريب لصدام وسفير‬ ‫سابق في‬ ‫الوليات المتحدة حتى تاتريخ اترتداده العام ‪ ،1982‬فبعد فراتره قامت الدولة بمصادترة‬ ‫‪.‬بيته‬ ‫وهنا أيضاً كم كانت التصرفات اترتجالية! قبل عمليات القصف الميركية العام ‪1998‬‬ ‫كنا وترثنا بيتا ً في‬ ‫مجّمع الوزتراء بحي المنصوتر حيث كان ُيقيم أكثر من طخمسين من مسؤولي العراق‬ ‫‪.‬ترفيعي المستوى‬ ‫كان المكان غير لئق للحتماء‪ ،‬فقد اكتشفنا بعد الزمة أن المساكن المجاوترة كانت‬ ‫قد ُأطخليت من قبل‬ ‫‪.‬سكانها لّن الحّي كان يأوي معسكراً لتدتريب المن الخاص بالرئيس‬ ‫لذلك لم ينُج هذا الحّي من القصف المكثف‪ ،‬فهذا الطختياتر دليل على مدى حماقة القادة‬ ‫العراقيين في‬ ‫اتخاذ القراترات التي تقع على عاتقهم‪ ،‬كّلما كان المر ل يمت بصلة مباشرة بحياة‬ ‫‪.‬الرئيس شخصيا ً‬ ‫فحين جاء عابد حمود في شهر فبراير يقتر‪،‬ح علينا الرجوع إلى المجّمع الوزاتري‬ ‫بالمنصوتر‪ ،‬لم نترّدد‬ ‫في ترفض هذا العرض‪ ،‬فلم يجد بداً من أن ينصحنا بالتوجه إلى مسؤول إداترة المواقع‬ ‫البديلة حتى يدلنا‬ ‫‪.‬على مكان آطخر نأوي إليه‬


‫ت متواتريا ً‬ ‫وقد بدا لنا حّي الحاترثية الذي لجأنا إليه في الطخير هادئا ً ساكنا‪ ،‬فقد كان البي ُ‬ ‫طخلف أحد‬ ‫السواتر مّما يجعله طخفياً عن النظاتر‪ ،‬لكن ما لبثنا أن علمنا بعد حين أن عدداً كبيراً‬ ‫من مسؤولي البعث‬ ‫الحزب الوحيد في سلطة بغداد ‪ -‬ومنهم طه ياسين ترمضان‪ ،‬الرجل الوفي لصدام‪- ،‬‬ ‫كانوا ُيقيمون على‬ ‫‪.‬بعد طخمسين متراً فقط عن ذلك المكان‬ ‫وكان الحي يأوي أيضاً مدترسة للحزب‪ ،‬وهو ما يعني أننا كنا محاطين بأهداف كامنة‪.‬‬ ‫وقد كان هذا‬ ‫البيت الذي أمكننا أن نقوم فيه بواجبنا حتى لحظة سقوط بغداد قد أُِعَّد ملجأ ً لرئيس‬ ‫الديوان الذي ترفض‬ ‫العودة إليه بسبب موقعه غير المن‪ ،‬فما دام المر كذلك فما الذي جعلهم يمنحوننا‬ ‫إياه؟ والسبب في‬ ‫ذلك بل شك عدم كفاءة أحد مسؤولي الرئاسة ومتابعٍة سيئة للملفات‪ ،‬فضلً عن أن‬ ‫مكتب إعلمنا لم‬ ‫‪.‬يكن بالهمية ذاتها للمن المقرب من الرئيس‬ ‫في الوقت ذاته ُنقلت مصالح الرئاسة الطخرى إلى الضفة الطخرى من نهر دجلة‪ ،‬ليس‬ ‫بعيداً عن‬ ‫الحاترثية‪ ،‬في أحياء اليرموك والمنصوتر‪ ،‬أما المصالح القل أهمية‪ ،‬المرتبطة أساسا ً‬ ‫بالشرطة فقد تم‬ ‫إطخفاؤها في إحدى المداترس‪ ،‬ولم ننقل أ ّ‬ ‫ي عتاد‪ ،‬وقد ظل الموظفون يترّددون على‬ ‫مكاتبهم حتى تحت‬ ‫‪.‬القصف‬ ‫ولم يتوقف الترتجال عند هذا الحّد‪ ،‬فقد جاء سائقان مكلفان بنقل البريد إلى الرئيس‬ ‫يشكوان من أن‬ ‫هذه الترتيبات المنية لم تشملهما حيث لم يقتر‪،‬ح عليهما أح ٌد أ ّ‬ ‫ي موقع بديل يلجآن‬ ‫إليه‪ ،‬ولما كانا‬ ‫يعيشان على مقربة من القصر الجمهوتري فقد طخشيا كثيراً على حياتهما‪ .‬كن ُ‬ ‫ت على‬ ‫‪،‬استعداد ليوائهما‬ ‫‪.‬لكّن علي عبدا لم يوافق على ذلك‬ ‫وعلى الرغم من أن عملهما كان وثيق الصلة بعملنا فقد ظل علي عبدا يعتبر أنهما‬ ‫ل يمثلن جزءاً‬


‫من مكتبنا‪ .‬فلسباب المن والسرّية لم يكن من حّقهما أن يعرفا من كان يدطخل ويخرج‬ ‫من بيتنا في‬ ‫الحاترثية‪ ،‬فلم يجد هؤلء بّداً من العودة إلى بناياتهم التي تعرضت للصواتريخ‬ ‫الميركية الولى التي‬ ‫‪،‬ح‪،‬‬ ‫استهدفت القصر منذ بداية الحرب‪ .‬وقد عاد إلينا أحد السائقين الذي تعرض لجرو ٍ‬ ‫‪،‬معصوب الرأس‬ ‫متوسلً إلينا أن نأويه في محلتنا‪ ،‬وأطخيراً وضع السكرتير الصحافي تحت تصرفهما‬ ‫‪.‬غرفة معزولة‬ ‫وقد استغرق ترحالنا الكثير من الوقت‪ ،‬غير أنه على الرغم مّما أصابنا من قلق‬ ‫وجزع فلم نكن على‬ ‫عجلة من أمرنا‪ ،‬كنا نعتقد جميعاً أننا سنتحاشى الحرب‪ ،‬فلم ننقل إل العتاد الضروتري‬ ‫‪،‬لعملنا‬ ‫كالحواسيب مث ً‬ ‫ل‪ ،‬أما السرة والكراسي والمكيفات وأفران الطبخ فقد استعادتها‬ ‫‪.‬الرئاسة‬ ‫لم نتلق أي تعليمات طخاصة حول ما كان ينبغي علينا أن ننقله بالضروترة‪ ،‬ومع ذلك‬ ‫فقد فكروا في الوقت‬ ‫ذاته في تفاصيل ثانوية‪ ،‬ومن ذلك إقامة نظام من صواني الكل لموظفي الديوان‬ ‫الموزعين عبر‬ ‫ّ‬ ‫العاصمة‪ ،‬لكن الداترة نسيت أن تخبرنا بذلك‪ ،‬ولم نطلع على هذا النظام إل بعد بداية‬ ‫القصف بيومين أو‬ ‫ثلثة أيام‪ ،‬فكنت كّل يوم أترسل من ملجئنا أحد السائقين ليأتينا بنحو عشرين من هذه‬ ‫الصواني من‬ ‫‪.‬الديوان الذي كان ينهال عليه واب ٌل من القنابل‬ ‫أطخطاء فادحة‬ ‫كان بحوزتنا جهاز لتوليد الكهرباء‪ ،‬لكّن علي عبدا لم يكن يرغب في أن نستعمله‬ ‫كثيرًا‪ ،‬فقد أصابه‬ ‫الهذيان بسبب الحدا ث حتى صاتر يخشى من أن يزعج صو ُ‬ ‫ت موّلد الكهرباء‬ ‫الجيران أو يكشف أمرنا‬ ‫للطائرات الميركية‪ .‬وهنا أيضاً كم من أطخطاٍء فادحة اترتكبت من قبل مصالح‬ ‫!الرئاسة‬ ‫وفي تربيع عام ‪ 2002‬حصلنا علي عبدا وأنا على سياترة جديدة لكل واحد مّنا‪،‬‬ ‫وكانت من نوع‬


‫نيسان سيدتريك"‪ .‬هذا النوع من السياترات كان محظوتراً بيعه للشعب حيث كان"‬ ‫مخصصا ً للمسؤولين‬ ‫الكباتر في الحزب وللمديرين العامين في الرئاسة‪ .‬هذه الهدايا لم تكن طخافية على‬ ‫الجمهوتر‪ ،‬لكّن مأتربنا‬ ‫في الحاترثية لم يكن يّتسع إ ّ‬ ‫ل لسياترة واحدة‪ ،‬ولذلك لم أجد بّداً من أن أتركن سياترتي‬ ‫‪.‬في الشاترع‬ ‫وكان للسائقين سياترات من نوع "بيك أوب" المخ ّ‬ ‫صصة أيضا ً للمقربين من السلطة‪،‬‬ ‫فلم نكن إذاً‬ ‫كتومين جّدًا‪ ،‬فكوننا لم نكن قادترين على أن نوقف سياتراتنا في مكان آمٍن وبعيداً عن‬ ‫النظاتر فقد كنا‬ ‫معرضين لمخاطر حقيقية‪ ،‬فقد كنا نخشى أن يكشف أمرنا أحد الجيران‪ ،‬أما أنا‬ ‫شخصيا ً فقد كانت‬ ‫طخشيتي أكثر وأكبر من الجماعات الترهابية المرتبطة بالمعاترضة في الخاترج أكثر‬ ‫من طخشيتي من‬ ‫‪.‬القصف الميركي‪ ،‬ولم ُيعّين المسؤولون أي حاترس يحرسنا حول البيت‬ ‫وقد أحضرنا كمية من الشموع والمصابيح البترولية تحّسباً لي انقطاع في الكهرباء‪،‬‬ ‫كما أعددنا‬ ‫مخزوناً من البطاتريات لتأمين الستماع للذاعة‪ ،‬فقد كان الراديو آطخر وسيلة إعلمية‬ ‫في متناولنا‬ ‫لطلع صّدام بما يطرأ من أطخباتر‪ ،‬لكننا في الليلة التي انقطعت فيها الكهرباء فوجئنا‬ ‫بعدم توفر‬ ‫المصابيح البترولية لن العامل المكّلف بالعتاد كان قد نسيها في الرئاسة‪ .‬وما إن‬ ‫تمكنا من الحصول‬ ‫على المصابيح حتى تعّذتر الحصول على البترول‪ ،‬فلم أجد بداً من التوجه إلى بيتنا‬ ‫لحضر زجاجات من‬ ‫‪.‬البنزين‬ ‫لم يكن سكرتير الرئيس الصحافي الوحيد الذي اصابه الذعر‪ ،‬فبعد مروتر أتربعة أيام‬ ‫على بداية الحرب‬ ‫أصدتر إلينا السكرتير الشخصي لصدام أمراً بعدم استعمال الحواسيب والنترنت‪،‬‬ ‫حتى ل يكشف‬ ‫الميركيون أمرنا‪ ،‬ولذلك اضطرترنا لن نحّرتر بخط اليد نشرات الطخباتر المخصصة‬ ‫للرئيس‪ ،‬فكنا‬ ‫نستعمل وترق الكربون حتى تظل نسخة من النص في حوزتنا‪ .‬قرا ٌتر ل معنى له! ففي‬ ‫بيتنا كنت أشتغل‬


‫على النترنت‪ ،‬وكان ابني يمضي أيامه في السباحة على أمواج النترنت‪ ،‬فقلت ذلك‬ ‫‪:‬للمن‬ ‫هناك على القل مائه ألف حاسوب في بغداد موصولة بالنترنت‪ ،‬كيف يمكن ‪-‬‬ ‫للميركيين أن يكشفوا‬ ‫أمرنا؟‬ ‫!إنها الوامر‪ ،‬ل داعي للنقاش ‪-‬‬ ‫وأعدنا ترتيب أموترنا من جديد‪ ،‬فهيأت نظاماً للعمل بالفريق المحدود‪ ،‬حتى نحّد من‬ ‫الخسائر في‬ ‫التروا‪،‬ح البشرية إْن نحن تعرضنا لي قصف‪ .‬كان ستة أو سبعة من الموظفين‬ ‫موجودين بشكل دائم‬ ‫على مداتر الساعة‪ ،‬وقد تضاعف عملنا طخلل الحرب‪ ،‬لن الرئيس كان قد اشترط مّنا‬ ‫أن نرسل إليه‬ ‫ف من ملخصات الطخباتر التي كنا نرسلها في الفترات العادية‪.‬‬ ‫ضعفي أو ثلثة أضعا ٍ‬ ‫كان الجميع يحضر‬ ‫إلى العمل باستثناء موظف في الطباعة كان اضطر لمغادترة بيته الذي كان يتعرض‬ ‫للقصف المتواصل‬ ‫‪.‬بجانب وزاترة العلم‬ ‫كان قد تأجّر شقة بالقرب من بيت حماه في بعقوبة الواقعة على بعد ثمانين كيلو متراً‬ ‫من بغداد‪ ،‬فقد‬ ‫كان يصعب عليه المجيء إلى المكتب‪ ،‬وقد ألححت عليه بأن يواصل العمل معنا‪ ،‬فقد‬ ‫كان قطع المسافة‬ ‫يعرضه للقدتر نفسه من المخاطر التي كان يعرضه لها تخليه عن منصبه‪ ،‬ناهيك عن‬ ‫أننا كّنا نخضع‬ ‫‪.‬لمراقبة مستمرة‬ ‫والحق أقول إننا حتى في اليام التي سبقت سقوط بغداد يوم التاسع من أبريل كّنا أكثر‬ ‫تفاؤ ً‬ ‫ل‪ .‬فقد كان‬ ‫العّمال صامدين باستثناء عاملين أو ثلثة‪ .‬وكان أكثرهم وجلً الجاسوس الذي كان‬ ‫يعمل لحساب أمن‬ ‫الرئيس‪ ،‬أما مساعداي فلم يباليا بالمر كثيرًا‪ ،‬فعلى عكس حرب عام ‪ 1991‬فقد كان‬ ‫القصف متواصل‬ ‫ت أطخشى عليهم كثيراً‬ ‫‪.‬أناء الليل وأطراف النهاتر‪ ،‬وكن ُ‬


‫أثناء الحرب اطختيرت فيلتنا كنقطة للتقاء الشخصيات المدعوة من قبل الرئيس‪ ،‬وكان‬ ‫ترسو ٌل طخاص‬ ‫ينقل لنا الستدعاءات‪ ،‬وكنا نتصل عن طريق الهاتف بالشخص المعني‪ ،‬وبعد أن دّمر‬ ‫المركز الهاتفي‬ ‫‪.‬المركزي لماعون قبل انتهاء المعاترك بعشرة أيام أترسلنا ُمراسلينا لطخباترهم بذلك‬ ‫فكانوا كلما وصلوا إلى الحاترثية اقتيدوا نحو مكان سر ّ‬ ‫ي‪ ،‬وهناك يغيرون السائق قبل‬ ‫الوصول إلى‬ ‫مكان ثالث حيث يختبئ الرئيس‪ .‬وقد جاء لزياترتنا مرات عديدة محمد الصّحاف‬ ‫وزير العلم المعروف‬ ‫بغليانه‪ ،‬ولطيف نصيف جاسم نائب مدير المكتب العسكري لحزب البعث قبل ان‬ ‫‪.‬يلتحقا بصدام حسين‬ ‫تنقل بل انقطاع‬ ‫كان الرئيس يتنّقل بل انقطاع‪ .‬في اليام الولى أقام في بيت قريب من بيتنا‪ ،‬فقد‬ ‫عرف ُ‬ ‫ت ذلك لّن علي‬ ‫عبدا كان يقطع المسافة إلى الرئيس في سياترة المن في وقت وجيز‪ ،‬وقد كان كثير‬ ‫الترّدد على ذلك‬ ‫‪.‬المكان‪ ،‬حيث كان الرئيس يجتمع بل انقطاع بأعضاء قيادة الحزب ومسؤولي الجيش‬ ‫وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد انعقد في اليام الولى للحرب اجتماعان في مكان ل يصّدق‪ ،‬في‬ ‫بيت يقع عند مدطخل‬ ‫القصر الجمهوتري الذي كان قد تعرض للقصف ليلة ذلك اللقاء‪ ،‬وهو ما يؤكد أن نقاط‬ ‫اللقاءات كان يتم‬ ‫اطختياترها يوما ً بيوم تبعا ً للضربات الميركية‪ .‬وكان صّدام بعد ذلك قد قضى أياما ً‬ ‫عديدة في فيل‬ ‫المنصوتر بالقرب من مطعم الساعة‪ .‬وقد قام الميركيون الذين اعتقدوا العثوتر عليه‬ ‫بذلك المكان بقصف‬ ‫المنطقة يوم السابع من أبريل‪ .‬وقد كادوا أن يصيبوه في ذلك القصف لنه لم يكن‬ ‫بعيداً عن ذلك المكان‬ ‫‪.‬كثيراً‬ ‫لقد تعّود صدام منذ العام ‪ 1990‬أن يقيم بشكل سر ّ‬ ‫ي في عدد من البيوت العادية في‬ ‫العاصمة‪ ،‬وأذكر‬ ‫أنني توجه ُ‬ ‫ت العام ‪ 1991‬عن غير قصد بالقرب من أحد تلك البيوت‪ .‬فذات مساء‪،‬‬ ‫‪،‬وأنا عائد إلى البيت‬


‫أطخبرني السائق بأنه سيعّرج على الرئيس حتى يسّلمه بريداً مهمًا‪ ،‬فدطخلنا في شاترع‬ ‫هادئ بحي‬ ‫‪.‬اليرموك لم نلمس أي إجراء أمنّي واضح فيه‬ ‫فقد كانت القامة بعيدة عن النظاتر‪ ،‬غير أنه حين اقتربنا من باب المدطخل فوجئنا‬ ‫بحاترسين يطلن علينا‬ ‫من وتراء إحدى الشجاتر‪ .‬ولم يستغرق تسليمهما البريد الموّجه للرئيس سوى ثوان!‬ ‫قيل مراتراً إن‬ ‫صّدام يعتصم في داطخل غرف حصينة تحت الترض‪ .‬أجل لقد وجدت هذه الحصون‬ ‫بالفعل‪ ،‬لكّن صّدام لم‬ ‫‪.‬يتقهقر إليها أثناء الحرب‪ ،‬فقد كان في الواقع يتخفى بين صفوف شعبه‬ ‫وكانت وسائل العلم الغربية قد أفرطت كثيراً في تصوتر "ُنسخ" الرئيس‪ ،‬مّدعيةً‬ ‫بأنه كان محاطا ً‬ ‫بأشخاص مشابهين له‪ ،‬فأنا لم ألتق قط بأي واحد منهم‪ .‬ويبدو أن أحد أطباء صّدام‬ ‫الفرنسيين قد‬ ‫استقبل يوماً من طرف أحد هؤلء الشباه‪ ،‬لكّن الطبيب لم يتعّرف عليه‪ ،‬بطبيعة‬ ‫‪.‬الحال‬ ‫كان الرئيس يلجأ إلى استخدام هذه "الّنسخ" كوسائل للخداع‪ ،‬فحين كانت بعض‬ ‫‪،‬المواكب تعبر المدينة‬ ‫كانوا يوهمون الناس‪ ،‬من طخلل أحد هؤلء الشباه‪ ،‬بأن صّدام متواجد في هذه‬ ‫‪،‬المرسيدس أو تلك‬ ‫والواقع أن الرئيس كان يتنقل في سياترة عادية ل تثير أي اهتمام‪ ،‬غير أن الرئيس‪،‬‬ ‫في المقابل‪ ،‬لم يكن‬ ‫‪.‬يعهد بالمهمات الخاصة لهذه "الّنسخ‬ ‫لقد كان صّدام يحس أنه وحيد‪ .‬وعلى الرغم من بعض مؤشرات التذبذب والحيرة‪"،‬‬ ‫فقد ظل صدام يقود‬ ‫البلد حتى النهاية‪ ،‬فقد كان يلتقي بانتظام بوزترائه ويطلع على بريده‪ .‬وبينما كانت‬ ‫المعاترك على‬ ‫أشدها‪ ،‬استمر صّدام في تجسيد الشخصية اللغز العصّية الغامضة‪ ،‬التي ما فتئ يمثلها‬ ‫في أعيننننا‬ ‫‪.‬جميعا ً‬ ‫وهكذا‪ ،‬وبينما كنا نعيش ساعات مأساوية‪ ،‬دعاني لكي أترجم إلى العربية محاوترة من‬ ‫طخمس عشرة‬


‫صفحة كان قد أدلى بها صهره السابق كامل حسين‪ .‬ويعود تاتريخ هذا الحديث لثمانية‬ ‫‪،‬أعوام مضت‬ ‫وكانت قد نشرت في التردن التي كان قد لجأ إليها العام ‪ 1995‬قبل أن تتم تصفيته في‬ ‫بغداد بعد ذلك‬ ‫بستة أشهر‪ .‬لم يكن للحواتر أي أهمية ول أي صلة بما كان يحد ث من حولنا‪ ،‬فقد كنت‬ ‫منهكا ً كثيراً مع‬ ‫الراديو الذي كان علي أن أستمر في الستماع إليه بل انقطاع حتى أطلع صدام بما‬ ‫‪.‬يجّد من أطخباتر‬ ‫‪:‬قلت لسكرتيره‬ ‫!إنها مضيعة للوقت ‪-‬‬ ‫‪.‬أنا موافق‪ ،‬ولكنها الوامر ‪-‬‬ ‫‪ُ.‬ترى لماذا الهتمام بهذا الشيء في مثل هذا الوقت؟ ل أحد يدتري‬ ‫كتاب ـ سنوات صدام ـ الحلقة الثانية‬ ‫عندما بكى وزير الدفاع العراقي‪ ،‬الحاسة السادسة تنقذ صدام من القصف لدى غياب‬ ‫قائد المخابرات‬ ‫الرجل ذو النظاترة المحرشفة الغليظة‪ ،‬الذي طخاطب العراقيين يوم الخميس ‪ 20‬ماترس‬ ‫‪ ،2003‬كان‬ ‫صّدام حسين بالفعل‪ ،‬وليس أحد أشباهه‪ ،‬كما اعتقد الكثيرون وأّكدوا في تلك الفترة‪،‬‬ ‫فقد سّجل الرئيس‬ ‫مداطخلته في البيت المجاوتر لبيتنا‪ ،‬حيث أقام في اليام الولى من الزمة‪ .‬في الصبا‪،‬ح‬ ‫كنت في المكان‬ ‫‪.‬عينه ‪ ،‬في حدود التاسعة بشاترع الزيتون‪ ،‬كانت سياترة علي عبدا‬ ‫وهي من نوع "نيسان سدتريك" مركونة أمام الفيل‪ ،‬قيل لي إنه كان يقضي الليل‬ ‫بمكاتبنا‪ ،‬وحين‬ ‫استيقظ في حدود العاشرة سألته عن سبب وجوده بذلك المكان‪ ،‬فشر‪،‬ح لي أنه استيقظ‬ ‫في حدود‬ ‫السادسة وكأنه أحس بوجوب الذهاب إلى العمل قبل الموعد المعتاد‪ ،‬وقال ما إن‬ ‫وصلت إلى المكتب‬ ‫‪.‬حتى أبلغني ترجل من المن بأن الرئيس قد أترسل في طلبي‬


‫توجه علي عبدا إلى مكتب الرئيس يرافقه أحد الحراس‪ ،‬وسأله الرئيس الذي اعّد‬ ‫طخطابه في دفتر‬ ‫صغير ترأيه في البناء النحوي للنص‪ ،‬وأجرى السكرتير الصحافي بعض التصويبات‪،‬‬ ‫ثم سّجل صدام‬ ‫مداطخلته التلفزيونية للحرب بعد بدايتها ببضع ساعات‪ .‬وعلى غير عادته‪ ،‬لبس صدام‬ ‫نظاترته فدهش‬ ‫علي عبدا أن يظهر الرئيس الحريص على مظهره دومًا‪ ،‬بذلك المظهر على‬ ‫‪.‬الشاشة‬ ‫سيدي الرئيس لماذا تضع النظاترة؟ ‪-‬‬ ‫!إننا في حرب يا علي ‪-‬‬ ‫كان النهاتر قد بدأ في الطلوع‪ ،‬لكن الغرفة كانت ل تزال غاترقة في العتمة‪ .‬في العادة‬ ‫كان صّدام ل يحب‬ ‫أن ُيظهر أنه حسير البصر‪ ،‬ولذلك اعتقدنا أنا نفسي وأسرتي وأصدقائي أنه شخص‬ ‫آطخر‪ ،‬لكّن علي‬ ‫‪:‬عبدا ما لبث أن صّححني‬ ‫‪.‬أستطيع أن أؤكد لك مئة بالمئة أنه صّدام حسين ‪-‬‬ ‫تذبذب في القيادة‬ ‫في اليام الولى للصراع ساد شيء من التذبذب في قيادة البلد‪ ،‬الناتج إلى حّد كبير‬ ‫عن تحرك القيادة‬ ‫وابتعادها‪ ،‬فقد تقلصت مهامنا إلى حدود الشياء الساسية‪ ،‬كتحرير أوامر الرئيس‬ ‫المكتوبة ونشرات‬ ‫الطخباتر الموجهة إليه‪ .‬وقد صاترت تعليمات صّدام أكثر كثافة مما كانت عليه في‬ ‫‪.‬العادة‬ ‫ف وطخمسمئة من‬ ‫ففي السبوع الول من الحرب وّجه ترسالة من ثل ث صفحات إلى أل ٍ‬ ‫مسؤولي الجيش‬ ‫‪.‬الكباتر تسّلموها عن طريق المراسلين‪ .‬وكان ذلك عملً هائلً‬ ‫وقد أمرنا عبد حمود سكرتير صّدام الشخصي بطبع هذه الرسائل على حواسبنا‪،‬‬ ‫مخالفا ً بذلك الوامر‬


‫التي كّنا قد تلقيناها قبل بضعة أيام بعدم استعمالها‪ .‬ومرة أطخرى كانت الجابة الوحيدة‬ ‫‪:‬التي تلقيتها‬ ‫‪.‬الوامر هي الوامر ‪-‬‬ ‫وبعث صدام ترسالة أطخرى إلى طخمسة آلف عضو في الحزب‪ ،‬وهي ترسالة طخطية‬ ‫‪،‬اضطرترنا لتصويرها‬ ‫وأترسل ترسالة أطخرى إلى شخص ُيدعى عادل عبدا المهدي‪ ،‬قائد المكتب العسكري‬ ‫للحزب بالناصرية‬ ‫في جنوب العراق‪ ،‬حيث كانت المقاومة العراقية صامدة في وجه الجيش الميركي‬ ‫وحلفائه‬ ‫‪.‬البريطانيين‬ ‫ب أن أضيف هنا أن هذه الميليشيات قد لعبت دوتراً مهما ً في إقناع الفرق‬ ‫واح ّ‬ ‫العسكرية والسكان‬ ‫‪.‬وبالقوة أحيانًا‪ ،‬بأن ل يستسلموا لنداءات الغزاة وبأن ل يتعاونوا معهم‬ ‫وأطخيراً حّرتر صدام ترسالة أطخيرة موجهة إلى قيادات العشائر وإلى مسؤولي الطوائف‬ ‫فكان العدد بذلك‬ ‫هائ ً‬ ‫ل‪ ،‬مّما اضطرنا إلى البحث عن قائمة هؤلء في مكتب العشائر المنزوي في أحد‬ ‫بيوت حي‬ ‫المنصوتر‪ .‬ونظراً لتعّقد أسماء السر العشائرية فقد كان إعداد القوائم عملً غاية في‬ ‫‪.‬الصعوبة‬ ‫في هذه الرسائل كان الرئيس ُيقّدم النصائح العسكرية‪ ،‬ويؤجج الّرو‪،‬ح الوطنية‬ ‫للمقاومة‪ .‬كان يريد أن‬ ‫يُِعَّد لمعركة بغداد طخير إعداٍد‪ .‬كيف يمكن تأجيل تقّدم قوات العدو حتى قلب العاصمة؟‬ ‫كيف يمكن مماترسة حرب العصابات داطخل المدن؟ كيف ترفض حرب المجابهة‬ ‫واطختاتر الهجوم على‬ ‫الفرق الميركية بواسطة مجموعات صغيرة من الفدائيين‪ .‬لقد تطلب منا انجاز‬ ‫المهمة المطلوبة ثلثة‬ ‫‪.‬أيام وثل ث ليال‪ .‬وقد كنت عند الضروترة الملحة أستغني عن العمل بوساطة الفرق‬ ‫كنت أعود إلى البيت في ساعات متأطخرة‪ ،‬ليس قبل الساعة الحادية عشرة ليلً في‬ ‫الحوال كافة‪ ،‬كان‬


‫الجو العام قد أصبح مريعًا‪ ،‬فقد أصبحت شواترع بغداد طخالية‪ ،‬ولم تعد هناك كهرباء‪،‬‬ ‫وكانت عاصفة‬ ‫ُ‬ ‫الرمال تزيد من حّدة ذلك النطباع بالكاترثة‪ .‬لم أكن أمّيز الشيء الكثير وأنا أسوق‬ ‫‪.‬سياترتي‪ .‬كنت طخائفا ً‬ ‫كان القصف يهّز العاصمة هّزًا‪ .‬كان مسّدسي في متناول يدي‪ ،‬كانت مصالح المن قد‬ ‫زودتنا بقطعة‬ ‫ضل ُ‬ ‫كلشنيكوف‪ ،‬لكن استعمالها في السياترة كان غير عملّي‪ ،‬فتركتها في المكتب وف ّ‬ ‫ت‬ ‫الحتفاظ‬ ‫‪.‬بمسدسي في متناول اليد‬ ‫ومع ذلك كله‪ ،‬فقد ظلت معنوياتي جيدة‪ .‬وعند نهاية شهر ماترس ‪ ،‬وبعد مروتر عشرة‬ ‫أيام على بداية‬ ‫الحرب‪ ،‬عاد إلي علي عبدا واثقاً من نفسه من اجتماع مع الرئيس والمسؤولين‬ ‫العسكريين من‬ ‫‪.‬الجبهتين الجنوبية والشمالية‬ ‫الوضعية العسكرية على ما يرام‪ .‬إنهم يعّدون لهجوم مضاد سوف يفاجئ ‪-‬‬ ‫‪.‬الميركيين‬ ‫‪:‬هكذا قال لي متحدثا ً عن صّدام‪ ،‬لكنني أجبته‬ ‫!بيني وبينك" هذا مستحيل" ‪-‬‬ ‫‪:‬بعد لحظات من التأمل قال لي بل ترّدد‬ ‫!إنك على حق ‪-‬‬ ‫من المستحيل أن يخسرالميركيون هذه الحرب‪ .‬فإن هُم تعرضوا لي هزيمة‪- ،‬‬ ‫تصّوتروا كم سيكون‬ ‫شعوتره بالقوة والعظمة‪ ،‬وهو يهزم أول قوة في العالم‪ .‬سوف يجعل الخطر يخّيم على‬ ‫‪،‬المنطقة برمتها‬ ‫وسوف يثير الرعب في قلب الكثير من العرب‪ .‬هذا السيناتريو‪ ،‬حتى وإن كان في‬ ‫صالح بلدنا‪ ،‬فهو أم ٌر‬ ‫‪.‬ل يتصوتره العقل‪ .‬ان انتصاترنا مستحيل حتما ً‬


‫كان علي عبدا‪ ،‬مثلي تمامًا‪ ،‬ترجلً تقنيا في طخدمة النظام‪ .‬هذا الشيعي ‪ ،‬ذو الصل‬ ‫البابلي‪ ،‬كان يعمل‬ ‫في الديوان منذ ثلثين عامًا‪ .‬وكان في السنوات العشر الطخيرة سكرتيراً صحافيا ً‬ ‫للرئيس‪ .‬كان يحضر‬ ‫كل اللقاءات ما بين صّدام وضيوفه بمن فيهم العراقيين‪ ،‬وكان يحّرتر التقاترير‬ ‫الرسمية المخ ّ‬ ‫صصة‬ ‫لتلفزيون الدولة‪ ،‬ولكنه لم يكن مغفّ ً‬ ‫ل‪ ،‬حيث كنا ننتقد النظام أحيانا ً بصوت طخافت‪،‬‬ ‫ونحرص في ذلك‬ ‫‪.‬على ألّ يسمعنا أحد‬ ‫ولم يترّدد هذا المناضل البعثي القديم يوماً في فضح انحراف الحزب منذ وصول‬ ‫‪،‬صدام إلى السلطة‬ ‫ف‬ ‫‪:‬وكان يأسف لذلك أّيما أس ٍ‬ ‫!لم يعد البعث ذلك الحزب الذي انتمي ُ‬ ‫ت إليه في الستينات ‪-‬‬ ‫كان علي عبدا بعثيا ً تاتريخياً ‪ ،‬ولم يكن ذلك شأن التسعين بالمئة من المنخرطين في‬ ‫‪،‬هذا الحزب‬ ‫الذين كانوا يأطخذون بطاقات الحزب‪ ،‬بدافع المتثال للقاعدة الساترية‪ ،‬وطمعا ً في كسب‬ ‫)منصب عمل أو‬ ‫‪:‬مهنة سريعة أو بعثة تدتريبية إلى الخاترج(‪ .‬في هذا الشأن كثيراً ما كان يقول لي‬ ‫هل تعرف كيف ُتمّيز ما بين بعثّي حقيقي وما بين بعثّي انتهازي؟ يكفي أن تسأله ‪-‬‬ ‫في أ ّ‬ ‫ي تاتريخ كان‬ ‫‪.‬انخراطه في الحزب‬ ‫‪:‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كان علي عبدا يعتصم ببعض المل‬ ‫هل نسيت الصومال؟ ألم يضطر الميركيون في النهاية إلى النسحاب منها بعد ‪-‬‬ ‫الفشل الذي لحق بهم؟‬ ‫‪:‬قلت له‬ ‫!تأجيل نتائج الحرب هو كل ما يمكننا أن نأمل فيه‪ ،‬وأنت تعرف ذلك جيداً يا علي ‪-‬‬ ‫عند قراءتي للرسائل التي كان صدام ُيوّجهها لقادة الجيش‪ ،‬كنت أحّد ُ‬ ‫ ث نفسي بأن‬ ‫الحرب مسألة من‬


‫اطختصاص المحترفين‪ ،‬والحال أن صدام لم يكن محترفًا‪ ،‬فمعه لم يكن للطختصاصيين‬ ‫‪.‬أي حق في الكلمة‬ ‫فحتى عندما كان يتظاهر بإعطاء العسكريين حرية قيادة العمليات على نحو ما فعل‬ ‫مع الفريق ماهر‬ ‫‪.‬ترشيد‪ ،‬أحد أبطال الحرب العراقية ـ اليرانية‬ ‫حيث عينه مستشاترًا للقيادة العسكرية‪ ،‬كان هو السيد المر الوحيد‪ ،‬فقد كان في الواقع‬ ‫ل يثق بالجيش‬ ‫ول سيما وزير الدفاع سلطان هاشم‪ ،‬فقد وضعه تحت القامة شبه الجبرية قبل‬ ‫الحرب بقليل‪ .‬فقد كانت‬ ‫سياترة من المن الرئاسي تأطخذه لحضوتر اجتماعات القيادة العامة‪ ،‬وهكذا كان الرئيس‬ ‫يراقب عن كثب‬ ‫‪.‬كل حركاته‬ ‫صدام في العظمية‬ ‫كان محمد الصحاف‪ ،‬وزير العلم‪ ،‬يشحذ معنوياتنا بتصريحاته الملتهبة‪ ،‬وقد ظل‬ ‫ُيبدي الكثير من‬ ‫التفاؤل حتى النهاية‪ .‬وقد أُِطخذ عليه إصراتره على الكذب عن قصد‪ ،‬لكّن الصّحاف لم‬ ‫يكن له أ ّ‬ ‫ي طخياتر‬ ‫آطخر‪ :‬فإما أن يغادتر العراق وإما أن يظل فيه ويتظاهر بأنه ُيصّدق ما يقول‪ ،‬فلم يكن‬ ‫الصّحاف أحمق ول‬ ‫غبيًا‪ ،‬على نحو ما كان يحلو لوسائل العلم أن تصفه به‪ ،‬وإنما كان يتحد ث لغات‬ ‫كثيرة وكان بيته‬ ‫‪.‬مليئا ً بالكتب‬ ‫ما لبث ظهوتر صّدام العلني المفاجئ يوم الجمعة ‪ 4‬ابريل في حي العظمية‪ ،‬الذي‬ ‫كان له فيه أنصاتر‬ ‫كثر أن شّدد عزمنا‪ ،‬فقد ترا‪،‬ح بزّيه الطخضر الزيتوني "البيريه" الذي يعتمره ُيوّزع‬ ‫البتسامات وُيحّيي‬ ‫بيده جمعا ً من الفضوليين السّذج‪ .‬كان ذلك أسلوباً من أساليب استهزائه غير المتوقعة‬ ‫‪ .‬بالميركيين‬ ‫وكان هذا الشخص هو صّدام بالفعل وليس "نسخة" من ُنسخه كما توّهم العديد من‬ ‫الطختصاصيين‬ ‫الذين أنفقوا الساعات في تفّحص شريط الفيديو الخاص بهذه الجولة المفاجئة‪ ،‬حتى‬ ‫يقيسوا طول أذنيه‬


‫وأنفه ونسيج شعره وأشياء أطخرى‪ ،‬في محاولة يائسة للتمييز ما بين صدام الحقيقي‬ ‫وما بين إحدى‬ ‫‪.‬نسخه‬ ‫لكّن شيئا ً بسيطا ً لم ينتبه إليه سوى القليل منا يثبت أن صّدام بذاته هو الذي ترآه‬ ‫الجمهوتر‪ :‬فقد كان أحد‬ ‫حراسه يرتدي القميص نفسه الذي كان يرتديه ليلة ذلك الظهوتر حين جاء يسلمنا‬ ‫‪،‬ترسالة من الرئيس‬ ‫فقد تعرفت على زّيه من مرّبعاته الكبيرة اللفتة للنظر‪ ،‬فلم نعتد على ترؤية حراس‬ ‫الرئيس بالز ّ‬ ‫ي‬ ‫المدني‪ ،‬فقد كانوا في العادة يظهرون بالزي الكاكي‪ ،‬يا لهم من مساكين! فقد كانوا‬ ‫يمرون بلحظات‬ ‫‪.‬عسيرة‬ ‫كنا نتعامل مع ثلثة أو اتربعة منهم كانوا الشخاص أنفسهم دائمًا‪ .‬ذات مرة استأذننا‬ ‫أُحدهم في استعمال‬ ‫‪.‬الحّمام‪ ،‬فقد كنا نح ّ‬ ‫س بأّن حياتهم كانت غايةً في القساوة‬ ‫وحتى لحظة تدمير مركز ماعون كانوا يتدافعون على مكاتبنا لجراء العديد من‬ ‫المكالمات الهاتفية‪ ،‬لن‬ ‫ذلك كان متعّذتراً عليهم من الموقع الذي كانوا يختبئون فيه مع صدام‪ ،‬فحين كانوا‬ ‫يمّرون لتسّلم البريد‬ ‫أو لتسليمه لم نكن نجرؤ قط على السؤال عن حال الرئيس بشكل مباشر‪ ،‬بل كنا‬ ‫نكتفي بالقول‬ ‫‪".‬شلونك؟" أو "شلون الوضع؟"‬ ‫كان ذلك أسلوبنا في الوصول إلى الجديد من الطخباتر‪ .‬لقد كنا بعيدين عن صدام ولكننا‬ ‫على اتصال به‬ ‫‪.‬من طخلل بريده وكنا نتطلع لمعرفة المزيد عنه‬ ‫عندما سيطر الميركيون على المطاتر في اليوم التالي لظهوتر صدام في العلن يوم ‪5‬‬ ‫ابريل‪ ،‬أطخبرني أحد‬ ‫الصدقاء أن العديد من جنود العدو قد لقوا حتفهم في المعاترك‪ ،‬وقد ترفع ذلك‬ ‫معنوياتي قلي ً‬ ‫ل‪ ،‬لكن‬ ‫‪.‬الوضع ما لبث أن انقلب في اليوم التالي وظل يسير من سييء إلى أسوأ‬


‫ومنذ ذلك الوقت صرنا معزولين عن صدام‪ ،‬وصاتر البريد الذي كنا نرسله إليه يعود‬ ‫إلينا بعد بضع‬ ‫ساعات من دون أن يكون قد اطلع عليه أحد‪ ،‬فقد كان السائقون الذين كنا نعهد إليهم‬ ‫به يقولون لنا‬ ‫إنهم لم يعثروا على أي شخص في المواقع المرصودة لستلم هذا البريد‪ ،‬فل شك أن‬ ‫صّدام قد اضطر‬ ‫‪.‬لسباب أمنية أن يغّير ملجئه باستمراتر‬ ‫وأن ل يخبر بذلك إلّ أقل عدد ممكن من الناس‪ ،‬فلم يعد حّراسه الذين كانوا سعاته‬ ‫يعرفون أماكن‬ ‫وجوده‪ ،‬فقد كان يقال قبل الحرب إن الشخصين الوحيدين اللذين كانا يعرفان مكان‬ ‫وجوده باستمراتر‬ ‫هما ابنه الصغر قصّي‪ ،‬واترثه والمسؤول عن حرسه الخاص‪ ،‬ثم عبد حمود ذتراعه‬ ‫‪.‬اليمنى‬ ‫وكون أن البريد لم يكن يصله فذاك أمر تعودنا عليه في الماضي وكان مرّده لتشّوش‬ ‫في الداترة‪ ،‬أما‬ ‫هذه المرة فقد كان المر مثاتر قلق وحيرة‪ ،‬حيث أحسست أن الوضع على غير ما‬ ‫‪.‬يرام‬ ‫في السابع من ابريل ذهبت إلى مكتبي لطخر مرة‪ .‬وعلى الرغم من أننا كنا فقد فقدنا‬ ‫الصلة مع الرئيس‬ ‫فل شيء كان ينبئ بالهزيمة الوشيكة‪ ،‬فقد قيل لي إن صّدام كان قد عقد اجتماعين مع‬ ‫‪،‬المقربين إليه‬ ‫فالتصال إذن لم ينقطع ما بين القادة العراقيين‪ .‬أحد هذين اللقاءين جمع ما بين‬ ‫‪.‬أعضاء من أسرته‬ ‫حيث داعب صّدام هؤلء ومازحهم على ما يبدو‪ ،‬وكان يحمل حزاما ً من المتفجرات‬ ‫حول طخصره‪ ،‬مثلما‬ ‫كان يفعل قصّي وعد ّ‬ ‫ي‪ .‬ويقال إنه داعب عليّاً نجل الفريق حسين ترشيد‪ ،‬وهو ترجل‬ ‫من ترجال أمنه‬ ‫‪:‬القوياء‪ ،‬حيث قال له ضاحكا ً‬ ‫كم لك من الطفال يا علي؟ وأنت يا حسين كيف حالك؟ ‪-‬‬ ‫وقد تركوا صّدام‪ ،‬وهم يشعرون أنه أتراد أن يوهمهم بأنه‪ ،‬على الرغم من طخطوترة‬ ‫الوضع القصوى‪ ،‬لم‬


‫يفقد ترباطة جأشه‪ ،‬وكان قبل ساعات من ذلك الجتماع قد اصطحب أصيل زوجة‬ ‫قصي واطفالها الثلثة‬ ‫لكي يوّدعوا أطفال ترغد وترنا وهالة بنات صدام الثلثة‪ ،‬وقد افترقوا في حي‬ ‫‪.‬المنصوتر‬ ‫أين ذهبت الدفاعات؟‬ ‫في اليوم نفسه قام الميركيون بقصف المكان ظنا ً منهم أن صّدام وعائلته موجودون‬ ‫فيه‪ ،‬ومرة أطخرى‬ ‫أنقذت الحاسة السادسة حياة الرئيس‪ ،‬لكن الميركيين لم يضلوا الطريق كثيرًا‪ :‬فقد‬ ‫كان الرئيس يحتل‬ ‫أحد البيوت في الحي‪ ،‬وكان قد استدعى ابنيه قصي وعدي وأهم المسؤولين في‬ ‫‪.‬المن‬ ‫وفي لحظة اللقاء المتفق عليها لحظ أحد المقربين من صدام‪ ،‬اللواء عبدالجليل‬ ‫الحّبوش‪ ،‬غياب قائد‬ ‫الستخباترات‪ ،‬فرا‪،‬ح يتساءل في ذهول عن سبب تأطخره‪ ،‬وما لبث أن فهم في تلك‬ ‫اللحظة أن جاسوسه‬ ‫‪.‬الرئيسي قد غدتر به‬ ‫وهكذا أدترك صّدام وقصي وعبد حمود أن المؤامرة قد بدأت تحدق بهم‪ ،‬فساترعوا‬ ‫بإطخلء الشقة‪ ،‬وما‬ ‫هي إل لحظات حتى حّولت الصواتريخ الميركية البيت إلى انقاض‪ ،‬فلم يبق من‬ ‫البيت سوى فوهة‬ ‫فاغرة‪ ،‬وقد نجا صدام من الموت‪ ،‬لكنه أدترك أن الخيانة باتت تحاصره وأن سلطته‬ ‫قد بدأت تتأترجح من‬ ‫‪.‬الداطخل‬ ‫وعندما ترأيت في اليوم نفسه على القناة الميركية "فوكس نيوز" صوتر المدترعات‬ ‫وهي تتوغل في‬ ‫قلب بغداد‪ ،‬دون أن تعترضها أي مواجهة من الجيش العراقي لم ُتصدق عيناي تلك‬ ‫‪،‬الصوتر والمشاهد‬ ‫‪.‬فقد كانت الدبابات تمر أمام أحد المساجد‬ ‫وكانت جثث الشهداء ملقاة على الطريق‪ .‬وقد كانت هذه القوات آتية من المطاتر تتقدم‬ ‫بسرعة ثمانين‬


‫كيلو متراً في الساعة من دون أن يعترض سبيلها أي عائق من العوائق‪ .‬كنا في‬ ‫المكتب نتابع تلك‬ ‫المشاهد بكثير من الذهول‪ ،‬لكننا كنا نثق في الحرس الجمهوتري وفي الحرس الخاص‬ ‫للرئيس‪ ،‬ونعلم‬ ‫‪.‬أنهما كانا قد نصبا القذائف والصواتريخ دفاعا ً عن العاصمة‬ ‫‪:‬لكّن أحد السائقين ما لبث أن سألنا في تريبة وذهول‬ ‫ولكن أين ذهبت دفاعات بغداد؟ وأين وصلت هذه المدترعات الميركية المجنونة؟ ‪-‬‬ ‫‪:‬قلت له‬ ‫‪.‬إنها بالقرب من تمثال شواف ‪-‬‬ ‫!مستحيل! لقد ملت طخّزان السياترة بالبنزين هناك! لم أتر أي مدترعة ‪-‬‬ ‫‪.‬لعل المر مجرد تركيب صوتر ‪-‬‬ ‫كان الميركيون بالفعل ُيظهرون أنهم قادترون على الدطخول إلى بغداد والخروج منها‬ ‫بسهولة وبل‬ ‫‪.‬مقاومة‪ ،‬ومن هنا بدأ الذهول يتملكني‬ ‫في اليوم التالي‪ ،‬يوم ‪ 8‬ابريل‪ ،‬تناولت فطوتري في البيت‪ .‬كانت زوجتي ل ترغب في‬ ‫أن أذهب إلى‬ ‫العمل‪ ،‬وظللت أنتظر حتى الساعة الحادية عشرة‪ ،‬وظل القصف متواص ً‬ ‫ل‪ ،‬لكنني لم‬ ‫أكن أستطيع أن‬ ‫‪.‬أتأطخر أكثر من ذلك عن عملي‬ ‫‪.‬وفّكرت‪ ،‬عا ٌتر عليك أن تبقى هنا هادئ البال وترفاقك هناك يقاسون في العمل‬ ‫وتركبت سياترتي وانطلقت‪ ،‬كان علّي أن أعبر نهر دجلة حتى أصل إلى المكتب‪ ،‬كان‬ ‫الجسر الول‪ ،‬جسر‬ ‫الجمهوترية‪ ،‬مغلقًا‪ ،‬وكذلك الجسر الثاني والثالث‪ ،‬أما الجسر الوحيد الذي كان ل يزال‬ ‫مفتوحا ً للسير‬ ‫فكان يقع بالقرب من المدينة الطبية في العظمية‪ .‬كانت الطرقات على الجانب الطخر‬ ‫‪،‬من ضفة النهر‬ ‫‪:‬طخالية‪ ،‬لكّن أحد الطفال استوقفني متسائلً‬


‫إلى أين يا سيدي؟ ‪-‬‬ ‫‪:‬إني ذاهب إلى العمل‪ ..‬إلى مكتبي‪ ،‬فقهقه مستغربا ً ‪-‬‬ ‫‪.‬أي مكتب؟ فالميركيون عند نهاية الشاترع ‪-‬‬ ‫هذا مستحيل ‪ -‬قلت لنفسي ‪ -‬أمس فقط كنت هنا‪ ،‬وكذلك الحكومة والجنود"‬ ‫‪...".‬العراقيون‬ ‫لم أعد أفهم شيئاً في تلك الوضعية‪ ،‬وبدأت أفكر في داطخلي أن ل شيء يمكن أن يفسر‬ ‫هذا التشتت‬ ‫‪.‬والنهزام سوى الخيانة‪ ،‬وترجعت أدتراجي نحو البيت‬ ‫لم أكن أنا الوحيد الذي وقع في الحيرة والضطراب‪ ،‬فقد تروى لي أحد الشهود ليلة‬ ‫سقوط بغداد انه‬ ‫ترأى وزير الدفاع سلطان هاشم ‪ -‬الذي كان ترجلً سييء الصيت على أعلى مستويات‬ ‫السلطة على‬ ‫الرغم من طخبرته الكبيرة ‪ -‬وهو يبكي أمام تقّدم القوات الميركية‪ ،‬فلم يجد بّداً بعد‬ ‫محاولته اليائسة من‬ ‫‪:‬أن يتقهقر وُيذعن للخصم وهو يقول‬ ‫!ُقصّي دّمر الجيش وعبد حمود دمر الدولة ‪-‬‬ ‫لم نتل َّ‬ ‫ق على الطلق أي أوامر بالتفرق‪ .‬في اليوم التاسع من ابريل مكثت في بيت‬ ‫أطخت زوجتي في حي‬ ‫‪.‬زيتونة‪ ،‬الذي كان ملذي مع السرة‬ ‫في الصبا‪،‬ح حاولت مرة أطخرى أن ألتحق بالمكتب لكن دون جدوى‪ ،‬فقد ظللت‬ ‫مشدوداً إلى الذاعات‬ ‫الجنبية الناطقة بالعربية‪ ،‬البي بي سي أو إذاعة مونتي كاترلو‪ ،‬التي ما لبثت أن أكدت‬ ‫سقوط النظام‬ ‫‪.‬طخلل عصر ذلك اليوم‪ .‬وبذلك دقت ساعة فراتر أهم القادة العراقيين‬ ‫كان صدام يحتفظ بثلثة سائقين لم يكن أ ّ‬ ‫ي منهم يعرف الطخرين‪ ،‬كان أحدهم ينتمي‬ ‫لعشيرة الغزاوي‬


‫وآطخر لعشيرة الدليمي والثالث للعشيرة الرئاسية من التكريتيين‪ .‬فقبل الحرب بقليل‪،‬‬ ‫كان الرئيس قد‬ ‫حصرهم في ثلثة مواقع مختلفة من بغداد‪ ،‬وكان العديد من الحراس يراقبونهم‪،‬‬ ‫وظني أن صّدام قد لجأ‬ ‫‪.‬إلى أحدهم حتى يفّر من بغداد الواقعة لتوها في قبضة الميركيين‬ ‫كان استسلم المدينة يجري في أجواء غريبة‪ ،‬فما زلنا نذكر تفكيك تمثال الرئيس في‬ ‫ساحة الفردوس‬ ‫‪.‬في قلب بغداد‪ ،‬لكن صوتر الحد ث تعرضت للكثير من التلعب‬ ‫فهناك كان عدد الصحافيين الذين هّللوا وصفقوا للحد ث يفوق عدد العراقيين بكثير‪،‬‬ ‫وباستثناء الحياء‬ ‫الّشيعية الفقيرة‪ ،‬التي تعرضت لقمع النظام في السابق‪ ،‬فلم تكن البهجة على موعد مع‬ ‫‪،‬ذلك الحد ث‬ ‫على الرغم من أن الغلبية الساحقة من العراقيين كانت مسروترة بما كان يجري من‬ ‫‪.‬أحدا ث‬ ‫وبينما كانت مشاهد النهب تتضاعف عبر البلد تحت أنظاتر الميركيين ال ّ‬ ‫لمبالية‪،‬‬ ‫كانت مشاعر الخشية‬ ‫‪.‬والفزع من تقلبات ما بعد صّدام قد بدأت تدب في النفوس‬ ‫وفي عصر التاسع من ابريل‪ ،‬كان محمد الصحاف وزير العلم ل يزال في‬ ‫استوديوهات القناة‬ ‫التلفزيونية الفضائية العراقية‪ ،‬حين تلقى ترسالة مكتوبة من طرف الرئيس‪ .‬وقد قرأ‬ ‫مقطعا ً قصيراً منها‬ ‫‪.‬أمام الموظفين الباقين معه‬ ‫‪.‬إن الرئيس سيزوترنا بعد قليل ‪-‬‬ ‫بعد ذلك بلحظات مرت ثل ث سياترات دون التوقف أمام الستوديوهات‪ ،‬فقد كانت‬ ‫تنطلق نحو الشمال في‬ ‫‪.‬اتجاه تكريت‪ ،‬وبذلك فهم الصحاف أن كل شيء قد انتهى فأطلق بدوتره ساقيه للريح‬ ‫وفي يوم السبت ‪ 12‬ابريل مّر الصحاف ثانية بالقرب من استوديوهات التلفزيون‪،‬‬ ‫التي كانت قد تحولت‬ ‫إلى أنقاض‪ ،‬وتوجه نحو بيت مقابل كان يأوي معهداً للتكوين السمعي البصري‪ .‬وكان‬ ‫حاترسه الخاص‬


‫‪.‬يراقب مدطخل المكان عن كثب‪ ،‬كان الصّحاف يمسك بيده كمية من الشرطة‬ ‫وكان يبحث عن مهندس لتركيبها‪ ،‬فوجد هناك نجل ابن عمتي‪ ،‬مقدم البرامج الذاعية‬ ‫‪،‬باللغة الكردية‬ ‫الذي قّدم له يد المساعدة‪ .‬كان المر يتعلق بخطاب لصدام يقول فيه الرئيس "إّن‬ ‫‪...".‬المعركة لم تنته‬ ‫في تلك الثناء كانت سياترة "التويوتا ‪ ،"44‬التي جاء فيها محمد الصحاف قد ُفككت‬ ‫وُجّردت من كل‬ ‫‪.‬مكوناتها‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة الثالثة ـ من الذي غدتر ببغداد؟‬ ‫صدام ‪ :‬سكان الجنوب أشجع من المقّربين الذين طخانوني‬ ‫على الرغم مّما أصابني من دهشة للسرعة التي استولى بها الميركيون على بغداد‪،‬‬ ‫فإني ل أجد بداً من‬ ‫القراتر بأني قد ذهلت أيما ذهول‪ ،‬حين علمت بعد مروتر ثلثة أيام على سقوط النظام‬ ‫أن محمد‬ ‫الصحاف‪ ،‬وزير العلم‪ ،‬كان ول يزال يسعى لسماع صوت الرئيس العراقي‪ .‬فقد‬ ‫اطختبأ في بيته لبضعة‬ ‫‪.‬أسابيع‪ ،‬ترافضاً أي مقابلة حتى إذا كانت مدفوعة الجر‬ ‫وبعد ذلك استسلم للميركيين‪ ،‬الذين ما لبثوا أن أطلقوا سراحه‪ ،‬فهو القائد العراقي‬ ‫الوحيد الذي عرف‬ ‫‪.‬كيف يتخلص بلباقة من المأزق‬ ‫بعد سقوط بغداد بأيام قليلة‪ ،‬ظهر صدام لطخر مرة في العظمية‪ ،‬حيث ترا‪،‬ح ُيحيي من‬ ‫داطخل سياترته‬ ‫بعض الناس‪ ،‬ومن بينهم امرأة عجوز تقدمت منه لكي تمّد له سبحتها وهي تقول على‬ ‫‪:‬ما يبدو‬ ‫حفظك ا!"‪ .‬ثم تقدمت السياترة حتى منتصف الجسر حيث طخرج صدام منها‪ ،‬ثم"‬ ‫التفت نحو‬ ‫العظمية‪ ،‬وترا‪،‬ح ينظر إليها في حركة أشبه بوداع لحي أعّزه وتعلق به كثيرًا‪ ،‬ثم‬ ‫صعد في السياترة قبل‬ ‫‪.‬أن يختفي عن النظاتر‬


‫في اليوم نفسه‪ ،‬كان صّدام قد سجل شريطاً أذاعته محطة الجزيرة أكد فيه‪" :‬إّن أقرب‬ ‫الناس إلّي هم‬ ‫الذين وجهوا لي طعنة من الخلف"‪ ،‬لم يستعمل صّدام كلمة "طخيانة" لكن وكأنه قالها‬ ‫‪.‬بالفعل‬ ‫وقبل فراتره قيل لي إنه توقف عند أحد أصدقائه لبعض دقائق بالعظمية وقال له وهو‬ ‫يضع يده على‬ ‫‪:‬فخذه‬ ‫ـ سكان الجنوب أشجع من المقربين إلّي الذين طخانوني‪ ،‬فهؤلء ليسوا أفضل من نعل‬ ‫‪.‬حذائي‬ ‫موجة الخيانات‬ ‫في الشهوتر التي سبقت الحرب‪ ،‬سعى الميركيون للتقرب من ترجال أعمال‬ ‫ومسؤولين عراقيين عن‬ ‫طريق الهاتف‪ ،‬وقد كانت الرسالة واضحة‪" :‬إن هزيمة العراق وشيكة فلماذا تظلون‬ ‫إلى جانب‬ ‫المهزومين؟ التحقوا بنا! فسوف تكسبون المال‪ ،‬وسوف تحتلون مناصب في العراق‬ ‫الحر الذي سوف‬ ‫‪".‬نبنيه معا ً‬ ‫وقد زعم بعضهم أن الميركيين قد نجحوا في إقناع الكثير منهم‪ ،‬وقد ُذكر اسم أحمد‬ ‫حسين ترئيس‬ ‫ّ‬ ‫الديوان‪ .‬ويقال إن الميركيين قد اتصلوا أيضا ً بأكرم عطا مدير مصلحة الديوان‬ ‫بالرئاسة بوساطة‬ ‫مراسل أجنبي‪ ،‬وأن هذا الطخير قد قال له بأن الحرب ل معنى منها‪ ،‬ونصحه بأن‬ ‫‪،‬ينسحب من النظام‬ ‫لكن أكرم ع ّ‬ ‫طا ترفض العرض‪ ،‬غير أنه مع ذلك لم ُيطلع ترجال المن بهذا التصال‬ ‫مع العدو‪ ،‬تربما بدافع‬ ‫‪.‬الخوف من النتقام‬ ‫أما أنا فل أحد سعى لللتقاء بي‪ ،‬لكن وزير الداطخلية العراقية الجديد نوتري بدتران‪،‬‬ ‫الذي اطختاتره‬ ‫الميركيون للتعاون معه ومع أعضاء آطخرين من المعاترضة‪ ،‬ما لبثوا أن صاتروا‬ ‫صلة وصل ما بين‬


‫وكالة الستخباترات الميركية وما بين ضباط عراقيين زّودهم الوزير بهواتف نقالة‬ ‫متطوترة‪ ،‬كان‬ ‫النظام قد حظر استعمالها تحت طائلة ملحقات صاترمة‪ ،‬فقد كانت هذه الهواتف‬ ‫مخصصة للقادة‬ ‫‪.‬وحدهم‪ ،‬وكان قصي‪ ،‬مث ً‬ ‫ل‪ ،‬قد جلب منها مئات عديدة من أحد البلدان المجاوترة‬ ‫أمام تضاعف هذا النوع من العترافات‪ ،‬صاترت موجة الخيانات ل تثير أي شك‬ ‫اليوم‪ .‬لقد صدترت‬ ‫الوامر بعدم محاتربة الميركيين الزاحفين على بغداد‪ ،‬وأنا على يقين من كل ذلك‪.‬‬ ‫‪،‬فحول محيط المطاتر‬ ‫كانت قيادة إحدى الوحدات قد طلبت من ترجالها أن تنتظر وصول المدد والعون‪ ،‬قبل‬ ‫أن تبدأ في‬ ‫‪.‬استعمال السلحة‬ ‫وفي غضون ذلك‪ ،‬كانت عشرات عديدة من المدترعات الميركية تنق ّ‬ ‫ض على بغداد‪،‬‬ ‫بل وحتى في داطخل‬ ‫الوحدات النخبوية فضل بعض الرجال المتناع عن طخوض المعركة‪ ،‬فقد قال لي‬ ‫أحدهم إن قائده قد منعه‬ ‫‪.‬من تفجير اللغام المزتروعة تحت الجسوتر‬ ‫‪:‬فقد أمره هذا القائد قائلً‬ ‫!ـ ابق مكانك! واسحب ترجالك‬ ‫وفي شرق بغداد‪ ،‬كان جسر ديالى ممتلئاً بالعبوات الناسفة‪ ،‬لكن لم تنفجر منها أي‬ ‫!واحدة‬ ‫لكن من الذي غدتر بصدام؟‬ ‫فحتى يحبط تقدم الميركيين‪ ،‬تلقى اللواء ماهر سفيان التكريتي المر بإطلق‬ ‫صواتريخ على بغداد‪ ،‬حتى‬ ‫وإن طخّلف ذلك طخسائر في أتروا‪،‬ح المدنيين العراقيين‪ .‬كان قريب صّدام هذا قد عّين‬ ‫العام ‪ 2002‬قائداً‬ ‫لوحدة المرافقين أي حراس صدام‪ ،‬وهي الوظيفة التي حل محله فيها قبل الحرب‬ ‫ببضعة أشهر العميد‬ ‫‪.‬حبيب‬


‫كان ماهر سفيان ترج ً‬ ‫ل من ترجال الظل‪ ،‬على غراتر كل قادة الرئيس‪ ،‬فقد اقتربت منه‬ ‫من حيث ل أدتري‬ ‫العام ‪ ،1998‬كنت أنتظر سكرتير الرئيس الخاص في مكتب ترئيس الديوان أحمد‬ ‫حسين‪ ،‬حين دطخل ترجل‬ ‫أشقر بزي مدني‪ ،‬وقد تبادلنا الحديث نحو طخمس دقائق قبل أن يغادتر المكتب‪ .‬بعد‬ ‫طخروجه أطخذ علّي أحد‬ ‫‪.‬كّتاب الديوان عدم تقديمي المراعاة والتقدير اللئقين بمرتبته‬ ‫كنت بالفعل أجهل هذا الرجل‪ ،‬الذي كنت أتحد ث معه للتو‪ .‬وحسب التقاترير فإن ماهر‬ ‫سفيان قد تسّلم‬ ‫طخمسة وعشرين مليون دولتر مقابل الخيانة‪ .‬وقد اعترف ضمنيا ً بهذه التهامات فيما‬ ‫بعد‪ ،‬فقد با‪،‬ح سره‬ ‫‪:‬لبعض المقربين إليه قائلً‬ ‫ـ لم أترتكب أي طخيانة‪ ،‬بل على العكس وفرت طخسائر عراقية حين ترفضت معركة‬ ‫غير متكافئة أمام‬ ‫‪.‬الميركيين‬ ‫وثمة مؤشر آطخر يؤكد الشكوك الدائرة حوله‪ ،‬وهو أن اسمه لم يرد ذكره في قائمة‬ ‫الشخصيات العراقية‬ ‫‪.‬الخمسة والخمسين التي ألح الميركيون في البحث عنها‬ ‫وثمة أيضاً مسؤولون آطخرون يشتبه في اترتكابهم للخيانة‪ ،‬ومنهم حبوش ترئيس‬ ‫‪،‬المصالح الستخباترية‬ ‫والذي لم نسمع عنه طخبراً منذ بداية الحرب‪ ،‬والفريق حسين ترشيد المين العام لقيادة‬ ‫القوات المسلحة‬ ‫ونجله علي الذي كان يعمل إلى جانب قصّي‪ .‬وقد وترد أيضا ً ذكر صهر صّدام جمال‬ ‫مصطفى السلطان‬ ‫الذي كان مسؤولً عن مكتب العشائر‪ ،‬والذي كان قد ُعّين العام ‪ 2002‬مساعداً لعبد‬ ‫حمود‪ .‬وقد استسلم‬ ‫جمال مصطفى للميركيين في التاسع عشر من ابريل بعد مروتر عشرة أيام فقط على‬ ‫‪.‬سقوط بغداد‬ ‫مترجم صّدام‬ ‫ت‪ ،‬مترجما ً‬ ‫ت‪ ،‬حين كبر ُ‬ ‫ت وأنا طف ٌل أحلم بأن أكون طّياتراً حربيًّا‪ ،‬لكني صر ُ‬ ‫كن ُ‬ ‫طخاصا ً لصّدام‪ ،‬وما زل ُ‬ ‫ت‬


‫ي معجزٍة أوصلتني إلى ما‬ ‫حتى هذا اليوم أسائل نفسي‪ ،‬حين أنظر إلى الوتراء‪ ،‬أ َّ‬ ‫وصلت؟ فلعله القدتر أو‬ ‫إْن شئتم "المكتوب" كما يسّمونه في الشرق الوسط‪ ،‬ومع ذلك فقد بدأ ْ‬ ‫ت الحياةُ‬ ‫بالنسبة لي على سوء‬ ‫‪.‬تفاهم‪ ،‬في الول من ابريل من عام ‪ 1945‬في بغداد‬ ‫في تلك الثناء لم تكن إداترة الحالة المدنية منضبطة في كل الحوال‪ .‬وعلى الرغم من‬ ‫ذلك‪ ،‬فقد جاء‬ ‫تسجيل ميلدي في موعده على طخلف إطخوتي وأطخواتي جميعًا‪ .‬في ذلك المساء كان‬ ‫‪،‬عبدالمجيد‪ ،‬والدي‬ ‫‪،‬ح‪،‬‬ ‫في أحد النوادي برفقة بعض الصدقاء‪ .‬وحين بلغه الخبر السعيد فر‪،‬ح له أّيما فر ٍ‬ ‫ولّما حاول أن‬ ‫‪:‬يتواترى عن صحبه ليلتحق بوالدتي قهقه الصحب وقالوا‬ ‫إنها كذبة ابريل! ل تغادترنا!" فوالدي إذْن لم يعلم بميلدي إل في آطخر ساعة في"‬ ‫الليل‪ ،‬ولذلك فمثل‬ ‫!هذا اليوم من ابريل ل يمكن أن ُينسى بأي حال‬ ‫تَُعوُد أصولي الكردية بجذوترها إلى السليمانية في شمال العراق‪ ،‬التي انحدترت منها‬ ‫ُسللت والدي‬ ‫ووالدتي‪ .‬في بغداد كنا نتحد ث الكردية داطخل البيت‪ ،‬لكننا لم نكن نتحد ث طخاترجه غير‬ ‫العربية‪ ،‬اللغة‬ ‫السائدة‪ ،‬فقد كنت أتحد ث بكلتا اللغتين منذ الطفولة‪ .‬وكان والدي يغضب أحيانا ً حين‬ ‫يراني أتبادل‬ ‫الحديث بالعربية مع إطخوتي أو أصدقائي‪ ،‬فيرّدد في سخٍط وتذّمر‪" :‬علينا أن نحافظ‬ ‫على لغتنا!"‪ .‬لقد‬ ‫‪.‬كان أبي متمّسكاً بتقاليدنا العائلية أيما تمسك‪ ،‬مولعا ً بعاداتنا أّيما ولع‬ ‫كان والدي‪ ،‬الموظف بالجماترك قليل الهتمام بالسياسة‪ .‬كان مكّلفا ً بمطاتردة المهربين‬ ‫الذين كانوا‬ ‫ينتشرون بكثرة في العراق‪ ،‬فقد كان هؤلء المتاجرون يسرّبون الكحول في اتجاه‬ ‫الكويت والعربية‬ ‫السعودية عن طريق قنوات سرية‪ ،‬أما مع إيران فكانوا ُيقايضون الشاي بحمولت‬ ‫من الفول السوداني‬ ‫والفستق‪ .‬كان هؤلء المهّربون ينعمون بهذه التجاترة كثيرًا‪ ،‬لّن حدود العراق مع‬ ‫جيرانه كانت من‬


‫التساع والمتداد بما يجعلها ل تخضع لي مراقبة‪ ،‬ولم يتغير هذا الوضُع اليوَم‬ ‫‪.‬كثيراً‬ ‫وسوف أظل أذكر دوماً ذلك الهلع الذي أصابني ذات صبا‪،‬ح حين اكتشفنا طخنجراً‬ ‫مغروزاً على باب‬ ‫البيت‪ ،‬فقد كنا جميعاً تحت وقع الصدمة‪ ،‬كان ذلك العمل تهديداً سافراً ضد والدي‪،‬‬ ‫الذي كان قد أوقف‬ ‫للتو إحدى العصابات‪ ،‬لكّن ذلك التهديد لم ينل من عناد والدي وإصراتره على أن ل‬ ‫يستسلم للتهديد‬ ‫‪.‬والبتزاز‬ ‫في الخمسينات والستينات‪ ،‬كانت الحياة في بغداد تبدو مهتزة مرتجة‪ .‬كان الجو العام‬ ‫فيها متحّرتراً‬ ‫طليقًا‪ .‬كنا نذهب إلى السينما لمشاهدة الفلم الميركية‪ ،‬وكنت مولعا ً بالفلم التي‬ ‫يمثل فيها برت‬ ‫لنكستر‪ ،‬وكنت أقرأ الترجمة العربية لروايات موتريس لوبلن وأهيم بمغامرات‬ ‫أترسين لوبين‪ .‬وكنت‬ ‫‪.‬أذهب مع العائلة إلى حفلت المطربة اللبنانية الكبيرة صبا‪،‬ح‬ ‫قبل العام ‪ 1968‬كانت الحكومات الملكية أو الجمهوترية قد فرضت قيما ً حضرية على‬ ‫القرويين وسكان‬ ‫الترياف القادمين للستقراتر في العاصمة‪ .‬وقد كان النازحون الجدد يسعون إلى‬ ‫"الّتبغدد" بالتخلي عن‬ ‫‪.‬لهجتهم الريفية‪ ،‬حتى ل يبدو عليهم مظهر التخلف‬ ‫ومع قدوم صدام وقومه من التكريتيين إلى السلطة‪ ،‬طخلل السبعينات‪ ،‬انقلبت الظاهرة‬ ‫‪.‬ترأسا ً على عقب‬ ‫فقد صاترت الترياف هي التي تفرض عاداتها ونمط حياتها على البغداديين‪ .‬وهكذا‬ ‫صاترت القيم‬ ‫‪.‬العشائرية تقرض وتقضم شيئا ً فشيئًا‪ ،‬الطابع الغربي لتلك الحياة التي أحببُتها كثيراً‬ ‫كنت‪ ،‬منذ الطفولة‪ ،‬قد تعلمت النجليزية بالمعهد الميركي لّلغات في بغداد‪ .‬وعند‬ ‫نهاية دتراستي‬ ‫الثانوية ترغبت في أن أحّقق أحلمي في اللتحاق بالقوات الجوية‪ ،‬لكّن والدي ما لبث‬ ‫أن ترفض هذه‬ ‫الرغبة لما في هذه المهنة‪ ،‬حسب ترأيه‪ ،‬من طخطوترة بالغة‪ ،‬ناهيك عن أن أبناء الطبقة‬ ‫البرجوازية ل‬


‫يحق لهم أن يكونوا غير أطباء أو محامين أو مهندسين‪ ،‬ولذلك لجأ إلى حيلة من حيله‬ ‫الماكرة حتى‬ ‫‪:‬أعدل عن تلك الفكرة‪ ،‬حيث قال لي‬ ‫ـ إذا تنازلت عن فكرة انخراطك في الجيش‪ ،‬فسأدفع عنك تكاليف أتربع سنوات دتراسة‬ ‫في انجلترا لكي‬ ‫‪.‬تصبح مهندسا ً‬ ‫وعن طيب طخاطر قبل ُ‬ ‫ت بالعرض‪ ،‬وقد تملكني الفضول في اكتشاف الغرب ول سيما‬ ‫انجلترا‪ ،‬تلك القوة‬ ‫التي كانت تحتل العراق يومًا‪ .‬وهكذا وجدت نفسي عام ‪ 1962‬في ثانوية "ُبولتون"‬ ‫في منطقة‬ ‫مانشستر‪ .‬غير أنني سرعان ما أدتركت أنني ل أملك أ ّ‬ ‫ي موهبة في الرياضيات أو‬ ‫‪،‬الهندسة أو الفيزياء‬ ‫بل كنت مولعاً بالدب النجليزي أيما ولع‪ ،‬فكنت أمضي الساعات في التهام شتى‬ ‫أنواع الروايات‪ .‬وكنت‬ ‫‪.‬أعلم أنني لن أصبح مهندسا ً بأي حال من الحوال‬ ‫وبعد مروتر عام عد ُ‬ ‫ت إلى العراق لقضاء إجازات الصيف‪ ،‬وكان السفر بقطاتر‬ ‫الشرق السريع‪ ،‬الذي‬ ‫اشتهر في تلك الفترة حتى اسطنبول على القل‪ ،‬وقد استغرق السفر بعد هذه المدينة‬ ‫أتربعة أيام‪ ،‬أدترك ُ‬ ‫ت‬ ‫بعدها بغداد‪ ،‬التي وصلتها ذات يوم أحد‪ ،‬فوجدت والدي وقد أنهكه إعيا ٌء ما لبث أن‬ ‫فاترق على إثره‬ ‫الحياة في اليوم التالي‪ ،‬وكأنه آثر انتظاتري حتى يلفظ ما بقي به من أنفاس‪ ،‬ولذلك لم‬ ‫أفكر في العودة‬ ‫إلى انجلترا لنهاء الدتراسة‪ ،‬واطخترت اللتحاق بدائرة الداب النجليزية في جامعة‬ ‫‪.‬بغداد‬ ‫بدأ ُ‬ ‫ت حياتي المهنية بعيداً عن ضّفتي دجلة‪ ،‬ففي الستينات كانت بلد الخليج تستقطب‬ ‫الكفاءات من‬ ‫سائر البلدان العربية‪ ،‬فكان المصريون والفلسطينيون والعراقيون يذهبون إلى هذه‬ ‫البلدان ليساهموا‬ ‫في بنائها بعقولهم وسواعدهم‪ .‬وقد أترسل العرا ُ‬ ‫ق أفواجاً من المدترسين إلى السعودية‪،‬‬ ‫وكنت واحداً من‬ ‫هؤلء‪ ،‬فحصل ُ‬ ‫ت على وظيفة أستاذ للنجليزية في السعودية‪ .‬ووجدُتني في دهيبة‬ ‫وهي منطقة نائية في‬


‫‪.‬شمال البلد‬ ‫كان يعيش في هذه القرية نحو طخمسة آلف من البدو تأويهم بيو ٌ‬ ‫ت بسيطة‪ ،‬قوامها‬ ‫الطوب والتراب‬ ‫المدكوك‪ ،‬وقد طخلت من أسباب لين العيش‪ ،‬فل ماء ول كهرباء‪ .‬إذ ل ثلجات ول‬ ‫تكييف‪ ،‬كان زادنا من‬ ‫الفواكه والخضر الطازجة يأتينا مرة أو مرتين في الشهر‪ ،‬تحمله إلينا إحدى‬ ‫الشاحنات المقبلة من‬ ‫العقبة‪ ،‬الميناء التردني المجاوتر‪ ،‬وكانت هذه المؤونة تشّح أحيانًا‪ ،‬فأتراني أمّني النفس‬ ‫بشيء من‬ ‫‪.‬الحليب الرايب ومن البندوترة‪ ،‬ولو أتاني بها أح ٌد لعطيته كامل الراتب‬ ‫في قرية دهيبة كنت أحسّني بعيدًا‪ ،‬فقد كانت بغداد وحياتها المضطربة تبدوان بعيدتين‬ ‫نائيتين‪ ،‬فلم يكن‬ ‫بالمكان سوى مظهر واحد للحداثٍة هو مبنى المدترسة الجديد الوهاج‪ ،‬الذي شيدته‬ ‫شركة إيطالية في‬ ‫‪.‬وسط القرية‬ ‫كان يزاملني بهذه المدترسة نحو عشرة من اللبنانيين والمصريين والفلسطينيين‪ .‬أما‬ ‫إداترة هذه‬ ‫المدترسة فلم تكن تحق لغير سعودي‪ ،‬وكان الرجل يحترمني ويقّدترني كثيراً ولكنه‬ ‫كثيراً ما كان يقول لي‬ ‫‪:‬في تذمّر‬ ‫ب كفاءة واقتداتر ولكنكم عنيفون عصبّيون‪ ،‬وتغضبون لتفه‬ ‫ـ أنتم العراقيون أصحا ُ‬ ‫!السباب‬ ‫على مدى ثل ث سنوات ظللت أعيش حياة البساطة والتقشف‪ ،‬فكانت ساعا ُ‬ ‫ت لَْهِوي‬ ‫الوحيدة سهرا ُ‬ ‫ت‬ ‫الّسمر الطويلة التي كن ُ‬ ‫ت أقضيها على الشاطئ مع زملء المدترسة‪ .‬فتحت النجوم كنا‬ ‫نستذكر العالم‬ ‫ونتأمل غروب الشمس‪ ،‬ونحن نستمع إلى أم كلثوم على أمواج إذاعة "صوت‬ ‫العرب" التي كانت تبث‬ ‫‪.‬من القاهرة‪ .‬كانت تلك الفترة فترة انتصاتر الناصرية‬ ‫ف‬ ‫كنت كل عام أسافر إلى العراق أنفق فيه ما كسبته في السعودية‪ .‬وفي آطخر صي ٍ‬ ‫ترغبت قبل العودة إلى‬


‫بلدي في زياترة القاهرة وبيروت‪ .‬في العاصمة المصرية استأجرت غرفةً من ترجل‬ ‫عجوز‪ ،‬وذات مساء‬ ‫اكتشفت أن كل مدطخراتي قد اطختفت‪ ،‬وكانت قناعتي أّن صاحب البيت هو الذي جنى‬ ‫علّي فرفع ُ‬ ‫ت شكواي‬ ‫‪:‬إلى المحافظة التي أشفقت على الرجل‪ ،‬فلم تجد بّداً من القول‬ ‫ـ بالمكان أن نعّذب صاحبك حتى يقّر بفعلته‪ ،‬لكنه كما ترى طاعن في السّن‪ ،‬وقد‬ ‫!يموت بين أيدينا‬ ‫ت إلى بغداد ُمفلسًا‪ُ ،‬معدما ً‬ ‫!فشعرت بالمراترة وعد ُ‬ ‫تحديات لغوية‬ ‫لكن الحظ ما لبث أن ضحك لي‪ ،‬فقد بلغني أن وزاترة الصناعة العراقية كانت تبحث‬ ‫عن مترجمين عن‬ ‫النجليزية‪ .‬وما إن حصل ُ‬ ‫ت على الوظيفة حتى وجدُتني متآلفا ً مع عالٍم جديد‪ ،‬عالم‬ ‫الداترة‬ ‫‪.‬والحصائيات‪ ،‬لكّن كَّل ذلك لم ُيثبط َولَِعي بالثقافات الجنبية وتعّلم الّلغات‬ ‫وهكذا شرع ُ‬ ‫ت‪ ،‬بمحض الصدفة المطلقة‪ ،‬في تعّلم الفرنسية‪ :‬كنت في الواقع أترغب‬ ‫في تعميق لغتي‬ ‫العربية‪ ،‬لكن الدتراسات في جامعة المستنصرية كانت تدوم أتربع سنوات‪ ،‬بينما في‬ ‫المقابل لم تكن‬ ‫دتروس الفرنسية تدوم أكثر من عامين‪ .‬وهكذا‪ ،‬بقليل من الكسل وكثير من الفضول‪،‬‬ ‫انطلقت في تعلم‬ ‫‪.‬لغة موليير‬ ‫بعد عامين من الدتراسة حصل ُ‬ ‫ت على الشهادة‪ ،‬فقد صاترت فرنسيتي سليمة‪ ،‬غير أنني‬ ‫ظلل ُ‬ ‫ت أعاني من‬ ‫نقص كثير في التحد ث وفي الكتابة على السواء‪ ،‬فلم أجد بداً من اللتحاق بالمركز‬ ‫‪،‬الثقافي الفرنسي‬ ‫طلباً لمزيد من الدتروس في المحادثة‪ .‬وهنا أيضا ً تربما كان قدتري مكتوبا ً وحسن‬ ‫طالعي متألقًا‪ ،‬ففي هذا‬ ‫المركز الثقافي الفرنسي تعرفت على زوجتي ُنهى‪ .‬ولم يزدني اكتشاف الفرنسية إل‬ ‫‪.‬حماسة وإقبالً‬


‫كان العام ‪ 1967‬فترة ذهبية في العلقات الفرنسية العراقية‪ ،‬فقد حصلت المؤسسات‬ ‫الفرنسية على‬ ‫عقود تلو العقود‪ .‬وقد أبرمت وزاترتا الصناعة في البلدين العديد من اتفاقيات التعاون‪،‬‬ ‫اترتبطت إحداهما‬ ‫بالمركز الوطني للداترة الذي كنت انتقلت إليه‪ .‬وبفضل شهر العسل هذا‪ ،‬حظيت‬ ‫بقضاء سنة كاملة في‬ ‫‪.‬باتريس بمعهد الداترة العامة‬ ‫لكّن مفاجأتي كانت كبيرة حين أدتركت أن الفرنسية‪ ،‬التي تعّلمتها في بغداد‪ ،‬بعيدة كل‬ ‫البعد عن فرنسية‬ ‫الباتريسيين‪ ،‬فهي تكاد أن تكون لغة أطخرى مختلفة‪ .‬ولذلك ترحت أعمل بل انقطاع ول‬ ‫تأّن وأطخّزن من‬ ‫المفردات اللغوية ما وسعني التخزين‪ ،‬لدترجة أنني أنهيت امتحانات معهد الداترة‬ ‫العامة النهائية الول‬ ‫‪.‬على طلبة الشرق الوسط‪ ،‬وهكذا هزمت تحديا ً لغويا ً ولم يكن ذلك سوى بداية‬ ‫بعد مروتر بضعة أشهر على عودتي إلى بغداد العام ‪ 1980‬أعلن التلفزيون العراقي‬ ‫أن البلد ستنظم بعد‬ ‫عامين في بغداد قمة للبلدان غير المنحازة‪ .‬وحتى تُِعَّد هذا الحد ث‪ ،‬الذي كان صّدام‬ ‫حسين ُيريد أن‬ ‫يصنع منه واجهًة‪ ،‬وّجه ْ‬ ‫ت وزاترة العلم نداًء للشباب الذين يعرفون لغات عديدة أن‬ ‫يتقدموا‬ ‫بترشيحاتهم للحصول على وظائف كمترجمين ومترجمين فوتريين‪ ،‬ومن يقع عليهم‬ ‫الطختياتر يذهبون‬ ‫‪.‬إلى الخاترج لفترة اتقاٍن تدوم عامين في مدترسة للترجمة‬ ‫ولم أدع هذه الفرصة تفلت منّي‪ ،‬فقد كانت انجليزيتي أفضل من فرنسيتي‪ ،‬فتقدمت‬ ‫بملف ترشح لمعهٍد‬ ‫للغات في انجلترا‪ ،‬لكن الذين ترشحوا لمعهد لندن كانوا ثلثة آلف‪ ،‬بينما لم يزد عدد‬ ‫المرشحين لمعهد‬ ‫باتريس عن الخمسمئة‪ ،‬ولما كنت أملك قواعد جيدة في الفرنسية فقد ترشحوني تلقائيا ً‬ ‫لمتحان أّولي في‬ ‫‪.‬هذه اللغة‪ ،‬وفي هذا المتحان ُأقصي نصف المرشحين في الحال‬ ‫كان السلطات ُتولي اهتماما ً بالغا ً لتنظيم هذه القمة الذي فُّوض أمرها لطه ياسين‬ ‫ترمضان‪ ،‬أحد أعضاء‬


‫قيادة الثوترة‪ ،‬الجهاز العلى في العراق‪ .‬ولذلك كان من غير الواترد على الطلق‬ ‫إترسال مرشحين من‬ ‫‪.‬المدعومين" أو من الكسلء والطائشين‪ .‬وبالفعل‪ ،‬لم يتم قبول سوى أفضل العناصر"‬ ‫ولهذا الغرض استقدمت وزاترة العلم إلى بغداد أستاذين فرنسيين من المعهد العالي‬ ‫للترجمة الفوترية‬ ‫والترجمة "إيزيت" لجراء الفرز الطخير‪ .‬وكانت السلطات العراقية تريد الحتفاظ‬ ‫بعشرة طلب‪ ،‬لكن‬ ‫حين وقع حكم اطختصاصيي "إيزيت" لم يبق من المرشحين الذين يملكون المستوى‬ ‫المطلوب للدتراسة‬ ‫‪.‬في باتريس سوى طخمسة‪ ،‬وكنت من هؤلء المحظوظين‬ ‫كانت ظروف حياتنا في باتريس ظروفاً غاية في اليسر‪ .‬كنا نتقاضى عن كّل شهر‬ ‫نحو سبعة آلف فرنك‬ ‫فرنسي‪ .‬وقد سكنت في بيت من ثل ث غرف في حي الدفاع "لديفونس"‪ .‬وأكثر من‬ ‫ذلك فقد أمكنني‬ ‫شراء سياترة‪ ،‬فقد كانت حكومتنا تفي بالنفقات في الحال‪ .‬في مجموعة العراقيين‬ ‫بمعهد "ايزيت" كان‬ ‫اندفاع البعض للمتع التي توفرها العاصمة الفرنسية كثيراً ما يطغى على أي حافز‬ ‫عندهم لتعّلم تقنيات‬ ‫‪.‬الترجمة‬ ‫أما أنا فقد كان الخوف من الفشل يستبّد بي كالوسواس‪ ،‬فكنت مع زميلتي العراقية‬ ‫ميسون وطالب من‬ ‫تونس ُنراجع الدتروس معًا‪ .‬وكنت بعد العودة إلى البيت مساًء أشاهد أفلم "نادي‬ ‫السينما" على‬ ‫التلفزيون‪ ،‬وكنت أترجم الحواترات لزوجتي التي لم تكن تعرف الفرنسية كثيرًا‪،‬‬ ‫وكانت تلك وسيلة‬ ‫‪.‬إضافية لي على طريق التقان‬ ‫لم نكن‪ ،‬نحن المتدتربين على نفقة حكومتنا‪ ،‬مضطرين لمتابعة فترة دتراسية كاملة‪ ،‬فقد‬ ‫أعدت لنا إداترة‬ ‫المعهد برنامجا ً طخاصًا‪ ،‬لكن بعد مروتر ستة أشهر‪ ،‬كنت وزميلتي ميسون قد قطعنا‬ ‫شوطا ً من التقدم‬ ‫والنجا‪،‬ح‪ ،‬مما جعل الداترة تقتر‪،‬ح إدتراجنا ضمن قائمة الدفعة الرسمية للمدترسة‬ ‫وإعداد الدبلوم‪ .‬إّن‬


‫إيزيت" مركز للتكوين الصطفائي عالي المستوى‪ ،‬فالمدترسون فيه ليسوا منظرين"‬ ‫بل محترفون‬ ‫‪.‬للترجمة والترجمة الفوترية‬ ‫فقد كان أحد الكوميديين يعّلمنا تقنيات التنفس وكيفيات بث الصوت وتحسين اللقاء‬ ‫واللعب على‬ ‫النبرات‪ .‬وكنا نستعمل الفيديو أيضاً حتى نتدترب على ترصد الطخطاء‪ ،‬ففي "إيزيت"‬ ‫تحديداً تعّلمت‬ ‫قواعد مهنتي‪ ،‬وقد أفادتني نصائح أساتذتي على مدى حياتي المهنية‪ :‬ألّ أذهب لي‬ ‫حديث بدون تربطة‬ ‫عنق‪ ،‬وأن أتفادى شرب الكحول حتى ولو من أجل التخلص من التعب العصبي‬ ‫المرتبط بالتركيز‬ ‫المكثف‪ ،‬وأل أدّطخن كثيرًا‪ ،‬وأن أقرأ الصحف يوميا ً حتى ل أنقطع عن الحدا ث‪...‬‬ ‫‪.‬إلخ‬ ‫وقد حصلت على الدبلوم في يونيو ‪ ،1982‬وعند إعلن النتائج قال لي أحد أعضاء‬ ‫لجنة التحكيم‪ ،‬وهو‬ ‫مترجم في "الفاو"‪ ،‬منظمة المم المتحدة للتغذية والزتراعة‪ ،‬دون مقدمات‪ :‬أنت‬ ‫مترجم ممتاز‪ ،‬هل‬ ‫‪.‬ترغب في العمل في تروما لحسابنا؟ لقد أحضر ُ‬ ‫ت معي استماترة توظيف‬ ‫كان اقتراحه مغريًا‪ ،‬لكن في واقع المر كان الواجب يعذبني‪ :‬فلم يكن يسعني أن‬ ‫أتخلى عن بلدي التي‬ ‫موّلت دتراساتي‪ ،‬وفي النهاية ترفضت العرض في أدب‪ ،‬مخّيبا ً بذلك أمل زوجتي التي‬ ‫لم تغفر لي يوما ً‬ ‫‪.‬ذلك الرفض‬ ‫وعند عودتي إلى بغداد‪ ،‬كانت مفاجأة سيئة في انتظاتري‪ ،‬حيث اكتشفت أن قمة‬ ‫البلدان غير المنحازة‬ ‫التي كنت أعّد لها نفسي منذ عامين لن تعقد في العاصمة العراقية ولكن في نيودلهي‬ ‫بالهند! فالحرب ما‬ ‫بين العراق وإيران جعلت هذا اللقاء مستحي ً‬ ‫ل‪ ،‬وشعرت بالخيبة والحباط‪ ،‬لكنني‬ ‫وجدت عزائي في‬ ‫‪.‬المهنة التي منحتها لي السنتان اللتان قضيتهما في فرنسا‬ ‫تحت ترئاسة ناجي صبري‬


‫لكن فرصة القفز من جديد لم تطل كثيرًا‪ ،‬فقد عينت ترئيسا ً لدائرة الترجمة لندوات داتر‬ ‫المأمون‪ .‬فداتر‬ ‫النشر هذه‪ ،‬التابعة لوزاترة العلم والثقافة‪ ،‬مختصة في منشوترات طخطب الرئيس‬ ‫صدام حسين‪ ،‬فقد‬ ‫كانت تصدتر صحيفة بالنجليزية "بجداد أوبزترفر" وكذلك نشرة "بجداد" وهي مجلة‬ ‫شهرية‬ ‫بالفرنسية‪ .‬في تلك الفترة كان مديري ُيدعى ناجي صبري‪ ،‬وقد صاتر وزيراً للشؤون‬ ‫الخاترجية العام‬ ‫‪2001.‬‬ ‫وما إن تسلمت الوظيفة حتى اقترحت عليه بأن "ُيعّرق" قطاع الترجمة‪ ،‬فقد كان‬ ‫العديد من مترجمينا‬ ‫لبنانيين أو مصريين لقاء مكافآت كبيرة‪ .‬ولذلك فإن إحلل عراقيين كان الكثيرون‬ ‫منهم عائدين مثلي‬ ‫لتوهم من تكوين في أوتروبا‪ ،‬مكانهم كان سيكلفنا مبالغ أقل‪ ،‬وقد اقترحت أيضا ً أن‬ ‫ُيوَّزع نصف المال‬ ‫الذي نجنيه من الندوات على المترجمين من أجل تحفيزهم‪ .‬وبدون ترّدد قبل ناجي‬ ‫صبري هذا‬ ‫التوطين"‪ .‬هذه السنوات التي قضيتها في داتر المأمون كانت سنوات من الحرية"‬ ‫الحقيقية‪ .‬فقد كنت‬ ‫ُمولعا ً بعملي أيما ولٍع‪ ،‬وقد ترّددت مرات عديدة على فيينا ونيقوسيا والبحرين‪،‬‬ ‫مترجما ً للندوات التي‬ ‫كانت تنظمها الوكالة الدولية للطاقة الذترية‪ .‬وقد عملت أيضا ً بشكل منتظم لحساب‬ ‫وكالت متخصصة‬ ‫‪".‬تابعة لمنظمة المم المتحدة مثل "الونروا" وكذلك "الفاو‬ ‫ثم ذات يوم من أيام ‪ 1987‬دعاني ناجي صبري إلى مكتبه‪ .‬ولن أنسى تلك اللحظات‬ ‫على الطلق‪ ،‬فقد‬ ‫‪:‬أعلن لي قائلً‬ ‫‪.‬ـ سّمان‪ ،‬ستعّين مترجما ً ترسميا ً لدى الرئيس‬ ‫وأحسستني في السماء السابعة وكأن عناية ا قد أحاطت بي‪ .‬في الظاهر‪ ،‬كان‬ ‫مترجم صّدام طخليل‬ ‫الخوتري‪ ،‬وهو لجئ سياسي سوتري يعاني من بعض المشكلت الشخصية‪ ،‬فكان‬ ‫لبد من استبداله‪ ،‬وقد‬ ‫‪:‬أضاف ناجي صبري قائلً‬


‫ـ لقد اطخترتك ليس فقط لّن فرنسيتك ممتازة‪ ،‬ولكن أيضا ً لن الشخص الذي سيعمل‬ ‫لحساب الرئيس‬ ‫ينبغي أن يكون مهذبا ً مثقفًا‪ .‬فمترجم الرئيس سيحضر في الولئم الرسمية‪ ،‬وهذا‬ ‫الرجل سوف يكون‬ ‫‪.‬أنت‪ ،‬هيا اتركب! إن الوزير في انتظاترنا‬ ‫كان لطيف نصيف جاسم‪ ،‬الذي كان يحظى بتقدير صدام حسين‪ ،‬يشغل منصب وزير‬ ‫‪،‬العلم والثقافة‬ ‫‪:‬وما إن جلس ُ‬ ‫ت بجانبه حتى سألني هذا السؤال المربك‬ ‫ـ ماذا كانت نتائجك في الجامعة؟‬ ‫‪:‬إلى الحد الذي جعلني ل أستوعب معنى هذا السؤال‬ ‫ـ آسف‪ ،‬سيدي الوزير‪ ،‬أي جامعة تقصدون؟‬ ‫ـ لقد دترست الترجمة‪ ،‬أليس كذلك‪ ،‬فهل كنت تلميذاً نجيبًا؟‬ ‫‪".‬ـ أجل سيدي الوزير‪ ،‬لقد حصلت على ‪ 16‬من ‪ 20‬بدبلوم "اليزيت‬ ‫‪.‬ـ جيد‪ ،‬جيد‪ ،‬شكرًا‪ ،‬إلى اللقاء‬ ‫‪.‬ذلك هو الحديث الذي اضطرني إليه وزير العلم والثقافة‬ ‫في السابيع الولى اعتقدت أنهم سيطلبونني أو أن مصالح الرئاسة ستستدعيني لكي‬ ‫تستجوبني‪ ،‬لكّن‬ ‫شيئاً من ذلك لم يحد ث على مدى شهوتر عديدة‪ ،‬فلم أتلق مكالمة هاتفية واحدة‪ .‬وقد بدأ‬ ‫هذا الصمت‬ ‫يشغل بالي‪ ،‬ووضعت ذلك على حساب تدهوتر الوضاع في العراق‪ .‬كانت الحرب‬ ‫ضد ايران قد استنفدت‬ ‫مواترد البلد‪ ،‬فقد كان اللف من الشباب يذهبون إلى ساحات المعاترك‪ .‬وحتى يكثف‬ ‫تعبئة المجتمع‬ ‫أنشأ النظام الجيش الشعبي‪ ،‬فقد صاتر كل الناس‪ ،‬من شباب ودون الشباب‪ُ ،‬يستدعون‬ ‫لقضاء أتربعة إلى‬ ‫‪.‬ستة أشهر في هذا الجيش‬


‫وقد شاتركت أنا نفسي في هذه الخدمة‪ ،‬حيث أترسلوني إلى منطقة زاطخو الواقعة في‬ ‫الشمال على الحدود‬ ‫التركية‪ .‬وفي طخلل إجازة مدتها أسبوع واحد في بغداد‪ ،‬انتهزت الفرصة لزياترة‬ ‫أصدقائي وزملئي‬ ‫بالوزاترة‪ ،‬وبعد أن غادترتهم صعدت إلى مكتب ناجي صبري للقي التحية عليه‪ .‬وما‬ ‫أن ترآني حتى‬ ‫‪:‬ترشقني بالسؤال‬ ‫ـ هل تسلمت الرسالة؟‬ ‫ـ ل‪ ،‬ما المر؟‬ ‫!ـ ولكننا في انتظاترك منذ أسبوع‪ ،‬فالرئاسة في حاجة إلى طخدماتك‬ ‫‪:‬وعلى الفوتر استقبلني لطيف ناصيف جاسم‪ ،‬حيث سألني‬ ‫!ـ هل أنهيت طخدمتك في الجيش الشعبي‬ ‫‪.‬وشرحت له أنني كنت في إجازة‪ ،‬وبأنني سأعود إلى الجبهة في صبا‪،‬ح اليوم التالي‬ ‫!ـ هذا غير واترد‪ ،‬ستبقى هنا‬ ‫ثم طلب سكرتيره وأملى عليه ترسالة موجهة إلى قيادة الجيش الشعبي‪" :‬نحن في‬ ‫حاجة إلى سّمان‬ ‫‪".‬عبدالمجيد‪ ،‬ولذلك يجب أن ُيعفى من الخدمة العسكرية الجباترية‬ ‫وأطخذت الرسالة وتوجهت بها إلى قيادتي في الجيش التي أنهت تجنيدي‪ .‬وبعد يومين‬ ‫عدت أدتراجي إلى‬ ‫بغداد‪ ،‬حيث وجدت ترسالة كان لطيف ناصيف جاسم قد تركها لي‪ .‬كان علي أن أظل‬ ‫على أهبة‬ ‫‪.‬الستعداد‪ ،‬وأن انتظر التصال في أي لحظة‬ ‫سنوات صدام ـ الحلقة الرابعة‬ ‫هوس مطلق بالمن والسلمة‪ ،‬أمن صدام عالم مغلق يقوم على التدقيق والمراقبة‬ ‫المستمرين‬


‫طخلل طخمسة عشر عاماً لم أدطخل مكتب صدام حسين سوى مرة واحدة‪ .‬كان ذلك العام‬ ‫‪ 1987‬أثناء‬ ‫مهمتي الولى بمناسبة الزياترة الرسمية للرئيس التشادي حسن صبري‪ .‬لقد أدهشني‬ ‫الديكوتر المفرط‬ ‫في بساطته‪ ،‬حيث ل تلفزيون وقليل من الملفات المعلقة‪ ،‬فهل كان صّدام ل يدطخل هذا‬ ‫المكتب إل للعمل‬ ‫ليس إل؟ لقد كان هذا المكتب أكثر ازدحاماً من مكتب عبد حمود سكرتيره الخاص‪،‬‬ ‫لكن نشاط صّدام ظل‬ ‫‪.‬دوما ً سّراً طخفيا ً‬ ‫ففي التسعينات كانت الصحافة العالمية قد تحدثت عن إصابته بأحد السرطانات لكننا‬ ‫لم نلحظ أي طخلل‬ ‫في جدول زمنه‪ ،‬بل ولقد ضحكنا كثيراً حين أعلنت إذاعة "البي بي سي" عام ‪2000‬‬ ‫أنه كان على‬ ‫مشاترف الموت‪ .‬فليلة هذا العلن‪ ،‬كنا قد ترأيناه في كامل صحته! غير أنني‪ ،‬بالنظر‬ ‫للسرية التي كانت‬ ‫تحيط به‪ ،‬ل يسعني الجزم بأنه لم يكن مريضًا‪ ،‬لكننا لم نلمس فيه أي عرض من‬ ‫‪.‬أعراض المرض‬ ‫في الحقيقة كان الرئيس يتمتع بطاقة كبيرة في العمل‪ .‬فقد كان يسهر لساعات متأطخرة‬ ‫من الليل‪ ،‬ففي‬ ‫كثير من الحيان كان موظف الدوام في المكتب الصحافي يدعوني لللتحاق بالمكتب‬ ‫في حدود الساعة‬ ‫الحادية عشرة لي ً‬ ‫ل لمراجعة البريد‪ .‬وكان البريد بعد أن نرسله إلى الديوان يعود إلينا‬ ‫في حدود الساعة‬ ‫الواحدة أو الثانية صباحًا‪ ،‬مع التصحيحات الخطية لصدام ومرفقة بعباترة‪" :‬يرسل‬ ‫"إلى المرسل إليه‬ ‫وفي حالت الستعجال كانت هذه الرحلة المكوكية بيننا وبين الرئيس تستمر لساعات‬ ‫جد متأطخرة من‬ ‫‪.‬الليل‬ ‫حد ث ذلك مثلً في طخريف عام ‪ 2002‬عندما أترسل صّدام حسين ترسالة إلى قادة‬ ‫الدول العربية موضحا ً‬ ‫لهم موقفه إزاء مشروعات الغزو الميركية‪ .‬فقد شر‪،‬ح لهم أن العراق كان قد قبل للتو‬ ‫بعودة مفتشي في‬ ‫نزع السلحة التابعين لمنظمة المم المتحدة‪ ،‬وقد واصل الميركيون على الرغم من‬ ‫‪.‬ذلك تهديداتهم‬


‫ولذلك فقد دعت تلك الرسالة البلدان العربية إلى مساندة بغداد‪ ،‬ملتمسة منها مماترسة‬ ‫الضغط على‬ ‫‪.‬الميركيين لتفادي العدوان الذي أتراده جوترج بوش ضد العراق‬ ‫وصلتنا الرسالة الخطية وعليها ملحظة ‪"0‬عاجل"‪ ،‬وقد عادت إليه مطبوعة بعد‬ ‫ساعتين‪ ،‬ثم عادت‬ ‫إلينا ثانية في حدود الساعة الثامنة مساء مرفقة بإضافات عديدة‪ .‬فقد كان صدام‬ ‫متعوداً على مراجعة‬ ‫نصوصه وطخطبه مراجعة مستفيضة‪ .‬وقد أترسلنا إليه الرسالة بعد التعديلت الجديدة‬ ‫في حدود الساعة‬ ‫‪.‬العاشرة لي ً‬ ‫ل‪ ،‬حملها إليه أحد حراسه الذي كان ينتظر في المكتب‬ ‫وأمكنني في الطخير أن أعود إلى البيت في حدود منتصف الليل‪ ،‬لكني فوجئت‬ ‫بمكالمة ما لبثت أن‬ ‫دعتني للعودة إلى القصر‪ ،‬وحين وصلت وجدت علي عبدا غاترقا ً في العمل ُيرافقه‬ ‫ناسخان‪ ،‬فقد أدطخل‬ ‫الرئيس تعديلته النهائية على النص‪ ،‬مع المر بإترسال البريد بعد تصويره بأسرع ما‬ ‫يمكن‪ ،‬إلى‬ ‫العضاء الثمانية عشر في القيادة القليمية للبعث‪ ،‬وقد كان صدام ينتظر تعليقاتهم‬ ‫عليها قبل منتصف‬ ‫‪.‬اليوم التالي‬ ‫لقد عملنا في تلك الليلة حتى الفجر‪ .‬وقد جاءت الردود على تلك الرسالة عند منتصف‬ ‫‪،‬النهاتر بالضبط‬ ‫وقد تأطخر ترّدان أو ثلثة عن تلبية النداء‪ ،‬لن المرسل اليهم كانوا طخاترج بغداد‪ ،‬لكّن‬ ‫صّدام لم يكلف‬ ‫نفسه البحث عن اسباب تغيبهم‪ ،‬وقد أترسل إلينا نسخته النهائية في حدود الساعة‬ ‫‪،‬الخامسة عصراً‬ ‫طالباً منا إترسالها إلى قادة الدول العربية ونشرها وترجمتها إلى النجليزية ‪ -‬مع‬ ‫ظهوتر النترنت صرنا‬ ‫ندترج على موقع الديوان مجموع طخطب الرئيس وترسائله بالعربية والنجليزية معا ً ‪-‬‬ ‫اجمالً استمرت‬ ‫‪.‬الرحلة المكوكية بيننا وبين الرئيس أكثر قليلً من أتربع وعشرين ساعة‬ ‫ملحظات نقدية للرئيس‬


‫كان صدام دكتاتوترًا‪ ،‬لكنه كما يثبته هذا المثال‪ ،‬لم يكن يتخذ قراتراته بمفرده‪ .‬لقد جهل‬ ‫الكثيرون هذا‬ ‫الجانب من مماترسته للسلطة‪ .‬فلم يكن يحّرتر أي طخطاب مهم من دون عرض محتواه‬ ‫على أعضاء‬ ‫القيادة‪ .‬فعلى هذا النحو‪ ،‬في طخمس مناسبات أو ست ‪ -‬كما حد ث يوم ‪ 6‬يناير‪ ،‬يوم‬ ‫ذكرى انشاء الجيش‬ ‫أو ‪ 16‬يوليو يوم الحتفال بذكرى الثوترة البعثية ‪ -‬كان صدام يرسل إليهم النسخة‬ ‫‪،‬النهائية من الخطاب‬ ‫لكن أغلبية العضاء كانوا ل يخاطرون بأي تعليق‪ ،‬فيكتفون بإجابات تمد‪،‬ح وتثني‬ ‫على الصيغ‬ ‫‪.‬المستنيرة" و"الرائعة" للخطب‪ ،‬التي‪ ،‬في ترأيهم‪ ،‬ستظل طخالدة في تاتريخ العراق"‬ ‫كان طاترق عزيز وُهدى عّماش‪ ،‬المرأة الوحيدة التي تقلدت مقاليد القيادة القطرية‬ ‫‪،‬للبعث العام ‪2001‬‬ ‫الوحيدين القادترين على إبداء ملحظاتهما النقدية‪ ،‬فقد كان عزيز‪ ،‬في غالب الحيان‪،‬‬ ‫يضيف ملحظات‬ ‫فنية حول السياسة الخاترجية‪ .‬ففي العام ‪ 2001‬مثلً وبينما كان الرئيس ينتقد البلدان‬ ‫الوتروبية‬ ‫‪.‬المنحازة للوليات المتحدة‬ ‫أضاف طاترق عزيز على هامش النص "إنني اقتر‪،‬ح عليكم أن ل تذكروا فرنسا لننا‬ ‫نعمل في الوقت‬ ‫الحالي على بعث الدفء في علقاتنا مع باتريس"‪ .‬وقد أطخذ صّدام بهذه الملحظات‬ ‫في طخطابه واستثنى‬ ‫فرنسا من ذلك النقد‪ ،‬أما ملحظات ُهدى عّماش‪ ،‬على العكس‪ ،‬فقد كانت أكثر جرأة‬ ‫بل وتلمس أحيانا ً‬ ‫‪.‬حدود الوقاحة‪ ،‬فقد كانت ترسل إليه احياناً ثل ث أو أتربع صفحات من النقد‬ ‫فقد حّرترت ذات مرة ملحظاتها على طخطاب لصدام اّدعى فيه أن العراق كان قبل‬ ‫وصول البعث إلى‬ ‫الحكم عام ‪ 1968‬بلداً من الصعاليك‪ ،‬فالعراق الحديث في ترأيه قد ولد مع البعث‪.‬‬ ‫وعلى هذا الدعاء‬ ‫ترّدت ُهدى عّماش بالقول بأن ذلك قد يسيء إلى بعض الشخاص ويجرحهم‪ ،‬وقالت‬ ‫للرئيس‪" :‬إنني‬ ‫اقتر‪،‬ح عليكم إلغاء هذا المقطع من طخطابكم"‪ ،‬لقد قالت ذلك بصراحة نادترة‪ ،‬لكن مع‬ ‫السف ‪ -‬لنها كانت‬ ‫‪.‬محقة فيما قالت ‪ -‬لم يأطخذ صدام باقتراحها‬


‫وبشكل عام كان صّدام يأطخذ بعين العتباتر الملحظات المرتبطة بالعلقات الخاترجية‬ ‫وليس المرتبطة‬ ‫منها بوضعيتنا الداطخلية‪ .‬لكن لماذا كانت هدى عماش تجرؤ على تحديه؟ فحتى وإن‬ ‫كانت حديثة العهد‬ ‫بإداترة الحزب‪ ،‬فلم تكن تجهل المخاطر التي كانت معرضة لها‪ ،‬والتي قد تصل إلى‬ ‫حّد الفصل‪ .‬فهذه‬ ‫‪.‬المرأة التي كان والدها وزيراً سابقاً للدفاع‪ ،‬كانت ببساطة امرأة شجاعة ليس إل‬ ‫لقد كان صّدام يرّدد‪ ،‬في كل اجتماع‪ ،‬على أعضاء القيادة وعلى الوزتراء‪ ،‬بأنه‬ ‫حريص على معرفة‬ ‫آترائهم حول هذا الموضوع أو ذاك‪ ،‬أو هذا القراتر أو ذاك‪ ،‬لكّن محدثيه لم يكونوا‬ ‫يوّجهون إليه سوى‬ ‫المد‪،‬ح والثناء والطراء‪ ،‬فقد كانوا يخشونه ويخافون من عواقب غضبه‪ ،‬على الرغم‬ ‫من أنهم كثيراً ما‬ ‫كانوا يفرطون في وصف غضب الرئيس‪ .‬ومّما ل شك فيه أّن مناخ الرعب الداطخلي‪،‬‬ ‫الذي صنعه صّدام‬ ‫وأشاعة‪ ،‬ما لبث أن طخدم مصالحه‪ ،‬فلم يعد في النهاية محاطا ً إلّ بالممالقين المداهنين‪،‬‬ ‫وهو ما أساء‬ ‫‪.‬إلى مسيرة البلد أيما إساءة‬ ‫ل أحد كان يعرف متى يأطخذ صدام إجازاته‪ ،‬لكننا كنا نلحظ أّن نشاطه كان يقل في‬ ‫‪،‬بعض الفترات‬ ‫وكنت أشير بذلك إلى صديقي علي عبدا‪ .‬فقد كان صدام يذهب إلى صيد السمك‪،‬‬ ‫وكان ذلك من‬ ‫هواياته المفضلة‪ ،‬أو إلى صيد الخنزير البري والغزال‪ .‬وقد كان يستوترد الحيوانات‬ ‫من الخاترج ليتم‬ ‫إطلقها في مزاترع شاسعة بالقرب من تكريت‪ .‬وكان يح ّ‬ ‫ب الحساس بالخطر وما فيه‬ ‫من إثاترة‪ .‬فعند‬ ‫عودتي ذات يوم من مهمة تفتيشية على أحد القصوتر قال لي عبد حمود الذي كان‬ ‫يقوم ببعض‬ ‫‪:‬المناوترات الخطيرة على متن المروحية التي كان يقودها‪ ..‬مبتسما ً‬ ‫آه لو كنت إلى جانب الرئيس عندما كنا نخرج للصيد بالمروحية! لم نكن مطمئنين ‪-‬‬ ‫!على أي حال‬ ‫هوس بالمن‬


‫كان صّدام مهووساً بأمنه وسلمته‪ ،‬فلم يكن يسمح لحد بالقتراب منه إل لقلة قليلة‬ ‫من الناس‪ .‬ولم‬ ‫يستقبل يوما ً أيّا ً من ضيوفه من دون مرافقة أحد حّراسه‪ ،‬يسانده حاترسان شرسان‬ ‫آطخران أو ثلثة على‬ ‫أهبة الستعداد قريبا ً من صّدام‪ .‬ومن باب الحيطة كان عبد حمود‪ ،‬الذي كان حاترسه‬ ‫الخاص لفترة‬ ‫طويلة‪ ،‬يحمل السل‪،‬ح هو الطخر‪ ،‬ونادتراً ما كان الرئيس يستغني عن سلحه‪ ،‬وهو‬ ‫عباترة عن مسّدس‬ ‫من نوع "براونينغ" ‪ 9‬ملليمتر‪ .‬ففي عشيرته كان الباء يدّتربون أطفالهم على الرماية‬ ‫‪.‬منذ الصغر‬ ‫وفي عامة الثاني عشر‪ ،‬كان مولود قصي الول‪ ،‬مصطفى الذي ُقتل في الهجوم الذي‬ ‫شنه الميركيون‬ ‫على البيت الذي كان يختبئ فيه مع أطخيه الكبر‪ ،‬كان مولود قصي هذا يتقن استعمال‬ ‫‪.‬بندقية الصيد‬ ‫كان حراس صّدام يمثلون جزءاً من وحدة المرافقين‪ .‬وقد كان هناك نحو عشرين‬ ‫منهم‪ ،‬وكلهم من‬ ‫أقاترب صّدام المباشرين‪ ،‬وكانوا يشكلون النواة الصلبة في هذه الوحدة‪ ،‬وكنا ندعوهم‬ ‫‪".‬ب"الخط الول‬ ‫فقد كان يقودهم اللواء ماهر سفيان التكريتي المتهم بالخيانة‪ .‬والحال أن هذا الطخير قد‬ ‫طخلفه العقيد‬ ‫حبيب في شهر ديسمبر ‪ ،2002‬أي قبل الحرب بأتربعة أشهر فقط‪ ،‬فلعل صّدام‪ ،‬الذي‬ ‫‪،‬كان يحذتر الجميع‬ ‫‪.‬لم يطمئن لهذا الشخص‬ ‫كان المن هو المصلحة الكثر أداًء وكفاءةً في الديوان‪ ،‬فقد كان ُيشّكل كيانا ً قائما ً‬ ‫بذاته‪ ،‬تابعا ً مباشرةً‬ ‫لمن الرئيس‪ ،‬الذي كان يقوده ُقصي بمساعدة عبد حمود‪ .‬فقد كان المن عالما ً ُمغلقًا‪،‬‬ ‫وقد كان يقوم‬ ‫بعملية التدقيق والمراقبة قبل توظيف أي موظف جديد بالرئاسة‪ ،‬ولقد سبق وأن قلت‬ ‫إن المن كان‬ ‫يضع واحداً من عناصره في كل مكتب من المكاتب‪ ،‬إذ كان يعمل في أماكن محاطة‬ ‫بكامل السرية‪ ،‬فل‬ ‫‪.‬أحد كان يعرف دواليب سيره‬


‫وقد كان الفضل على أي حال ألّ يعرف أحد عن سيره شيئًا‪ ،‬غير أنني ما لبثت أن‬ ‫أدتركت أّن إحدى‬ ‫البنايات المجاوترة لبنايتنا كانت تأوي نشاطاته‪ .‬فقد كان مجهزاً عند المدطخل بنظام من‬ ‫الشعة تحت‬ ‫الحمراء‪ ،‬تطلق إنذاتراً كلما اجتاز أحدهم الممّر المؤَّمن‪ .‬وقد كان أعضاء المن‬ ‫الخاص ل يقبلون بأي‬ ‫‪.‬زياترة‪ ،‬وكانوا يتكتمون على أسراتر وطخفايا أعدائهم وتنقلتهم‬ ‫وطخلل ثلثة عشر عاماً من الوجود في القصر‪ ،‬أمكنني مع ذلك أن ألتقي بالعديد من‬ ‫أعضاء المن‬ ‫الخاص بصّدام‪ .‬وقد كانوا قساة في تصرفاتهم‪ ،‬وينّفذون الوامر بالّدقة وبالحرف‪ .‬وقد‬ ‫حد ث في عام‬ ‫أن جاء أحد الحراس ليسّلم في حدود الواحدة صباحاً ترسالة ترئاسية لسكرتير ‪2002‬‬ ‫‪.‬الصحافة‬ ‫في تلك الساعة كان علي عبدا قد عاد إلى بيته وقد ناب عنه أحد الموظفين‪ ،‬وقد‬ ‫تضمنت تلك الرسالة‬ ‫طخطاباً للرئيس ولم يكن هذا الخطاب في حاجة إلى تصحيح‪ ،‬وقد اقتر‪،‬ح موظف‬ ‫النابة أن يوقع وثيقة‬ ‫‪:‬استلم إثباتا ً لوصول الرسالة‪ ،‬لكّن الحاترس ترفض ذلك قائلً‬ ‫لقد ُأبلغت بتسليم الرسالة إلى السكرتير الصحافي شخصيًا‪ ،‬ولن اغادتر المكان قبل ‪-‬‬ ‫‪.‬أن أسّلمه الرسالة‬ ‫‪:‬وترّد عليه المناوب قائلً‬ ‫‪.‬لقد تعودت النابة عنه عند غيابه ‪-‬‬ ‫لكّن الحاترس ظل مصّمما ً على ترأيه‪ ،‬مّما اضطر علي عبدا إلى العودة إلى المكتب‬ ‫في تلك الساعة‬ ‫المتأطخرة من الليل ليستلم تلك الرسالة العادية جّدًا‪ .‬ولذا كان لمن الرئاسة الكلمة‬ ‫‪.‬الطخيرة في كل شيء‬ ‫والحال أن الترتجال كان ساترياً حتى في داطخل المن‪ .‬فقد كانت "الواسطة" متفشية‬ ‫في هذا الجهاز‬ ‫وتربما أكثر مّما كانت متفشية في مكان آطخر‪ ،‬ل سيما وأن معظم أعضاء هذا الجهاز‬ ‫ينتمون لعشيرة‬ ‫‪.‬الرئيس‪ ،‬أي التكريتيين‬


‫لقد ذكرت لكم كم كان من السهل علّي أن أدطخل قنبلة إلى الديوان‪ ،‬لكّن ذلك لم يكن‬ ‫سهلً علّي أنا وحدي‬ ‫لنني كنت معروفًا‪ ،‬فالخادمات كّن هّن أيضاً ل يخضعن للتفتيش ‪ -‬في النهاية ‪ -‬فقد‬ ‫كان الحراس‪ ،‬بعد‬ ‫قدومهن بأسبوع واحٍد‪ ،‬يكتفون بالتأكد من هوياتهّن من غير تفتيش‪ .‬وحتى يخلص من‬ ‫الروتين أعّد‬ ‫المن فترات من الستنفاتر كل ثلثة أشهر تقريبًا‪ ،‬ففي هذه الوقات كان يكّثف‬ ‫إجراءات التفتيش‬ ‫‪.‬الصاترمة‪ ،‬لكن ذلك لم يكن إل مؤقتا ً‬ ‫قبل وصوله على ترأس البلد بقليل‪ ،‬اتخذ صّدام إجراءات جد صاترمة‪ ،‬فلم يعد لقاؤه‬ ‫بالجماهير أمراً‬ ‫واترداً على الطلق‪ .‬فأثناء الحرب ضد إيران‪ ،‬ما بين عامي ‪ 1982‬و ‪ ،1983‬بدأ‬ ‫ترجال حزب الدعوة‬ ‫ينظمون عملياتهم العسكرية الولى‪ ،‬فبينما كان يكفي صّدام من قبل أن يغطي ترأسه‬ ‫بكوفية‪ ،‬حتى ل‬ ‫يتعرف عليه أحد‪ ،‬فقد قّرتر الرئيس في الطخير أن يصرف النظر عن اللتحام‬ ‫‪.‬بالجمهوتر‬ ‫وقد عملت حرب الخليج العام ‪ 1991‬والتهديدات الميركية ضد شخصه على تعزيز‬ ‫"تح ّ‬ ‫صنه" الذي‬ ‫اتخذ أبعاداً ل يصدقها العقل‪ ،‬ففي منتصف التسعينات قدم إلى بغداد فريق من مجلة‬ ‫"نيوزويك" ليصّوتر‬ ‫الرئيس لغلف المجلة‪ ،‬لكن مصالح المن ترفضت للفريق ذلك التصوير ترفضا ً‬ ‫‪:‬قاطعا ً‬ ‫إننا نملك آلف الصوتر تحت تصرفكم‪ ،‬اطختاتروا منها ما يناسبكم‪ ،‬ومصوتركم ل ‪-‬‬ ‫يمكن أن يقترب من‬ ‫‪.‬الرئيس‬ ‫الرجل غير المرئي‬ ‫لقد كانت لمصالح المن بالتأكيد مّبرتراتها في أن تكون حذترة متحرزة‪ :‬ألم يعرض‬ ‫الميركيون مكافأة‬ ‫مالية على كل من يلقي القبض على صّدام أو يقضي عليه؟‬


‫ناهيك عن أّن مواقع عديدة مؤمنة وطخفية كانت دوما ً على استعداد ليواء الرئيس‬ ‫‪.‬للقامة أو للجتماع‬ ‫ففي العام ‪ 1995‬وبعد مواقف صهريه اللذين كانا في الوقت نفسه من حراسه‪،‬‬ ‫تغيرت المواقع‬ ‫الرئاسية لنها كانت معروفة من قبل "الخونة" أو بالحرى الخائنين‪ ،‬اللذين كشفا عن‬ ‫مكان هذه‬ ‫‪.‬المواقع للميركيين أثناء استجوابهما في احد البلدان‬ ‫وقد علمت شيئا ً فشيئاً بالصدفة ان قاعة بالطابق الول من بناية مجاوترة لمكتبي قد‬ ‫أغلقت فجأة‪ .‬وهكذا‬ ‫استخلصت أنني قد عملت لسنوات عديدة بجواتر موقع ترئاسي من حيث ل أدتري‪ ،‬فل‬ ‫شك أن مصالح‬ ‫‪.‬المن قد هيأت مقرات ترئاسية جديدة‬ ‫وقد صاتر صّدام‪ ،‬منذ أن أصبح مطاترداً من الميركيين‪ ،‬أكثر حركية مّما كان دومًا‪.‬‬ ‫فكان كلما أوقف‬ ‫أقاتربه والمقربون منه غّير للتو مخابئه‪ ،‬فهو متعّود على ذلك‪ ،‬لكن المر صاتر‬ ‫أصعب بعد أن صاتر‬ ‫‪.‬صّدام وحيداً‬ ‫وعلى مّر اليام‪ ،‬صاتر الرئيس شيئا ً فشيئا ً ترجلً غير مرئي‪ ،‬ومع ذلك فقد حرص‬ ‫حتى النهاية على‬ ‫اللتقاء بالعراقيين‪ ،‬فالتقاليد تقضي بأن يظل التواصل مباشراً مع الشعب‪ .‬فالرئيس‬ ‫‪.‬يستقبل في مضيفه‬ ‫وقد كان صّدام يقول بأن هذه اللقاءات ل غنى له عنها حتى يعرف ما يجول في‬ ‫أعماق عقول الناس‬ ‫ويطلع على حاجاتهم‪ ،‬فقد كان يعتبر نفسه كخليفة جديدة‪ ،‬فيتحد ث عن التاتريخ كثيرًا‪،‬‬ ‫مركزاً على قرون‬ ‫أوتروبا الغاترقة في الظلمات‪ ،‬في الوقت الذي كانت فيه بغداد في أوج مجدها‬ ‫‪.‬وعظمتها‬ ‫يوميًا‪ ،‬ولغاية شهر يناير ‪ ،2003‬كان صّدام يستقبل ممثلين عن جميع شرائح المجتمع‬ ‫بمعدل ستين‬ ‫شخصاً كل يوم‪ .‬كان اللقاء يبدأ في السادسة صباحا ً وينتهي عند الثامنة‪ .‬كان ضيوفه‬ ‫يدطخلون إليه في‬ ‫جماعات من أتربعة أشخاص فيتحاوتر كل واحد معه لبعض اللحظات‪ ،‬وعند طخروج‬ ‫هذا الشخص كان‬


‫‪ُ.‬يسَّلم له ظرفا ً به مبلغ من المال‬ ‫في بداية ترئاسته‪ ،‬كان الناس يلتقون به بحرية ليطلبوا منه طخدمة أو مساعدة‪ ،‬ثم بعد‬ ‫ذلك صاترت‬ ‫طلبات الستقبال ُترسل إلى مكتب طخاص )مكتب المخابرات( لينظر في الملفات‬ ‫ويبت فيها‪ .‬وهكذا‬ ‫!صاترت العملية أشبه باليانصيب‪ :‬أنت تكتب و"إن شاء ا" يستقبلك الرئيس‬ ‫فضلً عن أن مدة المقابلة قد قُّلصت أيضًا‪ .‬وأطخيرًا‪ ،‬وطخلل الشهوتر الستة الطخيرة‪،‬‬ ‫كان صّدام قد أشاتر‬ ‫إلى أن الذين كان لهم الشرف بلقائه من قبل ل يحق لهم في أن يقابلوه من جديد‪ ،‬فقد‬ ‫كان البعض‬ ‫‪.‬بالفعل يلتمسون مقابلته للمرة الثالثة أو الرابعة‬ ‫لم تكن هذه المقابلت فرصة للتعبير عن الرأي حول النظام‪ ،‬فقد كان الضيوف يأتون‬ ‫طلبا ً لخدمة أو‬ ‫مساعدة‪ ،‬فقد جاء أحد الزملء كان قد أقيل من منصبه في الثمانينات لمقابلة الرئيس‬ ‫ليطلب العودة إلى‬ ‫منصبه مقّدما يمين الولء‪ .‬وبعد أن أقّر صّدام بأن الفصل كان تعسفا ً في حقه أعادهُ‬ ‫‪.‬إلى وظيفته‬ ‫وكانت بعض الشكاوى مرفوضة ترفضا ً باتًا‪ ،‬وهي الشكاوى المتعلقة بطلب السكن في‬ ‫بغداد‪ ،‬فقد ن ّ‬ ‫ص‬ ‫القانون على أّن َمْن لم يكن يقيم في العاصمة منذ العام ‪ 1977‬ل ح ّ‬ ‫ق له في امتلك‬ ‫‪.‬بيت أو شقة فيها‬ ‫وقد كان الكثير من العراقيين يأتون لصّدام تجاوزاً للمحظوتر‪ ،‬لكن صّدام كان عنيداً ل‬ ‫يثنيه عن قراتره‬ ‫‪:‬أي استعطاف‬ ‫!القانون هو القانون ‪-‬‬ ‫وطخلل الشهرين الطخيرين‪ ،‬اللذين سبقا الحرب‪ ،‬لم يستقبل صّدام سوى العسكريين‬ ‫بمعدل مئتين كل‬ ‫يوم‪ .‬وكان هذا اللقاء فرصة لرفع معنويات الفرق ولستعراض إعداداتهم العسكرية‪.‬‬ ‫وقد بدأ بالقيادات‬ ‫العليا ثم انتقل تدتريجياً إلى ضباط المحافظات‪ ،‬كان يعطيهم الكلمة ويسألهم عن‬ ‫أوضاع وحداتهم‬


‫والمشكلت التي تواجههم‪ ،‬لكّن أصحاب الرتب العليا كانوا يحبذون اللغة الرسمية‪،‬‬ ‫فكان أكثرهم جرأة‬ ‫‪:‬ل يطلب من الرئيس أكثر من بضع سياترات "البيكاب" الضافية‪ ،‬وقد كانوا يرددون‬ ‫!كل شيء على ما يرام‪ ..‬والمعنويات عالية جدًا‪ ..‬ونحن على استعداد للمعركة ‪-‬‬ ‫كان ُقصي‪ ،‬البن الكبر للرئيس‪ ،‬يحضر كل هذه الجتماعات مع احتفاظه بالصمت‬ ‫الكامل‪ .‬وقد سرت‬ ‫إشاعة ٌ مفادها أّن ُقصي كان ُيعاني من مشاكل في التعبير والنطق‪ ،‬أما ُعدي فلم يكن‬ ‫ُيسمح له بحضوتر‬ ‫هذه اللقاءات إل في حال حضوتر ميليشياته إلى الرئيس مع قائدها فاتح الراوي‪ ،‬وهو‬ ‫قائد سابق لتركان‬ ‫الحرب‪ .‬وقد وقع بعد ذلك في أسر الميركيين‪ ،‬أما جيش القدس فلم يحظ بلقاء الرئيس‬ ‫‪.‬لضيق الوقت‬ ‫هذه اللقاءات التي كانت ُتب ّ‬ ‫ث على التلفزيون لم تكن تروق للعراقيين ول تؤثر فيهم‪.‬‬ ‫فبينما كان صّدام‬ ‫‪:‬يسأل أحد الضباط‪ ،‬كان هذا الطخير يجيبه بلهجة ترسمية مفّخمة‬ ‫إّن جنودي يشعرون بالحزن لذهابهم في إجازات؛ لنهم في دياترهم ل ينعمون ‪-‬‬ ‫بالطعام الذي يتناولونه‬ ‫في الثكنة‪ ،‬ففي فَْيلَِقي يأكل الجميع كل يوم اللحم والخضاتر والفواكه بينما في بيوتهم‬ ‫!ل يشبعون‬ ‫آه لو يعلم الناس كم يجوع هؤلء الجنود وهم ل يأكلون سوى القليل من الخبز‬ ‫والبصل! أكثر من ذلك‬ ‫أضاف هذا الضابط أن كل عسكري يحمل ملبس داطخلية يوفرها له الجيش‪ ،‬والحقيقة‬ ‫أّن الجنود‬ ‫!العراقيين كانوا أشبه بالمتشردين‬ ‫وكثيراً تساءلت ما الذي يدعو صّدام لهذه الكوميدما‪ ،‬هل كان الرئيس في حاجة إلى‬ ‫مثل هذه المجالس‬ ‫الدنيئة حتى يصون عظمته؟ هل كان ينخدع بهذه الكاذيب الفظة؟ لم يكن صّدام‬ ‫يجهل شيئا ً مّما كان‬ ‫يحد ث في بلده‪ ،‬كان يدترك أّن محّدثيه كانوا يكذبون عليه وبأن الجيش كان يدّبر‬ ‫المؤامرات ضده‪ .‬كان‬ ‫‪.‬طخليقاً به طخاترج تصوير الكاميرات أن يأمر زّواتره بقول الحقيقة‬


‫‪.‬لكنه لم يفعل ذلك قط‪ ،‬ولذلك لم يجرؤ أي ضابط على التعبير عن أي نقد‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة الخامسة‬ ‫عبد حمود‪ ..‬ظل صدام‪" ،‬أبو القلم" يشق طريقه إلى المرتبة الرابعة في قائمة‬ ‫المطلوبين‬ ‫كان عبد حمود‪ ،‬ترجل الرئاسة الذي كنت على تواصل معه في غالب الحيان‪،‬‬ ‫شخصا ً يلّفه غموض‬ ‫كثيف‪ ،‬فقد كان مكتب الصحافة تابعاً له‪ ،‬وكذلك فريق المترجمين‪ .‬وقد كانت‬ ‫المذكرات التي نحّرترها تمّر‬ ‫عن طريقه‪ ،‬قبل أن تصل إلى الرئيس‪ .‬كان قريب صّدام هذا‪ ،‬البالغ من العمر أتربعين‬ ‫عاما‪ ،‬والتكريتي‬ ‫الصل مثله‪ ،‬ترجله التابع المخلص المين‪ .‬وكان عبد حمود إذا طلبنا في الهاتف ل‬ ‫نعرف إن كان‬ ‫‪.‬يتحد ث باسمه أو باسم صّدام‪ ،‬فقد كانت الثقة بينهما كاملة مطلقة‬ ‫فقد عاشا معا ً منذ ثلثين عامًا‪ .‬وكان الرئيس العراقي ُيقّدتر استقامته وكتمانه وحّبه‬ ‫للنظام‪ .‬وكان عبد‬ ‫حمود يدعوه "سيدي" لما في هذه الكلمة في العربية من احترام وتوقير‪ ،‬وقد حرص‬ ‫على أن يحتفظ‬ ‫‪.‬بعلقات طيبة مع أعضاء السرة بما فيهم ُعَد ْ‬ ‫ي‬ ‫وقد تروى لي مازن الزهاوي‪ ،‬مترجم الرئيس السابق عن النجليزية‪ ،‬الذي كان‬ ‫يعرف الرجلين حق‬ ‫المعرقة‪ ،‬أسباب إطخلص عبد حمود لصدام وتفانيه‪ .‬فذات يوم‪ ،‬وهو في الخامسة‬ ‫عشرة تقريبًا‪ ،‬لمح‬ ‫ي‪ ،‬وهو يقود قاتربا ً في نهر دجلة ليس بعيداً عن‬ ‫الشاب عبد حمود صدام بزي بدو ّ‬ ‫تكريت‪ ،‬فاقترب‬ ‫‪:‬الصبي من الضفة وقال لقريبه‬ ‫‪.‬سيدي نائب الرئيس‪ ..‬إنني أترغب في طخدمتك كحاترس شخصي ‪-‬‬


‫‪.‬عليك أّو ً‬ ‫ل بإنهاء دتراستك‪ ،‬بعد ذلك ستجدني بانتظاترك ‪-‬‬ ‫وعمل عبد حمود بنصيحة صّدام‪ ،‬فالتحق بالمدترسة العسكرية في بغداد قبل أن يبدأ‬ ‫حياته المهنية‬ ‫‪.‬بالرئاسة‪ ،‬كعضٍو أّولً ثم كقائد لوحدة المرافّقين وسكرتير طخاص للرئيس صدام‬ ‫وكان الشائع عنه أنه كان يحمل شهادة في العلوم السياسية حول الستراتيجية‬ ‫السرائيلية إزاء العالم‬ ‫العربي‪ ،‬وأنه ناقش أطروحة دكتوتراه طخ ّ‬ ‫صصها لتحرير جزيرة الفاو من قبل الجيوش‬ ‫العراقية أثناء‬ ‫الحرب على إيران‪ .‬على أي حال تلك كانت الصوترة الرسمية لمساتر هذا الرجل‪،‬‬ ‫غير أنني أتساءل أمام‬ ‫‪.‬جهله لّلغات الجنبية وترداءة لغته العربية‪ ،‬إن كان لهذا الدعاء أساس من الصحة‬ ‫الرجل الثاني‬ ‫كان عبد حمود‪ ،‬المتزوج من قريبة مهندسة‪ ،‬أباً لستة أطفال أعطى لذكوترهم التربعة‬ ‫أسماء الخلفاء‬ ‫الراشدين‪ :‬عمر وعلي وعثمان وأبو بكر‪ .‬وكان له إطخوة كان أحدهم مديراً لفندق‬ ‫بابل‪ ،‬إحدى أكبر‬ ‫‪.‬منشآت العاصمة العراقية في الجادترية ما بين ذتراعي نهر دجلة‬ ‫وكان يمتلك شقة بالقصر الجمهوتري وقصراً صغيراً على ضفتي النهر ‪ -‬استولى‬ ‫عليه أحد الحزاب‬ ‫الكردية بعد سقوط النظام ‪ -‬يقع إلى جانب قصر هالة‪ ،‬البنة الصغرى لصدام‪ ،‬ليس‬ ‫بعيداً عن قصوتر‬ ‫ُقصي وُعدي الباذطخة‪ .‬وكان يعشق الديكوترات البراقة اللماعة من كوترنيشات مغربية‬ ‫وحنفيات‬ ‫‪.‬الحمامات الذهبية وصفائح من المرمر‬ ‫لقد ظل هاوي ترياضة الكاتراتيه هذا في طخدمة الرئاسة منذ أكثر من عشرين عامًا‪،‬‬ ‫وقد طّوتر حقا ً وظيفة‬ ‫السكرتير الشخصي لرئيس الدولة‪ .‬وقبل تعيينه عام ‪ 1991‬كان يشغل هذا المنصب‬ ‫حامد حمادي وزير‬ ‫‪.‬الثقافة حتى تاتريخ قيام الحرب‪ ،‬الذي كان يدير على الخصوص بريد صّدام وأجندته‬


‫في الجتماعات كان عبد حمود‪ ،‬على عكس سلفه‪ ،‬يقف دائما ً طخلف الرئيس وكأنه‬ ‫‪.‬حاترسه الرئيسي‬ ‫كان يحمل مسدسا ً بشكل دائم حتى برفقة صّدام‪ ،‬وهو المتياز الذي يتقاسمه مع قصي‬ ‫الذي كان يخفي‬ ‫مسدسا ً تحت سترته‪ .‬وكثيراً ما كنت أقول لنفسي إنهما الوحيدان القادتران على إبطال‬ ‫مفعول صّدام‬ ‫‪.‬لفرط اقترابهما منه‬ ‫في داطخل الديوان كانت العلقات الشخصية مع الرئيس أهم من العلقات التي يحكمها‬ ‫‪.‬السّلم الداتري‬ ‫فمن وجهة نظر إداترية‪ ،‬كان عبد حمود يحتل مرتبة أدنى من ترتبة أحمد حسين‪ ،‬لكن‬ ‫‪،‬عمليا ً كان يمثل‬ ‫إن صّح القول‪ ،‬الرقم الثاني في النظام‪ ،‬وهو وصف في غير موضعه طالما لم يكن‬ ‫‪.‬ثمة ترقم ثاٍن حقا ً‬ ‫وقد كان هذا الوضع مصدتراً لتنافس طخفي ما بين الرجلين‪ ،‬لكّن هذا التنافس لم يؤّد قط‬ ‫إلى أي صراع‬ ‫مفتو‪،‬ح‪ ،‬لّن ك ً‬ ‫ل من الرجلين كان يدترك أن الرئيس لم يكن يحب التدطخل في هذا النوع‬ ‫من الخلفات ما‬ ‫‪.‬بين مرؤوسيه‬ ‫كان عبد حمود مفتا‪،‬ح الوصول إلى الرئيس‪ .‬فقد كان الوزتراء يهابونه وعلى شبه‬ ‫استعداد لطاعة‬ ‫أوامره‪ .‬فالفريق عبد‪ ،‬أو الجنرال عبد‪ ،‬طالما أن تلك كانت ترتبته في الجيش‪ ،‬لم يكن‬ ‫يترّدد في‬ ‫مخالفتهم الرأي‪ ،‬فبمناسبة احدى الزياترات لحد القصوتر الرئاسية التي دعاني إليها‬ ‫عام ‪ ،1998‬لم‬ ‫يترّدد في توجيه إنذاتر لوزير البترول‪ ،‬الفريق عامر ترشيد‪ ،‬الذي كان يريد أن يحّل‬ ‫محّلي في ترجمة‬ ‫محادثاتنا مع مفتشي نزع السل‪،‬ح التابعين للمم المتحدة‪ ،‬ولم يذهب عبد حمود إلى‬ ‫هناك إل ليكون‬ ‫‪.‬عين صدام على ما يجري من محادثات‬ ‫فصدام كان يعرف على هذا النحو أن المعلومات‪ ،‬كل المعلومات‪ ،‬ستعود إليه بشكل‬ ‫مباشر في فترة‬ ‫حاسمة من العلقات ما بين العراق ومنظمة المم المتحدة‪ .‬فقد كان الرئيس يحترس‬ ‫من ترفاق الطريق‬


‫‪.‬الطخرين الذين لم يكن معظمهم من عشيرة التكريتيين‬ ‫وفي أثناء زياترة أحد القصوتر الرئاسية‪ ،‬قال عبد حمود لشاترل ديولفر‪ ،‬أحد‬ ‫المستشاترين الرئيسيين في‬ ‫‪:‬نزع السل‪،‬ح في المم المتحدة‬ ‫‪.‬انني بمثابة مستشاتر للمن القومي لدى الرئيس العراقي ‪-‬‬ ‫وفي المروحية التي كان يقودها ما بين تكريت والموصل شّبه عبد نفسه ب)زيغنيو‬ ‫)بريجنسكي‬ ‫‪:‬المستشاتر السابق للمن القومي في عهد الرئيس جيمي كاترتر‪ ،‬وقد أضاف قائلً‬ ‫‪.‬إذا كان لديك ما تريد قوله يمكنك مناقشته معي ‪-‬‬ ‫كانت الرسالة واضحة‪ :‬فقد كان الوسيط المباشر والوفي لصّدام‪ .‬فشاترل ديولفر‪ ،‬كما‬ ‫نّعرف‪ ،‬كان ينتمي‬ ‫لمصالح الستخباترات الميركية )سي‪ .‬أي‪ .‬إي(‪ ،‬لكنه ترفض المساعدة التي عرضها‬ ‫‪.‬عليه عبد حمود‬ ‫وعلى مدى الوقت الذي استغرقه تفتيش القصوتر الرئاسية‪ ،‬ظل الفريق عبد حمود‬ ‫‪.‬يبدو واثقا ً بنفسه‬ ‫هل كانت السلحة المحظوترة مطموسة الثر إلى الحّد الذي تعّذتر معه العثوتر عليها؟‬ ‫أم إنه كان ببساطة‬ ‫يعرف أن العراق ل يملك تلك السلحة؟ على أي حاٍل كانت القضية بالنسبة إليه‬ ‫قضية مفروغا ً منها‪ ،‬بل‬ ‫‪.‬وكان يمز‪،‬ح مع ديولفر ‪ -‬فقد كان ترجلً مّزاحا ً ‪ -‬أثناء فترات الستراحة‬ ‫هل تعتقد حقاً أنكم ستعثرون على أسلحة محظوترة بهذا السلوب‪ ،‬هل وجدتم أسلحة ‪-‬‬ ‫في القصوتر‬ ‫الطخرى؟‬ ‫‪:‬لكّن ديولفر كان يكتفي بالقول‬ ‫‪.‬سوف نرى ‪-‬‬ ‫‪.‬لم يكن الحواتر بينهما يذهب بعيداً إلّ عندما يتحدثان في الرياضة‬


‫‪:‬إنني ألعب كرة المضرب! يقول عبد حمود متفاطخرًا‪ ،‬فيرد عليه ديولفر ‪-‬‬ ‫‪.‬أما أنا فإنني ألعب الكاتراتيه ‪-‬‬ ‫يا لها من فرصٍة مناسبة؟ أنا مثلك لعب كاتراتيه جيد! هل تريد أن نبدأ المباتراة في ‪-‬‬ ‫الحال؟‬ ‫وبينما كانا يحّلقان في أجواء العراق على متن المروحية‪ ،‬وبينما كان ديولفر يمد‪،‬ح‬ ‫قدتراته في القيادة‬ ‫‪:‬أجاب حمود‬ ‫!ومع ذلك‪ ،‬فأنا لم أَقُْد منذ العام ‪ ،1990‬لكن كّن مطمئنا ً ‪-‬‬ ‫كان عبد حمود يهتم بكل شيء‪ ،‬بشؤون الرئيس الشخصية‪ ،‬وباستبدال أجهزة‬ ‫‪،‬الكمبيوتر القديمة‬ ‫‪:‬فكثيراً ما كان صّدام يقول‬ ‫!تراجْع المر مع عبد حمود ‪-‬‬ ‫"أبو القلم"‬ ‫كان عبد حمود يدّون الوامر التي يصدترها صّدام أثناء مقابلته ‪ -‬منح التأشيرات‪،‬‬ ‫‪...‬الهبات المالية‬ ‫الخ‪ .‬ومن هنا لّقب عبد ب"أبو القلم"‪ .‬وقد كان الرجلن يتحادثان بصراحة‪ ،‬فحين‬ ‫كنت أسمعهما وهما‬ ‫يتناقشان‪ ،‬كان حديثهما يجري هادئا ً مرتخياً في معظم الحيان‪ ،‬فكان من الواضح أّن‬ ‫صّدام كان يهتم‬ ‫‪.‬بآترائه‬ ‫كان عبد حمود يعمل أتربع عشرة ساعة في اليوم على القل‪ ،‬فقد كان حجم بريده‬ ‫هائ ً‬ ‫ل‪ .‬وفي المساء‬ ‫كثيراً ما كان يحمل معه حقيبة مليئة بالملفات ليشتغل عليها في البيت‪ .‬كان شاتربه‬ ‫الكثيف‪ ،‬الذي يقطع‬ ‫وجهه‪ ،‬يمنحه مظهراً من القساوة والعبوس‪ .‬لم يكن يحتمل أي طخطأ من الطخطاء‪ ،‬فقد‬ ‫كان يغضب أّيما‬ ‫غضب لمجرد ترسالة لم توضع في مكانها الصحيح‪ .‬كان شديد النضباط وحريصا ً‬ ‫على أن يحذو‬


‫معاونوه هذا الحذو‪ ،‬ولم يكن يترّدد في أن يفصل في الحال الكسلء أو من ليس لهم‬ ‫كفاءة في إداترة‬ ‫‪.‬العمل‬ ‫وقد جعلته طخبرته الماضية‪ ،‬كحاترس سابق‪ ،‬مرهف الح ّ‬ ‫س لي طخطر‪ ،‬فقد كان على‬ ‫أهبة الستعداد لن‬ ‫يموت من أجل ترئيسه‪ .‬يذّكرني هذا بالزياترة التي قام بها لبغداد حسن غوليد ترئيس‬ ‫جيبوتي عام‬ ‫فعند وصوله دعاه صّدام للقيام بجولة في العاصمة‪ .‬وقد تركب صّدام وضيفه ‪1988،‬‬ ‫السياترة على‬ ‫‪.‬الرغم من البروتوكول الذي لم يكن يتوقع تلك المبادترة الرئاسية‬ ‫كنت أجلس في المقعد الخلفي لمرسيدس صّدام إلى جانب عبد حمود‪ ،‬وما إن طخرجنا‬ ‫من المساتر‬ ‫المؤَّمن حتى أطخرج مسدسه من حزامه‪ ،‬وظل إصبعه على الزناد‪ ،‬متواتريا ً وتراء‬ ‫زجاج السياترة الملّون‬ ‫أثناء تجوالنا في حي الكرادة‪ .‬في تلك الفترة كان صّدام يسعه أن يتجول في العاصمة‪،‬‬ ‫ولكنه لم يكن‬ ‫‪.‬ليجرؤ على مثل تلك الجولة بعد الحرب على الكويت‬ ‫كان عبد حمود يدعوني بـ "الدكتوتر سمان"‪ ،‬وظني أنه كان يقّدترني أحسن التقدير‪.‬‬ ‫فقد كنت ألجأ إليه‬ ‫أحياناً لكي ألتمس مساعدته في تحسين أوضاعي المهنية اليومية‪ ،‬فهو الذي قبل بأن‬ ‫أعمل بنصف‬ ‫دوام على مدى ثلثة أعوام ما بين ‪ 1994‬و ‪ ،1997‬حتى يتسنى لي متابعة الدتراسة‪،‬‬ ‫فقد استأنفت‬ ‫‪.‬دتروسي سعياً لنهاء الدكتوتراه في علم اللغة والترجمة‬ ‫كنت أحد ث نفسي بأن عملي في الرئاسة قد ل يدوم إلى ما ل نهاية‪ ،‬ولذلك فمن‬ ‫الفضل لي أن ُأؤّمن‬ ‫طخلفياتي تحسباً للمستقبل‪ ،‬وقد كانت وظيفته كسكرتير شخصي للرئيس تسمح له بأن‬ ‫يعالج أكثر‬ ‫الوضاع إترباكا ً وتعقيدًا‪ .‬وفي يوم امتحاني الطخير تلقيت في حدود الساعة الثامنة‬ ‫‪.‬صباحا ً‬ ‫وفي اللحظة التي كنت أتأهب لمغادترة البيت مكالمة من الرئاسة‪ ،‬فقد كان الرئيس في‬ ‫‪.‬حاجة إلى مترجم‬


‫ل في ذلك اليوم‪ ،‬فلم يدم النتظاتر قبل المقابلة طويلً‬ ‫ومن حسن الحظ أنه كان مستعج ً‬ ‫حيث انتهى كل‬ ‫شيء في حدود العاشرة والنصف‪ ،‬وما لبثت أن عدت للتو إلى عبد حمود وشرحت له‬ ‫الوضعية‪ .‬قلت‬ ‫‪:‬له‬ ‫ل يزال أمامي الوقت لجراء المتحان‪ ،‬لكن مبدئيا ً ل ُيسمح بالتأطخر عن الموعد‪- ،‬‬ ‫‪:‬فرّد علّي قائلً‬ ‫‪.‬ل تحمل هّمًا‪ ،‬سنحّل هذه المشكلة ‪-‬‬ ‫واتصل أحد معاونينا بمركز المتحانات لكي يخبر المسؤولين بأن غيابي كان بطلب‬ ‫من الرئيس‬ ‫شخصيًا‪ ،‬وعند وصولي إلى الجامعة وجدتهم في انتظاتري عند باب القاعة‪ ،‬وقد‬ ‫أمكنني أن أنهي‬ ‫‪.‬المتحان في حينه‬ ‫ترابع المطلوبين‬ ‫ُترى من كان يعرف عبد حمود في الخاترج؟ فعلياً ل أحد كان يعرفه على الطلق‪،‬‬ ‫ومع ذلك فالميركيون‬ ‫لم يخطئوا التقدير حول سعة سلطته وحجمها‪ ،‬فقد وضعوه في الرتبة الرابعة على‬ ‫قائمة الشخصيات‬ ‫الخمسة والخمسين المطلوبين على الخصوص بعد سقوط النظام‪ ،‬فقد كان عبد حمود‬ ‫ينّسق بالفعل مع‬ ‫قصّي شؤون المن الخاص بصدام‪ ،‬فهما وحدهما اللذان كانا يعرفان على الّدوام كيف‬ ‫‪.‬وأين يتصلن به‬ ‫لقد ألقي عليه القبض في السابع عشر من يونيو ‪ 2003‬بالقرب من تكريت‪ ،‬غير أنني‬ ‫أشك في أن‬ ‫يكون قد أذاع أسراتراً مهمة‪ .‬فعلى عكس ما كان ينتظره الميركيون فلم يتح لهم‬ ‫القبض عليه القبض‬ ‫على صّدام‪ ،‬فقد كان يعرف أسراتر النظام قبل الحرب وبعض مخابئ الرئيس‬ ‫الهاترب‪ ،‬ولكّن وفاءه‬ ‫‪.‬لعشيرته حال دون إفشائه لي سّر‬


‫كان باقي ترجال الرئاسة الرئيسيون يعملون إّما في الظل وإّما بعيداً عن عبد حمود‪،‬‬ ‫فقد كان أحمد‬ ‫حسين‪ ،‬الذي كان ترئيساً للديوان منذ منتصف التسعينات‪ ،‬تحت إمرة الفريق‪ ،‬وكان‬ ‫صّدام يثّمن‬ ‫‪.‬مواصفاته في التسيير‪ ،‬فقد كان لفترة طويلة وزيره للمالية‬ ‫أما نحن الموظفون‪ ،‬فقد كان تقديرنا له أقل من ذلك بكثير‪ ،‬إذ كان أحمد حسين التي‬ ‫من بلدة قرب‬ ‫تكريت‪ ،‬ترجلً وسيما ً معروفاً بصرامته وبتقشفه المالي‪ ،‬فقد كان ُيدير الديوان كما‬ ‫ُيدير عطا ٌتر حريص‬ ‫على مصالحه دكانه‪ ،‬وكثيراً ما كان ُيعطل الطلبات من أجل تحسين سير هذا المكتب‬ ‫أو ذاك من‬ ‫المكاتب‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فحتى الزيادات في الجوتر‪ ،‬على الرغم من اعتماد الرئيس‬ ‫لها‪ ،‬كانت تظل‬ ‫‪.‬على مكتبه لسابيع كاملة قبل دطخولها حّيز التطبيق‬ ‫مثال آطخر‪ :‬كانت سياترات مصلحتنا قديمة‪ ،‬لكن أحمد حسين كان يعترض مبدئيا ً على‬ ‫احلل سياترات‬ ‫جديدة محلها‪ .‬كنا مع ذلك نعرف أن الرئاسة تمتلك مرآبا ً كبيراً مليئا ً بالسياترات‬ ‫الجديدة التي دطخلت‬ ‫العراق عن طريق التهريب‪ .‬ففي قراتر المم المتحدة المسمى ب"النفط مقابل الغذاء"‬ ‫ل شيء كان‬ ‫مرصوداً لمصالح صّدام‪ ،‬فهذه المصالح لم يكن حق لها الستفادة من أي إيراد من‬ ‫مبيعات النفط‬ ‫‪.‬العراقي لشراء تجهيزاتها‬ ‫كانت الستثماترات تذهب أولً لوزاترات الصحة والنقل والتربية‪ ،‬لكّن صّدام كان‬ ‫يتدّبر أمره في الحتيال‬ ‫على المحظوترات‪ ،‬فغرف من مخزونات بيجو ‪ 406‬وتويوتا والبيكاب المخصصة‬ ‫لوزاترة التجاترة‪ .‬فنحن‬ ‫لدينا اذن ألوف السياترات الجديدة القابعة في الكاتراجات‪ ،‬لكن أحمد حسين يرفض‬ ‫السما‪،‬ح لنا‬ ‫باستعمالها‪ .‬فقبل الحرب كّل هذه السياترات نقلت إلى مطاتر المثنى القديم في بغداد‪،‬‬ ‫ليس بعيداً عن‬ ‫المخابئ الترضية التي أطخفيت فيها بعض طائرات الجيش‪ ،‬وقد تعرضت هذه‬ ‫الطائرات للقصف‬ ‫‪.‬واستحالت السياترات الجديدة إلى ترماد‬


‫في الديوان كانت بعض النساء يرتدين ملبس على الطريقة الوتروبية‪ .‬وقد طالب‬ ‫أحمد حسين بأن‬ ‫تقوم لجنة طخاصة بتحديد الطول المسمو‪،‬ح به للفساتين‪ ،‬فقيل له إّن المر مستحيل‪ ،‬إذ‬ ‫لم يكن ُيعقل أن‬ ‫يقيس أحدهم بالمسطرة كل صبا‪،‬ح فساتين الموظفات في الديوان! فتراجع أحمد حسين‬ ‫عن فكرته‪ ،‬لكنه‬ ‫على الرغم من ذلك نشر مذكرة تدعو النساء إلى "اترتداء ملبس محتشمة"‪ .‬فلم يكن‬ ‫يرغب في إغاظة‬ ‫الرئيس في أي شيء من الشياء ول أن يثير أي ترّد فعل من قبله‪ ،‬فقد كان شديد‬ ‫‪.‬الحذتر‬ ‫كان أحمد حسين يسكن في مجمع الوزتراء بالقرب من حي المنصوتر‪ ،‬وهو مجمع‬ ‫مسَّوتر يضم نحو مئة‬ ‫من البيوت الفاطخرة للمسؤولين الكباتر في العراق‪ .‬وقد انتقل هذا المكان إلى ايدي أحد‬ ‫الحزاب الكردية‬ ‫منذ سقوط بغداد‪ .‬كان أحمد حسين ترجلً نظيف اليد‪ ،‬ولم يتعرض للسر من قبل‬ ‫‪.‬الميركيين‬ ‫ترجال الرئاسة القوياء‬ ‫كان تروكان الرزوقي ترج ً‬ ‫ل آطخر من ترجال الرئاسة القوياء‪ ،‬وكان ُيدير بكثير من‬ ‫الرصانة والسرية‬ ‫مكتب العشائر الذي أنشأه صدام‪ ،‬الذي حرص على أن يكون قريبا ً من العشائر بعد‬ ‫‪.‬هزيمة العام ‪1991‬‬ ‫كان هذا المسؤول السابق عن وحدة المحاتربين‪ ،‬وهم الحرس المقرب من الرئيس‪،‬‬ ‫ُين ّ‬ ‫ظم لقاءات‬ ‫‪.‬مستمرة مع ترؤساء العشائر‪ ،‬وقد كان تعاونهم ضروتريّاً للحفاظ على المن في البلد‬ ‫وكان تروكان ُيدير القضايا الحّساسة التي يطرحها هؤلء الشيوخ من ذوي الشهامة‪.‬‬ ‫وفي العراق الكثير‬ ‫من هؤلء الشيوخ لكن ل تشهد أ ّ‬ ‫ي وثيقة على صفتهم‪ .‬لذلك كان ل بد من التدقيق في‬ ‫ملفات كل واحد‬ ‫منهم أو السهر على أن تكون كل مقابلة متلفزة لرئيس من ترؤساء العشائر متبوعة في‬ ‫اليوم التالي‬ ‫‪.‬بمقابلة أطخرى‬


‫وكانت تلك فرصةً أيضا ً لمكافأة أكثرهم وداعًة‪ ،‬مّمن يقبلون طواعية لعبة تقاسم‬ ‫السلطة مع نظاٍم كان‬ ‫في أمس الحاجة لستعادة أنفاسه‪ ،‬فقد كان تروكان نفسه سليل عشيرة صدام‪ ،‬لكن‬ ‫فرعه‪ ،‬وهو فرع‬ ‫الغفوتر‪ ،‬كان من فرع صهريه حسين وصّدام كامل‪ .‬أما أطخوه‪ ،‬وهو نقيب في الجيش‪،‬‬ ‫فقد ُقتل في‬ ‫‪.‬المواجهة التي جرت وفقاً للعادة البدوية بين الخائنين وبين عشيرتهم الصلية‬ ‫وبعد إصابته الدماغية التي عالجها في باتريس‪ ،‬لم يتماثل تروكان للشفاء تماثلً كام ً‬ ‫ل‪.‬‬ ‫وقد لجأ أثناء‬ ‫الحرب إلى الّرمادي‪ ،‬على بعد مسافة مئة كيلومتر شمالي بغداد عند صديق قوي‬ ‫وهو ترجل أعمال من‬ ‫كوكبة صّدام‪ ،‬وكان ينزل بفندق "تريتر" في باتريس حين كان يذهب إليها لبرام‬ ‫العقود‪ ،‬ويقال إنه مات‬ ‫تحت القصف‪ .‬وقد كانت نهايته صوترة للمصير المأساوي الذي لقيه البعض من‬ ‫المقربين من صّدام‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة السادسة‬ ‫بدأ الكتابة بدافع الملل‪ ،‬صدام يراجع مسودات تروايته الطخيرة تحت القصف‬ ‫في ماترس ‪ 2003‬كانت الحرب في بداياتها الولى‪ .‬كانت بغداد غاترقةً تحت القنابل‪.‬‬ ‫هل كان صدام يعد‬ ‫مخططات لهجوم مضاد مع جنرالته؟ أم أنه كان ينظم دفاعات العاصمة مع ابنه‬ ‫قصي؟ في هذه‬ ‫الساعات المأساوية أترسل صدام مبعوثاً إلى المكتب الصحافي ليطلب مسودات‬ ‫تروايته الطخيرة! كنت‬ ‫أعرف منذ زمن طويل أنه كان يؤلف كتبًا‪ ،‬لنني كنت مكلفا ً بترجمتها إلى النجليزية‬ ‫‪.‬وبإعادة قراءتها‬ ‫لكنني لم أكن أتصوتر يوماً أنه سيعهد إلي بمثل هذا العمل في مثل هذه الظروف‬ ‫الحاسمة‪ .‬ول أطخفي‬ ‫‪.‬أنني حتى النهاية لم أفهم شيئا ً من شخصية الرئيس العراقي‬


‫كان "عمله" الطخير‪ ،‬الذي ظل في شكله المخطوط‪ ،‬يحمل عنوان‪" :‬اطخرجوا أيها‬ ‫الشياطين!"‪ .‬عنوان‬ ‫ل شك غريب يبرتره صدام في إحدى المقدمات‪ .‬قديما ً كانت السرة في القرى‬ ‫العراقية إذا أصاب أحد‬ ‫أفرادها مرض استدعت معالج القرية لستئصال المرض‪ ..‬فيقوم هذا الرجل بربط‬ ‫ذلك المريض بالسرير‬ ‫‪:‬ثم يشرع في ضربه وهو يصرخ‬ ‫!أطخرجوا أيها الشياطين‬ ‫الرواية الطخيرة‬ ‫كانت الرواية بالفعل شحنة شرسة ضد اليهود‪" ..‬الشياطين" كما يصفهم صدام‪ ،‬لقد‬ ‫تخيل قصةً تجري‬ ‫أحداثها في العراق في عهد نبي ا إبراهيم‪ ،‬وهي تصوتر أحد الجداد ويدعى إبراهيم‬ ‫‪،‬وأحفاده الثلثة‬ ‫زكريا وعيسى ويوسف‪ ،‬الذين يرمزون لرسل الديانات السماوية الثل ث موسى‬ ‫وعيسى ومحمد عليهم‬ ‫‪.‬السلم‪ .‬فقد كان صدام يريد أن يقدم ترجمته الشخصية عن ميلد البشرية‬ ‫فزكريا الذي يحمل اسما ً تقليدياً يمثل الشر بعينه‪ ،‬وقد ألبسه صدام بشكل كاتريكاتوتري‬ ‫ساطخر كل العيوب‬ ‫والنقائص والفات‪ .‬فهذا الشخص‪ ،‬الذي كان ل يطاق منذ طفولته‪ ،‬كان متسما ً ببخله‬ ‫الذي كان يسري‬ ‫في دمه‪ ،‬وكان يعشق تدبير المؤامرات‪ .‬أما أطخواه عيسى ويوسف فقد كانا‪ ،‬على‬ ‫‪،‬العكس منه‪ ،‬كريمين‬ ‫‪.‬صادقين وشجاعين‬ ‫في بداية الرواية يدعي زكريا أمام جده إبراهيم أن المال هو أهم وأثمن شيء في‬ ‫‪:‬الحياة‬ ‫!الفضل أن تستثمر ترأسمالك من أن تتعب نفسك في العمل والكد ‪-‬‬ ‫صدم هذا الكلم إبراهيم‪ ،‬مثال الفضيلة‪ ،‬وبالمثل أثاتر غضب حفيديه الطخرين‪ ،‬فرد‬ ‫أحدهما على زكريا‬ ‫‪:‬قائلً‬


‫‪.‬ل! إن الهم في الوجود هو الشرف والكرامة والطخلق ‪-‬‬ ‫وأطخيرًا‪ ،‬وبعد العديد من التطوترات الطاترئة‪ ،‬طرد إبراهيم زكريا من البيت العائلي‬ ‫‪.‬وأقصاه من القبيلة‬ ‫لكن قبل أن يغادتر أعطاه إبراهيم حصته من التر ث‪ .‬ومنذ ذلك الوقت صاتر زكريا‬ ‫مرابيًا‪ ،‬وهكذا عاش‬ ‫‪.‬من المال الذي كان يقرضه‪ .‬وشيئا ً فشيئا ً صاتر غنيًا‪ ،‬وانطلق في تجاترة السلحة‬ ‫ولم يعرف تعطشه للسلطة وللمال حداً من الحدود‪ ،‬فصاتر‪ ،‬بمكيافيليته‪ ،‬يستأجر‬ ‫الشباب لكي يحرض‬ ‫القبائل بعضها على البعض الطخر‪ ،‬فيبيعون لها السيوف والدتروع‪ .‬وهكذا صاترت‬ ‫القبائل تتقاتل فيما‬ ‫‪.‬بينها‪ ،‬وصاتر زكريا يكسب‪ ،‬ويراكم ويدطخر التربا‪،‬ح فوق التربا‪،‬ح‬ ‫في منتصف الرواية يدس صدام قصة عاطفية‪ ،‬حيث يقع زكريا‪ ،‬وبكثير من الوله‪،‬‬ ‫في حب فتاة‬ ‫موعودة لحد أقاتربه‪ ،‬فيحاول بشتى الوسائل أن يغزو قلبها‪ .‬ويذهب في ذلك إلى حد‬ ‫‪،‬محاولة اطختطافها‬ ‫‪.‬لكن الجميلة تتمكن في الطخير من الفلت من أنيابه الشرسة‬ ‫وفي الطخير تنجو الطخلق وينتصر الخير‪ ،‬ويسقط القناع عن زكريا‪ ،‬الذي يقتله‬ ‫ترجال مستقيمون‪ ،‬بعد‬ ‫معركة حاسمة تجري أحداثها في سهول بلد ما بين النهرين‪ .‬وبذلك يخلص صدام‪،‬‬ ‫بعد هذه الحدا ث‬ ‫الفوضوية‪ ،‬إلى أن العراق قد شهد فترة طويلة من الزدهاتر والنمو‪ ،‬لن الشياطين قد‬ ‫هزموا شر‬ ‫‪.‬هزيمة‬ ‫ترى من أين جاءته كراهيته لليهود؟ إن صدام ‪ -‬كما ذكرت سلفا ً ‪ -‬كان يولي أهمية‬ ‫طخاصة للقضية‬ ‫الفلسطينية‪ ،‬التي كان يصفها في الدعاية الرسمية بالقضية المركزية‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫كان الجميع‬ ‫يحرص في الخطابات العراقية الرسمية‪ ،‬مثلما هو الشأن في طخطابات الدول العربية‬ ‫الطخرى‪ ،‬على‬ ‫التمييز بين "اليهودية" وبين "الصهيونية"‪ ،‬وبين "يهودي" و "إسرائيلي"‪ .‬ففي‬ ‫القرآن الكريم يمثل‬ ‫‪.‬اليهود‪ ،‬على غراتر المسيحيين تمامًا‪ ،‬جزءاً من أهل الكتاب‬


‫والحال أن صدام في حدود العام ‪ 1999‬قد اطخترق هذه القاعدة عن قصد وسبق‬ ‫إصراتر‪ .‬ففي إحدى‬ ‫طخطبه هاجم اليهود هجوما ً مباشراً بصفتهم يهودًا‪ ..." :‬وأقول اليهود لن اليهود‬ ‫أشراتر‪ ..‬ول أقول‬ ‫الصهيونية فقط بصفتها حركة سياسية"‪ .‬هذه القوال لم تأت على أي حال من‬ ‫اترتجالت المنابر أو زلةً‬ ‫من زلت اللسان‪ ،‬فقد كان صدام يريد أن يصدم لكي يتحدى إسرائيل ويستفزها‪ .‬لقد‬ ‫أتراد أن يقول بهذه‬ ‫‪!".‬الكيفية‪" :‬لست أطخاف من أحد وأنا أقول ما أفكر به‬ ‫لكن لنعد لروايات صدام‪ .‬لقد كتب صدام مخطوطته الولى في منتصف التسعينات‪.‬‬ ‫كان يرسل النص إلى‬ ‫مكتب الصحافة لطباعته بمعدل طخمسين إلى ثمانين صفحة مكتوبة في كل مرة‪ .‬كان‬ ‫طخطه أنيقًا‪ ،‬وكانت‬ ‫طريقة نسخه تقوم على الخطوط الطويلة‪ .‬كان السكرتير الصحافي علي عبدا‬ ‫يصحح الطخطاء‬ ‫الملئية والنحوية‪ ،‬وكان صدام يطلب منه أيضاً التحقق من المراجع التاتريخية ومن‬ ‫‪.‬التواتريخ أيضا ً‬ ‫كثيراً ما كنت أسائل نفسي كيف كان صدام ينظم أموتره‪ ،‬فقد كان ينهك نفسه في‬ ‫العمل‪ ،‬ولم يكن ينام إل‬ ‫قلي ً‬ ‫ل‪ .‬وفي الشهر التي سبقت الحرب‪ ،‬وفي الوقت الذي كنا نتصوتر أنه غاترق في‬ ‫قضايا الدولة‪ ،‬كان ل‬ ‫ينقطع عن إترسال عشرات الصفحات المكتوبة بخط يده لطباعتها وتصحيحها‪ ،‬وقد‬ ‫كنا نعيدها إليه في‬ ‫بضع ساعات‪ ،‬وكانت تعود إلينا في اليوم نفسه مصححة مدققة‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد‬ ‫كان يحد ث أن‬ ‫‪.‬يشتغل على العديد من النصوص في الوقت نفسه‬ ‫في البداية‪ ،‬كنت أظن أن صدام كان يسعى لن يجلب لنفسه مجداً آطخر غير المجد‬ ‫‪.‬السياسي‪ ،‬مجداً أدبيا ً‬ ‫فلعله كان يريد أيضاً الهروب من ضغوط حياة السلطة اليومية وأن يترك بصمةً‬ ‫‪،‬مكتوبة في التاتريخ‬ ‫وحين ترجمت ترواياته أدتركت أن صدام كان يعبر فيها عن ذاته تعبيراً كام ً‬ ‫ل‪ .‬كان‬ ‫يتناول الكثير من‬


‫الفكاتر ومن الموضوعات‪ ،‬ففي الظاهر لم يكن يقتنع بخطبه وبظهوتره المتكرتر في‬ ‫التلفزيون‪ ،‬فقد كان‬ ‫‪.‬في حاجة لن يتواصل بوسيلة أطخرى أيضا ً‬ ‫دتروس في التاتريخ‬ ‫كانت الكتابة بالنسبة إليه فرصةً أيضاً لعطاء العراقيين دتروسا ً في التاتريخ‪ .‬ففي‬ ‫تروايته "القلعة‬ ‫الحصينة"‪ ،‬وهو كتابه الثاني‪ ،‬تأتي البداية أشبه بدليل سياحي حقيقي‪ .‬فقد جمع وثائق‬ ‫كثيرة حول‬ ‫المدن التي تنتصب على سهول نهر دجلة‪ ،‬وقد طلب فيما بعد من علي عبدا‬ ‫استشاترة المؤترطخين‬ ‫‪.‬وعلماء الثاتر لثراء هذه المخطوطة‬ ‫تجري الحبكة بعد الحرب اليرانية ـ العراقية مباشرة‪ .‬وبطل القصة ويدعى‬ ‫"صبا‪،‬ح"‪ ،‬وهو ضابط في‬ ‫الجيش العراقي‪ ،‬يقع في أسر اليرانيين‪ .‬وبعد أن يهدأ الصراع ينتسب "صبا‪،‬ح" إلى‬ ‫كلية الحقوق‬ ‫‪.‬بجامعة بغداد‪ ،‬وهناك يلتقي بالبطلة "شاترين" وهي فتاة كردية‬ ‫في تلك الثناء‪ ،‬كان على الطلبة أن يتلقوا تدتريبا ً عسكريا ً في الجيش‪ .‬وفي الرواية‬ ‫يجري هذا التدتريب‬ ‫في الموصل‪ ،‬المدينة الكبرى الواقعة شمال العراق‪ .‬يذهب "صبا‪،‬ح" بسياترته إلى‬ ‫التدتريب ترافقه‬ ‫شاترين" وأطخوها محمود‪ ،‬وطالبة أطخرى تدعى عايدة‪ ،‬وعلى الطريق من بغداد إلى"‬ ‫الموصل‪ ،‬تصبح‬ ‫‪.‬كل مدينة يمرون بها موضوعا ً لوصف دقيق‬ ‫وحين يصل إلى تكريت‪ ،‬مسقط ترأس صدام‪ ،‬ينطلق الراوي في استطراد طويل على‬ ‫مدى طخمس‬ ‫صفحات أو ست‪ ،‬فيروي أن المدينة كانت في البداية مسيحية قبل أن يفتحها‬ ‫المسلمون‪ ،‬ويذكر قصة‬ ‫القس "سطيح"‪ ،‬الذي بدلً من أن يسلم ويعلن اسلمه‪ ،‬فضل أن يرمي نفسه من على‬ ‫حصانه في بحر‬ ‫‪.‬دجلة من على جرف صخري‬


‫ونكتشف في الرواية أيضاً أن تكريت هي المدينة التي ولد فيها قائد الحرب الشهير‬ ‫الكردي الصل‬ ‫صل‪،‬ح الدين‪ ،‬الذي صد الصليبيين طخاترج حدود القدس عام ألف ومئة وسبعة وثمانين‬ ‫ميلدي‪ .‬وقد كان‬ ‫‪.‬صل‪،‬ح الدين بطلً عند صدام وعند المسلمين كافة أيضا ً‬ ‫وكان صدام يتناول في كثير من الحيان موضوعات تهمه كثيرًا‪ ،‬كموضوع تربط‬ ‫الحاضر بالماضي‬ ‫والستفادة منه لبناء المستقبل‪ .‬فقد كان يكتب هذه المقاطع على انفراد ويطلب من‬ ‫علي عبدا أن‬ ‫يدترجها في المكان الذي يختاتره هو بعد أن يعيد صياغتها في شكل حواترات‪ .‬وقد كان‬ ‫هذا الستطراد‬ ‫يأتي طويلً أحياناً إلى الحد الذي يستدعي تقسيمه إلى أجزاء كثيرة وتوزيعه على‬ ‫‪.‬شخصيتين أو ثل ث‬ ‫كان هؤلء الشخاص يحاوترون أنفسهم على مدى أتربع أو طخمس صفحات‪ ،‬وفي‬ ‫أسلوب ثقيل وغامض‬ ‫في كثير من الحيان‪ .‬لم تكن عربية صدام ترديئةً ولكنه كان يكتب على عجل‪ .‬فقد‬ ‫كان يضع أفكاتره على‬ ‫الوترق بل ترتيب على نحو ما تتبادتر إلى ذهنه‪ .‬وحتى حين كان يعرض أفكاتراً‬ ‫بسيطة كان يصيغها‬ ‫بأسلوب معقد وجمل حافلة بالسماء الموصولة والضمائر الشخصية والنعوت من كل‬ ‫‪.‬نوع‬ ‫وكان يتوه في التلميح والتعريض وفي التفاصيل التي ل قيمة لها‪ .‬ولذلك فقد كنت أجد‬ ‫صعوبة في‬ ‫ترجمتها إلى النجليزية‪ ،‬لنني كنت مضطراً إلى تقطيعها إلى جمل ل نهاية لها‪.‬‬ ‫وكان القاترئ ل يلبث‬ ‫بعد قراءة بضع صفحات أن يدترك أن صدام لم يكن كاتبا ً جيدًا‪ ،‬فليس كل كاتب شبيها ً‬ ‫‪.‬بنجيب محفوظ‬ ‫حديقة صدام السرية‬ ‫لكن هذه الروايات كانت حديقة صدام السرية‪ .‬فبواسطتها كان ينقل أفكاتره إلى‬ ‫العراقيين حول كل‬ ‫الموضوعات وليس فقط السياسية منها‪ .‬كان مثلً يقدم نصائح للنجا‪،‬ح في الحياة‬ ‫الزوجية‪" :‬على‬


‫الرجل أن يحترم زوجته وأن يفي بحاجاتها! وعلى المرأة من ناحيتها أن تكون‬ ‫‪،‬مطيعة لسلطة زوجها‬ ‫‪".‬لنه صاحب الكلمة الطخيرة ولنه ترب أسرة ومسؤول عن هذه السرة‬ ‫وكان يناشد الباء أيضاً العمل على تقوية شخصية أطفالهم بواسطة بعض اللعاب‪.‬‬ ‫ففي "زبيدة‬ ‫والملك"‪ ،‬تروايته الولى‪ ،‬يطر‪،‬ح صدام تأملته حول السلطة ونمط الحكومة‪ ،‬فهو‬ ‫يقدتر أن القادة يجب‬ ‫أن يكونوا قريبين من الشعب‪ .‬ومن طخلل "زبيدة"‪ ،‬وهي فتاة فقيرة‪ ،‬يستطيع الملك‬ ‫المعزول عن‬ ‫الحقائق ان يعيد بناء الصلت مع الرعية‪ .‬ومع ذلك ل يمكننا القول إن صدام كان‬ ‫يطبق هذه المبادئ في‬ ‫‪.‬الواقع بل كان في غالب الحيان يعكس تلك المبادئ‬ ‫كانت أعمال صدام "تباع" ترسمياً في العراق‪ ،‬لكنها كانت على وجه الخصوص‪،‬‬ ‫توزع على أعضاء‬ ‫حزب البعث‪ ،‬وعلى أعضاء الحكومة والموظفين في الدولة‪ .‬لم يكن صدام يوقع هذه‬ ‫العمال إل بكلمة‬ ‫المؤلف"‪ ،‬لكن جميع الناس كانوا يعرفون صاحب تلك العمال‪ .‬وقد كان السر"‬ ‫‪،‬معلوما ً من قبل الكافة‬ ‫فقد كانت عباتراته المفضلة المعروفة عند كل العراقيين هي التي تكشف أمره‪ ،‬وقد‬ ‫كان الناس يكتشفون‬ ‫‪.‬بسهولة جمله "المقدسة" عنده‬ ‫بالطبع كانت الصحافة العراقية تمدحه وتتملقه‪ .‬فقد وصفه ناقد أدبي مشهوتر‬ ‫ب"الكاتب العبقري"‪ ،‬وبـ‬ ‫مؤلف هذا الكتاب الجدير بالحترام"‪ ،‬وهي العباترة التي لم يستعملها مع أي كاتب"‬ ‫آطخر قط‪ .‬فقد أضاف‬ ‫‪!".‬هذا الناقد‪" :‬بتواضعه الجم وموهبته الهائلة ترفض المؤلف الكشف عن اسمه‬ ‫وقد امتزج تعاظم صدام اذن ببعض التكتم والسرية‪ .‬فأثناء ترجمة "زبيدة والملك"‬ ‫اتصل بي هاتفيا ً أحد‬ ‫المترجمين‪ ،‬وهو سلمان الواسطي‪ ،‬وكان عاترفاً بالشعر‪ ،‬ليخبرني أنه كان ينوي أن‬ ‫يوجه ترسالة‬ ‫للرئيس حتى يقتر‪،‬ح عليه تعديلت أدبية وأسلوبية تشجيعا ً له على توقيع الرواية‬ ‫باسمه‪ ..‬وقد تكون‬ ‫‪.‬الحروف الولى من اسمه "ص‪، .‬ح‪ ".‬كافية لهذا الغرض‬


‫وقد نقل السكرتير الصحافي هذا القترا‪،‬ح إلى الرئيس‪ ،‬لكن هذا المترجم لم يتلق أي‬ ‫‪.‬ترد على الطلق‬ ‫كان صدام قد بدأ في الكتابة بدافع الضجر والسأم‪ .‬فعند الكتاب العراقيين تعني كلمة‬ ‫"ترواية" "الملحمة‬ ‫الحربية" وتعني "القصة العاطفية" ونادتراً ما تعني الثنتين معا ً ول تعني شيئا ً آطخر‬ ‫غيرهما‪ .‬لكن صدام‬ ‫ما لبث بعد حرب الخليج الثانية أن تحول على التلفزيون إلى ناقد أدبي‪ ،‬مناشداً‬ ‫المؤلفين دمج النواع‬ ‫‪.‬الدبية فيما بينها‬ ‫عندما تكتبون ترواية ل تكتفوا فقط بذكر الحدا ث العسكرية‪ ،‬بل حاولوا أن تدترجوا ‪-‬‬ ‫قصةً عاطفية ما‬ ‫!بين ترجل وامرأة على طخلفية من الحرب‪ ،‬ما بين ضابط وممرضة مثلً‬ ‫في ‪ 1992‬استدعى صدام ثلثة كتاب مشهوترين إلى القصر‪ .‬كان يريد تكليفهم بكتابة‬ ‫مذكرات غزو‬ ‫الكويت‪ .‬كان عليهم أن يرووا قصة "أم المعاترك"‪ ،‬ولكن ليس بكيفية جافة أو بطريقة‬ ‫عملية فقط‪ .‬فقد‬ ‫‪:‬كان صدام يريد قصة حية تروي قصة جنود الفرق والضباط العراقيين‬ ‫ل تكتبوا أن القصف الميركي قد بدأ في ساعة كذا وأن الرئيس أو ذاك الفريق قد ‪-‬‬ ‫أعطى المر بفعل‬ ‫هذا الشيء أو ذاك‪ ،‬بل اكتبوا "عند الفجر استيقظ قائد الوحدة في ساعة مبكرة‪ ،‬فقد‬ ‫كان عليه أن‬ ‫يلتحق بخط المواجهة‪ ،‬وبينما كان يحلق ذقنه‪ ،‬إذا به يسمع دوي عمليات القصف‬ ‫‪...".‬الميركية الولى‬ ‫على مدى شهوتر عديدة‪ ،‬ظل المؤلفون الثلثة يتحاوترون طويلً مع العساكر الذين‬ ‫شاتركوا في غزو‬ ‫الكويت‪ ،‬إلى أن صدتر كتاب سميك تحت عنوان "مسيرة أم المعاترك"‪ .‬وقد أعاد‬ ‫صدام شخصيا ً قراءة‬ ‫النصوص وسجل ملحظاته عليها‪ ،‬مضيفاً إليها على الخصوص هذا المقطع‪" :‬في‬ ‫الساعة الخامسة‬ ‫صباحاً من ذلك اليوم الثاني من شهر أغسطس ‪ ،1990‬نظر الرئيس في ساعته ثم‬ ‫التفت إلى مساعده‬


‫في المعسكر قائ ً‬ ‫ل‪" :‬لقد دطخل ترفاقك الن!"‪ ،‬فرد عليه هذا الطخير غير مصدق‪:‬‬ ‫"دطخلوا إلى أين يا‬ ‫"!سيدي!؟" فرد عليه الرئيس بل تردد‪" :‬إلى الكويت‬ ‫مكتبة الرئيس‬ ‫في المكتب الصحافي‪ ،‬كانت إحدى مهماتنا تتمثل في شراء كتب مخصصة لمكتبة‬ ‫صدام‪ .‬فقد كان‬ ‫يشترط جلب نسختين أو ثل ث من كل عنوان‪ ،‬وكنا نشتري ما ل يقل عن مئتين إلى‬ ‫ثلثمئة كتاب كل‬ ‫سنة‪ ،‬وكانت القوائم التي يرسلها إلينا جد متنوعة‪ .‬كان يميل إلى كتب التاتريخ وكتب‬ ‫الدين‪ ،‬وكان يحب‬ ‫مذكرات الشخصيات التاتريخية‪ ،‬كمذكرات الجنرال الميركي "نوترمان‬ ‫‪.‬شواترزكوف" حول حرب الخليج‬ ‫وكان مفتوناً ب"ستالين" و"نلسون مانديل" والجنرال "ديغول" الذي كان يرى فيه‬ ‫الرجل الوطني‬ ‫الذي يملك الشجاعة في مواجهة الهيمنة الميركية في العالم‪ ،‬وكان صدام يطلب منا‬ ‫كتاب "المسر‪،‬ح‬ ‫العالمي" ل"بريجنستاي" الخبير السابق في قضايا المن في البيت البيض‪ ،‬والذي‬ ‫كان يتناول القضايا‬ ‫‪.‬الجيوسياسية‬ ‫وكان آطخر كتاب طلبه منا كتاباً لـ "هوشي منه" حول الفييتكونع وتقنيات حرب‬ ‫ العصابات داطخل المدن‬‫فلعله كان يريد الستفادة من هذه التقنيات قبل المواجهة مع الميركيين‪ ،‬وقد تمكنا في‬ ‫الطخير من‬ ‫العثوتر على هذا الكتاب بعد جهد جهيد‪ .‬وكان يطلب منا أحيانا ً مؤلفات نفدت نسخها‬ ‫أو قديمة جداً فلم‬ ‫‪.‬نكن نجد بداً من البحث عنها في المكتبات وعند بائعي الكتب القديمة‬ ‫لم ولن أعرف على الطلق إن كان ولع صدام بالدب وبالشعر ولعا ً حقيقيا ً أم مجرد‬ ‫‪.‬تصنع ومخادعة‬ ‫فعلى غراتر الخلفاء العباسيين‪ ،‬كان صدام يسعى لن يكون حامي الفنون‪،‬ففي ‪1998‬‬ ‫طلب من أحد‬ ‫الشعراء وكان يعمل في المكتب الصحافي‪ ،‬أن يحضر إلى القصر مرتين أو ثلثا ً كل‬ ‫أسبوع ليَلقنه قواعد‬


‫كتابة الشعر والعروض والقوافي‪،‬وكان كثيراً ما يسرب إلى ترواياته أبياتا ً شعرية من‬ ‫قريحته‪ .‬ففي قلب‬ ‫‪:‬طخطابه المتلفز في بداية الحرب في ماترس ‪ 2003‬أدترج بعضا ً من أشعاتره‬ ‫أشهروا سيوفكم بل طخوف‬ ‫ستشهد عليكم النجوم‬ ‫أوقدوا ناتركم ودعوا اللهيب يشتعل‬ ‫لترهبوا عدوكم الذي يريد أن يجعل‬ ‫!منا عبيده‬ ‫وكان على علي عبدا أن يتحقق من جديد من أن الرئيس لم يرتكب أطخطاء نحوية أو‬ ‫!لغوية‬ ‫ثقافة‪ ..‬بالعافية‬ ‫كان صدام يتصرف كنصير للداب‪ ،‬فيدلل الشعراء ويغدق عليهم العطاء‪ .‬وكان كلما‬ ‫نشرت الصحف‬ ‫نشيداً وطنيا ً أعطى صاحبه مبلغا ً يتراو‪،‬ح ما بين ‪000,200‬إلى مليون ديناتر )من‬ ‫‪ 100‬إلى ‪500‬‬ ‫دولتر(‪ ،‬وهو مبلغ مهم إذا ما قوترن بمرتب الموظف الذي ل يجاوز طخمسة دولترات‬ ‫شهرية فبقصيدتين‬ ‫!شعريتين في كل شهر يستطيع الشاعر أن يأطخذ أكثر مما يأطخذ وزير‬ ‫وكان صدام قد أنشأ نظاماً لمكافأة الشعراء داطخل وزاترة الثقافة‪ .‬ففي كل طخميس كانت‬ ‫تجتمع لجنة‬ ‫طخاصة لنتقاء العمال الشعرية‪ .‬لم يكن يشترط في هذه العمال أن تكون أصيلة بل‬ ‫كان يجب أن‬ ‫تخضع لقوانين الشعر العربي وأن تمد‪،‬ح الثوترة والرئيس‪ .‬وكان الشعراء يوزعون‬ ‫‪.‬إلى فئات عديدة‬ ‫وكانت نخبة هؤلء تنتمي إلى طبقة شعراء أم المعاترك )أي شعراء حرب الخليج لعام‬ ‫‪ ،(1991‬وإلى‬ ‫‪).‬شعراء القادسية )أي شعراء الحرب اليرانية ‪ -‬العراقية‬


‫وكانت تتفرع عن نخبة القافية هذه ثل ث فئات أطخرى بمكافآت مصنفة على التوالي بـ‬ ‫‪ 000,100‬ديناتر‬ ‫دولترًا( و ‪ 000,50‬ديناتر )‪ 25‬دولترًا( و ‪ 000,25‬ديناتر )‪ 5,12‬دولترًا(‪(50 .‬‬ ‫وكانت الكرامية تسري‬ ‫أيضاً على برامج التلفزيون‪ ،‬فإن تراق لصدام حصة من حصصه‪ ،‬منح مبلغا ً قد يصل‬ ‫إلى مليوني ديناتر‬ ‫‪.‬دولتر( لمنشط حواتر سياسي أو ثقافي مثلً ‪(1000‬‬ ‫وقد صاتر صدام في الفترة الطخيرة أكثر سخاًء تجاه الفنانين‪ ،‬فمنذ العام ‪،2000‬‬ ‫وحتى يحسن أوضاعهم‬ ‫ويعوضهم عن اترتفاع السعاتر‪ ،‬أصدتر أمره لوزاترة الثقافة بإعداد قائمة بكل الفنانين‬ ‫العراقيين‪ .‬وقد‬ ‫صنفوا إلى ثل ث فئات‪ ،‬وصاتروا يتلقون علوة تحدد تبعا ً لعماترهم )من ‪000,50‬‬ ‫إلى ‪ 000,150‬ديناتر‬ ‫شهريًا‪ ،‬أي ما يعادل من ‪ 25‬إلى ‪ 75‬دولترًا(‪ ،‬وقد كانت المجموعة الولى تضم فئة‬ ‫من أطلق عليهم‬ ‫اسم "الرواد" أي القدماء من الفنانين‪ ،‬وكانت أسر المفقودين منهم تتقاضى الكرامية‬ ‫‪.‬عنهم‬ ‫كان فنانو "الدولة"‪ ،‬أي واجهة النظام البعثي‪ ،‬يتلقون أفضل المكافآت‪ ،‬بل وأكثر من‬ ‫ذلك‪ ،‬كان هذا‬ ‫النظام يشجعهم على السفر إلى الخاترج للمشاتركة في المعاترض والمهرجانات‬ ‫والحفلت الساهرة‪ .‬ففي‬ ‫عهد صدام كان على الثقافة المدعومة بقوة أن تنمو وتتطوتر في إطاتر غاية في‬ ‫الصرامة‪ ،‬على غراتر ما‬ ‫‪.‬كانت عليه الثقافة في عهد ستالين أو موسوليني‬ ‫لم يكن من الضروتري أن يكون المثقف مسجلً في حزب البعث حتى يستفيد من‬ ‫تشجيعات الدولة‪ ،‬لكن‬ ‫أي فنان منشق أو مرتبط بالمعاترضة من قريب أو بعيد مصيره القصاء من هذه‬ ‫القائمة‪ .‬أما الفنانون‬ ‫المخربون" أو المهمشون فقد كان ينظر إليهم كفنانين "سيئين"‪ ،‬لنهم ل يساهمون"‬ ‫في بناء المجتمع‬ ‫‪.‬من أجل ترطخاء الشعب‬ ‫وإن هم احجموا عن مهاجمة الرئيس أو النظام بشكل مباشر‪ ،‬فل أحد يتعرض لهم‬ ‫‪،‬بالسجن أو التعذيب‬


‫بل كانت مصالح المن تكتفي بتجاهلهم‪ ،‬تاتركة إياهم أحراتراً يماترسون فنهم دون أي‬ ‫مضايقة أو إزعاج‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة السابعة‬ ‫إكرامية لكاوندا وبقشيش لحبري‪ ،‬مئة لقاء تسفر عن العجز عن فهم لغز شخصية‬ ‫صدام‬ ‫في السبعينات كان صّدام قد بدأ يستقطب حوله بعض "الزبائن" الفاترقة‪ .‬فقد صاتر‬ ‫جزء من الريع‬ ‫النفطي ُيعاد ضّخه في هذه البلدان النامية‪ ،‬في شكل مساعدات مباشرة أو استثماترات‪.‬‬ ‫‪،‬وقد مّول صّدام‬ ‫مث ً‬ ‫ل‪ ،‬العديد من المشروعات الزتراعية في موتريتانيا‪ ،‬ذلك البلد الذي كان ُيقيم علقات‬ ‫تعاون وثيق مع‬ ‫‪.‬بغداد‪ ،‬المر الذي أتا‪،‬ح لحزب البعث أن يماترس تأثيره على نواكشوط‬ ‫وفي ‪ ،1987‬وبعد أن أنهى للتو حواتراً مع حسين صبري‪ ،‬وضع صّدام يده على‬ ‫كتفي وهو يقول لضيفه‬ ‫‪:‬الفريقي‬ ‫هذا الرجل الطيب سُيسّلمك هذا المساء مبلغاً بقيمة مليون دولتر! لقد أذهلني أن أترى‬ ‫الرئيس وهو‬ ‫يوّزع مثل هذا المبلغ‪ ،‬وكأنه يوّزع بقشيشًا‪ .‬لقد اكتشفت أن الهبة اللزامية صاترت‬ ‫‪".‬موضة" حكومية‬ ‫بقشيش ومرسيدس‬ ‫مع غروب الشمس‪ ،‬قدم حميد حّمادي سكرتير الرئاسة وبيده شنطة المال‪ ،‬كنا واقفين‬ ‫أمام مدطخل إقامة‬ ‫الجانب‪ ،‬وكان أمر صّدام واضحًا‪ :‬فأنا الذي أسّلم المبلغ لصاحبه‪ ،‬لم أكن أشعر‬ ‫بالراحة وأنا ألعب دوتر‬ ‫‪:‬المصرفي الخفي"‪ ،‬وسألني السكرتير"‬


‫هل تريد أن تذهب إليه وحدك؟ ‪-‬‬ ‫‪.‬ل فرق عندي‪ ،‬وإن شئت أن ترافقني ‪-‬‬ ‫ودطخلنا معًا‪ ،‬وسّلم ُ‬ ‫ت المليون دولتر لحسين حبري‪ .‬وفي اليوم التالي ترافقه صّدام‬ ‫شخصيا ً إلى المطاتر‬ ‫‪:‬بسياترته المرسيدس‪ ،‬وقد شكر له الزائر هديته السخية‪ ،‬فقال له الرئيس‬ ‫ل شكر على واجب‪ ،‬سيصلك كل عام ما يعادل مليونا من الدولترات‪ ،‬لك ولمن ‪-‬‬ ‫‪.‬حولك‬ ‫وكان قادة أفاترقة آطخرون‪ ،‬وآسيويون أيضًا‪ ،‬يستفيدون من هبات الرئيس العراقي‪ .‬فقد‬ ‫كان صّدام يحب‬ ‫إظهاتر سخائه تجاه زعماء بلدان العالم الثالث‪ ،‬التي كان يسعى لن يثبت تضامنه‬ ‫معها‪ ،‬فهي بالنسبة‬ ‫إليه وسيلة لشراء مساندتها له وولئها في داطخل الهيئات الدولية‪ ،‬فكثيراً ما كان يذّكر‬ ‫بأن بلده‬ ‫‪.‬زوترق كبير" ل تهزه الريا‪،‬ح بفضل جوده وكرمه"‬ ‫وقد كان حسن غوليد ترئيس جيبوتي‪ ،‬مث ً‬ ‫ل‪ ،‬يتلقى بانتظام مساعدة مالية لبلده وله‬ ‫شخصيًا‪ .‬في المقابل‬ ‫لم يكن وفاء هؤلء المستفيدين السعداء يخلو من عيوب ومن طخلل‪ .‬ففي ‪ ،1990‬وقبل‬ ‫بداية حرب‬ ‫الخليج‪ ،‬قّرترت البلدان العربية المجتمعة في قمة القاهرة دعم اللجوء إلى القوة لترغام‬ ‫العراق على‬ ‫النسحاب من الكويت‪ .‬وعلى هذا النحو‪ ،‬انضمت هذه البلدان إلى التحالف الذي قادته‬ ‫الوليات المتحدة‬ ‫‪.‬ضد العراق‬ ‫وكان حسن غوليد‪ ،‬ترئيس جيبوتي‪ ،‬قد عاترض في اليوم نفسه هذا التحالف مع‬ ‫واشنطن‪ ،‬لكنه ما لبث‬ ‫بعد استراحة قصيرة ما بين الجلسات أن غّير موقفه كليًا‪ .‬وقد أذهل هذا الموقف‬ ‫المفاجئ أعضاء الوفد‬ ‫العراقي‪ ،‬الذين لم يستبعدوا أن يكون الكويتيون قد ماترسوا ضغوطهم على غوليد‪ .‬وقد‬ ‫سخط صّدام‬


‫واغتاظ لهذا التحول بعد أن كان قد أعطاه مبالغ مالية هائلة في الماضي‪ .‬وقد ظل‬ ‫صّدام يرغي بكلم‬ ‫‪":‬غاضب عن "أطخيه الجيبوتي‬ ‫أ ّ‬ ‫ي نكراٍن للجميل هذا‪ ...‬بعد كل الذي قدمته له!؟ ‪-‬‬ ‫وأحياناً كان بعض الرؤساء المفلسين يطلبون منه صراحة أن يتكفل بحاجاتهم‬ ‫الشخصية‪ .‬ولم يكن ذلك‬ ‫يزعج صدام على الطلق‪ ،‬فقد كان عن طيب طخاطر يلبي طلباتهم وُيغدق في‬ ‫العطاء‪ .‬ولم يكن يترّدد في‬ ‫أن يسحب من صندوقه ‪ 000,50‬أو ‪ 000,200 000,100‬من الدولترات السائلة‬ ‫حتى يساعد هذا أو‬ ‫‪.‬ذاك الرئيس‬ ‫وحتى عهد قريب‪ ،‬تلقى الملقب ب"غاندي السود" وأبي استقلل زامبيا )العام‬ ‫‪ (1964،‬كنيث كاوندا‬ ‫الكثير من المال من صّدام حسين‪ .‬ففي شهر نوفمبر ‪ 2002‬وجوابا ً وعلى سؤال‬ ‫وجهه إليه الرئيس‬ ‫‪:‬أثناء استقبال بالقصر الرئاسي عن أحواله‪ ،‬ترّد كنيث عليه قائلً‬ ‫على غير ما يرام‪ ،‬ففي بلدي نسي الناس أنني ترئيسهم‪ ،‬كان عندي سائق وسياترة ‪-‬‬ ‫وظيفية‪ ،‬لكنني‬ ‫!الن بل سياترة ول سائق‬ ‫‪:‬فرّد عليه صّدام قائلً‬ ‫كيف هذا وأنت ترجل الستقلل في بلدك تجد نفسك الن محرومًا؟ ل تقلق فإني لن ‪-‬‬ ‫أدعك ولن أتخلى‬ ‫!عنك‬ ‫وعلى إثر ذلك الستقبال منحه صّدام ‪ 000,200‬دولتر‪ ،‬وفقا ً للجراءات المعهودة‪.‬‬ ‫فقد سّلم عبد حمود‬ ‫أمراً مكتوباً لمصالح المحاسبة في بروتوكول الديوان‪ .‬وبعد ذلك حمل أحد الموظفين‬ ‫المبلغ إلى إقامة‬ ‫كنيث كاوندا‪ .‬وكان ترئيس زامبيا السابق قد شر‪،‬ح أثناء المحادثات بأن شخصين من‬ ‫أقاتربه كانا قد أنشآ‬


‫شركة بترولية ويطلبان تسهيلت للتعامل مع العراق‪ ،‬وقد ترحب صّدام بالطلب من‬ ‫‪.‬دون أي ترّدد‬ ‫‪:‬وقد عاد كنيث كاوندا إلى بغداد في فبراير ‪ ،2003‬وعند مغادترته لصّدام قال له‬ ‫سيدي الرئيس‪ ،‬إّني أعر ُ‬ ‫ف أن بلدكم تمر بمرحلة صعبة‪ ،‬لكن وضعيتي المالية في ‪-‬‬ ‫‪،‬حالة من التدهوتر‬ ‫‪.‬وأنا في حاجة للمزيد من المال‬ ‫وطخيل إلّي أنني ترأيت في عيني صّدام شراترة من السخط‪ ،‬لكن صدام ما لبث أن التفت‬ ‫إلى عبد حمود‬ ‫‪:‬سائلً إياه‬ ‫عبد‪ ،‬كم أعطيناه في المرة الطخيرة؟ ‪-‬‬ ‫!دولتر‪ ،‬سيدي الرئيس ‪- 000,200‬‬ ‫!أعطوه ‪ 000,100‬هذه المرة ‪-‬‬ ‫كان صّدام مضرب المثل في الجود والسخاء من الخزانة العراقية‪ ،‬فكل من يلتقي به‬ ‫ل يمكن أن يرجع‬ ‫صفر اليدين‪ .‬ومع ذلك فقد كانت تدهشني عنايته الفائقة تجاه كنيث كاوندا‪ .‬وقد تروى‬ ‫لي عبدا السر‬ ‫الذي كان يربط ما بين الرجلين‪ ،‬ففي نهاية السبعينات سئل الرئيس الزامبي بشيء من‬ ‫الوقاحة أثناء‬ ‫‪:‬مؤتمر صحافي‬ ‫‪.‬يقال إن علقات صداقة تربطكم بصدام حسين‪ ..‬إنه مع ذلك ترجل دكتاتوتري ‪-‬‬ ‫‪:‬فغضب كنيث كاوندا واحتّد لذلك‪ ،‬وترّد على ذلك الصحافي‬ ‫صدام حسين ترجل دولة‪ ،‬وحين يرد ذكره على لسانك فإنه طخليق بك أن تستعمل ‪-‬‬ ‫‪.‬اللفاظ الملئمة‬ ‫!فالرئيس صدام حسين ليس سائقًا‪ ،‬وإن تماديت في شتمه فاغرب عّني‬ ‫وقام المن بطرد ذلك الصحافي‪ .‬وقد أكد لي علي عبدا أن صدام قد علم بالحادثة‪،‬‬ ‫فتوطدت بذلك‬


‫صداقته مع كنيث كاوندا‪ .‬وكان ذلك أيضاً سمة من سمات شخصيته‪ .‬فقد كان يرافق‬ ‫الرئيس الزامبي‬ ‫السابق حتى سياترته وينتظر حتى ينطلق السائق فيحييه بيده‪.،‬فقد كان يخص‬ ‫"أصدقاءه" بهذا الحترام‬ ‫من أمثال أحمد بن بيلل‪ ،‬ترئيس الجزائر السبق كما كان يخص بهذا الحترام أيضا ً‬ ‫ضيوفا ً مميزين من‬ ‫أمثال كوفي عنان‪ .‬وفي العادة ُيحيي صَّدام ضيوفه في قاعة الستقبال وكّنا نخرج من‬ ‫‪.‬دونه‬ ‫في الغرب كثيراً ما يشاع أّن أنصاتر القضية العراقية من أمثال جانيت لوبان‪ ،‬زوجة‬ ‫الزعيم اليميني‬ ‫الفرنسي‪ ،‬أو النائب العمالي البريطاني جوترج غالوي قد استفادوا من الهبات نفسها‪،‬‬ ‫فالمر واتر ٌد‬ ‫بالفعل‪ ،‬لكنني ل أملك أي دليل مباشر على ذلك‪ .‬كان صّدام يهوى البهاتر‪ ،‬فكلما‬ ‫زاتره ترئيس أجنبي‬ ‫حرص على أن يقّدم هدية لزوجته‪ ،‬فتبعا ً لمرتبة الضيف وأهميته أعّد البروتوكول‬ ‫أنواعا ً مختلفة من‬ ‫‪".‬الساعات السويسرية الذهبية ول سيما "الرولكس" أو "البيجايه‬ ‫والوزتراء وترؤساء الوفود لم يكن لهم الحق سوى في الماتركات القل سحراً وجاذبية‪،‬‬ ‫وكثيراً ما كان‬ ‫السجاد الشرقي الفاطخر يقَّدم كهدايا أيضًا‪ .‬كان صّدام يحب المغالة في الحديث‪ ،‬وكان‬ ‫يسعى دائما ً‬ ‫للتحكم في نبرات صوته‪ ،‬فقد كان يجد في أحاديثه الخاصة من الراحة ما ل يجده في‬ ‫‪،‬أحاديثه العامة‬ ‫‪.‬وهو محاط بجهاز أمني صاترم‬ ‫وكان إذا قام بزياترة مدينة من المدن حرص على أن يحيي الجمهوتر تحية سريعة من‬ ‫شرفة داتر البلدية‬ ‫أو المدترسة قبل أن يغادتر المكان‪ .‬وتعود آطخر أطول طخطبة إلى نهاية السبعينات‪ ،‬أثناء‬ ‫العلن عن‬ ‫الميثاق الوطني" وهو البرنامج السياسي الذي يتضمن العلقات الدولية وتسوية"‬ ‫الصراع بالسبل‬ ‫‪.‬السلمية‬ ‫في المناسبات الرسمية‪ ،‬كان صّدام يلقي طخطبه بصوت طخفيض ترتيب طخال من كل‬ ‫حماسة‪ ،‬وكان أحيانا ً‬


‫يتعثر في الكلمات‪ ،‬وكأنه يقرأ النص لول مرة‪ .‬في هذا السياق كان أصدقائي كثيراً‬ ‫‪:‬ما يقولون لي‬ ‫ليس هو الذي يكتب طخطبه‪ ،‬فهو بالضروترة يستعين بمساعٍد ُيعّد له ما يشاء من ‪-‬‬ ‫!طخطب‬ ‫‪:‬وكنت في كل مرة أحاول أن أفّند ظنونهم‬ ‫‪.‬أؤكد أن صّدام يكتب طخطبه بنفسه‪ ،‬فقد صّححنا هذا النص في المكتب الصحافي ‪-‬‬ ‫ناهيك عن أن صدام كان ضعيف النظر‪ ،‬ولذلك كنا نطبع نصوصه بالحرف الكبيرة‪.‬‬ ‫فالصفحة الواحدة‬ ‫‪.‬لم تكن تتضمن أكثر من طخمسة أسطر‬ ‫كان صدام في لقاءاته الخاصة يسعى للتأثير على محدثيه‪ .‬فقد كان يستعمل جاذبيته‬ ‫الكاتريزميه حتى‬ ‫يفرض الحترام والقناع من دون اللجوء إلى أسلوب التعالي‪ .‬وعلى عكس ملك‬ ‫المغرب حسن الثاني‬ ‫ملك المغرب‪ ،‬لم يستقبل يوما ً أي صحافي أو ضيف من على من ّ‬ ‫صته‪ ،‬فقد كان‬ ‫بروتوكوله دائما ً غاية في‬ ‫‪.‬البساطة‬ ‫في الغرفة الخلفية كان زواتره يسألونني قبل اللتقاء به كم سيستغرق اللقاء من وقت‪،‬‬ ‫فكنت اترّد عليهم‬ ‫‪:‬دوما ً‬ ‫ليس ثمة قواعد ثابتة‪ ،‬فأنتم ضيوف الرئيس‪ ،‬واعلموا أنه لن يفرض أحد حّداً لزمن ‪-‬‬ ‫اللقاء‪ ،‬فقد‬ ‫‪.‬يستغرق حديثه معكم ساعات كاملة‬ ‫نكات صدام‬ ‫كان صدام يعشق المز‪،‬ح والطرفة سعيا ً منه لتلطيف الجواء‪ .‬لم تكن نكتتهُ المف ّ‬ ‫ضلة‬ ‫‪،‬ظريفة بالضروترة‬ ‫ع كردي‪ :‬ذات مرة سأل الجندي الراعي كيف‬ ‫فكثيراً ما كان يروي قصة جندي مع ترا ٍ‬ ‫ُيطعم غنمه‪ ،‬فرّد‬


‫عليه ذلك الرجل الريفي قائ ً‬ ‫ل‪" :‬إني ُأطعمهم قمحًا!"‪ ،‬فغضب الجندي وقال‪" :‬كيف‬ ‫يمكنك أن تعطي‬ ‫قمحاً لخرافك بينما الشعب يموت جوعًا؟!"‪ ،‬وبعد أن أشبعه ضربا ً وعده الراعي بأنه‬ ‫سيغّير طعام‬ ‫‪.‬قطيعه‬ ‫وبعد مروتر بعض الوقت جاءه جندي آطخر وسأله السؤال نفسه‪ ،‬فرّد عليه الراعي بأنه‬ ‫!يطعمها أترزاً‬ ‫فغضب هذا الجندي أيما غضب وقال له‪" :‬كيف يمكنك أن تطعم غنمك أترزاً والشعب‬ ‫"يموت جوعًا؟‬ ‫وبعد أسبوع جاءه جندي ثالث‪ ،‬فبادتره الراعي في وجل قائلً بعد أن حفظ الدترس‪:‬‬ ‫"إني أعطي لغنمي‬ ‫نقودًا لتشتري بها ما طاب لها من السوق"‪ .‬طخلل حواتراته وأحاديثه‪ ،‬إذن‪ ،‬كان صّدام‬ ‫يبدي الكثير من‬ ‫‪.‬الظرف وبعض المجاملة‬ ‫وشتان بين هذه الصوترة وبين صوترة الرجل صاحب القبضة الحديدية الذي يهابه‬ ‫الشعب ويخشاه! فقد‬ ‫كان أصدقائي يسألونني كيف تطيق العمل مع مثل هذا الطاغية؟ فكنت أوضح لهم أّن‬ ‫صّدام في علقاته‬ ‫معي كان لطيفا ً ودودًا‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا يصدقون‪ ،‬ظناً منهم أنني ل أجرؤ على انتقاد‬ ‫"معّلمي" طخوفا ً‬ ‫‪.‬من انتقامه مّني‬ ‫ول شك أن هذه الشخصية المزدوجة كانت لغزاً بالنسبة لي‪ ،‬فالرجل في الحياة‬ ‫الخاصة كان سخيا ً‬ ‫ودودًا‪ ،‬أما في الحياة السياسية فقد كان يبسط الرعب على كل البلد‪ ،‬ول يتوانى عن‬ ‫سحق كل من‬ ‫يعاترضه‪ .‬ولذا كنت أعيش في تناقض دائم‪ ،‬فقد كانت الصحافة الدولية تشبهه بالغول‬ ‫وكنت أتراه دائما ً‬ ‫هادئا ً ولطيفا ً بشوشًا‪ .‬كان الخاترج والعراقيون يخشون فيه طاغية دمويًا‪ ،‬بينما كنت أنا‬ ‫أحتك برجل‬ ‫‪.‬مهّذب مجامل‬ ‫كنت وأنا أعمل معه أقّدتر جانبه البسيط‪ ،‬المباشر‪ ،‬فكثيراً ما كان يقول لي‪ ،‬مقاطعا ً‬ ‫‪:‬الحديث مع محدثه‬


‫!سمان! اشرب شايك قبل أن يبرد ‪-‬‬ ‫طخلل هذه اللقاءات‪ ،‬كنت أحمل في جيبي منديلً حتى أمسح به جبيني من العرق‪ ،‬فأنا‬ ‫كثير التعّرق في‬ ‫الجواء الحاترة‪ .‬فالقاعات التي كان صدام يستقبل فيها زّواتره لم تكن مكيفة لنه كان‬ ‫يعاني من آلم في‬ ‫الظهر‪ .‬وحين كانت قطرات العرق تسيل على وجهي كان صّدام يلحظها فيأمر‬ ‫مصالح المن بأن ترفع‬ ‫‪.‬مستوى التكييف‬ ‫بمناسبة زياترة حسين حبري للعراق العام ‪ ،1987‬أقام صّدام مأدبة على شرفه في‬ ‫أحد القصوتر‪ ،‬وكانت‬ ‫طاولة الكل على شكل الحرف "يو" النجليزي‪ .‬وكان البروتوكول قد وضع‬ ‫الكرسي الخاص بي في‬ ‫داطخل هذا "اليو"‪ .‬كان صّدام وصبري يأكلن إلى جانبي‪ ،‬وكانت أطباق الكل تتوالى‬ ‫بل انقطاع‪ .‬ولما‬ ‫ق كبير به تشكيلة‬ ‫كان يصعب علّي أن أطخدم نفسي بنفسي فقد جاءني أحد الخدم بطب ٍ‬ ‫‪.‬كاملة من الطعام‬ ‫كان صدام وصبري إلى جانبي‪ ،‬وكنت أترجم ما كان يجري بينهما من كلم‪ ،‬لكن‬ ‫صّدام ما لبث أن نادى‬ ‫‪:‬ترئيس التشريفات قائلً له‬ ‫!لماذا ل يأكل مترجمنا كما نأكل نحن؟ إعلْم أنه أيضا ً واح ٌد من ضيوفي ‪-‬‬ ‫فوترات الغضب‬ ‫لكّن ذلك لم يكن يمنع صّدام من أين يدطخل أحياناً في فوترات من الغضب الشديد‪ ،‬فقد‬ ‫كان إذا قّرتر شيئا ً ل‬ ‫يطيق أن يتأطخر تنفيذ أوامره على وجه السرعة أو أن ُيساء فهم هذه الوامر‪ .‬فأثناء‬ ‫زياترة حبري‬ ‫بالذات‪ ،‬كان قد طلب من مساعديه أن يرافقوا القائد التشادي إلى الفاو المدينة‬ ‫المحّرترة آنذاك‪ .‬وقد‬ ‫‪.‬حرص على أن يضع طائرة مروحية تحت تصرفه لكي يحلق فوق المدينة المدّمرة‬ ‫‪:‬في اليوم التالي عندما عاد حبري من جولته في تلك المقاطعة‪ ،‬سأله صّدام قائلً‬ ‫هل حلقت فوق الفاو؟ ‪-‬‬


‫‪.‬لقد ذهبنا إلى المكان بالسياترات ‪-‬‬ ‫‪.‬فاستشاط صدام غضبًا‪ ،‬واستدعى مدير التشريفات‬ ‫هل يجب أن أقوم بكل شيء بنفسي؟ ألم أقل لكم بأن تنقلوا ضيفي بالمروحية؟ لماذا ‪-‬‬ ‫ل تطيعون‬ ‫أوامري؟ وغمغم مدير التشريفات ببعض كلمات العتذاتر‪ ،‬وهو يتلقى تأنيبات الرئيس‬ ‫‪.‬بل أي اعتراض‬ ‫وأحب أن أقّر هنا أنني أتحمل قسطاً من المسؤولية في هذه الحادثة‪ ،‬فقد اعطى صّدام‬ ‫المر داطخل‬ ‫السياترة الرئاسية بحضوتر الرئيس التشادي وأحد الحّراس‪ ،‬وكنت قد ترجمت أوامر‬ ‫الرئيس‪ ،‬لكن ل أحد‬ ‫‪.‬نقل المعلومة إلى البروتوكول‪ ،‬فقد كان علّي أن أتكفل بتلك المهمة‬ ‫كانت بعض الموضوعات تغرقه حتماً في أسوأ حالت الغضب‪ ،‬على نحو ما حد ث‬ ‫ذات مرة مع‬ ‫الكاتردينال أشيل سيلفستريني‪ ،‬المبعو ث الخاص للبابا يوحنا بولس الثاني في منتصف‬ ‫التسعينات‪ .‬كانت‬ ‫العقوبات الدولية قد بدأت بعواقبها المأساوية تنعكس على الشعب العراقي‪ .‬ساعتها‬ ‫اقتر‪،‬ح هذا المبعو ث‬ ‫على صّدام أن يعتّرف بدولة اسرائيل كمؤشر للترادة الطيبة الدالة على أن العراق‬ ‫يرغب في تطبيع‬ ‫‪.‬علقاته مع المجتمع الدولي‬ ‫‪:‬فأثاتر ذلك حفيظة صّدام‪ ،‬الذي ترا‪،‬ح يعّنف ويوّبخ محدثه قائلً‬ ‫إن ما تقترحونه علينا يخالف مبادئنا‪ .‬إن ما نعانيه من آلم تحت الحصاتر لن يثني ‪-‬‬ ‫عزيمتنا‪ ،‬فاعلموا‬ ‫أنني ترج ٌل صاحب مبادئ‪ ،‬وكان عليكم أن تتحروا أمري قبل لقائكم بي! عند نهاية‬ ‫‪،‬هذا اللقاء الصاطخب‬ ‫أعطى الرئيس المر لسكرتيره الصحافي بنشر فحوى هذا اللقاء‪ .‬ولم يكن هذا‬ ‫السلوب معهودًا‪ .‬ففي‬ ‫العادة كانت مصالح الرئاسة تنشر بيانا ً مقتضبا ً يشير إلى أن صّدام قد استقبل هذه‬ ‫الشخصية أو تلك‬ ‫للحديث عن تطوير التعاون ما بين الطرفين أو في موضوعات ذات اهتمام مشترك‪،‬‬ ‫أما الفحوى الدقيق‬


‫‪.‬للمحادثات فقد كان يظل سّراً طخفيا ً‬ ‫وبصفتي شاهداً على الحادثة ُكلّفِ ُ‬ ‫ت بتحرير محضر المحادثات‪ ،‬الذي أترسل فيما بعد‬ ‫‪.‬إلى وسائل العلم‬ ‫أما حول الصراع السرائيلي العربي‪ ،‬فقد كان لصّدام تردود أفعال غاية في‬ ‫الحساسية‪ ،‬فقد كان يرى أن‬ ‫أي تنازل عن القضية هو بمثابة استسلم ُمذّل وقد ظل هذا الموضوع من التابوهات‬ ‫حتى النهاية‪ .‬وفي‬ ‫مناشداته للمقاومة ضد المحتل الميركي‪ ،‬التي كان يوجهها للعراقيين بواسطة‬ ‫الشرطة الصوتية‪ ،‬لم‬ ‫‪.‬يهمل مّرة الشاترة إلى النزاع السرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‬ ‫بعد حرب ‪ 1991‬بقليل‪ ،‬وبينما كان يوّزع الّوسمة على العساكر‪ ،‬اشتكى له أحد‬ ‫الضباط من مصاعب‬ ‫‪:‬الحياة اليومية‪ ،‬ثم قال‬ ‫لعل الفضل لنا أن نكون أكثر مرونة تجاه اسرائيل‪ ،‬فطالما ظلت مواقفنا في هذا ‪-‬‬ ‫الشأن بهذا القدتر من‬ ‫الصرامه فسوف نظل نعاني أسوأ العواقب‪ ،‬لماذا نكون أقل مرونة من الفلسطينيين‬ ‫!أنفسهم؟‬ ‫‪:‬ولم يكن ليقبل صّدام بهذا التجاوز‪ ،‬فرا‪،‬ح يوّبخ هذا "الجبان" بعنف شديد‬ ‫كم أنا نادم على منحك هذا الوسام! هل هكذا تشكرني على هذا الوسام؟ هل يعقل أن ‪-‬‬ ‫يخرج من هذا‬ ‫الصدتر المزّين مثل هذا الهذتر والسخف؟! كيف تجرؤ على مصالحة الصهيونية؟ وفي‬ ‫‪،‬بداية التسعينات‬ ‫تلقى مسؤول كبير في حزب البعث هو الطخر دترساً من الصعب أن ينساه‪ ،‬فقد اقتر‪،‬ح‬ ‫فكرة غريبة لملء‬ ‫‪:‬طخزائن الدولة‬ ‫سيدي الرئيس‪ ،‬إننا نملك مواترد يمكن أن تساعدنا في التغلب على مصاعبنا‪ ،‬لماذا ‪-‬‬ ‫ل نبيع الذهب‬ ‫الذي يغّلف قبب مساجدنا؟‬ ‫ب شديد انهال عليه من صّدام الذي استشاط‬ ‫لم ينله من ترّد على هذا السؤال سوى ضر ٍ‬ ‫‪:‬غضبا ً‬


‫!كيف لك أن تفكر في التخلص من تراثنا الديني؟ أنت لست جديراً بمنصبك ‪-‬‬ ‫قليل من شخصيات النظام من كانت تجرؤ على انتقاد الرئيس‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كانت‬ ‫بعض هذه‬ ‫الشخصيات من أمثال نزاتر حمدون تنتقد الرئيس بالفعل‪ ،‬بل وقد ذهب ممثل العراق‬ ‫لدى منظمة المم‬ ‫المتحدة‪ ،‬الذي توفي في يوليو ‪ 2003‬بعد إصابته بالسرطان‪ ،‬في انتقاده للرئيس أبعد‬ ‫‪،‬مّما كان يحق له‬ ‫فبعد هروب حسين كامل العام ‪ ،1995‬وّجه هذا الممثل ترسالة إلى صّدام من سبع‬ ‫‪.‬صفحات‬ ‫وقد حملت صراحة أقواله التي بلغت دترجة المساس بالذات الوطنية بما يثير الذهول‬ ‫حقًا‪ .‬فقد ترا‪،‬ح هذا‬ ‫السفير ينصح صّدام بمزيد من النفتا‪،‬ح على العالم الخاترجي‪ ،‬وبتجريد المجتمع من‬ ‫السل‪،‬ح‪ ،‬وإلغاء‬ ‫‪:‬الصفة العسكرية عنه قائلً‬ ‫إن زيك العسكري لم يعد له ما يبّرتره لّن الحرب قد انتهت‪ ،‬فهي تعطي النطباع ‪-‬‬ ‫بأننا نُِعّد لصراع‬ ‫جديد‪ .‬فالزي المدني سوف يطمئن العراقيين والمجتمع الدولي إلى نواياك السلمية‪،‬‬ ‫كل شيء صاتر‬ ‫‪.‬ترمزيا ً‬ ‫في ترسالته هذه انتقد نزاتر حمدون أيضاً السلطات المفرطة التي منحها صّدام لصهره‬ ‫الخائن والذي‬ ‫وصفه بـ "الطفل المدّلل"‪ .‬هذه الرسالة وترّد الرئيس عليها نوقشا طخلل اجتماع‬ ‫‪،‬لمجلس قيادة الثوترة‬ ‫الذي كان كل أعضائه يساندون صّدام‪ .‬وقد ترّد هذا الطخير طبقا ً لملحظات "ترفاقه"‬ ‫في مجلس قيادة‬ ‫الثوترة‪ .‬وقد وبخ صّدام سِفيره من حيث الشكل أكثر مما وبّخه من حيث موضوع‬ ‫الرسالة‪ .‬فقد أطخذ عليه‬ ‫كتابته الرسالة على حاسوب كان يمكن أن يقع في فّخ وكالة الستخباترات الميركية‪:‬‬ ‫"إذا كان لديك‬ ‫شيء تريد أن تقوله فقد كان من الفضل أن تكتب ترسالتك بخط اليد وترسلها عن‬ ‫طريق الحقيبة‬ ‫‪".‬الدبلوماسية أو أن تأتي إلي وتبّلغني الرسالة مشافهةً‬


‫مع ترفاقي في الرئاسة اعتقدنا أن نزاتر حمدون قد صاتر "مذمومًا" من صّدام‪ ،‬وأنه‬ ‫سّيسحب على الفوتر‬ ‫من منصبه في نيويوترك‪ ،‬لكن المفاجأة الكبرى أنه لم يعد إلى بغداد إل بعد ثل ث‬ ‫سنوات‪ ،‬في شهر‬ ‫‪.‬فبراير ‪ 1998‬بمناسبة زياترة كوفي أنان الذي جاء لتسوية أزمة القصوتر الرئاسية‬ ‫ولم تتعرض له مصالح المن بأي مساءلة‪ ،‬وعاد مطمئن البال إلى منصبه في المم‬ ‫المتحدة‪ .‬وفي‬ ‫‪.‬نهاية المطاف تخلى صدام عن زيه العسكري في مناسبات لم تكن تبّرتر ذلك السلوك‬ ‫تشدد وتساهل‬ ‫إذا كان نزاتر حمدون قد تجرأ على هذا النحو على انتقاد صّدام‪ ،‬فذاك لن صداقة‬ ‫طويلة ظلت تربط بين‬ ‫الرجلين منذ زمن بعيد‪ .‬فقد ناضل معاً في صفوف حزب البعث منذ العام ‪،1963‬‬ ‫وظننت على أي حال‬ ‫أن مثل هذه الرسالة‪ ،‬حتى ما بين "الرفاق"‪ ،‬ل يمكن أن تظل بل عقاب‪ ،‬لكنّي كنت‬ ‫على طخطأ في هذا‬ ‫‪.‬الظن‪ ،‬فقد كان صّدام يعرف كيف يكون حليما ً كريم النفس‬ ‫وقد كان بوسع صّدام أن يكون في آن متشّدداً ومتساه ً‬ ‫ل‪ ،‬فأي غلطة أو طخطأ ل يؤديان‬ ‫بصاحبهما‬ ‫بالضروترة إلى المشنقة أو إلى سجن أبو غريب المشؤوم كما تبين لي ذلك في‬ ‫‪.‬مناسبات كثيرة‬ ‫بعد حرب الخليج عام ‪ ،1991‬أصدتر صّدام أوامره بعقد أول مؤتمر عام لحزب‬ ‫البعث‪ ،‬الذي أطلق عليه‬ ‫اسم "مؤتمر الجهاد وإعادة التعمير"‪ .‬وعلى مدى أسبوع كامل ترحنا نعمل في المكتب‬ ‫الصحافي ليل‬ ‫نهاتر من أجل إعداد طخطابه المطّول ووثائق الندوة‪ ،‬فقد كان الخطاب وحده يمتد على‬ ‫مدى ستين‬ ‫‪.‬صفحة‬ ‫لكن صدام ما لبث ليلة المؤتمر أن غير الخطاب ترأسا ً على عقب‪ ،‬فلم نجد بّداً من أن‬ ‫نعيد كل شيء من‬


‫الصفر‪ .‬عند منتصف الليل قل ُ‬ ‫ت لعبد الجباتر محسن‪ ،‬السكرتير الصحافي في تلك‬ ‫الفتره إننا قد ل نتمكن‬ ‫من إنهاء العمل في الوقت المحّدد‪ ،‬من طباعٍة وتصحيحات وتصوير ألف نسخة‬ ‫لمجموع المشاتركين في‬ ‫‪.‬المؤتمر‬ ‫في نهاية المر ُ‬ ‫ص صّدام على مطابع جريدة "القادسية"‪ ،‬لكْن عند قراءته أمام‬ ‫طبع ن ّ‬ ‫المؤتمرين توقف‬ ‫صّدام فجأة وترا‪،‬ح يرشق بنظراته السكرتير الصحافي الذي كّرتر صفحة وأهمل‬ ‫أطخرى! وكم أدهشنا‬ ‫صّدام حين جاء بعد بضعة أيام يزوترنا في المكتب الصحافي‪ ،‬وكانت تلك أّول مرة‬ ‫تطأ فيها قدماهُ هذا‬ ‫‪.‬المكان‬ ‫كانت مكاتبنا غير مرّتبة‪ ،‬وقد ازدحمت فيها الوتراق من كل الشكال‪ .‬وبدلً من أن‬ ‫ُيوّبخنا ويعّنفنا جاء‬ ‫لكي يرفع معنوياتنا ويشجعنا‪ .‬وقد ظل يتحد ث مع عبدالجباتر محسن نحو عشر دقائق‪،‬‬ ‫ثم صافحني‬ ‫‪:‬وحيا بقية الموظفين تحية وّد وإطخاٍء‪ .‬وعند مغادترته المكتب قال لنا‬ ‫!إّن من يعمل كثيراً قد ل ينجو من الطخطاء ‪-‬‬ ‫لقد كانت شخصية الرئيس عقدة حقيقية من المتناقضات‪ ،‬ففي ذاته كان يتعايش الجود‬ ‫‪.‬والسوأ معا ً‬ ‫فعلى الرغم من نحو مئة لقاء شاتركت فيها لم أفلح يوما ً في فهم هذه الشخصية‬ ‫‪.‬الغامضة فهما ً كاملً‬ ‫صح عنه إلى الن‪ ،‬جمع ذات يوم ما بين صدام‬ ‫من هذه اللقاءات هناك لقاء لم ُيف َ‬ ‫ومبعو ث للرئيس‬ ‫‪.‬الميركي بيل كلينتون‪ ،‬وهو مثال على هذا التعقيد‬ ‫فقد قّرتر صاحب البيت البيض الجديد أن يعيد التصال بصدام‪ ،‬فأترسل إلى بغداد‬ ‫سّراً عن طريق طاترق‬ ‫عزيز واحداً من مقربيه الصدقاء‪ .‬قبل اللقاء أتراني الرجل صوتراً يظهر فيها إلى‬ ‫‪،‬جانب بيل كلينتون‬ ‫ولم يخف علّي هدف الزياترة وهو يحمل نوعا ً من الشهادة موقعة بخط الرئيس‬ ‫‪:‬الميركي‬


‫لقد جئت لنقل تحيات الرئيس كلينتون للرئيس صّدام حسين‪ .‬وعلى مدى الزمن ‪-‬‬ ‫الذي استغرقه‬ ‫النتظاتر في الغرفة الخلفية‪ ،‬ترا‪،‬ح هذا الزائر الموّقر يروي قصصا ً غريبة‪ .‬وقد‬ ‫أوصيته في حذتر أن ل‬ ‫‪:‬يدع لسانه يزّل بالمز‪،‬ح أثناء الحديث مع الرئيس‬ ‫إن المزحات غالبا ً ما يصُعب ترجمتها‪ ،‬وإن هي لم ُتضحك الرئيس فقد يصير ‪-‬‬ ‫!الموقف مزعجا ً‬ ‫وطخلل اللقاء شر‪،‬ح الميركي للرئيس‪ ،‬إجما ً‬ ‫ل‪ ،‬أن الرئيس الميركي الجديد على‬ ‫استعداد لفتح صفحة‬ ‫جديدة في العلقات الميركية العراقية‪ ،‬والنطلق من جديد على أسس من الصداقة‬ ‫وعلى قواعد‬ ‫جديدة‪ .‬ففي ترأيه أن كل الحتمالت كانت قائمة وممكنة‪ ،‬ولم يقّدم أي اقتراحات‬ ‫ملموسة‪ ،‬ولْم يشر إلى‬ ‫ترفع عقوبات المم المتحدة‪ ،‬ولم يذكر أي برنامج زمني محّدد‪ ،‬بل جاء ليضع المعالم‬ ‫الولى للحواتر‬ ‫‪.‬ويمّد إليه يد بيل كلينتون‬ ‫لكن كم أدهشني الرئيس المتعاظم‪ ،‬الذي ظل غير متأثر بهذه اللفتة‪ ،‬واكتفى بالعودة‬ ‫‪:‬إلى أفكاتره الثابتة‬ ‫عظمة العراق وحضاترته الخالدة وشعبه البي الشجاع‪ .‬وقد تروى كفاحاته الخفية في‬ ‫حزب البعث في‬ ‫الستينات والتقائه بطاترق عزيز‪ ،‬ولم يحاول في أي لحظة أن ينتهز الفرصة المتاحه‬ ‫ول أن يجيب عن‬ ‫‪.‬طلب كلينتون‬ ‫وبعد طخروجي من الحواتر‪ ،‬عّبر ُ‬ ‫ت عن أسفي صراحة لعلي عبدا‪ ،‬فقد أضاع صّدام‬ ‫فرصةً هائلة‪ ،‬ترى‬ ‫ما الذي جعله يدير ظهره لهذا المنعطف الجديد؟ أأزعجه كون أن مبعو ث البيت‬ ‫البيض ليس شخصية‬ ‫ترسمية؟ إني أشك في ذلك‪ ،‬طالما أّن صّدام يف ّ‬ ‫ضل التصالت الشخصية على‬ ‫المداولت الرسمية‪ ،‬وقد‬ ‫‪.‬فهم كلينتون هذا الجانب من شخصية صّدام‬ ‫في الواقع كان صّدام يخشى "بيع" نفسه للميركيين‪ ،‬فالتصرف بعناٍد كان مسألة‬ ‫‪،‬شرف بالنسبة إليه‬


‫فلم يكن صّدام يشك في كون أن كلينتون لو كان حقا ً صادقا ً وجاّداً في إترادته في إعادة‬ ‫بناء الجسوتر مع‬ ‫العراق‪ ،‬لكان أترسل مبعوثين آطخرين‪ ،‬ولم يدترك صّدام ان ترئيس دولة أول قوة في‬ ‫العالم حين أترسل إليه‬ ‫على عجل صديقا ً شخصيًا‪ ،‬يكون قد قام ببادترة قوية تكاد تكون مذّلة‪ .‬وترفض صّدام‬ ‫لليد الممدودة إليه‬ ‫‪.‬تشهد على عدم فهم قاتل للعالم الخاترجي‬ ‫وبينما كان صّدام يتوقع وصول اشاترات أميركية جديدة اعتبر كلينتون الملف مطويًّا‪،‬‬ ‫ففي ترأيه لم يعد‬ ‫ثمة شيء يمكن انتظاتره من الرئيس العراقي‪ .‬وفي منتصف التسعينات ترفض كلينتون‬ ‫تمويل عمليات‬ ‫سرية لقلب النظام العراقي نظمتها وكالة الستخباترات الميركية بالتعاون مع‬ ‫المعاترضة العراقية في‬ ‫‪.‬المهجر‬ ‫وفي ‪1998‬لم يترّدد في شّن عملية قطع ترأس النظام "ثعلب الصحراء" وفي قصف‬ ‫البلد أيضًا‪ ،‬وقبل‬ ‫سنوات كان يرفض أن "يباع"‪ ،‬لكّن صدام ما لبث أن صاتر نهائيا ً غير قابل لن‬ ‫‪ُ".‬يشترى" من جديد‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة الثامنة‬ ‫ملياتردير يعاني من البخل الشديد‪ ،‬عدي مصاب بهوس إطلق الناتر ويعتز بأتربع‬ ‫ترصاصات استقرت في‬ ‫جسمه‬ ‫في ‪ 1993‬تلقيت مكالمة هاتفية من أمانة ُعدي‪ ،‬تطلب مترجما ً عن النجليزية تريده‬ ‫‪،‬في اليوم نفسه‬ ‫وفي الساعة الثامنة والنصف مساًء بالضبط‪ .‬لم يكن يهمني كثيراً أن أكون مترجما ً‬ ‫‪،‬لبن صّدام البكر‬ ‫المعروف بنزواته العنيفة‪ ،‬فأترسلت واحداً من زملئي‪ ،‬الذي أطخبرني في اليوم التالي‬ ‫أن الموتر جرت‬ ‫‪.‬على ما يرام‬


‫بعد مروتر أسبوع واحد‪ ،‬طلب عدي مترجماً مرة أطخرى‪ ،‬لكن سكرتيره أديب شعبان‬ ‫"الستاذ"‪ ،‬كما كان‬ ‫يدعوه مرؤوسوه‪ ،‬اشترط أن يكون مترجم والده ‪ -‬وهو أنا ‪ -‬هو الذي يجب أن‬ ‫‪.‬يستجيب لهذا الطلب‬ ‫‪:‬واستجبت في أدب جّم ككل موظف في الرئاسة‬ ‫‪.‬إنه لشرف عظيم لي‪ ..‬وسأكون في الموعد ‪-‬‬ ‫كان ُعدي يستعد لستقبال وفد من الميركيين من أصل عراقي الذين كانوا ل‬ ‫يتحدثون العربية‪ .‬وكان‬ ‫اللقاء بالضيوف في مقر اللجنة الولمبية التي كان يتولى ترئاستها في حي زيونة‪،‬‬ ‫وهي البناية التي‬ ‫قصفها الميركيون بكثافة‪ .‬في العادة كان ُعدي يعطي مواعيده بالقصر الجمهوتري‬ ‫في جنا‪،‬ح كبير كان‬ ‫‪.‬والده قد أهداه إياه‪ ،‬وكان مقره الرئاسي‬ ‫كان هذا البيت يطل على بهو واسع ينفتح على قاعتين للجتماعات ثم على مسبح‪،‬‬ ‫وفي الطابق‬ ‫الترضي على قاعة للرياضة البدنية‪ .‬فقد كان عدي مثل كل أعضاء السرة الصدامية‬ ‫يعشق المكان‬ ‫‪.‬الواسع الشاسع‬ ‫حين التقي ُ‬ ‫ت به‪ ،‬اكتشفت ُعديّا ً مختلفاً عن ذلك العدي الذي كنت أتخيله‪ ،‬بل لقد وجدته‬ ‫لطيفا ً وغاية في‬ ‫الوّد‪ ،‬وهو يصافحني بحراترة‪ ،‬شاكراً تلبية الدعوة‪ .‬وقد عرف كيف يجّنبني شّره‬ ‫ونزواته على مدى‬ ‫فترة التعاون التي استمرت حتى عام ‪ ،2003‬فلم يكن يجهل أنني كنت المترجم‬ ‫‪.‬الخاص لوالده‬ ‫كنت أجد مهمة الترجمة معه أقسى وأمّر من طخدمتي لصّدام نفسه بكثير‪ .‬فمع الرئيس‬ ‫كان كل شيء‬ ‫يجري في يسر ونظام‪ ،‬لكن ُعدي‪ ،‬الحاصل على دبلوم في الهندسة المدنية من جامعة‬ ‫بغداد‪ ،‬كان يّدعي‬ ‫أنه يفهم النجليزية‪ ،‬وكثيراً ما كان يقاطعني وهو يقول إنه فهم كل شيء‪ ،‬لكنه يعود‬ ‫‪:‬بعد لحظات ليقول‬


‫!ساعدني يا سمان‪ ..‬فأنت مترجمي ‪-‬‬ ‫‪.‬كان يفرط في تقدير معلوماته اللغوية‪ ،‬وكان يرطن بالنجليزية فيتكّلم بما ل يفهم‬ ‫الملياتردير البخيل‬ ‫كان ُعدي ترج ً‬ ‫ل كثير الشغال‪ ،‬فمن بين مسؤولياته الرسمية كان ترئيسا ً للتحرير في‬ ‫العديد من الجرائد‬ ‫وعضواً في البرلمان وترئيساً لنادي الجادترية‪ .‬وقلما كان يحترم المواعيد‪ .‬كنت أحيانا ً‬ ‫أضطر لنتظاتره‬ ‫ساعات طويلة مع ضيوفه من دون أن أجد ما أقوله لهم‪ ،‬فقد حد ث أن استغرق‬ ‫مسؤولون ترياضيون‬ ‫!ُكوترّيون في النوم من فرط النتظاتر‬ ‫وكان يعتذتر بالقول إن شؤونه كثيرة‪ ،‬والحال أنه‪ ،‬باستثناء قيادته لفدائيي صّدام‪ ،‬فقد‬ ‫كانت مسؤولياته‬ ‫‪.‬الطخرى قليلة الهمية‬ ‫كان معروفاً ببخله‪ ،‬فلم يكن يدفع لموظفيه سوى أجوتر زهيدة‪ .‬وبعد حصتي الثانية‬ ‫معه في الترجمة قال‬ ‫‪:‬لي أحد كّتابه‬ ‫ض عنك كثيراً وسوف يمنحك مكافأة شهرية ‪-‬‬ ‫‪.‬إّن ُعدي ترا ٍ‬ ‫لكّن المبلغ الذي وعدني به هذا السكرتير لم يأت قط‪ ،‬فقد اكتفى ُعدي بإعطائي عشرة‬ ‫دولترات عن كل‬ ‫ترجمة‪ ،‬أي نحو ُعشر ما كنت آطخذه من والده‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فقد كان يملك ثروة فاحشة‪،‬‬ ‫وكانت نفقاته‬ ‫مسجلة في ملفات‪ ،‬وبعد العتداء الذي تّعرض له في ‪ 1996‬أبعده والده عن السباق‬ ‫نحو كرسي‬ ‫الرئاسة‪ ،‬ومنحه في المقابل حصة كبرى من عائد التهريب )بترول ‪ -‬سجائر‪ ...‬إلخ(‬ ‫واليوم كل الناس‬ ‫!في العراق يتساءلون أين ذهبت ثروته الطائلة؟‬ ‫كان ُعدي على اقتناع بأنه نجا بأعجوبة‪ .‬فهل لذلك السبب كان يبّدد الموال تبديدًا؟‬ ‫في الثاني عشر من‬


‫ديسمبر ‪ 1996‬أطلق عليه قناصون متخّفون ثلثين ترصاصة اطخترقت جميعها جسمه‬ ‫بينما كان يقود‬ ‫سياترته "البوترش" في حي تراق من أحياء المنصوتر‪ .‬وقد كان في حالة موت‬ ‫إكلينيكي‪ ،‬حين وصل إلى‬ ‫مستشفى ابن سينا الكائن داطخل القصر الجمهوتري‪ .‬وكان العراق قد استفسر من‬ ‫الفرنسيين إن كانوا‬ ‫‪.‬يقبلون معالجته‪ ،‬لكّن باتريس ترفضت الطلب‬ ‫كانت فرنسا قبل ذلك بثلثة أسابيع قد استقبلت تروكان الرزوقي قائد حرس صّدام‬ ‫الذي تعّرض لحاد ث‬ ‫دماغي‪ .‬وما ان طخرج هذا الطخير من مستشفى "بيتييه سالبتريير" حتى ترا‪،‬ح يستمتع‬ ‫بحياة باتريس‬ ‫الليلية برفقة إحدى فتيات الليل في حي بيغال‪ .‬والفرنسيون لم يحبُذوا استقبال أي‬ ‫‪،‬مسؤول كبير عراقي‬ ‫‪.‬ولسيما إذا كان هذا المسؤول شخصا ً أترعن مثل ُعدي‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬فإن صلته بالطب الفرنسي هي التي أنقذته‪ ،‬فمنذ العام ‪ 1984‬كان ُعدي‬ ‫يترّدد بانتظام على‬ ‫مجّبر )أي مقّوم أعضاء( باتريسي‪ ،‬وهو طبيب عسكري سابق صاتر صديقا ً له مع‬ ‫اليام‪ ،‬ولو على‬ ‫ض بعض الشيء‪ .‬وقد أترسل له هذا الطبيب على عجل فريقا ً طبيّا ً من فرنسا‬ ‫مض ٍ‬ ‫يتكون من أتربعة‬ ‫جراحين‪ ،‬فزترعوا له طقما ً معدنياً في الرجل اليسرى ـ وهو ما حرص الميركيون‬ ‫على استعراضه‬ ‫‪.‬لتوثيق بدنه بعد الهجوم القاتل على منزل الموصل الذي لجأ إليه مع أطخيه‬ ‫ومن حادثة المنصوتر احتفظ ُعدي بأتربع ترصاصات في بدنه‪ .‬وقد كان فخوتراً بذلك‬ ‫أيما افتخاتر‪ ،‬فقد كان‬ ‫على يقين أّن ا قد أودعه مهمًة‪ ،‬فقد كان مهووسا ً بصحته‪ ،‬ولم يكن يثق بالطب‬ ‫العراقي‪ .‬ففضلً عن‬ ‫صديقه الفرنسي الذي أجرى له عملية جراحية في باتريس العام ‪ 1986‬بعد تعرضه‬ ‫للتواء في مفصل‬ ‫الرجل اليسرى أثناء مباتراة في كرة القدم‪ ،‬كان ُعدي يستشير بانتظام اطختصاصيين‬ ‫ألمانا ً في التدليك‬ ‫الطبي‪ ،‬واطختصاصية فرنسية في علم الجنس‪ ،‬وممّسدة كانت تجيئه طخصيصا ً من‬ ‫‪.‬منطقة الكاتريبي‬


‫بعض هؤلء الطختصاصين كانوا يتقاضون مبالغ كبيرة‪ :‬كان عدي يقّدم نحو مئة‬ ‫وطخمسين ألف يوترو‬ ‫مقابل ثلثة أشهر من العلج‪ ،‬لكّن هذه المهّمة لم تخل من ضغوط‪ .‬لقد قبعت‬ ‫ساحرا ُ‬ ‫ت ُعدي في فندق‬ ‫الرشيد حتى ل تتّسرب أطخباترهّن‪ ،‬ولما كَّن يعلمن بولع مريضهَّن بسحر الصبايا‬ ‫وبحساسيته لهّن‪ ،‬فقد‬ ‫آثرت بعضهَّن اصطحاب بعض ال ّ‬ ‫صبايا الممرضات معهّن إلى العراق‪ .‬وعلى هذا‬ ‫النحو أيضا ً تعر ّ‬ ‫ضت‬ ‫‪.‬العديد من طالبات جمعية فرنسا ـ العراق لنزوات ُعدي الجنسية‬ ‫استطاع ُعدي أن يعود لمشيته الطبيعية شيئا ً فشيئًا‪ ،‬فقد كان بعض الخلل في الحركة‬ ‫العضلية آطخر آثاتر‬ ‫إطلق الناتر الذي تعرض له‪ ،‬وقد كانت ترجله اليسرى إذا مشى ل تستجيب استجابة‬ ‫كاملة فتنحرف‬ ‫جانبا ً بعض النحراف‪ ،‬لكّن ُعدي كان عنيداً ومصّراً على أن يجلب من الخاترج آطخر‬ ‫ما أنتجته التقنية‬ ‫من أجهزة إعادة التقويم العضلي‪ .‬كان مدطخل مقر إقامته في القصر كثير الزدحام‪ ،‬إذ‬ ‫كان يستشير من‬ ‫‪.‬الطختصاصيين من يشاء‬ ‫وقد استقدم طخبيراً أوتروبيا ً في الدماغ كان يّدعي ابتكاتره لطريقة ثوترية في الجراحة‬ ‫الدماغية لفحص‬ ‫عضلت الرجل‪ ،‬وقد ترجم ُ‬ ‫ت حديثهما‪ :‬إذ حّذتر هذا الطخصائي الطباء العراقيين‬ ‫الموجودين حول ُعدي‬ ‫من أن العملية تنطوي على كثير من المخاطر‪ ،‬وكان هؤلء قد حّذتروا ُعدي في‬ ‫السابق من هذه‬ ‫‪:‬العملية‪ ،‬لكنه أبى إلّ أن يخالف تحفظاتهم‪ ،‬قائلً بل تفكير‬ ‫‪.‬ـ أتريد أن أطخوض هذه التجربة‬ ‫لكن الحرب ما لبثت أن قامت ولم تمهله حتى يجري تلك العملية‪ .‬غير أن ُعدي ما‬ ‫فتئ يرّدد لطبيبه‬ ‫‪:‬الفرنسي‬ ‫!ـ سأصبح عادياً عندما أستطيع أن ألعب لعبة السكواش كما كنت ألعبها من قبل‬ ‫‪.‬ـ ولكنك تعافيت‬


‫ـ لقد ُشفيت‪ ،‬ولكني حين أطلق الناتر ببندقيتي الكلشينكوف أشعر بأن ترجلي اليسرى‬ ‫لم تعد مستقرة كما‬ ‫‪.‬في السابق‬ ‫هوس اطلق الناتر‬ ‫لقد اقتر‪،‬ح عليه طبيبه أكثر من مئتي نموذج من الطقم المختلفة‪ ،‬لكّن ُعدي كان‬ ‫مصابا ً بهوس إطلق‬ ‫الناتر بالكلشنكوف بحضوتر أصدقائه في ناديه الخاص بالجادترية‪ ،‬وهو ناد تراق‬ ‫مخ ّ‬ ‫صص للنخبة‪ ،‬به‬ ‫حدائق غناء تمتد على طول نهر دجلة‪ ،‬الذي كان يرسو به قاتربه الخاص المعروف‬ ‫‪".‬باسم "القادسية‬ ‫‪.‬كان الحفل عادة ما يبدأ بأغنية وطنية يشدو بها مطرب من مّداحي صّدام‬ ‫وكلما سمع ُعدي اسم والده ترا‪،‬ح يطلق ترشقات من الطلقات على جدتران النادي‬ ‫الليلي‪ ،‬ومن حوله‬ ‫الصبايا وقد وضعن أيديهّن على آذانهَّن‪ .‬لم يكن ُعدي سوى طفل مدّلل‪ ،‬يسعى‬ ‫‪،‬للتباهي بنفسه وبوالده‬ ‫!بل ولقد جاء ذات يوم إلى النادي بسياترته "البوترش" الخردلية اللون‬ ‫ذات يوم ذهبت إلى ناديه‪ ،‬وهو مكان منّفر ل ذوق فيه‪ُ ،‬زّين بكنبات مترفة ومرايا‬ ‫كبيرة‪ .‬ويذكرك هذا‬ ‫المكان بنوادي الستينات الليلية في أوتروبا‪ .‬وعلى الرغم من ان النادي ترديء فإنه‬ ‫غاٍل ـ الشتراك‬ ‫السنوي فيه يتراو‪،‬ح ما بين مئة ألف وأتربعمئة ألف ديناتر )ما بين ‪ 50‬و ‪ 200‬دولتر(‬ ‫وفقا ً للمزايا‬ ‫المتوفرة والمسبح والمواقف المجانية‪ ..‬الخ‪ .‬وفي الجادترية‪ ،‬حيث كان يقيم أصحاب‬ ‫‪،‬النفوذ في النظام‬ ‫كان لُعدي العديد من البيوت الفخمة أيضًا‪ ..‬صالونات واسعة من المرمر ومسابح‬ ‫وأفران لشي الخرفان‬ ‫‪.‬وما إلى ذلك‬ ‫كان ُعدي سييء الذوق‪ ،‬وهو ما كان يثير الحراج أحيانًا‪ ،‬فلم يكن يزعجه أن يستقبل‬ ‫وفداً وهو يلبس‬ ‫جّبة تجاوز بدنه طو ً‬ ‫ل‪ ،‬أو بدلة بكمين مبرقشين‪ ،‬فقد كان يحب طخليط اللوان الّبراقة‪،‬‬ ‫وكل ذلك بدافع‬


‫‪.‬حب التظاهر‬ ‫وكان الولع الستحواذي بالجنس الطخر طخطيئته الكبرى‪ ،‬فقد كان أحيانا ً يهاتف‬ ‫بصوته الناعم الجهير‬ ‫‪:‬صبية مجهولة بدعوى أّن والد هذه الصبية ترجل أعمال في العراق‪ ،‬فيقول لها هامسا ً‬ ‫!عيوني‪ ،‬عيوني! عيونك حلوة ‪-‬‬ ‫لقد بلغ من الجرأة حداً جعل النساء يخشين الخروج‪ ،‬طخوفا ً من أن يقعن ضحية لنزواته‬ ‫التي تجاوزت‬ ‫كل الحدود وذات صبا‪،‬ح اتصل بي حتى يسألني كيف نترجم إلى النجليزية عباترة‬ ‫‪"!".‬أنت أموترة‬ ‫وكان يحب الدتردشة على النترنت ولكم أن تتخيلوا مع َمن‪ ،‬وقد طلب مني أيضا ً أن‬ ‫أترجم له كتابا ً‬ ‫عنوانه "كيف تقوي ذاكرتك لكي تصبح قادتراً على قراءة كتاب كامل في دقيقتين"‪.‬‬ ‫لقد أمضيت شهرين‬ ‫كاملين في ترجمة الكتيبين والشرطة الثمانية لهذه الخدعة الف ّ‬ ‫ظة‪ .‬لقد قلت له إن‬ ‫المر مجرد دعاية‬ ‫!كاذبة حتى ل يتهمني فيما بعد بأنني غششته‬ ‫كان عدي يحب الشرب ولعب القماتر‪ ،‬وكان يهوى السهر طوعا ً وعن إكراه أيضًا‪.‬‬ ‫فقد كان يعلم أن ل‬ ‫أحد يحبه‪ ،‬ولذلك كان يختفي عن أعين الناس‪ ،‬ويعزل نفسه عن عالم الواقع‪ ،‬محاطا ً‬ ‫دوما ً بنحو عشرة‬ ‫من الحراس‪ .‬وفض ً‬ ‫ل عن ذلك‪ ،‬كانت مقاتر لهوه طخالية كئيبة‪ ،‬ولم يكن يجرؤ على‬ ‫الستمتاع بحدائقه‬ ‫الخضراء لما في ذلك من طخطر على حياته‪ ،‬فلم تكن السواتر العالية المحيطة‬ ‫بممتلكاته كافية لقناعه‬ ‫‪.‬بأن يتمتع بحياته في هدوء وطمأنينة‬ ‫وقد أطخذ ُعدي نظام جهازه المني عن جهاز والده‪ ،‬حيث كان يقف أمام المبنى الذي‬ ‫يفترض أنه موجود‬ ‫فيه‪ ،‬طخمسة ٌ أو ستة حراس يحرسونه بشكل متواصل‪ ،‬بينما كان يقف ثلثة أو أتربعة‬ ‫‪.‬آطخرون من طخلفه‬ ‫‪.‬فمثل صدام اذن كان ُعدي حريصا ً على أمنه وعصيّا ً على من يحاول العتداء عليه‬


‫غير أّن ُعدي على عكس والده‪ ،‬كان حّراسه يرتدون الزي المدني ول يعرضون‬ ‫أسلحتهم‪ ،‬فهم شباب‬ ‫من البدو‪ ،‬تتراو‪،‬ح أعماترهم ما بين العشرين والخامسة والعشرين‪ ،‬ومن أصول‬ ‫تكريتية‪ ،‬قصيري‬ ‫الشعر غير مرتاحين في بدلتهم وتربطات العنق‪ ،‬ولكنهم على استعداد لترتكاب كّل‬ ‫الحماقات من أجل‬ ‫‪".‬حماية "الستاذ‬ ‫وكان أقاتربه يستفيدون من وضعهم الممّيز في ميدان العمال والصفقات والكسب‪:‬‬ ‫فقد استغل هؤلء‬ ‫عشرة ترجال أعمال فرنسيين كانوا في حاجة إلى تأشيرة في مطاتر بغداد‪ ،‬فاشترطوا‬ ‫عشرة آلف دولتر‬ ‫‪.‬من كل واحد منهم حتى يحصلوا على التأشيرة‬ ‫وقد كان الناس يّدعون أن ُعدي كان له صنو )شخص مشابه( وهو لطيف ليا من‬ ‫عائلة ميسوترة‪ ،‬وقد‬ ‫ترأينا نحن الذين نعرفه أن الشاعة غريبة‪ ،‬لكن لطيف كان يستغل بالفعل شبهه بُعدي‬ ‫للدطخول إلى‬ ‫الماكن الحساسة حتى يعاكس ويتوّدد للصبايا اللواتي يعجبنه‪ ،‬فقد كان لطيف صنواً‬ ‫‪،‬مهتّما ً بالمر‬ ‫‪.‬وهو الذي كان يّدعي أنه "نسخة" من ُعدي‪ ،‬ول أظن أّن ُعديا ً قد لجأ يوما ً لخدماته‬ ‫كان ُعدي يستقبل زائرين أجانب كل شهرين تقريبًا‪ .‬كان هؤلء في معظم الحيان من‬ ‫الوسط الرياضي‬ ‫ومن البلدان السيوية طخصوصًا‪ ،‬مدترب كاتراتيه ياباني كان يأتي ليعرض طخدماته‪،‬‬ ‫وترؤساء بعثات‬ ‫الفرق الرياضية المدعوة لبغداد‪ ،‬وكان هؤلء الزواتر أيضاً ترجال أعمال‪ ،‬بمن فيهم‬ ‫الفرنسيون‬ ‫القادمون للتماس دعم مقابل عمولت مغرية‪ ،‬وكانت المحادثات في الغالب قصيرة‪،‬‬ ‫ولم يكن ُعدي في‬ ‫‪.‬حاجة لمساعدتي‪ ،‬لن مبادئه في النجليزية كانت كافية للحديث في قضايا العمال‬ ‫فقد كان يتفق مع شركائه حول مبلغ مكافأته ويتكفل سكرتيره أديب شعبان بالبقية‪.‬‬ ‫وكان ُعدي يلتقي‬ ‫أيضاً برجال السياسة من أمثال النمساوي جوترج هايدتر الذي يتعامل معه في قضايا‬ ‫المال‪ .‬وقد جرى‬


‫العرف أن يجيء معظم ترجال السياسة إلى بغداد وبرفقتهم "مستشاتروهم" في‬ ‫‪.‬الشؤون المالية‬ ‫ويذكرني هذا بإيطالية ممثلة لحدى الشركات النفطية‪ ،‬جاءت يوما ً لتعرض ترغبتها‬ ‫في تسويق النفط‬ ‫العراقي‪ .‬وقد شرحت لي قبل لقائها بابن الرئيس المزايا التي كانت تنوي جنيها من‬ ‫‪،‬وتراء هذه الصفقة‬ ‫ففض ً‬ ‫ل عن المكافأة‪ ،‬كانت تفكر في جعل مدير الفدترالية الّرياضية العراقية يستفيد من‬ ‫علقاتها الطيبة‬ ‫‪:‬مع الفرق الرياضية‪ .‬وبعد ساعة من النتظاتر قال لها أديب شعبان‬ ‫إن السيد ُعدي يأسف لتعذتر التحد ث معك‪ ،‬وسنقوم أنا وأنت بالنظر في تفاصيل ‪-‬‬ ‫‪.‬العقد‬ ‫وقد اقترحت طخدماتي على السكرتير‪ ،‬لكنه ترفضها ولجأ إلى مترجمين مَمن يثق بهم‬ ‫‪.‬في المن الخاص‬ ‫وكان ُعدي يتدطخل في مجال التسليح البالغ الحساسية‪ .‬ويروي في هذا الشأن أنه كان‬ ‫دائم الشكوى من‬ ‫‪:‬أطخيه لدى والده‪ ،‬وقد استشاط ذات يوم غضبا ً‬ ‫ما هذا؟ أأترك أطخي يتعدى على اطختصاصي؟ ‪-‬‬ ‫وكان يتفادى اللجوء إلّي في سهراته "الخاصة" التي كان يدعو إليها فتيات الليل‪،‬‬ ‫ويستقبل فيها نساءً‬ ‫من الخاترج‪ .‬ذات يوم جاءني أديب شعبان ليسألني ُدون ذكر الّسبب إّن كنت أستطيع‬ ‫أن أنصحه بمترجم‬ ‫‪:‬للنجليزية‪ ،‬فاقترحت عليه القيام شخصياً بهذه المهمة‪ ،‬لكن السكرتير أجابني‬ ‫!ل‪ ،‬يا دكتوتر سمان إن ُعدي مصّر على أن ل يزعجك ‪-‬‬ ‫ونصح ُ‬ ‫ت بأشخاص عديدين من دون ذكر أي واحد من الشرطة السرية‪ .‬فُعدي ل‬ ‫يرضى بهؤلء طخشية‬ ‫‪.‬أن ينقلوا أطخباتره إلى والده‬ ‫غير أن ُعدي‪ ،‬عندما كان يلتقي بأطبائه الجانب‪ ،‬كان في الغالب يلجأ إلّي‪ ،‬فقد كان‬ ‫ل يثق بالطباء‬


‫العراقيين النجلوفونيين‪ ،‬لنه كان يخشى أن ل ينقلوا إليه بأمانة عتاب وملمة‬ ‫‪.‬زملئهم الجانب‬ ‫وقد تأثر في ذلك بما حد ث مع أمه ساجدة‪ ،‬فقد كان ُعدي طفلها المفضل‪ ،‬وكانت‬ ‫تنظر بعين الملمة إلى‬ ‫زواج والده الثاني بسميرة شهبندتر‪ ،‬زوجة مدير الخطوط الجوية العراقية‪ .‬كنت‬ ‫موجوداً في مستشفى‬ ‫ابن سينا عندما كان أطباء أجانب عديدون يفحصون ساجدة‪ ،‬فقد كانت تعاني من‬ ‫‪،‬التواٍء في المفاصل‬ ‫‪.‬وكان أحد الطباء العراقيين قد نصحها باستعمال الماء الساطخن لتهدئة اللم‬ ‫وحين تروت ذلك للطباء الوتروبيين قالوا لها إن كمادة من الماء الباترد أفضل ألف‬ ‫مرة‪ ،‬ومنذ ذلك‬ ‫الوقت‪ ،‬صاتر ُعدي يلح على أن أكون إلى جانبه أثناء أحاديثه مع الطباء الذين‬ ‫يعالجونه‪ ،‬فقد كان يقول‬ ‫‪:‬لي بإصراتر‬ ‫!أتريدك إلى جانبي وإل كذب علّي العراقيون ‪-‬‬ ‫ولنه لم يكن يثق بهم‪ ،‬ألّح على أن تجرى له إحدى العمليات في باتريس العام ‪.1986‬‬ ‫وكانت مجرد‬ ‫‪.‬عملية التواء مفاصل الركبة‬ ‫شطط وتعسف‬ ‫الحال ان شطط عدي وتعسفه ونزواته تعود لسنوات طفولته الولى‪ ،‬فقد كان دوما ً‬ ‫متمّرداً على‬ ‫القوانين‪ .‬وقد كان صّدام واعياً لنحرافات بكره‪ ،‬ولم يكن يجهل إساءته لصوترة‬ ‫العائلة بل وحتى‬ ‫لصوترة العراق‪ .‬وكان يعاقبه على افعاله أحيانًا‪ .‬ففي نهاية التسعينات دطخل صّدام‪،‬‬ ‫وهو في أوج الغضب‬ ‫والغيظ‪ ،‬إلى المرآب الذي كانت ت ْ‬ ‫صطف فيه سياترات ُعدي "البوترش"‪ ،‬وأعطى‬ ‫المر للمن بأن‬ ‫‪.‬يضرموا الناتر في نحو عشرين من سياتراته الفخمة‬ ‫لقد كان ُعدي طفلً ُمدلّلً دائمًا‪ .‬صحيح أن والده كان يعاقبه من حين لطخر‪ ،‬لكن ما إن‬ ‫يطلق له العنان‬


‫من جديد حتى يعود لجنونه مرة أطخرى‪ .‬كان صّدام يظّن أن ُعدي سيتعّقل ويتهذب‬ ‫يومًا‪ ،‬وقد كان حبه‬ ‫له أقوى من أن ُيلزمه جادة الحق‪ ،‬فهو ابنه البكر بل منافس ‪ -‬البكر الذي يمنحه لقب‬ ‫‪.‬أبوُعدي‬ ‫الواقع أن ُعدي لو لم يكن بهذا الشطط لكان طمع في كرسي صّدام‪ ،‬وقد أدترك‬ ‫الرئيس بعد محاولة‬ ‫الغتيال التي تعرض لها ُعدي العام ‪ 1996‬أن هذه الخطوة غير واتردة‪ ،‬وقد استبعده‬ ‫شيئا ً فشيئًا‪ ،‬مانحا ً‬ ‫إياه سلسلة من المناصب الشرفية‪ .‬وكان ُعدي يجد عزاءه في التهريب الذي كان‬ ‫ُيماترسه على مرأى‬ ‫‪.‬ومسمع من منظمة المم المتحدة وترغم أنفها‬ ‫والحقيقة أن صّدام كان يستخدم ُعدي لغراضه‪ .‬فقد كان ُعدي يستقبل الشخصيات‬ ‫التي لم يكن والده‬ ‫يرغب في مقابلتها أثناء زياترتها لبغداد‪ .‬فقد تناوب صدام وُعدي مثلً على استقبال‬ ‫الميركي لويس‬ ‫‪.‬فاترطخان‪ ،‬النشط الميركي المسؤول عن "أمة السلم"‪ ،‬والبريطاني جوترج غالواي‬ ‫وكان الرئيس يلجأ أيضا ً لصحف ُعدي ليمرتر ترسائله إلى العراقيين‪ .‬فقد تم تشجيع‬ ‫إصداتر ما سّمي‬ ‫بالصحف الخاصة‪ ،‬حيث ترأت نحو عشر دوتريات النوتر وأسبوعيات واسعة النتشاتر‬ ‫مع زوايا اجتماعية‬ ‫باترزة وأحدا ث عامة‪ ،‬وصوتر لفتيات شبه عاتريات‪ .‬وقد كانت هذه الصحف‬ ‫والسبوعيات تمَّول من‬ ‫‪.‬طخزينة حزب ُعدي‪ ،‬ويقودها أفراد من أقاتربه والمقربين إليه‬ ‫أما صحيفة "بابل"‪ ،‬ترائدة مجموعته الصحافية‪ ،‬فقد كانت واحدة من الفضاءات‬ ‫النادترة المفتوحة‬ ‫لحريات النقد وتصفية الحسابات‪ .‬وكان وزير العلم عبدالغني عبد الغفوتر قد قّرتر‬ ‫العام ‪ 1996‬إغلق‬ ‫بابل" لمدة ثلثة أيام‪ ،‬لكن النواب وفي حركة جماعية‪ ،‬ما لبثوا أن أعادوا فتح"‬ ‫‪،‬الصحيفة اليومية‬ ‫وهو ما أتا‪،‬ح لعدي أن يضيف على الصفحة الولى عنوانا ً جديداً "منشوتر بإترادة‬ ‫الشعب"‪ ،‬وما هي إل‬ ‫أيام قليلة بعد الصدوتر حتى تراحت سلسلة من المقالت تهاجم بعنف "وزيراً شبه أمّي‬ ‫يحتل مناصب‬


‫‪".‬مهمة بفضل الحزب وبفضل السيد الرئيس‬ ‫وقد أدت حملة القد‪،‬ح والتشهير هذه إلى إقالة عبدالغفوتر‪ .‬فقد ُطخّيل للوزير المسكين أنه‬ ‫قد أحسن عملً‬ ‫‪:‬حين استشاتر الرئيس قبل إغلق "بابل"‪ ،‬فأجابه صّدام قائلً‬ ‫!قول مسؤولياتك! فنحن نعيش في ديمقراطية ‪-‬‬ ‫كان ُعدي يعرف أنه قد انتهى سياسيًا‪ ،‬فقد صاتر منبوذاً إلى هذا الحّد من العراقيين‪،‬‬ ‫لدترجة أنه لو لم‬ ‫يمت برصاص الجنود الميركيين لكانت نهايته مأساوية مثل نهاية ترئيس الوزتراء‬ ‫العراقي السبق‬ ‫‪.‬نوتري سعيد‪ ،‬الذي اغتيل العام ‪ 1958‬عند سقوط الملكية‬ ‫فقد نبش قبره وأطخرجت جثته‪ ،‬وُتربطت في دتراجة ناترية وُجّرت في شواترع بغداد‬ ‫جّراً وكأنها غنيمة‬ ‫!صيد‬ ‫وعندما شاهدت جثتي ُعدي وقصي في استعراض الميركيين لهما‪ ،‬قل ُ‬ ‫ت لنفسي‪ :‬لقد‬ ‫كانت نهايتهما‬ ‫مشرفة والسل‪،‬ح في أيديهما‪ .‬فلم يكن ُعدي وُقصي يمثلن أي ترمز من الرموز في‬ ‫أعين العراقيين‪ ،‬لكن‬ ‫لو كان ألقي عليهما القبض ووضعت الصفاد في أيديهما لكان أمرهما أسوأ بكثير‬ ‫‪،‬مما لقياه من مصير‬ ‫فل شك أن الكثير كانوا سيرون في تلك النهاية إذللً زائداً بحقهما‪ ،‬أيا ً كانت‬ ‫‪.‬مشاعرنا نحوهما‬

‫سنوات صدام ـ الحلقة التاسعة‬ ‫عندما تحد ث ضيف صدام عن "الكوبرا"‪ ،‬صدام يعطي عنان محاضرة عن قانون‬ ‫حموترابي‬ ‫كنت أنتظر كوفي عنان في القصر الجمهوتري‪ ،‬كان هذا اللقاء أصعب لقاء في حياتي‬ ‫المهنية‪ .‬صحيح‬


‫أن المين العام لمنظمة المم المتحدة كان "زبونا" كأي مبعو ث عادي كما تعلمنا ذلك‬ ‫في معهد‬ ‫ايزيت" لكن الظرف كان حاسما‪ ،‬فأي فشل في مهمته كان سيؤدي إلى عواقب"‬ ‫مأساوية‪ ،‬فقد كان‬ ‫الميركيون يهددون العراق‪ ،‬وكانت الصحافة الدولية قد بدأت تتهاطل على بغداد‪ ،‬فقد‬ ‫كانت الزمة‬ ‫‪.‬الجديدة مع الوليات المتحدة تقطع أنفاس العالم منذ أسابيع عديدة‬ ‫في الثامن والعشرين من فبراير ‪ 1998‬قام عنان بزياترة لصدام من أجل إقناعه بتغيير‬ ‫مواقفه‪ ،‬فقد‬ ‫صمم بعض مفتشي نزع السل‪،‬ح في المم المتحدة‪ ،‬الواثقين بأن صدام كان يخفي‬ ‫أسلحة للدماتر الشامل‬ ‫في قصوتره‪ ،‬على أن يفتشوا هذه القصوتر‪ ،‬لكن صدام ظل يرفض ما كان يعتبره‬ ‫‪.‬تدطخل عن غير حق‬ ‫كانت عمليات التفتيش الولى في العراق قد بدأت في ‪ .1991‬وكان طخبراء المم‬ ‫المتحدة قد دمروا‬ ‫كميات هائلة من المكونات التي يمكن أن تدطخل في صناعة السلحة المحظوترة‪ ،‬لكنهم‬ ‫في النهاية لم‬ ‫يكتشفوا الكثير مما كانوا يبحثون عنه‪ ،‬وبالتحديد "الجوهرة النادترة" في الترسالة‬ ‫العراقية‪ ،‬التي كانوا‬ ‫يثيرون حولها ضجيجا كثيرا‪ ،‬لكن الميركيين ما فتئوا يلحون على مواصلة "حر ث"‬ ‫‪.‬البلد حرثا‬ ‫ولم تغير موقف الميركيين هذا استقالة ترئيس بعثة مفتشي نزع السل‪،‬ح‪ ،‬السويدي‬ ‫ترالف إيكيوس الذي‬ ‫اعترف قبل ذلك بعام واحد‪ ،‬أي العام ‪ 1997‬بأن طخمسة وتسعين بالمائة من مهمته‬ ‫التفتيشية في‬ ‫‪.‬العراق قد انتهت نهائيا‪ ،‬فقد اعتدنا في النهاية على هذه اللعبة التافهة‬ ‫لكن هل كانت الخمسة بالمائة المتبقية من التفتيش تشكل حقا تهديدا للمنطقة‪ ،‬ومن‬ ‫باب أولى على‬ ‫الوليات المتحدة تحديدا؟ بالطبع ل! فاليوم نسمع مفتشين سابقين يقرون بتلك الحقيقة‪،‬‬ ‫لذلك كان على‬ ‫أميركا أن تجد ذتريعة أطخرى حتى تثقل الملف العراقي‪ ،‬فقد صاتر الميركيون يقولون‬ ‫إن الحصاتر لن‬


‫يرفع عن العراق إل حين يغادتر صدام السلطة‪ ،‬فقد كانت الطاحة به في الواقع هي‬ ‫هدفهم السياسي‬ ‫‪.‬الوحيد‪ ،‬وكانوا في حاجة إلى معلومات حديثة حول جهازه الوقائي‬ ‫وكان بيل كلينتون يزيد الطين بلة بما كان يشيعه من تصوترات حول اتساع قصوتر‬ ‫صدام‪ ،‬فقد ادعى أن‬ ‫بعض الجنحة قد حولت إلى وترشات لصناعة الجمرة الخبيثة‪ ،‬فقد كان كلينتون‬ ‫المتوترط في علقته‬ ‫الجنسية مع مونيكا لوينسكي‪ ،‬في حاجة إلى استعادة الرأي العام لصالحه‪ ،‬ولم يكن‬ ‫ترئيس البيت‬ ‫البيض يجهل أنه بطلبه الدطخول إلى القصوتر الرئاسية‪ ،‬سيلمس نقطة حساسة عند‬ ‫الرئيس‪ .‬ألم يوضح‬ ‫صدام قبل ذلك ببضعة أشهر "الحصاتر سوف يرفع‪ ،‬أيا كان الثمن‪ ،‬وسواء أعجب‬ ‫ذلك الوليات المتحدة‬ ‫أو لم يعجبها!"؟! فقد كانت المواجهة تبدو محتومة ل محالة‪ ،‬وكان العراق على ما‬ ‫يبدو هو المحرض‬ ‫‪.‬على الزمة‬ ‫في أكتوبر ‪ 1997‬كنا قد اشترطنا ترحيل المفتشين الميركيين‪ ،‬فقد كان بعضهم‬ ‫جواسيس لحساب وكالة‬ ‫الستخباترات الميركية أو في طخدمة استخباترات البنتاغون‪ .‬فقد اعترف ترسميون‬ ‫أميركيون بتلك‬ ‫الحقيقة بعد ذلك ببضعة أشهر‪ ،‬لذلك فقد كان المخرج الوحيد من المأزق الذي طوقنا‬ ‫به المنطق‬ ‫الميركي ‪ -‬أي الرفض الكامل لرفع الحصاتر ‪ -‬هو أن يتبنى العراق موقف التحدي‬ ‫‪.‬والستفزاز‬ ‫فقد ترا‪،‬ح العراق يصعد الضغط حتى يضع أقدامه على أترضية سياسية‪ ،‬لكن منظمة‬ ‫‪،‬المم المتحدة‬ ‫وبسبب سوء نية أعضاء مجلس المن‪ ،‬ما فتئت ترفض اللتزام بهذا المسلك‪ ،‬فلم‬ ‫ترغب منظمة المم‬ ‫المتحدة يوما‪ ،‬تحت ضغوط الميركيين والبريطانيين على الخصوص‪ ،‬أن ترد على‬ ‫‪،‬السؤال الساسي‬ ‫وهو‪ :‬هل كان العراق يشكل في نهاية التسعينيات طخطرا على أمن المنطقة‬ ‫واستقراترها؟ لن المنظمة لو‬ ‫!كانت تردت على السؤال لكانت الجابة‪ :‬ل‪ ...‬حتما‬


‫ساعتها قلت لنفسي‪" :‬مسكينة منظمة المم المتحدة هذه التي يتملقها الميركيون اليوم‬ ‫حتى يتخلصوا‬ ‫من مصاعبهم في العراق‪ ،‬بعد أن استغلوها أسوأ استغلل ثم أهملوها بكامل الغطرسة‬ ‫والكبرياء"‪ ،‬ففي‬ ‫تلك الثناء كان غياب جرد كامل لترسانة العراق يفسح المجال لكل التجاوزات‬ ‫والمناوترات‪ .‬وقد أدتركنا‬ ‫ذلك بالفعل العام ‪ 2002‬عندما أثبت الميركيون وأصدقاؤهم البريطانيون عدم قدترتهم‬ ‫على إسناد ملف‬ ‫‪.‬اتهام صدام بصلته مع شبكة القاعدة‬ ‫ومما ل شك فيه أن كوفي عنان لم يكن يجهل أي شيء من كل ذلك‪ ،‬عندما وصل إلى‬ ‫بغداد‪ ،‬فقد‬ ‫أطخرجت له وكالت منظمة المم المتحدة العديدة في العراق كميات هائلة من‬ ‫‪.‬المعلومات‬ ‫وقد كان يعرف أيضا التدهوتر البطيء والمنتظم للوضعية النسانية في البلد ولبنياتها‬ ‫التحتية‪ ،‬على‬ ‫الرغم من القراتر المسمى بـ "النفط مقابل الغذاء"‪ ،‬ولم يكن يجهل أيضا الكوابح‬ ‫والعوائق التي كانت‬ ‫الوليات المتحدة وبريطانيا تفرضانها على لجنة العقوبات في المم المتحدة في‬ ‫نيويوترك في مسألة‬ ‫‪.‬توزيع العقود على الشركات الجنبية الراغبة في المتاجرة قانونا مع بغداد‬ ‫كلم عن الكوبرا‬ ‫لقد كان صدام يصر دائما على أن تترجم أقواله من قبل عراقيين‪ ،‬ترافضا ترفضا‬ ‫قاطعا المترجمين‬ ‫المرافقين لضيوفه الجانب‪ .‬فقد كانت أسباب المن والفعالية هي المحرك لهذا المبدأ‬ ‫الصاترم‪ ،‬ولم يكن‬ ‫مستبعدا بالفعل أن يدلي بعض محدثيه بأقوال معادية للعراق قد ل يجرؤ المترجم‬ ‫الجنبي على ترجمتها‬ ‫‪.‬ترجمة وافية‪ ،‬فقد كنا نحن العراقيين نعلم أن صدام كان يحب سماع كل شيء‬ ‫في العادة كنا مترجمين اثنين‪ ،‬وفي تلك المرة كنت وحدي‪ ،‬فقد تعرض زميلي‬ ‫إبراهيم جلل لحاد ث سير‬ ‫على طريق القصر‪ .‬وكان مدير التشريفات قد سألني إن كان غيابه ل يعوق عملي‪،‬‬ ‫فأجبته بأنني سأتدبر‬


‫أمري‪ ،‬وبشكل عام كنت أعد ترجماتي بالبحث في ماضي ضيف صدام والبلد الذي‬ ‫يمثله‪ ،‬فقد كان هذا‬ ‫البحث يوفر علي الوقوع في أطخطاء طخرقاء‪ ،‬ل سيما إذا كان هؤلء الضيوف قادمين‬ ‫من الدول الصغيرة‬ ‫‪.‬التي ل نعرف عنها الشيء الكثير‬ ‫أذكر مثل أنني قبل زياترة الرئيس عبدا ترئيس جزتر القمر الولى لبغداد‪ ،‬كنت قد‬ ‫تصفحت إحدى‬ ‫الموسوعات واكتشفت أن )جزتر القمر( تشتهر بفاكهة تسمى "كوبرا" باسم الحية‬ ‫الشهيرة‪ ،‬وفي اليوم‬ ‫التالي حين سأله صدام عما جاء به من اقتراحات في إطاتر المبادلت الثنائية‪ ،‬تحد ث‬ ‫ضيفه عن‬ ‫‪.‬الكوبرا"‪ ،‬فحمدت ا أنني كنت أعرف أنه لم يكن يتحد ث عن الحيات"‬ ‫أما مع كوفي عنان فلم يكن العداد في حالته يجدي نفعا‪ ،‬فقد كنت أعرف الموضوع‬ ‫جيدا‪ ،‬ففي كل يوم‬ ‫تقريبا كنت أعد للرئيس تقاترير حول مواقف منظمة المم المتحدة في الشأن العراقي‪،‬‬ ‫وقد اكتفيت بـ‬ ‫‪.‬مراجعة" القراترات المتخذة منذ العام ‪ 1990‬تفاديا للوقوع في طخطأ الترقيم"‬ ‫كنت قبل بداية اللقاء أسأل كوفي عنان إن كان يرغب في التحد ث بالنجليزية أم‬ ‫بالفرنسية‪ ،‬ولما كان‬ ‫أعضاء وفده يجيدون لغة شكسبير بشكل أفضل‪ ،‬فقد أجابني بأنه سيتحد ث‬ ‫بالنجليزية‪ .‬في بداية‬ ‫الحديث وتلطيف للجو ترا‪،‬ح صدام وكوفي عنان يتبادلن بعض المزا‪،‬ح‪ .‬وفي هذا‬ ‫السياق هنأ المين العام‬ ‫للمم المتحدة الرئيس على تربطة العنق ذات اللوان الزاهية‪ .‬وقد كنت قلقا وفخوترا‬ ‫وأنا أعيش هذه‬ ‫‪.‬اللحظات المهمة‬ ‫كان كوفي عنان محاطا بالعديد من المستشاترين‪ ،‬وكان صدام حسين محاطا بطاترق‬ ‫عزيز‪ ،‬المحرك‬ ‫الرئيسي للصلت مع منظمة المم المتحدة‪ ،‬وعبد حمود سكرتيره الشخصي‪ .‬في‬ ‫بدايات الحواتر تركز‬ ‫كوفي عنان على العواقب النسانية المترتبة على استمراتر الحصاتر المفروض على‬ ‫العراق‪ ،‬واستحضر‬


‫تاتريخ بلد ما بين النهرين‪ ،‬وأزا‪،‬ح الجوانب السياسية للزمة إلى المحل الثاني من‬ ‫الحديث‪ .‬وقد تحد ث‬ ‫‪".‬عن "الدم العراقي الذي كان ينبغي أل يسيل من جديد‬ ‫وقد تأثر صدام لقوال محدثه أيما تأثر‪ ،‬وأدترك أن وتراء المين العام لمنظمة المم‬ ‫المتحدة كان يخاطب‬ ‫ترجل حريصا على إنسانية الشعب العراقي وترفاهه‪ .‬فقد كان ضيفه يتحد ث بصوت‬ ‫ناعم ل غلو فيه ول‬ ‫‪.‬تهديد‪ ،‬وهكذا سرعان ما سرى تياتر النسجام ما بين الرجلين‬ ‫وقد بدأ صدام‪ ،‬الحريص دوما على أن يعي كل ضيف من ضيوفه أنه يقف على بلد‬ ‫ليس كأي بلد‬ ‫إفريقي أو في الشرق الوسط‪ ،‬بدأ حديثه كعادته بمقدمة طويلة عن تاتريخ العراق‬ ‫العريق‪ .‬فهنا في‬ ‫العراق حرتر النسان أول قانون مدني‪ ،‬قانون حموترابي‪ ،‬الذي أسس المساواة ما بين‬ ‫‪،‬الرجال والنساء‬ ‫‪:‬ثم دطخل في تفاصيل بيانه حول صلب الملف العراقي قائل‬ ‫ـ ليس من المنطق أن يخفي بلد‪ ،‬أي بلد‪ ،‬أسلحة للدماتر الشامل في قصوتره‪،‬‬ ‫‪،‬فالميركيون يعرفون هذا‬ ‫أنظروا كم هم يبالغون‪ ،‬ولو من حيث المساحة‪ ،‬ففي ترأيهم أن القصوتر تغطي ثمانين‬ ‫كيلو مترا مربعا‬ ‫بينما المساحة الحقيقية ل تتعدى واحدا وثلثين كيلومترا مربعا‪ .‬إن هدفهم هو‬ ‫التجسس على العراق‬ ‫وانتزاع معلومات ل يسعهم الحصول عليها إل عن طريق هذا السلوب‪ ،‬إنها مجرد‬ ‫مناوترة تجسسية ل‬ ‫‪.‬بد من أن نتصدى لها‬ ‫كان صدام يكثر من استعمال كلمة "كرامة"‪ ،‬فقد أطال الحديث عن السيادة الوطنية‪.‬‬ ‫‪:‬وقال‬ ‫ـ إذا أصر الجانب على الدطخول إلى القصوتر الرئاسية التي هي في الواقع ملكا‬ ‫للشعب‪ ،‬فإنهم بذلك‬ ‫سيسيئون إلى كرامة العراقيين كافة‪ ،‬ونحن على اقتناع بأنه حتى وإن ترضخنا‬ ‫واستسلمنا‪ ،‬فسوف‬ ‫يتذترع الميركيون بمبرترات أطخرى حتى ل يرفع الحصاتر عنا‪ ،‬إذن ما الذي يجبرنا‬ ‫على القبول؟‬


‫‪:‬وكان طاترق عزيز ل يرى إل ما يراه القائد‪ ،‬وقد ترد عليه كوفي عنان قائل‬ ‫ـ إننا نعلم أنكم ل يمكن أن تخفوا أسلحة محظوترة في هذه القصوتر‪ ،‬لكن علينا أن‬ ‫نثبت أنكم ل تملكون‬ ‫‪.‬أي سل‪،‬ح محظوتر‪ ،‬إنها مسألة شكلية‬ ‫وقد كان كوفي عنان يقر‪ ،‬من دون العتراف بذلك صراحة‪ ،‬أن ثمة مناوترة أميركية‪،‬‬ ‫وتابع حديثه‬ ‫‪:‬يقول‬ ‫ـ كلنا يتحد ث عن حسن نية‪ ،‬إن القراترات التي سنتخذها اليوم سوف يكون لها أثر‬ ‫حاسم على مستقبل‬ ‫شعبكم‪ ،‬لكن إذا كان البعض يبدون سوء النية فل يجوز أن ندعهم يجرون العالم نحو‬ ‫كاترثة‪ ،‬علينا أن‬ ‫‪.‬نبذل جهدا وأن نشعل ناترا مضادة‬ ‫وقد حرص على أل يذكر الميركيين بالسم‪ ،‬لكن التلميح كان واضحا شفافا‪ ،‬وقد‬ ‫‪:‬أضاف قائل‬ ‫ـ ثم أنت محام‪ ،‬وتعرف أن الدطخول إلى القصوتر قد صاتر من الناحية القانونية مدترجا‬ ‫ضمن قراترات‬ ‫‪.‬المم المتحدة‪ ،‬فل طخياتر أمامك سوى القبول حتى وإن كنت غير تراض عن القراتر‬ ‫‪.‬وقد تردد كوفي عنان هذه الجملة مرات عديدة‪ ،‬حتى أغاظ ذلك صدام‬ ‫‪.‬ـ سمان‪ ،‬قل له إنه حتى وإن كنت أحمل شهادة في القانون‪ ،‬فلم أكن يوما محاميا‬ ‫كان صدام ينظر إلى نفسه كرجل دولة‪ ،‬وليس كرجل قانون غامض‪ .‬كانت تلك لحظة‬ ‫‪،‬غضبه الوحيدة‬ ‫لكن الحواتر‪ ،‬على الرغم من لهجته الهادئة‪ ،‬فقد ظل متعثرا‪ ،‬وما فتئ الرئيس يردد‬ ‫‪:‬بل كلل‬ ‫ـ أنت على حق‪ ،‬ولكننا بلد ذو سيادة‪ ،‬فلو ترضخنا اليوم فسوف يطلب منا الميركيون‬ ‫غدا تنازلت‬ ‫جديدة‪ ،‬ولن يكتفوا بذلك‪ ،‬إذن لماذا التنازل مرة أطخرى؟‬


‫وقد أضاف صدام إلى هذه القوال جملة ما فتئت تلزم أحاديثه على مدى سنوات‬ ‫حكمه الثنتين‬ ‫‪:‬والعشرين‬ ‫‪.‬ـ نحن ترجال مبادئ‪ ،‬ول نقبل بأي أمر يفرض علينا بالقوة‬ ‫غياب المرونة‬ ‫كان انعدام المرونة سمة ترئيسية في طبعه‪ ،‬فحتى آطخر لحظة‪ ،‬وإلى أيام قليلة قبل‬ ‫بداية الحرب‪ ،‬لم يقدم‬ ‫أي تنازل‪ ،‬ضاتربا عرض الحائط بالهجرة التي اقترحت عليه لتجنب الصراع مع‬ ‫‪.‬الوليات المتحدة‬ ‫بعد ساعة ونصف الساعة من الحواتر‪ ،‬بحضوتر الوفدين‪ ،‬التفت كوفي عنان نحوي‬ ‫‪:‬وهو يقول‬ ‫‪.‬ـ اسأل صدام حسين إن كنا نستطيع مواصلة الحديث في جلسة مغلقة‬ ‫ما لبث صدام أن أعطى موافقته‪ ،‬وأمر بأن ينسحب الوفدان من المكان‪ ،‬وأصر كوفي‬ ‫عنان على أن‬ ‫‪:‬يهنئني أمام صدام قائل‬ ‫‪.‬ـ أنت محظوظ بمثل هذا المترجم الجيد‬ ‫ومن باب التواضع ليس إل اكتفيت بشكره‪ ،‬وقد حدق فّي كوفي عنان قبل أن يضيف‬ ‫إن كلمه غير‬ ‫‪:‬موجه لي بل للرئيس‪ ،‬ولم أجد بدا من ترجمة هذه الكلمات‪ ،‬وقد ترد عليه صدام قائل‬ ‫‪.‬ـ قل له إننا نعرف ذلك‬ ‫وظل كوفي عنان وصدام وأنا واقفين بعض اللحظات‪ .‬وهما يسيران تبادل بعض‬ ‫أحاديث الظرف‪ ،‬فقد‬ ‫انشغل صدام كثيرا براحة إقامة ضيفه وبمدة إقامته الدقيقة‪ .‬وبعد أن عرض عليه‬ ‫سيجاترا تواصل‬ ‫الحواتر‪ .‬كنت أتوقع أن يقدم كوفي عنان اقتراحا للخروج من الطريق المسدود‪ ،‬لكنه‬ ‫استمر في التركيز‬ ‫‪.‬على الجانب النساني للزمة‬


‫ـ لندع جانبا وظيفتي باعتباتري المين العام لمنظمة المم المتحدة‪ ،‬ولنتحد ث ترجل‬ ‫لرجل‪ ،‬لنفكر في‬ ‫مصلحة شعبك‪ ،‬ونتساءل كيف نستطيع أن نحبط ما تسمونه ب"المكائد الميركية"‪،‬‬ ‫ونخدم قضية‬ ‫السلم التي نتمسك بها نحن الثنان؟ إن هدف الميركيين هو أن يجعلوكم ترفضون‬ ‫كل اتفاق على‬ ‫‪.‬الدطخول إلى القصوتر‪ ،‬إن ترفضكم يمنحهم الذتريعة لضربكم‬ ‫وقد علمنا فيما بعد أن مادلين أولبرايت‪ ،‬وزيرة طخاترجية بيل كلينتون‪ ،‬قد اتصلت به‬ ‫هاتفيا مرات عديدة‬ ‫أثناء إقامته في بغداد‪ ،‬فقد كانت توجه له أوامر بعدم توقيع أي شيء مع العراق‪،‬‬ ‫وكان ذلك دليل جديدا‬ ‫‪.‬على ترغبة الميركيين بتخريب مهمة آطخر فرصة لتفادي الزمة‬ ‫وحتى يبرتر ترفضه للستسلم‪ ،‬ترا‪،‬ح صدام يركز على سلوك مفتشي المم المتحدة‬ ‫‪.‬لنزع السلحة‬ ‫ـ هؤلء ل هم لهم سوى إيجاد المزيد من المشكلت مع العراقيين‪ ،‬فهم يطلبون منا‬ ‫‪،‬أشياء غير مقبولة‬ ‫‪.‬وهم يعلمون جيدا أننا سنرفضها‪ ،‬إنهم يريدون الزمة‬ ‫أحد هؤلء المفتشين وهو سكوت تريتر‪ ،‬ترئيس البعثة "الردع" كثيرا ما كان موضع‬ ‫انتقاد بسبب‬ ‫سلوكات ترعاة البقر التي كان يسلكها‪ ،‬فقد توجه مع فريقه من دون إعداد سابق إلى‬ ‫أحد معسكرات‬ ‫الحرس الجمهوتري في عز الليل‪ ،‬وطلب منهم أن يفتحوا له باب مدطخل المعسكر‪ ،‬وقد‬ ‫انتظر المفتشون‬ ‫نصف ساعة كاملة قبل أن يحصلوا على إذن بالدطخول‪ ،‬وهو ما جعل تريتر يردد بأن‬ ‫العراقيين قد‬ ‫‪.‬استغلوا هذا النتظاتر حتى ينقلوا سرا السلحة المحظوترة‬ ‫ومع ذلك فقد كان قد أبرم بروتوكول بين المم المتحدة وبغداد مفاده أن العراقيين‬ ‫ينبغي أن يخطروا‬ ‫‪.‬مسبقا بزياترات مفتشي نزع السلحة‬


‫وقد فوجئنا بعد مروتر سنتين‪ ،‬العام ‪ ،2000‬أن تريتر قد غير مبادئه وعاد إلى العراق‬ ‫ليدافع عن‬ ‫قضيتنا‪ ،‬ويقول بصوت عال بأن عملية نزع السل‪،‬ح كانت شبه كاملة‪ ،‬لكننا لم نأمن‬ ‫جانبه‪ ،‬فهل صاتر‬ ‫الجاسوس القديم الناطق باسمنا؟ لقد تصوترناه يلعب هذه المسرحية حتى يتا‪،‬ح له‬ ‫المزيد من التجسس‬ ‫‪.‬علينا‬ ‫وقد لمح صدام إلى هذا النوع من النزلق من دون أن يذكر سكوت تريتر بالسم‪ ،‬فلم‬ ‫يكن يحب الدطخول‬ ‫‪.‬في تفاصيل السماء مع محدثيه‪ ،‬فقد كان دوما يضع نفسه على مستوى المبادئ‬ ‫ـ أتريدون‪ ،‬مع هذا النوع من السلوك‪ ،‬أن أدع المفتشين يدطخلون إلى القصوتر؟‬ ‫تصوتروا قليل ما الذي‬ ‫‪.‬يمكن أن يفعلوه في داطخل هذه القصوتر‬ ‫‪:‬وقد ترد عليه كوفي عنان قائل‬ ‫ـ إنهم أشخاص قد يرتكبون أطخطاء‪ ،‬وإطاتر مهمتهم إطاتر واضح ومحدد‪ ،‬لكن الفراد‬ ‫أحيانا يتصرفون‬ ‫‪.‬بكيفية غير محسوبة‪ ،‬وتأكدوا أن منظمة المم المتحدة ل تكفل هذا النوع من السلوك‬ ‫بكثير من الحذق ترا‪،‬ح المين العام للمم المتحدة يبرئ منظمته‪ ،‬بإلقائه مسؤولية‬ ‫النحرافات على‬ ‫الفراد‪ ،‬وقد أعطى الضمان بأن أي تفتيشات محتملة سوف تجرى بل أية سلوكات‬ ‫‪.‬استفزازية‬ ‫ـ علينا أن نأطخذ بالعتباتر أن المر يتعلق بمواقع حساسة‪ ،‬وبأماكن تتميز بقيمة ترمزية‬ ‫عالية‪ ،‬فل يمكن‬ ‫أن نزوترها كما نزوتر وزاترة من الوزاترات‪ ،‬وينبغي أن يتلقى مفتشونا تعليمات في‬ ‫‪.‬هذا التجاه‬ ‫الحفرة تتعمق‬ ‫على الرغم من استمراتر الحديث ثل ث ساعات كاملة ما بين الرجلين‪ ،‬فلم يظهر أي‬ ‫بصيص من النوتر‬


‫في نهاية النفق‪ .‬في نفسي كنت أفكر بأن الحفرة ما فتئت تتعمق وتتعمق‪ ،‬فالجلسة‬ ‫السرية ما بين‬ ‫الرجلين لم تضع على السطح أية أفكاتر جديدة قادترة على فك عقدة الزمة‪ ،‬فقد ظل‬ ‫صدام يرفض‬ ‫‪:‬التنازل عن مواقفه‪ ،‬لذلك فقد دهشت أيما اندهاش وقد ترأيته يعلن التنازل فجأة‪ .‬فقال‬ ‫ـ بعد أن عرضتم علي القضية على هذا النحو‪ ،‬وبدا لي منكم أنكم قد فكرتم في كامل‬ ‫الحتمالت‪ ،‬فإنني‬ ‫أثق في منظمة المم المتحدة الثقة التي تجعلنا نحترم التفاق المبرم بيننا احتراما‬ ‫صاترما‪ ،‬لكن يجب أن‬ ‫تعلموا أنني أفعل ذلك على مضض‪ ،‬وإني لعلى يقين أن الميركيين سوف يختلقون‬ ‫ذترائع جديدة‪ ،‬فلديهم‬ ‫الترادة في ضربنا‪ ،‬وهذا التفاق لن ينهي طخلفنا‪ .‬ولكن وكما طلبتم مني‪ ،‬فلن أمنحهم‬ ‫المبرتر الذي‬ ‫‪.‬يبحثون عنه من أجل ضرب العراق‬ ‫وحتى نثبت مرة أطخرى حسن نوايانا سنقبل باقتراحكم‪ ،‬وإنها لمجاملة منا تجاهكم‬ ‫طالما أنكم كلفتم‬ ‫نفسكم مشقة الرحلة حتى بغداد‪ .‬وترأيت طلعة كوفي عنان وقد عله البتهاج‪ ،‬فقد‬ ‫‪.‬صاتر يشع بالفرحة‬ ‫وقد تراودني الحساس بأنه قد يرتمي في حضن صدام ويقبله‪ ،‬فقد أوشك أن يفقد كل‬ ‫أمل في جعله‬ ‫‪.‬يتراجع عن مواقفه‬ ‫في الواقع كان صدام قد أعد ضربته‪ ،‬ففي مجرد استقباله للمين العام اشاترة لنواياه‪.‬‬ ‫لقد كان تسلسل‬ ‫هذا الحديث المطول ينطبق على سيكولوجية الرئيس‪ ،‬فقد كان فكره معقدا وملتبسا‪،‬‬ ‫وكان‪ ،‬باللتفاف‬ ‫حول الموضوع من دون الدطخول في صميم الشياء‪ ،‬يفضل أن يعطي النطباع أو‬ ‫يوحي بأنه يقدم حل‬ ‫‪.‬وسطا بدل من أن يوافق مباشرة على المقترحات المقدمة إليه‬ ‫طخلل ذلك اللقاء اقتر‪،‬ح صدام أن يرافق المفتشين دبلوماسيون محنكون لتفادي أي‬ ‫انزلق‪ .‬كانت الفكرة‬ ‫مطروحة‪ ،‬وكان العراقيون قد أكدوا النقاط التي يمكن أن يتفقوا عليها مع منظمة المم‬ ‫المتحدة‪ ،‬ومنها‬ ‫‪.‬الفكرة التي اقترحها صدام‬


‫في هذا الشأن تم إعداد مسودة اتفاق قبل اللقاء‪ .‬وقد صدق الرجلن على مبدأ أن ل‬ ‫يقوم المفتشون‬ ‫بأي زياترات مفاجئة‪ ،‬وبأن كل تفتيش يجب أن يعلن عنه مسبقا وبشكل دقيق‪ .‬وقد قبل‬ ‫صدام أيضا‬ ‫‪.‬بتشكيل فرق الدبلوماسيين حتى تدطخل التفاقات الموقع عليها حيز التطبيق بل تأطخير‬ ‫في الجلسة المغلقة نفسها تصافح الرجلن بحراترة‪ ،‬فقد أعطى صدام فرصة للسلم‬ ‫أعلن من طخللها أنه‬ ‫لم يخف شيئا‪ ،‬وقد كان كوفي عنان الرابح الكبر من الزمة‪ .‬وترد فعل الداترة‬ ‫الميركية المحرجة كاف‬ ‫‪.‬للتدليل على ذلك‬ ‫ترى لماذا قبل صدام في النهاية أن يلين موقفه؟ فضل عن احترامه للصول‪ ،‬فقد‬ ‫وجد صدام نفسه أمام‬ ‫متحد ث قد فهم الحقيقة بينما لم يكن قد التقى به من قبل قط‪ ،‬فقد تمكن كوفي عنان من‬ ‫أن يفرض مناطخا‬ ‫وديا‪ .‬لم يأت إلى بغداد لكي يعطي دتروسا‪ ،‬ولم يسع إلى اللعب بالمشاعر‪ ،‬وقد طخاطب‬ ‫في صدام حسين‬ ‫‪.‬نواياه‪ ،‬وبذلك أثبت أنه دبلوماسي غير عادي‬ ‫ول شك أن في هذا الحديث عبرة‪ ،‬فاطختياتر الجلسة المغلقة كان تركيزا على البعد‬ ‫الشخصي للقاء‪ ،‬بينما‬ ‫في الساس لم يغير هذا اللقاء شيئا‪ ،‬فقد عرف كوفي عنان كيف يمد‪،‬ح ويطري ذاتية‬ ‫صدام‪ ،‬مقدما بذلك‬ ‫‪.‬الدليل على أن هذا الطخير لم يضع‪ ،‬تعسفا‪ ،‬أي عائق في طريق أي حل معقول‬ ‫ومزيد من الحواتر معه أمر ممكن جدا شريطة أل يحكم عليه مسبقا‪ .‬الشيء نفسه كان‬ ‫يمكن أن يحد ث‬ ‫ثانية العام ‪ ،2003‬لكن هذه المرة كان الميركيون ناقمين على كوفي عنان‪ ،‬وكانوا‬ ‫يسعون إلى الحرب‬ ‫‪.‬بأي ثمن بعد أن لم يبق عندهم شيء يتفاوضون حوله‬ ‫‪:‬على إثر هذا الحواتر كنت منهكا‪ .‬عند طخروجنا أمسك صدام حسين يدي وقال لي‬ ‫‪.‬ـ سمان! لقد أديت عمل جيدا‪ .‬فل شك أنك متعب‬


‫ل قواعد مع صدام‬ ‫أما طاترق عزيز‪ ،‬الذي ما لبث أن التحق بنا‪ ،‬فقد مدحني هو الطخر ببضع كلمات‬ ‫ودية‪ ،‬ثم طلب الرئيس‬ ‫من مصوتره الشخصي أن يأطخذ لنا صوترا معا‪ .‬واعتقدت أنني سأقبض مكافأة مجزية‪،‬‬ ‫فقد كنت أنوي‬ ‫تغيير السياترة‪ .‬ففي العادة كان عبد حمود‪ ،‬كلما كانت ثمة ترغبة في مكافأتي‪ ،‬يسلمني‬ ‫ترسالة لكي‬ ‫أسلمها بدوتري إلى المحاسب‪ ،‬غير أنني لم أستلم شيئا مما توقعته‪ ،‬إلى أن جاء اليوم‬ ‫التالي‪ ،‬فمنحت ما‬ ‫يعادل ثمانين دولترا‪ ،‬وهو مبلغ زهيد مقابل مهمة غاية في الهمية‪ ،‬وكانت الحجة أن‬ ‫ل قواعد مع‬ ‫‪.‬صدام‬ ‫بعد مضى بضعة أسابيع كلفت بمرافقة عبد حمود والمفتشين بصفة مترجم ترسمي‪.‬‬ ‫وقد كانت الرئاسة‬ ‫تحمل القضية على محمل من الجد‪ .‬لم يكن صدام يريد الكتفاء بتقرير الوزتراء‬ ‫الموجودين أثناء‬ ‫عمليات التفتيش‪ ،‬من أمثال عامر ترشيد الذي وضع على ترأس إداترة البترول‪ .‬وقد‬ ‫قمنا بزياترة كل‬ ‫القصوتر‪ ،‬قصوتر العاصمة وقصوتر المحافظات على السواء‪ ،‬وكان طاترق عزيز‬ ‫وأحمد حسين ترئيس‬ ‫‪.‬الديوان يلتحقان بنا من حين لطخر‬ ‫ولن أطخفي أن مهمة التفتيش قد جرت في جو كامل من المزا‪،‬ح‪ .‬فقد كان السفراء‬ ‫المكلفون بمراقبة‬ ‫المفتشين‪ ،‬الموزعين على مختلف المواقع‪ ،‬يتبادلون النكات‪ .‬في المقابل كان مفتشو‬ ‫نزع السل‪،‬ح‬ ‫يؤدون عملهم بعناية‪ .‬فقد انشغلوا في الواقع بإعداد مخططات القامات الرئاسية أكثر‬ ‫مما انشغلوا‬ ‫بتفتيش تلك المقاتر‪ .‬ومن تصرفاتهم اقتنعنا بأن هذه الزياترات لم تكن سوى ذتريعة‬ ‫لتصعيد الخلف ما‬ ‫‪.‬بين الميركيين والعراقيين‬ ‫وحين تعرضت هذه القصوتر الخالية بعد ثمانية شهوتر للقصف المكثف‪ ،‬أدتركنا الهدف‬ ‫الحقيقي من تلك‬


‫المناوترة‪ ،‬أل وهو التعرف بشكل أفضل على مخططات القصوتر حتى يتسنى ضرب‬ ‫أهم ترموز السلطة‬ ‫‪.‬من دون أي مجازفة‬


Issuu converts static files into: digital portfolios, online yearbooks, online catalogs, digital photo albums and more. Sign up and create your flipbook.